فِي البَدءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ. كَانَتِ الأرْضُ قَاحِلَةً وَفَارِغَةً. وَكَانَ الظَّلَامُ يَلُفُّ المُحِيطَ، وَرُوحُ اللهِ تُحَوِّمُ فَوْقَ المِيَاهِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، قَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ.» فَصَارَ نُورٌ. وَنَظَرَ اللهُ إلَى النُّورِ بِرِضىً. وَفَصَلَ اللهُ النُّورَ عَنِ الظَّلَامِ. وَسَمَّى النُّورَ «نَهَارًا» وَسَمَّى الظَّلَامَ «لَيلًا.» وَكَانَ مَسَاءٌ، ثُمَّ كَانَ صَبَاحٌ. فَكَانَ هَذَا اليَوْمَ الأوَّلَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ: «لِتَكُنْ قُبَّةٌ بَيْنَ المِيَاهِ لِتَقْسِمَ المِيَاهَ إلَى قِسْمَينِ.» فَخَلَقَ اللهُ قُبَّةَ السَّمَاءِ. وَفَصَلَ المِيَاهَ الَّتِي تَحْتَ القُبَّةِ عَنِ المِيَاهِ الَّتِي فَوقَهَا. وَهَكَذَا كَانَ. وَسَمَّى اللهُ القُبَّةَ «سَمَاءً.» وَكَانَ مَسَاءٌ، ثُمَّ كَانَ صَبَاحٌ. فَكَانَ هَذَا اليَوْمَ الثَّانِي. ثُمَّ قَالَ اللهُ: «لِتُجْمَعِ المِيَاهُ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ مَعًا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، لِكَي تَظْهَرَ اليَابِسَةُ.» وَهَكَذَا كَانَ. وَسَمَّى اللهُ اليَابِسَةَ «أرْضًا،» وَسَمَّى مَكَانَ تَجَمُّعِ المِيَاهِ «بِحَارًا.» وَنَظَرَ اللهُ إلَى ذَلِكَ بِرِضَىً. ثُمَّ قَالَ اللهُ: «لِتَخْضَرَّ الأرْضُ بِالعُشْبِ وَالنَّبَاتَاتِ ذَاتِ البُذُورِ. وَلْتَكُنْ أشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ تَحْمِلُ ثِمَارًا ذَاتَ بُذُورٍ مِنْ نَوْعِهَا عَلَى الأرْضِ.» وَهَكَذَا كَانَ. فَأخْرَجَتِ الأرْضُ عُشْبًا وَنَبَاتَاتٍ تَحْمِلُ ثِمَارًا ذَاتَ بُذُورٍ مِنْ نَوْعِهَا. وَأخْرَجَتْ أشْجَارًا تَحْمِلُ ثِمَارًا ذَاتَ بُذُورٍ مِنْ نَوْعِهَا. وَنَظَرَ اللهُ إلَى ذَلِكَ بِرِضَىً. وَكَانَ مَسَاءٌ، ثُمَّ كَانَ صَبَاحٌ. فَكَانَ هَذَا اليَوْمَ الثَّالِثَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ: «لِتَكُنْ أنْوَارٌ فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ، لِكَي تُمَيِّزَ النَّهَارَ مِنَ اللَّيلِ وَتَكُونَ عَلَامَاتٍ لِتَحْدِيدِ المَوَاسِمِ وَالأيَّامِ وَالسِّنِينِ. وَتَكُونَ أنْوَارًا فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ لِتُضِيءَ عَلَى الأرْضِ.» وَهَكَذَا كَانَ. فَخَلَقَ اللهُ النُّورَينِ العَظِيمَيْنِ. خَلَقَ النُّورَ الأكْبَرَ لِيَضْبُطَ النَّهَارَ، وَخَلَقَ النُّورَ الأصْغَرَ لِيَضْبُطَ اللَّيلَ. وَخَلَقَ اللهُ النُّجُومَ أيْضًا. وَوَضَعَ اللهُ هَذِهِ الأنْوَارَ فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ لِتُضِيءَ عَلَى الأرْضِ. كَمَا قَصَدَ لَهَا اللهُ أنْ تَضْبُطَ النَّهَارَ وَاللَّيلَ، وَأنْ تُمَيِّزَ النُّورَ مِنَ الظَّلَامِ. وَنَظَرَ اللهُ إلَى ذَلِكَ بِرِضَىً. وَكَانَ مَسَاءٌ، ثُمَّ كَانَ صَبَاحٌ. فَكَانَ هَذَا اليَوْمَ الرَّابِعَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ: «لِتَمْتَلِئِ المِيَاهُ بِمَخْلُوقَاتٍ حَيَّةٍ كَثِيرَةٍ. وَلْتَكُنْ هُنَاكَ طُيُورٌ تَطِيرُ فَوْقَ الأرْضِ عَبْرَ السَّمَاءِ.» فَخَلَقَ اللهُ وُحُوشَ البَحْرِ الضَّخْمَةَ. كَمَا خَلَقَ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ الحَيَّةِ الَّتِي تَفِيضُ بِهَا المِيَاهُ. خَلَقَهَا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. كَمَا خَلَقَ كُلَّ طَائِرٍ مُجَنَّحٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. وَنَظَرَ اللهُ إلَى ذَلِكَ بِرِضىً. وَبَارَكَهَا اللهُ فَقَالَ: «أثْمِرِي وَتَكَاثَرِي وَامْلَأيْ مِيَاهَ البَحْرِ بِالمَخْلُوقَاتِ. وَلْتَتَكَاثَرِ الطُّيُورُ عَلَى الأرْضِ.» فَكَانَ مَسَاءٌ، ثُمَّ كَانَ صَبَاحٌ. فَكَانَ هَذَا اليَوْمَ الخَامِسَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ: «لِتُخْرِجِ الأرْضُ مَخْلُوقَاتٍ حَيَّةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ: مَوَاشِي وَزَوَاحِفَ وَحَيَوَانَاتٍ بَرِّيَّةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ.» وَهَكَذَا كَانَ. فَخَلَقَ اللهُ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، وَالمَوَاشِي مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، وَكُلَّ حَيَوَانٍ زَاحِفٍ عَلَى الأرْضِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. وَنَظَرَ اللهُ إلَى ذَلِكَ بِرِضىً. ثُمَّ قَالَ اللهُ: «لِنَخلِقِ النَّاسَ عَلَى صُورَتِنَا وَكَمِثَالِنَا. وَلْيَسُودُوا عَلَى سَمَكِ البَحْرِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ وَالمَوَاشِي وَالحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ عَلَى الأرْضِ وَعَلَى كُلِّ زَاحِفٍ يَزْحَفُ عَلَى الأرْضِ.» فَخَلَقَ اللهُ النَّاسَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَتِهِ خَلَقَهُمْ ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَبَارَكَهُمُ اللهُ فَقَالَ: «أثْمِرُوا وَتَكَاثَرُوا. امْلأُوا الأرْضَ وَأخْضِعُوهَا. سُودُوا عَلَى سَمَكِ البَحْرِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ وَكُلِّ مَا يَتَحَرَّكُ عَلَى الأرْضِ.» وَقَالَ اللهُ: «هَا قَدْ أعْطَيتُكُمْ كُلَّ نَبَاتٍ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ يَحْمِلُ بُذُورًا. وَأعْطَيتُكُمْ كُلَّ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ ذَاتَ بُذُورٍ لِتَكُونَ لَكُمْ طَعَامًا. أمَّا جَمِيعُ حَيَوَانَاتِ الأرْضِ، وَجَمِيعُ طُيُورِ السَّمَاءِ، وَجَمِيعُ الحَيَوَانَاتِ الصَّغِيرَةِ الزَّاحِفَةِ الَّتِي فِيهَا حَيَاةٌ، فَيَكُونُ النَّبَاتُ الأخْضَرُ طَعَامَهَا.» وَهَكَذَا كَانَ. وَنَظَرَ اللهُ إلَى ذَلِكَ بِرِضىً كَبِيرٍ. وَكَانَ مَسَاءٌ ثُمَّ كَانَ صَبَاحٌ. فَكَانَ هَذَا اليَوْمَ السَّادِسَ. وَهَكَذَا أُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهِا. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، فَرَغَ اللهُ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي أنجَزَهُ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ اسْتَرَاحَ مِنْ كُلِّ عَمَلِهِ الَّذِي أنجَزَهُ. وبَارَكَ اللهُ اليَوْمَ السَّابِعَ. وَأعلَنَ أنَّهُ مُخَصَّصٌ لَهُ، لِأنَّهُ اسْتَرَاحَ فِيهِ مِنْ خَلْقِ العَالَمِ وَمَا فيهِ. هَذِهِ هِيَ قِصَّةُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عِنْدَمَا خُلِقَتَا، يَوْمَ صَنَعَ الأرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ: لَمْ يَكُنْ أيُّ عُشْبٍ مِنْ أعْشَابِ الحُقُولِ قَدْ نَمَا بَعْدُ عَلَى الأرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ نَبَاتُ الحَقْلِ قَدْ بَرْعَمَ، لِأنَّ لَمْ يَكُنْ قَدْ أرْسَلَ مَطَرًا عَلَى الأرْضِ بَعْدُ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إنْسَانٌ يَفْلَحُ التُّرْبَةَ. لَكِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الأرْضِ جَدْوَلٌ يَسْقِي كُلَّ سَطْحِ التُّرْبَةِ. ثُمَّ شَكَّلَ الرَّجُلَ مِنْ تُرَابِ الأرْضِ، وَنَفَخَ فِي أنفِهِ نَفَسَ الحَيَاةِ، فَصَارَ الرَّجُلُ نَفْسًا حَيَّةً. ثُمَّ زَرَعَ حَدِيقَةً فِي عَدْنٍ، فِي المَشْرِقِ. وَهُنَاكَ وَضَعَ الرَّجُلَ الَّذِي شَكَّلَهُ. وَأنْبَتَ مِنَ الأرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ جَمِيلَةٍ وَصَالِحَةٍ لِلأكْلِ. وَكَانَت فِي وَسَطِ الحَدِيقَةِ شَجَرَةُ الحَيَاةِ، وَأيْضًا الشَّجَرَةُ الَّتِي تُعْطِي التَّمْيِيزَ بَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَكَانَ نَهْرٌ يَجْرِي عَبْرَ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الحَدِيقَةَ. وَكَانَ النَّهْرُ يَنْقَسِمُ إلَى أرْبَعَةِ فُرُوعٍ. اسْمُ الأوَّلِ فِيشُونُ. وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي حَوْلَ أرْضِ الحَوِيلَةِ كُلِّهَا، حَيْثُ الذَّهَبُ. وَالذَّهَبُ هُنَاكَ مِنْ نَوْعِيَّةٍ جَيِّدَةٍ. وَهُنَاكَ أفْخَرُ العُطُورِ وَأحْجَارُ العَقِيقِ. وَاسْمُ الثَّانِي جِيْحُونُ. وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي حَوْلَ أرْضِ كُوشٍ كُلِّهَا. وَاسْمُ الثَّالِثِ دِجْلَةُ. وَهُوَ يَجْرِي شَرقِيَّ أشُّورَ. وَالرَّابِعُ الفُرَاتُ. وَأخَذَ الرَّجُلَ وَوَضَعَهُ فِي حَدِيقَةِ عَدْنٍ لِيَفْلَحَهَا وَيَعْتَنِيَ بِهَا. وَأوْصَى الرَّجُلَ فَقَالَ: «لَكَ أنْ تَأْكُلَ مَا تَشَاءُ مِنْ كُلِّ أشْجَارِ الحَدِيقَةِ. أمَّا الشَّجَرَةُ الَّتِي تُعْطِي التَّمْيِيزَ بَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا. لِأنَّكَ حِينَ تَأْكُلُ مِنْهَا، مَوْتًا تَمُوتُ.» ثُمَّ قَالَ : «لَيسَ حَسَنًا أنْ يَكُونَ الرَّجُلُ وَحِيدًا. لِهَذَا سَأصْنَعُ لَهُ مُعِينًا مِثْلَهُ.» فَشَكَّلَ مِنَ التُّرَابِ كُلَّ حَيَوَانٍ فِي الحُقُولِ وَكُلَّ طَيرٍ فِي الهَوَاءِ. ثُمَّ أحضَرَهَا كُلَّهَا إلَى الرَّجُلِ لِيَرَى مَاذَا سَيُسَمِّي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا. وَمَهْمَا كَانَ الِاسْمُ الَّذِي أطلَقَهُ عَلَى كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ، فَذَاكَ صَارَ اسْمَهُ. فَسَمَّى الرَّجُلُ كُلَّ المَوَاشِي، وَطُيُورَ السَّمَاءِ، وَكُلَّ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ. لَكِنْ لَمْ يَجِدْ بَيْنَهَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ مُعِينًا لَهُ. فَأغْرَقَ الرَّجُلَ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ. وَبَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ، أخَذَ اللهُ ضِلْعًا مِنْ أضلَاعِهِ، وَأغلَقَ الجِلْدَ مَكَانَهَا. ثُمَّ صَنَعَ مِنَ الضِّلْعِ الَّتِي أخَذَهَا مِنَ الرَّجُلِ امْرَأَةً. وَقَدَّمَهَا لَهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: «أخِيرًا! هَذِهِ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي! سَأُسَمِّي هَذِهِ ‹امْرَأَةً› لِأنَّهَا أُخِذَتْ مِنِ امْرِئٍ.» لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أبَاهُ وَأُمَّهُ، وَيَلْتَصِقُ بِزَوْجَتِهِ، فَيَصِيرَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. وَكَانَ الرَّجُلُ وَزَوْجَتُهُ كِلَاهُمَا عُرْيَانَينِ. وَلَكِنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا يَخْجَلَانِ. وَكَانَتِ الحَيَّةُ أمْكَرَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ الَّتِي خَلَقَهَا . فَقَالَتْ لِلمَرْأةِ: «أحَقًّا قَالَ اللهُ لَكُمَا: ‹لَا تَأْكُلَا مِنْ أشْجَارِ الحَدِيقَةِ كُلِّهَا؟›» فَقَالَتِ المَرْأةُ لِلحَيَّةِ: «بَلْ نَأكُلُ مِنْ ثَمَرِ جَمِيعِ الأشْجَارِ فِي الحَديقَةِ، أمَّا الشَّجَرَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ الحَدِيقَةِ، فَقَدْ قَالَ اللهُ: ‹لَا تأكُلَا مِنْهَا وَلَا تَلْمِسَاهَا وَإلَّا فَسَتَمُوتَانِ!›» فَقَالَتِ الحَيَّةُ لِلمَرْأةِ: «لَنْ تَمُوتَا! لَكِنَّ اللهَ يَعْرِفُ أنَّكُمَا حِينَ تَأْكُلَانِ مِنْهَا، تَنْفَتِحُ أعْيُنُكُمَا، وَتُصبِحَانِ مِثْلَ اللهِ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ.» وَرَأتِ المَرْأةُ أنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلأكلِ وَجَذَّابَةٌ لِلعَيْنِ، وَمَرغُوبٌ فِيهَا بِسَبَبِ مَا تُعْطِيهِ مِنَ الحِكْمَةِ لِلآكِلِ مِنْهَا. فَأخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا، وَأكَلَتْ. ثُمَّ أعطَتْ لِزَوْجِهَا الَّذِي كَانَ مَعَهَا، فَأكَلَ هُوَ أيْضًا. فَانفَتَحَتْ أعيُنُهُمَا، وَأدرَكَا أنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أوْرَاقَ تِينٍ، وَصَنَعَا لَهُمَا ثَوبَينِ يُخفِيَانِ عَوْرَتَيهِمَا. ثُمَّ سَمِعَا صَوْتَ مَاشِيًا فِي الحَدِيقَةِ مَعَ هُبُوبِ الرِّيحِ. فَاختَبَأ الرَّجُلُ وَزَوْجَتُهُ بَيْنَ أشْجَارِ الحَدِيقَةِ مِنْ حَضْرَةِ . فَنَادَى الرَّجُلَ وَقَالَ لَهُ: «أيْنَ أنْتَ؟» فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الحَدِيقَةِ، فَخِفْتُ لِأنِّي عُرْيَانٌ، فَاختَبَأتُ.» فَقَالَ اللهُ: «مَنْ قَالَ لَكَ إنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيتُكَ عَنِ الأكلِ مِنْهَا؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: «المَرْأةُ الَّتِي أعطَيْتَنِي إيَّاهَا لِتَكُونَ مَعِي أعْطَتْنِي مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ، فَأكَلْتُ.» حِينَئِذٍ قَالَ لِلمَرْأةِ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتِهِ؟» فَقَالَتِ المَرْأةُ: «الحَيَّةُ احْتَالَتْ عَلَيَّ، فَأكَلْتُ.» فَقَالَ لِلحَيَّةِ: «لِأنَّكِ فَعَلْتِ ذَلِكَ، تَكُونِينَ مَلعُونَةً أكْثَرَ مِنْ كُلِّ البَهَائِمِ وَمِنْ كُلِّ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ. وَكُلَّ أيَّامِ حَيَاتِكِ، سَتَزْحَفِينَ عَلَى بَطْنِكِ، وَسَتَتَعَفَّرِينَ بِالتُّرَابِ. وَسَأجْعَلُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ المَرْأةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. سَيَسْحَقُ نَسْلُهَا رَأسَكِ، وَأنْتِ سَتَلْدَغِينَ عَقِبَهُ.» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِلمَرْأةِ: «سَأُكَثِّرُ آلَامَ حَبَلِكِ، وَبِالوَجَعِ تَلِدِينَ أبْنَاءَكِ. أنْتِ تَشْتَاقينَ إلَى زَوْجِكِ، وَهُوَ يَسُودُ عَلَيكِ.» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِآدَمَ: «قَدِ اسْتَمَعْتَ لِمَشُورَةِ امْرَأتِكَ، فَأكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيتُكَ عَنِ الأكلِ مِنْهَا. لِهَذَا سَألعَنُ الأرْضَ، فَلَا تَعُودُ تَأْكُلُ مِنْهَا إلَّا بِالكَدِّ وَالتَّعَبِ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِكَ. سَتُنْبِتُ لَكَ شَوْكًا وَحَسَكًا، وَسَتأْكُلُ مِنْ نَبَاتَاتِ الحُقُولِ. تَأْكُلُ خُبْزَكَ بِعَرَقِ جَبِينِكَ، إلَى أنْ تَعُودَ إلَى الأرْضِ الَّتِي مِنْهَا أُخِذْتَ. مِنَ التُّرَابِ خُلِقْتَ، وَإلَى التُّرَابِ سَتَعُودُ.» وَدَعَا آدَمُ زَوْجَتَهُ «حَوَّاءَ» لِأنَّهَا سَتُصْبِحُ أُمَّ كُلِّ إنْسَانٍ حَيٍّ. وَصَنَعَ مَلَابِسَ مِنَ الجِلْدِ لِآدَمَ وَلِزَوْجَتِهِ، وَألْبَسَهُمَا. ثُمَّ قَالَ : «هَا قَدْ صَارَ الإنْسَانُ كَوَاحِدٍ مِنَّا فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَالْآنَ يُمْكِنُهُ أنْ يَمُدَّ يَدَهُ وَيَأْخُذَ مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةِ الحَيَاةِ، وَيأكُلَ مِنْهَا، فَيَعْيِشَ إلَى الأبَدِ.» فَطَرَدَهُ مِنْ حَدِيقَةِ عَدْنٍ لِيَفْلَحَ الأرْضَ الَّتِي مِنْهَا خُلِقَ. وَبَعْدَ أنْ طَرَدَ الإنْسَانَ، وَضَعَ مَلَائِكَةَ الكَرُوبِيمِ، وَسيفًا مُلْتَهِبًا مُتَقَلِّبًا لِحِرَاسَةِ الطَّرِيقِ إلَى شَجَرَةِ الحَيَاةِ. وَعَاشَرَ آدَمُ امْرَأتَهُ حَوَّاءَ. فَحَمَلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ إذْ قَالَتْ: «اقْتَنَيتُ رَجُلًا بِمَعُونَةِ اللهِ .» وَكَذَلِكَ أنْجَبَتْ أخَاهُ هَابِيلَ. وَعَمِلَ هَابِيلُ رَاعِيًا، وَأمَّا قَايِينُ فَعَمِلَ فَلَّاحًا. وَحِينَ جَاءَ وَقْتُ الحَصَادِ، أحْضَرَ قَايِينُ بَعْضَ ثِمَارِ الأرْضِ، وَقَدَّمَهَا قُرْبَانًا للهِ . كَمَا قَدَّمَ هَابِيلُ قُرْبَانًا مِنْ أبْكَارِ غَنَمِهِ وَأسْمَنِهَا. فَنَظَرَ اللهُ بِرِضَىً إلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ بِرِضَىً إلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ. فَاغتَاظَ قَايِينُ وَأُحبِطَ. فَقَالَ اللهُ لِقَايِينَ: «مَا الَّذِي أغضَبَكَ، وَمَا الَّذِي أحبَطَكَ؟ إنْ كُنْتَ فَعَلْتَ الصَّوَابَ، أفَلَا أقْبَلُكَ؟ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَإنَّ الخَطِيَّةَ مُتَرَبِّصَةٌ بِكَ عَلَى البَابِ. هِيَ تُرِيدُ أنْ تَسُودَ عَلَيكَ، لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ تَسُودَ عَلَيهَا.» وَقَالَ قَايِينُ لِهَابِيلَ أخِيهِ: «هَيَّا بِنَا إلَى الحَقْلِ.» وَبَيْنَمَا هُمَا فِي الحَقْلِ، هَجَمَ قَايِينُ عَلَى أخِيهِ هَابِيلَ وَقَتَلَهُ. فَقَالَ اللهُ لِقَايِينَ: «أيْنَ أخُوكَ؟» أجَابَ قَايِينُ: «وَمَا أدْرَانِي؟ أأنَا حَارِسٌ لِأخِي؟» فَقَالَ: «مَا الَّذِي فَعَلْتَهُ؟ دَمُ أخِيكَ يَصْرخُ إلَيَّ مِنَ الأرْضِ. فَالآنَ أنْتَ مَلْعُونٌ وَمَنْفِيٌّ مِنَ الأرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَمَهَا لِتَشْرَبَ دَمَ أخِيكَ مِنْ يَدَيكَ. فَحِينَ تَفْلَحُ الأرْضَ، لَنْ تُعطِيَكَ أفْضَلَ مَحَاصِيلِهَا. وَسَتَكُونُ فِي الأرْضِ طَرِيدًا وَهَائِمًا.» فَقَالَ قَايِينُ للهِ : «عِقَابِي أعْظَمُ مِنْ أنْ أحتَمِلَهُ. هَا أنْتَ قَدْ طَرَدتَنِي اليَوْمَ مِنَ الأرْضِ، وَحَجَبْتَ عَنِّي وَجْهَكَ. سَأكُونُ طَرِيدًا وَهَائِمًا فِي الأرْضِ. فَمَنْ يَجِدُنِي سَيَقْتُلُنِي.» فَقَالَ اللهُ لِقَايِينَ: «بَلْ سَأنتَقِمُ سَبْعَةَ أضْعَافٍ مِنْ أيِّ إنْسَانٍ يَقْتُلُ قَايِينَ.» ثُمَّ وَضَعَ اللهُ عَلَامَةً عَلَى قَايِينَ لِئَلَّا يَقْتُلَهُ مَنْ يَجِدُهُ. وَهَكَذَا خَرَجَ قَايِينُ مِنْ حَضْرَةِ اللهِ ، وَسَكَنَ فِي أرْضِ نُودٍ شَرْقِيَّ عَدْنٍ. فَعَاشَرَ قَايِينُ زَوْجَتَهُ فَحَمَلَتْ وَأنْجَبَتْ حَنُوكَ. وَبَنَى قَايِينُ مَدِينَةً، وَسَمَّاهَا عَلَى اسْمِ ابْنِهِ حَنُوكَ. وَأنْجَبَ حَنُوكُ ابْنًا سَمَّاهُ عِيرَادِ. وَأنْجَبَ عِيرَادُ ابْنًا سَمَّاهُ مَحُويَائِيلَ. وَأنْجَبَ مَحُويَائِيلُ ابْنًا سَمَّاهُ مَتُوشَائِيلَ. وَأنْجَبَ مَتُوشَائِيلُ ابْنًا سَمَّاهُ لَامَكَ. وَتَزَوَّجَ لَامِكُ امْرَأتَينِ. اسْمُ إحْدَاهُمَا عَادَةُ، وَالثَّانِيَةُ صِلَّةُ. وَأنْجَبَتْ عَادَةُ يَابَالَ وَكَانَ أبًا لِلَّذِينَ يَسْكُنُونَ الخِيَامَ وَيُرَبُّونَ المَاشِيَةَ. وَكَانَ لَهُ أخٌ اسْمُهُ يُوبَالُ. وَكَانَ أبًا لِلَّذِينَ يَعْزِفُونَ عَلَى القِيثَارِ وَالنَّايِ. وَوَلَدَتْ صِلَّةُ تُوبَالَ قَايِينَ. وَكَانَ أبًا لِلَّذِينَ يَطْرُقُونَ البُرُونْزَ وَالحَدِيدَ. وَكَانَتْ لِتُوبَالَ قَايِينَ أختٌ اسْمُهَا نِعْمَةُ. وَقَالَ لَامَكُ لِزَوْجَتَيهِ: «يَا زَوْجَتَيَّ، يَا عَادَةُ وَيَا صِلَّةُ، أصغِيَا إلَيَّ جَيِّدًا، وَانتَبِهَا لِمَا أقُولُ. إنِّي قَتَلْتُ رَجُلًا آذَانِي. قَتَلْتُ فَتَىً لِأنَّهُ ضَرَبَنِي. فَإذَا كَانَ يُنْتَقَمُ سَبْعَ مَرَّاتٍ لِقَايِينَ، فَإنَّهُ يُنْتَقَمُ لِلَامَكَ سَبْعًا وَسَبْعِينَ مَرَّةً.» وَعَاشَرَ آدَمُ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ ثَانِيَةً، فَأنْجَبَتِ ابْنًا أسْمَتْهُ شِيثًا إذْ قَالَتْ: «أعْطَانِي اللهُ ابْنًا آخَرَ عِوَضًا عَنْ هَابِيلَ، لِأنَّ قَايِينَ قَتَلَهُ.» وَأنْجَبَ شِيثٌ أيْضًا ابْنًا سَمَّاهُ أنُوشَ. وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، بَدَأ النَّاسُ يَدْعُونَ بِاسْمِ يهوه. وَهَذَا هُوَ سِجِلُّ نَسْلِ آدَمَ. عِنْدَمَا خَلَقَ اللهُ آدَمَ، شَكَّلَهُ كَمِثَالِ اللهِ. وَخَلَقَ اللهُ النَّاسَ ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَسَمَّاهُمْ أُنَاسًا يَوْمَ خَلَقَهُمْ. وَبَعْدَ أنْ صَارَ لِآدَمَ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً مِنَ العُمْرِ، أنْجَبَ ابْنًا آخَرَ كَمِثَالِهِ وَصُورَتِهِ، سَمَّاهُ شِيثًا. وَعَاشَ آدَمُ ثَمَانِي مِئَةِ سَنَةٍ بَعْدَ وِلَادَةِ شِيثٍ. وَفِي هَذِهِ الفَتْرَةِ أنْجَبَ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ السَّنَوَاتِ الَّتِي عَاشَهَا آدَمُ تِسْعَ مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَبَعْدَهَا مَاتَ. وَعَاشَ شِيثٌ مِئَةً وَخَمْسَ سِنِينٍ، وَأنْجَبَ أنُوشَ. وَعَاشَ شِيثٌ ثَمَانِي مِئَةٍ وَسَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ وِلَادَةِ أنُوشَ. وَفِي هَذِهِ الفَتْرَةِ أنْجَبَ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ السَّنَوَاتِ الَّتِي عَاشَهَا شِيثٌ تِسْعَ مِئَةٍ وَاثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ. وَعَاشَ أنُوشُ تِسْعِينَ سَنَةً، وَأنْجَبَ ابْنًا سَمَّاهُ قِينَانَ. وَبَعْدَ وِلَادَةِ قِينَانَ عَاشَ أنُوشُ ثَمَانِي مِئَةٍ وَخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَفِي هَذِهِ الفَتْرَةِ أنْجَبَ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ السَّنَوَاتِ الَّتِي عَاشَهَا أنُوشُ تِسْعَ مِئَةٍ وَخَمْسَ سَنَوَاتٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ. وَعَاشَ قِينَانُ سَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ أنْجَبَ مَهلَلْئِيلَ. وَبَعْدَ وِلَادَةِ مَهلَلْئِيلَ عَاشَ قِينَانُ ثَمَانِي مِئَةٍ وَأرْبَعِينَ سَنَةً. وَفِي هَذِهِ الفَتْرَةِ أنْجَبَ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ السَّنَوَاتِ الَّتِي عَاشَهَا قِينَانُ تِسْعَ مِئَةٍ وَعَشْرَ سِنِينَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ. وَعَاشَ مَهلَلْئِيلُ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ أنْجَبَ ابْنًا أسْمَاهُ يَارَدَ. وَبَعْدَ وِلَادَةِ يَارَدَ عَاشَ مَهلَلْئِيلُ ثَمَانِي مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَفِي هَذِهِ الفَتْرَةِ أنْجَبَ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ السَّنَوَاتِ الَّتِي عَاشَهَا مَهلَلْئِيلُ ثَمَانِي مِئَةٍ وَخَمْسًا وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَبَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ. وَعَاشَ يَارَدُ مِئَةً وَاثْنَتَينِ وِسِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ أنْجَبَ ابْنًا أسْمَاهُ أخنُوخَ. وَبَعْدَ وِلَادَةِ أخنُوخَ عَاشَ يَارَدُ ثَمَانِي مِئَةِ سَنَةٍ. وَفِي هَذِهِ الفَتْرَةِ أنْجَبَ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ السَّنَوَاتِ الَّتِي عَاشَهَا يَارَدُ تِسْعَ مِئَةٍ وَاثْنَتَينِ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَبَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ. وَعَاشَ أخنُوخُ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ أنْجَبَ ابْنًا أسْمَاهُ مَتُوشَالَحَ. وَبَعْدَ وِلَادَةِ مَتُوشَالَحَ سَارَ أخنُوخُ فِي طَرِيقِ اللهِ ثَلَاثَ مِئَةِ سَنَةٍ. وَفِي هَذِهِ الأثْنَاءِ أنْجَبَ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ السَّنَوَاتِ الَّتِي عَاشَهَا أخنُوخُ ثَلَاثَ مِئَةٍ وَخَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً. وَسَارَ أخنُوخُ مَعَ اللهِ، ثُمَّ اخْتَفَى، لِأنَّ اللهَ رَفَعَهُ إلَيْهِ. وَعَاشَ مَتُوشَالَحُ مِئَةً وَسَبْعًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، ثُمَّ أنْجَبَ ابْنًا أسْمَاهُ لَامَكَ. وَبَعْدَ وِلَادَةِ لَامَكَ، عَاشَ مَتُوشَالَحُ سَبْعَ مِئَةٍ وَاثْنَتَينِ وَثَمَانِينَ سَنَةً. وَفِي هَذِهِ الفَتْرَةِ أنْجَبَ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ السَّنَوَاتِ الَّتِي عَاشَهَا مَتُوشَالَحُ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعًا وَسِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ. وَعَاشَ لَامَكُ مِئَةً وَاثْنَتَينِ وَثَمَانِينَ سَنَةً، ثُمَّ أنْجَبَ ابْنًا. وَسَمَّى لَامَكُ ابْنَهُ نُوحًا وَقَالَ: «لَيتَ ابْنِي هَذَا يُرِيحُنَا مِنْ كُلِّ عَمَلِنَا وَمِنْ كُلِّ تَعَبٍ أيْضًا بِسَبَبِ اللَّعْنَةِ الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ عَلَى الأرْضِ.» وَبَعْدَ وِلَادَةِ نُوحٍ عَاشَ لَامَكُ خَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْسًا وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَفِي هَذِهِ الفَتْرَةِ أنْجَبَ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ السَّنَوَاتِ الَّتِي عَاشَهَا لَامَكُ سَبْعَ مِئَةٍ وَسَبْعًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ. وَعَاشَ نُوحٌ خَمْسَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَأنْجَبَ سَامًا وَحَامًا وَيَافَثَ. وَبَدَأ النَّاسُ يَتَكَاثَرُونَ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ. وَوُلِدَتْ لَهُمْ بَنَاتٌ. فَلَمَّا رَأى بَنُو اللهِ أنَّ بَنَاتِ النَّاسِ جَمِيلَاتٌ، عَاشَرُوا مِنْهُنَّ مَنْ يُرِيدُونَ. فَقَالَ اللهُ : «لَنْ يَدُومَ رُوحِي فِي النَّاسِ إلَى الأبَدِ، لِأنَّهُمْ لَحْمٌ وَدَمٌ. وَلَنْ يَعِيشُوا أكْثَرَ مِنْ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ وَبَعْدَهُ – أيْ بَعْدَ أنْ عَاشَرَ بَنُو اللهِ بَنَاتِ النَّاسِ وَأنْجَبْنَ لَهُمْ أوْلَادًا – عَاشَتْ جَمَاعَةُ الجَبَابِرَةِ عَلَى الأرْضِ. وَكَانُوا مُحَارِبِينَ مَشْهُورِينَ. وَرَأى اللهُ أنَّ النَّاسَ فِي الأرْضِ أشْرَارٌ جِدًّا. وَأنَّ أفكَارَهُمْ وَخُطَطَهُمْ شِرِّيرَةٌ عَلَى الدَّوَامِ. فَأسِفَ اللهُ عَلَى خَلْقِ الإنْسَانِ عَلَى الأرْضِ. وَحَزِنَ فِي قَلْبِهِ كَثِيرًا. فَقَالَ اللهُ : «سَأمْحُو النَّاسَ الَّذِينَ خَلَقْتُهُمْ مِنْ تُرَابِ الأرْضِ: النَّاسَ وَالمَوَاشِيَ وَالزَّوَاحِفَ وَطُيُورَ السَّمَاءِ. فَقَدْ أسِفْتُ عَلَى خَلقِهَا.» لَكِنَّ نُوحًا حَظِيَ بِرِضَى اللهِ . هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ عَائِلَةِ نُوحٍ. كَانَ نُوحٌ رَجُلًا بَارًّا. وَكَانَ وَحْدَهُ بِلَا عَيْبٍ بَيْنَ مُعَاصِرِيهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ. وَأنْجَبَ نُوحٌ ثَلَاثَةَ أبْنَاءٍ هُمْ سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ. وَرَأى اللهُ الأرْضَ فَاسِدَةً، إذِ امْتَلأتْ بِالعُنْفِ. وَنَظَرَ اللهُ إلَى الأرْضِ، فَكَانَتْ فَاسِدَةً حَقًّا، لِأنَّ جَمِيعَ النَّاسِ أفْسَدُوا طُرُقَهُمْ عَلَى الأرْضِ. فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «هَا قَدِ اقْتَرَبَتْ نِهَايَةُ كُلِّ الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ، لِأنَّ النَّاسَ قَدْ مَلأُوا الأرْضَ عُنْفًا. فَهَا أنَا سَأُدَمِّرُهُمْ سَرِيعًا مَعَ أرْضِهِمْ. فَاصْنَعْ سَفِينَةً مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ، وَابْنِ فِيهَا غُرَفًا. وَاطلِ السَّفِينَةَ مِنَ الخَارِجِ بِالقَارِ. «اصْنَعِ السَّفِينَةَ حَسَبَ القِيَاسَاتِ التَّالِيَةِ: الطُّولُ ثَلَاثُ مِئِةِ ذِرَاعٍ، وَالعَرْضُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَالِارتِفَاعُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا. وَاجْعَلْ فِي أحَدِ جَوَانِبِ السَّفِينَةِ نَافِذَةً تَحْتَ السَّقْفِ بِذِرَاعٍ وَاحِدَةٍ. وَاجعَلْ بَابًا فِي جَانِبِ السَّفِينَةِ. وَابْنِ السَّفِينَةَ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ: سُفلِيَّةً وَوُسْطَى وَعُليَا. فَهَا أنَا أُوشِكُ أنْ أجْلِبَ طُوفَانًا هَائِلًا عَلَى الأرْضِ، لِأُبِيدَ كُلَّ كَائِنٍ يَتَنَفَّسُ تَحْتَ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا عَلَى الأرْضِ سَيَفْنَى! «أمَّا أنْتَ فَسَأقطَعُ مَعَكَ عَهْدًا، فَتَدْخُلَ السَّفِينَةَ أنْتَ وَأبْنَاؤكَ وَزَوْجَتُكَ وَنِسَاءُ أبْنَائِكَ. أدْخِلْ إلَى السَّفِينَةِ أيْضًا زَوْجَيْنِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى، مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ، لِكَي تَنْجُوَ مَعَكَ. وَسَيَنْضَمُّ إلَيكَ زَوْجَانِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الطُّيُورِ، وَكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الحَيَوَانَاتِ، وَكُلِّ نَوعٍ مِنَ الحَيَوَانَاتِ الزَّاحِفَةِ عَلَى الأرْضِ، لِكَي تُحَافِظَ عَلَى حَيَاتِهَا. وَخُذْ بَعْضًا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي يُمْكِنُ أنْ يُؤكَلَ، وَاخْزِنْهُ. وَلْيَكُنْ هَذَا طَعَامًا لَكَ وَلِعَائِلَتِكَ وَلِلحَيَوَانَاتِ.» فَفَعَلَ نُوحٌ كُلَّ مَا أمَرَهُ بِهِ اللهُ تَمَامًا. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «ادخُلْ وَكُلُّ عَائِلَتِكَ السَّفِينَةَ، لِأنِّي وَجَدْتُ أنَّكَ وَحْدَكَ صَالِحٌ أمَامِي مِنْ بَيْنِ كُلِّ الأحيَاءِ فِي هَذَا الجِيلِ. فَخُذْ مَعَكَ سَبْعَةَ ذُكُورٍ وَسَبعَ إنَاثٍ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ. وَخُذْ أيْضًا ذَكَرًا وَاحِدًا وَأُنْثَى وَاحِدَةً مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ غَيرِ طَاهِرٍ. وَخُذْ سَبْعَةَ ذُكُورٍ وَسَبعَ إنَاثٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ، لِكَي تُحَافِظَ عَلَى بَقَاءِ أنوَاعِهَا عَبْرَ الأرْضِ. فَبَعْدَ سَبْعَةِ أيَّامٍ، سَأُرْسِلُ مَطَرًا مُدَّةَ أرْبَعِينَ يَوْمًا وَأرْبَعِينَ لَيلَةً. وَسَأمحُو كُلَّ كَائِنٍ حَيٍّ خَلَقْتُهُ عَنْ وَجْهِ الأرْضِ.» فَفَعَلَ نُوحٌ كُلَّ مَا أمَرَهُ بِهِ اللهُ . وَكَانَ لِنُوحٍ سِتُّ مِئَةِ سَنَةٍ حِينَ غَمَرَتْ مِيَاهُ الطُّوفَانِ الأرْضَ. ثُمَّ دَخَلَ نُوحٌ السَّفِينَةَ مَعَ بَنِيهِ وَزَوْجَتِهِ وَكَنَّاتِهِ لِلنَّجَاةِ مِنْ مِيَاهِ الطُّوفَانِ. وَدَخَلَتْ حَيَوَانَاتٌ طَاهِرَةٌ وَغَيرُ طَاهِرَةٍ وَطُيُورٌ وَزَوَاحِفُ وَغيرُهَا مِنْ حَيَوَانَاتِ الأرْضِ، إلَى نُوحٍ فِي السَّفينَةِ زَوْجَينِ زَوْجَينِ: ذَكَرًا وَأُنْثَى، حَسَبَ مَا أمَرَ اللهُ نُوحًا. وَبَعْدَ سَبْعَةِ أيَّامٍ، بَدأ الطُّوفَانُ عَلَى الأرْضِ. فَفِي السَّنَةِ السِّتِّ مِئَةٍ مِنْ عُمْرِ نُوحٍ، فِي اليَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي، انفَجَرَتْ كُلُّ يَنَابِيعِ المُحِيطِ العَظِيمِ الَّتِي تَحْتَ الأرْضِ، وَانْفَتَحَتْ نَوَافِذُ السَّمَاءِ! هَطَلَ مَطَرٌ غَزِيرٌ جِدًّا عَلَى الأرْضِ مُدَّةَ أرْبَعِينَ يَوْمًا وَأرْبَعِينَ لَيلَةً. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ نُوحٌ السَّفِينَةَ مَعَ أبْنَائِهِ سَامٍ وَحَامٍ وَيَافَثَ، وَزَوْجَتِهِ، وَزَوْجَاتِ أبْنَائِهِ الثَّلَاثِ. دَخَلَ هَؤُلَاءِ مَعَ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ، وَكُلِّ نَوْعٍ مِنَ المَوَاشِي، وَكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الحَيَوَانَاتِ الزَّاحِفَةِ عَلَى التُّرَابِ، وَكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الطُّيُورِ. جَاءَتْ إلَى نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ أزْوَاجًا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الحَيَوَانَاتِ الحَيَّةِ. وَكَانَتْ هَذِهِ الحَيَوَانَاتُ الدَّاخِلَةُ، ذَكَرًا وَأُنثَى، مِنْ كُلِّ نَوْعٍ كَمَا أمَرَهُ اللهُ . ثُمَّ أغلَقَ اللهُ البَابَ خَلْفَ نُوحٍ. وَبَقِيَ الطُّوفَانُ عَلَى الأرْضِ أرْبَعِينَ يَوْمًا. وَارتَفَعَتِ المِيَاهُ كَثِيرًا جِدًّا فَوْقَ الأرْضِ، فَحَمَلَتِ السَّفينَةَ فَارتَفَعَتْ فَوْقَ الأرْضِ. وَاسْتَمَرَّ المَاءُ يَرْتَفِعُ وَيَتَكَاثَرُ جِدًّا فَوْقَ الأرْضِ. وَطَافَتِ السَّفِينَةُ عَلَى وَجْهِ المِيَاهِ. وَارتَفَعَتِ المِيَاهُ أكْثَرَ فَأكثَرَ فَوْقَ الأرْضِ حَتَّى غَطَّتْ كُلَّ الجِبَالِ العَالِيَةِ تَحْتَ السَّمَاءِ. تَعَالَتِ المِيَاهُ حَتَّى غَطَّتْ قِمَمَ الجِبَالِ بِأكْثَرَ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا. فَمَاتَ كُلُّ مَخْلُوقٍ يَتَحَرَّكُ عَلَى الأرْضِ. مَاتَتِ الطُّيُورُ وَالمَوَاشِي وَالحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ وَكُلُّ أسْرَابِ الكَائنَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَشِدُ عَلَى الأرْضِ وَجَمِيعُ البَشَرِ. مَاتَ كُلُّ مَخْلُوقٍ حَيٍّ يَتَنَفَّسُ عَلَى اليَابِسَةِ. وَهَكَذَا مَحَا اللهُ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ عَنْ وَجْهِ الأرْضِ، بَشَرًا وَحَيَوَانَاتٍ وَزَوَاحِفَ وَطُيُورًا. مُحِيَتْ كُلُّهَا عَنْ وَجْهِ الأرْضِ. وَلَمْ يَنْجُ إلَّا نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ. وَغَمَرَتِ المِيَاهُ الأرْضَ مُدَّةَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا. ثُمَّ تَذَكَّرَ اللهُ نُوحًا وَكُلَّ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ وَكُلَّ المَوَاشِي الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ. فَجَعَلَ اللهُ رِيحًا تَهُبُّ عَلَى الأرْضِ. فَبَدَأ المِاءُ يَنْخَفِضُ. وَتَوَقَّفَ تَدَفُّقُ المَاءِ مِنْ تَحْتِ الأرْضِ. وَسَدَّتِ السَّمَاءُ نَوَافِذَهَا، فَلَمْ يَعُدِ المَطَرُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ. ثُمَّ بَدَأ المَاءُ يَنْسَحِبُ شَيْئًا فَشَيئًا مِنَ الأرْضِ. فَبَدَأ المَاءُ يَنْحَسِرُ فِي نِهَايَةِ المِئَةِ وَالخَمْسِينَ يَوْمًا، إلَى أنِ اسْتَقَرَّتِ السَّفِينَةُ عَلَى جِبَالِ أرَارَاطَ فِي اليَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ. وَاسْتَمَرَّ انخِفَاضُ المَاءِ حَتَّى الشَّهْرِ العَاشِرِ. وَفِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ العَاشِرِ ظَهَرَتْ قِمَمُ الجِبَالِ. وَبَعْدَ أرْبَعِينَ يَوْمًا، فَتَحَ نُوحٌ نَافِذَةَ السَّفِينَةِ الَّتِي صَنَعَهَا. وَأرْسَلَ غُرَابًا. فَطَارَ الغُرَابُ مِنْ مَكَانٍ إلَى آخَرَ إلَى أنْ نَشِفَتِ المِيَاهُ عَنِ الأرْضِ. ثُمَّ أرْسَلَ نُوحٌ يَمَامَةً مِنْ عِنْدِهِ لِيَرَى إنْ كَانَ المَاءُ قَدِ انْحَسَرَ مِنْ سَطْحِ الأرْضِ. وَلَكِنَّ اليَمَامَةَ لَمْ تَجِدْ مَكَانًا تَحُطُّ عَلَيْهِ لِأنَّ الأرْضَ كَانَتْ مَا تَزَالُ مُغَطَّاةً بِالمَاءِ. فَعَادَتْ إلَى نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ. فَأخرَجَ نُوحٌ ذِرَاعَهُ وَأمْسَكَ بِاليَمَامَةِ، وَأدخَلَهَا إلَى السَّفِينَةِ. وَانتَظَرَ نُوحٌ سَبْعَةَ أيَّامٍ أُيضًا. ثُمَّ أرْسَلَ اليَمَامَةَ مِنَ السَّفِينَةِ ثَانِيَةً. فَعَادَتِ اليَمَامَةُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ المَسَاءِ، تَحْمِلُ فِي مِنْقَارِهَا وَرَقَةَ زَيْتُونٍ خَضْرَاءَ. فَعَرَفَ نُوحٌ أنَّ الميَاهَ قَدِ انخَفَضَتْ عَنِ الأرْضِ. فَانتَظَرَ نُوحٌ سَبْعَةَ أيَّامٍ أُيضًا، وَأرْسَلَ اليَمَامَةَ. فَلَمْ تَعُدْ إلَيْهِ. وَفِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ، فِي السَّنَةِ الوَاحِدَةِ وَالسِّتِّ مِئَةٍ مِنْ عُمْرِ نَوْحٍ، جَفَّتِ المِيَاهُ عَنِ الأرْضِ. فَفَتَحَ نُوحٌ بَابَ السَّفِينَةِ وَنَظَرَ، فَرَأى أنَّ سَطْحَ الأرْضِ قَدْ جَفَّ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي، جَفَّتِ الأرْضُ تَمَامًا. فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «اخرُجْ مِنَ السَّفِينَةِ أنْتَ وَزَوْجَتُكَ وَأبنَاؤكَ وَزَوْجَاتُهُمْ مَعَكَ، وَأخرِجْ كُلَّ كَائِنٍ حَيٍّ مَعَكَ، مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الحَيَوَانِ وَالطَّيرِ وَالمَاشِيَةِ وَالزَّوَاحِفِ عَلَى التَّرَابِ، لِكَي تَتَكَاثَرَ وَتَتَنَاسَلَ وَتَزْدَادَ عَلَى الأرْضِ.» فَخَرَجَ نُوحٌ وَأبنَاؤهُ وَزَوْجَتُهُ وَزَوْجَاتُ أبنَائِهِ مِنَ السَّفِينَةِ. وَخَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ كُلُّ حَيَوَانٍ، وَكُلُّ زَاحِفٍ، وَكُلُّ طَيرٍ، وَكُلُّ مَا يَتَحَرَّكُ عَلَى الأرْضِ، كُلٌّ حَسَبَ جِنْسِهِ. ثُمَّ بَنَى نُوحٌ مَذْبَحًا للهِ . وَأخَذَ مِنْ جَمِيعِ أنْوَاعِ الحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ وَالطُّيُورِ الطَّاهِرَةِ، وَقَدَّمَهَا قَرَابِينَ عَلَى المَذْبَحِ. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ هَذِهِ الذَّبَائِحِ وَقَالَ: «لَنْ ألْعَنَ الأرْضَ ثَانِيَةً بِسَبَبِ النَّاسِ، لِأنَّ قَلْبَ الإنْسَانِ مَيَّالٌ إلَى الشَّرِّ مُنْذُ صِغَرِهِ. فَلَنْ أعُودَ إلَى إهلَاكِ كُلِّ مَخْلُوقٍ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ الآنَ. فَمَا دَامَتْ هُنَاكَ أرْضٌ، سَيَظَلُّ هُنَاكَ زَرْعٌ وَحَصَادٌ، بَرْدٌ وَحَرٌّ، صَيفٌ وَشِتَاءٌ، وَلَيلٌ وَنَهَارٌ.» وَبَارَكَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ. وَقَالَ لَهُمْ: «أنْجِبُوا أبْنَاءً كَثِيرِينَ، وَامْلأُوا الأرْضَ بِنَسْلِكُمْ. سَتَرْهَبُكُمْ وَسَتَفْزَعُ مِنْكُمْ جَمِيعُ الحَيَوَانَاتِ وَالطُّيُورِ وَالزَّوَاحِفِ وَالأسْمَاكِ، وَسَتَخْضَعُ لَكُمْ. فَاصْطَادُوا مِنْ كُلِّ شَيءٍ حَيٍّ يَتَحَرَّكُ طَعَامًا لَكُمْ. فَكَمَا أعْطَيْتُكُمِ النَّبَاتَاتِ الخَضْرَاءَ طَعَامًا، فَهَا أنَا أُعْطِيكُمْ جَمِيعَ الحَيَوَانَاتِ طَعَامًا. لَكِنْ لَا تَأْكُلُوا لَحْمًا مَا تَزَالُ حَيَاتُهُ – أيْ دَمُهُ – فِيهِ. وَأنَا سَأُطَالِبُ بِالدَّمِ مُقَابِلَ الحَيَاةِ. سَأُطَالِبُ بِحَيَاةِ كُلِّ حَيَوَانٍ يَقْتُلُ إنْسَانًا، وَبِحَيَاةِ كُلِّ إنْسَانٍ يَقْتُلُ إنْسَانًا مِثْلَهُ. «مَنْ يَسْفُكُ دَمَ إنْسَانٍ، فَلْيَسْفُكْ إنْسَانٌ دَمَهُ، لِأنَّ اللهَ خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. «وَأنْتُمْ، أثْمِرُوا وَتَضَاعَفُوا فِي الأرْضِ، وَاكْثُرُوا فِيهَا.» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِنُوحٍ وَلِبَنْيهِ مَعَهُ: «هَا أنَا أقطَعُ عَهْدِي مَعَكَ وَمَعَ أبْنَائِكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَمَعَ كُلِّ مَخْلُوقٍ حَيٍّ مَعَكَ. وَأقْطَعُهُ مَعَ كُلِّ الطُّيُورِ وَالمَوَاشِي وَكُلِّ حَيَوَانَاتِ الأرْضِ مَعَكَ، كُلِّ الَّتِي خَرَجَتْ مِنَ السَّفِينَةِ، كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأرْضِ. «وَالْآنَ، هَا هُوَ العَهْدُ الَّذِي سَأقْطَعُهُ مَعَكَ: لَا يُقْضَى عَلَى كُلِّ الخَليقَةِ بِمِيَاهِ الطُّوفَانِ ثَانِيَةً، وَلَا تُدَمَّرُ الأرْضُ بِالطُّوفَانِ ثَانِيَةً.» وَقَالَ اللهُ: «وَهَذِهِ هِيَ عَلَامَةُ العَهْدِ الَّذِي أقْطَعُهُ مَعَكَ وَمَعَ كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ عَلَى مَدَى الأجْيَالِ. سَأضَعُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ، لِتَكُونَ عَلَامَةً عَلَى العَهْدِ بَيْنِي وَبَيْنَ الأرْضِ. فَكُلّمَا ظَهَرَتِ السُّحُبُ فَوْقَ الأرْضِ، وَظَهَرَتِ القَوْسُ فِيهَا، أتَذَكَّرُ العَهْدَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ. وَلَنْ يَصِيرَ المَاءُ بَعْدُ طُوفَانًا يُهلِكُ كُلَّ حَيَاةٍ. فَكُلَّمَا ظَهَرَتِ القَوْسُ فِي السَّحَابِ، أرَاهَا وَأذْكُرُ العَهْدَ الأبَدِيَّ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ عَلَى الأرْضِ.» وَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «هَذِهِ هِيَ عَلَامَةُ العَهْدِ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ حَيَاةٍ عَلَى الأرْضِ.» وَكَانَ بَنُو نُوحٍ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنَ السَّفِينَةِ سَامًا وَحَامًا وَيَافَثَ. وَحَامٌ هُوَ أبُو كَنْعَانَ. كَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ أبْنَاءَ نُوحٍ. وَامْتَلَاتِ الأرْضُ بِالنَّاسِ مِنْ نَسْلِ هَؤُلَاءِ. وَصَارَ نُوحٌ فَلَّاحًا، فَكَانَ أوَّلَ مَنْ غَرَسَ كَرْمًا. وَفِي أحَدِ الأيَّامِ، صَنَعَ خَمْرًا وَشَرِبَ فَسَكِرَ، وَتَعَرَّى فِي خَيْمَتِهِ. فَرَأى حَامٌ أبو كَنْعَانَ أبَاهُ عَارِيًا، فَخَرَجَ وَأخبَرَ أخَوَيهِ. فَأخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ رِدَاءً، وَوَضَعَاهُ عَلَى أكتَافِهِمَا. ثُمَّ سَارَا إلَى الوَرَاءِ وَسَتَرَا أبَاهُمَا العَارِيَ. وَقَدْ جَعَلَا ظَهْريَهُمَا إلَيْهِ، فَلَمْ يَرَيَا وَالِدَهُمَا عَارِيًا. وَلَمَّا أفَاقَ نُوحٌ مِنْ سُكْرِهِ، عَلِمَ مَا فَعَلَهُ ابْنُهُ الأصْغَرُ. فَقَالَ: «لِيَكُنْ كَنْعَانُ مَلْعُونًا! سَيَكُونُ لِأخَوَيهِ كَأدْنَى عَبْدٍ.» ثُمَّ قَالَ: «مُبَارَكٌ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لِسَامٍ. لَيتَ اللهَ يُوَسِّعُ عَلَى يَافَثَ، وَلَيتَهُ يَسْكُنُ فِي خِيَامِ سَامٍ. وَلَيتَ كَنْعَانَ يَكُونُ عَبْدًا لِيَافَثَ.» وَعَاشَ نُوحٌ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثَلَاثَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. فَكَانَ عُمْرُهُ تِسْعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً عِنْدَمَا مَاتَ. وَهَذِهِ هِيَ شَجَرَةُ عَائِلَةِ أبْنَاءِ نُوحٍ، سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ. وَقَدْ وُلِدَ لَهُمْ أبْنَاءٌ بَعْدَ الطُّوفَانِ. أبْنَاءُ يَافَثَ هُمْ جُومَرُ وَمَاجُوجُ وَمَادَايُ وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ وَتِيرَاسُ. وَأبْنَاءُ جُومَرَ هُمْ أشْكَنَازُ وَرِيفَاثُ وَتُوجَرْمَةُ. وَأبْنَاءُ يَاوَانَ هُمْ ألِيشَةُ وَتَرْشِيشُ وَكِتِّيمُ وَدُودَانِيمُ. وَمِنْ بَنِي يَافَثَ هَؤُلَاءِ انْتَشَرَتِ الشُّعُوبُ عَلَى طُولِ سَوَاحِلِ البَحْرِ، وَكَوَّنَتْ بُلْدَانًا لَهَا لُغَاتُهَا، حَسَبَ عَشَائِرِهَا وَشُعُوبِهَا. وَأبْنَاءُ حَامٍ هُمْ كُوشٌ وَمِصْرَايِمُ وَفُوطٌ وَكَنْعَانُ. وَأبْنَاءُ كُوشٍ هُمْ سَبَا وَحَوِيلَةُ وَسَبْتَا وَرَعْمَا وَسَبَتْكَا. وَابْنَا رَعْمَةَ هُمَا شَبَا وَدَدَانُ. وَأنْجَبَ كُوشٌ نِمْرُودَ. وَكَانَ نِمْرُودٌ أوَّلَ مُحَارِبٍ جَبَّارٍ عَلَى الأرْضِ. وَكَانَ صَيَّادًا جَبَّارًا فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَلِهَذَا يُضْرَبُ فِيهِ المَثَلُ فَيُقَالُ: «هَذَا كَنِمْرُودٍ، صَيَّادٌ جَبَّارٌ فِي حَضْرَةِ اللهِ .» بَدَأ نِمْرُودُ مَملَكَتَهُ فِي بَابِلَ وَأرَكَ وَأكَّدَ وَكَلْنَةَ فِي أرْضِ شِنْعَارَ. وَمِنْ تِلْكَ الأرْضِ دَخَلَ إلَى أشُّورَ. وَهُنَاكَ بَنَى نِينَوَى، وَرَحُوبُوتَ عِيرَ، وَكَالَحَ، وَرَسَنَ بَيْنَ نِينَوَى وَكَالَحَ. وَكَالَحُ هِيَ المَدِينَةُ الكَبِيرَةُ. وَأنْجَبَ مِصْرَايِمُ بَنِي لُودٍ وَبَنِي عَنَامَ وَبَنِي لَهَابَ وَبَنِي نَفْتُوحَ وَبَنِي فَتْرُوسَ وَبَنِي كَسلُوحَ، الَّذِينَ خَرَجَ مِنْهُمُ الفِلِسْطِيُّونَ، وَبَنِي كَفْتُورَ. وَأنْجَبَ كَنْعَانُ ابْنَهُ البِكْرَ صِيدُونَ. وَهُوَ أبُو الحِثِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالجِرْجَاشِيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَالعَرْقِيِّينَ وَالسِّينِيِّينَ وَالأرْوَادِيِّينَ وَالصَّمَّارِيِّينَ وَالحَمَاثِيِّينَ. وَانتَشَرَتْ فِيمَا بَعْدُ عَشَائِرُ الكَنْعَانِيِّينَ فِي بِلَادٍ كَثِيرَةٍ. وَامتَدَّتْ أرْضُ الكَنْعَانِيِّينَ مِنْ صَيدُونَ، فِي اتِّجَاهِ جَرَارَ، حَتَّى غَزَّةَ، فِي اتِّجَاهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأدْمَةَ وَصَبُويِيمَ حَتَّى لَاشَعَ. كَانَتْ هَذِهِ العَشَائِرُ مِنْ نَسْلِ حَامٍ. وَكَانَتْ لَهَا لُغَاتُهَا وَأرَاضِيهَا وَشُعُوبُهَا. سَامٌ هُوَ الأخُ الأكْبَرُ لِيَافَثَ. وَقَدْ أنْجَبَ سَامٌ أيْضًا، وَمِنْ نَسْلِهِ جَاءَ عَابِرُ أبو جَمِيعِ العِبْرَانيينَ. فَأبْنَاءُ سَامٍ هُمْ عِيلَامُ وَأشُّورُ وَأرْفَكْشَادُ وَلُودٌ وَأرَامُ. وَأبْنَاءُ أرَامَ هُمْ عُوصٌ وَحُولٌ وَجَاثَرُ وَمَاشٌ. وَأنْجَبَ أرْفَكْشَادُ شَالَحَ. وَأنْجَبَ شَالَحُ عَابِرَ. وَوُلِدَ لِعَابِرَ ابْنَانِ: كَانَ اسْمُ أوَّلِهِمَا فَالَجُ لِأنَّ الأرْضَ قُسِمَتْ فِي أيَّامِهِ. وَكَانَ لِفَالَجَ أخٌ اسْمُهُ يَقْطَانُ. وَأنْجَبَ يَقْطَانُ ألْمُودَادَ وَشَالَفَ وَحَضْرَمَوْتَ وَيَارَحَ وَهَدُورَامَ وَأُوزَالَ وَدِقلَةَ وَعُوبَالَ وَأبِيمَايِلَ وَشَبَا وَأُوفِيرَ وَحَوِيلَةَ وَيُوبَابَ. كَانَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ نَسْلَ يَقْطَانَ. وَسَكَنُوا فِي الرِّيفِ الشَّرْقِيِّ الجَبَلِيِّ، مِنْ مِيشَا فِي اتِّجَاهِ سَفَارَ. هَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ سَامٍ بِعَشَائِرِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَأرَاضِيهِمْ وَأُمَمِهِمْ. هَذِهِ هِيَ أنْسَابُ عَشَائِرِ بَنِي نُوحٍ بِحَسَبِ الأُمَمِ الَّتِي كَوَّنُوهَا. وَمِنْ هَذِهِ العَشَائِرِ انتَشَرَ البَشَرُ فِي الأرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ. وَلَمْ يَكُنْ فِي الأرْضِ إلَّا لُغَةٌ وَاحِدَةٌ لَهَا مُفْرَدَاتٌ مَحْدُودَةٌ. وَمَعَ ارتِحَالِ النَّاسِ مِنَ الشَّرْقِ، وَجَدُوا سَهلًا فِي أرْضِ شِنْعَارَ. فَاسْتَقَرُّوا هُنَاكَ. فَاتَّفَقُوا وَقَالُوا: «لِنَصْنَعْ لِبْنًا وَنَشْوِيهِ جَيِّدًا حَتَّى نُقَسِّيهُ.» فَاسْتَخْدَمُوا بَدَلَ الحِجَارَةِ لِبْنًا، وَبَدَلَ الطِّينِ قَارًا. ثُمَّ قَالُوا: «لِنَبْنِ لَنَا مَدِينَةً، وَبُرْجًا تَصِلُ قِمَّتُهُ إلَى السَّمَاءِ. وَهَكَذَا نَكْتَسِبُ شُهْرَةً. وَإلَّا، فَإنَّنَا سَنَتَشَتَّتُ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ.» وَنَزَلَ اللهُ لِيَرَى المَدِينَةَ وَالبُرْجَ اللَّذَينِ بَنَاهُمَا النَّاسُ. وَقَالَ اللهُ : «هَا إنَّهُمْ شَعْبٌ وَاحِدٌ يَتَكَلَّمُونَ لُغَةً وَاحِدَةً. وَمَا هَذِهِ إلَّا البِدَايَةُ. لَا يَصْعُبُ عَلَيْهِمْ شَيءٌ يَنْوُونَ عَمَلَهُ. فَهَيَّا نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ لُغَتَهُمْ، فَلَا يَعُودُ بَعْضُهُمْ يَفْهَمُ لُغَةَ بَعْضٍ.» فَشَتَّتَهُمُ اللهُ مِنْ هُنَاكَ عَلَى سَطْحِ الأرْضِ كُلِّهَا. فَتَوَقَّفَ بِنَاءُ المَدِينَةِ. وَلِهَذَا سُمِّيَتِ المَدِينَةُ بَابِلَ، لِأنَّ اللهَ بَلْبَلَ هُنَاكَ لُغَةَ الأرْضِ كُلِّهَا. وَمِنْ هُنَاكَ، شَتَّتَهُمُ اللهُ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ كُلِّهَا. هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ سَامٍ. عِنْدَمَا كَانَ عُمْرُ سَامٍ مِئَةَ سَنَةٍ، أنْجَبَ أرْفَكْشَادَ. وَكَانَ هَذَا بَعْدَ سَنَتَينِ مِنَ الطُّوفَانِ. وَعَاشَ سَامٌ خَمْسَ مِئَةِ سَنَةٍ بَعْدَ وِلَادَةِ أرْفَكْشَادَ. وَقَدْ أنْجَبَ أبْنَاءً آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا بَلَغَ أرْفَكْشَادُ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً أنْجَبَ شَالَحَ. وَعَاشَ أرْفَكْشَادُ بَعْدَ وِلَادَةِ شَالَحَ أرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلَاثَ سِنِينَ أنْجَبَ خِلَالَهَا أبْنَاءً آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا بَلَغَ شَالَحُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، أنْجَبَ عَابِرَ. وَعَاشَ شَالَحُ بَعْدَ مَولِدِ عَابِرَ أرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلَاثَ سِنِينَ أنْجَبَ خِلَالَهَا أبْنَاءً آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا بَلَغَ عَابِرُ أرْبَعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، أنْجَبَ فَالَجَ. وَعَاشَ عَابِرُ بَعْدَ مَولِدِ فَالَجَ أرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً أنْجَبَ خِلَالَهَا أبْنَاءً آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا بَلَغَ فَالَجُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، أنْجَبَ رَعُوَ. وَعَاشَ فَالَجُ بَعْدَ مَولِدِ رَعُوَ مِئَتَينِ وَتِسْعَ سِنِينَ أنْجَبَ خِلَالَهَا أبْنَاءً آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا بَلَغَ رَعُوُ اثْنَتَينِ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، أنْجَبَ سَرُوجَ. وَعَاشَ رَعُوُ بَعْدَ مَولِدِ سَرُوجَ مِئَتَينِ وَسَبْعَ سِنِينَ أنْجَبَ خِلَالَهَا أبْنَاءً آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا بَلَغَ سَرُوجُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، أنْجَبَ نَاحُورَ. وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ مَولِدِ نَاحُورَ مِئَتَي سَنَةٍ أنْجَبَ خِلَالَهَا أبْنَاءً آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا بَلَغَ نَاحُورُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، أنْجَبَ تَارَحَ. وَعَاشَ نَاحُورُ بَعْدَ مَولِدِ تَارَحَ مِئَةً وَتِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، أنْجَبَ خِلَالَهَا أبْنَاءً آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا بَلَغَ تَارَحُ سَبْعِينَ سَنَةً، أنْجَبَ أبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ. هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ عَائِلَةِ تَارَحَ. أنْجَبَ تَارَحُ أبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ. وَأنْجَبَ هَارَانُ لُوطًا. وَمَاتَ هَارَانُ قَبْلَ أبِيهِ تَارَحَ فِي أرْضِ مَولِدِهِ – فِي أُورِ الكِلْدَانِيِّينَ. وَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ أبْرَامَ وَنَاحُورَ. وَكَانَ اسْمُ زَوْجَةِ أبْرَامَ سَارَايَ. وَكَانَ اسْمُ زَوْجَةِ نَاحُورَ مِلْكَةَ. وَكَانَتْ مِلْكَةُ ابْنَةَ هَارَانَ. وَكَانَ هَارَانُ قَدْ أنْجَبَ مِلْكَةَ وَيِسْكَةَ. وَكَانَتْ سَارَايُ عَاقِرًا وَلَيسَ لَهَا ابْنٌ. وَأخَذَ تَارَحُ ابْنَهُ أبْرَامَ، وَحَفِيدَهُ لُوطًا، ابْنَ ابْنِهِ هَارَانَ، وَكَنَّتَهُ سَارَايَ، زَوْجَةَ ابْنِهِ أبْرَامَ، وَتَرَكُوا أُورَ الكِلْدَانِيِّينَ لِيَتَّجِهُوا إلَى أرْضِ كَنْعَانَ. لَكِنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُوا حَارَانَ، اسْتَقَرُّوا هُنَاكَ. وَعَاشَ تَارَحُ مِئَتَينِ وَخَمْسَ سَنَوَاتٍ. ثُمَّ مَاتَ فِي حَارَانَ. وَقَالَ اللهُ لِأبْرَامَ: «اترُكْ بَلَدَكَ وَشَعْبَكَ وَعَائِلَةَ أبِيكَ، وَاذْهَبْ إلَى الأرْضِ الَّتِي سَأُرِيهَا أنَا لَكَ. وَأنَا سَأجْعَلُ مِنْ نَسْلِكَ أُمَّةً عَظِيمَةً. وَسَأُبَارِكُكَ، وَسَأجْعَلُ لَكَ اسْمًا شَهِيرًا، فَتَكُونَ بَرَكَةً لِلآخَرِينَ. سَأُبَارِكُ مَنْ يُبَارِكُونَكَ، وَسَألْعَنُ مَنْ يَحْتَقِرُونَكَ. وَبِكَ تَتَبَارَكُ كُلُّ عَشَائِرِ الأرْضِ.» فَذَهَبَ أبْرَامُ كَمَا أمَرَهُ اللهُ . وَرَافَقَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أبْرَامُ فِي الخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَرَكَ حَارَانَ. وَأخَذَ أبْرَامُ مَعَهُ زَوْجَتَهُ سَارَايَ وَابْنَ أخِيهِ لُوطًا، وَكُلَّ المُقْتَنَيَاتِ الَّتِي جَمَعُوهَا. كَمَا أخَذَ مَعَهُ كُلَّ خَدَمِهِمْ فِي حَارَانَ، وَغَادَرُوا المَكَانَ إلَى أرْضِ كَنْعَانَ. فَوَصَلُوا إلَى أرْضِ كَنْعَانَ. وَاجتَازَ أبْرَامُ عَبْرَ الأرْضِ حَتَّى وَصَلَ إلَى شَكِيمَ، أوْ بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ الكَنْعَانِيُّونَ يَسْكُنُونَ تِلْكَ الأرْضَ فِي ذَلِكَ الحِينِ. وَظَهَرَ اللهُ لِأبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «سَأُعْطِي هَذِهِ الأرْضَ لِنَسْلِكَ.» فَبَنَى أبْرَامُ هُنَاكَ مَذْبَحًا للهِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ. ثُمَّ انْتَقَلَ أبْرَامُ مِنْ هُنَاكَ إلَى الجِبَالِ شَرْقِيِّ بَيْتِ إيلَ. وَنَصَبَ هُنَاكَ خَيْمَتَهُ. وَكَانَتْ بَيْتُ إيلَ إلَى الغَرْبِ، وَعَايُ إلَى الشَّرْقِ. فَبَنَى أبْرَامُ هُنَاكَ مَذْبَحًا للهِ ، وَصَلَّى بِاسْمِ اللهَ . ثُمَّ ارْتَحَلَ أبْرَامُ عَلَى مَرَاحِلَ نَحْوَ صَحْرَاءِ النَّقَبِ. ثُمَّ حَدَثْتْ مَجَاعَةٌ فِي الأرْضِ. فَنَزَلَ أبْرَامُ إلَى مِصْرٍ لِيَسْكُنَ هُنَاكَ بَعْضَ الوَقْتِ، لِأنَّ المَجَاعَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً فِي البِلَادِ. وَقُبَيلَ دُخُولِ أبْرَامَ إلَى مِصْرٍ، قَالَ لِزَوْجَتِهِ سَارَايَ: «اسْمَعِي، أنَا أعْلَمُ أنَّكِ امْرأةٌ جَمِيلَةٌ. فَحِينَ يَرَاكِ المِصْرِيُّونَ سَيَقُولُونَ: ‹هَذِهِ المَرْأةُ هِيَ زَوْجَتُهُ، فَيَقْتُلُونَنِي، وَيُبْقُونَ عَلَى حَيَاتِكِ. قُولِي إنَّكِ أُخْتِي، فَيُعَامِلُونِي مُعَامَلَةً حَسَنَةً بِسَبَبِكِ، وَأنْجُ مِنَ المَوْتِ بِفَضْلِكِ.›» فَلَمَّا دَخَلَ أبْرَامُ مِصْرًا، رَأى المِصْرِيُّونَ أنَّهَا جَمِيلَةٌ جِدًّا. وَعِنْدَمَا رَآهَا بَعْضُ المَسْؤُولِينَ لَدَى فِرعَوْنَ، أخْبَرُوهُ عَنْ مَدَى جَمَالِهَا. فَأمَرَ فِرْعَوْنُ بِإحضَارِهَا إلَى بَيْتِهِ. وَأحْسَنَ فِرْعَوْنُ مُعَامَلَةَ أبْرَامَ بِسَبَبِهَا. إذْ أعطَاهُ غَنَمًا وَبَقَرًا وَحَمِيرًا وَأُتُنًا وَجِمَالًا، وَخَدَمًا وَخَادِمَاتٍ. لَكِنَّ اللهَ ضَرَبَ فِرعَوْنَ وَأهْلَ بَيْتِهِ بِأمْرَاضٍ شَدِيدَةٍ بَسَبَبِ سَارَايَ، زَوْجَةِ أبْرَامَ. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ أبْرَامَ، وَقَالَ لَهُ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتَهُ لِمَاذَا لَمْ تَقُلْ إنَّهَا زَوْجَتُكَ؟ لِمَاذَا قُلْتَ إنَّهَا أُخْتُكَ، فَأخَذْتُهَا أنَا لِتَكُونَ لِي زَوْجَةً؟ هَا هِيَ زَوْجَتُكَ. خُذْهَا وَانصَرِفْ!» وَأمَرَ فِرْعَوْنُ رِجَالَهُ بِحِمَايَةِ أبْرَامَ، فَرَافَقُوهُ فِي طَرِيقِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَكُلِّ مَا كَانَ لَدَيهِ. فَخَرَجَ أبْرَامُ مِنْ مِصْرٍ إلَى النَّقَبِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَكُلِّ مَا كَانَ لَدَيهِ، وَمَعَ لُوطٍ أيْضًا. وَكَانَ أبْرَامُ غَنِيًّا جِدًّا بِالمَاشِيَةِ وَالفِضَّةِ وَالذَّهَبِ. وَارْتَحَلَ عَلَى مَرَاحِلَ مِنَ النَّقَبِ إلَى بَيْتِ إيلَ. وَوَصَلَ إلَى المَكَانِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ خَيْمَتُهُ فِي البِدَايَةِ، أيْ بَيْنَ بَيْتِ إيلَ وَعَايَ. وَهُوَ المَكَانُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَنَى فِيهِ المَذْبَحَ. وَدَعَا أبْرَامُ بِاسْمِ اللهَ هُنَاكَ. وَكَانَ لِلُوطٍ الَّذِي يَصْحَبُ أبْرَامَ فِي تَرْحَالِهِ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَخِيَامٌ كَأبْرَامَ. فَلَمْ تَقْدِرِ الأرْضُ أنْ تَعُولَهُمَا وَهُمَا يَسْكُنَانِ مَعًا، لِأنَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا كَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا. فَلَمْ يَعُودَا قَادِرَينَ عَلَى السَّكَنِ مَعًا. وَقَامَتْ مُنَازَعَاتٌ بَيْنَ رُعَاةِ أبْرَامَ وَرُعَاةِ لُوطٍ. وَكَانَ الكَنْعَانِيُّونَ وَالفَرِزِّيُّونَ يَسْكُنُونَ فِي البِلَادِ أيْضًا. فَقَالَ أبْرَامُ لِلُوطٍ: «لَا دَاعِي لِأنْ تَقُومَ مُنَازَعَاتٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أوْ بَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ، فَنَحْنُ قَرِيبَانِ. فَهَا هِيَ الأرْضُ كُلُّهَا أمَامَكَ لِتَخْتَارَ مِنْهَا. وَلْيَنْفَصِلْ أحَدُنَا عَنِ الآخَرِ. إنْ اتَّجَهْتَ شِمَالًا، فَسَأتَّجِهُ يَمِينًا. وَإنْ اتَّجَهْتَ يَمِينًا، فَإنِّي سَأتَّجِهُ شِمَالًا.» فَنَظَرَ لُوطٌ حَوْلَهُ، وَرَأى أنَّ وَادِي الأُرْدُنِّ كُلَّهُ حَتَّى صُوغَرَ حَسَنُ السِّقَايَةِ كَحَدِيقَةِ اللهِ ، أوْ كَأرْضِ مِصْرٍ – كَانَ هَذَا قَبْلَ أنْ يُدَمِّرَ اللهُ مَدِينَتِي سَدُومَ وَعَمُورَةَ – وَاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ كُلَّ وَادِي الأُرْدُنِّ. فَارْتَحَلَ لُوطٌ شَرْقًا، وَانفَصَلَ أحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ. وَسَكَنَ أبْرَامُ فِي أرْضِ كَنْعَانَ. وَأمَّا لُوطٌ فَسَكَنَ فِي مُدُنِ وَادِي الأُرْدُنِّ، وَقَرَّبَ خَيْمَتَهُ مِنْ مَدِينَةِ سَدُومَ. وَكَانَ أهْلُ سَدُومَ أشْرَارًا وَخُطَاةً جِدًّا أمَامَ اللهِ . وَقَالَ اللهُ لِأبْرَامَ بَعْدَ أنِ انْفَصَلَ لُوطٌ عَنْهُ: «انْظُرْ حَوْلَكَ، وَتَطَلَّعْ مِنَ المَكَانِ الَّذِي أنْتَ فِيهِ شِمَالًا وَجَنُوبًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا. أتَرَى كُلَّ هَذِهِ الأرْضِ؟ سَأُعْطِيهَا لَكَ وَلِأحفَادِكَ مِلْكًا إلَى الأبَدِ. وَسَأجْعَلُ أحفَادَكَ بِعَدَدِ حَبَّاتِ تُرَابِ الأرْضِ. فَإنِ استَطَاعَ إنْسَانٌ أنْ يُحصِيَ حَبَّاتِ تُرَابِ الأرْضِ، يَسْتَطِيعُ عِنْدَ ذَلِكَ أنْ يُحصِيَ أفرَادَ نَسْلِكَ. اذْهَبْ وَتَجَوَّلْ فِي هَذِهِ الأرْضِ كُلِّهَا طُولًا وَعَرْضًا، لِأنِّي سَأُعْطِيهَا لَكَ.» فَحَلَّ أبْرَامُ خِيَامَهُ وَذَهَبَ لِيَسْتَقِرَّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا فِي مَدِينَةِ حَبْرُونَ. وَهُنَاكَ بَنَى مَذْبَحًا للهِ . وَفِي أيَّامِ أمْرَافَلَ مَلِكِ شِنْعَارَ، وَأرْيُوكَ مَلِكِ ألَّاسَارَ، وَكَدَرلَعَومَرَ مَلِكِ عِيلَامَ، وَتِدْعَالَ مَلِكِ جُويِيمَ، شَنَّ هَؤُلَاءِ المُلُوكُ حَرْبًا عَلَى بَارَعَ مَلِكِ سَدُومَ، وَبِرْشَاعَ مَلِكِ عَمُورَةَ، وَشِنْآبَ مَلِكِ أدْمَةَ، وَشِمْئِيبَرَ مَلِكِ صَبُويِيمَ، وَمَلِكِ بَالَعَ الَّتِي تُدْعَى أيْضًا صُوغَرَ. تَحَالَفَ هَؤُلَاءِ المُلُوكُ وَاجتَمَعُوا فِي وَادِي السَّدِيمِ. وَهُوَ يُدْعَى الآنَ بَحرُ المِلحِ. خَضَعُوا لِكَدَرلَعُومَرَ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً. لَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ. وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ جَاءَ كَدَرلَعُومَرُ وَالمُلُوكُ مَعَهُ، وَهَزَمُوا الرِّفَائِيِّينَ فِي عَشْتَارُوثَ قَرْنَايِيمَ. كَمَا هَزَمُوا الزُّوزِيِّينَ فِي هَامَ. وَهَزَمُوا الإيمِيِّينَ فِي شَوَى قِرْيَاتَايِمَ. وَهَزَمُوا الحُورِيِّينَ فِي جِبَالِ سَعِيرَ وَحَتَّى فَارَانَ. وَتَقَعُ فَارَانُ عَلَى حَافَّةِ الصَّحْرَاءِ. ثُمَّ رَجِعَ كَدَرلَعُومَرُ وَالمُلُوكُ الَّذِينَ مَعَهُ، وَوَصَلُوا إلَى عَيْنِ مِشْفَاطَ، أيْ قَادِشَ. وَأخْضَعُوا كُلَّ بِلَادِ العَمَالِقَةِ وَأيْضًا الأمُورِيِّينَ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي حَصُّونَ ثَامَارَ. ثُمَّ خَرَجَ مُلُوكُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأدْمَةَ وَصَبُويِيمَ وَبَالَعَ، وَحَشَدُوا قُوَّاتِهِمْ لِلمَعْرَكَةِ فِي وَادِي السِّدِّيمِ. وَحَارَبُوا كَدَرلَعُومَرَ مَلِكَ عِيلَامَ، وَتِدْعَالَ مَلِكَ جُويِيمَ، وَأمْرَافَلَ مَلِكَ شِنْعَارَ، وَأرْيُوكَ مَلِكَ ألَّاسَارَ. فَكَانَ هُنَاكَ أرْبَعَةُ مُلُوكٍ ضِدَّ خَمْسَةٍ. وَكَانَ وَادِي السِّدِّيمِ مَلِيئًا بِحُفَرِ القَارِ. فَلَمَّا هَرَبَ مَلِكَا سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَجُيُوشُهُمَا، وَقَعَ بَعْضُهُمْ فِيهَا. أمَّا الآخَرُونَ فَهَرَبُوا إلَى الجِبَالِ. فَغَنِمَ كَدَرلَعُومَرُ وَحُلَفَاؤُهُ كُلَّ مُقْتَنَيَاتِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَكُلَّ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ، ثُمَّ مَضَوْا. وَبِمَا أنْ لُوطًا ابْنَ أخِي أبْرَامَ كَانَ يَسْكُنُ فِي سَدُومَ، أخَذُوهُ أيْضًا وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِ وَمَضَوْا. فَهَرَبَ أحَدُهُمْ وَجَاءَ إلَى أبْرَامَ العِبْرَانِيِّ وَأخْبَرَهُ بِمَا جَرَى. وَكَانَ أبْرَامُ سَاكِنًا قُرْبَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا الأمُورِيِّ، أخِي أشْكُولَ وَعَانِرَ. وَكَانَ هَؤُلَاءِ مُرْتَبِطِينَ بِعَهْدٍ مَعَ أبْرَامَ. فَلَمَّا سَمِعَ أبْرَامُ أنَّ قَرِيبَهُ أُسِرَ، جَمَعَ رِجَالَهُ المُدَرَّبِينَ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي بَيْتِهِ – وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشْرَةَ رَجُلًا – وَلَحِقَ بِالعَدُوِّ حَتَّى دَانٍ. وَفِي اللَّيلِ قَسَمَ خَدَمَهُ إلَى قِسْمَينِ. فَهَجَمُوا عَلَى الأعْدَاءِ وَهَزَمُوهُمْ. وَطَارَدُوهُمْ حَتَّى حُوبَةَ شِمَالَ دِمْشْقَ. وَتَمَكَّنَ مِنَ اسْتِرْجَاعِ كُلِّ المُقْتَنَيَاتِ. كَمَا اسْتَرْجَعَ لُوطًا وَمُمْتَلَكَاتِهِ. وِاسْتَرَدَّ أيْضًا النِّسَاءَ وَبَقِيَّةَ الأسْرَى. وَبَعْدَ عَوْدَةِ أبْرَامَ مِنَ المَعْرَكَةِ الَّتِي هَزَمَ فِيهَا كَدَرلَعُومَرَ وَالمُلُوكَ الَّذِينَ مَعَهُ، خَرَجَ مَلِكُ سَدُومَ لِمُلَاقَاتِهِ فِي وَادِي شَوَى، أيْ وَادِي المَلِكِ. وَكَانَ مَلْكِيصَادَقُ مَلِكًا عَلَى سَالِيمَ. وَقَدْ أخَذَ خُبْزًا وَنَبِيذًا – إذْ كَانَ كَاهِنًا للهِ العَلِيِّ – وَبَارَكَ أبْرَامَ وَقَالَ: «مُبَارَكٌ أبْرَامُ مِنَ اللهِ العَلِيِّ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ. وَمُبَارَكٌ اللهُ العَلِيُّ الَّذِي نَصَرَكَ عَلَى أعْدَائِكَ.» وَأعْطَى أبْرَامُ مَلْكِيصَادَقَ عُشْرًا مِنْ كُلِّ مَا غَنِمَهُ مِنَ الحَرْبِ. ثُمَّ قَالَ مَلِكُ سَدُومَ لِأبْرَامَ: «رُدَّ لِي أسْرَايَ، وَاحْتَفِظْ لِنَفْسِكَ بِمُقْتَنَيَاتِنَا الَّتِي غَنِمْتَهَا.» فَقَالَ أبْرَامُ لِمَلِكِ سَدُومَ: «رَفَعْتُ يَدِي إلَى العَلِيِّ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ، وَعَاهَدْتُهُ أنْ لَا آخُذَ مِنْكَ وَلَوْ خَيطًا أوْ رِبَاطَ حِذَاءٍ. حَتَّى لَا تَقُولَ: ‹أغْنَيتُ أبْرَامَ.› سَأعْتَبِرُ أنَّ نَصِيبِي هُوَ مَا أكَلَهُ هَؤُلَاءِ الفِتْيَانُ. أمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعِي: عَانِرُ وَأشْكُولُ وَمَمْرَا، فَلْيَأْخُذُوا نَصِيبَهُمْ.» بَعْدَ هَذِهِ الأحْدَاثِ كَلَّمَ اللهُ أبْرَامَ فِي رُؤْيَا: «لَا تَخَفْ، يَا أبْرَامُ. فَأنَا تُرْسُكَ وَمُكَافأتُكَ العَظِيمَةُ.» فَقَالَ أبْرَامُ: «يَا ، مَا الَّذِي سَتُعْطِينِي إيَّاهُ، وَأنَا بَاقٍ عَلَى هَذَا الحَالِ بِلَا ابْنٍ. وَوَرِيثُ بَيْتِي إلَى الآنَ هُوَ ألِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟» وَقَالَ أبْرَامُ: «فَهَا أنْتَ لَمْ تُعْطِنِي أبْنَاءً. وَلِهَذَا فَإنَّ عَبْدًا وُلِدَ فِي بَيْتِي سَيَرِثُنِي.» فَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ لَهُ: «لَنْ يَكُونَ ألِيعَازَرُ هَذَا وَرِيثَكَ، بَلِ ابْنُكَ أنْتَ هُوَ الَّذِي سَيَرِثُكَ.» ثُمَّ أخْرَجَهُ خَارِجًا وَقَالَ لَهُ: «انْظُرْ إلَى السَّمَاءِ، وَعُدَّ النُّجُومَ إنِ اسْتَطَعْتَ.» ثمَ قَالَ لَهُ: «هَكَذَا سَيَكُونُ نَسْلُكَ.» فَآمَنَ بِاللهِ ، فَاعْتَبَرَ اللهُ إيمَانَهُ بِرًّا لَهُ. وَقَالَ لَهُ: «أنَا هُوَ اللهُ الَّذِي أخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الكِلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيكَ هَذِهِ الأرْضَ مِلْكًا.» فَقَالَ أبْرَامُ: «يَا ، أيَّةَ عَلَامَةٍ تُعْطِينِي لِأعْرِفَ أنِّي سَأمْتَلِكُهَا؟» فَقَالَ اللهُ لِأبْرَامَ: «خُذْ لِي عِجْلًا عُمْرُهُ ثَلَاثُ سِنِينٍ، وَعَنْزَةً عُمْرُهَا ثَلَاثُ سِنِينٍ، وَكَبْشًا عُمْرُهُ ثَلَاثُ سِنِينٍ، وَيَمَامَةً وَاحِدَةً وَحَمَامَةً صَغِيرَةً.» فَأخَذَ أبْرَامُ كُلَّ هَذِهِ، وَشَقَّهَا مِنَ الوَسَطِ. ثُمَّ وَضَعَ كُلَّ نِصْفٍ مُقَابِلَ الآخَرِ. لَكِنْ لَمْ يَشُقِّ الطَّيرَينِ. وَفِيمَا بَعْدُ نَزَلَتْ طُيُورٌ كَاسِرَةٌ عَلَى الجُثَثِ لِتَأْكُلَهَا. فَطَرَدَهَا أبْرَامُ. وَلَمَّا أخَذَتِ الشَّمْسُ فِي المَغِيبِ، وَقَعَ عَلَى أبْرَامَ نَوْمٌ عَمِيقٌ، كَمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ ظُلْمَةٌ مُرْعِبَةٌ. فَقَالَ الله لِأبرَامَ: «اعلَمْ أنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُونَ غُرَبَاءَ فِي بَلَدٍ غَيرِ بَلَدِهِمْ. وَسَيُسْتَعْبَدُونَ لِأهْلِ ذَلِكَ البَلَدِ، حَيْثُ سَيُضَّطَهَدونَ مُدَّةَ أرْبَعِ مِئَةِ سَنَةٍ. لَكِنِّي سأُعَاقِبُ الأُمَّةَ الَّتِي سَتَسْتَعْبِدُهُمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَيَخْرُجُونَ مِنْ تِلْكَ الأرْضِ وَمَعَهُمْ مُقْتَنَيَاتٌ كَثِيرَةٌ. «أمَّا أنْتَ فَسَتَعِيشُ إلَى شَيخُوخَةٍ صَالِحَةٍ. ثُمَّ تَمُوتُ فِي سَلَامٍ، وَتُدفَنُ مَعَ آبَائِكَ. ثًمَّ سَيَعُودُ نَسْلُكَ إلَى هُنَا بَعْدَ أرْبَعَةِ أجيَالٍ. فَقَبْلَ ذَلِكَ الوَقْتِ، لَنْ تَكُونَ آثَامُ الأمُّورِيِّينَ قَدْ بَلَغَتْ حَدَّهَا لِعِقَابِهِمْ.» وَهَكَذَا إذْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَسَادَ الظَّلَامُ، ظَهَرَ إنَاءُ جَمْرٍ يُخْرِجُ دُخَانًا، وَاجْتَازَتْ شُعلَةٌ مُلْتَهِبَةٌ بَيْنَ أجْزَاءِ الحَيَوَانَاتِ المُقَطَّعَةِ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ قَطَعَ اللهُ عَهْدًا مَعَ أبْرَامَ فَقَالَ: «لِنَسْلِكَ سَأُعْطِي هَذِهِ الأرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرٍ إلَى النَّهْرِ العَظِيمِ، نَهْرِ الفُرَاتِ. وَسَأُعْطِيهِمْ أرْضَ القِينِيِّينَ وَالقَنِزِّيِّينَ وَالقَدْمُونِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ وَالفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالكَنْعَانِيِّينَ وَالجِرْجَاشِيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ.» وَأمَّا سَارَايُ، زَوْجَةُ أبْرَامَ، فَلَمْ تَكُنْ قَدْ أنْجَبَتْ لَهُ أبْنَاءً. وَكَانَ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ اسْمُهَا هَاجَرُ. فَقَالَتْ سَارَايُ لِأبْرَامَ: «هَا أنْتَ تَرَى أنَّ اللهَ حَرَمَنِي مِنَ القُدْرَةِ عَلَى الإنْجَابِ، فَعَاشِرْ جَارِيَتِي. وَسَأبْنِي عَائِلَتِي مِنْ أوْلَادِهَا.» فَوَافَقَ أبْرَامُ امْرَأتَهُ عَلَى رَأيِهَا. فَبَعْدَ أنْ مَضَتْ عَشْرُ سَنَوَاتٍ عَلَى سَكَنِ أبْرَامَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ، قَدَّمَتْ سَارَايُ، زَوْجَةُ أبْرَامَ، جَارِيَتَهَا المِصْرِيَّةَ هَاجَرَ زَوْجَةً لِزَوْجِهَا أبْرَامَ. فَعَاشَرَ أبْرَامُ هَاجَرَ فَحَبِلَتْ. وَلَمَّا رَأتْ هَاجَرُ أنَّهَا حَبِلَتْ، صَغُرَتْ سَيِّدَتُهَا سَارَايُ فِي عَيْنَيْهَا. فَقَالَتْ سَارَايُ لِأبْرَامَ: «أنْتَ المَلُومُ فِي مَا أُسِيئَ بِهِ إلَيَّ. أنَا نَفْسِي الَّتِي وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيكَ، فَلَمَّا حَبِلَتْ، صَارَتْ تَحْتَقِرُنِي. لِيَحْكُمِ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.» فَقَالَ أبْرَامَ لِسَارَايَ: «مَا هِيَ إلَّا خَادِمَةٌ عِنْدَكِ، وَهِيَ تَحْتَ سُلطَتِكِ. فَافْعَلِي بِهَا كَمَا يَحْلُو لَكِ.» فَأسَاءَتْ سَارَايُ مُعَامَلَةَ هَاجَرَ، فَهَرَبَتْ مِنْهَا. وَجَلَسَتْ هَاجَرُ عِنْدَ نَبْعٍ فِي الصَّحْرَاءِ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى شُورَ. فَجَاءَهَا مَلَاكُ اللهِ إلَى هُنَاكَ. وَقَالَ لَهَا: «يَا هَاجَرُ، يَا جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أيْنَ جِئْتِ؟ وَإلَى أيْنَ تَمْضِينَ؟» فَقَالَتْ: «أنَا هَارِبَةٌ مِنْ سَيِّدَتِي سَارَايَ.» فَقَالَ لَهَا مَلَاكُ اللهِ : «عُودِي إلَى سَيِّدَتِكِ، وَاخضَعِي لَهَا.» وَأضَافَ مَلَاكُ اللهِ : «سَأُكَثِّرُ نَسْلَكِ تَكْثِيرًا، فَلَا يُعَدُّونَ لِكَثْرَتِهِمْ.» «وَقَالَ لَهَا مَلَاكُ اللهِ : «هَا أنْتِ حُبلَى، وَسَتَلِدِينَ ابْنًا، وَسَيَكُونُ اسْمُهُ إسْمَاعِيلَ. فَاللهُ قَدْ سَمِعَ مِحْنَتَكِ. سَيَهِيمُ ابْنُكِ كَحِمَارٍ وَحشِيٍّ. وَسَتَكُونُ يَدُهُ عَلَى جَمِيعِ المُحِيطِينَ بِهِ، وَيَدُ المُحِيطِينَ بِهِ عَلَيْهِ. وَسَيَنْصُبُ خِيَامَهُ فِي مُواجَهَةِ إخْوَتِهِ.» وَنَادَتْ هَاجَرُ اللهَ الَّذِي كَلَّمَهَا وَقَالَتْ: «أنْتَ الإلَهُ البَصِيرُ.» إذْ قَالَتْ: «أحَقًّا أبصَرْتُ ذَاكَ الَّذِي أبصَرَنِي؟» فَسُمِّيَتْ تِلْكَ البِئْرُ «بِئْرَ لَحَي رُئِي.» وَهِيَ تَقَعُ بَيْنَ قَادِشَ وَبَارَدَ. وَأنْجَبَتْ هَاجَرُ ابْنًا لِأبْرَامَ. فَسَمَّاهُ أبْرَامُ إسْمَاعِيلَ. وَكَانَ أبْرَامُ فِي السَّادِسَةِ وَالثَّمَانِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا أنْجَبَتْ هَاجَرُ إسْمَاعِيلَ. وَلَمَّا بَلَغَ أبْرَامُ التَّاسِعَةَ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ، ظَهَرَ لَهُ اللهُ . وَقَالَ لَهُ: «أنَا اللهُ الجَبَّارُ. أطِعْنِي وَعِشْ حَيَاةً خَالِيَةً مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ. فَإنْ فَعَلْتَ هَذَا، سَأقْطَعُ عَهْدًا بَيْنِي وَبَيْنَكَ. وَسَأُعْطِيكَ نَسْلًا كَثِيرًا جِدًّا.» فَسَجَدَ أبْرَامُ. فَقَالَ لَهُ اللهُ: «أمَّا أنَا، فَهَذَا هُوَ عَهْدِي مَعَكَ: سَتَكُونُ أصلَ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ. وَلَنْ يَكُونَ اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ أبْرَامَ، بَلْ إبْرَاهِيمَ. فَقَدْ جَعَلْتُكَ أبًا لِشُعُوبٍ كَثِيرَةٍ. سَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ، حَتِّى إنِّي سَأجْعَلُ شُعُوبًا كَثِيرَةً تَخْرُجُ مِنْكَ. وَسَيَخْرُجُ مِنْكَ مُلُوكٌ. وَسَأقْطَعُ عَهْدًا أبَدِيًّا بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ عَلَى مَدَى الأجْيَالِ. فَأنَا أتَعَهَّدُ بِأنْ أكُونَ إلَهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَسَأُعْطِيكَ وَنَسْلَكَ مِنْ بَعْدِكَ الأرْضَ الَّتِي تَتَغَرَّبُ فِيهَا الآنَ، أرْضَ كَنْعَانَ كُلَّهَا. سَأُعْطِيهَا لَكَ وَلَهُمْ مَقْتَنَىً أبَدِيًّا. وَسَأكُونُ لَهُمْ إلَهًا.» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِإبْرَاهِيمَ: «أمَّا أنْتَ فَاحفَظْ عَهْدِي، أنْتَ وَكُلُّ نَسْلِكَ عَلَى مَدَى الأجْيَالِ. وَهَذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي يَنْبَغِي أنْ تَحْفَظُوهُ. هَذَا هُوَ العَهْدُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ بَيْنَكُمْ أنْ يُختَنَ. اختِنُوا لَحْمَ غُرْلَتِكُمْ. هَذِهِ هِيَ العَلَامَةُ الَّتِي تَقْبَلُونَهَا لِلعَهْدِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ ابْنِ ثَمَانِيَةِ أيَّامٍ أنْ يُخْتَتَنَ عَلَى مَدَى أجْيَالِكُمْ. كَمَا يَنْبَغِي أنْ يُخْتَتَنَ الخَدَمُ الَّذِينَ يُولَدُونَ فِي بَيْتِكَ. كَذَلِكَ لِيُخْتَتَنْ كُلُّ مَنِ اشْتَرَيتُمُوهُ بِالمَالِ عَبْدًا مِنْ أيِّ أجْنَبِيٍّ، حَتَّى وَإنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَسْلِكَ. فَلْيُخْتَتَنْ حَتَّى العَبْدُ المَولُودُ فِي بَيْتِكَ أوِ العَبْدُ الَّذِي اشْتَرَيتَهُ بِمَالِكَ. وَهَكَذَا يَحْمِلُ جَسَدُكَ عَلَامَةَ عَهْدِي الأبَدِيِّ. أمَّا الَّذِي يَرْفُضُ أنْ يَخْتِنَ غُرْلَتَهُ، فَسَيُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهِ. فَهَذَا قَدْ كَسَرَ عَهْدِي.» وَقَالَ اللهُ لِإبْرَاهِيمَ: «وَأمَّا زَوْجَتُكَ سَارَايُ، فَلَنْ تُدْعَى سَارَايُ فِيمَا بَعْدُ، إذْ سَيَكُونُ اسْمُهَا سَارَةَ. وَأنَا سَأُبَارِكُهَا. وَسَأُعِطِيكَ ابْنًا مِنْهَا. وَسَأُبَارِكُهَا، وَسَتُصْبِحُ أُمًّا لِشُعُوبٍ كَثِيرَةٍ. وَسَيَخْرُجُ مُلُوكٌ مِنْهَا.» فأنْكَبَّ إبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ، وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: «أيُولَدُ ابْنٌ لِرَجُلٍ فِي المِئَةِ مِنْ عُمْرِهِ؟ أمْ يُمْكِنُ لِسَارَةَ ذَاتِ التِّسْعِينَ سَنَةً أنْ تُنْجِبَ؟» ثُمَّ قَالَ إبْرَاهِيمُ للهِ: «أرْجُو أنْ تُنْعِمَ عَلَى إسْمَاعِيلَ بِرِضَاكَ.» فَقَالَ اللهُ: «لَا بَلْ سَارَةُ سَتُنْجِبُ لَكَ وَلَدًا، وَأنْتَ سَتُسَمِّيهِ إسْحَاقَ. وَسَأحفَظُ عَهْدِي مَعَهُ وَمَعَ نَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَهْدًا أبَدِيًّا. «أمَّا دُعَاؤكَ مِنْ أجْلِ إسْمَاعِيلَ، فَقَدْ سَمِعْتُهُ. فَسَأُبَارِكُهُ، وَسَأُعْطِيهِ أبْنَاءً كَثِيرِينَ. وَسَيَكُونُ أبًا لِاثنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا. وَسَأجْعَلُهُ شَعْبًا عَظِيمًا. أمَّا عَهْدِي فَسَأقْطَعُهُ مَعَ إسْحَاقَ الَّذِي سَتُنْجِبُهُ سَارَةُ لَكَ فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ القَادِمَةِ.» وَبَعْدَ أنْ أنْهَى اللهُ كَلَامَهُ مَعَ إبْرَاهِيمَ، اختَفَى عَنْ نَظَرِهِ. ثُمَّ أخَذَ إبْرَاهِيمُ ابْنَهُ إسْمَاعِيلَ وَكُلَّ العَبِيدِ المَولُودِينَ فِي بَيْتِهِ وَالَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ بِمَالِهِ – أخَذَ كُلَّ ذَكَرٍ فِي بَيْتِهِ، وَخَتَنَهُمْ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَفْسِهِ، كَمَا أمَرَهُ اللهُ. وَكَانَ إبْرَاهِيمُ فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ. وَكَانَ ابْنُهُ إسْمَاعِيلُ فِي الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَفْسِهِ خُتِنَ إبْرَاهِيمُ وَابْنُهُ إسْمَاعِيلُ. وَخُتِنَ مَعَهُ جَمِيعُ الذُّكُورِ الَّذِينَ فِي بَيْتِهِ، سَوَاءٌ الَّذِينَ وُلِدُوا عَبِيدًا فِي بَيْتِهِ، أمِ الَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ بِمَالٍ مِنْ أجنَبِيٍّ. وَظَهَرَ اللهُ لِإبْرَاهِيمَ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا، وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَتِهِ فِي عِزِّ الظَّهِيرَةِ. فَرَفَعَ إبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ، فَرَأى ثَلَاثَةَ رِجَالٍ وَاقِفِينَ هُنَاكَ أمَامَهُ. فَلَمَّا رَآهُمْ، رَكَضَ مِنْ مَدْخَلِ خَيْمَتِهِ لِلِقَائِهِمْ، وَانحَنَى لَهُمْ. وَقَالَ: «يَا سَادَتِي، أرْجُو أنْ تَتَكَرَّمُوا عَلَيَّ بِالبَقَاءِ عِنْدِي قَلِيلًا، أنَا خَادِمَكُمْ. فَاسْمَحُوا لِي بِأنْ أُحضِرَ بَعْضَ المَاءِ، فَتَغْسِلُوا أقْدَامَكُمْ وَتَرْتَاحُوا عِنْدَ الشَّجَرَةِ. وَسَأُحضِرُ بَعْضَ الخُبْزِ فَتَنْشُطَ أنْفُسُكُمْ، وَتُواصِلُوا طَرِيقَكُمْ. اسْمَحُوا لِي بِهَذَا بِمَا أنَّكُمْ جِئْتُمْ إلَيَّ، أنَا خَادِمَكُمْ.» فَقَالُوا: «كَمَا قُلْتَ فَافْعَلْ.» فَأسْرَعَ إبْرَاهِيمُ إلَى سَارَةَ فِي خَيْمَتِهِ وَقَالَ لَهَا: «عَجِّلِي، اعْجِنِي ثَلَاثَةَ أكيَالٍ مِنَ الدَّقِيقِ، وَاصْنَعِي لَنَا بَعْضَ الفَطَائِرِ.» ثُمَّ رَكَضَ إبْرَاهِيمُ إلَى القَطِيعِ وَأخَذَ عِجلًا جَيِّدًا صَغِيرًا، وَأعْطَاهُ لِخَادِمِهِ الَّذِي أسْرَعَ لِيَطْبُخَهُ. ثُمَّ أخَذَ إبْرَاهِيمُ زُبْدًا وَحَلِيبًا وَالعِجلَ الَّذِي طَبَخَهُ، وَوَضَعَ هَذَا كُلَّهُ أمَامَهُمْ، وَوَقَفَ قُرْبَهُمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بَيْنَمَا هُمْ يَأْكُلُونَ. فَقَالُوا لَهُ: «أيْنَ زَوْجَتُكَ سَارَةُ؟» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «هُنَاكَ، فِي الخَيْمَةِ.» فَقَالَ: «سأعُودُ إلَيكَ فِي الرَّبيعِ القَادِمِ، وَسَيَكُونُ لِزَوْجَتِكَ سَارَةَ وَلَدٌ.» وَكَانَتْ سَارَةُ تَسْتَمِعُ عِنْدَ مَدْخَلِ الخَيْمَةِ وَرَاءَهُ. وَكَانَا قَدْ شَاخَا. وَانقَطَعَتِ العَادَةُ الشَّهْرِيَّةُ عِنْدَ سَارَةَ مُنْذُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي نَفْسِهَا وَقَالَتْ: «أبَعْدَ أنْ كَادَ يَفْنَى جَسَدِي، وَشَاخَ زَوْجِي، أهْنأُ بِهَذَا الأمْرِ؟» فَقَالَ اللهُ لِإبْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ وَقَالَتْ: ‹هَلْ أُرْزَقُ بِطِفلٍ حَقًّا وَأنَا قَدْ شِخْتُ؟› هَلْ يَسْتَحيلُ أمْرٌ عَلَى اللهُ ؟ فِي الوَقْتِ المُحَدَّدِ سأعُودُ إلَيكَ – فِي الرَّبيعِ القَادِمِ – وَسَيَكُونُ لِسَارَةَ وَلَدٌ.» فَخَافَتْ سَارَةُ، فَأنْكَرَتْ وَقَالَتْ: «لَمْ أضْحَكْ!» فَقَالَ: «بَلْ ضَحِكْتِ!» ثُمَّ انطَلَقَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَاكَ وَأشْرَفُوا عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ. وَكَانَ إبْرَاهِيمُ يَمْشِي مَعَهُمْ لِيُوَدِّعَهُمْ. فَقَالَ اللهُ : «كَيفَ أُخفِي عَنْ إبْرَاهِيمَ مَا أُوشِكُ أنْ أفْعَلَهُ؟ فَهُوَ سَيُصبِحُ أُمَّةً عَظِيمَةً وَقَوِيَّةً. وَبِهِ سَتَتَبَارَكُ كُلُّ أُمَمِ الأرْضِ. وَقَدِ اختَرْتُهُ لِأنَّهُ سَيَأْمُرُ أبْنَاءَهُ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أنْ يَحْيَوْا كَمَا يُرِيدُهُمُ اللهُ . فَيَعْمَلُوا أعْمَالَ البِرِّ وَالإنْصَافِ، وَأُحَقِّقُ، أنَا اللهَ ، لِإبْرَاهِيمَ مَا وَعَدْتُهُ بِهِ.» ثُمَّ قَالَ اللهُ : «الشَّكَاوَى كَثِيرَةٌ جِدًّا عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ. وَخَطِيَّتُهُمْ عَظِيمَةٌ جِدًّا. سَأنْزِلُ، وَسَأرَى إنْ كَانُوا قَدْ فَعَلُوا كُلَّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ شَكْوَى أمْ لَمْ يَفْعَلُوا.» فَانصَرَفَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَاكَ وَسَارُوا نَحْوَ سَدُومَ. أمَّا إبْرَاهِيمُ فَظَلَّ وَاقِفًا فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَدَنَا إبْرَاهِيمُ مِنَ اللهِ وَقَالَ: «أحَقًّا سَتَسْحَقُ الصَّالِحِينَ مَعَ الأشْرَارِ؟ فَمَاذَا إذَا كَانَ هُنَاكَ خَمْسُونَ صَالِحًا فِي المَدِينَةِ؟ فَهَلْ سَتَسْحَقُ المَدِينَةَ؟ أفَلَا تَعْفُو عَنِ المَدِينَةِ مِنْ أجْلِ الخَمْسِينَ الصَّالِحِينَ السَّاكِنِينَ فِي المَدِينَةِ؟ لَنْ تَفْعَلَ هَذَا بِكُلِّ تأكِيدٍ: لَنْ تَقْتُلَ الصَّالِحَ مَعَ الشِّرِّيرِ. فَتُسَاوِي بَيْنَ الصَّالِحِ وَالشِّرِّيرِ. لَا يُمْكِنُ أنْ لَا يَكُونَ قَاضِي الأرْضِ كُلِّهَا عَادِلًا؟» فَقَالَ اللهُ : «إنْ وَجَدْتُ فِي سَدُومَ خَمْسِينَ صَالِحِينَ، سَأعْفُو عَنِ المَدِينَةِ كُلِّهَا بِسَبَبِهِمْ.» فَأجَابَ إبْرَاهِيمُ: «قَدْ تَجَرَّأتُ فِي مُخَاطَبَةِ الرَّبِّ، وَأنَا لَسْتُ سِوَى تُرَابٍ وَرَمَادٍ! لَكِنْ مَاذَا إنْ وُجِدَ خَمْسةٌ وَأرْبَعُونَ فَقَطْ صَالِحُونَ؟ هَلْ سَتُدَمِّرِ المَدِينَةَ كُلَّهَا بِسَبَبِ الخَمْسَةِ؟» فَقَالَ: «لَنْ أُدَمِّرَ المَدِينَةَ إنْ وُجِدَ فِيهَا خَمْسَةٌ وَأرْبَعُونَ صَالِحُونَ.» ثُمَّ تَكَلَّمَ إبْرَاهِيمُ إلَيْهِ ثَانِيَةً وَقَالَ: «فَمَاذَا إنْ وُجِدَ أرْبَعُونَ صَالِحُونَ؟» فَقَالَ: «لَنْ أُدَمِّرَ المَدِينَةَ مِنْ أجْلِ الأرْبَعِينَ.» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «يَا رَبِّي، لَا تَغْضَبْ مِنِّي إنْ تَكَلَّمْتُ هَذِهِ المَرَّةِ. فَمَاذَا إنْ وُجِدَ ثَلَاثَونَ صَالِحُونَ؟» فَقَالَ: «لَنْ أُدَمِّرَهَا إنْ وَجَدْتُ ثَلَاثِينَ صَالِحِينَ.» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «هَا قَدْ تَجَاسَرْتُ كَثِيرًا فِي الحَدِيثِ مَعَ رَبِّي، لَكِنْ مَاذَا إنْ وُجِدَ عِشْرُونَ صَالِحُونَ؟» فَقَالَ: «لَنْ أُدَمِّرَهَا مِنْ أجْلِ العِشْرِينَ.» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «يَا رَبُّ، لَا تَغْضَبْ مِنِّي فَأتَكَلَّمَ لِلمَرَّةِ الأخِيرَةِ. مَاذَا إنْ وُجِدَ فِيهَا عَشْرَةٌ صَالِحُونَ؟» فَقَالَ: «لَنْ أُدَمِّرَهَا مِنْ أجْلِ العَشْرَةِ الصَّالِحِينَ.» ثُمَّ ذَهَبَ اللهُ بَعْدَ أنْ أنهَى حَدِيثَهُ مَعَ إبْرَاهِيمَ. أمَّا إبْرَاهِيمُ فَعَادَ إلَى بَيْتِهِ. وَوَصَلَ المَلَاكَانِ إلَى مَدِينَةِ سَدُومَ فِي المَسَاءِ. وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا عِنْدَ بَوَّابَةِ سَدُومَ. فَلَمَّا رآهُمَا، قَامَ لُوطٌ وَخَرَجَ لِيَسْتَقْبِلَهُمَا. ثُمَّ انحَنَى لَهُمَا وَوَجْهُهُ إلَى الأرْضِ. وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، أرْجُو أنْ تَتَفَضَّلَا إلَى بَيْتِ خَادِمِكُمَا. بِيتَا اللَّيلَة عِنْدِي وَاغْسِلَا أقْدَامَكُمَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ تُبَكِّرَانِ وَتَمْضِيَانِ فِي طَرِيقِكُمَا.» فَقَالَا: «لَا، بَلْ سَنَبِيتُ اللَّيلَةَ فِي سَاحَةِ المَدِينَةِ.» لَكِنَّ لُوطًا ألَحَّ عَلَيْهِمَا كَثِيرًا، فَقَبِلَا دَعْوَتَهُ وَذَهَبَا إلَى بَيْتِهِ. وَأعَدَّ لَهُمَا لُوطٌ طَعَامًا، وَخَبَزَ لَهُمَا فَطِيرًا فَأكَلَا. وَقَبْلَ أنْ يَنَامَا، جَاءَ رِجَالُ مَدِينَةِ سَدُومَ، شُبَّانًا وَكِبَارًا. جَاءُوا جَمِيعًا وَحَاصَرُوا البَيْتَ. وَنَادَوْا عَلَى لُوطٍ وَقَالُوا: «أيْنَ الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ جَاءَا إلَيكَ لَيلًا؟ أخْرِجْهُمَا إلَينَا لِكَي نُعَاشِرَهُمَا.» فَخَرَجَ لُوطٌ إلَيْهِمْ، وَأغلَقَ البَابَ خَلْفَهُ. ثُمَّ قَالَ: «أرْجُوكُمْ، أيُّهَا الأصْدِقَاءُ، أنْ لَا تَفْعَلُوا هَذَا الشَّرَّ. هَا إنَّ لَدَيَّ ابْنَتَيْنِ عَذْرَاوَينِ. أنَا مُسْتَعِدٌّ أنْ أُحْضِرَهُمَا لَكُمْ لِتَفْعَلُوا بِهِمَا مَا تُرِيدُونَ. أمَّا هَذَانِ الرَّجُلَانِ، فَلَا تَمَسُّوهُمَا، لِأنَّهُمَا صَارَا فِي حِمَايَةِ بَيْتِي.» فَقَالُوا: «لَا تَقِفْ فِي طَرِيقِنَا.» وَقَالُوا: «جَاءَ هَذَا الرَّجُلُ إلَى مَدِينَتِنَا غَرِيبًا. فَهَلْ نَتْرُكُهُ الآنَ يَتَحَكَّمُ بِنَا؟ لِهَذَا سَنَفعَلُ بِكَ أسْوَأَ مِمَّا سَنَفْعَلُ بِهِمَا!» ثُمَّ تَزَاحَمُوا عَلَى لُوطٍ. وَأوشَكُوا أنْ يُحَطِّمُوا البَابَ. فَفَتَحَ الرَّجُلَانِ البَابَ، وَمَدَّا أيدِيَهُمَا، وَجَذَبَا لُوطًا إلَى دَاخِلِ البَيْتِ، وَأغلَقَا البَابَ. ثًمَّ ضَرَبَا جَمِيعَ الرِّجَالِ الَّذِينَ خَارِجَ بَابِ البَيْتِ، شُبَّانًا وَكِبَارًا، بِالعَمَى. فَلَمْ يَقْدِرُوا أنْ يَجِدُوا البَابَ. فَقَالَ الرَّجُلَانِ لِلُوطٍ: «ألَكَ أقْرِبَاءُ هُنَا؟ هَيَّا أخْرِجْ مِنْ هَذَا المَكَانِ أصْهَارَكَ وَأبْنَاءَكَ وَبَنَاتِكَ، وَجَمِيعَ أقرِبَائِكَ فِي هَذِهِ المَدِينَةِ، لِأنَّنَا سَنُدَمِّرُ هَذَا المَكَانَ. فَاللهُ قَدْ سَمِعَ بِعِظَمِ شَرِّ هَذِهِ المَدِينَةِ، فَأرْسَلَنَا اللهُ لِنُدَمِّرَهَا.» فَخَرَجَ لُوطٌ وَقَالَ لِأصْهَارِهِ: «هَيَّا غَادِرُوا هَذَا المَكَانَ، لِأنَّ اللهَ سَيُدَمِّرُ المَدِينَةَ قَرِيبًا.» فَظَنُّوا أنَّهُ يُمَازِحُهُمْ! وَلَمَّا طَلَعَ الفَجْرُ، اسْتَعْجَلَ المَلَاكَانِ لُوطًا وَقَالُوا لَهُ: «هَيَّا خُذْ زَوْجَتَكَ وَابْنَتَيكَ اللَّوَاتِي مَعَكَ، وَإلَّا قُتِلْتُمْ فِي المَدِينَةِ الَّتِي سَتُدَمَّرُ عِقَابًا لَهَا.» وَإذْ تَبَاطَأ لُوطٌ، أمسَكَ المَلَاكَانِ بِهِ وَبِامْرَأتِهِ وَابْنَتَيهِ مِنْ أيدِيهِمْ، لِأنَّ اللهَ كَانَ رَحِيمًا بِهِ. فَأخرَجَاهُ، وَتَرَكَاهُ خَارِجَ المَدِينَةِ. فَلَمَّا أخرَجَا لُوطًا وَعَائِلَتَهُ، قَالَ أحَدُ المَلَاكَينِ: «انجُ بِنَفْسِكَ! وَلَا تَلْتَفِتْ وَرَاءَكَ. لَا تَتَوَقَّفْ فِي أيِّ مَكَانٍ فِي هَذَا السَّهلِ. بَلِ اهْرُبْ إلَى الجِبَالِ وَإلَّا هَلِكْتَ.» فَقَالَ لُوطٌ لَهُمَا: «لَا يَا سَيِّدَيَّ. قَدْ رَضَيتُمَا عَنِّي، أنَا خَادِمَكُمَا، وَأظْهَرْتُمَا لُطفًا كَثِيرًا فِي إنقَاذِ حَيَاتِي. أنَا لَا أقْدِرُ عَلَى الهَرَبِ إلَى الجِبَالِ. وَأخشَى أنْ يُدْرِكَنِي الدَّمَارُ، فَأمُوتَ. هُنَاكَ بَلْدَةُ قَرِيبَةٌ لِلهَرَبِ إلَيْهَا. وَهِيَ صَغِيرَةٌ. أهرُبُ إلَى هُنَاكَ. ألَيسَتْ صَغِيرَةً؟ فَسَتَكونُ حَيَاتِي فِي أمَانٍ هُنَاكَ.» فَقَالَ لَهُ المَلَاكُ: «طَلَبُكَ مَقْبُولٌ. سَأعمَلُ هَذَا مِنْ أجْلِكَ أيْضًا، وَلَنْ أُدَمِّرَ تِلْكَ البَلْدَةَ. فَأسْرِعِ! اهرُبْ إلَى هُنَاكَ! فَلَنْ أقدِرَ أنْ أفعَلَ شَيْئًا حَتَّى تَصِلَ إلَى هُنَاكَ.» مِنْ أجْلِ هَذَا سُمِّيَتِ البَلْدَةُ صُوغَرَ، لِأنَّهَا صَغِيرَةٌ. وَمَعَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، دَخَلَ لُوطٌ إلَى صُوغَرَ. ثُمَّ أمطَرَ اللهُ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا مُلْتَهِبًا وَنَارًا مِنْ عِندِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ. فَدَمَّرَهُمَا مَعَ الوَادِي كُلِّهِ، وَكُلِّ السَّاكِنِينَ هُنَاكَ، وَكُلِّ مَا نَمَا فِي الأرْضِ. وَنَظَرَتْ زَوْجَةُ لُوطٍ وَرَاءَهَا، فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ! فَبَكَّرَ إبْرَاهِيمُ إلَى المَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَأطَلَّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَكُلِّ أرْضِ الوَادِي، فَرَأى الدُّخَانَ صَاعِدًا مِنَ الأرْضِ كَدُخَانِ فُرْنٍ كَبِيرٍ. فَلَمَّا دَمَّرَ اللهُ مُدُنَ الوَادِي، تَذَكَّرَ صَلَاةَ إبْرَاهِيمَ، وَأخرَجَ لُوطًا مِنْ وَسْطِ الدَّمَارِ، قَبْلَ أنْ يُدَمِّرَ المُدُنَ الَّتِي كَانَ لُوطٌ يُقِيمُ فِيهَا. وَخَرَجَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الجِبَالِ مَعَ ابْنَتَيهِ. فَقَدْ خَشِيَ لُوطٌ مِنَ السُّكنَى فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ مَعَ ابْنَتَيهِ فِي كَهفٍ. فَقَالَتِ البِكْرُ لِأُختِهَا الصُّغْرَى: «لَقَدْ شَاخَ أبوْنَا، وَلَيسَ فِي الأرْضِ رَجُلٌ يُعَاشِرُنَا كَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ فِي كُلِّ الأرْضِ. فَهَيَّا نُسكِرْ أبَانَا بِالخَمْرِ، ثُمَّ نُعَاشِرُهُ. وَبِهَذَا نُبقِي عَلَى عَائِلَتِنَا مِنْ خِلَالِ أبِينَا.» فَأسْكَرَتِ الأُختَانِ أبَاهُمَا بِالخَمْرِ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ. ثُمَّ قَامَتِ الأُختُ البِكْرُ وَعَاشَرَتْ أبِيهَا. أمَّا لُوطٌ فَلَمْ يَدْرِ مَتَى جَاءَتْ إلَيْهِ وَمَتَى قَامَتْ مِنَ الفِرَاشِ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، قَالَتِ الأُختُ الكُبْرَى لِلصُّغرَى: «هَا قَدْ عَاشَرْتُ أبِي لَيلَةَ أمْسِ، فَلْنُسْكِرْهُ اللَّيلَةَ أيْضًا بِالخَمْرِ. ثُمَّ أنْتِ اذهَبِي وَعَاشِرِيهِ. وَبِهَذَا نُبقِي عَلَى عَائِلَتِنَا مِنْ خِلَالِ أبِينَا.» فَأسْكَرَتِ الأُختَانِ أبَاهُمَا بِالخَمْرِ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ أيْضًا. ثُمَّ قَامَتِ الأُختُ الصُّغرَى وَعَاشَرَتْ أبِيهَا. أمَّا لُوطٌ فَلَمْ يَدْرِ مَتَى جَاءَتْ إلَيْهِ وَمَتَى قَامَتْ مِنَ الفِرَاشِ. وَهَكَذَا حَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أبِيهِمَا! فَأنْجَبَتِ البِكرُ وَلَدًا أسْمَتْهُ «مُوآبَ،» وَهُوَ أبو جَمِيعِ المُوآبِيِّينَ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَأنْجَبَتِ الصُّغرَى وَلَدًا أسْمَتْهُ «بِنْ عَمِّي،» وَهُوَ أبُو جَمِيعِ العَمُّونِيِّينَ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَارْتَحَلَ إبْرَاهِيمُ مِنْ هُنَاكَ إلَى أرْضِ النَّقَبِ، وَاسْتَقَرَّ بَيْنَ قَادِشَ وَشُورَ. فَأقَامَ فِي جَرَارَ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ لِلنَّاسِ هُنَاكَ عَنْ زَوْجَتِهِ سَارَةَ: «هَذِهِ أُختِي.» فَسَمِعَ أبِيمَالِكُ مَلِكُ جَرَارَ عَنْ سَارَةَ، فَأرْسَلَ فِي طَلَبِهَا، وَأخَذَهَا. فَجَاءَ اللهُ إلَى أبِيمَالِكَ لَيلًا فِي حُلْمٍ. وَقَالَ لَهُ: «هَا أنْتَ سَتَمُوتُ بِسَبَبِ المَرْأةِ الَّتِي أخَذْتَهَا. فَهِيَ زَوْجَةٌ لِرَجُلٍ.» وَلَمْ يَكُنْ أبِيمَالِكُ قَدْ عَاشَرَهَا. فَقَالَ: «يَا رَبُّ، أتَقْتُلُ إنْسَانًا بَرِيئًا؟ ألَمْ يَقُلْ لِي: ‹هَذِهِ أُختِي›؟ وَسَارَةُ نَفْسُهَا قَالَتْ عَنْهُ: ‹هَذَا أخِي.› أنَا فَعَلْتُ هَذَا بِنِيَّةٍ سَلِيمَةٍ وَقَصدٍ طَاهِرٍ.» فَقَالَ لَهُ اللهُ فِي الحُلْمِ: «أنَا أيْضًا أعْرِفُ أنَّكَ فَعَلْتَ هّذَا بِنِيَّةٍ سَلِيمَةٍ، فَمَنَعْتُكَ مِنْ أنْ تَلْمِسَهَا وَتُخطِئَ إلَيَّ. فَالآنَ رُدَّ الزَّوْجَةَ لِزَوْجِهَا. فَهُوَ نَبِيٌّ. وَهُوَ سَيُصَلِّي مِنْ أجْلِكَ فَتَحيَا. وَإنْ لَمْ تَرُدَّهَا، فَاعلَمْ أنَّكَ وَعَائِلَتَكَ لَا بُدَّ أنْ تَمُوتُوا.» فَبَكَّرَ أبِيمَالِكُ فِي الصَّبَاحِ وَدَعَا كُلَّ خُدَّامِهِ، وَأخبَرَهُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فِي الحُلْمِ. فَخَافَ الرِّجَالُ كَثِيرًا. ثُمَّ اسْتَدْعَى أبِيمَالِكُ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ لَهُ: «لِمَ فَعَلْتَ بِنَا هَذَا؟ هَلْ أسَأتُ إلَيكَ لِكَي تُسيئَ إسَاءَةً عَظِيمَةً إلَيَّ وَإلَى مَملَكَتِي؟ قَدْ فَعَلْتَ بِي مَا لَا يَلِيقُ.» وَأضَافَ أبِيمَالِكُ: «مَا الَّذِي وَاجَهْتَهُ هُنَا حَتَّى اضطَرَّكَ إلَى فِعلِ مَا فَعَلْتَ؟» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «قُلْتُ فِي نَفْسِي: ‹لَا بُدَّ أنَّهُ لَيسَ هُنَاكَ فِي هَذَا المَكَانِ مَنْ يَتَّقِي اللهَ. وَلِهَذَا فَإنَّهُمْ سَيَقْتُلُونَنِي لِأجْلِ زَوْجَتِي.› كَمَا أنَّ سَارَةَ هِيَ أُختِي حَقًّا، فَهِيَ ابْنَةُ أبِي، غَيْرَ إنَّهَا لَيسَتِ ابْنَةَ أُمِّي. وَصَارَتْ زَوْجَتِي. وَعِنْدَمَا أخرَجَنِي اللهُ لِأرْحَلَ مِنْ بَيْتِ أبِي، قُلْتُ لَهَا: ‹اصْنَعِي مَعِي هَذَا المَعرُوفَ: حَيْثُمَا ذَهَبْنَا، قُولِي عَنِّي: هَذَا أخِي.›» فَأخَذَ أبِيمَالِكُ غَنَمًا وَبَقَرًا وَخَدَمًا وَخَادِمَاتٍ وَأعْطَاهَا لِإبْرَاهِيمَ. كَمَا أعَادَ إلَيْهِ زَوْجَتَهُ سَارَةَ. وَقَالَ أبِيمَالِكُ: «هَا أرْضِي مَفتُوحَةٌ لَكَ. فَاسْكُنْ حَيْثُ تُرِيدُ.» ثُمَّ قَالَ أبِيمَالِكُ لِسَارَةَ: «هَا قَدْ أعْطَيْتُ أخَاكِ ألْفَ قِطْعَةٍ فِضِّيَّةٍ. فَهِيَ شَهَادَةٌ عَلَى بَرَاءَتِكِ أمَامَ كُلِّ الَّذِينَ مَعَكِ. فَأنْتِ بَرِيئَةٌ تَمَامًا.» ثُمَّ صَلَّى إبْرَاهِيمُ إلَى اللهِ. فَشَفَى اللهُ أبِيمَالِكَ وَزَوْجَتَهُ وَجَوَارِيهِ، فَأنْجَبَا أطْفَالًا. فَقَدْ كَانَ اللهُ قَدْ مَنَعَ كُلَّ النِّسَاءِ فِي بَيْتِ أبِيمَالِكَ مِنَ الإنْجَابِ بِسَبَبِ سَارَةَ، زَوْجَةِ إبْرَاهِيمَ. وَأظْهَرَ اللهُ نِعْمَةً لِسَارَةَ كَمَا وَعَدَ. وَعَمِلَ اللهُ مَعَهَا كَمَا سَبَقَ أنْ أعْلَنَ لِزَوْجِهَا. فَحَبِلَتْ سَارَةُ وَأنْجَبَتْ وَلَدًا لِإبْرَاهِيمَ فِي شَيخُوخَتِهِ. وَفِي المَوْعِدِ الَّذِي سَبَقَ أنْ حَدَّدَهُ اللهُ لَهَا. وَسَمَّى إبْرَاهِيمُ ابْنَهُ الَّذِي وَلَدَتْهُ لَهُ سَارَةُ إسْحَاقَ. وَخَتَنَ إبْرَاهِيمُ ابْنَهُ إسْحَاقَ عِنْدَمَا بَلَغَ ثَمَانِيَةَ أيَّامٍ مِنْ عُمْرِهِ، كَمَا أوْصَاهُ اللهُ. وَكَانَ عُمْرُ إبْرَاهِيمَ مِئَةَ سَنَةٍ عِنْدَمَا رُزِقَ بِابْنِهِ إسْحَاقَ. فَقَالَتْ سَارَةُ: «لَقَدْ أضحَكَنِي اللهُ. وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ عَنْ هَذَا سَيَضْحَكُ مَعِي.» وَقَالَتْ أيْضًا: «مَنْ كَانَ يَتَخَيَّلُ أنْ يُقَالَ لِإبْرَاهِيمَ: ‹سَتُرْضِعُ سَارَةُ أطْفَالًا›؟ لَكِنِّي أنجَبْتُ وَلَدًا لَهُ فِي شَيخُوخَتِهِ.» وَكَبِرَ الطِّفلُ وَفُطِمَ. فَأقَامَ إبْرَاهِيمُ حَفلَةً كَبِيرَةً يَوْمَ فُطِمَ إسْحَاقُ. وَرَأتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ المِصْرِيَّةَ الَّذِي وَلَدَتْهُ لِإبْرَاهِيمَ يُضَايِقُ إسْحَاقَ. فَقَالَتْ لِإبْرَاهِيمَ: «اطرُدْ هَذِهِ الجَارِيَةَ وَابْنَهَا بَعِيدًا، لِأنَّ ابْنَ هَذِهِ الجَارِيَةِ لَنْ يَرِثَ مَعَ ابْنِي إسْحَاقَ.» فَسَاءَ هَذَا الأمْرُ إبْرَاهِيمَ كَثِيرًا بِسَبَبِ ابْنِهِ إسْمَاعِيلَ. فَقَالَ اللهُ لِإبْرَاهِيمَ: «لَا تَتَضَايَقْ بِسَبَبِ ابْنِكَ وَجَارِيَتِكَ، بَلِ افْعَلْ كُلَّ مَا قَالَتْهُ لَكَ سَارَةُ. وَسَيَكُونُ لَكَ نَسْلٌ بِوَاسِطَةِ إسْحَاقَ. وَسَأجْعَلُ ابْنَ الجَارِيَةِ أيْضًا أُمَّةً، لِأنَّهُ ابْنُكَ.» فَقَامَ إبْرَاهِيمُ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ، وَأخَذَ طَعَامًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَوَضَعَهُمَا عَلَى كَتِفِ هَاجَرَ، ثُمَّ أعْطَاهَا الوَلَدَ وَأرْسَلَهُمَا فِي طَرِيقِهِمَا. فَغَادَرَتْ هَاجَرُ ذَلِكَ المَكَانِ، وَارْتَحَلَتْ فِي صَحْرَاءِ بِئْرِ السَّبْعِ. فَلَمَّا نَفِذَ المَاءُ مِنَ القِرْبَةِ، وَضَعَتِ الوَلَدَ تَحْتَ إحْدَى الأشْجَارِ. وَذَهَبَتْ لِتَجْلِسَ بَعِيدًا عَنْهُ، عَلَى بُعْدِ رَمْيَةِ قَوْسٍ. إذْ قَالَتْ: «لَا أُرِيدُ أنْ يَمُوتَ ابْنِي تَحْتَ نَظَرِي.» فَجَلَسَتْ عَلَى مَسَافَةٍ، وَأخَذَتْ تَبْكِي. فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الوَلَدِ. فَنَادَى مَلَاكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ، يَا هَاجَرُ؟ لَا تَخَافِي، فَاللهُ قَدْ سَمِعَ الوَلَدَ يَبْكِي هُنَاكَ. فَقُومِي! أنْهِضِي الوَلَدَ، وَأمْسِكِيهِ جَيِّدًا مِنْ يَدِهِ. فَأنَا سَأجعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً.» ثُمَّ أرَاهَا اللهُ بِئْرَ مَاءٍ. فَذَهَبَتْ وَمَلأتِ القِرْبَةَ مَاءً. ثُمَّ سَقَتِ الوَلَدَ. وَكَانَ اللهُ مَعَ الوَلَدِ حَتَّى كَبِرَ. وَسَكَنَ إسْمَاعِيلُ فِي الصَّحْرَاءِ. وَصَارَ رَامِيَ سِهَامٍ. وَعَاشَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ. وَاخْتَارَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، قَالَ أبِيمَالِكُ وَمَعْهُ فِيكُولُ قَائِدُ جَيْشِهِ لِإبْرَاهِيمَ: «إنَّ اللهَ مَعَكَ فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُهُ. فَاحلِفْ لِي بِاللهِ أنَّكَ لَنْ تَلْجَأ يَوْمًا إلَى الغَدْرِ فِي تَعَامُلِكَ مَعِي أوْ مَعَ أبْنَائِي أوْ مَعَ نَسْلِي. فَكَمَا كُنْتُ كَرِيمًا مَعَكَ، احلِفْ أنْ تَكُونَ كَرِيمًا مَعِي وَمَعَ هَذِهِ الأرْضِ الَّتِي تَغَرَّبْتَ فِيهَا.» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «أحلِفُ.» ثُمَّ اشْتَكَى إبْرَاهِيمُ لِأبِيمَالِكَ مِنْ أنَّ عَبِيدَهُ اسْتَوْلُوا عَلَى بِئْرِ مَاءٍ يَخُصُّهُ. فَقَالَ أبِيمَالِكُ: «لَا أعْلَمُ مَنِ الَّذِي فَعَلَ هَذَا. فَأنْتَ لَمْ تُخبِرْنِي فِيمَا مَضَى، وَلَمْ أسْمَعْ بِهَذَا الأمْرِ إلَّا اليَوْمَ.» فَأخَذَ إبْرَاهِيمُ غَنَمًا وَبَقَرًا وَأعْطَاهَا لِأبِيمَالِكَ. وَقَطَعَ الِاثْنَانِ بَيْنَهُمَا عَهْدًا. وَفَرَزَ إبْرَاهِيمُ سَبْعَ نِعَاجٍ مِنَ القَطِيعِ. فَسَألَ أبِيمَالِكُ إبْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا فَرَزْتَ هَذِهِ النِّعَاجَ السَّبْعَ وَحْدَهَا؟» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «سَتَأْخُذُ هَذِهِ النِّعَاجَ السَّبْعَ مِنِّي شَهَادَةً عَلَى أنِّي حَفَرْتُ هَذَهِ البِئْرَ.» فَبَعْدَ ذَلِكَ سُمِّيَتْ تِلْكَ البِئْرُ بِئْرَ سَبْعٍ، لِأنَّهُمَا قَطَعَا عَهْدًا وَأقْسَمَا هُنَاكَ. فَقَطَعَا عَهْدًا فِي بِئْرِ السَّبْعِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ عَادَ أبِيمَالِكُ وَفِيكُولُ رَئِيسُ جَيْشِهِ إلَى أرْضِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَزَرَعَ إبْرَاهِيمُ شَجَرَةَ أثْلٍ فِي بِئْرِ السَّبْعِ. وَهُنَاكَ صَلَّى بِاسْمِ يهوه، الإلَهِ السَّرْمَدِيِّ. وَتَغَرَّبَ إبْرَاهِيمُ فِي أرْضِ الفِلِسْطِيِّينَ مُدَّةً طَوِيلَةً. وَبَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ أرَادَ اللهُ أنْ يَمْتَحِنَ إبْرَاهِيمَ. فَقَالَ لَهُ: «إبْرَاهِيمُ!» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «سَمْعًا وَطَاعَةً.» فَقَالَ اللهُ: «خُذْ إسْحَاقَ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ. وَاذْهَبْ إلَى أرْضِ المُرِيَّا. وَهُنَاكَ قَدِّمْهُ لِي ذَبِيحَةً عَلَى جَبَلٍ سَأُرِيهِ لَكَ.» فَقَامَ إبْرَاهِيمُ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ، وَأسْرَجَ حِمَارَهُ. وَأخَذَ مَعَهُ اثنَيْنِ مِنْ خَدَمِهِ وَإسْحَاقَ ابْنَهُ. وَقَطَّعَ حَطَبًا لِلذَّبِيحَةِ. وَمَضَى مَعَهُمْ إلَى المَكَانِ الَّذِي أرَاهُ إيَّاهُ اللهُ. وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إبْرَاهِيمُ نَظَرَهُ، فَرَأى المَكَانَ مِنْ بَعِيدٍ. ثُمَّ قَالَ إبْرَاهِيمُ لِخَادِمَيهِ: «ابْقَيَا هُنَا مَعَ الحِمَارِ. سَنَذْهَبُ أنَا وَالصَّبِيُّ إلَى ذَلِكَ المَكَانِ لِنَسجُدَ، ثُمَّ سَنَعُودُ إلَيكُمَا.» وَأخَذَ إبْرَاهِيمُ الحَطَبَّ المُعَدَّ لِلذَّبِيحَةِ، وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِ ابْنِهِ إسْحَاقَ. وَأخَذَ فِي يَدِهِ إنَاءَ الجَمْرِ وَالسِّكِّينَ. وَمَشَى كِلَاهُمَا مَعًا. ثُمَّ قَالَ إسْحَاقُ لِإبْرَاهِيمَ أبِيهِ: «يَا أبِي!» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «نَعَمْ يَا بُنَيَّ.» فَقَالَ إسْحَاقُ: «النَّارُ وَالحَطَبُ مَعَنَا، لَكِنْ أيْنَ الحَمَلُ لِلذَبِيحَةِ؟» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «اللهُ يُدَبِّرُ لِنَفْسِهِ الذَّبِيحَةَ يَا بُنَيَّ.» ثُمَّ تَابَعَ الِاثْنَانِ سَيرَهُمَا. وَوَصَلَا إلَى المَكَانِ الَّذِي حَدَّدَهُ اللهُ لِإبْرَاهِيمَ. وَهُنَاكَ بَنَى إبْرَاهِيمُ مَذْبَحًا، وَرَتَّبَ الحَطَبَ عَلَيْهِ. ثُمَّ رَبَطَ ابْنَهُ إسْحَاقَ، وَوَضَعَهُ عَلَى المَذْبَحِ فَوْقَ الحَطَبِ. وَمَدَّ إبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. لَكِنَّ مَلَاكَ اللهِ نَادَاهُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَ لَهُ: «إبْرَاهِيمُ! إبْرَاهِيمُ!» فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: «سَمْعًا وَطَاعَةً!» فَقَالَ: «تَوَقَّفْ! لَا تُؤْذِ الصَّبِيَّ، وَلَا تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا. الآنَ عَرَفْتُ أنَّكَ تَخَافُنِي، حَتَّى إنَّكَ لَمْ تَمْنَعْ عَنِّي ابْنَكَ الوَحِيدَ.» ثُمَّ رَفَعَ إبْرَاهِيمُ نَظَرَهُ، فَرَأى كَبْشًا عَالِقًا مِنْ قَرْنَيهِ بِشُجَيرَةٍ. فَذَهَبَ إبْرَاهِيمُ وَأخَذَ الكَبْشَ، ثُمَّ قَدَّمَهُ ذَبِيحَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ. وَسَمَّى إبْرَاهِيمُ ذَلِكَ المَكَانَ «يهوه يُدَبِّرُ.» فَيَقُولُ النَّاسُ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ: «فِي الجَبَلِ، يهوه يُدّبِّرُ.» ثُمَّ نَادَى مَلَاكُ اللهِ إبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أُقْسِمُ بِذَاتِي، يَقُولُ اللهُ : ‹لِأنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأمْرَ، وَلَمْ تَبْخَلْ عَلَيَّ بِابْنِكَ الوَحِيدِ، سَأُبَارِكُكَ بِكُلِّ بَرَكَةٍ. وَسَأُعْطِيكَ أحفَادًا بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَحَبَّاتِ رَملِ الشَّوَاطِئِ. وَسَيَسْتَوْلِي أحفَادُكَ عَلَى مُدُنِ أعْدَائِهِمْ. وَبِنَسْلِكَ سَتَنَالُ كُلُّ أُمَمِ الأرْضِ بَرَكَةً، لِأنَّكَ أطَعْتَنِي.›» ثُمَّ عَادَ إبْرَاهِيمُ إلَى خَادِمَيهِ. وَقَامُوا وَذَهَبُوا مَعًا إلَى بِئْرِ السَّبْعِ. وَاسْتَقَرَّ إبْرَاهِيمُ فِي بِئْرِ السَّبْعِ. بَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الأحْدَاثِ قِيلَ لِإبْرَاهِيمَ: «أنْجَبَتْ مِلْكَةُ أبْنَاءً لِأخِيكَ نَاحُورَ. عُوصًا البِكْرَ، وَبُوزًا أخَاهُ، وَقَمُوئِيلَ أبَا أرَامَ، وَكَاسَدَ وَحَزْوًا وَفِلْدَاشَ وَيِدلَافَ وَبَتُوئِيلَ.» وَأنْجَبَ بَتُوئِيلُ رِفْقَةَ. أنْجَبَتْ مِلْكَةُ هَؤُلَاءِ الأبْنَاءَ الثَّمَانِيَةَ لِنَاحُورَ، أخِي إبْرَاهِيمَ. كَمَا أنْجَبَتْ لَهُ جَارِيَتُهُ وَزَوْجَتُهُ رَؤُومَةُ طَابَحَ وَجَاحَمَ وَتَاحَشَ وَمَعْكَةَ. وَامْتَدَّ العُمْرُ بِسَارَةَ مِئَةً وَسَبعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. ثُمَّ مَاتَتْ فِي قَرْيَةِ أرْبَعَ، أيْ حَبْرُونَ الَّتِي فِي أرْضِ كَنْعَانَ. وَذَهَبَ إبْرَاهِيمُ لِيَنْدُبَ سَارَةَ وَيَبْكِيَ عَلَيهَا. ثُمَّ قَامَ إبْرَاهِيمُ مِنْ جَانِبِ زَوْجَتِهِ المُتَوَفَّاةِ، وَقَالَ لِلحِثِّيِّينَ: «أنَا غَرِيبٌ وَنَزِيلٌ بَيْنَكُمْ. فَأعطُونِي أرْضًا كَي أجعَلَهَا مَدْفَنًا وَأدْفِنَ فِيهَا فَقِيدَتِي.» فَأجَابَ الحِثِّيُّونَ إبْرَاهِيمَ: «اسْتَمِعْ إلَينَا يَا سَيِّدُ. أنْتَ رَئِيسٌ عَظِيمٌ بَيْنَنَا مِنَ اللهِ. فَادفِنْ فَقِيدَتَكَ فِي أحسَنِ مَدَافِنِنَا. فَلنْ يَبْخَلَ عَلَيكَ أحَدٌ بِقَبْرِهِ، أوْ يَمْنَعَكَ مِنْ دَفْنِ فَقِيدَتِكَ.» فَقَامَ إبْرَاهِيمُ وَانحَنَى احتِرَامًا لِسُكَّانِ تِلْكَ الأرْضِ مِنَ الحِثِّيِّينَ. وَقَالَ لَهُمْ: «إنْ كُنْتُمْ رَاغِبِينَ حقًّا فِي مُسَاعَدَتِي فِي دَفنِ فَقِيدَتِي، فَاسْتَمِعُوا إلَيَّ. أُرِيدُكُمْ أنْ تُكَلِّمُوا عِفْرُونَ بْنَ صُوحَرَ عَنِّي. وَاطلُبُوا مِنْهُ أنْ يُعطِيَنِي مَغَارَةَ المَكْفِيلَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا، وَالَّتِي تَقَعُ فِي طَرَفِ حَقلِهِ. وَلْيُعطِنِي إيَّاهَا بِسِعْرٍ كَامِلٍ بِحُضُورِكُمْ، فَتَكُونَ مَدْفَنًا مِلْكًا لِي.» وَكَانَ عِفْرُونُ الحِثِّيُّ جَالِسًا هُنَاكَ بَيْنَ الحِثِّيِّينَ. فَرَدَّ عَلَى إبْرَاهِيمَ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الحِثِّيِّينَ الَّذِينَ دَخَلُوا لِيَشْتَرِكُوا فِي المَجلِسِ عِنْدَ بَابِ المَدِينَةِ. قَالَ: «لَا يَا سَيِّدِي. اسْتَمِعْ إلَيَّ. الحَقلُ وَالمَغَارَةُ الَّتِي فِيهِ عَطِيَّةٌ مِنِّي إلَيكَ. وَأنَا أُعْطِيكَ إيَّاهُمَا بِشَهَادَةِ شَعْبِي الحَاضِرِ. فَادفِنْ فَقِيدَتَكَ.» فَانْحَنَى إبْرَاهِيمُ أمَامَ شَعْبِ تِلْكَ الأرْضِ. وَقَالَ لِعِفْرُونَ عَلَى مَسْمَعٍ مِنْ كُلِّ شَعْبِ تِلْكَ الأرْضِ: «لَيتَكَ تَسْتَمِعُ إلَيَّ! دَعْنِي أدفَعُ ثَمَنَ الحَقْلِ. اقْبَلْهُ مِنِّي، فَأدفِنَ فَقِيدَتِي هُنَاكَ.» فَرَدَّ عِفْرُونُ عَلَى إبْرَاهِيمَ: «يَا سَيِّدِي، اسْتَمِعْ إلَيَّ. لَا يُسَاوِي هَذَا الحَقلُ أكْثَرَ مِنْ أرْبَعِ مِئَةِ مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ. وَهُوَ مَبلَغٌ زَهيدٌ لَكَ وَلِي. فَادْفِنْ فَقِيدَتَكَ.» فَفَهِمَ إبْرَاهِيمُ أنَّ عِفْرُونَ يُرِيدُهُ أنْ يَسْمَعَ ثَمَنَ الأرْضِ. فَوَزَنَ لِعِفْرُونَ الفِضَّةَ الَّتِي حَدَّدَهَا عَلَى مَسْمَعٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الحِثِّيِّينَ، أيْ أرْبَعَ مِئَةِ مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ حَسَبَ الأوْزَانِ المُتَعَارَفِ عَلَيهَا عِنْدَ التُّجَّارِ. وَهَكَذَا انتَقَلَتْ مُلْكِيَّةُ حَقْلِ عِفْرُونَ فِي المَكْفِيلَةِ، شَرْقِيَّ مَمْرَا، إلَى إبْرَاهِيمَ. وَقَدْ شَمَلَ ذَلِكَ المَغَارَةَ وَالأشْجَارَ الَّتِي فِي الحَقْلِ وَفِي المِنْطَقَةِ المُحِيطَةِ بِهَا كُلِّهَا. تَمَّ هَذَا فِي حُضُورِ رُؤَسَاءِ الحِثِّيِّينَ، وَكُلِّ الَّذِينَ انضَمُّوا إلَى المَجلِسِ عِنْدَ بَابِ المَدِينَةِ. فَدَفَنَ إبْرَاهِيمُ زَوْجَتَهُ سَارَةَ فِي مَغَارَةِ حَقْلِ المَكْفِيلَةِ، شَرْقِيَّ مَمْرَا – أيْ حَبْرُونَ – فِي أرْضِ كَنْعَانَ. وَهَكَذَا صَارَ الحَقلُ وَالمَغَارَةُ الَّتِي فِيهِ مِلْكًا لِإبْرَاهِيمَ مَدْفَنًا، بِشِرَائِهِمَا مِنَ الحِثِّيِّينَ. وَشَاخَ إبْرَاهِيمُ، وَتَقَدَّمَ بِهِ العُمرُ. وَبَارَكَهُ اللهُ فِي كُلِّ شَيءٍ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ لِكَبيرِ خَدَمِ بَيْتِهِ، المُشرِفِ عَلَى كُلِّ أمْلَاكِهِ: «ضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي. احلِفْ لِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ، أنَّكَ لَنْ تَأْخُذَ لِابْنِي زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ الكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ أسْكُنُ بَيْنَهُمْ. عِدْنِي بِأنَّكَ سَتَذْهَبُ إلَى أرْضِي وَأقرِبَائِي، وَأنَّكَ سَتَأْخُذُ مِنْ هُنَاكَ زَوْجَةً لِابْنِي إسْحَاقَ.» فَقَالَ لَهُ الخَادِمُ: «فَمَاذَا إذَا لَمْ تَرْضَ المَرْأةُ بِأنْ تَأْتِيَ مَعِي إلَى هَذِهِ الأرْضِ؟ فَهَلْ آخُذُ ابْنَكَ إلَى الأرْضِ الَّتِي تَرَكْتَهَا؟» فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ: «إيَّاكَ أنْ تُعِيدَ ابْنِي إلَى هُنَاكَ. السَّمَاءِ، أخرَجَنِي مِنْ بَيْتِ أبِي وَأرْضِ أقْرِبَائِي. وَقَدْ كَلَّمَنِي وَقَطَعَ لِي عَهْدًا فَقَالَ: ‹سَأُعْطِي هَذِهِ الأرْضَ لِنَسْلِكَ.› وَهُوَ الَّذِي سَيُرْسِلُ مَلَاكَهُ أمَامَكَ لِيُعِينَكَ عَلَى أنْ تَأْخُذَ زَوْجَةً لِابْنِي مِنْ هُنَاكَ. أمَّا إذَا لَمْ تَرْضَ المَرْأةُ بِأنْ تَأْتِيَ مَعَكَ، فَأنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ وَعْدِكَ هَذَا لِي. لَكِنْ إيَّاكَ أنْ تُعِيدَ ابْنِي إلَى هُنَاكَ.» فَوَضَعَ الخَادِمُ يَدَهُ تَحْتَ فَخذِ إبْرَاهِيمَ وَحَلَفَ لَهُ فِي هَذَا الأمْرِ. ثُمَّ أخَذَ الخَادِمُ عَشْرَةً مِنْ جِمَالِ سَيِّدِهِ، وَغَادَرَ المَكَانَ مُحَمَّلًا بِكُلِّ أنْوَاعِ الهَدَايَا مِنْ سَيِّدِهِ. ثُمَّ سَارَ إلَى أرَاضِي مَا بَيْنَ النَّهْرَينِ، إلَى مَدِينَةِ نَاحُورَ. وَأنَاخَ الجِمَالَ خَارِجَ المَدِينَةِ عِنْدَ النَّبْعِ. وَكَانَ الوَقْتُ مَسَاءً عِنْدَمَا خَرَجَتِ النِّسَاءُ لِيَسْتَقِينَ مَاءً. فَقَالَ الخَادِمُ: «يَا سَيِّدِي إبْرَاهِيمَ، وَفِّقْنِي اليَوْمَ فِي مَسْعَايَ. وَأظْهِرْ لُطْفَكَ لِسَيِّدِي إبْرَاهِيمَ. هَا أنَا وَاقِفٌ عِنْدَ عَيْنِ المَاءِ. وَهَا فَتَيَاتُ أهْلِ البَلدَةِ خَارِجَاتٌ لِيَسْتَقِينَ مَاءً. فَأعْطِنِي هَذِهِ العَلَامَةَ: إنْ قُلْتُ لِفَتَاةٍ: ‹هَاتِ جَرَّتَكِ لِأشْرَبَ،› فَأجَابَتْ: ‹اشْرَبْ، وَسَأسْقِي جِمَالَكَ أيْضًا!› أعْلَمُ أنَّهَا هِيَ الَّتِي اختَرْتَهَا أنْتَ زَوْجَةً لِخَادِمِكَ إسْحَاقَ. وَبِهَذَا أعْرِفُ أنَّكَ أظْهَرْتَ لُطفَكَ لِسَيِّدِي.» وَقَبْلَ أنْ يُنْهِيَ الخَادِمُ صَلَاتَهُ، إذَا بِرِفْقَةَ تُقبِلُ وَجَرَّتُهَا عَلَى كَتِفِهَا. وَهِيَ ابْنَةُ بَتُوئِيلَ ابْنِ مِلْكَةَ، زَوْجَةِ نَاحُورَ، أخِي إبْرَاهِيمَ. كَانَتْ رِفْقَةُ جَمِيلَةً جِدًّا، وَعَذْرَاءَ لَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ. فَنَزَلَتْ إلَى النَّبْعِ وَمَلأَتْ جَرَّتَهَا، ثُمَّ صَعِدَتْ ثَانِيَةً. فَرَكَضَ الخَادِمُ لِمُلَاقَاتِهَا وَقَالَ لَهَا: «اسْقِينِي قَلِيلًا مِنَ المَاءِ مِنْ جَرَّتِكِ.» فَقَالَتْ رِفْقَةُ: «اشْرَبْ يَا سَيِّدِي.» وَأسْرَعَتْ فَأنزَلَتِ الجَرَّةَ عَنْ يَدِهَا وَسَقَتْهُ. وَبَعْدَ أنْ سَقَتْهُ قَالَتْ: «سأسْتَقِي لِجِمَالِكَ أيْضًا حَتَّى تَرْتَوَيَ جَمِيعًا.» وَأسْرَعَتْ رِفْقَةُ فَأفْرَغَتْ جَرَّتَهَا فِي الحَوْضِ. وَرَكَضَتْ ثَانِيَةً إلَى النَّبْعِ وَاسْتَقَتِ المَزِيدَ مِنَ المَاءِ. فَأحضَرَتْ مَاءً لِكُلِّ جِمَالِهِ. وَكَانَ الرَّجُلُ يُرَاقِبُهَا بِصَمْتٍ لِيَعْرِفَ إنْ كَانَ اللهُ قَدْ أنجَحَ مَسْعَاهُ أمْ لَا. فَبَعْدَ أنْ شَرِبَتِ الجِمَالُ، أخْرَجَ الرَّجُلُ حَلَقًا مِنَ الذَّهَبِ لِأنْفِهَا يَزِنُ نِصْفَ مِثْقَالٍ، وَسِوَارَينِ مِنَ الذَّهَبِ لِيَدَيهَا يَزِنَانِ عَشْرَةَ مَثَاقِيلَ. وَقَالَ لَهَا: «أرْجُو أنْ تُخبِرِينِي ابْنَةَ مَنْ تَكُونِينَ. وَهَلْ لَنَا مُتَّسَعٌ فِي بَيْتِ أبِيكِ لِلمَبِيتِ؟» فَقَالَتْ لَهُ رِفْقَةُ: «أنَا ابْنَةُ بَتُوئِيلَ بْنِ مِلْكَةَ وَنَاحُورَ.» ثُمَّ قَالَتْ: «لَدَينَا تِبْنٌ وَعَلَفٌ كَثِيرٌ، وَيُوجَدُ لَكُمْ مُتَّسَعٌ لِلمَبِيتِ.» ثُمَّ حَنَى الرَّجُلُ رَأسَهُ وَحَمَدَ اللهَ . قَالَ: «تَبَارَكَ سَيِّدِي إبْرَاهِيمَ. إذْ أظْهَرَ وَفَاءَهُ وَإخلَاصَهُ لِسَيِّدِي. فَقَدْ قَادَنِي اللهُ فِي طَرِيقِي إلَى بَيْتِ أقَارِبِ سَيِّدِي.» فَرَكَضَتِ الفَتَاةُ وَأخبَرَتْ بَيْتَ أُمِّهَا بِهَذِهِ الأُمُورِ. وَكَانَ لِرِفْقَةَ أخٌ اسْمُهُ لَابَانُ. فَخَرَجَ لَابَانُ إلَى النَّبْعِ بِاتِّجَاهِ الرَّجُلِ. فَرَأى الحَلَقَ، وَرَأى السِّوَارَينِ حَوْلَ مِعصَمَيِّ أُختِهِ. فَلَّمَا رَوَتْ لَهُ أُختُهُ رِفْقَةُ مَا قَالَهُ لَهَا الرَّجُلُ، جَاءَ لَابَانُ إلَى الرَّجُلِ حَيْثُ كَانَ وَاقِفًا مَعَ الجِمَالِ عِنْدَ النَّبْعِ. فَقَالَ لَهُ: «ادخُلْ إلَى بَيْتِنَا يَا مَنْ بَارَكَكَ اللهُ . لِمَاذَا تَقِفُ خَارِجًا؟ هَا البَيْتُ مُعَدٌّ لِاسْتِقبَالِكَ، وَسَنُعِدُّ مَكَانًا لِلجِمَالِ.» ثُمَّ أنزَلَ لَابَانُ حُمُولَةَ الجِمَالِ وَقَدَّمَ لَهَا تِبْنًا وَعَلَفًا. وَأعْطَى مَاءً لِلرَّجُلِ وَلِلرِّجَالِ الَّذِينَ مَعَهُ لِيَغْسِلُوا أقْدَامَهُمْ. ثُمَّ وُضِعَ الطَّعَامُ أمَامَ خَادِمِ إبْرَاهِيمَ لِيَأْكُلَ. لَكِنَّهُ قَالَ: «لَنْ آكُلَ قَبْلَ أنْ أقُولَ مَا لَدَيَّ.» فَقَالَ لَهُ لَابَانُ: «فَقُلْ مَا عِنْدَكَ.» فَقَالَ: «أنَا خَادِمُ إبْرَاهِيمَ. وَقَدْ بَارَكَ اللهُ سَيِّدِي كَثِيرًا فَصَارَ غَنِيًّا جِدًّا. إذْ أعطَاهُ اللهُ غَنَمًا وَبَقَرًا وَفِضَّةً وَذَهَبًا وَخَدَمًا وَخَادِمَاتٍ وَجِمَالًا وَحَمِيرًا. وَأنْجَبَتْ سَارَةُ، زَوْجَةُ سَيِّدِي، لَهُ ابْنًا فِي شَيخُوخَتِهِ. وَأعْطَى إبْرَاهِيمُ ابْنَهُ كُلَّ مَا يَمْلِكُ. وَقَدِ اسْتَحْلَفَنِي سَيِّدِي فَقَالَ: ‹لَا تَأْخُذْ لِابْنِي زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ الكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ أسْكُنُ بَيْنَهُمْ. بَلِ اذْهَبْ إلَى بَيْتِ أبِي وَأقَارِبِي، وَخُذْ مِنْ هُنَاكَ زَوْجَةً لِابْنِي.› فَقُلْتُ لِسَيِّدِي: ‹رُبَّمَا تَرْفُضُ الفَتَاةُ أنْ تَأْتِيَ مَعِي.› فَقَالَ لِي: ‹لَقَدْ عِشْتُ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَأنَا أعْرِفُ أنَّهُ سَيُرْسِلُ مَلَاكَهُ مَعَكَ، وَسَيُوَفِّقُكَ فِي رِحلَتِكَ. وَسَتَأْخُذُ زَوْجَةً لِابْنِي مِنْ بَنَاتِ أقَارِبِي وَبَيْتِ أبِي. وَعِنْدَمَا تَذْهَبُ إلَى أقَارِبِي تَكُونُ حُرًّا مِنْ هَذَا القَسَمِ. سَتَكُونُ حُرًّا مِنْهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يُعْطُوكَ زَوْجَةً لِابْنِي.› «وَعِنْدَمَا جِئْتُ إلَى النَّبْعِ اليَوْمَ قُلْتُ: ‹يَا سَيِّدِي إبْرَاهِيمَ، أنجِحْ رِحلَتِي وَمَسْعَايَ. هَا أنَا وَاقِفٌ عِنْدَ النَّبْعِ. فَأعْطِنِي عَلَامَةً. إنْ قُلْتُ لِفَتَاةٍ تَأْتِي لِتَسْتَقِيَ: أعْطِينِي قَلِيلًا مِنَ المَاءِ مِنْ جَرَّتِكِ لِأشْرَبَ، فَأجَابَتْ: اشْرَبْ، وَسَأسْتَقِي مَاءً لِجِمَالِكَ أيْضًا، لِتَكُنْ هِيَ الفَتَاةَ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ لِابْنِ سَيِّدِي.› «وَقَبْلَ أنْ أُنهِيَ صَلَاتِيَ فِي قَلْبِي، أتَتْ رِفْقَةُ وَجَرَّتُهَا عَلَى كَتِفِهَا. فَنَزَلَتْ إلَى النَّبْعِ وَاسْتَقَتْ مَاءً. فَقُلْتُ لَهَا: ‹اسْقِينِي مِنْ فَضْلِكِ.› فَأسْرَعَتْ وَأنزَلَتِ الجَرَّةَ عَنْ كَتِفِهَا وَقَالَتْ: ‹اشْرَبْ، وَسَأسْتَقِي مَاءً لِجِمَالِكَ أيْضًا.› فَشَرِبْتُ، وَسَقَتِ الجِمَالَ أيْضًا. ثُمَّ سَألْتُهَا: ‹ابْنَةُ مَنْ تَكُونِينَ؟› فَقَالَتْ: ‹أنَا ابْنَةُ بَتُوئِيلَ بْنِ نَاحُورَ وَمِلْكَةَ.› فَوَضَعْتُ حَلَقًا فِي أنفِهَا، وَسِوَارَينِ حَوْلَ مِعْصَمَيهَا. ثُمَّ حَنَيتُ رَأسِي وَشَكَرْتُ اللهَ، وَبَارَكْتُ سَيِّدِي إبْرَاهِيمَ. فَقَدْ هَدَانِي فِي طَرِيقٍ صَحِيحٍ لِآخُذَ ابْنَةَ أخِي سَيِّدِي إبْرَاهِيمَ زَوْجَةً لِابْنِهِ. وَالْآنَ، إنْ كُنْتُمْ سَتَتَعَامَلُونَ بِالإخلَاصِ وَالوَفَاءِ مَعَ سَيِّدِي، فَأخبِرُونِي. وَإلَّا، فَأخبِرُونِي أيْضًا، فَأعرِفَ مَاذَا أفْعَلُ.» فَأجَابَ لَابَانُ وَبَتُوئِيلُ: «هَذَا الأمْرُ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، فَلَيسَ لَنَا أنْ نُغَيِّرَ ذَلِكَ. هَا هِيَ رِفْقَةُ، فَخُذْهَا زَوْجَةً لِابْنِ سَيِّدِكَ كَمَا قَضَى اللهُ .» فَلَمَّا سَمِعَ خَادِمُ إبْرَاهِيمَ كَلَامَهُمَا، سَجَدَ للهِ عَلَى الأرْضِ. ثُمَّ أخْرَجَ الخَادِمُ كُلَّ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالثِّيَابِ، وَأعْطَاهَا لِرِفْقَةَ. كَمَا قَدَّمَ هَدَايَا ثَمِينَةً لِأخِيهَا وَأُمِّهَا. فَأكَلَ وَشَرِبَ مَعَ الَّذِينَ مَعَهُ، وَبَاتُوا هُنَاكَ. وَلَمَّا نَهَضُوا فِي الصَّبَاحِ قَالَ الخَادِمُ: «اسمَحُوا لِي بِالذَّهَابِ إلَى سَيِّدِي.» لَكِنَّ أخَا رِفْقَةَ وَأُمَّهَا قَالَا: «لِتَبْقَ الفَتَاةُ مَعَنَا عَشْرَةَ أيَّامٍ عَلَى الأقَلِّ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَذْهَبُ.» لَكِنَّ الخَادِمَ قَالَ: «لَا تُؤَخِّرَانِي، فَقَدْ وَفَّقَ اللهُ رِحلَتِي وَمَسْعَايَ. أطلِقُونِي فَأعُودَ إلَى سَيِّدِي.» فَقَالُوا: «نَدعُو الفَتَاةَ وَنَسألُهَا أمَامَكَ.» فَدَعَوْا رِفْقَةَ وَسَألَاهَا: «هَلْ تُرِيدِينَ الذَّهَابَ مَعَ الرَّجُلِ الآنَ؟» فَقَالَتْ رِفْقَةُ: «نَعَمْ.» فَصَرَفَا رِفْقَةَ وَمُرَبِّيَتَهَا مَعَ خَادِمِ إبْرَاهِيمَ وَرِجَالِهِ. وَبَارَكُوا أُختَهُمْ رِفْقَةَ وَقَالُوا: «لَيتَكِ تَصِيرِينَ، يَا أُختَنَا، أُمًّا لِمَلَايِينَ مِنَ النَّاسِ. وَلَيتَ أحفَادَكِ يَسْتَوْلُونَ عَلَى مُدُنِ أعْدَائِهِمْ.» فَقَامَتْ رِفْقَةُ وَخَادِمَاتُهَا وَرَكِبْنَ عَلَى الجِمَالِ، وَتَبِعْنَ الرَّجُلَ. وَهَكَذَا أخَذَ الخَادِمُ رِفْقَةَ وَمَضَى فِي طَرِيقِهِ. وَكَانَ إسْحَاقُ قَدْ تَرَكَ مُخَيَّمَهُ قُرْبَ مَدْخَلِ بِئْرِ لَحْيْ رُئِي وَسَكَنَ فِي النَّقَبِ. فَخَرَجَ لِيَتَفَكَّرَ قَبْلَ المَسَاءِ فِي الحَقْلِ. وَرَفَعَ نَظَرَهُ، فَإذَا بِهِ يَرَى جِمَالًا قَادِمَةً. وَرَفَعَتْ رِفقَةُ نَظَرَهَا فَرَأتْ إسْحَاقَ. فَتَرَجَّلَتْ عَنِ الجَمَلِ. ثُمَّ سَألَتِ الخَادِمَ: «مَنْ هُوَ هَذَا الرَّجُلُ المَاشِي فِي الحَقْلِ لِمُلَاقَاتِنَا؟» فَقَالَ الخَادِمُ: «إنَّهُ سَيِّدِي!» فَأخَذَتْ رِفقَةُ الخِمَارَ وَغَطَّتْ وَجْهَهَا. ثُمَّ رَوَى الخَادِمُ لِإسْحَاقَ كُلَّ مَا فَعَلَهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أدخَلَ إسْحَاقُ رِفْقَةَ إلَى خَيْمَةِ أُمِّهِ سَارَةَ لِيَتَزَوَّجَهَا. وَأحَبَّهَا كَثِيرًا. فَتَعَزَّى إسْحَاقُ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ. وَتَزَوَّجَ إبْرَاهِيمُ امْرأةً أُخْرَى اسْمُهَا قَطُورَةَ. وَأنْجَبَتْ زِمْرَانَ وَيَقْشَانَ وَمَدَانَ وَمِدْيَانَ وَيِشْبَاقَ وَشُوحًا. وَأنْجَبَ يَقْشَانُ شَبَا وَدَدَانَ. وَنَسْلُ دَدَانَ هُمْ شَعْبُ أشُّورِيمَ وَلَطُوشِيمَ وَلأُمِّيمَ. أمَّا أبْنَاءُ مِدْيَانَ فَهُمْ عَيفَةُ وَعِفْرٌ وَحَنُوكُ وَأبِيدَاعُ وَألْدَعَةُ. كَانَ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا أبْنَاءَ قَطُورَةَ. وَمَلَّكَ إبْرَاهِيمُ إسْحَاقَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ. لَكِنَّهُ قَدَّمَ هِبَاتٍ لِأبْنَاءِ جَوَارِيهِ. وَأثْنَاءَ حَيَاتِهِ، صَرَفَهُمْ شَرْقًا بَعِيدًا عَنِ ابْنِهِ إسْحَاقَ إلَى أرْضِ المَشْرِقِ. وَعَاشَ إبْرَاهِيمُ مِئَةً وَخَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً. وَأسلَمَ رُوحَهُ فِي سِنِّ الشَّيخُوخَةِ، بَعْدَ حَيَاةٍ طَوِيلَةٍ مُرْضِيَةٍ، وَضُمَّ إلَى جَمَاعَتِهِ. وَدَفَنَهُ ابْنَاهُ إسْحَاقُ وَإسْمَاعِيلُ فِي كَهفِ المَكْفِيلَةِ فِي حَقْلِ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ الحِثِّيِّ، الَّذِي يَقَعُ شَرْقِيَّ مَمْرَا. وَهُوَ الكَهْفُ الَّذِي اشْتَرَاهُ إبْرَاهِيمُ مِنَ الحِثِّيِّينَ. وَدُفِنَ هُنَاكَ إبْرَاهِيمُ وَامْرَأتُهُ سَارَةُ. وَبَعْدَ مَوْتِ إبْرَاهِيمَ، بَارَكَ اللهُ ابْنَهُ إسْحَاقَ. وَاسْتَقَرَّ إسْحَاقُ عِنْدَ بِئْرِ لَحَي رُئِي. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ إسْمَاعِيلَ الَّذِي أنْجَبَهُ إبْرَاهِيمُ مِنَ الجَارِيَةِ المِصْرِيَّةِ هَاجَرَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ إسْمَاعِيلَ حَسَبَ تَسَلْسُلِ وِلَادَتِهِمْ: نَبَايُوتُ، وَهُوَ بِكْرُ إسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ وَأدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا وَحَدَارُ وَتَيمَاءُ وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ إسْمَاعِيلَ. وَهَذِهِ أسْمَاؤُهُمُ الَّتِي سُمِّيَتْ عَلَيهَا قُرَاهُمْ وَمُخَيَّمَاتُهُمْ. وَكَانُوا اثنَيْ عَشَرَ شَيخَ عَشِيرَةٍ. وَعَاشَ إسْمَاعِيلُ مِئَةً وَسَبْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَلَفَظَ أنفَاسَهُ الأخِيرَةَ وَمَاتَ. وَضُمَّ إلَى جَمَاعَتِهِ. وَنَصَبُوا خِيَامَهُمْ مِنْ حَوِيلَةَ إلَى سُورِ مِصْرٍ، امْتِدَادًا إلَى أشُّورَ فِي مُواجَهَةِ إخْوَتِهِمْ. وَهَذِهِ هِيَ قِصَّةُ عَائِلَةِ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. وَلَدَ إبْرَاهِيمُ إسْحَاقَ. وَكَانَ إسحَاقُ فِي الأرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِهِ حِينَ تَزَوَّجَ رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ الأرَامِيِّ، الَّذِي مِنْ فَدَّانَ أرَامَ، وَهِيَ أُخْتُ لَابَانَ. وَصَلَّى إسْحَاقُ إلَى اللهِ لِأجْلِ زَوْجَتِهِ لِأنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا. وَاسْتَجَابَ لَهُ اللهُ ، فَحَبِلَتْ رِفْقَةُ زَوْجَتُهُ. وَتَرَافَسَ الوَلَدَانِ دَاخِلَهَا. فَقَالَتْ رِفْقَةُ: «إنْ كَانَ الأمْرُ هَكَذَا، فَلِمَاذَا أنَا حُبلَى؟» فَذَهَبَتْ لِتَسألَ اللهَ عَمَّا يَحْدُثُ. فَقَالَ لَهَا اللهُ : «فِي دَاخِلِكِ أُمَّتَانِ، وَمِنْ بَطْنِكِ يَنْقَسِمُ شَعْبَانِ. وَيَكُونُ أحَدُهُمَا أقْوَى مِنَ الآخَرِ، وَأكْبَرُهُمَا سَيَخْدِمُ أصْغَرَهُمَا.» وَلَمَّا حَانَ وَقْتُ الوِلَادَةِ، أنْجَبَتْ تَوْأمَينِ. كَانَ الأوَّلُ أحمَرَ البَشَرَةِ، وَجِلْدُهُ أشْبَهُ بِرِدَاءٍ كَثِيفٍ مِنَ الشَّعْرِ. فَسُمِّيَ عِيسُو. ثُمَّ خَرَجَ أخُوهُ وَيَدُهُ مُمْسِكَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو، فَسُمِّيَ يَعْقُوبُ. وَكَانَ إسْحَاقُ فِي السِّتِّينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وُلِدَا. وَكَبِرَ الوَلَدَانِ. وَصَارَ عِيسُو صَيَّادًا مَاهِرًا مُحِبًّا لِلبَقَاءِ فِي الخَلَاءِ. أمَّا يَعْقُوبُ فَكَانَ رَجُلًا هَادِئًا يَلْزَمُ المُخَيَّمَ. وَكَانَ إسْحَاقُ يُفَضِّلُ عِيسُو، لِأنَّهُ يُحِبُّ مَا يَصْطَادُهُ لَهُ. أمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُفَضِّلُ يَعْقُوبَ. وَذَاتَ يَوْمٍ، كَانَ يَعْقُوبُ يَطْبُخُ حَسَاءً. فَجَاءَ عِيسُو مِنَ الحَقْلِ، وَكَانَ قَدْ أعْيَاهُ الجُوعُ. فَقَالَ عِيسُو لِيَعْقُوبَ: «أطْعِمْنِي مِنْ ذَلِكَ الحَسَاءِ الأحْمَرِ، فَأنَا جَائِعٌ جِدًّا.» وَلِهَذَا صَارَ عِيسُو يُدْعَى أيْضًا أدُومَ. فَقَالَ لَهُ يَعْقُوبُ: «بِعْنِي أوَّلًا حُقُوقَكَ كَابْنٍ بِكْرٍ.» فَقَالَ عِيسُو: «هَا أنَا أمُوتُ مِنَ الجُوعِ، فَمَا نَفْعُ حُقُوقِي كَبِكْرٍ؟» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «احلِفْ بِذَلِكَ أوَّلًا!» فَحَلَفَ لَهُ عِيسُو، وَبَاعَ حُقُوقَ بُكُورِيَّتِهِ لِيَعْقُوبَ. وَأعْطَى يَعْقُوبُ عِيسُو خُبْزًا وَعَدَسًا مَطْبُوخًا فَأكَلَ عِيسُو وَشَرِبَ وَقَامَ وَمَضَى مُسْتَهِينًا بِحُقُوقِهِ كَابْنٍ بِكْرٍ. وَحَدَثَتْ فِي البِلَادِ مَجَاعَةٌ غَيرُ المَجَاعَةِ الأُولَى الَّتِي حَدَثَتْ فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ. فَذَهَبَ إسْحَاقُ إلَى مَدِينَةِ جَرَارَ، إلَى أبِيمَالِكَ مَلِكِ الفِلِسْطِيِّينَ. فَظَهَرَ اللهُ لِإسْحَاقَ وَقَالَ لَهُ: «لَا تَنْزِلْ إلَى مِصْرٍ. بَلِ امْكُثْ فِي الأرْضِ الَّتِي سَأقُولُ لَكَ عَنْهَا. عِشْ فِي هَذِهِ الأرْضِ غَرِيبًا، وَسَأكُونُ مَعَكَ وَسَأُبَارِكُكَ. إذْ سَأُعْطِيكَ وَنَسْلَكَ كُلَّ هَذِهِ الأرَاضِي. وَسَأفِي بِقَسَمِي الَّذِي أقْسَمْتُهُ لِإبْرَاهِيمَ أبِيكَ. سَأُضَاعِفُ نَسْلَكَ لِيَكُونُوا بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ. وَسَأُعْطِي نَسْلَكَ كُلَّ هَذِهِ الأرَاضِي، وَسَتنَالُ كُلُّ أُمَمِ الأرْضِ بَرَكَةً بِنَسْلِكَ. لِأنَّ إبْرَاهِيمَ أطَاعَ كَلَامِي، وَعَمِلَ بِوَصَايَايَ وَأحكَامِي وَشَرَائِعِي.» فَاسْتَقَرَّ إسْحَاقُ فِي جَرَارَ. فَسَألَهُ أهْلُ تِلْكَ المِنْطَقَةِ عَنْ زَوْجَتِهِ. فَقَالَ: «إنَّهَا أُختِي.» فَقَدْ خَافَ أنْ يَقُولَ: «إنَّهَا زَوْجَتِي.» إذْ قَالَ فِي نَفْسِهِ: «سَأقُولُ إنَّهَا أُختِي لِئَلَّا يَقْتُلُونِي طَمَعًا فِي رِفْقَةَ، لِأنَّهَا جَمِيلَةٌ.» وَبَعْدَ أنْ طَالَتْ بِهِ الأيَّامُ هُنَاكَ، نَظَرَ أبِيمَالِكُ مَلِكُ الفِلِسْطِيِّينَ مِنْ نَافِذَةٍ، وَرَأى إسْحَاقَ يُلَاطِفُ زَوْجَتَهُ رِفْقَةَ. فَدَعَا أبِيمَالِكُ إسْحَاقَ وَقَالَ: «هِيَ امْرَأتُكَ إذًا! فَلِمَاذَا قُلْتَ إنَّهَا أُخْتُكَ؟» فَقَالَ إسْحَاقُ لِأبِيمَالِكَ: «خِفْتُ أنْ أمُوتَ بِسَبَبِهَا.» فَقَالَ أبِيمَالِكُ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتَهُ بِنَا؟ كَانَ مُمْكِنًا أنْ يُعَاشِرَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَتِنَا امْرَأتَكَ. لَوْ حَدَثَ هَذَا، لَكُنْتَ قَدْ جَلَبْتَ عَلَينَا ذَنْبًا عَظِيمًا.» حِينَئِذٍ، أمَرَ أبِيمَالِكُ كُلَّ قَوْمِهِ وَقَالَ: «مَنْ يُؤذِي هَذَا الرَّجُلَ أوْ زَوْجَتَهُ يُقْتَلُ.» وَزَرَعَ إسْحَاقُ بُذُورًا فِي تِلْكَ الأرْضِ. وَفِي السَّنَةِ نَفْسِهَا حَصَدَ مِئَةَ ضِعْفٍ. وَبَارَكَ اللهُ إسْحَاقَ. فَصَارَ غَنِيًّا. ثُمَّ ازْدَادَ غِنَىً أكْثَرَ فَأكْثَرَ حَتَّى صَارَ ثَرِيًّا جِدًّا. فَكَانَتْ لَهُ قُطْعَانٌ كَثِيرَةٌ مِنَ المَوَاشِي وَالبَقَرِ وَخُدَّامٌ كَثِيرُونَ. فَحَسَدَهُ الفِلِسْطِيُّونَ. وَكَانَ الفِلِسْطِيُّونَ قَدْ طَمُّوا كُلَّ الآبَارِ الَّتِي سَبَقَ أنْ حَفَرَهَا خُدَّامُ أبِيهِ إبْرَاهِيمَ فِي زَمَنِهِ وَمَلأُوهَا تُرَابًا. فَقَالَ أبِيمَالِكُ لِإسْحَاقَ: «فَارِقْنَا، فَقَدْ أصْبَحتَ أقْوَى مِنَّا بِكَثِيرٍ.» فَانصَرَفَ إسْحَاقُ مِنْ هُنَاكَ، وَخَيَّمَ فِي وَادِي جَرَارَ، وَاسْتَقَرَّ هُنَاكَ. وَحَفَرَ إسْحَاقُ آبَارَ المَاءِ الَّتِي حُفِرَتْ فِي أيَّامِ أبِيهِ إبْرَاهِيمَ مِنْ جَدِيدٍ. إذْ كَانَ الفِلِسْطِيُّونَ قَدْ طَمَرُوهَا بَعْدَ مَوْتِ إبْرَاهِيمَ. وَدَعَاهَا إسْحَاقُ بِالأسْمَاءِ نَفْسِهَا الَّتِي دَعَاهَا بِهَا أبوْهُ. فَحَفَرَ خُدَّامُ إسْحَاقَ فِي الوَادِي، وَوَجَدُوا نَبْعًا ذَا مِيَاهٍ عَذْبَةٍ. لَكِنَّ رُعَاةَ جَرَارَ تَنَازَعُوا مَعَ رُعَاةِ إسْحَاقَ وَقَالُوا: «المَاءُ مَاؤُنَا.» فَسَمَّى إسْحَاقُ المَكَانَ عِسِقَ، لِأنَّهُمْ تَنَازَعُوا مَعَهُ عَلَيهَا. ثُمَّ حَفَرَ خُدَّامُ إسْحَاقَ بِئْرًا أُخْرَى. فَنَازَعَهُ أهْلُ جَرَارَ عَلَيهَا أيْضًا. فَسَمَّاهَا إسْحَاقُ سِطْنَةَ. فَانْتَقَلَ إسْحَاقُ مِنْ هُنَاكَ وَحَفَرَ بِئْرًا أُخْرَى. فَلَمْ يُنَازِعُوهُ عَلَيهَا. فَسَمَّاهَا رَحُوبُوتَ، وَقَالَ: «الآنَ وَسَّعَ اللهُ لَنَا، وَسَنَصِيرُ أكْثَرَ عَدَدًا فِي الأرْضِ.» وَانْتَقَلَ إسْحَاقُ مِنْ هُنَاكَ إلَى بِئْرِ السَّبْعِ. وَظَهَرَ لَهُ اللهُ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ وَقَالَ: «أنَا إلَهُ إبِيكَ إبْرَاهِيمَ، فَلَا تَخَفْ، لِأنِّي مَعَكَ، وَسَأُبَارِكُكَ. وَسَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ مِنْ أجْلِ إبْرَاهِيمَ عَبْدِي.» فَبَنَى إسْحَاقُ مَذْبَحًا هُنَاكَ، وَدَعَا بِاسْمِ اللهِ . وَنَصَبَ هُنَاكَ خَيْمَتَهُ. وَحَفَرَ خُدَّامُ إسْحَاقَ بِئْرًا هُنَاكَ. وَجَاءَ إلَيْهِ أبِيمَالِكُ مِنْ جَرَارَ مَعَ صَاحِبِهِ أحُزَّاتَ وَفِيكُولَ آمِرِ جَيْشِهِ. فَقَالَ لَهُمْ إسْحَاقُ: «لِمَاذَا جِئْتُمْ إلَيَّ؟ فَأنْتُمْ تُبْغِضُونَنِي، وَقَدْ صَرَفْتُمُونِي مِنْ أرْضِكُمْ.» فَقَالُوا لَهُ: «الآنَ تَأكَّدْنَا أنَّ اللهَ مَعَكَ. فَقُلْنَا: ‹لِيَحْلِفْ أحَدُنَا لِلآخَرِ عَلَى الوَفَاءِ، وَلْنَقطَعْ مَعَكَ عَهْدًا.› عِدْ بِأنَّكَ لَنْ تُؤْذِيَنَا. فَنَحْنُ لَمْ نُؤْذِكَ. بَلْ لَمْ نَصنَعْ مَعَكَ إلَّا خَيرًا. وَقَدْ صَرَفْنَاكَ فِي سَلَامٍ. وَأنْتَ الآنَ مُبَارَكٌ مِنَ اللهِ .» فَأعَدَّ لَهُمْ وَلِيمَةً، فَأكَلُوا وَشَرِبُوا. وَبَكَّرُوا فِي الصَّبَاحِ وَتَعَاهَدُوا. ثُمَّ وَدَّعَهُمْ إسْحَاقُ، فَمَضَوْا فِي سَلَامٍ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ جَاءَ خُدَّامُ إسْحَاقَ وَأخبَرُوهُ عَنِ البِئْرِ الَّتِي حَفَرُوهَا. قَالُوا لَهُ: «لَقَدْ وَجَدْنَا مَاءً!» فَسَمَّاهَا شِبْعَةَ. وَلِهَذَا فَإنَّ اسْمَ المَدِينَةِ هُوَ بِئْرُ السَّبْعِ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. وَلَمَّا بَلَغَ عِيسُو الأرْبَعِينَ مِنَ العُمْرِ، تَزَوَّجَ يَهُودِيتَ ابْنَةَ بِيرِي الحِثِّيِّ، وَبَسْمَةَ ابْنَةَ إيلُونَ الحِثِّيِّ. فَكَانَتَا مَصْدَرَ حُزْنٍ لِإسْحَاقَ وَرِفْقَةَ. وَشَاخَ إسْحَاقُ، وَضَعُفَتْ عَينَاهُ فَلَمْ يَعُدْ يَقْدِرُ أنْ يُبصِرَ. فَدَعَا بِكْرَهُ عِيسُو وَقَالَ لَهُ: «تَعَالَ يَا ابْنِي.» فَقَالَ عِيسُو: «سَمْعًا وَطَاعَةً.» فَقَالَ إسْحَاقُ: «هَا أنَا قَدْ شِخْتُ. وَلَا أدرِي مَتَى سَأمُوتُ. فَالآنَ خُذْ عُدَّةَ صَيدِكَ: جُعبَةَ سِهَامِكَ وَقَوْسَكَ. وَاخرُجْ إلَى الحَقْلِ، وَاصْطَدْ لِي حَيَوَانًا آكُلُهُ. أعِدَّ لِي طَعَامًا طَيِّبًا مِمَّا أُحِبُّ، وَأحضِرْهُ لِي لِآكُلَهُ، لِكَي أُبَارِكَكَ قَبْلَ أنْ أمُوتَ.» فَخَرَجَ عِيسُو إلَى الحَقْلِ لِيصْطَادَ. أمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُصْغِي لِحَدِيثِ إسْحَاقَ وَعِيسُو ابْنِهِ. فَقَالَتْ رِفْقَةُ لِيَعْقُوبَ ابْنِهَا: «اسْمَعْ، سَمِعْتُ أبَاكَ يَقُولُ لِأخِيكَ عِيسُو: ‹اجلِبْ لِي صَيدًا وَأعِدَّ لِي طَعَامًا طَيِّبًا لِآكُلَ، فَأُبَارِكَكَ فِي حَضْرَةِ اللهِ قَبْلَ أنْ أمُوتَ.› وَالْآنَ، أطِعْنِي، يَا ابْنِي، وَافْعَلْ مَا أقُولُهُ لَكَ. اذْهَبْ إلَى قَطِيعِ الغَنَمِ، وَأحْضِرْ جَديَينِ مِنْ خِيَارِ القَطِيعِ. سَأُعِدُّ مِنْهُمَا لِأبِيكَ طَعَامًا طَيِّبًا مِمَّا يُحِبُّ. فَخُذِ الطَّعَامَ لِأبِيكَ لِيَأْكُلَهُ، لِكَي يُبَارِكَكَ قَبْلَ مَوْتِهِ.» فَقَالَ يَعْقُوبُ لِأُمِّهِ رِفْقَةَ: «أخِي كَثِيرُ الشَّعْرِ، وَأمَّا أنَا فَأملَسُ الجِلْدِ. فَإذَا لَمَسَنِي، اكتَشَفَ أنِّي أُحَاوِلُ خِدَاعَهُ. وَبِهَذَا سَأجْلِبُ عَلَى نَفْسِي لَعْنَةَ وَالِدِي بَدَلًا مِنْ بَرَكَتِهِ.» فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «لِتَأْتِ عَلَيَّ أيَّةُ لَعْنَةٍ تُطلَقُ عَلَيكَ. فَافْعَلْ مَا أقُولُهُ لَكَ. اذْهَبْ وَأحضِرِ الجَدْيَينِ!» فَمَضَى وَأمسَكَ الجَدْيَينِ وَأحضَرَهُمَا لِأُمِّهِ. فَأعَدَّتْ طَعَامًا طَيِّبًا مِمَّا يُحِبُّ أبوْهُ. ثُمَّ أخَذَتْ رِفْقَةُ أفْضَلَ مَلَابِسِ بِكْرِهَا عِيسُو الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا فِي البَيْتِ، وَألبَسَتْهَا لِابْنِهَا الأصْغَرِ. وَوَضَعَتْ جُلُودَ جَدْيِ المِعزَى عَلَى يَدَيهِ وَعَلَى عُنْقِهِ الأملَسِ. وَأعطَتِ ابْنَهَا يَعْقُوبَ الطَّعَامَ الطَّيِّبَ وَالخُبْزَ الَّذِي أعَدَّتْهُ. فَذَهَبَ يَعْقُوبُ إلَى أبِيهِ وَقَالَ: «يَا أبِي.» فَقَالَ إسْحَاقُ: «نَعَمْ، يَا ابْنِي. أيُّ وَلَدَيَّ أنْتَ؟» فَقَالَ يَعْقُوبُ لِأبِيهِ: «أنَا عِيسُو بِكْرُكَ. وَقَدْ فَعَلْتُ كَمَا طَلَبْتَ مِنِّي. فَتَعَالَ وَاجلِسْ وَكُلْ مِمَّا اصْطَدْتُ، لِكَي تُبَارِكَنِي.» فَقَالَ إسْحَاقُ لِيَعْقُوبَ: «كَيفَ وَجَدْتَ صَيدًا بِهَذِهِ السُّرْعَةِ يَا بُنَيَّ؟» فَقَالَ: «لِأنَّ وَضَعَهُ فِي طَرِيقِي.» فَقَالَ إسْحَاقُ لِيَعْقُوبَ: «اقْتَرِبْ لِألمَسَكَ يَا بُنَيَّ، فَأعرِفَ إنْ كُنْتَ حَقًّا ابْنِي عِيسُو.» فَاقْتَرَبَ يَعْقُوبُ مِنْ إسْحَاقَ أبِيهِ، فَلَمَسَهُ إسْحَاقُ. ثُمَّ قَالَ إسْحَاقُ: «صَوْتُكَ كَصَوْتِ يَعْقُوبَ، أمَّا مَلْمَسُ يَدَيكَ فَكَمَلْمَسِ يَدَي عِيسُو.» لَمْ يَسْتَطِعْ إسْحَاقُ أنْ يُمَيِّزَ يَعْقُوبَ، لِأنَّ يَدَي يَعْقُوبَ كَانَتَا غَزيرَتَيِ الشَّعْرِ كَيَدَي أخِيهِ عِيسُو. فَبَارَكَهُ إسْحَاقُ. وَقَالَ لَهُ: «أأنْتَ حَقًّا عِيسُو ابْنِي؟» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «نَعَمْ أنَا هُوَ!» فَقَالَ إسْحَاقُ: «أعْطِنِي بَعْضًا مِنَ اللَّحْمِ لِآكُلَ يَا بُنَيَّ، لِكَي أُبَارِكَكَ.» فَأعطَاهُ يَعْقُوبُ لَحْمًا، فَأكَلَهُ. وَأحْضَرَ أيْضًا نَبِيذًا فَشَرِبَهُ إسْحَاقُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ أبوْهُ إسْحَاقُ: «اقْتَرِبْ وَقَبِّلْنِي، يَا بُنَيَّ.» فَاقْتَرَبَ يَعْقُوبُ وَقَبَّلَهُ. فَشَمَّ إسْحَاقُ رَائِحَةَ مَلَابِسِهِ، فَبَارَكَهُ. وَقَالَ: «هَا رَائِحَةُ ابْنِي كَرَائِحَةِ حَقْلٍ بَارَكَهُ اللهُ . لِيُعطِكَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ نَدَىً، وَحُقُولًا خَصِيبَةً، وَوَفْرَةً فِي القَمْحِ وَالنَّبِيذِ. لِتَخْدِمْكَ شُعُوبٌ، وَلْتَنْحَنِ أُمَمٌ أمَامَكَ. وَلْتَكُنْ سَيِّدَ إخْوَتِكَ، وَلْيَنْحَنِ لَكَ أوْلَادُ أُمِّكَ. «فَلِيُلْعَنْ لَاعِنُوكَ، وَلْيُبَارَكْ مُبَارِكُوكَ.» وَلَمَّا انْتَهَى إسْحَاقُ مِنْ مُبَارَكَةِ يَعْقُوبَ، انصَرَفَ يَعْقُوبُ مِنْ مَحضَرِهِ. وَعَادَ أخُوهُ عِيسُو مِنْ صَيدِهِ. وَأعَدَّ عِيسُو طَعَامًا طَيِّبًا وَأحْضَرَهُ لِأبِيهِ. وَقَالَ لِأبِيهِ: «يَا أبِي، قُمْ وَكُلْ مِنَ اللَّحمِ الَّذِي أحْضَرْتُ لَكَ لِكَي تُبَارِكَنِي.» فَقَالَ إسْحَاقُ أبوْهُ لَهُ: «مَنْ أنْتَ؟» فَقَالَ عِيسُو: «أنَا ابْنُكَ، بِكْرُكَ عِيسُو.» فَارْتَجَفَ إسْحَاقُ ارتِجَافًا عَظِيمًا وَقَالَ: «فَمَنِ الَّذِي اصطَادَ حَيَوَانًا وَأحضَرَهُ إلَيَّ إذًا؟ لَقَدْ أكَلْتُهُ كُلَّهُ وَبَارَكْتُهُ قَبْلَ أنْ تَأْتِيَ. وَسَيَكُونُ مَنْ بَارَكْتُهُ مُبَارَكًا.» فَلَمَّا سَمِعَ عِيسُو كَلَامَ أبِيهِ، صَرَخَ صُرَاخًا عَالِيًا وَمُرًّا جِدًّا. وَقَالَ لِأبِيهِ: «بَارِكْنِي، أنَا أيْضًا يَا أبِي.» فَقَالَ إسْحَاقُ: «جَاءَ أخُوكَ وَاحتَالَ عَلَيَّ وَأخَذَ بَرَكَتَكَ.» فَقَالَ عِيسُو: «لَمْ يُخطِئْ مَنْ سَمَّاهُ يَعْقُوبَ! هَذِهِ هِيَ المَرَّةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي يَحتَالُ فِيهَا عَلَيَّ. سَبَقَ أنْ أخَذَ حُقُوقِي كَابْنٍ بِكْرٍ، وَالْآنَ أخَذَ بَرَكَتِي.» ثُمَّ قَالَ عِيسُو: «أمَا احْتَفَظْتَ لِي بِبَرَكَةٍ؟» فَقَالَ إسْحَاقُ لِعِيسُو: «جَعَلْتُهُ عَلَيكَ سَيِّدًا، وَجَعَلْتُ كُلَّ إخْوَتِهِ لَهُ خُدَّامًا. وَأعْطَيْتُهُ قَمْحًا وَنَبِيذًا أيْضًا. فَمَا الَّذِي تَبَقَّى؟ وَمَاذَا يُمْكِنُنِي أنْ أفْعَلَ لَكَ، يَا ابْنِي؟» فَقَالَ عِيسُو لِأبِيهِ: «أمَا عِنْدَكَ وَلَا بَرَكَةٌ وَاحِدَةٌ يَا أبِي؟ بَارِكْنِي أنَا أيْضًا، يَا أبِي!» ثُمَّ بَدَأ عِيسُو يَنُوحُ بِصَوْتٍ عَالٍ. فَقَالَ لَهُ أبوْهُ: «هَا مَسْكَنُكَ يَكُونُ بَعِيدًا عَنِ الأرَاضِي الخَصِيبَةِ، وَبِلَا نَدَى السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ. بِسَيفِكَ تَعِيشُ، وَخَادِمًا لِأخِيكَ تَكُونُ. لَكِنْ حِينَ تُجَاهِدُ لِتُحَرِّرَ نَفْسَكَ، تُفلِتُ مِنْ سَيطَرَتِهِ.» فَأبغَضَ عِيسُو يَعْقُوبَ بِسَبَبِ مُبَارَكَةِ أبِيهِ إيَّاهُ، وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: «قَرُبَ وَقْتُ البُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَى أبِي، ثًمَّ سَأقتُلُ يَعْقُوبَ أخِي!» فَوَصَلَ إلَى مَسَامِعِ رِفْقَةَ خَبَرُ تَخْطِيطِ عِيسُو لِقَتْلِ يَعْقُوبَ. فَأرسَلَتْ فِي طَلَبِ ابْنِهَا الأصغَرِ وَقَالَتْ لَهُ: «اسْمَعْ. إنَّ أخَاكَ عِيسُو يُفَكِّرُ بِقَتْلِكَ. فَاسْمَعِ الآنَ مَا أقُولُهُ، يَا ابْنِي. اذْهَبْ حَالًا إلَى بَيْتِ أخِي لَابَانَ فِي حَارَانَ. وَابْقَ عِنْدَهُ بَعْضَ الوَقْتِ إلَى أنْ يَهْدَأ غَضَبُ أخِيكَ. امكُثْ لَدَيهِ إلَى أنْ يَرْتَدَّ عَنْكَ غَضَبُهُ. وَيَنْسَى مَا فَعَلْتَهُ بِهِ. حِينَئِذٍ، سَأُرْسِلُ خَادِمًا يَسْتَدْعِيَكَ مِنْ هُنَاكَ. فَأنَا لَا أُرِيدُ أنْ أخْسَرَكُمَا الِاثنَيْنِ فِي نَفْسِ اليَوْمِ.» وَقَالَتْ رِفقَةُ لِإسْحَاقَ: «لَقَدْ سَئِمْتُ حَيَاتِي مِنَ المَرأتَينِ الحِثِّيَّتَينِ. فَإذَا تَزَوَّجَ يَعْقُوبُ فَتَاةً حِثِّيَّةً أيْضًا مِنْ هَذِهِ الأرْضِ، فَإنِّي أُفَضِّلُ المَوْتَ.» ثُمَّ دَعَا إسْحَاقُ يَعْقُوبَ وَبَارَكَهُ، وَأوصَاهُ: «لَا تَتَزَوَّجْ مِنَ امْرأةٍ كَنْعَانِيَّةٍ. بَلِ اذْهَبْ فَوْرًا إلَى فَدَّانَ أرَامَ. إلَى بَيْتِ بَتُوئِيلَ، أبِي أُمِّكَ. وَتَزَوَّجِ امْرأةً مِنْ هُنَاكَ، مِنْ بَنَاتِ خَالِكَ لَابَانَ. لِيُبَارِكْكَ اللهُ الجَبَّارُ. وَلْيُعطِكَ أبْنَاءً كَثِيرِينَ فَتُصْبِحَ أبًا لِمَجمُوعَةٍ مِنَ الشُّعُوبِ. لِيُبَارِكْكَ اللهُ كَمَا بَارَكَ إبْرَاهِيمَ، أنْتَ وَنَسْلَكَ مَعًا. لِيُبَارِكْكَ هَكَذَا فَتَمْتَلِكَ الأرْضَ الَّتِي تَعِيشُ فِيهَا غَرِيبًا، الأرْضَ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لِإبْرَاهِيمَ.» فَأرْسَلَ إسْحَاقُ يَعْقُوبَ. فَمَضَى يَعْقُوبُ إلَى فَدَّانَ أرَامَ، إلَى لَابَانَ بْنِ بَتُوئِيلَ الأرَامِيِّ الَّذِي كَانَ أخَا رِفْقَةَ، أُمِّ يَعْقُوبَ وَعِيسُو. عَلِمَ عِيسُو أنَّ إسْحَاقَ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَأرسَلَهُ إلَى فَدَّانَ أرَامَ لِيَتَزَوَّجَ مِنِ امْرأةٍ مِنْ هُنَاكَ. وَعَلِمَ أيْضًا أنَّ إسْحَاقَ لَمَّا بَارَكَهُ أوصَاهُ: «لَا تَتَزَوَّجْ مِنَ امْرأةٍ كَنْعَانِيَّةٍ.» وَعَلِمَ أنَّ يَعْقُوبَ أطَاعَ أبَاهُ وَأُمَّهُ وَذَهَبَ إلَى فَدَّانَ أرَامَ. فَفَهِمَ عِيسُو أنَّ أبَاهُ إسْحَاقَ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا عَنِ الكَنْعَانِيَّاتِ. فَذَهَبَ عِيسُو إلَى إسْمَاعِيلَ وَتَزَوَّجَ مِنْ مَحلَةَ بِنْتِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، أُختِ نَبَايُوتَ، عَلَى زَوْجَتَيهِ. وَغَادَرَ يَعْقُوبُ بِئْرَ السَّبْعِ مُتَّجِهًا إلَى حَارَانَ. وَوَصَلَ إلَى مَكَانٍ حَيْثُ بَاتَ لَيلَتَهُ هُنَاكَ، لِأنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ. فَأخَذَ أحَدَ الحِجَارَةِ فِي ذَلِكَ المَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأسِهِ، وَاسْتَلْقَى فِي ذَلِكَ المَكَانِ لِيَنَامَ. وَرَأى فِي حُلْمٍ سُلَّمًا قَائِمَةً عَلَى الأرْضِ. وَقِمَّتُهَا تَصِلُ السَّمَاءَ. وَكَانَتْ مَلَائِكَةُ اللهِ تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ عَلَيهَا. وَكَانَ اللهُ وَاقِفًا فَوْقَهَا. فَقَالَ اللهُ: «أنَا أبِيكَ إبْرَاهِيمَ، وَإلَهُ إسْحَاقَ. سَأُعْطِيكَ وَنَسْلَكَ الأرْضَ الَّتِي أنْتَ مُضطَجِعٌ عَلَيهَا. وَسَيَكُونُ نَسْلُكَ بِعَدَدِ ذَرَّاتِ تُرَابِ الأرْضِ. وَسَيَنْتَشِرُونَ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشِمَالًا وَجَنُوبًا. وَسَتأتِي عَلَى كُلِّ شُعُوبِ الأرْضِ بَرَكَةٌ مِنْ خِلَالِكَ وَخِلَالِ نَسْلِكَ. «وَهَا أنَا مَعَكَ. سَأحمِيكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ. وَسَأُعِيدُكَ إلَى هَذِهِ الأرْضِ. وَسَتَعْلَمُ أنِّي لَمْ أتْرُكْكَ حِينَ أفِي بِوَعدِي لَكَ.» فَأفَاقَ يَعْقُوبُ مِنْ نَومِهِ وَقَالَ: «إنَّ اللهَ فِي هَذَا المَكَانِ حَقًّا وَأنَا لَا أعْلَمُ!» فَخَافَ وَقَالَ: «مَا أرْهَبَ هَذَا المَكَانَ! مَا هَذَا سِوَى بَيْتِ اللهِ! وَمَا هَذِهِ سِوَى بَوَّابَةِ السَّمَاءِ!» فَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ، وَأخَذَ الحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأسِهِ، وَأقَامَهُ نَصَبًا تَذْكَاريًّا، وَسَكَبَ فَوقَهُ زَيْتًا. وَسَمَّى ذَلِكَ المَكَانَ بَيْتَ إيلَ. وَكَانَ اسْمُ المَدِينَةِ لُوزًا قَبْلَ ذَلِكَ. وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرًا فَقَالَ: «إنْ كَانَ اللهُ مَعِي، وَإنْ حَمَانِي فِي رِحلَتِي هَذِهِ، وَأعطَانِي طَعَامًا لِآكُلَ وَثِيَابًا لِألبَسَ. وَإنْ أرجَعَنِي بِأمَانٍ إلَى أهْلِي، فَإنَّ يهوه سَيَكُونُ هُوَ إلَهِي. وَسَأجْعَلُ هَذَا الحَجَرَ الَّذِي أقَمْتُهُ نَصَبًا تَذْكَاريًّا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ. وَسَأُعْطِي اللهَ عُشْرَ كُلِّ شَيءٍ يُعطِينِي.» ثُمَّ وَاصَلَ يَعْقُوبُ رِحلَتَهُ، وَوَصَلَ إلَى أرْضِ أهْلِ المَشْرِقِ. فَتَطَلَّعَ حَوْلَهُ، فَرَأى بِئْرًا فِي الحَقْلِ. وَرَأى ثَلَاثَةَ قُطْعَانٍ مِنَ المَاشِيَةِ رَابِضَةً عِنْدَهَا، تَنْتَظِرُ أنْ تُسْقَى مِنَ المَاءِ. فَقَدْ كَانَ هُنَاكَ حَجَرٌ ضَخْمٌ عَلَى فَتْحَةِ البِئْرِ. وَلَمَّا كَانَتْ تُجمَعُ كُلُّ القُطْعَانِ هُنَاكَ، كَانَ يُدَحرَجُ الحَجَرُ عَنْ فَتْحَةِ البِئْرِ، فَتُسْقَى الأغْنَامُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ كَانُوا يُعِيدُونَ الحَجَرَ إلَى مَكَانِهِ فَوْقَ فَتْحَةِ البِئْرِ. فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: «مِنْ أيْنَ أنْتُمْ، أيُّهَا الإخْوَةُ؟» أجَابُوا: «نَحْنُ مِنْ حَارَانَ.» فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: «هَلْ تَعْرِفُونَ لَابَانَ بْنَ نَاحُورَ؟» فَقَالُوا: «نَعَمْ، نَعْرِفُهُ.» فَقَالَ لَهُمْ: «أهُوَ بِخَيرٍ؟» فَقَالُوا: «نَعَمْ، بِخَيرٍ. وَهَا هِيَ ابْنَتُهُ رَاحِيلُ قَادِمَةٌ مَعَ الغَنَمِ!» ثُمَّ قَالَ: «انْظُرُوا، مَا زَالَ الوَقْتُ نَهَارًا. وَلَمْ يَحِنْ بَعْدُ وَقْتُ جَمْعِ المَاشِيَةِ لِلمَبِيتِ. فَاسْقُوا الغَنَمَ. وَعُودُوا بِهَا إلَى المَرْعَى.» فَقَالُوا: «لَا نَقدِرُ أنْ نَفْعَلَ هَذَا حَتَّى تُجمَعَ كُلُّ القُطعَانِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَنُدَحرِجُ الحَجَرَ عَنْ فَتْحَةِ البِئْرِ وَنَسْقِي الغَنَمَ.» وَبَيْنَمَا كَانَ لَا يَزَالُ يَتَحَدَّثُ مَعَهُمْ، وَصَلَتْ رَاحِيلُ مَعَ غَنَمِ أبِيهَا، فَقَدْ كَانَتْ تَرْعَى الغَنَمَ. رَأى يَعْقُوبُ رَاحِيلَ بِنْتَ لَابَانَ خَالِهِ، وَقَطِيعَ لَابَانَ. فَاقْتَرَبَ يَعْقُوبُ وَدَحرَجَ الحَجَرَ عَنْ فَمِ البِئْرِ وَسَقَى قَطِيعَ خَالِهِ لَابَانَ. ثُمَّ قَبَّلَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ، وَأخَذَ يَبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ. ثُمَّ أخبَرَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ بِأنَّ أبَاهَا قَرِيبٌ لَهُ. وَأخبَرَهَا بِأنَّهُ ابْنُ رِفْقَةَ. فَلَمَّا سَمِعَ لَابَانُ عَنْ ابْنِ أُختِهِ يَعْقُوبَ، رَكَضَ لِمُلَاقَاتِهِ، وَعَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ، وَأتَى بِهِ إلَى بَيْتِهِ. ثُمَّ أخبَرَ يَعْقُوبُ لَابَانَ عَنْ كُلِّ مَا حَصَلَ. فَقَالَ لَهُ لَابَانُ: «أنْتَ مِنْ دَمِي وَلَحْمِي حَقًّا!» وَبَقِيَ يَعْقُوبُ عِنْدَهُ شَهْرًا كَامِلًا. ثُمَّ قَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: «لَا يُعقَلُ أنْ تَخْدِمَنِي مَجَّانًا لِأنَّكَ قَرِيبِي. فَأخبِرْنِي مَاذَا تُرِيدُ أنْ يَكُونَ أجرُكَ.» وَكَانَ لِلَابَانَ ابْنَتَانِ، اسْمُ الكُبْرَى لَيئَةُ، وَاسْمُ الصُّغرَى رَاحِيلُ. وَكَانَتْ عَينَا لَيئَةَ رَقيِقَتَينِ، أمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ رَائِعَةَ القَوَامِ وَجَمِيلَةَ الشَّكلِ. وَكَانَ يَعْقُوبُ يُحِبُّ رَاحِيلَ، فَقَالَ: «سَأخدِمُكَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ مُقَابِلَ أنْ تُزَوِّجَنِي مِنِ ابْنَتِكَ رَاحِيلَ.» فَقَالَ لَابَانُ: «أنْ أُعْطِيَهَا لَكَ أفْضَلُ لِي مِنْ أنْ أُعْطِيَهَا لِرَجُلٍ آخَرَ. فَابْقَ مَعِي.» فَخَدَمَ يَعْقُوبُ سَبْعَ سَنَوَاتٍ مِنْ أجْلِ رَاحِيلَ. لَكِنَّهَا بَدَتْ فِي عَيْنَيْهِ أيَّامًا قَلِيلَةً بِسَبَبِ حُبِّهِ لَهَا. فَقَالَ يَعْقُوبُ لِلَابَانَ: «لَقَدْ أنهَيتُ سَنَوَاتِ خِدْمَتِي الَّتِي طَلَبْتَهَا مِنِّي، فَأعْطِنِي زَوْجَتِي فَأُعَاشِرَهَا.» فَجَمَعَ لَابَانُ كُلَّ أهْلِ المِنْطَقَةِ، وَأقَامَ وَلِيمَةَ عُرْسٍ. وَفِي المَسَاءِ أخَذَ لَابَانُ ابْنَتَهُ لَيئَةَ وَأحضَرَهَا لِيَعْقُوبَ، فَعَاشَرَهَا. وَأعْطَى لَابَانُ خَادِمَتَهُ زِلْفَةَ لِابْنَتِهِ لَيئَةَ لِتَكُونَ خَادِمَةً لَهَا. وَفِي الصَّبَاحِ اكتَشَفَ يَعْقُوبُ أنَّ المَرْأةَ الَّتِي عَاشَرَهَا هِيَ لَيئَةُ. فَقَالَ لِلَابَانَ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتَهُ بِي؟ أمَا خَدَمْتُكَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ مِنْ أجْلِ رَاحِيلَ؟ فَلِمَاذَا خَدَعْتَنِي؟» فَقَالَ لَابَانُ: «لَيسَ مِنْ عَادَتِنَا فِي هَذِهِ البِلَادِ أنْ نُزَوِّجَ البِنْتَ الصُّغْرَى قَبْلَ الكُبْرَى. فَأكْمِلْ أُسْبُوعَ احتِفَالَاتِ الزَّوَاجِ مَعَ الكُبْرَى. وَأنَا أعِدُ بِأنْ أُزَوِّجَكَ الصُّغرَى أيْضًا إذَا خَدَمْتَنِي سَبْعَ سَنَوَاتٍ أُخْرَى.» وَهَكَذَا فَعَلَ يَعْقُوبُ. إذْ أكمَلَ أُسْبُوعَ احتِفَالَاتِ الزَّوَاجِ مَعَ الكُبْرَى. وَبَعْدَ هَذَا زَوَّجَهُ لَابَانُ مِنِ ابْنَتِهِ رَاحِيلَ. وَأعْطَى لَابَانُ خَادِمَتَهُ بِلْهَةَ لِابْنَتِهِ رَاحِيلَ لِتَكُونَ خَادِمَةً لَهَا. فَعَاشَرَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ أيْضًا. وَأحَبَّ رَاحِيلَ أكْثَرَ مِنْ لَيئَةَ. وَاشْتَغَلَ عِنْدَ لَابَانَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ أُخْرَى. وَرَأى اللهُ أنَّ لَيئَةَ كَانَتْ مَكْرُوهَةً، فَمَكَّنَهَا مِنَ الإنجَابِ. أمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ عَاقِرًا. وَحَبِلَتْ لَيئَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا سَمَّتْهُ رَأُوبَيْنَ، فَقَدْ قَالَتْ: «رَأى اللهُ مَذَلَّتِي. وَالْآنَ لَا بُدَّ أنْ يُحِبَّنِي زَوْجِي!» ثُمَّ حَبِلَتْ لَيئَةُ ثَانِيَةً وَوَلَدَتِ ابْنًا، فَقَالَتْ: «لَقَدْ أعطَانِي اللهُ هَذَا الوَلَدَ لِأنَّهُ سَمِعَ أنِّي مَكْرُوهَةٌ.» فَسَمَّتْهُ شِمْعُونَ. وَحَبِلَتْ لَيئَةُ مَرَّةً أُخْرَى وَوَلَدَتِ ابْنًا، فَقَالَتْ: «لَا بُدَّ أنَّ زَوْجِي سَيَتَعَلَّقُ بِي هَذِهِ المَرَّةَ، لِأنِّي أنجَبْتُ لَهُ ثَلَاثَةَ أبْنَاءٍ.» وَلِهَذَا سَمَّتْهُ لَاوِيَ. وَحَبِلَتْ لَيئَةُ مَرَّةً أُخْرَى وَوَلَدَتِ ابْنًا، فَقَالَتْ: «هَذِهِ المَرَّةَ سَأُسَبِّحُ اللهَ .» وَسَمَّتْهُ يَهُوذَا. ثُمَّ تَوَقَّفَتْ عَنِ الإنْجَابِ. وَلَمَّا رَأتْ رَاحِيلُ أنَّهَا لَا تُنجِبُ أبْنَاءً لِيَعْقُوبَ، غَارَتْ مِنْ أُختِهَا. فَقَالَتْ لِيَعْقُوبَ: «أعْطِنِي أبْنَاءَ، وَإلَّا مِتُّ!» فَغَضِبَ يَعْقُوبُ مِنْ رَاحِيلَ. وَقَالَ لَهَا: «أأنَا اللهُ الَّذِي مَنَعَ عَنْكِ الإنْجَابَ؟» فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «هَا خَادِمَتِي بِلْهَةُ أمَامَكَ. فَعَاشِرْهَا لِكَي تَلِدَ لِي ابْنًا، فَيَكُونَ لِي عَائِلَةٌ مِنْهَا.» فَزَوَّجَتْهُ رَاحِيلُ مِنْ خَادِمَتِهَا بِلْهَةَ، فَعَاشَرَهَا. فَحَبِلَتْ بِلْهَةُ وَوَلَدَتْ لِيَعْقُوبَ ابْنًا. فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «لَقَدْ سَمِعَ اللهُ صَلَاتِي وَأنصَفَنِي إذْ رَزَقَنِي بِوَلَدٍ.» وَلِهَذَا سَمَّتْهُ رَاحِيلُ دَانًا. وَحَبِلَتْ بِلْهَةُ، خَادِمَةُ رَاحِيلَ، مَرَّةً أُخْرَى وَوَلَدَتْ ابْنًا ثَانِيًا. فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «جَاهَدْتُ ضِدَّ أُختِي جِهَادًا عَظِيمًا، وَفُزْتُ.» فَسَمَّتْهُ رَاحِيلُ نَفْتَالِي. وَرَأتْ لَيئَةُ أنَّهَا لَمْ تَعُدْ تُنجِبُ. فَأخَذَتْ خَادِمَتَهَا زِلْفَةَ وَزَوَّجَتْهَا مِنْ يَعْقُوبَ. فَأنْجَبَتْ زِلْفَةُ، خَادِمَةُ لَيئَةَ، لِيَعْقُوبَ ابْنًا، فَقَالَتْ لَيئَةُ: «يَا لِسَعْدِي!» فَسَمَّتْهُ جَادًا. ثُمَّ أنْجَبَتْ خَادِمَةُ لَيئَةَ ابْنًا ثَانِيًا. وَقَالَتْ لَيئَةُ: «هَنِيئًا لِي، لِأنَّ الفَتَيَاتِ ستُبَارِكُ لِي.» فَأسْمَتْهُ أشِيرَ. وَفِي أيَّامِ حَصَادِ القَمْحِ، خَرَجَ رَأُوبَينُ فَوَجَدَ بَعْضَ اللُّفَّاحِ فِي الحَقْلِ. فَأحْضَرَهُ إلَى أُمِّهِ لَيئَةَ. فَقَالَتْ رَاحِيلُ لِلَيئَةَ: «أعْطِينِي مِنْ فَضْلِكِ بَعْضًا مِنَ اللُّفَّاحِ الَّذِي جَلَبَهُ ابْنُكِ.» لَكِنَّ لَيئَةَ قَالَتْ لَهَا: «ألَمْ يَكْفِكِ أنَّكِ أخَذْتِ زَوْجِي مِنِّي؟ فَهَلْ تُرِيدِينَ أنْ تَأْخُذِي لُفَّاحَ ابْنِي أيْضًا؟» فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «إذًا لِيُعَاشِرْكِ يَعْقُوبُ هَذِهِ اللَّيلَةَ مُقَابِلَ لُفَّاحِ ابْنِكِ.» وَلَمَّا رَجِعَ يَعْقُوبُ مِنَ الحَقْلِ فِي المَسَاءِ، خَرَجَتْ لَيئَةُ لِلِقَائِهِ. وَقَالَتْ: «سَتَنَامُ عِندِي اللَّيلَةَ، لِأنِّي دَفَعْتُ مُقَابِلَ ذَلِكَ لُفَّاحَ ابْنِي.» فَعَاشَرَهَا يَعْقُوبُ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ. وَاسْتَجَابَ اللهُ لِصَلَاةِ لَيئَةَ، فَحَبِلَتْ وَأنْجَبَتْ ابْنًا خَامِسًا لِيَعْقُوبَ. فَقَالَتْ لَيئَةُ: «أعطَانِي اللهُ مُكَافَأتِي، لِأنِّي أعْطَيْتُ خَادِمَتِي زَوْجَةً لِزَوْجِي.» فَسَمَّتْهُ يَسَّاكَرَ. وَحَبِلَتْ لَيئَةُ مَرَّةً أُخْرَى وَأنْجَبَتْ ابْنًا سَادِسًا لِيَعْقُوبَ. وَقَالَتْ لَيئَةُ: «أعطَانِي اللهُ عَطِيَّةً رَائِعَةً. وَالْآنَ سَيُكرِمُنِي زَوْجِي، لِأنِّي أنجَبْتُ لَهُ ابْنًا سَادِسًا.» فَسَمَّتْهُ زَبُولُونَ. وَأنْجَبَتْ لَيئَةُ فِيمَا بَعْدُ بِنْتًا أسْمَتْهَا دِينَةَ. ثُمَّ تَذَكَّرَ اللهُ رَاحِيلَ وَاسْتَجَابَ لِصَلَاتِهَا. وَمَكَّنَهَا مِنَ الإنجَابِ. فَحَبِلَتْ رَاحِيلُ وَوَلَدَتِ ابْنًا. فَقَالَتْ: «لَقَدْ نَزَعَ اللهُ عَنِّي عَارِي.» وَسَمَّتْهُ يُوسُفَ. وَقَالَتْ: «لَيتَ اللهَ يَزِيدُنِي ابْنًا آخَرَ.» وَلَمَّا وَلَدَتْ رَاحِيلُ يُوسُفَ، قَالَ يَعْقُوبُ لِلَابَانَ: «اسْمَحْ لِي بِأنْ أعُودَ إلَى بَيْتِي وَأرْضِي. وَاسْمَحْ لِي بِأنْ آخُذَ مَعِي زَوْجَاتِي وَأبْنَائِي. لَقَدْ خَدَمْتُكَ مُقَابِلَهُمْ. ائْذَنْ لِي وَسَأنطَلِقُ. فَأنْتَ تَعْلَمُ كَيفَ خَدَمْتُكَ.» فَقَالَ لَهُ لَابَانُ: «لَيتَكَ تَرْضَى عَنِّي. قَدْ تَفَاءَلْتُ بِالبَرَكَةِ، فَبَارَكَنِي اللهُ بِسَبَبِكَ.» ثُمَّ قَالَ: «قُلْ كَمْ لَكَ عَلَيَّ، وَأنَا سَأدفَعُ لَكَ.» فَقَالَ لَهُ يَعْقُوبُ: «أنْتَ تَعْلَمُ كَيفَ خَدَمْتُكَ وَكَيفَ اعتَنَيتُ بِمَاشِيَتِكَ. فَمَا كَانَ عِنْدَكَ قَبْلَ أنْ آتِيَ كَانَ قَلِيلًا، وَأمَّا الآنَ فَلَدَيكَ كَثِيرٌ. وَقَدْ بَارَكَكَ اللهُ فِي كُلِّ مَا صَنَعَتَ. لَكِنْ مَتَى سَأعمَلُ مِنْ أجْلِ عَائِلَتِي أنَا أيْضًا؟» فَقَالَ لَابَانُ: «مَاذَا تُرِيدُنِي أنْ أُعْطِيَكَ؟» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «لَا أُرِيدُ أنْ تُعطِيَنِي شَيْئًا. لَكِنْ إنْ قَبِلْتَ أنْ تَفْعَلَ هَذَا الأمْرَ مِنْ أجْلِي، فَسَأرْعَى وَأحرُسُ مَوَاشِيَكَ مَرَّةً أُخْرَى. سَأمُرُّ اليَوْمَ بَيْنَ كُلِّ مَاشِيَتِكَ. وَسَأنتَقِي كُلَّ شَاةٍ مُرَقَّطَةٍ وَمُخَطَّطَةٍ، وَكُلَّ حَمَلٍ أسْوَدَ بَيْنَ الحِمْلَانِ. وَكُلَّ مِعْزَاةٍ مُرَقَّطَةٍ وَمُخَطَّطَةٍ. وَهَذَا يَكُونُ أجْرِي. وَسَتَشْهَدُ نَزَاهَتِي عَنِّي فِيمَا بَعْدُ عِنْدَمَا تَتَفَقَّدُ أجْرِي. فَكُلُّ مَا لَيسَ مُخَطَّطًا وَمُرَقَّطًا بَيْنَ المِعزَى، وَكُلُّ مَا لَيسَ أسْوَدَ بَيْنَ الخِرَافِ تَجِدُهُ عِندِي، فَهُوَ يُعتَبَرُ مَسْرُوقًا.» فَقَالَ لَابَانُ: «اتَّفَقْنَا! لِيَتِمَّ الأمْرُ حَسَبَ مَا قُلْتَ.» لَكِنَّ لَابَانَ قَامَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بِعَزْلِ كُلِّ التُّيُوسِ المُخَطَّطَةِ وَالمُرَقَّطَةِ، وَكُلِّ المَاعِزِ المُخَطَّطَةِ وَالمُرَقَّطَةِ، وَكُلِّ مَا عَلَيْهِ بَيَاضٌ، وَكُلِّ الحِمْلَانِ السَّوْدَاءِ. وَأعْطَاهَا لِأبْنَائِهِ. ثُمَّ أخَذَ هَذِهِ الحَيَوَانَاتِ إلَى مَكَانٍ يَبْعُدُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ عَنْ يَعْقُوبَ. أمَّا يَعْقُوبُ فَبَقِيَ وَرَعَى مَا تَبَقَّى مِنْ مَوَاشِي لَابَانَ. فَأخَذَ يَعْقُوبُ أغْصَانًا طَرِيَّةً مِنْ أشْجَارِ الحَوْرِ وَاللَّوْزِ وَالدُّلْبِ. وَقَشَّرَهَا لِتَظْهَرَ عَلَيهَا خُطُوطٌ بَيْضَاءَ. ثُمَّ وَضَعَ الأغْصَانَ الَّتِي قَشَّرَهَا أمَامَ القُطْعَانِ عِنْدَ الأحوَاضِ حَيْثُ تَشْرَبُ المَاشِيَةُ. وَكَانَتِ القُطْعَانُ تَتَزَاوَجُ عِنْدَمَا تَأْتِي لِتَشْرَبَ. فَلَمَّا تَزَاوَجَتِ القُطْعَانُ أمَامَ الأغْصَانِ، وَلَدَتْ مَوَاشِي مُخَطَّطَةً وَمُنَقَّطَةً وَمُرَقَّطَةً. وَهَكَذَا زَاوَجَ يَعْقُوبُ الأغْنَامَ، ثُمَّ فَصَلَ الأغْنَامَ المُخَطَّطَةَ مِنَ القَطِيعِ، فَكَثَّرَ بِذَلِكَ قَطِيعَهُ. وَلَمْ يَضَعْ غَنَمَ لَابَانَ مَعَ قَطِيعِهِ. فَلَمَّا كَانَتِ الأغْنَامُ القَوِيَّةُ تَتَزَاوَجُ، كَانَ يَعْقُوبُ يَضَعُ الأغْصَانَ أمَامَهَا فِي أحوَاضِ السِّقَايَةِ، لِكَي تَتَزَاوَجَ أمَامَ الأغْصَانِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَضَعُ الأغْصَانَ أمَامَ الأغْنَامِ الضَّعِيفَةِ فِي القَطِيعِ، فَصَارَتِ مَوَالِيدُ الضَّعِيفَةِ مِنْ نَصِيبِ لَابَانَ، وَمَوَالِيدُ القَوِيَّةِ مِنْ نَصِيبِ يَعْقُوبَ. فَصَارَ يَعْقُوبُ غَنِيًّا جِدًّا. إذْ كَانَتْ لَدَيهِ مَوَاشٍ كَثِيرَةٌ، وَخُدَّامٌ وَخَادِمَاتٌ، وَجِمَالٌ وَحَمِيرٌ. وَسَمِعَ يَعْقُوبُ مَا قَالَهُ أبْنَاءُ لَابَانَ: «لَقَدِ اسْتَوْلَى يَعْقُوبُ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لِأبِينَا. وَجَمَعَ كُلَّ ثَرْوَتِهِ مِمَّا كَانَ لِأبِينَا.» وَلَاحَظَ يَعْقُوبُ أنَّ نَظْرَةَ لَابَانَ إلَيْهِ لَمْ تَعُدْ كَمَا كَانَتْ فِي السَّابِقِ. فَقَالَ اللهُ لِيَعْقُوبَ: «عُدْ إلَى أرْضِ آبَائِكَ وَأهْلِكَ. وَسَأكُونُ مَعَكَ.» فَأرْسَلَ يَعْقُوبُ فِي طَلَبِ رَاحِيلَ وَلَيئَةَ وَدَعَاهُمَا إلَى الحَقْلِ حَيْثُ قُطْعَانُهُ. وَقَالَ لَهُمَا: «لَاحَظْتُ أنَّ نَظْرَةَ أبِيكُمَا إلَيَّ لَمْ تَعُدْ كَمَا فِي السَّابِقِ. وَلَكِنَّ إلَهَ أبِي كَانَ وَمَا يَزَالُ مَعِي. أنْتُمَا تَعْرِفَانِ أنِّي خَدَمْتُ أبَاكُمَا بِكُلِّ قُوَّتِي، وَهُوَ غَشَّنِي وَغَيَّرَ أجْرِي عَشْرَ مَرَّاتٍ. لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ بِأنْ يُؤذِيَنِي. «فَإنْ قَالَ لَابَانُ: ‹المَوَاشِي المُرَقَّطَةُ سَتَكُونُ أجرَكَ،› حِينَئِذٍ، كَانَتْ كُلُّ القُطْعَانِ تَلِدُ صِغَارًا مُرَقَّطَةً. وَإنْ قَالَ: ‹المَوَاشِي المُخَطَّطَةُ سَتَكُونُ أجرَكَ.› حِينَئِذٍ، كَانَتْ كُلُّ القُطْعَانِ تَلِدُ صِغَارًا مُخَطَّطَةً. فَنَزَعَ اللهُ مَوَاشِي أبِيكُمَا وَأعْطَاهَا لِي. «وَفِي وَقْتِ تَزَاوُجِ القَطِيعِ، رَفَعْتُ نَظَرِي وَرَأيْتُ حُلْمًا. رَأيْتُ أنَّ التُّيُوسَ الَّتِي كَانَتْ تَتَزَاوَجُ مُخَطَّطَةٌ وَمُنَقَّطَةٌ وَمُرَقَّطَةٌ. ثُمَّ جَاءَ إلَيَّ مَلَاكُ اللهِ فِي حُلْمٍ وَقَالَ: ‹يَا يَعْقُوبُ!› «فَقُلْتُ: ‹سَمْعًا وَطَاعَةً.› «فَقَالَ المَلَاكُ: ‹ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ كَيفَ أنَّ كُلَّ التُّيُوسِ المُتَزَاوِجَةِ مُخَطَّطَةٌ وَمُنَقَّطَةٌ وَمُرَقَّطَةٌ. فَقَدْ رَأيْتُ كُلَّ مَا فَعَلَهُ لَابَانُ بِكَ، أنَا إلَهُ بَيْتِ إيلَ حَيْثُ كَرَّسْتَ عَمُودًا وَنَذَرْتَ لِي نَذْرًا. فَالآنَ قُمْ وَاترُكْ هَذَا المَكَانَ وَعُدْ إلَى أرْضِ أهْلِكَ.›» فَأجَابَتْهُ رَاحِيلُ وَلَيئَةُ: «ألَعَلَّ لَنَا نَصِيبًا أوْ مِيرَاثًا فِي بَيْتِ أبِينَا؟ ألَا يَعْتَبِرُنَا غَرِيبَتَينِ؟ فقَدْ بَاعَنَا وَاسْتَوْلَى عَلَى المَهْرِ الَّذِي دُفِعَ فِينَا. فَكُلُّ الثَّرْوَةِ الَّتِي اسْتَعَادَهَا اللهُ مِنْ أبِينَا هِيَ لَنَا وَلِأبْنَائِنَا. فَالآنَ اعْمَلْ كَمَا قَالَ لَكَ اللهُ!» فَاسْتَعَدَّ يَعْقُوبُ وَأركَبَ أبْنَاءَهُ وَزَوْجَاتِهِ الجِمَالَ. وَسَاقَ كُلَّ مَوَاشِيهِ وَكُلَّ مُقتَنَيَاتِهِ. سَاقَ كُلَّ شَيءٍ اقْتَنَاهُ، وَالمَاشِيَةَ الَّتِي حَصَلَ عَلَيهَا فِي فَدَّانَ أرَامَ، لِيَذْهَبَ إلَى أبِيهِ إسْحَاقَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ. وَكَانَ لَابَانُ قَدْ ذَهَبَ لِيَجِزَّ الصُّوفَ عَنْ غَنَمِهِ. فَسَرَقَتْ رَاحِيلُ تَمَاثِيلَ أبِيهَا. وَخَدَعَ يَعْقُوبُ لَابَانَ الأرَامِيَّ إذْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِرَحِيلِهِ، بَلْ هَرَبَ بِكُلِّ مَا كَانَ لَهُ. وَانطَلَقَ يَعْقُوبُ وَعَبَرَ نَهْرَ الفُرَاتِ، قَاصِدًا أرْضَ جِلْعَادَ الجَبَلِيَّةَ. وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ أُخْبِرَ لَابَانُ بِأنَّ يَعْقُوبَ قَدْ هَرَبَ. فَأخَذَ لَابَانُ أقْرِبَاءَهُ مَعَهُ وَلَاحَقَهُ مُدَّةَ سَبْعَةِ أيَّامٍ، إلَى أنْ أدرَكَهُ فِي جِلْعَادَ الجَبَلِيَّةِ. وَجَاءَ اللهُ إلَى لَابَانَ الأرَامِيُّ فِي حُلْمٍ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ. وَقَالَ اللهُ لِلَابَانَ: «احتَرِسْ مِنْ أنْ تُهَدِّدَ يَعْقُوبَ بِأيَّةِ كَلِمَةٍ!» فَأدرَكَ لَابَانُ يَعْقُوبَ. وَنَصَبَ يَعْقُوبُ خَيْمَتَهُ عَلَى الجَبَلِ. وَنَصَبَ لَابَانُ خَيْمَتَهُ فِي جِلْعَادَ الجَبَلِيَّةِ. فَقَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتَهُ؟ خَدَعْتَنِي وَأخَذْتَ ابْنَتَيَّ كَمَا لَوْ أنَّهُمَا أسِيرَتَا حَرْبٍ. فَلِمَاذَا هَرَبْتَ سِرًّا وَخَدَعْتَنِي وَلَمْ تُخبِرْنِي؟ لَوْ أخبَرْتَنِي لَوَدَّعْتُكَ بِفَرَحٍ وَأغَانٍ وَدُفُوفٍ وَقَيَاثيرَ. لَمْ تَسْمَحْ لِي حَتَّى بِتَقْبِيلِ أحْفَادِي وَبِنْتَيَّ قُبلَةَ الوَدَاعِ، وَكَانَ هَذَا حُمْقًا مِنْكَ. أُقْسِمُ أنِّي كُنْتُ أنوِي إيذَاءَكَ. لَكِنْ ظَهَرَ لِي لَيلَةَ أمْسٍ إلَهُ أبِيكَ، وَقَالَ لِي: ‹احتَرِسْ مِنْ أنْ تُهَدِّدَ يَعْقُوبَ بِأيَّةِ كَلِمَةٍ!› وَالْآنَ أنْتَ غَادَرْتَ لِأنَّكَ اشْتَقْتَ إلَى بَيْتِ أبِيكَ، لَكِنْ لِمَاذَا سَرَقْتَ أوْثَانَ بَيْتِي؟» فَرَدَّ يَعْقُوبُ عَلَى لَابَانَ وَقَالَ: «غَادَرْتُ دُونَ أنْ أُخْبِرَكَ لِأنِّي خِفْتُ أنْ تَأْخُذَ ابْنَتَيكَ مِنِّي. لَكِنْ إنْ وَجَدْتَ أوْثَانَكَ مَعَ أحَدٍ، فَسَيُقْتَلُ، أيًّا كَانَ. وَأنَا أقُولُ لَكَ عَلَى مَسْمَعٍ مِنْ أقْرِبَائِنَا: أشِرْ إلَى أيِّ شَيءٍ مَعِي وَقُلْ إنَّهُ لَكَ، حِينَئِذٍ، يَرْجِعُ إلَيكَ.» لَكِنَّ يَعْقُوبَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أنَّ رَاحِيلَ هِيَ الَّتِي سَرَقَتِ الأوْثَانَ. فَدَخَلَ لَابَانُ إلَى خَيْمَةِ يَعْقُوبَ وَخَيْمَةِ لَيئَةَ وَخَيْمَةِ الخَادِمَتَينِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدِ الأوْثَانَ. ثُمَّ دَخَلَ إلَى خَيْمَةِ رَاحِيلَ. وَكَانَتْ رَاحِيلُ قَدْ أخَذَتْ أوْثَانَ البَيْتِ وَوَضَعَتْهَا فِي سَرْجِ الجَمَلِ الَّذِي كَانَتْ تَجْلِسُ عَلَيْهِ. وَفَتَّشَ لَابَانُ الخَيْمَةَ كُلَّهَا فَلَمْ يَجِدِ الأوْثَانَ. فَقَالَتْ رَاحِيلُ لِأبِيهَا: «لَا تَغْضَبْ مِنِّي يَا سَيِّدِي، فَأنَا لَا أسْتَطِيعُ الوُقُوفَ أمَامَكَ. إذْ عَلَيَّ العَادَةُ الشَّهْرِيَّةُ.» فَفَتَّشَ لَابَانُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ أوْثَانَ بَيْتِهِ. فَغَضِبَ يَعْقُوبُ وَوَبَّخَ لَابَانَ. وَقَالَ لِلَابَانَ: «أيَّةَ جَرِيمَةٍ ارتَكَبْتُ؟ وَمَا هِيَ الإسَاءَةُ الَّتِي أسَأتُ بِهَا إلَيكَ، حَتَّى جِئْتَ تُطَارِدُنِي؟ لَقَدْ فَتَّشْتَ كُلَّ أغرَاضِي. فَهَلْ وَجَدْتَ بَيْنَهَا شَيْئًا مِنْ مُقتَنَيَاتِ بَيْتِكَ؟ إنْ وَجَدْتَهُ، فَضَعْهُ هُنَا أمَامَ أقْرِبَائِي وَأقْرِبَائِكَ. وَلْيَحْكُمُوا بَيْنَنَا. كُنْتُ مَعَكَ عِشْرِينَ عَامًا وَلَمْ تُجهِضْ فِيهَا نِعَاجُكَ وَمِعَازُكَ. وَلَمْ آكُلْ يَوْمًا مِنْ كِبَاشِ قُطْعَانِكَ. وَلَمْ أُحضِرْ لَكَ يَوْمًا رَأسًا مِنْ مَاشِيَتِكَ افتَرَسَتْهُ الوُحُوشُ، بَلْ كُنْتُ أُعَوِّضُ لَكَ الخَسَارَةَ مِنِّي عِنْدَمَا كُنْتَ تَطْلُبُهَا. وَقَدْ تَعَرَّضْتُ لِلسَّلْبِ لَيلًا وَنَهَارًا. عِشْتُ هَكَذَا: كَانَتْ قُوَّتِي تُمْتَصُّ مِنَ الحَرِّ نَهَارًا، وَمِنَ البَرْدِ لَيلًا. وَلَمْ أذُقْ طَعْمَ النَّوْمِ حِرْصًا عَلَى مَوَاشِيكَ. كُنْتُ فِي بَيْتِكَ طَوَالَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ العِشْرِينَ أعمَلُ كَعَبْدٍ، أرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً مُقَابِلَ ابْنَتَيكَ وَسِتَّ سَنَوَاتٍ مُقَابِلَ غَنَمِكَ. وَغَيَّرْتَ أجرِي عَشَرَ مَرَّاتٍ. لَكِنَّ إلَهَ أبِي، إلَهَ إبْرَاهِيمَ، وَمَهَابَةَ إسْحَاقَ، كَانَ مَعِي. وَلَولَا ذَلِكَ لَأرْسَلْتَنِي فَارِغَ اليَدَينِ. رَأى اللهُ ضِيقِي وَتَعَبِي. وَلِهَذَا وَبَّخَكَ اللهُ لَيلَةَ أمْسِ.» فَأجَابَ لَابَانُ: «هَاتَانِ ابْنَتَايَ، وَهُؤلَاءِ الغِلمَانُ لِي، وَالغَنَمُ غَنَمِي، وَكُلُّ مَا تَرَاهُ هُوَ لِي. لَكِنْ مَاذَا عَسَانِي أفْعَلُ اليَوْمَ بِابْنَتَيَّ وَأوْلَادِهِنَّ؟ فَتَعَالَ وَلْنَقْطَعْ أنَا وَأنْتَ عَهْدًا. وَلْيَكُنْ هَذَا العَهْدُ شَاهِدًا بَيْنِي وَبَيْنَكَ.» فَأخَذَ يَعْقُوبُ حَجَرًا، وَنَصَبَهُ عَمُودًا. ثُمَّ قَالَ يَعْقُوبُ لِأقْرِبَائِهِ: «اجْمَعُوا حِجَارَةً!» فَأخَذُوا حِجَارَةً وَجَعَلُوا مِنْهَا كَوْمَةً. ثُمَّ أكَلُوا مَعًا بِجَانِبِ كَوْمَةِ الحِجَارَةِ. وَسَمَّى لَابَانُ ذَلِكَ المَكَانَ يَجَرْ سَهْدُوثَا. وَسَمَّاهُ يَعْقُوبُ جَلْعِيدَ. فَقَدْ قَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: «كَوْمَةُ الحِجَارَةِ هَذِهِ تَشْهَدُ اليَوْمَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.» لِذَلِكَ دُعِيَ المَوضِعُ جَلْعِيدُ. وَدُعِيَ المَكَانُ أيْضًا مِصْفَاةَ، لِأنَّ لَابَانَ قَالَ: «لِيُرَاقِبِ اللهُ كِلَينَا عِنْدَمَا يَفْتَرِقُ أحَدُنَا عَنِ الآخَرِ، وَيَحْكُمْ بَيْنَنَا. فَلَا تُؤذِ بَنَاتِي، وَلَا تَتَزَوَّجْ عَلَيْهِنَّ. فَاللهُ شَاهِدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا أحَدٌ.» وَقَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: «هَا كَوْمَةُ الحِجَارَةِ وَالعَمُودُ بَيْنَنَا. هَذِهِ الكَوْمَةُ شَاهِدَةٌ وَهَذَا العَمُودُ شَاهِدٌ عَلَى أنِّي لَنْ أتَخَطَّى هَذِهِ الكَوْمَةَ إلَيكَ لِإيذَائِكَ، وَأنَّكَ لَنْ تَتَخَطَّى هَذِهِ الكَوْمَةَ وَهَذَا العَمُودَ إلَيَّ لِإيذَائِي. وَلْيَحْكُمْ بَيْنَنَا إلَهُ إبْرَاهِيمَ وَإلَهُ نَاحُورَ.» أيْ إلَهَي آبائِهِمَا. فَحَلَفَ يَعْقُوبُ بِمَهَابَةِ إسْحَاقَ أبِيهِ. وَقَدَّمَ ذَبِيحَةً عَلَى الجَبَلِ. وَدَعَا أقْرِبَاءَهُ إلَى الطَّعَامِ. فَأكَلُوا وَبَاتُوا لَيلَتَهُمْ عَلَى الجَبَلِ. وَفي الصَّبَاحِ البَاكِرِ، اسْتَيقَظَ لَابَانُ وَقَبَّلَ أحْفَادَهُ وَبَنَاتِهِ وَبَارَكَهُمْ، ثُمَّ عَادَ إلَى بَيْتِهِ. أمَّا يَعْقُوبُ فَوَاصَلَ طَرِيقَهُ وَلَاقَتْهُ مَلَائِكَةُ اللهِ. فَلَمَّا رَآهُمْ يَعْقُوبُ قَالَ: «هَذَا مُعَسْكَرُ اللهِ!» فَسَمَّى ذَلِكَ المَكَانَ مَحَنَايِمَ. ثُمَّ أرْسَلَ يَعْقُوبُ أمَامَهُ رُسُلًا إلَى أخِيهِ عِيسُو فِي أرْضِ سَعِيرَ، فِي حُقُولِ أدُومَ. وَأوْصَاهُمْ: «قُولُوا لِسَيِّدِي عِيسُو: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ يَعْقُوبُ، خَادِمُكَ: تَغَرَّبْتُ عِنْدَ لَابَانَ، وَبَقِيتُ هُنَاكَ إلَى الآنِ. وَعِنْدِي بَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَغَنَمٌ، وَخُدَّامٌ وَخَادِمَاتٌ. وَقَدْ أرْسَلْتُ لِأُخْبِرَكَ هَذَا، لَعَلِّي أحظَى بِرِضَاكَ.›» وَعَادَ الرُّسُلُ إلَى يَعْقُوبَ وَقَالُوا: «لَقَدْ ذَهَبْنَا إلَى أخِيكَ عِيسُو. وَهُوَ أيْضًا قَادِمٌ لِلِقَائِكَ، وَمَعَهُ أرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ.» فَخَافَ يَعْقُوبُ وَتَضَايَقَ جِدًّا. وَقَسَّمَ جَمَاعَتَهُ الَّذِينَ مَعَهُ وَالغَنَمَ وَالبَقَرَ وَالجِمَالَ إلَى مَجمُوعَتَينِ. إذْ قَالَ فِي نَفْسِهِ: «إذَا هَجَمَ عِيسُو عَلَى المَجمُوعَةِ الأُولَى وَأهْلَكَهَا، سَتَنْجُو الثَّانِيَةُ.» ثُمَّ صَلَّى يَعْقُوبُ: «يَا إلَهَ أبِي إبْرَاهِيمَ! وَيَا إلَهَ إسْحَاقَ أبِي! أنْتَ قُلْتَ لِي، يَا اللهُ : ‹عُدْ إلَى أهْلِكَ وَإلَى عَائِلَتِكَ، وَأنَا سَأصْنَعُ مَعَكَ خَيرًا.› أنَا لَسْتُ جَدِيرًا بِكُلِّ أعْمَالِ لُطفِكَ وَوَفَائِكَ الَّتِي صَنَعْتَهَا مَعِي أنَا، عَبْدَكَ. عِنْدَمَا عَبَرْتُ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِأوَّلِ مَرَّةٍ، لَمْ تَكُنْ لَدَيَّ إلَّا عَصَاي، وَهَا أنَا أعُودُ بِمُعَسْكَرَينِ. فَخَلِّصْنِي مِنْ يَدِ أخِي عِيسُو. فَأنَا أخشَى أنْ يَأْتِيَ وَيَقْتُلَنِي، وَأنْ يَقْتُلَ حَتَّى الأُمَّهَاتِ مَعَ الأبْنَاءِ. أنْتَ قُلْتَ: ‹سَأصْنَعُ مَعَكَ خَيرًا، وَسَأجْعَلُ نَسْلَكَ بِعَدَدِ رَملِ البَحْرِ، الَّذِي لَا يُحصَى لِكَثْرَتِهِ.›» وَبَاتَ يَعْقُوبُ تِلْكَ اللَّيلَةَ هُنَاكَ. ثُمَّ انتَقَى مِمَّا حَصَلَ عَلَيْهِ هَدِيَّةً لِأخِيهِ عِيسُو: مِئَتَي عَنْزَةٍ، وَعِشْرِينَ تَيسًا، وَمِئَتَي نَعجَةٍ، وَعِشْرِينَ كَبْشًا. ثَلَاثِينَ نَاقَةً مَعَ أوْلَادِهَا، وَأرْبَعِينَ بَقَرَةً وَأرْبَعِينَ ثَوْرًا، وَعِشْرِينَ أتَانًا وَعَشْرَةَ حَمِيرٍ. وَوَضَعَ كُلَّ قَطِيعٍ وَحْدَهُ فِي عُهْدَةِ أحَدِ خُدَّامِهِ. ثُمَّ قَالَ لِخُدَّامِهِ: «اسْبِقُونِي، وَاترُكُوا مَسَافَةً بَيْنَ قَطِيعٍ وَقَطِيعٍ.» وَأوْصَى يَعْقُوبُ خَادِمَهُ الأوَّلَ وَقَالَ لَهُ: «عِنْدَمَا يُلَاقِيكَ أخِي عِيسُو، وَيَسْألُكَ: ‹مَنْ سَيِّدُكَ! وَإلَى أيْنَ أنْتَ ذَاهِبٌ؟ وَلِمَنْ هَذِهِ الحَيَوَانَاتُ الَّتِي أمَامَكَ؟› فَقُلْ لَهُ: ‹إنَّهَا لِعَبْدِكَ يَعْقُوبَ، وَهِيَ هَدِيَّةٌ مُرْسَلَةٌ إلَيكَ، يَا سَيِّدِي عِيسُو. وَهَا هُوَ آتٍ خَلْفِي.›» ثُمَّ أوْصَى يَعْقُوبُ خَادِمَهُ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثَ وَجَمِيعَ الخُدَّامِ الَّذِينَ كَانُوا يَتْبَعُونَ القُطْعَانَ وَقَالَ لَهُمْ: «قُولُوا الكَلَامَ نَفْسَهُ لِعِيسُو عِنْدَمَا تَجِدُونَهُ. وَقُولُوا لَهُ: ‹هَا هُوَ خَادِمُكَ يَعْقُوبُ آتٍ خَلْفَنَا.›» فَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ فِي نَفْسِهِ: «سَأسْتَرْضِيهِ بِالهَدِيَّةِ الَّتِي تَسْبِقُنِي. وَسَأرَاهُ فِيمَا بَعْدُ وَجْهًا لِوَجْهٍ. فَحِينَئِذٍ، رُبَّمَا أحظَى بِرِضَاهُ.» فَمَضَتِ الهَدِيَّةُ أمَامَ يَعْقُوبَ. أمَّا يَعْقُوبُ فَأمضَى تِلْكَ اللَّيلَةَ فِي المُخَيَّمِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ قَامَ وَأخَذَ زَوْجَتَيهِ وَخُدَّامَهُ وَخَادِمَاتِهِ وَعَبَرَ نُهَيرَ يَبُّوقَ، عِنْدَ المَعبَرِ. أخَذَهُمْ وَأرْسَلَهُمْ عَبْرَ الوَادِي، وَأرْسَلَ أيْضًا كُلَّ مَا كَانَ لَهُ. أمَّا يَعْقُوبُ فَبَقِيَ وَحْدَهُ. وَتَصَارَعَ إنْسَانٌ مَعَهُ هُنَاكَ حَتَّى طُلُوعِ الفَجْرِ. فَلَمَّا رَأى الإنْسَانُ أنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى يَعْقُوبَ، ضَرَبَ مِفْصَلَ فَخذِ يَعْقُوبَ فَانخَلَعَ وَهُوَ يُصَارِعُهُ. ثُمَّ قَالَ لِيَعْقُوبَ: «أطلِقْنِي، فَهَا الفَجْرُ يَبْزُغُ.» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «لَنْ أُطلِقَكَ حَتَّى تُبَارِكَنِي!» فَقَالَ لِيَعْقُوبَ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «اسْمِي يَعْقُوبُ.» فَقَالَ لَهُ: «لَنْ تُدْعَى يَعْقُوبَ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ إسْرَائِيلَ. فَأنْتَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَمَعَ النَّاسِ، وَفُزْتَ.» فَسَألَهُ يَعْقُوبُ: «أخبِرْنِي بِاسْمِكَ.» فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسألُ عَنِ اسْمِي؟» ثُمَّ بَارَكَهُ هُنَاكَ. وَسَمَّى يَعْقُوبُ المَكَانَ فَنِيئِيلَ. إذْ قَالَ: «لَقَدْ رَأيْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، لَكِنَّهُ أبقَى عَلَى حَيَاتِي.» وَأشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَارٌّ بِفَنِيئِيلَ. وَكَانَ يَعْرُجُ بِسَبَبِ فَخذِهِ. وَلِهَذَا فَإنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا يَأْكُلُونَ العَضَلَةَ الَّتِي عَلَى مِفْصَلِ الفَخذِ إلَى هَذَا اليَوْمِ، لِأنَّ يَعْقُوبَ ضُرِبَ عَلَى عَضَلَةِ مِفصَلِ فَخذِهِ. وَرَفَعَ يَعْقُوبُ نَظَرَهُ، فَإذَا بِعِيسُو قَادِمٌ مَعَ أرْبَعِ مِئَةِ رَجُلٍ. فَقَسَّمَ الأطْفَالَ بَيْنَ لَيئَةَ وَرَاحِيلَ وَالخَادِمَتَينِ. فَوَضَعَ الخَادِمَتَينِ وَأبْنَاءَهُنَّ أوَّلًا، ثُمَّ لَيئَةَ وَأبْنَاءَهَا، ثُمَّ رَاحِيلَ وَيُوسُفَ آخِرَ الكُلِّ. لَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَقَدَّمَهُمْ بِنَفْسِهِ، وَانحَنَى إلَى الأرْضِ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَيْنَمَا كَانَ يَقْتَرِبُ مِنْ أخِيهِ. لَكِنَّ عِيسُو رَكَضَ لِمُلَاقَاتِهِ، وَعَانَقَهُ، وَطَوَّقَهُ بِذِرَاعَيهِ، وَقَبَّلَهُ، فَبَكَيَا مَعًا. ثُمَّ رَفَعَ عِيسُو نَظَرَهُ. فَرَأى النِّسَاءَ وَالأطْفَالَ. فَقَالَ: «مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعَكَ؟» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «هَؤُلَاءِ هُمُ الأبْنَاءُ الَّذِينَ أعطَاهُمُ اللهُ لِي، أنَا خَادِمَكَ.» ثُمَّ اقْتَرَبَتِ الخَادِمَتَانِ وَأبْنَاؤُهُمَا مِنْ عِيسُو وَانْحَنَوْا. ثُمَّ اقْتَرَبَتْ لَيئَةُ وَأبْنَاؤُهَا وَانْحَنَوْا. ثُمَّ اقْتَرَبَ يُوسُفُ وَرَاحِيلُ وَانْحَنَيَا. فَقَالَ عِيسُو: «مَاذَا قَصَدْتَ بِإرْسَالِكَ كُلَّ هَذِهِ الجَمَاعَةِ الَّتِي قَابَلْتُهَا؟» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «أرَدْتُ أنْ أحْظَى بِرِضَاكَ، يَا سَيِّدِي.» فَقَالَ عِيسُو: «عِندِي مَا يَكْفِي، يَا أخِي! فَابْقِ مَا لَكَ عِنْدَكَ.» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «لَا! إنْ كُنْتَ رَاضِيًا عَنِّي، فَاقْبَلْ هَذِهِ الهَدِيَّةَ مِنْ يَدَيَّ. بَعْدَ أنْ رَضِيتَ عَنِّي صَارَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِكَ عِندِي أشْبَهَ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ اللهِ. فَاقْبَلِ الهَدِيَّةَ الَّتِي جَلَبْتُهَا لَكَ. فَقَدْ كَانَ اللهُ كَرِيمًا مَعِي، وَأعطَانِي كُلَّ مَا أُرِيدُ.» وَألَحَّ يَعْقُوبُ عَلَى عِيسُو، فَقَبِلَهَا. وَقَالَ عِيسُو: «هَيَّا نَمضِ فِي طَريقِنَا، وَسَأذْهَبُ مَعَكَ.» لَكِنَّ يَعْقُوبَ قَالَ لَهُ: «أنْتَ تَعْلَمُ يَا سَيِّدِي أنَّ الأطْفَالَ تَعِبُونَ، وَأنَّ المَوَاشِي المُرْضِعَةَ مَصْدَرُ قَلَقٍ لِي. فَإذَا أرهَقْتُهَا كَثِيرًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَسَتَمُوتُ كُلُّهَا. فَاسْبِقْ يَا سَيِّدِي خَادِمَكَ. أمَّا أنَا فَسَأسِيرُ بِبُطءٍ عَلَى سُرْعَةِ البَقَرِ الَّتِي أمَامِي، وَسُرْعَةِ الأطْفَالِ، إلَى أنْ أصِلَ إلَيكَ يَا سَيِّدِي فِي سَعِيرَ.» فَقَالَ عِيسُو: «اسْمَحْ لِي إذًا أنْ أتْرُكَ عِنْدَكَ بَعْضَ الَّذِينَ مَعِي.» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «هَذَا لُطْفٌ لَا أسْتَحِقُّهُ يَا سَيِّدِي.» فَعَادَ عِيسُو فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مُتَّجِهًا إلَى سَعِيرَ. أمَّا يَعْقُوبُ فَذَهَبَ إلَى بَلْدَةِ سُكُّوتَ وَبَنَى لِنَفْسِهِ بَيتًا هُنَاكَ. وَصَنَعَ أيْضًا خِيَامًا لِحِمَايَةِ مَوَاشِيهِ. فَدُعِيَ ذَلِكَ المَكَانُ سُكُّوتَ. وَصَلَ يَعْقُوبُ سَالِمًا إلَى مَدِينَةِ شَكِيمَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ لَمَّا جَاءَ مِنْ فَدَّانَ أرَامَ وَخَيَّمَ أمَامَ المَدِينَةِ. وَاشْتَرَى يَعْقُوبُ جُزءًا مِنَ الحَقْلِ الَّذِي خَيَّمَ فِيهِ مِنْ أبْنَاءِ حَمُورَ أبِي شَكِيمَ، بِمِئَةِ قِطعَةٍ مِنَ الفِضَّةِ. وَبَنَى مَذْبَحًا هُنَاكَ سَمَّاهُ «إيلَ إلَهَ إسْرَائِيلَ.» وَخَرَجَتْ دِينَةُ ابْنَةُ لَيئَةَ وَيَعْقُوبَ لِتَرَى بَنَاتِ تِلْكَ المِنْطَقَةِ. فَرَآهَا شَكِيمُ بْنُ حَمُورَ، رَئِيسَ تِلْكَ المِنْطَقَةِ، فَأمْسَكَ بِهَا وَاغتَصَبَهَا. لَكِنَّهُ تَعَلَّقَ بِدِينَةَ ابْنَةِ يَعْقُوبَ. أحَبَّ الفَتَاةَ وَكَانَ رَقِيقًا مَعَهَا. فَقَالَ شَكِيمُ لِأبِيهِ حَمُورَ: «زَوِّجْنِي مِنْ هَذِهِ البِنْتِ!» وَسَمِعَ يَعْقُوبُ أنَّ شَكِيمَ اعتَدَى عَلَى ابْنَتِهِ دِينَةَ. وَكَانَ أبْنَاؤهُ مَعَ المَاشِيَةِ فِي الحَقْلِ، فَانتَظَرَ إلَى أنْ يَأْتُوا. وَخَرَجَ حَمُورُ، أبو شَكِيمَ، إلَى يَعْقُوبَ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ. وَفِي هَذَا الوَقْتِ، رَجِعَ أبْنَاءُ يَعْقُوبَ مِنَ الحَقْلِ. فَلَمَّا سَمِعُوا بِمَا حَدَثَ، اشْتَدَّ غَضَبُهُمْ وَسَخَطُهُمْ، إذْ فَعَلَ شَكِيمُ أمْرًا مُشِينًا فِي إسْرَائِيلَ بِاغْتِصَابِ ابْنَةِ يَعْقُوبَ. فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِمِثْلِ هَذَا أنْ يَحْدُثَ. فَقَالَ حَمُورُ لَهُمْ: «قَدْ تَعَلَّقَ قَلْبُ ابْنِي شَكِيمُ بِابْنَتِكُمْ، فَزَوِّجُوهَا لَهُ. صَاهِرُونَا. زَوِّجُونَا مِنْ بَنَاتِكُمْ، وَتَزَوَّجُوا مِنْ بَنَاتِنَا. وَاسْتَقِرُّوا بَيْنَنَا. فَالأرْضُ مَفْتُوحَةٌ أمَامَكُمْ. اسْتَقِرُّوا وَتَاجِرُوا وَتَمَلَّكُوا أرَاضِيَ فِيهَا.» وَقَالَ شَكِيمُ لِأبِيهَا وَإخوَتِهَا: «اقْبَلُونِي، وَسَأُعْطِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ. ارفَعُوا قِيمَةَ المَهْرِ وَالهَدَايَا بِقَدْرِ مَا شِئْتُمْ، وَسَأُعْطِيكُمْ كُلَّ مَا تَأْمُرُونَنِي بِهِ، لَكِنْ زَوِّجُونِي مِنَ البِنْتِ.» فَأجَابَ أبْنَاءُ يَعْقُوبَ شَكِيمَ وَأبَاهُ حَمُورَ بِطَرِيقَةٍ مَاكِرَةٍ، لِأنَّهُ اعتَدَى عَلَى أُختِهِمْ. قَالُوا لَهُمْ: «لَا نَقْدِرُ أنْ نَفعَلَ هَذَا الأمْرَ. لَا يُمكِنُنَا أنْ نُزَوِّجَ أُختَنَا مِنْ رَجُلٍ غَيرِ مَختُونٍ، فَهَذَا عَارٌ لَنَا. فَلَا نُوافِقَكُمْ عَلَى طَلَبِكُمْ إلَّا بِشَرطٍ، وَهُوَ أنْ تُصبِحُوا مِثْلَنَا بِأنْ تَخْتِنُوا كُلَّ ذَكَرٍ بَيْنَكُمْ. حِينَئِذٍ، سَنُزَوِّجُكُمْ مِنْ بَنَاتِنَا، وَسَنَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِكُمْ، وَسَنَسْتَقِرُّ بَيْنَكُمْ، وَنُصْبِحُ شَعْبًا وَاحِدًا. لَكِنْ إذَا لَمْ تَسْتَمِعُوا لَنَا وَتَخْتَتِنُوا، فَسَنَأخُذُ ابْنَتَنَا وَنَرْحَلُ.» فَاسْتَحْسَنَ حَمُورُ وَشَكِيمُ هَذَا الكَلَامَ. وَلَمْ يَتَرَدَّدِ الشَّابُّ فِي فِعلِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، لِأنَّهُ فُتِنَ بِابْنَةِ يَعْقُوبَ. وَكَانَ شَكِيمُ ذَا شأنٍ كَبيرٍ فِي بَيْتِ أبِيهِ. فَذَهَبَ حَمُورُ وَابْنُهُ شَكِيمُ إلَى بَوَّابَةِ مَدِينَتِهِمَا. وَقَالَا لِرِجَالِ المَدِينَةِ: «هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ طَيِّبُونَ مَعَنَا. فَلْنَدَعْهُمْ يَسْتَقِرُّونَ فِي الأرْضِ وَيُتَاجِرُونَ فِيهَا. فَهَا الأرْضُ تَتَّسِعُ لَهُمْ وَلَنَا. فَلْنَتَزَوَّجْ مِنْ بَنَاتِهِمْ، وَلْنُزَوِّجْهُمْ مِنْ بَنَاتِنَا. غَيْرَ أنَّ لِهَؤُلَاءِ القَوْمِ شَرْطًا لِكَي يَسْتَقِرُّوا بَيْنَنَا، وَيَكُونُوا شَعْبًا وَاحِدًا مَعَنَا. وَهُوَ أنْ يُختَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنَّا مِثْلَهُمْ. سَتَكُونُ قُطْعَانُهُمْ وَأمْلَاكُهُمْ وَجَمِيعُ حَيَوَانَاتِهِمْ لَنَا. لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ نُوافِقَ عَلَى شَرْطِهِمْ لِيَسْتَقِرُّوا بَيْنَنَا.» فَوَافَقَ جَمِيعُ أهْلُ المَدِينَةِ حَمُورَ وَابْنَهُ شَكِيمَ عَلَى رَأيِهِمَا. وَاختَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ. وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ رِجَالُ المَدِينَةِ فِي ألَمٍ شَدِيدٍ. فَأخَذَ ابْنَا يَعْقُوبَ، شِمْعُونُ وَلَاوِي، أخَوَا دِينَةَ سَيْفَيهِمَا، وَهَاجَمَا أهْلَ المَدِينَةِ السُّقَمَاءَ بِجَسَارَةٍ. وَذَبَحَا كُلَّ ذَكَرٍ فِيهَا. وَقَتَلَا حَمُورَ وَابْنَهُ شَكِيمَ أيْضًا. وَأخَذَا دِينَةَ مِنْ بَيْتِ شَكِيمَ، وَمَضَيَا. وَأتَى أبْنَاءُ يَعْقُوبَ الآخَرُونَ عَلَى جُثَثِ القَتْلَى، وَنَهَبُوا المَدِينَةَ، لِأنَّ شَكِيمَ اعتَدَى عَلَى أُختِهِمْ. وَأخَذُوا مَاشِيَتَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَكُلَّ مَا كَانَ فِي المَدِينَةِ وَفِي الحُقُولِ. سَبَوا وَأخَذُوا كُلَّ ثَرْوَتِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأبْنَائِهِمْ، وَكُلَّ مَا فِي بُيُوتِهِمْ. فَقَالَ يَعْقُوبُ لِشَمْعُونَ وَلَاوِي: «لَقَدْ أزْعَجْتُمَانِي إذْ صِرْتُ مَكرُوهًا بَيْنَ قَاطِنِي هَذِهِ البِلَادِ مِنَ الكَنعَانِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ. أنَا وَعَائِلَتِي قِلَّةٌ. لِهَذَا أخشَى أنْ يَجْتَمِعُوا عَلَينَا، وَأنْ يُهَاجِمُونَا، فَيُدَمِّرُونَا أنَا وَأهْلَ بَيْتِي.» فَقَالَا لَهُ: «أكَانَ يُفْتَرَضُ فِينَا أنْ نَرضَى أنْ تُعَامَلَ أُختُنَا كَسَاقِطَةٍ؟» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيَعْقُوبَ: «قُمْ وَاذْهَبْ إلَى بَيْتِ إيلَ وَاسْكُنْ هُنَاكَ. وَابْنِ مَذْبَحًا هُنَاكَ للهِ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ وَأنْتَ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ أخِيكَ عِيسُو.» فَقَالَ يَعْقُوبُ لِأهْلِ بَيْتِهِ وَلِكُلِّ الَّذِينَ كَانُوا مَعْهُ: «تَخَلَّصُوا مِنَ الآلِهَةِ الغَرِيبَةِ الَّتِي لَدَيْكُمْ. وَطَهِّرُوا أنْفُسَكُمْ، وَغَيِّرُوا ثِيَابَكُمْ. فَلْنُغَادِرْ هَذَا المَكَانَ وَنَذْهَبْ إلَى بَيْتِ إيلَ، فَأبنِي هُنَاكَ مَذْبَحًا للهِ الَّذِي استَجَابَ لِي فِي وَقْتِ ضِيقِي، وَرَافَقَنِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي مَضَيتُ فِيهِ.» فَأعْطَوْا لِيَعْقُوبَ كُلَّ الأوْثَانِ الغَرِيبَةِ الَّتِي كَانَتْ لَدَيهِمْ، وَالأقْرَاطِ الَّتِي كَانَتْ فِي آذَانِهِمْ. فَدَفَنَهَا يَعْقُوبُ تَحْتَ شَجَرَةِ البُطْمِ قُرْبَ شَكِيمَ. ثُمَّ انطَلَقُوا. وَجَعَلَ اللهُ أهْلَ المُدُنِ حَوْلَهُمْ يَهَابُونَ عَائِلَةَ يَعْقُوبَ. فَلَمْ يُلَاحِقُوا أبْنَاءَ يَعْقُوبَ. فَجَاءَ يَعْقُوبُ وَكُلُّ الَّذِينَ مَعَهُ إلَى لُوزٍ، أيْ بَيْتِ إيلَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ. وَبَنَى مَذْبَحًا هُنَاكَ. وَدَعَا المَكَانَ «إلَهَ بَيْتِ إيلَ.» لِأنَّ اللهَ أعْلَنَ لَهُ نَفْسَهُ وَهُوَ هَارِبٌ مِنْ أخِيهِ. وَمَاتَتْ دَبُّورَةُ، مُرضِعَةُ رِفْقَةَ هُنَاكَ. وَدُفِنَتْ تَحْتَ البَلُّوطَةِ قُرْبَ بَيْتِ إيلَ. وَسَمَّى يَعْقُوبُ ذَلِكَ المَكَانَ «بَلُّوطَةَ الحُزنِ.» وَفِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ مِنْ فَدَّانَ أرَامَ، ظَهَرَ اللهُ لِيَعْقُوبَ وَبَارَكَهُ وَقَالَ لَهُ: «اسْمُكَ يَعْقُوبُ. لَكِنَّكَ لَنْ تُدْعَى يَعْقُوبَ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ إسْرَائِيلَ.» فَسَمَّاهُ اللهُ «إسْرَائِيلَ.» وَقَالَ لَهُ: «أنَا اللهُ الجَبَّارُ. لِيَكُنْ لَكَ أبْنَاءٌ كَثِيرُونَ، وَلْتَزْدَدْ عَدَدًا. سَتَخْرُجُ مِنْكَ أُمَّةٌ، بَلْ جَمَاعَةٌ مِنَ الأُمَمِ. وَسَيَنْحَدِرُ مُلُوكٌ مِنْكَ. وَسَأُعْطِيكَ الأرْضَ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِإبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ. وَسَأُعْطِيهَا لِنَسْلِكَ مِنْ بَعدِكَ أيْضًا.» ثُمَّ مَضَى عَنْهُ اللهُ فِي المَكَانِ الَّذِي كَلَّمَهُ فِيهِ. فَأقَامَ يَعْقُوبُ نَصَبًا تَذْكَارِيًّا حَجَرِيًّا فِي المَكَانِ الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ فِيهِ، وَكَرَّسَهُ للهِ بِسَكِيبٍ مِنَ النَّبِيذِ وَزَيْتِ الزَّيْتُونِ. وَسَمَّى يَعْقُوبُ المَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ فِيهِ بَيْتَ إيلَ. ثُمَّ انطَلَقُوا مِنْ بَيْتِ إيلَ. وَقَبْلَ أنْ يَصِلُوا إلَى أفْرَاتَةَ بَدَأتْ رَاحِيلُ تَلِدُ. وَكَانَتْ أوجَاعُ الوِلَادَةِ شَدِيدَةً. فَقَالَتْ لَهَا القَابِلَةُ أثْنَاءَ وِلَادَتِهَا العَسِرَةِ: «لَا تَخَافِي، فَهَذَا ابْنٌ آخَرُ لَكِ.» وَأثنَاءَ نِزَاعِهَا، وَقُبَيلَ مَوْتِهَا، سَمَّتِ ابْنَهَا «بَنْ أُونِي،» لَكِنَّ أبَاهُ سَمَّاهُ «بَنْيَامِينَ.» وَمَاتَتْ رَاحِيلُ وَدُفِنَتْ فِي الطَّرِيقِ إلَى أفرَاتَةَ، أيْ بَيْتِ لَحْمٍ. فَأقَامَ يَعْقُوبُ عَمُودًا فَوْقَ قَبْرِهَا وَهُوَ مَعرُوفٌ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ بِاسْمِ عَمُودِ قَبْرِ رَاحِيلَ. ثُمَّ تَابَعَ إسْرَائِيلُ ارتِحَالَهُ. وَخَيَّمَ جَنُوبَ بُرجِ عِدْرٍ. وَبَيْنَمَا كَانَ إسْرَائِيلُ سَاكِنًا فِي تِلْكَ المِنْطَقَةِ، ذَهَبَ رَأُوبَينُ وَنَامَ مَعَ بِلْهَةَ، خَادِمَةِ أبِيهِ. فَعَلِمَ إسْرَائِيلُ بِالأمْرِ. وَكَانَ لِيَعْقُوبَ اثْنَا عَشَرَ ابْنًا. أبْنَاؤُهُ مِنْ لَيئَةَ هُمْ رَأُوبَينُ بِكْرُ يَعْقُوبَ، وَشِمْعُونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ. وَابْنَاهُ مِنْ رَاحِيلَ هُمَا يُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ. وَابْنَاهُ مِنْ بِلْهَةَ، خَادِمَةِ رَاحِيلَ، هُمَا دَانٌ وَنَفْتَالِي. وَابْنَاهُ مِنْ زِلْفَةَ، خَادِمَةِ لَيئَةَ، هُمَا جَادٌ وَأشِيرُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ يَعْقُوبَ الَّذِينَ أنْجَبَهُمْ فِي فَدَّانَ أرَامَ. وَجَاءَ يَعْقُوبُ إلَى أبِيهِ إسْحَاقَ فِي مَمْرَا، قَرْيَةِ أرْبَعَ، أيْ حَبْرُونَ، حَيْثُ كَانَ إبْرَاهِيمُ وَإسْحَاقُ قَدْ عَاشَا هُنَاكَ. وَعَاشَ إسْحَاقُ مِئَةً وَثَمَانِينَ عَامًا. ثُمَّ لَفَظَ أنفَاسَهُ الأخِيرَةَ وَمَاتَ. وَانْضَمَّ إلَى جَمَاعَتِهِ عَجُوزًا شَبِعَ مِنَ الحَيَاةِ. وَدَفَنَهُ ابْنَاهُ عِيسُو وَيَعْقُوبُ. هَذَا سِجِلُّ نَسْلِ عِيسُو الَّذِي هُوَ أدُومُ. تَزَوَّجَ عِيسُو أوَّلَ امْرَأتَينِ وَكَانَتَا كَنْعَانِيَّتَينِ. وَهُمَا عَدَا بِنْتُ إيلُونَ الحِثِّيِّ، وَأُهُولِيبَامَةُ بِنْتُ عَنَى بنِ صِبْعُونَ الحِوِّيِّ. ثُمَّ تَزَوَّجَ بَسْمَةَ بِنْتَ إسْمَاعِيلَ، وَأُختَ نَبَايُوتَ. وَكَانَ لِعَدَا وَعِيسُو ابْنٌ اسْمُهُ ألِيفَازُ. وَأنْجَبَتْ بَسْمَةُ رَعُوئِيلَ. وَأنْجَبَتْ أهُولِيبَامَةُ يَعُوشَ وَيَعلَامَ وَقُورَحَ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ عِيسُو الَّذِينَ وُلِدُوا فِي أرْضِ كَنْعَانَ. ثُمَّ أخَذَ عِيسُو زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَكُلَّ أهْلِ بَيْتِهِ وَمَوَاشِيَهُ وَكُلَّ حَيَوَانَاتِهِ وَكُلَّ أمْلَاكِهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا فِي أرْضِ كَنْعَانَ، وَانتَقَلَ إلَى أرْضٍ أُخْرَى بَعِيدًا عَنْ يَعْقُوبَ. إذْ كَانَتْ مُمتَلَكَاتُهُمَا أوْسَعَ مِنْ أنْ يَسْكُنَا مَعًا. وَلَمْ تَتَّسِعِ الأرْضُ الَّتِي كَانَا يَسْكُنَانِ فِيهَا لَهُمَا مَعًا، لِأنَّ مَوَاشِيَهُمَا كَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا. فَاسْتَقَرَّ عِيسُو فِي بِلَادِ سَعِيرَ. وَعِيسُو هُوَ أدُومُ. هَذَا سِجِلُّ نَسْلِ عِيسُو، أصْلِ شَعْبِ أدُومَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي بِلَادِ سَعِيرَ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ عِيسُو: ألِيفَازُ، وَهُوَ ابْنُ عِيسُو مِنْ زَوْجَتِهِ عَدَا، وَرَعُوئِيلُ، وَهُوَ ابْنُ عِيسُو مِنْ زَوْجَتِهِ بَسْمَةَ. وَأبْنَاءُ ألِيفَازَ هُمْ تَيمَانُ وَأوْمَارُ وَصَفْوُ وَجَعْثَامُ وَقَنَازُ. وَكَانَتْ تِمْنَاعُ، جَارِيَةً لِألِيفَازَ بْنِ عِيسُو. وَأنْجَبَتْ لِألِيفَازَ ابْنًا اسْمُهُ عَمَالِيقُ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ عَدَا زَوْجَةِ عِيسُو. وأبْنَاءُ رَعُوئِيلَ هُمْ نَحَثُ وَزَارَحُ وَشَمَّةُ وَمِزَّةُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ بَسْمَةَ زَوْجَةِ عِيسُو. أمَّا أهُولِيبَامَةُ ابْنَةُ عَنَى بْنِ صِبْعُونَ فَقَدْ أنْجَبَتْ لِزَوْجِهَا عِيسُو يَعُوشَ وَيَعلَامَ وَقُورَحَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ العَشَائِرِ الَّذِينَ انحَدَرُوا مِنْ عِيسُو: أبْنَاءُ ألِيفَازَ، بِكْرِ عِيسُو، رُؤَسَاءُ تَيمَانَ وَأوْمَارَن وَصَفْوَا وَقَنَازَ وَجَعْثَامَ وَعَمَالِيقَ. كَانَ هَؤُلَاءِ رُؤَسَاءَ العَشَائِرِ المُتَحَدِّرِينَ مِنْ ألِيفَازَ فِي أرْضِ أدُومَ. وَهُمْ أبْنَاءُ عَدَا. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ رَعُوئِيلَ بْنِ عِيسُو: رُؤَسَاءُ عَشَائِرِ نَحَثٍ وَزَارَحَ وَشَمَّةَ وَمِزَّةَ. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ العَشَائِرِ الَّذِينَ انحَدَرُوا مِنْ رَعُوئِيلَ فِي أرْضِ أدُومَ. هَؤُلَاءِ أبْنَاءُ بَسْمَةَ زَوْجَةِ عِيسُو. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ أُهُولِيبَامَةَ زَوْجَةِ عِيسُو: رُؤَسَاءُ عَشَائِرِ يَعُوشَ وَيَعلَامَ وَقُورَحَ. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ العَشَائِرِ الَّذِينَ أنْجَبَتْهُمْ زَوْجَةُ عِيسُو أُهُولِيبَامَةُ، ابْنَةُ عَنَى. كَانَ هَؤُلَاءِ مِنْ نَسْلِ عِيسُو، أيْ أدُومَ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ رُؤَسَاءَ عَشَائِرِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ سَعِيرَ الحُورِيِّ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ فِي تِلْكَ الأرْضِ: لُوطَانُ وَشُوبَالُ وَصِبْعُونُ وَعَنَىْ وَدِيشُونُ وَإيصَرُ وَدِيشَانُ. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ العَشَائِرِ الحُورِيِّونَ، أبْنَاءُ سَعِيرَ فِي أرْضِ أدُومَ. وَابْنَا لُوطَانَ هُمَا حُورِي وَهَيمَامُ. وَكَانَتْ تِمْنَاعُ أُخْتَ لُوطَانَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ شُوبَالَ: عَلْوَانُ وَمَنَاحَةُ وَعَيْبَالُ وَشَفُو وَأُونَامُ. وَابْنَا صِبْعُونَ هُمَا أيَّةُ وَعَنَى. وَعَنَى هُوَ الَّذِي وَجَدَ اليَنَابِيعَ الحَارَّةَ فِي الصَّحْرَاءِ بينَمَا كَانَ يَرْعَى حَمِيرَ أبِيهِ صِبْعُونَ. وَكَانَ لِعَنَى ابْنٌ اسْمُهُ دِيشُونَ، وَابْنَةٌ اسْمُهَا أُهُولِيبَامَةُ. وَأبْنَاءُ دِيشُونَ هُمْ حَمْدَانُ وَأشْبَانُ ويِثْرَانُ وَكَرَانُ. وَأبْنَاءُ إيصَرَ هُمْ بِلْهَانُ وَزَعْوَانُ وَعَقَانُ. وَابْنَا دِيشَانَ هُمَا عُوصٌ وَأرَانُ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ عَشَائِرِ الحُورِيِّينَ: رُؤَسَاءُ لُوطَانَ وَشُوبَالَ وَصِبْعُونَ وَعَنَى وَدِيشُونَ وَإيصَرَ وَدِيشَانَ. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ عَشَائِرِ الحُورِيِّينَ فِي أرْضِ سَعِيرَ. هَذِهِ أسْمَاءُ المُلُوكِ الَّذِينَ حَكَمُوا فِي أرْضِ أدُومَ قَبْلَ أنْ يَمْلُكَ أحَدٌ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ: بَالَعُ بْنُ بَعُورَ صَارَ مَلِكًا فِي أدُومَ. وَكَانَ اسْمُ مَدِينَتِهِ دِنْهَابَةَ. وَمَاتَ بَالَعُ، فَخَلَفَهُ يُوبَابُ بْنُ زَارَحَ مِنْ بُصْرَةَ مَلِكًا. وَمَاتَ يُوبَابُ، فَخَلَفَهُ حُوشَامُ مِنْ أرْضِ التَّيمَانِيِّينَ مَلِكًا. وَمَاتَ حُوشَامُ، فَخَلَفَهُ هَدَادُ بْنُ بَدَادَ مَلِكًا. وَهَدَادُ هُوَ الَّذِي هَزَمَ مِدْيَانَ فِي بِلَادِ مُوآبَ. وَكَانَ اسْمُ مَدِينَتِهِ عَوِيتَ. وَمَاتَ هَدَادُ، فَخَلَفَهُ سَملَةُ مِنْ مَسْرِيقَةَ مَلِكًا. وَمَاتَ سَملَةُ، فَخَلَفَهُ شَاوُلُ مِنْ رَحُوبُوتَ الوَاقِعَةِ عَلَى نَهْرِ الفُرَاتِ مَلِكًا. وَمَاتَ شَاوُلُ، فَخَلَفَهُ بَعلُ حَانَانَ بْنُ عَكْبُورَ مَلِكًا. وَمَاتَ بَعلُ حَانَانَ، فَخَلَفَهُ هَدَادُ مَلِكًا بَدَلًا مِنْهُ. وَكَانَ اسْمُ مَدِينَتِهِ فَاعُو. وَكَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ مَهِيطَبْئِيلَ ابْنَةَ مَطْرِدَ ابْنَةِ مَاءِ الذَّهَبِ. وَهَذِهِ أسْمَاءُ قَبَائلِ عِيسُو حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ وَمَنَاطِقِهِمْ: تِمْنَاعُ وَعَلْوَةُ وَيَتِيتُ وَأُهُولِيبَامَةُ وَإيلَةُ وَفِينُونُ وَقَنَازُ وَتِيمَانُ وَمِبْصَارُ وَمَجْدِيئِيلُ وَعِيرَامُ. هَذِهِ قَبَائلُ أدُومَ حَسَبَ تَوْزِيعِهِمْ فِي الأرْضِ الَّتِي امتَلَكُوهَا. وَعِيسُو هُوَ أصلُ أهْلِ أدُومَ. وَاسْتَقَرَّ يَعْقُوبُ فِي الأرْضِ الَّتِي كَانَ قَدِ اسْتَقَرَّ فِيهَا أبوْهُ، أيْ أرْضِ كَنْعَانَ. وَهَذِهِ هِيَ قِصَّةُ عَائِلَةِ يَعْقُوبَ: كَانَ يُوسُفُ فِي السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ، وَكَانَ يَرْعَى المَاشِيَةَ مَعَ إخْوَتِهِ. وَعَمِلَ مُسَاعِدًا لِأبْنَاءِ بِلْهَةَ وَزِلْفَةَ، زَوْجَتَي أبِيهِ. وَنَقَلَ يُوسُفُ أخْبَارَهُمُ السَّيِّئَةَ لِأبِيهِمْ. وَأحَبَّ إسْرَائِيلُ يُوسُفَ أكْثَرَ مِنْ كُلِّ أبْنَائِهِ الآخَرِينَ، لِأنَّهُ وُلِدَ وَهُوَ شَيخٌ. وَصَنَعَ إسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ ثَوْبًا مُلَوَّنًا. وَرَأى إخْوَتُهُ أنَّ أبَاهُمْ يُحِبُّهُ أكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعًا. فَأبغَضُوا يُوسُفَ، وَلَمْ يَكُونُوا يَقْدِرُونَ أنْ يَتَكَلَّمُوا مَعَهُ بِلُطْفٍ. وَرَأى يُوسُفُ حُلْمًا. وَأخبَرَ إخْوَتَهُ بِهِ، فَزَادَ بُغْضُهُمْ لَهُ. قَالَ لَهُمْ: «اسْتَمِعُوا إلَى هَذَا الحُلْمِ الَّذِي رَأيْتُهُ. كُنَّا فِي وَسَطِ الحَقْلِ نَحزِمُ حُزَمًا مِنَ القَمْحِ، فَقَامَتْ حُزمَتِي وَانْتَصَبَتْ. ثُمَّ أحَاطَتْ حُزَمُكُمْ بِحُزْمَتِي وَانحَنَتْ لَهَا.» فَقَالَ لَهُ إخْوَتُهُ: «ألَعَلَّكَ تَظُنُّ بِأنَّكَ سَتَكُونُ مَلِكًا عَلَينَا وَتَحْكُمُنَا؟» فَزَادَ بُغضُهُمْ لَهُ بِسَبَبِ أحْلَامِهِ وَكَلَامِهِ. وَرَأى يُوسُفُ حُلْمًا آخَرَ أيْضًا. وَأبلَغَ إخْوَتَهُ بِحُلْمِهِ فَقَالَ: «اسْمَعُوا هَذَا الحُلْمَ الجَدِيدَ الَّذِي رَأيْتُهُ. رَأيْتُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَأحَدَ عَشَرَ نَجمًا تَنْحَنِي لِي.» فَلَمَّا أخبَرَ أبَاهُ وَإخوَتَهُ بِذَلِكَ، وَبَّخَهُ أبوْهُ، وَقَالَ لَهُ: «مَا هَذَا الحُلْمُ الَّذِي رَأيْتَهُ؟ هَلْ آتِي أنَا وَأُمُّكَ وَإخوَتُكَ وَنَنحَنِي أمَامَكَ؟» وَغَارَ مِنْهُ إخْوَتُهُ، لَكِنَّ أبَاهُ تَفَكَّرَ فِي هَذَا الأمْرِ. وَذَاتَ يَوْمٍ كَانَ إخْوَةُ يُوسُفَ قَدْ ذَهَبُوا لِيَرْعَوْا مَاشِيَةَ أبِيهِمْ فِي شَكِيمَ. فَقَالَ إسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «إخْوَتُكَ يَرْعَوْنَ المَاشِيَةَ فِي شَكِيمَ. جَهِّزْ نَفْسَكَ لِكَي أُرسِلَكَ إلَيْهِمْ.» فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: «هَا أنَا مُسْتَعِدٌّ لِلذَّهَابِ.» فَقَالَ لَهُ إسْرَائِيلُ: «اذْهَبِ الآنَ لِتَرَى إنْ كَانَ إخْوَتُكَ وَالمَاشِيَةُ بِخَيرٍ. ثُمَّ ارْجِعْ وَأخبِرْنِي.» فَأرسَلَهُ إسْرَائِيلُ مِنْ وَادِي حَبْرُونَ إلَى شَكِيمَ. وَتَاهَ يُوسُفُ فِي الصَّحْرَاءِ. فَلَاقَاهُ رَجُلٌ، فَسَألَهُ: «مَا الَّذِي تَبْحَثُ عَنْهُ؟» فَقَالَ يُوسُفُ: «إنَّنِي أبْحَثُ عَنْ إخْوَتِي. فَأرْجُو أنْ تُخبِرَنِي أيْنَ يَرْعَوْنَ.» فَقَالَ الرَّجُلُ: «غَادَرُوا هَذَا المَكَانَ، فَقَدْ سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: ‹لِنَذْهَبْ إلَى دُوثَانَ.›» فَلَحِقَ يُوسُفُ بِإخوَتِهِ وَوَجَدَهُمْ فِي دُوثَانَ. وَرَآهُ إخْوَتُهُ آتِيًا مِنْ بَعِيدٍ. وَقَبْلَ أنْ يَقْتَرِبَ مِنْهُمْ، تَآمَرُوا لِقَتْلِهِ. فَقَالَ أحَدُهُمْ لِلآخَرِ: «انْظُرُوا، هَا هُوَ الحَالِمُ آتٍ! فَلنَقتُلْهُ وَنُلْقِ بِهِ فِي إحْدَى الآبَارِ الجَافَّةِ. وَلنَقُلْ إنَّ حَيَوَانًا مُفْتَرِسًا افْتَرَسَهُ. وَلْنَرَ بَعْدَ هَذَا مَصِيرَ أحْلَامِهِ.» فَلَمَّا سَمِعَ رَأُوبَينُ هَذَا، حَاوَلَ أنْ يُخَلِّصَهُ مِنْهُمْ. فَقَالَ: «لَا دَاعِي لِقَتْلِهِ.» وَقَالَ أيْضًا: «لَا تَسْفِكُوا دَمًا! ألقُوهُ فِي هَذِهِ البِئْرِ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا تُؤْذُوهُ.» قَالَ رَأُوبَينُ هَذَا لِكَي يُخَلِّصَهُ مِنْهُمْ، وَيُعِيدَهُ إلَى أبِيهِ. فَلَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إلَى إخْوَتِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ ثَوبَهُ الطَويلَ المُلَوَّنَ. وَأمْسَكُوهُ وَألقَوْا بِهِ فِي البِئْرِ. وَكَانَتِ البِئْرُ فَارِغَةً بِلَا مَاءٍ. ثُمَّ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا. بَعْدَ ذَلِكَ، رَأوْا قَافِلَةً مِنَ التُّجَّارِ آتِيَةً مِنْ جِلْعَادَ، جِمَالُهُمْ مُحَمَّلَةٌ بِصَمْغِ القَتَادِ وَالمُرِّ وَالبَلْسَمِ. وَكَانُوا نَازِلِينَ فِي طَرِيقِهِمْ إلَى مِصْرٍ. فَقَالَ يَهُوذَا لِإخْوَتِهِ: «مَاذَا نَكْسِبُ إنْ قَتَلْنَا أخَانَا وَأخفَينَا جُثَّتَهُ؟ فَلْنَبِعْهُ لِلتُّجَّارِ وَلَا نُؤْذِهِ، فَهُوَ أخُونَا مِنْ لَحْمِنَا.» فَوَافَقَ إخْوَتُهُ. وَلَمَّا مَرَّ بَعْضُ التُّجَّارِ المِدْيَانِيِّينَ، سَحَبُوا يُوسُفَ وَرَفَعُوهُ مِنَ البِئْرِ. وَبَاعُوهُ لِلتُّجَّارِ بِعِشْرِينَ قِطعَةً مِنَ الفِضَّةِ. فَأتَى التُّجَّارُ بِيُوسُفَ إلَى مِصْرٍ. وَلَمَّا عَادَ رَأُوبَينُ إلَى البِئْرِ. رَأى أنَّ يُوسُفَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا. فَمَزَّقَ مَلَابِسَهُ حُزْنًا. ثُمَّ عَادَ رَأُوبَينُ إلَى إخْوَتِهِ وَقَالَ: «لَيسَ الفَتَى هُنَاكَ! فَمَاذَا عَسَانِي أفْعَلُ؟» فَأخَذُوا ثَوْبَ يُوسُفَ، وَذَبَحُوا تَيسًا وَغَمَّسُوا مِعْطَفَهُ بِالدَّمِ. ثُمَّ أخَذُوا الثَّوبَ الطَّوِيلَ ذَا الكُمَّينِ إلَى أبِيهِمْ. وَقَالُوا: «وَجَدْنَا هَذَا الثَّوبَ. أهُوَ لِابْنِكَ؟» فَمَيَّزَ يَعْقُوبُ المِعطَفَ، وَقَالَ: «هَذَا ثَوبُ ابْنِي. التَهَمَهُ حَيَوَانٌ مُفْتَرِسٌ. وَلَا بُدَّ أنَّهُ مَزَّقَ يُوسُفَ تَمْزيقًا.» فَمَزَّقَ يَعْقُوبُ ثِيَابَهُ، وَلَبِسَ الخَيْشَ حُزْنًا، وَنَاحَ عَلَى ابْنِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً جِدًّا. ثُمَّ جَاءَ كُلُّ أبْنَاءِ يَعْقُوبَ لِيُعَزُّوهُ، فَأبَى أنْ يَتَعَزَّى. وَقَالَ: «بَلْ أنزِلُ إلَى الهَاوِيَةِ حُزْنًا عَلَى ابْنِي!» فَنَاحَ أبو يُوسُفَ وَلَدَهُ. أمَّا يُوسُفُ، فَقَدْ بَاعَهُ المِدْيَانِيُّونَ فِي مِصْرٍ إلَى فُوطِيفَارَ، وَهُوَ رَئِيسُ حَرَسِ القَصْرِ عِنْدَ فِرعَوْنَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، تَرَكَ يَهُوذَا إخْوَتَهُ وَنَزَلَ وَاسْتَقَرَّ عِنْدَ رَجُلٍ عَدُّلَامِيٍّ اسْمُهُ حِيرَةُ. وَرَأى هُنَاكَ ابْنَةَ رَجُلٍ كَنْعَانِيٍّ اسْمُهُ شُوعٌ. فَتَزَوَّجَهَا وَعَاشَرَهَا، فَحَبِلَتْ وَأنْجَبَتْ وَلَدًا سَمَّتْهُ عِيرًا. ثُمَّ حَبِلَتْ مَرَّةً أُخْرَى وَأنْجَبَتْ وَلَدًا سَمَّتْهُ أُونَانَ. ثُمَّ أنْجَبَتْ وَلَدًا آخَرَ وَسَمَّتْهُ شِيلَةَ. وَكَانَ يَهُوذَا سَاكِنًا فِي كَزِيبَ عِنْدَمَا أنْجَبَتْ لَهُ شِيلَةَ. وَوَجَدَ يَهُوذَا زَوْجَةً لِبِكْرِهِ عِيرٍ اسْمُهَا ثَامَارُ. لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا عَنْ بِكْرِ يَهُوذَا عِيرٍ، فَأمَاتَهُ اللهُ . فَقَالَ يَهُوذَا لِأُونَانَ: «تَزَوَّجِ امْرأةَ أخِيكَ المُتَوَفَّى، فَتَصْنَعَ بِذَلِكَ وَاجِبَ أخِي الزَّوْجِ مَعَهَا، وَتُنجِبُ أبْنَاءً يَحْمِلُونَ اسْمَ أخِيكَ.» وَإذْ عَرَفَ أُونَانُ أنَّ الطِّفْلَ لَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ، كَانَ إذَا عَاشَرَ امْرأةَ أخِيهِ يَقْذِفُ عَلَى الأرْضِ لِئَلَّا يُعْطِي أخَاهُ نَسْلًا. فَاسْتَاءَ اللهُ مِمَّا فَعَلَهُ أُونَانُ، فَأمَاتَهُ أيْضًا. فَقَالَ يَهُوذَا لِكِنَّتِهِ ثَامَارَ: «ارجِعِي إلَى بَيْتِ أبِيكِ وَلَا تَتَزَوَّجِي إلَى أنْ يَكْبُرَ شِيلَةُ.» فَقَدْ خَافَ يَهُوذَا أنْ يَموتَ شِيلَةُ أيْضًا كَأخَوَيهِ. فَذَهَبَتْ ثَامَارُ وَعَاشَتْ فِي بَيْتِ أبِيهَا. وَبَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ، مَاتَتِ ابْنَةُ شُوعٍ، زَوْجَةُ يَهُوذَا. وَبَعْدَ انتِهَاءِ الحِدَادِ، ذَهَبَ يَهُوذَا مَعَ صَدِيقِهِ حِيرَةَ العَدُلَّامِيِّ إلَى تِمْنَةَ، إلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ كَانُوا يَجُزُّونَ صُوفَ غَنَمِه. فَقَالَ أحَدُهُمْ لِثَامَارَ: «هَا هُوَ حَمُوكِ فِي طَريقِهِ إلَى تِمْنَةَ لِيَجُزَّ صُوفَ غَنَمِهِ.» فَخَلَعَتْ ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا، وَغَطَّتْ وَجْهَهَا بِحِجَابٍ، وَلَفَّتْ نَفْسَهَا. ثُمَّ جَلَسَتْ عِنْدَ مَدْخَلِ عَينَايِمَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى طَرِيقِ تِمْنَةَ، فَقَدْ رَأتْ أنَّ شِيلَةَ قَدْ كَبِرَ، وَأنَّهَا لَمْ تُزَوَّجْ مِنْهُ. فَلَمَّا رَآهَا يَهُوذَا ظَنَّ أنَّهَا امْرأةٌ سَاقِطَةٌ، لِأنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا. فَذَهَبَ إلَيْهَا إلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ. وَقَالَ لَهَا: «أُرِيدُ أنْ أُعَاشِرَكِ.» إذْ لَمْ يَعْرِفْ أنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةَ ابْنِهِ. فَقَالَتْ لَهُ ثَامَارُ: «وَمَاذَا سَتُعطِينِي مُقَابِلَ ذَلِكْ؟» فَقَالَ: «سَأُرْسِلُ إلَيكِ جَدْيًا مِنْ قَطِيعِي.» فَقَالَتْ: «لَا أرْضَى إلَّا إذَا أبْقَيْتَ عِندِي رَهْنًا إلَى أنْ تُرْسِلَهُ.» فَقَالَ: «وَمَا هُوَ الرَّهْنُ الَّذِي تُرِيدِينَنِي أنْ أُبْقِيَهُ عِنْدَكِ إلَى أنْ آتِيَ؟» فَقَالَتْ: «أعْطِنِي خَاتِمَكَ وَخَيطَهُ، وَعَصَاكَ الَّتِي فِي يَدِكَ.» فَأعطَاهَا لَهَا. ثُمَّ عَاشَرَهَا فَحَبِلَتْ مِنْهُ. ثُمَّ قَامَتْ وَذَهَبَتْ إلَى بَيْتِهَا. وَنَزَعَتْ حِجَابَهَا، وَلَبِسَتْ ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا. وَفِيمَا بَعْدُ، أرْسَلَ يَهُوذَا صَدِيقَهُ حِيرَةَ مَعَ الجَدْيِ لِيَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ مِنَ المَرْأةِ. لَكِنَّ حِيرَةَ لَمْ يَجِدْهَا. وَسَألَ حِيرَةُ أهْلَ تِلْكَ المِنْطَقَةِ: «أيْنَ عَاهِرَةُ الهَيْكَلِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ عَينَايِمَ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ؟» فَقَالُوا: «لَمْ تَكُنْ هُنَا أيَّةُ عَاهِرَةِ هَيْكَلٍ.» فَعَادَ حِيرَةُ إلَى يَهُوذَا، وَقَالَ: «لَمْ أجِدْهَا. وَقَالَ لِي أهْلُ المَكَانِ: ‹لَمْ تَكُنْ هُنَا أيَّةُ عَاهِرَةِ هَيْكَلٍ.›» فَقَالَ يَهُوذَا: «فَلتَحْتَفِظْ بِالرَّهْنِ، وَإلَّا صِرْنَا أُضْحُوكَةً. هَا قَدْ أرْسَلْتُ الجَدْيَ بِالفِعْلِ، لَكِنَّكَ لَمْ تَجِدْهَا.» وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أشْهُرٍ، قَالَ أحَدُهُمْ لِيَهُوذَا: «لَقَدْ زَنَتْ كِنَّتُكَ ثَامَارُ.» فَقَالَ يَهُوذَا: «أخرِجُوهَا، وَلْتُحْرَقْ حَتَّى المَوْتِ.» وَأثْنَاءَ إخرَاجِهَا، أرْسَلَتْ رِسَالَةً إلَى حَمِيهَا يَهُوذَا تَقُولُ: «لَقَدْ حَبِلْتُ مِنَ صَاحِبِ هَذِهِ الأشْيَاءِ.» وَقَالَتِ: «انْظُرْ إلَيْهَا! فَلِمَنْ هَذَا الخَاتِمُ وَالخَيطُ وَالعَصَا؟» فَمَيَّزَ يَهُوذَا أشْيَاءَهُ. وَقَالَ: «إنَّهَا أفْضَلُ مِنِّي، لِأنِّي لَمْ أُزَوِّجْهَا مِنَ ابْنِي شِيلَةَ.» وَلَمْ يُعَاشِرْهَا يَهُوذَا مَرَّةً أُخْرَى. وَلَمَّا حَانَ وَقْتُ وِلَادَتِهَا، كَانَ فِي بَطنِهَا تَوْأمَانِ. وَعِنْدَمَا وَلَدَتْ، أخْرَجَ أحَدُهُمَا يَدَهُ، فَأخَذَتِ القَابِلَةُ خَيطًا قُرْمُزِيًّا وَرَبَطَتْهُ عَلَى يَدِهِ. وَقَالَتْ: «خَرَجَ هَذَا أوَّلًا.» وَلَكِنْ حَالَمَا سَحَبَ يَدَهُ، خَرَجَ أخُوهُ. فَقَالَتِ القَابِلَةُ: «يَا لِهَذَا الِاخْتِرَاقِ الَّذِي اختَرَقْتَهُ لِنَفْسِكَ!» فَسُمِّيَ فَارَصَ. ثُمَّ خَرَجَ أخُوهُ بَعْدَهُ. وَكَانَ الخَيْطُ القُرْمُزِيُّ عَلَى يَدِهِ. فَسُمِّيَ زَارَحُ. أمَّا يُوسُفُ فَأُخِذَ إلَى مِصْرٍ. وَاشْتَرَاهُ مَسْؤُولٌ عِنْدَ فِرعَوْنِ مِصْرٍ، رَئِيسٌ لِحَرَسِ القَصْرِ، وَهُوَ مِصْرِيٌّ. اشْتَرَاهُ مِنَ التُّجَارِ الإسْمَاعِيلِيِّينَ الَّذِينَ جَلَبُوهُ. فَكَانَ اللهُ مَعَ يُوسُفَ، فَكَانَ رَجُلًا نَاجِحًا. وَسَكَنَ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ المِصْرِيِّ. وَرَأى سَيِّدُهُ أنَّ اللهَ مَعَهُ، وَأنَّ اللهَ يُوَفِّقُ كُلَّ عَمَلِ يَدَيهِ. فَحَظِيَ يُوسُفُ بِرِضَاهُ، وَخَدَمَهُ بِأمَانَةٍ. فَجَعَلَهُ مُشْرِفًا عَلَى بيتِهِ، وَمَسْؤُولًا عَنْ جَمِيعِ شُؤُونِهِ. وَبَارَكَ اللهُ بَيْتَ المِصْرِيِّ بِسَبَبِ يُوسُفَ مُنْذُ الوَقْتِ الَّذِي أوْكَلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَكُلِّ مَا عِنْدَهُ. وَظَهَرَتْ بَرَكَةُ اللهِ فِي كُلِّ أمْلَاكِ فُوطِيفَارَ، فِي البَيْتِ وَفِي الحَقْلِ. فَتَرَكَ فُوطِيفَارُ كُلَّ شَيءٍ تَحْتَ رِعَايَةِ يُوسُفَ. وَفِي وُجُودِ يُوسُفَ، لَمْ يَكُنْ فُوطِيفَارُ يَهْتَمُّ بِأيِّ شَيءٍ، مَا عَدَا الطَّعَامِ الَّذِي يَأْكُلُهُ. وَكَانَ يُوسُفُ جَمِيلَ القَامَةِ وَالوَجْهِ. وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، بَدَأتْ زَوْجَةُ سَيِّدِهِ تَشْتَهِيهِ. وَقَالَتْ لَهُ: «تَعَالَ وَعَاشِرْنِي!» فَرَفَضَ. وَقَالَ لِزَوْجَةِ سَيِّدِهِ: «هَا إنَّ سَيِّدِي فِي وُجُودِي غَيرُ قَلِقٍ عَلَى شَيءٍ فِي البَيْتِ. وَقَدْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيَّ كُلَّ مَا لَدَيهِ. فَلَا يُوجَدُ فِي هَذَا البَيْتِ مَنْ هُوَ أهَمُّ مِنِّي. وَلَمْ يَمْنَعْ عَنِّي سَيِّدِي شَيْئًا إلَّا أنْتِ لِأنَّكِ زَوْجَتُهُ. فَكَيفَ أقتَرِفُ مِثْلَ هَذَا الإثْمِ العَظِيمِ وَأُخطِئُ إلَى اللهِ؟» فَكَانَتْ تُكَلِّمُهُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَهُوَ يَرْفُضُ أنْ يُعَاشِرَهَا أوْ يَكُونَ مَعَهَا. وَذَاتَ يَوْمٍ جَاءَ يُوسُفُ إلَى البَيْتِ لِيَقُومَ بِعَمَلِهِ. وَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ مِنَ الخَدَمِ دَاخِلَ المَنزِلِ. فَأمسَكَتْهُ مِنْ ثَوْبِهِ وَقَالَتْ: «تَعَالَ وَعَاشِرْنِي!» فَتَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ خَارِجًا. فَلَمَّا رَأتْ أنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ خَارِجًا، نَادَتْ خَدَمَ بَيْتِهَا وَقَالَتْ لَهُمْ: «انْظُرُوا! هَا قَدْ وَضَعَ زَوْجِي بَيْنَنَا رَجُلًا عِبْرَانِيًّا لِيُهِينَنَا. جَاءَ إلَيَّ وَحَاوَلَ أنْ يُعَاشِرَنِي، فَصَرَخْتُ. فَلَمَّا سَمِعَنِي أرفَعُ صَوْتِي وَأصْرُخُ، تَرَكَ ثَوبَهُ بِجَانِبِي، وَهَرَبَ خَارِجًا.» وَاحتَفَظَتْ بِثَوْبِهِ بِجَانِبِهَا إلَى أنْ جَاءَ سَيِّدُهُ إلَى البَيْتِ. ثُمَّ قَصَّتِ عَلَيْهِ قِصَّتَهَا: «جَاءَ إلَيَّ الخَادِمُ العِبْرَانِيُّ الَّذِي وَضَعْتَهُ بَيْنَنَا لِكَي يُهِينَنِي. لَكِنِّي رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ. فَتَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ خَارِجًا.» سَمِعَ سَيِّدُهُ رِوَايَةَ زَوْجَتِهِ الَّتِي قَالَتْ لَهُ: «هَذَا هُوَ مَا فَعَلَهُ خَادِمُكَ بِي،» فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا. وَألقَى القَبْضَ عَلَى يُوسُفَ وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ، حَيْثُ كَانَ يُعتَقَلُ سُجَنَاءُ فِرعَوْنَ. فَبَقِيَ يُوسُفُ هُنَاكَ فِي السِّجْنِ. لَكِنَّ اللهَ كَانَ مَعَ يُوسُفَ، وَأظْهَرَ لَهُ لُطفًا. وَجَعَلَ يُوسُفَ يَحْظَى بِرِضَى حَارِسِ السِّجْنِ. فَأوكَلَ حَارِسُ السِّجْنِ يُوسُفَ عَلَى كُلِّ الرِّجَالِ الآخَرِينَ المَوضُوعِينَ فِي السِّجْنِ. وَكَانَ مُشْرِفًا عَلَى كُلِّ العَمَلِ الجَارِي هُنَاكَ. وَكَانَ حَارِسُ السِّجْنِ مُرْتَاحَ البَالِ مِنْ جِهَةِ أيِّ أمْرٍ تَحْتَ مَسْؤُولِيَّةِ يُوسُفَ. لِأنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ. وَكَانَ اللهُ يُنْجِحُ كُلَّ مَا يَعْمَلُهُ. وَبَعْدَ هَذَا أسَاءَ سَاقِي فِرعَوْنَ وَالخَبَّازُ إلَى سَيِّدِهِمَا، فِرعَوْنِ مِصْرٍ. فَغَضِبَ فِرْعَوْنُ مِنْ رَئِيسِ سُقَاتِهِ وَرَئِيسِ خَبَّازِيهِ. فَحَبَسَهُمَا فِرْعَوْنُ فِي سِجنِ رَئِيسِ الحَرَسِ حَيْثُ كَانَ يُوسُفُ مَحبُوسًا. وَجَعَلَ رَئِيسُ الحَرَسِ يُوسُفَ مُشْرِفًا عَلَيْهِمَا، فَخَدَمَهُمَا. وَبَقِيَا فِي السِّجْنِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ. وَفِي إحْدَى اللَّيَالِي رَأى سَاقِي فِرعَوْنَ وَخَبَّازُهُ المَحبُوسَانِ فِي السِّجْنِ حُلْمَينِ مَعًا. وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُلْمُهُ. وَكَانَ لِكُلِّ حُلْمٍ مَعْنَاهُ. أتَى إلَيْهِمَا يُوسُفُ فِي الصَّبَاحِ. وَرَأى أنَّهُمَا كَانَا مُنزَعِجَينِ. فَسَألَ يُوسُفُ مَوَظَّفَي فِرعَوْنَ اللَّذَينِ كَانَا مَحبُوسَينِ مَعَهُ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ: «لِمَاذَا أرَى الحُزْنَ عَلَى وَجْهَيكُمَا؟» فَقَالَا: «رَأينَا حُلْمَينِ. لَكِنْ لَا يُوجَدُ مَنْ يَقْدِرُ أنْ يُفَسِّرَهُمَا لَنَا.» فَقَالَ يُوسُفُ لَهُمَا: «وَهَلْ يُفَسِّرُ الأحْلَامَ غَيرُ اللهِ؟ فَأخبِرَانِي بِحُلْمَيكُمَا.» فَقَصَّ سَاقِي فِرعَوْنَ عَلَى يُوسُفَ حُلْمَهُ وَقَالَ: «رَأيْتُ فِي الحُلْمِ كَرْمَةً، وَرَأيْتُ عَلَى الكَرْمَةِ ثَلَاثَةَ أغْصَانٍ. وَمَا إنْ أوْرَقَتِ الكَرْمَةُ، حَتَّى ظَهَرَتْ بَرَاعِمُهَا وَنَضِجَتْ عَنَاقِيدُهَا. وَكَانَتْ كَأسُ فِرعَوْنَ فِي يَدِي. فَأخَذْتُ العِنَبَ وَعَصَرْتُهُ فِي كَأسِ فِرعَوْنَ، وَوَضَعْتُ الكَأسَ فِي يَدِهِ.» فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: «مَعْنَى حُلْمِكَ هُوَ أنَّ الأغْصَانَ الثَّلَاثَةَ هِيَ ثَلَاثَةُ أيَّامٍ. فَخِلَالَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ يَرْفَعُ المَلِكُ رَأسَكَ، وَيُعِيدُكَ إلَى وَظِيفَتِكَ. وَسَتُقَدِّمُ لِفِرْعَوْنَ كَأسَهُ كَمَا كُنْتَ تَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ عِنْدَمَا كُنْتَ سَاقِيًا لَهُ. لَكِنْ أرْجُو أنْ تَتَذَكَّرَنِي عِنْدَمَا يُطلِقُ سَرَاحَكَ. وَاصْنَعْ مَعِي مَعْرُوفًا بِأنْ تَذْكُرَنِي لِفِرْعَوْنَ، وَتُخرِجَنِي مِنْ هَذَا السِّجْنِ. فَقَدِ اختُطِفْتُ مِنْ أرْضِ العِبْرَانِيِّينَ. وَأنَا لَمْ أرتَكِبْ هُنَا جُرْمًا يَسْتَوْجِبُ السِّجْنَ.» فَلَمَّا أعجَبَ التَّفْسِيرُ رَئِيسَ الخَبَّازِينَ، قَالَ لِيُوسُفَ: «أنَا أيْضًا رَأيْتُ حُلْمًا: كَانَتْ هُنَاكَ ثَلَاثُ سِلَالٍ مِنَ الخُبْزِ الأبْيَضِ عَلَى رَأسِي. وَكَانَ فِي السَّلَّةِ العُلْيَا كُلُّ أنْوَاعِ الأطعِمَةِ المَخبُوزَةِ لِفِرْعَوْنَ. لَكِنَّ طُيُورًا كَانَتْ تَأْكُلُهَا مِنَ السَّلَّةِ الَّتِي فَوْقَ رَأسِي.» فَأجَابَ يُوسُفُ: «مَعْنَى حُلْمِكَ هُوَ أنَّ السِّلَالَ الثَّلَاثَ هِيَ ثَلَاثَةُ أيَّامٍ. فَخِلَالَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ سَيَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأسَكَ عَنْ جَسَدِكَ، وَسَيُعَلِّقُكَ عَلَى عَمُودٍ، فَتَأْكُلَ الطُّيُورُ لَحْمَكَ.» وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ كَانَ عِيدُ مِيلَادِ فِرعَوْنَ. فَأقَامَ وَلِيمَةً لِكُلِّ مَسْؤُولِيهِ. وَأطلَقَ رَئِيسَ السُّقَاةِ وَرَئِيسَ الخَبَّازِينَ مِنَ السِّجْنِ فِي حُضُورِ مَسْؤُولِيهِ. وَأعَادَ لِرَئِيسِ السُّقَاةِ وَظِيفَتَهُ، فَوَضَعَ الكَأسَ فِي يَدِ فِرعَوْنَ. لَكِنَّهُ قَطَعَ رَأسَ رَئِيسِ الخَبَّازِينَ وَعَلَّقَ جَسَدَهُ، تَمَامًا كَمَا فَسَّرَ يُوسُفُ الحُلْمَينِ. غَيْرَ إنَّ رَئِيسَ السُّقَاةِ لَمْ يَذْكُرْ يُوسُفَ لِفَرْعَونَ، بَلْ نَسِيَهُ! وَبَعْدَ سَنَتَينِ رَأى فِرْعَوْنُ حُلْمًا: كَانَ وَاقِفًا عِنْدَ نَهْرِ النِّيلِ. وَرَأى سَبْعَ بَقَرَاتٍ خَارِجَاتٍ مِنَ النَّهْرِ. وَكَانَتِ البَقَرَاتُ صَحِيحَةً وَسَمِينَةً. فَرَعَتْ وَأكَلَتْ بَيْنَ القَصَبِ. ثُمَّ خَرَجَتْ سَبْعُ بَقَرَاتٍ أُخْرَى مِنْ نَهْرِ النِّيلِ، فَكَانَتْ هَزِيلَةً وَبَدَتْ مَرِيضَةً. وَوَقَفَتْ إلَى جَانِبِ البَقَرَاتِ الأُولَى عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ. فَأكَلَتِ البَقَرَاتُ الهَزِيلَةُ البَقَرَاتِ الصَّحِيحَةَ السَّمِينَةَ السَّبْعَ. ثُمَّ أفَاقَ فِرْعَوْنُ. ثُمَّ عَادَ إلَى النَّوْمِ مَرَّةً أُخْرَى. وَرَأى حُلْمًا آخَرَ. رَأى سَبْعَ سَنَابِلَ مِنَ القَمْحِ مَلِيئَةٍ وَجَيِّدَةٍ تَنْمُو عَلَى سَاقٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ نَبَتَتْ بَعدَهَا سَبْعُ سَنَابِلَ رَفِيعَةٍ وَمَلْفُوحَةٍ بِالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ. وَابْتَلَعَتِ السَّنَابِلُ الرَّفِيعَةُ السَّنَابِلَ المَلِيئَةَ الجَيِّدَةَ. ثُمَّ أفَاقَ فِرْعَوْنُ، وَإذَا هُوَ حُلْمٌ. وَفِي الصَّبَاحِ كَانَ فِرْعَوْنُ مُنزَعِجَ البَالِ. فَأرْسَلَ وَاسْتَدْعَى كُلَّ سَحَرَةِ مِصْرٍ وَكُلَّ حُكَمَائِهَا. وَأخبَرَهُمْ بِالحُلْمَينِ اللَّذَينِ رَآهُمَا. لَكِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُفَسِّرُهُمَا لَهُ. لَكِنَّ رَئِيسَ السُّقَاةِ كَلَّمَ فِرعَوْنَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: «أتَذَكَّرُ اليَوْمَ أخطَائِي، وَأتَذَكَّرُ مَا حَدَثَ عِنْدَمَا غَضِبَ سَيِّدِي فِرعَوْنُ مِنْ خَادِمِهِ وَوَضَعَنِي فِي الحَبْسِ، فِي بَيْتِ رَئِيسِ الحَرَسِ، أنَا وَرَئِيسَ الخَبَّازِينَ. فَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ رَأينَا نَحْنُ الِاثنَيْنِ حُلْمَينِ. وَكَانَ لِكُلِّ حُلُمٍ مِنْهَا مَعنَاهُ. وَكَانَ مَعَنَا شَابٌّ عِبْرَانِيٌّ، يَعْمَلُ لَدَى رَئِيسِ الحَرَسِ. فَأخبَرْنَاهُ بِحُلْمَينَا، فَفَسَّرَهُمَا. فَسَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا مَعْنَى حُلُمِهِ. وَقَدْ حَدَثَ مَعَنَا تَمَامًا كَمَا فَسَّرَ لَنَا: أنَا أُعِدْتُ إلَى وَظِيفَتِي، أمَّا الخَبَّازُ فَقُطِعَتْ رَأسُهُ.» فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ يُوسُفَ، فَأحْضَرُوهُ مِنَ السِّجْنِ سَرِيعًا، وَحَلَقُوا لَهُ، وَبَدَّلُوا ثِيَابَهُ، وَأحْضَرُوهُ إلَى فِرعَوْنَ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «رَأيْتُ حُلْمًا، لَكِنْ لَيسَ مَنْ يَسْتَطِيعُ تَفْسِيرَهُ لِي. غَيْرَ أنِّي سَمِعْتُ أنَّكَ تَسْمَعُ الأحْلَامَ فَتُفَسِّرَهَا عَلَى الفَوْرِ.» فَقَالَ يُوسُفُ: «اللهُ، لَا أنَا، هُوَ الَّذِي سَيُعطِي فِرعَوْنَ جَوَابًا شَافِيًا.» فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «كُنْتُ فِي حُلْمِي وَاقِفًا عَلَى ضِفَّةِ نَهْرِ النِّيلِ. وَفَجْأةً خَرَجَتْ سَبْعُ بَقَرَاتٍ سَمينَاتٍ وَصَحِيحَاتٍ مِنَ النِّيلِ. وَرَاحَتْ تَرْعَى فِي مَرعَى القَصَبِ. ثُمَّ ظَهَرَتْ سَبْعُ بَقَرَاتٍ أُخْرَى بَعدَهَا، كَانَتْ ضَعِيفَةً وَرَفِيعَةً. لَمْ أرَ قَطُّ بَقَرَاتٍ أكْثَرَ قُبْحًا مِنْهَا فِي أرْضِ مِصْرٍ! فَالتَهَمَتِ البَقَرَاتُ الهزِيلَاتُ القَبِيحَاتُ البَقَرَاتِ السَّبْعَ السَّمِينَاتِ الَّتِي رَأيْتُهَا أوَّلًا. وَبَعْدَ أنْ أكَلَتهَا، لَمْ يَظْهَرْ عَلَيهَا مَا يُشِيرُ إلَى أنَّهَا أكَلَتهَا، بَلْ بَقِيَتْ قَبِيحَةً كَمَا كَانَتْ فِي البِدَايَةِ. ثُمَّ اسْتَيقَظْتُ. «ثُمَّ رَأيْتُ فِي حُلْمٍ آخَرَ سَبْعَ سَنَابِلَ مِنَ القَمْحِ تَنْمُو عَلَى سَاقٍ وَاحِدَةٍ. وَكَانَتْ مَلِيئَةً وَجَيِّدَةً. ثُمَّ نَبَتَتْ بَعدَهَا سَبْعُ سَنَابِلَ أُخْرَى ذَاوِيَةٍ وَرَفِيعَةٍ كأنَّ ريحًا شَرقِيَّةً قَدْ لَفَحَتْهَا. ثُمَّ ابتَلَعَتِ السَّنَابِلُ السَّبْعُ الرَّفِيعَةُ السَّنَابِلَ السَّبْعَ الجَيِّدَةَ. وَقَدْ أخبَرْتُ سَحَرَتِي بِحُلْمَيَّ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ مِنْهُمْ أنْ يُخبِرَنِي بِمَعْنَاهُمَا.» فَقَالَ يُوسُفُ لِفِرْعَوْنَ: «إنَّ الحُلْمَينِ اللَّذينِ رَآهُمَا فِرْعَوْنُ هُمَا صُورَتَانِ لِحُلْمٍ وَاحِدٍ، وَلَهُمَا مَعنَىً وَاحِدٌ. فَقَدْ أعْلَنَ اللهُ لِفِرْعَوْنَ مَا سَيَفْعَلُهُ قَرِيبًا. فَالبَقَرَاتُ السَّبْعُ الجَيِّدَةُ هِيَ سَبْعُ سَنَوَاتٍ. وَالسَّنَابِلُ السَّبْعُ الجَيِّدَةُ هِيَ سَبْعُ سَنَوَاتٍ. فَلِلحُلْمَينِ مَعنَىً وَاحِدٌ. وَالبَقَرَاتُ السَّبْعُ القَبِيحَةُ الَّتِي خَرَجَتْ بَعدَهَا هِيَ سَبْعُ سَنَوَاتٍ. وَالسَّنَابِلُ السَّبْعُ الرَّفِيعَةُ المَلْفُوحَةُ بِالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ هِيَ سَبْعُ سَنَوَاتٍ مِنَ الجُوعِ. هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي نَقَلْتُهَا إلَيكَ: لَقَدْ أعْلَنَ اللهُ لِفِرْعَوْنَ مَا سَيَفْعَلُهُ قَرِيبًا. فَهَا تَأْتِي سَبْعُ سَنَوَاتٍ يَكُونُ فِيهَا طَعَامٌ وَفِيرٌ فِي أرْضِ مِصْرٍ. ثُمَّ تَأْتِي بَعْدَهَا سَبْعُ سَنَوَاتٍ مِنَ المَجَاعَةِ. وَسَيَنْسَى النَّاسُ كُلَّ وَفْرَةِ الطَّعَامِ فِي أرْضِ مِصْرٍ. وَسَيَقْضِي الجُوعُ عَلَى البِلَادِ. وَسَيُنْسَى زَمَنُ الوَفْرَةِ بِسَبَبِ المَجَاعَةِ الَّتِي تَلِيهِ، لِأنَّهَا سَتَكُونُ قَاسِيَةً. «وَأمَّا القَصْدُ مِنْ تِكْرَارِ حُلْمِ فِرعَوْنَ مَرَّتَينِ فَهُوَ هَذَا: لَقَدْ قَضَى اللهُ بِهَذَا الأمْرِ، وَهُوَ سَيُعَجِّلُ بِحُدُوثِهِ. وَالْآنَ لِيَبْحَثْ فِرْعَوْنُ عَنْ رَجُلٍ ذَكِيٍّ وَحَكِيمٍ وَلْيَجْعَلْهُ مُشْرِفًا عَلَى أرْضِ مِصْرٍ. وَلْيُعَيِّنْ فِرْعَوْنُ مُشْرِفِينَ عَلَى الأرْضِ. وَلْيَأْخُذُوا خُمْسَ مَحْصُولِ الأرْضِ فِي سَنَوَاتِ الوَفْرَةِ السَّبْعِ. وَلْيَجْمَعُوا كُلَّ طَعَامِ هَذِهِ السَّنَوَاتِ الخَيِّرَةِ القَادِمَةِ، وَيُخَزِّنُوا القَمْحَ تَحْتَ سُلْطَةِ المَلِكِ وَيَحْرُسُوهُ. وَلْيَكُنْ هَذَا الطَّعَامُ ذَخِيرَةً لِلبِلَادِ طَوَالَ سَنَوَاتِ المَجَاعَةِ السَّبْعِ الَّتِي سَتَأْتِي عَلَى أرْضِ مِصْرٍ. حِينَئِذٍ، لَنْ تَقْضِيَ المَجَاعَةُ عَلَى البِلَادِ.» فَوَافَقَ فِرْعَوْنُ وَكُلُّ وُزَرَائِهِ عَلَى اقْتِرَاحِ يُوسُفَ. ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِوُزَرَائِهِ: «أيْنَ لَنَا أنْ نَجِدَ رَجُلًا كَهَذَا فِيهِ رُوحُ اللهِ؟» فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «بِمَا أنَّ اللهَ بَيَّنَ لَكَ كُلَّ هَذَا، فَإنَّهُ لَا يُوجَدُ مَنْ هُوَ بِذَكَائِكَ وَحِكْمَتِكَ. لِهَذَا سَتَكُونُ أنْتَ مُشْرِفًا عَلَى كُلِّ بَيْتِي. وَكُلُّ شَعْبِي سَيُطِيعُونَ أمْرَكَ. وَلَا يَعْلُو عَلَيكَ أحَدٌ غَيرِي.» ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «هَا قَدْ جَعَلْتُكَ مَسْؤُولًا عَنْ كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ.» وَخَلَعَ فِرْعَوْنُ خَاتَمَ النَّقْشِ مِنْ يَدِهِ وَأعْطَاهُ لِيُوسُفَ. وَألْبَسَهُ ثِيَابًا كِتَّانِيَّةً مُمتَازَةً. وَوَضَعَ قِلَادَةً كَبِيرَةً مِنَ الذَّهَبِ حَوْلَ رَقَبَتِهِ. ثُمَّ أرْكَبَهُ فِي عَرَبَتِهِ المَلَكِيَّةِ الثَّانِيَةِ. وَصَاحَ الجُنُودُ أمَامَهُ: «أفْسِحُوا الطَّرِيقَ.» وَجَعَلَهُ مَسْؤُولًا عَنْ كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «أنَا فِرعَوْنَ أمَرْتُ بِألَّا يَفْعَلَ أحَدٌ فِي مِصْرٍ شَيْئًا دُونَ إذْنِكَ.» وَأطلَقَ فِرْعَوْنُ عَلَيْهِ اسْمَ صَفْنَاتَ فَعْنِيحَ، وَزَوَّجَهُ أسْنَاتَ ابْنَةَ فُوطِي فَارَعَ كَاهِنِ مَدِينَةِ أُونٍ. فَصَارَ يُوسُفُ مَسْؤُولًا عَنْ أرْضِ مِصْرٍ. وَكَانَ يُوسُفُ فِي الثَّلَاثِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا بَدَأ يَخْدِمُ فِرعَوْنَ، مَلِكَ مِصْرٍ. خَرَجَ يُوسُفُ مِنْ عِندِ فِرعَوْنَ، وَسَافَرَ فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ. وَأنتَجَتِ الأرْضُ غَلَّةً وَفِيرَةً أثْنَاءَ سَنَوَاتِ الخَيْرِ السَّبْعِ. فَجَمَعَ كُلَّ طَعَامِ السَّنَوَاتِ السَّبْعِ فِي فَتْرَةِ الوَفْرَةِ فِي أرْضِ مِصْرٍ، وَخَزَنَ الطَّعَامَ فِي المُدُنِ. خَزَنَ يُوسُفُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ الطَّعَامَ المَأخُوذَ مِنَ الحُقُولِ الَّتِي حَوْلَهَا. فَخَزَنَ يُوسُفُ قَمْحًا كَثِيرًا مِثْلَ رَملِ شَوَاطِئِ البَحْرِ. كَانَ القَمْحُ وَفِيرًا جِدًّا حَتَّى إنَّهُ تَوَقَّفَ عَنْ حِسَابِ كَمِّيَاتِهِ، لِأنَّهُ لَمْ يَعُدْ مُمْكِنًا أنْ تُحسَبَ! وَقَبْلَ أنْ تَأْتِيَ سَنَوَاتُ المَجَاعَةِ، رُزِقَ يُوسُفُ بِوَلَدَيْنِ. وَلَدَتْهُمَا لَهُ زَوْجَتُهُ أسْنَاتُ، ابْنَةُ فُوطِي فَارَعَ كَاهِنِ مَدِينَةِ أُونٍ. وَسَمَّى يُوسُفُ بِكْرَهُ مَنَسَّى. إذْ قَالَ يُوسُفُ: «لَقَدْ أنْسَانِي اللهُ كُلَّ ضِيقِي هُنَا وَكُلَّ بَيْتِ أبِي.» وَسَمَّى ابْنَهُ الثَّانِي أفْرَايِمَ. فَقَدْ قَالَ: «أعْطَانِي اللهُ أبْنَاءً فِي أرْضِ ضِيقَاتِي.» ثُمَّ انْتَهَتْ سَنَوَاتُ الوَفْرَةِ السَّبعُ فِي أرْضِ مِصْرٍ. وَبَدَأتْ سَنَوَاتُ المَجَاعَةِ، تَمَامًا كَمَا قَالَ يُوسُفُ. كَانَتِ المَجَاعَةُ فِي كُلِّ الأقْطَارِ. أمَّا فِي أرْضِ مِصْرٍ فَكَانَ هُنَاكَ طَعَامٌ. وَصَارَ الطَّعَامُ شَحِيحًا فِي أرْضِ مِصْرٍ كُلِّهَا. وَبَدَأ النَّاسُ يَصْرُخُونَ لِفِرْعَوْنَ طَالِبِينَ طَعَامًا. فَكَانَ فِرْعَوْنُ يَقُولُ لَهُمْ: «اذْهَبُوا إلَى يُوسُفَ. وَافْعَلُوا مَا يَقُولُهُ لَكُمْ.» وَلَمَّا سَادَتِ المَجَاعَةُ فِي مِصْرٍ كُلِّهَا، فَتَحَ يُوسُفُ مَخَازِنَ القَمْحِ. وَبَاعَ القَمْحَ لِلمِصْرِيِّينَ. إذْ كَانَتِ المَجَاعَةُ قَاسِيَةً فِي أرْضِ مِصْرٍ. وَجَاءَ النَّاسُ مِنْ جَمِيعِ أطْرَافِ الأرْضِ إلَى يُوسُفَ فِي مِصْرٍ لِيَشْتَرُوا قَمْحًا. فَقَدْ كَانَتِ المَجَاعَةُ قَاسِيَةً فِي كُلِّ الأرْضِ. وَعَلِمَ يَعْقُوبُ أنَّ فِي مِصْرٍ قَمْحًا، فَقَالَ لِأبْنَائِهِ: «لِمَاذَا يَنْظُرُ بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ؟» وَقَالَ: «قَدْ سَمِعْتُ أنَّ فِي مِصْرٍ قَمْحًا، فَانْزِلُوا إلَى هُنَاكَ وَاشْتَرُوا لَنَا قَمْحًا، فَنَحيَا وَلَا نَمُوتُ.» فَنَزَلَ إخْوَةُ يُوسُفَ العَشْرَةُ إلَى مِصْرٍ لِيَشْتَرُوا قَمْحًا. لَكِنَّ يَعْقُوبَ لَمْ يُرْسِلْ بَنْيَامِينَ شَقِيقَ يُوسُفَ مَعَ بَقِيَّةِ إخْوَتِهِ. إذْ خَشِيَ أنْ يُصِيبَهُ أذَىً. فَذَهَبَ أبْنَاءُ إسْرَائِيلَ مَعَ كَثِيرِينَ إلَى مِصْرٍ لِشِرَاءِ القَمْحِ، لِأنَّ المَجَاعَةَ وَصَلَتْ إلَى أرْضِ كَنْعَانَ. وَكَانَ يُوسُفُ حَاكِمًا عَلَى أرْضِ مِصْرٍ كُلِّهَا. وَكَانَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى عَمَلِيَّةَ بَيعِ القَمْحِ لِكُلِّ أهْلِ الأرْضِ. فَجَاءَ إخْوَةُ يُوسُفَ وَانْحَنَوْا أمَامَهُ وَوُجُوهُهُمْ إلَى الأرْضِ. فَلَمَّا رَأى يُوسُفُ إخْوَتَهُ، عَرَفَهُمْ، لَكِنَّهُ تَظَاهَرَ بِأنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُمْ. وَتَكَلَّمَ مَعْهُمْ بِفَظَاظَةٍ وَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أيْنَ جِئْتُمْ؟» فَقَالُوا: «جِئْنَا مِنْ أرْضِ كَنْعَانَ لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا.» فَمَيَّزَ يُوسُفُ إخْوَتَهُ. أمَّا هُمْ فَلَمْ يُمَيِّزُوهُ. وَتَذَكَّرَ يُوسُفُ أيْضًا الأحْلَامَ الَّتِي رَآهَا عَنْهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ: «مَا أنْتُمْ إلَّا جَوَاسِيسُ، جِئْتُمْ لِتَكْتَشِفُوا نِقَاطَ ضَعْفِ أرْضِنَا.» فَقَالُوا لَهُ: «لَا يَا سَيِّدِي! نَحْنُ خُدَّامَكَ جِئْنَا لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا. وَكُلُّنَا أبْنَاءُ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَنَحْنُ رِجَالٌ صَادِقُونَ. نَحْنُ خُدَّامَكَ لَسْنَا جَوَاسِيسَ.» لَكِنَّهُ قَالَ: «بَلْ جِئْتُمْ لِتَعْرِفُوا نِقَاطَ ضَعْفِنَا.» فَقَالُوا: «نَحْنُ، خُدَّامَكَ، اثْنَا عَشَرَ أخًا، أبْنَاءُ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي كَنْعَانَ. وَأصْغَرُنَا عِنْدَ أبِينَا الآنَ. وَوَاحِدٌ مَاتَ.» فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «كَمَا سَبَقَ أنْ قُلْتُ لَكُمْ. مَا أنْتُمْ إلَّا جَوَاسِيسُ! لَكِنِّي سَأمتَحِنُكُمْ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ: أقْسِمُ بِحَيَاةِ فِرعَوْنَ أنَّكُمْ لَنْ تُغَادِرُوا هَذَا المَكَانَ حَتَّى يَأْتِيَ أخُوكُمُ الأصْغَرُ إلَى هُنَا. فَأرْسِلُوا أحَدَكُمْ لِيَجْلِبَ أخَاكُمْ. وَسَتَظَلُّ بَقِيَّتُكُمْ حَتَّى ذَلِكَ الحِينِ فِي السِّجْنِ. وَبِهَذَا أعْرِفُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَإلَّا، فَإنِّي أُقْسِمُ بِحَيَاةِ فِرعَوْنَ أنَّكُمْ حَقًّا جَوَاسِيسُ!» ثُمَّ وَضَعَهُمْ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ: «افْعَلُوا مَا أقُولُهُ لَكُمْ فَتَحْيَوا. فَأنَا أخَافُ اللهَ. إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَلْيَبْقَ أحَدُ إخْوَتِكُمْ فِي السِّجْنِ حَيْثُ هُنَا. وَأمَّا أنْتُمْ فَخُذُوا قَمْحًا يَسُدُّ جُوعَ بُيُوتِكُمْ. ثُمَّ أحْضِرُوا لِي أخَاكُمُ الأصْغَرَ فَيَثْبُتَ صِدْقُ كَلَامِكُمْ، فَلَا أقتُلُكُمْ.» فَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ أحَدُهُمْ لِلآخَرِ: «لَا شَكَّ فِي أنَّ اللهَ يُعَاقِبُنَا بِسَبَبِ مَا فَعَلْنَاهُ بِأخِينَا. فَقَدْ رَأينَا ضِيقَتَهُ عِنْدَمَا تَوَسَّلَ إلَينَا أنْ نَرحَمَهُ. لَكِنَّنَا لَمْ نُصْغِ إلَيْهِ. لِهَذَا جَاءَتْ عَلَينَا هَذِهِ الضِّيقَةُ.» فَقَالَ لَهُمْ رَأُوبَينُ: «ألَمْ أقُلْ لَكُمْ لَا تُؤْذُوا الفَتَى! لَكِنَّكُمْ لَمْ تُصْغُوا إلَيَّ. وَهَا نَحْنُ سَنَدْفَعُ ثَمَنَ دَمِهِ.» وَلَمْ يَعْرِفُوا أنَّ يُوسُفَ كَانَ يَفْهَمُ مَا يَقُولُونَ، لِأنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مُتَرْجِمٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. ثُمَّ ابْتَعَدَ يُوسُفُ عَنْهُمْ وَبَكَى. ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ وَكَلَّمَهُمْ. ثُمَّ أخَذَ شِمْعُونَ مِنْ بَينِهِمْ، وَأمَرَ بِأنْ يُوثَقَ أمَامَ عُيُونِهِمْ. ثُمَّ أمَرَ يُوسُفُ خُدَّامَهُ بِأنْ يَملأُوا أكيَاسَ إخْوَتِهِ بِالقَمْحِ. وَأمَرَهُمْ أيْضًا أنْ يُعِيدُوا مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى كِيسِهِ، وَأنْ يُعطُوهُمْ طَعَامًا لِلرِّحلَةِ. فَفَعَلَ الخُدَّامُ هَذَا. وَهَكَذَا حَمَّلُوا قَمْحَهُمْ عَلَى حَمِيرِهِمْ وَانطَلَقُوا. وَعِنْدَمَا تَوَقَّفُوا لِيَبِيتُوا لَيلَتَهُمْ، فَتَحَ أحَدُهُمْ كِيسَ القَمْحِ لِيُطعِمَ حِمَارَهُ، فَرَأى مَالَهُ فِي كِيسٍ فَوْقَ القَمْحِ. فَقَالَ لِإخوَتِهِ: «قَدْ رُدَّ مَالِي إلَيَّ. وَهَا هُوَ فِي كِيسِي!» فَتَحَيَّرُوا كَثِيرًا وَارتَعَدُوا خَوْفًا وَقَالُوا: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ اللهُ بِنَا؟» وَلَمَّا جَاءُوا إلَى أبِيهِمْ يَعْقُوبَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ، أخْبَرُوهُ بِكُلِّ مَا حَدَثَ لَهُمْ. قَالُوا: «كَلَّمَنَا الرَّجُلُ الَّذِي يَحْكُمُ فِي مِصْرٍ بِفَظَاظَةٍ، وَوَضَعَنَا فِي السِّجْنِ كَمَا لَوْ أنَّنَا كُنَّا نَتَجَسَّسُ عَلَى أرْضِهِ. فَقُلْنَا لَهُ: ‹نَحْنُ رِجَالٌ صَادِقُونَ. وَلَسْنَا بِجَوَاسِيسَ. نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ أخًا لِأبينَا. وَاحِدٌ مَاتَ، وَالأصْغَرُ مَعَ أبِينَا فِي أرْضِ كَنْعَانَ.› «فَقَالَ لَنَا الرَّجُلُ الَّذِي يَحْكُمُ مِصْرًا: ‹بِهَذَا أعْلَمُ أنَّكُمْ صَادِقُونَ. اترُكُوا أحَدَ إخْوَتِكُمْ عِنْدِي. وَخُذُوا قَمْحًا يَسُدُّ جُوعَ بُيُوتِكُمْ وَامضُوا. ثُمَّ أحضِرُوا إلَيَّ أخَاكُمُ الأصْغَرَ. حِينَئِذٍ، سَأتَأكَّدُ مِنْ أنَّكُمْ لَسْتُمْ جَوَاسِيسَ، بَلْ صَادِقِينَ، وَسَأُطلِقُ سَرَاحَ أخِيكُمْ، وَسَأسْمَحُ لَكُمْ بِأنْ تُتَاجِرُوا فِي أرْضِ مِصْرٍ.›» وَلَمَّا أفرَغُوا أكيَاسَهُمْ، وَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صُرَّةَ مَالِهِ فِي كِيسِهِ. وَلَمَّا رَأوْا وَأبوْهُمْ صُرَرَ مَالِهِمْ خَافُوا. وَقَالَ لَهُمْ أبوهُمْ يَعْقُوبُ: «جَرَّدْتُمُونِي مِنْ أوْلَادِي! فَقَدْتُ يُوسُفَ وَفَقَدْتُ شَمْعُونُ، وَهَا أنْتُمْ تَأْخُذُونَ بَنْيَامِينَ أيْضًا. فَكَيفَ أحتَمِلُ هَذَا كُلَّهُ؟» فَقَالَ رَأُوبَينُ لِأبِيهِ: «اقْتُلْ وَلَدَيَّ إذَا لَمْ أُرجِعْ بَنْيَامِينَ إلَيكَ. ضَعْهُ فِي عُهدَتِي، وَسَأُرجِعُهُ إلَيكَ.» لَكِنَّ يَعْقُوبَ قَالَ: «لَنْ يَنْزِلَ ابْنِي مَعَكُمْ. فَشَقيقُهُ قَدْ مَاتَ. وَهُوَ الوَحِيدُ الَّذِي تَبَقَّى لِي مِنْ زَوْجَتِي رَاحِيلَ. فَإنْ أصَابَهُ أذَىً فِي الطَّريقِ، سَأنْزِلُ إلَى الهَاوِيَةِ عَجُوزًا حَزِينًا.» وَكَانَتِ المَجَاعَةُ قَاسِيَةً فِي الأرْضِ. فَلَمَّا اسْتَهْلَكُوا القَمْحَ الَّذِي اشْتَرَوْهُ مِنْ مِصْرٍ، قَالَ لَهُمْ أبوْهُمْ: «عُودُوا وَاشْتَرُوا لَنَا طَعَامًا.» لَكِنَّ يَهُوذَا قَالَ لَهُ: «لَقَدْ حَذَّرَنَا الحَاكِمُ فَقَالَ: ‹لَنْ تَرَوْا وَجْهِي إلَّا إذَا كَانَ أخُوكُمْ مَعَكُمْ.› فَإنْ كُنْتَ سَتُرْسِلُ أخَانَا مَعَنَا، فَإنَّنَا سَنَنزِلُ وَنَشْتَرِي لَكَ طَعَامًا. لَكِنْ إنْ كُنْتَ لَنْ تُرْسِلَهُ مَعَنَا، فَلَنْ نَنزِلَ. فَقَدْ قَالَ لَنَا الرَّجُلُ: ‹لَنْ تَرُوا وَجْهِي إلَّا إذَا كَانَ أخُوكُمْ مَعَكُمْ.›» فَقَالَ إسْرَائِيلُ: «لِمَاذَا أسَأتُمْ إلَيَّ وَأخْبَرْتُمُ الرَّجُلَ أنَّ لَكُمْ أخًا آخَرَ؟» فَقَالُوا: «دَقَّقَ الرَّجُلُ فِي التَّحقِيقِ مَعَنَا، وَسَألَ عَنَّا وَعَنْ عَائِلَتِنَا: ‹هَلْ مَا يَزَالُ أبُوكُمْ حَيًّا؟ أعِنْدَكُمْ أخٌ آخَرُ؟› فَأجَبْنَاهُ. فَمَا الَّذِي أدْرَانَا بِأنَّهُ سَيَقُولُ لَنَا: ‹أحضِرُوا أخَاكُمْ›؟» وَقَالَ يَهُوذَا لِأبِيهِ إسْرَائِيلَ: «أرْسِلِ الفَتَى مَعِي. وَاسْمَحْ لَنَا أنْ نَنطَلِقَ فَوْرًا، لِكَي نَحيَا وَلَا نَمُوتَ، نَحْنُ وَأنْتَ وَصِغَارُنَا. وَأنَا بِنَفْسِي أضْمَنُ سَلَامَتَهُ. اعتَبِرْنِي مَسؤُولًا عَنْهُ. فَإذَا لَمْ أُرجِعْهُ إلَيكَ وَأضَعْهُ أمَامَكَ، حَمِّلْنِي ذَنبَ ذَلِكَ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِي. لِأنَّكَ لَوْ لَمْ تُؤَخِّرْنَا، لَكُنَّا سَافَرْنَا وَرَجِعْنَا مَرَّتَينِ.» فَقَالَ إسْرَائِيلُ لَهُمُ: «إنْ كَانَ لَا بُدَّ أنْ يَكُونَ الأمْرُ كَذَلِكَ، فَافْعَلُوا مَا يَلِي: خُذُوا بَعْضًا مِنْ أفْضَلِ نِتَاجِ الأرْضِ فِي أكيَاسِكُمْ، وَانزِلُوا بِهَا إلَى الرَّجُلِ هَدِيَّةً. خُذُوا بَعْضَ البَلْسَمِ وَبَعْضَ العَسَلِ وَصَمْغِ القَتَادِ وَالمُرِّ وَالفَسْتُقِ وَاللَّوْزِ. وَخُذُوا ضِعْفَيِّ المَالِ مَعَكُمْ. وَأرْجِعُوا المَالَ الَّذِي أُعِيدَ إلَيكُمْ فِي أكيَاسِكُمْ. فَرُبَّمَا حَدَثَ هَذَا بِالخَطَأِ. وَخُذُوا أخَاكُمْ وَعُودُوا إلَى الرَّجُلِ فَوْرًا. وَلْيُحَنِّنِ اللهُ الجَبَّارُ هَذَا الرَّجُلَ عَلَيكُمْ. وَلَيتَهُ يُعِيدُ مَعَكُمْ أخَاكُمُ الآخَرَ وَبَنْيَامِينَ. أمَّا أنَا، فَإذَا حُرِمْتُ مِنْ أبْنَائِي، فَإنِّي أقْبَلُ مَصِيرِي.» فَأخَذَ الرِّجَالُ هَذِهِ الهَدِيَّةَ. وَأخَذَوا أيْضًا ضِعفَيِّ المَالِ وَبَنْيَامِينَ. وَانطَلَقُوا وَنَزَلُوا إلَى مِصْرٍ. فَوَصَلُوا وَوَقَفُوا أمَامَ يُوسُفَ. فَلَمَّا رَأى يُوسُفُ بَنْيَامِينَ مَعَهُمْ، قَالَ لِمُدَبِّرِ بَيْتِهِ: «أحضِرْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ إلَى بَيْتِي. وَاذْبَحْ ذَبِيحَةً، وَجَهِّزْ مَأدُبَةً. إذْ سَيَأْكُلُ الرِّجَالُ مَعِي عِنْدَ الظُّهْرِ.» فَفَعَلَ الرَّجُلُ كَمَا أمَرَهُ يُوسُفَ. وَأحضَرَ الرِّجَالَ إلَى بَيْتِ يُوسُفَ. وَعِنْدَمَا أُحضِرَ الرِّجَالُ إلَى بَيْتِ يُوسُفَ خَافُوا. وَقَالُوا: «لَقَدْ جِيءَ بِنَا إلَى هُنَا بِسَبَبِ المَالِ الَّذِي أُعِيدَ إلَينَا فِي أكْيَاسِنَا فِي المَرَّةِ الأُولَى. لَا شَكَّ أنَّهُ يُرِيدُ أنْ يَهْجُمَ عَلَينَا وَيَقْبِضَ عَلَينَا، وَيَجْعَلَنَا عَبِيدًا عِنْدَهُ وَيَأْخُذَ حَمِيرَنَا.» فَاقْتَرَبُوا مِنَ الخَادِمِ المَسْؤُولِ عَنْ بَيْتِ يُوسُفَ وَكَلَّمُوهُ عِنْدَ بَابِ البَيْتِ. قَالُوا: «يَا سَيِّدِي، نَزَلْنَا أوَّلَ مَرَّةٍ لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا. لَكِنْ حِينَ وَصَلْنَا إلَى مَكَانِ مَبِيتِنَا، فَتَحْنَا أكيَاسَنَا، وَوَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى رَأسِ كِيسِهِ كَامِلَ المَبلَغِ الَّذِي دَفَعَهُ. وَهَا نَحْنُ قَدْ أرْجَعْنَا المَالَ مَعَنَا. وَأحضَرْنَا مَعَنَا أيْضًا مَالًا لِشِرَاءِ طَعَامٍ. وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ مَنْ وَضَعَ المَالَ فِي أكيَاسِنَا.» فَقَالَ الخَادِمُ: «اطمَئِنُّوا، وَلَا تَخَافُوا. لَا بُدَّ أنَّ إلَهَكُمْ، إلَهَ أبِيكُمْ، هُوَ الَّذِي وَضَعَ كَنزًا فِي أكيَاسِكُمْ. فَقَدِ اسْتَلَمْتُ أنَا مَالَكُمْ.» ثُمَّ أحْضَرَ لَهُمْ شِمْعُونَ. وَبَعْدَ هَذَا دَخَلَ بِهِمُ الرَّجُلُ إلَى بَيْتِ يُوسُفَ. وَقَدَّمَ لَهُمْ مَاءً، فَغَسَلُوا أرجُلَهُمْ. ثُمَّ قَدَّمَ طَعَامًا لِحَمِيرِهِمْ. ثُمَّ أعَدُّوا الهَدِيَّةَ لِتَقْدِيمِهَا لِيُوسُفَ عِنْدَ حُضُورِهِ ظُهْرًا، لِأنَّهُمْ سَمِعُوا أنَّهُمْ سَيَتَنَاوَلُونَ الغَذَاءَ مَعَهُ. فَلَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إلَى البَيْتِ، قَدَّمُوا لَهُ الهَدِيَّةَ الَّتِي أحضَرُوهَا إلَى بَيْتِهِ. وَانْحَنَوْا لَهُ وَوُجُوهُهُمْ إلَى الأرْضِ. ثُمَّ سَألَهُمْ عَنْ حَالِهِمْ. وَقَالَ: «كَيفَ حَالُ أبِيكُمِ العَجُوزِ الَّذِي أخبَرْتُمُونِي عَنْهُ؟ أمَا زَالَ حَيًّا؟» فَقَالُوا: «خَادِمُكَ، أبوْنَا، فِي صِحَّةٍ جَيِّدَةٍ. وَهُوَ مَا يَزَالُ حَيًّا.» ثُمَّ انحَنَوْا عَلَى وُجُوهِهِمْ أمَامَهُ احتِرَامًا لَهُ. فَتَطَلَّعَ يُوسُفُ فَرَأى بَنْيَامِينَ أخَاهُ، ابْنَ أُمِّهِ. فَقَالَ: «أهَذَا هُوَ أخُوكُمُ الأصْغَرُ الَّذِي حَدَّثْتُمُونِي عَنْهُ؟» ثُمَّ قَالَ لَهُ: «لِيُنْعِمْ عَلَيكَ اللهُ، يَا ابْنِي.» ثُمَّ اندَفَعَ خَارِجًا مِنَ الغُرْفَةِ لِأنَّ مَشَاعِرَهُ نَحْوَ أخِيهِ كَانَتْ قَوِيَّةً. أرَادَ أنْ يَبْكِيَ. فَذَهَبَ إلَى غُرْفَتِهِ وَبَكَى هُنَاكَ. ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَخَرَجَ. وَضَبَطَ نَفْسَهُ وَقَالَ: «قَدِّمُوا الطَّعَامَ.» فَقَدَّمَ لَهُ الخُدَّامُ الطَّعَامَ عَلَى طَاوِلَةٍ لِوَحدِهِ، وَلِلإخْوَةِ عَلَى طَاوِلَةٍ أُخْرَى. وَقَدَّمُوا الطَّعَامَ لِلمِصْرِيِّينَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَعَهُ عَلَى طَاوِلَةٍ ثَالِثَةٍ لِوَحدِهِمْ، لِأنَّ المِصْرِيِّينَ لَا يَأْكُلُونَ مَعَ العِبْرَانِيِّينَ، بَلْ يُبغِضُونَ ذَلِكَ! وَأُجلِسَ الإخْوَةُ حَسَبَ تَرْتِيبِ وِلَادَتِهِمْ، مِنَ الأكْبَرِ إلَى الأصْغَرِ. وَكَانَ الإخْوَةُ يَنْظُرُونَ أحَدُهُمْ إلَى الآخَرِ فِي دَهشَةٍ. ثُمَّ أمَرَ يُوسُفُ الخُدَّامَ بِأنْ يَأْخُذُوا حِصَصًا مِنَ الطَّعَامِ مِنْ طَاوِلَتِهِ وَيُقَدِّمُوهَا لَهُمْ. غَيْرَ أنَّ حِصَّةَ بَنْيَامِينَ كَانَتْ خَمْسَةَ أضْعَافِ حِصَصِ الآخَرِينَ. فَأكَلُوا وَشَرِبُوا مَعَهُ حَتِّى شَبِعُوا وَارْتَوَوْا. ثُمَّ أمَرَ يُوسُفُ الخَادِمَ المَسْؤُولَ عَنْ بَيْتِهِ وَقَالَ لَهُ: «املأ أكْيَاسَ الرِّجَالِ مِنَ الطَّعَامِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يَحْمِلُوا. ثُمَّ ضَعْ مَالَ كُلِّ رَجُلٍ فِي كِيسِهِ. وَضَعْ كَأسِي الفِضِّيَّةَ عَلَى رَأسِ كِيسِ الأخِ الأصْغَرِ مَعَ مَالِهِ.» فَفَعَلَ الخَادِمُ كَمَا أمَرَهُ يُوسُفُ. فَلَمَّا بَزَغَ الفَجْرُ أُرْسِلَ الرِّجَالُ مَعَ حَمِيرِهِمْ. وَقَبْلَ أنْ يَبْتَعِدُوا كَثِيرًا عَنِ المَدِينَةِ، قَالَ لِلخَادِمِ المَسْؤُولِ عَنِ بَيْتِهِ: «الحَقْ بِهِمْ فَوْرًا، وَأدرِكْهُمْ. وَقُلْ لَهُمْ: ‹لِمَاذَا قَابَلْتُمُ الخَيْرَ بِالشَّرِّ؟ ألَيسَتْ هَذِهِ كَأسُ سَيِّدِي الَّتِي يَسْتَخْدِمُهَا لِكَشْفِ الأُمورِ الخَفِيَّةِ؟ فَلِمَاذَا سَرَقْتُمُوهَا؟ قَدْ أسَأتُمْ بِفِعلَتِكُمْ هَذِهِ.›» فَلَمَّا أدرَكَهُمُ الخَادِمُ، كَرَّرَ عَلَى مَسَامِعِهِمْ كُلَّ هَذَا الكَلَامِ. فَقَالَ لَهُ الإخْوَةُ: «لِمَاذَا يَقُولُ سَيِّدِي كُلَّ هَذَا الكَلَامِ؟ لَيسَ مِنْ أخلَاقِنَا أنْ نَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا الأمْرِ! هَا قَدْ عُدنَا إلَيكَ مِنْ أرْضِ كَنْعَانَ بِالمَالِ الَّذِي وَجَدْنَاهُ عَلَى رَأسِ أكيَاسِنَا. فَلِمَاذَا نَسْرِقُ فِضَّةً أوْ ذَهَبًا مِنْ بَيْتِ سَيِّدِكَ؟ إذَا عَثَرْتَ عَلَى الكَأسِ مَعَ أيِّ وَاحِدٍ مِنَّا، نَحْنُ خُدَّامَكَ، فَلْيَكُنِ المَوْتُ مَصِيرَهُ. وَلْتُصْبِحْ بَقِيَّتُنَا عَبِيدًا لَدَى سَيِّدِي.» فَقَالَ الخَادِمُ: «حَسَنًا، لِيَكُنِ الأمْرُ كَمَا قُلْتُمْ. فَإنْ وَجَدْتُ الكَأسَ مَعَ أيٍّ مِنْكُمْ، فَإنَّهُ سَيَصِيرُ عَبْدًا لِي. أمَّا بَقِيَّتُكُمْ فَتَكُونُونَ أحْرَارًا.» فَأسْرَعَ كُلُّ وَاحِدٍ بِإنْزَالِ كِيسِهِ إلَى الأرْضِ وَفَتَحَهُ. وَفَتَّشَ الخَادِمُ الجَمِيعَ، بَدْءًا بِالأكْبَرِ وَانتِهَاءً بِالأصْغَرِ. وَوَجَدَ الكَأسَ فِي كِيسِ بَنْيَامِينَ. فَمَزَّقَ الإخْوَةُ ثِيَابَهُمْ حُزْنًا. وَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بِتَحْمِيلِ حِمَارِهِ وَالعَوْدَةِ إلَى المَدِينَةِ. فَلَمَّا جَاءَ يَهُوذَا وَإخوَتُهُ إلَى بَيْتِ يُوسُفَ، كَانَ يُوسُفُ مَا يَزَالُ هُنَاكَ. فَألقَوْا بِأنفُسِهِمْ عَلَى الأرْضِ أمَامَهُ. فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتُمُوهُ؟ ألَا تَعْرِفُونَ أنَّ الأسرَارَ تُكشَفُ لِرَجُلٍ مِثْلِي؟» فَقَالَ يَهُوذَا: «مَاذَا عَسَانَا نَقُولُ يَا سَيِّدِي؟ مَاذَا عَسَانَا نَقُولُ؟ وَكَيفَ نُبَرِّئُ أنْفُسَنَا؟ فَقَدْ كَشَفَ اللهُ جَرِيمَةَ خُدَّامِكَ. فَهَا نَحْنُ بَيْنَ يَدَيكَ يَا سَيِّدِي، نَحْنُ وَمَنْ وُجِدَتِ الكَأسُ فِي حَوْزَتِهِ.» فَقَالَ يُوسُفُ: «لَيسَ مِنْ شِيَمِي أنْ أفْعَلَ هَذَا! فَالرَّجُلُ الَّذِي وُجِدَتِ الكَأسُ فِي حَوْزَتِهِ هُوَ فَقَطْ يَكُونُ عَبْدًا لِي. أمَّا بَقِيَّتُكُمْ، فَيُمْكِنُكُمْ أنْ تَذْهَبُوا بِسَلَامٍ إلَى أبِيكُمْ.» غَيْرَ أنَّ يَهُوذَا اقْتَرَبَ مِنْ يُوسُفَ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي، اسْمَحْ لِي، أنَا عَبْدَكَ، بِأنْ أقُولَ شَيْئًا لَكَ، يَا سَيِّدِي. وَلَا تَغْضَبْ مِنِّي، أنَا عَبْدَكَ. فَأنْتَ فِي مَقَامِ فِرعَوْنَ. أنْتَ سَألْتَنَا، نَحْنُ خُدَّامَكَ: ‹ألَدَيْكُمْ أبٌ أوْ أخٌ؟› فَقُلْنَا لَكَ، يَا سَيِّدِي: ‹لَدَينَا أبٌ عَجُوزٌ، وَأخٌ أصْغَرُ وُلِدَ لِأبِينَا فِي شَيخُوخَتِهِ. وَأخُوهُ مِنْ أُمِّهِ مَيتٌ. وَهَذَا الأخُ الأصْغَرُ هُوَ الَّذِي بَقِيَ وَحْدَهُ مِنْ أبْنَاءِ أُمِّهِ. وَلِهَذَا فَإنَّ أبَاهُ يُحِبُّهُ كَثِيرًا.› ثُمَّ طَلَبْتَ مِنَّا، نَحْنُ خُدَّامَكَ، وَقُلْتَ: ‹أحْضِرُوهُ إلَيَّ لِكَي أرَاهُ› لَكِنَّنَا قُلْنَا لَكَ، يَا سَيِّدِي لَا يَقْدِرُ الفَتَى أنْ يَتْرُكَ أبَاهُ. فَإنْ تَرَكَ أبَاهُ، مَاتَ أبوْهُ مِنْ بَعدِهِ. ثُمَّ قُلْتَ لَنَا نَحْنُ خُدَّامَكَ: ‹إنْ لَمْ يَنْزِلْ أخُوكُمُ الأصْغَرُ مَعَكُمْ، فَلَنْ تَرُوْا وَجْهِي مَرَّةً أُخْرَى.› وَعِنْدَمَا صَعِدْنَا إلَى خَادِمِكَ، أبِينَا، أخبَرْنَاهُ بِكُلِّ مَا أخْبَرْتَنَا. «ثُمَّ قَالَ أبوْنَا: ‹عُودُوا وَاشْتَرُوا طَعَامًا لَنَا.› فَقُلْنَا لَهُ: ‹لَا نَقْدِرُ أنْ نَنزِلَ إلَى هُنَاكَ. أمَّا إذَا كَانَ أخُونَا مَعَنَا، فَسَنَنْزِلُ. إذْ لَا نَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ وَجْهِ الحَاكِمِ، مَا لَمْ يَكُنْ أخُونَا الأصْغَرُ مَعَنَا.› فَقَالَ لَنَا أبوْنَا خَادِمُكَ: ‹أنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ زَوْجَتِي رَاحِيلَ أنْجَبَتْ لِي ابْنَينِ اثنَيْنِ. تَرَكَنِي أحَدُهُمَا، فَقُلْتُ: لَا بُدَّ أنَّ حَيَوَانًا مُفْتَرِسًا مَزَّقَهُ تَمْزِيقًا. وَلَمْ أرَهُ مُنْذُ ذَلِكَ الحِينِ. فَإذَا أخَذْتُمْ هَذَا أيْضًا مِنِّي وَحَصَلَ لَهُ أذَىً، فَسَأمُوتُ رَجُلًا عَجُوزًا حَزِينًا.› وَالْآنَ، إنْ ذَهَبْتُ، أنَا خَادِمَكَ، إلَى أبِي، دُونَ أنْ يَكُونَ الفَتَى مَعِي، وَنَفْسُهُ شَدِيدَةُ التَّعَلُّقِ بِهِ، سَيَمُوتُ وَالِدِي إذَا رَأى أنَّ الفَتَى لَيسَ مَعَنَا. وَسَنَكُونُ، نَحْنُ خُدَّامَكَ، قَدْ أرْسَلْنَا أبَانَا، خَادِمَكَ، إلَى القَبْرِ رَجُلًا عَجُوزًا حَزِينًا.» «فَأنَا تَعَهَّدْتُ بِإرْجَاعِ الفَتَى لِأبِي، وَقُلْتُ لَهُ: ‹إنْ لَمْ أُرجِعْهُ إلَيكَ، حَمِّلْنِي ذَنْبَ ذَلِكَ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِي.› فَالآنَ اسْمَحْ لِي، أنَا خَادِمَكَ، بِأنْ أبقَى هُنَا عَبْدًا لَكَ، يَا سَيِّدِي، مَكَانَ أخِي. وَدَعِ الفَتَى يَذْهَبُ مَعَ إخْوَتِهِ. وَإلَّا فَكَيفَ يُمْكِنُنِي أنْ أذْهَبَ إلَى أبِي، دُونَ أنْ يَكُونَ أخِي مَعِي؟ وَكَيفَ يُمكِنُنِي أنْ أرَى المِحنَةَ الَّتِي سَتُصِيبُ أبِي؟» فَلَمْ يَقْدِرْ يُوسُفُ أنْ يَضْبُطَ نَفْسَهُ أمَامَ خُدَّامِهِ. فَصَرَخَ: «لِيَنْصَرِفِ الجَمِيعُ مِنْ هُنَا!» فَلَمْ يَبْقَ أحَدٌ مَعَ يُوسُفَ عِنْدَمَا كَشَفَ لَهُمْ هُوِيَّتَهُ. لَكِنَّهُ بَكَى بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ حَتَّى سَمِعَهُ المِصْرِيُّونَ وَجَمِيعُ بَيْتِ فِرعَوْنَ. فَقَالَ يُوسُفُ لِإخوَتِهِ: «أنَا يُوسُفُ، فَهَلْ أبِي حَيٌّ؟» لَمْ يَسْتَطِعْ إخْوَتُهُ أنْ يُجِيبُوهُ. فَقَدْ كَانُوا خَائِفِينَ مِنْهُ فِي حَضْرَتِهِ. وَقَالَ يُوسُفُ لِإخوَتِهِ: «تَعَالَوْا وَاقْتَرِبُوا مِنِّي.» فَاقْتَرَبُوا، فَقَالَ لَهُمْ: «أنَا يُوسُفُ أخُوكُمُ الَّذِي بِعْتُمُوهُ عَبْدًا لِمِصْرٍ. لَكِنْ لَا تَنْزَعِجُوا، وَلَا تَغْضَبُوا مِنْ أنْفُسِكُمْ لِأنَّكُمْ بِعْتُمُونِي لِهَذَا المَكَانِ، فَقَدْ أرْسَلَنِي اللهُ قَبلَكُمْ لِكَي أُنقِذَ حَيَاةَ كَثِيرِينَ. هَا قَدْ مَضَتْ سَنَتَانِ عَلَى المَجَاعَةِ. وَمَا زَالَتْ هُنَاكَ خَمْسُ سَنَوَاتٍ دُونَ حِرَاثَةٍ أوْ حَصَادٍ. لَكِنَّ اللهَ أرْسَلَنِي قَبْلَكُمْ لِكَي يَضْمَنَ بَقَاءَ بَقِيَّةٍ مِنْ شَعْبِكُمْ، وَلِكَي يُبقِيَكُمْ أحيَاءً بِطَرِيقَةٍ مُدهِشَةٍ. فَلَسْتُمْ أنْتُمْ مَنْ أرْسَلَنِي إلَى هُنَاكَ، بَلِ اللهُ. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَنِي كَأبٍ لِفِرْعَوْنَ، وَسَيِّدًا عَلَى أرْضِ مِصْرٍ كُلِّهَا.» وَقَالَ لَهُمْ: «أسْرِعُوا وَاذهَبُوا إلَى أبِيكُمْ. وَقُولُوا لَهُ هَذِهِ رِسَالَةٌ مِنَ ابْنِكَ يُوسُفَ: ‹قَدْ جَعَلَنِي اللهُ سَيِّدًا عَلَى مِصْرٍ كُلِّهَا. فَانْزِلْ إلَيَّ، وَلَا تَتَأخَّرْ. سَتَسْكُنُ فِي أرْضِ جَاسَانَ. وَسَتَكُونُ قَرِيبًا مِنِّي، أنْتَ وَأبْنَاؤُكَ وَأحفَادُكَ وَقُطعَانُ غَنَمِكَ وَبَقَرِكَ وَكُلُّ مَا لَدَيكَ. وَسَأعُولُكَ هُنَاكَ، فَلَا تَحتَاجَ لَا أنْتَ وَلَا عَائِلَتُكَ وَلَا الَّذِينَ مَعَكَ إلَى شَيءٍ. فَمَا زَالَتْ هُنَاكَ خَمْسُ سَنَوَاتٍ أُخْرَى مِنَ المَجَاعَةِ.› «وَهَا أنْتُمْ وَأخِي بَنْيَامِينُ تَرَوْنَ بِأنفُسِكُمْ أنِّي أنَا يُوسُفُ. فَأخبِرُوا أبِي عَنِ المَكَانَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي نِلْتُهَا فِي مِصْرٍ. وَاحكُوا لَهُ عَنْ كُلِّ مَا رَأيتُمْ. ثُمَّ عَجِّلُوا بِإحضَارِ أبِي إلَى هُنَا.» ثُمَّ عَانَقَ يُوسُفُ أخَاهُ بَنْيَامِينَ وَبَكَى. وَبَكَى بَنْيَامِينُ أيْضًا وَهُوَ يُعَانِقُهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَبَّلَ يُوسُفُ كُلَّ إخْوَتِهِ وَبَكَى وَهُوَ يُعَانِقُهُمْ. حِينَئِذٍ، بَدَأُوا يَتَحَدَّثُونَ مَعَهُ. وَوَصَلَتِ الأخْبَارُ إلَى قَصْرِ فِرعَوْنَ. وَعَلِمَ أنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ قَدْ جَاءُوا. فَفَرِحَ فِرْعَوْنُ وَوُزَرَاؤُهُ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «قُلْ لِإخْوَتِكَ: ‹افْعَلُوا هَذَا: حَمِّلُوا حَمِيرَكُمْ بِالطَّعَامِ وَاذْهَبُوا إلَى أرْضِ كَنْعَانَ. ثُمَّ أحضِرُوا أبَاكُمْ وَعَائِلَاتِكُمْ وَتَعَالَوْا عِندِي. وَسَأُعْطِيكُمْ أفْضَلَ أرْضٍ فِي مِصْرٍ. وَسَتَأْكُلُونَ أجوَدَ طَعَامٍ فِي البِلَادِ.› وَمُرْهُمْ: ‹افْعَلُوا هَذَا: خُذُوا عَرَبَاتٍ لَكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ لِأبْنَائِكُمْ وَلِزَوْجَاتِكُمْ وَأحْضِرُوا أبَاكُمْ وَارْجِعُوا. وَلَا تَأْسَفُوا عَلَى تَرْكِ حَاجِيَاتِكُمْ خَلْفَكُمْ. إذْ سَيَكُونُ أفْضَلُ مَا فِي أرْضِ مِصْرٍ لَكُمْ.›» وَهَكَذَا فَعَلَ أبْنَاءُ إسْرَائِيلَ. وَأعْطَاهُمْ يُوسُفُ عَرَبَاتٍ كَمَا أمَرَ فِرْعَوْنُ. وَأعْطَاهُمْ طَعَامًا لِلطَّرِيقِ أيْضًا. وَأعْطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبًا جَدِيدًا. وَأمَّا بَنْيَامِينُ فَأعطَاهُ ثَلَاثَ مِئَةِ قِطعَةٍ مِنَ الفِضَّةِ وَخَمْسَةَ أثْوَابٍ جَدِيدَةٍ. وَأرْسَلَ لِأبِيهِ مَا يَلِي: عَشْرَةَ حَمِيرٍ مُحَمَّلَةً بِخَيرَاتِ مِصْرٍ، وَعَشَرَ أُتُنٍ مُحَمَّلَةً بِالقَمْحِ وَالخُبْزِ وَالطَّعَامِ لِرِحْلَةِ أبِيهِ. فَوَدَّعَ يُوسُفُ إخْوَتَهُ، فَانْطَلَقُوا. وَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «لَا تَتَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ.» فَصَعِدُوا مِنْ مِصْرٍ، وَذَهَبُوا إلَى بَيْتِ أبِيهِمْ يَعْقُوبَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ. وَقَالُوا لَهُ: «مَا يَزَالُ يُوسُفُ حَيًّا، وَهُوَ يَحْكُمُ أرْضَ مِصْرٍ كُلَّهَا.» فَصُعِقَ أبوهُمْ، إذْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ! فَأخْبَرُوهُ بِكُلِّ مَا قَالَهُ لَهُمْ يُوسُفُ. ثُمَّ رَأى يَعْقُوبُ العَرَبَاتِ الَّتِي أرْسَلَهَا يُوسُفُ لِتَحْمِلَهُ إلَى مِصْرٍ. فَانتَعَشَ يَعْقُوبُ. ثُمَّ قَالَ إسْرَائِيلُ: «يَكْفِي مَا قُلْتُمْ. أنَا أُصَدِّقُ الآنَ أنَّ ابْنِي يُوسُفَ مَا يَزَالُ حَيًّا. سَأذْهَبُ وَأرَاهُ قَبْلَ أنْ أمُوتَ.» فَشَرَعَ إسْرَائِيلُ فِي رِحلَتِهِ آخِذًا مَعَهُ كُلَّ مَا لَهُ. وَوَصَلَ إلَى بِئْرِ السَّبْعِ. وَهُنَاكَ قَدَّمَ ذَبَائِحَ لِإلَهِ أبِيهِ إسْحَاقَ. وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ كَلَّمَ اللهُ إسْرَائِيلَ فِي حُلْمٍ فَقَالَ لَهُ: «يَعْقُوبُ، يَعْقُوبُ.» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «سَمْعًا وَطَاعَةً.» فَقَالَ: «أنَا اللهُ، إلَهُ أبِيكَ. لَا تَخْشَ النُّزُولَ إلَى مِصْرٍ، فَأنَا سَأجعَلُكَ أُمَّةً عَظِيمَةً هُنَاكَ. سَأنزِلُ إلَى مِصْرٍ مَعَكَ. وَسَأُعِيدُكَ مِنْ هُنَاكَ. وَسَيُغلِقُ ابْنُكَ يُوسُفُ عَيْنَيْكَ حِينَ تَمُوتُ.» فَغَادَرَ يَعْقُوبُ بِئْرَ السَّبْعِ. وَحَمَلَ أبْنَاءُ إسْرَائِيلَ أبَاهُمْ يَعْقُوبَ وَأبْنَاءَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ عَلَى العَرَبَاتِ الَّتِي كَانَ فِرْعَوْنُ قَدْ أرسَلَهَا لِتَحْمِلَهُمْ. فَأخَذُوا مَوَاشِيَهُمْ وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمُ الَّتِي اقتَنَوْهَا فِي أرْضِ كَنْعَانَ. وَذَهَبَ يَعْقُوبُ وَكُلُّ نَسْلِهِ مَعَهُ إلَى مِصْرٍ. أخَذَ يَعْقُوبُ مَعَهُ إلَى مِصْرٍ أبْنَاءَهُ وَأحْفَادَهُ وَبَنَاتِهِ وَحَفِيدَاتِهِ وَكُلَّ نَسْلِهِ. هَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ أبْنَاءِ إسْرَائِيلَ الَّذِينَ دَخَلُوا مِصْرًا، يَعْقُوبُ وَبَنُوهُ: رَأُوبَينُ، وَكَانَ بِكْرَ يَعْقُوبَ. أمَّا أبْنَاءُ رَأُوبَيْنَ فَهُمْ حَنُوكُ وَفَلُّو وَحَصْرُونُ وَكَرْمِي. وَأبْنَاءُ شِمْعُونَ هُمْ يَمُوئِيلُ وَيَامِينُ وَأُوهَدُ وَيَاكِينُ وَصُوحَرُ وَشَاوُلُ ابْنُ الكَنعَانِيَّةِ. وَأبْنَاءُ لَاوِي هُمْ جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. وَأبْنَاءُ يَهُوذَا هُمْ: عِيرٌ وَأُونَانُ وَشِيلَةُ وَفَارَصُ وَزَارِحُ. وَمَاتَ عِيرٌ وَأُونَانُ فِي أرْضِ كِنْعَانَ. وَأبْنَاءُ فَارَصَ هُمْ حَصْرُونُ وَحَامُولُ. وَأبْنَاءُ يَسَّاكَرَ هُمْ تُولَاعُ وَفَوَّةُ وَيُوبٌ وَشِمْرُونُ. وَأبْنَاءُ زَبُولُونَ هُمْ سَادَرُ وَإيلُونُ وَيَاحَلْئِيلُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ لَيئَةَ الَّذِينَ أنْجَبَتْهُمْ لِيَعْقُوبَ فِي فَدَّانَ أرَامَ. بِالإضَافَةِ إلَى دِينَةَ، ابْنَةِ يَعْقُوبَ. وَكَانَ عَدَدُ هَذَا الجُزْءِ مِنَ العَائِلَةِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ فَردًا. وَأبْنَاءُ جَادٍ هُمْ صِفْيُونُ وَحَجِّي وَشُونِي وَأصْبُونُ وَعِيرِي وَأرُودِي وَأرْئِيلِي. وَأبْنَاءُ أشِيرَ هُمْ يَمْنَةُ وَيَشْوَةُ وَيِشْوِي وَبَرِيعَةُ، وَأُختُهُمْ سَارَحُ. وَابْنَا بَرِيعَةَ هُمَا حَابِرُ وَمَلْكِيئِيلُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ زِلْفَةَ. وَكَانَ لَابَانُ قَدْ أعْطَاهَا لِلَيئَةَ. فَأنْجَبَتْ زِلْفَةُ هَؤُلَاءِ الأبْنَاءَ لِيَعْقُوبَ. وَكَانَ مَجْمُوعُ هَذَا الجُزْءِ مِنَ العَائِلَةِ سِتَّةَ عَشَرَ فَردًا. وَأمَّا ابْنَا رَاحِيلَ فَهُمَا يُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ. وَوُلِدَ مَنَسَّى وَأفْرَايِمُ لِيُوسُفَ فِي أرْضِ مِصْرٍ مِنْ زَوْجَتِهِ أسْنَاتَ بِنتِ فِوْطِي فَارَعَ كَاهِنِ مَدِينَةِ أُونٍ. وَأبْنَاءُ بَنْيَامِينَ هُمْ بَالَعُ وَبَاكَرُ وَأشْبِيلُ وَجِيرَا وَنُعمَانُ وَإيحِي وَرُوشٌ وَمُفِّيمُ وَحُفِّيمُ وَأرْدٌ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ رَاحِيلَ الَّذِينَ أنْجَبَتْهُمْ لِيَعْقُوبَ. وَكَانَ عَدَدُ هَذَا الجُزْءِ مِنَ العَائِلَةِ أرْبَعَةَ عَشَرَ فَردًا. وَابْنُ دَانٍ هُوَ حُوشِيمُ. وَأمَّا أبْنَاءُ نَفْتَالِي هُمْ يَاحَصْئِيلُ وَجُونِي وَبِصْرٌ وَشِلِّيمُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ بِلْهَةَ. وَكَانَ لَابَانُ قَدْ أعْطَى بِلْهَةَ لِابْنَتِهِ رَاحِيلَ. فَوَلَدَتْ بِلْهَةُ هَؤُلَاءِ الأبْنَاءَ لِيَعْقُوبَ. فَمَجْمُوعُ هَذَا الجُزْءِ مِنَ العَائِلَةِ سَبْعَةُ أفْرَادٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى مِصْرٍ مَعَ يَعْقُوبَ مِنْ نَسْلِهِ سِتَّةً وَسِتِّينَ فَردًا. وَلَا يَشْمُلُ هَذَا العَدَدُ زَوْجَاتِ أبْنَاءِ يَعْقُوبَ. وَهُنَاكَ أيْضًا ابْنَا يُوسُفَ اللَّذَانِ أنْجَبَهُمَا فِي مِصْرٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ الأفْرَادِ فِي بَيْتِ يَعْقُوبَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى مِصْرٍ سَبْعِينَ فَردًا. وَأرْسَلَ يَعْقُوبُ يَهُوذَا قَبلَهُ إلَى يُوسُفَ لِكَي يَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى جَاسَانَ. فَوَصَلُوا إلَى أرْضِ جَاسَانَ. فَجَهَّزَ يُوسُفُ عَرَبَتَهُ وَصَعِدَ إلَى جَاسَانَ لِمُلَاقَاةِ أبِيهِ إسْرَائِيلَ. وَعَانَقَهُ وَبَكَى عَلَى كَتِفِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً. ثُمَّ قَالَ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ: «أنَا الآنَ مُسْتَعِدٌّ أنْ أمُوتَ، حَيْثُ إنِّي رَأيْتُكَ بِنَفْسِي وَتَأكَّدْتُ مِنْ أنَّكَ مَا زِلْتَ حَيًّا.» فَقَالَ يُوسُفُ لِإخْوَتِهِ وَلِكُلِّ بَيْتِ أبِيهِ: «سَأصْعَدُ لِأُكَلِّمَ فِرعَوْنَ. وَسَأقُولُ لَهُ: ‹لَقَدْ جَاءَ إلَيَّ إخْوَتِي وَبَيتُ أبِي مِنْ أرْضِ كَنْعَانَ. وَرِجَالُهُمْ رُعَاةٌ، فَهُمْ يُرَبُّونَ المَوَاشِي. وَقَدْ جَلَبُوا مَعَهُمْ قُطعَانَ غَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ وَكُلَّ مَا يَمْلِكُونَ.› فَحِينَ يَسْتَدْعِيكُمْ فِرْعَوْنُ وَيَسْألُكُمْ: ‹مَا هُوَ عَمَلُكُمْ؟› قُولُوا لَهُ: ‹كُنَّا، نَحْنُ خُدَّامَكَ، نُرَبِّي المَوَاشِي مُنْذُ صِغَرِنَا إلَى الآنَ، أبًا عَنْ جَدٍّ.› قُولُوا هَذَا لِكَي تَسْكُنُوا فِي أرْضِ جَاسَانَ. فَكُلُّ رَاعٍ مَكرُوهٌ فِي مِصْرٍ.» فَذَهَبَ يُوسُفُ وَكَلَّمَ فِرعَوْنَ فَقَالَ لَهُ: «جَاءَ أبِي وَإخوَتِي مَعَ كُلِّ غَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ وَكُلِّ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ أرْضِ كَنْعَانَ. وَهُمُ الآنَ فِي أرْضِ جَاسَانَ.» وَأخَذَ يُوسُفُ مَعَهُ خَمْسَةً مِنْ إخْوَتِهِ وَقَدَّمَهُمْ إلَى فِرعَوْنَ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِإخْوَةِ يُوسُفَ: «مَا هُوَ عَمَلُكُمْ؟» فَقَالُوا لِفِرْعَوْنَ: «نَحْنُ خُدَّامَكَ رُعَاةٌ، أبًا عَنْ جَدٍّ.» ثُمَّ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ: «جِئْنَا لِنَقِيمَ كَغُرَبَاءٍ فِي الأرْضِ. إذْ لَا يُوجَدُ مَرعَىً لِمَوَاشِي خُدَّامِكَ، لِأنَّ المَجَاعَةَ قَاسِيَةٌ فِي أرْضِ كَنْعَانَ. فَاسْمَحْ لَنَا، نَحْنُ خُدَّامَكَ، بِأنْ نَسْتَقِرَّ فِي أرْضِ جَاسَانَ.» فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «جَاءَ أبوْكَ وَإخوَتُكَ إلَيكَ. وَهَا هِيَ أرْضُ مِصْرٍ مَفْتُوحَةٌ أمَامَكَ. فَأسْكِنْ أبَاكَ وَإخوَتَكَ فِي أفْضَلِ بُقعَةٍ فِي الأرْضِ. لِيَسْكُنُوا فِي أرْضِ جَاسَانَ. وَإنْ كُنْتَ تَعْرِفُ أنَّ بَيْنَهُمْ رِجَالًا مُقْتَدِرِينَ، فَعَيِّنْهُمْ رُؤَسَاءَ رُعَاةٍ مُشْرِفِينَ عَلَى مَوَاشِيَّ.» ثُمَّ أحْضَرَ يُوسُفُ أبَاهُ يَعْقُوبَ وَقَدَّمَهُ لِفِرْعَوْنَ. وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرعَوْنَ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيَعْقُوبَ: «كَمْ عُمْرُكَ؟» فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ: «سَنَوَاتُ اغتِرَابِي هِيَ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. وَسَنَوَاتُ حَيَاتِي قَلِيلَةٌ وَصَعْبَةٌ. وَلَمْ أبلُغْ عُمْرَ آبَائِي.» وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرعَوْنَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِندِهِ. وَهَكَذَا أسْكَنَ يُوسُفُ أبَاهُ وَإخوَتَهُ وَأعْطَاهُمْ أمْلَاكًا فِي أرْضِ مِصْرٍ، فِي أفْضَلِ بُقْعَةٍ مِنْهَا، فِي أرْضِ رَعَمْسِيسَ، كَمَا أمَرَ فِرْعَوْنُ. وَكَانَ يُوسُفُ يَعُولُ أبَاهُ وَإخوَتَهُ وَكُلَّ بَيْتِ أبِيهِ بِالطَّعَامِ، مِنَ الكَبِيرِ إلَى الصَّغِيرِ. وَلَمْ يَكُنْ فِي البِلَادِ طَعَامٌ، إذْ كَانَتِ المَجَاعَةُ قَاسِيَةً جِدًّا. وَافتَقَرَتْ أرْضُ مِصْرٍ وَأرْضُ كَنْعَانَ كَثِيرًا بِسَبَبِ المَجَاعَةِ. فَجَمَعَ يُوسُفُ كُلَّ الفِضَّةِ الَّتِي فِي أرْضِ مِصْرٍ وَفِي أرْضِ كَنْعَانَ مُقَابِلَ القَمْحِ الَّذِي اشْتَرَوْهُ. وَجَلَبَ يُوسُفُ الفِضَّةَ إلَى بَيْتِ فِرعَوْنَ. وَلَمَّا لَمْ تَعُدْ هُنَاكَ فِضَّةٌ فِي أرْضِ مِصْرٍ وَأرْضِ كَنْعَانَ، جَاءَ كُلُّ شَعْبِ مِصْرٍ إلَى يُوسُفَ وَقَالُوا لَهُ: «أعْطِنَا طَعَامًا، وَإلَّا مِتْنَا أمَامَكَ. فَقَدْ نَفَذَتْ فِضَّتُنَا.» فَقَالَ يُوسُفُ: «أعطُونِي مَوَاشِيكُمْ. وَسَأُعْطِيكُمْ طَعَامًا مُقَابِلَ مَوَاشِيكُمْ إنْ كَانَتْ فِضَّتُكُمْ قَدْ نَفَذَتْ.» فَأتَوْا بِمَوَاشِيهِمْ إلَى يُوسُفَ. فَأعطَاهُمْ طَعَامًا مُقَابِلَ خَيلِهِمْ وَغَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ وَحَمِيرِهِمْ. وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ زَوَّدَهُمْ يُوسُفُ بِالطَّعَامِ مُقَابِلَ كُلِّ مَوَاشِيهِمْ. فَانقَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ. فَجَاءُوا إلَيْهِ فِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ وَقَالُوا: «نَعْلَمُ يَا سَيِّدِي أنَّ فِضَّتَنَا قَدْ نَفَذَتْ، وَقُطْعَانَ مَوَاشِينَا صَارَتْ عِنْدَكَ يَا سَيِّدِي. وَلَمْ يَبْقَ لَدَينَا إلَّا أجسَادُنَا وَأرَاضِينَا. فَإذَا لَمْ تُرِدْ، يَا سَيِّدِي، أنْ نَمُوتَ نَحْنُ وَأرَاضِينَا، فَاشْتَرِنَا نَحْنُ وَأرَاضِيَنَا مُقَابِلَ الطَّعَامِ. وَسَنَكُونُ عَبِيدًا مَعَ أرْضِنَا لِفِرْعَوْنَ. فَأعْطِنَا بِذَارًا لِنَزْرَعَ، فَنَحْيَا وَلَا نَمُوتَ، وَلَا تُصْبِحَ الأرْضُ قَاحِلَةً.» فَاشْتَرَى يُوسُفُ كُلَّ أرْضِ مِصْرٍ لِفِرْعَوْنَ. فَقَدْ بَاعَ كُلُّ مِصْرِيٍّ حُقُولَهُ، لِأنَّهُمْ جَاعُوا كَثِيرًا. فَصَارَتِ الأرْضُ لِفِرْعَوْنَ. وَاسْتَعْبَدَ النَّاسَ مِنْ أقْصَى حُدُودِ مِصْرٍ إلَى أقْصَاهَا. أمَّا الأرْضُ الوَحِيدَةُ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا يُوسُفُ فَكَانَتْ أرْضَ الكَهَنَةِ. إذْ كَانَ الكَهَنَةُ يَتَلَقَّوْنَ دَخلًا ثَابِتًا مِنْ فِرعَوْنَ. وَلِهَذَا لَمْ يُضْطَرُّوا لِبَيعِ أرَاضِيهِمْ. وَقَالَ يُوسُفُ لِلشَّعْبِ: «هَا قَدِ اشْتَرَيتُكُمُ اليَوْمَ مَعَ أرْضِكُمْ لِفِرْعَوْنَ. فَخُذُوا بِذَارًا، وَابْذُرُوهَا فِي الأرْضِ. لَكِنْ حِينَ يَجِيءُ الحَصَادُ، يَنْبَغِي أنْ تُعطُوا خُمْسَ مَحَاصِيلِكُمْ لِفِرْعَوْنَ. وَاحْتَفِظُوا لِأنفُسِكُمْ بِأرْبَعَةِ أخْمَاسٍ. أبقُوهَا بِذَارًا لِلحَقلِ، وَطَعَامًا لَكُمْ وَلِبُيُوتِكُمْ، وَطَعَامًا لِصِغَارِكُمْ.» فَقَالُوا: «لَقَدْ أنقَذْتَ حَيَاتَنَا! وَإنْ كَانَ يُرْضِيكَ يَا سَيِّدِي، سَنَكُونُ عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ.» وَهَكَذَا سَنَّ يُوسُفُ قَانُونًا لِأرْضِ مِصْرٍ. وَهُوَ قَانُونٌ سَارٍ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَيَنُصُّ القَانُونُ عَلَى أنَّ خُمْسَ المَحصُولِ هُوَ مِنْ نَصِيبِ فِرعَوْنَ. وَأرْضُ الكَهَنَةِ هِيَ وَحدَهَا الَّتِي لَمْ تَصِرْ لِفِرْعَوْنَ. فَاسْتَقَرَّ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي أرْضِ جَاسَانَ مِنْ بِلَادِ مِصْرٍ، وَاقتَنَوْا مُمتَلَكَاتٍ هُنَاكَ. وَأنجَبُوا أبْنَاءً كَثِيرِينَ، فَصَارَ عَدَدُهُمْ كَبِيرًا جِدًّا. وَعَاشَ يَعْقُوبُ فِي أرْضِ مِصْرٍ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَعَاشَ مِئَةً وَسَبْعًا وَأرْبَعِينَ سَنَةً. وَلَمَّا اقْتَرَبَ يَعْقُوبُ مِنَ المَوْتِ، اسْتَدْعَى ابْنَهُ يُوسُفَ، وَقَالَ لَهُ: «إنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي حَقًّا، فَضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخذِي، وَاحلِفْ لِي بِأنَّكَ سَتَكُونُ صَادِقًا مَعْي. لَا تَدْفِنِّي فِي مِصْرٍ. فَعِنْدَمَا أمُوتُ، أخرِجْنِي مِنْ مِصْرٍ، وَادفِنِّي فِي مَقْبَرَةِ آبَائِي.» فَقَالَ يُوسُفُ: «سَأفْعَلُ كَمَا قُلْتَ.» فَقَالَ: «احلِفْ لِي.» فَحَلَفَ يُوسُفُ لَهُ. فَسَجَدَ إسْرَائِيلُ للهِ مُسْتَنِدًا عَلَى حَافَّةِ سَريِرهِ. وَفِيمَا بَعْدُ، قَالَ أحَدُهُمْ لِيُوسُفَ: «هَا أبوْكَ مَرِيضٌ.» فَأخَذَ يُوسُفُ وَلَدَيهِ مَنَسَّى وَأفْرَايِمَ مَعَهُ لِرُؤْيَةِ يَعْقُوبَ. فَقَالَ أحَدُهُمْ لِيَعْقُوبَ: «هَا قَدْ جَاءَ ابْنُكَ يُوسُفُ لِرُؤْيَتِكَ.» فَاسْتَجْمَعَ يَعْقُوبُ قِوَاهُ وَاعتَدَلَ فِي جِلْسَتِهِ عَلَى السَّرِيرِ. ثُمَّ قَالَ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ: «لَقَدْ ظهَرَ لِيَ اللهُ الجَبَّارُ فِي لُوزٍ، فِي أرْضِ كَنْعَانَ وَبَارَكَنِي. وَقَالَ لِي: ‹هَا أنَا أُعْطِيكَ أبْنَاءً كَثِيرِينَ، وَأُكَثِّرُكَ وَعَائِلَتَكَ عَدَدًا. وَسَأجعَلُكَ وَنَسْلَكَ مَجمُوعَةَ شُعُوبٍ. وَسَأُعْطِي هَذِهِ الأرْضَ لِنَسْلِكَ مِنْ بَعدِكَ مِلْكًا أبَدِيًّا.› وَالْآنَ سَيَكُونُ وَلَدَاكَ اللَّذَانِ أنجَبْتَهُمَا فِي مِصْرٍ قَبْلَ أنْ آتِيَ إلَيكَ وَلَدَيَّ أنَا. إذْ سَيَكُونُ أفْرَايِمُ وَمَنَسَّى كَرَأُوبَيْنَ وَشِمْعُونَ. أمَّا الأبْنَاءُ الَّذِينَ تُنجِبُهُمْ بَعْدَهُمَا فَيَكُونُونَ لَكَ، وَيَأْخُذُونَ جُزءًا مِنَ الأرْضِ المُخَصَّصَةِ لِأفْرَايِمَ وَمَنَسَّى. وَحِينَ كُنْتُ قَادِمًا مِنْ فَدَّانَ أرَامَ، مَاتَتْ رَاحِيلُ فِي الطَّرِيقِ إلَى أرْضِ كَنْعَانَ، فَحَزِنْتُ. مَاتَتْ قَبْلَ مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ مِنْ وُصُولِنَا إلَى أفْرَاتَةَ. فَدَفَنْتُهَا عَلَى طَرِيقِ أفْرَاتَةَ الَّتِي هِيَ بَيْتُ لَحْمٍ.» وَلَمَّا رَأى إسْرَائِيلُ ابْنَي يُوسُفَ سَألَ: «مَنْ هَذَانِ الوَلَدَانِ؟» فَقَالَ يُوسُفُ لِأبِيهِ: «هَذَانِ وَلَدَايَ اللَّذَانِ أعطَانِي إيَّاهُمَا اللهُ.» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «قَرِّبْهُمَا إلَيَّ، وَسَأُبَارِكُهُمَا.» وَكَانَتْ عَينَا إسْرَائِيلَ ضَعِيفَتَينِ مِنَ الشَّيخُوخَةِ. فَلَمْ يَكُنْ يَرَى جَيِّدًا. فَلَمَّا قَرَّبَ يُوسُفُ ابْنَيهِ مِنْهُ، قَبَّلَهُمَا يَعْقُوبُ وَعَانَقَهُمَا. ثُمَّ قَالَ إسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «مَا تَوَقَّعْتُ أنْ أرَاكَ ثَانِيَةً. لَكِنْ هَا قَدْ أكرَمَنِي اللهُ بِرُؤْيَةِ وَلَدَيكَ أيْضًا!» ثُمَّ رَفَعَهُمَا يُوسُفُ مِنْ حِضْنِ يَعْقُوبَ، وَانحَنَى إلَى الأرْضِ أمَامَهُ. وَحَمَلَهُمَا كِلَيهِمَا، وَوَضَعَ أفْرَايِمَ إلَى يَمِينِهِ، أيْ إلَى يَسَارِ إسْرَائِيلَ. وَوَضَعَ مَنَسَّى إلَى يَسَارِهِ، أيْ إلَى يَمِينِ إسْرَائِيلَ. ثُمَّ قَرَّبَهُمَا إلَيْهِ ثَانِيَةً. فَمَدَّ إسْرَائِيلُ يَدَهُ اليُمْنَى وَوَضَعَهَا عَلَى رَأسِ أفْرَايِمَ، وَاليُسْرَى عَلَى رَأسِ مَنَسَّى، وَذِرَاعَاهُ مُتَصَالِبَتَانِ. وَكَانَ مَنَسَّى هُوَ البِكْرَ. ثُمَّ بَارَكَ إسْرَائِيلُ يُوسُفَ وَقَالَ: «أدعُو اللهَ الَّذِي عَبَدَهُ أبَوَايَ إبْرَاهِيمُ وَإسْحَاقُ، اللهَ الَّذِي كَانَ رَاعِيَّ كُلَّ حَيَاتِي إلَى هَذَا اليَوْمِ. مَلَاكَ اللهِ الَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ أذَىً، أنْ يُبَارِكَ هَذَينِ الوَلَدَينِ. وَأنْ يَجْعَلَ اسْمِي وَاسْمَ أبَوَيَّ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ يَعِيشُ فِيهِمَا. وَأنْ يُكَثِّرَ نَسْلَهُمَا فِي الأرْضِ.» وَانتَبَهَ يُوسُفُ إلَى أنَّ أبَاهُ يَضَعُ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأسِ أفْرَايِمَ، فَاسْتَاءَ مِنْ ذَلِكَ. فَأخَذَ يَدَ أبِيهِ وَحَاوَلَ إزَاحَتَهَا عَنْ رَأسِ أفْرَايِمَ إلَى رَأسِ مَنَسَّى، وَهُوَ يَقُولُ لِأبِيهِ: «لَيسَ هَكَذَا، يَا أبِي! فَهَذَا هُوَ البِكْرُ. فَضَعْ يَدَكَ اليُمْنَى عَلَى رَأسِهِ.» فَرَفَضَ أبوهُ وَقَالَ: «أعْلَمُ ذَلِكَ، يَا ابْنِي، أعْلَمُ. وَهُوَ أيْضًا سَيَصِيرُ شَعْبًا. وَهُوَ أيْضًا سَيَصِيرُ عَظِيمًا. لَكِنَّ أخَاهُ الأصْغَرَ سَيَصِيرُ أعْظَمَ مِنْهُ. وَسَيَكُونُ نَسْلُهُ مَجمُوعَةً مِنَ الشُّعُوبِ.» فَبَارَكَهُمَا إسْرَائِيلُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ وَقَالَ: «حَينُ يُرِيدُ بَنُو إسْرَائِيلَ أنْ يُبَارِكُوا أحَدًا سَيَقُولُونَ: ‹لَيتَ اللهَ يَجْعَلُكَ كَأفْرَايِمَ وَكَمَنَسَّى.›» فَقَدَّمَ اسْمَ أفْرَايِمَ عَلى اسْمِ مَنَسَّى! ثُمَّ قَالَ إسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «هَا أنَا أحْتَضِرُ. لَكِنَّ اللهَ سَيَكُونُ مَعَكَ، وَسَيَرُدُّكَ إلَى أرْضِ آبَائِكَ. وَسَأُعْطِيكَ حِصَّةً زِيَادَةً عَلَى حِصَصِ إخْوَتِكَ مِنَ الأرْضِ الَّتِي أخَذْتُهَا مِنَ الأمُورِيِّينَ بِسَيفِي وَقَوْسِي.» ثُمَّ دَعَا يَعْقُوبُ كُلَّ أبْنَائهِ إلَيْهِ. وَقَالَ: «تَجَمَّعُوا حَوْلِي فَأتَنبَّأَ لَكُمْ. «تَعَالَوْا وَاسْتَمِعُوا، يَا أبْنَاءَ يَعْقُوبَ. اسْتَمِعُوا إلَى إسْرَائِيلَ أبِيكُمْ: «رَأُوبَينُ، أنْتَ بِكْرِي. أنْتَ قُوَّتِي وَأوَّلُ دَلِيلٍ لِي عَلَى رُجُولَتِي. امتَزْتَ كَرَامَةً وَقُوَّةً. لَكِنَّكَ كَالمَاءِ لَا تُضْبَطُ. وَلِهَذَا لَنْ تَمتَازَ بَعْدُ، لِأنَّكَ عَاشَرْتَ خَادِمَةَ أبِيكَ، فَدَنَّسْتَ سَرِيرِي عِنْدَمَا نِمْتَ عَلَيْهِ. «شِمْعُونُ وَلَاوِي أخَوَانِ. سَيفَاهُمَا سِلَاحَا عُنفٍ. لَا أُحِبُّ مَجلِسَهُمَا، وَلَا أرتَاحُ فِي اجتِمَاعِهِمَا. فَقَدْ قَتَلَا رَجُلًا فِي غَضَبِهِمَا، وَشَلَّا ثِيرَانًا لِمُجَرَّدِ التَّسلِيَةِ. مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا، فَهُوَ عَنِيفٌ جِدًّا. وَمَلْعُونٌ هِيَاجُهُمَا فَهُوَ لَا يَرْحَمُ. سَأُفَرِّقُهُمَا بَيْنَ قَبَائِلَ يَعْقُوبَ. سَأُبَعْثِرُهُمَا فِي إسْرَائِيلَ. «أمَّا أنْتَ يَا يَهُوذَا، فَسَيَمْدَحُكَ إخْوَتُكَ. وَسَتَهْزِمُ أعْدَاءَكَ. وَسَيَنْحَنِي لَكَ أبْنَاءُ أبِيكَ. وَيَهُوذَا مِثْلُ شِبلٍ. يَا ابْنِي، عُدْتَّ بَعْدَ أنِ اصْطَدْتَ فَريسَتَكَ. أنْتَ كَأسَدٍ تَجْثُمُ وَتَرْبِضُ. فَمَنْ يَجْرُؤُ أنْ يُزعِجَكَ؟ لَنْ يُفَارِقَ صَولَجَانُ المُلْكِ يَهُوذَا، وَلَا عَصَا الحَاكِمِ مِنْ بَيْنِ قَدَمَيهِ، إلَى أنْ يَجِيءَ المَلُكُ الحَقِيقِيُّ، وَتُطِيعَهُ الشُّعُوبُ. بِالكَرمَةِ يَرْبِطُ جَحْشَهُ. وَبِالدَّوَالِي يَرْبِطُ حِمَارَهُ الصَّغِيرَ. بِالنَّبِيذِ يَغْسِلُ مَلَابِسَهُ، وَبِعَصِيرِ العِنَبِ ثَوْبَهُ. عَينَاهُ أشَدُّ حُمْرَةً مِنَ النَّبِيذِ. وَأسْنَانُهُ أشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الحَلِيبِ. «أمَّا زَبُولُونَ، فَيَسْتَقِرُّ عِنْدَ شَاطِئِ البَحْرِ. وَمَرْفَأً لِلسُّفُنِ سَيَكُونُ. وَسَتَمْتَدُّ إلَى صَيدُونَ حُدُودُهُ. «أمَّا يَسَّاكَرُ فَكَحِمَارٍ قَوِيٍّ رَابِضٍ تَحْتَ ثِقَلِ السُّرُوجِ. اسْتَطَابَ الرَّاحَةَ، وَأحَبَّ الجُلُوسَ فِي أرْضِ الكَسَلِ. فَحَنَى ظَهْرَهُ لِيَحْمِلَ حِملًا. وَأُجْبِرَ عَلَى العُبُودِيَّةِ. «أمَّا دَانٌ فَبِالعَدْلِ يَحْكُمُ شَعْبَهُ كَمَا يَلِيقُ بِعَشيرَةٍ مِنْ إسْرَائِيلَ. «كَثُعْبَانٍ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ يَكُونُ دَانٌ. كَأفْعَى سَامَّةٍ قُرْبَ المَمَرِّ. تَهْجُمُ فَتَلْدَغُ كَعْبَيِّ الحِصَانِ، فَيَسْقُطُ رَاكِبُهُ إلَى الوَرَاءِ. «أنتَظِرُ خَلَاصَكَ، يَا اللهُ . «أمَّا جَادٌ فَيَغْزُوهُ الغُزَاةُ، وَهُوَ يَرُدُّهُمْ عَلَى أعقَابِهِمْ. «أمَّا أشِيرُ، فَيَكُونُ غَنِيًّا، وَيُقَدِّمُ طَعَامًا يَلِيقُ بِمُلُوكٍ. «نَفْتَالِي كَظَبْيَةٍ مُطلَقَةٍ لَهَا وَلَدَانِ جَمِيلَانِ. «أمَّا يُوسُفُ فَكَرْمَةٌ مُثْمِرَةٌ، كَرْمَةٌ مُثْمِرَةٌ عِنْدَ نَبْعٍ. أغْصَانُهُ تَتَسَلَّقُ السِّيَاجَ. حَقَدَ عَلَيْهِ رُمَاةُ سِهَامٍ وَأطلَقُوا عَلَيْهِ وَعَادُوهُ. لَكِنَّ قُوَّتَهُ بَقِيَتْ ثَابِتَةً، وَذِرَاعَاهُ ظَلَّتَا مَرِنَتَينِ. صَارَ هَذَا بِيَدَي إلَهِ يَعْقُوبَ القَوِيِّ، بِاسْمِ الرَّاعِي، صَخْرَةِ إسْرَائِيلَ. صَارَ هَذَا بِفَضْلِ إلَهِ أبِيكَ. لَيتَهُ يَكُونُ عَونًا لَكَ. صَارَ هَذَا بِقُوَّةِ اللهِ القَدِيرِ. لَيتَهُ يُبَارِكُكَ بِبَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَبِبَرَكَاتٍ مُخَبَّأةٍ لَكَ فِي أعْمَاقِ المُحِيطِ. لَيتَهُ يُبَارِكُكَ بِبَرَكَاتِ الثَّدْيَينِ وْالرَّحِمِ. وَهَا قَدْ عَلَتْ بَرَكَاتُ أبِيكَ فَوْقَ الجِبَالِ القَدِيمَةِ، فَاقَتْ خَيرَاتُ التِّلَالِ الأبَدِيَّةِ. لَيتَهَا كُلَّهَا تَأْتِي عَلَى رَأسِ يُوسُفَ. لَيتَهَا تَعْلُو جَبِينَ ذَاكَ الَّذِي أفْرَزَهُ اللهُ لِعَمَلٍ خَاصٍّ بَيْنَ إخْوَتِهِ. «بَنْيَامِينُ كَذِئْبٍ جَائِعٍ. فِي المَسَاءِ يَأْكُلُ فَرِيسَتَهُ. وَفِي المَسَاءِ يَأْخُذُ مِنَ الغَنِيمَةِ حِصَّةً.» هَذِهِ هِيَ قَبَائِلُ إسْرَائِيلَ الِاثْنَتَا عَشْرَةَ. وَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ لَهُمْ أبوْهُمْ عِنْدَمَا بَارَكَهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا بِبَرَكَةٍ خَاصَّةٍ. ثُمَّ أوصَاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: «أنَا أحْتَضِرُ. فَادْفِنُونِي مَعَ آبَائِي فِي الكَهْفِ الَّذِي فِي حَقْلِ عِفْرُونَ الحِثِّيِّ. ادفِنُونِي فِي الكَهْفِ الَّذِي فِي حَقْلِ المَكْفِيلَةِ. قُرْبَ مَمْرَا فِي أرْضِ كَنْعَانَ. فَقَدِ اشْتَرَى إبْرَاهِيمُ ذَلِكَ الحَقلَ مِنْ عِفْرُونَ الحِثِّيِّ لِيَكُونَ مَقْبَرَةً. وَدُفِنَ إبْرَاهِيمُ وَزَوْجَتُهُ سَارَةُ هُنَاكَ. وَدُفِنَ أيْضًا إسْحَاقُ وَزَوْجَتُهُ رِفْقَةُ هُنَاكَ. وَهُنَاكَ دُفِنَتْ لَيئَةُ. اشْتُرِيَ الحَقلُ وَالكَهْفُ الَّذِي فِيهِ مِنَ الحِثِّيِّينَ.» وَلَمَّا انْتَهَى يَعْقُوبُ مِنْ تَوْصِيَةِ أبْنَائِهِ، سَحَبَ قَدَمَيهِ إلَى السَّرِيرِ، وَلَفَظَ أنفَاسَهُ الأخِيرَةَ، وَانْضَمَّ إلَى جَمَاعَتِهِ. ثُمَّ انحَنَى يُوسُفُ فَوْقَ أبِيهِ، وَبَكَى عَلَيْهِ، وَقَبَّلَهُ. وَأمَرَ يُوسُفُ أطِبَّاءَهُ الخَاصِّينَ بِأنْ يُحَنِّطُوا أبَاهُ. فَحَنَّطَ الأطِبَّاءُ إسْرَائِيلَ. وَأمْضَوْا أيَّامَ التَّحنِيطِ الأرْبَعِينَ. وَبَكَى عَلَيْهِ المِصْرِيُّونَ سَبْعِينَ يَومًا. وَلَمَّا انْتَهَتْ فَتْرَةُ الحِدَادِ، تَحَدَّثَ يُوسُفُ إلَى بَيْتِ فِرعَوْنَ وَقَالَ: «إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي وَرَضِيتُمْ عَنِّي حَقًّا، فَتَكَلَّمُوا مَعَ فِرعَوْنَ وَقُولُوا لَهُ إنَّ أبِي اسْتَحْلَفَنِي وَقَالَ لِي: ‹هَا أنَا أحتَضِرُ. فَادْفِنِّي فِي القَبْرِ الَّذِي حَفَرْتُهُ لِنَفْسِي فِي أرْضِ كَنْعَانَ.› فَأرْجُو الآنَ أنْ تَسْمَحَ لِي بِأنْ أذْهَبَ وَأدفِنَ أبِي، وَبَعْدَ ذَلِكَ سَأعُودُ.» فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: «اذْهَبْ وَادفِنْ أبَاكَ كَمَا اسْتَحْلَفَكَ.» فَذَهَبَ يُوسُفُ لِيَدْفِنَ أبَاهُ. وَذَهَبَ مَعَهُ كُلُّ وُزَرَاءِ فِرعَوْنَ وَشُيُوخِ بَيْتِهِ وَكُلُّ وُجَهَاءِ أرْضِ مِصْرٍ. وَذَهَبَ أيْضًا كُلُّ بَيْتِ يُوسُفَ وَإخوَتِهِ وَبُيُوتِهِمْ، وَلَمْ يَتْرُكُوا خَلْفَهُمْ فِي أرْضِ جَاسَانَ إلَّا أطْفَالَهُمْ وَغَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ. وَخَرَجَتْ عَرَبَاتٌ وَفُرْسَانٌ أيْضًا مَعَهُ. فَكَانَ جُمهُورًا عَظِيمًا جِدًّا. وَوَصَلُوا إلَى بَيدَرِ أطَادَ عَلَى الضِّفَّةِ الشَّرْقِيَّةِ لِنَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَهُنَاكَ نَاحُوا عَلَى يَعْقُوبَ، وَصَنَعَ يُوسُفُ هُنَاكَ مَنَاحَةً لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَرَأى سُكَّانُ تِلْكَ المِنْطَقَةِ مِنَ الكَنْعَانِيِّينَ المَنَاحَةَ المُقَامَةَ عَلَى بَيدَرِ أطَادَ. فَقَالُوا: «المِصْرِيُّونَ يَنُوحُونَ بِمَرَارَةٍ.» فَسَمَّوْا ذَلِكَ المَكَانَ آبِلَ مِصْرَايِمَ، وَهُوَ شَرْقَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَهَكَذَا فَعَلَ أبْنَاءُ يَعْقُوبَ كَمَا أوصَاهُمْ. فَحَمَلُوهُ إلَى أرْضِ كَنْعَانَ. ثُمَّ دَفَنُوهُ فِي الحَقْلِ الَّذِي فِي حَقْلِ المَكفِيلَةِ قُرْبَ مَمْرَا. وَهُوَ الحَقلُ الَّذِي اشْتَرَاهُ إبْرَاهِيمُ مِنْ عِفْرُونَ الحِثِّيِّ لِيَكُونَ مَقْبَرَةً. ثُمَّ عَادَ يُوسُفُ وَإخوَتُهُ وَكُلُّ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهُ لِدَفْنِ أبِيهِ إلَى مِصْرٍ، بَعْدَ أنْ دَفَنَ أبَاهُ. ثُمَّ أحَسَّ إخْوَةُ يُوسُفَ بِالخَوفِ، لِأنَّ أبَاهُمْ مَاتَ. فَقَالُوا: «رُبَّمَا يَحْمِلُ يُوسُفُ ضَغِينَةً عَلَينَا. وَرُبَّمَا يَجْعَلُنَا نَدفَعُ ثَمَنَ إسَاءَتِنَا لَهُ.» فَأرْسَلُوا رِسَالَةً إلَى يُوسُفَ تَقُولُ: أوصَانَا أبُوكَ بِهَذَا قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَالَ لَنَا: «قُولُوا لِيُوسُفَ: لَقَدْ أسَاءَ إلَيكَ إخْوَتُكَ حَقًّا. لَكِنْ أرْجُو أنْ تُسَامِحَهُمْ عَلَى جَرِيمَتِهِمْ وَخَطِيَّتِهِمْ.» فَالآنَ نَرْجُو أنْ تَغْفِرَ جَرِيمَةَ خُدَّامِ إلَهِ أبِيكَ. فَبَكَى يُوسُفُ بِسَبَبِ رِسَالَتِهِمْ. وَذَهَبَ إلَيْهِ إخْوَتُهُ أيْضًا. وَألقَوْا بِأنفُسِهِمْ أمَامَهُ وَقَالُوا: «هَا نَحْنُ عَبِيدٌ لَكَ.» لَكِنَّ يُوسُفَ قَالَ لَهُمْ: «لَا تَخَافُوا، فَهَلْ أنَا اللهُ لِأَدِينَكُمْ؟ أنتُمْ نَوَيتُمْ بِي شَرًّا، لَكِنَّ اللهَ نَوَى بِهِ خَيرًا. فَقَدْ قَصَدَ اللهُ أنْ يُحَقِّقَ النَّتَائِجَ الحَالِيَّةَ: أنْ يُبْقِيَ عَلَى حَيَاةِ كَثِيرِينَ. فَلَا تَخَافُوا. وَأنَا سَأعُولُكُمْ وَأعُولُ أطْفَالَكُمْ.» وَهَكَذَا طَمْأنَهُمْ وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ. فَبَقِيَ يُوسُفُ وَبَيتُ أبِيهِ فِي مِصْرٍ. وَعَاشَ يُوسُفُ مِئَةً وَعَشْرَ سِنِينَ. وَعَاشَ يُوسُفَ لِيَرَى أبْنَاءَ أفْرَايِمَ وَأحفَادَهُ. وَنُسِبَ أبْنَاءُ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى إلَى يُوسُفَ. وَقَالَ يُوسُفُ لِإخوَتِهِ: «أنَا أحتَضِرُ، لَكِنَّ اللهَ سَيَهْتَمُّ بِكُمْ وَسَيُخْرِجُكُمْ مِنْ هَذَهِ الأرْضِ إلَى الأرْضِ الَّتِي وَعَدَ بِهَا إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.» وَاسْتَحْلَفَ يُوسُفُ أبْنَاءَ إسْرَائِيلَ وَقَالَ: «عِنْدَمَا يَأْتِي اللهُ إلَيكُمْ وَيُخْرِجُكُمْ، احمِلُوا عِظَامِي مِنْ هُنَا.» وَمَاتَ يُوسُفُ بَعْدَ أنْ عَاشَ مِئَةً وَعَشَرَ سَنَوَاتٍ. فَحَنَّطُوهُ وَوَضَعُوهُ فِي تَابُوتٍ فِي مِصْرٍ. هَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ أبْنَاءِ إسْرَائِيلَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى مِصْرٍ مَعَ يَعْقُوبَ وَمَعَ عَائِلَاتِهِمْ: رَأُوبَينُ وَشِمْعُونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ وَبَنْيَامِينُ وَدَانٌ وَنَفتَالِي وَجَادٌ وَأشِيرُ. وَكَانَ مَجْمُوعُ أفْرَادِ نَسْلِ يَعْقُوبَ سَبعِينَ. وَعَاشَ يُوسُفُ فِي مِصْرٍ. وَمَاتَ يُوسُفُ وَإخوَتُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ الجِيلِ. وَأمَّا بَنُو إسْرَائِيلَ فَقَدْ أثْمَرُوا وَازدَادَ عَدَدُهُمْ. فَكَثُرُوا جِدًّا وَصَارُوا أقْوِيَاءَ حَتَّى إنَّ الأرْضَ امْتَلأتْ مِنْهُمْ. وَوَصَلَ مَلِكٌ جَدِيدٌ إلَى السُّلطَةِ فِي مِصْرٍ. وَلَمْ يَكُنْ هَذَا المَلِكُ قَدْ عَرَفَ يُوسُفَ. فَقَالَ مَلِكُ مِصْرٍ لِشَعْبِهِ: «بَنُو إسْرَائِيلَ أكْثَرُ عَدَدًا وَقُوَّةً مِنَّا. فَلْنَضَعْ خُطَّةً لِمَنعِهِمْ مِنَ التَّزَايُدِ فِي العَدَدِ وَالقُوَّةِ. فَإنْ لَمْ نَفعَلْ ذَلِكَ، سَيَنْضَمُّوا إلَى أعْدَائِنَا وَيُحَارِبُونَا، ثُمَّ يَهْرُبُوا مِنَ الأرْضِ.» فَعَيَّنَ المِصْرِيُّونَ مُشْرِفِينَ لِيُضَيِّقُوا عَلَيْهِمْ بِأعْمَالٍ شَاقَّةٍ. وَبَنَى بَنُو إسْرَائِيلَ مَدينَتَي مَخَازِنَ لِفِرْعَوْنَ هُمَا فِيثُومُ وَرَعَمْسِيسُ. وَبِالرُّغْمِ مِنْ مُضَايِقَةِ المِصْرِيِّينَ لَهُمْ كَانُوا يَتَكَاثَرُونَ وَيَزدَادُونَ. فَصَارَ المِصْرِيُّونَ يَخَافُونَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَاستَعْبَدُوا بَنِي إسْرَائِيلَ وَأجبَرُوهُمْ عَلَى القِيَامِ بِأعْمَالٍ شَاقَّةٍ. وَجَعَلَ المِصْرِيُّونَ حَيَاةَ بَنِي إسْرَائِيلَ مُرَّةً. أجبَرُوهُمْ عَلَى العَمَلِ فِي الطِّينِ وَالطُّوبِ وَكُلِّ أعْمَالِ الحُقُولِ. وَقَدْ قَسَوْا عَلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ الأعْمَالِ الَّتِي أجبَرُوهُمْ عَلَيهَا. وَكَانَتْ هُنَاكَ قَابِلَتَانِ عِبرَانِيَّتَانِ تُدْعَيَانِ شِفْرَةَ وَفُوعَةَ. فَقَالَ مَلِكُ مِصْرٍ لَهُمَا: «حِينَ تُسَاعِدَانِ النِّسَاءَ العِبْرَانِيَّاتِ فِي الوِلَادَةِ وَهُنَّ عَلَى سَرِيرِ الوِلَادَةِ، انْظُرَا إلَى المَوْلُودِ، فَإذَا كَانَ وَلَدًا فَاقتُلَاهُ، وَإنْ بِنْتًا فَاترُكَاهَا لِتَعِيشَ.» لَكِنَّ القَابِلَتَينِ كَانَتَا تَخَافَانِ اللهَ، فَلَمْ تَفْعَلَا كَمَا طَلَبَ مِنهُمَا مَلِكُ مِصْرٍ، بَلْ تَرَكَتَا الأوْلَادَ يَعِيشُونَ. فَدَعَا مَلِكُ مِصْرٍ القَابِلَتَينِ وَقَالَ لَهُمَا: «لِمَاذَا عَمِلْتُمَا هَذَا وَتَرَكْتُمَا الأوْلَادَ يَعِيشُونَ؟» فَقَالَتِ القَابِلَتَانِ لِفِرْعَونَ: «النِّسَاءُ العِبرَانِيَّاتُ لَسْنَ كَالمِصْرِيَّاتِ، فَهُنَّ قَوِيَّاتٌ، يَلِدْنَ سَرِيعًا قَبْلَ وُصُولِ القَابِلَاتِ.» وَبَارَكَ اللهُ القَابِلَتَينِ. وَكَثُرَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَصَارُوا أقوِيَاءَ جِدًّا. وَأعْطَى اللهُ عَائِلَاتٍ لِلقَابِلَتَينِ لِأنَّهُمَا خَافَتَاهُ. ثُمَّ أصدَرَ فِرْعَوْنُ أمْرًا لِشَعْبِهِ وَقَالَ: «كُلُّ وَلَدٍ يُولَدُ لِلعِبْرَانِيِّينَ، ألقُوهُ فِي نَهْرِ النِّيلِ، وَاسْتَبْقُوا حَيَاةَ البَنَاتِ فَقَطْ.» وَتَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْ قَبِيلَةِ لَاوِي مِنِ امْرأةٍ مِنْ قَبِيلَةِ لَاوِي. فَحَبِلَتِ المَرْأةُ وَوَلَدَتْ وَلَدًا. وَحِينَ رَأتْ أنَّهُ طِفلٌ جَمِيلٌ خَبَّأتْهُ لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أشهُرٍ. لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ الِاسْتِمرَارَ فِي إخفَائِهِ، فَأحْضَرَتْ سَلَّةً مَصْنُوعَةً مِنَ القَصَبِ، وَسَدَّتْ ثُقُوبَهَا بِالزِّفتِ وَالقَارِ، وَوَضَعَتِ الوَلَدَ فِيهَا. ثُمَّ وَضَعَتْهَا بَيْنَ القَصَبِ عَلَى ضِفَّةِ نَهْرِ النِّيلِ. وَكَانَتْ أُختُهُ تُرَاقِبُ مِنْ بَعِيدٍ لِتَرَى مَا سَيَحْدُثُ لَهُ. وَنَزَلَتِ ابْنَةُ فِرعَوْنَ لِتَسْتَحِمَّ فِي نَهْرِ النِّيلِ، بَيْنَمَا كَانَتْ خَادِمَاتُهَا مَعَهَا عَلَى ضِفَّةِ النَّهرِ. وَرَأتِ ابْنَةُ فِرعَوْنَ السَّلَّةَ بَيْنَ القَصَبِ، فَأرسَلَتْ خَادِمَاتِهَا لِإحْضَارِهَا. وَلَمَّا فَتَحَتِ ابْنَةُ فِرعَوْنَ السَّلَّةَ، رَأتِ الطِّفْلَ. وَكَانَ الطِّفلُ يَبْكِي، فَأشفَقَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ فِي نَفسِهَا: «هَذَا مِنْ أوْلَادِ العِبْرَانِيِّينَ.» فَقَالَتْ أُخْتُ الطِّفلِ لِابْنَةِ فِرْعَوْنَ: «هَلْ تَرْغَبِينَ فِي أنْ أذهَبَ وَأُحضِرَ لَكِ مُرضِعَةً مِنَ النِّسَاءِ العِبرَانِيَّاتِ لِتُرضِعَهُ لَكِ؟» فَقَالَتِ ابْنَةُ فِرعَوْنَ: «اذهَبِي!» فَذَهَبَتِ الفَتَاةُ وَدَعَتْ أُمَّ الطِّفلِ. وَقَالَتِ ابْنَةُ فِرعَوْنَ لَهَا: «خُذِي هَذَا الطِّفْلَ وَأرْضِعِيهِ لِي، وَسَأدفَعُ لَكِ أُجْرَتَكِ.» فَأخَذَتِ المَرْأةُ الطِّفْلَ وَأرْضَعَتْهُ. وَحِينَ كَبِرَ الوَلَدُ بِمَا يَكْفِي لِيُفطَمَ، أحْضَرَتْهُ إلَى ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، فَتَبَنَّتْهُ. وَدَعَتِ ابْنَةُ فِرعَوْنَ الطِّفْلَ مُوسَى لِأنَّهَا قَالَتْ: «قَدْ نَشَلْتُهُ مِنَ المَاءِ.» وَحِينَ كَبِرَ مُوسَى خَرَجَ إلَى شَعْبِهِ لِيَرَى مَا يُعَانُونَهُ مِنْ مَشَقَّاتٍ. وَحِينَ رَأى رَجُلًا مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلًا عِبرَانِيًّا مِنْ إخْوَتِهِ. تَلَفَّتَ مُوسَى حَوْلَهُ، وَإذْ لَمْ يَرَ أحَدًا، قَتَلَ المِصْرِيَّ وَدَفَنَهُ فِي الرِّمَالِ. وَحِينَ خَرَجَ مُوسَى فِي اليَوْمِ التَّالِي، كَانَ هُنَاكَ رَجُلَانِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَشَاجَرَانِ، فَقَالَ لِلمُعتَدِي: «لِمَاذَا تَضْرِبُ رَفِيقَكَ؟» فَقَالَ لَهُ المُعتَدِي: «مَنْ نَصَّبَكَ حَاكِمًا وَقَاضِيًا عَلَينَا؟ أتَنْوِي أنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ المِصْرِيَّ؟» حِينَئِذٍ، خَافَ مُوسَى وَانتَبَهَ إلَى أنَّ الأمْرَ قَدِ انْكَشَفَ. وَحِينَ سَمِعَ فِرْعَوْنُ بِالأمْرِ، أصْدَرَ حُكْمًا بِإعْدَامِ مُوسَى. فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ فِرعَوْنَ وَسَكَنَ فِي أرْضِ مِدْيَانَ. وَكَانَ مُوسَى قَدْ جَلَسَ عِنْدَ بِئْرٍ فِي مِدْيَانَ. وَكَانَ لِكَاهِنِ مِدْيَانَ سَبعُ بَنَاتٍ. وَكُنَّ قَدْ أتَينَ لِيَسْتَقِينَ مَاءً لِيَملأنَ الأحوَاضَ لِسِقَايَةِ أغْنَامِ أبِيهِنَّ. لَكِنَّ الرُّعَاةَ أتَوْا وَطَرَدُوهُنَّ. فَقَامَ مُوسَى وَأنقَذَهُنَّ وَسَقَى أغْنَامَهُنَّ. وَحِينَ أتَينَ إلَى رَعُوئِيلَ أبِيهِنَّ، سَألَهُنَّ رَعُوئِيلُ: «لِمَاذَا رَجِعتُنَّ سَرِيعًا اليَوْمَ؟» فَأجَبْنَهُ: «رَجُلٌ مِصْرِيٌّ أنقَذَنَا مِنَ الرُّعَاةِ. ثُمَّ نَشَلَ المَاءَ لَنَا وَسَقَى الغَنَمَ!» فَقَالَ رَعُوئِيلُ لِبَنَاتِهِ: «وَأينَ هُوَ؟ لِمَاذَا تَرَكْتُنَّ الرَّجُلَ فِي الخَارِجِ؟ ادْعُونَهُ لِيَأْكُلَ مَعَنَا.» فَوَافَقَ مُوسَى أنْ يَعِيشَ مَعَهُ. وَأعْطَى رَعُوئِيلُ ابْنَتَهُ صَفُّورَةَ زَوْجَةً لِمُوسَى. فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ وَلَدًا. وَقَالَ مُوسَى: «كُنْتُ غَرِيبًا فِي أرْضٍ غَرِيبَةٍ.» فَدَعَا اسْمَ الطِّفلِ جِرْشُومَ. وَبَعْدَ سِنِينَ كَثِيرَةٍ، مَاتَ مَلِكُ مِصْرٍ. وَكَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يَئِنُّونَ بِسَبَبِ العُبُودِيَّةِ، وَقَدْ صَرَخُوا إلَى اللهِ طَلَبًا لِلعَونِ. فَسَمِعَ اللهُ صُرَاخَهُمْ لِلخَلَاصِ مِنَ العُبُودِيَّةِ. سَمِعَ اللهُ أنِينَهُمْ، وَتَذَكَّرَ عَهْدَهُ مَعَ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. نَظَرَ اللهُ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَهَوَ يَعْلَمُ مَاذَا سَيَفْعَلُ. وَذَاتَ مَرَّةٍ، كَانَ مُوسَى يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ وَكَاهِنِ مِدْيَانَ. فَقَادَ الغَنَمَ إلَى الجِهَةِ الأُخرَى مِنَ البَرِّيَّةِ، وَجَاءَ إلَى جَبَلِ حُورِيبَ، الجَبَلِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ اللهُ! وَهُنَاكَ ظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ اللهِ فِي لَهِيبِ نَارٍ يأتِي مِنْ شُجَيرَةٍ. وَنَظَرَ مُوسَى إلَيْهَا فَرَأى الشُّجَيرَةَ مُشتَعِلَةً، لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ! فَقَالَ مُوسَى: «لِأذْهَبْ إلَى هُنَاكَ وَأرَ هَذَا المَشهَدَ العَجِيبَ، وَأعْرِفْ لِمَاذَا لَا تَحْتَرِقُ الشُّجَيرَةُ.» فَلَمَّا رَأى اللهُ مُوسَى يَقْتَرِبُ لِيُلقِي نَظرَةً عَنْ قُرْبٍ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الشُّجَيرَةِ وَقَالَ لَهُ: «مُوسَى! مُوسَى!» فَأجَابَ مُوسَى: «هَا أنَا!» فَقَالَ لَهُ: «لَا تَقْتَرِبْ أكْثَرَ! اخلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ قَدَمَيكَ، فَالمَكَانُ الَّذِي تَقِفُ عَلَيْهِ أرْضٌ مُقَدَّسَةٌ.» ثُمَّ قَالَ: «أنَا إلَهُ أبِيكَ، إلَهُ إبْرَاهِيمَ وَإلَهُ إسْحَاقَ وَإلَهُ يَعْقُوبَ.» فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لِأنَّهُ خَافَ أنْ يَنْظُرَ إلَى اللهِ. ثُمَّ قَالَ اللهُ : «قَدْ رَأيْتُ ضِيقَ شَعْبِي الَّذِينَ فِي مِصْرٍ، وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ بِسَبَبِ مُضُايِقِيهِمْ. فأنَا أعْلَمُ آلَامَهُمْ. وَنَزَلْتُ لِكَي أُحَرِّرَهُمْ مِنَ المِصْرِييِّنَ، وَلِأُخْرِجَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأرْضِ إلَى أرْضٍ خَصْبَةٍ وَوَاسِعَةٍ، أرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. هِيَ أرْضُ الكَنعَانِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالفَرِزِّيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ. «وَالْآنَ قَدْ وَصَلَ صُرَاخُ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَيَّ، وَقَدْ رَأيْتُ الضِّيقَ الَّذِي يُسَبِّبُهُ المِصْرِيُّونَ لَهُمْ. فَاذْهَبْ إلَى هُنَاكَ. هَا أنَا أُرسِلُكَ إلَى فِرعَوْنَ لِتُخرِجَ شَعْبِي، بَنِي إسْرَائِيلَ، مِنْ مِصْرٍ.» فَقَالَ مُوسَى: «مَنْ أنَا حَتَّى أذهَبَ إلَى فِرعَوْنَ وَأُخرِجَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ؟» فَقَالَ: «اذْهَبْ وَأنَا سَأكُونُ مَعَكَ. أمَّا العَلَامَةُ عَلَى أنَّني أرْسَلْتُكَ، فَهِيَ أنَّكَ حِينَمَا تُخرِجُ شَعْبِي مِنْ مِصْرٍ، سَتَعْبُدُونَني عَلَى هَذَا الجَبَلِ.» وَقَالَ مُوسَى: «حِينَ أذهَبُ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَأقُولُ لَهُمْ: ‹إلَهُ آبَائِكُمْ أرْسَلَنِي إلَيكُمْ.› سَيَقُولُونَ لِي: ‹مَا اسْمُهُ؟› فَمَاذَا أقُولُ؟» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «إهْيِهْ أشِرْ إهْيِهْ. قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: ‹إهْيِهْ أرْسَلَنِي إلَيكُمْ.›» وَقَالَ أيْضًا لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: ‹يهوه إلَهُ آبَائِكُمْ، إلَهُ إبْرَاهِيمَ وَإلَهُ إسحَاقَ وَإلَهُ يَعْقُوبَ أرْسَلَنِي إلَيكُمْ. هَذَا اسْمِي إلَى الأبَدِ، وَلَقَبِي فِي كُلِّ جِيلٍ.›» «اذْهَبْ وَاجمَعْ شُيُوخَ إسْرَائِيلَ، وَقُلْ لَهُمْ: يهوه إلَهُ آبَائِكُمْ، إلَهُ إبْرَاهِيمَ وَإلَهُ إسحَاقَ وَإلَهُ يَعْقُوبَ ظَهَرَ لِي وَقَالَ: ‹رَاقَبْتُكُمْ وَرَأيْتُ مَا عَمِلَهُ المِصْرِيُّونَ مَعَكُمْ. وَقَرَّرْتُ أنْ أُخرِجَكُمْ مِنْ ضِيقِكُمْ مِنْ مِصْرٍ إلَى أرْضِ الكَنعَانِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ، إلَى أرْضٍ تَفِيضُ لَبنًا وَعَسَلًا.› «سَيَسْتَمِعُ الشُّيُوخُ إلَيكَ. حِينَئِذٍ، تَذْهَبُ أنْتَ وَشُيُوخُ إسْرَائِيلَ إلَى مَلِكِ مِصْرٍ وَتَقُولُونَ لَهُ: ‹يهوه إلَهُ العِبرَانِيِّينَ تَجَلَّى لَنَا، فَدَعْنَا الآنَ نَذهَبُ فِي رِحلَةٍ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ فِي البَرِّيَّةِ كَي نُقَدِّمَ ذَبَائِحَ لِيهوه إلَهِنَا.› «لَكِنَّ مَلِكَ مِصْرٍ لَنْ يَسْمَحَ لَكُمْ بِالذَّهَابِ إلَّا مُجْبَرًا بِالقُوَّةِ. حِينَئِذٍ، سَأمُدُّ يَدِي لِأضْرِبَ مِصْرًا بِكُلِّ العَجَائِبِ الَّتِي سَأعمَلُهَا. بَعْدَ ذَلِكَ، سَيُطلِقُكُمْ فِرْعَوْنُ. سَأجْعَلُ المِصْرِيِّينَ كُرَمَاءَ مَعَكُمْ، فَلَا تَخْرُجُونَ فَارِغِي الأيدِي. وَسَتَطْلُبُ كُلُّ امْرأةٍ مِنْ جَارَتِهَا أوْ مِمَّنْ تُقِيمُ فِي بَيْتِهَا فِضَّةً وَذَهَبًا وَثِيَابًا، وَسَتَضَعُونَهَا عَلَى أبْنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. وَهَكَذَا سَتَأْخُذُونَ ثَروَةً مِنْ مِصْرٍ.» فَأجَابَ مُوسَى: «وَمَاذَا إنْ لَمْ يُصَدِّقُونِي أوْ يَسْتَمِعُوا إلَيَّ؟ فَسَيَقُولُونَ: ‹لَمْ يَظْهَرْ لَكَ يهوه حَقًّا.›» فَقَالَ لَهُ اللهُ : «مَاذَا فِي يَدِكَ؟» فَقَالَ مُوسَى: «عَصًا.» فَقَالَ: «ألقِ بِهَا إلَى الأرْضِ.» فَألْقَاهَا، فَصَارَتْ ثُعْبَانًا! فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهُ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ وَامسِكْهُ مِنْ ذَيلِهِ.» فَحِينَ مَدَّ يَدَهُ وَأمسَكَهُ تَحَوَّلَ ثَانِيَةً إلَى عَصًا فِي يَدِهِ. فَقَالَ اللهُ : «هَذَا لِكَي يُصَدِّقُوا أنَّ اللهَ إلَهَ آبَائِهِمْ، إلَهَ إبْرَاهِيمَ وَإلَهَ إسْحَاقَ وَإلَهَ يَعْقُوبَ، قَدْ ظَهَرَ لَكَ.» وَقَالَ اللهُ لَهُ ثَانِيَةً: «أدخِلْ يَدَكَ إلَى صَدْرِكَ.» فَأدخَلَ مُوسَى يَدَهُ إلَى صَدرِهِ. وَحِينَ أخرَجَهَا كَانَتْ بَرْصَاءَ كَلَونِ الثَّلجِ. فَقَالَ اللهُ لَهُ: «أدخِلْ يَدَكَ ثَانِيَةً إلَى صَدرِكَ.» فَأدخَلَ يَدَهُ إلَى صَدرِهِ ثَانِيَةً. وَحِينَ أخرَجَهَا مِنْ صَدرِهِ عَادَتْ كَبَاقِي جَسَدِهِ. فَقَالَ اللهُ: «إنْ لَمْ يُصَدِّقُوكَ أوْ يَنْتَبِهُوا لِلمُعجِزَةِ الأُولَى، فَسَيُصَدِّقُونَ المُعجِزَةَ الثَّانِيَةَ. وَإنْ لَمْ يُصَدِّقُوا هَاتَينِ المُعجِزَتَينِ وَلَمْ يَسْتَمِعُوا لَكَ، فَحِينَئِذٍ، خُذْ مِنْ مَاءِ نَهْرِ النِّيلِ وَاسكُبْهُ عَلَى اليَابِسَةِ، فَيَصِيرَ المَاءُ دَمًا عَلَى الأرْضِ.» وَقَالَ مُوسَى للهِ : «اسْمَعْنِي أيُّهَا الرَّبُّ، أنَا خَادِمَكَ لَا أُحسِنُ الكَلَامَ، لَا فِي المَاضِي وَلَا مُنْذُ تَكَلَّمْتَ إلَيَّ. فَأنَا بَطِيءُ الكَلَامِ وَثَقِيلُ اللِّسَانِ.» فَقَالَ اللهُ لَهُ: «مَنِ الَّذِي يُعْطِي لِلإنْسَانِ فَهْمًا، أوْ يَجْعَلُ الإنْسَانَ أخرَسَ أوْ أصَمَّ أوْ أعرَجَ أوْ أعْمَى؟ ألَيسَ أنَا، اللهَ ؟ وَالْآنَ اذْهَبْ. سَأكُونُ مَعَ فَمِكَ وَسَأُعَلِّمُكَ مَاذَا تَقُولُ.» وَلَكِنَّ مُوسَى قَالَ: «أرْجُوكَ يَا رَبُّ أنْ تُرْسِلَ شَخْصًا آخَرَ.» حِينَئِذٍ، غَضِبَ اللهُ مِنْ مُوسَى، وَقَالَ لَهُ: «ألَيسَ هَارُونُ اللَّاوِيُّ أخَاكَ؟ أعْلَمُ أنَّهُ يُحْسِنُ الكَلَامَ، وَهُوَ سَيَأْتِي لِلِقَائِكَ، وَحِينَ يَرَاكَ سَيَفْرَحُ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ. تَسْتَطِيعُ أنْ تَتَكَلَّمَ إلَيْهِ بِكُلِّ مَا تُرِيدُهُ أنْ يَقُولَ. سَأكُونُ مَعَ فَمِكَ وَفَمِهِ، وَسَأُعَلِّمُكَ مَاذَا تَفْعَلُ. هُوَ سَيَتَكَلَّمُ إلَى النَّاسِ نِيَابَةً عَنْكَ. فَكَأنَّهُ فَمُكَ، وَكَأنَّكَ إلَهُهُ. وَخُذْ هَذِهِ العَصَا فِي يَدِكَ، فَبِوَاسِطَتِهَا سَتَصْنَعُ المُعجِزَاتِ.» وَرَجِعَ مُوسَى إلَى يَثْرُونَ حَمِيهِ، وَقَالَ لَهُ: «اسْمَحْ لِي بِالرُّجُوعِ إلَى إخْوَتِي فِي مِصْرٍ لِأرَى إنْ كَانُوا مَا يَزَالُونَ أحيَاءَ.» فَقَالَ يَثْرُونُ لِمُوسَى: «اذْهَبْ بِسَلَامٍ.» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى فِي مِدْيَانَ: «ارجِعْ إلَى مِصْرٍ لِأنَّ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا يُرِيدُونَ قَتْلَكَ مَاتُوا.» فَأخَذَ مُوسَى زَوْجَتَهُ وَأوْلَادَهُ وَأركَبَهُمْ عَلَى دَوَابٍ، وَرَجِعَ إلَى أرْضِ مِصْرٍ. وَأخَذَ عَصَا اللهِ فِي يَدِهِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «حِينَ تَرْجِعُ إلَى مِصْرٍ، تَذَكَّرِ المُعجِزَاتِ الَّتِي وَضَعْتُهَا فِي يَدِكَ، وَاصْنَعْهَا أمَامَ فِرعَوْنَ. لَكِنِّي سَأجعَلُهُ يُعَانِدُ حَتَّى لَا يُطلِقَ الشَّعْبَ. قُلْ لِفِرْعَونَ: ‹يَقُولُ اللهُ : إسْرَائِيلُ ابْنِي البِكْرُ،› وَأنَا أقُولُ لَكَ: ‹أطلِقِ ابْنِي لِيَعْبُدَنِي. وَإلَّا فَإنِّي سَأقتُلُ ابْنَكَ البِكْرَ.›» وَتَوَقَّفُوا لِلِاسْتِرَاحَةِ فِي الطَّرِيقِ. فَالتَقَى اللهُ بِمُوسَى لِكَي يَقْتُلَهُ. وَلَكِنَّ زَوْجَتَهُ صَفُّورَةَ أخَذَتْ قِطْعَةَ صُوَّانٍ حَادَّةً وَخَتَنَتِ ابْنَهَا. ثُمَّ أخَذَتْ غُلفَةَ ابْنِهَا وَمَسَّتْ بِهَا قَدَمَيَّ مُوسَى، وَقَالَتْ لَهُ: «أنْتَ زَوْجُ دَمٍ لِي!» فَشُفِيَ. وَكَانَتْ صَفُّورَةُ قَدْ دَعَتْ مُوسَى «زَوْجَ دَمٍ» بِسَبَبِ الخِتَانِ. وَفِي هَذِهِ الأثنَاءِ، تَكَلَّمَ اللهُ إلَى هَارُونَ فَقَالَ: «اذْهَبْ وَالتَقِ بِمُوسَى فِي الصَّحْرَاءِ.» فَذَهَبَ وَالتَقَى بِهِ فِي جَبَلِ اللهِ وَقَبَّلَهُ. وَأخبَرَ مُوسَى هَارُونَ بِكُلِّ مَا قَالَهُ اللهُ لَهُ وَبِكُلِّ المُعجِزَاتِ الَّتِي أمَرَهُ بِعَمَلِهَا. فَذَهَبَ مُوسَى وَهَارُونُ وَجَمَعَا كُلَّ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ. وَأخبَرَ هَارُونُ الشَّعْبَ بِكُلِّ الأُمُورِ الَّتِي قَالَهَا اللهُ لِمُوسَى، وَعَمِلَ المُعجِزَاتِ أمَامَ الشَّعْبِ. فَآمَنَ الشَّعْبُ. وَحِينَ سَمِعُوا أنَّ اللهَ مُهْتَمٌّ بِبَنِي إسْرَائِيلَ، وَأنَّهُ رَأى الذُّلَّ الَّذِي هُمْ فِيهِ، انحَنَوْا وَسَجَدُوا. وَبَعْدَ ذَلِكَ، ذَهَبَ مُوسَى وَهَارُونُ وَتَكَلَّمَا إلَى فِرعَوْنَ وَقَالُوا لَهُ: «هَكَذَا يَقُولُ يهوه إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹أطلِقْ شَعْبِي لِيَحْتَفِلُوا بِعِيدٍ لِي فِي الصَّحْرَاءِ.›» وَلَكِنَّ فِرعَوْنَ قَالَ: «مَنْ هُوَ يهوه هَذَا حَتَّى أُطِيعَهُ وَأُطلِقَ الشَّعْبَ؟ أنَا لَا أعْرِفُ يهوه هَذَا، وَلَنْ أُطلِقَهُمْ.» فَقَالَا لَهُ: «إلَهُ العِبْرَانِيِّينَ تَجَلَّى لَنَا، فَدَعْنَا نَذهَبُ فِي رِحلَةٍ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ فِي البَرِّيَّةِ كَي نُقَدِّمَ ذَبَائِحَ لِيهوه إلَهِنَا، كَي لَا يَقْتُلَنَا بِالأمْرَاضِ وَالحُرُوبِ.» وَلَكِنَّ مَلِكَ مِصْرٍ قَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا، يَا مُوسَى وَهَارُونُ، تُعَطِّلَانِ الشَّعْبَ عَنِ القِيَامِ بِعَمَلِهِ؟ ارْجِعَا إلَى العَمَلِ.» وَقَالَ فِرْعَوْنُ: «شَعْبُ الأرْضِ كَثِيرُونَ، وَأنْتُمَا تَعُوقَانِهِمْ عَنِ القِيَامِ بِأعْمَالِهِمْ.» وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، أعْطَى فِرْعَوْنُ هَذَا الأمْرَ لِمُذَلِّلِي الشَّعْبِ وَالمُشْرِفِينَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَا تُعطُوا قَشًّا لِلشَّعْبِ لِصُنعِ الطُّوبِ فِيمَا بَعْدُ كَمَا فِي السَّابِقِ، بَلْ لِيَجُولُوا وَيَجْمَعُوا القَشَّ بِأنفُسِهِمْ. بَلِ افرِضُوا عَلَيْهِمْ تَقْدِيمَ كَمِّيَّةِ الطُّوبِ ذَاتِهَا الَّتِي كَانُوا يَصْنَعُونَهَا سَابِقًا. لَا تُقَلِّلُوا الكَمِّيَّةَ، لِأنَّهُمْ كَسَالَى، لِذَلِكَ فَهُمْ يَتَذَمَّرُونَ وَيَقُولُونَ: ‹اسْمَحْ لَنَا أنْ نَذهَبَ وَنُقَدِّمَ ذَبَائِحَ لِإلَهِنَا.› كَثِّرُوا العَمَلَ عَلَى الشَّعْبِ فَيَنْشَغِلُوا عَنِ الِاسْتِمَاعِ إلَى الكَلَامِ الفَارِغِ وَالخَادِعِ.» فَخَرَجَ مُذَلِّلو الشَّعْبِ وَالمُشرِفُونَ عَلَيْهِ وَقَالُوا لِلشَّعْبِ: «هَكَذَا يَقُولُ فِرْعَوْنُ: ‹لَنْ أُعْطِيَكُمْ قَشًّا.› فَاذهَبُوا وَاجْمَعُوا القَشَّ مِنْ أيِّ مَكَانٍ تَجِدُونَهُ. لَكِنَّ كَمِّيَّةَ الطُّوبِ المَطلُوبَةَ لَنْ تَنْقُصَ أبَدًا.» فَانتَشَرَ الشَّعْبُ فِي أنْحَاءِ مِصْرٍ لِيَجْمَعُوا القَشَّ. وَكَانَ المُذَلِّلونَ يَسْتَعْجِلُونَهُمْ وَيَقُولُونَ: «أنْجِزُوا العَمَلَ اليَوْمِيَّ المَطلُوبَ، كَمَا كُنْتُمْ حِينَ كَانَ القَشُّ يُعْطَى لَكُمْ.» لَكِنَّ المُشرِفِينَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ رِجَالُ فِرعَوْنَ عَلَى الشَّعْبِ، تَعَرَّضُوا للضَّرْبِ، وَسُئِلُوا: «لِمَاذَا لَمْ تُكمِلُوا حِصَّتَكُمْ مِنَ الطُّوبِ كَمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي المَاضِي؟» فَذَهَبَ المُشرِفُونَ إلَى فِرعَوْنَ وَاشتَكَوْا أمَامَهُ وَقَالُوا: «لِمَاذَا تُعَامِلُ عَبِيدَكَ هَكَذَا؟ فَمَعْ أنَّ القَشَّ لَا يُعْطَى لِخُدَّامِكَ، إلَّا أنَّ المُذَلِّلِينَ يَسْتَمِرُّونَ فِي طَلَبِ المِقدَارِ ذَاتِهِ مِنَ الطُّوبِ. هَا نَحْنُ خُدَّامَكَ نُضْرَبُ، وَأنْتَ تَظْلِمُ شَعْبَكَ.» فَأجَابَ فِرْعَوْنُ: «إنَّكُمْ كَسَالَى، وَلِهَذَا قُلْتُمْ: ‹لِنَذهَبْ وَنُقَدِّمْ ذَبَائِحَ للهِ .› وَالْآنَ عُودُوا إلَى العَمَلِ. القَشُّ لَنْ يُعْطَى لَكُمْ، وَيَنْبَغِي أنْ تُنْتِجُوا المِقدَارَ ذَاتَهُ مِنَ الطُّوبِ.» وَرَأى المُشرِفُونَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّهُمْ فِي مُشكِلَةٍ وَضِيقٍ حِينَ قِيلَ لَهُمْ: «لَا تُقَلِّلُوا مِنْ مِقدَارِ الطُّوبِ، بَلْ تُنتِجُونَ كُلَّ يَوْمٍ مَا كُنْتُمْ تُنتِجُونَهُ قَبلًا.» وَوَجَدَ المُشرِفُونَ مُوسَى وَهَارُونَ فِي انتِظَارِهِمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ عِندِ فِرعَوْنَ. فَقَالُوا لَهُمَا: «فَلْيَنْظُرِ اللهُ إلَيكُمَا وَيُعَاقِبْكُمَا لِأنَّكُمَا جَعَلْتُمَانَا مَبْغُوضِينَ لَدَى فِرعَوْنَ وَخُدَّامِهِ، وَقَدْ وَضَعتُمَا سَيفًا فِي يَدِهِمْ لِيَقْتُلُونَا.» وَعَادَ مُوسَى إلَى اللهِ ، وَقَالَ: «يَا رَبُّ، لِمَاذَا سَبَّبْتَ هَذِهِ الكَارِثَةَ لِهَذَا الشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أرسَلْتَنِي؟ فَمُنذُ أتَيتُ إلَى فِرعَوْنَ لِأتَكَلَّمَ بِاسْمِكَ، سَاءَتْ أُمُورُ هَذَا الشَّعْبِ. كَمَا أنَّكَ لَمْ تُنقِذْ شَعْبَكَ!» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «سَتَرَى مَا سَأفْعَلُهُ بِفِرْعَونَ، فَيُرسِلَهُمْ بِقُوَّتِهِ وَيُخْرِجَهُمْ مِنْ مِصْرٍ، مِنْ أرْضِهِ.» وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: «أنَا يهوه، ظَهَرْتُ لِإبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِصِفَتِي اللهَ الجَبَّارَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُونِي بِاسْمِي يهوه. وَقَدْ قَطَعْتُ عَهْدِي مَعَهُمْ وَوَعَدْتُ بِأنْ أُعْطِيَهُمْ أرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي كَانُوا يَعِيشُونَ بِهَا كَغُرَبَاءَ. «كَمَا سَمِعْتُ أنِينَ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ يُجبِرُهُمُ المِصْرِيُّونَ عَلَى العَمَلِ، وَتَذَكَّرْتُ عَهْدِي. لِذَلِكَ قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: ‹أنَا يهوه، وَسَأُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ أحمَالِ مِصْرٍ. سَأُنقِذُكُمْ مِنَ اسْتِعبَادِهِمْ لَكُمْ، وَسَأفدِيكُمْ بِذِرَاعٍ مَمدُودَةٍ وَبِأحكَامٍ عَظِيمَةٍ. سَأتَّخِذُكُمْ شَعْبًا لِي، وَسَأكُونُ إلَهَكُمْ. وَسَتَعْرِفُونَ أنِّي أنَا يهوه إلَهُكُمْ، وَسَتَرَوْنَ إنِّي سَأُحَرِّرُكُمْ مِنْ تَحْتِ أحْمَالِ المِصْرِيِّينِ. سَآتِي بِكُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي أقْسَمْتُ بِأنْ أُعْطِيَهَا لِإبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. أنَا يهوه، وَسَأُعْطِيهَا مِلْكًا لَكُمْ.›» فَتَكَلَّمَ مُوسَى بِهَذَا الكَلَامِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا لِمُوسَى بِسَبَبِ نَفَادِ صَبرِهِمْ، وَبِسَبَبِ الإحْبَاطِ وَالعُبُودِيَّةِ القَاسِيَةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا. وَتَكَلَّمَ اللهُ إلَى مُوسَى، فَقَالَ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِفِرعَونَ مَلِكِ مِصْرٍ بِأنْ يُطلِقَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِهِ.» لَكِنَّ مُوسَى قَالَ للهِ : «هَا إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا يَسْتَمِعُونَ إلَيَّ، فَكَيفَ سَيَسْتَمِعُ فِرْعَوْنُ؟ كَمَا أنِّي لَا أُحسِنُ الكَلَامَ.» وَتَكَلَّمَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ وَأمَرَهُمَا بِأنْ يَذْهَبَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَفِرعَونَ، لِيُخرِجَا بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ بُيُوتِ الآبَاءِ. أبْنَاءُ رَأُوبَيْنَ، بِكرِ إسْرَائِيلَ، هُمْ حَنُوكُ وَفَلُّو وَحَصرُونُ وَكَرْمِي. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ رَأُوبَيْنَ. وَأبْنَاءُ شِمعُونَ هُمْ يَمُوئِيلُ وَيَامِينُ وَأُوهَدُ وَيَاكِينُ وَصُوحَرُ وَشَاوُلُ ابْنُ المَرْأةِ الكَنعَانِيَّةِ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ شِمْعُونَ. وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ أبْنَاءِ لَاوِي بِحَسَبِ أجيَالِهِمْ: جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. وَعَاشَ لَاوِي مِئَةً وَسَبْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَابْنَا جَرْشُونَ هُمَا لِبْنِي وَشِمْعِي مَعَ عَشَائِرِهِمَا. وَأبْنَاءُ قَهَاتَ هُمْ عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيئِيلُ. وَعَاشَ قَهَاتُ مِئَةً وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَابْنَا مَرَارِي هُمَا مَحلِي وَمُوشِي. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ اللَّاوِيِّينَ حَسَبَ أجيَالِهِمْ. وَاتَّخَذَ عَمْرَامُ عَمَّتَهُ يُوكَابَدَ زَوْجَةً لَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ هَارُونَ وَمُوسَى. وَعَاشَ عَمْرَامُ مِئَةً وَسَبْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَأبْنَاءُ يِصْهَارَ هُمْ قُورَحُ وَنَافَجُ وَزِكْرِي. وَأبْنَاءُ عُزِّيئِيلَ هُمْ مِيشَائِيلُ وَألْصَافَانُ وَسِتْرِي. وَتَزَوَّجَ هَارُونُ مِنْ ألِيشَابَعَ ابْنَةِ عَمِّينَادَابَ أختِ نَحشُونَ، وَوَلَدَتْ لَهُ نَادَابَ وَأبِيهُو وَألِعَازَارَ وَإيثَامَارَ. وَأبْنَاءُ قُورَحَ هُمْ أسِّيرُ وَألْقَانَةُ وَأبِيَاسَافُ. وَهَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ القُورَحِيِّينَ. وَاتَّخَذَ ألِيعَازَارُ بْنُ هَارُونَ إحْدَى بَنَاتِ فُوطِيئِيلَ زَوْجَةً لَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ فِينْحَاسَ. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ بُيُوتِ آبَاءِ اللَّاوِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. هَذَانِ هُمَا هَارُونُ وَمُوسَى اللَّذَانِ قَالَ اللهُ لَهُمَا: «أخرِجَا بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ بِحَسَبِ صُفُوفِهِمْ.» وَهُمَا اللَّذَانِ تَكَلَّمَا إلَى فِرعَوْنَ مَلِكِ مِصْرٍ لِإخرَاجِ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ. هَذَانِ هُمَا مُوسَى وَهَارُونُ. حِينَ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى فِي أرْضِ مِصْرٍ، قَالَ لَهُ: «أنَا اللهُ . قُلْ لِفِرعَونَ مَلِكِ مِصْرٍ كُلَّ مَا أقُولُهُ لَكَ.» فَقَالَ مُوسَى فِي حَضْرَةِ اللهِ : «أنَا لَا أُجِيدُ الكَلَامَ، فَكَيفَ سَيَسْتَمِعُ فِرْعَوْنُ لِي؟» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «هَا قَدْ جَعَلْتُكَ كَإلَهٍ لِفِرعَونَ، وَأخُوكَ هَارُونُ سَيَكُونُ كَنَبِيٍّ لَكَ. تَكَلَّمْ أنْتَ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. وَهَارُونُ أخُوكَ سَيَقُولُ لِفِرعَونَ بِأنْ يُطلِقَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِهِ. لَكِنِّي سَأُقَسِّي قَلْبَ فِرعَوْنَ لِأُكَثِّرَ مُعجِزَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أرْضِ مِصْرٍ. لَكِنَّ فِرعَوْنَ لَنْ يَسْتَمِعَ لَكُمَا، وَلِذَا سَأمُدُّ يَدِي لِضَرْبِ مِصْرٍ، وَسَأُخرِجُ فِرَقِي، شَعْبِي، بَنِي إسْرَائِيلَ، مِنْ أرْضِ مِصْرٍ بِأحكَامٍ عَظِيمَةٍ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُ المِصْرِيُّونَ أنِّي أنَا اللهُ حِينَ أمُدُّ يَدِي ضِدَّ مِصْرٍ وَأُخرِجُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ بَينِهِمْ.» فَعَمِلَ مُوسَى وَهَارُونُ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ لَهُمَا. وَكَانَ مُوسَى فِي الثَّمَانِينَ مِنْ عُمْرِهِ، وَهَارُونُ فِي الثَّالِثَةِ وَالثَّمَانِينَ، حِينَ كَلَّمَا فِرعَوْنَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «حِينَ يَقُولُ فِرْعَوْنُ لَكُمَا: ‹اصنَعَا مُعجِزَةً،› قُلْ يَا مُوسَى لِهَارُونَ: ‹خُذْ عَصَاكَ وَارْمِهَا أمَامَ فِرعَوْنَ فَتَصِيرَ ثُعْبَانًا.›» فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إلَى فِرعَوْنَ وَفَعَلَا كَمَا أمَرَهُمَا اللهُ . وَلَمَّا رَمَى هَارُونُ عَصَاهُ أمَامَ فِرعَوْنَ وَحَاشِيَتِهِ، صَارَتْ ثُعْبَانًا. لَكِنَّ فِرعَوْنَ دَعَا حُكَمَاءَهُ وَسَحَرَتَهُ. فَفَعَلَ سَحَرَةُ مِصْرٍ الأمْرَ ذَاتَهُ بِسِحرِهِمْ. رَمَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَصَاهُ فَصَارَتِ العِصِيُّ ثَعَابِينَ. لَكِنَّ عَصَا هَارُونَ ابتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ. أمَّا قَلْبُ فِرعَوْنَ فَتَقَسَّى، وَلَمْ يَسْتَمِعْ إلَيْهِمَا، تَمَامًا كَمَا قَالَ اللهُ . وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قَلْبُ فِرعَوْنَ قَاسٍ، فَقَدْ رَفَضَ إطلَاقَ الشَّعْبِ. اذْهَبْ إلَى فِرعَوْنَ فِي الصَّبَاحِ حِينَ يَنْزِلُ إلَى المَاءِ. قَابِلْهُ عَلَى ضِفَّةِ النَّهرِ، وَالعَصَا الَّتِي تَحَوَّلَتْ إلَى ثُعْبَانٍ فِي يَدِكَ. وَقُلْ لَهُ: ‹إنَّ يهوه إلَهَ العِبرَانِيِّينَ أرْسَلَنِي إلَيكَ. وَهُوَ يَقُولُ لَكَ أطلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدَنِي فِي البَرِّيَّةِ. لَكِنَّكَ حَتَّى الآنَ تَرْفُضُ الِاسْتِمَاعَ. فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، وَبِهَذَا سَتَعْرِفُ أنِّي أنَا اللهُ : سَأضرِبُ بِالعَصَا الَّتِي فِي يَدِي مَاءَ نَهْرِ النِّيلِ فَيَتَحَوَّلُ إلَى دَمٍ. سَيَمُوتُ السَّمَكُ، وَتَصِيرُ رَائِحَةُ النَّهرِ كَرِيهَةً، فَلَا يَسْتَطِيعُ المِصْرِيُّونَ أنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ النِّيلِ.›» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ: ‹خُذْ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ فَوْقَ مِيَاهِ مِصْرٍ: أنهَارِهِا وَجَدَاوِلِهَا وَبِرَكِهَا، وَفَوقَ كُلِّ تَجَمُّعَاتِ المِيَاهِ حَتَّى تَصِيرَ دَمًا.› سَيَصِيرُ المَاءُ دَمًا فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ، حَتَّى المَاءُ المُخَزَّنُ فِي أوْعِيَةِ الخَشَبِ وَالحَجَرِ!» فَفَعَلَ مُوسَى وَهَارُونُ كَمَا أمَرَهُمَا اللهُ . فَرَفَعَ هَارُونُ العَصَا وَضَرَبَ بِهَا المَاءَ الَّذِي فِي نَهْرِ النِّيلِ أمَامَ فِرعَوْنَ وَخُدَّامِهِ، فَتَحَوَّلَتْ مِيَاهُ النِّيلِ إلَى دَمٍ، وَمَاتَ السَّمَكُ، وَصَارَتْ رَائِحَةُ النِّيلِ كَرِيهَةً، حَتَّى إنَّ المِصْرِيِّينَ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ. وَكَانَ الدَّمُ فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ. لَكِنَّ سَحَرَةَ مِصْرٍ عَمِلُوا الأمْرَ نَفْسَهُ بِسِحرِهِمْ، فَتَقَسَّى قَلْبُ فِرعَوْنَ وَلَمْ يَسْتَمِعْ إلَيْهِمَا، كَمَا سَبَقَ أنْ قَالَ اللهُ . وَعَادَ فِرْعَوْنُ إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ يَأْبَهْ لِلأمْرِ مُطْلَقًا. وَحَفَرَ كُلُّ المِصْرِيِّينَ آبَارًا حَوْلَ نَهْرِ النِّيلِ لِيَشْرَبُوا، لِأنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَطِيعُونَ الشُّربَ مِنْ مَاءِ النَّهرِ. وَمَرَّتْ سَبعَةُ أيَّامٍ بَعْدَ أنْ ضَرَبَ اللهُ نَهرَ النِّيلِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اذْهَبْ إلَى فِرعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : أطلِقْ شَعْبِي كَي يَعْبُدَنِي. فَإنْ رَفَضْتَ أنْ تُطلِقَهُمْ، سَأضرِبُ كُلَّ أرْضِكَ بِالضَّفَادِعِ. سَيَمْتَلِئُ النِّيلُ بِالضَّفَادِعِ. وَسَتَصْعَدُ الضَّفَادِعُ إلَى بَيْتِكَ وَغُرفَةِ نَومِكَ وَعَلَى سَرِيرِكَ وَإلَى بُيُوتِ خُدَّامِكَ، وَعَلَى شَعْبِكَ وَإلَى أفرَانِكَ وَآنِيَتِكَ. فَتَأْتِي الضَّفَادِعُ عَلَيكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى كُلِّ خُدَّامِكَ.›» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ: ‹مُدَّ يَدَكَ بِعَصَاكَ عَلَى الأنهَارِ وَالجَدَاوِلِ وَالبِرَكِ، وَأخرِجْ ضَفَادِعَ لِتَنْتَشِرَ عَلَى أرْضِ مِصْرٍ.›» فَمَدَّ هَارُونُ يَدَهُ عَلَى مِيَاهِ مِصْرٍ، فَخَرَجَتِ الضَّفَادِعُ وَغَطَّتْ أرْضَ مِصْرٍ. وَلَكِنَّ السَّحَرَةَ عَمِلُوا الأمْرَ ذَاتَهُ بِسِحرِهِمْ، وَأخرَجُوا ضَفَادِعَ عَلَى أرْضِ مِصْرٍ. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ لَهُمَا: «صَلِّيَا إلَى اللهِ أنْ يُزِيلَ الضَّفَادِعَ عَنِّي وَعَنْ شَعْبِي، حِينَئِذٍ، سَأُطلِقُ الشَّعْبَ لِيُقَدِّمُوا ذَبَائِحَ للهِ .» فَقَالَ مُوسَى لِفِرعَونَ: «أنْتَ تُقَرِّرُ مَتَى أُصَلِّي لِأجْلِكَ وَلِأجْلِ خُدَّامِكَ وَشَعْبِكَ لِإزَالَةِ الضَّفَادِعِ عَنْكَ وَعَنْ بُيُوتِكَ. لَكِنْ سَتَبْقَى الضَّفَادِعُ فِي النِّيلِ فَقَطْ.» فَقَالَ فِرْعَوْنُ: «غَدًا.» فَأجَابَ مُوسَى: «كَمَا تَقُولُ، كَي تَعْرِفَ أنَّهُ لَيسَ مِثْلَ يهوه إلَهِنَا. سَتَزُولُ الضَّفَادِعُ عَنْكَ وَعَنْ بُيُوتِكَ وَعَنْ خُدَّامِكَ وَعَنْ شَعْبِكَ، وَسَتَبْقَى فِي النِّيلِ.» فَخَرَجَ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ عِنْدِ فِرعَوْنَ. وَصَرَخَ مُوسَى إلَى اللهِ بِشَأنِ الضَّفَادِعِ الَّتِي أرْسَلَهَا اللهُ عَلَى فِرعَوْنَ. فَاسْتَجَابَ اللهُ لِمُوسَى. وَمَاتَتِ الضَّفَادِعُ فِي البُيُوتِ وَالسَّاحَاتِ وَالحُقُولِ. فَجُمِعَتْ فِي أكْوَامٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى صَارَتْ رَائِحَةُ الأرْضِ كَريهَةً جِدًّا. لَكِنْ حِينَ رَأى فِرْعَوْنُ أنَّهُ صَارَ هُنَاكَ فَرَجٌ، قَسَّى قَلْبَهُ، وَلَمْ يَسْتَمِعْ إلَيْهِمَا كَمَا قَالَ اللهُ . وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ: ‹مُدَّ عَصَاكَ وَاضْرِبْ تُرَابَ الأرْضِ فَيَصِيرَ قَمْلًا فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ.›» فَعَمِلَا بِحَسَبِ قَولِهِ. مَدَّ هَارُونُ عَصَاهُ بِيَدِهِ، وَضَرَبَ تُرَابَ الأرْضِ الَّذِي صَارَ قَمْلًا عَلَى النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ. كُلُّ تُرَابِ الأرْضِ صَارَ قَمْلًا فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ. وَحَاوَلَ السَّحَرَةُ أنْ يُخْرِجُوا القَمْلَ بِسِحْرِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا، بَلِ انتَشَرَ القَمْلُ عَلَى النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ. وَقَالَ السَّحَرَةُ: «هَذَا إصْبِعُ اللهِ.» لَكِنَّ فِرعَوْنَ تَقَسَّى قَلْبُهُ وَلَمْ يَسْتَمِعْ لَهُمْ كَمَا قَالَ اللهُ . وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اذْهَبْ وَقِفْ أمَامَ فِرعَوْنَ فِي الصَّبَاحِ حِينَ يَخْرُجُ إلَى المَاءِ، وَقُلْ لَهُ: ‹يَقُولُ اللهُ لَكَ أطلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدَنِي. فَإنْ لَمْ تُطلِقْ شَعْبِي، سَأُرْسِلُ أسرَابًا مِنَ الذُّبَابِ عَلَيكَ وَعَلَى خُدَّامِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بَيْتِكَ. سَتَمْتَلِئُ بُيُوتُ مِصْرٍ بِأسرَابِ الذُّبَابِ، وَكَذَلِكَ الأرْضُ الَّتِي تَسْكُنُهَا. لَكِنْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُمَيِّزُ أرْضَ جَاسَانَ حَيْثُ يُقِيمُ شَعْبِي، فَلَنْ تَأْتِيَ أسرَابُ الذُّبَابِ هُنَاكَ، كَي تَعْرِفَ أنِّي أنَا اللهُ المُتَسَيِّدُ فِي وَسَطِ هَذِهِ الأرْضِ. سَأُمَيِّزُ بَيْنَ شَعْبِي وَشَعْبِكَ، وَسَيحدُثُ هَذَا غَدًا بُرهَانًا لَكَ.›» وَاسْتَجَابَ اللهُ لِقَولِهِ، فَأتَتْ أسرَابٌ مِنَ الذُّبَابِ عَلَى بَيْتِ فِرعَوْنَ وَبُيُوتِ خُدَّامِهِ وَعَلَى كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ. وَخَرِبَتِ الأرْضُ بِسَبَبِ أسرَابِ الذُّبَابِ. حِينَئِذٍ، استَدْعَى فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ، وَقَالَ لَهُمَا: «قَدِّمُوا ذَبَائِحَ لِإلَهِكُمْ هُنَا فِي هَذِهِ الأرْضِ.» لَكِنَّ مُوسَى قَالَ: «لَا يَصْلُحُ أنْ نَفعَلَ هَذَا. لِأنَّنَا سَنَذْبَحُ مَا يُحَرِّمُهُ المِصْرِيُونَ. إنْ ذَبَحْنَا أمَامَ عُيُونِهِم مَا يُحَرِّمُونَ ذَبْحَهُ، سَيَرْجُمُونَنَا! لَا بُدَّ أنْ نَسِيرَ فِي رِحلَةٍ لِثَلَاثَةِ أيَّامٍ، وَنُقَدِّمَ هُنَاكَ الذَّبَائِحَ كَمَا أمَرَنَا.» فَقَالَ فِرْعَوْنُ: «سَأُطلِقُكُمْ لِتُقَدِّمُوا ذَبَائِحَ لِيهوه إلَهِكُمْ فِي البَرِّيَّةِ، لَكِنْ لَا تَبْتَعِدُوا! وَصَلِّيَا لِأجْلِي.» فَقَالَ مُوسَى: «فَوْرَ خُرُوجِي مِنْ عِنْدِكَ سَأُصَلِّي إلَى اللهِ ، فَتَزُولُ أسرَابُ الذُّبَابِ عَنْ فِرعَوْنَ وَخُدَّامِهِ وَشَعْبِهِ غَدًا. لَكِنْ أرْجُو مِنْ فِرعَوْنَ أنْ لَا يَخْدَعَنَا ثَانيَةً بِعَدَمِ إطلَاقِهِ لِلشَّعْبِ لِيُقَدِّمُوا ذَبَائِحَ للهِ .» وَخَرَجَ مُوسَى مِنْ مَحضَرِ فِرعَوْنَ وَصَلَّى إلَى اللهِ . وَاستَجَابَ اللهُ لِمُوسَى، فَأزَالَ أسرَابَ الذُّبَابِ عَنْ فِرعَوْنَ وَخُدَّامِهِ وَشَعْبِهِ، حَتَّى لَمْ تَبْقَ ذُبَابَةٌ وَاحِدَةٌ. لَكِنَّ فِرعَوْنَ قَسَّى قَلْبَهُ هَذِهِ المَرَّةَ أيْضًا، وَلَمْ يُطلِقِ الشَّعْبَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اذْهَبْ إلَى فِرعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ يهوه إلَهُ العِبرَانِيِّينَ: ‹أطلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدَنِي. فَإنْ رَفَضْتَ أنْ تُطلِقَهُمْ وَأطَلْتَ احتِجَازَهُمْ، فَإنَّ يَدَ اللهِ سَتَكُونُ ضِدَّ مَوَاشِيكَ الَّتِي فِي الحَقْلِ، ضِدَّ الخَيلِ وَالحَمِيرِ وَالجِمَالِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ، إذْ سَأضْرِبُهَا بِمَرَضٍ شَدِيدٍ. لَكِنَّ اللهَ سَيُمَيِّزُ بَيْنَ مَوَاشِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَمَوَاشِي مِصْرٍ، إذْ لَنْ يَمُوتَ رَأسٌ مِنْ مَوَاشِي بَنِي إسْرَائِيلَ. قَدْ حَدَّدَ اللهُ وَقْتًا فَقَالَ: غَدًا سَأفْعَلُ هَذَا الأمْرَ فِي الأرْضِ.›» وَقَدْ صَنَعَ اللهُ هَذَا الأمْرَ فِي اليَوْمِ التَّالِي، فَمَاتَتْ كُلُّ مَوَاشِي مِصْرٍ، لَكِنْ لَمْ يَمُتْ رَأسٌ مِنْ مَوَاشِي بَنِي إسْرَائِيلَ. لَكِنْ لَمَّا استَخْبَرَ فِرْعَوْنُ عَمَّا حَدَثَ، وَوَجَدَ أنَّهُ لَمْ يَمُتْ رَأسٌ وَاحِدٌ مِنْ مَوَاشِي بَنِي إسْرَائِيلَ، تَقَسَّى قَلْبُهُ وَلَمْ يَسْمَحْ بِإطلَاقِ الشَّعْبِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «خُذَا حَفْنَةً مِنْ رَمَادِ الفُرنِ، وَلْيَرْمِهَا مُوسَى بِاتِّجَاهِ السَّمَاءِ أمَامَ فِرعَوْنَ، فَيَصِيرَ الرَّمَادُ غُبَارًا عَلَى كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ، وَيُسَبِّبُ دَمَامِلَ مُتَقَيِّحَةً عَلَى النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ.» فَأخَذَا رَمَادًا مِنَ الفُرنِ وَوَقَفَا أمَامَ فِرعَوْنَ. وَرَمَاهُ مُوسَى نَحْوَ السَّمَاءِ، فَصَارَ دَمَامِلَ مُتَقَيِّحَةً عَلَى النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ. وَبِسَبَبِ الدَّمَامِلِ، لَمْ يَسْتَطِعِ السَّحَرَةُ أنْ يَقِفُوا أمَامَ مُوسَى لِيَتَحَدُّوهُ. لِأنَّ الدَّمَامِلَ كَانَتْ عَلَى السَّحَرَةِ وَعَلَى كُلِّ المِصْرِيِّينَ. لَكِنَّ اللهَ قَسَّى قَلْبَ فِرعَوْنَ، وَلَمْ يَسْتَمِعْ إلَيْهِمَا كَمَا قَالَ اللهُ لِمُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اذْهَبْ وَقِفْ أمَامَ فِرعَوْنَ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ وَقُلْ لَهُ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ يهوه إلَهُ العِبرَانِيِّينَ: ‹أطلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدَنِي. فَفِي هَذِهِ المَرَّةِ، سَأُرْسِلُ كُلَّ أوبَائِي الَّتِي سَتَكُونُ عِبئًا عَلَى قَلْبِكَ وَعَلَى وُزَرَائِكَ وَشَعْبِكَ، كَي تَعْرِفَ أنَّهُ لَيسَ هُنَاكَ مِثْلِي فِي الأرْضِ. لِأنِّي كُنْتُ أسْتَطِيعُ أنْ أمُدَّ يَدِي وَأضرِبَكَ وَأضرِبَ شَعْبَكَ بِالوَبَاءِ، فَتُقطَعُونَ مِنَ أرْضِكُمْ. لَكِنَّنِي أبقَيتُكَ لِأُظهِرَ لَكَ قُوَّتِي، وَلِكَي أجعَلَ اسْمِي مَعْرُوفًا فِي كُلِّ الأرْضِ. وَمَا زِلْتَ تُضَايِقُ شَعْبِي وَلَمْ تُطلِقْهُمْ. فِي الغَدِ، فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ، سَآتِي بِبَرَدٍ ضَخمٍ لَمْ يَأْتِ مِثْلُهُ عَلَى مِصْرٍ مِنْ وَقْتِ تَأْسِيسِهَا وَحَتَّى الآنَ. فَضَعُوا مَوَاشِيَكُمْ وَكُلَّ مَا لَكُمْ فِي الحَقْلِ فِي حَظَائِرَ مَسقُوفَةٍ. كُلُّ إنْسَانٍ أوْ حَيَوَانٍ فِي الحَقْلِ لَا يُؤتَى بِهِ إلَى الدَّاخِلِ سَيَمُوتُ حِينَ يَسْقُطُ البَرَدُ عَلَيْهِ.›» وَكُلُّ خَادِمٍ مِنْ خُدَّامِ فِرعَوْنَ، خَافَ كَلِمَةَ اللهِ ، أدخَلَ خُدَّامَهُ وَمَوَاشِيَهُ إلَى الدَّاخِلِ. لَكِنَّ الَّذِي تَجَاهَلَ كَلِمَةَ اللهِ تَرَكَ خُدَّامَهُ وَمَوَاشِيَهُ فِي الحَقْلِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ نَحْوَ السَّمَاءِ، لِيَأْتِيَ البَرَدُ عَلَى كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ، وَعَلَى النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ وَكُلِّ نَبَاتَاتِ الحَقْلِ فِي أرْضِ مِصْرٍ.» فَمَدَّ مُوسَى عَصَاهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَأرْسَلَ اللهُ رَعْدًا وَبَرْقًا وَبَرَدًا. أمطَرَ اللهُ بَرَدًا عَلَى الأرْضِ. كَانَ هُنَاكَ بَرَدٌ مَعَ بَرْقٍ بِشَكلٍ مُسْتَمِرٍّ. كَانَ شَدِيدًا جِدًّا وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُهُ فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ مُنْذُ أنْ سَكَنَهَا البَشَرُ. وَضَرَبَ البَرَدُ كُلَّ مَا فِي الحَقْلِ مِنَ النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ. وَضَرَبَ البَرَدُ كُلَّ النَّبَاتَاتِ الَّتِي فِي الحَقْلِ وَحَطَّمَ كُلَّ أشْجَارِ الحَقْلِ. لَكِنْ عَلَى أرْضِ جَاسَانَ، لَمْ يَأْتِ بَرَدٌ. وَهِيَ الأرْضُ الَّتِي سَكَنَهَا بَنُو إسْرَائِيلَ. وَاستَدْعَى فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ لَهُمَا: «قَدْ أخْطَأتُ هَذِهِ المَرَّةَ. اللهُ هُوَ المُحِقُّ، وَأنَا وَشَعْبِي مُخْطِئونَ. صَلِّيَا للهِ ، يَكْفِي مَا نِلْنَاهُ مِنْ رَعْدٍ وَبَرَدٍ. سَأُطلِقُكُمْ، وَلَنْ تَضْطَرُّوا لِلبَقَاءِ أكْثَرَ.» فَقَالَ مُوسَى لَهُ: «حِينَ أخْرُجُ مِنَ المَدِينَةِ سأرْفَعُ يَدَيَّ للهِ ، فَيَتَوَقَّفُ الرَّعْدُ وَلَا يَبْقَى بَرَدٌ، كَي تَعْرِفَ أنَّ الأرْضَ للهِ . أمَّا أنْتَ وَخُدَّامُكَ، فَأنَا أعْرِفُ أنَّكُمْ لَا تَخَافُونَ .» وَكَانَ قَدْ تَلِفَ الكِتَّانُ وَالشَّعِيرُ. لِأنَّ الكِتَّانَ كَانَ قَدِ اخْضَرَّ، وَالشَّعِيرَ أنبَتَ سَنَابِلَهُ. أمَّا حُبُوبُ القَمْحِ وَالعَلَسِ فَلَمْ تَتْلَفْ، لِأنَّهَا تَنْضِجُ فِي وَقْتٍ مُتَأخِّرٍ. وَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِ فِرعَوْنَ وَمِنَ المَدِينَةِ وَرَفَعَ يَدَهُ إلَى اللهِ وَصَلَّى، فَتَوَقَّفَ الرَّعْدُ وَالبَرْقُ، وَلَمْ يَعُدِ المَطَرُ يَنْسَكِبُ عَلَى الأرْضِ. وَحِينَ رَأى فِرْعَوْنُ أنَّ المَطَرَ وَالبَرَدَ وَالرَّعْدَ قَدْ تَوَقَّفَتْ، أخطَأ ثَانِيَةً، وَقَسَّى هُوَ وَخُدَّامُهُ قُلُوبَهُمْ. فَتَقَسَّى قَلْبُ فِرعَوْنَ وَلَمْ يُطلِقْ بَنِي إسْرَائِيلَ، كَمَا سَبَقَ أنْ قَالَ اللهُ عَلَى فَمِ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اذهَبْ إلَى فِرعَوْنَ لِأنِّي قَسَّيتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ خُدَّامِهِ كَي أُظهِرَ مُعجِزَاتِي فِي وَسَطِهِمْ، وَلِكَي تُخبِرَ أوْلَادَكَ وَأحفَادَكَ بِمَا عَمِلْتُهُ بِالمِصْرِيِّينَ، وَتُخبِرَهُمْ بِالمُعجِزَاتِ الَّتِي عَمِلْتُهَا، فَتَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» فَأتَى مُوسَى وَهَارُونُ إلَى فِرعَوْنَ وَقَالَا لَهُ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ يهوه إلَهُ العِبرَانِيِّينَ: ‹حَتَّى مَتَى تَرْفُضُ أنْ تَتَوَاضَعَ أمَامِي؟ أطلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدَنِي. فَإنْ رَفَضْتَ، سَآتِي بِالجَرَادِ عَلَى بَلَدِكَ وَأرْضِكَ فِي الغَدِ، فَيُغَطِّي سَطحَ الأرْضِ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أحَدٌ أنْ يَرَى الأرْضَ. وَسَيَأْكُلُ الجَرَادُ مَا تَبَقَّى لَكُمْ بَعْدَ ضَربَةِ البَرَدِ. سَيَأْكُلُ كُلَّ أشْجَارِكُمُ النَّابِتَةِ فِي الحَقْلِ. بَلْ سَتَمْتَلِئُ بِهِ بُيُوتُكَ وَبُيُوتُ خُدَّامِكَ وَبَيَوْتُ كُلِّ المِصْرِيِّينَ. وَسَتَرَى أنْتَ مَا لَمْ يَرَهُ آبَاؤُكَ وَأجدَادُكَ مُنْذُ أنْ وُجِدُوا عَلَى الأرْضِ إلَى اليَوْمِ!›» ثُمَّ اسْتَدَارَ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ فِرعَوْنَ. فَقَالَ خُدَّامُ فِرعَوْنَ لَهُ: «إلَى مَتَى سَيَبْقَى هَذَا الرَّجُلُ فَخًّا لَنَا؟ أطلِقِ الرِّجَالَ لِيَعْبُدُوا . ألَا تَرَى أنَّ مِصْرًا قَدْ خَرِبَتْ؟» فَاسْتُدْعِيَ مُوسَى وَهَارُونُ إلَى فِرعَوْنَ، فَقَالَ لَهُمَا: «اذْهَبُوا وَاعْبُدُوا . لَكِنْ، مَنِ الَّذِينَ سَيَذْهَبُونَ؟» فَقَالَ مُوسَى: «سَنَذْهَبُ جَمِيعًا مَعَ شُبَّانِنَا وَشُيُوخِنَا وَأبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا وَغَنَمِنَا وَبَقَرِنَا، لِأنَّ لَدَينَا عِيدًا للهِ لِنَحتَفِلَ بِهِ.» فَقَالَ فِرْعَوْنُ سَاخِرًا: «يَكُونُ اللهُ مَعَكُمْ بِالفِعْلِ إذَا أطلَقْتُ أوْلَادَكُمْ مَعَكُمْ! أنْتُمَا تُخْفِيَانِ خُطَّةً شِرِّيرَةً. يُمْكِنُ لِلرِّجَالِ فَقَطْ أنْ يَذْهَبُوا وَيَعْبُدُوا اللهَ ، لِأنَّ هَذَا مَا تُرِيدَانِهِ.» ثُمَّ طَرَدَهُمَا فِرْعَوْنُ مِنْ أمَامِهِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ عَلَى أرْضِ مِصْرٍ لَيأتِيَ الجَرَادُ عَلَى أرْضِ مِصْرٍ وَيَأْكُلَ كُلَّ عُشْبٍ أخضَرَ فِي الأرْضِ تَرَكَهُ البَرَدُ.» فَمَدَّ مُوسَى عَصَاهُ عَلَى أرْضِ مِصْرٍ، فَسَاقَ اللهُ رِيحًا شَرقِيَّةً عَلَى الأرْضِ طِيلَةَ النَّهَارِ وَاللَّيلِ. وَحِينَ جَاءَ الصَّبَاحُ، سَاقَتِ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ الجَرَادَ. أتَى الجَرَادُ عَلَى كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ وَاستَقَرَّ فِيهَا. كَانَتِ المَأسَاةُ عَظِيمَةً، إذْ لَمْ يَأْتِ جَرَادٌ كَهَذَا مِنْ قَبْلُ، وَلَنْ يَأْتِيَ. فَقَدْ غَطَّى الجَرَادُ سَطحَ الأرْضِ، حَتَّى سَادَتِ الظُّلْمَةُ. وَأكَلَ كُلَّ نَبَاتٍ فِي الأرْضِ وَكُلَّ ثِمَارِ الأشْجَارِ الَّتِي بَقِيَتْ بَعْدَ ضَرْبَةِ البَرَدِ. لَمْ يَتَبَقَّ شَيءٌ أخضَرُ بَيْنَ الأشْجَارِ وَالنَّبَاتَاتِ فِي أرْضِ مِصْرٍ. فَأسرَعَ فِرْعَوْنُ بِاسْتِدعَاءِ مُوسَى وَهَارُونَ، وَقَالَ: «أخْطَأتُ إلَى يهوه إلَهِكُمَا وَإلَيكُمَا. وَالْآنَ، اغفِرَا خَطِيَّتِي هَذِهِ المَرَّةَ، وَصَلِّيَا إلَى يهوه إلَهِكُمَا أنْ يُزِيلَ عَنِّي هَذَا المَوْتَ.» فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِ فِرعَوْنَ وَصَلَّى إلَى اللهِ . فَأرْسَلَ اللهُ رِيحًا غَربِيَّةً قَوِيَّةً حَمَلَتِ الجَرَادَ وَألقَتْهُ فِي البَحْرِ الأحْمَرِ، حَتَّى لَمْ تَبْقَ جَرَادَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أرْضِ مِصْرٍ. لَكِنَّ اللهَ قَسَّى قَلْبَ فِرعَوْنَ كَي لَا يُطلِقَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ نَحْوَ السَّمَاءِ لِيَأْتِيَ ظَلَامٌ عَلَى أرْضِ مِصْرٍ، حَتَّى إنَّهُ يَكَادُ أنْ يُلْمَسَ لِشِدَّتِهِ!» فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَحلَّ ظَلَامٌ شَدِيدٌ عَلَى أرْضِ مِصْرٍ لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ، حَتَّى لَمْ يَعُدْ أحَدٌ يَقْدِرُ أنْ يَرَى الآخَرَ. وَلَمْ يَقُمْ أحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ لِثَلَاثَةِ أيَّامٍ. وَأمَّا بَنُو إسْرَائِيلَ فَكَانَ لَدَيهِمْ نُورٌ فِي بُيُوتِهِمْ. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: «اذْهَبُوا وَاخْدِمُوا اللهَ ، لكِنْ تَبْقَى غَنَمُكُمْ وَبَقَرُكُمْ. وَيُمكِنُ لِأوْلَادِكُمْ أيْضًا أنْ يَذْهَبُوا مَعَكُمْ.» فَقَالَ مُوسَى: «بَلْ أنْتَ أيْضًا سَتُعطِيَنَا قَرَابيِنَ وَذَبَائِحَ لِنَذْبَحَ . وَمَوَاشِينَا تَذْهَبُ مَعَنَا، فَلَا يَبْقَى مِنْهَا رَأسٌ وَاحِدٌ، لِأنَّنَا سَنَذْبَحُ مِنْهَا أثَنَاءَ عِبَادَةِ . وَلَا نَعْرِفُ مَاذَا سَنَذْبَحُ للهِ بِالتَّحْدِيدِ حَتَّى نَصِلَ إلَى هُنَاكَ.» لَكِنَّ اللهَ قَسَّى قَلْبَ فِرعَوْنَ، وَلَمْ يُرِدْ أنْ يُطلِقَهُمْ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى: «ابْتَعِدْ عَنِّي! احذَرْ! لَا تَرَنِي ثَانِيَةً، فَحِينَ تَرَانِي سَتَمُوتُ.» وَقَالَ مُوسَى: «كَمَا قُلْتَ بِالفِعْلِ، لَنْ أرَاكَ ثَانِيَةً.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «سَآتِي بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أُخْرَى عَلَى فِرعَوْنَ وَعَلَى مِصْرٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَيُطلِقُكُمْ مِنْ هُنَا. وَحِينَ يُطلِقُكُمْ، فَإنَّهُ سَيَطْرُدُكُمْ طَرْدًا. «قُلْ لِلشَّعْبِ أنْ يَطْلُبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ جَارِهِ، وَكُلُّ امْرأةٍ مِنْ جَارَتِهَا، أدَوَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ.» وَجَعَلَ اللهُ المِصْرِيِّينَ كُرَمَاءَ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَكَانَ الرَّجُلُ مُوسَى عَظِيمًا جِدًّا فِي أرْضِ مِصْرٍ، فِي عُيُونِ خُدَّامِ فِرعَوْنَ وَالشَّعْبِ. وَقَالَ مُوسَى: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹قُرْبَ مُنْتَصَفِ اللَّيلِ، سَأخرُجُ إلَى وَسَطِ مِصْرٍ، فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ فِي أرْضِ مِصْرٍ، ابْتِدَاءً بِابْنِ فِرعَوْنَ الجَالِسِ عَلَى عَرشِهِ، حَتَّى بِكْرِ الجَارِيَةِ الجَالِسَةِ خَلفَ حَجَرِ الرَّحَى، وَكُلِّ بِكرٍ مِنَ الحَيَوَانَاتِ. سَيَكُونُ هُنَاكَ نُواحٌ عَظِيمٌ فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرٍ لَمْ يَأْتِ مِثْلُهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَنْ يَأْتِيَ. أمَّا وَسَطَ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ وَلَا حَتَّى كَلبٌ لِيَنْبَحَ وَسَطَ النَّاسِ أوِ الحَيَوَانَاتِ، لِيَعْرِفُوا أنَّ اللهَ يُمَيِّزُ بَيْنَ المِصْرِيِّينَ وَالإسْرَائِيلِيِّينَ. كُلُّ خُدَّامِكَ هَؤُلَاءِ سَيَأْتُونَ إلَيَّ وَسَيَرْكَعُونَ لِي وَيَقُولُونَ: اخْرُجْ أنْتَ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي يَتْبَعُكَ. حِينَئِذٍ، سَأخرُجُ.›» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «لَنْ يَسْتَمِعَ فِرْعَوْنُ لَكَ كَي أزِيدَ مُعجِزَاتِي فِي أرْضِ مِصْرٍ.» فَعَمِلَ مُوسَى وَهَارُونُ كُلَّ هَذِهِ المُعجِزَاتِ أمَامَ فِرعَوْنَ. لَكِنَّ اللهَ قَسَّى قَلْبَهُ كَي لَا يُطلِقَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِهِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ فِي أرْضِ مِصْرٍ: «سَيَكُونُ هَذَا الشَّهْرُ أوَّلَ شَهرٍ لَكُمْ. وَسَيَكُونُ الشَّهْرَ الأوَّلَ مِنَ السَّنَةِ. كَلِّمَا كُلَّ جَمَاعَةِ إسْرَائِيلَ وَقُولَا لَهُمْ: فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، عَلَى كُلِّ رَجُلٍ أنْ يُخَصِّصَ حَمَلًا لِعَائِلَتِهِ. وَإنْ كَانَتِ العَائِلَةُ صَغِيرَةً، فَلْيَشْتَرِكْ هُوَ وَجَارُهُ بِحَمَلٍ وَاحِدٍ لِعَائِلَتَيهِمَا، بِحَسَبِ عَدَدِ أفرَادِ العَائِلَتَينِ. احسِبُوا عَدَدَ الآكِلِينَ مِنَ الحَمَلِ. «يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ الحَمَلُ ذَكَرًا سَلِيمًا مِنَ العُيُوبِ، عُمْرُهُ سَنَةٌ. وَيُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مِنَ الغَنَمِ أوِ المَاعِزِ. احتَفِظُوا بِهِ إلَى اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ. حِينَئِذٍ، عَلَى جَمَاعَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَذْبَحُوهُ فِي المَسَاءِ، ثُمَّ يَأْخُذُوا مِنَ الدَّمِ وَيَضَعُوهُ عَلَى قَائِمَتَيِّ البَابِ، وَعَلَى عَتَبَتِهِ العُليَا، فِي البُيُوتِ الَّتِي سَيَأْكُلُونَ فِيهَا الحَمَلَ. «وَيَأْكُلُونَ اللَّحمَ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ مَشوِيًّا عَلَى النَّارِ مَعَ خُبْزٍ غَيرِ مُختَمِرٍ وَأعشَابٍ مُرَّةٍ. لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ نَيِّئًا أوْ مَسلُوقًا فِي المَاءِ، بَلْ مَشوِيًّا عَلَى النَّارِ مَعَ رَأسِهِ وِسِيقَانِهِ وَأحشَائِهِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَلَا تُبقُوا شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى الصَّبَاحِ. كُلُّ مَا يَتَبَقَّى مِنْهُ تُحرِقُونَهُ بِالنَّارِ. «هَكَذَا تَأْكُلُونَهُ: تَكُونُ أوسَاطُكُمْ مَشدُودَةً، وَتَرْتَدُونَ أحذِيَتَكُمْ فِي أرجُلِكُمْ، وَتَحْمِلُونَ عِصِيَّكُمْ فِي أيدِيكُمْ. تَأْكُلُونَهُ بِسُرعَةٍ، فَهُوَ فِصحٌ للهِ . «وَأنَا سَأجْتَازُ فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ عَبْرَ أرْضِ مِصْرٍ وَأقتُلُ كُلَّ الأبْكَارِ فِي أرْضِ مِصْرٍ مِنَ النَّاسِ وَالبَهَائِمِ. سَأحْكُمُ عَلَى آلِهَةِ مِصْرٍ، أنَا الإلَهَ الحَقِيقِيَّ، يهوه. «سَيَكُونُ الدَّمُ عَلَامَةً لَكُمْ عَلَى البُيُوتِ الَّتِي أنْتُمْ فِيهَا. فَأرَى الدَّمَ وَأعْبُرُ عَنْكُمْ. لَنْ تَأْتِيَ عَلَيكُمْ ضَربَةٌ حِينَ أضْرِبُ أرْضَ مِصْرٍ. سَيَكُونُ هَذَا اليَوْمُ ذِكْرَى لَكُمْ تَحْتَفِلُونَ بِهِ عِيدًا للهِ . احْفَظُوا هَذَا العِيدَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ كَعَادَةٍ دَائِمَةٍ. لِمُدَّةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ، تَأْكُلُونَ خُبْزًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ. فِي اليَوْمِ الأوَّلِ، تُخْرِجُونَ الخَمِيرَةَ مِنْ بُيُوتِكُمْ، لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَأْكُلُ خُبْزًا مُخْتَمِرًا مِنَ اليَوْمِ الأوَّلِ وَحَتَّى السَّابِعِ، يُقْطَعُ مِنْ إسْرَائِيلَ. «فِي اليَوْمِ الأوَّلِ، تَعْقِدُونَ تَجَمُّعًا مَهِيبًا. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، تَعْقِدُونَ تَجَمُّعًا مَهِيبًا آخَرَ. لَا يَنْبَغِي أنْ تَنْشَغِلُوا بِأيِّ عَمَلٍ فِي هَذَينِ اليَوْمَينِ، عَدَا مَا يَعْمَلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ لِإعْدَادِ طَعَامِهِ. «احْفَظُوا عِيدَ الخُبْزِ غَيرِ المُخْتَمِرِ، لِأنِّي فِي هَذَا اليَوْمِ سَأُخْرِجُ صُفُوفَ إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. احْفَظُوا هَذَا العِيدَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ كَعَادَةٍ دَائِمَةٍ. مِنَ اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ وَحَتَّى مَسَاءِ اليَوْمِ الحَادِي وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، تَأْكُلُونَ خُبْزًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ. لَا تُبقُوا خَمِيرًا فِي بُيُوتِكُمْ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. فَأيُّ إنْسَانٍ، سَوَاءٌ أكَانَ غَرِيبًا أمْ مِنْ مَوَالِيدِ الأرْضِ، يَأْكُلُ شَيْئًا فِيهِ خَمِيرَةٌ، يُقْطَعُ مِنْ شَعْبِ إسْرَائِيلَ. فَلَا تَأْكُلُوا أيَّ شَيءٍ فِيهِ خَمِيرَةٌ، بَلْ كُلُوا خُبْزًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ فِي كُلِّ مَسَاكِنِكُمْ.» وَاستَدْعَى مُوسَى كُلَّ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: «اختَارُوا حَمَلًا لِعَائِلَاتِكُمْ وَاذبَحُوهُ كَحَمَلٍ لِلفِصحِ. وَخُذُوا بَاقَةً مِنْ نَبَاتِ الزُّوفَا وَاغمِسُوهَا فِي حَوضِ الدَّمِ، ثُمَّ اصبِغُوا بِالدَّمِ العَتَبَةَ العُليَا وَالعَارِضَتَينِ اليُمْنَى وَاليُسْرَى لِأبْوَابِ بُيُوتِكُمْ. وَلَا تَخْرُجُوا مِنْ أبْوَابِ بُيُوتِكُمْ حَتَّى الصَّبَاحِ. حِينَ يَعْبُرُ اللهُ لِيَضْرِبَ أرْضَ مِصْرٍ، فَإنَّهُ سَيَرَى الدَّمَ عَلَى العَتَبَةِ العُليَا وَالقَائِمَتَينِ، فَيَتَجَاوَزُ اللهُ ذَلِكَ البَابَ وَلَا يَسْمَحُ لِلمَلَاكِ المُهلِكِ بِالدُّخُولِ إلَى بُيُوتِكُمْ لِيَقْتُلَ أوْلَادَكَمْ. «احْفَظُوا هَذَا الأمْرَ كَعَادَةٍ دَائِمَةٍ لَكُمْ وَلِأوْلَادِكُمْ. وَحِينَ تَأْتُونَ إلَى الأرْضِ الَّتِي سَيُعْطِيهَا اللهُ لَكُمْ كَمَا وَعَدَ، تَحْفَظُونَ هَذِهِ الفَرِيضَةَ. «وَحِينَ يَسْألُ أوْلَادُكُمْ: ‹مَا مَعنَى هَذَا العِيدِ؟› قُولُوا: ‹إنَّهَا ذَبِيحَةُ فِصْحِ اللهِ الَّذِي تَجَاوَزَ بُيُوتَ بَنِي إسْرَائِيلَ حِينَ ضَرَبَ مِصْرٍ، لَكِنَّهُ أنقَذَ بُيُوتَنَا.›» حِينَئِذٍ، رَكَعَ الشَّعْبُ وَعَبَدُوا اللهَ. وَذَهَبَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَعَمِلُوا كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى وَهَارُونَ. وَعِنْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيلِ، ضَرَبَ اللهُ الأبْكَارَ فِي أرْضِ مِصْرٍ، مِنْ بِكرِ فِرعَوْنَ الجَالِسِ عَلَى عَرشِهِ إلَى بِكرِ السُّجَنَاءِ إلَى أبْكَارِ الحَيَوَانَاتِ. وَسَهِرَ فِرْعَوْنُ وَخُدَّامُهُ وَكُلُّ مِصْرٍ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ نُواحٌ شَدِيدٌ فِي مِصْرٍ، لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بَيتٌ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَيِّتٌ. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ تِلْكَ اللَّيلَةَ وَقَالَ لَهُمَا: «قُومُوا وَاخرُجُوا مِنْ وَسَطِ شَعْبِي، أنْتُمَا وَبَنُو إسْرَائِيلَ. اذْهَبُوا وَاخْدِمُوا اللهَ كَمَا قُلْتُمْ. خُذُوا غَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ كَمَا قُلْتُمْ. اذْهَبُوا، وَبَارِكُونِي.» وَحَثَّ المِصْرِيُّونَ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى الإسرَاعِ فِي الخُرُوجِ مِنَ الأرْضِ، لِأنَّهُمْ قَالُوا: «سَنَمُوتُ جَمِيعًا!» وَأخَذَ الشَّعْبُ عَجِينَهُمْ قَبْلَ أنْ يَخْتَمِرَ. وَهُمْ يَصُرُّونَ أوعِيَةَ العَجِينِ فِي ثِيَابِهِمْ، وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى أكتَافِهِمْ. وَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ مَا قَالَهُ مُوسَى لَهُمْ، فَطَلَبُوا فِضَّةً وَذَهَبًا وَثِيَابًا مِنَ المِصْرِيِّينَ. وَجَعَلَ اللهُ المِصْرِيِّينَ كُرَمَاءَ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَأعطَاهُمُ المِصْرِيُّونَ مَا طَلَبُوهُ. وَبِهَذَا أخَذَ بَنُو إسْرَائِيلَ ثَرْوَةً مِنَ المِصْرِيِّينَ. وَرَحَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ مَدِينَةِ رَعَمْسِيسَ إلَى مَدِينَةِ سُكُّوتَ. كَانَ هُنَاكَ نَحْوُ سِتِّ مِئَةِ ألْفِ رَجُلٍ عَدَا الأطْفَالِ. وَخَرَجَتْ مَعَهُمْ جَمَاعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ غَيرِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَكَذَلِكَ الكَثِيرُ مِنَ الغَنَمِ وَالبَقَرِ. وَخَبَزُوا العَجِينَ الَّذِي أخرَجُوهُ مِنْ مِصْرٍ وَعَمِلُوا مِنْهُ خُبْزًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ لِأنَّهُمْ طُرِدُوا مِنْ مِصْرٍ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَتَأخَّرُوا لِإعدَادِ الطَّعَامِ. وَسَكَنَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي أرْضِ مِصْرٍ أرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَبَعْدَ أرْبَعِ مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، خَرَجَتْ كُلُّ صُفُوفِ شَعْبِ اللهِ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. كَانَتْ لَيلَةً سَهِرَ اللهُ فِيهَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ لِيُخرِجَهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، وَلِذَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يُخَصِّصُوا «لَيلَةَ سَهَرٍ» للهِ ، لِيَتَذَكَّرُوا إلَى الأبَدِ مَا عَمِلَهُ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ عِيدِ الفِصْحِ: لَا يَجُوزُ لِأجنَبِيٍّ أنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَبِيحَةِ الفِصْحِ. أمَّا العَبدُ المُشْتَرَى بِالمَالِ، فَبَعدَ خِتَانِهِ يُمْكِنُ أنْ يَأْكُلَ مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ لِلزَّائِرِ أوْ لِلأجيرِ أنْ يَأْكُلَ مِنْهُ. «يَنْبَغِي أنْ يُؤكَلَ الفِصْحُ فِي بَيتٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَجُوزُ إخرَاجُ أيِّ شَيءٍ مِنَ اللَّحمِ إلَى خَارِجِ البَيْتِ. وَلَا تَكْسِرُوا عَظمًا وَاحِدًا مِنْ عِظَامِهِ. عَلَى كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَعْمَلُوا هَذَا. وَإنْ أرَادَ غَرِيبٌ يَسْكُنُ مَعَكُمْ أنْ يَحْفَظَ عِيدَ الفِصْحِ للهِ ، ينبَغِي خِتَانُ كُلِّ ذُكُورِهِ، حِينَئِذٍ، يُمكِنُهُ أنْ يَشْتَرِكَ فِي احتِفَالِ الفِصْحِ هُوَ وَعَائِلَتُهُ. فَيَكُونُ الغَرِيبُ حِينَئِذٍ كَالمُولُودِ فِي الأرْضِ. وَلَا يَجُوزُ لِأحَدٍ غَيرِ مَختُونٍ أنْ يَأْكُلَ مِنْهُ. هَذِهِ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ لِلمُواطِنِ المَولُودِ فِي الأرْضِ، وَلِلغَرِيبِ المُقِيمِ بَيْنَكُمْ.» وَعَمِلَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ لِمُوسَى وَهَارُونَ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، أخْرَجَ اللهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ بِحَسَبِ صُفُوفِهِمْ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «خَصِّصُوا لِي كُلَّ بِكرٍ. كُلُّ أوَّلِ مَولُودٍ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ مِنَ النَّاسِ وَالبَهَائِمِ هُوَ لِي.» وَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «تَذَكَّرُوا هَذَا اليَوْمَ حِينَ خَرَجتُمْ مِنْ مِصْرٍ، مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ. لِأنَّ اللهَ أخْرَجَكُمْ بِقُوَّةِ يَدِهِ مِنْ هُنَاكَ. فَلَا تَأْكُلُوا أيَّ شَيءٍ فِيهِ خَمِيرَةٌ. أنْتُمْ تَخْرُجُونَ اليَوْمَ فِي شَهرِ أبِيبَ. حِينَ يُحضِرُكُمُ اللهُ إلَى أرْضِ الكَنعَانِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ، الَّتِي أقْسَمَ اللهُ لِآبَائِكُمْ بِأنْ يُعطِيَهَا لَكُمْ، أرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، جَهِّزُوا خِدْمَةَ الخُبْزِ غَيرِ المُخْتَمِرِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ. «تَأكُلُونَ خُبْزًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ، وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ يَكُونُ هُنَاكَ احتِفَالٌ للهِ . لَا تَأْكُلُوا خُبْزًا بِخَمِيرٍ خِلَالَ هَذِهِ الأيَّامِ السَّبعَةِ. وَلَا يَكُنْ فِي بَيْتِكَ وَلَا فِي كُلِّ أرْضِكَ طَعَامٌ فِيهِ خَمِيرَةٌ. وَتَقُولُ لِابْنِكَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ: ‹هَذَا العِيدُ تِذْكَارٌ لِمَا صَنَعَهُ اللهُ لَنَا حِينَ خَرَجْنَا مِنْ مِصْرٍ.› «سَيَكُونُ هَذَا العيدُ كَعَلَامَةٍ عَلَى يَدِكَ، وَكَعُصَابَةٍ تَعْقُدُهَا بَيْنَ عَيْنَيْكَ. فَتَكُونُ شَرِيعَةُ اللهِ فِي فَمِكَ، لِأنِّي أخرَجْتُكَ مِنْ مِصْرٍ بِقُوَّةِ يَدِي. فَحَافِظْ عَلَى هَذَا العِيدِ فِي مَوْعِدِهِ المُحَدَّدِ كُلَّ سَنَةٍ. «وَحِينَ يُحضِرُكَ اللهُ إلَى أرْضِ الكَنعَانِيِّينَ الَّتِي أقْسَمَ بِأنْ يُعطِيَهَا لَكَ وَلآبَائِكَ، خَصِّصْ للهِ كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ أوَّلِ مَولُودٍ. جَمِيعُ أوَائِلِ المَوَالِيدِ الذُّكُورِ مِنْ حَيَوَانَاتِكَ تَكُونُ للهِ . تَفْدِي كُلَّ بِكرِ حِمَارٍ بِخَرُوفٍ. وَإنْ لَمْ تَفْتَدِهِ تَكْسِرْ عُنْقَهُ. يَنْبَغِي أنْ تَفْدِيَ كُلَّ أبْكَارِكَ. «وَحِينَ يَسألُكَ ابْنُكَ فِي المُسْتَقْبَلِ: ‹مَا هَذَا؟› قُلْ لَهُ: ‹أخرَجَنَا اللهُ بِقُوَّةِ ذِرَاعِهِ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ. لَكِنْ حِينَ رَفَضَ فِرْعَوْنُ بِعِنَادِهِ أنْ يُطلِقَنَا، قَتَلَ اللهُ جَمِيعَ الأبْكَارِ فِي أرْضِ مِصْرٍ. قَتَلَ أبكَارَ النَّاسِ وَأبكَارَ الحَيَوَانَاتِ. لِذَلِكَ أنَا أذبَحُ للهِ جَمِيعَ الأبْكَارِ الذُّكورِ، أوَّلَ المَوَالِيدِ مِنَ الحَيَوَانَاتِ، وَهَكَذَا أفْدِي كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أبْنَائِي.› سَيَكُونُ هَذَا العيدُ كَعَلَامَةٍ عَلَى يَدِكَ، وَكَعُصَابَةٍ تَعْقُدُهَا بَيْنَ عَيْنَيْكَ. لِأنَّ اللهَ أخرَجَنَا بِقُوَّةِ يَدِهِ مِنْ مِصْرٍ.» وَحِينَ أطلَقَ فِرْعَوْنُ الشَّعْبَ، لَمْ يَقُدْهُمُ اللهُ فِي الطَّرِيقِ إلَى أرْضِ الفِلِسْطِيِّينَ، مَعَ أنَّهَا كَانَتْ أقْرَبَ، لِأنَّ اللهَ قَالَ: «كَي لَا يُغَيِّرَ الشَّعْبُ رَأيَهُمْ حِينَ يَرَوْنَ الحَرْبَ فَيَعُودُوا إلَى مِصْرٍ.» فَأدَارَ اللهُ الشَّعْبَ إلَى طَرِيقِ بَرِّيَّةِ البَحْرِ الأحْمَرِ. وَخَرَجَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ مُسْتَعِدِّينَ لِلحَرْبِ. فَأخَذَ مُوسَى عِظَامَ يُوسُفَ مَعَهُ، لِأنَّ يُوسُفَ كَانَ قَدِ اسْتَحْلَفَ أبْنَاءَ إسْرَائِيلَ، قَالَ: «مِنَ المُؤَكَّدِ أنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ، فَخُذُوا عِظَامِي حِينَئِذٍ مِنْ هُنَا.» وَارتَحَلُوا مِنْ مَدِينَةِ سُكُّوتَ وَخَيَّمُوا فِي مَدِينَةِ إيثَامَ فِي طَرَفِ الصَّحْرَاءِ. وَكَانَ اللهُ يَسِيرُ أمَامَهُمْ فِي النَّهَارِ فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَقُودَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَفِي اللَّيلِ فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُنِيرَ لَهُمْ لِيَسْتَطِيعُوا أنْ يَرْتَحِلُوا فِي النَّهَارِ وَاللَّيلِ. وَبَقِيَ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا وَعَمُودُ النَّارِ لَيلًا أمَامَ الشَّعْبِ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَعُودُوا وَيُخَيِّمُوا أمَامَ فَمِ الحِيرُوثِ، بَيْنَ مَجْدَلَ وَالبَحرِ، أمَامَ بَعلَ صَفُونَ. خَيِّمُوا أمَامَهُ بِجَانِبِ البَحْرِ. فَيَقُولُ فِرْعَوْنُ: ‹إنَّهُمْ تَائِهُونَ فِي الأرْضِ، وَقَدْ حُبِسُوا فِي الصَّحرَاءِ.› وَسَأُقَسِّي قَلْبَ فِرعَوْنَ فَيَتْبَعَهُمْ. وَسَأتَمَجَّدُ مِنْ خِلَالِ فِرعَوْنَ وَقُوَّاتِهِ، لِيَعْرِفَ المِصْرِيُّونَ أنِّي أنَا الإلَهُ الحَقِيقِيُّ.» فَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ ذَلِكَ. وَحِينَ عَلِمَ مَلِكُ مِصْرٍ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ قَدْ هَرَبُوا، تَغَيَّرَ رَأيُهُ هُوَ وَخُدَّامُهُ بِشَأنِهِمْ، وَقَالُوا: «مَا الَّذِي عَمِلْنَاهُ بِإطلَاقِ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ خِدمَتِنَا؟» فَجَهَّزَ فِرْعَوْنُ عَرَبَتَهُ وَأخَذَ جَيْشَهُ مَعَهُ. أخَذَ فِرْعَوْنُ سِتَّ مِئَةٍ مِنْ أفْضَلِ جُنُودِهِ، مَعَ جَمِيعِ عَرَبَاتِ الحَرْبِ. كُلُّ عَرَبَةٍ يَقودُهَا جُنْدِيٌ وَاحِدٌ. خَرَجَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأيدِيهِمْ مَرْفُوعَةٌ بِانتِصَارٍ. لَكِنَّ اللهَ قَسَّى قَلْبَ فِرعَوْنَ مَلِكِ مِصْرٍ، فَلَحِقَ بِهِمْ. لَحِقَ المِصْرِيُّونَ بِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَوَصَلُوا إلَيْهِمْ وَهُمْ مُخَيِّمُونَ بِجَانِبِ البَحْرِ. وَصَلَتْ جَمِيعُ خُيُولِ فِرعَوْنَ وَعَرَبَاتِهِ وَرُكَّابِهَا، كُلُّ جَيْشِهِ، إلَى حَيْثُ كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ عِنْدَ فَمِ الحِيرُوثِ أمَامَ بَعلِ صَفُونَ. وَحِينَ اقْتَرَبَ فِرْعَوْنُ، رَفَعَ بَنُو إسْرَائِيلَ عُيُونَهُمْ وَرَأوْا المِصْرِيِّينَ وَرَاءَهُمْ، فَخَافَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَصَرَخُوا إلَى اللهِ . وَقَالَ الشَّعْبُ لِمُوسَى: «هَلْ أحضَرْتَنَا إلَى هُنَا لِنَمُوتَ فِي الصَّحرَاءِ، لِأنَّهُ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ قُبُورٌ فِي مِصْرٍ؟ لِمَاذَا صَنَعتَ هَذَا بِنَا وَأخرَجْتَنَا مِنْ مِصْرٍ؟ ألَيسَ هَذَا مَا قُلْنَاهُ لَكَ فِي مِصْرٍ: ‹دَعْنَا وَشَأنَنَا فَنَخْدِمَ المِصْرِيِّينَ.› نُفَضِّلُ أنْ نَخدِمَ فِي مِصْرٍ عَلَى أنْ نَمُوتَ فِي الصَّحْرَاءِ!» فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «لَا تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلَاصَ اللهِ الَّذِي سَيَصْنَعُهُ لَكُمُ اليَوْمَ. قَدْ رَأيْتُمُ المِصْرِيِّينَ اليَوْمَ، لَكِنْ لَنْ تَرَوْهُمْ ثَانِيَةً. سَيُحَارِبُ اللهُ عَنْكُمْ، وَأنْتُمْ صَامِتُونَ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «لِمَاذَا تَصْرُخُ إلَيَّ؟ أخبِرْ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَسْتَمِرُّوا فِي الِارتِحَالِ. ارفَعْ عَصَاكَ الآنَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى البَحْرِ وَشُقَّهُ، لِيَتَمَكَّنَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنَ السَّيرِ عَبْرَ البَحْرِ إلَى أرْضٍ يَابِسَةٍ. سَأُقَسِّي قُلُوبَ المِصْرِيِّينَ لِيَتْبَعُوهُمْ. سَأتَمَجَّدُ بِفِرعَونَ وَبِكُلِّ جَيْشِهِ وَبِعَرَبَاتِهِ وَبِفُرسَانِهِ. وَسَيَعْرِفُ المِصْرِيُّونَ أنِّي أنَا اللهُ حِينَ أتَمَجَّدُ بِفِرعَونَ وَمَركِبَاتِهِ وَفُرسَانِهِ.» وَانتَقَلَ مَلَاكُ اللهِ الَّذِي كَانَ يَسِيرُ أمَامَهُمُ وَسَارَ خَلفَهُمْ. فَانتَقَلَ عَمُودُ السَّحَابِ مِنْ أمَامِهِمْ وَوَقَفَ خَلفَهُمْ. فَوَقَفَ بَيْنَ مُخَيَّمِ المِصْرِيِّينَ وَمُخَيَّمِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَكَانَ هُنَاكَ سَحَابٌ وَظُلمَةٌ. وَقَدْ أضَاءَ السَّحَابُ اللَّيلَ. وَلَمْ يَقْتَرِبْ أيٌّ مِنَ الفَرِيقَينِ إلَى الآخَرِ طِيلَةَ اللَّيلِ. وَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى البَحْرِ، فَأزَاحَ اللهُ البَحْرَ إلَى الخَلفِ بِرِيحٍ شَرقِيَّةٍ قَوِيَّةٍ طَوَالَ اللَّيلِ، وَحَوَّلَ البَحْرَ إلَى أرْضٍ يَابِسَةٍ، إذْ شَقَّ المِيَاهَ نِصْفَينِ. فَسَارَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ البَحْرِ عَلَى أرْضٍ يَابِسَةٍ. وَصَارَتِ المِيَاهُ جِدَارًا لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ. فَتَبِعَهُمُ المِصْرِيُّونَ، وَتَبِعَتْهُمْ جَمِيعُ خُيُولِ فِرعَوْنَ وَعَرَبَاتِهِ وَفُرسَانِهِ فِي وَسَطِ البَحْرِ. وَقُربَ الصُّبحِ، نَظَرَ اللهُ مِنْ خِلَالِ النَّارِ وَالسَّحَابِ إلَى مُخَيَّمِ المِصْرِيِّينَ، فَأفْزَعَهُمْ. وَعَطَّلَ عَجَلَاتِ عَرَبَاتِ فِرعَوْنَ، فَسَاقُوهَا بِصُعُوبَةٍ. فَقَالَ المِصْرِيُّونَ: «لِنَهْرُبْ مِنْ أمَامِ إسْرَائِيلَ، لِأنَّ اللهَ يُحَارِبُ مِصْرًا عَنْهُمْ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ عَلَى البَحْرِ لِتَعُودَ المِيَاهُ عَلَى المِصْرِيِّينَ وَعَرَبَاتِهِمْ وَفُرسَانِهِمْ.» فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى البَحْرِ، فَعَادَتِ المِيَاهُ كَمَا كَانَتْ، بَيْنَمَا المِصْرِيُّونَ يَهْرُبُونَ، فَغَطَّتْهُمُ المِيَاهُ. فأغْرَقَ اللهُ المِصْرِيِّينَ فِي البَحْرِ. وَرَجِعَتِ المِيَاهُ وَأغرَقَتْ عَرَبَاتِ وَفُرسَانَ جَيْشِ فِرعَوْنَ الَّذِي تَبِعَهُمْ فِي البَحْرِ. وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أحَدٌ. وَأمَّا بَنُو إسْرَائِيلَ فَسَارُوا عَلَى أرْضٍ جَافَّةٍ فِي وَسَطِ البَحْرِ، وَكَانَتِ المِيَاهُ جِدَارًا لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ خَلَّصَ اللهُ إسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ المِصْرِيِّينَ. وَرَأى بَنُو إسْرَائِيلَ المِصْرِيِّينَ مَوْتَى عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ. رَأى بَنُو إسْرَائِيلَ العَمَلَ العَظِيمَ الَّذِي عَمِلَهُ اللهُ ضِدَّ المِصْرِيِّينَ، وَخَافَ الشَّعْبُ اللهَ ، وَوَضَعُوا ثِقَتَهُمْ بِهِ وَبِمُوسَى خَادِمِهِ. حِينَئِذٍ، رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إسْرَائِيلَ هَذِهِ التَّرنِيمَةَ للهِ : «سَأُرَنِّمُ للهِ لِأنَّهُ تَمَجَّدَ جِدًّا. ألقَى بِالفَرَسِ وَرَاكِبِهِ إلَى البَحْرِ. يه هُوَ قُوَّتِي وَتَسْبِيحِي. هُوَ صَارَ خَلَاصِي. هَذَا هُوَ إلَهِي وَسَأُسَبِّحُهُ، إلَهُ آبَائِي وَسَأُمَجِّدُهُ. اللهُ مُحَارِبٌ، يهوه اسْمُهُ. ألقَى بِعَرَبَاتِ فِرعَوْنَ وَجَيْشِهِ إلَى البَحْرِ، وَأفضَلُ ضُبَّاطِهِ غَرِقُوا فِي البَحْرِ الأحْمَرِ. غَطَّتْهُمُ الأمْوَاجُ. نَزَلُوا إلَى الأعمَاقِ مِثْلَ حَجَرٍ. «يَا اللهُ ، يَدُكَ اليُمْنَى مَجِيدَةٌ فِي قُوَّتِهَا، يَا اللهُ ، يَدُكَ اليُمْنَى تُفَتِّتُ العَدُوَّ. فِي عَظَمَةِ جَلَالِكَ، طَرَحْتَ الَّذِينَ قَامُوا عَلَيكَ. أرسَلْتَ غَضَبَكَ المُشتَعِلَ فَالتَهَمْتَهُمْ كَالتِّبْنِ. نَفخَةُ أنفِكَ كَوَّمَتِ المِيَاهَ عَلَى الجَانِبَينِ. وَالأعمَاقُ تَجَمَّدَتْ فِي قَلْبِ البَحْرِ. «قَالَ العَدُوُّ: ‹سَألحَقُ بِهِمْ، سأُمْسِكُ بِهِمْ، سَأُقَسِّمُ الغَنِيمَةَ. سَتُشبَعُ نَفْسِي مِنْهُمْ. سَأُخرِجُ سَيفِي مِنْ غِمدِهِ، وَيَدِي سَتُحَطِّمُهُمْ.› لَكِنَّكَ نَفَخْتَ عَلَيْهِمْ، فَغَطَّاهُمُ البَحْرُ. غَرِقُوا كَالرَّصَاصِ فِي مِيَاهِ البَحْرِ. «مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا اللهُ ؟ مَنْ مِثْلُكَ فِي جَلَالِ قَدَاسَتِكِ، وَفِي هَيبَةِ قُدْرَتِكَ، يَا صَانِعَ العَجَائِبِ؟ مَدَدْتَ يَدَكَ اليُمْنَى فَابْتَلَعَتْهُمُ الأرْضُ، أرشَدْتَ فِي مَحَبَّتِكَ هَذَا الشَّعْبَ الَّذِي فَدَيتَهُ، وَقُدْتَهُمْ إلَى مَسْكَنِكَ المُقَدَّسِ. سَمِعَتِ الشُّعُوبُ فَارتَعَبَتْ. تَمَلَّكَ الرُّعبُ الفِلِسْطِيِّينَ. رُؤَسَاءُ أدُومَ مُرتَعِبُونَ. ارْتَعَشَ قَادَةُ مُوآبَ. ذَابَ كُلُّ سُكَّانِ كَنْعَانَ مِنَ الخَوفِ. وَقَعَ الرُّعبُ وَالخَوفُ عَلَيْهِمْ. وَبِسَبَبِ عَظَمَةِ قُوَّتِكَ، صَارُوا كَالحَجَرِ صَامِتِينَ، إلَى أنْ عَبَرَ شَعْبُكَ الَّذِي افتَدَيتَهُ يَا اللهُ . سَتُحضِرُهُمْ وَتَزْرَعُهُمْ عَلَى جَبَلِ مِيرَاثِكَ، المَكَانِ الَّذِي جَعَلْتَهُ مَسْكَنَكَ يَا اللهُ ، المَكَانِ المُقَدَّسِ الَّذِي أسَّسَتهُ يَدَاكَ، يَا رَبُّ. اللهُ يَمْلُكُ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ.» لِأنَّهُ حِينَ دَخَلَتْ خُيُولُ فِرعَوْنَ وَعَرَبَاتُهُ وَفُرسَانُهُ إلَى البَحْرِ، أعَادَ اللهُ مِيَاهَ البَحْرِ عَلَيْهِمْ. وَأمَّا بَنُو إسْرَائِيلَ فَسَارُوا عَلَى أرْضٍ يَابِسَةٍ فِي وَسَطِ البَحْرِ. وَأمسَكَتْ مَريَمُ النَّبِيَّةُ، أُختُ هَارُونَ، بِالدُّفِّ فِي يَدِهَا، وَخَرَجَتْ كُلُّ النِّسَاءِ خَلفَهَا بِالدُّفُوفِ وَالرَّقصِ. وَغَنَّتْ مَريَمُ: «أُرَنِّمُ للهِ لِأنَّهُ تَمَجَّدَ جِدًّا. ألقَى بِالفَرَسِ وَرَاكِبِهِ إلَى البَحْرِ.» وَقَادَ مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ مِنَ البَحْرِ الأحْمَرِ، وَسَارُوا إلَى صَحْرَاءِ شُورٍ. سَارُوا ثَلَاثَةَ أيَّامٍ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ غَيْرِ أنْ يَجِدُوا مَاءً. وَحِينَ أتَوْا إلَى مِنْطَقَةِ مَارَّةَ، لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَشْرَبُوا المَاءَ الَّذِي كَانَ فِيهَا لِأنَّهُ كَانَ مُرًّا. لِذَلِكَ سُمِّيَتْ تِلْكَ المِنْطَقَةُ «مَارَّةَ.» وَتَذَمَّرَ الشَّعْبُ عَلَى مُوسَى وَقَالُوا: «مَاذَا سَنَشرَبُ؟» فَصَرَخَ مُوسَى إلَى اللهِ ، فَأرَاهُ اللهُ شَجَرَةً، فَطَرَحَهَا مُوسَى إلَى المَاءِ، فَصَارَ المَاءُ عَذْبًا. فَهُنَاكَ أسَّسَ اللهُ فَرِيضَةً وَوَصِيَّةً لِمُوسَى، وَهُنَاكَ امتَحَنَهُ. فَقَالَ لَهُ: «إنْ أطَعتَ وَعَمِلْتَ الصَّوَابَ أمَامَهُ، وَاستَمَعْتَ لِوَصَايَاهُ وَحَفِظتَ فَرَائِضَهُ، فَإنِّي لَنْ أضَعَ عَلَيكَ أيَّ مَرَضٍ مِنَ الأمْرَاضِ الَّتِي وَضَعْتُهَا عَلَى مِصْرٍ، لِأنِّي أنَا ‹يهوه شَافِيكَ.› » وَوَصَلُوا إلَى إيلِيمَ، حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ اثْنَا عَشَرَ نَبْعًا وَسَبْعُونَ نَخلَةً. فَخَيَّمُوا هُنَاكَ بِجَانِبِ المَاءِ. وَارْتَحَلُوا مِنْ إيلِيمَ، وَأتَى كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى صَحْرَاءِ سِينَ، الوَاقِعَةِ بَيْنَ إيلِيمَ وَسِينَاءَ. كَانَ ذَلِكَ فِي اليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي بَعْدَ الخُرُوجِ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. وَتَذَمَّرَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ فِي الصَّحْرَاءِ. وَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ لَهُمَا: «يَا لَيتَنَا مِتْنَا بِيَدِ اللهِ فِي أرْضِ مِصْرٍ، حَيْثُ كُنَّا نَجلِسُ بِجَانِبِ قُدُورِ اللَّحمِ، وَنَأكُلُ خُبْزًا إلَى الشَّبَعِ. قَدْ أحضَرْتُمَانَا إلَى هَذِهِ الصَّحْرَاءِ لِتَقْتُلَا الشَّعْبَ بِالجُوعِ.» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «سَأُمطِرُ خُبْزًا عَلَيكُمْ مِنَ السَّمَاءِ. وَسَيَخْرُجُ الشَّعْبُ مِنْ بُيُوتِهِمْ لِيَجْمَعُوا حَاجَةَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، لِأمتَحِنَهُمْ وَأرَى إنْ كَانُوا يُطِيعُونَ شَرِيعَتِي أمْ لَا. وَفِي اليَوْمِ السَّادِسِ، عِنْدَمَا يُجَهِّزُونَ طَعَامَهُمْ، سَيَجِدُونَ أنَّ لَدَيْهِمْ ضِعْفَ مَا يَجْمَعُونَهُ فِي أيِّ يَوْمٍ آخَرَ.» وَقَالَ مُوسَى وَهَارُونُ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ: «فِي المَسَاءِ سَتُدْرِكُونَ أنَّ اللهَ أخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. وَفِي الصَّبَاحِ سَتَرَوْنَ مَجْدَ اللهَ لِأنَّهُ سَمِعَ تَذَمُّرَكُمْ عَلَيْهِ. وَأمَّا نَحْنُ فَمَنْ نَكُونُ كَي تَتَذَمَّرُوا عَلَينَا؟» وَقَالَ مُوسَى: «سَيُعطِيكُمُ اللهُ لَحْمًا لِتَأْكُلُوا فِي المَسَاءِ، وَخُبْزًا فِي الصَّبَاحِ لِتَشْبَعُوا، لِأنَّ اللهَ سَمِعَ تَذَمُّرَكُمُ الَّذِي تَتَذَمَّرُونَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأمَّا نَحْنُ فَمَنْ نَكُونُ؟ تَذَمُّرُكُمْ لَيسَ عَلَينَا بَلْ عَلَى اللهِ .» وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «قُلْ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ: ‹اقتَرِبُوا إلَى اللهِ فَقَدْ سَمِعَ تَذَمُّرَكُمْ.›» وَحِينَ كَلَّمَ هَارُونُ كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ، التَفَتُوا نَحْوَ الصَّحْرَاءِ فَرَأوْا مَجْدَ اللهِ ظَاهِرًا فِي السَّحَابِ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «قَدْ سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إسْرَائِيلَ. قُلْ لَهُمْ: ‹فِي المَسَاءِ سَتَأْكُلُونَ لَحْمًا، وَفِي الصَّبَاحِ سَتَشْبَعُونَ مِنَ الخُبْزِ، كَي تَعْرِفُوا أنِّي أنَا .›» وَفِي المَسَاءِ أتَتْ طُيُورُ السَّلوَى وَغَطَّتِ المُخَيَّمَ. وَفِي الصَّبَاحِ، كَانَتْ هُنَاكَ طَبَقَةٌ مِنَ النَّدَى حَوْلَ المُخَيَّمِ. وَحِينَ اختَفَتْ طَبَقَةُ النَّدَى، ظَهَرَتْ طَبَقَةٌ رَقِيقَةٌ مِنَ الجَلِيدِ عَلَى الأرْضِ. فَحِينَ رَأى بَنُو إسْرَائِيلَ هَذَا الشِّيءَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَا هَذَا؟» لِأنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مَا هُوَ. فَقَالَ مُوسَى لَهُمْ: «إنَّهُ الخُبْزُ الَّذِي أعطَاهُ اللهُ لَكُمْ لِتَأْكُلُوهُ. فَهَذَا هُوَ مَا أمَرَ بِهِ اللهُ : ‹لِيَجْمَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مَا يَسْتَطِيعُ أكْلَهُ. اجْمَعُوا مِلْءَ سَلَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ، بِحَسَبِ عَدَدِ الأفْرَادِ الَّذِينَ فِي خَيْمَتِهِ.›» فَعَمِلَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ هَذَا الكَلَامِ، فَجَمَعَ بَعْضُهُمُ الكَثِيرَ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمُ القَلِيلَ. وَحِينَ قَاسُوا كَمِّيَّاتِ الطَّعَامِ بِالسِّلَالِ، وَجَدُوا أنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا كَثِيرًا لَمْ يَفِيضُوا عَنْ حَاجَتِهِمْ، وَالَّذِينَ جَمَعُوا قَلِيلًا لَمْ يَنْقُصْهُمْ شَيءٌ. فَقَدْ جَمَعَ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ احْتِيَاجِهِ. وَقَالَ مُوسَى لَهُمْ: «لَا تُبقُوا مِنْهُ شَيْئًا إلَى الصَّبَاحِ.» لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا لِمُوسَى، فَتَرَكَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنْهُ إلَى الصَّبَاحِ، فَظَهَرَ فِيهِ دُودٌ وَأنتَنَ. حِينَئِذٍ، غَضِبَ مُوسَى عَلَيْهِمْ. وَفِي كُلِّ صَبَاحٍ، كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجْمَعُ بِحَسَبِ قُدرَتِهِ عَلَى الأكْلِ. وَحِينَ كَانَتِ حَرَارَةُ الشَّمْسِ تَزِيدُ، يَذُوبُ الطَّعَامُ. وَكَانُوا فِي اليَوْمِ السَّادِسِ يَجْمَعُونَ ضِعفَ الكَمِّيَّةِ المُعتَادَةِ، مِلْءَ سَلَّتَينِ لِكُلِّ فَردٍ. فَجَاءَ كُلُّ رُؤَسَاءِ الشَّعْبِ وَأخبَرُوا مُوسَى. فَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا مَا أمَرَ اللهُ بِهِ: ‹غَدًا هُوَ السَّبتُ، يَوْمُ رَاحَةٍ مُقَدَّسَةٍ للهِ . اخبِزُوا قَدْرَ مَا تُرِيدُونَ، وَاسلِقُوا قَدْرَ مَا تُرِيدُونَ، وَاحتَفِظُوا بِمَا يَتَبَقَّى إلَى الصَّبَاحِ.›» فَاحْتَفَظُوا بِهِ حَتَّى الصَّبَاحِ كَمَا أمَرَ مُوسَى، وَلَمْ يُنْتِنْ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دُودٌ. وَقَالَ مُوسَى: «كُلُوهُ اليَوْمَ، لِأنَّ اليَوْمَ سَبتٌ للهِ . لَنْ تَجِدُوهُ اليَوْمَ فِي الحَقْلِ. تَجْمَعُونَهُ سِتَّةَ أيَّامٍ، لَكِنْ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ، يَوْمِ السَّبْتِ، لَنْ تَجِدُوهُ.» وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ خَرَجَ بَعْضُ النَّاسِ لِيَجْمَعُوا المَنَّ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «إلَى مَتَى تَرْفُضُونَ إطَاعَةَ وَصَايَايَ وَشَرَائِعِي؟ هَا إنَّ اللهَ أعطَاكُمُ السَّبتَ، وَلِهَذَا فَهُوَ يُعطِيكُمْ طَعَامًا لِيَوْمَينِ فِي اليَوْمِ السَّادِسِ. عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أنْ يَبْقَى فِي البَيْتِ. لَا يَخْرُجْ أحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ.» فَاسْتَرَاحَ الشَّعْبُ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ. وَسَمَّى بَنُو إسْرَائِيلَ ذَلِكَ الطَّعَامَ «المَنَّ.» وَهُوَ يُشْبِهُ بُذُورَ الكُزبَرَةِ، وَلَونُهُ أبْيَضُ، وَطَعمُهُ كَكَعكٍ بِالعَسَلِ. وَقَالَ مُوسَى: «هَذَا مَا أمَرَ اللهُ بِهِ: ‹احْتَفِظُوا بِمِلءِ سَلَّةٍ مِنَ المَنِّ لِأجْلِ أجيَالِكُمْ فِي المُسْتَقْبَلِ، لِكَي يَرَوْا الخُبْزَ الَّذِي أعْطَيْتُهُ لَكُمْ لِتَأْكُلُوهُ فِي الصَّحْرَاءِ حِينَ أخرَجتُكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ.›» وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «خُذْ مِلءَ سَلَّةٍ مِنَ المَنِّ، وَضَعْهُ فِي حَضْرَةِ اللهِ لِلِاحتِفَاظِ بِهِ لِأجيَالِكُمْ فِي المُسْتَقْبَلِ.» فَوَضَعَهُ هَارُونُ أمَامَ صُنْدُوقِ الشَّهَادَةِ لِحِفْظِهِ كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَأكَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ المَنَّ لِأرْبَعِينَ سَنَةً، إلَى أنْ جَاءُوا إلَى أرْضٍ مَسْكُونَةٍ. أكَلُوا المَنَّ إلَى أنْ أتَوْا إلَى حُدُودِ أرْضِ كَنْعَانَ. وَكَانَ حَجْمُ السَّلَّةِ نَحْوَ عُشْرِ القُفَّةِ. وَسَافَرَ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ صَحْرَاءِ سِينٍ عَلَى مَرَاحِلَ، كَمَا قَالَ اللهُ لَهُمْ. وَخَيَّمُوا فِي مِنْطَقَةِ رَفِيدِيمَ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَاءٌ لِيَشْرَبُوا. فَتَجَادَلَ الشَّعْبُ مَعَ مُوسَى، وَقَالُوا لَهُ: «أعْطِنَا مَاءً لِنَشرَبَ.» فَقَالَ مُوسَى لَهُمْ: «لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ صَبرَ اللهِ ؟» لَكِنَّهُمْ عَطِشُوا وَتَذَمَّرُوا عَلَى مُوسَى وَقَالُوا: «لِمَاذَا أخرَجْتَنَا مِنْ مِصْرٍ، لِتَقْتُلَنَا نَحْنُ وَأوْلَادَنَا وَمَاشِيَتَنَا بِالعَطَشِ؟» فَصَرَخَ مُوسَى إلَى اللهِ وَقَالَ: «مَاذَا أفْعَلُ بِهَذَا الشَّعْبِ؟ إنَّهُمْ يَكَادُونَ يَرْجُمُونَنِي.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «مُرَّ مِنْ أمَامِ الشَّعْبِ، وَخُذْ مَعَكَ بَعْضَ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ. وَخُذْ بِيَدِكَ عَصَاكَ الَّتِي ضَرَبْتَ بِهَا نَهْرَ النِّيلَ، وَاذْهَبْ. سَأقِفُ أمَامَكَ هُنَاكَ عَلَى صَخرَةِ حُورِيبَ. فَحِينَ تَضْرِبُ الصَّخرَةَ، سَيَخْرُجُ مِنْهَا مَاءٌ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ.» فَفَعَلَ مُوسَى ذَلِكَ أمَامَ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ. وَدَعَا المَكَانَ بِاسْمِ «مَسَّةَ وَمَرِيبَةَ» بِسَبَبِ مُخَاصَمَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ للهِ وَبِسَبَبِ تَجْرِبَتِهِمْ لِصَبرِهِ، إذْ قَالُوا: «لِنَرَ إنْ كَانَ يهوه فِي وَسَطِنَا أمْ لَا؟» وَأتَتْ قَبِيلَةُ عَمَالِيقَ لِمُحَارَبَةِ إسْرَائِيلَ فِي رَفِيدِيمَ. فَقَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ: «اختَرْ رِجَالًا، وَاخرُجْ حَارِبْ قَبِيلَةَ عَمَالِيقَ. وَسَأقِفُ أنَا غَدًا عَلَى قِمَّةِ التَّلَّةِ وَعَصَا اللهِ فِي يَدِي.» فَعَمِلَ يَشُوعُ كَمَا قَالَ مُوسَى لَهُ، فَحَارَبَ قَبِيلَةَ عَمَالِيقَ. وَصَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَحُورٌ إلَى قِمَّةِ التَّلَّةِ. وَحِينَ كَانَ مُوسَى يَرْفَعُ يَدَيهِ، كَانَ إسْرَائِيلُ يَنْتَصِرُ. وَحِينَ كَانَ يُنْزِلُ يَدَيهِ، كَانَ عَمَالِيقُ يَنْتَصِرُ. وَحِينَ تَعِبَتْ يَدَا مُوسَى، أخَذَ هَارُونُ وَحُورٌ حَجَرًا وَوَضَعَاهُ تَحْتَهُ. فَجَلَسَ مُوسَى عَلَى الحَجَرِ. وَأسْنَدَ هَارُونُ وَحُورٌ يَدَيهِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةٍ. فَظَلَّتْ يَدَاهُ ثَابِتَتَينِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَهَزَمَ يَشُوعُ عَمَالِيقَ وَشَعْبَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اكتُبْ هَذَا لِلذِّكرَى فِي كِتَابٍ، وَقُلْ عَلَى مَسمَعِ يَشُوعَ: ‹سَأُلَاشِي كُلَّ أثَرٍ لِقَبِيلَةِ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ.›» وَبَنَى مُوسَى مَذْبَحًا، وَدَعَاهُ «يهوه رَايَتِي.» وَقَالَ: «أرفَعُ يَدَيَّ نَحْوَ عَرْشِ اللهِ وَأُقْسِمُ: سَيُحَارِبُ اللهُ قَبِيلَةَ عَمَالِيقَ إلَى الأبَدِ.» وَسَمِعَ يَثْرُونُ كَاهِنُ مِديَانَ، حَمُو مُوسَى، عَنْ كُلِّ مَا عَمِلَهُ اللهُ لِمُوسَى وَإسْرَائِيلَ شَعْبِهِ، وَكَيفَ أنَّ اللهَ أخرَجَهُمْ مِنْ مِصْرٍ. فَاصْطَحَبَ يَثْرُونُ، حَمُو مُوسَى، ابْنَتَهُ صِفُّورَةَ زَوْجَةَ مُوسَى. وَكَانَ مُوسَى قَدْ أرسَلَهَا إلَى أبِيهَا. وَجَاءَ مَعَهَا ابْنَاهَا. اسْمُ أحَدِهِمَا جِرْشُومُ، لِأنَّ مُوسَى قَالَ: «كُنْتُ غَرِيبًا فِي أرْضٍ غَرِيبَةٍ،» وَاسْمُ الآخَرِ ألِيعَازَرُ، لِأنَّ مُوسَى قَالَ: «إلَهُ أبِي هُوَ مُعِينِي، وَقَدْ أنقَذَنِي مِنْ سَيفِ فِرعَوْنَ.» وَذَهَبَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى مَعَ ابْنَي مُوسَى وَزَوْجَتِهِ إلَى مُوسَى إلَى الصَّحْرَاءِ، حَيْثُ كَانَ مُخَيِّمًا قُرْبَ جَبَلِ اللهِ. وَأرْسَلَ إلَى مُوسَى رَسُولًا يَقُولُ لَهُ: «أنَا يَثْرُونُ حَمُوكَ أتَيتُ إلَيكَ مَعَ زَوْجَتِكَ وَابْنَيكَ.» فَخَرَجَ مُوسَى لِلِقَاءِ حَمِيهِ، وَانحَنَى وَقَبَّلَهُ. وَبَعْدَ أنْ سَلَّمَ كُلُّ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ، دَخَلَا الخَيْمَةَ. وَرَوَى مُوسَى لِحَمِيهِ كُلَّ مَا عَمِلَهُ اللهُ لِفِرعَونَ وَلِمِصْرٍ لِأجْلِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَكُلَّ الضِّيقِ الَّذِي وَاجَهَهُ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي الطَّرِيقِ، وَكَيفَ أنقَذَهُمُ اللهُ . فَفَرِحَ يَثْرُونُ بِكُلِّ الخَيْرِ الَّذِي عَمِلَهُ اللهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ إذْ أنقَذَهُمْ مِنْ أيدِي المِصْرِيِّينَ. وَقَالَ يَثْرُونُ: «مُبَارَكٌ اللهُ الَّذِي أنقَذَكُمْ مِنْ أيدِي المِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ فِرعَوْنَ، أنقَذَ الشَّعْبَ مِنْ تَسَلُّطِ المِصْرِيِّينَ. الآنَ صِرتُ أعْرِفُ أنَّ يهوه أعْظَمُ مِنْ كُلِّ الآلِهَةِ، لِأنَّهُ أنقَذَ شَعْبَهُ مِنْ تَسَلُّطِ مِصْرٍ، حِينَ ظَلَمَهُمُ المِصْرِيُّونَ.» وَقَدَّمَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى ذَبيِحَةً وَقَرَابِينَ للهِ. وَأتَى هَارُونُ وَكُلُّ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ وَأكَلُوا مَعًا مَعَ حَمِي مُوسَى فِي حَضْرَةِ اللهِ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، جَلَسَ مُوسَى لِيَنْظُرَ فِي قَضَايَا الشَّعْبِ. وَوَقَفَ الشَّعْبُ حَوْلَ مُوسَى مِنَ الصَّبَاحِ إلَى المَسَاءِ. فَلَمَّا رَأى حَمُو مُوسَى كُلَّ مَا كَانَ مُوسَى يَعْمَلُهُ لِلشَّعْبِ، قَالَ: «مَاذَا تَفْعَلُ؟ لِمَاذَا تَجْلِسُ وَحْدَكَ وَيَقِفُ كُلُّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ حَوْلَكَ مِنَ الصَّبَاحِ إلَى المَسَاءِ؟» فَقَالَ مُوسَى لِحَمِيهِ: «إنَّهُمْ يأتُونَ إلَيَّ لِيَسْألُوا اللهَ. وَحِينَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ، يَأْتُونَ إلَيَّ لِأحْكُمَ بَيْنَ المُتَخَاصِمِينَ، وَأُعَرِّفَهُمْ بِفَرَائِضِ اللهِ وَشَرَائِعِهِ.» فَقَالَ حَمُو مُوسَى: «لَيسَ جَيِّدًا هَذَا الَّذِي تَفْعَلُهُ. هَذَا مُنهِكٌ لَكَ وَلِلشَّعبِ، لِأنَّ هَذَا العَمَلَ صَعبٌ جِدًّا عَلَيكَ، وَلَا تَسْتَطِيعُ القِيَامَ بِهِ وَحْدَكَ. وَالْآنَ اسْتَمِعْ إلَيَّ. سَأنصَحُكَ وَأُصَلِّي أنْ يَكُونَ اللهُ مَعَكَ. كُنْ مُمَثِّلَ اللهِ لِلشَّعْبِ، وَقَدِّمْ خِلَافَاتِهِمْ وَقَضَايَاهُمْ إلَى اللهِ. تَسْتَطِيعُ أنْ تُعَلِّمَهُمُ الفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ وَأنْ تُعَرِّفَهُمُ الطَّرِيقَ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ، وَالأعْمَالَ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا. «لَكِنِ اخْتَرْ مِنَ الشَّعْبِ رِجَالًا شُرَفَاءَ يَخَافُونَ اللهَ، أُمَنَاءَ يَكْرَهُونَ الرِّشوَةَ، فَتُعَيِّنَهُمْ عَلَى الشَّعْبِ قَادَةَ أُلُوفٍ وَمِئَاتٍ وَخَمَاسِينَ وَعَشَرَاتٍ. يَنْظُرُ القَادَةُ فِي قَضَايَا الشَّعْبِ كُلَّ الوَقْتِ. فَيُحَوِّلُونَ القَضَايَا الكَبِيرَةَ إلَيكَ. وَأمَّا القَضَايَا الصَّغِيرَةُ فَيَحْكُمُونَ فِيهَا بِأنفُسِهِمْ. سَيُسَهِّلُ هَذَا عَمَلَكَ لِأنَّهُمْ سَيَحْمِلُونَ الأعْبَاءَ مَعَكَ. «إنْ عَمِلتَ هَذَا، وَأوصَاكَ اللهُ بِعَمَلِهِ، تَصِيرُ قَادِرًا عَلَى احتِمَالِ العَمَلِ. وَسَيَذْهَبُ هَؤُلَاءِ النَّاسُ إلَى بُيُوتِهِمْ بِسَلَامٍ.» فَاسْتَمَعَ مُوسَى لِحَمِيهِ وَعَمِلَ مَا قَالَ. فَاخْتَارَ رِجَالًا شُرَفَاءَ مِنْ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَعَيَّنَهُمْ قَادَةً لِلشَّعْبِ، رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَمِئَاتٍ وَخَمَاسِينَ وَعَشَرَاتٍ. فَكَانُوا يَنْظُرُونَ فِي قَضَايَا الشَّعْبِ كُلَّ الوَقْتِ، فَيُحضِرُونَ القَضَايَا الصَّعْبَةَ إلَى مُوسَى، بَيْنَمَا يَحْكُمُونَ هُمْ فِي المَشَاكِلِ الصَّغِيرَةِ. ثُمَّ وَدَّعَ مُوسَى حَمَاهُ، فَعَادَ إلَى أرْضِهِ. فِي نِهَايَةِ الشَّهْرِ الثَّالِثِ بَعْدَ خُرُوجِ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ، وَصَلُوا إلَى صَحْرَاءِ سِينَاءَ. فَقَدِ ارتَحَلُوا مِنْ رَفِيدِيمَ، وَأتَوْا إلَى صَحْرَاءِ سِينَاءَ، وَخَيَّمُوا هُنَاكَ. وَبَيْنَمَا كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ مُخَيِّمِينَ مُقَابِلَ الجَبَلِ، صَعِدَ مُوسَى إلَى الجَبَلِ، فَدَعَاهُ اللهُ مِنَ الجَبَلِ وَقَالَ: «هَذَا مَا تَقُولُهُ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ، وَتُخْبِرُ بِهِ بَنِي إسْرَائِيلَ: ‹قَدْ رَأيتُمْ مَا صَنَعْتُهُ بِالمِصْرِيِّينَ. أمَّا أنْتُمْ فَحَمَلْتُكُمْ عَلَى أجنِحَةِ النُّسُورِ وَأحْضَرْتُكُمْ إلَيَّ. وَالْآنَ، إنْ أطَعتُمُونِي وَحَفِظتُمْ عَهْدِي، سَتُصْبِحُونَ كَنزًا لِي مِنْ بَيْنِ كُلِّ الشُّعُوبِ، لِأنَّ الأرْضَ كُلَّهَا لِي. سَتَصِيرُونَ لِي مَملَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً.› هَذَا مَا تَقُولَهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ.» فَاسْتَدْعَى مُوسَى شُيُوخَ الشَّعْبِ، وَأخْبَرَهُمْ بِكُلِّ الكَلَامِ الَّذِي أمَرَهُ اللهُ بِهِ. فَأجَابَ الشَّعْبُ مَعًا وَقَالُوا: «سَنَفْعَلُ كُلَّ مَا قَالَهُ اللهُ .» وَبَلَّغَ مُوسَى اللهَ بِجَوَابِ الشَّعْبِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «سَآتِي إلَيكَ فِي سَحَابَةٍ كَثِيفَةٍ لِيَسْمَعَ الشَّعْبُ حِينَ أتَكَلَّمُ مَعَكَ فَيَثِقُوا بِكَ دَائِمًا.» وَأخبَرَ مُوسَى اللهَ بِكَلَامِ الشَّعْبِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اذْهَبْ إلَى الشَّعْبِ وَقَدِّسْهُمُ اليَوْمَ وَغَدًا، وَمُرْهُمْ بِغَسلِ ثِيَابِهِمْ. فَليَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، لِأنَّ اللهَ سَيَنْزِلُ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ أمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ. «لَكِنْ ضَعْ حُدُودًا لِلشَّعْبِ حَوْلَ الجَبَلِ، وَقُلْ لَهُمْ: ‹احذَرُوا الِاقْتِرَابَ مِنَ الجَبَلِ أوْ لَمْسِهِ. فَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُهُ يُقْتَلُ. فَمَنْ يَتَعَدَّى الحُدُودَ، لَا يَنبْغِي أنْ يَلْمِسَهُ أحَدٌ بِيَدِهِ، بَلْ يُرْجَمَ أوْ يُرْمَى بِسَهْمٍ. سَوَاءٌ أكَانَ إنْسَانًا أمْ حَيَوَانًا، لَا يَعِيشُ!› لَكِنْ حِينَ يُضرَبُ بِالبُوقِ نَغَمَةً طَوِيلَةً، يُمكِنُهُمُ الصُّعُودُ إلَى الجَبَلِ.» فَنَزَلَ مُوسَى مِنَ الجَبَلِ إلَى الشَّعْبِ، وَقَدَّسَ الشَّعْبَ، وَغَسَلَ الشَّعْبُ ثِيَابَهُمْ. وَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «كُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِأجْلِ اليَوْمِ الثَّالِثِ، وَلَا تُعَاشِرُوا نِسَاءَكُمْ حَتَّى ذَلِكَ الحِينِ.» وَفِي صَبَاحِ اليَوْمِ الثَّالِثِ، كَانَ هُنَاكَ رَعْدٌ وَبَرْقٌ وَسَحَابٌ كَثِيفٌ عَلَى الجَبَلِ، وَصَوْتُ بُوقٍ مُرْتَفِعٌ. فَارتَعَدَ كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي كَانَ فِي المُخَيَّمِ. وَأخرَجَ مُوسَى الشَّعْبَ مِنَ المُخَيَّمِ لِلِقَاءِ اللهِ، فَوَقَفُوا فِي أسفَلِ الجَبَلِ. وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ مُغَطَّىً بِالدُّخَانِ، لِأنَّ اللهَ نَزَلَ عَلَيْهِ فِي نَارٍ. وَصَعِدَ الدُّخَانُ مِنَ الجَبَلِ كَدُخَانِ الفُرنِ. وَكَانَ كُلُّ الجَبَلِ يَهْتَزُّ بِقُوَّةٍ. وَاستَمَرَّ صَوْتُ البُوقِ بِالَارتِفَاعِ، بَيْنَمَا كَانَ مُوسَى يَتَكَلَّمُ وَاللهُ يُجِيبُهُ بِصَوْتٍ كَصَوْتِ الرَّعْدِ. وَنَزَلَ اللهُ عَلَى قِمَّةِ جَبَلِ سِينَاءَ، وَدَعَا مُوسَى إلَى الصُّعُودِ إلَى قِمَّةِ الجَبَلِ. فَصَعِدَ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «انزِلْ وَحَذِّرِ الشَّعْبَ لِئَلَّا يَقْتَحِمُوا مَحْضَرَ اللهِ لِيَنْظُرُوا، فَيَسْقُطَ كَثِيرُونَ مَوْتَى. حَتَّى الكَهَنَةُ الَّذِينَ يَقْتَرِبُونَ إلَى اللهِ ، فَلْيُقَدِّسُوا أنْفُسَهُمْ لِلِقَائِي لِئَلَّا أقْضِيَ عَلَيْهِمْ.» وَقَالَ مُوسَى للهِ : «لَا يَسْتَطِيعُ الشَّعْبُ أنْ يَصْعَدَ إلَى جَبَلِ سِينَاءَ، لِأنَّكَ حَذَّرْتَهُمْ بِنَفْسِكَ فَقُلْتَ: ‹ضَعْ حُدُودًا حَوْلَ الجَبَلِ وَقَدِّسْهُ.›» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «انْزِلْ ثُمَّ اصْعَدْ وَهَارُونُ مَعَكَ. لَكِنْ لَا تَسْمَحْ لِلكَهَنَةِ أوِ الشَّعْبِ بِالصُّعُودِ لِاقْتِحَامِ مَحْضَرِ اللهِ ، لِئَلَّا يَقْتَحِمَهُمُ اللهُ .» فَنَزَلَ مُوسَى إلَى الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ. وَتَكَلَّمَ اللهُ بِكُلِّ هَذَا الكَلَامِ فَقَالَ: «أنَا الَّذِي أخْرَجَكَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ. «لَا تَعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى مَعِي. «لَا تَصْنَعْ لِنَفْسِكَ تَمثَالًا بِأيِّ شَكلٍ مِمَّا فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ فَوقُ، أوْ عَلَى الأرْضِ مِنْ تَحْتُ، أوْ فِي المَاءِ مِنْ تَحْتِ الأرْضِ. لَا تَسْجُدْ لَهَا أوْ تَعْبُدْهَا، لِأنِّي أنَا إلَهٌ غَيُّورٌ. أحْسِبُ خَطَايَا الآبَاءِ فِي أوْلَادِهِمْ وَأحْفَادِهِمْ وَأوْلَادِ أحْفَادِهِمْ مِنَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي. لَكِنِّي أُحْسِنُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَنِي وَيَحْفَظُونَ وَصَايَايَ إلَى الجِيلِ الألْفِ. «لَا تَنْطِقْ بِاسْمِ عَبَثًا، لِأنَّ اللهَ لَنْ يُبَرِّئَ مَنْ يَنْطِقُ بِاسْمِهِ عَبَثًا. «تَنَبَّهْ لِيَوْمِ السَّبْتِ وَخَصِّصْهُ للهِ. تَعْمَلُ سِتَّةَ أيَّامٍ تُنهِي فِيهَا مَا عَلَيكَ مِنْ أعْمَالٍ. وَأمَّا اليَوْمُ السَّابِعُ فَهُوَ سَبتٌ، أيْ رَاحَةٌ، إكْرَامًا . فَلَا تَعْمَلْ أيَّ عَمَلٍ فِيهِ، لَا أنْتَ وَلَا ابْنُكَ وَلَا ابْنَتُكَ وَلَا عَبْدُكَ وَلَا جَارِيَتُكَ، وَلَا حَيَوَانَاتُكَ، وَلَا الغَرِيبُ المُقِيمُ فِي مُدُنِكَ. فَاللهُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَالبِحَارَ وَكُلَّ مَا فِيهَا فِي سِتَّةِ أيَّامٍ، وَاستَرَاحَ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ. لِهَذَا بَارَكَ اللهُ اليَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ. «أكرِمْ أبَاكَ وَأُمَّكَ، لِكَي يَطُولَ عُمْرُكَ عَلَى الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكَ. «لَا تَقْتُلْ. «لَا تَزْنِ. «لَا تَسْرِقْ. «لَا تَشْهَدْ عَلَى صَاحِبِكَ زُورًا. «لَا تَشْتَهِ بَيْتَ صَاحِبِكَ، وَلَا تَشْتَهِ زَوْجَتَهُ أوْ عَبْدَهُ أوْ جَارِيَتَهُ أوْ ثَورَهُ أوْ حِمَارَهُ، أوْ أيَّ شَيءٍ يَخُصُّ صَاحِبَكَ.» وَرَأى الشَّعْبُ الرَّعْدَ وَالبَرْقَ وَالدُّخَانَ الَّذِي عَلَى الجَبَلِ، وَسَمِعُوا صَوْتَ البُوقِ. فَارتَعَدَ الشَّعْبُ خَوْفًا وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَقَالُوا لِمُوسَى: «تَكَلَّمْ أنْتَ إلَينَا فَنَسمَعُكَ. لَكِنْ قُلْ للهِ أنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَينَا لِئَلَّا نَمُوتَ.» وَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «لَا تَخَافُوا، لِأنَّ اللهَ قَدْ جَاءَ لِيَمْتَحِنَكُمْ، كَي تَهَابُوهُ وَلَا تُخطِئُوا.» فَوَقَفَ الشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأمَّا مُوسَى فَاقْتَرَبَ إلَى السَّحَابَةِ الكَثِيفَةِ الَّتِي كَانَ اللهُ فِيهَا. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «هَذَا مَا تَقُولُهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: ‹هَا إنَّنِي قَدْ تَكَلَّمْتُ مَعَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ. فَلَا تَصْنَعُوا لَكُمْ آلِهَةً مِنَ الفِضَّةِ أوِ الذَّهَبِ لِتَعْبُدُوهَا مَعِي، وَلَا تَصْنَعُوهَا لِأنفُسِكُمْ.› «اصْنَعْ لِي مَذْبَحًا مِنْ تُرَابٍ، وَاذْبَحْ عَلَيْهِ الذَّبَائِحَ الصَّاعِدَةَ وَتَقْدِمَاتِ السَّلَامِ مِنْ غَنَمِكَ وَبَقَرِكَ. افْعَلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ أُحَدِّدُهُ لِذِكْرِ اسْمِي. فَآتِي إلَيكَ وَأُبَارِكُكَ. «وَإنْ صَنَعتَ لِي مَذْبَحًا مِنْ حِجَارَةٍ، فَابْنِهِ مِنْ حِجَارَةٍ لُمْ تُشَّذَبْ بِإزْميلٍ. إنِ استَخْدَمْتَ الإزْمِيلَ تُنَجِّسُهَا. وَلَا تَصْعَدْ إلَى مَذْبَحِي عَلَى سُلَّمٍ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ عُرْيُكَ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «هَذِهِ هِيَ الشَّرَائِعُ الَّتِي تُعْلِنُهَا لِلشَّعْبِ: «حِينَ تَشْتَرِي عَبْدًا عِبرَانِيًّا، فَلْيَخْدِمْكَ لِسِتِّ سَنَوَاتٍ. لَكِنْ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ تُطلِقُهُ حُرًّا مِنْ دُونِ أنْ يَدْفَعَ شَيْئًا. إنْ كَانَ أعزَبَ حِينَ اشتَرَيتَهُ، يَخْرُجُ وَحْدَهُ. وَإنْ كَانَ مُتَزَوِّجًا، تَخْرُجُ زَوْجَتُهُ مَعَهُ. إنْ زَوَّجَهُ سَيِّدُهُ امْرأةً وَأنْجَبَتْ لَهُ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ، فَإنَّ المَرْأةَ وَالأوْلَادَ يَكُونُونَ لِسَيِّدِهِمْ، أمَّا هُوَ فَيَخْرُجُ وَحْدَهُ. «فَإنْ قَالَ العَبدُ: ‹أُحِبُّ سَيِّدِي وَزَوْجَتِي وَأوْلَادِي، وَلَنْ أخرُجَ حُرًّا.› يُقَدِّمُهُ سَيِّدُهُ إلَى القُضَاةِ، وَيُوقِفُهُ فِي البَابِ أوْ قَائِمَتِهِ، وَيَثْقُبُ أُذُنَهُ بِمِثقَبٍ، فَيَكُونُ عَلَى العَبدِ أنْ يَخْدِمَهُ إلَى الأبَدِ. «إذَا بَاعَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ كَجَارِيَةٍ، فَإنَّهَا لَا تَتَحَرَّرُ بِالطَّريقَةِ الَّتِي يَتَحَرَّرُ بِهَا العَبِيدُ الذُّكُورُ. إنْ لَمْ تُرْضِي سَيِّدَهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ، يَسْمَحُ لِأحَدِ أقَارِبِهَا بِأنْ يَفْدِيَهَا. لَا يَحِقُّ لَهُ أنْ يَبِيعَهَا لِوَاحِدٍ مِنْ شَعْبٍ غَرِيبٍ، لِأنَّهُ غَدَرَ بِهَا. «فَإنْ زَوَّجَهَا مِنِ ابْنِهِ، يَنْبَغِي أنْ يُعَامِلَهَا كَابْنَتِهِ. «فَإنْ أبْقَاهَا وَتَزَوَّجَ امْرأةً أُخْرَى، فَلَا يُقَلِّلُ مِنْ طَعَامِهَا أوْ ثِيَابِهَا أوْ حُقُوقِهَا الزَّوجِيَّةِ. فَإنْ لَمْ يَعْمَلْ لَهَا أحَدَ هَذِهِ الخَيَارَاتِ الثَّلَاثَةَ، تَخْرُجُ حُرَّةً مِنْ دُونِ فِديَةٍ. «مَنْ ضَرَبَ شَخْصًا وَقَتَلَهُ، يُقْتَلُ قَتْلًا. لَكِنْ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ، بَلْ أتَاحَ اللهُ ذَلِكَ بِيَدِيهِ، فَإنِّي سَأُعْطِيهِ مَكَانًا لِيَهْرُبَ إلَيْهِ. لَكِنْ إنْ غَدَرَ رَجُلٌ جَارَهَ وَقَتَلَهُ بِمَكْرٍ، يُمْكِنُكَ أنْ تَأْخُذَهُ وَتَقْتُلَهُ حَتَّى لَوِ احْتَمَى بِمَذْبَحِي. «مَنْ يَضْرِبُ أبَاهُ أوْ أُمَّهُ، يُقْتَلُ قَتْلًا. «مَنْ يَخْطِفُ إنْسَانًا، يُقْتَلُ قَتْلًا. سَوَاءٌ أبَاعَهُ أمِ احْتَفَظَ بِهِ. «مَنْ يَنْطِقُ بِلَعْنَةٍ ضِدَّ أبِيهِ أوْ أُمِّهِ، يُقْتَلُ. «إنْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا آخَرَ بِحَجَرٍ أوْ بِقَبْضَةِ يَدِهِ بَيْنَمَا كَانَا يَتَشَاجَرَانِ، وَلَمْ يَمُتِ الرَّجُلُ المَضرُوبُ لَكِنَّهُ صَارَ طَرِيحَ الفِرَاشِ، فَإنْ نَهَضَ وَسَارَ فِي الخَارِجِ عَلَى عَصَاهُ، فَإنَّ الضَّارِبَ سَيَتَبَرَّأُ، لَكِنَّهُ يُعَوِّضُهُ عَنِ الوَقْتِ الَّذِي يَتَعَافَى الرَّجُلُ المَضرُوبُ فِيهِ، وَيَدْفَعُ تَكَالِيفَ عِلَاجِ الرَّجُلِ. «إنْ ضَرَبَ رَجُلٌ عَبْدَهُ أوْ جَارِيَتَهُ بِعَصًا، فَمَاتَ العَبْدُ أوِ الجَارِيَةُ بِسَبِبِ ضَرْبِهِ، فَإنَّهُ يُغَرَّمُ. لَكِنْ إنْ بَقِيَ العَبْدُ أوِ الجَارِيَةُ طَرِيحَ الفِرَاشِ يَومًا أوِ اثنَيْنِ، فَلَا يُغَرَّمُ المَالِكُ لِأنَّ العَبْدَ أوِ الجَارِيَةَ مُلْكُهُ. «إنْ تَشَاجَرَ رِجَالٌ فَضَرَبُوا امْرأةً حُبلَى، فَسَقَطَ الجَنِينُ لَكِنَّهَا لَمْ تَتَأذَّ، يَدْفَعُ المَسؤُولُ عَنْ ذَلِكَ غَرَامَةً يُحَدِّدُهَا زَوْجُ المَرْأةِ بِإشْرَافِ القَاضِي. فَإنْ كَانَتْ قَدْ تَأذَّتْ، يُعَاقَبُ المؤذِي حَيَاةً بِحَيَاةٍ، عَيْنًا بِعَينٍ، سِنًّا بِسِنٍّ، يَدًا بِيَدٍ، رِجْلًا بِرِجْلٍ، حَرْقًا بِحَرقٍ، جُرْحًا بِجُرْحٍ، وَضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ. «إنْ ضَرَبَ رَجُلٌ عَيْنَ عَبدِهِ أوْ جَارِيَتِهِ فَأتْلَفَهَا، يُطْلِقُهُ حُرًّا مُقَابِلَ عَيْنِهِ. وَإنْ أسْقَطَ سَيِّدٌّ سِنَّ عَبدِهِ أوْ جَارِيَتِهِ، يُطْلِقُهُ حُرًّا مُقَابِلَ سِنِّهِ. «إنْ نَطَحَ ثَوْرٌ امْرأةً أوْ رَجُلًا وَمَاتَ، يُرْجَمُ الثَّورُ وَلَا يُؤكَلُ لَحْمُهُ، وَأمَّا مَالِكُ الثَّورِ فَيَكُونُ بَرِيئًا. لَكِنْ إنْ كَانَ مِنْ عَادَةِ الثَّورِ أنْ يَنْطَحَ، وَقَدْ حُذِّرَ مَالِكُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْتَجِزْهُ، وَقَتَلَ ذَلِكَ الثَّورُ رَجُلًا أوِ امْرأةً، يُرجَمُ الثَّورُ، وَيُقتَلُ صَاحِبُهُ أيْضًا. وَإنْ فُرِضَتْ عَلَيْهِ فِديَةٌ، يَدْفَعُهَا عَنْ حَيَاتِهِ بِحَسَبِ كُلِّ مَا يُفرَضُ عَلَيْهِ. «يُعْمَلُ بِهَذَا الحُكْمِ إنْ نَطَحَ الثَّورُ ابْنًا أوْ بِنتًا مِنَ الشَّعْبِ. فَإنْ نَطَحَ الثَّورُ عَبْدًا أوْ جَارِيَةً، عَلَى مَالِكِ الثَّورِ أنْ يَدْفَعَ ثَلَاثِينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ لِمَالِكِ العَبْدِ، أمَّا الثَّورُ فَيُرجَمُ. «إنْ فَتَحَ رَجُلٌ بِئرًا أوْ حَفَرَ بِئرًا وَلَمْ يُغَطِّهَا، وَوَقَعَ فِيهَا ثَورٌ أوْ حِمَارٌ، يَدْفَعُ مَالِكُ البِئْرِ مَالًا لِمَالِكِ الحَيَوَانِ. أمَّا الحَيَوَانُ المَيِّتُ فَيَكُونُ لَهُ. «إنْ نَطَحَ ثَورُ رَجُلٍ ثَورَ رَجُلٍ آخَرَ فَمَاتَ، فَلْيَبِيعَا الثَّورَ الحَيَّ وَيَقْتَسِمَا ثَمَنَهُ. كَمَا يَقْتَسِمَانِ الثَّورَ المَيِّتَ. لَكِنْ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا أنَّ الثَّورَ مُعْتَادٌ عَلَى النَّطْحِ لَكِنَّ مَالِكَهُ لَمْ يَحْتَجِزْهُ، فَإنَّهُ يُعَوِّضُ ثَوْرًا بِثَوْرٍ. أمَّا الثَّوْرُ المَيِّتُ فَيَكُونُ لَهُ. «إنْ سَرَقَ رَجُلٌ ثَوْرًا أوْ خَرُوفًا وَذَبَحَهُ أوْ بَاعَهُ، يُعَوِّضُ السَّارِقُ بِخَمْسَةِ ثِيرَانٍ عَنِ الثَّورِ، وَبِأرْبَعَةِ خِرَافٍ عَنِ الخَرُوفِ. «إنْ أُمسِكَ لِصٌ وَهُوَ يَقْتَحِمُ بَيتًا فَضُرِبَ وَمَاتَ، لَا يَكُونُ لِأحَدٍ حَقُّ الثَّأرِ لِدَمِهِ. لَكِنْ إنْ قُتِلَ فِي النَّهَارِ، يَكُونُ هُنَاكَ حَقٌّ لِلثَّأرِ لِدَمِهِ. فَإنْ أُمْسِكَ حَيًّا وَلَيسَ مَعَهُ مَا يُعَوِّضُ بِهِ عَمَّا سَرَقَهُ، يُبَاعُ كَعَبدٍ تَعْويضًا عَمَّا سَرَقَهُ. وَإنْ وُجِدَ مَا سَرَقَهُ مَعَهُ حَيًّا، سَوَاءٌ أكَانَ ثَوْرًا أمْ حِمَارًا أمْ خَرُوفًا، فَإنَّهُ يُعَوِّضُ بِالضِّعْفِ. «إنْ رَعَى رَجُلٌ قَطِيعَهُ فِي حَقْلِهِ أوْ كَرْمِهِ، ثُمَّ تُرِكَتْ مَاشِيَتُهُ لِتَرْعَى فِي حَقْلِ رَجُلٍ آخَرَ، يَنْبَغِي أنْ يُعَوِّضَ مِنْ أفْضَلِ إنتَاجِ حَقْلِهِ أوْ كَرْمِهِ. «إنْ أشعَلَ رَجُلٌ نَارًا فَتَخَطَّتْ حُدُودَ أرْضِهِ، وَأحرَقَتْ قَمْحًا مُكَدَّسًا أوْ زَرْعًا أوْ حَقلًا، يُعَوِّضُ مَنْ أشعَلَ النَّارَ عَنْ مَا احتَرَقَ. «إنْ أعْطَى رَجُلٌ مَالًا أوْ بَضَائِعَ لِجَارِهِ لِيَحْتَفِظَ بِهَا لَهُ، وَسُرِقَتْ مِنْ بَيْتِ الرَّجُلِ، وَقُبِضَ عَلَى اللِّصِّ، يُعَوِّضُ اللِّصُّ عَنْهَا كُلِّهَا. فَإنْ لَمْ يُقبَضْ عَلَى اللِّصِّ، يَقِفُ صَاحِبُ البَيْتِ أمَامَ القُضَاةِ لِمَعْرِفَةِ إنْ كَانَ هُوَ قَدْ سَرَقَ جَارَهُ. «إنْ فُقِدَ ثَورٌ أوْ حِمَارٌ أوْ خَرُوفٌ أوْ ثَوبٌ أوْ أيُّ شَيءٍ آخَرُ، وَجَاءَ رَجُلَانِ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا إنَّ المَفْقُودَ لَهُ، تُقَدَّمُ دَعْوَاهُمَا إلَى القُضَاةِ، وَالَّذِي يَحْكُمُ القُضَاةُ بِأنَّهُ المُذنِبُ، يُعَوِّضُ جَارَهُ ضِعفَينِ. «إنْ أعْطَى رَجُلٌ جَارَهُ حِمَارًا أوْ ثَوْرًا أوْ خَرُوفًا أوْ أيَّ حَيَوَانٍ لِيَحْتَفِظَ لَهُ بِهِ، وَمَاتَ الحَيَوَانُ أوْ جُرِحَ أوْ سُرِقَ وَلَمْ يَجِدْهُ أحَدٌ، يَحْلِفُ الجَارُ بِاللهِ إنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مُلْكَ جَارِهِ. وَيَقْبَلُ المَالِكُ بِالحُكْمِ. وَلَا يَكُونُ عَلَى الرَّجُلِ الآخَرِ أنْ يُعَوِّضَ بِشَيءٍ. لَكِنْ إنْ سُرِقَ مِنْهُ بِسَبَبِ إهمَالِهِ، فَإنَّهُ يُعَوِّضُ مَالِكَهُ. وَإنِ مَزَّقَهُ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ، فَلْيُحِضِرْ بَقَايَا الحَيَوَانِ. وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ أنْ يُعَوِّضَ عَنِ الحَيَوَانِ المُمَّزَقِ بِشَيءٍ. «إنِ استَعَارَ رَجُلٌ شَيْئًا أوْ حَيَوَانًا مِنْ جَارِهِ، فَكُسِرَ مَا استَعَارَهُ أوْ مَاتَ وَلَمْ يَكُنِ المَالِكُ مَعَهُ، فَيَنْبَغِي أنْ يُعَوِّضَ المَالِكَ بِشَكلٍ كَامِلٍ. لَكِنْ إنْ كَانَ مَالِكُهُ مَعَهُ، لَا يُعَوِّضُهُ بِشَيءٍ. وَإنْ كَانَ الشَّيءُ أوِ الحَيَوَانُ مُسْتَأْجَرًا، فَالخَسَارَةُ تُغَطَّى بِأُجرَةِ الِاسْتِئجَارِ. «إنْ أغْوَى رَجُلٌ فَتَاةً عَذْرَاءَ غَيْرَ مَخطُوبَةٍ لَهُ وَعَاشَرَهَا، يَدْفَعُ مَهْرَهَا كَامِلًا وَيَتَزَوْجُهَا. فَإنْ رَفَضَ أبُوهَا أنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ، يَدْفَعُ الرَّجُلُ، عَلَى أيَّةِ حَالٍ، مَا يُعَادِلُ مَهْرَ عَذْرَاءَ. «لَا تَسْمَحْ لِسَاحِرَةٍ بِأنْ تَعِيشَ. «مَنْ عَاشَرَ حَيَوَانًا مُعَاشَرَةً جِنْسيَّةً، يُقْتَلُ قَتلًا. «مَنْ يُقَدِّمُ ذَبَائِحَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى غَيرِ اللهِ يَنْبَغِي أنْ يُبَادَ. «لَا تُسِئْ مُعَامَلَةَ الغَرِيبِ المُقِيمِ فِي أرْضِكَ، لِأنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أرْضِ مِصْرٍ. «لَا تُسِئْ إلَى أرمَلَةٍ أوْ يَتِيمٍ. فَإنْ أسَأتَ إلَيْهَا أوْ إلَيْهِ، وَصَرَخَ إلَيَّ فَإنِّي سَأسمَعُ صَرْخَتَهُ. سَيَشْتَدُّ غَضَبِي وَأقتُلُكُمْ بِالسَّيْفِ، وَتَصِيرُ زَوْجَاتُكُمْ أرَامِلَ، وَأوْلَادُكُمْ يَتَامَى. «إنْ أقرَضْتَ مَالًا لِفَقِيرٍ مِنْ شَعْبِي، فَلَا تُعَامِلْهُ بِالرِّبَا. لَا تأخُذْ مِنْهُ فَائِدَةً. وَإنْ كُنْتَ تَحْتَفِظُ بِثَوبِ جَارِكَ كَرَهِينَةٍ، أعِدْهُ إلَيْهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَهُوَ غِطَاؤُهُ الوَحِيدُ، وَهُوَ ثَوبُ جِلْدِهِ. بِمَاذَا يَتَغَطَّى حِينَ يَنَامُ؟ فَحِينَ يَصْرُخُ إلَيَّ، سَأسمَعُهُ لِأنِّي رَحِيمٌ. «لَا تَشْتِمِ القُضَاةِ. وَلَا تَنْطِقْ بِلَعنَةٍ عَلَى قَائِدِ شَعْبِكَ. «لَا تَحْتَفِظْ بِأوَّلِ إنتَاجِ حَقلِكَ مِنَ الحُبُوبِ أوْ مِنْ نَبِيذِ مِعصَرَتِكَ. وَكَرِّسْ لِي بِكْرَ أبْنَائِكَ. وَكَذَلِكَ قَدِّمْ أبكَارَ ثِيرَانِكَ وَغَنَمِكَ. أبْقِ بِكرَ الحَيَوَانِ سَبْعَةَ أيَّامٍ مَعَ أُمِّهِ، ثُمَّ قَدِّمْهُ لِي فِي اليَوْمِ الثَّامِنِ. «كُونُوا مُخَصَّصِينَ لِي، فَلَا تَأْكُلُوا لَحْمَ حَيَوَانٍ قَتَلَهُ حَيَوَانٌ آخَرُ فِي الحَقْلِ، بَلْ ألقُوهُ إلَى الكِلَابِ. «لَا تَنْشُرْ إشَاعَةً كَاذِبَةً، وَلَا تَشْتَرِكْ مَعَ شِرِّيرٍ فِي شَهَادَةٍ كَاذِبَةٍ. «لَا تَقِفْ مَعَ الأغْلَبِيَّةِ لِعَمَلِ الشَّرَّ. فَلَا تُقَدِّمْ شَهَادَةَ زُورٍ لِصَالِحِ الأغْلَبِيَّةِ، فَتَمْنَعَ العَدْلَ. «لَا تَتَحَيَّزْ لِلفَقِيرِ فِي دَعْوَاهُ. «إذَا وَجَدْتَ ثَورَ عَدُوِّكَ أوْ حِمَارَهُ وَهُوَ تَائِهٌ، أعِدْهُ إلَيْهِ. وَإنْ رَأيْتَ حِمَارَ عَدُوِّكَ وَقَدْ رَبَضَ تَحْتَ حِملٍ ثَقِيلٍ، فَلَا تَتْرُكْهُ، بَلْ سَاعِدِ فِي فَكِّ حِملِهِ. «لَا تَمْنَعِ العَدْلَ عَنِ المِسكِينِ فِي دَعْوَاهُ. «تَجَنَّبْ كُلَّ اتِّهَامٍ كَاذِبٍ. لَا تَقْتُلِ البَرِيءَ وَالبَارَّ، لِأنِّي لَنْ أُبَرِّئَ المُذنِبَ. «لَا تَقْبَلْ رِشْوَةً، لِأنَّ الرِّشوَةَ تُعمِي الأعيُنَ المَفتُوحَةَ، وَتُقَلِّلُ مِنْ قِيمَةِ كَلَامِ الصَّادِقينَ. «لَا تَظْلِمْ غَرِيبًا مُقِيمًا فِي أرْضِكَ. فَأنْتُمْ تَعْرِفُونَ مَا يَشْعُرُ بِهِ الغَرِيبُ، لِأنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أرْضِ مِصْرٍ. «ازرَعْ أرْضَكَ وَاجمَعْ مَحصُولَكَ لِسِتِّ سَنَوَاتٍ. ثُمَّ اترُكِ الأرْضَ لِتَرتَاحَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ. سَيَأْكُلُ فُقَرَاءُ شَعْبِكَ مِنْهَا، وَالحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ سَتَأْكُلُ مَا يَتْرُكُهُ الفُقَرَاءُ. اعْمَلْ هَذَا لِكَرْمِكَ أوْ زَيْتُونِكَ. «اعْمَلْ سِتَّةَ أيَّامٍ فِي الأُسْبُوعِ، وَاسْتَرِحْ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ. لِتَسْتَرِحْ حَمِيرُكَ وَثِيرَانُكَ، وَلْيَنْتَعِشْ خُدَّامُكَ وَالغُرَبَاءُ الَّذِينَ يُقِيمُونَ فِي أرْضِكَ. «انتَبِهُوا لِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ، وَلَا تَدْعُوا بِأسْمَاءِ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَا حَتَّى تَنْطِقْ بِهَا بِفَمِكَ. «أقِمْ ثَلَاثَةَ أعيَادٍ كُلَّ سَنَةٍ لِي. احْفَظْ عِيدَ الخُبْزِ غَيرِ المُخْتَمِرِ. حَيْثُ تَأْكُلُ خُبْزًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ فِي الوَقْتِ المُعَيَّنِ لَهُ فِي شَهرِ أبِيبَ، كَمَا أمَرْتُكَ، لِأنَّ فِيهِ خَرَجْتَ مِنْ مِصْرٍ. فَلَا يَأْتِ الشَّعْبُ أمَامِي فَارِغِي الأيدِي. «احفَظْ أيْضًا عِيدَ حَصَادِ أوّلِ غَلَّاتِ تَعَبِكَ مِنْ حَقلِكَ. وَتَحْفَظُ عِيدَ الجَمْعِ فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ، حِينَ تَجْمَعُ غَلَّاتِ تَعَبِكَ مِنَ الحَقْلِ. «يَنْبَغِي أنْ يَحْضُرَ جَمِيعُ الذُّكُورِ أمَامَ الرَّبِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ. «لَا تُقَدِّمْ دَمَ ذَبِيحَتِي مَعَ أيِّ شَيءٍ فيِهِ خَمِيرَةٌ. وَلَا يَبْقَ شَحمُ ذَبِيحَةِ عِيدِي إلَى صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي. «أحْضِرْ أفْضَلَ أوَّلِ إنتَاجِ أرْضِكَ إلَى بَيْتِ . «وَلَا تَطْبُخْ جَدْيًا فِي حَلِيبِ أُمِّهِ. «سَأُرْسِلُ رَسُولًا أمَامَكَ لِيَحْرُسَكَ فِي الطَّرِيقِ وَلِيُحضِرَكَ إلَى المَكَانِ الَّذِي أعدَدْتُهُ. أصْغِ لَهُ وَأطِعْهُ، وَلَا تَتَمَرَّدْ عَلَيْهِ، فَهُوَ لَنْ يَغْفِرَ لَكَ إسَاءَتَكَ لِأنَّ اسْمِي فِيهِ. لَكِنْ إنْ أطَعْتَهُ، وَعَمِلْتَ كُلَّ مَا أقُولُهُ لَكَ، فَإنِّي سَأكُونُ عَدُوًّا لِأعْدَائِكَ، وَسَأُقَاوِمُ مُقَاوِمِيكَ. «حِينَ يَسِيرُ رَسُولِي أمَامَكَ وَيُحضِرُكَ إلَى أرْضِ الأمُورِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَالكَنعَانِيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ وَأُبِيدُهُمْ، لَا تَسْجُدْ لِآلِهَتِهِمْ وَلَا تَعْبُدْهَا. لَا تُقَلِّدْ أعْمَالَهُمْ، بَلْ حَطِّمْ أصْنَامَهُمْ وَكَسِّرْ أنْصَابَهُمُ التَّذكَارِيَّةَ. إنْ خَدَمْتَ فَإنَّنِي سَأُبَارِكُ طَعَامَكَ وَمَاءَكَ، وَسَأُزِيلُ المَرَضَ مِنْكَ، وَلَنْ تُسْقِطَ امْرأةٌ فِي أرْضِكَ جَنِينًا أوْ تَكُونَ عَاقِرًا. وَسَتَعيشُ أيَّامَ حَيَاتِكَ بِكَامِلِهَا. «سَأُرْسِلُ رُعبِي أمَامَكَ، وَأُشَوِّشُ كُلَّ الشُّعُوبِ الَّتِي سَتُحَارِبُهَا. سَأجْعَلُ أعْدَاءَكَ يَهْرُبُونَ مِنْ أمَامِكَ. سَأُرْسِلُ الدَّبَابِيرَ أمَامَكَ فَيَطْرُدُونَ الحِوِّيِّينَ وَالكَنعَانِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ. لَنْ أطرُدَهُمْ مِنْ أمَامِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ كَي لَا تُصبِحَ الأرْضُ مَهجُورَةً، فَتَكْثُرَ الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ عَلَيكَ، بَلْ سَأطرُدُهُمْ مِنْ أمَامِكَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، إلَى أنْ يَتَكَاثَرَ نَسْلُكَ وَتَمْتَلِكَ الأرْضَ. «سَأجْعَلُ حُدُودَكَ مِنَ البَحْرِ الأحْمَرِ إلَى بَحْرِ الفِلِسْطِيِّينَ، وَمِنَ الصَّحْرَاءِ إلَى نَهْرِ الفُرَاتِ. لِأنِّي سَأُعْطِي سُكَّانَ الأرْضِ لَكَ لِتَطْرُدَهُمْ مِنْ أمَامِكَ. «لَا تَقْطَعْ عَهْدًا مَعَهُمْ أوْ مَعَ آلِهَتِهِمْ. وَلَا يَنْبَغِي أنْ يَبْقَوْا فِي الأرْضِ، لِكَي لَا يَجْعَلُوكُمْ تُخطِئُونَ إلَيَّ. لِأنَّكَ إنْ عَبَدْتَ آلِهَتَهُمْ، سَتَكُونُ فَخًّا لَكَ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اصعَدْ إلَى اللهِ أنْتَ وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأبِيهُو وَسَبعُونَ مِنْ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ، وَاعْبُدُوا مِنْ بَعِيدٍ. لِيَقْتَرِبْ مُوسَى وَحْدَهُ مِنَ اللهِ ، وَأمَّا الآخَرُونَ فَلَا يَقْتَرِبْ أحَدٌ مِنْهُمْ. وَبَقيَّةُ الشَّعْبِ أيْضًا لَا تَصْعَدْ مَعَهُ.» فَأتَى مُوسَى وَأخبَرَ الشَّعْبَ بِكُلِّ كَلَامِ اللهِ وَوَصَايَاهُ. حِينَئِذٍ، أجَابَ كُلُّ الشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ: «سَنَعمَلُ كُلَّ الأُمُورِ الَّتِي تَكَلَّمَ اللهُ بِهَا.» وَكَتَبَ مُوسَى كُلَّ كَلَامِ اللهِ . وَاستَيقَظَ فِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي بَاكِرًا وَبَنَى مَذْبَحًا فِي سَفْحِ الجَبَلِ مَعَ اثنَيْ عَشَرَ عَمُودًا تُمَثِّلُ قَبَائِلَ إسْرَائِيلَ الِاثنَتَيْ عَشْرَةَ. ثُمَّ أرْسَلَ شُبَّانَ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيُقَدِّمُوا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَذَبَائِحَ سَلَامٍ مِنَ الثِّيرَانِ للهِ . وَأخَذَ مُوسَى نِصفَ كَمِّيَّةِ الدَّمِ وَوَضَعَهُ فِي طَاسَاتٍ، وَرَشَّ النِّصفَ الآخَرَ مِنَ الدَّمِ عَلَى المَذْبَحِ. ثُمَّ أخَذَ كِتَابَ العَهْدِ وَقَرَأهُ عَلَى مَسْمَعِ الشَّعْبِ، فَقَالُوا: «سَنَعْمَلُ كُلَّ الأُمُورِ الَّتِي تَكَلَّمَ اللهُ بِهَا، وَسَنُطِيعُهُ.» وَأخَذَ مُوسَى الدَّمَ الَّذِي فِي الطَّاسَاتِ وَرَشَّهُ عَلَى الشَّعْبِ، وَقَالَ: «هَذَا هُوَ دَمُ العَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ اللهُ مَعَكُمْ بِنَاءً عَلَى كُلِّ هَذَا الكَلَامِ.» فَصَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأبِيهُو وَالسَّبعُونَ مِنْ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ، وَرَأوْا إلَهَ إسْرَائِيلَ! رَأوْا تَحْتَ قَدَمِهِ مَا بَدَا كَرَصِيفٍ مِنْ حِجَارَةِ اليَاقُوتِ الأزرَقِ الصَّافِي كَصَفَاءِ السَّمَاءِ. فَلَمْ يَقْتُلِ اللهُ أحَدَ رُؤَسَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ، بَلْ رَأوْا اللهَ، وَأكَلُوا هُنَاكَ وَشَرِبُوا. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اصْعَدْ إلَى الجَبَلِ وَانْتَظِرْ هُنَاكَ. فَسَأُعْطِيَكَ لَوْحَي الحِجَارَةِ، وَقَدْ نَقَشْتُ عَلَيهِمَا الشَّرِيعَةَ وَالوَصَايَا الَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِ الشَّعْبِ.» فَقَامَ مُوسَى وَيَشُوعُ خَادِمُهُ وَصَعِدَا إلَى جَبَلِ اللهِ. وَقَالَ مُوسَى لِلشُّيُوخِ: «انتَظِرُوا هُنَا حَتَّى نَعُودَ إلَيَكُمْ. وَهَا هَارُونُ وَحُورٌ مَعَكُمْ، فَلْيَذْهَبْ إلَيْهِمَا كُلُّ مَنْ لَهُ دَعْوَى.» فَصَعِدَ مُوسَى إلَى الجَبَلِ، وَغَطَّى السَّحَابُ الجَبَلَ وَحَلَّ مَجْدُ اللهِ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ، وَغَطَّاهُ السَّحَابُ سِتَّةَ أيَّامٍ. وَدَعَا اللهُ مُوسَى فِي اليَوْمِ السَّابِعِ مِنْ وَسَطِ السُّحُبِ. وَكَانَ مَنظَرُ مَجْدِ اللهِ المُنِيرِ كَنَارٍ مُشتَعِلَةٍ عَلَى قِمَّةِ الجَبَلِ أمَامَ عُيُونِ جَمِيعِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَدَخَلَ مُوسَى إلَى السَّحَابِ، وَصَعِدَ إلَى الجَبَلِ. وَبَقِيَ مُوسَى عَلَى الجَبَلِ أرْبَعِينَ نَهَارًا وَأرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَتَكَلَّمَ اللهُ إلَى مُوسَى فَقَالَ: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يُحْضِرُوا لِي تَقْدِمَةً. لِيُقَدِّمُوا التَّقدِمَةَ الَّتِي يُعْطِيهَا كُلُّ شَخْصٍ كَمَا يُنَبِّهُهُ قَلْبُهُ. وَهَذِهِ هِيَ الأشْيَاءُ الَّتِي تَأْخُذُونَهَا مِنْهُمْ: تَأْخُذُونَ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَبُرُونْزًا وَأقْمِشَةً زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيِّةً وَحَمرَاءَ وَكِتَّانًا وَشَعْرَ مَاعِزٍ وَجُلُودَ كِبَاشٍ مَدْبُوغَةً وَجُلُودَ تُيُوسٍ وَخَشَبَ سَنْطٍ وَزَيْتًا لِلسُّرُجِ وَعُطُورًا لِزَيْتِ المَسْحَةِ وَلِلبَخُورِ الطَّيِّبِ وَحِجَارَةَ جَزْعٍ وَجَوَاهِرَ أُخْرَى لِتَرْصِيعِ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ وَالصُّدْرَةِ. «وَلْيَصْنَعُوا لِي مَكَانًا مُقَدَّسًا لِأسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ. وَذَلِكَ بِحَسَبِ التَّصمِيمِ الَّذِي أُظهِرُهُ لَكَ لِلمَسْكَنِ المُقَدَّسِ وَأثَاثِهِ. «فَلِيَصْنَعُوا صُنْدُوقًا مِنْ خَشَبِ السَّنطِ طُولُهُ ذِرَاعَانِ ونَصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَارْتِفَاعُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. وَتُغَشِّيهِ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ مِنَ الدَّاخِلِ وَمِنَ الخَارِجِ، وَتَصْنَعُ لَهُ إطَارًا مِنْ حَوْلِهُ. «اسْبُكْ لِلصُّندُوقِ أرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَضَعْهَا عَلَى زَوَايَاهِ الأرْبَعِ: حَلَقَتَينِ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ. وَاصْنَعْ عَصَوَينِ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ تُغَشِيهِمَا بِالذَّهَبِ. وَتَضَعُ العَصَوَينِ فِي الحَلَقَاتِ الَّتِي عَلَى جَانِبَيِّ الصُّندُوقِ لِحَمْلِهِ بِهِمَا. وَتَبْقَى العَصَوَانِ فِي حَلَقَاتِ الصُّندُوقِ فَلَا يُنْزَعَانِ مِنْهَا. «ضَعْ لَوحَيِّ الشَّهَادَةِ اللَّذَينِ سَأُعْطِيهُمَا لَكَ فِي الصُّندُوقِ. وَاصْنَعْ لِلصُّنْدُوقِ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، طُولُهُ ذِرَاعَانِ ونَصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. وَاصْنَعْ تِمثَالَينِ لِكَرُوبَينِ مِنْ ذَهَبٍ مَطرُوقٍ، وَضَعْهُمَا عَلَى طَرَفَيِّ الغِطَاءِ: كَرُوبٍ وَاحِدٍ عَلَى كُلِّ طَرَفٍ مِنْ طَرَفَيِّ الغِطَاءِ. وَيُصْنَعُ الكَرُوبَانِ بِحَيْثُ يَكُونَانِ قِطعَةً وَاحِدَةً مَعَ الغِطَاءِ. يَكُونُ الكَرُوبَانِ بَاسِطَينِ أجْنِحَتَهُمَا إلَى الأعْلَى يُظَلِّلَانِ الغِطَاءِ. يَكُونُ الكَرُوبَانِ مُتَقَابِلَينِ، وَوَجْهَاهُمَا نَحْوَ الغِطَاءِ. «ضَعِ الغِطَاءَ فَوْقَ الصُّندُوقِ. وَضَعْ دَاخِلَ الصُّندُوقِ الشَّهَادَةَ الَّتِي سَأُعْطِيهَا لَكَ. هُنَاكَ، مِنْ فَوقِ الغِطَاءِ وَبَيْنَ الكَرُوبَينِ اللَّذَينِ فَوْقَ صُنْدُوقِ الشَّهَادَةِ، سأُعلِنُ ذَاتِي لَكَ، وَسَأُخبِرُكَ بِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. «اصْنَعْ مَائِدَةً مِنْ خَشَبِ السَّنطِ، طُولُهَا ذِرَاعَانِ، وَعَرْضُهَا ذِرَاعٌ، وَارتِفَاعُهَا ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. غَشِّ المَائِدَةَ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ، وَاصْنَعْ لَهَا إطَارًا مِنَ الذَّهَبِ حَوْلَهَا. وَاصنَعْ لَهَا حَافَّةً عَرْضُهَا كَفٌّ وَاحِدَةٌ مِنْ حَوْلَهَا، وَإطَارًا مِنْ ذَهَبٍ لِحَافَّتِهَا. «اصْنَعْ لِلمَائِدَةِ أرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَثَبِّتْهَا عَلَى الزَوَايَا الأرْبَعِ، عَلَى مُسْتَوَى أرْجُلِهَا الأرْبَعِ. تَكُونُ الحَلَقَاتُ قَرِيبَةً مِنَ الحَافَّةِ العُلْيَا، فُتُدْخِلُ فِيهَا العَصَوَينِ لِحَمْلِ المَائِدَةِ. وَتَصْنَعُ العَصَوَينِ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِالذَّهَبِ. فَتُحمَلُ المَائِدَةُ بِهِمَا. «اصْنَعْ أطبَاقَ المَائِدَةِ وَصُحُونَهَا مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ، وَكَذَلِكَ أبَارِيقَهَا وَطَاسَاتِهَا لِلتَّقْدِمَاتِ السَّائِلَةِ. وَضَعِ الخُبْزَ الَّذِي يُشيرُ إلَى حُضُورِي عَلَى هَذِهِ المَائِدَةِ أمَامِي دَائِمًا. «وَاصنَعْ مَنَارَةً مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ. تُطْرَقُ قَاعِدَةُ المَنَارَةِ وَسَاقُهَا بِالمِطْرَقَةِ. وَتَكُونُ كُؤُوسُهَا وَعُقَدُهَا وَوَرَقُهَا قِطعَةً وَاحِدَةً مَعَهَا. وَتَتَفَرَّعُ المَنَارَةُ إلَى سِتِّ شُعَبٍ عَلَى جَانِبَيهَا: ثَلَاثِ شُعَبٍ عَنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَانِبَي المَنَارَةِ. وَاسْبُكْ ثَلَاثَ زَهْرَاتِ لَوْزٍ مَعَ عُقَدِهَا وَوَرَقِهَا عَلَى كُلِّ شُعْبَةٍ مِنَ الشُّعَبِ السِّتِّ المُتَفَرِّعَةِ مِنْ سَاقِ المَنَارَةِ. وَكَذَلِكَ أرْبَعَ زَهْرَاتِ لَوْزٍ مَعَ عُقَدِهَا وَوَرَقِهَا عَلَى سَاقِ المَنَارَةِ نَفْسِهِ. مِنْهَا ثَلَاثُ زَهْرَاتٍ مَعَ عُقَدِهَا تَقَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِنْدَ التِقَاءِ كُلِّ شُعْبَتَينِ مِنَ الشُّعَبِ السِّتِّ المُتَفَرِّعَةِ مِنَ السَّاقِ. وَتَكُونُ عُقَدُ المَنَارَةِ وَشُعَبُهَا قِطْعَةً وَاحِدَةً مَعَهَا. وَجَمِيعُهَا مِنَ قِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ المَطرُوقِ. «وَاصْنَعْ سَبْعَةَ سُرَجٍ لِلمَنَارَةِ. وَضَعِ السَّرُجَ عَلَيهَا بِحَيْثُ تُضِيءُ حَوْلَهَا. تَكُونُ مَلَاقِطُ السُّرُجِ وَمَنَافِضُهَا مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ. «فَالمَنَارَةُ مَعَ كُلِّ أدَوَاتِهَا تُصْنَعُ مِنْ قِنْطَارٍ وَاحِدٍ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ. فَاحرِصْ عَلَى أنْ تَصْنَعَهَا حَسَبَ النُّمُوذَجِ الَّذِي أرَيتُكَ إيَّاهُ عَلَى الجَبَلِ. «اصْنَعِ المَسْكَنَ المُقَدَّسَ مِنْ عَشْرِ سَتَائِرَ مِنْ كِتَّانٍ نَاعِمٍ مَبْرُومٍ، وَأقْمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ مُطَرَّزةٍ بِمَهَارَةٍ عَلَى شَكْلِ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ. يَكُونُ طُولُ كُلِّ سِتَارَةٍ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهَا أرْبَعَ أذْرُعٍ. فَلِجَمِيعِ السَتَائِرِ مَقَايِيسُ مُتَسَاوِيَةٌ. وَتُوصَلُ السَّتَائِرُ الخَمْسُ الأُولَى مَعًا، وَالخَمْسُ الثَّانِيَةُ مَعًا. ثُمَّ تَصْنَعُ عُرَىً مِنْ قُمَاشٍ أزْرَقَ عَلَى حَافَّةِ سِتَارَةِ المَجْمُوعَةِ الأُولَى، وَكَذَلِكَ عَلَى حَافَّةِ سِتَارَةِ المَجْمُوعَةِ الثَّانِيَةِ. اصْنَعْ خَمْسِينَ عُروَةً عَلَى سِتَارَةِ المَجْمُوعَةِ الأُولَى، وَخَمْسِينَ عُروَةً عَلَى حَافَّةِ سِتَارَةِ المَجمُوعَةِ الثَّانِيَةِ. وَتَكُونُ العُرَى مُتَقَابِلَةً. «وَاصْنَعْ خَمْسِينَ مِشبَكًا مِنَ الذَّهَبِ لِتُوصِلَ السَّتَائِرَ مَعًا بِالمَشَابِكِ. وَهَكَذَا يَصِيرُ المَسْكَنُ المُقَدَّسُ كَقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ. «وَاصْنَعْ إحْدَى عَشْرَةَ سِتَارَةً مِنْ شَعْرِ المَاعِزِ لِلغِطَاءِ الَّذِي فَوْقَ المَسْكَنِ. طُولُ كُلِّ سِتَارَةٍ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهَا أرْبَعُ أذْرُعٍ. فَتَكُونُ لِلسَّتَائِرِ الإحْدَى عَشْرَةَ مَقَايِيسُ مُتَسَاوِيَةٌ. «صِلْ خَمْسَ سَتَائِرَ مَعًا، وَسِتَّ سَتَائِرَ مَعًا. ثُمَّ اثْنِ السِّتَارَةَ السَّادِسَةَ لِتَكُونَ كَحِجَابٍ أمَامَ الخَيْمَةِ. وَاصْنَعْ خَمْسِينَ عُروَةً عَلَى حَافَّةِ أقْصَى سِتَارَةٍ عَلَى طَرَفِ المَجمُوعَةِ الأُولَى، وَخَمْسِينَ عُروَةً عَلَى حَافَّةِ أقْصَى سِتَارَةٍ عَلَى طَرَفِ المَجمُوعَةِ الثَّانِيَةِ. وَاصْنَعْ خَمْسِينَ مِشْبَكًا مِنْ بُرُونْزٍ تَضَعُهَا فِي العُرَى، لِتَصِلَ أجْزَاءَ المَسْكَنِ مَعًا، فَيَصِيرَ قِطْعَةً وَاحِدَةً. «وَأمَّا الجُزءُ البَاقِي مِنْ سَتَائِرِ الغِطَاءِ، فَتُدَلِّي نِصفَ السِّتَارَةِ البَاقِيَةِ عَلَى خَلْفِ المَسْكَنِ. وَأمَّا الذِّرَاعُ الزَّائِدَةُ مِنَ السَّتَائِرِ عَلَى جَوَانِبِ الغِطَاءِ، فَتَتَدَلَّى عَلَى كُلِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ المَسْكَنِ لِتَغْطِيَتِهَا. «وَاصْنَعْ غِطَاءً لِلمَسْكَنِ مِنْ جِلْدِ الكِبَاشِ المَدبُوغِ، وَغِطَاءً آخَرَ خَارِجيًّا مِنَ الجِلْدِ الفَاخِرِ. «وَاصْنَعْ ألوَاحًا قَائِمَةً مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ لِلمَسْكَنِ. طُولُ كُلِّ لَوحٍ عَشْرُ أذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. وَاجْعَلْ فِي كُلِّ لَوحٍ فَتْحَتَينِ لِوَصْلِهِا بِالألْوَاحِ الأُخْرَى. هَكَذَا تَصْنَعُ لِجَمِيعِ ألوَاحِ المَسْكَنِ. «وَاصْنَعْ عِشْرِينَ لَوْحًا لِلجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ مِنَ المَسْكَنِ. وَاصْنَعْ أرْبَعِينَ قَاعِدَةً مِنْ فِضَّةٍ تَحْتَ الألْوَاحِ العِشْرِينَ، قَاعِدَتَينِ لِفُتْحَتَيِّ كُلِّ لَوْحٍ. وَاصْنَعْ عِشْرِينَ لَوحًا لِلجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ مِنَ المَسْكَنِ، وَتَحْتَهَا أرْبَعِينَ قَاعِدَةً مِنْ فِضَّةٍ: قَاعِدَتَينِ تَحْتَ كُلِّ لَوحٍ. وَاصْنَعْ لِظَهْرِ المَسْكَنِ مِنَ الغَرْبِ سِتَّةَ ألوَاحٍ، وَلَوْحَينِ لِزَاوِيَتَيِّ المَسْكَنِ مِنَ الخَلْفِ. يَكُونُ اللَوحَانِ مُنفَصِلَينِ مِنَ الأسْفَلِ، مُتَّصِلَينِ فِي الأعْلَى دَاخِلَ الحَلَقَةِ الأُولَى. هَكَذَا يَكُونُ اللَوحَانِ عَلى الزَّاوِيَتَينِ. فَيَكُونُ المَجْمُوعُ ثَمَانِيَةَ ألوَاحٍ، لَهَا سِتَّ عَشْرَةَ قَاعِدَةً: قَاعِدَتَانِ تَحْتَ كُلِّ لَوحٍ. «وَاصْنَعْ عَوَارِضَ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ، خَمْسَ عَوَارِضَ لِجَانِبِ المَسْكَنِ الأوَّلِ، وَخَمْسَ عَوَارِضَ لِلجَانِبِ الثَّانِي، وَخَمْسَ عَوَارِضَ لِظَهْرِ المَسْكَنِ مِنَ الغَرْبِ. وَصِلِ العَارِضَةَ الوُسْطَى لِتَمْتَدَّ بَيْنَ الألوَاحِ مِنَ الطَّرَفِ الأوَّلِ إلَى الطَّرَفِ الآخَرِ. «غَشِّ جَمِيعَ الألوَاحِ بِالذَّهَبِ، وَاصْنَعْ لَهَا حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ كَبُيُوتٍ لِلعَوَارِضِ. وَكَذَلِكَ غَشِّ العَوَارِضَ بِالذَّهَبِ. وَهَكَذَا تَبْنِي المَسْكَنَ بِحَسَبِ المُخَطَّطِ الَّذِي أُظهِرَ لَكَ عَلَى الجَبَلِ. «وَاصْنَعْ سِتَارةً مِنْ أقمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ نَاعِمٍ مَبْرُومٍ مُطَرَّزةً بِمَهَارَةٍ عَلَى شَكْلِ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ، وَعَلِّقْهَا عَلَى أرْبَعَةِ أعمِدَةٍ مَصْنُوعَةٍ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ وَمُغَشَّاةٍ بِالذَّهَبِ وَلَهَا مَشَابِكُ مِنْ ذَهَبٍ، تَقِفُ عَلَى أرْبَعِ قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ. عَلِّقِ السِّتَارَةَ بِالمَشَابِكِ، وَأدْخِلْ صُنْدُوقَ الشَّهَادَةِ خَلْفَ السِّتَارَةِ، وَلْتَفْصِلِ السِّتَارَةُ بَيْنَ المَكَانِ المُقَدَّسِ وَقُدْسِ الأقْدَاسِ. «ضَعِ الغِطَاءَ عَلَى صُنْدُوقِ الشَّهَادَةِ فِي قُدْسِ الأقْدَاسِ. وَضَعِ المَائِدَةَ خَارِجَ السِّتَارَةِ، وَضَعِ المَنَارَةَ مُقَابِلَ المَائِدَةِ فِي الجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ مِنَ المَسْكَنِ. وَاصْنَعْ سِتَارَةً مُزَخرَفَةً مِنْ أقْمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمْرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ لِأجْلِ مَدْخَلِ الخَيْمَةِ. وَاصْنَعْ لِهَذِهِ السِّتَارَةِ خَمْسَةَ أعْمِدَةٍ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ تُغَشِّيهَا بِالذَّهَبِ. وَاصْنَعْ مَشَابِكَ مِنْ ذَهَبٍ. وَاسْبُكْ خَمْسَ قَوَاعِدَ مِنْ بُرُونْزٍ لِلأعْمِدَةِ. «وَاصْنَعْ مَذْبَحَ الأضَاحِي مِنْ خَشَبِ السَّنطِ، قَاعِدَتُهُ مُرَبَّعَةٌ طُولُهُا خَمْسُ أذْرُعٍ، وَعَرضُهُا خَمْسُ أذْرُعٍ. أمَّا ارْتِفَاعُ المَذْبَحِ فَثَلَاثُ أذْرُعٍ. وَاصْنَعْ لَهُ أرْبَعَ زَوَايَا بَارِزَةٍ عَلَى جَوَانِبِهِ الأرْبَعَةِ، بِحَيْثُ تَكُونُ قِطْعَةً وَاحِدَةً مَعَهُ، وَغَشِّهَا بِالبُرُونْزِ. وَاصنَعِ القُدُورَ لِحَمْلِ الرَّمَادِ وَالمَجَارِفَ وَالطَّاسَاتِ وَالمَنَاشِلَ وَالمَجَامِرَ وَجَمِيعَ أدَوَاتِ المَذْبَحِ مِنْ بُرُونْزٍ. «وَاصْنَعْ شَبَكَةً مِنْ بُرُونْزٍ لِلمَذْبَحِ، وَعَلَى زَوَايَاهَا الأرْبَعِ أرْبَعُ حَلَقَاتٍ. تَضَعُ الشَّبَكَةَ تَحْتَ حَافَّةِ المَذْبَحِ عَلَى ارتِفَاعِ نِصفِ المَذْبَحِ مِنَ الدَّاخِلِ. «وَاصْنَعْ لِلمَذْبَحِ عَصَوَينِ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ تُغَشِّيهِمَا بِالبُرُونْزِ. تُدْخِلُ العَصَوَينِ فِي الحَلَقَاتِ، فيَكُونَا عَلَى جَانِبَيِّ المَذْبَحِ حِينَ يُحمَلُ. «اصْنَعِ المَذْبَحَ مُجَوَّفًا وَلَهُ ألوَاحٌ عَلَى جَوَانِبِهِ. وَهَكَذَا يُصْنَعُ بِحَسَبِ النُّمُوذَجِ الَّذِي أُظهِرَ لَكَ عَلَى الجَبَلِ. «وَسَيِّجْ سَاحَةَ المَسْكَنِ المُقَدَّسِ. فَمِنَ الجَنُوبِ، تَضَعُ سَتَائِرَ مِنَ كِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ طُولُهَا مِئَةُ ذِرَاعٍ لِذَلِكَ الجَانِبِ. تُحْمَلُ السَّتَائِرُ بِعِشرِينَ عَمُودًا، تَحْتَهَا عِشرُونَ قَاعِدَةً مِنَ البُرُونْزِ. أمَّا مَشَابِكُ الأعْمِدَةِ وَحَلَقَاتُهَا فَتُصْنَعُ مِنَ الفِضَّةِ. «وَسَيِّجِ الجَانِبَ الشِّمَالِيَّ بِالمَقَايِيسِ وَالمُواصَفَاتِ نَفْسِهَا. فَتَكُونُ السَّتَائِرُ بِطُولِ مِئَةِ ذِرَاعٍ مَعَ أعْمِدَتِهَا العِشْرِينَ وَقَوَاعِدِهَا البُرُونْزِيَّةِ العِشرِينَ وَمَشَابِكِ الأعْمِدَةِ وَحَلَقَاتِهَا المَصْنُوعَةِ مِنَ الفِضَّةِ. «أمَّا لِعَرْضِ السَّاحَةِ مِنَ الغَرْبِ، فَتَكُونُ السَّتَائِرُ بِطُولِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا تَحْمِلُهَا عَشْرَةُ أعْمِدَةٍ، تَحْتَهَا عَشَرُ قَوَاعِدَ. فَيَكُونُ عَرْضُ السَّاحَةِ مِنَ الأمَامِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا. كَمَا تُعَلَّقُ خَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا مِنَ السَّتَائِرِ عَلَى أحَدِ جَانِبَي المَدْخَلِ. وَلَهَا ثَلَاثَةُ أعمِدَةٍ وَثَلَاثُ قَوَاعِدَ. وَتُعَلَّقُ خَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا مِنَ السَّتَائِرِ عَلَى الجَانِبِ الثَّانِي. وَلَهَا ثَلَاثَةُ أعمِدَةٍ وَثَلَاثُ قَوَاعِدَ. «وَتُوضَعُ سِتَارَةٌ لِمَدْخَلِ السَّاحَةِ بِطُولِ عِشْرينَ ذِرَاعًا، مَصْنُوعَةٌ مِنْ أقمِشَةٍ مُزَخرَفَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ، تَحْمِلُهَا أرْبَعَةُ أعمِدَةٍ، تَحْتَهَا أرْبَعُ قَوَاعِدَ. وَتَكُونُ كُلُّ أعمِدَةِ السَّاحَةِ مُتَّصِلَةً مَعًا بِقُضبَانٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَهَا مَشَابِكُ مِنْ فِضَّةٍ، وَقَوَاعِدُ مِنْ بُرُونْزٍ. وَهَكَذَا يَكُونَ طُولُ السَّاحَةِ مِئَةَ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا خَمسينَ ذِرَاعًا. وَتَكُونُ لَهَا سَتَائِرُ مِنْ كِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ ارْتِفَاعُهَا خَمْسُ أذْرُعٍ، وَقَوَاعِدُهَا مِنْ بُرُونْزٍ. وَجَمِيعُ أدَوَاتِ المَسْكَنِ المُسْتَخْدَمَةِ لِلخِدْمَةِ، وَجَمِيعُ أوتَادِ السَّاحَةِ، تُصْنَعُ مِنَ البُرُونْزِ. «وَكَذَلِكَ تأمُرُ بَنِي إسْرَائِيلَ بِأنْ يُحضِرُوا لَكَ زَيْتَ زَيْتُونٍ نَقِيًّا لِلإنَارةِ، لِكَي تَبْقَى المَنَارَةُ مُشْتَعِلَةً بِشَكلٍ دَائِمٍ. عَلَى هَارُونَ وَأبْنَائِهِ أنْ يُبقُوا المَنَارَةَ مُشتَعِلَةً مِنَ المَسَاءِ وَحَتَّى الصَّبَاحِ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ خَارِجَ السِّتَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ الَّتِي أمَامَ صُنْدُوقِ الشَّهَادَةِ. احْفَظُوا هَذِهِ الفَرِيضَةَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ كَعَادَةٍ دَائِمَةٍ فِي إسْرَائِيلَ. «قَدِّمْ هَارُونَ أخَاكَ وَأبْنَاءَهُ إلَيَّ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيَكُونُوا كَهَنَةً لِي. أيْ هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ نَادَابَ وَأبِيهُو وَألِيعَازَارَ وَإيثَامَارَ. اصْنَعْ ثِيَابًا مُقَدَّسَةً لِهَارُونَ أخِيكَ لِإظْهَارِ المَجْدِ وَالجَمَالِ. اطلُبْ مِنَ الخَيَّاطِينَ المَهَرَةِ المُحتَرِفِينَ الَّذِينَ وَضَعتُ فِيهِمْ قُدرَةً، وَلِيَصْنَعُوا ثِيَابَ هَارُونَ فَأُخَصِّصَهُ كَاهِنًا لِي. «هَذِهِ هِيَ الثِّيَابُ الَّتِي يَصْنَعُونَهَا: صُدْرَةٌ وَثَوبٌ كَهَنوتِيٌّ وَجُبَّةٌ وَرِدَاءٌ مَنسُوجٌ وَعِمَامَةٌ وَحِزَامٌ. يَصْنَعُونَ ثِيَابًا مُقَدَّسَةً لِأخِيكَ هَارُونَ لِيَكُونَ كَاهِنًا لِي. وَيَسْتَخْدِمُونَ فِي صِنَاعَتِهَا الذَّهَبَ وَالكِتَّانَ وَأقمِشَةً زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةً وَحَمرَاءَ. «اصْنَعِ الثَّوبَ الكَهَنُوتِيَّ مِنْ ذَهَبٍ وَنَسِيجِ خُيُوطٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ، يَصْنَعُهُ خَيَّاطٌ مَاهِرٌ. وَتَكُونُ لَهُ قِطعَتَانِ لِلكَتِفَينِ مُتَّصِلَتَانِ بِهِ عِنْدَ الكَتِفِ. «وَاصْنَعِ الحِزَامَ الَّذِي عَلَى الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ بِمَهَارَةٍ: قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ ذَهَبٍ وَنَسِيجِ خُيُوطٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمْرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ. «وَخُذْ حَجَرَي جَزْعٍ، وَانْقُشْ عَلَيْهِمَا أسْمَاءَ أبْنَاءِ إسْرَائِيلَ. انْقُشْ سِتَّةَ أسْمَاءٍ عَلَى الحَجَرِ الأوَّلِ وَسِتَّةَ أسْمَاءٍ عَلَى الحَجَرِ الثَّانِي، بِحَسَبِ تَرْتِيبِ وِلَادَتِهِمْ. تَنْقُشُ أسْمَاءَ أبْنَاءِ إسْرَائِيلَ عَلَى الحَجَرَينِ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي يَصْنَعُ بِهَا الصَّائِغُ خَتمًا. ثُمَّ تَضَعُ الحَجَرَينِ فِي إطَارٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَضَعُهُمَا عَلَى كَتِفَيِّ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ كَحَجَرَي تَذكَارٍ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. عَلَى هَارُونَ أنْ يَرْتَدِيَ أسْمَاءَهُمْ فِي حَضْرَةِ اللهِ عَلَى كَتِفِهِ كَتَذكَارٍ. وَاصْنَعْ إطَارَينِ مِنْ ذَهَبٍ، وَسِلسِلَتَينِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ مَجْدُولَتَينِ كَالحَبلِ. وَصِلِ السِّلسِلَتَينِ بِالإطَارَينِ. «أمَّا صُدرَةُ القَضَاءِ فَيَصْنَعُهَا خَيَّاطٌ مَاهِرٌ كَمَا صُنِعَ الثَّوبُ الكَهَنُوتِيُّ. تُصْنَعُ مِنَ الذَّهَبِ وَأقمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ. وَتَكُونُ مُرَبَّعَةً وَمَثنِيَّةً، طُولُهَا شِبرٌ وَعَرْضُهَا شِبرٌ. وَتُرْصَفُ بِأرْبَعَةِ صُفُوفٍ مِنَ الحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ: فِي الصَّفِّ الأوَّلِ عَقِيقٌ أحمَرُ وَيَاقُوتٌ أصفَرُ وَزُمُرُّدٌ، وَفِي الصَّفِّ الثَّانِي فَيرُوزٌ وَيَاقُوتٌ أزرَقُ وَعَقِيقٌ أبْيَضُ، وَفِي الصَّفِّ الثَّالِثِ عَينُ الهِرِّ وَيَشْمُ وَجَمشَتُ، وَفِي الصَّفِّ الرَّابِعِ زَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَيَشْبٌ. تُوضَعُ جَمِيعًا فِي أُطُرٍ مِنْ ذَهَبٍ. يَكُونُ هُنَاكَ اثْنَا عَشَرَ حَجَرًا تُمَثِّلُ أسْمَاءَ أبْنَاءِ إسْرَائِيلَ. وَيُحْفَرُ عَلَى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ إحْدَى القَبَائِلِ الِاثنَتَيْ عَشْرَةَ، كَمَا يُحفَرُ الِاسْمُ عَلَى الخَاتَمِ. «وَاصْنَعْ لِلصُّدرَةِ سَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ مَجْدُولٍ كَالحَبلِ. وَاصْنَعْ حَلَقَتَينِ مِنْ ذَهَبٍ لِأجْلِ الصُّدرَةِ تَضَعَهُمَا عَلَى طَرَفَيهَا. وَتَضَعُ طَرَفَي سِلْسِلَتَي الذَّهَبِ فِي الحَلَقَتَينِ عَلَى طَرَفيِّ الصُدْرَةِ مِنَ الخَارِجِ. ثُمَّ صِلِ الطَّرَفَينِ الآخَرَينِ لِلسِّلسِلَتَينِ بِالإطَارَينِ. فَيَثْبُتَا عَلَى كَتِفَيِّ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ مِنَ الأمَامِ. وَاصْنَعْ حَلَقَتَينِ أُخرَيينِ مِنَ الذَّهَبِ، وَضَعْهُمَا عَلَى طَرَفَي الصُّدرَةِ الآخَرَينِ، أيْ عَلَى الجَانِبِ الدَّاخِلِيِّ المُلَاصِقِ لِلثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ. وَاصْنَعْ حَلَقَتَينِ أُخْرَيينِ مِنَ الذَّهَبِ، وَضَعهُمَا أسْفَلَ الكَتِفَينِ فِي مُقَدِّمَةِ الثَّوبِ الكَهَنوتِيِّ، فَوْقَ الحِزَامِ. وَتُربَطُ حَلَقَاتُ الصُّدرَةِ بِحَلَقَاتِ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ بِخَيطٍ أزرَقَ. وَهَكَذَا تَبقى صُدْرَةُ القَضَاءِ قَرِيبَةً مِنْ حِزَامِ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ، مُلتَصِقَةً بِالثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ. «وَيَرْتَدِي هَارُونُ أسْمَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى صُدْرَةِ القَضَاءِ قَرِيبَةً مِنْ قَلْبِهِ حِينَ يَدْخُلُ إلَى القُدْسِ، كَتَذكَارٍ دَائِمٍ وَمُسْتَمِرٍّ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَيُوضَعُ الأُورِيمُ وَالتُّمِّيمُ عَلَى صُدْرَةِ القَضَاءِ قَرِيبَةً مِنْ قَلْبِ هَارُونَ حِينَ يَقِفُ فِي حَضْرَةِ اللهِ . فَيَرْتَدِي هَارُونُ صُدْرَةَ قَضَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ بِقُرْبِ قَلْبِهِ فِي حَضْرَةِ اللهِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ. «وَاصْنَعْ جُبَّةَ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ كُلَّهَا مِنْ قُمَاشٍ أزْرَقَ. وَتَكُونُ لَهَا فَتْحَةٌ لِلرَّأسِ فِي وَسَطِهَا كَفَتْحَةِ الدِّرعِ. وَلِلفَتْحَةِ حَافَّةٌ مَحبُوكَةٌ حَوْلَهَا كَي لَا تَتَمَزَّقَ. وَاصْنَعْ رُمَّانَاتٍ مِنْ أقْمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمْرَاءَ حَوْلَ الأطْرَافِ السُّفْلَى لِلجُبَّةِ، وَأجْرَاسًا مِنْ ذَهَبٍ عَلَى أطرَافِ الثَّوبِ وَسَطَ الرُّمَّانَاتِ. فَيَكونُ جَرَسٌ ذَهَبيٌّ وَاحِدٌ بَيْنَ كُلِّ رُمَّانَتَينِ حَوْلَ أسْفَلِ الجُبَّةِ. فَيَرْتَدي هَارُونُ الجُبَّةَ أثْنَاءَ خِدْمَتِهِ، فَيُسْمَعُ صَوْتُ الأجْرَاسِ حِينَ يَدْخُلُ قُدْسَ الأقْدَاسِ فِي حَضْرَةِ اللهِ وَحِينَ يَخْرُجُ، فَلَا يَمُوتُ. «وَاصْنَعْ صَفِيحَةً مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ، وَانْقُشْ عَلَيهَا العِبَارَةَ: ‹مُخَصَّصٌ لِيهوه› كَنَقْشِ الخَتمِ. وَثَبِّتهَا بِخَيطٍ أزرَقَ فِي مُقَدِّمَةِ العِمَامَةِ. فَتَكُونُ عَلَى جَبِينِ هَارُونَ. وَيُخَصِّصُ بَنُو إسْرَائِيلَ تقدِمَاتِهِمْ لِتَكُونَ مُقَدَّسَةً للهِ ، فَيَحْمِلُ هَارُونُ شَوَائِبَ الذُّنُوبِ العَالِقَةَ بِجَمِيعِ هَذِهِ التَّقدِمَاتِ. يَضَعُهَا عَلَى جَبِينِهِ دَائِمًا فَيَحْظَوْنَ بِرِضَى اللهِ . «وَانْسِجِ الرِّدَاءَ مِنْ كِتَّانٍ، وَاصْنَعِ العِمَامَةَ مِنْ كِتَّانٍ. وَيَكُونُ الحِزَامُ مُزَخرَفًا. وَاصْنَعْ لِأبْنَاءِ هَارُونَ أردِيَةً وَأحزِمَةً. وَاصْنَعْ لَهُمْ عَمَائِمَ لِلمَجْدِ وَالجَمَالِ. فَتُلْبِسُ هَارُونَ أخَاكَ وَأبْنَاءَهُ مَعَهُ، وَتَمْسَحُهُمْ وَتُعَيِّنُهُمْ وَتُفرِزُهُمْ لِيَخْدِمُونِي كَكَهَنَةٍ. «وَاصنَعْ لَهُمْ سَرَاوِيلَ كِتَّانِيَّةً دَاخِلِيَّةً لِتَغْطِيَةِ أعضَائِهِمْ، تَكُونُ مِنَ الخَصْرِ حَتَّى الفَخذَينِ. فَيَلبَسُهَا هَارُونُ وَأبنَاؤهُ حِينَ يَأْتُونَ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَحِينَ يَقْتَرِبُونَ مِنَ المَذْبَحِ لِيَخْدِمُوا فِي قُدْسِ الأقْدَاسِ. وَبِهَذَا لَا يَرْتَكِبُونَ إثمًا فَيَمُوتُوا. فَليَحْفَظْ هَارُونُ وَنَسْلُهُ مِنْ بَعدِهِ هَذَا الأمْرَ كَعَادَةٍ دَائِمَةٍ. «هَذَا مَا تَعْمَلُهُ لِتَقْدِيسِهِمْ لِيَصِيرُوا كَهَنَةً لِي. خُذْ ثَوْرًا وَكَبْشَينِ سَلِيمَينِ تَمَامًا، وَخُبْزًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ وَكَعْكًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ وَرَقَائِقَ غَيْرِ مَخْتَمِرَةٍ مَمْسُوحَةً بِزَيْتٍ. اصْنَعْ كُلَّ هَذِهِ مِنْ طَحِينِ قَمْحٍ نَاعِمٍ. وَضَعْهَا فِي سَلَّةٍ وَأحْضِرْهَا فِي السَّلَّةِ مَعَ الثَّورِ وَالكَبْشَينِ. «ثُمَّ اسْتَدْعِ هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ إلَى بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَاغْسِلْهُمْ بِمَاءٍ. وَخُذِ الثِّيَابَ، وَألْبِسْ هَارُونَ الرِّدَاءَ وَجُبَّةَ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ وَالصُّدرَةَ. ثُمَّ ارْبُطِ الثَّوبَ الكَهَنُوتِيِّ بِالحِزَامِ المُزَخْرَفِ، وَضَعِ العِمَامَةَ عَلَى رَأسِهِ، وَالصَّفِيحَةَ المُقَدَّسَةَ عَلَى العِمَامَةِ. «ثُمَّ خُذْ مِنْ زَيْتِ المَسْحَةِ وَاسْكُبْ عَلَى رَأسِهِ لِتَمْسَحَهُ. ثُمَّ أحْضِرْ أبْنَاءَهُ وَألْبِسْهُمْ أرْدِيَتَهُمْ. وَارْبُطْ أحْزِمَةَ هَارُونَ وَأبْنَائِهِ، وَضَعِ العَمَائِمَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، فَيَصِيرُونَ كَهَنَةً. هَكَذَا تُعَيِّنُ هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ كَهَنَةً كَعَادَةٍ دَائِمَةٍ. «ثُمَّ أحْضِرْ ثَوْرًا إلَى أمَامِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَاطلُبْ مِنْ هَارُونَ وَأبْنَائِهِ أنْ يَضَعُوا أيدِيَهُمْ عَلَى رَأسِ الثَّورِ. ثُمَّ اذبَحِ الثَّورَ فِي حَضْرَةِ اللهِ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. «ثُمَّ خُذْ مِنْ دَمِ الثَّورِ وَضَعْهُ عَلَى زَوَايَا المَذْبَحِ البَارِزَةِ بِإصْبَعِكَ، وَاسْكُبْ مَا بَقِيَ مِنَ الدَّمِ عِنْدَ قَاعِدَةِ المَذْبَحِ. ثُمَّ خُذِ الشَّحْمَ الَّذِي يُغَطِّي الأحْشَاءَ الدَّاخِلِيَّةَ وَمُلْحَقَاتِ الكَبِدِ وَالكُلْيَتَينِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، وَأحْرِقْهَا كُلَّهَا عَلَى المَذْبَحِ. أمَّا جَسَدُ الثَّورِ وَجِلْدُهُ وَرَوثُهُ فَتُحْرَقُ بِالنَّارِ خَارِجَ المُخَيَّمِ، فَهُوَ ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ. «ثُمَّ خُذْ أحَدَ الكَبْشَينِ، وَلْيَضَعْ هَارُونُ وَأبنَاؤُهُ أيدِيَهُمْ عَلَى رَأسِهِ. ثُمَّ اذْبَحِ الكَبْشَ وَخُذْ مِنْ دَمِهِ وَرُشَّهُ عَلَى مُحِيطِ المَذْبَحِ. قَطِّعِ الكَبْشَ وَاغْسِلْ أحْشَاءَهُ وَسَاقَيهِ وَضَعْهَا مَعَ قِطَعِهِ وَرَأسِهِ. ثُمَّ أحْرِقِ الكَبْشَ بِكَامِلِهِ عَلَى المَذْبَحِ. إنَّهُ ذَبِيحَةٌ صَاعِدَةٌ للهِ ، وَرَائِحَةٌ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «ثُمَّ خُذِ الكَبْشَ الثَّانِي، وَلْيَضَعْ هَارُونُ وَأبنَاؤهُ أيدِيَهُمْ عَلَى رَأسِهِ. ثُمَّ اذْبَحِ الكَبْشَ وَخُذْ مِنْ دَمِهِ، وَضَعِ الدَّمَ عَلَى شَحمَةِ أُذُنِ هَارُونَ اليُمْنَى وَشَحْمَاتِ أُذُنِ أبْنَائِهِ اليُمْنَى، وَعَلَى أبَاهِمِ أيدِيهِمُ اليُمْنَى وَأبَاهِمِ أرجُلِهِمُ اليُمْنَى. ثُمَّ تَرُشُّ الدَّمَ عَلَى مُحِيطِ المَذْبَحِ. خُذْ مِنَ الدَّمِ الَّذِي عَلَى المَذْبَحِ، وَمِنْ زَيْتِ المَسْحَةِ وَرُشْ عَلَى هَارُونَ وَثِيَابِهِ وَأبْنَائِهِ وَثِيَابِهِمْ. وَهَكَذَا يُقَدَّسُ هَارُونُ وَثِيَابُهُ وَأبنَاؤُهُ وَثِيَابُهُمْ. «ثُمَّ خُذْ مِنَ الكَبْشِ وَالإلْيَةِ وَالشَّحمِ الَّذِي يُغَطِّي الأحشَاءَ الدَّاخِلِيَّةَ وَمُلْحَقَاتِ الكَبِدِ وَالكُلْيَتَينِ وَالشَّحمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا وَالسَّاقَ اليُمْنَى، لِأنَّهُ كَبْشُ تَكْرِيسٍ. خُذْ أيْضًا رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَعكَةً مَعجُونَةً بِالزَّيْتِ، وَرُقَاقَةً مِنْ سَلَّةِ الخُبْزِ غَيرِ المُخْتَمِرِ الَّتِي فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَضَعْ كُلَّ هَذِهِ فِي يَدَي هَارُونَ وَأيدِي أبْنَائِهِ، فَيَرْفَعُونَهَا تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . ثُمَّ خُذْهَا مِنْ أيدِيهِمْ وَأحْرِقْهَا عَلَى المَذْبَحِ مَعَ ذَبِيحَةِ الكَبْشِ الصَّاعِدَةِ، فَتَكُونَ تَقْدِمَةً طَيِّبَّةَ الرَّائِحَةِ للهِ . «ثُمَّ خُذْ صَدرَ كَبْشِ تَكْرِيسِ هَارُونَ، وَارْفَعْهُ تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . هَذَا يَكُونُ نَصِيبَكَ. وَخَصِّصْ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ صَدرَ الذَّبِيحَةِ الَّتِي رُفِعَتْ، وَالسَّاقَ الَّتِي رُفِعَتْ مِنْ ذَبِيحَةِ كَبْشِ التَّكْرِيسِ الَّتِي رُفِعَتْ فِي حَضْرَةِ اللهِ. هَذِهِ الأجزَاءُ مِنَ الكَبْشِ هِيَ نَصِيبُ هَارُونَ وَأبْنَائِهِ كَعَادَةٍ دَائِمَةٍ. تُرْفَعُ مِنْ تَقْدِمَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا كَذَبَائِحِ سَلَامٍ للهِ . «وَثِيَابُ هَارُونَ المُقَدَّسَةُ سَتَكُونُ لِأبنَائِهِ مِنْ بَعدِهِ لِيُمسَحُوا فِيهَا وَلِيُعَيَّنُوا كَكَهَنَةٍ. فَمَنْ يَحِلُّ مَحَلَّ هَارُونَ مِنْ أبْنَائِهِ، يَلبَسُ ثِيَابَهُ سَبْعَةَ أيَّامٍ مُتَتَالِيَةٍ حِينَ يَأْتِي إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِيَخْدِمَ فِي القُدْسِ. «خُذْ كَبْشَ التَّكْريِسِ وَاطْبُخْ لَحْمَهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. وَلْيَأْكُلْ هَارُونُ وَأبنَاؤهُ لَحْمَ الكَبْشِ وَالخُبْزَ الَّذِي فِي السَّلَّةِ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. لِيأكُلُوا الذَّبَائِحَ وَالتَّقدِمَاتِ الَّتِي اسْتُخدِمَتْ لِتَكفِيرِ خَطَايَاهُمْ لِتَكْرِيسِهِمْ وَتَقْدِيسِهِمْ. وَلَا يَجُوزُ لِغَرِيبٍ أنْ يَأْكُلَ مِنْهَا لِأنَّهَا مُخَصَّصَةٌ لِلكَهَنَةِ. فَإنْ بَقِيَ شَيءٌ مِنْ لَحْمِ ذَبِيحَةِ التَّكْرِيسِ أوْ مِنَ الخُبْزِ إلَى الصَّبَاحِ، أحْرِقْهُ بِالنَّارِ. لَا يَنْبَغِي أنْ يُؤكَلَ لِأنَّهُ مُقَدَّسٌ. «افْعَلْ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ بِحَسَبِ كُلِّ مَا أمَرتُكَ بِهِ. قَدِّمْ ذَبَائِحَ تَكْرِيسٍ لَهُمْ لِمُدَّةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ. قَدِّمْ كُلَّ يَوْمٍ ثَوْرًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ كَكَفَّارَةٍ. فَيَتَطَهَّرُ المَذْبَحُ بِهَذِهِ الكَفَّارَةِ. ثُمَّ امْسَحْهُ وَكَرِّسْهُ. قَدِّمْ ذَبَائِحَ تَكْفِيرٍ عَلَى المَذْبَحِ وَقَدِّسْهُ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ، فَيَصِيرَ قُدْسَ أقْدَاسٍ. وَكُلُّ مَا يَلْمِسُ المَذْبَحَ يَتَقَدَّسُ أيْضًا. «هَذَا هُوَ مَا تُقَدِّمُهُ عَلَى المَذْبَحِ: تُقّدِّمُ كَلَّ يَوْمٍ، وَبِشَكلٍ دَائِمٍ، حَمَلَينِ اثنَيْنِ عُمْرُ الوَاحِدِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ. تُقَدِّمُ الحَمَلَ الأوَّلَ فِي الصَّبَاحِ، وَالثَّانِيَ بَعْدَ الغُرُوبِ قُبَيلَ المَسَاءِ. وَتُقَدِّمُ مَعَ الحَمَلِ الأوَّلِ عُشْرَ كَيْلٍ مِنْ طَحِينِ القَمْحِ النَّاعِمِ، مَمْزُوجًا بِسَكِيبٍ مِقْدَارُهُ رُبْعُ وِعَاءٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَرُبْعُ وِعَاءٍ مِنَ النَّبِيذِ. وَتُقَدِّمُ الحَمَلَ الثَّانِيَ قَبْلَ المَسَاءِ، وَتُقَدِّمُ مَعَهُ تَقْدِمَةَ الحُبُوبِ وَالتَّقْدِمَةَ السَّائِلَةَ الَّتِي قَدَّمْتَهَا فِي الصَّبَاحِ تَقْدِمَةً طَيِّبَّةَ الرَّائِحَةِ، مُسِرَّةً للهِ . «تَكُونُ هَذِهِ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً دَائِمَةً جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، حَيْثُ سَألْتَقِي بِكُمْ وَأتَكَلَّمُ إلَيكُمْ. سَألْتَقِي بِبَنِي إسْرَائِيلَ هُنَاكَ، وَمَجْدِي سَيُقَدِّسُ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ. «سَأُقَدِّسُ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ وَالمَذْبَحِ، كَمَا سَأُقَدِّسُ هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ لِيَكُونُوا كَهَنَةً لِي. سَأسكُنُ وَسَطَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأنَا سَأكُونُ إلَهَهُمْ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا الَّذِي أخرَجْتُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ لِأسكُنَ فِي وَسَطِهِمْ. أنَا . «اصْنَعْ مَذْبَحًا مِنْ خَشَبِ السَّنطِ لِإحرَاقِ البَخُورِ، طُولُهُ ذِرَاعٌ وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ، أيْ مُرَبَّعَ القَاعِدَةِ، وَارتِفَاعُهُ ذِرَاعَانِ. وَلْتَكُنْ زَوَايَاهُ البَارِزَةُ قِطعَةً وَاحِدَةً مَعَهُ. غَشِّ سَطحَهُ وَجَوَانِبَهُ وَزَوَايَاهُ البَارِزَةَ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ. وَاصْنَعْ لَهُ حَافَّةً حَوَالَيهِ. «ثُمَّ اصْنَعْ لَهُ حَلَقَتَينِ مِنْ ذَهَبٍ تَحْتَ حَافَّتِهِ عَلَى جَانِبَيهِ. تُسْتَخْدَمُ الحَلَقَتَانِ لِوَضعِ العَصَوَينِ لِحَمْلِهِ. اصْنَعِ العَصَوَينِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ، وَغَشِّهِمَا بِالذَّهَبِ. ضَعْ مَذْبَحَ البَخُورِ أمَامَ السِّتَارَةِ الَّتِي تَتَدَلَّى أمَامَ غِطَاءِ صُنْدُوقِ العَهْدِ حَيْثُ مَوعِدِي مَعَكُمْ. «عَلَى هَارُونَ أنْ يُحْرِقَ بَخُورًا طَيِّبًا عَلَى هَذَا المَذْبَحِ. يُحْرِقَهُ كُلَّ صَبَاحٍ حِينَ يُصْلِحُ السُّرُجَ. وَكَذَلِكَ حِينَ يُصلِحُ هَارُونُ السُّرُجَ عِنْدَ المَسَاءِ. يُحْرِقُ البَخُورَ فِي حَضْرَةِ اللهِ يَوْمِيًّا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. لَكِنْ لَا تُقَدِّمْ عَلَيْهِ بَخُورًا غَرِيبًا أوْ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً أوْ تَقْدِمَةً مِنْ حُبُوبٍ. وَلَا تَسْكُبْ عَلَيْهِ سَكيبًا. «وَيَقُومُ هَارُونُ بِطَقْسِ التَّكفِيرِ عَلَى زَوَايَا المَذْبَحِ مَرَّةً فِي السَّنَةِ. يَضَعُ دَمَ ذَبِيحَةِ كَفَّارَةِ الخَطِيَّةِ عَلَى الزَّوَايَا البَارِزَةِ لِمَذْبَحِ البَخُورِ. لِيُصْنَعْ هَذَا فِي جَمِيعِ أجيَالِكُمْ. إنَّهُ قُدْسُ أقْدَاسٍ للهِ .» وَتَكَلَّمَ اللهُ إلَى مُوسَى فَقَالَ: «حِينَ تُحْصِي بَنِي إسْرَائِيلَ لِتُسَجِّلَهُمْ، يَدْفَعُ كُلُّ مَنْ يُحصَى فِديَةً عَنْ حَيَاتِهِ للهِ ، كَي لَا يَأْتِيَ وَبَاءٌ عَلَيْهِمْ حِينَ يَتِمُّ إحْصَاؤُهُمْ. فَكُلُّ مَنْ يُحْصَى يُقَدِّمُ نِصْفَ مِثْقَالٍ بِحَسَبِ القِيَاسِ الرَّسميِّ – يسَاوِي المِثْقَالُ عِشْرِينَ قِيرَاطًا – فَليُقَدِّمْ نِصْفَ مِثْقَالٍ تَقْدِمَةً للهِ . وَكُلُّ مَنْ يُحْصَى مِنْ سِنِّ عِشْرِينَ سَنَةً فَأكثَرَ، يُقَدِّمُ تَقْدِمَةً للهِ . لَا يَدْفَعُ الغَنِيُّ أكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مِثْقَالٍ. وَلَا يَدْفَعُ الفَقِيرُ أقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، حِينَ يُقَدِّمُونَ تَقْدِمَةَ اللهِ كَفَّارَةً لِحَيَاتِهِمْ. خُذْ مَالَ الفِدْيَةِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَخَصِّصْهُ لِخِدْمَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ تَذْكَارًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ فِي حَضْرَةِ اللهِ الَّذِي فَدَى حَيَاتَكُمْ.» وَتَكَلَّمَ اللهُ إلَى مُوسَى فَقَالَ: «اصْنَعْ حَوْضًا بُرُونْزِيًّا لِلِاغْتِسَالِ، قَاعِدَتُهُ بُرُونْزِيَّةٌ. وَضَعْهُ بَيْنَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالمَذْبَحِ، وَامْلأهُ مَاءً. فَعَلَى هَارُونَ وَأبْنَائِهِ أنْ يَغْسِلُوا أيدِيَهُمْ وَأرجُلَهُمْ بِذَلِكَ المَاءِ حِينَ يَأْتُونَ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. لِيَغْتَسِلُوا بِالمَاءِ كَي لَا يَمُوتُوا. وَكَذَلِكَ حِينَ يَقْتَرِبُونَ إلَى المَذْبَحِ لِيَخْدِمُوا بِتَقْدِيمِ تَقْدِمَةٍ عَلَى النَّارِ للهِ ، فَلْيَغْسِلُوا أيدِيَهُمْ وَأرجُلَهُمْ كَي لَا يَمُوتُوا. فَلتُحْفَظْ هَذِهِ الفَرِيضَةُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ لِهَارُونَ وَلِنَسْلِهِ.» وَتَكَلَّمَ اللهُ إلَى مُوسَى فَقَالَ: «خُذْ أطيَبَ العُطُورِ: خَمْسَ مِئَةِ مِثْقَالٍ مِنَ المُرِّ السَّائِلِ، مِئَتينِ وَخَمْسِينَ مِثْقَالًا مِنَ القِرفَةِ العَطِرَةِ، مِئِتينِ وَخَمْسِينَ مِثْقَالًا مِنْ قَصَبِ الذَّرِيرَةِ، خَمْسَ مِئَةِ مِثْقَالٍ مِنَ السَّلِيخَةِ بِحَسَبِ الوَزنِ الرَّسمِيِّ، وَمِقدَارَ وِعَاءٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ. «وَاصْنَعْ مِنْ كُلِّ هَذِهِ زَيْتًا مُقَدَّسًا لِلمَسْحَةِ مَمْزُوجًا مَعًا كَالعِطرِ. وَسَيَكُونُ هَذَا زَيْتًا مُقَدَّسًا لِلمَسْحَةِ. استَخْدِمْهُ لِمَسْحِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَصُنْدُوقِ لَوحَيِّ الشَّهَادَةِ، وَالمَائِدَةِ وَأدَوَاتِهَا وَالمَنَارَةِ وَأدَوَاتِهَا وَمَذْبَحِ البَخُورِ، وَمَذْبَحِ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَكُلِّ أدَوَاتِهِ وَحَوْضِ المَاءِ وَقَاعِدَتِهِ. تُقَدِّسُهَا فَتَصِيرَ نَصِيبًا مُخَصَّصًا لِلكَهَنَةِ بِالْكَامِلِ، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُهَا يَتَقَدَّسُ. «وَامْسَحْ هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ لِكَي تُخَصِّصَهُمْ لِيَكُونُوا كَهَنَةً لِي. وَتَكَلَّمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: سَيَكُونُ هَذَا لِي زَيْتَ المَسْحَةِ المُقَدَّسَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. فَلَا يَنْبَغِي أنْ يُستَخْدَمَ كَعِطرٍ عَادِيٍّ، وَلَا يَجُوزُ أنْ تَصْنَعُوا عِطرًا مِثْلَهُ. فَهُوَ مُخَصَّصٌ لِلِاستِخدَامِ كَمَا أمَرَ اللهُ. كُلُّ مَنْ يُرَكِّبُ زَيْتًا مِثْلَهُ، أوْ يَضَعُ مِنْهُ عَلَى شَخْصٍ غَيرِ مُؤهَّلٍ، يُقْطَعُ مِنَ الشَّعْبِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «خُذْ كَمِّيَّاتٍ مُتَسَاوِيَةً مِنَ العُطُورِ: مَيعَةً وَأظفَارًا وَقِنَّةً عَطِرَةً وَلُبَانًا نَقِيًّا، وَاصْنَعْ مِنْهَا بَخُورًا عَطِرًا مُمَلَّحًا نَقِيًّا مُقَدَّسًا، كَمَا يَفْعَلُ أمهَرُ العَطَّارِينَ. اسْحَقْ بَعْضَهُ نَاعِمًا جِدًّا، وَضَعْ مِنْهُ أمَامَ صُنْدُوقِ الشَّهَادَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ حَيْثُ أُعلِنُ ذَاتِي لَكَ. يَكُونُ هَذَا البَخُورُ قُدْسَ أقدَاسٍ لَكُمْ. اصنَعُوا البَخُورَ بمَقَادِيرِهِ، لَكِنْ لَا تَصْنَعُوهُ لِأنفُسِكُمْ، بَلْ يَكُونُ مُخَصَّصًا للهِ . وَمَنْ يَصْنَعُ البَخُورَ نَفْسَهُ لِيَشُمَّهُ، يُقْطَعُ مِنَ الشَّعْبِ.» وَتَكَلَّمَ اللهُ إلَى مُوسَى فَقَالَ: «هَا قَدِ اختَرْتُ بَصَلْئِيلَ بْنَ أُورِي بْنَ حُورٍ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. سَأمْلأُهُ بِرُوحِ اللهِ مَهَارَةً وَفَهْمًا وَمَعْرِفَةً وَقُدْرَاتٍ كَبِيرَةً لِعَمَلِ تَصَامِيمَ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالبُرُونْزِ، وَفِي النَّقشِ عَلَى الحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ لِلتَّرصِيعِ، وَفِي زَخرَفَةِ الخَشَبِ، وَجَمِيعِ أنْوَاعِ المَهَارَاتِ. وَقَدْ أعْطَيْتُهُ أُهُولِيآبَ بْنَ أخِيسَامَاكَ مِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ لِمُسَاعَدَتِهِ. «وَأعْطَيْتُ مَهَارَةً لِكُلِّ صَانِعٍ مُحتَرِفٍ لِيَصْنَعُوا جَمِيعَ مَا أمَرْتُكَ بِهِ: خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ وَصُنْدُوقَ لَوحَيِّ الشَّهَادَةِ وَغِطَاءَ صُنْدُوقِ لَوحَيِّ الشَّهَادَةِ وَكُلَّ أدَوَاتِ الخَيْمَةِ، المَائِدَةَ وَكُلَّ أدَوَاتِهَا، المَنَارَةَ المَصْنُوعَةَ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ وَكُلَّ أدَوَاتِهَا، مَذْبَحَ البَخُورِ، مَذْبَحَ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَكُلَّ أدَوَاتِهِ، حَوضَ الِاغتِسَالِ وَقَاعِدَتَهُ، الثِّيَابَ المَنسُوجَةَ وَالثِّيَابَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي لِهَارُونَ، ثِيَابَ أبْنَائِهِ الكَهَنُوتِيَّةَ، زَيْتَ المَسْحَةِ وَالبَخُورَ الطَّيِّبَ لِلقُدْسِ. فَلْيَعْمَلُوهَا بِحَسَبِ مَا أمَرْتُكَ بِهِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «تَكَلَّمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: ‹احفَظُوا سُبُوتِي لِأنَّهَا عَلَامَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ لِتَعْرِفُوا أنِّي أنَا اللهُ الَّذِي أُقَدِّسُكُمْ. احْفَظُوا السَّبتَ لِأنَّهُ مُقَدَّسٌ. وَكُلُّ مَنْ يُنَجِّسُهُ يُقْتَلُ. فَكُلُّ مَنْ يَقُومُ بِعَمَلٍ مَا فِي السَّبْتِ، يُقْطَعُ مِنَ وَسَطِ الشَّعْبِ. «‹اعمَلُوا سِتَّةَ أيَّامٍ، وَأمَّا اليَوْمُ السَّابِعُ فَاحفَظُوهُ لِلرَّاحَةِ، فَهُوَ يَومٌ مُقَدَّسٌ للهِ . مَنْ يَعْمَلُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ فَإنَّهُ يُقْتَلُ.› عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَحْفَظُوا السَّبتَ لِيَبْقَى جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ كَعَهْدٍ أبَدِيٍّ. إنَّهُ عَلَامَةٌ أبَدِيَّةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ، لِأنَّ اللهَ صَنَعَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أيَّامٍ، وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ أكْمَلَ العَمَلَ وَاستَرَاحَ.» فَلَمَّا انْتَهَى اللهُ مِنَ الكَلَامِ مَعَهُ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ، أعْطَى مُوسَى لَوحَيِّ الشَّهَادَةِ. وَهُمَا الحَجَرَانِ اللَّذَانِ نَقَشَ اللهُ عَلَيْهِمَا بِإصبَعِهِ. وَرَأى الشَّعْبُ أنَّ مُوسَى قَدْ تَأخَّرَ فِي النُّزُولِ مِنَ الجَبَلِ، فَاجتَمَعُوا حَوْلَ هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمْ وَاصنَعْ لَنَا آلِهَةً لِتَقُودَنَا فِي الطَّرِيقِ. فَنَحْنُ لَا نَدرِي مَا الَّذِي حَلَّ بهَذَا الرَّجُلِ مُوسَى الَّذِي أخرَجَنَا مِنْ أرْضِ مِصْرٍ.» فَقَالَ هَارُونُ لَهُمْ: «انزِعُوا أقرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِ زَوْجَاتِكُمْ وَأوْلَادِكُمْ وَأحْضِرُوهَا لِي.» فَنَزَعَ الشَّعْبُ أقرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي كَانَتْ فِي آذَانِهِمْ وَأحضَرُوهَا إلَى هَارُونَ. فَأخَذَ هَارُونُ الذَّهَبَ مِنْهُمْ، وَصَهَرَهُ وَشَكَّلَهُ بِالإزمِيلِ، وَصَنَعَ مِنْهُ عِجلًا مَسْبُوكًا. فَقَالُوا: «هَذِهِ هِيَ آلِهَتُكَ الَّتِي أخرَجَتْكَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ يَا إسْرَائِيلُ.» وَحِينَ رَأى هَارُونُ هَذَا، بَنَى مَذْبَحًا أمَامَهُ. وَأعلَنَ هَارُونُ: «سَنَعمَلُ عِيدًا للهِ غَدًا.» فَنَهَضَ الشَّعْبُ بَاكِرًا فِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَذَبَائِحَ سَلَامٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ الشَّعْبُ لِيأكُلُوا وَيَشْرَبُوا، وَنَهَضُوا لِيُرَفِّهُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «انزِلْ فِي الحَالِ! فَهَا شَعْبُكَ الَّذِي أخرَجتَهُ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ قَدْ فَسَدَ. حَادُوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أمَرتُهُمْ بِهِ، إذْ صَنَعُوا عِجلًا مَسْبُوكًا لِأنْفُسِهِمْ وَسَجَدُوا لَهُ وَقَدَّمُوا لَهُ ذَبَائِحَ، وَقَالُوا: ‹هَذِهِ هِيَ آلِهَتُكَ الَّتِي أخرَجَتْكَ مِنْ مِصْرٍ يَا إسْرَائِيلُ.›» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قَدْ رَأيْتُ هَذَا الشَّعْبَ! إنَّهُمْ شَعْبٌ عَنِيدٌ. وَالْآنَ، دَعْنِي فَيَشْتَعِلَ غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَيَلْتَهِمَهُمْ. حِينَئِذٍ، سَأجْعَلُ مِنْكَ أُمَّةً عَظِيمَةً.» لَكِنَّ مُوسَى تَوَسَّلَ إلَى وَقَالَ: «لِمَاذَا يَا اللهُ يَشْتَعِلُ غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ الَّذِي أخرَجتَهُ مِنْ مِصْرٍ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ قَوِيَّةٍ؟ لِمَاذَا تُعطِي المِصْرِيِّينَ فُرصَةً لِيَقُولُوا: ‹أخرَجَهُمُ إلَهُهُمْ وَهُوَ يُضْمِرُ لَهُمُ الشَّرَّ، لِيَقْتُلَهُمْ فِي الجِبَالِ، وَلِيُبِيدَهُمْ مِنْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ›؟ ارجِعْ عَنْ غَضَبِكَ الشَّدِيدِ. وَلَا تَعْمَلْ مَا فَكَّرْتَ بِهِ مِنَ الشَّرِّ عَلَى شَعْبِكَ. تَذَكَّرْ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَإسْرَائِيلَ، خُدَّامَكَ الَّذِينَ أقسَمتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ وَوَعَدتَهُمْ: ‹سَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ لِيَصِيرَ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَسَأُعْطِي هَذِهِ الأرْضَ، الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا، لِنَسْلِكُمْ لِيَمْتَلِكُوهَا إلَى الأبَدِ.›» فَرَجِعَ اللهُ عَمَّا كَانَ يُفَكِّرُ بِهِ مِنْ شَرٍّ قَالَ إنَّهُ سَيَعْمَلُهُ بِشَعْبِهِ. ثُمَّ نَزَلَ مُوسَى مِنَ الجَبَلِ وَلَوحَا الشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ. كَانَتِ الوَصَايَا مَنْقُوشَةً عَلَى اللَّوحَينِ مِنَ الأمَامِ وَمِنَ الخَلفِ. اللهُ هُوَ مَنْ صَنَعَ اللَّوحَينِ، وَاللهُ هُوَ مَنْ نَقَشَ الكِتَابَةَ عَلَيْهِمَا. وَحِينَ سَمِعَ يَشُوعُ ضَجِيجَ الشَّعْبِ، قَالَ لِمُوسَى: «هُنَاكَ صَوْتُ حَرْبٍ فِي المُخَيَّمِ.» فَأجَابَهُ مُوسَى: «لَيسَ هَذَا بِهُتَافِ انتِصَارٍ وَلَا صُرَاخِ هَزِيمَةٍ. إنَّهُ صَوْتُ غِنَاءٍ.» وَحِينَ اقْتَرَبَ مُوسَى مِنَ المُخَيَّمِ، رَأى العِجلَ الذَّهَبِيَّ وَالرَّقصَ. فَغَضِبَ جِدًّا، وَطَرَحَ اللَّوحَينِ مِنْ يَدَيهِ فَتَحَطَّمَا عِنْدَ أسفَلِ الجَبَلِ. ثُمَّ أخَذَ العِجلَ الَّذِي صَنَعُوهُ، وَأحرَقَهُ بِالنَّارِ وَسَحَقَهُ سَحقًا، وَرَشَّهُ عَلَى المَاءِ، وَجَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يَشْرَبُونَ مِنَ المَاءِ. وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «مَاذَا عَمِلَ هَذَا الشَّعْبُ ضِدَّكَ حَتَّى تَجْلِبَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الخَطِيَّةَ العَظِيمَةَ؟» فَقَالَ هَارُونُ: «لَا تَغْضَبْ يَا سَيِّدِي! أنْتَ تَعْرِفُ أنَّ الشَّعْبَ مَيَّالٌ لِلشَّرِّ، وَقَدْ قَالُوا لِي: ‹قُمْ وَاصنَعْ لَنَا آلِهَةً لِتَقُودَنَا فِي الطَّرِيقِ. فَنَحْنُ لَا نَدرِي مَا الَّذِي حَلَّ بهَذَا الرَّجُلِ مُوسَى الَّذِي أخرَجَنَا مِنْ أرْضِ مِصْرٍ.› فَقُلْتُ لَهُمْ مَنْ يَمْلُكُ ذَهَبًا فَلْيَنْزِعْهُ وَلْيُعطِهِ لِي. ثُمَّ ألقَيتُ الذَّهَبَ فِي النَّارِ، فَخَرَجَ هَذَا العِجلُ!» فَرَأى مُوسَى أنَّ الشَّعْبَ قَدْ خَرَجَ عَنِ السَّيطَرَةِ، لِأنَّ هَارُونَ سَمَحَ بِذَلِكَ، حَتَّى إنْ أعْدَاءَهُمُ اسْتَهْزأُوا بَسُلُوكِهِمُ المُخْزِي. فَوَقَفَ فِي مَدْخَلِ المُخَيَّمِ وَقَالَ: «مَنْ يَتْبَعُ اللهَ فَلْيَأْتِ إلَيَّ.» فَأتَى اللَّاوِيُّونَ إلَيْهِ. وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ إسْرَائِيلَ: فَلْيَضَعْ كُلُّ رَجُلٍ سَيفَهُ عَلَى فَخذِهِ، وَيَمْشِي فِي المُخَيَّمِ مِنْ بَابٍ إلَى آخَرَ. وَلْيَقْتُلْ كُلُّ وَاحِدٍ أخَاهُ وَصَدِيقَهُ وَجَارَهُ.» فَعَمِلَ اللَّاوِيُّونَ بِحَسَبِ قَولِ مُوسَى. وَمَاتَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الشَّعْبِ. وَقَالَ مُوسَى: «قَدْ كَرَّسْتُمْ أنْفُسَكُمُ اليَوْمَ لِخِدْمَةِ اللهِ ، حَتَّى بِأبنَائِكُمْ وَإخوَتِكُمْ. فَسَيُبَارِكَكُمُ اللهُ اليَوْمَ.» وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، قَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «لَقَدْ أخطَأتُمْ خَطِيَّةً عَظِيمَةً. وَالْآنَ، سَأصعَدُ إلَى اللهِ ، لَعَلَّهُ يَسْتَجِيبُ لِي فَيُكَفِّرَ عَنْكُمْ.» فَعَادَ مُوسَى إلَى اللهِ وَقَالَ: «يَا اللهُ ، قَدْ أخطَأ هَذَا الشَّعْبُ خَطِيَّةً عَظِيمَةً بِصُنعِهِمْ آلِهَةً مِنْ ذَهَبٍ لِأنْفُسِهِمْ. وَالْآنَ، اغفِرْ خَطِيَّتَهُمْ، أوِ امْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَهُ.» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «مَنْ يُخطِئُ إلَيَّ، أمحُو اسْمَهُ مِنْ كِتَابِي. وَالْآنَ، اذْهَبْ وَقُدِ الشَّعْبَ إلَى حَيْثُ قُلْتُ لَكَ. سَيَسِيرُ مَلَاكِي أمَامَكَ، لَكِنِّي سَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى خَطِيَّتِهِمْ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ.» ثُمَّ ضَرَبَ اللهُ الشَّعْبَ بِوَبَاءٍ لِأنَّهُمْ هُمْ بِالحَقِيقَةِ الَّذِينَ صَنَعُوا العِجلَ الَّذِي صَنَعَهُ هَارُونُ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «اذْهَبْ مِنْ هُنَا أنْتَ وَالشَّعْبَ الَّذِي أخرَجْتَهُ مِنْ مِصْرٍ. اذْهَبُوا إلَى الأرْضِ الَّتِي أقْسَمْتُ لِإبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَإسْرَائِيلَ بِأنْ أعْطِيَهَا لِنَسْلِهِمْ. سَأُرْسِلُ مَلَاكًا أمَامَكَ، وَأطْرَدُ الكَنعَانِيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ وَالفِرِزِيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ. اذْهَبُوا إلَى أرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. لَكِنِّي لَنْ أكُونَ مَعَكُمْ لِأنَّكُمْ شَعْبٌ عَنِيدٌ، لِئَلَّا أُبِيدَكُمْ فِي الطَّرِيقِ.» وَحِينَ سَمِعَ الشَّعْبُ هَذَا الكَلَامَ القَاسِي، نَاحُوا، وَلَمْ يَرْتَدِ أحَدٌ جَوَاهِرَهُ أوْ زِينَتَهُ. فَقَدْ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: أنْتَ شَعْبٌ عَنِيدٌ، فَإنْ حَضَرْتُ فِي وَسَطِكُمْ لِلَحظَةٍ فَإنِّي سَأُبِيدُكُمْ! انْزِعُوا جَوَاهِرَكُمْ وَزِينَتَكُمْ فَأُقَرِّرَ مَا سَأفْعَلَهُ بِكُمْ.» فَنَزَعَ بَنُو إسْرَائِيلَ جَوَاهِرَهُمْ وَزِينَتَهُمْ مُنْذُ كَانُوا عَلَى جَبَلِ حُورِيبَ. وَكَانَ مُوسَى يَأْخُذُ خَيْمَةً وَيَنْصُبُهَا بَعِيدًا خَارِجَ المُخَيَّمِ. وَكَانَ يُسَمِّيهَا «خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ.» وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ اللهَ ، كَانَ يَخْرُجُ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ الَّتِي كَانَتْ خَارِجَ المُخَيَّمِ. وَحِينَ كَانَ مُوسَى يَذْهَبُ إلَى تِلْكَ الخَيْمَةِ، كَانَ الشَّعْبُ يَقُومُونَ، وَيَقِفُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَابِ خَيْمَتِهِ، وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ مُوسَى حَتَّى يَدْخُلَ إلَى الخَيْمَةِ. وَحِينَ كَانَ مُوسَى يَدْخُلُ الخَيْمَةَ، كَانَ عَمُودُ السَّحَابِ يَنْزِلُ وَيَسْتَقِرُّ عَلَى مَدْخَلِ الخَيْمَةِ، وَكَانَ اللهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ مُوسَى. وَحِينَ كَانَ الشَّعْبُ يَرَى عَمُودَ السَّحَابِ وَاقِفًا عِنْدَ مَدْخَلِ الخَيْمَةِ، كَانُوا يَذْهَبُونَ وَيَسْجُدُونَ عِنْدَ أبوَابِ خِيَامِهِمْ. كَانَ اللهُ يُكَلِّمُ مُوسَى وَجْهًا لِوَجْهٍ، كَمَا يُكَلِّمُ الصَّدِيقُ صَدِيقَهُ. وَحِينَ كَانَ مُوسَى يَعُودُ إلَى المُخَيَّمِ، كَانَ خَادِمُهُ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ يَمْكُثُ فِي الخَيْمَةِ. وَقَالَ مُوسَى للهِ : «هَا أنْتَ تَقُولُ لِي: ‹أخرِجْ هَذَا الشَّعْبَ،› لَكِنَّكَ لَمْ تُخبِرْنِي مَنْ سَتُرسِلُ مَعِي. قُلْتَ لِي: ‹أعْرِفُكَ بِاسْمِكَ، وَقَدْ حَظِيتَ بِرِضَايَ.› فَبِمَا أنِّي حَظِيتُ بِرِضَاكَ، فَأعلِنْ لِي طَرِيقَكَ لِأعْرِفَكَ وَأُرْضِيَكَ دَائِمًا. وَتَذَكَّرْ أنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ هِيَ شَعْبُكَ.» فَقَالَ: «أنَا سَأسِيرُ بِحُضُورِي أمَامَكَ وَأقُودُكَ.» فَقَالَ مُوسَى لَهُ: «إنْ لَمْ تَسِرْ بِحُضُورِكَ مَعَنَا، فَلَا تُخْرِجْنَا مِنْ هُنَا. كَيفَ سَيَعْرِفُ النَّاسُ أنِّي حَظِيتُ بِرِضَاكَ أنَا وَشَعْبُكَ، إنْ لَمْ تَسِرْ مَعَنَا؟ حِينَئِذٍ فَقَطْ أكُونُ أنَا وَشَعْبُكَ مُتَمَيِّزِينَ عَنْ شُعُوبِ الأرْضِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «سَأفْعَلُ لَكَ هَذَا الَّذِي قُلْتَهُ أيْضًا، لِأنَّكَ قَدْ حَظِيتَ بِرِضَايَ، وَأنَا أعْرِفُكَ بِاسْمِكَ.» فَقَالَ مُوسَى: «فَأرِنِي مَجْدَكَ.» فَقَالَ اللهُ : «سَأجْعَلُ كُلَّ صَلَاحِي يَمُرُّ مِنْ أمَامِكَ، وَسَأنطِقُ بِاسْمِي ‹يهوه› عَلَى مَسْمَعٍ مِنْكَ. فَأنَا أتَحَنَّنُ عَلَى مَنْ أشَاءُ أنْ أتَحَنَّنَ عَلَيْهِ، وَأرْحَمُ مَنْ أشَاءُ أنْ أرْحَمَهُ. لَكِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ أنْ تَرَى وَجْهِي، لِأنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِإنْسَانٍ أنْ يَرَانِي وَيَبْقَى حَيًّا.» ثُمَّ قَالَ لَهُ اللهُ : «هُنَاكَ مَكَانٌ قَرِيبٌ مِنِّي، فَقِفْ عَلَى الصَّخرَةِ فِي هَذَا المَكَانِ. وَحِينَ يَمُرُّ مَجْدِي، سَأضَعُكَ فِي شَقٍّ كَبِيرٍ فِي الصَّخرَةِ وَأُغَطِّيكَ بِيَدِي حَتَّى أعبُرَ. وَحِينَ أرفَعُ يَدِي، سَتَرَى لَمْحَةً مِنْ مَجْدِي. أمَّا وَجْهِي فَلَنْ تَرَاهُ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «انْحَتْ لَوحَينِ مِنْ حَجَرٍ مَثلَ اللَّوْحَينِ الأوَّلَينِ. وَسَأكتُبُ عَلَى اللَّوحَينِ الوَصَايَا الَّتِي كَانَتْ عَلَى اللَّوحَينِ الأوَّلِينِ اللَّذَينِ حَطَّمتَهُمَا. كُنْ مُسْتَعِدًّا فِي الصَّبَاحِ لِلصُّعُودِ إلَى جَبَلِ سِينَاءَ، وَانتَظِرْنِي عَلَى قِمَّةِ الجَبَلِ. لَا يَصْعَدْ أحَدٌ مَعَكَ فِي كُلِّ الجَبَلِ. وَلَا يَرْعَ أحَدٌ الغَنَمَ وَالبَقَرَ مُقَابِلَ ذَلِكَ الجَبَلِ.» فَنَحَتَ مُوسَى لَوحَي حِجَارَةٍ كَاللَّوحَينِ الأوَّلَينِ، وَقَامَ فِي الصَّبَاحِ بَاكِرًا، وَصَعِدَ إلَى جَبَلِ سِينَاءَ كَمَا أمَرَهُ اللهُ ، وَبِيَدِهِ لَوحَا الحِجَارَةِ. فَنَزَلَ اللهُ فِي السَّحَابِ وَوَقَفَ مَعَ مُوسَى هُنَاكَ، فَدَعَا مُوسَى اللهَ بِاسْمِ «يهوه.» ثُمَّ مَرَّ اللهُ مِنْ أمَامِهِ وَهُوَ يُعلِنُ مَا يَلِي: «يهوه، يهوه، إلَهٌ حَنُونٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الغَضَبِ. رَحمَتُهُ وَوَفَاؤُهُ عَظِيمَانِ. يَحْفَظُ الأمَانَةَ لِأُلُوفِ الأجيَالِ، وَيَغْفِرُ الذَّنبَ وَالمَعصِيَةَ وَالخَطِيَّةَ، لَكِنَّهُ لَا يُلْغِي العُقُوبَةَ، بَلْ يَحْسِبُ خَطَايَا الآبَاءِ عَلَى أبْنَائِهِمْ وَأحفَادِهِمْ وَأحفَادِ أبْنَائِهِمْ.» فَأسرَعَ مُوسَى وَسَجَدَ عَلَى الأرْضِ عَابِدًا. وَقَالَ مُوسَى: «بِمَا أنِّي حَظِيتُ بِرِضَاكَ يَا رَبُّ، فَسِرْ يَا رَبُّ مَعَنَا، وَاغفِرْ مَعصِيَتَنَا وَخَطِيَّتَنَا، وَاقبَلْنَا مِلْكًا لَكَ.» فَقَالَ اللهُ : «هَا أنَا سَأقطَعُ عَهْدًا مَعَكَ، أمَامَ كُلِّ شَعْبِكَ، سَأصنَعُ مُعجِزَاتٍ لَمْ تُصنَعْ قَبْلًا فِي كُلِّ الأرْضِ مَعَ شَعْبٍ آخَرَ. وَسَيَرَى كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي تَسْكُنُ فِي وَسَطِهِ عَمَلَ اللهِ ، لِأنِّي سَأعمَلُ أمْرًا رَهِيبًا مَعَكَ. احفَظْ مَا أُوصِيكَ بِهِ اليَوْمَ. سَأطرُدُ مِنْ أمَامِكَ الأمُورِيِّينَ وَالكَنعَانِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ. احرِصْ عَلَى أنْ لَا تَقْطَعْ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ الأرْضِ الَّتِي سَتَدْخُلُهَا، لكَي لَا يَكُونُوا فَخًّا لَكَ. بَلِ اهْدِمْ مَذَابِحَهُمْ وَحَطِّمْ أنْصَابَهُمُ التَّذكَارِيَّةَ، وَاقطَعْ أعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا. لَا تَعْبُدْ إلَهًا سِوَايَ، فَاسْمِي هُوَ ‹يهوه الغَيُورُ،› لِأنِّي إلَهٌ غَيُورٌ! «لَا تَقْطَعْ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ هَذِهِ الأرْضِ، خَوْفًا مِنْ أنْ يَدْعُوكَ وَهُمْ يَعْبُدُونَ آلِهَتَهُمْ وَيَذْبَحُونَ لَهَا، فَتأكُلَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ! لَا تَأْخُذْ مِنْ بَنَاتِهِمْ لِأبنَائِكَ، إذْ سَتَزْنِي بَنَاتُهُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ، وَيَجْعَلْنَ أبْنَاءَكَ يَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ. «لَا تَصْنَعْ لَكَ آلِهَةً مَسْبُوكَةً. «احفَظْ عِيدَ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ. تَأْكُلُ خُبْزًا بِلَا خَمِيرَةٍ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ فِي الوَقْتِ المُعَيَّنِ فِي شَهْرِ أبِيبَ، كَمَا أمَرتُكَ لِأنَّكَ فِي شَهْرِ أبِيبَ خَرَجْتَ مِنْ مِصْرٍ. «كُلُّ الأبْكَارِ لِي. كُلُّ الذُّكُورِ الأبْكَارِ مِنْ مَاشِيَتِكَ، بَقَرًا كَانَتْ أوْ غَنَمًا، يَكُونُونَ لِي. وَتَسْتَبْدِلُ بِبِكْرِ الحِمَارِ خَرُوفًا. فَإنْ لَمْ تُرِدْ أنْ تَفْتَدِيَهُ بِخَرُوفٍ، اكْسِرْ عُنقَهُ. كَمَا يَنْبَغِي أنْ تَفْتَدِيَ أبْكَارَ أبْنَائِكَ، فَلَا يَأْتُوا أمَامِي فَارِغِي الأيدِي. «اعمَلْ لِسِتَّةِ أيَّامٍ، وَاسْتَرِحْ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ، حَتَّى فِي أوقَاتِ الحِرَاثَةِ وَالحَصَادِ. «احْفَظْ عِيدَ الأسَابِيعِ فِي بِدَايَةِ حَصَادِ القَمْحِ، وَعِيدَ الجَمعِ فِي خَرِيفِ السَّنَةِ. «يَنْبَغِي أنْ يَحْضُرَ جَمِيعُ الذُّكُورِ أمَامَ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ. «وَسَأطرُدُ الأُمَمَ مِنْ أمَامِكَ وَأُوَسِّعُ أرْضَكَ. وَلَنْ يَطْمَعَ أحَدٌ فِي أرْضِكَ حِينَ تَأْتِي لِلحُضُورِ أمَامَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ. «لَا تُقَدِّمْ دَمَ ذَبِيحَتِي مَعَ خَمِيرَةٍ. وَلَا يَبْقَ مِنْ ذَبِيحَةِ الفِصْحِ شَيءٌ إلَى صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي. «أحْضِرْ أفَضَلَ أوَّلِ إنتَاجِ أرْضِكَ إلَى بَيْتِ . «وَلَا تَطْبُخْ جَدْيًا فِي حَلِيبِ أُمِّهِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اكتُبْ هَذِهِ الوَصَايَا، لِأنِّي بِحَسَبِ هَذِهِ الوَصَايَا قَدْ عَمِلْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إسْرَائِيلَ.» وَبَقِيَ مُوسَى هُنَاكَ مَعَ اللهِ أرْبَعِينَ نَهَارًا وَأرْبَعِينَ لَيلَةً، لَمْ يَأْكُلْ فِيهَا طَعَامًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً. وَكَتَبَ وَصَايَا العَهْدِ العَشْرَ عَلَى لَوحَيِّ الحَجَرِ. وَنَزَلَ مُوسَى مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ. وَكَانَ لَوحَا الشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ. وَلَمْ يَكُنْ مُوسَى يَعْرِفُ أنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ يَلْمَعُ لِأنَّهُ تَكَلَّمَ مَعَ اللهِ. وَحِينَ رَأى هَارُونُ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّ جِلْدَ مُوسَى يَلْمَعُ، خَافُوا أنْ يَقْتَرِبُوا مِنْهُ. فَدَعَاهُمْ مُوسَى إلَيْهِ. فَرَجِعَ هَارُونُ وَكُلُّ قَادَةِ الشَّعْبِ إلَيْهِ، وَتَكَلَّمَ مُوسَى إلَيْهِمْ. بَعْدَ ذَلِكَ، اقْتَرَبَ إلَيْهِ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَأوصَاهُمْ مُوسَى بِجَمِيعِ الوَصَايَا الَّتِي أعْطَاهَا إيَّاهُ اللهُ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ. وَحِينَ انْتَهَى مُوسَى مِنَ الكَلَامِ مَعَهُمْ، وَضَعَ لِثَامًا عَلَى وَجْهِهِ. فَحِينَ كَانَ مُوسَى يَأْتِي فِي حَضْرَةِ اللهِ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ، كَانَ يَرْفَعُ اللِّثَامَ إلَى أنْ يَخْرُجَ مِنَ الخَيْمَةِ. وَحِينَ كَانَ يَخْرُجُ لَيَقُولَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ مَا أُمِرَ بِهِ، يَرَى بَنُو إسْرَائِيلَ جِلْدَ مُوسَى يَلْمَعُ، فَيَضَعُ مُوسَى اللِّثَامَ عَلَى وَجْهِهِ إلَى أنْ يَذْهَبَ لِيَتَكَلَّمَ مَعَ اللهِ مِنْ جَدِيدٍ. وَجَمَعَ مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: «هَذِهِ هِيَ الوَصَايَا الَّتِي أمَرَكُمُ اللهُ بِحِفْظِهَا. يُمْكِنُكُمْ أنْ تَعْمَلُوا لِسِتَّةِ أيَّامٍ، وَأمَّا اليَوْمُ السَّابِعُ فَسَيَكُونُ لَكُمْ يَوْمَ رَاحَةٍ للهِ . فَمَنْ يَعْمَلُ يَوْمَ السَّبْتِ يُقْتَلُ. لَا تُشْعِلُوا نَارًا يَوْمَ السَّبْتِ فِي أيِّ مَكَانٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ.» وَقَالَ مُوسَى لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ: «هَذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ الَّتِي أوصَاكُمْ اللهُ بِهَا: قَدِّمُوا مِمَّا تَمْلُكُونَ تَقْدِمَةً للهِ . فَكُلٌّ بِحَسَبِ سَخَاءِ قَلْبِهِ، يُقَدِّمُ للهِ ذَهَبًا، فِضَّةً، بُرُونْزًا، أقْمِشَةً زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيِّةً وَحَمرَاءَ وَكِتَّانًا وَشَعرَ مَاعِزٍ، جُلُودَ كِبَاشٍ مَدبُوغَةٍ، جُلُودَ تُيُوسٍ، خَشَبَ سَنْطٍ، زَيْتًا لِلإنَارَةِ وَعُطُورًا لِزَيْتِ المَسْحَةِ وَلِلبَخُورِ الطَّيِّبِ، حِجَارَةَ جَزْعٍ وَجَوَاهِرَ أُخْرَى لِتَرْصِيعِ الثُّوبِ الكَهَنُوتِيِّ وَالصُّدرَةِ. «وَكُلُّ مَنْ هُوَ مَاهِرٌ بَيْنَكُمْ، فَلْيَأْتِ وَيَعْمَلْ كُلَّ مَا أمَرَهُ اللهُ بِهِ. ابْنُوا المَسْكَنَ المُقَدَّسَ وَغِطَاءَهُ وَالغِطَاءَ الَّذِي فَوقَهُمَا، وَمَشَابِكَهُمَا وَألوَاحَهُمَا وَقُضبَانَهُمَا وَأعمِدَتَهُمَا وَقَوَاعِدَ أعمِدَتِهِمَا، وَصُنْدُوقَ العَهْدِ وَعَصَوَيهِ وَغِطَاءَهُ وَسِتَارَ قُدْسِ الأقْدَاسِ، وَالمَائِدَةَ وَعَصَوَيهَا وَأدَوَاتِهَا وَخُبْزَ حَضْرَةِ اللهِ، وَالمَنَارَةَ لِلإضَاءَةِ وَأدَوَاتِهَا وَسُرُجَهَا وَزَيْتَ الإنَارَةِ، وَمَذْبَحَ البَخُورِ وَعَصَوَيهِ، وَزَيْتَ المَسْحَةِ وَالبَخُورَ الطَّيِّبَ، وَسِتَارَ مَدْخَلِ المَسْكَنِ، وَمَذْبَحَ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَالشَّبَكَةَ البُرُونْزِيَّةَ الَّتِي لِلمَذْبَحِ، وَعَصَوَي المَذْبَحِ وَأدَوَاتِهِ، وَحَوضَ الِاغتِسَالِ وَقَاعِدَتَهُ، وَسَتَائِرَ السَّاحَةِ وَأعمِدَتَهَا وَقَوَاعِدَ أعمِدَتِهَا، وَسِتَارَ مَدْخَلِ السَّاحَةِ، وَأوتَادَ المَسْكَنِ وَأوتَادَ السَّاحَةِ وَحِبَالِهَا، وَالثِّيَابَ المَنسُوجَةَ لِلخِدْمَةِ فِي المَسْكَنِ، وَالثِّيَابَ المُقَدَّسَةَ لِهَارُونَ الكَاهِنِ وَأبْنَائِهِ لِيَخْدِمُوا كَكَهَنَةٍ.» حِينَئِذٍ، ذَهَبَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أمَامِ مُوسَى. وَجَاءَ كُلُّ مَنْ نَبَّهَهُ قَلْبُهُ وَدَفَعَتْهُ رُوحُهُ، وَأحْضَرُوا تَقْدِمَةً للهِ لِأجْلِ صُنْعِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَجَمِيعِ أدَوَاتِ خِدمَتِهَا، وَعَمَلِ الثِّيَابِ المُقَدَّسَةِ. فأتَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ بِحَسَبِ سَخَاءِ قُلُوبِهِمْ، وَأحْضَرُوا أسَاوِرَ وَأقرَاطًا وَخَوَاتِمَ وَأنوَاعًا أُخْرَى مِنْ حُلِيِّ الذَّهَبِ. فَقَدَّمُوا جَمِيعَ تَقْدِمَاتِ الذَّهَبِ هَذِهِ للهِ . وَكُلُّ مَنْ لَدَيهِ أقمِشَةٌ زَرْقَاءُ وَبَنَفْسَجِيَّةٌ وَحَمرَاءُ وَكِتَّانٌ وَشَعرُ مَاعِزٍ وَجُلُودُ كِبَاشٍ مَدبُوغَةٌ وَجُلُودُ تُيُوسٍ، أحضَرَهَا. وَكُلُّ مَنْ أرَادَ أنْ يُحضِرَ تَقْدِمَةً مِنْ فِضَّةٍ وَنُحَاسٍ أحضَرَهَا كَتَقْدِمَةٍ للهِ . وَكُلُّ مَنْ لَدَيهِ خَشَبُ سَنْطٍ صَالِحٌ لِلِاستِعْمَالِ فِي أيِّ عَمَلٍ، أحضَرَهُ. وَكُلُّ امْرأةٍ مَاهِرَةٍ غَزَلَتْ بِيَدِهَا، وَأحْضَرَتْ مَا غَزَلَتْهُ: أقْمِشَةً زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةً وَحَمْرَاءَ وَكِتَّانًا. وَكُلُّ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي دَفَعَتْهُنَّ قُلُوبُهُنَّ، وَكَانَتْ لَدَيهُنَّ مَهَارَةٌ، غَزَلْنَ شَعْرَ مَاعِزٍ. وَأحْضَرَ القَادَةُ حِجَارَةَ جَزْعٍ وَأحْجَارًا كَرِيمَةً أُخْرَى لِلتَّرصِيعِ عَلَى الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ وَالصُّدْرَةِ، وَأعطَارًا وَزَيْتًا لِلإنَارَةِ وَلِزَيْتِ المَسْحَةِ وَلِلبَخُورِ الطَّيِّبِ. وَقَدَّمَ جَمِيعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الَّذِينَ دَفَعَتْهُمْ قُلُوبُهُمْ تَقْدِمَاتٍ اختِيَارِيَّةً للهِ ، بِحَسَبِ مَا أمَرَ اللهُ مُوسَى بِهِ. وَقَالَ مُوسَى لِبَنِي إسْرَائِيلَ: «هَا إنَّ اللهَ اخْتَارَ بَصَلْئِيلَ بْنَ أُورِي بْنِ حُورٍ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا وَمَلأهُ بِرُوحٍ اللهِ مَهَارَةً وَفَهمًا وَمَعْرِفَةً وَقُدرَاتٍ كَبِيرَةً فِي عَمَلِ تَصَامِيمِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالبُرُونْزِ، وَفِي النَّقشِ عَلَى الحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ لِلتَّرصِيعِ، وَفِي زَخرَفَةِ الخَشَبِ، وَجَمِيعِ أنْوَاعِ المَهَارَاتِ. وَأعْطَى بَصَلْئِيلَ وَأُهُولِيآبَ بْنَ أخِيسَامَاكَ مِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ، المَهَارَةَ فِي تَعْلِيمِ الآخَرِينَ. وَمَلأهُمَا بِالمَهَارَةِ لِلقِيَامِ بِكُلِّ الأعْمَالِ الحِرَفِيَّةِ وَالتَّصْمِيمِ وَالتَطْرِيزِ، فِي الأنْسِجَةِ الزَّرقَاءِ وَالبَنَفْسَجِيَّةِ وَالحَمرَاءِ وَالكِتَّانِ، وَبِأعْمَالِ النَّسْجِ، لِيَقُومُوا بِكُلِّ الأعْمَالِ وَالتَّصَامِيمِ. «فَليَعْمَلْ بَصَلْئِيلُ وَأُهُولِيآبُ، وَكُلُّ مَاهِرٍ أعطَاهُ اللهُ المَهَارَةَ وَالذَّكَاءَ، فِي بِنَاءِ المَكَانِ المُقَدَّسِ بِحَسَبِ كُلِّ مَا أمَرَ اللهُ .» فَدَعَا مُوسَى بَصَلْئِيلَ وَأُهُولِيآبَ وَكُلَّ مَاهِرٍ أعْطَاهُ اللهُ المَهَارَةَ، وَكُلَّ مَنْ حَثَّهُ قَلْبُهُ عَلَى المَجِيءِ لِلعَمَلِ. وَأخَذُوا مِنْ مُوسَى جَمِيعَ التَّقدِمَةِ الَّتِي أحْضَرَهَا الشَّعْبُ لِأجْلِ خِدْمَةِ المَكَانِ المُقَدَّسِ. وَكَانُوا مَا يَزَالُونَ يُحْضِرُونَ تَقْدِمَاتٍ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. وَأتَى كُلُّ المَهَرَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَقُومُونَ بِعَمَلِ المَكَانِ المُقَدَّسِ، كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَقُومُ بِهِ، وَقَالُوا لِمُوسَى: «إنَّ الشَّعْبَ يُحْضِرُونَ أكْثَرَ مِنْ حَاجَةِ العَمَلِ الَّذِي أمَرَ اللهُ بِعَمَلِهِ.» حِينَئِذٍ، أمَرَ مُوسَى بِأنْ يُعلِنُوا فِي المُخَيَّمِ أنَّ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أنْ لَا يُحْضِرُوا شَيْئًا بَعْدُ لِتَقْدِمَةِ المَكَانِ المُقَدَّسِ. فَتَوَقَّفَ النَّاسُ عَنْ إحْضَارِ المَزِيدِ. وَكَانُوا قَدْ أحْضَرُوا أكْثَرَ مِنْ حَاجَةِ العَمَلِ. فَصَنَعَ جَمِيعُ العَامِلِينَ المَهَرَةِ المَسْكَنَ المُقَدَّسَ مِنْ عَشَرِ سَتَائِرَ مِنْ كِتَّانٍ نَاعِمٍ مَبْرُومٍ، وَأقمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ مُطَرِّزةٍ بِمَهَارَةٍ عَلَى شَكْلِ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ. وَكَانَ طُولُ كُلِّ سِتَارَةٍ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهَا أرْبَعَ أذْرُعٍ. فَلِجَمِيعِ السَتَائِرِ مَقَايِيسُ مُتَسَاوِيَةٌ. وَوَصَلَ السَّتَائِرَ الخَمْسَ الأُولَى مَعًا، وَالخَمْسَ الثَّانِيَةَ مَعًا. ثُمَّ صَنَعَ عُرَىً مِنْ قُمَاشٍ أزرَقَ عَلَى حَافَّةِ سَتَائِرِ المَجْمُوعَةِ الأُولَى، وَكَذَلِكَ عَلَى حَافَّةِ سَتَائِرِ المَجْمُوعَةِ الثَّانِيَةِ. فَصَنَعَ خَمْسِينَ عُروَةً عَلَى السِّتَارَةِ الأُولَى، وَخَمْسِينَ عُروَةً عَلَى سِتَارَةِ المَجْمُوعَةِ الثَّانِيَةِ. وَكَانَتِ العُرَى مُتَقَابِلَةً. وَصَنَعَ خَمْسِينَ مِشْبَكًا مِنَ الذَّهَبِ لِوَصلِ السَّتَائِرِ مَعًا بِالمَشَابِكِ. فَصَارَ المَسْكَنُ مُتَّصِلًا كَقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَصَنَعَ سَتَائِرَ مِنْ شَعرِ المَاعِزِ لِلغِطَاءِ الَّذِي فَوْقَ المَسْكَنِ، عَدَدُهَا إحْدَى عَشْرَةَ سِتَارَةً. طُولُ كُلِّ سِتَارَةٍ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا أرْبَعُ أذْرُعٍ. فَكَانَتِ لِلسَّتَائِرِ الإحْدَى عَشْرَةَ مَقَايِيسُ مُتَسَاوِيَةٌ. فَوَصَلَ خَمْسَ سَتَائِرَ مَعًا، وَسِتَّ سَتَائِرَ مَعًا. وَصَنَعَ خَمْسِينَ عُروَةً عَلَى حَافَّةِ أقْصَى سِتَارَةٍ عَلَى طَرَفِ المَجمُوعَةِ الأُولَى، وَخَمْسِينَ عُروَةً عَلَى حَافَّةِ السِّتَارَةِ الَّتِي سَتُوصَلُ بِهَا. وَصَنَعَ خَمْسِينَ مِشْبَكًا مِنْ بُرُونْزٍ لِيَصِلَ الخَيْمَةَ فَتَصِيرَ قِطْعَةً وَاحِدَةً. وَصَنَعَ غِطَاءً لِلخَيْمَةِ مِنْ جِلْدِ الكِبَاشِ المَدبُوغِ، وَغِطَاءً آخَرَ خَارِجِيًّا مِنَ الجِلْدِ الفَاخِرِ. وَصَنَعَ ألوَاحًا قَائِمَةً مِنْ خَشَبِ السَّنطِ لِلمَسْكَنِ. طُولُ كُلِّ لَوحٍ عَشْرُ أذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. وَكَانَ لِجَمِيعِ ألوَاحِ المَسْكَنِ فَتحَتَانِ لِوَصلِ أحَدِهَا بِالآخَرِ. هَكَذَا صَنَعَ جَمِيعَ ألوَاحِ المَسْكَنِ: صَنَعَ عِشْرِينَ لَوحًا لِلجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ مِنَ الخَيْمَةِ. وَصَنَعَ أرْبَعِينَ قَاعِدَةً مِنْ فِضَّةٍ تَحْتَ الألْوَاحِ العِشرِينَ: قَاعِدَتَينِ لِفُتحَتَيِّ كُلِّ لَوْحٍ. وَصَنَعَ عِشْرِينَ لَوحًا لِلجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ مِنَ المَسْكَنِ، وَتَحْتَهَا أرْبَعِينَ قَاعِدَةً مِنْ فِضَّةٍ: قَاعِدَتَينِ تَحْتَ كُلِّ لَوحٍ. وَصَنَعَ لِظَهْرِ المَسْكَنِ مِنَ الغَرْبِ سِتَّةَ ألوَاحٍ. وَلَوحَينِ لِزَاوِيَتَي المَسْكَنِ مِنَ الخَلْفِ. فَكَانَ اللَوحَانِ مُنفَصِلَينِ مِنَ الأسْفَلِ، مُتَّصِلَينِ فِي الأعْلَى دَاخِلَ الحَلَقَةِ الأُولَى. هَكَذَا كَانَ اللَّوحَانِ عَلى الزَّاوِيَتَينِ. فَكَانَ المَجْمُوعُ ثَمَانِيَةَ ألوَاحٍ، لَهَا سِتَّ عَشْرَةَ قَاعِدَةً: قَاعِدَتَانِ تَحْتَ كُلِّ لَوحٍ. وَصَنَعَ عَوَارِضَ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ، خَمْسَ عَوَارِضَ لِجِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ المَسْكَنِ، وَخَمْسَ عَوَارِضَ لِلجِهَةِ الثَّانِيَةِ، وَخَمْسَ عَوَارِضَ لِظَهْرِ المَسْكَنِ مِنَ الغَرْبِ. وَوَصَلَ العَارِضَةَ الوُسطَى لِتَمْتَدَّ بَيْنَ الألوَاحِ مِنَ الطَّرَفِ الأوَّلِ إلَى الطَّرَفِ الآخَرِ. ثُمَّ غَشَّى جَمِيعَ الألوَاحِ بِالذَّهَبِ، وَصَنَعَ لَهَا حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ كَبُيُوتٍ لِلعَوَارِضِ. وَكَذَلِكَ غَشَّى العَوَارِضَ بِالذَّهَبِ. وَصَنَعَ سِتَارةً مِنْ أقمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ مُطَرَّزةٍ بِمَهَارَةٍ عَلَى شَكْلِ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ. وَعَلَّقَهَا عَلَى أرْبَعَةِ أعمِدَةٍ مَصْنُوعَةٍ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ مُغَشَّاةٍ بِالذَّهَبِ وَلَهَا مَشَابِكُ مِنْ ذَهَبٍ، تَقِفُ عَلَى أرْبَعِ قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ. وَصَنَعَ سِتَارةً مُزَخرَفَةً مِنْ أقمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ، لِأجْلِ مَدْخَلِ الخَيْمَةِ. وَصَنَعَ لِلسِّتَارَةِ خَمْسَةَ أعمِدَةٍ وَغَشَّاهَا بِالذَّهَبِ، وَصَنَعَ لَهَا مَشَابِكَ مِنْ ذَهَبٍ، وَخَمْسَ قَوَاعِدَ مِنْ بُرُونْزٍ. وَصَنَعَ بَصَلْئِيلُ صُنْدُوقَ العَهْدِ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ. طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَارتِفَاعُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. وَغَشَّاهُ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ مِنَ الدَّاخِلِ وَمِنَ الخَارِجِ، وَصَنَعَ لَهُ إطَارًا مِنْ حَوْلِهِ. وَسَبَكَ أرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنَ الذَّهَبِ وَوَضَعَهَا عَلَى زَوَايَاهُ الأرْبَعِ: حَلَقَتَينِ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ. وَصَنَعَ عَصَوَينِ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ وَغَشَّاهُمَا بِالذَّهَبِ. وَوَضَعَ العَصَوَينِ فِي الحَلَقَاتِ عَلَى جَانِبَيِّ الصُّندُوقِ لِحَمْلِهِ. وَصَنَعَ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. وَصَنَعَ كَرُوبَينِ مِنْ ذَهَبٍ مَطرُوقٍ عَلَى طَرَفَيِّ الغِطَاءِ. فَكَانَ كَرُوبٌ عَلَى كُلِّ طَرَفٍ. وَصَنَعَ الكَرُوبَينِ مِنْ قِطعَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الغِطَاءِ عَلَى طَرَفَيهِ. فَكَانَ الكَرُوبَانِ بَاسِطَينِ أجنِحَتَهُمَا إلَى الأعْلَى يُظَلِّلَانِ الغِطَاءَ. كَانَ الكَرُوبَانِ مُتَقَابِلَينِ، وَوَجْهَاهُمَا نَحْوَ الغِطَاءِ. وَصَنَعَ مَائِدَةً مِنْ خَشَبِ السَّنطِ، طُولُهَا ذِرَاعَانِ، وَعَرْضُهَا ذِرَاعٌ، وَارتِفَاعُهَا ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. وَغَشَّاهَا بِذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَصَنَعَ لَهَا إطَارًا مِنَ الذَّهَبِ حَوْلَهَا. وَصَنَعَ لَهَا حَافَّةً عَرْضُهَا كَفٌّ وَاحِدَةٌ مِنْ حَوْلِهَا، وَإطَارًا مِنْ ذَهَبٍ لِحَافَّتِهَا. وَسَبَكَ لِلمَائِدَةِ أرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَثَبَّتَهَا عَلَى زَوَايَاهَا الأرْبَعِ، عَلَى مُسْتَوَى أرْجُلِهَا الأرْبَعِ. وَكَانَتِ الحَلَقَاتُ قَرِيبَةً مِنَ الحَافَّةِ العُلْيَا لِإدْخَالِ العَصَوَينِ فِيهَا لِحَمْلِ المَائِدَةِ. وَصَنَعَ عَصَوَينِ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ وَغَشَّاهُمَا بِالذَّهَبِ، لِحَمْلِ المَائِدَةِ. وَصَنَعَ جَمِيعَ الآنِيَةِ الَّتِي تُوضَعُ عَلَى المَائِدَةِ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ: أطْبَاقَهَا وَصُحُونَهَا، وَكَذَلِكَ طَاسَاتِهَا وَأبَارِيقَهَا المُخَصَّصَةَ لِلتَّقْدِمَاتِ السَّائِلَةِ. وَصَنَعَ المَنَارَةَ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ. وَقَدْ طُرِقَتْ قَاعِدَةُ المَنَارَةِ وَسَاقُهَا بِالمِطْرَقَةِ. وَكَانَتْ كُؤُوسُهَا وَعُقَدُهَا وَوَرَقُهَا قِطعَةً وَاحِدَةً مَعَهَا. وَتفَرَّعَتِ المَنَارَةُ إلَى سِتِّ شُعَبٍ عَلَى جَانِبَيهَا: ثَلَاثِ شُعَبٍ عَنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَانِبَي المَنَارَةِ. وَسُبِكَتْ ثَلَاثُ زَهْرَاتِ لَوْزٍ مَعَ عُقَدِهَا وَوَرَقِهَا عَلَى كُلِّ شُعْبَةٍ مِنَ الشُّعَبِ السِّتِّ المُتَفَرِّعَةِ مِنْ قَاعِدَةِ المَنَارَةِ. وَكَذَلِكَ أرْبَعُ زَهْرَاتِ لَوْزٍ مَعَ عُقَدِهَا وَوَرَقِهَا عَلَى سَاقِ المَنَارَةِ. مِنْهَا ثَلَاثُ زَهْرَاتٍ مَعَ عُقَدِهَا تَقَعُ الوَاحِدَةُ مِنْهَا عِنْدَ التِقَاءِ كُلِّ شُعْبَتَينِ مِنَ الشُّعَبِ السِّتِّ المُتَفَرِّعَةِ مِنَ السَّاقِ. فَكَانَتْ عُقَدُ المَنَارَةِ وَشُعَبُهَا قِطعَةً وَاحِدَةً مَعَهَا. وَجَمِيعُهَا مِنَ قِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ المَطرُوقِ. وَصَنَعَ سُرُجَهَا السَّبعَةَ وَمَلَاقِطَهَا وَمَنَافِضَهَا مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ. صَنَعَهَا مَعَ كُلِّ أدَوَاتِهَا مِنْ قِنطَارٍ وَاحِدٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَصَنَعَ مَذْبَحَ البَخُورِ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ، قَاعِدَتُهُ مُرَبَّعَةٌ طُولُهُا ذِرَاعٌ وَعَرْضُهُا ذِرَاعٌ. أمَّا ارْتِفَاعُ مَذْبَحِ البَخُورِ فَذِرَاعَانِ. وَكَانَتْ زَوَايَاهُ البَارِزَةُ قِطْعَةً وَاحِدَةً مَعَهُ. وَغَشَّاهُ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ. غَشَّى سَطْحَهُ الأعْلَى وَجَوَانِبَهُ وَزَوَايَاهُ البَارِزَةَ. وَصَنَعَ إطَارًا مِنْ ذَهَبٍ حَوْلَهُ. وَصَنَعَ حَلَقَتَينِ مِنْ ذَهَبٍ وَوَضَعَهُمَا تَحْتَ حَافَّتِهِ العُلْيَا عَلَى الجِهَتَينِ المُقَابِلَتَينِ لِإدْخَالِ العَصَوَينِ فِيهِمَا لِحَمْلِهِ بِهِمَا. وَصَنَعَ العَصَوَينِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ، وغَشَّاهُمَا بِالذَّهَبِ. وَصَنَعَ زَيْتَ المَسْحَةِ المُقَدَّسَ وَالبَخُورَ الطَّيِّبَ، كَمَا يَصْنَعُهُمَا العَطَّارُ. وَصَنَعَ مَذْبَحَ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ. قَاعِدَتُهُ مُرَبَّعَةٌ طُولُهُا خَمْسُ أذْرُعٍ، وَعَرضُهُا خَمْسُ أذْرُعٍ. أمَّا ارْتِفَاعُ المَذْبَحِ فَثَلَاثُ أذْرُعٍ. وَصَنَعَ لَهُ أرْبَعَ زَوَايَا بَارِزَةٍ عَلَى جَوَانِبِهِ الأرْبَعَةِ. وَكَانَتِ الزَّوَايَا البَارِزَةُ قِطْعَةً وَاحِدَةً مَعَهُ. وَغَشَّاهَا بِالبُرُونْزِ. وَصَنَعَ جَمِيعَ أدَوَاتِ المَذْبَحِ: القُدُورَ وَالمَجَارِفَ وَالطَّاسَاتِ وَالمَنَاشِلَ وَالمَجَامِرَ وَجَمِيعَ أدَوَاتِ المَذْبَحِ مِنْ بُرُونْزٍ. وَصَنَعَ شَبَكَةً مِنْ بُرُونْزٍ لِلمَذْبَحِ، وَوَضَعَهَا عَلَى ارتِفَاعِ مُنْتَصَفِ المَذْبَحِ مِنَ الدَّاخِلِ. وَسَبَكَ أرْبَعَ حَلَقَاتٍ عَلَى زَوَايَا الشَّبَكَةِ لِوَضعِ العَصَوَينِ فِيهَا. وَصَنَعَ العَصَوَينِ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ وَغَشَّاهُمَا بِالبُرُونْزِ. وَأدْخَلَ العَصَوَينِ فِي الحَلَقَاتِ عَلَى جَانِبَيِّ المَذْبَحِ لِحَمْلِهِ بِهِمَا. صَنَعَ المَذْبَحَ مُجَوَّفًا وَلَهُ ألوَاحٌ عَلَى جَوَانِبِهِ. وَصَنَعَ الحَوضَ البُرُونْزِيَّ وَقَاعِدَتَهُ البُرُونْزِيَّةَ بِاسْتِخدَامِ مَرَايَا النِّسَاءِ اللَّوَاتِي خَدَمْنَ عِنْدَ بَابِ سَاحَةِ المَسْكَنِ. وَسَيَّجَ سَاحَةَ المَسْكَنِ. فَصَنَعَ لِلجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ سَتَائِرَ مِنْ كِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ طُولُهَا مِئَةُ ذِرَاعٍ. وَلَهَا عِشرُونَ عَمُودًا بِقَوَاعِدِهَا العِشرِينَ المَصْنُوعَةِ مِنَ البُرُونْزِ، وَمَشَابِكَ الأعمِدَةِ وَحَلَقَاتِهَا المَصْنُوعَةِ مِنَ الفِضَّةِ. وَلِلجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ مِئَةُ ذِرَاعٍ مِنَ السَتَائِرِ، لَهَا عِشرُونَ عَمُودًا بِقَوَاعِدِهَا العِشرِينَ المَصْنُوعَةِ مِنْ بُرُونْزٍ. وَمَشَابِكُ الأعمِدَةِ وَحَلَقَاتُهَا مَصْنُوعَةٌ مِنْ فِضَّةٍ. وَلِلجِهَةِ الغَربيَّةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنَ السَتَائِرِ، وَلَهَا عَشْرَةُ أعْمِدَةٍ بِقَوَاعِدِهَا العَشْرِ. وَمَشَابِكُ الأعمِدَةِ وَحَلَقَاتُهَا مَصْنُوعَةٌ مِنَ الفِضَّةِ. وَلِلجِهَةِ الأمَامِيَّةِ الشَّرقِيَّةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا. وَلَهَا سَتَائِرُ بِطُولِ خَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا عَلَى أحَدِ جَانِبَي المَدْخَلِ، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أعمِدَةٍ وَثَلَاثُ قَوَاعِدَ. وَخَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا مِنَ السَّتَائِرِ عَلَى الجَانِبِ الثَّانِي. وَلَهَا ثَلَاثَةُ أعمِدَةٍ وَثَلَاثُ قَوَاعِدَ. وَكَانَتْ كُلُّ السَّتَائِرِ الَّتِي حَوْلَ السَّاحَةِ مَصْنُوعَةً مِنْ كِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ. كَانَتْ قَوَاعِدُ الأعْمِدَةِ مِنْ بْرُونزٍ، وَمَشَابِكُ الأعْمِدَةِ وَحَلَقَاتُهَا مِنْ فِضَّةٍ، وَرُؤُوسُهَا مُغَشَّاةً بِالفِضَّةِ. وَكَانَتْ كُلُّ أعمِدَةِ السَّاحَةِ مُتَّصِلَةً مَعًا بِقُضبَانٍ مِنْ فِضَّةٍ. وَصُنِعَتْ سِتَارَةُ مَدْخَلِ السَّاحَةِ مِنْ أقْمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ، طُولُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَارْتِفَاعُهَا خَمْسُ أذْرُعٍ، أيْ عَلَى ارتِفَاعِ سَتَائِرِ السَّاحَةِ. وَكَانَ لَهَا أرْبَعَةُ أعمِدَةٍ مِنْ بُرُونْزٍ، وَلَهَا قَوَاعِدُ مِنْ بُرُونْزٍ. وَأمَّا مَشَابِكُهَا فَمِنْ فِضَّةٍ، وَرُؤُوسُهَا وَحَلَقَاتُهَا مُغَشَّاةٌ بِالفِضَّةِ. وَكُلُّ أوتَادِ المَسْكَنِ وَالسَّاحَةِ مِنْ بُرُونْزٍ. فَهَذِهِ هِيَ مَقَادِيرُ المَوَادِّ المُسْتَخْدَمَةِ فِي صُنْعِ مَسْكَنِ العَهْدِ. تَمَّ حِسَابُهَا بِأمرٍ مِنْ مُوسَى. وَأشْرَفَ عَلَى ذَلِكَ اللَّاوِيُّونَ تَحْتَ تَوْجِيهِ إيثَامَارَ بْنِ هَارُونَ الكَاهِنِ. فَعَمِلَ بَصَلْئِيلُ بْنُ أورِي بْنُ حُورٍ، الَّذِي مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، جَمِيعَ مَا أمَرَ اللهُ مُوسَى بِهِ. وَكَانَ مَعَهُ أهُولِيآبُ بْنُ أخِيسَامَاكَ، الَّذِي مِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ، حِرَفِيًّا وَمُصَمِّمًا وَمُزَخْرِفًا فِي الأقمِشَةِ الزَّرقَاءِ وَالبَنَفْسَجِيَّةِ وَالحَمرَاءِ وَالكِتَّانِ الأبْيَضِ. وَكَانَ وَزنُ الذَّهَبِ الَّذِي قَدَّمَهُ النَّاسُ لِصُنعِ المَكَانِ المُقَدَّسِ، نَحْوَ تِسْعَةٍ وَعِشْرينَ قِنْطَارًا، وَسَبْعِ مِئِةٍ وَثَلَاثينَ مِثْقَالًا بِحَسَبِ المَقَاييسِ الرَّسْمِيَّةِ. أمَّا الفِضَّةُ الَّتِي تَمَّ جَمعُهَا مِنَ المَعدُودِينَ فَكَانَتْ مِئَةَ قِنْطَارٍ وَألْفًا وَسَبْعَ مِئَةٍ وَخَمْسَةً وَسَبْعينَ مِثْقَالًا بِحَسَبِ المَقَاييسِ الرَّسْمِيَّةِ. فَجَمَعُوا نِصْفَ مِثْقَالٍ، بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسْمِيِّ، مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ تَمَّ تَسْجِيلُهُ مِمَّنْ بَلَغوا العِشرِينَ فَمَا فَوقُ. فَكَانَ عَدَدُهُمْ سِتِّ مِئَةِ ألْفٍ وَثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا. وَقَدِ اسْتَخدَمُوا مِئَةَ قِنْطَارٍ لِسَبْكِ قَوَاعِدِ المَكَانِ المُقَدَّسِ وَقَوَاعِدِ الحِجَابِ الدَّاخِلِيِّ. مِئَةَ قِنْطَارٍ لِسَبكِ مِئَةِ قَاعِدَةٍ. فَلِكُلِّ قَاعِدَةٍ قِنْطَارٌ وَاحِدٌ. وَبِألْفٍ وَسَبْعِ مِئَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعينَ مِثْقَالًا صَنَعَ مَشَابِكَ الأعْمِدَةِ، وَالحَلَقَاتِ، وَغَطَّى بِهَا رُؤُوسَ الأعْمِدَةِ. أمَّا وَزنُ البُرُونْزِ المُقَدَّمِ فَكَانَ سَبعِينَ قِنْطَارًا، وَألفًا وَأرْبَعَ مِئَةِ مِثْقَالٍ. صَنَعَ مِنْهُ قَوَاعِدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَالمَذْبَحَ البُرُونْزِيَّ وَشَبَكَتَهَ البُرُونْزِيَّةَ الَّتِي عَلَيْهِ، وَجَمِيعَ أدَوَاتِ المَذْبَحِ، وَقَوَاعِدَ ألوَاحِ السَّاحَةِ، وَقَوَاعِدَ مَدْخَلِ السَّاحَةِ، وَجَمِيعَ أوتَادِ المَسْكَنِ وَالسَّاحَةِ مِنْ حَوْلِهَا. وَمِنَ الأقمِشَةِ الزَّرقَاءِ وَالبَنَفْسَجِيَّةِ وَالحَمرَاءِ صَنَعُوا ثِيَابًا مَنسُوجَةً لِلخِدْمَةِ فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ، وَصَنَعُوا الثِّيَابَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي لِهَارُونَ كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَصَنَعَ بَصَلْئِيلُ الثَّوبَ الكَهَنُوتِيَّ مِنْ ذَهَبٍ وَأقمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ. فَطَرَقُوا الذَّهَبَ وَجَعَلُوهُ صَفَائِحَ ثُمَّ قَطَّعُوهَا إلَى خُيُوطٍ لِوَضعِهَا فِي الأقمِشَةِ الزَّرقَاءِ وَالبَنَفْسَجِيَّةِ وَالحَمرَاءِ وَالكِتَّانِ بِتَصَامِيمَ مَاهِرَةٍ. وَصَنَعُوا لِلثُّوبِ الكَهَنوتِيِّ كَتِفَينِ مُتَّصِلَينِ عِنْدَ نِهَايَتِهِمَا. وَصَنَعُوا الحِزَامَ مِنْ نَفْسِ المَوَادِّ المُسْتَخْدَمَةِ لِلثُّوبِ، أيْ مِنَ الذَّهَبِ وَأقمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ وَضَعُوا حَجَرَيِّ الجَزْعِ فِي إطَارَينِ مِنْ ذَهَبٍ. وَكَانَتْ أسْمَاءُ أبْنَاءِ إسْرَائِيلَ مَحفُورَةً عَلَى حَجَرَيِّ الجَزْعِ كَنَقشِ الخَاتَمِ. وَوَضَعَهُمَا عَلَى كَتِفَيِّ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ كَحَجَرَي تَذكَارٍ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَصَنَعَ الصُّدرَةَ خَيَّاطٌ مَاهِرٌ كَمَا صُنِعَ الثَّوبُ الكَهَنُوتِيُّ. صُنِعَتْ مِنْ ذَهَبٍ وَأنْسِجَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ. وَقَدْ صُنِعَتْ مُرَبَّعَةً وَمَثنِيَّةً، طُولُهَا شِبرٌ وَعَرْضُهَا شِبرٌ. وَرُصِفَتْ بِأرْبَعَةِ صُفُوفٍ مِنَ الحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ: فِي الصَّفِّ الأوَّلِ عَقِيقٌ أحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أصْفَرُ وَزُمُرُّدُ، وَفِي الصَّفِّ الثَّانِي فَيرُوزٌ وَيَاقُوتٌ أزْرَقُ وَعَقِيقٌ أبْيَضُ، وَفِي الصَّفِّ الثَّالِثِ عَينُ الهِرِّ وَيَشْمُ وَجَمشَتُ، وَفِي الصَّفِّ الرَّابِعِ زَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَيَشْبٌ. وُضِعَتْ جَمِيعًا فِي أُطُرٍ مِنْ ذَهَبٍ. كَانَ هُنَاكَ اثْنَا عَشَرَ حَجَرًا تُمَثِّلُ أسْمَاءَ أبْنَاءِ إسْرَائِيلَ. وَحُفِرَ عَلَى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ إحْدَى القَبَائِلِ الِاثنَتَيْ عَشْرَةَ، كَمَا يُحفَرُ الِاسْمُ عَلَى الخَاتَمِ. وَصَنَعُوا لِلصُّدْرَةِ سَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ مَجْدُولٍ كَالحَبْلِ. وَصَنَعُوا إطَارَينِ وَحَلَقَتَينِ مِنْ ذَهَبٍ، وَوَضَعُوا الحَلَقَتَينِ عَلَى طَرَفَيِّ الصُّدرَةِ. وَأدْخَلُوا سِلسِلَتَيِّ الذَّهَبِ فِي الحَلَقَتَينِ اللَّتَينِ عَلَى طَرَفَيِّ الصُّدرَةِ مِنَ الخَارِجِ. وَوَصَلُوا الطَّرَفَينِ الآخَرَينِ لِلسِّلسِلَتَينِ بِالإطَارَينِ. فَثَبَتَا عَلَى كَتِفَيِّ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ مِنَ الأمَامِ. وَصَنَعُوا حَلَقَتَينِ أُخرَيينِ مِنَ الذَّهَبِ، وَوَضَعُوهُمَا عَلَى طَرَفَي الصُّدرَةِ الآخَرَينِ، أيْ عَلَى الجَانِبِ الدَّاخِلِيِّ المُلَاصِقِ لِلثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ. وَصَنَعُوا حَلَقَتَينِ أُخْرَيينِ مِنَ الذَّهَبِ، وَوَضَعُوهُمَا أسْفَلَ الكَتِفَينِ فِي مُقَدِّمَةِ الثُّوبِ الكَهَنوتِيِّ، فَوْقَ الحِزَامِ. وَرَبَطُوا حَلَقَاتِ الصُّدرَةِ بِحَلَقَاتِ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ بِخَيطٍ أزرَقَ. وَهَكَذَا بَقِيَتْ صُدْرَةُ القَضَاءِ قَرِيبَةً مِنْ حِزَامِ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ، مُلتَصِقَةً بِالثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَصَنَعَ جُبَّةَ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ كُلَّهَا مِنْ صُوفٍ أزرَقَ مَنْسُوجٍ. وَكَانَتْ فَتْحَةُ الجُبَّةِ فِي وَسَطِهَا كَفَتْحَةِ الدِّرعِ. وَلِلفَتْحَةِ حَافَّةٌ حَوْلَهَا كَي لَا تَتَمَزَّقَ. وَصَنَعُوا أشكَالَ رُمَّانَاتٍ مِنْ أقمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ أبْيَضَ وَوَضَعُوهَا عَلَى الأطرَافِ السُّفلَى لِلجُبَّةِ. كَمَا صَنَعُوا أجرَاسًا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ وَوَضَعُوهَا عَلَى أطرَافِ الجُبَّةِ وَسَطَ الرُّمَّانَاتِ. فَوَضَعُوا جَرَسًا بَيْنَ كُلِّ رُمَّانَتَينِ عَلَى امتِدَادِ حَافَّةِ الجُبَّةِ الَّتِي يَلبَسُهَا الكَاهِنُ أثْنَاءَ الخِدْمَةِ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَصَنَعُوا أثوَابًا مَنسُوجَةً مِنْ كِتَّانٍ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ. وَصَنَعُوا العِمَامَةَ مِنْ كِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ، وَأغْطِيَةَ الرّأسِ مِنْ كِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ، وَالمَلَابِسَ الدَّاخِليَّةَ مِنْ كِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ، وَالحِزَامَ مِنْ كِتَّانٍ نَقِيٍّ مَبْرُومٍ مِنْ أنْسِجَةٍ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةٍ وَحَمرَاءَ مُزَخرَفَةٍ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَصَنَعُوا الشِّعَارَ الَّذِي فِي مُقَدَّمَةِ الإكلِيلِ المُقَدَّسِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَنَقَشُوا فَوقَهُ كَمَا يُنْقَشُ عَلَى الخَاتَمِ: «مُخَصَّصٌ لِيهوه.» وَرَبَطُوا بِهَا خَيطًا أزرَقَ لِوَضعِهَا عَلَى العِمَامَةِ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَاكتَمَلَ كُلُّ العَمَلِ فِي مَسْكَنِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَعَمِلَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ مَا أمَرَ اللهُ مُوسَى بِهِ. بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَدْعَوا مُوسَى لِيَرَى المَسْكَنَ المُقَدَّسَ وَكُلَّ مَا فِيهِ. فَرأى مُوسَى الخَيْمَةَ مَعَ غِطَائِهَا وَأدَوَاتِهَا وَمَشَابِكِهَا وَألوَاحِهَا وَعَوَارِضِهَا وَأعمِدَتِهَا وَقَوَاعِدِهَا، وَغِطَاءِ جُلُودِ الكِبَاشِ المَدبُوغَةِ وَغِطَاءِ جُلُودِ التُّيُوسِ، وَالسِّتَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَرأى صُنْدُوقَ لَوحَيِّ الشَّهَادَةِ وَعَصَوَيهِ وَغِطَاءَ الصُّنْدُوقِ، وَالمَائِدَةَ وَكُلَّ أدَوَاتِهَا وَخُبْزَ حَضْرَةِ اللهِ، وَمَنَارَةَ الذَّهَبِ وَسُرُجَهَا، الَّتِي وُضِعَتْ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ، وَأدَوَاتِهَا، وَزَيْتَ الإنَارَةِ. وَرأى مَذْبَحَ الذَّهَبِ وَزَيْتَ المَسْحَةِ وَالبَخُورَ الطَّيِّبَ وَسِتَارَ مَدْخَلِ الخَيْمَةِ، وَمَذْبَحَ البُرُونْزِ وَشَبَكَتَهَ البُرُونْزِيَّةَ وَأدَوَاتِهِ، وَحَوْضَ الِاغتِسَالِ وَقَاعِدَتَهَ. وَرأى مُوسَى سَتَائِرَ السَّاحَةِ وَأعمِدَتِهَا وَقَوَاعِدَ أعْمِدَتِهَا وَسِتَارَةَ مَدْخَلِ السَّاحَةِ وَحِبَالَهَا وَأوتَادَهَا، وَكُلَّ الأدَوَاتِ المُسْتَخْدَمَةِ لِلخِدْمَةِ فِي المَسْكَنِ المُقَدَّسِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَرأى الثِّيَابَ المَنْسُوجَةَ لِلخِدْمَةِ فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ، وَالثِّيَابَ المُقَدَّسَةَ لِهَارُونَ الكَاهِنِ وَلأبْنَائِهِ لِيَخْدِمُوا كَكَهَنَةٍ. وَعَمِلَ بَنُو إسْرَائِيلَ العَمَلَ بِحَسَبِ كُلِّ مَا أمَرَ اللهُ مُوسَى بِهِ. وَرَأى مُوسَى بِأنَّهُمْ أنجَزُوا كُلَّ العَمَلِ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ ، فَبَارَكَهُمْ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ تُقيمُ المَسْكَنَ المُقَدَّسَ. ضَعْ فِيهِ صُنْدُوقَ لَوحَيِّ الشَّهَادَةِ وَأخْفِهِ بِالسِّتَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. ثُمَّ أدْخِلْ المَائِدَةَ وَرَتِّبْ خُبْزَ حَضْرَةِ اللهِ عَلَيهَا، وَأحْضِرْ المَنَارَةَ وَأشْعِلْ سُرُجَهَا. وَضَعْ مَذْبَحَ البَخُورِ الذَّهَبِيَّ أمَامَ صُنْدُوقِ العَهْدِ، وَالسِّتَارَةَ عَلَى مَدْخَلِ المَسْكَنِ. «ضَعْ مَذْبَحَ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ أمَامَ مَدْخَلِ المَسْكَنِ، أيْ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَضَعْ حَوضَ الِاغتِسَالِ بَيْنَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالمَذْبَحِ، مَملُوءًا بِالمَاءِ. ضَعْ سَتَائِرَ السَّاحَةِ حَوْلَ الخَيْمَةِ، ثُمَّ ضَعْ سِتَارَةَ مَدْخَلِ السَّاحَةِ. وَخَذْ زَيْتَ المَسْحَةِ، وَامْسَحْ بِهِ المَسْكَنَ وَكُلَّ مَا فِيهِ وَكُلَّ أثَاثِهِ لِيَكُونَ مُخَصَّصًا للهِ. وَامْسَحْ مَذْبَحَ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَكُلَّ أدَوَاتِهِ، وَكَرِّسِ المَذْبَحَ، فَيَصِيرَ قُدْسَ أقدَاسٍ. وَامْسَحْ حَوْضَ الِاغْتِسَالِ وَقَاعِدَتَهُ لِتُقَدِّسَهُ. «ثُمَّ اسْتَدْعِ هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ إلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَاغْسِلْهُمْ بِالمَاءِ. ألْبِسْ هَارُونَ ثِيَابًا مُقَدَّسَةً، وَامْسَحْهُ وَكَرِّسْهُ لِيَخْدِمَنِي كَكَاهِنٍ لِي. أحْضِرْ كَذَلِكَ أبْنَاءَهُ وَألبِسْهُمُ الثِّيَابَ المُخَصَّصَةَ لَهُمْ. وَامْسَحْهُمْ كَمَا مَسَحْتَ أبَاهُمْ لِيَخْدِمُونِي كَكَهَنَةٍ لِي. فَسَتُؤَهِّلُهُمْ هَذِهِ المَسْحَةُ لِيَكُونُوا كَهَنَةً إلَى الأبَدِ فِي كُلِّ أجيَالِهِمْ.» فَعَمِلَ مُوسَى بِحَسَبِ مَا أمَرَهُ اللهُ بِهِ. وَفِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، أُقِيمَ المَسْكَنُ المُقَدَّسُ. أقَامَ مُوسَى المَسْكَنَ وَوَضَعَ قَوَاعِدَهُ وَألوَاحَهُ وَعَوَارِضَهُ وَأعمِدَتَهُ. وَنَشَرَ مُوسَى الخَيْمَةَ فَوْقَ المَسْكَنِ. ثُمَّ وَضَعَ فَوقَهُ غِطَاءَ جُلُودِ الكِبَاشِ المَدْبُوغَةِ وَغِطَاءَ جُلُودِ التُّيُوسِ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَأخَذَ مُوسَى لَوحَيِّ الشَّهَادَةِ وَوَضَعَهُمَا فِي الصُّندُوقِ. وَوَضَعَ العَصَوَينِ فِي حَلَقَاتِ الصُّندُوقِ، وَوَضَعَ الغِطَاءَ فَوْقَ الصُّندُوقِ. وَأحضَرَ مُوسَى الصُّندُوقَ إلَى المَسْكَنِ، وَوَضَعَ السِّتَارَةَ الدَّاخِلِيَّةَ، وَأخْفَى صُنْدُوقَ لَوحَيِّ الشَّهَادَةِ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَوَضَعَ مُوسَى المَائِدَةَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ مِنَ المَسْكَنِ، خَارِجَ السِّتَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَرَتَّبَ عَلَيهَا الخُبْزَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَوَضَعَ مُوسَى المَنَارَةَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ مِنَ المَسْكَنِ مُقَابِلَ المَائِدَةِ. وَوَضَعَ السُّرُجَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَوَضَعَ المَذْبَحَ الذَّهَبِيَّ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ أمَامَ السِّتَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَأحرَقَ بَخُورًا طَيِّبًا، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَوَضَعَ السِّتَارَةَ عَلَى مَدْخَلِ المَسْكَنِ. وَوَضَعَ مَذْبَحَ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ عِنْدَ مَدْخَلِ مَسْكَنِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَقَدَّمَ عَلَيْهِ الذَّبَائِحَ الصَّاعِدَةَ وَتَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَوَضَعَ مُوسَى الحَوضَ بَيْنَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالمَذْبَحِ، وَوَضَعَ فِيهِ مَاءً لِلِاغْتِسَالِ. وَكَانَ مُوسَى وَهَارُونُ وَأبنَاؤُهُ يَغْسِلُونَ أيدِيَهُمْ وَأرجُلَهُمْ فِيهِ. فَحِينَ كَانُوا يَأْتُونَ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَيَقْتَرِبُونَ إلَى المَذْبَحِ، كَانُوا يَغْتَسِلُونَ كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَوَضَعَ مُوسَى سَتَائِرَ السَّاحَةِ حَوْلَ المَسْكَنِ وَالمَذْبَحِ. وَوَضَعَ سِتَارَةَ مَدْخَلِ السَّاحَةِ. وَبِهَذَا أكمَلَ مُوسَى كُلَّ العَمَلِ. وَغَطَّتِ السَّحَابَةُ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ، وَمَلأ مَجْدُ اللهِ المَسْكَنَ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ مُوسَى الدُّخُولَ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِأنَّ مَجْدَ اللهِ مَلأ المَسْكَنَ. وَفِي كُلِّ رِحلَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ، حِينَ كَانَتِ السَّحَابَةُ تَرْتَفِعُ عَنِ المَسْكَنِ كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يَرْتَحِلُونَ. فَإنْ لَمْ تَرْتَفِعِ السَّحَابَةُ، لَمْ يَكُونُوا يَرْتَحِلُونَ إلَى أنْ تَرْتَفِعَ. لِأنَّ سَحَابَةَ اللهِ كَانَتْ فَوْقَ المَسْكَنِ فِي النَّهَارِ. وَكَانَتِ النَّارُ فِي السَّحَابَةِ طَوَالَ اللَّيلِ أمَامَ عُيونِ جَمِيعِ بَيْتِ إسْرَائِيلَ فِي كُلِّ رِحلَاتِهِمْ. وَدَعَا اللهُ مُوسَى وَتَكَلَّمَ إلَيْهِ مِنْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ فَقَالَ: «كَلِّمْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: حِينَ يُقَدِّمُ أحَدُكُمْ تَقْدِمَةً مِنَ الحَيَوَانَاتِ للهِ ، فَلْيُقَدِّمْ مِنَ البَقَرِ أوْ الغَنَمِ. «فَإنْ كَانَتِ التَّقدِمَةُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً مِنَ البَقَرِ، فَلْتَكُنْ عِجلًا سَلِيمًا مِنَ العُيُوبِ، وَلْيُقَدِّمْهُ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِيَكُونَ مَقبُولًا فِي حَضْرَةِ اللهِ . عَلَى مَنْ يُقَدِّمُهُ أنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأسِ الحَيَوَانِ لِيَكُونَ مَقبُولًا لِلتَّكفِيرِ عَنْهُ. «يَنْبَغِي أنْ تَذْبَحَ العِجلَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَعَلَى أبْنَاءِ هَارُونَ، الكَهَنَةِ، أنْ يُقَدِّمُوا الدَّمَ للهِ ، وَأنْ يَسْكُبُوهُ عَلَى جَوَانِبِ المَذْبَحِ الَّذِي أمَامَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ يَنْبَغِي سَلخُ جِلْدِ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ وَتَقْطِيعُهَا. ثُمَّ يَضَعُ أبْنَاءُ هَارُونَ نَارًا عَلَى المَذْبَحِ، وَيُرَتِّبُونَ الخَشَبَ عَلَى النَّارِ. بَعْدَ ذَلِكَ يَضَعُ أبْنَاءُ هَارُونَ الكَهَنَةُ القِطَعَ وَالرَّأسَ وَالشَّحمَ عَلَى الخَشَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ الَّتِي عَلَى المَذْبَحِ. ثُمَّ تُغْسَلُ أحشَاءُ العِجلِ وَسِيقَانُهُ بِالمَاءِ. وَيُحْرِقُهَا الكَاهِنُ جَمِيعًا عَلَى المَذْبَحِ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً، مُعَدَّةً بِالنَّارِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «وَإنْ كَانَتْ تَقْدِمَتُهُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً مِنَ الغَنَمِ أوِ المَاعِزِ، فَيَنْبَغِي أنْ يُقَدِّمَ تَيْسًا سَلِيمًا مِنَ العُيُوبِ. يَذْبَحُهُ فِي الجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ مِنَ المَذْبَحِ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَيَسْكُبُ أبْنَاءُ هَارُونَ دَمَهُ عَلَى جَوَانِبِ المَذْبَحِ. ثُمَّ يُقَطِّعُهُ الكَاهِنُ وَيُرَتِّبُ قِطَعَهُ وَرَأسَهُ وَشَحْمَهُ عَلَى الخَشَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ الَّتِي عَلَى المَذْبَحِ. ثُمَّ تُغْسَلُ أحْشَاءُ التَّيسِ وَسِيقَانُهُ بِالمَاءِ، وَيُقَدِّمُهَا الكَاهِنُ بِالْكَامِلِ وَيُحْرِقُهَا عَلَى المَذْبَحِ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً، مُعَدَّةً بِالنَّارِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «وَإنْ كَانَتْ تَقْدِمَتُهُ للهِ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً مِنَ الطُّيُورِ، فَلْتَكُنْ مِنَ اليَمَامِ أوِ الحَمَامِ الصَّغِيرِ. فَيُحضِرُهَا الكَاهِنُ إلَى المَذْبَحِ، وَيَقْطَعُ رَأسَهَا، وَيُحْرِقُهَا عَلَى المَذْبَحِ، ثُمَّ يُصَفِّي الدَّمَ عَلَى جَانِبِ المَذْبَحِ. وَيَنْزِعُ الكَاهِنُ الحَوصَلَةَ وَالرِّيشَ وَيَطْرَحُهَا إلَى الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنَ المَذْبَحِ، إلَى مَكَانِ الرَّمَادِ. ثُمَّ يَشُقُّ الكَاهِنُ الطَّيرَ مِنْ بَيْنِ جَنَاحَيهِ مِنْ دُونِ أنْ يَفْصِلَ شَطرَيهِ. ثُمَّ يُحْرِقُهُ عَلَى المَذْبَحِ عَلَى الخَشَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ. إنَّهُ ذَبِيحَةٌ صَاعِدَةٌ مُعَدَّةٌ بِالنَّارِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «وَحِينَ يُقَدِّمُ أحَدُكُمْ تَقْدِمَةً مِنَ الحُبُوبِ للهِ ، فَلْتَكُنْ مِنْ أجوَدِ أنْوَاعِ الطَّحِينِ. يَسْكُبُ عَلَيْهِ زَيْتًا وَبَخُورًا، وَيُحْضِرَهُ إلَى أبْنَاءِ هَارُونَ الكَهَنَةِ. فَيَغْرِفُ أحَدُ الكَهَنَةِ مِقدَارَ قَبْضَةٍ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ وَالزَّيْتِ وَالبَخُورِ، وَيُحْرِقُهُ تَقْدِمَةً مُعَدَّةً بِالنَّارِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . وَأمَّا بَقِيَّةُ تَقْدِمَةِ الحُبُوبِ فَتَكُونُ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ نَصِيبًا مُقَدَّسًا مِنْ تَقْدِمَاتِ اللهِ . «وَحِينَ تُقَدِّمُ تَقْدِمَةَ حُبُوبٍ مَخبُوزَةٍ فِي الفُرنِ، فَلْتَكُنْ مِنْ أجوَدِ أنْوَاعِ الطَّحِينِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ بِلَا خَمِيرَةٍ، وَرَقَائِقَ مَدْهُونَةً بِالزَّيْتِ. فَإنْ كَانَتْ تَقْدِمَتُكَ مِنْ حُبُوبٍ مَخبُوزَةٍ عَلَى الصَّاجِ، فَلْتَكُنْ مِنْ أجوَدِ أنْوَاعِ الطَّحِينِ المَمْزُوجِ بِالزَّيْتِ بِلَا خَمِيرَةٍ. فَتِّتْهَا إلَى قِطَعٍ صَغِيرَةٍ، وَاسكُبْ عَلَيْهَا زَيْتًا. إنَّهَا تَقْدِمَةُ طَحِينٍ. وَإنْ كَانَتْ تَقْدِمَتُكَ مِنْ حُبُوبٍ مَقلِيَّةٍ فِي مِقلَاةٍ، فَلْتَكُنْ مِنْ أجوَدِ أنْوَاعِ الطَّحِينِ مَعَ الزَّيْتِ. «وَحِينَ تُحْضِرُ تَقْدِمَةَ الحُبُوبِ المَصْنُوعَةَ بِإحْدَى هَذِهِ الطُّرُقِ للهِ ، قَدِّمْهَا لِلكَاهِنِ، وَسَيُقَدِّمُهَا الكَاهِنُ إلَى المَذْبَحِ. ثُمَّ يَأْخُذُ الكَاهِنُ شَيْئًا مِنَ التَّقدِمَةِ، وَيُحْرِقُهُ تِقْدِمَةً مُعَدَّةً بِالنَّارِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . وَأمَّا بَقِيَّةُ تَقْدِمَةِ الطَّحِينِ فَتَكُونُ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ نَصِيبًا مُقَدَّسًا مِنْ تَقْدِمَاتِ اللهِ . «يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ جَمِيعُ تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا للهِ خَالِيَةً مِنَ الخَمِيرَةِ. لَا تُحْرِقْ خَمِيرَةً أوْ عَسَلًا كَتَقْدِمَةٍ للهِ . يُمكِنُكُمْ أنْ تُقَدِّمُوهَا للهِ كَتَقْدِمَةٍ مِنْ أوَائِلِ الحَصَادِ، لَكِنَّهَا لَا تُقَدَّمُ عَلَى المَذْبَحِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «ضَعْ مِلْحًا عَلى كُلِّ تَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. لَا يَنْبَغِي أنْ تَخْلُوَ تَقْدِمَاتُكَ مِنْ مِلْحِ عَهْدِكَ مَعَ إلَهِكَ، بَلْ قَدِّمِ المِلْحَ مَعَ كُلِّ ذَبَائِحِكَ. «وَإذَا أحضَرْتَ تَقْدِمَةَ حُبُوبٍ مِنْ أوَائِلِ الحَصَادِ للهِ ، فَقَدِّمْ فَرِيكًا مَشوِيًّا فِي النَّارِ كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ مِنْ أوَائِلِ حَصَادِكَ. أضِفْ إلَيْهِ زَيْتًا، وَضَعْ عَلَيْهِ بَخُورًا. إنَّهَا تَقْدِمَةُ حُبُوبٍ. يُحْرِقُ الكَاهِنُ جُزءًا مِنَ الفَرِيكِ وَالزَّيْتِ وَالبَخُورِ كَعَلَامَةٍ، كَتَقْدِمَةِ رَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «وَإنْ كَانَتْ تَقْدِمَتُهُ ذَبِيحَةَ سَلَامٍ، وَقَدَّمَ ثَوْرًا أوْ بَقَرَةً، فَلْيُقَدِّمْ حَيَوَانًا بِلَا عَيْبٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ . يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأسِ تَقْدِمَتِهِ، وَتُذبَحُ فِي مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ يَسْكُبُ أبْنَاءُ هَارُونَ الكَهَنَةُ الدَّمَ حَوْلَ المَذْبَحِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. ثُمَّ يُقَدِّمُ مِنْ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ الشَّحْمَ الَّذِي يُغَطِّي الأحْشَاءَ وَيُحِيطُ بِهَا. يُقَدِّمُهُ تَقْدِمَةً مُعَدَّةً بِالنَّارِ للهِ . كَمَا يُقَدِّمُ الكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي حَوْلَهُمَا وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَى الخَاصِرَتَيْنِ وَمُلحَقَاتِ الكَبِدِ. فَيَنْزِعُ مُلحَقَاتِ الكَبِدِ مَعَ الكُلْيَتَيْنِ. ثُمَّ يُحْرِقُهَا أبْنَاءُ هَارُونَ عَلَى المَذْبَحِ مَعَ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ الَّتِي عَلَى الخَشَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «وَإنْ كَانَتْ تَقْدِمَةُ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ للهِ مِنَ الغَنَمِ، فَلْتَكُنْ ذَكَرًا أوْ أُنثَى بِلَا عَيْبٍ. وَإنْ كَانَ خَرُوفًا، فَلْيُقَدِّمْهُ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَيَضَعْ يَدَهُ عَلَى رَأسِ تَقْدِمَتِهِ، وَتُذبَحُ فِي مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ يَرُشُّ أبْنَاءُ هَارُونَ الكَهَنَةُ دَمَهَا حَوْلَ المَذْبَحِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَيُقَدِّمُ الكَاهِنُ مِنْ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ للهِ شَحْمَهَا، وَكُلَّ الذَّيلِ مِنْ نِهَايَةِ العَمُودِ الفِقَرِيِّ، وَالشَّحمَ الَّذِي يُغَطِّي الأحشَاءَ وَمَا يُحِيطُ بِهَا، وَالكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحمَ الَّذِي حَوْلَهُمَا وَالشَّحمَ الَّذِي عَلَى الخَاصِرَتَيْنِ وَمُلحَقَاتِ الكَبِدِ. فَيَنْزِعُ مُلحَقَاتِ الكَبِدِ مَعَ الكُلْيَتَيْنِ. فَيُحْرِقُهَا الكَاهِنُ عَلَى المَذْبَحِ كَتَقْدِمَةٍ مُعَدَّةٍ بِالنَّارِ للهِ . «فإنْ كَانَتْ تَقْدِمَتُهُ مِنَ المَاعِزِ، فَلْيُقَدِّمْهَا فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَيَضَعْ يَدَهُ عَلَى رَأسِهَا، فَتُذبَحُ أمَامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ يَرُشُّ أبْنَاءُ هَارُونَ الكَهَنَةُ دَمَهَا حَوْلَ المَذْبَحِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. ثُمَّ يُقَدِّمُ الكَاهِنُ الشَّحْمَ الَّذِي يُغَطِّي الأحشَاءَ وَمَا حَوْلَهَا، ذَبِيحَةً مُعَدَّةً بِالنَّارِ للهِ . فَيأخُذُ الكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي حَوْلَهُمَا وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَى الخَاصِرَتَيْنِ وَمُلحَقَاتِ الكَبِدِ، وَيَنْزِعُ مُلحَقَاتِ الكَبِدِ مَعَ الكُلْيَتَيْنِ، ثُمَّ يُحْرِقُهَا الكَاهِنُ عَلَى المَذْبَحِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . كُلُّ الشَّحمِ يُقَدَّمُ للهِ . هَذِهِ فَرِيضَةٌ دَائِمَةٌ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ تَسْكُنُونَ، لَا تَأْكُلُوا مِنَ الشَّحمِ وَلَا مِنَ الدَّمِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أخبِرْ بَنِي إسْرَائِيلَ بِمَا يَنْبَغِي عَمَلُهُ إنْ أخطَأ أحَدٌ بِغَيرِ قَصدٍ، فَعَمِلَ مَا نَهَى اللهُ عَنِ عَمَلِهِ. «إنْ أخطَأ الكَاهِنُ المَمسُوحُ فَجَلَبَ ذَنبًا عَلَى الشَّعْبِ، فَلْيُقَدِّمْ للهِ عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي اقتَرَفَهَا ثَوْرًا بِلَا عَيْبٍ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. يُحضِرُ الثَّورَ إلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأسِ الثَّورِ وَيَذْبَحُهُ فِي حَضْرَةِ اللهِ . ثُمَّ يَأْخُذُ الكَاهِنُ المَمسُوحُ مِنْ دَمِ الثَّورِ وَيُحضِرُهُ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيَغْمِسُ الكَاهِنُ إصبَعَهُ فِي الدَّمِ، وَيَرُشُّ مِنْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، مُقَابِلَ سِتَارَةِ قُدْسِ الأقْدَاسِ. ثُمَّ يَضَعُ الكَاهِنُ بَعْضَ الدَّمِ عَلَى زَوَايَا مَذْبَحِ البَخُورِ الطَّيِّبِ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَيَسْكُبُ بَقِيَّةَ دَمِ الثَّورِ عِنْدَ قَاعِدَةِ مَذْبَحِ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيُزِيلُ الكَاهِنُ الشَّحمَ مِنْ ثَورِ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ الَّذِي يُغَطِّي الأحشَاءَ وَكُلَّ الشَّحمِ المُحِيطِ بِهَا، وَالكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحمَ الَّذِي حَوْلَهُمَا وَالشَّحمَ الَّذِي عَلَى الخَاصِرَتَيْنِ وَمُلحَقَاتِ الكَبِدِ. فَيَنْزِعُ مُلحَقَاتِ الكَبِدِ مَعَ الكُلْيَتَيْنِ. يُزِيلُ الشَّحمَ مِنْ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ – بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي يُزِيلُهُ بِهَا مِنْ ثَورِ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ. – ثُمَّ يُحْرِقُهُ الكَاهِنُ عَلَى مَذْبَحِ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. وَأمَّا جِلْدُ الثَّورِ وَلَحْمُهُ وَرَأسُهُ وَسِيقَانُهُ وَأحْشَاؤُهُ الدَّاخِلِيَّةُ وَرَوْثُهُ، وَكُلُّ بَقِيَّتِهِ يَنْبَغِي أنْ تُؤْخَذَ إلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ خَارِجَ المُخَيَّمِ، إلَى مَكَبٍّ لِلرَّمَادِ، فَتُحْرَقَ هُنَاكَ عَلَى حَطَبٍ. تُحْرَقُ تَمَامًا عَلَى مَكَبِّ الرَّمَادِ. «إنْ أخطَأ بَنُو إسْرَائِيلَ بِغَيرِ قَصْدٍ، وَلَمْ يُدرِكُوا ذَلِكَ، فَعَمِلُوا مَا تَنْهَى عَنْهُ وَصَايَا اللهِ ، فَإنَّهُمْ يُعْتَبَرُونَ مُذنِبِينَ. فَحِينَ تُعرَفُ الخَطِيَّةُ الَّتِي ارتَكَبُوهَا، يُقَدِّمُونَ ثَوْرًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. يُحضِرُونَهُ إلَى أمَامِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثًمَّ يَضَعُ شُيُوخُ الشَّعْبِ أيدِيَهُمْ عَلَى رَأسِ الثَّورِ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَيُذْبَحُ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَيُحْضِرُ الكَاهِنُ المَمسُوحُ بَعْضًا مِنَ دَمِ الثَّورِ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيَغْمِسُ الكَاهِنُ إصبَعَهُ فِي الدَّمِ، وَيَرُشُّ مِنْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، مُقَابِلَ سِتَارَةِ قُدْسِ الأقْدَاسِ. ثُمَّ يَضَعُ الكَاهِنُ بَعْضَ الدَّمِ عَلَى زَوَايَا مَذْبَحِ البَخُورِ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيَسْكُبُ بَقِيَّةَ الدَّمِ عِنْدَ قَاعِدَةِ مَذْبَحِ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ يُزِيلُ الكَاهِنُ كُلَّ الشَّحمِ مِنْهُ، وَيُحْرِقُهُ عَلَى المَذْبَحِ. يَصْنَعُ بِهَذَا الثَّورِ مَا صَنَعَهُ بِثَورِ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ الَّذِي لِلكَاهِنِ. وَهَكَذَا يَعْمَلُ الكَاهِنُ كَفَّارَةً لِلشَّعْبِ فَيُغفَرَ لَهُمْ. ثُمَّ يُؤخَذُ الثَّورُ إلَى خَارِجِ المُخَيَّمِ لِيُحْرَقَ كَمَا أُحْرِقَ الثَّورُ الأوَّلُ. إنَّهُ ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ لِلشَّعْبِ. «وَإنْ أخطَأ رَئِيسٌ، فَعَمِلَ أمْرًا تَنْهَى عَنْهُ وَصَايَا بِغَيْرِ قَصْدٍ، فَصَارَ مُذْنِبًا، ثُمَّ عَرَفَ خَطِيَّتَهُ، فَلْيُحْضِرْ تَقْدِمَتَهُ تَيسًا ذَكَرًا مِنَ المَاعِزِ لَا عَيْبَ فِيهِ. بَعْدَ ذَلِكَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأسِ التَّيسِ، وَيُذبَحُ التَّيسُ فِي المَكَانِ الَّذِي تُذبَحُ فِيهِ الذَّبِيحَةُ الصَّاعِدَةُ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، إنَّهُ ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ. ثُمَّ يَأْخُذُ الكَاهِنُ بَعْضًا مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ بِإصبَعِهِ وَيَضَعُهُ عَلَى زَوَايَا مَذْبَحِ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ، وَيَسْكُبُ بَقِيَّةَ الدَّمِ عِنْدَ قَاعِدَةِ مَذْبَحِ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. ثُمَّ يُحْرِقُ شَحْمَهُ عَلَى المَذْبَحِ كَشَحْمِ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ. وَهَكَذَا يَعِدُّ الكَاهِنُ كَفَّارَةً عَنْ خَطِيَّتِهِ، فَتُغفَرَ لَهُ. «وَإنْ أخْطَأ أحَدٌ مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ بِغَيرِ قَصْدٍ، فَعَمِلَ مَا تَنْهَى عَنْهُ وَصَايَا اللهِ ثُمَّ عَرَفَ ذَنبَهُ، أوْ عَرَّفَهُ أحَدٌ بِذَنبِهِ، فَلْيُحْضِرْ تَقْدِمَتَهُ عَنزًا أُنثَى مِنَ المَاعِزِ لَا عَيْبَ فِيهَا لِأجْلِ الذَّنْبِ الَّذِي اقتَرَفَهُ. يَضَعُ المُذْنِبُ يَدَهُ عَلَى ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ، ثُمَّ تُذبَحُ فِي المَكَانِ الَّذِي تُذبَحُ فِيهِ الذَّبِيحَةُ الصَّاعِدَةُ. وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ بَعْضًا مِنْ دَمِ الذَّبِيحَةِ بِإصبَعِهِ وَيَضَعُهُ عَلَى زَوَايَا مَذْبَحِ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ، ثُمَّ يَسْكُبُ بَقِيَّةَ الدَّمِ عِنْدَ قَاعِدَةِ المَذْبَحِ. ثُمَّ يُزِيلُ كُلَّ الشَّحْمِ، مِثْلَ الشَّحْمِ الَّذِي يُزَالُ مِنْ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ، وَيُحْرِقُهُ عَلَى المَذْبَحِ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . وَهَكَذَا يَعِدُّ الكَاهِنُ كَفَّارَةً عَنْ خَطِيَّتِهِ، فَتُغفَرَ لَهُ. «وَإنْ كَانَتِ التَّقدِمَةُ الَّتِي تُحضِرُهَا مِنَ الغَنَمِ، يَنْبَغِي أنْ تُحْضِرَ أُنثَى لَا عَيْبَ فِيهَا. تَضَعُ يَدَكَ عَلَى رَأسِ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ، ثُمَّ تُذبَحُ كَذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ فِي المَكَانِ الَّذِي تُذبَحُ فِيهِ الذَّبِيحَةُ الصَّاعِدَةُ. يَأْخُذُ الكَاهِنُ بَعْضًا مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ بِإصبَعِهِ وَيَضَعُهُ عَلَى زَوَايَا مَذْبَحِ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ، ثُمَّ يَسْكُبُ بَقِيَّةَ الدَّمِ عِنْدَ قَاعِدَةِ المَذْبَحِ. وَيُزِيلُ الكَاهِنُ كُلَّ شَحمِهَا – بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي يُزِيلُهُ بِهَا مِنْ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ – وَيُحْرِقُهُ عَلَى المَذْبَحِ مَعَ تَقْدِمَاتِ اللهِ . وَهَكَذَا يَعِدُّ الكَاهِنُ كَفَّارَةً عَنْ خَطِيَّتِكَ، فَتُغفَرَ لَكَ. «إنْ سَمِعَ أحَدٌ دَعوَةً عَلَنِيَّةً لِتَقْدِيمِ شَهَادَةٍ فِي أمرٍ مَا، وَكَانَ يَعْرِفُ بَعْضَ الحَقَائِقِ فَأخْفَاهَا وَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا، فَإنَّهُ يَكُونُ مَسؤُولًا عَنْ ذَنْبِهِ هَذَا. «إنْ لَمَسَ أحَدُكُمْ أيَّ شَيءٍ نَجِسٍ – سَوَاءٌ أكَانَ جُثَّةَ حَيَوَانٍ نَجِسٍ، أمْ جُثَّةَ حَيَوَانٍ أليفٍ، أمْ جُثَّةَ حَيَوَانٍ زَاحِفٍ – وَلَمْ يَنْتَبِهْ إلَى الأمْرِ، فَإنَّهُ يَتَنَجَّسُ وَيُعْتَبْرُ مُذْنِبًا. «إنْ لَمَسَ أحَدٌ نَجَاسَةَ إنْسَانٍ آخَرَ، مَهْمَا كَانَتْ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ لِلأمْرِ، فَإنَّهُ حِينَ يَعْرِفُ يُعْتَبَرُ مُذْنِبًا. «إنْ أقْسَمَ أحَدُهُمْ بِلَا تَفْكِيرٍ بِأنْ يَعْمَلَ أمْرًا سَيِّئًا أوْ حَسَنًا، مَهْمَا كَانَ مَا يَقُولُهُ بِلَا تَفْكِيرٍ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ، فَإنَّهُ حِينَ يَتَذَكَّرُ يُعْتَبَرُ مُذْنِبًا فِي أيٍّ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ. فَحِينَ يُعْتَبَرُ مُذْنِبًا فِي أيٍّ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ، يَنْبَغِي أنْ يَعْتَرِفَ بِذَنْبِهِ، وَأنْ يُقَدِّمَ للهِ ذَبِيحَةً بِسَبَبِ خَطِيَّتِهِ الَّتِي ارتَكَبَهَا. فَلْيُقَدِّمْ أُنثَى مِنَ الغَنَمِ أوِ المَاعِزِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. وَهَكَذَا يَعْمَلُ الكَاهِنُ كَفَّارَةً لِخَطِيَّتِهِ. «فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ تَقْدِيمَ النَّعْجَةِ لِفَقْرِهِ، فَلْيُقَدِّمْ للهِ يَمَامَتَيْنِ أوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ. فَيَكُونُ أحَدُ الطَّيرَينِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً. يُقَدِّمُهُمَا لِلكَاهِنِ، فَيُقَدِّمُ الكَاهِنُ أحَدَهُمَا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. يَقْطَعُ الكَاهِنُ رَأسَ الطَّيرِ مِنَ العُنقِ دُونَ أنْ يَفْصِلَهُ. ثُمَّ يَرُشُّ بَعْضًا مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ عَلَى جَانِبِ المَذْبَحِ. وَمَا يَتَبَقَّى مِنَ الدَّمِ يُصَفَّى عِنْدَ قَاعِدَةِ المَذْبَحِ. هَذِهِ ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ. وَأمَّا الطَّيرُ الثَّانِي فَيُقَدِّمُهُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً بِحَسَبِ الشَّريِعَةِ. وَهَكَذَا يَعِدُّ الكَاهِنُ كَفَّارَةً عَنْ خَطِيَّتِهِ، فَتُغفَرَ لَهُ. «فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ تَقْدِيمَ يَمَامَتَيْنِ أوْ حَمَامَتَيْنِ، فَلْيُحْضِرْ كَتَقْدِمَةٍ عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي اقتَرَفَهَا عُشْرَ قُفَّةٍ مِنْ طَحِينٍ جَيِّدٍ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. لَا يَنْبَغِي أنْ يَضَعَ عَلَى الطَّحِينِ زَيْتًا أوْ بَخُورًا، لِأنَّهُ تَقْدِمَةُ تَطْهِيرٍ مِنَ الخَطِيَّةِ. ثُمَّ يُحضِرُهُ لِلكَاهِنِ، فَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مِلءَ كَفِّهِ مِنْهُ وَيُحْرِقُهُ عَلَى المَذْبَحِ مَعَ تَقْدِمَاتِ اللهِ . إنَّهُ تَقْدِمَةُ تَطْهِيرٍ مِنَ الخَطِيَّةِ. وَهَكَذَا يَعِدُّ الكَاهِنُ كَفَّارَةً عَنْ خَطَايَاهُ هَذِهِ جَمِيعًا، فَتُغفَرَ لَهُ. أمَّا بَقِيَّةُ تَقْدِمَةِ الحُبُوبِ فَتَكُونُ لِلكَاهِنِ كَتَقْدِمَةِ الحُبُوبِ.» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «حِينَ يَرْتَكِبُ أحَدٌ خَطَأً بِغَيرِ قَصْدٍ فِي أُمُورِ اللهِ المُقَدَّسَةِ، يُحضِرُ للهِ ، كَعُقُوبَةٍ، كَبْشًا لَا عَيْبَ فِيهِ مِنَ الغَنَمِ، ثَمَنُهُ يُعَادِلُ القِيمَةَ المُنَاسِبَةَ مِنَ الفِضَّةِ بِحَسَبِ المِقيَاسِ الرَّسمِيِّ لِلمِثْقَالِ، فَيَكُونُ ذَبِيحَةَ ذَنْبٍ. يَدْفَعُ المُخطِئُ مُقَابِلَ الخَطَإ الَّذِي ارْتَكَبَهُ. وَيُضِيفُ خُمْسَ ثَمَنِ الذَّبِيحَةِ وَيُعْطِيهُ لِلكَاهِنِ. وَيُكَفِّرُ الكَاهِنُ عَنْهُ بِكَبْشِ ذَبِيحَةِ الذَّنْبِ، فَيُغفَرَ لَهُ. «حِينَ يُخْطِئُ شَخْصٌ بِعَمَلِ أمْرٍ تَنْهَى عَنْهُ وَصَايَا اللهِ ، لَكِنْ لَا يُدْرِكُ، فَإنَّهُ يَكُونُ مُذْنِبًا، وَهُوَ مَسؤُولٌ عَنْ خَطِيَّتِهِ. فَلْيُحْضِرْ لِلكَاهِنِ كَبْشًا لَا عَيْبَ فِيهِ مِنَ الغَنَمِ، كَمَا تُحَدِّدُ أنْتَ كَتَقْدِمَةِ ذَنْبٍ. ثُمَّ يَصْنَعُ الكَاهِنُ كَفَّارَةً لَهُ لِأجْلِ الذَّنْبِ الَّذِي اقْتَرَفَهُ وَلَمْ يَعْرِفْ عَنْهُ، فَيُغفَرَ لَهُ. إنَّهُ ذَبِيحَةُ ذَنْبٍ إذْ أنَّهُ أذْنَبَ فِي حَضْرَةِ اللهِ .» وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «إذَا ارْتَكَبَ أحَدٌ خَطَأً ضِدَّ اللهِ ، فَكَذَبَ بِشَأنِ أمَانَةٍ أُعْطِيَتْ لَهُ أوْ قَرضٍ أوْ سَرِقَةٍ، أوِ احتَالَ عَلَى جَارِهِ، أوْ وَجَدَ شَيْئًا فَكَذَبَ بِشَأنِهِ، أوْ حَلَفَ كَذِبًا بِشَأنِ أيِّ أمرٍ يُمْكِنُ للإنْسَانِ أنْ يَفْعَلَهُ فَيُخطِئَ بِهِ، فَإنَّهُ يَكُونُ مُذْنِبًا. يَنْبَغِي أنْ يُعِيدَ مَا سَرَقَهُ أوِ احتَالَ لِأخذِهِ أوِ الأمَانَةَ الَّتِي أعْطَاهَا شَخْصٌ لَهُ لِيَحْتَفِظَ بِهَا أوِ الشَّيءَ الضَّائِعَ الَّذِي وَجَدَهُ، أوْ أيَّ شَيءٍ أقْسَمَ كَذِبًا بِشَأنِهِ. فَلْيَدْفَعِ الثَّمَنَ الأصلِيَّ وَيُضِيفَ مِقدَارَ خُمْسِهِ، وَيَدْفَعُهُ لِصَاحِبِ الشَّيءِ فِي اليَوْمِ الَّذِي يَتِمُّ فِيهِ إثبَاتُ ذَنبِهِ. ثُمَّ يُقَدِّمُ لِلكَاهِنِ تَقْدِمَةَ ذَنبٍ للهِ كَبْشًا لَا عَيْبَ فِيهِ مِنَ الغَنَمِ ثَمَنُهُ يُعَادِلُ القِيمَةَ الرَّسْمِيَّةَ لِذَبِيحَةِ الذَّنْبِ. فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الكَاهِنُ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، فَتُغْفَرَ لَهُ كُلُّ الأُمُورِ الَّتِي عَمِلَهَا وَاعْتُبِرَ مُذْنِبًا بِهَا.» وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «أوصِ هَارُونَ بِمَا يَلِي: هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ تَقْدِمَةِ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ: يَنْبَغِي أنْ تَبْقَى تَقْدِمَةُ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ عَلَى المَوقِدِ فَوْقَ المَذْبَحِ طُولَ اللَّيلِ وَحَتَّى الصَّبَاحِ، وَيَنْبَغِي أنْ تَبْقَى النَّارُ مُشتَعِلَةً فِيهَا. وَيَرْتَدِي الكَاهِنُ رِدَاءَهُ الكِتَّانِيَّ وَسِروَالَهُ الكِتَّانِيَّ، ثُمَّ يُزِيلُ الرَّمَادَ المُتَبَقِّيَ مِنَ النَّارِ مِنْ تَقْدِمَةِ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ عَلَى المَذْبَحِ وَيَضَعُهُ إلَى جَانِبِ المَذْبَحِ. ثُمَّ يَخْلَعُ ثِيَابَهُ وَيَرْتَدِي ثِيَابًا أُخْرَى وَيَأْخُذُ الرَّمَادَ إلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ خَارِجَ المُخَيَّمِ. يَنْبَغِي أنْ تَبْقَى النَّارُ الَّتِي عَلَى المَذْبَحِ مُشْتَعِلَةً وَلَا تَنْطَفِئَ. يَضَعُ الكَاهِنُ خَشَبًا عَلَيْهَا كُلَّ صَبَاحٍ، وَيُرَتِّبُ تَقْدِمَةَ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ، وَيُحْرِقُ شَحْمَ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ عَلَيْهِ. فَتَبْقَى النَّارُ مُشْتَعِلَةً عَلَى المَذْبَحِ وَلَا تَنْطَفِئُ. «وَهَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ تَقْدِمَةِ الطَّحِينِ: يُقَدِّمُهَا أبْنَاءُ هَارُونَ فِي حَضْرَةِ اللهِ مُقَابِلَ المَذْبَحِ. يَأْخُذُ الكَاهِنُ مِلءَ كَفِّهِ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ وَزَيْتٍ وَكُلِّ البَخُورِ، وَيُحْرِقُهُ كَعَلَامَةٍ عَلَى المَذْبَحِ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . يُمْكِنُ لِهَارُونَ وَأبنَائِهِ أنْ يَأْكُلُوا بَقِيَّتَهُ، لَكِنْ مِنْ دُونِ خَمِيرَةٍ، وَفِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ: فِي سَاحَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. لَا يُخبَزُ بِخَمِيرَةٍ. فَقَدْ أعْطَيْتُ الكَهَنَةَ هَذَا الطَّحِينَ كَنَصِيبٍ لَهُمْ مِنْ تَقْدِمَاتِي. إنَّهُ نَصِيبٌ مُخَصَّصٌ لَهُمْ بِالْكَامِلِ كَذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ وَتَقْدِمَةِ الذَّنْبِ. يُسْمَحُ لِأيِّ ذَكَرٍ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ أنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَنَصِيبٍ دَائِمٍ لَهُمْ مِنْ تَقْدِمَاتِ اللهِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. وَلَا يَمَسُّ هَذِهِ التَّقدِمَاتِ إلَّا المُقَدَّسُونَ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «هَذِهِ هِيَ التَّقدِمَةُ الَّتِي عَلَى هَارُونَ وَأبْنَائِهِ أنْ يُقَدِّمُوهَا للهِ فِي اليَوْمِ الَّذِي يُمْسَحُ فِيهِ كَاهِنًا: عُشْرَ قُفَّةٍ مِنْ طَحِينٍ جَيِّدٍ كَتَقْدِمَةِ طَحِينٍ دَائِمَةٍ مُنتَظَمَةٍ، نِصفُهَا فِي الصَّبَاحِ وَنِصفُهَا فِي المَسَاءِ. يَنْبَغِي أنْ تُجَهَّزَ التَّقدِمَةُ مَعَ زَيْتٍ. يُخلَطُ الطَّحِينُ جَيِّدًا بِالزَّيْتِ ثُمَّ يُخبَزُ عَلَى الصَّاجِ، ثُمَّ تُقَدَّمُ تَقْدِمَةُ الحُبُوبِ قِطَعًا مَخبُوزَةً، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «الكَاهِنُ الَّذِي يُمْسَحُ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ لِيَخْلِفَ هَارُونَ، يَسْتَمِرُّ بَتَقْدِيمِ هَذِهِ التَّقدِمَةِ للهِ فَرِيضَةً دَائِمَةً. وَيَنْبَغِي إحْرَاقُهَا بِالْكَامِلِ. كُلُّ تَقْدِمَةٍ يُقَدِّمُهَا الكَاهِنُ تُحرَقُ بِالْكَامِلِ، وَلَا تُؤْكَلُ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ هَذِهِ التَّعلِيمَاتِ بِشأنِ شَرِيعَةِ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ: فِي المَكَانِ الَّذِي تُذبَحُ فِيهِ الذَّبِيحَةُ الصَّاعِدَةُ، تُذْبَحُ ذَبِيحَةُ الخَطِيَّةِ فِي حَضْرَةِ اللهِ . إنَّهَا نَصِيبٌ مُخَصَّصٌ لِلكَهَنَةِ بِالْكَامِلِ. وَالكَاهِنُ الَّذِي يُقَدِّمُ ذَبِيحَةَ الخَطِيَّةِ، يَأْكُلُهَا فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، فِي سَاحَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَكُلُّ شَخْصٍ أوْ شَيءٍ يَمَسُّ لَحْمَهَا يَصِيرُ مُقَدَّسًا. «فَإنْ رُشَّ مِنْ دَمِ الذَّبِيحَةِ عَلَى أيَّةِ ثِيَابٍ، يَنْبَغِي أنْ تُغْسَلَ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. وَكُلُّ وِعَاءٍ مِنْ خَزَفٍ تُطبَخُ ذَبِيحَةُ الخَطِيَّةِ فِيهِ يَنْبَغِي كَسْرُهُ. وَإنْ طُبِخَتْ فِي وِعَاءٍ نُحَاسِيٍّ، يَنْبَغِي غَسلُهُ وَشَطفُهُ بِالمَاءِ. «يُمْكِنُ لِكُلِّ ذَكَرٍ مِنَ الكَهَنَةِ أنْ يَأْكُلَ مِنْ هَذِهِ الذَّبِيحَةِ. إنَّهَا نَصِيبٌ مُخَصَّصٌ لِلكَهَنَةِ بِالْكَامِلِ. وَأمَّا كُلُّ ذَبَائِحِ الخَطِيَّةِ الَّتِي يُجلَبُ دَمُهَا إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِعَمَلِ كَفَّارَةٍ فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ، فَلَا يَنْبَغِي أنْ تُؤكَلَ، بَلْ لِتُحرَقْ بِالنَّارِ. «هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ ذَبِيحَةِ الذَّنْبِ. هِيَ نَصِيبٌ مُخَصَّصٌ لِلكَهَنَةِ بِالْكَامِلِ. تُذَبحُ ذَبِيحَةُ الذَّنْبِ فِي المَكَانِ الَّذِي تُذبَحُ فِيهِ الذَّبِيحَةُ الصَّاعِدَةُ. وَيُرَشُّ دَمُهَا عَلَى جَوَانِبِ المَذْبَحِ. «وَيُقَدَّمُ الكَاهِنُ شَحْمَهَا كُلَّهُ: الذَّيلَ وَالشَّحمَ الَّذِي يُغَطِّي الأحشَاءَ، وَالكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحمَ الَّذِي حَوْلَهُمَا وَالشَّحمَ الَّذِي عَلَى الخَاصِرَتَيْنِ وَمُلحَقَاتِ الكَبِدِ. فَيَنْزِعُ مُلحَقَاتِ الكَبِدِ مَعَ الكُلْيَتَيْنِ. يَأْخُذُهُ الكَاهِنُ وَيُحْرِقُهُ عَلَى المَذْبَحِ كَتَقْدِمَةٍ للهِ . إنَّهَا ذَبِيحَةُ ذَنبٍ. «يُمْكِنُ لِكُلِّ الذُّكُورِ مِنَ الكَهَنَةِ أنْ يَأْكُلُوهَا. يَنْبَغِي أكْلُهَا فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، فَهِيَ نَصِيبٌ مُخَصَّصٌ لِلكَهَنَةِ بِالْكَامِلِ. وَتَنْطَبِقُ عَلَى ذَبِيحَةِ الذَّنْبِ وَذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ القَاعِدَةُ نَفْسُهَا، أيْ أنَّ الذَّبِيحَةَ تَكُونُ لِلكَاهِنِ الَّذِي يُقَدِّمُهَا. حِينَ يُقَدِّمُ الكَاهِنُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً عَنْ إنْسَانٍ، فَإنَّ جِلْدَ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا يَكُونُ لِلكَاهِنِ. وَكُلُّ تَقْدِمَةِ طَحِينٍ مَخبُوزٍ فِي الفُرنِ، وَكُلُّ تَقْدِمَةِ طَحِينٍ مُجَهَّزٍ فِي مِقلَاةٍ أوْ عَلَى الصَّاجِ فَإنَّهَا تَكُونُ لِلكَاهِنِ الَّذِي يُقَدِّمُهَا. وَأمَّا كُلُّ تَقْدِمَاتِ الطَّحِينِ الأُخرَى، المَمْزُوجَةِ بِالزَّيْتِ، أوِ الجَافَّةِ، فَتَكُونُ لِكُلِّ أبْنَاءِ هَارُونَ بِالتَّسَاوِي. «هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا الإنْسَانُ للهِ : إنْ قَدَّمَهَا شَخْصٌ كَذَبِيحَةِ شُكرٍ، فَلْيُحْضِرْ مَعَ ذَبِيحَةِ الشُّكْرِ كَعكًا بِلَا خَمِيرَةٍ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، وَرَقَائِقَ بِلَا خَمِيرَةٍ مَدْهُونَةً بِالزَّيْتِ، وَأرْغِفَةً مِنْ طَحِينٍ جَيِّدٍ مَمْزُوجَةً بِزَيْتٍ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ. وَلْيُقَدِّمْ هَذِهِ التَّقدِمَةَ مَعَ خُبْزٍ مُخْتَمِرٍ مَعَ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ لِلتَّعبِيرِ عَنِ الشُّكْرِ. وَيُقَدِّمُ رَغِيفَ خُبْزٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ تَقْدِمَةً مَرْفُوعَةً للهِ ، فَتَكُونُ هَذِهِ الأرْغِفَةُ مِنْ نَصِيبِ الكَاهِنِ الَّذِي يَرُشُّ دَمَ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ. وَيَنْبَغِي أنْ يُؤكَلَ لَحْمُ تَقْدِمَةِ السَّلَامِ الَّتِي لِإظْهَارِ الشُّكْرِ فِي اليَوْمِ الَّذِي قُدِّمَتْ فِيهِ. لَا تُبْقُوا مِنْهَا شَيْئًا إلَى الصَّبَاحِ. «فَإنْ كَانَتْ ذَبِيحَةُ السَّلَامِ اختِيَارِيَّةً، أوْ بِسَبَبِ نَذْرٍ، فَيَنْبَغِي أنْ تُؤكَلَ فِي اليَوْمِ الَّذِي تُقَدَّمُ فِيهِ. وَمَا يَتَبَقَّى مِنْهَا يُؤكَلُ فِي اليَوْمِ التَّالِي. وَمَا يَتَبَقَّى مِنْ لَحْمِ الذَّبِيحَةِ لِليَوْمِ الثَّالِثِ يَنْبَغِي حَرقُهُ. إنْ أكَلَ شَخْصٌ مِنْ لَحْمِ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، فَإنَّهَا تُصْبِحُ غَيْرَ مَقبُولَةٍ. لَا تُحسَبُ لِلَّذِي قَدَّمَهَا. إنَّهَا نَتِنَةٌ، وَالَّذِي يَأْكُلُ مِنْهَا مَسؤُولٌ عَنْ خَطِيَّتِهِ. «اللَّحمُ الَّذِي يَمَسُّ أيَّ شَيءٍ نَجِسٍ لَا يَنْبَغِي أنْ يُؤكَلَ، فَيَنْبَغِي حَرقُهُ بِالنَّارِ. أمَّا اللَّحمُ الَّذِي لَمْ يَتَنَجَّسْ فَيُمكِنُ لِأيِّ شَخْصٍ طَاهِرٍ أنْ يَأْكُلَهُ. وَأمَّا مَنْ يَأْكُلُ لَحْمَ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ المُقَدَّمَةِ للهِ بَيْنَمَا هُوَ نَجِسٌ، فَيُقطَعُ مِنْ عَشِيرَتِهِ. «وَمَنْ يَلْمِسُ شَيْئًا نَجِسًا – سَوَاءٌ أكَانَ نَجَاسَةً بَشَرِيَّةً أمْ حَيَوَانًا نَجِسًا أمْ أيَّ شَيءٍ كَرِيهٍ – ثُمَّ يَأْكُلُ لَحْمًا مِنْ ذَبِيحَةِ سَلَامٍ مُقَدَّمَةٍ للهِ ، يُقْطَعُ مِنْ عَشِيرَتِهِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: لَا تَأْكُلُوا أيَّ شَحمٍ مِنْ ثَورٍ أوْ غَنَمٍ أوْ مَاعِزٍ. اسْتَخْدِمُوا شَحْمَ الحَيَوَانِ المَيْتِ أوِ الحَيَوَانِ الَّذِي قُتِلَ وَتُرِكَ فِي أيِّ غَرَضٍ آخَرَ، لَكِنْ لَا تَأْكُلُوهُ. إنْ أكَلَ أحَدٌ شَحْمًا مِنْ حَيَوَانٍ مُقَدَّمٍ للهِ ، يُقْطَعُ مِنْ عَشِيرَتِهِ. «لَا تَأْكُلُوا دَمًا، لَا دَمَ طَيرٍ وَلَا حَيَوَانٍ، فِي كُلِّ الأمَاكِنِ الَّتِي تَقْطُنُونَ فِيهَا. مَنْ يَأْكُلُ دَمًا مِنْكُمْ، يُقْطَعُ مِنْ عَشِيرَتِهِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: مَنْ يُقَدِّمُ مِنْكُمْ ذَبِيحَةَ سَلَامٍ للهِ ، يَنْبَغِي أنْ يُحْضِرَ بِنَفْسِهِ ذَبِيحَةَ السَّلَامِ للهِ ، وَأنْ يُحْضِرَ التَّقدِمَاتِ للهِ بِيَدَيهِ. فَلْيُحْضِرِ الشَّحمَ مَعَ صَدْرِ الحَيَوَانِ لِلكَاهِنِ، وَيَرْفَعْهُ تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَيُحْرِقُ الشَّحمَ عَلَى المَذْبَحِ. يَكُونُ الصَّدرُ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ. وَتُعْطَى الفَخذُ اليُمْنَى مِنْ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ تَقْدِمَةً لِلكَاهِنِ. فَتَكُونُ الفَخذُ اليُمْنَى مِنْ نَصِيبِ مَنْ يُقَدِّمُ دَمَ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ وَشَحْمَهَا مِنْ بَنِي هَارُونَ. فَقَدْ خَصَّصْتُ صَدْرَ وَفَخذَ التَّقدِمَةِ الَّتِي رُفِعَتْ فِي حَضْرَةِ اللهِ لِهَارُونَ الكَاهِنِ وَأبْنَائِهِ نَصِيبًا دَائِمًا لَهُمْ مِنْ تَقْدِمَاتِ السَّلَامِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا بَنُو إسْرَائِيلَ.» هَذَا هُوَ نَصِيبُ هَارُونَ وَأبْنَائِهِ مِنْ تَقْدِمَاتِ اللهِ المُعَدَّةِ بِالنَّارِ مُنْذُ تَعْيِينِهِمْ لِيَخْدِمُوا كَكَهَنَةٍ للهِ . أمَرَ اللهُ بِإعْطَاءِ هَذِهِ الأجْزَاءِ لَهُمْ مِنْ وَقْتِ مَسْحِهِمْ كَكَهَنَةٍ، نَصِيبًا دَائِمًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. هَذِهِ هِيَ قَوَاعِدُ تَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ، وَتَقْدِمَاتِ الطَّحِينِ وَذَبِيحَةِ الذَّنْبِ وَتَقْدِمَاتِ تَعْيِينِ الكَهَنَةِ وَذَبِيحَةِ السَّلَامِ. أعْطَى اللهُ هَذِهِ الوَصَايَا لِمُوسَى عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ حِينَ أمَرَ اللهُ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يُقَدِّمُوا تَقْدِمَاتِهِمْ للهِ فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «خُذْ هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ مَعَهُ وَالثِّيَابَ الكَهَنُوتِيَّةَ وَزَيْتَ المَسْحَةِ وَثَورَ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ وَالكَبْشَينِ وَسَلَّةَ الخُبْزِ الخَالِي مِنَ الخَمِيرِ. ثُمَّ اجمَعِ الشَّعْبَ كُلَّهُ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ.» فَعَمِلَ مُوسَى بِحَسَبِ مَا أمَرَهُ اللهُ . فَاجتَمَعَ الشَّعْبُ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «هَذَا مَا أمَرَ اللهُ بِعَمَلِهِ.» ثُمَّ أحْضَرَ مُوسَى هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ إلَى الأمَامِ وَغَسَّلَهُمْ بِالمَاءِ. ثُمَّ ألبَسَ مُوسَى هَارُونَ الجُبَّةَ الدَّاخِلِيَّةَ المَنسُوجَةَ، وَوَضَعَ حِزَامًا عَلَيْهَا ثُمَّ ألبَسَهُ الرِّدَاءَ، وَمِنْ ثُمَّ الصُّدرَةَ، وَوَضَعَ الحِزَامَ المُزَخرَفَ عَلَيْهِ، وَرَبَطَ بِهِ الصُّدرَةَ. ثُمَّ وَضَعَ صُدْرَةَ القَضَاءِ عَلَيْهِ، وَوَضَعَ فِيهَا الأُورِيمَ وَالتُّمِّيمَ. ثُمَّ وَضَعَ مُوسَى العِمَامَةَ عَلَى رَأسِ هَارُونَ، وَوَضَعَ عَلَى العِمَامَةِ مِنَ الأمَامِ صَفِيحَةَ الذَّهَبِ، الإكلِيلَ المُقَدَّسَ. عَمِلَ مُوسَى كُلَّ هَذَا بِحَسَبِ مَا أمَرَهُ اللهُ . ثُمَّ أخَذَ مُوسَى زَيْتَ المَسْحَةِ وَمَسَحَ بِهِ المَسْكَنَ وَكُلَّ مَا فِيهِ. وَهَكَذَا قَدَّسَ كُلَّ مَا فيهِ. ثُمَّ رَشَّ بَعْضَ الزَّيْتِ عَلَى المَذْبَحِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَمَسَحَ المَذْبَحَ وَكُلَّ أدَوَاتِهِ، وَالحَوضَ وَقَاعِدَتَهُ لِيُقَدِّسَهَا. ثُمَّ سَكَبَ مُوسَى بَعْضًا مِنْ زَيْتِ المَسْحَةِ عَلَى رَأسِ هَارُونَ وَمَسَحَهُ لِتَقْدِيسِهِ. ثُمَّ أحْضَرَ مُوسَى أبْنَاءَ هَارُونَ إلَى الأمَامِ وَألبَسَهُمْ أثوَابًا، وَرَبَطَهَا بِأحزِمَةٍ، وَوَضَعَ عَصَائِبَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ. عَمِلَ مُوسَى كُلَّ هَذَا بِحَسَبِ مَا أمَرَهُ اللهُ . ثُمَّ أحْضَرَ مُوسَى ثَوْرَ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ إلَى الأمَامِ. وَوَضَعَ هَارُونُ وَأبْنَاؤُهُ أيدِيَهُمْ عَلَى رَأسِ ثَوْرِ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ، ثُمَّ ذَبَحَهُ وَأخَذَ مِنَ الدَّمِ وَوَضَعَهُ عَلَى زَوَايَا المَذْبَحِ بِإصبَعِهِ. وَبِهَذَا طَهَّرَ مُوسَى المَذْبَحَ، وَسَكَبَ الدَّمَ عِنْدَ قَاعِدَةِ المَذْبَحِ. وَهَكَذَا قَدَّسَ مُوسَى المَذْبَحَ وَعَمِلَ لَهُ كَفَّارَةً. ثُمَّ أخَذَ الشَّحمَ الَّذِي عَلَى الأحشَاءِ وَمُلحَقَاتِ الكَبِدِ وَالكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، وَأحرَقَهُ مُوسَى عَلَى المَذْبَحِ. وَأمَّا بَقِيَّةُ الثَّورِ، جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ وَرَوثُهُ، فَقَدْ أُحرِقَتْ خَارِجَ المُخَيَّمِ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ أُحضِرَ كَبْشُ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ إلَى الأمَامِ، وَوَضَعَ هَارُونُ وَأبنَاؤُهُ أيدِيَهُمْ عَلَى رَأسِ الكَبْشِ. وَذَبَحَهُ مُوسَى وَرَشَّ الدَّمَ عَلَى جَوَانِبِ المَذْبَحِ، ثُمَّ قُطِّعَ الكَبْشُ إلَى أجْزَاءٍ. وَأحْرَقَ مُوسَى الرَّأسَ وَالأجْزَاءَ وَالشَّحْمَ عَلَى المَذْبَحِ. وَغُسِلَتِ الأحْشَاءُ وَالسِّيقَانُ بِالمَاءِ، وَأحْرَقَ مُوسَى كُلَّ الكَبْشِ عَلَى المَذْبَحِ. هَذِهِ ذَبِيحَةٌ صَاعِدَةٌ لِرَائِحَةٍ مُسِرَّةٍ، تَقْدِمَةٌ للهِ ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ أُحضِرَ كَبْشُ التَّكْرِيسِ، الكَبْشُ الثَّانِي، إلَى الأمَامِ، وَوَضَعَ هَارُونُ وَأبنَاؤُهُ أيدِيَهُمْ عَلَى رَأسِ الكَبْشِ. وَذَبَحَهُ مُوسَى وَأخَذَ بَعْضًا مِنْ دَمِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى شَحمَةِ الأُذُنِ اليُمْنَى لِهَارُونَ وَعَلَى إبهَامِ يَدِهِ اليُمْنَى وَعَلَى إبهَامِ رِجلِهِ اليُمْنَى. ثُمَّ أُحضِرَ أبْنَاءُ هَارُونَ إلَى الأمَامِ، وَوَضَعَ مُوسَى بَعْضَ الدَّمِ عَلَى شَحمَةِ آذَانِهِمُ اليُمْنَى وَعَلَى أبَاهِمِ أيدِيهِمُ اليُمْنَى وَعَلَى أبَاهِمِ أرجُلِهِمُ اليُمْنَى، ثُمَّ رَشَّ مُوسَى الدَّمَ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ المَذْبَحِ. ثُمَّ أخَذَ مُوسَى الشَّحمَ: شَحمَ الذَّيلِ وَالشَّحمَ الَّذِي عَلَى الأحشَاءِ وَمُلحَقَاتِ الكَبِدِ وَالكُلْيَتَيْنِ وَشَحمَهُمَا وَالفَخذَ اليُمْنَى. وَمِنْ سَلَّةِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ الَّتِي كَانَتْ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، أخَذَ مُوسَى رَغِيفَ خُبْزٍ غَيْرَ مُختَمِرٍ وَكَعكَةً مَعمُولَةً بِالزَّيْتِ وَرَقَائِقَ، وَوَضَعَ كُلَّ هَذَا عَلَى الشَّحمِ وَعَلَى الفَخذِ اليُمْنَى لِلكَبْشِ، وَوَضَعَ كُلَّ هَذَا عَلَى كَفَّيِّ هَارُونَ وَكُفُوفِ أبْنَائِهِ، ثُمَّ رَفَعَهُ مُوسَى تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . ثُمَّ أخَذَهُ مُوسَى مِنْ عَلَى كُفُوفِهِمْ وَأحرَقَهُ عَلَى المَذْبَحِ مَعَ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. هَذِهِ هِيَ تَقْدِمَةُ تَكْرِيسٍ لِلكَهَنَةِ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . ثُمَّ أخَذَ مُوسَى الصَّدرَ وَرَفَعَهُ تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . كَانَ الصَّدرُ حِصَّةَ مُوسَى مِنْ كَبْشِ تَكْرِيسِ الكَهَنَةِ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ أخَذَ مُوسَى بَعْضًا مِنْ زَيْتِ المَسْحَةِ وَالدَّمِ اللَّذَيْنِ عَلَى المَذْبَحِ، وَرَشَّهُ عَلَى هَارُونَ وَثِيَابِهِ وَأبْنَائِهِ وَثِيَابِهِمْ. هَكَذَا كَرَّسَ مُوسَى هَارُونَ وَثِيَابَهُ وَأبْنَاءَهُ وَثِيَابَهُمْ. وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ: «اطبُخُوا اللَّحمَ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَكُلُوهُ هُنَاكَ مَعَ خُبْزِ تَعْيِينِكُمْ كَكَهَنَةٍ الَّذِي فِي السَّلَّةِ، كَمَا أمَرَنِي اللهُ بِقَولِهِ: ‹عَلَى هَارُونَ وَأبْنَائِهِ أنْ يَأْكُلُوهُ.› وَمَا يَتَبَقَّى مِنَ اللَّحمِ وَالخُبْزِ تُحْرِقُونَهُ بِالنَّارِ. لَا تَخْرُجُوا مِنْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ إلَى يَوْمِ إتمَامِ فَترَةِ تَكْرِيسِكُمْ كَكَهَنَةٍ. فَمَرَاسِمُ تَعْيِينِكُمْ سَتَدُومُ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. أمَرَ اللهُ بِعَمَلِ مَا تَمَّ عَمَلُهُ اليَوْمَ لِلتَّكفِيرِ عَنْكُمْ. فَامْكُثُوا عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ نَهَارًا وَلَيلًا لِفَترَةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ. احْفَظُوا وَصِيَّةَ اللهِ لِئَلَّا تَمُوتُوا. لِأنَّ اللهَ أمَرَنِي بِهَذَا.» فَفَعَلَ هَارُونُ وَأبنَاؤُهُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي أمَرَ اللهُ بِهَا عَلَى فَمِ مُوسَى. وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ، دَعَا مُوسَى هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ وَشُيُوخَ إسْرَائِيلَ، وَقَالَ لِهَارُونَ: «خُذْ عِجْلًا لَا عَيْبَ فِيهِ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ، وَكَبْشًا لَا عَيْبَ فِيهِ ذَبِيحَةً صَّاعِدَةً، وَقَدِّمْهُمَا فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَقُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: ‹خُذُوا تَيْسًا مِنَ المَاعِزِ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ، وَعِجلًا وَحَمَلًا عُمْرُ كُلٍّ مِنْهُمَا سَنَةٌ وَلَا عَيْبَ فِيهِمَا لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ، وَثَورًا وَكَبْشًا لِذَبِيحَتِي السَّلَامِ لِذَبحِهِمَا فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَتَقْدِمَةَ طَحِينٍ بِزَيْتٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لِأنَّ اللهَ سَيَظْهَرُ لَكُمُ اليَوْمَ.›» فَأحضَرُوا مَا أمَرَ بِهِ أمَامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَأتَى كُلُّ الشَّعْبِ إلَى الأمَامِ وَوَقَفُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ . فَقَالَ مُوسَى: «هَذَا هُوَ مَا أمَرَكُمُ اللهُ بِأنْ تَعْمَلُوهُ كَي يَظْهَرَ مَجْدُ اللهِ لَكُمْ.» ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «تَقَدَّمْ إلَى المَذْبَحِ وَقَدِّمْ ذَبِيحَةَ الخَطِيَّةِ وَالذَّبِيحَةَ الصَّاعِدَةَ اللَّتَيْنِ لَكَ، وَاعْمَلْ مَا يَنْبَغِي لِعَمَلِ كَفَّارَةٍ لَكَ وَلِلشَّعبِ، وَقَدِّمْ تَقْدِمَاتِ الشَّعْبِ وَاعْمَلْ مَا يَنْبَغِي لِعَمَلِ كَفَّارَةٍ لَهُمْ، كَمَا أمَرَ اللهُ .» فَتَقَدَّمَ هَارُونُ إلَى المَذْبَحِ، وَذَبَحَ عِجلَ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ الَّذِي كَانَ لَهُ. وَأحضَرَ أبْنَاؤُهُ الدَّمَ، فَغَمَسَ إصبَعَهُ فِي الدَّمِ وَوَضَعَ بَعْضًا مِنْهُ عَلَى زَوَايَا المَذْبَحِ، وَسَكَبَ بَقِيَّةَ الدَّمِ عِنْدَ قَاعِدَةِ المَذْبَحِ. ثُمَّ أحرَقَ الشَّحمَ وَالكُلْيَتَيْنِ وَمُلحَقَاتِ الكَبِدِ الَّتِي مِنْ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ عَلَى المَذْبَحِ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَأحْرَقَ اللَّحْمَ وَالجِلْدَ بِنَارٍ خَارِجَ المُخَيَّمِ. ثُمَّ ذَبَحَ هَارُونُ كَبْشَ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. وَأحْضَرَ أبنَاؤُهُ الدَّمَ، فَسَكَبَهُ عَلَى جَوَانِبِ المَذْبَحِ. وَقَدَّمُوا لَهُ الذَّبِيحَةَ الصَّاعِدَةَ مُقَطَّعَةً مَعَ رَأسِهَا، فَأحرَقَهَا هَارُونُ عَلَى المَذْبَحِ. ثُمَّ غَسَلَ الأحشَاءَ وَالسِّيقَانَ وَأحرَقَهَا مَعَ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ عَلَى المَذْبَحِ. ثُمَّ أحْضَرَ تَقْدِمَةَ الشَّعْبِ، فَأخَذَ تَيْسَ المَاعِزِ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةِ الشَّعْبِ، وَذَبَحَهُ، وَقَدَّمَهُ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ مِثْلَ أوَّلِ ذَبِيحَةٍ. ثُمَّ أحْضَرَ الذَّبِيحَةَ الصَّاعِدَةَ وَقَدَّمَهَا بِالطَريقَةِ المَقْبُولَةِ. ثُمَّ أحْضَرَ تَقْدِمَةَ الطَّحِينِ، وَأخَذَ مِنْهَا مِقدَارَ مِلءِ كَفِّهِ وَأحرَقَهُ عَلَى المَذْبَحِ مَعَ ذَبِيحَةِ الصَّبَاحِ الصَّاعِدَةِ. ثُمَّ ذَبَحَ هَارُونُ الثَّورَ وَالكَبْشَ ذَبَائِحَ سَلَامٍ لِلشَّعْبِ، وَقَدَّمَ أبْنَاؤُهُ الدَّمَ لَهُ، فَسَكَبَهُ عَلَى جَوَانِبِ المَذْبَحِ. وَقَدَّمَ أبْنَاؤُهُ لَهُ شَحْمَ الثَّورِ وَالكَبْشِ: الذَّيلَ وَالشَّحمَ الَّذِي يُغَطِّي الأحشَاءَ وَالكُلْيَتَيْنِ وَمُلحَقَاتِ الكَبِدِ. وَوَضَعُوا الشَّحمَ عَلَى الصَّدرَينِ وَأحرَقَهُمَا مَعًا عَلَى المَذْبَحِ. وَرَفَعَ هَارُونُ الصَّدرَينِ وَالفَخذَ اليُمْنَى تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ رَفَعَ هَارُونُ يَدَيهِ نَحْوَ الشَّعْبِ وَبَارَكَهُمْ. وَبَعْدَ أنِ انْتَهَى مِنْ تَقْدِيمِ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ وَالذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ وَذَبِيحَةِ السَّلَامِ، نَزَلَ مِنْ عَلَى المَذْبَحِ. ثُمَّ دَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَحِينَ خَرَجَا، بَارَكَا الشَّعْبَ، حِينَئِذٍ، ظَهَرَ مَجْدُ اللهِ لِلشَّعْبِ. وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ مَحضَرِ اللهِ وَأحرَقَتِ الذَّبِيحَةَ الصَّاعِدَةَ وَالشَّحمَ اللَّذَيْنِ عَلَى المَذْبَحِ. وَرَأى كُلُّ الشَّعْبِ ذَلِكَ، وَهَتَفُوا، وَرَكَعُوا وَوُجُوهُهُمْ إلَى الأرْضِ. وَأخَذَ ابْنَا هَارُونَ، نَادَابُ وَأبِيهُو، كُلُّ وَاحِدٍ مِجمَرَتَهُ، وَوَضَعَا فِيهمَا نَارًا، وَوَضَعَا عَلَى النَّارِ بَخُورًا، وَقَدَّمَا فِي حَضْرَةِ اللهِ نَارًا مِنْ مَصدَرٍ غَرِيبٍ لَمْ يَأْمُرْهُمَا اللهُ بِاستِخدَامِهَا. فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ مَحضَرِ اللهِ وَأحرَقَتْهُمَا، فَمَاتَا فِي حَضْرَةِ اللهِ . حِينَئِذٍ، قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «هَذَا مَا قَصَدَهُ اللهُ بِقَولِهِ: ‹سَأتَقَدَّسُ بِالكَهَنَةِ الَّذِينَ يَقْتَرِبُونَ إلَيَّ، وَسَأتَمَجَّدُ أمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ.›» وَكَانَ هَارُونُ صَامِتًا. وَدَعَا مُوسَى مِيشَائِيلَ وَألْصَافَانَ ابْنَي عُزِّيئِيلَ، عَمِّ هَارُونَ. وَقَالَ لَهُمَا: «تَعَالَا وَاحْمِلَا قَرِيبَيكُمَا إلَى خَارِجِ المُخَيَّمِ مِنْ أمَامِ المَكَانِ المُقَدَّسِ.» فَأتَيَا وَحَمَلَاهُمَا إلَى خَارِجِ المُخَيَّمِ وَهُمَا فِي ثِيَابِهِمَا الخَاصَّةِ، كَمَا قَالَ مُوسَى. ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ وَابْنَيهِ، ألِيعَازَارَ وَإيثَامَارَ: «لَا تَشُدُّوا شَعرَكُمْ وَلَا تُمَزِّقُوا ثِيَابَكُمْ، لِئَلَّا تَمُوتُوا، وَلِئَلَّا يَغْضَبَ اللهُ عَلَى كُلِّ الشَّعْبِ. وَأمَّا أقرِبَاؤكُمْ، كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَيُمكِنُهُمْ أنْ يَبْكُوا بِسَبَبِ إحرَاقِ اللهِ لِنَادَابَ وَأبِيهُو. لَا تَخْرُجُوا إلَى خَارِجِ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَإلَّا فَإنَّكُمْ سَتَمُوتُونَ، لِأنَّ زَيْتَ مَسْحَةِ اللهِ عَلَيْكُمْ.» فَعَمِلُوا كَمَا قَالَ مُوسَى لَهُمْ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِهَارُونَ: «لَا تَشْرَبْ أنْتَ وَأبْنَاؤكَ خَمْرًا وَلَا شَرَابًا مُسْكِرًا حِينَ تَدْخُلُونَ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِئَلَّا تَمُوتُوا. هَذِهِ شَرِيعَةٌ دَائِمَةٌ لَكُمْ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. مَيِّزُوا بَيْنَ مَا هُوَ مُقَدَّسٌ وَمَا هُوَ نَجِسٌ، وَبَيْنَ مَا هُوَ طَاهِرٌ وَمَا هُوَ نَجِسٌ. لِأنَّكُمْ سَتُعَلِّمُونَ بَنِي إسْرَائِيلَ كُلَّ الشَّرَائِعِ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لَهُمْ مِنْ خِلَالِ مُوسَى.» وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ وَابْنَيهِ البَاقِيَيْنِ، ألِيعَازَارَ وَإيثَامَارَ: «خُذُوا تَقْدِمَةَ الطَّحِينِ البَاقِيَةَ مِنْ تَقْدِمَاتِ اللهِ ، وَكُلُوهَا بِلَا خَمِيرَةٍ بِجَانِبِ المَذْبَحِ، لِأنَّهَا نَصِيبٌ مُخَصَّصٌ لِلكَهَنَةِ بِالْكَامِلِ. كُلُوهَا فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ لِأنَّهَا حِصَّتُكَ وَحِصَّةُ أبْنَائِكَ مِنْ تَقْدِمَاتِ اللهِ ، لِأنَّ اللهَ أمَرَنِي بِهَذَا. «وَأمَّا صَدرُ وَفَخذُ التَّقدِمَةِ اللَّذَانِ رَفَعَهُمَا الكَاهِنُ فِي حَضْرَةِ اللهِ، فَتَأْكُلُونَهمَا فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ أنْتَ وَأبنَاؤُكَ. قَدْ أُعْطِيَا كَحِصَّةٍ لَكَ وَلِأبنَائِكَ مِنْ ذَبَائِحِ السَّلَامِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا بَنُو إسْرَائِيلَ. يُقَدِّمُ الشَّعْبُ السَّاقَ وَالصَّدرَ المَرْفُوعَيْنِ فِي حَضْرَةِ اللهِ مَعَ تَقْدِمَاتِ الشَّحمِ المُعَدَّةِ بِالنَّارِ إلَى مَحْضَرِ اللهِ. هَذِهِ حِصَّتُكَ الدَّائِمَةُ أنْتَ وَأبْنَائِكَ كَمَا أمَرَ اللهُ .» ثُمَّ سَألَ مُوسَى عَنْ تَيْسِ الخَطِيَّةِ، وَكَانَ قَدِ احْتَرَقَ. فَغَضِبَ مُوسَى عَلَى ألِيعَازَارَ وَإيثَامَارَ، ابْنَي هَارُونَ البَاقِيَيْنِ، وَقَالَ: «لِمَاذَا لَمْ تَأْكُلَا ذَبِيحَةَ الخَطِيَّةِ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ؟ فَهِيَ نَصِيبٌ مُخَصَّصٌ لَكُمَا بِالْكَامِلِ، وَقَدْ أعْطَاهَا اللهُ لَكُمَا لِإزَالَةِ ذَنبِ الشَّعْبِ وَعَمَلِ كَفَّارَةٍ لَهُ فِي حَضْرَةِ اللهِ . لَمْ يُحْضَرْ دَمُهَا إلَى دَاخِلِ المَكَانِ المُقَدَّسِ، لِذَا كَانَ يَنْبَغِي أنْ تَأْكُلَاهَا فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ كَمَا أمَرْتُ.» فَقَالَ هَارُونُ لِمُوسَى: «لَقَدْ قَدَّمَا اليَوْمَ عَنْهُمَا ذَبِيحَتَي خَطِيَّةٍ وَتَقْدِمَتَيْنِ صَاعِدَتَيْنِ، وَانْظُرْ مَا الَّذِي حَدَثَ! فَهَلْ يَرْضَى اللهُ بِأنْ آكُلَ هَذِهِ الذَّبَائِحَ؟» وَحِينَ سَمِعَ مُوسَى هَذَا اقتَنَعَ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَهَارُونَ فَقَالَ: «بَيِّنَا لِبَنِي إسْرَائِيلَ مَا هِيَ الحَيَوَانَاتُ الَّتِي يُمكِنُهُمْ أنْ يَأْكُلُوهَا مِنَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ. يُسْمَحُ لَكُمْ أنْ تَأْكُلُوا أيَّ حَيَوَانٍ لَهُ حَافِرٌ مَشقُوقٌ وَيَجْتَرُّ. «لَكِنْ لَا تَأْكُلُوا الحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَجْتَرُّ وَلَيْسَ لَهَا حَافِرٌ مَشقُوقٌ. لَا تَأْكُلُوا الجَمَلَ، فَهُوَ يَجْتَرُّ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ حَافِرٌ مَشْقُوقٌ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. لَا تَأْكُلُوا الغَرِيرَ فَهُوَ يَجْتَرُّ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ حَافِرٌ مَشْقُوقٌ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. لَا تَأْكُلُوا الأرنَبَ، فَهُوَ يَجْتَرُّ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ حَافِرٌ مَشْقُوقٌ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. لَا تَأْكُلُوا الخِنزِيرَ، إذْ لَهُ حَافِرٌ مَشقُوقٌ، لَكِنَّهُ لَا يَجْتَرُّ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. لَا تَأْكُلُوا مِنْ لَحْمِ هَذِهِ الحَيَوَانَاتِ وَلَا تَلْمِسُوا جُثَثَهَا، فَهِيَ نَجِسَةٌ لَكُمْ. «وَمِنَ الحَيَوَانَاتِ البَحرِيَّةِ تَأْكُلُونَ كُلَّ شَيءٍ يَعِيشُ فِي المَاءِ – فِي البِحَارِ أوِ الأنهَارِ – وَلَهُ زَعَانِفُ وَحَرَاشِفُ. أمَّا مَا يَعِيشُ فِي البِحَارِ أوِ الأنهَارِ وَلَيْسَتْ لَهُ زَعَانِفُ وَحَرَاشِفُ مِنْ كُلِّ الكَائِنَاتِ الَّتِي تَزْحَفُ فِي المَاءِ أوِ الكَائِنَاتِ المَائِيَّةِ الأُخرَى، فَمُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ، وَسَيبقَى مُحَرَّمًا. فَلَا تَأْكُلُوا لَحْمَهَا وَلَا تَلْمِسُوا جُثَثَهَا كَي لَا تَتَنَجَّسُوا. كُلُّ كَائِنٍ فِي المَاءِ لَيْسَتْ لَهُ زَعَانِفُ وَحَرَاشِفُ يَكُونُ مُحَرَّمًا. «وَتَمْقُتُونَ الطُّيُورَ التَّالِيَةَ فَلَا تَأْكُلُوهَا لِأنَّهَا نَجِسَةٌ: النَّسرَ وَالأنُوقَ وَالعُقَابَ، وَالحِدَأةَ وَكُلَّ أنْوَاعِ الصُّقُورِ، وَكُلَّ أنْوَاعِ الغِربَانِ، وَالنَّعَامَةَ وَالخُطَّافَ وَالنَّورَسَ وَكُلَّ أنْوَاعِ البَازِ، وَالبُومَ وَالغَوَّاصَ وَالكُرْكِيَّ، وَالبَجَعَ وَالقُوقَ وَالرَّخَمَ، وَاللَّقْلَقَ وَمَالِكَ الحَزِينَ بِأنْوَاعِهِ وَالهُدْهُدَ وَالخَفَّاشَ. «لَا تَأْكُلُوا كُلَّ حَشَرَةٍ لَهَا أجنِحَةٌ وَتَسِيرُ عَلَى أرْبَعٍ. وَلَكِنْ تَأْكُلُونَ الحَشَرَاتِ الَّتِي لَهَا أجنِحَةٌ وَتَسِيرُ عَلَى أرْبَعٍ فَقَطْ إنْ كَانَ لِسِيقَانِهَا مَفَاصِلُ فَوْقَ رِجلَيهَا لِتَقْفِزَ بِهِمَا عَلَى الأرْضِ. فَتَأْكُلُونَ كُلَّ أنْوَاعِ الجَرَادِ وَكُلَّ أنْوَاعِ الدَّبَا وَكُلَّ أنْوَاعِ الحَرْجُوانِ وَكُلَّ أنْوَاعِ الجَنَادِبِ. «وَأمَّا الحَشَرَاتُ الَّتِي لَهَا أجنِحَةٌ وَتَسِيرُ عَلَى أرْبَعٍ، فَامْتَنِعُوا عَنْهَا. هَذِهِ الكَائِنَاتُ تُنَجِّسُكُمْ. فَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُ جُثَثَهَا يَكُونُ نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ يَحْمِلُ جُزءًا مِنْ جُثَثِهَا، فَلِيَغْسِلْ ثِيَابَهُ. وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. «كُلُّ حَيَوَانٍ لَهُ حَافِرٌ غَيْرُ مَشقُوقٍ، أوْ لَا يَجْتَرُّ، هُوَ نَجِسٌ لَكُمْ، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُهُ يَصِيرُ نَجِسًا. كَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَمْشِي عَلَى خُفٍّ مِنَ الحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَمْشِي عَلَى أرْبَعٍ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُهَا يَصِيرُ نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ يَحْمِلُ جُثَثَهَا، لِيَغْسِلْ ثِيَابَهُ. وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. إنَّهَا نَجِسَةٌ لَكُمْ. «وَالحَيَوَانَاتُ الزَّاحِفَةُ الَّتِي تَزْحَفُ عَلَى الأرْضِ نَجِسَةٌ لَكُمْ: الخُلْدُ وَالفَأرُ وَكُلُّ أنْوَاعِ السَّحَالِي الكَبِيرَةِ، وَالحَرذُونُ وَالتِمْسَاحُ وَالعَضَاءَةُ وَسِحلِيَّةُ الرَّملِ وَالحِرْبَاءُ. هَذِهِ الحَيَوَانَاتُ الزَّاحِفَةُ نَجِسَةٌ لَكُمْ، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُ جُثَثَهَا يَكُونُ نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. «إنْ وَقَعَ أيٌّ مِنَ الحَيَوَانَاتِ النَّجِسَةِ المَيِّتَةِ عَلَى شَيءٍ، فَإنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا. أيُّ وِعَاءٍ خَشَبِيٍّ أوْ ثِيَابٍ أوْ جِلْدٍ أوْ قُمَاشٍ مِنْ شَعرِ المَاعِزِ أوْ أيَّةُ أدَاةٍ تُستَخْدَمُ لِأيِّ غَرَضٍ تُوضَعُ فِي المَاءِ، وَسَتَبْقَى نَجِسَةً إلَى المَسَاءِ حَيْثُ تُصبِحُ طَاهِرَةً. إنْ سَقَطَ أيٌّ مِنْهَا فِي وِعَاءٍ خَزَفِيٍّ، فَإنَّ أيَّ شَيءٍ فِي الوِعَاءِ يُصْبِحُ نَجِسًا. فَاكْسِرِ الوِعَاءَ. إنِ انْسَكَبَ مَاءٌ مِنْ وِعَاءٍ نَجِسٍ عَلَى أيِّ طَعَامٍ طَاهِرٍ فَإنَّهُ يَصِيرُ نَجِسًا. وَكُلُّ شَرَابٍ يُوضَعُ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ، يَصِيرُ نَجِسًا. وَإنْ سَقَطَ أيُّ جُزءٍ مِنْ جُثَثِهَا عَلَى أيِّ شَيءٍ، فَإنَّهُ يَصِيرُ نَجِسًا. فَإنْ وَقَعَ عَلَى تَنُّورٍ أوْ فُرنٍ، يَنْبَغِي أنْ يُهدَمَ. كُلُّ هَذِهِ الأشْيَاءِ تَصِيرُ نَجِسَةً، وَتَبْقَى نَجِسَةً. «وَأمَّا النَّبعُ أوِ البِئْرُ اللَّذَانِ يَجْمَعَانِ المَاءَ فَيَبْقَيَانِ طَاهِرَينِ، لَكِنْ كُلُّ شَخْصٍ يَلْمِسُ الجُثَثَ السَّاقِطَةَ فِي المَاءِ يَصِيرُ نَجِسًا. وَإنْ وَقَعَ مِنْ جُثَثِهَا عَلَى بُذُورٍ لِلزِرَاعَةِ فَإنَّهَا تَبْقَى طَاهِرَةً. لَكِنْ إنْ كَانَ عَلَى البُذُورِ مَاءٌ، وَسَقَطَ عَلَيْهَا أيُّ جُزءٍ مِنْ جُثَثِهَا، فَإنَّ البُذُورَ تُصبِحُ نَجِسَةً. «وَإنْ مَاتَ حَيَوَانٌ مِنَ الحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَأْكُلُونَهَا، فَمَنْ يَلْمِسُ جُثَّتَهُ يَكُونُ نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. كُلُّ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ جُثَّتِهِ، فَليَغْسِلْ ثِيَابَهُ. وَسَيَكُونُ نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَحْمِلُهُ، فَليَغْسِلْ ثِيَابَهُ. وَسَيَكُونُ نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. «كُلُّ كَائِنٍ يَزْحَفُ عَلَى الأرْضِ مَكْرُوهٌ فَلَا تَأْكُلُوهُ. لَا تَأْكُلُوا أيَّ كَائِنٍ يَزْحَفُ عَلَى الأرْضِ عَلَى بَطنِهِ أمْ عَلَى أرْبَعٍ أمْ عَلَى أقْدَامٍ كَثِيرَةٍ، فَإنَّهُ مَكرُوهٌ. لَا تُدَنِّسُوا أنْفُسَكُمْ بِأيِّ حَيَوَانٍ زَاحِفٍ. لَا تُنَجِّسُوا أنْفُسَكُمْ بِهَا فَتَصِيرُوا نَجِسِينَ. لِأنِّي أنَا . احفَظُوا أنْفُسَكُمْ مُقَدَّسِينَ لِأنِّي أنَا قُدُّوسٌ. فَلَا تُنَجِّسُوا أنْفُسَكُمْ بِالحَيَوَانَاتِ الزَّاحِفَةِ. لِأنِّي أنَا اللهُ الَّذِي أخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ لِأكُونَ إلَهَكُمْ. كُونُوا مُقَدَّسِينَ، لِأنِّي أنَا قُدُّوسٌ.» هَذِهِ هِيَ الشَّرَائِعُ المُتَعَلِّقَةُ بِالحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ وَالطُّيُورِ وَالكَائِنَاتِ البَحْرِيَّةِ وَالحَيَوَانَاتِ الزَّاحِفَةِ. وَذَلِكَ لِكَي يُمَيِّزَ الشَّعْبُ بَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ مِنَ الحَيَوَانَاتِ، وَمَا يُمْكِنُ أكلُهُ مِنْهَا وَمَا لَا يُمْكِنُ أكلُهُ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: «إنْ حَبِلَتِ امْرأةٌ وَوَلَدَتْ طِفْلًا ذَكَرًا فَإنَّهَا تَكُونُ نَجِسَةً لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. تَكُونُ نَجِسَةً كَمَا لَوْ أنَّهَا فِي فَترَةِ الحَيضِ. وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ، يُختَنُ الطِّفلُ. وَتَنْتَظِرُ الأُمُّ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ يَومًا حَتَّى يَتَوَقَّفَ نَزفُ دَمِهَا. فِي هَذِهِ الفَترَةِ، لَا يَنْبَغِي أنْ تَلْمِسَ أيَّ شَيءٍ مُقَدَّسٍ، أوْ أنْ تَدْخُلَ المَكَانَ المُقَدَّسَ، إلَى أنْ تَنْتَهِيَ فَترَةُ تَطْهِيرِهَا. فَإنْ وَلَدَتْ أُنثَى، فَإنَّهَا تَكُونُ نَجِسَةً لِأرْبَعَةَ عَشَرَ يَومًا كَمَا لَوْ أنَّهَا فِي فَترَةِ الحَيضِ. فَلْتَنْتَظِرْ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَومًا حَتَّى يَتَوَقَّفَ نَزْفُ دَمِهَا. «وَحِينَ تَكْتَمِلُ فَترَةُ تَطْهِيرِهَا – سَوَاءٌ أأنْجَبَتْ وَلَدًا أمْ بِنتًا – يَنْبَغِي أنْ تُحْضِرَ خَرُوفًا عُمْرُهُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً، وَيَمَامَةً أوْ حَمَامَةً صَغِيرَةً ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. ثُمَّ تأتِي بِهِمَا إلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، إلَى الكَاهِنِ. فَيُقَدِّمُهُمَا الكَاهِنُ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَيَعْمَلُ لَهَا كَفَّارَةً، فَتَصِيرَ طَاهِرَةً مِنْ نَزْفِ دَمِهَا. هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ المَرْأةِ الَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا أوْ أُنْثَى. فَإنْ لَمْ تَكُنْ قَادِرَةً عَلَى تَقْدِيمِ حَمَلٍ، فَلْتُقَدِّمْ يَمَامَتينِ أوْ حَمَامَتينِ صَغِيرَتَيْنِ. وَاحِدَةً لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ، وَالأُخرَى لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. وَيَعْمَلُ لَهَا الكَاهِنُ كَفَّارَةً، فَتَصِيرَ طَاهِرَةً تَمَامًا.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «إنْ كَانَ لِأحَدٍ نُتُوءٌ أوْ جَرَبٌ أوْ بُقَعٌ لَامِعَةٌ عَلَى جِلْدِهِ قَدْ تَتَحَوَّلُ إلَى بَرَصٍ، يُقَدَّمُ إلَى هَارُونَ الكَاهِنِ أوْ أحَدِ أبْنَائِهِ الكَهَنَةِ. فَيُعَايِنُ الكَاهِنُ الإصَابَةَ الَّتِي عَلَى جِلْدِهِ، فَإنْ كَانَ شَعرُ البُقعَةِ المُصَابَةِ قَدْ صَارَ أبْيَضَ، وَتَعَمَّقَتِ الإصَابَةُ فِي الجِلْدِ، فَإنَّهَا تَكُونُ بَرَصًا. حِينَئِذٍ، يُعلِنُ الكَاهِنُ بَعْدَ فَحصِهِ أنَّهُ نَجِسٌ. «لَكِنْ إنْ كَانَتِ الإصَابَةُ بُقعَةً بَيْضَاءَ لَامِعَةً عَلَى جِلْدِ جَسَدِهِ، وَلَمْ تَكُنْ أعمَقَ مِنَ الجِلْدِ، وَلَمْ يَكُنِ الشَّعرُ الَّذِي عَلَيْهَا أبْيَضَ، يَعْزِلُ الكَاهنُ المُصَابَ بَعِيدًا عَنِ النَّاسِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. ثُمَّ يُعَايِنُهُ الكَاهِنُ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ، فَإنْ رَأى أنَّ الإصَابَةَ لَمْ يَتَغَيَّرْ مَنظَرُهَا، وَأنَّهَا لَمْ تَنْتَشِرْ فِي الجِلْدِ، يَعْزِلُ الكَاهِنُ المُصَابَ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ أُخْرَى. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ يُعَايِنُهُ الكَاهِنُ ثَانِيَةً، فَإنْ رَأى أنَّ الإصَابَةَ قَدِ انطَفَأ لَمَعَانُهَا، وَأنَّهَا لَمْ تَنْتَشِرْ فِي الجِلْدِ، يُعلِنُ الكَاهِنُ أنَّهُ طَاهِرٌ. فَهُوَ مُصَابٌ بِاحْمِرَارٍ فِي الجِلْدِ. فَليَغْسِلْ ثِيَابَهُ فَقَطْ وَيَكُونُ طَاهِرًا. «أمَّا إنِ انتَشَرَتِ الإصَابَةُ فِي الجِلْدِ بَعْدَ أنْ عَرَضَ المُصَابُ نَفْسَهُ عَلَى الكَاهِنِ لِإعلَانِ طَهَارَتِهِ، فَإنَّه يَعُودُ إلَى الكَاهِنِ ثَانِيَةً. فَإنْ نَظَرَ الكَاهِنُ وَرَأى أنَّ الإصَابَةَ قَدِ انتَشَرَتْ فِي الجِلْدِ، يُعلِنُ أنَّهُ نَجِسٌ. إنَّهُ أبرَصُ. «وَحِينَ يُصَابُ أحَدُهُمْ بِالبَرَصِ، فَإنَّهُ يُقَدَّمُ إلَى الكَاهِنِ. فَإنْ نَظَرَ الكَاهِنُ وَرَأى نُتُوءًا فِي الجِلْدِ، وَقَدْ صَارَ بَعْضُ الشَّعرِ أبْيَضَ مَعَ وُجُودِ لَحْمٍ حَيٍّ مُتَقَرِّحٍ فِي النُّتُوءِ، فَإنَّهُ بَرَصٌ فِي جِلْدِهِ. يُعلِنُ الكَاهِنُ أنَّهُ نَجِسٌ، وَيَعْزِلُهُ عَنِ النَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ. «وَإنِ انتَشَرَ البَرَصُ فِي الجِلْدِ، وَغَطَّى كُلَّ جِلْدِ المُصَابِ مِنْ رَأسِهِ حَتَّى قَدَمَيهِ حَيْثُمَا نَظَرَ الكَاهِنُ، فَحِينَئِذٍ، يَتَأكَّدُ الكَاهِنُ مِنْ أنَّ البَرَصَ قَدْ غَطَّى كُلَّ الجَسَدِ تَمَامًا، وَيُعلِنُ أنَّهُ طَاهِرٌ. فَقَدْ تَحَوَّلَ كُلُّ الجِلْدِ إلَى اللَّونِ الأبْيَضِ، وَلِهَذَا فَهُوَ طَاهِرٌ. لَكِنْ إنْ رَأى الكَاهِنُ لَحْمًا حَيًّا مُتَقَرِّحًا عَلَى جَسَدِهِ، فَإنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا. فَيُعَايِنُ الكَاهِنُ اللَّحمَ الحَيَّ المُتَقَرِّحَ، وَيُعلِنَ أنَّ المُصَابَ نَجِسٌ. فَاللَّحمُ الحَيُّ المُتَقَرِّحُ نَجِسٌ، لِأنَّهُ بَرَصٌ. «فَإنْ صَارَ اللَّحمُ المُتَقَرِّحُ أبْيَضَ ثَانِيَةً، يَذْهَبُ المُصَابُ إلَى الكَاهِنِ. فَإنْ رَأى الكَاهِنُ أنَّ المِنْطَقَةَ المُصَابَةَ قَدْ صَارَتْ كُلُّهَا بَيْضَاءَ، يُعلِنُ أنَّهُ طَاهِرٌ. «وَإنْ ظَهَرَ دُمَّلٌ عَلَى جِلْدِ إنْسَانٍ وَشُفِيَ، وَنَشَأ نُتُوءٌ أوْ بُقَعٌ لَامِعَةٌ بَيْضَاءُ مُحمَرَّةٌ فِي مَكَانِ الدُّمَّلِ، يَذْهَبُ المُصَابُ إلَى الكَاهِنِ. فَيُعَايِنُ الكَاهِنُ النُّتُوءَ أوِ البُقَعَ. فَإنْ كَانَتْ غَائِرَةً فِي جِلْدِهِ وَسَطحُهَا أبْيَضُ، يُعلِنُ الكَاهِنُ أنَّ المُصَابَ نَجِسٌ. فَهَذَا بَرَصٌ ظَهَرَ مِنَ الدُّمَّلِ. لَكِنْ إنْ عَايَنَهَا الكَاهِنُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا شَعرٌ أبْيَضُ، وَهِيَ غَائِرَةٌ فِي الجِلْدِ، وَقَدْ زَالَ اللَّمَعَانُ الَّذِي كَانَ فِيهَا، يَعْزِلُ الكَاهِنُ المُصَابَ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. فَإنِ انتَشَرَتْ فِي الجِلْدِ، يُعلِنُ الكَاهِنُ أنْ المُصَابَ نَجِسٌ، فَهَذِهِ بُقْعَةُ التِهَابٍ. لَكِنْ إنْ بَقِيَتِ البُقعَةُ اللَّامِعَةُ فِي مَكَانِهَا، وَلَمْ تَنْتَشِرْ، فَإنَّهَا نُدبَةٌ نَاتِجَةٌ عَنِ الدُّمَّلِ. فَيُعلِنُهُ الكَاهِنُ طَاهِرًا. «وَحِينَ يَكُونُ لَدَى شَخْصٍ حَرقٌ عَلَى جِلْدِهِ، وَاللَّحمُ الحَيُّ النَّاتِجُ عَنِ الحَرقِ أبْيَضَ مُحمَرًّا، أوْ بُقعَةً بَيْضَاءَ لَامِعَةً، يُعَايِنُهُ الكَاهِنُ، فَإنْ كَانَ بَعْضُ الشَّعرِ فِي البُقعَةِ اللَّامِعَةِ قَدْ صَارَ أبْيَضَ، وَغَائِرًا فِي الجِلْدِ، فَإنَّهُ بَرَصٌ قَدْ نَشَأ عَنِ الحَرقِ. فَيُعلِنُ الكَاهِنُ أنَّ المُصَابَ نَجِسٌ، فَهُوَ بَرَصٌ. لَكِنْ إنْ نَظَرَ الكَاهِنُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَعرٌ أبْيَضُ فِي البُقَعِ البَيْضَاءِ، وَلَمْ تَكُنِ البُقْعَةُ غَائِرَةً فِي الجِلْدِ، وَكَانَ لَمَعَانُهَا قَدْ زَالَ، يَعْزِلُهُ الكَاهِنُ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَيُعَايِنُ الكَاهِنُ المُصَابَ ثَانِيَةً فِي اليَوْمِ السَّابِعِ، فَإنْ كَانَتِ البُقعَةُ البَيْضَاءُ اللَّامِعَةُ قَدِ انتَشَرَتْ فِي الجِلْدِ، يُعلِنُ الكَاهِنُ أنَّ المُصَابَ نَجِسٌ. إنَّهُ بَرَصٌ. لَكِنْ إنْ بَقِيَتِ البُقعَةُ اللَّامِعَةُ فِي مَكَانِهَا، فَلَمْ تَنْتَشِرْ فِي الجِلْدِ، وَانطَفَأ لَمَعَانُهَا، فَإنَّهَا تَكُونُ نُتُوءًا نَاتِجًا عَنِ الحَرقِ. يُعلِنُ الكَاهِنُ أنَّهُ طَاهِرٌ، لِأنَّ تِلْكَ البُقعَةَ نُدبَةٌ بِسَبِبِ الحَرقِ. «إنْ كَانَتْ لَدَى رَجُلٍ أوِ امْرأةٍ بُقْعَةٌ عَلَى فَروَةِ الرَّأسِ أوِ الذَّقنِ، يُعَايِنُ الكَاهِنُ البُقْعَةَ، فَإنْ كَانَتْ غَائِرَةً فِي الجِلْدِ وَكَانَ الشَّعرُ أشقَرَ وَدَقِيقًا، يُعلِنُ الكَاهِنُ أنَّهُ نَجِسٌ. إنَّهُ التِهَابٌ جِلْدِيٌّ، بَرَصٌ يُصِيبُ الرَّأسَ وَالذَّقنَ. لَكِنْ إنْ نَظَرَ الكَاهِنُ إلَى البُقْعَةِ، وَلَمْ تَكُنْ غَائِرَةً فِي الجِلْدِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا شَعرٌ أسوَدُ، فَيَعْزِلُ الكَاهِنُ المُصَابَ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَيُعَايِنُ الكَاهِنُ البُقْعَةَ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ، فَإنْ رَأى أنَّهَا لَمْ تَنْتَشِرْ وَأنَّهُ لَا يُوجَدُ شَعرٌ أشقَرُ فِيهَا، وَأنَّ الِاحْمِرَارَ لَيْسَ غَائِرًا فِي الجِلْدِ، فَيَنْبَغِي أنْ يَحْلِقَ شَعْرَهُ، مِنْ دُونِ أنْ يَحْلِقَ البُقْعَةَ المُحْمَرَّةَ. وَيَعْزِلُ الكَاهِنُ المُصَابَ ثَانِيَةً لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَيُعَايِنُ الكَاهِنُ الِاحْمِرَارَ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ. فَإنْ لَمْ يَكُنْ قَدِ انتَشَرَ وَلَا كَانَ أعمَقَ مِنَ الجِلْدِ، يُعلِنُ الكَاهِنُ أنَّهُ طَاهِرٌ. عَلَيْهِ أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ فَيَصِيرَ طَاهِرًا. لَكِنْ إنِ انتَشَرَ الِاحْمِرَارُ فِي الجِلْدِ بَعْدَ أنْ أُعْلِنَ أنَّهُ طَاهِرٌ، يَعَايِنُهُ الكَاهِنُ، فَإنْ رَأى أنَّ الِاحْمِرَارَ قَدِ انتَشَرَ فِي الجِلْدِ، فَإنَّ الكَاهِنَ لَا يَحتَاجُ إلَى البَحثِ عَنْ شَعرٍ أشقَرَ، فَالمُصَابُ نَجِسٌ. لَكِنْ إنْ بَقِيَ مَنظَرُ الِاحْمِرَارِ بِلَا تَغْيِيرٍ، وَقَدْ نَمَا فِيهِ شَعرٌ أسوَدُ، فَإنَّ الِاحْمِرَارَ قَدْ شُفِيَ. فَهُوَ طَاهِرٌ، وَيُعلِنُ الكَاهِنُ أنَّهُ طَاهِرٌ. «إنْ كَانَتْ لَدَى رَجُلٍ أوِ امْرأةٍ بُقَعٌ بَيْضَاءُ عَلَى جِلْدِ جَسَدِهِ، يُعَايِنُ الكَاهِنُ الإصَابَةَ. فَإنْ كَانَتِ البُقَعُ الَّتِي عَلَى الجِلْدِ بَيْضَاءَ كَامِدَةً، فَإنَّهُ يَكُونُ التِهَابًا جِلْدِيًّا غَيْرَ مُؤذٍ قَدْ ظَهَرَ عَلَى الجِلْدِ، وَيَكُونُ الشَّخصُ طَاهِرًا. «حِينَ يَفْقِدُ رَجُلٌ شَعرَ رَأسِهِ فَإنَّهُ أصلَعُ، لَكِنَّهُ طَاهِرٌ. إنْ كَانَ يَفْقِدُ شَعرَهُ مِنَ الجِهَةِ الأمَامِيَّةِ لِرَأسِهِ فَإنَّهُ أصلَعُ الجَبهَةِ، لَكِنَّهُ طَاهِرٌ. لَكِنْ إنْ ظَهَرَتْ بُقعَةٌ بَيْضَاءُ مُحمَرَّةٌ عَلَى بُقعَةِ الصَّلَعِ أعْلَى الرَّأسِ أوْ عَلَى الجَبهَةِ فَهَذَا بَرَصٌ ظَهَرَ أعْلَى رَأسِهِ أوْ عَلَى جَبهَتِهِ. يُعَايِنُهُ الكَاهِنُ، فَإنْ رَأى بُقْعَةً صَارَتْ بَيْضَاءَ مُحمَرَّةً أعْلَى رَأسِهِ أوْ عَلَى جَبْهَتِهِ مِثْلَ مَنظَرِ البَرَصِ الَّذِي يُصِيبُ الجَسَدَ، فَإنَّ هَذَا الرَّجُلَ مُصَابٌ بِالبَرَصِ، وَلِهَذَا فَهُوَ نَجِسٌ، يُعلِنُ الكَاهِنُ هَذَا الرَّجُلَ نَجِسًا لِأنَّ رَأسَهُ مُصَابٌ. «إنْ كَانَ الشَّخْصُ مُصَابًا بِالبَرَصِ، فَلْيُمَزِّقْ ثِيَابَهُ وَيَكْشِفْ شَعْرَهُ وَيُغَطِّ شَارِبَيهِ وَيَصْرُخْ: ‹أنَا نَجِسٌ، أنَا نَجِسٌ.› وَيَكُونُ نَجِسًا مَا دَامَ مُصَابًا. إنَّهُ نَجِسٌ، لِذَا يَعِيشُ وَحْدَهُ خَارِجَ المُخَيَّمِ. «وَإنْ كَانَ هُنَاكَ عَفَنٌ فِي قُمَاشٍ، كَانَ صُوفًا أوْ كِتَّانًا، مَنسُوجًا أوْ مُخَاطًا مِنَ الكِتَّانِ أوِ الصُّوفِ أوِ الجِلْدِ أوْ أيِّ شَيءٍ مَصْنُوعٍ مِنَ الجِلْدِ، وَكَانَتِ البُقعَةُ عَلَى القُمَاشِ أوِ الجِلْدِ أوِ المَادَةِ المَنسُوجَةِ أوِ المُخَاطَةِ أوِ المَصْنُوعَةِ مِنَ الجِلْدِ، خَضرَاءَ أوْ حَمرَاءَ، فَإنَّهَا عَفَنٌ مُنتَشِرٌ وَيَنْبَغِي أنْ تُعرَضَ عَلَى الكَاهِنِ. يُعَايِنُ الكَاهِنُ البُقعَةَ المُصَابَةَ وَيَضَعُ ذَلِكَ القُمَاشَ فِي مَكَانٍ مُنعَزِلٍ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَيُعَايِنُ الكَاهِنُ البُقعَةَ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ. فَإنْ كَانَتِ البُقعَةُ قَدِ انتَشَرَتْ عَلَى القُمَاشِ أوِ المَادَّةِ المَنسُوجَةِ أوِ المُخَاطَةِ أوِ الجِلْدِ أوْ أيِّ شَيءٍ يُصنَعُ مِنَ الجِلْدِ، فَإنَّ البُقعَةَ تَكُونُ عَفَنًا مُنتَشِرًا، وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّيءُ نَجِسًا. يُحْرِقُ الكَاهِنُ ذَلِكَ القُمَاشَ، سَوَاءٌ أكَانَ مَنسُوجًا أمْ مُخَاطًا أمْ كِتَّانًا أمْ جِلدًا عَلَيْهِ عَفَنٌ، لِأنَّهُ عَفَنٌ مُنتَشِرٌ. «فَإنْ نَظَرَ الكَاهِنُ وَرَأى أنَّ البُقعَةَ لَمْ تَنْتَشِرْ فِي القُمَاشِ، سَوَاءٌ أكَانَ مِنْ مَادَّةٍ مَنسُوجَةٍ أمْ مُخَاطَةٍ أمْ مِنْ جِلدٍ، يَأْمُرُ بِغَسلِ ذَلِكَ القُمَاشِ الَّذِي عَلَيْهِ البُقعَةُ، وَوَضْعِهِ فِي مَكَانٍ مُنعَزِلٍ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ أُخْرَى. وَبَعْدَ أنْ يُغسَلَ القُمَاشُ الَّذِي عَلَيْهِ البُقعَةُ، يُعَايِنُهُ الكَاهِنُ ثَانِيَةً، فَإنْ رَأى أنَّ البُقعَةَ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَونُهَا، وَأنَّ العَفَنَ لَمْ يَنْتَشِرْ فَإنَّ القُمَاشَ يَكُونُ نَجِسًا. يُحْرَقُ القُمَاشُ، سَوَاءٌ أكَانَتِ البُقعَةُ فِي الجِهَةِ الأمَامِيَّةِ أمِ الخَلفِيَّةِ. «لَكِنْ إنْ فَحَصَ الكَاهِنُ القُمَاشَ فَرَأى أنَّ البُقعَةَ قَدْ بَهَتَ لَونُهَا بَعْدَ أنْ غُسِلَ القُمَاشُ، يَقُصُّ الكَاهِنُ البُقعَةَ مِنَ الجِلْدِ أوِ القُمَاشِ مَنسُوجًا كَانَ أوْ مُخَاطًا. فَإنْ ظَهَرَتِ البُقَعُ ثَانِيَةً فِي القُمَاشِ مَنسُوجًا كَانَ أوْ مُخَاطًا، أوْ فِي أيِّ شَيءٍ مَصْنُوعٍ مِنَ الجِلْدِ، فَقَدِ انتَشَرَ ثَانِيَةً. يُحْرَقُ القُمَاشُ الَّذِي عَلَيْهِ البُقعَةُ. لَكِنْ إنِ اختَفَتِ البُقعَةُ مِنَ القُمَاشِ – مَنسُوجًا كَانَ أوْ مُخَاطًا أوْ فِي الجِلْدِ القَابِلِ لِلغَسلِ – فَيَنْبَغِي أنْ يُغسَلَ ثَانِيَةً فَيَصِيرَ طَاهِرًا.» هَذِهِ هِيَ الشَّرَائِعُ المُتَعَلِّقَةُ بِعَفَنِ القُمَاشِ لِلحُكمِ فِي طَهَارَتِهِ أوْ نَجَاسَتِهِ، سَوَاءٌ أكَانَ صُوفًا أمْ كِتَّانًا – مَبْرُومًا أوْ مُخَاطًا – أمْ مَصْنُوعًا مِنَ جِلدٍ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «هَذِهِ شَرِيعَةُ الأبرَصِ حِينَ يُطَهَّرُ. «يَنْبَغِي أنْ يُحْضَرَ الشَّخْصُ إلَى الكَاهِنِ. فَيَخْرُجُ الكَاهِنُ خَارِجَ المُخَيَّمِ إلَى الشَّخْصِ المُصَابِ، فَإنْ عَايَنَهُ الكَاهِنُ وَرَآهُ قَدْ شُفِيَ مِنْ بَرَصِهِ، يَأْمُرُ بِإحْضَارِ عُصْفُورَينِ حَيَّينِ طَاهرَينِ وَقِطعَةَ خَشَبِ أرْزٍ وَخَيْطًا أحْمَرَ وَغُصْنًا مِنْ نَبَاتِ الزُّوفَا لِأجْلِ الَّذِي تَطَهَّرَ. وَيَأْمُرُ الكَاهِنُ بِذَبحِ أحَدِ العُصْفُورَينِ وَوَضعِ دَمِهِ فِي طَبَقٍ مِنْ فُخَّارٍ فَوْقَ مَاءٍ جَارٍ. ثُمَّ يَأْخُذُ العُصفُورَ الحَيَّ وَقِطعَةَ خَشَبِ الأرْزِ وَالخَيطَ الأحْمَرَ وَالزُّوفَا، وَيَغْمِسُهَا جَمِيعًا مَعَ العُصفُورِ الحَيِّ فِي دَمِ العُصفُورِ الَّذِي ذُبِحَ فَوْقَ مَاءٍ جَارٍ. ثُمَّ يَرُشُّ الدَّمَ سَبْعَ مَرَّاتٍ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي تَطَهَّرَ مِنَ البَرَصِ. بَعْدَ ذَلِكَ، يُعْلِنُ الشَّخْصَ طَاهِرًا. وَيُطْلِقُ الكَاهِنُ العُصْفُورَ الحَيَّ فِي سَهْلٍ مَفْتُوحٍ. «وَعَلَى مَنْ تَطَهَّرَ أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَحْلِقَ شَعرَهُ وَيَسْتَحِمَّ فِي مَاءٍ، فَيَصِيرَ طَاهِرًا. ثُمَّ يَدْخُلُ المُخَيَّمَ، لَكِنَّهُ يَبْقَى خَارِجَ خَيْمَتِهِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، يَحْلِقُ كُلَّ شَعرِ رَأسِهِ وَذَقنِهِ وَحَوَاجِبِهِ. يَنْبَغِي أنْ يَحْلِقَ كُلَّ شَعرِهِ، وَأنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَجَسَدَهُ فِي المَاءِ، حِينَئِذٍ، يَكُونُ طَاهِرًا تَمَامًا. «وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ، يَأْخُذُ حَمَلَينِ ذَكَرَينِ لَا عَيْبَ فِيهِمَا، وَنَعْجَةً وَاحِدَةً عُمْرُهَا سَنَةٌ لَا عَيْبَ فِيهَا، وَثَلَاثَةَ أعْشَارِ القُفَّةِ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، وَكُوبًا وَاحِدًا مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ. وَعَلَى الكَاهِنِ الَّذِي يَقُوُمُ بِالتَّطهِيرِ أنْ يُعِدَّ ذَلِكَ الإنْسَانَ لِيَتَطَهَّرَ، وَأنْ يُحْضِرَ هَذِهِ التَّقدِمَاتِ إلَى مَحْضَرِ اللهِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ يَأْخُذُ الكَاهِنُ حَمَلًا ذَكَرًا وَيُقَدِّمُهُ ذَبِيحَةَ ذَنبٍ مَعَ كُوبٍ مِنَ الزَّيْتِ، وَيرفَعُهُا تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَيَذْبَحُ الحَمَلَ فِي مَنْطَقَةٍ مُقَدَّسَةٍ حَيْثُ تُذبَحُ تَقْدِمَةُ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. وَلِأنَّ ذَبِيحَةَ الذَّنْبِ هِيَ مِثْلُ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ، فَإنَّهَا تَكُونُ مِنْ نَصِيبِ الكَاهِنِ. إنَّهَا نَصِيبٌ مُخَصَّصٌ لِلكَهَنَةِ بِالْكَامِلِ. «وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ بَعْضَ دَمِ ذَبِيحَةِ الذَّنْبِ، وَيَضَعُهُ عَلَى شَحْمَةِ الأُذُنِ اليُمْنَى لِلمُتَطَهِّرِ، وَعَلَى إبهَامِ يَدِهِ اليُمْنَى، وَعَلَى إبهَامِ رِجلِهِ اليُمْنَى. ثُمَّ يَأْخُذُ الكَاهِنُ مِنْ كُوبِ الزَّيْتِ، وَيَسْكُبُ مِنْهُ فِي كَفِّهِ الأيْسَرِ. ثُمَّ يَغْمِسُ إصبَعًا مِنْ يَدِهِ اليُمْنَى فِي الزَّيْتِ الَّذِي فِي كَفِّهِ الأيْسَرِ، وَيَرُشُّ بَعْضَ الزَّيْتِ بِإصبَعِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ . أمَّا مَا تَبَقَّى مِنَ الزَّيْتِ فِي كَفِّهِ، فَيَضَعُ الكَاهِنُ مِنْهُ عَلَى شَحْمَةِ الأُذُنِ اليُمْنَى لِلشَّخصِ المُتَطَهِّرِ، وَعَلَى إبهَامِ يَدِهِ اليُمْنَى وَإبهَامِ رِجلِهِ اليُمْنَى. فَوْقَ دَمِ ذَبِيحَةِ الذَّنْبِ. وَمَا تَبّقَّى فِي كَفِّ الكَاهِنِ يَضَعُهُ علَى رَأسِ المُتَطَهِّرِ. وَهَكَذَا، يَعْمَلُ لَهُ الكَاهِنُ كَفَّارَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . «ثُمَّ يَذْبَحُ الكَاهِنُ ذَبِيحَةَ الخَطِيَّةِ وَيُطَهِّرُ المُتَطَهِّرَ مِنْ نَجَاسَتِهِ. ثُمَّ يَذْبَحُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً. يُقَدِّمُ الكَاهِنُ الذَّبِيحَةَ الصَّاعِدَةَ وَتَقْدِمَةَ الطَّحِينِ عَلَى المَذْبَحِ. وَهَكَذَا يَعِدُّ الكَاهِنُ كَفَّارَةً عَنْ خَطِيَّتِهِ، فَتُغفَرَ لَهُ. «فَإنْ كَانَ المُتَطَهِّرُ فَقِيرًا، لَا يَسْتَطِيعُ تَقْدِيمَ تِلْكَ الذَّبَائِحِ، فَلْيَجْلِبْ حَمَلًا ذَبِيحَةَ ذَنبٍ تُرفَعُ فِي حَضْرَةِ اللهِ كَفَّارَةً لِخَطَايَاهُ. كَمَا يُقَدِّمُ عُشَرَ قُفَّةٍ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، وَكُوبًا وَاحِدًا مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ، وَيَمَامَتَيْنِ أوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ. فَتَكُونُ إحدَاهُمَا لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ، وَالثَّانِيَةُ لِتَقْدِمَةِ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. «يُحضِرُ المُتَطَهِّرُ هَذِهِ التَّقدِمَاتِ فِي اليَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ يَوْمِ تَطْهِيرِهِ، إلَى الكَاهِنِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي حَضْرَةِ اللهِ . فَيَأْخُذُ الكَاهِنُ الحَمَلَ لِذَبِيحَةِ الذَّنْبِ وَكُوبًا وَاحِدًا مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ، وَيَرْفَعُهمَا تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . ثُمَّ يُذبَحُ حَمَلُ ذَبِيحَةِ الذَّنْبِ، وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ بَعْضَ دَمِ ذَبِيحَةِ الذَّنْبِ وَيَضَعُهُ عَلَى شَحْمَةِ الأُذُنِ اليُمْنَى لِلشَّخصِ المُتَطَهِّرِ، وَعَلَى إبهَامِ يَدِهِ اليُمْنَى وَعَلَى إبهَامِ رِجلِهِ اليُمْنَى. وَيَسْكُبُ الكَاهِنُ بَعْضَ الزَّيْتِ فِي كَفِّهِ الأيَسَرِ. ثُمَّ يَرُشُّ الكَاهِنُ بِإصبَعٍ مِنْ يَدِهِ اليُمْنَى بَعْضَ الزَّيْتِ الَّذِي فِي كَفِّهِ الأيسَرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ . ثُمَّ يَضَعُ الكَاهِنُ بَعْضَ الزَّيْتِ الَّذِي فِي كَفِّهِ عَلَى شَحمَةِ الأُذُنِ اليُمْنَى لِلمُتَطَهِّرِ، وَعَلَى إبهَامِ يَدِهِ اليُمْنَى وَعَلَى إبهَامِ رِجلِهِ اليُمْنَى، عَلَى الأمَاكِنِ الَّتِي وُضِعَ عَلَيْهَا مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الذَّنْبِ. وَبَقِيَّةُ الزَّيْتِ الَّذِي فِي كَفِّ الكَاهِنِ، يَسْكُبُهَا عَلَى رَأسِ المُتَطَهِّرِ لِعَمَلِ كَفَّارَةٍ لَهُ فِي حَضْرَةِ اللهِ . «ثُمَّ يُقَدِّمُ الكَاهِنُ إحْدَى اليَمَامَتَيْنِ أوْ إحْدَى الحَمَامَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ، بِحَسَبِ قُدْرَةِ المُتَطَهِّرِ. فَتَكُونُ إحدَاهُمَا لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ وَالأُخرَى لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ، مَعَ تَقْدِمَةِ الطَّحِينِ. وَهَكَذَا يَعْمَلُ الكَاهِنُ لِلشَّخصِ المُتَطَهِّرِ كَفَّارَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ ، فَيَصِيرَ طَاهِرًا.» هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ المُصَابِ بِالبَرَصِ. وَلَا يَسْتَطِيعُ تَقْدِيمَ الذَّبَائِحِ وَالتَّقدِمَاتِ المُعْتَادَةِ لِتَطْهِيرِهِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «حِينَ تَدْخُلُونَ أرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي سَأُعْطِيهَا لَكُمْ مِلْكًا، وَأرسَلْتُ عَفَنًا عَلَى بَيْتٍ فِي أرْضِكُمْ، فَعَلَى صَاحِبِ البَيْتِ أنْ يَأْتِيَ وَيُخبِرَ الكَاهِنَ فَيَقُولُ: ‹رَأيْتُ شَيْئًا يُشْبِهُ العَفَنَ فِي بَيْتِي.› فَيَأْمُرُ الكَاهِنُ بِإخرَاجِ كُلِّ شَيءٍ مِنَ البَيْتِ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَ الكَاهِنُ لِيَفْحَصَ العَفَنَ. فَإنْ عَمِلُوا هَذَا فَإنَّ الأشْيَاءَ الَّتِي فِي البَيْتِ لَنْ تُصبِحَ نَجِسَةً. ثُمَّ يَأْتِي الكَاهِنُ لِيَرَى البَيْتَ. ثُمَّ يُعَايِنُ الكَاهِنُ البَيْتَ. وَيَفْحَصُ الكَاهِنُ العَفَنَ، فَإنْ كَانَ العَفَنُ الَّذِي عَلَى جُدرَانِ البَيْتِ يَتَكَوَّنُ مِنْ بُقَعٍ حَمرَاءَ أوْ خَضرَاءَ غَائِرَةٍ فِي سَطْحِ الجِدَارِ. فَيَخْرُجُ الكَاهِنُ مِنَ البَيْتِ إلَى مَدخَلِهِ، وَيُغلِقُ البَيْتَ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. «وَيَعُودُ الكَاهِنُ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ وَيُعَايِنُ البَيْتَ، فَإنِ انتَشَرَ العَفَنُ الَّذِي عَلَى جُدرَانِ البَيْتِ، يَأْمُرُ بِنَزعِ الحِجَارَةِ الَّتِي عَلَيْهَا العَفَنُ وَإلقَائِهَا خَارِجَ المَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ. ثُمَّ يَأْمُرُ الكَاهِنُ بِقَشرِ كُلِّ الطِّينَةِ الدَّاخِلِيَّةِ لِلبَيْتِ، وَيُلْقَى التَّرَابُ الَّذِي قَشَّرُوهُ إلَى خَارِجِ المَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ. ثُمَّ تُوضَعُ حِجَارَةٌ أُخْرَى مَكَانَ الحِجَارَةِ الَّتِي أُزِيلَتْ، وَيُطَيَّنُ البَيتُ بِطِينَةٍ جَدِيدَةٍ. «فَإنْ عَادَ العَفَنُ وَانتَشَرَ فِي البَيْتِ بَعْدَ أنْ أُزِيلَتِ الحِجَارَةُ وَتَمَّ تَقْشِيرُ البَيْتِ وَتَطْيِينُهُ مِنْ جَدِيدٍ، فَحِينَئِذٍ، يَأتِي الكَاهِنُ وَيُعَايِنُهُ. فِإنْ كَانَ العَفَنُ قَدِ انتَشَرَ فِي البَيْتِ، فَهُوَ عَفَنٌ مُفسِدٌ وَمُتلِفٌ لِلبَيْتِ وَمَا فِيهِ. إنَّهُ بَيتٌ نَجِسٌ. يَنْبَغِي هَدمُ البَيْتِ: حِجَارَتِهِ وَخَشَبِهِ وَكُلِّ طِينَتِهِ، وَإحْضَارُهَا إلَى خَارِجِ المَدِينَةِ، إلَى مَكَانٍ نَجِسٍ. كُلُّ شَخْصٍ يَدْخُلُ البَيْتَ خِلَالَ فَترَةِ إغلَاقِهِ يَكُونُ نَجِسًا إلَى المَسَاءِ، وَكُلُّ شَخْصٍ يَنَامُ فِي البَيْتِ يَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ. وَكُلُّ شَخْصٍ يَأْكُلُ فِي البَيْتِ يَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ. «لَكِنْ إنْ أتَى الكَاهِنُ وَرَأى البَيْتَ، وَلَمْ يَكُنِ العَفَنُ قَدِ انتَشَرَ فِي البَيْتِ بَعْدَ أنْ تَمَّ تَطْيِينُ البَيْتِ ثَانِيَةً، فَإنَّ الكَاهِنَ يُعلِنُ البَيْتَ طَاهِرًا لِأنَّ العَفَنَ قَدْ زَالَ. وَلِتَطْهِيرِ البَيْتِ، يَأْخُذُ الكَاهِنُ عُصفُورَينِ وَقِطعَةَ خَشَبِ أرزٍ وَخَيطًا أحمَرَ وَغُصْنًا مِنْ نَبَاتِ الزُّوفَا. ثُمَّ يَذْبَحُ أحَدَ العُصفُورَينِ فِي طَبَقٍ مِنْ خَزَفٍ فَوْقَ مَاءٍ جَارٍ. وَيَأْخُذُ قِطْعَةَ خَشَبِ الأرْزِ وَغُصْنَ الزُّوفَا وَالخَيطَ الأحْمَرَ وَالطَّيرَ الحَيَّ، وَيَغْمِسُهَا جَمِيعَهَا فِي دَمِ العُصفُورِ الَّذِي ذُبِحَ فِي المَاءِ الجَارِي، ثُمَّ يَرُشُّ البَيْتَ سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَهَكَذَا يَطْهُرُ البَيتُ بِدَمِ العُصفُورِ وَبِالمَاءِ الجَارِي وَبِالعُصفُورِ الحَيِّ وَقِطْعَةِ خَشَبِ الأرْزِ وَغُصْنِ الزُّوفَا وَالخَيطِ الأحْمَرِ. ثُمَّ يُطلِقُ الكَاهِنُ العُصفُورَ الحَيَّ خَارِجَ المَدِينَةِ فِي سَهلٍ مَفتُوحٍ، وَيُكَفِّرُ عَنِ البَيْتِ فَيَصِيرَ طَاهِرًا.» هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ كُلِّ بَرَصٍ وَالتِهَابٍ جِلْدِيٍّ، وَعَفَنِ القُمَاشِ أوِ البَيْتِ، وَتَغَيُّرِ لَونِ الجِلْدِ وَالجَرَبِ وَالبُقَعِ اللَّامِعَةِ. هَذِهِ الشَّرِيعَةُ لِلتَّفرِيقِ بَيْنَ مَا هُوَ نَجِسٌ وَمَا هُوَ طَاهِرٌ. إنَّهَا شَرِيعَةُ البَرَصِ وَالعَفَنِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «كَلِّمَا بَنِي إسْرَائِيلَ وَقُولَا لَهُمْ: حِينَ يَكُونُ لَدَى رَجُلٍ إفرَازٌ مِنْ عُضوِهِ فَهُوَ نَجِسٌ. سَيَكُونُ الإفرَازُ نَجَاسَةً لَهُ، سَوَاءٌ أكَانَ يُخرِجُ الإفرَازَ أمْ يَحْتَقِنُ بِهِ، فَهَذِهِ نَجَاسَةٌ لَهُ. «أيُّ سَرِيرٍ يَسْتَلْقِي عَلَيْهِ الَّذِي لَدَيهِ الإفرَازُ يَكُونُ نَجِسًا، وَأيُّ شَيءٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. أيُّ إنْسَانٍ يَلْمِسُ سَرِيرَهُ يَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمَّ بِمَاءٍ، وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَمَنْ يَجْلِسُ عَلَى أيِّ شَيءٍ جَلَسَ عَلَيْهِ الَّذِي لَدَيهِ الإفرَازُ يَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ. وَكُلُّ مَنْ يَمَسُّ جَسَدَ الَّذِي لَدَيهِ الإفرَازُ، يَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمَّ بِمَاءٍ. وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَإنْ بَصَقَ رَجُلٌ لَدَيهِ الإفرَازُ عَلَى شَخْصٍ طَاهِرٍ، فَعَلَى الطَّاهِرِ أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمَّ بِمَاءٍ. وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. كُلُّ شَيءٍ يَرْكَبُ عَلَيْهِ الَّذِي لَدَيهِ الإفرَازُ يَكُونُ نَجِسًا. كُلُّ مَنْ يَلْمِسُ أيَّ شَيءٍ تَحْتَ الرَّجُلِ الَّذِي لَدَيهِ الإفرَازُ يَكُونُ نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ يَحْمِلُ شَيْئًا كَانَ تَحْتَ الرَّجُلِ الَّذِي لَدَيهِ الإفرَازُ، يَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمَّ بِمَاءٍ، وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَإنْ لَمْ يَغْسِلِ الَّذِي لَدَيهِ الإفرَازُ يَدَيهِ بِالمَاءِ، وَلَمَسَ أحَدًا، فَعَلَيْهِ أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمَّ بِمَاءٍ. وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. «يَنْبَغِي كَسْرُ إنَاءِ الخَزَفِ الَّذِي يَلْمِسُهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَدَيهِ الإفرَازُ. وَأيُّ إنَاءٍ خَشَبِيٍّ يَلْمِسُهُ يَنْبَغِي غَسلُهُ فِي المَاءِ. «وَحِينَ يُشفَى الرَّجُلُ الَّذِي لَدَيهِ الإفرَازُ، يَنْتَظِرُ سَبْعَةَ أيَّامٍ قَبْلَ أنْ يَتَطَهَّرَ. يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ فِي مَاءٍ جَارٍ فَيَطْهُرُ. وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ، يَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أوْ حَمَامَتَيْنِ، وَيَأْتِي إلَى الكَاهِنِ فِي حَضْرَةِ اللهِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيُعطِيهُمَا إلَى الكَاهِنِ. فَيُقَدِّمُ الكَاهِنُ وَاحِدَةً ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالأُخرَى ذَبِيحَةً صَاعِدَةً. هَكَذَا يَصْنَعُ لَهُ كَفَّارَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ مِنَ الإفرَازِ الَّذِي كَانَ لَدَيهِ. «إنْ أفْرَزَ رَجُلٌ مِنْ سَائِلِهِ، فَلِيَغْسِلْ كُلَّ جَسَدِهِ بِمَاءٍ، وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَأيَّةُ ثِيَابٍ أوْ جِلدٍ لَمَسَهَا السَّائِلُ يَنْبَغِي غَسلُهَا بِالمَاءِ، وَسَتَبْقَى نَجِسَةً إلَى المَسَاءِ. فَإنْ عَاشَرَ رَجُلٌ امْرأتَهُ وَأفرَزَ مِنْ سَائِلِهِ، فَلْيَسْتَحِمَّا بِمَاءٍ. وَسَيَبْقَيَانِ نَجِسَينِ إلَى المَسَاءِ. «فَإذَا كَانَتِ المَرْأةُ فِي فَترَةِ حَيْضِهَا الشَّهْرِيَّةِ، فَإنَّهَا تَكُونُ نَجِسَةً لِسَبْعَةِ أيَّامٍ، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُهَا يَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. كُلُّ مَا تَسْتَلْقِي عَلَيْهِ خِلَالَ فَترَةِ حَيْضِهَا يَكُونُ نَجِسًا. وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. وَمَنْ يَلْمِسُ سَرِيرَهَا، يَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمَّ بِمَاءٍ، وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَمَنْ يَلْمِسُ شَيْئًا جَلَسَتْ عَلَيْهِ، يَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمَّ بِمَاءٍ، وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَإنْ كَانَ هُنَاكَ شَيءٌ عَلَى السَّرِيرِ وَلَمَسَهُ، أوْ لَمَسَ شَيْئًا كَانَتْ تَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَإنَّهُ سَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَإنْ عَاشَرَهَا زَوْجُهَا، فَإنَّ دَمَ حَيْضِهَا يَأْتِي عَلَيْهِ فَيُنَجِّسُهُ. يَبقى نَجِسًا لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَأيُّ سَرِيرٍ يَسْتَلْقِي عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. «حِينَ يَكُونُ لَدَى امْرأةٍ إفرَازُ دَمٍ لِأيَّامٍ كَثِيرَةٍ، لَيْسَ فِي فَترَةِ حَيْضِهَا الشَّهْرِيَّةِ، أوْ أنَّ الدَّمَ يَسْتَمِرُّ إلَى مَا بَعْدَ فَترَةِ حَيْضِهَا الشَّهْرِيَّةِ، فَإنَّهَا تَكُونُ نَجِسَةً طِيلَةَ فَترَةِ إفرَازِهَا النَّجِسِ، مِثْلَمَا هِيَ نَجِسَةٌ خِلَالَ فَترَةِ حَيْضِهَا الشَّهْرِيَّةِ. وَأيُّ سَرِيرٍ تَسْتَلْقِي عَلَيْهِ خِلَالَ فَترَةِ الإفرَازِ سَيَكُونُ لَهَا كَالسَّرِيرِ الَّذِي تَسْتَلْقِي عَلَيْهِ فِي فَترَةِ حَيْضِهَا الشَّهْرِيَّةِ. وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُ هَذِهِ الأشْيَاءَ يَكُونُ نَجِسًا. فَلْيَغْسِلْ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمْ بِمَاءٍ، وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. وَحِينَ تُشفَى مِنْ إفرَازِهَا فَعَلَيهَا أنْ تَنْتَظِرَ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ سَتَكُونُ طَاهِرَةً. وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ، تَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أوْ حَمَامَتَيْنِ وَتُحضِرُهُمَا إلَى الكَاهِنِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَيُقَدِّمُ الكَاهِنُ إحْدَاهُمَا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَيُقَدِّمُ الأُخْرَى ذَبِيحَةً صَاعِدَةً. هَكَذَا يَصْنَعُ لَهَا الكَاهِنُ كَفَّارَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ مِنَ الإفرَازِ النَّجِسِ الَّذِي كَانَ لَدَيهَا. «حَذِّرَا بَنِي إسْرَائِيلَ مِنَ النَّجَاسَةِ. فَإنْ نَجَّسُوا مَسْكَنِي المُقَدَّسَ فِي وَسَطِهِمْ بِسَبَبِ نَجَاسَتِهِمْ، يَمُوتُونَ.» هَذِهِ شَرِيعَةُ الَّذِي لَدَيهِ إفرَازٌ مِنَ السَّائِلِ المَنَوِيِّ يَجْعَلُهُ نَجِسًا. وَشَرِيعَةُ المَرْأةِ خِلَالَ فَترَةِ حَيْضِهَا الشَّهْرِيَّةِ. فَهِيَ شَرِيعَةُ إفرَازِ السَوَائِلِ، سَوَاءٌ أكَانَ رَجُلًا أمِ امْرأةً. وَشَرِيعَةُ الرَّجُلِ الَّذِي يُعَاشِرُ امْرأةً نَجِسَةً. وَتَكَلَّمَ اللهُ لِمُوسَى بَعْدَ مَوْتِ وَلَدَي هَارُونَ اللَّذَيْنِ مَاتَا حِينَ حَاوَلَا الِاقتِرَابَ مِنَ اللهِ . وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ أخِيكَ أنْ لَا يَأْتِيَ مَتَى أرَادَ إلَى المَكَانِ المُقَدَّسِ خَلْفَ السِّتَارَةِ الدَّاخِلِيِّةِ، أمَامَ الغِطَاءِ الَّذِي عَلَى الصُّندُوقِ المُقَدَّسِ، وَإلَّا فَإنَّهُ سَيَمُوتُ. لِأنِّي أظْهَرُ فِي سَحَابَةٍ فَوْقَ الغِطَاءِ. «لَكِنْ يُمْكِنُ لِهَارُونَ أنْ يَدْخُلَ المَكَانَ المُقَدَّسَ بَعْدَ أنْ يُقَدِّمَ ثَوْرًا مِنَ البَقَرِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ وَكَبْشًا ذَبِيحَةً صَاعِدَةً. يَنْبَغِي أنْ يَرْتَدِيَ المَلَابِسَ الدَّاخِلِيَّةَ عَلَى جَسَدِهِ، وَيَرْبِطَ حِزَامَ الكِتَّانِ حَوْلَهُ، وَيَضَعَ العِمَامَةَ الكِتَّانِيَّةَ عَلَى رَأسِهِ. هَذِهِ الثِّيَابُ مُقَدَّسَةٌ. يَنْبَغِي أنْ يَسْتَحِمَ بِالمَاءِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَرْتَدِيهَا. «يَأْخُذَ هَارُونُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ تَيْسَينِ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ وَكَبْشًا لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. كَمَا يُقَدِّمُ هُوَ ثَورَ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ، فَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَائِلَتِهِ. ثُمَّ يَأْخُذُ التَّيسَينِ وَيُقَدِّمُهُمَا فِي حَضْرَةِ اللهِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيُلقِي هَارُونُ قُرْعَتَيْنِ عَلَى التَّيسَينِ: القُرْعَةَ الأُولَى للهِ ، وَالقُرْعَةَ الثَّانِيَةَ لِعَزَازِيلَ. ثُمَّ يُحضِرُ هَارُونُ التَّيسَ الَّذِي اختِيرَ بِالقُرْعَةِ للهِ ، وَيُقَدِّمُهُ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. وَأمَّا التَّيسُ الَّذِي اختِيرَ بِالقُرْعَةِ لِعَزَازِيلَ، فَيُقَدَّمُ حَيًّا فِي حَضْرَةِ اللهِ . ثُمَّ يُرْسَلُ إلَى الصَّحْرَاءِ إلَى عَزَازِيلَ لِلتَّكْفِيرِ عَنِ الشَّعْبِ. «ثُمَّ يُقَدِّمُ هَارُونُ الثَّورَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لِنَفْسِهِ، فَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَائِلَتِهِ، وَيَذْبَحُ ثَورَ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ لِنَفْسِهِ. ثُمَّ يَأْخُذُ مِبخَرَةً مَلِيئَةً بِالجَمرِ مِنَ المَذْبَحِ الَّذِي فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَمِلءَ كَفَّيهِ مِنْ بَخُورٍ عَطِرٍ، وَيَدْخُلُ بِهِمَا إلَى خَلفِ السِّتَارَةِ. وَيَضَعُ هَارُونُ البَخُورَ عَلَى النَّارِ فِي حَضْرَةِ اللهِ لِيُغَطِّيَ دُخَانُ البَخُورِ الغِطَاءَ الَّذِي عَلَى صُنْدُوقِ الشَّهَادَةِ لِئَلَّا يَمُوتَ. ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ دَمِ الثَّورِ وَيَرُشُّهُ بِإصبَعِهِ عَلَى الغِطَاءِ فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ. يَرُشُّ مِنَ الدَّمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ بِإصبَعِهِ أمَامَ الغِطَاءِ. «ثُمَّ يَذْبَحُ هَارُونُ تَيْسَ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ عَنِ الشَّعْبِ. وَيُحضِرُ دَمَهُ إلَى خَلفِ السِّتَارَةِ الدَّاخِلِيِّةِ. وَيَعْمَلُ بِدَمِهِ مَا عَمِلَهُ بِدَمِ الثَّورِ، فَيَرُشُّهُ عَلَى الغِطَاءِ مِنَ الجِهَةِ الأمَامِيَّةِ. هَكَذَا يَصْنَعُ كَفَّارَةً لِلمَكَانِ المُقَدَّسِ مِنْ نَجَاسَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ وَكُلِّ خَطَايَاهُمْ. وَعَلَى هَارُونَ أنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أيْضًا لِخَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِأنَّهَا وَسَطَ شَعْبٍ نَجِسٍ. «لَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ أحَدٌ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ مُنْذُ دُخُولِ هَارُونَ إلَى المَكَانِ المُقَدَّسِ لِعَمَلِ كَفَّارَةٍ لَهُ وَحَتَّى خُرُوجِهِ. فَيُكَفِّرُ هَارُونُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَائِلَتِهِ وَكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ. ثُمَّ يَخْرُجُ هَارُونُ إلَى المَذْبَحِ الَّذِي فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَيُكَفِّرُ عَنْهُ. فَيَأْخُذُ مِنْ دَمِ الثَّورِ وَدَمِ التَّيسِ وَيَضَعُهُ عَلَى زَوَايَا المَذْبَحِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ. ثُمَّ يَرُشُّ بَعْضَ الدَّمِ عَلَيْهِ بِإصبَعِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَيُطَهِّرُهُ مِنْ نَجَاسَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَيُقَدِّسُهُ. «وَحِينَ يَنْتَهِي هَارُونُ مِنْ عَمَلِ كَفَّارَةٍ لِلمَقْدِسِ وَخَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالمَذْبَحِ، يُحضِرُ التَّيسَ الحَيَّ. وَيَضَعُ هَارُونُ يَدَيهِ عَلَى رَأسِ التَّيسِ، وَيَعْتَرِفُ فَوقَهُ بِكُلِّ شُرُورِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَمَعَاصِيهِمْ وَكُلِّ خَطَايَاهُمْ. وَبِهَذَا فَإنَّ هَارُونَ يَضَعُ هَذِهِ الخَطَايَا عَلَى رَأسِ التَّيسِ. ثُمَّ يُرْسِلُ التَّيسَ إلَى الصَّحرَاءِ، وَالَّذِي سَيَقُودُهُ هُوَ رَجُلٌ سَبَقَ تَعْيِينُهُ لِهَذَا الأمْرِ. وَبِهَذَا سَيَحْمِلُ التَّيسُ عَلَيْهِ كُلَّ خَطَايَا الشَّعْبِ إلَى مِنْطَقَةٍ مَعزُولَةٍ مُقفِرَةٍ. سَيُطلِقُ الرَّجُلُ التَّيسَ فِي الصَّحرَاءِ. «ثُمَّ يَدْخُلُ هَارُونُ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ وَيَخْلَعُ ثِيَابَ الكِتَّانِ الَّتِي ارتَدَاهَا حِينَ دَخَلَ إلَى المَكَانِ المُقَدَّسِ، وَيَتْرُكُهَا هُنَاكَ. ثُمَّ يَغْسِلُ جَسَدَهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، وَيَرْتَدِي ثِيَابًا أُخْرَى، وَيَخْرُجُ وَيُقَدِّمُ ذَبيحَتَهُ الصَّاعِدَةَ وَذَبِيحَةَ الشَّعْبِ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الشَّعْبِ. ثُمَّ يُحْرِقُ شَحمَ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ عَلَى المَذْبَحِ. «أمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أطلَقَ التَّيسَ إلَى عَزَازِيلَ، فَيَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمَّ بِمَاءٍ، ثُمَّ يُمكِنُهُ أنْ يَدْخُلَ المُخَيَّمَ. «أمَّا ثَورُ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ وَتَيْسُ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ، اللّذَانِ أُحضِرَ دَمُهُمَا إلَى المَكَانِ المُقَدَّسِ لِلتَّكفِيرِ، فَيُؤخَذَا إلَى خَارِجِ المُخَيَّمِ، وَيُحْرَقُ جِلْدُهُمَا وَلَحْمُهُمَا وَرَوثُهُمَا فِي النَّارِ. وَالَّذِي يُحْرِقُهُمَا يَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمَّ بِمَاءٍ، ثُمَّ يُمكِنُهُ أنْ يَدْخُلَ المُخَيَّمَ. «هَذِهِ شَرِيعَةٌ دَائِمَةٌ لَكُمْ: فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، تَتَذَلِّلُونَ بِالصَّومِ، وَلَا تَعْمَلُونَ أيَّ عَمَلٍ. هَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى المُواطِنِ وَعَلَى الغَرِيبِ الَّذِي يُقِيمُ بَيْنَكُمْ. فِي هَذَا اليَوْمِ، يَعْمَلُ رَئِيسُ الكَهَنَةِ كَفَّارَةً لَكُمْ لِتَطْهِيرِكُمْ مِنْ كُلِّ خَطَايَاكُمْ، فَتَكُونُونَ طَاهِرِينَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . هَذَا يَوْمُ رَاحَةٍ لَكُمْ، عَلَيْكُمْ فِيهِ أنْ تُذَلِّلُوا أنْفُسَكُمْ بِالصَّومِ. هَذِهِ شَرِيعَةٌ دَائِمَةٌ لَكُمْ. «عَلَى الكَاهِنِ الَّذِي يَتِمُّ اختِيَارُهُ لِيَكُونَ رَئِيسَ الكَهَنَةِ، وَالمُعَيَّنَ مَكَانَ أبِيهِ، أنْ يَعْمَلَ الكَفَّارَةَ لَكُمْ. فَيَرْتَدِي الثِّيَابَ الكِتَّانِيَّةَ الخَاصَّةَ بِالمَكَانِ المُقَدَّسِ. وَيُطَهِّرُ المَكَانَ المُقَدَّسَ وَخَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ وَالمَذْبَحَ وَالكَهَنَةَ وَكُلَّ الشَّعْبِ. سَتَكُونُ هَذِهِ شَرِيعَةً دَائِمَةً لَكُمْ لِلتَّكفِيرِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ.» فَعَمِلَ هَارُونُ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ لِمُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «كَلِّمْ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَكُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: هَذَا مَا أمَرَ اللهُ بِهِ. إنْ ذَبَحَ أيُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ثَوْرًا أوْ غَنَمًا أوْ مَاعِزًا كَذَبِيحَةٍ فِي المُخَيَّمِ أوْ خَارِجَهُ، وَلَمْ يُحضِرْهُ إلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِيُقَدِّمَهُ ذَبِيحَةً للهِ أمَامَ مَسْكَنِ اللهِ المُقَدَّسِ، يُعتَبَرُ مُذْنِبًا، لِأنَّهُ سَفَكَ دَمًا، وَيُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ. فَهَدَفُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ أنْ يُحضِرَ بَنُو إسْرَائِيلَ الذَّبَائِحَ الَّتِي كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي البَرِّيَّةِ إلَى اللهِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، إلَى الكَاهِنِ، وَيَذْبَحُوهَا كَذَبَائِحِ سَلَامٍ للهِ . وَيَرُشُّ الكَاهِنُ الدَّمَ عَلَى مَذْبَحِ اللهِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيُحْرِقُ الشَّحمَ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . أمَّا الَّذِينَ خَانُونِي بِتَقْدِيمِ ذَبَائِحِهِمْ لِلتُّيُوسِ، فَلَا يُقَدِّمُوهَا فِيمَا بَعْدُ. لَقَدْ خَانُونِي بِذَلِكَ. هَذِهِ شَرِيعَةٌ دَائِمَةٌ لَهُمْ فِي كُلِّ أجيَالِهِمْ. «وَقُلْ لَهُمْ: أيُّ شَخْصٍ مِنْ بَيْتِ إسْرَائِيلَ، أوْ غَرِيبٍ يَقُيمُ بَيْنَهُمْ، يُقَدِّمُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً أوْ قُرْبَانًا، وَلَا يُحضِرُهَا إلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِيُقَدِّمَهَا للهِ ، يُقْطَعُ مِنَ الشَّعْبِ. «وَإنْ أكَلَ شَخْصٌ مِنْ بَيْتِ إسْرَائِيلَ أوْ غَرِيبٌ يَعِيشُ بَيْنَكُمْ دَمًا، فَسَأُواجِهُ ذَاكَ الَّذِي أكَلَ الدَّمَ، وَسَأعزِلُهُ مِنَ الشَّعْبِ. لِأنَّ حَيَاةَ الجَسَدِ فِي الدَّمِ، وَقَدْ أعْطَيْتُ الدَّمَ لِلتَّكفِيرِ عَنْكُمْ بِسَكبِهِ عَلَى المَذْبَحِ. لِأنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّاسِ بِتَقْدِيمِ حَيَاةٍ مُقَابِلَ حَيَاةٍ. وَلِذَلِكَ أقُولُ لَكُمْ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ: لَا يَأْكُلُ أحَدٌ مِنْكُمْ دَمًا، وَلَا يَأْكُلُ أيُّ غَرِيبٍ يَعِيشُ بَيْنَكُمْ دَمًا. «وَأيُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أوْ أيُّ غَرِيبٍ يَعِيشُ بَيْنَكُمْ يَصطَادُ حَيَوَانًا بَرِّيًّا أوْ طَيرًا يُؤكَلُ، فَلْيَسْفِكْ دَمَهُ وَيُغَطِّيهِ بِالرَّملِ. لِأنَّ حَيَاةَ الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ فِي دَمِهَا. لِذَلِكَ أقُولُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: لَا تَأْكُلُوا دَمَ أيِّ كَائِنٍ حَيٍّ، لِأنَّ حَيَاةَ كُلِّ الكَائِنَاتِ فِي دَمِهَا. كُلُّ وَاحِدٍ يَأْكُلُ دَمًا يُعزَلُ مِنْ شَعْبِهِ. «وَكُلُّ مُواطِنٍ أوْ غَرِيبٍ يَأْكُلُ حَيَوَانًا مَاتَ وَحْدَهُ، أوْ حَيَوَانًا قَتَلَهُ حَيَوَانٌ آخَرُ، يَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمَّ بِمَاءٍ، وَسَيَبْقَى نَجِسًا إلَى المَسَاءِ، ثُمَّ يَصِيرُ طَاهِرًا. فَإنْ لَمْ يَغْسِلْ ثِيَابَهُ وَلَمْ يَسْتَحِمَّ، فَإنَّهُ يَحْمِلُ عُقُوبَةَ خَطِيَّتِهِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: أنَا . فَلَا تَعْمَلُوا الأشْيَاءَ الَّتِي كَانَتْ تُعمَلُ فِي أرْضِ مِصْرٍ حَيْثُ كُنْتُمْ تَسْكُنُونَ. وَلَا تَعْمَلُوا الأُمُورَ الَّتِي تُعمَلُ فِي أرْضِ كَنْعَانَ حَيْثُ سَأُحضِرُكُمْ. وَلَا تَعِيشُوا بِحَسَبِ شَرَائِعِهِمْ، بَلِ احْفَظُوا أحكَامِي وَاعْمَلُوا بِشَرَائِعِي، لِكَي تَحْيَوْا بِهَا. أنَا . احْفَظُوا شَرَائِعِي وَأحْكَامِي، لِأنَّ الإنْسَانَ الَّذِي يَعْمَلُ ذَلِكَ يَحيَا. أنَا اللهُ . «لَا يُعَاشِرْ أحَدٌ امْرأةً لَهُ بِهَا صِلَةُ قَرَابَةٍ شَدِيدَةٌ. أنَا اللهُ . لَا تَأتِ بِالعَارِ لِأبِيكَ بِأنْ تُعَاشِرَ أُمَّكَ! إنَّهَا أُمُّكَ! فَلَا تُعَاشِرْهَا. لَا تُعَاشِرْ زَوْجَةَ أبِيكَ، فَهَذَا يَأْتِي بِالعَارِ إلَى أبِيكَ. لَا تُعَاشِرْ أُخْتَكَ، لَا بِنْتَ أُمِّكَ وَلَا بِنْتَ أبِيكَ، إنْ كَانَتْ قَدْ وُلِدَتْ فِي نَفْسِ البَيْتِ أوْ فِي بَيْتٍ آخَرَ. لَا تُعَاشِرِ ابْنَةَ ابْنِكَ أوِ ابْنَةَ ابْنَتِكَ لِأنَّ هَذَا سَيَأْتِي بِالعَارِ عَلَيْكَ. لَا تُعَاشِرِ ابْنَةَ زَوْجَةِ أبِيكَ الَّتِي أنْجَبَتْهَا مِنْ أبِيكَ، فَهِيَ أُختُكَ. لَا تُعَاشِرْ أُختَ أبِيكَ، فَهِيَ قَرِيبَةٌ جِدًّا لِأبِيكَ. لَا تُعَاشِرْ أُختَ أُمِّكَ، فَهِيَ قَرِيبَةٌ جِدًّا لِأُمِّكَ. لَا تُعَاشِرْ زَوْجَةَ عَمِّكَ، فَهَذَا يَأْتِي بِالعَارِ عَلَى عَمِّكَ، إنَّهَا عَمَّتُكَ. لَا تُعَاشِرْ كِنَّتَكَ. إنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِكَ، فَلَا تُعَاشِرْهَا. لَا تُعَاشِرِ ابْنَةَ زَوْجَةِ أخِيكَ، فَهَذَا يَأْتِي بِالعَارِ عَلَى أخِيكَ. لَا تُعَاشِرِ امْرأةً وَابْنَتَهَا. وَلَا تَتَزَوَّجْ وَتُعَاشِرِ ابْنَةَ ابْنِهَا أوِ ابْنَةَ ابْنَتِهَا. إنَّهُمَا قَرِيبَتَانِ جِدًّا لَهَا. هَذَا شَرٌّ. لَا تَتَزَوَّجْ أُخْتَ زَوْجَتِكَ وَتُعَاشِرْهَا بَيْنَمَا أُختُهَا حَيَّةٌ. لَا تُعَاشِرِ امْرَأتَكَ فِي فَترَةِ حَيْضِهَا إذْ تَكُونُ نَجِسَةً. لَا تُعَاشِرْ زَوْجَةَ جَارِكَ فَتُنَجِّسَ نَفْسَكَ بِهَا. «لَا تَسْمَحْ بِأنْ يُعْطَى أحَدُ أوْلَادِكَ لِيُذبَحَ لِلإلَهِ مُولَكَ. لَا تُنَجِّسِ اسْمَ إلَهِكَ بِعَمَلِ هَذَا. أنَا اللهُ . «لَا تُعَاشِرْ ذَكَرًا كَمَا تَفْعَلُ مَعَ امْرأةٍ. هَذِهِ نَجَاسَةٌ. لَا تُعَاشِرْ حَيَوَانًا فَتَتَنَجَّسَ بِهِ. وَلَا تُعَاشِرِ المَرْأةُ حَيَوَانًا. فَهَذَا أمْرٌ بَغِيضٌ جِدًّا. «لَا تَتَنَجَّسُوا بَأيٍّ مِنْ هَذِهِ الأعْمَالِ، لِأنَّ الأُمَمَ الَّتِي سَأطرُدُهَا مِنْ أمَامِكُمْ يُنَجِّسُونَ أنْفُسَهُمْ بِهَا، حَتَّى صَارَتِ الأرْضُ نَجِسَةً. لِذَا سَأُعَاقِبُهَا عَلَى خَطَايَا الشَّعْبِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهَا، كَي تَطْرُدَ الأرْضُ السَّاكِنِينَ فِيهَا. «احْفَظُوا شَرَائِعِي وَأحكَامِي، وَلَا تَعْمَلُوا كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ البَغِيضَةِ. لَا المُواطِنُ وَلَا الغَرِيبُ السَّاكِنُ بَيْنَكُمْ. لِأنَّ الَّذِينَ عَاشُوا فِي الأرْضِ قَبلَكُمْ عَمِلُوا كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ البَغِيضَةِ، فَصَارَتِ الأرْضُ نَجِسَةً. فَهَكَذَا أيْضًا سَتَطْرُدُكُمُ الأرْضُ بِسَبَبِ تَنْجِيسِكُمْ إيَّاهَا، كَمَا طَرَدَتِ الأُمَمَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ قَبلِكُمْ. فَكُلُّ مَنْ يَعْمَلُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ البَغِيضَةِ، يُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهِ. احفَظُوا وَصِيَّتِي، فَلَا تَعْمَلُوا أيًّا مِنَ الأُمُورِ البَغِيضَةِ الَّتِي عُمِلَتْ قَبلَكُمْ. لَا تُنَجِّسُوا أنْفُسَكُمْ بِعَمَلِ هَذِهِ الأُمُورِ. أنَا .» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: كُونُوا مُقَدَّسِينَ لِأنِّي أنَا قُدُّوسٌ. «لِيُكْرِمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أبَاهُ وَأُمَّهُ، وَلَيَحْفَظْ جَمِيعَ أيَّامِ رَاحَتِي. أنَا . «لَا تَتْرُكُونِي وَتَعْبُدُوا الأصْنَامَ. لَا تَصْنَعُوا لَكُمْ تَمَاثِيلَ مَعدَنِيَّةً. أنَا . «وَحِينَ تُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةَ سَلَامٍ للهِ ، قَدِّمُوهَا بِالطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ لِتَكُونَ مَقبُولَةً. يَنْبَغِي أنْ تُؤكَلَ فِي يَوْمِ ذَبحِكُمْ لَهَا أوِ اليَوْمِ التَّالِي، لَكِنْ مَا يَبْقَى مِنْهَا فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ يَنْبَغِي أنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ. إنْ أُكِلَ أيُّ شَيءٍ مِنَ الذَّبِيحَةِ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، فَإنَّهَا تَصِيرُ فَاسِدَةً وَغَيْرَ مَقْبُولَةٍ. مَنْ يَأْكُلُهَا، يَتَحَمَّلُ عُقُوبَةً عَلَى خَطِيَّتِهِ لِأنَّهُ نَجَّسَ أحَدَ الأُمُورِ المُقَدَّسَةِ الخَاصَّةِ بِاللهِ ، فَيُقطَعُ مِنَ الشَّعْبِ. «وَحِينَ تَحْصُدُونَ مَحَاصِيلَ أرْضِكُمْ، فَلَا تَحْصُدُوا زَوَايَا حُقُولِكُمْ، وَلَا تَعُودُوا لِجَمعِ مَا سَقَطَ عَلَى الأرْضِ. لَا تَلْتَقِطُوا كُلَّ عِنَبِ كَرمِكُمْ. وَلَا تَلْتَقِطُوا العِنَبَ المُتَسَاقِطَ عَلَى الأرْضِ، بَلِ اتْرُكُوهُ لِلفُقَرَاءِ وَالغُرَبَاءِ. أنَا . «لَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَغِشُّوا النَّاسَ، وَلَا يَكْذِبْ أحَدُكُمْ عَلَى الآخَرِ. «لَا تَحْلِفُوا بِاسْمِي بِالكَذِبِ، فَتُدَنِّسُوا اسْمَ إلَهِكُمْ. أنَا يهوه. «لَا تَغْتَصِبْ مَا لِقَرِيبِكَ وَلَا تَسْرِقْ. وَلَا تَحْتَفِظْ بِأُجرَةِ الأجِيرِ إلَى الصُّبحِ. «لَا تَلْعَنْ إنْسَانًا أطرَشَ، وَلَا تَضَعْ شَيْئًا فِي طَرِيقِ الأعمَى لِيَتَعَثَّرَ بِهِ. خَفْ إلَهَكَ. أنَا اللهُ . «كُونُوا عَادِلِينَ فِي القَضَاءِ، فَلَا تَتَحَيَّزُوا لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، وَلَا تُقَدِّمُوا إكرَامًا خَاصًّا لِأصْحَابِ المَرَاكِزِ. احْكُمْ عَلَى قَرِيبِكَ بِالعَدِلِ. «لَا تَجُلْ بَيْنَ شَعْبِكَ مُخبِرًا بِقِصَصٍ كَاذِبَةٍ عَنِ النَّاسِ. وَلَا تَقِفْ مُتَفَرِّجًا حِينَ تَكُونُ حَيَاةُ قَرِيبِكَ فِي خَطَرٍ. أنَا اللهُ . «لَا تُبغِضْ صَاحِبَكَ فِي قَلْبِكَ، لَكِنْ أنذِرْهُ وَعَاتِبْهُ حِينَ يُخطِئُ، لِئَلَّا تَحْمِلَ ذَنبًا بِسَبَبِهِ. لَا تَنْتَقِمْ وَلَا تَحْقِدْ عَلَى أحَدٍ مِنْ شَعْبِكَ، بَلْ تُحِبُّ صَاحِبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ. أنَا اللهُ . «احْفَظْ شَرَائِعِي. لَا تُهَجِّنْ حَيَوَانَاتِكَ مِنْ حَيَوَانَينِ مُختَلِفَينِ. لَا تَزْرَعْ حَقلَكَ بِنَوعَيْنِ مِنَ الحُبُوبِ. لَا تَرْتَدِ ثِيَابًا مَصْنُوعَةً مِنْ مَادَّتَيْنِ مُختَلِفَتَيْنِ. «إنْ عَاشَرَ رَجُلٌ جَارِيَةً مَخْطُوبَةً لِرَجُلٍ آخَرَ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ تَمَّ تَحْرِيرُهَا بَعْدُ، فَيَنْبَغِي أنْ يُعَاقَبَا. لَا يُقْتَلَا لِأنَّهَا لَمْ تَكُنْ حُرَّةً، لَكِنْ يُحْضِرُ الرَّجُلُ كَبْشًا ذَبِيحَةَ ذَنْبِهِ إلَى اللهِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَيَعْمَلُ لَهُ الكَاهِنُ فِي حَضْرَةِ اللهِ كَفَّارَةً بِكَبْشِ ذَبِيحَةِ الذَّنْبِ، بِسَبَبِ الخَطِيَّةِ الَّتِي ارتَكَبَهَا، فَتُغفَرُ لَهُ الخَطِيَّةُ. «حِينَ تَدْخُلُونَ الأرْضَ وَتَزْرَعُونَ أشْجَارًا مُثمِرَةً، لِيَكُنْ ثَمَرُهَا مُحَرَّمًا، فَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ لِثَلَاثِ سَنَوَاتٍ. لَكِنْ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ يُعْطَى كُلُّ ثَمَرِهَا كَتَقْدِمَةِ تَسْبِيحٍ مُقَدَّسَةٍ للهِ . وَفِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ تَأْكُلُونَ مِنْهَا. هَكَذَا سَتَزدَادُ غَلَّتُهَا. أنَا . «لَا تَأْكُلُوا لَحْمًا دَمُهُ فِيهِ. «لَا تُحَاوِلُوا مَعْرِفَةَ المُسْتَقْبَلِ بِاسْتِخدَامِ العَلَامَاتِ أوِ السِّحرِ. «لَا تَحْلِقُوا سَوَالِفَكُمْ لِيَصِيرَ شَعرُكُمْ مُسْتَدِيرًا، وَلَا تُشَذِّبُوا جَوَانِبَ لِحَاكُمْ. لَا تُجَرِّحُوا أجسَادَكُمْ حُزْنًا عَلَى مَيِّتٍ، وَلَا تَضَعُوا وَشمًا عَلَى أجْسَادِكُمْ. أنَا اللهُ . «لَا تُهِنِ ابْنَتَكَ بِأنْ تَجْعَلَهَا عَاهِرَةً، لِئَلَّا يُصبِحَ شَعْبُ الأرْضِ زَانِيًا عَاهِرًا فَتَمْتَلِئُ الأرْضُ مِنَ الشَّرِّ. «احفَظُوا أيَّامَ رَاحَتِي، وَاحتَرِمُوا مَكَانِي المُقَدَّسَ. أنَا اللهُ . «لَا تَذْهَبُوا إلَى الوُسَطَاءِ، وَلَا تَطْلُبُوا نَصِيحَةَ أصْحَابِ الجَانِ فَتَتَنَجَّسُوا بِهِمْ. أنَا . «قِفْ فِي حَضْرَةِ كِبَارِ السِّنِّ، أكْرِمْهُمْ وَاحتَرِمْهُمْ. هَبِ القُضَاةَ. أنَا اللهُ . «حِينَ يَكُونُ هُنَاكَ غَرِيبٌ يَعِيشُ فِي أرْضِكَ فَلَا تُسِئْ مُعَامَلَتَهُ. الغَرِيبُ الَّذِي يَعِيشُ مَعَكُمْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ كَوَاحِدٍ مِنَ المُواطِنِينَ. تُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ. لِأنَّكُمْ أنْتُمْ أيْضًا كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أرْضِ مِصْرٍ. أنَا . «لَا يَنْبَغِي أنْ تَظْلِمُوا فِي القَضَاءِ وَلَا فِي قِيَاسِ الطُّولِ وَالوَزنِ وَالكَمِّيَّةِ. يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ مَوَازِينُكُمْ صَحِيحَةً فِي قِيَاسِ الأوزَانِ وَالكَمِّيَّاتِ لِلحُبُوبِ وَالسَّوَائِلِ. أنَا الَّذِي أخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. «احْفَظُوا شَرَائِعِي وَأحْكَامِي وَاعْمَلُوا بِهَا. أنَا اللهُ .» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أوِ الغُرَبَاءِ السَّاكِنِينَ فِي إسْرَائِيلَ يُقَدِّمُ مِنْ أوْلَادِهِ لِلإلَهِ مُولَكَ، يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ. عَلَى شَعْبِ الأرْضِ أنْ يَقْتُلُوهُ بِرَجمِهِ بِالحِجَارَةِ. فَسَأُواجِهُهُ وَسَأعزِلُهُ مِنَ الشَّعْبِ، لِأنَّهُ أعْطَى مِنْ أوْلَادِهِ لِلإلَهِ مُولَكَ فَنَجَّسَ مَكَانِي المُقَدَّسَ، وَلَمْ يُكْرِمْ اسْمِي المُقَدَّسَ. لَكِنْ إنْ تَجَاهَلَ شَعْبُ الأرْضِ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي أعْطَى مِنْ أوْلَادِهِ لِلإلَهِ مُولَكَ فَلَمْ يَقْتُلُوهُ، فَسَأُواجِهُ ذَلِكَ الرَّجُلَ وَعَائِلَتَهُ وَالَّذِينَ يَخُونُونَنِي وَيَسِيرُونَ مَعَهُ وَرَاءَ مُولَكَ، وَسَأقْطَعُهُمْ مِنْ شَعْبِهِمْ. «إنْ خَانَنِي أحَدٌ وَالتَجَأ لِلوُسَطَاءِ وَالمُشَعْوِذَاتِ لِأجْلِ النَّصِيحَةِ، فَسَأُواجِهُهُ وَسَأقْطَعُهُ مِنَ الشَّعْبِ. «كَرِّسُوا أنْفُسَكُمْ وَكُونُوا قِدِّيسِينَ، لِأنِّي أنَا . «احفَظُوا شَرَائِعِي وَاعمَلُوا بِهَا. أنَا اللهُ الَّذِي أُقَدِّسُكُمْ. «إنْ شَتَمَ أحَدٌ أبَاهُ أوْ أُمَّهُ فَيَنْبَغِي أنْ يُعدَمَ. قَدْ شَتَمَ أبَاهُ وَأُمَّهُ، فَهُوَ مَسؤُولٌ عَنْ مَوْتِهِ. «إنْ زَنَى رَجُلٌ بِزَوْجَةِ رَجُلٍ آخَرَ، فَإنَّهُ يَنْبَغِي إعدَامُ الرَّجُلِ وَالمَرْأةِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا. إنْ عَاشَرَ رَجُلٌ زَوْجَةَ أبِيهِ، فَإنَّهُ قَدْ جَلَبَ العَارَ لِأبِيهِ. يَنْبَغِي إعدَامُ الرَّجُلِ وَالمَرْأةِ. هُمَا مَسؤُولَانِ عَنْ مَوْتِهِمَا. إنْ عَاشَرَ رَجُلٌ كِنَّتَهُ، فَإنَّهُ يَنْبَغِي إعدَامُهُمَا. قَدِ ارتَكَبَا انحِرَافًا عَظِيمًا. هُمَا مَسؤُولَانِ عَنْ مَوْتِهِمَا. إنْ عَاشَرَ رَجُلٌ رَجُلًا آخَرَ كَمَا يُعَاشِرُ امْرأةً، فَإنَّ كِلَيهِمَا قَدْ عَمِلَا خَطِيَّةً بَغِيضَةً، وَيَنْبَغِي إعدَامُهُمَا. هُمَا مَسؤُولَانِ عَنْ مَوْتِهِمَا. إنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرأةً وَأُمَّهَا، فَهَذَا شَرٌّ. لِيُحْرِقْهُ الشَّعْبُ هُوَ وَالمَرأتَيْنِ بِالنَّارِ حَتَّى المَوْتِ، لِئَلَّا يَكُونَ هَذَا الشَّرُّ فِي وَسَطِكُمْ. «الرَّجُلُ الَّذِي يُعَاشِرُ حَيَوَانًا يَنْبَغِي إعدَامُهُ، كَمَا يَنْبَغِي أنْ تَقْتُلُوا الحَيَوَانَ. وَإنْ عَاشَرَتِ امْرأةٌ حَيَوَانًا، فَيَنْبَغِي إعدَامُ المَرْأةِ وَالحَيَوَانِ. يَنْبَغِي قَتلُهُمَا. هُمَا مَسؤُولَانِ عَنْ مَوْتِهِمَا. «إنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِأُختِهِ غَيْرِ الشَّقِيقَةِ، ابْنَةِ أبِيهِ أوِ ابْنَةِ أُمِّهِ، فَعَاشَرَهَا وَعَاشَرَتْهُ، فَهَذَا عَارٌ. يَنْبَغِي عَزلُهُمَا مِنْ شَعْبِهِمَا أمَامَ عَائِلَتَيْهِمَا. قَدْ عَاشَرَ أُختَهُ، فَيَنْبَغِي أنْ يُعَاقَبَ عَلَى خَطِيَّتِهِ. إنْ عَاشَرَ رَجُلٌ امْرأةً فِي فَترَةِ حَيْضِهَا الشَّهْرِيَّةِ فَكَشَفَ مَصدَرَ دَمِهَا، وَهِيَ كَشَفَتْ مَصدَرَ دَمِهَا، فَيَنْبَغِي أنْ يُقطَعَا مِنْ شَعْبِهِمَا. «لَا تُعَاشِرْ أُختَ أُمِّكَ أوْ أُختَ أبِيكَ، لِأنَّهُمَا قَرِيبَتَانِ مِنْكَ. إنْ حَدَثَ هَذَا يَنْبَغِي أنْ يُعَاقَبَا عَلَى خَطِيَّتِهِمَا. إنْ عَاشَرَ رَجُلٌ زَوْجَةَ عَمِّهِ، فَإنَّهُ يَكُونُ قَدْ جَلَبَ العَارَ عَلَى عَمِّهِ. يَنْبَغِي أنْ يُعَاقَبَا عَلَى خَطِيَّتِهِمَا. سَيَمُوتَانِ بِلَا أوْلَادٍ. إنْ عَاشَرَ رَجُلٌ زَوْجَةَ أخِيهِ، فَهَذِهِ نَجَاسَةٌ. قَدْ جَلَبَ العَارَ لِأخِيهِ. سَيَمُوتَانِ بِلَا أوْلَادٍ. «احْفَظُوا كُلَّ شَرَائِعِي وَأحكَامِي وَاعْمَلُوا بِهَا لِئَلَّا تَتَقَيَّأكُمُ الأرْضُ الَّتِي أقُودُكُمْ إلَيْهَا. لَا تَسْلُكُوا بِحَسَبِ عَادَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ سَأطرُدُهُمْ مِنَ الأرْضِ أمَامَكُمْ، لِأنَّهُمْ عَمِلُوا هَذِهِ الخَطَايَا فَأبْغَضْتُهُمْ. لَكِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: سَتَمْتَلِكُونَ أرْضَهُمْ، وَسَأُعْطِيهَا لَكُمْ لِتَمْتَلِكُوهَا، أرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. أنَا . «قَدْ مَيَّزتُكُمْ عَنْ كُلِّ الأُمَمِ الأُخرَى. فَيَنْبَغِي أنْ تُمَيِّزُوا بَيْنَ الحَيَوَانَاتِ وَالطُّيُورِ الطَّاهِرَةِ وَغَيرِ الطَّاهِرَةِ. لَا تُنَجِّسُوا أنْفُسَكُمْ بِأنْ تَأْكُلُوا حَيَوَانًا أوْ طَيرًا أوْ أيَّ كَائِنٍ يَزْحَفُ عَلَى الأرْضِ قَدِ اعتَبَرتُهُ نَجِسًا لَكُمْ. كُونُوا قِدِّيسِينَ، لِأنِّي أنَا اللهَ قُدُّوسٌ. قَدْ مَيَّزْتُكُمْ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ الأُخرَى لِتَكُونُوا لِي. «أيُّ رَجُلٍ، أوِ امْرأةٍ، يُحَاوِلُ اسْتِحْضَارَ أرْوَاحِ المَوْتَى، أوْ يَتَعَامَلُ بِالسِّحرِ، يَنْبَغِي إعدَامُهُ. يَرْجُمُهُ الشَّعْبُ بِالحِجَارَةِ حَتَّى المَوْتِ. هُوَ مَسؤُولٌ عَنْ مَوْتِهِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِلكَهَنَةِ، أبْنَاءِ هَارُونَ: لَا يُنَجِّسِ الكَاهِنُ نَفْسَهُ لِأجْلِ مَيِّتٍ مِنْ أقْرِبَائِهِ، إلَّا لِأجْلِ القَرِيبِينَ جِدًّا مِنْهُ: أُمِّهِ وَأبِيهِ وَابْنِهِ وَابْنَتِهِ وَأخِيهِ، وَأُختِهِ العَذرَاءِ غَيْرِ المُتَزَوِّجَةِ لِأنَّهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، يُسْمَحُ لِلكَاهِنِ بِأنْ يَتَنَجَّسَ لِأجْلِهَا. لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أنْ يَتَنَجَّسَ لِأجْلِ مَيِّتٍ لَهُ صِلَةُ نَسَبٍ بِهِ. «لَا يَحْلِقِ الكَهَنَةُ شَعرَ رُؤُوسِهِمْ بِشَكلٍ كَامِلٍ، وَلَا أطرَافَ لِحَاهُمْ، وَلَا يُجَرِّحُوا أجسَادَهُمْ. بَلْ يَكُونُوا مُقَدَّسِينَ لِإلَهِهِمْ، وَلَا يُدَنِّسُوا اسْمَ إلَهِهِمْ. لِأنَهُمُ يُقَدِّمُونَ تَقْدِمَاتِ اللهِ ، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونُوا مُقَدَّسِينَ. «لَا يَتَزَوَّجِ الكَهَنَةُ مِنْ عَاهِرَةٍ أوْ نَجِسَةٍ أوْ مُطَلَّقَةٍ مِنْ زَوْجِهَا، لِأنَّ الكَاهِنَ مُقَدَّسٌ لِإلَهِهِ. عَامِلُوا الكَاهِنَ كَشَخْصٍ مُقَدَّسٍ لِأنَّهُ يُقَدِّمُ تَقْدِمَةَ إلَهِكُمْ. يَكُونُ مُقَدَّسًا بِالنِّسبَةِ لَكُمْ، لِأنِّي أنَا اللهَ قُدُّوسٌ وَأُقدِّسُكُمْ. «إنْ نَجَّسَتِ ابْنَةُ كَاهِنٍ نَفْسَهَا بِأنْ زَنَتْ فَإنَّهَا تَجْعَلُ أبَاهَا نَجِسًا. تُحْرَقُ بِالنَّارِ حَتَّى المَوْتِ. «أمَّا رَئيسُ الكَهَنَةِ الَّذِي سُكِبَ عَلَى رَأسِهِ زَيْتُ المَسْحَةِ، وَعُيِّنَ لِيَرْتَدِيَ ثِيَابَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ الخَاصَّةِ، فَلَا يَكْشِفْ رَأسَهُ وَلَا يُمَزِّقْ ثِيَابَهُ حُزْنًا. وَلَا يَقْتَرِبْ مِنْ جَسَدٍ مَيِّتٍ، لِئَلَّا يَتَنّجَّسَ، حَتَّى لَوْ كَانَ المَيِّتُ أبَاهُ أوْ أُمَّهُ. وَلَا يَتْرُكِ المَكَانَ المُقَدَّسَ، فَلَا يُنَجِّسَ مَكَانَ إلَهِهِ المُقَدَّسِ لِأنَّهُ مُكَرَّسٌ للهِ بِزَيْتِ مَسْحَةِ إلَهِهِ. أنَا اللهَ . «لِيَتَزَوَّجْ رَئِيسُ الكَهَنَةِ عَذرَاءَ. فَلَا يَجُوزُ أنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ أرمَلَةٍ أوْ مُطَلَّقَةٍ أوْ زَانِيَةٍ نَجِسَةٍ. لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا مِنْ عَذرَاءَ مِنْ شَعْبِهِ، لِئَلَّا يُنَجِّسَ أوْلَادَهُ وَسَطَ شَعْبِهِ، لِأنِّي أنَا اللهَ قَدْ قَدَّسْتُهُ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ: إنْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ نَسْلِكَ فِي كُلِّ أجيَالِهِ لَدَيهِ عَيبٌ جَسَدِيٌّ، فَلَا يُمكِنُهُ أنْ يَقْتَرِبَ مِنَ المَذْبَحِ لِيُقَدِّمَ تَقْدِمَاتِ اللهِ. فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَقْتَرِبَ إلَى المَذْبَحِ رَجُلٌ فِيهِ عَيبٌ جَسَدِيٌّ، لَا أعْمَى وَلَا أعرَجُ وَلَا مُشَوَّهُ الوَجْهِ أوِ الجَسَدِ، وَلَا رَجُلٌ مَكْسُورُ اليَدِ أوِ الرِّجلِ، وَلَا أحدَبُ وَلَا قَزَمٌ وَلَا مَنْ لَدَيهِ عَيبٌ فِي عَيْنَيْهِ، وَلَا أجْرَبُ وَلَا أبْرَصُ وَلَا مَسْحُوقُ الخُصَى. «كُلُّ رَجُلٍ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ فِيهِ عَيبٌ، لَا يُمْكِنُهُ الِاقتِرَابُ مِنَ المَذْبَحِ لِيُقَدِّمَ تَقْدِمَاتِ اللهِ وَفِيهِ عَيبٌ، فَلَا يُقَدِّمْ تَقْدِمَاتِ إلَهِهِ. لَكِنْ يُمكِنُهُ أنْ يَأْكُلَ مِنْ جَمِيعِ الطَّعَامِ المُقَدَّمِ لِإلَهِهِ: الطَّعَامِ المُقَدَّسِ وَطَعَامِ الكَهَنَةِ. لَكِنْ لَا يُمكِنُهُ الدُّخُولُ خَلفَ الحِجَابِ أوْ الِاقتِرَابُ مِنَ المَذْبَحِ، لِأنَّ فِيهِ عَيبًا. فَلَا يَنْبَغِي أنْ يُنَجِّسَ أمَاكِنِي المُقَدَّسَةَ، لِأنِّي أنَا اللهَ سَأُقَدِّسُكُمْ.» فَقَالَ مُوسَى كُلَّ هَذِهِ الأُمُورَ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ وَكُلِّ الشَّعْبِ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ لَهُ: «كَلِّمْ هَارُونَ وَنَسْلَهُ وَقُلْ لَهُمْ أنْ يَتَجَنَّبُوا استِخدَامَ التَّقدِمَاتِ الَّتِي يُكَرِّسُهَا الشَّعْبُ لِي وَحْدِي. فَهُمْ بِهَذَا يُدَنِّسُونَ اسْمِي، أنَا يهوه. قُلْ لَهُمْ: مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا، مَنْ يَقْتَرِبُ مِنْ أوْلَادِكُمْ إلَى التَّقدِمَاتِ المُقَدَّسَةِ الَّتِي يُكَرِّسُهَا بَنُو إسْرَائِيلَ للهِ وَحْدَهُ، فَهُوَ نَجِسٌ. يَنْبَغِي أنْ يُعزَلَ مِنْ مَحْضَرِي، أنَا اللهُ . «لَا يُسْمَحُ لِأيِّ رَجُلٍ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ لَدَيهِ بَرَصٌ أوْ إفرَازٌ مِنْ جَسَدِهِ، أنْ يَأْكُلَ مِنَ الطَّعَامِ المُقَدَّسِ إلَى أنْ يُصبِحَ طَاهِرًا. فَمَنْ لَمَسَ شَخْصًا أوْ شَيْئًا تَنَجَّسَ بِسَبَبِ لَمسِهِ جَسَدًا مَيِّتًا، أوْ لَمَسَ رَجُلًا أفرَزَ سَائِلًا مَنَوِيًّا، أوْ لَمَسَ حَيَوَانًا زَاحِفًا نَجِسًا، أوْ شَخْصًا نَجِسًا، مَهْمَا كَانَ سَبَبُ نَجَاسَتِهِ، فَالشَّخصُ الَّذِي يَلْمِسُ يَكُونُ نَجِسًا إلَى المَسَاءِ. لَا يُمكِنُهُ أنْ يَأْكُلَ مِنَ الطَّعَامِ المُقَدَّسِ إلَّا بَعْدَ أنْ يَغْسِلَ جَسَدَهُ بِمَاءٍ. وَحِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ يَكُونُ طَاهِرًا. بَعْدَ ذَلِكَ يُمكِنُهُ أنْ يَأْكُلَ مِنَ الطَّعَامِ المُقَدَّسِ لِأنَّهُ طَعَامُهُ. «لَا يَنْبَغِي أنْ يَأْكُلَ الكَاهِنُ حَيَوَانًا مَاتَ وَحْدَهُ أوْ مَزَّقَهُ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ، لِأنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِهِ. أنَا اللهُ . «لِيُحَافِظِ الكَهَنَةُ عَلَى شَعَائِرِي، لِئَلَّا يأثَمُوا وَيَمُوتُوا فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ لِأنَّهُمْ دَنَّسُوا تَعَالِيمِي. أنَا اللهَ أُقَدِّسُكُمْ. «لَا يُسْمَحُ لِغَرِيبٍ بأِنْ يَأْكُلَ مِنَ الطَّعَامِ المُقَدَّسِ، وَلَا ضَيفُ الكَاهِنِ وَلَا أجِيرٌ عِنْدَهُ. لَكِنْ إنِ اشتَرَى كَاهِنٌ عَبْدًا بِمَالِهِ، أوْ وُلِدَ عَبدٌ فِي بَيْتِهِ، يُسمَحُ لَهُمَا بِأنْ يَأْكُلَا مِنَ الطَّعَامِ المُقَدَّسِ. إنْ تَزَوَّجَتِ ابْنَةُ الكَاهِنِ رَجُلًا مِنْ خَارِجِ العَائِلَةِ الكَهَنُوتِيَّةِ، لَا يَعُودُ بِإمكَانِهَا أنْ تَأْكُلَ مِنَ التَّقدِمَاتِ المُقَدَّسَةِ. فَإنْ تَرَمَّلَتِ ابْنَةُ الكَاهِنِ أوْ تَطَلَّقَتْ، وَلَا أوْلَادَ لَهَا، وَعَادَتْ إلَى بَيْتِ أبِيهَا، كَمَا فِي أيَّامِ شَبَابِهَا، فَيُمكِنُهَا أنْ تَأْكُلَ مِنْ طَعَامِ أبِيهَا. لَكِنْ لَا يُسْمَحُ بِذَلِكَ لِأحَدٍ مِنْ خَارِجِ العَائِلَةِ الكَهَنُوتِيَّةِ. «فإنْ أكَلَ شَخْصٌ مِنَ التَّقدِمَاتِ المُقَدَّسَةِ بِغَيرِ قَصدٍ، يَنْبَغِي أنْ يُضِيفَ خُمْسَ الكَمِّيَّةِ الَّتِي أكَلَهَا، وَيَرُدَّهَا لِلكَاهِنِ تَعْوِيضًا عَنِ الطَّعَامِ المُقَدَّسِ. «عَلَى الكَهَنَةِ أنْ لَا يسمَحُوا بِتَدْنِيسِ تَقْدِمَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ للهِ . فَلَا يُحَمِّلُوا الشَّعْبَ ذَنبًا يَسْتَحِقُّ العُقُوبَةَ، بِأنْ يَسْمَحُوا لَهُمْ بِأكْلِ تَقْدِمَاتِهِمُ المُقَدَّسَةِ. لِأنِّي أنَا اللهَ أقَدِّسُهُمْ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ وَكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ: حِينَ يُقَدِّمُ أيُّ إنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إسْرَائِيلَ، أوْ أيُّ أجْنَبِيٍّ مُقِيمٍ فِي إسْرَائِيلَ، ذَبِيحَةً لِإيفَاءِ نَذْرٍ أوْ كَتَقْدِمَةٍ اختِيَارِيَّةٍ للهِ ، فَيَنْبَغِي أنْ تَكُونَ ذَكَرًا لَا عَيْبَ فِيهِ مِنَ البَقَرِ أوِ الغَنَمِ أوِ المَاعِزِ. لَا تُقَدِّمُوا حَيَوَانًا فِيهِ عَيبٌ لِأنَّهُ لَنْ يَكُونَ مَقبُولًا مِنْكُمْ. «حِينَ يُقَدِّمُ رَجُلٌ مِنَ البَقَرِ أوِ الغَنَمِ ذَبِيحَةَ سَلَامٍ للهِ إتمَامًا لِنَذْرٍ أوْ كَتَقْدِمَةٍ اختِيَارِيَّةٍ، يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ بِلَا عَيْبٍ لِتَكُونَ مَقبُولَةً. فَلَا تُقَدِّمُوا حَيَوَانًا أعْمَى أوْ أعْرَجَ أوْ مُشَوَّهًا أوْ ذَا بُثُورٍ أوْ أجْرَبَ أوْ أبْرَصَ. لَا تُقَدِّمُوا عَلَى المَذْبَحِ تَقْدِمَةً للهِ حَيَوَانًا فِيهِ إحْدَى هَذِهِ العُيُوبِ. «يُمكِنُكُمْ أنْ تُقَدِّمُوا ثَوْرًا أوْ حَمَلًا قَزَمًا أوْ مُشَوَّهًا كَتَقْدِمَةٍ اختِيَارِيَّةٍ، لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ مَقبُولًا كَنَذْرٍ. لَا تُقَدِّمُوا للهِ حَيَوَانًا خِصيَتُهُ مَرضُوضَةٌ أوْ مَسحُوقَةٌ أوْ مَقطُوعَةٌ. لَا يَنْبَغِي عَمَلُ هَذَا فِي أرْضِكُمْ. وَلَا تَأْخُذُوا مِثْلَ هَذِهِ الحَيَوَانَاتِ مِنْ غَرِيبٍ وَتُقَدِّمُوهَا ، لِأنَّهَا مُشَوَّهَةٌ وَفِيهَا عَيبٌ، فَلَنْ تُقبَلَ مِنْكُمْ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «حِينَ يُولَدُ بَقَرٌ أوْ غَنَمٌ أوْ مَاعِزٌ، يَبْقَى المُولُودُ مَعَ أُمِّهِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ، وَمِنَ اليَوْمِ الثَّامِنِ فَصَاعِدًا يَكُونُ مَقبُولًا كَتَقْدِمَةٍ للهِ . «لَا تَذْبَحُوا بَقَرَةً أوْ نَعجَةً وَابْنَهَا فِي ذَاتِ اليَوْمِ. «وَحِينَ تُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةَ شُكرٍ للهِ ، اذبَحُوهَا بِطَرِيقَةٍ مَقبُولَةٍ. يَنْبَغِي أنْ تُؤكَلَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ وَأنْ لَا يُتْرَكَ شَيءٌ مِنْهَا حَتَّى الصَّبَاحِ. أنَا اللهُ . «فَهَكَذَا تُطِيعُونَ وَصَايَايَ وَتَعْمَلُونَ بِهَا. أنَا اللهُ . وَلَا تُنَجِّسُونَ اسْمِي القُدُّوسِ. لِيَتَذَكَّرْ بَنُو إسْرَائِيلَ أنِّي قُدُّوسٌ. أنَا اللهُ الَّذِي أُقَدِّسُكُمْ. أخرَجْتُكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ لِأكُونَ إلَهَكُمْ. أنَا اللهُ .» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: هَذِهِ هِيَ أعيَادُ اللهِ الَّتِي حَدَّدْتُ مَوَاعِيدَهَا، فأعلِنُوهَا كَمُنَاسَبَاتٍ خَاصَّةٍ. «تَعْمَلُونَ فِي سِتَّةِ أيَّامٍ، لَكِنَّ اليَوْمَ السَّابِعَ يَكُونُ يَوْمَ رَاحَةٍ، سَبْتًا، مُنَاسَبَةً مُقَدَّسَةً، فَلَا تَعْمَلُوا فِيهِ. إنَّهُ سَبتٌ للهِ فِي كُلِّ أمَاكِنِ سُكنَاكُمْ. «هَذِهِ هِيَ أعيَادُ اللهِ الخَاصَّةُ، المَوَاسِمُ المُقَدَّسَةُ الَّتِي تُعلِنُونَهَا فِي أوقَاتِهَا المُعَيَّنَةِ. فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ تُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةَ الفِصْحِ للهِ بَعْدَ الغُرُوبِ وَقَبْلَ حُلُولِ الظَلَامِ. «وَفِي اليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ نَفْسِهِ، يَبْدأُ عِيدُ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ للهِ . وَلِمُدَّةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ، تَأْكُلُونَ خَبْزًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ. فِي اليَوْمِ الأوَّلِ، يَكُونُ لَكُمُ اجتِمَاعٌ مُقَدَّسٌ. وَتَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. تَأْتُونَ بِتَقْدِمَاتٍ تُحَرَقُ للهِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، يَكُونُ هُنَاكَ اجتِمَاعٌ مُقَدَّسٌ. وَتَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: حِينَ تَدْخُلُونَ الأرْضَ الَّتِي سَأُعْطِيهَا لَكُمْ وَتَحْصُدُونَ مَحَاصِيلَهَا، أحْضِرُوا أوَّلَ حُزمَةٍ مِنْ حَصِيدِكُمْ إلَى الكَاهِنِ. يُقَدِّمُ الكَاهِنُ الحُزمَةَ فِي حَضْرَةِ اللهِ لِتُقبَلَ مِنْكُمْ. يُقَدِّمُهَا فِي اليَوْمِ الَّذِي يَلِي السَّبتَ. «وَفي اليَوْمِ الَّذِي تُقَدِّمُونَ فِيهِ الحُزمَةَ، قَدِّمُوا حَمَلًا عُمْرُهُ سَنَةٌ لَا عَيْبَ فِيهِ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً للهِ . وَقَدِّمُوا تَقْدِمَةَ طَحِينٍ مَعَ الحَمَلِ: عُشْرَي القُفَّةِ مِنَ الطَّحِينِ مَمْزُوجًا بِالزَّيْتِ، تِقْدِمَةً مُعَدَّةً بِالنَّارِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . وَتَسْكُبُونَ تَقْدِمَةً مِنَ النَّبِيذِ بِمِقدَارِ وِعَاءٍ وَاحِدٍ. لَا تَأْكُلُوا مِنَ القَمْحِ الجَدِيدِ – لَا فَرِيكًا وَلَا خُبْزًا – إلَى اليَوْمِ الَّذِي تَأْتُونَ فِيهِ بِهَذِهِ التَّقدِمَةِ إلَى إلَهِكُمْ. سَتَكُونُ لَكُمْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ حَيْثُمَا تَسْكُنُونَ. «احسِبُوا سَبْعَةَ أسَابِيعَ كَامِلَةً، مِنَ اليَوْمِ التَّالِي لِلسَّبتِ حِينَ أحضَرْتُمْ حُزمَةَ التَّقدِمَةِ الَّتِي رُفِعَتْ فِي حَضْرَةِ اللهِ. احسِبُوا خَمْسِينَ يَومًا إلَى اليَوْمِ الَّذِي يَلِي السَّبتَ، وَقَدِّمُوا تَقْدِمَةً جَدِيدَةً للهِ . أحْضِرُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ رَغِيفَيِّ خُبْزٍ تَقْدِمَةً مَرْفُوعَةً للهِ . يُصْنَعُ الرَّغِيفَانِ مِنْ عُشْرَي قُفَّةٍ مِنْ طَحِينٍ جَيِّدٍ، وَيُخبَزَانِ مَعَ خَمِيرَةٍ. هَذِهِ هِيَ تَقْدِمَتُكُمْ للهِ مِنْ بَاكُورَةِ أوَّلِ الحَصَادِ. وَقَدِّمُوا مَعَ الخُبْزِ سَبْعَةَ حِمْلَانٍ ذُكُورٍ عُمْرُ الوَاحِدِ سَنَةٌ، وَعِجلًا، وَكَبْشَينِ، جَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. لِتَكُونَ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً للهِ مَعَ تَقْدِمَةِ الطَّحِينِ وَمَعَ السَّكِيبِ، تِقْدِمَةً مُعَدَّةً بِالنَّارِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . ثُمَّ قَدِّمُوا تَيسًا ذَكَرًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَحَمَلَينِ عُمْرُ الوَاحِدِ سَنَةٌ، تُقَدَّمُ ذَبِيحَةَ سَلَامٍ. «يَرْفَعُ الكَاهِنُ الحَمَلَينِ مَعَ الخُبْزِ الَّذِي مِنْ بَاكُورَةِ أوَّلِ الحَصَادِ تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . تَكُونُ التَّقدِمَةُ مُقَدَّسَةً للهِ وَتُعطَى لِلكَاهِنِ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَفْسِهِ، تُعلِنُونَ انْعِقَادَ اجتِمَاعٍ مُقَدَّسٍ. وَتَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. سَتَكُونُ لَكُمْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ فِي جَمِيعِ أجيَالِكُمْ حَيْثُمَا تَسْكُنُونَ. «حِينَ تَحْصُدُونَ أرْضَكُمْ، لَا تَحْصُدُوا أطرَافَهَا، وَلَا تَعُودُوا إلَى الحَقْلِ لِجَمْعِ مَا تَبَقَّى أوْ سَقَطَ، بَلْ تَتْرُكُوهُ لِلفُقَرَاءِ وَالغُرَبَاءِ. أنَا .» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: يَكُونُ اليَوْمُ الأوَّلُ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ يَوْمَ رَاحَةٍ لَكُمْ. تَنْفُخُونَ فِي البُوقِ لِتُذَكِّرُوا النَّاسَ بِالِاحْتِفَالِ المُقَدَّسِ. لَا تَقُومُوا بِأيِّ عَمَلٍ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، بَلْ قَدِّمُوا تَقْدِمَاتٍ للهِ .» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «سَيَكُونُ عِيدُ الكَفَّارَةِ فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ. سَيَكُونُ مُنَاسَبَةً خَاصَّةً لَكُمْ. تَتَذَلَّلُونَ بِالصَومِ فِي هَذَا اليَوْمِ وَتُحضِرُونَ تَقْدِمَاتٍ للهِ . اتْرُكُوا جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي هَذَا اليَوْمِ لِأنَّهُ عِيدُ الكَفَّارَةِ، لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ فِي حَضْرَةِ . «فَمَنْ لَمْ يَصُمْ فِي هَذَا اليَوْمِ، يُقْطَعُ مِنَ الشَّعْبِ. وَإنْ عَمِلَ أحَدٌ عَمَلًا فِي هَذَا اليَوْمِ، يُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ. اتْرُكُوا جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي هَذَا اليَوْمِ. سَتَكُونُ لَكُمْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ حَيْثُمَا تَسْكُنُونَ. سَيَكُونُ يَوْمَ رَاحَةٍ لَكُمْ، تَتَذَلَّلُونَ فِيهِ بِالصَومِ. مِنْ مَسَاءِ اليَوْمِ التَّاسِعِ فِي الشَّهْرِ وَحَتَّى مَسَاءِ اليَوْمِ التَّالِي.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: فِي اليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ يَبْدَأُ عِيدُ السَّقَائِفِ، وَيَسْتَمِرُّ سَبْعَةَ أيَّامٍ إكرَامًا للهِ . يَكُونُ اليَوْمُ الأوَّلُ اجتِمَاعًا مُقَدَّسًا، تَتْرُكُونَ فِيهِ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ. تُحْضِرُونَ تَقْدِمَاتٍ للهِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ، تَعْقِدُونَ اجتِمَاعًا مُقَدَّسًا، وَتُحضِرُونَ فِيهِ تَقْدِمَاتٍ مُعَدَّةً بِالنَّارِ للهِ . يَكُونُ ذَلِكَ تَجَمُّعًا مَهِيبًا، وَتَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. «هَذِهِ هِيَ أعيَادُ اللهِ الَّتِي تُعلِنُونَهَا مُنَاسَبَاتٍ مُقَدَّسَةً، لِتَقْدِيمِ تَقْدِمَاتٍ للهِ : ذَبَائِحَ صَاعِدَةٍ وَتَقْدِمَاتِ طَحِينٍ وَذَبَائِحَ وَسَكِيبٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي يَوْمِهَا المُنَاسِبِ. تُقَامُ هَذِهِ الأعيَادُ عَدَا سُبُوتِ اللهِ ، وَعَدَا تَقْدِمَاتِ النُّذُورِ وَالتَّقدِمَاتِ الِاختِيَارِيَّةِ الإضَافِيَّةِ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا للهِ . «فِي اليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، وَبَعْدَ أنْ تَكُونُوا قَدْ جَمَعتُمْ حَصِيدَ الأرْضِ وَغَلَّاتِهَا، تَحْتَفِلُونَ بِعِيدٍ للهِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَاليَوْمُ الأوَّلُ وَالثَّامِنُ سَيَكُونَانِ يَوْمَي رَاحَةٍ خَاصَّينِ. فِي اليَوْمِ الأوَّلِ، تَأْخُذُونَ مِنْ ثَمَرِ أشْجَارِكُمُ الجَيِّدِ، وَسُعُفًا مِنْ أشْجَارِ النَّخِيلِ، وَأغْصَانًا مِنْ أشْجَارٍ مُورِقَةٍ، وَمِنَ الصَّفصَافِ الَّذِي بِجَانِبِ الجَدَاوِلِ، وَتَحْتَفِلُونَ فِي حَضْرَةِ سَبْعَةَ أيَّامٍ. احتَفِلُوا بِهِ عِيدًا للهِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ فِي السَّنَةِ. سَتَكُونُ لَكُمْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ حَيْثُمَا تَسْكُنُونَ، تَحْتَفِلُونَ بِهِ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ. سَتَسْكُنُونَ فِي سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةٍ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. سَيُقِيمُ كُلُّ مُواطِنٍ فِي إسْرَائِيلَ فِي سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةٍ، لِيَعْرِفَ أحفَادُكُمْ أنِّي أنَا أسكَنتُ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةٍ حِينَ أخرَجتُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. أنَا .» فَأخبَرَ مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ بِكُلِّ أعيَادِ اللهِ . وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «مُرْ بَنِي إسْرَائِيلَ بِأنْ يُحضِرُوا لَكَ زَيْتَ زَيْتُونٍ نَقِيًّا لِأجْلِ المَنَارَةِ، لِتَبْقَى مُضَاءَةً دَائِمًا. عَلَى هَارُونَ أنْ يُرَتِّبَهَا خَارِجَ السِّتَارَةِ المُعَلَّقَةِ أمَامَ صُنْدُوقِ الشَّهَادَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، مِنَ المَسَاءِ وَحَتَّى الصَّبَاحِ فِي حَضْرَةِ اللهِ بِانتِظَامٍ وَبِشَكلٍ دَائِمٍ. هَذِهِ الشَّرِيعَةُ لِكُلِّ أجيَالِكُمْ. وَيُرَتِّبُ هَارُونُ السُّرُجَ عَلَى المَنَارَةِ الطَّاهِرَةِ فِي حَضْرَةِ اللهِ لِتَشْتَعِلَ بِشَكلٍ دَائِمٍ وَمُسْتَمِرٍّ. «خُذْ طَحِينًا جَيِّدًا وَاخبِزْ مِنْهُ اثنَيْ عَشَرَ رَغِيفًا. يُصْنَعُ الرَّغِيفُ مِنْ عُشْرَي قُفَّةِ طَحِينٍ. ضَعِ الأرْغِفَةَ فِي صَفَّينِ. ضَعْ فِي كُلِّ صَفٍّ سِتَّةَ أرغِفَةٍ عَلَى المَائِدَةِ الذَّهَبِيَّةِ الطَّاهِرَةِ. وَضَعْ بَخُورًا نَقِيًّا عَلَى كُلِّ صَفٍّ مِنْ صًفُوفِ الخُبْزِ، لِيَكُونَ رَمزًا وَتَقْدِمَةً مَعَدَّةً بِالنَّارِ للهِ . يَنْبَغِي تَرْتِيبُ الأرغِفَةِ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي كُلِّ يَوْمِ سَبتٍ دَائِمًا مِنْ أجْلِ بَنِي إسْرَائِيلَ لِعَهْدٍ دَائِمٍ مُسْتَمِرٍّ. سَيَكُونُ الخُبْزُ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ، وَسَيَأْكُلُونَهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، لِأنَّهُ لَهُمْ نَصِيبٌ مُخَصَّصٌ لِلكَهَنَةِ بِالْكَامِلِ، نَصِيبٌ مِنْ تَقْدِمَاتِ اللهِ ، مَقْسُومٌ لَهَمْ إلَى الأبَدِ.» وَخَرَجَ شَابٌّ ابْنُ امْرأةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَكَانَ أبوهُ رَجُلًا مِصْرِيًّا يَعِيِشُ وَسَطَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَتَشَاجَرَ ابْنُ الإسْرَائِيلِيَّةِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَأهَانَ ابْنُ الإسْرَائِيلِيَّةِ اسْمَ يهوه وَنَطَقَ بِاللَّعنَةِ عَلَيْهِ! فَأحضَرَهُ الشَّعْبُ إلَى مُوسَى. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ شَلُومِيَةَ بِنْتَ دِبْرِي مِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ. وَوَضَعُوهُ تَحْتَ الحِرَاسَةِ حَتَّى يُعلِنَ اللهُ مَا يَنْبَغِي عَمَلُهُ لَهُ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «خَذِ الرَّجُلَ الَّذِي نَطَقَ بِلَعنَةٍ عَلَيَّ، إلَى خَارِجِ المُخَيَّمِ. وَلَيَضَعْ جَمِيعُ الَّذِينَ سَمِعُوهُ أيدِيَهُمْ عَلَى رَأسِهِ. ثُمَّ يَقْتُلُهُ الشَّعْبُ رَجْمًا بِالحِجَارَةِ. ثُمَّ قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: إنْ نَطَقَ أحَدٌ بِلَعنَةٍ عَلَى اللهِ، يَنْبَغِي أنْ يُعَاقَبَ عَلَى خَطِيَّتِهِ. وَإنْ أهَانَ أحَدٌ اسْمَ يهوه، يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ. يَقْتُلُهُ الشَّعْبُ رَجْمًا بِالحِجَارَةِ. الغَرِيبُ أوِ المُواطِنُ الَّذِي يُهِينُ اسْمَ يهوه يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ. «إذَا قَتَلَ أحَدٌ إنْسَانًا فَيَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ. وَمَنْ يَقْتُلُ حَيَوَانًا يَمْلِكُهُ شَخْصٌ آخَرُ يَنْبَغِي أنْ يُعَوِّضَ عَنْهُ بِمِثْلِهِ. إنْ آذَى شَخْصٌ جَارَهُ، فَمَهمَا كَانَ مَا فَعَلَهُ يُفعَلُ بِهِ: كَسرٌ بِكَسرٍ، وَعَينٌ بِعَينٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ. مَنْ يُؤذِي يَنْبَغِي أنْ يُؤذَى بِمِثْلِ أذِيَّتِهِ. وَمَنْ يَقْتُلُ حَيَوَانًا يُعَوِّضُ عَنْهُ. وَمَنْ يَقْتُلُ إنْسَانًا يُقْتَلُ. هَذِهِ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيعِكُمْ، لِلغَرِيبِ وَلِلمُواطِنِ، أنَا .» ثُمَّ كَلَّمَ مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ، فَأخَذُوا الرَّجُلَ الَّذِي جَدَّفَ إلَى خَارِجِ المُخَيَّمِ، وَقَتَلُوهُ بِرَجْمِهِ بِالحِجَارَةِ. وَبِهَذَا عَمِلَ بَنُو إسْرَائِيلَ كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: حِينَ تَدْخُلُونَ الأرْضَ الَّتِي سَأُعْطِيهَا لَكُمْ، أرِيحُوا الأرْضَ مِنَ الزِّرَاعَةِ فِي كُلِّ سَابِعِ سَنَةٍ لِإكرَامِ اللهِ . لِسِتِّ سَنَوَاتٍ يُمْكِنُكَ أنْ تَزْرَعَ حَقلَكَ وَتُقَلِّمَ كَرْمَكَ وَتَجْمَعَ الغِلَالَ. أمَّا السَّنَةُ السَّابِعَةُ فَتَكُونُ رَاحَةً تَامَّةً لِلأرْضِ، سَبْتًا لِإكْرَامِ اللهِ . لَا تَزْرَعْ فِيهَا حَقْلَكَ وَلَا تُقَلِّمْ كَرْمَكَ. وَلَا تَحْصُدِ المَحَاصِيلَ الَّتِي تَنْمُو مِنْ ذَاتِهَا، وَلَا تَجْمَعْ عِنَبَ الكُرُومِ غَيْرِ المُقَلَّمَةِ. إنَّهَا سَنَةُ رَاحَةٍ تَامَّةٍ لِلأرْضِ. «أمَّا مَا تُخرِجُهُ الأرْضُ مِنْ ذَاتِهَا فِي سَنَةِ رَاحَتِهَا سَيَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا لَكَ وَلِعَبدِكَ وَلِأمَتِكَ وَلِأجِيرِكَ وَلِلغَرِيبِ السَّاكِنِ مَعَكُمْ، وَلِمَاشِيَتِكَ وَلِلحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ الَّتِي فِي أرْضِكَ. كُلُّ مَا تُنتِجُهُ الأرْضُ سَيَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا. «احسِبْ سَبْعَ سِنِينَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَيَكُونُ مَجْمُوعُهَا تِسعًا وَأرْبَعِينَ سَنَةً. ثُمَّ تَنْفُخُونَ بِالبُوقِ فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، أيْ فِي عِيدِ الكَفَّارَةِ، فِي كُلِّ الأرْضِ. تَعْتَبِرُونَ السَّنَةَ الخَمْسِينَ مُقَدَّسَةً وَمُمَيَّزَةً. فَتُعلِنُونَ فِيهَا العِتْقَ لِكُلِّ مَنْ يَعِيشُ فِي الأرْضِ. ادعُو هَذِهِ السَّنَةَ سَنَةَ اليُوبِيلِ. كُلُّ وَاحِدٍ فِيكُمْ سَيَعُودُ إلَى مُلكِهِ وَعَشِيرَتِهِ. سَتَكُونُ السَّنَةُ الخَمسُونَ يُوبِيلًا لَكُمْ. لَا تَزْرَعُوا فِيهَا وَلَا تَحْصُدُوا مَا يَنْبُتُ وَحْدَهُ، وَلَا تَقْطِفُوا العِنَبَ مِنَ الكُرُومِ غَيْرِ المُقَلَّمَةِ. لِأنَّ هَذِهِ سَنَةُ اليُوبِيلِ، وَهِيَ مُقَدَّسَةً لَكُمْ. يُمكِنُكُمْ أنْ تَأْكُلُوا مَا يَتَسَاقَطُ مِنَ الثَّمَرِ وَحْدَهُ. فِي سَنَةِ اليُوبِيلِ سَيَعُودُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إلَى مُلكِهِ. «حِينَ تَبِيعُ مُلْكَكَ لِجَارِكَ، أوْ حِينَ تَشْتَرِي مِنْ جَارِكَ، لَا يَغِشَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. اشْتَرِ مِنْ جَارِكَ بِحَسَبِ عَدَدِ السِّنِينِ مِنْ سَنَةِ اليُوبِيلِ السَّابِقَةِ. يَنْبَغِي أنْ يَبِيعَكَ بِحَسَبِ عَدَدِ سِنِي المَحَاصِيلِ البَاقِيَةِ حَتَّى اليُوبِيلِ التَّالِي. كُلَّمَا كَانَتِ السَّنَوَاتُ البَاقِيَةُ أكْثَرَ يَرْتَفِعُ سِعرُ الأرْضِ، وَكُلَّمَا قَلَّ عَدَدُ السَّنَوَاتِ يَنْخَفِضُ سِعرُ الأرْضِ، لِأنَّهُ يَبِيعُ عَدَدَ المَحَاصِيلِ لَكَ. لَا يَغِشَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بَلِ اخْشَوْا اللهَ، لِأنِّي أنَا . «أطِيعُوا شَرَائِعِي، وَاحْفَظُوا أحكَامِي وَاعْمَلُوا بِهَا كَي تَعِيشُوا فِي الأرْضِ بِأمَانٍ. فَتُعْطِي الأرْضُ غَلَّتَهَا، وَيَكُونُ لَدَيْكُمْ طَعَامٌ كَثِيرٌ، وَتَسْكُنُونَ فِي أمَانٍ. «وَإنْ قُلْتُمْ: ‹مَاذَا سَنَأكُلُ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ إنْ لَمْ نَزرَعْ وَلَمْ نَجمَعْ غَلَّاتِ الأرْضِ؟› فَإنِّي سَآمُرُ بِأنْ تَأْتِيَ بَرَكَتِي عَلَيْكُمْ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، فَتُنتِجُ الأرْضُ غَلَّاتٍ تَكْفِي لِثَلَاثِ سِنِينَ. فَتَأْكُلُونَ مِنْ هَذِهِ الغَلَّاتِ بَيْنَمَا تَزْرَعُونَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ. فَتأكُلُونَ مِنَ الغَلَّةِ القَدِيمَةِ حَتَّى حَصَادِ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ. «يُمْنَعُ أنْ تُبَاعَ الأرْضُ بِشَكلٍ دَائِمٍ، لِأنَّ الأرْضَ لِي، وَأنْتُمْ غُرَبَاءُ وَوُكَلَاءُ يَسْكُنُونَ أرْضِي. فِي كُلِّ أرْضِكُمُ الَّتِي تَمْتَلِكُونَهَا، تَسْمَحُونَ لِمَالِكِ الأرْضِ الأصلِيِّ أنْ يَرُدَّهَا بِدَفعِ ثَمَنِهَا. إذَا افتَقَرَ قَرِيبُكَ وَبَاعَ جُزءًا مِنْ أرْضِهِ، فَعَلَى قَرِيبِهِ أنْ يَأْتِيَ وَيَسْتَرِدَّ الأرْضَ الَّتِي بَاعَهَا قَرِيبُهُ. فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ لِيَشْتَرِيَهَا، لَكِنَّهُ استَطَاعَ الحُصُولَ عَلَى مَا يَكْفِي مِنَ المَالِ لِاسْتِعَادَةِ أرْضِهِ، فَحِينَئِذٍ، يَحْسِبُ السَّنَوَاتِ مُنْذُ بَاعَهَا، وَيَدْفَعُ لِلمُشتَرِي مُقَابِلَ مَا تَبَقَّى مِنَ السَّنَوَاتِ، وَيَعُودُ إلَى أرْضِهِ. لَكِنْ إنْ لَمْ يَكَنْ قَادِرًا عَلَى شِرَائِهَا ثَانِيَةً، فَإنَّهَا تَبْقَى مِلْكًا لِلَّذِي اشتَرَاهَا إلَى سَنَةِ اليُوبِيلِ. وَفِي سَنَةِ اليُوبِيلِ، تُعتَقُ الأرْضُ، وَتَعُودُ إلَى صَاحِبِهَا الأصلِيِّ. «إنْ بَاعَ رَجُلٌ بَيْتًا فِي مَدِينَةٍ مُحَاطَةٍ بِأسوَارٍ، فَيُمكِنُ أنْ يَشْتَرِيَهُ ثَانِيَةً خِلَالَ سَنَةٍ مِنْ بَيعِهِ. فَحَقُّهُ بِاسْتِعَادَتِهِ مَحصُورٌ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. فَإنْ لَمْ يَشْتَرِ البَيْتَ قَبْلَ اكتِمَالِ السَّنَةِ، فَإنَّ البَيْتَ فِي المَدِينَةِ المُحَاطَةِ بِأسوَارٍ يَصِيرُ مِلْكًا دَائِمًا لِلَّذِي اشتَرَاهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعدِهِ، وَلَنْ يَتِمَّ تَحْرِيرُهُ فِي سَنَةِ اليُوبِيلِ. أمَّا البُيُوتُ الَّتِي فِي القُرَى الَّتِي بِلَا أسوَارٍ فَإنَّهَا تُعَامَلُ كَمُعَامَلَةِ الأرْضِ، إذْ يُمْكِنُ لِصَاحِبِهَا أنْ يَشْتَرِيَهَا ثَانِيَةً، وَيَتِمُّ تَحْرِيرُهَا فِي سَنَةِ اليُوبِيلِ. «أمَّا بُيُوتُ اللَّاوِيِّينَ الَّتِي فِي مُدُنِ اللَّاوِيِّينَ المُحَاطَةِ بِأسْوَارٍ فَيُمكِنُ شِرَاؤُهَا ثَانِيَةً فِي أيِّ وَقْتٍ. وَإنْ لَمْ يَشْتَرِ اللَّاوِيُّ بَيْتَهُ ثَانِيَةً، فَإنَّ ذَلِكَ البَيْتَ يَعُودُ إلَى مَالِكِهِ فِي سَنَةِ اليُوبِيلِ، لِأنَّ بُيُوتَ اللَّاوِيِّينَ فِي المُدُنِ مُلكٌ دَائِمٌ لَهُمْ وَسَطَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَأمَّا الأرْضُ الَّتِي حَوْلَ مُدُنِهِمْ فَلَا يَجُوزُ بَيعُهَا لِأنَّهَا مُلْكٌ أبَدِيُّ لِجَمِيعِ اللَّاوِيِّينَ. «إنِ افتَقَرَ وَاحِدٌ مِنْ إخْوَتِكَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ إعَالَةَ نَفْسِهِ، فَسَاعِدْهُ، حَتَّى وَإنْ كَانَ غَرِيبًا مُقِيمًا فِي أرْضِكَ أوْ نَزيلًا. اخشَ إلَهَكَ وَلَا تَأْخُذْ مِنْ ذَلِكَ الشَّخصِ رِبًا، لِكَي يَتَمَكَّنَ مِنَ العَيشِ بَيْنَكُمْ. لَا تُقرِضْهُ مَالَكَ بِفَائِدَةٍ، وَلَا تُعطِهِ طَعَامَكَ مُقَابِلَ رِبحٍ. أنَا إلَهُكُمْ الَّذِي أخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ لِأُعْطِيَكُمْ أرْضَ كَنْعَانَ، وَلِأكُونَ إلَهَكُمْ. «إنِ افتَقَرَ أحَدٌ مِنْ شَعْبِكَ وَبَاعَ نَفْسَهُ لَكَ، فَلَا تَسْتَعْبِدْهُ. بَلْ يَعْمَلُ لَدَيكَ كَأجِيرٍ أوْ وَكِيلٍ، وَيَخْدِمُكَ إلَى سَنَةِ اليُوبِيلِ. ثُمَّ يَتْرُكُكَ هُوَ وَأوْلَادُهُ وَيَعُودُونَ إلَى عَشِيرَتِهِمْ وَأرْضِ آبَائِهِمْ، لِأنَّهُمْ عَبِيدِي الَّذِينَ أخرَجتُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، فَلَا يُبَاعُونَ كَعَبِيدٍ. لَا تَتَسَلَّطْ عَلَيْهِ بِقَسوَةٍ، بَلِ اخشَ إلَهَكَ. «يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ عَبِيدُكَ وَجَوَارِيكَ مِنَ الأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكَ، فَتَشْتَرِي العَبِيدَ وَالجَوَارِي مِنْهُمْ. وَيُمكِنُكَ أنْ تَشْتَرِيَ عَبِيدًا مِنْ أبْنَاءِ الغُرَبَاءِ السَّاكِنِينَ مَعَكُمْ، أوْ مِنْ عَشَائِرِهِمُ السَّاكِنَةِ مَعَكُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي أرْضِكَ. هَؤُلَاءِ يَكُونُونَ مِلْكًا لَكَ. يُمْكِنُكُمْ أنْ تُورِّثُوهُ لِأوْلَادِكُمْ كَمُلكٍ دَائِمٍ. يُمكِنُكُمْ أنْ تَسْتَعْبِدُوا هَؤُلَاءِ، وَأمَّا الَّذِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَا تَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ بِقَسوَةٍ. «إنِ اغتَنَى غَرِيبٌ أوْ زَائِرٌ بَيْنَكُمْ، وَافتَقَرَ وَاحِدٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فَبَاعَ نَفْسَهُ لِلغَرِيبِ أوِ الزَّائِرِ، أوْ لِشَخْصٍ مِنْ عَشِيرَةِ الغَرِيبِ، فَإنَّهُ بَعْدَ بَيعِهِ يَنْبَغِي شِرَاؤُهُ ثَانِيَةً. يَفْتَدِيهِ أخُوهُ أوْ عَمُّهُ أوِ ابْنُ عَمِّهِ أوْ قَرِيبٌ آخَرُ مِنْ عَائِلَتِهِ. وَإنِ اغتَنَى هُوَ نَفْسُهُ، فَيُمكِنُهُ أنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَهُ. «فَيَحْسِبُ العَبدُ وَمُشتَرِيهِ عَدَدَ السَّنَوَاتِ مِنْ سَنَةِ بَيعِهِ لِنَفْسِهِ إلَى سَنَةِ اليُوبِيلِ، وَيُحَدَّدُ سِعْرُهُ بِحَسَبِ عَدَدِ السَّنَوَاتِ. وَتَكُونُ فَترَةُ عُبُودِيَّتِهِ كَفَترَةِ عَمَلِ أجِيرٍ لَدَيهِ. فَإنْ بَقِيَتْ سَنَوَاتٌ كَثِيرَةٌ إلَى سَنَةِ اليُوبِيلِ، يَدْفَعُ ثَمَنَ تَحْرِيرِ نَفْسِهِ حَسَبَ عَدَدِهَا. وَإنْ بَقِيَتْ سَنَوَاتٌ قَلِيلَةٌ إلَى سَنَةِ اليُوبِيلِ، يَدْفَعُ ثَمَنَ تَحْرِيرِ نَفْسِهِ حَسَبَ عَدَدِهَا. وَيَعِيشُ الإسْرَائِيلِيُّ عِنْدَ الغَرِيبِ كَأجِيرٍ مِنْ سَنَةٍ لِأُخرَى، فَلَا يَتَسَلَّطْ عَلَيْهِ بِقَسوَةٍ أمَامَكُمْ. «وَإنْ لَمْ يَتِمَّ شِرَاؤُهُ ثَانِيَةً بِأيَّةِ طَريقَةٍ، فَإنَّهُ سَيُعتَقُ هُوَ وَأوْلَادُهُ فِي سَنَةِ اليُوبِيلِ. لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ خُدَّامِي أنَا. إنَّهُمْ خُدَّامِي الَّذِينَ أخرَجتُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. أنَا . «لَا تَصْنَعُوا لَكُمْ أوْثَانًا، وَلَا تُقِيمُوا أنْصَابًا تَذْكَارِيَّةً لَكُمْ، وَلَا تَضَعُوا تِمثَالًا مَنحُوتًا فِي أرْضِكُمْ لِتَسْجُدُوا أمَامَهُ، لِأنِّي أنَا . «احَفَظُوا أيَّامَ الرَّاحَةِ، وَاحْتَرِمُوا مَكَانِي المُقَدَّسَ. أنَا اللهُ . «إنْ عِشْتُمْ بِحَسَبِ شَرَائِعِي وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، فَإنِّي سَأُعْطِيكُمُ الأمطَارَ فِي أوقَاتِهَا المُنَاسِبَةِ لِتُنتِجَ الأرْضُ مَحَاصِيلَهَا، وَأشْجَارُ الحَقْلِ ثَمَرَهَا. سَيَسْتَمِرُّ دَرْسُ الحُبُوبِ حَتَّى وَقْتِ قِطَافِ العِنَبِ. وَيَسْتَمِرُّ قِطَافُ العِنَبِ حَتَّى وَقْتِ البِذَارِ. فَسَيَكُونُ لَدَيْكُمْ طَعَامٌ كَثِيرٌ، وَسَتَعِيشُونَ بِأمَانٍ فِي أرْضِكُمْ. سَأُعْطِي سَلَامًا لِأرضِكُمْ، فَتَنَامُوا بِسَلَامٍ، وَلَنْ يُخِيفَكُمْ شَيءٌ فِيمَا بَعْدُ. وَسَأُخرِجُ الحَيَوَانَاتِ المُؤذِيَةَ مِنْ أرْضِكُمْ، وَلَنْ تَقْتَحِمَ الجُيُوشُ أرْضَكُمْ. «سَتُطَارِدُونَ أعْدَاءَكُمْ وَتَهْزِمُونَهُمْ وَتَقْتُلُونَهُمْ بِالسَّيْفِ. سَيُطَارِدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةَ رَجُلٍ، وَيُطَارِدُ مِئَةُ رَجُلٍ عَشْرَةَ آلَافِ رَجُلٍ. فَسَتَهْزِمُونَ أعْدَاءَكُمْ وَتَقْتُلُونَهُمْ بِالسَّيْفِ. «سَأعتَنِي بِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ أوْلَادًا كَثِيرِينَ، وَأحفَظُ عَهْدِي مَعَكُمْ. سَيَكُونُ لَدَيْكُمْ مَا يَكْفِي مِنَ المَحَاصِيلِ لِأكثَرَ مِنْ سَنَةٍ، فَتَتَخَلَّصُونَ مِنَ المَحصُولِ القَدِيمِ، لَيَتَّسِعَ المَكَانُ لِلمَحصُولِ الجَدِيدِ. وَسَأسْكُنُ بَيْنَكُمْ، وَلَنْ أرفُضَكُمْ. وَسأسْيرُ بَيْنَكُمْ، وَسَأكُونُ إلَهَكُمْ، وَسَتَكُونُونَ شَعْبِي. أنَا الَّذِي أخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ لِئَلَّا تَظَلُّوا عَبِيدًا لَهُمْ. أنَا كَسَرْتُ قُيُودَكُمْ، وَجَعَلْتُكُمْ تَسِيرُونَ شَامِخِينَ غَيْرَ مُنحَنِينَ. «لَكِنْ إنْ لَمْ تُطِيعُونِي وَلَمْ تَعْمَلُوا بِكُلِّ هَذِهِ الوَصَايَا، وَإنْ رَفَضْتُمْ شَرَائِعِي وَأبغَضْتُمْ أحكَامِي فَلَمْ تُطِيعُوا وَصَايَايَ لَكِنْ خَرَقْتُمْ عَهْدِي، فَإنِّي سَأعمَلُ هَذَا بِكُمْ: سَأجْلِبُ عَلَيكُمُ الوَبَاءَ وَالحُمَّى الَّتِي تُفسِدُ العُيُونَ وَتُتلِفُ الجَسَدَ. سَتَزْرَعُونَ بُذُورَكُمْ وَلَنْ تَنْتَفِعُوا بِهَا، بَلْ سَيَأْكُلُهَا أعْدَاؤُكُمْ. سَأُواجِهُكُمْ، وَسَيَهْزِمُكُمْ أعْدَاؤُكُمْ، وَيَحْكُمُكُمْ مُبْغِضُوكُمْ. فَتَهْرُبُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُطَارِدُكُمْ. «فَإنْ لَمْ تُطِيعُونِي بَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الأُمُورِ فَإنِّي سَأُعَاقِبُكُمْ سَبْعَةَ أضعَافٍ عَلَى خَطَايَاكُمْ. سَأُحَطِّمُ كِبرِيَاءَكُمُ. فَسَأجَعَلُ السَّمَاءَ فَوقَكُمْ كَالحَدِيدِ، وَالأرْضَ تَحْتَكُمْ كَالنُّحَاسِ. سَتَتْعَبُونَ بِلَا فَائِدَةٍ، فَلَنْ تُعطِيَ أرْضُكُمْ مَحَاصِيلَهَا، وَلَا أشْجَارُكُمْ ثِمَارَهَا. «فَإنْ وَاصَلْتُمْ عِصيَانِي وَعَدَمَ طَاعَتِي، فَإنِّي سَأُعَاقِبُكُمْ سَبْعَةَ أضعَافٍ عَلَى خَطَايَاكُمْ كَمَا قُلْتُ. سَأُطلِقُ عَلَيكُمُ الوُحُوشَ البَرِّيَّةَ، فَيَأْخُذُونَ أوْلَادَكُمْ وَيُفنُونَ حَيَوَانَاتِكُمْ. سَيَتْرُكُونَ قَلِيلِينَ مِنْكُمْ، فَتَخْلُو الطُّرُقُ مِنَ النَّاسِ. «فَإنْ لَمْ تَخْضَعُوا بَعْدَ كُلِّ هَذَا، لَكِنْ وَاصَلْتُمْ عِصيَانِي، فَإنِّي سَأُعَادِيكُمْ وَأضرِبُكُمْ سَبْعَةَ أضعَافٍ عَلَى خَطَايَاكُمْ. سَأجْلِبُ جُيُوشًا عَلَيْكُمْ لِأُعَاقِبَكُمْ عَلَى خَرقِكُمْ لِعَهْدِي. إنْ تَجَمَّعْتُمْ فِي مُدُنِكُمْ لِأجْلِ الحِمَايَةِ، فَسَأُرْسِلُ وَبَاءً بَيْنَكُمْ، وَسَأُسَلِّمُكُمْ إلَى أعْدَائِكُمْ لِيَتَسَلَّطُوا عَلَيْكُمْ. سَأقَلِّلُ طَعَامَكُمْ، حَتَّى تَخْبِزُ عَشْرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ كُلَّهُ فِي فُرنٍ وَاحِدٍ، وَيُوَزِّعْنَهُ قِطَعًا صَغِيرَةً. سَتَأْكُلُونَ لَكِنْ لَنْ تَشْبَعُوا. «فَإنْ لَمْ تُطِيعُونِي بَعْدَ هَذَا، بَلِ وَاصَلْتُمْ مُقَاوَمَتِي وَعِصيَانِي، فَإنِّي سَأُقَاوِمُكُمْ بِغَضَبٍ، وَسَأُعَاقِبُكُمْ سَبْعَةَ أضعَافٍ عَلَى خَطَايَاكُمْ. سَيَكُونُ جُوعُكُمْ عَظِيمًا جِدًّا حَتَّى إنَّكُمْ سَتَأْكُلُونَ لَحْمَ أبْنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. سَأُدَمِّرُ مُرتَفَعَاتِكُمْ، وَسَأهدِمُ مَذَابِحَ البَخُورِ الَّتِي لَكُمْ، وَسَأضَعُ جُثَثَكُمْ عَلَى جُثَثِ أصْنَامِكُمْ، وَسَتَعَافُكُمْ نَفْسِي. سَأُدَمِّرُ مُدُنَكُمْ، وَسَأجْعَلُ أمَاكِنَكُمُ المُقَدَّسَةَ مُقفِرَةً خَرِبَةً، وَلَنْ أُسَرَّ بِرَوَائِحِ ذَبَائِحِكُمْ. سَأُخَرِّبُ الأرْضَ، حَتَّى إنَّ أعْدَاءَكُمُ الَّذِينَ سَيَحْتَلُّونَهَا سَيَكُونُونَ مَصدُومِينَ مِنْهَا. سَأُشَتِّتُكُمْ فِي كُلِّ الأُمَمِ، وَسَأُجَرِّدُ سَيفِي مِنْ غِمْدِهِ ضِدَّكُمْ. سَتُصْبِحُ أرْضُكُمْ مَهْجُورَةً وَمُدُنُكُمْ خَرِبَةً. «حِينَئِذٍ، تُعَوِّضُ الأرْضُ أوْقَاتَ الرَّاحَةِ الَّتِي فَاتَتْهَا. سَتُعَوِّضُهَا مَا دَامَتْ خَالِيَةً مِنْكُمْ، بَيْنَمَا أنتُمْ فِي أرْضِ أعْدَائِكُمْ. حِينَئِذٍ، تَسْتَرِيحُ الأرْضُ وَتُعِّوضُ أيَّامَ رَاحَتِهَا. فَمَا دَامَتْ خَالِيَةً مِنْكُمْ، سَتَسْتَرِيحُ وَسَتُعِّوضُ أيَّام الرَّاحَةِ التِي لَمْ تَلتَزِمُوا بِهَا أثْنَاءَ إقَامَتِكُمْ فِيهَا. وَسَأُدْخِلُ الجُبْنَ فِي قُلُوبِ البَاقِينَ مِنْكُمْ، فَيَهْرُبُونَ حَتَّى مِنْ صَوْتِ وَرَقَةِ شَجَرٍ طَائِرَةٍ. يَهْرُبُونَ كَالمُطَارَدِينَ بِالسُّيُوفِ، وَيَسْقُطُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُطَارِدُهُمْ. سَيَتَعَثَّرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ كَالهَارِبِينَ مِنْ مُوَاجَهَةِ السُّيُوفِ، وَلَيْسَ مَنْ يُطَارِدُهُمْ. «وَلَنْ تَكُونَ لَدَيْكُمُ القُوَّةُ لِمُحَارَبَةِ أعْدَائِكُمْ. سَتَمُوتُونَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَسَتَخْتَفُونَ فِي أرْضِ أعْدَائِكُمْ. وَسَيَفْنَى البَاقُونَ مِنْكُمْ فِي أرَاضِي أعْدَائِهِمْ بِسَبَبِ خَطِيَّتِهِمْ، وَكَذَلِكَ بِسَبِبِ خَطِيَّةِ آبَائِهِمْ. «ثُمَّ يَعْتَرِفُونَ بِخَطِيَّتِهِمْ وَخَطِيَّةِ آبَائِهِمْ. سَيَعْتَرِفُونَ بِعَدَمِ أمَانَتِهِمْ وَبِمُقَاوَمَتِهِمْ وَعِصيَانِهِمْ لِي، فأُقَاوِمُهُمْ وَأجْلِبُهُمْ إلَى أرْضِ أعْدَائِهِمْ. فَإنْ تَوَاضَعَتْ قُلُوبُهُمْ غَيْرُ المُطَهَّرَةِ، وَقَبِلُوا عِقَابِي لِخَطَايَاهُمْ، فَإنِّي سَأتَذَكَّرُ عَهْدِي مَعَ يَعْقُوبَ وَعَهْدِي مَعَ إسْحَاقَ وَعَهْدِي مَعَ إبْرَاهِيمَ، وَسَأتَذَكَّرُ الأرْضَ. «سَيَهْجُرُونَ أرْضَهَمْ، فَتُعَوِّضُ الأرْضُ سَنَوَاتِ رَاحَتِهَا وَهِيَ مَهجُورَةً. وَيَنَالُ البَاقُونَ مِنكُمُ العِقَابَ عَلَى خَطِيَّتِهِمْ لِأجْلِ رَفْضِهِمْ لِأحكَامِي وَبُغْضِهِمْ لِشَرَائِعِي. وَعَلَى الرُّغْمِ مِنْ كُلِّ هَذَا، وَبَيْنَمَا هُمْ فِي أرْضِ أعْدَائِهِمْ، لَنْ أرفُضَهُمْ وَلَنْ أبْغَضَهُمْ، لِئلَّا يُبَادُوا جَمِيعَا وَيُكْسَرَ عَهْدِي مَعَهُمْ، لِأنِّي أنَا إلَهُهُمْ . سَأتَذَكَّرُ عَهْدِي مَعَ آبَائِكُمُ الَّذِينَ أخْرَجْتُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ عَلَى مَرأىً مِنْ كُلِّ الأُمَمِ، لِأكُونَ إلَهَهُمْ. أنَا اللهُ .» هَذِهِ هِيَ الشَّرَائِعُ وَالأحكَامُ وَالتَّعلِيمَاتُ الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ خِلَالِ مُوسَى عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: إنْ نَذَرَ شَخْصٌ بِأنْ يُكَرِّسَ إنْسَانًا للهِ ، يُحَدِّدُ الكَاهِنُ ثَمَنَا مُقَابِلَ ذَلِكَ الإنْسَانِ. فَالثَّمَنُ المُقَابِلُ لِلذَّكَرِ مِنْ سِنِّ العِشْرِينَ إلَى سِنِّ السِّتِّينَ هُوَ خَمْسُونَ مِثْقَالًا مِنْ فِضَّةٍ، بِحَسَبِ المِقيَاسِ الرَّسمِيِّ. وَإنْ كَانَتْ أُنثَى، فَالثَّمَنُ المُقَابِلُ لَهَا هُوَ ثَلَاثُونَ مِثْقَالًا. وَإنْ كَانَ ذَكَرًا مِنْ سِنِّ الخَامِسَةِ إلَى العِشْرِينَ، فَإنَّ الثَّمَنَ المُقَابِلَ هُوَ عِشْرُونَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ، وَلِلأُنثَى عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ. وَإنْ كَانَ المُكَرَّسُ مِنْ سِنِّ شَهْرٍ إلَى خَمْسِ سَنَوَاتٍ، فَإنَّ الثَّمَنَ المُقَابِلَ لِلذَّكَرِ هُوَ خَمْسَةُ مَثَاقِيلَ مِنَ الفِضَّةِ، وَلِلأُنثَى ثَلَاثَةُ مَثَاقِيلَ. فَإنْ تَجَاوَزَ عُمْرُهُ سِتِّينَ سَنَةً، فَإنَّ الثَّمَنَ المُقَابِلَ لِلذَّكَرِ هُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا، وَلِلأُنثَى عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ. وَإنْ كَانَ الَّذِي نَذَرَ أفقَرَ مِنْ أنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ المُقَابِلَ لَهُ، فَلْيُحْضِرْ نَذْرَهُ أمَامَ الكَاهِنِ. فَيُقَدِّرُ الكَاهِنُ الثَّمَنَ مَعَ أخْذِ حَالَةِ الَّذِي نَذَرَ بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ. «وَإنْ كَانَ المَنذُورُ حَيَوَانًا يُقَدِّمُهُ النَّاسُ للهِ ، فَإنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ مِنْ هَذَا النَّوعِ يُقَدِّمُهُ للهِ يَكُونُ مُقَدَّسًا. فَلَا يَسْتَبْدِلْهُ بِحَيَوَانٍ آخَرَ، لَا أحْسَنَ مِنْهُ وَلَا أرْدَأ. وَإنِ اسْتَبْدَلَهُ بِحَيَوَانٍ آخَرَ، يَكُونُ كِلَا الحَيَوَانَينِ مُقَدَّسَينِ. «وَإنْ كَانَ الحَيَوَانُ المَنذُورُ حَيَوَانًا نَجِسًا لَا يُقَدِّمُهُ النَّاسُ للهِ ، فَعَلَى الَّذِي نَذَرَ أنْ يُحْضِرَ الحَيَوَانَ إلَى أمَامِ الكَاهِنِ. وَيُحَدِّدُ الكَاهِنُ الثَّمَنَ المُقَابِلَ لِلحَيَوَانِ، سَوَاءٌ أكَانَ الحَيَوَانُ جَيِّدًا أمْ رَدِيئًا. فَيَكُونُ الثَّمَنُ المُقَابِلُ هُوَ مَا يُحَدِّدُهُ الكَاهِنُ. فَإنْ أرَادَ استِردَادَ الحَيَوَانِ، يَدْفَعُ ثَمَنَهُ، وَيُضِيفُ خُمْسَ ثَمَنِهِ إلَيْهِ. «وَإنْ كَرَّسَ رَجُلٌ بَيْتَهُ للهِ ، يُحَدِّدُ الكَاهِنُ الثَّمَنَ المُقَابِلَ لَهُ، سَوَاءٌ أكَانَ جَيِّدًا أمْ رَدِيئًا. الثَّمَنُ الَّذِي يُحَدِّدُهُ الكَاهِنُ هُوَ يَكُونُ ثَمَنَهُ. وَإنْ أرَادَ الَّذِي كَرَّسَ بَيْتَهُ اسْتِردَادَ بَيْتِهِ، يَدْفَعُ ثَمَنَهُ، وَيُضِيفُ خُمْسَ ثَمَنِهِ إلَيْهِ. وَبِهَذَا يَسْتَرِدُّ مُلْكِيَّتَهُ. «وَإنْ كَرَّسَ شَخْصٌ قِطعَةً مِنْ أرْضِهِ للهِ ، فَإنَّ قِيمَتَهَا تَعْتَمِدُ عَلَى كَمِّيَّةِ البُذُورِ اللَّازِمَةِ لِزِرَاعَتِهَا. فَكُلُّ كِيسٍ مِنَ الشَّعِيرِ لِلبَذْرِ فِي الحَقْلِ، يَقَابِلُ خَمْسِينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ. إنْ كَرَّسَ شَخْصٌ أرْضَهُ للهِ خِلَالَ سَنَةِ اليُوبِيلِ، فَسَتَكُونُ قِيمَتُهَا بِحَسَبِ مَا يُحَدِّدُهُ الكَاهِنُ. لَكِنْ إنْ كَرَّسَ شَخْصٌ أرْضَهُ بَعْدَ سَنَةِ اليُوبِيلِ فَإنَّ الكَاهِنَ سَيَحْسِبُ قِيمَتَهَا بِحَسَبِ السَّنَوَاتِ البَاقِيَةِ حَتَّى سَنَةِ اليُوبِيلِ التَّالِيَةِ، فَيُنقِصُ القِيمَةَ بِحَسَبِ السَّنَوَاتِ الَّتِي مَضَتْ. وَإنْ أرَادَ الَّذِي كَرَّسَ أرْضَهُ أنْ يَسْتَرِدَّهَا، يَدْفَعُ ثَمَنَهَا، وَيُضِيفُ خُمسَ ثَمَنِهَا مِنَ الفِضَّةِ. وَبِهَذَا سَتَبْقَى الأرْضُ لَهُ. فَإنْ لَمْ يَسْتَرِدِّ الأرْضَ، وَبَاعَهَا الكَاهِنُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ، فَلَا يُمْكِنُ استِعَادَةُ الأرْضِ فِيمَا بَعْدُ. وَحِينَ تُعتَقُ الأرَاضِي فِي سَنَةِ اليُوبِيلِ، فَإنَّهَا سَتَكُونُ مُقَدَّسَةً للهِ مِثْلَ الأرْضِ المُعطَاةِ لِلرَّبِّ بِشَكلٍ كَامِلٍ. سَتَكُونُ مِلْكًا دَائِمًا لِلكَهَنَةِ. «وَإنْ كَرَّسَ رَجُلٌ للهِ قِطْعَةَ أرْضٍ قَدِ اشتَرَاهَا وَلَيْسَتْ مِلْكًا مَورُوثًا لَهُ، يَحْسِبُ الكَاهِنُ ثَمَنَهَا إلَى سَنَةِ اليُوبِيلِ. وَيَدْفَعُ الرَّجُلُ ذَلِكَ الثَّمَنَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَيَكُونُ ثَمَنُهَا مُكَرَّسًا للهِ . وَفِي سَنَةِ اليُوبِيلِ، تَعُودُ الأرْضُ إلَى الرَّجُلِ الَّذِي اشتَرَى الأرْضَ مِنْهُ، الَّذِي يَمْلِكُ الأرْضَ شَرْعِيًّا. «كُلُّ ثَمَنٍ يُقَدَّرُ وَفْقًا للقِيَاسِ الرَّسمِيِّ لِلمِثْقَالِ: المِثْقَالُ بِعِشرِينَ قِيرَاطًا. «لَا يَجُوزُ لِأحَدٍ أنْ يُكَرِّسَ بِكرَ الحَيَوَانَاتِ لِأنَّهُ للهِ . سَوَاءٌ أكَانَ ثَوْرًا أمْ خَرُوفًا، فَهُوَ للهِ . لَكِنْ إنْ كَانَ بِكرُ حَيَوَانٍ نَجِسٍ، فَيَسْتَرِدُّهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي يُحَدِّدُهُ الكَاهِنُ وَيُضِيفُ خُمسَ ثَمَنِهِ إلَيْهِ. فَإنْ لَمْ يَشْتَرِهِ صَاحِبُهُ ثَانِيَةً، يُبَاعُ بِالسِّعرِ المُنَاسِبِ. «أيُّ شَيءٍ يُكَرِّسُهُ شَخْصٌ للهِ بِالْكَامِلِ وَبِلَا شُرُوطٍ – سَوَاءٌ أكَانَ حَيَوَانًا أمْ إنْسَانًا أمْ حَقْلًا مِنْ مِيرَاثِ عَائِلَتِهِ – لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ أوِ اسْتِردَادُهُ. كُلُّ شَيءٍ قُدِّمَ للهِ بِالْكَامِلِ وَبِلَا شُرُوطٍ، يَكُونُ قُدْسَ أقْدَاسٍ للهِ . «الإنْسَانُ الَّذِي يَتِمُّ تَقْديمُهُ للهِ بِالْكَامِلِ وَبِلَا شُرُوطٍ لَا يَجُوزُ فِدَاؤُهُ، لَكِنْ يَنْبَغِي قَتلُهُ. «عُشرُ مَحَاصِيلِ الأرْضِ للهِ ، سَوَاءٌ أكَانَتْ حُبُوبًا أمْ ثِمَارَ أشْجَارٍ. إنَّهُ عُشْرٌ مُخَصَّصٌ للهِ . إنْ أرَادَ أحَدٌ اسْتِردَادَ شَيءٍ مِنْ عُشْرِهِ، عَلَيْهِ أنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهُ، وَيُضِيفَ خُمْسَ ثَمَنِهِ إلَيْهِ. «عُشْرُ الأبْقَارِ وَالأغْنَامِ، أيْ كُلُّ حَيَوَانٍ عَاشِرٍ يَمُرُّ تَحْتَ عَصَا الرَّاعِي يَخَصَّصُ للهِ . لَا يُفْحَصُ إنْ كَانَ جَيِّدًا أوْ رَدِيئًا، وَلَا يَسْتَبْدِلُ الرَّاعِي حَيَوَانًا بِآخَرَ. فَإنِ استَبْدَلَهُ، يَكُونُ الِاثْنَانِ مُخَصَّصَينِ. لَا يُمْكِنُ استِردَادُهُمَا.» هَذِهِ هِيَ الوَصَايَا الَّتِي أمَرَ اللهُ مُوسَى فِي جَبَلِ سِينَاءَ بِأنْ يُعْطِيَهَا لِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَتَكَلَّمَ اللهُ إلَى مُوسَى فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. حَدَثَ هَذَا فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ مُغَادَرَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ لِأرْضِ مِصْرٍ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أحْصُوا جَمِيعَ بَنِي إسْرَائِيلَ. دَوِّنُوا اسْمَ كُلِّ ذَكَرٍ وَعَائِلَتِهِ وَعَشيرَتِهِ. دَوِّنْ أنْتَ وَهَارُونُ أسْمَاءَ جَمِيعِ رِجَالِ إسْرَائِيلَ البَالِغِينَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، المُؤهَّلِينَ لِلخِدْمَةَ فِي الجَيْشِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ صُفُوفِهِمْ فِي الجَيْشِ. وَسَيَكُونُ هُنَاكَ رَجُلٌ مِنْ كُلِّ عَشِيرَةٍ لِيُسَاعِدَكُمَا. عَلَى أنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ قَائِدَ عَائِلَتِهِ. وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ الرِّجَالِ الَّذِينَ سَيُسَاعِدُونَكُمَا: مِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ ألِيصُورُ بْنُ شَدَيئُورَ. مِنْ قَبِيلَةِ شِمْعُونَ شَلُومِيئِيلُ بْنُ صُورِيشَدَّايَ. مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا نَحْشُونُ بْنُ عَمِّينَادَابَ. مِنْ قَبِيلَةِ يسَّاكِرَ نَثَنَائِيلُ بْنُ صُوغَرَ. مِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ ألِيآبُ بْنُ حِيلُونَ. مِنْ نَسْلِ يُوسُفَ: مِنْ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ ألِيشَمَعُ بْنُ عَمِّيهُودَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى جَملِيئِيلُ بْنُ فَدَهْصُورَ. مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ أبِيدَنُ بْنُ جِدْعُونِي. مِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ أخِيعَزَرُ بْنُ عَمِّيشَدَّايَ. مِنْ قَبِيلَةِ أشِيرَ فَجْعِيئِيلُ بْنُ عُكْرَنَ. مِنْ قَبِيلَةِ جَادٍ ألِيَاسَافُ بْنُ دَعُوئِيلَ. مِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي أخِيرَعُ بْنُ عِينَنَ.» هَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ الِاخْتِيَارُ مِنْ وَسَطِ الشَّعْبِ لِيَكُونُوا رُؤَسَاءَ قَبَائِلِ آبَائِهِمْ. إنَّهُمْ قَادَةُ قَبَائِلِ إسرَائيلَ. وَأخَذَ مُوسَى وَهَارُونُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ الَّذِينَ تَمَّ تَعْيِينُهُمْ بِالِاسْمِ. وَجَمَعَا كُلَّ الشَّعْبِ فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي. وَتَمَّ تَسْجِيلُ الشَّعْبِ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. كَمَا تَمَّ تَسْجِيلُ أسْمَاءِ الرِّجَالِ البَالِغِينَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. فَكَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى، هَكَذَا أحصَاهُمْ مُوسَى فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ رَأُوبَيْنَ، الِابْنِ البِكْرِ لِإسْرَائِيلَ، بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ سِتَّةً وَأرْبَعِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ شِمْعُونَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ شِمْعُونَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ ألْفًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ جَادٍ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ جَادٍ خَمْسَةً وَأرْبَعِينَ ألْفًا وَسِتَّ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ يَهُوذَا بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا أرْبَعَةً وَسَبعِينَ ألْفًا وَسِتَّ مِئَةٍ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ يَسَّاكَرَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ يسَّاكِرَ أرْبَعَةً وَخَمْسِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ زَبُولُونَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ سَبعَةً وَخَمْسِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ. وَمِنِ ابنَيِّ يُوسُفَ، تَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ أفْرَايِمَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ أرْبَعِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ مَنَسَّى بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى اثنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألْفًا وَمِئَتَيْنِ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ بَنْيَامِينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ دَانٍ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ اثنَيْنِ وَسِتِّينَ ألْفًا وَسَبعَ مِئَةٍ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ أشِيرَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ أشِيرَ وَاحِدًا وَأرْبَعِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. وَتَمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ نَفْتَالِي بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ. هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أحصَاهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ وَرُؤَسَاءُ إسْرَائِيلَ الِاثنَا عَشَرَ. وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُمَثِّلُ قَبِيلَتَهُ. كُلُّ رِجَالِ بَنِي إسْرَائِيلَ أُولَئِكَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ بِحَسَبِ عَائِلَاتِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ اسْمِ كُلِّ ذَكَرٍ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ، كُلِّ مُؤهَّلٍ لِلخِدْمَةِ فِي الجَيْشِ. فَكَانَ المَجْمُوعُ سِتَّ مِئَةٍ وَثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا. وَلَمْ يَتِمَّ إحْصَاءُ نَسْلِ اللَّاوِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ مَعَ بَقِيَّةِ إسْرَائِيلَ، فَقَدْ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «لَا تُحْصِ قَبِيلَةَ لَاوِي. لَا تَحْسِبْ عَدَدَهُمْ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ. بَلْ أعْطِ اللَّاوِيِّينَ مَسْؤوليَةَ مَسْكَنِ العَهْدِ، وَجَمِيعِ أثَاثِهِ وَأدَوَاتِهِ. هُمْ يَحْمِلُونَ المَسْكَنَ وَأثَاثَهُ، وَيَهْتَمُّونَ بِهِ، وَيَنْصُبُونَ خِيَامَهُمْ حَوْلَ المَسْكَنِ. وَحِينَ يَأْتِي وَقْتُ ارْتِحَالِ المَسْكَنِ، يُنْزِلُهُ اللَّاوِيُّونَ. وَحِينَ يُقَامُ، يُقِيمُهُ اللَّاوِيُّونَ. وَكُلُّ مَنْ يَقْتَرِبُ مِنَ الخَيْمَةِ المُقَدَّسَةِ غَيرُهُمْ يُقْتَلُ. وَيُقِيمُ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي مُخَيَّمَاتِهِمْ فِي أقسَامٍ مُنفَصِلَةٍ. يُقِيمُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مُخَيَّمِهِ قُرْبَ رَايَتِهِ. وَأمَّا اللَّاوِيُّونَ فَيُخَيِّمُوا حَوْلَ مَسْكَنِ العَهْدِ، كَي لَا يَحِلَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَيَكُونُ اللَّاوِيُّونَ مَسؤُولِينَ عَنْ مَسْكَنِ العَهْدِ.» وَعَمِلَ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلَّ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «لِيُخَيِّمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ تَحْتَ رَايَتِهِ. فَتَكُونُ لِكُلِّ عَشِيرَةٍ رَايَةٌ. وَلَيَنْصُبُوا خِيَامَهُمْ حَوْلَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، عَلَى مَسَافَةٍ مِنْهَا. «فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ نَحْوَ شُرُوقِ الشَّمْسِ سَتَكُونُ رَايَةُ يَهُوذَا عَلَى مُخَيَّمِهِمْ بِحَسَبِ فِرَقِهَا. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا هُوَ نَحشُونُ بْنُ عَمِّينَادَابَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ أرْبَعَةً وَسَبعِينَ ألْفًا وَسِتَّ مِئَةٍ. «وَتُخَيِّمُ إلَى جَانِبِهِمْ قَبِيلَةُ يَسَّاكَرَ. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ يسَّاكِرَ هُوَ نَثَنَائِيلُ بْنُ صُوغَرَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ أرْبَعَةً وَخَمْسِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ. «وَتُخَيِّمُ إلَى جَانِبِهِمْ قَبِيلَةُ زَبُولُونَ. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ هُوَ ألِيآبُ بْنُ حِيلُونَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ سَبعَةً وَخَمْسِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ. «جَمِيعُ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ فِي مُخَيَّمِ يَهُوذَا بِحَسَبِ فِرَقِهِمْ كَانُوا مِئَةً وَسِتَّةً وَثَمَانِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةِ رَجُلٍ. وَهُمْ مَنْ يَبْدَأُونَ بِالِارْتِحَالِ. «وَفِي الجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ سَتَكُونُ رَايَةُ مُخَيَّمِ رَأُوبَيْنَ بِحَسَبِ فِرَقِهَا. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ هُوَ ألِيصُورُ بْنُ شَدَيئُورَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ سِتَّةً وَأرْبَعِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. «وَتُخَيِّمُ إلَى جَانِبِهِمْ قَبِيلَةُ شِمعُونَ. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ شِمْعُونَ هُوَ شَلُومِيئِيلُ بْنُ صُورِيَشَدَّايَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ ألْفًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ. «وَتُخَيِّمُ إلَى جَانِبِهِمْ قَبِيلَةُ جَادٍ. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ جَادٍ هُوَ ألِيَاسَافُ بْنُ دَعُوئِيلَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ خَمْسَةً وَأرْبَعِينَ ألْفًا وَسِتَّ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ. «جَمِيعُ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ فِي مُخَيَّمِ رَأُوبَيْنَ بِحَسَبِ فِرَقِهِمْ كَانُوا مِئَةً وَوَاحِدًا وَخَمْسِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا. وَهُمْ مَنْ سَيَرْتَحِلُونَ بَعْدَ مُخَيَّمِ يَهُوذَا. «وَبَعدَهُمْ تَرْتَحِلُ خَيْمَةُ الِاجْتِمَاعِ مِنْ مُخَيَّمِ اللَّاوِيِّينَ وَسَطَ المُخَيَّمَاتِ الأُخرَى. وَسَيَرْتَحِلُونَ بِالتَّرْتِيبِ الَّذِي كَانُوا مُخَيِّمِينَ بِهِ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَوقِعِهِ وَتَحْتَ رَايَتِهِ. «وَفِي الجِهَةِ الغَربِيَّةِ سَتَكُونُ رَايَةُ مُخَيَّمِ أفْرَايِمَ مُرَتَّبَةً بِحَسَبِ فِرَقِهَا. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ هُوَ ألِيشَمَعُ بْنُ عَمِّيهُودَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ أرْبَعِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. «وَتُخَيِّمُ إلَى جَانِبِهِمْ قَبِيلَةُ مَنَسَّى. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى هُوَ جَملِيئِيلُ بْنُ فَدَهْصُورَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ اثنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألْفًا وَمِئَتَيْنِ. «وَتُخَيِّمُ إلَى جَانِبِهِمْ قَبِيلَةُ بَنْيَامِينَ. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ هُوَ أبِيدَنُ بْنُ جِدْعُونِي. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ. «جَمِيعُ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ فِي مُخَيَّمِ أفْرَايِمَ بِحَسَبِ فِرَقِهِمْ كَانُوا مِئَةً وَثَمَانِيَةَ آلَافٍ وَمِئَةَ رَجُلٍ. وَهُمُ المَجمُوعَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي ارْتَحَلَتْ. «وَفِي الجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ سَتَكُونُ رَايَةُ مُخَيَّمِ دَانٍ بِحَسَبِ فِرَقِهِمْ. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ دَانٍ هُوَ أخِيعَزَرُ بْنُ عَمِّيشَدَّايَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ اثنَيْنِ وَسِتِّينَ ألْفًا وَسَبعَ مِئَةٍ. «وَتُخَيِّمُ إلَى جَانِبِهِمْ قَبِيلَةُ أشِيرَ. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ أشِيرَ هُوَ فَجْعِيئِيلُ بْنُ عُكْرَنَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ وَاحِدًا وَأرْبَعِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. «وَتُخَيِّمُ إلَى جَانِبِهِمْ قَبِيلَةُ نَفْتَالِي. وَرَئِيسُ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي هُوَ أخِيرَعُ بْنُ عِينَنَ. وَكَانَ عَدَدُ جُندِهِ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. «جَمِيعُ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ فِي مُخَيَّمِ دَانٍ بِحَسَبِ فِرَقِهِمْ كَانُوا مِئَةً وَسَبعًا وَخَمْسِينَ ألْفًا وَسِتَّ مِئَةِ رَجُلٍ. وَهُمْ آخِرُ مَجمُوعَةٍ تَرْتَحِلُ تَحْتَ رَايَاتِهِمْ.» هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَ مَجْمُوعُ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ فِي المُخَيَّمَاتِ بِحَسَبِ فِرَقِهِمْ سِتَّ مِئَةٍ وَثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا. وَكَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى، لَمْ يَتِمَّ إحْصَاءُ اللَّاوِيِّينَ مَعَ بَقِيَّةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَبِهَذَا عَمِلَ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلَّ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ مُوسَى. فَعِنْدَمَا خَيَّمُوا، خَيَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَبيلَتِهِ وَعَائِلَتِهِ. وَعِنْدَمَا ارْتَحَلُوا، ارْتَحَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَبيلَتِهِ وَعَائِلَتِهِ. وَهَذِهِ هِيَ عَائِلَةُ هَارُونَ وَمُوسَى حِينَ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ. وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ أبْنَاءِ هَارُونَ: نَادَابُ الِابْنُ البِكرُ، ثُمَّ أبِيهُو وَألِيعَازَارُ وَإيثَامَارُ. هَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ أبْنَاءِ هَارُونَ الَّذِينَ مُسِحُوا كَكَهَنَةٍ. وَقَدْ تَمَّ تَعْيِينُهُمْ لِيَخْدِمُوا كَكَهَنَةٍ. وَلَكِنَّ نَادَابَ وَأبِيهُو مَاتَا بَيْنَمَا كَانَا يَخْدِمَانِ اللهَ حِينَ قَدَّمَا نَارًا مِنْ مَصدَرٍ غَرِيبٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا أبْنَاءٌ. فَخَدَمَ ألِيعَازَارُ وَإيثَامَارُ كَكَاهِنَينِ بَيْنَمَا كَانَ هَارُونُ حَيًّا. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «قَدِّمْ قَبِيلَةَ لَاوِي لِهَارُونَ الكَاهِنِ كَي يُسَاعِدُوهُ. فَلْيَخْدِمُوهُ وَيَخْدِمُوا كُلَّ الجَمَاعَةِ أمَامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيَقُومُوا بِالأعْمَالِ الصَّعبَةِ فِي المَسْكَنِ المُقَدَّسِ. يَحْرُسُونَ جَمِيعَ أدَوَاتِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. يُمَثِّلُونَ بِذَلِكَ جَمِيعَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَيَخْدِمُونَ فِي المَسْكَنِ. «عَيِّنِ اللَّاوِيِّينَ لِمُسَاعَدَةِ هَارُونَ وَأبْنَائِهِ. يَكُونُونَ مُكَرَّسِينَ بِالْكَامِلِ لِهَارُونَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إسْرَائِيلَ. «عَيِّنْ هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ لِيَقُومُوا بِوَاجِبَاتِ الكَهَنُوتِ. كُلُّ مَنْ يَتَطَفَّلُ لِلقِيَامِ بِعَمَلِ الكَهَنُوتِ يُقْتَلُ.» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «هَا قَدْ أخَذْتُ اللَّاوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إسْرَائِيلَ. عِوَضًا عَنْ كُلِّ الأبْنَاءِ الأبْكَارِ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، فَسَيَكُونُ اللَّاوِيُّونَ لِي. جَمِيعُ الأبْكَارِ مِنَ النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ لِي. فَحِينَ قَتَلْتُ الأبْكَارَ فِي أرْضِ مِصْرٍ، خَصَّصْتُ لِنَفْسِي جَمِيعَ الأبكَارِ فِي إسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ. هُمْ لِي، أنَا اللهُ .» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ: «أحصِ اللَّاوِيِّينَ بِحَسَبِ عَائِلَاتِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ. أحْصِ جَمِيعَ الذُّكُورِ البَالِغِينَ شَهرًا أوْ أكْثَرَ.» فَأحْصَاهُمْ مُوسَى وَفْقًا لِكَلِمَةِ اللهِ . وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ أبْنَاءِ لَاوِي: جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. وَهَذَانِ اسْمَا عَشِيرَتَي جَرْشُونَ: لِبْنِي وَشِمْعِي. وَأمَّا عَشَائِرُ قَهَاتَ فَهِيَ عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيئِيلُ. وَأمَّا عَشِيرَتَا مَرَارِي فَكَانَتَا: مَحلِي وَمُوشِي. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ اللَّاوِيِّينَ بِحَسَبِ عَائِلَاتِهِمْ. عَشِيرَتَا جَرشُونَ هُمَا لِبْنِي وَشِمْعِي. هَاتَانِ هُمَا عَشِيرَتَا الجَرشُونِيِّينَ. وَعَدَدُ جَمِيعِ ذُكُورِهِمُ البَالِغِينَ شَهرًا فَأكثَرَ هُوَ سَبعَةُ آلَافٍ وَخَمسُ مِئَةٍ. كَانَتْ عَشيرَتَا الجَرشُونِيِّينَ تُخَيِّمَانِ خَلفَ المَسْكَنِ إلَى الجِهَةِ الغَربِيَّةِ. وَرَئِيسُ عَشِيرَتَا الجَرشُونِيِّينَ هُوَ ألِيَاسَافُ بْنُ لَايِلَ. أمَّا مَسؤولِيَّةُ الجَرشُونِيِّينَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ فَهِيَ المَسْكَنُ: الخَيْمَةُ وَغِطَاؤُهَا وَسِتَارَةُ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَسَتَائِرُ السَّاحَةِ وَسِتَارَةُ مَدْخَلِ السَّاحَةِ الَّتِي حَوْلَ المَسْكَنِ وَالمَذْبَحِ وَالحِبَالِ، مَعَ كُلِّ الأعْمَالِ المُختَصَّةِ بِحَمْلِ الخَيْمَةِ المُقَدَّسَةِ وَنَقْلِهَا. وَعَشَائِرُ قَهَاتَ هِيَ عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيئِيلُ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ القَهَاتِيِّينَ. وَكَانَ عَدَدُ جَمِيعِ ذُكُورِهِمُ البَالِغِينَ شَهرًا فَأكثَرَ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ وَثَلَاثَ مِئَةٍ. وَكَانُوا يَقُومُونَ بِوَاجِبَاتِهِمْ فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ. وَكَانَتْ عَشَائِرُ القَهَاتِيِّينَ تُخَيِّمُ فِي الجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ مِنَ المَسْكَنِ المُقَدَّسِ. وَرَئِيسُ عَشِيرَةِ القَهَاتِيِّينَ هُوَ ألِيصَافَانُ بْنُ عُزِّيئِيلَ. وَكَانَتْ مَسْؤُوليّةُ القَهَاتِيِّينَ هِيَ الصُّندُوقُ المُقَدَّسُ وَالمَائِدَةُ وَالمَنَارَةُ وَالمَذْبَحُ وَمَذْبَحُ البَخُورِ وَآنِيَةُ المَكَانِ المُقَدَّسِ الَّتِي يَسْتَخْدِمُهَا الكَهَنَةُ، وَالسِتَارَةُ، وَجَمِيعُ الأدَوَاتِ المُتَعَلِّقَةِ بِالخِدْمَةِ. أمَّا رَئِيسُ رُؤَسَاءِ اللَّاوِيِّينَ، فَهُوَ ألِيعَازَارُ بْنُ هَارُونَ الكَاهِنِ. وَقَدْ كَانَ مَسؤُولًا عَنْ القَائِمينَ بِوَاجِبَاتِ المَكَانِ المُقَدَّسِ. وَعَشِيرَتَا مَرَارِي هُمَا مَحلِي وَمُوشِي. هَاتَانِ هُمَا عَشِيرَتَا مَرَارِي. وَكَانَ عَدَدُ جَمِيعِ ذُكُورِهِمُ البَالِغِينَ شَهرًا فَأكثَرَ سِتَّةَ آلَافٍ وَمِئَتَيْنِ. وَرَئِيسُ عَشِيرَةِ المَرَارِيِّينَ هُوَ صُورِئِيلُ بْنُ أبِيحَايِلَ. وَكَانُوا يُخَيِّمُونَ فِي الجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ مِنَ المَسْكَنِ المُقَدَّسِ. وَكَانَ المَرَارِيُّونَ مَسؤُولِينَ عَنْ حِرَاسَةِ ألوَاحِ المَسْكَنِ وَعَوَارِضِهِ وَأعْمِدَتِهِ وَقَوَاعِدِهَا، وَكُلِّ أدَوَاتِهِ وَالخِدْمَاتِ المُتَعَلِّقَةِ بِهَا. كَمَا كُانُوا مَسؤُولِينَ عَنْ أعْمِدَةِ السَّاحَةِ المُحِيطَةِ بِالخَيْمَةِ المُقَدَّسَةِ وَقَوَاعِدِهَا وَأوْتَادِهَا وَحِبَالِهَا. وَكَانَ مُوسَى وَهَارُونُ وَأبْنَاءُ هَارُونَ هُمُ الَّذِينَ يُخَيِّمُونَ أمَامَ المَسْكَنِ فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ، أمَامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ بِاتِّجَاهِ مَشرِقِ الشَّمْسِ. كَانُوا هُمُ المُشْرِفُونَ عَلَى جَمِيعِ الطُّقُوسِ الَّتِي تُقَامُ دَاخِلَ المَكَانِ المُقَدَّسِ، وَعَنْ جَمِيعِ المَسَائِلِ المُتَعَلِّقَةِ بِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَكُلُّ دَخيلٍ يَقْتَرِبُ مِنْ أرْضِهِمْ، كَانَ يُقْتَلُ. فَكَانَ عَدَدُ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ أحصَاهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ، اثنَيْنِ وَعِشرِينَ ألْفًا مِنَ الذُّكُورِ البَالِغِينَ شَهرًا فَأكثَرَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أحصِ كُلَّ الأبْكَارِ الذُّكُورِ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَبْلُغُونَ شَهرًا فَأكثَرَ، وَاكتُبْ قَائِمَةً بِأسْمَائِهِمْ. وَخُذِ اللَّاوِيِّينَ لِي، أنَا اللهُ ، بَدَلَ كُلِّ الأبْكَارِ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ. وَخُذْ حَيَوَانَاتِ اللَّاوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ أبْكَارِ حَيَوَانَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ.» فَأحصَى مُوسَى كُلَّ الأبْكَارِ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، كَمَا أمَرَهُ اللهُ . وَكَانَ عَدَدُ الأبْكَارِ الذُّكُورِ، مُدَوَّنِينَ بِأسْمَائِهِمْ، مِمَّنْ يَبْلُغُونَ شَهرًا فَأكثَرَ، اثنَيْنِ وَعِشرِينَ ألْفًا وَمِئَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَسَبعِينَ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «خُذِ اللَّاوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ صَبِيٍّ بِكْرٍ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، وَخُذْ حَيَوَانَاتِ اللَّاوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ أبْكَارِ حَيَوَانَاتِ إسْرَائِيلَ. اللَّاوِيُّونَ لِي، أنَا اللهُ . وَلِفِدَاءِ المِئَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ وَالسَّبعِينَ بِكْرًا فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ زَادُوا عَنْ عَدَدِ اللَّاوِيِّينَ، خُذْ خَمْسَةَ مَثَاقِيلَ مِنَ الفِضَّةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَتَكُونُ الفِدْيَةُ بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ لِلمِثْقَالِ: المِثْقَالُ بِعِشْرِينَ قِيرَاطًا. وَأعْطِ المَالَ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ لِفِدَاءِ المِئَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ وَالسَّبعِينَ.» فَأخَذَ مُوسَى المَالَ لِفِدَاءِ الَّذِينَ زَادَ عَدَدُهُمْ عَنْ عَدَدِ اللَّاوِيِّينَ. أخَذَ مُوسَى المَالَ مِنْ أبْكَارِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَكَانَ ألْفًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسِتِّينَ مِثْقَالًا بِحَسَبِ الوَزنِ الرَّسمِيِّ. فَأعطَى مُوسَى، بِأمْرِ اللهِ ، مَالَ الفِدَاءِ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ وَفْقًا لِكَلِمَةِ اللهِ . وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «أحصِيَا القَهَاتِيِّينَ مِنْ بَيْنِ اللَّاوِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ، الَّذِينَ مِنْ سِنِّ الثَّلَاثِينَ وَإلَى الخَمْسِينَ، المُؤَهَّلِينَ لِلخِدْمَةِ لِإجْلِ العَمَلِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَمَسؤُولِيَّةُ القَهَاتِيِّينَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ هِيَ حَمْلُ الأشْيَاءِ الَّتِي فِي قُدْسِ الأقْدَاسِ. «حِينَ يَتَحَرَّكُ الشَّعْبُ لِلِارتِحَالِ، عَلَى هَارُونَ وَأبْنَائِهِ أنْ يَدْخُلُوا إلَى الخَيْمَةِ المُقَدَّسَةِ وَيُنزِلُوا السِّتَارَةَ وَيُغَطُّوا بِهَا صُنْدُوقَ الشَّهَادَةِ المُقَدَّسِ. وَلْيَضَعُوا فَوْقَ السِّتَارَةِ غِطَاءً مَصْنُوعًا مِنَ الجِلْدِ النَّاعِمِ وَأنْ يَضَعُوا فَوقَهُ قِطْعَةَ قُمَاشٍ زَرْقَاءَ، وَأنْ يَضَعُوا عِصِيَّهُ فِي أمَاكِنِهَا. «ثُمَّ يَضَعُون قِطْعَةَ قُمَاشٍ زَرْقَاءَ فَوْقَ المَائِدَةِ المُقَدَّسَةِ، وَيَفْرِدُونَ عَلَيْهَا الصُّحُونَ وَالمَغَارِفَ وَالزِّبدِيَّاتِ وَالأبَارِيقَ المُخَصَّصَةَ لِلتَّقدِمَاتِ السَّائِلَةِ. أمَّا الخُبْزُ فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ عَلَى المَائِدَةِ دَائِمًا. فَيُنْقَلُ مَعَهَا حَيْثُ تُنْقَلُ. ثُمَّ يَضَعُونَ قِطْعَةَ قُمَاشٍ حَمْرَاءَ فَوْقَ هَذِهِ الأشْيَاءِ، وَيُغَطُّونَهَا بِغِطَاءٍ مِنَ الجِلْدِ النَّاعِمِ. ثُمَّ يَضَعُونَ عِصِيَّ المَائِدَةِ فِي أمَاكِنِهَا. «بَعْدَ ذَلِكَ، يأخُذُونَ قِطْعَةَ قُمَاشٍ زَرْقَاءَ، وَيُغَطُّونَ بِهَا المَنَارَةَ وَسُرُجَهَا وَمَلَاقِطَهَا وَمَنَافِضَهَا وَجَمِيعَ آنِيَةِ الزَّيْتِ المُسْتَخْدَمَةِ لِأجْلِ السُّرُجِ. ثُمَّ يَضَعُونَ المَنَارَةَ وَكُلَّ أدَوَاتِهَا فِي غِطَاءٍ مِنَ الجِلْدِ النَّاعِمِ، وَيُرَتِّبُونَهَا عَلَى لَوحٍ لِحَمْلِهَا. «يَأْخُذُونَ أيْضًا قِطْعَةَ قُمَاشٍ زَرْقَاءَ، وَيُغَطُّونَ بِهَا المَذْبَحَ الذَّهَبِيَّ. ثُمَّ يُغَطُّونَهَا بِغِطَاءٍ مِنَ الجِلْدِ النَّاعِمِ، وَيَضَعُونَ عِصِيَّ المَذْبَحِ فِي أمَاكِنِهَا. «ثُمَّ يَأْخُذُونَ جَمِيعَ أدَوَاتِ الخِدْمَةِ الخَاصَّةِ بِالمَكَانِ المُقَدَّسِ، وَيَضَعُونَهَا فِي قِطعَةِ قُمَاشٍ زَرْقَاءَ، وَيُغَطُّونَهَا بِغِطَاءٍ مِنَ الجِلْدِ النَّاعِمِ، وَيُرَتِّبُونَهَا عَلَى لَوحٍ لِحَمْلِهَا. «بَعْدَ ذَلِكَ، يُزِيلُونَ الرَّمَادَ مِنْ عَلَى المَذْبَحِ، ويَضَعُونَ عَلَيْهِ غِطَاءً مِنَ القُمَاشِ البَنَفْسَجِيِّ. ثُمَّ يَضَعُونَ عَلَيْهِ جَمِيعَ أدَوَاتِ المَذْبَحِ مِنْ مَجَامِرَ وَمَنَاشِلَ ورُفُوشٍ وَزُبدِيَّاتٍ. وَيَضَعُونَ عَلى جَمِيعِ أدَوَاتِ المَذْبَحِ غِطَاءً مِنَ الجِلْدِ النَّاعِمِ، وَيَضَعُونَ عِصِيَّ المَذْبَحِ فِي أمَاكِنِهَا. «وَحِينَ يُكْمِلُ هَارُونُ وَأبنَاؤُهُ تَغْطِيَةَ المَكَانِ المُقَدَّسِ وَجَمِيعِ أدَوَاتِهِ عِنَدَ الِارْتِحَالِ، يَدْخُلُ القَهَاتِيُّونَ لِحَمْلِ تِلْكَ الأشْيَاءِ مِنْ دُونِ أنْ يَلمِسُوا شَيْئًا مُقَدَّسًا لِئلَّا يَمُوتُوا. وَهَذِهِ هِيَ الأشْيَاءُ الَّتِي يَحْمِلُهَا القَهَاتِيُّونَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. «يَكُونُ ألِيعَازَارُ بْنُ هَارُونَ هُوَ المَسؤُولَ عَنْ زَيْتِ المَنَارَةِ وَالبَخُورِ الطَّيِّبِ وَالعُطُورِ وَتَقْدِمَةِ الحُبُوبِ اليَوْمِيَّةِ وَزَيْتِ المَسْحَةِ. وَيَكُونُ المَسْؤُولَ عَنِ المَسْكَنِ وَكُلِّ مَا فِيهِ. عَنْ جَمِيعِ مَا فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ وَعَنْ جَمِيعِ أدَوَاتِهِ.» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «لَا تَدَعُوا عَشِيرَةَ القَهَاتِيِّينَ تَفْنَى مِنْ بَيْنِ اللَّاوِيِّينَ. افْعَلُوا هَذَا لَهُمْ لِكَي يَحْيَوا وَلَا يَمُوتُوا حِينَ يَقْتَرِبُونَ مِنَ الأشْيَاءِ المُخَصَّصَةِ بِكَامِلِهَا للهِ. فَليَدْخُلْ هَارُونُ وَبَنُوهُ، وَيُعَيِّنُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَحَملُهُ. كَي لَا يَدْخُلُوا وَيَرَوْا الأشْيَاءَ المُقَدَّسَةَ، وَلَوْ لِلَحظَةٍ فَيَمُوتُوا.» وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «أحصِ الجَرشُونِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ، الَّذِينَ مِنْ سِنِّ الثَّلَاثِينَ وَإلَى الخَمْسِينَ المُؤَهَّلِينَ لِلخِدْمَةِ لِأجْلِ العَمَلِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. «وَمَسؤُولِيَّةُ الجَرشُونِيِّينَ هِيَ الحَزْمُ وَالحَمْلُ. هُمْ يَحْمِلُونَ سَتَائِرَ المَسْكَنِ وَخَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ وَأغطِيَتَهَا، وَالغِطَاءَ الجِلْدِيَّ النَّاعِمَ الَّذِي فَوْقَ الأغطِيَةِ، وَسِتَارَةَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَسَتَائِرَ السَّاحَةِ وَسِتَارَةَ مَدْخَلِ السَّاحَةِ المُحِيطَةِ بِالمَسْكَنِ، وَالمَذْبَحَ، وَالحِبَالَ وَكُلَّ أدَوَاتِهَا وَالأشْيَاءَ الخَاصَّةَ بِهَا. وَيَنَبغِي أنْ يَعْمَلُوا جَمِيعَ الأعْمَالِ المُوكَلَةِ إلَيْهِمْ. يَعْمَلُ الجَرشُونِيِّينَ أعْمَالَ الحَمْلِ وَالتَحْزِيمِ تَحْتَ إشرَافِ هَارُونَ وَأبْنَائِهِ. وَتُوَكِّلَهُمْ بِحِرَاسَةِ الأشْيَاءِ الَّتِي يَحْمِلُونَهَا. هَذَا هُوَ عَمَلُ الجَرشُونِيِّينَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ تَحْتَ إشرَافِ إيثَامَارَ بْنِ هَارُونَ الكَاهِنِ.» «أحْصِ المَرَارِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ، الَّذِينَ مِنْ سِنِّ الثَّلَاثِينَ وَإلَى الخَمْسِينَ المُؤَهَّلِينَ لِلخِدْمَةِ لِأجْلِ العَمَلِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَهَذَا مَا يُكَلَّفُونَ بِحَمْلِهِ طَوَالَ خِدْمَتِهِمْ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ: ألوَاحُ المَسْكَنِ وَعَوَارِضُهِ وَأعمِدَتُهُ وَقَوَاعِدُهَا، وَأعْمِدَةُ السَّاحَةِ المُحِيطَةِ بِالخَيْمَةِ المُقَدَّسَةِ وَقَوَاعِدُهَا وَأوتَادُهَا وَحِبَالُهَا وَكُلُّ أدَوَاتِهَا. اكتُبْ قَائِمَةً بِأسْمَاءِ الرِّجَالِ، وَعَيِّنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا سَيَحْمِلُهُ. هَذَا هُوَ عَمَلُ عَشَائِرِ المَرَارِيِّينَ. سَيَعْمَلُونَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ تَحْتَ إشرَافِ إيثَامَارَ بْنِ هَارُونَ الكَاهِنِ.» فَأحصَى مُوسَى وَهَارُونُ وَرُؤَسَاءُ الشَّعْبِ القَهَاتِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. سَجَّلُوا جَمِيعَ الرِّجَالِ مِنْ سِنِّ الثَّلَاثِينَ إلَى سِنِّ الخَمْسِينَ. أيِ المُؤَهَّلِينَ لِلخِدْمَةِ لِأجْلِ العَمَلِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ ألفَينِ وَسَبعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ. هَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ عَشَائِرِ القَهَاتِيِّينَ، الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، الَّذِينَ أحصَاهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ عَلَى فَمِ مُوسَى. وَتَمَّ إحْصَاءُ الجَرشُونِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. تَمَّ تَسْجِيلُ جَمِيعِ الرِّجَالِ مِنْ سِنِّ الثَّلَاثِينَ إلَى سِنِّ الخَمْسِينَ، أيِ المُؤَهَّلِينَ لِلخِدْمَةِ لِأجْلِ العَمَلِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ ألفَينِ وَسِتَّ مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ عَشَائِرِ الجَرشُونِيِّينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، الَّذِينَ أحصَاهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ عَلَى فَمِ مُوسَى. وَتَمَّ إحْصَاءُ المَرَارِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِ آبَائِهِمْ. تَمَّ تَسْجِيلُ جَمِيعِ الرِّجَالِ مِنْ سِنِّ الثَّلَاثِينَ إلَى سِنِّ الخَمْسِينَ، أيِ المُؤَهَّلِينَ لِلخِدْمَةِ لِأجْلِ العَمَلِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَمِئَتَيْنِ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ مِنْ عَشَائِرِ المَرَارِيِّينَ. أحصَاهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ عَلَى فَمِ مُوسَى. وَأحصَى مُوسَى وَهَارُونُ وَرُؤَسَاءُ إسْرَائِيلَ كُلَّ اللَّاوِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَسَجَّلُوا جَمِيعَ الرِّجَالِ مِنْ سِنِّ الثَّلَاثِينَ إلَى سِنِّ الخَمْسِينَ، أيِ المُؤَهَّلِينَ لِلخِدْمَةِ لِأجْلِ العَمَلِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ وَخَمْسَ مِئَةٍ وَثَمَانِينَ. تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ بِأمرٍ مِنَ اللهِ مِنْ خِلَالِ مُوسَى. كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَمَلِهِ فِي الحَزمِ وَالحَمْلِ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ عَلَى فَمِ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «عَلِّمْ بَنِي إسْرَائِيلَ بِأنْ يَنْفُوا مِنَ المُخَيَّمِ كُلَّ مُصَابٍ بِالبَرَصِ، وَكُلَّ مَنْ يَسِيلُ مِنْ جَسَدِهِ سَائِلٌ نَجِسٌ، وَكُلَّ مَنْ يَتَنَجَّسُ بِسَبَبِ لَمسِهِ لِمَيِّتٍ. انْفُوا الذُّكُورَ وَالإنَاثَ، وَاطْرُدُوهُمْ خَارِجًا، حَتَّى لَا يُنَجِّسُوا المُخَيَّمَ حَيْثُ أسكُنُ فِي وَسَطِكُمْ.» فَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ هَذَا وَنَفُوا المُتَنَجِّسِينَ خَارِجَ المُخَيَّمِ. فَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ تَمَامًا كَمَا قَالَ اللهُ لِمُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: إنْ أخطَأ رَجُلٌ أوِ امْرأةٌ بِحَقِّ شَخْصٍ آخَرَ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ، فَإنَّهُ يَكُونُ قَدْ أخطَأ إلَى اللهِ خَطِيَّةً عَظِيمَةً. إنَّهُ مُذنِبٌ. عَلَيْهِ أنْ يَعْتَرِفَ بِمَا سَرَقَهُ وَيُعَوِّضَ بِشَكلٍ كَامِلٍ، وَيُضِيفَ إلَى التَّعوِيضِ خُمسَ قِيمَةِ المَسرُوقِ وَيُعطِيَهِ لِلَّذِي أخطَأ إلَيْهِ. وَإنْ كَانَ الرَّجُلُ مَيِّتًا، وَلَا أقْرِبَاءَ لَهُ لِيَأْخُذُوا التَّعوِيضَ. فَإنَّ التَّعوِيضَ يَذْهَبُ إلَى اللهِ فَيُعْطَى لِلكَاهِنِ. عَدَا الكَبْشِ الَّذِي يُحْضِرُهُ المُذنِبُ. فَهَذَا يَذْبَحُهُ الكَاهِنُ كَفَّارَةً. «كُلُّ تَقْدِمَةٍ مُقَدَّسَةٍ يُقَدِّمُهَا بَنُو إسْرَائِيلَ لِلكَاهِنِ فَإنَّهَا تَكُونُ مِنْ نَصِيبِهِ. وَتَكُونُ التَّقْدِمَاتُ المُقَدَّسَةُ مِلْكًا لِمَنْ يُقَدِّمُهَا، عَدَا مَا يُعْطِيهِ لِلكَاهِنِ، فَإنَّهُ يَكُونُ مِنْ نَصِيبِ الكَاهِنِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: إنِ انْحَرَفَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ مَا وَخَانَتهُ بِمُعَاشَرَةِ رَجُلٍ آخَرَ، وَزَوْجُهَا لَا يَعْرِفُ، إذْ أنَّهَا تَعْمَلُ هَذَا سِرًّا. مَعَ أنَّهَا قَدْ نَجَّسَتْ نَفْسَهَا، حَيْثُ إنَّهُ لَا يُوجَدُ هُنَاكَ شَاهِدٌ، كَمَا أنَّهَا لَمْ تُمسَكْ وَهِيَ تَرْتَكِبُ الزِّنَى. فَإذَا اعتَرَى رُوحُ الغَيْرَةِ الرَّجُلَ فَشَكَّ بِزَوْجَتِه الَّتِي قَدْ تَنَجَّسَتْ بِالفِعْلِ، أوْ إذَا اعتَرَاهُ رُوحُ الغَيْرَةِ مَعَ أنَّهَا لَمْ تُنَجِّسْ نَفْسَهَا، فَليُحْضِرِ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ إلَى الكَاهِنِ، وَيُحضِرْ مَعَهُ تَقْدِمَتَهَا المَطلُوبَةَ: عُشْرَ قُفَّةٍ مِنْ طَحِينِ الشَّعِيرِ. لَا يُسْكَبُ عَلَى الطَّحِينِ زَيْتٌ، وَلَا يُوضَعُ بَخُورٌ فَوقَهُ. لِأنَّ هَذِهِ تَقْدِمَةُ شَكٍّ، لِبَيَانِ الِاتِّهَامِ وَالتَّذكِيرِ بِهِ. «وَيُحضِرُ الكَاهِنُ المَرْأةَ إلَى الأمَامِ وَيُوقِفُهَا فِي حَضْرَةِ اللهِ . ثُمَّ يَأْخُذُ الكَاهِنُ مَاءً مُقَدَّسًا فِي إنَاءٍ خَزَفِيٍّ، وَيَأْخُذُ مِنَ الغُبَارِ الَّذِي عَلَى أرْضِيَّةِ المَسْكَنِ المُقَدَّسِ وَيَضَعُهُ فِي المَاءِ. ثُمَّ يُوقِفُ الكَاهِنُ المَرْأةَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَيَكْشِفُ رَأسَهَا، وَيَضَعُ فِي كَفَّيهَا التَّقْدِمَةَ، الَّتِي هِيَ تَقْدِمَةُ شَكٍّ. وَيُمسِكُ الكَاهِنُ بِإنَاءِ المَاءِ المُرِّ الَّذِي يَأْتِي بِاللَّعنَةِ. وَيَجْعَلُ الكَاهِنُ المَرْأةَ تُقسِمُ فَيَقُولُ لَهَا: ‹إنْ لَمْ يَكُنْ لِرَجُلٍ آخَرَ عَلَاقَةٌ بِكِ، وَلَمْ تَفْسُدِي وَلَمْ تَتَنَجَّسِي وَأنتِ مُتَزَوِّجَةٌ بِزَوْجِكِ، فَإنَّكِ تُطَهَّرِينَ مِنْ هَذَا المَاءِ المُرِّ الَّذِي يَأْتِي بِاللَّعنَةِ. لَكِنْ إنْ فَسَدْتِ وَأنتِ مُتَزَوِّجَةٌ بِزَوْجِكِ، وَتَنَجَّسْتِ، وَكَانَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرُ زَوْجِكِ عَلَاقَةٌ بِكِ …› «وَهَكَذَا يَجْعَلُ الكَاهِنُ المَرْأةَ تُقسِمُ بِقَسَمِ اللَّعنَةِ هَذَا، وَيَقُولُ الكَاهِنُ لِلمَرْأةِ: ‹فَلْيَلْعَنْكِ اللهُ حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ يَسْتَخْدِمُونَ اسْمَكِ كَلَعْنةٍ، وَلْيَجْعَلِ اللهُ فَخْذَكِ مُتَرَهِّلَةً وَبَطْنَكِ مُتَوَرِّمةً. فَلْيَأْتِ مَاءُ اللَّعنَةِ هَذَا بِاللَّعنَةِ إلَى بَطنِكِ، فَيَجْعَلُ بَطنَكِ مُتَوَرِّمَةً وَفَخْذَكِ مُتَرَهِّلَةً.› فَتَقُولُ المَرْأةُ: ‹لِيَكُنْ ذَلِكَ!› «ثُمَّ يَكْتُبُ الكَاهِنُ هَذِهِ اللَّعنَاتِ عَلَى قِطْعَةِ جِلْدٍ ثُمَّ يَمْحُوهَا فِي المَاءِ المُرِّ. ثُمَّ يَجْعَلُ الكَاهِنُ المَرْأةَ تَشْرَبُ المَاءَ المُرَّ الَّذِي يَأْتِي بِاللَّعنَةِ، وَالَّذِي يُسَبِّبُ ألَمًا شَدِيدًا. «وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مِنْ يَدِ المَرْأةِ تَقْدِمَةَ الحُبُوبِ الَّتِي قَدَّمَهَا الزَّوجُ الَّذِي يَشُكُّ بِزَوْجَتِهِ، وَيرفَعُهَا فِي حَضْرَةِ اللهِ ، ثُمَّ يَأْتِي بِهَا إلَى المَذْبَحِ. ثُمَّ يَأْخُذُ الكَاهِنُ مِلءَ كَفِّهِ مِنْ تَقْدِمَةِ الحُبُوبِ كَعَلَامَةٍ، وَيُحْرِقُهُ عَلَى المَذْبَحِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَجْعَلُ الكَاهِنُ المَرْأةَ تَشْرَبُ المَاءَ. وَبَعْدَ أنْ يَجْعَلَهَا تَشْرَبُ المَاءَ، فَإنْ كَانَتْ نَجِسَةً وَغَيْرَ وَفِيَّةٍ لِزَوْجِهَا، فَإنَّ المَاءَ الَّذِي يَأْتِي بِاللَّعنَةِ سَيَدْخُلُ جَوفَهَا وَيُسَبِّبُ لَهَا ألَمًا شَدِيدًا، فَتَتَوَرَّمُ بَطْنُهَا وَتَتَرَهَّلُ فَخْذُهَا، وَتُصبِحُ لَعنَةً وَسَطَ شَعْبِهَا. وَلَكِنْ إنْ لَمْ تَكُنِ المَرْأةُ قَدْ نَجَّسَتْ نَفْسَهَا، لَكِنَّهَا طَاهِرَةٌ، فَإنَّهُ سَيَحْكُمُ بِبَرَاءَتِهَا، وَسَتَكُونُ قَادِرَةً عَلَى الإنجَابِ. «هَذَا هُوَ القَانُونُ المُختَصُّ بِحَالَاتِ الشَّكِّ. حِينَ تَنْحَرِفُ المَرْأةُ بَيْنَمَا هِيَ مُتَزَوِّجَةٌ بِزَوْجِهَا، وَتُنَجِّسُ نَفْسَهَا، أوْ حِينَ يَعْتَرِي الرَّجُلَ رُوحُ غَيْرَةٍ وَيَشُكُّ بِزَوْجَتِهِ، فَإنَّهُ يُوقِفُهَا فِي حَضْرَةِ اللهِ . فَيَعْمَلُ الكَاهِنُ هَذِهِ الأُمُورَ لَهَا. حِينَئِذٍ، لَا يَكُونُ الزَّوجُ مُذْنِبًا، وَأمَّا المَرْأةُ فَتَحْمِلُ عِقَابَ خَطِيَّتِهَا.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: إنْ تَعَهَّدَ رَجُلٌ أوِ امْرأةٌ بِأنْ يَنْذِرَ نَفْسَهُ، مُكَرِّسًا نَفْسَهُ للهِ ، فَعَلَيْهِ أنْ يَمْتَنِعَ عَنْ شُرْبِ الخَمْرِ وَالشَّرَابِ المُسْكِرِ، وَحَتَّى عَنْ شُرْبِ عَصِيرِ العِنَبِ وَأكلِ العِنَبِ الطَّازِجِ أوْ الزَّبِيبِ طِيلَةَ أيَّامِ نَذرِهِ. لَا يَأْكُلْ شَيْئًا مِنْ نِتَاجِ الكَرمَةِ أوْ بُذُورِ العِنَبِ أوْ قِشرِهِ. «طِيلَةَ أيَّامِ نَذْرِهِ، لَا يَنْبَغِي أنْ يَقُصَّ شَعرَ رَأسِهِ، إلَى نِهَايَةِ وَقْتِ تَكْرِيسِهِ للهِ . يُرَبِّي خِصَالَ شَعرِ رَأسِهِ. وَيَكُونُ مُخَصَّصًا للهِ . «طِيلَةَ أيَّامِ تَكْرِيسِهِ للهِ ، لَا يَنْبَغِي أنْ يَدْخُلَ مَكَانًا فِيهِ شَخْصٌ مَيِّتٌ. لَا يَتَنَجَّسْ بِمَيِّتٍ حَتَّى وَإنْ كَانَ أبِاهُ أوْ أُمَّهُ أوْ أخَاهُ أوْ أُختَهُ، لِأنَّ شَعرَهُ يَدُلُّ عَلَى تَكْرِيسِهِ. فَطِيلَةَ أيَّامِ نَذرِهِ، يَكُونُ مُكَرَّسًا للهِ . «وَإنْ مَاتَ شَخْصٌ قُرْبَ النَّذِيرِ فَجْأةً فَنَجَّسَ شَعرَ النَّذِيرِ، فَليَحْلِقْ رَأسَهُ فِي يَوْمِ تَطْهِيرِهِ. يَحْلِقُ شَعرَهُ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ. وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ، يُحضِرُ يَمَامَتَيْنِ أوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ لِلكَاهِنِ فِي مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَيُقَدِّمُ الكَاهِنُ أحَدَ الطَيرَينِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً، وَيُكَفِّرُ عَنْهُ. فَقَدْ أذْنَبَ بِلَمسِهِ لِلمَيِّتِ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، يُقَدِّسُ شَعرَ رَأسِهِ ثَانِيَةً. وَيُكَرِّسُ نَفْسَهُ للهِ طَوَالَ المُدَّةِ الَّتِي تَعَهَّدَ بِأنْ يَكُونَ نَذِيرًا فِيهَا. وَيُحضِرُ حَمَلًا عُمْرُهُ سَنَةٌ ذَبِيحَةَ ذَنْبٍ. وَلَا تُحْسَبُ فَتْرَةُ التَّطْهِيرِ مِنْ أيَّامِ نَذْرِهِ. «وَهَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ: فِي اليَوْمِ الَّذِي فِيهِ تَكْتَمِلُ أيَّامُهُ كَنَذِيرٍ، يُحْضَرُ إلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيُقَدِّمُ مَا يَلِي للهِ : حَمَلًا وَاحِدًا عُمْرُهُ سَنَةٌ لَا عَيْبَ فِيهِ، ذَبِيحَةً صَاعِدَةً نَعْجَةً وَاحِدَةً عُمْرُهَا سَنَةٌ لَا عَيْبَ فِيهَا، ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، كَبْشًا لَا عَيْبَ فِيهِ ذَبِيحَةَ سَلَامٍ، سَلَّةَ خُبْزٍ غَيْرِ مُخْتَمِرٍ مَصْنُوعٍ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ مَمْزُوجٍ بِالزَّيْتِ، وَرَقَائِقَ مَدهُونَةً بِالزَّيْتِ، مَعَ تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ المَطلُوبَةِ. «يُقَدِّمُ الكَاهِنُ هَذِهِ التَّقدِمَاتِ فِي حَضْرَةِ اللهِ . يُقَدِّمُ ذَبِيحَةَ الخَطِيَّةِ وَالذَّبِيحَةَ الصَّاعِدَةَ لِأجْلِ النَّذِيرِ. وَيُقَدِّمُ الكَبْشَ ذَبِيحَةَ سَلَامٍ للهِ مَعَ سَلَّةِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ مَعَ تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ المَطلُوبَةِ. «ثُمَّ يَحْلِقُ النَّذيرُ شَعرَهُ المُكَرَّسَ فِي مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيَأْخُذُ الشَّعْرَ المُكَرَّسَ وَيَضَعُهُ عَلَى النَّارِ أسْفَلَ ذَبِيحَةِ السَّلَامِ. «ثُمَّ يَأْخُذُ الكَاهِنُ كَتِفَ الكَبْشِ المَسْلُوقَةَ، وَرَغِيفًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ مِنَ السَّلَّةِ، وَرَقَاقَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، وَيَضَعُهَا جَمِيعًا فِي كَفَّيِّ النَّذِيرِ، بَعْدَ أنْ يَكُونَ قَدْ حَلَقَ شَعْرَ رَأسِهِ. ثُمَّ يَرْفَعُهَا الكَاهِنُ فِي حَضْرَةِ اللهِ . إنّهَا نَصيبٌ مُخَصَّصٌ لِلكَاهِنِ مَعَ الصَّدْرِ وَالفَخْذِ المَرْفُوعَيْنِ. بَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُ لِلنَّذِيرِ أنْ يَشْرَبَ نَبيِذًا. «هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ الَّذِي يَتَعَهَّدُ بِنَذْرٍ. وَهَذِهِ هِيَ تَقْدِمَتُهُ للهِ لِأجْلِ تَكْرِيسِهِ، وَمَا يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ بَحَسَبِ شَرِيعَةِ النَّذِيرِ. وَلَهُ أنْ يَتَعَهَّدَ بِأكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ أرَادَ، عَلَى أنْ يَلْتَزِمَ بمَا يَتَعَهَّدُ بِهِ. لَكِنْ عَلَيْهِ أنْ يُقَدِّمَ مَا تَنُصُّ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ عَلَى الأقَلِّ.» وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «قُلْ لِهَارُونَ وَأبْنَاءَهُ أنْ يُبَارِكُوا بَنِي إسْرَائِيلَ بِأنْ يَقُولُوا: ‹فَلْيُبَارِكْكُمْ يهوه وَيَحْمِكُمْ. لِيُشْرِقْ يهوه بِوَجْهِهِ عَلَيْكُمْ، وَيَتَلَطَّفْ عَلَيْكُمْ. وَلْيَنْظُرْ يهوه إلَيكُمْ بِحَنَانِهِ، وَيُعطِكُمْ سَلَامًا.› هَكَذَا يَنْبَغِي أنْ يُعلِنَ هَارُونُ وَأبْنَاؤهُ اسْمِي لِيُبَارِكُوا بَنِي إسْرَائِيلَ. وَأنَا سَأُبَارِكُهُمْ.» وَحِينَ انْتَهَى مُوسَى مِنْ إقَامَةِ المَسْكَنِ المُقَدَّسِ، مَسَحَهُ بِالزَّيْتِ وَكَرَّسَهُ مَعَ جَمِيعِ أثَاثِهِ. كَمَا مَسَحَ وَكَرَّسَ المَذْبَحَ وَجَمِيعَ أدَوَاتِهِ. ثُمَّ جَاءَ رُؤَسَاءُ إسْرَائِيلَ، الَّذِينَ هُمْ رُؤَسَاءُ العَائِلَاتِ وَرُؤَسَاءُ القَبَائِلِ، وَالَّذِينَ كَانُوا مَسؤُولِينَ عَنْ إحْصَاءِ الشَّعْبِ، بِتَقْدِمَاتٍ. أحضَرُوا تَقْدِمَاتِهِمْ إلَى مَحْضَرِ اللهِ : سِتَّ عَرَبَاتٍ مُغَطَّاةٍ، وَاثنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا، عَرَبَةً مَعَ كُلِّ رَئِيسَينِ، وَثَورًا مَعَ كُلِّ رَئِيسٍ. وَأحضَرُوا جَمِيعَ تَقْدِمَاتِهِمْ أمَامَ المَسْكَنِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اقْبَلْ هَذِهِ التَّقدِمَاتِ مِنْهُمْ، فَهِيَ سَتُستَخْدَمُ فِي أعْمَالِ نَقلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. أعْطِهَا لِلَّاوِيِّينَ، بِحَسَبِ مَا تَتَطَلَّبُهُ أعْمَالُهُمْ.» فَأخَذَ مُوسَى العَرَبَاتِ وَالثِّيرَانَ، وَأعْطَاهَا لِلَّاوِيِّينَ. أعْطَى عَرَبَتَيْنِ وَأرْبَعَةَ ثِيرَانٍ لِلجَرْشُونِيِّينَ، بِحَسَبِ مَا يَحتَاجُونَ فِي عَمَلِهِمْ. وَأعْطَى أرْبَعَ عَرَبَاتٍ وَثَمَانِيَةَ ثِيرَانٍ لِلمَرَارِيِّينَ، بِحَسَبِ مَا يَحتَاجُونَ فِي عَمَلِهِمْ، تَحْتَ إشرَافِ إيثَامَارَ بْنِ هَارُونَ الكَاهِنِ. وَلَمْ يُعطِ مُوسَى شَيْئًا مِنْهَا لِلقَهَاتِيِّينَ، لِأنَّ عَمَلَهُمْ هُوَ حَملُ الأشْيَاءِ المُقَدَّسَةِ. وَكَانُوا يَحْمِلُونَهَا عَلَى أكتَافِهِمْ. كَمَا أحْضَرَ الرُّؤَسَاءُ تَقْدِمَاتٍ لِأجْلِ تَدْشِينِ المَذْبَحِ فِي اليَوْمِ الَّذِي تَمَّ مَسْحُهُ فِيهِ. أحْضَرَ الرُّؤَسَاءُ تَقْدِمَاتِهِمْ إلَى أمَامِ المَذْبَحِ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «فَلْيُقَدِّمُوا تَقْدِمَاتِهِمْ لِأجْلِ تَدْشِينِ المَذْبَحِ، بِحَيْثُ يُقَدِّمُ رَئِيسٌ وَاحِدٌ فِي اليَوْمِ.» فَكَانَ نَحشُونُ بْنُ عَمِّينَادَابَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، هُوَ مَنْ قَدَّمَ تَقْدِمَتَهُ فِي اليَوْمِ الأوَّلِ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ نَحشُونَ بْنِ عَمِّينَادَابَ. وَفِي اليَوْمِ الثَّانِي قَدَّمَ نَثَنَائِيلُ بْنُ صُوغَرَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ يَسَّاكِرَ، تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ نَثَنَائِيلَ بْنِ صُوغَرَ. وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ قَدَّمَ ألِيآبُ بْنُ حِيلُونَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ، تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ ألِيآبَ بْنِ حِيلُونَ. وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعِ قَدَّمَ ألِيصُورُ بْنُ شَدَيئُورَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ، تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ ألِيصُورَ بْنِ شَدَيئُورَ. وَفِي اليَوْمِ الخَامِسِ، قَدَّمَ شَلُومِيئِيلُ بْنُ صُورِيَشَدَّايَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ شِمْعُونَ، تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ شَلُومِيئِيلَ بْنِ صُورِيَشَدَّايَ. وَفِي اليَوْمِ السَّادِسِ قَدَّمَ ألِيَاسَافُ بْنُ دَعُوئِيلَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ جَادٍ، تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ ألِيَاسَافَ بْنِ دَعُوئِيلَ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، قَدَّمَ ألِيشَمَعُ بْنُ عَمِّيهُودَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ، تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةَ كِبَاشٍ وَخَمْسَةَ تُيُوسٍ وَخَمْسَةَ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ ألِيشَمَعَ بْنِ عَمِّيهُودَ. وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ، قَدَّمَ جَملِيئِيلُ بْنُ فَدَهْصُورَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ جَملِيئِيلَ بْنِ فَدَهْصُورَ. وَفِي اليَوْمِ التَّاسِعِ، قَدَّمَ أبِيدَنُ بْنُ جِدْعُونِي، رَئِيسُ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ أبِيدَنَ بْنِ جِدْعُونِي. وَفِي اليَوْمِ العَاشِرِ، قَدَّمَ أخِيعَزَرُ بْنُ عَمِّيشَدَّايَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ دَانٍ تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ أخِيعَزَرَ بْنِ عَمِّيشَدَّايَ. وَفِي اليَوْمِ الحَادِي عَشَرَ، قَدَّمَ فَجِعِيئِيلُ بْنُ عُكْرَنَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ أشِيرَ، تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ فَجْعِيئِيلَ بْنِ عُكْرَنَ. وَفِي اليَوْمِ الثَّانِي عَشَرَ، قَدَّمَ أخِيرَعُ بْنُ عِينَنَ، رَئِيسُ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي، تَقْدِمَتَهُ. أمَّا تَقْدِمَتُهُ فَهِيَ: طَبَقٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا، زُبدِيَّةٌ مِنَ الفِضَّةِ وَزْنُهَا سَبْعُونَ مِثْقَالًا، كِلْتَاهُمَا بِحَسَبِ الوَزْنِ الرَّسمِيِّ، وَكِلْتَاهُمَا مَملُوءَتَانِ طَحِينًا نَاعِمًا مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ، كَتَقْدِمَةِ حُبُوبٍ. مِغرَفَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ، مَملُوءَةً بَخُورًا. عِجْلٌ وَاحِدٌ، كَبْشٌ وَاحِدٌ، حَمَلٌ وَاحِدٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ لِلذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ. تَيْسٌ وَاحِدٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثَورَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ حِمْلَانٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ لِذَبِيحَةِ السَّلَامِ. كَانَتْ هَذِهِ تَقْدِمَةَ أخِيرَعَ بْنِ عِينَنَ. وَهَذِهِ هِيَ تَقْدِمَةُ تَدْشِينِ المَذْبَحِ المُقَدَّمَةِ مِنْ رُؤَسَاءِ إسْرَائِيلَ حِينَ مُسِحَ: اثنَا عَشَرَ طَبَقًا مِنَ الفِضَّةِ. اثنَتَا عَشَرَ زُبدِيَّةً مِنَ الفِضَّةِ. اثنَتَا عَشَرَ مِغْرَفَةً مِنَ الذَّهَبِ. وَزْنُ كُلِّ طَبَقٍ مِئَةٌ وَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ. وَزنُ كُلِّ زُبدِيَّةٍ سَبْعُونَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ. فَكَانَ وَزنُ جَمِيعِ الأوعِيَةِ الفِضِّيَّةِ ألْفينِ وَأرْبَعَ مِئَةِ مِثْقَالٍ بِحَسَبِ الوَزنِ الرَّسمِيِّ. وَكَانَ وَزْنُ كُلِّ مِغْرَفَةٍ مِنَ مَغَارِفِ البَخُورِ الذَّهَبيَّةِ الِاثنَتَيْ عَشَرَ، عَشْرَةَ مَثَاقيلَ بِحَسَبِ الوَزنِ الرَّسمِيِّ. فَيَكُونُ مَجْمُوعُ أوزَانِهَا مِئَةً وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ. وَكَانَ مَجْمُوعُ الحَيَوَانَاتِ المُقَدَّمَةِ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً اثنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا وَاثنَيْ عَشَرَ كَبْشًا وَاثنَيْ عَشَرَ حَمَلًا ذَكَرًا عُمْرُهُ سَنَةٌ، مَعَ تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ المَطلُوبَةِ، وَاثنَيْ عَشَرَ تَيْسًا لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. وَكَانَ مَجْمُوعُ الحَيَوَانَاتِ المُقَدَّمَةِ كَذَبَائِحِ سَلَامٍ أرْبَعَةً وَعِشرِينَ ثَوْرًا وَسِتِّينَ كَبْشًا وَسِتِّينَ تَيسًا وَسِتِّينَ حَمَلًا ذَكَرًا عُمْرُ الوَاحِدِ سَنَةٌ. هَذِهِ هِيَ تَقْدِمَاتُ تَدْشِينِ المَذْبَحِ بَعْدَ أنْ مُسِحَ. وَحِينَ كَانَ مُوسَى يَدْخُلُ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِيَتَكَلَّمَ إلَى اللهِ ، كَانَ يَسْمَعُ صَوْتَ اللهِ يَتَكَلَّمُ إلَيْهِ مِنْ بَيْنِ الكَارُوبَينِ فَوْقَ غِطَاءِ صُنْدُوقِ الشَّهَادَةِ المُقَدَّسِ. هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي كَانَ اللهُ يَتَكَلَّمُ بِهَا إلَى مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ: ‹حِينَ تُشعِلُ السُّرُجَ، فَيَنْبَغِي أنْ تُضِيءَ السُّرُجُ السَّبْعَةُ المِنْطَقَةَ الوَاقِعَةَ أمَامَ المَنَارَةِ.›» فَعَمِلَ هَارُونُ ذَلِكَ، إذْ أشعَلَ السُّرُجَ لِتُضِيءَ المِنْطَقَةَ الوَاقِعَةَ أمَامَ المَنَارَةِ كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. وَقَدْ صُنِعَتِ المَنَارَةُ مِنْ ذَهَبٍ مَطرُوقٍ مِنْ قَاعِدَتِهَا وَحَتَّى زَهرَاتِهَا. صُنِعَتِ حَسَبَ الشَّكلِ الَّذِي أظْهَرَهُ اللهُ لِمُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «خُذِ اللَّاوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَطَهِّرْهُمْ. وَهَذَا مَا تَفْعَلُهُ لِتَطْهِيرِهِمْ: رُشَّ مَاءَ التَّطهِيرِ عَلَيْهِمْ. وَلْيَحْلِقُوا كُلَّ شَعرِ جِسمِهِمْ. وَلْيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ وَيُطَهِّرُوا أنْفُسَهُمْ. «ثُمَّ لِيَأْخُذُوا ثَوْرًا صَغِيرًا مِنَ القَطِيعِ، وَتَقْدِمَةَ حُبُوبٍ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ. وَلِيَأْخُذُوا ثَوْرًا صَغِيرًا آخَرَ مِنَ القَطِيعِ لِأجْلِ ذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ. ثُمَّ تُحضِرُ اللَّاوِيِّينَ أمَامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَتَجْمَعُ جَمِيعَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَحِينَ تُحضِرُ اللَّاوِيِّينَ إلَى مَحْضَرِ اللهِ ، لِيَضَعِ الشَّعْبُ أيدِيَهُمْ عَلَيْهِمْ. وَهَكَذَا يُقَدِّمُ هَارُونُ اللَّاوِيِّينَ تَقْدِمَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَيَرْفَعُهُمْ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، لِكَي يَخْدِمُوا اللهَ . «يَضَعُ اللَّاوِيُّونَ أيدِيَهُمْ عَلَى رَأسَيِّ الثَّورَينِ، ثُمَّ يُقَدَّمُ أحَدُهُمَا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً للهِ . وَيَتَطَهَّرُ اللَّاوِيُّونَ بِهَاتَيْنِ الذَّبيِحَتَينِ. هَكَذَا تُعَيِّنُ اللَّاوِيِّينَ وَتُخَصِّصُهُمْ لِمُسَاعَدَةِ هَارُونَ وَأبْنَائِهِ. تُقَدِّمُهُمْ تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . خَصِّصِ اللَّاوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إسْرَائِيلَ لِي. اللَّاوِيُّونَ لِي. «وَبَعْدَ ذَلِكَ، يَصِيرُ اللَّاوِيُّونَ مُؤَهَّلِينَ لِلخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، حِينَ تَكُونُ قَدْ طَهَّرْتَهُمْ وَقَدَّمْتَهُمْ للهِ. لِأنَّهُمْ سَيَكُونُونَ مُكَرَّسِينَ لِي بِالْكَامِلِ مِنْ بَيْنِ بَنِي إسْرَائِيلَ. أخَذْتُهُمْ بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ مِنْ أبْكَارِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَأبْكَارُ بَنِي إسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الحَيَوَانَاتِ، لِي. فِي اليَوْمِ الَّذِي ضَرَبْتُ فِيهِ كُلَّ الأبْكَارِ فِي أرْضِ مِصْرٍ، أفرَزْتُ أبْكَارَ إسْرَائِيلَ لِيَكُونُوا لِي. لَكِنِّي سَآخُذُ اللَّاوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ أبْكَارِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَسَأُعْطِي اللَّاوِيِّينَ كُلَّهُمْ لِهَارُونَ وَأبْنَائِهِ مِنْ بَيْنِ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيَقُومُوا بِخِدْمَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَلِيُسَاعِدُوا فِي تَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، لِئَلَّا تأتِيَ كَارِثَةٌ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ لِاقتِرَابِهِمْ كَثِيرًا مِنَ المَكَانِ المُقَدَّسِ.» فَفَعَلَ مُوسَى وَهَارُونُ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ هَذَا الأمْرَ. وَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِلَّاوِيِّينَ بِحَسَبِ مَا أمَرَ اللهُ مُوسَى بِهِ. فَطَهَّرَ اللَّاوِيُّونَ أنْفُسَهُمْ، وَغَسَلُوا ثِيَابَهُمْ. وَقَدَّمَهُمْ هَارُونُ تَقْدِمَةً فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَكَفَّرَ عَنْ خَطَايَاهُمْ لِيُطَهِّرَهُمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ، صَارَ اللَّاوِيُّونَ مُؤَهَّلِينَ لِلقِيَامِ بِخِدمَتِهِمْ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ تَحْتَ إشرَافِ هَارُونَ وَأبْنَائِهِ. عُمِلَ بِاللَّاوِيِّينَ بِحَسَبِ مَا أمَرَ اللهُ مُوسَى بِهِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «هَذَا مَا فُرِضَ عَلَى اللَّاوِيِّينَ: كُلُّ ذَكَرٍ يَبْلُغُ خَمْسًا وَعِشرِينَ سَنَةً أوْ أكْثَرَ يَكُونُ مُؤَهَّلًا لِلخِدْمَةِ فِي أعْمَالِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. لَكِنْ فِي سِنِّ الخَمسِينِ، يَنْبَغِي عَلَى كُلِّ لَاوِيٍّ أنْ يَتَقَاعَدَ مِنْ خِدْمَةِ أعْمَالِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيَتَوَقَّفَ عَنْ عَمَلِهَا. يُمْكِنُهُ أنْ يُسَاعِدَ اللَّاوِيِّينَ الآخَرِينَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ بِالحِرَاسَةِ. لَكِنَّهُ لَا يَقُومُ بِالأعْمَالِ الثَّقِيلَةِ. هَكَذَا تَتَعَامَلُ مَعَ اللَّاوِيِّينَ فِي خِدمَتِهِمْ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ.» وَتَكَلَّمَ اللهُ إلَى مُوسَى فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ فِي الشَّهْرِ الأوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أنْ تَرَكُوا أرْضَ مِصْرٍ، فَقَالَ: «لِيَحْتَفِلْ بَنُو إسْرَائِيلَ بِعِيدِ الفِصْحِ فِي مَوْعِدِهِ المُعَيَّنِ. تَحْتَفِلُون بِهِ فِي مَوعِدِهِ فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ بَعْدَ الغُرُوبِ وَقَبْلَ حُلُولِ الظَلَامِ. وَتُحَافِظُونَ عَلَى شَرَائِعِهِ وَقَوَاعِدِهِ.» فَطَلَبَ مُوسَى مِنَ الشَّعْبِ أنْ يَحْتَفِلُوا بِالفِصْحِ. فَاحْتَفَلُوا بِالفِصْحِ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ، بَعْدَ الغُرُوبِ وَقَبْلَ حُلُولِ الظَلَامِ، فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ. فَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ هَذَا بِحَسَبِ مَا أمَرَ اللهُ مُوسَى بِهِ. وَكَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ غَيْرُ طَاهِرِينَ بِسَبَبِ لَمْسِهِمْ لِجَسَدِ مَيِّتٍ، فَلَمْ يَكُونُوا قَادِرِينَ عَلَى الِاحْتِفَالِ بِالفِصْحِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. فَجَاءُوا إلَى مُوسَى وَهَارُونَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَقَالُوا: «لَسْنَا طَاهِرِينَ بِسَبَبِ لَمْسِنَا لِجَسَدٍ مَيِّتٍ، وَلَا نَسْتَطِيعُ أنْ نُقَدِّمَ للهِ التَّقدِمَةَ فِي مَوعِدِهَا مَعَ بَقِيَّةِ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَمَاذَا نَفْعَلُ؟» فَقَالَ مُوسَى لَهُمْ: «انْتَظِرُونِي. سَأسمَعُ مَا سَيَأْمُرُ اللهُ بِهِ بِشَأنِكُمْ.» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: إنْ تَنَجَّسَ أحَدٌ مِنْكُمْ أوْ مِنْ أوْلَادِكُمْ بِسَبَبِ لَمسِ جَسَدٍ مَيِّتٍ، أوْ كَانَ فِي رِحلَةٍ طَوِيلَةٍ، فَعَلَيْهِ أنْ يَحْتَفِلَ بِالفِصحِ للهِ . يَنْبَغِي أنْ يَحْتَفِلُوا بِالفِصْحِ فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي، بَعْدَ الغُرُوبِ وَقَبْلَ حُلُولِ الظَلَامِ. وَلْيَأْكُلُوا حَمَلَ الفِصْحِ مَعَ خُبْزٍ غَيْرِ مُخْتَمِرٍ وَأعشَابٍ مُرَّةٍ. وَلَا يَتْرُكُوا شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى الصَّبَاحِ، وَلَا يَكْسِرُوا عَظْمًا وَاحِدًا مِنْ عِظَامِهِ. يَنْبَغِي أنْ يَحْتَفِلُوا بِهِ بِحَسَبِ جَمِيعِ شَرَائِعِ الفِصْحِ. وَأمَّا الشَّخصُ الطَّاهِرُ وَالَّذِي لَيْسَ عَلَى سَفَرٍ، لَكِنَّهُ يَتَجَاهَلُ الفِصْحَ، فَيُقطَعُ مِنَ الشَّعْبِ، لِأنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ تَقْدِمَةَ اللهِ فِي مَوعِدِهَا المُعَيَّنِ. وَهَكَذَا يُعَاقَبُ عَلَى خَطِيَّتِهِ. «وَإنْ كَانَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ مُقِيمٌ، وَيُرِيدُ أنْ يَحْتَفِلَ بِفِصْحِ اللهِ ، فَلْيَحْفَظْهُ بِحَسَبِ شَرَائِعِ الفِصْحِ وَقَوَاعِدِهِ. الشِّريعَةُ نَفْسُهَا لِلغَرِيبِ وَالمُواطِنِ.» وَفِي اليَوْمِ الَّذِي أُقيمَ بِهِ المَسْكَنُ المُقَدَّسُ، غَطَّتِ السَّحَابَةُ المَسكَنَ وَخَيْمَةَ العَهْدِ. وَفِي المَسَاءِ مَكَثَتِ السَّحَابَةُ فَوْقَ المَسْكَنِ، وَكَانَتْ تَبْدُو كَالنَّارِ حَتَّى الصَّبَاحِ. كَانَ الأمْرُ كَذَلِكَ دَائِمًا، فَكَانَتِ السَّحَابَةُ تُغَطِّي الخَيْمَةَ المُقَدَّسَةَ فِي النَّهَارِ، وَفِي اللَّيلِ كَانَتِ السَّحَابَةُ تَبْدُو كَالنَّارِ. وَحِينَ كَانَتِ السَّحَابَةُ تَرْتَفِعُ مِنْ فَوقِ الخَيْمَةِ، كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يِرْتَحِلُونَ. وَحَيْثُمَا كَانَتِ الخَيْمَةُ تَسْتَقِرُّ، كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يُخَيِّمونَ. فَكَانَ بنُو إسْرَائِيلَ يِرْتَحِلُونَ بِعَلَامَةٍ مِنَ اللهِ ، وَيُخَيِّمُونَ بِعَلَامَةٍ مِنَ اللهِ . كَانُوا يَمْكُثُونَ فِي المُخَيَّمِ مَا مَكَثَتِ السَّحَابَةُ فَوْقَ المَسْكَنِ. فَإذَا طَالَ بَقَاءُ السَّحَابَةِ فَوْقَ المَسْكَنِ لِعِدَّةِ أيَّامٍ، كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يَحْفَظُونَ أمْرَ اللهِ ، فَلَمْ يَكُونُوا يِرْتَحِلُونَ. وَكَذَلِكَ الأمْرُ إذَا بَقِيَتِ السَّحَابَةُ فَوْقَ المَسْكَنِ لِبِضْعَةِ أيَّامٍ. فَكَانُوا يُخَيِّمُونَ بِعَلَامَةٍ مِنَ اللهِ ، وَيِرْتَحِلُونَ بِعَلَامَةٍ مِنَ اللهِ . وَحَتَّى حِينَ كَانَتِ السَّحَابَةُ تَبْقَى فَوْقَ الخَيْمَةِ المُقَدَّسَةِ مِنَ المَسَاءِ وَحَتَّى الصَّبَاحِ فَقَطْ، ثُمَّ تَرْتَفِعُ فِي الصَّبَاحِ، كَانُوا يِرْتَحِلُونَ. فَسَوَاءٌ أكَانَ الوَقْتُ نَهَارًا أمْ لَيْلًا، كَانُوا يِرْتَحِلُونَ حِينَ تَرْتَفِعُ السَّحَابَةُ. وَإنْ مكَثَتِ السَّحَابَةُ فَوْقَ المَسْكَنِ لِأيَّامٍ كَثِيرَةٍ، كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يَمْكُثُونَ فَلَا يِرْتَحِلُونَ. لَكِنْ حِينَ كَانَتْ تَرْتَفِعُ، كَانُوا يِرْتَحِلُونَ. فَكَانُوا يُخَيِّمُونَ بِعَلَامَةٍ مِنَ اللهِ ، وَيِرْتَحِلُونَ بِعَلَامَةٍ مِنَ اللهِ . كَانُوا يَحْفَظُونَ أمْرَ اللهِ الَّذِي سَمِعُوهُ مِنْ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اصنَعْ لِنَفْسِكَ بُوقَينِ مِنْ فِضَّةٍ مَطرُوقَةٍ. استَخْدِمْهُمَا لِتَدْعُوَ الشَّعْبَ لِلِاجْتِمَاعِ، وَتُعلِنَ لِلمُخَيَّمَاتِ مَوَاعِيدَ الرَّحِيلِ. فَحِينَ يُنْفَخُ فيهِمَا مَعًا، يَجْتَمِعُ الشَّعْبُ أمَامَكَ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فإنْ نُفِخَ فِي أحَدِ البُوقَينِ، يَجْتَمِعُ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ إسرَائيلَ أمَامَكَ. «وَحِينَ تُنْفَخُ نَفخَاتٌ قَصِيرَةٌ، يَكُونُ عَلَى المُخَيَّمَاتِ فِي الشَّرقِ أنْ تَرْتَحِلَ. وَحِينَ تُنْفَخُ النَّفخَاتُ القَصِيرَةُ ثَانِيَةً، يَكُونُ عَلَى المُخَيَّمَاتِ فِي الجَنُوبِ أنْ تَرْتَحِلَ. تُنْفَخُ نَفخَاتٌ قَصِيرَةٌ لِيَنْطَلِقَ الشَّعْبُ. وَحِينَ تُرِيدُ أنْ تَجْمَعَ الشَّعْبَ، تُنْفَخُ نَفخَاتٌ طَوِيلَةٌ ثَابِتَةٌ. وَفَقَطْ أبْنَاءُ هَارُونَ، الكَهَنَةُ، هُمْ يَنْفُخُونَ فِي الأبوَاقِ. هَذِهِ فَريضَةٌ لَكُمْ إلَى الأبَدِ فِي كُلِّ أجيَالِكُمْ. وَحِينَ تَذْهَبُونَ لِتُحَارِبُوا أعْدَاءَكُمُ الَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ فِي أرْضِكُمْ، انْفُخُوا فِي الأبوَاقِ، فيَلْتَفِتُ إلَيكُمْ ، وَيُنقِذُكُمْ مِنْ أعْدَائِكُمْ. وَفِي أوْقَاتِ احْتِفَالَاتِكُمِ وَأعْيَادِكُمْ وَبِدَايَاتِ شُهُورِكُمْ، تَنْفُخُونَ فِي الأبوَاقِ حِينَ تُقَدِّمُونَ الذَّبَائِحَ الصَّاعِدَةَ وَذَبَائِحَ السَّلَامِ، فَألتَفِتَ إلَيكُمْ. أنَا .» فِي اليَوْمِ العِشرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، ارتَفَعَتِ السَّحَابَةُ مِنْ فَوقِ مَسْكَنِ العَهْدِ. فَبَدَأ بَنُو إسْرَائِيلَ رِحلَاتِهِمْ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينَاءَ، حَتَّى استَقَرَّتِ السَّحَابَةُ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ. فَارتَحَلُوا لِلمَّرَّةِ الأُولَى بِحَسَبِ العَلَامَةِ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لِمُوسَى. فَارتَحَلَ مُخَيَّمُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا أوَّلًا بِحَسَبِ مَجمُوعَاتِهِمْ. وَكَانَ نَحشُونُ بْنُ عَمِّينَادَابَ رَئِيسًا لِمَجمُوعَةِ يَهُوذَا. وَكَانَ نَثَنَائِيلُ بْنُ صُوغَرَ، رَئِيسًا لِمَجمُوعَةِ يَسَّاكَرَ. وَكَانَ ألِيآبُ بْنُ حِيلُونَ رَئِيسًا لِمَجمُوعَةِ زَبُولُونَ. ثُمَّ فُكِّكَ المَسْكَنُ، وَارتَحَلَ الجَرشُونِيُّونَ وَالمَرَارِيُّونَ الَّذِينَ حَملُوا المَسْكَنَ بَعْدَ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. ثُمَّ ارْتَحَلَ قِسمُ مُخَيَّمِ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ بِحَسَبِ مَجمُوعَاتِهِمْ. وَكَانَ ألِيصُورُ بْنُ شَدَيئُورَ رَئِيسًا لِمَجمُوعَةِ رَأُوبَيْنَ. وَكَانَ شَلُومِيئِيلُ بْنُ صُورِيَشَدَّايَ رَئِيسًا لِمَجمُوعَةِ قَبِيلَةِ شِمْعُونَ. وَكَانَ ألِيَاسَافُ بْنُ دَعُوئِيلَ رَئِيسًا لِمَجمُوعَةِ جَادٍ. ثُمَّ ارْتَحَلَ القَهَاتِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْمِلُونَ الأشْيَاءَ المُقَدَّسَةَ. وَأُقيمَ المَسْكَنُ قَبْلَ وُصُولِ القَهَاتِيِّينَ. ثُمَّ ارْتَحَلَ مُخَيَّمُ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ بِحَسَبِ مَجْمُوعَاتِهِمْ. وَكَانَ ألِيشَمَعُ بْنُ عَمِّيهُودَ رَئِيسًا لِمَجْمُوعَةِ أفْرَايِمَ. وَكَانَ جَملِيئِيلُ بْنُ فَدَهْصُورَ رَئِيسًا لِمَجْمُوعَةِ مَنَسَّى. وَكَانَ أبِيدَنُ بْنُ جِدْعُونِي رَئِيسًا لِمَجْمُوعَةِ بَنْيَامِينَ. ثُمَّ ارْتَحَلَ قِسْمُ مُخَيَّمِ قَبِيلَةِ دَانٍ، مُؤَخَّرَةُ جَمِيعِ المُخَيَّمَاتِ. وَكَانَ أخِيعَزَرُ بْنُ عَمِّيشَدَّايَ رَئِيسًا لِمَجْمُوعَةِ دَانٍ. وَكَانَ فَجعِيئِيلُ بْنُ عُكْرَنَ رَئِيسًا لِمَجْمُوعَةِ أشِيرَ. وَكَانَ أخِيرَعُ بْنُ عِينَنَ، رَئِيسًا لِمَجْمُوعَةِ نَفْتَالِي. هَذَا هُوَ تَرْتِيبُ بَنِي إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ مَجْمُوعَاتِهِمْ حِينَ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. وَقَالَ مُوسَى لِحُوبَابَ بْنِ رَعُوئِيلَ المِديَانِيِّ، حَمِي مُوسَى: «إنَّنَا مُرْتَحِلُونَ إلَى المَكَانِ الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِإعطَائِهِ لَنَا. تَعَالَ مَعَنَا، وَسَنُكْرِمُكَ، لِأنَّ اللهَ وَعَدَ بِالخَيْرِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ.» لَكِنَّ حُوبَابَ قَالَ لِمُوسَى: «لَنْ أذْهَبَ مَعَكُمْ، لَكِنِّي سَأذْهَبُ إلَى أرْضِي وَعَشِيرَتِي.» فَقَالَ لَهُ مُوسَى: «لَا تَتْرُكْنَا، فَأنْتَ تَعْرِفُ أيْنَ يُمكِنُنَا أنْ نُخَيِّمَ فِي الصَّحرَاءِ. سَتَكُونُ مُرشِدًا لَنَا. إنْ جِئتَ مَعَنَا، فَإنَّهُ مَهْمَا عَمِلَ اللهُ مِنْ أُمُورٍ صَالِحَةٍ، فَإنَّنَا سَنَعمَلُ الأُمُورَ ذَاتَهَا لَكَ.» فَارتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ اللهِ وَسَافَرُوا لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ. وَسَارَ الكَهَنَةُ بِصُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ المُقَدَّسِ أمَامَهُمْ عَلَى مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِنَ السَّفَرِ، لِيَجِدُوا لَهُمْ مَكَانًا لِيُخَيِّمُوا فِيهِ. وَكَانَتْ سَحَابَةُ اللهِ فَوقَهُمْ طِيلَةَ اليَوْمِ حِينَ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ مِنْ مَكَانِ تَخْيِيمِهِمْ. حِينَ كَانَ الصُّندُوقُ المُقَدَّسُ يَرْتَحِلُ كَانَ مُوسَى يَقُولُ: «قُمْ يَا اللهُ ، وَلْيَتَبَدَّدْ أعْدَاؤُكَ، وَلْيَهْرُبْ كَارِهُوكَ مِنْكَ.» وَحِينَ كَانَ الصُّندُوقُ يَنْزِلُ، كَانَ مُوسَى يَقُولُ: «عُدْ يَا اللهُ إلَى عَشَرَاتِ أُلُوفِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ.» وَحِينَ بَدَأ الشَّعْبُ يَتَذَمَّرُونَ بِشِدَّةٍ أمَامَ اللهِ ، سَمِعَ اللهُ تَذَمُّرَهُمْ وَغَضِبَ جِدًّا. فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنَ اللهِ عَلَيْهِمْ وَالتَهَمَتْ بَعْضَ الخِيَمِ فِي أطرَافِ المُخَيَّمِ. فَصَرَخَ الشَّعْبُ إلَى مُوسَى طَالِبِينَ العَونَ، فَصَلَّى مُوسَى إلَى اللهِ ، فَخَمَدَتِ النَّارُ. وَلِذَا دَعُوا ذَلِكَ المَكَانَ تَبْعِيرَةَ، لِأنَّ نَارًا مَنْ عِندِ اللهِ خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ هُنَاكَ. وَاشتَهَى الغُرَبَاءُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرٍ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ طَعَامًا أفْضَلَ. وَبَكَى بَنُو إسْرَائِيلَ ثَانِيَةً وَقَالُوا: «مَنْ يُعطِينَا لَحْمًا لِنَأكُلَ؟ نَحْنُ نَتَحَسَّرُ عَلَى السَّمَكِ الَّذِي كُنَّا نَأكُلُهُ فِي مِصْرٍ مَجَّانًا. وَكَذَلِكَ عَلَى الخِيَارِ وَالبَطِّيخِ وَالكُرَّاثِ وَالبَصَلِ وَالثَّومِ. أمَّا الآنَ فَقَدْ فَقَدْنَا شَهِيَّتَنَا، فَلَيْسَ هُنَاكَ سِوَى هَذَا المَنِّ لِنَنظُرَ إلَيْهِ.» كَانَ المَنُّ كَبُذُورِ الكُزبَرَةِ، وَلَونُهُ كَالصَّمغِ. فَانتَشَرَ النَّاسُ وَجَمَعُوا المَنَّ. فَكَانُوا يَطْحَنُونَهُ بَحَجَرَيِّ الرَّحَى أوْ يَدُقُّونَهُ فِي الهَاوِنِ. ثُمَّ يَسْلُقُونَهُ فِي قِدْرٍ وَيَصْنَعُونَ مِنْهُ كَعْكًا، طَعمُهُ كَطَعمِ الكَعْكِ المَقلِيِّ بِالزَّيْتِ. فَحِينَ كَانَ النَّدَى يَأْتِي عَلَى أرْضِ المُخَيَّمِ فِي اللَّيلِ، كَانَ المَنُّ يَنْزِلُ مَعَهُ. فَسَمِعَ مُوسَى الشَّعْبَ يَبْكُونَ فِي عَشَائِرِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَدْخَلِ خَيْمَتِهِ. فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا، وَتَضَايَقَ مُوسَى مِنْ كُلِّ هَذَا. وَقَالَ مُوسَى للهِ : «لِمَاذَا سَبَّبْتَ لِي الضِّيقَ وَأنَا خَادِمُكَ؟ لِمَاذَا لَمْ أحظَ بِرِضَاكَ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَ مَسؤُولِيَّةَ هَذَا الشَّعْبِ وَحِملَهُ عَلَى أكتَافِي؟ هَلْ حَبِلْتُ بِكُلِّ هَذَا الشَّعْبِ؟ هَلْ وَلَدْتُهُمْ حَتَّى تَقُولَ لِي: ‹احْمِلْهُمْ فِي حِضْنِكَ كَالمُرَبِّيَةِ الَّتِي تَحْمِلُ طِفْلًا، إلَى الأرْضِ الَّتِي وَعَدْتُ بِأنْ أُعْطِيَهَا لِآبَائِهِمْ؟› مِنْ أيْنَ لِي لَحْمٌ لِأُعْطِيَ كُلَّ هَذَا الشَّعْبِ حِينَ يَبْكُونَ أمَامِي وَيَقُولُونَ: ‹أعْطِنَا لَحْمًا لِنَأكُلَ؟› لَا أسْتَطِيعُ أنْ أهتَمَّ بِكُلِّ هَذَا الشَّعْبِ وَحْدِي، لِأنَّهُ أكْثَرُ مِمَّا أسْتَطِيعُ قِيَادَتَهُ. فَإنْ كُنْتَ سَتُعَامِلُنِي هَكَذَا، فَأسألُكَ أنْ تَقْتُلَنِي، إنْ حَظِيتُ بِرِضَاكَ، وَلَا تَدَعْنِي أرَى بَلِيَّتِي وَبُؤْسِي أكْثَرَ.» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اجْمَعْ لِي سَبعِينَ مِنْ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ تَعْرِفُ أنَّهُمْ شُيُوخٌ وَقَادةٌ لِلشَّعْبِ. أحضِرْهُمْ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَأوقِفْهُمْ هُنَاكَ مَعَكَ. فَسَأنزِلُ وَأتَكَلَّمُ مَعَكَ هُنَاكَ. سَآخُذُ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْكَ وَأضَعُ عَلَيْهِمْ، فَيُسَاعِدُونَكَ فِي الِاهتِمَامِ بِالشَّعْبِ حَتَّى لَا تَهْتَمَّ بِهِمْ وَتَحْمِلَ مَسْؤُولِيَّتَهُمْ وَحْدَكَ. «وَقُلْ لِلشَّعْبِ: قَدِّسُوا أنْفُسَكُمْ لِأجْلِ الغَدِ، وَسَتَأْكُلُونَ لَحْمًا، لِأنَّكُمْ بَكَيتُمْ أمَامَ اللهِ وَقُلْتُمْ: ‹مَنْ يُعطِينَا لَحْمًا لِنَأكُلَ؟ كَانَ الوَضعُ فِي مِصْرٍ أفْضَلَ.› سَيُعطِيكُمُ اللهُ لَحْمًا فَتَأْكُلُونَهُ. وَلَنْ تَأْكُلُوا مِنْهُ لِيَومٍ أوِ يَومينِ أوْ خَمْسَةِ أيَّامٍ أوْ عَشْرَةٍ أوْ عِشْرِينَ يَومًا، لَكِنَّكُمْ سَتَأْكُلُونَ لَحْمًا لِشَهرٍ كَامِلٍ إلَى أنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنَاخِرِكُمْ فَتَقْرَفُونَهُ! لِأنَّكُمْ رَفَضْتُمْ اللهَ السَّاكِنَ فِي وَسَطِكُمْ، وَبَكَيتُمْ أمَامَهُ وَقُلْتُمْ: ‹لِمَاذَا خَرَجْنَا مِنْ مِصْرٍ؟›» ثُمَّ قَالَ مُوسَى للهِ: «مَعِي سِتُّ مِئَةِ ألْفِ رَجُلٍ، وَمَعَ هَذَا فَأنْتَ تَقُولُ: ‹سَأُعْطِيهِمْ لَحْمًا، وَسَيَأْكُلُونَ مِنْهُ لِمُدَّةِ شَهرٍ كَامِلٍ.› إنْ ذُبِحَتِ الأغْنَامُ وَالأبْقَارُ، فَهَلْ سَيَكُونُ ذَلِكَ كَافِيًا لَهُمْ؟ وَحَتَّى لَوْ اصْطَدْنَا كُلَّ سَمَكِ البَحْرِ فَلَنْ يَكْفِيَهُمْ.» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «هَلْ قُدْرَةُ اللهِ مَحْدُودَةٌ؟ سَتَرَى الآنَ إنْ كَانَ مَا قُلْتُهُ سَيَتِمُّ أمْ لَا.» فَخَرَجَ مُوسَى وَأخبَرَ الشَّعْبَ بِمَا قَالَهُ اللهُ ، وَجَمَعَ السَّبعِينَ رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ وَجَعَلَهُمْ يَقِفُونَ حَوْلَ الخَيْمَةِ. ثُمَّ نَزَلَ اللهُ فِي السَّحَابَةِ وَتَكَلَّمَ إلَى مُوسَى. وَأخَذَ اللهُ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ عَلَى مُوسَى وَوَضَعَهُ عَلَى السَّبعِينَ شَيخًا. وَحِينَ حَلَّ الرُّوحُ عَلَيْهِمْ بَدَأُوا يَتَنَبَّأُونَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَنَبَّأُوا مَرَّةً ثَانِيَةً. وَكَانَ اثْنَانِ مِنَ الرِّجَالِ قَدْ بَقِيَا فِي المُخَيَّمِ، وَكَانَ اسْمُ أحَدِهِمَا ألْدَادَ وَاسْمُ الثَّانِي مِيدَادَ. وَحَلَّ الرُّوحُ عَلَيْهِمَا. وَكَانَا مِنْ ضِمنِ المُسَجَّلِينَ، وَلَكِنَّهُمَا لَمْ يَخْرُجَا إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَلِذَا كَانَا يَتَنَبَّآنِ فِي المُخَيَّمِ. فَرَكَضَ شَابٌّ وَقَالَ لِمُوسَى: «ألْدَادُ وَمِيدَادُ يَتَنَبَّآنِ فِي المُخَيَّمِ.» فَقَالَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ مُسَاعِدُ مُوسَى مُنْذُ شَبَابِهِ: «يَا سَيِّدِي مُوسَى، أوقِفْهُمَا.» فَقَالَ مُوسَى لَهُ: «أتَغَارُ عَلَيَّ؟ إنَّنِي أتَمَنَّى لَوْ أنَّ كُلَّ شَعْبِ اللهِ كَانُوا أنْبِيَاءَ، إذْ يَضَعُ اللهُ رُوحَهُ عَلَيْهِمْ.» ثُمَّ رَجِعَ مُوسَى وَالشُّيُوخُ إلَى المُخَيَّمِ. وَهَبَّتْ رِيحٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، فَسَاقَتْ طُيُورَ السَّلوَى مِنَ البَحْرِ، وَنَشَرَتْهَا حَوْلَ المُخَيَّمِ. كَانَتِ الطُّيُورُ عَلَى بُعْدِ مَسِيرِ يَوْمٍ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ المُخَيَّمِ، وَعَلَى ارْتِفَاعِ ذِرَاعَيْنِ! فَقَامَ النَّاسُ وَجَمَعُوا مِنَ السَّلوَى طِيلَةَ ذَلِكَ اليَوْمِ وَتِلْكَ اللَّيلَةِ وَاليَوْمِ التَّالِي. وَأقَلُّ كَمِّيَّةٍ جَمَعَهَا فَرْدٌ وَاحِدٌ، كَانَتْ نَحْوَ عَشْرَةِ أكيَاسٍ كَبِيرَةٍ! وَنَشَرُوا السَّلوَى حَوْلَ المُخَيَّم. وَبَيْنَمَا كَانَ اللَّحمُ مَا يَزَالُ بَيْنَ أسنَانِهِمْ، وَقَبْلَ أنْ يُلتَهَمَ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى الشَّعْبِ، وَأرْسَلَ اللهُ مَرَضًا فَظِيعًا عَلَى الشَّعْبِ. وَلِذَا دَعَوا ذَلِكَ المَكَانَ قَبَرُوتَ هَتَّأوَةَ، لِأنَّهُمْ هُنَاكَ دَفَنُوا ذَوِي الشَّهوَةِ. وَمِنْ قَبَرُوتَ هَتَّأوَةَ ارْتَحَلَ الشَّعْبُ إلَى حَضَيرُوتَ وَمَكَثُوا فِيهَا. وَتَكَلَّمَتْ مَريَمُ وَهَارُونُ عَلَى مُوسَى بِسَبَبِ المَرْأةِ الكُوشِيَّةِ الَّتِي كَانَ تَزَوَّجَهَا، لِأنَّهُ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ امْرأةً كُوشِيَّةً، فَقَالَا: «هَلْ تَكَلَّمَ اللهُ مِنْ خِلَالِ مُوسَى فَقَطْ؟ ألَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ خِلَالِنَا أيْضًا؟» فَسَمِعَ اللهُ هَذَا الكَلَامَ. أمَّا مُوسَى فَقَدْ كَانَ مُتَوَاضِعًا جِدًّا أكْثَرَ مِنْ كُلِّ النَّاسِ عَلَى الأرْضِ. وَفَورًا، قَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ وَمَريَمَ: «اخرُجُوا ثَلَاثَتُكُمْ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ.» فَخَرَجَ ثَلَاثَتُهُمْ. ثُمَّ نَزَلَ اللهُ فِي عَمُودِ سَحَابٍ وَوَقَفَ فِي مَدْخَلِ الخَيْمَةِ، وَدَعَا هَارُونَ وَمَريَمَ، فَخَرَجَ كِلَاهُمَا. فَقَالَ اللهُ : «اسْمَعَا كَلَامِي: حِينَ يَكُونُ هُنَاكَ نَبِيٌّ بَيْنَكُمْ فَإنَّنِي، أنَا اللهَ ، أُعلِنُ عَنْ نَفْسِي لَهُ بِرُؤْيَا، وَقَدْ أتَكَلَّمُ مَعَهُ فِي حُلْمٍ. لَكِنِّي لَا أتَعَامَلُ هَكَذَا مَعَ خَادِمِي مُوسَى، فَأنَا أثِقُ بِمُوسَى فِي كُلِّ شُؤُونِ بَيْتِي. أتَكَلَّمُ إلَيْهِ مُبَاشَرَةً وَبِوُضُوحٍ وَلَيْسَ بِألغَازٍ، وَهُوَ يَرَى شَكلَ اللهِ . كَيْفَ لَمْ تَخَافَا مِنَ الإسَاءَةِ لِخَادِمِي مُوسَى؟» وَاشتَعَلَ غَضَبُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَتَرَكَهُمَا. وَحِينَ ارتَفَعَتِ السَّحَابَةُ مِنَ الخَيْمَةِ، كَانَ جِلْدُ مَريَمَ أبْيَضَ كَالثَّلجِ. فَرآهَا هَارُونُ وَعَرَفَ أنَّهَا بَرْصَاءُ. فَقَالَ هَارُونُ لِمُوسَى: «يَا سَيِّدِي، لَا تُعَاقِبْنَا، فَقَدْ تَصَرَّفْنَا بِحَمَاقَةٍ وَأخطَأنَا. فَلَا تَتْرُكْهَا حَتَّى يَنْسَلِخَ جِلْدُهَا كَطِفلٍ وُلِدَ مَيِّتًا نِصْفَ مُشَوَّهٍ.» فَصَرَخَ مُوسَى إلَى اللهِ : «يَا اللهُ، اشْفِهَا.» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «لَوْ بَصَقَ أبُوهَا فِي وَجْهِهَا، أفَمَا كَانَتْ سَتَبْقَى مَخزِيَّةً لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. فَلْتُطْرَدْ خَارِجَ المُخَيَّمِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَعُودُ.» فَوَضَعُوا مَريَمَ خَارِجَ المُخَيَّمِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَلَمْ يَرْتَحِلِ الشَّعْبُ حَتَّى عَادَتْ مَريَمُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ ارْتَحَلَ الشَّعْبُ مِنْ حَضَيرُوتَ وَخَيَّمُوا فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أرسِلْ رِجَالًا لِيَسْتَكْشِفُوا أرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي سَأُعْطِيهَا لِبَنِي إسْرَائِيلَ. أرسِلُوا رَجُلًا مِنْ كُلِّ عَشِيرَةٍ بِحَيْثُ يَكُونُ مِنْ قَادَةِ قَبِيلَتِهِ.» فَأرسَلَهُمْ مُوسَى مِنْ بَرِّيَّةِ فَارَانَ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ . وَكَانَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ مِنْ قَادَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاؤُهُمْ: مِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ شَمُّوعُ بْنُ زَكُّورَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ شِمْعُونَ شَافَاطُ بْنُ حُورِي. وَمِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا كَالَبُ بْنُ يَفُنَّةَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ يسَّاكِرَ يَجْآلُ بْنُ يُوسُفَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ هُوشَعُ بْنُ نُونٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ فَلْطِي بْنُ رَافُو. وَمِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ جَدِّيئِيلُ بْنُ سُودِي. وَمِنْ عَشِيرَةِ يُوسُفَ، أيْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى جِدِّي بْنُ سُوسِي. وَمِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ عَمِّيئِيلُ بْنُ جَمَلِّي. وَمِنْ قَبِيلَةِ أشِيرَ سَتُورُ بْنُ مِيخَائِيلَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي نَحْبِي بْنُ وَفْسِي. وَمِنْ قَبِيلَةِ جَادٍ جَأُوئِيلُ بْنُ مَاكِي. هَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ الرِّجَالِ الَّذِينَ أرسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا الأرْضَ وَيَسْتَكْشِفُوهَا. أمَّا هُوشَعُ بْنُ نُونٍ فَدَعَاهُ مُوسَى يَشُوعَ. وَحِينَ أرسَلَهُمْ مُوسَى لِاستِكشَافِ أرْضِ كَنْعَانَ، قَالَ لَهُمْ: «اصْعَدُوا إلَى النَّقَبِ ثُمَّ إلَى مِنْطَقَةِ التِّلَالِ. تَفَحَّصُوا طَبِيعَةَ الأرْضِ، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا. أهُمْ أقوِيَاءُ أمْ ضُعَفَاءُ، قَلِيلُونَ أمْ كَثِيرُونَ؟ تَفَحَّصُوا طَبِيعَةَ الأرْضِ الَّتِي يَعِيشُونَ فِيهَا، إنْ كَانَتْ حَسَنَةً أمْ رَدِيئَةً، وَهَلْ هِيَ مُخَيَّمَاتٌ مَفتُوحَةٌ أمْ حُصُونٌ تُحِيطُهَا أسوَارٌ. وَافْحَصُوا الأرْضَ إنْ كَانَتْ خَصْبَةً أمْ فَقِيرَةً. وَإنْ كَانَ هُنَاكَ أشْجَارٌ أوْ لَا. وَاحْرِصُوا أنْ تُحضِرُوا مِنْ ثَمَرِ الأرْضِ.» فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الوَقْتُ بِدَايَةَ مَوسِمِ العِنَبِ. فَذَهَبُوا وَاستَكْشَفُوا الأرْضَ مِنْ بَرِّيَّةِ صِينٍ إلَى رَحُوبَ قُرْبَ مَدْخَلِ حَمَاةَ. فَذَهَبُوا إلَى النَّقَبِ، وَأتَوْا إلَى حَبْرُونَ . وَكَانَتْ قَبَائِلُ أخِيمَانَ وَشِيشَايَ وَتَلْمَايَ تَسْكُنُ هُنَاكَ – وَهُمْ مِنْ نَسْلِ عَنَاقَ. وَكَانَتْ مَدِينَةُ حَبرُونَ قَدْ بُنِيَتْ قَبْلَ مَدِينَةِ صُوعَنَ فِي مِصْرٍ بِسَبعِ سَنَوَاتٍ. ثُمَّ أتَوْا إلَى وَادِي أشكُولَ. وَمِنْ هُنَاكَ قَطَعُوا غُصنًا فِيهِ عُنقُودُ عِنَبٍ وَاحِدٍ، حَمَلَهُ رَجُلَانِ بِعَصًا فِيمَا بَيْنَهمَا! كَمَا حَمَلُوا مَعَهُمْ بَعْضَ العِنَبِ وَالتِّينِ أيْضًا. وَدُعِيَ ذَلِكَ المُكَانُ بِوَادِي أشكُولَ بِسَبَبِ العُنقُودِ الَّذِي قَطَعَهُ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ هُنَاكَ. وَرَجِعَ الرِّجَالُ مِنَ استِكشَافِ الأرْضِ بَعْدَ أرْبَعِينَ يَومًا. وَأتَوْا إلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ فِي قَادِشَ. وَقَدَّمُوا لَهُمَا وَلِكُلِّ الشَّعْبِ تَقْرِيرًا عَمَّا رَأَوْهُ، وَأرُوهُمْ ثَمَرَ الأرْضِ. فَقَالُوا لِمُوسَى: «قَدْ ذَهَبْنَا إلَى الأرْضِ الَّتِي أرسَلْتَنَا إلَيْهَا. هِيَ حَقًّا أرْضٌ تَفْيِضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. وَهَذَا ثَمَرُهَا. لَكِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي يَعِيشُ فِي الأرْضِ قَوِيٌّ، وَمُدُنُهُمْ مُحَصَّنَةٌ وَضَخمَةٌ جِدًّا. كَمَا أنَّنَا رَأينَا مِنْ نَسْلِ عَنَاقَ هُنَاكَ. وَالعَمَالِقَةُ يَسْكُنُونَ أرْضَ النَّقَبِ، وَالحِثِّيُّونَ وَاليَبُوسِيُّونَ وَالأمُّورِيُّونَ يَسْكُنُونَ فِي التِّلَالِ. وَيَسْكُنُ الكَنعَانِيُّونَ قُرْبَ البَحْرِ وَعَلَى طُولِ نَهرِ الأردُنِّ.» حِينَئِذٍ، أسْكَتَ كَالَبُ الشَّعْبَ الَّذِي بِقُربِ مُوسَى، وَقَالَ: «سَنَصعَدُ وَنَمتَلِكُ الأرْضَ، لِأنَّنَا قَادِرُونَ عَلَى أنْ نَغزُوَهَا وَنَمتَلِكَهَا.» لَكِنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَهُ قَالُوا: «لَسنَا قَادِرِينَ عَلَى أنْ نَهزِمَ ذَلِكَ الشَّعْبَ لِأنَّهُمْ أقوَى مِنَّا.» وَهَكَذَا ثَبَّطُوا بِكَلَامِهِمْ هَذَا عَزِيمَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِشأنِ الأرْضِ الَّتِي استَكْشَفُوهَا. وَقَالُوا: «الأرْضُ الَّتِي سَافَرْنَا عَبْرَهَا لِاسْتِكشَافِهَا هِيَ أرْضٌ تُدَمِّرُ الشَّعْبَ الَّذِي يَعِيشُ فِيهَا. وَكُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ رَأينَاهُمْ فِيهَا مِنَ العَمَالِقَةِ! وَقَدْ رَأينَا هُنَاكَ الجَبَابِرَةَ – جَاءَ نَسْلُ عَنَاقَ مِنَ الجَبَابِرَةِ – فَشَعَرْنَا وَكَأنَّنَا جَرَادٌ أمَامَهُمْ! وَهَكَذَا كُنَّا بِالفِعْلِ فِي نَظَرِهِمْ!» فَأخَذَ الشَّعْبُ يَصْرُخُونَ وَيَبْكُونَ طِيلَةَ تِلْكَ اللَّيلَةِ. وَتَذَمَّرَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ. وَقَالَ كُلُّ الشَّعْبِ لَهُمَا: «لَيتَنَا مُتنَا فِي أرْضِ مِصْرٍ أوْ فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ. لِمَاذَا يُحضِرُنَا اللهُ إلَى هَذِهِ الأرْضِ لِنَمُوتَ فِي الحَرْبِ وَتُؤخَذَ نِسَاؤُنَا وَأطْفَالُنَا كَغَنِيمَةٍ؟ ألَيْسَ مِنَ الأفضَلِ لَنَا أنْ نَعُودَ إلَى مِصْرٍ؟» وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «فَلْنَختَرْ رَئِيسًا عَلَيْنَا وَنَرجِعْ إلَى مِصْرٍ.» فَوَقَعَ مُوسَى وَهَارُونُ إلَى الأرْضِ أمَامَ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَيَشُوعُ بْنُ نُونٍ وَكَالَبُ بْنُ يَفُنَّةَ، اللَّذَانِ كَانَا مِمَّنْ اسْتَكْشَفُوا الأرْضَ، مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا حُزْنًا مِنْ مَوقِفِ الشَّعْبِ. وَقَالَا لِجَمِيعِ بَنِي إسْرَائِيلَ: «الأرْضُ الَّتِي جُلْنَا فِيهَا لِاستِكشَافِهَا، أرْضٌ جَيِّدَةٌ جِدًّا. فَإنْ رَضِيَ اللهُ عَنَّا، سَيُدْخِلُنَا إلَى هَذِهِ الأرْضِ وَسَيُعطِيهَا لَنَا. إنَّهَا أرْضٌ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. فَلَا تَتَمَرَّدُوا عَلَى اللهِ ، وَلَا تَخَافُوا مِنْ شَعْبِ الأرْضِ، لِأنَّنَا سَنَهزِمُهُمْ. قَدْ زَالَ عَنْهُمْ مَا كَانَ يَحْمِيهِمْ. وَأمَّا نَحْنُ فَاللهُ مَعَنَا، فَلَا تَخَافُوا مِنْهُمْ.» فَهَدَّدَ كُلُّ الشَّعْبِ بِقَتلِهِمَا رَجمًا بِالحِجَارَةِ. حِينَئِذٍ، ظَهَرَ مَجْدُ اللهِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «إلَى مَتَى يُهِينُنِي هَذَا الشَّعْبُ؟ إلَى مَتَى لَا يَثِقُونَ بِي عَلَى الرُّغْمِ مِنْ كُلِّ العَجَائِبِ الَّتِي عَمِلْتُهَا بَيْنَهُمْ؟ سَأُرْسِلُ إلَيْهِمْ وَبَاءً فَظِيعًا وَأطْرُدُهُمْ مِنْ أرْضِهِمْ. وَسَأجعَلُكَ، يَا مُوسَى، أُمَّةً أعْظَمَ وَأقوَى مِنْهُمْ.» فَقَالَ مُوسَى للهِ : «حِينَئِذٍ، سَيَسْمَعُ المِصْرِيُّونَ بِهَذَا، لِأنَّكَ أخرَجْتَ هَذَا الشَّعْبَ مِنْ بَينِهِمْ بِقُوَّتِكَ. وَسَيُخبِرُونَ سُكَّانَ هَذِهِ الأرْضِ. قَدْ سَمِعَ سُكَّانُ هَذِهِ الأرْضِ بِأنَّكَ مَعَ هَذَا الشَّعْبِ يَا اللهُ ، وَبِأنَّكَ ظَهَرْتَ لِهَذَا الشَّعْبِ وَبِأنَّ سَحَابَتَكَ تَقِفُ فَوقَهُمْ وَبِأنَّكَ تَسِيرُ أمَامَهُمْ فِي عَمُودِ سَحَابٍ فِي النَّهَارِ وَفِي عَمُودِ نَارٍ فِي اللَّيلِ. فَإنْ قَتَلْتَ هَذَا الشَّعْبَ كُلَّهُ فَإنَّ الأُمَمَ الَّتِي سَمِعَتْ عَنْكَ سَتَقُولُ: ‹لَمْ يَسْتَطِعِ اللهُ أنْ يُدخِلَ هَذَا الشَّعْبَ إلَى الأرْضِ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا، فَقَتَلَهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ.› «لِذَلِكَ لِتَعْظُمْ قُوَّةُ اللهِ كَمَا وَعَدْتَ وَقُلْتَ: ‹ اللهُ بَطِيءُ الغَضَبِ، وَمَحَبَّتُهُ عَظِيمَةٌ. يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالمَعْصِيَةَ. لَكِنَّهُ لَا يُلْغِي العُقُوبَةَ، بَلْ يَحْسِبُ خَطَايَا الآبَاءِ عَلَى أبْنَائِهِمْ وَأحفَادِهِمْ وَأحفَادِ أبْنَائِهِمْ. اغْفِرْ خَطِيَّةَ هَذَا الشَّعْبِ بِحَسَبِ مَحَبَّتِكَ العَظِيمَةِ، كَمَا غَفَرْتَ لَهُ مُنْذُ خُرُوجِهِ مِنْ مِصْرٍ وَحَتَّى الآنَ.›» فَقَالَ اللهُ : «سَأغفِرُ لَهُمْ كَمَا طَلَبْتَ. لَكِنِّي أُقْسِمُ بِذَاتِي، وَبِمَجْدِي الَّذِي سَيَمْلَأُ الأرْضَ بِمَجْدِ اللهِ ، إنَّ جَمِيعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ رَأوْا مَجْدِي وَعَجَائِبِي الَّتِي عَمِلْتُهَا فِي مِصْرٍ وَفِي الصَّحْرَاءِ، وجَرَّبُونِي عَشرَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يُطِيعُونِي، لَنْ يَرَوْا الأرْضَ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا آبَاءَهُمْ. جَمِيعُ الَّذِينَ أهَانُونِي لَنْ يَدْخُلُوا الأرْضَ. «أمَّا خَادِمِي كَالَبَ فَرأى الأمْرَ بِرُوحٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَدْ أطَاعِنِي تَمَامًا. لِذَلِكَ سَأُدخِلُهُ إلَى الأرْضِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا، وَيَرِثُهَا نَسْلُهُ. «هَا العَمَالِقَةُ وَالكَنعَانِيُّونَ يَسْكُنُونَ الوَادِي. فَاسْتَدِيرُوا فِي الغَدِ نَحْوَ الصَّحْرَاءِ فِي الطَّرِيقِ إلَى البَحْرِ الأحْمَرِ.» وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَهَارُونَ فَقَالَ: «إلَى مَتَى سَيَسْتَمِرُّ هَذَا الشَّعْبُ الشِّرِّيرُ فِي التَّذَمُّرِ عَلَيَّ؟ لَقَدْ سَمِعْتُ تَذَمُّرَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّتِي يَتَذَمَّرُونَهَا عَلَيَّ. قُلْ لَهُمْ: ‹أُقْسِمُ بِذَاتِي، يَقُولُ اللهُ ، سَأعمَلُ لَكُمْ مَا قُلْتُمُوهُ أمَامِي. فَسَتَمُوتُونَ فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ، أيْ جَمِيعُ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ، كُلُّ مَنْ كَانَ فِي العِشرِينَ فَأكثَرَ، الَّذِينَ تَذَمَّرُوا عَلَيَّ. فَلَنْ تَدْخُلُوا الأرْضَ الَّتِي وَعَدْتُ بِأنْ تَسْكُنُوا فِيهَا، بِاسْتِثنَاءِ كَالَبَ بْنِ يَفُنَّةَ وَيَشُوعَ بْنِ نُونٍ. وَأطْفَالُكُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ بِأنَّهُمْ سَيُؤخَذُونَ غَنِيمَةً، سَأُدخِلُهُمُ الأرْضَ. وَسَيَعْرِفُونَ الأرْضَ الَّتِي رَفَضْتُمُوهَا. أمَّا أنْتُمْ، فَسَتَمُوتُونَ فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ. «‹سَيَكُونُ أبْنَاؤُكُمْ رُعَاةً فِي الصَّحْرَاءِ لِأرْبَعِينَ سَنَةً. سَيُعَانُونَ بِسَبَبِ عَدَمِ أمَانَتِكُمْ، إلَى أنْ تَسْقُطَ جُثَثُكُمْ جَمِيعًا فِي الصَّحْرَاءِ. سَتُعَاقَبُونَ عَلَى خَطَايَاكُمْ لِأرْبَعِينَ سَنَةً، بِحَسَبِ عَدَدِ الأيَّامِ الَّتِي استَكْشَفْتُمْ فِيهَا الأرْضَ: أرْبَعِينَ يَومًا، سَنَةً مُقَابِلَ يَوْمٍ. فَتَعْرِفُونَ عَاقِبَةَ الِابْتِعَادِ عَنِّي.› «أنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ، وَسَأفْعَلُ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ عَنْ هَذَا الشَّعْبِ الشِّرِّيرِ المُجتَمِعِ ضِدِّي. فَسَيَمُوتُونَ جَمِيعًا فِي الصَّحْرَاءِ.» وَكَانَ مُوسَى قَدْ أرْسَلَ رِجَالًا لِيَسْتَكْشِفُوا الأرْضَ. فَجَعَلُوا كُلَّ الشَّعْبِ يَتَذَمَّرُ عَلَى مُوسَى عِندمَا رَجِعُوا بأخْبَارٍ مُحبِطَةٍ عَنِ الأرْضِ. هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الَّذِينَ رَجِعُوا بأخْبَارٍ مُحبِطَةٍ عَنِ الأرْضِ، مَاتُوا بِوَبَاءٍ أرسَلَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ. فَقَطْ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ وَكَالَبُ بْنُ يَفُنَّةَ بَقِيَا حَيَّينِ مِنْ ضِمنِ الرِّجَالِ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِيَسْتَكْشِفُوا الأرْضَ. وَحِينَ تَكَلَّمَ مُوسَى بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ نَاحَ الشَّعْبُ كَثِيرًا. وَنَهَضُوا فِي الصَّبَاحِ بَاكِرًا، وَبَدَأُوا سَيرَهُمْ نَحْوَ أعْلَى بُقْعَةٍ فِي مِنْطَقَةِ التِّلَالِ. وَقَالُوا: «هَا نَحْنُ ذَاهِبُونَ إلَى المَكَانِ الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِإعطَائِهِ لَنَا، فَإنَّنَا أخْطَأنَا إذْ تَذَمَّرْنَا عَلَيْهِ.» حِينَئِذٍ، قَالَ مُوسَى لَهُمْ: «لِمَاذَا تَعْصُونَ أمرَ اللهِ ؟ لَنْ تَنْجَحُوا فِي مَا تَعْمَلُونَ. لَا تَصْعَدُوا كَي لَا يَهْزِمَكُمْ أعْدَاؤُكُمْ، لِأنَّ اللهَ لَيْسَ مَعَكُمْ. لِأنَّ العَمَالِقَةَ وَالكَنعَانِيِّينَ سَيَكُونُونَ هُنَاكَ وَيُقَاوِمُونَكُمْ، وَسَتُقتَلُونَ فِي المَعْرَكَةِ، لِأنَّكُمْ لَسْتُمْ تَتْبَعُونَ اللهَ ، فَاللهُ لَنْ يَكُونَ مَعَكُمْ.» لَكِنَّهُمْ صَعِدُوا بِعِنَادٍ إلَى أعْلَى مَوقِعٍ فِي مِنْطَقَةِ التِّلَالِ. أمَّا صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ وَمُوسَى فَبَقِيَا وَسَطَ المُخَيَّمِ. فَنَزَلَ العَمَالِقَةُ وَالكَنعَانِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ فِي تِلْكَ التِّلَالِ، وَهَاجَمُوا بَنِي إسْرَائِيلَ وَحَطَّمُوهُمْ طَوَالَ الطَّرِيقِ حَتَّى حُرْمَةَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: حِينَ تَدْخُلُونَ الأرْضَ الَّتِي سَتَسْكُنُونَ فِيهَا وَالَّتِي سَأُعْطِيهَا لَكُمْ، فَحِينَ تُقَدِّمُونَ تَقْدِمَةً للهِ مِنَ البَقَرِ أوِ الغَنَمِ، ذَبِيحَةً صَاعِدَةً أوْ ذَبِيحَةَ نَذْرٍ أوْ ذَبِيحَةً اختِيَارِيَّةً، أوْ أيَّةَ ذَبِيحَةٍ فِي أعيَادِكُمُ المُنتَظَمَةِ، لِتَقْدِيمِ رَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «فَعَلَى مَنْ يُقَدِّمُ التَّقدِمَةَ للهِ أنْ يُقَدِّمَ مَعَهَا تَقْدِمَةَ حُبُوبٍ، مِقدَارَ عُشْرِ قُفَّةٍ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ، مَمْزُوجَةً بِرُبْعِ وِعَاءٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ. وَيُقَدِّمُ مَعَهَا سَكِيبًا مِقدَارُهُ رُبْعُ وِعَاءٍ مِنَ النَّبِيذِ مَعَ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ أوِ غَيرِهَا: رُبْعَ وِعَاءٍ لِكُلِّ خَرُوفٍ. «وَإذَا كَانَتِ التَّقدِمَةُ كَبْشًا، فَلْيُقَدِّمْ مَعَهَا تَقْدِمَةَ حُبُوبٍ مِقدَارَ عُشْرَي القُفَّةِ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ، مَمْزُوجَةً بِثُلُثِ وِعَاءٍ مِنَ زَيْتِ الزَّيتُونِ. وَيُقَدِّمُ مَعَهَا سَكِيبًا مِقدَارُهُ ثُلُثُ وِعَاءٍ مِنَ النَّبِيذِ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «وَحِينُ يُقَدِّمُ ثَوْرًا صَغِيرًا ذَبِيحَةً صَاعِدَةً أوْ ذَبِيحَةً لِلوَفَاءِ بِنَذْرٍ أوْ ذَبِيحَةً اختِيَارِيَّةً للهِ ، يُقدِّمُ مَعَ الثَّورِ الصَّغِيرِ تَقْدِمَةُ حُبُوبٍ مِقْدَارُهَا ثَلَاثَةُ أعْشَارِ قُفَّةٍ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ، مَمْزُوجَةً بِنِصْفِ وِعَاءٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتونِ. وَيُقَدِّمُ مَعَهَا سَكِيبًا مِقْدَارُهُ نِصْفُ وِعَاءٍ مِنَ النَّبِيذِ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . يَنْبَغِي أنْ يُصَنَعُ هَذَا لِكُلِّ ثَورٍ وَكَبْشٍ وَمَعزٍ وَتَيسٍ وَخَرُوفٍ. فَمَهْمَا كَانَ عَدَدُ الذَّبَائِحِ، تَصْنَعُونَ هَذَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا. «عَلَى كُلِّ مُواطِنٍ أنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الأُمُورَ حِينَ يُقَدِّمُ للهِ تَقْدِمَةً، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . وَكَذَلِكَ الغَرِيبُ الَّذِي يُقِيمُ بَيْنَكُمْ، لِيُقَدِّمْ تَقْدِمَةً بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . هَذِهِ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ، جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، لِلشَّعْبِ وَلِلغَرِيبِ المُقِيمِ بَيْنَكُمْ. أنْتُمْ وَالغَرِيبُ مُتسَاوونَ فِي هَذَا أمَامَ اللهِ . فَلَكُمْ وَلِلغَرِيبِ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ وَنِظَامٌ وَاحِدٌ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: حِينَ أُدخِلُكُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي أقُودُكُمْ إلَيْهَا، وَحِينَ تَأْكُلُونَ طَعَامًا مِنَ الأرْضِ، يَنْبَغِي أنْ تُقَدِّمُوا تَقْدِمَةً للهِ . قَدِّمُوا رَغِيفًا مِنْ أوَّلِ عَجنَةٍ. تُقَدِّمُونَهُ كَمَا تُقَدِّمُونَ تَقْدِمَةَ بَيْدَرِ التَّذْرِيَةِ. تُقَدِّمُونَ مِنْ أوَّلِ عَجنَةٍ لَكُمْ تَقْدِمَةً للهِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. «فَإنْ أخطَأتُمْ بِغَيرِ قَصدٍ، فَلَمْ تَعْمَلُوا بِكُلِّ الأوَامِرِ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لِمُوسَى، فَلَمْ تَلْتَزِمُوا بِكُلِّ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ مِنْ خِلَالِ مُوسَى، مِنْ أوَّلِ يَوْمٍ بَدَأ اللهُ بِإعطَائِهِ الوَصَايَا لَكُمْ وَلِكُلِّ أجيَالِكُمْ، وَإنِ ارتَكَبَ أحَدُكُمْ خَطِيَّةً، خِفْيَةً أوْ سَهْوًا، يُقَدِّمُ جَمِيعُ الشَّعْبِ ثَوْرًا وَاحِدًا ذَبِيحَةً صَاعِدَةً، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ ، مَعَ تَقْدِمَةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ المُرَافِقَةِ لَهَا بِحَسَبِ الشَّرِيعَةِ. ثُمَّ يُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. «هَكَذَا يُطَهِّرُ الكَاهِنُ بَنِي إسْرَائِيلَ كُلَّهُمْ كَي يُغفَرَ لَهُمْ. فَقَدْ كَانَتِ الخَطِيَّةُ بِغَيرِ قَصدٍ، وَقَدْ قَدَّمُوا تَقْدِمَاتِهِمْ للهِ ، وَذَبِيحَةَ خَطِيَّتِهِمْ فِي حَضْرَةِ اللهِ عَنِ الخَطَإ الَّذِي ارتَكَبُوهُ. وَسَيُغفَرُ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلِلغُرَبَاءِ السَّاكِنِينَ بَيْنَهُمْ. لِأنَّ الخَطَأ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ الشَّعْبِ. «لَكِنْ إنْ أخطَأ شَخْصٌ مَا بِغَيرِ قَصدٍ، يُقَدِّمُ عَنزَةً عُمْرُهَا سَنَةٌ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. وَيُكَفِّرُ الكَاهِنُ فِي حَضْرَةِ اللهِ عَنْ ذَاكَ الَّذِي أخطَأ بِغَيرِ قَصدٍ. يُكَفِّرُ عَنْهُ فَيُغفَرَ لَهُ. هَذِهِ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّ مَنْ يُخطِئُ بِغَيرِ قَصدٍ، لِلمُواطِنِ فِي إسْرَائِيلَ وَلِلأجْنَبِيِّ المُقِيمِ بَيْنَكُمْ. «وَأمَّا مَنْ يَرْتَكِبُ خَطِيَّةً عَنْ قَصدٍ، وَطَنِيًّا كَانَ أمْ أجْنبِيًّا، فَإنَّهُ يُهِينُ اللهَ وَيَنْبَغِي أنْ يُقطَعَ مِنَ وَسَطِ الشَّعْبِ. فَلِأنَّهُ احتَقَرَ كَلَامَ اللهِ وَنَقَضَ وَصِيَّتَهُ، فَإنَّهُ يُقْطَعُ مِنَ الشَّعْبِ وَيَتَحَمَّلُ ذَنبَهُ.» وَيَومًا، كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي البَرِّيَّةِ، فَوَجَدُوا رَجُلًا يَجْمَعُ خَشَبًا يَوْمَ السَّبْتِ. فَأخَذَهُ الَّذِينَ وَجَدُوهُ إلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ الشَّعْبِ. وَوَضَعُوهُ تَحْتَ الحِرَاسَةِ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْلِنَ مَا يَنْبَغِي أنْ يُفعَلَ بِهِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «يُقَتلُ ذَلِكَ الرَّجُلِ. يَرْجِمُهُ جَمِيعُ الشَّعْبِ خَارِجَ المُخَيَّمِ.» فَأخَذَهُ كُلُّ الشَّعْبِ إلَى خَارِجِ المُخَيَّمِ، وَرَجَمُوهُ حَتَّى مَاتَ، بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ لِمُوسَى. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَصْنَعُوا لِأنفُسِهِمْ أهدَابًا عَلَى أطرَافِ أثوَابِهِمْ مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا، فِي كُلِّ أجيَالِهِمْ. وَأنْ يَضَعُوا خَيطًا أزرَقَ عَلَى الهُدْبِ فِي كُلِّ أطرَافِ الثَّوبِ. فَتَرَوْنَ تِلْكَ الأهدَابَ، وَتَتَذَكَّرُونَ وَصَايَا اللهِ وَتَعْمَلُونَ بِهَا. فَلَا تَتْبَعُوا شَهَوَاتِكُمْ وَرَغَبَاتِكُمْ وَتَكُونُوا غَيْرَ أوفِيَاءٍ للهِ . لَكِنَّكُمْ بِهَذَا تَتَذَكَّرُونَ جَمِيعَ وَصَايَايَ، وَتَكُونُونَ شَعْبًا مُقَدَّسًا لِإلَهِكُمْ. أنَا ، الَّذِي أخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ لِيَكُونَ إلهًا لَكُمْ. أنَا .» أمَّا قُورَحُ بْنُ يِصْهَارَ بْنِ قَهَاتَ بْنِ لَاوِي وَدَاثَانُ وَأبِيرَامُ ابْنَا ألِيآبَ وَأُونٌ بْنُ فَالَتَ مِنْ بَنِي رَأُوبَيْنَ، فَبَدأُوا يُقَاوِمُونَ مُوسَى مَعَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَكَانَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ رُؤَسَاءَ مَعرُوفِينَ فِي المُجْتَمَعِ، مُمَثِّلينَ لِلشَّعْبِ، وَمَعْرُوفينَ. فَاجتَمَعُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالُوا لَهُمَا: «أنْتُمَا تُبَالِغَانِ! فَكُلُّ الشَّعْبِ مُقَدَّسٌ وَاللهُ فِي وَسَطِهِمْ. فَلِمَاذَا تَرْفَعَانِ نفْسَيكُمَا فَوْقَ جَمَاعَةِ اللهِ ؟» وَحِينَ سَمِعَهُمْ مُوسَى وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ إلَى الأرْضِ. ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِقُورَحَ وَلِكُلِّ أتبَاعِهِ: «فِي الصَّبَاحِ، سَيُعلِنُ اللهُ مَنْ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَيْهِ، وَمَنْ هُوَ المُقَدَّسُ، وَمَنْ يُسْمَحُ لَهُ بِالِاقْتِرَابِ مِنْهُ. فَالَّذِي يَخْتَارُهُ، سَيَسْمَحُ لَهُ بِالِاقْتِرَابِ مِنْهُ. افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ: خُذْ أنْتَ وَأتبَاعُكَ مَجَامِرَ، وَضَعُوا نَارًا فِيهَا، وَضَعُوا عَلَيْهَا بَخُورًا فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي الغَدِ. وَالرَّجُلُ الَّذِي يَختَارُهُ اللهُ سَيَكُونُ هُوَ المُقَدَّسُ. إنَّكُمْ تُقُولُونَ مَا لَا يَنْبَغِي أيُّهَا اللَّاوِيُّونَ.» ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِقُورَحَ: «اسْمَعُوا يَا أبْنَاءَ لَاوِي، ألَا يَكْفِيكُمْ أنَّ إلَهَ إسْرَائِيلَ أفرَزَكُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لِتَكُونُوا قَرِيبِينَ مِنْهُ، وَتَقُومُوا بِوَاجِبَاتِ مَسْكَنِ اللهِ المُقَدَّسِ، وَتَقِفُوا أمَامَ الشَّعْبِ لِتَخْدِمُوهُمْ؟ لَقَدْ قَرَّبَكَ اللهُ أنْتَ وَإخوَتَكَ اللَّاوِيِّينَ لَكِنَّكُمْ مَعَ هَذَا تُرِيدُونَ أنْ تَكُونُوا كَهَنَةً. فَأنْتَ وَأتبَاعُكَ إنَّمَا تَجْتَمِعُونَ ضِدَّ اللهِ . وَمَا هُوَ هَارُونُ حَتَّى تَتَذَمَّرُوا عَلَيْهِ؟» ثُمَّ دَعَا مُوسَى دَاثَانَ وَأبِيرَامَ ابنَي ألِيآبَ، وَلَكِنَّهُمَا قَالَا: «لَنْ نَأتِيَ. ألَا يَكْفِيكَ أنَّكَ أخرَجْتَنَا مِنْ أرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا كَي تَقْتُلَنَا فِي الصَّحْرَاءِ؟ وَالْآنَ تُرِيدُ أنْ تَجْعَلَ نَفْسَكَ رَئِيسًا عَلَيْنَا. كَمَا أنَّكَ لَمْ تُحْضِرْنَا إلَى أرْضٍ خَصْبَةٍ مَلِيئَةٍ بِخَيْرَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا أعْطَيْتَنَا أرْضًا فِيهَا حُقُولٌ وَكُرُومٌ. هَلْ سَتُواصِلُ خِدَاعَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ؟ لَنْ نَأتِيَ.» فَغَضِبَ مُوسَى جِدًّا وَقَالَ للهِ : «لَا تَقْبَلْ تَقْدِمَتَهُمَا. لَمْ آخُذْ مِنهُمَا حَتَّى حِمَارًا! وَلَمْ أظلِمْهُمَا بِأيِّ شَيءٍ.» ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِقُورَحَ: «قِفْ أنْتَ وَجَمَاعَتُكَ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي الغَدِ، أنْتُمْ وَهَارُونُ. فَلْيأخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِجمَرَتَهُ وَيَضَعَ بَخُورًا فِيهَا. ثُمَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أنْ يُحضِرَ مِجمَرَتَهُ أمَامَ اللهِ ، مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ مِجمَرَةً. وَأنْتُمَا يَا قُورَحُ وَهَارُونُ، هَاتَا مِجمَرَتَيْكُمَا.» فَحَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِجمَرَتَهُ، وَوَضَعَ فيهَا جَمْرًا مُشتَعِلًا وَبَخُورًا. وَوَقَفُوا جَمِيعًا فِي مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ مَعَ مُوسَى وَهَارُونَ. وَجَمَعَ قُورَحُ كُلَّ الشَّعْبِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ ضِدَّهُمَا. حِينَئِذٍ، ظَهَرَ مَجْدُ اللهِ لِكُلِّ الشَّعْبِ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَهَارُونَ فَقَالَ: «ابْتَعِدَا عَنِ الشَّعْبِ وَسَأُبِيدُهُمْ فِي لَحظَةٍ.» فَوَقَعَا عَلَى وَجْهَيهِمَا وَقَالَا: «يَا اللهُ، أنْتَ إلَهُ أروَاحِ كُلِّ البَشَرِ. هَلْ تَغْضَبُ عَلَى كُلِّ الجَمَاعَةِ فِي حِينِ أنَّ الَّذِي أخطَأ رَجُلٌ وَاحِدٌ؟» فَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ: «قُلْ لِلشَّعْبِ: ابْتَعِدُوا عَنْ خِيَامِ قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأبِيرَامَ.» فَقَامَ مُوسَى وَذَهَبَ إلَى دَاثَانَ وَأبِيرَامَ، وَذَهَبَ شُيُوخُ إسْرَائِيلَ مَعَهُ. وَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «ابْتَعِدُوا عَنْ خِيَامِ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الأشْرَارِ، وَلَا تَلْمِسُوا شَيْئًا مِنْ مُقْتَنَيَاتِهِمْ، وَإلَّا سَتَهْلِكُونَ مَعَهُمْ بِسَبَبِ خَطَايَاهُمْ.» فَابْتَعَدُوا عَنْ خِيَامِ قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأبِيرَامَ. وَكَانَ دَاثَانُ وَأبِيرَامُ قَدْ خَرَجَا وَوَقَفَا فِي مَدْخَلِ خَيْمَتِهِمَا مَعَ زَوْجَاتِهِمَا وَأوْلَادِهِمَا وَأطْفَالِهِمَا. فَقَالَ مُوسَى: «بِهَذَا سَتَعْرِفُونَ أنَّ اللهَ أرْسَلَنِي لِأعمَلَ هَذِهِ الأشْيَاءَ، وَأنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِكرَتِي: إنْ مَاتَ هَؤُلَاءِ مِيتَةً طَبِيعِيَّةً كَكُلِّ النَّاسِ، وَكَانَتْ مُصِيبَتُهُمْ كَمَصَائِبِ كُلِّ النَّاسِ، لَا يَكُونُ اللهُ قَدْ أرْسَلَنِي. لَكِنْ إنْ عَمِلَ اللهُ شَيْئًا جَدِيدًا، فَفَتَحَتِ الأرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ مَعَ كُلِّ مَا لَهُمْ، وَدُفِنُوا أحْيَاءَ، حِينَئِذٍ سَتَعْرِفُونَ أنَّ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ قَدْ أهَانُوا اللهَ .» وَمَا أنِ انْتَهَى مُوسَى مِنْ هَذَا الكَلَامِ، حَتَّى انْشَقَّتِ الأرْضُ تَحْتَهُمْ. فَكَأنَّ الأرْضَ فَتَحَتْ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ مَعَ عَائِلَاتِهِمْ وَكُلِّ أتبَاعِ قُورَحَ مَعَ كُلِّ أمْلَاكِهِمْ. فَدُفِنُوا أحْيَاءَ مَعَ كُلِّ مَا كَانَ لَهُمْ. وَانْطَبَقَتِ الأرْضُ عَلَيْهِمْ، فَأُبِيدُوا مِنْ وَسَطِ الشَّعْبِ. وَهَرَبَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ حَوْلِهِمْ حِينَ سَمِعُوا صِيَاحَهُمْ، لِأنَّهُمْ قَالُوا: «قَدْ تَبْتَلِعُنَا الأرْضُ نَحْنُ أيْضًا.» ثُمَّ أرْسَلَ اللهُ نَارًا التَهَمَتِ المِئَتَيْنِ وَالخَمْسِينَ رَجُلًا الَّذِينَ كَانُوا يُقَدِّمُونَ البَخُورَ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «قُلْ لِألِيعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الكَاهِنِ أنْ يَأْخُذَ المَجَامِرَ مِنْ بَيْنِ بَقَايَا الحَرِيقِ، وَأنْ يُذَرِّيَ الجَمْرَ مِنْهَا. لِأنَّ المَجَامِرَ صَارَتْ مُقَدَّسَةً. خُذْ مَجَامِرَ الَّذِينَ أخطَأُوا ضِدَّ أنْفُسِهِمْ وَهَلَكُوا، وَاصنَعُوا مِنْهَا صَفَائِحَ مَطْرُوقَةً لِتَكُونَ غِطَاءً لِلمَذْبَحِ، لِأنَّهُمْ قَدَّمُوهَا فِي حَضْرَةِ اللهِ فَجَعَلُوهَا مُقَدَّسَةً. وَهَكَذَا تَكُونُ عَلَامَةَ تَحْذِيرٍ لِبَنِي إسْرَائِيلَ.» فَأخَذَ ألِيعَازَارُ المَجَامِرَ البُرُونْزِيَّةَ الَّتِي قَدَّمَهَا الَّذِينَ احتَرَقُوا، وَطَرَقُوهَا صَانِعِينَ مِنْهَا صَفَائِحَ لِتَغْطِيَةِ المَذْبَحِ، كَمَا قَالَ اللهُ لِألِيعَازَارَ عَلَى فَمِ مُوسَى. وَقَدْ كَانَ هَذَا الغِطَاءُ لِتَذْكِيرِ بَنِي إسْرَائِيلَ بِأنْ لَا يَقْتَرِبَ أحَدٌ لَيْسَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ إلَى المَذْبَحِ لِيُحْرِقَ بَخُورًا فِي حَضْرَةِ اللهِ ، فَيُلَاقِي مَصِيرَ قُورَحَ وَأتبَاعِهِ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، تَذَمَّرَ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالُوا: «لَقَدْ سَبَّبْتُمَا مَوْتَ شَعْبِ اللهِ .» وَبَينمَا كَانَ الشَّعْبُ مُجْتَمِعِينَ ضِدَّ مُوسَى وَهَارُونَ، التَفَتُوا إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ فَرَأوْا السَّحَابَةَ تُغَطِّيهَا، وَظَهَرَ مَجْدُ اللهِ . حِينَئِذٍ، جَاءَ مُوسَى وَهَارُونُ إلَى أمَامِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ: «ابتَعِدْ عَنْ هَذَا الشَّعْبِ كَي أُهلِكَهُ فِي لَحظَةٍ.» فَانحَنَيَا وَوَجْهَاهُمَا إلَى الأرْضِ. ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «خُذِ المِجمَرَةَ وَضَعْ فِيهَا نَارًا مِنَ المَذْبَحِ وَضَعْ فَوقَهَا بَخُورًا، وَاذْهَبْ بِسُرعَةٍ إلَى الشَّعْبِ وَطَهِّرْهُمْ، لِأنَّ اللهَ غَاضِبٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ بَدَأ الوَبَاءُ.» فَأخَذَ هَارُونُ مِجمَرَةَ النَّارِ كَمَا قَالَ لَهُ مُوسَى، وَرَكَضَ إلَى وَسَطِ الشَّعْبِ وَوَجَدَ أنَّ الوَبَاءَ قَدْ بَدَأ يَفْتِكُ فِي الشَّعْبِ. فَوَضَعَ هَارُونُ بَخُورًا فِي المِجمَرَةِ وَعَمِلَ مَا يَنْبَغِي لِتَطْهِيرِ الشَّعْبِ. وَوَقَفَ هَارُونُ بَيْنَ المَوْتَى وَالأحيَاءِ فَتَوَقَّفَ الوَبَاءُ. وَوَصَلَ عَدَدُ الَّذِينَ مَاتُوا مِنَ الوَبَاءِ إلَى أرْبَعَةَ عَشَرَ ألْفًا وَسَبعِ مِئَةٍ، بِالإضَافَةِ إلَى الَّذِينَ سَبَقَ وَأنْ مَاتُوا بِسَبَبِ قُورَحَ. ثُمَّ عَادَ هَارُونُ إلَى مُوسَى فِي مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، بَعْدَ أنْ تَوَقَّفَ الوَبَاءُ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «كَلِّمْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَخُذْ مِنهُمُ اثْنَتَي عَشْرَةَ عَصًا: عَصًا وَاحِدَةً لِكُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ جَمِيعِ رُؤَسَاءِ القَبَائِلِ. وَاكتُبِ اسْمَ كُلِّ رَجُلٍ عَلَى عَصَاهُ. وَاكتُبِ اسْمَ هَارُونَ عَلَى عَصَا قَبِيلَةِ لَاوِي، إذْ سَتَكُونُ هُنَاكَ عَصًا وَاحِدَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رُؤَسَاءِ القَبَائِلِ. وَضَعِ العِصِيَّ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ أمَامَ صُنْدُوقِ العَهْدِ، حَيْثُ ألتَقِي بِكُمْ. وَعَصَا الرَّجُلِ الَّذِي أختَارُهُ سَتُورِقُ. وَهَكَذَا سَأُوقِفُ تَذَمُّرَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّتِي يَتَذَمَّرُونَهَا عَلَيكُمَا.» ثُمَّ كَلَّمَ مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَأعطى كُلُّ رُؤَسَائِهِمْ عِصِيًّا: عَصًا مِنْ كُلِّ رَئِيسِ عَشِيرَةٍ. وَكَانَتْ عَصَا هَارُونَ بَيْنَ عِصِيِّهِمْ. وَوَضَعَ مُوسَى العِصِيَّ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي خَيْمَةِ العَهْدِ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، دَخَلَ مُوسَى إلَى خَيْمَةِ العَهْدِ، وَرَأى عَصَا هَارُونَ الَّتِي تُمَثِّلُ قَبِيلَةَ لَاوِي قَدْ أورَقَتْ وَأخرَجَتْ بَرَاعِمَ وَأزهَرَتْ وَأثمَرَتْ لَوزًا. فَحِينَئِذٍ، أخْرَجَ مُوسَى كُلَّ العِصِيِّ مِنْ مَحْضَرِ اللهِ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، فَرَأى كُلُّ القَادَةِ عِصِيَّهُمْ وَأخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ. فَحِينَئِذٍ، قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أرجِعْ عَصَا هَارُونَ إلَى أمَامِ صُنْدُوقِ الشَّهَادَةِ لِحِفظِهَا كَعَلَامَةٍ لِتَحْذِيرِ المُتَمَرِّدِينَ كَي يَتَوَقَّفُوا عَنِ التَّذَمُّرِ عَلَيَّ كَي لَا يَمُوتُوا.» فَفَعَلَ مُوسَى ذَلِكَ، تَمَامًا كَمَا أمَرَهُ اللهُ . فَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: «سَنَمُوتُ! سَنَهلِكُ! سَنَفنَى! كُلُّ مَنْ يَقْتَرِبُ مِنْ مَسْكَنِ اللهِ سَيَمُوتُ. فَهَلْ سَنَمُوتُ جَمِيعًا؟» وَقَالَ اللهُ لِهَارُونَ: «أنْتَ وَأبنَاؤُكَ وَعَشِيرَتُكَ مَعَكَ سَتَنَالُونَ العِقَابَ عَلَى أيِّ تَنْجِيسٍ يَحْدُثُ لِلمَكَانِ المُقَدَّسِ. وَأنْتَ وَأبنَاؤُكَ مِنْ بَعدِكَ سَتَنَالُونَ العِقَابَ عَلَى أيِّ تَنْجِيسٍ يَحْدُثُ لِكَهَنُوتِكُمْ. أحضِرْ مَعَكَ إخْوَتَكَ قَبِيلَةَ لَاوِي، عَشِيرَةَ أبِيكَ، وَسَيَنْضَمُّونَ إلَيْكَ كَي يُسَاعِدُوكَ حِينَ تَكُونُ أنْتَ وَأبْنَاؤُكَ أمَامَ خَيْمَةِ العَهْدِ. سَيَقُومُونَ بِخِدمَتِكَ وَخِدْمَةِ الخَيْمَةِ المُقَدَّسَةِ. لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ أنْ يَقْتَرِبُوا مِنَ أدَوَاتِ المَكَانِ المُقَدَّسِ أوِ مِنَ المَذْبَحِ، كَي لَا يَمُوتُوا هُمْ وَلَا أنْتُمْ. سَيَنْضَمُّونَ إلَيْكَ وَيَقُومُونَ بِوَاجِبِ خِدْمَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، بِمَا فِي ذَلِكَ الأعْمَالِ الثَّقِيلَةِ فِي الخَيْمَةِ. لَكِنْ لَا يَقْتَرِبْ غَرِيبٌ مَعَكُمْ. «اهْتَمُّوا بِالمَكَانِ المُقَدَّسِ وَالمَذْبَحِ بِأنفُسِكُمْ، كَي لَا أغضَبَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ثَانِيَةً. قَدْ أخَذْتُ إخْوَتَكُمُ اللَّاوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إسْرَائِيلَ. إنَّهُمْ هَدِيَّةٌ لَكُمْ مُكَرَّسَةٌ للهِ لِلقِيَامِ بِالأعْمَالِ الثَّقِيلَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَأمَّا أنْتَ وَأبْنَاؤُكَ، فَتَقُومُونَ بِوَاجِبَاتِ الكَهَنَةِ. أنْتُمْ فَقَطْ تَقْتَرِبُونَ مِنَ المَذْبَحِ، وَتَجْتَازُونَ خَلفَ السِّتَارَةِ. قُومُوا بِعَمَلِكُمْ، فَقَدْ مَنَحْتُكُمْ خِدْمَةَ الكَهَنُوتِ عَطِيَّةً لَكُمْ، وَكُلُّ شَخْصٍ آخَرَ يَقْتَرِبُ مِنْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ يُقْتَلُ.» وَقَالَ اللهُ لِهَارُونَ: «لَقَدْ عَيَّنْتُكَ أنَا نَفْسِي لِحِرَاسَةِ العَطَايَا الَّتِي تُقَدَّمُ لِي بِمَا فِي ذَلِكَ التَّقدِمَاتِ المُقَدَّسَةِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا بَنُو إسْرَائِيلَ. سَأُعْطِيهَا لَكَ وَلأبْنَائِكَ كَحِصَّةٍ دَائِمَةٍ لَكُمْ. سَيَكُونُ هَذَا نَصِيبَكَ مِنَ التَّقْدِمَاتِ المُخَصَّصَةِ لِلكَهَنَةِ بِالْكَامِلِ الَّتِي تَبْقَى مِنْ نَارِ المَذْبَحِ: جَمِيعُ تَقْدِمَاتِهِمْ، بِمَا فِيهَا تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ وَذَبَائِحِ الخَطِيَّةِ وَذَبَائِحِ التَّعوِيضِ الَّتِي يُعِيدُونَهَا لِي. جَمِيعُهَا سَتَكُونُ نَصِيبًا مُخَصَّصًا بِالْكَامِلِ لَكَ أنْتَ وَأبنَائِكَ. فَكُلْهَا نَصِيبٌ مُخَصَّصٌ لِلكَهَنَةِ بِالْكَامِلِ. يُمْكِنُ لِكُلِّ الذُّكُورِ أنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا. سَتَكُونُ مُخَصَّصَةً لَكَ. «وَهَذِهِ أيْضًا سَتَكُونُ لَكَ: جَمِيعُ التَّقدِمَاتِ الَّتِي يَرْفَعُهَا بَنُو إسْرَائِيلَ لِي، أُعْطِيهَا لَكَ وَلأبْنَائِكَ وَبَنَاتِكَ كَنَصِيبٍ دَائِمٍ. يَأْكُلُ مِنْهَا كُلُّ طَاهِرٍ فِي عَائِلَتِكَ. «سَأُعطيهِمْ أوَّلَ إنتَاجِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِي يُقَدِّمُونَهُ للهِ : أفْضَلَ زَيْتٍ وَنَبِيذٍ وَحُبُوبٍ. وَتَكُونُ لَكَ أوَّلُ مَحَاصِيلِهِمُ النَّاضِجَةِ فِي أرْضِهِمُ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا للهِ . يُمْكِنُ لِأيِّ شَخْصٍ طَاهِرٍ فِي عَائِلَتِكَ أنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. كُلُّ شَيءٍ يُكَرَّسُ فِي إسْرَائِيلَ سَيَكُونُ لَكَ. «كُلُّ طِفلٍ بِكرٍ أوْ حَيَوَانٍ بِكرٍ يُقَدِّمُونَهُ للهِ يَكُونُ لَكُمْ. لَكِنْ تَأْخُذُ مَالًا كَفِدَاءٍ لِأبْكَارِ النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الطَّاهِرَةِ. حِينَ يَبْلُغُ البِكْرُ شَهْرًا، تأخُذُ مَالَ الفِدَاءِ بِحَسَبِ المَبْلَغِ المُحَدَّدِ، وَهُوَ خَمْسَةُ مَثَاقِيلَ مِنَ الفِضَّةِ، بِحَسَبِ المِقيَاسِ الرَّسْمِيِّ لِلمِثْقَالِ: المِثْقَالُ بِعِشْرِينَ قِيرَاطًا. «لَكِنْ لَا تَقْبَلْ مَالًا لِفِدَاءِ بِكْرِ الأبْقَارِ أوِ الخِرَافِ أوِ المَاعِزِ، فَهِيَ مُخَصَّصَةٌ للهِ . فَاسْفِكْ دَمَهَا عَلَى المَذْبَحِ. وَأحْرِقْ شَحْمَهَا تَقْدِمَةً كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . وَأمَّا لَحْمُهَا فَيَكُونُ لَكَ، كَالصَّدرِ أوْ الفَخْذِ اليُمْنَى مِنَ التَّقدِمَاتِ المَرْفُوعَةِ فِي حَضْرَةِ اللهِ. كُلُّ التَّقدِمَاتِ المُقَدَّسَةِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا بَنُو إسْرَائِيلَ للهِ سَأُعْطِيهَا لَكَ وَلأبْنَائِكَ وَبَنَاتِكَ كَنَصِيبٍ دَائِمٍ. هَذَا عَهْدُ مِلْحٍ دَائِمٌ مِنَ اللهِ لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعدِكَ.» وَقَالَ اللهُ لِهَارُونَ: «لَنْ تَحْصُلَ عَلَى أيِّ نَصِيبٍ فِي أرْضِهِمْ، وَلَنْ تَمْلُكَ أيَّ حِصَّةٍ مِنَ الأرْضِ فِي وَسَطِهِمْ. أنَا نَصِيبُكَ وَحِصَّتُكَ فِي وَسَطِ بَنِي إسْرَائِيلَ. «وَأمَّا اللَّاوِيُّونَ فَسَأُعْطِيهُمُ العُشرَ مِنْ مَحَاصِيلِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَمنْ جَمِيعِ مَا يُنْتِجُونَهُ. هَذِهِ حِصَّتُهُمْ مُقَابِلَ خِدْمَتِهِمْ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَعَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ مُنْذُ الآنَ أنْ لَا يَقْتَرِبُوا مِنْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَهُمْ يَقْتَرِفُونَ بِذَلِكَ خَطيَّةً تُؤدَّي إلَى المَوْتِ. فَمُنْذُ الآنَ يَخْدِمُ اللَّاوِيُّونَ خِدْمَةَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَهُمْ يَتَحَمَّلونَ العِقَابَ عَلَى أيِّ تَقْصِيرٍ. هَذِهِ شَرِيعَةٌ دَائِمَةٌ مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا. وَلَنْ يَنَالَ اللَّاوِيُّونَ حِصَّةً مِنَ الأرْضِ مِثْلَ بَقيَّةِ إسْرَائِيلَ. فَعَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يُقَدِّمُوا عُشرَ دَخلِهِمْ للهِ . وَأنَا أُعْطِي ذَلِكَ لِلَّاوِيِّينَ كَنَصِيبٍ لَهُمْ بَدَلَ الأرْضِ. وَلِهَذَا قُلْتُ لَنْ يَنَالَ اللَّاوِيُّونَ حِصَّةً مِنَ الأرْضِ مِثْلَ بَقيَّةِ بَنِي إسْرَائِيلَ.» وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «قُلْ لِلَّاوِيِّينَ: حِينَ تَأْخُذُونَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أعْشَارَهُمُ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لَكُمْ مِنْهُمْ كَنَصِيبٍ لَكُمْ، فَعَلَيكُمْ حِينَئِذٍ، أنْ تُقَدِّمُوا للهِ عُشرًا مِنَ العُشرِ. سَتُحْسَبُ تَقْدِمَتُكُمْ كَالقَمْحِ مِنْ بَيْدَرِ التَّذرِيَةِ وَكَالعَصِيرِ مِنْ مِعصَرَةِ الخَمْرِ. فَيَنْبَغِي أنْ تُقَدِّمُوا للهِ مِنَ العُشرِ الَّذِي تَأْخُذُونَهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. مِنْ ذَلِكَ العُشرِ تُقَدِّمُونَ تَقْدِمَةً للهِ لِهَارُونَ الكَاهِنِ. مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ التَّقدِمَاتِ الَّتِي تَأْخُذُونَهَا، تُقَدِّمُونَ تَقْدِمَةً مُنَاسِبَةً للهِ . تُقَدِّمُونَ أفْضَلَ وَأقدَسَ جُزءٍ مِمَّا يُقَدَّمُ لَكُمْ. «وَقُلْ لَهُمْ: حِينَ تُقَدِّمُونَ أفْضَلَ جُزءٍ مِنْهَا، سَتُحْسَبُ لَكُمْ أيُّهَا اللَّاوِيُّونَ كَأنَّهَا مِنْ إنتَاجِ بَيْدَرِ التَّذرِيَةِ وَمِعصَرَةِ الخَمْرِ. يُمكِنُكَ أنْتَ وَعَائِلَتُكَ أنْ تَأْكُلُوهُ فِي أيِّ مَكَانٍ لِأنَّهُ أُجرَةٌ لَكُمْ عَلَى عَمَلِكُمْ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. لَنْ تُعَاقَبُوا إنْ قَدَّمْتُمْ أفْضَلَ جُزءٍ مِنَ التَّقدِمَاتِ. فَلَا تُنَجِّسُوا تَقْدِمَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ المُقَدَّسَةَ، وَإلَّا فَإنَّكُمْ سَتَمُوتُونَ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «هَذِهِ هِيَ فَرِيضَةُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أمَرَ اللهُ بِهَا: قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يُحضِرُوا لَكَ بَقَرَةً حَمْرَاءَ لَا عَيْبَ فِيهَا وَصَحِيحَةً، وَلَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا نِيرٌ قَطُّ. وَأعْطِهَا لِألِيعَازَارَ الكَاهِنِ الَّذِي يَأْخُذُهَا خَارِجَ المُخَيَّمِ لِتُذبَحَ أمَامَهُ. ثُمَّ يَأْخُذُ ألِيعَازَارُ الكَاهِنُ مِنْ دَمِهَا بِإصْبَعِهِ، وَيَرُشُّهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أمَامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ تُحرَقُ البَقَرَةُ أمَامَ عَيْنَيْهِ: جِلْدُهَا وَلَحْمُهَا وَدَمُهَا وَأحشَاؤُهَا وَكُلُّ مَا فِيهَا. وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ خَشَبَ أرْزٍ وَغُصْنَ زُوفَا وَقِطعَةً مِنْ قُمَاشِ القِرْمِزِ، وَيُلقِيهَا عَلَى البَقَرَةِ المُشتَعِلَةِ. ثُمَّ يَغْسِلُ الكَاهِنُ ثِيَابَهُ وَجَسَدَهُ بِالمَاءِ. حِينَئِذٍ، يَعُودُ إلَى المُخَيَّمِ، لَكِنَّهُ يَبْقَى غَيْرَ طَاهِرٍ حَتَّى المَسَاءِ. أمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أحرَقَهَا، فَلْيَغْسِلْ ثِيَابَهُ وَجَسَدَهُ فِي المَاءِ، لَكِنَّهُ يَبْقَى غَيْرَ طَاهِرٍ حَتَّى المَسَاءِ. «ثُمَّ يَذْهَبُ رَجُلٌ طَاهِرٌ وَيَجْمَعُ رَمَادَ البَقَرَةِ وَيَضَعُهُ خَارِجَ المُخَيَّمِ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ. يُحفَظُ الرَّمَادُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ لِأجْلِ التَّطهِيرِ، فَهوَ سَيُسْتَخْدَمُ لِمَاءِ تَطْهِيرِ الخَطِيَّةِ. «وَعَلَى الرَّجُلِ الَّذِي جَمَعَ رَمَادَ البَقَرَةِ أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ، لَكِنَّهُ سَيَبْقَى غَيْرَ طَاهِرٍ حَتَّى المَسَاءِ. «هَذِهِ شَرِيعَةٌ دَائِمَةٌ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، وَلِلأجَانِبِ المُقِيمِينَ بَيْنَهُمْ. مَنْ يَلْمِسُ جُثَّةَ إنْسَانٍ مَيِّتٍ، يَبْقَى غَيْرَ طَاهِرٍ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. فَلْيَتَطَهَّرْ بِمَاءِ التَّطهِيرِ فِي اليَوْمَينِ الثَّالِثِ وَالسَّابِعِ. حِينَئِذٍ، سَيَكُونُ طَاهِرًا. فِإنْ لَمْ يَتَطَّهَرْ فِي اليَوْمَينِ الثَّالِثِ وَالسَّابِعِ، لَا يَعْتَبَرُ طَاهِرًا. مَنْ يَلْمِسُ جُثَّةَ إنْسَانٍ مَيِّتٍ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، فَإنَّهُ يُنَجِّسُ مَسْكَنَ اللهِ المُقَدَّسَ. لِذَلِكَ يُقْطَعُ مِنْ إسْرَائِيلَ. وَلِأنَّ مَاءَ التَّطهِيرِ لَمْ يُرَشَّ عَلَيْهِ، يَبْقَى غَيْرَ طَاهِرٍ، لِأنَّ نَجَاسَتَهُ مَا تَزَالُ عَلَيْهِ. «هَذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ: إنْ مَاتَ شَخْصٌ فِي خَيْمَةٍ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الخَيْمَةَ، أوْ كَانَ فِيهَا، يَكُونُ غَيْرَ طَاهِرٍ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. كُلُّ صَحنٍ بِلَا غِطَاءٍ، يَكُونُ غَيْرَ طَاهِرٍ. وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُ قَتِيلًا قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ فِي البَرِّيَّةِ أوْ مَاتَ مِيتَةً طَبِيعِيَّةً، أوْ يَلْمِسُ عَظمَةَ مَيِّتٍ أوْ قَبرًا، فَإنَّهُ سَيَكُونُ غَيْرَ طَاهِرٍ لِمُدَّةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ. «فَلْيُؤخَذْ بَعْضُ رَمَادِ ذَبِيحَةِ التَّطهِيرِ لِأجْلِ الشَّخصِ المُتَنَجِّسِ، ثُمَّ يُسكَبُ مَاءٌ جَارٍ فِي وِعَاءٍ. وَلْيأخُذْ شَخْصٌ طَاهِرٌ غُصْنَ زُوفَا، وَيَغْمِسْهُ فِي المَاءِ، وَلْيَرُشَّ المَاءَ عَلَى الخَيْمَةِ وَعَلَى جَمِيعِ الأوعِيَةِ وَالنَّاسِ الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا. لِيَرُشَّ المَاءَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَمَسَ عَظمًا أوْ قَتيلًا أوْ مَيِّتًا ميتَةً طَبيعيَّةً أوْ قَبرًا. «لِيَرُشَّ الشَّخصُ الطَّاهِرُ المَاءَ عَلَى غَيْرِ الطَّاهِرِ فِي اليَوْمَينِ الثَّالِثِ وَالسَّابِعِ، فَيَصِيرَ طَاهِرًا فِي اليَوْمِ السَّابِعِ، حَيْثُ يَغْسِلُ غَيْرُ الطَّاهِرِ ثِيَابَهُ وَجَسَدَهُ فِي المَاءِ، فَيَصِيرَ طَاهِرًا فِي المَسَاءِ. «مَنْ يَتَنَجَّسُ وَلَا يَتَطَهَّرُ، يُقْطَعُ مِنَ إسْرَائِيلَ لِأنَّهُ نَجَّسَ مَكَانَ اللهِ المُقَدَّسَ، وَرَفَضَ أنْ يُرَشَّ مَاءُ التَّطهِيرِ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَجِسٌ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ دَائِمَةٌ لَكُمْ. أمَّا مَنْ يَرُشُّ مَاءَ التَّطهِيرِ، فَيَنْبَغِي أنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ. وَمَنْ يَلْمِسُ مَاءَ التَّطهِيرِ، يَكُونُ غَيْرَ طَاهِرٍ حَتَّى المَسَاءِ. وَكُلُّ مَا يَلْمِسُهُ غَيْرُ الطَّاهِرِ يَكُونُ غَيْرَ طَاهِرٍ. وَكُلُّ شَخْصٍ يَلْمِسُهُ يَكُونُ غَيْرَ طَاهِرٍ حَتَّى المَسَاءِ.» وَأتَى كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى بَرِّيَّةِ صِينٍ فِي الشَّهْرِ الأوَّلِ، وَأقَامُوا فِي قَادِشَ. وَهُنَاكَ مَاتَتْ مَريَمُ وَدُفِنَتْ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَاءٌ لِلشَّعْبِ لِيَشْرَبُوا. فَاجتَمَعُوا مَعًا ضِدَّ مُوسَى وَهَارُونَ. وَتَجَادَلَ الشَّعْبُ مَعَ مُوسَى وَقَالُوا لَهُ: «لَيتَنَا مُتْنَا حِينَ مَاتَ إخْوَتُنَا فِي حَضْرَةِ اللهِ . لِمَاذَا أتَيْتُمَا بِشَعْبِ اللهِ إلَى هَذِهِ الصَّحرَاءِ كَي نَمُوتَ نَحْنُ وَحَيَوَانَاتُنَا هُنَا؟ وَلِمَاذَا أخرَجْتُمَانَا مِنْ مِصْرٍ إلَى هَذَا المَكَانِ المُرِيعِ؟ فَلَيْسَ فِي هَذَا المَكَانِ قَمْحٌ وَلَا تِينٌ وَلَا كُرُومٌ وَلَا رُمَّانٌ وَلَا حَتَّى مَاءٌ لِلشُّرْبِ.» فَذَهَبَ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ أمَامِ الشَّعْبِ إلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَانحَنَيَا وَوَجْهَاهُمَا نَحْوَ الأرْضِ، فَظَهَرَ مَجْدُ اللهِ لَهُمَا. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «خُذْ أنْتَ وَهَارُونُ العَصَا وَاجمَعَا الشَّعْبَ. وَأمُرَا الصَّخرَةَ أمَامَهُمْ بِأنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا. هَكَذَا تُخرِجُ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخرَةِ. تُزَوِّدُهُمْ بِالمَاءِ لِيَشْرَبُوا هُمْ وَحَيَوَانَاتُهُمْ.» فَأخَذَ مُوسَى العَصَا مِنْ مَحْضَرِ اللهِ ، كَمَا أمَرَهُ. ثُمَّ جَمَعَ مُوسَى وَهَارُونُ الشَّعْبَ أمَامَ الصَّخرَةِ. وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «اسْتَمِعُوا أيُّهَا الشَّعْبُ المُتَمَرِّدُ، هَلْ نُخرِجُ لَكُمْ مَاءً مِنْ هَذِهِ الصَّخرَةِ؟» ثُمَّ رَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخرَةَ مَرَّتَيْنِ بِالعَصَا، فَتَدَفَّقَ المَاءُ مِنْهَا، وَشَرِبَ النَّاسُ وَحَيَوَانَاتُهُمْ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «لِأنَّكُمَا لَمْ تَثِقَا بِي بِمَا يَكْفِي لِتُقَدِّسَانِي أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ، لَنْ تَقُودَا هَذَا الشَّعْبَ إلَى الأرْضِ الَّتِي سَأُعْطِيهَا لَهُمْ.» هَذِهِ هِيَ مِيَاهُ مَرِيبَةَ حَيْثُ تَمَرَّدَ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى اللهِ ، وَحَيْثُ أظْهَرَ قَدَاسَتَهُ فِي وَسَطِهِمْ. وَأرْسَلَ مُوسَى رُسُلًا مِنْ قَادِشَ إلَى مَلِكِ أدُومَ وَقَالَ لَهُ: «أخُوكَ إسْرَائِيلُ يَقُولُ لَكَ: أنْتَ تَعْرِفُ الضِّيقَ الَّذِي تَعَرَّضْنَا لَهُ، أنَّ آبَاءَنَا نَزَلُوا إلَى مِصْرٍ، وَأنَّنَا عِشنَا هُنَاكَ لِفَترَةٍ طَوِيلَةٍ، وَأنَّ المِصْرِيِّينَ كَانُوا قُسَاةً عَلَيْنَا وَعَلَى آبَائِنَا. لَكِنَّنَا صَرَخنَا إلَى اللهِ طَالِبِينَ عَونَهُ، وَقَدِ اسْتَجَابَ وَأرْسَلَ مَلَاكًا أخرَجَنَا مِنْ مِصْرٍ. إنَّنَا فِي قَادِشَ، المَدِينَةِ الَّتِي عَلَى حُدُودِ أرْضِكَ. فَاسْمَحْ لَنَا بِالمُرُورِ فِي أرْضِكَ. نَتَعَهَّدُ بِأنْ لَا نَمُرَّ فِي الحُقُولِ أوِ الكُرُومِ، أوْ نَشرَبَ مَاءً مِنْ آبَارِكُمْ. نَسِيرُ فِي ‹طَرِيقِ المَلِكِ.› لَا نَمِيلُ إلَى اليَمِينِ أوِ اليَسَارِ حَتَّى نَجتَازَ أرْضَكَ.» فَقَالَ مَلِكُ أدُومَ لَهُمْ: «لَا أسمَحُ لَكُمْ بِالمُرُورِ فِي أرْضِي، فَإنْ حَاوَلْتُمْ عَمَلَ ذَلِكَ، فَإنَّنَا سَنَخرُجُ وَنُقَاوِمُكُمْ بِالسُّيُوفِ.» فَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ لَهُ: «سَنَسِيرُ فِي ‹طَرِيقِ المَلِكِ.› وَإنْ شَرِبْنَا نَحْنُ أوْ حَيَوَانَاتُنَا مِنْ مَائِكَ، سَنَدفَعُ ثَمَنَهُ. اسْمَحْ لَنَا بِأنْ نَمُرَّ فِي أرْضِكَ سَيرًا عَلَى الأقْدَامِ. هَذَا كُلُّ مَا نَطلُبُهُ مِنْكَ.» وَأمَّا مَلِكُ أدُومَ فَقَالَ: «لَنْ تَمُرُّوا فِي أرْضِي.» وَخَرَجَ أدُومُ لِيُلَاقِيَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَقَوِيٍّ. وَرَفَضَ مَلِكُ أدُومَ السَّمَاحَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ بِالمُرُورِ فِي أرْضِهِ، فَمَالُوا عَنْ أرْضِهِ. فَتَرَكَ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ قَادِشَ وَأتَوْا إلَى جَبَلِ هُورٍ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَى جَبَلِ هُورٍ الَّذِي يَقَعُ قُرْبَ حُدُودِ أدُومَ: «ليَمُتْ هَارُونُ وَيُضَمُّ إلَى جَمَاعَتِهِ. فَهُوَ لَنْ يَدْخُلَ الأرْضَ الَّتِي سَأُعْطِيهَا لِبَنِي إسْرَائِيلَ، لِأنَّكُمَا عَصَيتُمَا أمْرِي عِنْدَ مَرِيبَةَ. «خُذْ هَارُونَ وَألِيعَازَارَ ابْنَهُ وَاصعَدْ بِهِمَا إلَى جَبَلِ هُورٍ. ثُمَّ انْزِعْ ثِيَابَ هَارُونَ الكَهَنُوتِيَّةَ عَنْهُ وَألبِسْهَا لِألِيعَازَارَ ابْنِهِ. فَسَيَمُوتُ هَارُونُ هُنَاكَ وَيُضَمُّ إلَى جَمَاعَتِهِ.» فَفَعَلَ مُوسَى كَمَا أمَرَهُ اللهُ . فَصَعِدُوا إلَى جَبَلِ هُورٍ أمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ. وَنَزَعَ مُوسَى ثِيَابَ هَارُونَ الكَهَنُوتِيَّةَ عَنْهُ وَألبَسَهَا لِألِيعَازَارَ ابنِهِ. وَمَاتَ هَارُونُ عَلَى قِمَّةِ الجَبَلِ. حِينَئِذٍ، نَزَلَ مُوسَى وَألِيعَازَارُ مِنَ الجَبَلِ. وَعَرَفَ جَمِيعُ الشَّعْبِ أنَّ هَارُونَ قَدْ مَاتَ. فَبَكَى جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى هَارُونَ مُدَّةَ ثَلَاثِينَ يَومًا. وَسَمِعَ عَرَادُ، المَلِكُ الكَنعَانِيُّ الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ فِي النَّقَبِ أنَّ إسْرَائِيلَ كَانَ آتِيًا فِي طَرِيقِ أتَارِيمَ، فَحَارَبَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَسَبَى بَعْضًا مِنْهُمْ. فَنَذَرَ إسْرَائِيلُ نَذرًا خَاصًّا للهِ ، فَقَالَ: «إنْ سَاعَدْتَنَا فِي هَزِيمَةِ هَذَا الشَّعْبِ، فَسَنُدَمِّرُ مُدُنَهُمْ تَمَامًا.» وَسَمِعَ اللهُ لِصَوْتِ إسْرَائِيلَ وَسَاعَدَهُمْ فِي هَزِيمَةِ الكَنعَانِيِّينَ، فَقَضَوْا عَلَيْهِمْ وَدَمَّرُوا مُدُنَهُمْ بِالْكَامِلِ. وَلِذَا دَعُوا اسْمَ المَكَانِ حُرْمَةَ. ثُمَّ تَرَكُوا جَبَلَ هُورٍ فِي الطَّرِيقِ إلَى البَحْرِ الأحْمَرِ لِيَدُورُوا حَوْلَ أرْضِ أدُومَ. فَتَضَايَقَ الشَّعْبُ جِدًّا فِي الطَّرِيقِ، وَبَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ ضِدَّ اللهِ وَمُوسَى: «لِمَاذَا جَعَلْتُمَانَا نَترُكُ مِصْرًا لِنَمُوتَ فِي الصَّحْرَاءِ؟ فَلَيْسَ هُنَاكَ خُبْزٌ أوْ مَاءٌ فِي هَذَا المَكَانِ، وَقَدْ مَلَلْنَا هَذَا الطَّعَامَ السَّخِيفَ.» فَأرْسَلَ اللهُ حَيَّاتٍ سَامَّةً إلَى الشَّعْبِ، فَلَدَغَتْهُمْ. وَمَاتَ كَثِيرُونَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَلِذَا أتَى الشَّعْبُ إلَى مُوسَى وَقَالُوا: «لَقَدْ أخْطَأنَا إذْ تَكَلَّمْنَا ضِدَّ اللهِ وَضِدَّكَ. صَلِّ إلَى اللهِ أنْ يَأْخُذَ الحَيَّاتِ بَعِيدًا عَنَّا.» فَصَلَّى مُوسَى لِأجْلِ الشَّعْبِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اصنَعْ حَيَّةً نُحَاسِيَّةً وَضَعْهَا عَلَى عَمُودٍ. وَحِينَ يَنْظُرُ إلَيْهَا أيُّ شَخْصٍ لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ فَإنَّهُ سَيُشفَى.» فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً نُحَاسِيَّةً وَعَلَّقَهَا عَلَى سَارِيَةٍ خَشَبِيَّةٍ. فَكَانَ كُلُّ مَنْ لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ، وَنَظَرَ إلَى الحَيَّةِ البُرُونْزِيَّةِ، يُشفَى. ثُمَّ تَرَكَ بَنُو إسْرَائِيلَ ذَلِكَ المَكَانَ وَخَيَّمُوا فِي أُوبُوتَ. ثُمَّ تَرَكُوا أُوبُوتَ وَخَيَّمُوا فِي عَيِّي عَبَارِيمَ فِي الصَّحْرَاءِ عَلَى حَدِّ مُوآبَ إلَى الشَّرقِ مِنْهَا. وَتَرَكُوا ذَلِكَ المَكَانَ وَخَيَّمُوا فِي وَادِي زَارَدَ. وَتَرَكُوا ذَلِكَ المَكَانَ وَخَيَّمُوا عَلَى ضِفَّةِ نَهْرِ أرنُونَ فِي الصَّحْرَاءِ المُمتَدَّةِ مِنْ أرْضِ الأمُورِيِّينَ – فَنَهْرُ أرْنُونَ هُوَ الحَدُّ الفَاصِلُ بَيْنَ مُوآبَ وَأرْضِ الأمُورِيِّينَ. وَيُوصَفُ هَذَا فِي كِتَابِ حُرُوبِ اللهِ كَمَا يَلِي: «… وَاهِبٌ فِي سُوفَةَ وَأودِيَةِ أرنُونَ، وَمُنحَدَرَاتُ أودِيَتِهِ تُؤَدِّي إلَى مَسَاكِنِ عَارٍ وَتَقَعُ عَلَى حُدُودِ مُوآبَ.» وَمِنْ هُنَاكَ ذَهَبُوا إلَى مِنْطَقَةِ بِيرٍ، حَيْثُ البِئْرُ الَّتِي قَالَ اللهُ لِمُوسَى عَنْهَا: «اجمَعِ الشَّعْبَ هُنَاكَ، وَأنَا سَأُعْطِيهِمْ مَاءً.» ثُمَّ رَنَّمَ بَنُو إسْرَائِيلَ هَذِهِ التَّرنِيمَةَ: «تَدَفَّقِي بِالمَاءِ أيَّتُهَا البِئْرُ. رَنِّمُوا لَهَا. البِئْرُ الَّتِي حَفَرَهَا عُظَمَاءُ الشَّعْبِ، الَّتِي بَدَأ قَادَةُ الشَّعْبِ بِحَفرِهَا، بِصَولَجَانَاتِهِمْ وَعِصِيِّهِمْ.» ثُمَّ تَرَكُوا تِلْكَ الصَّحْرَاءَ وَأتَوْا إلَى مَتَّانَةَ. وَمِنْ مَتَّانَةَ أتَوْا إلَى نَحلِيئِيلَ. وَمِنْ نَحلِيئِيلَ أتَوْا إلَى بَامُوتَ. وَمِنْ بَامُوتَ أتَوْا إلَى الوَادِي الَّذِي فِي مِنْطَقَةِ مُوآبَ عَلَى قِمَّةِ جَبَلِ الفِسْجَةِ الَّذِي يُشرِفُ عَلَى الصَّحْرَاءِ. وَأرْسَلَ إسْرَائِيلُ رُسُلًا إلَى المَلِكِ سِيحُونَ مَلِكِ الأمُورِيِّينَ فَقَالَ: «اسْمَحْ لَنَا بِالمُرُورِ فِي بَلَدِكَ. وَنَحْنُ نَعِدُ بِأنَّنَا لَنْ نَمِيلَ إلَى حُقُولِكَ أوْ كُرُومِكَ، وَلَنْ نَشرَبَ مَاءً مِنْ بِئرِكَ. سَنَسِيرُ فِي ‹طَرِيقِ المَلِكِ› حَتَّى نَتَجَاوَزَ أرْضَكَ.» لَكِنَّ سِيحُونَ لَمْ يَسْمَحْ لِإسْرَائِيلَ بِالمُرُورِ فِي أرْضِهِ، بَلْ جَمَعَ كُلَّ شَعْبِهِ وَخَرَجَ لِيَلْتَقِيَ إسْرَائِيلَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَجَاءَ إلَى يَاهَصَ وَهَاجَمَ إسْرَائِيلَ. لَكِنَّ إسْرَائِيلَ قَتَلُوهُ وَأخَذُوا أرْضَهُ مِنْ نَهْرِ أرنُونَ إلَى نَهْرِ يَبُّوقَ، وَإلَى حُدُودِ أرْضِ العَمُّونِيِّينَ، لِأنَّ حُدُودَ العَمُّونِيِّينَ كَانَتْ قَوِيَّةً. فَأخَذَ إسْرَائِيلُ كُلَّ هَذِهِ المُدُنِ وَسَكَنُوا كُلَّ مُدُنِ الأمُورِيِّينَ تِلْكَ، فِي حَشبُونَ وَالمُدُنِ المُحِيطَةِ بِهَا. كَانَتْ أدُومُ مَدِينَةَ المَلِكِ الأمُورِيِّ سِيحُونَ. وَكَانَ سِيحُونُ قَدْ حَارَبَ مَلِكَ مُوآبَ السَّابِقَ، وَأخَذَ كُلَّ أرْضِهِ مِنْهُ إلَى نَهْرِ أرنُونَ. وَلِهَذَا يَقُولُ المُغَنُّونَ: «تَعَالَوْا إلَى حَشْبُونَ، فَلْيُعَدْ بِنَاؤُهَا. وَلْيُعَدْ بِنَاءُ مَدِينَةِ سِيحُونَ. لِأنَّ نَارًا خَرَجَتْ مِنْ مَدِينَةِ حَشْبُونَ، وَلَهِيبًا مِنْ مَدِينَةِ سِيحُونَ. أكَلَتِ النَّارُ مَدِينَةَ عَارٍ فِي مُوآبَ، وَالتَهَمَتِ التِّلَالَ الَّتِي فَوْقَ أرنُونَ. وَيْلٌ لَكَ يَا مُوآبُ. قَدْ تَحَطَّمْتُمْ يَا شَعْبَ كَمُوشَ. جَعَلَ كَمُوشُ أبْنَاءَكَ يَهْرُبُونَ، وَبَنَاتِكَ أسِيرَاتٍ لِسِيحُونَ مَلِكِ الأمُورِيِّينَ. وَلَكِنَّنَا هَزَمْنَا هَؤُلَاءِ الأمُورِيِّينَ. دَمَّرْنَا مُدُنَهُمْ مِنْ حَشْبُونَ إلَى دِيبُونَ، مِنْ نَشِيمَ إلَى نُوفَحَ، القَرِيبَةِ مِنْ مِيدَبَا.» وَسَكَنَ إسْرَائِيلُ فِي أرْضِ الأمُورِيِّينَ. وَأرْسَلَ مُوسَى رِجَالًا لِيَسْتَكْشِفُوا يَعْزِيرَ، فَأخَذُوا المُدُنَ المُحِيطَةَ بِهَا وَأجبَرُوا الأمُورِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ عَلَى تَرْكِ المِنْطَقَةِ. ثُمَّ دَارَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَسَارُوا فِي الطَّرِيقِ إلَى بَاشَانَ. فَخَرَجَ عُوجٌ مَلِكُ بَاشَانَ إلَى إذرَعِي مَعَ كُلِّ شَعْبِهِ لِيُحَارِبَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «لَا تَخَفْ مِنْهُ، لِأنِّي سَأُسَلِّمُهُ هُوَ وَكُلَّ شَعْبِهِ وَكُلَّ أرْضِهِ إلَيْكَ. فَافْعَلْ بِهِ كَمَا فَعَلْتَ بِسِيحُونَ مَلِكِ الأمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ يَحْكُمُ فِي حَشبُونَ.» فَقَتَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ عُوجًا وَأبْنَاءَهُ وَكُلَّ شَعْبِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ نَاجٍ وَاحِدٌ. ثُمَّ أخَذُوا أرْضَهُ. ثُمَّ أكمَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ رِحلَتَهُمْ وَخَيَّمُوا فِي سُهُولِ مُوآبَ إلَى الشَّرقِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ مُقَابِلَ أرِيحَا. وَرَأى بَالَاقُ بْنُ صِفُّورَ كُلَّ مَا عَمِلَهُ بَنُو إسْرَائِيلَ بِالأمُورِيِّينَ. وَارتَعَبَ المُوآبِيُّونَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لِأنَّهُمْ كَانُوا كَثِيرِينَ. كَانَ المُوآبِيُّونَ مُرتَعِبِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَالَ مَلِكُ مُوآبَ لِشُيُوخِ مِديَانَ: «سَيُدَمِّرُ هَذَا الشَّعْبُ العَظِيمُ كُلَّ شَيءٍ حَوْلَنَا، كَمَا يَلْتَهِمُ الثَّورُ عُشبَ الحَقْلِ.» وَكَانَ بَالَاقُ بْنُ صِفُّورَ مَلِكَ مُوآبَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. فَأرْسَلَ بَالَاقُ رُسُلًا إلَى بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ فِي فَتُورَ الوَاقِعَةِ عَلَى نَهْرِ الفُرَاتِ حَيْثُ كَانَ يَعِيشُ شَعْبُ بَلْعَامَ، لِيَدْعُوَهُ. فَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ خَرَجَ شَعْبٌ مِنْ مِصْرٍ، وَقَدْ غَطُّوا الأرْضَ مِنْ كَثرَتِهِمْ، وَهُمْ مُخَيِّمُونَ بِجِوَارِي. وَالْآنَ، تَعَالَ وَالعَنْ لِي هَذَا الشَّعْبَ لِأنَّهُمْ أقوَى مِنِّي. فَرُبَّمَا أُصْبِحُ عِنْدهَا قَادِرًا عَلَى مُهَاجَمَتِهِمْ وَطَردِهِمْ مِنَ الأرْضِ. أنَا أعْرِفُ أنَّ الَّذِي تُبَارِكُهُ يَكُونُ مُبَارَكًا، وَالَّذِي تَلْعَنُهُ يَكُونُ مَلعُونًا.» فَذَهَبَ شُيُوخُ مُوآبَ وَشُيُوخُ مِديَانَ وَمَعَهُمْ أُجرَةُ بَلْعَامَ مُقَابِلَ عِرَافَتِهِ. وَأتَوْا إلَى بَلْعَامَ وَأخبَرُوهُ بِمَا قَالَهُ بَالَاقُ. فَقَالَ بَلْعَامُ لَهُمُ: «امْكُثُوا هُنَا اللَّيلَةَ، وَأنَا سَأُخبِرُكُمْ بِمَا سَيَقُولُهُ اللهُ لِي.» فَمَكَثَ رُؤَسَاءُ مُوآبَ عِنْدَ بَلْعَامَ. وَأتَى اللهُ إلَى بَلْعَامَ فِي حُلْمٍ وَقَالَ لَهُ: «مَنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الَّذِينَ عِنْدَكَ؟» فَقَالَ بَلْعَامُ للهِ: «هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أرسَلَهُمْ بَالَاقُ بْنُ صِفُّورَ، مَلِكُ مُوآبَ، إلَيَّ بِرِسَالَةٍ يَقُولُ فِيهَا: ‹خَرَجَ شَعْبٌ مِنْ مِصْرٍ وَقَدْ غَطَّى الأرْضَ مِنْ كَثرَتِهِ. تَعَالَ الآنَ وَالعَنْهُمْ لِي، وَبِهَذَا أُصبِحُ قَادِرًا عَلَى مُحَارَبَتِهِمْ وَطَردِهِمْ.›» فَقَالَ اللهُ لِبَلعَامَ: «لَا تَذْهَبْ مَعَهُمْ، وَلَا تَلْعَنَ هَذَا الشَّعْبَ لِأنَّهُ مُبَارَكٌ.» فَقَامَ بَلْعَامُ فِي الصَّبَاحِ وَقَالَ لِلقَادَةِ الَّذِينَ أرسَلَهُمْ بَالَاقُ: «ارجِعُوا إلَى أرْضِكُمْ لِأنَّ اللهَ رَفَضَ أنْ يَسْمَحَ لِي بِالذَّهَابِ مَعَكُمْ.» فَقَامَ قَادَةُ مُوآبَ وَذَهَبُوا إلَى بَالَاقَ، وَقَالُوا لَهُ: «رَفَضَ بَلْعَامُ أنْ يَأْتِيَ مَعَنَا.» فَأرْسَلَ بَالَاقُ مَرَّةً أُخْرَى قَادَةً آخَرِينَ أكْثَرَ عَدَدًا وَأهَمِّيَّةً مِنْ مَجمُوعَةِ القَادَةِ الأُولَى، وَذَهَبُوا إلَى بَلْعَامَ وَقَالُوا لَهُ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ بَالَاقُ بْنُ صِفُّورَ: أرْجُو أنْ لَا يَمْنَعَكَ مَانِعٌ مِنَ المَجِيءِ إلَيَّ. لِأنِّي سَأُكَافِئُكَ كَثِيرًا، وَسَأعْطِيكَ كُلَّ مَا تَطْلُبُهُ. فَتَعَالَ وَالْعَنْ لِي هَذَا الشَّعْبَ.» فَأجَابَ بَلْعَامُ قَادَةَ بَالَاقَ: «حَتَّى لَوْ أعطَانِي بَالَاقُ مِلءَ بَيْتِهِ مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، فَإنِّي لَا أسْتَطِيعُ أنْ أعصِيَ أمرَ بِشَيءٍ كَبِيرٍ أوْ صَغِيرٍ. وَالْآنَ، امْكُثُوا هُنَا اللَّيلَةَ كَمَا فَعَلَ الآخَرُونَ لِأعْرِفَ مَاذَا يُرِيدُ اللهُ أنْ يَقُولَ لِي.» وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ أتَى اللهُ إلَى بَلْعَامَ فِي حُلْمٍ وَقَالَ لَهُ: «إنْ طَلَبَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ مِنْكَ الذَّهَابَ مَعَهُمْ، قُمْ وَاذْهَبْ مَعَهُمْ، لَكِنِ افْعَلْ مَا أطلُبُهُ مِنْكَ فَقَطْ.» فَقَامَ بَلْعَامُ فِي الصَّبَاحِ وَسَرَجَ حِمَارَهُ وَذَهَبَ مَعَ قَادَةِ مُوآبَ. فَغَضِبَ اللهُ لِأنَّ بَلْعَامَ ذَهَبَ. فَأتَى مَلَاكُ اللهِ وَوَقَفَ فِي الطَّرِيقِ لِيُوقِفَهُ، وَقَدْ كَانَ بَلْعَامُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارِهِ وَيُرَافِقُهُ اثْنَانِ مِنْ خُدَّامِهِ. وَحِينَ رَأى الحِمَارُ مَلَاكَ اللهِ وَاقِفًا فِي الطَّرِيقِ وَسَيفُهُ فِي يَدِهِ، انحَرَفَ الحِمَارُ عَنِ الطَّرِيقِ وَذَهَبَ إلَى الحَقْلِ، وَلِذَا ضَرَبَ بَلْعَامُ الحِمَارَ لِيُعِيدَهُ إلَى الطَّرِيقِ. ثُمَّ وَقَفَ مَلَاكُ اللهِ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ بَيْنَ كَرْمَينِ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَائِطٌ. وَحِينَ رَأى الحِمَارُ مَلَاكَ اللهِ التَصَقَ بِالحَائِطِ فَضَغَطَ قَدَمَ بَلْعَامَ، فَضَرَبَ بَلْعَامُ الحِمَارَ ثَانِيَةً. ثُمَّ عَادَ مَلَاكُ اللهِ وَوَقَفَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ لَا يُمْكِنُ تَجَاوزُهُ إلَى اليَمِينِ أوِ اليَسَارِ. وَحِينَ رَأى الحِمَارُ مَلَاكَ اللهِ ، بَرَكَ تَحْتَ بَلْعَامَ. فَغَضِبَ بَلْعَامُ وَضَرَبَ الحِمَارَ بِعَصَاهُ. حِينَئِذٍ، جَعَلَ اللهُ الحِمَارَ يَتَكَلَّمَ، فَقَالَ لِبَلعَامَ: «مَاذَا عَمِلْتُ لَكَ لِتَضْرِبَنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟» فَقَالَ بَلْعَامُ لِلحِمَارِ: «قَدِ اسْتَهَنْتَ بِي. لَيْتَ فِي يَدِي سَيفٌ كَي أقتُلَكَ الآنَ.» فَقَالَ الحِمَارُ لِبَلعَامَ: «ألَسْتُ حِمَارَكَ الَّذِي رَكِبْتَهُ طِيلَةَ حَيَاتِكَ إلَى هَذَا اليَوْمِ؟ فَهَلْ عَمِلْتُ هَذَا مَعَكَ سَابِقًا؟» فَقَالَ بَلْعَامُ: «لَا.» فَفَتَحَ اللهُ عَينَيِّ بَلْعَامَ لِيَرَى مَلَاكَ اللهِ الَّذِي كَانَ وَاقِفًا فِي الطَّرِيقِ وَبِيَدِهِ سَيفٌ مَسلُولٌ. فَسَجَدَ بَلْعَامُ وَوَجْهُهُ إلَى الأرْضِ. فَقَالَ مَلَاكُ اللهِ : «لِمَاذَا ضَرَبْتَ حِمَارَكَ هَذِهِ المَرَّاتِ الثَّلَاثَ؟ لَقَدْ خَرَجْتُ لِإيقَافِكَ. رأيَتُ طَرِيقَكَ قَدِ انحَرَفَ. رَآنِي الحِمَارُ فَمَالَ عَنِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَلَوْ لَمْ يَمِلْ، لَكُنْتُ قَتَلْتُكَ، وَاسْتَبْقَيتُ الحِمَارَ.» فَقَالَ بَلْعَامُ لِمَلَاكِ اللهِ : «أخْطَأتُ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِي أنَّكَ كُنْتَ تَقِفُ فِي الطَّرِيقِ لِتُوقِفَنِي. وَالْآنَ، إنْ كَانَتْ رِحلَتِي لَا تُرضِيكَ فَإنِّي سَأرجِعُ إلَى بَيْتِي.» فَقَالَ مَلَاكُ اللهِ لِبَلعَامَ: «اذهَبْ مَعَ الرِّجَالِ، لَكِنْ قُلْ مَا أقُولُهُ لَكَ فَقَطْ.» فَذَهَبَ بَلْعَامُ مَعَ القَادَةِ الَّذِينَ أرسَلَهُمْ بَالَاقُ. وَحِينَ سَمِعَ بَالَاقُ بِقُدُومِ بَلْعَامَ، خَرَجَ لِلِقَائِهِ عِنْدَ عِيرِ مُوآبَ الوَاقِعَةِ عَلَى نَهْرِ أرنُونَ عِنْدَ أبعَدِ نُقطَةٍ عَلَى الحُدُودِ. فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلعَامَ: «ألَمْ أُرسِلْ لَكَ رِجَالًا لِأدْعُوَكَ لِلمَجِيءِ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَأْتِ إلَيَّ؟ هَلْ أنَا غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى إكْرَامِكَ وَمُكَافَئَتِكَ؟» فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: «هَا قَدْ أتَيْتُ إلَيْكَ الآنَ، فَهَلْ أسْتَطِيعُ أنْ أعمَلَ شَيْئًا؟ فَعَلَيَّ أنْ أقُولَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لِي.» وَجَاءَ بَلْعَامُ مَعَ بَالَاقَ إلَى قَريَةِ حُصُوتَ. وَذَبَحَ بَالَاقُ بَقَرًا وَغَنَمًا وَأرسَلَهَا إلَى بَلْعَامَ وَالقَادَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ. وَفِي الصَّبَاحِ أخَذَ بَالَاقُ بَلْعَامَ إلَى بَامُوتَ بَعلَ. فَاسْتَطَاعَ بَلْعَامُ مِنْ هُنَاكَ أنْ يَرَى جُزءًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: «ابْنِ سَبْعَةَ مَذَابِحَ هُنَا. وَجَهِّزْ لِي سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبعَةَ كِبَاشٍ.» فَفَعَلَ بَالَاقُ كَمَا طَلَبَ بَلْعَامُ. وَقَدَّمَ بَالَاقُ وَبَلعَامُ ثَوْرًا وَكَبْشًا ذَبِيحَةً صَاعِدَةً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ. فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: «قِفْ بِجَانِبِ مُحْرَقَتِكَ، وَأنَا سَأنْفَرِدُ بِنَفْسِي، فَلَرُبَّمَا سَيَلْتَقِي اللهُ بِي. وَمَهْمَا أظْهَرَ اللهُ لِي فَإنِّي سَأُخْبِرُكَ بِهِ.» ثُمَّ ذَهَبَ إلَى قِمَّةِ تَلَّةٍ. فَأتَى اللهُ إلَى بَلْعَامَ، فَقَالَ بَلْعَامُ للهِ: «قَدْ نَصَبْتُ سَبْعَةَ مَذَابِحَ، وَقَدَّمْتُ ثَوْرًا وَكَبْشًا عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ.» وَأخبَرَ اللهُ بَلْعَامَ بِمَا يَنْبَغِي أنْ يَقُولَهُ. وَقَالَ اللهُ لَهُ: «ارجِعْ إلَى بَالَاقَ وَقُلْ لَهُ كَذَا وَكَذَا.» فَرَجِعَ بَلْعَامُ إلَى بَالَاقَ الَّذِي كَانَ وَاقِفًا بِجَانِبِ مُحرَقَتِهِ مَعَ قَادَةِ مُوآبَ. فَتَكَلَّمَ بَلْعَامُ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ: «أحضَرَنِي بَالَاقُ إلَى هُنَا مِنْ أرَامَ أحضَرَنِي مَلِكُ مُوآبَ مِنَ الجِبَالِ الشَّرقِيَّةِ. قَالَ بَالَاقُ لِي: ‹تَعَالَ وَالعَنْ لِي يَعْقُوبَ، تَعَالَ وَتَكَلَّمْ ضِدَّ بَنِي إسْرَائِيلَ.› كَيْفَ أسْتَطِيعُ أنْ ألعَنَ مَنْ لَمْ يَلْعَنْهُ اللهُ؟ كَيْفَ أسْتَطِيعُ أنْ أتَكَلَّمَ ضِدَّ الَّذِينَ لَمْ يَتَكَلَّمِ اللهُ ضِدَّهُمْ؟ لِأنِّي مِنْ قِمَّةِ الجِبَالِ أرَاهُمْ، وَمِنَ التِّلَالِ أُبصِرُهُمْ. هَا إنَّهُمْ شَعْبٌ يَعِيشُ وَحِيدًا، وَلَا يَعْتَبِرُ نَفْسَهُ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ. مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُحْصِيَ شَعْبَ يَعْقُوبَ وَهُوَ كَالرَّمِلِ؟ أوْ أنْ يَعُدَّ وَلَوْ رُبعَ بَنِي إسْرَائِيلَ؟ فَلأمُتْ مِيتَةَ المُسْتَقِيمِينَ، وَلْتَكُنْ نِهَايَتِي كَنِهَايَتِهِمْ.» وَقَالَ بَالَاقُ لِبَلعَامَ: «مَاذَا عَمِلْتَ بِي؟ أحْضَرْتُكَ لِتَلْعَنَ أعْدَائِي، وَلَكِنَّكَ بَارَكْتَهُمْ!» فَأجَابَ بَلْعَامُ: «ألَا يَنْبَغِي أنْ أكُونَ حَرِيصًا عَلَى قَولِ مَا يَطْلُبُ اللهُ مِنِّي قَولَهُ؟» فَقَالَ بَالَاقُ لَهُ: «تَعَالَ مَعِي إلَى مَكَانٍ آخَرَ يُمكِنُكَ مِنْهُ رُؤيَتُهُمْ، وَلَنْ تَرَى سِوَى جُزءٍ مِنْهُمْ، فَلَنْ تَرَاهُمْ جَمِيعًا. وَالعَنْهُمْ لِي هُنَاكَ.» فَأخَذَ بَالَاقُ بَلْعَامَ إلَى حَقْلِ صُوفِيمَ عَلَى قِمَّةِ جَبَلِ الفِسجَةِ. وَبَنَى بَالَاقُ هُنَاكَ سَبْعَةَ مَذَابِحَ، وَقَدَّمَ ثَوْرًا وَكَبْشًا عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ. حِينَئِذٍ، قَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: «قِفْ هُنَا بِجَانِبِ مُحرَقَتِكَ، بَيْنَمَا أنَا ألتَقِي بِاللهِ هُنَاكَ.» وَأتَى اللهُ إلَى بَلْعَامَ وَأخبَرَهُ بِمَا يَنْبَغِي أنْ يَقُولَهُ. وَقَالَ لَهُ: «ارجِعْ إلَى بَالَاقَ وَقُلْ لَهُ كَذَا وَكَذَا.» فَذَهَبَ بَلْعَامُ إلَى بَالَاقَ الَّذِي كَانَ وَاقِفًا بِجَانِبِ ذَبِيحَتِهِ مَعَ قَادَةِ مُوآبَ. فَسَألَهُ بَالَاقُ: «مَاذَا قَالَ اللهُ ؟» حِينَئِذٍ، تَكَلَّمَ بَلْعَامُ بِهَذِهِ النُّبُوَّةِ: «قُمْ يَا بَالَاقُ، وَاستَمِعْ لِي يَا ابْنَ صِفُّورَ. لَيْسَ اللهُ إنْسَانًا لِكَي يَكْذِبَ، وَلَا بَشَرًا لِكَي يُغَيِّرَ رَأيَهُ. فَهَلْ يَقُولُ شَيْئًا لَكِنْ لَا يَعْمَلُ بِهِ؟ أوْ هَلْ يَعِدُ بِشَيءٍ لَكِنْ لَا يُوفِي بِهِ؟ هَا قَدْ أُمِرْتُ بِأنْ أُبَارِكَ. قَدْ بَارَكَ إسْرَائِيلَ، وَلَنْ أستَطِيعَ تَغْيِيرَ هَذَا. لَا يُرَى سُوءٌ فِي شَعْبِ يَعْقُوبَ، وَلَا ضِيقٌ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ. مَعَهُمْ. وَهُوَ مُسَبَّحٌ بَيْنَهُمْ. إنَّهُ مُسَبَّحٌ كَمَلِكٍ فِي وَسَطِهِمْ. اللهُ الَّذِي أخرَجَهُمْ مِنْ مِصْرٍ قَوِيٌّ كَقَرنَيِّ ثَورٍ بَرِّيٍّ، وَهُوَ مَعَهُمْ. فَلَا سِحرٌ يُؤَثِّرُ فِي يَعْقُوبَ، وَلَا عِرَافَةٌ تُؤَثِّرُ فِي إسْرَائِيلَ. سَيَعْلَمُ يَعْقُوبُ وَإسْرَائِيلُ أعْمَالَ اللهِ. يَقُومُ هَذَا الشَّعْبُ كَلَبْوَةٍ، وَيَقِفُ كَأسَدٍ. لَنْ يَنَامَ إلَى أنْ يَأْكُلَ فَرِيسَتَهُ، وَيَشْرَبَ دَمَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ.» حِينَئِذٍ، قَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: «إنْ لَمْ تُرِدْ أنْ تَلْعَنَهُمْ، فَلَا تُبَارِكْهُمْ!» فَأجَابَ بَلْعَامُ بَالَاقَ: «ألَمْ أُخبِرْكَ بِأنِّي سَأفْعَلُ كُلَّ مَا يَقُولُهُ اللهُ لِي؟» وَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: «تَعَالَ لِآخُذَكَ إلَى مَكَانٍ آخَرَ، فَرُبَّمَا سَيَرْضَى اللهُ أنْ تَلْعَنَهُمْ مِنْ هُنَاكَ.» فَأخَذَ بَالَاقُ بَلْعَامَ إلَى قِمَّةِ جَبَلِ فَغُورَ المُشرِفِ عَلَى الصَّحْرَاءِ. وَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: «ابْنِ لِي سَبْعَةَ مَذَابِحَ هُنَا، وَجَهِّزْ لِي سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبعَةَ كِبَاشٍ عَلَيْهَا.» فَفَعَلَ بَالَاقُ مَا طَلَبَهُ بَلْعَامُ، فَقَدَّمَ ثَوْرًا وَكَبْشًا ذَبِيحَةً صَاعِدَةً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ. وَرَأى بَلْعَامُ أنَّهُ أمرٌ يُرضِي اللهَ أنْ يُبَارِكَ إسْرَائِيلَ، وَلِذَا لَمْ يَعْتَزِلْ كَمَا فَعَلَ سَابِقًا، لَكِنَّهُ نَظَرَ إلَى الصَّحْرَاءِ. نَظَرَ بَلْعَامُ فَرَأى بَنِي إسْرَائِيلَ مُخَيِّمًا بِحَسَبِ قَبَائِلِهِ، فحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ، وَتَكَلَّمَ بِهَذِهِ النُّبُوَّةِ: «هَذِهِ هِيَ رِسَالَةُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ، الرِّسَالَةُ الَّتِي رَآهَا الرَّجُلُ المَفْتُوحُ العَيْنِينِ. رِسَالَةُ الَّذِي يَسْمَعُ كَلَامَ اللهِ القَدِيرِ، فَيَقَعُ أمَامَهُ وَعَينَاهُ مَفتُوحَتَانِ. «مَا أجمَلَ خِيَامَكَ يَا شَعْبَ يَعْقُوبَ! مَا أجمَلَ مَسَاكِنَكَ يَا إسْرَائِيلَ! إنَّ خِيَامَكَ كَبَسَاتِينَ مُمتَدَّةٍ، وَكَحَدَائِقَ بِجَانِبِ نَهْرٍ، وَكَأشْجَارِ طِيبٍ زَرَعَهَا اللهُ ، وَكَأرزٍ بِجَانِبِ المِيَاهِ. سَيَفِيضُ المَاءُ مِنْ دِلَائِهِمْ، وَسَيَكُونُ لِبُذُورِهِمْ مَاءٌ غَزِيرٌ. سَيَكُونُ مُلْكُهُمْ أعْظَمَ مِنْ مُلْكِ أجَاجَ، وَسَتَكُونُ مَملَكَتُهُمْ عَظِيمَةً جِدًّا. «أخرَجَهُمُ اللهُ مِنْ مِصْرٍ، وَهُوَ لَهُمْ كَقَرْنَي ثَورٍ بَرِّيٍّ. سَيَهْزِمُونَ أعْدَاءَهُمْ، وَسَيَسْحَقُونَ عِظَامَهُمْ، وَسَيَضْرِبُونَهُمْ بِسِهَامِهِمْ، إنَّهُمْ يَجْثُمُونَ وَيَرْبِضُونَ كَأسَدٍ. إنَّهُمْ مِثْلُ أسَدٍ! فَمَنْ سَيُنهِضُهُمْ؟ لَا أحَدَ. كُلُّ مَنْ يَلْعَنُهُمْ يَكُونُ مَلعُونًا.» فَغَضِبَ بَالَاقُ جِدًّا مِنْ بَلْعَامَ، وَأخَذَ يُصَفِّقُ بِيَدَيهِ مِنْ شِدَّةِ الغَضَبِ. وَقَالَ لِبَلْعَامَ: «قَدْ دَعَوتُكَ لِتَلْعَنَ أعْدَائِي، لَكِنَّكَ بَارَكْتَهُمْ هَذِهِ المَرَّاتِ الثَّلَاثَ! اذْهَبْ إلَى بَيْتِكَ الآنَ! كُنْتُ أُريدُ أنْ أكْرِمَكَ وَأُكَافِئَكَ، وَلَكِنَّ اللهَ مَنَعَ عَنْكَ الإكرَامَ وَالمُكَافَأةَ.» فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: «ألَمْ أقُلْ لِرُسُلِكَ الَّذِينَ أرسَلْتَهُمْ إلَيَّ: ‹حَتَّى وَلَوْ أعطَانِي بَالَاقُ مِلءَ بَيْتِهِ مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، فَإنِّي لَا أسْتَطِيعُ عِصيَانَ أمْرِ اللهِ بِأنْ أعمَلَ أيَّ شَيءٍ صَالِحٍ أوْ رَدِيءٍ مِنْ ذَاتِي، لَكِنْ عَلَيَّ أنْ أقُولَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لِي؟› وَالْآنَ سَأرْجِعُ إلَى شَعْبِي، لَكِنْ تَعَالَ أُخبِرُكَ بِمَا سَيَعْمَلُهُ هَذَا الشَّعْبُ فِي المُسْتَقْبَلِ.» حِينَئِذٍ، تَكَلَّمَ بَلْعَامُ وَقَالَ: «هَذِهِ هِيَ رِسَالَةُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ، الرِّسَالَةُ الَّتِي رَآهَا الرَّجُلُ المَفْتُوحُ العَيْنِينِ. رِسَالَةُ الَّذِي يَسْمَعُ كَلَامَ اللهِ، وَيَسْتَقْبِلُ المَعْرِفَةَ مِنَ العَلِيِّ، الَّذِي يَرَى رُؤَىً مِنَ اللهِ القَدِيرِ، فَيَقَعُ أمَامَهُ وَعَينَاهُ مَفتُوحَتَانِ. «أرَاهُ، لَكِنْ لَيْسَ الآنَ، لَكِنْ فِي المُسْتَقْبَلِ. أرَاهُ، لَكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا، لَكِنْ فِي المُسْتَقْبَلِ البَعِيدِ. سَيَخْرُجُ مَلِكٌ كَنَجمٍ مِنْ وَسَطِ شَعْبِ يَعْقُوبَ. سَيَقُومُ حَاكِمٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. سَيَسْحَقُ رُؤُوسَ شَعْبِ مُوآبَ، وَيُحَطِّمُ جَمَاجِمَ الشِّيثيِّينَ. سَتُصبِحُ أرْضُ أدُومَ مِلْكًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ، وَسَيَمْتَلِكُونَ سَعِيرَ، أرْضَ أعْدَائِهِمْ. بَيْنَمَا يَزدَادُ إسْرَائِيلُ قُوَّةً وَشَجَاعَةً. «سَيَأْتِي حَاكِمٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيُتلِفُ كُلَّ مَا بَقِيَ مِنْ تِلْكَ المُدُنِ.» وَرَأى بَلْعَامُ عَمَالِيقَ، فَقَالَ عَنْهُمْ: «كَانَ عَمَالِيقُ مِنْ أهَمِّ الأُمَمِ، لَكِنَّ نِهَايَتَهُ سَتَكُونُ دَمَارًا كَامِلًا.» وَرَأى القِينِيِّينَ، فَقَالَ عَنْهُمْ: «بَيتُكَ آمِنٌ، كَعُشٍّ مَوضُوعٍ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ. لَكِنَّ القِينِيِّينَ سَيَتَعَرَّضُونَ لِلهَلَاكِ حِينَ يَسْبِيهِمُ الأشُّورِيُّونَ.» ثُمَّ تَكَلَّمَ بَلْعَامُ فَقَالَ: «مَنْ سَيَعِيشُ عِنْدَمَا يَفْعَلُ اللهُ هَذَا؟ سَتَأْتِي سُفُنٌ مِنْ شَاطِئٍ كِتِّيمَ، وَسَتَهْزِمُ أشُّورَ وَعَابِرَ. حَتَّى شَعْبُ كِتِّيمَ أنْفُسُهُمْ سَيَهْلِكُونَ.» ثُمَّ قَامَ بَلْعَامُ وَرَجِعَ إلَى بَيْتِهِ، وَرَجِعَ بَالَاقُ أيْضًا فِي طَرِيقِهِ. وَكَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يُقِيمُونَ فِي شِطِّيمَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، بَدَأ رِجَالُ إسْرَائِيلَ يَزْنُونَ مَعَ نِسَاءٍ مُوآبِيَّاتٍ. وَدَعَتِ النِّسَاءُ المُوآبِيَّاتُ بَنِي إسْرَائِيلَ لِلمُشَارَكَةِ فِي الذَّبحِ لِإلِهَتِهِنَّ. فَأكَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنَ الذَّبَائِحِ وَعَبَدُوا آلِهَةَ المُوآبِيِّينَ. وَهَكَذَا بَدَأ بَنُو إسْرَائِيلَ يَعْبُدُونَ الإلَهَ المُزَيَّفَ بَعلَ فَغُورَ، مِمَّا أغْضَبَ اللهَ عَلَى إسْرَائِيلَ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «خُذْ كُلَّ قَادَةِ الشَّعْبِ وَعَلِّقْهُمْ خَارِجًا تَحْتَ الشَّمْسِ أمَامَ اللهِ ، فَيَزُولُ غَضَبُ اللهِ عَلَى إسْرَائِيلَ.» فَقَالَ مُوسَى لِقُضَاةِ إسْرَائِيلَ: «عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أنْ يَقْتُلَ أقْرِبَاءَهُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الإلَهَ المُزَيَّفَ بَعلَ فَغُورَ.» وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، أتَى أحَدُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَمَعَهُ امْرأةٌ مِديَانِيَّةٌ قَدْ أحضَرَهَا إلَى إخْوَتِهِ. فَعَلَ هَذَا أمَامَ مُوسَى وَكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ، الَّذِينَ كَانُوا يَبْكُونَ فِي مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَحِينَ رَأى فِينْحَاسُ بْنُ ألِيعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الكَاهِنِ هَذَا، تَرَكَ مَكَانَ تَجَمُّعِ الشَّعْبِ، وَأمسَكَ بِرُمحِهِ، وَلَحِقَ بِالرَّجُلِ الإسْرَائِيلِيِّ إلَى الخَيْمَةِ. وَطَعَنَ فِينْحَاسُ الإسْرَائِيلِيَّ وَالمَرْأةَ المِديَانِيَّةَ فِي بَطنَيهِمَا. حِينَئِذٍ، تَوَقَّفَ الوَبَاءُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ. وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مَاتُوا مِنَ الوَبَاءِ أرْبَعَةً وَعِشرِينَ ألْفًا. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «فِينْحَاسُ بْنُ ألِيعَازَرَ بْنِ هَارُونَ الكَاهِنِ أنقَذَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ غَضَبِي. فَقَدْ أظْهَرَ غَيْرَتِي بِغَيْرَتِهِ عَلَى مَجْدِي فِي وَسْطِهِمْ. وَلِذَلِكَ لَمْ أقتُلْ بَنِي إسْرَائِيلَ بِسَبِبِ غَيْرَتِي. فَقُلْ لَهُ إنِّي أعقِدُ عَهْدَ صَدَاقَةٍ وَسَلَامٍ مَعَهُ. وَهَذَا هُوَ العَهْدُ: هُوَ وَنَسْلُهُ الَّذِي سَيَأْتِي مِنْ بَعدِهِ سَيَكُونُونَ دَائِمًا كَهَنَةً. لِأنَّهُ كَانَ غَيُّورًا عَلَى اللهِ وَمُحِبًّا لَهُ، فَأنْقَذَ بَنِي إسْرَائِيلَ.» وَكَانَ اسْمُ الإسْرَائِيلِيِّ الَّذِي قُتِلَ مَعَ المَرْأةِ المِديَانِيَّةِ زِمْرِي بْنَ سَالُو. وَهُوَ قَائِدٌ لِعَائِلَةٍ فِي قَبِيلَةِ شِمْعُونَ. أمَّا اسْمُ المَرْأةِ الَّتِي قُتِلَتْ فَهُوَ كُزْبِي بِنْتُ صُورٍ. وَأبُوهَا رَئِيسٌ فِي بَعْضِ قَبَائِلِ مِدْيَانَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «عَادُوا المِديَانِيِّينَ وَاقتُلُوهُمْ، لِأنَّهُمْ عَادُوكُمْ بِسَبَبِ المَكِيدَةِ الَّتِي احتَالُوا عَلَيْكُمْ بِهَا فِي فَغُورَ، وَبِسَبَبِ المَكِيدَةِ الَّتِي دَبَّرُوهَا مِنْ خِلَالِ قَرِيبَتِهِمْ كُزْبِي بِنتِ أحَدِ رُؤَسَاءِ مِديَانَ، الَّتِي قُتِلَتْ فِي وَقْتِ الوَبَاءِ بِسَبَبِ مَا حَدَثَ فِي فَغُورَ.» وَبَعْدَ الوَبَاءِ الشَّديدِ، قَالَ اللهُ لِمُوسَى وَألِيعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الكَاهِنِ: «أحصِيَا كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ كُلَّ الرِّجَالِ مِنْ سِنِّ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ، المُؤهَّلينَ لِلخِدْمَةَ.» فَتَكَلَّمَ مُوسَى وَألِيعَازَارُ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي سُهُولِ مُوآبَ بِقُربِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ إلَى الشَّرقِ مِنْ أرِيحَا فِي الجِهَةِ الأُخرَى لِلنَّهرِ فَقَالَا: «أحْصُوا كُلَّ الرِّجَالِ مِنْ سِنِّ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى وَبَنِي إسْرَائِيلَ حِينَ خَرَجُوا مِنْ أرْضِ مِصْرٍ.» كَانَ رَأُوبَينُ بِكرَ إسْرَائِيلَ. هَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ رَأُوبَيْنَ: مِنْ حَنُوكَ عَشِيرَةُ الحَنُوكِيِّينَ. وَمِنْ فَلُّو عَشِيرَةُ الفَلُّوِيِّينَ. وَمِنْ حَصرُونَ عَشِيرَةُ الحَصرُونِيِّينَ. وَمِنْ كَرْمِي عَشِيرَةُ الكَرْمِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ رَأُوبَيْنَ. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ ثَلَاثَةً وَأرْبَعِينَ ألْفًا وَسَبعَ مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ. وَكَانَ لِفَلُّو ابْنٌ هُوَ ألِيآبُ. وَأبْنَاءُ ألِيآبَ هُمْ نَمُوئِيلُ وَدَاثَانُ وَأبِيرَامُ. وَدَاثَانُ وَأبِيرَامُ هُمَا المَدْعُوَّانِ مِنَ الشَّعْبِ اللَّذَانِ تَمَرَّدَا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ مَعَ أتْبَاعِ قُورَحَ حِينَ تَمَرَّدُوا عَلَى اللهِ . إذْ فَتَحَتِ الأرْضُ فَمَهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ، فَمَاتُوا مَعَ قُورَحَ وَجَمَاعَتِهِ. أكَلَتِ النَّارُ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا، فَصَارُوا مَثَلًا لِلشَّعْبِ. وَأمَّا أبْنَاءُ قُورَحَ فَلَمْ يَمُوتُوا. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ شِمعُونَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ نَمُوئِيلَ عَشِيرَةُ النَّمُوئِيلِيِّينَ. وَمِنْ يَامِينَ عَشِيرَةُ اليَامِنِيِّينَ. وَمِنْ يَاكِينَ عَشِيرَةُ اليَاكِينِيِّينَ. وَمِنْ زَارَحَ عَشِيرَةُ الزَّارَحِيِّينَ. وَمِنْ شَاوُلَ عَشِيرَةُ الشَّاوُلِيينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ شِمعُونَ: اثْنَانِ وَعِشرُونَ ألْفًا وَمِئَتَانِ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ جَادٍ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ صِفُونَ عَشِيرَةُ الصِّفُونِيِّينَ. وَمِنْ حَجِّي عَشِيرَةُ الحَجِّيِّينَ. وَمِنْ شُونِي عَشِيرَةُ الشُّونِيِّينَ. وَمِنْ أُزنِي عَشِيرَةُ الأُزنِيِّينَ. وَمِنْ عِيرِي عَشِيرَةُ العِيرّيِّينَ. وَمِنْ أرُودَ عَشِيرَةُ الأرُودِيِّينَ. وَمِنْ أرئِيلِي عَشِيرَةُ الأرئِيلِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ جَادٍ. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ أرْبَعِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. وَكَانَ عِيرٌ وَأُونَانُ ابنَينِ لِيَهُوذَا، وَقَدْ مَاتَا فِي أرْضِ كَنْعَانَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ يَهُوذَا بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ شِيلَةَ عَشِيرَةُ الشِّيلِيِّينَ. وَمِنْ فَارَصَ عَشِيرَةُ الفَارَصِيِّينَ. وَمِنْ زَارَحَ عَشِيرَةُ الزَّارْحِيِّينَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ فَارَصَ: مِنْ حَصرُونَ عَشِيرَةُ الحَصرُونِيِّينَ. وَمِنْ حَامُولَ عَشِيرَةُ الحَامُولِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ يَهُوذَا. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ سِتَّةً وَعِشرِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ يَسَّاكَرَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ تُولَاعَ عَشِيرَةُ التُّولَاعِيِّينَ. وَمِنْ فُوَّةَ عَشِيرَةُ الفُوِّيِّينَ. وَمِنْ يَاشُوبَ عَشِيرَةُ اليَاشُوبِيِّينَ. وَمِنْ شِمرُونَ عَشِيرَةُ الشِّمرُونِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ يَسَّاكَرَ. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ أرْبَعَةً وَسِتِّينَ ألْفًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ زَبُولُونَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ سَارَدَ عَشِيرَةُ السَّارَدِيِّينَ. وَمِنْ إيلُونَ عَشِيرَةُ الإيلُونِيِّينَ. وَمِنْ يَاحِلْئِيلَ عَشِيرَةُ اليَاحِلْئِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ زَبُولُونَ. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ سِتِّينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. وَكَانَ مَنَسَّى وَأفرَايِمُ ابْنَي يُوسُفَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ مَنَسَّى بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ مَاكِيرَ عَشِيرَةُ المَاكِيرِيِّينَ. وَكَانَ مَاكِيرُ أبَا جِلْعَادَ. وَمِنْ جِلْعَادَ عَشِيرَةُ الجِلْعَادِيِّينَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ جِلْعَادَ: مِنْ إيعَزَرَ عَشِيرَةُ الإيعَزَرَيِّينَ. وَمِنْ حَالَقَ عَشِيرَةُ الحَالَقِيِّينَ. وَمِنْ إسْرَائِيلَ عَشِيرَةُ الإسْرَائِيلِيِّينَ. وَمِنْ شَكَمَ عَشِيرَةُ الشَّكمِيِّينَ. وَمِنْ شَمِيدَاعَ عَشِيرَةُ الشَّمِيدَاعِيِّينَ. وَمِنْ حَافَرَ عَشِيرَةُ الحَافَرِيِّينَ. وَكَانَ صَلُفْحَادُ ابنًا لِحَافَرَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أبْنَاءٌ ذُكُورٌ، لَكِنْ كَانَتْ لَهُ بَنَاتٌ. وَأسْمَاءُ بَنَاتِ صَلُفْحَادَ مَحلَةُ وَنُوعَةُ وَحُجلَةُ وَمِلْكَةُ وَتِرْصَةُ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ مَنَسَّى. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ اثنَيْنِ وَخَمْسِينَ ألْفًا وَسَبعَ مِئَةٍ. هَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ أفْرَايِمَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ شُوتَالَحَ عَشِيرَةَ الشُّوتَالَحِيِّينَ. وَمِنْ بَاكِرَ عَشِيرَةَ البَاكِرِيِّينَ. وَمِنْ تَاحَنَ عَشِيرَةُ التَّاحَنِيِّينَ. وَكَانَ عِيرَانُ مِنْ عَشيرَةِ شُوتَالَحَ. وَمِنْ عِيرَانَ عَشِيرَةُ العِيرَانِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ أفْرَايِمَ. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ اثنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ. هَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ يُوسُفَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ بَنْيَامِينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ بَالَعَ عَشِيرَةُ البَالَعِيِّينَ. وَمِنْ أشبِيلَ عَشِيرَةُ الأشبِيلِيِّينَ. وَمِنْ أحِيرَامَ عَشِيرَةُ الأحِيرَامِيِّينَ. وَمِنْ شَفُوفَامَ عَشِيرَةُ الشَّفُوفَامِيِّينَ. وَمِنْ حُوفَامَ عَشِيرَةُ الحُوفَامِيِّينَ. وَكَانَ أرْدٌ وَنُعْمَانُ ابْنَي بَالَعَ. وَمِنْ أرْدٍ عَشِيرَةُ الأرْدِيِّينَ. وَمِنْ نُعمَانَ عَشِيرَةُ النُّعمَانِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ بَنْيَامِينَ. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ خَمْسَةً وَأرْبَعِينَ ألْفًا وَسِتَّ مِئَةٍ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ دَانٍ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ شُوحَامَ عَشِيرَةُ الشُّوحَامِيِّينَ. هَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ دَانٍ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ أرْبَعَةً وَسِتِّينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ أشِيرَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ يِمْنَةَ عَشِيرَةُ اليِمْنِيِّينَ. وَمِنْ يِشْوِي عَشِيرَةُ اليِشْوِيِّينَ. وَمِنْ بَرِيعَةَ عَشِيرَةُ البَرِيعِيِّينَ. وَنَسْلُ بَرِيعَةَ هُمْ: مِنْ حَابِرَ عَشِيرَةُ الحَابِرِيِّينَ. وَمِنْ مَلْكِيئِيلَ عَشِيرَةُ المَلْكِيئِيلِيِّينَ. وَكَانَتْ لِأشِيرَ ابْنَةٌ اسْمُهَا سَارَحُ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ أشِيرَ. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ نَفْتَالِي بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ يَاحَصْئِيلَ عَشِيرَةُ اليَاحَصْئِيلِيِّينَ. وَمِنْ جُونِي عَشِيرَةُ الجُونِيِّينَ. وَمِنْ يَصَرَ عَشِيرَةُ الِيَصَرِيِّينَ. وَمِنْ شِلِّيمَ عَشِيرَةُ الشِّلِّيمِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ نَفْتَالِي. وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ خَمْسَةً وَأرْبَعِينَ ألْفًا وَأرْبَعَ مِئَةٍ. فَكَانَ بِذَلِكَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ سِتَّ مِئَةِ ألفٍ وَألْفًا وَسَبعَ مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «سَتُقَسَّمُ الأرْضُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ بِحَسَبِ عَدَدِ أسْمَائِهِمْ. لِلمَجمُوعَةِ الكَبِيرَةِ أعْطِ حِصَّةً كَبِيرَةً، وَلِلمَجمُوعَةِ الصَّغِيرَةِ أعْطِ حِصَّةً صَغِيرَةً. فَلتَتَنَاسَبِ الحِصَصُ مَعَ عَدَدِ المُسَجَّلِينَ مِنْ كُلِّ مَجمُوعَةٍ. لَكِنَّ مَوقِعَ الأرْضِ يَتِمُّ تَعْيِينُهُ بِالقُرعَةِ، فَسَيَمْتَلِكُونَ الأرْضَ بِحَسَبِ أسْمَاءِ آبَاءِ قَبَائِلِهِمْ. وَسَيَتِمُّ تَعْيِينُ حِصَّةِ كُلِّ عَشِيرَةٍ بِإلقَاءِ القُرْعَةِ، سَوَاءٌ أكَانَتْ حِصَّةً كَبِيرَةً أمْ صَغِيرَةً.» وَهَؤُلَاءِ هُمُ اللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ تَمَّ إحْصَاؤُهُمْ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ: مِنْ جَرشُونَ عَشِيرَةُ الجَرشُونِيِّينَ. مِنْ قَهَاتَ عَشِيرَةُ القَهَاتِيِّينَ. مِنْ مَرَارِي عَشِيرَةُ المَرَارِيِّينَ. وَهَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ لَاوِي: عَشِيرَةُ اللِّبْنِيِّينَ، وَعَشِيرَةُ الحَبرُونِيِّينَ، وَعَشِيرَةُ المَحلِيِّينَ، وَعَشِيرَةُ المُوشِيِّينَ، وَعَشِيرَةُ القُورَحِيِّينَ. وَكَانَ قَهَاتُ وَالِدَ عَمرَامَ. وَكَانَ اسْمُ زَوْجَةِ عَمْرَامَ يُوكَابَدَ. وَهِيَ مِنْ نَسْلِ لَاوِي، وُلِدَتْ لَهُ فِي مِصْرٍ. وَوَلَدَتْ يُوكَابَدُ لِعَمْرَامَ هَارُونَ وَمُوسَى وَأُختَهُمَا مَريَمُ. وَكَانَ نَادَابُ وَأبِيهُو وَألِيعَازَارُ وَإيثَامَارُ أبْنَاءَ هَارُونَ. وَمَاتَ نَادَابُ وَأبِيهُو حِينَ قَدَّمَا نَارًا غَيْرَ مَسمُوحٍ بِهَا فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَكَانَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ مِنَ اللَّاوِيِّينَ، أيْ كُلُّ الذُّكُورِ مِنْ سِنِّ شَهرٍ فَمَا فَوْقُ، ثَلَاثَةً وَعِشرِينَ ألْفًا. وَلَمْ يَتِمَّ إحْصَاءُ اللَّاوِيِّينَ مَعَ بَقِيَّةِ بَنِي إسْرَائِيلَ، لِأنَّهُمْ لَمْ يُعطَوا حِصَّةً مِنَ الأرْضِ مَعَ بَقِيَّةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. هَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ أحصَاهُمْ مُوسَى وَألِيعَازَارُ الكَاهِنُ، حِينَ أحصَيَا بَنِي إسْرَائِيلَ فِي سُهُولِ مُوآبَ بِجَانِبِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، إلَى الشَّرقِ مِنْ أرِيحَا مِنَ الجِهَةِ الأُخرَى لِلنَّهرِ. وَمِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أيُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ أحصَاهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ حِينَ أحصَيَا بَنِي إسْرَائِيلَ فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ. فَاللهُ قَالَ بِشَأنِهِمْ: «سَيَمُوتُونَ فِي الصَّحْرَاءِ.» فَلَمْ يَبْقَ أحَدٌ مِنْهُمْ حَيًّا سِوَى كَالَبَ بْنِ يَفُنَّةَ وَيَشُوعَ بْنِ نُونٍ. فَتَقَدَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ بْنِ حَافَرَ بْنِ جِلْعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى، مِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ. وَكَانَتْ أسْمَاءُ بَنَاتِهِ مَحْلَةَ وَنُوْعَةَ وَحُجْلَةَ وَمِلْكَةَ وَتِرْصَةَ. فَوَقَفْنَ أمَامَ مُوسَى وَألِيعَازَارَ الكَاهِنِ وَالرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الشَّعْبِ فِي مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَقُلْنَ: «مَاتَ أبُونَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ جَمَاعَةِ قُورَحَ الَّذِينَ تَمَرَّدُوا عَلَى اللهِ ، لَكِنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِ خَطِيَّتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَيهِ أبْنَاءٌ ذُكُورٌ. فَلِمَاذَا لَا يُذكَرُ اسْمُ أبِينَا وَسَطَ عَشِيرَتِهِ لِأنَّهُ لَيْسَ لَدَيهِ أبْنَاءٌ ذُكُورٌ؟ أعْطِنَا أرْضًا فِي وَسَطِ عَشِيرَتِنَا.» فَأتَى مُوسَى بِقَضِيَّتِهِنَّ إلَى اللهِ . فَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ: «إنَّ طَلَبَ بَنَاتِ صَلُفْحَادَ حَقٌّ وَعَادِلٌ. أعْطِهِنَّ أرْضًا يُوَرِّثْنَهَا لِنَسْلِهِنَّ وَسَطَ عَشِيرَتِهِنَّ. أعْطِهِنَّ حَقَّ أبِيهِنَّ. «وَقُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: حِينَ يَمُوتُ رَجُلٌ وَلَيَسَ لَهُ ابْنٌ، أعْطُوا حِصَّتَهُ لِبَنَاتِهِ. وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَنَاتٌ، أعْطُوا حِصَّتَهُ لِإخْوَتِهِ. وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْوَةٌ، أعْطُوا حِصَّتَهُ لِأعْمَامِهِ. وَإنْ لَمْ يَكُنْ لِأبِيهِ إخْوَةٌ، أعْطُوا الأرْضَ لِأقرَبِ أقرِبَائِهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَمْتَلِكَهَا. هَذهِ شَريعَةٌ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «اصعَدْ إلَى هَذَا الجَبَلِ فِي مِنْطَقَةِ جِبَالِ عَبَارِيمَ، وَانْظُرِ إلَى الأرْضِ الَّتِي سَأُعْطِيهَا لِبَنِي إسْرَائِيلَ. بَعْدَ أنْ تَرَاهَا، سَتَنْضَمُّ إلَى آبَائِكَ، كَمَا انضَمَّ أخُوكَ هَارُونُ إلَى آبَائِهِ. هَذَا لِأنَّكُمَا عَصَيتُمَا أمْرِي فِي بَرِّيَّةِ صِينٍ حِينَ ثَارَ الشَّعْبُ عَلَيَّ، وَلَمْ تُكرِمَانِي وَتُقَدِّسَانِي عِنْدَ المَاءِ أمَامَهُمْ.» قَصَدَ بَذَلِكَ مِيَاهَ مَرِيبَةَ قُرْبَ قَادِشَ فِي بَرِّيَّةِ صِينٍ. فَكَلَّمَ مُوسَى اللهَ وَقَالَ لَهُ: « اللهُ هُوَ إلَهُ أرْوَاحِ النَّاسِ جَمِيعًا، فَلْيُعَيِّنْ رَجُلًا قَائِدًا لِهَذَا الشَّعْبِ. يَقُودُهُمْ فِي الحَرْبِ وَفِي كُلِّ أُمُورِ حَيَاتِهِمْ، كَي لَا يَكُونَ شَعْبُ اللهِ كَقَطِيعِ غَنَمٍ لَا رَاعِيَ لَهُ.» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «خُذْ يَشُوعَ بْنَ نُونٍ، الرَّجُلَ الَّذِي فيهِ رُوحُ اللهِ، وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ. أوقِفْهُ أمَامَ ألِيعَازَارَ الكَاهِنِ وَكُلِّ الشَّعْبِ، وَأوصِهِ وَسَلِّمْهُ مَهَامَّ القِيَادَةِ أمَامَ الشَّعْبِ. «وَامنَحْهُ مِنْ جَاهِكَ، كَي يُطِيعَهُ بَنُو إسْرَائِيلَ وَيَحْتَرِمُونَهُ. فَليَقِفْ يَشُوعُ أمَامَ ألِيعَازَارَ الكَاهِنِ، وَألِيعَازَارُ سَيَطْلُبُ الإرْشَادَ بِمُسَاعَدَةِ الأُورِيمِ وَالتُّمِّيمِ فِي حَضْرَةِ اللهِ لِأجْلِ يَشُوعَ. فَبِحَسَبِ أمْرِ اللهِ يَخْرُجُ يَشُوعُ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَهُ لِلحَرْبِ، وَبِحَسَبِ أمْرِ اللهِ يَرْجِعُونَ.» فَفَعَلَ مُوسَى بِحَسَبِ مَا أمَرَهُ اللهُ ، فَأخَذَ يَشُوعَ وَأوقَفَهُ أمَامَ ألِيعَازَارَ الكَاهِنِ وَكُلِّ الشَّعْبِ. حِينَئِذٍ، وَضَعَ مُوسَى يَدَيهِ عَلَى يَشُوعَ وَأوصَاهُ كَمَا قَالَ اللهُ عَنْ طَريقِ مُوسَى. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ: «أوصِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: احْرِصُوا عَلَى تَقْدِيمِ تَقْدِمَاتِي مِنَ الطَّعَامِ المُعَدِّ بِالنَّارِ فِي مَوَاعيدِهِ المُحَدَّدَةِ، فَرَائِحتُهُ تَسُرُّنِي. وَقُلْ لَهُمْ: هَذَا وَقُودُ النَّارِ الَّذِي تُقَدِّمُونَهُ للهِ : حَمَلَانِ عُمْرُ الوَاحِدِ سَنَةٌ، لَا عَيْبَ فِيهِمَا. يُقَدَّمَانِ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً كُلَّ يَوْمٍ وَدَائِمًا. يُقَدَّمُ حَمَلٌ وَاحِدٌ فِي الصَّبَاحِ، وَالثَّانِي يُقَدَّمُ بَعْدَ الغُرُوبِ وَقَبْلَ حُلُولِ الظَلَامِ. كَمَا تُقَدَّمُ عُشْرُ قُفَّةٍ مِنَ الطَّحِينِ النَّاعِمِ المَمْزُوجِ بِمِقْدَارِ وِعَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ الزَّيْتِ. هَذِهِ هِيَ الذَّبِيحَةُ الصَّاعِدَةُ الدَّائِمَةُ المُنْتَظَمَةُ الَّتِي بَدَأتْ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ، المُتَّقِدَةُ بِالنَّارِ للهِ ، وَرَائِحتُهَا تَسُرُّنِي. أمَّا السَّكِيبُ المُرَافِقُ فَمِقْدَارُ وِعَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ النَّبِيذِ لِكُلِّ حَمَلٍ. وَيُسْكَبُ الشَّرَابُ للهِ فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ. وَمِثْلَ تَقْدِمَةِ الصَّبَاحِ، قَدِّمِ الحَمَلَ الثَّانِي بَعْدَ الغُرُوبِ وَقَبْلَ حُلُولِ الظَلَامِ، كَمَا فِي الصَّبَاحِ، وَقُودًا لِلنَّارِ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . وَتُقَدِّمُهُ مَعَ سَكِيبٍ مُمَاثِلٍ. «وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ، قَدِّمُوا حَمَلَينِ عُمْرُ الوَاحِدِ سَنَةٌ، لَا عَيْبَ فِيهِمَا. مَعَ عُشْرَي القُفَّةِ مِنَ الطَّحِينِ النَّاعِمِ المَمْزُوجِ بِزَيْتٍ. قَدِّمْهُمَا مَعَ السَّكِيبِ المُنَاسِبِ، ذَبِيحَةً صَاعِدَةً كُلَّ سَبْتٍ. هَذَا عَدَا الذَّبَائِحِ اليَوْمِيَّةِ مَعَ سَكِيبِهَا. «وَفِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، قَدِّمُوا ذَبِيحَةً صَاعِدَةً للهِ : عِجْلَينِ وَكَبْشًا وَاحِدًا وَسَبْعَةَ حِمْلَانٍ عُمْرُ الوَاحِدِ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. وَقَدِّمُوا مَعَهَا ثَلَاثَةَ أعْشَارِ القُفَّةِ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ لِكُلِّ عِجْلٍ، وَعُشْرَيِّ القُفَّةِ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ لِكُلِّ كَبْشٍ، وَعُشْرَ القُفَّةِ مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ لِكُلِّ حَمَلٍ. هَذِهِ ذَبِيحَةٌ صَاعِدَةٌ وَقُودًا لِلنَّارِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . أمَّا السَّكِيبُ المُرَافِقُ لَهَا فَمِقدَارُ نِصْفِ وِعَاءٍ مِنَ النَّبِيذِ لِكُلِّ عِجْلٍ، وَثُلُثِ وِعَاءٍ لِكُلِّ كَبْشٍ، وَرُبْعِ وِعَاءٍ لِكُلِّ حَمَلٍ. هَذِهِ ذَبِيحَةٌ صَاعِدَةٌ تُقَدَّمُ فِي بِدَايَةِ كُلِّ شَهرٍ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ. وَتُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنَ السَّكِيبِ. «وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ تُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةَ الفِصْحِ للهِ . وَيَكُونُ اليَوْمُ الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ عِيدًا. وَلِمُدَّةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ، تَأكُلُونَ خَبْزًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ. فِي اليَوْمِ الأوَّلِ، يَكُونُ هُنَاكَ اجتِمَاعٌ مُقَدَّسٌ. وَتَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. قَدِّمُوا وَقُودًا لِلنَّارِ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً للهِ مِنْ عِجلَينِ وَكَبْشٍ وَاحِدٍ وَسَبعَةِ حِمْلَانٍ عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. كَمَا تُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُ ذَلِكَ مِنَ الطَّحِينِ النَّاعِمِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ: ثَلَاثَةَ أعْشَارِ القُفَّةِ لِكُلِّ عِجلٍ، وَعُشْرَينِ اثْنينِ لِكُلِّ كَبْشٍ، وَعُشْرًا وَاحِدًا لِكُلِّ حَمَلٍ مِنَ الحِمْلَانِ السَّبْعَةِ. وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ تَيسٍ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لِلتَّكفيرِ عَنْ خَطَايَاكُمْ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ الصَّبَاحِيَّةِ المُنتَظَمَةِ الصَّاعِدَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الطَّحِينِ وَالتَّقْدِمَةِ السَّائِلَةِ. «قَدِّمُوا هَذِهِ التَّقدِمَاتِ كُلَّ يَوْمٍ، لِمُدَّةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ، وَقُودًا لِلنَّارِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ ، مَعَ مَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، يَكُونُ لَكُمُ اجتِمَاعٌ مُقَدَّسٌ. وَتَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. «وَفِي اليَوْمِ الَّذِي يُحصَدُ فِيهِ أوَّلُ الزَّرْعِ، عِيدُ الأسَابِيعِ، حِينَ تُقَدِّمُونَ للهِ تَقْدِمَةً مِنَ القَمْحِ الجَدِيدِ للهِ ، سَيَكُونُ لَكُمْ تَجَمُّعٌ مُقَدَّسٌ. وَتَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. تُقَدِّمُونَ فِيهِ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . تُقَدِّمُونَ عِجلَينِ وَكَبْشًا وَسَبعَةَ حِمْلَانٍ عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنهَا سَنَةٌ. كَمَا تُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُ ذَلِكَ مِنَ الطَّحِينِ النَّاعِمِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ: ثَلَاثَةَ أعْشَارِ القُفَّةِ لِكُلِّ عِجْلٍ وَعُشْرَينِ اثنَيْنِ لِكُلِّ كَبْشٍ، وَعُشْرًا وَاحِدًا لِكُلِّ حَمَلٍ مِنَ الحِمْلَانِ السَّبعَةِ. وَتُقَدِّمُونَ تَيسًا لِلتَّكْفيرِ عَنْ خَطَايَاكُمْ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنَ تَقْدِمَةِ الحُبُوبِ والسَّكِيبِ بِمَقَادِيرِهَا المُعْتَادَةِ. «وَفِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، يَكُونُ لَكُمُ اجْتِمَاعٌ مُقَدَّسٌ. تَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِيهِ. فَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ تَنْفُخُونَ بِالأبوَاقِ، وَتُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَ صَاعِدةً، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . فَتُقَدِّمُونَ عِجلًا وَاحِدًا وَكَبْشًا وَاحِدًا وَسَبعَةَ حِمْلَانٍ عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. كَمَا تُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُ ذَلِكَ مِنَ الطَّحِينِ النَّاعِمِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ: ثَلَاثَةَ أعْشَارِ القُفَّةِ مِنَ الطَّحيِنِ لِكُلِّ ثَورٍ، وَعُشْرَينِ اثنَيْنِ لِكُلِّ كَبْشٍ، وَعُشْرًا وَاحِدًا لِكُلِّ حَمَلٍ مِنَ الحِمْلَانِ السَّبعَةِ. كَمَا تُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لِلتَّكفِيرِ عَنْ خَطَايَاكُمْ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ الشَّهْرِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَالذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ وَمَا يُرَافِقُهمَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ بِمَقَادِيرِهَا المُعْتَادَةِ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . «وَفِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، يَكُونُ لَكُمْ تَجَمُّعٌ مُقَدَّسٌ خَاصٌّ. وَفِيهِ تَتَذَلَّلُونَ بِالصَومِ وَالمَلَابِسِ البَسِيطَةِ، وَلَا تَعْمَلُونَ أيَّ عَمَلٍ. لَكِنْ تُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً للهِ ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا. فَتُقَدِّمُونَ عِجلًا وَاحِدًا وَكَبْشًا وَاحِدًا وَسَبعَةَ حِمْلَانٍ عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. كَمَا تُقَدِّمُونَ تَقْدِمَاتِ حُبُوبٍ مَعَ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ، مِنَ الطَّحِينِ الجَيِّدِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ. تُقَدِّمُونَ ثَلَاثَةَ أعْشَارِ القُفَّةِ لِكُلِّ ثَورٍ، وَعُشْرَينِ اثنَيْنِ لِكُلِّ كَبْشٍ، وَعُشْرًا وَاحِدًا لِكُلِّ حَمَلٍ مِنَ الحِمْلَانِ السَّبعَةِ. كَمَا تُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لِلتَّطهِيرِ. تُقَدِّمُونَ هَذِهِ الذَّبَائِحَ مَعَ ذَبِيحَةِ اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، وَمَعَ تَقْدِمَةِ الحُبُوبِ المُرَافِقَةِ لَهَا. وَمَعَ الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ، وَتَقْدِمَةِ الحُبُوبِ المُرَافِقَةِ لَهَا وَالسَكِيبِ. «وَفِي اليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، يَكُونُ لَكُمُ اجتِمَاعٌ مُقَدَّسٌ. وَتَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. تَحْتَفِلُونَ بِعِيدِ اللهِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَفِي هَذَا اليَوْمِ، قَدِّمُوا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً للهِ ، كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ . قَدِّمُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ عِجلًا وَكَبْشَينِ وَأرْبَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. كَمَا تُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُ ذَلِكَ مِنَ الطَّحِينِ النَّاعِمِ مَمْزُوجًا بِزَيْتٍ: ثَلَاثَةَ أعْشَارِ القُفَّةِ لِكُلِّ ثَورٍ مِنَ العُجُولِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ، وَعُشْرَينِ اثْنينِ لِكُلِّ كَبْشٍ مِنَ الكَبْشَينِ، وَعُشْرًا وَاحِدًا لِكُلِّ حَمَلٍ مِنَ الحِمْلَانِ الأرْبَعَةَ عَشَر. كَمَا تُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ. «وَفِي اليَوْمِ الثَّانِي، قَدِّمُوا اثنَيْ عَشَرَ عِجلًا وَكَبْشَينِ وَأرْبَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. وَتُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُ هَذَا مِنْ تَقْدِمَةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ لِلعُجُولِ وِالكَبْشَينِ وَالحِمْلَانِ بِحَسَبِ عَدَدِهَا كَالعَادَةِ. وَتُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ. «وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، قَدِّمُوا أحَدَ عَشَرَ عِجلًا وَكَبْشَينِ وَأرْبَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. وَتُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ لِلعُجُولِ وِالكَبْشَينِ وَالحِمْلَانِ بِحَسَبِ عَدَدِهَا كَالعَادَةِ. وَتُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ. «وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعِ، قَدِّمُوا عَشْرَةَ عُجُولٍ وَكَبْشَينِ وَأرْبَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. وَتُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ لِلعُجُولِ وِالكَبْشَينِ وَالحِمْلَانِ بِحَسَبِ عَدَدِهَا كَالعَادَةِ. وَتُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ. «وَفِي اليَوْمِ الخَامِسِ، قَدِّمُوا تِسْعَةَ عُجُولٍ وَكَبْشَينِ وَأرْبَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. وَتُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ لِلعُجُولِ وِالكَبْشَينِ وَالحِمْلَانِ بِحَسَبِ عَدَدِهَا كَالعَادَةِ. وَتُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ. «وَفِي اليَوْمِ السَّادِسِ، قَدِّمُوا ثَمَانِيَةَ عُجُولٍ وَكَبْشَينِ وَأرْبَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. وَتُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ لِلعُجُولِ وِالكَبْشَينِ وَالحِمْلَانِ بِحَسَبِ عَدَدِهَا كَالعَادَةِ. وَتُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ. «وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، قَدِّمُوا سَبْعَةَ عُجُولٍ وَكَبْشَينِ وَأرْبَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. وَتُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ لِلعُجُولِ وِالكَبْشَينِ وَالحِمْلَانِ بِحَسَبِ عَدَدِهَا كَالعَادَةِ. وَتُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ. «وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ، تَتَفَرَّغُونَ لِلعِبَادَةِ، فَتَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. وَتُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً مُعَدَّةً بِالنَّارِ كَرَائِحَةٍ يُسَرُّ بِهَا اللهُ : ثَوْرًا وَاحِدًا وَكَبْشًا وَاحِدًا وَسَبعَةَ حِمْلَانٍ عُمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَةٌ. وَجَمِيعُهَا بِلَا عَيْبٍ. وَتُقَدِّمُونَ مَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ لِلثَّورِ وِالكَبْشِ وَالحِمْلَانِ بِحَسَبِ عَدَدِهَا كَالعَادَةِ. وَتُقَدِّمُونَ تَيسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. هَذَا عَدَا الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ المُنتَظَمَةِ، وَمَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمِةِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ. «قَدِّمُوا هَذِهِ الذَّبَائِحَ وَالتَّقدِمَاتِ للهِ فِي أعيَادِكُمْ، بِالإضَافَةِ إلَى النُّذُورِ وَالتَّقدِمَاتِ الِاختِيَارِيَّةِ مِنْ ذَبَائِحَ صَاعِدَةٍ وَطَحِينٍ وَتَقْدِمَاتٍ سَائِلَةٍ وَذَبَائِحَ سَلَامٍ.» فَتَكَلَّمَ مُوسَى إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ بِكُلِّ مَا أمَرَهُ اللهُ بِأنْ يَقُولَهُ. وَقَالَ مُوسَى لِرُؤَسَاءِ قَبَائِلِ بَنِي إسْرَائِيلَ: «هَذَا هُوَ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ: إذَا تَعَهَّدَ رَجُلٌ بِنَذْرٍ للهِ ، أوْ أقْسَمَ فَألْزَمَ نَفْسَهُ بِأمرٍ مَا، فَلَا يَكْسِرْ كَلَامَهُ، بَلْ لِيَفْعَلْ مَا نَطَقَ بِهِ. «لَكِنْ إنْ تَعَهَّدَتِ امْرأةٌ بِنَذْرٍ للهِ ، أوْ ألْزَمَتْ نَفْسَهَا بِأمْرٍ وَهِيَ مَا تَزَالُ تَسْكُنُ بَيْتَ أبِيهَا لِأنَّهَا صَغِيرَةٌ، وَسَمِعَ أبوهَا نَذْرَهَا وَمَا ألْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ، تَبْقى جَمِيعُ نُذُورِهَا وَالتِزَامَاتِهَا الَّتِي ألْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهَا ثَابِتَةً. فَإنْ نَهَاهَا أبُوهَا يَوْمَ سَمِعَ تَعَهُّدَاتِهَا، تَسْقُطُ عَنْهَا جَمِيعُ نُذُورِهَا وَالتِزَامَاتِهَا الَّتِي ألْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهَا، وَاللهُ سَيَغْفِرُ لَهَا، لِأنَّ أبَاهَا نَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ. «لَكِنْ إنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ أنْ نَذَرَتْ نَذرًا أوْ تَعَهَّدَتْ بِأمْرٍ مُعَيَّنٍ، وَسَمِعَ زَوْجُهَا وَلَمْ يَعْتَرِضْ عِنْدَمَا سَمِعَهَا، فَعَلَيهَا الوَفَاءُ بِنُذُورِهَا وَالِالْتِزَامُ بِمَا تَعَهَّدَتْ بِهِ. فَإنْ عَبَّرَ زَوْجُهَا عَنْ عَدَمِ مُوافَقَتِهِ حِينَ سَمِعَ كَلَامَهَا، فَعَلَيهَا أنْ تُلغِيَ نِذرَهَا الَّذِي التَزَمَتْ بِهِ، وَتَعَهُّدَهَا الَّذِي نَطَقَتْ بِهِ، وَاللهُ سَيَغْفِرُ لَهَا. «كُلُّ نَذْرٍ تَتَعَهَّدُ بِهِ أرمَلَةٌ أوْ مُطَلَّقَةٌ عَلَى نَفسِهَا، يَنْبَغِي الوَفَاءُ بِهِ. لَكِنْ إنْ تَعَهَّدَتِ امْرأةٌ مُتَزَوِّجَةٌ بِالقِيَامِ بِأمرٍ مُعَيَّنٍ، وَسَمِعَ زَوْجُهَا عَنِ الأمْرِ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَهَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا عَنِ الوَفَاءِ بِهِ، فَإنَّهَا تَكُونُ مُلزَمَةً بِالوَفَاءِ بِكُلِّ تَعَهُّدَاتِهَا. لَكِنْ إنْ ألغَى زَوْجُهَا تَعَهُّدَاتِهَا حِينَ سَمِعَ بِهَا، فَإنَّهَا لَا تَكُونُ مُطَالَبَةً بِالوَفَاءِ بِهَا، إذْ إنَّ زَوْجَهَا ألغَى تَعَهُّدَاتِهَا وَاللهُ سَيَغْفِرُ لَهَا. «وَإذَا نَذَرَتِ امْرأةٌ نَذْرًا أوْ تَعَهَّدَت بِالِامْتِنَاعِ عَنْ شَيءٍ، يُمْكِنُ لِزَوْجِهَا أنْ يَسْمَحَ لَهَا بِالوَفَاءِ بِمَا تَعَهَّدَتْ بِهِ، أوْ يُمكِنُهُ إلغَاؤُهُ. فَإنْ لَمْ يَقُلْ زَوْجُهَا شَيْئًا حَتَّى اليَوْمِ التَّالِي، فَهُوَ قَدْ أيَّدَ نُذُورَهَا أوَ تَعَهُّدَاتِهَا الَّتِي التَزَمَتْ بِهَا. فَهُوَ قَدْ وَافَقَ بِصَمتِهِ وَعَدَمِ اعتِرَاضِهِ بَعَدَ أنْ سَمِعَ. لَكِنْ إنْ ألغَى زَوْجُهَا كُلَّ تَعَهُّدَاتِهَا بَعْدَ سَمَاعِهِ بِهَا، هُوَ مَنْ يَتَحَمَّلُ جَزَاءَ ذَنبِهَا.» هَذِهِ هِيَ القَوَاعِدُ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لِمُوسَى بِشَأنِ عَلَاقَةِ الزَّوجِ بِزَوْجَتِهِ، وَالأبِ بِابْنَتِهِ السَّاكِنَةِ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ زَوَاجِهَا. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «انتَقِمْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ مِنَ المِديَانِيِّينَ بِسَبَبِ مَا عَمِلُوهُ بِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ تَمُوتُ وَتَنْضَمُّ إلَى آبَائِكَ.» فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «اختَارُوا بَعْضًا مِنْ رِجَالِكُمْ لِيُهَاجِمُوا مِديَانَ وَيُعَاقِبُوهُمْ عَلَى مَا عَمِلُوا ضِدَّ اللهِ . فأرْسِلُوا فِي هَذِهِ الحَملَةِ ألْفَ رَجُلٍ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ.» وَهَكَذَا تَمَّ حَشدُ ألْفِ رَجُلٍ مِنْ كُلِّ عَشِيرَةٍ مِنْ أُلُوفِ إسْرَائِيلَ. تَمَّ اختِيَارُ اثنَيْ عَشَرَ ألْفَ جُندِيٍّ لِهَذِهِ الحَمْلَةِ. فَأرْسَلَ مُوسَى الألفَ رَجُلٍ مِنْ كُلِّ عَشِيرَةٍ لِهَذِهِ الحَملَةِ مَعَ فِينْحَاسَ بْنِ ألِيعَازَارَ الكَاهِنِ. وَأخَذَ فِينْحَاسُ مَعَهُ آنِيَةَ المَكَانِ المُقَدَّسِ وَالأبوَاقَ لِإعطَاءِ الإشَارَاتِ. فَحَارَبُوا مِديَانَ كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى، وَقَتَلُوا كُلَّ ذُكُورِهِمُ البَالِغِينَ. وَمِنْ ضِمْنِ مَنْ قَتَلُوهُمْ أوِيُ وَرَاقَمُ وَصُورٌ وَحُورٌ وَرَابَعُ، مُلُوكُ مِديَانَ الخَمْسَةُ. كَمَا قَتَلُوا بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ بِالسَّيْفِ. وَسَبَى بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَ مِديَانَ وَأطْفَالَهُمْ، كَمَا اغتَنَمُوا كُلَّ حَيَوَانَاتِهِمْ وَثَروَتِهِمْ. وَأحرَقَ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلَّ مُدُنِ المِديَانِيِّينَ حَيْثُ كَانُوا يَسْكُنُونَ مَعَ كُلِّ مُخَيَّمَاتِهِمْ. وَجَمَعُوا كُلَّ مَا أخَذُوهُ فِي الحَرْبِ، بِمَا فِي ذَلِكَ النَّاسَ وَالحَيَوَانَاتِ. ثُمَّ أحضَرُوا الأسْرَى وَالسَّبْيَ وَالْغَنَائِمَ إلَى مُوسَى وَألِيعَازَارَ الكَاهِنِ وَإلَى كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي المُخَيَّمِ فِي سُهُولِ مُوآبَ، بِجِوَارِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ أرِيحَا. فَخَرَجَ مُوسَى وَألِيعَازَارُ الكَاهِنُ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ الشَّعْبِ لِيَسْتَقْبِلُوهُمْ خَارِجَ المُخَيَّمِ. وَغَضِبَ مُوسَى جِدًّا عَلَى قَادَةِ الجَيْشِ، وَعَلَى قَادَةِ الألفِ وَقَادَةِ المِئَةِ، الَّذِينَ عَادُوا مِنَ الحَملَةِ العَسكَرِيَّةِ. وَقَالَ مُوسَى لَهُمْ: «هَلْ تَرَكْتُمُ النِّسَاءَ حَيَّاتٍ؟ هَؤُلَاءِ هُنَّ اللَّوَاتِي اتَّبَعْنَ نَصِيحَةَ بَلْعَامَ، وَجَعَلْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ إلَى اللهِ فِي فَغُورَ. فأدَّى ذَلِكَ إلَى وَبَاءٍ فَظِيعٍ عَلَى شَعْبِ اللهِ . وَالْآنَ، اقتُلُوا كُلَّ طِفلٍ ذَكَرٍ وَكُلَّ امْرأةٍ عَاشَرَتْ رَجُلًا. أمَّا الفَتَيَاتُ اللَّوَاتِي لَمْ يُعَاشِرْنَ أحَدًا، فَأبقُوا عَلَى حَيَاتِهِنَّ لَكُمْ. امْكُثُوا خَارِجَ المُخَيَّمِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، أوْ مِنَ المُسَبِّبِينَ، قَتلَ شَخْصًا أوْ لَمَسَ جُثَّةَ مَيِّتٍ، فَلْيَتَطَّهَرْ فِي اليَوْمَينِ الثَّالِثِ وَالسَّابِعِ. طَهِّرُوا كُلَّ ثَوبٍ، وَكُلَّ شَيءٍ مَصْنُوعٍ مِنَ الجِلْدِ أوْ شَعرِ المَاعِزِ أوْ مِنَ الخَشَبِ.» ثُمَّ قَالَ ألِيعَازَارُ الكَاهِنُ لِلرِّجَالِ الَّذِينَ ذَهَبُوا فِي الحَملَةِ: «هَذِهِ هِيَ قَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لِمُوسَى: الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ وَالبُرُونْزُ وَالحَدِيدُ وَالقَصدِيرُ وَالرَّصَاصُ، وَكُلُّ شَيءٍ يَحْتَمِلُ النَّارَ ضَعُوهُ فِي النَّارِ فَيَصِيرَ طَاهِرًا. لَكِنْ يَنْبَغِي تَطْهِيرُهُ أيْضًا بِمَاءِ التَّطهِيرِ. وَكُلُّ مَا لَا يُمْكِنُ وَضعُهُ فِي النَّارِ، يُوضَعُ فِي المَاءِ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، تَغْسِلُونَ ثِيَابَكُمْ فَتَكُونُونَ طَاهِرِينَ. وَبَعْدَ هَذَا يُمكِنُكُمْ أنْ تَدْخُلُوا المُخَيَّمَ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُمْ أنْتَ وَألِيعَازَارُ الكَاهِنُ وَرُؤَسَاءُ عَشَائِرِ الشَّعْبِ بِإحْصَاءِ مَا تَمَّ سَبيُهُ مِنَ النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ. وَوَزِّعُوا غَنَائِمَ الحَرْبِ بِالتَّسَاوِي: نِصْفًا للجُنُودِ الَّذِينَ شَارَكُوا فِي الحَملَةِ العَسكَرِيَّةِ، وَنِصْفًا لِبَقِيَّةِ الشَّعْبِ. وَخُذُوا ضَرِيبَةً للهِ . فَمِنَ الجُنُودِ الَّذِينَ اشتَرَكُوا فِي الحَملَةِ، خُذُوا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ خَمسِ مِئَةٍ: مِنَ النَّاسِ وَالبَقَرِ وَالحَمِيرِ وَالغَنَمِ. تُؤخَذُ هَذِهِ الأشْيَاءُ مِنْ نِصْفِ الغَنِيمَةِ، وَتُعطَى لِإلِيعَازَارَ الكَاهِنِ كَتَقْدِمَةٍ للهِ . وَمِنَ النِّصفِ الخَاصِّ بِبَنِي إسْرَائِيلَ، خُذُوا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ: مِنَ النَّاسِ وَالبَقَرِ وَالحَمِيرِ وَالغَنَمِ وَكُلِّ الحَيَوَانَاتِ، وَأعطُوهَا لِلَّاوِيِّينَ المَسْؤولِينَ عَنْ مَسْكَنِ اللهِ المُقَدَّسِ.» فَفَعَلَ مُوسَى وَألِيعَازَارُ الكَاهِنُ حَسَبَ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ مُوسَى. وَغَنِمَ الجُنُودُ مَا يَلِي مِنَ الحَرْبِ: سِتَّ مِئَةٍ وَخَمسًا وَسَبعِينَ ألْفًا مِنَ الغَنَمِ، وَاثنَيْنِ وَسَبعِينَ ألْفًا مِنَ البَقَرِ، وَوَاحِدًا وَسِتِّينَ ألْفًا مِنَ الحَمِيرِ، وَاثنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألْفًا مِنَ النَّاسِ، أيْ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَمْ يُعَاشِرْنَ رَجُلًا قَطُّ. وَكَانَ النِّصفُ الخَاصُّ بِالجُنُودِ مَا يَلِي: عَدَدُ الغَنَمِ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَسَبعَةً وَثَلَاثِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ، وَكَانَتْ ضَرِيبَةُ اللهِ مِنَ الغَنَمِ سِتَّ مِئَةٍ وَخَمسًا وَسَبعِينَ. وَكَانَ عَدَدُ الأبْقَارِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ألْفًا، وَكَانَتْ ضَرِيبَةُ اللهِ مِنْهَا اثنَيْنِ وَسَبعِينَ. وَكَانَ عَدَدُ الحَمِيرِ ثَلَاثِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ، وَكَانَتْ ضَرِيبَةُ اللهِ مِنْهَا وَاحِدًا وَسِتِّينَ. وَكَانَ عَدَدُ النَّاسِ سِتَّةَ عَشَرَ ألْفًا، وَكَانَتْ ضَرِيبَةُ اللهِ مِنْهُمُ اثنَيْنِ وَثَلَاثِينَ. فَأعْطَى مُوسَى الضَّرِيبَةَ، الَّتِي هِيَ حِصَّةُ اللهِ لِألِيعَازَارَ الكَاهِنِ، كَمَا أمَرَهُ اللهُ . وَكَانَ النِّصفُ الخَاصُّ بِبَنِي إسْرَائِيلَ وَالَّذِي أُخِذَ مِنَ الجُنُودِ كَمَا يَلِي: كَانَ عَدَدُ الغَنَمِ ثَلَاثَ مِئَةٍ وَسَبعَةً وَثَلَاثِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ، وَكَانَ عَدَدُ الأبْقَارِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ألْفًا. وَعَدَدُ الحَمِيرِ ثَلَاثِينَ ألْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ، وَعَدَدُ النَّاسِ سِتَّةَ عَشَرَ ألْفًا. وَأخَذَ مُوسَى مِنَ النِّصفِ الخَاصِّ بِبَنِي إسْرَائِيلَ وَاحِدًا مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ مِنَ الحَيَوَانَاتِ وَالنَّاسِ وَأعْطَاهَا لِلَّاوِيِّينَ المَسْؤولِينَ عَنْ مَسْكَنِ اللهِ المُقَدَّسِ، تَمَامًا كَمَا أمَرَهُ اللهُ . ثُمَّ أتَى قَادَةُ أقسَامِ الجَيْشِ إلَى مُوسَى – قَادَةُ الألُوفِ وَقَادَةُ المِئَاتِ – وَقَالُوا لِمُوسَى: «نَحْنُ خُدَّامَكَ قَدْ أحْصَيْنَا الجُنُودَ الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ إمرَتِنَا، فَوَجَدْنَا أنَّهُ لَمْ يُفقَدْ وَلَا رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنَّا. وَلِذَا نَأتِي بِتَقْدِمَةٍ للهِ مِنَ الأشْيَاءِ المَصْنُوعَةِ مِنْ ذَهَبٍ الَّتِي وَجَدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ فِينَا: أربِطَةً لِلسَّوَاعِدِ وَأسَاوِرَ وَخَوَاتِمَ وَأحلَاقَ وَقَلَائِدَ، تَقْدِمَةً اختِيَارِيَّةً فِي حَضْرَةِ اللهِ ، تَقْدِيرًا لِإنقَاذِهِ حَيَاتَنَا.» فَأخَذَ مُوسَى وَألِيعَازَارُ الكَاهِنُ الذَّهَبَ مِنْهُمْ، كُلَّ الأشْيَاءِ المَصْنُوعَةِ مِنَ الذَّهَبِ. فَكَانَ وَزنُ الذَّهَبِ الَّذِي رَفَعَهُ قَادَةُ الأُلُوفِ وَقَادَةُ المِئَاتِ للهِ سِتَّةَ عَشَرَ ألْفًا وَسَبْعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ مِثْقَالًا. وَأخَذَ كُلُّ جُندِيٍّ نَصِيبَهُ مِنَ الغَنِيمَةِ. فَأخَذَ مُوسَى وَألِيعَازَارُ الكَاهِنُ الذَّهَبَ مِنْ قَادَةِ الأُلُوفِ وَقَادَةِ المِئَاتِ، وَأتَيَا بِهِ إلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِيَكُونَ تَذكَارًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَكَانَتْ لِقَبِيلَتَي رَأُوبَيْنَ وَجَادٍ مَوَاشٍ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلِذَا رَأيَا أرْضَ يَعْزِيزَ وَأرْضَ جِلْعَادَ جَيِّدَةً لِلمَوَاشِي. وَلِذَا ذَهَبَ الجَادِيُّونَ وَالرَّأُوبِينِيُّونَ إلَى مُوسَى وَألِيعَازَرَ الكَاهِنِ وَرُؤَسَاءِ الشَّعْبِ وَقَالُوا لَهُمْ: «الأرْضُ المُحِيطَةُ بِعَطَارُوتَ وَدِيبُونَ وَيَعْزِيزَ وَنِمْرَةَ وَحَشْبُونَ وَألِعَالَةَ وَشَبَامَ وَنَبُو وَبَعُونَ، كُلُّهَا هَزَمَهَا اللهُ أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ. هِيَ أرْضٌ جَيِّدَةٌ لِلمَوَاشِي. وَنَحْنُ، خُدَّامَكَ، نَمتَلِكُ مَوَاشِي كَثِيرَةً.» وَقَالُوا: «فإنْ حَظِينَا بِرِضَاكَ، نَحْنُ خُدَّامَكَ، أعْطِنَا هَذِهِ الأرْضَ مِلْكًا لَنَا. وَلَا تُرْغِمْنَا عَلَى عُبُورِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ.» فَقَالَ مُوسَى لِقَبِيلَتَي جَادٍ وَرَأُوبَيْنَ: «فَهَلْ يَذْهَبُ إخْوَتُكُمْ إلَى الحَرْبِ بَيْنَمَا تَقْعُدُونَ هُنَا؟ لِمَاذَا تُثَبِّطُونَ هِمَمَ بَنِي إسْرَائِيلَ عَنِ العُبُورِ إلَى الأرْضِ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لَهُمْ؟ آبَاؤُكُمْ عَمِلُوا الأمْرَ ذَاتَهُ حِينَ أرسَلْتُهُمْ مِنْ قَادِشَ بَرْنِيعَ لِيَسْتَكْشِفُوا الأرْضَ. فَصَعِدُوا حَتَّى وَصَلُوا إلَى وَادِي أشكُولَ، وَاسْتَكْشَفُوا الأرْضَ، لَكِنَّهُمْ ثَبَّطُوا هِمَّةَ بَنِي إسْرَائِيلَ عَنْ دُخُولِ الأرْضِ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لَهُمْ. فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَأقْسَمَ وَقَالَ: ‹لَنْ يَرَى أحَدٌ مِنَ الخَارِجِينَ مِنْ مِصْرٍ، البَالِغِينَ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ، الأرْضَ الَّتِي وَعَدْتُ بِأنْ أُعْطِيَهَا لِإبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، لِأنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ تَمَامًا مَعِي. لَنْ يَدْخُلَ مِنْهُمْ إلَّا كَالَبُ بْنُ يَفُنَّةَ وَيَشُوعُ بْنُ نُونٍ، لِأنَّهُمَا كَانَا أمِينَينِ بِالْكَامِلِ للهِ .› وَغَضِبَ اللهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَجَعَلَهُمْ يَتُوهُونَ فِي الصَّحْرَاءِ لِأرْبَعِينَ سَنَةً، إلَى أنِ اخْتَفَى كُلُّ الجِيلِ الَّذِي فَعَلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَالْآنَ، يَا نَسْلَ الخُطَاةِ، قَدْ حَلَلْتُمْ مَحَلَّ آبَائِكُمْ لِتَزِيدُوا غَضَبَ اللهِ عَلَى إسْرَائِيلَ. فَإنْ تَوَقَّفْتُمْ عَنِ اتِّبَاعِهِ، فَإنَّهُ سَيَتْرُكُ إسْرَائِيلَ فِي الصَّحْرَاءِ لِمُدَّةٍ أطوَلَ، وَبِهَذَا تُهلِكُونَ كُلَّ هَذَا الشَّعْبِ.» حِينَئِذٍ، دَنَتْ قَبِيلَتَا رَأُوبَيْنَ وَجَادٍ إلَيْهِ وَقَالُوا: «لِنَبْنِ حَظَائِرَ لِمَاشِيَتِنَا هُنَا، وَمُدُنًا لِأطْفَالِنَا وَنِسَائِنَا. حِينَئِذٍ، سَنَتَسَلَّحُ وَنَسِيرُ أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى أنْ نَأتِيَ بِهِمْ إلَى مَكَانِهِمْ، بَيْنَمَا يَسْكُنُ أطْفَالُنَا وَنِسَاؤُنَا مُدُنًا حَصِينَةً لِحِمَايَتِهِمْ مِنَ الشَّعْبِ السَّاكِنِ فِي الأرْضِ. لَنْ نَعُودَ إلَى بُيُوتِنَا إلَى أنْ يَمْتَلِكَ كُلُّ شَخْصٍ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ حِصَّتَهُ مِنَ الأرْضِ. وَأمَّا نَحْنُ فَلَنْ نَمتَلِكَ حِصَّةً مَعَهُمْ فِي الجِهَةِ الأُخرَى مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، لِأنَّنَا سَنَنَالُ حِصَّتَنَا مِنَ الأرْضِ فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ.» فَقَالَ مُوسَى لَهُمْ: «إنْ كُنْتُمْ سَتَفْعَلُونَ هَذَا، وَإنْ تَسَلَّحْتُمْ أمَامَ اللهِ لِلخُرُوجِ إلَى الحَرْبِ، وَإنْ عَبَرَ كُلُّ مُتَسَلِّحٍ نَهْرَ الأُرْدُنِّ أمَامَ اللهِ إلَى أنْ يَطْرُدَ اللهُ كُلَّ أعْدَائِهِ مِنْ أمَامِهِ، وَحَتَّى يَتِمَّ إخضَاعُ الأرْضِ أمَامَ اللهِ . حِينَئِذٍ، تَسْتَطِيعُونَ العَودَةَ إلَى بُيُوتِكُمْ إذْ تَكُونُونَ قَدْ قُمْتُمْ بِوَاجِبِكُمْ نَحْوَ اللهِ وَإسْرَائِيلَ، وَسَتَكُونُ هَذِهِ الأرْضُ مِلْكًا لَكُمْ أمَامَ اللهِ . لَكِنْ إنْ كُنْتُمْ لَا تَفْعَلُونَ هَذَا، فَإنَّكُمْ سَتُخطِئُونَ إلَى اللهِ ، وَبِالتَّالِي كُونُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أنَّكُمْ سَتُعَاقَبُونَ عَلَى خَطِيَّتِكُمْ. فَابْنُوا مُدُنًا لِأطْفَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ وَحَظَائِرَ لِمَاشِيَتِكُمْ، وَاعْمَلُوا كُلَّ مَا قُلْتُمْ بِأنَّكُمْ سَتَعْمَلُونَهُ.» فَقَالَتْ قَبِيلَتَا جَادٍ وَرَأُوبَيْنَ: «سَنَفعَلُ، نَحْنُ خُدَّامَكَ، كَمَا أمَرَنَا سَيِّدُنَا. سَيَبْقَى أطْفَالُنَا وَنِسَاؤُنَا وَقُطعَانُنَا وَمَاشِيَتُنَا فِي مُدُنِ جِلْعَادَ، وَأمَّا نَحْنُ، خُدَّامَكَ، فَسَنَعبُرُ النَّهْرَ مُتَسَلِّحِينَ لِلحَرْبِ أمَامَ اللهِ بِحَسَبِ مَا يَقُولُهُ سَيِّدُنَا.» حِينَئِذٍ، أوصَى مُوسَى بِخُصُوصِهِمْ ألِيعَازَارَ الكَاهِنَ وَيَشُوعَ بْنَ نُونٍ وَرُؤَسَاءَ قَبَائِلِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَالَ مُوسَى لَهُمْ: «إنْ عَبَرَتْ قَبِيلَتَا جَادٍ وَرَأُوبَيْنَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ مَعَكُمْ، بِكُلِّ جُندِيٍّ مُسَلَّحٍ لِلحَرْبِ أمَامَ اللهِ ، وَخَضَعَتِ الأرْضُ لَكُمْ، أعْطُوهُمْ أرْضَ جِلْعَادَ مِلْكًا لَهُمْ. لَكِنْ إنْ لَمْ يَعْبُرِ المُختَارُونَ لِلمُحَارَبَةِ مَعَكُمْ، فَلْيَنَالُوا حِصَّتَهُمْ مَعَكُمْ فِي أرْضِ كَنْعَانَ فَقَطْ.» فَأجَابَتْ قَبِيلَتَا جَادٍ وَرَأُوبَيْنَ: «سَنَفعَلُ كُلَّ مَا يَقُولُهُ لَنَا اللهُ ، نَحْنُ خُدَّامَكَ. فَسَيَعْبُرُ المُختَارُونَ المُتَسَلِّحُونَ مِنَّا أمَامَ اللهِ إلَى أرْضِ كَنْعَانَ، وَلَكِنَّ حِصَّتَنَا مِنَ الأرْضِ سَتَكُونُ فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ.» فَأعطَى مُوسَى مَملَكَةَ المَلِكِ سِيحُونَ مَلِكِ الأمُورِيِّينَ، وَمَملَكَةَ المَلِكِ عُوجٍ، مَلِكِ بَاشَانَ، بِمَا فِيهَا الأرْضَ وَالمُدُنَ، لِقَبِيلَةِ جَادٍ وَقَبيلَةِ رَأُوبَيْنَ وَنِصفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ. حِينَئِذٍ، أعَادَتْ قَبِيلَةُ جَادٍ بِنَاءَ دِيبُونَ وَعَطَارُوتَ وَعَرُوعِيرَ وَعَطْرُوتَ شُوفَانَ وَيَعْزِيرَ وَيُجْبَهَةَ وَبَيْتَ نِمْرَةَ وَبَيْتَ هَارَانَ كَمُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ، كَمَا بَنَوْا حَظَائِرَ لِقُطعَانِهِمْ. وَأعَادَتْ قَبِيلَةُ رَأُوبَيْنَ بِنَاءَ حَشْبُونَ وَألِعَالَةَ وَقِرْيَتَايِمَ وَنَبُوَ وَبَعلَ مَعُونَ وَسِيمَةَ. وَقَدْ غَيَّرُوا اسْمَيِّ مَدِينَتَي نَبُوَ وَبَعلَ مَعُونَ، بَيْنَمَا دَعُوا المُدُنَ الَّتِي أعَادُوا بِنَاءَهَا بِأسْمَائِهَا الأصلِيَّةِ. وَذَهَبَتْ عَشِيرَةُ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى إلَى جِلْعَادَ وَأخَذُوهَا، وَطَرَدُوا كُلَّ الأمُورِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي جِلْعَادَ. فَأعطَى مُوسَى جِلْعَادَ لِعَشِيرَةِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى، فَسَكَنَتْ عَشِيرَةُ مَاكِيرَ فِيهَا. وَاستَوْلَتْ عَشِيرَةُ يَائِيرَ بِنِ مَنَسَّى عَلَى القُرَى الصَّغِيرَةِ، وَسَمُّوهَا قُرَى يَائِيرَ. وَذَهَبَتْ عَشِيرَةُ نُوبَحَ وَأخَذَتْ قَنَاةَ وَالقُرَى القَرِيبَةَ مِنْهَا، وَدَعُوهَا بِاسْمِ نُوبَحَ جَدِّهِمْ. هَذِهِ هِيَ مَرَاحِلُ رِحلَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ أرْضِ مِصْرٍ فِي مَجمُوعَاتٍ وَفِرَقٍ تَحْتَ قِيَادَةِ مُوسَى وَهَارُونَ. وَكَتَبَ مُوسَى أسْمَاءَ الأمَاكِنِ الَّتِي بَدَأُوا مِنْهَا رَحَلَاتِهِمْ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ . وَهَذِهِ هِيَ الأمَاكِنُ الَّتِي أتَوهَا وَارْتَحَلُوا مِنْهَا: تَرَكُوا رَعَمْسِيسَ فِي اليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ. فِي غَدِ الفِصْحِ، خَرَجَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِشَجَاعَةٍ أمَامَ كُلِّ المِصْرِيِّينَ. كَانَ المِصْرِيُّونَ يَدْفِنُونَ أبْكَارَهُمُ الَّذِينَ قَتَلَهُمُ اللهُ . وَكَانَ اللهُ قَدْ أعْلَنَ دَينُونَتَهُ عَلَى آلِهَةِ المِصْرِيِّينَ وَعَمِلَ فِيهَا عَجَائِبَ. فَتَرَكَ بَنُو إسْرَائِيلَ رَعَمْسِيسَ وَخَيَّمُوا فِي سُكُّوتَ. وَتَرَكُوا سُكُّوتَ وَخَيَّمُوا فِي إيثَامَ الوَاقِعَةِ فِي طَرَفِ الصَّحْرَاءِ. وَتَرَكُوا إيثَامَ وَاتَّجَهُوا نَحْوَ فَمِ الحِيرُوثِ الوَاقِعِ إلَى الشَّرقِ مِنْ بَعلِ صَفُّونَ، فَخَيَّمُوا بِقُربِ مَجْدَلَ. وَتَرَكُوا فَمَ الحِيرُوثِ وَسَارُوا عَبْرَ البَحْرِ الأحْمَرِ إلَى الصَّحْرَاءِ. وَسَافَرُوا لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ فِي بَرِّيَّةِ إيثَامَ، وَخَيَّمُوا فِي مَارَّةَ. وَتَرَكُوا مَارَّةَ وَذَهَبُوا إلَى إيلِيمَ. وَفِي إيلِيمَ، كَانَ هُنَاكَ اثنَا عَشَرَ نَبعَ مَاءٍ وَسَبعُونَ نَخلَةً، فَخَيَّمُوا هُنَاكَ. وَتَرَكُوا إيلِيمَ وَخَيَّمُوا بِقُربِ البَحْرِ الأحْمَرِ. وَتَرَكُوا البَحْرَ الأحْمَرَ وَخَيَّمُوا فِي بَرِّيَّةِ صِينٍ. وَتَرَكُوا بَرِّيَّةَ صِينٍ وَخَيَّمُوا فِي دُفْقَةَ. وَتَرَكُوا دُفْقَةَ وَخَيَّمُوا فِي ألُوشَ. وَتَرَكُوا ألُوشَ وَخَيَّمُوا فِي رَفِيدِيمَ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَاءٌ لِلشَّعْبِ لِيَشْرَبُوا. وَتَرَكُوا رَفِيدِيمَ وَخَيَّمُوا فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ. وَتَرَكُوا بَرِّيَّةَ سِينَاءَ وَخَيَّمُوا فِي قَبْرُوتَ هَتَّأوَةَ. وَتَرَكُوا قَبْرُوتَ هَتَّأوَةَ وَخَيَّمُوا فِي حَضَيرُوتَ. وَتَرَكُوا حَضَيرُوتَ وَخَيَّمُوا فِي رِثْمَةَ. وَتَرَكُوا رِثْمَةَ وَخَيَّمُوا فِي رِمُّونَ فَارَصَ. وَتَرَكُوا رِمُّونَ فَارَصَ وَخَيَّمُوا فِي لِبْنَةَ. وَتَرَكُوا لِبْنَةَ وَخَيَّمُوا فِي رِسَّةَ. وَتَرَكُوا رِسَّةَ وَخَيَّمُوا فِي قُهَيلَاتَةَ. وَتَرَكُوا قُهَيلَاتَةَ وَخَيَّمُوا فِي جَبَلِ شَافَرَ. وَتَرَكُوا جَبَلَ شَافَرَ وَخَيَّمُوا فِي حَرَادَةَ. وَتَرَكُوا حَرَادَةَ وَخَيَّمُوا فِي مَقْهَيلُوتَ. وَتَرَكُوا مَقْهَيلُوتَ وَخَيَّمُوا فِي تَاحَتَ. وَتَرَكُوا تَاحَتَ وَخَيَّمُوا فِي تَارَحَ. وَتَرَكُوا تَارَحَ وَخَيَّمُوا فِي مِثْقَةَ. وَتَرَكُوا مِثْقَةَ وَخَيَّمُوا فِي حَشْمُونَةَ. وَتَرَكُوا حَشْمُونَةَ وَخَيَّمُوا فِي مُسِيرُوتَ. وَتَرَكُوا مُسِيرُوتَ وَخَيَّمُوا فِي بَنِي يَعْقَانَ. وَتَرَكُوا بَنِي يَعْقَانَ وَخَيَّمُوا فِي حُورِ الجَدْجَادِ. وَتَرَكُوا حُورَ الجَدْجَادِ وَخَيَّمُوا فِي يُطْبَاتَ. وَتَرَكُوا يُطبَاتَ وَخَيَّمُوا فِي عَبْرُونَةَ. وَتَرَكُوا عَبْرُونَةَ وَخَيَّمُوا فِي عِصْيُونَ جَابِرَ. وَتَرَكُوا عِصْيُونَ جَابِرَ وَخَيَّمُوا فِي قَادِشَ فِي بَرِّيَّةِ صِينٍ. وَتَرَكُوا قَادِشَ وَخَيَّمُوا فِي هُورٍ، الجَبَلِ الوَاقِعِ عَلَى حُدُودِ أرْضِ أدُومَ. وَصَعِدَ هَارُونُ الكَاهِنُ إلَى جَبَلِ هُورٍ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ ، وَمَاتَ عَلَيْهِ فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الخَامِسِ فِي السَّنَةِ الأرْبَعِينَ لِخُرُوجِ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ. وَكَانَ هَارُونُ قَدْ بَلَغَ مِنَ العُمْرِ مِئَةً وَثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ عَلَى جَبَلِ هُورٍ. وَسَمِعَ مَلِكُ عَرَادَ الكَنعَانِيُّ، الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ فِي النَّقَبِ، أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ آتُونَ نَحْوَ بِلَادِهِ، فَتَرَكَ بَنُو إسْرَائِيلَ جَبَلَ هُورٍ وَخَيَّمُوا فِي صَلْمُونَةَ. وَتَرَكُوا صَلْمُونَةَ وَخَيَّمُوا فِي فُونُونَ. وَتَرَكُوا فُونُونَ وَخَيَّمُوا فِي أُوبُوتَ. وَتَرَكُوا أُوبُوتَ وَخَيَّمُوا فِي عَيِّيِ عَبَارِيمَ، عَلَى حُدُودِ مُوآبَ. وَتَرَكُوا عَيِّيَ عَبَارِيمَ وَخَيَّمُوا فِي دِيبُونَ جَادَ. وَتَرَكُوا دِيبُونَ جَادَ وَخَيَّمُوا فِي عَلْمُونَ دِبلَاتَايِمَ. وَتَرَكُوا عَلْمُونَ دِبلَاتَايِمَ وَخَيَّمُوا فِي جِبَالِ عَبَارِيمَ قُرْبَ نِبُو. وَتَرَكَ بَنُو إسْرَائِيلَ جِبَالَ عَبَارِيمَ وَخَيَّمُوا فِي سُهُولِ مُوآبَ بِجَانِبِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مُقَابِلَ مَدِينَةِ أرِيحَا. وَخَيَّمُوا بِجِوَارِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ فِي سُهُولِ مُوآبَ فِي بَيْتِ يَشِيمُوتَ إلَى آبَلَ شِطِّيمَ. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فِي سُهُولِ مُوآبَ بِقُربِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، إلَى الشَّرقِ مِنْ أرِيحَا، فَقَالَ لَهُ: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: حِينَ تَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ إلَى أرْضِ كَنْعَانَ، اطْرُدُوا جَمِيعَ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي تِلْكَ الأرْضِ. حَطِّمُوا كُلَّ تَمَاثِيلِهِمُ المَنحُوتَةِ وَأوْثَانِهِمُ المَسْبُوكَةِ، وَاهدِمُوا أمَاكِنَ عِبَادَتِهِمْ. حِينَئِذٍ، تَمْتَلِكُونَ الأرْضَ وَتَسْكُنُونَ فِيهَا، لِأنِّي أعْطَيْتُ هَذِهِ الأرْضَ لَكُمْ. «قَسِّمُوا الأرْضَ بَيْنَكُمْ بِإلقَاءِ القُرَعِ بِحَسَبِ قَبَائِلِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ. اجعَلُوا حِصَّةَ القَبِيلَةِ الكَبِيرَةِ كَبِيرَةً، وَحِصَّةَ القَبِيلَةِ الصَّغِيرَةِ صَغِيرَةً. وَحَيْثُمَا وَقَعَتِ القُرعَةُ عَلَى أيَّةِ عَشِيرَةٍ، فَإنَّ تِلْكَ الأرْضَ تَكُونُ لِتِلْكَ القَبِيلَةِ. فَتَنَالُونَ حِصَصَكُمْ مِنَ الأرْضِ بِحَسَبِ قَبَائِلِكُمْ. «وَإنْ لَمْ تَطْرُدُوا النَّاسَ السَّاكِنِينَ فِي تِلْكَ الأرْضِ، فَإنَّ البَاقِينَ مِنْهُمْ سَيَكُونُونَ كَالمَخَارِزِ فِي عُيُونِكُمْ، وَكَالأشوَاكِ فِي جَوَانِبِكُمْ، إذْ سَيُسَبِّبُونَ الضِّيقَ لَكُمْ فِي الأرْضِ الَّتِي سَتَسْكُنُونَهَا. حِينَئِذٍ، سَأعمَلُ بِكُمْ كَمَا خَطَّطْتُ لِلعَمَلِ بِهِمْ.» وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فَقَالَ: «أبلِغْ هَذَا الأمْرَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: سَتَدْخُلُونَ أرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي سَتَكُونُ مِلْكًا لَكُمْ. وَهَذِهِ أرْضُ كَنْعَانَ بِحَسَبِ حُدُودِهَا: الجِهَةُ الجَنُوبِيَّةُ سَتَكُونُ فِي بَرِّيَّةِ صِينٍ قُرْبَ أدُومَ. حُدُودُكُمُ الجَنُوبِيَّةُ سَتَبْدَأُ فِي الشَّرقِ مِنَ الطَّرَفِ الجَنُوبِيِّ إلَى بَحْرِ المِلحِ. ثُمَّ تَمُرُّ حُدُودُكُمْ إلَى الجَنُوبِ مِنْ مَمَرِّ عَقْرِبِّيمَ ثُمَّ عَبْرَ بَرِّيَّةِ صِينٍ، ثُمَّ تَصِلُ إلَى قَادِشَ بَرْنِيعَ، ثُمَّ تَسْتَمِرُّ إلَى حَصَرَ أدَّارَ، ثُمَّ تَصِلُ إلَى عَصْمُونَ. وَمِنْ عَصْمُونَ سَتَتَّجِهُ نَحْوَ نَهْرِ مِصْرٍ حَتَّى تَصِلَ إلَى البَحْرِ. وَأمَّا حُدُودُكُمُ الغَربِيَّةُ فَسَتَكُونُ شَاطِئَ البَحْرِ الكَبِيرِ وَسَاحِلَهُ. هُنَاكَ تَكُونُ الحُدُودُ الغَربِيَّةُ. وَهَذِهِ هِيَ حُدُودُكُمُ الشِّمَالِيَّةُ: مِنَ البَحْرِ تَتْبَعُونَ خَطًّا إلَى جَبَلِ هُورٍ. وَمِنْ جَبَلِ هُورٍ تُحَدِّدُونَ الخَطَّ إلَى لِيبُو حَمَاةَ، ثُمَّ تَتَصِلُّ الحُدُودُ بِمَدِينَةِ صَدَدٍ. وَتَسْتَمِرُّ الحُدُودُ الشِّمَالِيَّةُ إلَى زِفْرُونَ، وَتَكُونُ نِهَايَتُهَا إلَى حَصَرِ عِينَانَ. أمَّا حُدُودُكُمُ الشَّرقِيَّةُ فَتَبْدأُ مِنْ حَصَرِ عِينَانَ وَتَمتّدُّ إلَى شَفَامَ. وَمِنْ شَفَامَ إلَى رِبلَةَ الوَاقِعَةِ إلَى الشَّرقِ مِنْ عَينٍ. وَتَسْتَمِرُّ الحُدُودُ مَعَ التِّلَالِ الوَاقِعَةِ شَرقَ بَحرِ الجَلِيلِ. ثُمَّ مَعَ امْتِدَادِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ وَحَتَّى بَحْرِ المِلْحِ. هَذِهِ هِيَ حُدُودُ أرْضِكُمْ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ.» فَأعطَى مُوسَى هَذَا الأمْرَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: «هَذِهِ هِيَ الأرْضُ الَّتِي سَتُقَسِّمُونَهَا فِيمَا بَيْنَكُمْ بِإلقَاءِ القُرَعِ. أمَرَ اللهُ بِأنْ تُعطَى هَذِهِ الأرْضُ لِلتِّسْعِ قَبَائِلَ وَنِصْفِ القَبِيلَةِ، لِأنَّ قَبِيلَتَيِّ رَأُوبَيْنَ وَجَادٍ وَنِصفَ قَبِيلَةِ مَنَسَّى قَدْ أخَذُوا حِصَّتَهُمْ مِنَ الأرْضِ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. فَقَدْ نَالَتِ القَبِيلَتَانِ وَنِصفُ القَبِيلَةِ حِصَصَهُمْ إلَى الشَّرقِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، إلَى الشَّرقِ مِنْ أرِيحَا.» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «هَذَانِ الرَّجُلَانِ يَقْسِمَانِ الأرْضَ بَيْنَكُمْ: ألِيعَازَارُ الكَاهِنُ وَيَشُوعُ بْنُ نُونٍ. وَيُسَاعِدُهُمْ قَائِدٌ مِنْ كُلِّ عَشِيرَةٍ لِأجْلِ تَقْسِيمِ الأرْضِ. وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ هَؤلَاءِ القَادَةِ: مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا كَالَبُ بْنُ يَفُنَّةَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ شِمْعُونَ شَمُوئِيلُ بْنُ عَمِّيهُودَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ ألِيدَادُ بْنُ كِسلُونَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ الرَّئِيسُ بُقِّي بْنُ يُجلِي. وَمِنْ نَسْلِ يُوسُفَ: مِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى الرَّئِيسُ حَنِّيئِيلُ بْنُ إيفُودَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ الرَّئِيسُ قَمُوئِيلُ بْنُ شِفطَانَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ الرَّئِيسُ ألِيصَافَانُ بْنُ فَزْنَاخَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ يسَّاكِرَ الرَّئِيسُ فَلْطِيئِيلُ بْنُ عَزَّانَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ أشِيرَ الرَّئِيسُ أخِيهُودُ بْنُ شَلُومِي. وَمِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي الرَّئِيسُ فَدَهْئِيلُ بْنُ عَمِّيهُودَ.» هَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ أمَرَهُمُ اللهُ بِأنْ يَقْتَسِمُوا أرْضَ كَنْعَانَ فِيمَا بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَتَكَلَّمَ اللهُ إلَى مُوسَى فِي سُهُولِ مُوآبَ بِقُربِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مُقَابِلَ أرِيحَا فَقَالَ: «أوصِ بَنِي إسْرَائِيلَ بِأنْ يُخَصِّصُوا لِلَّاوِيِّينَ مُدُنًا لِيَسْكُنُوا فِيهَا مِنَ الأرْضِ الَّتِي أخَذُوهَا، وَمَرَاعِيَ حَوْلَ مُدُنِهِمْ. سَتَكُونُ هَذِهِ المُدُنُ لَهُمْ لِلسَّكَنِ، وَالمَرَاعِي لِمَاشِيَتِهِمْ وَجَمِيعِ الحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَمْلِكُونَهَا. سَتَمْتَدُّ مَرَاعِي اللَّاوِيِّينَ مِنْ سُورِ المَدِينَةِ مَسَافَةَ ألفِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ. قِيسُوا خَارِجَ المَدِينَةِ ألفِي ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ: ألفِي ذِرَاعٍ مِنَ الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ، وَألفِي ذِرَاعٍ مِنَ الجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ، ألفِي ذِرَاعٍ مِنَ الجِهَةِ الغَربِيَّةِ، وَألفِي ذِرَاعٍ مِنَ الجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ. فَتَكُونُ المَدِينَةُ فِي الوَسَطِ، وَتَكُونُ هَذِهِ المسَاحَاتُ الإضَافِيّةُ مِرَاعِيَ لِمُدُنِ اللَّاوِيِّينَ. «وَمِنْ ضِمنِ المُدُنِ الَّتِي سَتُعطُونَهَا لِلَّاوِيِّينَ، سَتَكُونُ هُنَاكَ سِتُّ مُدُنٍ لِلُّجُوءِ، يَهْرُبَ إلَيْهَا كُلُّ مَنْ يَقْتُلُ شَخْصًا آخَرَ بِغَيرِ قَصدٍ. وَبِالإضَافَةِ إلَى هَذِهِ المُدُنِ السِّتِّ، أعطُوا اللَّاوِيِّينَ اثنَتَيْنِ وَأرْبَعِينَ مَدِينَةً أُخْرَى. فَسَيَكُونُ مَجْمُوعُ المُدُنِ الَّتِي يأخُذُونَهَا ثَمَانٍ وَأرْبَعِينَ مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيهَا. خُذُوا لِلَّاوِيِّينَ مِنْ أرْضِ قَبَائِلِ بَنِي إسْرَائِيلَ عَدَدًا مِنَ المُدُنِ يَتَنَاسَبُ مَعَ حَجْمِ كُلِّ قَبِيلَةٍ. فَتُعْطِي كُلُّ قَبِيلَةٍ مِنْ مُدُنِهَا لِلَّاوِيِّينَ بِحَسَبِ مَسَاحَةِ حِصَّتِهَا مِنَ الأرْضِ.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: حِينَ تَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ إلَى أرْضِ كَنْعَانَ، اخْتَارُوا مُدُنًا لِتَكُونَ مُدُنًا لِلُجُوءِ. فَمَنْ يَقْتُلُ شَخْصًا بِغَيرِ قَصدٍ، يُمكِنُهُ الهُرُوبُ إلَى إحْدَى هَذِهِ المُدُنِ. فَسَتَكُونُ مُدُنًا يَلْجأُ إلَيْهَا القَاتِلُ هَرَبًا مِنْ قَرِيبِ القَتِيلِ الَّذِي يُريدُ الأخْذَ بِالثَّأرِ. وَهَكَذَا لَا يُقْتَلُ القَاتِلُ إلَى أنْ يَقِفَ أمَامَ الشَّعْبِ لِلمُحَاكَمَةِ. فَالمُدُنُ الَّتِي تَخْتَارُونَهَا سَتَكُونُ مُدُنَ لُجُوءٍ لَكُمْ. اخْتَارُوا ثَلَاثَ مُدُنٍ شَرقَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَثَلَاثَ مُدُنٍ فِي أرْضِ كَنْعَانَ، لِتَكُونَ مُدُنَ لُجُوءٍ. تَكُونُ هَذِهِ المُدُنُ السِّتُّ لِلُجُوءِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَالغُرَبَاءِ السَّاكِنِينَ بَيْنَهُمْ. فَكُلُّ مَنْ يَقْتُلُ شَخْصًا بِغَيرِ قَصْدٍ، يَهْرُبُ إلَيْهَا. «فَإنْ ضَرَبَ شَخْصٌ شَخْصًا آخَرَ بِأدَاةٍ مِنْ حَدِيدٍ فَمَاتَ، فَإنَّ الضَّارِبَ يُعتَبَرُ قَاتِلًا وَيَنْبَغِي قَتلُهُ. وَإنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ بِيَدِهِ مِمَّا سَبَّبَ مَوْتَهُ، فَإنَّ الضَّارِبَ يُعتَبَرُ قَاتِلًا وَيَنْبَغِي قَتلُهُ. وَإنْ ضَرَبَهُ بِأدَاةٍ خَشَبِيَّةٍ بِيَدِهِ مِمَّا سَبَّبَ مَوْتَهُ، فَإنَّ الضَّارِبَ يُعتَبَرُ قَاتِلًا وَيَنْبَغِي قَتلُهُ. الَّذِي يَثأرُ لِلدَّمِ هُوَ يَقْتُلُ القَاتِلَ. عِنْدَمَا يَلْتَقِيَانِ، فَالَّذِي يَثأرُ لِلدَّمِ يُنَفِّذُ حُكْمَ الإعْدَامِ. «وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ بِسَبِبِ كُرْهِهِ لَهُ، أوْ ألقَى شَيْئًا عَلَيْهِ عَنْ قَصْدٍ فَمَاتَ، أوْ إنْ ضَرَبَهُ بِيدِهِ بِسَبِبِ كُرْهِهِ لَهُ، فَمَاتَ، فَحِينَئِذٍ، يَنْبَغِي قَتلُهُ لِأنَّهُ قَاتِلٌ. وَالَّذِي يَثأرُ لِلدَّمِ فَقَطْ، هُوَ يَقْتُلُ القَاتِلَ عِنْدَمَا يَلْتَقِيَانِ. «وَلَكِنْ إنْ دَفَعَهُ بِغَيرِ قَصدٍ وَمِنْ دُونِ كُرْهٍ، أوْ ألقَى شَيْئًا عَلَيْهِ بِغَيرِ قَصْدٍ، أوْ أسقَطَ حَجَرًا بِغَيرِ قَصدٍ، فَسَقَطَ عَلَيْهِ فَمَاتَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، وَلَمْ يَقْصَدِ الأذَى، سَيَحُكُمُ الشَّعْبُ بَيْنَ القَاتِلِ وَالَّذِي يَثأرُ لِدَمِ القَتِيلِ بِحَسَبِ هَذِهِ القَوَاعِدِ. وَيَكُونُ عَلَى الشَّعْبِ أنْ يَحْمِيَ القَاتِلَ مِنْ قَرِيبِ القَتِيلِ الَّذِي يَثأرُ لِدَمِهِ. فَيُعيدُونَهُ إلَى مَدِينَةِ اللُّجُوءِ الَّتِي هَرَبَ إلَيْهَا. فَيَسْكُنُ هُنَاكَ إلَى أنْ يَمُوتَ رَئِيسُ الكَهَنةِ الَّذِي مُسِحَ بِالزَّيْتِ المُقَدَّسِ. «لَكِنْ إنْ تَرَكَ القَاتِلُ حُدُودَ مَدِينَةِ اللُّجُوءِ الَّتِي هَرَبَ إلَيْهَا، وَوَجَدَهُ الَّذِي يَثأرُ لِلدَّمِ خَارِجَ مَدِينَةِ اللُّجُوءِ، فَيُمْكِنُ لِلَّذي يَثأرُ لِلدَّمِ أنْ يَقْتُلَ القَاتِلَ. وَلَا يُحْسَبُ مُذْنِبًا بِجِرِيمَةِ قَتْلٍ. لِأنْ عَلَى القَاتِلِ أنْ يَبْقَى فِي مَدِينَةِ اللُّجُوءِ إلَى مَوْتِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ. وَبَعْدَ مَوْتِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ يُمْكِنُ لِلقَاتِلِ أنْ يَعُودَ إلَى أرْضِهِ. هَذِهِ هِيَ أحكَامُ الشَّرِيعَةِ لَكُمْ مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا، حَيْثُمَا كَنتُمْ تُقِيمُونَ. «إنْ قَتَلَ أحَدُهُمْ شَخْصًا، فَإنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ. لَكِنْ لَا يَجُوزُ قَتلُ أحَدٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ. «لَا تَقْبَلُوا فِدْيَةً عَنْ حَيَاةِ القَاتِلِ المَحكُومِ عَلَيْهِ بِالمَوْتِ، لِأنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ. «لَا تَقْبَلُوا فِدْيةً مِنَ الشَّخْصِ الَّذِي هَرَبَ إلَى مَدِينَةِ لُجُوءٍ لِكَي يَعُودَ وَيَسْكُنَ فِي الأرْضِ حَيْثُمَا يَشَاءُ. بَلْ يَبْقَى هُنَاكَ إلَى مَوْتِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ. فَلَا تُفسِدُوا الأرْضَ الَّتِي تَعِيشُونَ عَلَيْهَا، فَلَا فِديَةَ لِتَحْرِيرِ الأرْضِ مِنْ جَرِيمَةِ القَتلِ الُمرتَكَبَةِ فِيهَا، إلَّا مَوْتُ القَاتِلِ. فَلَا تُنَجِّسُوا الأرْضَ الَّتِي تُقِيمُونَ فِيهَا، وَالَّتِي أنَا أيْضًا أسكُنْ فِي وَسَطِهَا. إنِّي أنَا اللهُ السَّاكِنُ وَسَطَ بَنِي إسْرَائِيلَ.» فَتَقَدَّمَ رُؤَسَاءُ عَشِيرَةِ جِلْعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى، إحْدَى عَشَائِرِ نَسْلِ يُوسُفَ، وَتَكَلَّمُوا أمَامَ مُوسَى وَرُؤَسَاءِ قَبَائِلِ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: «أمَرَكَ اللهُ يَا سَيَّدِي بِأنْ تُقَسِّمَ الأرْضَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ بِالقُرْعَةِ. وَقَدْ أمَرَكَ اللهُ بِأنْ تُعْطِيَ حِصَّةَ أخِينَا صَلُفْحَادَ لِبَنَاتِهِ. فَإنْ تَزَوَّجنَ مِنْ رِجَالٍ مِنْ إحْدَى قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ الأُخرَى، فَإنَّ حِصَّتَهُنَّ مِنَ الأرْضِ سَتُؤخَذُ مِنْ حِصَّةِ آبَائِنَا وَعَشِيرَتِنَا وَتُضَافُ إلَى حِصَّةِ القَبِيلَةِ الَّتِي تَزَوَّجْنَ مِنْهَا. وَبِهَذَا سَيَحْدُثُ نَقصٌ فِي حِصَّتِنَا الَّتِي حَصَلْنَا عَلَيْهَا بِالقُرعَةِ. فَحِينَ تَأْتِي سَنَةُ اليُوبِيلِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، سَيَتِمُّ إضَافَةُ حِصَّتِهِنَّ إلَى حِصَّةِ القَبِيلَةِ الَّتِي تَزَوَّجنَ مِنْهَا، وَسَتُؤْخَذُ حِصَّتُهُنَّ مِنْ حِصَّةِ قَبِيلَةِ آبَائِنَا.» فَأعطَى مُوسَى هَذَا الأمْرَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ مَا قَالَهُ اللهُ لَهُ: «مَا تَقُولُهُ عَشِيرَةُ نَسْلِ يُوسُفَ صَحِيحٌ وَحَقٌّ. وَلِذَا فَهَذَا مَا يَأْمُرُ اللهُ بِهِ بِشَأنِ بَنَاتِ صَلُفْحَادَ: يَمْكِنُهُنَّ أنْ يَتَزَوَّجنَ مِمَّنْ يُرِدْنَ، لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ يَتَزَوَّجنَ مِنْ رِجَالٍ مِنْ عَشِيرَةِ أبِيهِنَّ. فَلَا يُمْكِنُ نَقلُ حِصَّةٍ فِي أرْضِ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ عَشِيرَةٍ إلَى أُخْرَى، بَلْ يَنْبَغِي عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يُحَافِظُوا عَلَى حِصَّةِ عَشِيرَةِ آبَائِهِمْ. عَلَى كُلِّ بِنتٍ فِي قَبَائِلِ بَنِي إسْرَائِيلَ تَرِثُ حِصَّةً مِنَ الأرْضِ أنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ عَشِيرَةِ أبِيهَا كَي يَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ حِصَّةَ الأرْضِ الَّتِي لِآبَائِهِ. لَا يَجُوزُ نَقلُ حِصَّةٍ مِنَ الأرْضِ مِنْ قَبِيلَةٍ إلَى أُخْرَى، لِأنَّهُ عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ تُحَافِظَ عَلَى حِصَّتِهَا مِنَ الأرْضِ.» فَعَمِلَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ حَسَبَ مَا أمَرَ اللهُ مُوسَى بِهِ. فَتَزَوَّجَتْ مَحلَةُ وَتِرْصَةُ وَحَجلَةُ وَمِلْكَةُ وَنُوعَةُ، بَنَاتُ صَلُفْحَادَ، مِنْ أبْنَاءِ عُمُومَتِهِنَّ. فَتَزَوَّجنَ مِنْ رِجَالٍ مِنْ عَشَائِرِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ، فَبَقِيَتْ حِصّتُهُنَّ مِنَ الأرْضِ فِي عَشِيرَةِ أبِيهِنَّ. هَذِهِ هِيَ الوَصَايَا وَالقَوَاعِدُ الَّتِي أمَرَ اللهُ بِهَا بَنِي إسْرَائِيلَ عَنْ طَريقِ مُوسَى فِي سُهُولِ مُوَآبَ قُرْبَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ إلَى الشَّرقِ مِنْ أرِيحَا. هَذَا هُوَ الكَلَامُ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ شَرقِيَّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، فِي الصَّحْرَاءِ، فِي وَادِي الأُرْدُنِّ قُرْبَ سُوفٍ، بَيْنَ صَحرَاءِ فَارَانَ وَمُدُنِ تُوفَلَ وَلَابَانَ وَحَضَيرُوتَ وَذِي ذَهَبٍ. وَهِيَ تَبْعُدُ مَسيرَةَ أحَدَ عَشَرَ يَومًا عَبْرَ مِنْطَقَةِ سَعِيرَ الجَبَلِيَّةِ، مِنْ جَبَلِ حُورِيبَ إلَى قَادِشَ بَرْنِيعَ. فَفِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الحَادِي عَشَرَ، فِي السَّنَةِ الأرْبَعِينَ، تَكَلَّمَ مُوسَى إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ مَا أمَرَهُ اللهُ بِأنْ يَقُولَ لَهُمْ. حَدَثَ هَذَا بَعْدَ أنْ هَزَمَ مُوسَى سِيحُونَ مَلِكَ الأمُورِيِّينَ الَّذِي حَكَمَ فِي حَشْبُونَ، وَعُوجًا مَلِكَ بَاشَانَ الَّذِي حَكَمَ فِي عَشْتَارُوثَ فِي مَدِينَةِ إذْرَعِي. وَابْتَدَأ مُوسَى فِي شَرْقِيِّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، فِي أرْضِ مُوآبَ يَشْرَحُ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ فَقَالَ: «تَكَلَّمَ إلَينَا فِي جَبَلِ حُورِيبَ وَقَالَ: ‹كَفَاكُمْ قُعُودٌ عِنْدَ هَذَا الجَبَلِ! قُومُوا وَتَابِعُوا رِحلَتَكُمْ إلَى مِنْطَقَةِ الأمُورِيِّينَ الجَبَلِيَّةِ، وَكُلِّ جِيرَانِهِمْ فِي مِنْطَقَةِ وَادِي الأُرْدُنِّ، وَالمِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ وَالسُّهُولِ الغَرْبِيَّةِ وَالنَّقَبِ وَسَاحِلِ البَحْرِ، أيْ أرْضِ الكَنْعَانِيِّينَ وَمِنْطَقَةِ لُبْنَانَ إلَى النَّهرِ العَظِيمِ، نَهْرِ الفُرَاتِ. هَا إنِّي قَدْ وَضَعْتُ تِلْكَ الأرْضَ أمَامَكُمْ. اذْهَبُوا وَامْتَلِكُوا الأرْضَ الَّتِي أقسَمْتُ، أنَا اللهَ ، أنْ أعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَلِنَسْلِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ.› «قُلْتُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ: ‹لَا أسْتَطِيعُ وَحْدِي أنْ أهتَمَّ بِأُمُورِكُمْ. كَثَّرَكُمْ، فَهَا أنْتُمُ اليَوْمَ بِكَثْرَةِ نُجُومِ السَّمَاءِ. فَلْيُضَاعِفْ آبَائِكُمْ عَدَدَكُمْ ألْفَ مَرَّةٍ، وَلِيُبَارِكْكُمْ كَمَا وَعَدَكُمْ. كَيْفَ يُمكِنُنِي وَحْدِي أنْ أحمِلَ أثْقَالَكُمْ وَأحمَالَكُمْ وَقَضَايَاكُمْ؟ اخْتَارُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِكُمْ رِجَالًا حُكَمَاءَ وَذَوِي فَهْمٍ وَخِبرَةٍ، لِأُعَيِّنَهُمْ رُؤَسَاءَ لَكُمْ.› «فَقُلْتُمْ: ‹هَذَا أمرٌ جَيِّدٌ يَنْبَغِي عَمَلُهُ.› «فَاختَرْتُ رُؤَسَاءَ قَبَائِلِكُمْ، رِجَالًا حُكَمَاءَ وَذَوِي خِبْرَةٍ وَعَيَّنْتُهُمْ رُؤَسَاءَ عَلَيْكُمْ، أيْ قَادَةَ أُلُوفٍ وَقَادَةَ مِئَاتٍ وَقَادَةَ خَمَاسِينَ وَقَادَةَ عَشَرَاتٍ، وَرُؤسَاءَ بِحَسَبِ كُلِّ قَبَائِلِكُمْ. «وَأوصَيتُ قُضَاتَكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، وَقُلْتُ لَهُمْ: اسْتَمِعُوا إلَى الخُصُومَاتِ الَّتِي بَيْنَ إخْوَتِكُمْ، وَاحْكُمُوا بِالحَقِّ وَالعَدلِ بَيْنَ إنْسَانٍ وَآخَرَ، مُواطِنًا كَانَ أمْ غَرِيبًا مُقِيمًا بَيْنَكُمْ. لَا تَنحَازُوا فِي القَضَاءِ، بَلِ اسْتَمِعُوا إلَى الصَّغِيرِ وَالعَظِيمِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. لَا تَخَافُوا أحَدًا لِأنَّ القَضَاءَ لَلَّهِ. وَالقَضِيَّةُ الَّتِي تَصْعُبُ عَلَيْكُمْ، أحْضِرُوهَا إلَيَّ وَأنَا أسْمَعُهَا. وَهَكَذَا أمَرتُكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، بِكُلِّ مَا يَنْبَغِي أنْ تَعْمَلُوهُ. «وَانطَلَقْنَا مِنْ جَبَلِ حُورِيبَ، وَسِرْنَا عَبْرَ الصَّحرَاءِ الكُبْرَى الرَّهيبَةِ الَّتِي رَأيْتُمُوهَا فِي الطَّرِيقِ إلَى بِلَادِ الأمُورِيَّينَ الجَبَلِيَّةِ، كَمَا أمَرَنَا . وَوَصَلْنَا إلَى قَادِشَ بَرْنِيعَ. فَقُلْتُ لَكُمْ: ‹قَدْ أتَيْتُمْ إلَى بِلَادِ الأمُورِيَّينَ الجَبَلِيَّةِ الَّتِي أعْطَاهَا لَنَا. هَا هِيَ الأرْضُ الَّتِي وَضَعَهَا أمَامَكُمْ، فَاذْهَبُوا وَامتَلِكُوهَا كَمَا وَعَدَ اللهُ ، إلَهُ آبَائِكُمْ. لَا تَرْتَاعُوا وَلَا تَخَافُوا مِنْ شَيءٍ.› «فَأتَيْتُمْ جَمِيعُكُمْ إلَيَّ وَقُلْتُمْ: ‹لِنُرسِلْ رِجَالًا أمَامَنَا لِيَسْتَكْشِفُوا لَنَا الأرْضَ، ثُمَّ يَعُودُوا بِخَبَرٍ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي سَنَسْلُكُهَا، وَالمُدُنِ الَّتِي سَنَذْهَبُ إلَيْهَا.› فَاسْتَحْسَنْتُ ذَلِكَ، وَاخْتَرْتُ مِنكُمُ اثنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، وَاحِدًا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ. فَدَارُوا وَصَعِدُوا إلَى المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ، وَأتَوْا إلَى وَادِي أشْكُولَ وَاسْتَكْشَفُوهُ. وَأخَذُوا بِأيدِيهِمْ بَعْضَ ثَمَرِ الأرْضِ وَأحْضَرُوهُ لَنَا، وَعَادُوا بِتَقْرِيرٍ عَنِ الأرْضِ وَقَالُوا: ‹الأرْضُ الَّتِي أعْطَاهَا لَنَا جَيِّدَةٌ.› «لَكِنَّكُمْ لَمْ تُرِيدُوا الذَّهَابَ إلَى الأرْضِ، بَلْ تَمَرَّدْتُمْ عَلَى أمْرِ . تَذَمَّرْتُمْ فِي خِيَامِكُمْ وَقُلْتُمْ: ‹لِأنَّ اللهَ يَكْرَهُنَا، أخْرَجَنَا مِنْ أرْضِ مِصْرٍ لِيُتِيحَ لِلأمُورِيِّينَ فُرْصَةً لِقَتْلِنَا. أيُّ مَصِيرٍ يَنْتَظِرُنَا هُنَاكَ؟ لَقَدْ أثَارَ إخْوَتُنَا الخَوفَ فِي قُلُوبِنَا إذْ قَالُوا: الشَّعْبُ أعْظَمُ وَأطوَلُ مِنَّا، وَالمُدُنُ حَصِينَةٌ وَأسوَارُهَا مُرْتَفِعَةٌ كَارتِفَاعِ السَّمَاءِ، كَمَا أنَّنَا رَأينَا العَنَاقِيِّينَ هُنَاكَ.› فَقُلْتُ لَكُمْ: ‹لَا تَرْتَعِبُوا وَلَا تَخَافُوا مِنْهُمْ. سَيَسِيرُ أمَامَكُمْ، وَهْوَ نَفْسُهُ سَيُحَارِبُ عَنْكُمْ كَمَا فَعَلَ أمَامَ عُيُونِكُمْ فِي مِصْرٍ. رَأيْتُمْ كَيْفَ حَمَلَكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ كَمَا يَحْمِلُ الرَّجُلُ ابْنَهُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّذِي سِرْتُمْ فِيهِ، حَتَّى وَصَلْتُمْ إلَى هَذَا المَكَانِ.› «لَكِنَّكُمْ لَمْ تَثِقُوا ، الَّذِي يَسِيرُ أمَامَكُمْ فِي رِحلَتِكُمْ، لِيَجِدَ لَكُمْ مَكَانًا تُخَيِّمُونَ فِيهِ. فَكَانَ يَسِيرُ فِي النَّارِ لَيْلًا، وَفِي السَّحَابِ نَهَارًا لِيُرِيَكُمُ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُونَ. «وَسَمِعَ اللهُ تَذَمُّرَكُمْ فَغَضِبَ جِدًّا وَأقْسَمَ: ‹لَنْ يَرَى أحَدٌ مِنْ هَذَا الجِيلِ الشِّرِّيرِ الأرْضَ الجَدِيدَةَ الَّتِي أقْسَمْتُ بِأنْ أعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ. كَالَبُ بْنُ يَفُنَّةَ، هُوَ الوَحِيدُ الَّذِي سَيَرَاهَا. وَلَهُ وَلِنَسْلِهِ فَقَطْ سَأُعْطِي الأرْضَ الَّتِي سَارَ عَلَيْهَا، لِأنَّهُ ظَلَّ أمِينًا مَعَ اللهِ .› «حَتَّى أنَا غَضِبَ اللهُ عَلَيَّ بِسَبَبِكُمْ، وَقَالَ لِي: ‹حَتَّى أنْتَ لَنْ تَدْخُلَ الأرْضَ. يَشُوعُ بْنُ نُونٍ الَّذِي يَقِفُ أمَامَكَ سَيَدْخُلُ الأرْضَ. فَشَجِّعْهُ لِأنَّهُ سَيَجْعَلُ بَنِي إسْرَائِيلَ يَمْتَلِكُونَ الأرْضَ. وَأطْفَالُكُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ إنَّهُمْ سَيَكُونُونَ غَنِيمَةً لِلأعْدَاءِ، وَأبنَاؤُكُم الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ الخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ بَعْدُ، هُمْ سَيَدْخُلُونَ الأرْضَ. سَأُعْطِي الأرْضَ لَهُمْ وَسَيَمْتَلِكُونَهَا. أمَّا أنْتُمْ فَدُورُوا وَانْطَلِقُوا إلَى الصَّحرَاءِ فِي الطَّرِيقِ إلَى البَحْرِ الأحْمَرِ.› «فأجَبْتُمْ وَقُلْتُمْ: ‹أخْطَأنَا إلَى اللهِ ، وَنَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ الآنَ لِكَي نَذْهَبَ وَنُحَارِبَ كَمَا أمَرَنَا .› فَجَهَّزتُمْ أنْفُسَكُمْ لِلمَعرَكَةِ، وَظَنَنْتُمْ أنَّهُ مِنَ السَّهلِ أنْ تَصْعَدُوا إلَى المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ. «فَقَالَ لِيَ اللهُ : ‹قُلْ لَهُمْ لَا تَصْعَدُوا وَلَا تُحَارِبُوا لِأنِّي لَسْتُ مَعَكُمْ. إنْ سَمِعْتُمْ لِي فَلَنْ تُقتَلُوا أمَامَ أعْدَائِكُمْ.› «فَأخْبَرتُكُمْ بَهَذَا، لَكِنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَصَيتُمْ كَلَامَ اللهِ وَكُنْتُمْ عَنِيدِينَ مُتَكَبِّرِينَ، وَصَعِدْتُمْ إلَى المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ لِأخْذِهَا. فَأتَى الأمُورِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ المِنْطَقَةَ الجَبَلِيَّةَ وَحَارَبُوكُمْ وَطَارَدُوكُمْ كَمَا يُطَارَدُ النَّحلُ. سَحَقُوكُمْ فِي سَعِيرَ وَطَارَدُوكُمْ حَتَّى حُرْمَةَ. فَرَجِعْتُمْ وَبَكَيتُمْ أمَامَ اللهِ ، لَكِنَّ اللهَ لَمْ يُعِرِ انتِبَاهًا لِصَوْتِكُمْ وَلَمْ يُصغِ لَكُمْ. وَأقَمْتُمْ فِي قَادِشَ مُدَّةً طَوِيلَةً. «ثُمَّ دُرنَا وَانْطَلَقنَا نَحْوَ الصَّحرَاءِ فِي الطَّرِيقِ إلَى البَحْرِ الأحْمَرِ كَمَا أمَرَنِي اللهُ . وَسِرْنَا حَوْلَ مِنْطَقَةِ سَعِيرَ الجَبَلِيَّةِ أيَّامًا كَثِيرَةً. «ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: ‹كَفَاكُمْ دَوَرَانٌ حَوْلَ هَذَا الجَبَلِ، اتَّجِهُوا الآنَ نَحْوَ الشِّمَالِ. وَمُرِ الشَّعْبَ وَقُلْ لَهُمْ: سَتَعْبُرُونَ حُدُودَ أقرِبَائِكُمْ نَسْلِ عِيسُو الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي سَعِيرَ فَيَخَافُونَ مِنْكُمْ، فَكُونُوا حَذِرِينَ جِدًّا. لَا تُحَارِبُوهُم لِأنَّنِي لَنْ أُعْطِيَكُمْ شَيْئًا مِنْ أرْضِهِمْ. فقَدْ أعْطَيْتُ مِنْطَقَةُ سَعِيرَ الجَبَلِيَّةُ لِعِيسُو مِلْكًا لَهُ. سَتَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنْهُمْ بِمَالٍ لِتَأْكُلُوا، وَسَتَشْتَرُونَ المَاءَ مِنْهُمْ لِتَشْرَبُوا. قَدْ بَارَكَكَ فِي كُلِّ مَا عَمِلتَهُ. وَاهتَمَّ بِكَ فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ العَظِيمَةِ. كَانَ مَعَكَ فِي السَّنَوَاتِ الأرْبَعِينَ المَاضِيَةِ، وَلَمْ تَحْتَجْ إلَى شَيءٍ.› «حِينَئِذٍ، انطَلَقْنَا بَعِيدًا عَنْ أقرِبَائِنَا نَسْلِ عِيسُو المُقِيمِينَ فِي جَبَلِ سَعِيرَ، بَعِيدًا عَنِ الطَّرِيقِ إلَى وَادِي الأُرْدُنِّ، وَبَعِيدًا عَنْ إيلَاتَ، وَبَعِيدًا عَنْ عِصْيُونَ جَابِرَ. ثُمَّ دُرْنَا وَسِرْنَا فِي الطَّرِيقِ إلَى بَرِّيَّةِ مُوآبَ. «وَقَالَ اللهُ لِي: ‹لَا تُزْعِجْ شَعْبَ مُوآبَ وَلَا تُحَارِبْهُمْ، لِأنِّي لَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا مِنْ أرْضِهِمْ مِلْكًا لَكَ. فَقَدْ أعْطَيْتُ مَدِينَةُ عَارٍ مِيرَاثًا لِنَسْلِ لُوطٍ مِلْكًا لَهُمْ.›» فَقَدْ سَكَنَ الإيمِيُّونَ مَدِينَةَ عَارٍ قَبلًا. وَكَانُوا شَعْبًا قَوِيًّا وَكَثِيرًا وَطَوِيلًا كَالعَنَاقِيِّينَ. كَانَ يُعتَقَدُ أنَّ الإيمِيِّينَ رَفَائِيُّونَ كَالعَنَاقِيِّينِ، غَيْرَ أنَّ المُوَآبِيِّينَ يَدْعُونَهُمُ الإيمِيِّينَ. كَمَا سَكَنَ الحُورِيُّونَ فِي سَعِيرَ سَابِقًا، لَكِنَّ نَسْلَ عِيسُو طَرَدُوهُمْ وَأهْلَكُوهُمْ مِنْ أمَامِهِمْ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ، كَمَا عَمِلَ إسْرَائِيلُ بِشَعْبِ الأرْضِ الَّتِي امتَلَكَهَا، وَالَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لَهُمْ. «وَقَالَ اللهُ: ‹وَالْآنَ قُومُوا وَاعْبُرُوا وَادِيَ زَارَدَ.› فَعَبَرْنَا وَادِي زَارَدَ. وَقَدِ اسْتَغْرَقَنَا السَّفَرُ مِنْ قَادِشَ بَرْنِيعَ إلَى وَادِي زَارَدَ ثَمَانِي وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَخِلَالَ هَذِهِ الفَترَةِ فَنِيَ فِي المُخَيَّمِ كُلُّ جِيلِ المُحَارِبِينَ تَمَامًا كَمَا أقْسَمَ اللهُ لَهُمْ. فَقَدَ مَدَّ اللهُ يَدَهُ ليُقَاوَمَهُمُ، حَتَّى استأصَلَهُمْ مِنَ المُخَيَّمِ، وَأهْلَكَهُمْ تَمَامًا. «وَعِنْدَمَا مَاتَ كُلُّ المُحَارِبِينَ مِنَ الشَّعْبِ، تَكَلَّمَ اللهُ إلَيَّ وَقَالَ: ‹سَتَعْبُرُ اليَوْمَ حُدُودَ مُوآبَ فِي مَدِينَةِ عَارٍ. وَحِينَ تَقْتَرِبُونَ مِنَ العَمُّونِيِّينَ، لَا تُهَيِّجُوهُمْ وَلَا تُحَارِبُوهُمْ، لِأنِّي لَنْ أُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِنْ أرْضِهِمْ، لِأنِّي أعْطَيْتُهَا لِنَسْلِ لُوطٍ مِلْكًا لَهُمْ.›» وَأرْضُ العَمُّونِيِّينَ أيْضًا تُعتَبَرُ أرْضَ رَفَائِيِّينَ، إذْ سَكَنُوا فِيهَا قَبلًا. وَقَدْ كَانَ العَمُّونِيُّونَ يَدْعُونَهُمْ زَمْزُمِيِّينَ. وَقَدْ كَانُوا شَعْبًا قَوِيًّا وَكَثِيرًا وَطَوِيلًا كَالعَنَاقِيِّينَ. لَكِنَّ اللهَ أهْلَكَهُمْ مِنْ أمَامِ العَمُّونِيِّينَ. فَطَرَدَهُمُ العَمُّونِيُّونَ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ. تَمَامًا كَمَا فَعَلَ لِنَسْلِ عِيسُو الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ فِي سَعِيرَ حِينَ أهْلَكَ الحُورِيِّينَ أمَامَهُمْ. فَامتَلَكَ الأدُومِيُّونَ أرْضَهُمْ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَكَذَلِكَ الكَفْتُورِيُّونَ الَّذِينَ أتَوْا مِنْ كَفتُورَ، أبَادُوا العُوِّيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونُ القُرَى القَرِيبَةَ مِنْ غِزَّةَ، وَسَكَنُوا هُنَاكَ مَكَانَهُمْ. «وَقَالَ لِيَ اللهُ: ‹قُمْ وَانْطَلِقْ وَاعبُرْ وَادِيَ أرنُونَ، فَهَا قَدْ أعْطَيْتُكَ القُوَّةَ لِتَهْزِمَ سِيحُونَ مَلِكَ حَشْبُونَ. فبَادِرْ بِامتِلَاكِ أرْضِهِ، وَبِشَنِّ حَرْبٍ عَلَيْهِ. وَسَأبدَأُ أنَا اليَوْمَ بِزَرْعِ رُعبٍ وَخَوفٍ مِنْكَ فِي النَّاسِ، حَتَّى يَخَافُوا وَيَرْتَعِدُوا أمَامَكَ حِينَ يَسْمَعُونَ أخْبَارَكَ.› «فَأرْسَلْتُ رُسُلًا مِنَ الصَّحْرَاءِ الشَّرقِيَّةِ إلَى سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ بَاتَّفَاقِيَّةِ سَلَامٍ حَيْثُ قُلْتُ لَهُ اسمَحْ لَنَا بِالمُرُورِ بِأرْضِكَ. وَسَنَبقَى فِي الطَّرِيقِ فَقَطْ دُونَ أنْ نَمِيلَ يَمِينًا أوْ يَسَارًا. نَشْتَري مِنْكَ الطَّعَامَ بِمَالٍ لِنَأكُلَ، وَالمَاءَ لِنَشرَبَ. فَاسمَحْ لَنَا بِالمُرُورِ عَلَى أقْدَامِنَا، كَمَا سَمَحَ لَنَا نَسْلُ عِيسُو المُقِيمُونَ فِي سَعِيرَ، وَالمُوآبِيُّونَ المُقِيمُونَ فِي مَدِينَةِ عَارٍ، لِنَعْبُرَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ إلَى الأرْضِ الَّتِي وَهَبَهَا لَنَا . «لَكِنَّ سِيحُونَ مَلِكَ حَشبُونَ رَفَضَ أنْ يَسْمَح لَنَا بِالمُرُورِ فِي أرْضِهِ، لِأنَّ قَسَّى رُوحَهُ، وَجَرَّأ قَلْبَهُ، لِكَي يُخضِعَهُ لَكَ كَمَا فَعَلَ الآنَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: ‹هَا قَدْ بَدَأتُ بِإعطَاءِ سِيحُونَ وَأرْضِهِ لَكَ، فَابدَأ بِامتِلَاكِهَا.› «فَخَرَجَ سِيحُونُ وَشَعْبُهُ إلَى يَاهَصَ لِمُحَارَبَتِنَا. فَأسلَمَهُ لَنَا، فَهَزَمْنَاهُ هُوَ وَأبْنَاءَهُ وَكُلَّ شَعْبِهِ. وَأخَذْنَا كُلَّ مُدُنِهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. وَأهْلَكْنَا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأطْفَالَ فِي كُلِّ المُدُنِ، فَلَمْ يَنْجُ أحَدٌ مَنهُمْ. لَكِنَّنَا أخَذْنَا الحَيَوَانَاتِ فَقَطْ غَنِيمَةً لَنَا، وَسَلَبْنَا المُدُنَ الَّتِي أخَذْنَاهَا. وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ مَدِينَةٌ لَمْ نَسْتَطِعْ أخْذَهَا، ابْتِدَاءً مِنْ عَرُوعِيرَ الوَاقِعَةِ عَلَى ضِفَّةِ وَادِي أرنُونَ، وَالمَدِينَةِ الَّتِي فَي بَطْنِ الوَادِي إلَى جِلعَادَ، فَقَدْ أعطَانَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا. لَكِنَّكُمْ لَمْ تَقْتَرِبُوا مَنْ أرْضِ العَمُّونِيِّينَ، فَتَجَنَّبْتُمْ جَمِيعَ ضِفَافِ وَادِي يَبُّوقَ، وَمُدُنَ المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ، تَمَامًا كَمَا أمَرَنَا . «ثُمَّ دُرْنَا وَصَعِدْنَا فِي الطَّرِيقِ إلَى بَاشَانَ، وَخَرَجَ عُوجٌ مَلِكُ بَاشَانَ مَعَ كُلِّ جَيْشِهِ لِمُحَارَبَتِنَا فِي إذْرَعِيَ. «فَقَالَ اللهُ لِي: ‹لَا تَخَفْ مِنْهُ لِأنِّي سَأُسَلِّمُهُ هُوَ وَكُلَّ شَعْبِهِ وَأرْضِهِ لَكَ، وَسَتَعْمَلُ بِهِ مَا عَمِلتَهُ بِسِيحُونَ مَلِكِ الأمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ يَحْكُمُ حَشْبُونَ.› «فَأخضَعَ عُوجًا مَلِكَ بَاشَانَ وَكُلَّ شَعْبِهِ لَنَا، فَهَزَمْنَاهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ نَاجُونَ. وَاستَوْلَينَا عَلَى مُدُنِهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ مَدِينَةٌ لَمْ نَأخُذْهَا مِنْهُمْ. فَقَدْ أخَذْنَا سِتِّينَ مَدِينَةً فِي كُلِّ مِنْطَقَةِ أرْجُوبَ، وَمَملَكَةِ عُوجٍ فِي بَاشَانَ. وَكَانَتْ تِلْكَ المُدُنُ مُحَصَّنَةً، ذَاتَ أسْوَارٍ عَالِيَةٍ وَبَوَّابَاتٍ مَتِينَةٍ وَأقْفَالٍ مِنْ حَدِيدٍ. كَمَا أخَذنَا بَلدَاتٍ كَثِيرَةٍ بِلَا أسوَارٍ. وَأهْلَكنَاهُمْ تَمَامًا، كَمَا أهْلَكْنَا سِيحُونَ مَلِكَ حَشبَونَ. وَقَضَينَا عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالأطْفَالِ فِي كُلِّ المُدُنِ. وَأمَّا جَمِيعُ الحَيَوَانَاتِ وَغَنَائِمِ المَدَنِ فَقَدْ سَلَبْنَاهَا لَنَا. «وَهَكَذَا أخَذْنَا الأرْضَ مِنْ يَدِ مَلِكَيِّ الأمُورِيِّينَ اللَّذَيْنِ كَانَا فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ لِنَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَهِيَ الأرْضُ المُمتَدَّةُ مِنْ وَادِي أرنُونَ إلَى جَبَلِ حَرْمُونَ. وَيَدْعُو الصَّيدُونِيُّونَ جَبَلَ حَرْمُونَ ‹سِرْيُونَ.› أمَّا الأمُورِيُّونَ فَيَدْعُونَهُ ‹سَنِيرَ.› «وَهَكَذَا أخَذْنَا مُدُنَ السُّهُولِ الشِّمَالِيَّةِ وَكُلَّ جِلعَادَ وَكُلَّ بَاشَانَ إلَى سَلْخَةَ وَإذْرَعِي مَدِينَتَي مَمْلَكَةِ عُوجٍ فِي بَاشَانَ.» عُوجٌ مَلِكُ بَاشَانَ هُوَ الوَحِيدُ الَّذِي بَقِيَ مِنَ الرَّفَائِيِّينَ. وَكَانَ لَهُ سَرِيرٌ مِنْ حَدِيدٍ طُولُهُ تِسْعُ أذْرُعٍ وَعَرْضُهُ أرْبَعُ أذْرُعٍ كَذِرَاعِ رَجُلٍ. مَا يَزَالُ مَحفُوظًا فِي رَبَّةَ مَدِينَةِ العَمُّونِيِّينَ. «فَأخَذْنَا هَذِهِ الأرْضَ مِلْكًا لَنَا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، وَذَلِكَ بِدْءًا مِنْ عَرُوعِيرَ الوَاقِعَةِ عِنْدَ وَادِي أرْنُونَ. وَأعْطَيْتُ نِصْفَ مِنْطَقَةِ جِلعَادَ الجَبَلِيَّةِ وَمُدُنِهَا لِلرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ. وَأعْطَيْتُ بَقِيَّةَ جِلعَادَ وَكُلَّ بَاشَانَ الَّتِي كَانَتْ تُشَكِّلُ مَملَكَةَ عُوجٍ لَنَصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى.» حَيْثُ إنَّ كُلَّ مِنْطَقَةِ أرْجُوبَ، وَالَّتِي هِيَ جُزءٌ مِنْ بَاشَانَ، تُدعَى أرْضَ الرَّفَائِيِّينَ. فَأخَذَ يَائِيرُ مِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى كُلَّ مِنْطَقَةِ أرْجُوبَ حَتَّى حُدُودِ الجَشُورِيِّينَ وَالمَعْكِيِّينَ. وَأطلَقَ يَائِيرُ اسْمَهُ عَلَى أرْضِ بَاشَانَ، فَدَعَاهَا مُدُنَ يَائِيرَ إلَى اليَوْمِ. «كَذَلِكَ أعْطَيْتُ جِلعَادَ لِمَاكِيرَ. وَكَذَلِكَ أعْطَيْتُ الرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ الأرْضَ المُمتَدَّةَ مِنْ أرْضِ جِلعَادَ شِمَالًا إلَى مُنْتَصَفِ وَادِي أرنُونَ حَيْثُ الحُدُودُ الَّتِي تَصِلُ إلَى وَادِي يَبُّوقَ، وَهِيَ الحُدُودُ مَعَ العَمُّونِيِّينَ. وَكَانَ وَادِي الأُرْدُنِّ وَنَهْرُ الأُرْدُنِّ نَفْسُهُ الحَدَّ الغَربِيَّ مِنْ بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ إلَى بَحْرِ عَرَبَةَ عِنْدَ سَطْحِ جَبَلِ الفِسْجَةِ شَرقًا. «وَأوصَيتُكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، وَقُلْتُ: ‹ أعطَاكُمْ هَذِهِ الأرْضَ مِلْكًا لَكُمْ. وَعَلَى كُلِّ الرِّجَالِ الشُّجْعَانِ الأشِدَّاءِ فِيكُمْ أنْ يَتَسَلَّحُوا وَيَعْبُرُوا نَهْرَ الأُرْدُنِّ أمَامَ إخْوَتِكُمْ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَأمَّا زَوْجَاتُكُمْ وَأطْفَالُكُمْ وَحَيَوَانَاتُكُمْ، وَالَّتِي أعْلَمُ أنَّهَا كَثِيرَةٌ، فَليَمْكُثُوا فِي المُدُنِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لَكُمْ، إلَى أنْ يُرِيحَ اللهُ إخْوَتَكُمْ كَمَا أرَاحَكُمْ، وَيَمْتَلِكُوا الأرْضَ الَّتِي أعْطَاهَا لَهُمْ شَرْقَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. حِينَئِذٍ، يُمْكِنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أنْ يَعُودَ إلَى الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لَهُ.› «وَأوصَيتُ يَشُوعَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَقُلْتُ لَهُ: ‹قَدْ رَأيْتَ كُلَّ مَا عَمِلَهُ بِهَذَينِ المَلِكَينِ، فَإنَّهُ هَكَذَا سَيَعْمَلُ اللهُ بِكُلِّ المَمَالِكِ الَّتِي سَتَعْبُرُ إلَيْهَا. لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ لِأنَّ نَفْسَهُ سَيُحَارِبُ عَنْكُمْ.› «ثُمَّ تَوَسَّلتُ إلَى اللهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَقُلْتُ: ‹يَا ، هَا قَدْ بَدَأتَ الآنَ تُرِي عَبدَكَ عَظَمَتَكَ وَقُوَّتَكَ. إذْ لَا يُوجَدُ إلَهٌ فِي السَّمَاءِ أوْ عَلَى الأرْضِ يَسْتَطِيعُ أنْ يَعْمَلَ مَا تَعْمَلُهُ مِنْ أُمُورٍ عَظِيمَةٍ. اسْمَحْ لِي بِأنْ أعبُرَ النَّهرَ، وَأنْ أرَى الأرْضَ الصَّالِحَةَ غَربَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، لِأرَى المِنْطَقَةَ الجَبَلِيَّةَ الجَمِيلَةَ وَلُبنَانَ.› «لَكِنَّ اللهَ كَانَ غَاضِبًا عَلَيَّ جِدًّا بِسَبَبِكُمْ، وَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي. فَقَالَ اللهُ لِي: ‹لَا تُصَلِّ أكْثَرَ! لَا تَطْلُبْ مِنِّي هَذَا الأمْرَ! اصعَدْ إلَى قِمَّةِ جَبَلِ الفِسجَةِ، وَانْظُرْ إلَى الغَرْبِ وَالشِّمَالِ وَالجَنُوبِ وَالشَّرقِ. انْظُرْ إلَى الأرْضِ بِعَيْنَيْكَ، لَكِنَّكَ لَنْ تَعْبُرَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ هَذَا. أعْطِ تَعْلِيمَاتِكَ لِيَشُوعَ، وَسَاعِدْهُ لِيَكُونَ قَوِيًّا وَشُجَاعًا، فَهُوَ مَنْ سَيَقُودُ الشَّعْبَ فِي عُبُورِهِمُ النَّهرَ، وَهُوَ مَنْ سَيُوَزِّعُ الأرْضَ الَّتِي تَرَاهَا عَلَيْهِمْ.› «وَهَكَذَا بَقَينَا فِي الوَادِي القَرِيبِ مِنْ بَيْتِ فَغُورَ. «وَالْآنَ، اسْتَمِعْ يَا إسْرَائِيلُ إلَى الفَرَائِضِ وَالشَّرَائِعِ الَّتِي أُعَلِّمُهَا لَكُمْ لِتَعْمَلُوا بِهَا، فَتَحْيَوْا وَتَدْخُلُوا الأرْضَ الَّتِي سَيُعْطِيهَا لَكُمْ آبَائِكُمْ وَتَمْتَلِكُوهَا. لَا تَزِيدُوا عَلَى مَا آمُرُكُمْ بِهِ وَلَا تُنقِصُوا مِنْهُ شَيْئًا، بَلِ احفَظُوا وَصَايَا الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا. «قَدْ رَأيْتُمْ مَا عَمِلَهُ اللهُ فِي الإلَهِ المُزَيَّفِ بَعلِ فَغُورَ. وَكَيْفَ أبَادَ مِنْ بَينِكُمْ كُلَّ مَنْ تَبِعَ بَعلَ فَغُورَ. أمَّا أنْتُمُ الَّذِينَ تَمَسَكتُمْ فَمَا زِلْتُمْ أحيَاءَ. «هَا قَدْ عَلَّمتُكُمْ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ كَمَا أمَرَنِي ، لِتَعْمَلُوا بِهَا فِي الأرْضِ الَّتِي سَتَدْخُلُونَ لِتَمْتَلِكُوهَا. فَاحْرِصُوا عَلَى إطَاعَتِهَا. لِأنَّ هَذَا سَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى حِكمَتِكُمْ وَفَهمِكُمْ أمَامَ الشُّعُوبِ الَّتِي حِينَ تَسْمَعُ بِكُلِّ هَذِهِ الفَرَائِضِ، سَتَقُولُ حَقًّا إنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ عَظِيمَةٌ، وَأهْلَهَا حُكَمَاءٌ وَفُهَمَاءٌ. «فَهَلْ مِنْ أُمَّةٍ بِهَذِهِ العَظَمَةِ، لَهَا آلِهَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْهَا حِينَ نَدْعُوهُ؟ أمْ هَلْ مِنْ أُمَّةٍ بِهَذِهِ العَظَمَةِ، لَهَا فَرَائِضُ وَشَرَائِعُ عَادِلَةٌ كَالشَّرِيعَةِ الَّتِي أضَعُهَا أمَامَكُمُ اليَوْمَ؟ لَكِنِ احتَرِسُوا وَانتَبِهُوا لِئَلَّا تَنْسَوْا الأُمُورَ الَّتِي رَأتْهَا أعيُنُكُمْ فَلَا تَزُولَ مِنْ أذهَانِكُمْ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِكُمْ. وَعَلِّمُوهَا لِأوْلَادِكُمْ وَلِأحفَادِكُمْ. «لَا تَنْسَوْا الأُمُورَ الَّتِي رَأيْتُمُوهَا يَوْمَ وَقَفتُمْ أمَامَ فِي جَبَلِ حُورِيبَ، حِينَ قَالَ لِيَ اللهُ : ‹اجْمَعِ الشَّعْبَ إلَيَّ لِأُسمِعَهُمْ كَلَامِي، فَيَتَعَلَّمُوا أنْ يَهَابُونِي كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِهِمْ عَلَى الأرْضِ، وَيُعَلِّمُوا أوْلَادَهُمْ أيْضًا.› فَقَدِ اقْتَرَبْتُمْ وَوَقَفتُمْ أسفَلَ الجَبَلِ، وَكَانَ الجَبَلُ مُشتَعِلًا بِنَارٍ إلَى السَّمَاءِ! وَكَانَ هُنَاكَ ظَلَامٌ وَغُيُومٌ كَثِيفَةٌ. وَتَكَلَّمَ اللهُ إلَيكُمْ مِنْ وَسَطِ النَّارِ، وَقَدْ سَمِعْتُمْ صَوْتَ كَلَامِهِ، لَكِنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا لَهُ هَيئَةً، بَلْ كُنْتُمْ تَسْمَعُونَ صَوْتًا فَقَطْ. وَقَدْ أعْلَنَ لَكُمْ عَهْدَهَ، وَأمَرَكُمْ بِأنْ تَحْفَظُوا الوَصَايَا العَشَرَ الَّتِي نَحَتَهَا عَلَى لَوحَينِ مِنْ حِجَارَةٍ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، أمَرَنِي اللهُ بِأنْ أُعَلِّمَكُمُ الشَّرَائِعَ وَالفَرَائِضَ لِتَحْفَظُوهَا وَتُطَبِّقُوهَا فِي الأرْضِ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ لِامتِلَاكِهَا. «انتَبِهُوا جَيِّدًا! أنْتُمْ لَمْ تَرَوْا أيَّ شَكلٍ يَوْمَ كَلَّمَكُمُ اللهُ فِي جَبَلِ حُورِيبَ مَنْ وَسَطِ النَّارِ. لِكَي لَا تُهلِكُوا أنْفُسَكُمْ بَصُنعِ تِمثَالٍ بِأيِّ شَكلٍ ذَكَرًا كَانَ أمْ أُنثَى، أوْ عَلَى شَكْلِ حَيَوَانٍ يَمْشِي عَلَى الأرْضِ، أوْ شَكْلِ طَيرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ فِي السَّمَاءِ، أوْ شَكْلِ زَاحِفٍ عَلَى الأرْضِ، أوْ شَكْلِ سَمَكَةٍ فِي المَاءِ تَحْتَ الأرْضِ. فَإنْ نَظَرْتُمْ إلَى السَّمَاءِ وَرأيتُمُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَكُلَّ الأجرَامِ السَّمَاوِيَّةِ، فَلَا تُخْدَعُوا بِهَا وَتَسْجُدُوا لَهَا وَتَعْبُدُوهَا، فَإنَّ أعْطَاهَا لِكُلِّ الأُمَمِ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ. وَأمَّا أنْتُمْ فَقَدِ اخْتَارَكُمُ اللهُ وَأخرَجَكُمْ مِنْ فُرْنِ الحَدِيدِ فِي مِصْرٍ، لِتَكُونُوا شَعْبَهُ كَمَا هُوَ حَالُكُمُ اليَوْمَ. «وَلَكِنَّ اللهَ غَضِبَ عَلَيَّ بِسَبَبِكُمْ، وَأقْسَمَ أنْ لَا أعبُرَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ، وَبِأنِّي لَنْ أدخُلَ الأرْضَ الصَّالِحَةَ الَّتِي سَيُعْطِيهَا مِلْكًا لَكُمْ. أنَا سَأمُوتُ فِي هَذِهِ الأرْضِ مِنْ غَيْرِ أنْ أعبُرَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ. وَأمَّا أنْتُمْ فَسَتَعْبُرُونَ وَتَمْتَلِكُونَ الأرْضَ الطَّيِّبَةَ. «احذَرُوا أنْ تَنْسَوْا العَهْدَ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَكُمْ وَتَنْحَتُوا لَكُمْ تِمثَالًا بِأيِّ شَكلٍ مِنَ الأشكَالِ الَّتِي نَهَاكُمْ عَنْهَا. لِأنَّ نَارٌ آكِلَةٌ، إلَهٌ يَغَارُ عَلَى مَجْدِهِ. «فَحِينَ يُصْبِحُ لَدَيْكُمْ أوْلَادٌ وَأحفَادٌ، وَتَكُونُونَ قَدْ سَكَنْتُمْ مُدَّةً طَوِيلَةً فِي هَذِهِ الأرْضِ، ثُمَّ فَسَدتُمْ بِصُنعِ تِمثَالٍ مَنحُوتٍ بِأيِّ شَكلٍ، وَفَعَلْتُمُ الشَّرَّ أمَامَ فَأغضَبتُمُوهُ، فَإنِّي أُشْهِدُ عَلَيكُمُ اليَوْمَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ أنَّكُمْ سَتَهْلِكُونَ هَلَاكًا مِنَ الأرْضِ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِتَمْتَلِكُوهَا. وَلَنْ تَعِيشُوا طَوِيلًا فِي تِلْكَ الأرْضِ، بَلْ سَتُبَادُونَ تَمَامًا. سَيُشَتِّتُكُمُ اللهُ بَيْنَ الأُمَمِ. قَليلُونَ مِنْكُمْ سَيَبْقَوْنَ وَسَطَ الأُمَمِ الَّتِي سَيُرْسِلُكُمُ اللهُ إلَيْهَا. وَسَتَعْبُدُونَ هُنَاكَ آلِهَةً مَصْنُوعَةً بِأيدِي البَشَرِ مِنْ خَشَبٍ وَحِجَارَةٍ، لَا تَرَى وَلَا تَسْمَعُ وَلَا تَأْكُلُ وَلَا تَشُمُّ. وَسَتَطْلُبُونَ هُنَاكَ، فَتَجِدُونَهُ إنْ طَلَبتُمُوهُ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ. فَعِنْدَمَا تَكُونُونَ فِي ضِيقٍ، وَتَحْدُثُ لَكُمْ كَلُّ هَذِهِ الأُمُورِ فِي المُسْتَقْبَلِ، حِينَئِذٍ، سَتَعُودُونَ إلَى وَتُطِيعُونَهُ. وَلِأنَّ إلَهٌ رَحِيمٌ، فَإنَّهُ لَنْ يَتْرُكَكُمْ وَلَنْ يُهلِكَكُمْ، وَلَنْ يَنْسَى العَهْدَ الَّذِي أقْسَمَ لِآبَائِكُمْ عَلَيْهِ. «فَاسألُوا عَنِ الأزمِنَةِ السَّابِقَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبلَكُمْ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ. مُنْذُ أنْ خَلَقَ اللهُ النَّاسَ عَلَى الأرْضِ، فَمَلأُوا الأرْضَ كلَّهَا. هَلْ حَدَثَ مِثْلُ هَذَا الأمْرِ العَظِيمِ قَطُّ؟ أمْ هَلْ سَمِعَ أحَدٌ بِمِثْلِهِ؟ هَلْ سَمِعَتْ أُمَّةٌ صَوْتَ اللهِ يَتَكَلَّمُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ كَمَا سَمِعْتُمْ أنْتُمْ، وَبَقِيَتْ حَيَّةً؟ أمْ هَلْ حَاوَلَ إلَهٌ آخَرُ أنْ يَذْهَبَ لِيَأْخُذَ أُمَّةً مِنْ وَسَطِ أُمَّةٍ أُخْرَى بِتَحَدِّيَاتٍ وَآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَحَربٍ، بِيَدٍ جَبَّارَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، كَمَا عَمِلَ فِي مِصْرٍ لِأجْلِكُمْ وَأمَامَ عُيُونَكُمْ؟ «قَدْ أُظْهِرَتْ لَكُمْ هَذِهِ الأُمُورُ لِتَعْرِفُوا أنَّ يهوه هُوَ اللهُ الحَقِيقِيُّ، وَلَا أحَدَ سِوَاهُ. وَقَدْ أسمَعَكُمْ صَوْتَهُ مِنَ السَّمَاءِ لِيُعَلِّمَكُمْ، وَأرَاكُمْ نَارَهُ العَظِيمَةَ عَلَى الأرْضِ، وَسَمِعْتُمْ كَلَامَهُ مِنْ وَسْطِ النَّارِ. وَلِأنَّهُ قَدْ أحَبَّ آبَاءَكُمْ، وَاخْتَارَ نَسْلَهُمْ مِنْ بَعدِهِمْ، أخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرٍ بِنَفْسِهِ وَبِقُوَّتِهِ العَظِيمَةِ، لِيَطْرُدَ مِنْ أمَامِكُمْ أُمَمًا أعْظَمَ مِنْكُمْ وَأقوَى، وَيُعطِيَكُمْ أرْضَهُمْ مِيرَاثًا لَكُمْ، كَمَا حَدَثَ فِي هَذَا اليَوْمِ. «فَاعلَمُوا وَتَذَكَّرُوا أنَّ يهوه هُوَ اللهُ الحَقِيقِيُّ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوقُ، وَعَلَى الأرْضِ مَنْ تَحْتُ، وَلَيْسَتْ هُنَاكَ آلِهَةٌ سِوَاهُ. فَاحفَظُوا شَرَائِعَهُ وَوَصَايَاهُ الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ لِتَنْجَحُوا أنْتُمْ وَنَسْلُكُمْ مِنْ بَعدِكُمْ، وَتَسْكُنُوا مُدَّةً طَوِيلَةً عَلَى الأرْضِ الَّتِي سَيُعْطِيهَا لَكُمْ إلَى الأبَدِ.» وَاخْتَارَ مُوسَى ثَلَاثَ مُدُنٍ فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، لِيَهْرُبَ إلَيْهَا مَنْ يَقْتُلُ بِغَيرِ قَصْدٍ، وَدُونَ أنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ سَابِقِةٌ. فَيُمكِنُ لِهَذَا الشَّخصِ أنْ يَهْرُبَ إلَى إحْدَى تِلْكَ المُدُنِ وَيَبْقَى حَيًّا. فَاخْتَارَ مُوسَى مَدِينَةَ بَاصَرَ فِي السُّهُولِ المُرْتَفِعَةِ الَّتِي لِلرَأُوبَيْنِيِّينَ، وَرَامُوثَ فِي جِلعَادَ فِي مِنْطَقَةِ الجَادِيِّينَ، وَجُولَانَ فِي بَاشَانَ فِي مِنْطَقَةِ المَنَسِّيِّينَ. هَذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ الَّتِي أعْطَاهَا مُوسَى لِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَهَذِهِ هِيَ الأحكَامُ وَالشَّرَائِعُ وَالفَرَائِضُ الَّتِي كَلَّمَ مُوسَى بِهَا بَنِي إسْرَائِيلَ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرٍ، وَهُمْ فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأردُنِ، فِي الوَادِي القَرِيبِ مِنْ بَيْتِ فَغُورَ، فِي أرْضِ سِيحُونَ مَلِكِ الأمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ يَحْكُمُ مَدِينَةَ حَشبُونَ. وَقَدْ هَزَمَهُ مُوسَى وَبَنُو إسْرَائِيلَ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرٍ. وَأخَذَ بَنُو إسْرَائِيلَ أرْضَهُ وَأرْضَ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ، مَلِكَيِّ الأمُورِيِّينَ اللَّذَيْنِ كَانَا مُقِيمَينِ فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأردُنِّ. وَكَانَتْ هَذِهِ الأرْضُ تَمْتَدُّ مِنْ عَرُوعِيرَ عَلَى حَافَّةِ وَادِي أرنُونَ إلَى جَبَلِ سِيئونَ – أيْ جَبَلِ حَرمُونَ – مَعَ كُلِّ وَادِي الأُرْدُنِّ شَرقِيِّ النَّهرِ وَحَتَّى بَحْرِ عَرَبَةَ جَنُوبًا عِنْدَ سُفُوحِ جَبَلِ الفِسجَةِ. وَدَعَا مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ لِلِاجْتِمَاعِ وَقَالَ لَهُمْ: «اسْتَمِعُوا يَا بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى هَذِهِ الشَّرَائِعِ وَالفَرَائِضِ الَّتِي أُعلِنُهَا لَكُمُ اليَوْمَ. تَعَلَّمُوهَا وَاحْرِصُوا عَلَى أنْ تُطِيعُوهَا. قَطَعَ عَهْدًا مَعَنَا فِي جَبَلِ حُورِيبَ. لَمْ يَقْطَعِ اللهُ مَعَ آبَائِنَا هَذَا العَهْدَ، لَكِنَّهُ قَطَعَهُ مَعنَا نَحْنُ جَمِيعَ الأحيَاءِ هُنَا اليَوْمَ. إذْ تَكَلَّمَ اللهُ مَعَكُمْ مُبَاشَرَةً عَلَى الجَبَلِ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. وَكُنْتُ أقِفُ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لِأُعلِنَ لَكُمْ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، لِأنَّكُمْ كُنْتُمْ خَائِفِينَ مِنَ النَّارِ، فَلَمْ تَصْعَدُوا إلَى الجَبَلِ. فَقَالَ اللهُ : «أنَا الَّذِي أخْرَجَكَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ. «لَا تَعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى مَعِي. «لَا تَصْنَعْ لِنَفْسِكَ تِمثَالًا بِأيِّ شَكلٍ مِمَّا فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ فَوقُ، أوْ عَلَى الأرْضِ مِنْ تَحْتُ، أوْ فِي المَاءِ مِنْ تَحْتِ الأرْضِ. لَا تَسْجُدَ لَهَا أوْ تَعْبُدَهَا، لِأنِّي أنَا إلَهٌ غَيُّورٌ. أحْسِبُ خَطَايَا الآبَاءِ فِي أوْلَادِهِمْ وَأحْفَادِهِمْ وَأوْلَادِ أحْفَادِهِمْ مِنَ الَّذِينَ يُبغِضُونَنِي. لَكِنِّي أُحسِنُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَنِي وَيَحْفَظُونَ وَصَايَايَ إلَى الجِيلِ الألفِ. «لَا تَنْطِقْ بِاسْمِ عَبَثًا، لِأنَّ اللهَ لَنْ يُبَرِّئَ مَنْ يَنْطِقُ بِاسْمِهِ عَبَثًا. «تَنَبَّهْ لِيَوْمِ السَّبْتِ وَخَصِّصْهُ للهِ كَمَا أمَرَكَ . تَعْمَلُ سِتَّةَ أيَّامٍ تُنهِي فيهَا مَا عَلَيْكَ مِنْ أعْمَالٍ. وَأمَّا اليَوْمُ السَّابِعُ فَهُوَ سَبْتٌ، أيْ رَاحَةٌ، إكْرَامًا . فَلَا تَعْمَلْ أيَّ عَمَلٍ فِيهِ، لَا أنْتَ وَلَا ابْنُكَ وَلَا ابْنَتُكَ وَلَا عَبْدُكَ وَلَا جَارِيَتُكَ، وَلَا ثَورُكَ وَلَا حِمَارُكَ وَلَا جَمِيعُ حَيَوَانَاتِكَ، وَلَا الغَرِيبُ المُقِيمُ فِي مُدُنِكَ. فَلِيَسْتَرِحْ عَبدُكَ وَجَارِيَتُكَ مِثْلَكَ.» تَذَكَّر أنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أرْضِ مِصْرٍ، وَأنَّ أخرَجَكَ مِنْ هُنَاكَ بِيَدِهِ الجَبَّارَةِ وَذِرَاعِهِ المَمدُودَةِ. لِهَذَا السَّبَبِ أمَرَكَ أنْ تَحْفَظَ يَوْمَ السَّبْتِ. «أكرِمْ أبَاكَ وَأُمَّكَ كَمَا أمَرَكَ ، لِكَي يَطُولَ عُمْرُكَ، وَتَكُونَ مُوفَّقًا عَلَى الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكَ. «لَا تَقْتُلْ. «لَا تَزْنِ. «لَا تَسْرِقْ. «لَا تَشْهَدْ عَلَى صَاحِبِكَ زُورًا. «لَا تَشْتَهِ زَوْجَةَ صَاحِبِكَ. لَا تَشْتَهِ بَيْتَهُ أوْ حَقلَهُ أوْ عَبدَهُ أوْ جَارِيَتَهُ أوْ ثَورَهُ أوْ حِمَارَهُ، أوْ أيَّ شَيءٍ يَخُصُّ صَاحِبَكَ.» وَقَالَ مُوسَى: «هَذِهِ هِيَ الوَصَايَا الَّتِي أعلَنَهَا اللهُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ لِكُلِّ جَمَاعَتِكُمْ عِنْدَ الجَبَلِ مِنْ وَسَطِ النَّارِ وَالسَّحَابَةِ وَالضَّبَابِ الكَثِيفِ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا آخَرَ. وَقَدْ كَتَبَهَا عَلَى لَوحَينِ مِنْ حَجَرٍ وَأعْطَاهُمَا لِي. «فَلَمَّا سَمِعْتُمُ الصَّوتَ مِنْ وَسْطِ الظُّلمَةِ، حِينَ كَانَ الجَبَلُ مُشتَعِلًا بِالنَّارِ، أتَى إلَيَّ كُلُّ رُؤَسَاءِ قَبَائِلِكُمْ وَقَادَتُكُمْ وَقَالُوا لِي: ‹هَا إنَّ قَدْ أظْهَرَ لَنَا مَجْدَهُ وَعَظَمَتَهُ، وَقَدْ سَمِعْنَا صَوْتَهُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ، وَرَأينَا اليَوْمَ أنَّ اللهَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُكَلِّمَ إنْسَانًا وَيَبْقَى ذَاكَ الإنْسَانُ حَيًّا! لَكِنْ لِمَاذَا نُخَاطِرُ بِالمَوْتِ الآنَ؟ فَهَذِهِ النَّارُ العَظِيمَةُ سَتُهلِكُنَا، وَإنْ سَمِعْنَا صَوْتَ إلَهِنَا أكْثَرَ فَإنَّنَا سَنَمُوتُ. إذْ هَلْ سَبَقَ أنْ سَمِعَ إنْسَانٌ صَوْتَ اللهِ الحَيِّ مِنْ وَسَطِ النَّارِ مِثْلَنَا وَبَقِيَ حَيًّا؟ فَتَقَدَّمْ أنْتَ يَا مُوسَى وَاستَمِعْ لِكُلِّ مَا سَيَقُولُهُ إلَهُنَا ، ثُمَّ أخبِرنَا أنْتَ بِمَا يَقُولُهُ لَكَ، وَنَحْنُ سَنَسمَعُ وَنَعمَلُ.› «فَسَمِعَ اللهُ كَلَامَكُمْ الَّذِي قُلْتُمُوهُ، وَقَالَ لِي: ‹سَمِعْتُ الكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ الشَّعْبُ لَكَ، وَكُلُّ مَا قَالُوهُ جَيِّدٌ. فَلَعَلَّهُمْ يَهَابُونَنِي وَيَحْفَظُونَ وَصَايَايَ دَائِمًا، لِيَكُونَ لَهُمْ وَلِنَسْلِهِمْ خَيْرٌ إلَى الأبَدِ. «‹اذْهَبْ وَقُلْ لَهُمْ: عُودُوا إلَى خِيَامِكُمْ. وَأمَّا أنْتَ يَا مُوسَى، فَامْكُثْ هُنَا مَعِي، وَسَأُخبِرُكَ بِكُلِّ الوَصَايَا وَالشَّرَائِعِ وَالفَرَائِضِ الَّتِي يَنْبَغِي أنْ تَحْفَظَهَا، فَيَعْمَلُوا بِهَا فِي الأرْضِ الَّتِي سَأُعْطِيهَا لَهُمْ لِيَمْتَلِكُوهَا.› «فَاحْرِصُوا عَلَى أنْ تَعْمَلُوا كَمَا يُوصِيكُمْ ، وَلَا تُهمِلُوا أيَّةَ وَصِيَّةٍ. وَاعْمَلُوا جَمِيعَ مَا أمَرَكُمْ بِهِ لِتَحْيَوْا، وَيَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَطُولُ أعْمَارُكُمْ فِي الأرْضِ الَّتِي سَتَمْتَلِكُونَهَا.» «وَهَذِهِ هِيَ الوَصَايَا وَالشَّرَائِعُ وَالفَرَائِضُ الَّتِي أمَرَنِي بِأنْ أُعَلِّمَكُمْ إيَّاهَا، لِتَعْمَلُوا بِهَا فِي الأرْضِ الَّتِي أنْتُمْ عَابِرُونَ إلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا. فَهَكَذَا تَهَابُونَ بِإطَاعَةِ كُلِّ شَرَائِعِهِ وَوَصَايَاهُ الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا أنْتُمْ وَبَنُوكُمْ وَأحفَادُكُمْ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِكُمْ، فَتَعِيشُوا حَيَاةً طَوِيلَةً. اسْمَعْ يَا إسْرَائِيلَ، وَاحرِصْ عَلَى إطَاعَةِ هَذِهِ الشَّرَائِعِ، فَتَنْجَحَ وَتَتَكَاثَرَ فِي الأرْضِ، إذْ وَعَدَ اللهُ ، إلهَ آبَائِكُمْ، بِأنْ يُعطِيَكُمُ أرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. «اسْمَعْ يَا إسْرَائِيلَ، يهوه هُوَ إلَهُنَا، يهوه وَحْدَهُ. فَتُحِبَّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَبِكُلِّ نَفْسِكَ، وَبِكُلِّ قُوَّتِكَ. تَذَكَّرُوا دَائِمًا هَذِهِ الوَصَايَا الَّتِي أُعْطِيهَا لَكُمُ اليَوْمَ. عَلِّمُوهَا لِأوْلَادِكُمْ، تَكَلَّمُوا عَنْهَا فِي بُيُوتِكُمْ وَخَارِجَ بُيوتِكُمْ، وَحِينَ تَنَامُونَ، وَحِينَ تَنْهَضُونَ. اكتُبُوهَا وَاربِطُوهَا عَلَامَةً عَلَى أيدِيكُمْ، وَالبَسُوهَا كَعُصَابَةٍ عَلَى جِبَاهِكُمْ. اكتُبُوهَا عَلَى دَعَائِمِ أبوَابِ بُيُوتِكُمْ وَبَوَّابَاتِ مَدِينَتِكُمْ. «وَحِينَ يُحضِرُكُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي أقْسَمَ لِآبَائِكُمْ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأنْ يُعْطِيَهَا لَكُمْ، الَّتِي فِيهَا مُدُنٌ عَظِيمَةٌ جَمِيلَةٌ لَمْ تَبْنُوهَا، وَبُيُوتٌ تَمْتَلِئُ بِخَيرَاتٍ كَثِيرَةٍ لَمْ تَملأُوهَا أنْتُمْ، وَآبَارٌ لَمْ تَحْفُرُوهَا، وَكُرُومُ عِنَبٍ وَبَسَاتِينُ زَيْتُونٍ لَمْ تَزْرَعُوهَا، وَحِينَ تَأْكُلُونَ وَتَشْبَعُونَ مِنْهَا، لَا تَنْسَوْا اللهَ الَّذِي أخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي العُبُودِيَّةِ. «يَنْبَغِي أنْ تَخَافُوا ، وَأنْ تَسْجُدُوا لَهُ وَحْدَهُ، وَأنْ لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاسْمِهِ. لَا تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّتِي مِنْ حَوْلِكُمْ، لِأنَّ السَّاكِنَ فِي وَسَطِكُمْ إلَهٌ غَيُّورٌ. فَاحْرِصُوا عَلَى أنْ لَا يَغْضَبَ عَلَيْكُمْ فَيُفنِيَكُمْ مِنْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ. «لَا تَمْتَحِنُوا ، كَمَا امْتَحَنْتُمُوهُ فِي مَسَّةَ. بَلِ احفَظُوا وَصَايَا وَأحكَامَهُ وَشَرَائِعَهُ الَّتِي أوصَاكُمْ بِهَا، وَاعْمَلُوا الصَّلَاحَ أمَامَ اللهِ لِتَنْجَحُوا وَتَدْخُلُوا وَتَمْتَلِكُوا الأرْضَ الجَيِّدَةَ الَّتِي أقْسَمَ اللهُ لِآبَائِكُمْ بِأنْ يُعْطِيَهَا لَكُمْ، بَعْدَ أنْ يَطْرَدَ أعْدَاءَكُمْ مِنْ أمَامِكُمْ، بِحَسَبِ مَا وَعَدَكُمْ اللهُ . «وَفِي المُسْتَقْبَلِ، حِينَ يَسألُكَ ابْنُكَ: ‹مَا مَعنَى الأحكَامِ وَالشَّرَائِعِ وَالفَرَائِضِ الَّتِي أوصَاكُمْ بِهَا؟› قُلْ لَهُ: ‹كُنَّا عَبِيدًا لِمَلِكِ مِصْرٍ، لَكِنَّ اللهَ أخرَجَنَا مِنْهَا بِقُوَّتِهِ العَظِيمَةِ. وَعَمِلَ اللهُ أمَامَ عُيُونِنَا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ عَظِيمَةً وَرَهِيبَةً ضِدَّ مِصْرٍ وَمَلِكِهَا وَكُلِّ أهْلِ بَيْتِهِ. وَأخرَجَنَا مِنْ هُنَاكَ لِيُحْضِرَنَا إلَى الأرْضِ الَّتِي أقْسَمَ لِآبَائِنَا أنْ يُعْطِيَهَا لَنَا. فَأوصَانَا اللهُ أنْ نُطِيعَ كُلَّ هَذِهِ الشَّرَائِعِ وَأنْ نَهَابَ . كُلُّ هَذَا لِخَيرِنَا دَائِمًا، وَلِكَي يَحْفَظَنَا أحيَاءً، كَمَا هُوَ الحَالُ الآنَ. وَسَنُحسَبُ أبْرَارًا إنْ حَرِصنَا عَلَى إطَاعَةِ جَمِيعِ هَذِهِ الوَصَايَا كَمَا أمَرَنَا .›» «وَحِينَ يُحضِرُكُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي سَتَدْخُلُونَهَا لِتَمْتَلِكُوهَا، وَيَطْرُدُ أُمَمًا كَثِيرَةً مِنْ أمَامِكُمْ: الحِثِّيِّينَ وَالجِرجَاشِيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالكَنعَانِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ، سَبْعَ أُمَمٍ أعْظَمَ وَأقوَى مِنْكُمْ. وَحِينَ يُعطِيكُمْ إيَّاهُمْ وَتَهْزِمُوهُمْ، اقْضُوا عَلَيْهِمْ تَمَامًا. لَا تَقْطَعُوا مَعهُمْ عَهْدًا، وَلَا تَرْحَمُوهُمْ. لَا تُصَاهِرُوهُمْ، فَلَا تُعطُوا بَنَاتِكُمْ لِأبنَائِهِمْ، وَلَا تَأْخُذُوا بَنَاتِهُمْ لِأبنَائِكُمْ. فَهُمْ سَيُبعِدُونَ أبْنَاءَكُمْ عَنِّي لِكَي يَخْدِمُوا آلِهَةً أُخْرَى. وَهَكَذَا يَغْضَبُ اللهُ عَلَيْكُمْ وَيُهلِكُكُمْ سَرِيعًا. «هَذَا مَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَلُوهُ بِتِلْكَ الأُمَمِ: اهدِمُوا مَذَابِحَهُمْ، وَحَطِّمُوا أنْصَابَهُمُ التَّذْكَارِيَّةَ، وَاقطَعُوا أعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا، وَأحْرِقُوا أصْنَامَهُمْ. لِأنَّكُمْ شَعْبٌ مُخَصَّصٌ لِإلَهِكُمْ . اخْتَارَكُمُ مِنْ بَيْنِ كُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي عَلَى وَجْهِ الأرْضِ، لِتَكُونُوا شَعْبَهُ الثَّمِينَ. وَلَيْسَ لِأنَّكُمْ أكبَرُ الشُّعُوبِ أحَبَّكُمُ اللهُ وَاخْتَارَكُمْ، فَأنْتُمْ أصغَرُ الشُّعُوبِ. لَكِنْ بِسَبَبِ مَحَبَّةِ اللهِ لَكُمْ. وَلِأنَّهُ حَفِظَ قَسَمَهُ وَوَعْدَهُ لِآبَائِكُمْ، أخْرَجَكُمْ بِقُوَّتِهِ العَظِيمَةِ مِنْ مِصْرٍ وَحَرَّرَكُمْ مِنْ عُبُودِيَّةِ مَلِكِهَا فِرعَوْنَ. «وَتَذَكَّرُوا أنَّ هُوَ اللهُ الأمِينُ الَّذِي يَحْفَظُ عَهْدَهُ وَأمَانَتَهُ هِيَ لِألفِ جِيلٍ لِلَّذِينَ يُحَبُّونَهُ وَيَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ. لَكِنَّهُ يُعَاقِبُ الَّذِينَ يُبغِضُونَهُ وَجْهًا لِوَجْهٍ. لَا يَتَرَدَّدُ فِي أنْ يُدَمِّرَهُمْ، بَلْ يُعَاقِبُ الَّذِينَ يُبغِضُونَهُ. فَاحفَظُوا الوَصَايَا وَالشَّرَائِعَ وَالفَرَائِضَ الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ لِتَعْمَلُوهَا. «فَإنْ أطَعتُمْ هَذِهِ الفَرَائِضَ وَحَرِصْتُمْ عَلَى العَمَلِ بِهَا، فَإنَّ سَيَحْفَظُ عَهْدَ مَحَبَّتِهِ الَّذِي أقْسَمَ بِهِ لِآبَائِكُمْ. وَسَيُحِبُّكُمْ وَيُبَارِكُكُمْ وَيَزِيدُ عَدَدَكُمْ، إذْ سَيُعطِيكُمْ أوْلَادًا كَثِيرِينَ. سَيُبَارِكُ حُقُولَكُمْ بِمَحَاصِيلَ جَيِّدَةٍ. سَيُعطِيكُمْ قَمْحًا وَنَبِيذًا وَزَيْتًا. سَيُبَارِكُ أبْقَارَكُمْ فَتُنْجِبَ عُجُولًا، وَغَنَمَكُمْ فَتُنْجِبَ حِملَانًا. سَيُعطِيكُمْ كُلَّ هَذِهِ البَرَكَاتِ فِي الأرْضِ الَّتِي أقْسَمَ لِآبَائِكُمْ أنْ يُعْطِيهَا لَكُمْ. «سَتُبَارَكُونَ أكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الأُخرَى، فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ عُقْمٌ فِي ذُكُورِكُمْ أوْ إنَاثِكُمْ، وَلَا فِي ذُكُورِ وَإنَاثِ حَيَوَانَاتِكُمْ. سَيُبعِدُ اللهُ كُلَّ الأمْرَاضِ عَنْكُمْ. وَلَنْ يَجْلِبَ عَلَيْكُمْ أيًّا مِنْ أمرَاضِ مِصْرٍ الفَظِيعَةِ الَّتِي تَعْرِفُونَهَا، لَكِنَّهُ سَيَجْلِبُهَا عَلَى الَّذِينَ يَكْرَهُونَكُمْ. فَافْنُوا جَمِيعَ الشُّعُوبِ الَّتِي سَيُخضِعُهَا لَكُمْ . لَا تُشفِقُوا عَلَيْهِمْ وَلَا تَعْبُدُوا آلِهَتَهُمْ، لِأنَّهَا سَتَكُونُ فَخًّا لَكُمْ. «تَقُولُونَ فِي نُفُوسِكُمْ: ‹هَذِهِ الأُمَمُ أعْظَمُ مِنَّا، فَكَيْفَ لَنَا أنْ نَطرُدَهُمْ؟› لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ، بَلْ تَذَكَّرُوا مَا عَمِلَهُ بِمَلِكِ مِصْرٍ وَبِكُلِّ شَعْبِهَا. وَتَذَكَّرُوا الكَوَارِثَ العَظِيمَةَ وَالآيَاتِ وَالعَجَائِبَ الَّتِي عَمِلَهَا ، وَتَذَكَّرُوا القُوَّةَ وَالسُّلطَانَ العَظِيمَينِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا أخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرٍ. سَيَعْمَلُ الأمْرَ ذَاتَهُ بِكُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي تَخَافُونَ مِنْهَا. «كَمَا أنَّ سَيُرسِلُ الدَّبَابِيرَ عَلَيْهِمْ إلَى أنْ يَمُوتَ النَّاجُونَ مِنْهُمْ وَالمُختَبِئُونَ. لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ، لِأنَّ مَعكُمْ، وَهُوَ إلَهٌ عَظِيمٌ وَرَهِيبٌ يَخَافُهُ النَّاسُ. سَيَطْرُدُ هَذِهِ الشُّعُوبَ مِنْ أمَامِكُمْ شَيْئًا فَشَيئًا. لَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَقْضُوا عَلَيْهِمْ بِسُرعَةٍ. لِأنَّهُ إنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، فَإنَّ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةَ سَتَكْثُرُ جَدًّا عَلَيْكُمْ. سَيَضَعُ هَذِهِ الشُّعُوبَ فِي أيدِيكُمْ، وَسَيُرعِبهُمْ إلَى أنْ يَهْلِكُوا. سَيَضَعُ مُلُوكَهُمْ فِي أيدِيكُمْ فَتَقْتُلُوهُمْ وَيُنسَى ذِكْرُهُمْ. وَلَنْ يَسْتَطِيعَ أحَدٌ أنْ يُوقِفَكُمْ إلَى أنْ تَهْلِكُوهُمْ جَمِيعًا. «أحرِقُوا أصْنَامَهُمْ بِالنَّارِ. وَلَا تَشْتَهُوا مَا عَلَيْهَا مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ. وَلَا تَأْخُذُوا مِنْهَا لِأنفُسِكُمْ، فَإنَّهَا سَتَكُونُ فَخًّا لَكُمْ. يُبغِضُ الأصْنَامَ. لَا تَجْلِبُوا أيًّا مِنْ هَذِهِ الِأصْنَامِ إلَى بُيُوتِكُمْ، وَإلَّا فَإنَّكُمْ سَتَهْلِكُونَ مِثْلَهُمْ تَمَامًا، بَلِ أبْغَضُوا هَذِهِ الأصْنَامَ بُغضًا شَدِيدًا، وَحَطِّمُوهَا تَحْطيمًا. «فَاحْرِصُوا عَلَى إطَاعَةِ كُلِّ الوَصَايَا الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ، لِتَحْيَوْا وَتَزدَادُوا وَتَدْخُلُوا وَتَمْتَلِكُوا الأرْضَ الَّتِي أقْسَمَ اللهُ بِأنْ يُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ. وَتَذَكَّرُوا كَيْفَ قَادَكُمْ فِي كُلِّ الرِّحلَةِ طِيلَةَ الأرْبَعِينَ سَنَةً المَاضِيَةَ فِي الصَّحرَاءِ لِيَضْغَطَ عَلَيْكُمْ وَيَمْتَحِنَكُمْ، فَيَعْرِفَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ أمْ لَا. فَأدْخَلَكُمْ فِي ضِيقٍ وَأجَاعَكُمْ، ثُمَّ أطعَمَكُمُ المَنَّ الَّذِي لَمْ تَكُونُوا تَعْرِفُونَهُ لَا أنْتُمْ وَلَا آبَاؤكُمْ. لَعَلَّكُمْ تَفْهَمُونَ أنَّ الإنْسَانَ لَا يَعِيشُ عَلَى الخُبْزِ وَحْدَهُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ . ثِيَابُكُمُ الَّتِي تَرْتَدُونَهَا لَمْ تَهْتَرئْ، وَأرجُلُكُمْ لَمْ تَتَوَرَّمْ طِيلَةَ هَذِهِ الأرْبَعِينَ سَنَةً. فَلْتُدْرِكْ قُلُوبُكُمْ أنَّ يُؤَدِّبُكُمْ كَمَا يؤدِّبُ الأبُ ابْنَهُ. «فَأطِيعُوا وَصَايَا بَاتِّبَاعِهِ وَإكْرَامِهِ وَمَهَابَتِهِ. لِأنَّ سَيُحضِرُكُمْ إلَى أرْضٍ طَيِّبَةٍ، فِيهَا جَدَاوِلُ وَيَنَابِيعُ وَعُيُونُ مَاءٍ تَتَدَفَّقُ فِي الأودِيَةِ وَفِي التِّلَالِ. إلَى أرْضِ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَكُرُومِ عِنَبٍ وَأشْجَارِ تِينٍ وَرُمَّانٍ وَزَيْتُونٍ وَعَسَلٍ. إلَى أرْضٍ لَا يَقِلُّ فِيهَا طَعَامُكُمْ، وَلَا يَنْقُصُكُمْ شَيءٌ. أرْضٍ صُخُورُهَا مِنْ حَدِيدٍ، وَمِنْ تِلَالِهَا تَسْتَخْرِجُونَ نُحُاسًا. فَتَأْكُلُونَ وَتَشْبَعُونَ وَتَحْمَدُونَ بِسَبَبِ الأرْضِ الَّتِي أعْطَاهَا لَكُمْ. «فَاحْرِصُوا عَلَى أنْ لَا تَنْسَوْا ، بِأنْ تَتَرَاجَعُوا عَنْ حِفْظِ وَصَايَاهُ وَشَرَائِعِهِ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أُوصِيكُمُ اليَوْمَ بِهَا. وَحِينَ تَأْكُلُونَ وَتَشْبَعُونَ وَتَبْنُونَ بُيُوتًا جَمِيلَةً لِتَسْكُنُوا فِيهَا، وَتَزدَادُ أبْقَارُكُمْ وَأغْنَامُكُمْ، وَتَكْثُرُ فِضَّتُكُمْ وَذَهَبُكُمْ، وَيَزدَادُ كُلُّ مَا هُوَ لَكُمْ. حِينَئِذٍ، لَا تَتَكَبَّرُوا، فَتَنْسَوْا الَّذِي أخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِ العُبُودِيَّةِ مِصْرٍ، وَقَادَكُمْ فِي تِلْكَ الصَّحْرَاءِ الكَبَيرَةِ الفَظِيعَةِ المُرعِبَةِ المَلِيئَةِ بِالثَّعَابِينِ السَّامَّةِ وَالعَقَارِبِ. فِي الأرْضِ الجَافَّةِ الَّتِي تَخْلُو مِنَ المَاءِ. فَهُوَ الَّذِي أخْرَجَ المَاءَ مِنَ الصَّخرِ القَاسِي لِأجْلِكُمْ. هُوَ مَنْ أطعَمَكُمُ المَنَّ فِي الصَّحرَاءِ، الَّذِي لَمْ يَكُنْ آبَاؤكُمْ يَعْرِفُونَهُ. وَذَلِكَ لِيَضْغَطَ عَلَيْكُمْ وَيَمْتَحِنَكُمْ، كَي تَنْجَحُوا وَتَزْدَهِرُوا فِي النَّهَايَةِ. «وَاحذَرُوا مِنْ أنْ تَقُولُوا: ‹قُوَّتُنَا وَقُدرَتُنَا جَمَعَتَا لَنَا هَذِهِ الثَّروَةَ.› وَلَكِنْ تَذَكَّرُوا أنَّ هُوَ مَنْ يُعطِيكُمُ القُوَّةَ لِلحُصُولِ عَلَى الثَّروَةِ، حِفَاظًا عَلَى العَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ آبَائِكُمْ كَمَا هُوَ فَاعِلٌ اليَوْمَ. «أمَّا إنْ نَسِيتُمْ ، وَتَبِعتُمْ آلِهِةً أُخْرَى وَعَبَدْتُمُوهَا وَسَجَدْتُمْ لَهَا، فَإنِّي أُحَذِّرُكُمُ اليَوْمَ مِنْ أنَّكُمْ سَتَهْلِكُونَ لَا مَحَالَةَ. كَالأُمُمِ الَّتِي سَيُهلِكُهَا اللهُ أمَامَكُمْ عِنْدَ دُخُولِكُمُ الأرْضَ، هَكَذَا أنْتُمْ سَتَهْلِكُونَ، لِأنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُوا . «اسْتَمِعُوا يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، سَتَعْبُرُونَ اليَوْمَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِتَدْخُلُوا وَتَطْرُدُوا أُمَمًا أعْظَمَ وَأقوَى مِنْكُمْ، لَهَا مُدُنٌ ذَاتُ أسوَارٍ مُرْتَفِعَةٍ تَصِلُ السَّمَاءَ، يَسْكُنُهَا شَعْبٌ عَظِيمٌ وَطَوِيلُ القَامَةِ، وَهُمُ العَنَاقِيُّونَ، الَّذِينَ عَرَفْتُمْ عَنْهُمْ وَسَمِعتُمُ الآخَرِينَ يَقُولُونَ: ‹مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُقَاوِمَ العَنَاقِيِّينَ؟› فَاعلَمُوا اليَوْمَ أنَّ هُوَ مَنْ سَيَعْبُرُ نَهْرَ الأُرْدُنِّ أمَامَكُمْ كَنَارٍ مُلتَهِمَةٍ. وَسَيُهلِكُهُمْ وَيَهْزِمُهُمْ بَيْنَمَا أنْتُمْ تَتَقَدَّمُونَ، فَتَطْرُدُونَهُمْ وَتُفنُونَهُمْ سَرِيعًا كَمَا وَعَدَكُمُ اللهُ تَمَامًا. «وَحِينَ يَطْرُدُهُمْ مِنْ أمَامِكُمْ، لَا تَقُولُوا فِي نُفُوسِكُمْ: ‹لِأنَّنَا صَالِحُون، أدخَلَنَا اللهُ لِنَمتَلِكَ هَذِهِ الأرْضَ.› بَلْ سَيَطْرُدُ اللهُ تِلْكَ الأُمَمَ مِنْ أمَامِكُمْ لِأنَّهُمْ أشرَارٌ. وَسَتَدْخُلُونَ لِامتِلَاكِ أرْضِهِمْ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِفَضْلِ بِرِّكُمْ وَاسْتِقَامَةِ قُلُوبِكُمْ، إنَّمَا سَيَطْرُدُهُمْ مِنْ أمَامِكُمْ بِسَبَبِ شَرِّهِمْ، حِفَاظًا عَلَى الوَعدِ الَّذِي أقْسَمَ اللهُ بِهِ لِآبَائِكُمْ إبرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. فَاعلَمُوا أنَّ لَنْ يُعْطِيَكُمُ الأرْضَ لِتَمْتَلِكُوهَا بِفَضْلِ بِرِّكُمْ، فَأنْتُمْ شَعْبٌ عَنِيدٌ وَمُتَمَرِّدٌ. «اذكُرُوا وَلَا تَنْسَوْا أنَّكُمْ أغضَبتُمْ فِي الصَّحْرَاءِ، فَقَدْ رَفَضتُمْ أنْ تُطِيعُوهُ وَتَمَرَّدْتُمْ عَلَى اللهِ مِنْ يَوْمِ مُغَادَرَتِكُمْ لِأرضِ مِصْرٍ إلَى أنْ أتَيْتُمْ لِهَذَا المَكَانِ. أثَرْتُمْ غَضَبَ اللهِ فِي جَبَلِ حُورِيبَ. حَتَّى أوْشَكَ اللهُ فِي غَضَبِهِ الشَّدِيدِ أنْ يُفنِيَكُمْ. فَحِينَ صَعِدتُ إلَى الجَبَلِ لِأَخْذِ لَوحَي حَجَرِ العَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ اللهُ مَعكُمْ، بَقِيتُ عَلَى الجَبَلِ مُدَّةَ أرْبَعِينَ يَومًا وَأرْبَعِينَ لَيلَةً، لَمْ آكُلْ فِيهَا خُبْزًا وَلَمْ أشرَبْ مَاءً. وَأعطَانِي اللهُ اللَّوْحَيْنِ الحَجَرِيَّينِ اللَّذَيْنِ نُقِشَا بِإصْبَعِ اللهِ ، وَعَلَيْهِمَا جَمِيعُ الكَلِمَاتِ الَّتِي تكَلَّمَ بِهَا اللهُ لَكُمْ مِنْ وَسَطِ النَّارِ، يَوْمَ اجتَمَعتُمْ هُنَاكَ. «وَفِي نِهَايَةِ الأرْبَعِينَ يَومًا وَالأرْبَعِينَ لَيلَةً، أعطَانِي اللهُ لَوحَي حَجَرِ العَهْدِ، ثُمَّ قَالَ لِيَ اللهُ : ‹قُمْ وَانْزِلْ مِنْ هُنَا بِسُرعَةٍ لِأنَّ شَعْبَكَ الَّذِي أخرَجتُهُ مِنْ مِصْرٍ قَدْ أفسَدُوا أنْفُسَهُمْ، فَقَدِ ابْتَعَدُوا سَرِيعًا عَنْ وَصَايَايَ، فَصَنَعُوا لِأنْفُسِهِمْ صَنَمًا.› ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: ‹قَدْ رَاقَبتُ هَذَا الشَّعْبَ، فَوَجَدتُ أنَّهُ شَعْبٌ عَنِيدٌ. دَعْنِي الآنَ فَأقْضِيَ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَعُودُ أحَدٌ يَتَذَكَّرُهُمْ. وَأجعَلُكَ أُمَّةً أقوَى وَأكثَرَ عَدَدًا مِنْهُمْ.›» «حِينَئِذٍ، نَزَلتُ مِنَ الجَبَلِ، وَقَدْ كَانَ مُشتَعِلًا بِالنَّارِ، وَكَانَ لَوحَا العَهْدِ فِي يَدَيَّ. وَنَظَرتُ وَإذَا بِكُمْ قَدْ أخطَأتُمْ إلَى ، وَسَبَكْتُمْ لِأنفُسِكُمْ صَنَمًا عَلَى شَكْلِ عِجلٍ، وَابْتَعَدتُمْ سَرِيعًا عَمَّا أوصَاكُمْ بِهِ اللهُ . فَأمسَكْتُ بِاللَّوحَينِ وَرَمَيتُهُمَا مِنْ يَدَيَّ، وَحَطَّمتُهُمَا أمَامَ أعيُنِكُمْ. ثُمَّ عُدُّتُ وَانْبَطَحْتُ ثَانِيَةً وَوَجْهِي إلَى الأرْضِ فِي حَضْرَةِ اللهِ لِأرْبَعِينَ يَومًا وَأرْبَعِينَ لَيلَةً، لَمْ آكُلْ فِيهَا خُبْزًا وَلَمْ أشرَبْ مَاءً، بِسَبَبِ الخَطِيَّةِ الَّتِي ارتَكَبتُمُوهَا بِعِبَادَةِ آلِهَةٍ أُخْرَى أمَامَ عَينَي اللهِ ، فَأغضَبتُمُوهُ. كُنْتُ خَائِفًا مِنْ غَضَبِ اللهِ وَسَخَطِهِ، إذْ كَانَ غَاضِبًا جِدًّا عَلَيْكُمْ حَتَّى أوشَكَ أنْ يُهلِكَكُمْ، لَكِنَّ اللهَ أصغَى إلَيَّ فِي تِلْكَ المَرَّةِ أيْضًا. كَمَا غَضِبَ اللهُ عَلَى هَرُونَ بِمَا يَكْفِي لِيُهلِكَهُ، فَصَلَّيتُ مِنْ أجْلِهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. «ثُمَّ أخَذْتُ العِجلَ النَّجِسَ الَّذِي صَنَعتُمُوهُ، وَأحرَقْتُهُ بِالنَّارِ، وَحَطَّمتُهُ وَطَحَنتُهُ حَتَّى صَارَ نَاعِمًا كَالغُبَارِ، ثُمَّ ألقَيتُ بِغُبَارِهِ فِي الجَدوَلِ المُنحَدِرِ مِنَ الجَبَلِ. وَأيْضًا فِي تَبْعِيرَةَ وَمَسَّةَ وَقَبْرُوتَ هَتَّأوَةَ أغضَبتُمُ اللهَ . وَعِنْدَمَا أرسَلَكُمْ اللهُ مِنْ قَادِشَ بَرْنِيعَ وَقَالَ لَكُمْ: ‹اذْهَبُوا وَامتَلِكُوا الأرْضَ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لَكُمْ.› عَصَيْتُمْ أمْرَ ، وَلَمْ تَثِقُوا بِهِ وَلَمْ تُطِيعُوهُ. فَأنْتُمْ تَرْفُضُونَ إطَاعَةَ اللهِ وَتَتَمَرَّدُونَ عَلَيْهِ مُنْذُ عَرَفْتُكُمْ. «فَانْبَطَحْتُ وَوَجْهِي إلَى الأرْضِ فِي حَضْرَةِ اللهِ أرْبَعِينَ يَومًا وَأرْبَعِينَ لَيلَةً، لِأنَّ اللهَ أعْلَنَ أنَّهُ سَيُهلِكُكُمْ. وَصَلَّيتُ إلَى اللهِ وَقُلْتُ: يَا ، لَا تُهلِكْ شَعْبَكَ الَّذِي هُوَ لَكَ، وَقَدْ فَدَيتَهُ بِقُوَّتِكَ العَظِيمَةِ، وَأخرَجتَهُ مِنْ مِصْرٍ بِيَدِكَ الجَبَّارَةِ. اذكُرْ خُدَّامَكَ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَتَغَاضَ عَنْ عِنَادِ الشَّعْبِ وَشَرِّهِ وَخَطِيَّتِهِ، لِكَي لَا يَقُولَ المِصْرِيُّونَ: ‹لِأنَّ يهوه لَمْ يَسْتَطِعْ إحضَارَهُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا، وَلِأنَّهُ يَكْرَهُهُمْ، أخرَجَهُمْ لِيَقْتُلَهُمْ فِي الصَّحرَاءِ.› إنَّهُمْ شَعْبُكَ وَمُلكُكَ الَّذِي أخرَجْتَهُ بِقُوَّتِكَ وَقُدرَتِكَ العَظِيمَتَيْنِ.» «وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، قَالَ اللهُ لِي: ‹انحَتْ لَوحَينِ مِنْ حَجَرٍ مَثلَ اللَّوْحَيْنِ الأوَّلَينِ، وَاصعَدْ إلَيَّ إلَى الجَبَلِ. اصنَعْ لَكَ صُنْدُوقًا مِنْ خَشَبٍ، وَسَأكتُبُ عَلَى اللَّوحَينِ الوَصَايَا الَّتِي كَانَتْ عَلَى اللَّوحَينِ الأوَّلَينِ اللَّذَيْنِ حَطَّمتَهُمَا. ثُمَّ ضَعِ اللَّوحَينِ فِي الصُّنْدُوقِ.› «فَصَنَعتُ الصُّنْدُوقَ مِنْ خَشَبِ السَّنطِ. وَنَحَتُّ لَوحَينِ حَجَرِيَّينِ مِثْلَ اللَّوحَينِ الأوَّلَينِ. ثُمَّ صَعِدْتُ إلَى الجَبَلِ وَاللَّوحَانِ فِي يَدَيَّ. وَكَتَبَ اللهُ عَلَى اللَّوحَينِ مَا كَانَ قَدْ كَتَبَهُ عَلَى اللَّوحَينِ الأوَّلَينِ. أيْ الوَصَايَا العَشَرَ الَّتِي تَكَلَّمَ اللهُ بِهَا إلَيكُمْ عَلَى الجَبَلِ مِنْ وَسَطِ النَّارِ يَوْمَ اجتَمَعتُمْ هُنَاكَ، وَقَدْ أعْطَاهَا لِي. حِينَئِذٍ، نَزَلتُ مِنَ الجَبَلِ وَوَضَعْتُ اللَّوحَينِ فِي الصُّنْدُوقِ الَّذِي صَنَعتُهُ، وَقَدْ بَقِيَا هُنَاكَ كَمَا أوصَانِي اللهُ .» ثُمَّ ارتَحَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ آبَارِ اليَعقَانِيِّينَ إلَى مُوسِيرَ، حَيْثُ مَاتَ هَرُونُ وَدُفِنَ هُنَاكَ. فَصَارَ ألِعَازَرُ ابْنُهُ كَاهِنًا مَكَانَهُ. وَمِنْ هُنَاكَ ارتَحَلُوا إلَى الجِدْجُودِ، وَمِنْهَا إلَى يُطبَاتَ، وَهُوَ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بِكَثْرَةِ يَنَابِيعِ المَاءِ. «فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، عَيَّنَ اللهُ قَبِيلَةَ لَاوِي لِحَمْلِ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ ، وَلِيَمْثُلُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ لِيَخْدِمُوهُ، وَلِيُبَارِكُوا الشَّعْبَ بِاسْمِ اللهِ ، كَمَا يَفْعَلُونَ حَتَّى اليَوْمِ. لِهَذَا لَا تَمْلِكُ قَبِيلَةُ لَاوِي حِصَّةً مِنَ الأرْضِ كَالقَبَائِلِ الأُخرَى، لِأنَّ اللهَ هُوَ حِصَّتُهَا كَمَا وَعَدَ لَاوِي. «وَأمَّا أنَا فَقَدْ بَقِيتُ عَلَى الجَبَلِ أرْبَعِينَ نَهَارًا وَأرْبَعِينَ لَيلَةً كَالمَرَّةِ الأُولَى، وَقَدِ استَمَعَ اللهُ لِي ثَانِيَةً فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، فَمَا أهْلَكَكُمْ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: ‹قُمْ وَاذْهَبْ وَارتَحِلْ أمَامَ الشَّعْبِ، لِيَدْخُلُوا وَيَمْتَلِكُوا الأرْضَ الَّتِي أقْسَمْتُ لِآبَائِكُمْ بِأنْ أُعْطِيَهَا لَهُمْ.› «وَالْآنَ يَا إسْرَائِيلُ، مَا الَّذِي يَطْلُبُهُ مِنْكَ؟ أنْ تَتَّقِيَ ، وَأنْ تَحيَا بِحَسَبِ كَلَامِهِ، وَأنْ تُحِبَّهُ، وَتَخْدِمَ اللهَ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَنَفْسِكَ. وَأنْ تَحْفَظَ شَرَائِعَ وَوَصَايَاهُ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكَ اليَوْمَ لِخَيرِكَ. «فَمَعَ أنَّ السَّمَاوَاتِ وَأعَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَكُلَّ مَا فِيهَا ، فَقَدْ أحَبَّ اللهُ آبَاءَكُمْ بِشَكلٍ خَاصٍّ. وَاخْتَارَكُمْ، أنْتُمْ نَسْلَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ، لِتَكُونُوا شَعْبَهُ. وَمَا زِلْتُمْ كَذَلِكَ إلَى اليَوْمِ. فَلتَتَطَهَّرْ قُلُوبُكُمْ، وَلَا تُعَانِدُوا بَعْدُ. لِأنَّ هُوَ إلَهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الأرِبَابِ. الإلَهُ المُنتَصِرُ الرَّهِيبُ، وَهُوَ لَا يَتَحَيَّزُ وَلَا يأخُذُ رِشْوَةً. يَضْمَنُ العَدْلَ لِليَتَامَى وَالأرَامِلِ، وَيُحِبُّ الغَرِيبَ وَيُعطِيهِ طَعَامًا وَثِيَابًا. «فَأحِبُّوا أنْتُمْ أيْضًا الغَرِيبَ لِأنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أرْضِ مِصْرٍ. هَابُوا وَاعبُدُوهُ. تَمَسَّكُوا بِهِ وَحْدَهُ، وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاسْمِهِ. هُوَ تَسْبِيحُكُمْ، وَهُوَ إلَهُكُمْ الَّذِي صَنَعَ لِأجْلِكُمْ جَمِيعَ هَذِهِ الأشْيَاءِ العَظِيمَةِ وَالرَّهِيبَةِ الَّتِي رَأيْتُمُوهَا بَعُيُونِكُمْ. فَعِنْدَمَا نَزَلَ آبَاؤكُمْ إلَى مِصْرٍ، كَانُوا سَبعِينَ شَخْصًا فَقَطْ، لَكِنْ كَثَّرَكُمْ مِثْلَ نُجُومِ السَّمَاءِ. «فَأحِبُّوا ، وَاحْفَظُوا أوَامِرَهُ وَشَرَائِعَهُ وَفَرَائِضَهُ وَوَصَايَاهُ دَائِمًا. وَافهَمُوا اليَوْمَ أنَّ كَلَامِي هَذَا لَيْسَ لِأوْلَادِكُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا وَلَمْ يَرَوْا تَأْدِيبَ وَعَظَمَتَهُ وَقُوَّتَهُ العَظِيمَةَ وَآيَاتِهِ وَأعْمَالَهُ الَّتِي عَمِلَهَا فِي مِصْرٍ بِفِرْعَونَ مَلِكِ مِصْرٍ وَبِكُلِّ أرْضِهَا، وَمَا عَمِلَهُ بِجَيْشِ مِصْرٍ وَخُيُولِهِ وَمَرْكَبَاتِهِ، وَكَيْفَ أنَّهُ جَعَلَ مِيَاهَ البَحْرِ الأحْمَرِ تَغْمُرُهُمْ وَهُمْ يُلَاحِقُونَكُمْ، فَأهْلَكَهُمُ اللهُ تَمَامًا إلَى هَذَا اليَوْمِ، وَمَا عَمِلَهُ لَكُمْ فِي الصَّحرَاءِ إلَى أنْ أتَيْتُمْ إلَى هَذَا المَكَانِ، وَمَا عَمِلَهُ بَدَاثَانَ وَأبِيرَامَ ابْنَي ألِيآبَ الرَأُوبَيْنِيَّ، حِينَ فَتَحَتِ الأرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتهُمْ مَعَ عَائِلَاتِهِمْ وَخِيَامِهِمْ وَكُلِّ حَيَوَانٍ كَانَ يَتْبَعُهُمْ فِي وَسَطِ كُلِّ إسْرَائِيلَ، بَلْ كَلَامِي هُوَ لَكُمْ أنْتُمُ الَّذِينَ رَأيْتُمْ كُلَّ الأعْمَالِ العَظِيمَةِ الَّتِي عَمِلَهَا اللهُ . «فَاحفَظُوا كُلَّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكُمُ اليَوْمَ، لِتَكُونُوا أقوِيَاءَ وَتَدْخُلُوا لِامتِلَاكِ الأرْضِ الَّتِي أنْتُمْ عَابِرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ إلَيْهَا، وَلِكَي تَحْيَوْا طَوِيلًا عَلَى الأرْضِ الَّتِي أقْسَمَ اللهُ لِآبَائِكُمْ بِأنْ يُعطِيَهَا لَهُمْ وَلِأحفَادِهِمْ، أرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. لِأنَّ الأرْضَ الَّتِي سَتَدْخُلُونَ لِامتَلَاكِهَا لَيْسَتْ كَأرْضِ مِصْرٍ الَّتِي تَرَكْتُمُوهَا، حَيْثُ كُنْتُمْ فِي مِصْرٍ تَزْرَعُونَ البُذُورَ وَتَرْوُونَهَا بِأرجُلِكُمْ كَبُستَانِ خَضرَاوَاتٍ. لَكِنَّ الأرْضَ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ النَّهرَ لَامتِلَاكِهَا أرْضُ جِبَالٍ وَأودِيَةٍ، تُروَى بِمَطَرِ السَّمَاءِ. أرْضٌ يَعْتَنِي بِهَا . عَينَا عَلَيْهَا دَائِمًا، مِنْ بِدَايَةِ السَّنَةِ إلَى نِهَايَتِهَا. «فَإنْ أطَعتُمْ بِحِرصٍ وَصَايَايَ الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ، وَأحبَبْتُمْ اللهَ وَخَدَمْتُمُوهُ بِكُلِّ قُلُوبِكِمْ وَبِكُلِّ نُفُوسِكُمْ، فَإنِّي سَأُعْطِي مَطَرًا لِأرْضِكُمْ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ. وَسَأُعْطِي لَهَا مَطَرَ الخَرِيفِ وَمَطَرَ الرَّبِيعِ. وَسَتَجْمَعُونَ قَمْحَكُمْ وَنَبِيذَكُمُ الجَدِيدَ وَزَيْتَكُمْ. وَسَيُنبِتُ عُشْبًا فِي حُقُولِكُمْ لِحَيَوَانَاتِكُمْ، وَسَيَكُونُ لَدَيْكُمْ طَعَامٌ وَفِيرٌ. «لَكِنِ احْرِصُوا عَلَى أنْ لَا يَخْدَعَكُمْ أحَدٌ، فَتَبْتَعِدُوا وَتَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى وَتَسْجُدُوا لَهَا. إذْ سَيَغْضَبُ اللهُ عَلَيْكُمْ، وَسَيُغلِقُ السَّمَاءَ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ مَطَرٌ، وَلَنْ تُنبِتَ الأرْضُ مَحَاصِيلَهَا، وَسَتَمُوتُونَ سَرِيعًا فِي الأرْضِ الجَيِّدَةِ الَّتِي يُعْطِيهَا اللهُ لَكُمْ. «فَضَعُوا كَلِمَاتِي فِي قُلُوبِكُمْ وَفِي نُفُوسِكُمْ. اربُطُوهَا عَلَى أيدِيكُمْ كَعَلَامَةٍ لِتَذْكِيرِكُمْ، وَاعْصِبُوا بِهَا جِبَاهَكُمْ. عَلِّمُوهَا لِأوْلَادِكُمْ وَتَكَلَّمُوا بِهَا حِينَ تَجْلِسُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، وَحِينَ تَسِيرُونَ فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُونَ، وَحِينَ تَقُومُونَ. اكتُبُوهَا عَلَى قَوَائِمِ بُيُوتِكُمْ وَبَوَّابَاتِ مُدُنِكُمْ، لِكَي تَحْيَوْا أنْتُمْ وَأوْلَادُكُمْ زَمَنًا طَوِيلًا عَلَى الأرْضِ الَّتِي أقْسَمَ اللهُ لِآبَائِكُمْ بِأنْ يُعطِيَهَا لَهُمْ، مَا دَامَتِ السَّمَاءُ فَوْقَ الأرْضِ. «إنْ حَفِظْتُمْ كُلَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا لِتَعْمَلُوهَا بِحِرصٍ، وَأحبَبتُمْ ، وَعِشتُمْ بِحَسَبِ كَلَامِهِ، وَبَقَيتُمْ أُمَنَاءَ لَهُ، فَإنَّ اللهَ سَيَطْرُدُ جَمِيعَ هَذِهِ الأُمَمِ مِنْ أمَامِكُمْ. فَتَطْرُدُونَ أُمَمًا أعْظَمَ وَأقوَى مِنْكُمْ وَتَمْتَلِكُونَ أرْضَهُمْ. كُلُّ مَكَانٍ تَسِيرُ عَلَيْهِ أقْدَامُكُمْ يَكُونُ لَكُمْ. فَيَكُونُ امتِدَادُ أرْضِكُمْ مِنَ الصَّحرَاءِ جَنُوبًا إلَى لُبْنَانَ شِمَالًا، وَمِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ شَرقًا إلَى البَحْرِ الغَربِيِّ. وَلَنْ يَسْتَطِيعَ أحَدٌ أنْ يَقِفَ ضِدَّكُمْ، لِأنَّ سَيَجْعَلُ النَّاسَ يَخَافُونَكُمْ فِي كُلِّ الأرْضِ حَيْثُمَا ذَهَبتُمْ، كَمَا وَعَدَكُمْ. «سَأُعْطِيكُمُ اليَوْمَ أنْ تَختَارُوا بَيْنَ البَرَكَةِ وَاللَّعنَةِ. البَرَكَةُ لَكُمْ إنْ أطَعتُمْ وَصَايَا الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ، وَاللَّعنَةُ لَكُمْ إنْ لَمْ تَطِيعُوا وَصَايَا وَلَمْ تَعِيشُوا بِحَسَبِ مَا أُوْصِيكُمْ بِهِ اليَوْمَ، بِسَيرِكُمْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا مِنْ قَبْلُ. «فَعِنْدَمَا يُدْخِلُكُمْ إلَى الأرْضِ لِتَمْتَلِكُوهَا، أعلِنُوا البَرَكَةَ مِنْ فَوْقِ جَبَلِ جِرِزِّيمَ، وَاللَّعنَةَ مِنْ فَوْقِ جَبَلِ عِيبَالَ، الجَبَلَينِ اللَّذَيْنِ عَلَى الضِّفَّةِ الغَربِيَّةِ لِنَهْرِ الأُرْدُنِّ، فِي أرْضِ الكَنعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ وَادِي الأردُنِّ قُرْبَ مَدِينَةِ الجِلجَالِ، بِجَانِبِ شَجَرَةِ البَلُّوطِ فِي مُورَةَ. فَسَتَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِتَدْخُلُوا وَتَمْتَلِكُوا الأرْضَ الَّتِي سَيُعْطِيهَا لَكُمْ. وَحِينَ تَمْتَلِكُونَهَا وَتَسْكُنُونَ فِيهَا، أطِيعُوا جَمِيعَ الشَّرَائِعِ وَالفَرَائِضِ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكُمْ. «هَذِهِ هِيَ الشَّرَائِعُ وَالفَرَائِضُ الَّتِي تَحْرِصُونَ عَلَى العَمَلِ بِهَا فِي الأرْضِ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ إلَهُ آبَائِكُمْ لَكُمْ لِتَمْتَلِكُوهَا. فأطِيعُوهَا مَا دُمتُمْ تَسْكُنُونَ هَذِهِ الأرْضَ. وَحِينَ تَطْرُدُونَ هِذِهِ الأُمَمَ، دَمِّرُوا جَمِيعَ أمَاكِنِ العِبَادَةِ الَّتِي عَبَدُوا فِيهَا آلِهَتَهُمْ تَدْمِيرًا كَامِلًا. سَوَاءٌ أكَانَتْ عَلَى الجِبَالِ المُرْتَفِعَةِ أمْ عَلَى التِّلَالِ أمْ تَحْتَ الأشْجَارِ الخَضْرَاءِ. اهدِمُوا مَذَابِحَهُمْ، وَحَطِّمُوا أنْصَابَهُمُ التَّذْكَارِيَّةَ، وَأحْرِقُوا أعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا، وَحَطِّمُوا تَمَاثِيلَ آلِهَتِهِمْ، وَلْتُمحَ أسْمَاؤهُمْ مِنْ ذَلِكَ المَكَانِ. «وَلَا تَعْبُدُوا بِتِلْكَ الطَّرِيقَةِ. بَلِ اذْهَبُوا إلَى المَكَانِ الَّذِي سَيَخْتَارُهُ لَكُمْ مِنْ بَيْنِ القَبَائِلِ، حَيْثُ سَيَضَعُ اسْمَهُ وَيَسْكُنُ. تَعَالَوْا إلَى ذَلِكَ المَكَانِ بِذَبَائِحِكُمْ وَعُشُورِ مَحَاصِيلِكُمْ وَحَيَوَانَاتِكُمْ وَتَقْدِمَاتِكُمُ المَرْفُوعَةِ، وَأيَّةِ تَقْدِمَةٍ نَذَرتُمْ تَقْدِيمَهَا، وَتَقْدِمَاتِكُمُ الِاختِيَارِيَّةِ، وَأبْكَارِ بَقَرِكُمْ وَغَنَمِكُمْ. فَتَأْكُلُونَ هُنَاكَ فِي حَضْرَةِ ، وَسَتَفْرَحُونَ فَرَحًا بِكُلِّ مَا عَمِلَتْهُ أيدِيكُمْ أنْتُمْ وَعَائِلَاتُكُمْ، لِأنَّ قَدْ بَارَكَكُمْ. «فَلَا تَعُودُوا تَسْلُكُونَ كَمَا نَسْلُكُ الآنَ، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى هَوَاهُ! لِأنَّكُمْ لَمْ تَأْتُوا بَعْدُ إلَى مَكَانِ الرَّاحَةِ وَالأرْضِ الَّتِي سَيُعْطِيهَا لَكُمْ. لَكِنَّكُمْ سَتَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ قَرِيبًا، وَسَتَكُونُونَ فِي الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ، فَيُعطِيكُمْ رَاحَةً مِنْ أعْدَائِكُمْ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ، وَتَعِيشُونَ بِأمَانٍ. فَاحمِلُوا كُلَّ مَا آمُرُكُمْ بِهِ إلَى المَكَانِ الَّذِي يَختَارُهُ لِيُسكِنَ اسْمَهُ فِيهِ. احمِلُوا ذَبَائِحَكُمُ الصَّاعِدَةَ وَتَقْدِمَاتِكُمْ وَعُشُورَ مَحَاصِيلِكُمْ وَحَيَوَانَاتِكُمْ وَتَقْدِمَاتِكُمْ الِاخْتِيَارِيَّةَ وَالأشْيَاءَ الثَّمينَةَ الَّتِي نَذَرتُمُوهَا للهِ. «افرَحُوا فِي حَضْرَةِ ، أنْتُمْ وَأبنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَعَبِيدُكُمْ وَإمَاؤُكُمْ وَاللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ فِي مُدُنِكُمْ، لِأنَّ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي الأرْضِ بَيْنَكُمْ. احْرِصُوا عَلَى ألَّا تُقَدِّمُوا تِقْدِمَاتِكُمُ الصَّاعِدَةَ فِي أيِّ مَكَانٍ تَرَوْنَهُ، بَلْ قَدِّمُوهَا فِي المَكَانِ الَّذِي يَختَارُهُ اللهُ فِي أرْضِ إحْدَى قَبَائِلِكُمْ. فَاعمَلُوا هُنَاكَ كُلَّ مَا آمُرُكُمْ بِهِ. «وَحِينَ تَرْغَبُونَ، يُمكِنُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا وَتَأْكُلُوا لَحْمًا فِي كُلِّ مُدُنِكُمْ حَسَبَ مَا أعطَاكُمْ . إذْ يُمْكِنُ لِلطَّاهِرِينَ مَنكُمْ وَغَيرِ الطَّاهِرِينَ أنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ كَمَا يأكُلُونَ الغَزَالَ أوِ الإيَّلَ. لَكِنْ لَا تَأْكُلُوا الدَّمَ، بَلِ اسْكُبُوهُ عَلَى الأرْضِ كَالمَاءِ. «لَا تَأْكُلُوا فِي مُدُنِكُمْ عُشُورَ قَمْحِكُمْ وَنَبِيذِكُمُ وَزَيْتِكُمْ، وَلَا أبْكَارَ بَقَرِكُمْ أوْ غَنَمِكُمْ، وَكُلَّ الأشْيَاءِ الَّتِي نَذَرتُمْ بِهَا، وَتَقْدِمَاتِكُمُ الِاخْتِيَارِيَّةَ وتَبَرُّعَاتِكُمْ. فَلَا تَأْكُلُوا هَذِهِ التَّقدِمَاتِ إلَّا فِي حَضْرَةِ ، فِي المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ ، فَتَأْكُلُونَ أنْتُمْ وَأبنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَعَبِيدُكُمْ وَإمَاؤُكُمْ وَاللَّاوِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِكُمْ، وَتَسْتَمْتِعُونَ فِي حَضْرَةِ بِكُلِّ الأشْيَاءِ الصَّالِحَةِ الَّتِي عَمِلتُمْ فِيهَا. «احْرِصُوا عَلَى عَدَمِ إهمَالِ اللَّاوِيِّينَ مَا دُمتُمْ تَسْكُنُونَ الأرْضَ. وَإذَا وَسَّعَ أرْضَكُمْ كَمَا وَعَدَكُمْ، وَرَغِبتُمْ فِي أكلِ اللَّحمِ، وَقُلْتُمْ: ‹سَنَأكُلُ بَعْضَ اللَّحمِ،› فَإنَّهُ يُمكِنُكُمْ أنْ تَأْكُلُوا لَحْمًا بِقَدْرِ مَا تُرِيدُونَ. وَإنْ كَانَ المَكَانُ الَّذِي يَختَارُهُ لِيَضَعَ فِيهِ اسْمَهُ بَعِيدًا عَنْكُمْ، فَإنَّهُ يُمكِنُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا مِنْ أبْقَارِكُمْ وَغَنَمِكُمُ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لَكُمْ، كَمَا أمَرتُكُمْ، وَيُمكِنُكُمْ أنْ تَأْكُلُوا قَدْرَ مَا تُرِيدُونَ فِي مُدُنِكُمْ. كُلُوهُ كَمَا تَأْكُلُونَ الغَزَالَ أوِ الإيَّلَ. وَيَأْكُلُ مِنْهُ الطَّاهِرُونَ وَغَيرُ الطَّاهِرِينَ. «احْرَصُوا عَلَى أنْ لَا تَأْكُلُوا الدَّمَ، لِأنَّ فِيهِ الحَيَاةَ. فَلَا تأكُلُوا الحَيَاةَ مَعَ اللَّحمِ. لَا تأكُلُوا الدَّمَ، بَلِ اسْكُبُوهُ عَلَى الأرْضِ كَالمَاءِ. لَا تَأْكُلُوهُ، لِيَكُونَ لَكُمْ وَلِأوْلَادِكُمْ خَيْرٌ. افْعَلُوا مَا يَرَاهُ اللهُ صَلَاحًا وحَقًّا. «أمَّا تَقْدِمَاتُكُمُ المُقَدَّسَةُ وَتَقْدِمَاتُ نُذُورِكُمْ، فَخُذُوهَا إلَى المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ اللهُ ، وَقَدِّمُوا تِقْدِمَاتِكُمُ الصَّاعِدَةَ: اللَّحمَ وَالدَّمَ، عَلَى مَذْبَحِ . وَأمَّا دَمُ ذَبَائِحِكُمُ الأُخرَى فَيَنْبَغِي أنْ يُسفَكَ أيْضًا عَلَى مَذْبَحِ . وَلَكِنْ يُمكِنُكُمْ أنْ تَأْكُلُوا اللَّحمَ. فَاحْرِصُوا عَلَى إطَاعَةِ جَمِيعِ هَذِهِ الوَصَايَا الَّتِي أُعْطِيهَا لَكُمُ اليَوْمَ، لِيَكُونَ لَكُمْ وَلِأوْلَادِكُمْ خَيْرٌ إلَى الأبَدِ، لِأنَّكُمْ عَمِلتُمْ الصَّلَاحَ وَالحَقَّ أمَامَ . «وَمَتَى أهْلَكَ أمَامَكُمُ الأُمَمَ الَّتِي سَتَدْخُلُونَ لِتَطْرُدُوهَا، وَحِينَ تَطْرُدُونَهَا وَتَسْكُنُونَ فِي أرْضِهِمْ، احذَرُوا مِنْ أنْ تَقَعُوا فِي فَخِّ تَقْلِيدِ أعْمَالِهِمْ مِنْ بَعدِ هَلَاكِهِمْ أمَامَكُمْ. احذَرُوا أنْ تَسألُوا عَنْ آلِهَتِهِمْ: ‹كَيْفَ عَبَدَتْ هَذِهِ الأُمَمُ آلِهَتَهَا؟ لِكَي نَعْمَلَ نَحْنُ أيْضًا مِثْلَهُمْ!› فَلَا تَعْبُدُوا يهوه إلَهَكُمْ بِطُرُقِهِمْ، فَهُمْ يَعْمَلُونَ لِآلِهَتِهِمْ مَا يُبْغِضُهُ يهوه، إذْ يُحْرِقُونَ حَتَّى أبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ فِي النَّارِ كَقَرَابِينَ لِآلِهَتِهِمْ. فَاحْرِصُوا عَلَى تَطبِيقِ جَمِيعِ مَا أُوْصِيكُمْ بِهِ. لَا تُضِيفُوا إلَيْهِ، وَلَا تَحْذِفُوا مِنْهُ. «إنْ ظَهَرَ بَيْنَكُمْ نَبِيٌّ أوْ شَخْصٌ يُخبِرُ بِالمُسْتَقْبَلِ عَنْ طَرِيقِ الأحْلَامِ، وَقَدَّمَ لَكُمْ آيَةً أوْ أُعجُوبَةً، فَتَحَقَّقَتْ هَذِهِ الآيَةُ أوِ الأُعجُوبَةُ، وَقَالَ لَكُمْ: ‹لِنَذهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَا تَعْرِفُونَهَا،› وَقَالَ أيْضًا: ‹لِنَعبُدْ هَذِهِ الآلِهَةَ،› فَلَا تَسْتَمِعُوا لِكَلَامِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أوْ ذَلِكَ العَرَّافِ، لِأنَّ يَمْتَحِنُكُمْ لِيَرى أنَّكُمْ تُحِبُّونَهَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَبِكُلِّ نُفُوسِكُمْ. «اتْبَعُوا وَهَابُوهُ وَاحْفَظُوا وَصَايَاهُ وَأطِيعُوهُ وَاعْبُدُوهُ وَظَلُّوا أوْفِيَاءَ لَهُ. وَأمَّا ذَلِكَ النَّبِيُّ أوِ الشَّخصُ الَّذِي يُخبِرُ بِالمُسْتَقْبَلِ عَنْ طَرِيقِ الأحْلَامِ، فَيَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ لِأنَّهُ دَفَعَكُمْ لِعِصيَانِ الَّذِي أخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ وَحَرَّرَكُمْ مِنَ العُبُودِيَّةِ. فَقَدْ حَاوَلَ أنْ يُبعِدَكُمْ عَنِ الحَيَاةِ الَّتِي أوصَاكُمْ إلَهُكُمْ أنْ تَحْيُوهَا، فَاقتُلُوهُ وَأزِيلُوا الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكُمْ. «وَإنْ أغرَاكَ أخُوكَ ابْنُ أبِيكَ وَأُمِّكَ، أوِ ابْنُكَ أوِ ابْنَتُكَ، أوْ زَوْجَتُكَ الَّتِي تُحِبُّهَا، أوْ صَدِيقُكَ الحَمِيمُ، فَقَالَ لَكَ أحَدُهُمْ بِالسِّرِّ: ‹لِنَذهَبْ لِعِبَادَةِ آلِهَةٍ أُخْرَى،› وَهِيَ آلِهَةٌ لَمْ تَعْرِفْهَا أنْتَ أوْ آبَاؤكَ، مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ المُحِيطَةِ، سَوَاءٌ أكَانُوا القَرِيبِينَ مِنْكَ أمِ البَعِيدِينَ عَنْكَ، فِي أيِّ مَكَانٍ عَلَى الأرْضِ. فَلَا تَسْتَجِبْ لَهُمْ، وَلَا تَسْتَمِعْ إلَيْهِمْ، وَلَا تَشْفِقْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَرْحَمْهُمْ، وَلَا تَحْمِهِمْ. لَا بُدَّ مِنْ أنْ تَقْتُلَهُمْ! كُنْ أوَّلَ مَنْ يَبْدَأُ بِرَجمِهِمْ، ثُمَّ لِيَشْتَرِكْ جَمِيعُ الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ. ارجُمْهُمْ بِالحِجَارَةِ حَتَّى المَوْتِ، لِأنَّهُمْ حَاوَلُوا أنْ يُبْعِدُوكَ عَنْ الَّذِي أخرَجَكَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، مِنَ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ. حِينَئِذٍ، سَيَسْمَعُ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَيَخَافُونَ. وَلَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَ هَذَا الشَّرِّ ثَانِيَةً. «سَتَسْمَعُونَ خَبَرًا عَنْ إحْدَى مُدُنِكُمُ الَّتِي سَيُعْطِيهَا لَكُمْ لِتَسْكُنُوا فِيهَا، أنَّ رِجَالًا أشرَارًا خَرَجُوا مِنْ وَسَطِكُمْ، وَقَادُوا سُكَّانَ مَدِينَتِهِمْ إلَى الضَّلَالِ، وَقَالُوا: ‹لِنَذهَبْ وَنَعبُدْ آلِهَةً أُخْرَى،› وَهِيَ آلِهَةٌ لَمْ تَعْرِفُوهَا قَبلًا. فَافْحَصُوا الأمْرَ جَيِّدًا، وَإنْ تَأكَّدَ أنَّ ذَلِكَ الشَّرَّ قَدْ حَدَثَ فِي وَسَطِكُمْ، اقْتُلُوا سُكَّانَ تِلْكَ المَدِينَةِ بِالسَّيْفِ، وَدَمِّرُوا تِلْكَ المَدِينَةَ وَكُلَّ مَا فِيهَا تَدْمِيرًا، وَاقْتُلُوا كُلَّ حَيَوَانَاتِهَا بِالسَّيْفِ. «اجمَعُوا كُلَّ الأشْيَاءِ النَّفِيسَةِ الَّتِي فِيهَا إلَى وَسَطِ سَاحَتِهَا العَامَّةِ، وَأحرِقُوا المَدِينَةَ وَكُلَّ الأشْيَاءِ النَّفِيسَةِ بِالنَّارِ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً كَامِلَةً . وَيَنْبَغِي أنْ تَبْقَى تِلْكَ المَدِينَةُ كَومَةَ صُخُورٍ إلَى الأبَدِ، وَلَا يُعَادَ بِنَاؤُهَا. فَلَا تَأْخُذُوا شَيْئًا مِمِّا أُعْطِيَ للهِ لِيُدَمَّرَ وَيُتلَفَ بِالْكَامِلِ كَي لَا يَبْقَى اللهُ غَاضِبًا، وَلِكَي يَرْحَمَكُمْ وَيَتَلَطَّفَ عَلَيْكُمْ، فَتَكْثُرُونَ كَمَا أقْسَمَ اللهُ لِآبَائِكُمْ. سَيَعْمَلُ اللهُ هَذَا إنْ أطَعتُمُوهُ وَحَفِظْتُمْ كُلَّ وَصَايَاهُ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكُمُ اليَوْمَ، وَعَمِلتُمْ مَا يَرَاهُ صَحِيحًا وَحَقًّا. «أنْتُمْ أوْلَادٌ ، فَلَا تُجَرِّحُوا أنْفُسَكُمْ، وَلَا تَحْلِقُوا الشَّعرَ الَّذِي فَوْقَ جِبَاهِكُمْ حُزْنًا عَلَى المَوْتَى، لِأنَّكُمْ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ وَخَاصٌّ ، وَقَدِ اخْتَارَكُمْ اللهُ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ شُعُوبِ الأرْضِ لِتَكُونُوا شَعْبَهُ الخَاصَّ. «لَا تَأْكُلُوا شَيْئًا مَكرُوهًا. وَهَذِهِ هِيَ الحَيَوَانَاتُ الَّتِي يُمكِنُكُمْ أنْ تَأْكُلُوهَا: البَقَرَ وَالغَنَمَ وَالمَاعِزَ وَالغَزَالَ وَالإيَّلَ وَالغَزَالَ الأبْيَضَ وَالمَاعِزَ البَرِّيَّ وَالوَعلَ وَالبَقَرَ الوَحشِيَّ وَمَاعِزَ الجِبَالِ. يُمكِنُكُمْ أنْ تَأْكُلُوا أيَّ حَيَوَانٍ يَجْتَرُّ وَحَافِرُهُ مَشقُوقٌ إلَى قِسْمَينِ. لَكِنْ مِنَ الحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَجْتَرُّ أوْ لَهَا حَافِرٌ مَشقُوقٌ، لَا تَأْكُلُوا الجَمَلَ وَالأرنَبَ وَالوَبَارَ، لِأنَّهَا تَجْتَرُّ وَلَكِنَّ حَافِرَهَا غَيْرُ مَشقُوقٍ فَهِيَ نَجِسَةٌ لَكُمْ. لَا تَأْكُلُوا لَحْمَ الخِنزِيرِ. فَحَافِرُهُ مَشقُوقٌ، لَكِنَّهُ لَا يَجْتَرُّ. لَا تَأْكُلُوا مِنْ لَحْمِهِ وَلَا تَلْمِسُوا جُثَّتَهُ المَيِّتَةَ لِأنَّهَا نَجِسَةٌ لَكُمْ. «أمَّا مِنْ كُلِّ الكَائِنَاتِ الَّتِي فِي المَاءِ، فَيُمكِنُكُمْ أنْ تَأْكُلُوا كُلَّ مَا لَهُ زَعَانِفُ وَحَرَاشِفُ. وَلَكِنْ كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ زَعَانِفُ أوْ حَرَاشِفُ فَلَا يَجُوزُ لَكُمْ أنْ تَأْكُلُوهُ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. «يُمكِنُكُمْ أكلُ أيِّ طَائِرٍ طَاهِرٍ. أمَّا الطُّيُورُ الَّتِي لَا يَنْبَغِي أنْ تَأْكُلُوهَا فَهِيَ النَّسرُ وَالأنُوقُ وَالعُقَابُ، وَالحِدَأةُ وَالشَّاهِينُ وَكُلُّ أنْوَاعِ الصُّقُورِ، وَكُلُّ أنْوَاعِ الغِربَانِ، وَالنَّعَامُ وَالخُطَّافُ وَالنَّورَسُ وَكُلُّ أنْوَاعِ البَازِ، وَالبُومُ وَالكُرْكِيُّ وَالبَجَعُ، وَالقُوقُ وَالرَّخَمُ وَالغَوَّاصُ، وَاللَّقْلَقُ وَمَالِكُ الحَزِينُ بِأنْوَاعِهِ وَالهُدهُدُ وَالخُفَّاشُ. وَكُلُّ الحَشَرَاتِ ذَوَاتِ الأجنِحَةِ نَجِسَةٌ فَلَا تَأْكُلُوهَا. وَأمَّا كُلُّ طَائِرٍ طَاهِرٍ فَيُمكِنُكُمْ أكلُهُ. «لَا تَأْكُلُوا أيَّ حَيَوَانٍ مَاتَ مِيتَةً طَبِيعِيَّةً، بَلْ أعطُوهَا لَلغَرِيبِ السَّاكِنِ فِي مُدُنِكُمْ فَيَأْكُلَهُ. أوْ بيعُوهُ لِأيِّ غَرِيبٍ يَزُورُ أرْضَكُمْ، لِأنَّكُمْ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ وَخَاصٌّ . وَلَا تَطْبُخُوا جِديًا بِحَلِيبِ أُمِّهِ. «ضَعُوا جَانِبًا عُشْرَ كُلِّ مَحَاصِيلِكُمُ الَّتِي تَنْبُتُ فِي الأرْضِ كُلَّ سَنَةٍ. وَكُلُوا عُشْرَ قَمْحِكُمْ وَنَبِيذِكُمُ وَزَيْتِكُمْ، وَأبْكَارِ بَقَرِكُمْ وَغَنَمِكُمْ فِي حَضْرَةِ ، وَفِي المَكَانِ الَّذِي يَختَارُهُ لِيُسكِنَ اسْمَهُ فِيهِ، لِتَتَعَلَّمُوا أنْ تَهَابُوا دَائِمًا. «وَلَكِنْ إذَا كَانَتِ المَسَافَةُ طَوِيلَةً، وَلَمْ تَتَمَكَّنُوا مِنْ حَمْلِ العُشُورِ، لِأنَّ المَكَانَ الَّذِي اخْتَارَ أنْ يَضَعَ اسْمَهُ فِيهِ بَعِيدٌ عَنْكُمْ حِينَ يُبَارِكُكُمْ، عَوِّضُوا عَنْ عُشرِ الطَّعَامِ بِمَالٍ. وَخُذُوا المَالَ مَعَكُمْ إلَى المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ . وَهُنَاكَ، اشْتَرُوا مَا تَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ بَقَرٍ أوْ غَنَمٍ أوْ نَبِيذٍ أوْ شَرَابٍ أوْ أيِّ شَيءٍ تُرِيدُونَهُ. فَكُلُوا أنْتُمْ وَعَائِلَاتُكُمْ فِي حَضْرَةِ وَابْتَهِجُوا مَعًا. وَلَا تُهمِلُوا اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ فِي مُدُنِكُمْ، إذْ لَيْسَ لَهُمْ حِصَّةٌ مِنَ الأرْضِ مَعكُمْ. «وَفِي نِهَايَةِ كُلِّ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، أحضِرُوا عُشرَ كُلِّ مَحَاصِيلِ حُقُولِكُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَضَعُوهَا فِي مُدُنِكُمْ، فَيَأْتِي اللَّاوِيُّونَ، لِأنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ أرْضًا، كَمَا يَأْتِي اليَتَامَى وَالأرَامِلُ وَالغُرَبَاءُ المُقِيمُونَ فِي مُدُنِكُمْ، وَيَأْكُلُونَ وَيَشْبَعُونَ. فَيُبَارِكُكُمُ فِي كُلِّ شَيءٍ تَعْمَلُونَهُ. «وَفِي نَهَايَةِ كُلِّ سَبعِ سَنَوَاتٍ، يَنْبَغِي أنْ تُلغُوا الدُّيُونَ. وَتُلْغَى كَمَا يَلِي: كُلُّ مَنْ أقرَضَ مَالًا لِشَخْصٍ آخَرَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، يُلغِي هَذَا الدَّينَ. لَا يُطَالِبْ بِهِ جَارَهُ أوْ قَرِيبَهُ، لِأنَّهُ قَدْ أُعْلِنَ وَقْتٌ لِإلغَاءِ الدُّيُونِ إكرَامًا للهِ . يُمكِنُكَ أنْ تُطَالِبَ الغَرِيبَ بِسَدَادِ دَينِهِ، لَكِنْ تُلغِي الدَّينَ الَّذِي لَكَ عَلَى أخِيكَ. «لَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ فُقَرَاءٌ، لِأنَّ اللهَ سَيُبَارِكُكُمْ فِي الأرْضِ الَّتِي سَيُعْطِيهَا لَكُمْ لِتَمْتَلِكُوهَا. فَقَطْ إنْ أطَعتُمْ ، فَحَرِصْتُمْ عَلَى عَمَلِ كُلِّ هَذِهِ الوَصَايَا الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ، فَإنَّ سَيُبَارِكُكُمْ بَرَكَةً عَظِيمَةً كَمَا وَعَدَ، فَتُقرِضُونَ أُمَمًا كَثِيرَةً وَلَا تَقْتَرِضُونَ، وَتَحْكُمُونَ أُمَمًا كَثِيرَةً وَلَا تَحْكُمُكُمُ الأُمَمُ. «إنْ كَانَ هُنَاكَ فَقِيرٌ بَيْنَكُمْ مِنْ إخْوَتِكُمْ فِي إحْدَى مُدُنِكُمْ فِي الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ، فَلَا تَكُونُوا أنَانِيِّينَ، وَلَا تَرْفُضُوا مُسَاعَدَةَ كُلِّ فَقِيرٍ وَمُحتَاجٍ. بَلْ كُونُوا كُرَمَاءَ مَعَهُمْ وَأقرِضُوهُمْ كُلَّ مَا يَحتَاجُونَ إلَيْهِ. «احْرِصُوا عَلَى ألَّا تُدخِلُوا فِكرَةً شِرِّيرَةً إلَى أذهَانِكُمْ فَتَقُولُوا إنَّ السَّنَةَ السَّابِعَةَ، سَنَةَ إلغَاءِ الدُّيُونِ، قَدِ اقْتَرَبَتْ! وَهَكَذَا تَمْنَعُونَ الرَّحمَةَ عَنِ الفَقِيرِ، فَلَا تُعطُونَهُ شَيْئًا. لَكِنَّهُ سَيَصْرُخُ إلَى اللهِ ضِدَّكُمْ، وَسَتَكُونُونَ مُذنِبِينَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . «أعْطُوا الفَقِيرَ بِكَرَمٍ، وَلَا تَتَرَدَّدْ قُلُوبُكُمْ بَيْنَمَا تُعْطُونَهُ. فَإنَّهُ لِأجْلِ هَذَا العَمَلِ سَيُبَارِكُكُمْ فِي كُلِّ أعْمَالِكُمْ، وَفِي كُلِّ مَا تَقُومُونَ بِهِ. وَلِأنَّ الفُقَرَاءَ سَيَكُونُونَ دَائِمًا فِي الأرْضِ، فَأعْطُوا الجَارَ وَالفَقِيرَ وَالمُحتَاجَ فِي أرْضِكُمْ بِسَخَاءٍ. «إنِ اشْتَرَيتَ عِبرَانِيًّا أوْ عِبرَانِيَّةً مِنْ شَعْبِكَ. وَعَمِلَ لَدَيكَ سِتَّ سَنَوَاتٍ، يَنْبَغِي أنْ تُحَرِّرَهُ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ. وَحِينَ تُطلِقُ العَبدَ حُرًّا، لَا تُرسِلْهُ فَارِغَ اليَدَينِ. بَلْ أعْطِهِ بِكَرَمٍ مِنْ مَا بَارَكَكَ بِهِ. مِنْ غَنَمِكَ وَمِنْ بَيْدَرِ حُبُوبِكَ وَمِنْ نَبِيذِكَ. وَاذكُرْ أنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أرْضِ مِصْرٍ، فَأطلَقَكَ حُرًّا، لِهَذَا السَّبَبِ أُعْطِيكَ هَذِهِ الوَصِيَّةَ اليَوْمَ. «فَإنْ قَالَ لَكَ العَبدُ: ‹لَنْ أترُكَكَ،› لِأنَّهُ يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ عَائِلَتَكَ، إذْ قَدْ وَجَدَ خَيْرًا لِنَفْسِهِ مَعَكَ، فَخُذْ مِثْقَابًا وَاثقُبْ شَحمَةَ أُذُنِهِ إذْ يُلصِقُهَا عَلَى البَابِ. وَهَكَذَا يُصْبِحُ عَبْدًا لَكَ إلَى الأبَدِ. وَكَذَلِكَ تَعْمَلُ مَعَ جَارِيَتِكَ. «لَا تَنْدَمْ عَلَى إطلَاقِهِ حُرًّا. فَقَدْ خَدَمَكَ سِتَّ سَنَوَاتٍ خِدْمَةً تَسْتَحِقُّ أُجرَةَ أجِيرٍ. وَسَيُبَارِكُكَ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُهُ. «خَصِّصْ كَلَّ ذَكَرٍ بِكرٍ مِنْ بَقَرِكَ وَغَنَمِكَ، وَلَا تَسْتَخْدِمْ بِكْرَ بَقَرِكَ فِي عَمَلِكَ، وَلَا تَجُزَّ صُوفَ بِكْرِ غَنَمِكَ، بَلْ كُلْهُ أنْتَ وَعَائِلَتُكَ فِي حَضْرَةِ كُلَّ سَنَةٍ فِي المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ اللهُ لِيُعبَدَ فِيهِ. «وَلَكِنْ إنْ كَانَ فِي هَذَا البِكرِ عَيبٌ، أوْ كَانَ أعرَجَ أوْ أعْمَى أوْ فِيهِ أيُّ عَيْبٍ آخَرَ، فَلَا تَذْبَحْهُ . لَكِنْ يُمكِنُكَ أنْ تَأْكُلَهُ فِي مُدُنِكَ، وَيُمكِنُ لِلطَّاهِرِ وَغَيرِ الطَّاهِرِ أنْ يَأْكُلَهُ كَمَا يُؤكَلُ الغَزَالُ وَالإيَّلُ. لَكِنْ لَا تَأْكُلْ دَمَهُ، بَلِ اسْكُبْهُ عَلَى الأرْضِ كَالمَاءِ. «احفَظُوا شَهرَ أبِيبَ، وَاحتَفِلُوا بِالفِصْحِ إكرَامًا ، لِأنَّهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ أخْرَجَكُمْ مَنْ مِصْرٍ فِي اللَّيلِ. وَقَدِّمُوا ذَبِيحَةَ الفِصْحِ غَنَمًا أوْ بَقَرًا فِي المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ اللهُ لِيُسكِنَ اسْمَهُ فِيهِ. لَا يَجُوزُ لَكُمْ أنْ تَأْكُلُوا أيَّ شَيءٍ فِيهِ خَمِيرَةٌ مَعَ لَحْمِ الذَّبِيحَةِ، بَلْ تَأْكُلُونَ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ خُبْزًا لَا خَمِيرَةَ فِيهِ، وَهَذَا مَا يُطلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ خُبْزِ الضِّيقِ، لِأنَّكُمْ غَادَرتُمْ أرْضَ مِصْرٍ بِسُرعَةٍ، وَبِذَلِكَ تَتَذَكَّرُونَ اليَوْمَ الَّذِي فِيهِ تَرَكتُمْ أرْضَ مِصْرٍ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِكُمْ. وَلَا تَكُونُ الخَمِيرَةُ فِي كُلِّ أرْضِكُمْ طَوَالَ سَبْعَةِ أيَّامٍ. «لَا يَجُوزُ أنْ يَبْقَى شَيءٌ مَنْ لَحْمِ الذَّبِيحَةِ الَّتِي تَذْبَحُونَهَا مَسَاءَ اليَوْمِ الأوَّلِ إلَى صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي. لَا تُقَدِّمُوا ذَبِيحَةَ الفِصْحِ فِي أيٍّ مِنْ مُدُنِكُمُ الَّتِي أعْطَاهَا لَكُمْ ، بَلْ فِي المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ لِيُسكِنَ اسْمَهُ فِيهِ، وَتُقَدِّمُونَ الذَّبِيحَةَ فِي المَسَاءِ، عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فِي الوَقْتِ الَّذِي فِيهِ خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرٍ. فَتَطْبُخُونَ الذَّبِيحَةَ وَتَأْكُلُونَهَا فِي المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ . ثُمَّ تَعُودُونَ إلَى بُيُوتِكُمْ فِي الصَّبَاحِ. تَأْكُلُونَ خُبْزًا بِلَا خَمِيرَةٍ لِسِتَّةِ أيَّامٍ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، يَكُونُ هُنَاكَ تَجَمُّعٌ مَهِيبٌ إكرَامًا . وَتَتْرُكُونَ جَمِيعَ أعْمَالِكُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. «احسِبُوا سَبْعَةَ أسَابِيعَ ابْتِدَاءً مِنَ الوَقْتِ الَّذِي يَبْدَأُ فِيهِ وَقْتُ حَصَادِ الحُبُوبِ. ثُمَّ احتَفِلُوا بِعِيدِ الأسَابِيعِ لِلرَّبِّ إلَهِكُمْ، حَيْثُ تُقَدِّمُونَ تَقْدِمَاتِكُمُ الخَاصَّةَ ، بِحَسَبِ بَرَكَةِ لَكُمْ. افرَحُوا أمَامَ ، أنْتُمْ وَأبنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَعَبِيدُكُمْ وَإمَاؤُكُمْ، وَاللَّاوِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِكُمْ، وَالغُرَبَاءُ وَاليَتَامَى وَالأرَامِلُ الَّذِينَ فِي وَسَطِكُمْ. احتَفِلُوا فِي المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ لِيُسكِنَ اسْمَهُ فِيهِ. وَتَذَكَّرُوا أنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا فِي مِصْرٍ، فَاحْرِصُوا عَلَى عَمَلِ كُلِّ هَذِهِ الشَّرَائِعِ. «وَاحتَفِلُوا بَعِيدِ السَّقَائِفِ بَعْدَ أنْ تَكُونُوا قَدْ جَنَيْتُمُ القَمْحَ المَدْرُوسَ وَنَبيذَ المِعْصَرَةِ. وَافرَحُوا فِي عِيدِكُمْ أنْتُمْ وَأبنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَعَبِيدُكُمْ وَإمَاؤُكُمْ، وَاللَّاوِيُّونَ وَالغُرَبَاءُ وَاليَتَامَى وَالأرَامِلُ السَّاكِنوُنَ فِي مُدُنِكُمْ. سَبْعَةَ أيَّامٍ تُعَيِّدُونَ فِي المَكَانِ الَّذِي يَختَارُهُ اللهُ . لِأنَّ سَيُبَارِكُ كُلَّ مَحَاصِيلِكُمْ وَأعْمَالِكُمْ، فَتَفْرَحُونَ فَرَحًا عَظِيمًا. يَنْبَغِي أنْ يَحْضُرَ جَمِيعُ الذُّكُورِ أمَامَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ فِي المَكَانِ الَّذِي يَختَارُهُ. وَذَلِكَ فِي عِيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ، وَعِيدِ الأسَابِيعِ، وَعِيدِ السَّقَائِفِ. وَلَا يَجُوزُ لِأحَدٍ أنْ يَظْهَرَ فِي حَضْرَةِ اللهِ مِنْ دُونِ تَقْدِمَةٍ يُقَدِّمُهَا. فَليُقَدِّمْ كُلُّ رَجُلٍ بِحَسَبَ قُدرَتِهِ، وَبِحَسَبِ البَرَكَةِ الَّتِي أعْطَاهَا لَهُ. «وَعَيِّنُوا لِأنفُسِكُمْ قُضَاةً وَمَسؤُولِينَ لِكُلِّ قَبَائِلِكُمْ فِي كُلِّ المُدُنِ الَّتِي أعْطَاهَا لَكُمْ. فَيَنْبَغِي أنْ يَحْكُمُوا بِعَدلٍ دُونَ تَمْيِيزٍ بَيْنَ النَّاسِ. لَا تُشَوِّهُوا الحُكْمَ العَادِلَ، وَلَا تُحَابُوا وَلَا تُمَيِّزُوا بَيْنَ النَّاسِ. «لَا تَقْبَلُوا رِشوَةً. فَهِيَ تُعمِي عُيُونَ الحُكَمَاءِ، وَتَجْعَلُ أقْوَالَ الصَّالِحِينَ مُلتَوِيَةً. العَدْلَ! وَالعَدْلَ وَحْدَهُ فَقَطْ أُطلُبُوا دَائِمًا، لِتَحْيَوْا وَتَمْتَلِكُوا الأرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ. «لَا تُقِيمُوا أعمِدَةً لِعَشْتَرُوتَ مِنَ الشَّجَرِ أوِ الخَشَبِ إلَى جَانِبِ المَذْبَحِ الَّذِي تَبْنُونَهُ ! وَلَا تُقِيمُوا أنْصَابًا حَجَرِيَّةً لِإلَهٍ زَائِفٍ، لِأنَّ هَذَا مَكرُوهٌ لَدَى . «لَا تَذْبَحُوا ثَوْرًا أوْ خَرُوفًا فِيهِ مَرَضٌ أوْ تَشّوُّهٌ، لِأنَّ هّذَا مَكرُوهٌ لَدَى اللهِ. «إنْ وُجِدَ فَي وَسَطِكُمْ، فِي أيِّ مَدِينَةٍ مِنْ مُدُنَكُمْ، الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ، شَخْصٌ يَفْعَلُ الشَّرَّ أمَامَ وَيَتَجَاوَزُ عَهْدَهُ، وَيَذْهَبُ وَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَسْجُدُ لَهَا خِلَافًا لِوَصَايَايَ، أوْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ أوِ القَمَرَ أوِ النُّجُومَ، وَوَصَلَكُمْ هَذَا الخَبَرُ، فَسَمِعْتُمْ وَفَحَصْتُمُ الأمْرَ، وَثَبَتَ أنَّ ذَلِكَ الأمْرَ البَغِيضَ قَدْ حَدَثَ فِي إسْرَائِيلَ، يَنْبَغِي أنْ تُخْرِجُوا مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ الشَّرَّ إلَى بَوَّابَاتِ المَدِينَةِ – رَجُلًا كَانَ أمِ امْرأةً – وَأنْ تَرْجُمُوهُ بِالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ. لَا يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ إلَّا بِشَهَادَةِ شَاهِدَينِ أوْ أكْثَرَ، وَلَا يَجُوزُ قَتلُهُ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ. وَالشُّهُودُ هُمْ أوَّلُ الَّذِينَ يَرْجُمُونَهُ لِقَتلِهِ. بَعْدَ ذَلِكَ يُشَارِكُ كُلُّ الشَّعْبِ. هَكَذَا تُخْرِجُونَ الشَّرَّ مِنْ بَينِكُمْ. «إنْ كَانَتْ هُنَاكَ قَضِيَّةٌ يَصْعُبُ أنْ تَحْكُمُوا فِيهَا، كَقَضِيَّةِ قَتلٍ أوْ دَعوَى أوْ إيذَاءٍ أوْ سِوَاهَا، أوْ أيِّ خِلَافٍ يَقَعُ فِي مُدُنِكُمْ، فَيَنْبَغِي أنْ تَذْهَبُوا عَلَى الفَوْرِ إلَى المَكَانِ الَّذِي يَختَارُهُ . اذْهَبُوا إلَى الكَهَنَةِ اللَّاوِيِّينَ وَالقَاضِي المَسْؤولِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، وَاعرِضُوا المُشكِلَةَ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيُخبِرُونَكُمْ بِالحُكْمِ فِي تِلْكَ القَضِيَّةِ. وَيَنْبَغِي أنْ تَعْمَلُوا بِحَسَبِ كُلِّ مَا يَقُولُونَهُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ اللهُ ، وَاحْرِصُوا عَلَى عَمَلِ كُلِّ مَا يُعَلِّمُونَهُ لَكُمْ. وَاعْمَلُوا بِحَسَبِ التَّعلِيمَاتِ الَّتِي يُعطُونَهَا لَكُمْ، وَبِحَسَبِ الحُكْمِ الَّذِي يُخبِرُونَكُمْ بِهِ. وَلَا تَحِيدُوا أبَدًا عَنْ القَرَارِ الَّذِي يُعلِنُونَهُ. وَكُلُّ مَنْ يَتَجَرَّأُ عَلَى عِصِيَانِ الكَاهِنِ الَّذِي يَقِفُ هُنَاكَ لِيَخْدِمَ ، أوْ لَا يُطِيعُ حُكْمَ القَاضِي، فَيَنْبَغِي أنْ يَمُوتَ. وَهَكَذَا تُزيلُونَ الشَّرَّ مِنْ إسْرَائِيلَ. وَيَسْمَعُ كُلُّ الشَّعْبِ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ، وَلَنْ يَتَجَرَّأُوا عَلَى العِصْيَانِ ثَانِيَةً. «وَمَتَى دَخَلْتُمُ الأرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ، وَامتَلَكْتُمُوهَا وَسَكَنتُمْ فِيهَا وَقُلْتُمْ: ‹لِنُنَصِّبْ مَلِكًا عَلَيْنَا كَبَقِيَّةِ الأُمَمِ المُحِيطَةِ بِنَا،› احْرِصُوا عَلَى تَنصِيبِ المَلِكِ الَّذِي يَختَارُهُ ، وَأنْ يَكُونَ مِنْ شَعْبِكُمْ. فَلَا يَجُوزُ أنْ تُنَصِّبُوا أجنَبِيًا لَيْسَ مِنْ إخْوَتِكُمْ. وَعَلَى هَذَا المَلِكِ أنْ لَا يَجْمَعَ الكَثِيرَ مِنَ الخُيُولِ لِنَفْسِهِ، وَألَّا يُرسِلَ الشَّعْبَ إلَى مِصْرٍ لِشِرَاءِ المَزِيدِ مِنَ الخُيُولِ، لِأنَّ اللهَ قَالَ لَكُمْ: ‹لَنْ تَعُودُوا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ أبَدًا.› وَلَا يَنْبَغِي أنْ يَتَّخِذَ زَوْجَاتٍ كَثِيرَاتٍ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَنْحَرِفَ. وَلَا يَنْبَغِي أنْ يَجْمَعَ لِنَفْسِهِ الكَثِيرَ مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ. «وَحِينَ يُصْبِحُ مَلِكًا، يَنْبَغِي أنْ يَكْتُبَ نُسخَةً مِنْ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابٍ مِنَ النُّسخَةِ المَحفُوظَةِ لَدَى الكَهَنَةِ اللَّاوِيِّينَ، وَأنْ يَحْتَفِظَ بِهَا مَعَهُ وَأنْ يَقْرَأهَا كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِهِ، لِيَتَعَلَّمَ أنْ يَتَّقِيَ ، وَأنْ يَحْفَظَ كُلَّ المَكْتُوبِ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَهَذِهِ الفَرَائِضِ، لِئَلَّا يَظُنَّ أنَّهُ أفْضَلُ مِنْ أيِّ وَاحِدٍ فِي شَعْبِهِ، وَلِئَلَّا يَعْصَى الوَصَايَا بِأيَّةِ طَرِيقَةٍ، فَيَحْكُمَ المَلِكُ وَنَسْلُهُ زَمَنًا طَوِيلًا عَلَى مَمْلَكَةِ إسْرَائِيلَ. «لَنْ تَكُونَ لِلَكَهَنَةِ اللَّاوِيِّينَ وَكُلِّ قَبِيلَةِ لَاوِي حِصَّةٌ مِنَ الأرْضِ مَعَ بَقِيَّةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. إنَّمَا سَيَأْكُلُونَ مِنْ تَقْدِمَاتِ اللهِ وَحِصَّتِهِ. وَلَنْ يَرِثُوا فِي وَسَطِ إخْوَتِكُمْ، لِأنَّ اللهَ هُوَ نَفْسَهُ سَيَكُونُ نَصِيبَهُمْ كَمَا وَعَدَهُمْ. «وَهَذَا هُوَ مَا يَحِقُّ لِلكَهَنَةِ مِنَ الذَّبَائِحِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا الشَّعْبُ، ثَوْرًا كَانَتْ أمْ خَرُوفًا. اعْطُوا الكَاهِنَ الكَتِفَ وَالفَكَّ وَالمَعِدَةَ. كَمَا تُعطُونَهُ أوَّلَ قَمْحِكُمْ وَنَبِيذِكُمْ وَزَيْتِكُمْ، وَأوَّلَ الصُّوفِ الَّذِي تَجُزُّونَهُ مِنْ غَنَمِكُمْ. لِأنَّ قَدِ اخْتَارَ لَاوِي وَنَسْلَهُ مِنْ كُلِّ قَبَائِلِكُمْ لِيَخْدِمُوا اللهَ كَكَهَنَةٍ، مُعلِنِينَ البَرَكَةَ بِاسْمِهِ كُلَّ الوَقْتِ. «وَإنْ تَرَكَ أحَدُ اللَّاوِيِّينَ إحْدَى مُدُنِكُمْ فِي أيِّ مَكَانٍ يَعِيشُ فِيهِ فِي إسْرَائِيلَ، وَأتَى بِاخْتِيَارِهِ إلَى المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ اللهُ ، فَإنَّهُ يُمكِنُهُ أنْ يَخْدِمَ بِاسْمِ كَإخوَتِهِ اللَّاوِيِّينَ الآخَرِينَ الوَاقِفِينَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَسَتَكُونُ لَهُمْ حِصَصٌ مُتَسَاوِيَةٌ مِنَ الطَّعَامِ بِالإضَافَةِ إلَى مَا يَحْصُلُونَ عَلَيْهِ مِنْ مِيرَاثِ آبَائِهِمْ. «وَمَتَى أتَيْتُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي سَيُعْطِيهَا لَكُمْ، لَا تُقَلِّدُوا المُمَارَسَاتِ الشِّرِّيرَةَ الَّتِي تُمَارِسُهَا تِلْكَ الأُمَمُ. لَا تُقَدِّمُوا أبْنَاءَكُمْ وَبَنَاتِكُمْ فِي النَّارِ عَلَى مَذَابِحِكُمْ. وَلَا تَسْمَحُوا لِأحَدٍ بِمُمَارَسَةِ العِرَافَةِ أوِ الوَسَاطَةِ الرُّوحِيَّةِ، أوِ النَّظَرِ إلَى العَلَامَاتِ لِلإخبَارِ بِالغَيبِ. لَا تَسْمَحُوا لِأحَدٍ بِاسْتَخدَامِ السِّحرِ، أوْ بِالسَّيطَرَةِ عَلَى الآخَرِينَ بِاسْتِخدَامِهِ. لَا تَسْمَحُوا لِأحَدٍ بِاسْتِشَارَةِ الأشبَاحِ وَالأروَاحِ، أوْ بِمُحَاوَلَةِ الِاتِّصَالِ بِالمَوْتَى. لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا مَمْقُوتٌ عِنْدَ اللهِ . وَبِسَبَبِ هَذِهِ المُمَارَسَاتِ الشِّرِّيرَةِ وَالكَرِيهَةِ، فَإنَّ سَيَطْرُدُ تِلْكَ الأُمَمَ مِنَ الأرْضِ. فَكُونُوا أُمَنَاءَ بِالْكَامِلِ. هَذِهِ الأُمَمُ الَّتِي سَتَطْرُدُونَهَا تَسْتَمِعُ إلَى العَرَّافِينَ وَالمُشَعْوِذِينَ، أمَّا أنْتُمْ، فَلَا يَسْمَحُ لَكُمْ بِذَلِكَ. «لَكِنْ سَيُقِيمُ لَكُمْ نَبِيًّا مِثْلِي مِنْ بَيْنِ شَعْبِكُمْ، فَأصْغُوا إلَى ذَلِكَ النَبيِّ. فَهَذَا مَا طَلَبتُمُوهُ مِنْ فِي جَبَلِ حُورِيبَ، فِي اليَوْمِ الَّذِي اجتَمَعْتُمْ فِيهِ هُنَاكَ، إذْ قُلْتُمْ: ‹لَا نُريدُ أنْ نَسمَعَ المَزيدَ مِنْ صَوْتِ ، أوْ نُواجِهَ المَزيدَ مِنْ هَذِهِ النَّارِ، وَإلَّا فَإنَّنَا سَنَمُوتُ!› فَقَالَ اللهُ لِي: ‹إنَّهُمْ مُحِقُّونَ فِي مَا يَقُولُونَهُ. لِهَذَا سَأُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِثْلَكَ مِنْ بَيْنِ شَعْبِهِمْ. وَسَأُخبِرُهُ بِمَا يَقُولُهُ. وَهُوَ سَيُخبِرُهُمْ بِمَا أُوصِيهِ أنَا بِهِ. فَكُلُّ مّنْ لَا يُصغِي إلَى الكَلَامِ الَّذِي سَيَتَكَلَّمُ بِهِ ذَلِكَ النَّبِيُّ بِاسْمِي، فَإنِّي أنَا سَأُعَاقِبُهُ.› «وَأمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يَتَجَرَّأُ أنْ يَدَّعِي أنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِاسْمِي وَلَمْ أُوصِهِ بِشَيءٍ، أوْ يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَنْبَغِي أنْ يَمُوتَ ذَلِكَ النَّبِيُّ. وَإنْ قُلْتُمْ: ‹كَيْفَ سَنَعْرِفُ الرِّسَالَةَ الَّتِي لَمْ يَتَكَلَّمِ اللهُ بِهَا لِلنَّبِيِّ؟› فَإنَّهُ حِينَ يَدَّعِي نَبِيٌّ أنَّهُ يَتَكَلَّمُ مِنَ اللهِ ، وَلَكِنَّ مَا تَنَبَّأ بِهِ لَمْ يَحْدُثْ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ، فَإنَّ تِلْكَ الرِّسَالَةَ لَيْسَتْ مِنَ اللهِ ، بَلْ قَدْ تَكَلَّمَ ذَلِكَ النَّبِيُّ مِنْ ذَاتِهِ، فَلَا تَخَافُوا مِنْهُ. «حِينَ يُفنِي إلَهُكُمُ الأُمَمَ الَّتِي سَيُعطِيكُمْ أرْضَهُمْ، وَتَطْرُدُونَهُمْ وَتَسْكُنُونَ فِي مُدُنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَخَصِّصُوا ثَلَاثَ مُدُنٍ فِي وَسَطِ الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ لِتَمْتَلِكُوهَا. يَنْبَغِي أنْ تَحْسِبُوا المَسَافَاتِ وَتُقَسِّمُوا الأرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ إلَى ثَلَاثَةِ أقسَامٍ، لِيَهْرُبَ إلَى هُنَاكَ كُلُّ قَاتِلٍ. «وَهَذِه هِيَ القَاعِدَةُ فِي مَنْ يَقْتُلُ أحَدًا وَيَهْرُبُ هُنَاكَ لِيَبْقَى حَيًّا: مَنْ يَقْتُلُ شَخْصًا بِغَيرِ قَصدٍ، وَلَيْسَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ مِنْ قَبْلُ. فَإنْ ذَهَبَ اثْنَانِ إلَى الغَابَةِ لِقَطْعِ الأخشَابِ، وَرَفَعَ أحَدُهُمَا يَدَهُ بِالفَأسِ لِيَقْطَعَ شَجَرَةً، فَانزَلَقَ رَأسُ الفَأسِ مِنْ مِقبَضِهِ وَضَرَبَ رَفِيقَهُ فَمَاتَ، فَليَهْرُبْ إلَى إحْدَى هَذِهِ المُدُنِ لِيَحيَا. وَإنْ لَمْ يَهْرُبْ، فَإنَّ قَرِيبَ المَيِّتِ الَّذِي يَثأرُ لِدَمِهِ، سَيَسْعَى وَرَاءَهُ عِنْدَ اشْتِدَادِ غَضَبِهِ. وَيُمسِكُهُ إنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ مَدِينَةِ اللُّجُوءِ وَيَقْتُلُهُ. مَعَ أنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ حُكْمَ المَوْتِ، لِأنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ بِدَافِعِ الكَرَاهِيَّةِ. لِهَذَا أُوْصِيكُمْ أنْ تُخَصِّصُوا ثَلَاثَ مُدُنٍ. «وَلَكِنْ إنْ وَسَّعَ أرْضَكُمْ، كَمَا وَعَدَ آبَاءَكُمْ. وَأعطَاكُمْ كُلَّ الأرْضِ الَّتِي وَعَدَ بِأنْ يُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ، فَإذَا حَرِصتُمْ عَلَى عَمَلِ كُلِّ مَا أُوْصِيكُمْ بِهِ اليَوْمَ، بِأنْ تَحِبُّوا وَتَعِيشُوا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ، فَحِينَئِذٍ تُضِيفُونَ ثَلَاثَ مُدُنٍ أُخْرَى إلَى هَذِهِ الثَّلَاثِ. وَهَكَذَا، لَنْ يُقتَلَ بَرِيءٌ فِي أرْضِكُمُ الَّتِي يُعْطِيهَا مِيرَاثًا لَكُمْ، وَلَنْ تُدَانَوْا بِسَبَبِ قَتلِ الأبْريَاءِ. «لَكِنْ إنْ كَانَ شَخْصٌ يَكْرَهُ شَخْصًا آخَرَ، فَكَمَنَ لَهُ، وَانْتَظَرَ، وَهَاجَمَهُ وَضَرَبَهُ حَتَّى المَوْتِ، وَهَرَبَ إلَى إحْدَى هَذِهِ المُدُنِ، فَإنَّهُ يَكُونُ عَلَى قَادَةِ مَدِينَتِهِ أنْ يُرسِلُوا وَيَأْخُذُوهُ مِنْ هُنَاكَ وَيُسَلِّمُوهُ إلَى يَدِ الَّذِي يَثأرُ لِدَمِهِ، فَيَقْتُلَهُ. لَا تُشْفِقُوا عَلَيْهِ، بَلْ أزِيلُوا إثمَ قَتلِ شَخْصٍ بَرِيءٍ مِنْ إسْرَائِيلَ لِيَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ. «لَا تُحَرِّكُوا الحِجَارَةَ الَّتِي تُشِيرُ إلَى حُدُودِ أرْضِ جَارِكُمُ الَّتِي وَضَعَهَا آبَاؤكُمْ فِي الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ لِتَمْتَلِكُوهَا. «لَا يَكْفِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ لِإدَانَةِ أحَدٍ عَلَى أيِّ خَطَأٍ أوْ عَلَى خَطيَّةٍ ارتَكَبَهَا، بَلْ تَتَثَبَّتُ كُلُّ مَسْألَةٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَينِ أوْ ثَلَاثَةٍ. «إذَا تَقَدَّمَ شَاهِدُ زُورٍ لِيَشْهَدَ عَلَى شَخْصٍ مَا، وَقَدَّمَ شَهَادَةً كَاذِبَةً، يَقِفُ المُتَخَاصِمَانِ فِي حَضْرَةِ اللهِ أمَامَ الكَهَنَةِ وَالقُضَاةِ المَسؤُولِينَ فِي تِلْكَ الأيَّامِ. وَيَتَحَرَّى القُضَاةُ الأمْرَ جَيِّدًا، فَإنْ كَانَ الشَّاهِدُ قَدْ قَدَّمَ شَهَادَةً كَاذِبَةً ضِدَّ أخِيهِ، فَإنَّهُ يَنْبَغِي أنْ تَعْمَلُوا بِهِ مَا نَوَى أنْ يَعْمَلَهُ بِأخِيهِ. وَهَكَذَا تُزِيلُونَ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكُمْ. فَيَسْمَعَ بَقِيَّةُ الشَّعْبِ عَنِ الأمْرِ فَيَخَافُوا، وَلَا يَعْمَلُوا مِثْلَ هَذَا الشَّرِّ فِي وَسَطِكُمْ. «لَا تُشفِقُوا عَلَيْهِ، بَلِ عَاقِبُوهُ حَيَاةً بِحَيَاةٍ، وَعَينًا بِعَينٍ، وَسِنًّا بِسِنٍّ، وَيَدًا بِيَدٍ، وَرِجْلًا بِرِجْلٍ. «حِينَ تَخْرُجُونَ لِلحَرْبِ ضِدَّ أعْدَائِكُمْ، وَتَرَونَ خُيُولًا وَمَرْكَبَاتٍ وَجَيْشًا أعْظَمَ مِمَّا لَدَيْكُمْ، لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ، لِأنَّ إلَهَكُمُ الَّذِي أخْرَجَكُمْ مَنْ أرْضِ مِصْرٍ مَعَكُمْ. «وَقَبْلَ أنْ تَتَقَدَّمُوا لِلمَعرَكَةِ، يَتَقَدَّمُ الكَاهِنُ وَيُخَاطِبُ الجَيْشَ وَيَقُولُ: ‹اسْتَمِعْ يَا إسْرَائِيلُ! سَتَذْهَبُونَ اليَوْمَ لِمُحَارَبَةِ أعْدَائِكُمْ. فَلَا تَخُرْ شَجَاعَتُكُمْ، وَلَا تَخَافُوا وَلَا تَرْهَبُوا وَلَا تَرْتَعِبُوا مِنْهُمْ، لِأنَّ يَذْهَبُ مَعَكُمْ لِيُحَارِبَ أعْدَاءَكُمْ عَنْكُمْ، وَلِيُسَاعِدَكُمْ عَلَى تَحْقِيقِ النَّصرِ.› «ثُمَّ يَقُولُ القَادَةُ لِلجَيْشِ: ‹هَلْ هُنَاكَ مَنْ بَنَى بَيْتًا جَدِيدًا وَلَمْ يُكَرِّسْهُ بَعْدُ؟ فَلْيَرْجِعْ إلَى بَيْتِهِ. فَإنَّهُ قَدْ يَمُوتُ فِي المَعْرَكَةِ، وَيُكَرِّسُ بَيْتَهُ رَجُلٌ آخَرُ. أوْ هَلْ مِنْكُمْ مَنْ زَرَعَ كَرْمًا لَكِنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ ثَمَرِهِ بَعْدُ؟ فَليَرْجِعْ إلَى بَيْتِهِ. فَإنَّهُ قَدْ يَمُوتُ فِي المَعْرَكَةِ، وَيَأْكُلُ شَخْصٌ آخَرُ ثَمَرَهُ. أوْ هَلْ مِنْكُمْ مَنْ خَطَبَ امْرأةً لَكِنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا بَعْدُ؟ فَليَرْجِعْ إلَى بَيْتِهِ. فَإنَّهُ قَدْ يَمُوتُ فِي المَعْرَكَةِ، وَيَتَزَوَّجُهَا شَخْصٌ آخَرُ.› «ثُمَّ عَلَى الرُّؤَسَاءِ أنْ يَقُولُوا لِلجَيْشِ: ‹هَلْ هُنَاكَ مَنْ هُوَ خَائِفٌ أوْ فَاقِدٌ لِلشَّجَاعَةِ؟ فَليَرْجِعْ مَثلُ هَذَا إلَى بَيْتِهِ كَي لَا يَجْعَلَ الآخَرِينَ يَفْقِدُونَ شَجَاعَتَهُمْ.› وَحِينَ يَنْتَهِي الرُّؤَسَاءُ مِنْ مُخَاطَبَةِ الجَيْشِ، يُعَيِّنُونَ قَادَةً لِفِرَقِه. «وَحِينَ تَقْتَرِبُونَ مِنْ مَدِينَةٍ لِتُحَارِبُوهَا، فَاعْرِضُوا السَّلَامَ أوَّلًا. فَإنْ قَبِلُوا عَرضَكُمْ لِلسَّلَامِ وَفَتَحُوا بَوَّابَاتِهِمْ، يَصِيرُ جَمِيعُ سُكَّانِ تِلْكَ المَدِينَةِ خُدَّامًا وَعُمَّالًا لَدَيْكُمْ. وَلَكِنْ إنْ لَمْ تُسَالِمكُمْ وَحَارَبَتكُمْ، فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أنْ تُحَاصِرُوهَا. وَعِنْدَمَا يُعْطِيكُمُ المَدِينَةَ، اقْتُلُوا كُلَّ ذُكُورِهِمُ الكِبَارِ. أمَّا النِّسَاءُ وَالأطْفَالُ وَالحَيَوَانَاتُ وَكُلُّ مَا هُوَ ثَمِينٌ فِي المَدِينَةِ، فَخُذُوهُ لِأنفُسِكُمْ، وَاستَخْدِمُوا غَنِيمَةَ أعْدَائِكُمُ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ. هَكَذَا تَفْعَلُونَ لِكُلِّ المُدُنِ البَعِيدَةِ عَنْكُمْ، الَّتِي هِيَ لَيْسَتْ مُدُنًا لِلأُمَمِ الَّتِي هُنَا. «لَا تُبقُوا شَيْئًا حَيًّا فِي كُلِّ مُدُنِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ مِلْكًا. اقْضُوا عَلَيْهِمْ تَمَامًا – الحِثِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالكَنعَانِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَالحُوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ – كَمَا أوصَاكُمْ . لِكَي لَا يُعَلِّمُوكُمُ الأشْيَاءَ الكَرِيهَةَ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ، فَتَخْطِئُونَ إلَى . «وَإنْ حَاصَرْتُمْ مَدِينَةً لِأيَّامٍ كَثِيرَةٍ، وَحَارَبْتُمُوهَا لِكَي تَمْتَلِكُوهَا، فَلَا تُفسِدُوا أشْجَارَهَا بِالفُؤوسِ. كُلُوا مِنْ ثَمَرِهَا، وَلَا تَقْطَعُوهَا. فَهَلْ أشْجَارُ الحَقْلِ بَشَرٌ حَتَّى تُهَاجِمُوهَا؟ لَكِنْ يُمكِنُكُمْ أنْ تَقْطَعُوا الأشْجَارَ الَّتِي تَعْرِفُونَ أنَّهَا غَيْرُ مَثمِرَةٍ، وَتَسْتَخْدِمُوهَا فِي حِصَارِ المَدِينَةِ الَّتِي تُحَارِبُكُمْ إلَى أنْ تَسْقُطَ. «إنْ وَجَدْتُمْ قَتِيلًا مُلقَىً فِي الحَقْلِ عَلَى الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ لِتَمْتَلِكُوهَا، وَلَمْ يَكُنْ القَاتِلُ مَعْرُوفًا، فَإنَّ عَلَى شُيُوخِكَ وَقُضَاتِكَ أنْ يَخْرُجُوا وَيَقِيسُوا المَسَافَةَ إلَى المُدُنِ القَرِيبَةِ مِنَ الجُثَّةِ. ثُمَّ يَأْخُذُ شُيُوخُ أقرَبِ مَدِينَةٍ مِنَ الجُثَّةِ عِجلَةً مِنَ البَقَرِ لَمْ تُستَخْدَمْ لِلعَمَلِ وَلَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا نِيرٌ. وَيُحْضِرُ شُيُوخُ تِلْكَ المَدِينَةِ العِجلَةَ إلَى وَادٍ دَائِمِ الجَرَيَانِ لَمْ يُحرَثْ وَلَمْ يُزرَعْ قَبلًا. فَيَكْسِرُونَ عُنُقَ العِجلَةِ هُنَاكَ فِي الوَادِي. ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الكَهَنَةُ اللَّاوِيُّونَ إلَى الأمَامِ، لِأنَّ اخْتَارَهُمْ لِيَخْدِمُوهُ وَيُعلِنُوا البَرَكَاتَ بِاسْمِهِ، وَيُقَرِّرُوا كَيْفَ تُحَلُّ كُلُّ خُصُومَةٍ أوْ إيذَاءٍ. فَيَغْسِلُ شُيُوخُ تِلْكَ المَدِينَةِ القَرِيبَةِ لِلجُثَّةِ أيدِيَهُمْ فَوْقَ العِجلَةِ الَّتِي كُسِرَ عُنُقُهَا فِي الوَادِي. وَيَقُولُونَ: ‹لَمْ نَقتُلْ هَذَا الشَّخصَ وَلَمْ نَرَ مَا حَدَثَ. طَهِّرنَا، نَحْنُ شَعْبُكَ إسْرَائِيلُ الَّذِي اختَرْتَهُ يَا اللهُ . فَلَا تُحَاسِبْ شَعْبَكَ إسْرَائِيلَ عَلَى قَتلِ شَخْصٍ بريءٍ.› وَهَكَذَا سَتُبَرَّأُونَ مِنْ ذَنبِ القَتلِ. هَكَذَا تُزِيلُونَ مِنْ وَسَطِكُمْ ذَنْبَ قَتلِ رَجُلٍ بريءٍ، بِأنْ تُنَفِّذُوا مَا أوْصَاكُمْ بِهِ اللهُ . «وَحِينَ تَذْهَبُونَ لِلحَرْبِ ضِدَّ أعْدَائِكُمْ، يُعطِيكُمْ إلَهُكُمُ القُدرَةَ فَتَهْزِمُوهُمْ، وَتَأْخُذُوا أسرَى مِنْهُمْ. فَإنْ رَأيَتَ بَيْنَ الأسرَى امْرأةً جَمِيلَةً فَانْجَذَبْتَ إلَيْهَا وَأرْدْتَ الزَّوَاجَ مِنْهَا، أحْضِرْهَا إلَى بَيْتِكَ، حَيْثُ تقُصُّ هِيَ شَعْرَهَا وَأظَافِرَهَا، وَتَتَخَلَّصُ مِنْ ثِيَابِ الأسْرِ. وَلْتَمْكُثْ فِي بَيْتِكَ لِشَهرٍ كَامِلٍ تَبْكِي أبَاهَا وَأُمَّها. ثُمَّ يُمْكِنُكَ أنْ تَتَزَوَّجَهَا، وَتَصيرَ هِيَ زَوْجَتَكَ. فَإنْ لَمْ تَعُدْ سَعِيدًا مَعَهَا، طَلِّقْهَا وَلْتَذْهَبْ هِيَ حَيْثُ تُرِيدُ. لَا يَجُوزُ لَكَ أنْ تَبِيعَهَا بِالمَالِ، أوْ أنْ تُعَامِلَهَا كَجَارِيَةٍ بَعْدَ كُلِّ مَا صَنَعتَهُ بِهَا. «إنْ كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَتَانِ، وَكَانَ يُحِبُّ وَاحِدَةً وَيَرْفُضُ الأُخرَى. وَأنْجَبَتْ كِلتَا الزَّوجَتَيْنِ أبْنَاءً. وَكَانَ البِكرُ مِنَ المَرْأةِ الَّتِي يَرْفُضُهَا، فَإنَّهُ حِينَ يَأْتِي وَقْتُ تَوْزِيعِ أمْلَاكِهِ بَيْنَ بَنِيهِ، لَا يَجُوزُ أنْ يُعَامِلَ ابْنَ زَوْجَتِهِ الَّتِي يُحِبُّهَا بِاعتِبَارِهِ البِكْرَ، مُفَضِّلًا إيَّاهُ عَلَى البِكْرِ الحَقيقِيِّ الَّذِي هُوَ ابْنُ الزَّوجَةِ الَّتِي يَرْفُضُهَا. يَنْبَغِي أنْ يَعْتَرِفَ بِابْنِ زَوْجَتِهِ الَّتِي يَكْرَهُهَا بِاعتِبَارِهِ البِكْرَ، وَأنْ يُعطِيَهُ حِصَّةً مُضَاعَفَةً مِنْ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ، لِأنَّهُ أوَّلُّ أبْنَائِهِ، وَلَهُ حَقُّ الِابْنِ البِكْرِ. «إنْ كَانَ لِأحَدٍ ابْنٌ عَنِيدٌ وَمُتَمَرِّدٌ لَا يُطِيعُ أبَاهُ وَأُمَّهُ، حَتَّى حِينَ يُعَاقِبَانِهِ، فَإنَّ عَلَى أبِيهِ وَأُمِّهِ أنْ يُمسِكَاهُ وَيُحضِرَاهُ إلَى شُيُوخِ مَدَينَتِهِ إلَى بَوَّابَاتِ المَدِينَةِ، وَعَلَى الوَالِدَينِ أنْ يَقُولَا لِلشُّيُوخِ: ‹ابْنُنَا هَذَا عَنِيدٌ وَمُتَمَرِّدٌ وَلَا يُطِيعُنَا، وَهُوَ يَأْكُلُ كَثِيرًا وَيَشْرَبُ كَثِيرًا حَتَّى السُّكرِ.› حِينَئَذٍ، يَرْجُمُهُ رِجَالُ مَدِينَتِهِ حَتَّى المَوْتِ. وَهَكَذَا تُزيلُونَ الشِّرِّيرَ مِنْ وَسَطِكُمْ، فَيَسْمَعَ الشَّعْبُ كُلُّهُ وَيَخَافَ. «فَإنِ ارْتَكَبَ شَخْصٌ جَرِيمَةً تَسْتَوْجِبُ عُقُوبَةَ المَوْتِ، فَقُتِلَ وَعُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ، لَا تَتْرُكُوا الجُثَّةَ عَلَى الخَشَبَةِ فِي اللَّيلِ، بَلِ ادْفِنُوهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. لِأنَّ مَنْ يُعَلَّقُ عَلَى خَشَبَةٍ يَكُونُ تَحْتَ لَعْنَةِ اللهِ. فَلَا تُنَجِّسُوا الأرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا مِيرَاثًا لَكُمْ. «لَا يَنْبَغِي أنْ تَرَى ثَورَ صَاحِبَكَ أوْ خَرُوفَهُ ضَالًّا وَتَتَجَاهَلَهُ، بَلْ يَنْبَغِي أنْ تُعِيدَهُ إلَيْهِ. وَإنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ يَسْكُنُ قَرِيبًا مِنْكَ وَأنْتَ لَا تَعْرِفُهُ، فَأحْضِرْهُ إلَى بَيْتِكَ وَاحتَفِظْ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ بَاحِثًا عَنْهُ. حِينَئِذٍ تُعِيدُهُ إليهِ. وَهَكَذَا تَفْعَلُ إنْ وَجَدْتَ حِمَارَ صَاحِبِكَ أوْ ثِيَابَهُ أوْ أيَّ شَيءٍ ضَاعَ مِنْهُ. فَلَا تَتَجَاهَلِ الأمْرَ. «إذَا رَأيْتَ حِمَارَ صَاحِبَكَ أوْ ثَورَهُ رَاقِدًا فِي الطَّرِيقِ فَلَا تَتَجَاهَلْهُ، بَلْ سَاعِدْ صَاحِبَهُ عَلَى رَفعِهِ. «لَا يَنْبَغِي أنْ تَرْتَدِيَ المَرْأةُ ثِيَابَ رَجُلٍ، وَلَا الرَّجُلُ ثِيَابَ امْرأةٍ. مَنْ يَفْعَلُ هَذَا يَمْقُتُهُ . «إنْ وَجَدْتَ وَأنْتَ تَمْشِي عُشَّ طَيرٍ عَلَى شَجَرَةٍ أوْ عَلَى الأرْضِ وَفِيهِ فِرَاخٌ أوْ بَيضٌ، وَالأُمُّ تَرْقُدُ عَلَى صِغَارِهَا أوْ عَلَى البَيضِ، فَلَا تَأْخُذِ الأُمَّ مَعَ الفِرَاخِ، بَلِ اسْمَحْ لِلأُمِّ بِالذَّهَابِ، ثُمَّ خُذِ الفِرَاخَ، لِكَي يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ وَتَعِيشَ زَمَنًا طَوِيلًا. «إذَا بَنَيتَ بَيْتًا جَدِيدًا، فَابْنِ سُورًا حَوْلَ سَطحِهِ، فَلَا تُحْسَبُ مُذْنِبًا إنْ سَقَطَ شَخْصٌ مِنْ عَلَى سَطْحِ بَيْتِكَ وَمَاتَ. «لَا تَزْرَعْ كَرْمَ العِنَبِ بِالحُبُوبِ، لِأنَّكَ تَخْسَرُ بَذَلِكَ غَلَّةَ العِنَبِ وَمَحْصُولَ الحُبُوبِ كِلَيهِمَا. «لَا تَحْرُثْ عَلَى ثَورٍ وَحِمَارٍ مَعًا. «لَا تَرْتَدِ ثِيَابًا مِنسُوجَةً مِنَ الصُّوفِ وَالكِتَّانِ مَعًا. «وَضَعْ أهدَابًا عَلَى الزَّوَايَا الأرْبَعِ لِثَوبِكَ الَّذِي تَتَغَطَّى بِهِ. «إنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرأةً وَعَاشَرَهَا، ثُمَّ كَرِهَهَا، وَاتَّهَمَهَا بِسُوءِ السُّلُوكِ، وَذَمَّهَا فَقَالَ: ‹تَزَوَّجتُ هَذِهِ الفَتَاةَ، وَلَكِنْ حِينَ عَاشَرْتُهَا، وَجَدْتُ أنَّهَا لَيْسَتْ عَذرَاءَ!› فَإنَّ عَلَى أبِيهَا وَأُمِّهَا أنْ يُحضِرَا دَلِيلًا عَلَى عُذْريَّتِهَا إلَى شُيُوخِ المَدِينَةِ عِنْدَ البَوَّابَةِ. وَيَقُولُ أبُو الفَتَاةِ لِلشُّيُوخِ: ‹أعْطَيْتُ ابْنَتِي لِهَذَا الرَّجُلِ زَوْجَةً لَهُ، لَكِنَّهُ كَرِهَهَا. وَقَدِ اتَّهَمَهَا بِسُوءِ السُّلُوكِ فَقَالَ: وَجَدتُ أنَّ ابْنَتَكَ لَيْسَتْ عَذرَاءَ. وَلَكِنْ هَذَا هُوَ دَلِيلُ عُذْريَّتِهَا.› ثُمَّ يَبْسُطُ الثَّوبَ أمَامَ شُيُوخِ المَدِينَةِ. حِينَئِذٍ، يَأْخُذُ شُيُوخُ تِلْكَ المَدِينَةِ ذَلِكَ الرَّجُلَ وَيُؤَدِّبُونَهُ. وَيَفْرِضُونَ عَلَيْهِ غَرَامَةً مِقدَارُهَا مِئَةُ مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ، يُعطُونَهَا لِأبِي الفَتَاةِ، لِأنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ شَوَّهَ سُمعَةَ عَذرَاءَ فِي إسْرَائِيلَ. وَسَتَبْقَى زَوْجَةً لَهُ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ أنْ يُطَلِّقَهَا مَدَى حَيَاتِهِ. «وَلَكِنْ إنْ كَانَتِ التُّهمَةُ صَحِيحَةً، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى عُذْرِيَّةِ الفَتَاةِ، فَليُؤتَ بِهَا إلَى بَابِ بَيْتِ أبِيهَا. حَيْثُ يَرْجُمُهَا رِجَالُ المَدِينَةِ حَتَّى المَوْتِ، لِأنَّهَا ارتَكَبَتْ عَمَلًا مُشِينًا فِي إسْرَائِيلَ، إذْ أقَامَتْ عَلَاقَةً جِنسيَّةً قَبْلَ الزَّوَاجِ، وَهِيَ فِي بَيْتِ أبِيهَا. وَهَكَذَا تُزِيلُونَ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِ شَعْبِكُمْ. «إنْ عَاشَرَ رَجُلٌ زَوْجَةَ رَجُلٍ آخَرَ، تَقْتُلُونَهُمَا كِلَيهِمَا: الرَّجُلَ الَّذِي عَاشَرَ المَرْأةَ، وَالمَرْأةَ نَفْسَهَا. هَكَذَا تُزِيلُونَ الشَّرَّ مِنْ إسْرَائِيلَ. «إنْ وَجَدَ رَجُلٌ امْرأةً مَخطُوبَةً فِي المَدِينَةِ وَعَاشَرَهَا، يَنْبَغِي أنْ تُحضِرُوهُمَا مَعًا إلَى بَوَّابَةِ المَدِينَةِ، وَأنْ تَرْجُمُوهُمَا حَتَّى المَوْتِ. تَرْجُمُونَ الفَتَاةَ لِأنَّهَا لَمْ تَصْرُخْ لِطَلَبِ المُسَاعَدَةِ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ، وَتَرْجُمُونَ الرَّجُلَ لِأنَّهُ أهَانَ زَوْجَةَ رَجُلٍ آخَرَ. وَهَكَذَا تُزِيلُونَ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكُمْ. «لَكِنْ إنْ وَجَدَ الرَّجُلُ الفَتَاةَ المَخطُوبَةَ فِي الخَلَاءِ، وَاغتَصَبَهَا، فَإنَّ الرَّجُلَ الَّذِي اضطَجَعَ مَعَهَا هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي يَنْبَغِي أنْ يَمُوتَ. فَلَا تُعَاقِبُوا الفَتَاةَ لِأنَّهَا لَمْ تَرْتَكِبْ خَطِيَّةً تَسْتَحِقُّ المَوْتَ. فَهَذِهِ الحَالَةُ تُشبِهُ حَالَةَ رَجُلٍ يُمْسِكُ بِآخَرَ وَيَقْتُلُهُ، إذْ قَدْ وَجَدَهَا فِي الخَلَاءِ. وَرُبَّمَا تَكُونُ قَدْ صَرَخَتْ طَلَبًا لِلمُسَاعَدَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ لِيُسَاعِدَهَا. «وَإنْ وَجَدَ رَجُلٌ فَتَاةً عَذرَاءَ غَيْرَ مَخطُوبَةٍ، وَأجبَرَهَا عَلَى مُعَاشَرَتِهِ، ثُمَّ اكتُشِفَا، فَإنَّ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي اغْتَصَبَهَا أنْ يُعطِيَ أبَا الفَتَاةِ خَمْسِينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ. وَأمَّا هِيَ، فَتُصبِحُ زَوْجَةً لَهُ. وَلِأنَّهُ أذَلَّهَا، لَنْ يَسْتَطِيعَ أنْ يُطَلِّقَهَا. «لَا يَجُوزُ لِأحَدٍ أنْ يَتَزَوَّجَ زَوْجَةَ أبِيهِ، لِأنَّ هَذَا سَيُعِيبُ أبَاهُ. «لَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ مَسْحُوقِ الخِصيَتَيْنِ أوْ مَقطُوعِ العُضوِ أنْ يُحْسَبَ مِنْ شَعْبِ اللهِ . وَلَا يَجُوزُ لِابْنِ الزِّنَا أنْ يُحْسَبَ مِنْ شَعْبِ اللهِ . لَا يُحسَبُ مِنْ جَمَاعَةِ اللهِ هُوَ وَلَا نَسْلُهُ حَتَّى الجِيلِ العَاشِرِ. «لَا يُمْكِنُ لِعَمُّونِيٍّ أوْ مُوَآبِيٍّ وَلَا لِأحَدٍ مِنْ نَسْلِهِمْ، حَتَّى الجِيلِ العَاشِرِ، أنْ يُحسَبُوا مِنْ جَمَاعَةِ اللهِ إلَى الأبَدِ. فَهُمْ لَمْ يَأْتُوا لِيُلَاقُوكُمْ بِالطَّعَامِ وَالمَاءِ فِي الطَّرِيقِ حِينَ خَرَجتُمْ مِنْ مِصْرٍ. وَقَدِ استَأْجَرُوا ضِدَّكُمْ بَلْعَامَ بنَ بَعُورَ، الَّذِي مَنْ مَدِينَةِ فَتُورَ فِي بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهرَينِ، لِكَي يَلْعَنَكُمْ. لَكِنَّ رَفَضَ الِاسْتِمَاعَ إلَى بَلْعَامَ، وَحَوَّلَ اللَّعنَةَ إلَى بَرَكَةٍ لَكُمْ، لِأنَّ يُحِبُّكُمْ. فَلَا تَطْلُبُوا سَلَامَهُمْ أوْ خَيرَهُمْ طَوَالَ حَيَاتِكُمْ. «لَا تَكْرَهُوا أدُومِيًّا لِأنَّهُ أخُوكُمْ. وَلَا تَكْرَهُوا مِصْرِيًّا لِأنَّكُمْ كَنتُمْ غُرَبَاءَ فِي بَلَدِهِ. وَالَّذِينَ يُولَدُونَ مِنْ نَسْلِهِمْ فِي الجَيلِ الثَّالِثِ، يُمكِنُهُمْ أنْ يَنْضَمُّوا إلَى جَمَاعَةِ اللهِ . «وَحِينَ تَخْرُجُونَ فِي جَيْشٍ ضِدَّ أعْدَائِكُمْ تَجَنَّبُوا أيَّ شَيءٍ نَجِسٍ. إنْ وُجِدَ فِي وَسَطِكُمْ رَجُلٌ غَيْرُ طَاهِرٍ بِسَبَبِ احْتِلَامٍ لَيلِيٍّ، فَليَخْرُجْ مِنَ المُعَسكَرِ وَلَا يَدْخُلْهُ. وَعِنْدَمَا يَأْتِي المَسَاءُ، يَسْتَحِمُّ بِالمَاءِ. وَحِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ يَدْخُلُ المُعَسكَرَ. «وَيَكُونُ لَكُمْ أيْضًا مَكَانٌ خَارِجَ المُعَسْكَرِ لِقَضَاءِ الحَاجَةِ. فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَصًا وَعُدَّةٌ لِيَحْفِرَ ثُمَّ يُغَطِّي فَضَلَاتِهِ بَعْدَ أنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ. لِأنَّ يَجُولُ فِي وَسَطِ مُعَسكَرِكُمْ لِيُنقِذَكُمْ وَيُسَاعِدَكُمْ لِتَهْزِمُوا أعْدَاءَكُمْ. فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ المُعَسكَرُ مَقَدَّسًا كَي لَا يَرَى شَيْئًا غَيْرَ لَائِقٍ بَيْنَكُمْ فَيَتْرُكَكُمْ. «لَا تُرْجِعُوا عَبْدًا هَارِبًا إلَى سَيِّدِهِ، بَلِ اسْمَحُوا لَهُ بِأنْ يَسْكُنَ فِي وَسَطِكُمْ، فِي المَكَانِ الَّذِي يَختَارُهُ فِي أيَّةِ مَدِينَةٍ حَيْثُ يُرِيدُ، فَلَا تُزعِجُوهُ. «لَا يَجُوزُ لِامْرَأةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ تَعْمَلَ عَاهِرَةً فِي مَعْبَدٍ. «لَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يُعَاشِرَ الرِّجَالَ فِي مَعْبَدٍ. لَا تُدخِلُوا أجْرَ عَاهِرَةٍ أوْ شَاذٍّ إلَى بَيْتِ لِتَدْفَعُوا عَنْ نَذْرٍ تَعَهَدْتُمْ بِهِ، لِأنَّ هَذَا مَمقُوتٌ عِنْدَ . «لَا تَفْرِضُوا الرِّبَا عَلَى أحَدٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ يَقْتَرِضُ مِنْكُمْ مَالًا أوْ طَعَامًا أوْ أيَّ شَيءٍ آخَرَ. يُمْكِنُ أنْ تأخُذُوا فَائِدَةً مِنَ الغَرِيبِ، لَا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. كَي يُبَارِكَكُمْ فِي كُلِّ شَيءٍ تَعْمَلُونَهُ فِي الأرْضِ الَّتِي سَتَدْخُلُونَ لِتَمْتَلِكُوهَا. «إذَا نَذَرْتُمْ نَذْرًا ، فَلَا تَتَأخَّرُوا عَنِ الوَفَاءِ بِهِ، لِأنَّ سَيُطَالِبُكُمْ بِهِ وَسَتَكُونُونَ مُذنِبِينَ إنْ تَأخَّرتُمْ فِي الوَفَاءِ بِهِ. لَكِنْ إنْ لَمْ تَنْذِرُوا لَا تَكُونُونَ مُذنِبِينَ. احْرِصُوا عَلَى عَمَلِ مَا تَقُولُونَ بِأنَّكُمْ سَتَعْمَلُونَهُ. أوفُوا النُّذُورَ الَّتِي نَذَرْتُمُوهَا طَوعًا . «إنْ دَخَلَ أحَدُكُمْ كَرْمَ شَخْصٍ آخَرَ، يُمكِنُهُ أنْ يَأْكُلَ قَدْرَ مَا يُرِيدُ مِنَ العِنَبِ إلَى الشَّبَعِ. وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أنْ يَضَعَ مَنهُ فِي كِيسٍ. إنْ عَبَرَ أحَدُكُمْ فِي حَقْلِ قَمْحٍ لِشَخْصٍ آخَرَ، يُمكِنُهُ أنْ يَقْطِفَ مِنْ سَنَابِلِهِ وَيَأْكُلَ. وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أنْ يَسْتَخْدِمَ المِنجَلَ عَلَى قَمْحِ شَخْصٍ آخَرَ لِيَحْمِلَ مَعَهُ. «إنَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنَ امْرأةٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يُسَرَّ بِهَا لَاحِقًا لِأنَّهُ وَجَدَ فِيهَا أمْرًا مُزعِجًا، وَكَتَبَ لَهَا وَثيقَةَ طَلَاقٍ وَأعْطَاهَا لَهَا، وَصَرَفَهَا مِنْ بَيْتِهِ، فَغَادَرَتِ البَيْتَ وَتَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ، وَالزَّوجُ الثَّانِي لَمْ يُسَرَّ بِهَا أيْضًا، فَكَتَبَ لَهَا وَثيقَةَ طَلَاقٍ وَأعْطَاهَا لَهَا، وَصَرَفَهَا مِنْ بَيْتِهِ، أوْ إنْ مَاتَ زَوْجُهَا الثَّانِي، فَإنَّ الزَّوجَ الأوَّلَ الَّذِي صَرَفَهَا لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً، بَعْدَ أنْ صَارَتْ مُنَجَّسَةً بِالنِّسبَةِ لَهُ. اللهُ يُبغِضُ ذَلِكَ وَيَمْقُتُهُ. فَلَا تَجْلِبْ خَطيَّةً عَلَى الأرْضِ الَّتِي أعْطَاهَا لَكَ مِيرَاثًا. «حِينَ يَكُونُ الرَّجُلُ حَدِيثَ الزَّوَاجِ، فَإنَّهُ يُعفَى مِنَ الذَّهَابِ مَعَ الجَيْشِ، وَلَا يُكَلَّفُ بِمَسؤلِيَّاتٍ عَامَّةٍ. وَيَكُونُ حُرًّا لِيَبْقَى فِي بَيْتِهِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُسعِدَ زَوْجَتَهُ. «لَا يَجُوزُ لِأحَدٍ أنْ يَأْخُذَ أيًّا مِنْ حَجَرَي الرَّحَى كَضَمَانٍ عَلَى قَرضٍ، لِأنَّهُ يَأْخُذُ شَيْئًا أسَاسِيًّا لِلحَيَاةِ. «إذَا خَطَفَ أحَدٌ شَخْصًا مِنْ شَعْبِهِ، بَنِي إسْرَائِيلَ، وَاستَعْبَدَهُ أوْ بَاعَهُ، فَإنَّ هَذَا الخَاطِفَ يُقْتَلُ، فَتُزِيلُونَ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكُمْ. «إذَا أُصِبْتَ بِالبَرَصِ، فَاحرِصْ عَلَى إطَاعَةِ كُلِّ مَا يُعَلِّمُهُ الكَهَنَةُ اللَّاوِيُّونَ لَكَ. وَاعْمَلْ مَا أوصَيتُكَ بِهِ. وَتَذَكَّرْ مَا عَمِلَهُ بِمَريَمَ فِي الرِّحلَةِ بَعْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرٍ. «حِينَ تُقرِضُ شَخْصًا أيَّ شَيءٍ، لَا تَدْخُلْ بَيْتَهُ لِأخذِ ضَمَانَتِهِ، بَلْ قِفْ خَارِجًا. الرَّجُلُ الَّذِي أقْرَضْتَهُ سَيُخرِجُ لَكَ الضَّمَانَةَ. فَإنْ كَانَ فَقِيرًا، لَا تَنَمْ فِي ثَوبِهِ الَّذِي أعطَاهُ لَكَ كَضَمَانةٍ. بَلْ أعِدْهُ إلَيْهِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَنَامَ فِيهِ فَيُبَارِكَكَ. وَيَكُونُ هَذَا حَسَنًا أمَامَ . «لَا تَأْكُلْ حَقَّ أجِيرٍ فَقِيرٍ وَمُحتَاجٍ، سَوَاءٌ أكَانَ إسرَائِيلِيًّا أمْ غَرِيبًا يَسْكُنُ أرْضَكَ فِي إحْدَى مُدُنِكَ. ادْفَعْ لَهُ أُجرَتَهُ فِي اليَوْمِ ذَاتِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، لِأنَّهُ فَقِيرٌ وَيَعْتَمِدُ عَلَى أُجرَتِهِ. فَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَإنَّهُ سَيَشْتَكِي عَلَيْكَ إلَى اللهِ فَتُحْسَبَ مُذْنِبًا أمَامَهُ. «لَا ينبَغِي أنْ يُقتَلَ الآبَاءُ لِأجْلِ الأوْلَادِ، وَلَا أنْ يُقتَلَ الأوْلَادُ لِأجْلِ الآبَاءِ. بَلْ يُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ خَطِيَّتِهِ. «لَا تَحْكُمْ عَلَى غَرِيبٍ أوْ يَتِيمٍ بِغَيرِ عَدلٍ، وَلَا تَأْخُذْ ثَوبَ أرمَلَةٍ كَضَمَانَةٍ. تَذَكَّرْ أنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي مِصْرٍ، وَأنَّ حَرَّرَكَ مِنْ هُنَاكَ. وَلِهَذَا فَأنَا أُوصِيكَ بِأنْ تَعْمَلَ ذَلِكَ. «إذَا جَمَعْتَ حَصَادَ حَقلِكَ وَنَسِيتَ حُزمَةَ قَمْحٍ فِي الحَقْلِ، لَا تَعُدْ لِأخْذِهَا. سَتَكُونُ هَذِهِ الحُزمَةُ لَلغَرِيبِ وَاليَتِيمِ وَالأرمَلَةِ، لِيُبَارِكَكَ فِي كُلِّ شَيءٍ تَعْمَلُهُ. وَحِينَ تَخْبِطُ زَيْتُونَكَ عَنْ أشْجَارِ الزَّيْتُونِ، لَا تَذْهَبْ لِخَبطِ الأغْصَانِ ثَانِيَةً. فَمَا يَتَبَقَّى مِنَ الزَّيْتُونِ سَيَكُونُ لِلغَرِيبِ وَاليَتِيمِ وَالأرمَلَةِ. وَحِينَ تَجْمَعُ العِنَبَ مِنَ الكَرْمِ، لَا تَعُدْ لِجَمعِ العِنَبِ المُتَبَقِّي. فَمَا يَتَبَقَّى مِنَ العِنَبِ سَيَكُونُ لِلغَرِيبِ وَاليَتِيمِ وَالأرمَلَةِ. تَذَكَّرْ أنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أرْضِ مِصْرٍ. وَلِهَذَا فَأنَا أُوصِيكَ بِأنْ تَعْمَلَ ذَلِكَ. «حِينَ يَقَعُ نِزَاعٌ بَيْنَ شَخصَيْنِ، فَليَذْهَبَا إلَى المَحْكَمَةِ. وَعَلَى القُضَاةِ أنْ يَفْصِلُوا بَيْنَهُمَا، فَيُحَدِّدُوا مَنِ البَريءُ وَمَنِ المُذْنِبُ. فَإنْ كَانَ المُذْنِبُ يَسْتَحِقُّ الجَلدَ، يأمُرُهُ القَاضِي بِأنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى بَطنِهِ. وَيُجلَدُ أمَامَ القَاضِي بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ ذَنبِهِ. عَلَى ألَّا يَزِيدَ عَدَدُ الجَلْدَاتِ عَنْ أرْبَعِينَ. فَإنْ جَلَدُوهُ أكْثَرَ، يَكُونُ ذَلِكَ إهَانَةً عَلَنِيَّةً. «لَا تُكَمِّمْ ثَوْرًا وَهْوَ يَدْرُسُ القَمْحَ. «حِينَ يَسْكُنُ إخْوَةٌ مَعًا وَيَمُوتُ أحَدُهُمْ دُونَ أنْ يَكُونَ قَدْ أنْجَبَ ابْنًا، فَلَا يَنْبَغِي أنْ تَتَزَوَّجَ أرمَلَةُ المُتَوَفِّى مِنْ رَجُلٍ خَارِجَ عَائِلَةِ زَوْجِهَا. عَلَى أخِي زَوْجِهَا أنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيُعَاشِرَهَا، وَيَقُومَ بِوَاجِبِ أخِي الزَّوجِ تُجَاهَهَا. وَأوَّلُ وَلَدٍ تَلِدُهُ سَيُعتَبَرُ ابْنَ المُتَوَفَّى. وَهَكَذَا لَا يُمحَى اسْمُهُ مِنْ إسْرَائِيلَ. «فَإنْ رَفَضَ الرَّجُلُ أنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ أرمَلَةِ أخِيهِ، تَذْهَبُ إلَى الشُّيُوخِ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ وَتَقُولُ لَهُمْ: ‹يَرْفُضُ أخُو زَوْجِي أنْ يَبْقَى اسْمُ أخِيهِ فِي إسْرَائِيلَ. وَلَا يُريدُ القِيَامَ بِوَاجِبِ أخِي الزَّوجِ مَعِي.› فَيَسْتَدْعِيهِ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيُكَلِّمُوهُ. فَإنْ أصَرَّ وَقَالَ: ‹لَا أُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنْهَا.› تَتَقَدَّمُ أرمَلَةُ أخِيهِ إلَيْهِ أمَامَ الشُّيُوخِ، وَتَنْزِعُ حِذَاءَهُ مِنْ رِجلِهِ، وَتَبْصُقُ فِي وَجْهِهِ وَتَقُولُ: ‹هَذَا مَا يُصْنَعُ بِرَجُلٍ لَا يُرِيدُ أنْ يُعطِيَ نَسْلًا لِأخِيهِ.› وَعِنْدَهَا تُعْرَفُ عَائِلَتُهُ فِي إسْرَائِيلَ بِاسْمِ ‹عَائِلَةِ الحَافِي!› «إذَا تَشَاجَرَ رَجُلَانِ، وَأتَتْ زَوْجَةُ أحَدِهِمَا لِتُنقِذَ زَوْجَهَا مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَضْرِبُهُ، وَمَدَّتْ يَدَهَا وَأمسَكَتْ بِعُضْوِهِ، فَاقطَعُوا يَدَهَا، وَلَا تُظهِرُوا شَفَقَةً عَلَيْهَا. «لَا تَحْتَفِظْ فِي كِيسِكَ بِمِعيَارٍ ثَقِيلٍ وَآخَرَ خَفِيفٍ. وَلَا يَكُنْ فِي بَيْتِكَ مِكيَالٌ كَبِيرٌ وَآخَرُ صَغِيرٌ. بَلْ لِيَكُنْ لَكَ مِعيَارٌ سَلِيمٌ وَكَامِلٌ، وَمِكيَالٌ سَلِيمٌ وَكَامِلٌ، لِتَحيَا طَوِيلًا فِي الأرْضِ الَّتِي سَيُعْطِيهَا لَكَ. لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الأُمُورَ وَيَغِشُّ بِمَعَايِيرَ وَمَكَايِيلَ مَغْشُوشَةٍ، مَمْقُوتٌ مِنَ . «اذْكُرُوا مَا عَمِلَهُ شَعْبُ عَمَالِيقَ بِكُمْ فِي رِحلَتِكُمْ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرٍ، كَيْفَ أتَوْا عَلَيْكُمْ فَجْأةً فِي الطَّرِيقِ، وَقَضَوْا عَلَى كُلِّ المُتَأخِّرِينَ فِي الخَلفِ. فَقَدْ كُنْتُمْ ضُعَفَاءَ وَمُنهَكِينَ، وَهُمْ لَمْ يَخَافُوا اللهَ. فَحِينَ يُرِيحُكُمْ مِنْ كُلِّ أعْدَائِكُمْ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ فِي الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ لِتمتَلِكُوهَا، امحُوا شَعْبَ عَمَالِيقَ مِنَ الأرْضِ. لَا تَنْسَوْا ذَلِكَ! «حِينَ تَدْخُلُونَ الأرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ وَتَمْتَلِكُونَهَا وَتَسْتَقِرُّونَ فِيهَا، خُذُوا مِنْ أوَّلِ جَمِيعِ ثِمَارِ الأرْضِ وَمَحْصُولِهَا الَّذِي تَجْنُونَهُ. ضَعُوهُ فِي سَلَّةٍ وَاذْهَبُوا إلَى المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ لِيُسكِنَ اسْمَهُ فِيهِ. فَيَذْهَبُ صَاحِبُ التَّقدِمَةِ إلَى الكَاهِنِ الَّذِي يَخْدِمُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَيَقُولُ لَهُ: ‹أُعلِنُ اليَوْمَ بِأنَّنِي دَخَلْتُ الأرْضَ الَّتِي أقْسَمَ اللهُ لِآبَائِنَا بِإعطَائِهَا لَنَا.› «فَيَأْخُذُ الكَاهِنُ السَّلَّةَ مِنْ يَدِهِ وَيَضَعُهَا أمَامَ مَذْبَحِ . ثُمَّ يَقُولُ فِي حَضْرَةِ : ‹كَانَ أبِي أرَامِيَّا مُتَجَوِّلًا. وَنَزَلَ إلَى مِصْرٍ، وَعَاشَ هُنَاكَ غَرِيبًا مَعَ عَدَدٍ قَلِيلٍ مِنَ النَّاسِ. لَكِنَّهُ صَارَ هُنَاكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَقَوِيَّةً وَكَثِيرَةً. وَعَامَلَنَا المِصْرِيُّونَ بِقَسوَةٍ، وَجَعَلُونَا نُعَانِي وَنَعمَلُ أعْمَالًا قَاسِيَةً. فَصَرَخْنَا إلَى اللهِ ، إلَهِ آبَائِنَا، فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَنَا، وَرَأى مُعَانَاتَنَا وَضِيقَنَا وَبُؤْسَنَا. ثُمَّ أخرَجَنَا اللهُ مِنْ مِصْرٍ بِيَدِهِ الجَبَّارَةِ وَذِرَاعِهِ المَمْدُودَةِ، بِقُدرَتِهِ وَأعْمَالِهِ الرَّهِيبَةِ وَآيَاتِهِ وَعَجَائِبِهِ. وَأحضَرَنَا إلَى هَذَا المَكَانِ، وَأعطَانَا هَذِهِ الأرْضَ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. وَهَا أنَا الآنَ أُحضِرُ أوَّلَ ثِمَارِ الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتَهَا لَنَا يَا اللهُ .› فَيَنْبَغِي أنْ يَتْرُكَ السَّلَّةَ فِي حَضْرَةِ . وَيَنْحَنِي أمَامَ . ثُمَّ يَحْتَفِلَ مَعَ اللَّاوِيِّينَ وَالغُرَبَاءِ الَّذِينَ فِي وَسَطِ الشَّعْبِ بِكُلِّ الخَيْرَاتِ الَّتِي أعْطَاهَا لَهُ وَلِعَائِلَتِهِ. «وَحِينَ تَنْتَهِي مِنْ فَرزِ عُشُورِ مَحَاصِيلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَأعْطَيْتَهَا لِلَّاوِيِّينَ وَالغُرَبَاءِ وَاليَتَامَى وَالأرَامِلِ، لِيَكُونَ لَهُمْ طَعَامٌ وَفيرٌ فِي كُلِّ مُدُنِكَ. فَتَقُولُ فِي حَضْرَةِ : ‹أخرَجْتُ مِنْ بَيْتِي الجُزْءَ المُقَدَّسَ مِنَ الحَصَادِ، وَأعْطَيْتُهُ لِلَّاوِيِّينَ وَالغُرَبَاءِ وَاليَتَامَى وَالأرَامِلِ كَمَا أوصَيتَنِي أنْ أفعَلَ، لَمْ أعْصِ وَلَمْ أنسَ وَاحِدَةً مِنْ وَصَايَاكَ. لَمْ آكُلْ مِنْهُ فِي وَقْتِ النَّوحِ. وَلَا أخَذْتُ مِنْهُ وَأنَا نَجِسٌ. لَمْ أُقَدِّمْ مِنْهُ طَعَامًا لِمَيِّتٍ، بَلْ أطَعْتُ وَعَمِلتُ جَمِيعَ مَا أوصَيتَنِي بَهِ. انْظُرْ مِنْ مَسكَنِكَ المُقَدَّسِ، مِنَ السَّمَاءِ، وَبَارِكْ شَعْبَكَ إسْرَائِيلَ، وَالأرْضَ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا الَّتِي أعْطَيْتَهَا لَنَا كَمَا أقسَمتَ لِآبَائِنَا.› «يَأْمُرُكُمْ اليَوْمَ بِأنْ تَحْفَظُوا هَذِهِ الشَّرَائِعَ وَالفَرَائِضَ، وَأنْ تُطِيعُوهَا بِحِرصٍ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ. فَأنْتُمُ اليَوْمَ قَدِ اتَّفَقْتُمْ مَعَ اللهِ أنْ يَكُونَ هُوَ إلَهُكُمْ، وَأنْ تَحْيَوْا بِحَسَبِ مَشِيئَتِهِ، وَأنْ تَحْفَظُوا شَرَائِعَهُ وَفَرَائِضَهُ، وَأنْ تُطِيعُوهُ. كَمَا قَطَعَ اللهُ اليَوْمَ عَهْدًا مَعَكُمْ، أنْ تَكُونُوا شَعْبَهُ الخَاصَّ الثَّمِينَ كَمَا وَعَدَكُمْ، وَأنْ تَحْفَظُوا أنْتُمْ جَمِيعَ وَصَايَاهُ. وَهُوَ سَيَجْعَلُكُمْ أعْظَمَ صِيتًا وَسُمعَةً وَكَرَامَةً مِنْ كُلِّ الأُمَمِ الَّتِي خَلَقَهَا. وَسَتَكُونُونَ شَعْبًا مُخَصَّصًا كَمَا قَالَ.» وَأوصَى مُوسَى وَالشُّيُوخُ الشَّعْبَ وَقَالُوا لَهُمْ: «احفَظُوا جَمِيعَ الوَصَايَا الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ. فَعِنْدَمَا تَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ إلَى الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ، انْصُبُوا حِجَارَةً عَظِيمَةً وَغَطُّوهَا بِالكِلْسِ. وَانْقُشُوا عَلَيْهَا كُلَّ كَلَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ فَورَ عُبُورِكُمْ نَهْرَ الأُرْدُنِّ، لِتَدْخُلُوا الأرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ. الأرْضَ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، كَمَا وَعَدَكُمُ اللهُ ، إلَهُ آبَائِكُمْ. «فَحِينَ تَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ، انْصُبُوا الحِجَارَةَ الَّتِي أُوصِيكُمُ اليَوْمَ بِأنْ تَنْصِبُوهَا، عَلَى جَبَلِ عِيبَالَ، وَغَطُّوهَا بِالكِلسِ. وَابْنُوا مَذْبَحًا مِنْ حِجَارَةٍ دُونَ استِخدَامِ أيَّةِ أدَاةٍ حَدِيدِيَّةٍ. ابْنُوا المَذْبَحَ مِنْ حِجَارَةٍ كَامِلَةٍ غَيْرِ مَقطُوعَةٍ، وَقَدِّمُوا عَلَيْهِ تَقْدِمَاتٍ . فَتَذْبَحُونَ وَتَأْكُلُونَ ذَبَائِحَ سَلَامٍ، وَتَفْرَحُونَ فِي حَضْرَةِ . وَانْقُشُوا عَلَى هَذِهِ الحِجَارَةِ كَلَامَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِشَكلٍ وَاضِحٍ وَمَفهُومٍ.» ثُمَّ قَالَ مُوسَى وَالكَهَنَةُ اللَّاوِيُّونَ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ: «أصْغُوا يَا بَنِي إسْرَائِيلَ وَاستَمِعُوا! قَدْ صِرتُمُ اليَوْمَ شَعْبًا . فَأطِيعُوا ، وَاعْمَلُوا بِكُلِّ وَصَايَاهُ وَشَرَائِعَهُ الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ.» وَأوصَى مُوسَى الشَّعْبَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ أيْضًا وَقَالَ: «هَذِهِ هِيَ القَبَائِلُ الَّتِي سَتَقِفُ عَلَى جَبَلِ جِرِزِّيمَ لِتُبَارِكَ الشَّعْبَ حِينَ تَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ: شَمعُونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَيُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ. وَهَذِهِ هِيَ القَبَائِلُ الَّتِي سَتَقِفُ عَلَى جَبَلِ عِيبَالَ لِتُعلِنَ اللَّعْنَةَ: رَأُوبَينُ وَجَادٌ وَأشِيرُ وَزَبُولُونُ وَدَانٌ وَنَفْتَالِي. «وَسَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يَأْخُذُ تِمثَالًا مَنحُوتًا أوْ مَعدَنِيًّا صَنَعَهُ إنْسَانٌ، وَيَضَعُهُ فِي مَكَانٍ مَخفِيٍّ لِيَعْبُدَهُ، لِأنَّ ذَلِكَ مَمقُوتٌ لَدَى اللهِ .› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لَا يُكرِمُ أبَاهُ أوْ أُمَّهُ.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يُحَرِّكُ عَلَامَاتِ حُدُودِ أرْضِ جَارِهِ.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يُضِلُّ أعْمَى فِي الطَّرِيقِ.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يَحْكُمُ بِغَيرِ عَدلٍ بِحَقِّ الغَرِيبِ وَاليَتِيمِ وَالأرمَلَةِ.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يُعَاشِرُ زَوْجَةَ أبِيهِ، لِأنَّهُ يُهِينُ أبَاهُ.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يُعَاشِرُ حَيَوَانًا.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يُعَاشِرُ أُخْتَهُ الشَّقِيقَةَ أوْ أُخْتَهُ مِنْ أُمِّهِ أوْ أبِيهِ.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يُعَاشِرُ حَمَاتَهُ.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يُهَاجِمُ أحَدًا فِي الخَفَاءِ.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يَأْخُذُ رِشوَةً لِقَتلِ إنْسَانٍ بَرِيءٍ.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.› «وَيَقُولُ اللَّاوِيُّونَ: ‹مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لَا يَحْفَظُ كَلَامَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَيُطِيعُهَا.› «فَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ‹آمِينَ.›» «إن أطَعْتُم بِحِفظِ جَمِيعِ وَصَايَاهِ الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ، فَإنَّ سَيَجْعَلُكُمْ أعْظَمَ مِنْ كُلِّ أُمَمِ الأرْضِ. وَسَتَأْتِي كُلُّ هَذِهِ البَرَكَاتِ عَلَيْكُمْ إنْ أطَعْتُمْ وَصَايَا : «تَكُونُونَ مُبَارَكِينَ فِي المَدِينَةِ، وَمُبَارَكِينَ فِي الحَقْلِ. وَيَكُونُ أوْلَادُكُمْ مُبَارَكِينَ، وَمَحَاصِيلُكُمْ مُبَارَكَةً، وَأبْكَارُ حَيَوَانَاتِكُمْ مُبَارَكَةً، وَعُجُولُكُمْ وَحِملَانُكُمْ مُبَارَكَةً. وَسِلَالُكُمْ وَمَعَاجِنُكُمْ مُبَارَكَةً. مُبَارَكِينَ تَكُونُونَ حِينَ تَدْخُلُونَ، وَمُبَارَكِينَ حِينَ تَخْرُجُونَ. «وَسَيُعينُكُمُ اللهُ فِي هَزِيمَةِ أعْدَائِكُمْ حِينَ يَهْجُمُونَ عَلَيْكُمْ. سَيَهْجُمُونَ عَلَيْكُمْ مِنِ اتِّجَاهٍ وَاحِدٍ، لِكَنْ سَيَهْرُبُونَ فِي سَبْعَةِ اتِّجَاهَاتٍ. «وَسَيُبَارِكُكُمُ اللهُ بِمَخَازِنَ مَملُوءَةٍ، وَسَيُبَارِكُ كُلَّ شَيءٍ تَفْعَلُونَهُ. سَيُبَارِكُكُمُ اللهُ فِي الأرْضِ الَّتِي سَيُعْطِيهَا لَكُمْ. وَسَيَجْعَلُكُمْ اللهُ شَعْبًا مُقَدَّسًا وَخَاصًّا لَهُ، كَمَا أقْسَمَ لَكُمْ، إنْ أطَعتُمْ وَصَايَا وَعِشتُمْ كَمَا يُرِيدُ لَكُمْ أنْ تَعِيشُوا. حِينَئِذٍ، سَتَرَى كُلُّ شُعُوبِ الأرْضِ أنَّكُمْ شَعْبٌ مَدعُوٌّ بِاسْمِ اللهِ ، وَأنَّهُ هُوَ حَامِيكُمْ، فَيَخَافُونَ مَنكُمْ. «وَسَيُنجِحُكُمُ اللهُ بِشَكلٍ عَظِيمٍ، فَيُعطِيكُمْ أوْلَادًا كَثِيرِينَ، وَنَسْلًا كَثِيرًا لِحَيَوَانَاتِكُمْ وَمَحصُولًا عَظِيمًا فِي أرْضِكُمُ الَّتِي أقْسَمَ اللهُ لِآبَائِكُمْ أنْ يُعطِيَهَا لَكُمْ. وَسَيَفْتَحُ اللهُ لَكُمْ مَخَازِنَ بَرَكَاتِهِ السَّمَاوِيَّةِ، فَيُعطِي مَطَرًا لِأرضِكُمْ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ، وَيُبَارِكُكُمْ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُونَ. وَسَيَكُونُ لَدَيْكُمْ مَالٌ لِتُقرِضُوا الأُمَمَ الأُخرَى، وَأنْتُمْ لَنْ تَقْتَرِضُوا. وَيَجْعَلُكُمْ اللهُ رَأسًا لَا ذَنَبًا. وَتَكُونُونَ فِي القِمَّةِ لَا فِي القَاعِ. هَذَا إنْ أطَعْتُمْ وَصَايَا الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ، وَحَفِظتُمُوهَا بِحِرصٍ، وَلَمْ تَنْحَرِفُوا يَمِينًا أوْ يَسَارًا عَنْ كَلِمَاتِي الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ، فَلَمْ تَتْبَعُوا آلِهَةً أُخْرَى لِتَعْبُدُوهَا. «وَلَكِنْ إنْ لَمْ تُطِيعُوا ، وَلَمْ تَحْرِصُوا عَلَى حِفظِ كُلِّ وَصَايَاهُ وَشَرَائِعِهِ الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ، سَتَأْتِي عَلَيْكُمْ كُلُّ هَذِهِ اللَّعْنَاتِ: «مَلعُونِينَ تَكُونُونَ فِي المَدِينَةِ، وَمَلعُونِينَ فِي الحَقْلِ. تَكُونُ سِلَالُكُمْ وَمَعَاجِنُكُمْ مَلعُونَةً. وَأوْلَادُكُمْ وَمَحَاصِيلُكُمْ وَعُجُولُ بَقَرِكُمْ وَحِملَانُ غَنَمِكُمْ مَلعُونَةً. مَلعُونِينَ تَكُونُونَ حِينَ تَدْخُلُونَ، وَمَلعُونِينَ حِينَ تَخْرُجُونَ. «وَيُرسِلُ اللهُ عَلَيْكُمْ لَعنَةً وَاضْطِرَابًا وَإحْبَاطًا فِي كُلِّ شَيءٍ تُحَاوِلُونَ عَمَلَهُ، حَتَّى تَهْلِكُوا وَتَفْنَوْا سَرِيعًا بِسَبَبِ أعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ، إذْ تَرَكْتُمْ اللهَ . وَيُصِيبُكُمُ اللهُ بِمَرَضٍ مُرعِبٍ، فَيُبِيدُكُمْ مِنَ الأرْضِ الَّتِي تَدْخُلُونَ إلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا. وَيُعَاقِبُكُمُ اللهُ بِالحُمَّى وَالِانتِفَاخِ وَالحَرَارَةِ وَالجَفَافِ وَالرِّيَاحِ الحَارِقَةِ وَاليَرَقَانِ، إلَى أنْ تَهْلِكُوا. وَسَتَكُونُ السَّمَاءُ كَالبُرُونْزِ فَوْقَ رُؤُوسِكُمْ، وَتَكُونُ الأرْضُ مِنْ تَحْتِكُمْ كَالحَدِيدِ. وَيُحَوِّلُ اللهُ مَطَرَ أرْضِكُمْ إلَى غُبَارٍ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إلَى أنْ تَبِيدُوا. «وَسَيَجْعَلُكُمُ اللهُ تُهزَمُونَ أمَامَ أعْدَائِكُمْ. تَخْرُجُونَ ضِدَّهُمْ مِنَ اتِّجَاهٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّكُمْ سَتَهْرُبُونَ مِنْهُمْ فِي سَبْعَةِ اتِّجَاهَاتٍ. وَيَخَافُ كُلُّ سُكَّانِ الأرْضِ حِينَ يَرَوْنَ الشُّرُورَ الَّتِي حَدَثَتْ لَكُمْ. وَتَكُونُ جُثَثُكُمْ طَعَامًا لِكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ وَحَيَوَانَاتِ الأرْضِ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يُخِيفُهَا. «وَيُعَاقِبُكُمُ اللهُ بِالقُرُوحِ وَالدَّمَامِلِ، كَمَا ضَرَبَ المِصْرِيِّينَ بِالقُرُوحِ وَالبَوَاسِيرِ وَالجَرَبِ وَالحَكَّةِ الَّتِي لَا شِفَاءَ مِنْهَا. وَيُصِيبُكُمُ اللهُ بِالجُنُونِ وَالعَمَى وَالتَّشوِيشِ، فَتَتَلَمَّسُونَ طَرِيقَكُمْ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ كَالأعمَى الَّذِي يَتَلَمَّسُ طَرِيقَهُ فِي الظَّلَامِ، وَتَفْشَلُونَ فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُونَهُ، وَلَيْسَ مَنْ يُنْقِذُكُمْ أوْ يُسَاعِدُكُمْ. «يَخْطِبُ أحَدُكُمُ امْرأةً، وَرَجُلٌ آخَرُ يَغْتَصِبُهَا. تَبْنِي بَيْتًا وَلَا تَسْكُنُ فِيهِ، وَتَزْرَعُ كَرْمًا وَلَا تَتَمَتَّعُ بِثَمَرِهِ. يُذْبَحُ ثَورُكَ أمَامَكَ، وَلَا تَأْكُلُ مِنْهُ. وَيُسْرَقُ حِمَارُكَ أمَامَكَ، وَلَا يُعَادُ لَكَ. سَتُعطِي غَنَمَكَ لِأعْدَائِكَ، وَلَنْ تَجِدَ مَنْ يُنْقِذُكَ وَيُسَاعِدُكُ. «سَيُعطَى أبْنَاؤكَ وَبَنَاتُكَ لِشَعْبٍ آخَرَ، فَتَكِلُّ عَينَاكَ وَهُمَا تَنْتَظِرَانِ عَودَتَهُمْ. لَكِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ فِعلَ شَيءٍ. «شَعْبٌ لَا تَعْرِفُهُ سَيَأْكُلُ مَحَاصِيلَكَ وَكُلَّ مَا تَعِبتَ فِي عَمَلِهِ. وَلَنْ تَجِدَ سِوَى سُوءِ المُعَامَلَةِ وَالِاسْتِغلَالِ دَائِمًا. وَسَتُصَابُ بِالجُنُونِ بِسَبَبِ مَا تَرَاهُ. وَسَيَضْرِبُكُ اللهُ بِقُرُوحٍ مُؤلِمَةٍ عَلَى رُكبَتَيْكَ وَسَاقَيكَ. وَلَا تَجِدُ لَهَا شِفَاءً مِنْ أسْفَلِ قَدَمِكَ إلَى أعْلَى رَأسِكَ. «سَيُرسِلُكُمُ اللهُ ، أنْتُمْ وَمَلِكَكُمُ الَّذِي اختَرْتُمُوهُ، إلَى أُمَّةٍ لَمْ تَعْرِفُوهَا، وَلَمْ يَعْرِفْهَا آبَاؤكُمْ مِنْ قَبلِكُمْ. وَهُنَاكَ سَتَعْبُدُونَ وَتَخْدِمُونَ آلِهَةً أُخْرَى مَصْنُوعَةً مِنَ الخَشَبِ وَالحَجَرِ. فَيَرْتَعِبُ النَّاسُ مِنَ الشُّرُورِ الَّتِي سَتَحْدُثُ لَكُمْ، وَيَضْحَكُونَ عَلَيْكُمْ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَيْثُ سَيَأْخُذُكُمْ اللهُ . «تَزْرَعُونَ كَثِيرًا فِي حُقُولِكُمْ، لَكِنَّكُمْ سَتَحْصُدُونَ القَلِيلَ، لِأنَّ الجَرَادَ سَيَأْكُلُهُ. تَزْرَعُونَ كُرُومًا وَتَتْعَبُونَ فِيهَا، وَلَنْ تَشْرَبُوا نَبِيذَهَا، وَلَنْ تَجْمَعُوا عِنَبَهَا، لِأنَّ الدُّودَ سَيَأْكُلُهَا. وَيَكُونُ لَدَيْكُمْ أشْجَارُ زَيْتُونٍ فِي كُلِّ أرْضِكُمْ، لَكِنَّكُمْ لَنْ تَتَدَهَّنُوا بِزَيْتٍ لِأنَّ الزَّيْتُونَ سَيَسْقُطُ وَيَتَنَاثَرُ وَيَتَعَفَّنُ. تُنْجِبُونَ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ وَلَا تَحْتَفِظُونَ بِهِمْ لِأنَّهُمْ سَيُؤخَذُونَ إلَى السَّبْيِ. يَلْتَهِمُ الجَرَادُ وَالحَشَرَاتُ أشْجَارَكُمْ وَمَحَاصِيلَكُمْ. «تَزدَادُ سُلطَةُ الغَرِيبِ السَّاكِنِ فِي وَسَطِكُمْ، بَيْنَمَا تَتَنَاقَصُ سُلطَتُكُمْ. تَقْتَرِضُونَ مِنَ الغَرِيبِ، وَلَا تُقْرِضُونَهُ. يُصْبِحُ هُوَ الرَّأسُ وَأنْتُمُ الذَّنَبُ. «فَإذَا لَمْ تُطِيعُوا ، بِحِفْظِ وَصَايَاهُ وَشَرَائِعِهِ الَّتِي أوصَاكُمْ بِهَا، سَتَحِلُّ كُلُّ هَذِهِ اللَّعْنَاتِ عَلَيْكُمْ، وَتُلَاحِقُكُمْ بِاسْتِمرَارٍ، وَتُمسِكُ بِكُمْ حَتَّى تُهلِكَكُمْ. وَتَكُونُ فِي وَسَطِكُمْ وَوَسَطِ نَسْلِكُمْ عَلَامَةً وَنَذِيرًا إلَى الأبَدِ. «وَلِأنَّكُمْ لَمْ تَعْبُدُوا وَلَمْ تَخْدِمُوهُ بَفَرَحٍ وَسُرُورٍ عِنْدَمَا تَوَفَّرَ لَكُمْ كُلُّ شَيءٍ، فَإنَّكُمْ سَتَخْدِمُونَ أعْدَاءَكُمُ الَّذِينَ سَيُرسِلُهُمُ اللهُ ضِدَّكُمْ، وَأنْتُمْ فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ وَعُرْيٍ وَنَقصٍ فِي كُلِّ شَيءٍ. وَسَيَضَعُ عَلَى رِقَابِكُمْ نِيرًا مِنْ حَدِيدٍ حَتَّى يُحَطِّمَكُمْ. «وَسَيَجْلِبُ اللهُ ضِدَّكُمْ أُمَّةً مِنْ بَعِيدٍ، مِنْ أقْصَى الأرْضِ. أُمَّةً لَا تَعْرِفُونَ لُغَتَهَا، فَتَهْجُمُ عَلَيْكُمْ كَالنَّسرِ. وَتَكُونُ أُمَّةً قَاسِيَةً لَا تَحْتَرِمُ الكِبَارَ، وَلَا تَرْحَمُ الصِّغَارَ. وَسَتَأْكُلُ صِغَارَ حَيَوَانَاتِكُمْ وَمَحَاصِيلَ أرْضِكُمْ إلَى أنْ تَهْلِكُوا. وَلَنْ يَتْرُكُوا لَكُمْ قَمْحًا وَلَا نَبِيذًا وَلَا زَيْتًا وَلَا عُجُولًا وَلَا حِمْلَانًا حَتَّى تُهلِكَكُمْ. وَسَتُحَاصِرُكُمْ وَتُهَاجِمُكُمْ فِي كُلِّ مُدُنِكُمْ إلَى أنْ تَسْقُطَ أسوَارُ المُدُنِ الحَصِينَةُ فِي كُلِّ أرْضِكُمْ وَمُدُنِكُمُ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ. «سَتَأْكُلُونَ أطْفَالَكُمْ، وَلَحْمَ أبْنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمُ الَّذِينَ أعطَاهُمْ لَكُمْ، حِينَ يُحَاصِرُونَكُمْ، وَيُسَبِّبُونَ لَكُمُ الضِّيقَ. وَأكثَرُ الرِّجَالِ رِقَّةً وَرَفَاهِيَّةً بَيْنَكُمْ سَيُصبِحُ بَخِيلًا نَحْوَ أخِيهِ وَزَوْجَتِهِ الَّتِي يُحِبُّهَا، وَمَا تَبَقَّى مِنْ أطْفَالِهِ. فَلَا يُعْطِي أحَدًا مَنْ لَحْمِ أبْنَائِهِ الَّذِي يَأْكُلُهُ، لِأنَّهُ لَمْ يَتَبَقَّ الكَثِيرُ لَهُ! هَذَا حِينَ يُحَاصِرُكُمُ الأعْدَاءُ وَيُسَبِّبُونَ لَكُمُ الضِّيقَ فِي كُلِّ مُدُنِكُمْ. وَأكثَرُ النِّسَاءِ رِقَّةً وَرَفَاهِيَّةً بَيْنَكُمْ، وَالَّتِي لِشِدَّةِ تَنَعُّمِهَا وَرَفَاهِيَّتِهَا لَا تَدُوسُ الأرْضَ بِرِجلِهَا، سَتُصبِحُ بَخِيلَةً نَحْوَ زَوْجِهَا الَّذِي يُحِبُّهَا، وَنَحْوَ ابْنِهَا وَابْنَتِهَا. سَتَبْخَلُ بِالمَشِيمَةِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا، وَبِالأطْفَالِ الَّذِينَ تَلِدْهُمْ، لِأنَّهَا تأكُلُهُمْ فِي الخَفَاءِ! إذْ لَا يَكُونُ لَدَيهَا شَيءٌ آخَرُ حِينَ يُحَاصِرُكُمُ الأعْدَاءُ، وَيُسَبِّبُونَ لَكُمُ الضِّيقَ فِي كُلَّ مُدُنِكُمْ. «إنْ لَمْ تَكُونُوا حَرِيصِينَ عَلَى إطَاعَةِ كُلِّ كَلَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ المَكْتُوبَةِ فِي هَذَا الكِتَابِ، وَلَمْ تَخَافُوا وَتَحْتَرِمُوا هَذَا الِاسْمَ المَجِيدَ الرَّهِيبَ الرَّائِعَ، اسْمَ يهوه إلَهِكُمْ، فَإنَّ اللهَ سَيَجْلِبُ عُقُوبَاتٍ فَظِيعَةً وَغَيْرَ عَادِيَّةٍ، عُقُوبَاتٍ شَدِيدَةً وَمُزمِنَةً، وَأمرَاضًا مَؤلِمَةً وَمُزمِنَةً عَلَيْكُمْ وَعَلَى نَسْلِكُمْ. وَسَيَجْلِبُ عَلَيْكُمْ كُلَّ أمرَاضِ مِصْرٍ الَّتِي كُنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْهَا، فَتَلْتَصِقَ بِكُمْ. كَمَا سَيَجْلِبُ عَلَيْكُمْ أمرَاضًا وَضِيقَاتٍ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ مَنصُوصًا عَلَيْهَا فِي كِتَابِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ. سَيَضْرِبُكُمُ اللهُ حَتَّى يُهلِكَكُمْ. وَسَيَبْقَى القَلِيلُونَ مِنْكُمْ فَقَطْ مَعَ أنَّكُمْ كُنْتُمْ كَثِيرِينَ بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ، لِأنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُوا . «وَكَمَا قَرَّرَ اللهُ أنْ يُنْجِحَكُمْ وَيَجْعَلَكُمْ أكْثَرَ عَدَدًا، سَيُقَرِّرُ أنْ يُبِيدَكُمْ وَيُهلِكَكُمْ. وَسَتُنزَعُونَ مِنَ الأرْضِ الَّتِي سَتَدْخُلُونَ لِتَمْتَلِكُوهَا. وَسَيُشَتِّتُكُمُ اللهُ بَيْنَ الأُمَمِ مِنْ طَرَفِ الأرْضِ إلَى طَرَفِهَا الآخَرِ حَيْثُ سَتَعْبُدُونَ وَتَخْدِمُونَ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا أنْتُمْ وَلَا آبَاؤكُمْ، آلِهَةً مَصْنُوعَةً مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ. «وَفِي وَسَطِ تِلْكَ الأُمَمِ لَنْ يَكُونَ لَكُمْ سَلَامٌ، وَلَنْ تَجِدُوا مَكَانًا لِرَاحَةِ أرجُلِكُمْ، وَسَيُعطِيكُمُ اللهُ هُنَاكَ ذِهنًا قَلِقًا وَعُيُونًا ضَعِيفَةً وَحَلْقًا جَافًّا. وَتَكُونُ حَيَاتُكُمْ فِي خَطَرٍ دَائِمٍ، وَتَكُونُونَ خَائِفِينَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَنْ تَأْمَنُوا عَلَى حَيَاتِكُمْ. فِي الصَّبَاحِ سَتَقُولُونَ: ‹يَا لَيتَهُ كَانَ المَسَاءُ!› وَفِي المَسَاءِ سَتَقُولُونَ: ‹يَا لَيتَهُ كَانَ الصَّبَاحُ!› وَذَلِكَ بِسَبَبِ الخَوفِ الَّذِي سَيَكُونُ فِي قُلُوبِكُمْ، وَبِسَبَبِ مَا تَرَاهُ أعيُنُكُمْ. وَسَيُعِيدُكُمُ اللهُ إلَى مِصْرٍ فِي سُفُنٍ إلَى المَكَانِ الَّذِي وَعَدَكُمْ بِأنَّكُمْ لَنْ تَرَوْهُ ثَانِيَةً. وَهُنَاكَ سَتُحَاوِلُونَ بَيعَ أنْفُسِكُمْ لِأعْدَائِكُمْ كَعَبِيدٍ وَإمَاءٍ، وَلَكِنْ لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ سَيَشْتَرِيكُمْ.» هَذِهِ هِيَ كَلِمَاتُ العَهْدِ الَّذِي أمَرَ اللهُ مُوسَى بِأنْ يَقْطَعَهُ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي أرضِ مُوآبَ، بِالإضَافَةِ إلَى العَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ فِي جَبَلِ حُورِيبَ. وَاستَدْعَى مُوسَى كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ رَأيْتُمْ كُلَّ الأشْيَاءِ الَّتِي عَمِلَهَا اللهُ فِي أرْضِ مِصْرٍ لِفِرعَوْنَ وَكُلِّ قَادَتِهِ وَكُلِّ بَلَدِهِ. وَرَأتْ عُيُونُكُمُ الضِّيقَاتِ وَالآيَاتِ وَتِلْكَ الأُمُورَ المُدهِشَةَ. لَكِنَّ اللهَ لَمْ يُعطِكُمْ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا عُقُولًا لِتَفْهَمُوا وَلَا عُيُونًا لِتُبْصِرُوا وَلَا آذَانًا لِتَسْمَعُوا. قَادَكُمْ فِي الصَّحرَاءِ لِأرْبَعِينَ سَنَةً. لَمْ تَتَهَرَّأ ثِيَابُكُمْ الَّتِي تَلْبِسُونهَا، وَلَمْ تَتْلَفْ أحذِيَتُكُمْ مِنْ أقْدَامِكُمْ. لَمْ تَأْكُلُوا خُبْزًا، وَلَمْ تَشْرَبُوا نَبِيذًا أوْ خَمْرًا. لَكِنَّهُ اعتَنَى بِكُمْ لِتَعْرِفُوا أنَّهُ هُوَ . «وَعِنْدَمَا أتَيْتُمْ إلَى هَذَا المَكَانِ، خَرَجَ سِيحُونُ مَلِكُ حَشْبُونَ وَعُوجٌ مَلِكُ بَاشَانَ عَلَيْكُمْ لِيُحَارِبَاكُمْ، فَهَزَمنَاهُمَا. وَأخَذْنَا أرْضَهُمَا وَأعطَينَاهَا لِقَبِيلَتَي رَأُوبَيْنَ وَجَادٍ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى. فَاحْرِصُوا عَلَى إطَاعَةِ كُلِّ كَلَامِ العَهْدِ لِتَنْجَحُوا فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُونَهُ. «أنْتُمْ تَقِفُونَ اليَوْمَ جَمِيعُكُمْ فِي حَضْرَةِ : رُؤَسَاءُ قَبَائِلِكُمْ وَشُيُوخُكُمْ وَقَادَتُكُمْ وَكُلُّ رِجَالِ إسْرَائِيلَ، وَأوْلَادُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ وَالأجَانِبُ المُقِيمُونَ فِي وَسَطِكُمْ وَالحَطَّابُونَ وَالسُّقَاةُ، لِتَدْخُلُوا فِي عَهْدِ ، وَتَقْبَلُوا لَعْنَاتِهِ عَلَى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ العَهْدَ. وَهُوَ العُهدُ الَّذِي يَعْمَلُهُ مَعَكُمُ اليَوْمَ، لِيَجْعَلَكُمْ شَعْبَهُ، وَلِيَكُونَ هُوَ إلَهَكُمْ كَمَا وَعَدَكُمْ، وَكَمَا أقْسَمَ لِآبَائِكُمْ إبْرَاهِيمَ وَإسَحَاقَ وَيَعْقُوبَ. «وَأنَا لَسْتُ أقطَعُ هَذَا العَهْدَ، وَأُقْسِمُ هَذَا القَسَمَ مَعَكُمْ أنْتُمْ فَقَطُ الوَاقِفِينَ هُنَا اليَوْمَ فِي حَضْرَةِ . بَلْ أيْضًا مَعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسُوا مَعَنَا هُنَا اليَوْمَ. فَأنْتُمْ تَذْكُرُونَ كَيْفَ عِشْنَا فِي أرْضِ مِصْرٍ، وَكَيْفَ اجتَزْنَا فِي وَسَطِ الأُمَمِ فِي طَريقِنَا. رَأيْتُمْ تَمَاثِيلَهُمُ المَصْنُوعَةَ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَكُلَّ الأشْيَاءِ الكَرِيهَةِ الَّتِي لَدَيهِمْ. «فَاحذَرُوا أنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ رَجُلٌ أوِ امْرأةٌ أوْ عَائِلَةٌ أوْ عَشِيرَةٌ ابْتَعَدَ قَلْبُهُ عَنِ إلَهِنَا ، فَذَهَبَ لِيَعْبُدَ آلِهَةَ تِلْكَ الأُمَمِ. وَاحْذَرُوا أنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ مَنْ يُشْبِهُ جُذُورًا تُنبِتُ نَبتَةً مُرَّةً وَسَامَّةً. فَحِينَ يَسْمَعُ كَلِمَاتِ هَذِهِ اللَّعْنَةِ، وَيَظُنُّ أنَّهُ مُبَارَكٌ، يَقُولُ لَنَفْسِهِ: ‹سَأكُونُ بِخَيرٍ وَأمَانٍ، مَعَ أنَّنِي أعِيشُ بِحَسَبِ عِنَادِي،› فَتَكُونُ النَّتِيجَةُ كَارِثَةً كَبِيرَةً. سَيَرْفُضُ اللهُ أنْ يَغْفِرَ لَهُ، بَلْ سَيَشْتَعِلُ غَضَبُهُ وَغَيْرَتُهُ ضِدَّهُ. سَتَحِلُّ عَلَيْهِ جَمِيعُ اللّعَنَاتِ المَذكُورَةِ فِي هَذَا الكِتَابِ، وَسَيَمْحُو اللهُ كُلَّ ذِكرٍ لَهُ مِنَ الأرْضِ. وَسَيَعْزِلُهُ اللهُ عَنْ كُلِّ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، لِمُعَاقَبَتِهِ بِحَسَبِ لَعَنَاتِ العَهْدِ المَكْتُوبَةِ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ. «سَيَرَى الجِيلُ التَّالِي مِنْ أوْلَادِكُمُ الَّذِينَ سَيَأْتُونَ بَعدَكُمْ، وَالغُرَبَاءِ الآتِينَ مِنْ بَعِيدٍ، الأمْرَاضَ الَّتِي أتَتْ عَلَى هَذِهِ الأرْضِ وَالضَّرَبَاتِ الَّتِي جَلَبَهَا اللهُ إلَى هُنَا. إذْ تُصبِحُ كُلُّ الأرْضِ مَحرُوقَةً بِالكِبرِيتِ وَالمِلحِ. وَلَنْ يُزْرَعَ، وَلَنْ يَنْمُوَ، وَلَنْ يَنْبُتَ فِيهَا شَيءٌ أخْضَرُ. سَتُدَمَّرُ كَتَدْمِيرِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأدَمَةَ وَصَبُويِيمَ، المُدُنِ الَّتِي دَمَّرَهَا اللهُ حِينَ غَضِبَ عَلَيْهَا. «حِينَئِذٍ سَتَقُولُ كُلُّ الأُمَمِ: ‹لِمَاذَا عَمِلَ اللهُ هَذَا بِهَذِهِ الأرْضِ؟ وَلِمَاذَا هَذَا الغَضَبُ الشَّدِيدُ المُشتِعَلُ؟› فَيَكُونُ الجَوَابُ: ‹لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ تَرَكُوا عَهْدَ اللهِ ، إلَهِ آبَائِهِمُ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَهُمْ حِينَ أخرَجَهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. فَذَهَبُوا وَعَبَدُوا وَخَدَمُوا آلِهَةً أُخْرَى لَمْ يَعْرِفُوهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا اللهُ عَلَيْهِمْ. فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا عَلَى هَذِهِ الأرْضِ فَجَلَبَ عَلَيْهَا كُلَّ لَعْنَةٍ مَكْتُوبَةٍ فِي هَذَا الكِتَابِ. وَخَلَعَهُمُ اللهُ مِنْ أرْضِهِمْ فِي غَضَبِهِ الشَّديدِ وَسَخَطَهِ العَظِيمِ. وَرَمَاهُمْ فِي أرْضٍ أُخْرَى حَيْثُ هُمُ اليَوْمَ.› «الأسْرَارُ . أمَّا مَا يُعلِنُهُ فَهُوَ لَنَا وَلِأوْلَادِنَا، لِكَي نُطِيعَ جَمِيعَ كَلَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ. «وَحِينَ تَتَحَقَّقُ كُلُّ هَذِهِ اللَّعْنَاتِ وَالبَرَكَاتِ الَّتِي وَضَعتُهَا أمَامَكُمْ، وَإنْ فَكَّرتُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ فِي كُلِّ البِلَادِ الَّتِي طَرَدَكُمْ إلَيْهَا، وَرَجِعتُمْ إلَى ، وَأطَعتُمُوهُ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، بِحَسَبِ كُلِّ مَا أوصِيكُمْ بِهِ اليَوْمَ، أنْتُمْ وَبَنُوكُمْ، فَإنَّ سَيُعِيدُكُمْ إلَى حَالَتِكُمُ السَّابِقَةِ، وَسَيَرْحَمُكُمْ وَيَجْمَعُكُمْ ثَانِيَةً مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي شَتَّتَكُمْ إلَيْهَا. حَتَّى وَإنْ طُرِدْتُمْ إلَى أقَاصِي الأرْضِ، فَسَيَجْمَعُكُمْ وَيُعِيدُكُمْ مِنْ هُنَاكَ. وَسَيُحضِرُكُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي امتَلَكَهَا آبَاؤكُمْ فَتَمْتَلِكُوهَا أنْتُمْ. وَسَيَجْعَلُكُمْ أعْظَمَ نَجَاحًا وَأكثَرَ عَدَدًا مِنْ آبَائِكُمْ. وَسَيُطَهِّرُ قُلُوبَكُمْ وَقُلُوبَ نَسْلِكُمْ كَي تُحِبُّوا بِكُلِّ القَلْبِ وَكُلِّ النَّفْسِ، لِتَحْيَوْا. «وَسَيَجْلِبُ هَذِهِ اللَّعْنَاتِ عَلَى أعْدَائِكُمْ، وَعَلَى الَّذِينَ يَكْرَهُونَكُمْ وَيُضَايِقُونَكُمْ. وَسَتَعُودُونَ لِتُطِيعُوا اللهَ وَتَحْفَظُوا كُلَّ وَصَايَاهُ الَّتِي آمُرُكُمْ بِهَا اليَوْمَ. وَسَيُنجِحُكُمْ كَثِيرًا فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُونَهُ. وَسَيَكُونُ لَدَيْكُمْ أوْلَادٌ كَثِيرُونَ، وَسَتَلِدُ حَيَوَانَاتُكُمْ كَثِيرًا. وَسَتُنتِجُ أرْضُكُمْ مَحَاصِيلَ وَافِرَةً، لِأنَّ اللهَ سَيُسَرُّ بِأنْ يُنْجِحَكُمْ كَمَا سُرَّ بِإنجَاحِ آبَائِكُمْ. هَذَا إنْ أطَعْتُمْ ، فَحَفِظْتُمْ وَصَايَاهُ وَشَرَائِعَهُ المَكْتُوبَةَ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ هَذَا. وَحِينَ تَرْجِعُونَ إلَى بَكُلِّ كِيَانِكُمْ. «إنَّ الوَصَايَا الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِهَا اليَوْمَ لَيْسَتْ صَعبَةَ الفَهمِ عَلَيْكُمْ. إنَّهَا لَا تَفُوقُ إدْرَاكَكُمْ. فَهِيَ لَيْسَتْ فِي السَّمَاءِ لِتَقُولَ: ‹مَنْ سَيَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ لِأجْلِنَا وَيُنزِلُهَا لَنَا لِنَسمَعَهَا وَنُطِيعَهَا؟› وَهِيَ لَيْسَتْ فِي عَبرِ البَحْرِ لِتَقُولَ: ‹مَنْ سَيَعْبُرُ إلَى الجِهَةِ الأُخرَى مِنَ البَحْرِ لِيُحضِرَهَا لَنَا لِنَسمَعَهَا وَنُطِيعَهَا؟› لِأنَّ الكَلِمَةَ قَرِيبَةٌ جِدًّا مِنْكَ، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ، فَيُمكِنُكَ أنْ تُطِيعَهَا. «هَا أنَا أُعْطِيكَ اليَوْمَ أنْ تَختَارَ بَيْنَ الحَيَاةِ وَالمَوْتِ، بَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ. أُوصِيكَ اليَوْمَ بِأنْ تُحِبَّ ، وَتَعيشَ كَمَا يَرْضَى. بِأنْ تُطِيعَ وَصَايَاهُ وَشَرَائِعَهُ وَأحْكَامَهُ لِكَي تَحْيَا وَيَتَكَاثَرَ شَعْبُكَ، وَيُبَارِكَكَ فِي الأرْضِ الَّتِي تَدْخُلُهَا وَتَمْتَلِكُهَا. وَلَكِنْ إنِ ابْتَعَدَ قَلْبُكَ، فَلَمْ تَسْمَعْ، بَلْ ضَلَلْتَ وَعَبَدتَ آلِهَةً أُخْرَى وَخَدَمتَهَا، فَإنِّي أُحَذِّرُكُمُ اليَوْمَ بِفَنَاءٍ مُحَتَّمٍ. فَلَنْ تُقِيمَ طَوِيلًا فِي الأرْضِ الَّتِي تَعْبُرُ نَهْرَ الأردُنِّ لِكَي تَدْخُلَهَا وَتَمْتَلِكَهَا. «وَهَا أنَا أُشهِدُ عَلَيكُمُ اليَوْمَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ: أنَا أعْطَيْتُكُمْ أنْ تَختَارُوا بَيْنَ الحَيَاةِ وَالمَوْتِ، بَيْنَ البَرَكَةِ وَاللَّعْنَةِ، فَاختَارُوا الحَيَاةَ لِتَحْيَوْا أنْتُمْ وَنَسْلُكُمْ. تُحِبُّ إلَهَكَ وَتُطِيعُهُ وَتَلْتَصِقُ بِهِ دَائِمًا، فَتَكُونَ لَكَ حَيَاةٌ، وَيَطُولَ عُمْرُكَ عَلَى الأرْضِ الَّتِي وَعَدَ اللهُ بِأنْ يُعطِيَهَا لِآبَائِكِ إبْرَاهِيمَ وَإسحَاقَ وَيَعْقُوبَ.» ثُمَّ ذَهَبَ مُوسَى لِيَتَكَلَّمَ بِكُلِّ هَذِهِ الكَلِمَاتِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، وَعَادَ فَقَالَ لَهُمْ: «أنَا اليَوْمَ فِي المِئَةِ وَالعِشرِينَ مِنْ عُمْرِي، وَلَمْ أعُدْ قَادِرًا عَلَى قِيَادَتِكُمْ. وَقَدْ قَالَ اللهُ لِي: ‹لَنْ تَعْبُرَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ.› هُوَ مَنْ سَيَقُودُكُمْ فِي العُبُورِ وَسَيَسِيرُ أمَامَكُمْ. وَسَيُهلِكُ هَذِهِ الأُمَمَ مِنْ أمَامِكُمْ، وَسَتَمْتَلِكُونَ أرْضَهُمْ. وَيَشُوعُ هُوَ مَنْ سَيَقُودُكُمْ كَمَا وَعَدَ اللهُ . «وَسَيَعْمَلُ اللهُ بِهِمْ كَمَا عَمِلَ بِسِيحُونَ وَعُوجٍ مَلِكَيِّ الأمُورِيِّينَ وَأرْضِهِمَا حِينَ أهْلَكَهُمَا. وَسَيُسَاعِدُكُمُ اللهُ فِي هَزِيمَةِ تِلْكَ الأُمَمِ. فَاعْمَلُوا بِهِمْ كُلَّ مَا أمَرتُكُمْ بِهِ. تَقَوُّوُا وَتَشَجَّعُوا! لَا تَخَافُوا وَلَا تَرْتَعِبُوا مِنْهُمْ، لِأنَّ سَيَسِيرُ مَعَكُمْ، لَنْ يَتْرُكَكُمْ وَلَنْ يَتَخَلَّى عَنْكُمْ.» ثُمَّ دَعَا مُوسَى يَشُوعَ. وَقَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ عَلَى مَسْمَعِ وَمَرْأى جَمِيعِ بَنِي إسْرَائِيلَ: «تَقَوَّ وَتَشَجَّعْ! فَأنْتَ مَنْ سَيَقُودُ هَذَا الشَّعْبَ إلَى الأرْضِ الَّتِي أقْسَمَ اللهُ لِآبَائِهِمْ بِأنْ يُعطِيَهَا لَهُمْ، وَسَتُقَسِّمُ الأرْضَ فِيمَا بَيْنَهُمْ. سَيَقُودُكَ اللهُ وَيَكُونُ مَعَكَ. لَنْ يَتْرُكَكَ وَلَنْ يَتَخَلَّى عَنْكَ. فَلَا تَخَفْ وَلَا تَرْتَعِب.» وَكَتَبَ مُوسَى هَذِهِ الشَّرِيعَةَ وَأعْطَاهَا لِلكَهَنَةِ الَّذِينَ مِنْ نَسْلِ لَاوِي، الَّذِينَ حَمَلُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ ، وَلِجَمِيعِ شُيُوخِ وَقَادَةِ إسْرَائِيلَ. وَأوصَاهُمْ مُوسَى وَقَالَ: «فِي كُلِّ سَبعِ سَنَوَاتٍ، فِي الوَقْتِ المُعَيَّنِ لِسَنَةِ إلغَاءِ الدُّيُونِ خِلَالَ عِيدِ السَّقَائِفِ، حِينَ يَأْتِي كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيَقِفُوا أمَامَ فِي المَكَانِ الَّذِي سَيَختَارُهُ، تَقْرَأُونَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ أمَامَ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيَسْمَعُوهَا. اجْمَعُوا الشَّعْبَ مَعًا: الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأطْفَالَ وَالأجَانِبَ المُقِيمِينَ فِي مُدُنِكُمْ، لِيَسْمَعُوا وَيَتَعَلَّمُوا وَيَخَافُوا ، وَلِيَحْرِصُوا عَلَى إطَاعَةِ كُلِّ كَلَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ. وَبِهَذَا سَيَسْمَعُ نَسْلُهُمُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ، وَيَتَعَلَّمُ أنْ يَخَافَ مَا دُمتُمْ تَسْكُنُونَ الأرْضَ الَّتِي تَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِامتِلَاكِهَا.» وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «قَدِ اقْتَرَبَ وَقْتُ مَوْتِكَ، فَادعُ يَشُوعَ وَتَعَالَا وَقِفَا فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِأُعْطِيَهُ تَعْلِيمَاتٍ وَوَصَايَا.» فَأتَى مُوسَى وَيَشُوعُ وَوَقَفَا فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. حِينَئِذٍ، ظَهَرَ اللهُ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي عَمُودٍ مِنْ سَحَابٍ، وَوَقَفَ عَمُودُ السَّحَابِ فَوْقَ مَدْخَلِ الخَيْمَةِ. حِينَئِذٍ، قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «سَتَمُوتُ قَرِيبًا، وَسَيَخُونُنِي هَذَا الشَّعْبُ وَيَعْبُدُونَ آلِهَةً غَرِيبَةً فِي الأرْضِ الَّتِي سَيَدْخُلُونَهَا. سَيَتْرُكُونَنِي وَيَنْقُضُونَ العَهْدَ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَهُمْ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأغضَبُ جِدًّا عَلَيْهِمْ وَسَأترُكُهُمْ وَأستُرُ وَجْهِي عَنْهُمْ، فَيُصبِحُونَ فَرِيسَةً لِأعْدَائِهِمْ. وَتَأْتِي عَلَيْهِمْ كَوَارِثُ وَضِيقَاتٌ كَثِيرَةٌ. فَيَقُولُونَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ: ‹حَدَثَتْ هَذِهِ الكَوَارِثُ لَنَا لِأنَّ إلَهَنَا لَمْ يَكُنْ مَعَنَا.› سَأرفُضُ مُسَاعَدَتَهُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، بِسَبَبِ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي عَمِلُوهُ لِأنَّهُمْ سَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى. «فَاكتُبِ الآنَ هَذَا النَّشِيدَ لَكُمْ، وَعَلِّمْهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. اجْعَلهُمْ يَحْفَظُونَهُ لِيَكُونَ شَاهِدًا لِي عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. فَأنَا سَأُدْخِلُهُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، الَّتِي وَعَدْتُ بِأنْ أُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ، فَيَأكُلُونَ مَا يُرِيدُونَهُ وَيَسْمَنُونْ. لَكِنَّهُمْ سَيَلْتَفِتُونَ إلَى آلِهَةٍ أُخْرَى وَيَعْبُدُونَهَا، وَسَيَرْفُضُونَنِي وَيَنْقُضُونَ عَهْدِي. وَحِينَ تَأْتِي عَلَيْهِمْ كَوَارِثُ كَثِيرَةٌ وَضِيقَاتٌ، فَإنَّ هَذَا النَّشِيدَ سَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَيْهِمْ. فَلَنْ يَنسَاهُ أحَدٌ مِنْ نَسْلِهِمْ. فَأنَا أعْرِفُ أفْكَارَهُمْ، حَتَّى قَبْلَ أنْ أُدخِلَهُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي أقْسَمْتُ بِأنْ أُعْطِيَهَا لَهُمْ.» فَكَتَبَ مُوسَى هَذَا النَّشِيدَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ وَعَلَّمَهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. ثُمَّ أوصَى اللهُ يَشُوعَ بنَ نُونٍ وَقَالَ لَهُ: «تَقَوَّ وَتَشَجَّعْ لِأنَّكَ سَتَقُودُ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى الأرْضِ الَّتِي أقْسَمْتُ بِأنْ أُعْطِيَهَا لَهُمْ، وَسَأكُونُ مَعَكَ.» وَحِينَ انْتَهَى مُوسَى مِنْ كِتَابَةِ كَلِمَاتِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ فِي كِتَابٍ، أمَرَ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ فَقَالَ لَهُمْ: «خُذُوا كِتَابَ الشَّرِيعَةِ هَذَا، وَضَعُوهُ بِجَانِبِ صُنْدُوقِ عَهْدِ . فِيَكُونُ هُنَاكَ كَشَاهِدٍ عَلَيْكُمْ بِأنَّكُمْ قَبِلتُمْ شُرُوطَ هَذَا العَهْدِ. فَأنَا أعْرِفُ أكْثَرَ مِنْ أيِّ أحَدٍ آخَرَ أنَّكُمْ مُتَمَرِّدُونَ وَعَنِيدُونَ. فَقَدْ تَمَرَّدْتُمْ عَلَى اللهِ حَتَّى وَأنَا حَيٌّ مَعَكُمْ، لِذَا فَمِنَ المُؤَكَّدِ أنَّكُمْ سَتَتَمَرَّدُونَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِي! اجمَعُوا إلَيَّ كُلَّ رُؤَسَاءِ قَبَائِلِكُمْ وَقَادَتِكُمْ لِأتَكَلَّمَ بِهَذَا الكَلَامِ عَلَى مَسَامِعِهِمْ. وَأُشْهِدُ السَّمَاءَ وَالأرْضَ عَلَيْهِمْ. فَأنَا أعْرِفُ أنَّكَمْ سَتَفْسُدُونَ تَمَامًا بَعْدَ مَوْتِي. سَتَنْحَرِفُونَ عَنِ طَريقِ وَصَايَايَ. لِذَلِكَ سَتَحِلُّ بِكُمُ الكَوَارِثُ بَعْدَ حِينٍ، لِأنَّكُمْ سَتَفْعَلُونَ الشَّرَّ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، فَتُثِيرُونَ غَضَبَهُ بِأعْمَالِكُمْ.» ثُمَّ تَكَلَّمَ مُوسَى بِكَلِمَاتِ هَذَا النَّشِيدِ بَيْنَمَا جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ يَسْتَمِعُونَ: «أيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ، استَمِعِي فَأتَكَلَّمَ! وَلْتَسْمَعِ الأرْضُ كَلَامَ فَمِي. لِيَنْزِلْ تَعْلِيمِي كَالمَطَرِ، وَلْتَقْطُرْ كَلِمَاتِي كَالنَّدَى، كَرَشَّاتِ المَطَرِ عَلَى البَرَاعِمِ، وَكَالمَطَرِ الغَزِيرِ عَلَى العُشْبِ. لِأنِّي سَأُعلِنُ اسْمَ اللهِ ، وَسَأُسَبِّحُ عَظَمَةَ إلَهِنَا. «هُوَ الصَّخرَةُ، عَمَلُهُ كَامِلٌ، وَطُرُقُهُ عَادِلَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ. إنَّهُ إلَهٌ أمِينٌ لَا ظُلْمَ فِيهِ، صَادِقٌ وَأمِينٌ. عَامَلُوهُ بِعَدَمِ اسْتِقَامَةٍ. إنَّهُمْ لَيْسُوا أوْلَادَهُ بِسَبَبِ عُيُوبِهِمْ وَعَدَمِ استِقَامَتِهِمْ، بَلْ هُمْ شَعْبٌ مُتَآمِرٌ خَدَّاعٌ. أهَكَذَا تُكَافِئُونَ اللهَ يَا شَعْبًا غَبِيًّا بِلَا تَفْكِيرٍ؟ ألَيْسَ هُوَ أبَاكُمْ خَالِقَكُمْ؟ ألَيْسَ هُوَ الَّذِي صَنَعَكُمْ وَأوجَدَكُمْ وَجَعَلَكُمْ أمَّةً؟ «اذكُرُوا الأيَّامَ القَدِيمَةَ. فَكِّرُوا بِسَنَوَاتِ الأجيَالِ المَاضِيَةِ. اسألُوا آبَاءَكُمْ وَهُمْ سَيُخبِرُونَكُمْ. اسألُوا شُيُوخَكُمْ وَهُمْ سَيُخبِرُونَكُمْ. حِينَ وَزَّعَ العَلِيُّ الأُمَمَ، وَقَسَّمَ الجِنسَ البَشَرِيَّ، عَيَّنَ حُدُودَ الأُمَمِ وَفْقًا لِعَدَدِ المَلَائِكَةِ. لَكِنَّ حِصَّةَ اللهِ هِيَ شَعْبُهُ، يَعْقُوبُ هُوَ حِصَّتُهُ. «وَجَدَهُمْ فِي صَحرَاءَ، فِي قَفرٍ تَعْصِفُ بِهِ الرِّيَاحُ. فَأحَاطَ بِهِمْ وَاهتَمَّ بِهِمْ، وَحَرَسَهُمْ كَحَدَقَةِ عَيْنِهِ. كَمَا يَهُزُّ النَّسْرُ عُشَّهُ، فَيُرَفرِفُ فَوْقَ صِغَارِهِ لِيَطِيرُوا، ثُمَّ يَبْسِطُ جَنَاحَيهِ، وَيَحْمِلُهُمْ عَلَى رِيشِ الجَنَاحَينِ. اللهُ وَحْدَهُ قَادَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَهٌ غَرِيبٌ. أصْعَدَهُمْ إلَى الجِبَالِ، وَأطْعَمَهُمْ مِنْ مَحَاصِيلِ الحَقْلِ. وَأعْطَاهُمْ عَسَلًا مِنَ الصَّخرِ، وَزَيْتَ زَيْتُونٍ مِنَ حَجَرِ الصُّوَّانِ. وَأعْطَاهُمْ زُبدَةً مِنَ البَقَرِ، وَحَلِيبًا مِنَ الغَنَمِ. وَأفْضَلَ الحِمْلَانِ وَالكِبَاشِ، وَأبْقَارًا مِنْ بَاشَانَ مَعَ تُيُوسٍ، وَأفْضَلَ أنْوَاعِ القَمْحِ. كَمَا شَرِبْتُمُ النَّبِيذَ، دَمَ العِنَبِ. «لَكِنَّ يَشْرُونَ سَمِنَ وَرَفَسَ! صَارَ سَمِينًا وَغَلِيظًا وَكَثِيرَ الشَّحمِ. تَرَكَ اللهَ الَّذِي صَنَعَهُ، وَرَفَضَ صَخْرَةَ خَلَاصِهِ. وَأثَارَ غَيْرَتَهُ بِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ، وَأغضَبَهُ بِأصْنَامٍ كَرِيهَةٍ. وَذَبَحُوا لِأروَاحٍ لَيْسَتْ آلِهَةً، وَذَبَحُوا لِآلِهَةٍ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَهَا. آلِهَةٍ جَدِيدَةٍ ظَهَرَتْ حَدِيثًا، وَلَمْ يَكُنْ آبَاؤكُمْ يَعْرِفُونَ عَنْهَا. أهمَلْتَ الصَّخْرَةَ الَّتِي وَلَدَتْكَ، وَنَسِيتَ الَّذِي تَمَخَّضَ بِكَ. «فَرَأى اللهُ هَذَا وَرَفَضَهُمْ لِأنَّ أبْنَاءَهُ وَبَنَاتِهِ أغضَبُوهُ. وَقَالَ: ‹سَأحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُمْ، وَأرَى مَا سَتَكُونُ عَلَيْهِ نِهَايَتُهُمْ، لِأنَّهُمْ شَعْبٌ مُخَادِعٌ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَأوْلَادٌ غَيْرُ أوْفِيَاءٍ. أثَارُوا غَيْرَتِي بِمَا هُوَ لَيْسَ إلِهًا، وَأغَاظُونِي بِأصْنَامٍ لَا قِيمَةَ لَهَا. لِذَا سأجْعَلُهُمْ يَغَارُونَ إذْ أسْتَخْدِمُ شَعْبًا بِلَا هَوِيَّةٍ. وَسَأُغِيظُهُمْ فَاسْتَخْدِمُ أُمَّةً جَاهِلَةً. لِأنَّ نَارًا قَدِ اشتَعَلَتْ بِغَضَبِي، وَسَتَشْتَعِلُ حَتَّى إلَى أعْمَاقِ الهَاوِيَةِ، وَتَلْتَهِمُ الأرْضَ وَمَحَاصِيلَهَا، وَتُشعِلُ أسَاسَاتِ الجِبَالِ. «‹سَأُكَوِّمُ المَصَائِبَ عَلَيْهِمْ، وَسأخْتَرِقُهُمْ بِجَمِيعِ سِهَامِي: بِجُوعٍ يُضْعِفُ أجْسَامَهُمْ، وَمَرَضٍ يُنْهِكُهُمْ بِحُمَّى شَديدَةٍ، وَأُرسِلُ أنْيَابَ الحَيَوَانَاتِ المُفْتَرِسَةِ، وَسُمُومَ الحَيَوَانَاتِ الزَّاحِفَةِ فِي التُّرَابِ. سَيَقْتُلُهُمْ جُنُودٌ فِي الشَّوَارِعِ، وَسَيَقْتُلُهُمُ الخَوفُ دَاخِلَ بُيُوتِهِمْ. وَيَمُوتُ الشَّبَابُ وَالشَّابَّاتُ، وَالرُّضَّعُ مَعَ المُسِنِّينَ. «‹كَانَ بِإمكَانِي أنْ أقُولَ: سَأمحُوهُمْ! سَأُفنِيهِمْ تَمَامًا!› لَكِنَّنِي لَمْ أشأ أنْ يُغضِبَنِي أعْدَاؤُهُمْ، وَأنْ يُسِيئُوا فَهْمَ مَا حَدَثَ، فَيَقُولُوا: ‹انتَصَرْنَا بِقُوَّتِنَا! وَلَمْ يَصْنَعِ اللهُ هَذَا.› «لِأنَّهُمْ أُمَّةٌ لَا تَسْتَوْعِبُ، وَلَا فَهْمَ لَهَا. لَوْ أنَّهُمْ كَانُوا حُكَمَاءَ لَفَهِمُوا هَذَا، وَلَفَكَّرُوا فِي مَا حَدَثَ لَهُمْ. فَكَيْفَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أنْ يَهْزِمَ ألْفًا، وَكَيْفَ لِرَجُلَينِ أنْ يَطْرُدَا عَشْرَةَ آلَافٍ، مَا لَمْ يَكُنِ اللهُ قَدْ سَلَّمَهُمْ لِأعْدَائِهِمْ، وَمَا لَمْ تَكُنْ صَخرَتُهُمْ قَدْ بَاعَتْهُمْ؟ لِأنَّ صَخْرَةَ الأُمَمِ لَيْسَتْ كَصَخرَتِنَا. وَحَتَّى أعْدَاؤنَا يَفْهَمَونَ هَذَا. أصلُ كَرمَتِهِمْ مِنْ كَرمَةِ سَدُومَ، مِنْ كُرُومِ عَمُورَةَ. عِنَبُهُمْ عِنَبٌ سَامٌّ، وَقُطُوفُهُمْ مُرَّةٌ. خَمرُهُمْ كَسُمِّ الحَيَّاتِ، كَسُمِّ الأفَاعِي القَاتِلِ. «كُنْتُ أُخَبِّئُ هَذِهِ الخَمْرَ، إنَّهَا مَحفُوظَةٌ فِي مَخزَنِي. فَلي الِانْتِقَامُ، وَأنَا سَأجَازِي حِينَ تَزِلُّ أقْدَامُهُمْ. لِأنَّ وَقْتَ كَارِثَتِهِمْ قَرِيبٌ، وَعُقُوبَتُهُمْ سَتَأْتِي سَرِيعًا. «لِأنَّ اللهَ سَيُنصِفُ شَعْبَهُ، وَسَيَرْحَمُ خُدَّامَهُ. حِينَ يَرَى أنْ أيَاديَهُمْ قَدْ ضَعُفَتْ، عَبيدًا وَأحْرَارًا. حِينَئِذٍ سَيَقُولُ: ‹أيْنَ آلِهَتُهُمُ الآنَ، الصَّخرَةُ الَّتِي وَثِقُوا بِهَا لِحِمَايَتِهِمْ، الَّتِي أكَلَتْ شَحْمَ ذَبَائِحِهِمْ، وَشَرِبَتْ خَمرَ تَقْدِمَاتِهِمْ؟ لِتَقُمْ وَتُسَاعِدْهُمْ! فَلتَحْمِهِمْ! «‹هَا إنِّي أنَا الإلَهُ الوَحِيدُ، وَلَيْسَ إلَهٌ غَيرِي. أنَا أُمِيتُ وَأُحيِي. أنَا جَرَحتُ وَأنَا سأشْفِي، وَلَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يُنْقِذَ مِنْ يَدِي. قَدْ رَفَعْتُ يَدِي إلَى السَّمَاءِ، وَقُلْتُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، حِينَ أُحَدِّدُ سَيفِي اللَّامِعَ، لِأصْنَعَ بِهِ العَدْلَ، سَأنتَقِمُ مِنْ أعْدَائِي، وَسَأُجَازِي الَّذِينَ يُبغِضُونَنِي. سَأجْعَلُ سِهَامِي مُغَطَّاةً بِالدَّمِ، وَسَيَأْكُلُ سَيفِي لَحْمًا. سَتُغَطَّى بِدَمِ المَقْتُولِينَ وَالمَأْسُورِينَ، وَسَتَأْكُلُ رُؤُوسَ قَادَةِ الأعْدَاءِ.› «افرَحِي أيَّتُهَا الأُمَمُ الأُخْرَى مَعَ شَعْبِ اللهِ. لِأنَّهُ سَيُعَاقِبُ عَلَى قَتلِ خُدَّامِهِ. سَيَنْتَقِمُ مِنْ أعْدَائِهِ، وَسَيُطَهِّرُ أرْضَ شَعْبِهِ.» ثُمَّ أتَى مُوسَى وَتَكَلَّمَ بِكُلِّ كَلِمَاتِ هَذَا النَّشَيدِ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيَسْمَعُوهَا. وَكَانَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ مَعَ مُوسَى. وَحِينَ انْتَهَى مُوسَى مِنْ كُلِّ هَذَا الكَلَامِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، قَالَ لَهُمْ أيْضًا: «تَأمَّلُوا بِقُلُوبِكُمْ جَمِيعَ الكَلِمَاتِ الَّتِي أوصَيتُكُمُ اليَوْمَ بِهَا. وَأوصُوا بِهَا أوْلَادَكُمْ لِيَحْفَظُوا كُلَّ كَلِمَاتِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ. لَا تَسْتَهينُوا بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ، فَهِيَ حَيَاتُكُمْ. وَبِهَا تَطُولُ أعْمَارُكُمْ فِي الأرْضِ الَّتِي تَعْبُرُونَ نَهْرَ الأردُنِّ لِتَمْتَلِكُوهَا.» وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فِي ذَلِكَ اليَوْمِ فَقَالَ: «اصْعَدْ إلَى جِبَالِ عَبَارِيمَ، إلَى جَبَلِ نِيبُو الوَاقِعِ فِي أرْضِ مُوآبَ، المُشْرِفِ عَلَى أرِيحَا، وَانْظُرْ أرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أُعْطِيهَا لِبَنِي إسْرَائِيلَ مِلْكًا لَهُمْ. سَتَمُوتُ عَلَى الجَبَلِ الَّذِي سَتَصْعَدُ إلَيْهِ، وَسَتَنْضَمُّ إلَى آبَائِكَ، كَمَا مَاتَ أخُوكَ هَارُونُ عَلَى جَبَلِ هُورٍ وَانضَمَّ إلَى آبَائِهِ، لِأنَّكُمَا تَمَرَّدتُمَا عَلَيَّ أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ، عِنْدَ مِيَاهِ مَرِيبَةَ قَادِشَ فِي بَرِّيَّةِ صِينٍ، لِأنَّكُمَا لَمْ تُظْهِرَا قَدَاسَتِي فِي وَسَطِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَلِذَا سَتَرَى الأرْضَ مِنْ بَعِيدٍ، لَكِنَّكَ لَنْ تَدْخُلَ الأرْضَ الَّتِي أُعْطِيهَا لِبَنِي إسْرَائِيلَ.» هَذِهِ هِيَ البَرَكَةُ الَّتِي أعْطَاهَا مُوسَى، رَجُلُ اللهِ، لِبَنِي إسْرَائِيلَ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَالَ: «أتَى اللهُ مِنْ سِينَاءَ، وَأشرَقَ عَلَيْنَا كَالشَّمْسِ مِنْ سَعِيرَ، أشرَقَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَمَعَهُ عَشَرَاتُ الأُلُوفِ مِنْ قِدِّيسِيهِ، وَجُنُودُهُ الأقوِيَاءُ عَنْ يَمِينِهِ. حَقًّا قَدْ أحبَبْتَ الشُّعُوبَ، وَجَمِيعُ أبْنَائِهِمُ المُقَدَّسِينَ فِي يَدِكَ. يَنْحَنُونَ عِنْدَ قَدَمَيكَ، وَيُصْغُونَ إلَى كَلَامِكَ. قَدْ أعطَانَا مُوسَى الشَّرِيعَةَ مِلْكًا لِشَعْبِ يَعْقُوبَ. ثُمَّ صَارَ اللهُ مَلِكًا فِي يَشُورُونَ، حِينَ اجتَمَعَ قَادَةُ الشَّعْبِ مَعًا.» «لِيَحْيَ رَأُوبَينُ وَلَا يَمُتْ، وَلَا يَكُنْ رِجَالُهُ قَلِيلينَ.» وَقَالَ مُوسَى عَنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا: «يَا اللهُ اسْتَمِعْ إلَى صَرخَةِ يَهُوذَا، وَأحضِرْهُ إلَى شَعْبِهِ. بِيَدَيهِ دَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأنْتَ سَتُعِينُهُ عَلَى أعْدَائِهِ.» وَقَالَ مُوسَى عَنْ قَبِيلَةِ لَاوِي: «أعْطِ لَاوِي تُمِّيمَكَ، وَأعْطِ أُورِيمَكَ لِتَابِعِكَ الأمِينِ. الَّذِي جَرَّبْتَهُ فِي مِنْطَقَةِ مَسَّةَ، وَتَحَدَّيتَهُ عِنْدَ مِيَاهِ مَرِيبَةَ. قَالَ عَنْ أُمِّهِ وَأبِيهِ: ‹لَا أعرِفُهُمَا.› لَمْ يَعْتَرِفْ بِأخِيهِ، وَتَجَاهَلَ أوْلَادَهُ. وَأطَاعُوا كَلِمَتَكَ، وَحَفِظُوا عَهْدَكَ. سَيُعَلِّمُونَ فَرَائِضَكَ لِيَعْقُوبَ، وَشَرِيعَتَكَ لِإسْرَائِيلَ. وَيَضَعُونَ بَخُورًا أمَامَكَ، وَذَبَائِحَ صَاعِدَةً عَلَى مَذْبَحِكَ. «بَارِكْ يَا اللهُ ثَرْوَتَهُ، وَارضَ عَنْ مَا يَعْمَلُهُ. اهزِمِ الَّذِينَ يُهَاجِمُونَهُ وَالَّذِينَ يُبغِضُونَهُ، فَلَا يُهَاجِمُوهُ ثَانِيَةً.» وَقَالَ مُوسَى عَنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ: «حَبيبُ اللهِ يَسْكُنُ بِأمَانٍ عِنْدَهُ. يُحيطُ بِهِ كُلَّ الوَقْتِ، وَيَسْكُنُ اللهُ بَيْنَ كَتِفَيهِ .» وَقَالَ مُوسَى عَنْ قَبيلَةِ يُوسُفَ: «لِيُبَارِكِ اللهُ أرْضَ يُوسُفَ بِأفضَلِ هِبَاتِ السَّمَاءِ مِنْ فَوقُ، وَأفضَلِ هِبَاتِ المَاءِ مِنْ تَحْتِ الأرْضِ، وَأفضَلِ غَلَّاتِ الشَّمْسِ، وَأفضَلِ إنتَاجِ القَمَرِ، وَأفضَلِ مَا فِي الجِبَالِ القَدِيمَةِ، وَأفضَلِ مَا تُنْتِجُهُ التِّلَالُ العَتِيقَةُ، وَأفضَلِ هِبَاتِ الأرْضِ وَكُلِّ مَا فِيهَا، وَبِرِضَى السَّاكِنِ فِي الشُّجيرَةِ المُشتَعِلَةِ. «لِتَحِلَّ هَذِهِ البَرَكَاتُ عَلَى رَأسِ يُوسُفَ، عَلَى جَبِينِ الرَّئِيسِ بَيْنَ إخْوَتِهِ. إنَّهُ ثَورٌ بِكْرٌ قَوِيٌّ! إنَّهُ جَلِيلٌ! وَقُرُونُهُ قُرُونُ ثَورٍ بَرِّيٍّ. بِقُرُونِهِ يَنْطَحُ الشُّعُوبَ، حَتَّى أُولَئِكَ الَّذِينَ فِي أقَاصِي الأرْضِ. هَذِهِ القُرُونُ هِيَ عَشَرَاتُ أُلُوفِ أفْرَايِمَ وَآلَافُ مَنَسَّى.» وَقَالَ مُوسَى عَنْ قَبِيلَتَي زَبُولُونَ وَيَسَّاكَرَ: «كُنْ سَعِيدًا يَا زَبُولُونَ فِي رَحَلَاتِكَ، وَأنْتَ يَا يَسَّاكَرَ فِي خَيْمَتِكَ. سَيَدْعُوانِ الشُّعُوبَ إلَى الجَبَلِ، وَهُنَاكَ سَيُقَدِّمَانِ الذَّبَائِحَ المُنَاسِبَةَ. لِأنَّهُمَا سَيَأْخُذَانِ غِنَى البَحْرِ وَكُنُوزَ رِمَالِ البَحْرِ المَخْفِيَّةَ.» وَقَالَ مُوسَى عَنْ قَبِيلَةِ جَادٍ: «مُبَارَكٌ الَّذِي يُوَسِّعُ أرْضَ جَادٍ! فَهُوَ يَرْبِضُ كَأسَدٍ وَيَنْتَظِرُ، ثُمَّ يُمَزِّقُ الذِّرَاعَ وَالرَّأسَ. اخْتَارَ أفْضَلَ جُزْءٍ لَهُ، فَقَدْ كَانَتْ هُنَاكَ حِصَّةُ قَائِدٍ مَحفُوظَةٌ لَهُ. أتَى كَقَائِدٍ لِلجُيُوشِ، وَعَمِلَ الصَّلَاحَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَأطَاعَ فَرَائِضَ اللهِ الَّتِي لِإسْرَائِيلَ.» وَقَالَ مُوسَى عَنْ قَبِيلَةِ دَانٍ: «دَانٌ يُشْبِهُ شِبلَ أسَدٍ يَثِبُ مِنْ بَاشَانَ.» وَقَالَ مُوسَى عَنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي: «يَا نَفْتَالِي الشَّبْعَانُ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ ، المَملُوءُ بِبَرَكَةِ اللهِ ، مُلْكُكَ مِنَ الحُدُودِ الشِّمَاليَةِ حَتَّى البُحَيرَةِ فِي الجَنُوبِ.» وَقَالَ مُوسَى عَنْ قَبِيلَةِ أشِيرَ: «لِيَكُنْ أشِيرُ أكْثَرَ أبْنَائِي بَرَكَةً، وَلِيَكُنْ أكْثَرَ ابْنٍ مَرضِيًّا عَنْهُ بَيْنَ إخْوَتِهِ، وَلْيَغْمِسْ رِجلَيهِ بِالزَّيْتِ. لِتَكُنْ أقْفَالُ بَوَّابَاتِكَ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ، وَلْتَكُنْ قَوِيًّا طَوَالَ حَيَاتِكَ.» «لَا يُوجَدُ أحَدٌ مِثْلُ اللهِ يَا يَشُورُونُ، الَّذِي يَرْكَبُ فِي السَّمَاوَاتِ لِيُسَاعِدَكَ، وَيَرْكَبُ السَّحَابَ فِي جَلَالِهِ. الإلَهُ الأزَلِيُّ مَلْجَأٌ، وَأذْرُعُ الأزَلِيِّ سَتَرْفَعُكَ. طَرَدَ العَدُوَّ مِنْ أمَامِكَ، وَقَالَ: ‹دَمِّرْهُمْ!› لِذَا سَيَسْكُنُ إسْرَائِيلُ فِي أمَانٍ، سَيَسْكُنُ يَعْقُوبُ فِي سَلَامٍ فِي أرْضِ قَمْحٍ وَنَبِيذٍ، حَيْثُ تُعطِي السَّمَاءُ مَطَرًا. هَنِيئًا لَكَ يَا إسْرَائِيلُ! مَنْ مِثْلُكَ يَا شَعْبًا يُنْقِذُهُ اللهُ ؟ اللهُ هُوَ التُّرْسُ الَّذِي يَحْمِيكَ وَالسَّيْفُ الَّذِي يُعطِيكَ نَصْرَةً. سَيَأْتِي أعْدَاؤُكَ مُرتَجِفِينَ خَوْفًا مِنْكَ، وَأنْتَ سَتَدُوسُ ظُهُورَهُمْ.» وَصَعِدَ مُوسَى مِنْ سُهُولِ مُوآبَ إلَى جَبَلِ نِيبُو، إلَى قِمَّةِ جَبَلِ الفِسجَةِ المُقَابِلَةِ لِأرِيحَا. وَأرَاهُ اللهُ كُلَّ الأرْضِ مِنْ جِلعَادَ إلَى دَانٍ، وَكُلَّ أرْضِ نَفْتَالِي وَأفْرَايمَ وَمَنَسَّى وَكُلَّ أرْضِ يَهُوذَا إلَى البَحْرِ ، وَالنَّقَبَ وَالسَّهلَ، أيْ وَادِيَ أرِيحَا، مَدِينَةِ النَّخِيلِ، إلَى صُوغَرَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لَهُ: «هَذِهِ هِيَ الأرْضُ الَّتِي وَعَدْتُ بِأنْ أُعْطِيَهَا لِإبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَقُلْتُ: ‹لِنَسْلِكَ سَأُعْطِيهَا.› وَقَدْ جَعَلْتُكَ تَرَاهَا بِعَيْنَيْكَ، لَكِنَّكَ لَنْ تَعْبُرَ إلَى هُنَاكَ.» وَمَاتَ مُوسَى خَادِمُ اللهِ هُنَاكَ فِي أرْضِ مُوآبَ كَمَا قَالَ اللهُ . وَدُفِنَ مُوسَى فِي وَادٍ فِي أرْضِ مُوآبَ، قُرْبَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَا أحَدَ يَعْرِفُ مَوضِعَ قَبرِهِ حَتَّى هَذَا اليَوْمَ. وَكَانَ مُوسَى فِي المِئَةِ وَالعِشرِينَ مِنْ عُمْرِهِ حِينَ مَاتِ. وَلَمْ تَكُنْ عَينَاهُ ضَعِيفَتَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ جِلْدُهُ مُجَعَّدًا. وَبَكَى بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ يَومًا فِي سُهُولِ مُوآبَ، إلَى أنِ انْتَهَتْ أيَّامُ البُكَاءِ وَالنُّواحِ عَلَيْهِ. وَكَانَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ قَدِ امتَلأ بِرُوحِ حِكمَةٍ لِأنَّ مُوسَى وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَعَيَّنَهُ القَائِدَ الجَدِيدَ. وَأطَاعَ بَنُو إسْرَائِيلَ يَشُوعَ كَمَا أوصَى اللهُ مُوسَى. لَكِنْ لَمْ يَأْتِ نَبِيٌّ فِي إسْرَائِيلَ كَمُوسَى. فَقَدْ تَمَيَّزَ بِالْكَلَامِ مَعَ اللهِ وَجْهًا لِوَجْهٍ. وَلَمْ يَكُنْ كَمُوسَى فِي كُلِّ الآيَاتِ وَالعَجَائِبِ الَّتِي أرسَلَهُ اللهُ لِيَعْمَلَهَا فِي أرْضِ مِصْرٍ بِفِرْعَونَ وَكُلِّ قَادَتِهِ وَأرْضِهِ، وَفِي كُلِّ القُوَّةِ العَظِيمَةِ المَهيبَةِ الَّتِي أظْهَرَهَا أمَامَ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ. بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى خَادِمِ اللهِ ، قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ بْنِ نُونٍ، مُسَاعِدِ مُوسَى: «خَادِمِي مُوسَى قَدْ مَاتَ. وَالْآنَ، استَعِدّ أنْتَ وَكُلُّ هَذَا الشَّعْبِ وَاعبُرُوا نَهْرَ الأُرْدُنِّ إلَى الأرْضِ الَّتِي سَأُعْطِيهَا لِبَنِي إسْرَائِيلَ. كُلُّ مَكَانٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أقْدَامِكُمْ، أعْطَيتُهُ لَكُمْ كَمَا وَعَدْتُ مُوسَى. سَتَكُونُ حُدُودُكُمْ مِنَ البَرِّيَّةِ وَلُبْنَانَ إلَى النَّهْرِ العَظِيمِ، نَهْرِ الفُرَاتِ، بِمَا فِيهَا أرْضُ الحِثِّيِّينَ، إلَى البَحْرِ الكَبِيرِ فِي الغَرْبِ. لَنْ يَوَاجِهَكَ أحَدٌ إلَّا وَتَهْزِمَهُ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِكَ، سَأكُونُ مَعَكَ كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى. لَنْ أتَخَلَّى عَنْكَ وَلَنْ أترُكَكَ. «فَتَقَوَّ وَتَشَجَّعْ، لِأنَّكَ سَتَقُودُ هَذَا الشَّعْبَ لِيَأْخُذُوا الأرْضَ الَّتِي أقْسَمْتُ لِآبَائِهِمْ بِأنْ أُعْطِيَهَا لَهُمْ. فَقَطْ تَقَوَّ وَتَشَجَّعْ جِدًّا، وَكُنْ حَرِيصًا عَلَى العَمَلِ بِحَسَبِ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أعْطَاهَا مُوسَى لَكَ. لَا تَحِدْ عَنْهَا يَمِينًا أوْ يَسَارًا، لِتَنْجَحَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ. تَكَلَّمْ بِكَلِمَاتِ كِتَابِ الشَّرِيعَةِ هَذَا دَائِمًا. تَأمَّلْ بِهِ نَهَارًا وَلَيلًا، لِتَكُونَ حَرِيصًا عَلَى العَمَلِ بِحَسَبِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. حِينَئِذٍ، تُصلِحُ طَرِيقَكَ وَتَنْجَحُ. ألَمْ آمُرْكَ بِأنْ تَتَقَوَّى وَتَتَشَجَّعَ؟ فَلَا تَرْتَعِبْ وَلَا تَخَفْ لِأنَّ مَعَكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ.» حِينَئِذٍ، أمَرَ يَشُوعُ قَادَةَ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: «طُوفُوا فِي المُخَيَّمِ وَأوصُوا الشَّعْبَ وَقُولُوا لَهُمْ: ‹جَهِّزُوا طَعَامًا لِتَأْخُذُوا مَعَكُمْ، لِأنَّهُ فِي غُضونِ ثلَاثةِ أيَّامٍ سَتَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِتَدْخُلُوا وَتَمْتَلِكُوا الأرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ.›» ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِلرَأُوبَيْنِيَّينَ وَالجَادِيَّينَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى: «تَذَكَّرُوا الوَصِيَّةَ الَّتِي أعْطَاهَا مُوسَى، خَادمُ الله ، لَكُمْ حِينَ قَالَ: ‹يُعطِيكُمْ رَاحَةً وَأمَانًا. سَيُعطِيكُمْ هَذِهِ الأرْضَ.› يُمْكِنُ لِنِسَائِكُمْ وَأطْفَالِكُمْ وَحَيَوَانَاتِكُمْ أنْ تَبْقَى فِي أرْضِ شَرْقِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ الَّتِي أعْطَاهَا مُوسَى لَكُمْ. وَأمَّا المُحَارِبونَ مِنْكُمْ فَيَنْبَغِي أنْ تَعْبُرُوا مُتَسَلِّحِينَ وَمُسْتَعِدِّينَ لِلحَرْبِ مَعَ إخْوَتِكُمْ، جَمِيعِ المُحَارِبِينَ، فَتُسَاعِدُوهُمْ. إلَى أنْ يُعطِيَهُمُ اللهُ رَاحَةً وَأمَانًا مِثْلَكُمْ، فَيَمْتَلِكُوا هُمْ أيْضًا الأرْضَ الَّتِي سَيُعْطِيهَا لَهُمْ. حِينَئِذٍ، يُمكِنُكُمُ الرُّجُوعُ إلَى أرْضِكُمُ الَّتِي أعْطَاهَا مُوسَى خَادِمُ اللهِ لَكُمْ فِي شَرْقِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ.» فَأجَابُوا يَشُوعَ: «سَنَعمَلُ كُلَّ مَا أمَرْتَنَا بِهِ، وَسَنَذْهَبُ إلَى حَيْثُ تُرسِلُنَا. وَكَمَا أطَعْنَا مُوسَى دَائِمًا، هَكَذَا سَنُطِيعُكَ. فَلِيَكُنْ مَعَكَ كَمَا كَانَ مَعَ مُوسَى. كُلُّ مَنْ يَعْصَى أمْرَكَ وَلَا يُطِيعُ كَلَامَكَ مَهْمَا كَانَ، فَإنَّهُ يُقْتَلُ. تَقَوَّ وَتَشَجَّعْ.» ثُمَّ أرْسَلَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ مِنْ مُخَيَّمِ شِطِّيمَ رَجُلَينِ لِيَسْتَكْشِفَا الأرْضَ سِرًّا، وَقَالَ لَهُمَا: «اذْهَبَا وَانْظُرَا الأرْضَ، وَأرِيحَا بِشَكلٍ خَاصٍّ.» فَذَهَبَا وَدَخَلَا بَيْتَ عَاهِرَةٍ اسْمُهَا رَاحَابُ. وَقَضَيَا اللَّيْلَةَ هُنَاكَ. وَقِيلَ لِمَلِكِ أرِيحَا: «أتَى رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى هُنَا اللَّيْلَةَ لِيَتَجَسَّسَا عَلَى الأرْضِ.» فَأرْسَلَ مَلِكُ أرِيحَا رِسَالَةً إلَى رَاحَابَ يَقُولُ لَهَا فِيهَا: «أخْرِجِي الرَّجُلَينِ اللَّذَيْنِ أتَيَا إلَى بَيْتِكِ، لِأنَّهُمَا قَدْ أتَيَا لِيَتَجَسَّسَا عَلَى أرْضِنَا كُلِّهَا.» وَلَكِنَّ المَرْأةَ كَانَتْ قَدْ أخَذَتِ الرَّجُلَينِ وَخَبَّأتْهُمَا، فَقَالَتْ: «هَذَا صَحِيحٌ، أتَى رَجُلَانِ إلَيَّ، وَلَمْ أعْرِفْ مِنْ أيْنَ هُمَا، وَحِينَ أتَى وَقْتُ إغلَاقِ البَوَّابَةِ فِي المَسَاءِ خَرَجَا، وَلَا أعْرِفُ أينْ ذَهَبَا. الْحَقُوا بِهِمَا بِسُرْعَةٍ لِأنَّكُمْ تَسْتَطِيعُونَ الإمسَاكَ بِهِمَا.» وَكَانَتْ قَدْ أصْعَدَتْهُمَا إلَى السَّطحِ وَخَبَّأتْهُمَا بَيْنَ عِيدَانِ الكِتَّانِ الَّتِي كَانَتْ قَدْ وَضَعَتْهَا هُنَاكَ. فَلَحِقَ رِجَالُ المَلِكِ بِالرَّجُلَينِ حَتَّى مَعَابِرِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَأُغلِقَتِ البَوَّابَاتُ فَورَ خُرُوجِ الَّذِينَ لَحِقُوا بِهِمَا. وَقَبْلَ أنْ يَنَامَا، صَعِدَتْ رَاحَابُ إلَيْهِمَا إلَى السَّطْحِ، وَقَالَتْ لَهُمَا: «أعْرِفُ أنَّ اللهَ أعطَاكُمُ الأرْضَ. فَنَحْنُ مُرْتَعِبُونَ مِنْكُمْ، وجَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي الأرْضِ يَذُوبُونَ خَوْفًا بِسَبَبِكُمْ. فَقَدْ سَمِعْنَا أنَّ اللهَ يَبَّسَ مَاءَ البَحْرِ الأحْمَرِ أمَامَكُمْ حِينَ خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرٍ. وَسَمِعْنَا بِمَا عَمِلتُمْ لِلمَلِكَينِ اللَّذَيْنِ كَانَا فِي شَرقِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، سَيحُونَ وَعُوجٍ اللَّذَيْنِ قَضَيتُمْ عَلَيْهِمَا. فَحِينَ سَمِعْنَا بِهَذِهِ الأُمُورِ ارتَعَبْنَا، وَلَمْ تَبْقَ شَجَاعَةٌ فِي قَلْبِ أحَدٍ مِنَّا بِسَبَبِكُمْ. هُوَ إلَهُ السَّمَاءِ مِنْ فَوقُ وَإلَهُ الأرْضِ مِنْ تَحْتُ. وَالْآنَ، أقسِمَا لِي بِاللهِ ، لِأنِّي عَمِلْتُ مَعْكُمَا إحسَانًا، بِأنَّكُمَا أنْتُمَا أيْضًا سَتَعْمَلَانِ إحْسَانًا لِعَائِلَتِي. أكِّدَا لِي تَمَامًا، بِأنَّكُمَا سَتَحْفَظَانِ حَيَاةَ أبِي وَأُمِّي وَإخوَتِي وَأخَوَاتِي وَكُلَّ مَا يخصُّهُمْ. وَبِأنَّكُمَا سَتُخَلِّصَانِ أنْفُسَنَا مِنَ المَوْتِ.» فَقَالَ الرَّجُلَانِ لَهَا: «نَفْديكُمْ بِحَيَاتِنَا! فَإنْ لَمْ تُخبِرِي بِمَا نَعمَلُهُ، فَحِينَ يُعْطِينَا اللهُ الأرْضَ، سَنَتَعَامَلُ مَعَكِ بِوَفَاءٍ وَإحْسَانٍ.» فَأنزَلَتْهُمَ بِحَبلٍ مِنَ النَّافِذَةِ لِأنَّ بَيتَهَا كَانَ مَبنِيًّا عَلَى سُورِ المَدِينَةِ، وَقَدْ كَانَتْ تَسْكُنُ فِي السُّورِ. وَقَالَتْ لَهُمَا: «اذْهَبَا إلَى التِّلَالِ كَي لَا يَجِدَكُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنْكُمْ. اخْتَبِئَا هُنَاكَ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ إلَى أنْ يَعُودَ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنْكُمْ إلَى المَدِينَةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُمكِنُكُمَا الذَّهَابُ فِي طَرِيقِكُمَا.» وَقَالَ الرَّجُلَانِ لَهَا: «سَنَكُونُ بَرِيئَينِ مِنْ قَسَمِنَا لَكِ الَّذِي جَعَلْتِنَا نُقسِمُهُ، إنْ جِئْنَا لِكَي نَأخُذَ الأرْضَ، وَلَمْ تَرْبِطِي هَذَا الحَبلَ القِرْمِزِيَّ الَّذِي أنزَلْتِنَا بِهِ، وَلَمْ تَجْمَعِي فِي بَيْتِكِ أبَاكِ وَأُمَّكِ وَأُخوَتَكِ وَكُلَّ عَائِلَتَكِ. فَكُلُّ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهُمْ مِنْ بَابِ بَيْتِكِ إلَى الشَّارِعِ سَيَكُونُ مَسؤُولًا عَنْ مَوْتِهِ. وَنَحْنُ سَنَكُونُ بَرِيئَينِ. لَكِنْ إنْ تَأذَّى أحَدٌ دَاخِلَ بَيْتِكِ، فَإنَّنَا سَنَكُونُ مَسؤُولَينَ عَنْ ذَلِكَ. وَإنْ كَشَفْتِ خُطَّتَنَا، فَإنَّنَا نَكُونُ بَرِيئَينِ مِنَ القَسَمِ الَّذِي جَعَلْتِنَا نُقسِمُهُ لَكِ.» فَقَالَتْ: «اتَّفَقْنَا!» وَأرسَلَتْهُمَا فَذَهَبَا، ثُمَّ رَبَطَتِ الحَبلَ القِرْمِزِيَّ بَنَافِذَتِهَا. فَغَادَرَا وَذَهَبَا إلَى التِّلَالِ، وَبَقِيَا هُنَاكَ لِثَلَاثَةِ أيَّامٍ إلَى أنْ رَجِعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبْحَثُونَ عَنْهُمَا إلَى أرِيحَا، بَعْدَ أنْ بَحَثُوا عَنْهُمَا فِي كُلِّ الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَجِدُوهُمَا. ثُمَّ نَزَلَ الرَّجُلَانِ مِنَ التِّلَالِ وَعَبَرَا نَهْرَ الأُرْدُنِّ وَأتَيَا إلَى يَشُوعَ بْنِ نُونٍ وَأخبَرَاهُ بَكُلِّ مَا حَدَثَ لَهُمَا. وَقَالَا لِيَشُوعَ: «قَدْ أعطَانَا اللهُ الأرْضَ كُلَّهَا! كُلُّ سَاكِنِي الأرْضِ مُرتَعِبُونَ مِنَّا.» وَفِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، اسْتَيْقَظَ يَشُوعُ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ بَاكِرًا وَانطَلَقُوا مَنْ شِطِّيمَ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَخَيَّمُوا هُنَاكَ قَبْلَ عُبُورِهِمُ النَّهْرَ. وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ، جَالَ القَادَةُ فِي المُخَيَّمِ، وَأمَرُوا الشَّعْبَ وَقُالُوا لَهُمْ: «حِينَ تَرَوْنَ الكَهَنَةَ اللَّاوِيِّينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ ، اتْرُكُوا المَكَانَ الَّذِي أنْتُمْ فِيهِ وَاتبَعُوهُ. وَلْتَكُنْ مَسَافَةُ ألفَي ذِرَاعٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ. لَا تَقْتَرِبُوا مِنْهُ، بَلِ اتبَعُوهُ لِتَعْرِفُوا الطَّرِيقَ الَّذِي يَنْبَغِي السَّيرُ فِيهِ. لِأنّكُمْ لَمْ تَسِيرُوا فِي هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ قَبْلُ.» ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: «كَرِّسُوا أنْفُسَكُمْ، لِأنَّ اللهَ سَيَعْمَلُ أُمُورًا مُدهِشَةً وَعَظِيمَةً فِي الغَدِ فِي وَسَطِكُمْ وَمَعَكُمْ.» وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، قَالَ يَشُوعُ لِلكَهَنَةِ: «ارْفَعُوا صُنْدُوقَ العَهْدِ المُقَدَّسَ، وَاجتَازُوا إلَى مُقدَّمةِ الشَّعْبِ.» فَحَمَلُوا صُنْدُوقَ العَهْدِ المُقَدَّسَ وَسَارُوا أمَامَ الشَّعْبِ. وَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «سَأبدَأُ اليَوْمَ بِتَعْظِيمِكَ فِي عُيُونِ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيَعْرِفُوا أنَّنِي سَأكُونُ مَعَكَ كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى. مُرِ الكَهَنَةَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ العَهْدِ المُقَدَّسَ، حِينَ يَصِلُونَ إلَى النَّهْرِ، بِأنْ يَقِفُوا فِي النَّهْرِ.» ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: «تَعَالَوْا إلَى هُنَا وَاستَمِعُوا إلَى كَلَامِ .» حِينَئِذٍ، قَالَ يَشُوعُ: «بِهَذَا سَتَعْرِفُونَ أنَّ اللهَ الحَيَّ فِي وَسَطِكُمْ، وَستعرِفُونَ أنَّهُ سَيَطْرُدُ مِنْ أمَامِكُمُ الكَنْعَانِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَالفِرِزِّيَّينَ وَالجِرْجَاشِيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ. هَا إنَّ صُنْدُوقَ عَهْدِ سَيِّدِ كُلِّ الأرْضِ سيعبرُ نَهْرَ الأُرْدُنِّ أمَامَكُمْ. اخْتَارُوا لَكُمُ اثنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، وَاحِدًا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ. وَحِينَ يَضَعُ الكَهَنَةُ حَامِلُو صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ ، رَبِّ كُلِّ الأرْضِ أرجُلَهُمْ فِي مِيَاهِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، فَإنَّ مِيَاهَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ المُتَدَفِّقَةَ مِنَ الأعْلَى سَتَتَوَقَّفُ كَمِيَاهٍ وَرَاءَ سَدٍّ.» وَحِينَ غَادَرَ الشَّعْبُ المُخَيَّمَ لِيَعْبُرُوا نَهْرَ الأردُنَّ، كَانَ الكَهَنَةُ حَامِلُو صُنْدُوقِ العَهْدِ المُقَدَّسِ أمَامَ الشَّعْبِ. وَحِينَ أتَى الكَهَنَةُ حَامِلُو الصُّنْدُوقِ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَوَضَعُوا أقْدَامَهُمْ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ، وَكَانَ النَّهْرُ مُمتَلِئًا بِالمِيَاهِ فَوْقَ ضِفَافِهِ كُلَّ فَترَةِ الحَصَادِ، تَوَقَّفَ المَاءُ المُتَدَفِّقُ مِنَ الأعْلَى عَلَى الفَوْرِ. فَتَجَمَّعَتِ المِيَاهُ كَأنَّهَا وَرَاءَ سَدٍّ فِي أعْلَى مَجْرَى النَّهْرِ فِي مَدِينَةِ أدَامَ القَرِيبَةِ مِنْ صَرْتَانَ. وَانقَطَعَتِ المِيَاهُ المُتَدَفِّقَةُ إلَى بَحْرِ العَرَبَةِ تَمَامًا. حِينَئِذٍ، عَبَرَ الشَّعْبُ نَهْرَ الأُرْدُنِّ مُقَابِلَ أرِيحَا. وَالكَهَنَةُ حَامِلُو صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ المُقَدَّسِ وَقَفُوا ثَابِتِينَ عَلَى أرْضٍ جَافَّةٍ فِي وَسَطِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، بَيْنَمَا كَانَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ يَعْبُرُونَ عَلَى أرْضٍ جَافَّةٍ وَيَابِسَةٍ، إلَى أنْ عَبَرَ كُلُّ الشَّعْبِ نَهْرَ الأُرْدُنِّ. وَحِينَ انْتَهَى جَمِيعُ الشَّعْبِ مِنْ عُبُورِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «اخْتَرِ اثنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الشَّعْبِ، وَاحِدًا مِنْ كُلِّ قَبيلَةٍ، وَمُرْهُمْ وَقُلْ: ‹احمِلُوا اثنَيْ عَشَرَ حَجَرًا مِنْ هَذَا المَكَانِ، مِنْ وَسَطِ مَجْرَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ حَيْثُ وَقَفَ الكَهَنَةُ. خُذُوهَا وَضَعُوهَا فِي المَكَانِ الَّذِي تَبِيتُونَ فِيهِ اللَّيْلَةَ.›» فَدَعَا يَشُوعُ الِاثنَيْ عَشَرَ رَجُلًا الَّذِينَ تَمَّ اخْتِيَارُهُمْ مِنَ بَنِي إسْرَائِيلَ، رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ قَبيلَةٍ. وَقَالَ يَشُوعُ لَهُمْ: «عُودُوا إلَى وَسْط نَهْرِ الأُردنِّ حَيْثُ صُنْدُوقُ عَهْدِ المُقدَّسُ. وَلْيَحْمِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حَجَرًا عَلَى كَتِفِهِ، حَجَرًا لِكُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. فَتَكُونُ هَذِهِ الحِجَارَةُ عَلَامَةً فِي وَسَطِكُمْ. وَحِينَ يَسألُكُمْ أوْلَادُكُمْ فِي المُسْتَقْبَلِ: ‹مَاذَا تَعْنِي هَذِهِ الحِجَارَةُ؟› قُولُوا لَهُمْ إنَّ مِيَاهَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ تَوَقَّفَتْ أمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ . حِينَ عَبَرَ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ، تَوَقَّفَتْ مِيَاهُ النَّهْرِ عَنِ التَّدَفُّقِ. فَتَكُونُ هَذِهِ الحِجَارَةُ تِذكَارًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَى الأبَدِ.» وَعَمِلَ بَنُو إسْرَائِيلَ كَمَا أمَرَهُمْ يَشُوعُ. فَأخَذُوا اثنَيْ عَشَرَ حَجَرًا مِنْ وَسَطِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، حَجَرًا لِكُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، كَمَا قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ. وَحَمَلُوهَا مَعَهُمْ إلَى المَكَانِ الَّذِي خَيَّمُوا فِيهِ، وَوَضَعُوهَا هُنَاكَ. وَأيْضًا وَضَعَ يَشُوعُ اثنَيْ عَشَرَ حَجَرًا فِي وَسَطِ مَجرَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ. فِي المَكَانِ الَّذِي كَانَ الكَهَنَةُ الَّذِينَ حَمَلُوا صُنْدُوقَ العَهْدِ المُقَدَّسِ وَاقِفِينَ فِيهِ. وَهِيَ هُنَاكَ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَبَقِيَ الكَهَنَةُ، حَامِلُو الصُّنْدُوقِ المُقَدَّسِ، وَاقِفِينَ فِي وَسَطِ مَجْرَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ، إلَى أنِ انْتَهَى كُلُّ شَيءٍ أمَرَ اللهُ يَشُوعَ بِأنْ يُخبِرَ الشَّعْبَ بِهِ. كَمَا أمَرَ مُوسَى يَشُوعَ. وَعَبَرَ الشَّعْبُ النَّهْرَ بِسُرعَةٍ. وَحِينَ انْتَهَى الشَّعْبُ مِنْ عُبُورِ النَّهْرِ، عَبَرَ صُنْدُوقُ اللهِ المُقَدَّسُ وَالكَهَنَةُ أمَامَ الشَّعْبِ. وَعَبَرَ الرَأُوبَيْنِيُّونَ وَالجَادِيُّونَ وَنِصْفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى مُتَجَهِّزِينَ لِلمَعرَكَةِ أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ الآخَرِينَ كَمَا أمَرَهُمْ مُوسَى. نَحْوَ أرْبَعِينَ ألْفَ رَجُلٍ مُسَلَّحٍ، عَبَرُوا بِقِيَادَةِ اللهِ لِيُحَارِبُوا فِي سُهُولِ أرِيحَا. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، عَظَّمَ اللهُ يَشُوعَ فِي عُيُونِ كُلِّ إسْرَائِيلَ، وَهَابُوهُ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِهِ كَمَا كَانُوا يَهَابُونَ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «مُرِ الكَهَنَةَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ الشَّهَادَةِ أنْ يَخْرُجُوا مِنْ وَسَطِ مَجرَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ.» فَأمَرَ يَشُوعُ الكَهَنَةَ وَقَالَ لَهُمُ: «اصعَدُوا مِنْ مَجرَى النَّهْرِ.» وَحِينَ خَرَجَ الكَهَنَةُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مِنْ مَجرَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَلَمَسَتْ بُطُونُ أقْدَامِهِمُ اليَابِسَةَ، عَادَتْ مِيَاهُ النَّهْرِ إلَى مَكَانِهَا، وَتَدَفَّقَتْ عَلَى ضِفَافِهِ كَمَا كَانَتْ. فَخَرَجَ الشَّعْبُ مِنْ وَسَطِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ وَخَيَّمُوا فِي الجِلْجَالِ عَلَى الحُدُودِ الشَّرقِيَّةِ لِأرِيحَا. وَفِي الجِلْجَالِ، نَصَبَ يَشُوعُ الِاثنَيْ عَشَرَ حَجَرًا الَّتِي أخَذُوهَا مِنْ مَجرَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَقَالَ يَشُوعُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: «فِي المُسْتَقْبَلِ، حِينَ يَسألُ أوْلَادُكُمْ آبَاءَهُمْ: ‹مَا مَعْنَى هَذِهِ الحِجَارَةِ؟› فَحِينَئِذٍ تَقُولُونَ لِأوْلَادِكُمْ: ‹عَبَرَ إسْرَائِيلُ نَهْرَ الأُرْدُنِّ عَلَى اليَابِسَةِ.› لِأنَّ جَفَّفَ مِيَاهَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ أمَامَكُمْ إلَى أنْ عَبَرْتُمْ، كَمَا عَمِلَ لِلبَحرِ الأحْمَرِ الَّذِي يَبَّسَهُ أمَامَنَا إلَى أنْ عَبَرْنَا. لِتَعْلَمَ جَمِيعُ شُعُوبِ الأرْضِ كَمْ هِيَ عَظِيمَةٌ قُوَّةُ اللهِ ، لِيَخْشَوْا إلَى الأبَدِ.» وَحِينَ سَمِعَ المُلُوكُ الأمُورِيُّونَ، غَرْبَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَكُلُّ المُلُوكِ الكَنْعَانِيِّينَ، السَّاكِنُونَ عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ، أنَّ اللهَ جَفَّفَ مِيَاهَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى أنْ عَبَرُوا النَّهْرَ، جَبُنَتْ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ تَبْقَ فِيهِمْ شَجَاعَةٌ لِمُحَارَبَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «اصْنَعْ لِنَفْسِكَ سَكَاكِينَ مِنْ حَجَرِ الصُّوَّانِ، وَاختِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لِلمَرَّةِ الثَّانِيَةِ.» فَصَنَعَ يَشُوعُ سَكَاكِينَ مِنْ صُوَّانٍ، وَخَتَنَ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي جَبْعَةَ هَاعَرَلُوثَ. وَهَذَا هُوَ سَبَبُ خَتْنِ يَشُوعَ لَهُمْ: كُلُّ الذُّكُورِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرٍ، أيْ كُلُّ المُحَارِبِينَ، مَاتُوا فِي البَرِّيَّةِ فِي الرِّحلَةِ بَعْدَ خُرُوجَهَمْ مِنْ مِصْرٍ. وَمَعَ أنَّ كُلَّ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرٍ كَانُوا مَختُونِينَ، إلَّا أنَّ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الصَّحرَاءِ فِي الرِّحلَةِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرٍ لَمْ يُختَنُوا. لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ ارتَحَلُوا فِي البَرِّيَّةِ أرْبَعِينَ سَنَةً إلَى أنْ مَاتَ كُلُّ المُحَارِبِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرٍ، الَّذِينَ عَصَوْا اللهَ . وَقَدْ أقْسَمَ اللهُ لَهُمْ بِأنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا الأرْضَ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا الَّتِي وَعَدَ اللهُ آبَاءَهُمْ بِأنْ يُعطِيَهَا لَهُمْ. فَأقَامَ أبْنَاءَهُمْ مَكَانَهُمْ، الأبْنَاءَ الَّذِينَ خَتَنَهُمْ يَشُوعُ. فَلَمْ يَكُونُوا قَدْ خُتِنُوا فِي أثْنَاءِ التَّرْحَالِ فِي الصَّحرَاءِ. وَحِينَ أنهَى يَشُوعُ خَتْنَ جَمِيعِ الرِّجَالِ، مَكَثُوا فِي أمَاكِنِهِمْ فِي المُخَيَّمِ إلَى أنْ تَعَافَوا مِنْ جِرَاحِهِمْ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «قَدْ دَحْرَجْتُ اليَوْمَ عَنْكُمُ العَارَ الَّذِي كَانَ عَلَيْكُمْ فِي مِصْرٍ.» وَلِذَا دُعِيَ ذَلِكَ المَكَانُ بِالجِلْجَالِ. وَهَذَا هُوَ اسْمُهُ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَحِينَ كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ مُخَيِّمِينَ فِي الجِلْجَالِ، احتَفَلُوا بِعِيدِ الفِصْحِ فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ عِنْدَ المَسَاءِ فِي سُهُولِ أرِيحَا. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي أكَلُوا مِنْ إنتَاجِ الأرْضِ خُبْزًا بِلَا خَمِيرَةٍ وَفَريكًا مَشْوِيًّا. وَانْقَطَعَ المَنُّ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ حِينَ أكَلُوا مِنْ إنتَاجِ الأرْضِ، وَلَمْ يَعُدِ المَنُّ يُعْطَى لِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَأكَلُوا مِنْ مَحَاصِيلِ أرْضِ كَنْعَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَحِينَ كَانَ يَشُوعُ فِي مِنْطَقَةِ أرِيحَا، نَظَرَ إلَى الأعْلَى فَرَأى رَجُلًا وَاقِفًا أمَامَهُ وَسَيفُهُ مَسلُولٌ فِي يَدِهِ. فَتَقّدَّمَ يَشُوعُ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «أأنْتَ مِنَّا أمْ مِنْ أعْدَائِنَا؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: «لَسْتُ مِنْكُمْ وَلَا مِنْ أعْدَائِكُمْ، لَكِنَّنِي أتَيْتُ الآنَ كَقَائِدِ جَيْشِ اللهِ .» فَوَقَعَ يَشُوعُ عَلَى وَجْهِهِ إلَى الأرْضِ وَسَجَدَ لَهُ، وَقَالَ: «مَاذَا يَقُولُ سَيِّدِي لِي؟» فَقَالَ قَائِدُ جَيْشِ اللهِ لِيَشُوعَ: «اخلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ قَدَمَيكَ لِأنَّ المَكَانَ الَّذِي تَقِفُ عَلَيْهِ مُقَدَّسٌ.» فَفَعَلَ يَشُوعُ ذَلِكَ. وَكَانَتْ بَوَّابَاتُ أرِيحَا مُغلَقَةً وَمَحرُوسَةً بِشَكلٍ شَدِيدٍ بِسَبَبِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَدْخُلُ إلَيْهَا أوْ يَخْرُجُ مِنْهَا. وَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «هَا إنِّي سَأنْصُرُكَ عَلَى أرِيحَا وَمَلِكِهَا وَمُحَارِبِيهَا وَأبْطَالِهَا. فَلْيَطُفْ جَمِيعُ المُحَارِبِينَ حَوْلَ المَدِينَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً كُلَّ يَوْمٍ، وَلِمُدَّةِ سِتَّةِ أيَّامٍ. وَلْيَحْمِلْ سَبْعَةٌ مِنَ الكَهَنَةِ سَبْعَةَ أبوَاقٍ مَصْنُوعَةً مِنْ قُرُونِ الكِبَاشِ وَيَسِيرُوا أمَامَ الصُّنْدُوقِ المُقَدَّسِ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ تَطُوفُونَ حَوْلَ المَدِينَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، بَيْنَمَا يَنْفُخُ الكَهَنَةُ بِالأبوَاقِ. وَحِينَ يَنْفُخُونَ نَفخَةً طَوِيلَةً بِقَرْنِ الكَبْشِ، وَتَسْمَعُونَ صَوْتَ البُوقِ، فَليَهْتِفْ كُلِّ الجَيْشِ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ، فَيَسْقُطَ سُورُ المَدِينَةِ فِي مَكَانِهِ. حِينَئِذٍ، يَنْدَفِعُ كُلُّ الجَيْشِ إلَى الأمَامِ.» وَدَعَا يَشُوعُ بْنُ نُونٍ الكَهَنَةَ جَمِيعًا وَقَالَ لَهُمُ: «احْمِلُوا صُنْدُوقَ العَهْدِ المُقَدَّسَ، وَلْيَحْمِلْ سَبعَةُ كَهَنَةٍ سَبْعَةَ أبوَاقٍ مَصْنُوعَةً مِنْ قُرُونِ الكِبَاشِ أمَامَ صُنْدُوقِ اللهِ المُقَدَّسِ.» وَقَالَ يَشُوعُ لِلجَيْشِ: «طُوفُوا حَوْلَ المَدِينَةِ، وَلْيَسِرِ الرِّجَالُ المُسَلَّحُونَ أمَامَ صُنْدُوقِ اللهِ المُقَدَّسِ.» وَبَعْدَ أنْ كَلَّمَ يَشُوعُ الشَّعْبَ، سَارَ الكَهَنَةُ السَّبْعَةُ وَهُمْ يَحْمِلُونَ سَبْعَةَ أبوَاقٍ مَصْنُوعَةً مِنْ قُرُونِ الكِبَاشِ أمَامَ صُنْدُوقِ اللهِ المُقَدَّسِ. وَكَانُوا يَنْفُخُونَ بِالأبوَاقِ، وَصُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ المُقَدَّسُ يَتْبَعُهُمْ. وَكَانَ الرِّجَالُ المُسَلَّحُونَ يَسِيرُونَ أمَامَ الكَهَنَةِ الَّذِينَ يَنْفُخُونَ بِالأبوَاقِ. وَمُؤَخَّرَةُ الجَيْشِ تَسِيرُ خَلْفَ الصُّنْدُوقِ المُقَدَّسِ، بَيْنَمَا يُنْفَخُ فِي الأبوَاقِ بِشَكلٍ مُسْتَمِرٍّ. وَأمَرَ يَشُوعُ الجَيْشَ فَقَالَ: «لَا تَهْتِفُوا وَلَا تَدَعُوا أصوَاتَكُمْ تُسْمَعُ، وَلَا تَخْرُجْ كَلِمَةٌ مِنْ أفوَاهِكُمْ إلَى اليَوْمِ الَّذِي أقُولُ لَكُمْ فِيهِ اهتِفُوا. فَحِينَئِذٍ تَهْتِفُونَ.» وَأرْسَلَ يَشُوعُ صُنْدُوقَ اللهِ المُقَدَّسَ لِيَطُوفَ حَوْلَ المَدِينَةِ. فَطَافُوا بِهِ مَرَّةً ثُمَّ عَادُوا إلَى المُخَيَّمِ، وَقَضَوْا اللَّيْلَةَ فِي المُخَيَّمِ. وَاسْتَيْقَظَ يَشُوعُ بَاكِرًا فِي الصَّبَاحِ، وَحَمَلَ الكَهَنَةُ صُنْدُوقَ اللهِ المُقَدَّسَ. وَسَارَ الكَهَنَةُ السَّبْعَةُ وَهُمْ يَحْمِلُونَ سَبْعَةَ أبوَاقٍ مَصْنُوعَةً مِنْ قُرُونِ الكِبَاشِ أمَامَ صُنْدُوقِ اللهِ المُقَدَّسِ. وَكَانُوا يَنْفُخُونَ فِي الأبوَاقِ بِشَكلٍ مُسْتَمِرٍّ. وَكَانَ الرِّجَالُ المُسَلَّحُونَ يَسِيرُونَ أمَامَهُمْ، وَمُؤَخَّرَةُ الجَيْشِ تَسِيرُ خَلْفَ صُنْدُوقِ اللهِ المُقَدَّسِ، بَيْنَمَا يُنْفَخُ فِي الأبوَاقِ بِشَكلٍ مُسْتَمِرٍّ. وَطَافُوا حَوْلَ المَدِينَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي اليَوْمِ الثَّانِي ثُمَّ عَادُوا إلَى المُخَيَّمِ. وَعَمِلُوا هَذَا لِسِتَّةِ أيَّامٍ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، استَيْقَظُوا بَاكِرًا عِنْدَ الفَجْرِ، وَطَافُوا حَوْلَ المَدِينَةِ بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا، لَكِنَّهُمْ سَارُوا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَفِي المَرَّةِ السَّابِعَةِ، نَفَخَ الكَهَنَةُ بِالأبوَاقِ، وَقَالَ يَشُوعُ لَلجَيْشِ: «اهتِفُوا! لِأنَّ اللهَ قَدْ أعطَاكُمُ المَدِينَةَ. دَمِّرُوا المَدِينَةَ وَكُلِّ مَا فِيهَا تَقْدِمَةً للهِ . وَلَا تَتْرُكُوا سِوَى رَاحَابَ العَاهِرَةِ وَكُلِّ مَنْ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا. لِأنَّهَا خَبَّأتِ الرَّسُولَينِ اللَّذَيْنِ أرسَلْنَاهُمَا. «أمَّا أنْتُمْ فَلَا تَقْتَرِبُوا مِنَ الأشْيَاءِ المُعَدَّةِ لِلتَدْميرِ. فَلَا تَشْتَهُوا أوْ تأخُذُوا شَيْئًا مِنْهَا، فَتُعَرِّضُوا مُخَيَّمَ إسْرَائِيلَ لِلدَّمَارِ وَالمَشَاكِلَ. وَأمَّا كُلُّ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالأدَوَاتِ البُرُونْزِيَّةِ وَالحَدِيدِ فَهِيَ مُقَدَّسَةٌ للهِ ، وَيَنْبَغِي أنْ تُوضَعَ فِي خَزنَةِ اللهِ .» فَهَتَفَ الجَيْشُ، وَنَفَخَ الكَهَنَةُ بِالأبوَاقِ. وَحِينَ سَمِعَ الجَيْشُ صَوْتَ البُوقِ، هَتَفَ الجَيْشُ هُتَافًا مُرْتَفِعًا، وَسَقَطَ السُّورُ فِي مَكَانِهِ. حِينَئِذٍ، اندَفَعَ كُلُّ الجَيْشِ نَحْوَ المَدِينَةِ، وَاستَوْلُوا عَلَيْهَا. وَأهْلَكُوا بِالسَّيْفِ كُلَّ مَنْ فِيهَا مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصَغَارٍ وَكِبَارٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَحَمِيرٍ. وَقَالَ يَشُوعُ لِلرَّجُلَينِ اللَّذَيْنِ استَكْشَفَا الأرْضَ: «ادخُلَا إلَى بَيْتِ المَرْأةِ العَاهِرَةِ وَأخرِجَاهَا وَكُلَّ مَنْ لهَا كَمَا أقسَمْتُمَا لَهَا.» فَدَخَلَ الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ استَكْشَفَا الأرْضَ، وَأخرَجَا رَاحَابَ وَأبَاهَا وَأُمَّهَا وَأُخوَتَهَا وَكُلَّ مَنْ لَهَا. فَأخرَجَا كُلَّ عَائِلَتِهَا، وَوَضَعَاهُمْ خَارِجَ مُخَيَّمِ إسْرَائِيلَ فِي مَكَانٍ آمِنٍ. وَأحرَقُوا المَدِينَةَ وَكُلَّ مَا فِيهَا بِالنَّارِ، لَكِنَّ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالأدَوَاتِ البُرُونْزِيَّةَ وَضَعُوهَا فِي خَزنَةِ بَيْتِ اللهِ . وَأبقَى يَشُوعُ عَلَى رَاحَابَ العَاهِرَةِ وَعَائِلَتِهَا وَكُلِّ مَنْ لَهَا. وَهِيَ مَا تَزَالُ سَاكِنَةً فِي وَسَطِ إسْرَائِيلَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا لِأنَّهَا خَبَّأتِ الرَّسُولَينِ اللَّذَيْنِ أرسَلَهُمَا يَشُوعُ لِيَسْتَكْشِفَا أرِيحَا. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، أقْسَمَ يَشُوعُ وَقَالَ: «لِيَكُنْ كُلُّ مَنْ يُعِيدُ بِنَاءَ أرِيحَا مَلعُونًا أمَامَ اللهِ . سَتُكَلِّفُهُ أسَاسَاتُهَا حَيَاةَ ابْنِهِ البِكْرِ، وَبَوَّابَاتُهَا حَيَاةَ ابْنِهِ الأصْغَرِ.» فَكَانَ اللهُ مَعَ يَشُوعَ، وَذَاعَ صِيتُهُ فِي كُلِّ الأرْضِ. وَلَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يُطِيعُوا الوَصِيَّةَ المُتَعَلِّقَةَ بِمَا يَنْبَغِي إتلَافُهُ. فَقَدْ أخَذَ عَخَانُ بْنُ كَرْمِي بْنِ زَبَدِي بْنِ زَارَحَ، مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، بَعْضَ الأشْيَاءِ مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي إتلَافُهَا. فَغَضِبَ اللهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَأرْسَلَ يَشُوعُ رِجَالًا مِنْ أرِيحَا إلَى مَدِينَةِ عَايٍ القَرِيبَةِ مِنْ بَيْتِ آوِنَ شَرقَ بَيْتِ إيلَ. وَقَالَ لَهُمُ: «اصْعَدُوا وَاسْتَكْشِفُوا الأرْضَ.» فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَاسْتَكْشَفُوا مَدِينَةَ عَايٍ. ثُمَّ عَادُوا إلَى يَشُوعَ وَقَالُوا لَهُ: «لَا تُرسِلْ كُلَّ الجَيْشِ إلَى عَايٍ. فَلْيَذْهَبْ ألفَانِ أوْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ فَقَطْ وَيُهَاجِمُوا عَايًا. لَا تُجْهِدِ الجَيْشَ كُلَّهُ بِالذَّهَابِ إلَى هُنَاكَ، فَشَعْبُ عَايٍ قَلِيلُ العَدَدِ.» فَصَعِدَ نَحْوَ ثَلَاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ إلَى هُنَاكَ، وَلَكِنَّهُمْ أُجبِرُوا عَلَى التَّرَاجُعِ مِنْ أمَامِ رِجَالِ عَايٍ. وَقَتَلَ رِجَالُ عَايٍ نَحْوَ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ، وَلَحِقُوا بِهِمْ مِنْ أمَامِ البَوَّابَةِ إلَى مَكَاسِرِ الحِجَارَةِ، وَقَتَلُوهُمْ عَلَى المُنحَدَرِ. فَجَبُنَتْ قُلُوبُ الرِّجَالِ جِدًّا. حِينَئِذٍ، مَزَّقَ يَشُوعُ ثِيَابَهُ، وَوَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الأرْضِ أمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ المُقَدَّسِ، وَبَقِيَ هُنَاكَ إلَى المَسَاءِ مَعَ كُلِّ شَيُوخِ إسْرَائِيلَ. وَألقَوْا التُّرَابَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ. وَقَالَ يَشُوعُ: «آهٍ يَا اللهُ ! لِمَاذَا عبَّرْتَ هَذَا الشَّعْبَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِيُهلِكَنَا الأمُورِيُّونَ؟ لَيتَنَا بَقِينَا شَرْقَ النَّهْرِ! يَا رَبُّ! مَاذَا أقُولُ الآنَ وَقَدْ هُزِمَ بَنُو إسْرَائِيلَ أمَامَ أعْدَائِهِمْ؟ سَيَسْمَعُ جَمِيعُ الكَنعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي الأرْضِ بِمَا حَدَثَ، فَيُحَاصِرُونَنَا وَيَقْتُلُونَنَا. مَاذَا سَتَفْعَلُ حِينَئَذٍ لِاسْمِكَ العَظيمِ؟» فَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «انْهَضْ! لِمَاذَا أنْتَ مُنبَطِحٌ عَلَى وَجْهِكَ؟ قَدْ أخطَأ إسْرَائِيلُ، وَقَدْ نَقَضُوا عَهْدِي الَّذِي أمَرتُهُمْ بِحِفظِهِ، فَأخَذُوا مِنَ الأشْيَاءِ الَّتِي أمَرْتُهُمْ بِتَدْميرِهَا تَقْدِمَةً لِي. سَرَقُوا وَكَذَبُوا، وَوَضَعُوا تِلْكَ الأشْيَاءَ بَيْنَ حَاجِيَاتِهِمْ. وَلِهَذَا فَبَنُو إسْرَائِيلَ غَيْرُ قَادِرِينَ عَلَى مُقَاوَمَةِ أعْدَائِهِمْ. وَهُمْ يُهزَمُونَ وَيَتَرَاجَعُونَ أمَامَ أعْدَائِهِمْ، إذْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالهَلَاكِ. لَنْ أكُونَ مَعَكُمْ فِيمَا بَعْدُ حَتَّى تُدَمِّرُوا الأشْيَاءَ الَّتِي طَلَبْتُ مِنْكُمْ إتلَافَهَا. «فَاذْهَبْ وَطَهِّرِ الشَّعْبَ، وَقُلْ لَهُمْ: ‹تَقَدَّسُوا لِأجْلِ الغَدِ، لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ إنَّ بَيْنَ أمتِعَتِكُمْ أشْيَاءَ أمَرْتُكُمْ أنْ تُدَمِّرُوهَا. فَلَنْ تَهْزِمُوا أعْدَاءَكُمْ حَتَّى تُزِيلُوا مِنْ بَينِكُمُ الأشْيَاءَ الَّتِي أمَرْتُكُمْ بِإتلَافِهَا. «‹وَفِي الصَّبَاحِ، تَقِفُونَ جَمِيعًا فِي حَضْرَةِ اللهِ بِحَسَبِ قَبَائِلِكُمْ. وَالقَبِيلَةُ الَّتِي يَختَارُهَا اللهُ تَتَقَدَّمُ بِحَسَبِ عَشَائِرِهَا. وَالعَشِيرَةُ الَّتِي يَخْتَارُهَا اللهُ تَتَقَدَّمُ بِحَسَبِ عَائِلَاتِهَا. وَالعَائِلَةُ الَّتِي يَختَارُهَا اللهُ تَتَقَدَّمُ بِرِجَالِهَا وَاحِدًا وَاحِدًا. وَالَّذِي يُمْسَكُ وَمَعْهُ الأشْيَاءُ الوَاجِبُ تَدْميرُهَا، يُحْرَقُ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا لَهُ، لِأنَّهُ نَقَضَ عَهْدَ اللهِ ، وَصَنَعَ أمْرًا كَرِيهًا وَقَبِيحًا فِي إسْرَائِيلَ.›» فَنَهَضَ يَشُوعُ فِي الصَّبَاحِ بَاكِرًا، وَتَقَدَّمَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ قَبَائِلِهِمْ، فَاخْتيرَتْ قَبِيلَةُ يَهُوذَا. ثُمَّ تَقَدَّمَتْ عَشَائِرُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، فَاخْتيرَتْ عَشيرَةُ الزَّارَحِيِّينَ. ثُمَّ تقَدَّمَتْ عَائِلَاتُ عَشَيرَةِ الزَّارَحِيِّينَ، فَاخْتيرَتْ عَائِلَةُ زَبْدِي. ثُمَّ تَقَدَّمَ رِجَالُ عَائِلَةِ زَبْدِي، فَاخْتيرَ عَخَانُ بْنُ كَرْمِي بْنِ زَبْدِي مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. حِينَئِذٍ، قَالَ يَشُوعُ لِعَخَانَ: «يَا بُنَيَّ، أعْطِ مَجدًا للهِ إلَهِ إسْرَائِيلَ وَاعتَرِفْ لَهُ. وَأخبِرْ بِمَا عَمِلتَهُ وَلَا تُخفِ عَنِّي الأمْرَ.» فَأجَابَ عَخَانُ يَشُوعَ: «نَعَمْ، فَأنَا مَنْ أخطَأ إلَى اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. وَهَذَا مَا فَعَلْتُهُ: رَأيْتُ وَسَطَ الغَنَائِمِ ثَوْبًا بَابِلِيًّا فَاخِرًا وَمِئَتَي مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَسَبيكَةَ ذَهَبٍ تَزِنُ خَمْسِينَ مِثْقَالًا، فَاشْتَهَيتُهَا، فَأخَذْتُهَا. وَهَا هِيَ مَدْفُونَةٌ دَاخِلَ خَيْمَتِي، وَالفِضَّةُ تَحْتَ الرِّدَاءِ.» فَأرْسَلَ يَشُوعُ رُسُلًا فَرَكَضُوا إلَى الخَيْمَةِ، فَكَانَتْ هُنَاكَ مُخَبَّأةً فِي الخَيْمَةِ وَالفِضَّةُ تَحْتَهَا. فَأخَذُوا تِلْكَ الأشْيَاءَ مِنَ الخَيْمَةِ وَأحضَرُوهَا لِيَشُوعَ وَلِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَوَضَعُوهَا فِي حَضْرَةِ اللهِ . فَأخَذَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ عَخَانَ بْنَ زَارَحَ مَعَ كُلِّ الفِضَّةِ وَالثَّوبِ وَسَبِيكَةِ الذَّهَبِ وَأبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ وَبَقَرِهِ وَحِمَارِهِ وَغَنَمِهِ وَخَيْمَتِهِ وَكُلِّ مَا كَانَ لَهُ، وَأصعَدُوهَا إلَى وَادِي عَخُورَ. وَقَالَ يَشُوعُ: «لِمَاذَا جَلَبْتَ هَذَا الضِّيقَ عَلَيْنَا؟ سَيَجْلِبُ اللهُ الضِّيقَ عَلَيْكَ هَذَا اليَوْمَ.» فَرَجَمَهُمْ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأحْرَقُوهُمْ بِالنَّارِ، وَطَمَرُوهُمْ بِالحِجَارَةِ. وَوَضَعَ بَنُو إسْرَائِيلَ كَومَةَ حِجَارَةٍ فَوقَهُمْ، مَا تَزَالُ إلَى هَذَا اليَوْمِ. فَهَدَأ غَضَبُ اللهِ . وَدُعِيَ ذَلِكَ المَكَانُ وَادِي عَخُورَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «لَا تَخَفْ وَلَا تَخُرْ عَزِيمَتُكَ. خُذْ مَعَكَ كُلَّ الجَيْشِ وَاصعَدِ الآنَ إلَى عَايٍ. سَأُعْطِيكَ مَلِكَ عَايٍ وَشَعْبَهُ وَمَدِينَتَهُ وَأرْضَهُ. وَسَتَعْمَلُ بِعَايٍ وَبِمَلِكِهَا كَمَا عَمِلْتَ بِأرِيحَا وَبِمَلِكِهَا. لَكِنْ فِي هَذِهِ المَرَّةِ يُمكِنُكَ الِاحْتِفَاظُ بِثَروَتِهَا وَحَيَوَانَاتِهَا غَنِيمَةً لَكَ. أقِمْ كَمِينًا خَلْفَ المَدِينَةِ.» فَانطَلَقَ يَشُوعُ إلَى عَايٍ مَعَ كُلِّ الجَيْشِ. وَاخْتَارَ يَشُوعُ ثَلَاثِينَ ألْفًا مِنْ أفْضَلِ جُنُودِهِ وَأرسَلَهُمْ فِي اللَّيْلِ. وَأعْطَاهُمْ هَذِهِ الأوَامِرَ: «انتَبِهُوا! أقِيمُوا كَمِينًا خَلْفَ المَدِينَةِ. وَلَا تَبْتَعِدُوا عَنِ المَدِينَةِ، وَلَكِنْ كُونُوا مُسْتَعِدِّينَ وَيَقِظِينَ. سَنَتَقَدَّمُ أنَا وَالجَيْشُ الَّذِي مَعِي إلَى المَدِينَةِ. حِينَ يَخْرُجُونَ لِمُواجَهَتِنَا كَمَا حَدَثَ قَبلًا، فَإنَّنَا سَنَهْرُبُ أمَامَهُمْ. حِينَئِذٍ، سَيَخْرُجُونَ وَرَاءَنَا إلَى أنْ نُبعِدَهُمْ عَنِ المَدِينَةِ. لِأنَّهُمْ سَيَظُنُّونَ أنَّنَا نَهْرُبُ مِنْهُمْ كَمَا حَدَثَ مِنْ قَبْلُ. فَحِينَ نَهْرُبُ أمَامَهُمْ، تَخْرُجُونَ مِنْ مَكَانِ الكَمِينِ وَتَأْخُذُونَ المَدِينَةَ، لِأنَّ سَيُعْطِيهَا لَكُمْ. «وَحِينَ تَأْخُذُونَ المَدِينَةَ، أحْرِقُوهَا بِالنَّارِ. اعْمَلُوا بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ . هَا قَدْ سَمِعْتُمْ أوَامِرِي.» فَأرسَلَهُمْ يَشُوعُ فَذَهَبُوا إلَى مَكَانِ الكَمِينِ، وَبَقَوْا بَيْنَ بَيْتِ إيلَ وَعَايٍ، إلَى الغَرْبِ مِنْ عَايٍ. أمَّا يَشُوعُ فَقَضَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَسَطَ الجَيْشِ. وَاستِيقَظَ يَشُوعُ فِي الصَّبَاحِ بَاكِرًا وَجَمَعَ كُلَّ الجَيْشِ. ثُمَّ خَرَجَ مَعَ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ أمَامَ جَيْشِ عَايٍ. وَكُلُّ الجُنُودِ الَّذِينَ مَعْهُ صَعِدُوا وَاقْتَرَبُوا مِنَ المَدِينَةِ، وَوَصَلُوا إلَى مُقَابِلِهَا، وَخَيَّمُوا إلَى الشِّمَالِ مِنْ عَايٍ. وَكَانَ الوَادِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَايٍ. وَأخَذَ يَشُوعُ خَمْسَةَ آلَافِ رَجُلٍ وَجَعَلَهُمْ يَكْمُنُونَ بَيْنَ بَيْتِ إيلَ وَعَايٍ إلَى الغَرْبِ مِنَ المَدِينَةِ. فَحَدَّدُوا مَوَاقِعَ الجَيْشِ. عَرَفُوا أنَّ المُعَسكَرَ الرَّئِيسِيَّ إلَى الشِّمَالِ مِنَ المَدِينَةِ، وَبَقِيَّةَ الجَيْشِ إلَى الغَرْبِ مِنَ المَدِينَةِ. وَذَهَبَ يَشُوعُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إلَى وَسَطِ الوَادِي. وَحِينَ رَأى مَلِكُ عَايٍ هَذَا، أسرَعَ هُوَ وَشَعْبُهُ، سُكَّانُ المَدِينَةِ، وَخَرَجُوا فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ لِقِتَالِ بَنِي إسْرَائِيلَ مُقَابِلَ وَادِي الأُرْدُنِّ. لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أنَّ كَمِينًا قَدْ أُعِدَّ خَلْفَ المَدِينَةِ. وَتَظَاهَرَ يَشُوعُ وَكُلُّ جَيْشِ إسْرَائِيلَ بِالَانهِزَامِ أمَامَهُمْ، فَهَرَبُوا نَحْوَ البَرِّيَّةِ. فَخَرَجَ كُلُّ رِجَالِ عَايٍ لِيُطَارِدُوهُمْ. فَطَارَدُوا يَشُوعَ وَابْتَعَدُوا عَنِ المَدِينَةِ. وَلَمْ يَبْقَ رَجُلٌ فِي عَايٍ أوْ بَيْتِ إيلَ إلَّا وَخَرَجَ وَرَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ. تَرَكُوا المَدِينَةَ بِلَا حِمَايةٍ وَطَارَدُوا إسْرَائِيلَ. فَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «مُدَّ رُمحَكَ الَّذِي فِي يَدِكَ نَحْوَ عَايٍ لِأنِّي سَأُخْضِعُهَا لَكَ.» فَمَدَّ يَشُوعُ رُمْحَهُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ نَحْوَ المَدِينَةِ. حِينَئِذٍ قَامَ الجُنُودُ المُختَبِئُونَ مِنْ مَكَانِهِمْ وَاندَفَعُوا إلَى الأمَامِ حِينَ مَدَّ يَشُوعُ يَدَهُ. وَدَخَلُوا المَدِينَةَ وَسَيْطَرُوا عَلَيْهَا، وَأشْعَلُوا النَّارَ فِيهَا بِسُرْعَةٍ. وَلَمَّا نَظَرَ رِجَالُ عَايٍ إلَى الوَرَاءِ، رَأوْا الدُّخَانَ يَصْعَدُ مِنَ المَدِينَةِ نَحْوَ السَّمَاءِ. وَلَمْ يكُنْ لَهُمْ مَهْرَبٌ فِي أيِّ اتِّجَاهٍ، لِأنَّ الشَّعْبَ الَّذِي كَانَ يَتَظَاهَرُ بِالهَرَبِ نَحْوَ البَرِّيَّةِ، دَارَ إلَى الخَلْفِ ضِدَّ مُطَارِديهِ. فَحِينَ رَأى يَشُوعُ وَكُلُّ إسْرَائِيلَ أنَّ جُنُودَ الكَمِينِ سَيطَرُوا عَلَى المَدِينَةِ وَأنَّ الدُّخَانَ يَرْتَفِعُ مِنْهَا، التَفَتُوا إلَى الخَلْفِ وَهَاجَمُوا رِجَالَ عَايٍ. وَخَرَجَ جُنُودُ إسْرَائِيلَ عَلَيْهِمْ مِنَ المَدِينَةِ، فَحَاصَرَ بَنُو إسْرَائِيلَ رِجَالَ عَايٍ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ. فَهَاجَمَهُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ حَتَّى لَمْ يَنْجُ أحَدٌ مِنْهُمْ. وَلَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ أمسَكُوا بِمَلِكِ عَايٍ حَيًّا وَأحضَرُوهُ إلَى يَشُوعَ. وَلَمَّا انْتَهَى رِجَالُ إسْرَائِيلَ مِنْ قَتلِ كُلِّ سُكَّانِ عَايٍ فِي الحُقُولِ وَالبَرِّيَّةِ حَيْثُ طَارَدُوهُمْ، وَسَقَطُوا جَمِيعًا بِحَدِّ السَّيْفِ إلَى آخِرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، عَادَ جَيْشُ إسْرَائِيلَ إلَى عَايٍ وَهَاجَمُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَكَانَ مَجْمُوعُ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ اثنَيْ عَشَرَ ألْفًا، أيْ جَمِيعَ شَعْبِ عَايٍ. وَلَمْ يَرُدَّ يَشُوعُ رُمْحَهُ كَعلَامَةٍ لِلهُجُومِ، حَتَّى تَمَّ إهلَاكُ جَمِيعَ سُكَّانِ عَايٍ تَمَامًا. وَسَبَى بَنُو إسْرَائِيلَ حَيَوَانَاتِ وَخَيرَاتِ تِلْكَ المَدِينَةِ لِأنْفُسِهِمْ كَمَا أمَرَ اللهُ يَشُوعَ. فَأحرَقَ يَشُوعُ عَايًا وَجَعَلَهَا كَومَةَ خَرَائِبَ إلَى الأبَدِ، كَمَا هُوَ حَالُهَا إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَعَلَّقَ مَلِكَ عَايٍ عَلَى شَجَرَةٍ إلَى المَسَاءِ. وَفِي المَسَاءِ أمَرَ يَشُوعُ، فَأنزَلُوا جَسَدَهُ المَيِّتَ مِنْ عَلَى الشَّجَرَةِ، وَألقَوْا بِهِ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ، وَأقَامُوا عَلَيْهِ كَومَةَ صُخُورٍ عَظِيمَةً بَاقِيَةً إلَى هَذَا اليَوْمِ. ثُمَّ بَنَى يَشُوعُ مَذْبَحًا للهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، عَلَى جَبَلِ عِيبَالَ، كَمَا أمَرَ مُوسَى خَادِمُ اللهِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَكَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي كِتَابِ شَرِيعَةِ مُوسَى. فَكَانَ المَذْبَحُ مِنْ حِجَارَةٍ كَامِلَةٍ لَمْ تُستَخْدَمْ فِيهِ أدَاةٌ حَدِيدِيَّةٌ. ثُمَّ قَدَّمُوا عَلَيْهِ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً للهِ وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلَامَةٍ. وَنَقَشَ يَشُوعُ – بِحُضُورِ بَنِي إسْرَائِيلَ – نُسخَةً مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَى الحِجَارَةِ. وَكَانَ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ، المُواطِنِينَ مِنْهُمْ وَالأجَانِبَ المُقِيمينَ، مَعَ شُيُوخِهِمْ وَقَادَتِهِمْ وَقُضَاتِهِمْ، وَاقِفِينَ عَلَى جَانِبَيِّ الصُّنْدُوقِ أمَامَ الكَهَنَةِ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ حَمَلُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ . وَقَفَ نِصْفُ الشَّعْبِ مِنْ جِهَةِ جَبَلِ جِرِزِّيمَ، وَالنِّصْفُ الآخَرُ مِنْ جِهَةِ جَبَلِ عِيبَالَ، كَمَا أمَرَ مُوسَى خَادِمُ اللهِ فِي البِدَايَةِ لِبَرَكَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَرَأ يَشُوعُ كَلَامَ الشَّرِيعَةِ، أيْ البَرَكَاتِ وَاللَّعْنَاتِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. وَلَمْ تُتْرَكْ كَلِمَةٌ أوصَى بِهَا مُوسَى، بَلْ قَرأهَا يَشُوعُ كُلَّهَا أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَالنِّسَاءِ وَالأطْفَالِ وَالأجَانِبِ المُقِيمينَ بَيْنَهُمْ. وَحِينَ سَمِعَ بِذَلِكَ جَمِيعُ المُلُوكِ الَّذِينَ فِي غَرْبِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ فِي المَنَاطِقِ الجَبَلِيَّةِ وَالتِّلَالِ الغَربِيَّةِ وَعَلَى شَاطِئِ البَحْرِ إلَى لُبْنَانَ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ – وَهُمْ مُلُوكُ الحِثِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالكَنعَانِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ – اتَّفَقُوا مَعًا عَلَى الِاجْتِمَاعِ لِمُحَارَبَةِ يَشُوعَ وَإسْرَائِيلَ. لَكِنْ حِينَ سَمِعَ سُكَّانُ جِبعُونَ عَنْ مَا عَمِلَهُ يَشُوعُ فِي أرِيحَا وَعَايَ، تَصَرَّفُوا بِخِدَاعٍ، إذْ ذَهَبُوا وَأعَدُّوا بَعْضَ الحَاجِيَاتِ. فَأخَذُوا أكيَاسًا مُهتَرِئَةً لِحَمِيرِهِمْ، وَزِقَاقًا مُهتَرِئَةً وَمُمَزَّقَةً وَمُصلَحَةً، وَارتَدُوا أحذِيَةً مُهتَرِئَةً مُرَقَّعَةً وَثِيَابًا مُهتَرِئَةً. وَكَانَ كُلُّ خُبْزِهِمْ يَابِسًا أوْ مُتَعَفِّنًا أوْ مُتَكَسِّرًا. وَذَهَبُوا إلَى يَشُوعَ فِي المُخَيَّمِ فِي الجِلْجَالِ، وَقَالُوا لَهُ وَلِبَنِي إسْرَائِيلَ: «أتَينَا مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ. لِذَا اعمَلُوا مَعَنَا مُعَاهَدَةً.» وَلَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ قَالُوا لِلحِوِّيِّينَ: «لَكِنْ رُبَّمَا تَكُونُونَ سَاكِنِينَ فِي وَسَطِنَا. فَكَيْفَ إذًا نَعمَلُ مَعَكُمْ مُعَاهَدَةً؟» فَقَالَ الحِوِّيِّونَ لِيَشُوعَ: «نَحْنُ خُدَّامُكَ.» فَقَالَ يَشُوعُ لَهُمْ: «مَنْ أنْتُمْ وَمِنْ أيْنَ أتَيْتُمْ؟» فَقَالُوا لَهُ: «أتَى خُدَّامُكَ مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ جِدًّا لِأجْلِ اسْمِ . لِأنَّنَا سَمِعْنَا خَبَرَهُ وَمَا عَمِلَهُ فِي مِصْرٍ، وَكُلَّ مَا عَمِلَهُ بِمَلِكَي الأمُورِيِّينَ فِي شَرقِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ وَعُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ الَّذِي سَكَنَ عَشتَارُوثَ. فَقَالَ لَنَا شُيُوخُنَا وَكُلُّ شَعْبِ أرْضِنَا: ‹خُذُوا طَعَامًا فِي أيدِيكُمْ لِلطَّرِيقِ وَاذْهَبُوا لِلِقَائِهِمْ، وَقُولُوا لَهُمْ: نَحْنُ خُدَّامُكُمْ. فَاقطَعُوا مَعَنَا عَهْدًا.› «هَذَا خُبْزُنَا! أخَذْنَاهُ سَاخِنًا حِينَ غَادَرْنَا بُيُوتَنَا وَجِئْنَا إلَيكُمْ. وَالْآنَ قَدْ يَبِسَ وَتَعَفَّنْ. وَهَذِهِ أوعِيتُنَا الجَلديَّةُ الَّتِي مَلأنَاهَا بِالنَّبِيذِ، قَدْ تَمَزَّقَتْ. وَهَذِهِ ثِيَابُنَا وَأحذِيَتُنَا قَدْ تَهَرَّأتْ مِنَ الرِّحلَةِ الطَّوِيلَةِ.» فَأخَذَ رِجَالُ إسْرَائِيلَ مِنْ خُبْزِهِمْ لِيَفْحصُوهُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا إرشَادًا مِنَ اللهِ . وَعَمِلَ يَشُوعُ مُعَاهَدَةَ سَلَامٍ مَعَهُمُ اسْتَبْقَاهُمْ بِمُوجِبِهَا أحْيَاءَ. وَقَدْ أقْسَمَ قَادَةُ بَنِي إسْرَائِيلَ لَهُمْ. وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِنْ عَمَلِ المُعَاهَدَةِ مَعَهُمْ، عَلِمَ بَنُو إسْرَائِيلَ أنَّ الجِبعُونِيِّينَ يَسْكُنُونَ قَرِيبًا مِنْهُمْ وَبِأنَّهُمْ يَسْكُنُونَ فِي وَسَطِهِمْ. فَانطَلَقَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَوَصَلُوا إلَى مُدُنِ الجِبعُونِيِّينَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ. أمَّا مُدُنُهُمْ فَهِيَ جِبعُونُ وَالكَفِيرَةُ وَبَئِيرُوتَ وَقَريَةَ يَعَارِيمَ. وَلَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يُهَاجِمُوهُمْ لِأنَّ قَادَةَ الشَّعْبِ أقسَمُوا لَهُمْ بِاللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. وَلَكِنَّ كُلَّ الشَّعْبِ تَذَمَّرُوا عَلَى القَادَةِ. فَقَالَ القَادَةُ لِكُلِّ الشَّعْبِ: «لَقَدْ أقسَمْنَا لَهُمْ بِاللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، فَلَا نَسْتَطِيعُ أنْ نُؤْذِيَهُمُ الآنَ. فهَذَا مَا سَنَفعَلُهُ، سَنُبقِيهِمْ أحْيَاءَ كَي لَا يَأْتِيَ غَضَبُ اللهِ عَلَيْنَا بِسَبَبِ كَسْرِنَا لِلقَسَمِ الَّذِي أقسَمْنَاهُ لَهُمْ. فَليَعِيشُوا بَيْنَنَا، لَكِنْ سَيَكُونُونَ حَطَّابِينَ وَسُقَاةً لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ.» وَهَكَذَا لَمْ يَكْسِرِ القَادَةُ وَعدَهُمْ بِسَلَامَتِهِمْ. وَدَعَا يَشُوعُ الجِبعُونِيِّينَ وَقَالَ لَهُمْ: «لَمَاذَا خَدَعتُمُونَا بِقَولِكُمْ: ‹نَحْنُ مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ.› فِي حِينِ أنَّكُمْ تَسْكُنُونَ فِي وَسَطِنَا؟ لِذَلِكَ أنْتُمْ مَلعُونُونَ، فَسَيَكُونُ دَائِمًا مِنْكُم عَبِيدٌ وَحَطَّابِونَ وَسُقَاةٌ لِبَيْتِ إلَهِي إلَى الأبَدِ.» فَأجَابُوا يَشُوعَ: «قَدْ عَلِمَ خُدَّامُكَ بِمَا أمَرَ بِهِ خَادِمَهُ مُوسَى بِأنْ يُعطِيَكُمُ الأرْضَ، وَبِأنْ يُهلِكَ كُلَّ سُكَّانِ الأرْضِ مِنْ أمَامِكُمْ. وَقَدْ خِفنَا كَثِيرًا عَلَى حَيَاتِنَا مِنْكُمْ، وَلِذَا عَمِلْنَا هَذَا الأمْرَ. وَالْآنَ نَحْنُ تَحْتَ سُلطَتِكَ، فَافْعَلْ بِنَا مَا تَرَاهُ مُنَاسِبًا.» وَهَذَا مَا عَمِلَهُ يَشُوعُ لَهُمْ: أنقَذَهُمْ مِنْ يَدِ بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقْتُلُوهُمْ. لَكِنْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، جَعَلَهُمْ يَشُوعُ حَطَّابِينَ وَسُقَاةً لِبَنِي إسْرَائِيلَ وَلِمَذْبَحِ اللهِ فِي المَكَانِ الَّذِي يَختَارُهُ اللهُ . وَهَذَا هُوَ حَالُهُم إلَى اليَوْمِ. وَحِينَ سَمِعَ أدُونِي صَادَقَ مَلِكُ مَدِينَةِ القُدْسِ أنَّ يَشُوعَ سَيطَرَ عَلَى عَايَ وَدَمَّرَهَا تَمَامًا، وَأنَّهُ عَمِلَ بِمَلِكِهَا كَمَا عَمِلَ بِأرِيحَا وَمَلِكِهَا، وَأنَّ سُكَّانَ جِبعُونَ قَدْ عَمِلُوا مُعَاهَدَةَ سَلَامٍ مَعَ إسْرَائِيلَ، وَأنَّهُمْ كَانُوا سَاكِنِينَ فِي جِوَارِهِمْ، خَافَ هُوَ وَشَعْبُهُ كَثِيرًا لِأنَّ جِبعُونَ كَانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً كَإحْدَى المُدُنِ المَلَكِيَّةِ. وَلِأنَّهَا كَانَتْ أعْظَمَ مِنْ عَايَ، وَلِأنَّ كُلَّ رِجَالِهَا كَانُوا مُحُارِبِينَ مَهَرَةً. فَأرْسَلَ أدُونِي صَادَقَ مَلِكُ مَدِينَةِ القُدْسِ هَذِهِ الرِّسَالَةَ إلَى هُوهَامَ مَلِكِ حَبْرُونَ وَفِرْآمَ مَلِكِ يَرْمُوتَ، وَيَافِيعَ مَلِكِ لَاخِيشَ، وَدَبِيرَ مَلِكِ عَجلُونَ: «تَعَالَوْا وَسَاعِدُونِي فِي مُهَاجَمَةِ جِبْعُونَ، لِأنَّهَا عَمِلَتْ مُعَاهَدَةَ سَلَامٍ مَعَ يَشُوعَ وَبَنِي إسْرَائِيلَ.» فَاجتَمَعَ مُلُوكُ الأمُورِيِّينَ الخَمْسَةُ، مُلُوكُ مَدِينَةِ القُدْسِ وَحَبْرُونَ وَيَرْمُوتَ وَلَاخِيشَ وَعَجلُونَ، مَعَ كُلِّ جُيُوشِهِمْ وَصَعِدُوا وَعَسْكَرُوا مُقَابِلَ جِبْعُونَ وَهَاجَمُوهَا. فَأرْسَلَ سُكَّانُ جِبْعُونَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ إلَى يَشُوعَ فِي المُخُيَّمِ فِي الجِلْجَالِ: «لَا تَتَخَلَّ عَنَّا نَحْنُ خُدَّامَكَ، اصْعَدْ إلَينَا بِسُرعَةٍ وَخَلِّصْنَا وَأعِنَّا لِأنَّ كُلَّ مُلُوكِ الأمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ اجتَمَعُوا مَعَ جُيُوشِهِمْ لِمُحَارَبَتِنَا.» فَصَعِدَ يَشُوعُ مِنَ الجِلْجَالِ مَعَ كُلِّ الجَيْشِ بِمَنْ فِيهِمْ أمهَرُ المُحَارِبِينَ. وَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «لَا تَخَفْ مِنْهُمْ لِأنِّي سأنصرُكَ عَلَيْهِمْ. لَنْ يَسْتَطِيعَ أحَدٌ مِنهُمُ الصُّمُودَ أمَامَكَ.» فَهَاجَمَهُمْ يَشُوعُ بِشَكلٍ مُفَاجِئٍ، بَعْدَ أنْ سَارُوا طَوَالَ اللَّيلِ مِنَ الجِلْجَالِ. وَسَبَّبَ اللهُ لَهُمُ الرُّعبَ وَالتَّشْوِيشَ حِينَ رَأوْا بَنِي إسْرَائِيلَ. وَهَزَمَهُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ هَزِيمَةً تَامَّةً فِي جِبْعُونَ، وَطَارَدُوهُمْ فِي الطَّرِيقِ الصَّاعِدِ إلَى بَيْتِ حُورُونَ، وَهَزَمُوهُمْ عَلَى امْتِدَادِ الطَّرِيقِ إلَى عَزِيقَةَ وَمَقِّيدَةَ. وَبَيْنَمَا كَانُوا هَارِبِينَ مِنْ إسْرَائِيلَ فِي الطَّرِيقِ النَّازِلِ مِنْ بَيْتِ حُورُونَ، ألقَى اللهُ حِجَارَةَ بَرَدٍ كَبِيرَةً عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ فِي كُلِّ الطَّرِيقِ إلَى عَزِيقَةَ فَمَاتُوا. فَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِسَبَبِ حِجَارَةِ البَرَدِ أكْثَرَ مِنَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ بِالسَّيْفِ. وَكَلَّمَ يَشُوعُ اللهَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي فِيهِ أسلَمَ اللهُ الأمُورِيِّينَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، وَقَالَ أمَامَ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ: «قِفِي أيَّتُهَا الشَّمْسُ عَلَى جِبْعُونَ، وَاثْبُتْ أيُّهَا القَمَرُ فَوْقَ وَادِي أيَّلُونَ.» فَوَقَفَتِ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ سَاكِنَينِ إلَى أنْ هَزَمَ بَنُو إسْرَائِيلَ أعْدَاءَهُمْ. ألَيْسَ هَذَا مَكْتُوبًا فِي كِتَابِ يَاشَرَ؟ وَقَفَتِ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، وَتَأخَّرَتْ عَنِ الغُرُوبِ لِيَومٍ كَامِلٍ. لَمْ يَأْتِ يَومٌ مِثْلُهُ قَبلَهُ، وَلَنْ يَأْتِيَ يَومٌ مِثْلُهُ بَعْدَهُ، يُسْمَعُ فِيهِ لِصَوْتِ إنْسَانٍ بِهَذِهِ الطَّريقَةِ. لِأنَّ اللهَ حَارَبَ مِنْ أجْلِ إسْرَائِيلَ. بَعْدَ ذَلِكَ، عَادَ يَشُوعُ إلَى المُخَيَّمِ فِي الجِلْجَالِ مَعَ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَهَرَبَ هَؤُلَاءِ المُلُوكُ الخَمْسَةُ وَاختَبَأُوا فِي المَغَارَةِ الَّتِي فِي مَقِّيدَةَ. وَقِيلَ لِيَشُوعَ: «قَدْ وَجَدْنَا المُلُوكَ الخَمْسَةَ مُختَبِئِينَ فِي المَغَارَةِ الَّتِي فِي مَقِّيدَةَ.» فَقَالَ يَشُوعُ: «دَحرِجُوا حِجَارَةً ضَخمَةً عَلَى مَدْخَلِ المَغَارَةِ وَأقِيمُوا بَعْضَ الرِّجَالِ لِحِرَاسَتِهِمْ. لَكِنْ لَا تَبْقُوا هُنَاكَ. طَارِدُوا أعْدَاءَكُمْ وَهَاجِمُوهُمْ مِنَ الوَرَاءِ. لَا تَسْمَحُوا لَهُمْ بِأنْ يَدْخُلُوا مُدُنَهُمْ، لِأنَّ نَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ.» وَحِينَ انْتَهَى يَشُوعُ وَبَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ قَتلِ أعْدَائِهِمْ – مَعَ أنَّ بَعْضَهُمْ تَمَكَّنَ مِنَ الفَرَارِ وَدُخُولِ مُدُنٍ حَصِينَةٍ – عَادَ جَيْشُ إسْرَائِيلَ بِسَلَامٍ وَأمَانٍ إلَى يَشُوعَ فِي المُخَيَّمِ فِي مَقِّيدَةَ. وَلَمْ يَجْرُؤ أحَدٌ أنْ يَتَكَلَّمَ ضِدَّهُمْ. حِينَئِذٍ، قَالَ يَشُوعُ: «افتَحُوا مَدْخَلَ المَغَارَةِ وَأخْرِجُوا لِي هَؤُلَاءِ المُلُوكَ الخَمْسَةَ.» فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَأحْضَرُوا إلَيْهِ المُلُوكَ الخَمْسَةَ مِنَ المَغَارَةِ، مُلُوكَ القُدْسِ وَحَبْرُونَ وَيَرْمُوتَ وَلَاخِيِشَ وَعَجلُونَ. وَحِينَ أحْضَرُوا هَؤُلَاءِ المُلُوكَ إلَى يَشُوعَ، دَعَا يَشُوعُ جَمِيعَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَقَالَ لِقَادَةِ الجُيُوشِ الَّذِينَ كَانُوا يُحَارِبُونَ مَعَهُ: «اقتَرِبُوا إلَى هُنَا وَضَعُوا أرْجُلَكُمْ عَلَى أعنَاقِ هَؤُلَاءِ المُلُوكِ.» فَاقْتَرَبُوا وَوَضَعُوا أرْجُلَهُمْ عَلَى أعْنَاقِهِمْ. فَقَالَ يَشُوعُ لَهُمْ: «لَا تَخَافُوا وَلَا تَخُرْ عَزِيمَتُكُمْ. تَقَوُّوا وَتَشَجَّعُوا لِأنَّ اللهَ سَيَعْمَلُ هَذَا بِكُلِّ أعْدَائِكُمُ الَّذِينَ سَتُحَارِبُونَهُمْ.» ثُمَّ ضَرَبَ يَشُوعُ هَؤُلَاءِ المُلُوكَ وَقَتَلَهُمْ وَعَلَّقَهُمْ عَلَى خَمْسَةِ أشْجَارٍ. وَبَقَوا مُعَلَّقِينَ عَلَى الأشْجَارِ إلَى المَسَاءِ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أمَرَ يَشُوعُ بِأنْ يُنْزِلُوهُمْ عَنِ الأشْجَارِ، فَفَعَلُوا. ثُمَّ ألقَوْا بِهِمْ فِي المَغَارَةِ الَّتِي كَانُوا مُختَبِئِينَ فِيهَا، وَوَضَعُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً عَلَى مَدْخَلِ المَغَارَةِ. وَمَا زَالَتِ الحِجَارَةُ هُنَاكَ إلَى هَذَا اليَوْمِ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، سَيطَرَ يَشُوعُ عَلَى مَقِّيدَةَ، وَقَتَلَ شَعْبَهَا وَمَلِكَهَا. فَأفنَى الشَّعْبَ وَكُلَّ شَيءٍ حَيٍّ فِيهَا، وَلَمْ يَتْرُكْ نَاجِينَ مِنْهُمْ. عَمِلَ بِمَلِكِ مَقِّيدَةَ كَمَا عَمِلَ بِمَلِكِ أرِيحَا. وَانتَقَلَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنْ مَقِّيدَةَ إلَى لِبْنَةَ، وَحَارَبُوهَا. وَأسْقَطَهَا اللهُ هِيَ وَمَلِكَهَا بِيَدِ الشَّعْبِ. فَقَتَلُوا كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ فِي المَدِينَةِ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أحَدُ. وَعَمِلُوا بِمَلِكِهَا كَمَا عَمِلُوا بِمَلِكِ أرِيحَا. ثُمَّ انتَقَلَ يَشُوعُ وَكُلُّ إسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنْ لِبْنَةَ إلَى لَاخِيشَ، وَعَسْكَرُوا مُقَابِلَهَا، وَحَارَبُوهَا. وَأسْقَطَهَا اللهُ بِيَدِ الشَّعْبِ، فَسَيطَرُوا عَلَيْهَا فِي اليَوْمِ التَّالِي، وَقَتَلُوا كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ فِيهَا، كَمَا عَمِلُوا بِلِبْنَةَ. وَصَعِدَ هُورَامُ مَلِكُ جَازرَ لِمُسَاعَدَةِ لَاخِيشَ، فَهَزَمَهُ يَشُوعُ مَعَ كُلِّ جَيْشِهِ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أحَدٌ. ثُمَّ انتَقَلَ يَشُوعُ وَكُلُّ إسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنْ لَاخِيشَ إلَى عَجلُونَ، وَخَيَّمُوا مُقَابِلَهَا وَحَارَبُوهَا. وَسَيطَرُوا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ وَقَتَلُوا كُلَّ شَعْبِهَا وَأفنَوْا مِنْهَا كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ كَمَا عَمِلُوا بِلَاخِيشَ. ثُمَّ صَعِدَ يَشُوعُ مَعَ كُلِّ إسْرَائِيلَ مِنْ عَجلُونَ إلَى حَبْرُونَ وَحَارَبُوهُا، وَسَيطَرُوا عَلَيْهَا، وَقَتَلُوا مَلِكَهَا وَكُلَّ شَيءٍ حَيٍّ فِي المَدِينَةِ وَفِي كُلِّ القُرَى المُجَاوِرَةِ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أحَدٌ، كَمَا عَمِلُوا بِعَجلُونَ. وَدَمَّرَ يَشُوعُ المَدِينَةَ بِالْكَامِلِ مُهلِكًا كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ فِيهَا. ثُمَّ اتَّجَهَ يَشُوعُ وَكُلُّ إسْرَائِيلَ مَعَهُ إلَى دَبِيرَ وَحَارَبُوهَا. فَسَيطَرُوا عَلَيْهَا وَعَلَى مَلِكِهَا وَعَلَى كُلِّ قُرَاهَا المُحِيطَةِ بِهَا، وَقَتَلُوا وَأفْنَوْا كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ فِيهَا، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أحَدٌ. عَمِلَ يَشُوعُ بِدَبِيرَ وَمَلِكِهَا مَا عَمِلَهُ بِحَبْرُونَ، وَمَا عَمِلَهُ لِلَبْنَةَ وَمَلِكِهَا. وَهَزَمَ يَشُوعُ كُلَّ الأرْضِ: المِنْطَقَةَ الجَبَلِيَّةَ وَالنَّقَبَ وَالتِّلَالَ الغَربِيَّةَ وَالمُنحَدَرَاتِ، وَكُلَّ مُلُوكِهَا. وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ نَاجُونَ. فَقَدْ أفنَى كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ فِيهَا كَمَا أمَرَ اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ. وَهَزَمَ يَشُوعُ كُلَّ المُلُوكِ الَّذِينَ مِنْ قَادِشَ بَرْنِيعَ وَحَتَّى غَزَّةَ، وَكُلَّ أرْضِ جُوشِنَ إلَى جِبْعُونَ. وَأسَرَ يَشُوعُ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ المُلُوكِ، وَسَيطَرَ عَلَى كُلِّ أرْضِهِمْ، لِأنَّ اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، كَانَ يُحَارِبُ مِنْ أجْلِهِمْ. حِينَئِذٍ، عَادَ يَشُوعُ وَكُلُّ إسْرَائِيلَ مَعَهُ إلَى المُخُيَّمِ فِي الجَلْجَالِ. وَحِينَ سَمِعَ يَابِينُ مَلِكُ حَاصُورَ بِهَذَا، أرْسَلَ رَسَائِلَ إلَى يُوبَابَ مَلِكِ مَادُونَ، وَإلَى مَلِكِ شِمْرُونَ وَمَلِكِ أكشَافَ، وَإلَى مُلُوكِ المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ الشِّمَالِيَّةِ وَالصَحْرَاءِ، وَإلَى مُلُوكِ كِنَّرُوتَ وَالنَّقَبِ وَالمُرْتَفَعَاتِ الغَرْبيَّةِ، وَإلَى مَلِكِ دُورَ غَرْبًا. وَإلَى الكَنعَانِيِّينَ فِي الشَّرْقِ وَالغَربِ، وَالأمُورِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ الَّذِينَ فِي المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ، وَإلَى الحِوِّيِّينَ السَّاكِنِينَ جَنُوبَ جَبَلِ حَرْمُونَ فِي مِنْطَقَةِ المِصْفَاةِ. وَخَرَجُوا بِكُلِّ جُيُوشِهِمْ، جَيْشًا عَظِيمًا جِدًّا، كَعَدَدِ حُبَيبَاتِ الرَّملِ عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ، وَمَعَهُمْ خُيُولٌ وَعَرَبَاتٌ كَثِيرَةٌ. وَاجتَمَعَ هَؤُلَاءِ المُلُوكُ فِي مَكَانٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَجَاءُوا وَخَيَّمُوا مَعًا عِنْدَ جَدْوَلِ مَيرُومَ لِيُحَارِبُوا إسْرَائِيلَ. وَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «لَا تَخَفْ مِنْهُمْ. فَغَدًا فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ، سَأُسَلِّمُهُمْ جَمِيعًا لِإسْرَائِيلَ لِتَذْبَحُوهُمْ. فَشُلُّوا خُيُولَهُمْ، وَأحْرِقُوا مَرْكَبَاتِهِمْ بِالنَّارِ.» فَأتَى يَشُوعُ عَلَيْهِمْ مَعَ كُلِّ جَيْشِهِ فَجْأةً عِنْدَ جَدْوَلِ مَيرُومَ وَهَاجَمُوهُمْ. وَنَصَرَ اللهُ إسْرَائِيلَ عَلَيْهِمْ، فَهَاجَمُوهُمْ وَطَارَدُوهُمْ إلَى صَيدُونَ العَظِيمَةَ وَمِسْرَفُوتَ مَايِمَ، وَإلَى وَادِي المِصْفَاةِ فِي الشَّرقِ. وَاستَمَرُّوا فِي مُهَاجَمَتِهِمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أحَدٌ مِنْهُمْ حَيًّا. وَعَمِلَ يَشُوعُ بِهِمْ كَمَا قَالَ اللهُ لَهُ، فَشَلَّ خُيُولَهُمْ وَأحْرَقَ مَرْكَبَاتِهِمْ بِالنَّارِ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، التَفَّ يَشُوعُ وَهَاجَمَ حَاصُورَ وَسَيطَرَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ مَلِكَهَا بِالسَّيْفِ. وَكَانَتْ حَاصُورُ رأسَ هَذِهِ المَمَالِكِ. وَقَتَلُوا بِالسَّيْفِ كُلَّ حَيٍّ فِيهَا، وَقَضَوْا عَلَيْهِمْ تَمَامًا. حَتَّى لَمْ يَبْقَ كَائِنٌ يَتَنَفَّسُ. وَأحرَقَ يَشُوعُ حَاصُورَ بِالنَّارِ. وَسَيطَرَ يَشُوعُ عَلَى كُلِّ هَذِهِ المُدُنِ المَلَكِيَّةِ، وَأمسَكَ بِمُلُوكِهَا وَقَتَلَهُمْ قَتلًا بِالسَّيْفِ، كَمَا أمَرَ مُوسَى خَادِمُ اللهِ . لَكِنَّ جَيْشَ إسْرَائِيلَ لَمْ يُحْرِقْ أيَّةَ مَدِينَةٍ مِنَ المُدُنِ المَبنِيَّةِ عَلَى تِلَالٍ، إلَّا حَاصُورَ الَّتِي أحرَقَهَا يَشُوعُ. وَأخَذَ بَنُو إسْرَائِيلَ غَنَائِمَ هَذِهِ المُدُنِ وَحَيَوَانَاتِهَا، وَأمَّا النَّاسُ فَقَتَلُوهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى أفنَوْهُمْ، وَلَمْ يَتْرُكُوا كَائِنًا يَتَنَفَّسُ. كَمَا أمَرَ اللهُ خَادِمَهُ مُوسَى هَكَذَا أمَرَ مُوسَى يَشُوعَ، وَهَكَذَا عَمِلَ يَشُوعُ، فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أمَرَ اللهُ مُوسَى بِهِ إلَّا وَعَمِلَهُ. فَسَيطَرَ يَشُوعُ عَلَى كُلِّ المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ وَالنَّقَبِ وَأرْضِ جُوشِنَ وَالتِّلَالِ الغَربِيَّةِ وَوَادِي الأُرْدُنِّ وَمِنطَقَةِ التِّلَالِ فِي إسْرَائِيلَ وَمُنخَفَضَاتِهَا، مِنْ جَبَلِ حَالَقَ المُمتَدِّ نَحْوَ سَعِيرَ إلَى بَعلَ جَادَ فِي وَادِي لُبْنَانَ إلَى الجَنُوبِ مِنْ جَبَلِ حَرْمُونَ. وَأسَرَ جَمِيعَ مُلُوكِهِمْ وَقَتَلَهُمْ. وَكَانَ يَشُوعُ فِي حَرْبٍ مَعَ هَؤُلَاءِ المُلُوكِ لِفَترَةٍ طَوِيلَةٍ. وَلَمْ تَعْمَلْ مَدِينَةٌ مُعَاهَدَةَ سَلَامٍ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا الحِوِّيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي جِبعُونَ. فَقَدْ هَزَمَ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلَّ تِلْكَ المُدُنِ فِي الحَرْبِ. لِأنَّ اللهَ ذَاتَهُ قَسَّى قُلُوبَهُمْ لِمُحَارَبَةِ إسْرَائِيلَ، لِيُهلِكُوهُمْ تَمَامًا بِلَا رَحمَةٍ، فَيَقْضُوا عَلَيْهِمْ كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، ذَهَبَ يَشُوعُ وَأهْلَكَ العَنَاقِيِّينَ مِنَ المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ، مِنْ حَبْرُونَ وَدَبِيرَ وَعَنَابَ، وَمِنْ كُلِّ المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ فِي يَهُوذَا، وَمِنَ المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ فِي إسْرَائِيلَ. فَقَدْ أهْلَكَهُمْ يَشُوعُ مَعَ مُدُنِهِمْ تَمَامًا. وَلَمْ يَبْقَ مِنَ العَنَاقِيِّينَ أحَدٌ فِي أرْضِ بَنِي إسْرَائِيلَ، سِوَى بَعْضِهِمْ فِي غَزَّةَ وَجَتَّ وَأشدُودَ. فَسَيطَرَ يَشُوعُ عَلَى كُلِّ الأرْضِ بِحَسَبِ كُلِّ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ مُوسَى، وَأعْطَاهَا يَشُوعُ لِإسْرَائِيلَ مِلْكًا لَهُمْ حَسَبَ حِصَصِ قَبَائِلِهِمْ. حِينَئِذٍ، اسْتَرَاحَتِ الأرْضُ مِنَ الحَرْبِ. هَؤُلَاءِ هُمْ مُلُوكُ الأرْضِ الَّذِينَ هَزَمَهُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأخَذُوا أرْضَهُمْ فِي شَرقِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، مِنْ وَادِي أرنُونَ إلَى جَبَلِ حَرْمُونَ، بِمَا فِي ذَلِكَ كُلُّ الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ لِوَادِي الأُرْدُنِّ: سِيحُونُ مَلِكُ الأمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ فِي حَشْبُونَ، وَقَدْ حَكَمَ مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى حَافَّةِ وَادِي أرنُونَ وَعَلَى وَسَطِ الوَادِي وَعَلَى نِصْفِ جِلْعَادَ إلَى نَهْرِ يَبُّوقَ الَّذِي هُوَ حَدُّ العَمُّونِيِّينَ. وَقَدْ حَكَمَ الجِهَةَ الشَّرقِيَّةَ مِنْ وَادِي الأُرْدُنِّ مِنْ بُحِيرَةِ الجَلِيلِ إلَى بَحْرِ عَرَبَة – بَحْرِ المِلْحِ، إلَى بَيْتِ يَشِيمُوتَ، وَإلَى الجَنُوبِ تَحْتَ مُنحَدَرَاتِ جَبَلِ الفِسْجَةِ. كَمَا سَيطَرَ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى أرْضِ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ، وَهُوَ أحَدُ آخِرِ الرَّفَائِيِّينَ، وَقَدْ كَانَ فِي عَشْتَارُوثَ وَإذْرَعِي. وَقَدْ حَكَمَ جَبَلَ حَرْمُونَ وَسَلْخَةَ وَكُلَّ بَاشَانَ إلَى حُدُودِ الجَشُورِيِّينَ وَالمَعْكِيِّينَ وَنِصْفِ جِلْعَادَ، أيْ إلَى حُدُودِ سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ. وَقَدْ هَزَمَهُمْ مُوسَى، خَادِمُ اللهِ ، وَجَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأعْطَى أرْضَهُمَا مِلْكًا لِلرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى. وَهَؤُلَاءِ هُمْ مُلُوكُ الأرْضِ الَّذِينَ هَزَمَهُمْ يَشُوعُ وَبَنُو إسْرَائِيلَ فِي الجِهَةِ الغَربِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، مِنْ بَعلِ جَادَ فِي وَادِي لُبْنَانَ، إلَى جَبَلِ حَالَقَ المُمتَدِّ نَحْوَ سَعِيرَ، وَأعْطَى الأرْضَ لِعَشَائِرِ إسْرَائِيلَ مِلْكًا لَهُمْ بِحَسَبِ حِصَصِهِمْ، فِي المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ وَفَي التِّلَالِ الغَربِيَّةِ وَفِي وَادِي الأُرْدُنِّ وَفِي المُنحَدَرَاتِ الشَّرقِيَّةِ وَفِي الصّحرَاء وَفِي النَّقَبِ، أرْضِ الحِثِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالكَنعَانِيِّينَ وَالفَرِزَّيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ: مَلِكُ أرِيحَا، وَمَلِكُ عَايَ الَّتِي قُرْبَ بَيْتِ إيلَ، وَمَلِكُ مَدِينَةِ القُدْسِ، وَمَلِكُ حَبْرُونَ ، وَمَلِكُ يَرْمُوتَ، وَمَلِكُ لَاخِيشَ، وَمَلِكُ عَجلُونَ، وَمَلِكُ جَازَرَ، وَمَلِكُ دَبِيرَ، وَمَلِكُ جَادَرَ، وَمَلِكُ حُرْمَةَ، وَمَلِكُ عَرَادَ، وَمَلِكُ لِبْنَةَ، وَمَلِكُ عَدُلَّامَ، وَمَلِكُ مَقِّيدَةَ، وَمَلِكُ بَيْتِ إيلَ، وَمَلِكُ تَفُّوحَ، وَمَلِكُ حَافَرَ، وَمَلِكُ أفِيقَ، وَمَلِكُ شَارُونَ، وَمَلِكُ مَادُونَ، وَمَلِكُ حَاصُورَ، وَمَلِكُ شِمْرُونَ مَرَأُونَ، وَمَلِكُ أكشَافَ، وَمَلِكُ تَعْنَكَ، وَمَلِكُ مَجِدُّو، وَمَلِكُ قَادَشَ، وَمَلِكُ يَقْنَعَامَ فِي الكَرْمَلِ، وَمَلِكُ دُورٍ فِي نَافَاثَ دُورٍ، وَمَلِكُ جُوِيِيمَ فِي الجِلْجَالِ، وَمَلِكُ تِرْصَةَ. وَمَجْمُوعُهُمْ وَاحِدٌ وَثَلَاثُونَ مَلِكًا. وَكَبِرَ يَشُوعُ فِي السِّنِّ، فَقَالَ اللهُ لَهُ: «قَدْ صِرْتَ كَبِيرًا جِدًّا فِي السِّنِّ، وَمَا تَزَالُ هُنَاكَ أرْضٌ كَبِيرَةٌ لِلِامتِلَاكِ. هَذِهِ هِيَ الأرْضُ الَّتِي بَقِيَتْ: جَمِيعُ مَنَاطِقِ الفِلِسْطِيِّينَ وَمَنَاطِقِ الجَشُورِيِّينَ، مِنْ نَهْرِ شِيحُورَ شَرقِيَّ مِصْرٍ إلَى حُدُودِ عَقْرُونَ فِي الشِّمَالِ. وَهَذِهِ تُعْتَبَرُ أرْضَ الكَنْعَانِيِّينَ، وَأرْضَ حُكَّامِ الفِلِسْطِيِّينَ الخَمْسَةِ الَّذِينَ فِي غَزَّةَ وَأشْدُودَ وَأشْقَلُونَ وَجَتَّ وَعَقْرُونَ. وَكَذَلِكَ مَنْطِقَةَ العَوِّيِّينَ، فِي الجَنُوبِ، وَأرْضَ الكَنعَانِيِّينَ وَمُغَارَةَ الَّتِي لِلصَّيدُونِيِّينَ حَتَّى أفِيقَ، إلَى حُدُودِ الأمُورِيِّينَ، وَأرْضَ الجِبلِيِّينَ، وَكُلَّ لُبْنَانَ نَحْوَ الشَّرقِ مِنْ بَعلِ جَادَ أسفَلَ جَبَلِ حَرْمُونَ إلَى لِيبُو حَمَاةَ. «أمَّا الصَّيدُونِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ مِنْ لُبْنَانَ إلَى مِسْرَفُوتَ مَايِمَ، فَإنِّي سَأطرُدُهُمْ مِنْ أمَامِ بَنِي إسْرَائِيلَ. لَكِنْ عَلَيْكَ أنْ تُقَسِّمَ الأرْضَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ مِلْكًا لَهُمْ كَمَا أمَرْتُكَ. وَالْآنَ، قَسِّمْ هَذِهِ الأرْضَ مِلْكًا بَيْنَ القَبَائِلِ التِّسعِ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى.» نَالَ نِصْفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى وَالرَأُوبَيْنِيُّونَ وَالجَادِيُّونَ مِيرَاثَهُمُ الَّذِي أعطَاهُ مُوسَى لَهُمْ عَلَى الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، كَمَا أعطَاهُمْ مُوسَى خَادِمُ اللهِ . مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى حَافَّةِ وَادِي أرنُونَ، وَالمَدِينَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الوَادِي وَكُلِّ هَضَبَةِ مِيدَبَا إلَى دِيبُونَ، وَكُلِّ مُدُنِ سِيحُونَ مَلِكِ الأمُورِيِّينَ الَّذِي حَكَمَ فِي حَشْبُونَ إلَى حُدُودِ أرْضِ العَمُّونِيِّينَ، وَجِلعَادَ وَأرْضِ الجَشُورِيِّينَ وَالمَعْكِيِّينَ، وَكُلِّ جَبَلِ حَرْمُونَ وَكُلِّ بَاشَانَ إلَى سَلْخَةَ، أيْ كُلِّ مَمْلَكَةِ عُوجٍ فِي بَاشَانَ الَّذِي حَكَمَ فِي عَشْتَارُوثَ وَإذْرِعِي، وَهُوَ مِنْ آخِرِ مَنْ بَقِيَ مِنَ الرَّفَائِيِّينَ. فَقَدْ هَزَمَهُمْ مُوسَى وَأخَذَ أرْضَهُمْ. وَلَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يَطْرُدُوا الجَشُورِيِّينَ وَالمَعْكِيِّينَ، فَسَكَنَ الجَشُورِيُّونَ وَالمَعْكِيُّونَ فِي وَسَطِ إسْرَائِيلَ إلَى هَذَا اليَوْمِ. لَكِنْ لَمْ يُعطِ مُوسَى مِيرَاثًا لِعَشِيرَةِ لَاوِي، فَتَقْدِمَاتُ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، هِيَ مِيرَاثُهُمْ كَمَا وَعَدَهُمْ. وَأعْطَى مُوسَى الأرْضَ لِعَشِيرَةِ الرَأُوبَيْنِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ وَكَانَتْ أرْضُهُمْ مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى حَافَّةِ وَادِي أرنُونَ، وَالمَدِينَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الوَادِي، وَكُلِّ هَضَبَةِ مِيدَبَا، مَعَ حَشْبُونَ وَكُلِّ قُرَاهَا الَّتِي عَلَى الهَضَبَةِ وَدِيبُونَ وَبَامُوتَ بَعلٍ وَبَيْتَ بَعلِ مَعُونَ، وَيَاهَصَ وَقَدِيمُوتَ وَمَيفَعَةَ، وَقَرْيَتَايِمَ وَسِبْمَةَ وَصَارَثَ شَحْرَ عَلَى تَلَّةِ الوَادِي، وَبَيْتِ فَغُورَ وَمُنحَدَرَاتِ الفِسْجَةِ وَبَيْتِ يَشِيمُوتَ. أيْ كُلِّ مُدُنِ الهَضَبَةِ وَمَملَكَةِ المَلِكِ سِيحُونَ مَلِكِ الأمُورِيَّينَ الَّذِي حَكَمَ فِي حَشْبُونَ، الَّذِي هَزَمَهُ مُوسَى مَعَ قَادَةِ مِدْيَانَ: أُوِيَ وَرَاقَمَ وَصُورًا وَحُورًا وَرَابِعَ، رُؤَسَاءِ سِيحُونَ الَّذِينَ سَكَنُوا فِي تِلْكَ الأرْضِ. وَمِنْ بَينْ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ، العَرَّافُ بَلْعَامُ بْنُ بَعُورَ. وَكَانَ نَهْرُ الأُرْدُنِّ وَضِفَافُهُ حَدَّ أرْضِ الرَأُوبَيْنِيِّينَ الغَرْبِيَّ. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ الرَأُوبَيْنِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ، المُدُنُ وَقُرَاهَا. وَأعْطَى مُوسَى الأرْضَ لِلجَادِيِّينَ أيْضًا بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَتْ أرْضُهُمْ يَعْزِيرَ وَكُلَّ مُدُنِ جِلْعَادَ وَنِصْفَ أرْضِ العَمُّونِيِّينَ إلَى عَرُوعِيرَ الوَاقِعَةِ إلَى الشَّرقِ مِنْ رِبَّةَ، وَمِنْ حَشْبُونَ إلَى رَامَةِ المِصْفَاةِ وَبُطُونِيمَ، وَمِنْ مَحَنَايِمَ إلَى حَدِّ دَبِيرَ. وَفِي الوَادِي بَيْتَ هَارَامَ وَبَيْتَ نِمْرَةَ وَسُكُّوتَ وَصَافُونَ، أيْ بَقِيَّةَ مَمْلَكَةِ سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ، الَّتِي يَحُدُّهَا نَهْرُ الأُرْدُنِّ وَضِفَافُهُ إلَى حَافَّةِ بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ، شَرقِيَّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ الجَادِيِّينَ بِعَشَائِرِهِمْ وَمُدُنِهِمْ وَقُرَاهُمِ. وَأعْطَى مُوسَى الأرْضَ لِنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، فَوُزِّعَتِ الحِصَصُ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَتْ أرْضُهُمْ تَمْتَدُّ مِنْ مَحَنَايِمَ، وَتَشْمَلُ كُلَّ مَمْلَكَةِ المَلِكِ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ وَكُلَّ مَسَاكِنِ يَائِيرَ فِي بَاشَانَ، وَعَدَدُهَا سِتُّونَ مَدِينَةً. وَتَشمَلُ كَذَلِكَ نِصْفَ جِلعَادَ وَعَشْتَارُوثَ وَإذْرَعِي مُدُنَ مَمْلَكَةِ عُوجٍ فِي بَاشَانَ. أُعْطِيَتْ كُلُّ هَذِهِ الأرْضِ لِنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، لِبَنِي مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. هَذِهِ هِيَ الأرْضُ، الَّتِي أعْطَاهَا مُوسَى مِلْكًا، فِي سُهُولِ مُوآبَ إلَى الشَّرقِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ مُقَابِلَ أرِيحَا. لَكِنَّ مُوسَى لَمْ يُعطِ مِيرَاثًا لِعَشِيرَةِ لَاوِي، فَاللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، هُوَ مِيرَاثُهُمْ كَمَا وَعَدَهُمْ. هَذِهِ هِيَ المَنَاطِقُ الَّتِي أخَذَهَا بَنُو إسْرَائِيلَ مِيرَاثًا فِي أرْضِ كَنْعَانَ، الَّتِي قَسَّمَهَا ألِعَازَرُ الكَاهِنُ وَيَشُوعُ بْنُ نُونٍ وَرُؤَسَاءُ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ لَهُمْ. وَقَدْ تَمَّ تَقْسِيمُهَا بِالقُرْعَةِ، كَمَا أمَرَ اللهُ عَلَى فَمِ مُوسَى، لِلقَبَائِلِ التِّسْعِ وَلِنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى. فَمُوسَى أعْطَى لِقَبِيلَتَي رَأُوبَيْنَ وَجَادٍ وَلِنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى مِيرَاثًا فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعطِ لِلَّاوِيِّينَ مِيرَاثًا كَبَاقِي القَبَائِلِ. وَبَنُو يُوسُفَ كَانُوا قَبِيلَتَيْنِ هُمَا مَنَسَّى وَأفْرَايمَ. وَلَمْ يُعطَ نَصِيبٌ مِنَ الأرْضِ لِلَّاوِيِّينَ إلَّا مُدُنًا يَسْكُنُونَ فِيهَا مَعَ مَرَاعِيهِمْ وَأغْنَامِهِمْ وَأبْقَارِهِمْ. وَعَمِلَ بَنُو إسْرَائِيلَ كَمَا أمَرَ اللهُ مُوسَى، فَقَسَّمُوا الأرْضَ. وَجَاءَ بَنُو قَبِيلَةِ يَهُوذَا إلَى يَشُوعَ فِي الجِلْجَالِ، وَقَالَ لَهُ كَالَبُ بْنُ يَفُنَّةَ القَنِزِّيُّ: «أنْتَ تَعْرِفُ مَا قَالَهُ اللهُ لِمُوسَى رَجُلِ اللهِ عَنِّي وَعَنْكَ فِي قَادِشَ بَرْنِيعَ. كُنْتُ فِي الأرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِي حِينَ أرْسَلَنِي مُوسَى خَادِمُ اللهِ مِنْ قَادَشَ بَرْنِيعَ لِاسْتِكشَافِ الأرْضِ. وَقَدْ رَجِعْتُ وَقَدَّمْتَ تَقْرِيرًا صَادِقًا بِحَسَبِ مَا فِي قَلْبِي. رِفَاقِي الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعِي سَبَّبُوا الخَوفَ لِلنَّاسِ، وَأمَّا أنَا فَتَبِعْتُ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. وَأقسَمَ مُوسَى فِي ذَلِكَ اليَوْمِ وَقَالَ: ‹الأرْضُ الَّتِي ذَهَبْتَ إلَيْهَا سَتُصْبِحُ مِيرَاثًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعدِكَ إلَى الأبَدِ، لِأنَّكَ تَبِعْتَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ.› «وَالْآنَ، هَا قَدْ أبقَانِي اللهُ حَيًّا خَمْسًا وَأرْبَعِينَ سَنَةً، مُنْذُ أنْ قَالَ اللهُ لِمُوسَى هَذَا، حِينَ كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يُسَافِرُونَ فِي البَرِّيَّةِ. وَالْآنَ، هَا أنَا اليَوْمَ فِي الخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ مِنْ عُمْرِي. وَمَا زِلْتُ اليَوْمَ قَوِيًّا كَمَا كُنْتُ يَوْمَ أرْسَلَنِي مُوسَى. وَمَا تَزَالُ قُوَّتِي اليَوْمَ كَمَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. ومَا أزَالُ مستعدًا لِلحَرْبِ ولأيّةِ مَهَمَّةٍ أُخْرَى. فَأعْطِنِي هَذِهِ الأرْضَ الجَبَلِيَّةَ الَّتِي وَعَدَنِي اللهُ بِهَا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. لِأنَّكَ سَمِعْتَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ أنَّ العَنَاقِيِّينَ هُنَاكَ فِي مُدُنِهِمُ العَظِيمَةِ الحَصِينَةِ. فَإنْ كَانَ اللهُ مَعِي فَإنِّي سَأطرُدُهُمْ كَمَا وَعَدَنِي.» فَبَارَكَ يَشُوعُ كَالَبَ بْنَ يَفُنَّةَ وَأعْطَاهُ حَبْرُونَ مِلْكًا لَهُ. وَلِذَلِكَ صَارَتْ حَبْرُونُ مِيرَاثًا لِكَالَبَ بْنِ يَفُنَّةَ القَنِزِّيِّ وَنَسْلِهِ إلَى هَذَا اليَوْمِ، لِأنَّهُ أطَاعَ اللهَ إلَهَ إسْرَائِيلَ، مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ. وَاسْمُ حَبرُونَ سَابِقًا قَرْيةُ أرْبَعَ. وَكَانَ أرْبَعُ أعْظَمَ رَجُلٍ بَيْنَ العَنَاقِيِّينَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ اسْتَرَاحَتِ الأرْضُ مِنَ الحَرْبِ. أمَّا الأرْضُ الَّتِي أُعْطِيَتْ بِالقُرْعَةِ لِعَشِيرَةِ يَهُوذَا بِحَسَبِ عَشَائِرِهَا، فَقَدِ امتَدَّتْ جَنُوبًا إلَى حُدُودِ أدُومَ إلَى بَرِّيَّةِ صِينٍ فِي أقْصَى الجَنُوبِ. وَوَصَلَ حَدُّهَا الجَنُوبِيُّ إلَى الخَلِيجِ فِي طَرَفِ بَحْرِ المِلحِ الَّذِي يَمْتَدُّ نَحْوَ الجَنُوبِ. وَيَمُرُّ الحَدُّ الجَنُوبِيُّ بِجَنُوبِ مَمَرِّ العَقْرَبِ، إلَى صِينٍ. ثُمَّ إلَى الجَنُوبِ مِنْ قَادِشَ بَرْنِيعَ وَيَدُورُ حَوْلَ حَصْرُونَ ثُمَّ يَصْعَدُ إلَى أدَّارَ، وَيَمْتَدُّ إلَى القَرْقَعِ، ثُمَّ يَمْتَدُّ حَوْلَ عَصْمُونَ، ثُمَّ إلَى نَهْرِ مِصْرٍ، وَيَنْتَهِي عِنْدَ البَحْرِ. هَذَا هُوَ حَدُّهُمُ الجَنُوبِيُّ. وَالحَدُّ الشَّرقِيُّ هُوَ بَحرُ المِلحِ حَتَّى مَصَبِّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَالحَدُّ الشِّمَالِيُّ يَمْتَدُّ مِنْ خَلِيجِ البَحْرِ عِنْدَ مَصَبِّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَيَصْعَدُ إلَى بَيْتِ حُجلَةَ، ثُمَّ يَمْتَدُّ إلَى الشِّمَالِ مِنْ بَيْتِ العَرَبَةِ. ثُمَّ يَصْعَدُ إلَى حَجَرِ بُوهَنَ بْنِ رَأُوبَيْنَ. ثُمَّ يَصْعَدُ الحَدُّ إلَى دَبِيرَ مِنْ وَادِي عَخُورَ، ثُمَّ يَمْتَدُّ نَحْوَ الشِّمَالِ إلَى الجِلْجَالِ مُقَابِلَ مَمَرِّ أدُومِّيمَ الَّتِي تَقَعُ إلَى الجَنُوبِ مِنَ الوَادِي. ثُمَّ يَمْتَدُّ الحَدُّ حَوْلَ عَيْنِ شَمسٍ، وَيَنْتَهِي فِي عَيْنِ رُوجَلَ. ثُمَّ يَصْعَدُ الحَدُّ إلَى وَادِي ابْنِ هِنُّومَ جَنُوبَ مُنحَدَرِ اليَبُوسِيِّينَ، أيْ مَدِينَةِ القُدْسِ. ثُمَّ يَصْعَدُ الحَدُّ إلَى قِمَّةِ الجَبَلِ الوَاقِعِ إلَى الغَرْبِ مِنْ وَادِي ابْنِ هِنُّومَ عِنْدَ الطَّرَفِ الشِّمَالِيِّ لِوَادِي رَفَائِيمَ. ثُمَّ يَمْتَدُّ الحَدُّ مِنْ قِمَّةِ الجَبَلِ إلَى النَّبْعِ، إلَى مِيَاهِ نَفْتُوحَ، ثُمَّ عَبْرَ الوَادِي إلَى مُدُنِ جَبَلِ عِفْرُونَ. ثُمَّ يَمْتَدُّ نَحْوَ بَعَلَةَ الَّتِي هِيَ قَريَاتُ يَعَارِيمَ. ثُمَّ يَمْتَدُّ الحَدُّ إلَى الغَرْبِ مِنْ بَعَلَةَ إلَى جَبَلِ سَعِيرَ، ثُمَّ يَمْتَدُّ إلَى المُنحَدَرِ الشِّمَالِيِّ لِجَبَلِ يَعَارِيمَ، الَّذِي هُوَ كَسَالُونَ، ثُمَّ يَنْزِلُ إلَى بَيْتِ شَمسٍ، ثُمَّ يَمْتَدُّ إلَى تِمْنَةَ. وَيَعْبُرُ الحَدُّ الوَادِي إلَى المُنْحَدَرِ فِي شِمَالِ عِقْرُونَ. ثُمَّ يَمْتَدُّ نَحْوَ شَكْرُونَ، ثُمَّ حَوْلَ جَبَلِ بَعَلَةَ، ثُمَّ يَعْبُرُ الوَادِي إلَى يَبْنِئِيلَ. وَيَنْتَهِي الحَدُّ عِنْدَ البَحْرِ. وَأمَّا الحَدُّ الغَربِيُّ فَهوَ البَحرُ وَشَاطِئُهُ. هَذَا هُوَ الحَدُّ المُحِيطُ بَقَبِيلَةِ يَهُوذَا بِحَسَبِ عَشَائِرِهِا. وَأعْطَى يَشُوعُ كَالَبَ بْنَ يَفُنَّةَ حِصَّةً مِنَ الأرْضِ وَسَطَ قَبِيلَةِ يَهُوذَا بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ لِيَشُوعَ، فَأعطَاهُ قَريَاتَ أرْبَعَ، أيْ حَبْرُونَ. وَأرْبَعُ هُوَ جَدُّ عَنَاقَ. وَطَرَدَ كَالَبُ مِنْ هُنَاكَ أبْنَاءَ عَنَاقَ الثَّلَاثَةَ: شِيشَايَ وَأخِيمَانَ وَتَلْمَايَ. وَصَعِدَ مِنْ هُنَاكَ لِيُهُاجِمَ سُكَّانَ دَبِيرَ. وَكَانَ اسْمُ دَبِيرَ سَابِقًا قَرْيَاتَ سِفْرَ. فَقَالَ كَالَبُ: «مَنْ يُهَاجِمُ قَريَاتَ سِفْرَ وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا فَإنِّي سَأُعْطِيهِ ابنَتِي عَكْسَةَ زَوْجَةً لَهُ.» فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ أخُو كَالَبَ الأصْغَرَ مِنْهُ، فَأعطَاهُ كَالَبُ ابنَتَهُ عَكْسَةَ زَوْجَةً لَهُ. وَلَمَّا جَاءَتْ إلَى عُثْنِيئِيلَ، حَثَّهَا عَلَى أنْ تَطْلَبَ حَقلًا مِنْ أبِيهَا. فَلَمَّا نَزَلَتْ مِنَ عَلَى الحِمَارِ، قَالَ لَهَا كَالَبُ: «مَا الأمْرُ؟» فَقَالَتْ لَهُ: «امْنَحْنِي بَرَكَةً. قَدْ أعْطَيْتَنِي أرْضًا جَافَّةً فِي النَّقَبِ، فَأعْطِنِي بِرَكَ مَاءٍ أيْضًا.» فَأعطَاهَا البِرَكَ العُلْيَا وَالسُّفلَى. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. وَهَذِهِ هِيَ جَمِيعُ المُدُنِ الَّتِي لِعَشِيرَةِ يَهُوذَا قُرْبَ حُدُودِ أدُومَ فِي الجَنُوبِ: قَبْصِئِيلُ وَعِيدَرُ وَيَاجُورُ وَقَينَةُ وَدِيمُونَةُ وَعَدْعَدَةُ وَقَادَشُ وَحَاصُورُ وَيِثْنَانُ وَزِيفُ وَطَالَمُ وَبَعلُوتُ وَحَاصُورُ وَحَدَتَّةُ وَقَرْيُوتُ وَحَصْرُونُ – الَّتِي هِيَ حَاصُورُ – وَأمَامُ وَشَمَاعُ وَمُولَادَةُ وَحَصَرُ جَدَّةَ وَحَشْمُونُ وَبَيْتُ فَالَطَ وَحَصَرُ شُوعَالَ وَبِئْرُ سَبْعٍ وَبِزْيُوتِيَّةُ وَبَعَلَةُ وَعِيِّيمُ وَعَاصَمُ وَألْتُولَدُ وَكِسِيلُ وَحُرْمَةُ وَصِقلَغُ وَمَدْمَنَّةُ وَسَنْسَنَّةُ وَلَبَوُتُ وَشِلْحِيمُ وَعَينٌ وَرِمُّونَ. وَمَجْمُوعُ عَدَدِ المُدُنِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ مَعَ قُرَاهَا. وَفِي التِّلَالِ الغَربِيَّةِ: أشْتَأُولُ وَصَرْعَةُ وَأشْنَةُ وَزَانُوحُ وَعَينُ جِنِّيمَ وَتَفُّوحُ وَعَينَامُ وَيَرْمُوتُ وَعَدُلَّامُ وَسُوكُوهُ وَعَزِيقَةُ وَشَعْرَايِمُ وَعَدِيتَايِمُ وَالجُدَيرَةُ وَجُدَيرُوَتَايِمُ. وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعَ عَشْرَةَ مَدِينَةً. وَصَنَانُ وَحَدَاشَةُ وَمَجْدَلُ جَادَ وَدِلْعَانُ وَالمِصْفَاةُ وَيَقْتِئِيلُ وَلَخِيشُ وَبَصْقَةُ وَعَجلُونُ، وَكَبُّونُ وَلَحْمَاسُ وَكِتلِيشُ وَجُدَيرُوتُ وَبَيْتُ دَاجُونَ وَنَعَمَةُ وَمَقِّيدَةُ. وَمَجْمُوعُهَا سِتَّ عَشْرَةَ مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. وَلِبْنَةُ وَعَاتَرُ وَعَاشَانُ. وَيَفْتَاحُ وَأشْنَةُ وَنَصِيبُ، وَقَعِيلَةُ وَأكْزِيبُ وَمَرِيشَةُ. وَمَجْمُوعُهَا تِسْعُ مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. وَعَقْرُونُ وَمَا يُحِيطُ بِهَا مِنْ بَلْدَاتٍ وَقُرَى. وَإلَى الغَرْبِ مِنْ عَقْرُونَ، كُلُّ المُدُنِ القَرِيبَةِ مِنْ أشْدُودَ وَقُرَاهَا. وَأشْدُودُ وَمَا يُحِيطُ بِهَا مِنْ مُدُنٍ وَقُرَى. وَغَزَّةُ وَمَا يُحِيطُ بِهَا مِنْ مُدُنٍ وَقُرِى، إلَى نَهْرِ مِصْرٍ وَسَاحِلِ البَحْرِ. وَفِي المَنَاطِقِ الجَبَلِيَّةِ: شَامِيرُ وَيَتِّيرُ وَسُوكُوهُ وَدَنَّةُ وَقَريَةُ سَنَّةَ الَّتِي هِيَ دَبِيرُ، وَعَنَابُ وَأشْتِمُوهُ وَعَانِيمُ وَجُوشَنُ وَحُولُونُ وَجِيلُوهُ. وَمَجْمُوعُهَا إحْدَى عَشْرَةَ مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. أرَابُ وَدُومَةُ وَأشْعَانُ وَيَنِيمُ وَبَيْتُ تَفُّوحَ وَأفِيقَةُ وَحُمْطَةُ وَقَرْيَاتُ أرْبَعَ – الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ – وَصِيعُورُ. وَمَجْمُوعُهَا تِسْعُ مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. وَمَعُونُ وَكَرْمَلُ وَزِيفُ وَيُوطَةُ وَيَزْرَعِيلُ وَيَقْدَعَامُ وَزَانُوحُ وَقَايِنُ وَجِبْعَةُ وَتِمْنَةُ. وَمَجْمُوعُهَا عَشْرُ مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. حَلْحُولُ وَبَيْتُ صُورٍ وَجَدُورُ وَمَعَارَةُ وَبَيْتُ عَنُوتَ وَألْتَقُونُ. وَمَجْمُوعُهَا سِتُّ مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. وَقَريَاتُ بَعلَ الَّتِي هِيَ قَرْيَاتُ يَعَارِيمَ وَالرَّبَّةَ. وَهُمَا مَدِينَتَانِ مَعَ قُرَاهُمَا. وَفِي البَرِّيَّةِ: بَيْتُ العَرَبَةِ وَمِدِّينُ وَسَكَاكَةُ وَنِبْشَانُ وَمَدِينَةُ المِلْحِ وَعَينُ جَدْيٍ. وَمَجْمُوعُهَا سِتُّ مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. وَلَكِنَّ شَعْبَ يَهُوذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَطْرُدَ اليَبُوسِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. لِذَا يَعِيشُ اليَبُوسِيُّونَ وَسَطَ شَعْبِ يَهُوذَا إلَى هَذَا اليَوْمِ. أمَّا الأرْضُ المُعطَاةُ بِالقُرْعَةِ لِأبْنَاءِ يُوسُفَ، فَتَمْتَدُّ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ قُرْبَ أرِيحَا شَرْقَ نَبْعِ أرِيحَا، إلَى البَرِّيَّةِ الصَّاعِدَةِ مِنْ أرِيحَا وَإلَى مِنْطَقَةِ بَيْتِ إيلَ الجَبَلِيَّةِ. ثُمَّ تَمْتَدُّ مِنْ بَيْتِ إيلَ إلَى لُوزٍ، وَتَدُورُ إلَى حُدُودِ الأرَكِيِّينَ فِي عَطَارُوتَ. ثُمَّ تَنْزِلُ إلَى حُدُودِ اليَفْلَطِيِّينَ. ثُمَّ إلَى مِنْطَقَةِ بَيْتِ حُورُونَ السُّفلَى وَإلَى جَازَرَ. وَتَصِلُ نِهَايَتُهَا إلَى البَحْرِ. هَذَا مَا أخَذَهُ أبْنَاءُ يُوسُفَ، مَنَسَّى وَأفرَايِمُ مِيرَاثًا لَهُمْ. وَكَانَ حَدُّ الأفرَايِمِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ كَمَا يَلِي: كَانَ حَدُّ أرْضِهِمْ عَطَارُوتَ أدَّارَ فِي الشَّرقِ، إلَى بَيْتِ حُورُونَ العُليَا، ثُمَّ يَمْتَدُّ الحَدُّ مِنْ هُنَاكَ إلَى البَحْرِ. وَمِنْ مِخْمَاشَ فِي الشِّمَالِ، يَمْتَدُّ الحَدُّ إلَى الشَّرقِ إلَى تَآنَةِ شِيلُوهَ، ثُمَّ يَمْتَدُّ إلَى الشَّرقِ نَحْوَ يَنُوحَةَ. ثُمَّ يَنْزِلُ مِنْ يَنُوحَةَ إلَى عَطَارُوتَ وَنَعَرَاتَ، وَيَقْتَرِبُ الحَدُّ إلَى أرِيحَا وَيَنْتَهِي عِنْدَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَمِنْ تَفُّوحَ يَتَجِهُ الحَدُّ غَربًا إلَى وَادِي قَانَةَ، وَيَنْتَهِي عِنْدَ البَحْرِ. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ عَشِيرَةِ أفْرَايِمَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ، مَعَ المُدُنِ الَّتِي لِعَشِيرَةِ أفْرَايِمَ دَاخِلَ مِيرَاثِ المَنَسِّيِّينَ، كُلُّ تِلْكَ المُدُنِ مَعَ قُرَاهَا. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَطْرُدُوا الكَنعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ، وَلِذَا سَكَنَ الكَنعَانِيُّونَ فِي وَسَطِ أفْرَايِمَ إلَى هَذَا اليَوْمِ، لَكِنَّهُمْ أُجبِرُوا عَلَى العَمَلِ عَبِيدًا لَهُمْ. وَتَمَّ تَحْدِيدُ أرْضِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، بِكْرِ يُوسُفَ، بِالقُرعَةِ. فَقَدْ أُعْطِيَتْ جِلعَادَ وَبَاشَانَ لِنسلِ مَاكِيرَ بِكْرِ مَنَسَّى، وَأبِي جِلعَادَ، لِأنَّهُ كَانَ مُحَارِبًا شَدِيدًا. أمَّا بَاقِي شَعْبِ مَنَسَّى، الَّذِي أُعْطِيَ حِصَّةً مِنَ الأرْض، فأخَذُوا بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ، لِنَسْلِ أبِيعَزَرَ وَحَالَقَ وَأسْرِيئِيلَ وَشَكَمَ وَحَافَرَ وَشَمِيدَاعَ. فَهَؤُلَاءِ هُمُ الأبْنَاءُ الذُّكُورُ لِمَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ. وَلَمْ يَكُنْ لِصَلُفْحَادَ بْنِ حَافَرَ بْنِ جِلعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسِّى أبْنَاءٌ ذُكُورٌ، فَقَدْ كَانَ لَهُ بَنَاتٌ فَقَطْ. وَهَذَهِ هِيَ أسْمَاءُ بَنَاتِهِ: مَحلَةُ وَنَوْعَةُ وَحُجلَةُ وَمِلْكَةُ وَتِرْصَةُ. فَأتَيْنَ إلَى ألِعَازَرَ الكَاهِنِ وَيَشُوعَ بْنِ نُونٍ وَالقَادَةِ وَقُلْنَ: «أمَرَ اللهُ مُوسَى بِأنْ يُعطِيَنَا مِيرَاثًا فِي وَسَطِ أقرِبَائِنَا الذُّكُورِ.» فَأعطَاهُنَّ مِيرَاثًا مَعَ أعْمَامِهِنَّ، كَمَا أمَرَ اللهُ . فَنَالَتْ قَبِيلَةُ مَنَسَّى عَشْرَ حِصَصٍ مِنَ الأرْضِ بِالإضَافَةِ إلَى أرْضِ جِلْعَادَ وَبَاشَانَ فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، لِأنَّ بَنَاتَ مَنَسَّى أخَذْنَ مِيرَاثًا مَعَ أبنَائِهِ الذُّكُورِ. وَكَانَتْ أرْضُ جِلعَادَ لِبَقِيَّةِ نَسْلِ مَنَسَّى. وَيَمْتَدُّ حَدُّ مَنَسَّى مِنْ أشِيرَ إلَى مَكْمَتَةَ الَّتِي تَقَعُ مُقَابِلَ شَكِيمَ. ثُمَّ يَتَّجِهُ إلَى الجَنُوبِ إلَى سُكَّانِ عَيْنِ تَفُّوحَ. وَكَانَتْ أرْضُ تَفُّوحَ لِمَنَسَّى. وَأمَّا مَدِينَةُ تَفُّوحَ الَّتِي عَلَى حُدُودِ أرْضِ مَنَسَّى فَكَانَتْ لِقَبِيلَةِ أفْرَايِمَ. ثُمَّ يَنْزِلُ الحَدُّ إلَى وَادِي قَانَةَ. وَكَانَتِ المُدُنُ الوَاقِعَةُ إلَى الجَنُوبِ مِنَ الوَادِي فِي وَسَطِ مُدُنِ المَنَسِّيِّينَ لِأفرَايِمَ، وَلَكِنَّ حُدُودَ مَنَسَّى كَانَتْ شِمَالَ الوَادِي، وَقَدِ انْتَهَتْ عِنْدَ البَحْرِ . الأرْضُ الَّتِي فِي الجَنُوبِ كَانَتْ لِأفرَايِمَ، وَالأرْضُ الَّتِي فِي الشِّمَالِ كَانَتْ لِمَنَسَّى. وَكَانَ البَحرُ هُوَ حَدُّ مَنَسَّى الغَربِيُّ، وَقَدْ وَصَلَ حَدُّهُمْ إلَى أشِيرَ فِي الشِّمَالِ وَإلَى يَسَّاكَرَ فِي الشَّرقِ. وَفِي دَاخِلَ أرْضِ أشِيرَ وَيَسَّاكَرَ كَانَ لِمَنَسَّى المُدُنُ التَّالِيَةُ: بَيْتُ شَانَ وَيَبْلَعَامُ وَقُرَاهُمَا، وَسُكَّانُ دُورٍ وَعْينَ دُورَ وَتَعْنَكَ وَمَجِدُّو وَقُرَاهَا جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ التِّلَالُ الثَّلَاثَةُ. وَلَمْ يَتَمَكَّنْ شَعْبُ مَنَسَّى مِنَ امتِلَاكِ هَذَهِ المُدُنِ، فَبَقِيَ الكَنعَانِيُّونَ سَاكِنَينَ فِي هَذِهِ الأرْضِ. وَحِينَ قَوِيَ بَنُو إسْرَائِيلَ، أجبَرُوا الكَنعَانِيِّينَ عَلَى العَمَلِ كَعَبِيدٍ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَطْرُدُوهُمْ تَمَامًا. وَقَالَتْ عَشِيرَةُ يُوسُفَ لِيَشُوعَ: «لِمَاذَا أعْطَيْتَنَا قُرْعَةً وَاحِدَةً وَحَصَّةً وَاحِدَةً مِيرَاثًا لَنَا؟ إنَّنَا شَعْبٌ كَبِيرٌ لِأنَّ اللهَ بَارَكَنَا حَتَّى الآنَ.» فَقَالَ يَشُوعُ لَهُمْ: «إنْ كُنْتُمْ شَعْبًا كَبِيرًا فَاصعَدُوا إلَى الغَابَةِ، وَاقطَعُوا الأشْجَارَ مِنْهَا لِتُعِدُّوا لَكُمْ مَكَانًا فِي أرْضِ الفِرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ، لِأنَّ أرْضَ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةَ صَغِيرَةٌ عَلَيْكُمْ.» فَقَالَ شَعْبُ يُوسُفَ: «المِنْطَقَةُ الجَبَلِيَّةُ غَيْرُ كَافِيَةٍ لَنَا، وَلَكِنَّ الكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي الوَادِي يَمْلِكُونَ مَرْكَبَاتٍ حَدِيدِيَّةً فِي بَيْتِ شَانَ وَقُرَاهَا فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ.» ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِشَعْبِ يُوسُفَ، أفْرَايِمَ وَمَنَسَّى: «إنَّكُمْ شَعْبٌ كَبِيرٌ وَلَدَيْكُمْ قُوَّةٌ عَظِيمَةٌ. لَنْ تَكُونَ لَكُمْ حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الأرْضِ، فَالمِنْطَقَةُ الجَبَلِيَّةُ سَتَكُونُ لَكُمْ. فَمَعْ أنَّهَا غَابَاتٌ، لَكِنَّكُمْ سَتَقْطَعُونَ الأشْجَارَ وَتُمَهِّدُونَهَا وَتَمْتَلِكُونَهَا. وَسَتَطْرُدُونَ الكَنعَانِيِّينَ مَعَ أنَّهُمْ أقوِيَاءُ وَلَدَيهِمْ مَرْكَبَاتٌ حَدِيدِيَّةٌ.» وَاجتَمَعَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ وَنَصَبُوا خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ هُنَاكَ. وَكَانَتِ الأرْضُ تَحْتَ سَيطَرَتِهِمْ. وَبَقِيَتْ سَبعُ قَبَائِلَ مِنَ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ تَنَلْ نَصِيبَهَا. فَقَالَ يَشُوعُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: «إلَى مَتَى تَتَكَاسَلُونَ عَنِ الدُّخُولِ لِامتِلَاكِ الأرْضِ الَّتِي أعْطَاهَا لَكُمُ اللهُ إلَهُ آبَائِكُمْ؟ عَيِّنُوا ثَلَاثَةَ رِجَالٍ مِنْ كُلِّ عَشِيرَةٍ، فَأُرسِلُهُمْ لِيَجُولُوا الأرْضَ كُلَّهَا، وَيَكْتُبُوا وَصفًا لَهَا بِحَسَبِ مِيرَاثِهِمْ، ثُمَّ يَعُودُونَ إلِيَّ. وَلْيُقَسِّمُوا الأرْضَ البَاقِيَةَ إلَى سَبْعَةِ أقسَامٍ. سَيَبْقَى يَهُوذَا فِي أرْضِهِ فِي الجَنُوبِ، وَسَيَبْقَى شَعْبُ يُوسُفَ فِي أرْضِهِ فِي الشِّمَالِ. وَسَتَكْتُبُونَ وَصْفًا لِلحِصَصِ السَّبعِ مِنَ الأرْضِ ثُمَّ تَأْتُونَ بِهِ إلَيَّ. وَأنَا سَأُلقِي قُرْعَةً لَكُمْ هُنَا فِي حَضْرَةِ ، لِتَقْرِيرِ حِصَّةِ كُلِّ عَشِيرَةٍ. لَكِنْ لَنْ يَكُونَ لِلَّاوِيِّينَ حِصَّةٌ فِي الأرْضِ بَيْنَكُمْ لِأنَّ كَهَنُوتَ اللهِ هُوَ مِيرَاثُهُمْ. وَأمَّا جَادٌ وَرَأُوبَيْنُ وَنِصْفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى فَقَدْ أخَذُوا مِيرَاثَهُمْ فِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ الَّذِي أعطَاهُ مُوسَى خَادِمُ اللهِ لَهُمْ.» فَانطَلَقَ الرِّجَالُ فِي رِحلَتِهِمْ. وَأعْطَى يَشُوعُ هَذَا الأمْرَ لِلَّذِينَ ذَهَبُوا لِيَكْتُبُوا وَصْفًا لِلأرْضِ: «اذْهَبُوا وَسِيرُوا فِي كُلِّ الأرْضِ، وَاكتُبُوا وَصفًا لَهَا، ثُمَّ عُودُوا إلَيَّ. حِينَئِذٍ، سَأُلقِي قُرَعَةً لَكُمْ هُنَا فِي شِيلُوهُ فِي حَضْرَةِ اللهِ .» فَانطَلَقَ الرِّجَالُ وَجَالُوا فِي الأرْضِ، وَكَتَبُوا فِي كِتَابٍ وَصْفًا لَهَا بَمُدُنِهَا فِي سَبْعَةِ أقسَامٍ. ثُمَّ عَادُوا إلَى يَشُوعَ فِي المَخَيَّمِ فِي شِيلُوهَ. وَهُنَاكَ، ألقَى يَشُوعُ قُرَعَةً بَيْنَهُمْ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَقَسَّمَ الأرْضَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ حِصَصِهِمْ. وَكَانَتْ قُرْعَةُ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ بِحَسَبِ عَشَائرِهَا القُرْعَةَ الأُولى. وَكَانَتِ الأرْضُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُمْ بَيْنَ قَبِيلَتَي يَهُوذَا وَيُوسُفَ. وَيَبْدَأُ حَدُّهُمُ الشِّمَالِيُّ عِنْدَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَيَصْعَدُ إلَى المُنحَدَرِ الَّذِي شِمَالَ أرِيحَا، ثُمَّ يَصْعَدُ إلَى المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ غَربًا، وَيَنْتَهِي عِنْدَ بَرِّيَّةِ بَيْتِ آوِنَ. وَمِنْ هُنَاكَ يَمْتَدُّ الحَدُّ إلَى الجَانِبِ الجَنُوبِيِّ مِنْ لُوزٍ، الَّتِي هِيَ بَيْتُ إيلَ. ثُمَّ يَنْزِلُ الحَدُّ إلَى عَطَارُوتَ إدَّارَ الَّتِي فِي المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ جَنُوبَ بَيْتِ حَورُونَ السُّفلَى. ثُمَّ يَمْتَدُّ الحَدُّ إلَى الجِهَةِ الغَربِيَّةِ وَيَتَّجِهُ نَحْوَ الجَنُوبِ مِنَ الجَبَلِ الوَاقِعِ جَنُوبَ بَيْتِ حُورُونَ، وَيَنْتَهِي فِي قَرْيَاتِ بَعلٍ، الَّتِي هِيَ قَريَاتُ يَعَارِيمَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ لِعَشِيرَةِ يَهُوذَا. هَذَا هُوَ الحَدُّ الغَربِيُّ لَهُمْ. وَيَبدأُ الحَدُّ الجَنُوبِيُّ عِنْدَ طَرَفِ قَرْيَاتِ يَعَارِيمَ، ثُمَّ يَعْبُرُ الوَادِي إلَى نَبْعِ مِيَاهِ نَفتُوحَ. ثُمَّ يَنْزِلُ الحَدُّ إلَى أسفَلِ الجَبَلِ المُقَابِلِ لِوَادِي ابْنِ هِنُّومَ الوَاقِعِ إلَى الشِّمَالِ مِنْ وَادِي رِفَائِيمَ، وَيَنْزِلُ إلَى وَادِي ابْنِ هِنُّومَ جَنُوبَ طَرَفِ اليَبُوسِيِّينَ وَيَنْزِلُ إلَى عَيْنِ رُوجَلَ. ثُمَّ يَمْتَدُّ إلَى الشِّمَالِ وَيَعْبُرُ الوَادِي إلَى عَيْنِ شَمْسٍ، ثُمَّ يَعْبُرُ الوَادِي إلَى جَلِيلُوتَ الوَاقِعَةِ مُقَابِلَ مَمَرِّ أدُومِّيمَ، وَيَنْزِلُ إلَى حَجَرِ بُوهَنَ بْنِ رَأُوبَيْنَ. ثُمَّ يَمْتَدُّ إلَى الشِّمَالِ، إلَى المُنحَدَرِ المُقَابِلِ لِوَادِي الأُرْدُنِّ، وَيَنْزِلُ إلَى وَادِي الأُرْدُنِّ. ثُمَّ يَدُورُ الحَدُّ إلَى الحَافَّةِ الشِّمَالِيَّةِ لِبَيْتِ حُجلَةَ، وَيَنْتَهِي عِنْدَ الخَلِيجِ الشِّمَالِيِّ لِبَحْرِ المِلحِ عِنْدَ الطَّرَفِ الجَنُوبِيِّ لِنَهْرِ الأردُنِّ. هَذَا هُوَ الحَدُّ الجَنُوبِيُّ. وَنَهْرُ الأُرْدُنِّ هُوَ الحَدُّ الشَّرقِيُّ لِأرْضِهِمْ. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ عَشَائِرِ بَنْيَامِينَ بِحَسَبِ حُدُودِهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ. وَأمَّا المُدُنُ الَّتِي كَانَتْ لِقَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ وَعَشَائِرِهِا فَكَانَتْ: أرِيحَا وَبَيْتَ حُجلَةَ وَعِمِقَ قَصِيصَ، وَبَيْتَ العَرَبَةِ وَصَمَارِيمَ وَبَيْتَ إيلَ، وَالعَوِّيمَ وَالفَارَةَ وَعَفْرَةَ، وَكَفْرَ العَمُّونِيِّ وَالعُفْنِيِّ وَجَبَعَ. وَمَجْمُوعُهَا اثنَتَا عَشْرَةَ مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. وَجِبْعُونَ وَالرَّامَةَ وَبَئِيرُوتَ، وَالمِصْفَاةَ وَالكَفِيرَةَ وَالمُوصَةَ وَرَاقه وَيَرْفِئِيلَ وَتَرَالَةَ وَصَيلَعَ وَآلَفَ وَمَدِينَةَ اليَبُوسِيِّينَ، أيْ مَدِينَةِ القُدْسِ، وَجِبْعَةَ وَقَرْيَاتَ. وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعَ عَشْرَةَ مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهَا. وَكَانَتِ القُرْعةُ الثَانيةُ لعَشِيرَةِ شِمْعُونَ بحسب عَشَائِرِهَا. فَكَانَتْ أرْضُهُمْ فِي دَاخِلِ أرْضِ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. وَكَانَتِ المُدُنُ التَّالِيَةُ مِيرَاثًا لَهُمْ: بِئْرُ السَّبْعِ – أوْ شَبَعُ – وَمُولَادَةُ، وَحَصَرُ شُوعَالَ وَبَالَةُ وَعَاصَمُ، وَألتُولَدُ وَبَتُولُ وَحُرْمَةُ، وَصِقلَغُ وَبَيْتُ المَرْكَبُوتِ وَحَصَرُ سُوسَةَ، وَبَيْتُ لَبَاوُتَ وَشَارُوحَينُ. وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. وَعَينٌ وَرِمُّونُ وَعَاتَرُ وَعَاشَانُ. وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعُ مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. وَكَذَلِكَ كُلُّ القُرَى وَالحُقُولِ الَّتِي حَوْلَ هَذِهِ المُدُنِ إلَى بَعلَةِ بِئْرٍ، أيِ الرَّامَةِ الَّتِي فِي النَّقَبِ. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ عَشَائِرِ عَشِيرَةِ نَسْلِ شِمْعُونَ. وَكَانَ مِيرَاثُ قَبِيلَةِ شِمْعُونَ جُزءًا مِنْ أرْضِ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. لِأنَّ حِصَّةَ قَبِيلَةِ يَهُوذَا كَانَتْ أكبَرَ مِمَّا تَحْتَاجُ إلَيِهِ. وَلِذَا حَصَلَتْ قَبِيلَةُ شِمْعُونَ عَلَى مِيرَاثِهَا فِي دَاخِلِ مِيرَاثِ يَهُوذَا. وَكَانت القُرْعَةُ الثَالِثَةُ لِعَشِيرَةِ زَبُولُونَ بحَسَبِ عشَائرِهَا. فَكَانَ حَدُّ أرْضِهِمْ يَصِلُ إلَى سَارِيدَ. وَيَصْعَدُ الحَدُّ نَحْوَ الغَرْبِ وَنَحْوَ مَرْعَلَةَ، وَيَقْتَرِبُ كَثِيرًا مِنْ دَبَّاشَةَ، ثُمَّ يَصِلُ إلَى الوَادِي الَّذِي إلَى الشَّرْقِ مِنْ يَقْنَعَامَ. وَمِنْ سَارِيدَ يَذْهَبُ الحَدُّ فِي الِاتِّجَاهِ المُقَابِلِ نَحْوَ الشَّرقِ إلَى حَدِّ كِسلُوتِ تَابُورَ، ثُمَّ يَعْبُرُ الوَادِي إلَى دَبْرَةَ، ثُمَّ يَصْعَدُ إلَى يَافِيعَ. وَمِنْ هُنَاكَ يَمْتَدُّ إلَى الشَّرْقِ إلَى جَتَّ حَافَرَ فَإلَى عِتِّ قَاصِينَ. ثُمَّ يَعْبُرُ الوَادِي إلَى رِمُّونَ ثُمَّ يَمْتَدُّ إلَى نَيعَةَ. ثُمَّ يَمْتَدُّ الحَدُّ إلَى الشِّمَالِ إلَى حَنَّاثُونَ، وَيَنْتَهِي عِنْدَ وَادِي يَفْتَحِئِيلَ. وَمِنْ مُدُنِهِمْ قَطَّةُ وَنَهلَالُ وَشِمْرُونُ وَيَدَالَةُ وَبَيْتُ لَحْمٍ. وَمَجْمُوعُ مُدُنِهِمِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ عَشَائِرِ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ، وَهَذِهِ هِيَ مُدُنُهُمْ مَعَ قُرَاهَا. وَكَانَتِ القُرْعةُ الرَّابعةُ لِعَشِيرَةِ يَسَّاكَرَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهَا. وَكَانَتْ أرْضُهُمْ تَضُمُّ مُدُنَ يَزْرَعِيلَ وَالكِسلُوتِ وَشُونَمَ وَحَفَارَايِمَ وَشِيئُونَ وَأنَاحَرَةَ وَرَبِّيتَ وَقِشْيُونَ وَآبَصَ وَرَمَةَ وَعَينَ جَنِّيمَ وَعَينَ حِدَّةَ وَبَيْتَ فَصِّيصَ. وَيُلَامِسُ حَدُّهُمْ تَابُورَ وَشَحْصِيمَةَ وَبَيْتَ شَمسٍ. وَيَنْتَهِي حَدُّهُمْ عِنْدَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَمَجْمُوعُ مُدُنَهِمْ سِتَّ عَشرَةَ مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ عَشَائِرِ قَبِيلَةِ يسَّاكِرَ، وَهَذِهِ هِيَ مُدُنُهُمْ مَعَ قُرَاهَا. وَكَانَت القُرْعةُ الخَامسةُ لِعَشِيرَةِ أشِيرَ بحَسَبِ عشَائرهَا. فَكَانَتْ أرْضُهُمْ تَضُمُّ المُدُنَ التَّالِيَةَ: حَلْقَةَ وَحَلِيَ وَبَاطَنَ وَأكشَافَ، وَألَّمَّلَكَ وَعَمْعَادَ وَمِشْآلَ. وَفِي الغَرْبِ، كَانَ حَدُّهُمْ يُلَامِسُ الكَرْمَلَ وَشِيحُورَ لِبْنَةَ، ثُمَّ يَتَّجِهُ شَرْقًا إلَى بَيْتِ دَاجُونَ، ثُمَّ يُلَامِسُ زَبُولُونَ وَوَادِي يَفْتَحْئِيلَ. ثُمَّ يَتَّجِهُ إلَى الشِّمَالِ نَحْوَ بَيْتَ عَامِقَ وَنَعِيئِيلَ. ثُمَّ يُكْمِلُ إلَى الشِّمَالِ إلَى كَابُولَ. وَكَذَلِكَ يَشْمَلُ عَبْدُونَ وَرَحُوبَ وَحَمُّونَ وَقَانَةَ، وَإلَى صِيدُونَ العَظِيمَةِ. ثُمَّ يَعُودُ الحَدُّ إلَى الرَّامَةِ، وَيَصِلُ إلَى صُورٍ، المَدِينَةِ المُحَصَّنَةِ. ثُمَّ يَعُودُ الحَدُّ إلَى حُوصَةَ، وَيَنْتَهِي عِنْدَ البَحْرِ. وَتَشْمَلُ أرْضُهُمْ أيْضًا المُدُنَ التَّالِيَةَ: مَهَالَابَ وَأكْزِيبَ، وَعُمَّةَ وَأفِيقَ وَرَحُوبَ. وَمَجْمُوعُ مُدُنِهِمِ اثنَتَانِ وَعِشْرُونَ مَدِينَةً. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ عَشَائِرِ أشِيرَ، وَهَذِهِ هِيَ مُدُنُهُمْ مَعَ قُرَاهَا. وَكَانت القُرْعةُ السَادِسةُ لِقَبِيلَةِ نَفْتَالِي بِحَسَبِ عشَائرِهَا. وَكَانَ حَدُّهُمْ مِنْ حَالِفَ إلَى شَجَرَةِ البَلُّوطِ فِي صَعَنَنِّيمَ إلَى أدَامِي نَاقِبَ وَيَبْنِيئِيلَ إلَى لَقُّومَ. وَيَنْتَهِي الحَدُّ عِنْدَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَيَدُورُ الحَدُّ فِي الغَرْبِ عِنْدَ أزْنُوتِ تَابُورَ. وَمِنْ هُنَاكَ يَتَجِهُ إلَى حُقُّوقَ، وَيُلَامِسُ زَبُولُونَ فِي الجَنُوبِ، وَأشِيرَ فِي الغَرْبِ، وَنَهْرَ الأُرْدُنِّ فِي الشَّرقِ. وَمُدُنُهُمُ الحَصِينَةُ هِيَ: صِدِّيمُ وَصَيرٌ وَحَمَّةُ وَرَقَّةُ وَكِنَّارَةُ، وَأدَمَةُ وَالرَّامَةُ وَحَاصُورُ، وَقَادَشُ وَإذْرَعِي وَعَينٌ حَاصُورَ، وَيِرْأُونُ وَمَجْدَلُ إيلَ وَحُورِيمُ وَبَيْتُ عَنَاةَ وَبَيْتُ شَمسٍ. وَمَجمُوعِ المُدُنِ تِسْعَ عَشْرَةَ مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ عَشَائِرِ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي، وَهَذِهِ هِيَ مُدُنُهُمْ وَقُرَاهُمْ. وَكَانَتِ القُرْعةُ السَّابِعَةُ لِعَشِيرَةِ دَانٍ بحسَبِ عَشَائِرِهَا. وَكَانَتْ أرْضُهُمْ تَشْمَلُ المُدُنَ التَّالِيَةَ: صَرْعَةَ وَأشتَأُولَ وَعِيرَ شَمسٍ، وَشَعلَبِّينَ وَأيَّلُونَ وَيِتْلَةَ، وَإيلُونَ وَتِمْنَةَ وَعَقْرُونَ، وَإلْتَقَيهَ وَجِبَّثُونَ وَبَعلَةَ، وَيَهُودَ وَبَنِي بَرْقٍ وَجَتَّ رِمُّونَ، وَمَيْرَقُونَ وَرَقُّونَ وَالمِنْطَقَةَ المُجَاوِرَةَ لِيَافَا. وَحِينَ فَقَدَ شَعْبُ دَانٍ أرْضَهُمْ، صَعِدَتْ قَبِيلَةُ دَانٍ وَحَارَبَتْ لَشَمَ وَاستَوْلَتْ عَلَيْهَا وَقَتَلَتْ شَعْبَهَا وَامتَلَكَتْهَا وَاستَقَرَّتْ فِيهَا. وَدَعُوهَا دَانًا كَاسْمِ جَدِّهِمْ. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ عَشَائِرِ قَبِيلَةِ دَانٍ، وَهَذِهِ هِيَ مُدُنُهُمْ وَقُرَاهَا. وَحِينَ انتَهَوْا مِنْ تَقْسِيمِ الأرْضِ حَسَبَ حُدُودِهَا، أعْطَى بَنُو إسْرَائِيلَ يَشُوعَ بْنَ نُونٍ أرْضًا فِي وَسَطِهِمْ. وَبِحَسَبِ أمْرِ اللهِ أعطُوهُ المَدِينَةَ الَّتِي طَلَبَهَا، وَهِيَ تِمْنَةُ سَارَحَ الَّتِي فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ، فَأعَادَ بِنَاءَهَا وَسَكَنَ فَيهَا. هَذِهِ هِيَ الحِصَصُ الَّتِي قَسَمَهَا ألِعَازَرُ الكَاهِنُ وَيَشُوعُ بْنُ نُونٍ وَقَادَةُ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ بِالقُرعَةِ فِي شِيلُوهَ فِي حَضْرَةِ اللهِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَانتَهَوْا مِنْ تَقْسِيمِ الأرْضِ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: «قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: اختَارُوا مُدُنًا لِلُّجوءِ كَمَا قُلْتُ لَكُمْ عَلَى فَمِ مُوسَى، لِيَهْرُبَ إلَيْهَا كُلُّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا بِغَيرِ قَصْدٍ أوْ بِالخَطَأِ، فَيَأمَنَ فِيهَا مِنْ قَرِيبِ المَقْتُولِ الَّذِي يَثَارُ لِدَمِ القَتِيلِ. «حِينَ يَهْرُبُ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا بِغَيرِ قَصدٍ إلَى إحْدَى هَذِهِ المُدُنِ، يَقِفُ فِي بَوَّابَةِ المَدِينَةِ، وَيَعْرِضُ قَضِيَّتَهُ عَلَى شُيُوخِ تِلْكَ المَدِينَةِ. فَيُدْخِلُونَهُ إلَى المَدِينَةِ، وَيُعْطُونَهُ مَكَانًا لِيَسْكُنَ فِيهِ مَعَهُمْ. فَإنْ طَارَدَهُ قَرِيبُ القَتيلِ الَّذِي يُريدُ أنْ يَثأرَ مِنَ القَاتِلِ، يَمْتَنِعُ الشُّيُوخُ عَنْ تَسليمِ القَاتِلِ لِأنَّهُ قَتَلَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا عَدَاوةٌ سَابِقةٌ. وَهَكَذَا يَسْكُنُ القَاتِلُ فِي تِلْكَ المَدِينَةِ إلَى أنْ يَقِفَ أمَامَ الجَمَاعَةِ لِلمُحَاكَمَةِ، أوْ إلَى أنْ يَمُوتَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ المَسؤولُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. حِينَئِذٍ، يُمكِنُهُ أنْ يَعُودَ إلَى أرْضِهِ، إلَى مَدِينَتِهِ الَّتِي هَرَبَ مِنْهَا.» فَعَيَّنُوا المُدُنَ التَّالِيَةَ كَمُدُنٍ لِلُّجُوءِ: قَادَشَ فِي الجَلِيلِ، فِي مِنْطَقَةِ نَفْتَالِي الجَبَلِيَّةِ، وَشَكِيمَ فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ، وَقَرْيَاتَ أرْبَعَ – الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ – فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا الجَبَلِيَّةِ. وَفِي الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، إلَى الشَّرقِ مِنْ أرِيحَا، عَيَّنُوا المُدُنَ التَّالِيَةَ كَمُدُنٍ لِلُّجُوءِ: بَاصَرَ فِي البَرِّيَّةِ فِي هَضَبَةِ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ، وَرَامُوثَ فِي جِلْعَادَ مِنْ قَبِيلَةِ جَادٍ، وَجُولَانَ فِي بَاشَانَ مِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى. هَذِهِ هِيَ المُدُنُ الَّتِي تَمَّ تَعْيِينُهَا لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَالغُرَبَاءِ السَّاكِنِينَ بَيْنَهُمْ لِيَهْرُبَ إلَيْهَا مَنْ قَتَلَ شَخْصًا بِغَيرِ قَصْدٍ، حَتَّى لَا يَقْتُلَهُ القَرِيبُ الَّذِي عَلَيْهِ وَاجِبُ الِانْتِقَامِ مِنَ القَاتِلِ، إلَى أنْ يَقِفَ لِلمُحَاكَمَةِ أمَامَ الجَمَاعَةِ. حِينَئِذٍ أتَى رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ اللَّاوِيِّينَ إلَى ألِعَازَرَ الكَاهِنِ وَيَشُوعَ بْنِ نُونٍ وَرُؤَسَاءِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، وَقَالُوا لَهُمْ فِي شَيلُوهَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ: «أمَرَ اللهُ عَلَى فَمِ مُوسَى بِأنْ تُعطَى لَنَا مُدُنٌ نَسكُنُ فِيهَا مَعَ مَرَاعِيهَا لِأجْلِ حَيَوَانَاتِنَا.» وَبِحَسَبِ أمْرِ اللهِ ، أعْطَى بَنُو إسْرَائِيلَ لِلَّاوِيِّينَ المُدُنَ التَّالِيَةَ مَعَ مَرَاعِيهَا مِنْ أرْضِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَبِإلقَاءِ القُرَعِ، كَانَتِ القُرعَةُ الأُولَى لِعَشَائِرِ القَهَاتِيِّينَ. فَنَالَ القَهَاتِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ نَسْلِ هَارُونَ بِالقُرعَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَدِينَةً مِنْ قَبَائِلِ يَهُوذَا وَشِمعُونَ وَبَنْيَامِينَ. وَأمَّا بَقِيَّةُ القَهَاتِيِّينَ فَنَالُوا بِالقُرعَةِ عَشْرَ مُدُنٍ مِنْ قَبَائِلِ أفْرَايِمَ وَدَانٍ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى. وَنَالَ الجَرْشُونِيُّونَ بِالقُرعَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَدِينَةً مِنْ قَبَائِلِ يَسَّاكَرَ وَأشِيرَ وَنَفْتَالِي وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى الَّذِي فِي بَاشَانَ. وَنَالَ المَرَارِيُّونَ بِعَشَائِرِهِمِ اثنَتَي عَشْرَةَ مَدِينَةً مِنْ قَبَائِلِ رَأُوبَيْنَ وَجَادٍ وَزَبُولُونَ. وَأعْطَى بَنُو إسْرَائِيلَ هَذِهِ المُدُنَ وَمَرَاعِيهَا بِالقُرعَةِ لِلَّاوِيِّينَ كَمَا أمَرَ اللهُ عَلَى فَمِ مُوسَى. مِنْ قَبِيلَتَي يَهُوذَا وَشِمْعُونَ أعْطَوْا المُدُنَ التَّالِيَةَ بِأسمَائِهَا – وَقَدْ كَانَتْ لِنَسْلِ هَارُونَ الَّذِينَ هُمْ إحْدَى عَائِلَاتِ القَهَاتِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا مِنَ اللَّاوِيِّينَ، لِأنَّ القُرعَةَ الأُولَى وَقَعَتْ عَلَيْهِمْ – أعْطَوْهُمْ قَرْيَاتَ أرْبَعَ، الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ الوَاقِعَةَ فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا الجَبَلِيَّةِ وَمَرَاعِيهَا حَوْلَهَا. وَأرْبَعُ هُوَ أبُو عَنَاقَ. وَأمَّا حُقُولُ المَدِينَةِ وَقُرَاهَا فَقَدْ أُعْطِيَتْ لِكَالَبَ بْنِ يَفُنَّةَ مِيرَاثًا لَهُ. وَحَدَّدُوا حَبْرُونَ مَدِينَةَ لُجُوءٍ لِلمُتَّهَمِ بِالقَتلِ، وَلِبْنَةَ وَمَرَاعِيهِمَا، لِنَسْلِ هَارُونَ الكَاهِنِ. بِالإضَافَةِ إلَى يَتِّيرَ وَمَرَاعِيهَا، وَأشْتَمُوعَ وَمَرَاعِيهَا، وَحُولُونَ وَمَرَاعِيهَا، وَدَبِيرَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَينًا وَمَرَاعِيهَا، وَيُطَّةَ وَمَرَاعِيهَا، وَبَيْتَ شَمسٍ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا تِسْعُ مُدُنٍ أُعْطِيَتْ لَهُمْ مِنْ هَاتَيْنِ القَبِيلَتَيْنِ. وَمِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ أعطَوْهُمْ جِبْعُونَ وَمَرَاعِيهَا، وَجَبَعَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَنَاثُوثَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَلْمُونَ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعُ مُدُنٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ كُلِّ المُدُنِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِهَارُونَ وَلِلكَهَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيهَا. أمَّا المُدُنُ المُعطَاةُ بِالقُرْعَةِ لِبَقِيَّةِ عَائِلَاتِ قَهَاتَ اللَّاوِيَّةِ، فَمِنْ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ أخَذُوا شَكِيمَ – وَهِيَ مَدِينَةُ لُجُوءٍ لِلمُتَّهَمِ بِالقَتلِ – وَمَرَاعِيهَا فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ، وَجَازَرَ وَمَرَاعِيهَا، وَقِبْصَايِمَ وَمَرَاعِيهَا، وَبَيْتَ حُورُونَ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعُ مُدُنٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ أخَذُوا إلْتَقَى وَمَرَاعِيهَا، وَجِبَّثُونَ وَمَرَاعِيهَا، وَأيَّلُونَ وَمَرَاعِيهَا، وَجَتَّ رِمُّونَ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعُ مُدُنٍ. وَمِنْ نِصفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى أخَذُوا تَعْنَكَ وَمَرَاعِيهَا، وَجَتَّ رِمُّونَ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا مَدِينَتَانِ. أُعْطِيَتْ كُلَّ هَذِهِ المُدُنِ العَشْرِ وَمَرَاعِيهَا لِبَقِيَّةِ عَائِلَاتِ القَهَاتِيِّينَ. وَأُعْطِيَ الجَرشُونِيُّونَ، وَهُمْ إحْدَى قَبَائِلِ اللَّاوِيِّينَ، المُدُنَ التَّالِيَةَ: مِنْ نِصفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى جُولَانَ فِي بَاشَانَ، وَهِيَ مَدِينَةُ لُجُوءٍ لِلمُتَّهَمِ بِالقَتلِ، مَعَ مَرَاعِيهَا، وَبَعَشْتَرَةَ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا مَدِينَتَانِ. وَمِنْ قَبِيلَةِ يسَّاكِرَ أخَذُوا قِشْيُونَ وَمَرَاعِيهَا، وَدَبْرَةَ وَمَرَاعِيهَا، وَيَرْمُوتَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَينَ جَنِّيمَ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعُ مُدُنٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ أشِيرَ أخَذُوا مِشْآلَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَبْدُونَ وَمَرَاعِيهَا، وَحَلْقَةَ وَمَرَاعِيهَا، وَرَحُوبَ وَمَرَاعِيهَا، وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعُ مُدُنٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي أخَذُوا قَادَشَ وَمَرَاعِيهَا الَّتِي فِي الجَلِيلِ، وَهِيَ مَدِينَةُ لُجُوءٍ لِلمُتَّهَمِ بِالقَتلِ. وَحَمُّوتَ دُورٍ وَمَرَاعِيهَا، وَقَرْتَانَ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثُ مُدُنٍ. فَأخَذَتْ عَائِلَاتُ الجَرْشُونِيِّينَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَدِينَةٍ مَعَ مَرَاعِيهَا. وَأُعْطِيَتْ عَائِلَاتُ المَرَارِيِّينَ، وَهُمُ البَاقُونَ مِنَ اللَّاوِيِّينَ، المُدُنَ التَّالِيَةَ: مِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ يَقْنَعَامَ وَمَرَاعِيهَا، وَقَرْتَةَ وَمَرَاعِيهَا، وَدِمْنَةَ وَمَرَاعِيهَا، وَنَحلَالَ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعُ مُدُنٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ أخَذُوا بَاصَرَ وَمَرَاعِيهَا، وَيَاهَصَ وَمَرَاعِيهَا، وَقَدِيمُوتَ وَمَرَاعِيهَا، وَمَيفَعَةَ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعُ مُدُنٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ جَادٍ أخَذُوا رَامُوثَ الَّتِي فِي جِلعَادَ وَمَرَاعِيهَا – وَهِيَ مَدِينَةُ لُجُوءٍ يَهْرُبُ إلَيْهَا المُتَّهَمُ بِالقَتلِ – وَمَحَنَايِمَ وَمَرَاعِيهَا، وَحَشْبُونَ وَمَرَاعِيهَا، وَيَعْزِيرَ وَمَرَاعِيهَا. وَمَجْمُوعُهَا أرْبَعُ مُدُنٍ. وَكَانَ مَجْمُوعُ المُدُنِ الَّتِي أُعْطِيَتْ بِالقُرعَةِ لِعَائِلَاتِ المَرَارِيِّينَ، وَهُمُ البَاقُونَ مِنْ عَائِلَاتِ لَاوِي، اثنَتَيْ عَشْرَةَ مَدِينَةً. وَكَانَ مَجْمُوعُ مُدُنِ اللَّاوِيِّينَ فِي دَاخِلِ أرَاضِي بَنِي إسْرَائِيلَ ثَمَاني وَأرْبَعِينَ مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيهَا. وَكَانَ لِكُلِّ مَدِينَةٍ مَرَاعِيهَا الَّتِي تُحِيطُ بِهَا. وَهَكَذَا أعْطَى اللهُ لِإسْرَائِيلَ كُلَّ الأرْضِ الَّتِي وَعَدَ بِإعطَائِهَا لِآبَائِهِمْ، فَامتَلَكُوهُا وَسَكَنُوا فِيهَا. وَأعْطَاهُمُ اللهُ رَاحَةً وَأمَانًا مِنْ كَلِّ نَاحِيَةٍ بِحَسَبِ كُلِّ مَا وَعَدَ بِهِ لِآبَائِهِمْ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أيُّ وَاحِدٍ مِنْ أعْدَائِهِمُ الصُّمُودَ أمَامَهُمْ، فَقَدْ نَصَرَهُمُ اللهُ عَلَى كُلِّ أعْدَائِهِمْ. وَلَمْ يَسْقُطْ أيُّ وَعدٍ مِنْ وُعُودِ اللهِ الصَّالِحَةِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، بَلْ تَحَقَّقَتْ جَمِيعُ وُعُودِهِ. حِينَئِذٍ دَعَا يَشُوعُ الرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ وَنِصفَ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، وَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أطَعْتُمْ كُلَّ مَا أمَرَ بِهِ مُوسَى خَادِمُ اللهِ وَأطَعتُمُونِي فِي كُلِّ مَا أمَرْتُكُمْ بِهِ. لَمْ تَتْرُكُوا إخْوَتَكُمْ كُلَّ هَذِهِ الأيَّامِ الكَثِيرَةِ إلَى هَذَا اليَوْمِ، لَكِنَّكُمْ حَفِظْتُمْ وَصِيَّةَ . وَالْآنَ قَدْ أعْطَى إخْوَتَكُمْ رَاحَةً وَأمَانًا كَمَا وَعَدَهُمْ. فَعُودُوا الآنَ إلَى خِيَامِكُمْ فِي أرْضِكُمُ الَّتِي أعْطَاهَا مُوسَى عَبدُ اللهِ لَكُمْ فِي الجِهَةِ الأُخرَى مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. لَكِنِ احْرِصُوا عَلَى طَاعَةِ الوَصِيَّةِ وَالشَّرِيعَةِ الَّتِي أعْطَاهَا مُوسَى خَادِمُ اللهِ لَكُمْ، بِأنْ تُحِبُّوا وَأنْ تَسْلُكُوا فِي طُرُقِهِ وَأنْ تَحْفَظُوا وَصَايَاهُ وَأنْ تَبْقُوا قَرِيبِينَ مِنْهُ وَأنْ تَخْدِمُوهُ وَتَعْبُدُوهُ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَبِكُلِّ نُفُوسِكُمْ.» ثُمَّ بَارَكَهُمْ يَشُوعُ وَأرسَلَهُمْ، فَذَهَبُوا إلَى خِيَامِهِمْ. وَكَانَ مُوسَى قَدْ أعْطَى أرْضَ بَاشَانَ لِنِصفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى. أمَّا النِّصفُ الآخَرُ مِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى فَأعطَاهُمْ أرْضًا مَعَ إخْوَتِهِمْ فِي الجِهَةِ الغَربِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَحِينَ أرسَلَهُمْ يَشُوعُ إلَى خِيَامِهِمْ وَبَارَكَهُمْ، قَالَ لَهُمْ: «عُودُوا إلَى خِيَامِكُمْ بِثَروَةٍ عَظِيمَةٍ وَحَيَوَانَاتٍ كَثِيرَةٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَنُحَاسٍ وحديدٍ وَثِيَابٍ كَثِيرَةٍ. وَتَقَاسَمُوا مَعَ إخْوَتِكُمُ الَّذِينَ مَكَثُوا فِي أرْضِكُمْ غَنِيمَةَ أعْدَائِكُمْ.» فَتَرَكَ الرَأُوبَيْنِيُّونَ وَالجَادِيُّونَ وَنِصفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ لِيَعُودُوا إلَى أرْضِ جِلعَادَ، أرْضِهِمُ الَّتِي امتَلَكُوهَا بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ عَلَى فَمِ مُوسَى. وَحِينَ أتَوْا إلَى جَلِيلُوثَ عِنْدَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ فِي أرْضِ كَنْعَانَ، بَنَى الرَأُوبَيْنِيُّونَ وَالجَادِيُّونَ وَنِصفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى هُنَاكَ مَذْبَحًا كَبِيرًا عِنْدَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَسَمِعَ بَقِيَّةُ بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّ الرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ وَنِصفَ قَبِيلَةِ مَنَسَّى قَدْ بَنَوْا مَذْبَحًا عَلَى حُدُودِ أرْضِ كَنْعَانَ فِي جَلِيلُوثَ قُرْبَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، فِي جِهَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ الغَربِيَّةِ. فلَمَّا سَمِعُ بَنُو إسْرَائِيلَ بِذَلِكَ، اجتَمَعَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ لِيَذْهَبُوا وَيُحَارِبُوهُمْ. وَأرْسَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ الكَاهِنَ فِينْحَاسَ بْنَ ألِعَازَارَ إلَى الرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ وَنِصفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى فِي جِلعَادَ. وَأرسَلُوا مَعَهُ عَشْرَةَ قَادَةٍ، قَائِدًا مِنْ كُلِّ عَشِيرَةٍ فِي إسْرَائِيلَ. فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَئِيسًا فِي قَبِيلَتِهِ وَسَطَ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. فَذَهَبُوا إلَى الرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ وَنِصفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى فِي أرْضِ جِلعَادَ وَقَالُوا لَهُمْ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ كُلُّ شَعْبِ اللهِ : ‹مَا هَذِهِ الخِيَانَةُ الَّتِي خُنْتُمْ بِهَا إلَهَ إسْرَائِيلَ: حِدْتُمُ اليَوْمَ عَنِ اتِّبَاعِ اللهِ ، وَبَنَيتُمْ مَذْبَحًا مُتَمَرِّدِينَ عَلَى اللهِ ؟ ألَمْ تَكُنْ خَطِيَّةُ فَغُورَ كَافِيَةً لَنَا؟ إنَّنَا حَتَّى الآنَ لَمْ نَتَطَهَّرْ مِنْ تِلْكَ الخَطِيَّةِ مَعَ أنَّ وَبَاءً أتَى عَلَى شَعْبِ اللهِ . فَهَلْ تَتْرُكُونَ اللهَ الآنَ؟ إنْ تَمَرَّدْتُمْ عَلَى اللهِ اليَوْمَ، فَإنَّ اللهَ سَيَغْضَبُ غَدًا عَلَى كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ. «‹إنْ كَانَتِ الأرْضُ الَّتِي أخَذْتُمُوهَا نَجِسَةً، فَاعبُرُوا إلَى أرْضِ اللهِ حَيْثُ تُوجَدُ خَيْمَةُ اللهِ ، وَخُذُوا قِسْمًا مِنَ الأرْضِ بَيْنَنَا. لَا تَتَمَرَّدُوا عَلَى اللهِ أوْ عَلَيْنَا بِبِنَائِكُمْ مَذْبَحًا غَيْرَ مَذْبَحِ . ألَمْ يَرْفُضْ عَخَانُ بْنُ زَارَحَ أنْ يُطِيعَ الأمْرَ المُتَعَلِّقَ بِإتلَافِ الغَنِيمَةِ، فَأتَى العِقَابُ عَلَى كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ؟ وَلَمْ يَهْلِكْ هُوَ وَحْدَهُ بِسَبَبِ خَطِيَّتِهِ؟›» فَأجَابَ الرَأُوبَيْنِيُّونَ وَالجَادِيُّونَ وَنِصفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى قَادَةَ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ: «يهوه هُوَ اللهُ العَظيمُ! يهوه هُوَ اللهُ العَظيمُ! هُوَ يَعْلَمُ. وَلْيَعْلَمْ إسْرَائِيلُ أيْضًا! إنْ كُنَّا قَدْ تَمَرَّدْنَا أوْ عَصَيْنَا اللهَ ، فَلَا تُنَجِّنَا اليَوْمَ. وَإنْ كُنَّا قَدْ بَنَينَا لِأنفُسِنَا مَذْبَحًا مُنْحَرِفِينَ عَنْ اتِّبَاعِ اللهِ ، وَلِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ أوْ تَقْدِمَاتِ حُبُوبٍ أوْ ذَبَائِحَ سَلَامٍ، فَلْيُعَاقِبْنَا اللهُ نَفْسُهُ. بَلْ فَعَلنَا ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي، حِينَ يَقُولُ أوْلَادُكُمْ لِأوْلَادِنَا: ‹مَا عَلَاقَتُكُمْ بِاللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ؟ اللهُ وَضَعَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أيُّهَا الرَأُوبَيْنِيُّونَ وَالجَادِيُّونَ! فَلَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ فِي اللهِ .› وَبِهَذَا يُوقِفُ أوْلَادُكُمْ أوْلَادَنَا عَنْ عِبَادَةِ اللهِ . «فَقُلْنَا: ‹فَلْنَعمَلْ شَيْئًا لِأنفُسِنَا، فَلْنَبنِ مَذْبَحًا.› لَيْسَ لِلتَّقْدِمَاتِ أوِ الذَّبَائِحِ، بَلْ لِيَكُونَ شَاهِدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الأجيَالِ الَّتِي سَتَأْتِي بَعدَنَا أنَّنَا سَنَعبُدُ اللهَ فِي حَضْرَتِهِ بِذَبَائِحَ صَاعِدَةٍ وَقَرَابِينَ وَذَبَائِحَ شَرِكَةٍ. فَلَا يَسْتَطِيعَ أوْلَادُكُمْ أنْ يَقُولُوا لِأوْلَادِنَا فِي المُسْتَقْبَلِ: ‹لَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ فِي اللهِ .› وَقُلْنَا: ‹إنْ حَدَثَ هَذَا مَعْنَا أوْ مَعَ أوْلَادِنَا فِي المُسْتَقْبَلِ، سَنَقُولُ لَهُمْ: انْظُرُوا إلَى نَمُوذَجِ مَذْبَحِ اللهِ الَّذِي بَنَاهُ آبَاؤنَا. فَلَيْسَ هُوَ لِلتَّقْدِمَاتِ أوِ الذَّبَائِحِ، بَلْ لِيَكُونَ شَاهِدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ.› «لَنْ نَتَمَرَّدَ عَلَى اللهِ وَنَتَوَقَّفَ اليَوْمَ عَنِ اتِّبَاعِهِ بِبِنَاءِ مَذْبَحٍ لِلتَّقْدِمَاتِ الصَّاعِدَةِ أوْ تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ أوِ الذَّبَائِحِ غَيْرَ مَذْبَحِ الَّذِي أمَامَ خَيمةِ محضرِه.» فَحِينَ سَمِعَ الكَاهِنُ فِينْحَاسُ وَقَادَةُ الشَّعْبِ وَرُؤَسَاءُ العَشَائِرِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ كَلَامَ الرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ وَالمَنَسِّيِّينَ، فَرِحُوا وَاستَرَاحُوا. وَقَالَ الكَاهِنُ فِينْحَاسُ بْنُ ألِعَازَرَ لِلرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ وَالمَنَسِّيِّينَ: «الآنَ نَعْرِفُ أنَّ اللهَ فِي وَسَطِنَا، لِأنَّكُمْ لَمْ تَتَمَرَّدُوا عَلَى اللهِ فِي هَذَا الأمْرِ. قَدْ أنقَذْتُمْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ عِقَابِ اللهِ .» حِينَئِذٍ، عَادَ الكَاهِنُ فِينْحَاسُ بْنُ ألِعَازَارَ وَالقَادَةُ مِنْ عِندِ الرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ فِي أرْضِ جِلْعَادَ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ، وَأخبَرُوهُمْ بِمَا جَرَى بَيْنَهُمْ. وَسَرَّتِ الأخْبَارُ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَسَبَّحُوا اللهَ. وَتَرَاجَعُوا عَنِ الحَرْبِ ضِدَّ الرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ لِتَدْمِيرِ أرْضِهِمْ. وَدَعَا الرَأُوبَيْنِيُّونَ وَالجَادِيُّونَ اسْمَ المَذْبَحِ «شَاهِدٌ،» فَقَدْ قَالُوا: «إنَّ شَاهِدًا بَيْنَنَا حَقًّا. يهوه هُوَ اللهُ حَقًّا.» وَبَعْدَ أيَّامٍ كَثِيرَةٍ مِنْ إعطَاءِ اللهِ رَاحَةً وَأمَانًا لِإسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ أعْدَائِهِمُ المَحِيطِينَ بِهِمْ، وَحِينَ كَانَ يَشُوعُ قَدْ شَاخَ وَتَقَدَّمَ فِي السِّنِّ، استَدْعَى يَشُوعُ جَمِيعَ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ وَقَادَتِهِمْ وَقُضَاتِهِمْ وَالمَسؤُولِينَ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ تَقَدَّمْتُ جَدًّا فِي السِّنِّ، وَقَدْ رَأيْتُمْ بِأنفُسَكُمْ كُلَّ مَا عَمِلَهُ بِكُلِّ هَذِهِ الأُمَمِ مِنْ أجْلِكُمْ. لِأنَّ هُوَ مَنْ حَارَبَ عَنْكُمْ. قَدْ أعْطَيتُكُمْ مِيرَاثًا لِقَبَائِلِكُمْ، أرْضَ هَؤُلَاءِ الأُمَمِ البَاقِيَةِ مَعَ كُلِّ أرْضِ الأُمَمِ الَّتِي هَزَمْتُمُوهَا مِنْ نَهْرِ الأردُنِّ إلَى البَحْرِ فِي الغَرْبِ. بِنَفْسِهِ سَيُبعِدُهُمْ عَنْ طَرِيقِكُمْ وَسَيَطْرُدُهُمْ مِنْ أمَامِكُمْ. وَسَتَأْخُذُونَ أرْضَهُمْ كَمَا وَعَدَكُمْ . «فَكُونُوا ثَابِتِينَ عَلَى العَمَلِ بِكُلِّ مَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي كِتَابِ شَرِيعَةِ مُوسَى. لَا تَحِيدُوا عَنْهَا يَمِينًا أوْ يَسَارًا. لَا تَخْتَلِطُوا مَعَ هَؤُلَاءِ الأُمَمِ البَاقِيَةِ مَعكُمْ، أوْ تَذْكُرُوا أسْمَاءَ آلِهَتِهِمْ أوْ تَحْلِفُوا بِهَا أوْ تَخْدِمُوهَا أوْ تَرْكَعُوا لَهَا. بَلِ اثْبُتُوا فِي طَاعَةِ كَمَا عَمِلْتُمْ إلَى هَذَا اليَوْمِ. «قَدْ طَرَدَ اللهُ مِنْ أمَامِكُمْ أُمَمًا عَظِيمَةً وَقَوِيَّةً، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ الصُّمُودَ أمَامَكُمْ إلَى هَذَا اليَوْمِ. يَهْزِمُ الوَاحِدُ مِنْكُمْ ألْفًا، لِأنَّ هُوَ المُحَارِبُ لِأجْلِكُمْ وَعَنْكُم كَمَا وَعَدَ. فَكُونُوا حَرِيصِينَ عَلَى أنْ تُحِبُّوا . «لَكِنْ إنِ ابْتَعَدْتُمْ وَالتَصَقْتُمْ بِالنَّاجِينَ مِنْ هَذِهِ الأُمَمِ البَاقِيَةِ مَعَكُمْ، وَتَزَوَّجتُمْ مِنْهُمْ وَتَزَوَّجُوا مِنْكُمْ، وَتَعَامَلْتُمْ مَعَهُمْ وَاختَلَطْتُمْ بِهِمْ، فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أنْ تَعْلَمُوا أنَّ لَنْ يَسْتَمِرَّ بِطَردِ هَذِهِ الأُمَمِ مِنْ أمَامِكُمْ. سَيَصِيرُونَ فَخًّا وَشَرَكًا لَكُمْ، وَسَوطًا يَضْرِبُ جَوَانِبَكُمْ، وَأشوَاكًا فِي عُيُونِكُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى أحَدٌ مِنْكُمْ عَلَى هَذِهِ الأرْضِ الَّتِي أعْطَاهَا إلَهُكُمْ لَكُمْ. «وَالْآنَ أنَا قَرِيبٌ مِنَ المَوْتِ. وَأنْتُمْ تَعْرِفُونَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَبِكُلِّ نُفُوسِكُمْ أنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ وَعْدٌ وَاحِدٌ مِنَ الوُعُودِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أعْطَاهَا لَكُمْ. جَمِيعُهَا تَحَقَّقَت، وَلَمْ يَسْقُطْ وَعْدٌ مِنْ وَعُودِهِ. وَكَمَا أنَّ كُلَّ أمرٍ صَالِحٍ وَعَدَكُمْ بِهِ قَدْ تَحَقَّقَ، هَكَذَا أيْضًا سَيَجْلِبُ اللهُ عَلَيْكُمْ كُلَّ الأُمُورِ السَّيِّئَةِ الَّتِي هَدَّدَ بَجَلْبِهَا إلَى أنْ يُهلِكَكُمْ وَيُفنِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأرْضِ الجَيِّدَةِ الَّتِي أعْطَاهَا لَكُمْ. فَإنْ تَعَدَّيتُمْ عَهْدَ الَّذِي أمَرَكُمْ بِهِ، وَذَهَبْتُمْ وَخَدَمْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدْتُمْ لَهَا، فَإنَّ اللهَ سَيَغْضَبُ عَلَيْكُمْ غَضَبًا شَدِيدًا. وَلَنْ يَبْقَى أحَدٌ مِنْكُمْ فِي الأرْضِ الجَيِّدَةِ الَّتِي أعْطَاهَا لَكُمْ.» وَجَمَعَ يَشُوعُ كُلَّ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ فِي شَكِيمَ. وَاستَدْعَى كُلَّ الشُّيُوخِ وَالقَادَةِ وَالقُضَاةِ وَالمَسؤُولِينَ فِي إسْرَائِيلَ، فَأتَوْا وَوَقَفُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ. فَقَالَ يَشُوعُ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «فِي القَدِيمِ سَكَنَ آبَاؤكُمْ، بِمَنْ فِيهِم تَارَحُ أبُو إبْرَاهِيمَ وَنَاحُورَ، فِي الجِهَةِ الأُخرَى مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ، وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى. ثُمَّ أخَذْتُ أبَاكُمْ إبْرَاهِيمَ مِنَ الجِهَةِ الأُخرَى مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ وَقُدتُهُ فِي كُلِّ أرْضِ كَنْعَانَ، وَأعْطَيْتُهُ نَسْلًا كَثِيرًا، وَأعْطَيتُهُ إسْحَاقَ. وَأعْطَيتُ لِإسْحَاقَ وَلَدَيهِ يَعْقُوبَ وَعِيسُوَ. وَأعْطَيْتُ عِيسُوَ مِنْطَقَةِ سَعِيرَ الجَبَلِيَّةَ لِيَمْتَلِكَهَا. أمَّا يَعْقُوبُ وَأبْنَاؤُهُ، فَنَزَلُوا إلَى مِصْرٍ. «ثُمَّ أرسَلْتُ مُوسَى وَهَارُونَ، وَجَلَبْتُ ضِيقًا عَظِيمًا عَلَى مِصْرٍ وَعَلَى شَعْبِهَا بِمَا عَمِلْتُهُ هُنَاكَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أخرَجْتُكُمْ. وَحِينَ أخرَجْتُ آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرٍ أتَيْتُمْ إلَى البَحْرِ، وَطَارَدَ المِصْرِيُّونَ آبَاءَكُمْ بِمَرْكَبَاتٍ وَفُرسَانٍ إلَى البَحْرِ الأحْمَرِ. وَحِينَ صَرَخُوا للهِ طَلَبًا لِلعَونِ، وَضَعَ ظُلْمَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ المِصْرِيِّينَ، وَرَدَّ البَحْرَ عَلَيْهِمْ فَغَطَّاهُمْ. قَدْ رَأتْ عُيُونُكُمْ مَا عَمِلْتُهُ بمِصْرٍ. «وَبَعْدَ أنْ عِشْتُمْ فِي البَرِّيَّةِ زَمَنًا طَوِيلًا، أحْضَرْتُكُمْ إلَى أرْضِ الأمِورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي الجِهَةِ الأُخرَى مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَحَارَبُوكُمْ، وَأعْطَيْتُهُمْ لَكُمْ فَامتَلَكْتُمْ أرْضَهُمِ وَأفنَيتُمُوهُمْ مِنْ أمَامِكُمْ. «ثُمَّ استَعَدَّ المَلِكُ بَالَاقُ بْنُ صِفُّورَ، مَلِكُ مُوآبَ لِيُحَارِبَ إسْرَائِيلَ، فَأرْسَلَ وَدَعَا بِلْعَامَ بْنَ بَعُورَ لِيَلْعَنَكُمْ، لَكِنِّي لَمْ أشَأ أنْ أستَمِعَ لِبَلْعَامَ، وَلِذَا بَارَكْتُكُمْ، وَأنقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِهِ. «وَحِينَ عَبَرْتُمْ نَهْرَ الأُرْدُنِّ وَأتَيْتُمْ إلَى أرِيحَا، حَارَبَكُمْ سُكَّانُ أرِيحَا، كَمَا عَمِلَ الأمُورِيُّونَ وَالفِرِزِّيُّونَ وَالكَنعَانِيُّونَ وَالحِثِّيُّونَ وَالجِرجَاشِيُّونَ وَالحِوِّيُّونَ وَاليَبُوسِيُّونَ، فَأخضَعتُهُمْ لَكُمْ. وَأرسَلْتُ الدَّبَابِيرَ أمَامَكُمْ فَطَرَدُوا مَلِكَيِّ الأمُورِيِّينَ مِنْ أمَامِكُمْ. لَمْ تَطْرُدُوهُمْ بِسُيُوفِكُمْ وَأقوَاسِكُمْ. «أعْطَيْتُكُمْ أرْضًا لَمْ تَعْمَلُوا فِيهَا، وَمُدُنًا لَمْ تَبْنُوهَا فَسَكَنْتُمْ فِيهَا. تَأْكُلُونَ مِنْ كُرُومٍ وَأشْجَارِ زَيْتُونٍ لِمْ تَزْرَعُوهَا.» «وَالْآنَ، اخْشَوْا يهوه وَهَابُوهُ وَاخْدِمُوهُ بِإخْلَاصٍ وَبِأمَانَةٍ. تَخَلَّصُوا مِنَ الآلِهَةِ الَّتِي عَبَدَهَا آبَاؤكُمْ فِي الجِهَةِ الأُخرَى مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ وَفِي مِصْرٍ، وَاخدِمُوا يهوه. «وَإنْ كُنْتُمْ لَا تَرْغَبُونَ فِي خِدْمَةِ يهوه، فَاختَارُوا لِأنفُسِكُمُ اليَوْمَ إلهًا آخَرَ تَخْدِمُونَهُ، سَوَاءٌ مِنَ الآلِهَةِ الَّتِي خَدَمَهَا آبَاؤكُمْ فِي الجِهَةِ الأُخرَى مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ، أمْ مِنْ آلِهَةِ الأمُورِيِّينَ الَّذِينَ تَسْكُنُونَ فِي أرْضِهِمْ. وَأمَّا أنَا وَبَيْتِي فَسَنَخدِمُ يهوه.» فَأجَابَ الشَّعْبُ: «لَنْ نَترُكَ يهوه لِنَعبُدَ آلِهَةً أُخْرَى. فَإلَهُنَا يهوه هُوَ مَنْ أخرَجَنَا وَأخرَجَ آبَاءَنَا مِنْ أرْضِ مِصْرٍ حَيْثُ كُنَّا عَبِيدًا. وَقَدْ عَمِلَ عَجَائِبَ عَظِيمَةً أمَامَ عُيُونِنَا، وَحَمَانَا فِي كُلِّ رِحلَتِنَا وَوَسَطَ كُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي سِرْنَا فِي أرْضِهَا. وَقَدْ طَرَدَ يهوه مِنْ أمَامِنَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ فِي هَذِهِ الأرْضِ، كَالأمُورِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ فِي الأرْضِ. لِذَلِكَ نَحْنُ أيْضًا سَنَخدِمُ يهوه، لِأنَّهُ إلَهُنَا.» فَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: «لَا تَسْتَطِيعُونَ الآنَ أنْ تَخْدِمُوا يهوه لِأنَّهُ إلَهٌ قُدُّوسٌ. إنَّهُ إلَهٌ غَيُّورٌ، وَلَنْ يَغْفِرَ لَكُمْ تَمَرُّدَكُمْ وَخَطَايَاكُمْ. إنْ تَرَكْتُمُ يهوه وَخَدَمْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً، فَإنَّهُ سَيَرْجِعُ وَيَجْلِبُ عَلَيْكُمْ كَوَارِثَ وَيُفنِيكُمْ، حَتَّى بَعْدَ أنْ أحْسَنَ إلَيكُمْ.» فَقَالَ الشَّعْبُ لِيَشُوعَ: «كَلَّا! بَلْ سَنَخدِمُ يهوه.» ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: «أنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى أنْفُسِكُمْ أنَّكُمُ اختَرْتُمُ يهوه لِتَخْدِمُوهُ.» فَقَالُوا: «نَحْنُ شُهُودٌ.» فَقَالَ يَشُوعُ: «تَخَلَّصُوا إذًا مِنَ الآلِهَةِ الغَرِيبَةِ الَّتِي بَيْنَكُمْ. وَأمِيلُوا قُلُوبَكُمْ إلَى يهوه إلَهِ إسْرَائِيلَ.» فَقَالَ الشَّعْبُ لِيَشُوعَ: «سَنَخدِمُ يهوه إلَهَنَا وَنُطِيعُهُ.» فَقَطَعَ يَشُوعُ عَهْدًا مَعَ الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَوَضَعَ لَهُمْ أحكَامًا وَقَوَانِينَ فِي شَكِيمَ. وَكَتَبَ يَشُوعُ هَذَا الكَلَامَ فِي كِتَابِ شَرِيعَةِ اللهِ. وَأخَذَ حَجَرًا كَبِيرًا وَوَضَعَهُ تَحْتَ شَجَرَةِ البَلُّوطِ الَّتِي عِنْدَ خَيْمَةِ يهوه المُقَدَّسَةِ. وَقَالَ يَشُوعُ لِكُلِّ الشَّعْبِ: «سَيَكُونُ هَذَا الحَجَرُ شَاهِدًا عَلَيْنَا، كَأنَّهُ سَمِعَ كَلَامَ يهوه الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إلَينَا. سَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَي لَا تَتَمَرَّدُوا عَلَى إلَهِكُمْ.» ثُمَّ صَرَفَ يَشُوعُ الشَّعْبَ كُلَّ وَاحِدٍ إلَى أرْضِهِ وَمِيرَاثِهِ. وَبَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ، مَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ خَادِمُ اللهِ ، وَلَهُ مِنَ العُمْرِ مِئِةٌ وَعَشْرُ سَنَوَاتٍ. وَدُفِنَ فِي أرْضِهِ فِي تِمْنَةَ سَارَحَ فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ إلَى الشِّمَالِ مِنْ جَبَلِ جَاعَشَ. وَخَدَمَ إسْرَائِيلُ اللهَ وعبدوه طَوَالَ حَيَاةِ يَشُوعَ وَالشُّيُوخِ الَّذِينَ بَقَوْا أحيَاءَ بَعْدَهُ، الَّذِينَ عَرَفُوا وَاختَبَرُوا العَمَلَ الَّذِي عَمِلَهُ اللهُ لِإسْرَائِيلَ. وَدُفِنَتْ عِظَامُ يُوسُفَ الَّتِي أحضَرَهَا بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ فِي شَكِيمَ. فِي الأرْضِ الَّتِي اشتَرَاهَا يَعْقُوبُ بِمِئَةِ قِطعَةٍ مِنَ الفِضّةِ مِنْ أبْنَاءِ حَمُورَ أبِي شَكِيمَ. فَصَارَتْ هَذِهِ الأرْضُ مِلْكًا لِنَسْلِ يَوْسُفَ. وَمَاتَ ألِعَازَارُ بْنُ هَارُونَ. وَدُفِنَ فِي جِبْعَةَ مَدِينَةِ ابنِهِ فِينْحَاسَ، الَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ. بَعْدَ أنْ مَاتَ يَشُوعُ، سألَ بَنُو إسْرَائِيلَ اللهَ : «أيَّةُ قَبِيلَةٍ مِنَّا يَنْبَغِي أنْ تَذْهَبَ أوَّلًا لِتُحَارِبَ الكَنعَانِيِّينَ؟» فَقَالَ اللهُ : «لِتَذْهَبْ قَبِيلَةُ يَهُوذَا أوَّلًا. وَأنَا سَأُعْطيهِمُ الأرْضَ.» فَقَالَ بَنُو يَهُوذَا لِبَنِي شِمْعُونَ أقرِبَائِهِمْ: «تَعَالَوْا مَعَنَا إلَى الأرْضِ الَّتِي قُسِمَتْ لَنَا، وَلنُقَاتِلِ الكَنْعَانِيِّينَ مَعًا. ثُمَّ نَذْهَبُ نَحْنُ مَعَكُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي قُسِمَتْ لَكُمْ.» فَذَهَبَ بَنُو شِمْعُونَ مَعَ بَنِي يَهُوذَا. وَذَهَبَ بَنُو يَهُوذَا، وَمَكَّنَهُمُ اللهُ مِنْ هَزِيمَةِ الكَنْعَانِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ. وَقَتَلُوا عَشْرَةَ آلَافِ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي بَازَقَ. وَوَجَدُوا سَيِّدَ بَازَقَ فِي مَدِينَةِ بَازَقَ، فَحَارَبُوهُ، وَهَزَمُوا الكَنعَانِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ. فَهَرَبَ سَيِّدُ بَازَقَ، وَلَكِنَّهُمْ لَحِقُوا بِهِ، فَأمسَكُوهُ وَقَطَعُوا أبَاهِمَ يَدَيهِ وَرِجلَيهِ. فَقَالَ سَيِّدُ بَازَقَ: «قَطَعْتُ أبَاهِمَ أيَادِي وَأرجُلَ سَبعِينَ مَلِكًا، وَجَعَلْتُهُمْ يَلْتَقِطُونَ فُتَاتَ الطَّعَامِ تَحْتَ مَائِدَتِي. وَهَا قَدْ جَازَانِي اللهُ بِمِثْلِ مَا فَعَلْتُهُ بِهِمْ.» ثُمَّ أخَذُوهُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ حَيْثُ مَاتَ. وَهَاجَمَ بَنُو يَهُوذَا القُدْسَ وَاستَوْلَوْا عَلَيْهَا، وَقَتَلُوا أهْلَهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. ثُمَّ أحرَقُوا المَدِينَةَ. ثُمَّ نَزَلَ بَنُو يَهُوذَا لِمُقَاتَلَةِ الكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ وَالنَّقَبِ وَسُفُوحِ التِّلَالِ الغَربِيَّةِ. وَحَارَبَ بَنُو يَهُوذَا الكَنعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي مَدِينَةِ حَبْرُونَ . وَكَانَتِ حَبْرُونُ تُدعَى سَابِقًا «قَريَةَ أرْبَعَ.» وَهَزَمُوا شِيشَايَ وَأخِيمَانَ وَتِلْمَايَ. وَانطَلَقَ بَنُو يَهُوذَا مِنْ هُنَاكَ لِمُقَاتَلَةِ سُكَّانِ دَبِيرَ الَّتِي كَانَتْ تُدعَى سَابِقًا «قَرْيَةَ سَفَرَ.» ثُمَّ قَالَ كَالَبُ: «مَنْ يُهَاجِمُ قَرْيَاتَ سَفَرَ وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا فَإنِّي سَأُعْطِيهِ ابنَتِي عَكْسَةَ زَوْجَةً لَهُ.» فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ أخُو كَالَبَ، فَأعطَاهُ كَالَبُ ابنَتَهُ عَكْسَةَ زَوْجَةً لَهُ. وَلَمَّا جَاءَتْ إلَى عُثْنِيئِيلَ، حَثَّهَا عَلَى أنْ تَطْلَبَ حَقلًا مِنْ أبِيهَا. فَلَمَّا نَزَلَتْ مِنَ عَلَى الحِمَارِ، قَالَ لَهَا كَالَبُ: «مَا الأمْرُ؟» فَقَالَتْ لَهُ: «امنَحنِي بَرَكَةً. قَدْ أعْطَيْتَنِي أرْضًا جَافَّةً فِي النَّقَبِ، فَأعْطِنِي بِرَكَ مَاءٍ أيْضًا.» فَأعطَاهَا البِرَكَ العُلْيَا وَالسُّفلَى. وَخَرَجَ نَسْلُ القَينِيِّ الَّذِي كَانَ حَمَا مُوسَى مِنْ مَدِينَةِ النَّخلِ، مَعَ بَنِي يَهُوذَا، إلَى بَرِّيَّةِ يَهُوذَا فِي صَحرَاءِ النَّقَبِ قُرْبَ مَدِينَةِ عَرَادَ. ثُمَّ ذَهَبُوا وَاسْتَقَرُّوا بَيْنَ العَمَالِقَةِ. ثُمَّ ذَهَبَ بَنُو يَهُوذَا مَعَ أقرِبَائِهِمْ بَنِي شِمْعُونَ، وَهَزَمُوا الكَنْعَانِيِّينَ فِي مَدِينَةِ صَفَاةَ، وَدَمَّرُوهَا تَدْمِيرًا كَامِلًا. فَدُعِيَتِ المَدِينَةُ «حُرْمَةَ.» وَاستَوْلَى بَنُو يَهُوذَا عَلَى غَزَّةَ وَالأرَاضِي المُحيطَةِ بِهَا، وَعَسْقَلَانَ وَالأرَاضِي المُحيطَةِ بِهَا، وَعَقْرُونَ وَالأرَاضِي المُحيطَةِ بِهَا. وَأعَانَ اللهُ بَنِي يَهُوذَا، فَاسْتَوْلَوْا عَلَى المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أنْ يَطْرُدُوا سُكَّانَ السَّهلِ، لِأنَّهُمْ كَانُوا يَمْلِكُونَ مَرْكَبَاتٍ حَدِيدِيَّةً. وَأُعْطِيَتِ حَبْرُونَ لِكَالَبَ حَسَبَ وَعْدِ مُوسَى. فَطَرَدَ كَالَبُ ثَلَاثَ عَشَائِرَ مِنْ بَنِي عَنَاقَ مِنْ هُنَاكَ. لَكِنَّ بَنِي بَنْيَامِينَ لَمْ يَطْرُدُوا اليَبُوسِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي القُدْسِ. فَظَلَّ اليَبُوسِيُّونَ يَسْكُنُونَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ وَسَطَ بَنِي بَنْيَامِينَ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. وَخَرَجَ بَنُو يُوسُفَ أيْضًا لِلهُجُومِ عَلَى بَيْتِ إيلَ، فَأعَانَهُمُ اللهُ . فَقَدْ أرْسَلَ بَنُو يُوسُفَ رِجَالًا يَسْتَكْشِفُونَ مَدِينَةَ بَيْتِ إيلَ. وَكَانَتِ المَدِينَةُ تُدْعَى سَابِقًا لُوزًا. فَرَأى المُسْتَكْشِفُونَ رَجُلًا خَارِجًا مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالُوا لَهُ: «أرِنَا مَدْخَلًا إلَى المَدِينَةِ، وَسَنُعَامِلُكَ بِالحُسْنَى.» فَأرَاهُمُ الرَّجُلُ مَدْخَلًا إلَى المَدِينَةِ. فَقَتَلُوا أهْلَ المَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ. لَكِنَّهُمْ أطلَقُوا الرَّجُلَ وَجَمِيعَ عَائِلَتَهُ. فَذَهَبَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إلَى أرْضِ الحِثِّيِّينَ وَبَنَى مَدِينَةً أسْمَاهَا لُوزًا. وَهُوَ اسْمُ المَدِينَةِ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. وَلَمْ يَطْرُدْ بَنُو مَنَسَّى سُكَّانَ بَيْتِ شَانَ وَقُرَاهَا، وَتَعْنَكَ وَقُرَاهَا، وَدُورٍ وَقُرَاهَا، وَيِبْلَعَامَ وَقُرَاهَا، وَمَجِدُّو وَقُرَاهَا. فَظَلَّ الكَنْعَانِيُّونَ يَسْكُنُونَ تِلْكَ الأرْضَ. وَلَمَّا قَوِيَ بَنُو إسْرَائِيلَ، جَنَّدُوا الكَنْعَانِيِّينَ عَلَى العَمَلِ عَبِيدًا لَدَيهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَطْرُدُوهُمْ. وَلَمْ يَطْرُد بَنُو أفْرَايِمَ الكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ، فَسَكَنَ الكَنْعَانِيُّونَ بَيْنَهُمْ هُنَاكَ. وَلَمْ يَطْرُدْ بَنُو زَبُولُونَ سُكَّانَ قِطْرُونَ أوْ سُكَّانَ نَهلُولَ، فَسَكَنَ الكَنْعَانِيِّوُّنَ بَيْنَهُمْ، وَأُجْبِرُوا علَى العَمَلِ عَبِيدًا لَدَيهِمْ. وَلَمْ يَطْرُدْ بَنُو آشَرَ سُكَّانَ عَكُّو وَصِيدُونَ وَأحلَبَ وَأكزِيبَ وَحَلْبَةَ وَأفِيقَ وَرَحُوبَ. وَسَكَنَ بَنُو آشَرَ بَيْنَ الكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ سَكَنُوا الأرْضَ، لِأنَّ بَنِي آشَرَ لَمْ يَطْرُدُوهُمْ. وَلَمْ يَطْرُدْ بَنُو نَفْتَالِي سُكَّانَ بَيْتِ شَمْسٍ، أوْ سُكَّانَ بَيْتِ عَنَاةَ، بَلْ سَكَنُوا بَيْنَ الكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ الأرْضَ. فَأُجبِرَ سُكَّانُ بَيْتِ شَمْسٍ وَبَيْتِ عَنَاةَ عَلَى العَمَلِ عَبِيدًا لَدَيهِمْ. وَأجبَرَ الأمُورِيُّونَ بَنِي دَانٍ عَلَى العَوْدَةِ إلَى المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ، وَلَمْ يَسْمَحُوا لَهُمْ بِالنُّزُولِ إلَى السَّهلِ، إذْ كَانَ الأمُورِيُّونَ عَازِمِينَ عَلَى البَقَاءِ فِي جَبَلِ حَارَسَ وَأيَّلُونَ وَشَعَلُبِّيمَ. لَكِنَّ بَنِي يُوسُفَ ازْدَادُوا قُوَّةً وَأجبَرُوا الأمُورِيِّينَ عَلَى العَمَلِ عَبِيدًا لَدَيهِمْ. وَقَدِ امْتَدَّتْ حُدُودُ الأمُورِيِّينَ مِنْ عَقَبَةِ عَقْرَبَ، وَمِنْ سَالَعَ وَمَا وَرَاءَهُمَا مِنْ جِبَالٍ. وَصَعِدَ مَلَاكُ اللهِ مِنْ مَدِينَةِ الجِلْجَالِ إلَى مَدِينَةِ بُوكِيمَ وَقَالَ: «لَقَدْ أصعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرٍ وَأحضَرْتُكُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا آبَاءَكُمْ، وَقُلْتُ: ‹لَنْ أُخلِفَ عَهْدِي مَعَكُمْ أبَدًا،› لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أنْ تَقْطَعُوا أيَّ عَهْدٍ مَعَ سُكَّانِ هَذِهِ الأرْضِ، بَلِ اهدِمُوا مَذَابِحَهُمْ، لَكِنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُونِي، فَسَتَرَوْنَ بَشَاعَةَ مَا فَعَلْتُمْ! «لِهَذَا فَإنِّي أقُولُ الآنَ إنِّي لَنْ أطرُدَهُمْ مِنْ أمَامِكُمْ، بَلْ يَصِيرُونَ أعْدَاءَكُمْ، وَتَصِيرُ آلِهَتُهُمْ مِصْيَدَةً لَكُمْ.» وَلَمَّا تَكَلَّمَ مَلَاكُ اللهِ بِهَذَا الكَلَامِ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ، بَكَى الشَّعْبُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ. فَأسْمَوْا ذَلِكَ المَكَانَ بُوكِيمَ، وَهُنَاكَ قَدَّمُوا ذَبَائِحَ للهِ . ثُمَّ صَرَفَ يَشُوعُ الشَّعْبَ، فَذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى نَصِيبِهِ لِكَي يَمْتَلِكُوا الأرْضَ. وَخَدَمَ الشَّعْبُ اللهَ وعبدوه طَوَالَ حَيَاةِ يَشُوعَ، وَحَيَاةِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ عَاشُوا بَعْدَهُ مِنَ الَّذِينَ عَرَفُوا وَاختَبَرُوا مَا صَنَعَهُ اللهُ مِنْ أجْلِ إسْرَائِيلَ. وَمَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ خَادِمُ اللهِ ، وَكَانَ عُمرُهُ مِئَةً وَعَشرَ سَنَوَاتٍ. وَدُفِنَ فِي أرْضِهِ فِي تِمْنَةَ سَارَحَ الَّتِي فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ إلَى الشِّمَالِ مِنْ جَبَلِ جَاعَشَ. وَبَعْدَ أنْ مَاتَ ذَلِكَ الجِيلُ كُلُّهُ، جَاءَ بَعْدَهُ جِيلٌ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ وَمَا صَنَعَهُ مِنْ أجْلِ إسْرَائِيلَ. وَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ ، إذْ عَبَدُوا البَعلَ، وَهَجَرُوا اللهَ ، إلَهَ آبَائِهِمْ، الَّذِي أخرَجَهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، وَتَبِعُوا آلِهَةً أُخْرَى مِنْ بَيْنِ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَهُمْ، وَسَجَدُوا لَهَا. فَأغْضَبُوا اللهَ ، تَرَكُوا اللهَ ، وَسَجَدُوا لِلبَعلِ وَعَشْتَارُوثَ. فَاشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَسَمَحَ لِلمُغِيرِينَ عَلَيْهِمْ بِأنْ يَنْهَبُوهُمْ. وَجَعَلَ أعْدَاءَهُمْ مِنْ حَوْلِهِمْ يَهْزِمُونَهُمْ. فَلَمْ يَعُودُوا قَادِرِينَ عَلَى الصُّمُودِ أمَامَ أعْدَائِهِمْ. وَكُلَّمَا خَرَجُوا لِلقِتَالِ، كَانَ اللهُ يَجْلِبُ المَصَائِبَ عَلَيْهِمْ، تَمَامًا كَمَا سَبَقَ أنْ حَذَّرَهُمْ بِقَسَمٍ، فَتَضَايَقُوا جِدًّا. وَأقَامَ اللهُ قُضَاةً خَلَّصُوا بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ قَبْضَةِ أعْدَائِهِمُ الَّذِينَ نَهَبُوهُمْ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا حَتَّى إلَى قُضَاتِهِمْ، بَلْ خَانُوا اللهَ وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى. سَرْعَانَ مَا حَادُوا عَنْ الطَّرِيقِ الَّتِي سَارَ فِيهَا آبَاؤُهُمُ الَّذِينَ أطَاعُوا وَصَايَا اللهَ ، فَلَمْ يَتَعَلًّمُوا مِنْهُمْ. وَكُلَّمَا أقَامَ اللهُ لَهُمْ قَاضِيًا، كَانَ اللهُ يُعِينُ القَاضِيَ فَيُخَلِّصَهُمْ مِنْ قَبْضةِ أعْدَائِهِمْ طَوَالَ حَيَاةِ ذَلِكَ القَاضِي. فَقَدْ كَانَ أنِينُهُمْ بِسَبَبِ الَّذِينَ اضْطَهَدُوهُمْ وَظَلَمُوهُمْ يُثِيرُ شَفَقَتَهُ عَلَيْهِمْ. وَلَكِنْ عِنْدَ مَوْتِ القَاضِي، كَانُوا يَرْجِعُونَ وَيَسْلُكُونَ عَلَى نَحوٍ أسوَأ مِنْ آبَائِهِمْ. فَكَانُوا يَتْبَعُونَ وَيَخْدِمُونَ وَيَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى. وَرَفَضُوا أنْ يَتَخَلَّوا عَنْ مُمَارَسَتِهِمْ أوْ سُلُوكِهِمُ العَنِيدِ. فَاشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَقَالَ: «لَقَدْ خَرَقَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ عَهْدِي الَّذِي أمَرْتُ آبَاءَهُمْ بِأنْ يَحْفَظُوهُ، وَلَمْ تُطِعْنِي. وَلِهَذَا فَإنِّي لَنْ أعُودَ أطرُدَ مِنْ أمَامِهِمُ الشُّعُوبَ الَّتِي تَرَكَهَا يَشُوعُ عِنْدَمَا مَاتَ. سَأفْعَلُ هَذَا لِكَي أمتَحِنَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِهِمْ. فَأنَا أُرِيدُ أنْ أرَى إنْ كَانُوا سَيَحْرِصُونَ عَلَى طَاعَةِ أوَامِرِ اللهِ وَوَصَايَاهُ، كَمَا فَعَلَ آبَاؤُهُمْ.» فَسَمَحَ اللهُ لِهَذِهِ الشُّعُوبِ بِأنْ تَبْقَى فِي الأرْضِ، دُونَ أنْ يَطْرُدَهُمْ فَوْرًا. وَلَمْ يُسَاعِدْ يَشُوعَ عَلَى هَزِيمَتِهِمْ. هَذِهِ هِيَ الشُّعُوبُ الَّتِي سَمَحَ لَهَا اللهُ بِأنْ تَبْقَى فِي الأرْضِ لِيَمْتَحِنَ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ لَمْ يَخُوضُوا المَعَارِكَ فِي كَنْعَانَ. فَكَانَ هَذَا لِتَعْلِيمِ فُنُونِ الحَرْبِ لِأجْيَالِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ لَمْ يَخُوضُوا حُرُوبًا مِنْ قَبْلُ. هَذِهِ هِيَ الشُّعُوبُ: المُدُنُ الخَمْسُ لِلفِلِسْطِيِّينَ، وَجَمِيعُ الكَنْعَانِيِّينَ، وَالصَّيدُونِيِّينَ، وَالحِوِّيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ مِنْ لُبْنَانَ، مِنْ جَبَلِ بَعلِ حَرْمُونَ إلَى لِيبُو حَمَاةَ. تَرَكَهُمُ اللهُ هُنَاكَ لِيَمْتَحِنَ بِهِمْ بَنِي إسْرَائِيلَ، أرَادَ أنْ يَرَى إنْ كَانُوا سَيُطِيعُونَ أوَامِرَ اللهِ الَّتِي أمَرَ بِهَا آبَاءَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى. وَهَكَذَا سَكَنَ بَنُو إسْرَائِيلَ بَيْنَ الكَنْعَانِيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَالحُوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ. وَتَزَوَّجُوا مِنْ بَنَاتِ تِلْكَ الشُّعُوبِ، وَزَوَّجُوا بَنَاتِهِمْ مِنْ أبنَائِهِمْ. وَعَبَدُوا آلِهَتَهُمْ! وَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . نَسَوْا ، وَعَبَدُوا البَعلَ وَعَشْتَرُوتَ. فَاشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَسَمَحَ لِكُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ، مَلِكِ أرَامَ النَّهرَينِ بِأنْ يَغْزُوهُمْ. فَخَدَمَ بَنُو إسْرَائِيلَ كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ مُدَّةَ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ، لَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ اسْتَنْجَدُوا بِاللهِ . فَأقَامَ اللهُ مُنقِذًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ خَلَّصَهُمْ، وَكَانَ هَذَا المُنْقِذُ عُثْنِيئِيلَ بْنَ قَنَازَ، أخَا كَالَبَ الأصْغَرَ. حَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَيْهِ، وَعَمِلَ كَقَاضٍ لِإسْرَائِيلَ. وَخَرَجَ إلَى الحَرْبِ، فَأعَانَهُ اللهُ عَلَى كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ مَلِكِ أرَامَ، فَهَزَمَهُ. فَعَمَّ السَّلَامُ الأرْضَ مُدَّةَ أرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ. وَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ مَرَّةً أُخْرَى. فَسَلَّطَ اللهُ عِجلُونَ مَلِكَ مُوآبَ عَلَى إسْرَائِيلَ، لِأنَّهُمْ فَعَلُوا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . فَتَحَالَفَ عِجلُونُ مَعَ الأمُورِيِّينَ وَالعَمَالِقَةِ، وَذَهَبَ وَهَزَمَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى مَدِينَةِ النَّخلِ. فَخَدَمَ بَنُو إسْرَائِيلَ عِجلُونَ مَلِكَ مُوآبَ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً. ثُمَّ اسْتَنْجَدَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِاللهِ ، فَأقَامَ اللهُ مُنْقِذًا لَهُمْ هُوَ إهُودُ بْنُ جِيرَا البَنْيَامِينِيُّ. وَهُوَ رَجُلٌ مُدَرَّبٌ عَلَى اسْتِخْدَامِ يُسْرَاهُ فِي القِتَالِ. فَأرْسَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ إهُودَ لِكَي يُسَلِّمَ هَدِيَّتَهُمْ إلَى عِجلُونَ مَلِكِ مُوآبَ. فَصَنَعَ إهُودُ لِنَفْسِهِ سَيْفًا ذَا حَدَّينِ طُولُهُ نَحْوَ قَدَمٍ وَاحِدَةٍ، وَثَبَّتَهُ عَلَى فَخْذِهِ الأيمَنِ تَحْتَ عَبَاءَتِهِ. ثُمَّ قَدَّمَ الهَدَيَّةَ لِعِجلُونَ مَلِكِ مُوآبَ. وَكَانَ عِجلُونُ رَجُلًا سَمِينًا جِدًّا. وَبَعْدَمَا قَدَّمَ إهُودُ الهَدَيَّةَ، صَرَفَ الرِّجَالَ الَّذِينَ حَمَلُوهَا، أمَّا هُوَ فَرَجِعَ مِنْ عِنْدِ الحِجَارَةِ المَنْحُوتَةِ فِي الجِلْجَالِ، وَقَالَ: «لَدَيَّ رِسَالَةٌ سِرِّيَّةٌ لَكَ أيُّهَا المَلِكُ!» فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: «اسْكُتْ!» ثُمَّ خَرَجَ جَمِيعُ خُدَّامِهِ مِنَ الغُرْفَةِ. بَعْدَ ذَلِكَ، عَادَ إهُودُ إلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنَصَّةِ عَرْشِهِ المُرْتَفِعَةِ. وَقَالَ إهُودُ: «أحْمِلُ إلَيْكَ رِسَالَةً مِنَ اللهِ.» فَلَمَّا قَامَ المَلِكُ عَنِ العَرْشِ، مَدَّ إهُودُ يُسْرَاهُ، وَأخَذَ السَّيْفَ عَنْ فَخْذِهِ الأيمَنِ، وَطَعَنَ بِهِ عِجلُونَ فِي بَطْنِهِ. فَدَخَلَ مِقبَضُ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ، وَأغلَقَ الشَّحْمُ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ طَرَفُ السَّيْفِ مِنَ ظَهْرِهِ، وَلَمْ يَسْحَبْهُ إهُودُ مِنْ بَطْنِهِ. ثُمَّ خَرَجَ إهُودُ مِنْ غُرفَةِ العَرْشِ وَأحكَمَ إغلَاقَ أبْوَابِ القَاعَةِ عَلَى المَلِكِ. ثُمَّ خَرَجَ إهُودُ مِنَ القَاعَةِ، وَجَاءَ خُدَّامُ عِجلُونَ. وَلَمَّا رَأوْا أنَّ أبوَابَ غُرْفَةِ العَرْشِ مُقْفَلَةٌ، قَالُوا: «لَا بُدَّ أنَّهُ يَقْضي حَاجَتَهُ فِي حَمَّامِهِ الخَاصِّ.» فَطَالَ انْتِظَارُهُمْ، وَقَلِقُوا. لَكِنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ أبوَابَ غُرْفَةِ العَرْشِ. فَأخَذُوا المِفْتَاحَ، وَفَتَحُوا البَابَ، فَوَجَدُوا سَيِّدَهُمْ سَاقِطًا مَيِّتًا عَلَى الأرْضِ. أمَّا إهُودُ فَهَرَبَ أثْنَاءَ انْتِظَارِ الخُدَّامِ، وَمَرَّ بَيْنَ الحِجَارَةِ المَنْحُوتَةِ وَهَرَبَ إلَى سَعِيرَةَ. وَلَمَّا وَصَلَ إلَى هُنَاكَ، نَفَخَ فِي البُوقِ فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ، فَنَزَلَ مَعَهُ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنَ المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ، وَكَانَ يَتَقَدَّمُهُمْ. وَقَالَ لَهُمُ: «اتْبَعُونِي، لِأنَّ اللهَ قَدْ نَصَرَكُمْ عَلَى أعْدَائِكُمْ مِنْ بَنِي مُوآبَ.» فَتَبِعُوهُ عَلَى مَعَابِرِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ إلَى مُوآبَ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، قَتَلُوا نَحْوَ عَشْرَةِ آلَافِ رَجُلٍ مُوآبِيٍّ. كَانُوا مُحَارِبِينَ أقوِيَاءَ وَشُجْعَانَ، لَكِنْ لَمْ يَنْجُ أحَدٌ مِنْهُمْ. فَأُخضِعَتْ مُوآبُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لِسَيطَرَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَاسْتَرَاحَتِ الأرْضُ مِنَ الحُرُوبِ ثَمَانِينَ سَنَةً. وَخَلَفَ إهُودَ شَمْجَرُ بْنُ عَنَاةَ، وَقَتَلَ سِتَّ مِئَةِ فِلِسْطِيٍّ بِمِنْخَسِ البَقَرِ، فَأنْقَذَ هُوَ أيْضًا بَنِي إسْرَائِيلَ. وَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ بَعْدَ مَوْتِ إهُودَ. فأسْقَطَهُمُ اللهُ بِيَدِ يَابِينَ مَلِكِ كَنْعَانَ الَّذِي كَانَ يَحْكُمُ فِي حَاصُورَ. وَكَانَ سِيسَرَا الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ فِي حَرُوشَةِ الأُمَمِ قَائِدًا لِجَيْشِ يَابِينَ. فَاسْتَنْجَدَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِاللهِ ، إذْ كَانَتْ لِسِيسَرَا تِسْعُ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ حَدِيدِيَّةٍ. وَقَدِ اضْطَّهَدَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِقَسْوَةٍ مُدَّةَ عِشْرِينَ سَنَةً. وَكَانَتْ دَبُورَةُ، وَهِيَ نَبِيَّةٌ، وَزَوْجَةٌ لِفِيدُوتَ، قَاضِيَةً لِبَنِي إسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. وَكَانَتْ تَجْلِسُ لِلقَضَاءِ تَحْتَ نَخلَةِ دَبُورَةَ بَيْنَ الرَّامَةِ وَبَيْتِ إيلَ فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ، حَيْثُ يأتِي بَنُو إسْرَائِيلَ إلَيْهَا بِقَضَايَاهُمْ. فَأرْسَلَتْ دَبُورَةُ رَسُولًا تَسْتَدْعِي بَارَاقَ بْنَ أبِينُوعَمَ مِنْ قَادَشَ فِي نَفْتَالِي، وَقَالَتْ لَهُ: «هَا قَدْ أمَرَ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، وَقَالَ: ‹اذْهَبْ وَخُذْ مَوْقِعًا عَلَى جَبَلِ تَابُورَ. وَخُذْ مَعَكَ عَشْرَةَ آلَافِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي نَفْتَالِي وَمِنْ بَنِي زَبُولُونَ، سَأجْعَلُ سِيسَرَا، قَائِدَ جَيْشِ يَابِينَ، يَخْرُجُ بِعَرَبَاتِهِ وَقُوَّاتِهِ إلَيْكَ فِي وَادِي قِيشُونَ. وَسَأُعِينُكَ عَلَى هَزيمَتِهِ.›» فَقَالَ لَهَا بَارَاقُ: «إنْ كُنْتِ مُسْتَعِدَّةً أنْ تَذْهَبِي مَعِي، فَسَأذْهَبُ. وَإنْ رَفَضْتِ أنْ تَأْتِي مَعِي، فَلَنْ اذْهَبَ.» فَقَالَتْ: «أنَا آتِيَةٌ مَعَكَ، لَكِنِ اعلَمْ أنَّهُ لَنْ يَكُونَ لَكَ فَخْرٌ فِي السَّبِيلِ الَّذِي تَسِيرُ فِيهِ. إذْ سَيُعِينُ اللهُ امْرأةً عَلَى هَزِيمَةِ سِيسَرَا.» ثُمَّ قَامَتْ دَبُورَةُ وَمَضَتْ مَعَ بَارَاقَ إلَى قَادَشَ. وَاسْتَدْعَى بَارَاقُ قَبِيلَتَي زَبُولُونَ وَنَفْتَالِي إلَى قَادَشَ، وَتَبِعَهُ عَشْرَةُ آلَافِ رَجُلٍ، وَذَهَبَتْ دَبُورَةُ مَعَهُ. وَكَانَ حَابِرُ القَينِيُّ قَدِ انْفَصَلَ عَنْ القَينِيِّينَ الآخَرِينَ، أيْ عَنْ نَسْلِ حُوبَابَ، حَمِي مُوسَى، وَخَيَّمَ حَابِرُ عِنْدَ البَلُّوطَةِ فِي صَعَنَايِمَ القَرِيبَةِ مِنْ قَادَشَ. وَقِيلَ لِسِيسَرَا إنَّ بَارَاقَ بْنَ أبِينُوعَمَ قَدْ صَعِدَ إلَى جَبَلِ تَابُورَ، فَجَمَعَ سِيسَرَا كُلَّ مَرْكَبَاتِهِ، وَهِيَ تِسْعُ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَدَعَى جَمِيعَ القُوَّاتِ الَّتِي تَحْتَ إمْرَتِهِ، مِنْ حَرُوشَةِ الأُمَمِ إلَى نَهْرِ قِيشُونَ. فَقَالَتْ دَبُورَةُ لِبَارَاقَ: «قُمْ! فَهَذَا هُوَ اليَوْمُ الَّذِي سَيُعِينُكَ اللهُ فِيهِ عَلَى هَزِيمَةِ سِيسَرَا. اللهُ يَسيرُ أمَامَكَ بِالفِعْلِ.» فَنَزَلَ بَارَاقُ مِنْ جَبَلِ تَابُورَ، وَتَبِعَهُ عَشْرَةُ آلَافِ رَجُلٍ. وَحِينَمَا هَجَمَ بَارَاقُ، شَتَّتَ اللهُ سِيسَرَا وَمَرْكَبَاتِهِ وَكُلَّ جَيْشِهِ. فَنَزَلَ سِيسَرَا عَنْ مَرْكَبَتِهِ وَهَرَبَ رَكْضًا عَلَى قَدَمَيهِ. وَطَارَدَ بَارَاقُ مَرْكَبَاتِ سِيسَرَا وَجَيْشَهُ حَتَّى حَرُوشَةِ الأُمَمِ، وَقَتَلَ جَيْشَ سِيسَرَا بِالسَّيْفِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أحَدٌ. أمَّا سِيسَرَا فَهَرَبَ عَلَى قَدَمَيهِ إلَى خَيْمَةِ يَاعِيلَ، زَوْجَةِ حَابِرَ القِينِيِّ، فَقَدْ كَانَ هُنَاكَ سَلَامٌ بَيْنَ يَابِينَ مَلِكِ حَاصُورَ وَعَشِيرَةِ حَابِرَ القِينِيِّ. فَخَرَجَتْ يَاعِيلُ لِتُلَاقِي سِيسَرَا، وَقَالَتْ لَهُ: «تَفَضَّلْ هُنَا يَا سَيِّدِي، تَفَضَّلْ عِنْدِي وَلَا تَخَفْ.» فَدَخَلَ خَيْمَتَهَا، وَغَطَّتْهُ بِغَطَاء. فَقَالَ لَهَا: «أعْطِينِي قَلِيلًا مِنَ المَاءِ لِأشْرَبَ، فَأنَا عَطْشَانٌ.» فَفَتَحَتْ وِعَاءَ الحَلِيبِ الجِلْدِيَّ، وَأعْطَتْهُ لِيَشْرَبَ، ثُمَّ غَطَّتْهُ. فَقَالَ لَهَا: «قِفِي فِي مَدْخَلِ الخَيْمَةِ، وَإنْ جَاءَ أحَدٌ وَسَألَكِ: ‹هَلْ مِنْ أحَدٍ هُنَا؟› فَقُولِي: ‹لَا.›» أمَّا يَاعِيلُ زَوْجَةُ حَابِرَ، فَأخَذَتْ وَتَدًا وَمِطرَقَةً فِي يَدِهَا، وَاقْتَرَبَتْ مِنْهُ بِهُدُوءٍ وَهُوَ نَائِمٌ نَومًا عَميقًا بِسَبِبِ تَعَبِهِ، وَدَقَّتِ الوَتَدَ فِي جَانِبِ رَأسِهِ حَتَّى نَفَذَ إلَى الأرْضِ! فَمَاتَ سِيسَرَا. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، وَصَلَ بَارَاقُ الَّذِي كَانَ يُطَارِدُ سِيسَرَا، فَخَرَجَتْ يَاعِيلُ لِتُلَاقِيَهُ، وَقَالَتْ لَهُ: «تَعَالَ، وَسَأُرِيكَ الرَّجُلَ الَّذِي تَبْحَثُ عَنْهُ.» فَدَخَلَ خَيْمَتَهَا، فَإذْ بِسِيسَرَا مُلْقَىً مَيِّتًا، وَالوَتَدُ فِي رَأسِهِ. وَهَكَذَا أخضَعَ اللهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ يَابِينَ، مَلِكَ كَنْعَانَ، لِبَنِي إسْرَائِيلَ. ثُمَّ اشْتَدَّتْ قُوَّةُ بَنِي إسْرَائِيلَ أكْثَرَ فَأكثَرَ عَلَى يَابِينَ، مَلِكِ كَنْعَانَ، إلَى أنْ قَضَوْا عَلَيْهِ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ رَنَّمَتْ دَبُورَةُ وَبَارَاقُ بْنُ أبِينُوعَمَ: «لِأجْلِ اسْتِعْدَادِ بَنِي إسْرَائِيلَ لِلمَعْرَكَةِ، وَتَطَوَّعِ الشَّعْبِ لِلذَّهَابِ إلَى الحَرْبِ، احْمَدُوا اللهَ ! «اسْمَعُوا، أيُّهَا المُلُوكُ! وَانْتَبِهُوا، أيُّهَا الحُكَّامُ! سَأُرَنِّمُ للهِ ، سأُغَنِّي ألْحْانًا للهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ! «يَا اللهُ ، عِنْدَمَا نَزَلْتَ مِنْ جِبَالِ سَعِيرَ، عَنْدَمَا انْطَلَقْتَ مِنْ أرْضِ أدُومَ، اهْتَزَّتِ الأرْضُ، وَالسَّمَاءُ سَكَبَتْ أمطَارَهَا، حَقًّا أمطَرَتِ السُّحُبُ مَاءً. ذَابَتِ الجِبَالُ أمَامَ اللهِ ، حَتَّى جَبَلُ سِينَاءَ ذَابَ أمَامَ اللهِ ، إلَهِ بَنِي إسْرَائِيلَ. «فِي أيَّامِ شَمْجَرَ بْنِ عَنَاةَ، فِي أيَّامِ يَاعِيلَ، تَوَقَّفَتِ القَوَافِلُ، وَسَلَكَ المُسَافِرُونَ طُرُقًا مُلْتَوِيَةً وَمُتَعَرِّجَةً. «تَرَاخَى الحُكَّامُ فِي إسْرَائِيلَ وَسَمُنُوا، إلَى أنْ قُمْتِ يَا دَبُورَةُ، قُمْتِ كَأُمٍّ فِي إسْرَائِيلَ. «اخْتَارَ الشَّعْبُ آلِهَةً جَدِيدَةً، فَاندَلَعَتِ الحَرْبُ عِنْدَ بَوَّابَاتِ المَدِينَةِ. هَلْ كَانَ هُنَاكَ تُرْسٌ أوْ رُمحٌ بَيْنَ أرْبَعِينَ ألْفِ رَجُلٍ فِي إسْرَائِيلَ؟ «قَلْبِي مَعَ قَادَةِ إسْرَائِيلَ، الَّذِينَ انضَمُّوا إلَى الشَّعْبِ، وَلِلحَرْبِ تَطَوَّعُوا. احْمَدُوا اللهَ ! «انْتَبِهُوا يَا مَنْ تَرْكَبُونَ الحَميرَ البَيْضَاءَ، يَا مَنْ تَجْلِسُونَ عَلَى سُرُوجٍ ثَمِينَةٍ، وَيَا مَنْ تَمْشُونَ فِي الطَّرِيقِ، إلَى صَوْتِ مُوَزِّعِي المِيَاهِ بَيْنَ أمكِنَةِ السِّقَايَةِ، يَتَكَلَّمُونَ عَنِ انتِصَارَاتِ اللهِ ، انتِصَارَاتِ جُنُودِ إسْرَائِيلَ. حِينَ نَزَلَ جَيْشُ اللهِ إلَى بَوَّابَاتِ المَدِينَةِ مُنتَصِرًا. «اسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي يَا دَبُورَةُ! اسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! وَرَنِّمِي تَرْنِيمَةً. قُمْ يَا بَارَاقُ! يَا ابْنَ أبِينُوعَمَ، وَخُذْ أسْرَاكَ! «حِينَئِذٍ نَزَلَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ القِلَّةُ لِيُحَارِبُوا الجُنُودَ الأقوِيَاءَ، نَزَلَ جَيْشُ اللهِ مِنْ أجْلِي لِيُقَاتِلُوا المُحَارِبِينَ. «مِنْ أفْرَايِمَ جَاءَ السَّاكِنُونَ فِي تِلَالِ العَمَالِقَةِ، وَتَبِعُوكَ، يَا بَنْيَامِينُ، مَعَ قَوْمِكَ. مِنْ مَاكِيرَ نَزَلَ قَادَةُ جُيُوشٍ لِلمَعْرَكَةِ. وَمَسْؤُولُونَ جَاءُوا مِنْ زَبُولُونَ. زُعَمَاءُ مِنْ يَسَّاكَرَ كَانُوا مَعَ دَبُورَةَ، فَدَعَمَ جَيْشُ يَسَّاكَرَ بَارَاقَ، تَحْتَ إمْرَتِهِ أُرْسِلُوا إلَى الوَادِي. «وَفِي بَنِي رَأُوبَيْنَ جُنُودٌ عِظَامٌ، لَكِنَّهُمْ قَعَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ يَفْعَلُونَ مَا يُحِبُّونَ. فَلِمَاذَا اسْتَنَدْتُمْ عَلَى الحَظَائِرِ؟ ألِسَمَاعِ أنْغَامِ النَّايِ الَّتِي تُعْزَفُ لِلغَنَمِ؟ هَكَذَا قَعَدَ الجُنُودُ العِظَامُ مِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ عَنِ الحَرْبِ مُحْتَارِينَ فِي قُلُوبِهِمْ. وَقَعَدَ بَنُو جِلْعَادَ فِي بُيُوتِهِمْ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَقَبِيلَةُ دَانٍ، لِمَاذَا بَقِيَتْ عِنْدَ السُّفُنِ؟ عِنْدَ سَاحِلِ البَحْرِ بَقِيَتْ، وَخَيَّمَتْ قُرْبَ مَرَافِئِهِ. «أمَّا بَنُو زَبُولُونَ وَنَفْتَالِي فَخَاطَرُوا بِحَيَاتِهِمْ، عَلَى جَوَانِبِ التِّلَالِ المُرْتَفِعَةِ. جَاءَ المُلُوكُ، وَقَاتَلُوا، مُلُوكُ كَنْعَانَ قَاتَلُوا عِنْدَ تَعْنَكَ قُرْبَ جَدَاوِلِ مَجِدُّو، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا مَعَهُمْ غَنَائِمَ فِضَّةٍ. مِنَ السَّمَاءِ، حَارَبَتِ النُّجُومُ مِنْ مَسَارَاتِهَا سِيسَرَا. جَرَفَهُمْ نَهْرُ قِيشُونَ، ذَلِكَ النَّهْرُ القَدِيمُ. فَدُوسِي يَا نَفْسِي بِعِزٍّ. دَقَّتْ حَوَافِرُ الخُيُولِ الأرْضَ، وَهِيَ تَهْرُبُ مُسْرِعَةً. «قَالَ مَلَاكُ اللهِ ، ‹العَنُوا مِيرُوزَ. شَدِّدُوا اللَّعْنَاتِ عَلَى سُكَّانِهَا، العَنُوهُمْ لِأنَّهُمْ لِمْ يَأْتُوا لِنُصْرَةِ اللهِ ، لِنُصْرَةِ اللهِ ضِدَّ المُحَارِبِينَ.› مُبُارَكَةٌ يَاعِيلُ بَيْنَ النِّسَاءِ، يَاعِيلُ، زَوْجَةُ حَابِرَ القِينِيِّ، مُبُارَكَةٌ هِيَ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي الخِيَامِ. طَلَبَ سِيسَرَا مَاءً، فَأعطَتْهُ حَلِيبًا، جَلَبَتْ لَهُ قِشْدَةً فِي إنَاءٍ يَلِيقُ بِالأشْرَافِ. مَدَّتْ يُسْرَاهَا إلَى وَتَدِ خَيْمَةٍ، وَمَدَّتْ يَمِينَهَا إلَى مِطْرَقَةِ العَامِلِ. ضَرَبَتْ سِيسَرَا، فَسَحَقَتْ رَأسَهُ. حَطَّمَتْ رَأسَهُ وَاخْتَرَقَتْهُ. انْهَارَ عِنْدَ قَدَمَيهَا. سَقَطَ وَانْطَرَحَ عَلَى وَجْهِهِ. انهَارَ عِنْدَ قَدَمَيهَا، وَهُنَاكَ سَقَطَ مَيِّتًا! «تَطَلَّعَتْ أُمُّ سِيسَرَا مِنَ النَّافِذَةِ، بَكَتْ وَهِيَ تَتَطَلَّعُ مِنْ شَبَكِ النَّافِذَةِ. فَلِمَاذَا تَأخَّرَتْ مَرْكَبَتُهُ كَثِيرًا فِي الوَصُولِ؟ لِمَاذَا تَأخَّرَتْ أصْوَاتُ مَرْكَبَتِهِ؟ «فَتُجِيبُهَا أحكَمُ نِسَائِهَا، بَلْ هِيَ تُحَاوِلُ أنْ تُقْنِعَ نَفْسَهَا: ‹لَا بُدَّ أنَّهُمْ يَجْمَعُونَ الغَنَائِمَ وَيُوَزِّعُونَهَا: امْرأةً أوِ اثْنَتَيْنِ لِكُلِّ مُحَارِبٍ! ثِيَابًا مَصْبُوغَةً غَنِيمَةً لِسِيسَرَا، ثِيَابًا مُطَرَّزَةً غَنِيمَةً، ثَوبَينِ مَصْبُوغَينِ مُطَرَّزَينِ لِعُنْقِ المُنتَصِرِ.› «لِيَبِدْ هَكَذَا كُلُّ أعْدَائِكَ يَا اللهُ ! وَلَيَكُنْ مُحِبُّوكَ كَالشَّمْسِ فِي قُوَّتِهَا.» وَهَكَذَا اسْتَرَاحَتِ الأرْضُ مِنَ الحَرْبِ مُدَّةَ أرْبَعِينَ سَنَةً. وَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . فَأسقَطَهُمُ اللهُ بِيَدِ المِدْيَانِيِّينَ مُدَّةَ سَبْعِ سَنَوَاتٍ. فَقَوِيَ بَنُو مِدْيَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَبِسَبَبِ المِدْيَانِيِّينَ، اضْطُرَّ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى عَمَلِ مَخَابِئَ لِأنْفُسِهِمْ فِي الجِبَالِ وَالكُهُوفِ وَالأمَاكِنِ المُنعَزِلَةِ. وَكُلَّمَا زَرَعَ بَنُو إسْرَائِيلَ مَحَاصِيلَ، كَانَ بَنُو مِدْيَانَ وَالعَمَالِقَةُ وَالشَّرْقِيُّونَ يَصْعَدُونَ لِلهُجُومِ عَلَيْهِمْ. فَكَانُوا يُخَيِّمُونَ عَلَى أرْضِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَيُدَمِّرُونَ المَحَاصِيلَ إلَى غَزَّةَ. وَلَمْ يَكُونُوا يَتْرُكُونَ لَهُمْ مَا يَعْتَاشُونَ عَلَيْهِ، لَا غَنَمًا وَلَا بَقَرًا وَلَا حَمِيرًا. أتَوْا بِأعْدَادٍ كَبِيرَةٍ كَالجَرَادِ، هُمْ وَعَائِلَاتُهُمْ وَمَوَاشيهِمْ وَحَتَّى خِيَامُهُمْ. فَكَانُوا هُمْ وَجِمَالُهُمْ أكْثَرَ مِنَ أنْ يُحْصَوا. فَيَدْخُلُونَ الأرْضَ وَيُخَرِّبُونَهَا. فَصَارَ بَنُو إسْرَائِيلَ فُقَرَاءَ جِدًّا بِسَبَبِ مِدْيَانَ، وَاسْتَنْجَدُوا بِاللهِ . وَعِنْدَمَا اسْتَنْجَدَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِاللهِ بِسَبَبِ مِدْيَانَ، أرْسَلَ اللهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ نَبِيًّا وَقَالَ لَهُمِ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹أنَا أخرَجْتُكُمْ بِنَفْسِي مِنْ مِصْرٍ، وَأخرَجْتُكُمْ مِنْ ثَكَنَاتِ العَبِيدِ. أنقَذْتُكُمْ مِنْ سَيطَرَةِ المِصْرِيِّينَ، وَمِنْ كُلِّ مُضْطَهِدِيكُمْ هُنَا فِي الأرْضِ. طَرَدْتُهُمْ أمَامَكُمْ، وَأعْطَيْتُكُمْ أرْضَهُمْ. وَقُلْتُ لَكُمْ: أنَا ، لَا تُكْرِمُوا آلِهَةَ الأمُورِيِّينَ الَّذِينَ تَسْكُنُونَ بَيْنَهُمْ. لَكِنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُونِي.›» وَجَاءَ مَلَاكُ اللهِ ، وَجَلَسَ تَحْتَ البَلُّوطَةِ فِي عَفْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ مِلْكًا لِيُوآشَ الأبِيعَزَرِيِّ. وَكَانَ ابْنُهُ جِدْعُونُ يَدْرُسُ القَمْحَ فِي مِعْصَرَةِ العِنَبِ لِكَي يُخْفِيهِ عَنِ المِدْيَانِيِّينَ. وَظَهَرَ مَلَاكُ اللهِ لِجِدْعُونَ، وَقَالَ لَهُ: « اللهُ مَعَكَ أيُّهَا المُحَارِبُ القَدِيرُ.» فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «عَفْوًا يَا سَيِّدِي، لَكِنْ إنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَلِمَاذَا حَدَثَ كُلُّ هَذَا لَنَا؟ وَأينَ كُلُّ أعْمَالِهِ القَدِيمَةِ الَّتِي أخبَرَنَا عَنْهَا آبَاؤُنَا وَقَالُوا: ‹أخرَجَنَا اللهُ مِنْ مِصْرٍ!› فَهَا قَدْ تَرَكَنَا اللهُ ، وَتَرَكَ المِدْيَانِيِّينَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْنَا.» فَالْتَفَتَ إلَيْهِ اللهُ وَقَالَ: «اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هَذِهِ وَأنقِذْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ سَيطَرَةِ مِدْيَانَ، وَهَا أنَا أُرسِلُكَ.» فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «عَفوًا يَا رَبُّ، لَكِنْ كَيْفَ لِي أنْ أُنْقِذَ إسْرَائِيلَ؟ فَهَا عَشِيرَتِي هِيَ الأضْعَفُ فِي قَبِيلَةِ مَنَسَّى، وَأنَا الأقَلُّ أهَمِّيَّةً فِي عَائِلَتِي.» فَقَالَ لَهُ اللهُ : «لَكِنِّي سَأكُونُ مَعَكَ، وَسَتَهْزِمُهُمْ كَمَا لَوْ أنَّهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ!» فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «إنْ كُنْتَ رَاضِيًا عَنِّي، فَأعْطِنِي عَلَامَةً عَلَى أنَّكَ أنْتَ الَّذِي تَتَكَلَّمُ مَعِي. وَلَا تَذْهَبْ حَتَّى أعُودَ إلَيْكَ وَمَعِي تَقْدِمَتِي، وَأضَعَهَا أمَامَكَ.» فَقَالَ: «سَأبقَى حَتَّى تَعُودَ.» فَدَخَلَ جِدْعُونُ إلَى بَيْتِهِ، وَأعَدَّ مِعْزَى صَغِيرَةً. وَخَبَزَ قُفَّةً مِنَ الطَّحِينِ بِلَا خَمِيرَةٍ. وَوَضَعَ اللَّحمَ فِي سَلَّةٍ، وَالمَرَقَ فِي وِعَاءٍ. ثُمَّ أحضَرَهَا إلَيْهِ تَحْتَ البَلُّوطَةِ، وَقَدَّمَهَا لَهُ. فَقَالَ لَهُ مَلَاكُ اللهِ: «خُذِ اللَّحْمَ وَالخُبْزَ غَيْرَ المُخْتَمِرِ، وَضَعْهَا عَلَى هَذِهِ الصَّخرَةِ، ثُمَّ ألقِ المَرَقَ بَعيدًا.» فَفَعَلَ جَدْعُونُ ذَلِكَ. فَمَدَّ مَلَاكُ اللهِ طَرَفَ العَصَا الَّتِي بِيَدِهِ، وَلَمَسَ اللَّحْمَ وَالخُبْزَ غَيْرَ المُخْتَمِرِ، فَصَعِدَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخرَةِ وَالْتَهَمَتِ اللَّحْمَ وَالخُبْزَ. ثُمَّ اخْتَفَى مَلَاكُ اللهِ . فَأدْرَكَ جِدْعُونُ أنَّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ هُوَ مَلَاكُ اللهِ ، فَقَالَ جِدْعُونُ: «وَيلِي أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، فَقَدْ رَأيْتُ مَلَاكَ اللهِ وَجْهًا لِوَجْهٍ.» ثُمَّ قَالَ اللهُ : «سَلَامٌ لَكَ. لَا تَخَفْ. لَنْ تَمُوتَ.» فَبَنَى جِدْعُونُ هُنَاكَ مَذْبَحًا للهِ ، وَأسْمَاهُ: «يهوه سَلَامٌ.» وَلَمْ يَزَلْ هَذَا المَذْبَحُ فِي عَفْرَةَ الَّتِي تَخُصُّ الأبِيعَزَرِيِّينَ. وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ قَالَ لَهُ اللهُ : «خُذْ ثَوْرَ أبِيكَ، أيِ الثَّوْرَ الثَّانِي ذَا السَّنَوَاتِ السَّبْعِ، وَاهدِمْ مَذْبَحَ البَعْلِ الَّذِي يَخُصُّ أبَاكَ، وَاخلَعْ عَمُودَ عَشْتَرُوتَ الَّذِي بِجَانِبِهِ. ثُمَّ ابْنِ مَذْبَحًا مُلَائِمًا عَلَى قِمَّةِ هَذَا الجَبَلِ. وَخُذِ الثَّوْرَ الثَّانِي وَقَدِّمْهُ ذَبِيحَةً عَلَى خَشَبِ عَمُودِ عَشْتَرُوتَ.» فَأخَذَ جِدْعُونُ رَجُلَينِ مِنْ بَيْنِ خُدَّامِهِ وَفَعَلَ كَمَا أمَرَهُ اللهُ . لَكِنَّهُ كَانَ خَائِفًا جِدًّا مِنْ عَائِلَتِهِ وَمِنْ أهْلِ البَلْدَةِ، لِهَذَا لَمْ يَفْعَلْ هَذَا الأمْرَ نَهَارًا بَلْ لَيْلًا. وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ أهْلُ البَلْدَةِ فِي الصَّبَاحِ التَّالِي، دُهِشُوا إذْ رَأوْا مَذْبَحَ البَعْلِ مَهْدُومًا، وَعَمُودَ عَشْتَرُوتَ مَخلُوعًا وَمُلقَىً إلَى جَانِبِهِ. وَدُهِشُوا أيْضًا لِأنَّهُمْ رَأوْا أنَّ الثَّورَ الثَّانِي، قُدِّمَ عَلَى المَذْبَحِ الَّذِي بُنِيَ. فَقَالُوا أحَدُهُمْ لِلآخَرِ: «مَنْ هَدَمَ المَذْبَحَ، وَمَنْ خَلَعَ عَمُودَ عَشتَرُوتَ؟» وَبَعْدَ البَحثِ وَالتَّقَصِّي قِيلَ لَهُمْ: «إنَّ جِدْعُونَ بْنَ يُوآشَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ هَذَا.» فَقَالَ أهْلُ البَلْدَةِ لِيُوآشَ: «أحْضِرِ ابْنَكَ لِكَي نَقتُلَهُ، لِأنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَ البَعْلِ، وَقَطَعَ عَمُودَ عَشْتَرُوتَ.» فَقَالَ يُوآشُ لِكُلِّ الَّذِينَ أحَاطُوا بِهِ: «ألَعَلَّكُمْ تُرِيدُونَ أنْ تُدَافِعُوا عَنِ البَعْلِ؟ ألَعَلَّكُمْ تُرِيدُونَ أنْ تُخَلِّصُوهُ؟ مَنْ يُدَافِعُ عَنْهُ سَيُقْتَلُ قَبْلَ الصَّبَاحِ. إنْ كَانَ إلَهًا حَقًّا، فَلْيُدَافِعْ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَدْ هَدَمَ أحَدُهُمْ مَذْبَحَهُ.» وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ سَمَّى يُوآشُ جِدْعَوْنَ «يَرُبَّعَلَ،» بِمَعْنَى: «لِيُواجِهْهُ البَعلُ إذًا، لِأنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَهُ.» وَاجتَمَعَ المِدْيَانِيُّونَ وَالعَمَالِقَةُ وَأهْلُ الشَّرْقِ مَعًا. فَعَبَرُوا نَهْرَ الأُرْدُنِّ، وَخَيَّمُوا فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ. حِينَئِذٍ، حَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى جِدْعُونَ، فَنَفَخَ البُوقَ، وَدَعَا الأبِيعَزَرِيِّينَ لِيَتْبَعُوهُ. وَأرْسَلَ رُسُلًا عَبْرَ جَمِيعِ الأرَاضِي التَّابِعَةِ لِمَنَسَّى، وَاسْتَدْعَى أيْضًا قَبِيلَةَ مَنَسَّى، وَأرْسَلَ رُسُلًا إلَى قَبَائِلِ آشَرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي، فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِ. فَقَالَ جِدْعُونُ للهِ: «أصَحِيحٌ أنَّكَ تُرِيدُ أنْ تُنْقِذَ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ كَمَا قُلْتَ؟ إنْ كَانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، فَهَا أنَا أضَعُ بَعْضَ الصُّوفِ عَلَى البَيدَرِ. فَإذَا وَجَدْتُ نَدَىً عَلَى الصُّوفِ وَحْدَهُ، وَالأرْضُ كُلُّهَا جَافَّةً مِنْ حَوْلِهِ، حِينَئِذٍ، سَأتَيَقَّنُ أنَّكَ سَتُنْقِذُ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ، كَمَا قُلْتَ.» وَهَذَا مَا حَدَثَ. فَعِنْدَمَا أفَاقَ فِي الصَّبَاحِ التَّالِي، وَعَصَرَ الصُّوفَ، خَرَجَ مِنْهُ مِلءُ وِعَاءٍ مِنَ النَّدَى. فَقَالَ جِدْعُونُ للهِ: «لَا يَشْتَعِلْ غَضَبُكَ مِنِّي إنْ طَلَبْتُ طَلَبًا آخَرَ! أريدُ أنْ أمْتَحِنَ الأمْرَ ثَانِيَةً بِالصُّوفِ. فَلِيَكُنِ الصُّوفُ جَافًّا، وَالنَّدَى يُبَلِّلُ كُلَّ الأرْضِ مِنْ حَوْلِهِ.» وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ، فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ. فَكَانَ الصُّوفُ جَافًّا، وَالنَّدَى عَلَى كُلِّ الأرْضِ مِنْ حَوْلِهِ. وَقَامَ يَرُبَّعَلُ – أيْ جِدْعُونُ – وَكُلُّ جَمَاعَتِهِ الَّذِينَ مَعَهُ بَاكِرًا، وَخَيَّمُوا عَلَى التَّلَّةِ فَوْقَ عَيْنِ حَرُودَ. وَكَانَ مُخَيَّمُ المِدْيَانِيِّينَ إلَى الشِّمَالِ مِنْهُمْ، فِي الوَادِي، إلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنْ تَلَّةِ مُورَةَ. وَقَالَ اللهُ لِجِدْعُونَ: «القُوَّاتُ الَّتِي مَعَكَ هِيَ أكْثَرُ مِنْ مَا أرِيدُ لِهَزِيمَةِ مِدْيَانَ. وَإلَّا فَسَيُمَجِّدُ بَنُو إسْرَائِيلَ أنْفُسَهُمْ أمَامِي فَيَقُولُونَ: ‹لَقَدْ خَلَّصْنَا أنْفُسَنَا بِقُوَّتِنَا.› فَأعلِنْ الآنَ عَلَى مَسَامِعِ الشَّعْبِ وَقُلْ: ‹مَنْ هُوَ خَائِفٌ وَمُرْتَعِدٌ، فَلْيُغَادِرْ جَبَلَ جِلْعَادَ، وَلْيُبْحِرْ مِنْ هُنَا!›» وَهَكَذَا تَرَكَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ ألْفًا جِدْعُونَ، وَعَادُوا إلَى بُيُوتِهِمْ. وَبَقِيَ عَشْرَةُ آلَافِ رَجُلٍ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِجِدْعُونَ: «مَا زَالَتِ القُوَّاتُ كَثِيرَةً جِدًّا، فَانزِلْ بِالرِّجَالِ إلَى المَاءِ، وَهُنَاكَ سَأُغَرْبِلُهُمْ. وَعِنْدَمَا أقُولُ: ‹هَذَا يَذْهَبُ مَعَكَ.› خُذْهُ مَعَكَ. وَعِنْدَمَا أقُولُ: ‹هَذَا لَا يَذْهَبُ مَعَكَ،› فَلَا تَأْخُذْهُ.» فَنَزَلَ جِدْعُونُ بِالرِّجَالِ إلَى المَاءِ. فَقَالَ اللهُ لِجِدْعُونَ: «ضَعْ جَمِيعَ الَّذِينَ يَلْعَقُونَ المَاءَ بِألْسِنَتِهِمْ لَعْقًا كَمَا يَلْعَقُ الكَلْبُ فِي جَانِبٍ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ يَرْكَعُونَ عَلَى رُكَبِهِمْ لِلشُّرْبِ فِي الجَانِبِ الآخَرِ.» فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ غَرَفُوا بِأيدِيهِمْ وَلَعَقُوا المَاءَ ثَلَاثَ مِئَةِ رَجُلٍ. أمَّا جَمِيعُ البَاقِينَ فَقَدْ رَكَعُوا لِيَشْرَبُوا. فَقَالَ اللهُ لِجِدْعُونَ: «سَأُخَلِّصُكُمْ بِالثَّلَاثِ مِئَةِ رَجُلٍ الَّذِينَ غَرَفُوا بِأيدِيهِمْ. وَسَأنْصُرُكُمْ عَلَى مِدْيَانَ. أمَّا البَاقُونَ، فَلْيَذْهَبْ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَيْتِهِ.» فَأخَذَ الثَّلَاثُ مِئَةِ رَجُلٍ زَادَهُمْ وَأبوَاقَهُمْ بِأيدِيهِمْ. وَصَرَفَ جِدْعُونُ بَقِيَّةَ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى خِيَامِهِمْ، وَأبقَى الثَّلَاثَ مِئَةِ رَجُلٍ مَعَهُ. وَكَانَ مُخَيَّمُ المِدْيَانِيِّينَ تَحْتَهُ فِي الوَادِي. وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ قَالَ اللهُ لَهُ: «انْهَضْ! وَانزِلْ حَالًا وَهَاجِمْ المُخَيَّمَ، فَقَدْ ضَمِنْتُ لَكَ أنْ تَنْتَصِرَ عَلَيْهِمْ. لَكِنْ إنْ كُنْتَ خَائِفًا أنْ تَنْزِلَ وَتَهْجُمَ، فَانْزِلْ إلَى المُخَيَّمِ مَعَ فُورَةَ خَادِمِكَ. سَتَسْمَعُ مَا يَقُولُونَ، حِينَئِذٍ، سَتَزدَادُ جَسَارَةً فَتَنْزِلُ وَتُهَاجِمُ المُخَيَّمَ.» فَنَزَلَ جِدْعُونُ وَخَادِمُهُ فُورَةُ إلَى جِوَارِ المُخَيَّمِ. وَكَانَ المِدْيَانِيِّونَ وَالعَمَالِقَةُ وَأهْلُ المَشْرِقِ يُعَسْكِرُونَ عَلَى طُولِ الوَادِي كَالجَرَادِ فِي عَدَدِهِمْ، وَعَدَدُ جِمَالِهِمْ لَا يُحْصَى كَرَملِ الشَّاطِئِ. وَلَمَّا وَصَلَ جِدْعُونُ إلَى المُخَيَّمِ، كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَرْوِي حُلْمًا لِرِفَاقِهِ وَيَقُولُ: «حَلُمْتُ فَرأيتُ رَغِيفَ شَعِيرٍ مُسْتَدِيرٍ يَتَدَحْرَجُ إلَى دَاخِلِ مُخَيَّمِنَا نَحْنُ المِدْيَانِيِّينَ. وَوَصَلَ الرَّغِيفُ إلَى خَيْمَةٍ وَهَاجَمَهَا، فَسَقَطَتْ. قَلَبَهَا رَأسًا عَلَى عَقْبٍ، فَانْهَارَتِ الخَيْمَةُ.» فَأجَابَهُ رَفِيقُهُ: «مَا هَذَا إلَّا سَيفُ جِدْعُونَ بْنِ يُوآشَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَالحُلْمُ يَعْنِي أنَّ اللهَ سَيُعِينُهُ عَلَى هَزِيمَةِ المِدْيَانِيِّينَ وَكُلِّ جَيْشِهِمْ.» فَلَمَّا سَمِعَ جِدْعُونُ الحُلْمَ وَتَفْسِيرَهُ، سَجَدَ للهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مُعَسْكَرِ إسْرَائِيلَ وَقَالَ: «انْهَضُوا! فَقَدْ ضَمِنَ لَكُمُ اللهُ أنْ تَهْزِمُوا كُلَّ جَيْشِ المَدْيَانِيِّينَ.» وَقَسَّمَ الثَّلَاثَ مِئَةِ رَجُلٍ إلَى ثَلَاثِ مَجمُوعَاتٍ، وَسَلَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَدِهِ بُوقًا وَجَرَّةً فَارِغَةً وَمِشْعَلًا دَاخِلَ كُلِّ جَرَّةٍ. وَقَالَ لَهُمْ: «رَاقِبُونِي وَقَلِّدُونِي فِي مَا أفْعَلُ. فَعِنْدَمَا أصِلُ إلَى جِوَارِ المُعَسْكَرِ، افْعَلُوا كَمَا أفْعَلُ. فَحِينَ نَنفُخُ البُوقَ، أنَا وَالَّذِينَ مَعِي، انفُخُوا أنْتُمْ أبوَاقَكُمْ حَوْلَ المُعَسْكَرِ كُلِّهِ، وَقُولُوا: ‹ للهِ وَلِجِدْعُونَ.›» فَذَهَبَ جِدْعُونُ وَالرِّجَالُ الَّذِينَ مَعَهُ إلَى جِوَارِ المُعَسْكَرِ فِي الثُّلثِ الثَّانِي، مُبَاشَرَةً بَعْدَ تَغْيِيرِ الحَرَسِ. وَنَفَخَ هُوَ وَجَمَاعَتُهُ أبوَاقَهُمْ وَكَسَرُوا الجِرَارَ الَّتِي كَانَتْ فِي أيدِيهِمْ. ثُمَّ نَفَخَتِ المَجمُوعَاتُ الثَّلَاثُ أبوَاقَهَا، وَكَسَرَتِ الجِرَارَ. فَكَانُوا يُمْسِكُونَ المَشَاعِلَ بِاليَدِ اليُسْرَى، وَالأبوَاقَ فِي اليُمْنَى لِيَنْفُخُوهَا، وَصَاحُوا: «سَيفٌ للهِ وَلِجِدْعُونَ.» وَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي مَكَانِهِ حَوْلَ المُخَيَّمِ، فَوَثَبَ الجَيْشُ كُلُّهُ، وَصَرَخُوا وَهَرَبُوا. عِنْدَمَا نَفَخَ رِجَالُ جِدْعُونَ الثَّلَاثُ مِئَةٍ أبوَاقَهُمْ، جَعَلَ اللهُ كُلَّ الجَيْشِ المِدْيَانِيِّ يُهَاجِمُونَ أحَدُهُمُ الآخَرَ بِسُيُوفِهِمْ. وَهَرَبَ الجَيْشُ حَتَّى بَيْتِ شِطَّةَ، وَهِيَ بَلْدَةٌ تَقَعُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى صَرَدَةَ، وَحَتَّى حُدُودِ آبَلَ مَحُولَةَ قُرْبَ طَبَّاةَ. وَدُعِيَ رِجَالُ إسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ آشَرَ وَمِنْ كُلِّ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، فَطَارَدُوا المِدْيَانِيِّينَ. وَأرْسَلَ جِدْعُونُ رُسُلًا إلَى كُلِّ أنْحَاءِ مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ وَقَالَ: «انزِلُوا وَهَاجِمُوا المِدْيَانِيِّينَ، وَسَيطِرُوا عَلَى المِيَاهِ حَتَّى بَيْتِ بَارَةَ وَنَهْرِ الأُرْدُنِّ.» فَدُعِيَ كُلُّ رِجَالِ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ، وَاستَوْلَوْا عَلَى المِيَاهِ حَتَّى بَارَةَ وَنَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَأسَرُوا اثنَيْنِ مِنْ قَادَةِ الجَيْشِ المِدْيَانِيِّ، هُمَا غُرَابٌ وَذِئْبٌ. فَقَتَلُوا غُرَابًا عِنْدَ صَخْرَةِ غُرَابٍ، وَقَتَلُوا ذِئْبًا عِنْدَ مِعصَرَةِ ذِئْبٍ. وَاسْتَمَرُّوا فِي مُلَاحَقَةِ المِدْيَانِيِّينَ، وَأحضَرُوا رَأسَي غُرَابٍ وَذِئْبٍ إلَى جِدْعُونَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. ثُمَّ قَالَ الأفرَايِمِيُّونَ لِجِدْعُونَ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتَهُ بِنَا؟ أنْتَ لَمْ تَدْعُنَا عِنْدَمَا ذَهَبْتَ لِمُقَاتَلَةِ المِدْيَانِيِّينَ.» وَجَادَلُوهُ بِغَضَبٍ. فَقَالَ لَهُمْ جِدْعُونُ: «مَا الَّذِي فَعَلْتُهُ بِالمُقَارَنَةِ مَعَكُمْ؟ فَحَتَّى القَلِيلُ الَّذِي فَعَلْتُمُوهُ، أكْثَرُ أهَمِّيَّةً مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَتْهُ قَبِيلَتِي أبِيعَزَرَ. لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ عَلَى قَائِدَيِ جَيْشِ المِدْيَانِيِّينَ، غُرَابٍ وَذِئْبٍ. فَمَا الَّذِي فَعَلْتُهُ بِالمُقَارَنَةِ مَعَكُمْ؟» فَلَمَّا قَالَ هَذَا، هَدَأ غَضَبُهُمْ. عِنْدَمَا وَصَلَ جِدْعُونُ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ، عَبَرَ مَعَ رِجَالِهِ الثَّلَاثِ مِئَةٍ إلَى الجَانِبِ الآخَرِ. كَانُوا مُنْهَكِينَ، غَيْرَ أنَّهُمْ طَارَدُوا العَدُوَّ. فَقَالَ لِأهْلِ سُكُّوتَ: «أرْجُو أنْ تُعطُوا أرغِفَةً مِنَ الخُبْزِ لِلقُوَّاتِ الَّتِي مَعِي، فَقَدْ أعيَاهُمُ الجُوعُ، وَأنَا أُطَارِدُ مَلِكَيِّ المِديَانِيِّينَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ.» لَكِنَّ رُؤَسَاءَ سُكُّوتَ قَالُوا لَهُ: «هَلْ أسَرْتَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ حَتَّى نُعطِي جَيْشَكَ خُبْزًا؟» فَقَالَ جِدْعُونُ: «بِسَبَبِ هَذَا، عِنْدَمَا يُعِينُنِي اللهُ عَلَى القَبْضِ عَلَى زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ، سَأضرِبُ لَحْمَكُمْ بِالأشوَاكِ وَالأغْصَانِ الشَّائِكَةِ.» وَانطَلَقَ مِنْ هُنَاكَ إلَى فَنُوئِيلَ، وَطَلَبَ مِنْهُمُ الأمْرَ نَفْسَهُ، فَأجَابَهُ أهْلُ فَنُوئِيلَ كَمَا أجَابَ أهْلُ سُكُّوتَ. فَقَالَ جِدْعُونُ لِأهْلِ فَنُوئِيلَ: «عِنْدَمَا أعُودُ مُنتَصِرًا، سَأهدِمُ هَذَا البُرْجَ.» وَكَانَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ فِي مَدِينَةِ قَرْقَرَ مَعَ جَيْشِهِمَا البَالِغِ نَحْوَ خَمْسَةَ عَشَرَ ألْفَ رَجُلٍ. وَهُمْ جَمِيعُ الَّذِينَ تَبَقَّوْا مِنْ جَيْشِ أهْلِ المَشْرِقِ. فَقَدْ قُتِلَ مِئَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا مِنْ حَمَلَةِ السُّيُوفِ. وَمَضَى جِدْعُونُ وَرِجَالُهُ وَمَرَّوا بِطَرِيقِ سَاكِنِي الخِيَامِ، إلَى الغَرْبِ مِنْ مَدِينَتَيِّ نُوبَحَ وَيُجْبَهَةَ. وَهَاجَمُوا الجَيْشَ بَغْتَةً. فَهَرَبَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ. فَلَحِقَ بِهِمَا جِدْعُونُ، وَأسَرَ المَلِكَينِ المِدْيَانِيِّينِ، زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ. وَأوقَعَ الذُّعْرَ فِي صُفُوفِ جَيْشِهِمَا. ثُمَّ عَادَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ مِنَ المَعْرَكَةِ مَارًّا بِطَرِيقِ عَقَبَةِ حَارَسَ. وَأمسَكَ بِشَابٍّ مِنْ أهْلِ سُكُّوتَ وَاستَجْوَبَهُ. فَكَشَفَ لِجِدْعُونَ أسْمَاءَ رُؤَسَاءِ سُكَّوتَ، وَكَانُوا سَبعَةً وَسَبعِينَ رَجُلًا. فَجَاءَ جِدْعُونُ إلَى أهْلِ سُكُّوتَ، وَقَالَ لَهُمْ: «هَا هُمَا زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ اللَّذَانِ عَيَّرْتُمُونِي بِهِمَا فَقُلْتُمْ: ‹هَلْ أسَرْتَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ لِكَي نُعطِيَ رِجَالَكَ المُنهَكِينَ خُبْزًا؟›» فَأخَذَ جِدْعُونُ أشوَاكًا بَرِّيَّةً وَأغْصَانًا شَائِكَةً، وَضَرَبَ بِهَا شُيُوخَ مَدِينَةِ سُكُّوتَ. وَهَدَمَ بُرْجَ فَنُوئِيلَ، وَقَتَلَ أهْلَ المَدِينَةِ. وَقَالَ لَزَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ: «مَاذَا عَنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ قَتَلْتُمَاهُمْ عَلَى جَبَلِ تَابُورَ؟» فَقَالَا: «كَانُوا مِثْلَكَ تَمَامًا، بَدَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالأميرِ.» فَقَالَ جِدْعُونُ: «كَانُوا إخْوَتِي أبْنَاءَ أُمِّي. وَأنَا أقُسِمُ باِللهِ الحَيِّ، لَوْ أنَّكُمَا حَافَظْتُمَا عَلَى حَيَاتِهِمْ، مَا كُنْتُ لِأقتُلَكُمَا.» ثُمَّ قَالَ لِبِكرِهِ يَثَرَ: «قُمِ! اقتُلْهُمَا!» لَكِنَّ الوَلَدَ لَمْ يَسْتَلَّ سَيفَهُ لِأنَّهُ كَانَ صَغِيرَ السِنِّ فَخَافَ. فَقَالَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ لِجِدْعُونَ: «قُمْ أنْتَ وَاقتُلْنَا بِنَفْسِكَ! فَالقَويُّ نِدٌّ للقَويَّ.» فَقَامَ جِدْعُونُ وَقَتَلَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ. وَنَزَعَ القَلَائِدَ الهِلَالِيَّةَ الَّتِي عَلَى أعْنَاقِ جِمَالِهِمَا. حِينَئِذٍ، قَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِجِدْعُونَ: «احكُمْنَا أنْتَ وَابْنُكَ وَحَفِيدُكَ. فَقَدْ خَلَّصْتَنَا مِنْ سَيطَرَةِ المِدْيَانِيِّينَ.» فَقَالَ جِدْعُونُ لَهُمْ: «لَنْ أحكُمَكُمْ لَا أنَا وَلَا ابْنِي، فَاللهُ هُوَ الَّذِي سَيَحْكُمُكُمْ.» ثُمَّ قَالَ جِدْعُونُ لَهُمْ: «فَلْيُعطِنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حَلَقًا غَنِمَهُ فِي القِتَالِ.» فَقَدْ كَانَتْ لِلعَدُوِّ أحلَاقٌ ذَهَبِيَّةٌ إذْ كَانُوا إسْمَاعِيلِيِّينَ. فَقَالُوا لَهُ: «سَنُعطِيكَ مَا تُرِيدُ.» فَفَرَشُوا ثَوْبًا وَرَمَى كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ حَلَقًا غَنِمَهُ فِي القِتَالِ. فَكَانَ وَزْنُ الأحلَاقِ الذَّهَبِيَّةِ الَّتِي طَلَبَهَا نَحْوَ ألْفٍ وَسَبْعَ مِئَةِ مِثْقَالٍ. هَذَا عَدَا القَلَائِدِ الهِلَالِيَّةِ وَالجَوَاهِرِ الدَّمعِيَّةِ وَالأثوَابِ الأرْجُوانِيَّةِ لِمُلُوكِ مِدْيَانَ، وَالقَلَائِدِ الَّتِي تُوضَعُ عَلَى أعْنَاقِ الجِمَالِ. فَصَنَعَ جِدْعُونُ مِنْ هَذَا الذَّهَبِ تِمثَالًا لَابِسًا ثَوْبًا كَهَنُوتِّيًا، وَعَلَّقَهُ فِي مَدِينَتِهِ عَفْرَةَ. وَخَانَ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ اللهَ، وَعَبَدُوا هَذَا التِّمثَالَ هُنَاكَ، فَصَارَ فَخًّا لِجِدْعُونَ وَأهْلِ بَيْتِهِ. وَخَضَعَ المِدْيَانِيُّونَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَعُودُوا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ! فَاسْتَرَاحَتِ الأرْضُ مِنَ الحُرُوبِ مُدَّةَ أرْبَعِينَ سَنَةً، طَوَالَ حَيَاةِ جِدْعُونَ. وَذَهَبَ يَرُبَّعَلُ بْنُ يُوآشَ لِيَسْكُنَ فِي بَيْتِهِ. أنْجَبَ جِدْعُونُ سَبعِينَ ابْنًا، فَقَدْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَاتٌ كَثِيرَاتٌ. وَأنْجَبَتْ لَهُ جَارِيَتُهُ الَّتِي فِي شَكِيمَ ابْنًا، فَسَمَّاهُ أبِيمَالِكَ. وَمَاتَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ شَيخًا، وَدُفِنَ فِي ضَرِيحِ يُوآشَ أبِيهِ فِي عَفْرَةَ، بَلْدَةِ الأبِيعَزَرِيِّينَ. وَمَا إنْ مَاتَ جِدْعُونُ حَتَّى تَرَاجَعَ بَنُو إسْرَائِيلَ، وَخَانُوا اللهَ بِأنْ عَبَدُوا البَعلَ. وَاتَّخَذُوا مِنْ بَعلِ بَرِيثَ إلَهًا لَهُمْ. فَنَسِيَ بَنُو إسْرَائِيلَ الَّذِي أنقَذَهُمْ مِنْ سَيطَرَةِ كُلِّ أعْدَائِهِمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. وَلَمْ يُظهِرُوا وَلَاءً لِعَائِلَةِ يَرُبَّعَلَ لِقَاءَ كُلِّ مَا صَنَعَهُ مِنْ خَيرٍ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَذَهَبَ أبِيمَالِكُ بْنُ يَرُبَّعَلَ إلَى شَكِيمَ، إلَى أخوَالِهِ، وَقَالَ لَهُمْ وَلِكُلِّ القَبِيلَةِ الَّتِي تَنْتَمِي إلَيْهَا أُمُّهُ: «اسألِي كُلَّ سَادَةِ شَكِيمَ: ‹أيُّهُمَا أفْضَلُ لَكُمْ: أنْ يَحْكُمَكُمْ أبْنَاءُ يَرُبَّعَلَ السَّبعُونَ، أمْ أنْ يَحْكُمَكُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ؟› وَتَذَكَّرُوا أنَّنِي مِنْ لَحْمِكُمْ وَدَمِكُمْ.» فَنَقَلَ أخوَالُهُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ نِيَابَةً عَنْهُ إلَى سَادَةِ شَكِيمَ، فَقَرَّرُوا أنْ يَتْبَعُوا أبِيمَالِكَ، إذْ قَالُوا: «إنَّهُ قَرِيبُنَا.» وَأعْطَوْهُ سَبعِينَ قِطعَةً فِضِّيَّةً مِنْ هَيْكَلِ بَعلِ بَرِيثَ. فَاسْتَأْجَرَ أبِيمَالِكُ بِهَا رِجَالًا أدْنِيَاءَ، فَتَبِعُوهُ. وَذَهَبَ إلَى بَيْتِ أبِيهِ فِي عَفْرَةَ، وَقَتَلَ إخْوَتَهُ أبْنَاءَ يَرُبَّعَلَ السَّبْعِينَ عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ. أمَّا يُوثَامُ، الِابْنُ الأصْغَرُ لِيَرُبَّعَلَ، فَقَدِ اخْتَبَأ فَنَجَا. حِينَئِذٍ، اجْتَمَعَ كُلُّ سَادَةِ شَكِيمَ وَكُلُّ سُكَّانِ مِلُّو وَبَايَعُوا أبِيمَالِكَ مَلِكًا عِنْدَ بَلُّوطَةِ العَمُودِ فِي شَكِيمَ. وَعِنْدَمَا عَلِمَ يُوثَامُ بِهَذَا، ذَهَبَ وَوَقَفَ عَلَى جَبَلِ جِرِزِّيمَ، وَصَرَخَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: «اسْتَمِعُوا إلَيَّ يَا سَادَةَ شَكِيمَ، وَلْيَسْتَمِعِ اللهُ إلَى جَوَابِكُمْ. «ذَهَبَتِ الأشْجَارُ لِتَختَارَ لَهَا مَلِكًا، فَقَالُوا لِشَجَرَةِ الزَّيْتُونِ: ‹كُونِي مَلِكَةً عَلَيْنَا.› «فَقَالَتْ شَجَرَةُ الزَّيْتُونِ لِلأشْجَارِ: ‹أأُوقِفُ إنْتَاجَ زَيْتِي الغَنِيَّ الَّذِي تُكَرَّمُ بِهِ الآلِهَةُ وَالبَشَرُ لِكَي أملُكَ عَلَى الأشْجَارِ؟› «فَذَهَبَتِ الأشْجَارُ إلَى التِّينَةِ وَقَالَتْ: ‹تَعَالَيْ وَكُونِي مَلِكَةً عَلَيْنَا.› «لَكِنَّ التِّينَةَ قَالَتْ لِلأشْجَارِ: ‹أأُوقِفُ إنْتَاجَ ثَمَرِي الجَيِّدَ الحُلْوَ لِكَي أملُكَ عَلَى الأشْجَارِ؟› «فَقَالَتِ الأشْجَارُ لِلكَرْمَةِ: ‹تَعَالَيْ أنْتِ وَكُونِي مَلِكَةً عَلَيْنَا.› «لَكِنَّ الكَرمَةَ قَالَتْ لِلأشْجَارِ: ‹أأُوقِفُ إنْتَاجَ خَمرِي الَّذِي يُفرِحُ الآلِهَةَ وَالبَشَرَ لِكَي أملُكَ عَلَى الأشْجَارِ؟› «فَقَالَتْ كُلُّ الأشْجَارِ لِلشَجَرَةِ الشَّائِكَةِ: ‹تَعَالَيْ أنْتِ وَكُونِي مَلِكَةً عَلَيْنَا.› «فَقَالَتِ الشَّجَرَةُ الشَّائِكَةُ لِلأشْجَارِ: ‹إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ حَقًّا أنْ أكُونَ مَلِكَةً عَلَيكُنَّ، فَهَيَّا وَاحتَمِينَ فِي ظِلِّي، وَإلَّا، فَلتَخْرُجْ نَارٌ مِنِّي وَلْتَلْتَهِمْ أرزَ لُبْنَانَ.› «وَالْآنَ، هَلْ تَصَرَّفتُمْ بِإخْلَاصٍ كَامِلٍ عِنْدَمَا جَعَلْتُمْ أبِيمَالِكَ مَلِكًا؟ وَهَلْ تَعَامَلْتُمْ بِإنصَافٍ مَعَ يَرُبَّعَلَ وَعَائِلَتِهِ؟ وَهَلْ عَامَلْتُمُوهُ كَمَا تَسْتَحِقُّ أعْمَالُهُ؟ إذْ تَذْكُرُونَ أنَّ أبِي قَاتَلَ مِنْ أجْلِكُمْ، مُخَاطِرًا بِحَيَاتِهِ، وَقَدْ أنقَذَكُمْ مِنْ سَيطَرَةِ المِديَانِيِّينَ. لَكِنَّكُمْ ثُرْتُمْ عَلَى عَائِلَةِ أبِي اليَوْمَ، وَقَتَلْتُمْ أبْنَاءَهُ، سَبعِينَ رَجُلًا، عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ، وَجَعَلْتُمْ أبِيمَالِكَ، ابْنَ جَارِيَتِهِ، مَلِكًا عَلَى سَادَةِ شَكِيمَ لِأنَّهُ قَرِيبُكُمْ. فَإنْ كُنْتُمْ تَصَرَّفتُمْ بِإخْلَاصٍ كَامِلٍ مَعَ يَرُبَّعَلَ وَعَائِلَتِهِ اليَوْمَ، فَافرَحُوا بِأبِيمَالِكَ، وَلْيَفْرَحْ هُوَ أيْضًا بِكُمْ. وَإلَّا، لِتَخْرُجْ نَارٌ مِنْ أبِيمَالِكَ وَتَحْرِقْ سَادَةَ شَكِيمَ وَسَكَّانَ القَلْعَةِ. وَلْتَخْرُجْ نَارٌ مِنْ سَادَةِ شَكِيمَ وَمِنْ سَكَّانِ القَلْعَةِ، وَلْتَحْرِقْ أبِيمَالِكَ.» ثُمَّ رَكَضَ يُوثَامُ هَارِبًا، وَذَهَبَ إلَى بِئْرَ. وَبَقِيَ هُنَاكَ لِأنَّهُ كَانَ خَائِفًا مِنْ أخِيهِ أبِيمَالِكَ. وَحَكَمَ أبِيمَالِكُ بَنِي إسْرَائِيلَ مُدَّةَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ. لَكِنَّ اللهَ أرْسَلَ رُوحَ عَدَاوَةٍ بَيْنَ أبِيمَالِكَ وَسَادَةِ شَكِيمَ، فَتَمَرَّدَ سَادَةُ شَكِيمَ عَلَى أبِيمَالِكَ. حَدَثَ هَذَا لِكَي يَجْعَلَ اللهُ أبِيمَالِكَ يَدْفَعُ ثَمَنَ عُنفِهِ مَعَ أبْنَاءِ يَرُبَّعَلَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ، وَلِكَي يَدْفَعَ سَادَةُ شَكِيمَ ثَمَنَ تَشْجِيعِهِمْ لَهُ عَلَى قَتلِ إخْوَتِهِ. فَكَمَنَ سَادَةُ شَكِيمَ لَهُ عَلَى قِمَمِ الجِبَالِ. وَكَانُوا يَسْلُبُونَ كَلَّ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ عَلَى الطَّرِيقِ. فَوَصَلَتْ هَذِهِ الأخْبَارُ إلَى أبِيمَالِكَ. وَعِنْدَمَا انتَقَلَ جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ مَعَ إخْوَتِهِ إلَى شَكِيمَ، وَثِقَ بِهِ سَادَةُ شَكِيمَ. وَخَرَجُوا إلَى الحُقُولِ، وَقَطَفُوا العِنَبَ مِنْ كُرُومِهِمْ، وَعَصَرُوهُ فِي المِعْصَرَةِ، وَاحْتَفَلُوا فِي هَيْكَلِ إلَهِهِمْ، وَأكَلُوا وَشَرِبُوا وَهَزِئُوا بِأبِيمَالِكَ. وَقَالَ جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ: «مَنْ هُوَ أبِيمَالِكُ، حَتَّى نَخْدِمَهُ نَحْنُ أهْلَ شَكِيمَ؟ ألَيْسَ هُوَ ابْنُ يَرُبَّعلَ، أوَلَيْسَ زَبُولُ هُوَ المَسؤُولُ عِنْدَهُ؟ اخدِمُوا رِجَالَ حَمُورَ، أبِي شَكِيمَ. فَلِمَاذَا نَخدِمُ أبِيمَالِكَ؟ لَيْتَ هَؤُلَاءِ النَّاسَ تَحْتَ إمرَتِي، فَأُزِيلَ أبِيمَالِكَ. كُنْتُ سَأقُولُ لَهُ: ‹جَهِّزْ جَيْشَكَ وَاخرُجْ لِلقِتَالِ.›» فَسَمِعَ زَبُولُ حَاكِمُ المَدِينَةِ كَلَامَ جَعَلَ بْنِ عَابِدٍ هَذَا، فَاشتَعَلَ غَضَبُهُ. وَأرْسَلَ رُسُلًا إلَى أبِيمَالِكَ فِي مَدِينَةِ أرُومَةَ، بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ: «هَا قَدْ جَاءَ جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ وَإخْوَتُهُ إلَى شَكِيمَ، وَهُمْ يُثيرُونَ المَدِينَةَ ضِدَّكَ. فَالآنَ، قُمْ أثْنَاءَ اللَّيلِ، أنْتَ وَجَمَاعَتُكَ، وَاكْمُنُوا فِي الحُقُولِ. ثُمَّ فِي الصَّبَاحِ، عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، تَتَحَرَّكُ وَتَنْدَفِعُ وَتُهَاجِمُ المَدِينَةَ، وَعِنْدَمَا يَخْرُجُ هُوَ وَالقُوَّاتُ الَّتِي مَعَهُ لِلهُجُومِ عَلَيْكَ، افْعَلْ بِهِمْ مَا شِئْتَ.» فَقَامَ أبِيمَالِكُ وَجَمَاعَتُهُ لَيْلًا، وَكَمُنُوا قُرْبَ شَكِيمَ فِي أرْبَعِ مَجْمُوعَاتٍ. ثُمَّ خَرَجَ جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ وَوَقَفَ فِي مَدْخَلِ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ. حِينَئِذٍ، قَامَ أبِيمَالِكُ وَجَمَاعَتُهُ مِنْ مَكَانِهِمْ. فَلَمَّا رَأى جَعَلُ القُوَّاتَ قَالَ لِزَبُولَ: «هَا هُمْ رِجَالٌ يَنْزِلُونَ مَنْ قِمَمِ التِّلَالِ.» فَقَالَ لَهُ زَبُولُ: «أنْتَ تَرَى ظِلَالَ التِّلَالِ فَتَحْسَبُهَا رِجَالًا!» فَتَكَلَّمَ جَعَلُ ثَانِيَةً وَقَالَ: «هَا هُمْ يَنْزِلُونَ مِنْ قِمَّةِ الأرْضِ. وَهَا جَمَاعَةٌ قَادِمَةٌ مِنْ بَلُّوطَةِ العَرَّافِينَ.» فَقَالَ لَهُ زَبُولُ: «فَأينَ إذًا فَمُكَ الجَسُورُ الَّذِي قَالَ: ‹مَنْ هُوَ أبِيمَالِكَ لِكَي نَخدِمَهُ؟› ألَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ القُوَّاتُ الَّتِي هَزِئْتَ بِهَا؟ فَاذْهَبِ الآنَ وَقَاتِلْهُمْ.» فَخَرَجَ جَعَلُ فِي مُقَدِّمَةِ سَادَةِ شَكِيمَ، وَقَاتَلَ أبِيمَالِكَ، فَطَارَدَهُ أبِيمَالِكُ. وَهَرَبَ جَعَلُ أمَامَهُ عَائِدًا إلَى المَدِينَةِ. وَسَقَطَ كَثِيرُونَ قَتلَى عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ إلَى بَوَّابَاتِ المَدِينَةِ. فَعَسْكَرَ أبِيمَالِكُ عَلَى أرُومَةَ، وَمَنَعَ زَبُولُ جَعَلَ وَإخوَتَهُ مِنَ العَودَةِ إلَى شَكِيمَ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي خَرَجَ الشَّعْبُ إلَى الحُقُولِ، فَوَصَلَ خَبَرُ ذَلِكَ إلَى أبِيمَالِكَ. فَأخَذَ جَمَاعَتَهُ وَقَسَّمَهُمْ إلَى ثَلَاثِ مَجمُوعَاتٍ، وَكَمُنَ فِي الحُقُولِ. وَلَمَّا نَظَرَ وَرَأى الشَّعْبَ خَارِجًا مِنَ المَدِينَةِ، قَامَ وَهَاجَمَهُمْ. اندَفَعَ أبِيمَالِكُ وَجَمَاعَتُهُ إلَى الأمَامِ، وَوَقَفُوا عِنْدَ مَدْخَلِ المَدِينَةِ، وَاندَفَعَتِ المَجمُوعَتَانِ الأُخرَيَانِ نَحْوَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الحُقُولِ وَهَاجَمَتَاهُمْ. وَحَارَبَ أبِيمَالِكُ المَدِينَةَ طَوَالَ النَّهَارِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى المَدِينَةِ وَهَاجَمَ النَّاسَ الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا، ثُمَّ دَمَّرَ المَدِينَةَ وَنَثَرَ عَلَيْهَا مِلْحًا. فَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ سَادَةِ بُرجِ شَكِيمَ هَذَا الخَبَرَ، ذَهَبُوا إلَى قَلْعَةِ هَيْكَلِ إيلِ بِرِيثَ. فَقِيلَ لِأبِيمَالِكَ إنَّ كُلَّ سَادَةِ بُرجِ شَكِيمَ اجتَمَعُوا مَعًا. فَصَعِدَ أبِيمَالِكُ إلَى جَبَلِ صَلْمُونَ، هُوَ وَجَمَاعَتُهُ الَّذِينَ مَعْهُ. وَأخَذَ أبِيمَالِكُ فُؤُوسًا مَعَهُ، وَقَطَعَ حُزْمَةً مِنَ الخَشَبِ، وَرَفَعَهَا وَوَضَعَهَا عَلَى كَتِفِهِ، ثُمَّ قَالَ لِجَمَاعَتِهِ الَّذِينَ مَعَهُ: «افْعَلُوا بِسُرْعَةٍ مَا رَأيْتُمُونِي أفْعَلُهُ!» فَقَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَمَاعَتِهِ حُزْمَةً مِنَ الخَشَبِ، وَتَبِعُوا أبِيمَالِكَ، وَوَضَعُوا الخَشَبَ عَلَى قَلْعَةِ الهَيْكَلِ، وَأحرَقُوا القَلْعَةَ عَلَى مَنْ فِيهَا بِالنَّارِ. وَمَاتَ أيْضًا كُلُّ سُكَّانِ بُرجِ شَكِيمَ، وَكَانُوا نَحْوَ ألْفِ رَجُلٍ وَامْرَأةٍ. ثُمَّ ذَهَبَ أبِيمَالِكُ إلَى تَابَاصَ، وَحَاصَرَهَا وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا. لَكِنْ كَانَ هُنَاكَ بُرجٌ قَوِيٌّ دَاخِلَ المَدِينَةِ، فَهَرَبَ إلَيْهِ كُلُّ رِجَالِ المَدِينَةِ وَنِسَائِهَا وَأسيَادِهَا، وَأغلَقُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ هُنَاكَ، وَصَعِدُوا إلَى سَطْحِ البُرجِ. فَجَاءَ أبِيمَالِكُ إلَى البُرجِ وَهَاجَمَهُ، وَاقْتَرَبَ مِنْ مَدْخَلِ البُرجِ لِكَي يُحْرِقَهُ، لَكِنَّ امْرأةً ألقَتْ بِالجُزءِ العُلوِيِّ مِنْ حَجَرِ رَحَى عَلَى رَأسِ أبِيمَالِكَ، فَسَحَقَتْ جُمجُمَتَهُ. لَكِنَّهُ دَعَا فَوْرًا خَادِمَهُ الَّذِي يَحْمِلُ دِرعَهُ، وَقَالَ لَهُ: «اسْتَلَّ سَيفَكَ وَاقتُلْنِي، لِئِلَّا يَقُولَ النَّاسُ عَنِّي: ‹قَتَلَتْهُ امْرأةٌ!›» فَطَعَنَهُ خَادِمُهُ وَقَتَلَهُ. وَلَمَّا رَأى بَنُو إسْرَائِيلَ أنَّ أبِيمَالِكَ مَاتَ، عَادَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَيْتِهِ. وَهَكَذَا عَاقَبَ اللهُ أبِيمَالِكَ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي ارتَكَبَهُ ضِدَّ أبِيهِ بِقَتلِهِ إخْوَتَهُ السَّبعِينَ. وَعَاقَبَ اللهُ رِجَالَ شَكِيمَ عَلَى كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي ارتَكَبُوهُ. وَجَاءَتْ عَلَيْهِمُ اللَّعنَةُ الَّتِي نَطَقَ بِهَا يُوثَامُ بْنُ يَرُبَّعَلَ عَلَيْهِمْ. وَبَعْدَ أبِيمَالِكَ جَاءَ تُولَعُ بْنُ فُواةَ بْنِ دُودُو لِيُنقِذَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَكَانَ يَنْتَمِي إلَى قَبِيلَةِ يسَّاكَرَ. وَقَدْ سَكَنَ فِي شَامِيرَ، فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ. وَقَضَى لِإسْرَائِيلَ ثَلَاثًا وَعِشرِينَ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ وَدُفِنَ فِي شَامِيرَ. وَجَاءَ بَعْدَهُ يَائِيرُ الجِلْعَادِيُّ. وَقَضَى لِإسْرَائِيلَ اثْنَتَيْنِ وَعِشرِينَ سَنَةً. وَكَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ ابْنًا، رَكِبُوا عَلَى ثَلَاثِينَ حِمَارًا. وَكَانَتْ لَهُمْ ثَلَاثُونَ بَلْدَةً فِي أرْضِ جِلْعَادَ. وَاسْمُهَا قُرَى جِلْعَادَ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. وَمَاتَ يَائِيرُ وَدُفِنَ فِي قَامُونَ. وَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ مَرَّةً أُخْرَى. فَقَدْ عَبَدُوا آلِهَةً زَائِفَةً: البَعلَ وَعَشْتَارُوثَ، وَآلِهَةَ أرَامَ، وَآلِهَةَ صِيدُونَ، وَآلِهَةَ مُوآبَ، وَآلِهَةَ العَمُّونِيِّينَ، وَآلِهَةَ الفِلِسْطِيِّينَ. وَتَرَكُوا اللهَ وَلَمْ يَعْبُدُوهُ. فَغَضِبَ اللهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَسَمَحَ لِلفِلِسْطِيِّينَ وَالعَمُّونِيِّينَ بِأنْ يَغْزُوهُمْ. فَسَحَقُوا وَقَمَعُوا بَنِي إسْرَائِيلَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. قَمَعُوا كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ شَرْقَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ فِي أرضِ الأمُورِيِّينَ، أيْ جِلْعَادَ، مُدَّةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةٍ. وَعَبَرَ العَمُونِّيونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِيُحَارِبُوا بَنِي يَهُوذَا أيْضًا، بِالإضَافَةِ إلَى بَنِي بَنْيَامِينَ وَبَنِي أفْرَايِمَ. فَكَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي ضِيقٍ عَظِيمٍ. فَصَرَخَ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى اللهِ : «إلَيْكَ أخْطَأنَا، لِأنَّنَا تَرَكْنَا إلَهَنَا، وَعَبَدْنَا الإلَهَ الزَّائِفَ بَعلَ.» فَقَالَ اللهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: «ألَمْ أُنقِذْكُمْ مِنَ المِصْرِيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالعَمُّونِيِّينَ وَالفِلِسْطِيِّينَ؟ قَمَعَكُمُ الصَّيدُونِيُّونَ وَالعَمَالِقَةُ وَالمَعُونِيّونَ، فَصَرَخْتُمْ مُسْتَنْجِدِينَ بِي، فَخَلَّصْتُكُمْ مِنْ سَيطَرَتِهِمْ. لَكِنَّكُمْ تَرَكتُمُونِي وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى! وَلِهَذَا فَإنِّي لَنْ أُخَلِّصَكُمْ ثَانِيَةً. اذْهَبُوا وَاصرُخُوا مُسْتَنْجِدِينَ بِالآلِهَةِ الَّتِي اختَرْتُمُوهَا. فَلْتُنقِذْكُمْ هِيَ فِي وَقْتِ ضِيقِكُمْ.» فَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ للهِ : «لَقَدْ أخْطَأنَا! فَافْعَلْ بِنَا كَمَا يَحْلُو لَكَ، لَكِنْ أنقِذْنَا الآنَ!» فَأزَالُوا الآلِهَةَ الغَرِيبَةَ مِنْ بَينِهِمْ، وَعَبَدُوا اللهَ . لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَضيَ تَمَامًا عَنْ إسرَائيلَ. وَدُعِيَ العَمُّونِيُّونَ لِلِاحتِشَادِ لِلحَرْبِ، وَعَسْكَرُوا فِي جِلْعَادَ. وَتَجَمَّعَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَعَسْكَرُوا فِي المِصْفَاةِ. فَقَالَ قَادَةُ قُوَّاتِ جِلْعَادَ أحَدُهُمْ لِلآخَرِ: «مَنْ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي سَيَقُودُنَا فِي القِتَالِ ضِدَّ العَمُّونِيِّينَ؟ سَنَجْعَلُ ذَلِكَ الرَّجُلَ رَئِيسًا عَلَى جَمِيعِ سُكَّانِ جِلْعَادَ.» وَكَانَ يَفتَاحُ الجِلْعَادِيُّ مُحَارِبًا مُقتَدِرًا. وَهُوَ ابْنُ امْرأةٍ عَاهِرَةٍ. وَجِلْعَادُ هُوَ أبُو يَفتَاحَ. وَأنْجَبَتْ زَوْجَةُ جِلْعَادَ أيْضًا لَهُ أوْلَادًا. وَلَمَّا كَبِرَ أبْنَاءُ الزَّوجَةِ، طَرَدُوا يَفُتَاحَ وَقَالُوا لَهُ: «لَنْ تُشَارِكَنَا فِي المِيرَاثِ فِي بَيْتِ أبِينَا، لِأنَّكَ ابْنُ امْرأةٍ غَريبَةٍ.» فَتَرَكَ يَفْتَاحُ إخْوَتَهُ وَعَاشَ فِي أرْضِ طُوبٍ. وَاجتَمَعَ حَوْلَ يَفتَاحَ بَعْضُ الرِّجَالِ المَنبُوذينَ وَتَبِعُوهُ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، تَوَجَّهَ العَمُّونِيُّونَ لِقِتَالِ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَلَمَّا ذَهَبَ العَمُّونِيُّونَ لِمُحَارَبَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ، جَاءَ شُيُوخُ جِلْعَادَ لِيَأْخُذُوا يَفْتَاحَ مِنْ أرْضِ طُوبٍ، وَقَالُوا لِيَفْتَاحَ: «تَعَالَ وَكُنْ آمِرَنَا لِكَي نِسْتَطِيعَ مُقَاتَلَةَ العَمُّونِيِّينَ.» فَقَالَ يَفتَاحُ لِشُيُوخِ جِلْعَادَ: «أمَا رَفَضْتُمُوني وَطَرَدْتُمُونِي مِنْ بَيْتِ أبِي؟ فَلِمَاذَا تَأْتُونَ إلَيَّ الآنَ وَأنْتُمْ فِي ضِيقٍ؟» فَقَالَ شُيُوخُ جِلْعَادَ لِيَفْتَاحَ: «بِسَبَبِ ذَلِكَ التَجَأنَا إلَيْكَ الآنَ. نُرِيدُكَ أنْ تَأْتِيَ مَعَنَا، وَأنْ تُقَاتِلَ العَمُّونِيِّينَ، وَتَصِيرَ زَعِيمًا عَلَيْنَا وَعَلَى جَمِيعِ سُكَّانِ جِلْعَادَ.» فَقَالَ يَفْتَاحُ لِشُيُوخِ جِلْعَادَ: «إنِ استَدْعَيتُمُونِي لِمُقَاتَلَةِ الأمُورِيِّينَ، وَأعَانَنِي اللهُ عَلَى هَزِيمَتِهِمْ، فَلَا بُدَّ أنْ أصِيرَ زَعِيمَكُمْ.» فَقَالَ شُيُوخُ جِلْعَادَ لِيَفتَاحَ: « اللهُ شَاهِدٌ عَلَى وَعدِنَا لَكَ، وَسَنَفعَلُ كَمَا تَقُولُ.» فَذَهَبَ يَفتَاحُ مَعَ شُيُوخِ جِلَعَادَ، وَجَعَلَهُ الشَّعْبُ زَعِيمًا وَآمِرًا عَلَيْهِمْ. وَكَرَّرَ يَفتَاحُ كُلَّ كَلَامِهِ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي المِصْفَاةِ. ثُمَّ أرْسَلَ يَفتَاحُ رُسُلًا إلَى مَلِكِ العَمُّونِيِّينَ وَقَالَ: «مَاذَا بِينِي وَبَيْنَكَ حَتَّى إنَّكَ جِئْتَ لِتُقَاتِلَ بِلَادِي؟» فَقَالَ مَلِكُ العَمُّونِيِّينَ لِرُسُلِ يَفتَاحَ: «لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ أخَذُوا أرْضِي مِنْ نَهْرِ أرنُونَ إلَى نَهْرِ يَبُّوقَ وَإلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ عِنْدَمَا صَعِدُوا مِنْ مِصْرٍ. فَالآنَ، أعِدْ هَذِهِ الأرَاضِي لِي بِلَا حَرْبٍ.» فَعَادَ الرُّسُلُ إلَى يَفتَاحَ. فَأرْسَلَ يَفتَاحُ مَرَّةً أُخْرَى رُسُلًا إلَى مَلِكِ العَمُّونِيِّينَ. وَقَالَ يَفتَاحُ لَلمَلِكِ فِي رِسَالَتِهِ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ يَفْتَاحُ: لَمْ يَأْخُذْ بَنُو إسْرَائِيلَ أرْضَ مُوآبَ أوْ أرْضَ العَمُّونِيِّينَ. فَعِنْدَمَا صَعِدَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ، صَعِدُوا عَبْرَ الصَّحرَاءِ إلَى البَحْرِ الأحْمَرِ، ثُمَّ جَاءُوا إلَى قَادِشَ. ثُمَّ أرْسَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ رُسُلًا إلَى مَلِكِ أدُومَ يَقُولُونَ لَهُ: نَرجُو أنْ تَسْمَحَ لَنَا بِالمُرُورِ عَبْرَ أرْضِكَ، لَكِنَّ مَلِكَ أدُومَ رَفَضَ أنْ يُصغِيَ. ثُمَّ أرْسَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ رُسُلًا أيْضًا إلَى مَلِكِ مُوآبَ، لَكِنَّهُ رَفَضَ أيْضًا أنْ يَسْمَحَ لَهُمْ بِالعُبُورِ. فَمَكَثَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي قَادِشَ. «ثُمَّ ارتَحَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَدَارُوا حَوْلَ أرْضِ أدُومَ وَأرْضِ مُوآبَ، وَجَاءُوا إلَى شَرْقِ أرْضِ مُوآبَ. وَخَيَّمُوا عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنْ نَهْرِ أرنُونَ. وَلَمْ يَدْخُلُوا أرَاضِي مُوآبَ، إذْ كَانَ نَهْرُ أرنُونَ عَلَى حُدُودِ مُوآبَ. ثُمَّ أرْسَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ رُسُلًا لِسِيحُونَ مَلِكِ الأمُورِيِّينَ، وَقَالُوا لَهُ: اسْمَحْ لَنِا بِأنْ نَعبُرَ عَبْرَ أرْضِكَ إلَى أرْضِنَا. لَكِنَّ سِيحُونَ لَمْ يَأْمَنْ أنْ يَعْبُرَ بَنُو إسْرَائِيلَ أرَاضِيِهِ. فَحَشَدَ كُلَّ قُوَّاتِهِ، وَعَسْكَرَ فِي يَاهَصَ، وَقَاتَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَأعَانَ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، شَعْبَهُ عَلَى مُحَارَبَةِ سِيحُونَ، فَهَزَمُوهُ. فَأخَذَ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلَّ أرْضِ الأمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ. وَاحتَلُّوا كُلَّ أرَاضِي الأمُورِيِّينَ مِنْ نَهْرِ أرنُونَ إلَى نَهْرِ يَبُّوقَ. وَمِنَ الصَّحْرَاءِ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ. «وَالْآنَ، طَرَدَ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ الأمُورِيِّينَ مِنْ أمَامِ شَعْبِهِ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَهَلْ تُرِيدُ أنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الأرْضَ؟ ألَسْتَ تَمْتَلِكُ مَا يُعطِيكَ أنْ تَمْتَلِكَهُ إلَهُكَ كَمُوشُ؟ أمَّا نَحْنُ فَنَمتَلِكُ الأرَاضِي الَّتِي أخَذَهَا إلَهُنَا يهوه وَأعْطَانَا إيَّاهَا. أأنْتَ أفْضَلُ مِنْ بَالَاقَ بْنِ صِفُّورَ، مَلِكِ مُوآبَ؟ فَهَلْ خَاصَمَ يَومًا بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى هَذِهِ الأرْضِ؟ أوْ هَلْ حَارَبَهُمْ يَومًا؟ عِنْدَمَا سَكَنَ بَنُو إسْرَائِيلَ حَشْبُونَ وَقُرَاهَا، وَعَرُوعِيرَ وَقُرَاهَا، وَفِي كُلِّ المُدُنِ عَلَى ضِفَافِ نَهْرِ أرنُونَ هَذِهِ الثَّلَاثَ مِئَةِ سَنَةٍ، لِمَاذَا لَمْ تَسْتَعِدْهَا مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ؟ أنَا لَمْ أُخطِئْ إلَيْكَ، أمَّا أنْتَ فَتَفْعَلُ بِي شَرًّا بِمُحَارَبَتِكَ إيَّايَ. فَلْيَقْضِ اليَوْمَ اللهُ القَاضِي بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَبَيْنَ العَمُّونِيِّينَ.» لَكِنَّ مَلِكَ العَمُّونِيِّينَ لَمْ يُصْغِ إلَى الكَلَامِ الَّذِي أرسَلَهُ إلَيْهِ يَفْتَاحُ. ثُمَّ حَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى يَفتَاحَ، فَعَبَرَ أرَاضِي جِلْعَادَ وَمَنَسَّى، وَوَاصَلَ تَقَدُّمَهُ إلَى المِصْفَاةِ فِي جِلْعَادَ، وَمِنَ المِصْفَاةِ فِي جِلْعَادَ، هَاجَمَ العَمُّونِيِّينَ. وَنَذَرَ يَفْتَاحُ للهِ نَذْرًا، قَالَ: «إنْ أعَنْتَنِي عَلَى هَزِيمَةِ العَمُّونِيِّينَ، فَأوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ أبوَابِ بَيْتِي لِيُلَاقِينِي عِنْدَمَا أعُودُ مُنتَصِرًا مِنَ مَعْرَكَتِي مَعَ العَمُّونِيِّينَ، سَيَكُونُ تَقْدِمَةً للهِ .» فَذَهَبَ يَفْتَاحُ إلَى العَمُّونِيِّينَ لِيُقَاتِلَهُمْ، فَأعَانَهُ اللهُ عَلَى هَزِيمَتِهِمْ. وَهَزَمَهُمْ مِنْ عَرُوعِيرَ حَتَّى جِوَارِ مِنِّيتَ، عِشْرِينَ مَدِينَةً، وَحَتَّى آبِلَ الكُرُومِ هَزِيمَةً مُنكَرَةً. فَأُخضِعَ العَمُّونِيُّونَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَلَمَّا عَادَ يَفْتَاحُ إلَى بَيْتِهِ فِي المِصْفَاةِ، إذَا بِابنَتِهِ خَارِجَةٌ تَضْرِبُ الدَّفَّ وَتَرْقُصُ. وَكَانَتْ وَحِيدَةَ أبِيهَا، إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ أوْ بِنتٌ غَيرُهَا. فَلَمَّا رَآهَا، مَزَّقَ ثِيَابَهُ حُزْنًا، وَقَالَ: «آهٍ يَا ابْنَتِي! لَقَدْ أحزَنْتِنِي جِدًّا وَصِرْتِ سَبَبَ تَعَاسَتِي، فَقَدْ نَذَرْتُ نَذْرًا للهِ لَا أسْتَطِيعُ التَّرَاجُعَ عَنْهُ.» فَقَالَتْ لَهُ: «لَقَدْ نَذَرْتَ للهِ نَذْرًا يَا أبِي، فَافْعَلْ بِي كَمَا نَذَرْتَ، بِمَا أنَّ اللهَ قَدْ نَصَرَكَ عَلَى أعْدَائِكَ العَمُّونِيِّينَ.» وَقَالَتِ لِأبِيهَا: «لَكِنْ اصْنَعْ مَعِي هَذَا المَعْرُوفَ. أمْهِلْنِي شَهْرَينِ، فَأتَجَوَّلُ عَلَى التِّلَالِ، وَأبكِي مَعَ صَاحِبَاتِي لِأنَّنِي سَأبقَى عَذْرَاءَ.» فَقَالَ لَهَا: «اذْهَبِي.» وَصَرَفَهَا مُدَّةَ شَهْرَينِ. فَذَهَبَتْ هِيَ وَصَاحِبَاتُهَا وَبَكَينَ عَلَى التِّلَالِ لِأنَّهَا سَتَبْقَى عَذْرَاءَ. وَفِي نِهَايَةِ الشَّهْرَينِ عَادَتْ إلَى أبِيهَا، فَفَعَلَ بِهَا كَمَا سَبَقَ أنْ نَذَرَ. وَلِأنَّهَا لَمْ تُعَاشِرْ رَجُلًا قَطُّ، صَارَتْ عَادَةً عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، أنْ تَخْرُجَ بَنَاتُ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيُحيِينَ ذِكرَى ابْنَةِ يَفْتَاحَ الجِلْعَادِيِّ، أرْبَعَةَ أيَّامٍ كُلَّ سَنَةٍ. وَدُعِيَ بَنُو أفْرَايِمَ لِلِاجْتِمَاعِ لِلقِتَالِ. فَعَبَرُوا إلَى صَافُونَ، وَقَالُوا لِيَفْتَاحَ: «لِمَاذَا ذَهَبْتَ لِمُقَاتَلَةِ العَمُّونِيِّينَ وَلَمْ تَدْعُنَا إلَى الذَّهَابِ مَعَكَ؟ سَنُحرِقُ بَيْتَكَ عَلَيْكَ!» فَقَالَ يَفْتَاحُ لَهُمْ: «كُنْتُ وَشَعْبِي فِي صِرَاعٍ شَدِيدٍ مَعَ العَمُّونِيِّينَ. دَعَوْتُكُمْ، لَكِنَّكُمْ لَمْ تُنقِذُونِي مِنْ قُوَّتِهِمْ. وَلَمَّا رَأيْتُ أنَّكُمْ لَنْ تُنقِذُونِي، قَرَّرتُ أنْ أتَصَرَّفَ بِنَفْسِي، وَهَاجَمْتُ العَمُّونِيِّينَ، فَأعَانَنِي اللهُ عَلَى هَزِيمَتِهِمْ. فَلِمَاذَا خَرَجْتُمُ اليَوْمَ لِكَي تُقَاتِلُونِي؟» ثُمَّ جَمَعَ يَفْتَاحُ كُلَّ رِجَالِ جِلْعَادَ وَحَارَبُوا بَنِي أفْرَايِمَ. وَهَزَمَ رِجَالُ جِلْعَادَ رِجَالَ أفْرَايِمَ. فَهُمْ كَانُوا يُهينُونَ الجِلْعَادِيّينَ بِقَولِهِم: «مَا أنْتُمُ إلَّا طَرِيدُونَ مِنْ أفْرَايِمَ. فَجِلْعَادُ لَا هِيَ مِنْ أفْرَايِمَ وَلَا مِنْ مَنَسَّى!» وَاسْتَوْلَى الجِلْعَادِيُّونَ عَلَى مَعَابِرِ نَهْرِ الأُردُنّ لِيَمْنَعُوا رِجَالَ أفْرَايِمَ مِنَ العُبُورِ. وَعِنْدَمَا كَانَ أيٌّ مِنَ النَّاجِينَ مِنْ أفْرَايِمَ يَقُولُ: «أُريدُ أنْ أعبُرَ.» كَانَ الجِلعَادِيُّونَ يَسْألُونَهُ: «هَلْ أنْتَ مِنْ بَنِي أفْرَايِمَ؟» فَيَقُولُ: «لَا!» فَيَقُولُونَ لَهُ: «قُلْ: شِبُّولَتْ.» فَيَقُولُ: «سِبُّولَتْ» فَيَلْفِظُ الكَلِمَةَ بِشَكلٍ خَاطِئٍ، فَيَمْسِكُونَهُ وَيَقْتُلُونَهُ عِنْدَ مَعَابِرِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. فَقُتِلَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، اثْنَانِ وَأرْبَعُونَ ألْفًا مِنْ بَنِي أفْرَايِمَ. وَقَضَى يَفْتَاحُ لِإسْرَائِيلَ مُدَّةَ سِتِّ سَنَوَاتٍ. ثُمَّ مَاتَ يَفْتَاحُ الجِلْعَادِيُّ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ جِلْعَادَ. وَبَعْدَ يَفْتَاحَ قَضَى لِبَنِي إسْرَائِيلَ إبْصَانُ، وَهُوَ مِنْ مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ. وَكَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ ابْنًا وَثَلَاثُونَ بِنْتًا زَوَّجَهُنَّ مِنْ خَارِجِ قَبِيلَتِهِ، وَجَلَبَ ثَلَاثِينَ بِنْتًا مِنْ خَارِجِ قَبِيلَتِهِ زَوْجَاتٍ لِأبْنَائِهِ. وَقَضَى لِإسْرَائِيلَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ. ثُمَّ مَاتَ إبْصَانُ وَدُفِنَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. وَبَعْدَ إبْصَانَ قَضَى لِإسْرَائِيلَ إيلُونُ الزَّبُولُونِيُّ. وَقَدْ قَضَى مُدَّةَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ. ثُمَّ مَاتَ إيلُونُ الزَّبُولُونِيُّ، وَدُفِنَ فِي إيلُونَ، فِي أرْضِ زَبُولُونَ. وَبَعْدَ إيلُونَ قَضَى لِإسْرَائِيلَ عَبْدُونُ بْنُ هِلِّيلَ الفِرْعَتُونِيُّ. وَكَانَ لَهُ أرْبَعُونَ ابْنًا وَثَلَاثُونَ حَفِيدًا يَرْكَبُونَ عَلَى سَبْعِينَ حِمَارًا. وَقَضَى لِإسْرَائِيلَ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ. ثُمَّ مَاتَ عَبْدُونُ بْنُ هِلِّيلَ الفِرْعَتُونِيُّ، وَدُفِنَ فِي فِرْعَتُونَ فِي أرْضِ أفْرَايِمَ فِي مِنْطَقَةِ العَمَالِيِقِ الجَبَلِيَّةِ. وَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ مَرَّةً أُخْرَى. فَأخضَعَهُمُ اللهُ لِسَيطَرَةِ الفِلِسْطِيِّينَ مُدَّةَ أرْبَعِينَ سَنَةً. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ مِنْ بَلْدَةِ صُرْعَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ، اسْمُهُ مَنُوحُ. وَكَانَتِ امْرأتُهُ عَاقِرًا. فَظَهَرَ مَلَاكُ اللهِ لِلمَرْأةِ وَقَالَ لَهَا: «عَلَى الرُّغمِ مِنْ أنَّكِ عَاقِرٌ، إلَّا أنَّكِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا. وَالْآنَ احذَرِي مِنْ أنْ تَشْرَبِي نَبِيذًا أوْ شَرَابًا مُسْكِرًا. وَلَا تَأْكُلِي شَيْئًا نَجِسًا. وَهَا أنْتِ حُبلَى فِعلَا، وَسَتَلِدِينَ ابْنًا. لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أنْ تَلْمَسَ شَفْرَةَ حِلَاقَةٍ رَأسَهُ. إذْ سَيَكُونُ الصَّبِيُّ نَذِيرًا للهِ، حَتَّى مِنْ قَبلِ أنْ يُولَدَ. وَهُوَ الَّذِي سَيَبْدَأُ يُخَلِّصُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ سَيطَرَةِ الفِلِسْطِيِّينَ.» فَذَهَبَتِ المَرْأةُ وَأخبَرَتْ زَوْجَهَا وَقَالَتْ لَهُ: «جَاءَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنْ رِجَالِ اللهِ! كَانَ مَنظَرُهُ كَمَنْظَرِ مَلَاكِ اللهِ، مُهِيبًا جِدًّا! لَمْ أسألْهُ مِنْ أيْنَ هُوَ، وَهُوَ لَمْ يُخبِرنِي اسْمَهُ. لَكِنَّهُ قَالَ لِي: ‹أنْتِ حُبلَى، وَسَتَلِدِينَ ابْنًا، فَالآنَ لَا تَشْرَبِي نَبِيذًا وَلَا شَرَابًا مُسْكِرًا، وَلَا تَأْكُلِي شَيْئًا نَجِسًا، إذْ سَيَكُونُ الصَّبِيُّ نَذِيرًا للهِ حَتَّى مِنْ قَبلِ أنْ يُولَدَ حَتَّى يَوْمِ مَوْتِهِ.›» فَصَلَّى مَنُوحُ إلَى اللهِ وَقَالَ: «أُصَلّي يَا اللهُ ، أنْ تُرْسِلَ رَجُلَ اللهِ إلَينَا ثَانِيَةً، فَيُخْبِرَنَا مَا يَنْبَغِي أنْ نَفعَلَهُ لِلصَّبِيِّ الَّذِي سَيُولَدُ.» وَاسْتَجَابَ اللهُ لِمَنُوحَ. وَجَاءَ مَلَاكُ اللهِ ثَانِيَةً إلَى المَرْأةِ وَهِيَ جَالِسَةٌ فِي الحَقْلِ، لَكِنَّ زَوْجَهَا مَنُوحَ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا. فَرَكَضَتِ المَرْأةُ بِسُرعَةٍ وَقَالَتْ لِزَوْجَهَا: «هَا قَدْ ظَهَرَ لِي الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ إلَيَّ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ.» فَقَامَ مَنُوحُ وَتَبِعَ امْرَأتَهُ، فَجَاءَ إلَى الرَّجُلِ وَقَالَ لَهُ: «أأنْتَ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعَ هَذِهِ المَرْأةِ؟» فَقَالَ: «أنَا هُوَ.» ثُمَّ قَالَ مَنُوحٌ: «فَلْيَتَحَقَّقْ كَلَامُكَ هَذَا! لَكِنْ كَيْفَ نَتَعَامَلُ مَعَ الصَّبِيِّ؟ وَمَاذَا سَتَكُونُ مَهَمَّتُهُ؟» فَقَالَ مَلَاكُ اللهِ لِمَنُوحَ: «يَنْبَغِي أنْ تَحْرِصَ زَوْجَتُكَ عَلَى عَمَلِ كُلِّ مَا قُلْتُهُ لَهَا. فَلتَمْتَنِعْ عَنْ جَمِيعِ مُنْتَجَاتِ العِنَبِ. عَنِ النَّبِيذِ وَالمُسْكِرَاتِ. وَلَا تَأْكُلْ طَعَامًا نَجِسًا، بَلْ تَفْعَلْ جَمِيعَ مَا أمَرتُهَا بِهِ.» فَقَالَ مَنُوحُ لِمَلَاكِ اللهِ : «اسْمَحْ لَنَا أنْ نَسْتَضِيفَكَ بَعْضَ الوَقْتِ، وَنُحضِرَ لَكَ جِدْيًا لِتَأْكُلَهُ.» فَقَالَ مَلَاكُ اللهِ لِمَنُوحَ: «إنْ بَقِيتُ، فَلَنْ آكُلَ طَعَامَكَ. لَكِنْ إنْ أرَدْتَ أنْ تُقَدِّمَ تَقْدِمَةً، فَقَدِّمْهَا للهِ .» إذْ لَمْ يَكُنْ مَنُوحُ يُدْرِكُ أنَّهُ كَانَ يُكَلِّمُ مَلَاكَ اللهِ . فَقَالَ مَنُوحُ لِمَلَاكِ اللهِ : «مَا اسْمُكَ؟ لِكَي نُكرِمَكَ حِينَ يَتَحَقَّقُ كَلَامُكَ.» فَقَالَ مَلَاكُ اللهِ لَهُ: «لِمَاذَا تُرِيدُ أنْ تَعْرِفَ اسْمِي؟ إنَّهُ عَجيبٌ!» فَأخَذَ مَنُوحُ الجِدْيَ مَعَ تَقْدِمَةِ الحُبُوبِ، وَقَدَّمَهَا ذَبِيحَةً صَاعِدَةً عَلَى الصَّخرَةِ للهِ ، صَانِعِ العَجَائِبِ. وَكَانَ مَنُوحُ وَزَوْجَتُهُ يُرَاقِبَانِ. فَصَعِدَ اللَّهَبُ إلَى السَّمَاءِ مِنَ المَذْبَحِ، وَصَعِدَ مَلَاكُ اللهِ فِي لَهَبِ المَذْبَحِ، وَمَنُوحُ وَامْرَأتُهُ يُرَاقِبَانِ. فَسَجَدَا عَلَى الأرْضِ عَلَى وَجْهَيهِمَا. فَعَرَفَ مَنُوحُ أنَّهُ مَلَاكُ اللهِ . وَلَمْ يَظْهَرْ مَلَاكُ اللهِ ثَانِيَةً لِمَنُوحَ وَزَوْجَتِهِ. فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: «لَا شَكَّ أنَّنَا سَنَمُوتُ، لِأنَّنَا قَدْ رَأينَا اللهَ.» فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ: «لَوْ أرَادَ اللهُ أنْ يَقْتُلَنَا، لَمَا قَبِلَ الذَّبِيحَةَ وَتَقْدِمَةَ الحُبُوبِ مِنَّا. وَلَمَا أعْلَنَ لَنَا كُلَّ هَذِهِ الأشْيَاءِ، أوْ سَمَحَ لَنَا حَتَّى بِسَمَاعِهَا.» وَوَلَدَتِ المَرْأةُ ابْنًا، وَسَمَّتْهُ شَمْشُونَ. وَكَبِرَ الصَّبِيُّ، وَبَارَكَهُ اللهُ . وَبَدَأ رُوحُ اللهِ يَعْمَلُ فِيهِ فِي مَحَلَّةِ دَانٍ، بَيْنَ بَلدَتَي صُرْعَةَ وَأشْتَأُولَ. وَنَزَلَ شَمْشُونُ إلَى بَلْدَةِ تِمْنَةَ، وَرَأى امْرأةً فِلِسْطِيَّةً هُنَاكَ. ثُمَّ صَعِدَ وَأخبَرَ أبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ لَهُمَا: «رَأيْتُ امْرأةً فِلِسْطِيَّةً فِي تِمْنَةَ، فَالآنَ خُذَاهَا لِي زَوْجَةً.» فَقَالَ لَهُ أبُوهُ وَأُمُّهُ: «ألَا تُوجَدُ امْرأةٌ بَيْنَ بَنَاتِ أقرِبَائِكَ، أوْ فِي كُلِّ شَعْبِكَ، حَتَّى إنَّكَ مَضْطَرٌّ إلَى الزَّوَاجِ مِنَ امْرأةٍ مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ اللَّامَختُونِينَ؟» لَكِنَّ شَمْشُونَ قَالَ لِأبِيهِ: «خُذْهَا لِي، لِأنَّهَا أعجَبَتْنِي.» وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أبُوهُ وَأُمُّهُ أنَّ هَذَا الأمْرَ كَانَ مِنَ اللهِ ، إذ كَانَ يَنْتَظِرُ الوَقْتَ المُنَاسِبَ لِلعَمَلِ ضِدَّ الفِلِسْطِيِّينَ. فَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كَانَ الفِلِسْطِيُّونَ يَحْكُمُونَ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَنَزَلَ شَمْشُونُ مَعَ أبِيهِ وَأُمِّهِ إلَى تِمْنَةَ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسِيرُ فِي أحَدِ كُرُومِ تِمْنَةَ، ظَهَرَ فَجْأةً أسَدٌ يَزأرُ لِمُلَاقَاتِهِ. فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ بِقُوَّةٍ، فَشَقَّهُ كَمَا يَشُقُّ جِدْيًا! وَكَانَ شَمْشُونُ أعزَلَ، لَكِنَّهُ لَمْ يُخبِرْ أبَاهُ وَأُمَّهُ بِمَا فَعَلَ. ثُمَّ نَزَلَ وَكَلَّمَ المَرْأةَ، فَأعجَبَتْهُ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ عَادَ لِيَتَزَوَّجَهَا. وَفِي طَرِيقِ عَودَتِهِ، انعَطَفَ لِيَرَى جُثَّةَ الأسَدِ، فَدُهِشَ إذْ رَأى سِربًا مِنَ النَحلِ وَعَسَلًا فِي جُثَّةِ الأسَدِ. فَغَرَفَ مِنْهُ بِيَدِهِ، وَمَضَى يَأْكُلُ وَهُوَ يَمْشِي. وَجَاءَ إلَى أبِيهِ وَأُمِّهِ، وَأعْطَاهُمَا بَعْضَ العَسَلِ، فَأكَلَا. لَكِنَّهُ لَمْ يُخبِرْهُمَا أنَّهُ أخَذَ العَسَلَ عَنْ جُثَّةِ الأسَدِ. وَنَزَلَ أبُوهُ إلَى المَرْأةِ. وَصَنَعَ شَمْشُونُ وَلِيمَةً هُنَاكَ، كَمَا اعتَادَ الشَّبَابُ أنْ يَفْعَلُوا. وَلَمَّا رَآهُ الشَّعْبُ، اختَارُوا ثَلَاثِينَ مِنْ رُفَقَائِهِمْ لِيَكُونُوا مَعَهُ. فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «سأُعْطِيكُمْ لُغْزًا، وَسأُمْهِلُكُمْ سَبْعَةَ أيَّامٍ لِتَعْرِفُوا التَّفسِيرَ، هِيَ أيَّامُ الوَلِيمَةِ. فَإذَا تَمَكَّنْتُمْ مِنْ تَفْسِيرِهِ، فَسَأُعْطِيكُمْ ثَلَاثِينَ ثَوْبًا مِنَ الكِتَّانِ، وَثَلَاثِينَ ثَوْبًا مُلَوَّنًا. لَكِنْ إنْ عَجِزْتُمْ عَنْ تَفْسِيرِهِ، تُعطُونِي أنْتُمْ ثَلَاثِينَ ثَوْبًا مِنَ الكِتَّانِ وَثَلَاثِينَ ثَوْبًا مُلَوَّنًا.» فَقَالُوا لَهُ: «هَاتِ لُغزَكَ. أسمِعْنَا إيَّاهُ.» فَقَالَ لَهُمْ: «مِنَ الآكِلِ خَرَجَ أكلٌ، وَمِنَ القَوِيِّ خَرَجَتْ حَلَاوَةٌ.» لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا حَلَّ اللُّغْزِ فِي ثَلَاثَةِ أيَّامٍ. وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعِ، قَالُوا لِزَوْجَةِ شَمْشُونَ: «احتَالِي عَلَى زَوْجِكِ لِكَي يُفَسِّرَ اللُّغْزَ لَنَا، وَإلَّا فَإنَّنَا سَنُحرِقُكِ وَبَيْتَ أبِيكِ بِالنَّارِ. ألَعَلَّكُمْ دَعَوتُمُونَا إلَى هُنَا لِكَي تُفْقِرُونَا؟» فَبَكَتِ امْرأةُ شَمْشُونَ عَلَى كَتِفِهِ، وَقَالَتْ لَهُ: «أنْتَ تَكْرَهُنِي. أنْتَ لَا تُحِبُّنِي. أعْطَيْتَ لُغزًا لِشَعْبِي، وَلَمْ تُفَسِّرْهُ لِي.» فَقَالَ لَهَا: «اسْمَعِي، أنَا لَمْ أُفَسِّرْهُ حَتَّى لِأبِي وَأُمِّي، فَكَيْفَ أُفَسِّرُهُ لَكِ؟» فَبَكَتْ عَلَى كَتِفِهِ طَوَالَ بَقِيَّةِ أيَّامِ الوَلِيمَةِ السَّبعَةِ، وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ شَرَحَ لَهَا اللُّغْزَ، لِأنَّهَا أزعَجَتْهُ كَثِيرًا. فَأخْبَرَتْ شَعْبَهَا بِتَفْسِيرِ اللُّغْزِ. فَقَالَ رِجَالُ البَلْدَةِ لَهُ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ قَبْلَ شُرُوقِ الشَّمْسِ: «لَا أحلَى مِنَ العَسَلِ، وَلَا أقوَى مِنَ الأسَدِ!» فَقَالَ لَهُمْ: «لَوْ لَمْ تَحْرُثُوا عَلَى بَقَرَتِي، لَمَا اسْتَطَعْتُمْ حَلَّ أُحْجِيَتِي.» ثُمَّ حَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَيْهِ بِقُوَّةٍ، فَنَزَلَ شَمْشُونُ إلَى أشْقَلُونَ، وَقَتَلَ ثَلَاثِينَ فِلِسْطِيًّا، وَأخَذَ عُدَّتَهُمْ، وَأعْطَى ثِيَابَهُمْ لِلَّذِينَ فَسَّرُوا اللُّغْزَ. وَكَانَ غَاضِبًا جِدًّا، فَذَهَبَ إلَى بَيْتِ أبِيهِ. وَصَارَتْ عَرُوسُ شَمْشُونَ زَوْجَةً لِرَفِيقِهِ الَّذِي كَانَ إشْبِينَ العَرِيسِ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ، ذَهَبَ شَمْشُونُ فِي أيَّامِ الحَصَادِ لِزِيَارَةِ زَوْجَتِهِ، وَأخَذَ مَعَهُ جِدْيًا. وَقَالَ: «أُرِيدُ أنْ أدخُلَ إلَى غُرفَةِ زَوْجَتِي.» لَكِنَّ وَالِدَهَا لَمْ يَسْمَحْ لَهُ بِالدُّخُولِ. وَقَالَ لَهُ: «حَسِبْتُكَ قَدْ تَخَلَّيتَ عَنْهَا، فَزَوَّجْتُهَا لِرَفِيقِكَ. ألَيْسَتْ أُختُهَا الأصْغَرُ أجمَلَ مِنْهَا؟ فَتَزَوَّجْهَا.» فَقَالَ لَهُ شَمْشُونُ: «لَا لَوْمَ عَلَيَّ الآنَ إنْ آذَيتُ الفِلِسْطِيِّينَ.» فَذَهَبَ شَمْشُونُ وَأمسَكَ بِثَلَاثِ مِئَةِ ثَعلَبٍ. وَأخَذَ مَشَاعِلَ وَرَبَطَ الثَّعَالِبَ ذَنَبًا بِذَنَبٍ، وَوَضَعَ مِشْعَلًا بَيْنَ كُلِّ ذَنَبَينِ مَربُوطَينِ. ثُمَّ أشعَلَ النَّارَ فِي المَشَاعِلِ، وَأطلَقَ الثَّعَالِبَ بَيْنَ زُرُوعِ الفِلِسْطِيِّينَ، فَأحرَقَ كُلَّ شَيءٍ: الحُبُوبَ المَخزُونَةَ، وَالحُبُوبَ المَزرُوعَةَ، وَالكُرُومَ وَبَيَّارَاتِ الزَّيْتُونِ. فَقَالَ الفِلِسْطِيُّونَ: «مَنْ فَعَلَ هَذَا؟» فَقيلَ: «شَمْشُونُ، صِهْرُ التِّمْنِيِّ هُوَ الَّذِي فَعَلَ هَذَا. لِأنَّ التِّمْنِيَّ أخَذَ زَوْجَةَ شَمْشُونَ وَأعْطَاهَا لِرَفِيقِهِ.» فَصَعِدَ الفِلِسْطِيُّونَ وَأحرَقُوهَا هَيَ وَأبَاهَا بِالنَّارِ. فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «قَدْ فَعلْتُمْ هَذَا العَمَلَ الرَّدِيءَ بِي، وَلِذَا فَإنِّي أُقْسِمُ إنَّنِي سَأنتَقِمُ مِنْكُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ سَأسْتَريحُ.» فَهَاجَمَهُمْ بِشَرَاسَةٍ وَقَتَلَ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ. ثُمَّ نَزَلَ وَسَكَنَ فِي كَهْفٍ فِي صَخْرَةِ عِيطَمَ. فَصَعِدَ الفِلِسْطِيُّونَ وَخَيَّمُوا فِي يَهُوذَا، وَانْتَشَرُوا فِي لَحْيَ. فَقَالَ رِجَالُ يَهُوذَا لَهُمْ: «لِمَاذَا جَئْتُمْ لِمُقَاتَلَتِنَا؟» فَقَالَ الفِلِسْطِيُّونَ: «جِئْنَا لِكَي نُقَيِّدَ شَمْشُونَ لِكَي نَفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِنَا.» فَنَزَلَ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ مِنْ يَهُوذَا إلَى صَخْرَةِ عِيطَمَ، وَقَالُوا لِشَمْشُونَ: «ألَا تَعْرِفُ أنَّ الفِلِسْطِيِّينَ يَحْكُمُونَنَا؟ فَمَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتَهُ بِنَا؟» فَقَالَ لَهُمْ: «كَمَا فَعَلُوا بِي فَعَلْتُ بِهِمْ.» فَقَالُوا لَهُ: «لَقَدْ نَزَلْنَا لِكَي نُقَيِّدَكَ وَنُسَلِّمَكَ إلَى الفِلِسْطِيِّينَ.» فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «احلِفُوا لِي أنَّكُمْ لَنْ تُصِيبُونِي بِأذَىً.» فَقَالُوا لَهُ: «لَنْ نُصِيبَكَ بِأذَىً، وَإنَّمَا سَنُقَيِّدُكَ وَنُسَلِّمُكَ إلَيْهِمْ، لَنْ نَقتُلَكَ.» فَقَيَّدُوهُ بِحَبلَينِ جَدِيدَينِ، وَأصعَدُوهُ مِنْ صَخْرَةِ عِيطَمَ. وَجَاءُوا إلَى لَحْيٍ. فَجَاءَ الفِلِسْطِيُّونَ لِلِقَائِهِ وَهُمْ يَهْتِفُونَ فَرَحًا. فَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى شَمْشُونَ بِقُوَّةٍ، فَصَارَتِ الحِبَالُ الَّتِي عَلَى ذِرَاعَيهِ كَخُيُوطِ الكِتَّانِ المُحتَرِقِ، فَتَفَسَّخَتِ القُيُودُ عَلَى يَدَيهِ. ثُمَّ وَجَدَ فَكَّ حِمَارٍ طَرِيًّا، فَمَدَّ يَدَهُ وَأخَذَهُ، وَقَتَلَ بِهِ ألْفَ رَجُلٍ. ثُمَّ قَالَ شَمْشُونُ: «بِفَكِّ حِمَارٍ، صَنَعْتُ كَوْمَةَ رِجَالٍ، بَلْ كَوْمَتَيْنِ. بِفَكِّ حِمَارٍ قَتَلْتُ ألْفَ رَجُلٍ.» وَلَمَّا أنهَى كَلَامَهُ، رَمَى بِالفَكِّ بَعِيدًا. وَسُمِّيَ ذَلِكَ المَكَانُ رَمَتَ لَحْيٍ. وَعَطِشَ شَمْشُونُ، فَصَرَخَ إلَى اللهِ : «أنْتَ نَصَرْتَ عَبْدَكَ هَذَا الِانْتِصَارَ العَظيمَ، فَهَلْ أمُوتُ الآنَ مِنَ العَطَشِ؟ وَأقَعُ فِي أيدِي الفِلِسْطِيِّينَ اللَّامَختُونِينَ؟» فَشَقَّ اللهُ المُنْخَفَضَ الَّذِي فِي لَحْيٍ، فَخَرَجَ مَاءٌ مِنَ الأرْضِ. فَشَرِبَ شَمْشُونُ، وَعَادَتْ إلَيْهِ قُوَّتُهُ وَانتَعَشَ. فَسُمِّيَ النَّبْعُ عَينَ هَقُّورِي. وَهِيَ فِي لَحْيٍ إلَى يَوْمِنَا هَذَا. فَقَضَى شَمْشُونُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ فِي أيَّامِ الفِلِسْطِيِّينَ عِشْرِينَ سَنَةً. وَذَهَبَ شَمْشُونُ يَوْمًا إلَى غَزَّةَ. وَهُنَاكَ رَأى عَاهِرَةً، فَعَاشَرَهَا. فَقِيلَ لِأهْلِ غَزَّةَ: «قَدْ جَاءَ شَمْشُونُ هُنَا.» فَأحَاطُوا بِالمَكَانِ، وَكَمُنُوا لَهُ طَوَالَ تِلْكَ اللَّيلَةِ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ. وَلَزِمُوا الهُدُوءَ طَوَالَ اللَّيلِ مُفَكِّرِينَ فِي نُفُوسِهِمْ: «نَنتَظِرُهُ حَتَّى الصَّبَاحِ ثُمَّ نَقتُلُهُ.» أمَّا شَمْشُونُ فَبَقِيَ فِي الفِرَاشِ حَتَّى مُنْتَصَفِ اللَّيلِ. ثُمَّ أمْسَكَ بِشَقَّي بَوَّابَةِ المَدِينَةِ وَالقَائِمَتَيْنِ، وَقَلَعَهُمَا مَعَ القُضْبَانِ الحَديدِيَّةِ، وَحَمَلَهَا كُلَّهَا إلَى قِمَّةِ التَّلَّةِ المُقَابِلَةِ لِمَدِينَةِ حَبْرُونَ. بَعْدَ هَذَا، وَقَعَ شَمْشُونُ فِي غَرَامِ امْرأةٍ تَسْكُنُ فِي وَادِي سُورَقَ اسْمُهَا دَلِيلَةُ. وَصَعِدَ إلَيْهَا سَادَةُ الفِلِسْطِيِّينَ وَقَالُوا لَهَا: «احتَالِي عَلَيْهِ لِتَعْرِفِي مَا الَّذِي يَجْعَلُهُ بِهَذِهِ القُوَّةِ العَظِيمَةِ. وَاعرِفِي لَنَا كَيْفَ نَقوَى عَلَيْهِ، لِكَي نُقَيِّدَهُ لِنُخضِعَهُ. حِينَئِذٍ، سَيُعطِيكِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا ألْفًا وَمِئَةَ مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ.» فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «أخبِرْنِي مِنْ فَضْلِكَ عَمَّا يَجْعَلُكَ بِهَذِهِ القُوَّةِ العَظِيمَةِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ تُقَيَّدَ لِتُخْضَعَ.» فَقَالَ لَهَا شَمْشُونُ: «إذَا قَيَّدْتِنِي بِسَبعَةِ أوتَارٍ جَدِيدَةٍ مِنْ أوتَارِ الأقْوَاسِ الطَّرِيَّةِ، حِينَئِذٍ، أصِيرُ ضَعِيفًا كَأيِّ شَخْصٍ آخَرَ.» فَجَلَبَ لَهَا سَادَةُ الفِلِسْطِيِّينَ سَبْعَةَ أوتَارٍ جَدِيدَةٍ مِنْ أوتَارِ الأقوَاسِ الطَّرِيَّةِ، فَقَيَّدَتْهُ بِهَا. وَكَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ يَكْمُنُونَ لَهُ فِي الغُرفَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَقَالَتْ لَهُ: «الفِلِسْطِيُّونَ هَاجِمُونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ.» لَكِنَّهُ قَطَعَ الأوتَارَ كَمَا يَنْقَطِعُ خَيطٌ إذَا اشْتَمَّ رَائِحَةَ النَّارِ. فَلَمْ يُعرَفْ سِرُّ قُوَّتِهِ. فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «لَقَدْ ضَحِكْتَ عَلَيَّ، إذْ لَمْ تَقُلْ لِي إلَّا أكَاذِيبَ. فَالآنَ قُلْ لِي أرْجُوكَ كَيْفَ يُمْكِنُ تَقْيِيدُكَ.» فَقَالَ لَهَا: «إذَا رَبَطُونِي بِحِبَالٍ جَدِيدَةٍ لَمْ تُستَخْدَمْ مِنْ قَبْلُ، حِينَئِذٍ، سَأصِيرُ ضَعِيفًا، وَسَأكُونُ كَأيِّ شَخْصٍ آخَرَ.» فَأخَذَتْ دَلِيلَةُ حِبَالًا جَدِيدَةً، وَقَيَّدَتْهُ بِهَا، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: «الفِلِسْطِيُّونَ هَاجِمُونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ.» وَكَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ كَامِنُونَ لَهُ فِي الغُرفَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، لَكِنَّهُ قَطَعَهَا عَنْ ذِرَاعَيهِ كَخَيطٍ. فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «إلَى مَتَى سَتَظَلُّ تَهْزَأُ بِي وَتَكْذِبُ عَلَيَّ؟ أخبِرْنِي كَيْفَ يَمْكِنُ تَقْيِيدُكَ.» فَقَالَ لَهَا: «إذَا جَدَلْتِ سَبْعَ خُصَلٍ مِنْ شَعْرِي بِنَولِ النَّسْجِ، وَثَبَّتِّهَا بِوَتَدٍ، أفْقِدُ قُوَّتِي.» وَبَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ، أمْسَكَتْ دَلِيلَةُ سَبْعَ خُصَلٍ مِنْ شَعْرِهِ وَجَدَلَتْهَا بِنَولِ النَّسْجِ، وَثَبَّتَتْهَا بِوَتَدٍ، وَقَالَتْ لَهُ: «الفِلِسْطِيُّونَ هَاجِمُونَ عَلَيْكَ.» لَكِنَّهُ أفَاقَ مِنْ نَومِهِ، وَخَلَعَ الوَتَدَ، وَفَكَّ شَعْرَهُ المَجْدُولَ بِالنَّوْلِ. فَقَالَتْ دَلِيلَةُ: «كَيْفَ تَقُولُ إنَّكَ تُحِبُّنِي، وَأنْتَ لَا تَثِقُ بِي؟ ضَحِكْتَ عَلَيَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى الآنَ، وَلَمْ تَقُلْ لِي مَا يَجْعَلُكَ بِهَذِهِ القُوَّةِ.» وَهَكَذَا ظَلَّتْ تُزعِجُهُ بِكَلَامِهَا يَومًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَتَضْغَطُ عَلَيْهِ، حَتَّى جَعَلَتْهُ يَسْأمُ الحَيَاةَ. فَأخبَرَهَا بِكُلِّ سِرِّهِ وَقَالَ: «لَمْ تَلْمَسْ شَفرَةُ حِلَاقَةٍ رَأسِي، فَأنَا نَذِيرٌ للهِ مُنْذُ وِلَادَتِي. فَإذَا حُلِقَ شَعْرُ رَأسِي، أفْقِدُ قُوَّتِي، وَأصِيرُ ضَعِيفًا كَأيِّ إنْسَانٍ آخَرَ.» فَأدْرَكَتْ دَلِيلَةُ أنَّهُ كَانَ صَادِقًا مَعَهَا هَذِهِ المَرَّةَ، فَذَهَبَتْ إلَى سَادَةِ الفِلِسْطِيِّينَ وَقَالَتْ لَهُمْ: «تَعَالَوْا هَذِهِ المَرَّةَ، فَقَدْ صَدَقَ مَعِي.» فَذَهَبَ سَادَةُ الفِلِسْطِيِّينَ حَامِلِينَ فِضَّتَهُمْ مَعَهُمْ. وَتَرَكَتْ دَلِيلَةُ شَمْشُونَ يَنَامُ عَلَى رُكبَتَيهَا. وَدَعَتْ رَجُلًا، وَطَلَبَتْ مِنْهُ أنْ يَقُصَّ الجَدَائِلَ السَّبْعَ التِي عَلَى رَأسِ شَمْشُونَ. ثُمَّ أخَذَتْ تُذِلُّهُ، وَعَلِمَتْ أنْ قُوَّتَهُ قَدْ فَارَقَتْهُ. ثُمَّ قَالَتْ: «الفِلِسْطِيُّونَ هَاجِمُونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ!» فَأفَاقَ وَقَالَ: «سَأخرُجُ فِي هَذِهِ المَرَّةِ أيْضًا، وَسَأنقَضُّ عَلَى القُيُودِ.» لَكِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أنَّ اللهَ قَدْ فَارَقَهُ! فَقَبَضَ عَلَيْهِ الفِلِسْطِيُّونَ، وَفَقَأُوا عَيْنَيْهِ. وَنَزَلُوا بِهِ إلَى غَزَّةَ، وقَيَّدُوهُ بِسَلَاسِلَ بُرُونزِيَّةٍ. وَجَعَلُوهُ طَاحِنَ حُبُوبٍ فِي السِّجْنِ. لَكِنَّ شَعْرَ رَأسِهِ بَدَأ يَنْمُو مِنْ جَدِيدٍ. وَاحتَشَدَ سَادَةُ الفِلِسْطِيِّينَ لِيُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَبيرَةً لِإلَهِهِمْ دَاجُونَ، وَيَبْتَهِجُوا بِانْتِصَارِهِمْ، إذْ قَالُوا: «نَصَرَنَا إلَهُنَا عَلَى شَمْشُونَ.» فَلَمَّا رَآهُ الشَّعْبُ، سَبَّحُوا إلَهَهُمْ وَقَالُوا: «نَصَرَنَا إلَهُنَا عَلَى عَدُوِّنَا الَّذِي دَمَّرَ أرْضَنَا، وَقَتَلَ كَثِيرِينَ مِنْ شَعْبِنَا.» وَبَيْنَمَا كَانُوا يَلْهَونَ، قَالُوا: «أحْضِرُوا شَمْشُونَ ليُرَفِّهَ عَنَّا.» فأحْضَرُوا شَمْشُونَ مِنَ السِّجْنِ، فَقَدَّمَ أمَامَهُمْ عَرْضًا. ثُمَّ أوقَفُوهُ بَيِنَ عَمُودَينِ. فَقَالَ شَمْشُونُ لِلصَّبِيِّ المُمسِكِ بِيَدِهِ: «ضَعْنِي فِي مَكَانٍ أتَحَسَّسُ فِيهِ الأعمِدَةَ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا البَيتُ، فَأنَا أُرِيدُ أنْ أتَّكِئَ عَلَيْهَا.» وَكَانَ البَيتُ مَلِيئًا بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَكُلُّ سَادَةِ الفِلِسْطِيِّينَ هُنَاكَ. وَكَانَ عَلَى السَّطحِ نَحْوَ ثَلَاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ وَامْرَأةٍ يَتَفَرَّجُونَ عَلَى شَمْشُونَ وَهُوَ يُسَلِّيهِمْ بِعُرُوضِهِ. ثُمَّ صَرَخَ شَمْشُونُ إلَى اللهِ وَقَالَ: «أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، اذْكُرْنِي فِي وُقُوفِي هَذِهِ المَرَّةَ فَقَطْ يَا اللهُ، لِكَي أنتَقِمَ بِعَمَلٍ وَاحِدٍ مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ لِأنَّهُمْ فَقَأُوا عَينَيَّ.» ثُمَّ أمسَكَ شَمْشُونُ بِالعَمُودَينِ المُتَوَسِّطَينِ اللَّذَيْنِ يَقُومُ البَيتُ عَلَيْهِمَا. فَاسْتَنَدَ عَلَيْهِمَا، عَلَى وَاحِدٍ بِيُمنَاهُ، وَعَلَى الآخَرِ بِيُسْرَاهُ. ثُمَّ قَالَ شَمْشُونُ: «لِأمُتْ مَعَ الفِلِسْطِيِّينَ!» وَدَفَعَ العَمُودَينِ بِكُلِّ قُوَّتِهِ، فَانهَدَمَ البَيتُ عَلَى السَادَةِ وَكُلِّ النَّاسِ. فَكَانَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ أكْثَرَ مِنَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ أثْنَاءَ حَيَاتِهِ. ثُمَّ نَزَلَ إخْوَتُهُ وَكُلُّ عَائِلَتِهِ وَأخَذُوهُ، وَأصعَدُوهُ وَدَفَنُوهُ بَيْنَ صُرْعَةَ وَأشْتَأُولَ فِي قَبْرِ أبِيهِ مَنُوحَ. وَكَانَ شَمْشُونُ قَدْ قَضَى لِإسْرَائِيلَ مُدَّةَ عِشْرِينَ سَنَةً. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ مِنْ مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ اسْمُهُ مِيخَا. فَقَالَ لِأُمِّهِ: «أتَذْكُرِينَ الألفَ وَالمِئَةَ مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ الَّتِي سُرِقَتْ مِنْكِ، وَلَعَنْتِ سَارِقَهَا؟ قَدْ سَمِعْتُكِ تَلْعَنِينَ، وَهَا هِيَ الفِضَّةُ مَعِي، أنَا أخَذَتُهَا. وَهَا أنَا أرُدُّهَا إلَيكِ.» فَقَالَتْ أُمُّهُ: «ابْنِي مُبَارَكٌ مِنَ اللهِ !» وَأعَادَ الألفَ وَالمِئَةَ مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ إلَى أُمِّهِ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: «هَا أنَا آخُذُ هَذِهِ الفِضَّةَ وَأُخَصِّصُهَا للهِ ، فَسأُعيدُهَا إلَى ابْنِي مِنْ أجْلِ صُنْعِ تِمثَالٍ مِنْ مَعدَنٍ مَسْبُوكٍ.» فَرَدَّتِ الفِضَّةَ لِمِيخَا. لَكِنَّ مِيخَا أعَادَ الفِضَّةَ إلَى أُمِّهِ. فَأخَذَتْ مِئَتَي مِثْقَالٍ مِنْهَا وَأعطَتْهَا لِصَائِغِ الفِضَّةِ. فَسَبَكَ تِمثَالًا وَغَشَّاهُ بِالفِضَّةِ. فَوَضَعْتْهُ أُمُّهُ فِي بَيْتِ مِيخَا. وَكَانَ لِمِيخَا هَيْكَلٌ لِلعِبَادَةِ، وَصَنَعَ ثَوبَ كَهَنُوتٍ وَأوْثَانًا بَيْتِيَّةً. وَأعْطَى مَالًا لِأحَدِ أبنَائِهِ، فَصَارَ كَاهِنًا لَهُ. وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، مَلِكٌ فِي إسْرَائِيلَ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَفْعَلُ حَسَبَ مَا يَرَاهُ. وَكَانَ هُنَاكَ شَابٌّ مِنْ مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ مِنْ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا. وَهُوَ لَاوِيٌّ مُتَغَرِّبٌ وَسَطَ عَشِيرَةِ يَهُوذَا. غَادَرَ هَذَا الشَّابُ مَدِينَةَ بَيْتِ لَحْمٍ فِي يَهُوذَا، لِيَسْكُنَ حَيْثُ يَجِدُ لَهُ مَكَانًا. فَذَهَبَ إلَى مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ. وَفِي طَرِيقِهِ وَصَلَ إلَى بَيْتِ مِيخَا. فَقَالَ لَهُ مِيخَا: «مِنْ أيْنَ أنْتَ؟» فَقَالَ لَهُ: «أنَا لَاوِيٌّ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ فِي يَهُوذَا، وَأنَا مُرْتَحِلٌ لِكَي أسْتَقِرَّ حَيْثُمَا أجِدُ مَكَانًا.» فَقَالَ لَهُ مِيخَا: «امْكُثْ عِندِي، وَكُنْ لِي أبًا وَكَاهِنًا، وَسَأُعْطِيكَ عَشْرَةَ مَثَاقِيلَ مِنَ الفِضَّةِ كُلَّ سَنَةٍ، عَدَا مَلَابِسِكَ وَطَعَامِكَ.» فَمَكَثَ اللَّاوِيُّ عِنْدَهُ. وَافَقَ اللَّاوِيُّ عَلَى أنْ يَسْكُنَ عِنْدَ الرَّجُلِ، وَصَارَ لِمِيخَا كَأحَدِ أبْنَائِهِ. وَأعْطَى مِيخَا اللَّاوِيَّ مَالًا، فَصَارَ الشَّابُّ كَاهِنًا لَهُ، وَعَاشَ فِي بَيْتِ مِيخَا. حِينَئِذٍ، قَالَ مِيخَا: «الآنَ تَأكَّدْتُ أنَّ اللهَ سَيَصْنَعُ مَعِي خَيْرًا، فَقَدْ صَارَ اللَّاوِيُّ كَاهِنًا لِي.» لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، مَلِكٌ عَلَى إسْرَائِيلَ. وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كَانَتْ قَبِيلَةُ دَانٍ تَسْعَى لِلحُصُولِ عَلَى أرَاضٍ تَسْكُنُ فِيهَا. إذْ لَمْ تَكُنْ حَتَّى ذَلِكَ الوَقْتِ قَدْ خُصِّصَتْ أرَاضٍ لَهَا بَيْنَ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. فَأرْسَلَ الدَّانِيُّونَ خَمْسَةَ رِجَالٍ شُجعَانٍ مِنْ كُلِّ قَبِيلَتِهِمْ، مِنْ صُرْعَةَ وَمِنْ أشْتَأُولَ لِيَتَفَحَّصُوا الأرْضَ وَيَسْتَكْشِفُوهَا، وَقَالُوا لَهُمْ: «اذْهَبُوا وَاستَكْشِفُوا الأرْضَ!» فَذَهَبُوا إلَى مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ، حَتَّى وَصَلُوا إلَى بَيْتِ مِيخَا، فَبَاتُوا لَيلَتَهُمْ هُنَاكَ. وَبَيْنَمَا هُمْ فِي بَيْتِ مِيخَا، مَيَّزُوا لَهجَةَ اللَّاوِيِّ الشَّابِ، فَذَهَبُوا إلَيْهِ وَسَألُوهُ: «مَنْ أحضَرَكَ إلَى هُنَا؟ وَمَاذَا تَفْعَلُ فِي هَذَا المَكَانِ؟ وَمَاذَا لَكَ فِيهِ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «لَقَدْ فَعَلَ مِيخَا كَذَا وَكَذَا لِي وَوَظَّفَنِي، فَصِرْتُ كَاهِنَهُ.» فَقَالُوا لَهُ: «اسْتِفْسِرْ مِنَ اللهِ لِكَي تَعْرِفَ إنْ كُنَّا سَنَنجَحُ فِي مَسعَانَا.» فَقَالَ الكَاهِنُ لَهُمْ: «اذْهَبُوا بِسَلَامٍ، فَاللهُ سَاهِرٌ عَلَى مَسعَاكُمْ.» فَذَهَبَ الرِّجَالُ الخَمْسَةُ. وَلَمَّا وَصَلُوا إلَى لَايِشَ، رَأوْا الشَّعْبَ هُنَاكَ سَاكِنِينَ بِأمَانٍ حَسَبَ حُكْمِ الصَّيدُونِيِّينَ. كَانُوا يَسْكُنُونَ فِي هُدُوءٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُفسِدُ فِي الأرْضِ، وَلَا حَاكِمٌ ظَالِمٌ. وَكَانُوا بَعِيدِينَ عَنِ الصَّيدُونِيِّينَ، وَلَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أرَامَ مُعَاهَدَةٌ. فَجَاءُوا إلَى أقرِبَائِهِمْ فِي صُرْعَةَ وَأشْتَأُولَ، فَسَألَهُمْ أقرِبَاؤُهُمْ: «مَاذَا لَدَيْكُمْ مِنْ أخْبَارٍ؟» فَقَالُوا: «قُومُوا نَذْهَبْ لِنَهجُمَ عَلَيْهِمْ. فَقَدْ رَأينَا الأرْضَ وَهِيَ جَيِّدَةٌ جِدًّا. ألَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا؟ لَا تَتَبَاطَأُوا، بَلِ ادخُلُوا الأرْضَ وَامتَلِكُوهَا. عِنْدَمَا تَذْهَبُونَ، سَتَأْتُونَ إلَى شَعْبٍ مُطمَئِنٍّ، وَالأرْضُ مَفتُوحَةٌ أمَامَكُمْ، إذْ ضَمِنَ اللهُ لَكُمُ السَّيطَرَةَ عَلَيْهَا. هِيَ مَكَانٌ فِيهِ مِنْ كُلِّ خَيرَاتِ الأرْضِ.» فَانطَلَقَ سِتُّ مِئَةِ رَجُلٍ مِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ مُسَلَّحِينَ لِلحَرْبِ، مِنْ صُرْعَةَ وَأشْتَأُولَ. وَذَهَبُوا وَخَيَّمُوا عِنْدَ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ فِي يَهُوذَا. وَلِهَذَا سُمِّيَ ذَلِكَ المَكَانُ «مُخَيَّمَ دَانٍ» حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. وَهِيَ تَقَعُ إلَى الشَّرْقِ مِنْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ. وَمِنْ مُخَيَّمِ دَانٍ، عَبَرُوا إلَى مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ، وَجَاءُوا إلَى بَيْتِ مِيخَا. ثُمَّ تَكَلَّمَ الرِّجَالُ الخَمْسَةُ الَّذِينَ سَبَقَ أنْ ذَهَبُوا لَاسْتِكْشَافِ الأرْضِ، وَقَالُوا لِأقرِبَائِهِمْ: «هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ يُوجَدُ فِي هَذِهِ البُيُوتِ ثَوبٌ كَهَنُوتِيٌّ وَأصْنَامٌ بَيْتِيَّةٌ وَوَثَنٌ مَسْبُوكٌ مِنْ مَعدَنٍ؟ فَقَرِّرُوا الآنَ مَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَلُوهُ.» فَانعَطَفُوا إلَى ذَلِكَ الِاتِّجَاهِ. وَجَاءُوا إلَى بَيْتِ اللَّاوِيِّ الشَّابِّ، بَيْتِ مِيخَا. وَألقَوْا عَلَيْهِ التَّحِيَّةَ. وَكَانَ الرِّجَالُ الدَّانِيُّونَ المُسَلَّحُونَ السِّتُّ مِئَةٍ وَاقِفِينَ عِنْدَ مَدْخَلِ البَوَّابَةِ. فَدَخَلَ الرِّجَالُ الخَمْسَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا أنِ اسْتَكْشَفُوا الأرْضَ، وَأخَذُوا التِّمثَالَ المَسْبُوكَ وَالثَّوبَ الكَهَنُوتِيَّ وَالأصْنَامَ البَيْتِيَّةَ. وَكَانَ الكَاهِنُ وَاقِفًا عِنْدَ مَدْخَلِ البَوَّابَةِ مَعَ الرِّجَالِ السِّتِّ مِئَةٍ المُسَلَّحِينَ لِلحَرْبِ. فَلَمَّا دَخَلَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ بَيْتَ مِيخَا، وَأخَذُوا الصَّنَمَ وَالثَّوبَ الكَهَنُوتِيَّ وَالأصْنَامَ البَيْتِيَّةَ وَالتِّمثَالَ المَسْبُوكَ، قَالَ الكَاهِنُ لَهُمْ: «مَا الَّذِي تَفْعَلُونَهُ؟» فَقَالُوا لَهُ: «اصْمِتْ! أغْلِقْ فَمَكَ وَتَعَالَ مَعَنَا، وَكُنْ أبًا وَكَاهِنًا لَنَا. أتُفَضِّلُ أنْ تَكُونَ كَاهِنًا لِبَيْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى أنْ تَكُونَ كَاهِنًا لِقَبِيلَةٍ وَعَشِيرَةٍ فِي إسْرَائِيلَ؟» فَسُرَّ الكَاهِنُ بِهَذَا الكَلَامِ، وَأخَذَ الثَّوبَ الكَهَنُوتِيَّ وَالأصْنَامَ البَيْتِيَّةَ وَالصَّنَمَ، وَمَضَى مَعَهُمْ. فَاسْتَدَارُوا وَمَضَوْا فِي طَرِيقِهِمْ، وَوَضَعُوا صِغَارَهُمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَمُمْتَلَكَاتِهِمْ فِي المُقَدِّمَةِ. وَكَانُوا بَعِيدِينَ جِدًّا عَنْ بَيْتِ مِيخَا عِنْدَمَا اسْتُدعِيَ الرِّجَالُ السَّاكِنُونَ فِي البُيُوتِ قُرْبَ بَيْتِ مِيخَا، لَكِنَّهُمْ أدرَكُوا الدَّانِيِّينَ. وَنَادُوا عَلَى الدَّانِيِّينَ، فَالْتَفَتَ الدَّانِيُّونَ وَقَالُوا لِمِيخَا: «مَا لَكَ قَدِ اسْتَدْعَيتَ رِجَالَكَ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «لَقَدْ أخَذْتُمْ آلِهَتِي الَّتِي صَنَعْتُهَا وَكَاهِنِي وَغَادَرْتُمْ. فَمَاذَا تَبَقَّى لِي؟ وَكَيْفَ تَقُولُونَ لِي: ‹مَا لَكَ؟›» فَقَالَ لَهُ الدَّانِيُّونَ: «لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ بَيننَا، وَإلَّا هَاجَمَكَ رِجَالٌ غَاضِبُونَ، وَقَتَلُوكَ أنْتَ وَأهْلَ بَيْتِكَ.» ثُمَّ مَضَى الدَّانِيُّونَ فِي طَرِيقِهِمْ. فَلَمَّا رَأى مِيخَا أنَّهُمْ أقوَى مِنْهُ، عَادَ إلَى بَيْتِهِ. وَهَكَذَا أخَذَ الدَّانِيُّونَ مَا صَنَعَهُ مِيخَا، وَأخَذُوا كَاهِنَهُ. وَجَاءُوا إلَى لَايِشَ حَيْثُ يَسْكُنُ شَعْبٌ مُسَالِمٌ مُطمَئِنٌّ، وَقَتَلُوهُمْ بِسُيُوفِهِمْ، وَأحرَقُوا المَدِينَةَ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُنْقِذُهُمْ، لِأنَّهُمْ بَعِيدِينَ عَنْ صَيدُونَ. وَلَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أرَامَ أيَّةُ مُعَاهَدَةٍ. وَكَانَتِ المَدِينَةُ فِي الوَادِي الَّذِي يَعُودُ إلَى بَيْتِ رَحُوبَ. وَأعَادُوا بِنَاءَ المَدِينَةِ، وَاستَقَرُّوا فِيهَا. وَسَمُّوا المَدِينَةَ دَانًا عَلَى اسْمِ جَدِّهِمْ دَانٍ بْنِ يَعْقُوبَ. وَلَكِنَّ اسْمَ المَدِينَةِ الأصلِيَّ هُوَ لَايِشُ. ثُمَّ نَصَبَ الدَّانِيُّونَ الصَّنَمَ لِأنْفُسِهِمْ. وَخَدَمَ يُونَاثَانُ بْنُ جَرشُومَ بْنُ مُوسَى وَأبْنَاؤُهُ كَكَهَنَةٍ لِعَشِيرَةِ الدَّانِيِّينَ حَتَّى سُبْيَ بَنوْ إسْرَائِيلَ مِنَ أرْضِهِمْ. وَهَكَذَا نَصَبُوا لِأنفُسِهِمُ الصَّنَمَ الَّذِي صَنَعَهُ مِيخَا، طَوَالَ المُدَّةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا بَيْتُ اللهِ فِي شِيلُوهَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَلِكٌ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَكَانَ هُنَاكَ لَاوِيٌّ مُتُغَرِّبٌ فِي أقَاصِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ، فَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ فِي يَهُوذَا زَوْجَةً لَهُ. فَخَانَتْهُ جَارِيَتُهُ، وَذَهَبَتْ إلَى بَيْتِ أبِيهَا فِي بَيْتِ لَحْمٍ فِي يَهُوذَا، وَبَقِيَتْ هُنَاكَ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ. فَذَهَبَ إلَيْهِا زَوْجُهَا، إذْ أرَادَ أنْ يُطَيِّبَ خَاطِرَهَا وَيَرُدَّهَا. وَكَانَ مَعْهُ خَادِمُهُ وَحِمَارَانِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ إلَى بَيْتِ أبِيهَا، رَآهُ أبُوهَا فَخَرَجَ لِاسْتِقبَالِهِ بِفَرَحٍ. وَأقْنَعَهُ حَمُوهُ، أبُو الصَّبِيَّةِ، بِأنْ يَبْقَى لَدَيهِ. فَمَكَثْ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ. وَهَكَذَا، أكَلَ وَشَرِبَ وَبَاتَ لَيَالِيَهُ هُنَاكَ. وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعِ نَهَضَ بَاكِرًا وَاسْتَعَدَّ لِلذَّهَابِ، لَكِنَّ أبَا الصَّبِيَّةِ قَالَ لِصِهْرِهِ: «كُلْ بَعْضَ الطَّعَامِ لِكَي تَتَقَوَّى. وَبَعْدَ ذَلِكَ يُمكِنُكَ الذَّهَابُ.» فَجَلَسَ الرَّجُلَانِ يَأْكُلَانِ وَيَشْرَبَانِ مَعًا. فَقَالَ أبُو الصَّبِيَّةِ لِصِهْرِهِ: «اقبَلْ دَعوَتِي وَبِتِ اللَّيلَةَ هُنَا وَمَتِّعْ نَفْسَكَ.» فَلَمَّا اسْتَعَدَّ الرَّجُلُ لِلذَّهَابِ، ظَلَّ حَمُوهُ يُلِحُّ عَلَيْهِ لِكَي يَبْقَى، فَبَقِيَ وَبَاتَ هُنَاكَ. وَنَهَضَ بَاكِرًا فِي صَبَاحِ اليَوْمِ الخَامِسِ لِيَذْهَبَ، فَقَالَ لَهُ وَالِدُ الصَّبِيَّةِ: «قَوِّ نَفْسَكَ بِشَيءٍ مِنَ الطَّعَامِ.» فَبَقِيَ حَتَّى وَقْتٍ مُتَأخِّرٍ مِنْ بَعدِ الظُّهْرِ، وَأكَلَ الِاثْنَانِ وَشَرِبَا. وَلَمَّا اسْتَعَدَّ الرَّجُلُ لِلمُغَادَرَةِ مَعَ جَارِيَتِهِ وَخَادِمِهِ، قَالَ لَهُ حَمُوهُ، أبُو الصَّبِيَّةِ: «هَا قَدِ اقْتَرَبَ المَسَاءُ، فَابقَ هُنَا اللَّيلَةَ. هَا هُوَ النَّهَارُ قَدْ مَضَى، فَاقْضِ اللَّيلَةَ هُنَا وَاستَرِحْ. وَفِي الغَدِ تَصْحُوَ بَاكِرًا لِرِحلَتِكَ، وَتَذْهَبُ إلَى بَيْتِكَ.» لَكِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَرْضَ أنْ يَبِيتَ لَيلَتَهُ هُنَاكَ. فَقَامَ وَذَهَبَ، وَوَصَلَ إلَى مَكَانٍ مُقَابِلَ يَبُوسَ – أيْ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَكَانَ مَعَهُ حِمَارَانِ مُسْرَجَانِ. وَكَانَتْ جَارِيَتُهُ أيْضًا مَعَهُ. وَإذِ اقْتَرَبُوا مِنْ يَبُّوسَ، وَكَادَ النَّهَارُ أنْ يَمْضَيَ، قَالَ الخَادِمُ لِسَيِّدِهِ: «لِنَذْهَبْ إلَى هَذِهِ المَدِينَةِ اليَبُوسِيَّةِ، وَنَبِتِ اللَّيلَةَ هُنَاكَ.» فَقَالَ لَهُ سَيّدُهُ: «لَنْ نَذْهَبَ إلَى مَدِينَةٍ غَرِيبَةٍ لِيسَ أهْلُهَا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَلْنُواصِلْ طَرِيقَنَا إلَى جِبْعَةَ.» وَقَالَ لِخَادِمِهِ: «تَعَالَ، لِنَقْتَرِبْ مِنْ أحَدِ هَذِهِ الأمَاكِنِ، وَلْنَبِتِ اللَّيلَةَ فِي جِبْعَةَ أوْ فِي الرَّامَةِ.» فَوَاصَلُوا طَرِيقَهُمْ. وَغَرُبَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِمْ قُرْبَ جِبْعَةَ الَّتِي لِقَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. وَهُنَاكَ انعَطَفُوا لِلدُّخُولِ إلَى جِبْعَةَ وَالمَبِيتِ فِيهَا. فَدَخَلُوا وَجَلَسُوا فِي مَيدَانِ المَدِينَةِ. لَكِنْ لَمْ يَدْعُهُمْ أحَدٌ إلَى بَيْتِهِ. وَفِي المَسَاءِ كَانَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فِي السِّنِّ قَادِمًا مِنْ عَمَلِهِ فِي الحَقْلِ. وَهُوَ مِنْ مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ. وَكَانَ مِنَ الغُرَبَاءِ المُقِيمِينَ فِي جِبْعَةَ. وَكَانَ سُكَّانُ المَكَانِ مِنْ بَنِي بَنْيَامِينَ. فَلَمَّا نَظَرَ وَرَأى المُسَافِرِينَ فِي مَيدَانِ المَدِينَةِ، قَالَ الشَّيخُ: «إلَى أيْنَ أنْتُمْ ذَاهِبُونَ؟ وَمِنْ أيْنَ أنْتُمْ؟» فَقَالَ لَهُ اللَّاوِيُّ: «نَحْنُ مُسَافِرونَ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ فِي يَهُوذَا إلَى أقَاصِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ. وَأنَا مِنْ أفْرَايِمَ. ذَهَبْتُ إلَى بَيْتِ لَحْمٍ فِي يَهُوذَا. وَأنَا عَائِدٌ الآنَ إلَى بَيْتِي. لَكِنْ يَبْدُو أنْ لَا أحَدَ يُرِيدُ أنْ يَدْعُونِي إلَى بَيْتِهِ! مَعِي تِبْنٌ وَحُبُوبٌ لِحِمَارَينَا. وَمَعِي خُبْزٌ وَنَبِيذٌ لِلمَرْأةِ وَالخَادِمِ اللَّذَيْنِ مَعِي، أنَا خَادِمَكَ، فَلَا يَنْقُصُنَا شَيءٌ.» فَقَالَ الشَّيخُ: «مَرْحَبًا بِكَ فِي بَيْتِي. أنَا سَأهتَمُّ بِكُلِّ احتِيَاجَاتِكَ. لَكِنْ لَا تُمْضِ اللَّيلَةَ فِي مَيدَانِ المَدِينَةِ.» فَأتَى بِهِ إلَى بَيْتِهِ، وَعَلَفَ الحِمَارَينِ، وَغَسَلَ أقْدَامَهُمْ. وَأكَلُوا وَشَرِبُوا. وَبَيْنَمَا كَانُوا يَقْضُونَ وَقْتًا طَيِّبًا، جَاءَ بَعْضُ الرِّجَالِ الأشْرَارِ مِنَ المَدِينَةِ، وَأحَاطُوا بِالبَيْتِ، وَبَدَأُوا يَدُقُّونَ بِقُوَّةٍ عَلَى البَابِ، وَقَالُوا لِلشَّيخِ صَاحِبِ البَيْتِ: «أخْرِجِ الرَّجُلَ الَّذِي جَاءَ إلَى بَيْتِكَ كَي نُعَاشِرَهُ!» فَخَرَجَ صَاحِبُ البَيْتِ إلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: «لَا يَا إخْوَتِي، لَا تَفْعَلُوا مِثْلَ هَذَا الأمْرِ القَبِيحِ! هَذَا الرَّجُلُ دَخَلَ بَيْتِي، وَلَا يَجُوزُ أنْ تَفْعَلُوا هَذَا العَمَلَ المُخزِي الأخرَقَ. هَا ابْنَتِي العَذْرَاءُ، وَهُنَاكَ جَارِيَتُهُ أيْضًا، فَدَعُونِي أُخْرِجُهُمَا لَكُمْ، وَافْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْلُو لَكُمْ. لَكِنْ لَا تَفْعَلُوا هَذَا العَمَلَ المُخزِي الأخرَقَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ.» فَلَمْ يَشَأ الرِّجَالُ أنْ يُصغُوا إلَيْهِ. فَأمسَكَ الرَّجُلُ بِجَارِيَتِهِ، وَدَفَعَهَا خَارِجًا إلَيْهِمْ، فَعَاشَرُوهَا، وَعَذَّبُوهَا طَوَالَ اللَّيلِ حَتَّى الصَّبَاحِ. ثُمَّ أطلَقُوهَا عِنْدَ اقتِرَابِ الفَجرِ. وَمَعَ اقتِرَابِ الصَّبَاحِ، جَاءَتِ المَرْأةُ وَوَقَعَتْ عِنْدَ مَدْخَلِ بَيْتِ الشَّيخِ حَيْثُ كَانَ سَيِّدُهَا، وَبَقِيَتْ هُنَاكَ حَتَّى طَلَعَ ضَوْءُ الصَّبَاحِ. فَنَهَضَ سَيِّدُهَا فِي الصَّبَاحِ، وَفَتَحَ أبوَابَ البَيْتِ، وَخَرَجَ لِيَمْضِيَ فِي طَرِيقِهِ. فَإذَا بِهِ يَرَى المَرْأةَ جَارِيَتَهُ مَمدُودَةً عِنْدَ مَدْخَلِ البَيْتِ، وَيَدَاهَا عَلَى العَتَبَةِ. فَقَالَ لَهَا: «انْهَضِي، وَلْنَذْهَبْ.» وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ جَوَابٍ. فَرَفَعَهَا وَوَضَعَهَا عَلَى الحِمَارِ، وَانطَلَقَ إلَى مَكَانِهِ. وَلَمَّا وَصَلَ إلَى بَيْتِهِ، أخَذَ سِكِّينًا، وَأمسَكَ بِجَارِيَتِهِ، وَقَطَّعَهَا مَعَ عِظَامِهًا، اثنَتَيْ عَشْرَةَ قِطعَةً، وَأرْسَلَ قِطَعَ جَارِيَتِهِ إلَى جَمِيعِ أرَاضِي بَنِي إسْرَائِيلَ. وَكُلُّ مَنْ رَآهَا كَانَ يُقُولُ: «لَمْ يَحْدُثْ شَيءٌ مِثْلُ هَذَا قَطُّ مُنْذُ أنْ صَعِدَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. فَكِّرُوا فِي أمْرِهَا، نَاقِشُوا الأمْرَ بَيْنَكُمْ. وَقُولُوا لَنَا مَاذَا يَنْبَغِي أنْ نَفعَلَ.» فَخَرَجَ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ دَانٍ إلَى بِئْرِ السَّبْعِ، بِمَا فِي ذَلِكَ أرْضُ جِلْعَادَ. وَاجتَمَعُوا كُلُّهُمْ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي المِصْفَاةِ. وَأخَذَ قَادَةُ الشَّعْبِ أمَاكِنَهُمْ فِي اجتِمَاعِ شَعْبِ اللهِ، فَكَانُوا أرْبَعَ مِئَةِ ألْفِ رَجُلٍ مِنَ المُشَاةِ حَامِلِي السُّيُوفِ. وَسَمِعَ البَنْيَامِينِيُّونَ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ قَدْ ذَهَبُوا إلَى المِصْفَاةِ، وَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِلِاوِي: «أخبِرْنَا كَيْفَ حَدَثَ هَذَا الأمْرُ الشِّرِّيرُ؟» فَأجَابَ اللَّاوِي زَوْجُ المَرْأةِ المَقْتُولَةِ: «جِئْتُ إلَى جِبعَةَ الَّتِي تَخُصُّ بَنِي بَنْيَامِينَ مَعَ جَارِيَتِي لِنَبِيتَ هُنَاكَ، فَقَامَ سَادَةُ جِبْعَةَ عَلَيْنَا، وَأحَاطُوا البَيْتَ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ بِسَبَبِي. أرَادُوا أنْ يَقْتُلُونِي. وَاغتَصَبُوا جَارِيَتِي فَمَاتَتْ. فَأخَذْتُ جَارِيَتِي، وَقَطَّعْتُهَا قِطَعًا، وَأرسَلْتُهَا فِي كُلِّ أنْحَاءِ أرَاضِي بَنِي إسْرَائِيلَ، لِأنَّهُمُ ارتَكَبُوا هَذَا العَمَلَ الشِّرِّيرَ المَخزِيَ وَالأخرَقَ. فَالآنَ يَا كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ، مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَقَامَ كُلُّ الشَّعْبِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: «لَنْ يَذْهَبَ أحَدٌ مِنَّا إلَى خَيْمَتِهِ، وَلَنْ يَعُودَ أحَدٌ إلَى بَيْتِهِ. أمَّا الآنَ، فَهَذَا هُوَ مَا سَنَفعَلُهُ بِجِبْعَةَ، سَنُلْقِي قُرعَةً لِنَعْرِفَ مَا سَنَفعَلُهُ بِهَا. سَنَختَارُ عَشْرَةً مِنْ كُلِّ مِئِةِ رَجُلٍ مِنْ كُلِّ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. سَنَختَارُ مِئَةً مِنْ كُلِّ ألْفِ رَجُلٍ. ألْفًا مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ آلَافِ رَجُلٍ. وَسَتَكُونُ مَهَمَّةُ هَؤُلَاءِ أنْ يَجْلِبُوا المُؤَنَ لِلجَيْشِ. وَبِهَذَا يَسْتَطِيعُ الجَيْشُ أنْ يَنْتَقِمَ مِنْ جِبْعَةَ بِسَبَبِ العَمَلِ المُخزِي الَّذِي ارتَكَبُوهُ وَسَطَ بَنِي إسْرَائِيلَ.» فَاحْتَشَدَ كُلُّ رِجَالِ بَنِي إسْرَائِيلَ ضِدَّ المَدِينَةِ، مُتَّحِدِينَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ. وَأرسَلَتْ قَبَائِلُ إسْرَائِيلَ رِجَالًا إلَى جَمِيعِ عَشَائِرِ بَنْيَامِينَ وَقَالُوا لَهُمْ: «مَا هَذَا الأمْرُ الشِّرِّيرُ الَّذِي ارْتُكِبَ بَيْنَكُمْ؟ وَالْآنَ سَلِّمُونَا هَؤلَاءِ الرِّجَالَ الأشْرَارَ لِكَي نَقتُلَهُمْ، وَنُطَهِّرَ إسْرَائِيلَ مِنَ الشَّرِّ.» لَكِنَّ البَنْيَامِينِيِّينَ لَمْ يَشَاءُوا أنْ يَسْتَجِيبُوا لِطَلَبِ أقرِبَائِهِمْ، بَنِي إسْرَائِيلَ. فَخَرَجَ البَنْيَامِينِيُّونَ مِنَ المُدُنِ، وَاحتَشَدُوا فِي جِبْعَةَ لِكَي يَخْرُجُوا لِلحَرْبِ ضِدَّ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَحَشَدَ البَنْيَامِينِيُّونَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مِنْ مُدُنِهِمْ سِتَّةً وَعِشْرِينَ ألْفَ جُندِيٍّ مِنْ حَمَلَةِ السُّيُوفِ. فَضلًا عَنْ سَبعِ مِئَةِ رَجُلٍ مُدَرَّبٍ مِنْ أهْلِ جِبعَةَ. كَمَا كَانَ هُنَاكَ سَبْعُ مِئَةٍ رَجُلٍ مُدَرَّبِينَ عَلَى اسْتِخدَامِ يَدِهِمُ اليُسْرَى فِي القِتَالِ، بِاسْتِطَاعَةِ الوَاحِدِ مِنْهُمْ أنْ يَقْذِفَ حَجَرًا بِمِقلَاعٍ عَلَى شَعْرَةٍ فَيُصِيبَهَا! وَحَشَدَ بَنُو إسْرَائِيلَ، دُونَ بَنِي بَنْيَامِينَ، أرْبَعَ مِئَةِ ألْفِ رَجُلٍ مِنْ حَمَلَةِ السُّيُوفِ. وَهُمْ جَمِيعًا مُحَارِبُونَ مُدَرَّبُونَ. فَاسْتَعَدُّوا وَذَهَبُوا إلَى بَيْتِ إيلَ. وَسَألَ بَنُو إسْرَائِيلَ اللهَ: «مَنْ تُرِيدُ أنْ يَذْهَبَ مِنَّا أوَّلًا لِلمَعرَكَةِ مَعَ البَنْيَامِينِيِّينَ؟» فَقَالَ اللهُ : «لِيَذْهَبْ بَنُو يَهُوذَا أوَّلًا.» فَقَامَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي الصَّبَاحِ وَخَيَّمُوا قُرْبَ جِبْعَةَ. وَخَرَجَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِلمَعرَكَةِ ضِدَّ بَنِي بَنْيَامِينَ، وَاصْطَفَّ بَنُو إسْرَائِيلَ لِلمَعرَكَةِ مَعَهُمْ عِنْدَ جِبَعَةَ. وَخَرَجَ البَنْيَامِينِيُّونَ مِنْ جِبْعَةَ، وَقَتَلُوا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ اثنَيْنِ وَعِشْرِينَ ألْفَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي مَيدَانِ المَعْرَكَةِ. فَاسْتَجْمَعَ رِجَالُ إسْرَائِيلَ شَجَاعَتَهُمْ، وَاصْطَفُّوا مَرَّةً أُخْرَى لِلمَعرَكَةِ فِي المَكَانِ نَفْسِهِ الَّذِي اصطَفُّوا فِيهِ فِي اليَوْمِ الأوَّلِ. وَكَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ قَدْ ذَهَبُوا وَبَكُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ حَتَّى المَسَاءِ، وَسَألُوا اللهَ : «هَلْ نَتَقَدَّمُ مَرَّةً أُخْرَى لِلمَعرَكَةِ مَعَ أقرِبَائِنَا، بَنِي بَنْيَامِينَ؟» فَقَالَ اللهُ : «تَقَدَّمُوا.» فَتَقَدَّمَ بَنُو إسْرَائِيلَ نَحْوَ بَنِي بَنْيَامِينَ فِي اليَوْمِ الثَّانِي. وَخَرَجَ بَنُو بَنْيَامِينَ لِلِقَائِهِمْ فِي جِبْعَةَ فِي اليَوْمِ الثَّانِي، فَقَتَلُوا أيْضًا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ألْفَ رَجُلٍ مِنْ حَمَلَةِ السُّيُوفِ، فِي مَيدَانِ المَعْرَكَةِ. فَخَرَجَ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ، أيِ الجَيْشُ كُلُّهُ، وَوَصَلُوا إلَى بَيْتِ إيلَ. وَبَكُوا، وَجَلَسُوا هُنَاكَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَصَامُوا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ حَتَّى المَسَاءِ. ثُمَّ قَدَّمُوا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً، وَذَبَائِحَ سَلَامٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَسألَ بَنُو إسْرَائِيلَ اللهَ – وَكَانَ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ هُنَاكَ فِي تِلْكَ الأيَّامِ، وَكَانَ فِينْحَاسُ بْنُ ألِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ يَخْدِمُ كَاهِنًا أمَامَ صُنْدُوقِ العَهْدِ فِي تِلْكَ الأيَّامِ – فَسَألُوا اللهَ : «هَلْ نَخرُجُ ثَانِيَةً لِنُقَاتِلَ بَنِي بَنْيَامِينَ، أمْ نَتَوَقَّفُ؟» فَقَالَ اللهُ : «اصعَدُوا، فَغَدًا سَأُعِينُكُمْ عَلَى هَزِيمَتِهِمْ.» فَوَضَعَ بَنُو إسْرَائِيلَ رِجَالًا يَكْمُنُونُ حَوْلَ جِبْعَةَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ بَنُو إسْرَائِيلَ ضِدَّ بَنِي بَنْيَامِينَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، وَاصْطَفُّوا ضِدَّ جِبْعَةَ كَمَا فِي السَّابِقِ. وَلَمَّا خَرَجَ بَنُو بَنْيَامِينَ لِلِقَاءِ قُوَّاتِ إسْرَائِيلَ، تَمَّ اسْتِدْرَاجُهُمْ بَعِيدًا عَنِ المَدِينَةِ. وَبَدَأُوا يُهَاجِمُونَ وَيَقْتُلُونَ بَعْضَ الرِّجَالِ مِنَ الجَيْشِ عَلَى الطَّرِيقَينِ الرَّئيسَينِ كَمَا فَعَلُوا فِي السَّابِقِ. وَكَانَ أحَدُ الطَّريقَينِ يُؤدِّي إلَى بَيْتِ إيلَ، وَالآخَرُ إلَى جِبْعَةَ. وَكَانُوا يُهَاجِمُونَ أيْضًا فِي العَرَاءِ، فَقَتَلُوا نَحْوَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَفَكَّرَ بَنُو بَنْيَامِينَ فِي أنْفُسِهِمْ: «إنَّ الغَلَبَةَ لَنَا كَالسَّابِقِ.» لَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ قَالُوا: «لِنَتَرَاجَعْ وَنَسْتَدْرِجْهُمْ بَعِيدًا عَنْ المَدِينَةِ نَحْوَ الطُّرُقَاتِ.» ثُمَّ قَامَ كُلُّ مُقَاتِلٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ مَوقِعِهِ، وَاصْطَفُّوا لِلقِتَالِ عِنْدَ بَعلِ ثَامَارَ. وَانطَلَقَتِ الكَمَائِنُ بِقُوَّةٍ مِنْ مَوقِعِهَا بِجِوَارِ جَبَعَ. وَهَجَمَ هَؤُلَاءِ عَلَى جِبْعَةَ. وَكَانُوا عَشْرَةَ آلَافٍ مِنَ الجُنُودِ المُنتَخَبِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَدَارَتْ مَعرَكَةٌ حَامِيَةٌ. غَيْرَ أنَّ بَنِي بَنْيَامِينَ لَمْ يَكُونُوا يُدرِكُونَ أنَّ الكَارِثَةَ قَدْ أدرَكَتْهُمْ. فَهَزَمَ اللهُ بَنِي بَنْيَامِينَ أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَضَى بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشرِينَ ألْفًا وَمِئَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي بَنْيَامِينَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. وَكُلُّهُمْ مِنْ حَمَلَةِ السُّيُوفِ. حِينَئِذٍ، أدرَكَ بَنُو بَنْيَامِينَ أنَّهُمْ هُزِمُوا. وَأفسَحَ بَنُو إسْرَائِيلَ مَجَالًا لِبَنِي بَنْيَامِينَ لِيَخْرُجُوا. لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى القُوَّاتِ الكَامِنَةِ الَّتِي تَمَرْكَزَتْ ضِدَّ جِبعَةَ. فَاندَفَعَتْ قُوَّاتُ الكَمَائِنِ إلَى جِبْعَةَ. وَانتَشَرَتِ القُوَّاتُ الكَامِنَةُ. وَقَتَلُوا بِسُيُوفِهِمْ كُلَّ مَنْ فِي المَدِينَةِ. وَقَضَى اتِّفَاقُ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَ الكَمِينِ الرَّئِيسيِّ بِأنْ يُصعِدُوا إشَارَةَ دُخَانٍ مِنَ المَدِينَةِ. وَبَعْدَ هَذَا تَدْخُلُ بَقِيَّةُ قُوَّاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ المَعرَكَةَ. كَانَ بَنُو بَنْيَامِينَ البَادِئِينَ بِالهُجُومِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ نَحْوَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، وَفَكَّرُوا بِالفِعْلِ: «إنَّنَا نَهزِمُهُمْ هَزِيمَةً مُنكَرَةً، كَمَا حَدَثَ فِي المَعْرَكَةِ الأُولَى!» لَكِنْ بَدَأتِ الإشَارَةُ، أيْ عَمُودُ الدُّخَانِ، تَرْتَفِعُ مِنَ المَدِينَةِ. وَلَمَّا نَظَرَ بَنُو بَنْيَامِينَ وَرَاءَهُمْ، رَأوْا المَدِينَةَ كُلَّهَا تَتَصَاعَدُ دُخَانًا نَحْوَ السَّمَاءِ! فَاسْتَدَارَ بَنُو إسْرَائِيلَ، وَذُعِرَ بَنُو بَنْيَامِينَ، لِأنَّهُمْ أدرَكُوا أنَّ كَارِثَةً قَدْ حَلَّتْ بِهِمْ. وَابْتَعَدُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مُتَّجِهِينَ نَحْوَ البَرِّيَّةِ، لَكِنَّ القِتَالَ أدرَكَهُمْ هُنَاكَ، وَكَانَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنَ المَدِينَةِ يَقْضُونَ عَلَيْهِمْ هُنَاكَ فِي الوَسَطِ. وَحَاصَرُوا بَنِي بَنْيَامِينَ، وَطَارَدُوهُمْ مِنْ نُوحَةَ، وَسَحَقُوهُمْ تَمَامًا حَتَّى مَكَانٍ إلَى الشِّرْقِ مِنْ جِبْعَةَ. فَقُتِلَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ألْفًا، كُلُّهُمْ مِنَ المُحَارِبِينَ الشُّجعَانِ. وَلَمَّا انعَطَفُوا وَهَرَبُوا إلَى البَرِّيَّةِ، إلَى صَخرَةِ رِمُّونَ، قَتَلُوهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا عَلَى الطُّرُقَاتِ الرَّئِيسِيَّةِ. وَطَارَدُوهُمْ حَتَّى جِدْعُومَ، فَقَتَلُوا عِشْرِينَ ألْفًا مِنْهُمْ هُنَاكَ. فَكَانَ كُلُّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ألْفَ رَجُلٍ مِنْ حَمَلَةِ السُّيُوفِ، كُلُّهُمْ مُحَارِبُونَ شُجعَانٌ. لَكِنَّ سِتَّ مِئَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ دَارُوا وَهَرَبُوا إلَى البَرِّيَّةِ، إلَى صَخرَةِ رِمُّونَ. وَبَقُوا هُنَاكَ مُدَّةَ أرْبَعَةِ أشهُرٍ. فَعَادَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِلهُجُومِ عَلَى بَنِي بَنْيَامِينَ، وَقَتَلُوهُمْ بِسُيُوفِهِمْ. قَتَلُوا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ كُلَّ مَا وَجَدُوهُ مِنْ بَشَرٍ وَمِنْ حَيَوَانَاتٍ. وَأحْرَقُوا جَمِيعَ المُدُنِ الَّتِي مَرُّوا بِهَا. وَحَلَفَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي المِصْفَاةِ فَقَالُوا: «لَنْ يُزَوِّجَ أحَدٌ مِنَّا ابْنَتَهُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي بَنْيَامِينَ.» وَلَمَّا وَصَلَ الشَّعْبُ إلَى بَيْتِ إيلَ، جَلَسُوا هُنَاكَ فِي حَضْرَةِ اللهِ. صَرَخُوا بِصَوْتٍ عَالٍ وَبَكَوْا بُكَاءً مُرًّا. قَالُوا: «يَا اللهُ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، لِمَاذَا حَدَثَ هَذَا، حَتَّى إنَّ قَبِيلَةً وَاحِدَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فُقِدَتْ؟» وَفِي اليومِ التَّالي، قَامَ الشَّعْبُ بَاكِرًا، وَبَنَوْا مذْبَحًا هُنَاكَ. وقَدَّمُوا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وذبَائِحَ سَلَامٍ. ثُمَّ قَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ: «مَنْ مِنْ قَبَائِلَ إسْرَائِيلَ لَمْ تَصْعَدْ إلَى الِاجْتِمَاعِ فِي حَضْرَةِ اللهِ ؟» فَقَدْ أقْسَمُوا قَسَمًا عَظِيمًا بِأنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَصْعَدْ إلَى الِاجْتِمَاعِ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي المِصْفَاةِ: «يَنْبَغِي أنْ يُقْتَلَ.» لَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ أحَسُّوا بِالحُزْنِ عَلَى أقرِبَائِهِمْ بَنِي بَنْيَامِينَ وَقَالُوا: «قُطِعَت قَبِيلَةٌ وَاحِدَةٌ اليَوْمَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَمَاذَا نَعمَلُ مَعَ النَّاجِينَ مِنْهُمْ فِي مَسْألَةِ الزَّوجَاتِ؟ فَقَدْ أقْسَمْنَا بِاللهِ أنْ لَا نُزَوِّجَهُمْ مِنْ بَنَاتِنَا.» ثُمَّ قَالُوا: «هَلْ هُنَاكَ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ لَمْ تَصْعَدْ لِلِاجْتِمَاعِ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي المِصْفَاةِ؟» فَوَجَدُوا أنَّهُ لَمْ يَأْتِ أحَدٌ إلَى المُخَيَّمِ لِلِاجْتِمَاعِ مِنْ يَابِيشِ جِلْعَادَ. فَعِنْدَمَا أجرَوْا عَمَلِيَّةَ التَّفَقُّدِ لِمَعْرِفَةِ الغَائِبِينَ، لَمْ يَجِدُوا هُنَاكَ أحَدًا مِنْ يَابِيشِ جِلْعَادَ. فَأرسَلَتِ الجَمَاعَةُ اثنَيْ عَشَرَ ألْفَ جُندِيٍّ إلَى هُنَاكَ، وَأمَرُوهُمْ: «اذْهَبُوا وَاقتُلُوا سُكَّانَ يَابِيشَ جِلْعَادَ بِالسُّيُوفِ، مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّغَارِ. وَهَذَا هُوَ مَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَلُوهُ: اقتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ، وكُلَّ امْرأةٍ عَاشَرَتْ رَجُلًا. أمَّا العَذَارَى فَحَافِظُوا عَلَى حَيَاتِهِنَّ.» فَوَجَدُوا بَيْنَ سُكَّانِ يَابِيشَ جِلْعَادَ أرْبَعَ مِئَةِ شَابَّةٍ عَذْرَاءَ لَمْ يُعَاشِرْنَ أيَّ رَجُلٍ. فَأحضَرُوهُنَّ إلَى المُخَيَّمِ فِي شِيلُوهَ فِي أرْضِ كَنْعَانَ. ثُمَّ أرسَلَتِ الجَمَاعَةُ كُلَّهَا رِسَالَةً إلَى البَنْيَامِينِيِّينَ الَّذِينَ عِنْدَ صَخرَةِ رِمُّونَ، وَصَالَحُوهُمْ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، عَادَ بَنُو بَنْيَامِينَ، فَأعْطَوْهُمُ النِّسَاءَ النَّاجِيَاتِ مِنْ نِسَاءِ يَابِيشَ جِلْعَادَ. لَكِنَّ عَدَدَ النِّسَاءِ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا لَهُمْ. فَأحَسَّ الشَّعْبُ بِالحُزْنِ عَلَى بَنْيَامِينَ لِأنَّ اللهَ قَدْ صَنَعَ شَرْخًا بَيْنَ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. وَقَالَ شُيُوخُ الجَمَاعَةِ: «مَاذَا نَعمَلُ مَعَ البَاقِينَ بِشَأنِ الزَّوجَاتِ، فَقَدْ قُضِيَ عَلَى النِّسَاءِ فِي قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ؟» فَقَالُوا: «لِنُخَصِّصْ مِيرَاثًا لِلنَّاجِينَ مِنْ بَنِي بَنْيَامِينَ، حَتَّى لَا تُمحَى قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. لَكِنْ لَا يُمكِنُنَا أنْ نُزَوِّجَهُمْ مِنْ بَنَاتِنَا.» فَقَدْ سَبَقَ أنْ أقْسَمَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَقَالُوا: «مَلْعُونٌ مَنْ يُزَوِّجُ ابنَتَهُ مِنْ بَنْيَامِينِيٍّ.» فَقَالُوا: «اسْمَعُوا، يُقَامُ عِيدٌ سَنَوِيٌّ تَكْرِيمًا للهِ فِي شِيلُوهَ، إلَى الشِّمَالِ مِنْ بَيْتِ إيلَ، وَإلَى الشَّرْقِ مِنَ الطَّرِيقِ الرَّئِيسِيَّةِ الَّتِي تَصْعَدُ مِنْ بَيْتِ إيلَ إلَى شَكِيمَ، وَإلَى الجَنُوبِ مِنْ لَبُونَةَ.» وَقَالُوا لِلبَنْيَامِينِيِّينَ: «اذْهَبُوا وَاختَبِئُوا فِي الكُرُومِ. وَانْتَظِرُوا إلَى أنْ تَخْرُجَ بَنَاتُ شِيلُوهَ لِلرَّقْصِ. ثُمَّ اخرُجُوا مِنَ الكُرُومِ. وَلْيُمسِكْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ شِيلُوهَ، وَاذهَبُوا بِهِنَّ إلَى أرْضِ بَنْيَامِينَ. وَحِينَ يَأْتِي آبَاؤُهُنَّ لِكَي يَشْكُوا إلَينَا، سَنَقُولُ لَهُمْ: ‹أشفِقُوا عَلَيْهِمْ مِنْ أجْلِنَا، فَنَحْنُ لَمْ نَأخُذْ زَوْجَاتٍ لِأحَدٍ مِنْهُمْ فِي الحَرْبِ، وَأنْتُمْ لَمْ تُعطُوهُمْ بَنَاتِكُمْ طَوْعًا، فَلَمْ تَكْسِرُوا قَسَمَكُمْ.›» فَفَعَلَ البَنْيَامِينِيُّونَ هَكَذَا. وَأخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَةً مِنَ الرَّاقِصَاتِ اللَّوَاتِي خَطَفُوهُنَّ. ثُمَّ مَضَوْا وَعَادُوا إلَى أرْضِهِمْ. وَأعَادُوا بِنَاءَ مُدُنِهِمْ. وَاسْتَقَرُّوا فِيهَا. فَذَهَبَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ هُنَاكَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، كُلٌّ إلَى قَبِيلَتِهِ وَعَشِيرَتِهِ، وَخَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هُنَاكَ إلَى أرْضِهِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَلِكٌ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَرَاهُ مُنَاسِبًا. حَدَثَتْ فِي زَمَنِ القُضَاةِ مَجَاعَةٌ فِي أرْضِ يَهُوذَا. وَتَغَرَّبَ فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ رَجُلٌ وَزَوْجَتُهُ وَابْنَاهُمَا فِي حُقُولِ مُوآبَ. كَانَ اسْمُ الرَّجُلِ ألِيمَالِكَ، وَاسْمُ زَوْجَتِهِ نُعْمِي، وَاسْمَا ابْنَيهِ مَحْلُونَ وَكِلْيُونَ. كَانُوا أفْرَاتِيِّينَ مِنْ مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ فِي مُقَاطَعَةِ يَهُوذَا. فَرَحَلُوا إلَى حُقُولِ مُوآبَ وَاسْتَقَرُّوا هُنَاكَ. وَمَاتَ ألِيمَالِكُ زَوْجُ نُعمِي بَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، فَبَقِيَتْ هِيَ وَابْنَاهَا اللَّذَانِ تَزَوَّجَا امْرأتَيْنِ مُوآبِيَّتَيْنِ. اسْمُ الأُولَى عُرْفَةُ، وَاسْمُ الثَّانِيَةِ رَاعُوثُ. وَقَدْ مَكَثُوا هُنَاكَ عَشْرَ سَنَوَاتٍ. ثُمَّ مَاتَ أيْضًا الِابْنَانِ مَحْلُونُ وَكِلْيُونُ. فَتُرِكَتْ نُعمِي وَحِيدَةً لَا زَوْجٌ لَهَا وَلَا أوْلَادٌ. وَهَكَذَا اسْتَعَدَّتْ نُعْمِي وَكَنَّتَاهَا لِتَرْكِ حُقُولِ مُوآبَ. فَقَدْ سَمِعَتْ، وَهِيَ هُنَاكَ، أنَّ اللهَ قَدْ أعْطَى شَعْبَهُ طَعَامًا. فَتَرَكَتْ نُعْمِي المَكَانَ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِيهِ، وَكَانَتْ كَنَّتَاهَا مَعَهَا. وَابْتَدَأنَ مَسيرَتَهُنَّ إلَى أرْضِ يَهُوذَا. ثُمَّ قَالَتْ نُعمِي لِكَنَّتَيهَا: «لِتَرْجِعْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا إلَى بَيْتِ أُمِّهَا. لَيْتَ اللهَ يُحْسِنُ إلَيكُمَا كَمَا أحسَنْتُمَا إلَى زَوْجَيكُمَا المَيِّتَيْنِ وإليَّ. وَلْيَرْزُقِ اللهُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا بِزَوْجٍ تَسْتَقِرُّ فِي بَيْتِهِ.» ثُمَّ قَبَّلَتْ نُعمِي كَنَّتَيهَا. وَبَدَأنَ يَبْكِينَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ. وَقَالَتَا لَهَا: «نُرِيدُ أنْ نَذْهَبَ مَعْكِ إلَى شَعْبِكِ.» فَقَالَتْ نُعْمِي: «ارْجِعَا يَا ابْنَتَيَّ. لِمَاذَا تَذْهَبَانِ مَعِي؟ هَلْ مَا يَزَالُ لِي أبْنَاءٌ فِي رَحمِي لِكَي تَتَزَوَّجَا بِهِمَا؟ هَيَّا ارجِعَا يَا ابنَتَيَّ. فَأنَا كَبِرْتُ عَلَى الزَّوَاجِ. وَحَتَّى إنْ أقْنَعْتُ نَفْسِي بِأنَّ هُنَاكَ أمَلًا بِذَلِكَ، فَتَزَوَّجْتُ اللَّيلَةَ وَأنجَبْتُ أبْنَاءً، فَهَلْ سَتَنْتَظِرَانَ حَتَّى يَكْبُرَا؟ لَا يَا ابْنَتَيَّ. أنَا جَرَّبْتُ طَعْمَ المَرَارِ أكْثَرَ مِنْكُمَا، فَقَدْ أدْخَلَنِي اللهُ فِي مَصَاعِبَ كَثِيرَةٍ.» فَابْتَدَأنَ يَبْكِينَ ثَانِيَةً بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ. وَقَبَّلَتْ عُرْفَةُ حَمَاتَهَا وَرَجِعَتْ، أمَّا رَاعُوثُ فَالْتَصَقَتْ بِهَا. فَقَالَتْ نُعْمِي: «هَا سِلْفَتُكِ قَدْ رَجِعَتْ إلَى شَعْبِهَا وَإلَهِهَا. قُومِي اتْبَعِيهَا.» فَقَالَتْ رَاعُوثُ لَهَا: «لَا تُجبِرِينِي عَلَى تَرْكِكِ وَالكَفِّ عَنْ اتِّبَاعِكِ. لِأنَّهُ حَيْثُ تَذْهَبِينَ أذْهَبُ، وَحَيْثُ تَقْضِينَ اللَّيلَ أقِضِيهِ. شَعْبُكِ شَعْبِي، وَإلَهُكِ إلَهِي. وَحَيْثُ تَمُوتِينَ أمُوتُ، وَهُنَاكَ أُدفَنُ. وَلْيَضْرِبْنِي اللهُ إنْ لَمْ يَكُنِ المَوْتُ هُوَ الأمْرُ الوَحِيدُ الَّذِي سَيَفْصِلُنِي عَنْكِ.» وَرَأتْ نُعْمِي أنَّ رَاعُوثَ مُصَمِّمَةٌ عَلَى الذَّهَابِ مَعْهَا، فَكَفَّتْ عَنِ الجِدَالِ مَعَهَا. وَسَارَتِ الِاثْنَتَانِ مَعًا، حَتَّى وَصَلَتَا إلَى مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ. وَعِنْدَمَا وَصَلَتَا، هَاجَتِ البَلْدَةُ كُلُّهَا بِسَبَبِهَا. وَقَالَتِ النِّسَاءُ: «هَلْ هَذِهِ نُعْمِي حَقًّا؟» فَقَالَتْ نُعْمِي لَهُنَّ: «لَا تُنَادُونِي نُعْمِي بَلْ مُرَّةً، لِأنَّ يَدَ اللهِ القَدِيرِ قَدْ أمَرَّتْ حَيَاتِي! رَحَلْتُ وَأنَا أملُكُ الكَثِيرَ، وَلَكِنَّ اللهَ أرجَعَنِي إلَى هُنَا وَأنَا لَا أملُكُ شَيْئًا. فَلِمَاذَا تُنَادُونَنِي نُعمِي، وَاللهُ القَدِيرُ قَسَى عَلَيَّ.» وَرَجِعَتْ نُعمِي مِنْ حُقُولِ مُوآبَ وَمَعَهَا رَاعُوثُ كَنَّتُهَا المُوآبِيَّةُ. وَجَاءَتَا إلَى بَيْتِ لَحْمٍ مَعَ ابتِدَاءِ وَقْتِ حَصَادِ الشَّعِيرِ. وَكَانَ لِنُعْمِي رَجُلٌ مِنْ أقَارِبِ زَوْجِهَا اسْمُهُ بُوعَزُ. وَقَدْ كَانَ رَجُلًا غَنِيًّا مِنْ عَائِلَةِ ألِيمَالِكَ. وَفِي أحَدِ الأيَّامِ، قَالَتْ رَاعُوثُ المُوآبِيَّةُ لِنُعْمِي: «أوَدُّ أنْ أذْهَبَ إلَى الحُقُولِ لِألتَقِطَ السَّنَابِلَ وَرَاءَ مَنْ يُحسِنُ إلَيَّ وَيَسْمَحُ لِي بِذَلِكَ.» فَقَالَتْ نُعْمِي لَهَا: «نَعَمْ يَا ابْنَتِي، افْعَلِي هَذَا.» فَذَهَبَتْ وَوَصَلَتْ إلَى أحَدِ الحُقُولِ. وَابْتَدَأتْ تَلْتَقِطُ سَنَابِلَ وَرَاءَ الحَصَّادِينَ. فَإذَا بِذَلِكَ الحَقْلِ مِنْ حُقُولِ بُوعَزَ الَّذِي مِنْ عَائِلَةِ ألِيمَالِكَ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، أتَى بُوعَزُ مِنْ مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ إلَى الحَقْلِ، وَحَيَّا الحَصَّادِينَ وَقَالَ: « اللهُ مَعْكُمْ.» فَرَدُّوا: «يُبَارِكُكَ اللهُ .» ثُمَّ سَألَ بُوعَزُ خَادِمَهُ المَسؤُولَ عَنِ الحَصَّادِينَ: «ابْنَةُ مَنْ هَذِهِ الفَتَاةُ؟» فَأجَابَ الخَادِمُ المَسؤُولُ عَنِ الحَصَّادِينَ: «هَذِهِ فَتَاةٌ مُوآبِيَّةٌ. هِيَ الَّتِي رَجِعَتْ مَعَ نُعْمِي مِنْ حُقُولِ مُوآبَ. قَالَتْ إنَّهَا تُرِيدُ أنْ تَلْتَقِطَ السَّنَابِلَ الَّتِي تَبْقَى بَيْنَ الحُزَمِ وَرَاءَ الحَصَّادِينَ. فَأتَتْ مُنْذُ الصَّبَاحِ وَمَكَثَتْ إلَى الآنَ. وَهَذَا بَيتُهَا، لَيْسَ بَعِيدًا مِنْ هُنَا.» فَقَالَ بُوعَزُ لِرَاعُوثَ: «اسْمَعِي يَا ابْنَتِي، لَا تَذْهَبِي إلَى حَقْلٍ آخَرَ لِتَلْتَقِطِي السَّنَابِلَ. ابْقَيْ هُنَا قَرِيبَةً مِنَ العَامِلَاتِ لَدَيَّ. رَاقِبِيهُنَّ لِتَعْرِفي إلَى أيَّةِ حُقُولٍ يَذْهَبْنَ لِلحَصَادِ، وَاتْبَعِيهِنَّ إلَيْهَا. وَهَا أنَا أمَرْتُ العَامِلِينَ لَدَيَّ بِأنْ لَا يُزْعِجُوكِ. وَإذَا عَطِشْتِ، اشْرَبِي مِنْ أوْعِيَةِ المَاءِ الَّتِي يَشْرَبُ مِنْهَا العُمَّالُ.» فَسَقَطَتْ رَاعُوثُ عَلَى الأرْضِ، وَسَجَدَتْ عَلَى وَجْهِهَا إلَى الأرْضِ، وَقَالَتْ لَهُ: «كَيْفَ أحسَنْتَ إلَيَّ فَلَاحَظتَ وُجُودِي، رُغْمَ أنَّنِي فَتَاةٌ غَرِيبَةٌ؟» فَأجَابَهَا بُوعَزُ: «قَد أخبَرُونِي كَثِيرًا عَنْ كُلِّ الأُمُورِ الحَسَنَةِ الَّتِي فَعَلْتِهَا نَحْوَ حَمَاتِكِ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِكِ، فَقَدْ تَرَكتِ أبَاكِ وَأُمَّكِ وَوَطَنَكِ، وَأتَيْتِ إلَى شَعْبٍ لَمْ تَعْرِفِيهِ مِنْ قَبْلُ. لِيُجَازِكِ اللهُ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي فَعَلتِهِ. وَلْتَكُنْ مُكَافَأتُكِ كَامِلَةً مِنَ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، الَّذِي جِئتِ إلَيْهِ لِلِاحتِمَاءِ بِجَنَاحَيِهِ.» فَقَالَتْ رَاعُوثُ: «لَيتَنِي أكُونُ عِنْدَ حُسنِ ظَنِّكَ يَا سَيِّدِي، لِأنَّكَ كُنْتَ لَطِيفًا مَعِي وَمُحسِنًا إلَيَّ. وَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِكَلِمَاتٍ لَطِيفَةٍ إلَيَّ أنَا خَادِمَتَكَ، مَعَ أنَّنِي لَا أسْتَحِقُّ أنْ أكُونَ وَاحِدَةً مِنْ جَوَارِيكَ.» وَفِي وَقْتِ الغَدَاءِ، قَالَ بُوعَزُ لَهَا: «تَعَالَيْ وَتَنَاوَلِي الطَّعَامَ مَعَنَا، وَاغمِسِي خُبْزَكِ فِي هَذَا الطَّعَامِ.» فَجَلَسَت رَاعُوثُ إلَى جَانِبِ الحَصَّادِينَ. ثُمَّ أعْطَاهَا بُوعَزُ بَعْضَ الفَرِيكَةِ المَشوِيَّةِ، فَأكَلَت حَتَّى شَبِعَت، وَفَضُلَ مِنْ طَعَامِهَا. ثُمَّ قَامَتْ لِتَعُودَ إلَى جَمعِ السَّنَابِلِ. فَأوصَى بُوعَزُ العَامِلِينَ لَدَيهِ وَقَالَ لَهُمْ: «دَعُوهَا تَجْمَعْ حَتَّى بَيْنَ أكْدَاسِ الحُبُوبِ، وَلَا تُحْرِجُوهَا أوْ تُزعِجُوهَا. تَعَمَّدُوا أنْ تُسْقِطُوا بَعْضَ السَّنَابِلِ السَّمِينَةِ أيْضًا، وَاترُكُوهَا وَرَاءَكُمْ كَي تَلْتَقِطَهَا. تَذَكَّرُوا أنْ لَا تُزعِجُوهَا.» وَهَكَذَا بَقِيَت فِي الحَقْلِ لِجَمعِ السَّنَابِلِ حَتَّى المَسَاءِ. ثُمَّ دَرَسَتْ مَا جَمَعَتهُ، فَكَانَ مِقدَارَ قُفَّةٍ مِنَ الشَّعِيرِ. فَحَمَلَتْ مَا دَرَسَتْهُ وَعَادَتْ إلَى البَلدَةِ. وَأرَت رَاعُوثُ حَمَاتَهَا مَا جَمَعَتْهُ. ثُمَّ أخرَجَتِ الطَّعَامَ الَّذِي زَادَ عَنْ حَاجَتِهَا مِنَ وَجْبَةِ الغَدَاءِ، وَأعْطَتْهُ لَهَا. فَقَالَتْ لَهَا حَمَاتُهَا: «أيْنَ التَقَطْتِ السَّنَابِلَ اليَوْمَ؟ أيْنَ عَمِلْتِ؟ مُبَارَكٌ الرَّجُلُ الَّذِي انْتَبَهَ إلَيكِ.» فَأخبَرَتْ رَاعُوثُ حَمَاتَهَا بِكُلِّ مَا حَدَثَ مَعَ الرَّجُلِ، وَقَالَتْ: «اسمُ الرَّجُلِ الَّذِي عَمِلْتُ عِنْدَهُ اليَوْمَ بُوعَزُ.» فَقَالَتْ نُعمِي لِكِنَّتِهَا: «لِيُبَارِكْهُ اللهُ ، الَّذِي هُوَ مُحسِنٌ وَأمِينٌ نَحْوَ الأمْوَاتِ وَالأحيَاءِ.» ثُمَّ قَالَتْ نُعمِي لِرَاعُوثَ: «بُوعَزُ مِنْ أقرِبَائِنَا، وَهُوَ مِنْ حُمَاتِنَا.» فَقَالَتْ رَاعُوثُ المُوآبِيَّةُ: «وَقَدْ قَالَ لِي أيْضًا: ‹التَصِقِي بِالعَامِلَاتِ وَالعَامِلِينَ لَدَيَّ إلَى أنْ يُكمِلُوا الحَصَادَ كُلَّهُ.›» فَقَالَتْ نُعمِي لِكِنَّتِهَا رَاعُوثُ: «يَا ابنَتِي، جَيِّدٌ أنْ تُلَازِمِي جَوَارِيِهِ حَتَّى لَا يَعْتَدِيَ عَلَيْكِ أحَدٌ فِي أيِّ حَقْلٍ آخَرَ.» فَالتَصَقَتْ رَاعُوثُ بِجَوَارِي بُوعَزَ لِتَلْتَقِطَ السَّنَابِلَ حَتَّى نِهَايَةِ حَصَادِ الشَّعِيرِ، بَلْ وَحَتَّى نِهَايَةِ حَصَادِ القَمْحِ. وَكَانَتْ تَسْكُنُ مَعَ حَمَاتِهَا. ثُمَّ قَالَتْ لَهَا حَمَاتُهَا: «يَا ابْنَتِي، ألَا يَنْبَغِي أنْ أسْعَى إلَى رَاحَتِكِ، لِيَكُونَ لَكِ خَيْرٌ؟ فَهَا بُوعَزُ الَّذِي كُنْتِ تَعْمَلِينَ مَعَ خَادِمَاتِهِ، هُوَ وَاحِدٌ مِنْ أقرِبَائِنَا. وَهُوَ اللَّيلَةَ يَدْرُسُ الشَّعِيرَ عِنْدَ البَيدَرِ. فَاغتَسِلِي وَتَعَطَّري وَالبِسِي ثَوْبًا جَمِيلًا، وَانزِلِي إلَى بَيْدَرِ الدَّرسِ. وَلَا تَدَعِي الرَّجُلَ يَعْرِفَكِ حَتَّى يُنْهِيَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. اعْرِفِي المَكَانَ الَّذِي يَنَامُ فِيهِ. ثُمَّ اذهَبِي هُنَاكَ وَارْفَعي الغِطَاءَ عَنْ قَدَمِيهِ، وَنَامِي هُنَاكَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ سَيُخبِرُكِ بِمَا عَلَيْكِ فِعلُهُ.» فَقَالَتْ رَاعُوثُ لَهَا: «سَأفْعَلُ كَمَا تَقُولِينَ.» فَذَهَبَتْ رَاعُوثُ إلَى بَيْدَرِ الدَّرسِ، وَفَعَلَتْ كَمَا أمَرَتْهَا حَمَاتُهَا. فَأكَلَ بُوعَزُ وَشَرِبَ، وَكَانَ فِي مِزَاجٍ لَطيفٍ. ثُمَّ نَامَ عِنْدَ طَرَفِ كَومَةِ الشَّعِيرِ. فَأتَتْ رَاعُوثُ بِهُدُوءٍ وَكَشَفَتْ قَدَمَيهِ وَتَمَدَّدَت هُنَاكَ. وَفِي مُنْتَصَفِ اللَّيلِ، تَقَلَّبَ بُوعَزُ فِي نَومِهِ، وَمَالَ إلَى جَنْبِهِ الآخَرِ. فَإذَا بِامْرَأةٍ مُسْتَلْقِيَةٍ عِنْدَ قَدَمَيهِ! فَقَالَ لَهَا بُوعَزُ: «مَنْ أنْتِ؟» فَقَالَتْ رَاعُوثُ: «أنَا خَادِمَتُكَ رَاعُوثُ. افْرِدْ عَلَيَّ ثَوبَكَ، لِأنَّكَ حَامٍ لِي.» فَقَالَ لَهَا بُوعَزُ: «يُبَارِكُكِ اللهُ يَا ابْنَتِي. هَذَا يَدُلُّ عَلَى أمَانَتِكِ أكْثَرَ مِنْ أيِّ شَيءٍ آخَرَ. فَقَدْ أتَيْتِ إلَيَّ، وَلَمْ تَذْهَبِي وَرَاءَ الشَّبَابِ، لَا الأغنِيَاءَ مِنْهُمْ وَلَا الفُقَرَاءَ. وَالْآنَ يَا ابْنَتِي لَا تَخَافِي، فَسَأفْعَلُ كُلَّ مَا تَطْلُبِينَهُ. لِأنَّ كُلَّ شَعْبِي يَعْرِفُ أنَّكِ تَسْتَحِقِّينَ الإحْسَانَ. صَحِيحٌ أنَّنِي مِنْ حُمَاتِكِ، لَكِنْ هُنَاكَ رَجُلٌ أكْثَرُ قُربًا لَكِ مِنِّي. امْكُثِي اللَّيلَةَ هُنَا. وَفِي الصَّبَاحِ، إذَا أرَادَ الرَّجُلُ الآخَرُ أنْ يَقُومَ بِوَاجِبِ الحَامِي، فَهَذَا حَسَنٌ. فَإذَا لَمْ يُرِد، أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، سَأقُومُ أنَا بِهَذَا الوَاجِبِ. فَنَامِي الآنَ حَتَّى الصَّبَاحِ.» فَنَامَتْ عِنْدَ قَدَميهِ حَتَّى الصَّبَاحِ. وَاسْتَيْقَظَتْ قَبْلَ الضِّيَاءِ، حَيْثُ لَا يُمَيِّزُ النَّاسُ مَلَامِحَ الآخَرِينَ. إذْ قَالَ بُوعَزُ: «لَا يَنْبَغِي أنْ يَعْرِفَ أحَدٌ أنَّكِ أتَيْتِ إلَى بَيْدَرِ الدَّرسِ.» وَقَالَ لِرَاعُوثَ: «خُذِي عَبَاءَتَكِ الَّتِي تَلْبَسِينَهَا وَافرِشِيهَا.» فَفَرَشَتْهَا، فَكَالَ بُوعَزُ سِتَّةَ أكْيَالٍ مِنَ الشَّعِيرِ فِي العَبَاءَةِ، وَوَضَعَهَا عَلَى كَتِفِهَا. فَرَجِعَتْ رَاعُوثُ إلَى البَلدَةِ. وَجَاءَتْ رَاعُوثُ إلَى بَيْتِ حَمَاتِهَا. فَقَالَتْ نُعمِي: «مَنْ هُنَاكَ؟» فَأخبَرَتهَا رَاعُوثُ بِكُلِّ شَيءٍ صَنَعَهُ بُوعَزُ لَهَا. وَقَالَتْ أيْضًا: «وَكَذَلِكَ أعطَانِي هَذِهِ الأكْيَالَ السِّتَّةَ مِنَ الشَّعِيرِ. فَقَدْ قَالَ: ‹لَا يَنْبَغِي أنْ تَذْهَبِي إلَى بَيْتِ حَمَاتِكِ فَارِغَةَ اليَدَينِ.›» فَقَالَتْ نُعمِي لَهَا: «اجلِسِي هُنَا حَتَّى تَعْرِفِي مَاذَا سَيَحْدُثُ. فَبُوعَزُ لَنْ يَهْدأ حَتَّى يُنْهِيَ هَذَا الأمْرَ اليَوْمَ.» فَصَعِدَ بُوعَزُ إلَى مِنْطَقَةِ الِاجْتِمَاعَاتِ العَامَّةِ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ وَجَلَسَ هُنَاكَ. ثُمَّ مَرَّ الحَامِي الآخَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ بُوعَزُ. فَقَالَ لَهُ بُوعَزُ: «يَا فُلَانُ، تَعَالَ إلَى هُنَا وَاجلِسْ.» فَالتَفَتَ وَجَلَسَ. ثُمَّ اسْتَدْعَى بُوعَزُ عَشْرَةَ رِجَالٍ مِنْ شُيُوخِ المَدِينَةِ، وَقَالَ لَهُمْ: «اجلِسُوا.» فَجَلَسُوا. ثُمَّ قَالَ بُوعَزُ لِلحَامِي: «نُعمِي، المَرْأةُ الَّتِي عَادَتْ مِنْ أرْضِ مُوآبَ، تُرِيدُ بَيعَ الأرْضِ الَّتِي تَخُصُّ قَرِيبَنَا ألِيمَالِكَ. وَقَدْ قَرَّرْتُ أنْ أتَحَدَّثَ مَعَكَ بِشأنِهَا، لِأرَى إنْ كُنْتَ سَتَشْتَرِيهَا أمَامَ الجَالِسِينَ هُنَا وَشُيُوخِ شَعْبِي. فَإنْ كُنْتَ تُرِيدُ أنْ تَشْتَرِيَهَا وَتَقُومَ بِوَاجِبِ الحَامِي، فَافْعَلْ. وَإنْ كُنْتَ لَا تُرِيدُ، فَأخْبِرْنِي لِأعرِفَ، لِأنَّكَ أنْتَ أقْرَبُ مَنْ يَنْبَغِيُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأنَا بَعْدَكَ فِي هَذَا الأمْرِ.» فَقَالَ الحَامِي: «سَأشْتَرِيهَا وَأقُومُ بِوَاجِبِ الحَامِي.» فَقَالَ بُوعَزُ: «عِنْدَمَا تَشْتَرِي الأرْضَ مِنْ نُعمِي، فَأنْتَ تَشْتَرِي أيْضًا مِنْ رَاعُوثَ المُوآبِيَّةَ أرْمَلَةَ المَيِّتِ، فَتَحْفَظَ اسْمَ المَيِّتِ فِي مِيرَاثِهِ.» فَقَالَ الحَامِي الأقرَبُ: «لَا أسْتَطِيعُ شِرَاءَهَا، لِئَلَّا أُفْسِدَ مِيرَاثِي. فَاشْتَرِ أنْتَ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيَّ شِرَاؤهُ، فَأنَا لَا أسْتَطِيعُ ذَلِكَ.» وَكَانَتِ العَادَةُ فِي تِلْكَ الأيَّامِ فِي إسْرَائِيلَ أنْ يَخْلَعَ الشَّخْصُ حِذَاءَهُ وَيُعطِيَهُ لِلآخَرِ، كَصَكٍّ لِتَبَادُلِ البَضَائِعِ، أوِ القِيَامِ بِوَاجِبِ الحَامِي. فَعِنْدَمَا قَالَ الحَامِي لِبُوعَزَ: «اشْتَرِ أنْتَ،» خَلَعَ حِذَاءَهُ. ثُمَّ قَالَ بُوعَزُ لِلشُّيُوخِ وَلِكَافَّةِ النَّاسِ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ: «كُلُّكُمْ شُهُودٌ اليَوْمَ عَلَى أنَّنِي سَأشْتَرِي مِنْ نُعمِي كُلَّ مَا كَانَ يَمْتَلِكُهُ ألِيمَالِكُ وَابْنَاهُ كَليُونَ وَمَحلُونُ. وَكَذَلِكَ سأتَّخِذُ رَاعُوثَ المُوآبِيَّةَ أرْمَلَةَ مَحلُونَ زَوْجَةً لِي، لِأحْفَظَ اسْمَ المَيِّتِ فِي مِيرَاثِهِ، فَلَا يُقْطَعُ اسْمُهُ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَمِنْ بَلدَتِهِ الأصلِيَّةِ. وَأنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى ذَلِكَ اليَوْمَ.» فَقَالَ الشُّيُوخُ وَكَافَةُ الَّذِينَ كَانُوا فِي مِنْطَقَةِ الِاجْتِمَاعَاتِ العَامَّةِ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ: «لِيَجْعَلِ اللهُ هَذِهِ المَرْأةَ الدَّاخِلَةَ إلَى بَيْتِكَ كَرَاحِيلَ وَلَيئَةَ اللَّتَيْنِ بَنَتَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ. وَلْتُصبِحْ عَائِلَةً قَوِيَّةً فِي أفرَاتَةَ. وَلْيَكُنِ اسْمُكَ شَهِيرًا فِي بَيْتِ لَحْمٍ. لِيَبْنِ اللهُ بَيْتَكَ مِنَ الأوْلَادِ الَّذِينَ يُعطِيكَ إيَّاهُمْ مِنْ هَذِهِ المَرْأةِ الشَّابَّةِ، وَلْيَكُنْ بَيْتًا عَظِيمًا كَبَيْتِ فَارَصَ ابنِ ثَامَارَ وَيَهُوذَا.» فَاتَّخَذَ بُوعَزُ رَاعُوثَ زَوْجَةً لَهُ. وَعَاشَرَهَا، فَأعطَاهَا اللهُ القُدرَةَ عَلَى أنْ تَحْمِلَ. وَوَلَدَتْ صَبِيًّا. وَأنْشَدَتْ نِسَاءُ البَلدَةِ لِنُعمِي: «مُبَارَكٌ اللهُ الَّذِي أعطَاكِ اليَوْمَ حَامِيًا. لِيَكُنْ اسْمُهُ شَهِيرًا فِي إسْرَائِيلَ. فَهُوَ سَيُعَزِّيكِ وَيَعْتَنِي بِكِ فِي شَيخُوخَتِكِ. لِأنَّ كَنَّتَكِ مَنْ أحَبَّتْكِ هِيَ مَنْ وَلَدَتْهُ، وَهِيَ أفْضَلُ لَكِ مِنْ سَبْعَةِ أبْنَاءٍ.» فَأخَذَتْ نُعمِي الصَّبِيَّ، وَوَضَعَتْهُ فِي حِضْنِهَا، وَصَارَتْ مُرَبِّيَةً لَهُ. وَأسْمَتْهُ الجَارَاتُ عُوبِيدَ، وَقُلْنَ: «وُلِدَ لِنُعمِي ابْنٌ.» وَعُوبِيدُ هُوَ أبُو يَسَّى، وَيَسَّى أبُو المَلِكِ دَاوُدَ. هَذَا هُوَ سِجِلُّ عَائِلَةِ فَارَصَ: فَارَصُ أبُو حَصرُونَ. حَصرُونُ أبُو رَامٍ. رَامٌ أبُو عَمِّينَادَابَ. عَمِّينَادَابُ أبُو نَحشُونَ. نَحشُونُ أبُو سَلْمُونَ. سَلمُونُ أبُو بُوعَزَ. بُوعَزُ أبُو عُوبِيدَ. عُوبِيدُ أبُو يَسَّى. يَسَّى أبُو دَاوُدَ. كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ ألقَانَةُ مِنْ عَائِلَةِ صُوفٍ، يَسْكُنَ فِي الرَّامَةِ فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ. وَألقَانَةُ هُوَ ابْنُ ألِيهُو بْنِ تُوحُوَ بْنِ صُوفٍ، مِنْ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ. وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ. اسْمُ الأُولَى حَنَّةَ، وَالثَّانِيَةُ فَنِنَّةَ. أنْجَبَتْ فَنِنَّةُ أوْلَادًا، وَأمَّا حَنَّةُ فَلَمْ تُنجِبْ. وَاعتَادَ ألقَانَةُ أنْ يَذْهَبَ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ مَدِينَتِهِ الرَّامَةِ وَيَصْعَدَ إلَى شِيلُوهَ. حَيْثُ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ القَدِيرَ، وَيُقَدِّمُ لَهُ الذَّبَائِحَ. وَكَانَ ابنَا عَالِي الكَاهِنَانِ حُفْنِي وَفِينحَاسُ يَخْدِمَانِ اللهَ فِي شِيلُوهَ. وَكُلَّمَا قَدَّمَ ألقَانَةُ ذَبَائِحَهُ، كَانَ يُعْطِي حِصَّةً وَاحِدَةً مِنَ الطَّعَامِ لِزَوْجَتِهِ فَنِنَّةَ وَحِصَّةً أُخْرَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أبنَائِهَا. وَأمَّا حَنَّةُ، فَكَانَ يُعْطِيهَا حِصَّةً مُضَاعَفَةً لِأنَّهُ أحَبَّهَا حَتَّى وَإنْ لَمْ تَكَنْ تُنجِبُ. وَاعتَادَتْ فَنِنَّةُ أنْ تُغِيظَ حَنَّةَ بِقَصدِ مُضَايَقَتِهَا، فَكَانَتْ تَشْمَتُ بِهَا لِأنَّ اللهَ لَمْ يَرزقْهَا أنْ تُنجِبَ. وَتَكَرَّرَ هَذَا سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ. فَكُلَّمَا ذَهَبَتْ العَائِلَةُ إلَى بَيْتِ اللهِ ، عَمِدَتْ فَنِنَّةُ إلَى إغَاظَةِ حَنَّةَ. فَتَتَضَايَقُ حَنَّةُ وَتَبْكِي وَتَمْتَنِعُ عَنِ الطَّعَامِ. فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا ألقَانَةُ يَومًا: «لِمَاذَا تَبْكِينَ يَا حَنَّةُ؟ وَلِمَاذَا تَمْتَنِعِينَ عَنِ الطَّعَامِ؟ لِمَاذَا أنْتِ حَزِينَةٌ هَكَذَا؟ ألَسْتُ أنَا أفْضَلُ مِنْ عَشْرَةِ أوْلَادٍ؟» وَبَعْدَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، قَامَتْ حَنَّةُ بِهُدُوءٍ وَذَهَبَتْ لِتُصَلِّيَ إلَى اللهِ . وَكَانَ الكَاهِنُ عَالِي جَالِسًا عَلَى كُرسِيٍّ عِنْدَ بَابِ هَيْكَلِ اللهِ . كَانَتْ حَنَّةُ تَشْعُرُ بِأسَىً عَمِيقٍ، فَقَامَتْ تُصَلِّي إلَى اللهِ وَتَبْكِي بِمَرَارَةٍ. وَنَذَرَتْ لِلرَّبِّ نَذْرًا فَقَالَتْ: «أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ، انْظُرْ مَدَى حُزْنِي وَالتَفِتْ إلَيَّ. لَا تَتَجَاهَلْنِي أنَا خَادِمتَكَ. فَإنْ رَزَقْتَنِي بِابْنٍ، فَإنِّي سَأُعِيدُهُ لِيَكُونَ فِي خِدْمَتِكَ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِهِ. لَنْ يُقَصَّ شَعْرُهُ، وَلَنْ يَشْرَبَ نَبيِذًا وَلَا خَمْرًا، لِأنَّهُ سَيَكُونُ لَكَ نَذيرًا.» وَأطَالَتْ حَنَّةُ الصَّلَاةَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، بَيْنَمَا عَالِي يُرَاقِبُ شَفَتَيهَا. وَكَانَتْ تُصَلِّي فِي قَلْبِهَا. شَفَتَاهَا تَتَحَرَّكَانِ فَقَطْ دُونَ أنْ يُسمَعَ لَهَا صَوْتٌ. فَظَنَّ عَالِي أنَّهَا سَكرَى. فَقَالَ لَهَا عَالِي: «أسرَفتِ فِي شُربِ الخَمْرِ. هَلْ يُمْكِنُكِ أنْ تَسْكَرِي أكْثَرَ مِمَّا أنْتِ عَلَيهِ؟ آنَ لَكِ أنْ تتوقَّفِي عَنِ الشُّرْبِ.» فَأجَابَتْ حَنَّةُ: «يَا سَيِّدِي، لَمْ أتَنَاوَلْ خَمْرًا أوْ شَرَابًا مُسْكِرًا، بَلْ أنَا امْرأةٌ حَزِينَةٌ أبْسِطُ مُشكِلَتِي فِي حَضْرَةِ اللهِ . فَلَا تَظُنَّ أنِّي امْرأةٌ مُشَرَّدَةٌ. لَكِنِّي أطَلتُ الصَّلَاةَ إلَى الآنَ بِسَبَبِ مِحنَتِي الشَّدِيدَةِ وَضِيقِي.» فَأجَابَهَا عَالِي: «اذهَبِي بِسَلَامٍ. وَلَيْتَ إلَهَ إسْرَائِيلَ يُعطِيكِ مَا طَلَبتِهِ مِنْهُ.» فَقَالَتْ حَنَّةُ: «لَيتَكَ تَكُونُ رَاضِيًا عَنِّي يَا سَيِّدِي.» ثُمَّ مَضَتْ حَنَّةُ وَتَنَاوَلَتْ بَعْضَ الطَّعَامِ. وَلَمْ تَعُدْ كَئِيبَةً وَمُتَجَهِّمَةَ الوَجْهِ. وَفِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ قَامَتْ عَائِلَةُ ألقَانَةَ، وَعَبَدُوا اللهَ ، ثُمَّ رَجِعُوا إلَى بَيْتِهِمْ فِي الرَّامَةِ. وَعَاشَرَ ألقَانَةُ زَوْجَتَهُ حَنَّةَ، وَتَذَكَّرَهَا اللهُ . وَفِي الوَقْتِ المُعَيَّنِ، كَانَتْ حَنَّةُ قَدْ حَبِلَتْ وَأنْجَبَتْ وَلَدًا. وَأسْمَتْهُ صَمُوئِيلَ إذْ قَالَتْ: «لِأنِّي طَلَبتُهُ مِنَ اللهِ .» وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ ذَهَبَ ألقَانَةُ إلَى شِيلُوهَ، لِيُقَدِّمَ للهِ الذَّبِيحَةَ السَّنَوِيَّةَ، وَلِيُوفِيَ بِنُذُورِهِ. وَأخَذَ مَعَهُ عَائِلَتَهُ. لَكِنَّ حَنَّةَ لَمْ تَذْهَبْ. وَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: «عِنْدَمَا يُفطَمُ الوَلَدُ، سَآخُذُهُ إلَى شِيلُوهَ، فَيَكُونُ فِي حَضْرَةِ اللهِ دَائِمًا وَلِيَبْقَى هُنَاكَ عِنْدَهُ إلَى الأبَدِ.» فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا ألقَانَةُ: «افْعَلِي مَا تَرَينَهُ صَوَابًا، وَابقَيْ هُنَا إلَى أنْ يُفْطَمَ الوَلَدُ. لَيْتَ اللهَ يُحَقِّقُ كَلَامَكِ.» فَبَقِيَتْ حَنَّةُ فِي البَيْتِ لِتُرضِعَ ابنَهَا حَتَّى فُطِمَ. وَفُطِمَ الوَلَدُ وَكَبِرَ. فَأخَذَتهُ حَنَّةُ، وَأخَذَتْ ثَوْرًا عُمرُهُ ثَلَاثُ سَنَوَاتٍ، وَقُفَّةَ طَحِينٍ، وَزُجَاجَةَ نَبِيذٍ، وَذَهَبُوا إلَى بَيْتِ اللهِ فِي شِيلُوهَ. فَذَبَحُوا الثَّورَ، وَقَدَّمُوا الوَلَدَ إلَى عَالِي. وَقَالَتْ حَنَّةُ لِعَالِي: «أُقْسِمُ بِحَيَاتِي وَبِحَيَاتِكَ يَا سَيِّدِي إنِّي أنَا المَرْأةُ الَّتِي وَقَفَتُ قُربَكَ أُصَلِّي للهِ . صَلَّيتُ أنْ أُرْزَقَ بِهَذَا الطِّفلِ. وَقَدِ استَجَابَ اللهُ صَلَاتِي. وَهَا أنَا الآنَ أُعْطِيه للهِ وَأُكِرِّسُهُ لَهُ. وَسَيَخْدِمُ اللهَ كُلَّ حَيَاتِهِ.» فَتَرَكَتْ حَنَّةُ الوَلَدَ هُنَاكَ، وَسَجَدَتْ للهِ . فَصَلَّتْ حَنَّةُ وَقَالَتْ: «قَلْبِي فَرِحٌ بِاللهِ . نَصَرتَنِي يَا الله ، أسْخَرُ بِأعْدَائِي. ابتَهَجْتُ لِأنَّكَ نَصَرتَنِي. «مَا مِنْ إلَهٍ قُدُّوسٍ مِثْلُ اللهِ . فَلَا إلَهَ إلَّا أنْتَ، وَمَا مِنْ حِصْنٍ كَإلَهِنَا. لَا تَتَبَاهُوا بَعْدُ. لَا تَتَفَوَّهُوا بِكَلَامٍ مُتَعَالٍ. فَاللهُ إلهٌ عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيءٍ، وَهُوَ يَزِنُ أعْمَالَ البشَرِ. أقوَاسُ المُحَارِبِينَ الأشِدَّاءِ تَتَكَسَّرُ. وَالضُّعَفَاءُ يَتَقَوُّونَ. الَّذِينَ شَبِعُوا فِي المَاضِي يَكْدَحُونَ الآنَ مِنْ أجْلِ الطَّعَامِ. أمَّا الَّذِينَ لَمْ يَجِدُوا طَعَامًا فِي المَاضِي فَإنَّهُمْ يَشْبَعُونَ وَيَسْمَنُونَ. صَارَ لِلعَاقِرِ سَبعَةُ أطْفَالٍ، وَهُجِرَتْ أُمُّ الكَثِيرِينَ. «يُرْسِلُ اللهُ البَشَرَ إلَى الهَاوِيَةِ، وَيَقْدِرُ أنْ يُقِيمَهُمْ مِنَ المَوْتِ. اللهُ يُفقِرُ وَيُغْنِي. هُوَ يُذِلُّ وَهُوَ يُكرِمُ. يَرْفَعُ الفُقَرَاءَ مِنَ الرَّمَادِ. يَرْفَعُهُمْ مِنْ مَزَابِلِ الفَقْرِ، وَيُجلِسُهُمْ مَعَ الأُمَرَاءِ عَلَى كَرَاسِي الشَّرَفِ. «أُسُسُ الأرْضِ كُلُّهَا للهِ ، رَفَعَ العَالَمَ عَلَيْهَا. هُوَ يَحْرُسُ أتقِيَاءَهُ لِئلَّا يَتَعَثَّرُوا. أمَا الأشْرَارُ فَيَسْقُطُونَ فِي الظلَام وَيَصْمُتُونَ وَيَنْتَهُونَ، إذْ لَا يَسْتَطِيعُ إنْسَانٌ أنْ يَنْتَصِرَ بِقُوَّتِهِ. مَصِيرُ أعْدَاءِ اللهِ هُوَ الهَزِيمَةُ. يُرعِدُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ. يَدِينُ اللهُ النَّاسَ فِي كُلِّ الأرْضِ. لِمَلِكِهِ يُعْطِي قُوَّةً، وَيَنْصُرُ مَلِكَهُ المَمسُوحَ.» وَعَادَ ألقَانَةُ وَعَائِلَتُهُ إلَى بَيْتِهِ فِي الرَّامَةِ. أمَّا الوَلَدُ فَبَقِيَ فِي شِيلُوهَ، وَخَدَمَ اللهَ تَحْتَ إشرَافِ الكَاهِنِ عَالِي. كَانَ وَلَدَا عَالِي شِرِّيرَينِ لَا يَعْرِفَانِ اللهَ ، وَلَا يَحْتَرِمِانِ مَسؤولِيَاتِ الكهنةِ تُجَاهَ النَّاسِ. فَكُلَّمَا أتَى رَجُلٌ لِيُقَدِّمَ ذَبِيحَةً، يَأْتِي أحَدُ خُدَّامِهِمَا وَمَعَهُ مِلقَطٌ ثُلَاثِيُّ الرُّؤُوسِ عِنْدَ سَلْقِ اللَّحْمِ. فَيَضْرِبُ بِمِلْقَطِهِ فِي المِقلَاةِ أوِ الغَلَّايَةِ أوِ الوِعَاءِ أوِ القِدْرِ. فَيَأْخُذُ الكَاهِنُ كُلَّ مَا يَلْتَقِطُهُ المِلقَطُ. هَكَذَا كَانَا يَفْعَلَانِ مَعَ جَمِيعِ الآتِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى شِيلُوهَ. بَلْ حَتَّى قَبْلَ أنْ يُزَالَ الشَّحْمُ ويُحْرَقَ كَالبَخُورِ عَلَى المَذْبَحِ، كَانَ أحَدُ خُدَّامِهِمَا يَذْهَبُ إلَى مُقَدِّمِي الذَّبَائِحِ وَيَقُولُ لَهُمْ: «أعطُوا الكَاهِنَ بَعْضَ اللَّحمِ لِيَشْوِيَ وَيَأْكُلَ. فَالكَاهِنُ لَا يَأْخُذُ لَحْمًا مَطبُوخًا مِنْكُمْ، بَلْ يُرِيدُ لَحْمًا طَازَجًا.» وَقَدْ يَقُولُ مُقَدِّمُ الذَّبِيحَةِ: «يَنْبَغِي إزَالةُ الشَّحْمِ وَإحْرَاقُهُ كَبَخُورٍ أوَّلًا. وَبَعْدَ ذَلِكَ خُذْ كُلَّ مَا تُرِيدُهُ.» فَيَقُولُ الخَادِمُ: «لَا بَلْ أعْطِنِي اللَّحمَ الآنَ، وَإلَّا فَإنِّي سآخُذُهُ بِالقُوَّةِ.» هَكَذَا كَانَتْ خَطيَّةُ هَذَينِ الخَادِمَينِ كَبِيرَةً جِدًّا أمَامَ اللهِ ، لِأنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَهِينُونَ بِذَبَائِحِ النَّاسِ المُقدَّمَةِ للهِ . أمَّا صَمُوئِيلُ فَكَانَ يَخْدِمُ اللهَ بِأمَانَةٍ. عَمِلَ مُعِينًا لِعَالِي، وَكَانَ يَلبَسُ ثَوبَ الكَهَنُوتِ. وَاعتَادَتْ أُمُّهُ أنْ تَخِيطَ لَهُ رِدَاءً كُلَّ سَنَةٍ. وَكَانَتْ تَأْخُذُ الرِّدَاءَ إلَى صَمُوئِيلَ عِنْدَ صُعُودِهَا إلَى شِيلُوهَ مَعَ زَوْجِهَا لِتَقْدِيمِ ذَبِيحَةٍ كُلَّ سَنَةٍ. وَكَانَ مِنْ عَادَةِ عَالِي أنْ يُبَارِكَ ألقَانَةَ وَزَوْجَتَهُ، فَيَقُولُ لِألقَانَةَ: «لَيْتَ اللهَ يُعطِيكَ أبْنَاءً مِنْ زَوْجَتِكَ هَذِهِ تَعْوِيضًا عَنِ الوَلَدِ الَّذِي كَرَّسَتْهُ للهِ .» بَعْدَ ذَلِكَ، كَانَ ألقَانَةُ وَحَنَّةُ يَعُودَانِ إلَى بَيْتِهِمَا. وَتَحَنَّنَ اللهُ عَلَى حَنَّةَ، فَرَزَقَهَا بِثَلَاثَةِ أبْنَاءٍ وَبِنتَيْنِ. أمَّا صَمُوئِيلُ، فَتَرَعرَعَ فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ عِنْدَ اللهِ . وَكَبِرَ عَالِي فِي السِّنِّ. وَسَمِعَ بِكُلِّ الشُّرُورِ الَّتِي كَانَ وَلَدِيهِ يَفْعَلَانِهَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ. وَسَمِعَ أيْضًا بِأنَّ وَلَدَيهِ كَانَا يُعَاشِرَانِ النِّسَاءَ اللَّوَاتِي يَخْدِمْنَ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَقَالَ عَالِي لِوَلَدَيِهِ: «أطلَعَنِي الشَّعْبُ عَلَى الشُّرُورِ الَّتِي تَرْتَكِبَانِهَا. فلمَاذَا تَفْعَلَانِ مِثْلَ هَذِهِ الأُمُورِ؟ كُفَّا عَنْ ذَلِكَ يَا وَلَدَيَّ، فَالأخْبَارُ الَّتِي وَصَلَتنِي مِنْ شَعْبِ اللهِ عَنْكُمَا سَيِّئَةٌ. إنْ أخْطأ إنْسَانٌ إلَى إنْسَانٍ، يُمْكِنُ للهِ أنْ يَتدخَّلَ وَيُصَحِّحَ الأُمورَ. لَكِنْ إنْ أخْطَأ إنْسَانٌ إلَى اللهِ ، فَمَنْ يُصلِّي لِأجْلِهِ؟» فَسَدَّا آذَانَهُمَا عَنْ كُلِّ مَا قَالَهُ وَالِدُهُمَا. لِأنَّ اللهَ قَرَّرَ أنْ يَضَعَ حَدًّا لِحَيَاتِهِمَا الآثِمَةِ. أمَّا الصَّبِيُّ صَمُوئِيلُ، فَظَلَّ يَنْمُو فِي عَلَاقَتِه بِاللهِ مَعَ نُمُوِّ قَامَتِهِ. فَكَانَ اللهُ وَالنَّاسُ رَاضِينَ عَنْهُ. وَجَاءَ رَجُلُ اللهِ إلَى عَالِي وَقَالَ: «يَقُولُ اللهُ : أنَا ظَهَرتُ لِآبَائِكَ عِنْدَمَا كَانُوا مُسْتَعْبَدِينَ لَدَى فِرعَوْنَ. وَمِنْ بَيْنِ كُلِّ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، اختَرْتُ عَشِيرَتَكَ لِيَكُونُوا كَهَنَةً لِي. عَيَّنتُهُمْ لِتَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ عَلَى مَذْبَحِي، وَإحْرَاقِ البَخُورِ، وَارتِدَاءِ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ أمَامِي. وَسَمَحْتُ أيْضًا لِعَشِيرَتِكَ بِأنْ تَأْخُذَ لَحْمَ الذَّبَائِحِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ بَنُو إسْرَائِيلَ لِي. فَلِمَاذَا تَسْتَهِينُونَ بِعَطَايَايَ وَذَبَائحِي الَّتِي أمَرْتُ بِهَا؟ أنْتَ تُكرِمُ وَلَدَيكَ أكْثَرَ مِمَّا تُكرِمُنِي. وَهَا أنْتُمْ تُخَصِّصُونَ لِأنفُسِكُمْ أفْضَلَ أجزَاءِ الذَّبَائِحِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا بَنُو إسْرَائِيلَ إلَيَّ، وَتَسْمَنُونَ. «لَذَلِكَ يُعلِنُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ وَيَقُولُ: كُنْتُ قَدْ وَعَدْتُ بِأنْ تَخْدِمَنِي عَائِلَتُكَ وَعَائِلَةُ آبَائِكَ إلَى الأبَدِ. أمَّا الآنَ، فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : لَنْ يَحْدُثَ هَذَا! فَأنَا أُكرِمُ الَّذِينَ يُكرِمُونَنِي. أمَّا الَّذِينَ لَا يُوَقِّرُونَنِي، فَإنِّي أُصَغِّرُ مَقَامَهُمْ. سَأقطَعُ نَسْلَكَ عَنْ قَرِيبٍ وَنَسْلَ عَائِلَتِكَ. وَلَنْ يَطُولَ العُمرُ بِأحَدٍ مِنْ عَائِلَتِكَ. لَنْ يَكُونَ لَكَ نَصِيبٌ فِي أيِّ خَيرٍ يُصِيبُ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَلَنْ يَطُولَ العُمرُ بِأحَدٍ مِنْ عَائِلَتِكَ. وَلَنْ أتْرُكَكَ مِنْ دُونِ شَخْصٍ مِنْ نَسْلِكَ يَخْدِمُ مَذْبَحِي. وَلَكِنَّ رِجَالَ عَشيرَتِكَ سَيَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ، فَيَكُونُ هَذَا سَبَبَ حُزنٍ لَكَ وَإكلَالٍ لِعَيْنَيْكَ مِنَ البُكَاءِ. وَسَأُعْطِيكَ عَلَامَةً تُؤَكِّدُ صِدقَ مَا أقُولُ: سَيَمُوتُ وَلَدَاكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَسَأختَارُ لِنَفْسِي كَاهِنًا أثِقُ بِأمَانَتِهِ، يَعْمَلُ مَا أُحِبُّ وَمَا أُرِيدُ. وَسَأُثَبِّتُ عَائِلَتَهُ، فَيَخْدِمُ أمَامَ مَلِكِي المَمْسُوحِ.» وَكُلُّ مَنْ تَبَقَّى مِنْ عَائِلَتِكَ سَيَأْتِي لِيَنْحَنِيَ أمَامَ هَذَا الكَاهِنِ، مُتَوَسِّلًا بَعْضَ المَالِ أوْ كِسرَةَ خُبْزٍ. وَسَيَقُولُ: «أرْجُوكَ أنْ تَسْمَحَ لِي أنْ أعْمَلَ عَمَلَ كَاهِنٍ لِأجِدَ شَيْئًا آكُلُهُ.» وَخَدَمَ الصَّبِيُّ صَمُوئِيلُ اللهَ تَحْتَ إشرَافِ الكَاهِنِ عَالِي. وَفِي تِلْكَ الأيَّامِ لَمْ يَكُنِ اللهُ يَتَكَلَّمُ كَثِيرًا إلَى النَّاسِ بِشَكلٍ مُبَاشِرٍ. وَلَمْ يَكُنْ يُعْطِي رُؤَىً كَثِيرَةً لِلنَّاسِ. وَضَعُفَتْ عَينَا عَالِي كَثِيرًا حَتَّى صَارَ أعْمَى تَقْرِيبًا. وَفِي ذَاتِ لَيلَةٍ ذَهَبَ إلَى غُرفَتِهِ لِيَنَامَ. وَكَانَ المِصبَاحُ المُقَدَّسُ مَا يَزَالُ مُشتَعِلًا، فَتَمَدَّدَ صَمُوئِيلُ فِي هَيْكَلِ اللهِ حَيْثُ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ . فَنَادَى اللهُ صَمُوئِيلَ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «سَمْعًا وَطَاعَةً.» وَرَكَضَ إلَى عَالِي وَقَالَ: «أنْتَ نَادَيتَ عَلَيَّ، فَسَمعًا وَطَاعَةً.» لَكِنَّ عَالِي قَالَ: «أنَا لَمْ أُنَادِ عَلَيْكَ، فَاذْهَبْ وَنَمْ.» فَذَهَبَ صَمُوئِيلُ لِيَنَامَ. وَمَرَّةً أُخْرَى نَادَى اللهُ : «يَا صَمُوئِيلُ!» فَذَهَبَ صَمُوئِيلُ إلَى عَالِي ثَانِيَةً وَقَالَ: «أنْتَ نَادَيتَ عَلَيَّ، فَسَمْعًا وَطَاعَةً!» فَقَالَ عَالِي: «لَمْ أُنَادِ عَلَيْكَ. فَاذْهَبْ وَنَمْ.» وَلَمْ يَكُنْ صَمُوئِيلُ يَعْرِفُ اللهَ بَعْدُ، لِأنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أعْلَنَ لَهُ كَلِمَتَهُ بَعْدُ. فَنَادَى اللهُ صَمُوئِيلَ لِلمَرَّةِ الثَّالِثَةِ. فَنَهَضَ صَمُوئِيلُ وَذَهَبَ إلَى عَالِي وَقَالَ: «أنْتَ نَادَيتَ عَلَيَّ، فَسَمعًا وَطَاعَةً.» فَفَهِمَ عَالِي أخِيرًا أنَّ اللهَ كَانَ يُنَادِي عَلَى صَمُوئِيلَ. فَقَالَ عَالِي لِصَمُوئِيلَ: «اذْهَبْ لِلنَّومِ. وَإذَا نَادَى عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى، قُلْ: ‹تَكَلَّمْ يَا اللهُ ، فَخَادِمُكَ يُصْغِي إليكَ.›» فَذَهَبَ صَمُوئِيلُ لِلنَّومِ فِي مَكَانِهِ. فَجَاءَ اللهُ وَوَقَفَ هُنَاكَ، وَنَادَى كَمَا فِي السَّابِقِ: «يَا صَمُوئِيلُ، يَا صَمُوئِيلُ!» فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «تَكَلَّمْ يَا اللهُ ، فَخَادِمُكَ يُصْغِي إليكَ.» فَقَالَ اللهُ لِصَمُوئِيلَ: «أنَا مُوشِكٌ أنْ أعْمَلَ فِي إسْرَائِيلَ أعْمَالًا سَتَهُزُّ مَنْ يَسْمَعُهَا. سَأُحَقِّقُ كُلَّ الكَلَامِ الَّذِي قُلْتُهُ عَلَى عَالِي وَعَائِلَتِهِ، مِنْ أوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ. فَقَدْ أخبَرتُ عَالِي أنِّي سَأقضِي عَلَى عَائِلَتِهِ إلَى الأبَدِ. وَسَأفْعَلُ ذَلِكَ لِأنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ وَيَرى وَلَدَيهِ يُخطِئَانِ إلَيَّ، فَلَمْ يُوقِفْهُمَا. وَلِهَذَا أقْسَمْتُ بِأنَّنِي لَنْ أقبَلَ أبَدًا ذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتٍ تَكْفِيرًا عَنْ خَطَايَا عَائِلَةِ عَالِي.» وَاسْتَلْقَى صَمُوئِيلُ فِي فِرَاشِهِ إلَى أنْ جَاءَ الصَّبَاحُ. ثُمَّ قَامَ وَفَتَحَ أبوَابَ بَيْتِ اللهِ . وَخَافَ صَمُوئِيلُ أنْ يُخبِرَ عَالِي عَنِ الرُّؤيَا. لَكِنَّ عَالِي قَالَ لِصَمُوئِيلَ: «يَا ابنِي صَمُوئِيلَ.» فَأجَابَ صَمُوئِيلُ: «سَمعًا وَطَاعَةً.» فَسَألَ عَالِي صَمُوئِيلَ: «مَاذَا قَالَ لَكَ اللهُ؟ لَا تُخْفِ شَيْئًا عَنِّي. وَلْيُعَاقِبْكَ اللهُ إنْ أخفَيتَ عَنِّي أيَّ شَيءٍ مِنْ كُلِّ مَا قَالَهُ لَكَ.» فَأخبَرَهُ صَمُوئِيلُ بِكُلِّ شَيءٍ. وَلَمْ يُخفِ عَنْهُ شَيْئًا. فَقَالَ عَالِي: «هُوَ اللهُ . يَفْعَلُ مَا يَرَاهُ صَوَابًا.» وَكَانَ اللهُ مَعَ صَمُوئِيلَ وَهُوَ يَكْبُرُ. وَلَمْ يَسْمَحْ بِأنْ تَسْقُطَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ كَلَامِهِ. فَعَرَفَتْ كُلُّ إسْرَائِيلَ، مِنْ دَانٍ إلَى بِئْرِ السَّبعِ، أنَّ صَمُوئِيلَ استُؤمِنَ نبيًا للهِ ، وَظَلَّ اللهُ يَظْهَرُ لِصَمُوئِيلَ فِي شِيلُوهَ. وَأعلَنَ نَفْسَهُ لَهُ مِنْ خِلَالِ كَلِمَةِ اللهِ . وَانتَشَرَتْ أخْبَارُ صَمُوئِيلَ فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ إسْرَائِيلَ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، خَرَجَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُحَارَبَةِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَعَسكَرُوا عِنْدَ حَجَرِ المَعُونَةِ، بَيْنَمَا عَسكَرَ الفِلِسْطِيُّونَ عِنْدَ أفِيقَ. فَاصطَفَّ الفِلِسْطِيُّونَ أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَبَدَأُوا الهُجُومَ. فَهَزَمَ الفِلِسْطِيُّونَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَقَتَلُوا نَحْوَ أرْبَعَةَ آلَافِ جُندِيٍّ مِنْ جَيْشِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَانسَحَبَ بَقِيَّةُ جُنُودِ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى مُعَسكَرِهِمْ. وَسَألَ شُيُوخُ إسْرَائِيلَ: «لِمَاذَا سَمَحَ اللهُ بِأنْ نَنهَزِمَ أمَام الفِلِسْطِيِّينَ؟ فَلْنُحضِرْ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مِنْ شِيلُوهَ. وَلْنُدخِلْهُ مَعَنَا إلَى المَعْرَكَةِ فَيُخَلِّصَنَا مِنْ أعْدَائِنَا.» فَذَهَبَ الشَّعْبُ إلَى شِيلُوهَ. وَعَادُوا بِصُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ القَدِيرِ الَّذِي يَعْلُوهُ الكَرُوبِانِ. فَكَانَ هَذَانِ المَلَاكَانِ كَعَرشٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ اللهُ . وَجَاءَ حُفنِي وَفِينْحَاسُ مَعَ صُّنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ. وَلَمَّا دَخَلَ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ إلَى المُعَسكَرِ، هَتَفَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ هُتَافًا عَظِيمًا هَزَّ الأرْضَ. وَسَمِعَ الفِلِسْطِيُّونَ هُتَافَ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَسَألُوا: «مَا سِرُّ هَذَا الهُتَافِ فِي مُعَسكَرِ العِبرَانِيِّينَ؟» فَاكتَشَفَ الفِلِسْطِيُّونَ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ قَدْ أحضَرُوا صُنْدُوقَ اللهِ إلَى مُعَسكَرِهِمْ. فَخَافَ الفِلِسْطِيُّونَ وَقَالُوا: «قَدِ انضَمَّتِ الآلِهَةُ إلَى مُخَيَّمِهِمْ! فَيَا وَيلَنَا. فَهَذَا أمرٌ لَمْ يَحْدُثْ مِنْ قَبْلُ. إنَّنَا أمَامَ مُشكِلَةٍ عَظِيمَةٍ. فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُنْقِذَنَا مِنْ هَذِهِ الآلِهَةِ القَوِيَّة؟ فَهَذِهِ هِيَ الآلِهَةُ نَفْسُهَا الَّتِي أوقَعَتْ بِالمِصْرِيِّينَ أمرَاضًا وَأوبِئَةً وَكَوَارثَ. فَلْنَتَشَجَّعْ نَحْنُ الفِلِسْطِيِّينَ، وَلْنُحَارِبهُمْ كَرِجَالٍ. نَحْنُ استَعْبَدْنَا العِبرَانِيِّينَ فِيمَا مَضَى. فَلنُحَارِبْهُمْ كَرِجَالٍ وَإلَّا فَإنَّنَا سَنُسْتَعْبَدُ لَهُمْ.» فَاسْتَبْسَلَ الفِلِسْطِيُّونَ فِي القِتَالِ وَهَزَمُوا بَنِي إسْرَائِيلَ. فَهَرَبَ جُنُودُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَعَادُوا إلَى بُيُوتِهِمْ. فَكَانَتْ هَزِيمَةً شَدِيدَةً لِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَقُتِلَ ثَلَاثُونَ ألْفَ جُندِيٍّ مِنْهُمْ. وَاستَوْلَى الفِلِسْطِيُّونَ عَلَى صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ، وَقَتَلُوا ابنَيْ عَالِي، حُفنِي وَفِينحَاسَ. وَهَرَبَ مِنَ المَعْرَكَةِ رَجُلٌ مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ إلَى شِيلُوه. مَزَّقَ هَذَا الرَّجُلُ ثِيَابَهُ وَوَضَعَ تُرَابًا عَلَى رَأسِهِ حُزْنًا. وَكَانَ عَالِي قَلِقًا عَلَى صُنْدُوقِ العَهْدِ. فَكَانَ جَالِسًا قُرْبَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ مُنتَظِرًا وَمُتَرَقِّبًا عِنْدَمَا دَخَلَ الرَّجُلُ البَنْيَامِينِيُّ المَدِينَةَ وَسُمِعَ الخَبَرُ السَّيِّئُ. فَبَدَأ كُلُّ سُكَّانِ المَدِينَةِ يَبْكُونَ بُكَاءً عَالِيًا. فَسَمِعَ عَالِي بُكَاءَ الشَّعْبِ. فَسَألَ: «مَا سِرُّ هَذَا الضَّجِيجِ؟» فَرَكَضَ الرَّجُلُ البَنْيَامِينِيُّ لِيُخْبِرَ عَالِي بِمَا حَدَثَ. فَقَدْ كَانَ عَالِي فِي الثَّامِنَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ عُمْرِهِ. وَكَانَ أعْمَى، فَلَمْ يَقْدِرْ أنْ يَرَى مَا يَحْدُثُ. وَقَالَ: «جِئتُ لِلتَّوِّ مِنَ المَعْرَكَةِ. هَرَبتُ مِنْهَا هُرُوبًا اليَوْمَ.» فَسَألَهُ عَالِي: «مَا الَّذِي حَدَثَ يَا ابنِي؟» فَأجَابَ الرَّجُلُ البَنْيَامِينِيُّ: «هَرَبَ جَيْشُ إسْرَائِيلَ مِنْ أمَامِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَتَكَبَّدنَا خَسَائِرَ كَبِيرَةً فِي الأرْوَاحِ. وَمَاتَ وَلَدَاكَ أيْضًا. وَاستَوْلَى الفِلِسْطِيُّونَ عَلَى صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ.» فَلَمَّا سَمِعَ عَالِي مَا ذَكَرَهُ الرَّجُلُ البَنْيَامِينِيُّ عَنْ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ، سَقَطَ إلَى الوَرَاءِ قُرْبَ البَوَّابَةِ فَانْكَسَرَتْ رَقَبَتُهُ. وَكَانَ عَالِي شَيخًا طَاعِنًا فِي السِّنِّ وَبَدِينًا، فَمَاتَ. وَكَانَ عَالِي قَاضِيًا لِإسْرَائِيلَ مُدَّةَ عِشْرِينَ سَنَةً. وَكَانَتْ كَنَّةُ عَالِي، زَوْجَةُ فِينْحَاسَ، حُبلَى. وَحَانَ مَوعِدُ وِلَادَتِهَا. فَسَمِعَتْ خَبَرَ استِيلَاءِ الفِلِسْطِيِّينَ عَلَى صُنْدُوقِ اللهِ. وَسَمِعَتْ أنَّ حَمَاهَا عَالِي وَزَوْجَهَا فِينْحَاسَ مَاتَا أيْضًا. فَمَا إنْ سَمِعَتِ الخَبَرَ حَتَّى دَاهَمَتْهَا آلَامُ الوِلَادَةِ فَوَلَدَتْ. وَكَانَتْ عَلَى فِرَاشِ المَوْتِ عِنْدَمَا قَالَتْ لَهَا القَابِلَةُ: «لَا تَهْتَمِّي، فَقَدْ أنْجَبْتِ وَلَدًا.» غَيْرَ أنَّ كَنَّةَ عَالِي لَمْ تُجِبْ وَلَمْ تُبدِ اهتِمَامًا. وَأسْمَتْ وَلَدَهَا إيخَابُودَ، وَقَالَتْ: «نُزِعَ مَجْدُ إسْرَائِيلَ!» دَعَتْهُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأنَّ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ قَدْ سُلِبَ وَلِأنَّ حَمَاهَا وَزَوْجَهَا كِلَيهِمَا مَاتَا. فَقَالَتْ: «نُزِعَ مَجْدُ إسْرَائِيلَ،» لِأنَّ الفِلِسْطِيِّينَ أخَذُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ. وَأخَذَ الفِلِسْطِيُّونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مِنْ عِندِ حَجَرِ المَعُونَةِ إلَى أشدُودَ. وَأدخَلَ الفِلِسْطِيُّونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ إلَى مَعبَدِ دَاجُونَ. وَوَضَعُوهُ إلَى جِوَارِ صَنَمِ دَاجُونَ. وَفِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، نَهَضَ سُكَّانُ أشدُودَ وَذَهَبُوا إلَى مَعبَدِ دَاجُونَ. فَلَمَّا دَخَلُوا وَجَدُوا دَاجُونَ سَاقِطًا عَلَى وَجْهِهِ إلَى الأرْضِ. إذْ كَانَ دَاجُونُ قَدْ سَقَطَ أمَامَ صُنْدُوقِ اللهِ . وَأقَامَ أهْلُ أشدُودَ صَنَمَ دَاجُونَ وَأعَادُوهُ إلَى مَكَانِهِ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي ذَهَبُوا مَرَّةً أُخْرَى. وَمَرَّةً أُخْرَى وَجَدُوا دَاجُونَ مَطرُوحًا عَلَى الأرْضِ أمَامَ صُنْدُوقِ اللهِ ، ورَأسُهُ وَيَدَاهُ مَقطُوعَةٌ وَمُلقَاةٌ عَلَى العَتَبَةِ، وَبَقِيَ جِسْمُهُ وَحْدَهُ. وَلِهَذَا السَّبَبِ يَرْفُضُ كَهَنَةُ دَاجُونَ أوْ عَامَّةُ النَّاسِ أنْ يَدُوسُوا العَتَبَةَ لَدَى دُخُولِهِمْ مَعَبَدَ دَاجُونَ فِي أشدُودَ. فَصَعَّبَ اللهُ الحَيَاةَ عَلَى أهْلِ أشدُودَ وَجِيرَانِهِمْ. وَسَبَّبَ لَهُمْ مَتَاعِبَ كَثِيرَةً. فَأصَابَهُمْ بِأورَامٍ، وَأرْسَلَ أيْضًا فِئرَانًا غَطَّتْ كُلَّ أرْضِهِمْ. فَأصَابَ أهْلَ المَدِينَةِ خَوفٌ شَدِيدٌ. وَرَأى أهْلُ أشْدُودَ مَا يَحْدُثُ، فَقَالُوا: «لَا مَكَانَ لِصُنْدُوقِ إلَهِ إسْرَائِيلَ بينَنَا. فَهُوَ يُضَايِقُنَا وَيُضَايِقُ إلَهَنَا دَاجُونَ.» فَدَعَا أهْلُ أشدُودَ حُكَّامَ الفِلِسْطِيِّينَ الخَمْسَةَ لِلِاجْتِمَاعِ مَعًا. وَسَألُوهُمْ: «مَاذَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أنْ نَفعَلَ بِصُنْدُوقِ عَهْدِ إلَهِ إسْرَائِيلَ؟» فَأجَابَ الحُكَّامُ: «انقُلُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ إسْرَائِيلَ إلَى جَتَّ.» فَنَقَلَ الفِلِسْطِيُّونَ صُنْدُوقَ اللهِ. لَكِنْ بَعْدَ أنْ نَقَلَ الفِلِسْطِيُّونَ الصُّنْدُوقَ إلَى جَتَّ، عَاقَبَ اللهُ المَدِينَةَ. فَذُعِرَ سُكَّانُهَا. وَأرْسَلَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا مَصَائِبَ مِنْ كَبِيرِهِمْ إلَى صَغِيرِهِمْ، وَأصَابَهُمْ بِالأورَامِ. فَأرْسَلَ الفِلِسْطِيُّونَ صُنْدُوقَ اللهِ إلَى عَقرُونَ. لَكِنْ عِنْدَمَا وَصَلَ صُنْدُوقُ اللهِ إلَى عَقرُونَ، تَذَمَّرَ أهْلُهَا، وَقَالُوا: «لِمَاذَا تُدخِلُونَ صُنْدُوقَ إلَهِ إسْرَائِيلَ إلَى مَدِينَتِنَا عَقرُونَ؟ أتَنْوُونَ أنْ تَقْتُلُونَا نَحْنُ وَكُلَّ شَعْبِنَا؟» فَدَعَا أهْلُ عَقرُونَ كُلَّ حُكَّامِ الفِلِسْطِيِّينَ لِلِاجْتِمَاعِ مَعًا. وَقَالُوا لِلحُكَّامِ: «أعِيدُوا صُنْدُوقَ إلَهِ إسْرَائِيلَ قَبْلَ أنْ يَقْتُلَنَا وَيَقْتُلَ كُلَّ شَعْبِنَا.» فَقَدْ كَادَ أهْلُ عَقرُونَ يَمُوتُونَ رُعبًا فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ المَدِينَةِ. إذْ مَاتَ كَثِيرُونَ، وَمَنْ لَمِ يَمُتْ أُصِيبَ بِأورَامٍ. فَكَانُوا يَتَألَّمُونَ حَتَّى وَصَلَ صُرَاخُ أهْلِ المَدِينَةِ إلَى السَّمَاءِ! احتَفَظَ الفِلِسْطِيُّونَ بِصُنْدُوقِ اللهِ فِي أرْضِهِمْ سَبْعَةَ أشْهُرٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ دَعُوا كَهَنَتَهُمْ وَسَحَرَتَهُمْ وَسَألُوهُمْ: «مَاذَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أنْ نَفعَلَ بِصُنْدُوقِ اللهِ ؟ أشِيرُوا عَلَيْنَا كَيْفَ نُعِيدُ الصُّنْدُوقَ إلَى مَكَانِهِ.» فَأجَابَ الكَهَنَةُ وَالسَّحَرَةُ: «إنْ أرَدْتُمْ أنْ تُرسِلُوا صُنْدُوقَ إلَهِ إسْرَائِيلَ، فَلَا تُرسِلُوهُ فَارِغًا. بَلْ قَدِّمُوا عَطَايَا لِإلَهِ إسْرَائِيلَ، حِينَئِذٍ سَتُشفَوْنَ. حِينَ تَعْمَلُونَ هَذَا، سَتَعْرِفُونَ لِمَاذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَنْ ضَرْبِكُمْ.» فَسَألَ الفِلِسْطِيُّونَ: «أيُّ نَوعٍ مِنَ العَطَايَا يَنْبَغِي أنْ نُقَدِّمَ؟» فَأجَابَ الكَهَنَةُ وَالسَّحَرَةُ: «قَدِّمُوا خَمْسَةَ نَمَاذِجَ ذَهَبِيَّةٍ تُشبِهُ الأورَامَ، وَخَمْسَةَ نَمَاذِجَ ذَهَبِيَّةٍ تُشبِهُ الفِئرَانَ. فَقَدْ عَانَيتُمْ أنْتُمْ وَقَادَتُكُمْ مِنَ الأورَامَ وَالفِئرَانَ. فَاصنَعُوا نَمَاذِجَ أورَامٍ وَنَمَاذِجَ فِئرَانٍ كَتِلْكَ الَّتِي تَجُولُ فِي مَدِينَتِنَا. وَمَجَّدُوا إلَهَ إسْرَائِيلَ. فَلَعَلَّهُ يَتَوَقَّفُ عَنْ مُعَاقَبَتِكُمْ أنْتُمْ وَآلِهَتِكُمْ وَأرْضِكُمْ. وَلَا تُعَانِدُوا كَمَا فَعَلَ فِرْعَوْنُ وَالمِصْرِيُّونَ، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ اضطُرَّ المِصْرِيُّونَ إلَى إطلَاقِ سَرَاحِهِمْ مِنْ مِصْرٍ. «اصنَعُوا عَرَبَةً جَدِيدَةً، وَأحضِرُوا بَقَرَتَيْنِ وَلَدَتَا عِجلَينِ حَديثًا، وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُمَا أنْ عَمِلَتَا فِي الحُقُولِ. اربِطُوا البَقَرَتَيْنِ إلَى العَرَبَةِ لِجَرِّهَا. ثُمَّ خُذُوا العِجلَينِ إلَى الحَظِيرَةِ، وَلَا تُبقُوهُمَا مَعَ أُمَّيهِمَا. وَضَعُوا صُنْدُوقَ اللهِ عَلَى العَرَبَةِ ثُمَّ ضَعُوا النَّمَاذِجَ الذَّهَبِيَّةَ فِي صُنْدُوقٍ بِالقُرْبِ مِنْهُ. فَالنَّمَاذِجُ الذَّهَبِيَّةُ هِيَ عَطَايَاكُمْ إلَى اللهِ لِكَي يَغْفِرَ خَطَايَاكُمْ. فَأرسِلُوا العَرَبَةَ وَمَا عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهَا. وَرَاقِبُوا العَرَبَةَ. فَإنِ اتَّجَهَتِ البَقَرَتَانِ إلَى بَيْتِ شَمْسٍ فِي أرْضِ إسْرَائِيلَ، يَكُونُ اللهُ هُوَ مَنِ ابْتَلَانَا بِهَذَا المَرَضِ الشَّدِيدِ. أمَّا إذَا لَمْ تَذْهَبَا مُبَاشَرَةً إلَى بَيْتِ شَمْسٍ، حِينَئِذٍ، نَعْلَمُ أنَّ مَا حَدَثَ لَنَا لَمْ يَكُنْ عِقَابًا مِنَ اللهِ، بَلْ هُوَ حَدَثٌ طَبيعِيٌّ.» ففَعَلَ الرِّجَالُ ذَلِكَ. وَجَدُوا بَقَرَتَيْنِ وَلَدَتَا عِجلَينِ حَدِيثًا، فَرَبَطُوا البَقَرَتَيْنِ بِالعَرَبَةِ، وَأرسَلُوا العِجلَينِ إلَى الحَظيرَةِ. ثُمَّ وَضَعَ الفِلِسْطِيُّونَ صُنْدُوقَ اللهِ عَلَى العَرَبَةِ، وَوَضَعُوا الصُّنْدُوقِ الَّذِي يَحْتَوِي عَلَى النَّمَاذِجِ الذَّهَبِيَّةِ لِلأورَامِ وَالفِئْرَانِ إلَى جَانِبِهِ. فَاتَّجَهَتِ البَقَرَتَانِ إلَى بَيْتَ شَمْسٍ مُبَاشَرَةً. وَظَلَّتِ البَقَرَتَانِ عَلَى الطَّرِيقِ تَسِيرَانِ فِي خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ دُونَ أنْ تَحِيدَا يَمِينًا أوْ شِمَالًا. وَكَانَتَا تُصْدِرَانِ خُوارًا طَوَالَ الطَّرِيقِ. وَتَبِعَ حُكَّامُ الفِلِسْطِيِّينَ البَقَرَتَيْنِ إلَى حُدُودِ مَدِينَةِ بَيْتِ شَمْسٍ. وَكَانَ سُكَّانُ مَدِينَةِ بَيْتِ شَمْسٍ يَحْصُدُونَ الحُبُوبَ فِي الوَادِي. فَلَمَّا رَفَعُوا أنظَارَهُمْ، رَأوْا الصُّنْدُوقَ. فَفَرِحُوا بِرُؤيَتِهِ، وَرَكَضُوا لِكَي يُحضِرُوهُ. فَوَصَلَتِ العَرَبَةُ إلَى حَقْلِ رَجُلٍ اسْمُهُ يَشُوعُ البَيْتُ شَمسِيُّ، وَتَوَقَّفَتْ هُنَاكَ عِنْدَ صَخرَةٍ كَبِيرَةٍ. فَكَسَرَ سُكَّانُ بَيْتِ شَمْسٍ العَرَبَةَ وَقَدَّمُوا البَقَرَتَيْنِ ذَبِيحَةً للهِ . وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ قَدْ أنْزَلُوا صُنْدُوقَ اللهِ وَالصُّنْدُوقَ الَّذِي يَحْتَوِي عَلَى النَّمَاذِجِ الذَّهَبِيَّةِ، وَوَضَعُوهُمَا عَلَى الصَّخرَةِ الكَبِيرَةِ. بَعْدَ ذَلِكَ، وَطَوَالَ ذَلِكَ اليَوْمِ، قَدَّمَ أهْلُ بَيْتِ شَمْسٍ ذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتٍ للهِ . وَشَاهَدَ حُكَّامُ الفِلِسْطِيِّينَ الخَمْسَةُ مَا فَعَلَهُ أهْلُ بَيْتِ شَمْسٍ، ثُمَّ رَجِعُوا إلَى عَقْرُونَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. وَهَكَذَا أرْسَلَ الفِلِسْطِيُّونَ نَمَاذِجَ ذَهَبِيَّةً لِأورَامٍ إلَى اللهِ لِلتَّكفيرِ عَنْ خَطَايَاهُمْ. فَأرسَلُوا نَمُوذَجًا ذَهَبِيًّا وَاحِدًا لِوَرَمٍ عَنْ كُلِّ مَدِينَةٍ مِنَ المُدُنِ الفِلِسْطِيِّةِ: أشدُودَ، وَغَزَّةَ، وَأشقَلُونَ، وَجَتَّ، وَعَقرُونَ. وَأرْسَلَ الفِلِسْطِيُّونَ أيْضًا نَمَاذِجَ ذَهَبِيَّةً لِفِئرَانٍ. وَكَانَ عَدَدُ الفِئرَانِ الذَّهَبِيَّةِ مُمَاثِلًا لِعَدَدِ المُدُنِ التَّابِعَةِ لِلحُكَّامِ الفِلِسْطِيِّينَ الخَمْسَةِ. وَهِيَ مُدُنٌ مُسَوَّرَةٌ. وَلِكُلٍّ مِنْهَا قُرَى مُحِيطَةٌ بِهَا. وَقَدْ وَضَعَ أهْلُ بَيْتِ شَمسٍ صُنْدُوقَ اللهِ عَلَى صَخرَةٍ. وَمَا تَزَالُ تِلْكَ الصَّخرَةُ فِي حَقْلِ يَشُوعَ البَيْتِ شَمسِيِّ. وَنَظَرَ أهْلُ بَيْتِ شَمْسٍ إلَى دَاخِلِ صُنْدُوقِ اللهِ . فَأمَاتَ اللهُ سَبعِينَ رَجُلًا مِنْ بَيْتِ شَمْسٍ. فَصَرَخَ أهْلُ بَيْتِ شَمْسٍ لِأنَّ اللهَ عَاقَبَهُمْ عِقَابًا قَاسِيًا. فَقَالَ أهْلُ بَيْتِ شَمْسٍ: «أيْنَ نَجِدُ مَنْ يَتَوَلَّى أمرَ صُنْدُوقِ المُقَدَّسِ؟ وَإلَى أيْنَ نُخرِجُ الصُّندُوقَ مِنْ وَسَطِنَا؟» وَكَانَ هُنَاكَ كَاهِنٌ فِي قِريَاتِ يَعَارِيمَ. فَأرْسَلَ أهْلُ بَيْتِ شَمْسٍ رُسُلًا لِسُكَّانِ قِرْيَاتِ يَعَارِيمَ. فَقَالَ الرُّسُلُ: «أرْجَعَ الفِلِسْطِيُّونَ صُنْدُوقَ اللهِ ، فَانزِلْ إلَينَا وَخُذْهُ إلَى مَدِينَتِكَ.» فَجَاءَ رِجَالُ قِرْيَاتِ يَعَارِيمَ وَأخَذُوا صُنْدُوقَ اللهِ ، وَأصعَدُوهُ إلَى بَيْتِ أبِينَادَابَ عَلَى التَّلَّةِ. وَكَرَّسُوا ألِعَازَارَ بْنَ أبِينَادَابَ لِحِرَاسَةِ صُنْدُوقِ اللهِ . وَبَقِيَ الصُّنْدُوقُ فِي قِريَاتِ يَعَارِيمَ زَمَنًا طَوِيلًا. وَمَضَتْ عِشرُونَ سَنَةً عَلَى وُجُودِ الصُّنْدُوقِ فِي قِريَاتِ يَعَارِيمَ. وَعَادَ بَنُو إسْرَائِيلَ يَتْبَعُونَ اللهَ مِنْ جَدِيدٍ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: «إنْ كُنْتُمْ تَعُودُونَ إلَى اللهِ حَقًّا بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، فَيَنْبَغِي أنْ تَتَخَلَّصُوا مِنْ آلِهَتِكُمُ الغَرِيبَةِ. يَنْبَغِي أنْ تَطْرَحُوا أصْنَامَ عَشْتَارُوثَ. وَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ وَلَاؤُكُمْ كُلُّهُ لِلرَّبِّ، فَتَخْدِمُوهُ وَحْدَهُ، حِينَئِذٍ، سَيُخَلِّصُكُمْ مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ.» فَتَخَلَّصَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ تَمَاثِيلِ البَعْلِ وَعَشْتَارُوثَ. وَعَبَدُوا اللهَ وَحْدَهُ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «لِيَجْتَمِعْ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي المِصْفَاةِ، وَأنَا سَأُصَلِّي إلَى اللهِ مِنْ أجْلِكُمْ.» فَاجتَمَعَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي المِصْفَاةِ. وَجَاءُوا بِمَاءٍ وسَكَبُوهُ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَصَامُوا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مُعتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ. وَقَالُوا: «لَقَدْ أخْطَأنَا إلَى اللهِ .» فَعَمِلَ صَمُوئِيلُ قَاضِيًا لِإسْرَائِيلَ فِي المِصْفَاةِ. فَلَمَّا سَمِعَ الفِلِسْطِيُّونَ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ مُجتَمِعُونَ فِي المِصْفَاةِ، ذَهَبُوا لِمُقَاتَلَتِهِمْ. فَخَافَ بَنُو إسْرَائِيلَ لَمَّا سَمِعُوا بِقُدُومِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَقَالُوا لِصَمُوئِيلَ: «لَا تَتَوَقَّفْ عَنِ الصَّلَاةِ إلَى مِنْ أجْلِنَا. وَاطلُبْ إلَيْهِ أنْ يُخَلِّصَنَا مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ.» فَأخَذَ صَمُوئِيلُ حَمَلًا وَقَدَّمَهُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً للهِ . وَصَلَّى صَمُوئِيلُ إلَى اللهِ مِنْ أجْلِ إسْرَائِيلَ. فَاسْتَجَابَ اللهُ صَلَاتَهُ. وَاقْتَرَبَ الفِلِسْطِيُّونَ أكْثَرَ فَأكثَرَ لِمُقَاتَلَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ أثْنَاءَ تَقْدِيمِ صَمُوئِيلَ لِلذَّبِيحَةِ. حِينَئِذٍ، أرْسَلَ اللهُ قَصْفَ رَعْدٍ عَالِيًا عَلَى الفِلِسْطِيِّينَ. فَذُعِرُوا وَارتَبَكُوا. فَهَزَمَهُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي المَعْرَكَةِ. وَخَرَجَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنَ المِصْفَاةِ، وَطَارَدُوا الفِلِسْطِيِّينَ إلَى بَيْتِ كَارٍ. وَقَتَلُوا الفِلِسْطِيِّينَ عَلَى امْتِدَادِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ. وَبَعْدَ هَذَا نَصَبَ صَمُوئِيلُ حَجَرًا تَذكَارِيًّا بَيْنَ مَدينَتَي المِصْفَاةِ وَالسِّنِّ. وَسَمَّى صَمُوئِيلُ الحَجَرَ «حَجَرَ المَعُونَةِ،» إذْ قَالَ: «أعَانَنَا اللهُ حَتَّى هَذَا المَكَانِ.» انْهَزَمَ الفِلِسْطِيُّونَ. وَلَمْ يَدْخُلُوا أرْضَ إسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَانَ اللهُ عَلَى الفِلِسْطِيِّينَ طَوَالَ بَقِيَّةِ حَيَاةِ صَمُوئِيلَ. وَاستَرَدَّ بَنُو إسْرَائِيلَ المُدُنَ الَّتِي سَبَقَ أنْ استَوْلَى عَلَيْهَا الفِلِسْطِيُّونَ عَلى طُولِ المِنْطَقَةِ الفِلِسْطِيِّةِ، مِنْ عَقْرُونَ إلَى جَتَّ. وَسَادَ أيْضًا سَلَامٌ بَيْنَ إسْرَائِيلَ وَالأمُّورِيِّينَ. وَبَقِيَ صَمُوئِيلُ قَاضِيًا عَلَى إسْرَائِيلَ طَوَالَ حَيَاتِهِ. فَكَانَ يَطُوفُ كُلَّ سَنَةٍ فِي بَيْتِ إيلَ وَالجِلجَالِ وَالمِصْفَاةِ لِيَنْظُرَ فِي مَشَاكِلِ النَّاسِ وَيَحُلَّهَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَرْجِعُ إلَى الرَّامَةِ، لِأنَّ بَيْتَهُ كَانَ هُنَاكَ. وَبَنَى صَمُوئِيلُ هُنَاكَ مَذْبَحًا للهِ ، وكَانَ يَنْظُرُ فِي مَشَاكِلِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَيَحُلُّهَا هُنَاكَ. وَلَمَّا شَاخَ صَمُوئِيلُ، عَيَّنَ ابنَيهِ قَاضِيَيْنِ لِإسْرَائِيلَ. وَكَانَ اسْمُ ابنِهِ الأوَّلِ يُوئِيلَ، وَالثَّانِي أبِيَّا. وَكَانَ يُوئِيلُ وَأبِيَّا قَاضِيَيْنِ فِي بِئرِ السَّبعِ. لَكِنَّ ابنَيْ صَمُوئِيلَ لَمْ يَعِيشَا بِاسْتِقَامَةٍ مِثْلَ أبِيهِمَا، بَلِ انْحَرَفَا وَرَاءَ رِبْحِ المَالِ بِالرَّشَاوِي وَظُلْمِ النَّاسِ. فَاجتَمَعَ كُلُّ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ مَعًا، وَذَهَبُوا إلَى الرَّامَةِ لِلِقَاءِ صَمُوئِيلَ. وَقَالُوا لَهُ: «أنْتَ شِخْتَ، وَابْنَاكَ لَا يَعِيشَانِ حَيَاةً مُسْتَقِيمَةً مِثْلَكَ، وَالْآنَ عَيِّنْ مَلِكًا لِيَحْكُمْ عَلَيْنَا كَمَا هُوَ الحَالُ عِنْدَ كُلِّ الأُمَمِ الأُخرَى.» طَلَبَ الشُّيُوخُ مَلِكًا، فَاسْتَاءَ صَمُوئِيلُ وَصَلَّى إلَى اللهِ . فَأجَابَ اللهُ صَمُوئِيلَ: «افْعَلْ مَا طَلَبَهُ الشَّعْبُ مِنْكَ. إنَّهُمْ لَا يَرْفُضُونَكَ أنْتَ، بَلْ يَرْفُضُونَنِي أنَا. إذْ لَا يُرِيدُونَنِي أنْ أكُونَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ. وَهُمْ يَفْعَلُونَ مَا فَعَلُوهُ عَلَى الدَّوَامِ. فَبَعدَ أنْ أخْرَجتُهُمْ مِنْ مِصْرٍ قَدِيمًا، تَرَكُونِي وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى. وَهُمْ يَعْمَلُونَ الأمْرَ نَفْسَهُ بِكَ. فَاسْتَمِعْ إلَى الشَّعْبِ، وَافْعَلْ مَا يَقُولُونَهُ. لَكِنْ حَذِّرْهُمْ. وَأخبِرهُمْ بِمَا يُمْكِنُ أنْ يَفْعَلَهُ المَلِكُ بِهِمْ. وَاشرَحْ لَهُمْ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلمَلِكِ أنْ يَحْكُمَ شَعْبًا.» طَلَبَ هَؤُلَاءِ مَلِكًا. فَأخبَرَهُمْ صَمُوئِيلُ كُلَّ مَا قَالَهُ اللهُ . قَالَ صَمُوئِيلُ: «إنْ حَكَمَكُمْ مَلِكٌ، فَهَذَا مَا سَيَفْعَلُهُ: سَيَأْخُذُ أبْنَاءَكُمْ لَيَقُودُوا مَرْكَبَاتِهِ وَيَصِيرُوا فُرْسَانًا فِي جَيْشِهِ وَيَرْكُضُوا أمَامَ عَرَبَتِهِ. «سَيُجْبِرُ المَلِكُ أبْنَاءَكُمْ عَلَى دُخُولِ جَيْشِهِ. هُوَ سَيَختَارُ مَنْ سَيَكُونُونَ قَادَةَ أُلُوفٍ أوْ قَادَةَ خَمَاسِينَ. سَيُجبِرُ المَلِكُ أبْنَاءَكُمْ عَلَى العَمَلِ فِي حِرَاثَةِ حُقُولِهِ وَجَمْعِ حَصَادِهِ وَصُنْعِ أسلِحَةٍ وَأدَوَاتٍ لِمَرْكَبَاتِهِ. «سَيَأْخُذُ المَلِكُ بَنَاتِكُمْ لِيَعْمَلْنَ صَانِعَاتِ عُطُورٍ وَطَبَّاخَاتٍ وَخَبَّازَاتٍ. «سَيَأْخُذُ المَلِكُ أفْضَلَ حُقُولِكُمْ وَكُرُومِكُمْ وَبَسَاتِينِ زَيْتُونِكُمْ. سَيَنْتَزِعُهَا مِنْكُمْ وَيُعطِيهَا لِضُبَّاطِهِ وَمَسؤُولِيهِ. وَسَيَأْخُذُ عُشْرَ مَزرُوعَاتِكُمْ وَعِنَبِكُمْ وَسَيُعطِيهَا لِضُبَّاطِهِ وَمَسؤُولِيهِ. «سَيَأْخُذُ المَلِكُ خَدَمَكُمْ وَخَادِمَاتِكُمْ. وَسَيَأْخُذُ خِيَارَ بَقَرِكُمْ وَحَمِيرِكُمْ. وَسَيَسْتَعْمِلُهَا كُلَّهَا لِشُغلِهِ الخَاصِّ. وَسَيَأْخُذُ عُشْرَ مَوَاشِيكُمْ. وَسَتَصِيرُونَ أنْتُمْ أنْفُسُكُمْ عَبِيدًا لِلمَلِكِ. حِينَئِذٍ، سَتَصْرُخُونَ ضِيقًا مِنَ المَلِكِ الَّذِي اختَرْتُمُوهُ. لَكِنَّ اللهَ لَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ.» لَكِنَّ الشَّعْبَ رَفَضُوا أنْ يُصغُوا إلَى صَمُوئِيلَ. وَقَالُوا: «لَا، بَلْ نُرِيدُ أنْ يَحْكُمَنَا مَلِكٌ. حِينَئِذِ سَنَكُونُ مِثْلَ الأُمَمِ الأُخرَى، فَيَقُودُنَا مَلِكٌ وَيُحَارِبُ حُرُوبَنَا.» فَسَمِعَ صَمُوئِيلُ مَا قَالَهُ الشَّعْبُ، وَتَكَلَّمْ بِهِ عَلَى مَسَامِعِ اللهِ . فَأجَابَ اللهُ : «اسمَعْ لَهُمْ وَنَصِّبْ عَلَيْهِمْ مَلِكًا.» فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشُيُوخِ إسْرَائِيلَ: «سَيَكُونُ لَكُمْ مَلِكٌ. فَاذهَبُوا الآنَ إلَى بُيُوتِكُمْ.» وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ قَيْسٌ، مِنْ وُجَهَاءِ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. وَقَيْسٌ هُوَ ابْنُ أبِيئِيلَ بْنِ صَرُورَ بْنِ بَكُورَةَ بْنِ أفِيحَ. وَكَانَ لِقَيْسٍ ابنٌ اسْمُهُ شَاوُلُ. وَهُوَ شَابٌّ وَسِيمٌ. بَلْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أكْثَرُ وَسَامَةً مِنْ شَاوُلَ. وَلَمْ يَكُنْ فِي إسْرَائِيلَ رَجُلٌ أطوَلُ مِنْهُ. فَكَانَ أطوَلُهُمْ يَصِلُ إلَى كَتِفِهِ. وَذَاتَ يَوْمٍ ضَاعَتْ حَمِيرُ قَيْسٍ. فَقَالَ قَيْسٌ لِابْنِهِ شَاوُلَ: «خُذْ خَادِمًا وَابْحَثْ عَنِ الحَمِيرِ.» فَذَهَبَ شَاوُلُ يَبْحَثُ عَنِ الحَمِيرِ. فَاجْتَازَ تِلَالَ أفْرَايِمَ. ثُمَّ اجْتَازَ المِنْطَقَةَ المُحِيطَةَ بِأرْضِ شَلِيشَةَ، لَكِنَّهُمَا لَمْ يَعْثُرَا عَلَى الحَمِيرِ. فَذَهَبَ إلَى المِنْطَقَةِ المُحِيطَةِ بِأرْضِ شَعَلِيمَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أثَرٌ هُنَاكَ. فَاجْتَازَ أرْضَ بَنْيَامِينَ وَلَمْ يَعْثُرَا عَلَيْهَا. وَأخِيرًا وَصَلَ شَاوُلُ وَخَادِمُهُ إلَى مِنْطَقَةِ صُوفٍ، فَقَالَ شَاوُلُ لِخَادِمِهِ: «لِنَرْجِعْ. فَأنَا أخشَى أنْ لَا يَقْلَقَ أبِي عَلَى الحَمِيرِ بَعْدُ، وَأنْ يَبْدَأ بِالقَلَقِ عَلَيْنَا.» لَكِنَّ الخَادِمَ قَالَ: «رَجُلُ اللهِ فِي هَذِهِ المَدِينَةِ. وَالنَّاسُ يُكْرِمُونَهُ. وَكُلُّ مَا يَقُولُهُ يَتَحَقَّقُ. فَلْنَدخُلْ إلَى المَدِينَةِ. فَرُبَّمَا يُوَجِّهُنَا رَجُلُ اللهِ إلَى حَيْثُ يَنْبَغِي أنْ نَذهَبَ مِنْ هُنَا.» فَقَالَ شَاوُلُ لِخَادِمِهِ: «لِنَفتَرِضْ أنَّنَا ذَهَبْنَا إليه، فَمَاذَا يُمكِنُنَا أنْ نُقَدِّمَ لَهُ؟ إذْ لَا يُوجَدُ مَعَنَا مَا نُهدِيهِ لِرَجُلِ اللهِ. فَحَتَّى الطَّعَامُ الَّذِي فِي أكْيَاسِنَا نَفِدَ. فَمَاذَا نُقَدِّمُ لَهُ؟» فَعَادَ الخَادِمُ وَقَالَ لِشَاوُلَ: «اسْمَعْ، مَعِي رُبْعُ مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ. فَلنُعطِهِ لِرَجُلِ اللهِ. حِينَئِذِ سَيُخبِرُنَا أيْنَ نَذهَبُ.» – كَانَ النَّبِيُّ يُدْعَى «رَائِيًا» فِيمَا مَضَى، فَإنْ أرَادَ أحَدٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَسألَ اللهَ فِي أمْرٍ مَا، كَانَ يَقُولُ «هَيَّا وَلْنَذْهَبْ إلَى الرَّائِي.» – فَقَالَ شَاوُلُ لِخَادِمِهِ: «هَذِهِ فِكرَةٌ حَسَنَةٌ. لِنَذهَبْ.» فَذَهَبَا إلَى المَدِينَةِ حَيْثُ رَجُلُ اللهِ. وَبينَمَا هُمَا يَصْعَدَانِ التَّلَّةَ نَحْوَ المَدِينَةِ، قَابَلَا فَتَيَاتٍ ذَاهِبَاتٍ لِاستِقَاءِ المَاءِ. فَسَألَهُنَّ شَاوُلُ: «هَلِ الرَّائِي هُنَا؟» فَأجَابَتِ الفَتَيَاتُ: «نَعَمْ. الرَّائِي هُنَا. فَهُوَ فِي الطَّرِيقِ أمَامَكُمَا. أسْرِعَا. فَقَدْ جَاءَ اليَوْمَ إلَى المَدِينَةِ، وَبَعْضُ النَّاسِ اجْتَمَعُوا اليَوْمَ لِلِاشتِرَاكِ فِي ذَبِيحَةِ سَلَامَةٍ فِي مَكَانِ العِبَادَةِ. فَادْخُلَا المَدِينَةَ وَسَتَجِدَانِهِ. فَإنْ أسرَعتُمَا، سَتَتَمَكَّنَانِ مِنَ اللَّحَاقِ بِهِ قَبْلَ أنْ يَصْعَدَ إلَى مَكَانِ العِبَادَةِ. فَلَنْ يَبْدَأ المَدْعُوُّونَ بتَنَاوُلِ الطَّعَامِ إلَى أنْ يَصِلَ وَيُبَارِكَ الذَّبِيحَةَ. أسرِعَا، فَتَجِدَا الرَّائِي.» فَوَاصَلَا صُعُودَ التَّلَّةِ إلَى المَدِينَةِ. وَعِنْدَ دُخُولِهِمَا المَدِينَةَ، رَأيَا صَمُوئِيلَ خَارِجًا مِنْهَا، وَمُقْبِلًا نَحوَهُمَا فِي طَرِيقِهِ إلَى مَكَانِ العِبَادَةِ. وَكَانَ اللهُ قَدْ أعْلَنَ لِصَمُوئِيلَ فِي اليَوْمِ السَّابِقِ مَا يَلِي: «فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ مِنْ يَوْمِ غَدٍ سَأُرْسِلُ إلَيْكَ رَجُلًا مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. فَامْسَحْهُ بِالزَّيْتِ رَئِيسًا جَدِيدًا لِشَعْبِي إسْرَائِيلَ. وَهُوَ سَيُخَلِّصُ شَعْبِي مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ. فَقَدْ رَأيْتُ مُعَانَاةَ شَعْبِي، وَسَمِعتُ صَرَخَاتِ استِغَاثَتِهِمْ.» فَلَمَّا رَأى صَمُوئِيلُ شَاوُلَ، قَالَ اللهُ لِصَمُوئِيلَ: «هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي أخبَرتُكَ عَنْهُ. وَهُوَ الَّذِي سَيَحْكُمُ شَعْبِي.» فَتَقَدَّمَ شَاوُلُ إلَى صَمُوئِيلَ قُرْبَ البَوَّابَةِ وَسَألَهُ: «أيْنَ بَيْتُ الرَّائِي مِنْ فَضْلِكَ؟» فَأجَابَ صَمُوئِيلُ: «أنَا الرَّائِي، فَأكمِلْ صُعُودَ التَّلَّةِ، وَاسْبِقنِي إلَى مَكَانِ العِبَادَةِ. وَسَتَأْكُلُ أنْتَ وَخَادِمُكَ اليَوْمَ مَعِي. وَفِي الغَدِ تَعَودَانِ إلَى بَيْتِكُمَا. وَسَأُجِيبُكَ عَنْ كُلِّ أسئِلَتِكَ. أمَّا الحَمِيرُ الضَّائِعَةُ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ، فَلَا تَقْلَقْ عَلَيْهَا، فَقَدْ تَمَّ العُثُورُ عَلَيْهَا. ألَيْسَ كُلُّ جَمِيلٍ وَمَرْغُوبٍ فِي إسْرَائِيلَ هُوَ لَكَ وَلِبَيْتِ أبيكَ.» فَأجَابَ شَاوُلُ: «لَكِنْ مَا أنَا إلَّا فَرْدٌ عَادِيٌّ فِي قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. وَهِيَ أصغَرُ العَشَائِرِ فِي إسْرَائِيلَ. وَعَائِلَتِي هِيَ الأصغَرُ فِي قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. فَلِمَاذَا تَقُولُ هَذَا؟» ثُمَّ أخَذَ صَمُوئِيلُ شَاوُلَ وَخَادِمَهُ إلَى المَكَانِ المُخَصَّصِ لِتَنَاوُلِ الطَّعَامِ. وَكَانَ نَحْوَ ثَلَاثِينَ شَخْصًا قَدْ دُعِيُوا لِلأكلِ مَعًا وَالِاشتِرَاكِ فِي الذَّبِيحَةِ. فَأفرَدَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ وَخَادِمِهِ صَدْرَ المَكَانِ. وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلطَّبَّاخِ: «أعْطِنِي حِصَّةَ اللَّحْمِ الَّتِي طَلَبتُ إلَيْكَ الِاحتِفَاظَ بِهَا.» فَجَلَبَ الطَّبَّاخُ الفَخْذَ وَوَضَعَهَا عَلَى المَائِدَةِ أمَامَ شَاوُلَ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «كُلِ اللَّحْمَ المَوضُوعَ أمَامَكَ. فَقَدِ احتَفَظتُ بِهِ لَكَ فِي هَذِهِ المُنَاسَبَةِ الَّتِي دَعَوتُ فِيهَا الشَّعْبَ لِلِاجْتِمَاعِ مَعًا.» فَأكَلَ شَاوُلُ مَعَ صَمُوئِيلَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. وَبَعْدَ أنِ انتَهَوْا مِنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ، نَزَلُوا مِنْ مَكَانِ العِبَادَةِ وَرَجِعُوا إلَى المَدِينَةِ. وَفَرَشَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ عَلَى السَّطحِ، فَنَامَ شَاوُلُ هُنَاكَ. وَفِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ نَادَى صَمُوئِيلُ عَلَى شَاوُلَ عَلَى السَّطحِ وَقَالَ لَهُ: «انْهَضْ لِكَي أُرْسِلَكَ فِي طَرِيقِكَ.» فَنَهَضَ شَاوُلُ وَخَرَجَ مِنَ البَيْتِ مَعَ صَمُوئِيلَ. وَكَانَ شَاوُلُ وَخَادِمُهُ وَصَمُوئِيلُ يَمْشُونَ مَعًا عِنْدَ طَرَفِ المَدِينَةِ، فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «اطلُبْ إلَى خَادِمِكَ أنْ يَسْبِقَنَا، فَلَدَيَّ رِسَالَةٌ مِنَ اللهِ إلَيْكَ.» فَسَبَقَهُمَا الخَادِمُ. وَأخَذَ صَمُوئِيلُ قِنِّينَةً فِيهَا زَيْتٌ خَاصٌّ، وَسَكَبَ الزَّيْتَ عَلَى رَأسِ شَاوُلَ، وَقَبَّلَهُ. وَقَالَ لَهُ: «قَدْ مَسَحَكَ اللهُ رَئِيسًا عَلَى الشَّعْبِ الَّذِي هُوَ مُلكٌ للهِ. وَسَتَحْكُمُ شَعْبَهُ. وَسَتُخَلِّصُهُمْ مِنَ الأعْدَاءِ المُحِيطِينَ بِهِ. مَسَحَكَ لِتَكُونَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِهِ. وَهَذِهِ عَلَامَةٌ عَلَى أنَّ هَذَا الأمْرَ سَيَتَحَقَّقُ. بَعْدَ أنْ تَتْرُكَنِي اليَوْمَ، سَتُقَابِلُ رَجُلَينِ قُرْبَ قَبرِ رَاحِيلَ عَلَى حُدُودِ بَنْيَامِينَ فِي صَلْصَحَ. وَسَيَقُولَانِ لَكَ: ‹وَجَدَ أحَدُهُمُ الحَمِيرَ الَّتِي تَبْحَثُ عَنْهَا. فَلَمْ يَعُدْ أبُوكَ قَلِقًا عَلَى الحَمِيرِ، بَلْ عَلَيْكَ أنْتَ. فَهُوَ يَسألُ مَاذَا حَدَثَ لِابْنِي؟›» وَقَالَ صَمُوئِيلُ: «وَبَعْدَ ذَلِكَ سَتَمْضِي فِي طَرِيقِكَ إلَى أنْ تَصِلَ بَلُّوطَةً كَبِيرَةً فِي تَابُورَ. وَسَيُصَادِفُكَ هُنَاكَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ فِي طَرِيقِهِمْ لِعِبَادَةِ اللهِ فِي بَيْتِ إيلَ. وَسَيَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَامِلًا ثَلَاثَةَ تُيُوسٍ، وَالثَّانِي ثَلَاثَةَ أرغِفَةٍ مِنَ الخُبْزِ، وَالثَّالِثُ زُجَاجَةَ نَبِيذٍ. وَسَيُلقِي الرِّجَالُ الثَّلَاثَةُ هَؤُلَاءِ التَّحِيَّةَ عَلَيْكَ. وَسَيَعْرِضُونَ عَلَيْكَ رَغِيفَي خُبْزٍ، فَخُذْهُمَا مِنْهُمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَتَذْهَبُ إلَى جِبْعَةِ إيلُوهِيمَ، حَيْثُ يُوجَدُ حِصنٌ فِلِسْطِيٌّ. وَعِنْدَمَا تَصِلُ إلَى تِلْكَ المَدِينَةِ، سَتُلَاقِي مَجمُوعَةً مِنَ الأنْبِيَاءِ نَازِلِينَ مِنْ مَكَانِ العِبَادَةِ. وَسَيَتَنَبَّأُونَ وَهُمْ يَعْزِفُونَ عَلَى القَيَاثِيرِ وَالصُّنُوجِ وَالنَّايَاتِ وَالرَّبَابَاتِ. حِينَئِذٍ، سَيَحِلُّ رُوحُ اللهِ عَلَيْكَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ، فَتَتَغَيَّرُ وَتَصِيرُ إنْسَانًا جَدِيدًا. وَسَتَبْدَأُ تَتَنَبَّأُ مَعَ هَؤُلَاءِ الأنْبِيَاءِ. بَعْدَ ذَلِكَ، افْعَلْ كَمَا تَشَاءُ لِأنَّ اللهَ سَيَكُونُ مَعَكَ. «اذْهَبْ إلَى الجِلجَالِ قَبلِي. وَسَألحَقُ بِكَ إلَى هُنَاكَ لِأُقَدِّمَ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَذَبَائِحَ شَرِكَةٍ. لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ تَمْكُثَ سَبْعَةَ أيَّامٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَآتِي وَأُخبِرُكَ بِمَا يَنبغِي أنْ تَفْعَلَ.» فَلَمَّا استَدَارَ شَاوُلُ لِيَمْضِيَ مِنْ عِندِ صَمُوئِيلَ، تَغَيَّرَ قَلْبُ شَاوُلَ وَصَارَ إنْسَانًا جَدِيدًا. حَدَثَتْ هَذِهِ الأُمُورُ كُلُّهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. فَذَهَبَ شَاوُلُ وَخَادِمُهُ إلَى جِبْعَةِ إيلُوهِيمَ. وَفِي ذَلِكَ المَكَانِ تَلَاقَى مَعَ مَجمُوعَةٍ مِنَ الأنْبِيَاءِ. وَتَمَلَّكَهُ رُوحُ اللهِ، فَتَنَبَّأَ شَاوُلُ مَعَ الأنْبِيَاءِ. فَرَآهُ بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ يَتَنَبَّأُ – وَكَانُوا يَعْرِفُونَ مَنْ هُوَ – فَسَألَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: «مَاذَا جَرَى لِابْنِ قَيْسٍ؟ أشَاوُلُ أيْضًا بَيْنَ الأنْبِيَاءِ؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جِبْعَةَ: «نَعَمْ، وَيَبْدُو أنَّهُ قَائِدُهُمْ.» فَصَارَ هَذَا مَثَلًا: «أشَاوُلُ أيْضًا بَيْنَ الأنْبِيَاءِ؟» وَبَعَدَ أنِ انْتَهَى شَاوُلُ مِنَ التَّنَبُّؤِ، ذَهَبَ إلَى مَكَانِ العِبَادَةِ. فَسَألَهُ عَمُّهُ وَسألَ خَادِمَهُ: «أيْنَ كُنْتُمَا؟» فَقَالَ شَاوُلُ: «كُنَّا نَبحَثُ عَنِ الحَمِيرِ. وَعِنْدَمَا لَمْ نَجِدهُا، ذَهَبْنَا لِرُؤيَةِ صَمُوئِيلَ.» فَقَالَ عَمُّهُ: «أخْبِرنِي مَاذَا قَالَ لَكُمَا صَمُوئِيلُ.» فَأجَابَ شَأُوُلُ: «قَالَ لَنَا صَمُوئِيلُ إنَّهُ تَمَّ العُثُورُ عَلَى الحَمِيرِ.» وَلَمْ يُخبِرْ عَمَّهُ بِكُلِّ شيءٍ، أيْ بِمَا قَالَهُ صَمُوئِيلُ عَنِ المُلْكِ. وَجَمَعَ صَمُوئيلُ الشَّعْبَ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي المِصْفَاةِ. وَقَالَ لَهُمْ: «يَقُولُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹أخرَجتُ إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ. وَخَلَّصْتُكُمْ مِنْ سَيطَرَةِ المِصْرِيِّينَ وَمِنَ المَمَالِكِ الأُخرَى الَّتِي ظَلَمَتْكُمْ وَضَايَقَتْكُمْ.› لَكِنَّكُمُ اليَوْمَ رَفَضتُمْ إلَهَكُمُ الَّذِي خَلَّصَكُمْ مِنْ ضِيقَاتِكُمْ وَمَتَاعِبِكُمْ إذْ قُلْتُمْ: ‹نُرِيدُ أنْ يَحْكُمَنَا مَلِكٌ.› وَالْآنَ تَعَالَوْا وَقِفُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ حَسَبَ عَائِلَاتِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ.» فَقَرَّبَ صَمُوئِيلُ كُلَّ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. ثُمَّ بَدَأُوا احْتِفَالَ تَنْصِيبِ المَلِكِ الجَدِيدِ. أوَّلًا، اخْتِيرَتْ قَبِيلَةُ بَنْيَامِينَ. ثُمَّ طَلَبَ صَمُوئِيلُ إلَى كُلِّ عَائِلَةٍ فِي قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ أنْ تَمُرَّ مِنْ أمَامِهِ. فَاخْتِيرَتْ عَائِلَةُ مَطْرِي. ثُمَّ طَلَبَ صَمُوئِيلُ أنْ يَمُرَّ مِنْ أمَامِهِ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ رِجَالِ عَائِلَةِ مَطْرِي. فَاخْتِيرَ شَاوُلُ بْنُ قَيْسٍ. لَكِنْ حِينَ فَتَّشَ عَنْهُ الشَّعْبُ، لَمْ يَجِدُوهُ. فَسَألُوا اللهَ : «ألَمْ يَجِئْ شَاوُلُ بَعْدُ؟» فَقَالَ اللهُ : «إنَّهُ مُختَبِئٌ بَيْنَ المُؤَنِ.» فَرَكَضَ الشَّعْبُ وَأخرَجُوا شَاوُلَ مِنْ خَلفِ المُؤَنِ. فَوَقَفَ شَاوُلُ بَيْنَ الشَّعْبِ. فَبَلَغَ طُولُ أطوَلِهِمْ إلَى كَتِفِهِ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: «هَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ . لَا مَثِيلَ لَهُ بَيْنَ الشَّعْبِ.» فَهَتَفَ الشَّعْبُ: «يَعيشُ المَلِكُ!» ثُمَّ شَرَحَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ أنظِمَةَ المَمْلَكَةِ وَالمُلْكِ. وَدَوَّنَ هَذِهِ الأنظِمَةَ فِي كِتَابٍ. وَوَضَعَ الكِتَابَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . ثُمَّ صَرَفَ الشَّعْبَ إلَى بُيُوتِهِمْ. وَانْصَرَفَ شَاوُلُ أيْضًا إلَى بَيْتِهِ فِي جِبعَةَ. وَلَمَسَ اللهُ قُلُوبَ الرِّجَالِ البَوَاسِلِ الَّذِينَ بَدَأُوا يَتْبَعُونَ شَاوُلَ. وَأمَّا بَعْضُ الأشْرَارِ فَقَالُوا: «كَيْفَ يُمْكِنُ لِهَذَا الرَّجُلِ أنْ يُخَلِّصَنَا؟» فَاحْتَقَرُوهُ وَقَالُوا كَلَامًا مُهِينًا عَنْهُ. وَرَفَضُوا أنْ يَجْلِبُوا لَهُ هَدَايَا المُبَايَعَةِ. أمَّا شَاوُلُ، فَتَجَاهَلَ كُلَّ مَا سَمِعَهُ. وَبَعْدَ شَهرٍ، حَاصَرَ نَاحَاشُ العَمُّونِيُّ وَجَيْشُهُ يَابِيشَ جِلعَادَ. فَقَالَ كُلُّ أهْلِ يَابِيشَ لَهُ: «إذَا صَنَعتَ مُعَاهَدَةً بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإنَّنَا سَنَخدِمُكَ.» لَكِنَّ نَاحَاشَ العَمُّونِيَّ أجَابَ: «سَأُصَادِقُ عَلَى المُعَاهَدَةِ الَّتِي تُرِيدُونَ أنْ أصنَعَهَا بِأنْ أفْقَأ عَينَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ. حِينَئِذِ سَيَلْحَقُ العَارُ بِكُلِّ إسْرَائِيلَ.» فَقَالَ شُيُوخُ يَابِيشَ لِنَاحَاشَ: «أمهِلْنَا سَبْعَةَ أيَّامٍ نُرسِلُ خِلَالَهَا رُسُلًا إلَى جَمِيعِ أنْحَاءِ إسْرَائِيلَ. فَإذَا لَمْ يَهُبَّ أحَدٌ لِنَجدَتِنَا، حِينَئِذٍ، سَنَخرُجُ إلَيْكَ وَنَسْتَسْلِمُ لَكَ.» فَجَاءَ الرُّسُلُ إلَى جِبْعَةَ حَيْثُ يَسْكُنُ شَاوُلُ. وَأخبَرُوا الشَّعْبَ بِمَا حَدَثَ. فَبَكَى الشَّعْبُ بُكَاءً عَالِيًا. وَكَانَ شَاوُلُ فِي الحَقْلِ مَعَ أبْقَارِهِ. فَلَمَّا رَجِعَ مِنَ الحَقْلِ، سَمِعَ الشَّعْبَ يَبْكُونَ. فَسَألَ شَاوُلُ: «مَا الَّذِي أصَابَ الشَّعْبَ؟ لِمَاذَا يَبْكُونَ؟» فَأخبَرَ الشَّعْبُ شَاوُلَ بِمَا قَالَهُ رُسُلُ يَابِيشَ. فَأصغَى شَاوُلُ إلَيْهِمْ، فَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَيْهِ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا. وَأخَذَ شَاوُلُ ثَورَينِ وَقَطَّعَهُمَا. ثُمَّ أعْطَى قِطَعَ اللَّحمِ إلَى الرُّسُلِ لِيَحْمِلُوهَا إلَى كُلِّ أنْحَاءِ إسْرَائِيلَ وَيَقُولُوا: «كُلُّ مَنْ لَا يَخْرُجُ لِلحَرْبِ بِقِيَادَةِ شَاوُلَ وَصَمُوئِيلَ، هَكَذَا تُقَطَّعُ جَمِيعُ أبقَارِهِ!» فَأوقَعَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ خَوْفًا شَدِيدًا، وَخَرَجُوا مَعًا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ حَشَدَ شَاوُلُ الرِّجَالَ فِي بَازَقَ. فَكَانَ هُنَاكَ ثَلَاثُ مِئَةِ ألْفِ رَجُلٍ مِنْ إسْرَائِيلَ وَثَلَاثُونَ ألْفَ رَجُلٍ مِنْ يَهُوذَا. وَقَالَ شَاوُلُ وَجَيْشُهُ لِرُسُلِ يَابِيشَ: «أخبِرُوا أهْلَ يَابِيشَ جِلعَادَ أنَّهُمْ سَيُنقَذُونَ قَبْلَ ظُهرِ غَدٍ.» فَنَقَلَ الرُّسُلُ رِسَالَةَ شَاوُلَ إلَى أهْلِ يَابِيشَ، فَفَرِحُوا جِدًّا. فَقَالَ أهْلُ يَابِيشَ إلَى نَاحَاشَ العَمُّونِيِّ: «سَنَخرُجُ إلَيْكَ غَدًا فَافْعَلْ بِنَا كَمَا تَشَاءُ.» وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، قَسَّمَ شَاوُلُ جَيْشَهُ إلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ. وَفِي مَوعِدِ تَغْيِيرِ الحَرَسِ فِي الصَّبَاحِ، اقْتَحَمَ شَاوُلُ وَجَيْشُهُ مُعَسكَرَ العَمُّونِيِّينَ. فَقَاتَلَ شَاوُلُ وَجُنُودُهُ العَمُّونِيِّينَ حَتَّى وَقْتِ الظُّهرِ وَهَزَمُوهُمْ. وَتَشَتَّتَ العَمُّونِيُّونَ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ حَتَّى لَمْ يَبْقَ جُندِيَّانِ مَعًا. ثُمَّ قَالَ الشَّعْبُ لِصَمُوئِيلَ: «أيْنَ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ أنْ يَكُونَ شَاوُلُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، أحْضِرْهُمْ هُنَا لِكَي نَقتُلَهُمْ.» لَكِنَّ شَاوُلَ قَالَ: «لَا، لَنْ يُقْتَلَ أحَدٌ اليَوْمَ! فَقَدْ خَلَّصَ اللهُ إسْرَائِيلَ هَذَا اليَوْمَ.» ثُمَّ قَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: «لِنَذهَبْ إلَى الجِلجَالِ. وَلْنُجَدِّدْ هُنَاكَ وَلَاءَنَا لِشَاوُلَ مَلِكًا عَلَيْنَا.» فَذَهَبَ كُلُّ الشَّعْبِ إلَى الجِلجَالِ. وَهُنَاكَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، أعلَنُوا شَاوُلَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَدَّمُوا ذَبَائِحَ شَرِكَةٍ للهِ . وَاحْتَفَلَ شَاوُلُ وَبَنُو إسْرَائِيلَ احْتِفَالًا عَظِيمًا. وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ: «قَدْ طَاوَعْتُكُمْ فِي كُلِّ مَا طَلَبتُمُوهُ إلَيَّ. وَهَا قَدْ نَصَّبْتُ عَلَيْكُمْ مَلِكًا. وَالْآنَ لَدَيْكُمْ مَلِكٌ يَقُودُكُمْ، أمَّا أنَا فَقَدْ كَبُرْتُ فِي السِّنِّ وَمَلأ الشَّيبُ رَأسِي. غَيْرَ أنَّ أبنَائِي بَاقُونَ مَعَكُمْ. قُدْتُكُمْ مُنْذُ صِبَايَ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَهَا أنَا الآنَ أمَامَكُمْ، فَإنْ أسَأتُ يَومًا، فَاشْهَدُوا الآنَ عَلَى إسَاءَتِي فِي حَضْرَةِ اللهِ وَمَلِكِهِ المَمْسُوحِ. هَلْ أخَذْتُ مِنْكُمْ بَقَرَةً أوْ حِمَارًا؟ هَلْ آذَيتُ أحَدًا أوْ خَدَعْتُهُ أوْ ظَلَمْتُهُ؟ هَلْ قَبِلتُ يَومًا رِشْوَةً مِنْ مَالٍ لِكَي أتَغَاضَى عَنْ إسَاءَةٍ لَهُ؟ إنْ كُنْتُ قَدْ فَعَلْتُ أيًّا مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ، فَإنِّي مُسْتَعِدٌّ لِتَصْوِيبِ الأُمُورِ الآنَ.» فَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ: «لَا، لَمْ تُسِئْ إلَى أيِّ وَاحِدٍ مِنَّا. فَلَمْ تَغِشَّنَا قَطُّ وَلَا أخَذتَ أيَّ شَيءٍ مِنَّا.» فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: « اللهُ وَمَلِكُهُ المَمْسُوحُ اليَوْمَ شَاهِدَانِ عَلَى مَا قُلْتُمْ. وَهُمَا يَعْرِفَانِ أنَّكُمْ لَمْ تَجِدُوا فِيَّ عَيبًا.» فَرَدَّ الشَّعْبُ: «نَعَمْ، اللهُ شَاهِدٌ عَلَيْنَا!» فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: « اللهُ شَاهِدٌ عَلَى كُلِّ مَا حَدَثَ. اللهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ مُوسَى وَهَارُونَ. وَهُوَ الَّذِي أخْرَجَ آبَاءَنَا مِنْ مِصْرٍ. وَالْآنَ قِفُوا حَتَّى أُقَدِّمَ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَأُبَيِّنَ جَمِيعَ الأُمُورِ الصَّالِحَةِ الَّتِي فَعَلَهَا اللهُ مَعَكُمْ وَمَعَ آبَائِكُمْ: «ذَهَبَ يَعْقُوبُ إلَى مِصْرٍ. وَبَعْدَ فَترَةٍ صَعَّبَ المِصْرِيُّونَ الحَيَاةَ عَلَى آبَائِنَا. فَاسْتَغَاثَ آبَاؤنَا بِاللهِ . فَأرْسَلَ اللهُ مُوسَى وَهَارُونَ. فَأخرَجَ هَذَانِ آبَاءَنَا مِنْ مِصْرٍ وَقَادَاهُمْ إلَى هَذَا المَكَانِ لِيَسْكُنُوا فِيهِ. «لَكِنَّ آبَاءَنَا نَسَوْا ، فَسَمَحَ لِسِيسَرَا قَائِدِ جَيْشِ حَاصُورَ بِاسْتِعبَادِهِمْ. ثُمَّ سَمَحَ لِلفِلِسْطِيِّينَ وَمَلِكِ مُوآبَ بِاسْتِعبَادِهِمْ. وَحَارَبَ هَؤُلَاءِ آبَاءَكُمْ. فَاسْتَغَاثَ آبَاؤكُمْ بِاللهِ . وَقَالُوا لَهُ: ‹لَقَدْ أخْطَأنَا إلَيْكَ لِأنَّنَا تَرَكْنَا يهوه ، وَعَبَدْنَا البَعْلَ وَعَشْتَارُوثَ الزَّائِفَةَ. وَالْآنَ خَلِّصْنَا مِنْ يَدِ أعْدَائِنَا، وَنَحْنُ نَتَعَهَّدُ أنْ نَخْدِمَكَ أنْتَ وَحْدَكَ.› «فَأرْسَلَ اللهُ يَرُبَّعَلَ وَبَارَاقَ وَيَفتَاحَ وَصَمُوئِيلَ. وَخَلَّصَكُمْ مِنْ أعْدَائِكُمُ المُحِيطِينَ بِكُمْ. فَنَعِمْتُمْ بِالأمَانِ. ثُمَّ رَأيْتُمْ نَاحَاشَ مَلِكَ العَمُّونِيِّينَ قَادِمًا عَلَيْكُمْ. فَقُلْتُمْ: ‹نُرِيدُ مَلِكًا يَحْكُمُنَا!› مَعَ أنَّ كَانَ مَلِكًا عَلَيْكُمْ بِالفِعْلِ. وَالْآنَ، هَا هُوَ المَلِكُ الَّذِي طَلَبْتُمُوهُ. وَهُوَ المَلِكُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ لَكُمْ. خَافُوا اللهَ وَوَقِّرُوهُ. اعبُدُوهُ وَاخدِمُوهُ وَأطِيعُوا وَصَايَاهُ. وَلَا تَنْقَلِبُوا عَلَيْهِ. اتبَعُوا أنْتُمْ وَمَلِكُكُمْ. حِينَئِذٍ سَيُخَلِّصُكُمُ اللهُ. أمَّا إذَا عَصَيتُمْ اللهَ ، إذَا تَمَرَّدْتُمْ عَلَى وَصَايَا اللهِ ، فَسَيَمُدُّ اللهُ يَدَهُ لِمُعَاقَبَتِكُمْ أنْتُمْ وَمَلِكِكُمْ. «وَالْآنَ قِفُوا وَانْظُرُوا الأمْرَ العَظِيمَ الَّذِي سَيَفْعَلُهُ اللهُ أمَامَ عُيُونِكُمْ. الآنَ مَوسِمُ حَصَادِ الحُبُوبِ. لَكِنِّي سَأُصَلِّي إلَى اللهِ ، وَسَأطلُبُ إلَيْهِ أنْ يُرسِلَ رَعدًا وَمَطَرًا فِي نَفسِ تِلْكَ اللَّحْظَةِ. فَسَتَعْرِفُونَ أنَّكُمْ فَعَلْتُمْ أمْرًا شِرِّيرًا بِطَلَبِكُمْ مَلِكًا.» وَصَلَّى صَموئيلُ إلَى اللهِ ، فَأعْطَى اللهُ رَعْدًا وَمَطَرًا فِي ذَلِكَ اليَوْم. فَخَافَ الشَّعْبُ اللهَ وَصَمُوئِيلَ خَوْفًا شَدِيدًا. وَقَالَ جَمِيعُ الشَّعْبِ لِصَمُوئِيلَ: «صَلِّ إلَى مِنْ أجْلِنَا نَحْنُ خُدَّامَكَ، لِئَلَّا نَمُوتَ. فَهَا نَحْنُ قَدْ زِدنَا عَلَى خَطَايَانَا السَّابِقَةِ خَطِيَّةً أُخْرَى بِطَلَبِنَا مَلِكًا.» فَأجَابَ صَمُوئِيلُ: «لَا تَخَافُوا. صَحِيحٌ أنَّكُمْ فَعَلْتُمْ كُلَّ هَذِهِ الشُّرُورِ، لَكِنْ لَا تَتَخَلَّوا عَنِ اتِّبَاعِ اللهِ ، بَلْ اخْدِمُوهُ بِكُلِّ قَلُوبِكُمْ. وَاعلَمُوا أنَّ الأصْنَامَ مَا هِيَ إلَّا تَمَاثِيلُ لَا تَنْفَعَكُمْ. وَتَعْجَزُ عَنْ إنقَاذِكُمْ. إنَّهَا لَيْسَتْ شَيْئًا! «لَنْ يَتْرُكَ اللهُ شَعْبَهُ. فَقَدْ سُرَّ اللهُ أنْ يَجْعَلَكُمْ شَعْبًا يَخُصُّهُ. وَمِنْ أجْلِ اسْمِهِ الصَّالِحِ لَنْ يَتْرُكَكُمْ. وَأمَّا أنَا فَحَاشَا لِي أنْ أُخْطِئَ إلَى اللهِ بِأنْ أكَفَّ عَنِ الصَّلَاةِ مِنْ أجْلِكُمْ. وَسَأُواصِلُ تَعْلِيمَكُمُ الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ لِلحَيَاةِ الصَّالِحَةِ. لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ تُكرِمُوا اللهَ ، وَأنْ تَخْدِمُوهُ بِأمَانَةٍ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ، مُتَذَكِّرِينَ الأشْيَاءَ الرَّائِعَةَ الَّتِي عَمِلَهَا مِنْ أجْلِكُمْ. لَكِنْ إذَا عَانَدْتُمْ وَفَعَلْتُمُ الشَّرَّ، فَإنَّهُ سَيَتَخَلَّصُ مِنْكُمْ وَمِنْ مَلِكِكُمْ، كَمَا يُكْنَسُ الوَسَخُ.» كَانَ شَاوُلُ فِي الثَّلَاثِينَ مِنْ عُمْرِهِ لَمَّا صَارَ مَلِكًا. وَبَعْدَ مُرُورِ سَنَتَيْنِ عَلَى حُكْمِهِ، اخْتَارَ ثَلَاثَةَ آلَافِ رَجُلٍ مِنْ إسْرَائِيلَ. فَكَانَ ألفَانِ مِنْهُمْ مَعَهُ فِي مَدِينَةِ مِخْمَاسَ وَفِي مِنْطَقَةِ بَيْتِ إيلَ الجَبَلِيَّةِ. وَبَقِيَ ألفُ رَجُلٍ مَعَ يُونَاثَانَ فِي جِبْعَةَ فِي بَنْيَامِينَ. وَصَرَفَ شَاوُلُ بَقِيَّةَ الرِّجَالِ إلَى بُيُوتِهِمْ. فَهَزَمَ يُونَاثَانُ فِرقَةً مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ فِي مُعَسكَرِهِمْ فِي جَبَعَ، وَسَمِعَ الفِلِسْطِيُّونَ بِهَذَا. فَأمَرَ شَاوُلُ بِأنْ تُنفُخَ الأبوَاقُ فِي كُلِّ أنْحَاءِ أرْضِ إسْرَائِيلَ، وَقَالَ: «فَلْيَسْمَعِ الشَّعْبُ العِبرَانِيُّ بِمَا حَدَثَ.» فَسَمِعَ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ بِالخَبَرِ. وَقَالُوا: «ضَرَبَ شَاوُلُ مُعَسْكَرَ الفِلِسْطِيِّينَ. وَالْآنَ يُبغِضُ الفِلِسْطِيُّونَ بَنِي إسْرَائِيلَ بُغضًا شَدِيدًا!» فَدُعِيَ الشَّعْبُ إلَى الِاجْتِمَاعِ مَعَ شَاوُلَ فِي الجِلجَالِ. وَاحتَشَدَ الفِلِسْطِيُّونَ لِمُقَاتَلَةِ إسْرَائِيلَ. فَخَيَّمَ الفِلِسْطِيُّونَ فِي مِخْمَاسَ شَرقِيَّ بَيْتِ آوِنَ. وَكَانَ مَعَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ مَرْكَبَةٍ وَسِتَّةُ آلَافِ فَارِسٍ. وَكَانَ عَدَدُ الجُنُودِ الفِلِسْطِيِّينَ كَبِيرًا كَرَملِ الشَّاطِئِ. فَأدْرَكَ بَنُو إسْرَائِيلَ أنَّهُمْ فِي وَرطَةٍ. وَأحَسُّوا بِأنَّهُمْ وَقَعُوا فِي مِصيَدَةٍ. فَرَكَضُوا وَاختَبَأُوا فِي الكُهُوفِ وَشُقُوقِ الصُّخُورِ. اختَبَأُوا بَيْنَ الصُّخُورِ وَفِي الآبَارِ، وَفِي حُفَرٍ فِي الأرْضِ. حَتَّى إنَّ بَعْضَ العِبرَانِيِّينَ عَبَرَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ إلَى أرْضِ جَادٍ وَجِلعَادَ. وَكَانَ شَاوُلُ مَا يَزَالُ فِي الجِلجَالِ. وَكَانَ رِجَالُ جَيْشِهِ يَرْتَعِدُونَ خَوْفًا. وَحَدَّدَ صَمُوئِيلُ مَوعِدًا لِلِقَاءِ شَاوُلَ فِي الجِلجَالِ. فَانتَظَرَ شَاوُلُ هُنَاكَ سَبْعَةَ أيَّامٍ. لَكِنَّ صَمُوئِيلَ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ إلَى الجِلجَالِ. وَبَدَأ بَعْضُ رِجَالِهِ يَتْرُكُونَهُ. فَقَالَ شَاوُلُ: «أحْضِرُوا إلَيَّ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَذَبَائِحَ الشَّرِكَةِ.» فَقَدَّمَ شَاوُلُ الذَّبِيحَةَ الصَّاعِدَةَ. وَمَا أنِ انْتَهَى مِنْ تَقْدِيمِهَا، حَتَّى وَصَلَ صَمُوئِيلُ، فَخَرَجَ شَاوُلُ لِلِقَائِهِ وَالتَرْحِيبِ بِهِ. فَسَألَهُ صَمُوئِيلُ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتَهُ؟» فَأجَابَ شَاوُلُ: «بَدَأ الجُنُودُ يَتْرُكُونَنِي. وَأنْتَ تَأخَّرتَ عَنْ مَوعِدِكَ. وَكَانَ الفِلِسْطِيُّونَ يَجْمَعُونَ حُشُودَهُمْ فِي مَدِينَةِ مِخمَاسَ. فَقُلْتُ لِنَفْسِي: ‹سَيَأْتِي الفِلِسْطِيُّونَ إلَى هُنَا وَيُهَاجِمُونَنِي فِي الجِلجَالِ.› وَلَمْ أكُنْ بَعْدُ قَدْ طَلَبتُ إلَى اللهِ أنْ يُعطِيَنِي عَونًا. فَلَمْ أجِدْ بَدِيلًا عَنْ تَقْدِيمِ الذَّبِيحَةِ بِنَفْسِي.» فَقَالَ صَمُوئيلُ: «لَقَدْ عَمِلْتَ عَملًا أحْمَقَ! وَلَمْ تُطِعْ . فَلَوِ التَزَمْتَ بِوَصَايَا اللهِ ، لَجَعَلَكَ أنْتَ وَأهْلَ بَيْتِكَ تَحْكُمُونَ إسْرَائِيلَ إلَى الأبَدِ. أمَّا الآنَ، فَلَنْ تَسْتَمِرَّ مَملَكَتُكَ. قَدْ فَتَّشَ اللهُ عَنْ رَجُلٍ كَمَا يُرِيدُهُ قَلْبُهُ، فَعَيَّنَهُ اللهُ حَاكِمًا عَلَى شَعْبِهِ، لِأنَّكَ لَمْ تَلْتَزِمْ بِوَصِيَّةِ اللهِ .» ثُمَّ قَامَ صَمُوئِيلُ وَغَادَرَ الجِلْجَالَ. وَغَادَرَ شَاوُلُ وَبَقِيَّةُ جَيْشِهِ الجِلجَالَ، وَذَهَبُوا إلَى جِبْعَةِ بَنْيَامِينَ. وَأحصَى شَاوُلُ الرِّجَالَ الَّذِينَ بَقَوْا مَعَهُ، فَكَانُوا سِتَّ مِئَةِ رَجُلٍ. وَذَهَبَ شَاوُلُ وَابْنُهُ يُونَاثَانُ، وَجُنُودُهُ إلَى جَبَعَ فِي بَنْيَامِينَ. وَكَانَ الفِلِسْطِيُّونَ مُعَسكِرِينَ فِي مِخمَاسَ. فَبَدَأ أفْضَلُ جُنُودِهِمُ الهُجُومَ. وَانقَسَمَ الجَيْشُ الفِلِسْطِيُّ إلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ. ذَهَبَتْ فِرقَةٌ شِمَالًا فِي طَرِيقِ عَفرَةَ قُرْبَ شُوعَالَ. وَذَهَبَتِ الفِرقَةُ الثَّانِيَةُ إلَى الطَّرِيقِ نَحْوَ بَيْتِ حُورُونَ. وَذَهَبَتِ المَجمُوعَةُ الثَّالِثَةُ شَرقًا بِاتِّجَاهِ الحُدُودِ المُشرِفَةِ عَلَى وَادِي صَبُوعِيمَ نَحْوَ الصَّحرَاءِ. وَلَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ إسْرَائِيلَ كُلِّهَا حَدَّادٌ وَاحِدٌ. فَلَمْ يُعَلِّمْهُمُ الفِلِسْطِيُّونَ لِأنَّهُمْ لَمْ يَشَاءَوا أنْ يَصَنَعَ بَنُو إسْرَائِيلَ سُيُوفًا وَرِمَاحًا. وَعِنْدَمَا كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يَحتَاجُونَ أنْ يَشْحَذُوا مَحَارِيثَهُمْ أوْ مَجَارِفَهُمْ أوْ فُؤُوسَهُمْ أوْ مَنَاجِلَهُمْ، كَانُوا يُضطَرُّونَ إلَى اللُّجُوءِ إلَى الحَدَّادِينَ الفِلِسْطِيِّينَ. وَكَانَتِ الأُجرَةُ ثُلُثَ مِثْقَالٍ لِشَحذِ المَحَارِيثِ وَالمَجَارِفِ، وَسُدُسَ مِثْقَالٍ لِشَحْذِ المَعَاوِلِ وَالفُؤُوسِ وَالرُّؤُوسِ الحَدِيدِيَّةِ لِمِنْسَاسِ البَقَرِ. فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيِّ أحَدٍ مِنْ جُنُودِ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي يَوْمِ المَعْرَكَةِ سُيُوفٌ أوْ رِمَاحٌ حَدِيدِيَّةٌ. لَكِنْ كَانَتْ لَدَى شَاوُلَ وَابْنِهِ يُونَاثَانَ فَقَطْ أسلِحَةٌ كَهَذِهِ. وَكَانَتْ مَجمُوعَةٌ مِنَ الجُنُودِ الفِلِسْطِيِّينَ تَحْرُسُ مَعبَرَ الجَبَلِ فِي مِخْمَاسَ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ كَانَ يُونَاثَانُ بْنُ شَاوُلَ يَتَحَدَّثُ إلَى الشَّابِّ الَّذِي كَانَ يَحْمِلُ أسلِحَتَهُ، فَقَالَ: «لِنَذْهَبْ إلَى مُخَيَّمِ الفِلِسْطِيِّينَ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الوَادِي.» لَكِنَّ يُونَاثَانَ لَمْ يُخبِرْ أبَاهُ بِمَا يَنْوِي عَمَلَهُ. وَكَانَ شَاوُلُ جَالِسًا تَحْتَ شَجَرَةِ رُمَّانٍ فِي مِغْرُونَ عِنْدَ طَرَفِ التَّلَّةِ. وَمَعَهُ نَحْوَ سِتِّ مِئَةِ رَجُلٍ. وَكَانَ مَعَهُ رَجُلٌ اسْمُهُ أبِيَّا بْنُ أخِيطُوبَ أخِي إيخَابُودَ بْنِ فِينْحَاسَ بْنِ عَالِي الَّذِي كَانَ كَاهِنًا لِلرَّبِّ فِي شِيلُوهَ. كَانَ أبِيَّا هَذَا كَاهِنَ اللهِ يَرْتَدِي الثَّوبَ الكَهَنُوتِيَّ. وَلَمْ يَعْلَم هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ أنَّ يُونَاثَانَ قَدْ تَرَكَهُمْ. نَوَى يُونَاثَانُ أنْ يَمُرَّ مِنْ مَعبَرٍ لِلوُصُولِ إلَى مُعَسكَرِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَكَانَتْ هُنَاكَ صَخرَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَى كُلِّ جَانبٍ مِنْ جَانِبَيِّ المَعبَرِ. اسْمُ الصَّخرَةِ الكَبِيرَةِ الأُولَى عَلَى الجَانِبِ الأوَّلِ «بُوصِيصُ،» وَاسْمُ الصَّخرَةِ الكَبِيرَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الجَانِبِ الثَّانِي «سَنَّةَ.» كَانَتْ إحْدَى الصَّخرَتَيْنِ مُقَابِلَ مِخمَاسَ، وَالأُخرَى مُقَابِلَ جَبَعَ. وَقَالَ يُونَاثَانُ لِمُعَاوِنِهِ وَحَامِلِ سِلَاحِهِ: «لِنَذهَبْ إلَى مُعَسكَرِ هَؤُلَاءِ اللَّامَخْتُونِينَ! فَلَعَلَّ اللهَ يَكُونُ مَعَنَا فَنَهزِمَهُمْ. فَلَا فَرقَ عِنْدَ اللهِ إنْ اسْتَخْدَمَ جُنُودًا كَثِيرِينَ أوْ قَلِيلِينَ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِصَارِ فِي الحَالَتَيْنِ.» فَقَالَ لَهُ حَامِلُ سلَاحِهِ: «افْعَلْ مَا تَرَاهُ الأفْضَلَ. وَأنَا مَعَكَ حَتَّى النِّهَايَةِ.» فَقَالَ يُونَاثَانُ: «لِنَعبُرِ الوَادِي إلَى الحَرَسِ الفِلِسْطِيِّ. وَسَنَدَعُهُمْ يَروْنَنَا. فَإذَا قَالُوا لَنَا: ‹الزَمَا مَكَانَيكُمَا إلَى أنْ نَأتِيَ إلَيكُمَا،› فَسَنَلزَمُ مَكَانَنَا. وَلَنْ نَصْعَدَ إلَيْهِمْ. لَكِنْ إذَا قَالَ الفِلِسْطِيُّونَ لَنَا: ‹اصْعَدُوا إلَى هُنَا،› حِينَئِذٍ، سَنَصعَدُ إلَيْهِمْ. فَتَكُونُ هَذِهِ عَلَامَةً مِنَ اللهِ . إذْ سَيَعْنِي هَذَا أنَّ اللهَ سَيَنْصُرُنَا عَلَيْهِمْ.» فَأظْهَرَ يُونَاثَانُ وَمُسَاعِدُهُ نَفْسَيهِمَا لِلفِلِسْطِيِّينَ. فَقَالَ الحُرَّاسُ الفِلِسْطِيُّونَ: «هَا هُمُ العِبرَانِيُّونَ يَخْرُجُونَ مِنَ الجُحُورِ الَّتِي كَانُوا يَخْتَبِئُونَ فِيهَا.» فَنَادَى الفِلِسْطِيُّونَ الَّذِينَ فِي المُعَسْكَرِ عَلَى يُونَاثَانَ وَمُسَاعِدِهِ: «اصعَدَا إلَى هُنَا، وَسَنُلَقِّنُكُمَا دَرسًا.» فَقَالَ يُونَاثَانُ لِمُسَاعِدِهِ: «اصعَدِ التَّلَّةَ وَرَائِي. فَاللهُ يَنْصُرُ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى الفِلِسْطِيِّينَ الآنَ.» فَصَعِدَ يُونَاثَانُ التَّلَّةَ زَاحِفًا عَلَى يَدَيهِ وَقَدَمَيهِ، وَمُعَاوِنُهُ خَلفَهُ مُبَاشَرَةً. وَسَقَطَ الفِلِسْطِيُّونَ قَتلَى أمَامَ يُونَاثَانَ، وَكَانَ مُعَاوِنُهُ وَرَاءَهُ يَقْتُلُ الجَرحَى. فَقَتَل يُونَاثَانُ وَمُعَاوِنُهُ عِشْرِينَ فِلِسْطِيًّا فِي الهُجُومِ الأوَّلِ، فِي أرْضٍ لَا تَزِيدُ مَسَاحَتُهَا عَنْ نِصفِ فَدَّانٍ. فَذُعِرَ كُلُّ الجُنُودِ الفِلِسْطِيِّينَ الَّذِينَ فِي الحَقْلِ، وَالَّذِينَ فِي المُعَسْكَرِ. ذُعِرَ حَتَّى أكْثَرُ الجُنُودِ بَسَالَةً. وَبَدَأتِ الأرْضُ تَهْتَزُّ، مِمَّا زَادَ ذُعرَ الفِلِسْطِيِّينَ. وَرَأى رُقَبَاءُ شَاوُلَ فِي جِبعَةَ فِي أرْضِ بَنْيَامِينَ الجُنُودَ الفِلِسْطِيِّينَ وَهُمْ يَفِرُّونَ فِي اتِّجَاهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَقَالَ شَاوُلُ لِلجَيْشِ الَّذِي مَعَهُ: «أحْصُوا الجَيْشَ. أُرِيدُ أنْ أعرِفَ مَنْ تَغَيَّبَ.» فَلَمَّا أحْصُوا الرِّجَالَ، اكْتَشَفُوا أنَّ يُونَاثَانَ وَمُعَاوِنَهُ مُتَغَيِّبَانِ. فَقَالَ شَاوُلُ لِأبِيَّا: «أحْضِرْ صُنْدُوقَ اللهِ.» فَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كَانَ صُنْدُوقُ اللهِ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَبَيْنَمَا شَاوُلُ يُكَلِّمُ الكَاهِنَ أبِيَّا، ازْدَادَ الضَّجِيجُ وَالفَوْضَى فِي المُعَسْكَرِ الفِلِسْطِيِّ أكْثَرَ فَأكثَرَ. فَنَفِدَ صَبْرُ شَاوُلَ. وَقَالَ لِلكَاهِنِ أبِيَّا: «كَفَى. أنزِلْ يَدَكَ وَكُفَّ عَنِ الصَّلَاةِ.» وَحَشَدَ شَاوُلُ جَيْشَهُ وَذَهَبَ إلَى المَعْرَكَةِ. فَكَانَ الفِلِسْطِيُّونَ فِي فَوضَى وَارتِبَاكٍ شَدِيدَينِ، حَتَّى صَارَ يُقَاتِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِسُيُوفِهِمْ. وَكَانَ هُنَاكَ عِبرَانِيُّونَ فِي مُعَسكَرِ الفِلِسْطِيِّينَ مِمَّنْ سَبَقَ أنْ خَدَمُوا الفِلِسْطِيِّينَ. فَانضَمَّ هَؤُلَاءِ العِبرَانِيُّونَ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ. وَسَمِعَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا مُختَبِئِينَ فِي المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ مِنْ أفْرَايِمَ الجُنُودَ الفِلِسْطِيِّينَ وَهُمْ يَفِرُّونَ. فَانضَمُّوا إلَى جَيْشِهِمْ فِي المَعْرَكَةِ، وَرَاحُوا يُطَارِدُونَ الفِلِسْطِيِّينَ. فَخَلَّصَ اللهُ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. وَامتَدَّتِ المَعْرَكَةُ إلَى مَا بَعْدَ بَيْتِ آوِنَ وَمِنطَقَةِ أفرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ. وَكَانَ عَدَدُ جَيْشِ شَاوُلَ كُلِّهِ يَصِلُ إلَى عَشْرَةِ آلَافِ رَجُلٍ. لَكِنَّ شَاوُلَ ارتَكَبَ خَطَأً كَبِيرًا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، فَقَدْ كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ مُنهَكِينَ وَجَائِعِينَ بِسَبَبِ قَسَمٍ أقسَمَهُ شَاوُلُ. إذْ قَالَ: «إنْ أكَلَ أيُّ رَجُلٍ طَعَامًا قَبْلَ حُلُولِ المَسَاءِ وَقَبْلَ أنْ أقضِيَ عَلَى أعْدَائِي، فَسَيُقتلُ.» فَلَمْ يَأْكُلْ أيُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ طَعَامًا. وَدَخَلَ الشَّعْبُ إلَى الأحْرَاشِ، فَرَأوْا عَسَلًا عَلَى وَجْهِ الأرْضِ. دَخَلُوا وَرَأوْا العَسَلَ يَقْطُرُ، لَكِنْ لَمْ يَذُقْ أحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا، خَوْفًا مِنْ قَسَمِ شَاوُلَ. لَكِنَّ يُونَاثَانَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ عَنْ ذَلِكَ القَسَمِ. وَلَمْ يَسْمَعْ أبَاهُ وَهُوَ يُجبِرُ الشَّعْبَ عَلَى أنْ يُقسِمُوا. وَكَانَتْ مَعَهُ عَصًا فِي يَدِهِ، فَغَمَسَ طَرَفَهَا فِي العَسَلِ وَأخَذَ مِنَ العَسَلِ. وَأكَلَ العَسَلَ، فَانْتَعَشَ. فَقَالَ أحَدُ الجُنُودِ لِيُونَاثَانَ: «أجبَرَنَا أبُوكَ أنْ نُقسِمَ قَسَمًا، وَقَالَ مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يَأْكُلُ اليَوْمَ طَعَامًا. فَلَمْ يَذُقِ الرِّجَالُ أيَّ طَعَامٍ. وَلِهَذَا هُمْ مُنْهَكُونَ.» فَقَالَ يُونَاثَانُ: «لَقَدْ جَلَبَ أبِي مَتَاعِبَ كَثِيرَةً عَلَى هَذِهِ الأرْضِ. فَانْظُرْ كَيْفَ انتَعَشْتُ بَعْدَ أنْ تَذَوَّقتُ قَلِيلًا مِنَ العَسَلِ. كَانَ مِنَ الأفْضَلِ لَوْ أنَّ الرِّجَالَ أكَلُوا الطَّعَامَ الَّذِي استَوْلُوا عَلَيْهِ مِنْ أعْدَائِهِمْ. فَلَو فَعَلُوا، لَقَتَلُوا عَددًا أكبَرَ مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ.» فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، هَزَمَ بَنُو إسْرَائِيلَ الفِلِسْطِيِّينَ. وَحَارَبُوهُمْ مِنْ مِخمَاسَ وَأيَّلُونَ. وَأنْهَكَ الجُوعُ الشَّعْبَ إنْهَاكًا شَدِيدًا. وَكَانُوا قَدْ أخَذُوا غَنَمًا وَأبْقَارًا وَعُجُولًا مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ. فَاشتَدَّ بِهِمُ الجُوعُ، فَذَبَحُوا المَوَاشِي عَلَى الأرْضِ وَأكَلُوهَا وَدَمُهَا مَا يَزَالُ فِيهَا. فَقَالَ أحَدُهُمْ لِشَاوُلَ: «هَا هُمُ الرِّجَالُ يُخطِئُونَ إلَى اللهِ وَيَأْكُلُونَ لَحْمًا فِيهِ دَمُهُ.» فَقَالَ شَاوُلُ: «لَقَدْ أخطَأتُمْ. فَدَحْرِجُوا الآنَ صَخْرَةً هُنَا.» ثُمَّ قَالَ شَاوُلُ: «اذْهَبُوا إلَى الرِّجَالِ وَمُرُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أنْ يُحْضِرَ ثَورَهُ وَخَرُوفَهُ إلَيَّ. وَبَعْدَ ذَلِكَ لِيَذْبَحِ الرِّجَالُ ثِيرَانَهُمْ وَغَنَمَهُمْ هُنَا، لَا تُخطِئُوا إلَى اللهِ بِأنْ تَأْكُلُوا لَحْمًا فِيهِ دَمُهُ.» فَأحْضَرُوا كُلُّهُمْ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ مَوَاشِيَهُمْ وَذَبَحُوهَا هُنَاك. ثُمَّ بَنَى شَاوُلُ مَذْبَحًا للهِ . وَقَدْ بَدَأ هُوَ نَفْسُهُ العَمَلَ عَلَى بِنَاءِ المَذْبَحِ للهِ . وَقَالَ شَاوُلُ: «لِنُهَاجِمِ الفِلِسْطِيِّينَ اللَّيلَةَ، فَنَأخُذَ كُلَّ شَيءٍ مِنْهُمْ وَنَفْنِيهِمْ تَمَامًا.» فَقَالَ الجَيْشُ: «افْعَلْ مَا تَرَاهُ الأفْضَلَ.» لَكِنَّ الكَاهِنَ قَالَ: «لِنَسألِ اللهَ.» فَسَألَ شَاوُلُ اللهَ: «هَلْ أُطَارِدُ الفِلِسْطِيِّينَ؟ وَهَلْ سَتَنْصُرُنَا عَلَيْهِمْ؟» لَكِنَّ اللهَ لَمْ يُجِبْ شَاوُلَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. فَقَالَ شَاوُلُ: «اجمَعُوا لِي القَادةَ! أُرِيدُ أنْ أعرِفَ مَنِ الَّذِي ارتَكَبَ هَذِهِ الخَطِيَّةَ اليَوْمَ. فَأُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ الَّذِي يُخَلِّصُ إسْرَائِيلَ، أنَّ الفَاعِلَ سَيَمُوتُ، حَتَّى لَوْ كَانَ ابنِي يُونَاثَانَ.» فَلَمْ يَنْطِقْ أحَدٌ مِنَ الشَّعْبِ بِكَلِمَةٍ. فَقَالَ شَاوُلُ لِكُلِّ جَيْشِ إسْرَائِيلَ: «أنْتُمْ تَقِفُونَ عَلَى هَذَا الجَانِبِ. وَأنَا وَابْنِي يُونَاثَانُ نَقِفُ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ.» فَقَالَ الجُنُودُ: «كَمَا تُرِيدُ يَا سَيِّدِي.» ثُمَّ صَلَّى شَاوُلُ: «يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، لِمَاذَا لَمْ تُجِبْنِي أنَا عَبدَكَ اليَوْمَ؟ إنْ كُنْتُ أخْطَأتُ أنَا أوِ ابنِي، فَأظْهِرِ اليُورِيمَ فِي القُرْعَةِ، يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ. وَإنْ كَانَ شَعْبُكَ هُمُ الَّذِينَ أخطَأُوا، فَأظْهِرِ التَّمِيمَ.» فَأشَارَ اللهُ بِالقُرْعَةِ إلَى شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ، وَبَرَّأ الشَّعْبَ. فَقَالَ شَاوُلُ: «ألْقِ القُرعَةَ لِنَتَبَيَّنَ مَنْ هُوَ المُذنِبُ، أنَا أمِ ابْنِي.» فَوَقَعَتِ القُرعَةُ عَلَى يُونَاثَانَ. فَقَالَ شَاوُلُ لِيُونَاثَانَ: «أخْبِرْنِي مَا الَّذِي فَعَلْتَهُ.» فَقَالَ يُونَاثَانُ لِشَاوُلَ: «تَذَوَّقْتُ قَلِيلًا مِنَ العَسَلِ بِطَرَفِ عَصَايَ. فَهَلْ أمُوتُ مِنْ أجْلِ هَذَا الأمْرِ التَّافِهِ؟» فَقَالَ شَاوُلُ: «قَدْ أقْسَمْتُ، وَسَيُعَاقِبُنِي اللهُ إذَا لَمْ أفِ بِقَسَمِي. يَنْبَغِي أنْ يَمُوتَ يُونَاثَانُ.» لَكِنَّ الجُنُودَ قَالُوا لِشَاوُلَ: «الفَضْلُ فِي انتِصَارِ إسْرَائِيلَ العَظِيمِ اليَوْمَ هُوَ لِيُونَاثَانَ. فَهَلْ يَسْتَحِقُّ مِثْلُهُ المَوْتَ؟ لَا يَكُونُ هَذَا! نُقسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، لَنْ تَسْقُطَ شَعرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ رَأسِ يُونَاثَانَ! فَقَدْ أعَانَهُ اللهُ عَلَى الفِلِسْطِيِّينَ اليَوْمَ.» فَأنقَذَ الشَّعْبُ يُونَاثَانَ. فَلَمْ يُقتَلْ. وَتَوَقَّفَ شَاوُلُ عَنْ مُطَارَدَةِ الفِلِسْطِيِّينَ. فَرَجِعَ الفِلِسْطِيُّونَ إلَى مَكَانِهِمْ. وَأكمَلَ شَاوُلُ سَيطَرَتَهُ عَلَى كُلِّ إسْرَائِيلَ وَحَارَبَ كُلَّ أعْدَائِهَا المُحِيطِينَ بِهَا. فَحَارَبَ شَاوُلُ المُوآبِيِّينَ وَالعَمُّونِيِّينَ وَالأدُومِيِّينَ، وَمَلِكَ صُوبَةَ، وَالفِلِسْطِيِّينَ. وَانْتَصَرَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. كَانَ شَاوُلُ شُجَاعًا جِدًّا. فَخَلَّصَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ جَمِيعِ أعْدَائِهِمُ الَّذِينَ حَاوَلُوا أنْ يَنْهَبُوهَا. وَهَزَمَ شَاوُلُ حَتَّى عَمَالِيقَ. وَكَانَ لِشَاوُلَ أبْنَاءٌ هُمْ يُونَاثَانُ وَيَشْوِي وَمَلْكِيشُوعُ. وَاسْمُ ابنَتِهِ البِكرِ مِيرَبُ، وَاسْمُ ابنَتِهِ الصُّغْرَى مِيكَالُ. وَاسْمُ زَوْجَتِهِ أخِينُوعَمُ بِنْتُ أخِيمَعَصَ. وَاسْمُ قَائِدِ جَيْشِهِ أبْنَيْرُ بْنُ نَيرٍ عَمِّ شَاوُلَ. أمَّا قَيْسٌ أبُو شَاوُلَ وَنَيرٌ أبُو أبْنَيْرَ فَهُمَا ابْنِيْ أبِيئِيلَ. كَانَ شَاوُلُ شُجَاعًا طَوَالَ حَيَاتِهِ. وَكَانَتِ الحَرْبُ ضِدَّ الفِلِسْطِيِّينَ شَدِيدَةً. وَكُلَّمَا رَأى شَاوُلُ رَجُلًا قَوِيًّا أوْ شُجَاعًا، ضَمَّهُ إلَى جَيْشِهِ. وَذَاتَ يَوْمٍ قَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «أرْسَلَنِي اللهُ لِأمسَحَكَ مَلِكًا عَلَى شَعْبِهِ إسْرَائِيلَ. وَالْآنَ اسْتَمِعْ إلَى كَلِمَتِهِ. يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: ‹عِنْدَمَا خَرَجَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ، حَاوَلَ عَمَالِيقُ مَنْعَهُمْ مِنَ الدُّخُولِ إلَى كَنْعَانَ. وَرَأيْتُ مَا فَعَلَهُ عَمَالِيقُ. فَالآنَ، اذْهَبْ وَحَارِبْ عَمَالِيقَ. اقْضِ عَلَيْهِمْ قَضَاءً تَامًّا، هُمْ وَكُلِّ مَا لَهُمْ. لَا تُشْفِقْ عَلَيْهِمْ. اقْتُلْ جَمِيعَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالأطْفَالِ وَالرُّضَّعِ، وَاقتُلْ ثِيرَانَهُمْ وَغَنَمَهُمْ وَجِمَالَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ.›» فَحَشَدَ شَاوُلُ جَيْشَهُ فِي طَلَايِمَ. كَانُوا مِئَتَي ألْفِ جُندِيٍّ وَعَشْرَةَ آلَافٍ مِنَ رِجَالِ يَهُوذَا. فَذَهَبَ شَاوُلُ إلَى مَدِينَةِ عَمَالِيقَ وَانتَظَرَ فِي الوَادِي. وَقَالَ شَاوُلُ لِلشَّعْبِ القِينِيِّ: «اذْهَبُوا وَانفَصِلُوا عَنْ عَمَالِيقَ، لِئَلَّا أقضِيَ عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ. فَقَدْ كُنْتُمْ كُرَمَاءَ نَحْوَ بَنِي إسْرَائِيلَ عِنْدَمَا خَرَجُوا مِنْ مِصْرٍ.» فَانفَصَلَ الشَّعْبُ القِينِيُّ عَنْ عَمَالِيقَ. وَهَزَمَ شَاوُلُ عَمَالِيقَ. وَحَارَبَهُمْ وَطَارَدَهُمْ مِنْ حَوِيلَةَ إلَى شُورٍ عِندِ حُدُودِ مِصْرٍ. وَأسَرَ شَاوُلُ أجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ حَيًّا، وَأبقَى عَلَى حَيَاتِهِ. لَكِنَّهُ قَتَلَ كُلَّ جُنُودِ جَيْشِ أجَاجَ بِالسَّيْفِ. وَلَمْ يَقْتُلْ شَاوُلُ وجُنُودُ إسْرَائِيلَ أجَاجَ. كَمَا أبقَوْا عَلَى أفْضَلِ البَقَرِ وَالغَنَمِ وَالحِمْلَانِ وَكُلِّ مَا هُوَ ثَمِينٌ، فَلَمْ يُدَمِّرُوا كُلَّ شَيءٍ. لَكِنَّهُمْ دَمَّرُوا كُلَّ مَا هُوَ رَخيصٌ وَعَدِيمُ القِيمَةِ. ثُمَّ تَلَقَّى صَمُوئِيلُ رِسَالَةً مِنَ اللهِ . قَالَ اللهُ : «لَمْ يَعُدْ شَاوُلُ يَتْبَعُنِي، وَقَدْ أسِفْتُ عَلَى جَعلِهِ مَلِكًا. فَهُوَ لَا يَحْفَظُ وَصَايَايَ.» فَغَضِبَ صَمُوئِيلُ مِمَّا فَعَلَهُ شَاوُلُ، وَظَلَّ يَبكي فِي حَضْرَةِ اللهِ طَوَالَ اللَّيلِ. فَقَامَ صَمُوئِيلُ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ وَذَهَبَ لِلِقَاءِ شَاوُلَ. لَكِنَّ الشَّعْبَ قَالَ لِصَمُوئِيلَ: «ذَهَبَ شَاوُلُ إلَى بَلْدَةِ الكَرمِلِ فِي يَهُوذَا، وَأقَامَ هُنَاكَ نُصْبًا لِنَفْسِهِ. ثُمَّ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إلَى آخَرَ حَتَّى يَنْزِلَ إلَى مَدِينَةِ الجِلجَالِ.» فَذَهَبَ صَمُوئِيلُ إلَى حَيْثُ كَانَ شَاوُلُ. فَتَقَدَّمَ إلَى شَاوُلَ، فَحَيَّاهُ شَاوُلُ وَقَالَ: «ليُبَارِكْكَ اللهُ . لَقَدْ نَفَّذْتُ وَصِيَّةَ اللهِ .» لَكِنَّ صَمُوئِيلَ قَالَ: «فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي أسْمَعُهُ؟ لِمَاذَا أسمَعُ صَوْتَ غَنَمٍ وَبَقَرٍ؟» فَقَالَ شَاوُلُ: «غَنِمَهَا الجُنُودُ مِنْ عَمَالِيقَ، فأبقَوْا عَلَى أفْضَلِ الغَنَمِ وَالبَقَرِ لِتَقْدِيمِهَا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً . لَكِنَّنَا قَتَلْنَا كُلَّ شَيءٍ آخَرَ.» فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «كَفَى! وَدَعنِي أُخبِرُكَ بِمَا أخبَرَنِي بِهِ اللهُ اللَّيلَةَ المَاضِيَةَ.» فَقَالَ شَاوُلُ: «حَسَنًا، أخبِرْنِي بِمَا أخبَرَكَ.» فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «فِيمَا مَضَى كُنْتَ صَغِيرًا فِي نَظَرِ نَفْسِكَ. لَكِنَّ اللهَ اخْتَارَكَ لِتَكُونَ المَلِكَ. فَصِرْتَ رَئِيسًا لِعَشَائِرِ إسْرَائِيلَ. لَقَدْ أرسَلَكَ اللهُ فِي مَهَمَّةٍ وَقَالَ لَكَ: ‹اذْهَبْ وَاقضِ عَلَى جَمِيعِ شَعْبِ عَمَالِيقَ، لِأنَّهُمْ شَعْبٌ شِرِّيرٌ. اقضِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. قَاتِلْهُمْ إلَى أنْ تُبِيدَهُمْ.› فَلِمَاذَا لَمْ تُطِعِ صَوْتَ اللهِ ؟ لِمَاذَا هَجَمْتَ عَلَى غَنَائِمِ المَعْرَكَةِ، فَفَعَلْتَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ ؟» فَقَالَ شَاوُلُ: «لَكِنِّي أطَعْتُ صَوْتَ اللهِ فِعلًا! ذَهَبْتُ إلَى حَيْثُ أرْسَلَنِي، وَأبَدْتُ كُلَّ شَعْبِ عَمَالِيقَ. وَلَمْ أُبقِ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ أسَرْتُهُ، وَهُوَ مَلِكُهُمْ أجَاجُ. لَكِنْ أخَذَ الجُنُودُ خِيَارَ الغَنَمِ وَالبَقَرِ لِتَقْدِيمِهَا ذَبَائِحَ فِي الجِلْجَالِ.» أجَابَ صَمُوئِيلَ: «مَا الَّذِي يُرضي اللهَ أكْثَرَ، الذَّبَائِحُ وَالتَّقدِمَاتُ، أمْ طَاعَةُ وَصَايَاهُ؟ بَلِ الطَّاعَةُ أفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ، وَالِاسْتِمَاعُ للهِ أفْضلُ مِنْ شُحُومِ الكِبَاشِ. فَالعِصْيَانُ كَخَطِيَّةِ العِرَافَةِ، وَالعِنَادُ كَعِبَادَةِ الأوْثَانِ. أنْتَ رَفَضْتَ أنْ تُطِيعَ وَصِيَّةَ اللهِ ، فَالآنَ لَمْ يَعُدْ هُوَ يَقْبَلُكَ مَلِكًا.» فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: «لَقَدْ أخْطَأتُ إلَى اللهِ . لَمْ أُطِعْ وَصَايَاهُ وَكَلَامَهُ. خِفتُ مِنَ الشَّعْبِ، فَعَمِلْتُ بِمَا قَالُوهُ. وَالْآنَ أرْجُو أنْ تَغْفِرَ لِي خَطِيَّتِي. ارجِعْ مَعي لِكَي أعبُدَ اللهَ .» لَكِنَّ صَمُوئِيلَ قَالَ لِشَاوُلَ: «لَنْ أرْجِعَ مَعَكَ. فَأنْتَ رَفَضْتَ وَصِيَّةَ اللهِ ، وَالْآنَ يَرْفُضُكَ اللهُ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ.» فَلَمَّا استَدَارَ صَمُوئِيلُ لِيَنْصَرِفَ، أمْسَكَ شَاوُلُ بِثَوبِهِ. فَتَمَزَّقَ ثَوبُهُ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «مَزَّقَ اللهُ اليَوْمَ مَمْلَكَةَ إسْرَائِيلَ عَنْكَ كَمَا مَزَّقْتَ ثَوبِي. وَقَدْ أعْطَى اللهُ المَمْلَكَةَ لِوَاحِدٍ مِنْ أصْحَابِكَ أفْضَلُ مِنْكَ. إلَهُ إسْرَائِيلَ المَجِيدُ لَا يَتَرَاجَعُ وَلَا يُغَيِّرُ فِكرَهُ. فَهُوَ لَيْسَ بَشَرًا لِيُغَيِّرَ فِكرَهُ.» فَأجَابَ شَاوُلُ: «حَسَنًا، لَقَدْ أخْطَأتُ إلَى اللهِ . لَكِنْ أتَوَسَّلُ إلَيْكَ أنْ تَرْجِعَ مَعِي. أكْرِمْنِي أمَامَ القَادَةِ وَأمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ. ارجِعْ مَعِي لِكَي أعبُدَ .» فَرَجِعَ صَمُوئِيلُ مَعَ شَاوُلَ، وَسَجَدَ شَاوُلُ للهِ . ثُمَّ قَالَ صَمُوئِيلُ: «أحضِرُوا لِي أجَاجَ، مَلِكَ عَمَالِيقَ.» فَجَاءَ أجَاجُ إلَى صَمُوئِيلَ مُقَيَّدًا بِالسَّلَاسِلِ. فَقَالَ أجَاجُ فِي نَفْسِهِ: «لَعَلَّهُ لَنْ يَقْتُلَنِي.» لَكِنَّ صَمُوئِيلَ قَالَ لِأجَاجَ: «قَتَلْتَ بِسَيفِكَ رُضَّعًا وَحَرَمتَ أُمَّهَاتِهِمْ مِنْهُمْ. فَالآنَ سَتُحرَمُ أُمُّكَ مِنْكَ.» فَقَتَلَ صَمُوئِيلُ أجَاجَ وَقَطَّعَهُ أمَامَ اللهِ فِي الجِلجَالِ. ثُمَّ مَضَى صَمُوئِيلُ وَذَهَبَ إلَى الرَّامَةِ. وَصَعِدَ شَاوُلُ إلَى بَيْتِهِ فِي جِبْعَةَ. وَلَمْ يَرَ صَمُوئِيلُ شَاوُلَ بَعْدَ ذَلِكَ قَطُّ إلَى يَوْمِ مَمَاتِهِ. فَقَدْ حَزِنَ صَمُوئِيلُ وَبَكَى كَثِيرًا بِسَبَبِ مَا فَعَلَهُ شَاوُلُ. وَأسِفَ اللهُ كَثِيرًا لِأنَّهُ جَعَلَ شَاوُلَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. وَقَالَ اللهُ لِصَمُوئِيلَ: «حَتَّى مَتَى سَتَحْزَنُ عَلَى شَاوُلَ؟ أنْتَ مَا زِلْتَ حَزِينًا عَلَيْهِ حَتَّى بَعْدَ أنْ قُلْتُ لَكَ إنِّي رَفَضْتُهُ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. فَاملأ قَرْنَكَ بِالزَّيْتِ وَاذْهَبْ إلَى بَيْتِ لَحْمٍ. فَإنِّي مُرسِلُكَ إلَى رَجُلٍ مِنْ سُكَّانِ بَيْتِ لَحْمٍ اسْمُهُ يَسَّى. وَقَدِ اختَرْتُ أحَدَ أبنَائِهِ لِيَكُونَ مَلِكًا.» لَكِنَّ صَمُوئِيلَ قَالَ: «إنْ ذَهَبْتُ، سَيَسْمَعُ شَاوُلُ بِالخَبَرِ فَيَقْتُلُنِي.» فَقَالَ اللهُ : «اذْهَبْ إلَى بَيْتِ لَحْمٍ. وَخُذْ مَعَكَ عِجلًا وَقُلْ لَهُمْ: ‹جِئتُ لِأُقَدِّمَ للهِ ذَبِيحَةً.› وَادعُ يَسَّى إلَى الذَّبِيحَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَأُرِيكَ مَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَلَهُ. يَنْبَغِي أنْ تَمْسَحَ الشَّخصَ الَّذِي أُرِيكَ إيَّاهُ.» فَفَعَلَ صَمُوئِيلُ كَمَا قَالَ لَهُ اللهُ . فَذَهَبَ إلَى بَيْتِ لَحْمٍ. فَارتَعَدَ شُيُوخُ بَيْتِ لَحْمٍ خَوْفًا. وَاستَقْبَلُوا صَمُوئِيلَ وَسَألُوهُ: «هَلْ أنْتَ هُنَا فِي مَهَمَّةِ سَلَامٍ؟» فَأجَابَ: «أنَا هُنَا فِي مَهَمَّةِ سَلَامٍ. فَقَدْ جِئتُ لِأُقَدِّمَ ذَبِيحَةً للهِ . طَهِّرُوا أنْفُسَكُمْ وَتَعَالَوا لِلِاشتِرَاكِ فِي الذَّبِيحَةِ مَعِي.» وَطَهَّرَ صَمُوئِيلُ يَسَّى وَأبْنَاءَهُ. ثُمَّ دَعَاهُمْ صَمُوئِيلُ إلَى المَجِيءٍ وَالِاشتِرَاكِ فِي الذَّبِيحَةِ. فَلَمَّا وَصَلَ يَسَّى وَأبْنَاؤهُ رَأى صَمُوئِيلُ ألِيآبَ. فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ: «لَا شَكَّ أنَّ هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ .» لَكِنَّ اللهَ قَالَ لِصَمُوئِيلَ: «صَحِيحٌ أنَّ أليآبَ طَوِيلٌ وَوَسِيمٌ، لَكِنْ لَا تُدخِلْ هَذِهِ الأُمُورَ فِي اعتبَارِكَ. فَاللهُ لَا يَنْظُرُ إلَى مَا يَرَاهُ النَّاسُ. هُوَ لَا يَنْظُرُ إلَى مَظهَرِ الإنْسَانِ، وَإنَّمَا إلَى قَلْبِهِ. فَلَيْسَ أليآبُ هُوَ الَّذِي اختَرْتُهُ.» ثُمَّ دَعَا يَسَّى ابنَهُ الثَّانِي أبِينَادَابَ. فَمَرَّ أبِينَادَابُ مِنْ أمَامِ صَمُوئِيلَ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «لَا، لَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ .» ثُمَّ طَلَبَ يَسَّى مِنْ شَمَّةَ أنْ يَمُرَّ مِنْ أمَامِ صَمُوئِيلَ. لَكِنَّ صَمُوئِيلَ قَالَ: «لَمْ يَخْتَرِ اللهُ هَذَا الرَّجُلَ أيْضًا.» عَرَضَ يَسَّى أبْنَاءَهُ السَّبعَةَ لِصَمُوئِيلَ. لَكِنَّ صَمُوئِيلَ قَالَ لِيَسَّى: «لَمْ يَخْتَرِ اللهُ أيًّا مِنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ.» ثُمَّ سَألَ صَمُوئِيلُ يَسَّى: «ألَدَيكَ أبْنَاءٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ؟» فَأجَابَ يَسَّى: «لَدَيَّ ابنٌ آخَرُ، هُوَ الأصغَرُ. لَكِنَّهُ فِي المَرعَى يَرْعَى الغَنَمَ.» فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «أرسِلْ فِي طَلَبِهِ. أحضِرْهُ هُنَا. فَنَحْنُ لَنْ نَجلِسَ لِلطّعَامِ حَتَّى يَأْتِيَ.» فَأرْسَلَ يَسَّى مَنْ يَسْتَدْعِي ابنَهُ الأصغَرَ. وَكَانَ شَابًّا وَسِيمًا مَوفُورَ الصِّحَّةِ. فَقَالَ اللهُ لِصَمُوئِيلَ: «قُمْ وَامْسَحهُ فَهُوَ الَّذِي اختَرْتُهُ.» فَأخَذَ صَمُوئِيلُ قَرنَ الزَّيْتِ وَسَكَبَ الزَّيْتَ عَلَى الِابْنِ الأصْغَرِ لِيَسَّى أمَامَ إخْوَتِهِ. فَحَلَّ رُوحُ اللهِ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ اليَوْمَ. ثُمَّ عَادَ صَمُوئِيلُ إلَى بَيْتِهِ فِي الرَّامَةِ. وَتَرَكَ رُوحُ اللهِ شَاوُلَ. ثُمَّ أرْسَلَ اللهُ رُوحًا شِرِّيرًا لِشَاوُلَ، فَسَبَّبَ لَهُ إزعَاجًا كَثِيرًا. فَقَالَ خُدَّامُ شَاوُلَ لَهُ: «إنَّ الرُّوحَ الشِّرِّيرَ الَّذِي أرسَلَهُ اللهُ يُزعِجُكَ. فَإنْ أمَرتَنَا فَإنَّنَا نَبحَثُ لَكَ عَنْ رَجُلٍ يُحسِنُ العَزفَ عَلَى القِيثَارِ. فَإذَا هَاجَمَكَ ذَلِكَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ مِنْ عِندِ اللهِ، يَعْزِفُ لَكَ هَذَا الرَّجُلُ مُوسِيقَى. حِينَئِذٍ، سَيَذْهَبُ عَنْكَ الإحسَاسُ بِالضِّيقِ.» فَقَالَ شَاوُلُ لِخُدَّامِهِ: «جِدُوا لِي شَخْصًا يُحْسِنُ العَزفَ وَأحْضِرُوهُ لِي.» فَقَالَ أحَدُ الخُدَّامِ: «هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ يَسَّى سَاكِنٌ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. وَأنَا أعْرِفُ ابنَهُ. إنَّهُ مَاهِرٌ فِي العَزفِ عَلَى القِيثَارِ. وَهُوَ أيْضًا رَجُلٌ شُجَاعٌ وَمُقَاتِلٌ جَيِّدٌ. وَهُوَ ذَكِيٌّ وَوَسِيمٌ، وَ اللهُ مَعَهُ.» فَأرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلَهُ إلَى يَسَّى. فَقَالُوا لَهُ: «أرسِلْ إلَى ابنِكَ دَاوُدَ رَاعِي الغَنَمِ.» فَأعَدَّ يَسَّى هَدِيَّةً لِشَاُولَ، أعَدَّ حِمَارًا وَخُبْزًا وَقِنِّينَةَ نَبِيذٍ وَجَديًا، وَأرسَلَهَا مَعَ دَاوُدَ إلَى شَاوُلَ. فَذَهَبَ دَاوُدُ إلَى شَاوُلَ وَوَقَفَ أمَامَهُ، فَأحَبَّهُ شَاوُلُ كَثِيرًا، فَجَعَلَهُ حَامِلَ سِلَاحِهِ. وَأرْسَلَ شَاوُلُ رِسَالَةً إلَى يَسَّى، قَالَ فِيهَا: «دَعْ دَاوُدَ مَعِي لِيَخْدِمَنِي، فَقَدْ أحبَبتُهُ كَثِيرًا.» وَكُلَّمَا هَاجَمَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ مِنْ عِندِ اللهِ شَاوُلَ، كَانَ دَاوُدُ يَأْخُذُ قِيثَارَهُ وَيَعْزِفُ. حِينَئِذٍ، يُفَارِقُهُ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ، وَيَزُولُ عَنْهُ الإحْسَاسُ بِالضِّيقِ. وَحَشَدَ الفِلِسْطِيُّونَ جُيُوشَهُمْ لِلحَرْبِ. اجتَمَعُوا فِي سُوكُوهَ الَّتِي فِي يَهُوذَا، وَعَسْكَرُوا بَيْنَ سُوكُوهَ وَعَزِيقَةَ، فِي مَدِينَةٍ اسْمُهَا أفَسُ دَمِّيمَ. وَحَشَدَ شَاوُلُ جُنُودَ بَنِي إسْرَائِيلَ أيْضًا، وَعَسكَرُوا فِي وَادِي البُطمِ. وَاصطَفُّوا استِعدَادًا لِمُقَاتَلَةِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَقَفَ الفِلِسْطِيُّونَ عَلَى تَلَّةٍ، وَبَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى تَلَّةٍ مُقَابِلَةٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا الوَادِي. وَكَانَ لَدَى الفِلِسْطِيِّينَ مُقَاتِلٌ جَبَّارٌ اسْمُهُ جُليَاتُ مِنْ مَدِينَةِ جَتَّ، طُولُهُ سِتُّ أذْرُعٍ وَشِبرٌ! فَخَرَجَ جُليَاتُ مِنْ مُخَيَّمِ الفِلِسْطِيِّينَ. كَانَ عَلَى رَأسِهِ خُوذَةٌ مِنْ بُرُونْزٍ. وَيَلبَسُ دِرعًا عَلَى شَكْلِ حَرَاشِفِ سَمَكَةٍ، يَزِنُ خَمْسَةَ آلَافِ مِثْقَالٍ مِنَ البُرُونْزِ. وَكَانَ يَضَعُ وَاقِيَاتٍ نُحَاسِيَّةً عَلَى سَاقَيهِ. وَكَانَ مَربُوطًا عَلَى ظَهرِهِ رُمحٌ نُحَاسِيٌّ. وَكَانَتْ عَصَا رُمحِهِ طَوِيلَةً كَنَولِ النَّسَّاجِ. وَزْنُ سِنَانِ الرُّمحِ سِتُّ مِئَةِ مِثْقَالٍ مِنَ الحَدِيدِ. وَكَانَ مُسَاعِدُهُ يَمْشِي أمَامَهُ حَامِلًا تُرسَهُ. كَانَ جُلْيَاتُ يخْرُجُ كُلَّ يَوْمٍ وَيُنَادِي مُتَحَدِّيًا جُنُودَ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَيَقُولُ: «لِمَاذَا جُنُودُكُمْ مُصْطَفُّونَ اسْتِعْدَادًا للقِتَالِ هَكَذَا؟ أنْتُمْ خُدَّامُ شَاوُلَ، وَأنَا مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ. فَاخْتَارُوا رَجُلًا وَأرْسِلُوهُ لِكَي يُبَارِزَنِي. فَإذَا قَتَلَنِي، يَفُوزُ، وَنَصِيرُ نَحْنُ الفِلِسْطِيِّينَ عَبِيدًا لَكُمْ. لَكِنْ إذَا قَتَلْتُ رَجُلَكُمْ، أفُوزُ، وَتَصِيرُونَ أنْتُمْ عَبِيدًا لَنَا، وَتَخْدِمُونَنَا.» وَقَالَ الفِلِسْطِيُّ: «أقِفُ اليَوْمَ مُعَبِّرًا عَنِ احتِقَارِي لِجَيْشِ إسْرَائِيلَ. فَأنَا أتَحَدَّاكُمْ أنْ تُرسلُوا أحَدَ رِجَالِكُمْ لِيُقَاتِلَنِي.» فَسَمِعَ شَاوُلُ وَجُنُودُ إسْرَائِيلَ مَا قَالَهُ جُليَاتُ، وَخَافُوا خُوفًا شَدِيدًا. كَانَ دَاوُدُ مِنْ أبْنَاءِ يَسَّى مِنْ عَائِلَةِ أفرَاتَةَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ فِي يَهُوذَا. وَكَانَ لِيَسَّى ثَمَانِيَةُ أبْنَاءٍ. وَكَانَ يَسَّى طَاعِنًا فِي السِّنِّ فِي عَهْدِ شَاوُلَ. ذَهَبَ أبْنَاءُ يَسَّى الثَّلَاثَةُ الكِبَارُ إلَى الحَرْبِ مَعَ شَاوُلَ: أمَّا أسمَاؤُهُمْ، فَالأوَّلُ ألِيآبُ، وَالثَّانِي أبِينَادَابُ، وَالثَّالِثُ شَمَّةُ. أمَّا دَاوُدُ فَكَانَ الأصغَرَ. وَقَدِ انضَمَّ إخْوَتُهُ الثَّلَاثَةُ الكِبَارُ فِي جَيْشِ شَاوُلَ. وَكَانَ دَاوُدُ يَتْرُكُ شَاوُلَ مِنْ وَقْتٍ إلَى آخَرَ لِلِاعتِنَاءِ بِغَنَمِ أبِيهِ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. وَظَلَّ الفِلِسْطِيُّ يَخْرُجُ صَبَاحًا وَمَسَاءً مُقَابِلَ جَيْشِ إسْرَائِيلَ أرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيُوَجِّهُ الإهَانَاتِ لِإسْرَائِيلَ. وَذَاتَ يَوْمٍ، قَالَ يَسَّى لِابْنِهِ دَاوُدَ: «خُذْ هَذِهِ القُفَّةَ مِنَ الفَرِيكِ، وَهَذِهِ الأرغِفَةَ العَشْرَةَ مِنَ الخُبْزِ إلَى إخْوَتِكَ فِي المُعَسكَرِ. خُذْ أيْضًا قِطَعَ الجُبْنِ العَشْرِ هَذِهِ إلَى قَائِدِهِمْ. اطمَئِنَّ عَلَى أحْوَالِ إخْوَتِكَ، وَأحْضِرْ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى سَلَامَتِهِمْ. فَإخوَتُكَ هُنَاكَ مَعَ شَاوُلَ وَمَعَ كُلِّ جُنُودِ إسْرَائِيلَ فِي وَادِي البُطمِ لمُحَارَبَةِ الفِلِسْطِيِّينَ.» وَفِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ تَرَكَ دَاوُدُ الغَنَمَ فِي رِعَايَةِ رَاعٍ آخَرَ. وَأخَذَ الطَّعَامَ وَذَهَبَ كَمَا طَلَبَ إلَيْه أبُوهُ. وَأتَى دَاوُدُ إلَى مِنْطَقَةِ المُعَسكَرِ. وَكَانَ الجُنُودُ خَارِجينَ لِأخْذِ مَوَاقِعِهمْ فِي القِتَالِ عِنْدَ وُصُول دَاوُدَ. وَرَاحَ الجُنُودُ يُطلِقُونَ صَيحَاتِ الحَرْبِ. وَاصطَفَّ بَنُو إسْرَائِيلَ وَالفِلِسْطِيُّونَ استِعدَادًا لِلقِتَالِ. فَتَرَكَ دَاوُدُ الطَّعَامَ مَعَ الرَّجُلِ الَّذِي يَحْفَظُ المُؤَنَ، وَرَكَضَ إلَى حَيْثُ جَيْشُ إسْرَائِيلَ، وَسَألَهُمْ عَنْ إخْوَتِه. فَخَرَجَ الجبَّارُ الفِلِسْطِيُّ مِنْ بَيْنِ صُفُوفِ الجَيْشِ الفِلِسْطِيِّ أثْنَاءَ حَدِيثِ دَاوُدَ مَعَ إخْوَتِهِ. وَكَانَ هَذَا البَطَلُ جُليَاتَ الفِلِسْطِيَّ مِنْ مَدِينَةِ جَتَّ. أعَادَ جُليَاتُ مَا كَانَ يَقُولُهُ كُلَّ يَوْمٍ عَنْ جَيْشِ إسْرَائِيلَ. فَسَمِعَ دَاوُدُ مَا قَالَهُ. فَلَمَّا رَأى جُنُودُ إسْرَائِيلَ جُليَاتَ هَرَبُوا جَمِيعًا خَوْفًا مِنْ جُليَاتَ. فَقَالَ أحَدُ رِجَالِ إسْرَائِيلَ: «أرَأيْتُمْ ضَخَامَتَهُ؟ انْظُرُوا إلَيْهِ! يَخْرُجُ كُلَّ يَوْمٍ لِيَهْزَأ بِإسْرَائِيلَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَقَدْ أعْلَنَ شَاوُلُ أنَّهُ سيُغْنِي مَّنْ يَقْتُلُ جُليَاتَ وسَيُزَوِّجُهُ ابنَتَه. وَسَيَجْعَلُ شَاوُلُ كُلَّ عَائِلَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ أحرَارًا فِي إسْرَائِيلَ.» فَسَألَ دَاوُدُ الرِّجَالَ الوَاقِفِينَ قُربَهُ: «مَا هِيَ مُكَافَأةُ مَنْ يَقْتُلُ ذَلِكَ الفِلِسْطِيَّ وَيَنْزِعُ العَارَ عَنْ إسْرَائِيلَ؟ فَمَنْ يَظُنُّ نَفْسَهُ هَذَا الفِلِسْطِيٌّ اللَّامَختُونُ لِيَهْزَأ بجَيْشِ اللهِ الحَيِّ؟» فَأخْبَرَ الرِّجَالُ دَاوُدَ عَنْ مُكَافَأةِ مَنْ يَقْتُلُ جُليَاتَ. فَسَمِعَهُ أخُوهُ الأكبَرُ ألِيآبَ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ إلَى الجُنُودِ فَغَضِبَ. وَسَألَ ألِيآبُ دَاوُدَ: «مَا الَّذِي جَاءَ بِكَ إلَى هُنَا؟ وَمَعَ مَنْ تَرَكتَ تِلْكَ الغُنَيمَاتِ القَلِيلَةَ فِي البَرِّيَّةِ؟ أنَا أعْلَمُ غُرُورَكَ وَقَلْبَكَ الشِّرِّيرَ، فَمَا أتَيْتَ إلَّا لِكَي تَتَفَرَّجَ عَلَى المَعْرَكَةِ.» فَقَالَ دَاوُدُ: «مَا الَّذِي فَعَلتُهُ الآنَ؟ فَقَدْ كُنْتُ أتَكَلَّمُ فَحَسْبُ.» وَذَهَبَ دَاوُدُ إلَى آخَرِينَ وَطَرَحَ عَلَيْهِمُ الأسئِلَةَ نَفْسَهَا، فَأعْطَوْهُ الأجْوِبَةَ نَفْسَهَا. فَسَمِعَ بَعْضُ الرِّجَالِ مَا قَالَهُ دَاوُدُ، فَأخَذُوهُ إلَى شَاوُلَ وَأخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ: «لَا يَنْبَغِي أنْ نَسْمَحَ لِجُليَاتَ بِأنْ يُثَبِّطَ هِمَمَ الشَّعْبِ. فَأنَا خَادِمُكَ مُسْتَعِدٌّ لِلذَّهَابِ وَمُنَازَلَةِ هَذَا الفِلِسْطِيِّ.» فَأجَابَ شَاوُلُ: «لَا تَقْدِرُ أنْ تَذْهَبَ وَتُنَازِلَ هَذَا الفِلِسْطِيَّ، فَلَسْتَ حَتَّى جُندِيًّا. أمَّا جُليَاتُ فَاشتَرَكَ فِي الحُرُوبِ مُنْذُ صِبَاهُ.» فَقَالَ دَاوُدُ: «كُنْتُ، أنَا خَادِمَكَ، كَثِيرًا مَا أرْعَى غَنَمَ أبِي. فَمَتَى جَاءَ أسَدٌّ أوْ دُبٌ وَخَطَفَ حَمَلًا مِنَ القَطِيعِ، كُنْتُ أُطَارِدُهُ وَأضْرِبُهُ وَأُنْقِذُ الحَمَلَ مِنْ فَمِهِ. فَإنِ عَادَ وَهَجَمَ عَلَيَّ، أُمْسِكُهُ مِنْ ذَقنِهِ، وَأضْرِبُهُ وَأقْتُلُهُ. قَتَلْتُ، أنَا خَادِمَكَ، دُبًّا وَأسَدًا! وَسَأقتُلُ ذَلِكَ الفِلِسْطِيَّ غَيْرَ المَخْتُونِ كَمَا قَتَلْتُهُمَا، لِأنَّهُ اسْتَهْزَأ بِجَيْشِ اللهِ الحَيِّ. فَاللهُ الَّذِي أنقَذَنِي مِنْ مَخَالِبِ الأسَدِ وَالدُّبِّ، يُنْقِذُنِي مِنْ يَدِ هَذَا الفِلِسْطِيِّ.» فَقَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ: «اذْهَبْ، وَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ.» وَألبَسَ شَاوُلُ دَاوُدَ لِبَاسَهُ الحَرْبِيَّ. وَضَعَ خُوذَةً نُحَاسِيَّةً عَلَى رَأسِ دَاوُدَ، وَقَلَّدَهُ دِرعًا عَلَى جِسمِهِ. وَوَضَعَ دَاوُدُ سَيْفَ شَاوُلَ إلَى جَنبهِ. وَحَاوَلَ دَاوُدُ أنْ يَمْشِيَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعتَادًا عَلَى هَذِهِ الأشْيَاءِ. فَقَالَ دَاوُدُ لشَاوُلَ: «لَا أسْتَطِيعُ القِتَالَ بِهَذِه. فَأنَا لَسْتُ مُعتَادًا عَلَيْهَا.» فَخَلَعَهَا دَاوُدُ. فَأخَذَ دَاوُدُ عَصَاهُ بيَدِهِ، وَذَهَبَ وَبَحَثَ عَنْ خَمْسَةِ حِجَارَةٍ مَلسَاءَ مِنَ الجَدوَل. وَلَمَّا وَجَدَهَا، وَضَعَهَا فِي جِرَابِهِ. وَأمسَكَ بمِقلَاعهِ فِي يَدِهِ، ثُمَّ انطَلَقَ لِمُلَاقَاةِ الفِلِسْطِيِّ. وَأخَذَ الفِلِسْطِيُّ يَقْتَرِبُ أكْثَرَ فَأكثَرَ مِنْ دَاوُدَ. وَمَشَى أمَامَهُ مُسَاعِدُهُ حَاملًا تُرسَهُ. فَنَظَرَ جُليَاتُ إلَى دَاوُدَ بِاشْمِئزَازٍ وَاحْتِقَارٍ، إذْ رَأى أنَّ دَاوُدَ مُجَرَّدُ وَلَدٍ وَسِيمٍ أحْمَرِ الوَجْهِ. فَقَالَ جُليَاتُ لِدَاوُدَ: «أتَظُنُّ أنَّي كَلْبٌ لِتُهَاجِمَنِي بِعَصَا؟» ثُمَّ نَطَقَ جُليَاتُ بِلَعَنَاتٍ مِنْ آلهَتِهِ عَلَى دَاوُدَ. وَقَالَ لِدَاوُدَ: «اقتَرِبْ فَأُطْعِمَ جَسَدَكَ لِلطُّيُورِ وَالحَيَوَانَاتِ المُفتَرِسَةِ.» فَقَالَ دَاوُدُ: «أنْتَ تَأْتِي لِتُحَارِبَنِي بِسَيفٍ وَبِرُمحٍ وَبِحَرْبَةٍ، أمَّا أنَا فَآتِي لِأُحَارِبَكَ بِاسْمِ اللهِ القَدِيرِ، إلَهِ جُيُوشِ إسْرَائِيلَ الَّذِي أهَنْتَهُ. لِهَذَا فَإنَّ اللهَ سَيَنْصُرُنِي عَلَيْكَ هَذَا اليَوْمَ. سَأقتُلُكَ، وَسَأقطَعُ رَأسَكَ، وَأُطعِمُ جَسَدَكَ لِلطُّيُورِ وَالحَيَوَانَاتِ المُفتَرِسَةِ. وَسَنَفعَلُ هَذَا أيْضًا بكُلِّ الفِلِسْطِيِّينَ الآخَرِينَ الَّذِينَ مَعَكَ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُ العَالَمُ كُلُّهُ أنَّ فِي إسْرَائِيلَ إلَهًا. وَسَيَعْرِفُ جَمِيعُ المُحتَشِدِينَ هُنَا أنَّ اللهَ لَا يَحتَاجُ سُيُوفًا وَرِمَاحًا ليُخَلِّصَ. المَعرَكَةُ مَعرَكَةُ اللهِ ، وَهُوَ سَيَنْصُرُنَا عَلَيْكُمْ.» وَتَقَدَّمَ جُليَاتُ الفِلِسْطِيُّ لِمُهَاجَمَةِ دَاوُدَ. وَكَانَ يَقْتَرِبُ بِبُطءٍ أكْثَرَ فَأكثَرَ مِنْ دَاوُدَ. لَكِنَّ دَاوُدَ رَكَضَ لِمُلَاقَاتِهِ. وَأخرَجَ دَاوُدُ حَجَرًا مِنْ جِرَابِهِ، وَوَضَعَهُ فِي مِقلَاعِه، وَضَرَبَ الفِلِسْطِيَّ بِالمِقلَاعِ، فَأصَابَ الحَجَرُ جُليَاتَ بَيْنَ عَيْنَيْه، وَغُرِزَ فِي رَأسِهِ. فَسَقَطَ جُليَاتُ عَلَى وَجْهِهِ إلَى الأرْضِ. وَهَكَذَا تَغَلَّبَ دَاوُدُ عَلَى الفِلِسْطِيِّ بِمِقلَاعٍ وَحَجَرٍ لَا غَيْرَ! ضَرَبَ الفِلِسْطِيَّ وَقَتَلَهُ دُونَ أنْ يَكُونَ مَعَهُ سَيفٌ. ثُمَّ رَكَضَ وَوَقَفَ بِجَانِبِ الفِلِسْطِيِّ. ثُمَّ أخْرَجَ دَاوُدُ سَيفَ جُليَاتَ مِنْ غِمْدِهِ وَقَطَعَ بِهِ رَأسَهُ. هَكَذَا قَتَلَ دَاوُدُ الفِلِسْطِيَّ. وَلَمَّا رَأى الفِلِسْطِيُّونَ جَبَّارَهُمْ مَيِّتًا، استَدَارُوا وَهَرَبُوا. فَهَتَفَ جُنُودُ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، وَرَاحُوا يُطَارِدُونَ الفِلِسْطِيِّينَ حَتَّى حُدُودِ مَدِينَةِ جَتَّ وَمَدِينَةِ عَقرُونَ، وَقَتَلُوا كَثِيرِينَ مِنْهُمْ. فَتَنَاثَرَتْ جُثَثُهُمْ عَلَى طُولِ طَرِيقِ شَعْرَايِمَ وَحَتَّى جَتَّ وَعَقرُونَ. وَبَعْدَ أنْ طَارَدَ بَنُو إسْرَائِيلَ الفِلِسْطِيِّينَ، رَجِعُوا إلَى مُعَسْكَرِ الفِلِسْطِيِّيِنَ، وَغَنمُوا مِنْهُ أشْيَاءَ ثَمِينَةً. وَأخَذَ دَاوُدُ رَأسَ الفِلِسْطِيِّ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، لَكنَّهُ أبقَى سِلَاحَ الفِلِسْطِيِّ فِي بَيْتِه. رَاقَبَ شَاوُلُ دَاوُدَ وَهُوَ يُقَاتِلُ جُليَاتَ. فَسَألَ شَاوُلُ أبْنَيْرَ قَائِدَ جَيْشِهِ: «مَنْ هُوَ أبُو ذَلِكَ الشَّاب؟» فَأجَابَ أبْنَيْرُ: «أُقْسِمُ أنِّي لَا أعْرِفُ يَا سَيِّدِي.» فَقَالَ المَلِكُ شَاوُلُ: «تَحَقَّقْ لِي مَنْ هُوَ.» فَلَمَّا رَجِعَ دَاوُدُ بَعْدَ أنْ قَتَلَ جُليَاتَ، أحْضَرَهُ أبْنَيْرُ إلَى شَاوُلَ. وَكَانَ دَاوُدُ مَا يَزَالُ يَحملُ رَأسَ الفِلِسْطِيِّ. فَسَألَهُ شَاوُلُ: «أيُّهَا الشَّابُّ، مَنْ هُوَ أبُوكَ؟» فَأجَابَ دَاوُدُ: «أنَا ابْنُ خَادمِكَ يَسَّى البَيْتِ لَحْمِيِّ.» وَمَا أنِ انْتَهَى دَاوُدُ مِنَ الحَدِيثِ مَعَ شَاوُلَ، كَانَ قَلْبُ يُونَاثَانَ قَدْ تَعَلَّقَ بِقَلْبِ دَاوُدَ. فَأحَبَّ يُونَاثَانُ دَاوُدَ كَنَفْسِهِ. وَكَانَ شَاوُلُ قَدِ اسْتَبْقَى دَاوُدَ ذَلِكَ اليَوْمَ، وَلَمْ يَسْمَحْ لَهُ بِأنْ يَعُودَ إلَى بَيْتِ أبِيهِ. فَعَاهَدَ يُونَاثَانُ دَاوُدَ عَلَى الصَّدَاقَةِ وَالوَفَاءِ، لِأنَّهُ أحَبَّهُ كَنَفْسِهِ. وَخَلَعَ يُونَاثَانُ المِعطَفَ الَّذِي كَانَ يَرْتَدِيهِ وَأعْطَاهُ لِدَاوُدَ. وَأعْطَاهُ أيْضًا لِبَاسَهُ الحَرْبيَّ كُلَّهُ مَعَ سَيفهِ وَقَوسِهِ وَحِزَامِهِ. وَكَانَ دَاوُدُ يَخْرُجُ إلَى القِتَالِ حَيْثُمَا أرسَلَهُ شَاوُلُ. فَنَجَحَ دَاوُدُ نَجَاحًا كَبِيرًا. فَجَعَلَهُ شَاوُلُ مَسْؤُولًا عَنْ جُنُودِهِ. فَأرْضَى هَذَا القَرَارُ الجَمِيعَ، حَتَّى كِبَارَ مَسْؤُولي شَاوُلَ. فَكَانَ دَاوُدُ يَخْرُجُ لِيُقَاتلَ الفِلِسْطِيِّينَ. وَعندَ عَودَتِه مِنَ المَعَارِك كَانَتِ النِّسَاءُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مِنْ مُدُنِ إسْرَائِيلَ يَخْرُجنَ لِلقَائِه. وَكُنَّ يَرْقُصْنَ بِفَرَحٍ وَيَقْرَعْنَ الطُّبُولَ وَيَعْزِفْنَ عَلَى الأعوَادِ. وَكُنَّ يُغَنِّينَ وَيُرَدِّدْنَ بِابتِهَاجٍ: «شَاوُلُ قَتَلَ الآلَافَ. وَدَاوُدُ عَشَرَاتِ الآلَافِ!» وَأزْعَجَتْ هَذهِ الكِلِمَاتُ شَاوُلَ وَأغْضَبَتْهُ كَثِيرًا. وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: «نَسَبَتِ النِّسَاءُ الفَضْلَ لدَاوُدَ فِي قَتلِ عَشَرَاتِ الأُلُوفِ، وَلَمْ يَنْسِبْنَ لِي إلَّا قَتلَ أُلوفٍ. فَمَاذَا بَعُدُ؟ لَمْ يَبْقَ سِوَى أنْ يأخُذَ العَرْشَ مِنِّي!» وَمُنذُ ذَلِكَ اليَوْمِ، رَاحَ شَاوُلُ يُرَاقبُ دَاوُدَ عَنْ قُرْبٍ. وَفي اليَوْمِ التَّالِي، سَيطَرَ عَلَى شَاوُلَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ الَّذِي أرْسَلَهُ اللهُ، فَفَقَدَ أعْصَابَهُ فِي بَيْتِهِ. فَعَزَفَ دَاوُدُ عَلَى القِيثَارِ لِيُهَدِّئَهُ كَعَادَتِهِ. وَكَانَ فِي يَدِ شَاوُلَ رُمْحٌ. فَقَالَ شَاوُلُ فِي نَفْسِهِ: «سَأُسَمِّرُ دَاوُدَ فِي الحَائِطِ بهَذَا الرُّمْحِ.» فَتَنَحَّى دَاوُدُ عَنِ الرُّمْحِ مَرَّتَيْنِ. كَانَ اللهُ قَدْ تَرَكَ شَاوُلَ، وَصَارَ الآنَ مَعَ دَاوُدَ، فَخَافَ شَاوُلُ مِنْ دَاوُدَ. فَأبْعَدَهُ شَاوُلُ عَنْهُ وَجَعَلَهُ قَائِدًا عَلَى ألْفِ جُندِيٍّ. فَصَارَ دَاوُدُ أكْثَرَ شَعْبِيَّةً مِنْ قَبْلُ، بِسَبَبِ دُخُولِهِ المَعَارِكَ وَانِتِصَارِهِ بِهَا. وَكَانَ اللهُ مَعَ دَاوُدَ، فَكَانَ نَاجِحًا فِي كُلِّ شَيءٍ. وَرَأى شَاوُلُ نَجَاحَ دَاوُدَ، فَازدَادَ خَوفُهُ مِنْهُ. غَيْرَ أنَّ جَمِيعَ الشَّعْبِ فِي إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، كَانُوا يُحِبُّونَ دَاوُدَ لِأنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا بَيْنَهُمْ، وَكَانَ يَقُودُهُمْ فِي القِتَالِ. وَذَاتَ يَوْمٍ قَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ: «سَأُزَوِّجُكَ مِنَ ابْنَتِي الكُبْرَى مَيرَبَ. لَكِنْ عِدْنِي بأِنْ تَكُونَ مُخْلِصًا لِي، وَبِأنْ تُحَارِبَ حُرُوبَ اللهِ .» لَكِنْ مَا كَانَ يَدُورُ فِي ذِهْنِ شَاوُلَ هُوَ هَذَا: «لَنْ أمُدَّ يَدَي لِقَتلِ دَاوُدَ، سَأترُكُ مَهَمَّةَ قَتلِهِ لِلفِلِسْطِيِّينَ.» فَقَالَ دَاوُدَ: «مَنْ أنَا وَمَنْ عَائِلَةُ أبِي فِي إسْرَائِيلَ لِأُصَاهِرَ المَلِكَ؟» وَعِنْدَمَا حَانَ وَقْتُ زَوَاجِ دَاوُدَ مِنِ بِنتِ شَاوُلَ، زَوَّجَهَا شَاوُلُ مِنْ عَدرِيئِيلَ المَحُولِيِّ. وَجَاءَ مَنْ يُخبِرُ شَاوُلَ بِأنَّ ابنَتَهُ مِيكَالَ تُحِبُّ دَاوُدَ. فَأفرَحَهُ هَذَا الخَبَرُ. وَقَالَ شَاوُلُ فِي نَفْسِهِ: «سَأجْعَلُ مِيكَالَ فَخًّا لِدَاوُدَ. سَأُزَوِّجُهَا مِنْهُ، ثُمَّ أدَعُ الفِلِسْطِيِّينَ يَقْتُلُونَهُ.» فَقَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ مَرَّةً أُخْرَى: «يُمكِنُكَ الزَّوَاجُ مِنَ ابنَتِي اليَوْمَ.» وَأمَرَ شَاوُلُ كِبَارَ مَسْؤُولِيهِ بِأنْ يَتَحَدَّثُوا مَعَ دَاوُدَ سِرًّا. وَقَالَ لَهُمْ أنْ يَقُولُوا لَهُ: «اسْمَعْ، المَلِكُ رَاضٍ عَنْكَ. وَكِبَارُ مَسْؤُولِيهِ يُحِبُّونَكَ أيْضًا. فَتَزَوَّجِ بِنْتَ المَلِكِ.» فَقَالَ كِبَارُ مَسْؤُولِي شَاوُلَ لِدَاوُدَ هَذَا الكَلَامَ. لَكِنَّ دَاوُدَ أجَابَ: «أنَا لَسْتُ أهْلًا لمُصَاهَرَةِ المَلِكِ. فَمَا أنَا إلَّا رَجُلٌ فَقِيرٌ وَبَسِيطٌ.» فَنَقَلَ كبَارُ مَسؤُولِي المَلِكِ إلَيْهِ مَا قَالَهُ دَاوُدُ. فَقَالَ لَهُمْ شَاوُلُ: «قُولُوا لدَاوُدَ: ‹لَا يُرِيدُ المَلِكُ مِنْكَ مَهْرًا لِابنَتِهِ، بَلْ يُرِيدُ أنْ يَنْتَقِمَ مِنْ عَدُوِّهِ. فَمَهْرُ ابنَتِهِ هُوَ مِئَةُ غُرْلةٍ مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ.›» وَكَانَ شَاوُلُ يَنْوِي فِي حَقِيقَةِ الأمْرِ أنْ يَدَعَ الفِلِسْطِيِّينَ يَقْتُلُونَ دَاوُدَ. فَأخبَرَ مُسْؤُولُو شَاوُلَ دَاوُدَ بِمَا قَالَهُ المَلِكُ. وَرَاقَتْ لدَاوُدَ فِكرَةُ مُصَاهَرَةِ المَلِكِ، فَخَرَجَ فَوْرًا هُوَ وَرجَالُهُ لِمُقَاتَلَةِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَقَتَلُوا مِنْهُمْ مِئَتَي رَجُلٍ. فَأخَذَ دَاوُدُ غُلَفَهُمْ وَأعْطَاهَا لِشَاوُلَ. فَكَانَ هَذَا المَهرَ الَّذِي قَدَّمَهُ دَاوُدُ لِمُصَاهَرَةِ المَلِكِ. فَاضْطُرَّ شَاوُلُ إلَى تَزْوِيج دَاوُدَ مِنِ ابْنَتِهِ مِيكَالَ. وَرَأى شَاوُلُ أنَّ اللهَ مَعَ دَاوُدَ وَأنَّ ابنَتَهُ مِيكَالَ تُحِبُّ دَاوُدَ. فَازْدَادَ خَوفُ شَاوُلَ مِنْ دَاوُدَ، وَصَارَ عَدُوًّا لِدَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ. وَوَاصَلَ حُكَّامُ الفِلِسْطِيِّينَ خُرُوجَهُمْ لِقِتَالِ بَنِي إسْرَائِيلَ. لَكِنَّ دَاوُدَ كَانَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَهْزِمُهُمْ. كَانَ دَاوُدُ أنجحَ مِنْ كُلِّ قَادَةِ شَاوُلَ الآخَرِينَ، فَصَارَ الأكْثَرَ شُهْرَةً وَكَرَامَةً بَيْنَهُمْ. أمَرَ شَاوُلُ ابنَهُ يُونَاثَانَ وَضُبَّاطَهُ بأِنْ يَقْتُلُوا دَاوُدَ. لَكِنَّ يُونَاثَانَ كَانَ يُحِبُّ دَاوُدَ حُبًّا عَظِيمًا. فَقَالَ لِدَاوُدَ: «احْذَرْ فَأبي شَاوُلُ يَتَحَيَّنُ الفُرَصَ لقَتْلِكَ. فَاذهَبْ فِي الصَّبَاحِ وَاختَبِئْ فِي الحَقْلِ. وَسَأخرُجُ فِي الصَّبَاحِ إلَى الحَقْلِ مَعَ أبِي. وَسَنَقِفُ فِي الحَقْلِ حَيْثُ أنْتَ مُختَبِئٌ. سَأتَكَلَّمُ مَعَ أبِي عَنْكَ. وَإنْ عَرَفْتُ شَيْئًا سَأُخْبِرُكَ بِهِ.» فَتَحَدَّثَ يُونَاثَانُ مَعَ أبِيهِ شَاوُلَ، فَمَدَحَهُ كَثِيرًا. وَقَالَ يُونَاثَانُ: «أنْتَ المَلِكُ. وَمَا دَاوُدُ إلَّا خَادِمٌ لَكَ. هُوَ لَمْ يُسِئْ إلَيْكَ بِشَيءٍ، فَلَا تُسِئْ إلَيْهِ. وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْ إلَّا خَيْرًا مَعَكَ. ألَا تَذْكُرُ كَيْفَ خَاطَرَ بحَيَاتِهِ عندَمَا قَاتَلَ جُليَاتَ وَقَتَلَهُ. فَحَقَّقَ اللهُ نَصْرًا عَظيمًا لِإسْرَائِيلَ عَلَى يَدِ دَاوُدَ. وَأنْتَ رَأيْتَ ذَلِكَ وَفَرِحْتَ. فَلِمَاذَا تُرِيدُ أنْ تُؤذِيَ دَاوُدَ وَهُوَ بَريءٌ؟ لَا يُوجَدُ سَبَبٌ يَسْتَوْجِبُ قَتلَهُ.» فَاقتَنَعَ شَاوُلُ بِكَلَامِ يُونَاثَانَ. وَقَالَ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، لَنْ أقتُلَ دَاوُدَ.» فَدَعَا يُونَاثَانُ دَاوُدَ وَأخبَرَهُ بِكُلِّ مَا دَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَاوُلَ. ثُمَّ أحْضَرَ يُونَاثَانُ دَاوُدَ إلَى شَاوُلَ. فَعَادَتِ العَلَاقَةُ بَيْنَ دَاوُدَ وَشَاوُلَ إلَى مَجَارِيهَا كَمَا فِي السَّابِقِ. وَنَشَبَتِ الحَرْبُ مَرَّةً أُخْرَى. فَخَرَجَ دَاوُدُ لِمُقَاتَلَةِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَألحَقَ بِهِمْ هَزِيمَةً شَدِيدَةً، فَهَرَبُوا. وَفِيمَا بَعْدُ، كَانَ دَاوُدُ يَعْزِفُ عَلَى القِيثَارِ فِي بَيْتِ شَاوُلَ. وَكَانَ شَاوُلُ هُنَاكَ يَحْمِلُ رُمحًا فِي يَدِهِ. فَحَلَّ عَلَى شَاوُلَ رُوحٌ شِرِّيرٌ مِنَ اللهِ . فَرَمَى شَاوُلُ الرُّمحَ عَلَى دَاوُدَ مُحَاولًا قَتلَهُ وَتَسْمِيرَهُ عَلَى الحَائِطِ. فَتَنَحَّى دَاوُدُ جَانِبًا، فَلَمْ يُصِبْهُ الرُّمحُ، بَلِ انغَرَزَ فِي الحَائطِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ هَرَبَ دَاوُدُ. فَأرْسَلَ شَاوُلُ رِجَالًا لمُرَاقَبَةِ بِيْتِ دَاوُدَ، وَظَلُّوا هُنَاكَ طَوَالَ اللَّيلِ. وَكَانُوا يَنْوُونَ قَتلَهُ فِي الصَّبَاحِ لَدَى خُرُوجِهِ. لَكِنَّ زَوْجَتَهُ ميكَالَ حَذَّرَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ: «اهْرُبِ اللَّيلَةَ لتَنْجُوَ، وَإلَّا فَإنَّكَ سَتُقتَلُ غَدًا.» ثُمَّ أنزَلَتْهُ مِيكَالُ مِنْ إحْدَى نَوَافِذِ البَيْتِ. فَهَرَبَ وَنَجَا. فَأخَذَتْ مِيكَالُ تِمْثَالَ التَّرَافيمَ وَلَفَّتهُ بِمَلَابِسَ. وَوَضَعَتْ شَعْرَ مَاعِزٍ عَلَى رَأسِهِ. ثُمَّ وَضَعَتِ التِّمثَالَ فِي السَّرِيرِ. فَأرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلًا لِإلقَاءِ القَبْضِ عَلَى دَاوُدَ. لَكِنَّ مِيكَالَ قَالَتْ: «إنَّهُ مَرِيضٌ.» فَرَجِعَ الرِّجَالُ وَأخبَرُوا شَاوُلَ، لَكِنَّهُ أعَادَهُمْ لِكَي يَرَوْا دَاوُدَ. وَقَالَ لَهُمْ: «أحْضِرُوا دَاوُدَ إلَيَّ. اجْلِبُوهُ عَلَى فِرَاشهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ ضَرُورِيًّا، لِأقْتُلَهُ.» فَذَهَبَ الرُّسُلُ إلَى بَيْتِ دَاوُدَ. وَدَخَلُوا غُرفَةَ نَومِهِ. فَلَمْ يَجِدُوا إلَّا تِمثَالًا يُغَطِّي رَأسَهُ شَعْرُ مَاعِزٍ. فَقَالَ شَاوُلُ لِمِيكَالَ: «لِمَاذَا خَدَعْتِنِي هَكَذَا؟ تَرَكْتِ عَدُوِّي يَهْرُبُ مِنْ قَبْضَتِي. وَهَا هُوَ الآنَ قَدِ اخْتَفَى.» فَأجَابَتْ مِيكَالُ شَاوُلَ: «هَدَّدَ بِأنْ يَقْتُلَنِي إذَا لَمْ أُسَاعِدْهُ عَلَى الهَرَبِ.» تَمَكَّنَ دَاوُدُ مِنَ النَّجَاةِ وَلَجَأ إلَى صَمُوئِيلَ فِي الرَّامَةِ. وَأخبَرَ دَاوُدُ صَمُوئِيلَ بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ بِهِ شَاوُلُ. ثُمَّ ذَهَبَ دَاوُدُ وَصَمُوئيلُ إلَى مُخَيَّمَاتِ الأنْبِيَاءِ. فَسَمِعَ شَاوُلُ أنَّ دَاوُدَ فِي مُخَيَّمَاتِ الأنْبِيَاءِ فِي الرَّامَةِ. فَأرْسَلَ بَعْضَ الرِّجَالِ لِإلقَاءِ القَبْضِ عَلَى دَاوُدَ. وَلَمَّا وَصَلُوا إلَى المُخَيَّمَاتِ، كَانَتْ هُنَاكَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ تَتَنَبَّأُ يَقُودُهُمْ صَمُوئِيلُ. فَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى رُسُلِ شَاوُلَ أيْضًا وَبَدَأُوا يَتَنَبَّأُونَ. فَلَمَّا سَمِعَ شَاوُلُ بهَذَا الأمْرِ، أرْسَلَ رُسُلًا غَيْرَهُمْ، لَكِنَّهُمْ بَدَأُوا هُمْ أيْضًا يَتَنَبَّأُونَ. فَأرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلًا مَرَّةً ثَالِثَةً، وَرَاحُوا هُمْ أيْضًا يَتَنَبَّأُونَ. وَأخِيرًا، ذَهَبَ شَاوُلُ نَفْسُهُ إلَى الرَّامَةِ، وَوَصَلَ إلَى البِئْرِ الكَبِيرَةِ قُرْبَ البَيدَرِ فِي سِيخُو. فَسَألَ: «أيْنَ صَمُوئيلُ وَدَاوُدُ؟» فَأجَابَ النَّاسُ: «فِي مُخَيَّمَاتِ الأنْبِيَاءِ قُرْبَ الرَّامَةِ.» فَخَرَجَ شَاوُلُ إلَى مِنْطَقَةِ سَكَنِ الأنْبِيَاءِ قُرْبَ الرَّامَةِ. فَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى شَاوُلَ، فَبَدَأ يَتَنَبَّأُ أيْضًا. وَظَلَّ شَاوُلُ يَتَنَبَّأُ طَوَالَ الطَّرِيقِ إلَى مِنْطَقَةِ سَكَنِ الأنْبِيَاءِ فِي الرَّامَةِ. وَخَلَعَ شَاوُلُ ثِيَابَهُ. وَبَقِيَ هُنَاكَ عَاريًا طَوَالَ ذَلِكَ النَّهَارِ وَطَوَالَ تلكَ اللَّيلَة. حَتَّى شَاوُلَ تَنَبَّأ هُنَاكَ أمَامَ صَمُوئِيلَ. وَلِهَذَا يَقُولُ النَّاسُ: «أشَاوُلُ أيْضًا مِنَ الأنْبِيَاءِ؟» وَهَرَبَ دَاوُدُ مِنْ مِنْطَقَةِ سَكَنِ الأنْبِيَاءِ فِي الرَّامَةِ وَلَجَأ إلَى يُونَاثَانَ وَسَألَهُ: «مَا هِيَ الإسَاءَةُ الَّتِي ارتَكَبتُهَا؟ وَمَا هُوَ جُرمِي؟ وَمَا هُوَ مَأخَذُ أبِيكَ عَلَيَّ حَتَّى يَسْعَى إلَى قَتلِي؟» فَأجَابَ يُونَاثَانُ: «لَا يُعقَلُ أنْ يَكُونَ هَذَا صَحِيحًا! وَلَا أُصَدّقُ أنَّ أبِي يَسْعَى إلَى قَتلِكَ. فَهُوَ لَا يَفْعَلُ كَبِيرَةً أوْ صَغِيرَةً دُونَ أنْ يُطلعَنِي عَلَيْهَا. فَلِمَاذَا يُخفِي عَنِّي نِيَّتَهُ فِي قَتلِكَ؟ لَا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ هَذَا صَحِيحًا!» لَكِنَّ دَاوُدَ قَالَ: «يَعْلَمُ أبُوكَ يَقِينًا أنَّكَ تُحِبُّنِي كَثِيرًا. وَلِهَذَا قَالَ فِي نَفْسِهِ: ‹لَا يَنْبَغِي أنْ يَعْلَمَ يُونَاثَانُ بِهَذَا الأمْرِ، لِأنَّهُ إنْ عَلِمَ، فَسَيُخبِرُ دَاوُدَ.› وَأنَا أُقسمُ بِاللهِ الحَيِّ، وَبحَيَاتِكَ، إنِّي عَلَى بُعْدِ خُطوَةٍ مِنَ المَوْتِ.» فَقَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: «اطلُبْ إلَيَّ مَا تُرِيدُ. وَأنَا مُسْتَعِدٌّ لِعَمَلِهِ!» فَقَالَ دَاوُدُ: «اسْمَعْ، غَدًا هُوَ عِيدُ أوَّلِ الشَّهْرِ ووَلِيمَتُهُ. وَيُفتَرَضُ أنْ أتَنَاوَلَ الطَّعَامَ مَعَ المَلِكِ. لَكِنْ دَعنِي أختَبِئُ فِي الحَقْلِ حَتَّى مَسَاءِ يَوْمِ بَعْدَ غَدٍ. فَإذَا لَاحَظَ أبُوكَ غيَابِي، قُلْ لَهُ: ‹ذَهَبَ دَاوُدُ إلَى بَيْتِهِ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. فَهُوَ يَحْتَفِلُ مَعَ كُلِّ عَائِلَتِهِ بِهَذِه الذَّبِيحَةِ الشَّهْرِيَّة. وَقَدِ استَأْذَنَنِي دَاوُدُ بِالنُّزُولِ إلَى بَيْتِ لَحْمٍ لِلِانضِمَامِ إلَى عَائِلَتِهِ.› فَإذَا قَالَ أبُوكَ: ‹حَسَنًا،› أكُونُ فِي أمَانٍ. أمَّا إذَا غَضِبَ أبُوكَ، حِينَئِذٍ، تَتَيَقَّنُ أنَّهُ يَنوي الشَّرَّ لِي. اصنَعْ مَعِي هَذَا المَعرُوفَ يَا يُونَاثَانُ، فَأنَا خَادِمُكَ، وَقَدْ تَعَاهَدْنَا عَلَى الصَّدَاقَةِ وَالوَفَاءِ فِي حَضْرَةِ اللهِ . لَكنْ إنْ كُنْتُ أنَا مُذْنِبًا، فَاقتُلنِي بِنَفْسِكَ. لَكنْ لَا تُسْلِمْني إلَى أبِيكَ لِيَقْتُلَنِي.» فَأجَابَ يُونَاثَانُ: «لَنْ أسمَحَ أبَدًا بِهَذَا! فَإذَا عَلِمْتُ أنَّ أبِي يُخَطِّطُ لِإيذَائِكَ، سَأُحَذِّرُكَ.» فَقَالَ دَاوُدُ: «مَنْ سَيُحَذِّرُنِي إنْ رَدَّ عَلَيْكَ أبُوكَ بِكَلَامٍ قَاسٍ؟» فَقَالَ يُونَاثَانُ: «هَيَّا بِنَا نَخرُجُ إلَى الحَقل.» فَذَهَبَا مَعًا إلَى الحَقل. وَقَالَ يُونَاثَانُ لدَاوُدَ: «أقطَعُ لَكَ هَذَا الوَعدَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، بِأنْ أكتَشِفَ نَوَايَا أبِي نَحوَكَ، خَيْرًا كَانَتْ أمْ شَرًّا. وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ سَأُرْسِلُ رِسَالَةً إلَيْكَ فِي الحَقْلِ. فَإنْ كَانَ أبِي يَضْمُرُ لَكَ شَرًّا، سَأُخبِرُكَ بِذَلِكَ. وَسَأُطلِقُكَ بِسَلَامٍ. لَيتَكَ يَا اللهُ تُعَاقِبُنِي إنْ لَمْ أفِ بِوَعدِي هَذَا. أمَّا أنْتَ يَا دَاوُدُ، فَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ كَمَا كَانَ مَعَ أبِي. أظهِرْ لِي إحسَانَ اللهِ مَا دُمتُ حَيًّا. وَإذَا مِتُّ، فَلَا تَمْنَعْ إحسَانَكَ عَنْ عَائِلَتِي. وَسَيُكَافِئُكَ اللهُ بِأنْ يَقْطَعَ مِنَ الأرْضِ أعْدَاءَكَ جَمِيعًا.» فَقَطَعَ يُونَاثَانُ عَهْدًا مَعَ عَائِلَةِ دَاوُدَ، وَطَلَبَ إلَى اللهِ أنْ يَحميَ دَاوُدَ مِنْ أعْدَائِهِ. ثُمَّ طَلَبَ يُونَاثَانُ مِنْ دَاوُدَ أنْ يَحْلِفَ عَلَى هَذَا العَهْدِ بِمَحَبَّتِهِ لَهُ، فَقَدْ أحَبَّهُ أكْثَرَ مِنْ حَيَاتِهِ. وَقَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: «غَدًا هُوَ عِيدُ أوَّلِ الشَّهْرِ. وَسَيُلَاحِظُ النَّاسُ غِيَابَكَ. وَبَعْدَ غَدٍ، اذْهَبْ إلَى المَكَانِ نَفْسِهِ الَّذِي اختَبَأتَ فِيهِ أوَّلَ مَرَّةٍ. وَانتَظِرْ قُرْبَ تِلْكَ التَّلَّةِ. سَأُصَوِّبُ سِهَامًا ثَلَاثَ إلَى جَانِبِ التَّلَّةِ، وَكَأنَّنِي أُصَوِّبُ نُحْوَ هَدَفٍ مُحَدَّدٍ. ثُمَّ سَأقُولُ لِخَادِمِي: ‹اذهَبْ وَالتَقِطِ السِّهَامَ.› فَإنْ قُلْتُ لَهُ: ‹قَدْ تَعَدَّيتَ السِّهَامَ، فَارجِعْ وَالتَقِطهَا.› حِينَئِذٍ، تَخْرُجُ مِنْ مَخبَإكَ. وَأُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، إنَّكَ سَتَكُونُ بِأمَانٍ. أمَّا إنْ قُلْتُ لِخَادِمِي: ‹مَا تَزَالُ السِّهَامُ بَعِيدَةً عَنْكَ.› فَاهْرُبْ! فَاللهُ سَيُرسِلُكَ بَعيدًا. وَلَا تَنْسَ العَهْدَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ. فَاللهُ شَاهِدٌ عَلَيْهِ إلَى الأبَدِ.» فَاختَبَأ دَاوُدُ فِي الحَقْلِ. وَجَاءَ مَوعِدُ مَأدُبَةِ عيدِ أوَّلِ الشَّهْرِ. فَجَلَسَ المَلِكُ لِيَأْكُلَ. وَكَانَ المَلِكُ جَالِسًا كَعَادَتِهِ إلَى جِدَارِ الحَائِطِ، بَيْنَمَا جَلَسَ يُونَاثَانُ مُقَابِلَهُ. وَجَلَسَ أبْنَيْرُ إلَى جَانِبِ شَاوُلَ. أمَّا مَكَانُ دَاوُدَ فَكَانَ فَارِغًا. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لَمْ يَقُلْ شَاوُلُ شَيْئًا. وَقَدْ قَالَ فِي نَفْسِهِ: «رُبَّمَا حَدَثَ شَيءٌ نَجَّسَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِلِاشتِرَاكِ فِي الِاحْتِفَالِ.» وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، فِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ، كَانَ مَكَانُ دَاوُدَ مَا يَزَالُ فَارِغًا. فَقَالَ شَاوُلُ لِابْنِهِ يُونَاثَانَ: «لِمَاذَا لَمْ يَحْضُرِ ابْنُ يَسَّى إلَى مَأدُبَةِ عِيدِ أوَّلِ الشَّهْرِ لَا أمْسِ وَلَا اليَوْمَ؟» فَأجَابَ يُونَاثَانُ: «طَلَبَ دَاوُدُ إذنًا مِنِّي بِالذَّهَابِ إلَى بَيْتِ لَحْمٍ. فَقَدْ قَالَ لِيَ: ‹اسمَحْ لِي بِأنْ أذهَبَ. فَعَائِلَتُنَا سَتُقَدِّمُ ذَبِيحَةً للهِ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. وَقَدْ ألَحَّ عَلَيَّ أخِي أنْ أكُونَ هُنَاكَ. فَإنْ كُنْتُ عَزِيزًا عَلَيْكَ، اسْمَحْ لِي بِأنْ أذهَبَ وَأرَى إخْوَتِي.› لِذَلِكَ لَمْ يَأْتِ دَاوُدُ إلَى مَائِدَةِ المَلِكِ.» فَغَضِبَ شَاوُلُ غَضَبًا شَدِيدًا مِنْ يُونَاثَانَ. وَقَالَ لَهُ: «يَا ابْنَ المُنحَرِفَةِ المُتَمَرِّدَةِ! أعْرِفُ أنَّكَ اختَرْتَ ابْنَ يَسَّى صَدِيقًا لَكَ. غَيْرَ أنَّ صَدَاقَتَكَ لَهُ سَتَجْلِبُ العَارَ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ. وَمَا دَامَ ابْنُ يَسَّى عَلَى قَيدِ الحَيَاةِ، لَنْ تَكُونَ مَلِكًا وَلَنْ تَكُونَ لَكَ مَملَكَةٌ. وَالْآنَ، انْصَرِفْ وَأحْضِرْ لِي دَاوُدَ. وَسَيَكُونُ المَوْتُ مَصِيرَهُ.» فَسَألَ يُونَاثَانُ أبَاهُ: «لِمَاذَا تُرِيدُ أنْ تَقْتُلَ دَاوُدَ؟ مَا هُوَ جُرمُهُ؟» لَكِنَّ شَاوُلَ رَمَى رُمْحَهُ عَلَى يُونَاثَانَ وَحَاوَلَ ضَرْبَهُ بِهِ. فَتَيَقَّنَ يُونَاثَانُ أنَّ أبَاهُ مُصَمِّمٌ عَلَى قَتلِ دَاوُدَ. فَغَضِبَ يُونَاثَانُ وَتَرَكَ المَائِدَةَ. وَقَدْ بَلَغَ بِهِ الِانْزِعَاجُ وَالغَضَبُ أنَّهُ رَفَضَ أنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ فِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنْ الِاحْتِفَالِ. غَضِبَ لِأنَّ أبَاهُ أخزَاهُ أمَامَ الآخَرِينَ وَنَوَى أنْ يَقْتُلَ دَاوُد. وَفِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، خَرَجَ يُونَاثَانُ إلَى الحَقْلِ حَسَبَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَعَ دَاوُدَ. وَكَانَ يُرَافِقُهُ خَادِمُهُ. فَقَالَ يُونَاثَانُ لِخَادِمِهِ: «اركُضْ وَالتَقِطِ السِّهَامَ الَّتِي أُطلِقُهَا.» فَلَمَّا رَكَضَ، أطلَقَ يُونَاثَانُ سَهمًا مِنْ فَوقِ رَأسِهِ لِيَتَجَاوَزَهُ. فَلَّمَا وَصَلَ الخَادِمُ إلَى مَوضِعِ سُقُوطِ السِّهمِ، نَادَى يُونَاثَانُ وَقَالَ: «مَا زَالَتِ السِّهَامُ بَعِيدَةً عَنْكَ.» ثُمَّ صَرَخَ يُونَاثَانُ: «أسرِعْ! تَحَرَّكْ، لَا تَبْقَ حَيْثُ أنْتَ.» فَالتَقَطَ الصَّبِيُّ السِّهَامَ وَعَادَ بِهَا إلَى سَيِّدِهِ. وَلَمْ يَكُنِ الصَّبِيُّ يَعْرِفُ أنَّ هَذِهِ عَلَامَةٌ بَيْنَ يُونَاثَانَ وَدَاوُدَ. ثُمَّ أعْطَى يُونَاثَانُ الصَّبِيَّ قَوْسَهُ وَسِهَامَهُ، وَطَلَبَ إلَيْهِ أنْ يَعُودَ إلَى المَدِينَةِ. وَبَعْدَ أنِ انصَرَفَ الصَّبِيُّ، خَرَجَ دَاوُدُ مِنْ مَخبَإهِ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ التَّلَّةِ. وَجَثَا دَاوُدُ أمَامَ يُونَاثَانَ وَرَأسُهُ عَلَى الأرْضِ، وَحَنَى رَأسَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ قَبَّلَ دَاوُدُ وَيُونَاثَانُ أحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَكَى أحَدُهُمَا عَلَى كَتِفِ الآخَرِ. فَكَانَ وَدَاعًا حَارًّا، لَكِنَّ دَاوُدَ بَكَى أكْثَرَ. ثُمَّ قَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: «اذْهَبْ فِي سَلَامٍ. وَتَذَكَّرْ أنَّنَا تَعَاهَدنَا فِي حَضْرَةِ اللهِ عَلَى أنْ نَظَلَّ صَدِيقَينِ وَفِيَّينِ إلَى الأبَدِ، وَقَدْ أشْهَدْنَا اللهَ عَلَيْنَا وَعَلَى نَسْلَينَا إلَى الأبَدِ.» ثُمَّ انصَرَفَ دَاوُدُ، وَرَجِعَ يُونَاثَانُ إلَى المَدِينَةِ. وَوَصَلَ دَاوُدُ إلَى مَدِينَةِ نُوبٍ لِكَي يَرَى الكَاهِنَ أخِيمَالِكَ. فَخَرَجَ أخِيمَالِكُ لِلِقَاءِ دَاوُدَ، وَخَافَ حِينَ التقَاهُ وَسَألَهُ: «لِمَاذَا أنْتَ وَحْدَكَ؟ لِمَاذَا لَيْسَ مَعَكَ أحَدٌ؟» فَأجَابَ دَاوُدُ أخِيمَالِكَ: «وَجَّهَ لِي المَلِكُ أمْرًا خَاصًّا. وَقَالَ لِي: ‹لَا تُخبِرْ أحَدًا بِالمَهَمَّةِ الَّتِي أنَا مُرسِلُكَ فِيهَا، وَلَا بِمَا طَلَبْتُ إلَيْكَ أنْ تَفْعَلَهُ.› وَقَدْ أخبَرْتُ رِجَالِي أيْنَ يُمكِنُهُمْ أنْ يُلَاقُونِي. وَالْآنَ، مَاذَا يُوجَدُ لَدَيكَ مِنْ طَعَامٍ؟ أحْتَاجُ إلَى خَمْسَةِ أرغِفَةٍ أوْ أيِّ طَعَامٍ لَدَيكَ لِآكُلَهُ.» فَقَالَ الكَاهِنُ لِدَاوُدَ: «لَيْسَ لَدَيَّ خُبْزٌ عَادِيٌّ هُنَا، لَكِنْ لَدَيَّ بَعْضٌ مِنَ الخُبْزِ المُقَدَّسِ. يَسْتَطِيعُ رِجَالُكَ أنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُونُوا قَدْ عَاشَرُوا نِسَاءً.» فَأجَابَ دَاوُدُ: «لَمْ نُعَاشِرْ نِسَاءً. فَرِجَالِي يَحْفَظُونَ أجسَادَهُمْ طَاهِرَةً كُلَّمَا خَرَجنَا لِلقِتَالِ، وَحَتَّى فِي المَهَمَّاتِ العَادِيَّةِ. أفَلَا يَكُونُونَ طَاهِرِينَ اليَوْمَ؟» فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خُبْزٌ إلَّا الخُبْزَ المُقَدَّسَ، فَأعطَى الكَاهِنُ دَاوُدَ ذَلِكَ الخُبْزَ. وَهُوَ الخُبْزُ الَّذِي كَانَ يَضَعُهُ الكَهَنَةُ عَلَى المَائِدَةِ المُقَدَّسَةِ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَفِي كُلِّ يَوْمٍ كَانُوا يَأْخُذُونَ هَذَا الخُبْزَ وَيَضَعُونَ خُبْزًا طَازِجًا بَدَلًا مِنْهُ. وَكَانَ أحَدُ رِجَالِ شَاوُلَ هُنَاكَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَهُوَ دُواغُ الأدُومِيُّ. وَكَانَ مُشرِفًا عَلَى رِعَاةِ شَاوُلَ. فَقَدْ حُجِزَ هُنَاكَ أمَامَ اللهِ . وَسَألَ دَاوُدُ أخِيمَالِكَ: «ألَدَيكَ رُمْحٌ أوْ سَيْفٌ هُنَا؟ لَمْ أجِدِ الوَقْتَ لِآخُذَ رُمْحِي أوْ سَيْفِي، لِأنَّ أمرَ المَلِكِ كَانَ طَارِئًا.» فَأجَابَ الكَاهِنُ: «السَّيْفُ الوَحِيدُ هُنَا هُوَ سَيْفُ جُليَاتَ الفِلِسْطِيِّ. وَهُوَ السَّيْفُ الَّذِي انتَزَعتَهُ أنْتَ مِنْهُ عِنْدَمَا قَتَلْتَهُ فِي وَادِي البُطمِ. وَهُوَ هُنَاكَ خَلفَ الثَّوبِ الكَهَنُوتِيِّ مَلفُوفًا فِي قُمَاشٍ. فَخُذهُ إنْ كُنْتَ تُرِيدُهُ.» فَقَالَ دَاوُدُ: «سَيْفُ جُليَاتَ؟ إنَّهُ سَيْفٌ لَا مَثِيلَ لَهُ، فَأعْطِنِي إيَّاهُ.» فِي ذَلِكَ اليَوْمَ هَرَبَ دَاوُدُ مِنْ شَاوُلَ، وَذَهَبَ إلَى أخِيشَ مَلِكِ جَتَّ. فَقَالَ كِبَارُ مَسؤُولِي أخِيشَ: «أهَذَا دَاوُدُ مَلِكُ أرْضِ إسْرَائِيلَ؟ ألَيْسَ هُوَ الَّذِي تَتَغَنَّى بِهِ بَنَاتُ إسْرَائِيلَ وَيَرْقُصْنَ مُنْشِدَاتٍ: «شَاوُلُ قَتَلَ الآلَافَ. وَدَاوُدُ عَشَرَاتِ الآلَافِ؟» فَانتَبَهَ دَاوُدُ، وَبَدَأ يُفَكِّرُ فِي مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ. فَخَشِيَ مِنْ أخِيشَ مَلِكِ جَتَّ. فَتَظَاهَرَ بِالجُنُونِ أمَامَ أخِيشَ وَكبَارِ مَسؤُولِيهِ. فَكُلَّمَا كَانَ فِي حَضرَتِهِمْ كَانَ يَتَصَرَّفُ بِشَكلٍ أخرَقَ. فَكَانَ يَبْصِقُ عَلَى البَوَّابَاتِ. وَتَرَكَ بُصَاقَهُ يَنْزِلُ عَلَى لِحيَتِهِ. فَقَالَ أخِيشُ لِكِبَارِ مَسؤُولِيه: «ألَا تَرَوْنَ أنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَجنُونٌ؟ فَلِمَاذَا أحضَرتُمُوهُ إلَيَّ؟ عِندِي مَا يَكْفِينِي مِنَ المَجَانِينِ. لَكِنَّكُمْ جِئتُمْ بِهِ إلَيَّ لِكَي يَسْتَعْرِضَ أمَامِي جُنُونَهُ. فَكَيْفَ تَسْمَحُونَ لِهَذَا بِأنْ يَدْخُلَ بَيْتِي؟» وَتَرَكَ دَاوُدُ جَتَّ وَهَرَبَ إلَى كَهفِ عَدُلَّامَ. فَسَمِعَ إخْوَةُ دَاوُدَ وَأقرِبَاؤُهُ أنَّهُ فِي عَدُلَّامَ. فَذَهَبُوا لِرُؤيَتِهِ هُنَاكَ. وَانضَمَّ كَثِيرُونَ إلَى دَاوُدَ. كَانَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ مُتَوَرِّطِينَ فِي مَشَاكِلَ مُتَنَوِّعَةٍ. فَمِنهُمْ مَنْ كَانَ هَارِبًا مِنْ دَائِنِيهِ. وَمِنهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا عَنْ حَيَاتِهِ. فَصَارَ دَاوُدُ زَعِيمًا عَلَيْهِمْ. وَكَانَ عَدَدُهُمْ نَحْوَ أرْبَعِ مِئَةِ رَجُلٍ. وَتَرَكَ دَاوُدُ عَدُلَّامَ إلَى المِصْفَاةِ فِي مُوآبَ. وَقَالَ لِمَلِكِ مُوآبَ: «أرْجُو أنْ تَسْمَحَ لِأُمِّي وَأبِي أنْ يَمْكُثَا عِنْدَكَ إلَى أنْ أعلَمَ مَاذَا سَيَفْعَلُ اللهُ مَعِي.» فَتَرَكَ دَاوُدُ أبَوَيهِ عِنْدَ مَلِكِ مُوآبَ. وَبَقِيَا عِنْدَهُ طَوَالَ إقَامَةِ دَاوُدَ فِي الحِصْنِ. لَكِنَّ النَّبِيَّ جَادًا قَالَ لِدَاوُدَ: «لَا تَبَقَ فِي الحِصْنِ. بَلِ اذْهَبْ إلَى أرْضِ يَهُوذَا.» فَتَرَكَ دَاوُدُ الحِصنَ وَذَهَبَ إلَى غَابَةِ حَارِثٍ. وَبَيْنَمَا كَانَ شَاوُلُ جَالِسًا تَحْتَ الأشْجَارِ عَلَى التَّلَّةِ فِي جِبْعَةَ، وَرَدَتْهُ أخْبَارُ دَاوُدَ وَرِجَالِهِ. وَكَانَ يَحْمِلُ فِي يَدِهِ رُمْحًا، وَكُلُّ مَسْؤُولِيهِ وَاقِفُونَ حَوْلَهُ. فَقَالَ شَاوُلُ لِمَسْؤُولِيهِ الوَاقِفِينَ حَوْلَهُ: «اسْمَعُوا يَا رِجَالَ بَنْيَامِينَ، هَلْ تَظُنُّونَ أنَّ ابْنَ يَسَّى سَيُعطِيكُمْ حُقُولًا وَكُرُومًا؟ أتَظُنُّونَ أنَّ دَاوُدَ سَيُرَفِّعُكُمْ وَيَجْعَلُكُمْ قَادَةَ ألُوفٍ أوْ حَتَّى مِئَاتٍ؟ لَكِنَّكُمْ رُغْمَ هَذَا تَتَآمَرُونَ عَلَيَّ. فَلَمْ يُخبِرْنِي وَاحِدٌ مِنْكُمْ بِالعَهْدِ الَّذِي بَيْنَ ابنِي يُونَاثَانَ وَبَيْنَ ابنِ يَسَّى. وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ قَلْبُهُ عَلَيَّ فَيَقُولُ لِي إنَّ ابنِي أنَا حَرَّضَ دَاوُدَ عَلَى أنْ يَنْقَلِبَ عَلَيَّ وَيُهَاجِمَنِي. وَهَذَا هُوَ مَا يَفْعَلُهُ دَاوُدُ الآنَ.» وَكَانَ دُواغُ الأدُومِيُّ وَاقِفًا بَيْنَ ضُبَّاطِ شَاوُلَ وَمَسْؤُولِيهِ. فَقَالَ: «رَأيْتُ ابْنَ يَسَّى فِي نُوبٍ. ذَهَبَ لِيَرَى أخِيمَالِكَ بْنَ أخِيطُوبَ. فَصَلَّى أخِيمَالِكُ للهِ مِنْ أجْلِ دَاوُدَ وَأعْطَاهُ طَعَامًا، وَأعْطَاهُ سَيفَ جُليَاتَ الفِلِسْطِيِّ!» فَأمَرَ المَلِكُ شَاوُلُ بَعْضَ رِجَالِهِ بِإحْضَارِ الكَاهِنِ أخِيمَالِكَ بْنِ أخِيطُوبَ وَكُلِّ أقرِبَائِهِ الكَهَنَةِ فِي نُوبٍ. فَأحْضَرُوهُمْ جَمِيعًا إلَى المَلِكِ. فَقَالَ شَاوُلُ لِأخِيمَالِكَ: «اسمَعْ يَا ابْنَ أخِيطُوبَ.» فَأجَابَ أخِيمَالِكُ: «سَمعًا وَطَاعَةً يَا سَيِّدِي.» فَقَالَ شَاوُلُ لِأخِيمَالِكَ: «لِمَاذَا تَآمَرْتَ عَلَيَّ أنْتَ وَابْنُ يَسَّى؟ فَقَدْ أعْطَيْتَهُ طَعَامًا وَسَيْفًا. وَصَلَّيتَ للهِ مِنْ أجْلِ أنْ يَنْتَصرَ عَلَيَّ. وَهَا هُوَ الآنَ يَكْمُنُ لِي فِي مَكَانٍ مُنتَظِرًا فُرْصَةَ الِانْقِضَاضِ عَلَيَّ.» فَأجَابَ أخِيمَالِكُ: «دَاوُدُ أكْثَرُ رِجَالِكَ وَفَاءً لَكَ. وَهُوَ صِهْرُكَ وَرَئِيسُ حَرَسِكَ. وَجَمِيعُ أفرَادِ بَيْتِكَ يَحْتَرِمُونَهُ. لَمْ تَكُنْ تِلْكَ أوَّلَ مَرَّةٍ أُصَلِّي فِيهَا للهِ مِنْ أجْلِ دَاوُدَ. فَكَثِيرًا مَا صَلَّيتُ مِنْ أجْلِهِ. وَلَا تَلُمْنِي أنَا أوْ أحَدَ أقَارِبِي. فَنَحْنُ جَمِيعًا خُدَّامُكَ. وَنَحْنُ لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُ شَيْئًا عَنْ هَذَا الَّذِي تَقُولُهُ.» لَكِنَّ المَلِكَ شَاوُلَ قَالَ لَهُ: «سَتَمُوتُ أنْتَ وَكُلُّ أقربَائِكَ.» ثُمَّ قَالَ المَلِكُ للحُرَّاسِ الوَاقِفِينَ إلَى جَانبِهِ: «هَيَّا اقتُلُوا كَهَنَةَ اللهِ وَاحِدًا وَاحِدًا لِأنَّهُمْ يُنَاصِرُونَ دَاوُدَ. كَانُوا يَعْلَمُونَ أنَّ دَاوُدَ هَارِبٌ مِنِّي، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُخبرُونِي.» فَرَفَضَ حُرَّاسُ المَلِكِ أنْ يَمَسُّوا كَهَنَةَ اللهِ . فَأمَرَ المَلِكُ دُواغَ فَقَالَ لَهُ: «تَحَرَّكْ أنْتَ وَاقتُلِ الكَهَنَةَ وَاحِدًا وَاحِدًا.» فَقَتَلَ دُواغُ الأدُومِيُّ الكَهَنَةَ وَاحِدًا وَاحِدًا. فَكَانَ مَجْمُوعُ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ خَمْسَةً وَثَمَانِينَ كَاهنًا. وَقَتَلَ دُواغُ الأدُوميُّ جَمِيعَ أهْلِ نُوبٍ، مَدِينَةِ الكَهَنَة. قَتَلَ بِسَيفهِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأطْفَالَ وَالرُّضَّعَ. وَقَتَلَ حَتَّى أبْقَارَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَغَنَمَهُمْ. لَكِنَّ وَاحِدًا مِنْ أبْنَاءِ أخِيمَالِكَ بْنِ أخِيطُوبَ، اسْمُهُ أبِيَاثَارُ، تَمَكَّنَ مِنَ الهَرَبِ، وَانْضَمَّ إلَى دَاوُدَ. وَأخبَرَ أبيَاثَارُ دَاوُدَ بِأنَّ شَاوُلَ قَتَلَ كَهَنَةَ اللهِ . فَقَالَ دَاوُدُ لِأبِيَاثَارَ: «رَأيْتُ دُواغَ الأدُومِيَّ فِي مَدِينَةِ نُوبٍ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَعَرَفتُ أنَّهُ سَيُخبِرُ شَاوُلَ فَلَمْ أمنَعْهُ. فَعَلَيَّ تَقَعُ مَسْؤُولِيَّةُ مَوْتِ عَائِلَةِ أبِيكَ. ابقَ مَعِي، وَلَا تَخَفْ، لِأنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يَسْعَى إلَى قَتلِكَ هُوَ نَفْسُهُ الَّذِي يَسْعَى إلَى قَتلِي. وَسَأحْمِيكَ إذَا بَقيتَ مَعي.» وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِدَاوُدَ: «هَا هُمُ الفِلِسْطِيُّونَ يُهَاجِمُونَ مَدِينَةَ قَعِيلَةَ، وَيَنْهَبُونَ الحُبُوبَ مِنْ بَيَادِرِهَا.» فَسَألَ دَاوُدُ اللهَ : «هَلْ أذْهَبُ لِمُقَاتَلَةِ هَؤُلَاءِ الفِلِسْطِيِّينَ؟» فَأجَابَ اللهُ دَاوُدَ: «نَعَمْ، اذْهَبْ وَهَاجِمِ الفِلِسْطِيِّينَ، وَخَلِّصْ قَعِيلَةَ.» لَكنَّ رِجَالَ دَاوُدَ قَالُوا لَهُ: «انْظُرْ مَدَى خَوفِنَا وَنَحْنُ هُنَا فِي يَهُوذَا. فَهَلْ يُمكِنُكَ أنْ تَتَصَوَّرَ مَدَى خَوفِنَا إذَا ذَهَبْنَا إلَى قَعِيلَةَ حَيْثُ يَحْتَشدُ الجَيْشُ الفِلِسْطِيُّ مُسْتَعِدًّا لِلقِتَالِ.» فَسَألَ دَاوُدُ اللهَ مَرَّةً أُخْرَى. فَقَالَ اللهُ لِدَاوُدَ: «انزِلْ إلَى قَعِيلَةَ. وَسَأنصُرُكَ عَلَى الفِلِسْطِيِّينَ.» فَذَهَبَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إلَى مَدِينَةِ قَعِيلَةَ وَحَارَبُوا الفِلِسْطِيِّينَ. فَهَزَمُوهُمْ هَزِيمَةً شَدِيدَةً وَاستَرَدُّوا أبْقَارَهُمْ. وَهَكَذَا أنقَذَ دَاوُدُ أهْلَ قَعيلَةَ. وَكَانَ أبِيَاثَارُ بْنُ أخِيمَالِكَ قَدْ حَمَلَ مَعَهُ ثَوْبًا كَهَنُوتِيًّا عندَمَا هَرَبَ إلَى دَاوُدَ فِي قَعِيلَة. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِشَاوُلَ: «دَاوُدَ فِي قَعِيلَةَ فِي هَذَا الوَقْت.» فَقَالَ شَاوُلُ: «لَقَدْ أوقَعَ اللهُ دَاوُدَ بَيْنَ يَدَيَّ. فَقَدْ وَضَعَ دَاوُدُ نَفْسَهُ فِي فَخٍّ بِدُخُولهِ مَدِينَةً مُسَوَّرَةً لَهَا بَوَّابَاتٌ وَقُضبَانٌ.» فَجَمَعَ شَاوُلُ جَيْشَهُ لِلقِتَالِ. وَاستَعَدُّوا للنُّزُولِ إلَى قَعِيلَةَ لِمُحَاصَرَةِ دَاوُدَ وَرِجَالِهِ. فَعَلمَ دَاوُدُ أنَّ شَاوُلَ يَنْوِي لَهُ شَرًّا. فَقَالَ دَاوُدُ لِلكَاهِنِ أبيَاثَارَ: «أحْضِرِ الثَّوبَ الكَهَنُوتِيَّ.» فَصَلَّى دَاوُدُ: «يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، سَمِعْتُ أنَّ شَاوُلَ يُخَطِّطُ لِلقُدُومِ إلَى قَعِيلَةَ وَتَدْمِيرِهَا بِسَبَبِي. فَهَلْ سَيَأْتِي شَاوُلُ إلَى قَعِيلَةَ؟ وَهَلْ سَيُسَلِّمُنِي أهْلُهَا إلَى شَاوُلَ؟ أخبِرْنِي يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، أنَا عَبْدَكَ.» فَأجَابَ اللهُ : «سَيَأْتِي شَاوُلُ.» فَسَألَ دَاوُدُ مَرَّةً أُخْرَى: «هَلْ سَيُسَلِّمُنِي أهْلُ قَعيلَةَ أنَا وَرجَالِي إلَى شَاوُلَ؟» فَقَالَ اللهُ : «سَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ إنْ بَقِيتَ هُنَا.» فَغَادَرَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ قَعِيلَةَ، وَكَانُوا نَحْوَ ستِّ مِئَةِ رَجُلٍ. وَظَلُّوا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَكَانٍ إلَى آخَرَ. فَعَلمَ شَاوُلُ أنَّ دَاوُدَ هَرَبَ مِنْ قَعيلَةَ، فَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهَا. ذَهَبَ دَاوُدُ إلَى بَرِّيَّةِ زِيفٍ، وَمَكَثَ فِي الجِبَالِ وَالحُصُونِ هُنَاكَ. وَوَاصَلَ شَاوُلُ بَحْثَهُ عَنْ دَاوُدَ، لَكِنَّ اللهَ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ الإمْسَاكِ بِهِ. وَكَانَ دَاوُدُ فِي الحُرْشِ فِي بَرِّيَّةِ زِيفٍ، إذْ كَانَ دَاوُدُ خَائِفًا لِأنَّ شَاوُلَ خَرَجَ ليَبْحَثَ عَنْهُ ليَقْتُلَهُ. لَكنَّ يُونَاثَانَ بْنَ شَاوُلَ ذَهَبَ لِيَرَى دَاوُدَ فِي الحُرْشِ، وَشَدَّ مِنْ عَزمِهِ بِاللهِ . وَقَالَ لَهُ: «لَا تَخَفْ، فَلَنْ يَتَمَكَّنَ أبِي مِنْ إيذَائِكَ. سَتُصبِحُ أنْتَ مَلِكَ إسْرَائِيلَ، وَسَأكُونُ أنَا الرَّجُلَ الثَّانِيَ بَعدَكَ. أبِي نَفْسُهُ يَعْلَمُ هَذَا.» وَتَعَاهَدَ يُونَاثَانُ وَدَاوُدُ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَبَعْدَ ذَلِكَ عَادَ يُونَاثَانُ إلَى بَيْتِهِ. وَبَقِيَ دَاوُدُ فِي الحُرْشِ. وَذَهَبَ بَعْضُ رِجَالِ زِيفٍ إلَى شَاوُلَ فِي جِبْعَةَ. وَقَالُوا لَهُ: «إنَّ دَاوُدَ مُختَبِئٌ فِي مِنطَقَتِنَا. وَهُوَ فِي حُصُونِ الحُرْشِ، عَلَى تَلِّ حَخِيلَةَ إلَى الجَنُوبِ مِنْ يَشْمُونَ. فَانزِلْ إلَى هُنَاكَ مَتَى أحْبَبْتَ. وَنَحْنُ نَتَعَهَّدُ بِتَسْلِيمِ دَاوُدَ لَكَ.» فَرَدَّ شَاوُلُ: «لِيُبَارِكْكُمُ اللهُ لِأنَّ قَلْبَكُمْ مَعِي. اذْهَبُوا وَتَحَرَّوْا أكْثَرَ عَنْ دَاوُدَ. ارصُدُوا تَحَرُّكَاتِهِ وَاعرِفُوا مَنْ يَزُورُهُ هُنَاكَ. إنَّهُ ذَكِيٌّ وَيَعْمَدُ إلَى الحِيلَةِ. فَاذهَبُوا وَحَدِّدُوا كُلَّ المَخَابِئِ الَّتِي يَلْجَأُ إلَيْهَا، ثُمَّ تَعَالَوْا وَأطلِعُونِي عَلَى كُلِّ شَيءٍ. حِينَئِذٍ، سَأذهَبُ مَعَكُمْ. إنْ كَانَ هُنَاكَ، سَأجِدُهُ حَتَّى لَوِ اضْطُرَرْتُ لِلبَحثِ فِي كُلِّ عَائِلَةٍ مِنْ عَائِلَاتِ يَهُوذَا.» فَذَهَبَ الرِّجَالُ مِنْ عِندِ شَاوُلَ وَرَجِعُوا إلَى زِيفٍ. وَكَانَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ فِي بَرِّيَّةِ مَعُونٍ إلَى الجَنُوبِ مِنْ جَشْمُونَ. فَذَهَبَ شَاوُلُ وَرِجَالُهُ بَحْثًا عَنْهُ. فَعَلِمَ دَاوُدُ، فَنَزَلَ إلَى الصَّخْرَةِ فِي بَرِّيَّةِ مَعُونٍ. فَلَمَّا سَمِعَ شَاوُلُ أنَّ دَاوُدَ ذَهَبَ إلَى هُنَاكَ، انْطَلَقَ بَحْثًا عَنْهُ. وَكَانَ شَاوُلُ عَلَى أحَدِ جَانِبَيِّ الجَبَلِ. وَكَانَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ. فَأخَذَ دَاوُدُ يَتَحَرَّكُ بِأقصَى سُرْعَةٍ مُمْكِنَةٍ لِلإفلَاتِ مِنْ شَاوُلَ. لَكِنَّ شَاوُلَ وَرجَالَهُ رَاحُوا يُحَاصِرُونَ الجَبَلَ لِيَقْطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى دَاوُدَ وَرِجَالِهِ. وَفِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ وَصَلَ رَسُولٌ وَقَالَ لِشَاوُلَ: «تَعَالَ بِسُرعَةٍ. فَالفِلِسْطِيُّونَ يُهَاجِمُونَنَا.» فَتَوَقَّفَ شَاوُلُ عَنْ مُطَارَدَةِ دَاوُدَ وَذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَهَذَا هُوَ مَا دَعَا النَّاسَ إلَى تَسْمِيَةِ ذَلِكَ المَكَانِ «الصَّخرَةَ الزَّلِقَةَ.» وَغَادَرَ دَاوُدُ بَرِّيَّةَ مَعُونٍ وَذَهَبَ إلَى الحُصُونِ القَرِيبَةِ مِنْ عَيْنِ جَدْيٍ. وَبَعْدَ أنْ طَارَدَ شَاوُلُ الفِلِسْطِيِّينَ، قِيلَ لِشَاوُلَ: «دَاوُدُ فِي مِنْطَقَةِ البَرِّيَّةِ قُرْبَ عَيْنِ جَدْيِ.» فَاخْتَارَ شَاوُلُ ثَلَاثَةَ آلَافِ رَجُلٍ مِنْ جَمِيعِ أنْحَاءِ إسْرَائِيلَ وَبَدَأ يَبْحَثُ عَنْ دَاوُدَ وَرِجَالِهِ. فَفَتَّشَ عَنْهُمْ قُرْبَ مِنْطَقَةِ عَيْنِ جَدْيٍ. وَوَصَلَ شَاوُلُ إلَى بَعْضِ حَظَائِرِ الغَنَمِ إلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ. وَكَانَ هُنَاكَ كَهفٌ، فَدَخَلَهُ لِكَي يَقْضِيَ حَاجَتَهُ. وَكَانَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ عَلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ مِنْهُ فِي عُمقِ ذَلِكَ الكَهفِ. فَقَالَ رِجَالُ دَاوُدَ لَهُ: «هَذَا هُوَ اليَوْمُ الَّذِي كَلَّمَكَ عَنْهُ اللهُ عِنْدَمَا قَالَ: ‹سَأنصُرُكَ عَلَى عَدُوِّكَ، حِينَئِذٍ، تَفْعَلُ بِهِ كُلَّ مَا تُرِيدُ.›» فَزَحَفَ دَاوُدُ مُقتَرِبًا أكْثَرَ فَأكثَرَ مِنْ شَاوُلَ، وَقَطَعَ طَرَفَ ثَوبِ شَاوُلَ، وَلَمْ يَنْتَبِه شَاوُلُ إلَى مَا حَدَثَ. وَفِيمَا بَعْدُ، نَدِمَ دَاوُدُ مِنْ أعمَاقِهِ لِأنَّهُ قَطَعَ طَرَفَ ثَوبِ شَاوُلَ. فَقَالَ لِرِجَالِهِ: «لَا يَسْمَحُ اللهُ بِأنْ أفعَلَ أمْرًا كَهَذَا بِمَولَايَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ . فَلَا أمُدُّ يَدِي عَلَيْهِ، لِأنَّ اللهَ مَسَحَهُ.» وَوَبَّخَ دَاوُدُ رِجَالَهُ، وَلَمْ يَسْمَحْ لَهُمْ بِأنْ يُؤذُوا شَاوُلَ. وَغَادَرَ شَاوُلُ الكَهفَ وَمَضَى فِي طَرِيقِهِ. وَفِيمَا بَعْدُ، خَرَجَ دَاوُدُ مِنَ الكَهفِ وَنَادَى عَلَى شَاوُلَ: «مَوْلَايَ المَلِكُ!» فَنَظَرَ شَاوُلُ خَلفَهُ. فَانْحَنَى دَاوُدُ وَوَجْهُهُ إلَى الأرْضِ احتِرَامًا لَهُ. وَقَالَ لِشَاوُلَ: «لِمَاذَا تَسْتَمِعُ إلَى النَّاسِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَكَ: ‹دَاوُدُ يُخَطِّطُ لِإيذَائِكَ؟› فَهَا أنْتَ تَرَى بِعَيْنَيْكَ أنَّ هَذَا افتِرَاءٌ عَلَيَّ. فَقَدْ وَضَعَكَ اللهُ فِي مُتَنَاوَلِ يَدِي هَذَا اليَوْمَ فِي الكَهفِ. لَكِنِّي لَمْ أشَأ أنْ أقتُلَكَ. فَكُنْتُ رَحِيمًا مَعَكَ، إذْ قُلْتُ لَنْ أُؤذِيَ مَوْلَايَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ ! انْظُرْ إلَى قِطعَةِ القُمَاشِ الَّتِي فِي يَدِي. هَذِهِ قَطَعْتُهَا مِنْ طَرَفِ ثَوبِكَ. فَكَانَ بِمَقدُورِي أنْ أقتُلَكَ، لَكِنِّي لَمْ أفعَلْ. فَلَيتَكَ تُدرِكُ أنِّي لَا أنوِي لَكَ شَرًّا. وَأنَا لَمْ أُسِئْ إلَيْكَ، بَلْ أنْتَ الَّذِي تُطَارِدُنِي وَتَسْعَى إلَى قَتلِي. لِيَكُنِ اللهُ هُوَ القَاضِيَ فِي هَذِهِ المَسألَةِ. رُبَّمَا يُعَاقِبُكَ هُوَ عَلَى إسَاءَتِكَ لِي، أمَّا أنَا فَلَنْ أمُدَّ عَلَيْكَ يَدِي. يَقُولُ مَثَلٌ قَدِيمٌ: ‹يَنْبُعُ الشَّرُّ مِنَ الشِّرِّيرِ!› «وَأنَا لَمْ أفعَلْ بِكَ سُوءًا وَلَنْ أفعَلَ. فَمَنْ تُطَارِدُ وَأنْتَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ العَظِيمِ؟ هَلْ خَرَجَتَ وَرَاءَ كَلْبٍ مَيِّتٍ أوْ بَرغُوثٍ؟ لِيَكُنِ اللهُ القَاضِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ. وَأنَا وَاثِقٌ أنَّهُ سَيَدْعَمُنِي وَيُظهِرُ بَرَاءَتِي. وَهُوَ سَيُخَلِّصُنِي مِنْكَ.» وَلَمَّا أنهَى دَاوُدُ كَلَامَهُ، قَالَ شَاوُلُ: «أهَذَا صَوْتُكَ يَا ابنِي دَاوُدَ؟» ثُمَّ بَدَأ شَاوُلُ يَبْكِي بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ. وَقَالَ لِدَاوُدَ: «أنْتَ عَلَى حَقٍّ، وَأنَا عَلَى بَاطِلٍ. كُنْتَ طَيِّبًا مَعِي، مَعَ أنِّي كُنْتُ سَيِّئًا مَعَكَ. وَأنْتَ قُلْتَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ عِنْدَمَا أخبَرْتَنِي عَنِ الأُمُورِ الحَسَنَةِ الَّتِي فَعَلْتَهَا. فَقَدْ أوقَعَنِي اللهُ بَيْنَ يَدَيْكَ، لَكِنَّكَ لَمْ تَقْتُلْنِي. وَبَرهَنْتَ بِهَذَا أنَّكَ لَسْتَ عَدُوِّي. إذْ لَا يُمْسِكُ رَجُلٌ بِعَدُوِّهِ، ثُمَّ يُخلِي سَبِيلَهُ. لَا يَفْعَلُ إنْسَانٌ خَيَرًا مَعَ عَدُوِّهِ. فَلَيتَ اللهَ يُكَافِئُكَ عَلَى الخَيْرِ الَّذِي عَمِلْتَهُ اليَوْمَ مَعِي. وَهَا قَدْ صِرْتُ الآنَ مُتَيَقِّنًا مِنْ أنَّكَ سَتَكُونُ مَلِكًا بَعدِي. وَسَتَحْكُمُ مَملَكَةَ إسْرَائِيلَ. فَاحلِفِ الآنَ بِاللهِ أمَامِي إنَّكَ لَنْ تَقْضِيَ عَلَى نَسْلِي حَتَّى بَعْدَ مَوْتِي. عِدْنِي بِأنَّكَ لَنْ تَمْحُوَ اسْمِي مِنْ نَسَبِ أبِي.» فَحَلَفَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ بِأنْ لَا يَقْضِيَ عَلَى عَائِلَتِهِ. ثُمَّ عَادَ شَاوُلُ إلَى بَيْتِهِ. وَصَعِدَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إلَى الحِصْنِ ثَانِيَةً. وَمَاتَ صَمُوئِيلُ. فَاجتَمَعَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعًا وَنَاحُوا عَلَيْهِ. ثُمَّ دَفَنُوهُ فِي بَيْتِهِ فِي مَدِينَةِ الرَّامَةِ. وَانتَقَلَ دَاوُدُ إلَى صَحرَاءِ فَارَانَ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ غَنِيٌّ جِدًّا يَسْكُنُ فِي مَعُونَ. فَكَانَتْ لَدَيهِ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَأسٍ مِنَ الغَنَمِ وَألفُ رَأسٍ مِنَ المَاعِزِ. وَكَانَ يَذْهَبُ إلَى الكَرمِلِ لِكَي يَجُزَّ صُوفَ غَنَمِهِ. وَكَانَ اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ نَابَالَ وَيَنْتَمِي إلَى عَائِلَةِ كَالَبَ. وَكَانَ مُتَزَوِّجًا مِنْ أبِيجَايِلَ، وَهِيَ امْرأةٌ حَكِيمَةٌ وَجَمِيلَةٌ. أمَّا نَابَالُ نَفْسُهُ، فَكَانَ سَيِّئَ الطَّبعِ وَقَاسِيًا. وَكَانَ دَاوُدُ فِي البَرِّيَّةِ عِنْدَمَا سَمِعَ أنَّ نَابَالَ يَجُزُّ غَنَمَهُ. فَأرْسَلَ دَاوُدُ عَشْرَةَ رِجَالٍ لِيَتَحَدَّثُوا إلَى نَابَالَ. وَأوصَاهُمْ دَاوُدُ فَقَالَ: «اذْهَبُوا إلَى الكَرمِلِ. زُورُوا نَابَالَ وَاطمَئِنُّوا عَلَى أحْوَالِهِ.» وَطَلَبَ إلَيْهِمْ أنْ يُوصِلُوا هَذِهِ الرِّسَالَةَ إلَى نَابَالَ: سَلَامٌ لَكَ، وَسَلَامٌ لِأهْلِ بَيْتِكَ وَجَمِيعِ مُمْتَلَكَاتِكَ. سَمِعْتُ أنَّكَ تَجُزُّ صُوفَ غَنَمِكَ. وَقَدْ كَانَ رُعَاتُكَ مَعَنَا مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ، لَمْ نُسِئْ إلَيْهِمْ أثنَاءَهَا. فَلَمْ نَأخُذْ شَيْئًا مِنْهُمْ عِنْدَمَا كَانُوا فِي الكَرمِلِ. اسألْ خُدَّامَكَ إنْ أرَدْتَ، وَسَيُخبِرُونَكَ بِصِدقِ مَا أقُولُ. فَأرْجُو أنْ تُحسِنَ مُعَامَلَةَ الفِتيَانِ الَّذِينَ أُرسِلُهُمْ إلَيْكَ. وَهَا نَحْنُ نَأتِي إلَيْكَ فِي يَوْمِ خَيرٍ وَفَرَحٍ وَسَلَامٍ، فَأرْجُو أنْ تُعطِيَ رِجَالِي مَا تَجُودُ بِه نَفْسُكَ. اعمَلْ هَذَا المَعرُوفَ مَعِي أنَا ابنَكَ وَخَادِمَكَ دَاوُدَ. فَذَهَبَ رِجَالُ دَاوُدَ إلَى نَابَالَ. وَأوصَلُوا رِسَالَةَ دَاوُدَ إلَيْهِ. فَقَالَ نَابَالُ: «مَنْ هُوَ دَاوُدُ هَذَا؟ وَمَنْ يَكُونُ ابْنُ يَسَّى؟ كَثِيرُونَ هُمُ العَبِيدُ الهَارِبُونَ مِنْ سَادَتِهِمْ هَذِهِ الأيَّامَ! لَدَيَّ خُبْزٌ وَمَاءٌ وَلَحْمٌ. لَكنْ هَذَهِ مِنْ أجْلِ عَبِيدِي الَّذِينَ يَجُزُّونَ غَنَمِي، وَلَنْ أُعْطِيَهَا لِرِجَالٍ لَا أعرِفُهُمْ.» فَرَجِعَ رِجَالُ دَاوُدَ، وَأخبَرُوهُ بكُلِّ مَا قَالَهُ نَابَالُ. فَقَالَ دَاوُدُ: «تَقَلَّدُوا سُيُوفَكُمْ.» فَتَقَلَّدَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ سُيُوفَهُمْ. فَذَهَبَ مَعَ دَاوُدَ نَحْوَ أرْبَعِ مِئَةِ رَجُلٍ، بَيْنَمَا بَقِيَ مِئَةُ رَجُلٍ مَعَ المُؤَنِ. وَتَحَدَّثَ أحَدُ خُدَّامِ نَابَالَ إلَى أبِيجَايِلَ، زَوْجَةِ سَيِّدِهِ فَقَالَ: «أرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا مِنَ الصَّحرَاءِ لِلِقَاءِ سَيِّدِي، لَكِنَّ سَيِّدِي نَابَالَ رَدَّهُمْ بِفَظَاظَةٍ. كَانَ رِجَالُ دَاوُدَ هَؤُلَاءِ طَيِّبِينَ جِدًّا مَعَنَا عِنْدَمَا خَرَجنَا إلَى الحُقُولِ مَعَ المَوَاشِي. بَقُوا مَعَنَا طَوَالَ الوَقْتِ دُونَ أنْ يُسِيئُوا إلَينَا، أوْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنَّا. حَرَسُونَا لَيْلًا وَنَهَارًا. فَكَانُوا مِثْلَ سُورٍ حَوْلَنَا عِنْدَمَا كُنَّا نَرعَى الغَنَمَ بَيْنَهُمْ. وَقَدْ أخطَأ سَيِّدِي فِي مَا قَالَهُ. وَإنِّي أتَوَقَّعُ أنْ يَأْتِيَ شَرٌّ عَلَى سَيِّدِي وَعَلَى كُلِّ عَائِلَتِهِ بِسَبَبِ تَصَرُّفِهِ الشِّرِّيرِ وَغَيرِ الحَكِيمِ. فَفَكِّرِي أنْتِ بِمَا يُمْكِنُ عَمَلُهُ لِمُعَالَجَةِ الوَضعِ.» فَأسرَعَتْ أبِيجَايِلُ وَجَمَعَتْ مِئَتَي رَغِيفٍ مِنَ الخُبْزِ، وَوِعَائينِ جِلْدِيَّينِ مِنَ النَّبِيذِ، وَخَمْسَةَ خِرَافٍ مَطبُوخَةٍ، وَخَمْسَةَ صَاعَاتٍ مِنَ الفَرِيكِ، وَسَلَّةً مِنَ الزَّبِيبِ، وَمِئَتَي كَعكَةٍ مِنَ التِّينِ المَكبُوسِ، وَحَمَّلَتْهَا عَلَى الدَّوَابِ. ثُمَّ قَالَتْ لِخُدَّامِهَا: «اذْهَبُوا، وَسَألحَقُ بِكُمْ.» فَعَلَتْ هَذَا دُونَ أنْ تُخبِرَ زَوْجَهَا. وَرَكِبَتْ أبِيجَايِلُ حِمَارَهَا وَنَزَلَتْ إلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الجَبَلِ. فَقَابَلَتْ دَاوُدَ وَرِجَالَهُ وَهُمْ خَارِجُونَ مِنَ الِاتِّجَاهِ الآخَرِ. وَقَالَ دَاوُدُ: «كَانَ كُلُّ مَا فَعَلْتُهُ مِنْ أجْلِ نَابَالَ عَبَثًا. حَمَيتُ أمْلَاكَهُ فِي البَرِّيَّةِ. وَحَرِصتُ عَلَى أنْ لَا يَضِيعَ خَرُوفٌ وَاحِدٌ مِنْ خِرَافِهِ. كُنْتُ طَيِّبًا مَعَهُ، فَلَمْ يُعَامِلْنِي بِالمِثْلِ. فَأنَا أُقْسِمُ أنِّي سَأقتُلُ كُلَّ فَردٍ فِي عَائِلَةِ نَابَالَ قَبْلَ حُلُولِ صَبَاحِ الغَدِ.» فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ وَصَلَتْ أبِيجَايِلُ. فَأسرَعَتْ بِالنُّزُولِ عَنْ حِمَارِهَا، وَانحَنَتْ أمَامَ دَاوُدَ وَوَجْهُهَا إلَى الأرْضِ. وَوَقَعَتْ أبِيجَايِلُ عِنْدَ قَدَمَيهِ وَقَالَتْ: «أعْطِنِي فُرصَةً لِأتَكَلَّمَ مَعَكَ يَا مَوْلَايَ. اسمَعْ مَا سَأقُولُهُ لَكَ، وَاعتَبِرِ الذَّنبَ فِي مَا حَدَثَ ذَنبِي أنَا. لَا تَلْتَفِتْ إلَى مَا فَعَلَهُ هَذَا الرَّجُلُ التَّافِهُ، نَابَالُ. فَاسْمُهُ يَعْنِي ‹أحْمَقَ!› وَهَذَا يَتَنَاسَبُ مَعَهُ حَقًّا. أمَّا أنَا فَلَمْ أرَ رِجَالَكَ الَّذِينَ أرسَلْتَهُمْ. وَهَا قَدْ مَنَعَكَ اللهُ يَا مَوْلَايَ مِنْ قَتلِ الأبرِيَاءِ وَمنَ الِانْتِقَامِ لِنَفْسِكَ. وَأنَا أتَمَنَّى بِاللهِ الحَيِّ، وَبِحَيَاتِكَ، أنْ يَصِيرَ أعْدَاؤُكَ وَكُلُّ مَنْ يُرِيدُ بِكَ أذَىً كَنَابَالَ. «هَا قَدْ أحضَرْتُ أنَا أمَتَكَ لَكَ هَدِيَّةً يَا سَيِّدِي، فَأعْطِهَا لِرِجَالِكَ. وَاغفِرْ لِي ذَنبِي. وَأنَا أعْرِفُ أنَّ اللهَ سَيُرَسِّخُ عَائِلَتَكَ لِأنَّكَ تُحَارِبُ حُرُوبَهُ. وَلَنْ يَجِدَ النَّاسُ مَا يَلُومُونَكَ عَلَيْهِ مَا دُمتَ حَيًّا. فَإنْ طَارَدَكَ شَخْصٌ لِيَقْتُلَكَ، فَإنَّ حَيَاتَكَ يَا مَوْلَايَ مَحْفوظَةٌ تَحْتَ عِنَايَةِ . أمَّا حَيَاةُ عَدُوِّكَ فَسَيَرْمِيهَا كَمَا يُرمَى حَجَرٌ مِنْ مِقلَاعٍ. وَعَدَكَ اللهُ بِأشْيَاءَ كَثِيرَةٍ حَسَنَةٍ، وَسَيحَفَظُ وُعُودَهُ لَكَ. وَسَيَجْعَلُكَ رَئِيسًا عَلَى إسْرَائِيلَ. فَلَا تُحزِنْ نَفْسَكَ يَا مَوْلَايَ، وَلَا تُتعِبْ ضَمِيرَكَ بِسَفكِ دَمٍ لَا مُبَرِّرَ لَهُ، وَلَا هُوَ دِفَاعٌ عَنِ نَفسَكِ. وَإنِّي لَأرْجُو أنْ تَذْكُرَنِي حِينَ يُبَارِكُكَ اللهُ يَا مَوْلَايَ.» فَأجَابَ دَاوُدُ أبِيجَايِلَ: «أشْكُرُ اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، لِأنَّهُ أرسَلَكِ لِلِقَائِي. مُبَارَكَةٌ أنْتِ وَمُبَارَكَةٌ رَجَاحَةُ عَقلِكِ. فَقَدْ مَنَعْتِنِي اليَوْمَ مِنْ أنْ أقتُلَ لِأُحَقِّقَ مُرَادِي. أُقْسِمُ بِاللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ الحَيِّ، لَولَا أنَّكِ أسرَعتِ لِلِقَائِي، لَمَا أشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى أحَدٍ مِنْ عَائِلَةِ نَابَالَ. لَكِنَّ اللهَ مَنَعَنِي مِنْ أنْ أُؤذِيَكِ.» وَقَبِلَ دَاوُدُ هَدِيَّةَ أبِيجَايِلَ وَقَالَ لَهَا: «اذهَبِي مَعَ السَّلَامَةِ. لَقَدْ فَعَلْتُ كَمَا طَلَبتِ. وَهَا أنَا أُعِيدُكِ رَاضِيَةً.» فَرَجِعَتْ أبِيجَايِلُ إلَى نَابَالَ. وَكَانَتْ فِي بَيْتِهِ وَلِيمَةٌ كَوَلِيمَةِ المَلِكِ. وَسَكِرَ وَانتَشَى. فَلَمْ تُخبِرْهُ أبِيجَايِلُ بِشَيءٍ حَتَّى صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي. وَفِي الصَّبَاحِ التَّالِي، كَانَ نَابَالُ صَاحِيًا، فَأخبَرَتْهُ زَوْجَتُهُ بِكُلِّ شَيءٍ. فَأُصِيبَ بِنَوبَةٍ قَلْبِيَّةٍ وَتَصَلَّبَ كَصَخرَةٍ. وَبَعْدَ عَشْرَةِ أيَّامٍ أصَابَهُ اللهُ بِنَوبَةٍ أُخْرَى، فَمَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ أنَّ نَابَالَ مَاتَ، قَالَ: «مُبَارَكٌ اللهُ . فَقَدْ أهَانَنِي نَابَالُ، لَكِنَّ اللهَ دَافَعَ عَنْ كَرَامَتِي. مَنَعَنِي اللهُ مِنَ ارتِكَابِ إسَاءَةٍ، وَجَعَلَ نَابَالَ يَدْفَعُ ثَمَنَ الشَّرِّ الَّذِي فَعَلَهُ.» ثُمَّ أرْسَلَ دَاوُدُ رِسَالَةً إلَى أبِيجَايِلَ طَالِبًا يَدَهَا للزَّوَاجِ. فَذَهَبَ خُدَّامُهُ إلَى الكَرمِلِ. وَقَالُوا لَهَا: «أرسَلَنَا دَاوُدُ لِنُحضِرَكِ إلَيْهِ، فَهُوَ يَطْلُبُكِ زَوْجَةً لَهُ.» فَانحَنَتْ أبِيجَايِلُ وَوَجْهُهَا إلَى الأرْضِ. وَقَالَتْ: «أنَا مُسْتَعِدَّةٌ أنْ أكُونَ جَارِيَةً لِسَيِّدِي دَاوُدَ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِي عَمَلٌ آخَرُ غَيْرَ أنْ أغسِلَ أقْدَامَ رِجَالِهِ.» وَأسرَعَتْ أبيجَايِلُ بِالرُّكُوبِ عَلَى حِمَارٍ، وَأخَذَتْ خَمسًا مِنْ خَادِمَاتِهَا مَعَهَا. فَتَبِعنَ رُسُلَ دَاوُدَ، وَتَزَوَّجَتْ أبِيجَايِلُ مِنْ دَاوُدَ. وَتَزَوَّجَ دَاوُدُ أيْضًا أخِينُوعَمَ مِنْ يَزْرَعِيلَ، فَكَانَتْ الِاثْنَتَانِ زَوْجَتَيْنِ لِدَاوُدَ. وَكَانَ شَاوُلُ قَدْ أعْطَى ابنَتَهُ مِيكَالَ – زَوْجَةَ دَاوُدَ – لِرَجُلٍ اسْمُهُ فَلْطِي بْنُ لَايِشَ مِنْ مَدِينَةِ جَلِّيمَ. وَذَهَبَ أهْلُ زِيفٍ إلَى جِبعَةَ لِرُؤيَةِ شَاوُلَ. وَقَالُوا لَهُ: «إنَّ دَاوُدَ مُختَبِئٌ فِي تَلِّ حَخِيلَةَ مُقَابِلَ يَشِيمُونَ.» فَجَمَعَ شَاوُلُ ثَلَاثَةَ آلَافِ رَجُلٍ مِنْ أفْضَلِ جُنُودِ إسْرَائِيلَ. وَنَزَلَ إلَى بَرِّيَّةِ زِيفٍ بَحْثًا عَنْ دَاوُدَ هُنَاكَ. وَعَسْكَرَ شَاوُلُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى تَلِّ حَخِيلَةَ مُقَابِلَ يَشِيمُونَ. وَكَانَ دَاوُدُ فِي الصَّحرَاءِ. وَوَصَلَهُ خَبَرُ أنَّ شَاوُلَ قَدْ خَرَجَ إلَى البَرِّيَّةِ لِيُلَاحِقَهُ. فَأرْسَلَ دَاوُدُ جَوَاسِيسَ لِيَتَحَقَّقَ مِنْ خَبَرِ عَودَةِ شَاوُلَ لِمُطَارَدَتِهِ. ثُمَّ ذَهَبَ دَاوُدُ إلَى حَيْثُ عَسْكَرَ شَاوُلُ. فَرَأى أيْنَ كَانَ شَاوُلُ وَأبْنَيْرُ، قَائِدُ الجَيْشِ، نَائِمَينِ. فَكَانَ شَاوُلُ نَائِمًا فِي وَسَطِ دَائِرَةٍ مِنْ رِجَالٍ مُحِيطِينَ بِهِ. فَقَالَ دَاوُدُ لِأخِيمَالِكَ الحِثِّيِّ وَأبِيشَايَ بْنِ صُرُوِيَّةَ أخِي يُوآبَ: «مَنْ مِنكُمَا مُسْتَعِدٌّ لِلنُّزُولِ مَعِي إلَى المُخَيَّمِ فَنُهَاجِمَ شَاوُلَ؟» فَقَالَ أبِيشَايُ: «أنَا أذْهَبُ مَعَكَ.» فَلَمَّا حَلَّ اللَّيلُ، دَخَلَ دَاوُدُ وَأبِيشَايُ مُعَسْكَرَ شَاوُلَ. وَكَانَ شَاوُلُ نَائِمًا فِي وَسَطِ دَائِرَةٍ مِنَ الرِّجَالِ، وَرُمْحُهُ مَغرُوزٌ فِي الأرْضِ قُرْبَ رَأسِهِ. وَكَانَ أبْنَيْرُ وَالجُنُودُ الآخَرُونَ نَائِمِينَ حَوْلَ شَاوُلَ. فَقَالَ أبِيشَايُ لِدَاوُدَ: «اليَوْمَ أوقَعَ اللهُ عَدُوَّكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَدَعْنِي أُثَبِّتُ شَاوُلَ فِي الأرْضِ بِرُمْحِهِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ لَا غَيْرَ!» لَكِنَّ دَاوُدَ قَالَ لِأبِيشَايَ: «لَا تَقْتُلْهُ! فَهَلْ يَقْتُلُ أحَدٌ المَلِكَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ وَلَا يُعَاقَبُ؟ لِي يَقِينٌ فِي اللهِ الحَيِّ، بِأنَّ اللهَ سَيَضْرِبُهُ. رُبَّمَا يَمُوتُ مِيتَةً طَبِيعِيَّةً، وَرُبَّمَا يُقْتَلُ فِي مَعرَكَةٍ. لَكِنِّي أُصَلِّي أنْ لَا يَسْمَحَ اللهُ بِأنْ أقتُلَ بِنَفْسِي المَلِكَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ . وَالْآنَ خُذِ الرُّمحَ وَجَرَّةَ المَاءِ اللَّذَين عِنْدَ رَأسِهِ، وَلْنَمضِ.» فَأخَذَ دَاوُدُ الرُّمحَ وَجَرَّةَ المَاءِ اللَّذَيْنِ عِنْدَ رَأسِ شَاوُلَ، ثُمَّ غَادَرَ هُوَ وَأبِيشَايُ المُعَسْكَرَ. وَلَمْ يَعْرِفْ أحَدٌ بِمَا حَدَثَ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ أحَدٌ إلَى مَا حَدَثَ بَلْ إنَّ أحَدًا لَمْ يَصْحُ. فَقَدْ نَامَ شَاوُلُ وَكُلُّ جُنُودِهِ لِأنَّ اللهَ قَدْ أوقَعَ عَلَيْهِمْ نَومًا عَمِيقًا. وَعَبَرَ دَاوُدُ إلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الوَادِي. وَوَقَفَ عَلَى رَأسِ الجَبَلِ مُقَابِلَ مُعَسْكَرِ شَاوُلَ. وَكَانَ مُعَسْكَرَا دَاوُدَ وَشَاوُلَ بَعِيدَينِ أحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ. وَنَادَى دَاوُدُ عَلَى الجَيْشِ وَعَلَى أبْنِيْرَ بْنِ نَيرٍ: «أجِبْنِي يَا أبْنَيْرُ!» فَأجَابَ أبْنَيْرُ: «مَنْ أنْتَ؟ وَلِمَاذَا تُنَادِي عَلَى المَلِكِ؟» فَقَالَ دَاوُدُ: «ألَسْتَ رَجُلًا؟ مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ رِجَالِ إسْرَائِيلَ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَحْرُسْ مَولَاكَ المَلِكَ؟ فَقَدْ دَخَلَ شَخْصٌ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ مُعَسكَرَكَ لِيَقْتُلَ مَولَاكَ المَلِكَ. أنْتَ مُهْمِلٌ! أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، إنَّكَ تَسْتَحِقُّ المَوْتَ، أنْتَ وَكُلَّ رِجَالِكَ. لِأنَّكَ لَمْ تَحْمِ مَولَاكَ المَلِكَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ . وَالْآنَ أيْنَ رُمْحُ المَلِكِ وَجَرَّةُ المَاءِ اللَّذَيْنِ كَانَا عِنْدَ رَأسِهِ؟» فَمَيَّزَ شَاوُلُ صَوْتَ دَاوُدَ فَقَالَ: «أهَذَا أنْتَ يَا ابنِي دَاوُدَ؟» فَأجَابَ دَاوُدُ: «نَعَمْ هَذَا أنَا يَا سَيِّدِي المَلِكُ. لِمَاذَا تُطَارِدُنِي يَا سَيِّدِي؟ بِمَاذَا أسَأتُ أوْ أذنَبْتُ إلَيْكَ؟ اسْتَمِعْ إلَيَّ يَا مَوْلَايَ المَلِكَ. إنْ كَانَ اللهُ قَدْ دَفَعَكَ إلَى أنْ تَغْضَبَ عَلَيَّ، فَإنِّي سَأُقَدِّمُ لَهُ ذَبِيحَةً. لَكِنْ إنْ كَانَ بَشَرٌ، فَإنِّي أسألُ اللهَ أنْ يَلْعَنَهُمْ. فَهُمُ أجبَرُونِي اليَوْمَ عَلَى هَجْرِ الأرْضِ الَّتِي أعطَانِي إيَّاهَا اللهُ ، وَأرسَلُونِي لِأخْدِمَ آلِهَةً أُخْرَى. فَلَا تَسْمَحْ بِأنْ يُرَاقَ دَمِي بَعِيدًا عَنْ حَضْرَةِ اللهِ . هَا قَدْ خَرَجْتَ وَأنْتَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ لِتُطَارِدَ بَرغُوثًا! تُطَارِدُنِي كَصَيَّادٍ يُطَارِدُ الحَجَلَ فِي الجِبَالِ.» فَقَالَ شَاوُلُ: «يَا ابنِي دَاوُدَ! قَدْ أسَأتُ إلَيْكَ، فَارجِعْ. اليَوْمَ أنْتَ أرَيتَنِي كَمْ حَيَاتِي عَزِيزَةٌ عِنْدَكَ. وَلِهَذَا لَنْ أُؤذِيَكَ. أنَا تَصَرَّفتُ بِحَمَاقَةٍ، وَابْتَعَدتُ كَثِيرًا عَنِ الصَّوَابِ.» فَأجَابَ دَاوُدُ: «هَا هُوَ رُمحُ المَلِكِ. فَليَأْتِ وَاحِدٌ مِنْ رِجَالِكَ وَيَأْخُذْهُ. وَتَذَكَّرْ أنَّ اللهَ يُكَافِئُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ، يُكَافِئُهُ بِالخَيْرِ عَلَى الخَيْرِ، وَيُجَازِيهِ بِالعِقَابِ عَلَى الشَّرِّ. لَقَدْ أوقَعَكَ اللهُ بَيْنَ يَدَيَّ هَذَا اليَوْمَ، لَكِنِّي لَمْ أشَأ أنْ أُؤذِيَ المَلِكَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ . أرَيتُكَ اليَوْمَ كَمْ حَيَاتُكَ عَزِيزَةٌ عِندِي. كَذَلِكَ حَيَاتِي عَزِيزَةٌ عِنْدَ اللهِ ، وَسَيُخَلِّصُنِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ.» فَقَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ: «مُبَارَكٌ أنْتَ يَا ابنِيْ دَاوُدَ. أنْتَ سَتَصْنَعُ أُمُورًا كَثِيرَةً وَسَتَنْجَحُ فِيهَا.» فَمَضَى دَاوُدُ فِي طَرِيقِهِ، وَرَجِعَ شَاوُلُ إلَى بَيْتِهِ. لَكِنَّ دَاوُدَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: «لَا بُدَّ أنْ أقَعَ فِي يَدِ شَاوُلَ يَوْمًا مَا فَيَقْتُلَنِي. وَإنَّ أفْضَلَ حَلٍّ لِي هُوَ أنْ أهرُبَ إلَى أرْضِ الفِلِسْطِيِّينَ. فَحِينَئِذٍ، سَيَكُفُّ شَاوُلُ عَنِ البَحْثِ عَنِّي فِي إسْرَائِيلَ. وَبِهَذَا أنجُو مِنْهُ.» فَتَرَكَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ السِّتُّ مِئَةِ إسْرَائِيلَ، وَلَجَأُوا إلَى أخِيشَ بْنِ مَعُوكَ مَلِكِ جِتَّ. فَسَكَنَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ وَعَائِلَاتُهُمْ فِي جَتَّ مَعَ أخِيشَ. وَكَانَتْ مَعَ دَاوُدَ زَوْجَتَاهُ أخِينُوعَمَ الَّتِي مِنْ يَزْرَعيلَ، وَأبِيجَايِلُ، أرمَلَةُ نَابَالَ، الَّتِي مِنَ الكَرمِلِ. وَوَصَلَ شَاوُلَ خَبَرُ هَرَبِ دَاوُدَ إلَى جَتَّ، فَتَوَقَّفَ عَنِ البَحثِ عَنْهُ. وَقَالَ دَاوُدُ لِأخِيشَ: «إنْ كُنْتَ رَاضِيًا عَنِّي، فَأعْطِنِي مَكَانًا فِي أحَدِ الأمَاكِنِ الرِّيفِيَّةِ لِأسكُنَ فِيهِ. فَمَا أنَا إلَّا خَادِمُكَ. وَلَا يَجُوزُ لِي أنْ أسكُنَ مَعَكَ فِي عَاصِمَتِكَ هَذِهِ.» فَأعطَاهُ أخِيشُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مَدِينَةَ صِقلَغَ. فَصَارَتْ صِقلِغُ مُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا. فَسَكَنَ دَاوُدُ مَعَ الفِلِسْطِيِّينَ سَنَةً وَأرْبَعَةَ أشهُرٍ. وَذَهَبَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ لِكَي يُحَارِبُوا عَمَالِيقَ وَالجَشُورِيِّينَ وَالْجَرْزِّيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي المِنْطَقَةِ المُمتَدَّةِ مِنْ شُورٍ حَتَّى مِصْرٍ. فَتَغَلَّبَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ عَلَيْهِمْ وَأخَذُوا ثَرَوَاتِهِمْ. هَزَمَ دَاوُدُ سُكَّانَ تِلْكَ المِنْطَقَةِ وَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا، وَأخَذَ خِرَافَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَجِمَالَهُمْ وَمَلَابِسَهُمْ وَعَادَ بِهَا إلَى أخِيشَ. وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ، كَانَ أخِيشُ يَسألُ دَاوُدَ: «مَنْ غَزَوْتَ اليَوْمَ؟» فَيُجِيبُ دَاوُدُ: «غَزَوْتُ الجُزءَ الجَنُوبِيَّ مِنْ يَهُوذَا،» أوْ: «غَزَوْتُ الجُزءَ الجَنُوبِيَّ مِنْ يَرْحَمئِيلَ،» أوْ «غَزَوْتُ الجُزءَ الجَنُوبِيَّ مِنْ أرْضِ القِينِيِّينَ.» وَلَمْ يُحضِرْ دَاوُدُ أسِيرًا أوْ أسِيرَةً مَعَهُ إلَى جَتَّ. فَقَدْ قَالَ فِي نَفْسِهِ: «إنْ أبقَيْتُ عَلَى أحَدٍ مِنْهُمْ حَيًّا، فَرُبَّمَا يُخبِرُ أخِيشَ بِحَقِيقَةِ مَا فَعَلتُهُ.» هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ دَاوُدُ طَوَالَ مُدَّةِ إقَامَتِهِ فِي أرْضِ الفِلِسْطِيِّينَ. فَبَدَأ أخِيشُ يَثِقُ بِدَاوُدَ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: «صَارَ الآنَ دَاوُدَ مَكرُوهًا جِدًّا عَندَ شَعْبِهِ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَالآنَ سَيَخْدِمُنِي إلَى الأبَدِ.» وَفِيمَا بَعْدُ جَمَعَ الفِلِسْطِيُّونَ جُيُوشَهُمْ لِمُحَارَبَةِ إسْرَائِيلَ. فَقَالَ أخِيشُ لِدَاوُدَ: «هَلْ تَفْهَمُ أنَّ عَلَيْكَ وَعَلَى رِجَالِكَ أنْ تَنْضَمُّوا إلَيَّ فِي الحَرْبِ ضِدَّ إسْرَائِيلَ؟» فَأجَابَ دَاوُدُ: «هَذَا أمرٌ مُؤَكَّدٌ. حِينَئِذٍ، سَتَرَى بِنَفْسِكَ مَا أنَا قَادِرٌ عَلَى فِعلِهِ.» فَقَالَ أخِيشُ: «وَأنَا سَأجْعَلُكَ حَارِسًا شَخصِيًّا دَائِمًا لِي.» بَعْدَ أنْ مَاتَ صَمُوئِيلُ، نَاحَ عَلَيْهِ كُلُّ إسْرَائِيلَ وَدَفَنُوهُ فِي الرَّامَةِ، مَسقَطِ رَأسِهِ. وَكَانَ شَاوُلُ قَدْ أزَالَ الوُسَطَاءَ وَالعَرَّافِينَ مِنْ إسْرَائِيلَ. وَاستَعَدَّ الفِلِسْطِيُّونَ لِلحَرْبِ. فَجَاءُوا إلَى شُونَمَ وَعَسكَرُوا فِيهَا. وَحَشَدَ شَاوُلُ كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَعَسكَرَ فِي جِلْبُوعَ. فَرَأى شَاوُلُ الجَيْشَ الفِلِسْطِيَّ، وَخَافَ. وَارْتَعَبَ قَلْبُهُ جِدًّا. فَصَلَّى شَاوُلُ إلَى اللهِ ، لَكِنَّ اللهَ لَمْ يُجِبْهُ. لَمْ يُكَلِّمِ اللهُ شَاوُلَ فِي الأحْلَامِ، وَلَا بِالأُورِيمِ، وَلَا بِالأنْبِيَاءَ. وَأخِيرًا قَالَ شَاوُلُ لِضُبَّاطِهِ: «جِدُوا لِي عَرَّافَةً! سأذْهَبُ إلَيْهَا وَأسألُهَا.» فَأجَابَ ضُبَّاطُهُ: «هُنَاكَ عَرَّافَةٌ فِي عَيْنِ دُورٍ.» وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ تَنَكَّرَ شَاوُلُ وَلَبِسَ مَلَابِسَ أُخْرَى لِئَلَّا يَعْرِفَهُ أحَدٌ. وَذَهَبَ شَاوُلُ يَرَافِقُهُ اثْنَانِ مِنْ رِجَالِهِ لِرُؤيَةِ المَرْأةِ. فَقَالَ شَاوُلُ لَهَا: «أُرِيدُكِ أنْ تُصْعِدِي لِي مَنْ يُخْبِرُنِي بِمَا سَيَحْدُثُ مُسْتَقْبَلًا. أصْعدِي الشَّخْصَ الَّذِي أُعْطِيكِ اسْمَهُ.» فَقَالَتِ المَرْأةُ لِشَاوُلَ: «أنْتَ تَعْلَمُ أنَّ شَاوُلَ نَفَى وَقَتَلَ كُلَّ السَّحَرَةِ وَالعَرَّافِينَ مِنْ أرْضِ إسْرَائِيلَ. فَأنْتَ تُحَاوِلُ أنْ تُوقِعَ بِي لِكَي أُقتَلَ.» فَحَلَفَ شَاوُلُ لِلمَرْأةِ بِاسْمِ اللهِ وَقَالَ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، لَنْ تُعَاقَبِي عَلَى مَا أطلُبُهُ مِنْكَ.» فَسَألَتْهُ المَرْأةُ: «مَنْ تُرِيدُنِي أنْ أُصْعِدَ لَكَ؟» فَأجَابَ شَاوُلُ: «أصْعِدِي لِي صَمُوئِيلَ.» فَلَمَّا رَأتِ المَرْأةُ صَمُوئِيلَ صَرَخَتْ، وَقَالَتْ لِشَاوُلَ: «قَدْ خَدَعتَنِي. فَأنْتَ شَاوُلُ.» فَقَالَ المَلِكُ لِلمَرْأةِ: «لَا تَخَافِي، وَقُولِي لِي مَا تَرَيْنَهُ.» فَقَالَتِ المَرْأةُ: «أرَى رُوحًا صَاعِدَةً مِنْ مَكَانِ المَوْتَى.» فَسَألَهَا شَاوُلُ: «مَا شَكْلُهَا؟» فَأجَابَتِ المَرْأةُ: «تُشبِهُ هَذِهِ الرُّوحُ رَجُلًا عَجُوزًا لَابِسًا ثَوْبًا.» حِينَئِذٍ، عَرَفَ شَاوُلُ أنَّهَا رُوحُ صَمُوئِيلَ. فَانْحَنَى شَاوُلُ إلَى أنْ مَسَّ جَبِينُهُ الأرْضَ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «لِمَاذَا أزْعَجتَنِي؟ لِمَاذَا أصْعَدْتَنِي؟» فَأجَابَ شَاوُلُ: «أنَا فِي ضِيقٍ شَدِيدٍ! فَقَدْ جَاءَ الفِلِسْطِيُّونَ لِمُحَارَبَتِي، وَاللهُ تَرَكَنِي. وَهُوَ يَرْفُضُ أنْ يُجِيبَنِي بَعْدُ لَا بِالأنْبِيَاءَ وَلَا فِي الأحْلَام. وَلِهَذَا دَعَوتُكَ، فَأخبِرْنِي مَا يَنْبَغِيُ عَلَيَّ عَمَلُهُ.» فَقَالَ صَمُوئِيلُ: « اللهُ تَرَكَكَ. وَهُوَ الآنَ مَعَ قَرِيبِكَ. فَلِمَاذَا تُزعِجُنِي أنَا؟ أخبَرَكَ اللهُ فِيمَا مَضَى عَلَى لِسَانِي عَمَّا سَيَفْعَلُهُ، وَهَا هُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ الآنَ. إنَّهُ يَنْزِعُ مَملَكَتَكَ مِنْ يَدَيْكَ وَيُعطِيهَا لِصَاحِبِكَ دَاوُدَ. قَدْ فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ لِأنَّكَ لَمْ تُطِعِ صَوْتَ اللهِ ، فَلَمْ تَقْضِ عَلَى العَمَالِيقِيِّينَ الَّذِينَ اشتَعَلَ غَضَبُ اللهِ عَلَيْهِمْ. وَسَيَنْصُرُ اللهُ الفِلِسْطِيِّينَ اليَوْمَ عَلَيْكَ وَعَلَى جَيْشِ إسْرَائِيلَ. وَغَدًا سَتَكُونُ أنْتَ وَبَنُوكَ هُنَا مَعِي، بَيْنَمَا يُسَلَّمُ جَيْشُ إسْرَائِيلَ لِأيدِي الفِلِسْطِيِّينَ!» فَسَقَطَ شَاوُلُ فَوْرًا عَلَى الأرْضِ. وَخَافَ بِسَبَبِ مَا قَالَهُ صَمُوئِيلُ. وَكَانَ أيْضًا مُنهَكًا لِأنَّهُ لَمْ يَذُقْ طَعَامًا طَوَالَ ذَلِكَ اليَوْمِ وَتِلْكَ اللَّيلَةِ. فَجَاءَتِ المَرْأةُ إلَى شَاوُلَ وَرَأتْ مَدَى فَزَعِهِ. وَقَالَتْ: «اسْمَعْ. مَا أنَا إلَّا خَادِمَتُكَ. وَمَا فَعَلْتُ إلَّا مَا أمَرتَنِي بِهِ مُخَاطِرَةً بِحَيَاتِي. وَالْآنَ اسْتَمِعْ لِي. أنْتَ مُحتَاجٌ إلَى أنْ تَأْكُلَ. فَسَأُعِدُّ لَكَ طَعَامًا، فَتَقْوَى عَلَى المِضِيِّ فِي طَرِيقِكَ.» لَكِنَّ شَاوُلَ رَفَضَ وَقَالَ: «لَنْ آكُلَ.» فَانضَمَّ ضُبَّاطُهُ إلَى المَرْأةِ وَألَحُّوا عَلَيْهِ أنْ يَأْكُلَ. وَأخِيرًا سَمِعَ كَلَامَهُمْ. وَنَهَضَ عَنِ الأرْضِ وَجَلَسَ عَلَى السَّرِير. وَكَانَ لَدَى المَرْأةِ عِجْلٌ مُسَمَّنٌ، فَذَبَحَتْهُ بِسُرعَةٍ. ثُمَّ أخَذَتْ بَعْضَ الطَّحِينِ وَعَجَنَتْهُ وَخَبَزَتْ بَعْضَ الفَطَائِرِ. وَوَضَعَتِ المَرْأةُ الطَّعَامَ أمَامَ شَاوُلَ وَضُبَّاطِهِ، فَأكَلُوا ثُمَّ قَامُوا وَمَضَوْا أثْنَاءَ اللَّيلِ. فِي تِلْكَ الأثنَاءِ، حَشَدَ الفِلِسْطِيُّونَ كُلَّ جُيُوشِهمْ فِي أفِيقَ. وَعَسكَرَ بَنُو إسْرَائِيلَ عِنْدَ عَيْنِ حَرُودَ فِي يَزْرَعِيلَ. وَكَانَ حُكَّامُ الفِلِسْطِيِّينَ يَتَقَدَّمُونَ فِي فِرَقٍ مِنْ مِئَةِ رَجُلٍ وَألفِ رَجُلٍ. وَأمَّا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ فَكَانُوا فِي الخَلفِ مَعَ أخِيشَ. فَسَألَ ضُبَّاطُ الفِلِسْطِيِّينَ: «مَا الَّذِي يَفْعَلُهُ هَؤُلَاءِ العبرَانِيُّونَ هُنَا؟» فَقَالَ أخِيشُ لِضُبَّاطِ الفِلِسْطِيِّينَ: «هَذَا هُوَ دَاوُدُ. كَانَ أحَدَ ضُبَّاطِ شَاوُلَ، لَكِنَّهُ مَعِي مُنْذُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. وَلَمْ أجِدْ فِيهِ عَيبًا مُنْذُ أنْ تَرَكَ شَاوُلَ وَانضَمَّ إلَيَّ.» لَكِنَّ ضُبَّاطَ الفِلِسْطِيِّينَ غَضِبُوا مِنْ أخِيشَ. وَقَالُوا لَهُ: «أعِدْهُ. ليَذْهَبْ إلَى المَدِينَةِ الَّتِي أعْطَيتَهُ إيَّاهَا. لَا يُمكِنُهُ أنْ يُرَافِقَنَا إلَى المَعْرَكَةِ. فَمَا دَامَ دَاوُدُ هُنَا، فَإنَّ بَيْنَنَا عَدُوًّا فِي مُعَسكَرِنَا. وَكَيْفَ سَيُصَالِحُ مَلِكَهُ؟ ألَيْسَ بِقَتلِهِ رِجَالَنَا؟ ألَيْسَ دَاوُدُ هُوَ الَّذِي يَرْقُصُ لَهُ بَنُو إسْرَائِيلَ وَيُغَنُّونَ: «شَاوُلُ قَتَلَ الآلَافَ. وَدَاوُدُ عَشَرَاتِ الآلَافِ!» فَدَعَى أخِيشُ دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، إنَّكَ مُخْلِصٌ لِي. وَيَسُرُّنِي أنْ تَخْدِمَ فِي جَيْشِي. فَأنَا لَمْ أجِدْ فِيكَ عَيبًا مُنْذُ أنْ جِئتَ إلَيَّ. وَلَكِنَّ حُكَّامَ الفِلِسْطِيِّينَ لَا يَثِقُونَ بِكَ. فَاذهَبْ فِي سَلَامٍ. وَلَا تَعْمَلْ مَا لَا يُرْضِي حُكَّامَ الفِلِسْطِيِّينَ.» فَسَألَهُ دَاوُدُ: «مَا الَّذِي فَعَلْتُهُ؟ هَلْ وَجَدْتَ فِيَّ عَيبًا مُنْذُ أنْ جِئتُ إلَيْكَ؟ فَلِمَاذَا تَرْفُضُ أنْ تَدَعَنِي أُحَارِبُ أعْدَاءَكَ، يَا سَيَّدِي المَلِكُ؟» فَأجَابَ أخِيشُ: «أنَا مُتَأكِّدٌ مِنْ أنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، بَلْ إنِّي أرَاكَ كَمَلَاكٍ مِنْ عِندِ اللهِ! لَكِنَّ ضُبَّاطَ الفِلِسْطِيِّينَ مَا زَالُوا يُصِرُّونَ وَيَقُولُونَ: ‹لَا يُمْكِنُ لِدَاوُدَ أنْ يَدْخُلَ المَعرَكَةَ مَعَنَا.› لِهَذَا أُرِيدُكَ أنْ تَعُودَ أنْتَ وَرِجَالُكَ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ إلَى المَدِينَةِ الَّتِي أعْطَيْتُكَ إيَّاهَا. لَا تَهْتَمَّ لِمَا يَقُولُهُ ضُبَّاطُ الفِلِسْطِيِّينَ عَنْكَ. فَأنْتَ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَكِنْ عَلَيْكَ أنْ تَنْصرِفَ مَعَ ضَوْءِ الفَجْرِ.» فَقَامَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ وَرَجِعُوا إلَى أرْضِ الفِلِسْطِيِّينَ. أمَّا الفِلِسْطِيُّونَ فَصَعدُوا إلَى يَزْرَعِيلَ. وَحَالَمَا وَصَلَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إلَى صِقلَغَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، رَأوْا أنَّ عَمَالِيقَ قَدْ هَاجَمُوا المَدِينَةَ. فَقَدْ غَزَا عَمَالِيقُ مِنْطَقَةِ النَّقَبِ، وَهَاجَمُوا صِقلَغَ، وَأحرَقُوا المَدِينَةَ، وَأخَذُوا كُلَّ نِسَائِهَا الكَبِيرَاتِ مِنهُنَّ وَالصَّغِيرَاتِ سَبَايَا. لَمْ يَقْتُلُوا أحَدًا، لَكِنَّهُمْ أسَرُوا الجَمِيعَ، وَذَهَبُوا فِي طَرِيقِهِم. وَعِنْدَمَا دَخَلَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ صِقلَغَ، وَجَدُوهَا تَحْتَرِقُ. وَوَجَدُوا أنَّ زَوْجَاتِهِمْ وَأبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ قَدْ أُسِرُوا. فَبَكَى دَاوُدُ وَكُلُّ رِجَالِ جَيْشِهِ بِشِدَّةٍ حَتَّى لَمْ تَعُدْ لَدَيهِمْ قُوَّةٌ عَلَى البُكَاءِ. وَكَانَتِ امْرَأتَا دَاوُدَ، أخِينُوعَمُ اليَزْرَعِيلِيَّةُ وَأبِيجَايِلُ أرمَلَةُ نَابَالَ الكَرمِلِيِّ، قَدْ أُخِذَتَا أيْضًا. وَكَانَ كُلُّ رِجَالِ الجَيْشِ حَزَانَى وَغَاضِبِينَ لِأنَّ أبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ قَدْ أُسِرُوا. فَتَشَاوَرَ الرِّجَالُ حَوْلَ رَجْمِ دَاوُدَ. فَتَضَايَقَ دَاوُدُ كَثِيرًا، لَكِنَّهُ وَجَدَ قُوَّةً فِي . فَقَالَ دَاوُدُ لِلكَاهِنِ أبِيَاثَارَ: «أحضِرِ الثَّوبَ الكَهَنُوتِيَّ،» فأحضَرَهُ إلَى دَاوُدَ. ثُمَّ سألَ دَاوُدُ اللهَ : «هَلْ سَأُطَارِدُ الَّذِينَ أخَذُوا عَائِلَاتِنَا؟ هَلْ سَألحَقُ بِهِمْ؟» فَأجَابَ اللهُ : «طَارِدْهُمْ، وَسَتَلْحَقُ بِهِمْ، وَسَتُخَلِّصُ كُلَّ المَسبِيِّينَ.» فَأخَذَ دَاوُدُ السِّتَّ مِئَةِ رَجُلٍ مَعَهُ وَذَهَبَ إلَى وَادِي البُسُورِ. فَتَخَلَّفَ بَعْضُهُمْ. أمَّا دَاوُدُ وَالأرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ الَّذِينَ بَقَوْا مَعَهُ، فَوَاصَلُوا مُطَارَدَةَ عَمَالِيقَ. فقَدْ تَخَلَّفَ مِئَتَا رَجُلٍ، كَانُوا تَعِبِينَ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا مُواصَلَةَ السَّيرِ. فَوَجَدَ رِجَالُ دَاوُدَ رَجُلًا مِصْرِيًّا فِي الخَلَاءِ، فَجَاءُوا بِهِ إلَى دَاوُدَ. وَأعْطَوْا المِصْرِيَّ مَاءً لِيَشْرَبَ وَطَعَامًا لِيَأْكُلَ، إذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذَاقَ طَعَامًا أوْ شَرِبَ مَاءً ثَلَاثَةَ أيَّامٍ بِلَيَالِيهَا. فَأعْطَوْهُ كَعكَةَ تِينٍ، وَعُنقُودَينِ مِنَ الزَّبِيبِ، فَاسْتَعَادَ قُوَّتَهُ. فَسَألَ دَاوُدُ المِصْرِيَّ: «مَنْ هُوَ سَيِّدُكَ؟ وَمِنْ أيْنَ أنْتَ؟» فَأجَابَ المِصْرِيُّ: «أنَا مِصْرِيٌّ، وَأنَا عَبدٌ لِرَجُلٍ عَمَالِيقِيٍّ. وَقَدْ مَرِضتُ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ. فَتَخَلَّى عَنِّي سَيِّدِي. وَكُنَّا قَدْ هَاجَمْنَا جَنُوبَ النَّقَبِ حَيْثُ يَسْكُنُ الكْرِيتِيُّونَ. وَهَاجَمْنَا أيْضًا يَهُوذَا، حَيْثُ يَسْكُنُ الكَالَبِيُّونَ وَأحرَقْنَا مَدِينَةَ صِقلَغَ.» فَسَألَ دَاوُدُ المِصْرِيَّ: «أتَقُودُنِي إلَى تِلْكَ الفِرقَةِ العَسْكَريَّةِ؟» فَأجَابَ المِصْرِيُّ: «إنْ حَلَفْتَ لِي فِي حَضْرَةِ اللهِ أنَّكَ لَنْ تَقْتُلَنِي أوْ تُعِيدَنِي إلَى سَيِّدِي، فَسَأُعِينُكَ عَلَى أنْ تَجِدَهُمْ.» فَقَادَ المِصْرِيُّ دَاوُدَ إلَى عَمَالِيقَ. وَكَانُوا مُتَمَدِّدِينَ عَلَى الأرْضِ هُنَا وَهُنَاكَ، يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَرْقُصُونَ احتِفَالًا بِالغَنَائمِ الَّتِي أخَذُوهَا مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ وَمِنْ يَهُوذَا. فَهَاجَمَهُمْ دَاوُدُ وَقَتَلَهُمْ. حَارَبَهُمْ مِنْ شُرُوقِ الشَّمْسِ إلَى مَسَاءِ اليَوْمِ التَّالِي. وَلَمْ يَهْرُبْ مِنْهُمْ أحَدٌ غَيْرُ أرْبَعِ مِئَةٍ مِنْ خُدَّامِهِمُ الفِتيَانِ الَّذِينَ رَكِبُوا عَلَى الجِمَالِ وَهَرَبُوا. فَاسْتَرَدَّ دَاوُدُ كُلَّ مَا أخَذَهُ عَمَالِيقُ. وَأنقَذَ زَوْجَتَيْهِ أيْضًا. وَلَمْ يَضِعْ لَهُمْ شَيءٌ. إذْ وَجَدُوا الجَمِيعَ صغَارًا وَكِبَارًا، كُلَّ أبْنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ، وَكُلَّ أشيَائِهِمُ الثَّمِينَةِ. استَرْجَعُوا كُلَّ مَا سَلَبَهُ عَمَالِيقُ. استَرْجَعَ دَاوُدُ كُلَّ شَيءٍ. وَأخَذُوا كُلَّ الغَنَمِ وَالبَقَرِ. وَسَاقَهَا رِجَالُهُ أمَامَ كُلِّ الجَمَاعَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ: «هَذِهِ هِيَ غَنِيمَةُ دَاوُدَ.» وَجَاءَ دَاوُدُ إلَى المِئَتَي رَجُلٍ الَّذِينَ بَقَوْا فِي وَادِي البُسُورِ. وَهُمُ الرَّجَالُ الَّذِينَ كَانُوا تَعِبِينَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَتْبَعُوا دَاوُدَ. فَخَرَجَ هَؤُلَاءِ لِلِقَاءِ دَاوُدَ وَالرِّجَالِ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَهُ. فَاقْتَرَبَ دَاوُدُ إلَيْهِمْ وَحَيَّاهُمْ. وَكَانَ بَيْنَ جَيْشِ دَاوُدَ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَهُ بَعْضُ مُثِيرِي المَتَاعِبِ. فَتَذَمَّرُوا وَقَالُوا: «لَمْ يَذْهَبْ هَؤُلَاءِ المِئَتَا رَجُلٍ مَعَنَا. فَلِمَاذَا نُعطِيهِمْ أيَّ نَصِيبٍ مِنَ الغَنَائِمِ الَّتِي أخَذنَاهَا؟ يَكْفِيهِمْ أنَّنَا أرجَعْنَا لَهُمْ زَوْجَاتِهِمْ وَأبْنَاءَهُمْ.» فَأجَابَ دَاوُدُ: «لَا يَا إخْوَتِي، لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ! انْظُرُوا كَمْ أعْطَانَا اللهُ ! فَقَدْ حَمَانَا وَنَصَرَنَا عَلَى أعْدَائِنَا الَّذِينَ هَاجَمُونَا. وَلَا أظُنُّ أنَّهُ يُوجَدُ مَنْ هُوَ مُسْتَعِدٌّ لِلتَّجَاوُبِ مَعَ مَا تَقُولُونَ. لِهَذَا سَيَكُونُ نَصِيبُ الرَّجُلِ الَّذِي بَقِي عِنْدَ المُؤَنِ نَفْسَ نَصِيبِ الرَّجُلِ الَّذِي حَارَبَ. وَسَيَكُونُ تَوْزِيعُ الغَنَائِمِ بِالتَّسَاوِي.» وَجَعَلَ دَاوُدُ هَذَا الشَّيءَ أمْرًا وَقَانُونًا فِي إسْرَائِيلَ. وَمَا يَزَالُ هَذَا القَانُونُ سَارِيًا إلَى الآنَ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ دَاوُدُ إلَى صِقلِغَ، أرْسَلَ بَعْضًا مِنَ الأشْيَاءِ الَّتِي غَنِمَهَا مِنْ عَمَالِيقَ إلَى أصدِقَائِهِ قَادَةِ يَهُوذَا. وَقَالَ لَهُمْ: «هَذِهِ هَدِيَّةٌ لَكُمْ أخَذنَاهَا مِنْ أعْدَاءِ اللهِ .» فَأرْسلَهَا إلَى قَادَةِ بَيْتِ إيلَ وَرَامُوثَ فِي النَّقَبِ وَيَتِّيرَ وَعَرُوعِيرَ وَسِفمُوثَ وَأشتَمُوعَ وَرَاخَالَ وَمُدُنِ اليَرْحَمْئِيلِيِّينَ وَمُدُنِ القِينِيِّينَ وَحُرمَةَ وَبُورِ عَاشَانَ وَعَتَاكَ وَحَبْرُونَ ، وَإلَى كُلِّ الأمَاكِنِ الأُخرَى الَّتِي كَانَ يَرتَادُهَا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ. وَفِي أثنَاءِ ذَلِكَ، حَارَبَ الفِلِسْطِيُّونَ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَهَرَبَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ أمَامِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَقُتِلَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ عَلَى جَبَلِ جِلْبُوعَ. وَطَارَدَ الفِلِسْطِيُّونَ شَاوُلَ وَأبْنَاءَهُ، وَقَتَلُوا يُونَاثَانَ وَأبِينَادَابَ وَمَلْكِيشُوعَ أبْنَاءَ شَاوُلَ. ثُمَّ احتَدَمَتِ المَعرَكَةُ أكْثَرَ حَوْلَ شَاوُلَ. وَأحَاطَ رُمَاةُ السِّهَامِ بِشَاوُلَ وَأصَابُوهُ إصَابَاتٍ شَدِيدَةً بِسِهَامٍ كَثِيرَةٍ. فَقَالَ شَاوُلُ لِلغُلَامِ الَّذِي يَحْمِلُ سِلَاحَهُ: «استَلَّ سَيْفَكَ وَاقتُلْنِي، لِئَلَّا يَفْعَلَهَا هَؤُلَاءِ الغُرَبَاءُ وَيُعَذِّبُونِي وَيَسْخَرُوا بِي!» لَكِنَّ غُلَامَ شَاوُلَ كَانَ خَائِفًا وَرَفَضَ أنْ يَقْتُلَهُ. فَأخَذَ شَاوُلُ سَيفَهُ وَسَقَطَ عَلَيْهِ. وَلَمَّا رَأى حَامِلُ السَّيْفِ أنَّ شَاوُلَ قَدْ مَاتَ، سقَطَ هُوَ أيْضًا عَلَى السَّيْفِ وَمَاتَ مَعَهُ. فَمَاتَ شَاوُلُ وَأبنَاؤُهُ الثَّلَاثَةُ وَالغُلَامُ الَّذِي كَانَ يَحْمِلُ سِلَاحَهُ. مَاتُوا جَمِيعًا مَعًا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. وَلمَّا رَأى بَنُو إسْرَائِيلَ السَّاكِنُونَ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الوَادي وَفِي شَرْقِ نهْرِ الأُرْدُنِّ جَيْشَ إسْرَائِيلَ يَفِرُّ، وَأنَّ شَاوُلَ وَبَنِيهِ قَتلَى، تَرَكُوا مُدُنَهُمْ وَهَرَبُوا، فَجَاءَ الفِلِسْطِيُّونَ وَاحْتَلُّوا مُدُنَهُمْ وَسَكنُوهَا. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، أتَى الفِلِسْطِيُّونَ لِنَهْبِ الأشْيَاءِ الثَّمِينَةِ مِنَ القَتلَى، فَوَجَدُوا شَاوُلَ وَبَنِيهِ الثَّلَاثَةَ أمْوَاتًا عَلَى جَبَلِ جِلبُوعَ. فَقَطَعُوا رَأسَ شَاوُلَ، وَأخَذُوا كُلَّ سِلَاحِهِ وَنَزَعُوا ثِيَابَهُ. وَحَمَلُوا بُشْرَى مَوْتِهِ إلَى الشَّعْبِ الفِلِسْطِيِّ وَإلَى كُلِّ مَعَابِدِ أوْثَانِهِمْ. وَوَضَعُوا سِلَاحَ شَاوُلَ فِي هَيْكَلِ عَشْتَارُوثَ. وَعَلَّقُوا جَسَدَهُ عَلَى سُورِ بَيْتِ شَانَ. وَسَمِعَ أهْلُ يَابِيشَ جِلعَادَ بِمَا فَعَلَهُ الفِلِسْطِيُّونَ بِشَاوُلَ. فَذَهَبَ كُلُّ الرِّجَالِ الشُّجْعَانِ الأقوِيَاءِ فِيهَا إلَى بَيْتِ شَانَ. سَارُوا طَوَالَ اللَّيلِ، وَتَسَلَّقُوا سُورَ بَيْتِ شَانَ. وَأنزَلُوا عَنْهُ جُثَثَ شَاوُلَ وَبَنِيهِ، وَحَمَلُوهَا إلَى يَابِيشَ. وَهُنَاكَ أحرَقَ أهْلُ يَابِيشَ جُثَثَ شَاوُلَ وَبَنِيهِ الثَّلَاثَةِ، وَأخَذُوا عِظَامَهُمْ وَدَفَنُوهَا تَحْتَ الشَّجَرَةِ الكَبِيرَةِ فِي يَابِيشَ. ثُمَّ صَامُوا سَبْعَةَ أيَّامٍ حِدَادًا عَلَيْهِمْ. بَعْدَ مَقْتَلِ شَاوُلَ مَبَاشَرَةً، عَادَ دَاوُدُ إلَى صِقلَغَ بَعْدَ أنْ هَزَم بَنِي عَمَالِيقَ. وَبَقِيَ هَنَاكَ يَوْمَينِ. وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، جَاءَ إلَى صِقلَغَ جُنْدِيٌّ شَابٌ مِنْ مُعَسْكَرِ شَاوُلَ. وَكَانَتْ ثيَابُ الرَّجُلِ مُمَزَّقةً ورأسُهُ مُتَّسخًا. فَجَاءَ إلَى دَاوُدَ وَانْحَنَى أمَامَهُ ورأسُهُ نَحْوَ الأرْضِ. فَسَألَ دَاوُدُ الرَّجُلَ: «مِنْ أيْنَ أتَيْتَ؟» فأجَابَ الرَّجُلُ: «جِئْتُ للتَّوِّ مِنْ مُعَسْكَرِ بَنِي إسْرَائِيلَ.» فَقَالَ دَاوُدُ للرَّجلِ: «أخْبِرْنِي مَنِ انْتَصَرَ فِي المَعْرِكَةِ؟» أجَابَ الرَّجُلُ: «هَرَبَ شَعْبُنَا مِنَ المَعْرَكَةِ. قُتِلَ فيهَا الكَثِيرونَ. وحَتَّى شَاوُلُ وَابْنُهُ يونَاثَانُ مَاتَا.» فَقَالَ دَاوُدُ لِلجُنْدِيِّ الشَّابِ: «وَكَيْفَ عَلِمْتَ بِموْتِ شَاوُلَ وَابْنِهِ يونَاثَانَ؟» فَقَالَ الجُنْدِيُّ الشَّابُ: «حَدَثَ أنْ كُنْتُ عِنْدَ جَبَلِ الجِلبُوعَ، فرأيتُ شَاوُلَ مُتَّكِئًا عَلَى رُمْحِهِ، ومركبَاتُ الفِلِسْطيِّينَ وخَيَّالَتُهُم يُطَارِدُونَهُ وَيَقْترِبُونَ مِنْهُ أكْثَرَ فَأكْثرَ. نَظَرَ شَاوُلُ إلَى الخَلْفِ وَرَآنِي. فَنَادَانِي وَأجَبْتُهُ. ثُمَّ سَألَنِي مَنْ أكُونُ. فَقُلْتُ لَهُ إنني مِنْ بَنِي عَمَالِيقَ. فَقَالَ: ‹أرْجوكَ أنْ تَقْتُلَنِي. إصَابَتِي بَليغَةٌ، وَأُوشِكُ أنْ أمُوتَ عَلَى أيَّةِ حَالٍ.› كَانَتْ إصَابَتُهُ بَليغَةً إلَى دَرَجَةٍ جَعَلَتْني أتأكَّدُ مِنْ أنَّهُ لَنْ يَعِيشَ بَعْدَ سُقُوطِهِ، فَتَوَقَّفْتُ وقَتَلْتُهُ. ثُمَّ أخَذْتُ التَّاجَ مِنْ عَلَى رَأسِهِ وَالسِّوَارَ عَنْ ذِرَاعِهِ، وَأحْضَرْتُهُمَا لكَ إلَى هُنَا يَا مَوْلَايَ.» فَمَزَّقَ دَاوُدُ ثِيَابَهُ حُزْنًا. وَكَذَلِكَ فَعَلَ الرِّجَالُ الَّذِينَ مَعَهُ جَمِيعًا. حَزِنُوا كَثِيرًا وَبكَوْا، ولَمْ يَأْكُلُوا حَتَّى المَسَاءِ. وَبَكَى دَاوُدُ ورِجَالُهُ عَلَى شَاوُلَ وَعَلَى ابْنِهِ يُونَاثَانَ اللَّذَينِ مَاتَا. وعَلَى كُلِّ مَنْ قُتِلَ مِنْ شَعْبِ اللهِ إسْرَائِيلَ، فِي المَعْرَكَةِ. ثُمَّ تَكَلَّمَ دَاوُدُ إلَى الشَابِّ الَّذِي أخْبَرَهُ بِموْتِ شَاوُلَ فَسَألَهُ: «مِنْ أيْنَ أنْتَ؟» أجَابَ الجُنْدِيُّ الشَّابُ: «أنَا ابْنُ رَجُلٍ غَريبٍ. أنَا عَمَالِيقِيٌّ.» فَقَالَ دَاوُدُ لِلجُنْدِيِّ الشَّاب: «كيف لَمْ تَخَفْ أنْ تَمُدَّ يَدَكَ وَتَقْتُلَ المَلِكَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ ؟» فَاسْتَدْعى دَاوُدُ أحَدَ خَدَمِهِ الشُّبَّانِ وَقَالَ لَهُ: «تَعَالَ وَاضْرِبْهُ بِسَيفِكَ.» فَضَرَبَهُ فَمَاتَ. إذْ قَالَ دَاوُدُ لَهُ: «دَمُكَ عَلَى رأسِكَ! فَقَدْ شَهِدْتَ بِفَمِكَ ضِدَّ نَفْسِكَ، وَقَلْتَ إنَّكَ قَتَلْتَ المَلِكَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ .» وَتَلَا دَاوُدُ أُنْشُودَةً حَزِينَةً عَنْ شَاوُلَ وَابْنِهِ يُونَاثَانَ. طَلَبَ مِنْ رِجَالِهِ أن يُعَلِّمُوا بَنِي يَهُوذَا أُنْشُودَةَ القَوْسِ هذِهِ. وَقَدْ كُتِبَتْ فِي كِتَابِ يَاشَرَ: «يَا إسْرَائِيلُ، قُتِلَ جَمَالُكِ. وَهُوَ مَطْروحٌ عَلَى تِلَالِكِ. آهٍ، كَيْفَ سَقَطَ الأبْطَالُ! لَا تُخْبِرُوا أحَدًا فِي جَتَّ وَلَا تُذِيعُوا الخَبَرَ فِي شوَارِعِ أشْقلُونَ، حَتَّى لَا تَفْرَحَ مُدُنُ الفِلِسْطيّين! حَتَّى لَا تَسْعَدَ بَنَاتُ اللَّامَخْتُونينَ. «لَيْتَ النَّدَىْ لَا يَتَسَاقَطُ، وَالْمَطَرَ لَا يَنْهَمِرُ فَوْقَ جِبَالِكِ يَا جِلبُوعَ. لَيْتَ التَّقْدِمَاتِ لَا تأتِي مِنْ تِلْكَ الحُقُولِ. لِأنَّ هُنَاكَ تَلَطَّخَ تُرْسُ الأبْطَالِ. تُرْسُ شَاوُلَ لَمْ يُمْسَحْ بِالزَّيْتِ. وَقَوْسُ يونَاثَانَ قَتَلَ مِنَ الأعْدَاءِ مَنْ قَتَلَ. وَسَيْفُ شَاوُلَ قَتَلَ كَثِيرِينَ! سَفَكَا دِمَاءَ رِجَالٍ سِمَانٍ. «شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ أحَبَّ أحْدُهُمَا الآخَرَ وَمَتَّعَ أحَدُهُمَا الآخَرَ فِي حَيَاتِهِ، وحَتَّى المَوْتُ لَمْ يُفَرِّقْ بَينهُمَا. كَانَا أسْرَعَ مِنَ النُّسُورِ، وَأقَوَىْ مِنَ الأُسُودِ. «يَا بَنَاتِ إسْرَائِيلَ، ابْكينَ عَلَى شَاوُلَ! شَاوُلَ الَّذِي ألْبَسَكُنَّ ثِيَابًا فَاخِرَةً مِنَ القِرْمِزِ وَالمُطَرَّزَاتِ، وَزَيَّنَ ثِيَابَكُنَّ بِالذَّهَبِ! كَيْفَ مَاتَ الأقْوِيَاءُ فِي المَعْرَكَةِ؟ فَوْقَ تِلَالِ جِلْبُوعَ مَاتَ يُونَاثَانُ؟ «يُونَاثَانُ يَا أخِي، أنَا حَزِينٌ جِدًّا لِذَهَابِكَ. كَمْ كُنْتَ حَبِيبِيَ! حُبُّكَ لِي كَانَ أرْوَعَ مِنْ حُبِّ النِّسَاءِ! كَيْفَ مَاتَ الأقْوِيَاءُ فِي المَعْرَكَةِ وَزَالَتْ مَعَهُمْ أسْلِحَةُ الحَرْبِ؟» بَعْدَ ذَلِكَ، طَلَبَ دَاوُدُ النُّصْحَ مِنَ اللهِ وَقَالَ: «أأذْهَبُ إلَى أيٍّ مِنْ مُدُنِ بَنِي يَهُوذَا؟» فَقَالَ لَهُ اللهُ : «نَعَمْ.» فَسألَ دَاوُدُ: «إلَى أيْنَ أذْهَبُ؟» فَأجَابَ: «إلَى حَبرُونَ.» فَانْتَقَلَ دَاوُدُ مَعَ زَوْجَتَيْهِ إلَى حَبْرُونَ. وَزَوْجَتَاهُ هُمَا أخِينوعَمُ مِنْ يزْرَعِيلَ، وَأبيِجَايِلُ أرْمَلَةُ نَابَالَ مِنَ الكَرمِلِ. كَذَلِكَ أحْضَرَ دَاوُدُ رِجَالَهُ وَعَائِلَاتِهِم. وَسَكَنُوا فِي حَبْرُونَ وَالْمُدُنِ المُجَاوِرَةِ. وجَاءَ بَنُو يَهُوذَا إلَى حَبْرُونَ وَمَسَحُوا دَاوُدَ بِالزَّيْتِ لِيَكُونَ مَلِكَ يَهُوذَا. ثُمَّ قَالُوا لَهُ: «دَفَنَ بَنُو يَابِيشَ جَلْعَادَ شَاوُلَ.» فأرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا إلَى بَنِي يَابِيشَ جَلْعَادَ، فقَالُوا لَهُم: «بَارَكَكُمُ اللهُ لِأنَّكُم أظْهَرْتمُ أمَانَةً لمَوْلَاكُمْ شَاوُلَ، فَدَفَنْتُمْ بَقَايَا جُثَّتِهِ. لِيُنْعِمِ اللهُ عَلَيْكُمْ بِحَسَبِ مَحَبَّتِهِ وَأمَانَتِهِ. وَأنَا سَأكُونُ لَطِيفًا وَمُحْسِنًا إلَيكُمْ. فَكُونُوا الآن أقْوِيَاءَ وشُجْعَانَ. مَولَاكُمْ شَاوُلُ قَدْ مَاتَ. لَكِنَّ بَنِي يَهُوذَا مَسَحُونِي لِأكَونَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ.» وَكَان أبْنَيْرُ بْنُ نَيرٍ قَائِدَ جَيْشِ شَاوُلَ. وَأخَذَ أبْنَيْرُ إيشْبُوشَثَ بْنَ شَاوُلَ إلَى مَحْنَايِمَ، وَجَعَلَهُ مَلِكَ جِلْعَادَ وَأشِيرَ وَيَزْرَعِيلَ وَأفرَايمَ وبَنْيَامِينَ وَإسْرَائِيلَ كُلِّهَا. كَانَ إيشْبُوشَثُ بْنُ شَاوُلَ قدْ بَلَغَ أرْبَعينَ عَامًا عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ فِي إسْرَائِيلَ. وَحَكَمَ سَنَتَيْنِ. لَكِنَّ عَائِلَاتِ يَهُوذَا تَبِعَتْ دَاوُدَ. وَكَانَتْ حَبْرُونُ عَاصِمَةَ دَاوُدَ المَلِكِ. وَقَدْ حَكَمَ عَائِلَاتِ يَهُوذَا طَوَالَ سَبْعِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أشْهْرٍ. وَغَادَرَ أبْنَيْرُ بْنُ نَيرٍ وضُبَّاطُ إيشْبُوشَثَ بْنِ شَاوُلَ مَحْنَايِمَ وذَهَبُوا إلَى جِبْعُونَ. كَذَلِكَ ذَهَبَ إليهَا كُلٌ مِنْ يُوآبَ بْنِ صُرُوِيَّةَ وَضُبَّاطُ دَاوُدَ. وَهُنَاكَ التَقَوْا جَمِيعًا عِنْدَ بِرْكَةِ جِبْعُونَ. جَلَسَتْ مَجْمُوعَةُ أبْنَيْرَ عِنْدَ أحَدِ جَانِبيِّ البِرْكَةِ، ومَجْمُوعَةُ يُوآبَ عِنْدَ الجَانِبِ الآخَرِ. فَقَالَ أبْنَيْرُ ليُوآبَ: «فَلْيِنْهَضِ الجُنودُ الشَّبَّانُ وَلْيَتَبَارَزُوا هُنَا.» قَالَ يُوآبُ: «نَعَمْ، فَلْنَتَبَارَزْ.» فَنَهَضَ الجُنودُ الشُّبَّانُ، فَكَانُوا يَعُدُّونَهُمْ وَهُمْ يَمُرُّونَ. فَكَانُوا اثنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ قَبيلَةِ بَنْيَامِينَ لِيُقَاتِلُوا مِنْ أجْلِ إيشْبُوشَثَ بْنِ شَاوُلَ، وَاثنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ رِجَالِ دَاوُدَ. فَأمْسَكَ كُلُّ وَاحِدٍ بِرأْسِ خَصْمِهِ، وَطَعَنَهُ بِسَيفِهِ فِي جَنْبِهِ، فَسَقَطُوا جَمِيعًا! فَدُعِي المكَانُ «حَقلَ السَّكَاكِينِ.» وهْوَ يَقَعُ فِي جِبْعُونَ. وَتَحَوَّلَتْ تِلْكَ المُبَارَزَةُ إلَى مَعْرَكَةٍ عَنيفَةٍ. وَهَزَمَ ضُبَّاطُ دَاوُدَ أبْنَيْرَ وَبَنِي إسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. وَكَانَ لِصُرُوِيَّةَ ثلَاثَةُ أبْنَاءٍ هُمْ يُوآبُ وَأبِيشَايُ وَعَسَائِيلُ. وَكَانَ عَسَائِيلُ سَرِيعًا فِي الرَّكضِ كَمَا لو كَانَ غزَالًا بَرِّيًّا. فَرَكَضَ عَسَائِيلُ وَرَاءَ أبْنَيْرَ وَرَاحَ يُطَارِدُهُ غَيْرَ مُنشَغِلٍ بِشَيءٍ آخَرَ. فَنَظَرَ أبْنَيْرُ إلَى الوَرَاءِ وَسَألَ: «أهذَا أنْتَ يَا عَسَائِيلُ؟» فَقَالَ عَسَائِيلُ: «نَعَمْ، هَذَا أنَا.» وَلَمْ يَكُنْ أبْنَيْرُ يُرِيدُ أنْ يُؤذِيَ عَسَائِيلَ، فقَال لَهُ: «كُفَّ عَنْ مُلَاحَقَتي، وَاذْهَبْ وَرَاءَ أحَدِ الجُنودِ الشُّبَّانِ. يُمْكِنُكَ أنْ تَأْخُذَ ثِيَابَهُ وَسِلَاحَهُ لِنَفْسِكَ بِسُهُولَةٍ.» لَكِنَّ عَسَائِيلَ رَفَضَ أنْ يَكُفَّ عَنْ مُلَاحَقَتِهِ. وعَادَ أبْنَيْرُ يَقُولُ لَهُ: «كُفَّ عَنْ مُطَارَدَتِي وَإلَّا اضْطُرِرْتُ إلَى قَتلِكَ. حينَهَا لَنْ أقْدِرَ عَلَى النَّظَرِ فِي وَجْهِ أخِيكَ يُوآبَ بَعْدَ اليوْمِ.» لَكِنَّ عَسَائِيلَ رَفَضَ أنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ مُطَارَدَةِ أبْنَيْرَ. فَاسْتَخدمَ أبْنَيْرُ الطَّرَفَ الخَلْفِيَّ مِنْ رُمْحِهِ وَغَرَزَهُ فِي أمْعَاءِ عَسَائِيلَ. فَانْغَرَزَ الرّمْحُ كَثِيرًا حَتَّى خَرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ. فَمَاتَ فِي مَكَانِهِ. كَانَتْ جُثَّةُ عَسَائِيلَ مُلقَاةً عَلَى الأرْضِ. فَكَانَ الرِّجَالُ الرَّاكِضِينَ فِي ذَلِكَ الِاتِّجَاهِ يَتَوَقَّفُونَ لِيَنْظُرُوا إلَيْهَا. أمَّا يُوآبُ وَأبِيشَايُ فَمَضَيَا فِي مُطَارَدَتِهمَا لِأبْنَيْرَ. كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى وَشْكِ المَغِيبِ عِنْدَمَا وَصَلُوا إلَى تَلَّةِ أمَّةِ. وَتَقَعُ تلَّةُ أمَّةَ قُبَالَةَ جِيحٍ فِي الطَّريقِ المُؤَديَةِ إلَى صَحْرَاءِ جِبْعُونَ. وَهُنَاكَ اجْتَمَعَ رِجَالُ عَائِلَاتِ بَنْيَامِينَ مِنْ حَوْلِ أبْنَيْرَ عِنْدَ قِمَّةِ التَّلَّةِ. فَصَرَخَ أبْنَيْرُ ليُوآبَ وقَالَ: «أيَنْبَغِي أنْ نَتَحَارَبَ ويَقْتُلَ أحَدُنَا الآخَرَ بِلَا تَوَقُّفٍ؟ أنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا لَنْ يؤدِّيَ إلَّا إلَى الحُزْنِ. قُلْ لِلنَّاسِ أنْ يَكُفُّوا عَنْ مُطَارَدَةِ إخْوَتِهِمْ.» ثُمَّ قَالَ يُوآبُ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، لَوْ لَمْ تَقُلْ هَذَا، لكَانَ النَّاسُ مَا يَزَالونَ يُطَارِدونَ إخْوَتَهُمْ عِنْدَ الصَّبَاحِ.» وَنَفَخَ يُوآبُ بِالبوقِ، فَتَوَقَّفَ الشَّعْبُ الَّذِي مَعَهُ عَنْ مُلَاحَقَةِ رِجَالِ إسْرَائِيل. وَلَمْ يَعُودُوا يَتَحَارَبُونَ. مَشَى أبْنَيْرُ مَعَ رِجَالِهِ طَوَالَ اللَّيْل عَبْرَ وَادِي الأُرْدُن. وَعَبَرُوا نَهْرَ الأُرْدُن، ومَشَوِا النَّهَارَ كُلَّهُ حَتَّى وَصَلُوا إلَى مَحَنَايِمَ. وَتوقَّفَ يُوآبُ عَنْ مُطَارَدَةِ أبْنَيْرَ وَرَجِعَ. وَلَمَّا جَمَعَ رِجَالَهُ، وَجَدَ أنَّ تِسْعَةَ عَشَرَ ضَابِطًا مِنْ ضُبَّاطِ دَاوُدَ مَفْقُودُونَ بِمَنْ فِيهِمْ عَسَائِيلُ. لَكِنَّ ضُبَّاطَ دَاوُدَ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا ثَلَاثَ مِئَةٍ وَسِتِّينَ مِنْ رِجَالِ أبْنَيْرَ مِنْ عَائِلَاتِ بَنْيَامِينَ. وَأخَذَ ضُبَّاطُ دَاوُدَ عَسَائِيلَ وَدَفَنُوهُ فِي مَقْبَرَةِ وَالدِهِ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. وَمَشَى يُوآبُ مَعَ رِجَالِهِ طَوَالَ اللَّيلِ. وطَلَعَتِ الشَّمْسُ مَعَ وُصُولِهِمْ إلَى حَبْرُونَ. وَدَامتِ الحَرْبُ طَوِيلًا بَيْنَ عَائِلتَيْ شَاوُلَ وَدَاوُدَ. وَقَدْ أخَذَتْ عَائِلَةُ دَاوُدَ تَقْوَى أكْثَرَ فأكْثَرَ، بَيَنَمَا ضَعُفَتْ عَائِلَةُ شَاوُلَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ. هؤلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ دَاوُدَ المَولودونَ فِي حَبْرُونَ: الأوَّلُ أمْنُونُ وَوَالِدَتُهُ أخِينُوعَمُ مِنْ يَزَرَعِيلَ. وَالثَّانِي كِيلآبُ وَوَالِدَتُهُ أبِيجَايِلُ أرْمَلَةُ نَابَالَ الَّذِي مِنَ الكَرْمِل. وَالثَّالِثُ أبْشَالُومُ وَوَالِدَتُهُ مَعْكَةُ بِنْتُ تَلمَاي مَلِكِ جَشُورَ. وَالرَّابعُ أدُونيَّا وَوَالِدَتُهُ حَجِّيثُ. وَالْخَامِسُ شَفَطْيَا وَوَالِدَتُهُ أبِيطَال. وَالسَّادِسُ يَثْرَعَامُ وَوَالِدَتُهُ عَجَلَةُ زَوْجَةُ دَاوُدَ. هؤلَاءِ هُمْ أبْنَاؤهُ السِّتَّةُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي حَبْرُونَ. أخَذَتْ سُلْطَةُ أبْنَيْرَ فِي حُكُومَةِ شَاوُلَ تَزْدَادُ أكْثَرَ فَأكْثَرَ، بَيْنَمَا كَانَتْ عَائِلَتَا شَاوُلَ وَدَاوُدَ تتقَاتَلَانِ. كَانَ لشَاوُلَ جَارِيَةٌ تُدْعَى رِصْفَةَ بِنْتَ أيَّةِ، فَقَالَ إيشْبُوشَثُ لِأبْنيْرَ: «لِمَاذَا تُعَاشِرُ جَارِيَةَ وَالِدِي؟» فَغَضِبَ أبْنَيْرُ كَثِيرًا مِمَّا قَالَهُ إيشْبُوشَثُ وَقَالَ: «لَقَدْ كُنْتُ أمِينًا لِشَاوُلَ وَعَائِلَتِهِ. لَمْ أسْمَحْ لدَاوُدَ بِأنْ يَهْزِمَكُمْ. لَسْتُ خَائِنًا يَعْمَلُ لِصَالِحِ بَنِي يَهُوذَا. لَكِنَّكَ الآنَ تَقُولُ إنَّني أفْعَلُ أمْرًا سَيِّئًا. فَليُعَاقِبِ اللهُ أبْنَيْرَ وَيَزِدُهُ عِقَابًا، إنْ لَمْ أُحَقِّقْ مَا وَعَدَ اللهُ دَاوُدَ بِهِ. أيْ بِنَقلِ المُلْكِ مِنْ عَائِلَةِ شَاوُلَ، مُثَبِّتًا عَرْشَ دَاوُدَ فَوْقَ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، لِيَحْكُمَ مِنْ دَانٍ إلَى بِئْرِ سَبْعٍ.» ولَمْ يَسْتَطِعْ إيشْبُوشَثُ أنْ يَقُولَ شَيْئًا لِأبْنَيْرَ، لِأنَّهُ كَانَ يَخَافُهُ. وَأرْسَلَ أبْنَيْرُ رُسُلًا إلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «مَنْ يَنْبَغِي أنْ يَحْكُمَ هَذِهِ البِلَادَ؟ اقْطَعْ عَهْدًا مَعِي، وَسَأُسَاعِدُكَ لِتُصْبحَ حَاكِمَ إسْرَائِيلَ كُلِّهَا.» أجَابَ دَاوُدُ: «حَسَنًا! سَأقَطَعُ مَعَكَ عَهْدًا. لَكِنَّنِي أسْألُكَ أمْرًا وَاحِدًا: لن ألْتَقِيكَ حَتَّى تُحْضِرَ إليَّ مِيكَالَ بِنْتَ شَاوُلَ.» وَأرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا إلَى إيشْبُوشَثَ بْنِ شَاوُلَ يَقُولُ لَهُ: «أعْطِنِي زَوْجَتِي مِيكَالَ الَّتِي خَطَبْتُهَا بِقَتلِ مِئَةِ فِلِسْطيٍّ.» فَطَلَبَ إيشْبُوشَثُ مِنْ رِجَالِهِ أنْ يَذْهَبُوا لِأخْذِ مِيكَالَ مِنْ رَجُلٍ يُدْعَى فَلْطِيئيلَ بْنُ لَايَشَ. فَسَارَ فَلْطِيئيلُ مَعَ زَوْجَتِهِ مِيكَال. وَكَانَ يَبْكِي وَهْوَ يَتْبَعُهَا إلَى بَحُوريمَ. لَكِنَّ أبْنَيْرَ قَالَ لَهُ: «عُدْ إلَى دَارِكَ.» وَهَكَذَا فَعَلَ فَلْطِيئيلُ. وَأرْسَلَ أبْنَيْرُ هذِهِ الرِّسَالَةَ إلَى قَادَةِ إسْرَائِيلَ، فَقَالَ: «كُنْتُم تُرِيدُونَ أنْ تَجْعَلُوا مِنْ دَاوُدَ مَلِكَكُم. فَافْعَلُوا الآنَ! فَقَدْ وَعَدَ اللهُ دَاوُدَ وَقَالَ: ‹سَأُنْقِذُ بَنِي إسْرَائِيلَ شَعْبي مِنَ الفِلسْطيّينَ وَمِنْ أعْدَائِهِمْ جَمِيعًا مِنْ خِلَالِ خَادِمي دَاوُدَ.›» قَال أبْنَيْرُ هذِهِ الأشْيَاءَ أمَامَ دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ. وَقَالَهَا لِعَائِلَاتِ بَنْيَامِينَ. وَبَدَتِ الأشْيَاءُ الَّتِي قَالَهَا أبْنَيْرُ حَسَنَةً بِالنِّسْبَةِ لِعَائِلَاتِ بَنْيَامِينَ وَلِبَنِي إسْرَائِيلَ كُلِّهِمْ. ثُمَّ جَاءَ أبْنَيْرُ إلَى دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ، وَقَدْ أحْضَرَ مَعَهُ عِشْرِينَ رَجُلًا. وَأقَامَ دَاوُدُ احْتِفَالًا لِأبْنَيْرَ وَلِلرِّجَالِ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهُ جَمِيعًا. قَالَ أبْنَيْرُ لِدَاوُدَ: «يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، اسْمَحْ لِي بِأنْ اذْهَبَ فَأُحْضِرَ بَنِي إسْرَائِيلَ جَمِيعًا إلَيْكَ، فَيَقْطَعُونَ مَعَكَ عَهْدًا، لِتَحْكُمَ إسْرَائِيلَ كُلَّهَا كَمَا أرَدْتَ.» فَسَمَحَ دَاوُدُ لِأبْنَيْرَ بِالِانْصِرَافِ. فَمَضَى أبْنَيْرُ بِسلَامٍ. عَادَ ضُبَّاطُ يُوآبَ وَدَاوُدَ مِنَ المَعْرَكَةِ وَهُمْ يَحْمِلونَ الكَثِيرَ مِنَ الأشْيَاءِ الثَّمينَةِ الَّتِي كَانُوا قَدْ أخَذُوهَا مِنَ العَدُوِّ. كَانَ دَاوُدُ قَدْ سَمَحَ لِتَوِّهِ لِأبْنَيْرَ بأِنْ يُغَادِرَ بِسَلَامٍ. لِذَا لَمْ يَكُنْ أبْنَيْرُ مَعَ دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ. وَوَصَلَ يُوآبُ مَعَ جَيْشِهِ إلَى حَبْرُونَ، فَقَالَ لَهُ الجَيْشُ: «جَاءَ أبْنَيْرُ بْنُ نَيرٍ إلَى المَلِكِ دَاوُدَ، فَتَرَكَهُ دَاوُدُ يَذْهَبُ بِسَلَامٍ.» فَجَاءَ يُوآبُ إلَى المَلِكِ وَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ جَاءَ إلَيْكَ أبْنَيْرُ فَأرْسَلْتَهُ مِنْ دُونِ أنْ تُؤذِيَهُ! لِمَاذَا أطلَقْتَهُ؟ أنْتَ تَعْرِفُ أنَّ أبْنَيْرَ بنَ نَيرٍ. قَدْ جَاءَ لِيَخْدَعَكَ. جَاءَ لِيَعْلَمَ بِكُلَّ شيءٍ حَوْلَ الأُمُورِ الَّتِي تَصْنَعُهَا.» وَتَرَكَ يُوآبُ دَاوُدَ، وَأرْسَلَ رُسُلًا إلَى أبْنَيْرَ عِنْدَ بِئْرِ السِّيرَةِ. فَأعَادَ الرُسُلُ أبْنَيْرَ. لَكِنَّ دَاوُدَ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ. فَلَمَّا وَصَلَ أبْنَيْرُ إلَى حَبْرُونَ، أخَذَهُ يُوآبُ جَانِبًا عِنْدَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ بِحُجَّةِ أنَّهُ سَيُكَلِّمُهُ عَلَى انْفِرَادٍ. وَطَعَنَ يُوآبُ أبْنَيْرَ فِي بَطْنِهِ فَمَاتَ. قَتَلَ يُوآبُ أبْنَيْرَ لِأنَّهُ كَانَ قَدْ قَتَلَ عَسَائِيلَ أخَا يُوآبَ. وَبَلَغَ الخَبَرُ مَسَامِعَ دَاوُدَ، فَقَالَ: «مَمْلَكَتِي وَأنَا أبْرِيَاءُ مِنْ مَوْتِ أبْنَيْرَ بْنِ نَيرٍ إلَى الأبَد. وَاللَّهُ يَعْلُمُ هَذَا. يُوآبُ وَعَائِلَتُهُ كُلُّهَا هُمُ المَسْؤُولُونَ عَمَّا حَصَلَ، وَعَائِلَتُهُ كُلُّهَا هِيَ المُلَامَةُ. لَيْتَ عَائِلَةَ يُوآبَ كُلَّهَا تُعَانِي مِنْ مَتَاعِبَ كَثِيرةٍ. لَيتَهُمْ يُصَابُونَ بِالبَرَصِ وَالشَّلَلِ، وَيَمُوتُونَ فِي الحْربِ، وَلَا يَكونَ لَدَيهِمْ مَا يَكْفِي مِنَ الطَّعَامِ!» وَبَعْدَ أنْ قَتَلَ يُوآبُ وَأخُوهُ أبِيشَايُ أبْنَيْرَ لِأنَّهُ قَتَلَ أخَاهُمَا عَسَائِيلَ فِي مَعْرَكَةِ جِبْعُونَ. قَالَ دَاوُدُ لِيُوآبَ وَلِلنَّاسِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ جَمِيعًا: «مَزِّقُوا مَلَابِسَكُمْ وَارْتَدُوا الخَيْشَ. ابْكُوا وَالْطِمُوا عَلَى أبْنَيْرَ.» وَمَشَى دَاوُدُ المَلِكُ وَرَاءَ النَّعْشِ. فَدَفَنُوا أبْنَيْرَ فِي حَبْرُونَ. وَبَكَى المَلِكُ دَاوُدُ وَالنَّاسُ كُلُّهُم عِنْدَ قَبْرِ أبْنَيْرَ. وَهُنَاكَ رَثَى المَلِكُ دَاوُدُ أبْنَيْرَ بِقَولِهِ: «هَلْ مَاتَ أبْنَيْرُ كَمَا لَوْ كَانَ مُجْرِمًا أحْمَقَ؟ أبْنَيْرُ، لَمْ تَكُنْ يَدَاكَ مُكَبَّلَتَيْنِ، وَلَا قَدَمَاكَ مُقَيَّدَتَيْنِ بِالسَّلَاسِلِ. لَا يَا أبْنَيْرُ، بَلِ الأشْرَارُ قَتَلُوكَ!» ثُمَّ بكى النَّاسُ كُلُّهُم أبْنَيْرَ ثَانِيَةً. وظَّلُوا طَوَالَ النّهَارِ يأتونَ إلَى دَاوُدَ ليُشَجِّعوهُ عَلَى تَنَاوُلِ الطَّعَامِ. لَكِنَّ دَاوُدَ كَانَ قَدْ تعَهَّدَ فَقَالَ: «فَلْيُعَاقِبْنِي اللهُ وليُلحِقْ بِي المَتَاعِبَ إنْ أكَلْتُ خُبْزًا أوْ أيَّ طَعَامٍ آخرَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ.» وَرَأى النَّاسُ كُلُّهُمْ مَا جَرَى وَفرِحُوا بِمَا صَنَعَهُ المَلِكُ دَاوُدُ. وَفَهِمُوا كُلُّهُم، فِي يَهُوذَا وَإسْرَائِيل، أنَّ المَلِكَ دَاوُدَ لَمْ يأمُرْ بِقَتلِ أبْنَيْرَ بنَ نَيرٍ. وَقَالَ المَلِكُ دَاوُدُ لِضُبَّاطِهِ: «تَعْلَمونَ أنَّ قَائِدًا مُهِمًّا مَاتَ اليَوْمَ فِي إسْرَائِيلَ. قَدْ مُسِحْتُ مَلِكًا مُنْذُ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ، وَأبْنَاءُ صُرُوِيَّةَ يُسَبِّبون لِي مَتَاعِبَ كَثِيرَةً. فَلْيُجَازِهِمُ اللهُ كَمَا يَسْتَحِقُّونَ.» وَبَلَغَ إلَى مَسَامِعِ ابْنِ شَاوُلَ إيشْبُوشَثَ خَبَرُ مَقْتَلِ أبْنَيْرَ فِي حَبْرُونَ، فَخَافَ إيشْبُوشَثُ وَشَعْبُهُ كُلُّهُ خَوْفًا شَدِيدًا. وَذَهَبَ رَجُلَانِ لِيَرَيَا مَا كَانَ، نُزُولًا عِنْدَ طَلَبِ ابْنِ شَاوُلَ إيشْبُوشَثَ. كَانَ هذَانِ الرَّجُلَانِ مِنْ ضُبَّاطِ الجَيْشِ، وَهُمَا رَكَابُ وَبعْنةُ، ابْنَا رِمُّونَ من بَئِيرُوتَ. كَانَا مِنْ بَنْيَامِينَ لِأنَّ مَدِينَةَ بَئِيرُوتَ كَانَتْ مِلْكًا لِعَائِلَاتِ بَنْيَامِينَ. لِكنَّ سُكَّانَ بَئِيروتَ هَرَبُوا إلَى جَتَّايِمَ وَمَا زَالُوا يَعِيشُونَ فِيهَا حَتَّى هَذَا اليَوْمِ كَغُرَبَاءَ مُقِيمِينَ. وَكَانَ لِيُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ ابْنٌ يُدْعَى مَفِيبُوشَثَ. كَانَ يَبْلُغُ مِنَ العُمْرِ خَمْسَ سَنَوَاتٍ حِينَ وَرَدَتِ الأخْبَارُ مِنْ يَزْرَعِيلَ عَنْ قَتلِ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ. وَخَافَتْ حَاضِنَةُ مَفِيبُوشَثَ، فَحَمَلَتْهُ وَهَرَبَتْ. وَبَيْنَمَا هِيَ مُسْرِعَةٌ، أوقَعَتِ الصَّبيَّ فَأصَابَهُ عَرَجٌ. وَعِنْدَ الظَّهيرَةِ، قَصَدَ رَكَابُ وَبَعْنةُ، ابْنَا رَمُّونَ البَئِيرُوتِيِّ بَيْتَ إيشْبُوشَثَ. وَكَانَ إيشْبُوشَثُ مُسْتَلْقِيًا فِي قَيلُولَةٍ لِأنَّ الطَّقْسَ حَارٌ. فَدَخَلَ رَكَابُ وَبَعْنَةُ البَيْتَ كَمَا لَوْ كَانَا آتِيَينِ لِأخْذِ بَعْضِ القَمْحِ. فَطَعَنَاهُ، ثُمَّ هَرَبَ رَكَابُ وَأخُوهُ بَعْنَةُ. كَانَ إيشْبُوشَثُ مُسْتَلْقيًا عَلَى فِرَاشِهِ فِي غُرْفَةِ نومِهِ عَنْدَمَا دَخَلَا البَيْتَ، فَضَرَبَاهُ وَقَتَلَاهُ وَقَطَعَا رَأسَهُ. ثُمَّ حَمَلَا الرَّأسَ وَسَافَرَا طَوَالَ اللَّيلِ عَبْرَ طَرِيقِ وَادِي الأُرْدُنِّ. وَلَمَّا وَصَلَا إلَى حَبْرُونَ، سَلَّمَا رَأسَ إيشْبُوشَثَ إلَى دَاوُدَ. وَقَالَا لِلمَلِكِ دَاوُدَ: «هُوَذَا رَأسُ عَدُوِّكَ إيشْبُوشَثَ بْنِ شَاوُلَ الَّذِي حَاوَلَ قَتلَكَ. لَقَدْ عَاقَبَ اللهُ اليَوْمَ شَاوُلَ وَعَائِلَتَهُ انتِقَامًا لَكَ.» فَقَالَ دَاوُدُ لِرَكَابَ وَأخِيهِ بَعْنَةَ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ الَّذِي أنْقَذَنِي مِنَ المَتَاعِبِ كُلِّهَا، إنَّهُ لَمَّا قَالَ لِي أحدُهُم: ‹هَا قَدْ مَاتَ شَاوُلُ،› ظَنَّ أنَّهُ يُبَشِّرُنِي! فَقَبَضْتُ عَلَيْهِ وَقَتَلْتُهُ فِي صِقلَغَ. هَكَذَا كَافأتُهُ! أفَلَا تَسْتَحِقَانِ عِقَابًا أكْثَرَ وَأنْتُمَا شِريرَانِ قَتلَا رَجُلًا طَيِّبًا وَهْوَ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ فِي منْزِلهِ؟ أفَلَا أقْتُلُكُمَا وَأمْحُوكُمَا مِنْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ؟» وَهَكَذَا، أمَرَ دَاوُد الجُنودَ الشُّبَّانَ بِقَتلِ رَكَابَ وَبَعْنَةَ. فقَتَلُوهُمَا وَقَطَعُوا يَدَي ورِجْلَي كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَلَّقُوهُمَا عِنْدَ بِرْكَةِ حَبْرُونَ. ثُمَّ أخَذُوا رَأسَ إيشْبُوشَثَ وَدَفَنُوهُ فِي المَكَانِ نَفْسِهِ حَيْثُ دُفِنَ أبْنَيْرُ فِي حَبْرُونَ. وَجَاءَتْ عَشَائِرُ إسْرَائِيلَ كُلُّهَا إلَى حَبْرُونَ، وَقَالُوا لِدَاوُدَ: «نَحْنُ لَحْمُكَ وَدَمُكَ! حَتَّى عِنْدَمَا كَانَ شَاوُلُ مَلِكًا عَلَيْنَا، أنْتَ الَّذِي قَادَنَا إلَى المَعْرَكَةِ، وَأرْجَعَ إسْرَائِيلَ مِنَ الحَرْبِ بِانْتِصَارٍ. وَاللهُ نَفْسُهُ قَالَ لَكَ إنَّكَ سَتَكُونُ رَاعِيَ شَعْبي إسْرَائِيلَ، وَسَتَكُونُ حَاكِمَ إسْرَائِيلَ.» فَجَاءَ قَادَةُ بَنِي إسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ لِلِقَاءِ المَلِكِ دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ. وَهُنَاكَ قَطَعَ المَلِكُ مَعَهُمْ عَهْدًا فِي حَضْرَةِ اللهِ . ثُمَّ مَسَحَ القَادَةُ دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. كَانَ دَاوُدُ فِي الثَّلَاثِينَ مِنَ العُمْرِ عِنْدَمَا تَسَلَّمَ الحُكْمَ وَبَقِيَ مَلِكًا مُدَّةَ أرْبَعِينَ عَامًا. حَكَمَ فِي حَبْرُونَ يَهُوذَا سَبْعَ سَنَوَاتٍ وَسِتَّةَ أشْهُرٍ، وَحَكَمَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ إسْرَائِيلَ كُلَّهَا ويَهُوذَا ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَذَهَبَ المَلِكَ وَرِجَالُهُ لِمُحَارَبَةِ اليبُّوسِيِّينَ المُقِيمِينَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. قَالَ اليَبُّوسِيُّونَ لِدَاوُدَ: «لَا يُمْكِنُكَ أنْ تَدْخُلَ مَدينَتَنَا. حَتَّى العُمْيُ وَالْعُرْجُ قَادِرُونَ عَلَى مَنْعِكَ.» قَالُوا هَذَا لِأنَّهُمْ ظَنُّوا أنَّ دَاوُدَ لَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ دُخُولِ مَدِينَتِهِمْ. لَكِنَّ دَاوُدَ اسْتَوْلَى عَلَى حِصْنِ صِهْيَوْنَ، الَّذِي يُدْعَى الآنَ: «مَدِينَةَ دَاوُدَ.» فِي ذَلِكَ اليَوْمَ، قَالَ دَاوُدُ لِرِجَالِهِ: «إنْ كُنْتُم تُرِيدُونَ هَزْمَ اليَبوسِيِّينَ، أُعبُرُوا نَفَقَ المِيَاهِ، وَنَالُوا مِنْ أُولَئِكَ الأعْدَاءِ وَالعُرْجِ وَالعُمْيُ.» لِذَا يَقُولُ النَّاسُ: «لَا يُمْكِنُ للْعُمْيِ وَالعُرْجِ أنْ يَدْخُلُوا الهَيْكَلَ.» وَسَكَنَ دَاوُدُ فِي الحِصْنِ وَأسَمَاهُ مَدِينَةَ دَاوُدَ. وَبَنَى دَاوُدُ المَدِينَةَ مِنَ مِلُّو إلَى الدَّاخِلِ. وَكَانَتْ قُوَّةُ دَاوُدَ تَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيئًا، لِأنَّ اللهَ ، الإلَهَ القَدِيرَ كَانَ مَعَهُ. أرْسَلَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورٍ رُسُلًا إلَى دَاوُدَ. كَذَلِكَ أرْسَلَ أشْجَارَ أرْزٍ وَنَجَّارينَ وَنَحَّاتِينَ، فَبَنَوْا لِدَاوُدَ بَيْتًا. حينئِذٍ أدْرَكَ دَاوُدُ أنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ مِنْهُ حقًّا مَلِكَ إسْرَائِيل، وَأنَّ اللهَ جَعَلَ مُلكَهُ عَظِيمًا وَسَامِيًا لِأجْلِ شَعْبِهِ إسْرَائِيلَ. وَانتَقَلَ دَاوُدُ مِنْ حَبْرُونَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ حَيْثُ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ مَزِيدًا مِنِ الجَوَارِي وَالزَّوجَاتِ. فرُزِقَ بمزيدٍ مِنَ الأبْنَاءِ وَالبَنَاتِ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاؤُهُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي القُدْسِ: شَمُّوعُ وَشُوبَابُ وَنَاثْانُ وَسُلَيْمَانُ وَيِبْحَارُ وَألِيشُوعُ وَنَافَجُ وَيَافِيعُ وَألِيشَمَعُ وَألِيدَاعُ وَألِيفَلَطُ. وَعَلِمَ الفِلِسْطيُّونَ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ قَدْ مَسَحُوا دَاوُدَ لِيَكُونَ مَلِكَ إسْرَائِيلَ. فَصَعِدُوا بَحْثًا عَنْ دَاوُدَ لِيَقْتُلُوهُ. لَكِنَّهُ عَلِمَ بِالأمَرِ فَدَخَلَ الحِصْنَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَجَاءَ الفِلِسْطِيُّونَ وَأقَامُوا مُعَسْكَرَهُمْ فِي وَادِي رَفَائِيمْ. فَسَألَ دَاوُدُ اللهَ : «هَلْ أصْعَدُ لِمُحَارَبَةِ الفِلِسْطِيّينَ؟ هَلْ سَتُعِينُنِي عَلَى هَزِيمَتِهِم؟» فَقَالَ اللهُ : «نَعَمْ، سأُعِينُكَ عَلَى هَزِيمَةِ الفِلِسْطيِّينَ.» فَذَهَبَ دَاوُدُ إلَى بَعلِ فَرَاصِيمَ، وَهَزَمَ الفِلِسْطيِّينَ هُنَاكَ. ثُمَّ قَالَ: «قَدِ اخْتَرَقَ اللهُ صُفوفَ أعْدَائِي كَمَا تَخْتَرِقُ المِيَاهُ سَدًّا.» فَدعَا دَاوُدُ ذَلِكَ المَكَانَ «بَعلَ فَرَاصِيمَ.» وَتَرَكَ الفِلِسْطيوّنَ تَمَاثِيلَ آلِهَتِهِمْ هُنَاكَ، فِي بَعلَ فَرَاصِيمَ، فَأخَذَهَا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ. وَعَادَ الفِلِسْطيوّنَ وَأقَامُوا مُعَسْكِرَهُمْ فِي وَادِي رَفَائِيمَ. وَصلَّى دَاوُدُ إلَى اللهِ . وَهَذهِ المَرَّةُ، قَالَ لَهُ: «لَا تَهْجُمْ عَلَيْهِمْ مُواجَهَةً، بَلْ دُرْ حَوْلَهُمْ وَاهجُمْ مِنْ نَاحِيَةِ أدغَالِ البُكَا. فَعِنْدَ قِمَّةِ أشْجَارِ البَلَسَانِ هَذِه، سَتَتَمكَّنُ مِنْ سَمَاعِ الفِلِسْطيِّينَ وَهُمْ قَادِمُونَ إلَى المَعْرَكَةِ. حِينَئِذٍ، عَلَيْكَ أنْ تَتَصَرَّفَ بِسُرْعَةٍ لِأنَّ اللهَ سَيَخْرُجُ أمَامَكَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لِهَزِيمَةِ جَيْشِ الفِلِسْطيِّينَ.» فَعَلَ دَاوُدُ مَا أمَرَهُ بِهِ اللهُ وَهَزَمَ الفِلِسْطيِّينَ. فَطَارَدَهُمْ وَقَتَلَهُمْ عَلَى امْتِدَادِ الطَّرِيقِ مِنْ جَبَعَ إلَى جَازَرَ. وَعَادَ دَاوُدُ فَجَمَعَ أفْضَلَ الجُنودِ فِي إسْرَائِيلَ. فَكَانَ عَدَدُهُمْ ثَلَاثِينَ ألْفًا. ثُمَّ ذَهَبَ مَعَ رِجَالِهِ كُلِّهِمْ إلَى بَعلَةَ فِي يَهُوذَا، لِيُحْضِرُوا مِنْ هُنَاكَ صُنْدُوقَ اللهِ المُقَدَّسَ، المَدْعُو بِاسْمِ يهوه القَدِيرِ الجَالِسِ فَوْقَ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ. فَأخْرَجَ رِجَالُ دَاوُدَ الصُّنْدُوقَ المُقَدَّسَ مِنْ بَيْتِ أبِينَادَابَ عِنْدَ التَّلّةِ، وَوَضَعُوهُ عَلَى مَرْكَبَةٍ جَدِيدَةٍ يَقُودُهَا عُزَّةُ وَأخِيُو ابنَا أبِينَادَابَ. فَكَانَ صُنْدُوقُ اللهِ المقدَّسُ عَلَى العَرَبَةِ، وَأخيُو يَسِيرُ أمَامَ الصُّنْدُوقِ، وَدَاوُدُ وَبَنُو إسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ يَرْقُصُونَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَيَعْزِفُونَ عَلَى الصُّنوجِ، وَعَلَى القَيَاثِيرِ وَالرَّبَابِ وَالدُّفُوفِ وَالطُّبُولِ المَصْنوعَةِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ رِجَالُ دَاوُدَ إلَى البَيدَرِ فِي نَاخُونَ، تَعَثَّرَتِ الأبْقَارُ، فَمَدَّ عُزَّا يَدَهُ لِيُثَبِّتَ الصُّنْدُوقَ لِئَلَّا يَقَعَ. فَاشتَعَلَ غَضِبُ اللهُ عَلَى عُزَّا وَقَتَلَهُ هُنَاكَ لِأنَّهُ مَدَّ يَدَهُ إلَى الصُّنْدُوقِ المُقَدَّسِ! فَمَاتَ هُنَاكَ إلَى جَانِبِ الصُّنْدُوقِ. فَاستَاءَ دَاوُدُ لِأنَّ اللهَ أطْلَقَ غَضَبَهُ ضِدَّ عُزَّا، فَدَعَا ذَلِكَ المَكَانَ «فَارَصَ عُزَّا.» وَهُوَ اسْمُ ذَلِكَ المَكَانِ حَتَّى اليَوْمِ. وَخَافَ دَاوُدُ مِنَ اللهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ وَقَالَ: «كيفَ أُحْضِرُ صُنْدوقَ اللهِ المُقَدَّسَ إلَى هُنَا؟» وَهَكَذَا لَمْ يُدْخِلْ دَاوُدُ صُنْدُوقَ اللهِ إلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، بَلْ وَضَعَهُ فِي منزِلِ عُوبِيدَ أدُومَ الجَتّي. فَبَقِيَ صُنْدُوقُ اللهِ هُنَاكَ ثَلَاثَةَ أشْهُرٍ. وَبَارَكَ اللهُ عُوبِيدَ أدُومَ وَعَائِلَتَهُ كُلَّهَا. ثُمَّ قَالَ النَّاسُ لِدَاوُدَ: «لَقَد بَارَكَ اللهُ عَائِلَةَ عُوبِيدَ أدومَ وَكُلَّ مَا يَمْلِكُهُ بِسَبَبِ صُنْدوقِ اللهِ المُقَدَّسِ.» فَذَهَبَ دَاوُدُ وَعَادَ بهِ. فَكَانَ مُبْتَهِجًا وَشَدِيدَ الفَرَحِ. وَكَانَ كُلَّمَا خَطَا الرِّجَالُ الَّذِينَ كَانُوا يَحْمِلُون صُنْدُوقَ اللهِ المقدَّسَ سِتَّ خُطُواتٍ، يَتَوقَّفُونَ، وَيُقدِّمُ دَاوُدُ ثَوْرًا وَعِجْلًا مُسَمَّنًا ذَبِيحَةً. وَكَانَ دَاوُدُ يَرْقُصُ فِي حَضْرَةِ اللهِ وَهْوَ يَرْتَدِي رِدَاءً كِتَّانِيًّا. كَانَ دَاوُدُ وَبَنُو إسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ فَرِحِينَ جِدًّا. فَرَاحُوا يَصْرُخُونَ وَيَنْفُخُونَ فِي البُوقِ وَهُمْ يَحْمِلونَ صُنْدُوقَ اللهِ إلَى دَاخِلِ المَدِينَةِ. وَمَعَ دُخُولِ صُنْدُوقِ اللهِ إلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، أطَلَّتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ النَّافِذَةِ، فَرَأتْ دَاوُدَ يَقْفِزُ وَيَرْقُصُ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، فَاحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا. وَأدخَلُوا صُنْدُوقَ اللهِ ، وَوَضَعُوهُ فِي مَكَانِهِ دَاخِلَ الخَيْمَةِ الَّتِي نَصَبَهَا دَاوُدُ لَهُ. وَذَبَحَ دَاوُدُ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَذَبَائِحَ سَلَامٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَلَمَّا أكمَلَ دَاوُدُ تَقْدِيمَ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَذَبَائِحِ السَّلَامِ، بَارَكَ الشَّعْبَ بِاسْمِ يهوه القَدِيرِ. كَذَلِكَ أعْطَى كُلَّ رَجُلٍ وَكُلَّ امْرأةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَعْكَ تَمْرٍ وَكَعْكَ زَبِيبٍ. ثُمَّ عَادَ الشَّعْبُ كُلُّهُ إلَى ديَارِهِ. عَادَ دَاوُدُ ليُبَارِكَ بَيْتَهُ، وَخَرَجَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ لِلِقَائِهِ، وَقَالَتْ: «مَلِكُ إسْرَائِيلَ لَمْ يُشَرِّفْ نَفْسَهُ اليوْمَ! لَقَدْ خَلَعْتَ ملَابِسَكَ أمَامَ خَادِمَاتِكَ. كُنْتَ كَالْغَبِيِّ الَّذِي يَخْلَعُ مَلَابِسَهُ بِلَا خَجَلٍ!» فَقَالَ دَاوُدُ لِمِيكَالَ: «قَدِ اخْتَارَنِي اللهُ أنَا وَلَمْ يَخْتَرْ وَالِدَكِ أوْ أيَّ شَخْصٍ فِي عَائِلَتِهِ. اخْتَارَنِي لِأكُونَ قَائِدَ شَعْبِهِ، بَنِي إسْرَائِيلَ. لِذَا سَأُتَابعُ الرَّقْصَ وَالِاحْتِفَالَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَقَدْ أفْعَلُ أشْيَاءَ أكْثَرَ حَرَجًا! رُبمَّا لَنْ تَحْتَرِمِينِي، لَكِنَّني سأتَعَظَّمُ أمَامَ عُيُونِ الفَتَيَاتِ اللّوَاتِي تَتَكَلَّمِينَ عَنْهُنَّ!» وَلَمْ يَكُنْ لِمِيكَالَ أوْلَادٌ إلَى يَوْمِ مَمَاتِهَا. بَعْدَ أنِ سَكَنَ دَاوُدُ فِي مَنْزِلِهِ الجَدِيدِ، مَنَحَهُ اللهُ السَّلَامَ مَعَ أعْدَائِهِ المُحِيطِينَ بِهِ جَمِيعًا. قَالَ دَاوُدُ لنَاثْانَ النَّبِيِّ: «هَا إنَّنِي أعِيشُ فِي بَيْتٍ جَمِيلٍ مِنْ خَشَبِ الأرْزِ، أمَّا صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ المُقَدَّسُ فَيَسْكُنُ فِي خَيْمَةٍ!» فَقَالَ نَاثْانُ لِلمَلِكِ دَاوُدَ: «افْعَلْ مَا تُرِيدُ وسَيَكُونُ اللهُ مَعَكَ.» وَفِي تِلْكَ اللّيلَةِ، بَلَغَتْ كَلِمَةُ اللهِ نَاثْانَ النَّبيَّ فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِخَادِمِي دَاوُدَ: ‹هَذَا مَا يَقُولُ اللهُ : لَسْتَ أنْتَ الَّذِي يَبنِي لِي مَنْزِلًا أسْكُنُ فِيهِ. لَمْ أكُنْ أسْكُنُ فِي مَنْزِلٍ يَوْمَ أخْرَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ، بَلْ سَافَرْتُ مِنْ مكَانٍ إلَى آخَرَ فِي خَيْمَةٍ وَمَسْكَنٍ تَحْتَهَا. أينمَا جُلْتُ بينَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ قُلْتُ وَلَوْ كَلِمَةً لِأحَدِ رُؤسَاءِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، الَّذِينَ أوْصَيتُهُمْ بِرِعَايَةِ شَعْبِي إسْرَائِيلَ، وَقُلْتُ لِمَاذَا لمْ تَبْنُوا لِي مَنْزِلًا مِنْ خَشَبِ الأرْزِ.› «وَالْآنَ قُلْ هَذَا لِخَادِمِي دَاوُدَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: ‹أخَذْتُكَ مِنَ المَرْعَى، مِنْ وَرَاءِ الغَنَمِ، لِتَكُونَ أمِيرَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ. كُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا ذَهَبْتَ، وَهَزَمْتُ أعْدَاءَكَ أمَامَكَ. وَسَأجْعَلُ لَكَ شُهْرَةَ العُظَمَاءِ فِي الأرْضِ. وَقَدِ اخْتَرْتُ مَكَانًا لِشَعْبِي إسْرَائِيلَ. زَرَعْتُهُمْ وَأعْطَيتُهُم أرْضًا يَعِيشُونَ فِيهَا، فَلَا يُضْطَرُّونَ إلَى التَّنَقُلِ بَعْدَ اليَوْمِ. وَلَا يَعُودُ الخُطَاةُ يُذَلِّلُونَهُمْ كَمَا فِي المَاضِي، عِنْدَمَا عَيَّنْتُ قُضَاةً لِيَقُودُوا شَعْبِي إسْرَائِيلَ، وَسَأُخضِعُ كُلَّ أعْدَائِكَ لَكَ. أنَا اللهَ أعِدُكَ بِأنْ أجعَلَ بَيْتَكَ بَيْتَ مُلُوكٍ.› «‹وَعِنْدَمَا تَنْتَهِي أيَّامُكَ هُنَا، وَتُدفَنُ مَعَ آبَائِكَ، سَأُقِيمُ أحَدَ أبْنَائِكِ خَلَفًا لَكَ مِنْ صُلبِكَ، وَسَأبنِي مَملَكَتَهُ. وَهْوَ سَيَبْنِي لِي بَيْتًا. وَسَأجْعَلُ مَملَكَتَهُ قَوِيَّةً إلَى الأبَدِ. سَأكُونُ أبَاهُ، وَهُوَ سَيَكُونُ ابْنِي. وَعِنْدَمَا يُخْطِئُ أسْتَعِينُ بِالآخَرِينَ لِمُعَاقَبَتِهِ، فَيَكُونُونَ لِي عَصًا أضرِبُه بِهَا. لَكِنَّنِي لَنْ أكُفَّ أبَدًا عِنْ حُبِّهِ. وَسَأكُونُ أمِينًا لَهُ. فَقَدْ أخَذْتُ حُبِّي وَلُطْفِي مِنْ شَاوُلَ، وَدَفَعْتُ شَاوُلَ جَانِبًا قَبْلَ مَجِيئِكَ إلَى المُلكِ. سَتَبْقَى عَائِلَتُكَ عَائِلَةَ المُلُوكِ، يُمْكِنُكَ أنْ تَثِقَ بِمَا أقُولُ! أمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْكَ، فَسَيَبْقَى عَرْشُكَ قَائِمًا إلَى الأبَدِ.›» فَكَلَّمَ نَاثَانُ دَاوُدَ وَفْقَ كُلِّ هَذَا الكَلَامِ وَكُلِّ هَذِهِ الرُّؤْيَا. ثُمَّ دَخَلَ المَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ فِي حَضْرَةِ اللهِ وَقَالَ: «مَنْ أنَا أيُّهَا الرَّبُّ إلَهي وَمَا هِيَ عَائِلَتِي حَتَّى أوْصَلْتَنِي إلَى هَذَا الحَالِ؟ بَلْ إنَّكَ رَأيَتَ هَذَا قَلِيلًا أيُّهَا الرَّبُّ إلَهي ، فَأمَرْتَ بِالخِيرِ لِنَسْلِ عَبْدِكَ لِزَمَانٍ طَوِيلٍ آتٍ. مَيَّزْتَنِي بَيْنَ النَّاسِ أيُّهَا الرَّبُّ إلَهي . فَمَاذَا أقُولُ لَكَ بَعْدُ أنَا دَاوُدَ؟ فَأنْتَ أعْلَمُ بِخَادِمِكَ أيُّهَا الرَّبُّ إلَهي . فَمِنْ أجْلِ وَعْدِكَ وَبِحَسَبِ قَلْبِكَ، سَتَفْعَلُ كُلَّ هَذِهِ العَظِائِمِ. وَقَدْ كَشَفْتَهَا كُلَّهَا لِي أنَا خَادِمَكَ. فَأنْتَ عَظِيمٌ يَا . وَنَحْنُ لَمْ نَسْمَعْ طَوَالَ حَيَاتِنَا بِمِثْلِكَ، وَلَا بِإلَهٍ سِوَاكَ! «فَأيُّ شَعْبٍ مِثْلُ شَعْبِكَ بَنِي إسْرَائِيلَ؟ فَهَل مِنْ أُمَّةٍ عَلى الأرْضِ ذَهَبَ اللهُ بِنَفْسِهِ لِيَفْديَ شَعْبَهَا، مُعلِنًا اسْمَهُ، وَصَانِعًا أُمُورًا عَظِيمَةً وَمَهيبَةً لَهُمْ، إذْ طَرَدَ أمَامَ شَعْبِهِ أُمَمًا مَعَ آلِهَتِهَا؟ أسَّسْتَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ شَعْبًا لَكَ إلَى الأبَدِ، وَأنْتَ يَا اللهُ ، أصْبَحْتَ إلَهَهُم. «وَالآن ثَبِّتْ إلَى الأبَدِ يَا الكَلَامَ الَّذِي تَكَلَّمَتَ بِهِ مِنْ جِهَةِ خَادِمِكَ وَنَسْلِهِ. حَقِّقْ وَعْدَكَ. حينَئِذٍ يَتَكرَّمُ اسْمُكَ إلَى الأبَدِ، إذْ يَقُولُ النَّاسُ: ‹ اللهُ القَدِيرُ هُوَ إلهُ إسْرَائِيل!› وَيَتَرَسَّخُ بَيْتُ خَادِمِكَ دَاوُدَ أمَامَكَ. «أنْتَ أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، أعلَنْتَ لِي أنَا خَادِمَكَ وَقُلْتَ: ‹سَأبْنِي لَكَ عَائِلَةً عَظِيمَةً.› فَتَشَجَّعْتُ، أنَا خَادِمَكَ، أنْ أُصلِّيَ لكَ هَذِهِ الصّلَاةَ: «أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، أنْتَ هُوَ اللهُ. وَكلَامُكَ حقُّ. أنْتَ وَعَدْتَنِي بِهذَا، أنَا خَادِمَكَ. فأرْجوكَ أنْ تُبَارِكَ عَائِلَتي، بِأنْ تَبْقَى إلَى الأبَدِ أمَامَكَ لِتَخْدِمَكَ. فَأنْتَ أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ قَدْ وَعَدْتَ. فَبَارِكْ عَائِلَةَ عَبْدِكَ إلَى الأبَدِ.» بَعْدَ مُرورِ وَقْتٍ، هَاجَمَ دَاوُدُ الفِلِسْطِيِّينَ وَأخْضَعَهُمْ. وَكَانَتْ عَاصِمَتُهُمْ قَدْ سَيطَرَتْ عَلَى بُقْعَةٍ وَاسِعَةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَيطَرَ دَاوُدُ عَلَيْهَا. كَمَا هَزَمَ دَاوُدُ المُوآبِيِّينَ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، أجْبَرَهُمْ عَلَى الِاسْتِلقَاءِ عَلَى الأرْضِ، ثُمَّ اسْتَخْدَمَ حَبلًا لِيُوَزِّعَهُمْ ضِمْنَ صُفُوفٍ. فَقَتَلَ صَفِّيْنِ مِنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ، وَأبْقَىْ عَلَى حيَاةِ مَنْ كَانُوا فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ. وَهَكَذَا، أصْبَحَ المُوآبِيُّونَ خَدَمَ دَاوُدَ يَدْفَعُونَ لَهُ الجِزْيَةَ. وَكَانَ هَدَدُ عَزَرُ بْنُ رَحُوبَ مَلِكَ صَوبَةَ. وَقَدْ هَزَمَهُ دَاوُدُ يَوْمَ ذَهَبَ لِيستَوْلِيَ عَلَى المِنْطَقَةِ الوَاقِعَةِ بِالقُرْبِ مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ. أخَذَ دَاوُدُ مِنْ هدَدَ عَزَرَ ألْفًا وَسَبعَ مِئَةِ خيَّالٍ وَعِشْرِينَ ألْفًا مِنَ المُشَاةِ. فَعَطَّلَ المَرْكَبَاتِ كُلَّهَا مَا عَدَا مِئَةَ مَرْكَبَةٍ. وَجَاءَ أرَامِيُّو دِمَشْقَ لِمُسَاعَدَةِ هَدَدَ عَزَرَ مَلِكِ صُوبَة. لَكِنَّ دَاوُدَ هَزَمَ الأرَامِيِّينَ وَقَتَلَ مِنُهُمُ اثنَيْنِ وَعِشرِينَ ألْفًا. ثُمَّ وَضَعَ فِرَقًا مِنَ الجُنودِ بَيْنَ الأرَامِيِّينَ فِي دِمَشْقَ. وَأصْبَحَ الأرَامِيُّونَ خَدَمَ دَاوُدَ يَدْفَعُونَ لَهُ الجِزْيَةَ. وَكَانَ اللهُ يَنْصُرُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. وَأخَذَ دَاوُدُ الدُّرُوعَ الذَّهَبِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ لِخَدَمِ هدَدَ عَزَرَ، وَأحْضَرَهَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. كَمَا أخَذَ أشْيَاءَ كَثِيرَةً جِدًا مِنَ البُرُونْزِ مِنْ بَاطِحَ وَبِيرَوَثَايَ – وَهُمَا مَدينَتَانِ مِنْ مُدُنِ هَددَ عَزَرَ. وَسَمِعَ تُوعِي مَلِكُ حَمَاةَ أنَّ دَاوُدَ قَدْ هَزَمَ كُلَّ جَيْشَ هَدَدَ عَزَرَ. فَأرْسَلَ ابْنَهُ يُورَامَ إلَى المَلِكِ دَاوُدَ يُحَيِّيهِ وَيُهَنِّئُهُ لِأنَّهُ حَارَبَ هَدَدَ عَزَرَ وَهَزَمَهُ. وَكَانَ هَدَدُ عَزَرُ قَدْ شَنَّ حُروبًا ضِدَّ تُوعِي مِنْ قَبْلُ. فَأحْضَرَ يُورَامُ هَدَايَا مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالبُرُونْزِ. فأخَذَهَا دَاوُدُ وَكَرَّسَهَا للهِ ، مَعَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ الَّتِي غَنِمَهَا مِنَ الأُمَمِ الَّتِي هَزَمَهَا. فَقَدْ غَنِمَ مِنَ الأرَامِيِّينَ وَالمُوآبِيِّينَ وَالعَمُّونِيِّينَ وَالفلِسْطِيِّينَ وَالعَمَالِيقَ وَمِنْ أمْوَالِ هَدَدَ عَزَرَ بنَ رَحُوبَ مَلِكِ صُوبَة. وَقَتَلَ دَاوُدُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ألْفًا مِنَ الأرَامِيِّينَ فِي وَادِي المِلْحِ. فَازْدَادَتْ شُهْرَتُهُ عَنْدَمَا عَادَ إلَى دِيَارِهِ. وَوَضَعَ دَاوُد فِرَقًا مِنَ الجُنودِ فِي كَافَّةِ أنْحَاءِ أدُومَ الَّتِي أصْبَح سُكَّانُهَا كُلُّهُمْ مِنْ خُدَّامِهِ وَخَاضِعِينَ لَهُ. وَكَانَ اللهُ يَنْصُرُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. وَحَكَمَ دَاوُدُ إسْرَائِيلَ كُلَّهَا. وَكَانَ يَحْكُمُ شَعْبَهُ بِالحَقِّ وَالإنْصَافِ. كَانَ يُوآبُ بْنُ صُرُوِيَّةَ قَائِدَ الجَيْشِ. وَيَهُوشَافَاطُ بْنُ أخيلُودَ المُؤَرّخَ. وَكَانَ صَادُوقُ بْنُ أخِيطُوبَ وَأخِيمَالِكُ بْنُ أبِيَاثَارَ كَاهِنَينِ. وَكَانَ سَرَايَا كَاتِبًا، وَبَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ مَسْؤُولًا عَنْ الكْرِيتيِّينَ وَالفِليتيّينَ. أمَّا أبْنَاءُ دَاوُدَ فَكَانُوا مِنَ القَادَةِ المُهِمِّينَ. وَسَألَ دَاوُدُ: «هَلْ بَقِيَ أيُّ فَرْدٍ مِنْ عَائِلَةِ شَاوُلَ؟ أُرِيدُ أنْ أُظْهِرَ لَهُ لُطْفًا وَإحْسَانًا، مِنْ أجْلِ يُونَاثَانَ.» وَكَانَ لِعَائِلَةِ شَاوُلَ خَادِمٌ يُدْعَى صِيبَا. فأحْضَرَهُ الخَدَمُ إلَى دَاوُدَ. فقَال لَهُ المَلِكُ: «هَلْ أنْتَ صِيبَا؟» قَالَ صِيبَا: «نَعَمْ أنَا خَادِمُكَ صِيبَا.» فَقَالَ المَلِكُ: «هَلْ بَقِيَ أيُّ شَخْصٍ مِنْ عَائِلَةِ شَاوُلَ؟ أُريِدُ أنْ أصْنَعَ لَهُ إحْسَانًا وَخَيرًا.» فَقَالَ صِيبَا لِلمَلِكِ دَاوُدَ: «هُنَاكَ ابْنٌ لِيُونَاثَانَ مَا يَزَالُ حَيًّا وَهُوَ أعْرَجُ فِي سَاقَيهِ.» فَقَالَ المَلِكُ لِصيِبَا: «أيْنَ هُوَ هَذَا الِابْنُ؟» فَقَالَ صِيبَا لِلمَلِك: «إنَّهُ فِي مَنْزِلِ مَاكِيرَ بْنِ عَمِّيئِيلَ فِي لُودَبَارَ.» حِينَئِذٍ أرْسَلَ المَلِكُ بَعْضًا مِنْ ضُبَّاطِهِ إلَى لُودَبَارَ لِيُحْضِرُوا ابْنَ يُونَاثَانَ مِنْ مَنْزِلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ. جَاءَ مَفِيبُوشَثُ بْنُ يُونَاثَانَ إلَى دَاوُدَ وَانْحَنَى أمَامَهُ بِرأسِهِ نَحْوَ الأرْضِ. قَالَ دَاوُدُ: «أأنْتَ مَفِيبُوشَثُ؟» فَقَالَ مَفِيبُوشَثُ: «نَعَمْ سَيِّدِي، هَذَا أنَا خَادِمُكَ مَفِيبُوشَثُ.» فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: «لَا تَخَفْ، سَأُحْسِنُ إلَيْكَ مِنْ أجْلِ وَالِدِكَ يُونَاثَانَ. سَأُعِيدُ لَكَ أرْضَ جَدِّكَ شَاوُلَ كُلَّهَا. وَسَتَتَنَاوَلُ طَعَامَكَ عَلَى مَائِدَتِي دَائِمًا.» وَانْحَنى مَفِيبُوشَثُ مِنْ جَدِيدٍ أمَامَ دَاوُدَ، وَقَالَ: «أنَا لَسْتُ أفْضَلَ مِنْ كَلْبٍ مَيتٍ لَكِنَّكَ تَتَصَرَّفُ مَعِي بِكَثِيرٍ مِنَ الطّيبَةِ.» فَاسْتَدْعَى المَلِكُ صِيبَا خَادِمَ شَاوُلَ، وَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ أعْطَيتُ حَفِيدَ سَيِّدِكَ مَفِيبُوشَثَ كُلَّ مَا كَانَ لِشَاوُلَ وَعَائِلتِهِ. سَتَعْمَلُ أنْتَ فِي أرْضِ مَفِيبُوشَثَ وَكَذَلِكَ أبْنَاؤكَ وَخَدَمُكَ. سَتَحْصُدُ المحَاصِيلَ، فَيَحْصُلَ حفيدُ سَيِّدِكَ عَلَى الكَثِيرِ مِنَ الطَّعَامِ لِيَأْكُلَهُ. لكنْهُ سَيَجْلِسُ دَائِمًا إلَى مَائِدَتِي.» وَكَانَ لِصِيبَا خَمْسَةَ عَشَرَ ابْنًا وعِشْرِينَ خَادِمًا. فَقَالَ لِلمَلِكِ دَاوُد: «أنَا خَادِمُك. وَسَأفَعَلُ كُلَّ مَا يَأْمُرُنِي بِهِ مَوْلَايَ المَلِكُ.» وَهَكَذَا جَلَسَ مَفِيبُوشَثُ إلَى مَائِدةِ دَاوُدَ كَمَا لَوْ كَانَ أحَدَ أبْنَاءِ المَلِكِ. وَكَانَ لَهُ ابْنٌ شَابٌ يُدْعى مِيخَا. وَقَدْ أصْبَحَ كُلُّ النَّاسِ فِي عَائِلةِ صِيبَا خُدَّامَ مَفِيبُوشَثَ. كَانَ مَفِيبُوشَثُ أعْرَجَ السَّاقينِ وَيَعِيشُ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَفِي كُلِّ يومٍ، كَانَ يَجْلِسُ إلَى مَائِدَةِ المَلِكِ لِتَنَاوُلِ الطّعَامِ. وَبعْدَ مُدَّةٍ، مَاتَ نَاحَاشُ مَلِكُ العَمُّونِيِّينَ، وَخَلَفَهُ ابْنُهُ حَانُونُ فِي المُلْكِ. فَقَالَ دَاوُدُ: «لَقَدْ كَانَ نَاحَاشُ طَيِّبًا مَعِي. لِذَا سَأكُونُ طَيِّبًا مَعَ ابْنِهِ حَانُونَ» فَأرْسَلَ دَاوُدُ ضُبَّاطَهُ لِيُعَزُّوا حَانونَ بِمَوْتِ وَالِدِهِ. وَهَكَذَا ذَهَبَ ضُبَّاطُ دَاوُدَ إلَى أرْضِ العَمُّونِيِّينَ. لَكِنَّ القَادةَ العَمُّونِيِّينَ قَالُوا لِحَانُونَ سَيِّدِهِم: «هَلْ تَحْسَبُ أنَّ دَاوُدَ يُرِيدُ إكرَامَكَ بِإرسَالِهِ بَعْضَ الرِّجَالِ لِتَعْزِيَتِكَ؟ بَلْ أرْسَلَ دَاوُدُ هؤلَاءِ الرِّجَالَ لِيَتَعَرَّفُوا سِرًّا إلَى مَدينَتِنَا وَيَتَجَسَّسُوهَا وَيدْرُسُوا شُؤونَهَا. إنَّهُمْ يُخَطِّطونَ لِشَنَّ الحَرْبِ ضِدَّكَ وَتَدْمِيرِ أرْضِكَ.» فَقَبَضَ حَانُونُ عَلَى رِجَالِ دَاوُدَ وَحَلَقَ نِصْفَ لِحَاهُم. ثُمَّ قَصَّ ثِيَابَهُمْ فَعَرَّى أجْسَامَهُمْ، وَصَرَفَهُمْ. وَعِنْدَمَا أخْبَرَ النَّاسُ دَاوُدَ بِذَلِكَ، أرْسَلَ رُسُلًا لِملَاقَاةِ رِجَالِهِ لِأنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لِمَهَانَةٍ كَبِيرةٍ، وَكَانُوا خَجِلِينَ. وَقَالَ المَلِكُ دَاوُدُ: «انْتَظِرُوا فِي أرِيحَا حَتَّى تَنْموَ لِحَاكُمْ، ثُمَّ عُودُوا.» وَلَمَّا رَأى العَمُّونِيُّونَ أنَّهُمْ قَدْ أصْبَحُوا أعْدَاءَ دَاوُدَ، وَأنَّهُ انزَعَجَ مِنْهُمْ جِدًّا، اسْتَدْعَوْا عِشْرِينَ ألْفَ أرَامِيٍّ مِنَ المُشَاةِ مِنْ بَيْتِ رَحُوبَ وصُوبَا. وَاسْتَعَانُوا كَذَلِكَ بِمَلِكِ مَعْكَةَ وَمَعَهُ ألفُ رَجُلٍ، وَبِاثنَيْ عَشَرَ ألْفَ رَجُلٍ مِنْ طُوبٍ. وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ بِهَذَا، أرْسَلَ يُوآبَ وَكُلَّ جَيْشِ الأقْوِيَاءِ. وَخَرَجَ العَمُّونِيُّونَ وَاستَعَدُوا لِلمَعْرَكَةِ، وَوَقَفُوا عِنْدَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ. أمَّا الأرَامِيُّون الَّذِينَ أتَوْا مِنْ صُوبَا وَرَحُوبَ، وَالآخَرُونَ الَّذِينَ مِنْ طُوبٍ وَمَعْكَةَ فَلَمْ يقِفُوا مَعَ العَمُّونِيِّينَ فِي سَاحَةِ المَعْرَكَةِ. وَرَأى يُوآبُ أنَّهُ وَقَعَ بَيْنَ فَكَّي جَبْهَتَي القِتَالِ مِنَ الأمَامِ وَمِنَ الخَلف، فَاخْتَارَ مِنْ أفْضَلِ جُنُودِ بَنِي إسْرَائِيلَ لِمُواجَهَةِ جَيْشِ الأرَامِيِّينَ. ثُمَّ أوْكَلَ قِيَادَةَ بَقِيَّةِ الرِّجَالِ إلَى أخِيهِ أبِيشَايَ، وَنَظَّمَ صُفُوفَهُمْ فِي مُواجَهَةِ العَمُّونِيِّينَ. وَقَالَ يُوآبُ لِأخِيهِ أبِيشَاي: «إذَا كَانَ الأرَامِيُّونَ أقْوَى مِنْ أنْ أسْتطِيعَ مُواجَهَتَهُمْ وَحْدِي فَسَتُسَاعِدُنِي. وَإذَا كَانَ العَمُّونِيُّونَ أقْوَى مِنْ أنْ تَسْتَطِيعَ مُواجَهَتَهُمْ وَحْدَكَ فَسَأُسَاعِدُكَ. كُنْ قَوِيًّا، وَلنُحَارِبْ بِشَجَاعةٍ مِنْ أجْلِ شَعْبِنَا ومِنْ أجْلِ مُدُنِ إلهنَا. وَسَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَرَاهُ صَوَابًا.» وَهَاجَمَ يُوآبُ وَرِجَالُهُ الأرَامِيِّينَ فَهَرَبَ هَؤلَاءِ مِنْ أمَامِهِمْ. وَلَمَّا رَأى العَمُّونِيُّونَ الأرَاميِّينَ هَارِبِينَ هَرَبُوا هُمْ أيْضًا مِنْ أبِيشَايَ وَعَادُوا إلَى مَدينَتِهِم. حِينَئِذٍ، عَادَ يُوآبُ مِنَ المَعْرَكَةِ ضِدَّ العَمُّونِيِّينَ وَرَجِعَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. فَلمَّا رأى الأرَامِيُّونَ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ هَزَمُوهُمْ، اجْتَمَعُوا ضِمْنَ جَيْشٍ وَاحِدٍ كبِيرٍ. وَأرْسَلَ هَدَدُ عَزَرُ رُسُلًا لِإحْضَارِ الأرَاميِّينَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ عِنْدَ الضِّفَّةِ الأُخْرى مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ. فَجَاءَ الأرَامِيُّونَ إلَى حِيلَامَ يِقِيَادَةِ شُوبَاكَ قَائِدِ جَيْشِ هَدَدَ عَزَرَ. وسَمِعَ دَاوُدُ بِهذَا، فجَمَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ كُلَّهُمْ وَعَبَرُوا نَهْرَ الأُرْدنِ وَذَهَبُوا إلَى حِيلَامَ. وَهُنَاكَ تَجَهَّزَ الأرَامِيُّونَ لِلمَعْرَكَةِ وَشَنُّوا هُجُومَهُمْ. وَهَرَبَ الأرَامِيُّونَ مِنْ أمَامِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَتَلَ دَاوُدُ سَبْعَ مِئَةِ قَائِدِ مَرْكَبَةٍ، وَأرْبَعينَ ألْفًا مِنَ الخيَّالةِ. وَقَتَلَ شوبَاكَ، قَائِدَ الجَيْشِ الأرَاميَّ. وَلَمَّا رَأى المُلوكُ الَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَ هدَدْ عَزَرَ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ قَدْ هَزَموهُم، عَقَدُوا صُلْحًا مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَأصْبَحُوا خُدَّامًا لَدَيهِم. وصَار الأرَامِيِّونَ يَخْشَوْن أنْ يُسَاعِدُوا العَمُّونِيِّينَ مِنْ جَدِيدٍ. وَفي الرّبيعِ – وهْوَ الفَصْلُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ المُلُوكُ لِشَنِّ الحُرُوبِ – أرْسَلَ دَاوُدُ يُوآبَ وَضُبَّاطَهُ وبَنِي إسْرَائِيلَ جَمِيعًا لِيُدَمَّرُوا العَمُّونِيِّينَ. وحَاصَرَ يُوآبُ عَاصِمَتَهُمْ رَبَّةَ. أمَّا دَاوُدَ فَبَقِيَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَفِي المَسَاءِ، نَهَضَ مِنْ سَريرِهِ وَذَهَبَ يَمْشِي فَوْقَ سَطْحِ مَنْزِلِ المَلِكِ وَفيمَا هُوَ هُنَاكَ، رأى امْرأةً تَسْتَحِمُّ، وكَانَتْ جَمِيلَةً جدًّا. فَاسْتَدْعَى دَاوُدُ ضُبَّاطَهُ وسألَهُم مَنْ تَكُونُ هَذِهِ المَرْأةُ. فأجَابَهُ أحَدُهُم: «تِلْكَ المَرْأةُ هِيَ بَثْشَبَعُ بِنْتُ ألِيعَامَ. إنَّهَا زَوْجَةُ أُورِيَّا الحِثّيِّ.» فأرْسَلَ دَاوُدُ رُسلًا يُحْضِرُونَهَا إليهِ. وَلمَّا أتَتْ عَاشَرَهَا، ثُمَّ عَادَتْ إلَى بيِتِهَا. وَكَانَتْ قَدِ اغْتَسَلَتْ لِلتَّوِّ مِنْ حَيْضِهَا. فَحَبِلَتْ المَرْأةُ، وَأرْسَلَتْ مَنْ يُخبِرُ دَاوُدَ أنَّهَا قَدْ حَبِلَتْ. فَأرْسَلَ دَاوُدُ إلَى يُوآبَ رِسَالَةً قَالَ فِيهَا: «أرْسِلْ إليَّ أُورِيَّا الحِثّيِّ.» وَهَكَذَا فَعَلَ يُوآبُ. فَجَاءَ أورِيَّا إلَى دَاوُدَ فَكَلَّمَهُ. وَسَألَهُ دَاوُدُ عَنْ حَالِ يُوآبَ وَالجُنُودِ وَالْحَرْبِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ إلَى بَيْتِكَ وَاسْتَرِحْ.» فَغَادَرَ أُوريَّا مَنْزِلَ المَلِكِ، وَأرْسَلَ لَهُ هَذَا الأخيرُ هَدِيَّةً. لَكِنَّ أوريَا لَمْ يَذْهَبْ إلَى دَارِهِ، بَلْ نَامَ خَارِجَ بَابِ مَنزِلِ المَلِكِ. نَامَ هُنَاكَ كسَائِرِ خُدَّامِ المَلِكِ. فأخبَرَ هَؤلَاءِ دَاوُدَ بِقَولِهِم: «لَمْ يَذْهَبْ أُورِيَّا إلَى بَيْتِهِ.» فَقَالَ دَاودُ لِأُورِيَّا: «جِئْتَ مِنْ رِحلَةٍ طَوِيلةٍ، فَلِمَ لَمْ تَذْهَبْ إلَى بَيْتِكَ؟» فَقَالَ أُورِيَّا: «الصُّنْدُوقُ المُقَدَّسُ وَجُنُودُ إسْرَائِيلَ ويَهُوذَا يَنَامُونَ فِي الخِيَامِ. وَسيِّدي يُوآبُ وضُبَّاطُ مَوْلَايَ المَلِكِ فِي خيَامِهِم فِي الحُقُولِ. فَكَيْفَ أذْهَبُ إلَى بَيْتِي لِأشْرَبَ وَأُعَاشِرَ زَوْجَتِي؟» أُقْسِمُ بِحَيَاتِكَ وَنَفْسِكَ، لَا أفْعَلَ أمْرًا كَهَذَا! فَقَالَ دَاوُدُ لِأُورِيَّا: «ابْقَ هُنَا اليَوْمَ، وَغَدًا أُرْجِعُكَ إلَى المَعْرَكَةِ.» فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، بَقِيَ أُورِيَّا فِي مَدِينَةِ القُدْسِ حَتَّى صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالي. ثُمَّ أرْسَلَ دَاوُدُ فِي طَلَبِهِ، فأكَلَ مَعَهُ وشرِبَ حَتَّى ثَمِلَ أُورِيَّا، لَكِنَّهُ لمْ يَذْهَبْ إلَى بَيتِهِ فِي ذَاكَ المَسَاءِ أيْضًا، بَلْ نَامَ عِنْدَ خُدَّامِ المَلِكِ بِالْقُرْبِ مِنْ بَابِ المَلِكِ. فِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، كَتَبَ دَاوُدُ إلَى يُوآبَ رِسَالَةً بَعَثَ بِهَا مَعَ أُورِيَّا. وقَدْ جَاءَ فِيهَا: «ضَعْ أُورِيَّا عندَ الخُطُوطِ الأمَامِيَّة عِنْدمَا تَكُونُ المَعْرَكةُ فِي أشَدِّهَا، ثُمَّ تَرَاجَعُوا، وَلْيُقْتَلْ هُوَ فِي المَعْركَةِ.» وَرَاقَبَ يُوآبُ المَدِينَةَ وَحَدَّدَ موقِع العَمُّونِيِّينَ الأكثرَ شَجَاعَةً وَقُوَّةً. وَاخْتَارَ أُورِيَّا لِكَي يَذْهَبَ إلَى ذَاكَ المَوقِعِ. ثُمَّ خَرَجَ رِجَالُ المَدِينَةِ لِمُحَارَبَةِ يُوآبَ، فَقُتِلَ بَعْضُ رِجَالِ دَاوُدَ وَكَانَ أُورِيَّا الحثِّيُّ وَاحِدًا مِنْهُم. وَأرْسَلَ يُوآبُ إلَى دَاوُدَ رسُولًا يُخبِرُهُ بِمَا حَصَلَ فِي المَعْرَكَةِ. وَقَالَ لِلرَّسُولِ: «بَعْدَ أنْ تُخبِرَ المَلِكَ بِأخْبَارِ المَعْرَكَةِ، رُبَّمَا يَغْضَبُ المَلِكُ وَيسَألُ: ‹لِمَ اقترَبَ جَيْشُ يُوآبَ إلَى هَذَا الحَدِّ مِنَ المدينةِ للقتَال؟ ألَا يَعْرِفُ أنَّ فَوْقَ الأسْوَارِ مَنْ يُطلِقونَ السِّهَامَ؟ مَنْ قَتَلَ أبيمَالِكَ بنَ يَرُبُّوشَثَ؟ أمَا قَتَلَتْهُ امْرأةٌ بِحَجَرِ رَحَىً ألقَتَهُ مِنْ فَوقِ السُّورِ، فَمَاتَ فِي تَابَاص؟ فلِمَ اقْتَرَبَ مِنَ الأسْوَارِ؟› فَقُلْ لَهُ: ‹مَاتَ أيْضًا ضَابِطُكَ أُورِيَّا الحِثِّيُّ!›» فَدَخَلَ الرَّسُولُ وَأخْبَرَ دَاوُدَ بِكُلِّ مَا طَلَبَ مِنْهُ يُوآبُ قَولَهُ. قَالَ الرّسولُ لِدَاوُدَ: «هَاجَمَنَا رِجَالُ عَمُّونَ فِي الحَقْلِ وَكَادُوا أنْ يَتَغَلَّبُوا عَلَيْنَا، فحَاربْنَاهُمْ وَطَارَدْنَاهُمْ حَتَّى بوَّابَةِ المَدِينةِ. وهُنَاكَ، رَمَى الرِّجَالُ مِنْ فَوْقَ أسْوَارِ المَدِينَةِ السِّهَامَ عَلَى رِجَالِكَ. فَقُتِلَ بَعْضُ رِجَالِكَ يَا مَوْلَايَ المَلِكُ، وكَذَلِكَ قُتِلَ خَادِمُكَ أُورِيَّا الحِثّيُّ.» فَقَالَ دَاوُدُ للرَّسولِ: «انْقُلْ هذِهِ الرِّسَالَةَ إلَى يُوآبَ قُلْ لَهُ: ‹لَا تَشْعُرْ بِاسْتِيَاءٍ بِسَبَبِ مَا حَصَلَ. فَالسَّيْفُ يقْتُلُ بلَا تَمْيِيزٍ. فَلْتَشُنَّ هُجومًا أقْوَى عَلَى رَبَّةَ، وَسَتَنْتَصْرُ.› شَجِّعْ يُوآبَ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ.» وَبَلَغَ إلَى مَسَامِعِ بَثْشَبَعَ خبرُ وَفَاةِ زَوْجِهَا أُورِيَّا، فَبَكَتْهُ. وبَعْدَ أنِ انْقَضَتْ فَتْرَةُ حِدَادِهَا، أرْسَلَ دَاوُدُ خُدَّامًا يُحضِرونَهَا إلَى بَيْتِهِ فأصْبحَتْ زوجَتَهُ وولدَتْ لَهُ ابْنًا. لَكِنَّ هَذَا الأمَرَ السَّيِّئَ الَّذِي اقْتَرَفَهُ دَاوُدُ لَمْ يُرْضِ اللهَ . وَأرْسَلَ اللهُ نَاثْانَ إلَى دَاوُدَ يَقُولُ لَهُ: «كَانَ فِي إحْدَى المُدُنِ رَجُلَانِ، أحَدُهُمَا غَنِيٌّ وَالآخَرُ فَقِيرٌ. كَانَ الغَنِيُّ يَمْلِكُ الكَثِيرَ مِنَ الغَنَمِ وَالْمَاشِيَةِ. لكنَّ الفَقيرَ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ شيئًا سِوَى نَعْجَةٍ صَغِيرةٍ كَانَ قَدِ اشْتَرَاهَا. وَكَانَ الفقيرُ يُطْعِمُ النَّعْجَةَ فكَبِرَتْ مَعَ الرَّجُلِ وَأوْلَادِهِ. فَكَانَتِ النَّعجَةُ تَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ الفَقيرِ وَتَشْرَبُ مِنْ كأسِهِ وتَنَامُ عَلَى صَدْرِهِ. كَانَتْ بِمَثَابَةِ ابْنةٍ لَهُ. «ثمَّ حَدَثَ أنْ تَوَقَّفَ أحَدُ المُسَافِرينَ لِزيَارةِ الرَّجُلِ الغَنِيِّ. وَأرَادَ الغَنِيُّ أنْ يُعْطِيَ الضَّيفَ طَعَامًا. لكنَّه لَمْ يَكُنْ يُريِدُ أنْ يَأْخُذَ أيَّ شيءٍ مِنْ غَنَمِهِ أوْ مَاشِيَتِهِ لِيُطْعِمَهُ. فأخَذَ النَّعْجَةَ مِنَ الفَقِيرِ وَذَبَحَهَا وَطَبَخَهَا لِضَيفِهِ.» فَغَضِبَ دَاوُدُ كَثيِرًا مِنَ الغَنِيِّ وَقَالَ لنَاثْانَ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، الرَّجُلُ الَّذِي فَعَلَ هَذَا يَنْبَغِي أنْ يَمُوتَ! يَنْبَغِي أنْ يَدْفَعَ ثَمَنَ النَّعْجَةِ أرْبَعَ مَّرَاتٍ لِأنَّهُ فَعَلَ هَذَا الأمْرَ الفَظيعَ، وَلَمْ يَكُنْ رَحُومًا.» فَقَالَ نَاثْانُ لدَاودَ: «أنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! وَإلَيكَ مَا يَقُولُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹لَقَدِ اخْتَرْتُكَ لِتَكُونَ مَلِكَ إسْرَائِيل. أنْقَذْتُكَ مِنْ شَاوُلَ. فتَرَكْتُكَ تَأْخُذُ عَائِلَتَهُ وَزَوْجَاتِهِ. وَجعَلْتُكَ مَلِكَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَبني يَهُوذَا. وكمَا لَوْ أنَّ ذَلِكَ كلَّهُ قَليلٌ، أعْطَيتُكَ المَزيدَ وَالْمَزيدَ. فَلِمَاذَا تَجَاهَلْتَ كَلِمَةَ اللهِ ، وَفَعَلْتَ الشَّرَّ أمَامَهُ؟ تَرَكْتَ العَمُّونِيِّينَ يَقْتُلُونَ أُورِيَّا الحِثِّي وَأخَذْتَ زَوْجَتَهُ. قَتَلْتَ أورِيَّا بِسَيْفِ العَمُّونِيِّينَ. لِذَا لن يُغَادِرَ السَّيْفُ عَائِلتكَ أبَدًا. فَقَدْ أخذْتَ زوجَةَ أُورِيَّا الحِثّي، وَلَمْ تُبَالِ بِي.› «إلَيْكَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹سَأجْلِبُ لَكَ المَتَاعِبَ مِنْ عَائِلَتِكَ أنْتَ. فسَآخُذُ زَوْجَاتِكَ أمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِصَاحِبِكَ. وَسَيُعَاشِرُهُنَّ عَلَى عِلمٍ مِنَ الجَمِيعِ! أنْتَ عَاشَرْتَ بَثْشَبَعَ سِرًّا، وَأنَا سَأُعَاقِبُكَ علَنًا أمَامَ جَمِيعِ بَنِي إسْرَائِيلَ.›» ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لنَاثْانَ: «لَقَدْ أخْطَأتُ إلَى اللهِ .» فَقَالَ نَاثْانُ لِدَاوُدَ: «سَيُسَامِحُكَ اللهُ حَتَّى عَلَى خطيَّتِكَ هَذِهِ، فَلَنْ تَمُوتَ. لَكِنَّكَ فعَلْتَ أشْيَاءَ جَعَلَتْ أعْدَاءَ اللهِ يَفْقِدُونَ احتِرَامَهُمْ لَهُ! لِذَا سَيَموتُ مَولُودُكَ الصَّبِيُّ.» ثُمَّ ذَهَبَ نَاثْانُ إلَى دَارِهِ. وَجَعَل اللهُ المَولودَ – ابْنَ دَاوُدَ مِنْ زَوْجَةِ أورِيَّا – يُصَابُ بِمَرَضٍ شَدِيدٍ. فصلَّى دَاوُدُ إلَى اللهِ مِنْ أجْلِ الطِّفلِ، وَرَفَضَ أنْ يَأْكُلَ أوْ يَشرَبَ. وَدَخَلَ بَيْتَهُ وبَقِيَ هُنَاكَ، ثُمَّ تَمَدَّد عَلَى الأرْضِ طَوَالَ اللَّيلِ. فَجَاءَ قَادَةُ عَائِلَةِ دَاوُدَ وَحَاوَلُوا رَفْعَهُ مِنْ عَلَى الأرْضِ، لَكِنَّهُ رَفَضَ. كَمَا رَفَضَ أنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ مَعَ هؤلَاءِ القَادَةِ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، مَاتَ الطِّفلُ. فَخَشِيَ خُدَّامُ دَاوُدَ تَبليغَهُ بِمَوْتِ الطِّفلِ. فَقَالُوا: «هَا قَدْ حَاوَلْنَا أنْ نُكَلِّمَ دَاوُدَ عِنْدمَا كَانَ الطِّفلُ مَا يَزَالُ حَيًّا، لَكِنَّهُ رَفَضَ الِاسْتِمَاعَ إلَيْنَا. فِإنْ أخْبَرْنَاهُ الآنَ بِمُوتِ الطِّفلِ، رُبَّمَا يَفْعَلُ بِنَفْسِهِ شَيْئًا رَدِيئًا.» لَكِنَّ دَاوُدَ رأى خُدَّامَهُ يَتَهَامسونَ، وَفَهِمَ أنَّ الطِّفْلَ قَدْ مَاتَ. فَسألَهُم: «أمَاتَ الطِّفلُ؟» أجَابَ الخُدَّامُ: «أجَلْ، مَاتَ.» فَنَهَضَ دَاوُدُ مِنْ عَلَى الأرْضِ وَاغْتَسَلَ وتدهَّن بِالزَّيْتِ وَبَدَّل مَلَابِسَهُ، وَذَهَبَ إلَى بَيْتِ اللهِ لِيَعْبُدَ اللهَ. ثُمَّ ذَهَبَ إلَى بِيتِهِ وطَلَبَ شَيْئًا يأكُلُهُ، فَأعْطَاهُ خدَّامُه بَعْضَ الطَّعَامِ فَأكَلَ. فَقَالُوا لَهُ: «لِمَ تَفْعَلُ هَذَا؟ عِنْدَمَا كَانَ الطِّفلُ مَا يَزَالُ حيًّا، رَفَضْتَ أنْ تَأْكُلَ وكُنْتَ تَبْكِي. لَكِنْ عندمَا مَاتَ، نَهَضْتَ وَأكَلْتَ.» فَقَالَ دَاوُدُ: «عِنْدَمَا كَانَ الطِّفلُ مَا يَزَالُ حَيًّا، رَفَضْتُ أنْ آكُلَ وبَكَيتُ لِأنَّني فَكَّرْتُ فِي نَفْسِي: مَنْ يَدْرِي؟ لَرُبَّمَا شَفِقَ اللهُ عَلَيَّ وَتَرَكَ الطِّفْلَ يَحْيَا. لَكِنَّ الطِّفْلَ قَدْ مَاتَ الآن، فَلِمَ أرْفُضُ الطَّعَامَ؟ هَلْ يُمْكِنُنِي أنْ أُعيدَ الطِّفْلَ إلَى الحَيَاةِ؟ يومًا مَا، سَأذْهَبُ إليهِ، لَكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ العَوْدَةَ إليَّ.» ثُمَّ عَزَّى دَاوُدُ بَثْشَبَعَ وَعَاشَرَهَا، فَحَمَلَتْ ثَانِيَةً، وَوَلَدَتِ ابْنًا ثَانيًا سَمَّاهُ دَاوُدُ سُلَيْمَانَ. وَأحَبَّ اللهُ سُلَيمَان. فأرْسَلَ كَلِمَةً عَلَى فَمِ نَاثْانَ النَّبِيِّ. أطلَقَ نَاثْانُ عَلَى سُلَيْمَانَ اسْمَ يَديدِيَا. فَعَلَ هَذَا مِنْ أجْلِ اللهِ . كَانَتْ رِبَّةُ عَاصِمَةَ العَمُّونِيِّينَ، فشنَّ يُوآبُ الحَرْبَ ضِدَّهَا وَاحْتَلَّهَا. ثمَّ أرْسَلَ إلَى دَاوُدَ رُسُلًا يَقُولُونَ: «لَقَدْ شَنَنْتُ الحَرْبَ ضِدَّ رِبَّةَ. لَقَدِ احْتللْتُ مَدِينَةَ المِيَاهِ. فَاجْمَعِ الآنَ النَّاسَ الآخَرِينَ وهَاجِمُوا مَدِينَةَ رِبَّةَ وَاحْتَلُّوهَا قَبْلَ أنْ أفْعَلَ أنَا ذَلِكَ. لِأنَّني إنْ فَعَلْتُ، دُعِيَتْ هَذِهِ المَدِينَةُ بِاسْمِي.» فَجَمَعَ دَاوُدُ الشَّعْبَ كُلَّهُ وَذَهَبَ إلَى رِبَّةَ وَشَنَّ الحَرْبَ ضدَّهَا وَاحْتلَّهَا. وَخَلَعَ دَاوُدُ تَاجَ إلَهِهِمْ مَلْكُومَ عَنْ رَأسِهِ. وَكَانَ يَزِنُ قِنطَارًا مِنَ الذَّهَبِ، وَعَلَيْهِ حَجَرٌ كَرِيمٌ. فَوَضَعَهُ دَاوُدُ عَلَى رَأسِهِ. وَسَبَى دَاوُدُ مِنَ المَدِينَةِ الكَثِيرَ مِنَ الغَنَائِمِ. كَذَلِكَ أخْرَجَ سُكَّانَ المَدِينَةِ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ أنْ يَعْمَلُوا بِالمَنَاشيرِ وَمَعَاوِلِ وَفُؤُوسِ الحَدِيدِ. كَمَا أجْبَرَهُمْ عَلَى البِنَاءِ بقوَالِبِ الطُوبِ. فَعَلَ دَاوُدُ الشَّيءَ نَفْسَهُ بِمُدُنِ العَمُّونِيِّينَ كُلِّهَا. ثمَّ عَادَ مَعَ جَيْشِهِ كلَّهِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. كَانَ لدَاوُدَ ابْنٌ يُدْعَى أبْشَالُومَ. وَلأبْشَالُومَ أُخْتٌ تُدْعَى ثَامَارَ، جَمِيلَةٌ جِدًّا. وَكَانَ أمْنُونَ – وَهُوَ أحَدُ أبْنَاءِ دَاوُدَ – وَاقعًا فِي غَرَامِ ثَامَارَ، وَهِيَ عَذْرَاءُ. لَمْ يُفَكِّرْ أمْنٌونُ بِأنْ يُسيئَ إليهَا، لَكِنَّهُ أرَادَهَا بِشِدَّةٍ. وقَدْ فَكَّرَ بِأنْ يَتَظَاهَرَ بِالمَرَضِ مِنْ أجْلِهَا. وَقَدْ كَانَ لِأمْنُونَ صَدِيقٌ يُدْعَى يُونَادَابَ، وَهْوَ ابْنُ شِمْعَى. وَشِمْعَى هُو أخُو دَاوُدَ. وَكَانَ يُونَادَابُ شَديِدَ الذَّكَاءِ، فَقَالَ لِأمْنونَ: «مَا بِكَ تَبْدُو مَهْمُومًا فِي كلِّ صَبَاحٍ، وَأنْتَ ابْنُ المَلِكِ!» فَقَالَ أمْنُونُ لِيُونَادَابَ: «أُحِبُّ ثَامَارَ، أُخْتَ شَقِيقِي أبْشَالومَ.» فَقَالَ لَهُ يُونَادَابُ: «اذْهَبْ إلَى الفِرَاشِ، وَتَظَاهَرْ بِالمَرَضِ، فيأتِ وَالِدُكَ لرؤيَتِكَ. فَقُلْ لَهُ: ‹اطلُبْ مِنْ أُخْتِي ثَامَارَ أنْ تَأْتِيَ وَتُعْطِيَنِي الطَّعَامَ لِآكُلَ. فَلْتُحَضِّرِ الطَّعَامَ أمَامي، فأرَاهُ وآكُلُ مِنْ يَدِهَا.›» وَهَكَذَا تَمَدَّد أمْنُونُ فِي الفِرَاشِ، وَتَظَاهَرَ بِالْمَرَضِ. فَجَاءَ المَلِكُ دَاوُدُ لرؤيَتِهِ، فَقَالَ لَهُ أمْنُونُ: «اطلُبْ مِنْ أُخْتِي ثَامَارَ أنْ تَدْخُلَ. فَلْتُحضِّرْ لِي كَعْكَتَينِ بينَمَا أُرَاقِبُهَا. حِينَئِذٍ، يُمْكِنُنِي أنْ آكُلَ مِنْ يَدَيهَا.» فَأرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا إلَى مَنْزِلِ ثَامَارَ، فَقَالُوا لَهَا: «اذْهَبي إلَى مَنْزِلِ أخيكِ أمْنُونَ وَحَضِّري لَهُ بَعْضَ الطَّعَامِ.» فَذَهبَتْ ثَامَارُ إلَى منزِلِ أخِيهَا أمْنُونَ، وقَدْ كَانَ فِي الفِرَاشِ. فتنَاوَلَتْ بَعْضَ العَجِينِ وَعَجَنَتْهُ بِيَدَيهَا وَطَبَخَتْ كَعْكَتَيْنِ أمَامَ أمْنُونَ. ثُمَّ أخْرَجَتِ الكعْكَتَيْنِ مِنَ المِقلَاةِ وَوَضَعَتْهُمَا أمَامَهُ. فَرَفَضَ أنْ يَأْكُلَ وقَالَ لِخُدَّامِهِ: «اخْرُجُوا مِنْ هُنَا. دَعُونِي وَحْدِي!» فغَادَرَ خُدَّامُهُ كُلُّهُمُ الغُرْفَةَ. ثُمَّ قَالَ أمْنُونُ لثَامَارَ: «أحْضِري الطَّعَامَ إلَى غُرْفَةِ النَّوْمِ، وَأطْعِمِيني بِيَدِكِ.» فَتَنَاوَلَتْ ثَامَارُ الكعْكَتَيْنِ اللَّتَيْنِ حضَّرَتْهُمَا وَدَخَلَتْ إلَى غُرْفَةِ نَوْمِ أخِيهَا. ثُمَّ أخَذَتْ تُطْعِمُهُ. لكنَّهُ أمْسَكَ بيَدِهَا وقَالَ لهَا: «أُخْتَاهُ، تَعَالَيْ وَعَاشِرِينِي.» فَقَالَتْ لَهُ ثَامَارُ: «لَا يَا أخِي! لَا تَذُلَّنِي بِعَمَلِكَ هَذَا! لَا تَفْعَلْ هَذَا الفِعلَ المُشِينَ! لَا يَنْبَغِي أنْ تُقْتَرَفَ أشيَاءُ فَظِيعَةٌ كَهَذِهِ أبَدًا فِي إسْرَائِيلَ! لَنْ أتَخَلَّصَ أبَدًا مِنْ عَارِي، وَسَيَظُنُّ النَّاسُ أنَّكَ لَسْتَ سِوَى أحَدِ الحَمْقَى. أرْجُوكَ، كَلِّمِ المَلِكَ، وسَيَدَعُكَ تَتَزوَّجُ بي.» لَكِنَّ أمْنُونَ رَفَضَ الإصْغَاءَ إلَى ثَامَارَ. وَكَانَ أقْوى مِنْهَا، فَأجْبَرَهَا عَلَى مُعَاشَرَتِهِ. ثُمَّ بَدَأ يَشْعُرُ بِأنَّهُ يَكْرَهُهَا، بَلْ إنَّهُ كَرِهَهَا أكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِمَّا أحَبَّهَا مِنْ قَبْلُ. فَقَالَ لهَا: «انْهَضِي وَاخْرُجِي مِنْ هُنَا!» فَقَالَتْ لَهُ: «لَا! لَا تَطْرُدْنِي هَكَذَا. هَذَا أسْوأُ حَتَّى مِمَّا فَعَلْتَ مِنْ قَبْلُ!» لَكِنَّ أمْنُونَ رَفَضَ الإصْغَاءَ إلَى ثَامَارَ. ثُمَّ نَادَى خَادِمَهُ وقَال لَهُ: «أخْرِجْ هَذِهِ الفَتَاةَ مِنْ هَذِهِ الغُرْفَةِ الآنَ! وَأقْفِلِ البَابَ وَرَاءَهَا.» فَأخَذَ خَادِمُ أمْنُونَ ثَامَارَ إلَى خَارِجِ الغُرْفَةِ، وَأقْفَلَ البَابَ وَرَاءَهَا. كَانَتْ ثَامَارُ تَرْتَدِي ثَوْبًا طَوِيلًا كَثِيرَ الألْوَانِ. فَبَنَاتُ المَلِكِ العَذَارَى يَرْتَدِينَ أثْوَابًا كَهَذِهِ. فَمزَّقَتِ الثَّوبَ وَوَضَعَتَ عَلَى رَأسِهَا رَمَادًا. ثُمَّ وَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأسِهَا وَأخَذَتْ تَبْكِي. فَقَالَ لَهَا أخُوهَا أبْشَالُومُ: «هَلْ كُنْتِ مَعَ أخِيكِ أمْنُونَ؟ هَلْ ألْحَقَ بِكِ الأذَى؟ اهْدأي الآنَ يَا أُخْتِي. أمْنُونُ أخُوكِ، لِذَا سَنَهَتَمُّ بِالأمْرِ. لَا تَسْتَائِي.» فَلَمْ تَقُلْ ثَامَارُ شَيْئًا، وَذَهبَتْ بِصَمْتٍ تَعِيشُ فِي مَنْزِلِ أبْشَالُومَ. وَعَلِمَ المَلِكُ دَاودُ بِالْخَبَرِ وَغَضِبَ جِدًّا. لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ أنْ يُعَاقِبَ أمْنُونَ لِأنَّهُ ابْنُهُ البِكرُ، وَكَانَ يُحِبُّهُ. وَكَانَ أبْشَالُومُ يَكْرَهُ أمْنُونَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ أيَّ كَلِمةٍ حَسَنَةٍ أمْ سَيَّئَةٍ، بَلْ كَرِهَهُ لِأنَّه اغْتَصَبَ أُخْتَهُ ثَامَارَ وَأهَانَهَا. بَعْدَ عَامَينِ، أحْضَرَ أبْشَالوُمُ رِجَالًا إلَى بَعلَ حَاصُورَ، الَّتِي تَقَعُ قُرْبَ حُدودِ أرَاضِي أفْرَايِمَ، لِيَجُزُّوا صُوفَ الغَنَمِ. وَدَعَا أبْنَاءَ المَلِكِ جَمِيعًا لِيأتُوا ويُشَارِكُوا فِي وَليمَةٍ. فَذَهَبَ أبْشَالومُ إلَى المَلِكِ وقَالَ لَهُ: «بَعْضُ الرِّجَالِ آتُونَ لِيَجُّزُوا صُوفَ غَنَمِي. أرْجُوكَ أنْ تأتيَ مَعَ خُدَّامِكَ وَتُشَارِكُوا فِي الوَلِيمَةِ.» فَقَالَ المَلِكُ دَاوُدُ لِأبْشَالُومَ: «لَا يَا بُنَيَّ. لَنْ نَذْهَبَ جَمِيعًا. سَنُثْقِلُ عَلَيْكَ.» وَألَحَّ أبْشَالومُ عَلَى دَاوُدَ لِكَي يَذْهَبَ. لَكِنَّ دَاوُدَ لَمْ يَذْهَبْ بَلْ أعْطَى بَرَكَتَهُ. وَقَالَ لَهُ أبْشَالُومُ: «إنْ كُنْتَ لَا تُرِيدُ الذَّهَابَ، أرْجُو أنْ تَطْلَبَ مِنْ أخِي أمْنُونَ أنْ يُرَافِقَنِي.» فَسَألَهُ المَلِكُ: «لِمَ تُرِيدُ أنْ يَذْهَبَ مَعَكَ؟» فَمَضَى أبْشَالُومُ فِي إلْحَاحِهِ إلَى دَاوُدَ، إلَى أنْ سَمَحَ لِأمْنُونَ وَأبْنَاءِ المَلِكِ الآخَرِينَ بأِنْ يذْهَبُوا. ثُمَّ أعْطَى أبْشَالُومُ هَذَا الأمْرَ لِخُدَّامِهِ: «رَاقِبُوا أمْنُونَ. عِنْدَمَا يَسْتَرْخِي بِسَبَبِ الخَمْرِ، وَأقُولُ لَكُمُ اقْتُلُوا أمْنُونَ، فَاقْتُلُوهُ. وَلَا تَخَافُوا مِنَ العِقَابِ، فَأنْتُمُ تُطِيعُونَ أمْرِي. فَكُونُوا أقْوِيَاءَ وَشَجْعَانَ.» وَهَكَذَا فَعَلَ جُنودُ أبْشَالُومَ الشُّبَانُ مَا طَلَبَهُ مِنْهُم، وَقَتَلُوا أمْنُونَ. لَكِنَّ أبْنَاءَ دَاوُدَ الآخَرِينَ هَرَبُوا. رَكِبَ كلُّ وَاحِدٍ دَابَّتَهُ وَهَرَبَ. كَانَ أبْنَاءُ المَلِكِ مَا يَزَالُونَ فِي طَرِيقِهِمْ إلَى دَاخِلِ المَدِينَةِ. لَكِنَّ المَلِكَ دَاوُدَ تَلقَّى خَبَرًا جَاءَ فِيهِ: «قَتَلَ أبْشَالُومُ أبْنَاءَ المَلِكِ جَمِيعًا! ولَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حيًّا.» فَمزَّقَ الملِكُ دَاوُدُ ثِيَابَهُ وَانْطَرَحَ عَلَى الأرْضِ. كَذَلِكَ مزَّق ضُبَّاطُهُ الوَاقِفُونَ إلَى جَانبِهِ ثيَابَهُم. فَقَالَ يُونَادَابُ بْنُ شِمْعَى أخِي دَاوُدَ: «لَا تَظُنَّ يَا مَوْلَايَ أنَّ أبْنَاءَ المَلِكِ جَمِيعًا مَاتُوا! أمْنُونُ وَحْدَهُ قَدْ مَاتَ. كَانَ أبْشَالُومُ يُخَطِّطُ لِهَذَا مُنْذُ اليَوْمِ الَّذِي اغْتَصَبَ فيه أمْنُونُ أخْتَهُ ثَامَارَ. فَلَا يَنْكَسِرْ قَلْبُكَ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي فَتَظُنَّ أنَّ أبْنَاءَكَ كلَّهُمْ قَدْ مَاتُوا. أمْنُونُ وَحْدَهُ قَدْ مَاتَ.» امَّا أبْشَالُومُ فَهَرَبَ. وكَانَ عِنْدَ جِدَارِ المَدِينَةِ حَارِسٌ. فَرَأى الكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ آتيِنَ مِنَ الجِهَةِ الأُخْرَى مِنَ التَّلَّةِ. فَقَالَ يُونَادَابُ لِلمَلِكِ دَاوُدَ: «كُنْتُ مُحِقًّا! أبْنَاءُ المَلِكِ آتُونَ.» ودَخَلَ أبْنَاءُ المَلِكِ فَورَ أنِ انْتَهى يُونَادَابُ مِنْ كَلَامِهِ. وَكَانُوا يَبْكُونَ بِصُوتٍ عَالٍ. وَرَاحَ دَاوُدُ وضُبَّاطُهُ كُلُّهُم يَبْكونَ بُكَاءً شَديِدًا. وظَلَّ دَاوُدُ يَنُوحُ عَلَى ابْنِهِ أيَّامًا كَثِيرَةً. وَهَرَبَ أبْشَالُومُ إلَى تِلْمَايَ بْنِ عَمِّيهودَ، مَلِكِ جَشُورَ. وَأمْضَىْ فِي جَشُورَ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ. وَبَعْدَ مَوْتِ أمْنُونَ، تَعَزَّى الملِكُ دَاوُدُ، لكنَّهُ كَانَ يَفْتَقِدُ أبْشَالُومَ كَثِيرًا. وَعَلِمَ يُوآبُ بْنُ صُرُوِيَّةَ بِاشتِيَاقِ المَلِكِ دَاوُدَ الشَّدِيدِ إلَى ابْنِهِ أبْشَالُومَ. فأرْسَلَ إلَى تَقُوعَ رسُلًا يُحضِرونَ امْرأةً حَكِيمَةً مِنْ هُنَاكَ. وَقَالَ يُوآبُ لِهَذِهِ المَرْأةِ الحَكِيمَةِ: «تظَاهَرِي بِالحُزْنِ الشَّدِيدَ. ارْتَدِي ثِيَابَ الحِدَادِ، وَلَا تَهْتمِّي لِمظْهَرِكِ الخَارِجِيِّ بلْ تَصرَّفي كَامْرأةٍ تَبْكِي فَقِيدَهَا. اذْهَبِي إلَى المَلِكِ وَقُولِي لَهُ مَا سَأقُولُهُ لَكِ تَمَامًا.» فَخَبَّرَ يُوآبُ المَرْأةَ مَاذَا تَقُولُ. وتَكَلَّمَتِ المَرْأةُ الآتِيَةُ مِنْ تَقُوعَ إلَى المَلِكِ، وقَدَ حَنَتْ وجْهَهَا نَحْوَ الأرْضِ وَقَالَتْ: «أيُّهَا المَلِكُ، هلَّا سَاعَدْتَنِي!» فَقَالَ لهَا المَلِكُ دَاوُدُ: «مَا هِيَ مُشكِلَتُكِ؟» فَقَالَتِ المَرْأةُ: «أنَا أرْمَلَةٌ. قَدْ مَاتَ زَوْجِي. وكَان لِي ابْنَانِ خَرَجَا للحُقُولِ يَتَقَاتَلَانِ، وَلَمْ يُوقِفْهُمَا أوْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا أحَدٌ. فقَتَل أحَدُهُمَا الآخَرَ. فَوَقَفَتِ العَائِلَةُ كلُّهَا ضِدّي وَقَالُوا: ‹أحْضِري لَنَا الشَّابَ الَّذِي قَتَلَ أخَاهُ، فَنَقْتُلَهُ لِأنَّهُ قَتَلَ أخَاهُ.› فَإذَا فَعَلُوا هَذَا، يُطفِئُونَ حَيَاتَهُ! وَهْوَ ابْنِي الوَحيدُ الآنَ. وَهَكَذَا يَضيعُ اسْمُ زَوْجِي مِنْ أرْضِ إسْرَائِيلَ، لِأنَّهُ يَصِيرُ بِلَا وَريثٍ.» حِينَئِذٍ، قَالَ المَلِكُ لِلمَرْأةِ: «اذْهَبي إلَى بَيْتِكِ، وسَأهْتَمُّ بِالأمْرِ لِأجْلِكِ.» فَقَالَتِ المَرْأةُ التَّقُوعِيَّةُ للمَلِكِ: «فَلْتَقَعِ المَلَامَةُ عَلَيَّ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي! أنْتَ ومَملَكَتُكَ بَرِيئَان.» فَقَالَ المَلِكُ دَاوُدُ: «إنْ كَانَ أحَدٌ يُكَلِّمُكِ بِسُوءٍ، أحْضِريهِ إلَيَّ، ولَنْ يُزْعِجَكِ ثَانِيةً.» فَقَالَتِ المَرْأةُ: «أرْجوكَ أنْ تُقْسِمَ بِاسْمِ إنَّكَ سَتَمْنَعُ الَّذِي يَثأرُ لِلدَّمِ مِنْ قَتلِ ابْنِي لِأنَّهُ قَتَلَ أخَاهُ، فَيَهْلِكَ ابْنِي الثَّانِي.» فَقَالَ دَاوُدُ: «أقْسِمُ باِللهِ الحَيِّ، لَنْ يُؤذِيَ أحَدٌ ابْنَكِ. لن تَسْقُطَ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ رَأسِهِ.» فَقَالَتِ المَرْأةُ: «يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، أرْجوكَ أنْ تَسْمَحَ لِي بِأنْ أقُولَ لكَ شَيئًا آخَرَ.» فَقَالَ المَلِكُ: «تَكَلَّمِي.» فَقَالَتِ المَرْأةُ: «لِمَ خَطَّطْتَ لِهَذِهِ الأُمُورِ بِشَأنِ شَعْبِ اللهِ؟ أجَلْ عِنْدمَا تقولُ هَذِهِ الأمورَ تُظْهِرُ أنَّكَ مُذْنِبٌ، لِأنَّكَ لَمْ تُرْجِعْ الِابْنَ الَّذِي أجْبَرْتَهُ عَلَى مُغَادَرَةِ دَارِهِ. يَوْمًا مَا، نَمُوتُ جَمِيعُنَا. سَنَكُونُ كَمَا المَاءُ الجَارِي عَلَى الأرْضِ. مَا مِنْ أحَدٍ يَسْتَطِيعُ أنْ يُلَمْلِمَهُ. تَعْرِفُ أنَّ اللهَ يُسَامِحُ النَّاسَ. لَقَدْ خَطَّطَ اللهُ للنَّاسِ المُجْبَريِنَ عَلَى الهَرَبِ لِلمُحَافَظَةِ عَلَى سَلَامَتِهم، وهُوَ لَا يُجْبِرُهُم عَلَى الهُروَبِ مِنْهُ! فيَا مَوْلَايَ ومَلِكِي، جئْتُ أقُولُ لَكَ هذِهِ الكِلمَاتِ. لِأنَّ النَّاسَ أخَافُونِي. فقُلْتُ فِي نَفْسِي سَأُكَلِّمُ المَلِكَ، وَلَعلَّهُ يُسَاعِدُني. سَيُصْغْي اليَّ ويُنْقِذُني مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي يُريدُ أنْ يَقْتُلَنِي وَيَقْتُلَ ابْنِي. ذَلِكَ الرَّجُلُ يُرِيدُ إزَالتِي أنَا وَابْنِي مِنْ أرْضِ اللهِ. أعْرِفُ أنَّ كلمَاتِ مَوْلَايَ المَلِكِ سَتَمْنَحُنِي الرَّاحَةُ، لِأنَّكَ كَمَلَاكٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ يَا مَوْلَايَ المَلِكِ. تُمَيِّزُ الخَيْرَ وَالشَّرَّ. مَعَكَ.» فأجَابَ المَلِكُ دَاوُدُ المَرْأةَ: «يَنْبَغِي أنْ تُجِيبِي عَلَى السُّؤَالِ الَّذِي سَأطْرَحُهُ عَلَيْكِ.» فَقَالَتِ المَرْأةُ: «يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، أرْجُوكَ أنْ تَطْرَحَ سؤَالَكَ.» فَقَالَ المَلِكُ: «هَلْ طَلَبَ مِنْكِ يُوآبُ أنْ تَقُولِي هذِهِ الأشْيَاءَ؟» فأجَابَتِ المَرْأةُ: «أُقْسِمُ بِحَيَاتِكَ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي إنَّكَ مُحِقٌّ تَمَامًا. فضَابِطُكَ يُوآبُ طَلَبَ مِنِّي قَوْلَ هذِهِ الأشْيَاءِ. فَعَلَ ذَلِكَ، لَعَلَّكَ تَرَى الأشْيَاءَ بطريقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ. يَا مَوْلَايَ، أنْتَ حَكِيمٌ حِكْمَةَ مَلَاكٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وتَعْلَمُ بِكُلِّ مَا يجْري عَلَى وَجْهِ الأرْضِ.» قَالَ المَلِكُ ليُوآبَ: «هَا أنَا سَأفْعَلُ مَا وَعَدْتُ بِهِ. وَالْآنَ، أرْجِعِ الشَّابَ أبْشَالُومَ.» فَحَنَى يُوآبُ بِرَأسِهِ إلَى الأرْضِ بِإجلَالٍ، وَبَارَكَ المَلِكَ دَاوُدَ وَقَالَ: «اليَوْمَ عَلِمْتُ أنَا خَادِمَكَ أنَّكَ رَاضٍ عنِّي، لِأنَّك فَعَلْتَ بِحَسَبِ مَا طَلَبْتُهُ مِنْكَ يَا مَوْلَايَ المَلِكُ.» ثُمَّ نَهَضَ يُوآبُ وَذَهَبَ إلَى جَشُورَ وَأحْضَرَ أبْشَالُومَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. لَكِنَّ المَلِكَ دَاوُدَ قَالَ: «يَسْتَطِيعُ أبْشَالُومُ أنْ يَعُودَ إلَى منزِلِهِ هُوَ، إنَّمَا لَا يُمْكِنُهُ أنْ يَأْتِيَ لِرُؤيَتِي.» وَهَكَذَا كَانَ. وَلَمْ يَكُنْ فِي كلِّ إسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُمدَحُ لِوَسَامَتِهِ كَأبْشَالُومَ. لَمْ يكُنْ فِيهِ عَيبٌ مِنْ رَأسِهِ حَتَّى قَدَمِيهِ. وَفي نِهَايَةِ كُلِّ عَامٍ، حِينَ يَثْقُلُ شَعْرُ رأسِهِ، كَانَ يَقُصُّهُ ويزِنُهُ فيبلُغُ نَحْوَ مِئَتِي مِثْقَالٍ مَلَكِيٍّ. وَكَانَ لِأبْشَالُومَ ثلَاثَةُ أبْنَاءٍ وَابْنَةٌ وَاحِدَةٌ تُدْعى ثَامَارَ. وَهِيَ امْرأةٌ حَسْنَاءُ. عَاشَ أبْشَالُومُ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ عَامَينِ كَامِلَين لَمْ يُسْمَحْ لَهُ خِلَالَهُمَا بزيَارَةِ المَلِكِ دَاوُدَ. فَاستَدْعَى أبْشَالُومُ يُوآبَ لِكَي يُرسِلَهُ إلَى المَلِكِ، لَكِنَّ يُوآبَ لَمْ يأتِ. فَاسْتَدعَاهُ ثَانِيَةً، فَلَمْ يَأتِ. فَقَالَ أبْشَالُومُ لِخُدَّامِهِ: «هَا حَقْلُ يُوآبَ وَفِيهِ حَصَادُ شَعِيرِهِ هُنَاكَ بِالقُرْبِ مِنْ حَقلِي، فَاذهَبُوا وَأحْرِقوهُ.» فذهَبَ خُدَّامُ أبْشَالُومَ وَأحْرَقُوا حَقْلَ يُوآبَ. فَنَهَضَ يُوآبُ وَجَاءَ إلَى مَنْزِلِ أبْشَالُومَ، وَقَالَ لَهُ: «لِمَ حَرَقَ خُدَّامُكَ حَقلِي؟» فَقَالَ لَهُ أبْشَالُومُ: «أرسَلْتُ لَكَ رِسَالَةً طَلبْتُ فِيهَا مِنْكَ المَجِيءَ إلَى هُنَا. أرَدْتُ أنْ تَذْهَبَ إلَى المَلِكِ وَتَسألَهُ لِمَ طَلَبَ مِنِّي المَجيءَ مِنْ جَشُورَ. كَانَ مِنَ الأفْضَلِ لَوْ بَقِيتُ هُنَاكَ. وَالْآنَ، دَعْنِي أُقَابِلُ المَلِكَ. وَإنْ كُنْتُ قَدْ أخْطأتُ، فَلِيَقتُلْنِي!» ثُمَّ جَاءَ يُوآبُ إلَى المَلِكِ وَأخبَرَهُ بِمَا قَالَ أبْشَالُومُ. فَدَعَا المَلِكُ أبْشَالُومَ، فَجَاءَ إلَيْهِ وَانْحَنَى أمَامَهُ نَحْوَ الأرْضِ. فقبَّلَهُ المَلِكُ. بَعْدَ ذَلِكَ، تَملَّك أبْشَالُومُ مَرْكَبَةً وَأحْصِنَة، وَجَعَلَ خَمْسِينَ رَجُلًا يَرْكُضُونَ أمَامَهُ بينَمَا يَقودُ مركَبتَهُ. كَانَ أبْشَالُومُ يَنْهَضُ بَاكِرًا وَيَقِفُ بِالقُرْبِ مِنَ البوَّابةِ. ورَاحَ يُرَاقِبُ أيَّ شَخْصٍ لَدَيهِ مشَاكِلُ، وَهُوَ فِي طريقِهِ إلَى المَلِكِ دَاوُدَ للحُكْم. فَيُكَلِّمُ ذَاكَ الشَّخْصَ بِقَولِهِ: «مِنْ أيِّ مَدِينَةٍ أنْتَ؟» فَيُجِيبُ الرَّجُلُ: «أنَا مِنْ عَائِلَةِ كَذَا وَكَذَا مِنْ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ.» فَيقُولُ أبْشَالُومُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ: «إنَّكَ مُحِقٌّ فِي مَطَالبِكَ، لَكِنَّ المَلِكَ دَاوُدَ لَنْ يُصغِيَ إليكَ.» فَيَقُولُ أبْشَالُومُ أيْضًا: «أهٍ، أتمنّى لَوْ أنَّ أحَدًا يَجْعَلُنِي قَاضِيًا فِي هَذَا البَلَدِ! حينَهَا أتَمَكَّنُ مِنْ مُسَاعَدَةِ كُلِّ رَجُلٍ يَأتِينِي بِمُشْكِلَةٍ فيتَوَصَّلَ إلَى حَلٍّ عَادِلٍ.» وَإذَا جَاءَ شَخْصٌ إلَى أبْشَالُومَ وَانحَنَى أمَامَهُ، كَانَ يُعَامِلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ صَدِيقًا حَمِيمًا. فَكَانَ يَقْتَرِبُ منْهُ، ويُمْسِكُ بِهِ وَيُقبِّلُهُ. هَكَذَا فَعَلَ أبْشَالُومُ مَعَ جَمِيعِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ جَاءُوا إلَى المَلِكِ دَاوُدَ لِلقَضَاءِ. وَهَكَذَا، فَازَ بقلوبِ جَمِيعِ بَنِي إسْرَائِيلَ. بَعْدَ مُرورِ أرْبَعِ سنوَاتٍ، قَالَ أبْشَالُومُ لِلمَلِكِ دَاوُدَ: «أرْجوكَ أنْ تَسْمَحَ لِي بِأنْ أذْهَبَ لِإتْمَامِ وعْدِي الَّذِي قَطَعْتُهُ للهِ فِي حَبْرُونَ. قَطَعْتُ ذَاكَ الوَعْدَ بينمَا كُنْتُ لَا أزَالُ أعيشُ فِي جَشُورَ، فِي أرَامَ، فَقُلْتُ: ‹إنْ أعَادَنِي اللهُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ خَدَمْتُهُ.›» فَقَالَ المَلِكُ دَاوُد: «اذْهَبْ بِسَلَامٍ.» وَذَهَبَ أبْشَالُومُ إلَى حَبْرُونَ. لَكِنَّهُ أرْسَلَ الجَوَاسِيسَ إلَى عَائِلَاتِ إسْرَائِيلَ فَقَالُوا للنَّاسِ: «عندمَا تَسْمَعونَ البُوقَ، قُولُوا: ‹لقد أصْبحَ أبْشَالومُ مَلِكًا فِي حَبْرُونَ!›» وَدَعَا أبْشَالُومُ مِئَتَي رَجُلٍ للذَّهَابِ مَعَهُ، فَغَادَرُوا مَدِينَةَ القُدْسِ غَيْرَ عَالِمِينَ بِمَا كَانَ يُخَطِّطُ لَهُ. وَبينمَا كَانَ أبْشَالُومُ يُقَدِّمُ الذَّبَائِحَ، اسْتَدْعَى أخِيتُوفَلَ الجِيلُونِيِّ مِنْ مَدِينَتِهِ جِيلُو. وَأخِيتُوفَلُ هُوَ مِنْ مُسْتَشَارِي دَاودَ. كَانَتْ مُؤَامَرَةُ أبْشَالُومَ تَنْجَحُ، وَكَانَ عدَدُ الَّذِينَ يَدْعَمُونَهُ يزْدَادُ أكْثَرَ فَأكْثَرَ. وجَاءَ رَجُلٌ يَنْقُلُ الأخْبَارَ إلَى دَاوُدَ، فَقَالَ: «لَقَدْ بَدَأَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِاتِّبَاعِ أبْشَالُومَ.» فَقَالَ دَاوُدُ لضُبَّاطِهِ جَمِيعًا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ: «يَنْبَغِي أنْ نَهْرُبَ! إنْ لَمْ نَهْرُبِ الآنَ، لَنْ يَدَعَنَا أبْشَالُومُ نَفَعَلْ ذَلِكَ. فَلْنُسْرِعْ قَبْلَ أنْ يَقْبُضَ عَلَيَنَا فَيُدَمِّرَنَا جَمِيعًا، ويَقْتُلَ أهْلَ القُدْسِ.» فَقَالَ ضُبَّاطُ المَلِكِ لَهُ: «نَفْعَلُ نَحْنُ خُدَّامَكَ كَلَّ مَا تَطْلُبُهُ يَا مَولَانَا.» فَخَرَجَ الملِكُ دَاوُدُ مَعَ النَّاسِ كُلِّهِمْ الَّذِينَ فِي مَنْزِلِهِ. وتَرَكَ المَلِكُ عَشْرًا مِنْ نِسَائِهِ الجَوَارِي لِلَاعْتِنَاءِ بِالمَنزِلِ. خَرَجَ المَلِكُ وكُلُّ جَمَاعَتِهِ تَتْبَعُهُ، وتوقَّفُوا عِنْدَ آخِرِ مَنْزِلٍ. مَرَّ ضُبَاطُ المَلِكِ كلُّهُمْ مِنْ أمَامِهِ، كَذَلِكَ الكِرِيتِّيُونَ وَالفِلِيتِّيُون وَالجَتِّييُون وَقَدْ كَانُوا سِتَّ مِئَةِ رَجُلٍ مِنْ جَتِّ. قَالَ المَلِكُ لِإتَّايَ الجَتِّيَّ: «لِمَ أنْتَ ذَاهِبٌ مَعَنَا أيْضًا؟ عُدْ وَابْقَ معَ المَلِكِ الجَدِيدِ أبْشَالومَ. أنْتَ غَرِيبٌ وهَذِهِ لَيْسَتْ بَلَدَكَ الأُمَّ. بِالأمَسِ فَقَطْ جِئتَ إليَّ، فَهَلْ أسْمَحُ لَكَ الآنَ أنْ تَتَنَقَّلَ مَعَنَا مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ؟ بَلْ خُذْ إخْوَتَكَ وَعُدْ، وَلْتُرَافِقْكَ مَحَبَةُ اللهِ وَأمَانَتُهُ.» لَكِنَّ إتَّايَ أجَابَ المَلِكَ: «أقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، وَبِحَيَاتِكَ، سَأكُونُ أنَا خَادِمَكَ مَعَكَ فِي الحَيَاةِ أوِ المَوْتِ يَا مَوْلَايَ المَلِكُ!» فَقَالَ دَاوُدُ لِإتَّايَ: «تَعَالَ، وَلْنَعبُرْ وَادِي قَدْرُونَ.» وَهَكَذَا عَبَرَ إتَّايُ الجَتِّيُّ وَادِي قَدْرُونَ مَعَ جَمَاعَتِهِ كُلِّهِمْ وَأوْلَادِهِمْ. وكَانَ الشَّعْبُ كُلُّهُ يَبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ. وعبَرَ المَلِكُ دَاوُدُ وَادِي قَدْرُونَ، ثُمَّ خَرَجَ الشَّعْبُ كُلُّهُ إلَى الصَّحْرَاءِ. وَكَانَ صَادُوقُ وَاللَّاوِيُّونَ كلُّهُمْ مَعَهُ يَحْمِلُونَ صُنْدوقَ عَهْدِ اللهِ. وَضَعُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ المُقَدَّسَ وَتَلَا أبِيَاثَارُ الصَّلوَاتِ وَقَدَّمَ الذَّبَائِحَ إلَى أنْ غَادَرَ الشَّعْبُ كلُّهُ مَدِينَةَ القُدْسِ. قَالَ المَلِكُ دَاوُدُ لِصَادُوقَ: «أعِدْ صُنْدُوقَ اللهِ المُقَدَّسَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. فإنْ كَانَ اللهُ رَاضِيًا عَنِّي، أرْجَعَنِي وَجَعَلَنِي أرَى مَدِينَةَ القُدْسِ وَهَيْكَلَهُ. لَكِنْ إنْ قَالَ إنَّه غيرُ رَاضٍ عنّي، فَليَصْنَعْ بِي أيَّ شَيءٍ يُرِيدُهُ.» فَقَالَ المَلِكُ للكَاهنِ صَادُوقَ: «أنْتَ نبيٌّ. عُدْ إلَى المَدِينَةِ بسلَامٍ. خُذِ ابْنَكَ أخِيمَعَصَ وَيُونَاثَانَ بنَ أبِيَاثَارَ. سَأنتَظِرُ بِالقُرْبِ مِنْ مَعَابِرِ النَّهْرِ إلَى دَاخِلِ الصَّحرَاءِ، حَتَّى أسْمَعَ مَا تَقُولُهُ لِي.» وَهَكَذَا أعَادَ صَادُوقُ وَأبِيَاثَارُ صُنْدُوقَ اللهِ المُقَدَّسَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وبَقِيَا هُنَاكَ. وَصَعِدَ دَاوُدُ جَبَلَ الزَّيْتُونِ. كَانَ يَبْكِي مُغَطِّيًا رَأسَهُ وَيَمْشِي حَافِيَ القَدَمَينِ. كَذَلِكَ غَطَّى النَّاسُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ كلُّهُمْ رُؤوسَهُمْ وَذَهَبُوا مَعَهُ يَبْكُونَ. ثُمَّ قَالَ أحَدُهُمْ لِدَاودَ: «أخِيتُوفَلُ وَاحِدٌ مِنَ المُتآمِرِينَ مَعَ أبْشَالومَ.» فَصَلَّى دَاوُدُ: «يَا اللهُ ، أسألُكَ أنْ تَجْعَلَ نصيحَةَ أخِيتُوفَلَ بلَا مَنْفَعَةٍ.» جَاءَ دَاوُدُ إلَى قِمَّةِ الجَبَلِ حَيْثُ كَانَ كَثِيرًا مَا يعْبُدُ اللهَ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، جَاءَ إليهِ حُوشَايُ الأرْكِيُّ. كَانَ مِعْطَفُهُ مُمَزَّقًا وَعَلَى رَأسِهِ غُبَارٌ. فَقَالَ دَاوُدُ لِحُوشَايَ: «إن ذَهَبْتَ مَعِي، كُنْتَ مُجَرَّدَ شَخْصٍ آخَرَ يَتَطَلَّبُ الِاهْتِمَامَ لِأمْرِهِ. أمَّا إذَا عُدْتَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، فَسَتَتَمَكَّنَ مِنْ جَعلِ نَصيحَةِ أخِيتُوفَلَ بِلَا مَنْفَعَةٍ. قُلْ لِأبْشَالُومَ: ‹أُيُّهَا المَلِكُ: أنَا خَادِمَكَ، قَدْ خَدَمْتُ وَالدَكَ، أمَّا الآنَ فَسَأخدِمُكَ.› وَسَيَكُونُ مَعَكَ الكَاهِنَانِ صَادُوقُ وَأبِيَاثَارُ. أخْبِرْهُمَا بِكُلِّ مَا تَسْمَعُهُ فِي قَصرِ المَلِكِ. وَسَيَكُونُ مَعَهُمَا أخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ وَيُونَاثَانُ بْنُ أبِيَاثَارَ، فَتُرْسِلُهُمَا أنْتَ لِإخْبَارِي بِكُلِّ مَا تَسْمَعُهُ.» فَدَخَلَ حُوشَايُ صَدِيقُ المَلِكِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ فِي الوَقْتِ الَّذِي وَصَلَ فِيهِ أبْشَالُومُ. ثُمَّ اجتَازَ دَاوُدُ دَرْبًا مُخْتَصَرةً فَوْقَ قِمَّةِ جَبَلِ الزّيتونِ. وهُنَاك التَقَى بِهِ صِيبَا خَادِمُ مَفِيبُوشَثَ. كَانَ لصِيبَا حِمَارَانِ مُسَرَّجَانِ يَحْملَانِ مِئَتَي رَغِيِفٍ مِنَ الخُبْزِ، وَمِئَةَ عُنْقُودٍ مِنَ العِنَبِ، وَمِئَةَ حبَّةٍ مِنْ فَاكِهَة الصَّيفِ، وَوِعَاءً مَلِيئًا بِالنَّبِيذِ. فَقَالَ المَلِكُ دَاوُدُ لصِيبَا: «لِمَ هَذِهِ الأشْيَاءُ؟» أجَابَ صِيبَا: «الحِمَارَانِ مُلْكٌ لعَائِلَةِ المَلِكِ للرُّكوبِ. أمَّا الخُبْزُ وفَاكِهةُ الصَّيفِ فَلِلفِتيَانِ يَأْكُلُونَهَا. وَعِنْدَمَا يَشْعُرُ أيُّ شخْصٍ بِالتَّعَبِ فِي الصَّحْرَاءِ، يُمْكِنُهُ أنْ يشرَبَ مِنَ النَّبِيذِ.» فسألَ المَلِكُ: «أيْنَ مَفِيبُوشَثُ سَيِّدُكَ؟» فَأجَابَ صِيبَا: «مَفِيبُوشَثُ بَاقٍ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. فَهوَ يظنُّ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ سيُعِيدونَ إلَيْهِ مَملَكَةَ جَدِّهِ.» فَقَالَ المَلِكُ لِصِيبَا: «بِسَبَبِ ذَلِكَ، أُعْطِيكَ الآنَ كُلَّ مَا كَانَ يَمْلِكَهُ مَفِيبُوشَثُ.» فَقَالَ صِيبَا: «أنْحَنِي أمَامَكَ آمِلًا أنْ أكُونَ دَائِمًا قَادِرًا عَلَى إرضَائِكَ.» وَجَاءَ دَاوُدُ إلَى بَحُورِيمَ فخَرَجَ مِنْهَا رَجُلٌ مِنْ عَائِلَةِ شَاوُلَ يُدْعَى شِمْعَى بْنُ جِيرَا. خَرَجَ يَقُولُ السَّيِّئَاتِ عَنْ دَاوُدَ وَيَشْتُمُهُ، وَمَا انْفَكَّ يُكرِّرُ قَولَهَا ويُكَرِّرُ. وَرَاحَ شِمْعَى يَرْمِي الحِجَارَةَ عَلَى دَاوُدَ وَضُبَّاطِهِ. لَكِنَّ النَّاسَ وَالْجُنودَ كَانُوا حَوْلَ دَاوُدَ. وَشَتَمَ شِمْعَى دَاوُدَ، وَقَالَ: «اخْرُجْ، اخْرُجْ أنْتَ أيُّهَا المُجْرِمُ الشِّرِّيرُ. سَيُعَاقِبْكَ اللهُ . لِأنَّكَ قَتَلْتَ أفْرَادًا مِنْ عَائِلَةِ شَاوُلَ. سَرَقْتَ مَكَانَةَ شَاوُلَ كَمَلِكٍ، لَكِنَّ الأمُورَ السَّيِّئَةَ نَفْسَهَا تَحْصُلُ لَكَ الآنَ. لَقَدْ أعْطَى اللهُ المَمْلَكَةَ لِابْنِكَ أبْشَالُومَ. لِأنَّكَ مُجْرِمٌ.» فَقَالَ أبِيشَايُ بْنُ صُرُوِيَّةَ للمَلِكِ: «لِمَ يُسْمَحُ لِهذَا الكَلْبِ المَيِّتِ بِشَتْمِ مَوْلَايَ المَلِكِ؟ دَعْنِي أهْجُمُ عَلَيْهِ فَأقطَعَ رأسَهُ.» لَكِنَّ المَلِكَ أجَابَ: «مَاذَا يُمْكِنُنِي أنْ أفْعَلَ يَا أبْنَاءَ صُرُوِيَّةَ؟ ألَيَسَ يَشْتُمُنِي لِأنَّ اللهَ قَالَ لَهُ ‹اشْتِمْ دَاوُدَ!› فَمَنْ يَسْألُهُ لِمَاذَا؟» كَذَلِكَ قَالَ دَاوُدُ لِأبِيشَايَ وَخُدَّامِهِ جَمِيعًا: «انْظُرُوا، ابْنِي أنَا يُحَاوِلُ أنْ يَقْتُلَني، فَكَمْ بِالحَرِيِّ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ؟ فَاللهُ هُوَ مَنْ طَلَبَ مِنْهُ أنْ يَفْعَلَ هَذَا. فَإذْ يَرَى اللهُ الذُلَّ الَّذِي حَلَّ بي، لَعَلَّهُ يُعَوِّضُنِي بِشَيءٍ حَسَنٍ مُقَابِلَ مَا تَعَرَّضْتُ إلَيْهِ مِنَ الشَّتَائِمِ اليَوْمَ.» وَهَكَذَا مَضَى دَاوُدُ وَرِجَالُهَ فِي طريقِهِم. أمَّا شِمْعَى فَكَانَ يمْشِي إلَى الجِهَةِ الأُخْرَى مِنَ الطَّريقِ عِنْدَ جَانِبِ التَّلَّةِ، وَهُوَ يَشَتُمُ دَاوُدَ فِي طريقِهِ، وَيَرَمْي الحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ عَلَيْهِ. وَأتَى المَلِكُ دَاوُدُ وَشَعْبُهُ كُلُّهُ إلَى نَهْرِ الأُرْدُن وَكَانُوا مُتْعَبينَ جِدًّا، فَارْتَاحُوا هُنَاكَ. ثُمَّ جَاءَ أبْشَالُومُ وَأخِيتُوفَلُ وَجَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. فَجَاءَ حُوشَايُ الأركِيُّ صَديقُ دَاوُدَ إلَى أبْشَالُومَ وَقَالَ لَهُ: «عَاشَ المَلِكُ! عَاشَ المَلِكُ!» وَأجَابَ أبْشَالُومُ: «لِمَ لَسْتَ وفِيًّا لِصَديقِكَ دَاوُدَ؟ لِمَ لَمْ تُغَادِرْ القُدْسَ مَعَهُ؟» فَقَالَ حُوشَايُ: «أنَا مَعَ الشَّخْصِ الَّذِي يختَارُهُ اللهُ . وهؤلَاءِ النَّاسُ وبَنُو إسْرَائِيلَ اخْتَاروكَ أنْتَ، لِذَا سَأبقى مَعَكَ. فِي المَاضي، خَدَمْتُ وَالِدَكَ، وعليَّ الآنَ أنْ أخْدِمَ ابْنَ دَاوُدَ، وَسَأخْدِمُكَ.» وقَالَ أبْشَالُومُ لِأخِيتُوفَلَ: «انْصَحْنَا بِمَا عَلَيْنَا أنْ نَفْعَلهُ.» فَقَالَ أخِيتُوفَلُ لِأبْشَالُومَ: «لَقَدْ تَرَكَ وَالِدُكَ هُنَا بَعَضَ زَوْجَاتِهِ لِلِاعْتِنَاءِ بِالمَنْزِلِ، فَاذْهَبْ وَعَاشِرْهُنَّ. وَهَكَذَا يَسْمَعُ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ وَيَعْلَمُونَ أنَّكَ أهَنْتَ أبَاكَ، وَيَتَشَجْعُ كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَكَ، فَيَمْنَحُكَ دَعمًا أكْبَرَ.» ثُمَّ نَصَبُوا لِأبْشَالُومَ خيّمَةً فَوْقَ سَطْحِ المَنْزِلِ. فَعَاشَرَ زَوْجَاتِ وَالِدِهِ. ورأى بَنُو إسْرَائِيلَ ذَلِكَ. وَفِي تِلْكَ الأيَّامِ، كَانَتْ نصيحةُ أخِيتُوفَلَ مُهَّمةً جدًّا لِكُلٍّ مِنْ دَاوُدَ وَأبْشَالُومَ. كَانَتْ مُهِمَّةً كَأهَميَّةِ كَلمِةِ اللهِ لِإنْسَانٍ! كَذَلِكَ قَالَ أخِيتُوفَلُ لِأبْشَالُومَ: «دَعْني الآنَ أخْتَارُ اثنَيْ عَشَرَ ألْفَ رَجُلٍ، فأُطَاردَ دَاوُدَ اللَّيلَةَ. سَأقبِضُ عَلَيهِ بَينْمَا هُوَ مُتْعَبٌ وضَعِيفٌ. سَأُخيفُهُ، فيهرُبَ شَعْبُهُ كُلُّهُ. لكنَّنِي سَأقتلُ المَلِكَ دَاوُدَ وَحْدَهُ. ثُمَّ سأزُفُّ الشَّعْبَ كُلَّهُ إلَيكَ كَعَرُوسٍ تُزَفُّ إلَى عَرِيسِهَا. إنْ مَاتَ دَاوُدُ، عَادَ الشَّعْبُ كلُّهُ بِسَلَامٍ.» فَاسْتَحَسَنَ أبْشَالُومُ وَقَادَةُ إسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ هَذِهِ المَشُورَةَ. لَكِنَّهُ قَالَ: «استَدْعُوا الآنَ حُوشَايَ الأرْكِيَّ. أُرِيدُ أنْ أسْمَعَ مَا يَقُولُهُ هُوَ أيْضًا.» فَجَاءَ حُوشَايُ إلَى أبْشَالومَ، فَقَالَ لَهُ أبْشَالومُ: «هَذِهِ هِيَ مَشُورَةُ أخِيتُوفَلُ. فَهَلْ يَجْدُرُ بنَا العَمَلُ بِهَا؟ فإنْ لمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، أخْبِرْنَا.» فَقَالَ حُوشَايُ لِأبْشَالومَ: «مَشُورَةُ أخِيتُوفَلَ لَيْسَتْ حَسَنَةً هَذِهِ المَرَّةَ.» وَأضَافَ: «أنْتَ تَعْلَمُ أنَّ وَالِدَكَ وَرِجَالَهُ أقويَاءٌ. هُمْ بِخُطورَةِ دُبّةٍ بَرِّيّةٍ أُخِذَتْ مِنْهَا صِغَارُهَا. وَالِدُكَ مُحَارِبٌ مُحْتَرِفٌ، وَلَنْ يَبْقى فِي اللّيلِ مَعَ الشَّعْبِ. وعَلَى الأرْجَحِ هُوَ الآن مختبئٌ فِي مَغَارَةٍ أوْ مَكَانٍ آخَرَ. فإنْ هَاجَمَ وَالِدُكَ رجَالَكَ أوَّلًا، سَيَسْمَعُ الشَّعْبُ بِالأخْبَارِ وَيَقُولُ: ‹أتْبَاعُ أبْشَالُوم يَخْسَرُونَ!› حِينَئِذٍ، حَتَّى الرَّجُلُ الشُّجَاعُ كَالأسَدِ سَيَخَافُ، لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كُلَّهُمْ يَعْرِفُونَ أنَّ وَالِدَكَ مُحَارِبٌ قَوِيٌّ وَأنَّ رِجَالَهُ شُجعَانٌ وَأقْوِيَاءُ. «فإلَيكَ مَا أقْترِحُ: اجمَعْ بَنِي إسْرَائِيلَ كُلَّهُم، مِنْ دَانٍ إلَى بِئرِ سَبْعٍ، فَيَكْثُرَ النَّاسُ ويُصْبِحُونَ كَالرِّمَالِ عند شَاطئِ البَحْرِ. حينَهَا عَلَيْكَ أنْ تَذْهَبَ بِنَفْسِكَ إلَى المَعْرَكَةِ. سَنَقْبِضُ عَلَى دَاوُدَ فِي المَكَانِ الَّذِي يَخْتَبِئُ فِيهِ، سَنُهَاجِمُهُ ومَعَنَا جُنودٌ كُثُرُ، سَنَكُونُ كَمَا النَّدَى الكَثِيرِ الَّذِي غَطَّى الأرْضَ. سَتَقْتُلُ دَاوُدَ ورِجَالَهُ كُلَّهُمْ وَلَنْ يَبْقَى رَجُلٌ حيًّا. أمَّا إذَا هَرَبَ دَاوُدُ إلَى مَدِينَةٍ مَا، سَيُحضِرُ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلُّهُمُ الحِبَالَ إلَى تِلْكَ المَدينةِ، وَسَنجُرُّ جُدرَانَهَا إلَى الوَادي، فلَا يَبْقَى فِيهَا حَجَرٌ وَاحِدٌ.» فَقَالَ أبْشَالُومُ وبَنُو إسْرَائِيلَ كُلُّهُم: «نَصيحَةُ حُوشَايَ الأرْكِيَّ أفْضَلُ مِنْ نَصيحَةِ أخِيتُوفَلَ.» قَالُوا هَذَا لِأنَّهَا كَانَتْ خُطَّةَ اللهِ . كَانَ اللهُ قَدْ خَطَّطَ ليَجْعَلَ نَصيحَةَ أخِيتُوفَلَ بِلَا منفَعَةٍ. هَكَذَا كَانَ اللهُ لِيُعَاقِبَ أبْشَالُومَ. وَتَكَلَّمَ حُوشَايُ للكَاهِنَينِ صَادُوقَ وَأبِيَاثَارَ، فَقَالَ لَهُمَا مَا اقْتَرَحَهُ أخِيتُوفَلُ عَلَى أبْشَالُومَ وَقَادَةِ إسْرَائِيلَ، وَمَا اقْتَرَحَهُ هُوَ. وَقَالَ لَهُمَا: «أسْرِعَا وَأرْسِلَا بِرِسَالَةٍ إلَى دَاوُدَ. قُولَا لَهُ أنْ لَا يَبْقَى اللَّيلَةَ قَريبًا مِنْ مَعَابِرِ النَّهْرِ حَيْثُ يَصِلُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي الصَّحْرَاءِ، بَلْ لِيَعْبُرَ هُوَ النَّهْرَ، لِئَلَّا يَقَعَ المَلِكُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الفَخِّ.» فَانْتَظَرَ يُونَاثَانُ وَأخِيمَعَصُ، ابْنَا الكَاهِنَينِ، فِي عَيْنِ رُوجَلَ لِأنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا يُرِيدَانِ أنْ يُشَاهَدَا دَاخِلَ المَدِينَةِ. فَخَرَجَتْ إلَيْهمَا خَادِمَةٌ وَأعْطَتْهُمَا الرِّسَالَةَ. ثُمَّ ذَهَبَ يُونَاثَانُ وَأخِيمَعَصُ وَأخْبَرَا المَلِكَ دَاوُدَ بِتِلْكَ الأُمُورِ. لَكِنَّ صَبِيًّا رَآهُمَا، فَذَهَبَ يُخْبِرُ أبْشَالُومَ. فَهَرَبَ يُونَاثَانُ وَأخِيمَعَصُ ووصلَا إلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ فِي بَحُورِيمَ وَكَانَ فِي فَنَاءِ مَنْزِلِهِ بِئْرٌ فَنَزَلَا إلَى دَاخِلِهَا. وفرشَتْ زَوْجَةُ الرَّجُلِ فَوْقَ البئرِ غِطَاءً، ثمَّ كَسَتْهُ بِالحُبُوبِ، حَتَّى بَدَا كَمَا لَوْ كَانَ كَوْمَةً مِنَ الحُبُوبِ، فَمَا كَانَ مُمْكِنًا أنْ يَرَى أحَدٌ يُونَاثَانَ وَأخِيمَعَصَ. ثُمَّ جَاءَ خُدَّامُ أبْشَالُومَ إلَى المَرْأةِ فِي المَنْزِلِ وَسَألُوهَا: «أيْنَ هُمَا يُونَاثَانُ وَأخِيمَعَصُ؟» فَقَالَتْ لَهُمُ المَرْأةُ: «سَبَقَ أنْ عَبَرَا بِركَةَ المِيَاهِ.» ثُمَّ ذَهَبَ الخُدَّامُ بَحْثًا عَنْ يُونَاثَانَ وَأخِيمَعَصَ لكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوهُمَا فَعَادُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَبعْدَ أنْ غَادَرَ خُدَّامُ أبْشَالُومَ، خَرَجَ يُونَاثَانُ وَأخِيمَعَصُ مِنَ البئرِ، وَذَهَبَا يُخْبِرَانِ المَلِكَ دَاوُدَ. فَقَالَا لَهُ: «أسْرِعْ وَاعْبُرِ النهرَ، لِأنَّ أخِيتُوفَلَ يُخَطِّطُ لِعَمَلِ هَذِهِ الأشْيَاءِ ضِدَّكَ.» وَعَبَرَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ الَّذِينَ مَعَهُ نَهْرَ الأُرْدُنِّ، عَبَرُوا جَمِيعًا قَبْلَ شُرُوقِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أحَدٌ. وَرَأى أخِيتُوفَلُ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يَقْبَلُوا بِنَصِيحَتِهِ، فَوَضَعَ سِرْجًا عَلَى حِمَارِهِ وَعَادَ إلَى مَدينَتِهِ الأُمِّ. وَهُنَاكَ نَظَّمَ أُمُورَ عَائِلتِهِ ثُمَّ شَنَقَ نَفْسَهُ. وَبَعْدَ مَوْتِهِ، دَفَنَهُ الشَّعْبُ فِي مقبرَةِ وَالِدِهِ. وَوَصَلَ دَاوُدُ إلَى مَحْنَايِمَ. فعبَرَ أبْشَالومُ وَبَنُو إسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ نَهْرَ الأُرْدُنِّ. وَكَانَ أبْشَالُومُ قَدْ جَعَلَ عَمَاسَا القَائِدَ الجَدِيدَ لِلجَيْشِ، فأخَذَ مَكَانَ يُوآبَ. كَانَ عَمَاسَا ابنَ يِتْرَا الإسْمَاعِيلِيِّ ووَالِدتُهُ أبِيجَايِلُ ابْنَةُ نَاحَاشَ أُخْتُ صُرُوِيَّةَ. وَعَسْكَرَ أبْشَالومُ وَبَنُو إسْرَائِيلَ فِي أرْضِ جِلعَادَ. وَوَصَلَ دَاوُدُ إلَى مَحْنَايِمَ. وكَانَ هُنَاكَ شُوبِيُ بْنُ نَاحَاشَ مِنْ رَبَّةَ المَدِينَةِ العمَّونِيَّةِ، وَمَاكِيرُ بْنُ عَمِّيئِيلَ مِنْ لُودَبَارَ، وَبَرْزَلَّايُ مِنْ رُوجَلِيمَ فِي جِلعَادَ. فَقَدَّمُوا الأفْرِشَةَ وَالآنِيَةَ وَالأطْبَاقَ، وَالقَمْحَ وَالشَّعِيرَ وَالطَّحِينَ وَالفَرِيكَ وَالفُولَ وَالعَدَسَ وَالحُمُّصَ المَشْوِيَّ وَالعَسَلَ وَالزُّبْدَةَ وَالغَنَمَ وَالجُبْنَةَ المَصْنوعَةَ مِنْ حَليبِ البَقَرِ. فَقَدْ رَأوْا أنَّ النَّاسَ مُتْعَبُونَ وَجَائِعونَ وَعِطَاشًا. أحْصَى دَاوُدُ شعبَهُ، ثُمَّ اخْتَارَ قَادَةَ ألُوفٍ وَقَادَةَ مِئَاتٍ لِيَقُودُوا شَعْبَهُ. وَقَسَّمَ الشَّعْبَ ضِمْنَ ثلَاثِ مَجْمُوعَاتٍ، ثُمَّ أرْسَلَهُمْ خَارِجًا. فَقَادَ يُوآبُ ثُلُثَ الشَّعْبِ، وَأبِيشَايُ بْنُ صُرُوِيَّةَ أخُو يُوآبَ، ثُلُثًا آخَرَ، وِإتَّايُ الجَتِّيُّ الثُلُثَ الأخِيرَ. ثُمَّ قَالَ المَلِكُ دَاوُدُ للشَّعْبِ: «سَأذْهَبُ مَعَكُمْ أنَا أيْضًا.» لَكِنَّ الشَّعْبَ قَالَ: «لَا! لَا يَنْبَغِي أنْ تَأتِيَ مَعَنَا. لِأنَّنَا إنْ هَرَبْنَا فِي المَعْرَكَةِ، لَنْ يَهْتَمَّ رِجَالُ أبْشَالُومَ بِنَا حَتَّى وَلَوْ مَاتَ نِصْفُنَا. لكنَّكَ تُسَاوِي عَشْرَةَ آلَافٍ مِنَّا! مِنَ الأفْضَلِ لَكَ أنْ تَبْقَى فِي المَدِينَةِ، فإنِ احْتَجْنَا مُسَاعَدَةً سَاعَدْتَنَا.» فَقَالَ المَلِكُ لِشَعْبِهِ: «سَأفْعَلُ مَا تَرَوْنَهُ الأفْضَلَ.» ثُمَّ وقَفَ المَلِكُ عِنْدَ جَانبِ البوَّابةِ. وَخَرَجَ الجَيْشُ فِي فَصَائِلَ بَعْضُهَا مِنْ مِئَاتٍ وَبَعْضُهَا مِنْ أُلُوفٍ. وَأمَرَ المَلِكُ يُوآبَ وَأبِيشَايَ وَإتَّايَ وَقَالَ لَهُمْ: «كُونُوا لُطَفَاءَ مَعَ الشَّابِّ أبْشَالُومَ مِنْ أجْلِ خَاطِرِي!» فَسمِعَ الشَّعْبُ كُلُّهُ أوَامِرَ المَلِكِ إلَى القَادَةِ بِشَأنِ أبْشَالُومَ. وَخَرَجَ جَيْشُ دَاوُدَ إلَى الحَقْلِ ضِدَّ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ مَعَ أبْشَالُومَ. وَكَانَ القِتَالُ فِي غَابَةِ أفْرَايِمَ. وَهُنَاكَ هَزَمَ جَيْشُ دَاوُدَ بَنِي إسْرَائِيلَ فقُتِلَ فِي ذَلِكَ اليومِ عِشْرُونَ ألْفَ رَجُلٍ. وَانْتَشَرَتِ المَعَارِكُ فِي أرْجَاءِ البِلَادِ كُلِّهَا. لَكِنْ فِي ذَلِكَ اليومِ، تَسَبَّبَت الغَابَةُ بِمَوْتِ رِجَالٍ أكْثَرَ مِمَّن مَاتُوا بِالسَّيْفِ! وَحَدَثَ أنِ التَقَى أبْشَالومُ بِرِجَالِ دَاوُدَ. وَكَانَ أبْشَالُومُ رَاكِبًا عَلَى بَغلِهِ يُحَاوِلُ الهُرُوبَ. فَدَخَلَ البَغلُ تَحْتَ بَلُّوطَةٍ كَبِيرَةٍ كَثِيفَةِ الأغْصَانِ. فَعَلِقَ رَأسُ أبْشَالُومَ فِي الشَّجَرَةِ، وَهَرَبَ البَغلُ مِنْ تَحْتِهِ. فَبَقِيَ مُعَلَّقًا بينَ السّمَاءِ وَالأرْضِ. وَرَأى رَجُلٌ مَا حَدَثَ فَقَالَ لِيُوآبَ: «رأيتُ أبْشَالُوم مُعَلَّقًا بِبَلُّوطَةٍ!» فَقَالَ يُوآبُ للرَّجُلِ: «لِمَ لَمْ تَقْتُلْهُ وَتَدَعْهُ يَسْقُطُ عَلَى الأرْضِ؟ لَوْ فَعَلْتَ، لَكُنْتُ أعْطَيْتُكَ حِزَامًا وَعَشْرَ قِطَعٍ مِنَ الفضَّةِ!» فَقَالَ الرَّجُلُ ليُوآبَ: «مَا كُنْتُ لِأُحَاوِلَ أنْ أؤذِيَ ابْنَ المَلِكِ حَتَّى وَإنْ أعْطَيتَنِي ألْفَ قِطْعَةٍ مِنَ الفِضَّةِ. فَقَدْ سَمِعْنَا مَا أمَرَكُمْ بِهِ المَلِكُ أنْتَ وَأبِيشَايَ وَإتَّايَ. فَقَدْ قَالَ المَلِكُ: احْمُوا الشَّابَّ أبْشَالُومَ مِنْ أجْلِ خَاطِرِي. فَلَوْ كُنْتُ خَدَعْتُكَ وَقَتَلْتُ أبْشَالُومَ، لَاكْتَشَفَ المَلِكُ نَفْسُهُ الأمْرَ، ولعَاقَبْتَنِي أنْتَ.» فَقَالَ يُوآبُ: «لنْ أُضَيِّعَ وَقْتِي هُنَا مَعَكَ!» وَكَانَ أبْشَالُومُ مَا يَزَالُ حيًّا ومُعَلَّقًا بِالبَلُّوطَةِ. فأخَذَ يُوآبُ ثَلَاثَةَ رِمَاحٍ وَرَمَى بِهَا أبْشَالُومَ فَاختَرَقَتْ قَلْبَهُ. وَكَانَ لَدَى يُوآبَ عَشْرةُ جُنودٍ شُبَّانٍ يُسَاعِدُونَهُ فِي المَعْرَكَةِ، فَالتَفُّوا حَوْلَ أبْشَالُومَ وَقَتَلُوهُ. ثُمَّ نَفَخَ يُوآبُ فِي البُوقِ وَدَعَا الشَّعْبَ لِيَكُفَّ عَنْ مُطَارَدَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. ثُمَّ أخذَ رِجَالُ يُوآبَ جُثَّةَ أبْشَالُومَ وَرَمَوْا بِهَا دَاخِلَ حُفْرَةٍ كَبِيرةٍ فِي الغَابةِ، وَمَلأُوا الحُفْرَةَ الضَّخْمَة بِحِجَارَةٍ كَثِيرةٍ. وَهَرَبَ بَنُو إسْرَائِيلَ كلُّهُمْ وذهبُوا إلَى ديَارِهِمْ. عِنْدَمَا كَانَ أبْشَالُومُ حَيًّا، أقَامَ نَصَبًا تَذْكَارِيًّا فِي وَادِي المَلِكِ. فَقَدْ قَالَ: «لَيْسَ لِي ابْنٌ يُبقِي عَلَى اسْمِي حيًّا.» فَدَعَا النَّصَبَ بِاسْمِهِ. وَمَا يَزَالُ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ يُدْعَىْ «نَصَبَ أبْشَالُومَ.» قَالَ أخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ لِيُوآبَ: «اسْمَحْ لِي بِأنْ أُسْرِعَ لِأحْمِلَ البَشْرَى إلَى المَلِكِ دَاوُدَ، بِأنَّ اللهَ خَلَّصَهُ مِنْ يَدِ عَدُوِّهِ.» فَأجَابَهُ يُوآبُ: «لَا تَحْمِلِ الأخْبَارَ إلَى دَاوُدَ اليَوْمَ، بَلْ فِي يَوْمٍ آخَرَ. لَيْسَ اليَوْمَ، لِأنَّ ابْنَ المَلِكِ قَدْ مَاتَ.» ثُمَّ قَالَ يُوآبُ لِرَجُلٍ مِنْ بِلَادِ الحَبَشِ: «اذْهَبْ وَأخْبِرِ المَلِكَ بِالأشْيَاءِ الَّتِي رأيتَهَا.» فَانْحَنى الكُوشِيُّ أمَامَ يُوآبَ وَرَكَضَ لِيُخْبِرَ دَاوُدَ. أمَّا أخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ فَتَرَجَّى يُوآبَ ثَانِيَةً: «مَهْمَا حَدَثَ، دَعْنِي أرْكُضُ وَرَاءَ الكُوشِيِّ!» فَقَالَ يُوآبُ: «لِمَ تُرِيدُ أنْ تَنْقُلَ الأخْبَارَ يَا بُنَيَّ؟ لَنْ تَحْصُلَ عَلَى مُكَافأةٍ لِقَاءَ الأخْبَارِ الَّتِي تَحْمِلُهَا.» أجَابَ أخِيمَعَصُ: «مَهْمَا يَحْصُلُ، سَأذْهَبُ إلَى دَاوُدَ.» فَقَالَ لَهُ يُوآبُ: «حَسَنًا، أُرْكُضْ إلَيْهِ.» فَرَكَضَ أخِيمَعَصُ عَبْرَ وَادِي الأُرْدُنِّ وَسَبَقَ الكُوشِيَّ. كَانَ دَاوُدُ جَالِسًا بَيْنَ بوَّابَتَيِّ المَدِينَةِ. وَصَعِدَ المُرَاقِبُ إلَى السَّطْحِ فَوْقَ جُدْرَانِ البَوَّابةِ وَنَظَرَ فَرَأى رَجُلًا يَرْكُضُ وَحْدَهُ. فَصَرَخَ لِيُخْبِرَ المَلِكَ دَاوُدَ. فَقَالَ المَلِكُ دَاوُدُ: «إنْ كَانَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَهْوَ يَحْمِلُ الأخْبَارَ.» وَاقْتَرَبَ الرَّجُلُ مِنَ المَدِينَةِ أكْثَرَ فَأكْثَرَ. ثُمَّ رأى المُرَاقِبُ رَجُلًا آخَرَ يَرْكُضُ فَنَادَى حَارِسَ البَوَّابَةِ بِالقَوْلِ: «هَا رَجُلٌ آخَرُ يَرْكُضُ وَحْدَهُ.» فَقَالَ المَلِكُ: «هُوَ أيْضًا يَحْمِلُ الأخْبَارَ.» ثُمَّ قَالَ المُرَاقِبُ: «مِنْ طَريقَتِهِ فِي الرَّكْضِ، يُمْكِنُنِي أنْ أرى أنَّ الأوَّلَ هُوَ أخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ.» فَقَالَ المَلِكُ: «أخِيمَعَصُ رجُلٌ طيِّبٌ، وَلَا بُدَّ أنَّهُ يَحْمِلُ بِشَارَةً.» ثُمَّ نَادَى أخِيمَعَصُ المَلِكَ وَقَالَ: «كُلُّ شيءٍ عَلَى مَا يُرَامُ!» وَانْحَنَى بِوَجْههِ نَحْوَ الأرْضِ أمَامَ المَلِكِ، وقَالَ: «مُبَارَكٌ الَّذِي هَزَم الرِّجَالَ الَّذِينَ كَانُوا ضِدَّكَ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي.» فسألَ المَلِكُ: «هلِ الشَّابُ أبْشَالُومُ بِخَيرٍ؟» أجَابَ أخِيمَعَصُ: «رَأيْتُ الحَشْدَ الكَبِيرَ مِنْ حَوْلِنَا، عِنْدَمَا دَعَاني يُوآبُ لِيُرسِلَني، أنَا عَبْدَكَ، لَكِنَّنِي لَا أعْرِفُ مَا كَانَ هَذَا الأمْرَ.» ثُمَّ قَالَ المَلِكُ: «تقدَّم وَانتَظِر.» فذهبَ أخِيمَعَصُ إلَى هُنَاكَ وَوَقَفَ يَنْتَظِرُ. ثُمَّ وصَلَ الكُوشِيَّ وقَالَ: «أحْمِلُ بُشرَى لِمَولَايَ وَمَلِكِي. فَاليَوْمَ قَدْ حَفِظَكَ اللهُ، وَحَرَّرَكَ مِنْ سُلطَةِ جَمِيعِ الَّذِينَ قَامُوا ضِدَّكَ!» فسألَ المَلِكُ الكُوشِيَّ: «وَهَلِ الفَتَى أبْشَالُومُ بِخَيرٍ؟» فَأجَابَ الكُوشِيَّ: «آمُلُ أنْ يَلْقى أعْدَاؤُكَ وكَافَّةُ النَّاسِ الَّذِينَ يَقِفونَ ضِدَّكَ لِإلِحَاقِ الأذَى بِكَ العِقَابَ الَّذِي لَقِيَهُ هَذَا الشَّابُ أبْشَالُومُ.» حينئِذٍ عَرِفَ الملِكُ أنَّ أبْشَالُومَ قَدْ مَاتَ، فَاسْتَاءَ كَثِيرًا وَصَعِدَ إلَى الغُرْفَةِ الَّتِي فَوْقَ بوَّابَةِ المَدِينَةِ وَبَكَى. وَظَلَّ يبْكِي وَهُوَ يَمْشِي نَحْوَ تِلْكَ الغُرْفَةِ وَيَقُولُ: «آهٍ يَا بُنَيَّ يَا أبْشَالُومُ، يَا بُنيَّ يَا أبْشَالُومُ! لَيتَنِي مِتُّ عِوَضًا عَنْكَ. آهٍ يَا أبْشَالُومُ يَا بُنيَّ، يَا بُنيَّ!» ونَقَلَ النَّاسُ الأخْبَارَ إلَى يُوآبَ، فَقَالُوا: «هَا إنَّ المَلِكَ يَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَى أبْشَالُومَ.» كَانَ جَيْشُ دَاوُدَ قَدْ رَبِحَ المَعْرَكَةَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. لَكِنَّ هَذَا اليَوْمَ تَحَوَّلَ إلَى يَوْمِ بُكَاءٍ حَزِينٍ عِنْدَ النَّاسِ كُلِّهِمْ لِأنَّهُمْ سَمِعُوا بِأنَّ المَلِكَ حزينٌ جِدًّا عَلَى ابْنِهِ. فَدَخَلَ الجَيْشُ المدينةَ بِصَمْتٍ، كَأنَّهُمْ هُزِمُوا فِي مَعْركَةٍ وَهَرَبُوا! كَانَ المَلِكُ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ وَهُوَ يَبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ: «آهِ يَا بُنيَّ أبْشَالُومُ، آهِ يَا أبْشَالُومُ، يَا بُنَيَّ يَا بُنيَّ!» وَدَخَلَ يُوآبُ مَنْزِلَ المَلِكِ وقَالَ لَهُ: «أنْتَ تُهينُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ضُبَّاطِكَ! هَا إنَّ أولئِكَ الضُّبَّاطَ أنْقَذُوا حَيَاتَكَ اليَوْمَ، وَأنْقَذُوا حَيَاةَ أبنَائِك وبَنَاتِكَ وَزَوْجَاتِكَ وخَادِمَاتِكَ. تُحِبُّ النَّاسَ الَّذِينَ يكرَهونكَ وتكرَهُ الَّذِينَ يُحبّونَكَ. لَقَدْ أظْهَرْتَ اليَوْمَ بِوضوحٍ أنَّ ضُبَّاطَكَ وَرِجَالَكَ لَا يَعْنُونَ لكَ شَيْئًا. وَلَوْ أنَّ أبْشَالُومَ عَاشَ وَقُتِلْنَا نَحْنُ جَمِيعًا اليَوْمَ، لَكُنْتَ فِي غَايَةِ السَّعَادَةِ! فَانْهَضِ الآنَ وَكَلِّمْ ضُبَّاطَكَ. شجِّعْهُمْ! أُقْسِمُ بِاللهِ أنَّكَ مَا لَمْ تَخْرُجْ وَتَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الحَالِ، فلَنْ يَكُونَ مَعَكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ اللَّيلَةَ. وَسَيَكُونُ ذَلِكَ أسْوأ مِنْ كَافَّةِ المَتَاعِبِ الَّتِي وَاجَهْتَهَا مُذْ كُنْتَ وَلَدًا.» فذَهَبَ المَلِكُ إلَى بوَّابَةِ المَدِينَةِ، وَانْتَشَرَتْ أخْبَارُ وُجُودِهِ هُنَاكَ، فَجَاءَ الشَّعْبُ كُلُّهُ لِيَرَاهُ. كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلُّهُمُ الَّذِينَ تَبِعُوا أبْشَالُومَ قَدْ هَرَبُوا وَذَهبُوا إلَى ديَارِهِمْ. ورَاحَ النَّاسُ فِي كَافَّةِ عَائِلَاتِ إسْرَائِيلَ يَتَجَادَلُونَ. قَالُوا: «لَقَدْ خَلَّصَنَا المَلِكُ دَاوُدُ مِنَ الفِلِسْطيِّينَ وَأعْدَائِنَا الآخَرِينَ. هرَبَ مِنْ أبْشَالُومَ، فَاخْتَرْنَا هَذَا لِيَحْكُمَنَا. لَكِنَّ أبْشَالُومَ قَدْ مَاتَ الآنَ. لَقَدْ قُتِلَ فِي المعركَةِ، لذَا يَجْدُرُ بِنَا أنْ نُعِيدَ دَاوُدَ وَنَجْعَلَهُ مَلِكًا مِنْ جَدِيدٍ.» وَأرْسَلَ المَلِكُ دَاوُدُ رِسَالَةً إلَى الكَاهِنَينِ صَادُوقَ وَأبْيَاثَارَ يَقُولُ فِيهَا: «كَلِّمَا قَادةَ يَهُوذَا، وَقُولَا لَهُم: ‹أأنْتُمْ آخِرُ العَائِلَاتِ الَّتِي تُعِيدُ المَلِكَ دَاوُدَ إلَى مَنْزِلِهِ؟ هَا إنَّ جَمِيعَ بَنِي إسْرَائِيلَ يتحدَّثونَ عَنْ إعَادَةِ المَلِكِ إلَى مَنْزِلِهِ. أنْتُمْ إخْوَتِي وَعَائِلتِي. فلِمَاذَا أنْتُم آخِرُ العَائلَاتِ الَّتِي تُرْجِعُ المَلِكَ؟› وَقُولَا لِعَمَاسَا: ‹أنْتَ جُزءٌ مِنْ عَائِلَتِي. فليُعَاقِبْنِي اللهُ إنْ لَمْ أجْعَلْكَ قَائِدَ الجَيْشِ بَدلَ يُوآبَ.›» وَأثَّرَتْ كَلِمَاتُ دَاوُدَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ جَمِيعًا فِي يَهُوذَا، فَاتَّفَقُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأرْسَلُوا إلَى المَلِكِ يَقُولُونَ: «عُدْ أنْتَ وجَمِيعُ رِجَالِكَ!» فَجَاءَ المَلِكُ دَاوُدُ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَجَاءَ بنو يَهُوذَا إلَى الجِلْجَالِ لِكَي يُلَاقُوا المَلِكَ ويَعْبُرُوا بِهِ نَهْرَ الأُرْدُنِّ. كَانَ شِمْعَى بْنُ جِيرَا مِنْ عَائِلةِ بَنْيَامِينَ، وَيَعِيشُ فِي بَحُورِيمَ. وَنَزِلَ هَذَا مُسْرِعًا مَع بَنِي يَهُوذَا لِلِقَاءِ المَلِكِ دَاوُدَ. وقَدْ جَاءَ مَعَهُ نَحْوَ ألْفِ شَخْصٍ مِنْ عَائِلَاتِ بَنْيَامِين. كَذَلِكَ جَاءَ صِيبَا خَادِمُ عَائِلةِ شَاوُلَ، وقَدْ أحْضَرَ مَعَهُ أبْنَاءَهُ الخَمْسَةَ عَشَرَ وَخُدَّامَهُ العِشْرينَ. هَؤلَاءِ كلُّهُمْ أسْرَعُوا إلَى نَهْرِ الأُردُنِّ لِلِقَاءِ المَلِكِ دَاوُدَ. وَعَبَرَ النَّاسُ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِيُسَاعِدُوا فِي إعَادَةِ عَائِلَةِ المَلِكِ إلَى يَهُوذَا، وقَدْ فَعَلُوا كُلَّ مَا أرَادَهُ المَلِكُ. وَبَيْنَمَا كَانَ المَلِكُ يَعْبُرُ النَّهْرَ، جَاءَ شِمْعَى بْنُ جِيرَا لِلقَائِهِ، فَانْحَنَى أمَامَهُ نَحْوَ الأرْضِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: «يَا مَوْلَايَ، لَا تُحَاسِبْنِي عَلَى الأشْيَاءِ الخَاطِئَةِ الَّتِي فَعَلْتُهَا بِحَقِّكَ. يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، لَا تتذكَّرِ الأشْيَاءَ السَّيِّئةَ الَّتِي فَعَلْتُهَا عِنْدمَا غَادَرْتَ مَدِينَةَ القُدْسِ. تَعْرِفُ أنَّنِي أخْطَأتُ. لذَا أنَا اليَوْمَ أوَّلُ شَخْصٍ مِنْ عَائِلةِ يُوسُفَ يَنْزِلُ للقَائِكَ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي.» لَكِنَّ أبِيشَايَ بنَ صُرُوِيَّةَ قَالَ: «يَجْبُ أنْ نَقتُلَ شِمْعَى لِأنَّهُ لَعَنَ المَلِكَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ .» فَقَالَ دَاوُدُ: «مَاذَا يَجْدُرُ بِي أنْ أفْعَلَ بكُم يَا أبْنَاءَ صُرُوِيَّةَ؟ أنْتُمُ اليَوْمَ ضِدّي. وَهَلْ يُعْدَمُ أحَدٌ فِي إسْرَائِيلَ؟ اليَوْمَ أعْرِفُ أنَّنِي مَلِكُ إسْرَائِيلَ.» ثُمَّ قَالَ المَلِكُ لشِمْعَى: «لَنْ تَمُوتَ.» وَعَدَ المَلِكُ شِمْعَى بِأنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ لَنْ يَقْتُلَهُ. وَنزلَ مَفِيبُوشَثُ حَفيدُ شَاوُلَ لِلِقَاءِ المَلِكِ دَاوُدَ. وَمُنْذُ الوَقْتِ الَّذِي غَادَرَ فِيهِ المَلِكُ مَدِينَةَ القُدْسِ إلَى أنْ عَادَ بِسَلَامٍ، لَمْ يَكُنْ مَفِيبُوشَثُ قَدِ اهْتَمَّ لِرِجلَيهِ أوْ شَذَّبَ شَارِبَهُ أوْ غَسَلَ ثيَابَهُ. وَعِنْدَمَا التقى بِالْمَلِكِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، قَالَ لَهُ المَلِكُ: «لِمَ لَمْ تذهَبْ معي يَا مَفِيبُوشَثُ عِنْدَمَا هَرَبْتُ مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ؟» فأجَابَ مَفِيبُوشَثُ: «يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، لَقَدْ خَدَعَنِي خَادِمِي. فَأنَا أعْرَجُ، لِذَا قُلْتُ لِخَادِمِي صِيبَا: اذْهَبْ وَأسْرِجِ الحِمَارَ لِكَي أركَبَهُ وَأذْهَبَ مَعَ المَلِكِ. لَكِنَّ خَادِمِي خَدَعَنِي فَذَهَبَ إلَيكَ وَحْدَهُ وَقَالَ أشْيَاءَ سيِّئَةً عنِّي. إنَّمَا أنْتَ كَمَلَاكٍ مِنْ عندِ اللهِ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، فَافْعَلْ مَا ترَاهُ صَوَابًا. كَانَ مُمْكِنًا أنْ تَقْتُلَ عَائِلَةَ جَدِّي كُلَّهَا، لكِنَّكَ لَمْ تَفْعَلْ. وضَعْتَنِي مَعَ النَّاسِ الَّذِينَ يَأْكُلونَ مِنْ مَائِدَتِكَ. لِذَا لَا أمْلُكُ الحَقَّ فِي التَّذَمُّرِ لَدَى المَلِكِ بِشأنِ أيِّ شَيءٍ.» فَقَالَ الملِكُ لمَفِيبُوشَثَ: «لَا تَقُلِ المَزيدَ عَنْ مشَاكِلِكَ. إلَيْكَ مَا قرَّرْتُ: سَتَقْتَسِمَانِ الأرْضَ: صِيبَا وَأنْتَ.» فقَال مَفِيبُوشَثُ لِلمَلِكِ: «يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، يَكفي أنَّك أتَيْتَ إلَى دَارِكَ بسَلَامٍ. فليأخُذْ صِيبَا الأرْضَ كُلَّهَا!» وَنزِلَ بَرَزَلَّايُ الجِلْعَادِيُّ مِنْ رُوجَلِيمَ، وَجَاءَ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ مَعَ المَلِكِ دَاوُدَ لِيَعْبُرَ النَّهْرَ مَعَهُ. كَانَ بَرَزَلَّايُ مُتَقَدِّمًا فِي السِّنِّ، يَبْلُغُ مِنَ العُمْرِ ثَمَانينَ عَامًا. وَقَدْ أعْطَى المَلِكَ طَعَامًا عِنْدمَا مَكَثَ دَاوُدُ فِي مَحْنَايِمَ لِأنَّهُ كَانَ رجُلًا غَنِيًّا جِدًّا. فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: «أُعْبُرِ النَّهرَ مَعِي وسَأعْتَنِي بِكَ إن عِشْتَ مَعِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ.» لَكِنَّ بَرَزَلَّايَ قَالَ لِلمَلِكِ: «هَلْ تَعْرِفُ كَمْ أبلُغُ مِنَ العُمْرِ؟ أنَا أكْبَرُ مِنْ أنْ أذْهَبَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. أنَا فِي الثمَانينَ مِنْ عُمْرِي! فَهَلُ أُمِيِّزُ حُلْوَ الأيَّامِ عَنِ مُرِّهَا! هَلْ أُمّيِّزُ – أنَا خَادِمَكَ – طَعْمَ مَا آكُلُ وَمَا أشْرَبُ؟ فَمَا لِي وَالِاسْتِمَاعِ لِلمُغَنِّينَ وَالمُغَنِّيَاتِ؟ لِمَاذَا يَكُونُ خَادِمُكَ عِبْئًا جَديدًا عَلَيْكَ يَا مَوْلَايَ المَلِكَ؟ أنَا لَا أحْتَاجُ أيًّا مِنَ الأشْيَاءِ الَّتِي تُريِدُ أنْ تُعْطِيَنِي إيَّاهَا. سَأعْبُرُ مَعَكَ نَهْرَ الأُرْدُن مَسَافَةً قَلِيلَةً. لَكِنِ اسْمَحْ لِي – أنَا خَادِمَكَ – فَأعُودَ إلَى دَارِي، فَأمُوتَ فِي مَدينَتي، وَأُدْفَنَ فِي مَقْبرةِ أبِي وَأُمِّي. فَلْيَذْهَبْ كِمْهَامُ خَادِمُكَ مَعَكَ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، وَافْعَلْ بِهِ مَا تَشَاءُ.» فأجَابَ المَلِكُ: «سَيَذْهَبُ كِمْهَامُ مَعِي، وَسَأكُونُ لَطِيفًا وَمُحْسِنًا مَعَهُ مِنْ أجْلِكَ. سأفْعَلُ لَكَ أيَّ شَيءٍ.» فقَبَّلَ المَلِكُ بَرَزَلَّايَ وَبَارَكَهُ. وَعَادَ بَرَزَلَّايُ إلَى دَارِهِ. أمَّا المَلِكُ وَالشَّعْبُ كُلُّهُ فَقَدْ عَبَرُوا النَّهْرَ. عَبَرَ المَلِكُ نَهْرَ الأردُنِّ إلَى الجِلْجَالِ. وَذَهَبَ مَعَهُ كِمْهَامُ. أمَّا بَنُو يَهُوذَا ونِصْفُ بَنِي إسْرَائِيلَ فَقَدْ قَادُوا دَاوُدَ عَبْرَ النَّهْرِ. وَجَاءَ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلُّهمْ إلَى المَلِكِ وقَالُوا لَهُ: «بنو يَهُوذَا إخْوَتُنَا سَرَقُوكَ وَعَبَرُوا بِكَ وبِعَائلتِكَ ورِجَالِكَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ.» فأجَابَ بَنُو يَهُوذَا كُلُّهُمْ بَنِي إسْرَائِيلَ: «لِأنَّ صِلَةَ القَرَابَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ المَلِكِ أوثَقُ. فَلِمَ أنْتُم غَاضِبونَ مِنَّا بِهذَا الشَّأْنِ؟ فَنَحْنُ لَمْ نَأكُلْ طَعَامًا عَلَى حِسَابِ المَلِكِ، وَهْوَ لَمْ يُقَدِّمْ لَنَا أيَّةَ هَدَايَا.» فأجَابَ بَنُو إسْرَائِيلَ: «لَنَا فِي المَلِكِ عشرَةُ أسْهُمٍ. لذَا يَحِقُّ لنَا بِدَاوُدَ أكْثَرَ مِنْكُم، لَكِنَّكُمْ تَجَاهَلْتُمُونَا. لَقَدْ كُنَّا أوَّلَ المُتَكَلَّمِينَ عَنْ إعَادَةِ مَلِكِنَا.» لَكِنَّ جَوَابَ بَنِي يَهُوذَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ جَاءَ قَبِيحًا أشَدَّ القُبْحِ. كَانَتْ عِبَارَاتُهُمْ أشَدَّ قُبْحًا مِنْ عِبَارَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فِي ذَلِكَ المَكَانِ، كَانَ رَجُلٌ يُدْعَى شَبَعَ بْنَ بِكْرِي وهوَ مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. كَانَ مُثِيرًا للمَشَاكِلِ لَا يَصْلُحُ لِشَيءٍ. فَنَفَخَ فِي البُوقِ لِيَجْمَعَ الشَّعْبَ ثُمَّ قَالَ: «لَا حِصَّةَ لَنَا فِي دَاوُدَ. لَا حِصَّةَ لَنَا فِي ابْنِ يَسَّى. فيَا بَنِي إسْرَائِيلَ، لِنَعُدْ كلُنَا إلَى خِيَمِنَا.» وَهَكَذَا تَرَكَ بَنُو إسْرَائِيلَ كلُّهُمْ دَاوُدَ وَتَبِعُوا شَبَعَ بْنَ بِكْرِي. لكِنَّ بَنِي يَهُوذَا لَازِمُوا مَلِكَهُمْ عَلَى طَوَالَ الطّريقِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَعَادَ دَاوُدُ إلَى مَنْزِلِهِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَكَ عَشْرًا مِنْ نِسَائِهِ للَاعْتِنَاءِ بِالمَنْزِلِ، وقَدْ وضَعَهُنَّ فِي مَنْزِلٍ خَاصٍ، مِنْ حَوْلِهِ حُرَّاسٌ، وبَقِينَ فِيهِ حَتَّى مَمَاتِهِنَّ. كَانَ دَاوُدُ يَعْتَنِي بِهنَّ ويُعْطِيهِنَّ الطَّعَامَ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعَاشِرْ أيًّا مِنْهُنَّ، فعِشْنَ كَالأرَامِلِ إلَى يَوْمِ مَمَاتِهِنَّ. قَالَ المَلِكُ لِعَمَاسَا: «اجْمَعْ بَنِي يَهُوذَا إلَيَّ فِي غُضُونِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ. وَكُنْ أنْتَ هُنَا أيْضًا.» فَذَهَبَ عَمَاسَا ليَجْمَعَ بَنِي يَهُوذَا، لكِنَّهُ اسْتَغْرَقَ وقتًا أطْوَلَ مِنَ الَّذِي حدَّده لَهُ المَلِكُ. ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِأبِيشَايَ: «شَبَعُ بْنُ بِكْرِي أشَدُّ خَطَرًا عَلَيْنَا ممَّا كَانَ أبْشَالومَ. لِذَا خُذْ ضُبَّاطِي وَرِجَالِي وَطَارِدْهُ. أسْرِعْ قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ مُدُنًا لَهَا أسْوَارٌ. فإنْ دَخَلَ شَبَعُ المُدُنَ المَحْمِيَّةَ جِدًّا، فَلَنْ نَسْتَطِيعَ القَبْضَ عَلَيْهِ.» فغَادرَ يُوآبُ مَدِينَةَ القُدْسِ ليُطَارِدَ شَبَعَ بْنَ بِكْرِي وقَدْ أخَذَ مَعَهُ رِجَالَهُ وَالكَرِيتيِّين وَالفِلِيتيِّينَ وغيرَهُمْ مِنَ الجُنُودِ الأقْويَاءِ. وَعِنْدمَا وَصَلَ يُوآبُ وَالْجَيْشُ إلَى الصَّخرةِ العَظِيمَةِ فِي جِبْعُونَ، خَرَجَ عَمَاسَا لِلِقَائِهِم. كَانَ يُوآبُ يَرْتدِي بَذلَتَهُ، وَيَضَعُ حِزَامًا وَالسَّيْفُ فِي غِمْدِهِ. وبَينمَا كَانَ مَاشيًا لِلِقَاءِ عَمَاسَا، وَقَعَ سَيفُهُ مِنَ الغِمْدِ فَانْتَشَلَهُ وحمَلَهُ فِي يدِهِ. ثُمَّ سَألَ عَمَاسَا: «كيف حَالُكَ يَا أخِي؟» فمَّدَ يَدَهُ وَأمْسَكَ عَمَاسَا مِنْ ذَقْنِهِ لِيُقَبِّلَهُ تَرْحِيبًا بِهِ. ولَمْ يَتَنبَّهْ عَمَاسَا للسَّيفِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ يُوآبَ اليُسْرَى، فطعَنَهُ يُوآبُ بِالسَّيْفِ فِي بَطْنِهِ، فَوَقَعَتْ أمعَاؤهُ عَلَى الأرْضِ وَمَاتَ بِطَعنَةٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ بَدأ يُوآبُ وَأخُوهُ أبِيشَايُ بَحْثَهُمَا مِنْ جَدِيدٍ عَنْ شَبَعَ بْنِ بِكْرِي. وَوَقَفَ أحَدُ جُنودِ يُوآبَ الشُّبَانُ عِنْدَ جُثَّةِ عَمَاسَا، وَقَالَ: «أيُّهَا الرَّجَالُ جَمِيعًا الَّذِينَ تَدْعَمُونَ يُوآبَ وَدَاوُدَ، فلنَتْبَعْ يُوآبَ.» كَانَ عَمَاسَا فِي وَسَطِ الطَّريقِ، مُمَدَّدًا وَسَطَ دِمَائِهِ. فلَاحَظَ الجُنْدِيُّ الشَّابُ أنَّ النَاسَ كُلَّهُمْ ظَلُّوا يَتَوَقَّفونَ للنَّظرِ إلَى الجُثَّةِ. فَدَحْرَجَهَا بَعِيدًا عنِ الطَّرِيقِ إلَى دَاخِلِ الحَقْلِ، وغطَّاهَا بقِطْعَةِ قُمَاشٍ. وبَعْدَ أنْ أُبْعِدَتْ جُثَّةُ عَمَاسَا عنِ الطَّريقِ، مَرَّ النَّاسُ بِهَا وَحَسْبُ وتَبِعُوا يُوآبَ. فَانْضمُّوا إلَيْهِ وَطَارَدُوا شَبَعَ بْنَ بِكْرِي. مرَّ شَبَعُ بْنُ بِكْري بِكَافَّةِ قبَائِلِ إسْرَائِيلَ وَهُوَ فِي طَرِيقِهِ إلَى آبَلَ بيتِ مَعْكة. كَذَلِكَ، اجتَمَعَ البِيرِّيُّونَ كُلُّهُم وَتَبِعُوهُ. وجَاءَ يُوآبُ ورِجَالُهَ إلَى آبِلَ بَيْتَ مَعْكَةَ، وَحَاصَرُوهَا. ثُمَّ كَدَّسُوا التُّرَابَ عِنْدَ جِدَارِ المَدِينَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِنَ التَّسَلُّقِ فَوقَهُ. وَرَاحَ رِجَالُهُ يَضْرُبُونَ بِالحِجَارَةِ عَلَى الجِدَارِ ليهْدِمُوهُ. وَنَادَتِ امْرأةٌ حَكيمةٌ مِنْ دَاخِلِ المَدِينةِ وَقَالَتْ: «أصْغُوا إليَّ! قُولُوا لِيُوآبَ أنْ يأتِيَ إلَى هُنَا. أُرِيدُ أنْ أُكلِّمَهُ.» وذهَبَ يُوآبُ ليُكلِّمَهَا، فَسألَتْهُ: «هَلْ أنْتَ يُوآبُ؟» أجَابَ: «نَعَمْ، أنَا هُوَ.» فَقَالَتْ لَهُ المَرْأةُ: «أصْغِ إليَّ.» فَقَالَ لهَا: «إنَّنِي أُصْغِي.» ثمَّ قَالتِ المَرْأةُ: «فِي المَاضِي، كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: ‹اطلُبُوا النَّجْدَةَ فِي آبلَ وسَتَحْصُلُونَ عَلَى مَا تَحْتَاجُونَ إلَيْهِ.› وَأنَا وَاحِدَةٌ مِنْ كَثِيرِينَ مِنَ المُسَالِمِينَ الأوْفيَاءَ فِي هَذِهِ المَدِينَةِ. وَهَا أنْتَ تحَاوِل تَدْمِيرَ مَدِينَةٍ مُهِمَّةٍ مِنْ مُدُنِ إسْرَائِيلَ. فَلِمَ تُرِيدُ تَدْمِيرَ مَا هُوَ مِلكٌ للهِ ؟» أجَابَ يُوآبُ: «اسْمَعِي، أنَا لَا أُرِيدُ تَدْمِيرَ شيءٍ! لَا أُرِيدُ تَدْمِيرَ مَدِينَتِكُمْ. لكِنْ بِدَاخِلِهَا رَجُلٌ مِنْ جَبَلِ أفْرَايِمَ وهوَ يُدْعَى شَبَعَ بْنَ بِكْرِي، وَقَدْ تَمَرَّدَ ضِدَّ المَلِكِ دَاوُدَ. أحْضِرُوهُ إليَّ وَسَأبتَعِدُ عَنْ هَذِهِ المَدِينَةِ.» فَقَالَتِ المَرْأةُ لِيُوآبَ: «حَسَنًا، سَيُرمَى لَكَ بِرأسِهِ مِنْ فَوْقِ السُّورِ.» ثُمَّ تَحَدَّثَتِ المَرْأةُ بحِكَمَةٍ شَدِيدَةٍ إلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي المَدِينَةِ. فقَطَعُوا رأسَ شَبَعَ بنِ بِكْرِي ورَمَوْا بهِ إلَى يُوآبَ مِنْ فَوْقِ سُورِ المَدِينَةِ. ثُمَّ نَفَخَ يُوآبُ فِي البُوقِ وغَادرَ الجَيْشُ المَدِينَةَ. فَذَهَبَ الجُنُودُ إلَى ديَارِهم وعَادَ يُوآبُ إلَى المَلِكِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. كَانَ يُوآبُ قَائِدَ الجَيْشِ كُلَّهِ فِي إسْرَائِيل. وبَنَايَاهُو بْنُ يهويَادَاعَ يقودُ الكرِيتيِّينَ وَالفِليتيِّينَ. أمَّا أدورَامُ فكَانَ مَسْؤولًا عَنْ العُمَّالِ المُجَنَّدِينَ، وَيُوشَافَاطُ بْنُ أحِيلودَ مسؤولًا عَنِ السِّجِلِّ، وَشِيوَا أمِينًا لِلسِّرِّ. وَكَانَ صَادُوقُ وَأبْيَاثَارُ كَاهِنَين، وَعِيرَا اليَائيريُّ مُستشَارًا لِدَاوُدَ. بَيْنَمَا كَانَ دَاوُدُ مَلِكًا، حَصَلَتْ مَجَاعةٌ اسْتَمَرَّتْ ثلَاثَ سَنوَاتٍ. فَصلّى دَاوُدُ إلَى اللهِ فأجَابَهُ اللهُ : «شَاوُلُ وَعَائِلتُهُ – عَائِلةُ المُجْرِمِينَ – هُمُ السَّبَبُ فِي زَمَنِ الجُوعِ هَذَا. حَصَلَت هَذِهِ المَجَاعَةُ لِأنَّ شَاوُلَ قَتَلَ الجِبْعُونيِّينَ.» لَمْ يَكُنِ الجِبْعُونيُّونَ مِنَ بَنِي إسْرَائِيلَ، بَلْ كَانُوا جَمَاعَةً مِنْ بِقِيَّةِ الأمُوريِّينَ. وَكَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ قَدْ وَعَدُوهُم بألَّا يُلحِقُوا الأذَى بِهِمْ. لَكِنَّ شَاوُلَ أرَادَ أنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ غَيْرَتهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وبَنِي يهُوَّذَا. فَجَمَعَ المَلِكُ دَاوُدُ الجَبْعُونيِّينَ وَكَلَّمَهُم. قَالَ لهُم: «مَاذَا أصْنَعُ لكُمْ؟ مَاذَا أفْعلُ لمَحْوِ خَطيَّةِ إسْرَائِيلَ، لِكَي تُبَارِكُوا شَعْبَ اللهِ ؟» فَقَالَ الجِبْعُونيُّونَ لدَاوُدَ: «لَا نُرِيدُ مِنْ عَائِلةِ شَاوُلَ ذَهَبًا أوْ فِضّةً، وَلَيَسَ لَنَا الحَقُّ فِي قَتلِ أيِّ شَخْصٍ فِي إسْرَائِيلَ.» فَقَالَ دَاوُدُ: «فَمَاذَا يُمْكِنُنِي أنْ أصْنَعَ لكُم؟» فَقَالَ الجَبْعُونِيُّونَ لِلمَلِكِ دَاوُدَ: «لقد حَاوَلَ شَاوُلُ القَضَاءَ عَلَيْنَا، وَخَطَّطَ لِإبَادَتِنَا جَمِيعًا مِنْ بلَادِ إسْرَائِيلَ. فسَلِّمْنَا سَبْعَةً مِنْ أبْنَاءِ شَاوُلَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ ، وَسَنَعدِمُهُمْ أمَامَ اللهِ عِنْدَ جَبَلِ جِبْعَ، جَبَلِ شَاوُلَ.» فَقَالَ المَلِكُ دَاوُدُ: «سَأُسَلِّمُكُمْ إيَّاهُم.» لَكِنَّ المَلِكَ اسْتَثْنَى مَفِيبُوشَثَ بْنَ يُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ، بِسَبَبِ عَهْدِ اللهِ الَّذِي قَطَعَهُ دَاوُدُ مَعَ يُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ. وَاخْتَارَ دَاوُدُ أرْمُونِيَ وَمَفِيبُوشَثَ ابْنَيْ شَاوُلَ مِنْ زَوْجَتِهِ رِصْفَةَ، وَأبْنَاءَ مِيرَبَ بِنتِ شَاوُلَ الخَمْسَةَ، زَوْجَةِ عَدْرِئيلَ بْنِ بِرزَلَّايَ المَحُوِليَّ. وَسَلَّمَ دَاوُدُ هؤلَاءِ الرِّجَالَ السبعَةَ إلَى أيدِي الجَبْعُونِيُّونَ. فجَاءُوا بهِم إلَى جَبَلِ جِبْعَ وَأعْدَمُوهُمْ أمَامَ اللهِ . فمَاتَ السَّبعةُ مَعًا. أُعْدِمُوا فِي أيَّامِ الحَصَادِ الأُولَى، فِي الرَّبيعِ، مَعَ بِدَايةِ مَوْسِمِ حَصَادِ الشَّعيرِ. فَأخذَت رِصفَةُ بِنْتُ أيَّةَ لبَاسَ الخَيْشِ وَوَضعَتْهُ فَوْقَ الصَّخْرةِ. فبقيَ هُنَاكَ مِنْ بِدَايَةِ مَوسِمِ الحَصَادِ وحَتَّى مَوسِمِ الأمْطَارِ. ثُمَّ أخَذَتْ تُرَاقِبُ جُثَثَ القَتلَى ليلَ نَهَارَ، فَلَمْ تسمَحْ للطُّيورِ الجَارِحَةِ بأِنْ تَنَالَ مِنَ الجُثَثِ خلَالَ النهَارِ، وَلَا للحيوَانَاتِ المُفْتَرِسَةِ خِلَالَ اللَّيْلِ. فأخبَرَ النَّاسُ دَاوُدَ بمَا تَصْنَعُهُ رِصْفَةُ جَارِيَةُ شَاوُلَ. فأخَذَ عِظَامَ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ مِنَ رِجَالِ يَابِيشَ جِلْعَادَ. وكَانَ هؤلَاءِ قَدْ حَصَلُوا عَلَيْهَا بَعْدَ مَقْتَلِ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ فِي الجَلبُوعَ. كَانَ الفِلِسْطيّونَ قَدْ عَلَّقُوا الجُثَّتينِ عَلَى جِدَارٍ فِي بَيْتِ شَانَ. لَكِنَّ رجَالَ يَابِيشَ جِلْعَادَ ذَهبُوا وَسَرَقُوا الجُثَّتينِ وَأبعَدُوهُمَا عَنْ تِلْكَ المِنْطَقَةِ العَامَّةِ. أحْضَرَ دَاوُدُ عِظَامَ شَاوُلَ وَابْنِهِ يُونَاثَانَ مِنْ يَابِيشَ جَلْعَادَ، وَأمَرَ بِجَمْعِ عِظَامِ الرِّجَالِ السَّبعةِ الَّذِينَ عُلِّقُوا عَلَى الأخْشَابِ لِدَفنِهَا. ثُمَّ دَفَنُوا عِظَامَ شَاوُلَ وَابْنِهِ يونَاثَانَ فِي مِنْطَقَةِ بَنْيَامِين، دَاخلَ أحَدِ الأنْفَاقِ فِي مقبَرَةِ قَيسٍ وَالِدِ شَاوُلَ. فَعَلَ النَاسُ كُلَّ مَا أمَرَهُمْ بِهِ المَلِكُ، فأصْغَى اللهُ إلَى صَلَوَاتِ الشَّعْبِ فِي تِلْكَ الأرْضِ. وَشَنَّ الفِلِسْطيّون حَرْبًا أُخْرَى ضِدَّ إسْرَائِيلَ، فَخَرجَ دَاوُدُ ورِجَالُهُ لمحَاربَتِهِم. لَكِنَّ دَاوُدَ تَعِبَ كَثيِرًا وضَعُفَ. كَانَ يِشْبِي بَنُوبُ أحَدَ العمَالِقةِ التَّابِعِينَ لِلإلَهِ المُزَيَّفِ رَافَا. كَانَ رُمْحُهُ يَزِنُ نَحْوَ ثلَاثَ مئةِ مِثقَالٍ مِنَ البُرُونْزِ، وَيَحْمِلُ سَيْفًا جَدِيدًا. فَحَاوَلَ أنْ يقتُلَ دَاوُدَ، لَكِنَّ أبِيشَايَ بنَ صُرُوِيَّةَ قَتَلَ الفِلسطِيَّ وَأنْقَذَ دَاوُدَ. ثُمَّ قطَعَ رِجَالُ دَاوُدَ وَعْدًا خَاصًّا لِلمَلِكِ فَقَالُوا لَهُ: «لَا يَنْبَغِي أنْ تَخْرُجَ مَعَنَا إلَى المَعْرَكَةِ فِيمَا بَعْدُ. فإنْ فَعَلْتَ، رُبَّمَا تَخْسَرُ إسْرَائِيلُ أعْظَمَ قَادَتِهَا.» فِي وقْتٍ لَاحقٍ، وقَعَتْ حربٌ أُخْرَى مَعَ الفِلِسْطيِّينَ فِي جوب، فقَتَلَ سِبْكَاي الحوشي سَافَ، وَهُوَ مِنْ أتبَاعِ رَافَا. وَفِي وقتٍ لَاحقٍ، وقَعَتْ حربٌ أُخْرَى فِي جُوبَ مَعَ الفِلِسْطييّينَ، فقتلَ ألحَانَانُ بْنُ يَاعرِيَّ أُورغِيمَ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ جُليَاتَ الجَتّيَّ الَّذِي كَانَ رُمْحُهُ ضَخْمًا مِثْلَ نَولِ النُّسَّاجِ. ثُمَّ وقَعَتْ حَرْبٌ أُخْرَى فِي جَتّ. وكَانَ رَجلٌ ضَخمٌ جِدًا، لَهُ سِتَّةُ أصَابعَ فِي كلٍّ مِن يَدَيهِ وفِي كلٍّ مِن رِجلَيهِ – مَجْمُوعُهَا أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبِعًا. كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنَ العَمَالِقَةِ أيْضًا. وقَدْ تَحدّى إسْرَائِيلَ وَسَخِرَ بِهَا، لَكِنَّ يُونَاثَانَ قَتَلَهُ – كَانَ هَذَا يُونَاثَانُ بْنُ شِمْعَى أخِي دَاوُدَ. كَانَ هؤلَاءِ الأرْبَعَةُ مِنْ بَنِي هَرْفَةَ فِي جَتِّ، وقَدْ قُتِلُوا عَلَى يدِ دَاوُدَ ورِجَالِهِ. رَنَّمَ دَاوُدُ كَلِمَاتِ هَذِهِ الأُنْشُودَةِ للهِ يَوْمَ أنْقَذَهُ اللهُ مِنْ شَاوُلَ وَمِنْ جَمِيعِ أعْدَائِهِ، فَقَالَ: « اللهُ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي الأمِينُ. هُوَ إلهِي، هُوَ الصَّخرَةُ الَّتِي ألتَجْئُ إليهَا. اللهُ دِرعِي. قُوَّتُهُ تُنْقِذُنِي وَتَنْصُرُنِي. اللهُ مَلْجَأي المُرْتَفِعُ، وَمَلَاذِي الأمِينُ، هُوَ مُنْقِذِي. يُنْقِذُنِي مِنَ الأعْدَاءِ العُنَفَاءِ. دَعَوْتُ اللهَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ التَّسْبِيحَ، فخَلَصْتُ مِنْ أعْدَائي! «أحَاطَتْ أمْوَاجُ المَوْتِ بِي، وَهَاجَمَتنِي سُيُولُ الهَلَاكِ. حِبَالُ الهَاوِيَةِ كُلُّهَا كَانَتْ حَوْلِي. وَأفخَاخُ المَوْتِ مِنْ أمَامِي. فِي ضِيقي دَعَوتُ اللهَ ، دَعَوتُ إلهي. فسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي. وَدَخَل صُرَاخِي أُذُنَيهِ. ثمَّ اهْتزَّتِ الأرْضُ وَارْتَجَفَتْ! السَّمَاءُ تَحَرَّكَتْ وَارْتَجَّتْ، لِأنَّهُ غَضِبَ! مِنْ أنفِهِ خَرَجَ الدُّخَانُ، ونَارٌ مُشْتَعِلةٌ انْطَلَقَتْ مِنْ فَمِهِ، وَاتَّقَدَتْ مِنْهَا الجَمْرُ. شَقَّ اللهُ السمَاءَ! وَقَفَ فَوْقَ غَيمَةٍ سَميكةٍ دَاكنةٍ! كَانَ يَطيرُ مُمتَطِيًا مَلَائِكَةَ الكَرُوبِيمِ المُحَلِّقةَ، وقدِ امْتطى الرّيحَ. لفَّ اللهُ الغيومَ الدَّاكِنَةَ مِنْ حَوْلِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ خَيْمَةً. جَمَعَ المِيَاهَ فِي الغُيومِ. انطلقَتِ الجَمرَاتُ كَالفَحْمِ المُشْتَعِلِ مِنَ الضَّوْءِ السَّاطِعِ مِنْ حَوْلِهِ! أرْعَدَ اللهُ فِي السَّمَاءِ، وسمَّعَ العليُّ صوتَهُ. وَأطلَقَ سِهَامَهُ وشتَّتَ العَدُوَّ. أرْسَلَ اللهُ بُرُوقَهُ، فَتفرَّقَ النَّاسُ مُرْتَبِكِينَ وَفِي حَيرَةٍ. «تكَلَّمْتَ يَا اللهُ بِقوَّةٍ، وَمَنْ فمِكَ هبَّتْ ريحٌ قويَّةٌ، فترَاجَعَتِ المِيَاهُ، حَتَّى رأينَا قَعْرَ البحرِ، وَأسُسَ الأرْضِ. «مَدَّ ذِرَاعَهُ مِنْ عَليَائِهِ، وَأمْسَكَ بِي، وَسَحَبَنِي مِنَ المِيَاهِ العَمِيقَةِ المُنْدَفِعةِ. خلَّصَنِي مِنْ أعْدَائِي الَّذِينَ هُمْ أقْوَى مِنِّي. أنْقَذَنِي مِنْ مُبغِضِيَّ، فَقَدْ كَانُوا أقَوَى مِنْ أنْ أُواجَهَهُمْ وَحْدِي. وَقَعْتُ فِي مُصِيبَةٍ، وَهَاجَمَنِي أعْدَائِي، لَكِنَّ اللهَ سَنَدَنِي وَأعَانَنِي. اللهُ يُحِبُّنِي، لِذَا أنْقَذَني، وَأخَذَنِي إلَى مَكَانٍ أمِينٍ لَا ضِيقَ فِيهِ. سَيكَافئُنِي اللهُ لِأنَّنِي فعَلْتُ الصَّوَابَ، لَمْ أقْتَرِفْ ذَنْبًا، لِذَا سَيَصْنَعُ الأشْيَاءَ الحَسَنَةَ لِي. لِأنَّنِي مَشَيْتُ فِي سُبُلِ اللهِ ، وَلَمْ أُخْطِئْ إلَى إلَهِي كَالأشْرَارِ. أذْكُرُ دَائِمًا شَرَائعَهُ وَأتأمَّلُ بِهَا، وَلَا أحِيدُ عَنْهَا! أبقى أمِينًا لَهُ، وَأحْفَظُ نَفْسِي نَقِيًّا بِلَا إثْمٍ أمَامَهُ. لذَا، سيُكَافِئُنِي اللهُ حَسَبَ بِرِّي وَصلَاحِي، بِحَسَبِ الصَّلَاحِ الَّذِي يَرَانِي أعْمَلُهُ. «تُظهِرُ أمَانَتَكَ لِلأُمَنَاءِ، وَصَلَاحَكَ لِلصَّالِحِينَ. تُظْهِرُ نَقَاءَكَ مَعَ الأنْقِيَاءِ. وَتُظْهِرُ حِيَلَكَ مَعَ المُنْحَرِفِينَ. تُسَاعِدُ المُتوَاضِعينَ يَا اللهُ. لَكِنَّكَ تَجْلُبُ العَارَ عَلَى المُتفَاخِرينَ. أنْتَ مِصْبَاحِي يَا اللهُ ، اللهُ يُضيءُ الظُّلْمَةَ مِنْ حَوْلِي. بمَعُونَتِكَ أدُوسُ جُيُوشًا. بمَعُونَةِ اللهِ، أتَسَلَّقُ جُدْرَانَ العَدُوِّ. «طَريقُ اللهِ كَامِلٌ. كَلِمَةُ اللهِ اجتَازَتْ كَلَّ امْتِحَانٍ. هُوَ تُرْسٌ لِمَنْ يَحْتَمُونَ بِهِ. مَا مِنْ إلهٍ غَيْرُ اللهِ ، وَمَا مِنْ صَخْرَةٍ سِوَاهُ. اللهُ حِصْنِي المَنِيعُ. يُسَاعِدُ الأنقيَاءَ لِيَسلُكُوا الدَربَ الصَحِيحَ. يُسَاعِدُنِي فأعْدُوَ سَريعًا كَالغَزَالِ! يُبْقِينِي فَوْقَ المَشَارِفِ. يُدَرِّبني لِشَنِّ الحَرْبِ، فتُطلِقَ ذِرَاعَيَّ سِهَامًا قَويَّةً. «أنْتَ حَمَيتَنِي يَا اللهُ جَعَلْتَنِي عَظِيمًا، وسَاعَدْتَني لِأهْزِمَ عَدُوِّي. تمْنَحُنِي قُوَّةً فِي رِجْلَيَّ وكَاحِلِيَّ فأمْشِيَ سَرِيعًا مِنْ غَيْرِ أنْ أتَعَثَّرَ. أُرِيدُ أنْ أُطَارِدَ أعْدَائِي، حَتَّى أُهلِكَهُمْ! وَلَنْ أعُودَ حَتَّى يَنْتَهِيَ أمْرُهُم! أهْلَكْتُ أعْدَائيَ. هَزَمتُهُم! وَلَنْ يَنْهَضُوا بَعْدَ اليَوْمِ. سَقَطَ أعْدَائي عِنْدَ قَدَميَّ. «شَدَّدْتَنِي فِي المَعْرَكَةِ، وَجَعَلْتَ أعْدَائي يَنْهَارُون أمَامِي. مَنَحْتَنِي الفُرْصَةَ لِأنَالَ مِنْ عَدُوِّي، وَأهزِمَ الَّذِي يَكْرَهُنِي. صَرَخَ أعْدَائِي طَلَبًا لِلمُسَاعَدَةِ، لَكِنَّ مَا مِنْ أحَدٍ ليُنْقِذَهُمْ. بَلْ وَنَظَرُوا إلَى اللهِ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُمْ. قَطَّعْتُ أعْدَائي، فَصَارُوا كَالتُّرَابِ عَلَى الأرْضِ. سَحقْتُ أعْدَائي وَدُسْتُهُمْ، كَمَا أدُوسُ الوَحلَ فِي الشَّوَارِعِ. «أنْتَ أنْقَذْتَنِي مِنْ مُؤَامَرَاتِ شَعْبِي ضِدِّي. أبْقَيْتَ عَلَيَّ حَاكِمًا عَلَى تِلْكَ الأُمَمِ. يَخْدِمُنِي أُنَاسٌ لَمْ أعْرِفْهُمُ! يَتَذَلَّلُ أمَامِي أُنَاسٌ مِنْ بِلَادٍ أُخْرَى! يُسْرِعُونَ إلَى طَاعَتِي فَورَ سَمَاعِ أمْرِي. أُولَئِكَ الغُرَبَاءُ يَرْتَعِدُونَ خَوْفًا. يَخْرُجُونَ مِنْ مَخَابِئِهِمْ وَهُمْ يَرْتَجِفونَ مِنَ الخَوْفِ. « اللهُ هُوَ الحَيُّ! أمَجِّدُ صَخْرَتِي. اللهُ عَظِيمٌ. هُوَ الصَّخرَةُ الَّتِي تُنْقِذُنِي. هُوَ اللهُ الَّذِي مِنْ أجْلِي عَاقَبَ أعْدَائِي جَعَلَ الشُّعُوبَ تَخْضَعُ لِحُكمْي. «مِنْ أعْدَائِي خَلَّصْتَني! سَاعَدْتَنِي عَلَى هَزِيمَةِ مَنْ وَقَفُوا ضِدِّي. أنقَذْتَنِي مِنَ عَدِيمِي الرَّحْمَةِ! لذَا أُمَجِّدُكَ وَسَطَ الأُمَمِ يَا اللهُ . لذَا أنْشِدُ لِاسْمِكَ الأنَاشِيدَ. «يُعينُ اللهُ مَلِكَهُ ليَفوزَ بِمَعَارِكَ كَثِيرةٍ! يُظْهِرُ اللهُ حُبَّهُ وَإحْسَانَهُ لمَلِكِهِ الَّذِي مَسَحَهُ. لدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إلَى الأبَدِ.» هذهِ هِيَ كَلِمَاتُ دَاوُدَ الأخِيرَةُ: «هذهِ الكَلِمَاتُ مِنْ دَاوُدَ بْنِ يسّى، مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ عَظِيمًا، المَلِكِ الَّذِي اخْتَارَهُ إلَهُ يَعْقُوبَ، المُرَنِّمِ العَذْبِ فِي إسْرَائِيلَ. «رُوحُ اللهِ تَكَلَّمَ فيَّ. كَلِمَتُهُ كَانَتْ عَلَى لِسَانِي. إلَهُ إسْرَائِيلَ تَكَلَّمَ، صخرةُ إسْرَائِيلَ قَالَ لِي: ‹مَنْ يَحْكُمُ النَّاسَ بِعَدلٍ، مَنْ يَحْكُمُ فِي خَوْفِ اللهِ، سَيَكونُ كَضَوْءِ الصَّبَاحِ عِنْدَ إشْرَاقِ الشَّمْسِ، كَالصَّبَاحِ بِلَا غُيُومٍ. سَيَكونُ كَالعُشْبِ الأخْضْرِ الطَرِيِّ، الخَارِجِ بِفعِلِ شُرُوقِ الشَّمْسِ بَعْدَ المَطَرِ.› «جَعَلَ اللهُ عَائِلتِي قَوِيَّةً آمِنَةً. قَطَعَ مَعِي عَهْدًا إلَى الأبدِ! حَرِصَ اللهُ عَلَى أنْ يَكُونَ العَهْدُ مُحكَمًا وَآمِنًا، فلَا شكَّ فِي أنَّهُ سَيَمْنَحُنِي كُلَّ انْتِصَارٍ سَيَمْنَحُنِي كُلَّ مَا أُرِيدُ! «أمَّا الأشْرَارُ فَكَالشَّوْكِ. بلَا فَائِدَةٍ أوْ مَنْفَعَةٍ، يُلقَوْنَ إلَى الأرْضِ، وَلَا تَرْفَعُهُمْ يَدٌ. إنْ لَمَسَهُمْ أحَدٌ، تأذَّىْ كَمَا لَوْ لَامَسَ رُمْحًا مِنْ خَشَبٍ أوْ مِنْ حَدِيدٍ. أجلْ، أولئِكَ النَّاسُ هُمْ كَالأشوَاكِ. وسيُلقَى بِهِمْ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقونَ احْتِرَاقًا!» وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ جُنُودِ دَاوُدَ الجَبَابِرةِ: إيشْبُوشَثُ التَّحْكَمُونِيُّ وَهُوَ قَائِدُ قُوَّاتِ المَلِكِ الخَاصَّةِ. كَذَلِكَ يُدْعَى عَدينُو العَصْنيَّ، وقَدْ قَتَلَ ثَمَانِي مِئةِ رجُلٍ فِي مُواجَهةٍ وَاحِدَةٍ. تلَاهُ أليعَازرُ بْنُ دُودُو الأخُوخِيُّ. وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الأبطَالِ الثلَاثةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ دَاوُدَ فِي الوقتِ الَّذِي تَحَدَّوْا فِيهِ الفِلِسْطيِّينَ. كَانُوا قدِ اجْتَمَعُوا لِلمَعْرَكَةِ، لكِنَّ جُنُودَ بَنِي إسْرَائِيلَ انْسَحَبُوا. وَحَارَبَ أليِعَازَرُ الفِلَسْطيّينَ إلَى أنْ تَعِبَ كَثِيرًا. لَكِنَّهُ ظَلَّ مُتَمَسِّكًا بِسَيْفِهِ، وَاسْتَمَّر فِي القِتَالِ. وَقَدْ نَصَرَ اللهُ إسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ اليومِ نَصرًا عَظِيمًا. وَعَادَ النَّاسُ بَعْدَ أنْ فَازَ أليِعَازرُ فِي المَعْرَكَةِ، لَكنَّهُمْ جَاءُوا فَقَطْ ليأخذُوا الغَنَائِمَ مِنْ جُنودِ العَدُوِّ المَقْتُولِينَ. وَتلَاهُ شَمَّةُ بْنُ آجِي مِنْ هَارَارَ. فَحِينَ اجْتَمَعَ الفِلَسْطيوّنَ وجَاءُوا للقِتَال، وَحَارَبُوا فِي حَقْلٍ للعَدَسِ، هَرَبَ النَّاسُ مِنْهُم. لكِنَّ شَمَّةَ وقَفَ وَسَطَ الحَقْلِ ودَافَعَ عَنْهُ، وهَزَمَ الفِلسْطيّينَ. ونَصَرَ اللهُ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَصْرًا عَظِيمًا. وذَاتَ مَرَّةٍ، كَانَ دَاوُدَ فِي مَغَارةِ عَدُلَّام، وَالجَيْشُ الفِلِسْطِيُّ مُعسكِرٌ فِي وَادِي رَفَائِيمَ. فَزَحَف ثلَاثَةٌ مِنَ الأبْطَالِ الثّلَاثينَ عَلَى الأرْضِ، عَلَى طولِ الدَّرْبِ إلَى المَغَارَةِ لِكَي يَنْضَمُّوا إلَى دَاوُدَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كَانَ دَاوُدَ فِي الحِصنِ، وفرِقَةٌ مِنَ الجُنودِ الفِلَسْطيّينَ فِي بَيْتِ لحْمٍ. وَقَالَ دَاوُدُ بِحَنِينٍ: «أتَمَنَّى لَوْ يُعْطِينِي أحَدٌ بَعْضَ المَاءِ مِنَ البِئْرِ الَّتِي بِالقرُبِ مِنْ بوَّابَةِ بَيْتِ لَحْمٍ!» فَشَقَّ الأبطَالُ الثَّلَاثَةُ طَرِيقَهُمْ عَبْرَ صُفُوفِ الجَيْشِ الفِلِسْطيِّ، وَنَشَلُوا بَعْضَ المَاءِ مِنَ البِئْرِ الَّتِي بِالقُرْبِ مِنْ بوَّابةِ بَيْتِ لَحْمٍ، وَجَاءُوا بِهِ إلَى دَاوُدَ. فَرَفَضَ أنْ يَشْرَبَ مِنْهُ، بَلْ سَكبَهُ تَقْدِمَةً للهِ . وَقَالَ: «لَا سَمَحَ اللهُ ! كَيْفَ أشرَبُ مِنْ هَذَا المَاءَ؟ فكأنَّنِي أشرَبُ دَمَ الرِّجَالِ الَّذِينَ خَاطَرُوا بِحَيَاتِهِمْ مِنْ أجْلِي.» فَرَفَضَ دَاوُدُ أنْ يَشْرَبَ المَاءَ. وَقَدْ فَعَلَ الأبطَالُ الثَّلَاثَةُ كَثِيرًا مِنَ البُطُولَاتِ. كَانَ أبِيشَايُ، أخُو يُوآبَ بْنِ صُرُوِيَّةَ، قَائدَ الأبْطَالِ الثَّلَاثّةِ. فَقَدْ قَتَلَ بِرُمْحِهِ ثَلَاثَ مِئَةِ مِنْ أعْدَائِهِ. فَأصْبَحَ مَشْهورًا كَالأبطَالِ الثَّلَاثَةِ. ثُمَّ أصْبَحَ قَائِدَ الثَّلَاثَةِ، مَعَ أنَّهُ لمْ يَصِلْ إلَى مَهَارَتِهِمْ. ثُمَّ هُنَاكَ بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ، وَهُوَ ابْنُ رجُلٍ قوِيٍّ مِنْ قَبْصِئِيلَ. وَهُوَ مَعرُوفٌ بِأعْمَالِهِ الشُّجَاعَةِ. فَقَتَلَ ابنَيْ آرِيلَ المُوآبِيِّ. وَفِي أحدِ الأيَامِ، بَيْنَمَا كَانَ الثَّلْجُ يَتَسَاقَطُ، دَخَلَ بَنَايَاهُو حُفْرَةً فِي الأرْضِ وَقَتَلَ أسَدًا. كَذَلِكَ قَتَلَ جُنديًّا مِصْريًّا ضَخْمًا. كَانَ المِصْريُّ يَحْمِلُ فِي يَدِهِ رُمْحًا، أمَّا بَنَايَاهُو فَكَانَ يَحْمِلُ عَصًا لَيْسَ إلَّا. فَخَطَفَ الرُّمْحَ الذَي كَانَ فِي يَدِ المِصْريِّ وَأخَذهُ مِنْهُ. ثُمَّ قَتَلَ بَنَايَاهُو المِصْريَّ بِرُمْحِهِ. قَامَ بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ بِأعْمَالٍ كَثِيرَةٍ شُجَاعَةٍ كَهَذِهِ. وَكَانَ مَشْهورًا كَالأبطَالِ الثَّلَاثَةِ. مَعَ أنَّهُ كَانَ أكثرَ شُهْرَةً مِنَ الأبْطَالِ الثّلَاثينَ، لكِنَّهُ لَمْ يُصْبِحْ وَاحِدًا مِنَ الأبطَالِ الثَّلَاثَةِ. وَقَدْ جَعَلَ دَاودُ بَنَايَاهُو قَائِدَ حَرَسِهِ الخَاصِّ. وَمِنَ الأبْطَالِ الثَّلَاثِينَ عَسَائِيلُ أخَو يُوآبَ، ألْحَانَانُ بْنُ دُودُو مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ، شمّةُ الحَرُودِيُّ وَأليقَا الحَرُودِيُّ وَحَالَصُ الفَلْطِيُّ وَعِيرَا بْنُ عِقِّيشَ التُّقُوعِيٌّ، وَأبيعَازَرُ العنَاثوثِيُّ، وَمَبُونَايُ الحُوشِيُّ، وَصَلْمُونُ الأخُوخِيُّ، وَمَهرَايُ النّطوفَاتِيُّ، وَخَالَبُ بْنُ بَعْنةَ النَّطُوفَاتِيُّ، وَإتَّايُ بْنُ رِيبَايَ مِنْ جَبْعَ بَنْيَامِينَ وَبَنَايَا الفِرْعَتُونِيَّ، وَهدَّايُ مِنْ أوْديَةِ جَاعَشَ، وَأبِيعَلْبُونَ العَرْبتِيُّ وَعَزْمُوتُ البَرْحُومِيُّ، وَأليَحبَا الشَّعَلبونيَّ، وَأبْنَاءُ يَاشينَ، وَيُونَاثَانُ بْنُ شَمَّةَ الهرَاريُّ، وَأحِيَامُ بْنُ شَارَارَ الأرَاريُّ، وَأليفَالطُ بْنُ أحْسِبَايَ المَعْكيُّ، وَألِيعَامُ بْنُ أخِيتُوفَلَ الجِيلُونيُّ، وحِصْرَايُ الكرمِليُّ وَفَعْرَايُ الأرْبِيُّ، وَيَجآلُ بْنُ نَاثْانَ مِنْ صَوبَةَ وَبَانِيُ الجَادِيُّ، وصَالَقُ العمّونيُّ، ونَحْرَايُ البَيئيروتِيُّ حَامِلُ سِلَاحِ يُوآبَ بْنِ صُرُوِيَّةَ، وَعيرَا اليترِيُّ وَجَاريبُ اليِثْرِيُّ، وَأُورِيَّا الحِثِّيُّ. وَكَانَ مَجْمُوعُهُمْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ. وَاشتَعَلَ غَضَبُ اللهِ مِنْ إسْرَائِيلَ مُجَدَّدًا، فَدَفَعَ دَاوُدُ ضِدَّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ وَاحْصِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَبَنِي يُهُوذَا.» فَقَالَ المَلِكُ دَاوُدُ لِيُوآبَ قَائدِ الجَيْشِ: «جُلْ فِي كَافَّةِ عَائِلَاتِ إسْرَائِيلَ مِنْ دَانٍ إلَى بِئْرِ السَّبْعِ، وَأحْصِ النَّاسَ. حينئِذٍ، سَأعْرِفُ عَدَدَ الشَّعْبِ.» لَكِنَّ يُوآبَ قَالَ: «لَيْتَ يَزِيدُ عَدَدَ الشَّعْبِ مِئَةَ ضِعْفٍ. يَا مَوْلَايَ المَلِكُ، ألَيْسُوا كُلُّهُمْ خُدَّامَكَ؟ فَلِمَاذَا تُرِيدُ أنْ تَفْعَلَ هَذَا؟ وَلِمَاذَا يَكُونُ سَبَبَ ذَنْبٍ لِإسْرَائِيلَ؟» لَكِنَّ المَلِكَ دَاوُدَ فَرَضَ أوَامِرَهُ عَلَى يُوآبَ وقَادةِ الجَيْشِ. فَخَرَجُوا مِنْ حَضْرةِ المَلِكِ ليُحْصُوا بَنِي إسْرَائِيلَ. وَعَبُرُوا نَهْرَ الأُرْدُنِّ وَنَصَبُوا خِيَامَهُمْ فِي عَرُوعِيرَ، إلَى الجَانِبِ الأَيْمَنِ مِنَ المَدِينَةِ – تَقَعُ المَدِينَةُ فِي وَسَطِ وَادِي جَادٍ عَلَى الطَّرِيقِ المُؤَدِّيَةِ إلَى يَعْزِيرَ. ثمَّ ذَهَبُوا شَرْقًا إلَى جِلعَادَ عَبْرَ الطَّرِيقِ المُؤَدِّيَةِ إلَى أرْضِ تَحْتِيمَ حُدْشِي. ثمَّ شِمَالًا إلَى دَانِ يَاعَنَ وَمَنْ حَوْلَ صَيْدَا. ثُمَّ إلَى حِصْنِ صُورٍ وَعَبْرَ كَافَّةِ مُدُنِ الحُوِّيِّينَ وَالكَنعَانيِّيِنَ. ثُمَّ جَنُوبًا إلَى بِئْرِ سَبْعٍ فِي الجُزْءِ الجَنُوبِيِّ مِنْ يَهُوذَا. فَاسْتَغْرَقهُمُ الأمْرُ تِسْعَةَ أشْهُرٍ وَعِشرِينَ يَوْمًا لِيَجتَازُوا هَذِهِ البِلَادَ كُلَّهَا. وَعَادُوا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَأعْطَى يُوآبُ المَلِكَ لَائِحةً بِعَدَدِ الشَّعْبِ. كَانَ فِي إسْرَائِيلَ ثَمَانُ مِئِةِ ألْفِ رَجُلٍ قَادِرِينَ عَلَى اسْتِعْمَالِ السَّيْفِ، وَفِي يَهُوذَا خَمْسُ مِئَةِ ألْفٍ. ثُمَّ شَعَرَ دَاوُدُ بِانْزِعَاجٍ فِي قَلْبِهِ بَعْدَ أنْ أحْصَى الشَّعْبَ. فَقَالَ للهِ : «قَدْ أخْطَأتُ خَطيَّةً عَظِيمَةً بِمَا فَعَلْتُ! فَأرْجُوكَ يَا اللهُ أنْ تَغْفِرَ لِي خَطِيَّتِي. لَقَدْ تَصَرَّفْتُ بِحُمْقٍ فِي هَذَا الأمْرِ.» وَعِنْدَمَا نَهَضَ دَاوُدُ فِي الصَّبَاحِ، جَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى جَادٍ نبيِّ دَاوُدَ. فقَال لَهُ اللهُ : «اذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: ‹إلَيْكَ مَا يَقُولُ اللهُ : سَأُخَيِّرُكَ بَيْنَ ثلَاثَةِ أُمُورٍ، فَاخْتَرْ مِنْهَا مَا سأفْعَلُهُ بِكَ.›» وذهَبَ جَادٌ إلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «اخْتَرْ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ: أنْ تُصِيبَكَ أنْتَ وَبَلَدَكَ مَجَاعَةٌ لِسَبْعِ سِنينَ، أوْ أنْ يَهْزِمَكَ أعْدَاؤكَ وَيُلَاحِقُوكَ مُدَّةَ ثلَاثةِ أشْهُرٍ، أوْ أنْ يُصِيبَ وَبَاءٌ بِلَادَكَ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ. فَكِّرْ وَاخْتَرْ وَاحِدةً مِنْ هذِهِ الثَّلَاثَةِ، وسَأُخْبِرُ اللهَ بِمَا تَختَارُ. فَقَدْ أرْسَلَنِي اللهُ إلَيْكَ.» فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: «أنَا فِي ضِيقٍ عَظِيمٍ وَوَرْطةٍ حَقِيقيَّةٍ. لَكِنِّي أختَارُ أنْ أقَعَ فِي يَدِ اللهِ ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ عَظِيمَةٌ جِدًّا. هَذَا أفْضَلُ مِنْ أنْ أقَعَ فِي أيدِي بَشَرٍ.» فأرْسَلَ اللهُ إلَى إسْرَائِيلَ وبَاءً. بَدأَ فِي الصَّبَاحِ وَاسْتَمَرَّ إلَى الوقْتِ المُقرَّرِ لَهُ. فَمَاتَ سَبْعُونَ ألْفًا مِنْ دَانٍ إلَى بِئْرِ السَّبْعِ. وَأوْشَكَ المَلَاكُ أنْ يَمُدَّ ذِرَاعَهُ فَوْقَ مَدِينَةِ القُدْسِ ليُدَمِّرَهَا. لَكِنَّ اللهَ حَزِنَ كَثِيرًا لِمَا حَصَلَ مِنْ سُوءٍ، فَقَالَ لِلمَلَاكِ الَّذِي أهْلَكَ النَّاسَ: «كَفَى! رُدَّ يَدَكَ الآنَ!» وَكَانَ مَلَاكُ اللهِ وَاقِفًا عِنْدَ بَيْدَرِ أرُونةَ اليَبُوسِيِّ. ورأى دَاوُدُ المَلَاكَ الَّذِي قَتَلَ النَّاس. فَتَكَلَّمَ إلَى الله ، وقَالَ: «أنَا الَّذِي أخْطَأتُ! أنَا ارْتَكَبْتُ السُّوءَ! وَهَؤلَاءِ المَسَاكِينُ لَمْ يَفْعَلُوا إلَا مَا طَلَبْتُهُ مِنْهُم، وَكَانُوا يَتْبَعُونَنِي كَالخِرَافِ. هُمْ لَمْ يَرْتَكِبُوا سُوءًا. فَأرْجُوكَ أنْ تُنْزِلَ عِقَابَكَ بي أنَا وَبِعَائِلَتي.» فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، جَاءَ النَّبِيُّ جَادٌ إلَى دَاوُدَ وقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ وَابْنِ مَذْبَحًا للهِ فِي بَيْدَرِ أرُونَةَ اليَبُوسِيِّ.» فَفَعَلَ دَاوُدُ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ جَادٌ بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ . فَنَظَرَ أرُونَةُ وَرَأى المَلِكَ دَاودَ وضُبَّاطَهُ آتينَ إلِيهِ. فخَرَجَ وَانْحَنَى أمَامَ المَلِكِ وَوَجْهُهُ نحوَ الأرْضِ. وقَالَ أرُونَةُ: «لِمَ جَاءَ إليَّ مَوْلَايَ وَمَلِكِي؟» فأجَابَ دَاوُدُ: «جِئْتُ أشْتري مِنْكَ البَيدَرَ لِأبْنِيَ مَذْبَحًا للهِ ، لِكَي يَتَوَقَّفَ الوَبَاءُ عَنِ الشَّعْبِ.» فَقَالَ أرُونَةُ لدَاوُدَ: «خُذْهُ وَافْعَلْ بِهِ كَمَا يَحْلُو لَكَ. وَهَا أنَا أُقَدِّمُ ثِيرَانِي ذَبَائِحَ، وَالمَحَارِيثَ وَأدَوَاتِ البَقَرِ وَقُودًا للنَّارِ.» كَانَ أرُونَةُ مُسْتَعِدًّا لِإعْطَاءِ كُلِّ شَيءٍ للْمَلِكِ، وَقَالَ لَهُ: «فَلْيَرْضَ عَنْكُ .» لَكِنَّ المَلِكَ قَالَ لِأرُونَةَ: «بَلْ سَأدْفَعُ مُقَابِلَ أرْضِكَ. لَنْ أُقَدِّمَ تَقْدِمَاتٍ لَمْ تُكَلِّفْنِي شَيْئًا.» وَاشْترى دَاوُدُ البَيدَرَ وَالأبْقَارَ بِخَمْسِينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ. ثُمَّ بَنَى مَذْبَحًا للهِ هُنَاكَ، وقَدَّمَ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَذَبَائِحَ شَرِكَةٍ. وَاسْتَجَابَ اللهُ لِصَلَاتِهِ مِنْ أجْلِ البِلَادِ، فَكَفَّ المَرَضَ عَنْ إسْرَائِيلَ. وَكبِرَ المَلِكُ دَاوُدُ فِي السِّنِّ، وَكَانَ يَبْرُدُ كَثِيرًا. فَكَانَ خُدَّامُهُ يُغَطُّونَهُ بِبَطَّانِيَّاتٍ، لَكِنَّهُ ظَلَّ يَشْعُرُ بِالبَرْدِ. فَقَالَ لَهُ خُدَّامُهُ: «سَنَجِدُ لَكَ يَا مَولَانَا المَلِكَ امْرأةً شَابَّةً تَعْتَنِي بِكَ. مَهَمَّتُهَا أنْ تَضْطَجِعَ إلَى جِوَارِكَ، فَتَشْعُرَ بِالدِّفءِ يَا مَولَانَا المَلِكَ.» فَرَاحُوا يُفَتِّشُونَ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي إسْرَائِيلَ عَنْ فَتَاةٍ جَمِيلَةٍ. فَوَجَدُوا فَتَاةً اسْمُهَا أبِيشَجُ، مِنْ مَدِينَةِ شُونَمَ. فَأحضَرُوهَا إلَى المَلِكِ. وَكَانَتْ فَتَاةً رَائِعَةَ الجَمَالِ، فَرَعَتِ المَلِكَ وَخَدَمَتْهُ. وَلَكِنَّ المَلِكَ لَمْ يُعَاشِرْهَا مُعَاشَرَةَ الأزوَاجِ. وَرَفَّعَ أدُونِيَّا ابْنُ حَجِّيتَ نَفْسَهُ طَمَعًا فِي المُلْكِ. فَخَصَّصَ عَرَبَةً مَلَكِيَّةً لَهُ وَخُيُولًا وَخَمْسِينَ رَجُلًا يَرْكُضُونَ فِي المَوكِبِ أمَامَهُ. وَلَمْ يَكُنْ أبُوهُ دَاوُدُ قَدْ أغْضَبَهُ يَومًا بِأنْ يُحَاسِبَهُ عَلَى أيِّ شَيءٍ يَعْمَلُهُ. وَكَانَ أيْضًا وَسِيمًا جِدًّا، وَوُلِدَ بَعْدَ أبْشَالُومَ. وَعَلِمَ يُوآبُ بْنُ صُرُوِيَّةَ وَالكَاهِنُ أبِيَاثَارُ بِنَوَايَاهُ، فَوَافَقَا عَلَى أنْ يُسَاعِدَاهُ فِي مَسعَاهُ. لَكِنَّ عِدَّةَ رِجَالٍ لَمْ يُطَاوِعُوا أدُونِيَّا عَلَى ذَلِكَ، وَظَلُّوا عَلَى وَلَائِهِمْ لِدَاوُدَ. وَهُمُ الكَاهِنُ صَادُوقُ، وَبَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ، وَالنَّبِيُّ نَاثَانُ، وَشِمْعَى وَرِيعِي، وَحَرَسُ دَاوُدَ الخَاصُّ. وَذَاتَ يَوْمٍ، ذَهَبَ أدُونِيَّا إلَى صَخرَةِ الزَّاحِفَةِ قُرْبَ عَيْنِ رُوجَلَ، وَقَدَّمَ غَنَمًا وَبَقَرًا وَعُجُولًا مُسَمَّنَةً ذَبِيحَةَ سَلَامٍ. وَدَعَا إخْوَتَهُ، بَقِيَّةَ أبْنَاءِ المَلِكِ دَاوُدَ، وَجَمِيعَ المَسؤُولِينَ فِي يَهُوذَا لِحُضُورِ هَذَا الِاحْتِفَالِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَدْعُ حَرَسَ أبِيهِ الخَاصَّ، أوْ أخَاهُ سُلَيْمَانَ أوْ بَنَايَاهُو أوِ النَّبِيَّ نَاثَانَ. فَلَمَّا سَمِعَ نَاثَانُ، ذَهَبَ إلَى بَتشَبَعَ أُمِّ سُلَيْمَانَ وَسَألَهَا: «أمَا سَمِعْتِ مَا فَعَلَهُ أدُونِيَّا ابْنُ حَجِّيتَ؟ قَدْ نَصَّبَ نَفْسَهُ مَلِكًا دُونَ معرِفَةِ مَولَانَا المَلِكِ دَاوُدَ. وَهَذَا يُعَرِّضُ حَيَاتَكِ وَحَيَاةَ ابْنِكِ سُلَيْمَانَ إلَى الخَطَرِ. لَكِنِّي سَأُقَدِّمُ لَكِ نَصِيحَةً سَتُنَجِّيكِ أنْتِ وَابْنَكِ إذَا عَمِلْتِ بِهَا. اذهَبِي إلَى المَلِكِ دَاوُدَ وَقُولِي لَهُ: ‹يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، لَقَدْ قَطَعْتَ لِي وَعدًا بِأنْ يَخْلِفَكَ ابنِي سُلَيْمَانُ عَلَى العَرْشِ. فَلِمَاذَا تُوَلِّي أدُونِيَّا المُلكَ الآنَ؟› حِينَئِذٍ، سَأدخُلُ وَأنتِ بَعْدُ تَتَكَلَّمِينَ. وَبَعْدَ أنْ تَذْهَبِي، سَأُخبِرُ المَلِكَ بِكُلِّ مَا حَدَثَ تأكيدًا عَلَى كَلَامِكِ.» فَدَخَلَتْ بَتْشَبَعُ إلَى غُرفَةِ نَومِ المَلِكِ لِتَرَاهُ، وَكَانَ المَلِكُ طَاعِنًا فِي السِّنِّ، وَكَانَتْ أبِيشَجُ، الفَتَاةُ الشُّونَمِيَّةُ، تَخْدِمُهُ. فَانحَنَتْ بَتشَبَعُ أمَامَ المَلِكِ. فَسَألَهَا المَلِكُ: «مَا الأمْرُ؟» فَأجَابَتْ بَتشَبَعُ: «مَوْلَايَ، لَقَدْ حَلَفْتَ لِي بِأنَّ ابْنَكَ سُلَيْمَانَ سَيَخْلِفُكَ عَلَى العَرْشِ وَيَتَوَلَّى الحُكْمَ بَعدَكَ. وَالْآنَ، هَا هُوَ أدُونِيَّا قَدْ نَصَّبَ نَفْسَهُ مَلِكًا، دُونَ مَعْرِفَتِكَ أوْ الرُّجُوعِ إلَيْكَ يَا مَوْلَايَ. وَقَدْ أقَامَ وَلِيمَةَ شَرِكَةٍ كَبِيرَةً. وَذَبَحَ بَقَرًا وَعُجُولًا مُسَمَّنَةً وَغَنَمًا بِكَثرَةٍ. وَدَعَا جَمِيعَ أبنَائِكَ مَا عَدَا سُلَيْمَانَ، ابنِكَ الوَفِيِّ. وَدَعَا أيْضًا الكَاهِنَ أبِيَاثَارَ وَيُوآبَ قَائِدَ جَيْشِكَ. وَالْآنَ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، عُيُونُ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ مُتَّجِهَةٌ إلَيْكَ، مُنتَظِرِينَ أنْ تُخبِرَهُمْ مَنِ الَّذِي سَيَخْلِفُكَ عَلَى العَرْشِ. فَإنْ لَمْ تَحْسِمْ هَذَا الأمْرَ قَبْلَ وَفَاتِكَ وَدَفنِكَ مَعَ آبَائِكَ، سَنُحْسَبُ أنَا وَسُلَيْمَانُ ابْنِي مُجْرِمَينِ.» وَبَيْنَمَا كَانَتْ بَتْشَبَعُ لَا تَزَالُ تَتَكَلَّمُ مَعَ المَلِكِ، جَاءَ النَّبِيُّ نَاثَانُ لِيَرَاهُ. فَقَالَ الخُدَّامُ لِلمَلِكِ: «حَضَرَ النَّبِيُّ نَاثَانُ.» فَدَخَلَ إلَى المَلِكِ وَانحَنَى أمَامَهُ. وَقَالَ: «يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، أأنْتَ أصدَرْتَ مَرسُومًا مَلَكِيًّا بِأنْ يَخْلِفَكَ أدُونِيَّا فِي المُلك؟ أقَرَّرْتَ أنْ يَحْكُمَ أدُونِيَّا الشَّعْبَ الآنَ؟ لِأنَّ أدُونِّيَا قَدْ نَزَلَ اليَوْمَ إلَى الوَادِي لِيُقَدِّمَ بَقَرًا وَعُجُولًا مُسَمَّنَةً وَغَنَمًا بِكَثْرَةٍ كَذَبَائِحِ شَرِكَةٍ. وَقَدْ دَعَا إلَى هَذَا الِاحْتِفَالِ كُلَّ أبنَائِكَ الآخَرِينَ وَقَادَةَ جَيْشِكَ وَالكَاهِنَ أبِيَاثَارَ. وَهَا هُمُ الآنَ يَأْكلُوُنَ وَيَشْرَبُونَ مَعَهُ وَهُمْ يَهْتِفُونَ: ‹يَعيشُ المَلِكُ أدُونِيَّا!› لَكِنَّهُ لَمْ يَدْعُنِي أنَا وَلَا الكَاهِنَ صَادُوقَ وَلَا بَنَايَاهُو بْنَ يَهُويَادَاعَ وَلَا ابْنَكَ سُلَيْمَانَ. فَهَلْ فَعَلْتَ هَذَا يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي دُونَ أنْ تُخبِرَنَا نَحْنُ خُدَّامَكَ؟ فَمَنْ هُوَ الَّذِي اختَرْتَهُ لِيَخْلِفَكَ فِي المُلْكِ؟» فَقَالَ المَلِكُ دَاوُدُ: «قُلْ لِبَتْشَبَعَ أنْ تَدْخُلَ!» فَدَخَلَتْ وَوَقَفَتْ أمَامَ المَلِكِ. حِينَئِذٍ، قَطَعَ المَلِكُ وَعدًا بِقَسَمٍ فَقَالَ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، الَّذِي أنقَذَنِي مِنْ كُلِّ خَطَرٍ وَضِيقٍ. قَدْ حَلَفْتُ لَكِ مِنْ قَبْلُ بِاللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، وَقُلْتُ إنَّ سُلَيْمَانَ ابْنَكِ سَيَكُونُ المَلِكَ بَعدِي وَيَجْلِسُ عَلَى عَرشِي. وَاليَوَمَ أُنَفِّذُ وَعْدِي.» حِينَئِذٍ، سَجَدَتْ بَتْشَبَعُ عَلَى الأرْضِ أمَامَ المَلِكِ، وَقَالَتْ: «أطَالَ اللهُ عُمرَ مَوْلَايَ المَلِكِ دَاوُدَ!» ثُمَّ قَالَ المَلِكُ دَاوُدُ: «ادعُوا لِي الكَاهِنَ صَادُوقَ وَالنَّبِيَّ نَاثَانَ وَبَنَايَاهُو بْنَ يَهُويَادَاعَ.» فَدَخَلَ ثَلَاثَتُهُمْ لِمُقَابَلَةِ المَلِكِ. فَقَالَ لَهُمُ المَلِكُ: «خُذُوا مَعَكُمْ كِبَارَ المَسؤُولِينَ، وَأركِبُوا سُلَيْمَانَ ابْنِي عَلَى بَغلَتِي، وَخُذُوهُ إلَى عَيْنِ جِيحُونَ. وَلْيَمْسَحْهُ الكَاهِنُ صَادُوقُ وَالنَّبِيُّ نَاثَانُ مَلِكَ إسْرَائِيلَ الجَدِيدَ. وَانفُخُوا الأبوَاقَ وَأعْلِنُوا: ‹يَحْيَا المَلِكُ سُلَيْمَانُ!› ثُمَّ ارجِعُوا مَعَهُ إلَى هُنَا، فَيَجْلِسَ عَلَى عَرْشِي وَيَصِيرَ مَلِكًا مَكَانِي. فَقَدِ اختَرْتُهُ لِيَحْكُمَ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا.» فَأجَابَ بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ المَلِكَ: «آمِينَ! اللهُ إلَهُ مَوْلَايَ المَلِكِ نَفْسُهُ هُوَ الَّذِي قَالَ هَذَا! نُصَلِّي أنْ يَكُونَ اللهُ مَعَ سُلَيْمَانَ كَمَا كَانَ مَعَكَ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي. بَلْ أنْ يُعَظِّمَ اللهُ مَملَكَةَ سُلَيْمَانَ لِتَصِيرَ أقوَى وَأعْظَمَ مِنْ مَملَكَتِكَ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي.» فَقَامَ صَادُوقُ الكَاهِنُ وَنَاثَانُ النَّبيُّ وَبَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ وَالحَرَسُ المَلَكِيِّ، وَأركَبُوا سُلَيْمَانَ عَلَى بَغلَةِ دَاوُدَ، وَذَهَبُوا مَعَهُ إلَى عَيْنِ جِيحُونَ. وَأخَذَ الكَاهِنُ صَادُوقُ مَعَهُ زَيْتًا مِنْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَسَكَبَ الزَّيْتَ عَلَى رَأسِ سُلَيْمَانَ. وَنَفَخُوا الأبوَاقَ، وَهَتَفَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: «يَعيشُ المَلِكُ سُلَيْمَانُ!» ثُمَّ تَبِعَ جَمِيعُ الشَّعْبِ سُلَيْمَانَ إلَى دَاخِلِ المَدِينَةِ وَهُمْ مُبتَهِجُونَ ابتِهَاجًا عَظِيمًا. وَكَانُوا يَعْزِفُونَ النَّايَاتِ، حَتَّى اهْتَزَّتِ الأرْضُ مِنْ أصْوَاتِهِمْ. فِي هَذِهِ الأثنَاءِ، كَانَ أدُونِيَّا وَضُيُوفُهُ قَدْ فَرِغُوا لِلتَّوِّ مِنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ. فَسَمِعُوا صَوْتَ الأبوَاقِ. فَقَالَ يُوآبُ: «مَا هَذَا الضَّجِيجُ؟ وَمَا الَّذِي يَحْدُثُ فِي المَدِينَةِ؟» وَبَيْنَمَا كَانَ يُوآبُ مَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ، وَصَلَ الكَاهِنُ يُونَاثَانُ بْنُ أبِيَاثَارَ. فَقَالَ لَهُ أدُونِيَّا: «تَعَالَ إلَى هُنَا! أنْتَ رَجُلٌ نَبِيلٌ، وَتُبَشِّرُ بِخَيرٍ.» لَكِنَّ يُونَاثَانَ أجَابَ: «لَا، لَيْسَ لَكَ! فَإنَّ المَلِكَ دَاوُدَ جَعَلَ سُلَيْمَانَ مَلِكًا. وَأرْسَلَ مَعَهُ المَلِكُ دَاوُدُ الكَاهِنَ صَادُوقَ وَالنَّبِيَّ نَاثَانَ وَبَنَايَاهُو بْنَ يَهُويَادَاعَ وَالحَرَسَ المَلكِيِّ. وَأركَبُوا سُلَيْمَانَ عَلَى بَغلَةِ المَلِكِ. ثُمَّ مَسَحَ الكَاهِنُ صَادُوقُ وَنَاثَانُ النَّبِيُّ سُلَيْمَانَ عِنْدَ عَيْنِ جِيحُونَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ دَخَلُوا المَدِينَةَ مُبتَهِجِينَ حَتَّى اهتَزَّتِ المَدِينَةُ مِنْ صَوْتِهِمْ. وَهَذَا هُوَ الضَّجِيجُ الَّذِي تَسْمَعُهُ. فَهَا قَدْ جَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى عَرْشِ المَلِكِ. وَقَدْ هَنَّأ كِبَارُ المَسؤُولِينَ المَلِكَ دَاوُدَ وَقَالُوا لَهُ: ‹نُصَلِّي أنْ يَجْعَلَ إلَهُكَ اسْمَ سُلَيْمَانَ أكْثَرَ شُهرَةً مِنَ اسْمِكَ، وَأنْ يَجْعَلَ مَملَكَتَهُ أعْظَمَ مِنْ مَملَكَتِكَ!› وَحَتَّى المَلِكُ دَاوُدُ انحَنَى فِي سَرِيرِهِ أمَامَ سُلَيْمَانَ وَقَالَ: ‹لِيَتَبَارَكِ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، الَّذِي أجلَسَ أحَدَ أبْنَائِي عَلَى عَرشِي، وَأطَالَ عُمْرِي لِأرَى بِعَيْنِي هَذَا اليَوْمَ.›» فَخَافَ جَمِيعُ ضُيُوفِ أدُونِيَّا خَوْفًا شَدِيدًا وَأسْرَعُوا بِالِانْصِرَافِ. وَخَافَ أدُونِيَّا أيْضًا مِنْ سُلَيْمَانَ. فَذَهَبَ إلَى المَذْبَحِ وَأمْسَكَ بِقَرْنَيهِ. فَقَالَ أحَدُهُمْ لِسُلَيمَانَ: «أدُونِيَّا خَائِفٌ مِنْكَ أيُّهَا المَلِكُ سُلَيْمَانُ. وَهَا هُوَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ يَتَمَسَّكُ بِزَوَايَا المَذْبَحِ وَيَقُولُ: ‹لِيَحْلِفِ المَلِكُ سُلَيْمَانُ إنَّهُ لَنْ يَقْتُلَنِي!›» فَقَالَ سُلَيْمَانُ: «إنْ أظْهَرَ أدُونِيَّا أنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَلَنْ تَسْقُطَ حَتَّى شَعرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ رَأسِهِ. أمَّا إذَا فَعَلَ شَرًّا، فَسَيَمُوتُ.» ثُمَّ أرْسَلَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ رِجَالًا لِيأتُوا بِهِ مِنْ عِنْدِ المَذْبَحِ وَلِيُحضِرُوهُ إلَيْهِ. فَجَاءُوا بِهِ إلَى المَلِكِ سُلَيْمَانَ. فَانحَنَى أدُونِيَّا أمَامَهُ. فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: «اذْهَبْ إلَى بَيْتِكَ.» وَلَمَّا أوشَكَ دَاوُدُ عَلَى المَوْتِ، اسْتَدْعَى ابْنَهُ سُلَيْمَانَ وَقَالَ لَهُ: «أنَا مَاضٍ فِي طَرِيقِ جَمِيعِ البَشَرِ. أمَّا أنْتَ فَتَقَوَّ وَتَشَجَّعْ. أُوصِيكَ بِأنْ تُطِيعَ جَمِيعَ شَرَائِعِ وَتَتَّبِعَ طُرُقَهُ. أطِعْ كُلَّ شَرَائِعِهِ وَوَصَايَاهُ وَأحكَامِهِ وَشَهَادَاتِهِ، كَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى. فَإنْ فَعَلْتَ هَذَا، سَتَنْجَحُ فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُهُ وَحَيْثُمَا تَذْهَبُ. وَسَيَحْفَظُ اللهُ كُلَّ وُعُودِهِ لِي. فَقَدْ قَالَ: ‹إذَا حَرِصَ أبْنَاؤكَ عَلَى أنْ يَحْيَوْا وَفْقَ وَصَايَايَ، بِإخْلَاصٍ وَمِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ، حِينَئِذٍ، سَيَكُونُ عَلَى عَرْشِ إسْرَائِيلَ دَائِمًا مَلِكٌ مِنْ نَسْلِكَ.›» وَأضَافَ دَاوُدُ: «أنْتَ تَذْكُرُ مَا فَعَلَهُ بِي يُوآبُ بْنُ صُرُوِيَّةَ. فَقَدْ قَتَلَ اثنَيْنِ مِنْ قَادَةِ جَيْشِ إسْرَائِيلَ: أبْنَيْرَ بْنَ نَيرٍ، وَعَمَاسَا بْنَ يَثَرَ. قَتَلَهُمَا فِي وَقْتِ سِلْمٍ، فَتَنَاثَرَ دَمُهُمَا قَطَرَاتٍ عَلَى حِزَامِهِ وَحِذَائِهِ. فَافْعَلْ بِهِ بِحَسَبِ حِكْمَتِكَ، لَكِنْ لَا تَسْمَحْ بِأنْ يَنْزِلَ إلَى الهَاوِيَةِ بِسَلَامٍ فِي شَيخُوخَتِهِ! «أحسِنْ إلَى أبْنَاءِ بَرْزِلَّايَ الجِلعَادِيِّ. قَرِّبْهُمْ مِنْكَ وَلْيَأْكُلُوا خُبْزًا عَلَى مَائِدَتِكَ. فَقَدِ احتَضَنُونِي فَأكَلْتُ خُبْزًا عَلَى مَائِدَتِهِمْ، عِنْدَمَا هَرَبْتُ مِنْ أخِيكَ أبْشَالُومَ. «وَاذْكُرْ أيْضًا شِمْعَى بْنَ جِيرَا البَنْيَامِينِيِّ مِنْ بَحُورِيمَ. إنَّهُ مَا يَزَالُ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي. تَذَكَّرْ أنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيَّ لَعَنَاتٍ شَدِيدَةً يَوْمَ هَرَبْتُ إلَى مَحَنَايِمَ. ثُمَّ نَزَلَ لِلِقَائِي عِنْدَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَحَلَفْتُ لَهُ بِاللهِ أنِّي لَنْ أقتُلَهُ. وَالْآنَ، لَا تَعْفُ عَنْهُ، فَأنْتَ رَجُلٌ حَكِيمٌ. فَفَكِّرْ بِمَا يَنْبَغِي عَلَيْكَ أنْ تَفْعَلَ بِهِ. لَكِنْ لَا تَدَعْهُ يَمُتْ بِسَلَامٍ فِي شَيخُوخَتِهِ.» وَمَاتَ دَاوُدُ وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مَعَ آبَائِهِ. وَكَانَ دَاوُدُ قَدْ حَكَمَ أرْبَعِينَ سَنَةً، سَبْعًا مِنْهَا فِي مَدِينَةِ حَبْرُونَ وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَصَارَ سُلَيْمَانُ مَلِكًا، فَجَلَسَ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ أبِيهِ. وَأحكَمَ سَيطَرَتَهُ عَلَى مَملَكَتِهِ. ثُمَّ ذَهَبَ أدُونِيَّا ابْنُ حَجِّيتَ إلَى بَتْشَبَعَ أُمِّ سُلَيْمَانَ. فَسَألَتْهُ: «هَلْ جِئْتَ فِي سَلَامٍ؟» فَأجَابَ أدُونِيَّا: «نَعَمْ، جِئْتُ فِي سَلَامٍ.» ثُمَّ قَالَ: «لَدَيَّ مَا أُرِيدُ قَولَهُ لَكِ.» فَقَالَتْ بَتْشَبَعُ: «قُلْ مَا عِنْدَكَ.» فَقَالَ: «أنْتِ تَعْرِفينَ أنَّ المَملَكَةَ كَانَتْ ذَاتَ يَوْمٍ لِي. وَقَدْ تَوَقَّعَ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ أنِّي سَأكُونُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ. غَيْرَ أنَّ الحَالَ تَغَيَّرَتْ. فَصَارَ أخِي المَلِكَ الآنَ لِأنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ لِهَذَا. فَلَيْسَ لَدَيَّ الآنَ إلَّا طَلَبٌ وَاحِدٌ، فَأرْجُو أنْ لَا تَرُدِّي طَلَبِي.» فَقَالَتْ: «مَا هُوَ طَلَبُكَ؟» «أعْلَمُ أنَّ المَلِكَ سُلَيْمَانَ لَا يَرْفُضُ لَكِ طَلَبًا. فَاطلُبِي إلَيْهِ أنْ يَسْمَحَ لِي بِالزَّوَاجِ مِنْ أبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةِ.» فَقَالَتْ بَتشَبَعُ: «حَسَنًا، سَأتَوَسَّطُ لَدَى المَلِكِ مِنْ أجْلِكَ.» فَذَهَبَتْ بَتشَبَعُ إلَى المَلِكِ سُلَيْمَانَ لِتُكَلِّمَهُ. فَلَمَّا رَآهَا المَلِكُ سُلَيْمَانُ وَقَفَ لِاسْتِقبَالِهَا. ثُمَّ انحَنَى احْتِرَامًا لَهَا وَجَلَسَ عَلَى العَرْشِ. وَأمَرَ خُدَّامَهُ فَأتُوا بِعَرْشٍ آخَرَ مِنْ أجْلِ أُمِّهِ. فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ عَنْ يَمِينِ سُلَيْمَانَ. وَقَالَتْ بَتشَبَعُ لَهُ: «جِئتُ أطلُبُ إلَيْكَ مَعْرُوفًا، فَأرْجُو أنْ لَا تَرُدَّ طَلَبِي.» فَأجَابَهَا المَلِكُ: «اطلُبِي مَاشِئْتِ يَا أُمِّي. فَلَنْ أرُدَّ لَكِ طَلَبًا.» فَقَالَتْ بَتشَبَعُ: «دَعْ أخَاكَ أدُونِيَّا يَتَزَوَّجْ مِنْ أبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةِ.» فَأجَابَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ أُمَّهُ: «لِمَاذَا تَطْلُبِينَ إلَيَّ أنْ أُعْطِيَ أبِيشَجَ لِأدُونِيَّا؟ فَلِمَاذَا لَا تَطْلُبِينَ إلَيَّ أنْ أجعَلَهُ المَلِكَ أيْضًا؟ ألَيْسَ هُوَ أخِي الأكبَرُ مِنِّي. وَلَا شَكَّ أنَّ الكَاهِنَ أبِيَاثَارَ وَيُوآبَ بنَ صُرُوِيَّةَ سَيَدْعَمَانِهِ.» فَحَلَفَ سُلَيْمَانُ بِاللهِ وَقَالَ: «لِيُعَاقِبْنِي اللهُ إنْ لَمْ أُعَاقِبْ أدُونِيَّا الَّذِي طَلَبَ هَذَا الأمْرَ مُخَاطِرًا بِحَيَاتِهِ. وَهَا أنَا الآنَ أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ الَّذِي جَعَلَنِي مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ، وَأعطَانِي عَرشَ دَاوُدَ أبِي، وَأعطَانِي مَملَكَةً وَبَيتًا كَمَا وَعَدَ، إنَّ أدُونِيَّا سَيَمُوتُ اليَوْمَ!» وَأمَرَ الملِكُ سُلَيْمَانُ بَنَايَاهُو بْنَ يَهُويَادَاعَ، فَانْطَلَقَ وَقَتَلَ أدُونِيَّا. ثُمَّ قَالَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ لِلكَاهِنِ أبِيَاثَارَ: «أنْتَ تَسْتَحِقُّ أنْ أقتُلَكَ، لَكِنِّي سَأسْمَحُ لَكَ بِالرُّجُوعِ إلَى بَيْتِكَ فِي عَنَاثُوتَ. لَنْ أقتُلَكَ الآنَ لِأنَّكَ سَاعَدْتَ فِي حَمْلِ صُنْدُوقِ عَهْدِ رَبِّي الإلَهِ أثْنَاءَ مَسِيرِكَ مَعَ دَاوُدَ أبِي. وَقَدْ شَارَكْتَ أبِي فِي ضِيقَاتِهِ.» وَأعفَى سُلَيْمَانُ أبِيَاثَارَ مِنْ مَنصِبِهِ كَكَاهِنٍ للهِ . حَدَثَ هَذَا تَتْمِيمًا لِكَلَامِ اللهِ عَنْ بَيْتِ الكَاهِنِ عَالِي وَعَائِلَتِهِ فِي شِيلُوهَ. فَقَدْ كَانَ أبِيَاثَارُ يَنْتَمِي إلَى عَائِلَةِ عَالِي. فَلَمَّا سَمِعَ يُوآبُ بِهَذَا خَافَ، لِأنَّهُ كَانَ قَدْ دَعَمَ أدُونِيَّا، لَكِنَّهُ لَمْ يَدْعَمْ أبْشَالُومَ. فَهَرَبَ إلَى خَيْمَةِ اللهِ وَتَمَسَّكَ بِزَوَايَا المَذْبَحِ. فَوَصَلَ الخَبَرُ إلَى المَلِكِ سُلَيْمَانَ أنَّ يُوآبَ دَخَلَ إلَى خَيْمَةِ اللهِ وَأنَّهُ يَحْتَمِي بِالمَذْبَحِ. فَأمَرَ سُلَيْمَانُ بَنَايَاهُو بِأنْ يَذْهَبَ وَيَقْتُلَهُ. فَدَخَلَ بَنَايَاهُو خَيْمَةَ اللهِ وَقَالَ لِيُوآبَ: «يَقُولُ لَكَ المَلِكُ: ‹اخْرُجْ!›» فَأجَابَ يُوآبُ: «لَا، بَلْ أمُوتُ هُنَا.» فَرَجِعَ بَنَايَاهُو إلَى المَلِكِ وَأخبَرَهُ بِمَا قَالَهُ يُوآبُ. فَأمَرَ المَلِكُ بَنَايَاهُو: «فَافْعَلْ كَمَا يَقُولُ! اقْتُلْهُ هُنَاكَ، ثُمَّ ادفِنْهُ. حِينَئِذٍ، أتَخَلَّصُ أنَا وَعَائِلَتِي مِنَ العَارِ الَّذِي ألحَقَهُ بِنَا يُوآبُ وَالذَّنْبِ الَّذِي وَضَعَهُ علينَا عِنْدَمَا قَتَلَ أبْرِيَاءَ. فَقَدْ قَتَلَ يُوآبُ رَجُلَينِ أفْضَلَ مِنْهُ كَثِيرًا، هُمَا أبْنَيْرُ بْنُ نِيرٍ قَائِدُ جَيْشِ إسْرَائِيلَ، وَعَمَاسَا بْنُ يَثَرَ قَائِدُ جَيْشِ يَهُوذَا. قَتَلَهُمَا مِنْ دُونِ عِلْمِ أبِي. وَهَكَذَا يُعَاقِبُ اللهُ يُوآبَ بِنَفسِ مَا فَعَلَهُ بِهَذَينِ الرَّجُلَينِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِ وَعَلَى عَائِلَتِهِ إلَى الأبَدِ. أمَّا دَاوُدُ وَنَسْلُهُ وَعَائِلَتُهُ المَلَكِيَّةُ وَمَملَكَتُهُ، فَيَكُونُ لَهُمْ إلَى الأبَدِ، سَلَامٌ مِنْ عِندِ اللهِ .» فَذَهَبَ بَنَايَاهُو بْنَ يَهُويَادَاعَ وَقَتَلَ يُوآبَ. وَدُفِنَ يُوآبُ فِي بَيْتِهِ فِي البَرِّيَّةِ. ثُمَّ نَصَّبَ سُلَيْمَانُ بَنَايَاهُو بْنَ يَهُويَادَاعَ قَائِدًا لِلجَيْشِ مَكَانَ يُوآبَ. وَنَصَّبَ الكَاهِنَ صَادُوقَ مَكَانَ الكَاهِنِ أبِيَاثَارَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ اسْتَدْعَى المَلِكُ شِمْعَى وَقَالَ لَهُ: «ابْنِ لَكَ بَيْتًا هُنَا فِي القُدْسِ. وَأقِمْ فِيهِ وَلَا تُغَادِرِ المَدِينَةَ أبَدًا إلَى أيِّ مَكَانٍ. فَإنْ غَادَرْتَ المَدِينَةَ وَتَجَاوَزْتَ وَادِي قَدرُونَ، فَاعلَمْ أنَّكَ سَتَمُوتُ مَوْتًا، وَتَجْنِي عَلَى نَفْسِكَ.» فَأجَابَ شِمْعَى: «هَذَا حَسَنٌ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي. سَأفْعَلُ كَمَا تَقُولُ.» فَسَكَنَ شِمْعَى فِي القُدْسِ مُدَّةً طَوِيلَةً. لَكِنْ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ هَرَبَ عَبدَانِ مِنْ عَبِيدِهِ إلَى أخِيشَ بْنِ مَعْكَةَ مَلِكِ جَتَّ. وَعَلِمَ شِمْعَى أنَّ عَبدَيهِ فِي جَتَّ. فَأسرَجَ حِمَارَهُ وَذَهَبَ إلَى المَلِكِ أخِيشَ فِي جَتَّ بَحْثًا عَنْ عَبدَيهِ. فَوَجَدَهُمَا هُنَاكَ وَعَادَ بِهِمَا. فَوَصَلَ الخَبَرُ إلَى سُلَيْمَانَ أنَّ شِمْعَى غَادَرَ القُدْسَ إلَى جَتَّ وَعَادَ. فَأرْسَلَ سُلَيْمَانُ فِي طَلَبِهِ. وَقَالَ لَهُ: «أمَا اسْتَحْلَفْتُكَ بِاللهِ أنْ لَا تُغَادِرَ القُدْسَ؟ أمَا أنذَرْتُكَ أنَّكَ إذَا غَادَرْتَهَا إلَى أيِّ مَكَانٍ فَإنَّ هَذِهِ سَتَكُونُ نِهَايَتَكَ؟ أمَا وَافَقْتَنِي عَلَى كُلِّ مَا قُلْتُ، وَوَعَدْتَ بِأنْ تُطِيعَنِي؟ فَلِمَاذَا كَسَرْتَ قَسَمَكَ أمَامَ اللهِ وَخَالَفْتَ الوَصِيَّةَ الَّتِي أوصَيتُكَ بِهَا؟ أنْتَ تَذْكُرُ الشُّرُورَ الكَثِيرَةَ الَّتِي فَعَلْتَهَا لِدَاوُدَ أبِي. وَالْآنَ سَيُعَاقِبُكَ اللهُ عَلَى تِلْكَ الشُّرُورِ. أمَّا أنَا فَسَيُبَارِكُنِي اللهُ وَسَيَحْفَظُ مَملَكَةَ دَاوُدَ إلَى الأبَدِ.» ثُمَّ أمَرَ المَلِكُ بَنَايَاهُو بِقَتلِ شِمْعَى، فَقَتَلَهُ. فَأحْكَمَ سُلَيْمَانُ قَبضَتَهُ عَلَى مَملَكَتِهِ. وصَاهَر سُلَيْمَانُ فِرعَوْنَ مَلِكَ مِصْرٍ، حَيْثُ تَزَوَّجَ مِنَ ابنَتِهِ وَأتَى بِهَا إلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، لَمْ يَكُنْ سُلَيْمَانُ قَدِ انْتَهَى مِنْ بِنَاءِ قَصْرِهِ وَبَيْتِ اللهِ وَالسُّورِ المُحِيطِ بِالقُدْسِ. وَكَانَ الشَّعْبُ يُقَدِّمُونَ الذَّبَائِحَ للهِ عَلَى المَذَابِحِ فِي المُرْتَفَعَاتِ، لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ بُنِيَ بَعْدُ بَيتٌ إكْرَامًا لِاسْمِ اللهِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. وَأظْهَرَ سُلَيْمَانُ مَحَبَّتَهُ للهِ بِإطَاعَتِهِ كُلَّ مَا أوصَاهُ بِهِ دَاوُدُ أبُوهُ. إلَّا أنَّهُ كَانَ مَا يَزَالُ يُقَدِّمُ الذَّبَائِحَ وَيُوقِدُ البَخُورَ فِي المُرْتَفَعَاتِ. وَذَهَبَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ إلَى جِبْعُونَ لِيُقَدِّمَ ذَبِيحَةً، لِأنَّهَا كَانَتِ المُرتَفَعَةَ الأهَمَّ. فَقَدَّمَ ألْفَ ذَبِيحَةٍ عَلَى ذَلِكَ المَذْبَحِ. وَأثنَاءَ وُجُودِ سُلَيْمَانَ فِي جِبْعُونَ، جَاءَ إلَيْهِ اللهُ لَيْلًا فِي حُلْمٍ. وَقَالَ لَهُ: «اطلُبْ مِنِّي مَا شِئتَ، وَسَأُعْطِيهِ لَكَ.» فَأجَابَ سُلَيْمَانُ: «كُنْتَ كَرِيمًا جِدًّا مَعَ عَبدِكَ دَاوُدَ أبِي. وَهو سَارَ مَعَكَ فِي حَيَاةٍ صَالِحَةٍ بَارَّةٍ وَقَلْبٍ مُسْتَقِيمٍ. فَأظْهَرْتَ لَهُ أعْظَمَ كَرَمٍ، وَأعْطَيْتَهُ ابْنًا يَجْلِسُ عَلَى عَرشِهِ مِنْ بَعدِهِ. يَا ، أنْتَ تَلَطَّفتَ فَجَعَلْتَنِي أخْلِفُ وَالِدِي فِي الحُكْمِ. لَكِنَّنِي أشْبَهُ بِطِفلٍ صَغِيرٍ. فَأنَا أفتَقِرُ إلَى الحِكْمَةِ لِأَعْرِفَ مَا يَنْبَغِي عَلَيَّ أنْ أفعَلَ. وَأنَا خَادِمَكَ فِي وَسَطِ عَدَدٍ لَا يُحصَى مِنْ شَعْبِكَ المُختَارِ العَظِيمِ. فأعْطِ خَادِمَكَ فَهمًا لِيَمْلُكَ عَلَى شَعْبِكَ، وَأُمّيِّزَ الصَّوَابَ مِنَ الخَطَأ. فَمَنْ يَقْدِرُ أنْ يَحْكَمَ مِثْلَ هَذَا الشَّعْبِ العَظِيمِ.» فَسُرَّ اللهُ لِأنَّ سُلَيْمَانَ طَلَبَ مِنْهُ هَذَا. وَقَالَ لَهُ اللهُ: «لَمْ تَطْلُبْ لِنَفْسِكَ طُولَ العُمْرِ، وَلَمْ تَطْلُبْ غِنَىً شَخصِيًّا لَكَ. وَلَمْ تَطْلُبْ لِأعْدَائِكَ المَوْتَ. بَلْ طَلَبْتَ لِنَفسِكَ القُدرَةَ عَلَى التَّميِيزِ وَاتِّخَاذِ القَرَارَاتِ الصَّائِبَةِ، لِهَذَا سَأُلَبِّي لَكَ طَلَبَكَ. سَأجْعَلُكَ حَكِيمًا وَفَهِيمًا، بَلْ سَأجْعَلُكَ أحْكَمُ مِنْ كُلِّ مَنْ أتَى قَبلَكَ. وَمِنْ كُلِّ مَنْ سَيَأتِي بَعْدَكَ. وَسَأُكَافِئُكَ أيْضًا بِمَا لَمْ تَطْلُبْ. سَتَتَمَتَّعُ كُلَّ حَيَاتِكَ بِغِنَىً وَكَرَامَةٍ، وَلَنْ يَبْلُغَ مَلِكٌ آخَرُ عَظَمَتَكَ. فَاتبَعْنِي وَأطِعْ شَرَائِعِي وَوَصَايَايَ، كَمَا فَعَلَ دَاوُدُ أبُوكَ. فَإنْ فَعَلْتَ هَذَا سَأُطِيلُ عُمرَكَ أيْضًا.» ثُمَّ استَيْقَظَ سُلَيْمَانُ، فَعَرَفَ أنَّ اللهَ كَلَّمَهُ فِي حُلْمٍ. وَعَادَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، وَوَقَفَ أمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ . وَقَدَّمَ لَهُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً وَذَبَائِحَ سَلَامٍ للهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أقَامَ حَفلَةً وَدَعَا إلَيْهَا كُلَّ قَادَتِهِ وَمُعَاوِنِيهِ. وَذَاتَ يَوْمٍ جَاءَتِ امْرَأتَانِ عَاهِرَتَانِ إلَى سُلَيْمَانَ، وَوَقَفَتَا أمَامَهُ. فَقَالَتْ إحدَاهُمَا لِلمَلِكِ: «يَا مَوْلَايَ، أنَا أسْكُنُ مَعَ هَذِهِ المَرْأةِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ حَبِلْنَا كِلْتَينَا وَاقْتَرَبَ مَوعِدُ وَضْعِنَا. فَأنجَبْتُ أنَا ابنِي وَهِيَ مَعِي. وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ وَضَعَتْ هَذِهِ المَرْأةُ أيْضًا ابنًا. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أحَدٌ فِي البَيْتِ سِوَانَا نَحْنُ الِاثنَتَيْنِ. وَذَاتَ لَيلَةٍ، مَاتَ ابْنُ هَذِهِ المَرْأةِ لِأنَّهَا نَامَتْ عليهِ. فَقَامَتْ فِي اللَّيلِ، وَأخَذَتِ ابنِي مِنْ فِرَاشِي وَأنَا نَائِمَةٌ، وَحَمَلَتْهُ وَوَضَعَتْهُ فِي فِرَاشِهَا، ثُمَّ وَضَعَتِ ابْنَهَا المَيِّتَ فِي فِرَاشِي. وَفِي الصَّبَاحِ، نَهَضْتُ لِإرْضَاعِ ابْنِي، فَوَجَدْتُهُ قَدْ مَاتَ. وَلَمَّا تَفَرَّستُ فِيهِ عَنْ قُربٍ، أدرَكْتُ أنَّهُ لَمْ يَكُنِ ابْنِي.» لَكِنَّ المَرْأةَ الأُخرَى قَالَتْ: «لَا! فَالوَلَدُ الحَيُّ هُوَ ابْنِي أنَا، وَالوَلَدُ المَيِّتُ هُوَ ابْنُكِ!» أمَّا المَرْأةَ الأُولَى فَقَالَتْ: «لَا! لَيْسَ صَحِيحًا! فَالوَلَدُ المَيِّتُ هُوَ ابْنُكِ. وَالوَلَدُ الحَيُّ ابنِي أنَا!» فَتَجَادَلَتَا هَكَذَا أمَامَ المَلِكِ. فَقَالَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ: «تَزْعَمُ كُلٌّ مِنْكُمَا أنَّ الوَلَدَ الحَيَّ هُوَ ابْنُهَا، وَأنَّ الوَلَدَ المَيِّتَ هُوَ ابْنُ المَرْأةِ الأُخرَى.» ثُمَّ أمَرَ المَلِكُ بِإحْضَارِ سَيفٍ. فَأحْضَرُوا لَهُ سَيْفًا. فَقَالَ المَلِكُ لِخَادِمِهِ: «اشْطُرِ الوَلَدَ إلَى نِصفَينِ، وَأعْطِ نِصفًا مِنْهُ لِكُلِّ امْرأةٍ.» فَقَالَتِ المَرْأةُ الثَّانِيَةُ: «هَذَا أمرٌ يُوافِقُنِي. اشْطُرِ الوَلَدَ إلَى نِصفَينِ، فَلَا يَكُونَ لِأيٍّ مِنَّا.» لَكِنَّ المَرْأةَ الأُولَى، الأُمَّ الحَقِيقِيَّةَ لِلوَلَدِ، تَحَنَّنَتْ عَلَى ابْنِهَا. فَقَالَتْ لِلمَلِكِ: «لَا يَا مَوْلَايَ! لَا تَقْتُلِ الوَلَدَ! بَلْ أعْطِهِ لَهَا.» فَقَالَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ: «لَا تَقْتُلِ الوَلَدَ! بَلْ أعْطِهِ لِلمَرْأةِ الأُولَى، فَهِيَ أُمُّهُ.» فَذَاعَ فِي كُلِّ إسْرَائِيلَ مَا فَعَلَهُ المَلِكُ سُلَيْمَانُ. فَصَارَ الشَّعْبُ يَحْتَرِمُونَهُ وَيُكَرِّمُونَهُ، لِأنَّهُمْ رَأوْا أنَّ اللهَ أعطَاهُ حِكْمَةً عَظِيمَةً جِدًّا فِي اتِّخَاذِ القَرَارَاتِ وَإصْدَارِهَا. امتَدَّ حُكْمُ سُلَيْمَانَ عَلَى كُلِّ إسْرَائِيلَ. وَفِيمَا يَلِي أسْمَاءُ كِبَارِ المَسؤُولِينَ الَّذِينَ أعَانُوهُ فِي الحُكْمِ: الكَاهِنُ عَزَرْيَا بْنُ صَادُوقَ. ألِيحُورَفُ وَأخِيَّا، ابْنَا شِيشَا، وَكَانَا كَاتِبَينِ لِلسِّجِلَاتِ القَانُونِيَّةِ. وَالمُؤَرِّخُ يَهُوشَافَاطُ بْنُ أخِيلُودَ. وَقَائِدُ الجَيْشِ بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ. وَالكَاهِنَانِ صَادُوقُ وَأبِيَاثَارُ. عَزَرْيَا بْنُ نَاثَانَ المَسؤولُ عَنْ وُلَاةِ المُقَاطَعَاتِ. زَابُودُ بْنُ نَاثَانَ، وَكَانَ كَاهِنًا وَمُسْتَشَارًا شَخْصِيًّا لِلمَلِكِ. أخِيشَارُ المَسؤولُ عَنْ شُؤونِ بَيْتِ المَلِكِ. أدُونِيرَامُ بْنُ عَبْدَا المَسؤولُ عَنِ العُمَّالِ. وَقَدْ وَلَّى سُلَيْمَانُ اثنَيْ عَشَرَ وَالِيًا عَلَى كُلِّ إسْرَائِيلَ. فَكَانُوا يُوفِّرُونَ الطَّعَامَ لِلمَلِكِ وَلِبَيْتِهِ بِالتَّنَاوُبِ، بَحَيْثُ يَتَولَّى وَاحِدٌ مِنْهُمْ هَذَا الأمْرَ شَهرًا كُلَّ سَنَةٍ. وَفِيمَا يَلِي أسمَاؤُهُمْ: ابْنُ حُورٍ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى مُقَاطَعَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ. ابْنُ دَقَرَ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى مَاقَصَ وَشَعَلُبِّيمَ وَبَيْتِ شَمسٍ وَأيلُونِ بَيْتِ حَانَانَ. ابْنُ حَسَدَ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى أرُوبُوتَ وَسُوكُوهَ وَحَافَرَ. ابْنُ أبِينَادَابَ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى مُرتَفَعَاتِ دُوَرٍ. وَكَانَ مُتَزَوِّجًا مِنْ طَافَةَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ. بَعْنَا بْنُ أخِيلُودَ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى تَعْنَكَ وَمَجِدُّو وَكُلِّ بَيْتِ شَانٍ المُجَاوِرَةِ لِصُرْتَانَ، وَهِيَ تَحْتَ يَزْرَعِيلَ، مِنْ بَيْتِ شَانٍ إلَى آبَلَ مَحُولَةَ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنْ يَقْمَعَامَ. ابْنُ جَابَرَ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى رَامُوثَ الَّتِي فِي جِلْعَادَ. وَكَانَ مَسؤُولًا عَنْ كُلِّ بَلْدَاتِ يَائِيرَ بْنِ مَنَسَّى وَقُرَاهَا فِي جِلْعَادَ، وَعَنْ مِنْطَقَةِ أرْجُوبَ فِي بَاشَانَ. وَكَانَتْ هَذِهِ المِنْطَقَةُ تَضُمُّ سِتِّينَ مَدِينَةً مُسَوَّرَةً، وَلَهَا قُضبَانٌ نُحَاسِيَّةٌ عَلَى بَوَّابَاتِهَا. أخِينَادَابُ بْنُ عُدُّو، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى مَحَنَايِمَ. أخِيمَعَصُ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى نَفْتَالِي. وَكَانَ مُتَزَوِّجًا مِنْ بَاسِمَةٍ بِنْتِ سُلَيْمَانَ. بَعْنَا بْنُ حُوشَايَ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى أشِيرَ وَبَعَلُوتَ. يَهُوشَافَاطُ بْنُ فَارُوخَ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى يَسَّاكَرَ. شِمْعَى بْنُ أيلَا، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى بَنْيَامِينَ. جَابِرُ بْنُ أُورِي، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى جِلْعَادَ حَيْثُ كَانَ سِيحُونُ مَلِكُ الأمُّورِيِّينَ، وَعُوجٌ مَلِكُ بَاشَانَ يسْكُنَانِ. وَكَانَ جَابِرُ وَالِيًا وَحْدَهُ عَلَى كُلِّ تِلْكَ المُقَاطَعَةِ. وَكَانَ النَّاسُ فِي يَهُوذَا وَإسْرَائِيلَ بِكَثْرَةِ رَملِ الشَّوَاطِئِ، لَكِنْ لَمْ يَنْقُصْهُمْ شَيءٌ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالثِّيَابِ. وَحَكَمَ سُلَيْمَانُ كُلَّ المَمَالِكِ مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ إلَى أرْضِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَامتَدَّتْ مَملَكَتُهُ إلَى حُدُودِ مِصْرٍ. وَكَانَتْ تِلْكَ المَمَالِكُ تُرسِلُ الجِزيَةَ إلَى سُلَيْمَانَ وَتَخْضَعُ لَهُ طَوَالَ أيَّامِ حُكمِهِ. وَهَذِهِ كَمِّيَّاتُ الطَّعَامِ الَّتِي احْتَاجَهَا سُلَيْمَانُ كُلَّ يَوْمٍ: ثَلَاثِينَ كِيسًا مِنَ السَّمِيدِ، وَسِتِّينَ كِيسًا مِنَ الطَّحِينِ، وَعَشْرَةُ ثِيرَانٍ مُسَمَّنَةٍ، وَعِشْرُونَ مِنْ بَقَرِ المَرَاعِي، وَمِئَةُ خَرُوفٍ، عَدَا جَمِيعِ أنْوَاعِ الغِزلَانِ وَالطُّيُورِ البَرِّيَّةِ. وَحَكَمَ سُلَيْمَانُ كُلَّ البُلدَانِ الوَاقِعَةِ شَرقِيَّ نَهْرِ الفُرَاتِ، أيْ مِنْ تَفْسَخَ إلَى غَزَّةَ. وَسَادَ السَّلَامُ جَمِيعَ حُدُودِ مَملَكَتِهِ. وقَدْ عَاشَ كُلُّ الشَّعْبِ فِي يَهُوذَا وَإسْرَائِيلَ مِنْ دَانٍ إلَى بِئْرِ السَّبعِ فِي سَلَامٍ وَأمْنٍ طَوَالَ حُكْمِ سُلَيْمَانَ. فَكَانَ النَّاسُ يَجْلِسُونَ مُطمَئِنِّينَ تَحْتَ أشْجَارِ تِينِهِمْ وَكُرُومِهِمْ. وَكَانَ لَدَى سُلَيْمَانَ اسْطَبلَاتٌ تَتَّسِعُ لِأرْبَعَةِ آلَافٍ مِنْ خُيُولِ مَركِبَاتِهِ، وَاثنَا عَشَرَ ألْفَ فَارِسٍ. وَفِي كُلِّ شَهْرٍ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ وُلَاةِ المُقَاطَعَاتِ الِاثنَيْ عَشَرَ يُزَوِّدُ المَلِكَ بِكُلِّ مَا يَحتَاجُهُ مِنْ طَعَامٍ. فَكَانَ ذَلِكَ يَكْفِي لِجَمِيعِ الآكِلِينَ عَلَى مَائِدَةِ المَلِكِ. كَمَا يُقَدِّمَونَ مَا يَكْفِي مِنَ الشَّعِيرِ وَالتِّبْنِ لِخُيُولِ المَركِبَاتِ وَخُيُولِ الفُرسَانِ، وَيَنَقَلُونَ ذَلِكَ إلَى الأمَاكِنِ المُخَصَّصَةِ. وَأعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً عَظِيمَةً، فَكَانَ يَفْهَمُ أُمُورًا كَثِيرَةً جِدًّا، وَكَانَ وَاسِعَ الإدرَاكِ إلَى حَدٍّ يَصْعُبُ تَصَوُّرُهُ. فَقَدْ فَاقَتْ حِكمَةُ سُلَيْمَانَ كُلَّ حِكمَةِ أهْلِ الشَّرقِ وَمِصْرٍ. كَانَ أحْكَمَ النَّاسِ عَلَى الأرْضِ. فَقَدْ تَفَوَّقَ فِي حِكْمَتِهِ عَلَى إيثَانَ الأَزْرَحِيِّ وَهِيمَانَ وَكَلْكُولَ وَدَرْدَعَ أبْنَاءِ مَاحُولَ. فَذَاعَ صِيتُ سُلَيْمَانَ فِي البُلدَانِ المُحِيطَةِ كُلِّهَا. وَكَتَبَ سُلَيْمَانُ ثَلَاثَةَ آلَافِ قَولٍ حَكِيمٍ، وَألفًا وَخَمْسَ مِئَةِ تَرْنِيمَةٍ وَأُغْنِيَةٍ. وَعَرَفَ سُلَيْمَانُ أيْضًا الكَثِيرَ عَنِ الطَّبِيعَةِ. فَعَلَّمَ عَنْ أنوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنَ النَّبَاتَاتِ، مِنْ أشْجَارِ الأرْزِ العَظِيمَةِ فِي لُبْنَانَ، إلَى الزُّوفَا المُتَسَلِّقَةِ عَلَى الجُدرَانِ. وَعَلَّمَ أيْضًا عَنِ الحَيَوَانَاتِ وَالطُّيُورِ وَالزَّوَاحِفِ. فَكَانَ يَأْتِي أُنَاسٌ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ إلَى سُلَيْمَانَ لِيَسْتَمِعُوا إلَى حِكمَتِهِ. وَأرْسَلَ مُلُوكُ كُلِّ الأُمَمِ حُكَمَاءَهُمْ لِكَي يسمَعُوا ويَتَعَلَّمُوا مِنْ حِكمَتِهِ. وَكَانَتْ قَدْ رَبَطَتْ حِيرَامَ مَلِكَ صُورٍ عَلَاقَةٌ قَوِيَّةٌ بِدَاوُدَ. فَلَمَّا سَمِعَ حِيرَامُ أنَّ سُلَيْمَانَ خَلَفَ أبَاهُ فِي الحُكْمِ، أرْسَلَ خُدَّامَهُ إلَيْهِ. فَأرْسَلَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ إلَى حِيرَامَ الرِّسَالَةَ التَّالِيَةَ: «أنْتَ تَذْكُرُ أنَّ أبِي، المَلِكَ دَاوُدَ، انشَغَلَ بِحُرُوبٍ كَثِيرَةٍ عَلَى كُلِّ الحُدُودِ المُحِيطَةِ بِمَملَكَتِهِ. فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ بِنَاءِ هَيْكَلٍ إكرَامًا لِاسْمِ . فَكَانَ يَنْتَظِرُ إلَى أنْ يَضَعَ اللهُ أعْدَاءَهُ تَحْتَ قَدَمَيهِ. أمَّا الآنَ، فَقَدْ أنعَمَ عَلَيَّ بِالسَّلَامِ عَلَى حُدُودِ مَملَكَتِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. فَلَيْسَ لِي عَدُوٌّ وَشَعْبِي آمِنٌ. «فَأنَا نَوَيتُ أنْ أبنِيَ ذَلِكَ البَيْتَ لِأُكرِمَ اسْمَ ، وَفْقًا لِمَا قَالَهُ اللهُ لِأبِي دَاوُدَ: ‹سَأجْعَلُ ابنَكَ مَلِكًا بَعدَكَ، وَسَيَبْنِي بَيْتًا إكرَامًا لِاسْمِي.› لِهَذَا أطلُبُ إلَيْكَ أنْ تُسَاعِدَنِي. أرْسِلْ رِجَالَكَ إلَى لُبْنَانَ لِيَقْطَعُوا لِي أشْجَارَ أرزٍ. وَسَأُرْسِلُ خُدَّامِي لِيُعَاوِنُوهُمْ فِي ذَلِكَ. وَسَأدفَعُ لَكَ أيَّ أجرٍ تُحَدِّدُهُ لِأتعَابِ خُدَّامِكَ. أحتَاجُ إلَى خِبْرَةِ خُدَّامِكَ. فَالنَّجَّارُونَ لَدَيَّ لَيْسُوا بِبَرَاعَةِ نَجَّارِي صَيدَا.» فَلَمَّا سَمِعَ حِيرَامُ رِسَالَةَ سُلَيْمَانَ، سُرَّ كَثِيرًا وَقَالَ: «أشكُرُ اللهَ اليَوْمَ لِأنَّهُ أعْطَى دَاوُدَ ابنًا حَكِيمًا لِيَحْكُمَ هَذِهِ الأُمَّةَ العَظِيمَةَ!» ثُمَّ أرْسَلَ رِسَالَةً لِسُلَيمَانَ يَقُولُ فِيهَا: «وَصَلَتْنِي رِسَالَتُكَ، وَسَمِعْتُ بِمَا طَلَبْتَ. سَأُعْطِيكَ كُلَّ أشْجَارِ الأرْزِ وَالسَّروِ الَّتِي طَلَبْتَهَا كَمَا تُرِيدُ. سَيُنزِلُهَا خُدَّامِي مِنْ لُبْنَانَ إلَى البَحْرِ وَيُعَوِّمُونَهَا بِمُحَاذَاةِ الشَّاطِئِ إلَى أيِّ مَكَانٍ تُحَدِّدُهُ أنْتَ. وَهُنَاكَ سَيَفْصِلُونَ ألوَاحَ الأرْزِ عَنْ ألوَاحِ السَّروِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُ لِرِجَالِكَ أنْ يَحْمِلُوهَا، وَأمَّا أنْتَ فَتُعْطِينِي الأُجرَةَ الَّتِي تُرْضينِي، وَذَلِكَ بِتَوفيرِ طَعَامٍ لِمَملَكَتِي.» فَأعْطَى حِيرَامُ سُلَيْمَانَ كُلَّ أشْجَارِ الأرْزِ وَالسَّروِ الَّتِي طَلَبَهَا. وَأعْطَى سُلَيْمَانُ حِيرَامَ نَحْوَ عِشْرِينَ ألْفَ جَرَّةٍ مِنَ القَمْحِ، وَنَحْوَ عِشْرِينَ ألْفَ قِدْرٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ النَّقِيِّ كُلَّ عَامٍ طَعَامًا لِعَائِلَتِهِ. وَأعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً كَمَا سَبَقَ أنْ وَعَدَ. وَكَانَ هُنَاكَ سَلَامٌ بَيْنَ حِيرَامَ وَسُلَيمَانَ، حَيْثُ عَقَدَا مُعَاهَدَةً بَيْنَهُمَا. وَجَنَّدَ سُلَيْمَانُ ثَلَاثِينَ ألْفَ رَجُلٍ مِنْ إسْرَائِيلَ عَلَى العَمَلِ فِي هَذَا المَشرُوعِ. وَأقَامَ عَلَيْهِمْ رَئِيسًا اسْمُهُ أدُونِيرَامُ. وَقَسَّمَ العَامِلينَ إلَى ثَلَاثِ مَجمُوعَاتٍ، كُلٌّ مِنْهَا عَشْرَةُ آلَافِ عَامِلٍ. تَعْمَلُ كُلُّ مَجمُوعَةٍ شَهرًا فِي لُبْنَانَ، وَتَعُودُ لِتَرتَاحَ شَهرَينِ. وَكَانَ لِسُلَيمَانَ أيْضًا سَبعِينَ ألْفَ عَامِلٍ لِنَقلِ الحِجَارَةِ، وَثَمَانِينَ ألْفَ حَجَّارٍ فِي المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ. هَذَا عَدَا الَّذِينَ كَانُوا يُشرِفُونَ عَلَى تَوْجِيهِ العُمَّالِ، وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثُ مِئَةِ رَجُلٍ تَحْتَ إمرَةِ سُلَيْمَانَ. أمَرَهُمُ المَلِكُ سُلَيْمَانُ بِأنْ يَقْطَعُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً ثَمِينَةً لِتَكُونَ أسَاسَ الهَيْكَلِ. فَقُطِعَتْ تِلْكَ الحِجَارَةُ بِعِنَايَةٍ. ثُمَّ نَحَتَ بَنَّاؤُو سُلَيْمَانَ وَحِيرَامَ وَالعُمَّالُ الَّذِينَ مِنْ جُبَيل الحِجَارَةَ. فَأعَدُّوا الحِجَارَةَ وَالألوَاحَ الخَشَبِيَّةَ لِبِنَاءِ الهَيْكَلِ. فَبَدَأ سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ . وَذَلِكَ بَعْدَ أرْبَعِ مِئَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةٍ مِنْ خُرُوجِ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ، فِي الشَّهْرِ الثَّانِي – شَهرِ زِيُو – مِنَ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ سُلَيْمَانَ لِإسْرَائِيلَ. وَكَانَ طُولُ بَيْتِ اللهِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَارتِفَاعُهُ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا. وَبَلَغَ طُولُ دِهْلِيزِ الهَيْكَلِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ عَشَرَ أذْرُعٍ. امتَدَّ الدِّهلِيزُ عَلَى طُولِ وَاجِهَةِ الهَيْكَلِ نَفْسِهِ، فَكَانَ طُولُهُ مُسَاوِيًا لِعَرْضِ الهَيْكَلِ. وَكَانَ لِلهَيْكَلِ نَوَافِذُ مُشَبَّكَةٌ. وَبَنَى سُلَيْمَانُ صَفًّا مِنَ الحُجُرَاتِ حَوْلَ المَبْنَى الرَّئِيسِيِّ لِلهَيْكَلِ مُؤَلَّفًا مِنْ طَوَابِقَ ثَلَاثَةٍ. فَكَانَتِ الحُجُرَاتُ مَبنِيَّةً بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. وَكَانَتِ الحُجُرَاتُ تَتَكِئُ عَلَى حَائِطِ الهَيْكَلِ. لَكِنَّ جُسُورَهَا لَمْ تَكُنْ مَبنِيَّةً دَاخِلَ الحَائِطِ. فَكَانَ سُمْكُ حَائِطِ الهَيْكَلِ فِي أعلَاهُ أقَلَّ مِنْ سُمكِهِ فِي أسْفَلِهِ. وَهَكَذَا كَانَ عَرْضُ الحُجُرَاتِ فِي الطَّابِقِ السُّفلِيِّ خَمْسَ أذْرُعٍ، وَعَرْضُهَا فِي الطَّابِقِ الأوسَطِ سِتَّ أذْرُعٍ، وَعَرْضُهَا فِي الطَّابِقِ العُلوِيِّ سَبْعَ أذْرُعٍ. وَقَطَعَ العُمَّالُ الحِجَارَةَ فِي المَحَاجِرِ. فَلَمْ يَكُنْ فِي الهَيْكَلِ صَوْتُ مَطَارِقَ أوْ أزَامِيلَ أوْ أيَّةِ أدَوَاتٍ حَدِيدِيَّةٍ. وَكَانَ مَدخَلُ الحُجُرَاتِ السُّفلِيَّةِ إلَى الجَانِبِ الشَّرقِيِّ مِنَ الهَيْكَلِ. وَفِي الدَّاخِلِ كَانَ هُنَاكَ دَرَجٌ يَصْعَدُ إلَى الطَّابِقِ الثَّانِي مِنَ الحُجُرَاتِ، وَمِنْ هُنَاكَ إلَى الطَّابِقِ الثَّالِثِ مِنَ الحُجُرَاتِ. فَأنهَى سُلَيْمَانُ بِنَاءَ المَبْنَى الرَّئِيسِيِّ لِلهَيْكَلِ، وَغَطَّاهُ بِألوَاحِ خَشَبِ الأرزِ. وَأنهَى بنِاءَ الحُجُرَاتِ حَوْلَ الهَيْكَلِ. وَبَلَغَ ارتِفَاعُ كُلِّ طَابِقٍ خَمْسَ أذْرُعٍ. وَكَانَتْ جُسُورُ خَشَبِ الأرْزِ مُثَبَّتَةً بِجِدَارِ الهَيْكَلِ. وَجَاءَتْ كَلِمُةُ اللهِ إلَى سُلَيْمَانَ: «إنْ سَلَكْتَ بِحَسَبِ أحكَامِي، وَأطَعتَ شَرَائِعِي وَحَفِظتَ جَمِيعَ وَصَايَايَ وَعَمِلْتَ بِهَا، فَإنِّي سَأُحَقِّقُ لَكَ مَا وَعَدتُ بِهِ دَاوُدَ أبَاكَ بِخُصُوصِ هَذَا البَيْتِ الَّذِي تَبْنِيهِ. وَسَأسكُنُ وَسَطَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَنْ أتَخَلَّى عَنْهُمْ.» وَهَكَذَا انْتَهَى سُلَيْمَانُ مِنْ بِنَاءِ حِجَارَةِ الهَيْكَلِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ غُطِّيَتْ جُدرَانُ الهَيْكَلِ الحَجَرِيَّةُ بِألوَاحِ شَجَرِ الأرْزِ، مِنَ الأرْضِيَّةِ إلَى السَّقفِ. وَغُطِّيَتِ الأرْضِيَّةُ الحَجَرِيَّةُ بِألوَاحِ شَجَرِ السَّروِ. وَبَنَوْا حُجرَةً دَاخِلِيَّةً طُولُهَا عِشرُونَ ذِرَاعًا فِي الجَزءِ الخَلفِيِّ مِنَ الهَيْكَلِ. وَغَطُّوا جُدرَانَ هَذِهِ الحُجرَةِ بِألوَاحِ الأرْزِ، مِنَ الأرْضِيَّةِ إلَى السَّقفِ. وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الحُجرَةُ قُدسَ الأقْدَاسِ. وَكَانَ القِسْمُ الرَّئِيسِيُّ مِنَ الهَيْكَلِ أمَامَ قُدْسِ الأُقدَاسِ الَّذِي كَانَ طُولُهُ أرْبَعِينَ ذِرَاعًا. وَغَطُّوا جُدرَانَ الحُجرَةِ كُلِّهَا بِألوَاحِ الأرْزِ المُزَخرَفَةِ بِصُوَرِ بَرَاعِمِ زُهُورٍ وَقَرْعٍ، فَلَمْ يَظْهَرْ أيٌّ مِنْ حِجَارَةِ الجُدرَانِ. وَأعَدَّ سُلَيْمَانُ الحُجرَةَ الدَّاخِلِيَّةَ فِي الجُزءِ الخَلفِيِّ مِنَ الهَيْكَلِ، وَوَضَعَ فِيهَا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ . كَانَ طُولُ الحُجرَةِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهَا عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَارْتِفَاعُهَا عِشْرِينَ ذِرَاعًا. وَغَشَّى سُلَيْمَانُ جُدرَانَ الحُجرَةِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. كَمَا وَضَعَ فِيهَا المَذْبَحَ المَصْنُوعُ مِنَ خَشَبِ الأرْزِ، وَقَدْ غَشَّاهُ بِالذَهَبِ. وَغَشَّى سُلَيْمَانُ جُدرَانَ الهَيْكَلِ الدَّاخِلِيَّةَ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ، ثُمَّ عَلَّقَ سَلَاسِلَ مُغَشَّاةً بِالذَّهَبِ أمَامَ المَقدِسِ الدَّاخِلِيِّ. فَقَدْ غَشَّي بِالذَّهَبِ الهَيْكَلَ كُلَّهُ حَتَّى اكتَمَلَ، وَكَذَلِكَ غَشَّي المَذْبَحَ القَائِمَ أمَامَ المَقدِسِ الدَّاخِلِيِّ. وَصَنَعَ تِمثَالَينِ لِكَرُوبَينِ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ ارتِفَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَشَرُ أذْرُعٍ. كَانَ طُولُ كُلِّ جَنَاحٍ مِنْ أجنِحَةِ الكَرُوبِ خَمْسَ أذْرُعٍ، فَالمَسَافَةُ بَيْنَ طَرَفَي الجَنَاحَينِ المُتَقَابِلَينِ عَشْرُ أذْرُعٍ. وَكَذَلِكَ كَانَ الكَرُوُبُ الثَّانِي. فَالمَسَافَةُ بَيْنَ طَرَفَي الجَنَاحَينِ المُتَقَابِلَينِ لِلكَرُوبِ الثَّانِي عَشَرُ أذْرُعٍ أيْضًا. فَقَدْ كَانَ لِلتِّمثَالَينِ أبعَادٌ وَاحِدَةٌ وَشَكلٌ وَاحِدٌ. فَارتِفَاعُ الأوَّلِ عَشْرُ أذْرُعٍ، وَارتِفَاعُ الثَّانِي عَشَرُ أذْرُعٍ. وُضِعَ هَذَانِ الكَرُوبَانِ فِي قُدْسِ الأقْدَاسِ جَنبًا إلَى جَنبٍ، بِحَيْثُ يَتَلَامَسُ جَنَاحَاهُمَا فِي وَسَطِ الحُجرَةِ، بَيْنَمَا يُلَامِسُ الجَنَاحَانِ الآخَرَانِ جِدَارَي الحُجرَةِ. وَقَدْ غُشِّيَ الكَرُوبَانِ بِالذَّهَبِ. وَنُقِشَتِ الجُدرَانُ حَوْلَ الحُجرَةِ الرَّئِيسِيَّةِ وَالحُجرَةِ الدَّاخِلِيَّةِ عَلَى شَكْلِ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ، وَأشْجَارِ النَّخِيلِ، وَبَرَاعِمِ الزُّهُورِ. وَغُشِّيَتْ أرْضِيَّةُ كِلْتَا الحُجرَتَيْنِ بِالذَّهَبِ. وَصَنَعَ العُمَّالُ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ. وَوَضَعُوهُمَا فِي مَدْخَلِ قُدْسِ الأقْدَاسِ. وَكَانَتِ القَوَائِمُ حَوْلَ المصرَاعَيْنِ خُمَاسِيَّةَ الشَّكلِ وَالوُجُوهِ. وَعَمِلُوا المِصْرَاعينِ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ وَنَقَشُوا عَلَيْهَا صُوَرَ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ، وَأشْجَارِ النَّخِيلِ وَبَرَاعِمِ الزُّهُورِ. ثُمَّ غَشُّوهُمَا بِالذَّهَبِ. وَعَمِلُوا أيْضًا بَابَينِ لِمَدخَلِ الحُجرَةِ الرَّئِيسِيّةِ. وَاستَخْدَمُوا خَشَبَ الزَّيْتُونِ فِي صُنْعِ قَوَائِمَ مُرَبَّعَةٍ لِلبَابَينِ. ثُمَّ استَخْدَمُوا خَشَبَ السَّروِ لِصُنْعِ قُضْبَانٍ لِلبَابَينِ، وَتَألَّفَ كُلُّ بَابٍ مِنْ دَفَّتَيْنِ قَابِلَتَيْنِ لِلطَّيِّ. وَنَقَشُوا صُوَرَ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ وَأشْجَارِ النَّخِيلِ وَبَرَاعِمِ الزُّهُورِ عَلَى البَابَينِ. ثُمَّ غَشُّوهُمَا بِالذَّهَبِ. ثُمَّ بَنَوْا جُدرَانَ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ مِنْ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ مِنَ الحِجَارَةِ المَنحُوتَةِ وَصَفٍّ مِنْ أخشَابِ الأرْزِ. وَقَدْ بَدَأ العَمَلُ فِي وَضعِ أسَاسِ بَيْتِ اللهِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي – شَهرِ زِيُو – مِنَ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ سُلَيْمَانَ. وَانتَهَى العَمَلُ فِي بِنَاءِ الهَيْكَلِ وَجَمِيعِ أجزَائِهِ وَتَفَاصِيلِهِ فِي الشَّهْرِ الثَّامِنِ – شَهرِ بُولٍ – مِنَ السَّنَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ سُلَيْمَانَ لِإسْرَائِيلَ. فَاسْتَغْرَقَ بِنَاؤهُ سَبْعَ سَنَوَاتٍ. وَبَنَى المَلِكُ سُلَيْمَانُ أيْضًا قَصْرًا لَهُ اسْتَغْرَقَ بِنَاؤُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَبَنَى أيْضًا بِنَايَةً سَمَّاهَا «بَيْتَ غَابَةِ لُبْنَانَ.» وَكَانَ طُولُهَا مِئَةَ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا خَمِسِينَ ذِرَاعًا، وَارتِفَاعُهَا ثَلَاثينَ ذِرَاعًا. وَكَانَ لَهَا أرْبَعَةُ صُفُوفٍ مِنْ أعمِدَةِ الأرْزِ. وَكَانَ عَلَى كُلِّ عَمُودٍ تَاجٌ مِنَ الأرْزِ. وَوَضَعُوا خَمْسَةً وَأرْبَعِينَ لَوحًا مِنْ خَشَبِ الأرْزِ عَلَى هَذِهِ العَوَارِضِ لِلسَّقفِ. خَمْسَةَ عَشْرَ لَوحًا فَوْقَ كُلِّ صَفٍّ مِنَ الأعمِدَةِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ النَّوَافِذِ المُتَقَابِلَةِ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الجُدرَانِ. وَكَانَ هُنَاكَ ثَلَاثَةُ أبوَابٍ فِي كُلِّ طَرَفٍ. وَكَانَتْ كُلُّ فَتْحَاتِ الأبوَابِ وَالقَوَائِمِ مُرَبَّعَةَ الشَّكلِ. وَبَنَى سُلَيْمَانُ أيْضًا «قَاعَةَ الأعْمِدَةِ» فَكَانَ طُولُهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا ثَلَاثِينَ ذرَاعًا. وَعَلَى طُولِ المِنْطَقَةِ الأمَامِيَّةِ مِنَ القَّاعَةِ، كَانَ هُنَاكَ سَقفٌ مَدعُومٌ بِأعمِدَةٍ. وَبَنَى سُلَيْمَانُ أيْضًا قَاعَةَ عَرشٍ يَقْضِي فِيهَا بَيْنَ النَّاسِ، سَمَّاهَا «قَاعَةَ القَضَاءِ.» وَكَانَتْ هَذِهِ القَاعَةُ مُغَطَّاةً بِخَشَبِ الأرْزِ مِنَ الأرْضِيَّةِ إلَى السَّقفِ، وَخَلْفَ قَاعَةِ القَضَاءِ كَانَتْ تَقَعُ سَاحَةٌ بُنِيَ حَوْلَهَا مَسْكَنُ سُلَيْمَانَ الَّذِي شَابَهَ بِنَاؤُهُ بِنَاءَ «قَاعَةِ القَضَاءِ.» وَبَنَى سُلَيْمَانُ أيْضًا بَيْتًا مُمَاثِلًا مِنْ أجْلِ زَوْجَتِهِ، ابْنَةِ مَلِكِ مِصْرٍ. بُنِيَتْ كُلُّ هَذِهِ الأبنِيَةِ بِحِجَارةٍ ثَمِينَةٍ قُطِعَتِ بِمَنَاشِيرَ، وَنُحِتَتْ مِنَ الأمَامِ وَمِنَ الخَلفِ، وَفْقَ مَقَاييسَ مُحَدَّدَةٍ. وَامتَدَّتْ الحِجَارَةُ مِنَ الأسَاسِ إلَى أعْلَى طَبَقَةٍ فِي الجِدَارِ. وَمِنَ الخَارِجِ حَتَّى السَّاحَةِ الكَبِيرَةِ. بُنِيَ الأسَاسُ بِحِجَارَةٍ ثَمِينَةٍ ضَخمَةٍ وَصَلَتْ أبعَادُهَا إلَى ثَمَانِي أذْرُعٍ وَعَشْرِ أذْرُعٍ. وَانتَصَبَتْ فَوْقَ هَذِهِ الطَّوَابِقِ حِجَارَةٌ ثَمِينَةٌ وَأعمِدَةٌ مِنْ خَشَبِ الأرْزِ. وَأحَاطَتْ أسوَارٌ بِسَاحَةِ القَصْرِ، وَالسَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ لِبَيْتِ اللهِ ، وَدِهلِيزِ الهَيْكَلِ. بُنِيَتِ الأسْوَارُ مِنْ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ مِنَ الحِجَارَةِ، وَصَفٍّ وَاحِدٍ مِنْ عَوَارِضِ الأرْزِ. وَاسْتَدْعَى المَلِكُ سُلَيْمَانُ رَجُلًا اسْمُهُ حُورَامُ مِنْ صُورٍ، وَاسْتَقْبَلَهُ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَهُوَ ابْنُ أرمَلَةٍ مِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي. وَكَانَ أبُوهُ مِنْ صُورٍ. وَكَانَ حُورَامُ مَاهِرًا جِدًّا وَمُتَمَرِّسًا فِي العَمَلِ بِالبُرُونْزِ. لِهَذَا طَلَبَ مِنْهُ المَلِكُ سُلَيْمَانُ أنْ يَأْتِيَ، فَقَبِلَ. فَعَيَّنَهُ سُلَيْمَانُ مَسؤُولًا عَنْ كُلِّ الأعْمَالِ البُرُونْزِيَّةِ. فَصَنَعَ حُورَامُ كُلَّ مَا هُوَ مَصْنُوعٌ مِنْ بُرُونْزٍ. وَصَنَعَ حُورَامُ عَمُودَينِ نُحَاسِيَّينِ، ارتِفَاعُ كُلٍّ مِنْهُما ثَمَانِي عَشَرَ ذِرَاعًا وَمُحِيطُهُ اثنَتَا عَشْرَةَ ذِرَاعًا. وَكَانَ العَمُودَانِ مُفرَغَينِ مِنَ الدَّاخِلِ، وَسُمْكُ جِدَارِهِمَا كَفٌّ وَاحِدةٌ. وَصَنَعَ حُورَامُ أيْضًا تَاجَيْنِ نُحَاسِيَّينِ ارتِفَاعُ الوَاحِدِ مِنْهُمَا خَمْسُ أذْرُعٍ. وَوَضَعَ التَّاجَيْنِ عَلَى العَمُودَينِ. ثُمَّ صَنَعَ شَبَكَتَيْنِ مِنَ السَّلَاسِلِ بِتَعَارِيشَ مُجَدَّلَةٍ وَمُتَقَاطِعَةٍ لِلتَّاجَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى العَمُودَينِ، شَبَكَةً وَاحِدَةً لِكُلِّ عَمُودٍ. ثُمَّ صَنَعَ صَفَّينِ مِنَ البُرُونْزِ عَلَى شَكْلِ رُمَّانَاتٍ حَوْلَ كُلِّ تَعْريشَةٍ لِتَزيّينِ التَّاجَيْنِ اللَّذَيْنِ فَوْقَ الرُّمَانَاتِ. فَكَانَ التَّاجَانِ عَلَى رَأسِ العَمُودَينِ اللَّذَيْنِ ارتِفَاعُهُمَا أرْبَعُ أذْرُعٍ يُشْبِهَانِ بَاقَتَيْنِ مِنَ الزُّهُورِ. وَقَفَ التَّاجَانِ عَلَى العَمُودَينِ وَفَوْقَ البُرُوزِ المُنحَني إلَى جَانِبِ التَّعرِيشَةِ. وَاصطَفَّتْ هُنَاكَ مِئَتَي رُمَّانَةٍ فِي صُفُوفٍ حَوْلَ كُلِّ تَاجٍ. ثُمَّ نَصَبَ العَمُودَينِ فِي القَاعَةِ أمَامَ الهَيْكَلِ. فَكَانَ أحَدُهُمَا عَلَى الجَانِبِ الأيمَنِ، وَالآخَرُ عَلَى الجَانِبِ الأيسَرِ. وَسَمَّى العَمُودَ الأيمَنَ «يَاكِينَ،» وَالأيسَرَ «بُوعَزَ.» وَوَضَعَ التَّاجَينِ المَصْنُوعَيْنِ عَلَى شَكْلِ الزُّهُورِ عَلَى العَمُودَينِ. فَانتَهَى بِذَلِكَ العَمَلُ عَلَى العَمُودَينِ. ثُمَّ صَنَعَ حُورَامُ خَزَّانًا نُحَاسِيًّا مُسْتَدِيرًا سُمِّيَ «البَحْرَ.» فَكَانَ مُحِيطُهُ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا، وَقُطْرُهُ عَشَرَ أذْرُعٍ وَعُمْقُهُ خَمْسَ أذْرُعٍ. وَكَانَ هُنَاكَ إطَارٌ حَوْلَ حَافَّةِ الخَزَّانِ. وَتَحْتَ الإطَارِ صَفَّانِ مِنْ نَبَاتَاتِ القَرْعِ البُرُونْزِيَّةِ مُحِيطَانِ بِالخَزَّانِ، وَمَسْبُوكَانِ قِطْعَةً وَاحِدَةً مَعَ الخَزَّانِ. وَكَانَ الخَزَّانُ قَائِمًا عَلَى ظُهُورِ اثنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا. وُجُوهُ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا نَحْوَ الشِّمَالِ، وَثَلَاثَةٍ نَحْوَ الغَرْبِ، وَثَلَاثَةٍ نَحْوَ الجَنُوبِ، وَثَلَاثَةٍ نَحْوَ الشَّرقِ، وَظُهُورُهَا نَحْوَ الدَّاخِلِ. أمَّا سُمْكُ الخَزَّانِ فَمِقْدَارُهُ كَفٌّ وَاحِدَةٌ. وَكَانَتِ القَنَاةُ المُحِيطَةُ بِالخَزَّانِ أشبَهَ بِحَافَّةِ كَأسٍ، أوْ وُرَيقَاتِ زَهْرَةٍ. وَيَتَّسِعُ الخَزَّانُ لِنَحْوِ ألفَي قِدْرٍ. ثُمَّ صَنَعَ حُورَامُ عَشَرَ عَرَبَاتٍ برُونزِيَّةٍ طُولُ الوَاحِدَةِ أرْبَعُ أذْرُعٍ، وَعَرْضُهَا أرْبَعُ أذْرُعٍ، وَارتِفَاعُهَا أرْبَعُ أذْرُعٍ. وَقَدْ صُنِعَتِ العَرَبَاتُ مِنْ ألوَاحٍ مُرَبَّعَةٍ مَرصُوفَةٍ فِي أُطُرٍ. وَعَلَى الألوَاحِ وَالأُطُرِ نُقِشَتْ أُسُودٌ وَثِيرَانٌ وَمَلَائِكَةُ كَرُوبِيمَ مِنْ بُرُونْزٍ. وَفَوْقَ الأُسُودِ وَالثِّيرَانِ وَتَحْتَهَا رُسُومٌ لِزُهُورٍ مَطرُوقَةٍ فِي البُرُونْزِ. وَكَانَتْ لِكُلِّ عَرَبَةٍ أرْبَعُ عَجَلَاتٍ نُحَاسِيَّةٍ لَهَا مَحَاوِرُ نُحَاسِيَّةٌ. وَعَلَى الزَّوَايَا دُعَامَاتٌ لِطَاسَةٍ كَبِيرَةٍ. وعَلى الدُّعَامَاتِ رُسُومٌ لِزُهُورٍ مَطرُوقَةٍ فِي البُرُونْزِ. وَكَانَ هُنَاكَ إطَارٌ مِنْ فَوقِ الطَّاسَةِ. وَعَلَا الإطَارُ الطَّاسَاتِ بِذِرَاعٍ وَاحِدَةٍ. وَكَانَتْ فَتْحَةُ الطَّاسَةِ مُسْتَدِيرَةً قُطْرُهَا ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. وَنُقِشَتْ رُسُومٌ فِي الإطَارِ البُرُونْزِيِّ الَّذِي كَانَ مُرَبَّعًا لَا مُسْتَدِيرًا. وَتَحْتَ الإطَارِ وَقَفَتْ أرْبَعُ عَجَلَاتٍ قُطْرُ كُلِّ عَجَلَةٍ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. صُنِعَتِ المَحَاوِرُ بَيْنَ العَجَلَاتِ كَقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ تُشَكِّلُ جُزءًا مِنَ العَرَبَةِ. كَانَتِ العَجَلَاتُ أشبَهَ بِعَجَلاتِ مَرْكَبَةٍ حَقِيقِيَّةٍ. وَقَدْ صُنِعَتْ المَحَاوِرُ وَالحَوَافُّ وَعِصِيُّ الدَّوَالِيبِ وَالمَرَاوِحُ مِنَ البُرُونْزِ. كَانَتِ الدُّعَامَاتُ الأرْبَعُ عَلَى الزَّوَايَا الأرْبَعِ مِنْ كُلِّ عَرَبَةٍ. وَكَانتِ الدعَامَات وَالعرَبَةُ قِطعَةً وَاحِدَةً. وَدَارَ شَرِيطٌ نُحَاسِيٌّ ضَيِّقٌ حَوْلَ القِسْمِ العُلوِيِّ مِنْ كُلِّ عَرَبَةٍ. وَقَدْ كَانَ كَقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ العَرَبَةِ. وَقَدْ نُقِشَتْ جَوَانِبُ العَرَبَةِ وَالأُطُرُ بِصُوَرِ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ وَأُسُودٍ وَأشْجَارِ نَخِيلٍ أينمَا وُجِدَ مَكَانٌ. وَنُقِشَتْ زُهُورٌ عَلَى الإطَارِ. وَصَنَعَ حُورَامُ عَشْرَ عَرَبَاتٍ نُحَاسِيَّةٍ مُتَطَابِقَةٍ فِي قَالِبٍ وَاحِدٍ. فَكَانَ لَهَا نَفْسُ الحَجمِ وَالشَّكلِ. وَصَنَعَ حُورَامُ أيْضًا عَشْرَةَ أحوَاضٍ: حَوضًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ العَرَبَاتِ العَشْرِ. وَكَانَ قُطْرُ كُلُّ حَوْضٍ أرْبَعَ أذْرُعٍ، وَيَتَّسِعُ لِأرْبَعِينَ قِدْرًا. وَوَضَعَ حُورَامُ خَمْسَ عَرَبَاتٍ عَلَى الجَانِبِ الجَنُوبِيِّ مِنَ الهَيْكَلِ وَخَمْسًا عَلَى الجَانِبِ الشِّمَالِيِّ. وَوَضَعَ الحَوضَ الكَبِيرَ فِي الزَّاوِيَةِ الجَنُوبِيَّةِ الشَّرقِيَّةِ مِنَ الهَيْكَلِ. وَصَنَعَ حُورَامُ قُدُورًا وَمَجَارِفَ وَطَاسَاتٍ صَغِيرَةً. فَأنهَى صُنْعَ كُلِّ مَا طَلَبَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ مِنْهُ. وَهَذَا مَا صَنَعَهُ بِالتَّفْصِيلِ: عَمُودَان، تَاجَانِ مُنحَنِيَانِ عَلَى قِمَّةِ العَمُودَينِ، تَعريشَتَانِ مُشَبَّكَتَانِ حَوْلَ التَّاجَينِ اللَّذَيْنِ عَلَى العَمُودَينِ. أرْبَعُ مِئَةِ رُمَّانَةٍ لِلتَعريشَتَيْنِ، فِي صَفَّينِ مِنَ الرُّمَّانَاتِ لِكُلِّ تَعْرِيشَةٍ حَوْلَ التَّاجَينِ اللَّذَيْنِ عَلَى العَمُودَينِ. عَشْرُ عَرَبَاتٍ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا حَوْضٌ. خَزَّانٌ كَبِيرٌ قَائِمُ عَلَى تَمَاثِيلِ اثنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا. قُدُورٌ، مَجَارِفُ صَّغِيرَةٌ، طَاسَاتٌ صَّغِيرَةُ، صُّحُونٌ وَأطبَاقٌ. صَنَعَ حُورَامُ لِبَيْتِ اللهِ كُلَّ مَا أرَادَهُ المَلِكُ سُلَيْمَانُ مِنْ بُرُونْزٍ مَصقُولٍ. وَأمَرَ المَلِكُ بِأنْ تُصْنَعَ هَذِهِ الأشْيَاءُ فِي غَوْرِ الأُرْدُنِّ بَيْنَ سُكُّوتَ وَصَرْتَانَ، فَسُبِكَتْ فِي قَوَالِبَ فِي الأرْضِ. وَلَمْ يَقْدِرْ أحَدٌ أنْ يَزِنَ كَمِّيَّةَ البُرُونْزِ المُسْتَخْدَمَةِ فِي صُنْعِ هَذِهِ الأشْيَاءِ لِكَثْرَتِهَا. وَأمَرَ سُلَيْمَانُ بِسَبكِ جَمِيعِ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ مِنَ الذَّهَبِ، وَهِيَ: المَذْبَحُ الذَّهَبِيُّ، المَائِدَةُ الذَّهَبِيَّةُ حَيْثُ يُوضَعُ خُبْزُ حَضْرَةِ اللهِ، المنَائِرُ المَسْبُوكَةُ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ: خَمْسُ مَنَائِرَ إلَى الجَانِبِ الجَنُوبِيِّ مِنَ الهَيْكَلِ وَخَمْسٌ إلَى الجَانِبِ الشِّمَالِيِّ أمَامَ قُدْسِ الأقْدَاسِ، الزُّهُورُ، وَالمَصَابِيحُ، وَالمَلَاقِطُ الذَّهَبِيَّةُ، الطُّسُوسُ، وَأدَوَاتُ تَشْذِيبِ الفَتَائِلِ، وَالطُّسُوسُ الصَّغِيرَةُ، وَالمَقَالِي، وَالمَجَامِرُ المَصْنُوعَةُ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ. مَفَاصِلُ الأبوَابِ الذَّهَبِيَّةِ المُؤَدِّيَةِ إلَى الغُرْفَةِ الدَّاخِلِيَّةِ – أيْ قُدْسِ الأقْدَاسِ، وَمَفَاصِلُ الأبوَابِ المُؤَدِّيَةِ إلَى الغُرْفَةِ الرَّئِيسِيَّةِ فِي الهَيْكَلِ. فَاكْتَمَلَ كُلُّ العَمَلِ الَّذِي عَمِلَهُ المَلِكُ سُلَيْمَانُ مِنْ أجْلِ بَيْتِ اللهِ . وَأدخَلَ سُلَيْمَانُ كُلَّ الأشْيَاءِ الَّتِي خَصَّصَهَا دَاوُدُ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَأدَوَاتٍ، وَحَفِظَهَا فِي خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ . ثُمَّ اسْتَدْعَى المَلِكُ سُلَيْمَانُ كُلَّ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ وَرُؤَسَاءِ العَشَائِرِ، وَقَادَةَ عَائِلَاتِ إسْرَائِيلَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. أرَادَهُمْ سُلَيْمَانُ أنْ يَنْضَمُّوا إلَيْهِ فِي إحضَارِ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ إلَى الهَيْكَلِ. فَجَاءَ جَمِيعُ رِجَالِ إسْرَائِيلَ مَعًا إلَى المَلِكِ سُلَيْمَانَ. كَانَ هَذَا أثْنَاءَ عِيدِ السَّقَائِفِ فِي شَهْرِ إيثَانِيمَ: الشَّهْرِ السَّابِعِ مِنَ السَّنَةِ. وَلَمَّا وَصَلَ كُلُّ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ إلَى ذَلِكَ المَكَانِ. وَأخَذَ الكَهَنَةُ صُنْدُوقَ العَهْدِ. وَحَمَلُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مَعَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالأشيَاءِ المُقَدَّسَةِ الَّتِي فِيهَا. حَمَلَهَا الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ. وَاجتَمَعَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعًا أمَامَ صُنْدُوقِ العَهْدِ. وَذَبَحُوا خِرَافًا وَبَقَرًا بِأعدَادٍ لَا تُحصَى مِنْ كَثْرَتِهَا. ثُمَّ وَضَعَ الكَهَنَةُ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ فِي مَكَانِهِ الصَّحِيحِ دَاخِلَ قُدْسِ الأقْدَاسِ فِي الهَيْكَلِ تَحْتَ أجنِحَةِ الكَرُوبَينِ. فَظَلَّلَتْ أجْنِحَةُ الكَرُوبَينِ الصُّنْدُوقَ، فَصَارَ الكَروبَانِ كَغِطَاءٍ لِلصُّندُوقِ وَللقَضِيبَينِ اللَّذَيْنِ يُحمَلُ بِهِمَا. وَكَانَ القَضِيبَانِ طَوِيلَيْنِ حَتَّى كَانَ بِمَقدُورِ الوَاقِفِ فِي القُدْسِ أمَامَ قُدْسِ الأقْدَاسِ أنْ يَرَى طَرَفَيهِمَا. لَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَقدُورِ مَنْ يَقِفُ خَارِجًا أنْ يَرَاهُمَا. وَمَا يَزَالُ القَضِيبَانِ هُنَاكَ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ. وَلَمْ يَكُنْ فِي صُنْدُوقِ العَهْدِ إلَّا اللَّوْحَانِ الحَجَرِيَّانِ اللَّذَانِ وَضَعَهُمَا مُوسَى فِيهِ فِي حُورِيبَ. فَفِي ذَلِكَ المَكَانِ قَطَعَ اللهُ عَهْدًا مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرٍ. وَلَمَّا خَرَجَ الكَهَنَةُ مِنَ المَكَانِ المُقَدَّسِ، مَلأتْ سَحَابَةٌ بَيْتَ اللهِ . وَلَمْ يَسْتَطِعِ الكَهَنَةُ مُواصَلَةَ خِدمَتِهِمْ بِسَبِبِ السَّحَابَةِ، لِأنَّ بَيْتَ اللهِ امتَلأ مِنْ مَجْدِ اللهِ . حِينَئِذٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: «اخْتَارَ اللهُ أنْ يَسْكُنَ فِي السَّحَابَةِ الكَثِيفَةِ. هَا قَدْ بَنَيتُ هَيْكَلًا بَدِيعًا لَكَ يَا اللهُ، مَكَانًا لِتَسْكُنَ إلَى الأبَدِ فِيهِ.» وَكَانَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَاقِفِينَ هُنَاكَ. فَالتَفَتَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ وَطَلَبَ لَهُمُ البَرَكَةَ. ثُمَّ صَلَّى فَقَالَ: « اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ عَظِيمٌ. فَقَدْ صَنَعَ بِيَدِهِ مَا قَالَهُ لِدَاوُدَ أبِي. إذْ قَالَ لِأبِي: ‹أخْرَجْتُ شَعْبِي إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ. لَكِنِّي لَمْ أكُنْ قَدِ اخْتَرْتُ مَدِينَةً مِنْ بَيْنِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ لِبِنَاءِ بَيْتٍ إكْرَامًا لِاسْمِي. وَلَمْ أكُنْ قَدِ اخْتَرْتُ رَجُلًا لِيَرْأسَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ. أمَّا الآنَ فَقَدِ اخْتَرْتُ القُدْسَ مَدِينَةً لِإكْرَامِ اسْمِي وَاختَرْتُ دَاوُدَ لِيَرْأسَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ.› «أرَادَ دَاوُدُ أبِي أنْ يَبْنِيَ بَيْتًا مِنْ أجْلِ اسْمِ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. لَكِنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: ‹أنْتَ تَرْغَبُ حَقًّا فِي أنْ تَبْنِيَ بَيْتًا مِنْ أجْلِ اسْمِي. وَهَذِا حَسَنٌ. لَكِنَّكَ لَسْتَ مَنْ سَيَبْنِي البَيْتَ، بَلِ ابْنُكَ الَّذِي سَيُولَدُ لَكَ هُوَ مَنْ سَيَبْنِي البَيْتَ مِنْ أجْلِ اسْمِي.› «وَهَكَذَا حَقَّقَ اللهُ الوَعدَ الَّذِي قَطَعَهُ. فَهَا أنَا خَلَفْتُ أبِي عَلَى العَرْشِ، وَأحْكُمُ بَنِي إسْرَائِيلَ حَسَبَ وَعْدِ اللهِ . وَهَا قَدْ بَنَيتُ البَيْتَ إكْرَامًا لِاسْمِ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. وَقَدْ هَيَّأتُ مَكَانًا فِي الهَيْكَلِ لِصُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ، ذَلِكَ العَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ اللهُ مَعَ آبَائِنَا عِنْدَمَا أخرَجَهُمْ مِنْ مِصْرٍ.» ثُمَّ وَقَفَ سُلَيْمَانُ أمَامَ مَذْبَحِ اللهِ مُقَابِلَ كُلِّ الشَّعْبِ. وَبَسَطَ يَدَيهِ نَاظِرًا نَحْوَ السَّمَاءِ. وَقَالَ: «يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، لَيْسَ إلَهٌ مِثْلَكَ فِي السَّمَاءِ أوْ عَلَى الأرْضِ، يُحِبُّ شَعْبَهُ الأوفِيَاءَ وَيَحْفَظُ عَهْدَهُ مَعَهُمْ. فَقَدْ قَطَعْتَ عَهْدًا لِعَبْدِكَ دَاوُدَ، أبِي، وَوَفَيتَ بِهِ. بِفَمِكَ أنْتَ قَطَعْتَ ذَلِكَ العَهْدَ. وَبِقُوَّتِكَ العَظِيمَةِ حَقَّقْتَهُ اليَوْمَ. وَالْآنَ يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، احفَظْ وُعُودَكَ الأُخرَى الَّتِي قَطَعْتَهَا لِعَبدِكَ دَاوُدَ، أبِي. فَقَدْ قُلْتَ لَهُ: ‹يَنْبَغِي أنْ يَحْرِصَ أبنَاؤُكَ دَائِمًا عَلَى طَاعَتِي، كَمَا فَعَلْتَ أنْتَ. فَإنْ فَعَلُوا، سَأضمَنُ أنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْ نَسْلِكَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ دَائِمًا.› وَهَا أنَا أطلُبُ إلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، أنْ تَحْفَظَ وَعْدَكَ هَذَا دَائِمًا لِأبِي، خَادِمِكَ. «لَكِنْ، أحَقًّا سَتَسْكُنُ مَعَنَا عَلَى الأرْضِ، بَيْنَمَا الكَوْنُ كُلُّهُ وَالسَّمَاوَاتُ لَا تَتَّسِعُ لَكَ؟ فَكَيْفَ يَتَّسِعُ لَكَ هَذَا البَيْتُ الَّذِي بَنَيتُهُ؟ فَاسْتَمِعْ إلَى صَلَاتِي، أنَا عَبْدَكَ، يَا ، وَاسْتَمِعْ إلَى طِلْبَتِي الَّتِي أرفَعُهَا اليَوْمَ إلَيْكَ. أُصَلِّي أنْ تَبْقَى عَينَاكَ عَلَى هَذَا الهَيْكَلِ نَهَارًا وَلَيلًا. فَأنْتَ قُلْتَ إنَّكَ سَتَضَعُ اسْمَكَ فِيهِ. لَيتَكَ تَسْمَعُ صَلَوَاتِي الآنَ بَيْنَمَا أنظُرُ إلَى هَيْكَلِكَ. سَنَأتِي أنَا وَشَعْبُكَ إسْرَائِيلُ إلَى هَذَا المَكَانِ لِكَي نُصَلِّي لَكَ. فَاسْتَمِعْ إلَى صَلَوَاتِنَا مِنْ مَكَانِ سُكْنَاكَ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَ تَسْمَعُ صَلَوَاتِنَا، فَإنَّنَا نَسألُكَ أنْ تَغْفِرَ لَنَا. «إذَا اتُّهِمَ شَخْصٌ بِالإسَاءَةِ إلَى آخَرَ، سَيُؤتَى بِالطَّرَفَينِ هُنَا إلَى المَذْبَحِ. فَإذَا أنكَرَ المُتَّهَمُ أنَّهُ أسَاءَ، سَيُحَلَّفُ أنَّهُ بَرِيءٌ، فَاسْمَعْ مِنَ السَّمَاءِ وَاستَجِبْ، وَاقضِ بَيْنَ خَادِمَيكَ. احكُمْ عَلَى المُذنِبِ وَعَاقِبْهُ عَلَى عَمَلِهِ، وَأنصِفِ البَرِيءَ وَكَافِئْهُ بِحَسَبِ صَلَاحِهِ. «رُبَّمَا يُخطِئُ شَعْبُكَ إسْرَائِيلُ أحْيَانًا، فَتَسْمَحُ لِأعْدَائِهِمْ بِأنْ يَنْتَصِرُوا عَلَيْهِمْ. حِينَئِذٍ، سَيَرْجِعُونَ إلَيْكَ وَيَعْتَرِفُونَ بِخَطِيَّتِهِمْ، وَيَعُودُونَ إلَيْكَ، وَيَتَضَرَّعُونَ وَيُصَلُّونَ إلَيْكَ فِي هَذَا الهَيْكَلِ. فَاسْمَعْهُمْ مِنْ سَمَائِكَ. وَاغفِرْ لِشَعْبِكَ إسْرَائِيلَ، وَأعِدْ لَهُمْ أرْضَهُمُ الَّتِي أعْطَيتَهَا لِآبَائِهِمْ. «رُبَّمَا يُخطِئُونَ إلَيْكَ، فَتُعَاقِبُهُمْ بِحَبْسِ المَطَرِ عَنْ أرْضِهِمْ، فَيُصَلُّونَ مُوَجِّهِينَ أنظَارَهُمْ إلَى هَذَا المَكَانِ، وَيَعْتَرِفُونَ بِخَطِيَّتِهِمْ. وَيَعُودُونَ إلَيْكَ أنْتَ إلَهَهُمْ مِنْ جَدِيدٍ بَعْدَ أنْ ضَايَقْتَهُمْ. فَاسمَعْهُمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَاغفِرْ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَعَلِّمْ شَعْبَكَ أنْ يَسِيرُوا فِي مَرْضَاتِكَ، وَأرسِلْ مَطَرًا لِلأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتَهَا لَهُمْ. «رُبَّمَا تَحْدُثُ مَجَاعَةٌ، أوْ رُبَّمَا يَنْتَشِرُ وَبَاءٌ، أوْ رُبَّمَا تَقْضِي حَشَرَاتٌ عَلَى المَحَاصِيلِ، وَرُبَّمَا يُحَاصَرُ شَعْبُكَ مِنْ أعْدَائِهِمْ فِي بَعْضِ مُدُنِهِمْ، فَتَتَفَشَّى الأمْرَاضُ بَيْنَهُمْ. فِإنْ لَجَأَ إلَيْكَ شَعْبُكَ إسرَائِيلُ أوْ أحَدُ أفرَادِهِ بِالصَّلَاةِ وَالتَّضّرُّعِ، مُعتَرِفِينَ بِمَعَاصِي قُلُوبِهِمْ، بَاسِطِينَ أيدِيَهُمْ نَحْوَ هَذَا البَيْتِ، فَاسْمَعْ صَلَاتَهُمْ مِنْ مَسْكَنِكَ فِي سَمَائِكَ، وَاغفِرْ لَهُمْ وَأعِنْهُمْ. وَاحكُمْ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ حَسَبَ أعْمَالِهِ وَنَوَايَاهُ، فَأنْتَ وَحْدَكَ تَعْرِفُ خَفَايَا قُلُوبِ البَشَرِ. حِينَئِذٍ، سَيَهَابُونَكَ طَوَالَ فَتْرَةِ بَقَائِهِمْ فِي الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتَهَا لِآبَائِنَا. «قَدْ يَأْتِي أجنَبِيٌّ لَيْسَ مِنْ شَعْبِكَ إسْرَائِيلَ، بَلْ بَلَدٍ بَعِيدٍ مِنْ أجْلِ اسْمِكَ. فَالنَّاسُ يَسْمَعُونَ بِاسْمِكَ العَظِيمِ وَقُوَّتِكَ الجَبَّارَةِ وَمَقْدِرَتِكَ عَلَى عَمَلِ أُمُورٍ عَظِيمَةٍ. عِنْدَمَا يَأْتِي مِثْلُ هَذَا الشَّخصِ وَيُصَلِّي نَاظِرًا إلَى هَذَا الهَيْكَلِ، فَاسْمَعْ صَلَوَاتِهِمْ مِنْ مَسْكَنِكَ فِي سَمَائِكَ. وَاسْتَجِبْ لِكُلِّ مَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ هَؤُلَاءِ. حِينَئِذٍ، سَيَهَابُونَكَ مَهَابَةَ شَعْبِكَ إسْرَائِيلَ لَكَ، ثُمَّ سَيَعْرِفُ كُلُّ البَشَرِ أنِّي بَنَيْتُ هَذَا الهَيْكَلَ لِاسْمِكَ وَإكْرَامًا لَكَ. «وَإذَا أمرْتَ شَعْبَكَ بِالخُرُوجِ لِمُحَارَبَةِ أعْدَائِهِمْ فِي مَكَانٍ مَا، وَصَلُّوا إلَى اللهِ نَاظِرِينَ نَحْوَ المَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتَهَا، وَالهَيْكَلِ الَّذِي بَنَيتُهُ إكرَامًا لِاسْمِكَ، فَاسْمَعْ صَلَوَاتِهِمْ وَتَضَرُّعَاتِهِمْ مِنْ مَسْكَنِكَ فِي السَّمَاءِ وَأعِنْهُمْ. «سَيُخطِئُ شَعْبُكَ إلَيْكَ أحْيَانًا، لِأنَّهُ مَا مِنْ إنْسَانٍ مَعْصُومٍ عَنْ ذَلِكَ، فَتَغْضَبُ عَلَيْهِمْ وَتَسْمَحُ لِأعْدَائِهِمْ بِأنْ يَهْزِمُوهُمْ وَيَأْخُذُوهُمْ أسْرَى إلَى أرْضٍ بَعِيدَةٍ، فَيَعُودُونَ إلَى رُشْدِهِمْ فِي تِلْكَ الأرْضِ البَعِيدَةِ، وَيُصَلُّونَ إلَيْكَ نَادِمِينَ عَلَى خَطَايَاهُمْ فَيَقُولُونَ: ‹قَدْ أخْطَأنَا وَأسَأنَا،› فَيَرْجِعُونَ إلَيْكَ فِي أرْضِ أعْدَائِهِمْ بِكُلِّ قُلُوبِهِمْ وَأنفُسِهِمْ، نَادِمِينَ عَلَى خَطَايَاهُمْ. وَيُصَلُّونَ نَاظِرِينَ إلَى المَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتَهَا أنْتَ وَالهَيْكَلِ الَّذِي بَنَيتُهُ أنَا لِاسْمِكَ، فَاسْمَعْ صَلَاتَهُمْ وَتَضَرُّعَاتِهِمْ مِنْ مَسْكَنِكَ فِي سَمَائِكَ، وَأنْصفِهِم. وَاغْفِرْ لِشَعْبِكَ خَطَايَاهُمْ ضِدَّكَ وَتَمَرُّدَهُمْ عَلَيْكَ، وَارأفْ بِهِمْ أمَامَ أعْدَائِهِمُ الَّذِينَ أسَرُوهُمْ، لَعَلَّهُمْ هُمْ أيْضًا يَرْأفُونَ بِهِمْ. اذْكُرْ أنَّهُمْ شَعْبُكَ الَّذِينَ أخرَجْتَهُمْ مِنْ مِصْرٍ كَمَا مِنْ فُرْنٍ مُشْتَعِلٍ! «انْظُرْ إلَى صَلَاتِي وَإلَى صَلَوَاتِ شَعْبِكَ إسْرَائِيلَ، وَأصغِ إلَيْهِمْ كُلَّمَا اسْتَنْجَدُوا بِكَ. فَأنْتَ اخْتَرْتَهُمْ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ شُعُوبِ الأرْضِ لِيَكُونُوا مِلْكًا لَكَ. فَهَذَا هُوَ مَا وَعَدْتَهُمْ بِهِ يَا اللهُ عَلَى لِسَانِ عَبْدِكَ مُوسَى عِنْدَمَا أخْرَجْتَهُمْ مِنْ مِصْرٍ.» رَفَعَ سُلَيْمَانُ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى اللهِ رَاكِعًا أمَامَ مَذْبَحِ اللهِ ، بَاسِطًا ذِرَاعَيهِ نَحْوَ السَّمَاءِ. وَلَمَّا أنْهَى صَلَاتَهُ وَقَفَ. وَقَفَ وَطَلَبَ البَرَكَةَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَقَالَ: «تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي وَعَدَ شَعْبَهُ إسْرَائِيلَ بِرَاحَةٍ فَأعطَاهَا! قَطَعَ لَهُمْ وُعُودًا كَثِيرَةً عَلَى فَمِ عَبْدِهِ مُوسَى. فَتَحَقَّقَتْ كُلُّهَا! فَلَيتَ يَكُونُ مَعَنَا كَمَا كَانَ مَعَ آبَائِنَا، فَلَا يَتْرُكَنَا أبَدًا. لَيتَهُ يَجْذِبُ قُلُوبَنَا إلَيْهِ. فَحِينَئِذٍ، سَنُطِيعُ شَرَائِعَهُ وَأحكَامَهُ وَوَصَايَاهُ الَّتِي أعْطَاهَا لِآبَائِنَا. لَيْتَ كَلِمَاتِ صَلَاتِي هَذِهِ إلَى اللهِ ، تَكُونُ أمَامَ لَيلَ نَهَارٍ. لَيتَهُ يَسُدُّ حَاجَةَ عَبْدِهِ المَلِكِ، وَشَعْبِهِ إسْرَائِيلَ يَومًا بِيَومٍ. إذْ حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفُ الشُّعُوبُ أنَّ يهوه هُوَ اللهُ الحَقِيقِيُّ. فَكَرِّسُوا أنْفُسَكُمْ تَمَامًا ، وَاتَّبِعُوا كُلَّ شَرَائِعِهِ وَوَصَايَاهُ دَائِمًا، كَمَا تَفْعَلُونَ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ.» بَعْدَ ذَلِكَ، قَدَّمَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَهُ ذَبَائِحَ للهِ . فَقَدَّمَ سُلَيْمَانُ اثنَيْنِ وَعِشْرِينَ ألْفًا مِنَ البَقَرِ وَمِئَةً وَعِشْرِينَ ألْفًا مِنَ الغَنَمِ كَذَبَائِحِ شَرِكَةٍ. وَهَكَذَا كَرَّسَ المَلِكُ وَكُلُّ الشَّعْبِ بَيْتَ اللهِ . وَكَرَّسَ سُلَيْمَانُ أيْضًا السَّاحَةَ الَّتِي أمَامَ بَيْتِ اللهِ . وَقَدَّمَ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً، وَتَقْدِمَاتِ دَقِيقٍ، وَشُحُومًا مِنْ ذَبَائِحِ الشَّرِكَةِ. قَدَّمَ سُلَيْمَانُ هَذِهِ الذَّبَائِحَ هُنَاكَ فِي السَّاحَةِ لِأنَّ مَذْبَحَ البُرُونْزِ القَائِمَ فِي حَضْرَةِ اللهِ كَانَ صَغِيرًا لَا يَتَّسِعُ لِهَذِهِ التَّقدِمَاتِ جَمِيعِهَا. وَاحتَفَلَ سُلَيْمَانُ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الهَيْكَلِ بِالعِيدِ. كَانَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ هُنَاكَ، مِنْ مَعْبَرِ حَمَاةَ شِمَالًا إلَى حُدُودِ مِصْرٍ جَنُوبًا. فَكَانُوا جُمْهُورًا كَبِيرًا، عَيَّدُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ سَبْعَةَ أيَّامٍ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي صَرَفَ المَلِكُ النَّاسَ إلَى بُيُوتِهِمْ. فَبَارَكُوا المَلِكَ وَعَادُوا إلَى بُيُوتِهِمْ فَرِحِينَ جِدًّا، بِسَبَبِ كُلِّ إحسَانَاتِ اللهِ لِدَاوُدَ عَبْدِهِ وَلِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَبَعْدَ أنْ أكمَلَ سُلَيْمَانُ بِنَاءَ بَيْتِ اللهِ وَقَصْرِهِ المَلَكِيِّ. وَعَمِلَ فِيهِمَا كُلَّ مَا شَاءَ، ظَهَرَ اللهُ لِسُلَيمَانَ مَرَّةً أُخْرَى كَمَا سَبَقَ أنْ ظَهَرَ لَهُ فِي جِبْعُونَ. وَقَالَ لَهُ اللهُ : «سَمِعْتُ صَلَاتَكَ وَطِلْبَاتِكَ. أنْتَ بَنَيتَ لِي هَذَا الهَيْكَلَ، وَأنَا قَدَّسْتُهُ لِأجْلِ اسْمِي وَلِكَي أُكَرَّمَ فِيهِ إلَى الأبَدِ. سَأحرُسُهُ وَأضَعُهُ فِي قَلْبِي عَلَى الدَّوَامِ. وَأنْتَ يَا سُلَيْمَانُ، عَلَيْكَ أنْ تَخْدِمَنِي كَدَاوُدَ أبِيكَ بِقَلْبٍ مُخْلِصٍ مُسْتَقِيمٍ، وَتُطِيعَ مَا أوصَيتُكَ بِهِ، وَتَحْفَظَ شَرَائِعِي وَأحكَامِي. فَإنْ فَعَلْتَ، فَإنَّ مَلِكَ إسْرَائِيلَ سَيَكُونَ مِنْ نَسْلِكَ دَائِمًا كَمَا وَعَدُّتُ أبَاكَ دَاوُدَ وَقُلْتُ لَهُ، سَيَكُونُ رَجُلٌ مِنْ نَسْلِهِ دَائِمًا مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ.» «لَكِنْ إذَا تَمَرَّدْتُمْ عَلَيَّ أنْتُمْ وَأبنَاؤُكُمْ، وَلَمْ تَعُودُوا تَحْفَظُونَ شَرَائِعِي وَوَصَايَايَ الَّتِي أوصِيكُمْ بِهَا، وَإذَا خَدَمْتُمْ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى، فَإنِّي سَأنفِي بَنِي إسْرَائِيلَ مِنَ الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لَهُمْ. سَأجْعَلُ إسْرَائِيلَ عِبْرَةً لِكُلِّ الشُّعُوبِ، وَسَتَصِيرُ أُضحُوكَةً لِلآخَرِينَ. أمَّا الهَيْكَلُ الَّذِي قَدَّسْتُهُ لِكَي أُكَرَّمَ فِيهِ، فَسَأهْدِمُهُ، فَيَصِيرُ هَذَا البَيْتُ أيْضًا عِبْرَةً لِكُلِّ الشُّعُوبِ. وَكُلُّ مَنْ يَرَاهُ سَيَصْفُرُ دَهشَةً وَيَقُولُ: ‹لِمَاذَا فَعَلَ اللهُ هَذَا الأمْرَ الفَظِيعَ بِهَذِهِ الأرْضِ وَبِهَذَا الشَّعْبِ؟› فَيُقَالُ: ‹لِأنَّهُمْ تَرَكُوا . أخْرَجَ آبَاءَهُمْ مِنْ مِصْرٍ، لَكِنَّهُمْ تَنَكَّرُوا لَهُ وَتَبِعُوا آلِهَةً أُخْرَى. فَعَبَدُوهَا وَخَدَمُوهَا. وَلِهَذَا جَلَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ كُلَّ هَذَا.›» وَاسْتَغْرَقَ بِنَاءُ سُلَيْمَانَ لِبَيْتِ اللهِ وَبَيْتِه الخَاصِّ بهِ عِشْرِينَ سَنَةً. وَبَعْدَ تِلْكَ السَّنَوَاتِ العِشْرِينَ أعْطَى سُلَيْمَانُ لِحِيرَامَ مَلِكِ صُورٍ عِشْرِينَ بَلْدَةً فِي الجَلِيلِ، لِأنَّهُ سَاعَدَهُ فِي بِنَاءِ الهَيْكَلِ وَالقَصْرِ. فَقَدْ زَوَّدَ حِيرَامُ سُلَيْمَانَ بِكُلِّ الأرْزِ وَالنَّخِيلِ وَالذَّهَبِ اللَّازِمِ لِذَلِكَ. فَذَهَبَ حِيرَامُ مِنْ صُورٍ إلَى البَلْدَاتِ الَّتِي أعْطَاهَا سُلَيْمَانُ لَهُ، فَلَمَّا رَآهَا، لَمْ تُعجِبْهُ. فَقَالَ: «مَا هَذِهِ البَلدَاتُ الَّتِي أعْطَيْتَنِي إيَّاهَا، يَا أخِي؟» فَسَمَّى المَلِكُ حِيرَامُ تِلْكَ الأرْضَ كَابُولَ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ. وَكَانَ حِيرَامُ قَدْ أرْسَلَ لِلمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِئَةً وَعِشْرِينَ قِنْطَارًا مِنَ الذَّهَبِ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ جَنَّدَ العُمَّالَ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ وَقَصْرِهِ. ثُمَّ اسْتَخْدَمَ المَلِكُ هَؤُلَاءِ العُمَّالَ لِبِنَاءِ مِلُّو وَالسُّورِ المُحِيطِ بِمَدِينَةِ القُدْسِ، وَفِي إعَادَةِ بِنَاءِ مُدُنِ حَاصُورَ وَمَجِدُّو وَجَازَرَ. وَفِي مَاضِي الزَّمَانِ هَاجَمَ فِرْعَوْنُ مِصْرٍ مَدِينَةَ جَازَرَ وَأحرَقَهَا، وَقَتَلَ أهْلَهَا الكَنعَانِيِّينَ. وَعِنْدَمَا تَزَوَّجَ سُلَيْمَانُ مِنَ ابْنَةِ فِرعَوْنَ، أعْطَى تِلْكَ المَدِينَةَ هَدِيَّةَ زَوَاجٍ لِسُلَيمَانَ. فَأعَادَ سُلَيْمَانُ بِنَاءَ جَازَرَ. وَبَنَى أيْضًا بَيْتَ حُورُونَ السُّفلِيَّ. ثُمَّ بَنَى سُلَيْمَانُ مَدِينَتَي بَعلَةَ وَثَامَارَ فِي بَرِّيَةِ اليَهُودِيَّةِ. كَمَا بَنَى مُدُنًا حَيْثُمَا أمكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ أجْلِ خَزْنِ الحُبُوبِ وَغَيرِهَا. وَبَنَى أمَاكِنَ مُخَصَّصَةً لِمَرْكَبَاتِهِ وَأُخرَى لِخَيلِهِ. وَبَنَى سُلَيْمَانُ كُلَّ مَا رَغِبَ فِي بِنَائِهِ فِي القُدْسِ وَفِي لُبْنَانَ وَفِي كُلِّ الأرَاضِي الخَاضِعَةِ لِحُكْمِهِ. وَكَانَ فِي الأرْضِ كَثِيرُونَ مِنْ غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ، مِمَّنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا القَضَاءَ عَلَيْهِمْ. فَكَانَ هُنَاكَ أمُّورِيُّونَ، وَحِثِّيُّونَ، وَفِرِزِّيُّونَ، وَحَوِيُّونَ، وَيَبُوسِيُّونَ. لَمْ يَكُنْ بَنُو إسْرَائِيلَ قَدْ قَدِرُوا عَلَى القَضَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ. لَكِنَّ سُلَيْمَانَ أجْبَرَهُمْ عَلَى أنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لَدَيهِ. وَمَا زَالُوا عَبِيدًا إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَلَمْ يُجْبِرْ سُلَيْمَانُ أيًّا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى أنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لَدَيهِ. بَلْ كَانُوا جُنُودًا، وَمَسْؤُولِينَ إدَارِيِّينَ، وَضُبَّاطًا، وَمَسْؤُولِينَ كِبَارًا، وَقَادَةَ مَرْكَبَاتِهِ، وفرسَانًا. وَأشْرَفَ عَلَى مَشَارِيعِ سُلَيْمَانَ خَمْسُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا. فَكَانُوا يُوَجِّهُونَ العُمَّالَ فِي عَمَلِهِمْ. وَانتَقَلَتِ ابْنَةُ فِرعَوْنَ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ إلَى البَيْتِ الكَبِيرِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ لَهَا، ثُمَّ بَنَى مِلُّو. وَاعتَادَ سُلَيْمَانُ أنْ يُقَدِّمَ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَذَبَائِحَ سَلَامٍ عَلَى المَذْبَحِ الَّذِي بَنَاهُ للهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ. وَكَانَ يُحْرِقُ بَخُورًا للهِ ، وَيُزَوِّدُ الهَيْكَلَ بِكُلِّ مَا يَحْتَاجُهُ. وَصَنَعَ سُلَيْمَانُ أيَضًا سُفُنًا فِي عِصْيُونَ جَابِرَ، وَهِيَ بَلْدَةٌ قُرْبَ أيلَةَ عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ الأحْمَرِ فِي أرْضِ أدُومَ. فَأرْسَلَ المَلِكُ حِيرَامُ بَعْضًا مِنْ رِجَالِهِ الخَبِيرِينَ بِالمِلَاحَةِ وَبِالسُّفُنِ لِمُسَاعَدَةِ رِجَالِ سُلَيْمَانَ فِي العملِ. وَأبحَرَتْ سُفُنُ سُلَيْمَانَ إلَى مَدِينَةِ أُوفِيرَ، وَجَلَبَتْ أرْبَعَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ قِنْطَارًا مِنَ الذَّهَبِ مِنْ هُنَاكَ إلَى المَلِكِ سُلَيْمَانَ. وَسَمِعَتْ مَلِكَةُ سَبَأ بِشُهْرَةِ سُلَيْمَانَ وَبِمَا فَعَلَهُ مِنْ أجْلِ مَجْدِ اللهِ . فَجَاءَتْ لِتَمْتَحِنَهُ بِأسئِلَةٍ صَعْبَةٍ. فَسَافَرَتْ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ مَعَ حَاشِيَةٍ كَبِيرَةٍ فِي مَوْكِبٍ ضَخمٍ بَهِيٍّ. فَكَانَ مَعَهَا جِمَالٌ كَثِيرَةٌ تَحْمِلُ تَوَابِلَ وَجَوَاهِرَ وَذَهَبًا كَثِيرًا. فَقَابَلَتْ سُلَيْمَانَ وَطَرَحَتْ عَلَيْهِ كُلَّ مَا خَطَرَ بِبَالِهَا مِنْ أسئِلَةٍ. فَأجَابَ سُلَيْمَانُ عَنْ أسئِلَتِهَا، وَلَمْ يَصْعُبْ عَلَيْهِ أيُّ سُؤَالٍ مِنْهَا. فَأدرَكَتْ مَلِكَةُ سَبَأ عَظَمَةَ حِكْمَةِ سُلَيْمَانَ. رَأتْ القَصْرَ الَّذِي بَنَاهُ، وَالطَّعَامَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَمَجلِسَ كِبَارِ مَسْؤُولِيهِ، وَحَاشِيَةَ خَدَمِهِ وَثِيَابَهُمُ وَالذَّبَائِحَ الَّتِي قَدَّمَهَا فِي بَيْتِ اللهِ . فَانحَبَسَتْ أنفَاسُهَا دَهشَةً! فَقَالَتِ المَلِكَةُ لِلمَلِكِ: «سَمِعْتُ فِي بَلَدِي الكَثِيرَ عَنْ حِكْمَتِكَ وَأعْمَالِكَ. وَكُلُّ مَا سَمِعْتُهُ صَحِيحٌ! لَمْ أُصَدِّقْ مَا سَمِعْتُ بِهِ إلَى أنْ رَأيْتُهُ بِعَيْنِي. وَالْآنَ أُدرِكُ أنَّ مَا أرَاهُ أعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِمَّا سَمِعْتُ بِهِ. فَثَرَاؤُكَ وَحِكمَتُكَ تَفُوقُ مَا أُخبِرْتُ بِهِ. فَهَنِيئًا لِزَوْجَاتِكَ وَمُوَظَّفِيكَ! إذْ يُمكِنُهُمْ أنْ يَخْدِمُوكَ وَيَسْمَعُوا حِكْمَتَكَ كُلَّ يَوْمٍ. تَبَارَكَ الَّذِي سُرَّ بِأنْ يُنَصِّبَكَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. فَقَدْ أحَبَّ اللهُ بَنِي إسْرَائِيلَ بِلَا حُدُودٍ، فَجَعَلَكَ مَلِكًا لِتُقِيمَ العَدْلَ وَالِاسْتِقَامَةَ.» ثُمَّ أعْطَتْ مَلِكَةُ سَبَأ المَلِكَ مِئَةً وَعِشْرِينَ قِنْطَارًا مِنَ الذَّهَبِ، وَكَمِّيَّةً كَبيرَةً مِنَ التَّوَابِلِ وَالحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ. وَلَمْ يُقَدِّمْ إنْسَانٌ تَوَابِلَ فَاخِرَةً لِلمَلِكِ سُلَيْمَانَ كَتِلْكَ الَّتِي قَدَّمَتْهَا لَهُ مَلِكَةُ سَبَأ. وَكَانَتْ سُفُنُ حِيرَامَ أيْضًا تُحضِرُ مِنْ مَدِينَةِ أُوفِيرَ ذَهَبًا وَخَشَبَ صَنْدَلٍ فَاخِرًا وَجَوَاهِرَ كَثِيرَةً. فَاسْتَخْدَمَ سُلَيْمَانُ هَذَا الخَشَبَ فِي بِنَاءِ دُعَامَاتٍ فِي الهَيْكَلِ وَفِي القَصْرِ، وَفِي صُنْعِ الأعوَادِ وَالقَيَاثِيرَ لِلمُوسِيقِيِّينَ. فَلَمْ يُحضِرْ أحَدٌ أوْ يَرَ ذَلِكَ النَّوعَ مِنَ الخَشَبِ فِي إسْرَائِيلَ مُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ. ثُمَّ أعْطَى المَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكَةَ سَبَأ هَدَايَا كَثِيرَةً حَسَبَ كَرَمِهِ المَلَكِيِّ. وَأعْطَاهَا فَوْقَ ذَلِكَ كُلَّ مَا طَلَبَتْهُ، حَتَّى أنَّهُ أعْطَاهَا أكْثَرَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجِعَتِ المَلِكَةُ وَحَاشِيَتُهَا إلَى مَوطِنِهَا. وَجَمَعَ سُلَيْمَانُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ سِتَّ مِئَةٍ وَسِتَّةً وَسِتِّينَ قِنْطَارًا مِنَ الذَّهَبِ. وَفَضلًا عَنْ شُحنَاتِ الذَّهَبِ الكَبِيرَةِ، كَانَ يَحْصُلُ عَلى ذَهَبٍ مِنَ التُّجَّارِ الكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَمِنْ مُلُوكِ العَرَبِ وَوُلَاةِ الأرْضِ. فَصَنَعَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ مِئَتَي تُرسٍ مِنَ الذَّهَبِ المَطرُوقِ. فِي كُلِّ تُرسٍ سِتُّ مِئِةِ مِثْقَالٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَصَنَعَ سُلَيْمَانُ أيْضًا ثَلَاثَ مئَةِ تُرسٍ صَغِيرٍ مِنَ الذَّهَبِ المَطرُوقِ. فِي كُلِّ تُرسٍ ثَلَاثَةُ أرْطَالٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَوَضَعَهَا فِي المَبنَى المُسَمَّى «بَيْتَ غَابَةِ لُبْنَانَ.» وَبَنَى سُلَيْمَانُ أيْضًا عَرشًا عَاجِيًّا ضَخْمًا، وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَكَانَتْ لِلعَرشِ سِتُّ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ مُسْتَدِيرًا مِنْ فَوقُ. وَلَهُ عَلَى جَانِبَيهِ يَدَانِ. وَكَانَ عَلَى جَانِبَيِّ العَرْشِ، تَحْتَ اليَدَينِ تَمَامًا، نَحْتًا عَلَى شَكْلِ أسَدينِ. كَمَا كَانَ هُنَاكَ تِمثَالَانِ لِأسَدَينِ عَلَى كُلِّ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِ العَرْشِ السِّتِّ، وَاحِدٌ عِنْدَ كُلِّ طَرَفٍ. وَلَمْ يَكُنْ فِي أيَّةِ مَملَكَةٍ أُخْرَى مِثْلُ هَذَا العَرْشِ. وَقَدْ صُنِعَتْ أقدَاحُ سُلَيْمَانَ مِنَ الذَّهَبِ. وَكَانَتِ الأطبَاقُ فِي المَبنَى المُسَمَّى «بَيْتَ غَابَةِ لُبْنَانَ.» مَصْنُوعَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَلَمْ يَكُنْ فِي القَصْرِ شيءٌ مَصْنُوعٌ مِنَ الفِضَّةِ. فَقَدْ كَانَ الذَّهَبُ وَفِيرًا فِي زَمَنِ سُلَيْمَانَ، حَتَّى إنَّ الفِضَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهَا اعْتِبَارٌ! وَامتَلَكَ المَلِكُ أُسطُولًا مِنَ السُّفُنِ كَانَ يُرسِلُهَا إلَى مَدِينَةِ تَرْشِيشَ مَعَ سُفُنِ حِيرَامَ. وَكَانَتِ السُّفُنُ تعُودُ كُلَّ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ مُحَمَّلَةً بِحُمُولَةٍ جَدِيدَةٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالعَاجِ وَالقُرودِ وَالطَّوَاوِيسِ. وَفَاقَ سُلَيْمَانُ كُلَّ مُلُوكِ الأرْضِ غِنَى وَحِكمَةً. وَتَلَهَّفَ كُلُّ النَّاسِ عَلَى رُؤْيَةِ سُلَيْمَانَ وَالِاسْتِمَاعِ إلَى أقْوَالِهِ الحَكِيمَةِ الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ فِي قَلْبِهِ. فَكَانَ يَتَوَافَدُ عَلَيْهِ النَّاسُ كُلَّ سَنَةٍ حَامِلِينَ هَدَايَا مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ ذَهَبٍ وَأسلِحَةً وَتَوَابِلَ وَخُيُولًا وَبِغَالًا. وَاقتَنَى سُلَيْمَانُ عَدَدًا هَائِلًا مِنَ المَرْكَبَاتِ وَالخُيُولِ. فَكَانَ لَدَيهِ ألْفٌ وَأرْبَعُ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ وَاثنَا عَشَرَ ألْفَ حِصَانٍ. وَبَنَى سُلَيْمَانُ مُدُنًا خَاصَّةً لِحِفظِ المَرْكَبَاتِ. وَأبقَى بَعْضًا مِنَ المَرْكَبَاتِ مَعَهُ فِي القُدْسِ. وَأثْرَى المَلِكُ إسْرَائِيلَ كَثِيرًا. فَكَانَتِ الفِضَّةُ فِي القُدْسِ بِكَثْرَةِ الحِجَارَةِ، وَخَشَبُ الأرْزِ بِكَثْرَةِ أشْجَارِ الجُمَّيزِ النَّامِيَةِ عَلَى التِّلَالِ الغَربيَّةِ. وَجَلَبَ سُلَيْمَانُ خُيُولًا مِنْ مِصْرٍ وَمِنْ قُوي، حَيْثُ اشتَرَاهَا لَهُ تُجَّارُهُ. وَكَانَ ثَمَنُ المَرْكَبَةِ مِنْ مِصْرٍ سِتَّ مِئَةِ مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ، بَيْنَمَا كَانَ ثَمَنُ الحِصَانِ مِئَةً وَخَمْسِينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ بِدَورِهِ يَبِيعُ خُيُولًا وَمَركِبَاتٍ لِمُلُوكِ الحِثِّيِّينَ وَالأرَامِيِّينَ. وَأحَبَّ المَلِكُ سُلَيْمَانُ الكَثِيرَ مِنَ النِّسَاءِ الغَرِيبَاتِ غَيْرَ ابْنَةِ فِرعَوْنِ. فَمِنْهُنَّ حِثِّيَّاتٌ وَمُوآبِيَّاتٌ وَعَمُّونِيَّاتٌ وَأدُومِيَّاتٌ وَصَيدُونِيَّاتٌ. وَكَانَ اللهُ قَدْ حَذَّرَ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي المَاضِي وَقَالَ: «لَا تَتَزَوَّجُوا مِنْ بَنَاتِ الشُّعُوبِ الأُخرَى لِئَلَّا يُغْرِينَكُمْ ويَجْعَلْنَكُمْ تَتْبَعُونَ آلِهَتَهُنَّ.» غَيْرَ أنَّ سُلَيْمَانَ تَعَلَّقَ بِحُبِّهِنَّ! فَتَزَوَّجَ مِنْ سَبْعِ مِئَةِ امْرأةٍ مِنْ بَنَاتِ مُلُوكِ شُعُوبٍ أُخْرَى. وَكَانَتْ لَهُ ثَلَاثُ مِئَةِ جَارِيَةٍ. وَقَدْ نَجَحَتْ زَوْجَاتُهُ فِي إبعَادِ قَلْبِهِ عَنِ اللهِ. وَلَمَّا شَاخَ سُلَيْمَانُ أغوَتْهُ زَوْجَاتُهُ فَتَبِعَ آلِهَةً أُخْرَى. فَلَمْ يَتَّبِعِ بِطَاعَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا فَعَلَ أبُوهُ دَاوُدُ. فَعَبَدَ سُلَيْمَانُ عَشْتَرُوتَ آلِهَةَ الصَّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ إلَهَ العَمُّونِيِّينَ البَغِيضَ. وَهَكَذَا فَعَلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَلَمْ يُطِعِ اللهَ طَاعَةً كَامِلَةً كَمَا فَعَلَ أبُوهُ دَاوُدُ. وَبَنَى سُلَيْمَانُ مَكَانًا لِعِبَادَةِ كَمُوشَ، إلَهِ المُوآبِيِّينَ البَغِيضِ، عَلَى تَلَّةٍ قُرْبَ القُدْسِ. وَعَلَى تِلْكَ التَّلَّةِ نَفسِهَا، بَنَى سُلَيْمَانُ مَكَانًا آخَرَ لِعِبَادَةِ مُولَكَ، إلَهِ العَمُّونِيِّينَ البَغِيضِ. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الأمْرَ ذَاتَهُ مَعَ كُلِّ زَوْجَاتِهِ الأجنَبِيَّاتِ اللَّوَاتِي يُحْرِقْنَ البَخُورَ وَيُقَدِّمْنَ الذَّبَائِحَ لِآلِهَتِهِنَّ. وَغضِبَ اللهُ عَلَى سُلَيْمَانَ لِأنَّهُ ابتَعَدَ عَنِ اللهِ إلَهِ إسْرَائِيلَ، الَّذِي سَبَقَ أنْ ظَهَرَ لَهُ مَرَّتَيْنِ، وَأمَرَهُ عَلَى نَحوٍ مُحَدَّدٍ بِأنْ لَا يَتَّبِعَ آلِهَةً أُخْرَى. لَكِنَّ سُلَيْمَانَ لَمْ يُطِعْ أمْرَ اللهِ . فَقَالَ اللهُ لِسُلَيمَانَ: «اختَرْتَ أنْ تَخْلِفَ عَهْدَكَ مَعِي، فَلَمْ تُطِعْ وَصَايَايَ. لِهَذَا ثِقْ أنِّي سَأنتَزِعُ مَملَكَتَكَ مِنْكَ وَسَأُعْطِيهَا لِوَاحِدٍ مِنْ خُدَّامِكَ. لَكِنِّي مِنْ أجْلِ خَاطِرِ أبِيكَ دَاوُدَ، لَنْ أنتَزِعَ المَملَكَةَ مِنْكَ أثْنَاءَ حَيَاتِكَ. بَلْ سَأنتَظِرُ حَتَّى يَخْلِفَكَ ابْنُكَ فِي الحُكْمِ. حينَئِذٍ سَآخُذُهَا مِنْهُ. وَلَنْ أنتَزِعَ مَملَكَتَكَ كُلَّهَا مِنَ ابْنِكَ، بَلْ سَأتْرُكُ لَهُ عَشِيرَةً وَاحِدَةً لِيَحْكُمَهَا. سَأفْعَلُ هَذَا مِنْ أجْلِ خَاطِرِ دَاوُدَ عَبْدِي الصَّالِحِ، وَمِنْ أجْلِ القُدْسِ، المَدِينَةِ الَّتِي أحبَبْتُهَا.» فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، أقَامَ اللهُ عَدُوًّا لِسُلَيمَانَ هُوَ هَدَدُ الأدُومِيُّ. وَكَانَ هَدَدُ هَذَا مِنَ العَائِلَةِ المَلَكِيَّةِ فِي أدُومَ. حَدَثَ الأمْرُ عَلَى النَّحوِ التَّالِي: هَزَمَ جَيْشُ دَاوُدَ بِقِيَادَةِ يُوآبَ أدُومَ. وَذَهَبَ يُوآبُ إلَى أدُومَ لِيَدْفِنَ القَتلَى بَعْدَ أنْ قَتَلَ كُلَّ الرِّجَالِ الأحيَاءِ هُنَاكَ. وَبَقِيَ يُوآبُ وَجَيْشُ إسْرَائِيلَ فِي أدُومَ سِتَّةَ أشهُرٍ تَمَكَّنَ خِلَالَهَا مِنَ القَضَاءِ عَلَى كُلِّ رِجَالِ أدُومَ. وَكَانَ هَدَدُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، صَبِيًّا صَغِيرًا. فَهَرَبَ هَدَدُ إلَى مِصْرٍ مَعَ بَعْضٍ مِنْ رِجَالِ أبِيهِ. غَادَرُوا مِدْيَانَ وَذَهَبُوا إلَى فَارَانَ. وَهُنَاكَ انضَمَّ إلَيْهِمْ آخَرُونَ. وَمِنْ هُنَاكَ ذَهَبَتِ الجَمَاعَةُ كُلُّهَا إلَى مِصْرٍ وَلَجَأُوا إلَى فِرعَوْنَ. فَأعطَى فِرْعَوْنُ هَدَدَ بَيْتًا وَأرْضًا. وَخَصَّصَ لَهُ أيْضًا طَعَامًا. وَأحَبَّ فِرْعَوْنُ هَدَدَ كَثِيرًا. وَزَوَّجَهُ مِنْ أُختِ زَوْجَتِهِ، المَلِكَةِ تَحْفَنِيسَ. فَأنْجَبَتْ أُختُ المَلِكَةِ لِهَدَدَ ابْنًا أسْمَاهُ جَنُوبَثَ. وَنَشَّأتْهُ تَحْفَنِيسُ فِي قَصْرِ فِرعَوْنَ مَعَ أبنَائِهِ. فَوَصَلَ إلَى هَدَدَ فِي مِصْرٍ خَبَرُ مَوْتِ دَاوُدَ. وَسَمِعَ أيْضًا أنَّ يُوآبَ آمِرَ الجَيْشِ مَاتَ أيْضًا. فَقَالَ هَدَدُ لِفِرْعَوْنَ: «ائذَنْ لِي بِالرُّجُوعِ إلَى مَوطِنِي.» فَأجَابَهُ فِرْعَوْنُ: «مَا الَّذِي يَنْقُصُكَ هُنَا حَتَّى إنَّكَ تَرْغَبُ فِي الرُّجُوعِ إلَى مَوطِنِكَ؟» فَأجَابَهُ هَدَدُ: «لَا شَيءَ، وَإنَّمَا اسْمَحْ لِي بِالرُّجُوعِ إلَى مَوطِنِي.» وَأقَامَ اللهُ عَدُوًّا لِسُلَيمَانَ هُوَ رَزُونُ بْنُ ألِيَدَاعَ. وَكَانَ رَزُونُ هَذَا قَدْ هَرَبَ مِنْ سَيِّدِهِ هَدَدَ عَزَرَ، مَلِكِ صُوبَةَ. فَبَعدَ أنْ هَزَمَ دَاوُدُ جَيْشَ صُوبَةَ، حَشَدَ رَزُونُ رِجَالًا حَوْلَهُ وَشَكَّلَ عِصَابَةً. وَذَهَبَ إلَى دِمَشْقَ وَبَقِيَ هُنَاكَ. وَصَارَ مَلِكًا عَلَى دِمَشْقَ. فَحَكَمَ رَزُونُ أرَامَ. وَأبْغَضَ إسْرَائِيلَ، وَلِهَذَا ظَلَّ عَدُوًّا لِإسْرَائِيلَ طَوَالَ حَيَاةِ سُلَيْمَانَ. فَكَانَ مَصدَرَ مَتَاعِبَ لِإسْرَائِيلَ كَالمَلِكِ هَدَدَ. كَانَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَابَاطَ أحَدَ خُدَّامِ سُلَيْمَانَ. وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ مِنْ صَرَدَةَ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ صَرُوعَةَ. أمَّا أبُوهُ فَكَانَ مَيِّتًا. تَمَرَّدَ يَرُبْعَامُ هَذَا عَلَى المَلِكِ. وَهَذَا سَبَبُ تَمَرُّدِهِ عَلَى المَلِكِ: كَانَ سُلَيْمَانُ يَبْنِي مِلُّو وَيُرَمِّمُ سُورَ مَدِينَةِ دَاوُدَ، أبِيهِ. وَرَأى سُلَيْمَانُ أنَّ يَرُبْعَامَ هَذَا عَامِلٌ شَابٌّ قَوِيٌّ. فَعَيَّنَهُ رَئِيسًا عَلَى كُلِّ العُمَّالِ مِنْ عَشِيرَةِ يُوسُفَ. وَحَدَثَ أنَّ يَرُبْعَامَ كَانَ خَارِجًا مِنَ القُدْسِ ذَاتَ يَوْمٍ. فَلَاقَاهُ النَّبِيُّ أخِيَّا الشِّيلُونِيُّ وَهُوَ يَرْتَدِي مِعطَفًا جَدِيدًا. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا أحَدٌ آخَرُ عَلَى الطَّرِيقِ. فَأخَذَ أخِيَّا مِعطَفَهُ الجَدِيدَ وَمَزَّقَهُ اثْنَتَي عَشْرَةَ قِطعَةً. ثُمَّ قَالَ أخِيَّا لِيَرُبْعَامَ: «خُذْ عَشَرَ قِطَعٍ مِنْ هَذَا المِعطَفِ لَكَ. إذْ يَقُولُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹سَأنتَزِعُ المَملَكَةَ مِنْ سُلَيْمَانَ. وَسَأُعْطِيكَ عَشْرًا مِنْ قَبَائِلِهَا. وَلَنْ أترُكَ لِعَائِلَةِ دَاوُدَ إلَّا قَبِيلَةً وَاحِدَةً لِيَحْكُمُوهَا. هَذَا مِنْ أجْلِ عَبْدِي دَاوُدَ وَمِنْ أجْلِ القُدْسِ، المَدِينَةِ الَّتِي اختَرْتُهَا مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. سَآخُذُ المَملَكَةَ مِنْ سُلَيْمَانَ لِأنَّهُ ابتَعَدَ عَنِّي. فَهُوَ يَعْبُدُ عَشْتَارُوثَ، إلَهَةَ الصَّيدُونِيِّينَ الزَّائِفَةَ، وَيَعْبُدُ كَمُوشَ، إلَهَ مُوآبَ الزَّائِفَ، وَيَعْبُدُ مَلْكُومَ، إلَهَ العَمُّونِيِّينَ الزَّائِفَ. لَمْ يَعُدْ يَعْمَلُ مَا هُوَ صَوَابٌ وَخَيْرٌ. وَلَمْ يَعُدْ يُطِيعُ شَرَائِعِي وَوَصَايَايَ كَمَا كَانَ أبُوهُ دَاوُدُ يَفْعَلُ. لِهَذَا سَأنتَزِعُ المَملَكَةَ مِنْ عَائِلَةِ سُلَيْمَانَ. لَكِنِّي سَأسْمَحُ لِسُلَيمَانَ بِأنْ يَكُونَ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ. سَأفْعَلُ هَذَا مِنْ أجْلِ عَبْدِي دَاوُدَ الَّذِي أطَاعَ كُلَّ وَصَايَايَ وَشَرَائِعِي. لَكِنِّي سَأنتَزِعُ المَملَكَةَ مِنَ ابْنِهِ. أمَّا أنْتَ يَا يَرُبْعَامُ، فَسَأدَعُكَ تَحْكُمُ القَبَائِلَ العَشْرَ. سَأُعْطِي ابْنَ سُلَيْمَانَ قَبٍيلَةً وَاحِدَةً، لِكَي يَكُونَ لِدَاوُدَ دَائِمًا وَاحِدٌ مِنْ نَسْلِهِ يَحْكُمُ أمَامِي فِي القُدْسِ الَّتِي اختَرْتُهَا مَدِينَةً لِي. لَكِنِّي سَأجعَلُكَ تَحْكُمُ أيَّ مَكَانٍ آخَرَ تُرِيدُهُ، بِالإضَافَةِ إلَى كَونِكَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. سَأفْعَلُ هَذَا إذَا عِشْتَ حَيَاةً مُسْتَقِيمَةً وَأطَعْتَ وَصَايَايَ كَمَا فَعَلَ دَاوُدُ، حِينَئِذٍ، أكُونُ مَعَكَ، وَسَأجْعَلُ عَائِلَتَكَ عَائِلَةَ مُلُوكٍ كَمَا فَعَلْتُ مَعَ دَاوُدَ. وَسَأُثَبِّتُ إسْرَائِيلَ مَملَكَةً لَكَ. وَسَأُعَاقِبُ نَسْلَ دَاوُدَ بِسَبَبِ مَا فَعَلَهُ سُلَيْمَانُ. لَكِنَّ عِقَابِي لَهُمْ لَنْ يَسْتَمِرَّ إلَى الأبَدِ.›» وَحَاوَلَ سُلَيْمَانُ أنْ يَقْتُلَ يَرُبْعَامَ، لَكِنَّهُ هَرَبَ إلَى مِصْرٍ. لَجَأ يَرُبْعَامُ إلَى شِيشَقَّ مَلِكِ مِصْرٍ. وَبَقِيَ هُنَاكَ إلَى أنْ مَاتَ سُلَيْمَانُ. أمَّا بَقِيَةُ أعْمَالِ سُلَيْمَانَ وَحَكْمَتِهِ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ سُلَيْمَانَ. وَقَدْ حَكَمَ سُلَيْمَانُ مِنْ عَاصِمَتِهِ القُدْسِ جَمِيعَ إسْرَائِيلَ أرْبَعِينَ عَامًا. ثُمَّ رَقَدَ وَدُفِنَ إلَى جِوَارِ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ أبِيهِ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ رَحُبْعَامُ. وَذَهَبَ رَحُبْعَامُ إلَى مَدِينَةِ شَكِيمَ لِأنَّ جَمِيعَ بَنِي إسْرَائِيلَ ذَهَبُوا إلَى هُنَاكَ لِكَي يُبَايِعُوهُ مَلِكًا. وَسَمعَ يَرُبْعَامُ أنَّ رَحُبْعَامَ سَيَكُونُ المَلكَ الجَدِيدَ. وَكَانَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ فِي مصْرَ لِأنَّهُ فَرَّ مِنْ وَجْهِ المَلِكِ سُلَيْمَانَ، وَأقَامَ فِي مِصْرٍ. فَاستَدْعُوهُ فَرَجِعَ مِنْ مصْرَ، وَذَهَبَ هُوَ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى رَحُبْعَامَ. وَقَالُوا لَهُ: «لَقَدْ صَعَّبَ أبُوكَ حَيَاتَنَا. فَكَانَ ذَلِكَ عِبئًا ثَقيلًا عَلَيْنَا. وَالْآنَ خَفِّفْ حِملَنَا فَنَخْدِمَكَ.» فَقَالَ لَهُمْ رَحُبْعَامُ: «اذْهَبُوا وَعُودُوا إلَيَّ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ.» فَانصَرَفَ الشَّعْبُ. فَاسْتَشَارَ المَلِكُ رَحُبْعَامُ بَعْضَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ عَمِلُوا مُسْتَشَارِينَ لِأبِيهِ سُلَيْمَانَ فِي حَيَاتِهِ وَسَألَهُمْ: «بِمَاذَا أرُدُّ عَلَى الشَّعْبِ؟» فَقَالَ الشُّيُوخُ لرَحُبْعَامَ: «إذَا خَدَمْتَ هَذَا الشَّعْبَ وَاستَجَبْتَ لَهُمْ وَأرْضَيْتَهُمْ بِكَلَامٍ حَسَنٍ، حِينَئِذٍ، سَيَخْدِمُونَكَ وَيَكُونُونَ طَوْعَ أمْرِكَ إلَى الأبَدِ.» لَكِنَّ رَحُبْعَامَ لَمْ يَسْتَمِعْ إلَى نَصيحَتِهِمْ. فَسَألَ شُبَّانًا صِغَارًا نَشَأُوا مَعَهُ وَجَعَلَهُمْ مُسْتَشَارِيهِ. قَالَ لَهُمْ رَحُبْعَامُ: «قَالَ الشَّعْبُ لِي: ‹خَفِّفِ الحِملَ الَّذِي وَضَعَهُ أبُوكَ عَلَى أكتَافِنَا›. فَبِمَاذَا أرُدُّ عَلَيْهِمْ؟» فَقَالَ لَهُ أصْحَابُهُ الشُّبَّانُ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ: «قَالَ لَكَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ: ‹فَرَضَ عَلَيْنَا أبُوكَ أشغَالًا شَاقَّةً. فَالآنَ خَفِّفِ الحِملَ عَنَّا.› فَقُلْ لَهُمْ: ‹خِنْصَرِي أغلَظُ مِنْ جِسْمِ أبِي! فَرَضَ أبِي عَلَيْكُمْ حِملًا ثَقِيلًا، أمَّا أنَا فَسَأزِيدُ عَلَيْهِ. أدَّبَكُمْ أبِي بِسِيَاطٍ مِنْ جِلْدٍ، أمَّا أنَا فَسأؤدِّبُكُمْ بِسِيَاطٍ ذَاتِ أطرَافٍ حَدِيديَّةٍ!›» وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ، رَجعَ يَرُبْعَامُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إلَى رَحُبْعَامَ إذْ قَالَ لَهُمْ: «عُودُوا إلَيَّ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ.» فَتَكَلَّمَ إلَيْهِمْ بِطَرِيقَةٍ قَاسِيَةٍ، تَارِكًا نَصِيحَةَ الشُّيُوخِ. فَقَالَ لَهُمْ مَا نَصَحَهُ الشُّبَّانُ بِهِ: «فَرَضَ أبِي عَلَيْكُمْ حِملًا ثَقِيلًا، أمَّا أنَا فَسَأزِيدُ عَلَيْهِ. أدَّبَكُمْ أبِي بِسِيَاطٍ مِنْ جِلْدٍ، أمَّا أنَا فَسأؤدِّبُكُمْ بِسِيَاطٍ ذَاتِ أطرَافٍ حَدِيديَّةٍ!» فَلَمْ يَسْتَجِبِ المَلِكُ لِطَلَبِ الشَّعْبِ. وَقَدْ تَسَبَّبَ اللهُ فِي حُدُوثِ هَذَا الأمْرِ لِكَي يُؤكِّدَ اللهُ الكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ لِيَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ عَلَى فَمِ النَّبِيِّ أخِيَّا الشِّيلُونِيِّ. وَرَأى كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّ المَلِكَ الجَدِيدَ لَمْ يَسْتَمِعْ إلَيْهِمْ. فَقَالُوا لِلمَلِكِ: «مَا لَنَا وَلِعَائِلَةِ دَاوُدَ؟ ألَنَا أيُّ مِيرَاثٍ فِي أرْضِ يَسَّى؟ فَلْنَذْهَبْ، نَحْنُ بَنِي إسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَيْتِهِ. وَلْنَدَعِ ابْنَ دَاوُدَ يَحْكُمْ جَمَاعَتَهُ!» فَذَهَبَ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى بُيُوتِهِمْ. فَلَمْ يَعُدْ رَحُبْعَامُ يَحْكُمُ إلَّا بَنِي إسْرَائِيلَ السَّاكِنِينَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا. وَكَانَ أدُورَامُ أحَدَ المُشرِفِينَ عَلَى العُمَّالِ. فَأرْسَلَهُ رَحُبْعَامُ لِيَتَحَدَّثَ إلَى الشَّعْبِ. لَكِنَّهُمْ رَجَمُوهُ حَتَّى المَوْتِ. فَأسْرَعَ المَلِكُ رَحُبْعَامُ إلَى مَرْكَبَتِهِ وَهَرَبَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. فَتَمَرَّدَ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى عَائِلَةِ دَاوُدَ، وَمَا زَالُوا كَذَلِكَ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَسَمِعَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّ يَرُبْعَامَ قَدْ رَجِعَ. فَدَعُوهُ إلَى اجتِمَاعٍ وَنَصَّبُوهُ مَلِكًا عَلَى كُلِّ إسْرَائِيلَ. أمَّا عَشِيرَةُ يَهُوذَا، فَكَانَتِ الوَحِيدَةَ الَّتِي ظَلَّتْ عَلَى وَلَائِهَا لِعَائِلَةِ دَاوُدَ. وَرَجِعَ رَحُبْعَامُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَجَمَعَ عَشَائِرَ يَهُوذَا وَقَبِيلَةَ بَنْيَامِينَ. فَكَانُوا جَيْشًا وَصَلَ عَدَدُهُ إلَى مِئَةٍ وَثَمَانينَ ألْفَ رَجُلٍ. حَشَدَهُمْ رَحُبْعَامُ لِيُحَارِبَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَيَسْتَرِدَّ مُلْكَهُ. لَكِنَّ اللهَ تَكَلَّمَ إلَى شِمْعِيَا، رَجُلِ اللهِ فَقَالَ لَهُ: «تَكَلَّمْ إلَى رَحُبْعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ، مَلِكِ يَهُوذَا، وَإلَى كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ. وَقُلْ لَهُمْ: ‹يَقُولُ اللهُ لَا تَذْهَبُوا لِتُحَارِبُوا إخْوَتَكُمْ. فَلْيَرْجِعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إلَى بَيْتِهِ. فَهَذَا الَّذِي حَدَثَ مِنِّي أنَا!›» فَأطَاعَ جَمِيعُ الرِّجَالِ فِي جَيْشِ رَحُبْعَامَ أمْرَ اللهِ ، وَعَادُوا جَمِيعًا إلَى بُيُوتِهِمْ. وَحَصَّنَ يَرُبْعَامُ مَدِينَةَ شَكِيمَ الَّتِي فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ، وَجَعَلَهَا مَقَرًّا لَهُ. ثُمَّ ذَهَبَ إلَى مَدِينَةِ فَنُوئِيلَ وَحَصَّنَهَا. وَقَالَ يَرُبْعَامُ فِي نَفْسِهِ: «قَدْ يَحِنُّ الشَّعْبُ إلَى حُكْمِ عَائِلَةِ دَاوُدَ، إنِ اسْتَمَرُّوا فِي الذَّهَابِ إلَى بَيْتِ اللهِ فِي القُدْسِ. فَيَعُودُ وَلَاؤُهُمْ إلَى رَحُبْعَامَ، مَلِكِ يَهُوذَا. حِينَئِذٍ، سَيَقْتُلُونَنِي، وَيَعُودُونَ إلَى رَحُبْعَامَ.» فَاسْتَشَارَ المَلِكُ رِجَالَهُ، وَصَنَعَ عِجْلَينِ ذَهَبِيَّينِ بِنَاءً عَلَى نَصِيحَتِهِمْ. وَقَالَ لِلشَّعْبِ: «صَعْبٌ عَلَيْكُمْ أنْ تَذْهَبُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِلعِبَادَةِ، هَذِهِ هِيَ آلِهَتُكَ الَّتِي أخرَجَتْكَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ يَا إسْرَائِيلُ.» فَوَضَعَ أحَدَ العِجْلَينِ فِي بَيْتِ إيلَ، وَالآخَرَ فِي مَدِينَةِ دَانٍ. فَكَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يَذْهَبُونَ إلَى مَدِينَتَي بَيْتِ إيلَ وَدَانٍ لِيَعْبُدُوا العِجْلَينِ. فَكَانَتْ هَذِهِ خَطِيَّةً عَظِيمَةً جِدًّا. وَبَنَى يَرُبْعَامُ أيْضًا هَيَاكِلَ فِي المُرْتَفَعَاتِ. وَاخْتَارَ كَهَنَةً مِنْ مُختَلَفِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَبِيلَةِ لَاوِي. وَابْتَدَعَ المَلِكُ يَرُبْعَامُ عِيدًا جَدِيدًا شَبِيهًا بِالعِيدِ الَّذِي كَانَ يُقَامُ فِي يَهُوذَا. لَكِنَّ هَذَا العِيدَ كَانَ فِي الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّامِنِ. وَأثنَاءَ ذَلِكَ الوَقْتِ، قَدَّمَ المَلِكُ ذَبَائِحَ عَلَى المَذْبَحِ فِي مَدِينَةِ بَيْتِ إيلَ لِلعِجلَينِ اللَّذَيْنِ صَنَعَهُمَا. وَاخْتَارَ يَرُبْعَامُ أيْضًا كَهَنَةً مِنْ بَيْتِ إيلَ لِيَخْدِمُوا فِي المُرْتَفَعَاتِ الَّتِي بَنَاهَا. وَهَكَذَا ابتَدَعَ يَرُبْعَامُ وَقْتًا يُعَيِّدُ فِيهِ بَنُو إسْرَائِيلَ، وَهْوَ اليَوْمُ الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّامِنِ. وَأثنَاءَ ذَلِكَ العِيدِ، قَدَّمَ ذَبَائِحَ وَأحرَقَّ بَخُورًا عَلَى المَذْبَحِ الَّذِي بَنَاهُ فِي مَدِينَةِ بَيْتِ إيلَ. وَأمَرَ اللهُ نَبِيًّا مِنْ يَهُوذَا أنْ يَذْهَبَ إلَى مَدِينَةِ بَيْتِ إيلَ. وَكَانَ يَرُبْعَامُ وَاقِفًا عِنْدَ المَذْبَحِ يُقَدِّمُ البَخُورَ عِنْدَمَا وَصَلَ رَجُلُ اللهِ. وَكَانَ اللهُ قَدْ أمَرَهُ أنْ يَتَنَبَّأ ضِدَّ المَذْبَحِ. فَقَالَ: «يَا مَذْبَحُ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لَكَ: ‹سَتُرزَقُ عَائِلَةُ دَاوُدَ بِصَبِيٍّ اسْمُهُ يُوشِيَّا. سَيَذْبَحُ يُوشِيَّا هَذَا عَلَيْكَ كَهَنَةَ المُرْتَفَعَاتِ الَّذِينَ يُوقِدُونَ عَلَيْكَ. وَسَيُحْرِقُ عَلَيْكَ عِظَامَ النَّاسِ الَّذِينَ يُحْرِقُونَ البَخُورَ عَلَيْكَ. حِينَئِذٍ، لَا تَعُودُ تَصْلُحُ لِشَيءٍ!›» وَأعْطَى نَبِيُّ اللهِ عَلَامَةً عَلَى أنَّ هَذَهِ النُبُوَّةَ سَتَتَحَقَّقُ. فَقَالَ: «هَذِهِ هِيَ العَلَامَةُ الَّتِي أخبَرَنِي اللهُ بِهَا. إذْ قَالَ: ‹سَيَنْشَقُّ المَذْبَحُ، وَسَيَتَطَايَرُ الرَّمَادُ الَّذِي عَلَيْهِ.›» فَسَمِعَ يَرُبْعَامُ الرِّسَالَةَ الَّتِي نَقَلَهَا رَجُلُ اللهِ عَنِ المَذْبَحِ فِي بَيْتِ إيلَ. فَرَفَعَ يَدَهُ عَنِ المَذْبَحِ وَأشَارَ إلَى الرَّجُلِ وَقَالَ: «ألْقُوا القَبْضَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ!» وَإذْ تَفَوَّهَ بِهَذَا، شُلَّتْ يَدُهُ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُحَرِّكَهَا. وَانْشَقَّ المَذْبَحُ، وَتَطَايَرَ الرَّمَادُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ. كَانَتْ هَذِهِ هِيَ العَلَامَةُ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لِرَجُلِ اللهِ. حِينَئِذٍ، قَالَ يَرُبْعَامُ لِرَجُلِ اللهِ: «أرْجُو أنْ تُصَلِّيَ مِنْ أجْلِي، وَاطلُبْ إلَيْهِ أنْ يَشْفِيَ ذِرَاعِي.» فَتَضَرَّعَ رَجُلُ اللهِ إلَى اللهِ ، فَشُفِيَتْ يَدُ المَلِكِ، وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ. ثُمَّ قَالَ المَلِكُ لِرَجُلِ اللهِ: «تَفَضَّلْ مَعِي إلَى بَيْتِي. وَكُلْ مَعِي. وَسَأُعْطِيكَ هَدِيَّةً.» لَكِنَّ رَجُلَ اللهِ قَالَ لِلمَلِكِ: «لَنْ أدخُلَ بَيْتَكَ مَعَكَ، حَتَّى لَوْ أعْطَيْتَنِي نِصفَ مَملَكَتِكَ! وَلَنْ آكُلَ أوْ أشرَبَ شَيْئًا فِي هَذَا المَكَانِ. فَقَدْ أمَرَنِي اللهُ فَقَالَ: ‹لَا تَأْكُلْ وَلَا تَشْرَبْ، وَلَا تَرْجِعْ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي تَذْهَبُ فِيهِ.›» فَرَجِعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَلَيْسَ مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ إلَى بَيْتِ إيلَ. وَكَانَ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ إيلَ نَبِيٌّ شَيخٌ. فَجَاءَ إلَيْهِ أبْنَاؤُهُ وَأخبَرُوهُ بِمَا فَعَلَهُ رَجُلُ اللهِ فِي بَيْتِ إيلَ، وَأعْلَمُوهُ أيْضًا بِمَا قَالَهُ لِلمَلِكِ يَرُبْعَامَ. فَسَألَهُمُ النَّبِيُّ الشَّيخُ: «فِبأيِّ طَرِيقٍ سَارَ عِنْدَمَا انصَرَفَ؟» فَأخبَرَهُ أبْنَاؤُهُ بِأيِّ طَرِيقٍ سَلَكَ رَجُلُ اللهِ. فَطَلَبَ النَّبِيُّ الشَّيخُ إلَى أبْنَائِهِ أنْ يُسرِجُوا لَهُ حِمَارَهُ، فَأسرَجُوهُ لَهُ. فَرَكِبَهُ وَانطَلَقَ. فَلَحِقَ النَّبِيُّ الشَّيخُ بِرَجُلِ اللهِ. فَوَجَدَهُ جَالِسًا تَحْتَ شَجَرَةِ بَلُّوطٍ. فَسَألَهُ: «هَلْ أنْتَ رَجُلُ اللهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا؟» فَأجَابَهُ نَبِيُّ اللهِ: «نَعَمْ، أنَا هُوَ.» فَقَالَ النَّبِيُّ الشَّيخُ: «تَفَضَّلْ إلَى البَيْتِ وَكُلْ مَعِي.» فَأجَابَ: «لَا أقدِرُ أنْ أرجِعَ مَعَكَ، وَلَا أنْ أدخُلَ بَيْتَكَ، وَلَا أنْ آكُلَ وَأشْرَبَ مَعَكَ فِي هَذَا المَكَانِ. فَقَدْ قَالَ اللهُ لِي: ‹لَا تَأْكُلْ وَلَا تَشْرَبْ شَيْئًا فِي هَذَا المَكَانِ. وَلَا تَرْجِعْ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي تَذْهَبُ فِيهِ.›» فَقَالَ النَّبِيُّ الشَّيخُ: «وَأنَا أيْضًا نَبِيٌّ مِثْلُكَ.» وَكَذَبَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «ظَهَرَ لِي مَلَاكٌ مِنَ اللهِ ، وَأمَرَنِي بِأنْ آتِيَ بِكَ إلَى بَيْتِي لِتَأْكُلَ وَتَشْرَبَ مَعِي.» فَذَهَبَ رَجُلُ اللهِ مَعَ النَّبِيِّ الشَّيخِ إلَى بَيْتِهِ، وَأكَلَ وَشَرِبَ مَعَهُ. وَأثنَاءَ جُلُوسِهِمَا عَلَى المَائِدَةِ، كَلَّمَ اللهُ النَّبِيَّ الشَّيخَ. فَكَلَّمَ النَّبِيُّ الشَّيخُ رَجُلَ اللهِ الَّذِي مِنْ يَهُوذَا، فَقَالَ: «يَقُولُ اللهُ إنَّكَ لَمْ تُطِعِ كَلِمَةَ اللهِ ، وَلَمْ تَحْفَظْ وَصِيَّتَهُ لَكَ، بَلْ رَجِعْتَ وَأكَلْتَ وَشَرِبْتَ فِي المَكَانِ الَّذِي أمَرَكَ بِأنْ لَا تَأْكُلَ أوْ تَشْرَبَ فِيهِ. لِهَذَا لَنْ تُدفَنَ جُثَّتُكَ فِي مَقبَرَةِ عَائِلَتِكَ.» وَأنهَى رَجُلُ اللهِ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. ثُمَّ أسرَجَ النَّبِيُّ الشَّيخُ حِمَارَ النَّبِيِّ الَّذِي مِنْ يَهُوذَا، فَرَكِبَهُ وَانْطَلَقَ. وَفِي طَرِيقِ عَودَتِهِ، هَاجَمَهُ أسَدٌ وَقَتَلَهُ. فَكَانَتْ جُثَّةُ النَّبِيِّ مُلقَاةً عَلَى الطَّرِيقِ بَيْنَمَا كَانَ الحِمَارُ وَالأسَدُ وَاقِفَينِ قُرْبَهَا. فَرَأى بَعْضُ المَارِّينَ مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ الجُثَّةَ وَالأسَدَ إلَى جَانِبِهَا. فَجَاءُوا إلَى المَدِينَةِ الَّتِي كَانَ يَسْكُنُهَا النَّبِيُّ الشَّيخُ. وَقَصُّوا مَا رَأوْهُ فِي الطَّرِيقِ. فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ الَّذِي أرجَعَهُ مِنْ طَرِيقِهِ بِمَا حَدَثَ، قَالَ: «ذَلِكَ رَجُلُ اللهِ الَّذِي لَمْ يُطِعْ وَصِيَّةَ اللهِ . فَأرْسَلَ اللهُ أسَدًا مَزَّقَهُ وَقَتَلَهُ حَسَبَ قَولِ اللهِ .» ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ لِأبْنَائِهِ: «أسْرِجُوا حِمَارِي.» فَأسرَجُوا لَهُ حِمَارَهُ. فَذَهَبَ النَّبِيُّ الشَّيخُ فَوَجَدَ الجُثَّةَ مُلقَاةً عَلَى الطَّرِيقِ. وَكَانَ الحِمَارُ وَالأسَدُ مَا يَزَالَانِ وَاقِفَينِ قُرْبَهَا. وَلَمْ يَلْتَهِمُ الأسَدُ الجُثَّةَ وَلَا آذَى الحِمَارَ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ الشَّيخُ جُثَّةَ رَجُلِ اللهِ، وَوَضَعَهَا عَلَى حِمَارِهِ وَرَجِعَ بِهَا إلَى المدينةِ لِكَي يبكي عَلَى النبي ثُمَّ يَدْفِنَ جُثَّتَهُ. فَدَفَنَ الجُثَّةَ فِي مِقْبَرَةِ عَائِلَتِهِ. وَبَكَى عَلَيْهِ: «آهٍ يَا أخِي. كَمْ أنَا حَزِينٌ عَلَيْكَ.» وَبَعْدَ أنْ دَفَنَهُ، قَالَ لِأبْنَائِهِ: «عِنْدَمَا أمُوتُ، ادفِنُونِي فِي هَذَا القَبْرِ مَعَ رَجُلِ اللهِ. وَضَعُوا عِظَامِي بِجَانِبِ عِظَامِهِ. فَمِنَ المُؤَكَّدِ أنْ يَتَحَقَّقَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ اللهُ عَلَى لِسَانِهِ عَنْ بَيْتِ إيلَ وَعَنِ المُرْتَفَعَاتِ فِي المُدُنِ الأُخرَى مِنَ السَّامِرَةِ.» لَكِنَّ مَا حَدَثَ لَمْ يُغَيِّرْ يَرُبْعَامَ. فَاسْتَمَرَّ فِي السَّيرِ فِي طَرِيقِ الشَّرِّ. وَاسْتَمَرَّ فِي اختِيَارِ كَهَنَةٍ مِنْ عَشَائِرَ مُخْتَلِفَةٍ لِيَخْدِمُوا فِي المُرْتَفَعَاتِ. فَكَانَ كُلُّ مَنْ أرَادَ يَصِيرُ كَاهِنًا. كَانَتْ تِلْكَ خَطِيَّةَ عَائِلَةِ يَرُبْعَامَ الَّتِي جَلَبَتِ الدَّمَارَ عَلَى عَائلتِه ومَملَكَتِهِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، مَرِضَ أبِيَّا بْنُ يَرُبْعَامَ مَرَضًا شَدِيدًا. فَقَالَ يَرُبْعَامُ لِزَوْجَتِهِ: «اذهَبِي إلَى شِيلُوهَ إلَى النَّبِيِّ أخِيَّا. فَهُوَ الَّذِي تَنَبَّأ بِأنِّي سَأُصبِحُ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. تَنَكَّرِي فِي هَيئَةٍ أُخْرَى لِئَلَّا يَعْرِفَ النَّاسُ أنَّكِ زَوْجَتِي. وَأعْطِ النَّبِيَّ عَشْرَةَ أرغِفَةٍ مِنَ الخُبْزِ، وَبَعْضَ الكَعكِ، وَجَرَّةَ عَسَلٍ. ثُمَّ اسألِيهِ عَمَّا سَيَحْدُثُ لِابنِنَا، وَهُوَ سَيُخبِرُكِ بِمَا سَيَحْدُثُ لَهُ.» فَفَعَلَتْ زَوْجَةُ يَرُبْعَامَ كَمَا قَالَ لَهَا زَوْجُهَا. فَذَهَبَتْ إلَى شِيلُوهَ، إلَى بَيْتِ النَّبِيِّ أخِيَّا. وَكَانَ أخِيَّا قَدْ شَاخَ وَفَقَدَ بَصَرَهُ. لَكِنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: «زَوْجَةُ يَرُبْعَامَ قَادِمَةٌ مُتَنَكِّرَةً لِرُؤيَتِكَ لِكَي تَسألَكَ عَنْ ابنِهَا المَرِيضِ.» وَأخبَرَ اللهُ أخِيَّا بِمَا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَقُولَ لَهَا. فَسَمِعَهَا أخِيَّا وَهِيَ تَدْخُلُ البَابَ. فَقَالَ لَهُا: «ادْخُلِي يَا زَوْجَةَ يَرُبْعَامَ. لِمَاذَا تَتَنَكَّرِينَ؟ لَدَيَّ خَبَرٌ سَيِّئٌ لَكِ. اذهَبِي وَقُولِي لِيَرُبْعَامَ إنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹قَدِ اختَرْتُكَ، يَا يَرُبْعَامُ، مِنْ بَيْنِ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَجَعَلْتُكَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي. انتَزَعْتُ المَملَكَةَ مِنْ عَائِلَةِ دَاوُدَ وَأعْطَيْتُهَا لَكَ. لَكِنَّكَ لَمْ تَكُنْ كَعَبْدِي دَاوُدَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّ طَاعَةَ وَصَايَايَ. فَتَبِعَنِي بِكُلِّ قَلْبِهِ. وَلَمْ يَفْعَلْ غَيْرَ مَا هُوَ مَقبُولٌ عِندِي. أمَّا أنْتَ، فَخَطَايَاكَ عَظِيمَةٌ. بَلْ هِيَ أعْظَمُ مِنْ خَطَايَا أيِّ مَلِكٍ قَبلَكَ. فَقَدْ تَرَكْتَنِي، وَصَنَعْتَ لِنَفسِكَ أوْثَانًا وَآلِهَةً أُخْرَى، مَعَ أنَّكَ تَعْرِفُ أنَّ هَذَا يُغِيظُنِي كُلَّ الغَيظِ. لِهَذَا سَأجْلِبُ المَصَائِبَ عَلَى عَائِلَةِ يَرُبْعَامَ. وَسَأقضِي عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ مِنْهُمْ – كِبَارًا وَصِغَارًا. سأفنِي بَيْتَ يَرُبْعَامَ كَمَا تَلْتَهِمُ النَّارُ الرَّوثَ. كُلُّ مَنْ يَمُوتُ فِي المَدِينَةِ مِنْ عَائِلَتِكَ، سَتَأْكُلُهُ الكِلَابُ. وَكُلُّ مَنْ يَمُوتُ مِنْ عَائِلَتِكَ فِي الحُقُولِ سَتَأْكُلُهُ الطُّيُورُ. سَيَتِمُّ هَذَا لِأنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ.›» ثُمَّ قَالَ لَهَا: «وَالْآنَ اذهَبِي إلَى بَيْتِكِ. وَمَا إنْ تَدْخُلِي مَدِينَتَكِ حَتَّى يَمُوتَ ابْنُكِ. وَسَتَنُوحُ عَلَيْهِ كُلُّ إسْرَائِيلَ وَتَدْفِنُهُ. وَلَنْ يُدفَنَ مِنْ كُلِّ عَائِلَةِ يَرُبْعَامَ غَيْرُ ابْنِكِ. فَهُوَ الوَحِيدُ فِي كُلِّ عَائِلةِ يَرُبْعَامَ الَّذِي وجدَ فيه اللهُ ، إلهُ إسْرَائِيل، مَا يُرضيه. سَيُقِيمُ اللهُ مَلِكًا جَدِيدًا عَلَى إسْرَائِيلَ. وَسَيَقْضِي ذَلِكَ المَلِكُ عَلَى عَائِلَةِ يَرُبْعَامَ. لَكِنَّ الأمْرَ لَنْ يَقِفَ عِنْدَ هَذَا. إذْ سَيُعَاقِبُ اللهُ إسْرَائِيلَ. وَسَيَخَافُ بَنُو إسْرَائِيلَ. بَلْ إنَّهُمْ سَيَرْتَجِفُونَ خَوْفًا كَالقَصَبِ فِي المَاءِ. وَسَيَنْزِعُهُمُ اللهُ مِنْ هَذِهِ الأرْضِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي أعْطَاهَا لِآبَائِهِمْ. سَيَنْفِيهِمْ إلَى مَا وَرَاءَ نَهْرِ الفُرَاتِ، لِأنَّهُ غَاضِبٌ عَلَى الشَّعْبِ الَّذِينَ أقَامُوا أعمِدَةً لِعِبَادَةِ عَشْتَرُوتَ. سَيُعَاقِبُ شَعْبَهُ بِسَبِبِ خَطَايَا يَرُبْعَامَ الَّذِي أخطَأ وَجَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ.» فَرَجِعَتْ زَوْجَةُ يَرُبْعَامَ إلَى تِرْصَةَ. وَمَا إنْ دَخَلَتْ بَيتَهَا حَتَّى مَاتَ ابْنُهَا. فَشَارَكَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي دَفْنِهِ. وَنَاحُوا عَلَيْهِ. تَمَّ هَذَا كُلُّهُ حَسَبَ كَلَامِ اللهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ أخِيَّا. أمَّا بَقِيَةُ أعْمَالِ يَرُبْعَامَ، حَرُوبِهِ وَعَهْدِ حُكْمِهِ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. حَكَمَ يَرُبْعَامُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً. ثُمَّ مَاتَ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. فَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ نَادَابُ ابْنُهُ. أمَّا رَحُبْعَامُ، فَكَانَ مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا. وَقَدِ اعتَلَى العَرشَ فِي الوَاحِدَةِ وَالأرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِهِ. وَحَكَمَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ، المَدِينَةِ الوَحِيدَةِ الَّتِي اخْتَارَ اللهُ أنْ يُكَرَّمَ فِيهَا مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ مُدُنِ إسْرَائِيلَ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّ رَحُبْعَامَ نِعْمَةَ العَمُّونِيَّةَ. وَأخطَأ أيْضًا شَعْبُ يَهُوذَا وَفَعَلُوا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . فَفَاقَتْ شُرُورُهُمُ الَّتِي أغضَبَتِ اللهَ شُرُورَ كُلِّ آبَائِهِمُ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ. إذْ بَنَوْا مُرتَفَعَاتٍ، وَأنْصَابًا تَذْكَارِيَّةً، وَأعمِدَةً مُقَدَّسَةً لِعَشْتَرُوتَ. بَنَوْهَا عَلَى كُلِّ تَلَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ، وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. وَكَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ يُبِيحُونَ أجسَادَهُمْ فِي الهَيْكَلِ. فَقَدِ اقتَرَفَ شَعْبُ يَهُوذَا جَمِيعَ رَجَاسَاتِ الشُّعُوبِ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَفِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ رَحُبْعَامَ، شَنَّ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرٍ هُجُومًا عَلَى القُدْسِ. وَاستَوْلَى عَلَى كُنُوزِ بَيْتِ اللهِ وَقَصْرِ المَلِكِ. حَتَّى إنَّهُ أخَذَ التُّرُوسَ الذَّهَبِيَّةَ الَّتِي أخَذَهَا دَاوُدُ مِنْ رِجَالِ هَدَدَ عَزَرَ، مَلِكِ أرَامَ. وَكَانَ دَاوُدُ قَدْ أخَذَ هَذِهِ التُّرُوسَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. فَأخَذَهَا شِيشَقُ كُلَّهَا. فَصَنَعَ رَحُبْعَامُ تُرُوسًا أُخْرَى مَكَانَهَا، لَكِنَّهُ صَنَعَهَا مِنَ البُرُونْزِ. وَوَضَعَهَا فِي حِرَاسَةِ الرِّجَالِ المَسؤُولِينَ عَنْ بَوَّابَةِ القَصْرِ. فَكَانَ كُلَّمَا ذَهَبَ المَلِكُ إلَى بَيْتِ اللهِ ، يَذْهَبُ الحُرَّاسُ مَعَهُ وَهُمْ يَحْمِلُونَهَا، ثُمَّ يُعِيدُونَهَا إلَى غُرْفَةِ الحُرَّاسِ. أمَّا بَقِيَةُ أعْمَالِ رَحُبْعَامَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَكَانَ يَرُبْعَامُ وَرَحُبْعَامُ فِي حَرْبٍ دَائِمَةٍ. وَرَقَدَ رَحُبْعَامُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ نِعْمَةَ العَمُّونِيَّةَ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ أبِيَّا. فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ حُكْمِ يَرُبْعَامَ بْنِ نَابَاطَ عَلَى إسْرَائِيلَ، صَارَ أبِيَّا مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا. وَقَدْ حَكَمَ أبِيَّا فِي القُدْسِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ. وَكَانَتْ أُمُّهُ مَعْكَةَ بِنْتَ أبْشَالُومَ. ارْتَكَبَ أبِيَّا الخَطَايَا نَفْسَهَا الَّتِي سَبَقَ أنْ ارْتَكَبَهَا أبُوهُ. فَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ وَفِيًّا كَمَا كَانَ قَلْبُ جَدِّهِ دَاوُدَ. لَكِن، مِنْ أجْلِ خَاطِرِ دَاوُدَ، أعطَاهُ مَملَكَةً فِي القُدْسِ. وَأعْطَاهُ ابْنًا، وَجَعَلَ القُدْسَ مَدِينَةً آمِنَةً. فَقَدْ أرْضَى دَاوُدُ اللهَ ، وَلَمْ يَحِدْ عَنْ وَصَايَاهُ طَوَالَ حَيَاتِهِ، إلَّا فِي مَسألَةِ أُورِيَّا الحِثِّيِّ. وَقَدْ شَهِدَ أبِيَّا قَبْلَ اعتِلَائِهِ العَرشَ الحُرُوبَ المُتَوَاصِلَةَ بَيْنَ رَحُبْعَامَ وَيَرُبْعَامَ. أمَّا بَقِيَةُ أعْمَالِ أبِيَّا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَظَلَّ أبِيَّا وَيَرُبْعَامُ يَتَحَارَبَانِ طَوَالَ مُدَّةِ حُكْمِ أبِيَّا. وَلَمَّا مَاتَ أبِيَّا، دُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. فَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ آسَا. وَفِي السَّنَةِ العِشْرِينَ مِنْ حُكْمِ يَرُبْعَامَ لِإسْرَائِيلَ، صَارَ آسَا مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا. وَحَكَمَ آسَا فِي القُدْسِ وَاحِدَةً وَأرْبَعِينَ سَنَةً. وَكَانَ اسْمُ جَدَّتِهِ مَعْكَةَ، وَهِيَ بِنْتُ أبْشَالُومَ. فَعَلَ آسَا مَا يُرضِي اللهَ ، كَمَا فَعَلَ دَاوُدُ أبُوهُ. وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ يُبِيحُونَ أجْسَادَهُمْ فِي عِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ، فَنَفَاهُمْ آسَا مِنْ يَهُوذَا. وَنَزَعَ الأوْثَانَ الَّتِي سَبَقَ وَأنْ صَنَعَهَا آبَاؤهُ. وَعَزَلَ جَدَّتَهُ مَعْكَةَ أيْضًا عَنِ الحُكْمِ كَمَلِكَةٍ، لِأنَّهَا أقَامَتْ عَمُودًا لِعِبَادَةِ عَشْتَرُوتَ. فَقَطَعَ آسَا العَمُودَ وَأحرَقَهُ فِي وَادِي قَدْرُونَ. وَلَمْ يَنْزِعْ آسَا المُرْتَفَعَاتِ، لَكِنَّ قَلْبَهُ ظَلَّ أمِينًا للهِ طَوَالَ حَيَاتِهِ. وَوَضَعَ آسَا كُلَّ مَا خَصَّصَهُ هُوَ وَأبُوهُ مِنْ أشْيَاءَ مَصْنُوعَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فِي بَيْتِ اللهِ . وَظَلَّ آسَا طَوَالَ مُدَّةِ حُكْمِهِ لِيَهُوذَا فِي حَرْبٍ مُسْتَمِرَّةٍ مَعَ بَعْشَا، مَلِكِ إسْرَائِيلَ. وَهَاجَمَ بَعْشَا، ملكُ إسْرَائِيلَ، يَهُوذَا، وحصَّنَ مدينةَ الرَامةِ وَاستَخْدَمَهَا كَنُقْطَةٍ لِيَمْنَعَ آسَا مِنْ شَنِّ الحَرْبِ عَلَيْهِ مِنْ يَهُوذَا. فَأخَذَ آسَا مَا تَبَقَّى مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ مِنْ خَزْنَةِ بَيْتِ اللهِ وَقَصْرِ المَلِكِ، وَأرسَلَهَا إلَى دِمَشْقَ مَعَ خُدَّامِهِ إلَى بَنْهَدَدَ بْنِ طَبْرِيمُونَ بْنِ حَزْيُونَ مَلِكِ أرَامَ. وَأرْسَلَ آسَا هَذِهِ الرِّسَالَةَ إلَيْهِ: «يَرْبِطُنِي بِكَ عَهْدٌ يَرْجِعُ إلَى زَمَانِ أبِي وَأبيكَ. وَهَا أنَا أُرسِلُ إلَيْكَ فِضَّةً وَذَهَبًا. فَانقُضْ عَهْدَكَ مَعَ بَعْشَا مَلكِ إسْرَائِيلَ، لكَي يَتْرُكَنِي وَشَأنِي.» فَاسْتَجَابَ المَلِكُ بَنْهَدَدُ لِطَلَبِ آسَا. فَأرْسَلَ جَيْشَهُ لِمُهَاجَمَةِ مُدُنِ إسْرَائِيلَ، فَهَاجَمَ عُيُونَ وَدَانًا وَآبَلَ بَيْتِ مَعْكَةَ وَالمُدُنَ القَرِيبَةَ مِنْ بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ وَمِنطَقَةَ نَفْتَالِي. فَلَمَّا سَمِعَ بَعْشَا بِهَذِهِ الهَجَمَاتِ، أوقَفَ تَحْصِينَ الرَّامَةِ. وَغَادَرَهَا عَائِدًا إلَى تِرْصَةَ. ثُمَّ أصدَرَ آسَا أمْرًا لِجَمِيعِ سُكَّانِ يَهُوذَا دُونَ استِثنَاءٍ، لِيُحضِرُوا الحِجَارَةَ وَالخَشَبَ الَّتِي كَانَ بَعشَا يَسْتَخْدِمُهَا فِي تَحْصِينِ مَدِينَةِ الرَّامَةِ. فَنَقَلُوهَا وَبَنَوْا مَعَ المَلِكِ آسَا مَدِينَةَ جَبَعَ فِي أرْضِ بَنْيَامِينَ وَمَدِينَةَ المِصْفَاةِ. وَكُلُّ الأُمُورِ الأُخرَى المُتَعَلِّقَةِ بِآسَا، وَإنجَازَاتِهِ العَظِيمَةِ وَالمُدُنِ الَّتِي بَنَاهَا، مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَلَمَّا شَاخَ آسَا، أُصِيبَ بِمَرَضٍ فِي قَدَمِيهِ. وَمَاتَ آسَا وَدُفِنَ مَعَ جَمَاعَتِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ جَدِّهِ. فَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ يَهُوشَافَاطُ. فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حُكْمِ آسَا لِيَهُوذَا، اعتَلَى نَادَابُ بْنُ يَرُبْعَامَ عَرشَ إسْرَائِيلَ. فَحَكَمَ إسْرَائِيلَ سَنَتَيْنِ. وَفَعَلَ نَادَابُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَارتَكَبَ نَفسَ خَطَايَا أبِيهِ يَرُبْعَامَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ أيْضًا يُخطِئُونَ. وَحَاكَ بَعشَا بْنُ أخِيَّا اليَسَّاكَرِيُّ مُؤَامَرَةً لِقَتلِ المَلِكِ نَادَابَ. حَدَثَ هَذَا فِي الوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ نَادَابُ وَكُلُّ إسْرَائِيلَ يُهَاجِمُونَ جِبَثُونَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ فِلَسطِيَّةٌ. فَتَمَكَّنَ بَعشَا مِنْ قَتلِ نَادَابَ هُنَاكَ. حَدَثَ هَذَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حُكْمِ آسَا لِيَهُوذَا، وَخَلَفَهُ بَعشَا مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. وَلَمَّا اعتَلَى بَعْشَا عَرْشَ إسْرَائِيلَ، أبَادَ كُلَّ عَائِلَةِ يَرُبْعَامَ. فَلَمْ يُبقِ عَلَى أيِّ أحَدٍ مِنْهُمْ حَيًّا. حَدَثَ هَذَا تَحْقِيقًا لِمَا قَالَهُ اللهُ فِي شِيلُوهَ لِعَبْدِهِ أخِيَّا. هَذَا كُلُّهُ كَانَ بِسَبَبِ خَطَايَا يَرُبْعَامَ الكَثِيرَةَ، وَدَفعِهِ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى ارتِكَابِ خَطَايَا كَثِيرَةٍ، ممَّا أغضَبَ اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، غَضَبًا شَدِيدًا. أمَّا بَقِيَةُ أعْمَالِ نَادَابَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَكَانَ بَعْشَا طَوَالَ حُكمِهِ لِإسْرَائِيلَ فِي حَرْبٍ مُسْتَمِرَّةٍ مَعَ آسَا مَلِكِ يَهُوذَا. اعتَلَى بَعْشَا بْنُ أخِيَّا عَرشَ إسْرَائِيلَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حُكْمِ آسَا لِيَهُوذَا. وَقَدْ حَكَمَ بَعشَا مِنْ مَدِينَةِ تِرْصَةَ مُدَّةَ أرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. لَكِنَّهُ فَعَلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . إذِ ارتَكَبَ نَفسَ الخَطَايَا الَّتِي ارتَكَبَهَا يَرُبْعَامُ وَجَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. ثُمَّ كَلَّمَ اللهُ يَاهُو بْنَ حَنَانِي وَتَنَبَّأ ضِدَّ المَلِكِ بَعشَا فَقَالَ: «رَفَعْتُكَ مِنَ الحَضِيضِ. وَجَعَلْتُكَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي إسْرَائِيلَ. لَكِنَّكَ سِرْتَ فِي طُرُقِ يَرُبْعَامَ. وَجَعَلْتَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. فَأغضَبُونِي بِخَطَايَاهُمْ. لِهَذَا سَأقضِي عَلَيْكَ وَعَلَى عَائِلَتِكَ مَعَكَ. سَأفْعَلُ بِكَ نَفسَ مَا فَعَلْتُهُ بِيَرُبْعَامَ بْنِ نَابَاطَ. فَالَّذِي يَمُوتُ مِنْ عَائِلَتِكَ فِي المَدِينَةِ سَتَأْكُلُهُ الكِلَابُ. وَالَّذِي يَمُوتُ مِنْ عَائِلَتِكَ فِي الحُقُولِ سَتَأْكُلُهُ الطُّيُورُ الكَاسِرَةُ.» أمَّا بَقِيَةُ أعْمَالِ بَعْشَا وَجَبَرُوتِهِ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَمَاتَ بَعْشَا وَدُفِنَ فِي تِرْصَةَ. وَخَلَفَهُ ابْنُهُ أيلَةُ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. وَهَكَذَا تَحَقَّقَ كَلَامُ اللهِ ضِدَّ بَعْشَا الَّذِي تَكَلَّمَ به عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ يَاهُو. فَعَلَ اللهُ هَذَا لِأنَّ بَعشَا عَمِلَ مَا لَا يُرضِيهِ. فَأغضَبَ اللهَ إغضَابًا شَدِيدًا. إذِ ارْتَكَبَ بَعْشَا الخَطَايَا نَفْسَهَا الَّتِي ارتَكَبَتْهَا عَائِلَةُ يَرُبْعَامَ. وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ أيْضًا لِأنَّهُ أبَادَ كُلَّ عَائِلَةِ يَرُبْعَامَ. اعتَلَى أيلَةُ بْنُ بَعشَا عَرشَ إسْرَائِيلَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ حُكْمِ آسَا عَلَى يَهُوذَا. وَحَكَمَ فِي تِرْصَةَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ. وَكَانَ زِمْرِي أحَدَ قَادَةِ المَلِكِ أيلَةَ. إذْ كَانَ مَسؤُولًا عَنْ نِصْفِ مَركِبَاتِ أيلَةَ. لَكِنَّ زِمْرِي هَذَا حَاكَ مُؤَامَرَةً ضِدَّ أيلَةَ. كَانَ أيلَةُ فِي تِرْصَةَ يَأْكُلُ وَيَسْكَرُ فِي بَيْتِ أرصَا المَسؤُولِ عَنْ قَصْرِ المَلِكِ فِي تِرْصَةَ. فَدَخَلَ زِمْرِي وَضَرَبَ المَلِكَ فَقَتَلَهُ وَحَكَمَ مَكَانَهُ. حَدَثَ هَذَا فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ حُكْمِ آسَا عَلَى يَهُوذَا. بَعْدَ أنْ اعتَلَى زِمْرِي العَرْشَ، أبَادَ كُلَّ عَائِلَةِ بَعْشَا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أحَدٌ حَيًّا. حَتَّى إنَّهُ قَتَلَ أصْحَابَهُ وَالمُوالِينَ لَهُ. فَجَاءَ قَضَاءُ زِمْرِي عَلَى بَيْتِ بَعْشَا تَحْقِيقًا لِكَلَامِ اللهِ الَّذِي تَكَلَّمَ به عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ يَاهُو ضِدَّ بَعْشَا. هَذَا كُلُّهُ كَانَ بِسَبَبِ خَطَايَا بَعْشَا وَخَطَايَا ابْنِهِ أيلَةَ. فَقَدْ أخطَآ وَجَعَلَا بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. وَصَنَعَا أوْثَانًا فأغْضَبَا اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ أيلَةَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَاعتَلَى زِمْرِي العَرشَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ حُكْمِ آسَا لِيَهُوذَا. وَلَمْ يحكُم فِي تِرْصَةَ سِوى سَبعةِ أيَّامٍ. فَقَدْ حَدَثَ أنَّ جَيْشَ إسْرَائِيلَ كَانَ فِي مَدِينَةِ جِبَّثُونَ الفِلِسْطِيَّةِ. فَسَمِعُوا أنَّ زِمْرِي تَآمَرَ عَلَى المَلِكِ وَقَتَلَهُ. فَنَصَّبَ كُلُّ الجُنُودِ الَّذِينَ فِي المُخَيَّمِ عُمْرِي، قَائِدَ الجَيْشِ، مَلِكًا. ثُمَّ غَادَرَ عُمْرِي وَكُلُّ جُنُودِ إسْرَائِيلَ جِبَّثُونَ وَتَوَجَّهُوا إلَى تِرْصَةَ. وَحَاصَرُوا المَدِينَةَ ثُمَّ هَاجَمُوهَا. فَلَمَّا رَأى زِمْرِي أنَّ عُمْرِي استَوْلَى عَلَى المَدِينَةِ، هَرَبَ إلَى القَصْرِ، وَأحرَقَ القصرَ وَهُوَ فِيهِ، فَمَاتَ زِمْرِي لِأنَّهُ أخطَأ وَفَعَلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . فَقَدْ سَارَ فِي طَرِيقِ يَرُبْعَامَ الَّذِي أخطَأ وَجَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ زِمْرِي وَمُؤَامَرَاتِهِ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَانقَسَمَ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى قِسْمَينِ. فَكَانَ القِسْمُ الأوَّلُ يُوالِي تِبْنِي بْنَ جِينَةَ، وَأرَادَ أنْ يُنَصِّبَهُ مَلِكًا. أمَّا القِسْمُ الثَّانِي، فَكَانَ يُوالِي عُمرِي. لَكِنَّ أتبَاعَ عُمْرِي كَانُوا أقوَى مِنْ أتبَاعِ تِبْنِي. فَدَارَتْ مَعرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، قُتِلَ فِيهَا تِبْنِي، فَتَوَلَّى عُمْرِي الحُكْمَ. فَاعتَلَى عُمْرِي عَرْشَ إسْرَائِيلَ فِي السَّنَةِ الحَادِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حُكْمِ آسَا لِيَهُوذَا. وَقَدْ حَكَمَ عُمْرِي إسْرَائِيلَ اثنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، سِتًّا مِنْهَا فِي مَدِينَةِ تِرْصَةَ. وَاشتَرَى عُمرِي جَبَلَ السَّامِرَةِ مِنْ سَامِرَ بِقِنْطَارَينِ مِنَ الفِضَّةِ. وَبَنَى مَدِينَةً عَلَى ذَلِكَ الجَبَلِ، وَأطلَقَ عَلَيْهَا اسْمَ «السَّامِرَةِ» بَحَسَبِ اسْمِ المَالِكِ السَّابِقِ، سَامِرَ. وَفَعَلَ عُمرِي الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . بَلْ كَانَ أسوَأَ مِنْ كُلِّ المُلُوكِ الَّذِينَ سَبَقُوهُ. وَارتَكَبَ الخَطَايَا نَفْسَهَا الَّتِي ارْتَكَبَهَا يَرُبْعَامُ بْنُ نَابَاطَ، الَّذِي جَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ أيْضًا. فَأغضَبُوا اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، غَضَبًا شَدِيدًا، بِسَبَبِ أوْثَانِهِمْ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ عُمْرِي وَجَبَرُوتِهِ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَمَاتَ عُمْرِي وَدُفِنَ فِي السَّامِرَةِ، فَخَلَفَهُ ابْنُهُ أخآبُ. وَاعتَلَى أخآبُ بْنُ عُمْرِي عَرْشَ إسْرَائِيلَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حُكْمِ آسَا لِيَهُوذَا. فَحَكَمَ أخآبُ فِي مَدِينَةِ السَّامِرَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَفَعَلَ أخآبُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . بَلْ إنَّهُ كَانَ أسوَأ مِنْ كُلِّ المُلُوكِ الَّذِينَ قَبلَهُ. فَلَمْ يَكْتَفِ بَارتِكَابِ خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَابَاطَ وَكأنَّهَا قَلِيلَةٌ! بَلْ تَزَوَّجَ أيْضًا إيزَابَلَ بِنْتَ أثْبَعَلَ مَلِكِ الصَّيدُونِيِّينَ. وَصَارَ يَعْبُدُ البَعلَ كَزَوْجَتِهِ. وَبَنَى أخآبُ فِي السَّامِرَةِ هَيْكَلًا لِعِبَادَةِ البَعْلِ، وَوَضَعَ فِيهِ مَذْبَحًا. وَأقَامَ أخآبُ عَمُودًا لِعِبَادَةِ عَشْتَرُوتَ. وَفَعَلَ أُمُورًا تُغضِبُ اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، أكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ المُلُوكِ الَّذِينَ سَبَقُوهُ. وَفِي فَتْرَةِ حُكمِهِ، أعَادَ حِيئِيلُ البَيتُئِيلِيُّ بِنَاءَ مَدِينَةِ أرِيحَا. وَعِنْدَمَا بَاشَرَ العَمَلَ فِي وَضْعِ أسَاسَاتِ المدينةِ، مَاتَ ابْنُهُ البِكْرُ أبِيرَامُ. وَعِنْدَمَا وَضَعَ حِيئِيلُ أبوَابًا لِلمَدِينَةِ، مَاتَ ابْنُهُ الأصغَرُ، سَجُوبُ. حَدَثَ هَذَا تَحْقِيقًا لِمَا قَالَهُ اللهُ عَلَى فَمِ يَشُوعَ بْنِ نُونٍ. كَانَ إيلِيَّا نَبِيًّا مِنْ بَلْدَةِ تِشْبِي فِي جِلْعَادَ. فَذَهَبَ إيلِيَّا إلَى أخآبَ وَقَالَ لَهُ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، الَّذِي أقِفُ فِي حَضْرَتِهِ، لَنْ يَنْزِلَ مَطَرٌ وَلَا نَدَىً فِي السَّنَوَاتِ القَادِمَةِ، إلَّا عِنْدَمَا آمُرُهُ بِالنُّزُولِ.» وَكَلَّمَ اللهُ إيلِيَّا وَقَالَ لَهُ: «اترُكْ هَذَا المَكَانَ وَاذْهَبْ شَرْقًا، وَاختَبِئْ قُرْبَ جَدْوَلِ كَرِيتَ شَرْقَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. اشرَبْ مِنْ ذَلِكَ الجَدوَلِ، وَقَدْ أمَرتُ غِرْبَانًا بِأنْ تَجْلِبَ لَكَ الطَّعَامَ إلَى ذَلِكَ المَكَانِ.» فَانصَرَفَ إيلِيَّا وَفَعَلَ كَمَا أمَرَهُ اللهُ . فَذَهَبَ لِيُقِيمَ قُرْبَ جَدوَلِ كَرِيتَ، شرقَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. فَكَانَتِ الغِرْبَانُ تَجْلِبُ لَهُ الطَّعَامَ كُلَّ صَبَاحٍ وَكُلَّ مَسَاءٍ، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الجَدوَلِ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَنِ جَفَّ النَّهْرُ، إذْ لَمْ يَنْزِلْ أيُّ مَطَرٍ. فَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إيلِيَّا: «اذْهَبْ إلَى صِرْفَةِ صَيدُونَ، وَامكُثْ هُنَاكَ. فَقَدْ أمَرْتُ أرْمَلَةً هُنَاكَ أنْ تُطْعِمَكَ.» فَذَهَبَ إيلِيَّا إلَى صِرْفَةِ صَيْدُونَ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ إلَى بَابِ المَدِينَةِ، رَأى الأرمَلَةَ تَجْمَعُ عِيدَانًا لِلنَّارِ. فَقَالَ لَهَا إيلِيَّا: «أحْضِرِي لِي مِنْ فَضْلِكِ بَعْضَ المَاءِ فِي كُوبٍ لِأشْرَبَ.» وَبَيْنَمَا كَانَتِ المَرْأةُ ذَاهِبَةً لِتُحضِرَ لَهُ مَا طَلَبَهُ، قَالَ لَهَا إيلِيَّا: «أحضِرِي لِي مِنْ فَضْلِكِ قِطْعَةَ خُبْزٍ أيْضًا.» فَأجَابَتِ المَرْأةُ: «أُقْسِمُ الحَيِّ، لَا خُبَزَ لَدَيَّ. لَا أمْلُكُ إلَّا قَلِيلًا مِنَ الطَّحِينِ فِي جَرَّةٍ، وَقَلِيلًا مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فِي إبْرِيقٍ. وَقَدْ جِئتُ لِأجْمَعَ عُودَينِ أوْ ثَلَاثَةً لِأُشْعِلَ نَارًا وَأخْبِزَ لِي وَلِابْنِي وَجبَتَنَا الأخِيرَةَ. سَنَأكُلُهَا ثُمَّ نَمُوتُ جُوعًا.» فَقَالَ إيلِيَّا لِلمَرْأةِ: «لَا تَقْلَقِي! اذهَبِي إلَى بَيْتِكِ وَاطبُخِي طَعَامَكِ كَمَا كُنْتِ تَنْوِينَ. لَكِنْ اصنَعِي لِي أوَّلًا رَغِيفَ خُبْزٍ صَغِيرًا مِنَ الطَّحِينِ الَّذِي عِنْدَكِ. وَأحضِرِي الرَّغِيفَ لِي، ثُمَّ اطبُخِي لَكِ وَلِابْنِكِ. فَقَدْ قَالَ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹لَنْ تَفْرَغَ جَرَّةُ الطَّحِينِ، وَلَنْ يَقِلَّ الزَّيْتُ فِي الإبْريقِ، إلَى أنْ يُرسِلَ اللهُ مَطَرًا عَلَى الأرْضِ.›» فَذَهَبَتِ المَرْأةُ إلَى بَيْتِهَا. وَفَعَلَتْ كَمَا طَلَبَ إيلِيَّا. فَأكَلَ إيلِيَّا وَالمَرْأةُ وَابْنُهَا كِفَايَتَهُمْ لِأيَّامٍ كَثِيرَةٍ. وَلَمْ تَفْرُغْ جَرَّةُ الطَّحِينِ وَلَمْ يَنْقُصِ الزَّيْتُ مِنَ الإبْرِيقِ. فَكَانَ هَذَا تَحْقِيقًا لِمَا تَكَلَّمَ بِهِ اللهُ عَلَى لِسَانِ إيلِيَّا. وَبَعْدَ فَترَةٍ مَرِضَ ابْنُ الأرمَلَةِ. وَاشتَدَّ بِهِ المَرَضُ. وَأخِيرًا، لَمْ يَعُدْ يَتَنَفَّسُ. فَقَالَتِ الأرمَلَةُ لِإيلِيَّا: «مَالِي وَلَكَ يَا رَجُلَ اللهِ؟ أمْ إنَّكَ لَمْ تَجِئْ إلَى هُنَا إلَّا لِتَجْعَلَنِي أتَذَكَّرُ خَطَايَايَ السَّابِقَةَ، فأدْفَعُ ثَمَنَ تلكَ الخَطَايَا بِمَوْتِ ابْنِي؟» فَقَالَ لَهَا إيلِيَّا: «أحْضِرِي ابْنَكِ.» فَأخَذَ إيلِيَّا الوَلَدَ مِنْهَا وَحَمَلَهُ إلَى الطَّابِقِ العُلوِيِّ حَيْثُ كَانَ يُقِيمُ. ثُمَّ صَرَخَ إلَى اللهِ وَقَالَ: «يَا ، هَلْ وَصَلَتِ المُصِيبَةُ حَتَّى إلَى هَذِهِ الأرْمَلَةِ الَّتِي أُقِيمُ فِي بَيْتِهَا، فَأمَتَّ ابْنَهَا؟» ثُمَّ تَمَدَّدَ إيلِيَّا فَوْقَ الوَلَدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَصَلَّى: «يَا ، أعِدْ رُوحَ هَذَا الوَلَدِ إلَى جَسَدِهِ لِيَحيَا!» فَاسْتَجَابَ اللهُ صَلَاةَ إيلِيَّا. فَرَجِعَتْ رُوحُ الوَلَدِ إلَى جَسَدِهِ فَعَاشَ! فَنَزَلَ إيلِيَّا وَهَوَ يَحْمِلُ الوَلَدَ إلَى الطَّابِقِ السُّفلِيِّ. وَأعْطَى الوَلَدَ لِأُمِّهِ وَقَالَ: «هَا إنَّ ابنَكِ حَيٌّ!» فَأجَابَتِ المَرْأةُ: «الآنَ تَأكَّدْتُ أنَّكَ رَجُلُ اللهِ. وَأنَا مُتَيَقِّنَةٌ أنَّ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَلَى فَمِكَ لَا بُدَّ أنْ يَتِمَّ!» وَفِي سَنَةِ الجَفَافِ الثَّالِثَةِ، قَالَ اللهُ لِإيلِيَّا: «اذْهَبْ وَقَابِلِ أخآبَ. وَسَأُرْسِلُ مَطَرًا سَرِيعًا.» فَذَهَبَ إيلِيَّا لِلِقَاءِ أخآبَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كَانَتِ المَجَاعَةُ شَدِيدَةً فِي السَّامِرَةِ. فَاسْتَدْعَى أخآبُ عُوبَديَا، المُشْرِفَ عَلَى قَصْرِ المَلِكِ. وَكَانَ عُوبَدْيَا يَهَابُ اللهَ كَثِيرًا. فَحِينَ بَدَأتْ إيزَابَلُ بِقَتلِ أنْبِيَاءِ اللهِ ، خَبَّأ مِئَةَ نَبِيٍّ مِنْهُمْ فِي مَغَارَتَيْنِ. فَوَضَعَ فِي كُلِّ مَغَارَةٍ خَمْسِينَ رَجُلًا. وَكَانَ يَأْتِي إلَيْهِمْ بِالطَّعَامِ وَالمَاءِ. فَقَالَ أخآبُ لِعُوبَدْيَا: «تَعَالَ مَعِي، وَلنَتَفَحَّصْ كُلَّ جَدْوَلٍ وَنَبْعٍ فِي بَلَدِنَا. سَنَرَى إنْ كَانَ هُنَاكَ عُشبٌ يَكْفِي لِلإبقَاءِ عَلَى حَيَاةِ بَعْضِ الخُيُولِ وَالبِغَالِ. فَنَحْنُ لَا نُرِيدُ أنْ تَمُوتَ الحَيَوَانَاتُ كُلُّهَا.» فَاخْتَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَلِكَ الجُزءَ مِنَ البَلَدِ الَّذِي يَنْوِي أنْ يُفَتِّشَ فِيهِ عَنْ مَاءٍ. وَذَلِكَ لِيُغَطِّيَا البَلَدَ كُلَّهُ. فَذَهَبَ أخآبُ فِي اتِّجَاهٍ وَحْدَهُ، بَيْنَمَا ذَهَبَ عُوبَدْيَا فِي اتِّجَاهٍ آخَرَ وَحْدَهُ. وَبَيْنَمَا كَانَ عُوبَدْيَا فِي الطَّرِيقِ، رَأى إيلِيَّا فَعَرَفَهُ. فَانحَنَى أمَامَهُ وَقَالَ: «إيلِيَّا؟ أأنْتَ حَقًّا إيلِيَّا، يَا سَيِّدِي؟» فَأجَابَ إيلِيَّا: «نَعَمْ، أنَا إيلِيَّا! فَاذْهَبْ وَأخْبِرْ سَيِّدَكَ المَلِكَ بِأنِّي هُنَا.» فَقَالَ عُوبَدْيَا: «بِمَاذَا أسَأتُ إلَيْكَ لِتَطْلُبَ مِنِّي هَذَا؟ فَإنْ أخبَرْتُ أخآبَ أنِّي أعْرِفُ مَكَانَكَ، سَيَقْتُلُنِي فَوْرًا! أُقْسِمُ الحَيِّ، إنَّ المَلِكَ بَحَثَ عَنْكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ! لَمْ يَتْرُكْ شعْبًا أوْ بلدًا إلَّا وَأرْسَلَ إلَيهِ أُنَاسًا يَبْحَثُونَ عَنْكَ. وَعِنْدَمَا كَانَ حَاكِمٌ يَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَجِدْكَ، كَانَ يَطْلُبُ إلَيْهِ أنْ يُقسِمَ عَلَى أنَّهُ صَادِقٌ فِي مَا قَالَهُ. وَالْآنَ أنْتَ تَقُولُ لِي: ‹اذْهَبْ إلَى سَيِّدِكَ وَأخبِرْهُ عَنْ مَكَانِي.› أخشَى أنْ يَحْمِلَكَ رُوحُ اللهِ إلَى مَكَانٍ آخَرَ حِينَ أذهَبُ وَأُخبِرُ المَلِكَ أنَّكَ هُنَا. وَعِنْدَمَا يَأْتِي أخآبُ هُنَا، لَنْ يَجِدَكَ. حِينَئِذٍ، سَأدفَعُ حَيَاتِي ثَمَنًا لِذَلِكَ. أُرِيدُ أنْ تَعْرِفَ أنِّي أتَّبِعُ اللهَ مُنْذُ صِبَايَ. ألَمْ يَصِلْكَ خَبَرُ مَا فَعَلْتُهُ عِنْدَمَا أخَذَتْ إيزَابَلُ تَقْتُلُ أنْبِيَاءَ اللهِ . خَبَّأتُ مِئَةً مِنْهُمْ فِي مَغَارَتَيْنِ. فَوَضَعْتُ خَمِسِينَ فِي مَغَارَةٍ، وَخَمْسِينَ فِي مَغَارَةٍ أُخْرَى. وَجَلَبْتُ لَهُمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ. وَالْآنَ أنْتَ تُرِيدُنِي أنْ أذهَبَ وَأقُولَ لِلمَلِكِ إنَّكَ هُنَا. مِنَ المُؤَكَّدِ أنَّهُ سَيَقْتُلُنِي!» فَأجَابَ إيلِيَّا: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ القَدِيرِ، إنِّي سأُقَابِلُ أخآبَ اليَوْمَ.» فَذَهَبَ عُوبَدْيَا إلَى أخآبَ. وَأخبَرَهُ عَنْ مَكَانِ وُجُودِهِ. فَذَهَبَ أخآبُ لِلِقَاءِ إيلِيَّا. فَلَمَّا رَأى أخآبُ إيلِيَّا قَالَ: «أهُوَ أنْتَ يَا مَصْدَرَ المَتَاعِبِ فِي إسْرَائِيلَ؟» فَأجَابَ إيلِيَّا: «لَسْتُ أنَا مَصْدَرَ المَتَاعِبِ فِي إسْرَائِيلَ، بَلْ أنْتَ وَعَائِلَةُ أبِيكَ! فَقَدْ تَرَكْتُمْ وَصَايَا اللهِ وَتَبِعْتُمْ آلِهَةً زَائِفَةً. وَالْآنَ قُلْ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يُقَابِلُونِي عِنْدَ جَبَلِ الكَرْمَلِ. وَأحْضِرْ مَعَكَ أيْضًا أنْبِيَاءَ البَعْلِ الأرْبَعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ، وَأحْضِرْ أنْبِيَاءَ الإلَهَةِ الزَّائِفَةِ عَشْتَرُوتَ الأرْبَعَ مِئَةٍ الَّذِينَ تَعُولُهُمُ المَلِكَةُ إيزَابَلُ.» فَدَعَا أخآبُ كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهَؤُلَاءِ الأنْبِيَاءَ إلَى جَبَلِ الكَرْمَلِ. فَخَاطَبَ إيلِيَّا كُلَّ الشَّعْبِ وَقَالَ: «حَتَّى مَتَى تَتَرَدَّدُونَ كَالعُرْجِ بَيْنَ طَريِقَينِ؟ إنْ كَانَ يهوه هُوَ الإلَهُ الحَقِيقِيُّ، فَاتْبَعُوهُ! وَإنْ كَانَ البَعلُ هُوَ الإلَهُ الحَقِيقِيُّ، فَاتْبَعُوهُ!» فَلَمْ يَقُلِ الشَّعْبُ شَيْئًا. فَقَالَ إيلِيَّا: «أنَا النَّبِيُّ الوَحِيدُ لِيهوه هُنَا. أمَّا أنْبِيَاءُ البَعْلِ فَهُمْ كُثْرٌ، أرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ. فَهَاتُوا ثَوْرَينِ. وَلْيَخْتَرْ أنْبِيَاءُ البَعْلِ ثَوْرًا، وَلْيَذْبَحُوهُ وَيُقَطِّعُوهُ. ثُمَّ لِيَضَعُوا اللَّحمَ عَلَى الخَشَبِ. لَكِنْ لَا تُوقِدُوا نَارًا تَحْتَهُ. وَسَأفْعَلُ الأمْرَ نَفْسَهُ بِالثَّورِ الثَّانِي. وَلَنْ أُوقِدَ نَارًا تَحْتَهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَتُصَلُّونَ أنْتُمْ، أنْبِيَاءَ البَعْلِ، لِإلَهِكُمْ. وَأنَا سَأُصَلِّي لِيهوه. وَالإلَهُ الَّذِي سَيَسْتَجِيبُ لِلصَّلَاةِ بِإعطَاءِ نَارٍ يَكُونُ الإلَهَ الحَقِيقِيَّ.» فَقَالَ أنْبِيَاءُ البَعْلِ: «هَذَا حَسَنٌ.» فَقَالَ إيلِيَّا لِأنْبِيَاءِ البَعْلِ: «أنْتُمْ كُثُرٌ، فَابدَأُوا أوَّلًا. اختَارُوا ثَوْرًا وَأعِدُّوهُ. لَكِنْ لَا تُوقِدُوا نَارًا تَحْتَهُ.» فَأخَذَ أنْبِيَاءُ البَعْلِ الثَّورَ الَّذِي أُعْطِيَ لَهُمْ. وَأعَدُّوهُ. وَظَلُّوا يُصَلُّونَ لِلبَعلِ إلَى الظُّهرِ. صَلُّوا: «يَا بَعلُ، أجِبْنَا!» وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَوْتٌ أوْ جَوَابٌ. فَرَاحَ الأنْبِيَاءُ يَرْقُصُونَ حَوْلَ المَذْبَحِ الَّذِي بَنَوْهُ. وَعِنْدَ الظُّهرِ بَدَأ إيلِيَّا يَهْزَأُ بِهِمْ وَيَقُولُ: «اصْرُخُوا بِصَوْتٍ أعْلَى. فَهُوَ إلَهٌ وَسَيَسْمَعُكُمْ بِالتأكِيدِ! رُبَّمَا هُوَ مُسْتَغْرِقٌ فِي التَّفكِيرِ أوْ مَشْغُولٌ أوْ مُسَافِرٌ، أوْ رُبَّمَا هُوَ نَائِمٌ فَيَسْتَيْقِظَ!» فَصَلَّى الأنْبِيَاءُ بِصَوْتٍ أعْلَى وَهُمْ يَجْرَحُونَ أنْفُسَهُمْ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ كَمَا اعْتَادُوا فِي العِبَادَةِ، حَتَّى سَالَ الدَّمُ مِنْهُمْ. وَانقَضَى بَعْدُ ظُهرِ ذَلِكَ اليَوْمِ، وَوَاصَلَ الأنْبِيَاءُ الرَّقْصَ بِلَا وَعْيٍ إلَى أنْ حَانَ وَقْتُ تَقْدِيمِ ذَبِيحَةِ المَسَاءِ. لَكِنَّ إلَهَهُمْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَا بِقُولٍ وَلَا بِفِعلٍ! فَقَالَ إيلِيَّا: «وَالْآنَ تَقَدَّمُوا إلَيَّ.» فَتَجَمَّعَ كُلُّ الشَّعْبِ حَوْلَ إيلِيَّا. وَكَانَ مَذْبَحُ اللهِ قَدْ تَهَدَّمَ. فَأصلَحَهُ إيلِيَّا. ثُمَّ جَمَعَ إيلِيَّا اثنَيْ عَشَرَ حَجَرًا، بِعَدَدِ قَبَائِلِ أبْنَاءِ يَعْقُوبَ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ : «سَيُدْعَى اسمُكَ إسْرَائِيلَ.» وَاستَخْدَمَ إيلِيَّا هَذِهِ الحِجَارَةَ فِي إصلَاحِ المَذْبَحِ إكرَامًا لِاسْمِ اللهِ . وَحَفَرَ خَنْدَقًا صَغِيرًا حَوْلَ المَذْبَحِ يَتَّسِعُ لِصَاعَيْنِ مِنَ الحُبُوبِ. ثُمَّ وَضَعَ الخَشَبَ عَلَى المَذْبَحِ. وَقَطَّعَ الثَّورَ، وَوَضَعَ القِطَعَ عَلَى الخَشَبِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: «املأُوا أرْبَعَ أبَارِيقَ بِالمَاءِ، وَاسكُبُوا المَاءَ عَلَى اللَّحْمِ وَعَلَى الخَشَبِ.» ثُمَّ قَالَ: «كَرِّرُوا ذَلِكَ.» فَفَعَلُوا. ثُمَّ قَالَ: «كَرِّرُوا ذَلِكَ ثَانِيَةً.» فَفَعَلُوا حَتَّى جَرَى المَاءُ حَوْلَ المَذْبَحِ وَمَلأ الخَندَقَ أيْضًا. وَحَانَ وَقْتُ تَقْدِيمِ الذَّبِيحَةِ. فَاقْتَرَبَ إيلِيَّا مِنَ المَذْبَحِ وَصَلَّى فَقَالَ: «يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، أظْهِرْ لِلجَمِيعِ اليَوَمَ أنَّكَ إلَهُ إسْرَائِيلَ، وَأنِّي أنَا عَبْدُكَ، وَقَدْ فَعَلْتُ مَا فَعَلْتُهُ بِأمْرِكَ. فَاسْتَجِبْ لِي يَا اللهُ ، اسْتَجِبْ لِي. وَلَيَعْلَمْ هَؤُلَاءِ النَّاسُ أنَّكَ أنْتَ يهوه الإلَهُ الحَقِيقِيُّ. وَأنَّكَ تُرِيدُ أنْ تُرْجِعَ قُلُوبَهُمْ إلَيْكَ.» فَأرْسَلَ اللهُ نَارًا مِنَ السَّمَاءِ. فَالتَهَمَتِ النَّارُ الذَّبِيحَةَ وَالخَشَبَ وَالحِجَارَةَ وَالأرْضَ المُحِيطَةَ بِالمَذْبَحِ. وَالتَهَمَتِ النَّارُ أيْضًا المَاءَ الَّذِي فِي الخَندَقِ. فَلَمَّا رَأى الشَّعْبُ هَذَا، سَجَدُوا عَلَى الأرْضِ وَقَالُوا: «يهوه هُوَ اللهُ الحَقِيقِيُّ! يهوه هُوَ اللهُ الحَقِيقِيُّ!» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ إيلِيَّا: «أمْسِكُوا بِأنْبِيَاءِ البَعْلِ كُلِّهِمْ. لَا تَدَعُوا أحَدًا مِنْهُمْ يَهْرُبْ!» فَأمسَكَ الشَّعْبُ بِكُلِّ أنْبِيَاءِ البَعْلِ. فَاقتَادَهُمْ إيلِيَّا وَنَزَلَ بِهِمْ إلَى نَهْرِ قِيشونَ. وَهُنَاكَ ذَبَحَ هَؤلَاءِ الأنْبِيَاءَ جَمِيعًا. ثُمَّ قَالَ إيلِيَّا لِلمَلِكِ أخآبَ: «وَالْآنَ اذْهَبْ، وَاحتَفِلْ وَكُلْ وَاشرَبْ، فَهُنَاكَ مَطَرٌ غَزِيرٌ قَادِمٌ.» فَذَهَبَ أخآبُ لِيَأْكُلَ. وَفِي الوَقْتِ نَفْسِهِ، صَعِدَ إيلِيَّا إلَى قِمَّةِ جَبَلِ الكَرْمَلِ، وَسَجَدَ وَاضِعًا رَأسَهُ بَيْنَ رُكبَتَيْهِ. ثُمَّ قَالَ إيلِيَّا لِخَادِمِهِ: «اصعَدْ وَانْظُرْ بِاتِّجَاهِ البَحْرِ.» فَصَعِدَ خَادِمُهُ ثُمَّ رَجِعَ وَقَالَ: «لَمْ أرَ شَيْئًا.» فَطَلَبَ إلَيْهِ إيلِيَّا أنْ يَذْهَبَ وَيَنْظُرَ ثَانِيَةً. وَتَكَرَّرَ هَذَا سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَفِي المَرَّةِ السَّابِعَةِ قَالَ الخَادِمُ: «رَأيْتُ غَيمَةً صَغِيرَةً قَدْرَ كَفِّ رَجُلٍ قَادِمَةً مِنَ البَحْرِ.» فَقَالَ إيلِيَّا لِلخَادِمِ: «اذْهَبْ إلَى أخآبَ وَقُلْ لَهُ أنْ يَرْكَبَ مَرْكَبَتَهُ. قُلْ لَهُ أنْ يُسرِعَ بِالذَّهَابِ إلَى بَيْتِهِ، وَإلَّا مَنَعَهُ المَطَرُ مِنْ ذَلِكَ.» وَبَعْدَ وَقْتٍ قَصِيرٍ، تَلَبَّدَتِ السَّمَاءُ بِغُيُومٍ سَودَاءَ. وَبَدَأتِ الرِّيحُ تَهُبُّ. وَرَاحَ المَطَرُ يَنْهَمِرُ. فَرَكِبَ أخآبُ مَرْكَبَتَهُ، وَأسرَعَ عَائِدًا إلَى يَزْرَعِيلَ. وَحَلَّتْ قُوَّةُ اللهِ عَلَى ايلِيَّا. فَشَدَّ حِزَامَهُ، وَرَكَضَ أمَامَ أخآبَ طَوَالَ الطَّرِيقِ إلَى يَزْرَعِيلَ. فَأخبَرَ أخآبُ إيزَابَلَ بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ إيلِيَّا، وَكَيْفَ قَتَلَ كُلَّ الأنْبِيَاءِ بِالسَّيْفِ. فَأرسَلَتْ إيزَابَلُ رَسُولًا إلَى إيلِيَّا يَقُولُ: «لَيْتَ الآلِهَةَ تَفْعَلُ بِي كُلَّ سُوءٍ إنْ لَمْ أقتُلْكَ قَبْلَ ظُهرِ غَدٍ كَمَا قَتَلْتَ أنْبِيَاءَ البَعْلِ.» فَلَّمَا سَمِعَ إيلِيَّا هَذَا خَافَ، فَهَرَبَ لِيَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ إلَى بِئْرِ السَّبْعِ فِي يَهُوذَا، وَتَرَكَ خَادِمَهُ هُنَاكَ. ثُمَّ مَشَى يَومًا كَامِلًا فِي البَرِّيَّةِ. وَعِنْدَمَا تَعِبَ جَلَسَ تَحْتَ شَجَرَةٍ. وَهُنَاكَ تَمَنَّى المَوْتَ لِنَفْسِهِ. وَقَالَ للهِ : «قَدْ كَفَانِي مَا حَصَلَ لِي يَا اللهُ. فَأمِتْنِي، فَأنَا لَسْتُ أفْضَلَ مِنْ آبَائِي.» فَاضطَجَعَ إيلِيَّا تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَنَامَ. فَجَاءَ مَلَاكٌ إلَى إيلِيَّا وَلَمَسَهُ، وَقَالَ لَهُ: «انْهَضْ وَكُلْ!» فتَطَلَّعَ إيلِيَّا فَرَأى عِنْدَ رَأسِهِ كَعكَةً مَخبُوزَةً عَلَى الفَحمِ وَإبرِيقَ مَاءٍ. فَأكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ عَادَ فَنَامَ. وَبَعْدَ فَترَةٍ عَادَ مَلَاكُ اللهِ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «انْهَضْ وَكُلْ! وَإلَّا فَإنَّكَ لَنْ تَقْوَى عَلَى قَطعِ الرِّحلَةِ الطَّوِيلَةِ أمَامَكَ.» فَنَهَضَ إيلِيَّا، وَأكَلَ وَشَرِبَ. وَاسْتَمَدَّ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ قُوَّةً تَكْفِيهِ لِلمَسِيرِ أرْبَعِينَ نَهَارًا وَأرْبَعِينَ لَيلَةً. فَسَارَ حَتَّى وَصَلَ إلَى جَبَلِ حُورِيبَ، جَبَلِ اللهِ. وَهُنَاكَ دَخَلَ إيلِيَّا مُغَارَةً وَبَاتَ لَيلَتَهُ فِيهَا. ثُمَّ كَلَّمَ اللهُ إيلِيَّا وَقَالَ لَهُ: «مَا الَّذِي تَفْعَلُهُ هُنَا يَا إيلِيَّا؟» فَأجَابَ إيلِيَّا: «غِرْتُ غَيْرَةً كَبِيرَةً للهِ ، الإلَهِ القَدِيرِ. لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَسَرُوا عَهْدَكَ، وَهَدَمُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أنْبِيَاءَكَ. وَأنَا النَّبِيُّ الوَحِيدُ النَّاجِي مِنْ بَيْنِ أنبِيَائِكَ. وَهُمْ يَسْعَوْنَ إلَى قَتلِي أيْضًا!» فَقَالَ اللهُ لِإيلِيَّا: «اخرُجْ وَقِفْ عَلَى الجَبَلِ أمَامِي. وَسَأمُرُّ مِنْ جَانِبِكَ.» فَخرَجَ وَوَقَفَ عَلَى الجَبَلِ. فَمَرَّ اللهُ مَعَ هُبُوبِ رِيحٍ قَوِيَّةٍ. فَشَقَّتِ الرِّيحُ الجَبَلَ، وَكَسَّرَتِ الصُّخُورَ أمَامَ اللهِ . لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ فِي الرِّيحِ. وَبَعْدَ تِلْكَ الرِّيحِ، حَدَثَ زَلْزَالٌ، لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ فِي الزَّلزَالِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ الزَّلزَالِ ظَهَرَتْ نَارٌ، لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ فِي النَّارِ. وَبَعْدَ تِلْكَ النَّارِ كَانَ هُنَاكَ صَوْتٌ هَادِئٌ رَقِيقٌ. فَلَمَّا سَمِعَ إيلِيَّا الصَّوتَ، لَفَّ وَجْهَهُ بِمِعطَفِهِ. ثُمَّ ذَهَبَ وَوَقَفَ فِي مَدْخَلِ المُغَارَةِ. فَقَالَ لَهُ الصَّوْتُ: «مَا الَّذِي تَفْعَلُهُ هُنَا؟» فَقَالَ إيلِيَّا: «غِرْتُ غَيْرَةً كَبِيرَةً للهِ ، الإلَهِ القَدِيرِ. لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَسَرُوا عَهْدَكَ، وَهَدَمُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أنْبِيَاءَكَ. وَأنَا النَّبِيُّ الوَحِيدُ النَّاجِي مِنْ بَيْنِ أنبِيَائِكَ. وَهُمْ يَسْعَوْنَ إلَى قَتلِي أيْضًا!» فَقَالَ لَهُ اللهُ : «ارجِعْ فِي الطَّرِيقِ المُؤَدِّي إلَى البَرِّيَّةِ القَرِيبَةِ مِنْ دِمَشْقَ. ثُمَّ ادْخُلْ دِمَشْقَ، وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أرَامَ. ثُمَّ امْسَحْ يَاهُو بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. وَامْسَحْ ألِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ الَّذِي مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا بَدَلًا مِنْكَ. وَسَيَقْتُلُ يَاهُو كُلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْ سَيفِ حَزَائِيلَ. وَسَيَقْتُلُ ألِيشَعُ كُلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْ سَيفِ يَاهُو. لَكِنِّي سَأُبقِي فِي إسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلَافِ رَجُلٍ لَمْ يَنْحَنُوا لِبَعلٍ وَلَا قَبَّلُوهُ.» فَغَادَرَ إيلِيَّا ذَلِكَ المَكَانَ وَذَهَبَ يُفَتِّشُ عَنْ ألِيشَعَ بْنِ شَافَاطَ. فَوَجَدَهُ يَحْرُثُ اثنَيْ عَشَرَ فَدَّانًا مِنَ الأرْضِ. فَتَقَدَّمَ إيلِيَّا إلَى ألِيشَعَ وَوَضَعَ مِعطَفَهُ عَلَيْهِ. فَتَرَكَ ألِيشَعُ البَقَرَ فَوْرًا وَرَكَضَ خَلفَ إيلِيَّا. فَقَالَ ألِيشَعُ: «اسْمَحْ لِي بِأنْ أُوَدِّعَ وَالِدِيَّ بِقُبلَةٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ سَأتبَعُكَ.» فَأجَابَهُ إيلِيَّا: «ارْجِعْ إنْ أرَدْتَ. هَلْ مَنَعْتُكَ مِنَ الرُّجُوعِ؟» فَرَجِعَ ألِيشَعُ وَذَبَحَ بَقَرَهُ. وَأحرَقَ نِيرَ البَقَرِ حَطَبًا لِلنَّارِ وَسَلَقَ اللَّحمَ. ثُمَّ وَزَّعَ مِنْهُ عَلَى أهْلِ بَلْدَتِهِ، فَأكَلُوا. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَامَ وَتَبِعَ إيلِيَّا وَصَارَ مُسَاعِدًا لَهُ. حَشَدَ بَنْهَدَدُ، مَلِكُ أرَامَ جَيْشَهُ. وَتَحَالَفَ مَعَ اثنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَلِكًا مَعَ جُيُوشِهِمْ وَخُيُولِهِمْ وَمَرْكَبَاتِهِمْ. وَحَاصَرُوا السَّامِرَةَ ثُمَّ هَاجَمُوهَا. وَأرْسَلَ المَلِكُ بَنْهَدَدُ رُسُلًا إلَى المَدِينَةِ إلَى أخآبَ مَلِكِ إسْرَائِيلَ. فَحَمَلُوا رِسَالَةً مِنَ المَلِكِ تَقُولُ: «أُرِيدُ فِضَّتَكَ وَذَهَبَكَ وَزَوْجَاتِكَ وَأبْنَاءَكَ.» فَأجَابَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ: «يَا مَوْلَايَ المَلِكُ، أنَا وَكُلُّ مَا أمْلِكُهُ تَحْتَ أمْرِكَ.» فَرَجِعَ الرُّسُلُ وَأبْلَغُوا بَنْهَدَدَ بِجَوَابِ أخآبَ. فَأرْسَلَ رُسُلَهُ مَرَّةً أُخْرَى إلَى أخآبَ يَقُولُونَ: «سَبَقَ أنْ قُلْتُ لَكَ إنِّي أُرِيدُ أفْضَلَ مَا لَدَيكَ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَزَوْجَاتٍ وَأبْنَاءٍ. سَأُرْسِلُ رِجَالِي فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ مِنْ يَوْمِ غَدٍ لِكَي يُفَتِّشُوا بَيْتَكَ وَبُيُوتَ كِبَارِ مَسؤُولِيكَ. وَسَيَأْخُذُونَ كُلَّ مَا هُوَ ثَمِينٌ عِنْدَكَ، وَيُحضِرُونَهُ إلَيَّ.» فَدَعَا أخآبُ جَمِيعَ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ لِلِاجْتِمَاعِ بِهِ. وَقَالَ لَهُمْ: «انْظُرُوا، إنَّ بَنْهَدَدَ يَنْوِي فِعلَ الشَّرِّ. فَقَدْ طَلَبَ مِنِّي أوَّلًا أنْ أُعْطِيَهُ نِسَائِي وَأبنَائِي، وَفِضَّتِي، وَذَهَبِي. فَقَبِلْتُ.» فَقَالَ لَهُ الشُّيُوخُ وَكُلُّ الشَّعْبِ: «لَا تُذْعِنْ لَهُ، وَلَا تَقْبَلْ مَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ.» فَأرْسَلَ أخآبُ رِسَالَةً إلَى بَنْهَدَدَ قَالَ فِيهَا: «سَأفْعَلُ مَا طَلَبْتَهُ مِنِّي فِي البِدَايَةِ، لَكِنِّي لَا أقبَلُ طَلَبَكَ الثَّانِي.» فَأرْسَلَ بَنْهَدَدُ رِسَالَةً إلَى مَلِكِهِمْ. فَأجَابَهُ بَنْهَدَدُ وَقَالَ: «لَيْتَ الآلِهَةَ تُعَاقِبَنِي إنْ لَمْ أُدَمِّرِ السَّامِرَةَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا وَلَوْ حِفنَةُ تُرَابٍ يَغْنَمُهَا رَجُلٌ مِنْ رِجَالِي!» فَأجَابَ أخآبُ الرُّسُلَ: «قُولُوا لَهُ لَيْسَ الفَخْرُ لِمَنْ يَلبَسُ سِلَاحَهُ، بَلْ لِمَنْ يَنْزِعُهُ!» وَكَانَ المَلِكُ بِنهَدَدُ يَشْرَبُ فِي خَيْمَتِهِ عِنْدَمَا وَصَلَ رُسُلُهُ حَامِلِينَ جَوَابَ أخآبَ. فَأمَرَ بِنهَدَدُ رِجَالَهُ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلهُجُومِ عَلَى المَدِينَةِ. فَاتَّخَذَ جُنُودُهُ مَوَاقِعَهُمُ اسْتِعدَادًا لِلمَعْرَكَةِ. وَفِي الوَقْتِ نَفْسِهِ جَاءَ نَبِيٌّ إلَى أخآبَ مَلِكِ إسْرَائِيلَ. فَقَالَ لَهُ: «يَقُولُ اللهُ لَكَ: ‹أتَرَى هَذَا الجَيْشَ الكَبِيرَ؟ سَأُعِينُكَ، أنَا اللهُ ، عَلَى أنْ تَهْزِمَهُ اليَوْمَ. حِينَئِذٍ، سَتَتَأكَّدُ أنِّي أنَا الإلَهُ الحَقِيقِيُّ!›» فَقَالَ أخآبُ: «بِمَنْ سَأهزِمُهُمْ؟» فَأجَابَ النَّبِيُّ: «يَقُولُ اللهُ : بِالفِتْيَانِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ مَسؤُولِي الحُكُومَةِ.» فَسَألَ المَلِكُ: «وَمَنْ سَيَبدأُ المَعرَكَةَ؟» فَأجَابَ النَّبِيُّ: «أنْتَ.» فَجَمَعَ أخآبُ الفِتْيَانَ الَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَ مَسؤُولِي الحُكُومَةِ. فَكَانَ مَجْمُوعُهُمْ مِئَتَيْنِ وَاثنَيْنِ وَثَلَاثِينَ. ثُمَّ جَمَعَ المَلِكُ جَيْشَ إسْرَائِيلَ. فَكَانَ مَجْمُوعُهُمْ سَبْعَةَ آلَافِ جُندِيٍّ. وَعِنْدَ الظُّهْرِ، كَانَ المَلِكُ بَنْهَدَدُ وَالمُلُوكُ الِاثْنَانُ وَالثَّلَاثُونَ المُسَاعِدُونَ لَهُ يَشْرَبُونَ وَيَسْكَرُونَ فِي خِيَمِهِمْ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، بَدَأ هُجُومُ أخآبَ. هَجَمَ الفِتْيَانُ أوَّلًا. فَجَاءَ رِجَالُ المَلِكِ بَنْهَدَدَ وَأخبَرُوهُ بِأنَّ جُنُودًا خَرَجُوا مِنَ السَّامِرَةِ. فَقَالَ بَنْهَدَدُ: «أمسِكُوا بِهِمْ أحيَاءَ، سَوَاءٌ أجَاءُوا لِلسِّلْمِ أمْ لِلحَرْبِ.» وَكَانَ فِي المُقَدِّمَةِ فِتْيَانُ جَيْشِ أخآبَ، وَورَاءَهُمْ بَقِيَّةُ الجَيْشِ. فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَيْشِ إسْرَائِيلَ الرَّجُلَ الَّذِي تَصَدَّى لَهُ. فَبَدَأ جُنُودُ أرَامَ يَهْرُبُونَ. فَطَارَدَهُمْ جَيْشُ إسْرَائِيلَ. وَهَرَبَ المَلِكُ بَنْهَدَدُ عَلَى حِصَانِ إحْدَى المَرْكَبَاتِ. وَقَادَ أخآبُ الجَيْشَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى كُلِّ خُيُولِ جَيْشِ أرَامَ وَمَرْكِبَاتِهِ. فَألحَقَ هَزِيمَةً مُنكَرَةً بِجَيْشِ أرَامَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ النَّبِيُّ إلَى أخآبَ وَقَالَ لَهُ: «سَيَهْجُمُ بَنْهَدَدُ المَلِكُ عَلَيْكَ فِي الرَّبِيعِ القَادِمِ. فَاذْهَبْ وَقَوِّ جَيْشَكَ. وَأعِدَّ الخُطَطَ اللَّازِمَةَ لِلتَّصَدِّي لَهُ.» وَقَالَ قَادَةُ جَيْشِ بَنْهَدَدَ لَهُ: «إنَّ آلِهَةَ إسْرَائِيلَ آلِهَةُ جِبَالٍ. وَنَحْنُ حَارَبْنَاهُمْ فِي مِنْطَقَةِ جَبَلِيَّةٍ، فَانتَصَرُوا عَلَيْنَا. فَلْنُحَارِبْهُمْ عَلَى أرْضٍ مُنْبَسِطَةٍ، وَسَنَنْتَصِرُ عَلَيْهِمْ. وَلَا تَتْرُكِ الجُيُوشَ تَحْتَ إمْرَةِ المُلُوكِ الِاثنَيْنِ وَالثَّلَاثِينَ، بَلْ ضَعْهُمْ تَحْتَ إمْرَةِ ضُبَّاطِكَ. فَلْنَجْمَعْ جَيْشًا مِثْلَ ذَاكَ الَّذِي تَمَّ تَدْميرُهُ، مِثْلَهُ فِي عَدَدِ الرِّجَالِ وَالخَيلِ وَالعَرَبَاتِ. وَلنُقَاتِلْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى أرْضٍ مُنْبَسِطَةٍ. حِينَئِذٍ، نَنْتَصِرُ.» فَاسْتَمَعَ بَنْهَدَدُ إلَى نَصِيحَتِهِمْ وَعَمِلَ بِهَا. وَفِي الرَّبِيعِ، حَشَدَ بَنْهَدَدُ شَعْبَ أرَامَ. وَذَهَبَ إلَى أفِيقَ لِمُحَارَبَةِ إسْرَائِيلَ. وَاسْتَعَدَّ بَنُو إسْرَائِيلَ أيْضًا لِلحَرْبِ، وَذَهَبُوا لِمُلَاقَاةِ جَيْشِ أرَامَ. وَعَسْكَرُوا مُقَابِلَ مُعَسْكَرِ الأرَامِيِّينَ. وَظَهَرَ جَيْشُ إسْرَائِيلَ وَكَأنَّهُ مَجمُوعَتَانِ صَغِيرَتَانِ مِنَ الغَنَمِ، أمَّا جَيْشُ أرَامَ فَغَطَّى المِنْطَقَةَ كُلَّهَا. فَأتَى رَجُلٌ مِنْ رِجَالِ اللهِ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ: «يَقُولُ اللهُ : ‹قَالَ شَعْبُ أرَامَ إنِّي، أنَا اللهَ ، إلَهُ الجِبَالِ، لَا إلَهَ السُّهُولِ. لِهَذَا سَأنصُرُكَ عَلَى هَذَا الجَيْشِ الكَبِيرِ. حِينَئِذٍ، سَتَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ!›» فَاحتَشَدَ الجَيْشَانِ أحَدُهُمَا مُقَابِلَ الآخَرِ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ ابْتَدَأ القِتَالُ. فَقَتَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِئَةَ ألْفِ جُندِيٍّ مِنَ الجَيْشِ الأرَامِيِّ. فَهَرَبَ النَّاجُونَ إلَى مَدِينَةِ أفِيقَ. فَسَقَطَ سُورُ المَدِينَةِ عَلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ ألْفًا مِنْهُمْ. وَهَرَبَ بَنْهَدَدُ أيْضًا إلَى المَدِينَةِ وَاختَبَأ فِي غُرْفَةٍ. فَقَالَ لَهُ خُدَّامُهُ: «سَمِعْنَا أنَّ مُلُوكَ إسْرَائِيلَ رُحَمَاءُ. فَلْنَلْبَسْ كِتَّانًا خَشِنًا وَنَضَعْ حِبَالًا عَلَى رُؤُوسِنَا. وَلْنَذْهَبْ إلَى مَلِكِ إسْرَائِيلَ. فَرُبَّمَا يَعْفُو عَنَّا.» فَلَبِسُوا كِتَّانًا خَشِنًا وَوَضَعُوا حِبَالًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ. وَجَاءُوا إلَى مَلِكِ إسْرَائِيلَ وَقَالُوا لَهُ: «يَقُولُ عَبْدُكَ بَنْهَدَدُ: ‹اعْفُ عَنِّي مِنْ فَضْلِكَ.›» فَقَالَ أخآبُ: «أمَا يَزَالُ حَيًّا؟ إنِّي أعتَبِرُهُ أخًا لِي.» وَكَانَ رِجَالُ بَنْهَدَدَ يَنْتَظِرُونَ كَلِمَةً يَسْتَبْشِرُونَ بِهَا. فَلَمَّا دَعَاهُ أخآبُ أخًا لَهُ، أيَّدُوهُ فَوْرًا وَقَالُوا: «نَعَمْ! إنَّ بَنْهَدَدَ أخٌ لَكَ.» فَقَالَ أخآبُ: «أحضِرُوهُ لِي.» فَجَاءَ بَنْهَدَدُ إلَى أخآبَ. فَطَلَبَ مِنْهُ أخآبُ أنْ يَرْكَبَ المَرْكَبَةَ مَعَهُ. فَقَالَ بَنْهَدَدُ: «سَأرُدُّ لَكَ كُلَّ المُدُنِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا أبِي مِنْ أبِيكَ. وَسَأسْمَحُ لَكَ أيْضًا أنْ تَفْتَحَ مَتَاجِرَ فِي دِمَشْقَ، كَمَا فَعَلَ أبِي فِي السَّامِرَةِ.» فَأجَابَهُ أخآبُ: «وَأنَا أُطلِقُ سَرَاحَكَ بِنَاءً عَلَى وَعْدِكَ هَذَا.» ثُمَّ أطلَقَ أخآبُ سَرَاحَ بَنْهَدَدَ. وَقَالَ نَبِيٌّ لِنَبِيٍّ آخَرَ بِنَاءً عَلَى أمْرِ اللهِ : «اضْرِبْنِي!» لَكِنَّ النَّبِيَّ الآخَرَ رَفَضَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ الأوَّلُ «أنْتَ لَمْ تُطِعْ أمْرَ اللهِ ، لِذَلِكَ سَيَقْتُلُكَ أسَدٌ عِنْدَمَا تُغَادِرُ هَذَا المَكَانَ.» وَلَمَّا غَادَرَ النَّبِيُّ الآخَرُ المَكَانَ، قَتَلَهُ أسَدٌ. فَذَهَبَ النَّبِيُّ الأوَّلُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ وَقَالَ لَهُ: «اضْرِبْنِي!» فَضَرَبَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ وَجَرَحَهُ. فَوَضَعَ النَّبِيُّ عُصَابَةً عَلَى عَيْنَيْهِ، لِئَلَّا يَعْرِفَهُ أحَدٌ. وَذَهَبَ وَانتَظَرَ المَلِكَ عَلَى الطَّرِيقِ. فَلَمَّا جَاءَ المَلِكُ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ: «كُنْتُ أُقَاتِلُ فِي مَيدَانِ المَعْرَكَةِ، فَجَاءَ جُندِيٌّ مِنْ جُنُودِنَا إلَيَّ وَقَالَ لِيَ: ‹احرُسْ هَذَا الأسِيرَ وَلَا تَدَعْهُ يَهْرُبُ. فَإنْ هَرَبَ مِنْكَ، تَدْفَعُ لِي قِنطَارًا مِنَ الفِضَّةِ غَرَامَةً.› لَكِنِّي انشَغَلْتُ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ، فَاسْتَغَلَّ الأسِيرُ الفُرْصَةَ وَهَرَبَ.» فَأجَابَهُ المَلِكُ: «أنْتَ أدَنْتَ نَفْسَكَ. فَأنْتَ تَعْرِفُ الجَوَابَ. وَتَعْرِفُ أنَّ عَلَيْكَ أنْ تَدْفَعَ الغَرَامَةَ.» ثُمَّ أسْرَعَ النَّبِيُّ فَرَفَعَ العُصَابَةَ عَنْ عَيْنَيْهِ. فَعَرَفَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ أنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ. فَقَالَ النَّبِيُّ لِلمَلِكِ: «يَقُولُ لَكَ اللهُ : ‹أنْتَ أطْلَقْتَ سَرَاحَ رَجُلٍ قُلْتُ أنَا إنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يَمُوتَ. لِهَذَا سَتَكُونُ أنْتَ عِوَضًا عَنْهُ، وَسَتَمُوتُ أنْتَ وَشَعْبُكَ!›» فَمَضَى المَلِكُ إلَى بَيْتِهِ فِي السَّامِرَةِ مُكْتَئِبًا مَغْمُومًا. ثُمَّ كَانَ لنَابوتَ اليَزْرَعِيلِيِّ كَرْمٌ فِي يَزْرَعِيلَ قُرْبَ قَصرِ أخآبَ مَلِكِ السَّامِرَةِ. فَقَالَ أخآبُ لِنَابُوتَ ذَاتَ يَوْمٍ: «أعْطِنِي كَرْمَكَ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ بَيْتِي. أُرِيدُ أنْ أُحَوِّلَهُ إلَى بُسْتَانِ خَضْرَاوَاتٍ. وَسَأُعْطِيكَ كَرْمًا أفْضَلَ مِنْهُ بَدَلًا مِنْهُ، أوْ أُعْطِيكَ ثَمَنَهُ فِضَّةً، إذَا كُنْتَ تُفَضِّلُ ذَلِكَ.» فَقَالَ نَابُوتُ اليَزْرَعِيلِيُّ: «لَا سَمَحَ اللهُ ! لَا يُمْكِنُ أنْ أتّخَلَّى عَنْ مِيرَاثِ آبَائِي.» فَذَهَبَ أخآبُ إلَى بَيْتِهِ مُكتَئِبًا مَغْمُومًا بِسَبَبِ مَا قَالَهُ نَابُوتُ اليَزْرَعِيلِيُّ – إذْ قَالَ لَهُ: «لَنْ أُفَكِّرَ لَحظَةً فِي التَّخَلِّي لَكَ عَنِ الأرْضِ الَّتِي وَرِثْتُهَا عَنْ آبَائِي.» وَاضطَجَعَ عَلَى سَرِيرِهِ وكَان مكتئِبًا متجهِّمًا وَرَفَضَ أنْ يَأْكُلَ. وَعِنْدَمَا وَجَدَتْهُ زَوْجَتُهُ إيزَابَلُ عَلَى هَذَا النَّحوِ، سَألَتْهُ: «لِمَاذَا أنْتَ مُكتَئِبٌ؟ وَلِمَاذَا تَرْفُضُ أنْ تَأْكُلَ؟» فَأجَابَهَا أخآبُ: «طَلَبْتُ مِنْ نَابُوتَ اليَزْرَعِيلِيِّ أنْ يُعطِيَنِي كَرْمَهُ. وَقُلْتُ لَهُ إنِّي مُسْتَعِدٌّ أنْ أدفَعَ لَهُ ثَمَنَ الكَرْمِ كَامِلًا. وَإنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، عَرَضْتُ عليهِ أنْ أُعْطِيَهُ كَرْمًا آخَرَ بَدَلًا مِنْهُ. لَكِنَّهُ رَفَضَ أنْ يُعطِيَنِي كَرْمَهُ.» فَأجَابَتْ إيزَابَلُ: «لَكِنَّكَ أنْتَ المَلِكُ عَلَى كُلِّ إسْرَائِيلَ. وَكُلُّ شَيءٍ فِي إسْرَائِيلَ تَحْتَ أمْرِكَ. فَقُمْ، وَكُلْ وَاطمَئِنَّ. وَأنَا سَأحصُلُ لَكَ عَلَى كَرْمِ نَابُوتَ اليَزْرَعِيلِيِّ.» ثُمَّ كَتَبَتْ إيزَابَلُ رَسَائِلَ بِاسْمِ أخآبَ. وَوَضَعَتْ خِتْمَهُ عَلَيْهَا. وَأرسَلَتِ الرَّسَائِلَ إلَى الشُّيُوخِ وَالوُجَهَاءِ فِي يَزْرَعِيلَ، مَدِينَةِ نَابُوتَ. فَكَتَبَتْ فِي الرَّسَائِلِ: «أعلِنُوا يَوْمِ صَومٍ لِلشَّعْبِ، وَاقِيمُوا نَابُوتَ عَلَى مَرْأىً مِنَ الجَمِيعِ. وَهَاتُوا شَاهِدَي زُورٍ عَلَى نَابُوتَ. وَلْيَشْهَدَا بِأنَّهُمَا سَمِعَاهُ يشتُمُ اللهَ وَالمَلِكَ. ثُمَّ أخرِجُوهُ خَارِجَ المَدِينَةِ وَارجُمُوهُ حَتَّى المَوْتِ.» فَعَمِلَ رِجَالُ يَزْرَعِيلَ وَشُيُوخُهَا وَوُجَهَاؤُهَا بِأمْرِ إيزَابَلَ، تَمَامًا كَمَا كَتَبَتْ فِي الرَّسَائِلِ. فَأعلَنُوا عَنْ يَوْمِ صَومٍ لِلشَّعْبِ، وَأقَامُوا نَابُوتَ اليَزْرَعِيلِيَّ عَلَى مَرأىً مِنَ الجَمِيعِ. ثُمُّ جَاءَ شَاهِدَا زُورٍ وَجَلَسَا أمَامَهُ، وَادَّعَيَا أمَامَ الجَمِيعِ أنَّهُمَا سَمِعَاهُ يَشْتِمُ اللهَ وَالمَلِكَ. فَأخرَجَ أهْلُ المَدِينَةِ نَابُوتَ خَارِجًا، وَرَجَمُوهُ حَتَّى المَوْتِ. ثُمَّ أرْسَلَ شُيُوخُ المَدِينَةِ رِسَالَةً إلَى إيزَابَلَ يَقُولُونَ فِيهَا: «رُجِمَ نَابُوتُ وَمَاتَ.» فَلَمَّا سَمِعَتْ إيزَابَلُ بِأنَّ نَابُوتَ رُجِمَ وَمَاتَ، قَالَتْ لِأخآبَ: «مَاتَ نَابُوتُ. وَالْآنَ اذْهَبْ وَخُذْ مَجَّانًا الكَرْمَ الَّذِي رَفَضَ أنْ يَبِيعَكَ إيَّاهُ!» فَلَمَّا سَمِعَ أخآبُ بِمَوْتِ نَابُوتَ، ذَهَبَ عَلَى الفَوْرِ إلَى كَرْمِ نَابُوتَ اليَزْرَعِيلِيِّ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ. فَكَلَّمَ اللهُ النَّبِيَّ إيلِيَّا التِّشْبِيَّ، فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ إلَى السَّامِرَةِ وَقَابِلْ أخآبَ مَلِكَ إسْرَائِيلَ. سَتَجِدُهُ فِي كَرْمِ نَابُوتَ. فَقَدْ ذَهَبَ هُنَاكَ لِيَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ. قُلْ لِأخآبَ إنِّي، أنَا اللهَ ، أقُولُ لَهُ: ‹أنْتَ قَتَلْتَ نَابُوتَ، وَأخَذْتَ أرْضَهُ. لِهَذَا أقُولُ لَكَ إنَّكَ سَتَمُوتُ فِي المَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ نَابُوتُ. وَفِي المَكَانِ الَّذِي لحَسَتْ فيهِ الكِلَابُ دَمَ نَابوتَ، ستلحَسُ دمَكَ أنْتَ أيْضًا!›» فَذَهَبَ إيلِيَّا إلَى أخآبَ. فَلَمَّا رَأى أخآبُ إيلِيَّا، قَالَ لَهُ: «هَلْ وَجَدْتَنِي يَا عَدُوِّي؟» فَأجَابَ إيلِيَّا: «وَجَدْتُكَ لِأنَّكَ بِعْتَ نَفْسَكَ مُقَابِلَ عَمَلِ الشَّرِّ أمَامَ اللهِ الَّذِي يَقُولُ لَكَ: ‹سَأقضِي عَلَيْكَ، وَسأقطُعُ مِنْ إسْرَائِيلَ كُلَّ ذَكَرٍ فِي عَائِلَتِكَ يَا أخآبُ، أكَانَ عَبْدًا أمْ حُرًّا. سَتَلْقَى عَائِلَتُكَ ذَاتَ المَصِيرِ الَّذِي لَقِيَتْهُ عَائِلَةُ يَرُبْعَامَ بْنِ نَابَاطَ، وَعَائِلَةُ بَعْشَا اللَّتَانِ انقَرَضَتَا. هَذَا لِأنَّكَ أغضَبْتَنِي غَضَبًا شَدِيدًا بِخَطَايَاكَ، وَلِأنَّكَ دَفَعْتَ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى ارتِكَابِ الخَطَايَا مِثْلِكَ.› وَيَقُولُ اللهُ : ‹سَتَفْتَرِسُ الكِلَابُ جُثَّةَ زَوْجَتِكَ فِي مَدِينَةِ يَزْرَعِيلَ. وَالَّذِي يَمُوتُ مِنْ عَائِلَتِكَ فِي المَدِينَةِ سَتَأْكُلُهُ الكِلَابُ. وَالَّذِي يَمُوتُ فِي الحُقُولِ سَتَأْكُلُهُ الطُّيُورُ الجَارِحَةُ.›» وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَثِيلٌ لِأخآبَ الَّذِي بَاعَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الشَّرِّ أمَامَ اللهِ . إذْ أخطَأ أكْثَرَ مِنَ الجَمِيعِ. وَقَدْ أغوَتْهُ زَوْجَتُهُ إيزَابَلُ عَلَى ارتِكَابِ الشُّرُورِ. وَفَعَلَ أخآبُ أمْرًا بَغِيضًا جِدًّا بِعِبَادَتِهِ تِلْكَ التَّمَاثيلَ. وَهُوَ الأمْرُ نَفْسُهُ الَّذِي مَارَسَهُ الأمُّورِيُّونَ. فَانتَزَعَ اللهُ الأرْضَ مِنْهُمْ وَأعْطَاهَا لِبَنِي إسْرَائِيلَ. فَبَعدَ أنْ أنهَى إيلِيَّا كَلَامَهُ، ندِمَ أخآبُ كَثِيرًا. فَشَقَّ مَلَابِسَهُ حُزْنًا، وَلَبِسَ الخَيْشَ وَهُوَ فِي كَآبَةٍ شَدِيدَةٍ. رَفَضَ أنْ يَأْكُلَ، وَصَارَ يَنَامُ فِي لِبَاسِ الخَيْشَ. فَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إيلِيَّا التِّشْبِيِّ: «هَلْ رَأيْتَ كَيْفَ اتَّضَعَ أخآبُ أمَامِي؟ فلِأنَّهُ اتَّضَعَ أمَامِي، لَنْ أجْلِبَ الشَّرَّ وَهُوَ حَيٌّ، بَلْ فِي أيَّامِ حُكْمِ ابْنِهِ سَأجْلِبُ الشَّرَّ عَلَى عَائِلَتِهِ.» وَفِي السَّنَوَاتِ الثَّلَاثِ التَّاليةِ سَادَ سَلَامٌ بَيْنَ إسْرَائِيلَ وَأرَام. وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، ذَهَبَ المَلِكُ يَهُوشَافَاطُ لِزِيَارَةِ أخآبَ، مَلِكِ إسْرَائِيلَ. حِينَئِذٍ، قَالَ أخآبُ لِكِبَارِ مَسؤُولِيهِ: «أتَذْكُرُونَ أنَّ مَلِكَ أرَامَ اسْتَوْلَى عَلَى رَامُوثَ فِي جِلعَادَ مِنَّا؟ فَلِمَاذَا لَمْ نَفعَلْ شَيْئًا حَتَّى الآنَ لِاسْتِرجَاعِهَا مِنْهُ؟ فَهِيَ لَنَا.» فَسَألَ أخآبُ يَهُوشَافَاطَ: «هَلْ تَنْضَمُّ مَعَنَا فِي الحَرْبِ ضِدَّ الأرَامِيِّينَ فِي رَامُوثَ؟» فَأجَابَ يَهُوشَافَاطُ: «نَعَمْ، سَأنضَمُّ إلَيْكَ. فَأنَا وَأنْتَ وَشَعْبَانَا وَجَيْشَانَا إخْوَةٌ.» لَكِنَّ يَهُوشَافَاطَ قَالَ لِمَلِكِ إسرَائيلَ أيْضًا: «لَكِنْ لِنَسْتَشِرِ اللهَ أوَّلًا.» فَجَمَعَ أخآبُ الأنْبِيَاءَ. وَكَانَ عَدَدُهُمْ أرْبَعَ مِئَةٍ. فَسَألَ أخآبُ الأنْبِيَاءَ: «أتَنْصَحُونَنِي بِأنْ أذهَبَ وَأُقَاتِلَ جَيْشَ أرَامَ فِي رَامُوثَ؟ أمْ لَا؟» فَأجَابَ الأنْبِيَاءُ: «اذْهَبْ وَسَيَنْصُرُكَ اللهُ .» لَكِنَّ يَهُوشَافَاطَ سَألَ: «ألَا يُوجَدُ أيُّ نَبِيٍّ آخَرَ للهِ هُنَا نَسألُهُ عَنْ مَا يَقُولُهُ اللهُ ؟» فَقَالَ أخآبُ لِيَهوشَافَاطَ: «لَا يُوجَدُ إلَّا نَبِيٌّ وَاحِدٌ بَعْدُ لِنَسْألَهُ عَنْ إرَادَةِ اللهِ. إنَّهُ النَّبِيُّ مِيخَا بْنُ يَمْلَةَ. لَكِنِّي أبغَضُهُ. فَحِينَ يَنْقُلُ كَلَامَ اللهِ ، لَا يَقُولُ أبَدًا شَيْئًا حَسَنًا عَنِّي. فَهُوَ يَقُولُ عَنِّي مَا لَا أُحِبُّ.» لَكِنَّ يَهُوشَافَاطَ قَالَ لِأخآبَ: «لَا تَقُلْ هَذَا أيُّهَا المَلِكُ!» فَدَعَا المَلكُ أحَدَ خُدَّامهِ وَقَالَ لَهُ: «أسْرِعْ بِإحْضَارِ مِيخَا بْنِ يَمْلَةَ إلَى هُنَا!» وَكَانَ المَلِكَانِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، يَرْتَدِيَانِ زِيَّهُمَا المَلَكِيَّ وَيَجْلِسَانِ عَلَى عَرْشَينِ فِي قَاعَةِ القَضَاءِ قُرْبَ بَوَّابَةِ السَّامِرَةِ، وَالأنْبِيَاءُ جَمِيعًا وَاقِفِينَ يَتَنَبَّأُونَ أمَامَهُمَا. وَكَانَ هُنَاكَ نَبِيٌّ اسْمُهُ صِدْقِيَّا بْنُ كَنعَنَةَ. فَصَنَعَ صِدْقِيَّا هَذَا قُرُونًا مِنَ حَدِيدٍ وَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹بِهَذِهِ القُرُونِ الحَدِيدِيَّةِ، سَتَنْطَحُ الأرَامِيِّينَ إلَى أنْ تَقْضِيَ عَلَيْهِمْ تَمَامًا.›» وَوَافَقَ الأنْبِيَاءُ الآخَرُونَ صِدْقِيَّا عَلَى مَا قَالَهُ. وَقَالُوا: «تَقَدَّمِ الآنَ نَحْوَ جَيْشِ أرَامَ فِي رَامُوثَ، وَسَتَنْتَصِرُ إذْ سَيَنْصُرُكَ اللهُ .» وَقَالَ الرَّسُولُ الَّذِي ذَهَبَ لِإحضَارِ مِيخَا لَهُ: «اسْمَعْ. لَقَدْ رَدَّدَ كُلُّ الأنْبِيَاءِ الكَلَامَ نَفْسَهُ، إذْ قَالُوا إنَّ المَلِكَ سَيَنْتَصِرُ. فَقُلْ مَا قَالُوهُ، وَبِهَذَا تُحسِنُ القَولَ وَتَفْعَلُ خَيْرًا.» فَقَالَ مِيخَا: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، لَا أقُولُ إلَّا مَا يَقُولُهُ اللهُ .» فَلَمَّا جَاءَ مِيخَا، وَقَفَ أمَامَ المَلِكِ. فَسَألَهُ المَلِكُ: «يَا مِيخَا بِمَ تَنْصَحُنَا؟ أنَذْهَبُ أنَا وَالمَلِكُ يَهوشَافَاطُ بِجَيْشَينَا لِمُقَاتَلَةِ جَيْشِ أرَامَ فِي رَامُوثَ؟» فَأجَابَ مِيخَا سَاخِرًا: «نَعَمْ! اذْهَبَا وَقَاتِلَاهُمُ الآنَ، وَسَيَنْصُرُكُمَا اللهُ !» فَأجَابَ أخآبُ: «أنْتَ تَسْخَرُ مِنِّي، وَتُجِيبُ مِنْ عِندِكَ. كَمْ مَرَّةً يَنْبَغِي أنْ أسْتَحْلِفَكَ أنْ لَا تَقُولَ إلَّا مَا يَقُولُهُ اللهُ !» فَأجَابَ مِيخَا: «لَقَدْ أرَانِي اللهُ جَيْشَ إسْرَائِيلَ مُشَتَّتًا عَلَى الجِبَالِ. كَخِرَافٍ فَقَدَتْ رَاعِيَهَا. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹لَيْسَ لِهَؤُلَاءِ قَائِدٌ، فَلْيَرْجِعُوا بِأمَانٍ إلَى بُيُوتِهِمْ.›» فَقَالَ أخآبُ لِيَهُوشَافَاطَ: «أمَا قُلْتُ لَكَ؟ لَا يَقُولُ هَذَا النَّبِيُّ عَنِّي شَيْئًا حَسَنًا، وَإنَّمَا يَتَنَبَّأُ بِالسُّوءِ عَلَيَّ!» فَقَالَ مِيخَا: «فَاسْمَعْ إذًا مَا يَقُولُهُ اللهُ ! فَقَدْ رَأيْتُ اللهَ جَالِسًا عَلَى عَرْشِهِ فِي السَّمَاءِ. وَرَأيْتُ المَلَائِكَةَ وَاقِفِينَ عِنْدَهُ، بَعْضٌ عَنْ يَمِينهِ وَبَعْضٌ عَنْ شمَالِهِ. فَقَالَ اللهُ : ‹مَنْ يَخْدَعُ أخآبَ، فَيُقنعَهُ بِالهُجُومِ عَلَى مَدِينَةِ رَامُوثَ الَّتِي فِي جَلْعَادَ لكَي يُقتَلَ هُنَاكَ؟› فَأخَذَ مَلَاكٌ يَقُولُ ‹هَذَا يَذْهَبُ.› وَملَاكٌ آخَرَ يَقُولُ ‹لَا بَلْ ذَاكَ يَذْهَبُ.› ثُمَّ جَاءَ رُوحٌ وَوَقَفَ فِي حَضْرَةِ اللهِ وَقَالَ: ‹أنَا سَأخدَعُ أخآبَ.› فَسَألَهُ اللهُ : ‹كَيْفَ سَتَفْعَلُ هَذَا؟› فَقَالَ: ‹سَأخرُجُ وَأكُونُ رُوحَ كَذبٍ فِي أفوَاهِ أنْبِيَاءِ أخآبَ.› فَقَالَ اللهُ : ‹وَسَتَتَمَكَّنُ مِنْ خِدَاعِ أخآبَ. فَاذْهَبْ وَافْعَلْ ذَلِكَ، وَسَتَنْجَحُ.›» وَأضَافَ مِيخَا: «فَكَمَا تَرَى، قَدْ جَعَلَ اللهُ أنْبِيَاءَكَ يَكْذِبُونَ عَلَيْكَ. فَاللهُ نَفْسُهُ يَنْوِي أنْ يُنْزِلَ بِكَ الشَّرَّ.» فَاقْتَرَبَ صِدْقِيَا بْنُ كَنْعَنَةَ مِنْ مِيخَا وَصَفَعَهُ عَلَى خَدِّهِ. وَقَالَ صِدْقِيَا: «مُنْذُ مَتَى يَعْبُرُ عَنِّي رُوحُ اللهِ لِيَتَكَلَّمَ إلَيْكَ؟» فَأجَابَ مِيخَا: «سَتَرَى أنِّي صَادِقٌ يَوْمَ تَهْرُبُ مِنْ غُرفَةٍ إلَى غُرْفَةٍ لِتَخْتَبِئَ!» فَأمَرَ أخآبُ أحَدَ رِجَالِهِ بِالقَبضِ عَلَى مِيخَا، وَقَالَ: «اقبِضْ عَلَيْهِ وسلِّمْهُ إلَى آمُونَ، وَالِي المَدِينَةِ، وَإلَى الأمِيرِ يُوآشَ. وَقُولُوا لِأمُّونَ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ المَلِكُ: ضَعْ مِيخَا فِي السِّجْنِ. وَلَا تُعْطِهِ إلَّا قَليلًا جِدًّا مِنَ المَاءِ، إلَى أنْ أعُودَ مِنَ المَعْرَكَةِ سَالِمًا.›» فَأجَابَ مِيخَا أخآبَ: «إنْ رَجِعْتَ مِنَ المَعْرَكَةِ سَالمًا، لَا يَكُونُ اللهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِفَمي. فَاسمَعُوا وَتَذَكَّرُوا كَلَامِي يَا جَمِيعَ الشَّعْبِ.» وَذَهَبَ أخآبُ وَالمَلِكُ يَهُوشَافَاطُ لِمُقَاتَلَةِ جَيْشِ أرَامَ فِي رَامُوثَ الَّتِي فِي جَلْعَادَ. فَقَالَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ: «سَأدخُلُ الحَرْبَ مُتَنَكِّرًا. أمَّا أنْتَ فَالبِسْ زِيَّكَ المَلَكيَّ.» وَهَكَذَا دَخَلَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ المَعرَكَةَ مُتَنَكِّرًا. وَكَانَتْ لِمَلِكِ أرَامَ اثنَتَانِ وَثَلَاثُونَ مَرْكَبَةً. فَأمَرَ المَلِكُ قَادَةَ مَرْكَبَاتِهِ وَقَالَ: «لَا تَنْشَغِلُوا بِقِتَالِ أحَدٍ مَهْمَا كَانَ شأنُهُ، سِوَى مَلِكِ اسرَائِيلَ» وَأثنَاءَ المَعْرَكَةِ رَأى قَادَةُ المَرْكَبَاتِ يَهُوشَافَاطَ، ظَنُّوا أنَّهُ أخآبَ. فَهَجَمُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ. فَصَرَخَ يَهُوشَافَاطُ. فَلَمَّا أدرَكُوا أنَّهُ لَيْسَ أخآبَ، مَلِكَ إسْرَائِيلَ، كَفُّوا عَنْ مُطَارَدَتِهِ، وَلَمْ يَقْتُلُوهُ. لَكِنَّ جُندِيًّا رَمَى سَهمًا بِالصُّدفةِ، فَأصَابَ أخآبَ، مَلِكَ إسْرَائِيلَ، إذْ دَخَلَ مِنْ فَتْحَةٍ فِي الدِّرْعِ. فَقَالَ أخآبُ لِسَائِقِ مَرْكَبَتِهِ: «لَقَدْ أُصِبْتُ بِسَهمٍ. فَارجِعْ إلَى الخَلفِ وَانسَحِبْ بِي مِنَ المَعْرَكَةِ.» وَاشْتَدَّ القِتَالُ بَيْنَ الجَيْشَينِ. وَبَقِيَ أخآبُ فِي مَرْكَبَتِهِ مُسْتَنِدًا عَلَى جَوَانِبِهَا مُقَابِلَ جَيْشِ أرَامَ. وَسَالَ دَمُهُ حَتَّى غَطَّى أرْضِيَةَ المَرْكَبَةِ. وَفِي فَتْرَةٍ لَاحِقَةٍ مِنْ مَسَاءِ ذَلِكَ اليَوْمِ، مَاتَ أخآبُ. وَنَحوَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُمِرَ جَمِيعُ جُنُودِ جَيْشِ إسْرَائِيلَ بِالِانْسِحَابِ وَالرُّجُوعِ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى مَدِينَتِهِ وَأرْضِهِ. وَهَكَذَا مَاتَ أخآبُ. فَحَمَلَهُ بَعْضُ الرِّجَالِ إلَى السَّامِرَةِ حَيْثُ دُفِنَ. وَغُسِلَتْ مَرْكَبَةُ أخآبَ قُرْبَ بِرْكَةٍ فِي السَّامِرَةِ تَسْتَحِمُّ بِهَا العَاهِرَاتُ. فَلَحَسَتِ الكِلَابُ دَمَهُ، تَحْقِيقًا لِمَا سَبَقَ أنْ قَالَهُ اللهُ . أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ أخآبَ، بَيْتِهِ العَاجِيِّ، وَالْمُدُنِ الَّتِي بَنَاهَا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَمَاتَ أخآبُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. فَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ أخَزْيَا. فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ أخآبَ مَلِكِ إسْرَائِيلَ، اعتَلَى يَهُوشَافَاطُ بْنُ آسَا عَرْشَ يَهُوذَا. وَكَانَ يَهُوشَافَاطُ فِي الخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا استَلَمَ مَقَالِيدَ الحُكْمِ. وَحَكَمَ فِي القُدْسِ خَمسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ عَزُوبَةَ، وَهِيَ بِنْتُ شِلْحِي. وَسَارَ يَهُوشَافَاطُ عَلَى النَّهجِ الصَّالِحِ الَّذِي سَارَ عَلَيْهِ أبُوهُ آسَا. فَعَمِلَ مَا يُرضِي اللهَ فِي كُلِّ شَيءٍ، إلَّا أنَّهُ لَمْ يَهْدِمِ المُرْتَفَعَاتِ. فَظَلَّ الشَّعْبُ يُقَدِّمُ ذَبَائِحَ وَيُحْرِقُ بَخُورًا هُنَاكَ. وَعَقَدَ يَهُوشَافَاطُ اتِّفَاقِيَّةَ سَلَامٍ مَعَ مَلِكِ إسْرَائِيلَ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يَهُوشَافَاطَ، جَبَرُوتِهِ الَّذِي أظْهَرَهُ، وَحُرُوبِهِ الَّتِي خَاضَهَا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَنَفَى يَهُوشَافَاطُ كُلَّ الرِّجَالِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ أجسَادَهُمْ فِي عِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ. وَكَانَ هَؤُلَاءِ يُمَارِسُونَ عِبَادَاتِهِمْ فِي المُرْتَفَعَاتِ أثْنَاءَ حُكْمِ أبِيهِ آسَا. وَلَمْ يَكُنْ فِي أرْضِ أدُومَ مَلِكٌ. فَعَيَّنَ مَلِكُ يَهُوذَا وَالِيًا هُنَاكَ. وَبَنَى المَلِكُ يَهُوشَافَاطُ سُفُنَ شَحْنٍ لِيُرْسِلَهَا إلَى مَدِينَةِ أُوفِيرَ لِاستِيرَادِ الذَّهَبِ. لَكِنَّهَا لَمْ تَتَحَرَّكْ، بَلْ دُمِّرَتْ فِي مَرفَإ عِصْيُونَ جَابِرَ. وَكَانَ أخَزْيَا بْنُ أخآبَ قَدْ قَالَ لِيَهُوشَافَاطَ: «سَأُرْسِلُ بَعْضَ خُدَّامِي مَعَ خُدَّامِكَ فِي السُّفُنِ.» غَيْرَ أنَّ يَهُوشَافَاطَ رَفَضَ ذَلِكَ. وَمَاتَ يَهُوشَافَاطُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. فَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ يَهُورَامُ. وَاعتَلَى أخَزْيَا بْنُ أخآبَ عَرْشَ إسْرَائِيلَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ يَهُوشَافَاطَ لِيَهُوذَا. وَحَكَمَ أخَزْيَا فِي السَّامِرَةِ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ. وَفَعَلَ أخَزْيَا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . فَسَارَ عَلَى نَهجِ أبِيهِ أخآبَ، وَأُمِّهِ إيزَابَلَ، فَجَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ، كَمَا فَعَلَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَابَاطَ مِنْ قَبْلُ. وَعَبَدَ أخَزْيَا البَعلَ وَخَدَمَهُ. فَعَلَ هَذَا عَلَى غِرَارِ أبِيهِ. فَأغضَبَ اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، غَضَبًا شَدِيدًا. بَعْدَ مَوْتِ أخآبَ، تَمَرَّدَتْ مُوآبُ عَلَى إسْرَائِيلَ. وَذَاتَ يَوْمٍ، سَقَطَ أخَزْيَا مِنْ نَافِذَةِ عِلِّيَّةِ بَيْتِهِ فِي السَّامِرَةِ، وَتَأذَّى كَثِيرًا. فَأرْسَلَ رُسُلًا وَقَالَ لَهُمْ: «اذْهَبُوا إلَى كَهَنَةِ بَعلَ زَبُوبَ، إلَهِ عِقْرُونَ. وَاسْألُوهُمْ هَلْ سَأُشفَى مِنْ إصَابَتِي.» لَكِنَّ مَلَاكَ اللهِ قَالَ لِلنَّبِيِّ إيلِيَّا التَّشْبِيِّ: «اذْهَبْ لِمُلَاقَاةِ رُسُلِ مَلِكِ السَّامِرَةِ، وَقُلْ لَهُمْ: ‹لِمَاذَا أنْتُمْ ذَاهِبُونَ إلَى بَعلَ زَبُوبَ، إلَهِ عِقْرُونَ لِتَسْألُوهُ؟ ألَا يُوجَدُ لِإسْرَائِيلَ إلَهٌ؟ فَقُولُوا لِأخَزْيَا: يَقُولُ اللهُ : لَنْ تُغَادِرَ فِرَاشَ مَرَضِكَ حَيًّا، بَلْ سَتَمُوتُ!›» فَانطَلَقَ إيلِيَّا لِلِقَائِهِم. فَلَمَّا رَجِعَ الرُّسُلُ إلَى أخَزْيَا، سَألَهُمْ: «لِمَاذَا عُدْتُمْ بِهَذِهِ السُّرعَةِ؟» فَأجَابَهُ الرُّسُلُ: «خَرَجَ رَجُلٌ لِلِقَائِنَا. وَطَلَبَ إلَينَا أنْ نَعُودَ إلَى المَلِكِ الَّذِي أرسَلَنَا وَنَنْقُلَ إلَيْهِ مَا يَقُولُهُ اللهُ . فَهَكَذَا يَقُولُ اللهُ : ‹لِمَاذَا أنْتُمْ ذَاهِبُونَ إلَى بَعلَ زَبُوبَ، إلَهِ عِقْرُونَ لِتَسْألُوهُ؟ ألَا يُوجَدُ لِإسْرَائِيلَ إلَهٌ؟ بِمَا أنَّكَ عَمِلْتَ هَذَا العَمَلَ الشِّرِّيرَ، لَنْ تُغَادِرَ فِرَاشَ مَرَضِكَ حَيًّا، بَلْ سَتَمُوتُ!›» فَسَألَهُمْ أخَزْيَا: «صِفُوا لِي الرَّجُلَ الَّذِي صَعِدَ لِلِقَائِكُمْ وَأخبَرَكُمْ بِهَذَا الكَلَامِ.» فَأجَابُوهُ: «كَانَ يَلبَسُ مِعطَفًا مِنَ الشَّعْرِ وَيَلبَسُ حِزَامًا جِلْدِيًّا حَوْلَ خَصْرِهِ.» حِينَئِذٍ، قَالَ أخَزْيَا: «هَذَا إيلِيَّا التَّشْبِيُّ.» فَأرْسَلَ أخَزْيَا خَمْسِينَ جُندِيًّا مَعَ قَائِدِهِمْ لِإيلِيَّا. وَكَانَ إيلِيَّا جَالِسًا عَلَى رَأسِ جَبَلٍ. فَصَعِدَ إلَيْهِ قَائِدُ الخَمْسِينَ، وَقَالَ لَهُ: «يَا رَجُلَ اللهِ، يَقُولُ لَكَ المَلِكُ: ‹انْزِلْ!›» فَأجَابَ إيلِيَّا قَائِدَ الخَمْسِينَ: «إنْ كُنْتُ أنَا رَجُلَ اللهِ، فَلْتَنْزِلْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَتَقْضِ عَلَيْكَ أنْتَ وَرِجَالِكَ الخَمْسِينَ!» فَنَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ نَارٌ وَقَضَتْ عَلَى القَائِدِ وَرِجَالِهِ الخَمْسِينَ. فَأرْسَلَ أخَزْيَا قَائِدًا آخَرَ مَعَ جُنُودِهِ الخَمْسِينَ. فَقَالَ القَائِدُ لِإيلِيَّا: «يَا رَجُلَ اللهِ، يَقُولُ لَكَ المَلِكُ: ‹انزِلْ إلَى هُنَا مُسْرِعًا!›» فَقَالَ إيلِيَّأ لِلقَائِدِ وَجُنُودِهِ الخَمْسِينَ: «إنْ كُنْتُ أنَا رَجُلَ اللهِ، فَلْتَنْزِلْ مِنَ السَّمَاءِ نَارٌ وَتَقْضِ عَلَيْكَ أنْتَ وَرِجَالِكَ الخَمْسِينَ!» فَنَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ نَارٌ وَقَضَتْ عَلَى القَائِدِ وَرِجَالِهِ الخَمْسِينَ. فَأرْسَلَ أخَزْيَا قَائِدًا ثَالِثًا مَعَ خَمْسِينَ مِنْ جُنُودِهِ. فَجَاءَ هَذَا إلَى إيلِيَّا، وَسَجَدَ عَلَى رُكبَتَيْهِ. وَتَوَسَّلَ إلَى إيلِيَّا وَقَالَ: «يَا رَجُلَ اللهِ، لَيْتَ حَيَاتِي وَحَيَاةَ رِجَالي الخَمْسِينَ تَكُونُ ثَمِينَةً فِي عَيْنَيْكَ. نَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَقَضَتْ عَلَى القَائِدَينِ وَجُنُودِهُمَا اللَّذَيْنِ أتَيَا قَبلِي. أمَّا الآنَ، فَأطلُبُ إلَيْكَ أنْ تَرْحَمَنَا وَتَعْفُو عَنَّا!» فَقَالَ مَلَاكُ اللهِ لِإيلِيَّا: «اذْهَبْ مَعَ القَائِدِ وَلَا تَخَفْ مِنْهُ.» فَذَهَبَ إيلِيَّا مَعَ القَائِدِ لِرُؤْيَةِ المَلِكِ وَقَالَ لَهُ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹لِمَاذَا أرسَلْتَ رُسُلًا إلَى بَعلَ زَبُوبَ، إلَهِ عِقْرُونَ لِيَسْألُوهُ؟ ألَا يُوجَدُ لِإسْرَائِيلَ إلَهٌ؟ فَبِمَا أنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا العَمَلَ الشِّرِّيرَ، لَنْ تَنْزِلَ عَنْ فِرَاشِ مَرَضِكَ حَيًّا، بَلْ سَتَمُوتُ!›» فَمَاتَ أخَزْيَا كَمَا قَالَ اللهُ عَلَى فَمِ إيلِيَّا. وَلَمْ يَكُنْ لِأخَزْيَا ابْنٌ، فَتَوَلَّى الحُكْمَ بَعْدَهُ يُورَامُ. اعتَلَى يُورَامُ العَرشَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حُكْمِ يَهُورَامَ بْنِ يَهُوشَافَاطَ لِيَهُوذَا. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ أخَزْيَا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَاقْتَرَبَ الوَقْتُ الَّذِي كَانَ اللهُ سَيَرْفَعُ فِيهِ إيلِيَّا فِي عَاصِفَةٍ إلَى السَّمَاءِ. فَانْطَلَقَ إيلِيَّا وَألِيشَعُ مِنَ الجِلْجَالِ. فَقَالَ إيلِيَّا لِألِيشَعَ: «أُرِيدُكَ أنْ تَبْقَى هُنَا، لِأنَّ اللهَ أمَرَنِي بِأنْ أذْهَبَ إلَى بَيْتِ إيلَ.» فَقَالَ ألِيشَعُ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، وَبِحَيَاتِكَ، إنِّي لَنْ أترُكَكَ.» فَنَزَلَ الرَّجُلَانِ مَعًا إلَى بَيْتِ إيلَ. فَجَاءَتْ جَمَاعَةُ الأنْبِيَاءِ فِي بَيْتِ إيلَ إلَى ألِيشَعَ وَقَالُوا لَهُ: «أتَعْلَمُ أنَّ اللهَ سَيَأْخُذُ سَيِّدَكَ اليَوْمَ مِنْكَ؟» فَأجَابَ ألِيشَعُ: «نَعَمْ، أعْلَمُ. فَلَا تَتَحَدَّثُوا عَنْ هَذَا الأمْرِ.» وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ إيلِيَّا لِألِيشَعَ: «أُرِيدُكَ أنْ تَبْقَى هُنَا، لِأنَّ اللهَ أمَرَنِي بِأنْ أذهَبَ إلَى أرِيحَا.» فَقَالَ ألِيشَعُ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، وَبِحَيَاتِكَ، إنِّي لَنْ أترُكَكَ.» فَذَهَبَ الرَّجُلَانِ مَعًا إلَى أرِيحَا. فَجَاءَتْ جَمَاعَةُ الأنْبِيَاءِ فِي أرِيحَا إلَى ألِيشَعَ وَقَالُوا لَهُ: «أتَعْلَمُ أنَّ اللهَ سَيَأْخُذُ سَيِّدَكَ اليَوْمَ مِنْكَ؟» فَأجَابَ ألِيشَعُ: «نَعَمْ، أعْلَمُ، فَلَا تَتَحَدَّثُوا عَنْ هَذَا الأمْرِ.» وَبَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ إيلِيَّا لِألِيشَعَ: «أُرِيدُكَ أنْ تَبْقَى هُنَا، لِأنَّ اللهَ أمَرنِي بِأنْ أذهَبَ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ.» فَأجَابَ ألِيشَعُ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، وَبِحَيَاتِكَ، إنِّي لَنْ أترُكَكَ.» فَوَاصَلَ الرَّجُلَانِ سَيرَهُمَا. وَتَبِعَهُمَا خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ جَمَاعَةِ الأنْبِيَاءِ. وَوَقَفَ إيلِيَّا عِنْدَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَوَقَفَ الأنْبِيَاءُ الخَمْسُونَ بَعِيدًا عَنْهُمَا مُقَابِلَهُمَا. فَخَلَعَ إيلِيَّا مِعطَفَهُ، وَطَوَاهُ، وَضَرَبَ الميَاهَ بِهِ. فَانشَقَّتِ الميَاهُ إلَى اليَمِينِ وَإلَى اليَسَارِ. فَعَبَرَ إيلِيَّا وَألِيشَعُ النَّهْرَ إلَى أرْضٍ يَابِسَةٍ. وَبَعْدَ أنْ عَبَرَا النَّهْرَ، سَألَ إيلِيَّا ألِيشَعَ: «مَاذَا تُرِيدُنِي أنْ أفعَلَ لَكَ قَبْلَ أنْ يَأْخُذَنِي اللهُ مِنْكَ؟» فَقَالَ ألِيشَعُ: «أُرِيدُ أنْ أكُونَ خَلِيفَتَكَ.» فَقَالَ إيلِيَّا: «طَلَبْتَ أمْرًا صَعْبًا. إذَا رَأيْتَنِي أُؤخَذُ مِنْكَ، سَيُسْتَجَابُ طَلَبُكَ. وَإلَّا، فَلَنْ يَكُونَ لَكَ مَا طَلَبْتَهُ.» وَبَيْنَمَا كَانَ إيلِيَّا وَألِيشَعُ يَمْشِيَانِ وَيَتَحَادَثَانِ، جَاءَتْ مَرْكَبَةٌ وَخُيُولٌ مِنْ نَارٍ وَفَصَلَتْ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ رُفِعَ إيلِيَّا إلَى السَّمَاءِ فِي عَاصِفَةٍ. فَلَمَّا رَأى ألِيشَعُ ذَلِكَ، صَرَخَ: «يَا أبِي! يَا أبِي! يَا مَرْكَبَةَ إسْرَائِيلَ وَفُرْسَانِهَا!» وَلَمْ يَرَ ألِيشَعُ إيلِيَّا مَرَّةً أُخْرَى. فَأمسَكَ ألِيشَعُ ثِيَابَهُ وَشَقَّهَا حُزْنًا. وَكَانَ مِعطَفُ إيلِيَّا قَدْ وَقَعَ عَلَى الأرْضِ، فَالتَقَطَهُ ألِيشَعُ. وَعَادَ فَوَقَفَ عِنْدَ ضِفَّةِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَضَرَبَ المَاءَ بِمِعْطَفِ إيلِيَّا وَقَالَ: «أيْنَ اللهُ إلَهُ إيلِيَّا؟» فَانْشَقَّ المَاءُ إلَى اليَمِينِ وَاليَسَارِ! فَعَبَرَ ألِيشَعُ النَّهْرَ إلَى اليَابِسَةِ. وَلَمَّا رَأتْ جَمَاعَةُ الأنْبِيَاءِ فِي أرِيحَا ألِيشَعَ، قَالُوا: «قَدْ حَلَّ رُوحُ اللهِ الَّذِي كَانَ فِي إيلِيَّا عَلَى ألِيشَعَ.» وَسَجَدُوا إلَى الأرْضِ احتِرَامًا لِألِيشَعَ. وَقَالُوا لَهُ: «هَا إنَّ مَعَنَا خَمْسِينَ رَجُلًا قَوِيًّا، فَليَذْهَبُوا لِيُفَتِّشُوا عَنْ سَيِّدِكَ. فَرُبَّمَا حَمَلَهُ رُوحُ اللهِ وَوَضَعَهُ عَلَى جَبَلٍ أوْ وَادٍ مَا.» فَأجَابَهُمْ ألِيشَعُ: «لَا، لَا تُرْسِلُوهُمْ.» فَألَحُّوا عَلَيْهِ حَتَّى أحْرَجُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: «أرسِلُوا الرِّجَالَ.» فَأرسَلُوا الرِّجَالَ الخَمْسِينَ لِيَبْحَثُوا عَنْ إيلِيَّا. فَفَتَّشُوا ثَلَاثَةَ أيَّامٍ، فَلَمْ يَجِدُوهُ. فَعَادَ الرِّجَالُ إلَى أرِيحَا حَيْثُ كَانَ ألِيشَعُ يُقِيمُ وَأخبَرُوهُ. فَقَالَ لَهُمْ: «أمَا قُلْتُ لَكُمْ لَا تَذْهَبُوا؟» وَقَالَ أهْلُ المَدِينَةِ لِألِيشَعَ: «هَا أنْتَ تَرَى أنَّ مَوْقِعَ المَدِينَةِ جَيِّدٌ وجَمِيلٌ. لَكِنَّ المِيَاهَ فِيهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلرَّيِّ. وَلِهَذَا لَا تُنتِجُ الأرْضُ مَحَاصِيلَ.» فَقَالَ ألِيشَعُ: «أحْضِرُوا لِي طَاسًا جَدِيدًا، وَضَعُوا فِيهِ مِلْحًا.» فَأحْضَرُوا لَهُ الطَّاسَ. ثُمَّ ذَهَبَ ألِيشَعُ إلَى نَبْعِ المَاءِ وَألقَى المِلْحَ فِي المَاءِ. وَقَالَ: «يَقُولُ اللهُ : ‹هَا أنَا أجْعَلُ هَذِهِ المِيَاهَ عَذْبَةً. وَمُنْذُ الآنَ فَصَاعِدًا لَنْ تُسَبِّبَ مَوْتًا لِلأرْضِ وَالمَحَاصِيلِ.›» فَصَارَ المَاءُ عَذْبًا. وَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا كَمَا قَالَ ألِيشَعُ. ثُمَّ انْصَرَفَ ألِيشَعُ مِنْ هُنَاكَ مُتَوَجِّهًا إلَى بَيْتِ إيلَ. وَبَيْنَمَا كَانَ ألِيشَعُ يَصْعَدُ التَّلَّةَ إلَى تِلْكَ المَدِينَةِ، خَرَجَ أوْلَادٌ مِنَ المَدِينَةِ. وَبَدَأُوا يَهْزَأُونَ بِهِ وَيَقُولُونَ: «تَعَالَ يَا أصلَعُ! تَعَالَ يَا أصلَعُ!» فَالتَفَتَ ألِيشَعُ إلَى الوَرَاءِ، فَرَآهُمْ وَلَعَنَهُمْ بِاسْمِ اللهِ . فَخَرَجَتْ دُبَّتَانِ مِنَ الغَابَةِ وَمَزَّقَتَا الأوْلَادَ. وَكَانُوا اثنَيْنِ وَأرْبَعِينَ وَلَدًا. وَانْصَرَفَ ألِيشَعُ مِنْ بَيْتِ إيلَ إلَى جَبَلِ الكَرْمَلِ. وَمِنْ هُنَاكَ رَجِعَ إلَى السَّامِرَةِ. وَصَارَ يَهُورَامُ بْنُ أخآبَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ. كَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ يَهُوشَافَاطَ لِيَهُوذَا. وَحَكَمَ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً. وَفَعَلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّرَجَةِ نَفْسِهَا مِنَ الشَّرِّ مِثْلَ أبِيهِ وَأُمِّهِ. فَقَدْ أزَالَ التِّمثَالَ الَّذِي نَصَبَهُ أبُوهُ لِعِبَادَةِ البَعْلِ. غَيْرَ أنَّهُ وَاصَلَ ارْتِكَابَ نَفْسِ خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَابَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. اسْتَمَرَّ بَذَلِكَ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ. كَانَ مِيشَعُ مَلِكُ مُوآبَ يَمْلِكُ مَوَاشِي كَثِيرَةً. وَكَانَ يُعْطِي مِئَةَ ألْفِ حَمَلٍ، وَمِئَةَ ألْفِ كَبْشٍ وَصُوفًا كَضَرِيبَةٍ سَنَوِيَّةٍ لِمَلِكِ إسْرَائِيلَ. لَكِنْ عِنْدَمَا مَاتَ أخآبُ، تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ إسْرَائِيلَ. فَخَرَجَ المَلِكُ يَهُورَامُ، وَحَشَدَ كُلَّ جُنُودِ إسْرَائِيلَ. وَأرْسَلَ يَهُورَامُ رُسُلًا إلَى يَهُوشَافَاطَ، مَلِكِ يَهُوذَا، فَقَالَ فِي رِسَالَتِه: «تَمَرَّدَ عَلَيَّ مَلِكُ مُوآبَ، فَهَلْ تَذْهَبُ مَعِي لِمُقَاتَلَةِ المُوآبِيِّينَ؟» فَقَالَ يَهُوشَافَاطُ: «سَأُشَارِكُكَ فِي المَعْرَكَةِ كَأنَّهَا مَعْرَكَتِي، وَسَيَكُونُ جَيْشِي وَخُيُولِي كَأنَّهُمْ جَيْشُكَ وَخُيُولُكَ أنْتَ.» فَسَألَ يَهُوشَافَاطُ يَهُورَامَ: «مِنْ أيِّ طَرِيقٍ نَذْهَبَ؟» فَأجَابَ يَهُورَامُ: «نَذْهَبَ عَبْرَ بَرِّيَّةِ أدُومَ.» فَذَهَبَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ مَعَ مَلِكِ يَهُوذَا وَمَلِكِ أدُومَ. وَسَارُوا سَبْعَةَ أيَّامٍ. فَلَمْ يَتَبَقَّ مَا يَكْفِي مِنَ المَاءِ لِلجَيْشِ وَالحَيَوَانَاتِ. وَأخِيرًا قَالَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ: «أخشَى أنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ جَمَعَنَا نَحْنُ المُلُوكَ الثَّلَاثَةَ لِيَهْزِمَنَا المُوآبِيُّونَ!» لَكِنَّ يَهُوشَافَاطَ قَالَ: «لَيتَنَا نَجِدُ نَبِيًّا مِنْ أنْبِيَاءِ اللهِ هُنَا، حَتَّى نَسألَ اللهَ مِنْ خِلَالِهِ مَاذَا يَنْبَغِي أنْ نَفعَلَ.» فَأجَابَ أحَدُ خُدَّامِ مَلِكِ إسْرَائِيلَ: «يُوجَدُ هُنَا ألِيشَعُ بْنُ شَافَاطَ الَّذِي كَانَ خَادِمَ إيلِيَّا.» فَقَالَ يَهُوشَافَاطُ: « اللهُ يَأْتَمِنُ ألِيشَعَ عَلَى رَسَائِلِهِ.» فَنَزَلَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ وَيَهُوشَافَاطُ وَمَلِكُ أدُومَ لِيَرَوْا ألِيشَعَ. فَقَالَ ألِيشَعُ لِمَلِكِ إسْرَائِيلَ: «مَاذَا تُرِيدُ مِنِّي؟ اذهَبْ إلَى أنْبِيَاءِ أبِيكَ وَأُمِّكَ!» فَقَالَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ لِألِيشَعَ: «لَا، فَقَدْ جِئْنَا إلَيْكَ لِأنَّ اللهَ قَدْ دَعَانَا نَحْنُ المُلُوكَ الثَّلَاثَةَ مَعًا لِيَهْزِمَنَا المُوآبِيُّونَ. لِهَذَا نَحتَاجُ إلَى عَوْنِكَ وَمَشُورَتِكَ.» فَقَالَ ألِيشَعُ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ القَدِيرِ، مَا كُنْتُ لِأنظُرَ إلَى وَجْهِكَ أوْ أُقِيمَ لَكَ اعْتِبَارًا لَولَا خَاطِرُ يَهُوشَافَاطَ، مَلِكِ يَهُوذَا. وَالْآنَ، هَاتُوا لِي شَخْصًا يَعْزِفُ عَلَى العُودِ.» فَلَمَّا عَزَفَ العَوَّادُ، حَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ . وَقَالَ ألِيشَعُ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹احْفُرُوا حُفَرًا كَثِيرَةً فِي هَذَا الوَادِي.› فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹لَنْ تَرَوْا رِيحًا، وَلَنْ تَرَوْا مَطَرًا. لَكِنَّ هَذَا الوَادِيَ سَيَمْتَلِئُ مَاءً، فَتَشْرَبُونَ أنْتُمْ وَمَاشِيَتُكُمْ وَحَيَوَانَاتِكُمْ.› هَذَا أمْرٌ هَيِّنٌ عَلَى اللهِ ، بَلْ وَسَيَنْصُرُكُمُ اللهُ عَلَى كُلِّ المُوآبِيِّينَ. سَتَقْتَحِمُونَ كُلَّ المُدُنِ المُحَصَّنَةِ، وَتَسْتَوْلُونَ عَلَى كُلِّ المُدُنِ الجَمِيلَةِ. سَتَقْطَعُونَ كُلَّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ وَتَطُمُّونَ كُلَّ يَنَابِيعِ المِيَاهِ. وَسَتُخَرِّبُونَ كُلَّ حَقْلٍ جَيِّدٍ بِالحِجَارَةِ.» وَفِي الصَّبَاحِ، عِنْدَ وَقْتِ تَقْدِيمِ الذَّبِيحَةِ الصَّبَاحِيَّةِ، بَدَأ المَاءُ يَتَدَفَّقُ مِنْ جِهَةِ أدُومَ، وَمَلأ الوَادِيَ. وَكَانَ المُوآبِيُّونَ قَدْ سَمِعُوا أنَّ المُلُوكَ قَدْ أتَوْا لِمُحَارَبَتِهِمْ، فَجَنَّدُوا كُلَّ قَادِرٍ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ، وَاصطَفُّوا عِنْدَ الحُدُودِ. وَصَحَا المُوآبِيُّونَ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ. وَكَانَتْ أشِعَّةُ الشَّمْسِ تَسْطَعُ عَلَى مِيَاهِ الوَادِي. فَبَدَتْ لِلمُوآبِيِّينَ دَمًا. فَقَالُوا: «انْظُرُوا مَا أغزَرَ الدَّمَ! لَا بُدَّ أنَّ المُلُوكَ تَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَقَضَوْا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَالْآنَ، لِنَذْهَبْ وَنَجْمَعَ الغَنَائِمَ.» فَجَاءَ المُوآبِيُّونَ إلَى مُعَسْكَرِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَخَرَجَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَهَاجَمُوا الجَيْشَ المُوآبِيَّ. فَفَرَّ المُوآبِيُّونَ مِنْ أمَامِهِمْ. فَلَحِقَ بِهِمْ بَنُو إسْرَائِيلَ دَاخِلَ مُوآبَ لِمُقَاتَلَتِهِمْ. فَدَمَّرُوا المُدُنَ وَمَلأُوا حُقُولَهُمُ الجَيِّدَةَ بِالحِجَارَةِ. وَطَمَرُوا كُلَّ يَنَابِيعِ المَاءِ. وَقَطَعُوا كُلَّ الأشْجَارِ الصَّالِحَةِ. وَوَصَلُوا إلَى قِيرَ حَارِسَةَ، حَيْثُ حَاصَرَهَا الجُنُودُ وَهَاجَمُوهَا. وَرَأى مَلِكُ مُوآبَ أنَّ المَعرَكَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً جِدًّا عَلَيْهِ. فَأخَذَ مَعَهُ سَبْعَ مِئَةِ جُندِيٍّ حَامِلِينَ السُّيُوفَ حَتَّى يَشُقَّ طَرِيقَهُ إلَى مَلِكِ أدُومَ. فَلَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ. حِينَئِذٍ، أخَذَ مَلِكُ مُوآبَ ابْنَهُ البِكْرَ، وَلِيَّ عَهْدِهِ، وَقَدَّمَهُ ذَبِيحَةً عَلَى سُورِ المَدِينَةِ. فَاشْمَأزَّ بَنُو إسْرَائِيلَ كَثِيرًا، فَتَرَكُوا مَلِكَ مُوآبَ وَعَادُوا إلَى أرْضِهِمْ. وَاشْتَكَتْ أرمَلَةُ أحَدِ الأنْبِيَاءِ إلَى ألِيشَعَ، قَالَتْ: «مَاتَ زَوْجي الَّذِي كَانَ فِي مَقَامِ خَادِمِكَ. وَأنْتَ تَعْرِفُ أنَّهُ كَانَ يَتَّقِي اللهَ . لَكِنَّهُ كَانَ مَدِينًا بِمَبلَغٍ مِنَ المَالِ لِرَجُلٍ. وَهَا هُوَ الرَّجُلُ آتٍ لِكَي يَأْخُذَ وَلَدَيَّ وَيَسْتَعْبِدَهُمَا سَدَادًا لِلدَّينِ!» فَقَالَ لَهَا ألِيشَعُ: «كَيْفَ أُسَاعِدُكِ؟ أخبِرِينِي، مَاذَا لَدَيكِ فِي البَيْتِ؟» فَقَالَتِ المَرْأةُ: «لَيْسَ عِندِي شَيءٌ فِي البَيْتِ إلَّا جَرَّةَ زَيْتٍ.» فَقَالَ ألِيشَعُ: «اذْهَبِي وَاسْتَعِيرِي أوْعِيَةً فَارِغَةً مِنْ جَمِيعِ جَارَاتِكِ. اسْتَعِيرِي أكْبَرَ عَدَدٍ مُمْكِنٍ. ثُمَّ اذهَبِي إلَى بَيْتِكِ وَأغلِقِي البَابَ عَلَيْكِ وَعَلَى وَلَدَيكِ، ثُمَّ اسْكُبِي الزَّيْتَ فِي كُلِّ الأوْعِيَةِ، وَضَعِي كُلَّ وِعَاءٍ يَمْتَلِئُ جَانِبًا.» فَتَرَكَتْهُ المَرْأةُ، وَأغلَقَتِ البَابَ عَلَى نَفسِهَا وَعَلَى وَلَدَيهَا. فَكَانَ الوَلَدَانِ يُحضِرَانِ لَهَا الأوْعِيَةَ المُسْتَعَارَةَ وَهِيَ تَسْكُبُ الزَّيْتَ فِيهَا. فَمَلأتْ أوْعِيَةً كَثِيرَةً. وَأخِيرًا، قَالَتْ لِأحَدِ وَلَدَيهَا: «أحْضِرْ لِي وِعَاءً آخَرَ.» فَقَالَ: «لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ أوْعِيَةٌ.» فَتَوَقَّفَ الزَّيْتُ. فَجَاءَتْ وَأخْبَرَتْ رَجُلَ اللهِ بِمَا حَدَثَ، فَقَالَ لَهَا: «اذهَبِي وَبِيعِي الزَّيْتَ وَسَدِّدِي دَينَكِ. وَعِيشِي أنْتِ وَوَلَدَاكِ عَلَى مَا يَتَبَقَّى مِنَ المَالِ.» وَذَاتَ يَوْمٍ ذَهَبَ ألِيشَعُ إلَى شُونَمَ حَيْثُ تَسْكُنُ امْرأةٌ ذَاتُ شَأنٍ. فَألَحَّتْ عَلَى ألِيشَعَ أنْ يَأْتِيَ إلَى بَيْتِهَا. فَصَارَ كُلَّمَا مَرَّ مِنْ تِلْكَ المَدِينَةِ يَأْتِي إلَى بَيْتِهَا لِيَتَنَاوَلَ الطَّعَامَ. قَالَتِ المَرْأةُ لِزَوْجِهَا: «اسْمَعْ، يَبْدُو أنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ إلَى بَيْتِنَا هُوَ رَجُلُ اللهِ المُقَدَّسُ. فَمَا رَأيُكَ أنْ نَبنِيَ لَهُ عِلِّيَّةً صَغِيرَةً؟ وَلْنَضَعْ فِيهَا فِرَاشًا وَطَاوِلَةً وَكُرْسِيًّا وَمِصْبَاحًا. وَعِنْدَمَا يَأْتِي إلَينَا، يَسْتَخْدِمُهَا.» وَذَاتَ يَوْمٍ جَاءَ ألِيشَعُ إلَى بَيْتِ المَرْأةِ. وَدَخَلَ إلَى العِلِّيَّةِ وَاسْتَرَاحَ هُنَاكَ. فَقَالَ ألِيشَعُ لِخَادِمِهِ جِيحَزِي: «ادْعُ لِي هَذِهِ المَرْأةَ الشُّونَمِيَّةَ.» فَدَعَا الخَادِمُ المَرْأةَ الشُّونَمِيَّةَ، فَجَاءَتْ وَوَقَفَتْ أمَامَهُ. فَقَالَ ألِيشَعُ لِخَادِمِهِ: «وَالْآنَ، قُلْ لَهَا: ‹لَقَدْ أتْعَبْتِ نَفْسَكِ كَثِيرًا مِنْ أجْلِنَا. فَمَاذَا يُمكِنُنَا أنْ نَفعَلَ مِنْ أجْلِكِ؟ هَلْ تُرِيدِينَ أنْ نَتَوَسَّطَ لَكِ فِي شَيءٍ عِنْدَ المَلِكِ أوْ قَائِدِ الجَيْشِ؟›» فَقَالَتِ المَرْأةُ لِجِيحَزِي: «أنَا أسْكُنُ فِي وَسْطِ شَعْبِي، وَلَا أحتَاجُ شَيْئًا.» فَقَالَ ألِيشَعُ لِجِيحَزِي: «مَاذَا يُمكِنُنَا أنْ نَصْنَعَ مِنْ أجْلِهَا؟» فَأجَابَ: «إنَّهَا مَحرُومَةٌ مِنَ الأوْلَادِ، وَزَوْجُهَا قَدْ شَاخَ.» فَقَالَ ألِيشَعُ: «ادْعُهَا.» فَدَعَا جِيحَزِي المَرْأةَ. فَجَاءَتْ وَوَقَفَتْ بِالبَابِ. فَقَالَ لَهَا ألِيشَعُ: «فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ مِنَ الرَّبِيعِ القَادِمِ سَتَحْضِنِينَ ابْنَكِ بَيْنَ ذِرَاعَيكِ.» فَقَالَتِ المَرْأةُ: «لَا يَا سَيِّدِي، رَجُلَ اللهِ، لَا تَكْذِبْ عَلَيَّ!» لَكِنَّ المَرْأةَ حَبِلَتْ بِالفِعْلِ وَوَلَدَتِ ابْنًا فِي الرَّبِيعِ التَّالِي، حَسَبَ قَولِ النَّبِيِّ ألِيشَعَ. وَكَبِرَ الوَلَدُ، وَذَاتَ يَوْمٍ ذَهَبَ الوَلَدُ إلَى الحُقُولِ لِكَي يَرَى أبَاهُ وَالحَصَّادِينَ. فَقَالَ الوَلَدُ لِأبِيهِ: «رَأسِي! رَأسِي يُؤلِمُنِي!» فَقَالَ الأبُ لِخَادِمِهِ: «احمِلْهُ إلَى أُمِّهِ.» فَحَمَلَ الخَادِمُ الوَلَدَ إلَى أُمِّهِ. فَأجلَسَتْهُ عَلَى حِجْرِهَا حَتَّى الظُّهْرِ. ثُمَّ مَاتَ. وَأضجَعَتِ المَرْأةُ الوَلَدَ عَلَى فِرَاشِ رَجُلِ اللهِ. وَأغلَقَتْ بَابَ الغُرْفَةِ عَلَيْهِ وَخَرَجَتْ. ثُمَّ نَادَتْ زَوْجَهَا وَقَالَتْ لَهُ: «أرْسِلْ لِي وَاحِدًا مِنَ الخَدَمِ وَحِمَارًا. إذْ أُرِيدُ أنْ أذهَبَ إلَى رَجُلِ اللهِ بِسُرْعَةٍ وَأرجِعَ.» فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا: «وَلِمَاذَا تَذْهَبِينَ إلَيْهِ اليَوْمَ؟ لَيْسَ اليَوْمُ عيدًا وَلَا سَبْتًا.» فَقَالَتْ: «سَيَكُونُ الأمْرُ خَيْرًا.» ثُمَّ أسْرَجَتِ الحِمَارَ وَقَالَتْ لِخَادِمِهَا: «لِنَذهَبْ، وَأسْرِعْ! لَا تَتَوَقَّفْ حَتَّى أقُولَ لَكَ.» فَذَهَبَتِ المَرْأةُ إلَى رَجُلِ اللهِ فِي جَبَلِ الكَرمَلِ. فَرَأى رَجُلُ اللهِ المَرْأةَ الشُّونَمِيَّةَ آتِيَةً مِنْ بَعِيدٍ. فَقَالَ لِخَادِمِهِ جِيحَزِي: «إنَّهَا المَرْأةُ الشُّونَمِيَّةُ! فَاركُضْ إلَيْهَا وَاسألْهَا: ‹هَلْ أنْتِ بِخَيرٍ؟ هَلْ زَوْجُكِ بِخَيرٍ؟ هَلِ ابْنُكِ بِخَيرٍ؟›» فَقَالَتْ: «بِخَيرٍ!» وَصَعِدَتِ المَرْأةُ الشُّونَمِيَّةُ التَّلَّةَ إلَى رَجُلِ اللهِ. وَانحَنَتْ وَسَجَدَتْ عِنْدَهُ وَأمْسَكَتْ بِقَدَمَيهِ. فَتَقَدَّمَ جِيحَزِي لِكَي يَدْفَعَهَا بَعِيدًا عَنْهُ. لَكِنَّ رَجُلَ اللهِ قَالَ لِجِيحَزِي: «دَعْهَا وَشَأنَهَا! فَهِيَ مُنزَعِجَةٌ جِدًّا. وَلَمْ يُخبِرْنِي اللهُ بِمَا حَدَثَ لَهَا. بَلْ أخفَاهُ عَنِّي.» فَقَالَتْ لَهُ: «لَمْ أطلُبْ مِنْكَ وَلَدًا يَوْمًا. بَلْ قُلْتُ لَكَ: ‹لَا تَخْدَعْنِي!›» فَقَالَ ألِيشَعُ لِجِيحَزِي: «اسْتَعِدَّ لِلذَّهَابِ. خُذْ عُكَّازِي وَاذْهَبْ. وَإنْ قَابَلَكَ أحَدٌ فِي الطَّرِيقِ، فَلَا تَتَوَقَّفْ حَتَّى لِتَحِيَّتِهِ. وَإنْ حَيَّاكَ أحَدٌ، فَلَا تَرُدَّ عَلَيْهِ. وَعِنْدَمَا تَصِلُ إلَى الوَلَدِ، ضَعْ عُكَّازِي عَلَى وَجْهِهِ.» فَقَالَتْ أُمُّ الولَدِ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ وَبِحَيَاتِكَ، لَنْ أعُودَ إلَى بَيْتِي إلَّا مَعَكَ!» فَقَامَ ألِيشَعُ وَتَبِعَهَا. فَسَبَقَ جِيحَزِي ألِيشَعَ وَالمَرْأةَ الشُّونَمِيَّةَ إلَى البَيْتِ، وَوَضَعَ عَصَاهُ عَلَى وَجْهِ الوَلَدِ. لَكِنَّ الوَلَدَ لَمْ يُصْدِرْ صَوْتًا أوْ يُظْهِرْ أيَّةَ عَلَامَةٍ. فَرَجِعَ لِلِقَاءِ ألِيشَعَ. وَقَالَ لَهُ: «لَمْ يَسْتَيْقِظِ الوَلَدُ بَعْدُ!» فَدَخَلَ ألِيشَعُ البَيْتَ، فَوَجَدَ الوَلَدَ مَيِّتًا وَمُمَدَّدًا عَلَى سَرِيرِهِ. فَدَخَلَ الغُرْفَةَ، وَأغلَقَ البَابَ عَلَيْهِ وَعَلَى الوَلَدِ، ثُمَّ صَلَّى إلَى اللهِ . ثُمَّ صَعِدَ عَلَى الفِرَاشِ وَتَمَدَّدَ عَلَى الوَلَدِ، وَوَضَعَ عَيْنَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَفَمَهُ عَلَى فَمِهِ، وَيَدَيهِ عَلَى يَدَيهِ. وَظَلَّ مُتَمَدِّدًا فَوْقَهُ إلَى أنْ صَارَ جَسَدُ الصَّبِيِّ دَافِئًا. ثُمَّ قَامَ ألِيشَعُ عَنِ الوَلَدِ وَرَاحَ يَتَمَشَّى فِي الغُرْفَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجِعَ وَتَمَدَّدَ عَلَى الصَّبِيِّ إلَى أنْ عَطَسَ الصَّبِيُّ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ. ثُمَّ نَادَى ألِيشَعُ جِيحَزِي وَقَالَ لَهُ: «ادْعُ المَرْأةَ الشُّونَمِيَّةَ!» فَدَعَاهَا جِيحَزِي، فَجَاءَتْ إلَى ألِيشَعَ. فَقَالَ لَهَا: «احمِلِي ابْنَكِ.» فَتَقَدَّمَتِ المَرْأةُ الشُّونَمِيَّةُ وَسَجَدَتْ عِنْدَ قَدَمَيِّ ألِيشَعَ. ثُمَّ حَمَلَتِ ابْنَهَا وَخَرَجَتْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ، عَادَ ألِيشَعُ إلَى الجِلجَالِ. وَكَانَتْ فِي الأرْضِ مَجَاعَةٌ. وَكَانَتْ جَمَاعَةُ الأنْبِيَاءِ جَالِسَةً أمَامَ ألِيشَعَ. فَقَالَ لِخَادِمِهِ: «ضَعِ القِدْرَ الكَبِيرَ عَلَى النَّارِ، وَاصْنَعْ حَسَاءً لِجَمَاعَةِ الأنْبِيَاءِ.» وَخَرَجَ رَجُلٌ إلَى الحُقُولِ لِيَجْمَعَ أعشَابًا، فَوَجَدَ يَقْطِينًا بَرِّيًّا. فَوَضَعَهُ فِي ثَوْبِهِ وَأحضَرَهُ مَعَهُ. وَقَطَّعَ اليَقْطِينَ البَرِّيَّ وَوَضَعَهُ فِي القِدْرِ. وَلَمْ يَعْرِفْ أحَدٌ مَا الَّذِي وَضَعَهُ فِي القِدْرِ. ثُمَّ سَكَبُوا بَعْضَ الحَسَاءِ. وَعِنْدَمَا بَدَأُوا يَأْكُلُونَ، صَرَخُوا: «يَا رَجُلَ اللهِ، هُنَاكَ سُمٌّ فِي القِدْرِ!» لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَأْكُلُوا لِأنَّهُمْ أحَسُّوا بِطَعْمِ السُّمِّ. لَكِنَّ ألِيشَعَ قَالَ: «أحضِرُوا بَعْضَ الطَّحِينِ.» فَرَمَى ألِيشَعُ الطَّحِينَ فِي القِدْرِ. ثُمَّ قَالَ: «صُبَّ الحَسَاءَ حَتَّى يَأْكُلُوا.» فَاختَفَى كُلُّ أثَرٍ سَيئٍ مِنَ الحَسَاءِ! وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَعلِ شَلِيشَةَ حَامِلًا مَعَهُ خُبْزًا مِنْ أوَّلِ الحَصَادِ لِرَجُلِ اللهِ. جَلَبَ مَعَهُ هَذَا الرَجُلُ عِشْرِينَ رَغِيفًا مِنَ الشَّعِيرِ وَسَنَابِلَ طَرِيَّةً فِي كِيسِهِ. فَقَالَ ألِيشَعُ لَهُ: «أعْطِ مَا مَعَكَ لِلرِّجَالِ لِيَأْكُلُوا.» فَقَالَ خَادِمُ ألِيشَعَ: «كَيْفَ أضَعُ هَذِهِ الكَمِّيَّةَ الضَّئِيلَةَ مِنَ الطَّعَامِ أمَامَ مِئَةِ رَجُلٍ؟» فَقَالَ ألِيشَعَ: «قَدِّمِ الطَّعَامَ لِلرِّجَالِ لِيَأْكُلُوا. إذْ يَقُولُ اللهُ : ‹سَيَشْبَعُونَ وَيَفْضُلُ عَنْهُمْ.›» فَوَضَعَ خَادِمُ ألِيشَعَ الطَّعَامَ أمَامَ الأنْبِيَاءِ. فَأكَلُوا وَشَبِعُوا. وَفَضُلَ عَنْهُمْ حَسَبَ قَولِ اللهِ . كَانَ نُعْمَانُ قَائِدَ جَيْشِ مَلِكِ أرَامَ. وَكَانَ مُكَرَّمًا جِدًّا عِنْدَهُ وَعَزِيزًا عَلَيْهِ، لِأنَّ اللهَ حَقَّقَ لِآرَامَ نَصْرًا عَظِيمًا عَلَى يَدِهِ. وَمَعَ أنَّ نُعْمَانَ هَذَا كَانَ عَظِيمًا وَقَوِيًّا، إلَّا أنَّهُ كَانَ مُصَابًا بِالبَرَصِ. وَكَانَ الأرَامِيُّونَ قَدْ خَرَجُوا فِي غَزَوَاتٍ عَدِيدَةٍ ضِدَّ إسْرَائِيلَ. وَفِي إحْدَى غَزَوَاتِهِمْ أسَرُوا بِنْتًا صَغِيرَةً مِنْ أرْضِ إسْرَائِيلَ. فَصَارَتْ خَادِمَةً لِزَوْجَةِ نُعْمَانَ. فَقَالَتِ البِنْتُ لِزَوْجَتِهِ: «لَيْتَ سَيِّدِي يَذْهَبُ لِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ الَّذِي فِي السَّامِرَةِ، فَهُوَ يَقْدِرُ أنْ يَشْفِيَهُ مِنْ بَرَصِهِ.» فَذَهَبَ نُعْمَانُ إلَى سَيِّدِهِ وَأخْبَرَهُ بِمَا قَالَتِ الخَادِمَةُ الَّتِي مِنْ إسْرَائِيلَ. فَقَالَ مَلِكُ أرَامَ لَهُ: «اذْهَبْ فَوْرًا، وَسَأُرْسِلُ مَعَكَ رِسَالَةً إلَى مَلِكِ إسْرَائِيلَ.» فَذَهَبَ نُعْمَانُ إلَى إسْرَائِيلَ، وَأخَذَ مَعَهُ عَشْرَةَ قَنَاطِيرَ مِنَ الفِضَّةِ، وَسِتَّةَ آلَافِ مِثْقَالٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَعَشْرَةَ أثْوَابٍ. وَأحضَرَ نُعْمَانُ الرِّسَالَةَ إلَى مَلِكِ إسْرَائِيل، وَجَاءَ فِيهَا: «… وَالْآنَ، أُبَيِّنُ لَكَ بِمُوجِبِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ أنِّي مُرْسِلٌ خَادِمِي نُعْمَانَ إلَيْكَ فَاشْفِهِ مِنْ بَرَصِهِ.» فَلَمَّا قَرَأ مَلِكُ إسْرَائِيلَ الرِّسَالَةَ، شَقَّ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «أأنَا اللهُ الَّذِي يَقْدِرُ أنْ يُحيِي وَيُمِيتَ؟ فَلِمَاذَا أرْسَلَ إلَيَّ مَلِكُ أرَامَ رَجُلًا أبْرَصَ حَتَّى أشْفِيَهِ؟ إنَّهُ يُضْمِرُ لِي الشَّرَّ!» وَسَمِعَ ألِيشَعُ، رَجُلُ اللهِ، أنَّ مَلِكَ إسْرَائِيلَ قَدْ شَقَّ ثِيَابَهُ. فَأرْسَلَ إلَيْهِ ألِيشَعُ رِسَالَةً يَقُولُ فِيهَا: «لِمَاذَا شَقَقْتَ ثِيَابَكَ؟ أرْسِلْ نُعمَانَ إلَيَّ. حِينَئِذٍ، سَيَعْلَمُ أنَّ هُنَاكَ نَبِيًّا فِي إسْرَائِيلَ!» فَجَاءَ نُعمَانُ بِخَيلِهِ وَمَرْكَبَاتِهِ إلَى بَيْتِ ألِيشَعَ وَوَقَفَ عِنْدَ البَابِ. فَأرْسَلَ ألِيشَعُ رَسُولًا لِنُعْمَانَ يَقُولُ لَهُ: «اذْهَبْ وَاغتَسِلْ فِي نَهْرِ الأُرْدُنِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ. حِينَئِذٍ، سَيُشْفَى جِلْدُكَ. وَتَصِيرُ طَاهِرًا.» فَغَضِبَ نُعمَانُ وَمَضَى وَهْوَ يَقُولُ: «تَوَقَّعْتُ أنْ يَخْرُجَ ألِيشَعُ لِاسْتِقبَالِي عَلَى الأقَلِّ ويَقِفَ أمَامِي وَيَدْعُو بِاسْمِ . تَوَقَّعْتُ أنْ يَضَعَ يَدَهُ فَوْقَ جَسَدِي فَيُشْفَى. إنَّ أبَانَةَ، وَفَرْفَرَ، نَهْرَي دِمَشْقَ، أفْضَلُ مِنْ كُلِّ أنْهَارِ إسْرَائِيلَ. فَلِمَاذَا لَا يُمكِنُنِي أنْ أغتَسِلَ فِي نَهْرَي دِمَشْقَ وَأطْهُرَ؟» غَضِبَ نُعمَانُ كَثِيرًا وَأرَادَ مُواصَلَةَ طَرِيقِ العَوْدَةِ. غَيْرَ أنَّ خُدَّامَ نُعْمَانَ ذَهَبُوا إلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ: «يَا أبَانَا، لَوْ طَلَبَ مِنْكَ النَّبِيُّ أنْ تَفْعَلَ شَيْئًا صَعْبًا، أمَا كُنْتَ تَفْعَلُهُ؟ لَكِنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ مِنْكَ إلَّا أمْرًا بَسِيطًا جِدًّا، إذْ قَالَ لَكَ: ‹اغْتَسِلْ وَاطهُرْ.›» فَعَمِلَ نُعمَانُ بِمَا أوْصَاهُ رَجُلُ اللهِ. فَنَزَلَ وَغَطَسَ فِي نَهْرِ الأُرْدُنِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَطَهُرَ تَمَامًا! بَلْ صَارَ جِلْدُهُ نَاعِمًا كَجِلْدِ طِفلٍ رَضِيعٍ. فَعَادَ نُعْمَانُ وَجَمَاعَتُهُ إلَى رَجُلِ اللهِ. وَوَقَفَ أمَامَ ألِيشَعَ وَقَالَ: «هَا أنَا قَدْ عَلِمْتُ أنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَهٌ إلَّا فِي إسْرَائِيلَ! وَالْآنَ، أرْجُو أنْ تَقْبَلَ هَدِيَّةً مِنِّي، أنَا عَبْدَكَ.» لَكِنَّ ألِيشَعَ قَالَ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ الَّذِي أخدِمُهُ، لَنْ آخُذَ هَدِيَّةً مِنْكَ.» وَألَحَّ نُعْمَانُ عَلَى ألِيشَعَ أنْ يَأْخُذَ الهَدِيَّةَ، فَلَمْ يَقْبَلْ. فَقَالَ نُعْمَانُ: «لَا تُرِيدُ أنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتِي، فَاسْمَحْ لِي أنْ آخُذَ حِمْلَ بَغلَينِ مِنَ التُّرَابِ. فَأنَا لَا أُرِيدُ أنْ أُقَدِّمَ ذَبِيحَةً أوْ تَقْدِمَةً فِيمَا بَعْدُ لِأَيِّ إلَهٍ سِوَى يهوه. وَلْيَغْفِرْ لَيَ يهوه! فَعِنْدَمَا يَذْهَبُ مَوْلَايَ مَلِكُ أرَامَ فِي المُسْتَقْبَلِ إلَى هَيْكَلِ رَمُّونَ لِيَعْبُدَهُ، سَيَسْتَنِدُ المَلِكُ عَلَيَّ. فَأنَا مُضْطَرٌّ إلَى أنْ أسْجُدَ فِي هَيْكَلِ رَمُّونَ. وَأنَا أطلُبُ أنْ يَغْفِرَ لِي يهوه ذَلِكَ.» فَقَالَ ألِيشَعُ لِنُعْمَانَ: «اذْهَبْ بِسَلَامٍ.» وَلَمْ يَكَنْ نُعْمَانُ قَدِ ابتَعَدَ كَثِيرًا، حَتَّى قَالَ جِيحَزِي خَادِمُ ألِيشَعَ رَجُلِ اللهِ فِي نَفْسِهِ: «هَا قَدْ رَفَضَ سَيِّدِي أنْ يَأْخُذَ الهَدِيَّةَ الَّتِي أحضَرَهَا نُعْمَانُ. أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، سَألْحَقُ أنَا بِهِ وَآخُذُ شَيْئًا مِنْهُ!» فَرَكَضَ جِيحَزِي إلَى نُعْمَانَ. فَلَمَّا رَآهُ نُعْمَانُ رَاكِضًا خَلْفَهُ، أوْقَفَ المَرْكَبَةَ وَنَزَلَ لِلِقَائِهِ. وَسَألَهُ: «أكُلُّ شَيءٍ عَلَى مَا يُرَامُ؟» فَقَالَ جِيحَزِي: «نَعَمْ، لَكِنَّ سَيِّدِي أرْسَلَنِي إلَيْكَ. وَهُوَ يَقُولُ: ‹جَاءَنِي ضَيفَانِ مِنْ جَمَاعَةِ الأنْبِيَاءِ فِي أفْرَايِمَ، فَأعْطِهِمَا قِنطَارًا مِنَ الفِضَّةِ وَثَوْبَينِ.›» وقَالَ نُعمَانُ: «أرْجُو أنْ تَأْخُذَ قِنْطَارَينِ.» وَألَحَّ نُعمَانُ عَلَى جِيحَزِي أنْ يَأْخُذَ الفِضَّةَ. فَوَضَعَ قِنْطَارَيِّ الفِضَّةِ فِي كِيسَينِ، وَأخَذَ ثَوْبَينِ وَأعَطَاهُمَا لِاثنَيْنِ مِنْ خُدَّامِهِ. فَحَمَلَا هَذَا كُلَّهُ، وَسَارَا أمَامَ جِيحَزِي. وَلَمَّا وَصَلَ إلَى التَّلَّةِ، أخَذَ هَذِهِ الأشْيَاءَ مِنَ الخَادِمَينِ، ثُمَّ صَرَفَ الخَادِمَينِ، فَانْصَرَفَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ خَبَّأهَا فِي بَيْتِهِ. ثُمَّ رَجِعَ جِيحَزِي وَدَخَلَ وَوَقَفَ أمَامَ سَيِّدِهِ. فَقَالَ ألِيشَعُ لِجِيحَزِي: «أيْنَ كُنْتَ؟» فَأجَابَ جِيحَزِي: «لَمْ أتَحَرَّكْ مِنْ هَذَا المَكَانِ.» فَقَالَ ألِيشَعُ لِجِيحَزِي: «لَيْسَ هَذَا صَحِيحًا! فَقَدْ كُنْتُ مَعَكَ بِرُوحِي عِنْدَمَا التَفَتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَنَزَلَ مِنْ مَرْكَبَتِهِ لِلِقَائِكَ! أهَذَا وَقْتُ أخذِ مَالٍ وَثِيَابٍ وَزَيْتُونٍ وَعِنَبٍ وَغَنَمٍ وَبَقَرٍ وَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ؟ وَالْآنَ، سَيَنْتَقِلُ بَرَصُ نُعمَانَ إلَيْكَ وَإلَى نَسْلِكَ إلَى الأبَدِ!» فَلَمَّا خَرَجَ جِيحَزِي مِنْ عِنْدِ ألِيشَعَ، صَارَ جِلْدُهُ أبْيَضَ كَالثَّلْجِ بِسَبَبِ البَرَصِ. وَقَالَتْ جَمَاعَةُ الأنْبِيَاءِ لِألِيشَعَ: «إنَّ المَكَانَ الَّذِي نُقِيمُ فِيهِ ضَيِّقٌ عَلَيْنَا. فَلْنَذهَبْ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ وَنَقطَعْ بَعْضَ الخَشَبِ. وَلْيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا خَشَبَةً لِنَبنِيَ لَنَا مَكَانًا أوْسَعَ نُقِيمُ فِيهِ.» فَقَالَ ألِيشَعُ: «اذْهَبُوا.» فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: «أرْجُو أنْ تَذْهَبَ مَعَنَا، نَحْنُ خُدَّامَكَ.» فَقَالَ ألِيشَعُ: «سَأذهَبُ.» فَرَافَقَهُمْ ألِيشَعُ. وَلَمَّا وَصَلُوا إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ، بَدَأُوا يَقْطَعُونَ بَعْضَ الأشْجَارِ. لَكِنْ بَيْنَمَا كَانَ أحَدُهُمْ يَقْطَعُ شَجَرَةً، انفَلَتَ رَأسُ الفأسِ وَوَقَعَ فِي المَاءِ. فَصَرَخَ الرَّجُلُ: «يَا سَيِّدِي، إنَّهَا فَأسٌ مُسْتَعَارَةٌ.» فَقَالَ رَجُلُ اللهِ: «أيْنَ سَقَطَ؟» فَأرَاهُ الرَّجُلُ المَكَانَ. فَقَطَعَ ألِيشَعُ غُصنًا وَألقَاهُ فِي المَاءِ، فَطَفَا رَأسُ الفَأسِ الحَدِيدِيُّ. فَقَالَ ألِيشَعُ لِلرَّجُلِ: «التَقِطْهُ.» فَمَدَّ الرَّجُلُ يَدَهُ وَالتَقَطَهُ. وَأرَادَ مَلِكُ أرَامُ أنْ يُحَارِبَ إسْرَائِيلَ. فَعَقَدَ اجتِمَاعًا مَعَ قَادَةِ جَيْشِهِ لِيَتَشَاوَرَ مَعَهُمْ. وَقَالَ لَهُمْ: «اذْهَبُوا إلَى المَوضِعِ الفُلَانِيِّ وَأعِدُّوهُ لِيَكُونَ مُنَاسِبًا كَمُعَسْكَرٍ لَنَا.» لَكِنَّ رَجُلَ اللهِ أرْسَلَ رِسَالَةً إلَى مَلِكِ إسْرَائِيلَ، جَاءَ فِيهَا: «احذَرْ مِنْ أنْ تَمُرَّ مِنْ ذَلِكَ المَكَانِ، لِأنَّ الجُنُودَ الأرَامِيِّينَ كَامِنُونَ هُنَاكَ لِجُنُودِكَ!» فَأرْسَلَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ رِسَالَةً إلَى رِجَالِهِ فِي تِلْكَ المِنْطَقَةِ وَأخبَرَهُمْ بِمَا حَذَّرَهُ رَجُلُ اللهِ مِنْهُ. وَهَكَذَا نَجَا جُنُودُهُ مِنْ جُنُودِ أرَامَ فِي عِدَّةِ مُنَاسَبَاتٍ. فَانزَعَجَ لِهَذَا الأمْرِ مَلِكُ أرَامَ. فَاسْتَدْعَى قَادَةَ جَيْشِهِ وَسَألَهُمْ: «قُولُوا لِي: مَنْ مِنْكُمْ يَتَجَسَّسُ عَلَيْنَا لِصَالِحِ مَلِكِ إسْرَائِيلَ؟» فَقَالَ أحَدُ قَادَةِ مَلِكِ أرَامَ لَهُ: «لَا يُوجَدُ بَيْنَنَا أيُّ جَاسُوسٍ، يَا مَوْلَايَ المَلِكُ. لَكِنْ يُوجَدُ فِي إسْرَائِيلَ نَبِيٌّ اسْمُهُ ألِيشَعُ، وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُخبِرَ مَلِكَ إسْرَائِيلَ بِمَا تَتَكَلَّمُ بِهِ عَلَى فِرَاشِكَ!» فَقَالَ مَلِكُ أرَامَ: «اذْهَبُوا وَابحَثُوا عَنْهُ، لِأنِّي سَأسجِنُهُ.» فَقَالُوا لَهُ: «إنَّ ألِيشَعَ فِي دُوثَانَ.» فَأرْسَلَ مَلِكُ أرَامَ خَيلًا وَمَركِبَاتٍ وَجَيْشًا كَبِيرًا إلَى دُوثَانَ، وَوَصَلُوا إلَى المَدِينَةِ لَيْلًا وَحَاصَرُوهَا. فَنَهَضَ خَادِمُ رَجُلِ اللهِ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ. وَلَمَّا نَظَرَ إلَى الخَارِجِ، رَأى جَيْشًا مُدَعَّمًا بِخَيلٍ وَمَرْكَبَاتٍ حَوْلَ المَدِينَةِ. فَقَالَ لِسَيِّدِهِ ألِيشَعَ: «آهٍ، يَا سَيِّدِي، مَاذَا عَسَانَا نَفعَلُ؟» فَقَالَ لَهُ ألِيشَعُ: «لَا تَخَفْ. فَالجَيْشُ الَّذِي يُقَاتِلُ عَنَّا أكْبَرُ مِنْ جَيْشِ أرَامَ.» ثُمَّ صَلَّى ألِيشَعُ وَقَالَ: «يَا رَبُّ، أسألُكَ أنْ تَفْتَحَ عَينَيَّ خَادِمِي لِكَي يَقْدِرَ أنْ يَرَى.» فَفَتَحَ اللهُ عَينَيِّ الشَّابَّ، فَرَأى الجَبَلَ مَملُوءًا بِخَيلٍ وَمَرْكَبَاتٍ مِنْ نَارٍ، تُسَيِّجُ كُلُّهَا حَوْلَ ألِيشَعَ. وَلَمَّا تَقَدَّمَتْ نَحوَهُ خُيُولُ أرَامَ وَمَرْكَبَاتُهَا، صَلَّى ألِيشَعُ إلَى اللهِ وَقَالَ: «أُصَلِّي أنْ تُصِيبَ هُؤُلَاءِ بِالعَمَى.» فَضَرَبَهُمُ اللهُ بِالعَمَى اسْتِجَابَةً لِصَلَاةِ ألِيشَعَ. فَقَالَ ألِيشَعُ إلَى الجَيْشِ الأرَامِيِّ: «لَا هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقُ وَلَا تِلْكَ هِيَ المَدِينَةُ الَّتِي تَطْلُبُونَهَا. اتبَعُونِي، وَسَأقُودُكُمْ إلَى الرَّجُلِ الَّذِي تَبْحَثُونَ عَنْهُ.» ثُمَّ قَادَهُمْ ألِيشَعُ إلَى السَّامِرَةِ. فَلَمَّا وَصَلُوا إلَى السَّامِرَةِ، صَلَّى ألِيشَعُ: «يَا اللهُ ، افتَحْ عُيُونَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ لِكَي يَقْدِرُوا أنْ يُبصِرُوا.» فَفَتَحَ اللهُ عُيُونَهُمْ، فَأدرَكَ جَيْشُ أرَامَ أنَّهُمْ فِي السَّامِرَةِ! وَلَمَّا رَأى مَلِكُ إسْرَائِيلَ الجَيْشَ الأرَامِيَّ، قَالَ لِألِيشَعَ: «يَا أبِي، هَلْ أقتُلُهُمْ؟ هَلْ أقتُلُهُمْ؟» فَأجَابَ ألِيشَعُ: «لَا، لَا تَقْتُلْهُمْ. فَأنْتَ لَا تَقْتُلُ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَأْسُرُهُمْ فِي الحَرْبِ. فَأعْطِ هَؤُلَاءِ الجُنُودَ خُبْزًا لِيَأْكُلُوا وَمَاءً ليَشْرَبُوا. ثُمَّ أطلِقْ سَرَاحَهُمْ لِيَعُودُوا إلَى بَلَدِهِمْ وَسَيِّدِهِمْ.» فَأعَدَّ مَلِكُ إسْرَائِيلَ طَعَامًا كَثِيرًا لِجُنُودِ أرَامَ. وَبَعْدَ أنْ أكَلُوا وَشَرِبُوا، صَرَفَهُمُ المَلِكُ إلَى بَلَدِهِمْ. فَعَادُوا إلَى سَيِّدِهِمْ. وَلَمْ يَعُدِ الأرَامِيُّونَ يُرْسِلُونَ مَزِيدًا مِنَ الجُنُودِ إلَى إسْرَائِيلَ لِشَنِّ الغَارَاتِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ، حَشَدَ بَنْهَدَدُ مَلِكُ أرَامَ كُلَّ جَيْشِهِ وَسَارَ لِكَي يُحَاصِرَ السَّامِرَةَ وَيُهَاجِمَهَا. وَاستَمَرَّ الحِصَارُ، فَحَدَثَتْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ فِي السَّامِرَةِ حَتَّى إنَّ رَأسَ الحِمَارِ كَانَ يُبَاعُ بِثَمَانِينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ، وَالحِفْنَةَ مِنْ زِبلِ اليَمَامِ بِخَمْسَةِ مَثَاقِيلَ مِنَ الفِضَّةِ. وَكَانَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ يَمْشِي عَلَى السُّورِ المُحِيطِ بِالمَدِينَةِ. فَصَرَخَتْ إلَيْهِ امْرأةٌ: «أعِنِّي يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي!» فَقَالَ لَهَا مَلِكُ إسْرَائِيلَ: «إنْ لَمْ يُعِنْكِ اللهُ ، فَكَيْفَ أُعِينُكِ أنَا؟ البَيدَرُ فَارِغٌ، وَلَيْسَ فِي المِعصَرَةِ نَبِيذٌ.» ثُمَّ قَالَ لَهَا: «مَا هِيَ مُشكِلَتُكِ؟» فَقَالَتْ: «قَالَتْ لِي هَذِهِ المَرْأةُ: ‹هَاتِي ابْنَكِ فَنَأكُلَهُ اليَوْمَ، وَغَدًا نَأكُلُ ابْنِي.› فَسَلَقْنَا ابْنِي وَأكَلْنَاهُ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، قُلْتُ لِلمَرْأةِ: ‹هَاتِي ابْنَكِ فَنَأكُلَهُ.› لَكِنَّهَا خَبَّأتِ ابْنَهَا!» فَلَمَّا سَمِعَ المَلِكُ كَلَامَ المَرْأةِ، شَقَّ ثِيَابَهُ! وَإذْ كَانَ المَلِكُ يَمْشِي عَلَى سُورِ المَدِينَةِ، كَانَ النَّاسُ يَرَوْنَ الخَيْشَ الَّذِي يَلبَسُهُ تَحْتَ ثِيَابِهِ حُزْنًا. وَأقْسَمَ المَلِكُ وَقَالَ: «ليُعَاقِبْنِي اللهُ إذَا لَمْ أقطَعْ رَأسَ ألِيشَعَ بْنِ شَافَاطَ اليَوْمَ!» فَأرْسَلَ المَلِكُ رَسُولًا إلَى ألِيشَعَ. وَكَانَ ألِيشَعُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ وَالشُّيُوخُ جَالِسينَ مَعَهُ. وَقَبْلَ وُصُولِ الرَّسُولِ، قَالَ ألِيشَعُ لِلشُّيُوخِ: «لَقَدْ أرْسَلَ ابْنُ القَاتِلِ رِجَالًا لِيَقْطَعُوا رَأسِي. فَعِنْدَمَا يَصِلُ الرَّسُولُ، أغلِقُوا البَابَ وَلَا تَسْمَحُوا لَهُ بِالدُّخُولِ. إنِّي أسْمَعُ صَوْتَ قَدَمَيِّ سَيِّدِهِ وَرَاءَهُ.» وَبَيْنَمَا كَانَ ألِيشَعُ يُكَلِّمُ الشُّيُوخَ، وَصَلَ الرَّسُولُ حَامِلًا رِسَالَةً تَقُولُ: « اللهُ هُوَ سَبَبُ هَذِهِ المُصِيبَةِ. فَلِمَاذَا أتَوَقَّعُ شَيْئًا صَالِحًا مِنَ اللهِ بَعْدُ؟» فَقَالَ ألِيشَعُ: «اسْمَعُوا كَلَامَ اللهِ ! يَقُولُ اللهُ : ‹غَدًا فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ، سَيُبَاعُ صَاعُ طَحِينٍ بِمِثْقَالٍ وَاحِدٍ، وَصَاعَا شَعِيرٍ بِمِثْقَالٍ وَاحِدٍ فِي السُّوقِ عِنْدَ بَوَّابَةِ السَّامِرَةِ.›» فَقَالَ أحَدُ الجُنُودِ المُقَرَّبِينَ إلَى المَلِكِ لِرَجُلِ اللهِ: «حَتَّى وَلَوْ فَتَحَ اللهُ نَوَافِذَ فِي السَّمَاءِ، لَا يُمْكِنُ لِهَذَا أنْ يَحْدُثَ!» فَقَالَ ألِيشَعُ: «سَتُبْصِرُ هَذَا بِعَيْنَيْكَ، لَكِنَّكَ لَنْ تَذُوقَ شَيْئًا مِنْهُ.» وَكَانَ هُنَاكَ أرْبَعَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِمَاذَا نَحْنُ مُنتَظْرُونَ هُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا المَوْتُ؟ إذَا دَخَلْنَا مَدِينَةَ السَّامِرَةِ، فَسَنَمُوتُ جُوعًا. فَلَا يُوجَدُ طَعَامٌ هُنَاكَ. وَإذَا بَقِينَا هُنَا، فَسَنَمُوتُ أيْضًا. فَلْنَذهَبْ إلَى مُعَسْكَرِ الأرَامِيِّينَ. فَإذَا عَفُوا عَنَّا، سَنَحْيَا. وَإذَا قَتَلُونَا فَسَنَمُوتُ.» فَذَهَبَ البُرْصُ الأرْبَعَةُ فِي المَسَاءِ إلَى مُعَسْكَرِ الأرَامِيِّينَ. وَوَصَلُوا إلَى حُدُودِ المُعَسْكَرِ. فَوَجَدُوهُ فَارِغًا! فَقَدْ أسْمَعَ الرَّبُّ الجَيْشَ الأرَامِيَّ صَوْتَ مَرْكَبَاتٍ وَخَيلٍ وَجَيْشٍ كَبِيرٍ. فَقَالَ الجُنُودُ الأرَامِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَا بُدَّ أنَّ مَلِكَ إسْرَائِيلَ قَدِ اسْتَنْجَدَ بِمُلُوكِ الحِثِّيِّينَ وَالمِصْرِيِّينَ لِكَي يُهَاجِمُونَا.» فَهَرَبَ الأرَامِيُّونَ فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ مِنْ ذَلِكَ المَسَاءِ، تَارِكينَ كُلَّ شَيءٍ خَلْفَهُمْ. تَرَكُوا خِيَامَهُمْ وَخَيلَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَهَرَبُوا لِحَيَاتِهمْ. فَلَمَّا وَصَلَ الرِّجَالُ البُرْصُ إلَى أوَّلِ المُعَسْكَرِ، دَخَلُوا إحْدَى الخِيَامِ. فَأكَلُوا وَشَرِبُوا. وَبَعْدَ ذَلِكَ حَمَلُوا فِضَّةً وَذَهَبًا وَمَلَابِسَ مِنَ المُخَيَّمِ. وَذَهَبُوا وَأخفُوهَا فِي حُفْرَةٍ وَطَمَرُوهَا. ثُمَّ رَجِعُوا إلَى المُعَسْكَرِ وَدَخَلُوا خَيْمَةً أُخْرَى. وَحَمَلُوا مِنْهَا غَنَائِمَ وَذَهَبُوا وَأخفُوهَا أيْضًا. ثُمَّ قَالُوا بَعْضُهُمْ لبَعْضٍ: «بِئْسَ مَا نَفْعَلُ! اليَوْمُ يَوْمُ بِشَارَةٍ، وَنَحْنُ سَاكِتُونَ! وَإذَا انْتَظَرْنَا حَتَّى الصَّبَاحِ، سَنُعَاقَبُ. فَلْنَذْهَبْ وَنُبَشِّرِ السَّاكنِينَ فِي بَيْتِ المَلِكِ.» فَجَاءَ البُرْصُ وَنَادُوا عَلَى حُرَّاسِ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ. وَقَالُوا لَهُمْ: «ذَهَبْنَا إلَى مُعَسْكَرِ الأرَامِيِّينَ، لَكِنَّنَا لَمْ نَسْمَعْ صَوْتًا وَلَمْ نَجِدْ أحَدًا. غَيْرَ أنَّنَا وَجَدْنَا الخُيُولَ وَالحَمِيرَ مَرْبُوطَةً وَالخيَامَ مَا زَالَتْ قَائمَةً.» فَنَادَى حُرَّاسُ البَوَّابَةِ بِأعلَى صَوْتِهِمْ وَأخبَرُوا السَّاكِنِينَ فِي بَيْتِ المَلِكِ. كَانَ الوَقْتُ لَيْلًا، لَكِنَّ المَلِكَ قَالَ لِكِبَارِ مَسْؤُوليهِ: «أعتَقِدُ أنِّي أفهَمُ خُطَّةَ الجَيْشِ الأرَامِيِّ. إنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أنَّنَا جَوْعَى. فَتَرَكُوا المُعَسْكَرَ لِيَكْمُنُوا لَنَا فِي السُّهُولِ. وَهُمْ يُرِيدُونَنَا أنْ نَخرُجَ مِنَ المَدِينَةِ لِكَي يَقْبِضُوا عَلَيْنَا أحيَاءً. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَيَدْخُلُونَ المَدِينَةَ.» فَقَالَ أحَدُ كِبَارِ مَسْؤُولِي المَلِك: «فَلنُرْسِلْ خَمْسَةَ رِجَالٍ عَلَى الأحْصِنَةِ الخَمْسَةِ المُتَبَقِّيَةِ فِي المَدِينَةِ. فَمَصِيرُهَا المَوْتُ كَجَمِيعِ بَنِي إسْرَائِيلَ البَاقِينَ فِي المَدِينَةِ. فَلْيَذْهَبِ الرِّجَالُ وَيَسْتَطْلِعُوا الأمْرَ.» فَأخَذَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ مَرْكَبَتَيْنِ، وَذَهَبُوا حَسَبَ أمْرِ المَلِكِ لِيَرَوْا مَا حَدَثَ لِلجَيْشِ الأرَامِيِّ. فَانطَلَقَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ خَلْفَ الجَيْشِ الأرَامِيِّ حَتَّى نَهْرِ الأُرْدُنِّ. فَرَأوْا عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ ثِيَابًا وَأسلِحَةً ألقَى بِهَا الأرَامِيُّونَ حَتَّى لَا يُبْطِئُوا بِالهَرَبِ. فَرَجِعَ الرُّسُلُ إلَى السَّامِرَةِ وَأخْبَرُوا المَلِكَ بِهَذَا. فَخَرَجَ الشَّعْبُ مُسْرِعِينَ إلَى مُعَسْكَرِ الأرَامِيِّينَ. وَنَهَبُوا كُلَّ ثَمِينٍ فِيهِ. وَصَارَ مِكيَالُ الطَّحِينِ يُبَاعُ بِمِثْقَالٍ، وَمِكيَالَا الشَّعيرِ بِمِثْقَالٍ. فَتَحَقَّقَ كَلَامُ اللهِ . وَأرْسَلَ المَلِكُ القَائِدَ الَّذِي كَانَ يَسْتَنِدُ عَلَى يَدِهِ إلَى البَوَّابَةِ لِيَحْرُسَهَا. لَكِنَّ النَّاسَ تَدَافَعُوا وَطَرَحُوهُ أرْضًا وَدَاسُوهُ، فَمَاتَ. فَحَدَثَ كُلُّ شَيءٍ كَمَا قَالَ رَجُلُ اللهِ لِلمَلِكِ. فَعِنْدَمَا قَالَ رَجُلُ اللهِ لِلمَلِكِ: «سَيُبَاعُ مِكيَالُ الطَّحِينِ بِمِثْقَالٍ وَاحِدٍ، وَمِكيَالَا الشَّعِيرِ بِمِثْقَالٍ وَاحِدٍ فِي السُّوق عِنْدَ بَوَّابَةِ السَّامِرَةِ، غَدًا فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ» قَالَ القَائِدُ لِرَجُلِ اللهِ: «حَتَّى وَلَوْ فَتَحَ اللهُ نَوَافِذَ فِي السَّمَاءِ، لَا يُمْكِنُ لِهَذَا أنْ يَحْدُثَ!» وَقَالَ لَهُ ألِيشَعُ: «سَتُبْصِرُ هَذَا بِعَيْنَيْكَ، لَكِنَّكَ لَنْ تَذُوقَ شَيْئًا مِنْهُ.» وَهَذَا تَمَامًا مَا حَدَثَ لِلقَائِدِ. إذْ طَرَحَهُ النَّاسُ أرْضًا عِنْدَ البَوَّابَةِ، وَدَاسُوا عَلَيْهِ فَمَاتَ. وَقَالَ ألِيشَعُ لِلمَرْأةِ الَّتِي أعَادَ ابْنَهَا إلَى الحَيَاةِ: «ارحَلِي أنْتِ وَأهْلُ بَيْتِكِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ. فَقَدْ قَضَى اللهُ أنْ تَأْتِيَ سَبْعُ سَنَوَاتٍ مِنَ المَجَاعَةِ هُنَا.» فَعَمِلَتِ المَرْأةُ بِقَولِ رَجُلِ اللهِ. فَذَهَبَتْ لِتُقِيمَ مَعَ عَائلَتِهَا سَبْعَ سَنَوَاتٍ فِي أرْضِ الفِلَسْطِيِّينَ. وَبَعْدَ انقِضَاءِ السَّنَوَاتِ السَّبْعِ، عَادَتْ مِنْ أرْضِ الفِلَسْطِيِّينَ. وَذَهَبَتْ لِتَلْتَمِسَ مِنَ المَلِكِ أنْ يُسَاعِدَهَا فِي اسْتِرجَاعِ بَيْتِهَا وَأرْضِهَا. وَكَانَ المَلِكُ يَتَحَدَّثُ إلَى جِيحَزِي، خَادِمِ رَجُلِ اللهِ. فَقَالَ لَهُ: «أخبِرْنِي بِكُلِّ المُعجِزَاتِ الَّتِي صَنَعَهَا ألِيشَعُ.» فَرَاحَ جِيحَزِي يَقُصُّ عَلَى المَلِكِ كَيْفَ أنَّ ألِيشَعَ أعَادَ شَخْصًا إلَى الحَيَاةِ. وَفِي هَذِهِ الأثنَاءِ جَاءَتْ إلَى المَلِكِ المَرْأةُ الَّتِي أعَادَ ألِيشَعُ ابْنَهَا إلَى الحَيَاةِ. وَتَوَسَّلَتْ إلَيْهِ أنْ يُسَاعِدَهَا فِي اسْتِعَادَةِ بَيْتِهَا وَأرْضِهَا. فَقَالَ جِيجَزِي: «يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، هَذِهِ هِيَ المَرْأةُ، وَهَذَا هُوَ ابْنُهَا الَّذِي أعَادَهُ ألِيشَعُ إلَى الحَيَاةِ!» فَسَألَ المَلِكُ المَرْأةَ عَنْ تَفَاصِيلِ مَا حَدَثَ، فَرَوَتْ لَهُ كُلَّ شَيءٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أمَرَ المَلِكُ أحَدَ مَسؤُولِيهِ وَقَالَ: «أعِدْ لِهَذِهِ المَرْأةِ كُلَّ مَا يَخُصُّهَا. وَأعْطِهَا أيْضًا كُلَّ غَلَّاتِ أرْضِهَا مِنْ يَوْمِ رَحِيلِهَا إلَى رُجُوعِهَا.» وَذَهَبَ ألِيشَعُ إلَى دِمَشْقَ. وَكَانَ بَنْهَدَدُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مَرِيضًا. فَقَالَ أحَدُهُمْ لبِنْهَدَدَ: «لَقَدْ جَاءَ رَجُلُ اللهِ هُنَا.» فَقَالَ المَلِكُ بَنْهَدَدُ لِحَزَائيلَ: «خُذْ هَدِيَّةً وَاذْهَبْ لِاسْتِقبَالِ رَجُلِ اللهِ. وَاطلُبْ إلَيْهِ أنْ يَسألَ اللهَ إنْ كُنْتُ سَأُشفَى مِنْ مَرَضِي.» فَذَهَبَ حَزَائِيلُ لِاسْتِقبَالِ ألِيشَعَ حَامِلًا مَعَهُ هَدَايَا. وَأخَذَ مَعَهُ مِنْ كُلِّ خَيرَاتِ دِمَشقَ، حَمَّلَهَا عَلَى أرْبَعِينَ جَمَلًا. وَقَالَ لَهُ: «أرْسَلَنِي تَابِعُكَ بَنْهَدَدُ إلَيْكَ. وَهُوَ يُرِيدُ أنْ يَعْرِفَ إنْ كَانَ سَيُشفَى مِنْ مَرَضِهِ.» فَقَالَ ألِيشَعُ لِحَزَائِيلَ: «اذْهَبْ وَقُلْ لبِنْهَدَدَ: ‹سَتَحيَا.› لَكِنَّ اللهَ قَالَ لِي إنَّهُ سَيَمُوتُ حَتمًا.» وَأخَذَ ألِيشَعُ يُحَدِّقُ فِي حَزَائِيلَ. حَدَّقَ فِي وَجْهِهِ فَتْرَةً طَوِيلَةً حَتَّى صَارَ حَزَائِيلُ مُحْرَجًا. حِينَئِذٍ، بَكَى رَجُلُ اللهِ. فَقَالَ حَزَائِيلُ: «لِمَاذَا تَبْكِي يَا سَيِّدِي؟» فَأجَابَ ألِيشَعُ: «أنَا أبكِي لِأنِّي أعْلَمُ الفَظَائِعَ الَّتِي سَتَرْتَكِبُهَا فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، إذْ سَتُشْعِلُ النَّارَ فِي حُصُونِهِمْ، وَسَتَقْتُلُ شَبَابَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَسَتَذْبَحُ أطْفَالَهُمْ، وَتَشُقُّ بُطُونَ الحَوَامِلِ مِنْهُمْ.» فَقَالَ حَزَائِيلُ: «مَا أنَا إلَّا شَخْصٌ نَكِرَةٌ. فَكَيْفَ سَأقُومُ بِهَذِهِ الأعْمَالِ العَظِيمَةِ؟» فَأجَابَ ألِيشَعُ: «أعْلَنَ لِي اللهُ أنَّكَ سَتَكُونُ مَلِكًا عَلَى أرَامَ.» وَبَعْدَ ذَلِكَ انصَرَفَ حَزَائِيلُ مِنْ عِندِ ألِيشَعَ وَذَهَبَ إلَى مَلِكِهِ. فَقَالَ بَنْهَدَدُ لَهُ: «مَاذَا قَالَ لَكَ ألِيشَعُ؟» فَأجَابَ حَزَائِيلُ: «قَالَ لِي إنَّكَ سَتَحيَا.» وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، أخَذَ حَزَائِيلُ قطعَةَ قُمَاشٍ سَمِيكَةً وَغَمَسَهَا فِي المَاءِ. ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى وَجْهِ بَنْهَدَدَ وَخَنَقَهُ. فَمَاتَ بَنْهَدَدُ. وَخَلَفَهُ حَزَائِيلُ فِي الحُكْمِ. وَفِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ مِنْ حُكْمِ يُورَامَ بْنِ أخآبَ لِإسْرَائِيلَ، تَوَلَّى يَهُورَامُ بْنُ شَافَاطَ الحُكْمَ فِي يَهُوذَا. وَكَانَ يَهُورَامُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. لَكِنَّ يَهُورَامَ عَاشَ مِثْلَ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ، وَفَعَلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَعَمِلَ أعْمَالَ عَائِلَةِ أخآبَ، لِأنَّهُ اتَّخَذَ بِنْتَ أخآبَ زَوْجَةً لَهُ. لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَشَأ أنْ يَقْضِيَ عَلَى بَيْتِ يَهُوذَا بِسَبَبِ الوَعدِ الَّذِي قَطَعَهُ لعَبدِهِ دَاوُدَ. إذْ وَعَدَ اللهُ بِأنْ يَبْقَى مِصْبَاحًا مُنِيرًا لِدَاوُدَ وَأبْنَائِهِ إلَى الأبَدِ. وَفِي زَمَنِ يَهُورَامَ، تَمَرَّدَتْ أدُومُ وَانفَصَلَتْ عَنْ حُكْمِ يَهُوذَا. وَنَصَّبُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ مَلِكًا مِنْ بَينِهِمْ. فَذَهَبَ يَهُورَامُ بِكُلِّ مَركِبَاتِهِ إلَى صَعِيرَ فِي أدُومَ. فَحَاصَرَهُ الأدُومِيُّونَ. فَهَاجَمَهُمْ هُوَ وَجُنُودُهُ لَيْلًا فَهَرَبُوا إلَى بَلَدِهِمْ. وَهَكَذَا تَمَرَّدَ الأدُومِيُّونَ وَتَحَرَّرُوا مِنْ حُكْمِ يَهُوذَا حَتَّى هَذَا اليَوْمِ. وَفِي نَفسِ الوَقْتِ، تَمَرَّدَتْ لِبْنَةُ أيْضًا. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يَهُورَامَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَمَاتَ يَهُورَامُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. فَخَلَفَهُ ابْنُهُ أخَزْيَا. وَاعتَلَى أخَزْيَا بْنُ يَهُورَامَ عَرشَ يَهُوذَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ يُورَامَ بْنِ أخآبَ لِإسْرَائِيلَ. وَكَانَ أخَزْيَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمرِهِ عِنْدَمَا بَدَأ يَحْكُمُ. وَحَكَمَ سَنَةً وَاحِدَةً فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَأُمُّهُ عَثَلْيَا بِنْتُ عُمْرِي، مَلِكِ إسْرَائِيلَ. وَعَمِلَ أخَزْيَا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ كَمَا فَعَل بَيْتُ أخآبَ. فَقَدْ سَارَ عَلَى نَهْجِ بَيْتِ أخآبَ، لِأنَّهُ صَاهَرَهُمْ. وَذَهَبَ يُورَامُ الَّذِي مِنْ بَيْتِ أخآبَ مَعَ أخَزْيَا لِمُحَارَبَةِ حَزَائِيلَ مَلِكِ أرَامَ فِي رَامُوتِ جِلْعَادَ. فَجُرِحَ يُورَامُ فِي تِلْكَ المَعْرَكَةِ. فَرَجِعَ المَلِكُ يُورَامُ إلَى يَزْرَعِيلَ لِكَي يَتَعَافَى مِنْ جِرَاحِهِ الَّتِي أصَابَتْهُ فِي الرَّامَةِ حَيْثُ حَارَبَ حَزَائِيلَ مَلِكَ أرَامَ. وَذَهَبَ أخَزْيَا بْنُ يَهُورَامَ مَلِكُ يَهُوذَا إلَى يَزْرَعِيلَ لِزِيَارَتِهِ وَهُوَ مُصَابٌ. وَدَعَا النَّبِيُّ ألِيشَعُ وَاحِدًا مِنْ جَمَاعَةِ الأنْبِيَاءِ وَقَالَ لَهُ: «اسْتَعِدَّ وَخُذْ مَعَكَ قِنِّينَةَ زَيْتٍ صَغِيرَةً، وَاذْهَبْ إلَى جِلْعَادَ. وَعِنْدَمَا تَصِلُ إلَى هُنَاكَ، جِدْ يَاهُو بْنَ يَهُوشَافَاطَ بْنِ نَمشِي. وَادخُلْ ثُمَّ أقِمْهُ مِنْ بَيْنِ إخْوَتِهِ. وَخُذْهُ إلَى غُرْفَةٍ دَاخِلِيَّةٍ. وَخُذْ قِنِّينَةَ الزَّيْتِ، وَاسْكُبْهُ عَلَى رَأسِ يَاهُو. وَقُلْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : قَدْ مَسَحْتُكَ كَي تُصْبِحَ مَلِكَ إسْرَائِيلَ الجَدِيدَ.› ثُمَّ افتَحِ البَابَ وَاهْرُبْ. أسْرِعْ وَلَا تَتَبَاطَأ!» فَانطَلَقَ النَّبِيُّ الشَّابُّ إلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ. وَلَمَّا وَصَلَ، رَأى قَادَةَ الجَيْشِ جَالِسِينَ، فَقَالَ: «أيُّهَا القَائِدُ، عِندِي رِسَالَةٌ لَكَ.» فَقَالَ يَاهُو: «لِمَنْ مِنَّا الرِّسَالَةُ؟» فَقَالَ النَّبِيُّ الشَّابُّ: «لَكَ أنْتَ يَا سَيِّدِي.» فَقَامَ يَاهُو وَدَخَلَ البَيْتَ. فَسَكَبَ النَّبِيُّ الشَّابُ زَيْتًا عَلَى رَأسِ يَاهُو وَقَالَ لَهُ: «يَقُولُ اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹أنَا أمسَحُكَ لِتَصِيرَ مَلِكًا عَلَى شَعْبِ اللهِ ، إسْرَائِيلَ. فَاقضِ عَلَى عَائِلَةِ سَيِّدِكَ أخآبَ، وَهَكَذَا أُعَاقِبُ إيزَابَلَ عَلَى قَتلِ خُدَّامِي الأنْبِيَاءِ، وَقَتلِ جَمِيعِ خُدَّامِ اللهِ . يَنبغِي أنْ تَمُوتَ عَائِلَةُ أخآبَ كُلُّهَا، وَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ ذَكَرٌ حَيًّا فِي إسْرَائِيلَ، حُرًّا أمْ عَبْدًا. وَهَكَذَا أجعَلُ عَائِلَةَ أخآبَ مِثْلَ عَائِلَةِ يَرُبْعَامَ بْنِ نَابَاطَ، وَمِثْلَ عَائِلَةِ بَعْشَا بْنِ أخِيَّا. وَسَتَأْكُلُ الكِلَابُ إيزَابَلَ فِي مِنْطَقَةِ يَزْرَعِيلَ، وَلَنْ تُدفَنَ.›» ثُمَّ فَتَحَ النَّبِيُّ الشَّابُّ البَابَ وَهَرَبَ. وَرَجِعَ يَاهُو إلَى خُدَّامِ مَلِكِهِ. فَقَالَ أحَدُهُمْ لِيَاهُو: «هَلْ كُلُّ شَيءٍ عَلَى مَا يُرَامُ؟ لِمَاذَا أتَى هَذَا الرَّجُلُ المَجنُونُ إلَيْكَ؟» فَأجَابَ يَاهُو: «أنْتُمْ تَعْرِفُونَ الرَّجُلَ وَالأشْيَاءَ الغَرِيبَةَ الَّتِي يَقُولُهُا.» فَقَالُوا لَهُ: «لَا تَكْذِبْ! قُلِ الحَقِيقَةَ.» فَقَالَ «هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ لِي: ‹يَقُولُ اللهُ قَدْ مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ.›» فَخَلَعَ كُلُّ خَادِمٍ مِنْهُمْ ثَوْبَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الدَّرَجِ أمَامَ يَاهُو. ثُمَّ نَفَخُوا فِي الأبوَاقِ وَقَالُوا: «صَارَ يَاهُو مَلِكًا!» وَتَمَرَّدَ يَاهُو بْنُ يَهُوشَافَاطَ بْنِ نَمْشِي عَلَى يُورَامَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كَانَ يُورَامُ وَبَنُو إسْرَائِيلَ يُحَاوِلُونَ الدِّفَاعَ عَنْ رَامُوتِ جِلْعَادَ ضِدَّ حَزَائِيلَ مَلِكِ أرَامَ. وَكَانَ المَلِكُ يُورَامُ قَدْ حَارَبَ حَزَائِيلَ، مَلِكَ أرَامَ. لَكِنَّ الأرَامِيِّينَ جَرَحُوا المَلِكَ يُورَامَ، فَذَهَبَ إلَى يَزْرَعِيلَ لِيَتَعَافَى مِنْ جِرَاحِهِ. فَقَالَ يَاهُو لِخُدَّامِ المَلِكِ: «مَادُمْتُمْ قَبِلْتُمُونِي مَلِكًا، فَلَا تَسْمَحُوا لِأحَدٍ بِأنْ يَهْرُبَ مِنَ المَدِينَةِ لِيَنْشُرَ الخَبَرَ فِي يَزْرَعِيلَ.» وَكَانَ يُورَامُ يَقْضِي فَتْرَةَ نَقَاهَةٍ فِي يَزْرَعِيلَ. فَرَكِبَ يَاهُو مَرْكَبَتَهُ وَذَهَبَ إلَيْهِ. وَكَانَ المَلِكُ أخَزْيَا مَلِكُ يَهُوذَا، قَدْ جَاءَ أيْضًا لِيَزُورَ يُورَامَ. وَكَانَ حَارِسٌ وَاقِفًا عَلَى البُرجِ فِي يَزْرَعِيلَ. فَرَأى جَمَاعَةَ يَاهُو الكَبِيرَةَ آتِيَةً. فَقَالَ: «أرَى جَمَاعَةً كَبِيرَةً مِنَ النَّاسِ!» فَقَالَ يُورَامُ: «أرسِلْ فَارِسًا لِلِقَائِهِمْ، وَاطلُبْ إلَيْهِ أنْ يَسألَهُمْ هَل هُم قَادِمُونَ فِي سَلَامٍ.» فَامتَطَى الرَّسُولُ حِصَانًا لِمُلَاقَاةِ يَاهُو، وَقَالَ: «يَسْألُ المَلِكُ يُورَامُ: ‹هَلْ أنْتُمْ قَادِمُونَ فِي سَلَامٍ؟›» فَقَالَ لَهُ يَاهُو: «أيُّ سَلَامٍ هَذَا؟ تَعَالَ وَاتبَعْنِي.» فَقَالَ الحَارِسُ لِيُورَامَ: «ذَهَبَ الرَّسُولُ إلَى الجَمَاعَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَعُدْ بَعْدُ.» فَأرْسَلَ يُورَامُ فَارِسًا آخَرَ. فَجَاءَ الفَارِسُ إلَى جَمَاعَةِ يَاهُو وَقَالَ: «يَقُولُ المَلِكُ يُورَامُ: ‹هَلْ أنْتُمْ قَادِمُونَ فِي سَلَامٍ؟›» فَأجَابَ يَاهُو: «أيُّ سَلَامٍ هَذَا؟ تَعَالَ وَاتبَعْنِي.» فَقَالَ الحَارِسُ لِيُورَامَ: «ذَهَبَ الرَّسُولُ الثَّانِي إلَى الجَمَاعَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَعُدْ بَعْدُ. وَهُنَاكَ رَجُلٌ يَسُوقُ مَرْكَبَتَهُ بِجُنُونٍ عَلَى طَرِيقَةِ يَاهُو بْنِ نَمْشِي.» فَقَالَ يُورَامُ: «هَاتُوا لِي مَرْكَبَتِي!» فَأحضَرَ الخَادِمُ مَرْكَبَةَ يُورَامَ. فَرَكِبَ كُلٌّ مِنْ يُورَامَ، مَلِكِ إسْرَائِيلَ وَأخَزْيَا مَلِكِ يَهُوذَا مَرْكَبَتَهُ. وَخَرَجَ الِاثْنَانِ لِلِقَاءِ يَاهُو. فَقَابَلَاهُ عِنْدَ حَقْلِ نَابُوتَ اليَزْرَعِيلِيِّ. فَسَألَ يُورَامُ يَاهُو: «هَلْ أنْتَ قَادِمٌ فِي سَلَامٍ؟» فَأجَابَ يَاهُو: «لَا سَلَامَ مَا دَامَتْ أُمُّكَ تُمَارِسُ أعْمَالَ العُهْرِ وَالسِّحْرِ!» فَغَيَّرَ يُورَامُ اتِّجَاهَ مَرْكَبَتِهِ لِيَهْرُبَ، وَقَالَ لِأخَزْيَا: «إنَّهَا خِيَانَةٌ يَا أخَزْيَا!» فَأمسَكَ يَاهُو بِقَوْسِهِ. وَأطلَقَ سَهْمًا عَلَى يُورَامَ. فَأصَابَهُ فِي مُنْتَصَفِ ظَهْرِهِ مُختَرِقًا قَلْبَهُ. فَسَقَطَ يُورَامُ فِي مَرْكَبَتِهِ مَيِّتًا. ثُمَّ قَالَ يَاهُو لِبَدْقَرَ، سَائِقِ المَرْكَبَةِ: «خُذْ جُثَّةَ يُورَامَ وَارمِهَا فِي حَقْلِ نَابُوتَ اليَزْرَعِيلِيِّ. فَلَعَلَّكَ تَذْكُرُ أنَّنِي عِنْدَمَا رَكِبْتُ مَعَكَ وَرَاءَ أخآبَ إلَى يُورَامَ، قَالَ اللهُ إنَّ هَذَا سَيَكُونُ مَصِيرَهُ. فَقَدْ قَالَ اللهُ : ‹بِالأمْسِ رَأيْتُ دَمَ نَابُوتَ وَأبْنَائِهِ. لِهَذَا سَأُعَاقِبُكَ، يَا أخآبُ، فِي هَذَا الحَقْلِ نَفْسِهِ.› هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ . فَخُذْ جُثَّةَ يُورَامَ وَارْمِهَا فِي الحَقْلِ، كَمَا قَالَ اللهُ .» فَلَمَّا رَأى المَلِكُ أخَزْيَا هَذَا، حَاوَلَ الهَرَبَ. فَسَلَكَ طَرِيقَ «بَيْتِ البُسْتَانِ.» فَطَارَدَهُ يَاهُو، وَقَالَ: «اقتُلُوا أخَزْيَا أيْضًا!» فَأُصِيبَ أخَزْيَا فِي مَرْكَبَتِهِ عَلَى طَرِيقِ عَقْبَةِ جُورَ قُرْبَ يِبْلَعَامَ. لَكِنَّهُ وَاصَلَ الهَرَبَ حَتَّى مَجِدُّو، وَهُنَاكَ مَاتَ. فَحَمَلَ خُدَّامُهُ جُثَّتَهُ فِي المَرْكَبَةِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، وَدَفَنُوهُ هُنَاكَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. كَانَ أخَزْيَا قَدْ صَارَ مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا فِي السَّنَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ يُورَامَ لِإسْرَائِيلَ. وَذَهَبَ يَاهُو إلَى يَزْرَعِيلَ. فَسَمِعَتْ إيزَابَلُ بِالخَبَرِ. فَوَضَعَتْ مَسَاحِيقَ تَجْمِيلٍ عَلَى وَجْهِهَا وَرَتَّبَتْ شَعرَهَا. ثُمَّ وَقَفَتْ عِنْدَ النَّافِذَةِ وَنَظَرَتْ مِنْهَا. فَلَمَّا دَخَلَ يَاهُو المَدِينَةَ، قَالَتْ لَهُ إيزَابَلُ: «أجِئْتَ لِلسَّلَامِ يَا مَنْ قَتَلَ سَيِّدَهُ كَمَا فَعَلَ زِمْري؟» فَتَطَلَّعَ يَاهُو إلَى النَّافِذَةِ، وَنَادَى: «مَنْ مَعِي؟» فَأطَلَّ اثْنَانِ أوْ ثَلَاثَةُ خُدَّامٍ مِنَ النَّافِذَةِ. فَقَالَ لَهُمْ يَاهُو: «اطْرَحُوا إيزَابَلَ إلَى أسْفَلَ!» فَطَرَحَهَا الخُدَّامُ إلَى أسْفَلَ. فَتَطَايَرَ دَمُهَا عَلَى السُّورِ وَعَلَى الخُيُولِ، فَدَاسَتْهَا. بَعْدَ ذَلِكَ، دَخَلَ يَاهُو البَيْتَ وَأكَلَ وَشَرِبَ. ثُمَّ قَالَ: «انْظُرُوا فِي أمْرِ هَذِهِ المَرْأةِ اللَّعِينَةِ، وَادفِنُوهَا فَهِيَ بِنْتُ مَلِكٍ.» فَذَهَبَ الرِّجَالُ لِيَدْفِنُوا إيزَابَلَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا جُثَّتَهَا. وَوَجَدُوا الجُمجُمَةَ وَالقَدَمَينِ وَرَاحَتَي اليَدَينِ. فَرَجِعَ الرِّجَالُ وَأخبَرُوا يَاهُو. فَقَالَ يَاهُو: «أمَرَ اللهُ عَبْدَهُ إيلِيَّا التَّشْبِيَّ أنْ يُوصِلَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ حَيْثُ قَالَ: ‹سَتَأْكُلُ الكِلَابُ جُثَّةَ إيزَابَلَ فِي يَزْرَعِيلَ. فَتَصِيرُ جُثَّتُهَا كَالزِّبلِ عَلَى الحَقْلِ، حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أحَدٌ أنْ يُمَيِّزَهَا!›» وَكَانَ لِأخآبَ سَبْعُونَ ابْنًا فِي السَّامِرَةِ. فَكَتَبَ يَاهُو رَسَائِلَ وَأرْسَلَهَا إلَى السَّامِرَةِ إلَى رُؤَسَاءِ يَزْرَعِيلَ وَقَادَتِهْا فِي السَّامِرَةِ وَإلَى مُرَبِّي أوْلَادِ أخآبَ. وَجَاءَ فِيهَا: «أنْتُمْ لَدَيْكُمْ مَرْكِبَاتٌ وَخَيلٌ وَأسلِحَةٌ وَمَدِينَةٌ مُحَصَّنَةٌ، وَلَدَيْكُمْ أبْنَاءُ سَيِّدِكُمْ. فَحَالَمَا تَصِلُكُمْ رِسَالَتِي هَذِهِ، اختَارُوا الأفْضَلَ وَالأجدَرَ مِنْ أبْنَاءِ سَيِّدِكُمْ، وَاجعَلُوهُ مَلِكًا مَكَانَ أبِيهِ. ثُمَّ حَارِبُوا دِفَاعًا عَنْ عَائِلَةِ سَيِّدِكُمْ.» لَكِنَّهُمْ خَافُوا كَثِيرًا وَقَالُوا: «لَمْ يَسْتَطِعْ مَلِكَانِ اثْنَانِ أنْ يَصْمِدَا فِي وَجْهِ يَاهُو، فَكَيْفَ نَسْتَطِيعُ نَحْنُ؟» فَأرْسَلَ المَسْؤُولُ عَنْ بَيْتِ أخآبَ، وَرَئِيسُ المَدِينَةِ، وَمُرَبُّو أوْلَادِ المَلِكِ رِسَالَةً جَوَابِيَّةً إلَى يَاهُو قَالُوا فِيهَا: «نَحْنُ نُعلِنُ وَلَاءَنَا لَكَ. وَلَنْ نُنَصِّبَ مَلِكًا عَلَيْنَا. بَلْ سَنَفعَلُ كُلَّ مَا تَقُولُهُ لَنَا. وَافْعَلْ مَا تَرَاهُ مُنَاسِبًا.» فَكَتَبَ يَاهُو رِسَالَةً أُخْرَى إلَى هَؤُلَاءِ القَادَةِ قَالَ فِيهَا: «إذَا أرَدْتُمْ أنْ تُبَرْهِنُوا أنَّكُمْ مُوالُونَ لِي وَجَادُّونَ فِي طَاعَتِي، فَاقطَعُوا رُؤُوسَ أبْنَاءِ أخآبَ، وَأحضِرُوهَا إلَيَّ فِي يَزْرَعِيلَ فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ مِنْ يَوْمِ غَدٍ.» وَكَانَ لِأخآبَ سَبْعُونَ ابْنًا كَانُوا مَعَ قَادَةِ المَدِينَةِ الَّذِينَ رَبُّوهُمْ. فَلَمَّا اسْتَلَمَ قَادَةُ المَدِينَةِ الرِّسَالَةَ، أخَذُوا أبْنَاءَ المَلِكِ السَّبْعِينَ وَقَتَلُوهُمْ جَمِيعًا. ثُمَّ وَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فِي سِلَالٍ وَأرْسَلُوهَا إلَى يَاهُو فِي يَزْرَعِيلَ. فَجَاءَ الرَّسُولُ إلَى يَاهُو وَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ أحضَرُوا رُؤُوسَ أبْنَاءِ المَلِكِ.» فَقَالَ يَاهُو: «كَوِّمُوا الرُّؤُوسَ كَوْمَتَيْنِ عِنْدَ بَابِ المَدِينَةِ حَتَّى الصَّبَاحِ.» وَفِي الصَّبَاحِ خَرَجَ يَاهُو وَوَقَفَ أمَامَ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: «أنْتُمْ أبْرِيَاءُ. هَا أنَا قَدْ تَمَرَّدْتُ عَلَى سَيِّدِي وَقَتَلْتُهُ. لَكِنْ مَنْ قَتَلَ أبْنَاءَ أخآبَ هَؤُلَاء؟ أنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ! فَلْيَكُنْ مَعلُومًا لَدَيْكُمْ أنَّ كُلَّ مَا أنْبَأ بِهِ اللهُ لَا بُدَّ أنْ يَتَحَقَّقَ. وَقَدْ تَكَلَّمَ اللهُ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ عَنْ عَائِلَةِ أخآبَ مِنْ خِلَالِ إيلِيَّا. وَهَا قَدْ فَعَلَ اللهُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ.» فَقَتَلَ يَاهُو كُلَّ أفرَادِ عَائِلَةِ أخآبَ السَّاكِنِينَ فِي يَزْرَعِيلَ. قَتَلَ قَادَتَهُمْ وَأصْدِقَاءَهُمْ وَكَهَنَتَهُمْ، فَلَمْ يَنْجُ أحَدٌ مِنْهُمْ. وَغَادَرَ يَاهُو يَزْرَعِيلَ إلَى السَّامِرَةِ. وَتَوَقَّفَ فِي الطَّرِيقِ فِي مَكَانٍ يُدْعَى «مُخَيَّمَ الرَّاعِي.» وَصَادَفَ هُنَاكَ أقَارِبَ أخَزْيَا، مَلِكِ يَهُوذَا. فَسَألَهُمْ يَاهُو: «مَنْ تَكُونُونَ؟» فَأجَابُوا: «نَحْنُ أقْرِبَاءُ أخَزْيَا مَلِكِ يَهُوذَا. وَقَدْ نَزَلْنَا لِكَي نَزُورَ أبْنَاءَ المَلِكِ وَأبْنَاءَ المَلِكَةِ الأُمِّ.» فَقَالَ يَاهُو: «أمسِكُوا بِهِمْ أحْيَاءً.» فَأمسَكُوا بِهِمْ أحيَاءَ. وَكَانَ عَدَدُهُمُ اثنَيْنِ وَأرْبَعِينَ رَجُلًا. فَقَتَلَهُمْ عِنْدَ البِئْرِ قُرْبَ بَيْتِ عَقْدٍ، وَلَمْ يَعْفُ عَنْ أحَدٍ مِنْهُمْ. وَبَعْدَ أنِ انطَلَقَ مِنْ هُنَاكَ، قَابَلَ يَهُونَادَابَ بْنَ رَكَابٍ الَّذِي كَانَ قَادِمًا لِلِقَائِهِ. فَحَيَّا يَاهُو يَهُونَادَابَ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ أنْتَ وَفِيٌّ لِي كَمَا أنَا لَكَ؟» فَأجَابَ يَهُونَادَابُ: «نَعَمْ، هَذَا أمْرٌ أكِيدٌ.» فَقَالَ يَاهُو: «إنْ كَانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، فَأعْطِنِي يَدَكَ.» ثُمَّ مَدَّ يَاهُو يَدَهُ وَأصعَدَهُ إلَى المَرْكَبَةِ. وَقَالَ يَاهُو: «تَعَالَ مَعِي، وَسَأُرِيكَ مَدَى غَيْرَتِي للهِ .» رَكِبَ يَهُونَادَابُ فِي مَرْكَبَةِ يَاهُو. وَجَاءَ يَاهُو إلَى السَّامِرَةِ وَقَتَلَ كُلَّ عَائِلَةِ أخآبَ الَّذِينَ كَانُوا مَا يَزَالُونَ عَلَى قَيدِ الحَيَاةِ فِي السَّامِرَةِ. أبَادَهُمْ جَمِيعًا، كَمَا أنْبَأ اللهُ عَلَى لِسَانِ إيلِيَّا. ثُمَّ جَمَعَ يَاهُو الشَّعْبَ مَعًا، وَقَالَ لَهُمْ: «لَقَدْ خَدَمَ أخآبُ البَعلَ خِدْمَةً قَليلَةً. وَأمَّا أنَا فَسَأخدِمُهُ خِدْمَةً كَبِيرَةً وكَثِيرَةً! وَالْآنَ، استَدْعُوا كُلَّ كَهَنَةِ البَعْلِ وَأنبِيَائِهِ، وَكُلَّ مَنْ يَعْبُدُ البَعلَ. لَا تَدَعُوا أحَدًا مِنْهُمْ يُفَوِّتُ هَذَا الِاجْتِمَاعَ. فَأنَا سَأُقَدِّمُ ذَبِيحَةً عَظِيمَةً لِلبَعلِ. وَسَأقتُلُ كُلَّ مَنْ لَا يَحْضُرُ هَذَا الِاجْتِمَاعَ!» لَكِنَّ يَاهُو كَانَ يَحتَالُ عَلَيْهِمْ. إذْ كَانَ يَنْوِي أنْ يَقْضِيَ عَلَى عَابِدِي البَعْلِ. وَقَالَ يَاهُو: «أقِيمُوا اجتِمَاعًا مُقَدَّسًا لِلبَعلِ.» فَأعلَنَ الكَهَنَةُ عَنِ الِاجْتِمَاعِ. فَأرْسَلَ يَاهُو رِسَالَةً إلَى جَمِيعِ أنْحَاءِ أرْضِ إسْرَائِيلَ. فَجَاءَ كُلُّ عَابِدِي البَعْلِ. لَمْ يَتَخَلَّفْ أحَدٌ عَنِ الحُضُورِ. وَدَخَلُوا مَعبَدَ البَعْلِ، فَامتَلأ بِالنَّاسِ. حِينَئِذٍ، قَالَ يَاهُو لِلرَّجُلِ المَسؤُولِ المُوَكَّلِ عَلَى ثِيَابِ العِبَادَةِ: «أحضِرْ ثِيَابَ العِبَادَةِ لِعَابِدِي البَعْلِ.» فَأخرَجَ الثِّيَابَ لَهُمْ. ثُمَّ دَخَلَ يَاهُو وَيَهُونَادَابُ بْنُ رَكَابٍ إلَى مَعبَدِ البَعْلِ. وَقَالَ يَاهُو لِعَابِدِي البَعْلِ: «انْظُرُوا حَوْلَكُمْ وَتَحَقَّقُوا مِنْ أنَّهُ لَا يُوجَدُ بَيْنَكُمْ أحَدٌ مِنْ خُدَّامِ اللهِ . تَحَقَّقُوا مِنْ أنَّهُ لَا يُوجَدُ هُنَا إلَّا مَنْ يَعْبُدُونَ البَعلَ.» وَبَعْدَ أنْ تَحَقَّقُوا مِنْ ذَلِكَ، دَخَلَ أنْبِيَاءُ البَعْلِ لِكَي يُقَدِّمُوا تَقْدِمَاتٍ وَذَبَائِحَ لَهُ. أمَّا خَارِجَ الهَيْكَلِ، فَقَدْ كَانَ هُنَاكَ ثَمَانُونَ جُندِيًّا أحضَرَهُمْ يَاهُو. فَقَالَ لَهُمْ: «لَا تَدَعُوا أحَدًا يَهْرُبُ. وَمَنْ يَسْمَحُ لِأحَدٍ بِأنْ يَهْرُبَ سَيَدْفَعُ حَيَاتَهُ ثَمَنًا لِذَلِكَ.» وَحَالَمَا انْتَهَى يَاهُو مِنْ تَقْدِيمِ التَّقْدِمَاتِ وَالذَّبَائِحِ. قَالَ يَاهُو لِلحُرَّاسِ وَالقَادَةِ: «ادخُلُوا وَاقتُلُوا عَابِدِي البَعْلِ. وَلَا تَدَعُوا أحَدًا مِنْهُمْ يَخْرُجُ مِنَ الهَيْكَلِ حَيًّا.» فَقَتَلُوهُمْ بِالسَّيْفِ. وَرَمَوْا بِجُثَثِهِمْ فِي الخَارِجِ. ثُمَّ دَخَلَ الحَرَسُ وَالقَادَةُ إلَى الغُرْفَةِ الرَّئِيسِيَّةِ لِمَعبَدِ البَعْلِ. وَأخرَجُوا الأنْصَابَ التَّذْكَارِيَّةَ مِنْ مَعبَدِ البَعْلِ، وَأحْرَقُوا المَعبَدَ. ثُمَّ سَحَقُوا تِلْكَ الأنْصَابَ وَمَعبَدَ البَعْلِ. وَحَوَّلُوا مَعبَدَ البَعْلِ إلَى مِرْحَاضٍ عَامٍّ مَا يَزَالُ يُسْتَخْدَمُ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَهَكَذَا قَضَى يَاهُو عَلَى عِبَادَةِ البَعْلِ فِي إسْرَائِيلَ. غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يَتْرُك تَمَامًا خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَابَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. إذْ لَمْ يُحَطِّمِ العِجلَينِ الذَّهَبِيَّينِ فِي بَيْتِ إيلَ وَفِي دَانٍ. وَقَالَ اللهُ لِيَاهُو: «أحسَنْتَ صُنعًا. قَدْ فَعَلْتَ مَا يُرضِينِي، حَيْثُ قَضَيتَ عَلَى عَائِلَةِ أخآبَ حَسَبَ مَشِيئَتِي. لِهَذَا سَيَحْكُمُ نَسْلُكَ إسْرَائِيلَ إلَى الجِيلِ الرَّابِعِ.» غَيْرَ أنَّ يَاهُو لَمْ يَحْرِصْ عَلَى إطَاعَةِ شَرِيعَةِ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ بِكُلِّ قَلْبِهِ. فَقَدْ سَارَ عَلَى خُطَى يَرُبْعَامَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، بَدَأ اللهُ يَقْتَطِعُ أجزَاءً مِنْ أرْضِ إسْرَائِيلَ وَيُعطِيهَا لِأُمَمٍ أُخْرَى. وَهَاجَمَ حَزَائِيلُ مَلِكُ أرَامَ إسْرَائِيلَ مِنْ جَمِيعِ حُدُودِهَا وَهَزَمَهَا. وَاسْتَوْلَى عَلَى كُلِّ أرْضِ جِلْعَادَ، أيْ الأرَاضِي الَّتِي كَانَتْ لِعَشَائِرِ جَادٍ وَرَأُوبَيْنَ وَمَنَسَّى. وَاسْتَوْلَى عَلَى كُلِّ الأرْضِ مِنْ عَرُوعِيرَ قُرْبَ وَادِي أرنُونَ إلَى جِلْعَادَ وَبَاشَانَ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يَاهُو وَجَبَرُوتِهِ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَمَاتَ يَاهُو وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. وَدُفِنَ فِي السَّامِرَةِ. وَتَوَلَّى عَرْشَ إسْرَائِيلَ بَعْدَهُ ابْنُهُ يَهُوآحَازُ. وَقَدْ حَكَمَ يَاهو مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ مُدَّةَ ثَمَانٍ وَعَشْرِينَ سَنَةً فِي مَدِينةِ السَّامِرَةِ. وَلَمَّا رَأتْ عَثَلْيَا أُمُّ أخَزْيَا أنَّ ابْنَهَا قَدْ مَاتَ، قَامَتْ وَقَتَلَتْ كُلَّ أبْنَاءِ المَلِكِ. أمَّا يَهُوشَبَعُ بِنْتُ المَلِكِ يُورَامَ، وَأُخْتُ أخَزْيَا، فَقَدْ خَطَفَتْ يُوآشَ بْنَ أخَزْيَا مِنْ بَيْنِ إخْوَتِهِ قَبْلَ أنْ يُقْتَلُوا، وَخَبَّأتْهُ هُوَ وَمُرضِعَتَهُ فِي غُرفَةِ نَومِهَا مِنْ عَثَلْيَا فَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ قَتلِهِ. فَبَقيَ يُوآشُ مُخبَّأً فِي بَيْتِ اللهِ مَعَ يَهُوشَبَعَ سِتَّ سَنَوَاتٍ. وَأثنَاءَ هَذِهِ المُدَّةِ، كَانَتْ عَثَلْيَا تَحْكُمُ مَملَكَةَ يَهُوذَا. وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، اسْتَدْعَى رَئِيسُ الكَهَنَةِ يَهُويَادَاعُ قَادَةَ الحَرَسِ المَلَكِيِّ وَالسُّعَاةِ. وَجَمَعَهُمْ مَعًا فِي بَيْتِ اللهِ . ثُمَّ قَطَعَ مَعَهُمْ عَهْدًا بِقَسَمٍ. ثُمَّ أرَاهُمُ ابْنَ المَلِكِ. وَأوْصَاهُمْ يَهُويَادَاعُ، فَقَالَ: «ثُلْثُكُمُ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ نَوْبَةُ يَوْمِ السَّبْتِ، وَالَّذِينَ عَلَيْهِمْ حِرَاسةُ بَيْتِ المَلِكِ. وَثُلْثُكُمُ المُكَلَّفُ بِحِرَاسَةِ بَابِ السُّورِ، وَثُلْثُكُمُ المُكَلَّفُ بِحِرَاسَةِ بَوَّابةِ الحُرَّاسِ، عَلَيْكُمْ جَمِيعًا أنْ تَحْرُسُوا القَصْرَ. وَعَلَى فِرْقَتَيْنِ مِنْكُمْ – مِنَ الَّذِينَ يُجْبَرُونَ عَلَى حِرَاسَةِ بَيْتِ اللهِ يَوْمَ إجَازَتِهِمُ: يَوْمَ السَّبْتِ – أنْ تُحِيطَا بِالمَلِكِ. كُونُوا مَعَ المَلِكِ حَيْثُمَا ذَهَبَ. وَأحِيطُوا بِهِ كُلُّكُمْ، وَيَدُ كُلٍّ مِنْكُمْ عَلَى مِقبَضِ سَيفِهِ. وَاقتُلُوا كُلَّ مَنْ يُحَاوِلُ اخْتِرَاقَ صُفُوفِكُمْ.» فَنَفَّذَ القَادَةُ كُلَّ أوَامِرِ الكَاهِنِ يَهُويَادَاعَ. فَأخَذَ كُلُّ قَائِدٍ رِجَالَهُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ يَوْمَ السَّبْتِ أوْ لَا يَعْمَلُونَ، وَأتَوْا إلَى الكَاهِنِ يَهُويَادَاعَ. فَأعْطى الكَاهِنُ القَادَةَ حِرَابًا وَأتْرَاسًا كَانَ دَاوُدُ قَدْ أوْدَعَهَا فِي بَيْتِ اللهِ . وَوَقَفَ هَؤُلَاءِ الحُرَّاسُ وَأسلِحَتُهُمْ فِي أيدِيهِمْ مِنْ جَانِبِ الهَيْكَلِ الأيمَنِ إلَى جَانِبِهِ الأيسَرِ. وَأحَاطُوا بِالمَذْبَحِ وَالهَيْكَلِ وَالمَلِكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لَدَى دُخُولِهِ الهَيْكَلَ. وَأخرَجَ هَؤُلَاءِ يُوآشَ وَوَضَعُوا التَّاجَ عَلَى رَأسِهِ وَأعلَنُوا وَلَاءَهُمْ لَهُ فِي حَضْرَةِ اللهِ. ثُمَّ مَسَحُوهُ وَنَصَّبُوهُ مَلِكًا. وَصَفَّقُوا لَهُ بِأيدِيهِمْ وَهَتَفُوا: «يَعيشُ المَلِكُ!» وَسَمِعَتِ المَلِكَةُ عَثَلْيَا الضَّجِيجَ الصَّادِرَ عَنِ الحَرَسِ وَالشَّعْبِ. فَدَخَلَتْ إلَى هَيْكَلِ اللهِ حَيْثُ كَانَ الشَّعْبُ. وَنَظَرَتْ فَرَأتِ المَلِكَ وَاقِفًا عِنْدَ العَمُودِ حَسَبَ عَادَةِ المُلُوكِ. وَرَأتْ أيْضًا القَادَةَ وَضَارِبِي الأبوَاقِ يَنْفُخُونَ الأبوَاقَ ابتِهَاجًا بِالمَلِكِ. حِينَئِذٍ، شَقَّتْ ثِيَابَهَا احتِجَاجًا وَاسْتِنكَارًا، وَصَرَخَتْ: «هَذِهِ خِيَانَةٌ! هَذِهِ خِيَانَةٌ!» وَأمَرَ الكَاهِنُ القَادَةَ المَسْؤُولِينَ عَنِ الجُنُودِ فَقَالَ: «أخرِجُوا عَثَلْيَا خَارِجَ سَاحَةِ الهَيْكَلِ. وَإذَا أرَادَ أحَدٌ أنْ يَأْتِيَ لِلدِّفَاعِ عَنْهَا، فَاقتُلُوهُ. لَكِنْ لَا تُقْتَلْ فِي بَيْتِ اللهِ .» فَأمسَكَ الجُنُودُ بِعَثَلْيَا. وَاقتَادُوهَا عَبْرَ طَرِيقِ الخَيلِ إلَى مَدْخَلِ القَصْرِ. وَقَتَلُوهَا هُنَاكَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ، قَطَعَ يَهُويَادَاعُ عَهْدًا بَيْنَ اللهِ وَالمَلِكِ وَالشَّعْبِ أنْ يَكُونُوا أوْفِيَاءً للهِ . وَقَطَعَ يَهُويَادَاعُ عَهْدًا أيْضًا بَيْنَ المَلِكِ وَالشَّعْبِ. وَذَهَبَ جَمِيعُ الشَّعْبِ إلَى مَعبَدِ البَعْلِ. وَدَمَّرُوا تِمثَالَهُ وَمَذَابِحَهُ، وَكَسَّرُوهَا تَمَامًا. وَقَتَلُوا أيْضًا مَتَّانَ، كَاهِنَ البَعْلِ، أمَامَ مَذَابِحِ البَعْلِ. فَعَيَّنَ الكَاهِنُ يَهُويَادَاعُ مُشْرِفِينَ عَلَى بَيْتِ اللهِ . وَأخَذَ يَهُويَادَاعُ ضُبَّاطَ الجَيْشِ وَالحَرَسَ الخَاصَّ، وَكُلَّ شَعْبِ الأرْضِ مَعَهُ. ثُمَّ أخْرَجَ المَلكَ مِنْ بَيْتِ اللهِ . وَعَبَرُوا بَوَّابَةَ الحَرَسِ إلَى بَيت المَلِكِ. وَهُنَاكَ أجلَسُوا المَلِكَ عَلَى العَرْشِ. فَفَرِحَ جِدًّا كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا، استَرَاحَتْ مَدِينَةُ القُدْسِ بَعْدَ أنْ قُتِلَتْ عَثَلْيَا بِالسَّيْفِ قُرْبَ بَيْتِ المَلِكِ. وَكَانَ يُوآشُ فِي السَّابِعَةِ مِنْ عُمرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَتَوَلَّى يُوآشُ الحُكْمَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ يَاهُو لِإسْرَائِيلَ. وَحَكَمَ يُوآشُ أرْبَعِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ ظَبْيَةَ، وَهِيَ مِنْ بِئْرِ السَّبْعِ. وَعَمِلَ يُوآشُ مَا يُرْضِي اللهَ . وَأطَاعَ اللهَ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِهِ الَّتِي فِيهَا عَلَّمَهُ الكَاهِنُ يَهُويَادَاعُ. لَكِنَّهُ لَمْ يَهْدِمِ المُرْتَفَعَاتِ. فَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَ وَيُحْرِقُونَ بَخُورًا فِي تِلْكَ المُرْتَفَعَاتِ. وَقَالَ يُوآشُ لِلكَهَنَةِ: «يُوجَدُ الكَثِيرُ مِنَ المَالِ فِي بَيْتِ اللهِ . فَقَدْ قَدَّمَ النَّاسُ أشْيَاءَ لِلهَيْكَلِ وَدَفَعُوا ضَرِيبَةَ الهَيْكَلِ عِنْدَمَا أُجْرِيَ الإحْصَاءُ. وَهُنَاكَ مَنْ تَبَرَّعُوا ببَعْضِ المَالِ طَوْعًا. فَلْيَأْخُذْ كُلُّ كَاهِنٍ المَالَ الَّذِي يَحْصُلُ عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ يَخْدِمُهُمْ، وَلْيُصلِحُوا بِهِ جَمِيعَ الأضْرَارِ الَّتِي فِي الهَيْكَلِ.» وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالعَشْرِينَ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ يُوآشَ، لَمْ يَكُنِ الكَهَنَةُ قَدْ أصلَحُوا الهَيْكَلَ. فَاسْتَدْعَى المَلِكُ يُوآشُ الكَاهِنَ يَهُويَادَاعَ وَالكَهَنَةَ الآخَرِينَ. وسألَهُمْ: «لِمَاذَا لَمْ تُرَمِّمُوا الهَيْكَلَ بَعْدُ؟ فَلَا تَأْخُذُوا بَعْدُ مَالًا لِأنْفُسِكُمْ مِنَ النَّاسِ، بَلْ قَدَّمُوا المَالَ لِتَرْمِيِمِ الهَيْكَلِ.» فَأقسَمَ الكَهَنَةُ بِأنْ لَا يَأْخُذُوا مَالًا مِنَ النَّاسِ، إلَّا لِتَرْمِيمِ الهَيْكَلِ. وَأخَذَ الكَاهِنُ يَهُويَادَاعُ صُنْدُوقًا وَثَقَبَهُ مِنْ أعلَاهُ، ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى الجَانِبِ الجَنُوبِيِّ مِنَ المَذْبَحِ عِنْدَ البَابِ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ النَّاسُ إلَى بَيْتِ اللهِ . وَكَانَ بَعْضُ الكَهَنَةِ يَحْرُسُونَ مَدخَلَ الهَيْكَلِ، وَيَأْخُذُونَ المَالَ المُقَدَّمَ إلَى اللهِ وَيَضَعُونَهُ فِي ذَلِكَ الصُّنْدُوقِ. وَكُلَّمَا رَأى كَاتِبُ المَلِكِ وَرَئِيسُ الكَهَنَةِ أنَّ الصُّنْدُوقَ امْتَلْأ بِالمَالِ، كَانَا يَأْتِيَانِ وَيَأْخُذَانِ المَالَ مِنْهُ. وَكَانَا يَعُدَّانِ المَالَ الَّذِي فِي بَيْتِ اللهِ ، وَيَضَعَانَهُ فِي أكيَاسٍ. ثُمَّ يَدْفَعَانِ أجرَ المُشرِفِينَ عَلَى العَمَلِ فِي بَيْتِ اللهِ ، وَيَدفعَانِ أجرَ النَّجَّارِينَ وَالبَنَّائِينَ العَامِلِينَ فِي بَيْتِ اللهِ . وَدَفَعُوا أيْضًا لِلحَجَّارِينَ وَنَحَّاتِي الحِجَارَةِ. وَاشْتَرُوا أيْضًا أخشَابًا وَحِجَارَةً مَنحُوتَةً وَكُلَّ مَا يَلْزَمُ لِإصلَاحِ بَيْتِ اللهِ . إلَّا أنَّ المَالَ الدَّاخِلَ لِبَيْتِ اللهِ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا لِصُنْعِ طُسُوسٍ فِضِّيَّةٍ أوْ مِقَصَّاتٍ أوْ أحوَاضٍ أوْ أبوَاقٍ أوْ أيَّةَ أوَانٍ ذَهَبِيَّةٍ وَفِضِّيَّةٍ. بَلْ ذَهَبَ المَالُ كُلُّهُ لِدَفْعِ أُجُورِ العُمَّالِ العَامِلِينَ فِي بَيْتِ اللهِ . وَلَمْ يَعُدَّ أحَدٌ المَالَ أوْ يُحَاسِبِ الَّذِينَ يُسَلِّمُونَ المَالَ لِلعُمَّالِ. فَقَدْ كَانَ الجَمِيعُ مَوْضِعَ ثِقَةٍ. أمَّا المَالُ الَّذِي يَأْتِي مِنْ ذَبَائِحِ الذَّنْبِ وَذَبَائِحِ الخَطِيَّةِ. فَلَمْ يَكُنْ يَذْهَبُ إلَى بَيْتِ اللهِ ، بَلْ كَانَ مِنْ نَصِيبِ الكَهَنَةِ. وَشَنَّ حَزَائِيلُ هُجُومًا عَلَى مَدِينَةِ جَتَّ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا. وَكَانَ يَنْوِي أيْضًا أنْ يُهَاجِمَ القُدْسَ. فَدَفَعَ يُوآشُ مَالًا لِحَزَائِيلَ مَلِكِ أرَامَ مُقَابِلَ رُجُوعِهِ عَنْ الهُجُومِ عَلَى القُدْسِ. فَأرْسَلَ إلَيْهِ كُلَّ مَا خَصَّصَهُ مُلُوكُ يَهُوذَا، يَهُوشَافَاطُ وَيَهُورَامُ وَأخَزْيَا، لِبَيْتِ اللهِ . كَمَا أرْسَلَ إلَيْهِ كُلَّ الذَّهَبِ الَّذِي فِي بَيْتِ المَلِكِ نَفْسِهِ. فَعَدَلَ حَزَائِيلُ مَلِكُ أرَامَ عَنْ مُهَاجَمَةِ القُدْسِ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يُوآشَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَتَآمَرَ قَادَةُ يُوآشَ عَلَيْهِ، وَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِ مِلُّو عَلَى الطَّرِيقِ النَّازِلَةِ إلَى سَلَّى. فَقَدْ قَتَلَهُ اثْنَانِ مِنْ قَادَتِهِ هُمَا: يُوزَابَادُ بْنُ شِمْعَةَ وَيَهُوزَابَادُ بْنُ شُومِيرَ. ثُمَّ دُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَخَلَفَهُ ابْنُهُ أمَصْيَا مَلِكًا. اعتَلَى يَهُوآحَازُ بْنُ يَاهُو عَرْشَ إسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ حُكْمِ يُوآشَ بْنِ أخَزْيَا لِيَهُوذَا. وَحَكَمَ يَهُوآحَازُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَفَعَلَ يَهُوآحَازُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَسَارَ فِي طَرِيقِ يَرُبْعَامَ بْنِ نَابَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. فَارتَكَبَ خَطَايَاهُ نَفْسَهَا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَنِ ارْتِكَابِهَا. فَاشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى إسْرَائِيلَ. وَجَعَلَهُمْ تَحْتَ سَيطَرَةِ حَزَائِيلَ وَبَنْهَدَدَ بِنِ حَزَائِيلَ مُدَّةً طَوِيلَةً مِنَ الزَّمَنِ. حِينَئِذٍ، تَوَسَّلَ يَهُوآحَازُ إلَى اللهِ أنْ يُسَاعِدَهُمْ. فَاسْتَجَابَ لَهُ اللهُ ، لِأنَّهُ رَأى مُعَانَاةَ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى أيدِي الأرَامِيِّينَ. فَأرْسَلَ اللهُ مَنْ يُنْقِذُ إسْرَائِيلَ. فَحَرَّرَهُمْ مِنْ سَيطَرَةِ الأرَامِيِّينَ. فَعَادَ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى بُيُوتِهِمْ كَالسَّابِقِ. غَيْرَ إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يَتَوَقَّفُوا عَنِ السَّيرِ فِي طَرِيقِ عَائِلَةِ يَرُبْعَامَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. فَاسْتَمَرُّوا فِي ارتِكَابِ خَطَايَاهُ نَفسِهَا، وَأبقَوْا عَلَى أعمِدَةِ عَشْتَرُوتَ فِي السَّامِرَةِ. وَألحَقَ مَلِكُ أرَامَ هَزِيمَةً بِجَيْشِ يَهُوآحَازَ. وَقَضَى عَلَى مُعظَمِ جُنُودِهِ. فَلَمْ يَبْقَ لِإسْرَائِيلَ إلَّا خَمْسِينَ فَارِسًا، وَعَشْرَ مَرْكَبَاتٍ، وَعَشْرَةَ آلَافِ جُندِيٍّ مِنَ المُشَاةِ. وَأذَلَّهُمْ كَأنَّهُمْ تُرَابٌ يُدَاسُ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يهُوآحَازَ وَبُطُولَاتِهِ، فَهَيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَمَاتَ يَهُوآحَازُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي السَّامِرَةِ. وَخَلَفَهُ ابْنُهُ يَهُوآشُ مَلِكًا. وَاعتَلَى يَهُوآشُ بْنُ يَهُوآحَازَ عَرْشَ إسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حُكْمِ يُوآشَ لِيَهُوذَا. وَحَكَمَ يَهُوآشُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً. وَفَعَلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَسَارَ عَلَى نَهْجِ يَرُبْعَامَ بْنِ نَابَاطَ الَّذِي جَعَلَ بِخَطَايَاهُ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَنِ ارْتِكَابِهَا. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يَهُوآشَ، وَحُرُوبِهِ الجَبَّارَةِ ضِدَّ أمَصْيَا، مَلِكِ يَهُوذَا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَمَاتَ يَهُوآشُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي السَّامِرَةِ مَعَ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ يَرُبْعَامُ. وَمَرِضَ ألِيشَعُ. وَفِيمَا بَعْدُ مَاتَ بِمَرَضِهِ هَذَا. فَذَهَبَ يَهُوآشُ مَلِكُ إسْرَائِيلَ لِيَزُورَهُ، وَبَكَى عَلَيْهِ وَقَالَ: «يَا أبِي! يَا أبِي! هَلْ حَانَ الآنَ وَقْتُ مَرْكَبَةِ إسْرَائِيلَ وَخَيلِهَا؟» فَقَالَ ألِيشَعُ لِيَهُوآشَ: «خُذْ قَوْسًا وَبَعْضَ السِّهَامِ.» فَقَالَ ألِيشَعُ لِمَلِكِ إسْرَائِيلَ: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى القَوْسِ.» فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى القَوْسِ. ثُمَّ وَضَعَ ألِيشَعُ يَدَيهِ عَلَى يَدَيِّ المَلِكِ. ثُمَّ قَالَ ألِيشَعُ: «افتَحِ النَّافِذَةَ الشَّرْقِيَّةَ.» فَفَتَحَهَا. فَقَالَ ألِيشَعُ: «أطلِقِ السَّهْمَ.» فَأطلَقَهُ يَهُوآشُ. فَقَالَ ألِيشَعُ: «هَذَا هُوَ سَهْمُ نَصْرِ اللهِ عَلَى أرَامَ. سَتَهْزِمُ الأرَامِيِّينَ فِي أفِيقَ. وَسَتَقْضِي عَلَيْهِمْ.» وَقَالَ ألِيشَعُ: «خُذِ الأقْوَاسَ.» فَأخَذَهَا يَهُوآشُ. فَقَالَ ألِيشَعُ لِمَلِكِ إسْرَائِيلَ: «اضْرِبِ الأرْضَ.» فَضَرَبَ يَهُوآشُ الأرْضَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَوَقَّفَ. فَغَضِبَ رَجُلُ اللهِ عَلَيْهِ. فَقَالَ ألِيشَعُ: «كَانَ عَلَيْكَ أنْ تَضْرِبَ خَمْسَ مَرَّاتٍ أوْ سِتَّ مَرَّاتٍ فَحِينَئِذٍ كُنْتَ سَتَقْضِي عَلَى الأرَامِيِّينَ قَضَاءً مُبرَمًا! أمَّا الآنَ، فَإنَّكَ لَنْ تَهْزِمَهُمْ غَيْرَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ.» وَمَاتَ ألِيشَعُ وَدُفِنَ. وَفِي يَوْمٍ مِنْ أيَّامِ الرَّبِيعِ، جَاءَتْ فِرَقٌ مِنَ الجُنُودِ المُوآبِيِّينَ لِغَزوِ إسْرَائِيلَ. وَكَانَ أُنَاسٌ يَدْفِنُونَ رَجُلًا. فَلَمَّأ رَأوْا الغُزَاةَ المُوآبِيِّينَ، أسْرَعُوا بِإلقَاءِ المَيِّتِ فِي قَبْرِ ألِيشَعَ. وَمَا إنْ مَسَّ المَيِّتُ عِظَامَ ألِيشَعَ، حَتَّى عَادَ إلَى الحَيَاةِ وَوَقَفَ عَلَى قَدَمَيهِ. وَضَايَقَ حَزَائِيلُ، مَلِكُ أرَامَ، إسْرَائِيلَ طَوَالَ أيَّامِ حُكْمِ يَهُوآحَازَ. غَيْرَ أنَّ اللهَ تَحَنَّنَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَرَحَمَهُمْ بِسَبَبِ عَهْدِهِ مَعَ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. فَلَمْ يَشَأ أنْ يَنْفِيَهُمْ مِنَ الأرْضِ أوْ يَتَخَلَّى عَنْهُمْ بَعْدُ. وَمَاتَ حَزَائِيلُ، مَلِكُ أرَامَ، فَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ بَنْهَدَدُ. وَقَبْلَ أنْ يَمُوتَ، كَانَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى بَعْضِ المُدُنِ مِنْ يَهُوآحَازَ أبِي يَهُوآشَ. لَكِنَّ يَهُوآشَ عَادَ وَاسْتَرَدَّ هَذِهِ المُدُنَ مِنْ بَنْهَدَدَ بْنِ حَزَائيلَ. فَهَزَمَ يَهُوآشُ بَنْهَدَدَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَاسْتَعَادَ مُدُنَ إسْرَائِيلَ. تَوَلَّى أمَصْيَا بْنُ يُوآشَ المُلْكَ عَلَى يَهُوذَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حُكْمِ يَهُوآشَ بْنِ يَهُوآحَازَ لِإسْرَائِيلَ. وَكَانَ أمَصْيَا فِي الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ، عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يَهُوعَدَّانُ، وَهِيَ مِنَ القُدْسِ. عَمِلَ أمَصْيَا مَا يُرْضِي اللهَ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتْبَعِ اللهَ اتِّبَاعًا كَامِلًا مِثْلَ سَلَفِهِ دَاوُدَ. بَلْ عَمِلَ كُلَّ مَا سَبَقَ أنْ عَمِلَهُ يُوآشُ أبُوهُ. فَكَانَ النَّاسُ مَا يَزَالُونَ يُقَدِّمُونَ الذَّبَائِحَ وَيُحْرِقُونَ البَخُورَ فِي مُرْتَفَعَاتِ العِبَادَةِ. وَلَمَّا أحكَمَ أمَصْيَا قَبْضَتَهُ عَلَى المَمْلَكَةِ، قَتَلَ القَادَةَ الَّذِينَ قَتَلُوا أبَاهُ. غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ أبْنَاءَ القَتَلَةِ هَؤُلَاءِ بِسَبَبِ مَا تَنُصُّ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ مُوسَى، حَيْثُ أمَرَ اللهُ وَقَالَ: «لَا ينبَغِي أنْ يُقتَلَ الآبَاءُ لِأجْلِ الأوْلَادِ، وَلَا أنْ يُقتَلَ الأوْلَادُ لِأجْلِ الآبَاءِ. بَلْ يُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ خَطِيَّتِهِ.» وَقَتَلَ أمَصْيَا عَشْرَةَ آلَافِ أدُومِيٍّ فِي وَادِي المِلْحِ. وَاسْتَوْلَى عَلَى سَالَعَ بِالحَرْبِ وَأسْمَاهَا يَقْتَئِيلَ. وَمَا تَزَالُ تُدعَى بِهَذَا الِاسْمِ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. أرْسَلَ أمَصْيَا رُسُلًا إلَى يَهُوآشَ بْنِ يَهُوآحَازَ بْنِ يَاهُو مَلِكِ إسْرَائِيلَ، جَاءَ فِيهَا: «لِمَاذَا لَا نَتَقَابَلُ وَجْهًا لِوَجْهٍ وَنَتَقَاتَلُ؟» فَرَدَّ يَهُوآشُ مَلِكُ إسْرَائِيلَ عَلَى أمَصْيَا، مَلِكِ يَهُوذَا وَقَالَ: «أرْسَلَ عَوسَجُ لُبْنَانَ رِسَالَةً إلَى أرْزِ لُبْنَانَ، قَالَ فِيهَا: ‹زَوِّجِ ابْنَتَكَ لِابْنِي.› لَكِنَّ وَحشًا بَرِّيًّا مِنْ لُبْنَانَ مَرَّ وَدَاسَ العَوْسَجَ. صَحِيحٌ أنَّكَ هَزَمْتَ أدُومَ. لَكِنَّكَ انتَفَخْتَ بِالكِبْرِيَاءِ بِسَبَبِ ذَلِكَ. فَالزَمْ بَيْتَكَ وَتَبَاهَ كَمَا يَحْلُو لَكَ. وَلَا تَطْلُبِ الشَّرَّ لِنَفسِكَ. فَإنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَسَتَسْقُطُ أنْتَ وَيَهُوذَا مَعَكَ!» لَكِنَّ أمَصْيَا لَمْ يَسْتَمِعْ إلَى تَحْذِيرِ يَهُوآشَ. فَخَرَجَ يَهُوآشُ، مَلِكُ إسْرَائِيلَ، لِيُحَارِبَ أمَصْيَا، مَلِكَ يَهُوذَا، فِي بَيْتِ شَمسٍ فِي يَهُوذَا. فَألحَقَتْ إسْرَائِيلُ هَزِيمَةً بِيَهُوذَا. فَهَرَبَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا إلَى بُيُوتِهِمْ. وَفِي بَيْتِ شَمْسٍ أسَرَ يَهُوآشُ، مَلِكُ إسْرَائِيلَ، أمَصْيَا بْنَ يَوآشَ بْنِ أخَزْيَا، مَلِكَ يَهُوذَا. وَأخَذَ يَهُوآشُ أمَصْيَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَهَدَمَ سُورَ القُدْسِ مِنْ بَوَّابَةِ أفْرَايِمَ إلَى بَوَّابَةِ الزَّاوِيَةِ، نَحْوَ أرْبَعِ مِئَةِ ذِرَاعٍ. وَأخَذَ يَهُوآشُ كُلَّ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالأشيَاءِ الأُخرَى الثَمِينَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ ، مَعَ الكُنُوزِ الَّتِي فِي بَيْتِ المَلِكِ. ثُمَّ أخَذَ بَعْضَ الرَّهَائِنِ وَعَادَ إلَى السَّامِرَةِ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يَهُوآشَ، وَقُوَّتِهِ وَحُرُوبِهِ مَعَ أمَصْيَا، مَلِكِ يَهُوذَا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَمَاتَ يَهُوآشُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ يَرُبْعَامُ. وَعَاشَ أمَصْيَا بْنُ يُوآشَ، مَلِكُ يَهُوذَا، خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ مَوْتِ يَهُوآشَ بْنِ يَهُوآحَازَ مَلِكِ إسْرَائِيلَ. وَكُلُّ الأُمُورِ الأُخرَى المُتَعَلِّقَةِ بِأمَصْيَا مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَتَآمَرَ أهْلُ القُدْسِ عَلَيْهِ. فَهَرَبَ إلَى مَدِينَةِ لَخِيشَ. لَكنَّ الشَّعْبَ أرسَلُوا رِجَالًا إلَى لَخِيشَ، فَقَتَلُوا أمَصْيَا هُنَاكَ. ثُمَّ حَمَلُوا جُثَّتَهُ عَلَى الخَيلِ وَدَفَنُوهُ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. ثُمَّ نَصَّبَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عَزَرْيَا مَلِكًا خَلَفًا لِأبِيهِ. وَكَانَ عَزَرْيَا آنَذَاكَ فِي السَّادِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ. وَبَعْدَ أنْ مَاتَ أمَصْيَا وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ، اسْتَرْجَعَ عَزَرْيَا أيلَةَ إلَى يَهُوذَا وَأعَادَ بِنَاءَهَا. وَبَدَأ يَرُبْعَامُ بْنُ يَهُوآشَ، مَلِكُ إسْرَائِيلَ، حُكْمَهُ فِي السَّامِرَةِ فِي السَّنَةِ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ أمَصْيَا بْنِ يَهُوآشَ لِيَهُوذَا. وَحَكَمَ إحْدَى وَأرْبَعِينَ سَنَةً. وَفَعَلَ يَرُبْعَامُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَنِ السَّيرِ فِي طَرِيقِ يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ، الَّذِي جَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. وَاسْتَعَادَ يَرُبْعَامُ أرْضَ إسْرَائِيلَ المُمتَدَّةَ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إلَى بَحْرِ العَرَبَةِ تَحْقِيقًا لِكَلَامِ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، إلَى يُونَانَ بْنِ أمِتَايَ الَّذِي مِنْ جَتَّ حَافِرَ. وَرَأى اللهُ أنَّ كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي ضِيقٍ، سَوَاءٌ أكَانُوا عَبِيدًا أمْ أحرَارًا. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَمُدُّ لَهُمْ يَدَ العَوْنِ. لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَقْضِ بِإزَالَةِ اسْمِ إسْرَائِيلَ مِنَ الوُجُودِ. فَأنقَذَهُمْ عَنْ طَرِيقِ يَرُبْعَامَ بْنِ يَهُوآشَ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يَرُبْعَامَ، جَبَرُوتِهِ وَحُرُوبِهِ، وَكَيْفَ اسْتَرَدَّ دِمَشْقَ وَحَمَاةَ وَضَمِّهُمَا إلَى إسْرَائِيلَ – وَكَانتَا قَبلًا لِيهُوذَا – فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَمَاتَ يَرُبْعَامُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ زَكَرِيَّا. تَوَلَّى عَزَرْيَا بْنُ أمَصْيَا حُكْمَ يَهُوذَا فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ حُكْمِ يَرُبْعَامَ لِإسْرَائِيلَ. وَكَانَ فِي السَّادِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يَكُلْيَا، وَهِيَ مِنَ القُدْسِ. وَعَمِلَ عَزَرْيَا مَا يُرْضِي اللهَ حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَهُ أبُوهُ أمَصْيَا. لَكِنَّهُ لَمْ يَهْدِمِ المُرْتَفَعَاتِ. فَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَ وَيُحْرِقُونَ بَخُورًا فِي تِلْكَ المُرْتَفَعَاتِ. وَأصَابَ اللهُ المَلِكَ عَزَرْيَا بِالبَرَصِ، فَكَانَ أبْرَصَ حَتَّى يَوْمِ مَوْتِهِ. ولذَا سَكَنَ فِي بَيْتٍ خَاصٍّ. فَتَوَلَّى ابْنُهُ يُوثَامُ الإشْرَافَ عَلَى بَيْتِ المَلِكِ وَإدَارَةَ شُؤُونِ الشَّعْبِ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ عَزَرْيَا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَمَاتَ عَزَرْيَا وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ يُوثَامُ. حَكَمَ زَكَرِيَّا بْنُ يَرُبْعَامَ عَلَى إسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ مُدَّةَ سِتَّةِ أشْهُرٍ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حُكْمِ عَزَرْيَا لِيَهُوذَا. وَفَعَلَ زَكَرِيَّا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ كَآبَائِهِ. وَتَمَسَّكَ بِخَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. وَتَآمَرَ شَلُومُ بْنُ يَابِيشَ عَلَى زَكَرِيَّا. وَقَتَلَهُ فِي قِبَلِعَامَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الحُكْمِ. وَكُلُّ الأُمُورِ الأُخرَى المُتَعَلِّقَةِ بِزَكَرِيَّا مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَهَكَذَا تَحَقَّقَ كَلَامُ اللهِ . فَقَدَ سَبَقَ أنْ أخبَرَ اللهُ يَاهُو أنَّ أرْبَعَةَ أجيَالٍ مِنْ نَسْلِهِ سَيَكُونُونَ مُلُوكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. تَوَلَّى شَلُومُ بْنُ يَابِيشَ الحُكْمَ فِي إسْرَائِيلَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حُكْمِ عَزَرْيَا لِيَهُوذَا. وَحَكَمَ شَلُومُ شَهْرًا وَاحِدًا فِي السَّامِرَةِ. وَصَعِدَ مَنَاحِيمُ بْنُ جَادِي مِنْ تِرْصَةَ إلَى السَّامِرَةِ. وَقَتَلَ شَلُومَ بْنَ يَابِيشَ. وَتَوَلَّى الحُكْمَ بَعْدَهُ. وَكُلُّ الأُمُورِ الأُخرَى المُتَعَلِّقَةِ بِشَلُومَ وَأعْمَالِهِ وَتَآمُرِهِ عَلَى زَكَرِيَّا، مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَهَزَمَ مَنَاحِيمُ تَفْسَحَ وَالمِنْطَقَةَ المُحِيطَةَ بِهَا. فَقَدْ كَانَ أهْلُهَا قَدْ رَفَضُوا أنْ يَفْتَحُوا البَوَّابَةَ لَهُ، فَاقتَحَمَ المَدِينَةَ وَشَقَّ بُطُونَ الحَوَامِلِ فِيهَا. تَوَلَّى مَنَاحِيمُ بْنُ جَادِي حُكْمَ إسْرَائِيلَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِحُكْمِ عَزَرْيَا مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا. وَحَكَمَ مَنَاحِيمُ عَشَرَ سَنَوَاتٍ فِي السَّامِرَةِ. وَفَعَلَ مَنَاحِيمُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَتَمَسَّكَ بِخَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُخطِئُونَ. وَجَاءَ فُولُ مَلِكُ أشُّورَ، لِمُحَارَبَةِ إسْرَائِيلَ. فَأعطَاهُ مَنَاحِيمُ ألْفَ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ مُقَابِلَ الحُصُولِ عَلَى دَعْمِهِ وَمُسَاعَدَتِهِ فِي تَثْبِيتِ سَيطَرَتِهِ عَلَى المَمْلَكَةِ. جَمَعَ مَنَاحِيمُ هَذَا المَبلَغَ مِنَ المَالِ بِأنْ فَرَضَ عَلَى أغنِيَاءِ بَلَدِهِ دَفْعَ خَمِسِينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ. وَهَكَذَا رَجِعَ مَلِكُ أشُّورَ مِنْ دُونِ أنْ يَحْتَلَّ إسْرَائِيلَ. وَكُلُّ الأُمُورِ الأُخرَى المُتَعَلِّقَةِ بِمَنَاحِيمَ وَأعْمَالِهِ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَمَاتَ مَنَاحِيمُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. وَتَوَلَّى الحُكْمَ بَعْدَهُ ابْنُهُ فَقَحْيَا. تَوَلَّى فَقَحْيَا بْنُ مَنَاحِيمَ حُكْمَ إسْرَائِيلَ فِي السَّنَةِ الخَمْسِينَ مِنْ حُكْمِ عَزَرْيَا لِيَهُوذَا. وَحَكَمَ فَقَحْيَا سَنَتَيْنِ. وَفَعَلَ فَقَحْيَا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَتَمَسَّكَ بِخَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَرَّ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى الخَطِيَّةِ. وَتَآمَرَ عَلَيْهِ فَقَحُ آمِرُ الجَيْشِ، وَقَتَلَهُ فِي السَّامِرَةِ فِي قَصْرِ المَلِكِ. وَكَانَ مَعَهُ خَمْسُونَ رَجُلًا حِينَ قَتَلَهُ. وَاسْتَوْلَى فَقَحُ عَلَى الحَكْمِ بَعْدَهُ. وَكُلُّ الأُمُورِ الأُخرَى المُتَعَلِّقَةِ بِفَقَحْيَا وَأعْمَالِهِ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَتَوَلَّى فَقَحُ بْنُ رَمَلْيَا حُكْمَ إسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالخَمْسِينَ مِنْ حُكْمِ عَزَرْيَا لِيَهُوذَا. وَحَكَمَ فَقَحُ عِشْرِينَ سَنَةً. وَفَعَلَ فَقَحُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَتَمَسَّكَ بِخَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَرَّ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى الخَطِيَّةِ. وَجَاءَ تَغْلَثُ فَلَاسِرُ، مَلِكُ أشُّورَ، لِمُحَارَبَةِ إسْرَائِيلَ أثْنَاءَ حُكْمِ فَقَحَ. وَاستَوْلَى عَلَى عُيُونَ وَآبِلَ وَبَيْتِ مَعْكَةَ وَيَانُوحَ وَقَادَشَ وَحَاصُورَ وَجِلْعَادَ وَالجَلِيلِ وَكُلِّ مِنْطَقَةِ نَفْتَالِي. وَسَبَى أهْلَهَا إلَى أشُّورَ. وَتَآمَرَ هُوشَعُ بْنُ أيلَةَ عَلَى فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا، وَقَتَلَهُ. وَاسْتَوْلَى عَلَى العَرْشِ بَعْدَهُ. كَانَ هَذَا فِي السَّنَةِ العِشْرِينَ مِنْ حُكْمِ يُوثَامَ بْنِ عُزِّيَّا لِيَهُوذَا. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ فَقَحَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَتَوَلَّى يُوثَامُ بْنُ عُزِّيَّا حُكْمَ يَهُوذَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حُكْمِ فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا لِإسْرَائِيلَ. وَكَانَ يُوثَامُ فِي الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ، وَحَكَمَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَأُمُّهُ هِيَ يَرُوشَا بِنْتُ صَادُوقَ. وَعَمِلَ يُوثَامُ مَا يُرضِي اللهَ كَأبِيهِ عُزِّيَّا. غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يَهْدِمِ المُرْتَفَعَاتِ. فَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَ وَيُحْرِقُونَ بَخُورًا فِي تِلْكَ المُرْتَفَعَاتِ. وَبَنَى يُوثَامُ البَوَّابَةَ العُلوِيَّةَ لِبَيْتِ اللهِ . أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يُوثَامَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، بَدَأ اللهُ يُرْسِلُ رَاصِينَ، مَلِكَ أرَامَ، وَفَقَحَ بْنَ رَمَلْيَا لِمُحَارَبَةِ يَهُوذَا. وَمَاتَ يُوثَامُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. فَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ آحَازُ. وَاعتَلَى آحَازُ بْنُ يُوثَامَ عَرْشَ يَهُوذَا فِي السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا لِإسْرَائِيلَ. وَكَانَ آحَازُ فِي العِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ. وَحَكَمَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَلَمْ يَكُنْ آحَازُ مِثْلَ جَدِّهِ دَاوُدَ، إذْ لَمْ يَعْمَلْ مَا يُرضِي . بَلْ سَارَ عَلَى نَهْجِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. حَتَّى إنَّهُ ضَحَّى بِابْنِهِ بِإحرَاقِهِ فِي النَّارِ. وَتَبَنَّى كُلَّ الخَطَايَا البَشِعَةِ لِلأُمَمِ الَّتِي سَبَقَ أنْ طَرَدَهَا اللهُ لَدَى دُخُولِهِمْ تِلْكَ الأرْضَ. وَقَدَّمَ آحَازُ ذَبَائِحَ وَأحرَقَ بَخُورًا فِي المُرْتَفَعَاتِ وَعَلَى التِّلَالِ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. وَجَاءَ رَصِينُ، مَلِكُ أرَامَ، وَفَقَحُ بْنُ رَمَلْيَا، مَلِكُ إسْرَائِيلَ، لِلهُجُومِ عَلَى القُدْسِ. وَحَاصَرَا آحَازَ، لَكِنَّهُمَا لَمْ يَقْدِرَا أنْ يَهْزِمَاهُ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، اسْتَرْجَعَ رَصِينُ، مَلِكُ أرَامَ، أيلَةَ لِأرَام. وَطَرَدَ كُلَّ اليَهُودِ مِنْهَا. وَاسْتَقَرَّ الأرَامِيُّونَ مَكَانَهُمْ فِي أيلَةَ. وَمَا زَالُوا يَسْكُنُونَ هُنَاكَ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. وَأرْسَلَ آحَازُ رُسُلًا إلَى تَغْلَثَ فَلَاسِرَ، مَلِكِ أشُّورَ، جَاءَ فِيهَا: «أنَا خَادِمُكَ، وَبِمَثَابَةِ ابْنٍ لَكَ. فَتَعَالَ وَأنقِذْنِي مِنْ مَلِكِ أرَامَ وَمَلِكِ إسْرَائِيلَ اللَّذَيْنِ يُحَارِبَانَنِي.» وَأخَذَ آحَازُ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ الَّذِي فِي بَيْتِ اللهِ وَالكُنُوزَ فِي بَيْتِ المَلِكِ، وَأرسَلَهَا هَدِيَّةً لِمَلِكِ أشُّورَ. فَاسْتَجَابَ مَلِكُ أشُّورَ لِآحَازَ، وَذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ دِمَشْقَ. وَاسْتَوْلَى عَلَى المَدِينَةِ وَسَبَى أهْلَهَا إلَى قِيرًا. وَقَتَلَ أيْضًا رَصِينَ. وَذَهَبَ آحَازُ إلَى دِمَشْقَ لِلِّقَاءِ بِتَغْلَثَ فَلَاسِرَ، مَلِكِ أشُّورَ. وَهُنَاكَ رَأى المَذْبَحَ. فَأرْسَلَ المَلِكُ آحَازُ نَمُوذَجًا وَرَسْمًا لِهَذَا المَذْبَحِ إلَى الكَاهِنِ أُورِيَّا. فَبَنَى الكَاهِنُ أُورِيَّا مَذْبَحًا عَلَى غِرَارِ النَّمُوذَجِ الَّذِي أرْسَلَهُ إلَيْهِ مِنْ دِمَشْقَ. وَأتَمَّ بِنَاءَهُ قَبْلَ عَوْدَةِ المَلِكِ آحَازَ مِنْ دِمَشْقَ. وَعِنْدَ عَوْدَةِ المَلِكِ مِنْ دِمَشْقَ، رَأى المَذْبَحَ. وَقَدَّمَ ذَبَائِحَ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَ عَلَيْهِ أيْضًا ذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتِ حُبُوبٍ وَسَكِيبٍ، وَرَشَّ دَمَ تَقْدِمَاتِ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ. أمَّا المَذْبَحُ البُرُونْزيُّ الَّذِي كَانَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، فَقَدْ أخَذَهُ مِنْ أمَامِ الهَيْكَلِ، فَوَضَعَهُ عَلَى الجَانِبِ الشِّمَاليِّ مِنْ مَذْبَحِهِ مَا بَيْنَ مَذْبَحِهِ وَبَيْتِ اللهِ . فَوَضَعَهُ عَلَى الجَانِبِ الشِّمَالِيِّ مِنْ مَذْبَحِهِ. وَأمَرَ آحَازُ الكَاهِنَ أوْرِيَّا فَقَالَ لَهُ: «اسْتَخْدِمِ المَذْبَحَ الكَبِيرَ فِي تَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ الصَّبَاحِيَّةِ، وَتَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ المَسَائِيَّةِ، وَتَقْدِمَاتِ السَّكِيبِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا كُلُّ أهْلِ هَذَا البَلَدِ. وَرُشَّ دَمُ كُلِّ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَالذَّبَائِحِ الأُخرَى عَلَى المَذْبَحِ الكَبِيرِ. أمَّا المَذْبَحُ البُرُونْزِيُّ، فَسَأسْتَخْدِمُهُ حِينَ أُرِيدُ أنْ أسْألَ اللهَ عَنْ أمرٍ مَا.» فَفَعَلَ الكَاهِنُ أُورِيَّا كُلَّ مَا أمَرهُ بِهِ المَلِكُ آحَازُ. ثُمَّ نَزَعَ المَلِكُ آحَازُ عَوَارِضَ القَوَاعِدِ، وَرَفَعَ عَنْهَا أحْوَاضَ المِيَاهِ، وَنَزَعَ الخَزَّانَ الكَبِيرَ عَنِ الثِّيرَانِ البُرُونْزِيَّةِ الَّتِي تَحْتَهُ، وَوَضَعَهُ عَلَى رَصِيفٍ حَجَرِيٍّ. وَكَانَ العُمَّالُ قَدْ بَنَوْا قَاعَةً دَاخِلَ مِنْطَقَةِ الهَيْكَلِ مِنْ أجْلِ اجتِمَاعَاتِ السَّبْتِ. فَهَدَمَهَا آحَازُ أيْضًا. نَزَعَ هَذِهِ كُلَّهَا مِنْ بَيْتِ اللهِ مِنْ أجْلِ مَلِكِ أشُّورَ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ آحَازَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَمَاتَ آحَازُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ حَزَقِيَّا. وَاعْتَلَى هُوشَعُ بْنُ أيلَةَ عَرْشَ إسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ آحَازَ لِيَهُوذَا. وَحَكَمَ هُوشَعُ تِسْعَ سَنَوَاتٍ. وَفَعَلَ هُوشَعُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى نَفْسِ الدَّرَجَةِ مِنَ الشَّرِّ كَالمُلُوكِ الَّذِينَ سَبَقُوهُ. وَجَاءَ شَلْمَنْأسَّرُ، مَلِكُ أشُّورَ، لِمُحَارَبَةِ هُوشَعَ فَهَزَمَهُ. فَصَارَ هُوشَعُ يَدْفَعُ لَهُ الجِزْيَةَ. لكِنْ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ رَأى مَلِكُ أشُّورَ أنَّ هُوشَعَ قَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ مَعَهُ. فَقَدْ أرْسَلَ رُسُلًا إلَى سَوَا مَلِكِ مِصْرٍ، لِيَعْقِدَ مَعَهُ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ مَلِكِ أشُّورَ. وَامتَنَعَ عَنْ دَفعِ الجِزيَةِ السَّنَوِيَّةِ المُتَّفَقِ عَلَيْهَا. فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَسَجَنَهُ. وشَنَّ مَلِكُ أشُّورَ هَجَمَاتٍ عَلَى جَمِيعِ مَنَاطِقِ إسْرَائِيلَ. ثُمَّ جَاءَ إلَى السَّامِرَةِ، وَحَاصَرَهَا ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ. وَتَمَكَّنَ مَلِكُ أشُّورَ مِنَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى السَّامِرَةِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ حُكْمِ هُوشَعَ لِإسْرَائِيلَ. وَسَبَى كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى أشُّورَ. وَأسْكَنَهُمْ فِي حَلَحَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ فِي جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ المَادِيِّينَ. حَدَثَتْ هَذِهِ الأُمُورُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ لِأنَّهُمْ أخْطَأُوا إلَى الَّذِي أخرَجَهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. فَقَدْ حَرَّرَهُمْ مِنْ قُوَّةِ فِرعَوْنَ مَلِكِ مِصْرٍ، لَكِنَّهُمْ رَاحُوا يَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى. وَتَبَنَّوْا المُمَارَسَاتِ البَغِيضَةَ لِلأُمَمِ الَّتِي اسْتَأْصَلَهَا اللهُ لِيَزْرَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ مَكَانَهُمْ. وَتَبَنَّوْا المُمَارَسَاتِ الَتِي أتَى بِهَا مُلوكُ إسْرَائِيلَ. ارتَكَبَ بَنُو إسْرَائِيلَ خَطَايَا كَثِيرَةً ضِدَّ عَلَنًا وَسِرًّا. فَبَنَوْا مُرْتَفَعَاتٍ فِي كُلِّ مُدُنِهِمْ، مِنَ المُدُنِ الصَّغِيرَةِ إلَى الكَبِيرَةِ. وَأقَامُوا أنصَابًا تَذْكَارِيَّةً وَأعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ عَلَى كُلِّ تَلٍّ عَالٍ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. وَأحْرَقُوا بَخُورًا هُنَاكَ فِي كُلِّ مُرتَفَعَاتِ العِبَادَةِ تِلْكَ. تَبَنَّوْا نَفسَ المُمَارَسَاتِ البَغِيضَةِ الَّتِي مَارَسَتْهَا الأُمَمُ الَّتِي اسْتَأْصَلَهَا اللهُ لِيَزْرَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ مَكَانَهَا. وَعَمِلُوا شُرُورًا فَظِيعَةً أغضَبَتِ اللهَ كَثِيرًا. وَعَبَدُوا أصْنَامًا، عَلَى الرُّغْمِ مِنْ أنَّ اللهَ سَبَقَ أنْ حَذَّرَهُمْ: «لَا تَعْمَلُوا هَذَا الأمْرَ.» وَأرْسَلَ اللهُ الأنْبِيَاءَ وَالرَّائِينَ كَي يُنْذِرَ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا وَيَقُولَ: «اترُكُوا شُرُورَكُمْ وَاتبَعُوا وَصَايَايَ وَشَرَائِعِي. اعمَلُوا بِالشَّرِيعَةِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِآبَائِكُمْ. هَكَذَا أمَرْتُ آبَاءَكُمْ عَلَى لِسَانِ الأنْبِيَاءِ خُدَّامِي.» غَيْرَ أنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا، بَلْ عَانَدُوا كَمَا فَعَلَ آبَاؤهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤمِنُوا . رَفَضُوا شَرَائِعَ اللهِ وَالعَهْدَ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ آبَائِهِمْ. وَلَمْ يَشَاءُوا أنْ يَسْتَمِعُوا إلَى تَحْذِيرَاتِهِ. وَعَبَدُوا أوْثَانًا تَافِهَةً، وَصَارُوا هُمْ أنْفُسَهُمْ تَافِهِينَ مِثْلَهَا. وَعَاشُوا مِثْلَ الأُمَمِ المُحِيطَةِ بِهِمْ، عَلَى الرُّغمِ مِنْ أنَّ اللهَ أنذَرَهُمْ أنْ لَا يَفْعَلُوا ذَلِكَ. تَرَكُوا جَمِيعَ وَصَايَا . وَصَنَعُوا عِجلَينِ ذَهَبِيَّينِ، وَأقَامُوا أعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ، وَعَبَدُوا نُجُومَ السَّمَاءِ، وَخَدَمُوا البَعلَ! وَقَدَّمُوا أبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ ذَبَائِحَ لَهُ. وَاسْتَخْدَمُوا السِّحْرَ وَالعِرَافَةَ لِلتَنَبُّؤِ بِالمُسْتَقْبَلِ! وَبَاعُوا أنْفُسَهُم لِعَمَلِ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ ! فَأغضَبَ هَذَا الأمْرُ اللهَ كَثِيرًا. وَهَكَذَا غَضِبَ اللهُ كَثِيرًا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأخرَجَهُمْ مِنْ حَضْرَتِهِ جَمِيعًا عَدَا عَشِيرَةِ يَهُوذَا. وَكَذَلِكَ بُنُو يَهُوذَا لَمْ يُطِيعُوا وَصَايَا ، بَلْ سَارُوا عَلَى نَهْجِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَتَبَنَّوا مُمَارَسَاتِهِمْ. فَرَفَضَ اللهُ جَمِيعَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَجَلَبَ عَلَيْهِمْ ضِيقَاتٍ كَثِيرَةً. وَسَمَحَ لِشُعُوبٍ أُخْرَى بِأنْ تَنْتَصِرَ عَلَيْهِمْ. وَأخِيرًا، طَرَحَهُمْ بَعِيدًا عَنْهُ وَعَنْ نَظَرِهِ. وَشَقَّ اللهُ إسْرَائِيلَ عَنْ عَائِلَةِ دَاوُدَ. وَنَصَّبُوا يَرُبْعَامَ بْنَ نَبَاطَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، الَّذِي جَرَّهُمْ إلَى الخَطِيَّةِ، وَأبعَدَهُمْ عَنِ اللهِ . فَسَارَ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى نَهْجِ يَرُبْعَامَ. وَتَمَسَّكُوا بِخَطَايَاهُ. فَأخرَجَ اللهُ بَنِي إسرَائيلَ مِنْ حَضْرَتِهِ، كَمَا سَبَقَ أنْ قَالَ عَلَى ألسِنَةِ الأنْبِيَاءِ. وَهَكَذَا سُبِيَ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى أشُّورَ. وَمَا زَالُوا هُنَاكَ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. وَأخرَجَ مَلِكُ أشُّورَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنَ السَّامِرَةِ. وَجَلَبَ بَدَلًا مِنْهُمْ جَمَاعَاتٍ أُخْرَى مِنْ بَابِلَ وَكُوثٍ وَعَوَّا وَحَمَاةَ وَسَفْرَاوِيمَ. فَاسْتَوْلَوا عَلَى السَّامِرَةِ وَسَكَنُوا فِي مُدُنِهَا. وَفِي بِدَايَةِ إقَامَةِ هَؤُلَاءِ فِي السَّامِرَةِ، لَمِ يَكُونُوا يَعْبُدُونَ يهوه ، فَأرْسَلَ يهوه أُسُودًا لِلفَتْكِ بِهِمْ، فَقَتَلَتْ بَعْضَهُمْ. فَقِيلَ لِمَلِكِ أشُّورَ: «إنَّ النَّاسَ الَّذِينَ جَلَبْتَهُمْ وَأسْكَنْتَهُمْ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ لَا يَعْرِفُونَ شَرِيعَةَ إلَهِ ذَلِكَ البَلَدِ. وَلِهَذَا أرْسَلَ أُسُودًا عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَتْ بَعْضًا مِنْهُمْ.» فَأمَرَ مَلِكُ أشُّورَ وَقَالَ: «أرسِلُوا إلَيْهِمْ أحَدَ الكَهَنَةِ الَّذِينَ سَبَيتُمُوهُمْ مِنْ هُنَاكَ. لِيَذْهَبَ وَيَسْكُنَ هُنَاكَ وَيُعَلِّمَهُمْ شَرِيعَةَ إلَهِ ذَلِكَ البَلَدِ.» فَرَجِعَ إلَى السَّامِرَةِ كَاهِنٌ كَانَ قَدْ سُبِيَ مِنْهَا. وَجَاءَ وَسَكَنَ فِي بَيْتِ إيلَ. وَعَلَّمَ الشَّعْبَ كَيْفَ يَنْبَغِي أنْ يَعْبُدُوا يهوه. لَكِنَّ جَمِيعَ أُولَئِكَ النَّاسِ صَنَعُوا أيْضًا آلِهَةً خَاصَّةً بِهِمْ، وَوَضَعُوهَا فِي الهَيَاكِلِ وَفِي المُرْتَفَعَاتِ الَّتِي بَنَاهَا السَّامِرِيُّونَ. فَعَمِلَ أهْلُ بَابِلَ تَمَاثِيلَ لِلإلَهِ سُكُّوثَ بَنُوثَ. وَعَمِلَ أهْلُ كُوثٍ تَمَاثِيلَ لِلإلَهِ نَرْجَلَ. وَعَمِلَ أهْلُ حَمَاةَ تَمَاثِيلَ لِلإلَهِ أشِيمَا. وَعَمِلَ أهْلُ عَوَّا تَمَاثِيلَ لِلإلَهَينِ نَبْحَزَ وَتَرْتَاقَ. وَأحرَقَ أهْلُ سَفْرَاوِيمَ أبْنَاءَهُمْ فِي النَّارِ تَكْرِيمًا لِلإلَهَينِ أدْرَمَّلَكَ وَعَنَمَّلَكَ. لَكِنَّهُمْ عَبَدُوا يهوه أيْضًا. وَاختَارُوا كَهَنَةً لِلمُرتَفَعَاتِ مِنْ بَيْنِ الشَّعْبِ. فَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ عَنِ الشَّعْبِ فِي الهَيَاكِلِ وَالمُرتَفَعَاتِ. كَانُوا يَعْبُدُونَ يهوه، لَكِنَّهُمْ عَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى أيْضًا كَمُمَارَسَاتِ البِلَادِ الَّتِي كَانُوا مَسبِيِّينَ فِيهَا. وَمَا زَالُوا حَتَّى هَذَا اليَوْمِ يُمَارِسُونَ تِلْكَ العَادَاتِ الَّتِي مَارَسُوهَا فِي المَاضِي. فَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ يهوه حقًّا. وَلَا يَعْمَلُونَ حَسَبَ أنظِمَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَعَادَاتِهِمْ. وَلَا يَلْتَزِمُونَ بِالشَّرَائِعِ وَالوَصَايَا الَّتِي أعْطَاهَا يهوه لِأبْنَاءِ يَعْقُوبَ، أيْ إسْرَائِيلَ. فَقَدْ قَطَعَ يهوه عَهْدًا مَعَهُمْ، وَأمَرَهُمْ فَقَالَ: «لَا تَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى، وَلَا تَسْجُدُوا لَهَا وَلَا تَخْدِمُوهَا، وَلَا تُقَدِّمُوا لَهَا ذَبَائِحَ. بَلِ اعْبُدُوا يهوه الَّذِي أخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرٍ وَأنقَذَكُمْ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ. لَهُ يَنْبَغِي السُّجُودُ وَتَقْدِيمُ الذَّبَائِحَ. أطِيعُوا أنظِمَتَهُ وَشَرَائِعَهُ وَتَعَالِيمَهُ وَوَصَايَاهُ الَّتِي كَتَبَهَا لَكُمْ. اعمَلُوا بِهَا عَلَى الدَّوَامِ. وَلَا تَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى. وَلَا تَنْسَوْا العَهْدَ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَكُمْ. لَا تَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى، بَلِ اعْبُدُوا يهوه إلَهَكُمْ وَحْدَهُ. وَهُوَ سَيُنقِذُكُمْ مِنْ جَمِيعِ أعْدَائِكُمْ.» لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا. بَلْ وَاصَلُوا مُمَارَسَةَ عَادَاتِهِمُ المَاضِيَةِ. وَهَكَذَا بَدأتْ تِلْكَ الأُمَمُ تَعْبُدُ يهوه. غَيْرَ أنَّهَا اسْتَمَرَّتْ فِي عِبَادَةِ أوْثَانِهَا. وَهَذَا هُوَ حَالُهَا وَحَالُ أبْنَائِهَا وَأحْفَادِهَا حَتَّى هَذَا اليَوْمِ. وَاعتَلَى حَزَقِيَّا بْنُ آحَازَ عَرْشَ يَهُوذَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حُكْمِ هُوشَعَ بْنِ أيلَةَ لِإسْرَائِيلَ. وَكَانَ حَزَقِيَّا فِي الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا بَدَأ حُكْمَهُ، وَحَكَمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ هُوَ أبِي بِنْتُ زَكَرِيَّا. عَمِلَ حَزَقِيَّا مَا يُرْضِي اللهَ مِثْلَ جَدِّهِ دَاوُدَ. فَهَدَمَ المُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ الأنصَابَ التَّذْكَارِيَّةَ، وَقَطَعَ أعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يُحْرِقُونَ البَخُورَ لِلحَيَّةِ البُرُونْزِيَّةِ الَّتِي صَنَعَهَا مُوسَى، وَدَعُوهَا «نَحشَتَانَ،» فَسَحَقَهَا حَزَقِيَّا سَحْقًا. وَاتَّكَلَ حَزَقِيَّا عَلَى اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. وَلَمْ يَكُنْ لِحَزَقِيَّا مَثِيلٌ بَيْنَ مُلُوكِ يَهُوذَا الَّذِينَ سَبَقُوهُ أوْ خَلَفُوهُ. إذْ تَمَسَّكَ بِاللهِ بِقُوَّةٍ، وَظَلَّ عَلَى وَفَائِهِ لَهُ. وَأطَاعَ كُلَّ الوَصَايَا الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لِمُوسَى. فَكَانَ اللهُ مَعَ حَزَقِيَّا، فَنَجَحَ فِي كُلِّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ. وَتَمَرَّدَ حَزَقِيَّا عَلَى مَلِكِ أشُّورَ. فَلَمْ يَعُدْ مُوالِيًا لَهُ. وَهَزَمَ الفِلِسْطِيِّينَ وَلَاحَقَهُمْ إلَى غَزَّةَ وَالمِنْطَقَةِ المُحِيطَةِ بِهَا، وَاقتَحَمَ مُدُنَهُمُ مِنْ بُرجِ المُرَاقَبَةِ إلَى المَدِينَةِ المُحَصَّنَةِ. وَذَهَبَ شَلْمَنْأسَرُ، مَلِكُ أشُّورَ لِمُحَارَبَةِ السَّامِرَةِ، وَحَاصَرَ جَيْشُهُ المَدِينَةَ. كَانَ هَذَا فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ حَزَقِيَّا لِيَهُوذَا. وَهِيَ أيْضًا السَّنَةُ السَّابِعَةُ لِحُكْمِ هُوشَعَ بْنِ أيلَةَ لِإسْرَائِيلَ. وَاسْتَوْلَى شَلْمَنْأسَرُ عَلَى السَّامِرَةِ فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، أيْ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنْ حُكْمِ حَزَقِيَّا لِيَهُوذَا. وَهِيَ أيْضًا السَّنَةُ التَّاسِعَةُ مِنْ حُكْمِ هُوشَعَ لِإسْرَائِيلَ. وَسَبَى مَلِكُ أشُّورَ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى أشُّورَ وَأسْكَنَهُمْ فِي مَدِينَةِ حَلَحَ، عَلَى نَهْرِ خَابُورَ فِي أرْضِ جُوزَانَ، وَفِي مُدُنِ المَادِيِّينَ. لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يُطِيعُوا صَوْتَ ، بَلْ كَسَرُوا عَهْدَهُ. وَلَمْ يَعْمَلُوا بِوَصَايَا خَادِمِ اللهِ مُوسَى. لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُطِيعُوا. وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ حَزَقِيَّا، جَاءَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أشُّورَ لِمُحَارَبَةِ كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا المُحَصَّنَةِ. وَتَمَكَّنَ مِنَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا. فَأرْسَلَ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا رِسَالَةً إلَى مَلِكِ أشُّورَ فِي لَخِيشَ، جَاءَ فِيهَا: «لَقَدْ أخْطَأتُ. لَا تُهَاجِمْنِي. وَسَأُعْطِيكَ أيَّ مَبلَغٍ تَفْرِضُهُ عَلَيَّ.» فَفَرَضَ مَلِكُ أشُّورَ عَلَى حَزَقِيَّا جِزْيَةً مِقدَارُهَا ثَلَاثُ مِئَةِ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ وَثَلَاثُونَ قِنْطَارًا مِنَ الذَّهَبِ. فَأعطَاهُ حَزَقِيَّا كُلَّ الفِضَّةِ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ وَفِي بَيْتِ المَلِكِ. فَقَشَّرَ حَزَقِيَّا الذَّهَبَ الَّذِي كَانَ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا قَدْ غَشَّى بِهِ أبْوَابَ هَيْكَلِ اللهِ وَدَعَائِمَهَا، وَأعْطَاهُ لِمَلِكِ أشُّورَ. أرْسَلَ مَلِكُ أشُّورَ قَادَتَهُ الثَّلَاثَةَ قَائِدَ الجَيْشِ ورَئِيسَ الحَرَسِ ورَئِيسَ السُّقَاةِ إلَى المَلِكِ حَزَقِيَّا فِي القُدْسِ. فَجَاءُوا عَلَى رَأسِ جَيْشٍ عَظِيمٍ، وَوَقَفُوا عِنْدَ القَنَاةِ قُرْبَ البِرْكَةِ العُلْيَا الَّتِي تَقَعُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى حَقْلِ الغَّسَّالِينَ وَمُبيِّضي الثِّيَابِ. فَنَادَى هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الثَّلَاثَةُ. فَخَرَجَ لِلِقَائِهِمْ ألِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا المَسْؤولُ عَنْ بَيْتِ المَلِكِ، وَشَبْنَةُ كَاتِبُ المَلِكِ، وَيُواخُ بْنُ آسَافَ حَافِظُ السِّجِلَّاتِ. فَقَالَ لَهُمْ رَئِيسُ السُّقَاةِ قُولُوا لِحَزَقِيَّا، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ مَلِكُ أشُّورَ العَظِيمُ: «مَا الَّذِي تَتَّكِلُ عَلَيْهِ؟ أنْتَ تَقُولُ: لَدَيَّ مُسْتَشَارُونَ وَقُوَّةٌ تُعِينُنِي فِي الحَرْبِ، وَكَلَامُكَ هَذَا مُجَرَّدُ هَبَاءٍ! عَلَى مَنْ تَتَّكِلُ فِي تَمَرُّدِكَ عَلَيَّ؟ أنْتَ مُتَّكِئٌ الآنَ عَلَى عُكَّازٍ مِنْ قَصَبَةٍ مَكْسُورَةٍ. فَهذِهِ هِيَ مِصْرٌ الَّتِي إنِ اتَّكَأ أحَدٌ عَلَيْهَا اختَرَقَتْ يَدَهُ. هَكَذَا هُوَ مَلِكُ مِصْرٍ لِكُلِّ الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ. «وَإنْ قُلْتَ: نَتَّكِلُ عَلَى يهوه إلِهِنَا! أمَا أزَالَ حَزَقِيَّا مَذَابِحَهُ وَمُرْتَفَعَاتِهِ، وَقَالَ لِأهْلِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ: لَا تَعْبُدُوا إلَّا أمَامَ هَذَا المَذْبَحِ هُنَا فِي القُدْسِ؟ «وَالْآنَ يُرَاهِنُكَ مَوْلَايَ مَلِكُ أشُّورَ عَلَى هَذَا الأمْرِ: إنَّهُ مُسْتَعِدٌّ أنْ يُعطِيَكَ ألفَي حِصَانٍ إنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَجِدَ رِجَالًا يَرْكَبُونَهَا. أنْتَ لَا تَقْدِرُ أنْ تَهْزِمَ حَتَّى أصْغَرَ قَادَةِ مَوْلَايَ، حَتَّى لَوِ اعتَمَدْتَ عَلَى مَرْكِبَاتِ مِصْرٍ وَفُرْسَانِهَا. أتَظُنُّ أنِّي جِئْتُ لِمُهَاجَمَةِ القُدْسِ وَتَدْمِيرِهَا مِنْ دُونِ يهوه؟ بَلْ هُوَ الَّذِي قَالَ لِي: ‹اذْهَبْ إلَى تِلْكَ الأرْضِ وَدَمِّرْهَا!›» فَقَالَ ألِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا، وَشَبْنَةُ، وَيُواخُ لرَئِيسِ السُّقَاةِ: «نَرْجُو أنْ تُكِلِّمنَا، نَحْنُ خُدَّامَكَ، بِاللُّغَةِ الأرَامِيَّةِ، فَنَحْنُ نَفهَمُهَا. وَلَا تُكَلِّمْنَا بِلُغَةِ يَهُوذَا لِئَلَّا يَفْهَمَ الشَّعْبُ مَا تَقُولُهُ.» غَيْرَ أنَّ رَئِيسَ السُّقَاةِ قَالَ لَهُمْ: «لَمْ يُرْسِلْنِي سَيِّدِي لِكَي أُكَلِّمَكُمْ أنْتُمْ وَحدَكُمْ وَمَلِكَكُمْ، بَلْ أرْسَلَنِي أيْضًا لِأُكَلِّمَ الجُنُودَ الوَاقِفِينَ عَلَى السُّورِ. هُمْ أيْضًا سَيَأْكُلُونَ فَضَلَاتِهِمْ، وَيَشْرَبُونَ بَولَهُمْ مَعَكُمْ!» ثُمَّ نَادَى رَئِيسُ السُّقَاةِ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ بِالعِبْرِيَّةِ: «اسْمَعُوا رِسَالَةَ المَلِكِ العَظِيمِ، مَلِكِ أشُّورَ! يَقُولُ المَلِكُ لَا تَدَعُوا حَزَقِيَّا يَخْدَعُكُمْ، لِأنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ قُوَّتِي. لَا تَدَعُوا حَزَقِيَّا يُقنِعُكُمْ بِالِاتِّكَالِ عَلَى إلَهِكُمْ بِقَولِهِ: ‹يهوه سَيُخَلِّصُنَا، وَلَنْ يَدَعَ مَلِكَ أشُّورَ يَسْتَوْلِي عَلَى المَدِينَةِ.› فَلَا تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا. يَقُولُ مَلِكُ أشُّورَ. «اعقِدُوا صُلْحًا مَعِي وَاخرُجُوا إلَيَّ. حِينَئِذٍ، سَيَأْكُلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِنْ عِنَبِهِ وَتِينِهِ وَيَشْرَبُ مِنْ بِئْرِهِ. يُمْكِنُكُمْ أنْ تَتَمَتَّعُوا بِخَيرَاتِكُمْ إلَى أنْ آتِيَ وَآخُذَكُمْ إلَى أرْضٍ كَأرْضِكُمْ. هِيَ أرْضُ حِنطَةٍ وَخَمْرٍ، أرْضُ خُبْزٍ وَكُرُومٍ، أرْضُ زَيْتُونٍ وَعَسَلٍ. حِينَئِذٍ، سَتَحْيَوْنَ وَلَنْ تَمُوتُوا. فَلَا تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا، فَهُوَ يُحَاوِلُ أنْ يَخْدَعَكُمْ بِقَولِهِ: يهوه سَيُنقِذُنَا. هَلْ أنقَذَ أيُّ إلَهٍ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الشُّعُوبِ أرْضَهُ مِنْ مَلِكِ أشُّورَ؟ عَجِزَتْ أمَامِي آلِهَةُ حَمَاةَ وَأرفَادَ. عَجِزَتْ آلِهَةُ سَفْرَاوِيمَ وَهَينَعَ وَيَمُّو. لَمْ تَسْتَطِعْ هَذِهِ الآلِهَةُ كُلُّهَا أنْ تُنقِذَ السَّامِرَةَ مِنِّي. أيُّ إلَهٍ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الأُمَمِ اسْتَطَاعَ أنْ يُنْقِذَ أرْضَهُ مِنِّي؟ فَكَيْفَ تَتَوَقَّعُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يُنْقِذَ يهوه القُدْسَ مِنِّي؟» لَكِنَّ الشَّعْبَ لَزِمَ الصَّمْتَ. فَلَمْ يَرُدُّوا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى رَئِيسِ السُّقَاةِ حَسَبَ أمْرِ المَلِكِ حَزَقِيَّا. فَقَدْ أمَرَهُمْ: «لَا تَرُدُّوا عَلَيْهِ.» فَمَزَّقَ ألِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا المَسْؤولُ عَنْ بَيْتِ المَلِكِ، وَشَبْنَةُ كَاتِبُ المَلِكِ، وَيُواخُ بْنُ آسَافَ حَافِظُ السِّجِلَّاتِ ثِيَابَهُمْ حُزْنًا عَلَى مَا سَمِعُوهُ. وَجَاءُوا إلَى حَزَقِيَّا، وَأخبَرُوهُ بِمَا قَالَهُ رَئِيسُ السُّقَاةِ. فَلَمَّا سَمِعَ حَزَقِيَّا هَذَا، مَزَّقَ ثِيَابَهُ، وَلَبِسَ خَيْشًا حُزْنًا بِسَبِبِ مَا سَمِعَ، ثُمَّ دَخَلَ إلَى بَيْتِ اللهِ . وَأرْسَلَ حَزَقِيَّا ألِيَاقِيمَ المَسْؤولَ عَنْ بَيْتِ المَلِكِ، وَشَبْنَةَ كَاتِبَ المَلِكِ، وَرُؤَسَاءَ الكَهَنَةِ إلَى النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، وَهُمْ يَلبَسُونَ الخَيْشَ. فَقَالُوا لِإشَعْيَاءَ: «يَقُولُ حَزَقِيَّا: ‹هَذَا يَوْمُ ضِيقٍ وَتَأْدِيبٍ لَنَا، فَكَأنَّ حَالَنَا هُوَ حَالُ امْرأةٍ حَانَ وَقْتُ وِلَادَتِهَا، غَيْرَ أنَّهُ لَا قُوَّةَ فِيهَا لِلوِلَادَةِ. لَعَلَّ يَسْمَعُ كُلَّ كَلَامِ رَئِيسِ السُّقَاةِ الَّذِي أرْسَلَهُ سَيِّدُهُ مَلِكُ أشُّورَ لِيُهِينَ اللهَ الحَيَّ. وَلَعَلَّهُ يُعَاقِبُهُ عَلَى الكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ. فَصَلِّ مِنْ أجْلِ الأحيَاءِ البَاقِينَ فِي المَدِينَةِ.›» فَجَاءَ مَسْؤُولُو المَلِكِ إلَى إشَعْيَاءَ. فَقَالَ لَهُمْ إشَعْيَاءُ: «بَلِّغُوا حَزَقِيَّا هَذِهِ الرِّسَالَةَ: ‹يَقُولُ اللهُ : لَا تَخَفْ بِسَبَبِ مَا قَالَهُ خُدَّامُ مَلِكِ أشُّورَ وَأهَانُونِي بِهِ. هَا إنِّي وَاضِعٌ فِيهِ رُوحَ خَوْفٍ. سَيَسْمَعُ إشَاعَةً، فَيَعُودُ إلَى بَلَدِهِ. وَهُنَاكَ سَيَمُوتُ بِالسَّيْفِ.›» وَسَمِعَ رَئِيسُ السُّقَاةِ أنَّ مَلِكَ أشُّورَ قَدْ تَرَكَ لَخِيشَ. وَعَادَ فَوَجَدَهُ فِي مَدِينَةِ لِبْنَةَ يُحَارِبُهَا. ثُمَّ سَمِعَ مَلِكُ أشُّورَ إشَاعَةً عَنْ تِرْهَاقَةَ، مَلِكِ الحَبَشَةِ. فَقِيلَ لَهُ: «جَاءَ تِرْهَاقَةُ كَي يُحَارِبَكَ.» فَأرْسَلَ مَلِكُ أشُّورَ مَرَّةً أُخْرَى رُسُلًا إلَى حَزَقِيَّا. وَحَمَّلَهُمْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ إلَيْهِ: «قُولُوا لِمَلِكِ يَهُوذَا: ‹يَخْدَعُكَ إلَهُكَ الَّذِي تَتَّكِلُ عَلَيْهِ حِينَ يَقُولُ: لَنْ يَقْدِرَ مَلِكُ أشُّورَ أنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى القُدْسِ. لَا بُدَّ أنَّكَ سَمِعْتَ بِمَا فَعَلَهُ مُلُوكُ أشُّورَ بِكُلِّ البُلْدَانِ الأُخْرَى، وَكَيْفَ أنَّهُمْ دَمَّرُوهَا تَدْمِيرًا! فَكَيْفَ تَتَوَهَّمُ أنَّكَ سَتَنْجُو؟ لَمْ تَقْدِرْ آلِهَةُ هَذِهِ الشُّعُوبِ أنْ تُنقِذَهَا. فَقَدْ قَضَى آبَائِي عَلَيْهَا. قَضَوْا عَلَى جُوزَانَ وَحَارَانَ وَرَصَفَ وَبَنِي عَدَنَ فِي تَلِّ أسَّارَ. وَأينَ مَلِكُ حَمَاةَ وَمَلِكُ أرْفَادَ وَمَلِكُ مَدِينَةِ سَفْرَاوِيمَ وَمَلِكُ هِينَعَ وَمَلِكُ عِوَّا؟›» فَأخَذَ حَزَقِيَّا الرَّسَائِلَ مِنَ الرُّسُلِ وَقَرَأهَا. ثُمَّ صَعِدَ إلَى بَيْتِ اللهِ وَفَرَدَ الرَّسَائِلَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَصَلَّى حَزَقِيَّا فِي حَضْرَةِ اللهِ وَقَالَ: «يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ الجَالِسَ عَلَى مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ، أنْتَ وَحْدَكَ إلَهُ كُلِّ مَمَالِكِ الأرْضِ. أنْتَ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ! فَأمِلْ إلَيَّ أُذُنَكَ يَا اللهُ . وَافتَحْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ. وَاسْمَعْ كَلَامَ سَنْحَارِيبَ الَّذِي يُهِينُ اللهَ الحَيَّ. صَحِيحٌ يَا اللهُ ، أنَّ مُلُوكَ أشُّورَ دَمَّرُوا الشُّعُوبَ الأُخْرَى وَأرَاضِيهَا. وَصَحِيحٌ أيْضًا أنَّهُمْ ألقَوْا بِآلِهَةِ الأُمَمِ الأُخرَى فِي النَّارِ. لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ آلِهَةً حَقِيقِيَّةً، وَلَيْسُوا سِوَى صُنْعِ أيدٍ بَشَرِيَّةٍ، فَهُمْ خَشَبٌ وَحَجَرٌ. وَلِهَذَا دُمِّرُوا. وَالْآنَ يَا ، خَلِّصْنَا مِنْ يَدِ سَنْحَارِيبَ، حَتَّى تَعْرِفَ جَمِيعُ مَمَالِكِ الأرْضِ أنَّكَ أنْتَ يهوه الإلَهُ الوَحِيدُ.» عندئذٍ أرْسَلَ إشعيَاءُ بْنُ آمُوصَ بِرِسَالةٍ إلَى حَزَقِيَّا قَالَ فِيهَا: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹سَمِعْتُ صَلَاتَكَ إليَّ بِخُصُوصِ سَنْحَارِيبَ مَلِكِ أشُّورَ.› وَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ بِشَأنِهِ: «احتقرَتْكَ وَاسْتَهْزَأتْ بِكَ العَذْرَاءُ العَزيزَةُ صِهْيَوْنُ، وَتَهُزُّ العَزيزَةُ القُدْسُ رَأسَهَا عِنْدَ هَرَبِكَ. مَنْ عَيَّرَتَ؟ وَعَلَى مَنْ جدَّفتَ؟ وَعَلَى مَنْ رَفَعْتَ صَوْتَكَ، وَرَفَعْتَ عُيونَكَ بِكِبْرِيَاءٍ؟ أعَلى قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ؟ عيَّرتَ الرَّبَّ عَلَى فَمِ رُسُلِكَ. قُلْتَ: ‹بِمَرْكَبَاتِي الكَثِيرَةِ صَعِدْتُ إلَى أعَالِي الجِبَالِ وَإلَى قِمَمِ لُبْنَانَ. قَطَعْتُ أعلى أشْجَارِ الأرْزِ، وَأفْضَلَ أشْجَارِ السَّروِ. صَعِدْتُ إلَى أعْلَى قِمَمِهِ، وَإلَى أكْثَرِ غَابَاتِهِ كَثَافَةً. حَفَرْتُ آبَارًا، وَشَرِبْتُ مَاءَ الأرَاضِي الأُخْرَى. وَبِبَاطِنِ أقْدَامِي جفَّفْتُ كُلَّ أنْهَارِ مِصْرٍ وَسَوَاقِيهَا.› «لَكِنْ ألَمْ تَسْمَعْ بِمَا خَطَّطتُ لَهُ؟ بِمَا خَطَّطْتُ لَهُ منذُ القديمِ، وَالْآنَ جعلتُهُ يحدثُ؟ فَقَدْ خَطَّطْتُ لِأنْ تُحَوِّلَ المُدُنَ الحَصِينَةَ إلَى تِلَالِ حُطَامٍ، بَيْنَمَا شَعْبُهَا الضُّعِيفُ مُرتَعِبٌ وَمُرتَبِكٌ مِثْلَ أعشَابٍ فِي الحَقْلِ وَمِثْلَ حَشِيشٍ أخضَرَ، مِثْلَ عُشبٍ عَلَى سُطُوحِ المَنَازِلِ، تُحرِقُهُ الرِّيَاحُ الشَّرْقِيَّةُ. أنَا أعْرِفُ مَتى تَقُومُ وَمَتى تَجْلِسُ، وَمَتى تَخْرُجُ وَمَتى تَدْخُلُ، وَأعْرِفُ ثَوَرَانَكَ عَليَّ. لِأنَّكَ ثُرْتَ عَليَّ، وَأنَا سَمِعْتُ كَلَامَك المُتَكَبِّرَ، فَسَأضَعُ الخُطَّافَ فِي أنْفِكَ، وَالرَّسَنَ فِي فَمِكَ، وَسَأجْعَلُكَ تَعُودُ إلَى أرْضِكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ بِهِ.» «وَهَذِهِ هِيَ العَلَامَةُ عَلَى أنِّي سَأُعِينُكَ، يَا حَزَقِيَّا: سَتَأْكُلُ هَذِهِ السَّنَةَ زَرْعًا يَنْمُو وَحْدَهُ. وَفِي السَّنَةِ القَادِمَةِ سَتَأْكُلُ زَرْعًا يَنْمُو مِنْ بُذُورِ المَحْصوُلِ السَّابِقِ. أمَّا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَسَتَحْصُدُونَ مَا تَزْرَعُونَ. وَتَغْرِسُونَ كُرُومًا وَتَأْكُلُونَ مِنْهَا عِنَبًا. أمَّا النَّاجُونَ مِنْ عَشِيرَةِ يَهُوذَا فَسَيَعُودُونَ، وَسَيُعَمِّقُونَ جُذُورَهُمْ فِي الأرْضِ وَيَنْمُونَ. لِأنَّهُ سَتَبْقَى بَقِيَّةٌ وَتَخْرُجُ مِنَ القُدْسِ، مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ. اللهُ القَدِيرُ يَصْنَعُ هَذَا بِسَبَبِ غَيْرَتِهِ. «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنْ مَلِكِ أشُّورَ: ‹لَنْ يَدْخُلَ هَذِهِ المَدِينَةَ، أوْ يُطلِقَ فِيهَا سَهْمًا وَاحِدًا. لَنْ يَقْتَرِبَ إلَى المَدِينَةِ بِأتْرَاسِهِ، أوْ يَبْنِيَ بُرْجَ حِصَارٍ عَلَيْهَا. فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ سَيَرْجِعُ. لَنْ يَدْخُلَ هَذِهِ المَدِينَةَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ . سَأُدَافِعُ عَنِ هذِهِ المَدِينَةِ وَأُنْقِذُهَا. مِنْ أجْلِ دَاوُدَ، وَمِنْ أجْلِ اسْمِي، سَأفْعَلُ هَذَا.›» فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ خَرَجَ مَلَاكُ اللهِ وَقَتَلَ مِئَةً وَخَمْسًا وَثَمَانِينَ ألْفَ جُنْدِيٍّ فِي مُعَسْكَرِ الأشُّورِيِّينَ. وَلَمَّا أفَاقَ الأشُّورِيُّونَ فِي الصَّبَاحِ، رَأوْا كُلَّ جُثَثِ القَتلَى. فَغَادَرَ سَنْحَارِيبُ، مَلِكُ أشُّورَ، ذَلِكَ المَكَانَ عَائِدًا إلَى نِينَوَى حَيْثُ أقَامَ. وَذَاتَ يَوْمٍ، كَانَ يَعْبُدُ فِي هَيْكَلِ إلَهِهِ نَسْرُوخَ. فَقَتَلَهُ ابْنَاهُ أدْرَمَّلَكُ وَشَرآصِرَ بِالسَّيْفِ. ثُمَّ هَرَبَا إلَى أرْضِ أرَارَاطَ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ آسَرْحَدُّونَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، مَرِضَ حَزَقِيَّا وَقَارَبَ المَوْتَ. فَذَهَبَ النَّبِيُّ إشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ إلَى حَزَقِيَّا وَقَالَ لَهُ: «يَقُولُ اللهُ لَكَ: ‹رَتِّبْ شُؤُونَ بَيْتِكَ، لِأنَّهُ لَنْ يَطُولَ بِكَ العُمْرُ. بَلْ سَتَمُوتُ قَرِيبًا!›» فَأدَارَ حَزَقِيَّا وَجْهَهُ إلَى الحَائِطِ. وَصَلَّى إلَى اللهِ وَقَالَ: «اذْكُرْ، يَا اللهُ أنِّي خَدَمْتُكَ بِوَفَاءٍ وَمِنْ كُلِّ قَلْبِي. وَفَعَلْتُ مَا يُرْضِيكَ.» ثُمَّ بَكَى حَزَقِيَّا بُكَاءً مُرًّا. وَقَبْلَ أنْ يَتَجَاوَزَ إشَعْيَاءُ السَّاحَةَ الوَسِيطَةَ فِي المَدِينَةِ، كَلَّمَهُ اللهُ وَقَالَ لَهُ: «ارْجِعْ وَكَلِّمْ حَزَقِيَّا، قَائِدَ شَعْبِي، وَقُلْ لَهُ: ‹يَقُولُ اللهُ ، إلَهُ جَدِّكَ دَاوُدَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلَاتَكَ وَرَأيْتُ دُمُوعَكَ. وَلِهَذَا سَأشْفِيكَ. وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ سَتَذْهَبُ إلَى بَيْتِ اللهِ . وَسَأُضِيفُ إلَى حَيَاتِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَسَأُنْقِذُكَ وَأُنْقِذُ هَذِهِ المَدِينَةَ مِنْ مَلِكِ أشُّورَ. وَسَأحمِي هَذِهِ المَدِينَةَ مِنْ أجْلِ اسْمِي، وَمِنْ أجْلِ الوَعدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ لِدَاوُدَ خَادِمِي.›» ثُمَّ قَالَ إشَعْيَاءُ: «اصْنَعُوا خَلِيطًا مِنَ التِّينِ وَضَعُوهُ عَلَى مَكَانِ الألَمِ.» فَأخَذُوهُ وَوَضَعُوهُ عَلَى مَكَانِ الألَمِ. فَتَعَافَى حَزَقِيَّا. وَقَالَ حَزَقِيَّا لِإشَعْيَاءَ: «مَا هِيَ العَلَامَةُ عَلَى أنَّ اللهَ سَيَشْفِينِي شِفَاءً كَامِلًا وَأنِّي سَأذهَبُ إلَى بَيْتِ اللهِ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ.» فَقَالَ إشَعْيَاءُ: «اخْتَرْ عَلَامةً مِنَ اثْنَتَيْنِ. هَلْ تُرِيدُ أنْ يَتَحَرَّكَ الظِّلُّ عَشْرَ دَرَجَاتٍ إلَى الأمَامِ، أمْ يَتَرَاجَعُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ؟ هَذِهِ هِيَ العَلَامَةُ عَلَى أنَّ اللهَ سَيَفْعَلُ كَمَا قَالَ.» فَأجَابَ حَزَقِيَّا: «إنَّهُ لَأمْرٌ سَهْلٌ أنْ يَتَقَدَّمَ الظِّلُّ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، فَاجْعَلْهُ يَتَرَاجَعُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ.» فَصَلَّى إشَعْيَاءُ إلَى اللهِ ، فَجَعَلَ اللهُ الظِّلَّ يَتَرَاجَعُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، حَيْثُ عَادَ إلَى المَوضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ قَبْلَ عَشْرِ دَرَجَاتٍ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، أرْسَلَ مَرُودَخُ بَلَاذَانُ بْنُ بَلَاذَانَ، مَلِكُ بَابِلَ، رَسَائِلَ وَهَدِيَّةً إلَى حَزَقِيَّا. وَمَا دَفَعَهُ إلَى عَمَلِ ذَلِكَ هُوَ أنَّهُ سَمِعَ أنَّ حَزَقِيَّا كَانَ مَرِيضًا. فَسمِعَ حَزَقِيَّا عَنْ الوَفدِ القَادِمِ مِنْ بَابِلَ وَرَحَّبَ بِهِ، وَأرَاهُمْ كُلَّ الأشْيَاءِ الثَّمِينَةِ فِي بَيْتِهِ. أرَاهُمُ الفِضَّةَ، وَالذَّهَبَ، وَالأطيَابَ، وَالعِطْرَ الثَّمِينَ، وَالأسلِحَةَ، وَكُلَّ شَيءٍ فِي مَخَازِنِهِ. فَلَمْ يَبْقَ شَيءٌ فِي بَيْتِ حَزَقِيَّا لَمْ يُرِهِمْ إيَّاهُ. فَجَاءَ النَّبِيُّ إشَعْيَاءُ إلَى المَلِكِ حَزَقِيَّا وَسَألَهُ: «مَاذَا قَالَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ؟ وَمِنْ أيْنَ جَاءُوا؟» فَأجَابَ حَزَقِيَّا: «جَاءُوا مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ، مِنْ بَابِلَ.» فَقَالَ إشَعْيَاءُ: «وَمَا الَّذِي رَأوْهُ فِي بَيْتِكَ؟» فَأجَابَ حَزَقِيَّا: «رَأوْا كُلَّ شَيءٍ فِي بَيْتِي، فَلَا يُوجَدُ شَيءٌ فِي مَخَازِنِي لَمْ أُرِهِ لَهُمْ.» حِينَئِذٍ، قَالَ إشَعْيَاءُ لِحَزَقِيَّا: «اسْتَمِعْ إلَى رِسَالَةِ اللهِ : ‹سَيَأْتِي وَقْتٌ سَيُؤخَذُ فِيهِ كُلُّ شَيءٍ فِي بَيْتِكَ، وَكُلُّ مَا ادَّخَرَهُ آبَاؤكَ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ، إلَى بَابِلَ. لَنْ يَتَبَقَّى شَيءٌ مِنْهُ. اللهُ هُوَ الَّذِي يَقُولُ هَذَا. وَسَيُؤخَذُ أوْلَادُكَ أنْتَ لِيَصِيرُوا خُدَّامًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ.›» فَقَالَ حَزَقِيَّا: «حَسَنَةٌ هِيَ رِسَالَةُ اللهِ .» ثُمَّ أضَافَ: «لَا مَانِعَ عِنْدِي مَا دَامَ السَّلَامُ وَالأمَانُ سَيَسُودَانِ فِي حَيَاتِي!» وَكُلُّ الأُمُورِ الأُخرَى المُتَعَلِّقَةِ بِحَزَقِيَّا وَأعْمَالِهِ وَشَقِّهِ لِلقَنَاةِ مِنْ أجْلِ إدخَالِ المَاءِ إلَى المَدِينَةِ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَمَاتَ حَزَقِيَّا وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ مَنَسَّى. كَانَ مَنَسَّى فِي الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا اعتَلَى عَرْشَ يَهُوذَا. وَحَكَمَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ حَفْصِيبَةَ. وَفَعَلَ مَنَسَّى الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَتَبَنَّى المُمَارَسَاتِ البَشِعَةَ لِلشُّعُوبِ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنَ الأرْضِ الَّتِي أخَذَهَا بَنُو إسْرَائِيلَ. وَأعَادَ مَنَسَّى بِنَاءَ المُرْتَفَعَاتِ الَّتِي كَانَ قَدْ هَدَمَهَا أبُوهُ حَزَقِيَّا. وَأعَادَ بِنَاءَ مَذَابِحَ لِلبَعلِ وَأقَامَ عَمُودَ عَشْتَرُوتَ، كَمَا فَعَلَ أخآبُ مَلِكُ إسْرَائِيلَ. وَعَبَدَ مَنَسَّى نُجُومَ السَّمَاءِ وَخَدَمَهَا. وَبَنَى مَذَابِحَ لِلآلِهَةِ الزَّائِفَةِ فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي قَالَ عَنْهُ اللهُ : «سَأضَعُ اسْمِي إلَى الأبَدِ فِي القُدْسِ.» وَبَنَى مَنَسَّى مَذَابِحَ لِنُجُومِ السَّمَاءِ فِي سَاحَتَي بَيْتِ اللهِ . وَأحرَقَ أيْضًا أبْنَاءَهُ كَقَرَابِينَ. وَاسْتَعَانَ بِالسِّحْرِ وَالعِرَافَةِ لِمُحَاوَلَةِ مَعْرِفَةِ المُسْتَقْبَلِ. وَاسْتَخْدَمَ وُسَطَاءَ رُوحَانِيِّينَ وَمُشَعوِذِينَ. وَأكثَرَ مَنَسَّى مِنْ عَمَلِ الشَّرِّ أمَامَ اللهِ . فَغَضِبَ اللهُ غَضَبًا شَدِيدًا. وَصَنَعَ مَنَسَّى تِمثَالًا مَنحُوتًا لِعَشْتَرُوتَ، وَوَضَعَهُ فِي الهَيْكَلِ. وَهُوَ الهَيْكَلُ الَّذِي كَانَ اللهُ قَدْ قَالَ لِدَاوُدَ وَابْنِهِ سُلَيْمَانَ عَنْهُ: «اختَرْتُ القُدْسَ مِنْ كُلِّ مُدُنِ إسْرَائِيلَ. سَأضَعُ اسْمِي فِي الهَيْكَلِ فِي القُدْسِ إلَى الأبَدِ. وَلَنْ أدَعَهُمْ يُطرَدُونَ مِنَ الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِآبَائِهِمْ. بَلْ سَأدَعُهُمْ يَبْقُونَ فِي أرْضِهِمْ، إذَا أطَاعُوا كُلَّ وَصَايَايَ وَكُلَّ التَّعَالِيمِ الَّتِي أعْطَاهَا لَهُمْ عَبدِي مُوسَى.» لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ جَرَّهُمْ مَنَسَّى إلَى عَمَلِ شُرُورٍ أقبَحَ مِنْ كُلِّ الشُّرُورِ الَّتِي مَارَسَتْهَا الشُّعُوبُ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ كَنْعَانَ قَبْلَ دُخُولِ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَيْهَا. وَقَالَ اللهُ عَلَى لِسَانِ خُدَّامِهِ الأنْبِيَاءِ: «عَمِلَ مَنَسَّى كُلَّ هَذِهِ الأشْيَاءِ البَغِيضَةِ. وَزَادَتْ شُرُورُهُ عَلَى شُرُورِ الأمُّورِيِّينَ مِنْ قَبلِهِ، وَجَرَّ يَهُوذَا إلَى الخَطِيَّةِ بِسَبَبِ أوْثَانِهِ. لِهَذَا يَقُولُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹هَا إنِّي جَالِبٌ ضِيقًا كَثِيرًا عَلَى القُدْسِ وَعَلَى يَهُوذَا سَيُصْدَمُ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ بِهِ. وَمَا عَمِلْتُهُ بِالسَّامِرَةِ وَبَيْتِ أخآبَ سَأعْمَلُهُ بِالقُدْسِ. وَكَمَا يُمْسَحُ صَحْنٌ وَيُقلَبُ إلَى الأسْفَلِ، كَذَلِكَ سَأفْعَلُ بِالقُدْسِ. وَسَأتْرُكُ مَا يَتَبَقَّى مِنْ شَعْبِي. وَسَأنْصُرُ أعْدَاءَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَيَسْبِيهِمْ أعْدَاؤهُمْ كَأنَّهُمْ غَنَائِمُ حَرْبٍ، لِأنَّهُمْ عَمِلُوا مَا لَا يُرْضِينِي. أغضَبُونِي مُنْذُ يَوْمِ خُرُوجِ آبَائِهِمْ مِنْ مِصْرٍ وَحَتَّى اليَوْمِ. وَقَتَلَ مَنَسَّى أبْرِيَاءَ كَثِيرِينَ، وَأغرَقَ القُدْسَ بِدَمِهِمْ. تُضَافُ هَذِهِ الخَطَايَا كُلُّهَا إلَى الخَطِيَّةِ الَّتِي جَرَّ بِهَا يَهُوذَا لِلخَطِيَّةِ، حَتَّى فَعَلُوا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ .›» أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ مَنَسَّى وَخَطَايَاهُ الَّتِي ارتَكَبَهَا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَمَاتَ مَنَسَّى وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. دُفِنَ فِي بُسْتَانِ بَيْتِهِ الَّذِي دُعِيَ «بُسْتَانَ عُزَّا.» وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ آمُونُ. كَانَ آمُونُ فِي الثَّانِيَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا اعتَلَى العَرْشَ. وَحَكَمَ سَنَتَيْنِ فِي القُدْسِ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ مَشُلَّمَةَ بِنْتَ حَارُوصَ، مِنْ يَطْبَةَ. وَفَعَلَ آمُونُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ كَأبِيهِ مَنَسَّى. وَعَاشَ آمُونُ عَلَى نَهْجِ أبِيهِ. فَعَبَدَ وَخَدَمَ الأوْثَانَ الَّتِي عَبَدَهَا وَخَدَمَهَا أبُوهُ. وَهَكَذَا تَجَاهَلَ اللهَ ، إلَهَ آبَائِهِ، وَلَمْ يَعِشْ كَمَا يُرْضِي اللهَ . وَتَآمَرَ خُدَّامُ آمُونَ عَلَيْهِ وَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ. فَقَامَ شَعْبُ البَلَدِ وَقَتَلُوا كُلَّ الَّذِينَ تَآمَرُوا عَلَى آمُونَ. ثُمَّ نَصَّبُوا ابْنَهُ يُوشِيَّا مَلِكًا بَعْدَهُ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ آمُونَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَدُفِنَ آمُونُ فِي قَبْرِهِ فِي بُسْتَانِ عُزَّا. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ يُوشِيَّا. كَانَ يُوشِيَّا فِي الثَّامِنَةِ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ يَدْيَدَةَ بِنْتَ عَدَايَةَ مِنْ بُصْقَةَ. وَعَمِلَ يُوشِيَّا مَا يُرْضِي اللهَ . وَتَبِعَ اللهَ بِكُلِّ أمَانَةٍ كَجَدِّهِ دَاوُدَ. وَالتَزَمَ بِهَذَا السَّبِيلِ التِزَامًا كَامِلًا. وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ يُوشِيَّا، أرْسَلَ مُسَاعِدَهُ شَافَانَ بْنَ أصَلْيَا بْنِ مَشُلَّامَ إلَى بَيْتِ اللهِ وَقَالَ لَهُ: «اذهَبْ إلَى رَئيسِ الكَهَنَةِ حِلْقِيَّا، وَاطلُبْ إلَيْهِ أنْ يَعُدَّ المَالَ الَّذِي أحْضَرَهُ الشَّعْبُ إلَى بَيْتِ اللهِ وَجَمَعَهُ البَوَّابُونَ مِنْهُمْ. فَليُعطِ الكَهَنَةُ هَذَا المَالَ لِلمُشْرِفِينَ عَلى بَيْتِ اللهِ ، لِيَدْفَعُوهُ لِلعُمَّالِ القَائِمِينَ عَلَى تَرْمِيمِ بَيْتِ اللهِ . وَلِيَدْفَعُوا أيْضًا أُجُورَ النَّجَّارِينَ وَالحَجَّارِينَ وَالنَّحَّاتِينَ. وَلِيَشْتَرُوا الخَشَبَ وَالحِجَارَةَ المَنحُوتَةَ اللَّازِمَةَ لِإصلَاحِ الهَيْكَلِ. وَلَا دَاعِيَ لِلِاحْتِفَاظِ بِسِجِلَّاتِ حِسَابَاتٍ حَوْلَ المَبَالِغِ الَّتِي يَصْرِفُهَا الكَهَنَةُ، فَهُمْ جَدِيرُونَ بِالثِّقَةِ.» وَقَالَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ حِلْقِيَّا لِشَافَانَ، وَكِيلِ المَلِكِ، «هَا قَدْ وَجَدْتُ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ اللهِ !» وَأعْطَى حِلْقِيَّا الكِتَابَ لِشَافَانَ، فَقَرَأهُ. ثُمَّ ذَهَبَ الكَاتِبُ شَافَانُ إلَى المَلِكِ يُوشِيَّا وَقَدَّمَ إلَيْهِ تَقْرِيرًا عَمَّا حَدَثَ، فَقَالَ: «أخَذَ خُدَّامُكَ كُلَّ المَالِ الَّذِي فِي الهَيْكَلِ وَأعْطَوْهُ لِلمُشْرِفِينَ عَلَى العَمَلِ فِي بَيْتِ اللهِ .» وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الوَكِيلُ شَافَانُ لِلمَلِكِ: «لَقَدْ أعطَانِي الكَاهِنُ حِلْقِيَّا هَذَا الكِتَابَ.» وَقَرَأ شَافَانُ الكِتَابَ عَلَى المَلِكِ. فَلَمَّا سَمِعَ المَلِكُ كَلَامَ كِتَابِ الشَّرِيعَةِ، مَزَّقَ مَلَابِسَهُ حُزْنًا وَتَذَلُّلًا. فَأصْدَرَ المَلِكُ أمْرًا لِلكَاهِنِ حِلْقِيَا، وَأخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ، وَعَكْبُورَ بْنِ مِيخَا، وَمُسَاعِدِ المَلِكِ شَافَانَ، وَخَادِمِ المَلِكِ عَسَايَا، فَقَالَ: «اذْهَبُوا وَاسْألُوا اللهَ مَاذَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أنْ نَفْعَلَ. اسْألُوهُ مِنْ أجْلِي، وَمِنْ أجْلِ الشَّعْبِ، وَمِنْ أجْلِ يَهُوذَا. وَاسْألُوا عَنْ كَلَامِ هَذَا الكِتَابِ الَّذِي وَجَدْنَاهُ. فَاللهُ غَاضِبٌ عَلَيْنَا، لِأنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَسْتَمِعُوا إلَى كَلَامِ هَذَا الكِتَابِ، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِكُلِّ الوَصَايَا الَّتِي كُتِبَتْ لَنَا لِنَعَمَلَ بِهَا!» فَذَهَبَ الكَاهِنُ حِلْقِيَّا، وَأخِيقَامُ، وَعَكْبُورُ، وَشَافَانُ وَعَسَايَا إلَى النَّبِيَّةِ خَلْدَةَ. وَكَانَتْ خَلْدَةُ زَوْجَةَ شَلُّومَ بْنِ تِقْوَةَ بْنِ حَرْحَسَ المَسْؤُولِ عَنْ ثِيَابِ الكَهَنَةِ. وَكَانَتْ تَسْكُنُ فِي القِسْمِ الثَّانِي مِنَ القُدْسِ. فَجَاءُوا وَتَحَدَّثُوا إلَيْهَا. فَقَالَتْ لَهُمْ خَلْدَةُ: «يَقُولُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹قُولُوا لِلرَّجُلِ الَّذِي أرْسَلَكُمْ إلَيَّ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : أنَا جَالِبٌ ضِيقًا عَلَى هَذَا المَكَانِ وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِيهِ. سَأجْلِبُ عَلَيْهِمْ كُلَّ اللَّعَنَاتِ المَذْكُورَةِ فِي الكِتَابِ الَّذِي قَرَأهُ مَلِكُ يَهُوذَا. لِأنَّ شَعْبَ يَهُوذَا تَرَكُونِي. أدَارُوا لِي ظُهُورَهُمْ، وَأحرَقُوا بَخُورًا لِآلِهَةٍ أُخْرَى صَنَعُوهَا بِأيدِيهِمْ، فَأغْضَبُونِي. وَلِهَذَا سَيَكُونُ غَضَبِي نَارًا لَا تَنْطَفِئُ عَلَى هَذَا المَكَانِ!› «‹وَأمَّا يُوشِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا الَّذِي أرسَلَكُمْ لِتَسألُوا اللهَ ، فَقُولُوا لَهُ هَذَا: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، عَنِ الكَلَامِ الَّذِي سَمِعْتَهُ للتَّوِّ: قَدْ رَقَّ قَلْبُكَ وَتَوَاضَعْتَ أمَامَ اللهِ عِنْدَمَا سَمِعْتَ كَلَامِي ضَدَّ هَذَا المَكَانِ وَضِدَّ سَاكِنِيهِ. سَمِعْتَ أنَّنِي سَأجعَلُهُمْ خَرَابًا وَلَعنَةً، فَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ، وَبَكَيتَ أمَامِي. وَأنَا قَدْ سَمِعْتُكَ يَقُولُ اللهُ . لِذَلِكَ سَأجمَعُكَ بِآبَائِكَ، وَسَتَمُوتُ بِسَلَامٍ. لَنْ تَرَى أيًّا مِنَ الضِّيقَاتِ الَّتِي سَأُرْسِلُهَا عَلَى الشَّعْبِ السَّاكِنِينَ هُنَا.›» فَحَمَلُوا هَذَا الجَوَابَ إلَى المَلِكِ. فَاسْتَدْعَى المَلِكُ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ لِلِاجْتِمَاعِ مَعَهُ. ثُمَّ صَعِدَ المَلِكُ إلَى بَيْتِ اللهِ . وَصَعِدَ مَعَهُ كُلُّ أهْلِ يَهُوذَا وَأهْلِ القُدْسِ. كَمَا رَافَقَهُ الكَهَنَةُ وَالأنْبِيَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ، مِنْ أصْغَرِهِمْ شَأنًا إلَى أرْفَعِهِمْ شَأنًا. ثُمَّ قَرَأ كِتَابَ العَهْدِ، أيْ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ الَّذِي عُثِرَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ اللهِ ، قَرَأهُ بِصَوْتٍ عَالٍ لِيَسْمَعَهُ الجَمِيعُ. وَوَقَفَ المَلِكُ عِنْدَ العَمُودِ وَقَطَعَ عَهْدًا فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَتَعَهَّدَ أنْ يَتْبَعَ اللهَ وَيُطِيعَ وَصَايَاهُ وَعَهْدَهُ وَقَوَانِينَهُ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ وَنَفْسِهِ. تَعَهَّدَ أنْ يَعْمَلَ بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي هَذَا الكِتَابِ. وَوَقَفَ الشَّعْبُ كُلُّهُ شُهُودًا عَلَى هَذَا. ثُمَّ أمَرَ المَلِكُ رَئِيسَ الكَهَنَةِ حِلْقِيَّا، وَبَقِيَّةَ الكَهَنَةِ، وَالبَوَّابِينَ أنْ يُخرِجُوا مِنْ هَيْكَلِ اللهِ كُلَّ الآنِيَةِ الَّتِي صُنِعَتْ تَكْرِيمًا لِلبَعلِ وَعَشْتَرُوتَ وَنُجُومِ السَّمَاءِ. فَأحْرَقَهَا يَوْشِيَّا خَارِجَ القُدْسِ فِي وَادِي قَدْرُونَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ حَمَلُوا الرَّمَادَ إلَى بَيْتِ إيلَ. وَكَانَ مُلُوكُ يَهُوذَا قَدْ عَيَّنُوا كَهَنَةً مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ. فَكَانَ هَؤُلَاءِ الكَهَنَةُ الزَّائِفُونَ يُحْرِقُونَ بَخُورًا فِي المُرْتَفَعَاتِ فِي كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا وَالبَلْدَاتِ المُحِيطَةِ بِالقُدْسِ. وَأحرَقُوا بَخُورًا لِإكْرَامِ البَعْلِ، وَالشَّمْسِ، وَالقَمَرِ، وَالأبْرَاجِ، وَكُلِّ نُجُومِ السَّمَاءِ. فَأبَادَهُمْ يُوشِيَّا. وَأزَالَ يُوشِيَّا عَمُودَ عَشْتَرُوتَ مِنْ بَيْتِ اللهِ . وَأخْرَجَهُ خَارِجَ مَدِينَةِ القُدْسِ وَأحْرَقَهُ فِي وَادِي قَدْرُونَ. ثُمَّ دَقَّ القِطَعَ المَحْرُوقَةَ إلَى غُبَارٍ نَثَرَهُ فَوْقَ قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ. وَهَدَمَ المَلِكُ يُوشِيَّا بُيُوتَ الرِّجَالِ الَّذِينَ كَانُوا يُبِيحُونَ أجْسَادَهُمْ فِي بَيْتِ اللهِ . وَكَانَتِ النِّسَاءُ يَسْتَخْدِمْنَ هَذِهِ البُيُوتَ فِي نَسجِ الأقمِشَةِ إكْرَامًا لِلإلَهَةِ عَشْتَرُوتَ. وَأحضَرَ يُوشِيَّا جَمِيعَ الكَهَنَةِ مِنْ مُدُنِ يُهُوذَا إلَى القُدْسِ، وَدَمَّرَ المُرْتَفَعَاتِ الَّتِي كَانَ الكَهَنَةُ يُقَدِّمُونَ تِقْدِمَاتِهِمْ عَلَيْهَا فِي مُدُنِ يُهُوذَا مِنْ جَبَعَ إلَى بِئْرِ السَّبْعِ. كَمَا هَدَمَ المُرْتَفَعَاتِ الَّتِي كَانَتْ إلَى يَسَارِ الدَّاخِلِ عَبْرَ بَوَّابَةِ يَشُوعَ حَاكِمِ المَدِينَةِ. فَلَمْ يَكُنْ كَهَنَةُ تِلْكَ المُرْتَفَعَاتِ يأتُونَ إلَى مَذْبَحِ اللهِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، بَلْ كَانُوا يأكُلُونَ الخُبْزَ غَيْرَ المُخْتَمِرِ مَعَ أقَارِبِهِمْ! وَكَانَتْ تُوفَةُ مَكَانًا فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ حَيْثُ كَانَ النَّاسُ يُقَدِّمُونَ أبْنَاءَهُمْ ذَبَائِحَ لِلإلَهِ مُولَكَ. فَدَمَّرَ يُوشِيَّا ذَلِكَ المَكَانَ لِئَلَّا يُسْتَخْدَمَ مَرَّةً أُخْرَى. وَأزَالَ أيْضًا الخُيُولَ وَأحرَقَ المَرْكَبَةَ الَّتِي وَضَعَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا عِنْدَ مَدْخَلِ بَيْتِ اللهِ . وَكَانَتْ قَدْ وُضِعَتْ قُرْبَ غُرْفَةِ الخَادِمِ نَثْنَمْلَكَ إكْرَامًا لِإلَهِ الشَّمْسِ. وَكَانَ مُلُوكُ يَهُوذَا قَدْ بَنَوْا مَذَابِحَ عَلَى سَطْحِ بِنَايَةِ أخآبَ. وَبَنَى مَنَسَّى أيْضًا مَذَابِحَ فِي سَاحَتَي بَيْتِ اللهِ . فَهَدَمَ يُوشِيَّا كُلَّ هَذِهِ المَذَابِحِ وَدَقَّهَا وَنَثَرَ غُبَارَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ. وَبَنَى سُلَيْمَانُ فِي المَاضِي بَعْضَ المُرْتَفَعَاتِ عَلَى الجَانِبِ الجَنُوبِيِّ مِنْ جَبَلِ المُهلِكِ قُرْبَ القُدْسِ. وَقَدْ بَنَى أحَدَ هَذِهِ المُرْتَفَعَاتِ إكْرَامًا لِعَشْتَارُوثَ، تِلْكَ الإلَهَةِ البَغِيضَةِ الَّتِي عَبَدَهَا أهْلُ صَيدُونَ. وَبَنَى أيْضًا مُرتَفَعًا لِإكْرَامِ كَمُوشَ، ذَلِكَ الإلَهِ البَغِيضِ الَّذِي عَبَدَهُ أهْلُ عَمُّونَ. فَخَرَّبَ المَلِكُ يُوشِيَّا كُلَّ أمَاكِنِ العِبَادَةِ هَذِهِ. وَكَسَّرَ الأنصَابَ التَّذْكَارِيَّةَ وَأعْمِدَةَ عَشْتَرُوتَ. ثُمَّ نَثَرَ عِظَامَ أمْوَاتٍ عَلَى ذَلِكَ المَكَانِ. وَهَدَمَ يُوشِيَّا أيْضًا المَذْبَحَ وَالمُرتَفَعَةَ فِي بَيْتِ إيلَ اللَّذَيْنِ بَنَاهُمَا يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ الَّذِي جَرَّ إسْرَائِيلَ إلَى الخَطِيَّةِ. ثُمَّ دَقَّ المَذْبَحَ إلَى غُبَارٍ وَأحْرَقَ عَمُودَ عَشْتَرُوتَ. وَتَطَلَّعَ يُوشِيَّا حَوْلَهُ فَرَأى قُبُورًا عَلَى الجَبَلِ. فَأرْسَلَ رِجَالًا، فَأخْرَجُوا العِظَامَ مِنَ القُبُورِ. ثُمَّ أحرَقَ العِظَامَ عَلَى المَذْبَحِ. وَهَكَذَا خَرَّبَ المَذْبَحَ وَنَجَّسَهُ وَفْقَ كَلَامِ اللهِ الَّذِي نَطَقَ بِهِ رَجُلُ اللهِ وَأعلَنَهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ نَظَرَ يُوشِيَّا حَوْلَهُ، فَرَأى قَبْرَ رَجُلِ اللهِ. فَسَألَ يُوشِيَّا: «مَا هَذَا النُّصْبُ الَّذِي أرَاهُ؟» فَقَالَ لَهُ أهْلُ المَدِينَةِ: «هَذَا هُوَ قَبْرُ رَجُلِ اللهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا. هُوَ الَّذِي تَنَبَّأ بِمَا فَعَلْتَ بِمَذْبَحِ بَيْتِ إيلَ قَبْلَ زَمَنٍ بَعِيدٍ.» فَقَالَ يُوشِيَّا: «دَعُوهُ يَسْتَرِحْ، وَلَا تُحَرِّكُوا عِظَامَهُ.» فَتَرَكُوا عِظَامَهُ وَعِظَامَ النَّبِيِّ الَّذِي مِنَ السَّامِرَةِ. وَهَدَمَ يُوشِيَّا كُلَّ المَعَابِدِ الَّتِي كَانَ مُلُوكُ إسْرَائِيلَ قَدْ أغْضَبُوا اللهَ حِينَ بَنَوْهَا فِي المُرْتَفَعَاتِ فِي السَّامِرَةِ. وَفَعَلَ بِهَا مَا فَعَلَهُ بِهَيْكَلِ بَيْتِ إيلَ. وَقَتَلَ يُوشِيَّا كُلَّ كَهَنَةِ المُرْتَفَعَاتِ فِي السَّامِرَةِ عَلَى مَذَابِحِهَا. وَأحرَقَ عَلَيْهَا عِظَامَ أمْوَاتٍ لِكَي يُخَرِّبَهَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ عَادَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَأمَرَ المَلِكُ يُوشِيَّا الشَّعْبَ وَقَالَ: «احتَفِلُوا بِالفِصْحِ إكْرَامًا ، وَفْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ العَهْدِ.» وَلَمْ يَكُنِ الشَّعْبُ قَدِ احْتَفَلُوا بِالفِصْحِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ مُنْذُ زَمَنِ القُضَاةِ الَّذِينَ حَكَمُوا إسْرَائِيلَ. وَلَمْ يُقِمْ أيٌّ مِنْ مُلُوكِ يَهُوذَا مِثْلَ هَذَا الِاحْتِفَالِ بِالفِصْحِ قَطُّ. وَقَدْ أُقِيمَ هَذَا الِاحْتِفَالُ بِالفِصْحِ إكْرَامًا للهِ فِي القُدْسِ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ يُوشِيَّا. وَقَضَى يُوشِيَّا عَلَى الوُسَطَاءِ وَالسَّحَرَةِ وَتَمَاثِيلِ الآلِهَةِ الَّتِي فِي البُيُوتِ، وَالأوْثَانِ، وَجَمِيعِ المَعبُودَاتِ البَغِيضَةِ فِي يَهُوذَا وَالقُدْسِ. فَعَلَ يُوشِيَّا هَذَا طَاعَةً لِلشَّرِيعَةِ المَكْتُوبَةِ فِي الكِتَابِ الَّذِي وَجَدَهُ الكَاهِنُ حِلْقِيَّا فِي بَيْتِ اللهِ . لَمْ يَكُنْ لِيُوشِيَّا نَظِيرٌ قَطُّ قَبلَهُ فِي يَهُوذَا. إذْ عَادَ إلَى اللهِ بِكُلِّ قَلْبِهِ، وَبِكُلِّ نَفْسِهِ، وَبِكُلِّ قُوَّتِهِ. وَالتَزَمَ بِكُلِّ شَرِيعَةِ مُوسَى. وَلَمْ يَكُنْ لِيُوشِيَّا نَظِيرٌ بَعْدَهُ. غَيْرَ أنَّ نَارَ غَضَبِ اللهِ عَلَى يَهُوذَا لَمْ تَنْطَفِئْ. فَقَدْ كَانَ مَا يَزَالُ غَاضِبًا جِدًّا عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ كُلِّ مَا فَعَلَهُ مَنَسَّى. قَالَ اللهُ : «اقتَلَعْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِهِمْ. وَسَأفْعَلُ الأمْرَ نَفْسَهُ مَعَ يَهُوذَا. لَنْ أعُودَ ألتَفِتُ إلَى يَهُوذَا. وَلَنْ أقْبَلَ القُدْسَ. صَحِيحٌ أنِّي اخْتَرْتُ هَذِهِ المَدِينَةَ فِيمَا مَضَى وَقُلْتُ عَنْهَا: ‹فِيهَا سَيَكُونُ اسْمِي.› لَكِنِّي سَأهْدِمُ الهَيْكَلَ فِي ذَلِكَ المَكَانِ.» أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يُوشِيَّا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَفِي زَمَنِ يُوشِيَّا، ذَهَبَ مَلِكُ مِصْرٍ نَخُو لِمُحَارَبَةِ مَلِكِ أشُّورَ عِنْدَ نَهْرِ الفُرَاتِ. فَخَرَجَ يُوشِيَّا لِمُلَاقَاتِهِ فِي مَجَدُّو. فَلَمَّا رَآهُ نَخُوُ قَتَلَهُ. فَوَضَعَ خُدَّامُهُ جُثَّتَهُ فِي مَرْكِبَةٍ وَحَمَلُوهُ مِنْ مَجَدُّو إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِهِ. فَجَاءَ عَامَّةُ الشَّعْبِ وَأخَذُوا يَهُوآحَازَ بْنَ يُوشِيَّا وَمَسَحُوهُ. وَنَصَّبُوهُ مَلِكًا بَدَلًا مِنْ أبِيهِ. كَانَ يَهُوآحَازُ فِي الثَّالِثَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ ثَلَاثَةَ شُهُورٍ فِي القُدْسِ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ حَمُوطَلَ بِنْتَ إرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. وَفَعَلَ يَهُوآحَازُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ ، وَسَارَ عَلَى نَهْجِ آبَائِهِ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، أسَرَهُ الفِرعَوْنُ نَخُو وَوَضَعَهُ فِي سِجنٍ فِي رِبلَةَ فِي أرْضِ حَمَاةَ. فَلَمْ يَقْدِرْ يَهُوآحَازُ أنْ يَحْكُمَ فِي القُدْسِ. وَفَرَضَ نَخُوُ جِزيَةً عَلَى يَهُوذَا مِقدَارُهَا مِئَةُ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ وَقِنْطَارٌ وَاحِدٌ مِنَ الذَّهَبِ. وَحَدَثَ أنَّ الفِرْعَوْنَ نَخُو نَصَّبَ ألِيَاقِيمَ بْنَ يُوشِيَّا مَلِكًا عِوَضًا عَنْ أبِيهِ يُوشِيَّا. وَغَيَّرَ اسْمَهُ إلَى يَهُويَاقِيمَ. وَأخَذَ نَخُو يَهُوآحَازَ إلَى مِصْرٍ حَيْثُ مَاتَ. وَدَفَعَ يَهُويَاقِيمُ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ لِلفِرْعَونِ. غَيْرَ أنَّهُ دَفَعَ هَذَا المَالَ مِنَ الضَّرَائِبِ الَّتِي فَرَضَهَا هُوَ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ. فَدَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ فِضَّةً أوْ ذَهَبًا حَسَبَ مُمْتَلَكَاتِهِ. وَأعْطَى يَهُويَاقِيمُ بِدَوْرِهِ هَذَا المَالَ إلَى الفِرْعَوْنِ نَخُو. كَانَ يَهُويَاقِيمُ فِي الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ إحْدَى عَشْرَة سَنَةً فِي القُدْسِ. وَأُمُّهُ زَبِيدَةُ بِنْتُ فِدَايةَ مِنْ رُومَةَ. وَفَعَلَ يَهُويَاقِيمُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَسَارَ عَلَى نَهْجِ آبَائِهِ. وَفِي زَمَنِ المَلِكِ يَهُويَاقِيمَ، جَاءَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ، مَلِكُ بَابِلَ، إلَى يَهُوذَا. فَأخضَعَ يَهُويَاقِيمَ الَّذِي صَارَ تَابِعًا لَهُ. لَكِنَّ يَهُويَاقِيمَ تَمَرَّدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَاسْتَقَلَّ عَنْهُ. فَأرْسَلَ اللهُ جَمَاعَاتٍ مِنَ البَابِلِيِّينَ وَالأرَامِيِّينَ وَالمُوآبِيِّينَ وَالعَمُّونِيِّينَ لِمُحَارَبَتِهِ، أرْسَلَهُمْ إلَى يَهُوذَا تَحْقِيقًا لِكَلَامِ اللهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى لِسَانِ خُدَّامِهِ الأنْبِيَاءِ. أمَرَ اللهُ بِأنْ يَحْدُثَ هَذَا لِيَهُوذَا حَتَّى يُبعِدَهُمْ عَنْ نَظَرِهِ عِقَابًا لَهُمْ عَلَى كُلِّ الخَطَايَا الَّتِي ارتَكَبَهَا مَنَسَّى. فَقَدْ قَتَلَ مَنَسَّى أبْرِيَاءَ كَثِيرِينَ وَأغْرَقَ القُدْسَ بِدَمِهِمْ. وَلَمْ يَشَأ اللهُ أنْ يَغْفِرَ هَذِهِ الخَطَايَا. وَكُلُّ الأُمُورِ الأُخرَى المُتَعَلِّقَةِ بِيَهُويَاقِيمَ وَأعْمَالِهِ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَمَاتَ يَهُويَاقِيمُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. فَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ يَهُويَاكِينُ. وَاسْتَوْلَى مَلِكُ بَابِلَ عَلَى كُلِّ الأرَاضِي الوَاقِعَةِ بَيْنَ نَهْرِ مِصْرٍ وَنَهْرِ الفُرَاتِ الَّتِي كَانَتْ وَاقِعَةً تَحْتَ سَيطَرَةِ مِصْرٍ. فَلَمْ يَعُدْ مَلِكُ مِصْرٍ قَادِرًا عَلَى الخُرُوجِ مِنْ مِصْرٍ لِشَنِّ حَمَلَاتٍ عَسْكَرِيَّةٍ. كَانَ يَهُويَاكِينُ فِي الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ ثَلَاثَةَ أشْهُرٍ فِي القُدْسِ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ نَحُوشْتَا بِنْتَ ألِنَاثَانَ مِنَ القُدْسِ. وَفَعَلَ يَهُويَاكينُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَسَارَ عَلَى نَهْجِ أبِيهِ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، جَاءَ قَادَةُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَحَاصَرُوهَا. ثُمَّ انضَمَّ إلَيْهِمْ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ الَّذِي جَاءَ إلَى المَدِينَةِ. فَخَرَجَ يَهُويَاكِينُ، مَلِكُ يَهُوذَا، لِمُحَارَبَةِ مَلِكِ بَابِلَ. خَرَجَ وَأُمُّهُ وَمَسْؤُولُوهُ وَقَادَتُهُ وَخُدَّامُهُ. فَأسَرَ مَلِكُ بَابِلَ يَهُويَاكِينَ. حَدَثَ هَذَا فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ حُكْمِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ. وَاسْتَوْلَى نَبُوخَذْنَاصَّرُ عَلَى كُلِّ الكُنُوزِ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ وَبَيْتِ المَلِكِ. وَكَسَّرَ كُلَّ الآنِيَةِ الَّتِي وَضَعَهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إسْرَائِيلَ فِي هَيْكَلِ اللهِ ، وَأخَذَ كُلَّ تِلْكَ الكُنُوزِ وَالآنِيَةِ مَعَهُ. حَدَثَ هَذَا تَتْمِيمًا لِكَلَامِ اللهِ . وَسَبَى نَبُوخَذْنَاصَّرُ كُلَّ أهْلِ القُدْسِ. سَبَى القَادَةَ وَالأقوِيَاءَ، فَكَانُوا عَشْرَةَ آلَافِ شَخْصٍ. أخَذَ كُلَّ العُمَّالِ وَالصُّنَّاعِ المَهَرَةِ. وَلَمْ يَبْقَ إلَّا فُقَرَاءُ العَامَّةِ. وَسَبَى أيْضًا يَهُويَاكينَ وَأُمَّهُ وَزَوْجَاتِهِ وَخُدَّامَهُ وَوُجَهَاءَ الأرْضِ. أخَذَهُمْ مِنَ القُدْسِ إلَى بَابِلَ أسْرى. وَكَانَ هُنَاكَ سَبْعَةُ آلَافِ جُندِيٍّ. فَأخَذَهُمْ كُلَّهُمْ بِالإضَافَةِ إلَى ألفٍ مِنَ العُمَّالِ وَالصُّنَّاعِ المَهَرَةِ. وَأخَذَ كُلَّ المُتَدَرِّبْينَ عَلَى القِتَالِ. سَبَى مَلِكُ بَابِلَ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ إلَى بَابِلَ. وَنَصَّبَ مَلِكُ بَابِلَ مَتَّنْيَا، عَمِّ يَهُويَاكِينَ، مَلِكًا بَدَلًا مِنْهُ. وَغَيَّرَ اسْمَهُ إلَى صِدْقِيَّا. وَكَانَ صِدْقِيَّا فِي الحَادِيَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ حَمِّيطَلَ بِنْتَ إرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. وَفَعَلَ صِدْقِيَّا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَسَارَ عَلَى نَهْجِ يَهُويَاكِينَ. فَغَضِبَ اللهُ عَلَى أهْلِ القُدْسِ وَيَهُوذَا، وَطَرَحَهُمْ بَعِيدًا عَنْهُ. وَتَمَرَّدَ صِدقِيَّا عَلَى مَلِكِ بَابِلَ. فَجَاءَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ، مَلِكُ بَابِلَ، وَكُلُّ جَيْشِهِ لِمُحَارَبَةِ القُدْسِ. وَحَاصَرَهَا وَبَنَى حَوْلَهَا أبْرَاجًا تُرَابِيَّةً. كَانَ هَذَا فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ العَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِحُكْمِ صِدْقِيَّا. فَحُوصِرَتِ القُدْسُ حَتَّى السَّنَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ صِدْقِيَّا لِيَهُوذَا. وَسَاءَتْ أحْوَالُ المَجَاعَةِ فِي المَدِينَةِ. وَقَبْلَ اليَوْمِ التَّاسِعِ مِنَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ نَفِدَ طَعَامُ عَامَّةِ الشَّعْبِ مِنَ المَدِينَةِ. وَتَمَّ خَرْقُ سُورِ المَدِينَةِ. فَهَرَبَ المَلِكُ صِدْقِيَّا وَكُلُّ جُنُودِهِ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ عَنْ طَرِيقِ بَابٍ سِرِّيٍّ فِي السُّورِ المُزدَوَجِ عَبْرَ بُسْتَانِ المَلِكِ، مَعَ أنَّ جُنُودَ العَدُوِّ كَانُوا يُحَاصِرُونَ المَدِينَةَ. فَهَرَبُوا بِاتِّجَاهِ وَادِي عَرَبَةَ. فَطَارَدَ الجَيْشُ البَابِلِيُّ المَلِكَ صِدْقِيَّا، وَأدرَكُوُهُ بِالقُرْبِ مِنْ سُهُولِ أرِيحَا. أمَّا جُنُودُ صِدْقِيَّا فَتَرَكُوهُ جَمِيعًا وَهَرَبُوا. فَأمسَكَ البَابِلِيُّونَ المَلِكَ صِدْقِيَّا وَاقتَادُوهُ إلَى مَلِكِ بَابِلَ فِي رِبلَةَ فِي أرْضِ حَمَاةَ حَيْثُ أعْلَنَ مَلِكُ بَابِلَ مَا صَدَرَ عَلَى صِدْقِيَّا مِنْ حُكْمٍ. فَقَتَلُوا أبْنَاءَ صِدْقِيَّا أمَامَ عَيْنَيْهِ، وَفَقَأُوا عَيْنَيْهِ. ثُمَّ قَيَّدُوهُ بِسِلسِلَتَيْنِ بُرُونزيَّتَيْنِ، وَأحضَرُوهُ إلَى بَابِلَ. وَجَاءَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ مِنَ الشَّهْرِ الخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِهِ لِبَابِلَ. وَجَاءَ مَعَهُ قَائِدُ الحَرَسِ الخَاصِّ، وَاسْمُهُ نَبُوزَرَادَانُ. فَأحْرَقَ نَبُوزَرَادَانُ بَيْتَ اللهِ ، وَبَيْتَ المَلِكِ، وَكُلَّ بُيُوتِ القُدْسِ، كَمَا أحْرَقَ بُيُوتَ الأغنِيَاءِ الفَخْمَةَ. ثُمَّ هَدَمَ الجَيْشُ البَابِلِيُّ تَحْتَ إمْرَةِ نَبُوزَرَادَانَ رَئِيسِ الحَرَسِ السُّورَ المُحِيطَ بِمَدِينَةِ القُدْسِ. وَسَاقَ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الحَرَسِ جَمِيعَ الَّذِينَ بَقِيُوا فِي المَدِينَةِ إلَى السَّبْيِ، حَتَّى جَمِيعَ الَّذِينَ فَرُّوا وَاسْتَسْلَمُوا لِمَلِكِ بَابِلَ، وَجَمِيعَ الشَّعْبِ. وَلَمْ يُبقِ رَئِيسُ الحَرَسِ فِي المَدِينَةِ إلَّا فُقَرَاءَ الكَرَّامِينَ وَالفَلَّاحِينَ لِيَهْتَمُّوا بِالأرْضِ. وَحَطَّمَ البَابِلِيُّونَ كُلَّ مَا هُوَ مَصْنُوعٌ مِنْ بُرُونْزٍ فِي بَيْتِ اللهِ . فَكَسَّرُوا الأعمِدَةَ البُرُونْزِيَّةَ، وَالعَرَبَاتِ البُرُونْزِيَّةِ، وَالخَزَّانَ البُرُونْزِيَّ الضَّخْمَ. وَنَهَبُوا أيْضًا القُدُورَ وَالمَجَارِفَ وَالمِقَصَّاتِ، وَالمَلَاعِقَ وَكُلَّ الآنِيَةِ البُرُونْزِيَّةِ الخَاصَّةِ بِخِدْمَةِ الهَيْكَلِ. وَأخَذَ نَبُوزَرَادَانُ أيْضًا كُلَّ المَجَامِرِ وَالطَّاسَاتِ. وَاسْتَوْلَى عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَصْنُوعٌ مِنْ ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ. كَانَ العَمُودَانِ وَالخَزَّانُ وَالعَرَبَاتُ قَدْ صَنَعَهَا سُلَيْمَانُ مِنَ البُرُونْزِ لِبَيْتِ اللهِ . فَكَانَ البُرُونزُ المَأخُوذُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الأشْيَاءِ أثقَلَ مِنْ أنْ يُوزَنَ! كَانَ ارتِفَاعُ العَمُودِ الوَاحِدِ ثَمَانِي عَشْرَةَ ذِرَاعًا. وَفَوقَ كُلِّ عَمُودٍ مِنهُمَا تَاجٌ برُونزِيٌّ ارتِفَاعُهُ ثَلَاثَ أذْرُعٍ. وَتُحيطُ بِكُلِّ تَاجٍ تَعريشَةٌ وَرُمَّانَاتٌ. كُلُّهَا مِنَ البُرونزِ. وَأخَذَ نَبُوزَرَادَانُ مِنَ الهَيْكَلِ رَئِيسَ الكَهَنَةِ سَرَايَا، وَالكَاهِنَ الثَّانِي صَفَنْيَا، وَحُرَّاسَ المَدخَلِ الثَّلَاثَةَ. وَمِنَ المَدِينَةِ، أخَذَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ قَائِدًا كَانَ مَسْؤُولًا عَنِ الجَيْشِ، وَخَمْسَةً مِنْ مُسْتَشَارِي المَلِكِ لَمْ يَهْرُبُوا مِنَ المَدِينَةِ، وَمُسَاعِدَ قَائِدِ الجَيْشِ – وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَختَارُ مِنْ بَيْنِ عَامَّةِ الشَّعْبِ جُنُودًا لِلجَيْشِ – وَسِتِّينَ شَخْصًا مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ حَدَثَ أنْ كَانُوا فِي المَدِينَةِ. أخَذَ نَبُوزَرَادَانُ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ إلَى مَلِكِ بَابِلَ فِي مَدِينَةِ رِبلَةَ. فَقَتَلَهُمُ مَلِكُ بَابِلَ فِي رِبلَةَ فِي مِنْطَقَةِ حَمَاةَ، وَسُبِيَ شَعْبُ يَهُوذَا مِنْ أرْضِهِمْ. غَيْرَ أنَّ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ أبْقَى قِسْمًا مِنَ الشَّعْبِ فِي أرْضِ يَهُوذَا. وَجَعَلَ جَدَلْيَا بْنَ أخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ. وَكَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا، وَيُوحَنَانُ بْنُ قَارِيحَ، وَسَرَايَا بْنُ تَنْحُومَثَ النَّطُوفَاتِيِّ، وَيَازَنْيَا بْنُ المَعكِيِّ قَادَةً لِجُيُوشِ يَهُوذَا. سَمِعَ هَؤُلَاءِ القَادَةُ وَرِجَالُهُمْ أنَّ مَلِكَ بَابِلَ عَيَّنَ جَدَلْيَا وَالِيًا. فَذَهَبُوا إلَى المِصْفَاةِ لِلِقَائِهِ. فَقَطَعَ جَدَلْيَا وَعدًا بِأنْ يُحَافِظَ عَلَى سَلَامَتِهِمْ وَسَلَامَةِ رِجَالِهِمْ. وَقَالَ لَهُمْ: «لَا تَخَافُوا مِنَ المَسؤُولِينَ البَابِلِيِّينَ. ابقُوا هُنَا وَكُونُوا مُوالِينَ لِمَلِكِ بَابِلَ، فَتَعِيشُوا فِي سَلَامٍ وَخَيرٍ.» وَكَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا بْنِ ألِيشَمَعَ مِنْ عَائِلَةِ المَلِكِ. فَجَاءَ فِي الشَّهْرِ الحَادِي عَشَرَ مَعَ عَشْرَةٍ مِنْ رِجَالِهِ وَهَاجَمُوا جَدَلْيَا، فَقَتَلُوهُ. وَقَتَلُوا أيْضًا جَمِيعَ اليَهُودِ وَالبَابِلِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ جَدَلْيَا فِي المِصْفَاةِ. ثُمَّ هَرَبَ قَادَةُ الجَيْشِ وَكُلُّ الشَّعْبِ إلَى مِصْرٍ. هَرَبُوا جَمِيعًا، مِنْ صِغَارِ الشَّأنِ إلَى كِبَارِهِ، فَقَدْ خَافُوا مِنْ عِقَابِ مَلِكِ بَابِلَ. وَفِيمَا بَعْدُ، صَارَ أوِيلُ مَرُودَخُ مَلِكًا عَلَى بَابِلَ، وَأطلَقَ سَرَاحَ يَهُويَاكِينَ مِنَ السِّجْنِ. حَدَثَ هَذَا فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ سَبْيِ يَهُويَاكِينَ. فَكَانَ هَذَا يُوافِقُ اليَوْمَ السَّابِعَ وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ لِتَوَلِّي أوِيلَ مَرُودَخَ حُكْمَهُ. وَأحسَنَ أوِيلُ مَرُودَخُ مُعَامَلَةَ يَهُويَاكِينَ. وَأعْطَاهُ مَكَانَةً أرفَعَ لِلجُلُوسِ مِنَ المُلُوكِ الآخَرِينَ الَّذِينَ مَعَهُ فِي بَابِلَ. فَخَلَعَ يَهُويَاكِينُ ثِيَابَ سِجنِهِ، وَأجلَسَهُ أوِيلُ مَرْدُوخُ عَلَى مَائِدَتِهِ. فَكَانَ يَأْكُلُ مَعَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى آخِرِ حَيَاتِهِ. وَهَكَذَا كَانَ أوِيلُ مَرُودَخُ يُعْطِي يَهُويَاكِينَ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ مِنْ طَعَامٍ يُومًا بِيَومٍ طِيلَةَ بَقِيَّةِ حَيَاتِهِ. آدَمُ أبُو شِيثَ أبُو أنُوشَ أبُو قِينَانَ أبُو مَهلَلْئِيلَ أبُو يَارِدَ أبُو أخنُوخَ أبُو مَتُوشَالَحَ أبُو لَامَكَ أبُو نُوحٍ أبُو سَامٍ وَحَامٍ وَيَافَثَ. أبْنَاءُ يَافَثَ هُمْ جُومَرُ وَمَاجُوجُ وَمَادَايُ وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ وَتِيرَاسُ. وَأبْنَاءُ جُومَرَ هُمْ أشْكَنَازُ وَرِيفَاثُ وَتُوجَرْمَةُ. وَأبْنَاءُ يَاوَانَ هُمْ ألِيشَةُ وَتَرْشِيشُ وَكِتِّيمُ وَدُودَانِيمُ. وَأبْنَاءُ حَامٍ هُمْ كُوشٌ وَمِصْرَايِمُ وَفُوطٌ وَكَنْعَانُ. وَأبْنَاءُ كُوشٍ هُمْ سَبَأٌ وَحَوِيلَةُ وَسَبْتَا وَرَعَمَا وَسَبْتَكَا. وَابْنَا رَعَمَا هُمَا شَبَا وَددَانُ. وَأنْجَبَ كُوشٌ نِمْرُودَ. وَكَانَ نِمْرُودُ أوَّلَ جَبَّارٍ عَلَى الأرْضِ. وَأنْجَبَ مِصْرَايِمُ بَنِي لُودٍ وَبَنِي عَنَامَ وَبَنِي لَهَابَ وَبَنِي نَفْتُوحَ وَبَنِي فَتْرُوسَ وَبَنِي كَسلُوحَ، الَّذِينَ خَرَجَ مِنْهُمُ الفِلِسْطِيُّونَ، وَبَنِي كَفْتُورَ. وَأنْجَبَ كَنْعَانُ ابْنَهُ البِكْرَ صِيدُونَ. وَهُوَ أبُو الحِثِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالجِرْجَاشِيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَالعَرْقِيِّينَ وَالسِّينِيِّينَ وَالأرْوَادِيِّينَ وَالصَّمَّارِيِّينَ وَالحَمَاثِيِّينَ. أبْنَاءُ سَامٍ هُمْ عِيلَامُ وَأشُّورُ وَأرْفَكْشَادُ وَلُودٌ وَأرَامُ وَعُوصٌ وَحُولٌ وَجَاثَرُ وَمَاشِكُ. وَأنْجَبَ أرفَكْشَادُ شَالَحَ، وَأنْجَبَ شَالَحُ عَابِرَ. وَوُلِدَ لِعَابِرَ ابْنَانِ، اسْمُ الأوَّلِ فَالَجُ لِأنَّ الأرْضَ قُسِمَتْ فِي أيَّامِهِ، وَاسْمُ أخِيهِ يَقْطَانُ. وَأنْجَبَ يَقْطَانُ ألْمُودَادَ وَشَالَفَ وَحَضْرَمَوْتَ وَيَارَحَ وَهَدُورَامَ وَأُوزَالَ وَدِقلَةَ وَعِيبَالَ وَأبِيمَايِلَ وَشَبَا وَأُوفِيرَ وَحَوِيلَةَ وَيُوبَابَ. كَانَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ نَسْلَ يَقْطَانَ. سَامٌ، أرْفَكْشَادُ، شَالَحُ، عَابِرُ، فَالَجُ، رَعُو، سَرُوجُ، نَاحُورُ، تَارَحُ، ثُمَّ أبْرَامُ – أيْ إبْرَاهِيمُ. ابْنَا إبْرَاهِيمَ: إسْحَاقُ وَإسْمَاعِيلُ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ: نَبَايُوتُ، وَهُوَ بِكْرُ إسْمَاعِيلَ، ثُمَّ قِيدَارُ وَأدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا وَحَدَدُ وَتَيمَاءُ وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ إسْمَاعِيلَ. وَأنْجَبَتْ قَطُورَةُ جَارِيَةُ إبْرَاهِيمَ زِمْرَانَ وَيَقْشَانَ وَمَدَانَ وَمِدْيَانَ وَيِشْبَاقَ وَشُوحًا. وَابْنَا يَقْشَانَ هُمَا شَبَا وَدَدَانُ. وأبْنَاءُ مِدْيَانَ هُمْ عِيفَةُ وَعِفْرٌ وَحَنَوْكُ وَأبِيدَاعُ وَألْدَعَةُ. هَؤُلَاءِ هُمْ نَسْلُ قَطُورَةَ. أنْجَبَ إبْرَاهِيمُ إسْحَاقَ. وَابْنَا إسْحَاقَ: عِيسُو وَإسْرَائِيلُ. أبْنَاءُ عِيسُو هُمْ ألِيفَازُ وَرَعُوئِيلُ وَيَعُوشُ وَيَعلَامُ وَقُورَحُ. وَأبْنَاءُ ألِيفَازَ هُمْ تَيمَانُ وَأُومَارُ وَصَفِي وَجَعْثَامُ وَقِنَازُ وَتِمْنَاعُ وَعَمَالِيقُ. وَأبْنَاءُ رَعُوئِيلَ هُمْ نَحْثٌ وَزَارَحُ وَشَمَّةُ وَمِزَّةُ. أبْنَاءُ سَعِيرَ هُمْ لُوطَانُ وَشُوبَالُ وَصِبْعُونُ وَعَنَى وَدِيشُونُ وَإيصَرُ وَدِيشَانُ. وَابْنَا لُوطَانَ هُمَا حُورِيُّ وَهُومَامُ. وَأُختُ لُوطَانَ تِمْنَاعُ. أبْنَاءُ شُوبَالَ هُمْ عَلْيَانُ وَمَنَاحَةُ وَعِيبَالُ وَشَفِي وَأُونَامُ. وَابْنَا صِبْعُونَ هُمَا أيَّةُ وَعَنَى. وَابْنُ عَنَى: دِيشُونُ. وَأبْنَاءُ دِيشُونَ هُمْ حَمْرَانُ وَأشْبَانُ وَيِثْرَانُ وَكَرَانُ. وَأبْنَاءُ إيصَرَ هُمْ بِلْهَانُ وَزَعْوَانُ وَيَعْقَانُ. وَابْنَا دِيشَانَ هُمَا عُوصٌ وَأرَانُ. هَذِهِ أسْمَاءُ المُلُوكِ الَّذِينَ حَكَمُوا فِي أرْضِ أدُومَ قَبْلَ أنْ يَمْلُكَ أحَدٌ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ: بَالِعُ بْنُ بَعُورَ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُ تُدعى دِنْهَابَةُ. وَمَاتَ بَالِعُ، فَخَلَفَهُ يُوبَابُ بْنُ زَارَحَ مِنْ بُصْرَةَ. وَمَاتَ يُوبَابُ، فَخَلَفَهُ حُوشَامُ الَّذِي مِنْ أرْضِ التَّيمَانِيِّينَ. وَمَاتَ حُوشَامُ، فَخَلَفَهُ هَدَدُ بْنُ بَدَدٍ الَّذِي هَزَمَ مِدْيَانَ فِي بِلَادِ مُوآبَ، وَكَانَتْ مَدِينَتُهُ تُدْعَى عَوِيتُ. وَمَاتَ هَدَدُ، فَخَلَفَهُ سِملَةُ مِنْ مَسْرِيقَةَ. وَمَاتَ سِملَةُ، فَخَلَفَهُ شَاوُلُ مِنْ رَحُوبُوتَ قُرْبَ نَهْرِ الفُرَاتِ. وَمَاتَ شَاوُلُ، فَخَلَفَهُ بَعلُ حَانَانَ بْنُ عَكْبُورَ. وَمَاتَ بَعلُ حَانَانَ، فَخَلَفَهُ هَدَدُ، وَكَانَتْ مَدِينَتُهُ تُدعَى فَاعِي، وَكَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ مَهِيطَبْئِيلَ بِنْتَ مَطْرِدَ، بِنْتَ مَاءِ الذَّهَبِ. وَمَاتَ هَدَدُ. أمَّا قَبَائِلُ أدُومَ فَهِيَ تِمْنَاعُ وَعَلْوَةُ وَيَتِيتُ وَأهُولِيبَامَةُ وَأيلَةُ وَفِينُونُ وَقِنَازُ وَتَيمَانُ وَمِبْصَارُ وَمَجْدِيئِيلُ وَعِيرَامُ. هَذِهِ هِيَ قَبَائِلُ أدُومَ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ إسْرَائِيلَ: رَأُوبَينُ وَشَمْعُونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ وَدَانٌ وَيُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ وَنَفْتَالِي وَجَادٌ وَأشِيرُ. أبْنَاءُ يَهُوذَا: عَيرٌ وَأُونَانُ وَشَيلَةُ. وُلِدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنْ بِنتِ شُوعٍ، المَرْأةِ الكَنْعَانِيَّةِ. وَعَمِلَ عِيرٌ بِكْرُ يَهُوذَا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ ، فَأمَاتَهُ اللهُ . وَأنْجَبَتْ ثَامَارُ، كَنَّةُ يَهُوذَا، لَهُ فَارَصَ وَزَارَحَ. وَكَانَ مَجْمُوعُ أبْنَاءِ يَهُوذَا خَمْسَةً. ابْنَا فَارَصَ هُمَا حَصْرُونُ وَحَامُولُ. وَأبْنَاءُ زَارَحَ هُمْ زِمْرِي وَإيثَانُ وَهَيمَانُ وَكَلْكُولُ وَدَارَعُ، وَمَجْمُوعُهُمْ خَمْسَةٌ. وَعَخَانُ بْنُ كَرْمِي الَّذِي جَلَبَ المَتَاعِبَ لِإسْرَائِيلَ عِنْدَمَا احتَفَظَ بِأشْيَاءَ كَانَ يُفْتَرَضُ بِأنْ تُبَادَ كُلِّيًّا كَتَقْدِمَةٍ للهِ. وَابْنُ إيثَانَ عَزَرْيَا. أبْنَاءُ حَصْرُونَ هُمْ يَرْحَمْئِيلُ وَرَامٌ وَكَلُوبَايُ. أنْجَبَ رَامٌ عَمِّينَادَابَ. وَأنْجَبَ عَمِّينَادَابُ نَحْشُونَ، قَائِدَ شَعْبِ يَهُوذَا. وَأنْجَبَ نَحْشُونُ سَلْمُو، وَأنْجَبَ سَلْمُو بُوعَزَ. وَأنْجَبَ بُوعَزُ عُوبِيدَ. وَأنْجَبَ عُوبِيدُ يَسَّى. وَأنْجَبَ يَسَّى بِكْرَهُ ألِيآبَ، وَابْنَهُ الثَّانِي أبِينَادَابَ، وَابْنَهُ الثَّالِثَ شِمْعَى، وَابْنَهُ الرَّابِعَ نَثْنَئِيلَ، وَابْنَهُ الخَامِسَ رَدَّايَ، وَابْنَهُ السَّادِسَ أُوصَمَ، وَابْنَهُ السَّابِعَ دَاوُدَ، وَأُختَيْهِمْ صُرُوِيَّةَ وَأبِيجَايِلَ. وَأبْنَاءُ صُرُوِيَّةَ: أبْشَايُ، وَيُوآبُ، وَعَسَائِيلُ، وَمَجْمُوعُهُمْ ثَلَاثَةٌ. وَأنْجَبَتْ أبِيجَايِلُ عَمَاسَا مِنْ يَثَرَ الإسْمَاعِيلِيِّ. وَأنْجَبَ كَالَبُ بْنُ حَصْرُونَ يَرِيعُوثَ مِنْ زَوْجَتِهِ عَزُوبَةَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاؤُهَا: يَاشَرُ، وَشُوبَابُ، وَأردُونُ. وَلَمَّا مَاتَتْ عَزُوبَةُ، تَزَوَّجَ كَالَبُ أفْرَاتَ، فَوَلَدَتْ لَهُ حُورًا. وَأنْجَبَ حُورٌ أُورِيَ. وَأنْجَبَ أُورِيُ بَصَلْئِيلَ. ثُمَّ تَزَوَّجَ حَصْرُونُ بِنْتَ مَاكِيرَ، أبِي جِلْعَادَ – وَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ فِي السِّتِّينَ مِنْ عُمْرِهِ – فَوَلَدَتْ لَهُ سَجُوبَ. وَأنْجَبَ سَجُوبُ يَائِيرَ. وَقَدْ حَكَمَ يَائِيرُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ مَدِينَةً فِي أرْضِ جِلْعَادَ. لَكِنَّ جَشُورَ وَأرَامَ أخَذَا مِنْهَا قُرَى يَائِيرَ مَعَ قَنَاةَ وَالقُرَى التَّابِعَةِ لَهَا، وَمَجْمُوعُهَا سِتُّونَ. كَانَتْ كُلُّ هَذِهِ البَلْدَاتِ لِمَاكِيرَ وَالِدِ جِلْعَادَ. وَبَعْدَ أنْ مَاتَ حَصْرُونُ، عَاشَرَ كَالَبُ أفْرَاتَةَ، فَأنْجَبَتْ لَهُ أشْحُورَ مُؤسِّسَ مَدِينَةِ تَقُوعَ. أمَّا أبْنَاءُ يَرْحَمْئِيلَ بِكْرِ حَصْرُونَ فَهُمْ رَامٌ البِكْرُ، وَبُونَةُ وَأوْرَنُ وَأُوصَمُ وَأخِيَّا. وَكَانَ لِيَرْحَمْئِيلَ زَوْجَةٌ أُخْرَى اسْمُهَا عَطَارَةُ، وَهِيَ أُمُّ أُونَامَ. وَأبْنَاءُ رَامٍ بِكْرِ يَرْحَمْئِيلَ، مَعَصٌ وَيَمِينُ، وَعَاقَرُ. ابْنَا أُونَامَ شَمَّايُ وَيَادَاعُ. ابْنَا شَمَّايَ نَادَابُ وَأبِيشُورُ. وَكَانَتْ أبِيحَايِلُ زَوْجَةَ أبِيشُورَ، وَأنْجَبَتْ مِنْهُ أحْبَانَ وَمُولِيدَ. ابْنَا نَادَابَ سَلَدُ وَأفَّايِمُ. وَمَاتَ سَلَدُ مِنْ دونِ أوْلَادٍ. وَأنْجَبَ أفَّايِمُ يَشْعِي. وَأنْجَبَ يَشْعِي شِيشَانَ. وَأنْجَبَ شِيشَانُ أحلَايَ. وَأنْجَبَ يَادَاعُ أخُو شَمَّايَ: يَثَرَ وَيُونَاثَانَ. وَمَاتَ يَثَرُ مِنْ دونِ أوْلَادٍ. وَأنْجَبَ يُونَاثَانُ فَالَتَ وَزَازَا. كَانَ هَؤُلَاءِ أبْنَاءَ يَرْحَمئِيلَ. وَلَمْ يُنْجِبْ شِيشَانُ أبْنَاءً بَلْ بَنَاتٍ فَقَطْ. وَكَانَ لَدَيهِ عَبْدٌ مِصْرِيٌّ اسْمُهُ يَرْحَعُ. فَزَوَّجَ شِيشَانُ ابْنَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ يَرْحَعَ، فَأنْجَبَتْ لَهُ عَتَّايَ. وَأنْجَبَ عَتَّايُ نَاثَانَ. وَأنْجَبَ نَاثَانُ زَابَادَ. وَأنْجَبَ زَابَادُ أفلَالَ، وَأنْجَبَ أفلَالُ عُوبِيدَ. وَأنْجَبَ عُوبِيدُ يَاهُو، وَأنْجَبَ يَاهُو عَزَرْيَا. وَأنْجَبَ عَزَرْيَا حَالَصَ، وَأنْجَبَ حَالَصُ إلْعَاسَةَ. وَأنْجَبَ إلْعَاسَةُ سِسَمَايَ، وَأنْجَبَ سِسَمَايُ شَلُّومَ. وَأنْجَبَ شَلُّومُ يَقَمْيَةَ، وَأنْجَبَ يَقَمْيَةُ ألِيشَمَعَ. وَأنْجَبَ كَالَبُ أخُو يَرْحَمْئِيلَ بِكْرَهُ مِيشَاعَ أبَا زِيفٍ. كَمَا أنْجَبَ كَالَبُ مَرِيشَةَ أبَا حَبْرُون. وَأبْنَاءُ حَبْرُونَ هُمْ قُورَحُ وَتَفُّوحُ وَرَاقَمُ وَشَامَعُ. وَأنْجَبَ شَامِعُ رَاقَمَ أبَا يَرْقَعَامَ. وَأنْجَبَ رَاقَمُ شَمَّايَ. وَأنْجَبَ شَمَّايُ مَعُونَ مُؤسِّسَ مَدِينَةِ بَيْتِ صُورٍ. وَأنْجَبَتْ عِيفَةُ جَارِيَةُ كَالَبَ حَارَانَ وَمُوصَا وَجَازِيزَ. وَأنْجَبَ حَارَانُ جَازِيزَ. أبْنَاءُ يَهْدَايَ: رَجَمُ وَيُوثَامُ وَجِيشَانُ وَفَلَطُ وَعِيفَةُ وَشَاعَفُ. وَأنْجَبَتْ مَعْكَةُ جَارِيَةُ كَالَبَ شَبَرَ وَتَرْحَنَةَ. وَأنْجَبَتْ أيْضًا شَاعَفَ أبَا مَدْمَنَّةَ، وَأنْجَبَتْ شَوَا مُؤسِّسَ مَدِينَتَيْ مَكْبِينَا وَجَبَعَا. وَعَكْسَةُ هِيَ بِنْتُ كَالَبَ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ كَالَبَ. أبْنَاءُ حُورٍ بِكْرِ أفْرَاتَةَ هُمْ شُوبَالُ، مُؤسِّسُ مَدِينَةِ قِرْيَاتَ يَعَارِيمَ. وَسَلْمَا مُؤسِّسُ مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ. وَحَارِيفُ مُؤسِّسُ مَدِينَةِ بَيْتِ جَادِيرَ. وَكَانَ لِشُوبَالَ، مُؤسِّسِ مَدِينَةِ قِرْيَاتَ يَعَارِيمَ، نَسْلٌ مِنْهُمْ هَرُواهُ وَنِصْفُ المَنُوحِيِّينَ وَعَشَائِرُ قِرْيَاتَ يَعَارِيمَ: اليَثْرِيُّونَ وَالفُوتِيُّونَ وَالشُّمَاتِيُّونَ وَالمِشْرَاعِيُّونَ. وَانحَدَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ الصَّرْعِيُّونَ وَالأشْتَأُولِيُّونَ. أبْنَاءُ سَلْمَا: أهْلُ بَيْتِ لَحْمٍ وَالنَّطُوفَاتِيُّونَ وَعَطْرُوتُ بَيْتَ يُوآبَ وَالصَّرْتِيُّونَ وَنِصْفُ المَنُوحِيّينَ الآخَرُ. وَعَشَائِرُ الكَتَبَةِ السَّاكِنِينَ فِي يَعْبِيصَ: التَّرْعَاتِيُّونَ وَالشِّمْعَاتِيُّونَ وَالسُّوكَاتِيُّونَ. هَؤُلَاءِ هُمُ القَينِيُّونَ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ حَمَّةَ، مُؤسِّسِ مَدِينَةِ بَيْتِ رَكَابَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ دَاوُدَ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي حَبْرُون: أمْنُونُ البِكْرُ، الَّذِي وَلَدَتْهُ أخِينُوعَمُ اليَزْرِعِيلِيَّةُ، وَالثَّانِي دَانِيئِيلُ، الَّذِي وَلَدَتْهُ أبِيجَايِلُ الكَرْمِلِيَّةُ، وَالثَّالِثُ أبْشَالُومُ، الَّذِي وَلَدَتْهُ مَعْكَةُ بِنْتُ تِلْمَايَ مَلِكِ جَشُورَ، وَالرَّابِعُ أدُونِيَّا، الَّذِي وَلَدَتْهُ حَجِّيثُ، وَالخَامِسُ شَفَطْيَا، الَّذِي وَلَدَتْهُ أبِيطَالُ، وَالسَّادِسُ يَثَرْعَامُ الَّذِي وَلَدَتْهُ عَجلَةُ. وَقَدْ وُلِدَ لَهُ سِتَّةُ أبْنَاءٍ فِي حَبْرُونَ، حَيْثُ حَكَمَ مَلِكًا سِتَّ سَنَوَاتٍ وَسِتَّةَ أشْهُرٍ. ثُمَّ حَكَمَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَفِي القُدْسِ وُلِدَ لَهُ شِمْعَى وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيمَانُ. وُلِدَ هَؤُلَاءِ الأرْبَعَةُ مِنْ بَثْشَبَعَ بِنتِ عَمِّيئِيلَ. وَأيْضًا يِبْحَارُ وَألِيشَامَعُ وَألِيفَاطُ وَنُوجَهُ وَنَافَجُ وَيَافِيعُ وَألِيشَمَعُ وَألِيَادَاعُ وَألِيفَلَطُ، وَمَجْمُوعُهُمْ تِسْعَةٌ. هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أبْنَاءُ دَاوُدَ مَا عَدَا بَنِيهِ الآخَرِينَ مِنَ الجَوَارِي، وَكَانَتْ لَهُمْ أُختٌ اسْمُهَا ثَامَارُ. وَرَحُبْعَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ. وَابْنَاؤهُ أبِيَّا وَآسَا وَيَهُوشَافَاطُ وَيُورَامُ وَأخَزْيَا وَيُوآشُ وَأمَصْيَا وَعَزَرْيَا وَيُوثَامُ وَآحَازُ وَحَزَقِيَّا وَمَنَسَّى وَآمُونُ وَيُوشِيَّا. أبْنَاءُ يُوشِيَّا هُمُ البِكْرُ يُوحَانَانُ، وَالثَّانِي يَهُويَاقِيمُ، وَالثَّالِثُ صِدْقِيَّا، وَالرَّابِعُ شَلُّومُ. وَابْنَا يَهُويَاقِيمَ: يَكُنْيَا وَصِدْقِيَّا. أبْنَاءُ يَكُنْيَا المَسْبِيِّ هُمْ شَألْتِئِيلُ وَمَلْكِيرَامُ وَفَدَايَا وَشِنْأصَّرُ وَيَقَمْيَا وَهُوشَامَاعُ وَنَدَبْيَا. وَابْنَا فَدَايَا هُمَا زَرُبَّابِلُ وَشِمْعَى. وَابْنَا زَرُبَّابِلَ هُمْ مَشُلَّامُ وَحَنَنْيَا وَشَلُومِيَةُ أخْتُهُمَا. وَخَمْسَةٌ آخَرُونَ هُمْ حَشُوبَةُ وَأُوهَلُ وَبَرَخْيَا وَحَسَدْيَا وَيُوشَبُ حَسَدُ. وَلِحَنَنْيَا ابْنُهُ فَلَطْيَا، وَابْنُهُ يِشْعِيَا، وَابْنُهُ رفَايَا، وَابْنُهُ أُرْنَانُ، وَابْنُهُ عُوبَدْيَا، وَابْنُهُ شَكَنْيَا. فَابْنُ شَكَنْيَا هُوَ شِمْعِيَا، وَأبْنَاءُ شِمْعِيَا هُمْ حَطُّوشُ وَيَجْآلُ وَبَارِيحُ وَنَعَرْيَا وَشَافَاطُ، وَمَجْمُوعُهُمْ سِتَّةٌ. وَأبْنَاءُ نَعَرْيَا هُمْ ألْيُوعِينِيُّ وَحَزَقِيَّا وَعَزْرِيقَامُ، وَمَجْمُوعُهُمْ ثَلَاثَةٌ. وَأبْنَاءُ ألْيُوعِينِيَّ هُمْ هُودَايَاهُو وَألْيَاشِيبُ وَفَلَايَا وَعَقُّوبُ وَيُوحَانَانُ وَدَلَايَا وَعَنَانِي، وَمَجْمُوعُهُمْ سَبْعَةٌ. أبْنَاءُ يَهُوذَا هُمْ فَارَصُ وَحَصْرُونُ وَكَرْمِي وَحُورٌ وشُوبَالُ. وَأنْجَبَ رَآيَا بْنُ شُوبَالَ يَحَثًا، وَأنْجَبَ يَحَثٌ أخُومَايَ وَلَاهَدَ. كَانَ هَؤُلَاءِ عَشَائِرَ الصَّرْعِيِّينَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ آبَاءُ عِيطَمَ: يَزْرَعِيلُ وَيَشْمَا وَيَدْبَاشُ، وَكَانَتْ لَهُمْ أُختٌ اسْمُهَا هَصَّلَلْفُونِي. وكَانَ فَنُوئِيلُ أبَا جَدُورَ، وَعَازَرُ أبَا حُوشَةَ. كَانَ هَؤُلَاءِ أبْنَاءَ حُورٍ، بِكْرِ أفْرَاتَةَ، وَمُؤسِّسِ مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ. وَكَانَ لِأشْحُورَ، مُؤسِّسِ مَدِينَةِ تَقُوعَ، زَوْجَتَانِ هُمَا حَلَاةُ وَنَعْرَةُ. وَأنْجَبَتْ لَهُ نَعْرَةُ أخُزَّامَ وَحَافَرَ وَتِمْنَايَ وَأخَشْتَارِي. كَانَ هَؤُلَاءِ أبْنَاءَ نَعْرَةَ. أمَّا أبْنَاءُ حَلَاةَ فهُمْ صَرَثُ وَصُوحَرُ وَأثْنَانُ وَقُوصٌ. وَأنْجَبَ قُوصٌ عَانُوبَ وَهَصُوبِيبَةَ، وَعَشَائِرَ أخَرْحِيلَ بْنِ هَارُمَ. وَكَانَ يَعْبِيصُ ذَا كَرَامَةٍ أكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ إخْوَتِهِ. وَقَدْ سَمَّتْهُ أُمُّهُ «يَعْبِيصَ» إذْ قَالَتْ: «لِأنِّي تَألَّمْتُ وَأنَا ألِدُهُ.» وَصَلَّى يَعْبِيصُ إلَى إلَهِ إسْرَائِيلَ وَقَالَ: «لَيتَكَ تُبَارِكُنِي، وَتُوَسِّعُ حُدُودِي. وَتَظَلُّ يَدُكَ مَعِي، تُبعِدُنِي عَنِ الشَّرَّ، حَتَّى لَا يُؤذِيَنِي.» فَأعطَاهُ اللهُ مَا طَلَبَهُ. وَأنْجَبَ كَلُوبُ، أخُو شُوحَةَ، مَحِيرَ أبَا أشْتُونَ. وَأنْجَبَ أشْتُونُ بَيْتَ رَافَا وَفَاسِحَ وَتَحِنَّةَ مُؤسِّسَ مَدِينَةِ نَاحَاشَ. كَانَ هَؤُلَاءِ أهْلَ رَيكَةَ. وَابْنَا قَنَازَ هُمَا عُثْنِيئِيلُ وَسَرَايَا. وَابْنَا عُثْنِيئِيلَ هُمَا حَثَاثُ وَمَعُونُوثَايُ. وَأنْجَبَ مَعُونُوثَايُ عَفْرَةَ. وَأنْجَبَ سَرَايَا يُوآبَ، مُؤسِّسَ مَدِينَةِ جِي حَرَاشِيمَ. سُمِّيَتْ كَذَلِكَ لِأنَّ أهْلَهَا حِرَفِيُّونَ مَاهِرُونَ. أبْنَاءُ كَالَبَ بْنِ يَفُنَّةَ هُمْ عِيرُو وَأيلَةُ وَنَاعِمُ. وَأنْجَبَ أيلةُ قَنَازَ. أبْنَاءُ يَهْلَلْئِيلَ هُمْ زِيفٌ وَزِيفَةُ وَتِيرِيَّا وَأسَرْئِيلُ. أبْنَاءُ عَزْرَةَ هُمْ يَثَرُ وَمَرَدُ وَعَافِرُ وَيَالُونُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ بِثْيَةَ المِصْرِيَّةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا مَرَدُ. وَحَبِلَتْ بِثْيَةُ وَأنْجَبَتْ لِمَرَدَ مَرْيَمَ وَشَمَّايَ وَيِشْبَحَ، مُؤسِّسَ مَدِينَةِ أشْتَمُوعَ. وَأنْجَبَتِ امْرَأتُهُ الَّتِي مِنْ يَهُوذَا يَارِدَ، مُؤسِّسَ مَدِينَةِ جَدُورَ، وَحَابِرَ، مُؤسِّسَ مَدِينَةِ سُوكُو، وَيَقُوثِيئِيلَ، مُؤسِّسَ مَدِينَةِ زَانُوحَ. وَابْنَا مَرَدَ مِنْ زَوْجَتِهِ الَّتِي مِنْ يَهُوذَا، أُختِ نَحَمَ، هُمَا أبُو قَعِيلَةَ الجَرْمِيُّ وَأشْتَمُوعُ المَعْكِيُّ. وَأبْنَاءُ شِيمُونَ هُمْ أمنُونُ وَرِنَّةُ بْنُ حَانَانَ وَتَيْلُونُ. وَابْنَا يَشْعِي هُمَا زُوحَيتُ وَبَنْزُوحَيتُ. أبْنَاءُ شِيلَةَ ابْنِ يَهُوذَا: عِيرٌ مُؤسِّسُ مَدِينَةِ لَيكَةَ، وَلَعْدَةُ مُؤسِّسُ مَدِينَةِ مَرِيشَةَ، وَعَشَائِرُ عُمَّالِ الكِتَّانِ فِي بَيْتِ أشْبِيعَ، وَيُوقِيمُ، وَأهْلُ كَزِيبَا وَيُوآشُ وَسَارَافُ الَّذِينَ كَانُوا حُكَّامَ مُوآبَ وَعَادُوا إلَى بَيْتِ لَحْمٍ. وَهَذِهِ السِّجِلَّاتُ مَعْرُوفَةٌ مُنْذُ القَدِيمِ. كَانَ هؤلَاءِ الخَزَّافِينَ سُكَّانَ نَتَاعِيمَ وَجَدِيرَةَ. سَكَنُوا هُنَاكَ مَعَ المَلِكِ لِيَشْتَغِلُوا عِنْدَهُ. أبْنَاءُ شِمْعُونَ: نَمُوئِيلُ وَيَامِينُ وَيَرِيبُ، وَزَارَحُ، وَشَاوُلُ. وَكَانَ شَلُّومُ ابْنَ شَاوُلَ، وَابْنُهُ مِبْسَامُ، وَابْنُهُ مِشْمَاعُ. أبْنَاءُ مِشْمَاعَ: ابْنُهُ حَمُوئِيلُ، وَابْنُهُ زَكُّورُ، وَابْنُهُ شِمْعَى. وَكَانَ لِشِمْعَى سِتَّةَ عَشَرَ ابْنًا وَسِتَّ بَنَاتٍ، وَلَكِنَّ إخْوَتَه لَمْ يُنْجِبُوا أبْنَاءً كَثِيرِينَ. فَلَمْ يَكْثُرُوا بِعَدَدِ أهْلِ يَهُوذَا. وَسَكَنُوا فِي بِئْرِ السَّبْعِ وَمُولَادَةَ وَحَصْرِ شُوعَالَ وَبِلْهَةَ وَعَاصِمَ وَتُولَادَ وَبَتُوئِيلَ وَحُرْمَةَ وَصِقلَغَ وَبَيْتَ مَرْكَبُوتَ وَحَصْرَ سُوسِيمَ وَبَيْتَ بِرْئِي وَشَعَرَايِمَ. كَانَتْ هَذِهِ مَدَنَهَمْ إلَى أنْ صَارَ دَاوُدُ مَلِكًا. وَكَانَتْ قُرَاهُمْ عِيطَمَ وَعَيْنًا وَرِمُّونَ وَتُوكَنَ وَعَاشَانَ. وَمَجْمُوعُهَا خَمْسُ مُدُنٍ. فَضلًا عَنْ كُلِّ قُرَاهُمُ المُحِيطَةِ بِهَذِهِ المُدُنِ إلَى بَعلٍ. كَانَتْ هَذِهِ أمَاكِنَ إقَامَتِهِمْ، وَقَدِ احتَفَظُوا بِسِجِلِّ أنْسَابٍ. مَشُوبَابُ وَيَمْلِيكُ وَيُوشَا بْنُ أمَصْيَا. وَيُوئِيلُ وَيَاهُو بْنُ يُوشِيَّا بْنِ سَرَايَا بْنِ عَسِيئِيلَ وَألِيُوعِينَايُ وَيَعْقُوبَا وَيَشُوحَايَا وَعَسَايَا وَعَدِيئِيلُ وَيَسِيمِيئِيلُ وَبَنَايَا وَزِيزَا بْنُ شِفْعِي بْنِ ألُّونَ بْنِ يَدَايَا بْنِ شِمْرِي بْنِ شَمَعْيَا. وَكَانَ هَؤُلَاءِ المُدرَجُونَ حَسَبَ أسْمَائِهِمْ قَادَةً فِي عَشَائِرِهِمْ. وَقَدْ نَمَتْ عَائِلَاتُهُمْ فَصَارَتْ كَبِيرَةً جِدًّا. فَذَهَبُوا إلَى المِنْطَقَةِ المُجَاوِرَةِ لِمَدِينَةِ جَدُورَ إلَى الشَّرْقِ مِنَ الوَادِي سَعْيًا إلَى مَرَاعٍ لِمَوَاشِيهِمْ. فَوَجَدُوا مَرعَى خَصْبًا، وَكَانَتِ الأرْضُ فَسِيحَةً وَهَادِئَةً وَمُسَالِمَةً، لِأنَّ الَّذِينَ سَكَنُوا هُنَاكَ مِنْ قَبْلُ كَانُوا مِنْ نَسْلِ حَامٍ. أمَّا الَّذِينَ ذُكِرَتْ أسْمَاؤهُمْ فَجَاءُوا فِي عَهْدِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. وَدَمَّرُوا خِيَامَ الحَامِيِّينَ وَالمَعُونِيِّينَ الَّذِينَ هُنَاكَ، وَأبَادُوهُمْ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ إلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَاسْتَقَرُّوا فِي مَكَانِهِمْ، لِأنَّهُ كَانَتْ هُنَاكَ مَرَاعٍ لِمَوَاشِيهِمْ. وَذَهَبَ بَعْضُ الشِّمْعُونِيِّينَ إلَى مِنْطَقَةِ سَعِيرَ الجَبَلِيَّةِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ خَمْسَ مِئَةِ رَجُلٍ تَحْتَ قِيَادَةِ فَلَطْيَا وَنَعَرْيَا وَرَفَايَا وَعُزِّيئِيلَ، أبْنَاءِ شِمْعَى. فَقَضَى هَؤُلَاءِ عَلَى بَقِيَّةِ بَنِي عَمَالِيقَ الَّذِينَ نَجَوْا. وَسَكَنَ الشِّمْعُونِيُّونَ هُنَاكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا. أبْنَاءُ رَأُوبَيْنَ بِكْرِ إسْرَائِيلَ. كَانَ البِكْرَ فِعلًا، لَكِنَّهُ عَاشَرَ زَوْجَةَ أبِيهِ، فَنُقِلَتْ حُقُوقُهُ كَبِكْرٍ إلَى أبْنَاءِ يُوسُفَ ابْنِ إسْرَائِيلَ. أمَّا رَأُوبَينُ فَلَمْ يُسَجَّلْ فِي سِجِلِّ الأنْسَابِ بِكْرًا. وَمَعَ أنَّ يَهُوذَا كَانَ الأقْوَى فِي إخْوَتِهِ، وَجَاءَ مِنْهُ الحَاكِمُ، إلَّا أنَّ حُقُوقَ الِابْنِ البِكْرِ كَانَتْ مِنْ نَصِيبِ يُوسُفَ. أبْنَاءُ رَأُوبَيْنَ بِكْرِ إسْرَائِيلَ هُمْ حَنُوكُ وَفَلُّو وَحَصْرُونُ وَكَرْمِي. أبْنَاءُ يُوئِيلَ: ابْنُهُ شَمْعِيَا، وَابْنُ شَمْعِيَا جُوجٌ، وَابْنُ جُوجٍ شِمْعَى، وَابْنُ شِمْعَى مِيخَا، وَابْنُ مِيخَا رَآيَا، وَابْنُ رَآيَا بَعلٌ، وَابْنُ بَعلٍ بَئِيرَةَ الَّذِي سَبَاهُ تَغْلَثُ فَلَاسَرُ مَلِكُ أشُّورَ. وَكَانَ بَئِيرَةُ رَئِيسَ الرَأُوبَيْنِيِّينَ. وَأقْرِبَاءُ يُوئِيلَ حَسَبَ العَشَائِرِ، كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي سِجِلَّاتِ الأنْسَابِ: زَعِيمُهُمْ يَعِيئِيلُ، وَزَكَرِيَّا، وَبَالَعُ بْنُ عَزَازَ بْنِ شَامِعَ بْنِ يُوئِيلَ. وَسَكَنَتْ قَبِيلَةُ رَأُوبَيْنَ فِي عَرُوعِيرَ إلَى نَبُو وَبَعلِ مَعُونَ. وَسَكَنُوا مَنَاطِقَ شَرقِيَّةً امْتَدَّتْ إلَى أوَّلِ البَرِّيَّةِ الَّتِي تَصِلُ إلَى نَهْرِ الفُرَاتِ، لِأنَّ مَوَاشِيَهُمْ تَزَايَدَتْ فِي أرْضِ جِلْعَادَ. وَفِي عَهْدِ شَاوُلَ حَارَبُوا الهَاجَرِيِّينَ وَهَزَمُوهُمْ، وَاحتَلُّوا خِيَامَهُمْ فِي كُلِّ المِنْطَقَةِ الوَاقِعَةِ شَرْقِيَّ جِلْعَادَ. وَسَكَنَ بَنُو جَادٍ إلَى جِوَارِهِمْ فِي أرْضِ بَاشَانَ إلَى سَلْخَةَ. كَانَ يُوئِيلُ زَعِيمَهُمْ، وَشَافَاطُ ثَانِيًا بَعْدَهُ. وَكَانَ يَعْنَايُ القَاضِي وَشَافَاطُ فِي بَاشَانَ. وَكَانَ أقْرِبَاؤُهُمْ بِحَسَبِ عَائِلَاتِهِمْ: مِيخَائِيلَ وَمَشُلَّامَ وَشَبَعَ وَيُورَايَ وَيَعْكَانَ وَزِيعًا وَعَابِرَ، وَمَجْمُوعُهُمْ سَبْعَةٌ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ أبِيحَايِلَ بْنِ حُورِي، بْنِ يَارُوحَ، بْنِ جِلْعَادَ، بْنِ مِيخَائِيلَ، بْنِ يَشِيشَايَ، بْنِ يَحْدُو، بْنِ بُوزٍ. وَكَانَ أخِيُ بْنُ عَبْدِئِيلَ بْنِ جُونِي رَئِيسَ عَائِلَتِهِمْ. سَكَنَ هَؤلَاءِ فِي جِلْعَادَ، فِي بَاشَانَ وَقُرَاهَا وَفِي كُلِّ أرَاضِي مَرَاعِي شَارُونَ إلَى حُدُودِهِمْ. كَانَ لِهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أنْسَابٌ سُجِّلَتْ فِي عَهْدِ يُوثَامَ، مَلِكِ يَهُوذَا، وَفِي حُكْمِ يَرُبْعَامَ، مَلِكِ إسْرَائِيلَ. الرَأُوبَيْنِيُّونَ وَالجِلْعَادِيُّونَ وَنِصْفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، أيْ المُحَارِبُونَ، رِجَالٌ تَسَلَّحُوا بِالتُّرُوسِ وَالسُّيُوفِ، وَكَانُوا مَاهِرِينَ فِي اسْتِخدَامِ القَوْسِ وَمُدَرَّبِينَ عَلَى القِتَالِ، وَعَدَدُهُمْ أرْبَعَةٌ وَأرْبَعُونَ ألْفًا وَسَبْعُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ رَجُلًا مُتَأهِّبًا لِلخِدْمَةِ العَسْكَرِيَّةِ شَنُّوا حَرْبًا عَلَى الهَاجَرِيِّينَ وَيَطُورَ وَنَافِيشَ وَنُودَابَ. فَأعَانَهُمُ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَنَصَرَهُمْ عَلَى الهَاجَرِيِّينَ وَكُلِّ حُلَفَائِهِمْ، لِأنَّهُمُ اسْتَنْجَدُوا بِاللهِ فِي المَعْرَكَةِ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ، لِأنَّهُمُ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ. وَغَنِمُوا مَوَاشِيَهُمْ خَمْسِينَ ألْفَ جَمَلٍ، وَمِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ألْفَ خَرُوفٍ، وَألفَي حِمَارٍ. وَأسَرُوا مِئَةَ ألفٍ مِنَ النَّاسِ أحيَاءً. قُتِلَ كَثِيرُونَ مِنْ أعْدَائِهِمْ فِي المَعْرَكَةِ، لِأنَّ النَّصْرَ فِي الحَرْبِ كَانَ مِنَ اللهِ. وَاسْتَوْلَوْا عَلَى أرْضِهِمْ إلَى زَمَنِ السَّبْيِ. وَسَكَنَ أيْضًا أفْرَادُ نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى فِي الأرَاضِي المُمتَدَّةِ مِنْ بَاشَانَ إلَى بَعلِ حَرْمُونَ، وَسَنِيرَ، وَجَبَلِ حَرْمُونَ. وَكَانَ عَدَدُهُمْ كَبِيرًا. وَهَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِهِمْ: عَافَرُ، وَيَشْعِي، وَألِيئِيلُ، وَعَزْرِئِيلُ، وَيَرَمْيَا، وَهُودَوْيَا، وَيَحْدَيئِيلُ، وَكَانُوا رِجَالًا شُجعَانًا، وَمَشْهُورِينَ، وَرُؤَسَاءَ لِعَائِلَاتِهِمْ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ لِإلَهِ آبَائِهِمْ، وَرَاحُوا يَعْبُدُونَ آلِهَةَ شُعُوبِ الأرْضِ الَّذِينَ سَبَقَ أنْ أزَاحَهُمُ اللهُ مِنْ طَرِيقِهِمْ. فَحَرَّكَ إلَهُ إسْرَائِيلَ عَدَاوَةَ فُولٍ، مَلِكِ أشُّورَ – أيْ تَغْلَثَ فَلَاسَرَ مَلِكَ أشُّورَ – فَقَادَ الرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ وَنِصْفَ مَنَسَّى إلَى السَّبْيِ. وَجَلَبَهُمْ إلَى حَلَحَ وَخَابُورَ وَهَارَا وَنَهْرَ جُوزَانَ، وَهُم هُنَاكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا. أبْنَاءُ لَاوِي هُمْ جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. أبْنَاءُ قَهَاتَ هُمْ عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيئِيلُ. أبْنَاءُ عَمْرَامَ هُمْ هَارُونُ وَمُوسَى وَمَرْيَمُ. أبْنَاءُ هَارُونَ هُمْ نَادَابُ وَأبِيهُو وَألِيعِازَارُ وَإيثَامَارُ. وَأنْجَبَ ألِيعَازَارُ فِينَحَاسَ. وَأنْجَبَ فِينَحَاسُ أبِيشُوعَ. وَأنْجَبَ أبِيشُوعُ بُقِّي. وَأنْجَبَ بُقِّي عُزِّي. وَأنْجَبَ عُزِّي زَرَحْيَا. وَأنْجَبَ زَرَحْيَا مَرَايُوثَ. وَأنْجَبَ مَرَايُوثُ أمَرْيَا. وَأنْجَبَ أمَرْيَا أخِيطُوبَ. وَأنْجَبَ أخِيطُوبُ صَادُوقَ. وَأنجَبُ صَادُوقُ أخِيمَعْصَ. وَأنْجَبَ أخِيمَعْصُ عَزَرْيَا. وَأنْجَبَ عَزَرْيَا يُوحَانَانَ. وَأنْجَبَ يُوحَانَانُ عَزَرْيَا – وَهُوَ الَّذِي خَدَمَ كَكَاهِنٍ فِي الهَيْكَلِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ فِي القُدْسِ. وَأنْجَبَ عَزَرْيَا أمَرْيَا. وَأنْجَبَ أمَرْيَا أخِيطُوبَ. وَأنْجَبَ أخِيطُوبُ صَادُوقَ. وَأنْجَبَ صَادُوقُ شَلُّومَ. وَأنْجَبَ شَلُّومُ حِلْقَيَّا. وَأنْجَبَ حِلْقَيَّا عَزَرْيَا. وَأنْجَبَ عَزَرْيَا سَرَايَا. وَأنْجَبَ سَرَايَا يَهُوصَادَاقَ. وَذَهَبَ يَهُوصَادَاقُ فِي السَّبْيِ، عِنْدَمَا نَفَى اللهُ أهْلَ يَهُوذَا وَالقُدْسِ عَلَى يَدِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ. أبْنَاءُ لَاوِي هُمْ جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. ابْنَا جَرْشُونَ هُمَا لِبْنِي وَشِمْعَى. أبْنَاءُ قَهَاتَ هُمْ عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيئِيلُ. ابْنَا مَرَارِي هُمْ مَحلِي وَمُوشِي. وَهَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ اللَّاوِيِّينَ المَذْكُورِينَ حَسَبَ آبَائِهِمْ: لِجَرْشُومَ: لِبْنِي بْنُ جَرْشُومَ، وَيَحَثُ بْنُ لِبْنِي، وَزِمَّةُ بْنُ يَحَثَ، وَيُوآخُ بْنُ زِمَّةَ، وَعِدُّو بْنُ يُوآخَ، وَزَارَحُ بْنُ عِدُّو، وَيَأْثْرَايُ بْنُ زَارَحَ. أبْنَاءُ قَهَاتَ هُمْ عَمِّينَادَابُ بْنُ قَهَاتَ، وَقُورَحُ بْنُ عَمِّينَادَابُ، وَأسِّيرُ بْنُ قُورَحَ. ألقَانَةُ بْنُ أسِّيرَ، وَأبِيَاسَافُ بْنُ ألْقَانَةُ، وَأسِّيرُ بْنُ أبِيَاسَافَ. وَتَحَثُ بْنُ أسِّيرَ، وَأُورِيئِيلُ بْنُ تَحَثَ، وَعُزِّيَّا بْنُ أُورِيئِيلَ، وَشَاوُلُ بْنُ عُزِّيَّا. وَابْنَا ألقَانَةَ هُمَا عَمَاسَايُ وَأخِيمُوتُ. وَألْقَانَةُ بْنُ أخِيمُوتَ، وَصُوفَايُ بْنُ ألقَانَةَ، وَنَحَثُ بْنُ صُوفَايَ. وَألِيآبُ بْنُ نَحَثَ، وَيَرُوحَامُ بْنُ ألِيآبَ، وَألْقَانَةُ بْنُ يَرُوحَامَ، وَصَمُوئِيلُ بْنُ ألقَانَةَ. وَابْنَا صَمُوئِيلَ هُمَا يُوئِيلُ البِكْرُ، وَالثَّانِي أبِيَّا. أبْنَاءُ مَرَارِي هُمْ مَحلِي بْنُ مَرَارِي، وَلِبْنِي بْنُ مَحلِي، وَشِمْعَى بْنُ لِبْنِي، وَعُزَّةُ بْنُ شِمْعَى، وَشِمْعَى بْنُ عُزَّةَ، وَحَجِيَّا بْنُ شِمْعَى، وَعَسَايَا بْنُ حَجِيَّا. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ دَاوُدُ مُشْرِفِينَ عَلَى التَّسبِيحِ فِي بَيْتِ اللهِ بَعْدَ أنْ اسْتَقَرَّ صُنْدُوقُ العَهْدِ فِي القُدْسِ. وَكَانُوا يَخْدِمُونَ أمَامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ بِالتَّرْنِيمِ، إلَى أنْ بَنَى سُلَيْمَانُ بَيْتَ اللهِ فِي القُدْسِ. وَقَامُوا بِالخِدْمَةِ وَفْقَ مَهَامِّهِمْ. وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ الَّذِينَ خَدَمُوا، وَأسْمَاءُ أبْنَائِهِمْ: مِنَ القَهَاتِيِّينَ هَيمَانُ المُرَنِّمُ، ابْنُ يُوئِيلَ بْنِ صَمُوئِيلَ بْنِ ألقَانَةَ بْنِ يَرُوحَامَ بْنِ إيلِيئِيلَ بْنِ تُوحٍ بْنِ صُوفٍ بْنِ ألقَانَةَ بْنِ مَحَثَ بْنِ عَمَاسَايَ بْنِ ألقَانَةَ بْنِ يُوئِيلَ بْنِ عَزَرْيَا بْنِ صَفَنْيَا بْنِ تَحَثَ بْنِ أسِّيرَ بْنِ أبِيَاسَافَ بْنِ قُورَحَ بْنِ يَصْهَارَ بْنِ قَهَاتَ بْنِ لَاوِي بْنِ إسْرَائِيلَ. وَعَنْ يَمِينِهِ، وَقَفَ زَمِيلُهُ آسَافُ بْنُ بَرَخْيَا بْنِ شِمْعَى، بْنِ مِيخَائِيلَ بْنِ بَعَسْيَا بْنِ مَلِكْيَا بْنِ أثْنَايَ بْنِ زَارَحَ بْنِ عَدَايَا بْنِ أيثَانَ بْنِ زِمَّةَ بْنِ شِمْعَى بْنِ يَحَثٍ بْنِ جَرْشُونَ بْنِ لَاوِي. وَعَن يَسَارِهِم، وَقَفَ زُمَلَاؤُهُمْ مِنْ أبْنَاءِ مَرَارِي، وقَائِدُهُمْ أيثَانُ بْنُ قِيشِي بْنِ عَبْدِي بْنِ مَلُّوخَ بْنِ حَشَبْيَا بْنِ أمَصْيَا بْنِ حِلْقِيَّا بْنِ أمصِي بْنِ بَانِي بْنِ سَامِرَ بْنِ مَحلِي بْنِ مُوشِي بْنِ مَرَارِي بْنِ لَاوِي. وَكَانَ إخْوَتُهُمُ اللَّاوِيُّونَ مُكَرَّسِينَ لِكُلِّ خِدْمَةِ خَيْمَةِ اجتِمَاعِ بَيْتِ اللهِ. لَكِنَّ هَارُونَ وَأبْنَاءَهُ، هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُوقِدُونَ كُلَّ الذَّبَائِحِ عَلَى مَذْبَحِ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ. وَيُوقِدونَ النَّارَ عَلَى مَذْبَحِ البَخُورِ، بِالإضَافَةِ إلَى كُلِّ خِدْمَةِ قُدْسِ الأقْدَاسِ. وَكَانُوا يُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ خَطَايَا إسْرَائِيلَ، وَفْقَ كُلِّ مَا أمَرَ بِهِ مُوسَى عَبْدُ اللهِ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ هَارُونَ: ألِعَازَارُ وَفِينَحَاسُ وَأبِيشُوعُ وَبُقِّيُ وَعُزِّيُ وَزَرَحْيَا وَمَرَايُوثُ وَأمَرْيَا وَأخِيطُوبُ وَصَادُوقُ وَأخِيمَعَصُ. وَهَذِهِ هِيَ أمَاكِنُ سُكْنَاهُمْ حَسَبَ مُسْتَوْطَنَاتِهِمْ فِي حُدُودِهِمْ. وَقَعَتِ القُرْعَةُ لِبَنِي هَارُونَ مِنْ عَشِيرَةِ القَهَاتِيِّينَ، فَأعْطَوْهُمْ مَدِينَةَ حَبْرُونَ فِي أرْضِ يَهُوذَا وَالمَرَاعِيَ المُحِيطَةَ بِهَا. أمَّا ضِيَاعُ المَدِينَةِ وَقُرَاهَا فَأُعْطِيَتْ لِكَالَبَ بْنِ يَفُنَّةَ. وَأُعْطِيَ أبْنَاءُ هَارُونَ مُدُنَ اللُّجُوءِ: حَبْرُونَ، وَلِبْنَةَ وَمَرَاعِيهِمَا، وَيَتِّيرَ وَأشْتَمُوعَ وَمَرَاعِيهِمَا، وَحِيلِينَ وَمَرَاعِيهَا، وَدَبِيرَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَاشَانَ وَمَرَاعِيهَا، وَيَطَّةَ وَمَرَاعِيهَا، وَبَيْتَ شَمْسٍ وَمَرَاعِيهَا. وَمِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ أخَذُوا جَبَعَ وَمَرَاعِيهَا، وَجَبَعَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَلْمَثَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَنَاثُوثَ وَمَرَاعِيهَا. وَكَانَ مَجْمُوعُ مُدُنِ عَشَائِرِهِمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَدِينَةً. وَأُعْطِيَتْ بَقِيَّةُ أبْنَاءِ قَهَاتَ مِنْ عَشَائِرِ القَبِيلَةِ وَمِنْ نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى عَشْرَ مُدُنٍ. وَأُعْطِيَ أبْنَاءُ جَرْشُومَ، عَشِيرَةً بَعْدَ عَشِيرَةٍ، ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَدِينَةً مِنْ قَبَائِلِ يَسَّاكَرَ، وَأشِيرَ، وَنَفْتَالِي وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى الَّذِينَ كَانُوا فِي بَاشَانَ. وَأُعْطِيَ أبْنَاءُ مَرَارِي، عَشِيرَةً بَعْدَ عَشِيرَةٍ، اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَدِينَةً مِنْ قَبَائِلِ رَأُوبَيْنَ وَجَادٍ وَزَبُولُونَ. فَأعْطَى بَنُو إسْرَائِيلَ اللَّاوِيِّينَ المُدُنَ وَمَرَاعِيهَا. وَأعْطَوْهُمْ حَسَبَ القُرْعَةِ مِنْ قَبَائِلِ يَهُوذَا وَشِمْعُونَ وَبَنْيَامِينَ. هَذِهِ المُدُنُ الَّتِي ذُكِرَتْ بِالِاسْمِ. وَأُعْطِيَ بَعْضٌ مِنْ عَشَائِرِ بَنِي قَهَاتَ مُدُنًا مِنْ قَبِيلَةِ أفْرَايِمَ لِتَكُونَ مَسَاكِنَ لَهُمْ. فَأعْطَوْهُم مُدُنَ اللُّجُوءِ: شَكِيمَ وَمَرَاعِيهَا فِي مِنْطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ، وَجَازَرَ وَمَرَاعِيهَا، وَيَقْمَعَامَ وَمَرَاعِيهَا، وَبَيْتَ حُورُونَ وَمَرَاعِيهَا. وَأيَّلُونَ وَمَرَاعِيهَا، وَجَتَّ رِمُّونَ وَمَرَاعِيهَا. وَأعْطَى بَنُو إسْرَائِيلَ نِصْفَ قَبِيلَةِ مَنَسَّى عَانِيرَ وَمَرَاعِيهَا، وَبِلْعَامَ وَمَرَاعِيهَا لِبَقِيَّةِ عَشَائِرِ بَنِي قَهَاتَ. وَأعْطَى بَنُو إسْرَائِيلَ لِأبْنَاءِ جَرْشُومَ مِنْ عَشِيرَةِ نِصْفِ مَنَسَّى جُولَانَ فِي بَاشَانَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَشْتَارُوثَ وَمَرَاعِيهَا، وَمِنْ قَبِيلَةِ يَسَّاكَرَ قَادَشَ وَمَرَاعِيهَا، وَدَبَرَةَ وَمَرَاعِيهَا، وَرَامُوثَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَانِيمَ وَمَرَاعِيهَا. وَمِنْ قَبِيلَةِ أشِيرَ مَشْآلَ وَمَرَاعِيهَا، وَعَبْدُونَ وَمَرَاعِيهَا، وَحُقُوقَ وَمَرَاعِيهَا، وَرَحُوبَ وَمَرَاعِيهَا. وَمِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي قَادَشَ فِي الجَلِيلِ وَمَرَاعِيهَا، وَحَمُّونَ وَمَرَاعِيهَا، وَقَرْيَتَايِمَ وَمَرَاعِيهَا. وَأعْطَى بَنُو إسْرَائِيلَ لِبَقِيَّةِ أبْنَاءِ مَرَارِي مِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ: يَقْنَعَامَ وَمَرَاعِيهَا، وَقَرْتَةَ وَمَرَاعِيهَا، وَرِمُّونُو وَمَرَاعِيهَا، وَتَابُورُ وَمَرَاعِيهَا. وَعَبْرَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ مِنْ أرِيحَا، عَلَى الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنَ الأُرْدُنِّ. وَمِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ، بَاصَرَ فِي البَرِّيَّةِ وَمَرَاعِيهَا، وَيَهْصَةَ وَمَرَاعِيهَا، وَقَدِيمُوتَ وَمَرَاعِيهَا، وَمَيفَعَةَ وَمَرَاعِيهَا، وَمِنْ قَبِيلَةِ جَادٍ رَامُوثَ فِي جِلْعَادَ وَمَرَاعِيهَا، وَمَحَنَايِمَ وَمَرَاعِيهَا، وَحَشْبُونَ وَمَرَاعِيهَا، وَيَعْزِيرَ وَمَرَاعِيهَا. أبْنَاءُ يَسَّاكَرَ: تُولَاعُ، وَفُوَّةُ، وَيَاشُوبُ، وَشِمْرُونَ، وَمَجْمُوعُهُمْ أرْبَعَةٌ. أبْنَاءُ تُولَاعَ: عُزِّي وَرَفَايَا وَيَرِيئِيلُ وَيَحْمَايُ وَيِبْسَامُ وَشَمُوئِيلُ، وَهُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِهِمُ المُنتَسِبَةِ إلَى تُولَاعَ. وَكَانُوا مُحَارِبِينَ شُجْعَانًا مِنْ جِيلٍ إلَى جِيلٍ. وَكَانَ عَدَدُهُمْ فِي عَهْدِ دَاوُدَ اثنَيْنِ وَعِشْرِينَ ألْفًا وَسِتَّ مِئَةٍ. ابْنُ عُزِّي يَزْرَحْيَا، وَأبْنَاءُ يَزْرَحْيَا هُمْ مِيخَائِيلُ وَعُوبَدْيَا وَيُوئِيلُ وَيِشِّيَّا، وَهُمْ خَمْسَةٌ، كُلُّهُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِهِمْ. ويُظهِرُ تَارِيخُ عَائِلَاتِهِم أنَّهُ بِالإضَافةِ إلَى هؤلَاءِ كَانَتْ لديهِمْ قُوَّاتٌ حَرْبِيَّةٌ عَدَدُهَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ ألْفَ رَجُلٍ. إذْ كَانَ لَهُمْ زَوْجَاتٌ كَثِيرَاتٌ وَأبْنَاءٌ كَثِيرُونَ. وَكَانَ أبْنَاءُ قَبِيلَتِهِمْ، كُلُّ عَشَائِرِ يَسَّاكَرَ، مُحَارِبْينَ شُجْعَانًا أيْضًا. وَبَلَغَ عَدَدُهُمْ سَبْعَةً وَثَمَانِينَ ألْفًا حَسَبَ سِجِلِّ أنْسَابِهِمْ. أبْنَاءُ بَنْيَامِينَ ثَلَاثَةٌ هُمْ بَالَعُ وَبَاكَرُ وَيَدِيعَئِيلُ. أبْنَاءُ بَالَعَ خَمْسَةٌ هُمْ أصْبُونَ وَعُزِّي وَعُزِّيئِيلُ وَيَرِيمُوثُ وَعَيرِي. وَهُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِهِمْ وَمُحَارِبُونَ شُجْعَانٌ. وَبَلَغَ عَدَدُ المُسَجَّلِينَ فِي نَسَبِهِمِ اثنَيْنِ وَعِشْرِينَ ألْفًا وَأرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ. أبْنَاءُ بَاكَرَ هُمْ زَمِيرَةُ وَيُوعَاشُ وَألِيعَزَرُ وَألْيُوعِينَايُ وَعُمْرِي وَيَرِيمُوثُ وَأبِّيَّا وَعَنَاثُوثُ وَعَلَامَثُ. هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أبْنَاءُ بَاكَرَ. وبلغَ عَدَدُ المُسجَّلينَ فِي نَسَبِهِمْ، بحَسَبِ رؤسَاءِ العَائِلَاتِ المُحَارِبينَ الشُّجعَانِ، اثنَيْنِ وعِشْرِينَ ألْفًا ومئتينِ مِنَ المُحَارِبِينَ الشُّجعَانِ. ابْنُ يَدِيعَئِيلَ بَلْهَانُ. وَأبْنَاءُ بَلْهَانَ هُمْ يَعِيشُ وَبَنْيَامِينُ وَأهُودُ وَكَنْعَنَةُ وَزَيْتَانُ وَتَرْشِيشُ وَأخِيشَاحَرُ. هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أبْنَاءُ يَدِيعَئِيلَ، رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِهِمْ، وَمُحَارِبُونَ شُجْعَانٌ، سَبْعَةَ عَشَرَ ألْفَ رَجُلٍ مُتَأهِّبٍ لِلخِدْمَةِ العَسْكَرِيَّةِ. وَشُفِّيمُ وَحُفِّيمُ ابْنَا عَيرٍ، وَحُوشِيمُ هُوَ ابْنُ أحِيرَ. أبْنَاءُ نَفْتَالِي هُمْ يَحْصِيئِيلُ وَجُونِي وَيَصَرُ وَشَلُّومُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ بِلْهَةَ. أبْنَاءُ مَنَسَّى هُمْ إشْرِيئِيلُ الَّذِي أنْجَبَتْهُ جَارِيَةُ مَنَسَّى الأرَامِيَّةُ، وَأنْجَبَتْ لَهُ مَاكِيرَ، أبَا جِلْعَادَ. وَاسْمُ ابْنِهِ الثَّانِي صَلُفْحَادُ. وَلَمْ يُنْجِبْ صَلُفْحَادُ إلَّا بَنَاتٍ. وَتَزَوَّجَ مَاكِيرُ امْرأةً مِنَ الحِفيِّينَ وَالشوفِيِّينَ. وَكَانَ لِمَاكِيرَ زَوْجَةٌ اسْمُهَا مَعْكَةُ. وَأنْجَبَتْ مَعْكَةُ زَوْجَةُ مَاكِيرَ ابْنًا، وَسَمَّتْهُ فَرَشًا. وَكَانَ لَهُ أخٌ اسْمُهُ شَارَشُ. وَكَانَ لِفَرَشٍ ابْنَانِ هُمَا أُولَامُ وَرَاقَمُ. وَابْنُ أُولَامَ بَدَانُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ جِلْعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى. وَقَدْ أنْجَبَتْ أُختُهُ هَمُّولَكَةُ إيشْهُودَ وَأبِيعَزَرَ وَمَحلَةَ. وَأبْنَاءُ شَمِيدَاعَ هُمْ أخِيَانُ وَشَكِيمُ وَلِقْحِي وَأنِيعَامُ. أبْنَاءُ أفْرَايِمَ هُمْ شُوتَالَحُ وَبَرَدٌ وَتَحَثٌ وَألِعَادَا وَتَحَثٌ وَزَابَادُ وَشُوتَالَحُ، وَابْنَا أفْرَايِمَ الآخِرَانِ هُمَا عَزَرٌ وَألِعَادُ. وَقَدْ قَتَلَهُمَا رِجَالُ جَتَّ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الأرْضِ، لِأنَّهُمَا نَزَلَا إلَى هُنَاكَ لِيَسْرِقَا مَاشِيَتَهُمْ. وَنَاحَ عَلَيْهِمَا أبُوهُمَا أفْرَايِمُ أيَّامًا كَثِيرَةً، وَجَاءَ أقرِبَاؤُهُ إلَيْهِ لِيُعَزُّوهُ. ثُمَّ عَاشَرَ زَوْجَتَهُ، فَحَبِلَتْ وَأنْجَبَتِ ابْنًا هُوَ بَرِيعَةَ، لِأنَّ مِحنَةً أصَابَتْ بَيْتَهُ. وَكَانَ لِأفْرَايِمَ بِنتٌ اسْمُهَا شِيرَةَ، وَقَدْ بَنَتْ بَيْتَ حُورُونَ العُلْيَا وَالسُّفلَى وَأُزِّينَ شِيرَةَ. وَابْنُهُ رَفَحُ، وَابْنُهُ رَشَفُ، وَابْنُهُ تَلَحُ، وَابْنُهُ تَاحَنُ، وَابْنُهُ لَعْدَانُ، وَابْنُهُ عَمِّيهُودُ، وَابْنُهُ ألِيشَمَعُ، وَابْنُهُ نُونٌ، وَابْنُهُ يَشُوعُ. وَكَانُوا يَمْلِكُونَ وَيَسْكُنُونَ بَيْتَ إيلَ وَقُرَاهَا إلَى نَعَرَانَ شَرْقًا، وَإلَى جَازَرَ وَقُرَاهَا وَشَكِيمَ وَقُرَاهَا غَرْبًا، وَإلَى أيَّةَ وَقُرَاهَا. وَكَانَ بَنُو مَنَسَّى يَمْلِكُونَ بَيْتَ شَانَ وَقُرَاهَا، وَتَعْنَكَ وَقُرَاهَا، وَمَجِدُّو وَقُرَاهَا، وَدُورًا وَقُرَاهَا. وَقَدْ سَكَنَ هَذِهِ المَنَاطِقَ أبْنَاءُ يُوسُفَ بْنِ إسْرَائِيلَ. أبْنَاءُ أشِيرَ هُمْ يَمْنَةُ وَيَشْوَةُ وَيَشْوِي وَبَرِيعَةُ، وَأُختُهُمْ سَارَحُ. وَابْنَا بَرِيعَةَ هُمَا حَابِرُ وَمَلْكِيئِيلُ، وَمَلْكِيئِيلُ هُوَ أبُو بِرْزَاوَثَ. وَأنْجَبَ حَابِرُ يَفْلِيطَ وَشُومَيرَ وَحُوثَامَ وَأُختَهُمْ شُوعَا. وَأبْنَاءُ يَفليطَ هُمْ فَاسَكُ وَبِمْهَالُ وَعَشْوَةُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ يَفْلِيطَ. أبْنَاءُ شُومِيرَ هُمْ آخِي وَرُهْجَةُ وَيَحُبَّةُ وَأرَامُ. أبْنَاءُ هِيلَامَ أخِي شُومِيرَ هُمْ صُوفَحُ وَيَمْنَاعُ وَشَالَشُ وَعَامَالُ. أبْنَاءُ صُوفَحَ هُمْ سُوحٌ وَحَرَنْفَرُ وَشُوعَالُ وَبِيرِي وَيَمْرَةُ وَبَاصِرُ وَهُودٌ وَشَمَّا وَشِلْشَةُ وَيِثْرَانُ وَبَئِيرَا. أبْنَاءُ يَثَرَ هُمْ يَفُنَّةُ وَفِسْفَةُ وَأرَا. أبْنَاءُ عُلَّا هُمْ آرَحُ وَحَنِيئِيلُ وَرَصِيَا. كُلُّ هؤلَاءِ الأشِيرِيِّين كَانُوا قَادةً لعَائِلَاتِهِم ومُحَارِبينَ بَارِزِينَ شُجْعَانًا. كَانُوا قَادةَ القَبِيلَةِ المُسَجَّلِينَ فِي الجَيْشِ وَالمُهَيَّئِينَ للقتَالِ فِي الحَرْبِ، وَكَانَ مَجْمُوعُهُمْ سِتَّةً وَعِشْرِينَ ألْفًا. أنْجَبَ بَنْيَامِينُ بَالَعَ بِكْرَهُ، وَالثَّانِي أشْبِيلَ، وَالثَّالِثَ أخْرَخَ، وَالرَّابِعَ نُوحَةَ، وَالخَامِسَ رَافَا. وَكَانَ لِبَالَعَ أبْنَاءٌ هُمْ أدَّارُ وَجِيرَا وَأبِيهُودُ وَأبِيشُوعُ وَنُعمَانُ وَأخُوخُ وَحَيرَا وَشَفُوفَانُ وَحُورَامُ. وَهَؤُلَاءِ أبْنَاءُ آحُودَ – وَهُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ بَنْيَامِينَ السَّاكِنِينَ فِي جَبَعَ، وَرُحِّلُوا إلَى مَنَاحَةَ: نُعْمَانُ وَأخِيَا وَجَيرَا. وَجَيرَا هُوَ الَّذِي رَحَّلَهُمْ وَهُوَ مُؤسِّسُ مَدِينَةِ عُزَّا وَأخِيحُودَ. وَأنْجَبَ شَحْرَايِمُ أبْنَاءً فِي بِلَادِ مُوآبَ بَعْدَ أنْ طَلَّقَ زَوْجَتَيْهِ حُوشِيمَ وَبَعْرَا. وَأنْجَبَ مِنْ زَوْجَتِهِ خُودَشَ أبْنَاءً هُمْ: يُوبَابُ، وَظِبْيَا، وَمِيشَا، وَمَلْكَامُ، وَيَعُوصُ، وَشَبْيَا، وَمِرْمَةُ. كَانَ أبْنَاؤُهُ هَؤُلَاءِ رُؤَسَاءَ عَائِلَاتِهِمْ. وَأنْجَبَ مِنْ حُوشِيمَ أبِيطُوبَ وَألفَعَلَ. وَأبْنَاءُ ألْفَعَلَ هُمْ: عَابَرُ، وَمِشْعَامُ، وَشَامِدُ. وَهُوَ الَّذِي بَنَى أُونُو وَلُودًا وَقُرَاهَا. وَكَانَ بَرِيعَةُ وَشَمَعُ رَئِيسَينِ لِعَائِلَاتِ أيَّلُونَ. وَقَدْ جَعَلُوا سُكَّانَ جَتَّ يَهْرُبُونَ. وَكَانَ شَاشَقُ وَيَرِيمُوثُ وَزَبَدْيَا وَعَرَادُ وَعَادَرُ وَمِيخَائِيلُ وَيِشْفَةُ وَيُوخَا أبْنَاءَ بِرِيعَةَ. وَكَانَ زَبَدْيَا وَمَشُلَّامُ وَحَزْقِي وَحَابِرُ وَيَشْمَرَايُ وَيَزَلْيَاهُ وَيُوبَابُ أبْنَاءَ ألْفَعَلَ. وَكَانَ يَاقِيمُ وَزِكْرِي وَزَبْدِي، وَألِيعِينَايُ وَصِلَّتَايُ وَإيلِئِيلُ وَعَدَايَا وَبَرَايَا وَشِمْرَةُ أبْنَاءَ شِمْعَى. وَكَانَ يِشْفَانُ وَعَابِرُ وَإيلِئِيلُ وَعَبْدُونُ وَزِكْرِي وَحَانَانُ وَحَنَنْيَا وَعِيلَامُ وَعَنَثُوثِيَا وَيَفَدْيَا وَفَنُوئِيلُ أبْنَاءَ شَاشَقَ. وَكَانَ شِمْشَرَايُ وَشَحَرْيَا وَعَثَلْيَا وَيَعْرَشْيَا وَإيلِيَّا وَزِكْرِي أبْنَاءَ يَرُوحَامَ. كَانَ هَؤُلَاءِ رُؤَسَاءَ عَائِلَاتٍ، سُجِّلُوا زُعَمَاءَ فِي سِجِلَّاتِ أنْسَابِهِمْ، وَعَاشُوا فِي القُدْسِ. وَسَكَنَ عِيئِيلُ مُؤسِّسُ مَدِينَةِ جِبْعُونَ فِي جِبْعُونَ، وَكَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ مَعْكَةَ. وَابْنُهُ البِكْرُ هُوَ عَبْدُونُ ثُمَّ صُورٌ وَقَيسٌ وَبَعلٌ وَنِيرٌ وَنَادَابُ وَجَدُورُ وَأخِيُو وَزَاكِرُ وَمِقلُوثُ. وَأنْجَبَ مِقلُوثُ شَمَاةَ. وَسَكَنُوا هُمْ أيْضًا مَعَ أقرِبَائِهِمْ فِي القُدْسِ مُقَابِلَهُمْ. وَأنْجَبَ نِيرٌ قَيسًا. وَأنْجَبَ قَيسٌ شَاوُلَ. وَأنْجَبَ شَاوُلُ يُونَاثَانَ وَمَلْكِيشُوعَ وَأبِينَادَابَ وَإشْبَعَلَ. وَأنْجَبَ يُونَاثَانُ مَرِيبَّعلَ. وَأنْجَبَ مَرِيبَّعلُ مِيخَا. أبْنَاءُ مِيخَا فِيثُونُ وَمَالِكُ وَتَارِيعُ وَآحَازُ. وَأنْجَبَ آحَازُ يَهُوعَدَّةَ. وَأنْجَبَ يَهُوعَدَّةُ عَلْمَثَ وَعَزمُوتَ وَزِمْرِي. وَأنْجَبَ زِمْرِي مُوصَا. وَأنْجَبَ مُوصَا بِنْعَةَ، وَأنْجَبَ بِنْعَةُ رَافَةَ. وَأنْجَبَ رَافَةُ ألِعَاسَةَ. وَأنْجَبَ ألِعَاسَةُ آصِيلَ. وَأنْجَبَ آصِيلُ سِتَّةَ أبْنَاءٍ هُمْ عَزرِيقَامُ وَبُكْرُو وَإسْمَاعِيلُ وَشَعَرْيَا وَعُوبَدْيَا وَحَانَانُ. كُلُّ هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ آصِيلَ. أبْنَاءُ عَاشِقَ أخِي آصِيلَ: بِكْرُهُ أُولَامُ، وَالثَّانِي يَعُوشُ، وَالثَّالِثُ ألِيفَلَطُ. وَكَانَ أبْنَاءُ أُولَامَ مُحَارِبِينَ شُجعَانًا، مَاهِرِينَ فِي اسْتِخدَامِ القَوْسِ، وَلَهُمْ مِئَةٌ وَخَمْسُونَ ابْنًا وَحَفيدًا. كَانَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بَنْيَامِينِيِّينَ. وَهَكَذَا تَمَّ تَسْجِيلُ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ حَسَبَ أنْسَابِهِمْ. وَهُمْ مُسَجَّلُونَ فِي كِتَابِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَقَدْ أُخِذَ أهْلُ يَهُوذَا إلَى السَّبْيِ فِي بَابِلَ بِسَبَبِ عَدَمِ وَفَائِهِمْ للهِ. وَكَانَ إسْرَائِيلُ وَالكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ وَخُدَّامُ الهَيْكَلِ هُمْ أوَّلَ مَنْ عَادَ وَسَكَنَ فِي أرْضِ آبَائِهِمْ وَفِي مُدُنِهِمْ. وَسَكَنَ فِي القُدْسِ بَعْضُ بَنِي يَهُوذَا، وَبَنْيَامِينَ، وَأفْرَايِمَ، وَمَنَسَّى: عُوثَايُ بْنُ عَمِّيهُودَ بْنِ عُمْرِي بْنِ إمْرِي بْنِ بَانِي، مِنْ بَنِي فَارَصَ بْنِ يَهُوذَا. وَمِنْ بَنِي شَيلُونَ البِكْرُ عَسَايَا وَأبْنَاؤُهُ. وَمِنْ بَنِي زَارَحَ يَعُوئِيلُ وَإخوَتُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَتِسْعُونَ. وَمِنْ بَنِي بَنْيَامِينَ سَلُّو بْنُ مَشُلَّامَ بْنِ هَوْدُويَا بْنِ هَسْنُوأةَ، وَيَبْنِيَا بْنُ يَرُوحَامَ، وَأيلَةُ بْنُ عُزِّي بْنِ مِكْرِي، وَمَشُلَّامُ بْنُ شَفَطْيَا بْنِ رَعُوئِيلَ بْنِ يِبْنِيَا، وَإخوَتُهُمْ حَسَبَ سِجِلِّ نَسَبِهِمْ تِسْعُ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ. كَانَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ كُلُّهُمْ رُؤَسَاءَ عَائِلَاتِهِمْ. وَمِنَ الكَهَنَةِ يَدْعِيَا وَيَهُويَارِيبُ وَيَاكِينُ، وَعَزَرْيَا بْنُ حِلْقِيَّا بْنِ مَشُلَّامَ بْنِ صَادُوقَ بْنِ مَرَايُوثَ بْنِ أخِيطُوبَ، المُشْرِفِ عَلَى بَيْتِ اللهِ، وَعَدَايَا بْنُ يَرُوحَامَ بْنِ فَشْحُورَ بْنِ مَلْكِيَّا، وَمَعْسَايُ بْنُ عَدِيئِيلَ بْنِ يَحْزِيرَةَ بْنِ مَشُلَّامَ بْنِ مَشِلِّيمِيتَ بْنِ إمِّيرَ. وَأقَارِبُهُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِهِمْ، ألْفٌ وَسَبْعُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ رَجُلًا مُقْتَدِرًا فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ. وَمِنَ اللَّاوِيِّينَ: شَمَعْيَا بْنُ حَشُّوبَ بْنِ عَزْرِيقَامَ بْنِ حَشَبْيَا، مِنْ بَنِي مَرَارِي، وَبَقْبَقَّرُ، وَحَرَشُ، وَجَلَالُ، وَمَتَنْيَا بْنُ مِيخَا بْنِ زِكْرِي بْنِ آسَافَ، وَعُوبَدْيَا بْنُ شَمَعْيَا بْنِ جَلَالَ بْنِ يَدُوثُونَ، وَبَرَخْيَا بْنُ آسَا بْنِ ألقْانَةَ الَّذِي سَكَنَ فِي قُرَى النَّطُوفَاتِيِّينَ. البَوَّابُونَ هُمْ شَلُّومُ وَعَقُّوبُ وَطَلْمُونُ وَأخِيمَانُ وَأقرِبَاؤهُمْ. وَكَانَ شَلُّومُ هُوَ رَئِيسُهُمْ. وَكَانُوا سَابِقًا يَقِفُونَ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَلِكِ إلَى الشَّرْقِ. كَانَ هَؤُلَاءِ بَوَّابِي مُخَيَّمَاتِ اللَّاوِيِّينَ. كَانَ شَلُّومُ بْنُ قُورِي بْنِ أبِيَاسَافَ بْنِ قُورَحَ وَأقْرِبَاءُ عَائِلَتِهِ القُورَحِيُّونَ مُشْرِفِينَ عَلَى عَمَلِ الخِدْمَةِ، حُرَّاسًا عَلَى عَتَبَةِ الخَيْمَةِ، كَمَا سَبَقَ أنْ كَانَ آبَاؤهُمْ مَسْؤُولِينَ عَنْ مَسْكَنِ اللهِ ، حُرَّاسًا لِلمَدْخَلِ. وَكَانَ فِينَحَاسُ بْنُ ألِعَازَارَ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ فِي السَّابِقِ، وَكَانَ اللهُ مَعَهُ. وَكَانَ زَكَرِيَّا بْنُ مَشَلْمِيَا بَوَّابًا عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ اختِيرُوا لِيَكُونُوا بَوَّابِينَ عِنْدَ العَتَبَاتِ مِئَتَيْنِ وَاثنَيْ عَشَرَ، وَسُجِّلُوا وَفْقَ سِجِلِّ أنْسَابِهِمْ فِي قُرَاهُمْ. وَقَدْ عَيَّنَهُمْ دَاوُدُ وَصَمُوئِيلُ الرَّائِي فِي هَذَا العَمَلِ لِأنَّهُمْ كَانُوا جَدِيرِينَ بِالثِّقَةِ. فَكَانُوا هُمْ وَنَسْلُهُمْ مَسْؤُولِينَ عَنْ بَوَّابَاتِ بَيْتِ اللهِ ، بَيْتِ الخَيْمَةِ، حُرَّاسًا. وَكَانَ البَوَّابُونَ عَلَى الجَوَانِبِ الأرْبَعَةِ شَرْقًا وَغَرْبًا وَشِمَالًا وَجَنُوبًا. وَكَانَ عَلَى أقرِبَائِهِمْ فِي قُرَاهُمْ أنْ يَأْتُوا مِنْ وَقْتٍ إلَى آخَرَ مُدَّةَ سَبْعَةِ أيَّامٍ لِيُعِينُوهُمْ. كَانَ لِلبَوَّابِينَ أرْبَعَةُ رُؤَسَاءَ لَاويِّونَ أيْضًا. وَكَانَتْ مَهَمَّتُهُمُ الِاهْتِمَامَ بِالغُرَفِ الجَانِبِيَّةِ حَوْلَ الهَيْكَلِ وَبِكُنُوزِ بَيْتِ اللهِ. وَكَانُوا يُمْضُونَ اللَّيلَ فِي جَنَبَاتِ بَيْتِ اللهِ. فَقَدْ كَانَ وَاجِبُهُمْ أنْ يَحْرُسُوهُ، وَأنْ يَفْتَحُوهُ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. وَأُوكِلَتْ إلَى بَعْضِهِمْ مَسؤُولِيَّةُ الإشْرَافِ عَلَى الآنِيَةِ المُسْتَخْدَمَةِ فِي خِدْمَةِ الهَيْكَلِ، إذْ كَانُوا يُحصُونَهَا عِنْدَ إدخَالِهَا وَإخْرَاجِهَا. وَأُوكِلَتْ إلَى بَعْضِهِمْ مَسْؤُولِيَّةُ الإشْرَافِ عَلَى الأثَاثِ وَكُلِّ الآنِيَةِ المُقَدَّسَةِ، وَكُلِّ الدَّقِيقِ، وَالخَمْرِ، وَالزَّيْتِ، وَالبَخُورِ، وَالتَّوَابِلِ. لَكِنْ كَانَ خَلْطُ الدُّهُونِ لِلأطيَابِ مِنَ اختِصَاصِ بَعْضِ الكَهَنَةِ. وَكَانَ مَتَّثْيَا، وَهُوَ أحَدُ اللَّاوِيِّينَ وَبِكْرُ شَلُّومَ القُورَحِيِّ، مَسْؤُولًا عَنْ صُنْعِ خُبْزِ التَّقدِمةِ. وَكَانَ بَعْضُ زُمَلَائِهِمُ القَهَاتِيِّينَ مَسؤُولِينَ عَنْ تَحْضِيرِ الخُبْزِ المَوْضُوعِ فِي صُفُوفٍ كَلَّ سَبْتٍ. وَهَؤلَاءِ هُمُ المُرَنِّمُونَ، رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ لَازَمُوا غُرَفَ الهَيْكَلِ مَعْفِيِّينَ مِنْ أيَّةِ وَاجِبَاتٍ أُخْرَى، لِأنَّهُمْ كَانُوا مَسْؤُولِينَ عَنِ العَمَلِ نَهَارًا وَلَيلًا. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ اللَّاوِيِّينَ المُدْرَجُونَ فِي سِجِلَّاتِ الأنْسَابِ كَزُعَمَاءَ. وَقَدْ سَكَنَ هَؤُلَاءِ فِي القُدْسِ. وَسَكَنَ فِي جِبْعُونَ يَعُوئِيلُ، مُؤسِّسُ مَدِينَةِ جِبْعُونَ. وَكَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ مَعْكَةَ. وَابْنُهُ البِكْرُ عَبْدُونُ ثُمَّ صُورٌ وَقَيْسٌ وَنِيرٌ وَنَادَابُ وَجُدُورُ وَأخِيُو وَزَكَرِيَّا وَمِقلُوثُ. وَأنْجَبَ مِقلُوثُ شَمْآمَ. وَسَكَنُوا هُمْ أيْضًا قُرْبَ أقرِبَائِهِمْ فِي القُدْسِ. وَأنْجَبَ نِيرٌ قَيْسًا. وَأنْجَبَ قَيْسٌ شَاوُلَ، وَأنْجَبَ شَاوُلُ يُونَاثَانَ وَمَلْكِيشُوعَ وَأبِينَادَابَ وَإشْبَعَلَ. وَابْنُ يُونَاثَانَ هُوَ مَرِيبَّعَلُ. وَأنْجَبَ مَرِيبَّعَلُ مِيخَا. وَأبْنَاءُ مِيخَا فِيثُونُ وَمَالِكُ وَتَحْرِيعُ وَآحَازُ. وَأنْجَبَ آحَازُ يَعْرَةَ. وَأنْجَبَ يَعْرَةُ عَلْمَثَ وَعَزْمُوتَ وَزِمْرِي. وَأنْجَبَ زِمْرِي مُوصَا. وَأنْجَبَ مُوصَا بِنْعَةَ، وَأنْجَبَ بِنْعَةُ رَافَةَ. وَأنْجَبَ رَافَةُ ألِعَاسَةَ. وَأنْجَبَ ألِعَاسَةُ آصِيلَ. وَكَانَ لِآصِيلَ سِتَّةُ أبْنَاءٍ هُمْ عَزْرِيقَامُ وَبُكْرُو وَإسْمَاعِيلُ وَشَعَرْيَا وَعُوبَدْيَا وَحَانَانُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ آصِيلَ. وَفِي غُضُونِ ذَلِكَ، حَارَبَ الفِلِسْطِيُّونَ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَهَرَبَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ أمَامِ الفِلِسْطِيِّينَ. وَذُبِحَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ عَلَى جَبَلِ جِلْبُوعَ. وَطَارَدَ الفِلِسْطِيُّونَ شَاوُلَ وَأبْنَاءَهُ، وَقَتَلُوا يُونَاثَانَ وَأبِينَادَابَ وَمَلْكِيشُوعَ أبْنَاءَ شَاوُلَ. ثُمَّ احتَدَمَتِ المَعرَكَةُ أكْثَرَ حَوْلَ شَاوُلَ. وَأحَاطَ رُمَاةُ السِّهَامِ بِشَاوُلَ وَأصَابُوهُ بِسِهَامٍ كَثِيرَةٍ. فَقَالَ شَاوُلُ لِلغُلَامِ الَّذِي يَحْمِلُ سِلَاحَهُ: «استَلَّ سَيفَكَ وَاقتُلْنِي، لِئَلَّا يَفْعَلَهَا هَؤُلَاءِ اللَّامَختُونُونَ وَيُعَذّبُونِي وَيَسْخَرُوا بي!» لَكِنَّ غُلَامَ شَاوُلَ كَانَ خَائِفًا وَرَفَضَ أنْ يَقْتُلَهُ. فَأخَذَ شَاوُلُ سَيفَهُ وَسَقَطَ عَلَيْهِ. وَلَمَّا رَأى حَامِلُ السَّيْفِ أنَّ شَاوُلَ قَدْ مَاتَ، سقَطَ هُوَ أيْضًا عَلَى السَّيْفِ وَمَاتَ. فَمَاتَ شَاوُلُ وَأبْنَاؤُهُ الثَّلَاثَةُ، وَكُلُّ عَائِلَتِهِ مَاتُوا جَمِيعًا مَعًا. وَلمَّا رَأى بَنُو إسْرَائِيلَ السَّاكِنُونَ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الوَادي جَيْشَ إسْرَائِيلَ يَفِرُّ، وَأنَّ شَاوُلَ وَبَنِيهِ قَتلَى، تَرَكُوا مُدُنَهُمْ وَهَرَبُوا، فَجَاءَ الفِلِسْطِيُّونَ وَاحْتَلُّوا مُدُنَهُمْ وَسَكنُوهَا. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، أتَى الفِلِسْطِيُّونَ لِنَهْبِ الأشْيَاءِ الثَّمِينَةِ مِنَ القَتلَى، فَوَجَدُوا شَاوُلَ وَبَنِيهِ الثَّلَاثَةَ أمْوَاتًا عَلَى جَبَلِ جِلْبُوعَ. فَأخَذُوا كُلَّ سِلَاحِهِ وَنَزَعُوا ثِيَابَهُ. وَحَمَلُوا بُشْرَى مَوْتِهِ إلَى الشَّعْبِ الفِلِسْطِيِّ وَإلَى كُلِّ مَعَابِدِ أوْثَانِهِمْ. وَوَضَعُوا سِلَاحَ شَاوُلَ فِي هَيْكَلِ آلِهَتِهِمْ، وَسَمَّرُوا جُمْجُمَتَهُ فِي مَعبَدِ دَاجُونَ. وَسمِعَ كُلُّ أهْلِ يَابِيشَ جِلعَادَ بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ الفِلِسْطِيُّونَ بِشَاوُلَ. فَذَهَبَ كُلُّ الرِّجَالِ الشُّجْعَانِ الأقوِيَاءِ فِيهَا، وَأنزَلُوا جُثَثَ شَاوُلَ وَبَنِيهِ، وَحَمَلُوهَا إلَى يَابِيشَ، وَدَفَنُوا عِظَامَهُمْ تَحْتَ البَلُّوطَةِ فِي يَابِيشِ جِلْعَادَ، وَصَامُوا سَبْعَةَ أيَّامٍ حِدَادًا عَلَيْهِمْ. مَاتَ شَاوُلُ بِسَبَبِ عَدَمِ وَفَائِهِ لِلرَّبِّ، حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُطِعْ أمْرَ اللهِ حَتَّى إنَّهُ اسْتَشَارَ عَرَّافَةً لِإرْشَادِهِ، وَلَمْ يستَشِرِ اللهَ ، فَأمَاتَهُ اللهُ ، وَنُقِلَ الحُكْمُ إلَى دَاوُدَ بْنِ يَسَّى. ثُمَّ اجتَمَعَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَ دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ وَقَالُوا: «نَحْنُ لَحْمُكَ وَدَمُكَ. وَنَحْنُ نَعْرِفُ أنَّكَ أنْتَ الَّذِي قُدْتَ إسْرَائِيلَ فِي مَعَارِكِهَا، حَتَّى فِي المَاضِي عِنْدَمَا كَانَ شَاوُلُ مَلِكًا عَلَيْنَا. فَقَالَ لَكَ إنَّكَ سَتَرْعَى شَعْبِي إسْرَائِيلَ، وَسَتَكُونُ حَاكِمًا عَلَى شَعْبِي إسْرَائِيلَ.» جَاءَ كُلُّ قَادَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى المَلِكِ فِي حَبْرُونَ، وَقَطَعَ دَاوُدُ مَعَهُمْ عَهْدًا فِي حَضْرَةِ اللهِ . ثُمَّ مَسَحَ القَادَةُ دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ كَمَا قَالَ اللهُ سَابِقًا عَلَى فَمِ صَمُوئِيلَ. وَذَهَبَ دَاوُدُ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، أيْ يَبُوسَ، حَيْثُ كَانَ اليَبُوسِيُّونَ، وَهُمْ سُكَّانُ الأرْضِ الأصلِيُّونَ، مَا زَالُوا يَسْكُنُونَ. فَقَالَ أهْلُ يَبُوسَ لِدَاوُدَ: «لَا يُمْكِنُكَ أنْ تَدْخُلَ مَدِينَتَنَا.» لَكِنَّ دَاوُدَ اسْتَوْلَى عَلَى حِصْنِ صِهْيَوْنَ، الَّذِي يُدْعَى الآنَ: «مَدِينَةَ دَاوُدَ.» وَقَالَ دَاوُدُ: «سَأُعَيِّنُ أوَّلَ مَنْ يُهَاجِمُ اليَبُوسِيِّينَ رَئِيسًا وَآمِرًا لِلجَيْشِ.» فَصَعِدَ يُوآبُ بْنُ صُرُوِيَّةَ أوَّلًا فَصَارَ رَئِيسًا. وَجَعَلَ دَاوُدُ الحِصْنَ مَسْكَنًا لَهُ، لِذَلِكَ سُمِّيَ مَدِينَةَ دَاوُدَ. وَبَنَى دَاوُدُ المَدِينَةَ مِنْ كُلِّ جَوَانِبِهَا، مِنَ مِلُّو فَمَا حَوْلَهَا. وَرَمَّمَ يُوآبُ بَقِيَّةَ المَدِينَةِ. وَكَانَتْ قُوَّةُ دَاوُدَ تَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيئًا، لِأنَّ اللهَ القَدِيرَ كَانَ مَعَهُ. هَؤُلَاءِ هُمْ قَادَةُ دَاوُدَ المُحَارِبُونَ الَّذِينَ دَعَمُوهُ لجَعلِهِ مَلِكًا عَلَى كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ، حَسَبَ كَلَامِ اللهِ بِخُصُوصِ إسْرَائِيلَ. وَهَذِهِ قَائِمَةٌ بِمُحَارِبِي دَاوُدَ: يَشُبَعَامُ بْنُ حَكْمُونِي، رَئِيسُ قُوَّاتِ المَلِكِ الخَاصَّةِ. وَقَدِ اسْتَخْدَمَ رُمْحَهُ ضِدَّ ثَلَاثِ مِئَةِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا فِي مَعْرَكَةٍ وَاحِدَةٍ. وَيأتِي بَعْدَهُ مَرتَبَةً ألِعَازَارُ بْنُ دُودُو الأخُوخِيُّ، وَهُوَ أحَدُ المُحَارِبِينَ الثَّلَاثَةِ. وَكَانَ مَعَ دَاوُدَ فِي فَسَّ دَمِّيمَ عِنْدَمَا احتَشَدَ الفِلِسْطِيُّونَ هُنَاكَ لَلمَعرَكَةِ. وَكَانَ جُزءٌ مِنَ الحَقْلِ مَملُوءًا بِالشَّعِيرِ، وَكَانَ الشَّعْبُ قَدْ هَرَبَ مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ، لَكِنَّ ألِعَازَرَ وَرِجَالَهُ أخَذُوا مَوَاقِعَهُمْ فِي مُنْتَصَفِ الحَقْلِ، وَدَافَعُوا عَنْهُ، وَهَزَمُوا الفِلِسْطِيِّينَ. وَهَكَذَا حَقَّقَ اللهُ نَصْرًا عَظِيمًا. وَذَاتَ مَرَّةٍ، زَحَفَ رُؤَسَاءُ الفِرَقِ الثُّلَاثِيَّةِ طُولَ الطَّرِيقِ إلَى دَاوُدَ فِي المَلْجَأِ، فِي كَهْفِ عَدُلَّامَ، بَيْنَمَا كَانَ الفِلِسْطِيُّونَ يُعَسْكِرُونَ فِي وَادِي رَفَايِيمَ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، كَانَ دَاوُدُ فِي الحِصْنِ الجَبَلِيِّ، بَيْنَمَا كَانَتْ حَامِيَةٌ فِلِسْطِيَّةٌ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. وَقَالَ دَاوُدُ بِحَنِينٍ: «أتَمَنَّى لَوْ يُعْطِيَني أحَدٌ بَعْضَ المَاءِ مِنَ البِئْرِ الَّتِي بِالقرُبِ مِنْ بوَّابَةِ بَيْتِ لَحْمٍ!» فَشَقَّ الأبطَالُ الثَّلَاثَةُ طريقَهُمْ عَبْرَ صُفوفِ الجَيْشِ الفِلِسْطيِّ، وَنَشَلُوا بَعْضَ المَاءِ مِنَ البِئْرِ الَّتِي بِالقُرْبِ مِنْ بوَّابةِ بَيْتِ لَحْمٍ، وَجَاءُوا بِهِ إلَى دَاوُدَ. فَرَفَضَ أنْ يَشْرَبَ مِنْهُ، بَلْ سَكبَهُ تَقْدِمَةً للهِ . وقَالَ: «لَا سَمَحَ اللهُ ! كَيْفَ أشْرَبُ مِنْ هَذَا المَاءَ. فَكأنَّني أشْرَبُ دَمَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الَّذِينَ خَاطَرُوا بِحَيَاتِهِمْ مِنْ أجْلِي.» فَرَفَضَ دَاوُدُ أنْ يَشْرَبَ المَاءَ. وَقَدْ فَعَلَ الأبطَالُ الثَّلَاثَةُ كَثِيرًا مِنَ البُطُولَاتِ. وَكَانَ أبِيشَايُ أخُو يُوآبَ قَائِدَ الأبْطَالِ الثَّلَاثةِ. حَارَبَ بِرُمْحِهِ ثَلَاثَ مِئَةِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُمْ، فَذَاعَ صِيتُهُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ. وَكَانَ أبِيشَايُ أشْهَرَ مِنَ الأبطَالِ الثَّلَاثةِ. وَصَارَ قَائِدًا عَلَيْهِمْ، مَعَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. ثُمَّ هُنَاكَ بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ، وَهُوَ ابْنُ رجُلٍ قوِيٍّ مِنْ قَبْصِيئيلَ. قَامَ بَنَايَاهُو بِأعْمَالٍ شُجَاعةٍ كَثِيرةٍ. فَقَتَلَ ابْنَيْ آرِيلَ المُوآبي. وَفِي أحَدِ الأيَّامِ، بَيْنَمَا كَانَ الثَّلْجُ يتسَاقَطُ، دَخَلَ بَنَايَاهُو حُفْرَةً فِي الأرْضِ وَقَتَلَ أسَدًا. وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ المِصْرِيَّ الَّذِي بَلَغَ طُولُهُ خَمْسَ أذْرُعٍ. كَانَ المِصْريُّ يَحْمِلُ فِي يدِهِ رُمْحًا، أمَّا بَنَايَاهُو فَكَانَ يَحْمِلُ عَصًا ليسَ إلَّا. فَخَطَفَ الرُّمحَ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ المِصْريِّ وَأخَذَهُ منْهُ. ثُمَّ قَتَلَ بَنَايَاهُو المِصْريَّ برُمْحِهِ هُوَ. قَامَ بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ بِأعْمَالٍ كَثِيرةٍ شُجَاعةٍ كَهَذِهِ. وَكَانَ مَشْهورًا كَالأبْطَالِ الثَّلَاثَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُصبِحْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. بَلْ إنَّهُ كَانَ أكثرَ شُهرةً مِنَ الأبْطَالِ الثّلَاثين لكِنَّهُ لَمْ يُصْبِحْ وَاحِدًا مِنَ الأبطَالِ الثَّلَاثَةِ. وَقدْ جَعَلَ دَاوُدَ بَنَايَاهُو قَائِدَ حَرَسِهِ الخَاصِّ. وَالمُحَارِبُونَ الشُّجعَانُ هُمْ: عَسَائِيلُ أخُو يُوآبَ، وَألْحَانَانُ بْنُ دُودُو مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ، وَشَمُّوتُ الهَرُورِيُّ، وَحَالَصُ الفَلُونِيُّ، وَعِيرَا بْنُ عِقِّيشَ التَّقُوعِيِّ، وَأبِيعَزَرُ العَنَاثُوثِيُّ، وَسِبْكَايُ الحُوشَاتِيُّ، وَعِيلَايُ الأخُوخِيُّ، وَمَهْرَايُ النَّطُوفَاتِيُّ، وَخَالِدُ بْنُ بَعْنَةَ النَّطُوفَاتِيُّ، وَإتَّايُ بْنَ رِيبَايَ مِنْ جِبْعَةِ بَنْيَامِينَ، وَبَنَايَا الفَرْعَتُونِيُّ، وَحُورَايُ مِنْ أودِيَةِ جَاعَشَ، وَأبِيئِيلُ العَرَبَاتِيُّ، وَعَزْمُوتُ البَحْرُومِيُّ، وَإلْيَحْبَا الشَّعَلْبُونِيُّ، وَأبْنَاءُ هَاشِمَ الجَزُونِيَّ، وَيُونَاثَانُ بْنُ شَاجَايَ الهَرَارِيِّ، وَأخِيآمُ بْنُ سَاكَارَ الهَرَارِيُّ، وَألِيفَالُ بْنُ أُورَ، وَحَافِرُ المَكِيرَاتِيُّ، وَأخِيَا الفَلُونِيُّ، وَحَصْرُو الكَرْمِلِيُّ، وَنَعْرَايُ بْنُ أزْبَايَ، وَيُوئِيلُ أخُو نَاثَانَ، وَمِبْحَارُ بْنُ هَجْرِي، وَصَالِقُ العَمُّونِيُّ، وَنَحْرَايُ البَئِيرُوتِيُّ – وَهُوَ حَامِلُ سِلَاحِ يُوآبَ بْنِ صُرُوِيَّةَ – وَعِيرَا اليَثْرِيُّ، وَجَارِبُ اليَثْرِيُّ، وَأُورِيَّا الحِثِّيُّ، وَزَابَادُ بْنُ أحلَايَ، وَعَدِينَا بْنُ شِيزَا الرَأُوبَيْنِيُّ – وَهُوَ مِنْ رُؤَسَاءِ الرَأُوبَيْنِيِّينَ، وَمَعَهُ ثَلَاثُونَ – وَحَانَانُ بْنُ مَعْكَةَ، وَيُوشَافَاطُ المِثْنِيُّ، وَعُزِّيَّا العَشْتَارُوثِيُّ، وَشَامَاعُ وَيَعُوئيلُ ابْنَا حُوثَامَ العَرُوعِيرِيُّ، وَيَدِيعَئِيلُ بْنُ شَمْرِي، وَأخُوهُ يُوحَا التَّيصِيُّ، وَإيلِيئِيلُ المَحوِيُّ، وَيَرِيبَايُ وَيُوشُويَا ابْنَا ألْنَعَمَ، وَيِثْمَةُ المُوآبِيُّ، وَإيلِيئِيلُ، وَعُوبِيدُ، وَيَعِسِيئِيلُ المَصُوبَاوِيُّ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ أتَوْا إلَى دَاوُدَ فِي صِقلَعَ، وَهُوَ بَعْدُ مُختَبِئٌ خَوْفًا مِنَ المَلِكِ شَاوُلَ بْنِ قَيسٍ. وَهُمْ مِنْ بَيْنِ المُحَارِبِينَ الَّذِينَ أعَانُوهُ فِي القِتَالِ. كَانُوا رُمَاةَ سِهَامٍ، بِمَقْدُورِهِمْ أنْ يَرْمُوا سِهَامًا وَحِجَارَةَ مَقَالِعَ بِاليَدِ اليُمْنَى وَاليُسْرَى أيْضًا. كَانُوا رِجَالًا مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ الَّتِي يَنْتَمِي إلَيْهَا قَيسٌ. الرَّئِيسُ أخِيعَزَرُ وَيُوآشُ ابْنَا شَمَاعَةَ الجِبْعِيِّ، وَيَزُوئِيلُ وَفَالَطُ ابْنَا عَزْمُوتَ، وَبَرَاخَةُ وَيَاهُو العَنَاثُوثِيُّ، وَيَشْمَعْيَا الجَبْعُونِيُّ – وَهُوَ مُحَارِبٌ بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَآمِرٌ عَلَيْهِمْ – وَيَرْمِيَا وَيَحْزِيئِيلُ وَيُوحَانَانُ وَيُوزَابَادُ الجَدِيرِيُّ، وَإلْعُوزَايُ وَيَرِيمُوثُ وَبَعلِيَا وَشَمَرْيَا وَشَفَطْيَا الحَرُوفِيُّ وَألْقَانَةُ وَيَشِيَّا وَعَزْرِيئِيلُ وَيُوعَزَرُ وَيَشُبَعَامُ القُورَحِيُّونَ، وَيُوعِيلَةُ وَزَبَدْيَا ابْنَا يَرُوحَامَ مِنْ جَدُورَ. وَانْفَصَلَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ عَنِ الجَادِيِّينَ، وَانضَمُّوا إلَى دَاوُدَ فِي الحِصْنِ فِي البَرِّيَّةِ، وَهُمْ مُحَارِبُونَ شُجْعَانٌ، مُدرَّبُونَ عَلَى القِتَالِ، وَمَاهِرُونَ فِي اسْتِخدَامِ التُّرْسِ وَالرُّمْحِ. كَانَتْ لَهُمْ شَرَاسَةُ الأُسُودِ وَرَشَاقَةُ الظِّبَاءِ وَسُرْعَتُهُم عَلَى الجِبَالِ: عَازَرُ الرَّئِيسُ، وَالثَّانِي عُوبَدْيَا، وَالثَّالِثُ ألِيآبُ، وَالرَّابِعُ مِشْمِنَّةُ، وَالخَامِسُ يَرَمْيَا، وَالسَّادِسُ عَتَّايُ، وَالسَّابِعُ إيلِيئِيلُ، وَالثَّامِنُ يُوحَانَانُ، وَالتَّاسِعُ ألزَابَادُ، وَالعَاشِرُ يَرَمْيَا، وَالحَادِي عَشَرَ مَخبَنَايُ. كَانَ هَؤُلَاءِ الجَادِيُّونَ رُؤَسَاءَ الجَيْشِ، وَكَانَ أقَلُّ هَؤُلَاءِ رَئِيسًا لِمِئَةٍ، وَأعْظَمُهُمْ رَئِيسًا لِألْفٍ. هَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ عَبَرُوا نَهْرَ الأُرْدُنِّ فِي الشَّهْرِ الأوَّلِ عِنْدَمَا كَانَ فَائِضًا عَلَى جَمِيعِ ضِفَافِهِ، وَطَارَدُوا كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الوَادِي شَرْقًا وَغَرْبًا. وَجَاءَ رِجَالٌ آخَرُونَ مِنْ بَنْيَامِينَ وَيَهُوذَا أيْضًا إلَى دَاوُدَ فِي الحِصْنِ. فَخَرَجَ دَاوُدُ لِاسْتِقْبَالِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «إنْ كُنْتُمْ قَدْ جِئْتُمْ إلَيَّ فِي سَلَامٍ لِتُسَاعِدُونِي، فَإنَّهُ يُسْعِدُنِي أنْ تَنْضَمُّوا إلَيَّ. أمَّا إذَا جِئْتُمْ إلَيَّ لِكَي تَبِيعُونِي لِأعْدَائِي، مَعَ أنِّي لَمْ أُسِئْ إلَيكُمْ، فَلَيتَ إلَهَ آبَائِنَا يَنْظُرُ وَيُجَازِيكُمْ.» حِينَئِذٍ حَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى عَمَاسَايَ، رَئِيسِ المحَارِبينَ الشجعَانِ الثَّلَاثِينَ، وَقَالَ: «نَحْنُ فِي صَفِّكَ يَا دَاوُدُ! نَحْنُ مَعَكَ يَا ابْنَ يَسَّى! فَسَلَامٌ لَكَ، وَسَلَامٌ لِمَنْ يُعِينُونَكَ! لِأنَّ إلَهَكَ قَدْ أعَانَكَ.» فَرَحَّبَ بِهِمْ دَاوُدُ وَوَضَعَهُمْ بَيْنَ قَادَةِ جُنُودِهِ المُغِيرِينَ. وَجَاءَ بَعْضُ الرِّجَالِ أيْضًا مِنْ مَنَسَّى وَانضَمُّوا إلَى دَاوُدَ عِنْدَمَا خَرَجَ مَعَ الفِلِسْطِيِّينَ فِي القِتَالِ ضِدَّ شَاوُلَ. لَكِنَّ دَاوُدَ لَمْ يُسَاعِدِ الفِلِسْطِيِّينَ، لِأنَّ سَادَةَ الفِلِسْطِيِّينَ صَرَفُوهُ بِعْدَ التَّشَاوُرِ مَعًا وَهُمْ يَقُولُونَ لِأنْفُسِهِمْ: «سَيَفِرُّ إلَى سَيِّدِهِ شَاوُلَ، وَسَيُكَلِّفُنَا ذَلِكَ حَيَاتَنَا.» وَعِنْدَمَا ذَهَبَ إلَى صِقلَعَ انضَمَّ إلَيْهِ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ مِنْ مَنَسَّى هُمْ عَدْنَاحُ وَيُوزَابَادُ وَيَدِيعَئِيلُ وَمِيخَائِيلُ وَيُوزَابَادُ وَألِيهُو وَصِلْتَايُ وَكَانُوا رُؤَسَاءَ آلَافٍ فِي مَنَسَّى. وَأعَانُوا دَاوُدَ عَلَى فِرْقَةِ المُغِيرِينَ، إذْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُحَارِبِينَ شُجْعَانًا، وَصَارُوا قَادَةً فِي الجَيْشِ. وَكَانَ الرِّجَالُ يأتُونَ إلَى دَاوُدَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ لِيُعِينُوهُ، إلَى أنْ صَارَ هُنَاكَ جَيْشٌ عَظِيمٌ كَجَيْشِ اللهِ. وَهَذِهِ هِيَ أعدَادُ الرِّجَالِ المُهَيَّئِينَ لِلخِدْمَةِ العَسْكَرِيَّةِ، الَّذِينَ جَاءُوا إلَى دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ لِكَي يُبَايِعُوهُ عَلَى نَقلِ مَمْلَكَةِ شَاوُلَ إلَيْهِ كَمَا قَالَ اللهُ : رِجَالُ يَهُوذَا، حَمَلَةُ التُّرْسِ وَالرُّمْحِ، سِتَّةُ آلَافٍ وَثَمَانِي مِئَةٍ مُهَيَّئِينَ لِلخِدْمَةِ العَسْكَرِيَّةِ. مِنْ رِجَالِ شِمْعُونَ، مُحَارِبُو الجَيْشِ الشُّجْعَانُ، سَبْعَةُ آلَافٍ وَمِئَةٍ. مِنْ رِجَالِ لَاوِي، أرْبَعَةُ آلَافٍ وَسِتُّ مِئَةٍ. وَيَهُويَادَاعُ، رَئِيسُ عَائِلَةِ هَارُونَ، وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ. وَصَادُوقُ، وَهُوَ مُحَارِبٌ شَابٌّ، مَعَ اثنَيْنِ وَعِشْرِينَ قَائِدًا مِنْ عَائِلَتِهِ. مِنْ رِجَالِ بَنْيَامِينَ، أهْلِ شَاوُلَ، ثَلَاثَةُ آلَافٍ بَقِيَ مُعظَمُهُمْ مُوالِيًا لِعَائِلَةِ شَاوُلَ حَتَّى ذَلِكَ الحِينِ. وَمِنْ رِجَالِ أفْرَايِمَ، عِشْرُونَ ألْفًا وَثَمَانِي مِئَةِ مُحَارِبٍ شَجَاعٍ، وَهُمْ رِجَالٌ بَارِزُونَ فِي عَائِلَاتِهِمْ. مِنْ نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ألْفًا عُيِّنُوا بِالِاسْمِ لِكَي يَأْتُوا وَيُبَايِعُوا دَاوُدَ مَلِكًا. مِنْ رِجَالِ يَسَّاكَرَ، رِجَالٌ فَهِمُوا الأوقَاتَ، وَكَانُوا يَعْرِفُون مَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَلَهُ إسْرَائِيلُ، مِئَتَا رَئِيسٍ وَكُلُّ أقَارِبِهِمُ الَّذِينَ تَحْتَ إمْرَتِهِمْ. مِنْ رِجَالِ زَبُولُونَ، رِجَالٌ لَائِقُونَ لِلخِدْمَةِ، وَمُسْتَعِدُّونَ لِلقِتَالِ بِكُلِّ أنْوَاعِ الأسلِحَةِ، خَمْسُونَ ألْفًا جَاءُوا مَعًا مُوَحَّدِينَ فِي الرَّأيِ. وَمِنْ نَفْتَالِي، ألفُ قَائِدٍ، وَمَعَهُمْ سَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مُحَارِبًا مُسَلَّحًا بِالتُّرْسِ وَالرُّمْحِ. وَمِنَ الدَّانِيِّينَ، ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا وَسِتُّ مِئَةٍ لِلقِتَالِ. وَمِنْ أشِيرَ، رِجَالٌ لَائِقُونَ لِلخِدْمَةِ، مُهَيَّئُونَ لِلمَعْرَكَةِ، أرْبَعُونَ ألْفًا. وَمِنَ الجَانِبِ الآخَرِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، مِنَ الرَأُوبَيْنِيِّينَ، وَالجَادِيِّينَ، وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، مِئَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا مُسَلَّحُونَ بِكُلِّ أنْوَاعِ السِّلَاحِ. جَاءَ كُلُّ هَؤُلَاءِ المُحِارِبِينَ الَّذِينَ تَجَمَّعُوا فِي تَشْكِيلَةِ قِتَالٍ إلَى حَبْرُونَ مُوَحَّدِي الرَّأيِ عَلَى تَنْصِيبِ دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى كُلِّ إسْرَائِيلَ، وَكَانَتْ بَقِيَّةُ إسْرَائِيلَ مُوَحَّدَةَ الرَّأيِ أيْضًا عَلَى تَنْصِيبِ دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى كُلِّ إسْرَائِيلَ، وَمَكَثُوا هَنَاكَ مَعَ دَاوُدَ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، لِأنَّ أقَارِبَهُمْ زَوَّدُوهُمْ بِالطَّعَامِ. وَجَاءَ أيْضًا جِيرَانُهُمْ حَتَّى مِنْ يَسَّاكَرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي، يَحْمِلُونَ طَعَامًا عَلَى الحَمِيرِ وَالجِمَالِ وَالبِغَالِ وَالثِّيرَانِ: مُؤَنًا مِنْ طَحِينٍ، وَكَعْكِ تِينٍ، وَنَبِيذٍ وَزَيْتٍ، وَثِيرَانٍ وَخِرَافٍ بِأعدَادٍ كَبِيرَةٍ، إذْ كَانَ هُنَاكَ فَرَحٌ فِي إسْرَائِيلَ. وَاسْتَشَارَ دَاوُدُ قَادَةَ الأُلُوفِ وَالمِئَاتِ وَجَمِيعَ مُسْتَشَارَيهِ. وَقَالَ لِكُلِّ جَمَاعَةِ إسْرَائِيلَ: «إنِ اسْتَحْسَنْتُمْ هَذَا الأمْرَ، وَكَانَتْ هَذِهِ هِيَ إرَادَةَ ، فَلْنُرْسِلْ رُسُلًا إلَى بِقِيَّةِ أقْرِبَائِنَا فِي كُلِّ أرَاضِي إسْرَائِيلَ، بِمَنْ فِيهِمُ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ فِي مُدُنِ مَرَاعِيهِمْ، لِكَي يَأْتُوا وَيَنْضَمُّوا إلَينَا. وَلْنَسْتَرْجِعْ صُنْدُوقَ عَهْدِ إلَهِنَا، لِيَكُونَ بَيْنَنَا، لِأنَّنَا أهْمَلْنَاهُ فِي عَهْدِ شَاوُلَ.» فَوَافَقَتِ الجَمَاعَةُ كُلُّهَا عَلَى ذَلِكَ، لِأنَّ الفِكْرَةَ بَدَتْ لَهُمْ صَحِيحَةً. فَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ إسْرَائِيلَ مِنْ نَهْرِ شِيحُورَ فِي مِصْرٍ إلَى لِبُو حَمَاةَ، لِكَي يُحضِرُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مِنْ قِرْيَاتَ يَعَارِيمَ. وَصَعِدَ دَاوُدُ وَكُلُّ إسْرَائِيلَ إلَى بَعلَةَ – أيْ قِرْيَاتَ يَعَارِيمَ الوَاقِعَةِ فِي يَهُوذَا – لِكَي يُحضِرُوا مِنْ هُنَاكَ الصُّنْدُوقَ الَّذِي يُدْعَى عَلَيْهِ اسْمُ اللهِ، يهوه مَنْ عَرْشُهُ فَوْقَ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ. فَحَمَلُوا صُنْدُوقَ العَهْدِ مِنْ بَيْتِ أبِينَادَابَ عَلَى عَرَبَةٍ جَدِيدَةٍ. وَكَانَ عُزَّا وَأخِيُو يَقُودَانِ العَرَبَةَ. وَكَانَ دَاوُدُ وَكُلُّ إسْرَائِيلَ يَحْتَفِلُونَ بِحَمَاسَةٍ كَبِيرَةٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ بِتَرَانِيمَ وَقَيَاثِيرَ وَرَبَابٍ وَدُفُوفٍ وَصُنُوجٍ وَأبْوَاقٍ. فَلمَّا وَصَلُوا إلَى بَيْدَرِ كِيدُونَ، تَعَثَّرَتِ الأبْقَارُ. فَمَدَّ عُزَّا يَدَهُ لِيُثَبِّتَ الصُّنْدُوقَ لِئَلَّا يَقَعَ. فَغَضِبَ اللهُ مِنْ عُزَّا، وَأمَاتَهُ لِأنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الصُّنْدُوقِ. فَمَاتَ عُزَّا هُنَاكَ فِي حَضْرَةِ اللهِ. وَاسْتَاءَ دَاوُدُ لِأنَّ اللهَ أطلَقَ غَضَبَهُ عَلَى عُزَّا. وَلِهَذَا فَإنَّ ذَلِكَ المَكَانَ يُدْعَى «فَارَصَ عُزَّا» حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. فَخَافَ دَاوُدُ مِنَ اللهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: «كيفَ أُحْضِرُ صُنْدوقَ اللهِ المُقَدَّسَ إلَى هُنَا؟» فَلَمْ يُدْخِلْ دَاوُدُ الصُّنْدُوقَ مَعَهُ إلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، بَلْ وَضَعَهُ فِي بَيْتِ عُوبِيدَ أدُومَ الجِتِّيِّ. وَبَقِيَ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ عِنْدَ عَائِلَةِ عُوبِيدَ أدُومَ فِي بَيْتِهِ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أشْهُرٍ. فَبَارَكَ اللهُ عَائِلَةَ عُوبِيدَ أدُومَ وَكُلَّ مَا يَخُصُّهُمْ. وَأرْسَلَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورٍ رُسُلًا إلَى دَاوُدَ مَعَ خَشَبِ أرزٍ، وَبَنَّائِينَ، وَنَجَّارِينَ لِكَي يَبْنُوا لَهُ بَيْتًا. وَتَيَقَّنَ أنَّ اللهَ قَدْ ثَبَّتَهُ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ، لِأنَّ مَملَكَتَهُ صَارَتْ قَوِيَّةً جِدًّا، مِنْ أجْلِ شَعْبِهِ إسْرَائِيلَ. وَاتَّخَذَ دَاوُدُ لِنَفْسِهِ مَزِيدًا مِنَ الزَّوْجَاتِ فِي القَدْسِ، وَأنْجَبَ مَزِيدًا مِنَ الأبْنَاءِ وَالبَنَاتِ. وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ أبْنَائِهِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي القُدْسِ، شَمُّوعُ وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيمَانُ وَيِبْحَارُ وَألِيشُوعُ وَألِفَالَطُ وَنُوجَهُ وَنَافَجُ وَيَافِيعُ وَألِيشَمَعُ وَبَعَلْيَادَاعُ وَألِيفَلَطُ. وَسَمِعَ الفِلِسْطِيُّونَ أنَّ دَاوُدَ مُسِحَ بِالزَّيْتِ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ كُلِّهَا. فَصَعِدَ الفِلِسْطِيُّونَ كُلُّهُمْ بَحْثًا عَنْ دَاوُدَ. وَسَمِعَ دَاوُدُ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ لِمُلَاقَاتِهِمْ. وَكَانَ الفِلِسْطِيُّونَ قَدْ جَاءُوا وَأغَارُوا عَلَى وَادِي رِفَائِيِمَ، فَسَألَ دَاوُدُ اللهَ: «هَلْ أصْعَدُ لِمُحَارَبَةِ الفِلِسْطِيِّينَ؟ وَهَلْ سَتُعِينُنِي عَلَى هَزِيمَتِهِمْ؟» فَقَالَ لَهُ اللهُ : «نَعَمْ، اذهَبْ لِمُحَارَبَتِهِمْ، وَسَأُعِينُكَ عَلَى هَزِيمَتِهِمْ.» فَذَهَبَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ لِمُحَارَبَتِهِمْ فِي بَعلِ فَرَاصِيمَ، وَهَزَمَهُمْ دَاوُدُ هُنَاكَ. فَقَالَ دَاوُدُ: «اختَرَقَ اللهُ بِي أعْدَائِي كَمَا تَخْتَرِقُ السُّيُولُ سَدًّا.» وَلِهَذَا سُمِّيَ ذَلِكَ المَكَانُ «بَعلَ فَرَاصِيمَ.» وَتَرَكَ الفِلِسْطِيُّونَ هُنَاكَ تَمَاثِيلَ آلِهَتِهِمْ، فَأمَرَ دَاوُدُ بِإحرَاقِهَا. وَأغَارَ الفِلِسْطِيُّونَ عَلَى الوَادِي مَرَّةً أُخْرَى. وَصَلَّى دَاوُدُ إلَى اللهِ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ لَهُ اللهُ: «لَا تَهْجُمْ عَلَيْهِمْ مُواجَهَةً، بَلْ دُرْ حَوْلَهُمْ وَاهجُمْ عَلَيْهِمْ مِنْ نَاحِيَةِ أشْجَارِ البَلَسَانِ. وَعِنْدَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ خُطَوَاتٍ فِي أعَلَى أشْجَارِ البَلَسَانِ، حِينَئِذٍ، اخرُجْ لِلقِتَالِ، لِأنَّ اللهَ خَارِجٌ أمَامَكَ لِهَزِيمَةِ جَيْشِ الفِلِسْطِيِّينَ.» فَفَعَلَ دَاوُدُ كَمَا أمَرَهُ اللهُ، فَهَزَمَ دَاوُدُ وَجَيْشُهُ الجَيْشَ الفِلِسْطِيَّ مِنْ جَبْعُونَ إلَى جَازَرَ. وَذَاعَ صِيتُ دَاوُدَ فِي جَمِيعِ البِلَادِ، فَجَعَلَ اللهُ كُلَّ الأُمَمِ تَهَابُهُ. وَبَنَى دَاوُدُ بِنَايَاتٍ لِنَفْسِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، ثُمَّ أعَدَّ مَكَانًا لِصُنْدُوقِ اللهِ، وَنَصَبَ خَيْمَةً لَهُ. ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ: «لَا يَنْبَغِي أنْ يَحْمِلَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ غَيْرُ اللَّاوِيِّينَ، لِأنَّ اللهَ اخْتَارَهُمْ لِكَي يَحْمِلُوا صُنْدُوقَ اللهِ وَيَخْدِمُوهُ لِلأبَدِ.» فَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ إسْرَائِيلَ فِي القُدْسِ لِكَي يُصْعِدُوا صُنْدُوقَ اللهِ إلَى مَكَانِهِ الَّذِي أعَدَّهُ لَهُ. وَجَمَعَ دَاوُدُ بَنِي هَارُونَ وَاللَّاوِيِّينَ: مِنْ بَنِي قَهَاتَ: أُورِيئِيلَ الرَّئِيسَ وَمِئَةً وَعِشْرِينَ مِنْ أقَارِبِهِ. مِنْ بَنِي مَرَارِي: عَسَايَا الرَّئِيسَ وَمِئَتَيْنِ وَعِشْرِينَ مِنْ أقَارِبِهِ. مِنْ بَنِي جَرْشُومَ: يُوئِيلَ الرَّئِيسَ وَمِئَةً وَثَلَاثِينَ مِنْ أقَارِبِهِ. مِنْ بَنِي ألِيصَافَانَ: شَمَعْيَا الرَّئِيسَ وَمِئَتَيْنِ مِنْ أقَارِبِهِ. مِنْ بَنِي حَبْرُونَ: إيلِيئِيلَ الرَّئِيسَ وَثَمَانِينَ مِنْ أقَارِبِهِ. مِنْ بَنِي عُزِّيئِيلَ: عَمِّينَادَابَ الرَّئِيسَ وَمِئَةً وَاثنَيْ عَشَرَ مِنْ أقَارِبِهِ. ثُمَّ اسْتَدْعَى دَاوُدُ صَادُوقَ وَأبِيَاثَارَ الكَاهِنَينِ، وَأُورِيئِيلَ وَعَسَايَا وَيُوئِيلَ وَشَمَعْيَا وَإيلِيئِيلَ وَعَمِّينَادَابَ اللَّاوِيِّينَ. وَقَالَ لَهُمْ: «أنْتُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ اللَّاوِيِّينَ. فَعَلَيكُمْ أنْتُمْ وَأقْرِبَاؤُكُمْ أنْ تَتَطَهَّرُوا، لِكَي تُصْعِدُوا صُنْدُوقَ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، إلَى المَكَانِ الَّذِي أعْدَدْتُهُ لَهُ. لِأنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا مَعْنَا فِي المَرَّةِ الأُولَى، وَقَعَ غَضَبُ عَلَيْنَا، لِأنَّنَا لَمْ نَطلُبْ مِنْهُ أنْ يعلِّمَنَا الطريقةَ السَّلِيمةَ لنقلِ الصُّنْدُوقِ.» فَطَهَّرَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ أنْفُسَهُمْ، لِكَي يُصْعِدُوا صُنْدُوقَ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. فَحَمَلَ اللَّاوِيُّونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ عَلَى أكتَافِهِمْ مُسْتَخْدِمِينَ العِصِيَّ كَمَا سَبَقَ أنْ أمَرَ مُوسَى، حَسَبَ تَعْلِيمَاتِ اللهِ . وَطَلَبَ دَاوُدُ أيْضًا إلَى رُؤَسَاءِ اللَّاوِيِّينَ أنْ يُقِيمُوا أقَارِبَهُمُ المُرَنِّمِينَ، لِيَرْفَعُوا أصْوَاتَهُمُ ابْتِهَاجًا بِمُصَاحَبَةِ آلَاتٍ مُوسِيقِيَّةٍ: رَبَابٍ وَقَيَاثِيرَ وَصُنُوجٍ. فَعَيَّنَ اللَّاوِيُّونَ هَيمَانَ بْنَ يُوئِيلَ، وَمِنْ أقَارِبِهِ آسَافَ بْنَ بَرَخْيَا، وَمِنْ أقَارِبِهِمُ المَرَارِيِّينَ إيثَانَ بْنَ قُوشِيَّا. وَيُسَاعِدُهُمْ أقَارِبُهُمْ مِنَ الفِرقَةِ الثَّانِيَةِ زَكَرِيَّا وَيَعْزِيئِيلُ وَشَمِيرَامُوثُ وَيَحِيئِيلُ وَعُنِّي وَألِيآبُ وَبَنَايَا وَمَعَسْيَا وَمَتَّثْيَا وَألِيفَلْيَا وَمَقَنْيَا وَالبَوَّابَانِ عُوبِيدُ أدُومُ وَيَعِيئِيلُ. فَكَانَتْ مَهَمَّةُ المُوسِيقِيِّينَ هَيمَانَ وَآسَافَ وَإيثَانَ أنْ يَقْرَعُوا الصُّنُوجَ. وَمَهَمَّةُ زَكَرِيَّا وَعُزِّيئِيلَ وَشَمِيرَامُوثَ وَيَحِيئِيلَ وَعُنِّي وَألِيآبَ وَمَعَسْيَا وَبَنَايَا أنْ يَرُدُّوا بِالقَيَاثِيرِ وَفْقَ لَحنِ عَلَامُوثَ. وَمَهَمَّةُ مَتَّثْيَا وَألِيفَلْيَا وَمَقَنْيَا وَعُوبِيدَ أدُومَ وَيَعِيئِيلَ وَعَزَرْيَا أنْ يَعْزِفُوا وَفْقَ لَحنِ الشِّمِينِثِ. وَمَهَمَّةُ كَنَنْيَا، قَائِدِ اللَّاوِيِّينَ فِي المُوسِيقَى، أنْ يُوَجِّهَ المُوسِيقَى، لِأنَّهُ كَانَ خَبِيرًا بِهَا. وَكَانَ بَرَخْيَا وَألقَانَةُ بَوَّابَيْنَ لِلصُنْدُوقِ. وَكَذَلِكَ عُوبِيدُ أدُومُ وَيَحِيَّى كَانَا بَوَّابَينِ أيْضًا لِلصُنْدُوقِ. أمَّا مَهَمَّةُ الكَهَنَةِ شَبَنْيَا وَيَهُوشَافَاطَ وَنَثْنَئِيلَ وَعَمَاسَايَ وَزَكَرِيَّا وَبَنَايَا وَألِيعَزَرَ فَهِيَ أنْ يَنْفُخُوا بِالأبْوَاقِ أمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ. وَكَانَ دَاوُدُ وَشُيُوخُ إسْرَائِيلَ، وَقَادَةُ الأُلُوفِ فِي طَرِيقِهِمْ لِإصْعَادِ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ مِنْ بَيْتِ عُوبِيدَ أدُومَ بِابْتِهَاجٍ. وَأعَانَ اللهُ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ . وَذَبَحُوا للهِ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ. وَكَانَ دَاوُدُ وَكُلُّ اللَّاوِيِّينَ الحَامِلِينَ الصُّنْدُوقَ، وَالمُوسِيقِيُّونَ، وَكَنَنْيَا قَائِدُ المُوسِيقَى يَلبَسُونَ أردِيَةً كِتَّانِيَّةً. وَلَبِسَ دَاوُدُ رِدَاءً كِتَّانِيًّا. فَأصْعَدَتْ كُلُّ إسْرَائِيلَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ بِصَيحَاتِ فَرَحٍ، مَعَ صَوْتِ الأصْوَارِ وَالأبْوَاقِ، وَمَعَ الصُّنُوجِ وَالرَبَابِ وَالقَيَاثِيرِ. وَمَعَ دُخُولِ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ إلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، أطَلَّتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ النَّافِذَةِ، فَرَأتْ دَاوُدَ يَقْفِزُ وَيَرْقُصُ، فَاحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا. وَأدخَلُوا صُنْدُوقَ اللهِ، وَوَضَعُوهُ دَاخِلَ الخَيْمَةِ الَّتِي نَصَبَهَا دَاوُدُ لَهُ. وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَتَقْدِمَاتِ سَلَامٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ. وَلَمَّا أكمَلَ دَاوُدُ تَقْدِيمَ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَذَبَائِحِ السَّلَامِ، بَارَكَ الشَّعْبَ بِاسْمِ اللهِ . وَوَزَّعَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ وَامْرَأةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَعْكَ تَمْرٍ وَكَعْكَ زَبِيبٍ. وَعَيَّنَ بَعْضَ اللَّاوِيِّينَ لِيَخْدِمُوا كَخُدَّامٍ أمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ لِكَي يُذِيعَوُا، وَيَشْكُرُوا، وَيُسَبِّحُوا اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ. وَكَانَ آسَافُ يَقُودُ فِرْقَةَ التَّسْبِيحِ، وَزَكَرِيَّا يُسَاعِدُهُ. بَيْنَمَا يُعْزِفُ يَعْزِيئِيلُ وَشَمِيرَامُوثُ وَيَحِيئِيلُ وَمَتَّثْيَا وَألِيآبُ وَبَنَايَا وَعُوبِيدُ أدُومُ وَيَعِيئِيلُ بِرَبَابٍ وَقَيَاثِيرَ. وَيَضْرِبُ آسَافَ الصُّنُوجَ. وَيَنْفُخُ بَنَايَا وَيَحَزْيئِيلُ الأبْوَاقَ بِانْتِظَامٍ أمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَظَمَ دَاوُدُ مَزْمُورَ شُكْرٍ للهِ عَزَفَهُ آسَافُ وَأقْرِبَاؤُهُ: احْمَدُوا اللهَ ، أذِيعُوا اسْمَهُ. خَبِّرُوا الشُّعُوبَ بِمَا صَنَعَ. غَنُّوا لَهُ. رَنِّمُوا لَهُ. وَفِي رَوَائِعِهِ تَأمَّلُوا. تَبَاهَوْا بِاسْمِهِ القُدُّوسِ. وَلْيَفْرَحِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ اللهَ . اطْلُبُوا اللهَ وَقُوَّتَهُ، اطْلُبُوا حُضُورَهُ دَائِمًا. تَذَكَّرُوا الأُمُورَ العَظِيمَةَ الَّتِي أجْرَاهَا، عَجَائِبَهُ وَأحْكَامَهُ الَّتِي نَطَقَ بِهَا. يَا أبْنَاءَ خَادِمِهِ إسْرَائِيلَ، يَا مُخْتَارِيهِ أبْنَاءَ يَعْقُوبَ. يهوه هُوَ إلَهُنَا، أحكَامُهُ فِي كُلِّ الأرْضِ. إلَى الأبَدِ اذْكُرُوا عَهْدَهُ، الكَلَامَ الَّذِي أوصَى بِهِ لِألْفِ جِيلٍ، العَهْدَ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ إبْرَاهِيمَ، وَوَعَدَ بِهِ إسْحَاقَ. ثَبَّتَهُ مَعَ يَعْقُوبَ شَرِيعَةً، وَمَعَ إسْرَائِيلَ عَهْدًا أبَدِيًّا. فَقَالَ: «سَأُعْطِيكَ أرْضَ كَنْعَانَ، فَتَكُونَ مِنْ نَصِيبِكَ.» كَانُوا قَلِيلِينَ وَغُرَبَاءَ فِي الأرْضِ، يَرْتَحِلُونَ مِنْ أُمَّةٍ إلَى أُمَّةٍ، وَمِنْ مَملَكَةٍ إلَى مَملَكَةٍ. فَلَمْ يَسْمَحْ لِأحَدٍ بِأنْ يَظْلِمَهُمْ، بَلْ حَذَّرَ المُلُوكَ مِنْ أجْلِهِمْ. قَالَ لَهُمْ: «لَا تَمَسُّوا مَنْ مَسَحْتُهُمْ، وَلَا تُؤْذُوا أنبِيَائِي!» غَنُّوا للهِ يَا كُلَّ أهْلِ الأرْضِ، حَدِّثُوا بِخَلَاصِهِ يَومًا بَعْدَ يَوْمٍ. أخبِرُوا بِمَجْدِهِ بَيْنَ الشُّعُوبِ. أخبِرُوا كُلَّ النَّاسِ بِعَجَائِبِهِ. لِأنَّ اللهَ عَظِيمٌ وَمُسْتَحِقٌّ لِلتَّسبِيحِ! هُوَ الأكثَرُ مَهَابَةً بَيْنَ جَمِيعِ الآلِهَةِ. لِأنَّ كُلَّ آلِهَةِ الأُمَمِ تَمَاثِيلُ تَافِهَةٌ. أمَّا اللهُ فَهُوَ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاوَاتِ! يُشِعُّ مَجدًا وَكَرَامَةً. وَفِي بَيْتِهِ القُوَّةُ وَالِابْتِهَاجُ. يَا شُعُوبَ الأرْضِ، سَبِّحُوا اللهَ عَلَى مَجْدِهِ وَقُوَّتِهِ. مَجِّدُوا اللهَ لِأجْلِ اسْمِهِ. هَاتُوا تَقْدِمَةً وَادْخُلُوا مَحْضَرَهُ. اعْبُدُوا اللهَ فِي بَهَاءِ قَدَاسَتِهِ. ارتَعِدُوا فِي حَضْرَتِهِ يَا جَمِيعَ سُكَّانِ الأرْضِ. العَالَمُ ثَابِتٌ فِي مَكَانِهِ، لَا تَقْدِرُ قُوَّةٌ أنْ تُزَحْزِحَهُ. لِتَبْتَهِجِ السَّمَاوَاتُ وَلْتَفْرَحِ الأرْضُ، وَلْيُقَلْ بَيْنَ الأُمَمِ: « اللهُ يَمْلُكُ.» لِيَهْدِرِ البَحْرُ وَكُلُّ مَا يَملأُهُ، لِيَبْتَهِجِ الحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ. حِينَئِذٍ، سَتُغَنِّي أشْجَارُ الغَابَةِ بِفَرَحٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ . لِأنَّهُ يأتِي لِيَدِينَ الأرْضَ. سبِّحُوا اللهَ ، لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ. قُولُوا: «يَا المُخَلِّصَ أنْقِذْنَا، رُدَّنَا وَأنْقِذْنَا مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ، لِكَي نُقَدِّمَ الشُّكرَ لِاسْمِكَ القُدُّوسِ، وَبِتَرَانِيمِ التَّسبِيحِ نُكرِمُكَ.» مُبَارَكٌ اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ، مِنَ الأزَلِ إلَى الأبَدِ مُسْتَحِقٌ التَّسْبِيحَ. وَقَالَ الشَّعْبُ كُلُّهُ: «آمِينَ!» وَسَبَّحُوا اللهَ . وَتَرَكَ دَاوُدُ آسَافَ وَمُسَاعِدِيهِ هُنَاكَ أمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ لِيَخْدِمُوا أمَامَ الصُّنْدُوقِ دَائِمًا حَسَبَ المُتَطَلَّبَاتِ اليَوْمِيَّةِ. وَبَقِيَ هُنَاكَ أيْضًا عُوبِيدُ آدُومُ وَأقْرِبَاؤُهُ الثَّمَانِيَةُ وَالسِّتُّونَ، وَعُوبِيدُ أدُومُ بْنُ يَدِيثُونَ وَحُوسَةَ، لِيَخْدِمُوا كَبَوَّابِينَ. وَبَقِيَ أمَامَ خَيْمَةِ اجتِمَاعِ اللهِ فِي المُرْتَفَعِ فِي جِبْعُونَ الكَاهِنُ صَادُوقُ وَزُمَلَاؤُهُ الكَهَنَةُ. وَكَانَ مَطلُوبًا مِنْهُمْ أنْ يُقَدِّمُوا تَقْدِمَاتٍ صَاعِدَةً كَامِلَةً للهِ صَبَاحًا وَمَسَاءً عَلَى مَذْبَحِ التَّقْدِمَاتِ الصَّاعِدَةِ، وَفْقَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ اللهِ الَّتِي أمَرَ إسْرَائِيلَ بِاتِّبَاعِهَا. وَبَقِيَ مَعَهُمْ هَيمَانُ، وَيَدُوثُونُ، وَبَقِيَّةُ المُختَارِينَ وَالمُعَيَّنِينَ بِالِاسْمِ لِتَقْدِيمِ التَّسبِيحِ للهِ : «لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ.» وَكَانَ مَعْهُمَا، أيْ مَعَ هَيمَانَ وَيَدُوثُونَ، أبْوَاقٌ وَصُنُوجٌ لِلَّذِينَ يَعْزِفُونَ عَلَيْهَا وَآلَاتٌ لِعَزْفِ تَرَانِيمَ للهِ. وَكَانَ أبْنَاءُ يَدُوثُونَ مَسْؤُولِينَ عَنِ البَوَّابَةِ. ثُمَّ ذَهَبَ الشَّعْبُ كُلُّهُمْ إلَى بُيُوتِهِمْ. وَرَجِعَ دَاوُدُ لِيُبَارِكَ بَيْتَهُ. بَعْدَ أنْ سَكَنَ دَاوُدُ فِي بَيْتِهِ الجَدِيدِ، قَالَ لِلنَّبِيِّ نَاثَانَ: «هَا أنْتَ تَرَى أنِّي أسْكُنُ فِي بَيْتٍ مِنْ خَشَبِ الأرْزِ، بَيْنَمَا يَسْكُنُ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ تَحْتَ خَيْمَةٍ!» فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «نَفِّذْ مَا تُخَطِّطُ لَهُ، لِأنَّ اللهَ مَعَكَ.» لَكِنْ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ نَفْسِهَا قَالَ اللهُ لِنَاثَانَ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِخَادِمِي دَاوُدَ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : لَسْتَ أنْتَ مَنْ سَيَبْنِي لِي هَذَا البَيْتَ لِأسْكُنَ فِيهِ. فَأنَا لَمْ أسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ اليَوْمِ الَّذِي أخرَجْتُ فِيهِ إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ إلَى هَذَا اليَوْمِ. لَكِنِّي كُنْتُ أنتَقِلُ مِنْ خَيْمَةٍ إلَى خَيْمَةٍ، وَمِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ. وَحَيْثُمَا سِرْتُ عَبْرَ كُلِّ إسْرَائِيلَ، هَلْ قُلْتُ يَوْمًا وَلَوْ كَلِمَةً وَاحِدَةً لِأحَدِ قُضَاةِ إسْرَائِيلَ الَّذِينَ أمَرْتُهُمْ بِأنْ يَرْعُوا شَعْبِي: لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتًا مَصْنُوعًا مِنَ خَشَبِ الأرْزِ؟› «وَالْآنَ قُلْ هَذَا لِخَادِمِي دَاوُدَ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: أخَذْتُكَ مِنَ المَرْعَى، مِنْ وَرَاءِ الغَنَمِ، لِتَكُونَ رَئِيسَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ. وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا ذَهَبْتَ، وَهَزَمْتُ أعْدَاءَكَ مِنْ أمَامِكَ. وَسَأجْعَلُ لَكَ شُهْرَةَ العُظَمَاءِ فِي الأرْضِ. وَاخْتَرْتُ مَكَانًا لِشَعْبِي إسْرَائِيلَ، وَزَرَعْتُهُمْ فِيهِ. وَسَيسْكُنُونَ هُنَاكَ وَلَا يُزعِجُهُمْ أحَدٌ فِيمَا بَعْدُ. وَلَنْ يَظْلِمَهُمُ الأشْرَارُ فِيمَا بَعْدُ، كَمَا فِي المَاضِي، عِنْدَمَا عَيَّنْتُ قُضَاةً لِيَقُودُوا شَعْبِي إسْرَائِيلَ. وَسَأُخضِعُ كُلَّ أعْدَائِكَ لَكَ. «‹وَأنَا أقُولُ لَكَ إنَّ اللهَ سَيَبْنِي لَكَ أنْتَ بَيْتًا. وَعِنْدَمَا تَنْتَهِي حَيَاتُكَ وَتَذْهَبُ لِتُدْفَنَ مَعَ آبَائِكَ، حِينَئِذٍ، سَأجْعَلُ أحَدَ أبْنَائِكَ يَخْلِفُكَ. وَسَأجْعَلُ مَملَكَتَهُ قَوِيَّةً. وَهُوَ الَّذِي سَيَبْنِي لِي بَيْتًا، وَسَأجْعَلُ عَرْشَهُ قَائِمًا إلَى الأبَدِ. سَأكُونُ لَهُ أبًا، وَسَيَكُونُ لِي ابْنًا. وَلَنْ أحْجُبَ بَرَكَتِي عَنْهُ، كَمَا حَجَبْتُهَا عَنْ الَّذِي حَكَمَ قَبلَكَ. لَكِنِّي سَأُعَيِّنُكَ فِي بَيْتِي وَمَملَكَتِي إلَى الأبَدِ، وَسَيَكُونُ عَرْشُكَ قَائِمًا إلَى الأبَدِ.›» فَكَلَّمَ نَاثَانُ دَاوُدَ وَفْقَ كُلِّ هَذَا الكَلَامِ وَكُلِّ هَذِهِ الرُّؤْيَا. فَدَخَلَ المَلِكُ دَاوُدُ، وَجَلَسَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَقَالَ: «يَا ، مَنْ أنَا وَمَا هِيَ عَائِلَتِي حَتَّى إنَّكَ أوْصَلْتَني إلَى هَذَا الحَالِ! بَلْ إنَّكَ رَأيْتَ هَذَا قَلِيلًا يَا اللهُ فَأمَرْتَ بِالخِيرِ لِعَائِلَةِ عَبْدِكَ لِزَمَانٍ طَوِيلٍ آتٍ. تَعَامَلْتَ مَعي بِطَريقَةٍ مُمَيَّزَةٍ يَا اللهُ . فَمَاذَا أقُولُ لَكَ بَعْدُ مُقَابِلَ إكْرَامِكَ لِي أنَا خَادِمَكَ دَاوُدَ؟ فَأنْتَ أعْلَمُ بِخَادِمِكَ. يَا اللهُ ، مِنْ أجْلِ عَبْدِكَ وَوِفْقَ قَلْبِكَ، قَدْ فَعَلْتَ كُلَّ هَذِهِ الأعْمَالِ العَظِيمَةِ، وَكَشَفْتَهَا لِي. يَا اللهُ ، نَحْنُ لَمْ نَسْمَعْ طَوَالَ حَيَاتِنَا بِمِثْلِكَ، وَلَا بِإلَهٍ سِوَاكَ! وَأيُّ شَعْبٍ مِثْلُ شَعْبِكَ، بَنِي إسْرَائِيلَ؟ فَهُوَ الشَّعْبُ الوَحيدُ الَّذِي فَدَاهُ اللهُ بِنَفْسِهِ لَيَكُونَ شَعْبَهُ الخَاصَّ، وَأعلَنْتَ اسْمَكَ مِنْ خِلَالِ الأُمُورِ العَظِيمَةِ وَالمَهُولَةِ الَّتِي صَنَعْتَهَا، إذ طَرَدْتْ أُمَمًا أمَامَ شَعْبِكَ الَّذِي فَدَيتَهُ مِنْ مِصْرٍ. وَجَعَلْتَ شَعْبَكَ إسْرَائِيلَ شَعْبًا خَاصًّا لَكَ إلَى الأبَدِ، وَصِرْتَ أنْتَ يَا اللهُ ، إلَهَهُمْ. «وَالْآنَ رَسِّخْ إلَى الأبَدِ يَا اللهُ الكَلَامَ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ مِنْ جِهَةِ خَادِمِكَ وَنَسْلِهِ. حَقِّقْ وَعْدَكَ. حينَئِذٍ يَتَكرَّمُ اسْمُكَ إلَى الأبَدِ، إذْ يَقُولُ النَّاسُ: ‹ اللهُ القَدِيرُ هُوَ إلهُ إسْرَائِيل!› وَيَتَرَسَّخُ بَيْتُ خَادِمِكَ دَاوُدَ فِي حَضْرَتِكَ. فَقَدْ أعلَنْتَ، يَا إلَهِي، لِعَبْدِكَ أنَّكَ سَتَبْنِي لَهُ بَيْتًا. مِنْ أجْلِ ذَلِكَ وَجَدَ خَادِمُكَ شَجَاعَةً عَلَى الصَّلَاةِ أمَامَكَ. وَالْآنَ، يَا اللهُ ، أنْتَ هُوَ اللهُ، وَقَدْ تكلَّمْتَ بِهذَا الكلَامِ الحَسَنِ وَالوعودِ الرَّائعةِ لِخَادِمِكَ. وَسَرَّكَ أنْ تُبَارِكَ بَيْتَ خَادِمِكَ، لِكَي يَظَلَّ قَائِمًا إلَى الأبَدِ أمَامَكَ. أنْتَ بَارَكْتَنِي يَا اللهُ ، وَأنْتَ مُبَارَكٌ إلَى الأبَدِ.» وَبَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَنِ هَاجَمَ دَاوُدُ الفِلِسْطِيِّينَ وَأخضَعَهُمْ، وَأخَذَ جَتَّ وَالقُرَى التَّابِعَةَ لَهَا مِنْ سَيطَرَتِهِمْ. كَمَا هَزَمَ دَاوُدُ مُوآبَ، فَصَارَ أهْلُ مُوآبَ يَدْفَعُونَ لَهُ الجِزْيَةَ. وَهَزَمَ دَاوُدُ أيْضًا هَدَدَ عَزَرَ مَلِكَ صُوبَةَ فِي كُلِّ أرْضِهِ وَحَتَّى إقْلِيمِ حَمَاةَ. وَذَلِكَ عِنْدَمَا ذَهَبَ دَاوُدُ لَيُقِيمَ نُصْبًا مَلَكِّيًا عِنْدَ نَهْرِ الفُرَاتِ. وَاسْتَوْلَى دَاوُدُ مِنْهُ عَلَى ألْفِ مَرْكَبَةٍ، وَسَبْعَةَ آلَافٍ مِنَ الخَيَّالَةِ، وَعِشْرِينَ ألْفًا مِنَ المُشَاةِ. وَحَطَّمَ دَاوُدُ كُلَّ مَرْكَبَاتِ الخُيُولِ مَا عَدَا مِئَةً مِنْهَا. وَجَاءَ أرَامِيُّو دِمَشْقَ لِنَجْدَةِ هَدَدَ عَزَرَ، مَلِكِ صُوبَةَ، لَكِنْ قَتَلَ دَاوُدُ اثنَيْنِ وَعِشْرِينَ ألْفَ جُندِيٍّ مِنْهُمْ. ثُمَّ وَضَعَ دَاوُدُ فِرَقًا مِنَ الجُنُودِ فِي أرَامَ دِمَشْقَ. وَخَضَعَ الأرَامِيُّونَ لِدَاوُدَ وَبَدأُوا يَدْفَعُونَ لَهُ الجِزيَةَ. وَكَانَ اللهُ يَنْصُرُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. وَأخَذَ دَاوُدُ الدُّرُوعَ الذَّهَبِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ لِعَبِيدِ هَدَدَ عَزَرَ، وَأحْضَرَهَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَأخَذَ دَاوُدُ مِنْ طَبْحَةَ وَخُونَ، مَدَينَتَي هَدَدَ عَزَرَ، كَمِيَّةً كَبِيرَةً مِنَ البُرُونْزِ. وَبِهَذَا البُرُونْزِ بَنَى سُلَيْمَانُ الحَوْضَ البُرُونْزِيَّ وَالأعمِدَةَ وَالآنِيَةَ البُرُونْزِيَّةَ. وَسَمِعَ تُوعُو مَلِكُ حَمَاةَ بِأنَّ دَاوُدَ هَزَمَ كُلَّ جَيْشِ هَدَدَ عَزَرَ، مَلِكِ صُوبَةَ. فَأرْسَلَ ابْنَهُ هَدُورَامَ إلَى المَلِكِ دَاوُدَ يُحَيِّيهِ وَيُهَنِّئُهُ لِأنَّهُ حَارَبَ هَدَدَ عَزَرَ وَهَزَمَهُ. فَقَدْ سَبَقَ أنْ دَارَتْ حُرُوبٌ فِي المَاضِي بَيْنَ هَدَدَ عَزَرَ وَتُوعُو. وَأرْسَلَ مَعَ هَدُورَامَ كُلَّ أنْوَاعِ الأشْيَاءِ المَصْنُوعَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالبُرُونْزِ المُختَلِفَةِ. فَكَرَّسَهَا دَاوُدُ للهِ أيْضًا مَعَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ الَّتِي غَنِمَهَا مِنْ كُلِّ الأُمَمِ، مِنْ أدُومَ وَمُوآبَ وَالعَمُّونِيِّينَ وَالفِلِسْطِيِّينَ وَبَنِي عَمَالِيقَ. وَقَتَلَ أبْشَايُ بْنُ صُرُوِيَّةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ألْفَ أدُومِيٍّ فِي وَادِي المِلْحِ. وَوَضَعَ حَامِيَاتٍ عَسْكَرِيَّةً فِي أدُومَ. وَصَارَ كُلُّ أهْلِ أدُومَ خُدَّامًا لِدَاوُدَ خَاضِعِينَ لَهُ. وَكَانَ اللهُ يَنْصُرُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. فَحَكَمَ دَاوُدُ كُلَّ إسْرَائِيلَ، وَكَانَ يَحْكُمُ شَعْبَهُ بِالحَقَّ وَالإنْصَافِ. وَكَانَ يُوآبُ بْنُ صُرُوِيَّةَ قَائِدَ الجَيْشِ. وَكَانَ يَهُوشَافَاطُ بْنُ أخِيلُودَ مُسَجِّلَ الأحْدَاثِ. وَكَانَ صَادُوقُ بْنُ أخِيطُوبَ وَأبِيمَالِكُ بْنُ أبِيثَامَارَ كَاهِنَينِ وَكَانَ شُوشَا كَاتِبًا. وَكَانَ بَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ مَسْؤُولًا عَنِ الكَرِيتِيِّينَ وَالفَلِيتِيِّينَ. وَكَانَ أبْنَاءُ دَاوُدَ رُؤَسَاءَ المَسْؤُولِينَ تَحْتَ إمرَةِ المَلِكِ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ مَاتَ نَاحَاشُ، مَلِكُ العَمُّونِيِّينَ. فَخَلَفَهُ ابْنُهُ فِي المُلْكِ. وَقَالَ دَاوُدُ: «سَأصْنَعُ مَعْرُوفًا مَعَ حَانُونَ بْنِ نَاحَاشَ، لِأنَّ أبَاهُ صَنَعَ مَعِي مَعْرُوفًا.» فَأرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا لِيُعَزُّوا حَانُونَ بِمَوْتِ وَالِدِهِ. فَوَصَلَ مُمَثِّلُو دَاوُدَ إلَى أرْضِ العَمُّونِيِّينَ، إلَى حَانُونَ لِيُقَدِّمُوا التَّعَازِيَ لَهُ. فَقَالَ قَادَةُ العَمُّونِيِّينَ لِحَانُونَ: «أتَعْتَقِدُ أنَّ دَاوُدَ يَقْصِدُ حَقًّا أنْ يُكرِمَ أبَاكَ بِإرْسَالِهِ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ لِيُقَدِّمُوا لَكَ التَّعَازِي؟ لَا بُدَّ أنَّ مُمَثِّلِي دَاوُدَ هَؤُلَاءِ جَاءُوا إلَيْكَ ليَسْتَكْشِفُوا، وَيَتَجَسَّسُوا عَلَى أرْضِكَ لِكَي يُدَمِّرُوهَا.» فَألقَى حَانُونُ القَبْضَ عَلَى مُمَثِّلِي دَاوُدَ وَحَلَقَ لِحَاهُمْ، وَقَصَّ ثِيَابَهُمْ مِنَ الوَسَطِ عِنْدَ الوِرْكِ، ثُمَّ صَرَفَهُمْ. فَجَاءَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى دَاوُدَ وَأخبَرُوهُ بِمَا حَدَثَ لِمُمَثِّلِيهِ، فَأرْسَلَ رُسُلًا لِاسْتِقبَالِهِمْ، لِأنَّهُمْ أُهِينُوا وكَانُوا خَجِلِينَ جِدًّا. وَقَالَ المَلِكُ لَهُمْ: «امكُثُوا فِي أرِيحَا إلَى أنْ تَنْمُو لِحَاكُمْ ثَانِيَةً، ثُمَّ عُودُوا.» وَلَمَّا رَأى العَمُّونِيُّونَ أنَّهُمْ أسَاءُوا إلَى دَاوُدَ، وَأنَّهُ انْزعَجَ مِنْهُمْ جِدًّا، أرْسَلَ حَانُونُ وَالعَمُّونِيُّونَ ألْفَ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ لِيَسْتَأْجِرُوا لِأنْفُسِهِمْ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانًا مِنْ أرَامَ النَّهْرَينِ، وَمِنْ أرَامَ مَعْكَةَ، وَمِنْ صُوبَةَ. وَاستَأْجَرُوا أيْضًا لِأنفُسِهِمِ اثنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألْفَ مَرْكَبَةٍ وَمَلِكَ مَعْكَةَ وَجَيْشَهُ. فَجَاءُوا وَعَسْكَرُوا قُرْبَ مَيدَبَا. وَاحتَشَدَ العَمُّونِيُّونَ أيْضًا مِنْ مُدُنِهِمْ وَجَاءُوا لِلقِتَالِ. فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ بِهَذَا، أرْسَلَ يُوآبَ وَمَعَهُ جَمِيعُ جَيْشِ الأقْوِيَاءِ. فَخَرَجَ العَمُّونِيُّونَ وَاصطَفُّوا لِلقِتَالِ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ. وَكَانَ المُلُوكُ الَّذِينَ جَاءُوا وَحدَهُمْ فِي العَرَاءِ. وَرَأى يُوآبُ أنَّهُ وَقَعَ بَيْنَ فَكَّي خَطِّ القِتَالِ مِنَ الأمَامِ وَمِنَ الخَلفِ، فَاخْتَارَ مِنْ أفْضَلِ جُنُودِ بَنِي إسْرَائِيلَ لِمُواجَهَةِ جَيْشِ الأرَامِيِّينَ. ثُمَّ أوْكَلَ قِيَادَةَ بَقِيَّةِ الجَيْشِ إلَى أخِيهِ أبيشَايَ، فَنَظَّمُوا صُفُوفَهَمْ فِي مُواجَهَةِ العَمُّونِيِّينَ. وَقَالَ يُوآبُ لِأخِيهِ أبيشَايَ: «إذَا كَانَ الأرَامِيُّونَ أقْوَى مِنْ أنْ أسْتَطِيعَ مُواجَهَتَهُم وَحْدِي، فَسَتُسَاعِدُني. وَإذَا كَانَ العَمُّونِيُّونَ أقْوَى مِنْ أنْ تَسْتَطِيعَ مُواجَهَتَهُم وَحْدَكَ، فَسَأُسَاعِدُكَ. كُنْ قَوِيًّا وَلْنُحَارِبْ بِشَجَاعةٍ مِنْ أجْلِ شَعْبِنَا ومِنْ أجْلِ مُدُنِ إلهنَا. وَسَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَرَاهُ حَسَنًا.» وَتَقَدَّمَ يُوآبُ بِجَيْشِهِ إلَى الأرَامِيِّينَ لِمُقَاتَلَتِهِمْ، فَهَرَبَ الأرَامِيُّونَ مِنْ أمَامِهِمْ. وَلَمَّا رَأى العَمُّونِيُّونَ أنَّ الأرَامِيِّينَ قَدْ هَرَبُوا، هَرَبُوا هُمْ أيْضًا مِنْ أمَامِ أخِيهِ أبِيشَايَ وَجَيْشِهِ. وَرَجِعُوا إلَى مَدِينَتِهِمْ. حِينَئِذٍ، ذَهَبَ يُوآبُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَلَمَّا رَأى الأرَامِيُّونَ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ هَزَمُوهُمْ، أرسَلُوا رُسُلًا، وَاسْتَقْدَمُوا الأرَامِيِّينَ مِنَ الجَانِبِ الآخَرِ مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ. فَجَاءُوا بِقِيَادَةِ شُوبَكَ، قَائِدِ جَيْشِ هَدَدَ عَزَرَ. وَوَصَلَ هَذَا الخَبَرُ إلَى دَاوُدَ، فَحَشَدَ كُلَّ إسْرَائِيلَ مَعًا، وَعَبَرَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ. وَعِنْدَمَا جَاءَ إلَى الأرَامِيِّينَ، وَأخَذَ مَوَاقِعَهُ مُقَابِلَهُمْ، وَضَعَ دَاوُدُ جَيْشَهُ فِي وَضْعِ الِاسْتِعْدَادِ لِلِاشْتِبَاكِ مَعَ الأرَامِيِّينَ فِي القِتَالِ، فَهَجَمُوا عَلَيْهِ. وَهَرَبَ الأرَامِيُّونَ مِنْ أمَامِ إسْرَائِيلَ، وَقَتَلَ دَاوُدُ وَجَيْشُهُ سَبْعَةَ آلَافِ قَائِدِ مَرْكَبَةٍ، وَأرْبَعِينَ ألْفَ جُندِيٍّ مِنَ المُشَاةِ، وَقَتَلَ أيْضًا شُوبَكَ قَائدَ الجَيْشِ. وَلَمَّا رَأى أتبَاعُ هَدَدَ عَزَرَ أنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ هَزَمُوهُمْ، عَقَدُوا صُلْحًا مَعَ دَاوُدَ وَصَارُوا أتبَاعًا خَاضِعِينَ لَهُ. فَرَفَضَ الأرَامِيُّونَ أنْ يُعِينُوا العَمُّونِيِّينَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ مَرَّةً أُخْرَى. وَفِي الرَّبِيعِ، فِي الوَقْتِ المُعتَادِ لِانْطِلَاقِ المُلُوكِ لِشَنِّ الحُرُوبِ، قَادَ يُوآبُ الجَيْشَ، وَخَرَّبَ أرْضَ العَمُّونِيِّينَ. ثُمَّ جَاءَ وَحَاصَرَ مَدِينَةَ رَبَّةَ. وَهَاجَمَ يُوآبُ رَبَّةَ وَدَمَّرَهَا. أمَّا دَاوُدُ فَبَقِيَ فِي القُدْسِ. وَخَلَعَ دَاوُدُ تَاجَ إلَهِهِمْ مَلْكُومَ عَنْ رَأسِهِ. وَكَانَ يَزِنُ قِنطَارًا مِنَ الذَّهَبِ، وَعَلَيْهِ حَجَرٌ كَرِيمٌ. فَوَضَعَهُ دَاوُدُ عَلَى رَأسِهِ. وَأخَذَ مِنَ المَدِينَةِ الكَثِيرَ مِنَ الغَنَائِمِ، وَأخرَجَ سُكَّانَهَا مِنْهَا، وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ أنْ يَعْمَلُوا بِمَنَاشِيرَ وَمَعَاوِلَ حَدِيدِيَّةٍ وَفُؤُوسٍ. وَفَعَلَ دَاوُدُ هَذَا الأمْرَ بِكُلِّ مُدُنِ العَمُّونِيِّينَ. ثُمَّ عَادَ دَاوُدُ مَعَ جَيْشِهِ كُلِّهِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، وَقَعَتْ حَربٌ مَعَ الفِلِسْطِيِّينَ فِي جَازَرَ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، قَتَلَ سِبْكَايُ الحُوشِيُّ سَفَّايَ، وَهُوَ أحَدُ التَّابِعِينَ لِلإلَهِ المُزَيَّفِ رَافَا، فَأُخضِعَ الفِلِسْطِيُّونَ. وَوَقَعَتْ أيْضًا حَرْبٌ أُخْرَى مَعَ الفِلِسْطِيِّينَ، فَقَتَلَ ألْحَانَانُ بْنُ يَاعُورَ لَحْمِيَ، أخَا جُلْيَاتَ الجَتِّيِّ، مَعَ أنَّ قَنَاةَ رُمحِهِ كَانَتْ كَنَولِ النَّسَّاجِ. وَوَقَعَتْ حَرْبٌ أُخْرَى مَعَ الفِلِسْطِيِّينَ فِي جَتَّ، وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ ضَخْمٌ ذُو سِتِّ أصَابِعَ عَلَى كُلِّ مِنْ يَدَيهِ وَقَدَمَيهِ، أرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إصْبِعًا. وَكَانَ هُوَ أيْضًا مِنْ أحفَادِ الرَّفَائِيمِ العَمَالِقَةِ. تَهَكَّمَ هَذَا الرَّجُلُ عَلَى إسْرَائِيلَ. فَقَتَلَهُ يُونَاثَانُ بْنُ شِمْعَا أخِي دَاوُدَ. كَانَ هَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي هَرْفَةَ فِي جَتِّ، وقَدْ قُتِلُوا عَلَى يدِ دَاوُدَ ورجَالِهِ. وَقَامَ رُوحٌ شَيطَانِيٌّ ضِدَّ إسْرَائِيلَ، وَدَفَعَ دَاوُدَ ليُجرِيَ إحْصَاءً لِبَنِي إسْرَائِيلَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِيُوآبَ وَقَادَةِ الجَيْشِ: «جُولُوا فِي كَافَّةِ عَائِلَاتِ إسْرَائِيلَ مِنْ دَانٍ إلَى بِئْرِ السَّبْعِ، وَأحْصُوا النَّاسَ. حينئِذٍ أعْرِفُ عَدَدَ الشَّعْبِ.» لَكِنَّ يُوآبَ قَالَ: «لَيْتَ اللهَ يَزِيدُ عَدَدَ شَعْبِهِ مِئَةَ ضِعْفٍ يَا مَوْلَايَ المَلِكُ، ألَيْسُوا كُلُّهُمْ خُدَّامَكَ؟ فَلِمَاذَا تُرِيدُ أنْ تَفْعَلَ هَذَا؟ وَلِمَاذَا يَكُونُ سَبَبَ ذَنْبٍ لِإسْرَائِيلَ؟» لَكِنَّ أمْرَ المَلِكِ كَانَ شَدِيدًا عَلَى يُوآبَ. فَخَرَجَ يُوآبُ وَجَالَ فِي كُلِّ أرْضِ إسْرَائِيلَ، ثُمَّ رَجِعَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَأبلَغَ يُوآبُ دَاوُدَ بِنَتِيجَةِ إحْصَاءِ الشَّعْبِ. فَكَانَ عَدَدُ القَادِرِينَ عَلَى حَمْلِ السُّيُوفِ فِي إسْرَائِيلَ مِلْيُونًا وَمِئَةَ ألْفِ رَجُلٍ. وَكَانَ عَدَدُ القَادِرِينَ عَلَى حَمْلِ السُّيُوفِ فِي يَهُوذَا أرْبَعَ مِئَةٍ وَسَبْعِينَ ألْفَ رَجُلٍ. وَلَمْ يَحْسِبْ يُوآبُ عَدَدَ بَنِي لَاوِي وَبَنِي بَنْيَامِينَ بَيْنَهُمْ، لِأنَّهُ أبغَضَ أمْرَ المَلِكِ. وَاسْتَاءَ اللهُ أيْضًا مِنْ أمْرِ المَلِكِ، فَعَاقَبَ إسْرَائِيلَ. فَقَالَ دَاوُدُ للهِ: «لَقَدْ أخْطأتُ خَطيَّةً عَظِيمَةً بِمَا فَعَلْتُ! فَأرْجُوكَ يَا اللهُ أنْ تَغْفِرَ لِي خَطِيَّتي. لَقَدْ تَصَرَّفْتُ بِحُمْقٍ فِي مَا عَمِلْتُ.» فَقَالَ اللهُ لِجَادٍ، رَائِي دَاوُدَ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : سأُخَيِّرُكَ بَيْنَ ثلَاثَةِ أُمُورٍ، فَاخْتَرْ مِنْهَا مَا سَأفْعَلُهُ بِكَ.›» فَذَهَبَ جَادٌ إلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : فَاختَرْ لِنَفْسِكَ: ‹إمَّا ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ مِنَ المَجَاعَةِ، وَإمَّا ثَلَاثَةَ أشْهُرٍ مِنَ الهَرَبِ مِنْ أعْدَائِكَ يُصِيبُكَ فِيهَا سَيفُ أعْدَائِكَ، وَإمَّا ثَلَاثَةَ أيَّامٍ مِنْ سَيفِ اللهِ ، وَبَاءٍ فِي الأرْضِ، يُهلِكُ فِيهَا مَلَاكُ اللهِ أُنَاسًا فِي كُلِّ أنْحَاءِ إسْرَائِيلَ.› وَالْآنَ، مَا هُوَ الرَّدُّ الَّذِي تُرِيدُنِي أنْ أحمِلَهُ للهِ الَّذِي أرْسَلَنِي؟» فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: «أنَا فِي ضِيقٍ عَظِيمٍ وَوَرْطةٍ حَقِيقيَّةٍ. لَكِنِّي أختَارُ أنْ أقَعَ فِي يَدِ اللهِ ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ عَظِيمَةٌ جِدًّا. هَذَا أفْضَلُ مِنْ أنْ أقَعَ فِي أيدِي بَشَرٍ.» فَأرْسَلَ اللهُ وَبَاءً عَلَى إسْرَائِيلَ، فَمَاتَ سَبْعُونَ ألْفًا مِنْهُمْ. وَأرْسَلَ اللهُ مَلَاكًا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِيُدَمِّرَهَا. وَعِنْدَمَا بَدَأ، نَظَرَ اللهُ وَحَزِنَ لِلأذَى الَّذِي نَوَى إلْحَاقَهُ بِهَا. فَقَالَ لِلمَلَاكِ المُخَرِّبِ: «كَفَى! رُدَّ يَدَكَ!» وَكَانَ مَلَاكُ اللهِ وَاقِفًا عِنْدَ بَيْدَرِ أُرْنَانَ اليَبُوسِيِّ. وَرَفَعَ دَاوُدُ عَيْنَيْهِ، فَرَأى مَلَاكَ اللهِ وَاقِفًا بَيْنَ الأرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَفِي يَدِهِ سَيفٌ مَسلُولٌ نَحْوَ القُدْسِ. فَطَرَحَ دَاوُدُ وَالشُّيُوخُ أنْفُسَهُمْ عَلَى الأرْضِ وَهُمْ لَابِسُونَ خَيْشًا. وَقَالَ دَاوُدُ للهِ: «ألَمْ أكُنْ أنَا الَّذِي أخطَأ وَأمَرَ بِإحْصَاءِ الشَّعْبِ؟ أنَا هُوَ الَّذِي أذْنَبَ وَأسَاءَ. فَمَا ذَنْبُ هَؤُلَاءِ الخِرَافِ؟ فَيَا إلَهِي ، عَاقِبْنِي أنَا وَعَائِلَتِي، وَلَا تَضْرِبْ شَعْبَكَ بِوَبَاءٍ.» وَكَانَ مَلَاكُ اللهِ قَدْ طَلَبَ إلَى جَادٍ أنْ يُخبِرَ دَاوُدَ بِأنَّ عَلَيْهِ أنْ يُقِيمَ مَذْبَحًا للهِ عَلَى بَيدِرِ أُرْنَانَ اليَبُوسِيِّ. فَذَهَبَ دَاوُدُ حَسَبَ كَلَامِ جَادٍ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ بِاسْمِ اللهِ . وَكَانَ أُرْنَانُ يَدْرُسُ بَيدَرَ الحُبُوبِ. فَالْتَفَتَ أُرْنَانُ وَرَأى المَلَاكَ، فَاختَبَأ هُوَ وَبَنُوهُ الأرْبَعةُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ. وَلَمَّا جَاءَ دَاوُدُ إلَى أُرْنَانَ، نَظَرَ أُرْنَانُ فَرَأى دَاوُدَ. فَخَرَجَ مِنَ البَيدَرِ، وَانحَنَى لِدَاوُدَ وَوَجْهُهُ إلَى الأرْضِ. فَقَالَ دَاوُدُ لِأُرْنَانَ: «أعْطِنِي أرْضَ البَيدَرِ لِأبْنِيَ عَلَيْهَا مَذْبَحًا للهِ . بِعْهَا لِي بِكَامِلِ سِعْرِهَا، لِكَي يَتَوَقَّفَ الوَبَاءُ عَنِ الشَّعْبِ.» فَقَالَ أُرْنَانُ لِدَاوُدَ: «خُذْهَا، وَافْعَلْ بِهَا، يَا مَوْلَايَ المَلِكَ، كَمَا يَحْلُو لَكَ. وَهَا أنَا أُقَدِّمُ الثِّيرَانَ لِلذَّبَائِحِ، وَألوَاحَ دَرسِ الحُبُوبِ لِلوَقُودِ، وَالحُبُوبَ لِلتَّقْدِمَاتِ. أُقَدِّمُ هَذِهِ كُلَّهَا مَجَّانًا.» لَكِنَّ المَلِكَ دَاوُدَ قَالَ لِأُرْنَانَ: «لَا، بَلْ سَأشْتَرِيهَا بِكَامِلِ سِعْرِهَا، لِأنِّي لَنْ أُقَدِّمَ للهِ شَيْئًا يَخُصُّكَ، وَلَا ذَبَائِحَ لَمْ تُكَلِّفْنِي شَيْئًا.» فَدَفَعَ دَاوُدُ لِأُرْنَانَ سِتَّ مِئَةِ مِثْقَالٍ مِنَ الذَّهَبِ مُقَابِلَ أرْضِ البَيدَرِ. وَبَنَى دَاوُدُ مَذْبَحًا للهِ هُنَاكَ، وَقَدَّمَ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَتَقْدِمَاتِ سَلَامٍ. وَدَعَا اللهَ ، فَاسْتَجَابَ لَهُ بِنَارٍ مِنَ السَّمَاءِ نَزَلَتْ عَلَى مَذْبَحِ الذَّبِيحَةِ. وَأمَرَ اللهُ المَلَاكَ بِأنْ يَرُدَّ سَيفَهُ إلَى غِمْدِهِ. فَلَمَّا رأى دَاوُدُ أنَّ اللهَ قَدِ اسْتَجَابَ لَهُ عَلَى بَيْدَرِ أُرْنَانَ، قَدَّمَ ذَبَائِحَ هُنَاكَ. فَمَسْكَنُ اللهِ المُقَدَّسُ الَّذِي بَنَاهُ مُوسَى فِي البَرِّيَّةِ وَالمَذْبَحُ، كَانَا عَلَى التَّلَّةِ فِي بَلْدَةِ جِبْعُونَ. لَكِنَّ دَاوُدَ لَمْ يَقْدِرْ أنْ يَذْهَبَ إلَى هُنَاكَ لِيَسألَ اللهَ ، لِأنَّهُ خَافَ مِنْ مَلَاكِ اللهِ وَمِنْ سَيفِهِ. فَقَالَ دَاوُدُ: «هُنَا بَيْتُ ، وَهُنَا مَذْبَحُ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ.» وَأمَرَ دَاوُدُ بِجَمْعِ الغُرَبَاءِ المُقِيمِينَ فِي أرْضِ إسْرَائِيلَ. وَعَيَّنَهُمْ حَجَّارِينَ لِكَي يَقْطَعُوا حِجَارَةً مُكَعَّبَةً لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ. وَأعَدَّ دَاوُدُ أيْضًا كَمِّيَّةً كَبِيرَةً مِنَ الحَدِيدِ لِصُنْعِ المَسَامِيرِ لِلبَوَّابَاتِ وَلِمَصَارِيعِ الأبْوَابِ، وَكَمِّيَةً كَبِيرَةً مِنَ البُرُونْزِ، أكْبَرَ مِنْ أنْ تُوزَنَ، وَألوَاحًا مِنْ خَشَبِ الأرْزِ أكْثَرَ مِنْ أنْ تُحصَى. لِأنَّ الصَّيدُونِيِّينَ وَالصُّورِيِّينَ أحضَرُوا لِدَاوُدَ كَمِيَّةً كَبِيرَةً مِنَ ألوَاحِ خَشَبِ الأرْزِ. وَقَالَ دَاوُدُ فِي نَفْسِهِ: «ابْنِي سُلَيْمَانُ صَغِيرٌ وَعَدِيمُ الخِبرَةِ. وَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ البَيْتُ الَّذِي يَبْنِيهِ للهِ عَظِيمًا جِدًّا، وَمَشْهُورًا وَمَجِيدًا بَيْنَ كُلِّ البِلَادِ. وَلِهَذَا فَإنِّي سَأقُومُ بِالإعدَادِ لَهُ.» فَأعَدَّ دَاوُدُ مَوَادَّ بِكَمِّيَّاتٍ هَائِلَةٍ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَدَعَى دَاوُدُ ابْنَهُ سُلَيْمَانَ وَأوصَاهُ بِأنْ يَبْنِيَ بَيْتًا للهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. وَقَالَ دَاوُدُ لِسُلَيمَانَ: «يَا ابْنِي، كُنْتُ أنوِي أنْ أبنِيَ بَيْتًا إكْرَامًا لِاسْمِ . لَكِنَّ اللهَ كَلَّمَنِي فَقَالَ: ‹أنْتَ سَفَكْتَ دَمًا كَثِيرًا، وَحَارَبْتَ حُرُوبًا كَثِيرَةً. لِذَلِكَ لَا أُرِيدُكَ أنْ تَبْنِيَ بَيْتًا مِنْ أجْلِ اسْمِي، لِأنَّكَ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً عَلَى الأرْضِ أمَامِي. لَكِنْ سَيُولَدُ لَكَ ابْنٌ، وَسَيَكُونُ رَجُلَ رَاحَةٍ، فَسَأُعْطِيهِ رَاحَةً مِنْ جَمِيعِ أعْدَائِهِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ، إذْ سَيَكُونُ اسْمُهُ سُلَيْمَانَ، وَسَأُعْطِي إسْرَائِيلَ سَلَامًا وَهُدُوءًا فِي عَهْدِهِ. وَهُوَ الَّذِي سَيَبْنِي بَيْتًا مِنْ أجْلِ اسْمِي. وَسَيَكُونُ لِي ابْنًا، وَسَأكُونُ لَهُ أبًا. وَسَأُثَبِّتُ عَرْشَهُ المَلَكِيَّ عَلَى إسْرَائِيلَ طَوِيلًا.› «وَالْآنَ يَا ابْنِي، لَيْتَ اللهَ يَكُونُ مَعَكَ، لِكَي تَنْجَحَ وَتَبْنِيَ بَيْتَ ، كَمَا تَكَلَّمَ عَنْكَ. إنَّمَا أطلُبُ أنْ يُعطِيَكَ اللهُ بَصِيرَةً وَفَهْمًا، لِكَي تُطِيعَ شَرِيعَةَ حِينَ يُمَلِّكُكَ عَلَى إسْرَائِيلَ. حِينَئِذٍ، سَتَنْجَحُ إنْ حَرِصْتَ عَلَى مُرَاعَاةِ الأحْكَامِ وَالفَرَائِضِ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لِمُوسَى لِتُطِيعَهَا إسْرَائِيلُ. فَتَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ. لَا تَخَفْ وَلَا تَرْتَعِبْ. «وَهَا قَدْ تَعِبْتُ حَتَّى أعدَدْتُ لِبَيْتِ اللهِ مِئَةَ ألْفِ قِنْطَارٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَمِليَوْنَ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَنُحَاسًا أكْثَرَ مِنْ أنْ يُوزَنَ. وَأعدَدْتُ خَشَبًا وَحِجَارَةً أيْضًا، فَأضِفْ أنْتَ إلَيْهَا مَا تَحتَاجُ إلَيْهِ. لَدَيكَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ العَامِلِينَ: حَجَّارِينَ وَبَنَّائِينَ وَنَجَّارِينَ وَصَانِعِينَ مَاهِرِينَ لَا يُحصَى عَدَدُهُمْ فِي كُلِّ المَعَادِنِ، فِي الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالبُرُونْزِ وَالحَدِيدِ. فَقُمْ وَاعْمَلْ، وَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ.» وَأوصَى دَاوُدُ كُلَّ المَسْؤُولِينَ فِي إسْرَائِيلَ بِأنْ يُعِينُوا ابْنَهُ سُلَيْمَانَ: «ألَيْسَ مَعَكُمْ، وَقَدْ أعطَاكُمْ رَاحَةً مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ حَوْلِكُمْ؟ فَقَدْ نَصَرَنِي عَلَى سُكَّانِ الأرْضِ. وَهَا هِيَ الأرْضُ خَاضِعَةٌ أمَامَ اللهِ وَشَعْبِهِ. وَالْآنَ اطْلُبُوا بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَنُفُوسِكُمْ. وَقُومُوا وَابْنُوا مَسْكَنَ ، لِكَي يُجْلَبَ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ وَآنِيَةُ اللهِ المُقَدَّسَةُ إلَى البَيْتِ الَّذِي سَيُبْنَى مِنْ أجْلِ اسْمِ اللهِ .» وَلَمَّا شَاخَ دَاوُدُ وَاقْتَرَبَتْ حَيَاتُهُ مِنْ نِهَايَتِهَا، نَصَّبَ ابْنَهُ سُلَيْمَانَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. وَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ قَادَةِ إسْرَائِيلَ وَالكَهَنَةَ وَاللَّاوِيِّينَ. وَأحْصَى عَدَدَ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ تَبْلُغُ أعمَارُهُمْ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ. فَبَلَغَ عَدَدُهُمْ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ ألْفَ رَجُلٍ. وَكَانَتْ وَظِيفَةُ أرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ألْفًا مِنْ هَؤُلَاءِ الإشْرَافَ عَلَى عَمَلِ بَيْتِ اللهِ . وَكَانَ سِتَّةُ آلَافٍ مِنْهُمْ عُرَفَاءَ وَقَضَاةً. وَكَانَ أرْبَعَةُ آلَافٍ مِنْهُمْ بَوَّابِينَ. وَكَانَتْ وَظِيفَةُ أرْبَعَةِ آلَافٍ آخَرِينَ تَسْبِيحَ اللهِ بِآلَاتٍ مُوسِيقِيَّةٍ صَنَعَهَا دَاوُدُ مِنْ أجْلِ تَسْبِيحِ اللهِ . وَقَسَّمَهُمْ دَاوُدُ إلَى مَجمُوعَاتٍ وَفْقَ أبْنَاءِ لَاوِي: جَرْشُونَ وَقَهَاتَ وَمَرَارِي. مِنَ الجَرْشُونِيِّينَ لَعْدَانُ وَشِمْعَى. أبْنَاءُ لَعْدَانَ الرَّئِيسِ يَحِيئِيلُ وَزِيثَامُ وَيُوئِيلُ، وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثَةٌ. أبْنَاءُ شِمْعَى شَلُومِيثُ وَحَزِيئِيلُ وَهَارَانُ، وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثَةٌ. كَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ رُؤَسَاءَ عَائِلَاتِ لَعْدَانَ. أبْنَاءُ شِمْعَى يَحَثُ وَزِينَا وَيَعُوشُ وَبَرِيعَةُ. كَانَ هَؤُلَاءِ الأرْبَعَةُ أبْنَاءَ شِمْعَى. وَكَانَ يَحَثُ الرَّئِيسَ، وَزِيزَةُ الثَّانِي. أمَّا يَعُوشُ وَبَرِيعَةُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا أوْلَادٌ كَثِيرُونَ. وَلِذَا كَانَ يَعُوشُ وَبَرِيعَةُ يُحْسَبَانِ عَائِلَةً وَاحِدَةً. وَأبْنَاءُ قَهَاتَ أرْبَعةٌ هُم عَمْرَامُ وَيَصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيئِيلُ. وَابْنَا عَمْرَامَ هُمَا هَارُونَ وَمُوسَى. وَأُفْرِزَ هَارونُ وَقُدِّسَ هُوَ وَأبْنَاؤُهُ إلَى الأبَدِ لِحَرْقِ بَخُورٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَلِيَخْدِمَهُ وَلِيُبَارِكَ الشَّعْبَ بِاسْمِهِ إلَى الأبَدِ. أمَّا ابْنَا مُوسَى، رَجُلِ اللهِ، فَقَدْ كَانَا يُحْسَبَانِ ضِمنَ عَشيرَةِ لَاوِي. وَابْنَا مُوسَى هُمَا جَرْشُومُ وَألِيعَزَرُ. وَابْنُ جَرشُومَ هُوَ شَبُوئِيلُ الرَّئيسُ. أمَّا ابْنُ ألِيعَزَرَ فَهُوَ رَحَبْيَا الرَّئِيسُ. وَلَمْ يَكُنْ لِألِيعَزَرَ ابْنٌ سِوَى رَحَبْيَا، وَلَكِنَّ أبْنَاءَ رَحَبْيَا كَانُوا كَثِيرِينَ جِدًّا. وَابْنُ يَصْهَارَ هُوَ الرَّئيسُ شَلُومِيثُ. وَأبْنَاءُ حَبْرُونَ هُم: الرَّئيسُ يَرِيِّا، وَالثَّانِي أمَرْيَا، وَالثَّالِثُ يَحْزِيئِيلُ، وَالرَّابِعُ يَقْمَعَامُ. وَابْنَا عُزِّيئِيلَ هُمَا الرَّئِيسُ مِيخَا وَالثَّانِي يَشِّيَّا. وَابْنَا مَرَارِيَ هُمَا مَحلِي وَمُوشِي، وَابْنَا مَحلِي ألعْازَارُ وَقِيسٌ. وَمَاتَ ألعْازَارُ بِلَا أبْنَاءٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا بَنَاتٌ. فَتَزَوَّجَهُنَّ أبْنَاءُ عَمِّهِنَّ قَيسٍ. وَأبْنَاءُ مُوشِي ثَلَاثَةٌ هُمْ مَحلِي وَعَادِرُ وَيَرِيمُوثُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاءُ لَاوِي حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ، حَسَبَ رُؤَسَاءُ العَائِلَاتِ كَمَا سُجِّلُوا وَفْقَ عَدَدِ أسْمَائِهِمْ رَئِيسًا رَئِيسًا، الَّذِينَ كَانَ مَطلُوبًا مِنْهُمْ أنْ يَقُومُوا بِالعَمَلِ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ ، مِنَ الَّذِينَ بَلَغَتْ أعمَارُهُمْ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ. فَقَدْ قَالَ دَاوُدُ: «أعْطَى اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، شَعْبَهُ رَاحَةً، وَسَكَنَ فِي القُدْسِ إلَى الأبَدِ. فَلَمْ يَعُدِ اللَّاوِيُّونَ مُضْطَرِّينَ إلَى حَمْلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ أوْ أيًّا مِنْ آنِيَتِهَا وَأغرَاضِهَا اللَّازِمَةِ لِلخِدْمَةِ فِيهَا.» فَحَسَبَ آخِرِ تَعْلِيمَاتِ دَاوُدَ، صَارَ اللَّاوِيُّونَ يُعَدُّونَ اعتِبَارًا مِنْ سِنِّ العِشْرِينَ فَمَا فَوْقُ. لَكِنَّ وَاجِبَهُمْ هُوَ مُسَاعَدَةُ أبْنَاءِ هَارُونَ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ : أنْ يَكُونُوا مَسْؤُولِينَ عَنِ السَّاحَاتِ وَالغُرَفِ الجَانِبِيَّةِ، وَتَطْهِيرِ كُلِّ مَا هُوَ مُقَدَّسٌ، وَأيِّ عَمَلٍ لِخِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ. وَكَانُوا مَسْؤُولِينَ أيْضًا عَنْ تَرْتِيبِ الخُبْزِ المُقَدَّسِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى المَائِدَةِ، وَإعدَادِ الطَّحِينِ لِتَقْدِمَةِ الدَّقِيقِ، وَرَقَائِقِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ، وَكَعْكِ الصَّوَانِي، وَأنوَاعِ الخُبْزِ المَخلُوطِ، مِنْ كُلِّ نَوعٍ وَحَجْمٍ. وَكَانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَقِفُوا كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ لِتَقْدِيمِ الشُّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ للهِ . وَكُلَّمَا قُدِّمَتِ الذَّبَائِحُ الصَّاعِدِةُ فِي أيَّامِ السَّبْتِ، وَأوَائِلِ الشُّهُورِ، وَأيَّامِ الأعيَادِ، حَسَبَ العَدَدِ المَطلُوبِ مِنْهُمْ بِانْتِظَامٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَكَانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَحْفَظُوا أنظِمَةَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالمَقْدِسِ وَتَوْجِيهَاتِ أبْنَاءِ هَارُونَ أقرِبَائِهِمْ حَوْلَ خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ . هَذِهِ هِيَ فِرَقُ أبْنَاءِ هَارُونَ. أبْنَاءُ هَارُونَ: نَادَابُ وَأبِيهُو وَألِعَازَارُ وَإيثَامَارُ. وَقَدْ مَاتَ نَادَابُ وَأبِيهُو قَبْلَ وَالِدِهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا أبْنَاءٌ، فَخَدَمَ ألِعَازَارُ وَإيثَامَارُ كَكَهَنَةٍ. وَقَسَّمَهُمْ دَاوُدُ، وَصَادُوقُ مِنْ أبْنَاءِ ألِعَازَارَ، وَأخِيمَالِكُ مِنْ أبْنَاءِ إيثَامَارَ، حَسَبَ المَهَامِّ المُوكَلَةِ إلَيْهِمْ فِي الخِدْمَةِ. غَيْرَ أنَّهُ تَبَيَّنَ أنَّ أبْنَاءَ ألِعَازَارَ أكبَرُ عَدَدًا مِنْ حَيْثُ الذُّكُورِ مِنْ أبْنَاءِ إيثَامَارَ، فَكَانَ هُنَاكَ سِتَّةَ عَشَرَ رَئِيسَ عَائِلَةٍ لِأبْنَاءِ ألِعَازَارَ، وَثَمَانِيَةَ رُؤَسَاءِ عَائِلَاتٍ لِأبْنَاءِ إيثَامَارَ. وَقَدْ عَيَّنُوا فَتَرَاتِ عَمَلِ رُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ الجَانِبَينِ بِالقُرْعَةِ، لِأنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مَسْؤُولِينَ عَنْ المُكَانِ المُقَدَّسِ مِنْ أبْنَاءِ ألِعَازَارَ وَمِنْ بَيْنِ أبْنَاءِ إيثَامَارَ. وَقَدْ سَجَّلَهُمُ الكَاتِبُ شَمَعْيَا بْنُ نَثَنَئِيلَ وَهُوَ لَاوِيٌّ، بِحُضُورِ المَلِكِ، وَالقَادَةِ وَالرُّؤسَاءِ، وَصَادُوقَ الكَاهِنِ، وَأخِيمَالِكَ بِنِ أبِيَاثَارَ، وَرُؤُوسِ عَائِلَاتِ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ. فَأُخِذَتْ عَائِلَةٌ لِألِعَازَارَ، ثُمَّ عَائِلَةٌ لِإيثَامَارَ، بِالتَّنَاوُبِ. وَقَعَتِ القُرْعَةُ الأُولَى عَلَى يَهُويَارِيبَ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى يَدْعِيَا، وَالثَّالِثَةُ عَلَى حَارِيمَ، وَالرَّابِعَةُ عَلَى سَعُورِيمَ، وَالخَامِسَةُ عَلَى مَلْكِيَّا، وَالسَّادِسَةُ عَلَى مَيَّامِينَ، وَالسَّابِعَةُ عَلَى هَقُّوصَ، وَالثَّامِنَةُ عَلَى أبِيَّا، وَالتَّاسِعَةُ عَلَى يَشُوعَ، وَالعَاشِرَةُ عَلَى شَكُنْيَا، وَالحَادِيَةَ عَشْرَةَ عَلَى ألِيَاشِيبَ، وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ عَلَى يَاقِيمَ، وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ عَلَى حُفَّةَ، وَالرَّابِعَةَ عَشْرَةَ عَلَى يَشَبآبَ، وَالخَامِسَةَ عَشْرَةَ عَلَى بِلْجَةَ، وَالسَّادِسَةَ عَشْرَةَ عَلَى إيمِيرَ، وَالسَّابِعَةَ عَشْرَةَ عَلَى حِيزِيرَ، وَالثَّامِنَةَ عَشْرَةَ عَلَى هَفْصِيصَ، وَالتَّاسِعَةَ عَشْرَةَ عَلَى فَقَحْيَا، وَالعِشْرُونَ عَلَى يَحَزْقِيئِيلَ، وَالحَادِيَةُ وَالعِشْرُونَ عَلَى يَاكِينَ، وَالثَّانِيَةُ وَالعِشْرُونَ عَلَى جَامُولَ، وَالثَّالِثَةُ وَالعِشْرُونَ عَلَى دَلَايَا، وَالرَّابِعَةُ وَالعِشْرُونَ عَلَى مَعَزْيَا. كَانَتْ هَذهِ مَجمُوعَاتُ الكَهَنةِ المُوكَلِينَ بِدُّخُولِ بَيْتِ اللهِ وَفْقَ الأنظِمَةِ الَّتِي أمَرَ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، هَارُونَ بِهَا. أمَّا بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ اللَّاوِيِّينَ: فَمِنْ أبْنَاءِ عِمْرَامَ شُوبَائِيلُ، وَمِنْ أبْنَاءِ شُوبَائِيلَ يَحَدْيَا. وَمِنْ أبْنَاءِ رَحِبْيَا يَشِيَّا البِكرُ. وَمِنْ أبْنَاءِ يَصْهَارَ شَلُومُوثُ، وَمِنْ أبْنَاءِ شَلُومُوثَ يَحَثُ. ثُمَّ أبْنَاءُ حَبْرُونَ يَرِيَّا البِكرُ، وَالثَّانِي أمَرْيَا، وَالثَّالِثُ يَحْزِيئِيلُ، وَالرَّابِعُ يَقْمَعَامُ. وَابْنُ عُزِّيئِيلَ مِيخَا. وَمِنْ أبْنَاءِ مِيخَا شَامُورُ. وَأخُو مِيخَا يَشِّيَّا. وَمِنْ أبْنَاءِ يَشِّيَّا زَكَرِيَّا. وَابْنَا مَرَاري مَحلِي ومُوشِي، وَابْنُهُ يَعَزْيَا. وَأبْنَاءُ يَعَزْيَا بْنِ مَرَاري هُمْ شُوهَمُ وَزَكُّورُ وَعِبْرِي. وَمِنْ أبْنَاءِ مَحلِي ألِعَازَارُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أبْنَاءٌ. وَمِنْ أبْنَاءِ قَيسٍ يَرْحَمْئِيلُ. وَأبْنَاءُ مُوشِي هُمْ مَحلِي وَعَادِرُ وَيَرِيمُوثُ. هَؤُلَاءِ هُمُ اللَّاوِيُّونَ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ. وَألقَى هَؤُلَاءِ أيْضًا قُرْعَةً مَعَ أقْرِبَائِهِمْ، أبْنَاءِ هَارُونَ، أمَامَ المَلِكِ دَاوُدَ، وَصَادُوقَ، وَأخِيمَالِكَ، وَرُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ. وَقَدْ ألقَتْ عَائِلَاتُ الرَّئِيسِ القُرْعَةَ مِثْلَ عَائِلَاتِ الأخِ الأصْغَرِ بِالتَّسَاوِي. وَخَصَّصَ دَاوُدُ وَرُؤَسَاءُ الجَيْشِ لِلخِدْمَةِ أبْنَاءَ آسَافَ وَهَيمَانَ وَيَدُوثُونَ، الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِالقَيَاثِيرِ وَالرَّبَابِ وَالصُّنُوجِ. وَهَذِهِ قَائِمَةٌ بِأسْمَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يُؤَدُّونَ هَذِهِ الخِدْمَةَ: مِنْ أبْنَاءِ آسَافَ زَكُّورُ وَيُوسُفُ ونَثَنْيَا وَأشَرئِيلَةُ، وَكَانَ أبْنَاءُ آسَافَ هَؤُلَاءِ يَتَنَبَّأُونَ تَحْتَ إشْرَافِ المَلِكِ. مِنْ يَدُوثُونَ: أبْنَاءُ يَدُوثُونَ جَدَلْيَا وَصَرِي وَيَشْعَيَا وَشِمْعَى وَحَشَبْيَا وَمَتَّثْيَا، وَعَدَدُهُمْ سِتَّةٌ تَحْتَ قِيَادَةِ أبِيهِمْ يَدُوثُونَ الَّذِي يَتَنَبَّأُ بِالقَيثَارَةِ. وَهُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْ تَقْدِيمِ الشُّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ للهِ . مِنْ هَيمَانَ بُقِّيَّا وَمَتَّثْيَا وَعُزِّيئِيلُ وَشَبُوئِيلُ وَيَرِيمُوثُ وَحَنَنْيَا وَحَنَانِي وَإيلِيآثَةُ وَجِدَّلْتِي وَرُومَمْتِي عَزَرُ وَيَشْبَقَاشَةُ وَمَلُوثِي وَهُوثِيرُ وَمَحْزِيُوتُ. كَانَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أبْنَاءَ هَيمَانَ، رَائِي المَلِكِ، وَفْقَ وَعْدِ اللهِ بِأنْ يَجْعَلَهُ قَوِيًّا. وَرَزَقَ اللهُ هَيمَانَ أرْبَعَةَ عَشَرَ ابْنًا وَثَلَاثَ بَنَاتٍ. كَانُوا جَمِيعًا يَعْمَلُونَ تَحْتَ إشْرَافِ أبِيهِمْ فِي التَّرْنِيمِ لِبَيْتِ اللهِ بِالصُّنُوجِ وَالرَّبَابِ وَالقَيَاثِيرِ مِنْ أجْلِ خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ آسَافُ وَهَيمَانُ وَيَدُوثُونَ، تَحْتَ إشْرَافِ المَلِكِ المُبَاشِرِ. وَقَدْ بَلَغَ عَدَدُهُمْ مَعَ أقْرِبَائِهِمُ المُدَرَّبِينَ عَلَى التَّرْنِيمِ للهِ ، مِئَتَيْنِ وَثَمَانِيَةٍ وَثَمَانِينَ، وَكَانُوا جَمِيعُهُمْ مَاهِرينَ. وَألقَوْا قُرْعَةً لِتَحْدِيدِ مَهَامِّهِمْ، كِبَارًا وَصِغَارًا، مُعَلِّمينَ وَتَلَامِيذَ. فَوَقَعَتِ القُرْعَةُ الأُولَى لِآسَافَ عَلَى يُوسُفَ. وَالثَّانِيَةُ عَلَى جَدَلْيَا قَرِيبِهِ، وَأبْنَائِهِ الِاثنَيْ عَشَرَ. وَالثَّالِثَةُ عَلَى زَكُّورَ وَأبْنَائِهِ وَأقْرِبَائِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالرَّابِعَةُ عَلَى يَصْرِي وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالخَامِسَةُ عَلَى نَثَنْيَا وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالسَّادِسَةُ عَلَى بُقِّيَّا، وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالسَّابِعَةُ عَلَى يَشَرْئِيلَةَ، وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالثَّامِنَةُ عَلَى يَشْعِيَا، وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالتَّاسِعَةُ عَلَى مَتَّنْيَا وَأبنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالعَاشِرَةُ عَلَى شِمْعَى، وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالحَادِيَةَ عَشْرَ عَلَى عَزَرْئِيلَ، وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ عَلَى حَشَبْيَا وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ عَلَى شُوبَائِيلَ، وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالرَّابِعَةَ عَشْرَةَ عَلَى مَتَّثْيَا وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالخَامِسَةَ عَشْرَةَ عَلَى يَرِيمُوثَ وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشْرَ. وَالسَّادِسَةَ عَشْرَةَ عَلَى حَنَنْيَا وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشْرَ. وَالسَّابِعَةَ عَشْرَةَ عَلَى يَشْبَقَاشَةَ وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشْرَ. وَالثَّامِنَةَ عَشْرَةَ عَلَى حَنَانِي وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالتَّاسِعَةَ عَشْرَةَ عَلَى مَلُّوثِي وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالعِشْرُونَ عَلَى إيلِيآثَةَ وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالحَادِيَةُ وَالعِشْرُونَ عَلَى هُوثِيرَ وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالثَّانِيَةُ وَالعِشْرُونَ عَلَى جِدَّلْتِي وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالثَّالِثَةُ وَالعِشْرُونَ عَلَى مَحْزِيُوثَ، وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. وَالرَّابِعَةُ وَالعِشْرُونَ عَلَى رُومَمْتِي عَزَرَ وَأبْنَائِهِ وَأقَارِبِهِ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَا عَشَرَ. فِرَقُ البَوَّابِينَ مِنْ أبْنَاءِ قُورَحَ: مَشلَمْيَا بْنُ قُورِي، وَهُوَ أحَدُ أبْنَاءِ آسَافَ. وَكَانَ لِمَشلَمْيَا أبْنَاءٌ: البِكرُ زَكَرِيَّا، وَالثَّانِي يَدِيعِيئِيلُ، وَالثَّالِثُ زَبَدْيَا، وَالرَّابِعُ يَثْنَئِيلُ، وَالخَامِسُ عِيلَامُ، وَالسَّادِسُ يَهُوحَانَانُ، وَالسَّابِعُ ألِيهُو عِينَايُ. وَكَانَ لِعُوبِيدَ أدُومَ أبْنَاءٌ هُمُ البِكْرُ شَمْعِيَا، وَالثَّانِي يَهُوزَابَادُ، وَالثَّالِثُ يُوآخُ، وَالرَّابِعُ سَاكَارُ، وَالخَامِسُ نَثْنَئِيلُ، وَالسَّادِسُ عَمِّيئِيلُ، وَالسَّابِعُ يَسَّاكَرُ، وَالثَّامِنُ فَعَلْتَايُ. فَقَدْ بَارَكَهُ اللهُ فِعلًا. وَكَانَ لِابْنِهِ شَمْعِيَا أبْنَاءٌ أيْضًا، رُؤَسَاءٌ لِعَائِلَاتِهِمْ، لِأنَّهُمْ كَانُوا مِنْ طَبَقَةِ المُحَارِبينَ النُّبَلَاءِ. أبْنَاءُ شَمْعِيَا هُمْ عَثْنِي وَرَفَائِيلُ وَعُوبِيدُ وَألْزَابَادُ وَأخَوَاهُ ألِيهُو وَسَمَكْيَا، وَهُمَا رَجُلَانِ مُقْتَدِرَانِ. كَانَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أبْنَاءَ عُوبِيدَ آدُومَ، هُمْ وَأبنَاؤُهُمْ وَأقَارِبُهُمْ، رِجَالًا مُقْتَدِرِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِقُوَّةٍ لِلقِيَامِ بِوَظَائِفِهِمْ، وَعَدَدُهُمُ اثْنَانِ وَسِتُّونَ، وَهُمْ مِنْ نَسْلِ عُوبِيدَ أدُومَ. وَكَانَ لِمَشلَمْيَا أبْنَاءٌ وَأقَارِبُ عَدَدُهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا مُقتَدِرًا. وَكَانَ لِحُوسَةَ المِرَارِيِّ أبْنَاءٌ: الرَّئِيسُ شِمْرِي. مَعَ أنَّهُ لَمْ يَكُنِ البِكْرَ، لَكِنَّ أبَاهُ جَعَلَهُ الرَّئِيسَ. وَالثَّانِي حِلْقِيَّا، وَالثَّالِثُ طَبَلْيَا، وَالرَّابِعُ زَكَرِيَّا. فَكَانَ عَدَدُ أبْنَاءِ حُوسَةَ وَأقَارِبِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. كَانَ لِفِرَقِ البَوَّابِينَ هَذِهِ، وَهُمْ قَادَةُ الرِّجَالِ، وَاجِبَاتٌ كَأقَارِبِهِمْ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ . وَألقَوْا قُرْعةً للْجَمِيعِ، للشَّبَابِ وَالكِبَارِ بحَسَبِ عَائِلَاتِهِمْ لِحِرَاسَةِ كُلِّ بوَّابةٍ. وَألقَوْا قُرْعَةً لِشَلَمْيَا لِحِرَاسَةِ البَوَّابَةِ الشَّرْقِيَّةِ. وَألقَوْا قُرْعَةً لِزَكَرِيَّا بْنِ شَلَمْيَا، وَهُوَ مُسْتَشَارٌ حَكِيمٌ، فَكَانَ عَلَيْهِ حِرَاسَةُ البَوَّابةِ الشِّمَاليَّةِ. أمَّا البَوَّابَةُ الجَنُوبِيَّةُ فَكَانَتْ مِنْ نَصِيبِ عُوبِيدَ أدُومَ. وَكُلِّفَ أبنَاؤُهُ بِحِرَاسَةِ المَخزَنِ. وَكَانَتْ مِنْ نَصِيبِ شُفِّيمَ وَحُوسَةَ البَوَّابَةُ الغَربِيَّةُ، مَعَ بَوَّابَةِ شَلَّكَةَ عَلَى الطَّرِيقِ الصَّاعِدِ. فَكَانَ الحُرَّاسُ يَتَنَاوَبُونَ. فَيَقِفُ عِنْدَ البَوَّابَةِ الشَّرْقِيَّةِ سِتَّةُ لَاوِيِّينَ كُلَّ يَوْمٍ، وَعِنْدَ البَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ أرْبَعَةٌ كُلَّ يَوْمٍ، وَعِنْدَ البوَّابَةِ الجَنُوبِيَّةِ أرْبَعَةٌ كُلَّ يَوْمٍ. وَيَتَنَاوَبُونَ عَلَى حِرَاسَةِ المَخزَنِ اثنَيْنِ اثنَيْنِ. أمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلقَاعَةِ الغَربِيَّةِ، فَكَانَ هُنَاكَ أرْبَعَةُ حُرَّاسٍ عِنْدَ الطَّرِيقِ، وَاثْنَانِ عِنْدَ القَاعَةِ. هَذِهِ هِيَ فِرَقُ البَوَّابِينَ مِنَ القُورَحِيِّينَ وَالمَرَارِيِّينَ. وَمِنَ اللَّاوِيِّينَ، كَانَ أخِيَّا مَسْؤُولًا عَنْ حِرَاسةِ مَخَازِنِ بَيْتِ اللهِ وَمَخَازِنِ التَّقدِمَاتِ المَحْفُوظَةِ. وَأمَّا أبْنَاءُ لَعْدَانَ الَّذِينَ مِنْ عَائِلَةِ جَرْشُونَ، رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ لَعْدَانَ الجَرْشُونِيِّ فَكَانَ الرَّئِيسُ هُوَ يَحِيئِيلِي. وَكَانَ ابْنَا يَحِيئِيلِي زِيثَامُ وَيُوئِيلُ مَسْؤُولَينِ عَنْ مَخَازِنِ بَيْتِ اللهِ . مِنْ أبْنَاءِ عَمْرَامَ، وَيَصْهَارَ، وَحَبْرُونَ، وَعُزِّيئِيلَ، كَانَ شَبُوئِيلُ بْنُ جَرْشُومَ بْنِ مُوسَى المَسؤُولَ الأوَّلَ عَنِ المَخَازِنِ. وَإخْوَتُهُ مِنْ ألِيعَزَرَ هُمْ رَحَبْيَا بْنُ ألِيعَزَرَ، وَيَشْعِيَا بْنُ رَحَبْيَا، وَيُورَامُ بْنُ يَشْعِيَا، وَزِكْرِي بْنُ يُورَامَ، وَشَلُومِيثُ بْنُ زِكْرِي. كَانَ شَلُومِيثُ وَأقرِبَاؤُهُ مَسؤُولِينَ عَنِ جَمِيعِ مَخَازِنِ التَّقدِمَاتِ الَّتِي خَصَّصَهَا المَلِكُ دَاوُدُ لِخِدْمَةِ الهَيْكَلِ، وَالَّتِي قَدَّمَهَا رُؤَسَاءُ العَائِلَاتِ وَقَادَةُ الآلَافِ وَالمِئَاتِ، وَقَادَةُ الجَيْشِ. فَقَدْ خَصَّصُوا عَطَايَا مِنَ غَنَائِمِ الحُرُوبِ مِنْ أجْلِ صِيَانَةِ بَيْتِ اللهِ . فَكُلُّ مَا خَصَّصَهُ صَمُوئِيلُ الرَّائِي وَشَاوُلُ بْنُ قَيْسٍ وَأبْنَيْرُ بْنُ نَيرٍ وَيُوآبُ بْنُ صُرُوِيَّةَ، كَانَ فِي عُهْدَةِ شَلُومِيثَ وَأقرِبَائِهِ. وَمِنَ اليَصْهَارِيِّينَ، تَعَيَّنَ كَنَنْيَا وَأبنَاؤُهُ لِلعَمَلِ خَارِجَ الهَيْكَلِ كَمَسؤُولِينَ وَقُضَاةٍ عَلَى إسْرَائِيلَ. مِنَ الحَبْرُونِيِّينَ حَشَبْيَا وَأقرِبَاؤُهُ، ألْفٌ وَسَبْعُ مِئَةِ رَجُلٍ مُقتَدِرٍ، مَسؤُولُونَ عَنْ جَمِيعِ شُؤونِ خِدْمَةِ اللهِ وَخِدْمَةِ المَلِكِ فِي إسْرَائِيلَ، إلَى الغَرْبِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. أمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلحَبرُونِيِّينَ، فَكَانَ يَرَيَّا رَئِيسَ الحَبرُونِيِّنَ حَسَبَ سِجِلَّاتِ أنْسَابِ عَائِلَاتِهِمْ. وَفِي السَّنَةِ الأرْبَعِينَ مِنْ حُكْمِ دَاوُدَ، جَرَى فَحصٌ لِلسِّجِلَّاتِ، فَوُجِدَ رِجَالٌ مُقتَدِرِونَ بَيْنَهُمْ فِي يَعْزِيرَ فِي جِلْعَادَ. وَكَانَ لَدَى يَرَيَّا ألفَانِ وَسَبْعُ مِئَةِ قَرِيبٍ، كَانُوا رِجَالًا مُقتَدِرِينَ وَرُؤَسَاءَ عَائِلَاتِهِمْ. فَعَيَّنَهُمْ دَاوُدُ مَسْؤُولِينَ عَنِ الرَأُوبَيْنِيِّينَ وَالجَادِيِّينَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ أُمُورِ اللهِ وَشُؤونِ المَلِكِ. وَهَذِهِ قَائِمَةٌ بِرُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَقَادَةِ الأُلوفِ وَالمِئَاتِ وَالمَسؤُولِينَ عَنْهُمْ، الَّذِينَ خَدَمُوا المَلِكَ فِي كُلِّ الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِالفِرَقِ العَسْكَرِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَقُومُ بِالخِدْمَةِ عَلَى مَدَارِ السَّنَةِ: تَخْدِمُ شَهْرًا وَتَسْتَرِيحُ شَهْرًا. وَبَلَغَ عَدَدُ كُلِّ فَرِيقٍ أرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ألْفًا. كَانَ يُشْبَعَامُ بْنُ زَبْدِيئِيلَ مَسؤُولًا عَنِ الفِرْقَةِ الأُولَى لِلشَّهْرِ الأوَّلِ. وَكَانَ فِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. كَانَ مِنْ نَسْلِ فَارَصَ، رَئِيسَ كُلِّ قَادَةِ الجَيْشِ. وَكَانَتْ خِدْمَتُهُ فِي الشَّهْرِ الأوَّلِ. وَكَانَ دُودَايُ الأخُوخِيُّ مَسؤُولًا عَنِ الفِرقَةِ الَّتِي تَخْدِمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي. وَكَانَ مَقلُوثُ القَائِدَ المَسؤُولَ عَنْ فِرْقَتِهِ. وَفِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. كَانَ القَائِدُ الثَّالِثُ لِلشَّهْرِ الثَّالِثِ هُوَ بَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ. وَكَانَتْ فِرقَتُهُ تَضُمُّ أرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ألْفًا. كَانَ بَنَايَا مُحَارِبًا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَمَسؤولًا عَنِ الثَّلَاثِينَ. وَكَانَ ابْنُهُ عَمِّيزَابَادُ مَسؤُولًا عَنْ فِرْقَتِهِ. القَائِدُ الرَّابِعُ لِلشَّهْرِ الرَّابِعِ، عَسَائِيلُ أخو يُوآبَ. وَصَارَ ابْنُهُ زَبَدْيَا قَائِدًا بَعْدَهُ. وَفِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. القَائِدُ الخَامِسُ لِلشَّهْرِ الخَامِسِ، شَمْحُوثُ اليَزْرَاحِيُّ. وَفِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. القَائِدُ السَّادِسُ لِلشَّهْرِ السَّادِسِ، عِيرَا بْنَ عِقِّيشَ التَّقُوعِيُّ. وَفِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. القَائِدُ السَّابِعُ لِلشَّهْرِ السَّابِعِ، حَالِصُ الفَلُونِيُّ مِنْ بَنِي أفْرَايِمَ. وَفِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. القَائِدُ الثَّامِنُ لِلشَّهْرِ الثَّامِنِ، سِبْكَايُ الحُوشَاتِيُّ، وَهُوَ زَارِحِيٌّ. وَفِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. القَائِدُ التَّاسِعُ لِلشَّهْرِ التَّاسِعِ، أبِيعَزَرُ العَنَاثُوثِيُّ، وَهُوَ بَنْيَامِينِيٌّ. وَفِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. القَائِدُ العَاشِرُ لِلشَّهْرِ العَاشِرِ، مَهْرَايُ النَّطُوفَاتِيُّ، وَهُوَ زَارِحِيٌّ. وَفِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. القَائِدُ الحَادِي عَشَرَ لِلشَّهْرِ الحَادِي عَشَرَ، بَنَايَا الفَرعَتُونِيُّ. وَكَانَ مِنْ عَائِلَةِ أفْرَايِم. وَفِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. أمَّا القَائِدُ الثَّانِي عَشَرَ لِلشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ، فَكَانَ خَلْدَايُ النَّطُوفَاتِيُّ، وَهُوَ مِنْ عَائِلَةِ عُثْنِيئِيلَ. وَفِي فِرْقَتِهِ أرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ألْفًا. وَكَانَ الرُّؤَسَاءُ مَسْؤُولِينَ عَنْ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ: لِلرَأُوبَيْنِيِّينَ ألِيعَزَرُ بْنُ زِكْرِي. لِلشَّمعُونِيِّينَ: شَفَطيَا بْنُ مَعْكَةَ. لِلَّاوِيِّينَ: حَشَبْيَا بْنُ قَمُوئِيلَ. لِهَارُونَ: صَادُوقُ. لِيَهُوذَا: ألِيهُو، وَهُوَ أخُو دَاوُدَ. لِيَسَّاكَرَ: عَمْرِي بْنُ مِيخَائِيلَ. لِزَبُولُونَ: يَشْمَعِيَا بْنُ عُوبَدْيَا. لِنَفْتَالِي: يَرِيمُوثُ بْنُ عَزَرئِيلَ. لِأفْرَايِمَ: هُوشَعُ بْنُ عَزَرْيَا. لِنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى: يُوئِيلُ بْنُ فَدَايَا. لِنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى فِي جِلْعَادَ: يَدُّو بْنُ زَكَرِيَّا. لِبَنْيَامِينَ: يَعْسِيئِيلُ بْنُ أبْنَيْرَ. لِدَانٍ: عَزَرْئِيلُ بْنُ يَرُوحَامَ. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. وَلَمْ يُحصِ دَاوُدُ مَنْ هُمْ أقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، لِأنَّ اللهَ سَبَقَ أنْ وَعَدَ بِأنْ تَكُونَ إسْرَائِيلُ بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ. وَقَدْ بَدَأ يُوآبُ بْنُ صُرُوِيَّةَ يُحصِي، لَكِنَّهُ لَمْ يُكمِلْ. وَبِسَبَبِ هَذَا الإحْصَاءِ جَاءَ غَضَبُ اللهِ عَلَى إسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَدْخُلِ العَدَدُ فِي سِجِلِّ أحْدَاثِ أيَّامِ المَلِكِ دَاوُدَ. وَكَانَ عَزمُوتُ بْنُ عَدِيئِيلَ مَسؤُولًا عَنْ مَخَازِنِ المَلِكِ. وَكَانَ يُونَاثَانُ بْنُ عُزِّيَّا مَسؤُولًا عَنِ المَخَازِنِ الَّتِي فِي الأريَافِ، وَفِي المُدُنِ وَفِي القُرَى، وَفِي الحُصُونِ. وَكَانَ عَزْرِي بْنُ كَلُوبَ مَسؤُولًا عَنِ الفَلَّاحِينَ الَّذِينَ يَحْرُثُونَ الأرْضَ. وَكَانَ شِمْعَى الرَّامِيُّ مَسؤُولًا عَنِ الكُرُومِ. وَكَانَ زَبْدِيُّ الشَّفْمِيُّ مَسؤُولًا عَنِ العِنَبِ لِأجْلِ مَخَازِنِ النَّبِيذِ. وَكَانَ بَعلُ حَانَانَ الجَدِيرِيُّ مَسؤُولًا عَنْ أشْجَارِ الزَّيْتُونِ وَالجُمِّيزِ فِي التِّلَالِ الغَربِيَّةِ. وَكَانَ يُوعَاشُ مَسؤُولًا عَنْ مَؤُونَةِ زَيْتِ الزَّيْتُونِ. وَكَانَ شَطْرَايُ الشَّارُونِيُّ مَسؤُولًا عَنِ قُطعَانِ البَقَرِ الَّتِي تَرْعَى فِي شَارُونَ. وَكَانَ شَافَاطُ بْنُ عَدلَايَ مَسؤُولًا عَنْ قُطعَانِ البَقَرِ الَّتِي فِي الأودِيَةِ. وَكَانَ أُوبِيلُ الإسْمَاعِيلِيُّ مَسؤُولًا عَنِ الجِمَالِ. وَكَانَ يَحَدْيَا المِيرُونُوثِيُّ مَسؤُولًا عَنِ الحَمِيرِ. وَكَانَ يَازِيزُ الهَاجَرِيُّ مَسؤُولًا عَنِ الغَنَمِ. كَانَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ وُكَلَاءَ عَلَى أمْلَاكِ المَلِكِ دَاوُدَ. وَكَانَ يُونَاثَانُ عَمُّ دَاوُدَ مُسْتَشَارًا وَحَكِيمًا وَمُتَعَلِّمًا. وَكَانَ يَحِيئِيلُ بْنُ حَكْمُونِي يُشْرِفُ عَلَى تَعْلِيمِ أبْنَاءِ المَلِكِ. وَكَانَ أخِيتُوفَلُ مُسْتَشَارًا لِلمَلِكِ. وَحُوشَايُ الأرْكِيُّ مُرَافِقًا لِلمَلِكِ. وَخَلَفَ أخِيتُوفَلَ يَهُويَادَاعُ بْنُ بَنَايَا وَأبِيَاثَارُ. وَكَانَ يُوآبُ قَائِدَ جَيْشِ المَلِكِ. وَاسْتَدْعَى دَاوُدُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ كُلَّ قَادَةِ إسْرَائِيلَ، وَرُؤَسَاءَ القَبَائِلِ، وَرُؤَسَاءَ الفِرَقِ الَّتِي تَخْدِمُ المَلِكَ، وَرُؤَسَاءَ الآلَافِ، وَرُؤَسَاءَ المِئَاتِ، وَالمَسؤُولِينَ عَنْ كُلِّ أمْلَاكِ المَلِكِ وَمَاشِيَتِهِ وَأبنَائِهِ، مَعَ المَسؤُولِينَ فِي حَاشِيَةِ القَصْرِ، وَالمُحَارِبِينَ وَكُلِّ رَجُلٍ لَهُ وَزْنٌ. وَوَقَفَ المَلِكُ دَاوُدُ وَقَالَ: «اسْمَعُونِي يَا إخْوَتِي وَشَعْبِي. كُنْتُ أنوِي بِنَاءَ مَكَانِ رَاحَةٍ وَاسْتِقْرَارٍ لِصُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ ، لِمَوطِئِ قَدَمَيِّ إلَهِنَا. وَأعْدَدْتُ لِبِنَائِهِ. لَكِنَّ اللهَ قَالَ لِي: لَا يَجُوزُ لَكَ أنْ تَبْنِيَ بَيْتًا لِاسْمِي، لِأنَّكَ رَجُلُ حَرْبٍ، وَقَدْ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً. «لَكِنَّ اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، اخْتَارَنِي مِنْ بَيْنِ كُلِّ عَائِلَتِي لِأكُونَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ إلَى الأبَدِ. فَقَدِ اخْتَارَ يَهُوذَا قَائِدًا. وَمِنْ بَيْتِ يَهُوذَا اخْتَارَ عَائِلَتِي. وَمِنْ بَيْنِ إخْوَتِي شَاءَ أنْ يَجْعَلَنِي أنَا مَلِكًا عَلَى كُلِّ إسْرَائِيلَ. وَمِنْ بَيْنِ كُلِّ أبنَائِي – وَقَدْ أعطَانِي اللهُ أبْنَاءً كَثِيرِينَ – اخْتَارَ ابْنِي سُلَيْمَانَ لِلجُلُوسِ عَلَى عَرْشِ مَمْلَكَةِ اللهِ ، إسْرَائِيلَ. وَقَالَ لِي: ‹ابْنُكَ سُلَيْمَانُ هُوَ الَّذِي سَيَبْنِي بَيْتِي وَسَاحَاتِي، لِأنِّي قَدِ اختَرْتُهُ لِيَكُونَ لِي ابنًا، وَأكُونَ لَهُ أبًا. وَسَأُثَبِّتُ إلَى الأبَدِ مَملَكَتَهُ، إذَا كَانَ جَادًّا فِي اتِّبَاعِ وَصَايَايَ وَفَرَائِضِي كَمَا يَفْعَلُ اليَوْمَ.›» وَقَالَ دَاوُدُ: «وَالْآنَ أطلُبُ إلَيكُمْ، بشَهَادَةِ جَمِيعِ بَنِي إسْرَائِيلَ، جَمَاعَةِ اللهِ ، وَعَلَى مَسمَعِ إلَهِنَا، أنْ تَتَّبِعُوا وَصَايَا بِكُلِّ تَدْقِيقٍ، لِكَي تَمْلُكُوا هَذِهِ الأرْضَ الطَّيِّبَةَ، وَتُورِّثُوهَا لِأبْنَائِكُمْ إلَى الأبَدِ. «أمَّا أنْتَ يَا ابْنِي سُلَيْمَانَ، فَاعرِفْ إلَهَ أبِيكَ، وَاخدِمْهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَرُوحٍ رَاغِبَةٍ، لِأنَّ اللهَ يَفْحَصُ كُلَّ القُلُوبِ، وَيَفْهَمُ كُلَّ الأفكَارِ. اسْعَ إلَيْهِ، وَسَتَجِدُهُ. أمَّا إذَا تَرَكْتَهُ فَسَيَرْفُضُكَ إلَى الأبَدِ. وَهَا قَدِ اخْتَارَكَ اللهُ لِتَبْنِيَ بَيْتًا مُقَدَّسًا. فَتَشَجَّعْ وَابْدأِ العَمَلَ.» ثُمَّ أعْطَى دَاوُدُ ابنَهُ سُلَيْمَانَ مُخَطَّطَ دِهْلِيزِ الهَيْكَلِ وَمَبَانِيهِ وَمَخَازِنِهِ، وَغُرَفِهِ العُلْوِيَّةِ، وَغُرفَةِ كُرسِيِّ الرَّحمَةِ. وَأعْطَاهُ مُخَطَّطًا لِكُلِّ مَا كَانَ فِي ذِهنِهِ لِبِنَاءِ سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ وَلِكُلِّ الغُرَفِ المُحِيطَةِ بِهَا، وَلِكُلِّ مَخَازِنِ بَيْتِ اللهِ، وَلِكُلِّ المَخَازِنِ المُخَصَّصَةِ لِلعَطَايَا المُقَدَّمَةِ للهِ . وَأعْطَاهُ نِظَامَ فِرَقِ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ، وَلِكُلِّ عَمَلِ خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ ، وَلِكُلِّ الآنِيَةِ بِاسْتِعْمَالَاتِهَا المُختَلِفَةِ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ . وَبَيَّنَ لَهُ أوزَانَ آنِيَةِ الذَّهَبِ بِحَسَبِ اسْتِخدَامِهَا، وَأوزَانَ آنِيَةِ الفِضَّةِ وَجَمِيعِ الآنِيَةِ بِاسْتِعْمَالَاتِهَا المُختَلِفَةِ. كَمَا بَيَّنَ لَهُ أوزَانَ المنَائِرِ الذَّهَبِيَّةِ وَسُرُجِهَا، وَأوزَانَ المنَائِرِ الفِضِّيَّةِ وَسُرُجِهَا بِحَسَبِ اسْتِخدَامِهَا. وَبَيَّنَ لَهُ وَزنَ الذَّهَبِ اللَّازِمِ لِصُنعِ مَوَائِدِ الخُبْزِ المُقَدَّسِ، وَوَزنَ الفِضَّةِ لِصُنعِ المَوَائِدِ الفِضِّيَّةِ، وَوَزنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ لِصُنْعِ المَلَاقِطِ وَطَاسَاتِ الرَّشِّ وَالأبَارِيقِ وَالأطبَاقِ الذَّهَبِيَّةِ وَالأطبَاقِ الفِضِّيَّةِ، وَوَزْنَ كُلِّ طَبَقٍ مِنْهَا. وَبَيَّنَ لَهُ وَزنَ الذَّهَبِ المُصَفَّى اللَّازِمِ لِصُنعِ مَذْبَحِ البَخُورِ. وَبَيَّنَ لَهُ نَمُوذَجَ المَرْكَبَةِ الذَّهَبِيَّةِ – أيْ مَلَاكَيِ الكَرُوبِيمِ اللَّذينِ يَفْرِدَانِ أجنِحَتَهُمَا وَيُظَلِّلَانِ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ . أعْطَى دَاوُدُ سُلَيْمَانَ هَذِهِ التَّعلِيمَاتِ مَكْتُوبَةً، كَمَا اسْتَلَمَهَا مِنَ اللهِ . وَشَرَحَهَا لَهُ بِكُلِّ تَفْصِيلٍ بَحَسَبِ المُخَطَّطَاتِ. ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِابْنِهِ سُلَيْمَانَ: «تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ وَنَفِّذْ هَذَا الأمْرَ. وَلَا تَخَفْ وَلَا تَفْشَلْ. لِأنَّ ، إلَهِي مَعَكَ. لَنْ يَتَخَلَّى عَنْكَ وَلَنْ يَتْرُكَكَ إلَى أنْ تُنْهِيَ كُلَّ عَمَلِ خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ . وَهَا هِيَ فِرَقُ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ لِكُلِّ خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ. وَتَحْتَ تَصَرُّفِكَ كُلُّ العُمَّالِ المَاهِرِينَ فِي أيَّةِ خِدْمَةٍ. وَمَعكَ أيْضًا المَسؤُولُونَ وَكُلُّ الشَّعْبِ.» وَقَالَ دَاوُدُ لِكُلِّ الجَمَاعَةِ: «ابْنِي سُلَيْمَانُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ صَغِيرٌ وَغَضٌّ، أمَّا مَهَمَّتُهُ فَكَبِيرَةٌ، لِأنَّ الهَيْكَلَ لَنْ يُبْنَى لِبَشَرٍ، وَإنَّمَا . بَذَلْتُ كُلَّ جَهْدِي فِي الإعدَادِ لِبَيْتِ إلَهِي. ذَهَبًا لِصُنْعِ أغرَاضٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِضَّةً لِصُنْعِ أغرَاضٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَنُحَاسًا لِصُنْعِ أغرَاضٍ نُحَاسِيَّةٍ، وَحَدِيدًا لِصُنْعِ أغرَاضٍ حَدِيدِيَّةٍ، وَخَشَبًا لِصُنْعِ أغرَاضٍ خَشَبِيَّةٍ، وَحِجَارَةَ الجَزَعِ وَحِجَارَةً لِتَزْيِينِ الإطَارَاتِ، وَالحِجَارَةَ المُلَوَّنَةَ، وَكُلَّ أنْوَاعِ الحِجَارَةِ الثَّمِينَةِ، وَالرُّخَامِ بِكَمِّيَّاتٍ كَبِيرَةٍ. وَفَضلًا عَنْ ذَلِكَ فَإنِّي أُكَرِّسُ كَنزِي الخَاصَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ لِبَيْتِ إلَهِي، وَهَا أنَا الآنَ أُعْطِيهِ لِبَيْتِ إلَهِي، بِالإضَافَةِ إلَى كُلِّ مَا أعدَدْتُهُ لِلبَيْتِ المُقَدَّسِ: ثَلَاثَةَ آلَافِ قِنْطَارٍ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ، مِنْ أُوفِيرَ، وَسَبعَةَ آلَافِ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ المُصَفَّاةِ مِنْ أجْلِ تَغْشِيَةِ جُدْرَانِ الغُرَفِ. ذَهَبًا لِصُنْعِ الأغرَاضِ الذَّهَبِيَّةِ، وَفِضَّةً لِصُنْعِ الأغرَاضِ الفِضِّيَّةِ، وَلِكُلِّ العَمَلِ الَّذِي سَيَقُومُ بِهِ الصُّنَّاعُ المَاهِرُونَ. فَمَنْ سَيُعطِي بِسَخَاءٍ بِتَكْرِيسِ نَفْسِهِ للهِ اليَوْمَ؟» حِينَئِذٍ، أعْطَى بِسَخَاءٍ رُؤَسَاءُ العَائِلَاتِ، وَرُؤَسَاءُ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، وَرُؤَسَاءُ الآلَافِ وَالمِئَاتِ وَالمَسؤُولُونَ عَنْ عَمَلِ المَلِكِ. وَقَدَّمُوا مِنْ أجْلِ خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ خَمْسَةَ آلَافِ قِنْطَارٍ وَعَشْرِةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَعَشْرِةَ آلَافِ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ قِنْطَارًا مِنَ البرُونْزِ، وَمِئَةَ ألْفِ قِنْطَارٍ مِنَ الحَدِيدِ. وَكُلُّ مَنْ لَدَيهِ أحْجَارٌ كَرِيمَةٌ، أعْطَاهَا لِخَزْنَةِ بَيْتِ اللهِ لِتَكُونَ تَحْتَ تَصَرُّفِ يَحِيئِيلَ الجَرشُونِيِّ. وَابْتَهَجَ الشَّعْبُ بِإسْهَامَاتِهِمُ السَّخِيَّةِ، لِأنَّهُمْ أعْطَوْا بِقَلْبٍ سَلِيمٍ للهِ . وَابْتَهَجَ المَلِكُ دَاوُدُ ابتِهَاجًا عَظِيمًا أيْضًا. ثُمَّ حَمَدَ دَاوُدُ اللهَ أمَامَ الجَمَاعَةِ كُلِّهَا وَقَالَ: «لَكَ الحَمْدُ يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ أبِينَا، مِنَ الأزَلِ وَإلَى الأبَدِ! لَكَ يَا رَبُّ العَظَمَةُ وَالقُوَّةُ وَالمَجْدُ وَالبَهَاءُ وَالجَلَالُ، لِأنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأرْضِ. لَكَ يَا اللهُ السِّيَادَةُ وَالتَّعظِيمُ كَسَيِّدٍ أعْلَى فَوْقَ الجَمِيعِ. الثَّرَوَاتُ وَالغِنَى هِيَ مِنْكَ، وَأنْتَ تَحْكُمُ فَوْقَ الجَمِيعِ. القُوَّةُ وَالجَبَرُوتُ لَكَ. وَأنْتَ مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَرْفَعَ وَيُقَوِّيَ الجَمِيعَ. وَالْآنَ، يَا إلَهَنَا، نُقَدِّمُ لَكَ شُكرَنَا وَنُسَبِّحُ اسْمَكَ المَجِيدَ. لَكِنْ مَنْ أنَا، وَمَنْ هُوَ شَعْبِي، لِكَي نُعطِيَ بِهَذَا السَّخَاءِ؟ لِأنَّ كُلَّ شَيءٍ مِنْكَ، وَمِنْ يَدِكَ أعْطَينَاكَ. فَنَحْنُ غُرَبَاءُ أمَامَكَ، وَنُزَلَاءُ كَآبَائِنَا. حَيَاتُنَا عَلَى الأرْضِ أشْبَهُ بِظِلِّ عَابِرٍ، وَبِلَا رَجَاءٍ. يَا ، هَذِهِ الثَّرْوَةُ الَّتِي جَمَعْنَاهَا لِنَبْنِيَ بَيْتًا لِاسْمِكَ القُدُّوسِ هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَهِيَ كُلُّهَا لَكَ. وَأنَا أعْرِفُ يَا إلَهِي، أنَّكَ تَفْحَصُ القَلْبَ وَتُسَرُّ بِالدَّوَافِعِ المُسْتَقِيمَةِ. وَقَدْ قَدَّمْتُ كُلَّ هَذِهِ الأشْيَاءِ بِدَافِعٍ سَلِيمٍ. وَقَدْ رَأيْتُ الآنَ شَعْبَكَ الحَاضِرَ هُنَا وَهُوَ يُعْطِي بِفَرَحٍ لَكَ. يَا اللهُ ، أنْتَ إلَهُ آبَائِنَا إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. فَاحفَظْ إلَى الأبَدِ هَذِهِ النَّوَايَا السَّلِيمَةَ فِي قُلُوبِ شَعْبِكَ. وَوَجِّهْ قُلُوبَهُمْ نَحوَكَ. وَأعْطِ سُلَيْمَانَ ابْنِي قَلْبًا سَلِيمًا لِكَي يُرَاعِيَ وَصَايَاكَ وَأحْكَامَكَ وَفَرَائِضَكَ، وَلِكَي يَعْمَلَ بِهَا كُلِّهَا وَيَبْنِي الهَيْكَلَ الَّذِي أعدَدْتُ لَهُ.» ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِلجَمَاعَةِ كُلِّهَا: «احْمَدُوا .» فَحَمَدَتِ الجَمَاعَةُ كُلُّهَا اللهَ ، إلَهَ آبَائِهِمْ. وَخَرُّوا وَسَجَدُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ وَالمَلِكِ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي ذَبَحُوا ذَبَائِحَ للهِ ، وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً للهِ ، ألْفَ ثَوْرٍ، وَألفَ كَبْشٍ، وَألفَ حَمَلٍ، مَعَ تَقْدِمَاتِ الشَّرَابِ، وَذَبَائِحَ بِكَثْرَةٍ عَنْ كُلِّ إسْرَائِيلَ. وَأكَلُوا وَشَرِبُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ. وَنَصَّبُوا سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ مَلِكًا ثَانِيَةً، وَمَسَحُوهُ رَئِيسًا، وَمَسَحُوا صَادُوقَ كَاهِنًا. فَجَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى عَرْشِ شَعْبِ اللهِ مَلِكًا خَلَفًا لِأبِيهِ دَاوُدَ، فَنَجَحَ وَأطَاعَتْهُ كُلُّ إسْرَائِيلَ. وَقَدْ وَعَدَ القَادَةُ، وَالمُحَارِبُونَ، وَكُلُّ أنْبِيَاءِ المَلِكِ دَاوُدَ بِأنْ يَكُونُوا مُخْلِصِينَ لِلمَلِكِ سُلَيْمَانَ. وَرَفَعَ اللهُ سُلَيْمَانَ كَثِيرًا أمَامَ كُلِّ إسْرَائِيلَ. وَمَنَحَهُ جَلَالًا مَلَكِيًّا لَمْ يُتَحْ قَطُّ مِثْلُهُ لِمَلِكٍ عَلَى إسْرَائِيلَ. كَانَ دَاوُدُ بْنُ يَسَّى مَلِكًا عَلَى كُلِّ إسْرَائِيلَ. وَبَلَغَتْ مُدَّةُ حُكْمِهِ أرْبَعِينَ سَنَةً. حَكَمَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ فِي حَبْرُونَ، وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَمَاتَ وَهُوَ طَاعِنٌ فِي السِّنِّ، وَقَدْ شَبِعَ مِنَ العُمْرِ وَالثَّرَوَاتِ وَالكَرَامَةِ. ثُمَّ خَلَفَهُ ابْنُهُ سُلَيْمَانُ. وَتَارِيخُ المَلِكِ دَاوُدُ، مِنْ أوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، مُدَوَّنٌ فِي سِجِلَّاتِ صَمُوئِيلَ الرَّائِي، وَفِي سِجِلَّاتِ النَّبِيِّ نَاثَانَ، وَفِي سِجِلَّاتِ جَادٍ الرَّائِي. وَهُوَ مُسَجَّلٌ مَعَ سَرْدٍ وَافٍ لِأحْدَاثِ حُكْمِهِ وَقُوَّتِهِ، وَالأحْدَاثِ الَّتِي أثَّرَتْ فِيهِ، وَفِي إسْرَائِيلَ، وَفِي مَمَالِكِ جَمِيعِ البِلَادِ الأُخرَى. وَصَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلِكًا قَوِيًّا جِدًّا لِأنَّ كَانَ مَعَهُ، وَجَعَلَهُ عَظِيمًا جِدًّا. وَجَمَعَ سُلَيْمَانُ بَنِي إسْرَائِيلَ جَمِيعًا: قَادَةَ الأُلُوفِ وَالمِئَاتِ إلَى الرُّؤَسَاءِ وَجَمِيعَ القَادَةِ وَالقُضَاةِ وَرُؤَسَاءِ العَائِلَاتِ. وَاجتَمَعَ سُلَيْمَانُ وَكُلُّ الشَّعْبِ مَعًا فِي المُرتَفَعِ فِي جِبْعُونَ حَيْثُ كَانَتْ خَيْمَةُ الِاجْتِمَاعِ – وَهِيَ الخَيْمَةُ الَّتِي صَنَعَهَا عَبدُ اللهِ مُوسَى عِنْدَمَا كَانَ هُوَ وَالشَّعْبُ فِي البَرِّيَّةِ. وَكَانَ دَاوُدُ قَدْ نَقَلَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مِنْ قَريَاتَ يَعَارِيمَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، حَيْثُ هَيَّأ لَهُ مَكَانًا، وَنَصَبَ خَيْمَةً لِصُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ فِي القُدْسِ. وَكَانَ بَصَلْئِيلُ بْنُ أُورِي بْنِ حُورٍ قَدْ صَنَعَ مَذْبَحًا نُحَاسِيًّا وَضَعَهُ فِي جِبعُونَ أمَامَ الخَيْمَةِ المُقَدَّسَةِ. فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَالشَّعْبُ إلَى جِبْعُونَ لِيَسْتَشِيرُوا اللهَ . فَصَعِدَ سُلَيْمَانُ إلَى المَذْبَحِ البُرُونْزِيِّ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَقَدَّمَ ألْفَ ذَبِيحَةٍ عَلَى المَذْبَحِ. وَفِي تلكَ اللَّيلَة، جَاءَ اللهُ إلَى سُلَيْمَانَ فِي حُلْمٍ وَقَالَ لَهُ: «اطلُبْ مِنِّي مَا شِئْتَ، وَسَأُعْطِيهِ لَكَ.» فَقَالَ سُلَيْمَانُ للهِ: «قَدْ تَعَامَلْتَ مَعَ أبِي دَاوُدَ بِكلِّ كَرَمٍ وَأمَانَةٍ. وَأجلَسْتَنِي عَلَى عَرْشِ المَمْلَكَةِ مَكَانَهُ. وَالْآنَ يَا ، احفَظْ وَعدَكَ الَّذِي قَطَعتَهُ لِأبِي دَاوُدَ. فَقَدْ أقَمتَنِي مَلكًا عَلَى أُمَّةٍ كَبِيرَةٍ جِدًّا، وَشَعْبٍ كَثِيرٍ كَتُرَابِ الأرْضِ! فَأعطنِي حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً فَأقُودَ هَؤُلَاءِ النَّاسَ فِي الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ. فَمَنْ يَقْدِرُ أنْ يَحْكُمَ كُلَّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ دُونَ مَعُونَتِكَ؟» فَقَالَ اللهُ لسُلَيمَانَ: «قَلْبُكَ مُسْتَقِيمٌ، فَلَمْ تَطْلُبْ أمْلَاكًا وَثَروَةً وَمَجدًا، وَلَمْ تَطْلُبْ أنْ يُقتَلَ أعْدَاؤُكَ، أوْ أن يَطُولَ عُمْرُكَ. لَكِنَّكَ طَلَبْتَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً لِكَي تَحْكُمَ شَعْبِي الَّذِي جَعَلْتُكَ مَلِكًا عَلَيْهِ. لِذَلِكَ سَأُعْطِيكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً، وَسَأزِيدُ عَلَيْهَا ثَرْوَةً وَأمْلَاكًا وَمَجدًا لَمْ تَكُنْ لمَلِكٍ قَبلَكَ، وَلَنْ تَكُونَ لِمَلِكٍ بَعدَكَ.» فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ إلَى مَكَانِ العِبَادَةِ فِي جِبعُونَ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِيُمَارِسَ حُكمَهُ كَمَلكٍ عَلَى إسْرَائِيلَ. وَبَدَأ سُلَيْمَانُ يَجْمَعُ جِيَادًا وَمَرْكَبَاتٍ لِجَيْشِهِ. فَكَانَ لَدَيهِ ألْفٌ وَأرْبَعُ مئَةِ مَرْكَبَةٍ وَاثنَا عَشَرَ ألْفَ فَارِسٍ. وَقَدْ وَضَعَهَا فِي مُدُنِ المَرْكَبَاتِ. وَوَضَعَ بَعْضًا مِنْهَا فِي مَدِينَةِ القُدْسِ حَيْثُ كَانَ المَلِكُ يُقيمُ. وَفي مَدِينَةِ القُدْسِ جَمَعَ سُلَيْمَانُ كَمِيَّةً كَبِيرَةً مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، فَكَانَتْ بِكَثْرَةِ الحِجَارَة! وَجَمَعَ سُلَيْمَانُ كَمِيَّةً كَبِيرَةً مِنْ خَشَبِ الأرْزِ، فَكَانَتْ بِكَثْرَةِ أشْجَارِ الجُمَّيزِ فِي التِّلَالِ الغَربيَّةِ. وَجَلَبَ سُلَيْمَانُ جِيَادًا مِنْ مِصْرٍ وَمِنْ مَدِينَةِ كُوِي. فَقَدِ جَلَبَ تُجَّارُ المَلِكِ الجِيَادَ مِنْ مَدِينَةِ كُوِي. فَقَدِ اشتَرَوْا المَركِبَةَ مِنْ مِصْرٍ بِسِتِّ مِئَةِ مِثْقَالٍ مِنَ الفضَّةِ، وَالحِصَانَ بِمِئَةٍ وَخَمْسِينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ. ثُمَّ بَاعَ التُّجَّارُ الجِيَادَ وَالعَرَبَاتِ لِجَمِيعِ مُلُوكِ الحِثِّيِّينَ وَمُلُوكِ أرَامَ. وَخَطَّطَ سُلَيْمَانُ لبِنَاءِ هَيْكَلٍ إكْرَامًا لِاسْمِ اللهِ ، وَلبِنَاءِ قَصْرٍ لنَفْسِهِ. فَجَنَّدَ سُلَيْمَانُ سَبعِينَ ألْفَ عَامِلِ بنَاءٍ وَثَمَانِينَ ألْفَ حَجَّارٍ ليَقْطَعُوا حِجَارَةً فِي الجَبَلِ، وَعَيَّنَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَستَّ مِئَةِ رَجُلٍ لِيُشرِفُوا عَلَيْهِمْ. ثُمَّ أرْسَلَ سُلَيْمَانُ رسَالَةً إلَى حُورَامَ مَلِكِ صُورٍ وَقَالَ لَهُ: «… سَاعِدْنِي كَمَا سَاعَدْتَ أبِي دَاوُدَ. فَقَدْ أرسَلْتَ لَهُ خَشَبًا مِنْ أشْجَارِ الأرْز لِكَي يَبْنِيَ بَيْتًا لِيَسْكُنَ فِيهِ. وَأنَا سَأبنِي بَيْتًا إكْرَامًا لِاسْمِ ، حَيْثُ سَنُحْرِقُ بَخُورًا فِي حَضْرَتِهِ، وَنَضَعُ الخُبْزَ المُقَدَّسَ عَلَى مَائِدَتِهِ. سَنُقَدِّمُ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ، وَكُلَّ سَبتٍ وَأوَائِلِ الشُّهُورِ، وَفِي الأعْيَادِ الَّتِي أمَرَنَا بِالِاحْتِفَالِ بِهَا كَعَادَةٍ دَائِمَةٍ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. «إلَهُنَا أعْظَمُ مِنْ كُلِّ الآلهَةِ، لِهَذَا سَأبنِي لَهُ هَيْكَلًا عَظِيمًا. وَمَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعُ أنْ يَبْنِيَ بَيْتًا يَسْكُنُ اللهُ فِيهِ؟ فَلَا الفَضَاءُ، وَلَا أعْلَى سَمَاءٍ، يُمْكِنُ أنْ تُحيطَ بِإلَهِنَا! فَمَنْ أنَا لِأبْنِيَ بَيْتًا يَسْكُنُهُ اللهُ؟ بَلْ أبْنِي مَكَانًا لِإحْرَاقِ البَخُورِ إكرَامًا لَهُ. «فَأرْسِلْ لِي رَجُلًا مَاهرًا فِي صِنَاعَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالبُرُونْزِ وَالحَدِيدِ، وَفِي نَسجِ الأقمشَةِ الأُرجُوانِيَّةِ وَالحَمرَاءِ وَالزَّرقَاءِ. وَسَيَعْمَلُ هَذَا الرَّجُلُ هُنَا فِي يَهُوذَا وَالقُدْسِ مَعَ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ أبِي. «وَأرسِلْ لِي خَشَبًا مِنْ أشْجَارِ الأرْزِ وَالسَّروِ وَالصَّندَلِ مِنْ لُبْنَانَ. فَأنَا أعْلَمُ أنَّ خُدَّامَكَ مُتَمَرِّسُونَ فِي قَطْعِ الأشْجَارِ مِنْ لُبْنَانَ. وَسَيَعْمَلُ خُدَّامي مَعَ خُدَّامِكَ. سَأحتَاجُ إلَى خَشَبٍ كَثِيرٍ لِأنَّ الهَيْكَلَ الَّذِي سَأبنِيهِ سَيَكُونُ كَبِيرًا وَرَائِعًا. «وَسَأُعْطِي لِعَبيدِكَ الَّذِينَ سَيَقْطَعُونَ الأشْجَارَ، عِشْرِينَ ألْفَ جَرَّةٍ مِنَ القَمْحِ المَجرُوشِ، وَعِشرِينَ ألْفَ كِيسٍ مِنَ الشَّعِيرِ، وَعِشرِينَ ألْفَ قِدْرٍ مِنَ النَّبِيذِ، وَعِشرِينَ ألْفَ قِدْرٍ مِنَ الزَّيْتِ.» فَأرْسَلَ حُورَامُ مَلِكُ صُورٍ رِسَالَةً جَوَابِيَّةً إلَى سُلَيْمَانَ قَالَ فِيهَا: «قَدْ أحَبَّ اللهُ شَعْبَهُ، وَلِهَذَا اخْتَارَكَ لِتَكُونَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ … أحْمَدُ اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، خَالِقَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ الَّذِي أعْطَى دَاوُدَ ابنًا حَكيمًا وَذَا مَعرفَةٍ وَفَهْمٍ، لِكَي يَبْنِيَ هَيْكَلًا للهِ ، وَقَصْرًا لَهُ أيْضًا. «سَأُرسلُ إلَيْكَ صَانِعًا مَاهِرًا وَمَوهُوبًا هُوَ حُورَامُ أبِي، أُمُّهُ مِنْ قَبِيلَةِ دَانٍ، وَأبُوهُ مِنْ مَدِينَةِ صُورٍ. وَهُوَ بَارِعٌ فِي صِنَاعَة الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالبُرُونْزِ وَالحَدِيدِ وَالحَجَرِ وَالخَشَبِ، وَفِي نَسجِ الأقمشَةِ الأُرجُوانيَّةِ وَالزَّرْقَاءِ وَالحَمْرَاءِ وَالكتَّانِ الفَاخِرِ. وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَصْمِيمِ وَصُنْعِ أيِّ شَيءٍ يُطلَبُ إلَيْهِ. وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ لِلتَّعَاوُنِ مَعَ صُنَّاعِكَ وَمَعَ صُنَّاع أبِيكَ المَلِكِ دَاوُدَ. «أمَّا عَنِ القَمْحِ وَالشَّعيرِ وَالزَّيْتِ وَالنَّبِيذِ الَّتِي عَرَضْتَ أنْ تُقَدِّمَهَا لِخُدَّامِي، فَإنَّنَا نَقبَلُهَا مِنْكَ. وَنَحْنُ نَعِدُ بِأنْ نَقطَعَ قَدَرَ مَا تَحتَاجُ مِنَ الخَشَب مِنْ لُبْنَانَ. وَسَنَحزِمُ الأخشَابَ مَعًا وَنُرسلُهَا طَافيَةً بَحرًا حَتَّى مَدِينَةِ يَافَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ يُمكنُكَ أنْ تَحملَهَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ.» وَأجْرَى سُلَيْمَانُ إحْصَاءً لِكُلِّ الأجَانِبِ المُقِيمِينَ فِي أرْضِ إسْرَائِيلَ. فَكَانَ هَذَا هُوَ الإحْصَاءُ الثَّانِي بَعْدَ الَّذِي أجرَاهُ أبُوهُ دَاوُدُ لِلشَّعْبِ. فَوَجَدَ أنَّ عَدَدَ الأجَانبِ فِي إسْرَائِيلَ مِئَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَخَمْسِينَ ألْفًا وَستُّ مِئَةٍ. فَاخْتَارَ سُلَيْمَانُ مِنْهُمْ سَبعِينَ ألْفًا لِيَكُونُوا حَمَّالِينَ، وَثَمَانِينَ ألْفًا لِيَقْطَعُوا حِجَارَةً فِي الجِبَالِ، وَثَلَاثَةَ آلَافٍ وَستَّ مِئَةٍ ليَكُونُوا مُشرِفِينَ عَلَى اسْتِمْرَارِ عَمَلِ الشَّعْبِ. وَبَدَأ سُلَيْمَانُ فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ فِي القُدْسِ فِي جَبَلِ المُرِيَّا حَيْثُ كَانَ اللهُ قَدْ ظَهَرَ لِأبِيهِ دَاوُدَ. وَهُوَ المَكَانُ الَّذِي سَبَقَ أنْ أعَدَّهُ دَاوُدُ فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ اليَبُوسيِّ. بَدَأ سُلَيْمَانُ العَمَلَ فِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ الثَّاني مِنَ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِتَوَلّيهِ الحُكْمَ. وَهَذِهِ هِيَ القيَاسَاتُ الَّتِي استَخْدَمَهَا سُلَيْمَانُ فِي بِنَاءِ أسَاسِ بَيْتِ الله: كَانَ طُولُ الأسَاسِ سِتِّينَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا. وَقَدِ استُخْدِمَتْ وِحْدَةُ الذِّرَاعِ القَدِيمَةِ لِلقِيَاسِ. كَانَ طُولُ الدِّهلِيزِ الَّذِي أمَامَ الهَيْكَلِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَارتِفَاعُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا. وَغَشَّى سُلَيْمَانُ الجِدَارَ الدَاخِلِيَّ لِلدِّهلِيزِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَوَضَعَ سُلَيْمَانُ ألوَاحًا مِنَ خَشَبِ السَّروِ عَلَى جُدرَانِ الحُجْرَةِ الكُبْرَى، وَغَشَّاهَا بذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَنَقَشَ عَلَيْهَا صُوَرًا لِأشْجَارِ نَخِيلٍ وَسَلَاسِلَ. وَزَيَّنَ سُلَيْمَانُ الهَيْكَلَ بِحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ. وَقَدِ اسْتَوْرَدَ سُلَيْمَانُ الذَّهَبَ الَّذِي استَخْدَمَهُ مِنْ فَروَايِمَ. وَغَشَّى سُلَيْمَانُ الهَيْكَلَ بِالذَّهَبِ مِنَ الدَّاخِلِ. غَشِّى جُسُورَ السَّقفِ وَالأعتَابِ وَالجُدرَانِ وَالأبوَابِ بِالذَّهَبِ. وَنَقَشَ صُوَرًا لِمَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ عَلَى الجُدرَانِ. ثُمَّ عَمِلَ سُلَيْمَانُ قُدسَ الأقْدَاسِ. فَكَانَ طُولُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا. فَكَانَ عَرْضُهُ بِعَرْضِ الهَيْكَلِ. وَغَشَّى سُلَيْمَانُ جُدرَانَ قُدْسِ الأقْدَاسِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ بَلَغَ وَزنُهُ سِتَّ مِئِةِ قِنْطَارٍ. وَبَلَغَ وَزنُ مَسَامِيرِ الذَّهَبِ خَمْسِينَ مِثْقَالًا. وَغَشَّى سُلَيْمَانُ الغُرَفَ العُلْوِيَّةَ بِالذَّهَبِ. وَصَنَعَ سُلَيْمَانُ تِمْثَالَينِ لِكَرُوبَيْنَ فِي قُدْسِ الأقْدَاسِ، وَغَشَّاهُمَا بِالذَّهَبِ. وَكَانَ طُولُ كُلِّ جَنَاحٍ مِنْ أجنِحَةِ الكَرُوبَيْنِ خَمْسَ أذْرُعٍ، وَمَجْمُوعُ أطوَالِهَا عِشْرِينَ ذِرَاعًا. كَانَ الجَنَاحُ الأوَّلُ مُمتَدًّا لِيَلْمِسَ الجِدَارَ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الغُرفَةِ. أمَّا الجَنَاحُ الآخَرُ فَيَلْمِسُ جَنَاحَ الكَرُوبِ الآخَرِ. وَكَانَ الجَنَاحُ الآخَرُ لِلكَرُوبِ الثَّانِي، وَطُولُهُ خَمْسُ أذْرُعٍ، يَلْمِسُ الجِدَارَ الآخَرَ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الحُجْرَةِ. فَكَانَ مَجْمُوعُ أطوَالِ أجنِحَةِ الكَرُوبَينِ المُنْبَسِطَةِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا. وَكَانَتْ عُيُونُهُمَا تَتَّجِهُ إلَى الدَّاخِلِ نَحْوَ قُدْسِ الأقْدَاسِ. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ السِّتَارَةَ مِنْ أقمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَأُرجُوانيَّةٍ وَحَمرَاءَ وَكِتَّانٍ فَاخِرٍ. وَرَسَمَ عَلَى السِّتَارَةِ مَلَائِكَةَ كَرُوبِيمَ. وَنَصَبَ سُلَيْمَانُ عَمُودَينِ أمَامَ الهَيْكَلِ طُولُ كُلٍّ مِنْهُما خَمسٌ وَثَلَاثُونَ ذرَاعًا. وَكَانَ طُولُ تَاجَي العَمُودَينِ خَمْسَ أذْرُعٍ. وَصَنَعَ سَلَاسِلَ عَلى شَكْلِ قِلَادَةٍ، وَوَضَعَ السَّلَاسِلَ عَلَى مُحِيطِ تَاجَي العَمُودَينِ. وَصَنَعَ سُلَيْمَانُ مِئَةَ رُمَّانَةٍ وَوَضَعَهَا عَلَى السَّلَاسِلِ. ثُمَّ نَصَبَ العَمُودَينِ أمَامَ الهَيْكَلِ. فَكَانَ أحَدُهُمَا عَلَى الجَانِبِ الأيمَنِ، وَالآخَرُ عَلَى الجَانِبِ الأيسَرِ. وَسَمَّى العَمُودَ الأيمَنَ «يَاكِينَ،» وَالأيسَرَ «بُوعَزَ.» وَصَنَعَ سُلَيْمَانُ مَذْبَحًا مِنْ بُرُونْزٍ طُولُهُ عِشرُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ عِشرُونَ ذِرَاعًا، وَارتِفَاعُهُ عَشرُ أذْرُعٍ. ثُمَّ صَنَعَ خَزَّانًا كَبِيرًا مُسْتَدِيرًا مِنْ بُرُونْزٍ مَسْبُوكٍ قُطرُهُ عَشْرُ أذْرُعٍ وَطُولُهُ خَمْسُ أذْرُعٍ وَمُحِيطُهُ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا. وَتَحْتَ حَافَّةِ الخَزَّانِ البُرُونْزِيِّ سُبِكَتْ صُوَرٌ لِثِيرَانٍ فِي صَفِّينِ بِطُولِ عَشْرِ أذْرُعٍ حَوْلَ الخَزَّانِ. وَكَانَ الخَزَّانُ قَائِمًا عَلَى ظُهُورِ اثنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا. وُجُوهُ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا نَحْوَ الشِّمَالِ، وَثَلَاثَةٍ نَحْوَ الغَرْبِ، وَثَلَاثَةٍ نَحْوَ الجَنُوبِ، وَثَلَاثَةٍ نَحْوَ الشَّرقِ، وَظُهُورُهَا نَحْوَ الدَّاخِلِ. أمَّا سُمْكُ الخَزَّانِ فَمِقْدَارُهُ كَفٌّ وَاحِدَةٌ. وَكَانَتِ القَنَاةُ المُحِيطَةُ بِالخَزَّانِ أشبَهَ بِحَافَّةِ كَأسٍ، أوْ وُرَيقَاتِ زَهْرَةٍ. وَيَتَّسِعُ الخَزَّانُ لِنَحْوِ ثَلَاثَةِ آلَافِ قِدْرٍ. وَصَنَعَ عَشْرَةَ أحْوَاضٍ لِغَسلِ الأدَوَاتِ الَّتِي تُسْتَخْدَمُ لِتَقْدِيمِ التَّقْدِمَاتِ وَالذَّبَائِحِ. وَضَعَ خَمْسَةً مِنْهَا عَنْ يَمِينِ الخَزَّانِ الكَبِيرِ وَخَمْسَةً عَنْ يَسَارِهِ. أمَّا الخَزَّانُ الكَبِيرُ فَلَاغْتِسَالِ الكَهَنَةِ قَبْلَ تَقديمِهِمْ للذَّبَائِحِ. وَصَنَعَ سُلَيْمَانُ عَشَرَ منَائِرَ مِنَ الذَّهَبِ حَسَبَ التَّصمِيمِ الَّذِي وُضِعَ لَهَا. وَوَضَعَهَا فِي الهَيْكَلِ – خَمْسَ مَنَائِرَ إلَى اليَمِينِ وَخَمسًا إلَى اليَسَارِ. وَصَنَعَ أيْضًا عَشْرَ مَوَائِدَ وَوَضَعَهَا فِي الهَيْكَلِ: خَمْسَ مَوَائِدَ إلَى اليَمِين وَخَمسًا إلَى اليَسَار. وَصَنَعَ مِئَةَ طَاسَةٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَأقَامَ أيْضًا سَاحَةَ الكَهَنَةِ وَالسَّاحَةَ الكَبِيرَةِ وَأبوَابَهُمَا. وَغَشَّى الأبْوَابَ الَّتِي تُفضِي إلَى السَّاحَةِ بِالبُرُونْزِ. ثُمَّ وَضَعَ الخَزَّانَ الكَبِيرَ عَنْ يَمِينِ بَيْتِ اللهِ، فِي الجَانِبِ الجَنُوبِيِّ. وَصَنَعَ حُورَامُ القُدُورَ وَالمَجَارِفَ وَالطَّاسَاتِ. وَأكمَلَ العَمَلَ الَّذِي كَلَّفَهُ بِهِ سُلَيْمَانُ فِي بَيْتِ اللهِ. وَهَذَا مَا صَنَعَهُ بِالتَّفْصِيلِ: عَمُودَانِ، تَاجَانِ مُنحَنِيَانِ عَلَى قِمَّةِ العَمُودَينِ، تَعريشَتَانِ مُشَبَّكَتَانِ حَوْلَ التَّاجَينِ اللَّذَيْنِ عَلَى العَمُودَينِ. أرْبَعُ مِئَةِ رُمَّانَةٍ لِلتَعريشَتَيْنِ، فِي صَفَّينِ مِنَ الرُّمَّانَاتِ لِكُلِّ تَعْرِيشَةٍ حَوْلَ التَّاجَينِ اللَّذَيْنِ عَلَى العَمُودَينِ. عَشْرُ عَرَبَاتٍ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا حَوْضٌ. خَزَّانٌ كَبِيرٌ قَائِمٌ عَلَى تَمَاثِيلِ اثنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا. قُدُورٌ، مَجَارِفُ صَّغِيرَةٌ، طَاسَاتٌ صَّغِيرَةٌ، صُّحُونٌ وَأطبَاقٌ. صَنَعَ حُورَامُ لِبَيْتِ اللهِ كُلَّ مَا أرَادَهُ المَلِكُ سُلَيْمَانُ مِنْ بُرُونْزٍ مَصقُولٍ. وَأمَرَ المَلِكُ بِأنْ تُصْنَعَ هَذِهِ الأشْيَاءُ فِي غَوْرِ الأُرْدُنِّ بَيْنَ سُكُّوتَ وَصَرَدَةَ، فَسُبِكَتْ فِي قَوَالِبَ فِي الأرْضِ. وَلَمْ يَقْدِرْ أحَدٌ أنْ يَزِنَ كَمِّيَّةَ البُرُونْزِ المُسْتَخْدَمَةِ فِي صُنْعِ هَذِهِ الأشْيَاءِ لِكَثْرَتِهَا. وَصَنَعَ لَوَازِمَ بَيْتِ اللهِ. فَصَنَعَ المَذْبَحَ الذَّهَبِيَّ وَالمَوَائِدَ لِخُبْزِ حَضْرَةِ اللهِ. وَصَنَعَ المَنَائِرَ وَسُرُجَهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ لِتُضِيءَ أمَامَ قُدْسِ الأقْدَاسِ فِي الدَّاخلِ حَسَبَ التَّصمِيمِ المَرسُومِ. وَصَنَعَ الأزهَارَ وَالمَنَائِرَ وَالمَلَاقِطَ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَصَنَعَ أدَوَاتِ التَّشذِيبِ وَالطَّاسَاتِ وَالصُّحُونَ وَالمَبَاخِرَ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَصَنَعَ أبوَابَ الهَيْكَلِ وَالأبوَابَ الدَّاخِلِيَّةَ لِقُدْسِ الأقْدَاسِ وَأبوَابَ الحُجْرَةِ الرَّئِيسيَّةِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. فَاكْتَمَلَ كُلُّ العَمَلِ الَّذِي عَمِلَهُ سُلَيْمَانُ مِنْ أجْلِ بَيْتِ اللهِ . وَأدخَلَ سُلَيْمَانُ كُلَّ الأشْيَاءِ الَّتِي خَصَّصَهَا دَاوُدُ للهِ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَجَمِيعِ الأدَوَاتِ، وَحَفِظَهَا فِي خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ. ثُمَّ اسْتَدْعَى المَلِكُ سُلَيْمَانُ كُلَّ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ وَرُؤَسَاءَ العَشَائِرِ وَقَادَةَ عَائِلَاتِ إسْرَائِيلَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. أرَادَهُمْ سُلَيْمَانُ أنْ يَنْضَمُّوا إلَيْهِ فِي إحضَارِ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ إلَى الهَيْكَلِ. فَجَاءَ جَمِيعُ رِجَالِ إسْرَائِيلَ مَعًا إلَى المَلِكِ سُلَيْمَانَ أثْنَاءَ عِيدِ السَّقَائِفِ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ مِنَ السَّنَةِ. فَلَمَّا وَصَلَ كُلُّ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ إلَى ذَلِكَ المَكَانِ، حَمَلَ اللَّاويِّونَ صُنْدُوقَ العَهْدِ. وَأحْضَرَ الكَهَنَةُ اللَّاوِيُّونَ صُنْدُوقَ العَهْدِ مَعَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَجَمِيعِ الأدَوَاتِ المُقَدَّسَةِ الَّتِي فِيهَا. وَاجْتَمَعَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعًا أمَامَ صُنْدُوقِ العَهْدِ. وَذَبَحُوا خِرَافًا وَبَقَرًا بِأعدَادٍ كَثِيرَةٍ لَا تُحصَى. ثُمَّ وَضَعَ الكَهَنَةُ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ فِي مَكَانِهِ دَاخِلَ قُدْسِ الأقْدَاسِ، فِي الهَيْكَلِ تَحْتَ أجنِحَةِ الكَرُوبَينِ. وَكَانَتْ أجْنِحَةُ المَلَاكَيْنِ تُظَلِّلُ الصُّنْدُوقَ وَالقُضِيبَينِ اللَّذَيْنِ يُحْمَلُ بِهِمَا. كَانَ القَضِيبَانِ طَوِيلَينِ جِدًّا، حَتَّى إنَّ الوَاقِفَ فِي القُدْسِ أمَامَ قُدْسِ الأقْدَاسِ يَرَى طَرَفَيهِمَا، أمَّا مَنْ يَقِفُ فِي الخَارِجِ فَلَا يَرَاهُمَا. وَمَا يَزَالُ قَضِيبَا الحَمْلِ هُنَاكَ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ. وَلَمْ يَكُنْ فِي صُنْدُوقِ العَهْدِ سِوَى اللَّوحَينِ اللَّذَيْنِ وَضَعَهُمَا مُوسَى فِيهِ فِي جَبَلِ حُورِيبَ، حَيْثُ قَطَعَ اللهُ عَهْدًا مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرٍ. وَطَهَّرَ كُلُّ الكَهَنَةِ الَّذِينَ قَامُوا بِالِاحْتِفَالِ أنْفُسَهُمْ. وَعِنْدَمَا خَرَجُوا مِنَ المَكَان المُقَدَّسِ وَقَفُوا مَعًا، فَلَمْ يَتَقَيّدُوا بِتَقْسِيمَاتِ فِرَقِهِمُ الرَّسمِيَّةِ. وَوَقَفَ المُرَنِّمُونَ اللَّاوِيُّونَ عَلَى الجَانِبِ الشَّرقِيِّ مِنَ المَذْبَحِ بِقِيَادَةِ آسَافَ وَهَيْمَانَ وَيَدُوثُونَ وَمَعَهُمْ أبنَاؤهُمْ وَأقرِبَاؤهُمْ. وَكَانَ المُرَنِّمُونَ يَلبَسُونَ أثوَابًا بَيْضَاءَ، وَيَحْمِلُونَ صُنُوجًا وَرَبَابَاتٍ وَقَيَاثِيرَ، وَمَعَهُمْ مئَةٌ وَعِشْرُونَ كَاهِنًا يَنْفُخُونَ الأبوَاقَ. وَقَدْ بَدَا نَافِخُو الأبوَاقِ وَالمُرَنِّمُونَ كَأنَّهُمْ شَخْصٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ وَيَحْمَدُونَهُ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ. وَرَفَعُوا أصوَاتَ الأبوَاقِ وَالصُّنُوجِ وَالآلَاتِ المُوسيقِيَّةِ الأُخرَى مُرَنِّمِينَ: «سَبِّحُوا اللهَ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ إلَى الأبَدِ رَحْمَتَهُ.» حِينَئِذٍ، امتَلأ الهَيْكَلُ سَحَابًا. وَلَمْ يَسْتَطِعِ الكَهَنَةُ مُواصَلَةَ خِدمَتِهِمْ لِأنَّ مَجْدَ اللهِ مَلأ بَيْتَ اللهِ. حِينَئِذٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: «اخْتَارَ اللهُ السَّكَنَ فِي السَّحَابَةِ الكَثِيفَةِ. وَأنَا قَدْ بَنَيتُ لَكَ بَيْتًا مَجِيدًا، مَكَانًا لِتَسْكُنَ إلَى الأبَدِ فِيهِ.» ثُمَّ التَفَتَ المَلِكُ وَبَارَكَ كُلَّ جَمَاعَةِ إسْرَائِيلَ الوَاقِفِينَ أمَامَهُ. وَقَالَ: «أحْمَدُ اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، فَقَدْ وَفَى بِيَدِهِ بِمَا وَعَدَ بِهِ دَاوُدَ أبِي بِفَمِهِ. قَالَ اللهُ لِأبِي: ‹أخرَجْتُ شَعْبِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، لَكِنِّي لَمْ أكُنْ قَدِ اختَرْتُ مَدِينَةً مِنْ بَيْنِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ لِبِنَاءِ هَيْكَلٍ لِتَكْرِيمِ اسْمِي. وَلَمْ أكُنْ قَدِ اختَرْتُ رَجُلًا لِيَرأسَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ. أمَّا الآنَ فَقَدِ اختَرْتُ القُدْسَ لِتَكُونَ المَدِينَةَ الَّتِي سَأُكَرَّمُ فِيهَا. وَاختَرْتُ دَاوُدَ لِيَرأسَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ.› «أرَادَ دَاوُدُ أبِي أنْ يَبْنِيَ بَيتًا مِنْ أجْلِ اسْمِ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. لَكِنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: ‹حَسَنٌ أنَّكَ تَرْغَبُ حَقًّا فِي أنْ تَبْنِيَ البَيْتَ مِنْ أجْلِ اسْمِي. لَكِنَّكَ لَسْتَ الَّذِي اختَرْتُهُ لِبِنَاءِ الهَيْكَلِ. فَابْنُكَ الَّذِي يُولَدُ لَكَ هُوَ الَّذِي سَيَبْنِي البَيْتَ مِنْ أجْلِ اسْمِي.› وَهَكَذَا وَفَى اللهُ بِالوَعدِ الَّذِي قَطَعَهُ. فَهَا أنَا خَلَفْتُ أبِي عَلَى العَرْشِ، وَأحْكُمُ بَنِي إسْرَائِيلَ حَسَبَ وَعْدِ اللهِ . وَقَدْ بَنَيتُ البَيْتَ مِنْ أجْلِ اسْمِ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. وَقَدْ هَيَّأتُ مَكَانًا فِي الهَيْكَلِ لِصُنْدُوقِ العَهْدِ، ذَلِكَ العَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ اللهُ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ.» ثُمَّ وَقَفَ سُلَيْمَانُ أمَامَ مَذْبَحِ اللهِ مُقَابلَ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ المُجتَمِعينَ مَعًا، وَبَسَطَ سُلَيْمَانُ يَدَيهِ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ صَنَعَ مِنَصَّةً نُحَاسِيَّةً طُولُهَا خَمسُ أذْرُعٍ، وَعَرْضُهَا خَمسُ أذْرُعٍ، وَارتِفَاعُهَا ثَلَاثُ أذْرُعٍ. ثُمَّ وَضَعَهَا فِي وَسَطِ الدَّار الخَارِجيَّةِ. فَوَقَفَ عَلَى المَنَصَّةِ وَرَكَعَ أمَامَ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ المُجْتَمِعِينَ مَعًا. بَسَطَ سُلَيْمَانُ يَدَيهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: «يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، مَا مِنْ إلَهٍ مِثْلُكَ فِي السَّمَاءِ أوْ عَلَى الأرْضِ. مَا مِنْ إلَهٍ مِثْلُكَ يُحِبُّ شَعْبَهُ الأوفِيَاءَ لَهُ وَيَحْفَظُ عَهْدَهُ مَعَهُمْ. فَقَدْ قَطَعْتَ عَهْدًا لِعَبْدِكَ دَاوُدَ، أبِي، وَوَفَيتَ بِهِ. بِفَمِكَ أنْتَ قَطَعْتَ ذَلِكَ العَهْدَ. وَبِقُوَّتِكَ العَظِيمَةِ حَقَّقْتَهُ اليَوْمَ. وَالْآنَ يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، احفَظْ وُعُودَكَ الأُخرَى الَّتِي قَطَعْتَهَا لِعَبدِكَ دَاوُدَ، أبِي. فَقَدْ قُلْتَ لَهُ: ‹يَنْبَغِي أنْ يَحْرِصَ أبنَاؤُكَ دَائِمًا عَلَى أنْ يُطِيعُوا شَرِيعَتِي، كَمَا فَعَلْتَ أنْتَ. فَإنْ فَعَلُوا هَذَا، سَأضمَنُ أنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْ نَسْلِكَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ دَائِمًا.› وَهَا أنَا أطلُبُ إلَيْكَ ثَانِيَةً، يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، أنْ تُواصِلَ حِفظَ وَعدِكَ هَذَا لِأبِي، خَادمِكَ. «لَكِنْ، أحَقًّا سَتَسْكُنُ مَعَ البَشَرِ عَلَى الأرْضِ، بَيْنَمَا الكَوْنُ كُلُّهُ وَالسَّمَاوَاتُ لَا تَتَّسِعُ لَكَ؟ فَكَيْفَ يَتَّسِعُ لَكَ هَذَا البَيْتُ الَّذِي بَنَيتُهُ؟ لَكِنِ اسْتَمِعْ إلَى صَلَاتِي وَتَضَرُّعَاتِي، أنَا عَبْدَكَ، يَا . وَاسْتَمِعْ إلَى طِلْبَتِي الَّتِي أرفَعُهَا اليَوْمَ إلَيْكَ. أُصَلِّي أنْ تَبْقَى عَينَاكَ عَلَى هَذَا الهَيْكَلِ نَهَارًا وَلَيلًا. فَأنْتَ قُلْتَ إنَّكَ سَتَضَعُ اسْمَكَ فِيهِ. لَيتَكَ تَسْمَعُ صَلَوَاتِي الآنَ بَيْنَمَا أنظُرُ إلَى هَيْكَلِكَ. سَنَأتِي أنَا وَشَعْبُكَ إسْرَائِيلُ إلَى هَذَا المَكَانِ لِكَي نُصَلِّي لَكَ. فَاسْتَمِعْ إلَى صَلَوَاتِنَا مِنْ مَكَانِ سُكْنَاكَ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَ تَسْمَعُ صَلَوَاتِنَا، فَإنَّنَا نَسألُكَ أنْ تَغْفِرَ لَنَا. «إذَا اتُّهِمَ شَخْصٌ بِالإسَاءَةِ إلَى آخَرَ، سَيُؤتَى بِالطَّرَفَينِ هُنَا إلَى المَذْبَحِ. فَإذَا أنكَرَ المُتَّهَمُ أنَّهُ أسَاءَ، سَيُحَلَّفُ أنَّهُ بَرِيءٌ، حِينَئِذٍ، اسْتَمِعْ مِنَ السَّمَاءِ. اعمَلْ وَاحكُمْ عَلَى خُدَّامِكَ. عَاقِبِ الشِّرِّيرَ وَاجْعَلهُ يَذُقْ مِنْ نَفْسِ مَا أذَاقَ الآخَرِينَ، وَأظهِرْ بَرَاءَةَ مَنْ سَلَكَ بِاسْتِقَامَةٍ.» «رُبَّمَا يُخْطِئُ شَعْبُكَ إسْرَائِيلُ أحْيَانًا، فَتَسْمَحُ لِأعْدَائِهِمْ بِأنْ يَنْتَصِرُوا عَلَيْهِمْ. حِينَئِذٍ، سَيَرْجِعُونَ إلَيْكَ وَيَعْتَرِفُونَ بِخَطِيَّتِهِمْ، وَيَعُودُونَ إلَيْكَ أنْتَ إلَهَهُمْ. وَيَتَضَرَّعُونَ وَيُصَلُّونَ إلَيْكَ فِي هَذَا الهَيْكَلِ، فَاسْتَمِعْ إلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ وَاغفِرْ لِشَعْبِكَ إسْرَائِيلَ، وَأعِدْ إلَيْهِمْ أرْضَهُمُ الَّتِي أعْطَيْتَهَا لِآبَائِهِمْ. «رُبَّمَا يُخطِئُونَ إلَيْكَ، فَتُعَاقِبُهُمْ بِحَبْسِ المَطَرِ عَنْ أرْضِهِمْ، فَيُصَلُّونَ مُوَجِّهِينَ أنظَارَهُمْ إلَى هَذَا المَكَانِ، وَيَعْتَرِفُونَ بِخَطِيَّتِهِمْ وَيَعُودُونَ إلَيْكَ أنْتَ إلَهَهُمْ مِنْ جَدِيدٍ بَعْدَ أنْ عَاقَبْتَهُمْ، فَاسْتَمِعْ إلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَاغفِرْ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَعَلِّمْ شَعْبَكَ أنْ يَسِيرُوا فِي مَرْضَاتِكَ، وَأرسِلْ مَطَرًا لِلأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتَهَا لَهُمْ. «رُبَّمَا تَحْدُثُ مَجَاعَةٌ، أوْ يَنْتَشِرُ وَبَاءٌ، أوْ تَقْضِي حَشَرَاتٌ عَلَى المَحَاصِيلِ، أوْ يُحَاصَرُ شَعْبُكَ مِنْ أعْدَائِهِمْ فِي مُدُنِهِمْ، فَتَتَفَشَّى الأمْرَاضُ بَيْنَهُمْ. فَاسْتَمِعْ كُلَّ صَلَاةٍ وَتَضّرُّعٍ مِنْ أحَدِ أفْرَادِ شَعْبِكَ، أوْ مِنْ شَعْبِكَ إسْرَائِيلَ كُلِّهِ. فَهُمْ يَلجأونَ إلَيْكَ عَالِمِينَ مَصْدَرَ مَعَانَاتِهِم وَألمِهِمْ، بَاسِطِينَ أيدِيَهُمْ نَحْوَ هَذَا الهَيْكَلِ. فَاسْتَمِعْ إلَى صَلَاتِهِمْ مِنْ مَسْكَنِكَ فِي سَمَائِكَ، وَاغفِرْ لَهُمْ وَأعِنْهُمْ. وَاحكُمْ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ حَسَبَ أعْمَالِهِ وَنَوَايَاهُ، فَأنْتَ وَحْدَكَ تَعْرِفُ خَفَايَا قُلُوبِ كُلِّ البَشَرِ. حِينَئِذٍ، سَيَهَابُونَكَ طَوَالَ فَتْرَةِ بَقَائِهِمْ فِي الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتَهَا لِآبَائِنَا. «قَدْ يَأْتِي أجَانِبُ لَيْسُوا مِنْ شَعْبِكَ إسْرَائِيلَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، لِأنَّهُمْ سَمِعُوا بِاسْمِكَ العَظيمِ وَيَدِكَ الجَبَّارَةِ وَذِرَاعِكَ الطَّائِلَةِ. فَعِنْدَمَا يَأْتُونَ وَيُصَلُّونَ إلَيْكَ نَحْوَ هَذَا الهَيْكَلِ، اسْتَمِعْ إلَى صَلَاتِهِمْ مِنْ مَسْكَنِكَ فِي سَمَائِكَ. وَاستَجِبْ لِكُلَّ طِلبَاتِهِمْ. حِينَئِذٍ، سَيَهَابُونَكَ مَهَابَةَ شَعْبِكَ إسْرَائِيلَ لَكَ، وَيَعْرِفُ كُلُّ البَشَرِ أنَّ اسْمَكَ قَدْ دُعِيَ عَلَى هَذَا الهَيْكَلِ. «وَإذَا أمَرْتَ شَعْبَكَ أحْيَانًا بِالِانْطِلَاقِ لِمُحَارَبَةِ أعْدَائِهِمْ. فَيُصَلُّونَ إلَيْكَ وَأنْظَارُهُمْ نَحْوَ المَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتَهَا وَالهَيْكَلِ الَّذِي بَنَيتُهُ إكْرَامًا لِاسْمِكَ، فَاسْتَمِعْ إلَى صَلَاتِهِمْ مِنْ مَسْكَنِكَ فِي سَمَائِكَ وَأعِنْهُمْ. «سَيُخطِئُ شَعْبُكَ إلَيْكَ أحْيَانًا، لِأنَّهُ مَا مِنْ إنْسَانٍ لَا يُخطئُ. سَتَغْضَبُ عَلَيْهِمْ وَتَسْمَحُ لِأعْدَائِهِمْ بِأنْ يَهْزِمُوهُمْ وَيَأْخُذُوهُمْ أسْرَى إلَى أرْضٍ بَعِيدَةٍ. فَيَعُودُونَ إلَى رُشْدِهِمْ فِي تِلْكَ الأرْضِ البَعِيدَةِ، وَيُصَلُّونَ إلَيْكَ نَادِمِينَ عَلَى خَطَايَاهُمْ فَيَقُولُونَ: ‹قَدْ أخْطَأنَا وَأسَأنَا!› لَكِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَيْكَ وَهُمْ فِي أرْضِ أعْدَائِهِمْ بِكُلِّ قُلُوبِهِمْ وَأنفُسِهِمْ، نَادِمِينَ عَلَى خَطَايَاهُمْ. وَيُصَلُّونَ نَاظِرِينَ إلَى المَدِينَةِ الَّتِي اختَرْتَهَا أنْتَ وَالهَيْكَلِ الَّذِي بَنَيتُهُ أنَا لِاسْمِكَ. فَاسْتَمِعْ إلَى صَلَاتِهِمْ مِنْ مَسْكَنِكَ فِي سَمَائِكَ وَاقبَلْ صَلَوَاتِهِمْ عِنْدَمَا يَسْتَنْجِدُونَ بِكَ، وَأنجِدهُمْ. وَسَامِحْ شَعْبَكَ الَّذِينَ أخطَأُوا إلَيْكَ. وَالْآنَ يَا إلَهِي، افتَحْ عَيْنَيْكَ وَأُذُنَيكَ، وَاستَمعْ إلَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي نُصَلِّيهَا فِي هَذَا المَكَان وَأكرِمْهَا. «وَالْآنَ قُمْ يَا ، وَتَعَالَ إلَى مَكَانِ رَاحَتِكَ، أنْتَ وَالصُّنْدُوقُ الَّذِي يُظهِرُ قُدرَتَكَ. لِيَلْبَسْ كَهَنَتُكَ الخَلَاصَ. وَلْيَبْتَهِجْ أتبَاعُكَ وَمَنْ يَهَابُونَكَ بِهَذِهِ الأُمُورِ الصَّالِحَة. يَا ، لَا تَرْفُضْ مَلِكَكَ المَمسُوحَ، وَاذكُرْ خَادمَكَ الوَفِيَّ دَاوُدَ!» فَلَمَّا انْتَهَى سُلَيْمَانُ مِنْ صَلَاتِهِ، نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ نَارٌ أحْرَقَتِ التَّقدِمَةَ وَالذَّبَائِحَ. وَمَلأ مَجْدُ اللهِ الهَيْكَلَ. فَلَمْ يَقدرِ الكَهَنَةُ أنْ يَدْخُلُوا بَيْتَ اللهِ لِأنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ مَلأ بَيْتَ اللهِ . وَرَأى كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ النَّارَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ. وَرَأوْا أيْضًا مَجْدَ اللهِ عَلَى الهَيْكَلِ. فَخَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ إلَى الأرْضِ المَرْصُوفَةِ. وَعَبَدُوا اللهَ وَشَكَرُوهُ. وَرَنَّمُوا: «سَبِّحُوا اللهُ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ.» ثُمَّ قَدَّمَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ وَكُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ ذَبَائِحَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . فَقَدَّمَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ اثنَيْنِ وَعِشْرِينَ ألْفَ ثَورٍ وَمِئَةً وَعِشرِينَ ألْفَ خَرُوفٍ. وَكَرَّسَ المَلكُ وَالشَّعْبُ بَيْتَ اللهِ. وَاستَعَدَّ الكَهَنَةُ لِلقِيَام بِعَمَلِهمْ. وَوَقَفَ اللَّاوِيُّونَ يَحْمِلُونَ الآلَاتِ المُوسيقِيَّةَ الَّتِي أعَدَّهَا المَلِكُ دَاوُدُ للهِ – لِتَقْدِيمِ الشُّكْرِ للهِ إلَى الأبَدِ. فَقَدْ كَتَبَ دَاوُدُ هَذِهِ التَّسَابِيحَ أثْنَاءَ خِدْمَتِهِ مَعَهُمْ. وَنَفَخَ الكَهَنَةُ أبوَاقَهُمْ مُقَابلَ اللَّاوِيِّينَ، بَيْنَمَا كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَاقِفِينَ. وَقَدَّسَ سُلَيْمَانُ القسمَ الأوسَطَ مِنَ السَّاحَةِ الَّتِي أمَامَ بَيْتِ اللهِ . وَهُوَ المَكَانُ الَّذِي قَدَّمَ فِيهِ سُلَيْمَانُ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَشَحْمَ تَقْدِمَاتِ السَّلَامِ. وَقَدِ استَخْدَمَ سُلَيْمَانُ وَسَطَ السَّاحَةِ لِأنَّ المَذْبَحَ البُرُونْزيَّ الَّذِي صَنَعَهُ لَمْ يَكُنْ ليَتَّسِعَ لِكُلِّ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَتَقْدِمَاتِ الدَّقيقِ وَالشَّحمِ. إذْ كَانَ هُنَاكَ الكَثِيرُ مِنْ هَذِهِ التَّقدِمَاتِ. وَاحتَفَلَ سُلَيْمَانُ وَجَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ بِالعِيدِ سَبْعَةَ أيَّامٍ. وَكَانَ مَعَ سُلَيْمَانَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ، جَاءُوا مِنْ مَدخَل مَدِينَةِ حَمَاةَ وَمِنْ كُلِّ الطَّرِيقِ المُؤَدِّيَةِ إلَى نَهْرِ مِصْرٍ. وَفِي اليَوْمِ الثَّامن، أقَامُوا اجتِمَاعًا مُقَدَّسًا لِأنَّهُمُ احتَفَلُوا سَبْعَةَ أيَّامٍ كَرَّسُوا خِلَالَهَا المَذْبَحَ لِلعِبَادَةِ. وَكَانَتْ مُدَّةُ العيدِ سَبْعَةَ أيَّامٍ. وَفِي اليَومِ الثَّالِثِ وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، أطلَقَ سُلَيْمَانُ الشَّعْبَ إلَى بُيُوتِهِمْ. كَانُوا سُعَدَاءَ وَنُفُوسُهُمْ مَمتَنَّةً لِأنَّ اللهَ أحسَنَ إلَى دَاوُدَ وَسُلَيمَانَ، وَإلَى شَعْبِه إسْرَائِيلَ. وَأكمَلَ سُلَيْمَانُ بَيْتَ اللهِ وَبَيْتَ المَلِكِ. وَنَجَحَ سُلَيْمَانُ فِي إكمَالِ كُلِّ مَا خَطَّطَ لَهُ فِي بَيْتِ اللهِ وَفِي بَيْتِهِ. ثُمَّ جَاءَ اللهُ إلَى سُلَيْمَانَ لَيْلًا وَقَالَ لَهُ: «قَدْ سَمِعْتُ صَلَاتَكَ، وَاختَرْتُ هَذَا المَكَانَ لِنَفْسِي لِيَكُونَ بَيْتَ ذَبَائحَ. وَعِنْدَمَا أُغلِقُ السَّمَاءَ فَلَا يُوجَدُ مَطَرٌ، أوْ عندَمَا آمُرُ الجَرَادَ بِأنْ يُتلِفَ الأرْضَ، أوْ عِنْدَمَا أُرسِلُ أوبِئَةً عَلَى شَعْبِي، فِإذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِي دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِ، وَصَلُّوا وَطَلَبُوا حُضُورِي، وَرَجِعُوا عَنْ طُرُقِهِمُ الشِّرِّيرَةِ، فَإنَّنِي سَأسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ، وَأغفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَسَأشفِي أرْضَهُمْ. وَهَا عَيْنَايَ مَفتُوحَتَان وَأُذُنَايَ مُصغِيتَانِ إلَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي رُفِعَتْ فِي هَذَا المَكَانِ. فَقَدِ اخْتَرْتُ هَذَا المَكَانَ وَخَصَّصْتُهُ لِكَي يَكُونَ اسْمِي فِيهِ إلَى الأبَد. سَتَكُونُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي هُنَاكَ كُلَّ الأيَّامِ. «وَالْآنَ يَا سُلَيْمَانَ، إنْ عِشْتَ حَيَاتَكَ أمَامِي فِي تَقْوَى كَمَا عَاشَ أبُوكَ حَيَاتَهُ، وَإذَا أطَعْتَ كُلَّ مَا أوصَيتُكَ بِهِ، حِينَئِذٍ، أجعَلُكَ مَلِكًا قَوِيًّا بِحَسَبِ العَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ دَاوُدَ أبِيكَ. فَقَدْ قُلْتُ لَهُ: ‹سَيَكُونُ هُنَاكَ دَائِمًا رَجُلٌ مِنْ عَائِلَتِكَ عَلَى عَرْشِ إسْرَائِيلَ.› «أمَّا إذَا لَمْ تُطِيعُوا شَرَائِعِي وَوَصَايَايَ الَّتِي أعْطَيْتُكُمْ إيَّاهَا، وَإذَا عَبَدْتُم آلِهَةً أُخْرَى وَخَدَمْتُموهَا، فَحِينَئِذٍ، سَأطرُدُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِي الَّتِي أعْطَيتُهَا لَهُم. وَسَأترُكُ هَذَا الهَيْكَلَ الَّذِي خَصَّصْتُهُ مِنْ أجْلِ اسْمِي. وَسَأجْعَلُ مِنْ هَذَا الهَيْكَلِ عِبرَةً وَمِثَالًا لكُلِّ الشُّعُوبِ. سَيَتَعَجَّبُ كُلُّ مَنْ يَمُرُّ بِهَذَا الهَيْكَلِ الَّذِي كَانَ مَوضِعَ إكرَامٍ كَبِيرٍ. وَسَيَقُولُونَ: ‹لمَاذَا فَعَلَ اللهُ هَذَا الأمْرَ الفَظِيعَ بِهَذِهِ الأرْضِ وَبِهَذَا الهَيْكَلِ؟› فَيُقَالُ لَهُمْ: ‹لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ رَفَضُوا أنْ يُطِيعُوا اللهَ ، إلَهَ آبَائِهِمْ الَّذِي أخرَجَهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، بَلْ تَبَنُّوا آلهَةً أُخْرَى، عَبَدُوهَا وَخَدَمُوهَا. وَلهَذَا جَلَبَ كُلَّ هَذِهِ المَصَائِبِ عَلَيْهِمْ.›» وَاسْتَغْرَقَ بِنَاءُ سُلَيْمَانَ لِبَيْتِ اللهِ وَبَيْتِهِ الخَاصِّ عِشْرِينَ سَنَةً. وَبَعْدَ ذَلِكَ بَنَى سُلَيْمَانُ المُدُنَ الَّتِي أعْطَاهَا لَهُ حُورَامُ. وَجَعَلَ سُلَيْمَانُ بَعْضًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ يَسْكُنُونَهَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ هَاجَمَ سُلَيْمَانُ حَمَاةَ صُوبَةَ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا. وَبَنَى سُلَيْمَانُ مَدِينَةَ تَدْمُرَ فِي البَرّيَّةِ. وَبَنَى أيْضًا كُلَّ المُدُنِ فِي حَمَاةَ مَخَازنَ. وَبَنَى مَدِينَتَي بَيْتَ حُورُونَ العُليَا وَبَيْتَ حُورُونَ السُّفلَى، لِتَكُونَا حِصْنَينِ مَنِيعَيْنِ. فَكَانَتْ لَهمَا أسوَارٌ وَبَوَّابَاتٌ وَعَوَارِضُ مَنِيعَةٌ. وَأعَادَ سُلَيْمَانُ بِنَاءَ مَدِينَةِ بَعْلَةَ وَكُلِّ المُدُنِ الأُخْرَى وَجَعَلَهَا مَخَازنَ. وَبَنَى المُدُنَ الَّتِي تُحْفَظُ فِيهَا المَرْكِبَاتُ وَالمُدُنَ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا الفُرسَانُ. وَبَنَى سُلَيْمَانُ كُلَّ مَا أرَادَ فِي القُدْس وَلُبنَانَ وَفي كُلِّ الأرْضِ الوَاقِعَةِ تَحْتَ سُلطَتِهِ. وَكَانَ فِي الأرْضِ كَثِيرُونَ مِنْ غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ: حِثِّيُّونَ وَأمُّورِيُّونَ وَفِرِزِّيُّونَ وَحَوِيُّونَ وَيَبُوسِيُّونَ. فَلَمْ يَتَخَلَّصْ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ نَسْلِ هَؤلَاءِ، بَلْ جَنَّدَهُمْ سُلَيْمَانُ لِلعَمَلِ الإجبَاريِّ. وَمَا زَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. وَلَمْ يُجْبِرْ سُلَيْمَانُ أيًّا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى أنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لَدَيهِ، بَلْ كَانُوا جُنُودًا، وَمَسْؤُولِينَ إدَارِيِّينَ، وَضُبَّاطًا، وَمَسْؤُولِينَ كِبَارًا، وَقَادَةَ مَرْكَبَاتٍ، وفرسَانًا. وَكَانَ بَعْضُ رِجَالِ إسْرَائِيلَ مِنْ كِبَارِ المَسؤُولينَ لَدَى سُلَيْمَانَ. فَكَانَ هُنَاكَ مِئَتَانِ وَخَمْسُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ القَادَةِ يُشرِفُونَ عَلَى الشَّعْبِ وَأعْمَالِهِمْ. وَأتَى سُلَيْمَانُ بِابْنَةِ فِرْعَوْنَ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ إلَى البَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ لَهَا. إذْ قَالَ سُلَيْمَانُ: «لَا يَنْبَغِي أنْ تَسْكُنَ زَوْجَتِي فِي بَيْتِ المَلِكِ دَاوُدَ، لِأنَّ كُلَّ مَكَانٍ كَانَ فِيهِ صُنْدُوقُ اللهِ المُقَدَّسُ، هُوَ مَكَانٌ مُقَدَّسٌ.» ثُمَّ قَدَّمَ سُلَيْمَانُ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً للهِ عَلَى مَذْبَحِ اللهِ الَّذِي بَنَاهُ أمَامَ دِهْلِيزِ الهَيْكَلِ. قَدَّمَ سُلَيْمَانُ ذَبَائِحَ يَوميَّةً كَمَا أوصَى مُوسَى. فَقَدْ أوصَى بِأنْ تُقَدَّمَ الذَّبَائِحُ أيَّامَ السَّبْتِ، وَفِي أعيَادِ أوَائِلِ الشُّهُورِ، وَفي الأعيَادِ السَّنَوِيَّة الثَّلَاثَةِ: عِيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُختَمْرِ، وَعِيدِ الأسَابِيعِ وَعِيدِ السَّقَائِفِ. وَتَبِعَ سُلَيْمَانُ تَوْجِيهَاتِ أبِيهِ دَاوُدَ. فَاخْتَارَ فِرَقَ الكَهَنَةِ وَوَزَّعَ عَلَى كُلِّ فَرِيقٍ مَهَمَّاتٍ خَاصَّةً. وَاخْتَارَ أيْضًا فِرَقَ اللَّاويِّينَ وَوَزَّعَ عَلَى كُلِّ فَرِيقٍ وَاجبَاتٍ خَاصَّةً. فَكَانَتْ مَهَمَّةُ اللَّاوِيِّينَ هِيَ أنْ يَقُودُوا التَّسبِيحَ وَيُسَاعدُوا الكَهَنَةَ مِنْ يَوْمٍ إلَى آخَرَ فِي عَمَلِ كُلِّ مَا يَلْزَمُ عَمَلُهُ فِي خِدْمَةِ الهَيْكَلِ. وَاخْتَارَ سُلَيْمَانُ البَوَّابينَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ ليَخْدِمُوا عِنْدَ كُلِّ بَوَّابَةٍ. فَهَذِهِ هِيَ التَّعلِيمَاتُ الَّتِي أوعَزَ بِهَا دَاوُدُ رَجُلُ اللهِ. وَالتَزَمَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِكُلِّ تَعلِيمَاتِ سُلَيْمَانَ إلَى الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ. تَمَسَّكُوا بِكُلِّ تَفْصِيلٍ فِي تَعْلِيمَاتِهِ، حَتَّى فِي طَرِيقَةِ تَخْزِينِ الأشْيَاءِ الثَّمِينَةِ. وَفَرَغَ سُلَيْمَانُ مِنْ كُلِّ عَمَلِهِ. وَقَدْ خَطَّطَ لَهُ بِشَكلٍ حَسَنٍ مُنْذُ بَدْءِ العَمَلِ بِبنَاءِ بَيْتِ اللهِ حَتَّى يَوْمِ اكْتِمَالِهِ. فَاكتَمَلَ بَيْتُ اللهِ . ثُمَّ ذَهَبَ سُلَيْمَانُ إلَى مَدِينَتَي عِصْيُونِ جَابِرَ وَأيلَةَ عِنْدَ البَحْرِ الأحْمَرِ فِي بِلَادِ أدُومَ. فَأرْسَلَ حُورَامُ سُفُنًا لِسُلَيمَانَ يَقُودُهَا رِجَالُ حُورَامَ، إذْ كَانُوا بَحَّارَةً مَاهِرِينَ. وَأبحَرَ رِجَالُ حُورَامَ مَعَ خُدَّامِ سُلَيْمَانَ إلَى مَدِينَةِ أُوفيرَ، وَأحضَرُوا أرْبَعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ قِنْطَارًا مِنَ الذَّهَبِ لِلمَلكِ سُلَيْمَانَ. وَسَمِعَتْ مَلِكَةُ سَبَأ بِشُهرَةِ سُلَيْمَانَ. فَأتَتْ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ مَعَ حَاشِيَةٍ كَبِيرَةٍ فِي مَوْكِبٍ ضَخمٍ بَهِيٍّ. فَكَانَ مَعَهَا جِمَالٌ كَثِيرَةٌ تَحْمِلُ أطْيَابًا وَجَوَاهِرَ وَذَهَبًا كَثِيرًا. جَاءَتْ لِتَمْتَحِنَ سُلَيْمَانَ بِأسئِلَةٍ صَعْبَةٍ. فَقَابَلَتْهُ، وَتَحَدَّثَتْ مَعَهُ فِي كُلِّ المّسَائِلِ الَّتِي فِي فِكْرِهَا. فَأجَابَ سُلَيْمَانُ عَنْ أسئِلَتِهَا، وَلَمْ يَصْعُبْ عَلَى سُلَيْمَانَ سُؤَالٌ مِنْهَا. فَأدرَكَتْ مَلِكَةُ سَبَأ عَظَمَةَ حِكْمَةِ سُلَيْمَانَ. رَأتْ القَصْرَ الَّذِي بَنَاهُ، وَالطَّعَامَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَمَجلِسَ كِبَارِ مَسْؤُولِيهِ، وَحَاشِيَةَ خَدَمِهِ وَثِيَابَهُمُ وَالذَّبَائِحَ الَّتِي قَدَّمَهَا فِي بَيْتِ اللهِ . فَانحَبَسَتْ أنفَاسُهَا دَهشَةً! فَقَالَتِ المَلِكَةُ لِلمَلِكِ: «سَمِعْتُ فِي بَلَدَي الكَثِيرَ عَنْ حِكْمَتِكَ وَأعْمَالِكَ. وَكُلُّ مَا سَمِعْتُهُ صَحِيحٌ! لَمْ أُصَدِّقْ مَا سَمِعْتُ بِهِ إلَى أنْ رَأيْتُهُ بعَيْنِي. وَالْآنَ أُدرِكُ أنَّ مَا أرَاهُ أعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِمَّا سَمِعْتُ بِهِ. فَثَرَاؤُكَ وَحِكمَتُكَ تَفُوقُ مَا أُخبِرْتُ بِهِ فَهَنِيئًا لِزَوْجَاتِكَ وَمُوَظَّفِيكَ! إذْ يُمكِنُهُمْ أنْ يَخْدِمُوكَ وَيَسْمَعُوا حِكمَتَكَ كُلَّ يَوْمٍ. مُبَارَكٌ الَّذِي رَضِيَ عَنْكَ وَأجلَسَكَ عَلَى العَرْشِ لِتَكُونَ مَلِكًا تَخْدِمُ . قَدْ أحَبَّ إلَهُكَ إسْرَائِيلَ وَسَيَدْعَمُهَا إلَى الأبَدِ، فَجَعَلَكَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ، لِتُقِيمَ العَدْلَ وَالِاسْتِقَامَةَ.» وَأعْطَتْ مَلِكَةُ سَبَأ المَلِكَ سُلَيْمَانَ مِئِةً وَعِشْرِينَ قِنْطَارًا مِنَ الذَّهَبِ، وَكَمِّيَّةً كَبِيرَةً مِنَ التَّوَابِلِ وَالحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ. وَلَمْ يُقَدِّمْ إنْسَانٌ تَوَابِلَ فَاخِرَةً لِلمَلِكِ سُلَيْمَانَ كَتِلْكَ الَّتِي قَدَّمَتْهَا لَهُ مَلِكَةُ سَبَأ. وَجَلَبَ خُدَّامُ حُورَامَ وَخُدَّامُ سُلَيْمَانَ ذَهَبًا مِنْ أُوفِيرَ. وَجَلَبُوا أيْضًا خَشَبَ الصَّندَلِ وَحجَارَةً كَريمَةً. فَاسْتَخْدَمَ سُلَيْمَانُ خَشَبَ الصَّنْدَلِ فِي صُنْعِ دَرَجٍ لِبَيْتِ اللهِ ، وَلِقَصرِ المَلِكِ، وَلِصُنعِ قَيَاثِيرَ وَرَبَابٍ لِلمُرَنِّمينَ. وَلَمْ يَسْبِقْ لِأحَدٍ أنْ رَأى مِثْلَ تِلْكَ الأشْيَاءِ الجَمِيلَةِ الَّتِي صُنِعَتْ مِنْ خَشَبِ الصَّنْدَلِ فِي أرْضِ يَهُوذَا. ثُمَّ أعْطَى المَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكَةَ سَبَأ هَدَايَا كَثِيرَةً حَسَبَ كَرَمِهِ المَلَكِيِّ. وَأعْطَاهَا فَوْقَ ذَلِكَ كُلَّ مَا طَلَبَتْهُ، حَتَّى إنَّهُ أعْطَاهَا أكْثَرَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجِعَتِ المَلِكَةُ وَحَاشِيَتُهَا إلَى مَوطِنِهَا. وَجَمَعَ سُلَيْمَانُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ سِتَّ مِئِةٍ وَسِتَّةً وَسِتِّينَ قِنْطَارًا مِنَ الذَّهَبِ. وَفَضلًا عَنْ شُحنَاتِ الذَّهَبِ الكَبِيرَةِ، كَانَ يَحْصُلُ عَلى ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مِنَ التُّجَّارِ الكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَمِنْ مُلُوكِ العَرَبِ وَوُلَاةِ الأرْضِ. فَصَنَعَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ مِئَتَي تُرسٍ مِنَ الذَّهَبِ المَطرُوقِ، فِي كُلِّ تُرسٍ سِتُّ مِئَةِ مِثْقَالٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَصَنَعَ سُلَيْمَانُ أيْضًا ثَلَاثَ مئَةِ تُرسٍ صَغِيرٍ مِنَ الذَّهَبِ المَطرُوقِ، فِي كُلِّ تُرسٍ ثَلَاثُ مِئَةِ مِثْقَالٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَوَضَعَهَا فِي المَبنى المَدْعُوِّ «بَيْتَ غَابَةِ لُبْنَانَ.» وَصَنَعَ المَلِكُ عَرْشًا عَاجِيًّا ضَخْمًا، وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَكَانَ لِلعَرشِ سِتُّ دَرَجَاتٍ. وَكَانَ لَهُ مَدَاسٌ مِنَ الذَّهَبِ، وَعَلَى جَانِبَيهِ يَدَانِ. وَكَانَ عَلَى جَانِبَيِّ العَرْشِ، تَحْتَ اليَدَينِ تَمَامًا، نَحْتٌ عَلَى شَكْلِ أسَدَينِ، ثُمَّ اثنَيْ عَشَرَ أسَدًا: اثنَيْنِ عَلَى طَرَفِي كُلِّ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِ العَرْشِ السِّتِّ. وَلَمْ يَكُنْ فِي أيَّةِ مَملَكَةٍ أُخْرَى مِثْلُ هَذَا العَرْشِ. وَقَدْ صُنِعَتْ أقدَاحُ سُلَيْمَانَ مِنَ الذَّهَبِ، وَكَانَتِ الأطبَاقُ فِي المَبنَى المُسَمَّى «بَيْتَ غَابَةِ لُبْنَانَ» مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَلَمْ يَكُنْ لِلفِضَّةِ أيَّامَ سُلَيْمَانَ أيُّ اعْتِبَارٍ! وَامتَلَكَ المَلِكُ سُفُنَ شَحْنٍ كَانَ يُرسِلُهَا إلَى مَدِينَةِ تَرْشِيشَ مَعَ رِجَالِ حِيرَامَ. وَكَانَتِ السُّفُنُ تعُودُ كُلَّ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ مُحَمَّلَةً بِحُمُولَةٍ جَدِيدَةٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالعَاجِ وَالقُرودِ وَالطَّوَاوِيسِ. وَفَاقَ سُلَيْمَانُ كُلَّ مُلُوكِ الأرْضِ غِنَى وَحِكمَةً. وَجَاءَ كُلُّ مُلُوكِ الأرْضِ لِزِيَارَةِ سُلَيْمَانَ وَلِلِاستِمَاعِ إلَى أقْوَالِهِ الحَكِيمَةِ الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ فِي قَلْبِهِ. فَكَانُوا يَتَوَافَدُونَ عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ بِهَدَايَا مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ ذَهَبٍ وَأسلِحَةٍ وَتَوَابِلَ وَخُيولٍ وَبِغَالٍ. وَكَانَ لَدَى سُلَيْمَانَ أرْبَعَةُ آلَافِ حَظِيرَةٍ لِلخَيلِ وَالمَرْكَبَاتِ، وَاثْنَا عَشَرَ ألْفَ سَائِقِ مَرْكَبَةٍ. وَقَدْ حَفِظَ سُلَيْمَانُ المَرْكَبَاتِ فِي مُدُنٍ خَاصَّةٍ وَفِي مَدِينَةِ القُدْسِ حَيْثُ يُقِيمُ هُوَ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ مَلكًا عَلَى كُلِّ المُلُوكِ مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ إلَى أرْضِ الفِلَسطِيِّينَ وَحَتَّى حُدُودِ مِصْرٍ. وَجَعَلَ المَلِكُ سُلَيْمَانُ الفِضَّةَ فِي القُدْسِ بِكَثْرَةِ الحِجَارَةِ، وَخَشَبَ الأرْزِ بِكَثْرةِ أشْجَارِ الجُمَّيزِ فِي التِّلَالِ الغَرْبِيَّةِ. وَجَلَبُوا خُيُولًا لسُلَيمَانَ مِنْ مصْرَ وَمِنْ كُلِّ البِلَادِ الأُخرَى. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ سُلَيْمَانُ، مِنْ أوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابَاتِ النَّبِيِّ نَاثَانَ، وَفِي نُبُوَّةِ أخِيَّا الشَّيلُونِيِّ، وَفِي رُؤَى يَعْدُو الرَّائِي. كَمَا كَتَبَ يَعْدُو الرَّائِي عَنْ يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ. وَدَامَ حُكْمُ سُلَيْمَانَ عَلَى إسْرَائِيلَ كُلِّهَا أرْبَعِينَ سَنَةً. ثُمَّ رَقَدَ سُلَيْمَانُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. وَدَفَنَهُ الشَّعْبُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ أبِيهِ. وَخَلَفَهُ عَلَى العَرْشِ ابْنُهُ رَحُبْعَامُ. وَذَهَبَ رَحُبْعَامُ إلَى مَدِينَةِ شَكِيمَ لِأنَّ جَمِيعَ بَنِي إسْرَائِيلَ ذَهَبُوا إلَى هُنَاكَ لِكَي يُبَايِعُوهُ مَلِكًا. وَكَانَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ فِي مصْرَ لِأنَّهُ فَرَّ مِنْ وَجْهِ المَلِكِ سُلَيْمَانَ. وَسَمعَ يَرُبْعَامُ أنَّ رَحُبْعَامَ سَيَكُونُ المَلكَ الجَدِيدَ، فَرَجِعَ مِنْ مصْرَ. فَاستَدْعَى بَنُو إسْرَائِيلَ يَرُبْعَامَ، فَجَاءَ مِنْ مِصْرٍ، وَذَهَبَ مَعَ كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى رَحُبْعَامَ. وَقَالُوا لَهُ: «لَقَدْ صَعَّبَ أبُوكَ حَيَاتَنَا. فَكَانَ ذَلِكَ عِبئًا ثَقيلًا عَلَيْنَا. وَالْآنَ خَفِّفْ حِملَنَا فَنَخْدِمَكَ.» فَقَالَ لَهُمْ رَحُبْعَامُ: «عُودُوا إلَيَّ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ.» فَانصَرَفَ الشَّعْبُ. فَاسْتَشَارَ المَلِكُ رَحُبْعَامُ بَعْضَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ عَمِلُوا مُسْتَشَارِينَ لِأبِيهِ سُلَيْمَانَ فِي حَيَاتِهِ وَسَألَهُمْ: «بِمَاذَا أرُدُّ عَلَى الشَّعْبِ؟» فَقَالَ الشُّيُوخُ لرَحُبْعَامَ: «إذَا كُنْتَ لَطِيفًا مَعَ هَذَا الشَّعْبِ وَأرْضَيْتَهُمْ بِكَلَامٍ حَسَنٍ، حِينَئِذٍ، سَيَخْدِمُونَكَ وَيَكُونُونَ طَوْعَ أمْرِكَ إلَى الأبَدِ.» لَكِنَّ رَحُبْعَامَ لَمْ يَسْتَمِعْ إلَى نَصيحَتِهِمْ. فَسَألَ شُبَّانًا صِغَارًا نَشَأُوا مَعَهُ وَجَعَلَهُمْ مُسْتَشَارِيهِ. قَالَ لَهُمْ رَحُبْعَامُ: «قَالَ الشَّعْبُ لِي: ‹خَفِّفِ الحِملَ الَّذِي وَضَعَهُ أبُوكَ عَلَى أكتَافِنَا›. فَبِمَاذَا أرُدُّ عَلَيْهِمْ؟» فَقَالَ لَهُ أصْحَابُهُ الشُّبَّانُ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ: «قَالَ لَكَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ: ‹فَرَضَ عَلَيْنَا أبُوكَ أشغَالًا شَاقَّةً. فَالآنَ خَفِّفِ الحِملَ عَنَّا.› فَقُلْ لَهُمْ: ‹خِنْصَرِي أغلَظُ مِنْ جِسْمِ أبِي! فَرَضَ أبِي عَلَيْكُمْ حِمْلًا ثَقِيلًا، أمَّا أنَا فَسَأزِيدُ عَلَيْهِ. أدَّبَكُمْ أبِي بِسِيَاطٍ مِنْ جِلْدٍ، أمَّا أنَا فَسأؤدِّبُكُمْ بِسِيَاطٍ ذَاتِ أطْرَافٍ حَدِيدِيَّةٍ!›» وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ، رَجعَ يَرُبْعَامُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إلَى رَحُبْعَامَ إذْ قَالَ لَهُمْ: «عُودُوا إلَيَّ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ.» فَتَكَلَّمَ إلَيْهِمْ بِطَرِيقَةٍ قَاسِيَةٍ، تَارِكًا نَصِيحَةَ الشُّيُوخِ. فَقَالَ لَهُمْ مَا نَصَحَهُ الشُّبَّانُ بِهِ: «فَرَضَ أبِي عَلَيْكُمْ حِمْلًا ثَقِيلًا، أمَّا أنَا فَسَأزِيدُ عَلَيْهِ. أدَّبَكُمْ أبِي بِسِيَاطٍ مِنْ جِلْدٍ، أمَّا أنَا فَسأؤدِّبُكُمْ بِسِيَاطٍ ذَاتِ أطرَافٍ حَدِيدِيَّةٍ!» فَلَمْ يَسْتَجِبِ المَلِكُ لِطَلَبِ الشَّعْبِ. وَقَدْ تَسَبَّبَ اللهُ فِي حُدُوثِ هَذَا الأمْرِ لِكَي يَفِيَ اللهُ بِالوَعْدِ الَّذِي قَطَعَهُ لِيَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ عَلَى فَمِ النَّبِيِّ أخِيَّا الشِّيلُونِيِّ. وَرَأى كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّ المَلِكَ الجَدِيدَ لَمْ يَسْتَمِعْ إلَيْهِمْ. فَقَالُوا لِلمَلِكِ: «مَا لَنَا وَلِعَائِلَةِ دَاوُدَ؟ ألَنَا أيُّ مِيرَاثٍ فِي أرْضِ يَسَّى؟ فَلْنَذْهَبْ، نَحْنُ بَنِي إسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَيْتِهِ. وَلْنَدَعِ ابْنَ دَاوُدَ يَحْكُمُ جَمَاعَتَهُ!» فَذَهَبَ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى بُيُوتِهِمْ. فَلَمْ يَعُدْ رَحُبْعَامُ يَحْكُمُ إلَّا بَنِي إسْرَائِيلَ السَّاكِنِينَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا. وَكَانَ هَدُورَامُ أحَدَ المُشرِفِينَ عَلَى العُمَّالِ. فَأرْسَلَهُ رَحُبْعَامُ لِيَتَحَدَّثَ إلَى الشَّعْبِ. لَكِنَّهُمْ رَجَمُوهُ حَتَّى المَوْتِ. فَأسْرَعَ المَلِكُ رَحُبْعَامُ إلَى مَرْكَبَتِهِ وَهَرَبَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. فَتَمَرَّدَ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى عَائِلَةِ دَاوُدَ، وَمَا زَالُوا كَذَلِكَ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَرَجِعَ رَحُبْعَامُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَحَشَدَ عَائِلَاتِ يَهُوذَا وَعَشِيرَةِ بَنْيَامِينَ، فَكَانُوا جَيْشًا قِوَامُهُ مِئَةٌ وَثَمَانُونَ ألْفَ رَجُلٍ حَشَدَهُمْ رَحُبْعَامُ لِيُحَارِبَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَيَسْتَرِدَّ مَملَكَتَهُ. لَكِنَّ اللهَ تَكَلَّمَ إلَى شَمَعْيَا، رَجُلِ اللهِ، وَقَالَ لَهُ: «تَكَلَّمْ إلَى رَحُبْعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ، مَلِكِ يَهُوذَا، وَإلَى كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ. وَقُلْ لَهُمْ: ‹يَقُولُ اللهُ لَا تَذْهَبُوا لِتُحَارِبُوا إخْوَتَكُمْ. وَلْيَرْجِعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إلَى بَيْتِهِ. فَأنَا فَعَلْتُ هَذَا كُلَّهُ!›» فَأطَاعَ جَمِيعُ الرِّجَالِ فِي جَيْشِ رَحُبْعَامَ أمْرَ اللهِ ، وَعَادُوا جَمِيعًا إلَى بُيُوتِهِمْ، فَلَمْ يُحَارِبُوا يَرُبْعَامَ. وَأقَامَ رَحُبْعَامُ فِي القُدْسِ، وَبَنَى مُدُنًا حَصِينَةً فِي يَهُوذَا ضِدَّ هَجَمَاتِ العَدُوِّ. فَأعَادَ بِنَاءَ مُدُنِ بَيْتِ لَحْمٍ وَعِيطَامَ وَتَقُوعَ وَبَيْتَ صُورٍ وَسُوكُوَ وَعَدُلَّامَ وَجَتَّ وَمَريشَةَ وَزِيفَ وَأدُورَايمَ وَلَخيشَ وَعَزِيقَةَ وَصَرْعَةَ وَأيَّلُونَ وَحَبْرُون. حَصَّنَ رَحُبْعَامُ هَذهِ المُدُنَ الَّتِي فِي يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ. وَبَعْدَ أنْ قَوَّى المُدُنَ الحَصِينَةَ، عَيَّنَ فِيهَا قَادَةً، وَبَنَى مَخَازِنَ طَعَامٍ وَزَيْتٍ وَنَبِيذٍ. وَوَضَعَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ تُرُوسًا وَرِمَاحًا وَحَصَّنَهَا. وَأبْقَى رَحُبْعَامُ قَبِيلَتَي يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ وَمُدُنَهُمَا تَحْتَ سَيطَرَتِهِ. وَدَعَمَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ مِنْ كُلِّ أنْحَاءِ إسْرَائِيلَ رَحُبْعَامَ وَانضَمُّوا إلَيْهِ. فَتَرَكَ اللَّاويُّونَ مَرَاعِيَهُمْ وَحُقُولَهُمْ وَجَاءُوا إلَى يَهُوذَا وَالقُدْسِ، لِأنَّ يَرُبْعَامَ وَأبْنَاءَهُ فَصَلُوهُمْ مِنَ الخِدْمَةِ كَكَهَنَةٍ للهِ . وَعَيَّنَ يَرُبْعَامُ كَهَنَةً لَهُ فِي المُرْتَفَعَاتِ، حَيْثُ أقَامَ تَمَاثِيلَ لِتُيُوسٍ وَعُجُولٍ. أمَّا جَمِيعُ الأوفِيَاءِ للهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، فَقَدْ لَحِقُوا اللَّاوِيِّينَ لِيُقَدِّمُوا ذَبَائِحَ للهِ ، إلَهِ آبَائِهِمْ. فَقَوَّى هَؤُلَاءِ مَملَكَةَ يَهُوذَا. وَدَعَمُوا رَحُبْعَامَ بْنَ سُلَيْمَانَ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ. إذْ سَلَكُوا أثْنَاءَ تِلْكَ السَّنَوَاتِ كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ وَسُلَيمَانُ. وَتَزَوَّجَ رَحُبْعَامُ مَحلَةَ بِنْتَ يَريمُوثَ بْنِ دَاوُدَ. وَكَانَتْ أُمُّهَا أبِيحَايِلَ بِنْتَ أليآبَ بْنِ يَسَّى. فَأنْجَبَتْ مَحلَةُ لرَحُبْعَامَ أبْنَاءَهُ يَعُوشَ وَشَمَرْيَا وَزَاهَمَ. ثُمَّ تَزَوَّجَ رَحُبْعَامُ أيْضًا مِنْ مَعْكَةَ بِنتِ أبْشَالُومَ. فَأنْجَبَتْ مَعْكَةُ لَهُ أبيَّا وَعَتَايَ وَزِيزَا وَشَلُوميثَ. وَتَعَلَّقَ رَحُبْعَامُ بِمَعْكَةَ بِنتِ أبْشَالُومَ أكْثَرَ مِمَّا تَعَلَّقَ بِزَوْجَاتهِ الأُخرَيَاتِ وَجَوَارِيهِ. وَكَانَتْ لَهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ زَوْجَةً وَسِتُّونَ جَارِيَةً. وَأنْجَبَ ثَمَانِيَةً وَعِشرِينَ ابْنًا وَسِتِّينَ ابْنَةً. وَاخْتَارَ رَحُبْعَامُ أبِيَّا ابْنَ مَعْكَةَ لِيَكُونَ القَائدَ بَيْنَ إخْوَتِهِ، لِأنَّهُ كَانَ يَنْوِي أنْ يَجْعَلَ أبِيَّا مَلِكًا. تَصَرَّفَ رَحُبْعَامُ بِحِكمَةٍ، وَوَزَّعَ أبْنَاءَهُ عَلَى كُلِّ مَنَاطِقِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ فِي كُلّ مَدِينَةٍ حَصينَةٍ. وَأعْطَاهُمْ رَحُبْعَامُ مُؤَنًا كَثِيرَةً، وَوَجَدَ لَهُمْ زَوْجَاتٍ كَثِيرَاتٍ. وَصَارَ رَحُبْعَامُ مَلِكًا قَويًّا عَلَى مَملَكَةٍ قَوِيَّةٍ. حِينَئِذٍ، تَمَرَّدَ رَحُبْعَامُ وَكُلُّ قَبِيلَةِ يَهُوذَا مَعَهُ عَلَى شَرِيعَةِ اللهِ . فَهَاجَمَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرٍ القُدْسَ فِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ مِنْ حُكْمِ رَحُبْعَامَ. وَقَدْ حَدَثَ هَذَا لِأنَّ رَحُبْعَامَ وَشَعْبَ يَهُوذَا لَمْ يَكُونُوا أوفِيَاءَ للهِ . وَقَدْ جَلَبَ شِيشَقُ مَعَهُ ألْفًا وَمِئَتَي مَرْكَبَةٍ، وَسِتِّينَ ألْفَ فَارِسٍ، وَجَيْشًا لَا يُحصَى. وَانْضَمَّ إلَيْهِ فِي جَيْشِهِ الكَبِيرِ لِيبِيُّونَ وَسُكِّيُّونَ وَحَبَشِيُّونَ. وَاستَوْلَى شِيشَقُ عَلَى مُدُنِ يَهُوذَا الحَصِينَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ جَلَبَ جَيْشَهُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَجَاءَ النَّبِيُّ شَمَعْيَا إلَى رَحُبْعَامَ وَقَادَةِ يَهُوذَا الَّذِينَ اجتَمَعُوا فِي القُدْسِ خَوْفًا مِنْ شِيشَقَ. وَقَالَ شَمَعْيَا لرَحُبْعَامَ وَقَادَةِ يَهُوذَا: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لَكُمْ: ‹أنْتُمْ تَرَكتُمُوني، لِذَلِكَ سَأترُكُكُمْ لشِيشَقَ لِيَفْعَلَ بِكُمْ مَا يَشَاءُ.›» فَنَدِمَ قَادَةُ يَهُوذَا وَالمَلِكُ رَحُبْعَامُ وَتَذَلَّلُوا. وَقَالُوا: « اللهُ بَارٌّ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُ.» فَرَأى اللهُ أنَّ المَلِكَ وَقَادَةَ يَهُوذَا قَدْ تَذَلَّلُوا، فَقَالَ اللهُ لِلنَّبِيِّ شَمَعْيَا: «قَدْ تَذَلَّلُوا. وَلهَذَا لَنْ أُفنيَهُمْ، بَلْ سَأُخَلِّصُهُمْ قَرِيبًا. وَلَنْ أستَخْدِمَ شِيشَقَ فِي سَكْبِ غَضَبِي عَلَى القُدْسِ. لَكنَّ أهْلَ القُدْسِ سَيَصِيرُونَ عَبِيدًا لِشِيشَقَ، لِيَتَعَلَّمُوا كَيْفَ تَخْتَلِفُ خِدْمَتُهُمْ لِي عَنْ خِدْمَتِهِمْ لمُلُوكِ شُعُوبٍ أُخْرَى.» فَهَاجَمَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرٍ القُدْسَ وَاستَوْلَى عَلَى الكُنُوزِ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ ، وَالَّتِي فِي قَصرِ المَلِكِ. أخَذَ كُلَّ شَيءٍ بِمَا فِي ذَلِكَ التُّرُوسَ الذَّهَبيَّةَ. فَصَنعَ رَحُبْعَامُ تُروسًا بُرُونزِيَّةً بَدَلَ التُّروسِ الذَّهَبيَّةِ، وَسَلَّمَهَا لِلمَسؤُولِينَ عَنْ حرَاسَةِ المَدْخَلِ إلَى بَيْتِ المَلِكِ. وَكُلَّمَا دَخَلَ المَلِكُ بَيْتَ اللهِ ، كَانَ الحُرَّاسُ يُخْرِجُونَ التُّرُوسَ البُرُونْزيَّةَ. وَكَانُوا فِيمَا بَعْدُ يُعِيدُونَهَا إلَى غُرفَةِ الحَرَسِ. وَلَمَّا تَذَلَّلَ رَحُبْعَامُ فِي حَضْرَةِ اللهِ، ارتَدَّ عَنْهُ غَضَبُ اللهِ . فَلَمْ يُفْنِهِ تَمَامًا. كَمَا كَانَ هُنَاكَ بَعْضُ الصَّلَاحِ فِي يَهُوذَا! وَصَارَ رَحُبْعَامُ مَلِكًا قَوِيًّا فِي القُدْسِ. صَارَ مَلكًا عندَمَا بَلَغَ وَاحِدًا وَأرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ العُمْرِ. وَمَلَكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى القُدْسِ، المَدِينَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ مِنْ بَيْنِ كُلِّ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ لِيُعلِنَ اسْمَهُ فِيهَا. وَكَانَ اسْمُ أُمِّ رَحُبْعَامَ نِعْمَةَ، وَهِيَ مِنْ أرْضِ عَمُّونَ. وَصَنَعَ رَحُبْعَامُ الشَّرَّ، لِأنَّهُ لَمْ يَعْزِمْ فِي قَلْبهِ أنْ يُطِيعَ اللهَ . أمَّا الأشْيَاءُ الَّتِي عَمِلَهَا رَحُبْعَامُ كَمَلِكٍ مِنْ بِدَايَةِ حُكمِهِ إلَى آخِرِهِ، فَمُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ شَمَعْيَا وَيَعْدُو الرَّائِي اللَّذَيْنِ كَتَبَا عَنْ أنْسَابِ العَائِلَاتِ. وَقَدْ نَشَبَتْ حُرُوبٌ بَيْنَ رَحُبْعَامَ وَيَرُبْعَامَ طَوَالَ مُدَّةِ حُكمِهِمَا. وَرَقَدَ رَحُبْعَامُ مَعَ آبَائِهِ وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَخَلَفَهُ عَلَى العَرْشِ ابْنُهُ أبِيَّا. فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ حُكْمِ يَرُبْعَامَ عَلَى إسْرَائِيلَ، صَارَ أبِيَّا مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا. وَقَدْ حَكَمَ أبِيَّا فِي القُدْسِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ. وَكَانَتْ أُمُّهُ مِيخَايَا بِنْتَ أُورِيئِيلَ الَّذِي مِنْ جِبْعَةَ. وَوَقَعَتْ حَربٌ بَيْنَ أبِيَّا وَيَرُبْعَامُ. وَقَادَ أبِيَّا جَيْشَهُ المُؤَلَّفَ مِنْ أرْبَع مِئَةِ ألْفِ جُندِيٍّ شُجَاعٍ إلَى المَعْرَكَةِ. وَاستَعَدَّ يَرُبْعَامُ بِجَيْشِهِ المُؤَلَّفِ مِنْ ثَمَانِي مئَةِ ألْفِ جُندِيٍّ شُجَاعٍ لِمُواجَهَةِ أبِيَّا. ثُمَّ وَقَفَ أبيَّا عَلَى جَبَلِ صَمَارِيمَ فِي مِنطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ وَقَالَ: «اسْمَعُونْي يَا يَرُبْعَامُ وَكُلَّ إسْرَائِيلَ! يَنْبَغِي أنْ تَعْلَمُوا أنَّ اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، أعْطَى دَاوُدَ وَأبْنَاءَهُ الحَقَّ فِي حُكْمِ إسْرَائِيلَ إلَى الأبَدِ. وَقَدْ أعْطَى اللهُ دَاوُدَ هَذَا الحَقَّ بعَهْدِ مِلحٍ. غَيْرَ أنَّ يَرُبْعَامَ تَمَرَّدَ عَلَى سَيِّدِهِ! وَقَدْ كَانَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ أحَدَ خُدَّامِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ. وَقَدْ صَادَقَ جَمَاعَةً مِنَ الرِّجَالِ البَطَّالِينَ الأشْرَارِ. فَانقَلَبَ يَرُبْعَامُ وَهَؤُلَاءِ الرِّجَالُ عَلَى رَحُبْعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ. وَكَانَ رَحُبْعَامُ شَابًّا قَلِيلَ الخِبرَةِ، فَلَمْ يَقدرْ أنْ يَتَصَدَّى ليَرُبْعَامَ وَرِفَاقِهِ الأشْرَارِ. «وَالْآنَ أنْتُمْ تَقُولُونَ إنَّكُمْ قَادِرُونَ عَلَى إلْحَاقِ الهَزِيمَةِ بِمَمْلَكَةِ اللهِ الَّتِي يَحْكُمُهَا أبْنَاءُ دَاوُدَ. مَعَكُمْ جُنُودٌ كَثِيرُونَ وَتَمَاثيلُ العُجُولِ الذَّهَبِيَّةِ هَذهِ الَّتِي صَنَعَهَا يَرُبْعَامُ لِتَكُونَ لَكُمْ آلِهَةً! لَقَدْ طَرَدْتُمْ كَهَنَةَ اللهِ ، أبْنَاءَ هَارُونَ، وَطَرَدْتُمُ اللَّاوِيّينَ ثُمَّ اختَرْتُمْ كَهَنَةً لَكُمْ، كَأيَّةِ أُمَّةٍ أُخْرَى عَلَى الأرْضِ. فَصَارَ بِإمْكَانِ كُلِّ مَنْ يَجْلِبُ عِجلًا وَسَبْعَ كِبَاشٍ أنْ يَصِيرَ كَاهنًا يَخْدِمُ مَا لَيْسَ آلِهَةً! أمَّا نَحْنُ، فَيهوه هُوَ إلَهُنَا. وَنَحْنُ شَعْبَ يَهُوذَا لَمْ نَعْصَ شَرِيعَةَ اللهِ، وَلَمْ نَترُكْهُ! وَالكَهَنَةُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ هُمْ أبْنَاءُ هَارُونَ. وَاللَّاوِيُّونَ يُسَاعِدُونَ الكَهَنَةَ فِي خدمَةِ اللهِ . وَهُمْ يُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً للهِ وَيُوقدُونَ بَخُورًا طَيِّبًا لَهُ كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ. وَيُرَتِّبُونَ الخُبْزَ عَلَى المَائِدَةِ الذَّهَبِيَّةِ. وَيَعْتَنُونَ بسُرُجِ المَنَارَةِ الذَّهَبِيَّةِ لِكَي تُضِيءَ كُلَّ مَسَاءٍ. نَحْنُ نَحْفَظُ خِدْمَةَ . وَأمَّا أنْتُمْ، فَقَدْ هَجَرْتُمُوهُ! وَهَا هُوَ اللهُ مَعَنَا. إنَّهُ رَئِيسُنَا. وَكَهَنَتُهُ مَعَنَا أيْضًا لِيَنْفُخُوا أبوَاقَهُ لِكَي تَسْتَيْقِظُوا وَتُسرِعُوا إلَى المَجِيءِ إلَيْهِ! فَيَا رِجَالَ إسْرَائِيلَ، لَا تُحَارِبُوا اللهَ ، إلَهَ آبَائِكُمْ. فَلَنْ تَنْجَحُوا!» لَكِنَّ يَرُبْعَامَ أرْسَلَ مَجمُوعَةً مِنْ جُنُودِهِ لتَتَسَلَّلَ خَلفَ جَيْشِ أبيَّا. فَكَانَ جَيْشُ يَرُبْعَامَ مُواجِهًا لِجَيْش أبِيَّا، أمَّا الجُنُودُ المُتَسَلِّلُونَ فَخَلفَ جَيْشِ أبِيَّا. فَلَمَّا التَفَتَ جُنُودُ أبيَّا، رَأوْا جَيْشَ يَرُبْعَامَ يُهَاجِمُهُمْ مِنَ الأمَامِ وَمِنَ الخَلفِ. فَاسْتَنْجَدَ رِجَالُ يَهُوذَا بِاللهِ ، وَنَفَخَ الكَهَنَةُ أبوَاقَهُمْ. ثُمَّ هَتَفَ الرِّجَالُ فِي جَيْشِ أبِيَّا هُتَافَ الحَرْبِ. وَعِنْدَ ذَلِكَ هَزَمَ اللهُ جَيْشَ يَرُبْعَامَ. هَزَمَ جَيْشُ يَهُوذَا بِقِيَادَةِ أبِيَّا كُلَّ جَيْشِ إسْرَائِيلَ بِقِيَادَةِ يَرُبْعَامَ. فَهَرَبَ رِجَالُ إسْرَائِيلَ مِنْ رِجَالِ يَهُوذَا. وَنَصَرَ اللهُ جَيْشَ يَهُوذَا عَلَى جَيْشِ إسْرَائِيلَ. وَألحَقَ جَيْشُ أبِيَّا بِجَيْشِ إسْرَائِيلَ هَزِيمَةً شَدِيدَةً، وَقُتِلَ خَمْسُ مِئَةِ ألفٍ مِنْ خِيَارِ رِجَالِ إسْرَائِيلَ. وَهَكَذَا هُزِمَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ وَانْتَصَرَ جَيْشُ يَهُوذَا، لِأنَّهُمُ اتَّكَلُوا عَلَى اللهِ ، إلَهِ آبَائِهِمْ. وَطَارَدَ جَيْشُ أبِيَّا الهَارِبِينَ مِنْ جَيْشِ يَرُبْعَامَ. وَاسْتَوْلَى جَيْشُ أبِيَّا عَلَى مُدُنِ بَيْتِ إيلَ وَيَشَانَةَ عَفْرُونَ مَعَ القُرَى التَّابعَةِ لَهَذِهِ المُدُنِ. وَلَمْ يَرْفَعْ يَرُبْعَامُ رَأسَهُ مَرَّةً أُخْرَى فِي عَهْدِ أبِيَّا. وَأمَاتَ اللهُ يَرُبْعَامَ. أمَّا أبِيَّا فَتَقَوَّى وَتَزَوَّجَ مِنْ أرْبَعَ عَشْرَةَ امْرأةً وَأنْجَبَ اثنَيْنِ وَعِشرِينَ ابنًا وَسِتَّ عَشْرَةَ بِنْتًا. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ أبِيَّا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كُتُبِ النَّبِيِّ عِدُّو. وَرَقَدَ أبِيَّا مَعَ آبَائِهِ. وَدَفَنَهُ الشَّعْبُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. ثُمَّ خَلَفَهُ ابْنُهُ آسَا مَلِكًا. وَفِي عَهْدِ أبِيَّا، سَادَ سَلَامٌ فِي البِلَادِ عَشْرَ سَنَوَاتٍ. وَعَمِلَ آسَا مَا يُرْضِي مِنْ أعْمَالٍ بَارَّةٍ وَصَالِحَةٍ. هَدَمَ كُلَّ المَذَابحِ الغَرِيبَةِ المُقَامَةِ لعبَادَةِ الأوْثَانِ. أزَالَ المُرْتَفَعَاتِ، وَسَحَقَ الأنصَابَ التَّذكَارِيَّةَ، وَهَدَمَ أعْمِدةَ عَشْتَرُوتَ. وَأمَرَ شَعْبَ يَهُوذَا بِأنْ يَتْبَعُوا اللهَ ، إلَهَ آبَائِهِمْ، وَيُطِيعُوا شَرَائِعَهُ وَوَصَايَاهُ. وَأزَالَ آسَا المُرْتَفَعَاتِ وَمَذَابِحَ البَخُورِ مِنْ كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا. فَسَادَ السَّلَامُ فِي المَمْلَكَةِ فِي عَهْدِ آسَا. وَبَنَى آسَا مُدُنًا حَصِينَةً فِي يَهُوذَا أثْنَاءَ فَتْرَةِ السَّلَامِ هُنَاكَ. وَلَمْ يَدْخُلْ آسَا حَربًا فِي هَذِهِ السَّنَوَاتِ الثَّلَاثِ لِأنَّ اللهَ أعطَاهُ سَلَامًا وَرَاحَةً. ثُمَّ قَالَ آسَا لِشَعْبِ يَهُوذَا: «لِنَبْنِ هَذِهِ المُدُنَ وَنُقِمْ حَوْلَهَا أسوَارًا. لِنَبْنِ أبرَاجًا وَبَوَّابَاتٍ بِعَوَارِضَ. لِنَفعَلْ هَذَا مَا دَامَتِ الأرْضُ لَنَا. وَهَذِهِ الأرْضُ لَنَا لِأنَّنَا تَبِعْنَا إلَهَنَا . وَهُوَ الَّذِي أعطَانَا سَلَامًا وَرَاحَةً عَلَى جَمِيعِ حُدُودِنَا.» فَبَنَوْا وَنَجَحُوا. وَكَانَ لِآسَا جَيْشٌ قِوَامُهُ ثَلَاثُ مِئَةِ ألْفِ رَجُلٍ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، وَمِئَتَانِ وَثَمَانُونَ ألْفَ رَجُلٍ مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. وَكَانَ رِجَالُ يَهُوذَا مُسَلَّحِينَ بِتُرُوسٍ وَرِمَاحٍ، وَرِجَالُ بَنْيَامِينَ مُسَلَّحِينَ بِالتُّرُوسِ وَالأقْوَاسِ وَالسِّهَامِ. وَكَانَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ كُلُّهُمْ جُنُودًا أقوِيَاءَ وَشُجعَانًا. وَجَاءَ زَارَحُ الكُوشِيُّ بِجَيْشٍ ضِدَّ آسَا. وَكَانَ جَيْشُهُ مُكَوَّنًا مِنْ مِليُونِ رَجُلٍ وَثَلَاثِ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ. وَوَصَلَ جَيْشُ زَارَحَ حَتَّى مَدِينَةِ مَرِيشَةَ. فَخَرَجَ آسَا لِمُواجَهَةِ زَارَحَ. وَاحتَشَدَ جَيْشُهُ لِلمَعرَكَةِ فِي وَادِي صَفَاتَةَ عِنْدَ مَريشَةَ. وَصَلَّى آسَا إلَى وَقَالَ: «يَا اللهُ ، أنْتَ وَحْدَكَ قَادِرٌ عَلَى مَدِّ يَدِ العَونِ لِلضُّعَفَاءِ ضِدَّ الأقوِيَاءِ! فَأعِنَّا، يَا ! فَنَحْنُ عَلَيْكَ نَتَّكِلُ. وَنَحْنُ نُحَارِبُ هَذَا الجَيْشَ الهَائِلَ بِاسْمِكَ أنْتَ. فَأنْتَ يَا اللهُ إلَهُنَا. وَلَا يَغْلِبُكَ البَشَرُ!» فَاسْتَخْدَمَ اللهُ آسَا وَجَيْشَ يَهُوذَا فِي إلحَاقِ الهَزيمَةِ بِالجَيْشِ الكُوشِيِّ. فَهَرَبَ الجَيْشُ الكُوشِيُّ مِنْ وَجْههِمْ. فَطَارَدَ جَيْشُ آسَا الجَيْشَ الكُوشِيَّ إلَى جَرَارَ. وَقُتِلَ حَبَشِيُّونَ كَثِيرُونَ. فَقَدْ سَحَقَهُمُ اللهُ وَجَيْشُهُ. وَحَمَلَ آسَا وَجَيْشُهُ غَنَائِمَ كَثِيرَةً مِنَ العَدُوِّ. وَهَزَمَ آسَا وَجَيْشُهُ كُلَّ المُدُنِ المُحِيطَةِ بجَرَارَ، لِأنَّ أهْلَهَا ارتَعَبُوا مِنَ اللهِ . وَكَانَتْ فِي هَذِهِ المُدُنِ أشيَاءُ ثَمينَةٌ. فَغَنِمَهَا جَيْشُ آسَا. وَهَاجَمَ جَيْشُ آسَا أيْضًا خِيَامَ الرُّعَاةِ، وَأخَذُوا غَنَمًا كَثِيرًا وَجِمَالًا. وَبَعْدَ ذَلِكَ عَادَ جَيْشُ آسَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى عَزَرْيَا بْنِ عُودِيدَ. فَذَهَبَ عَزَرْيَا لِلِقَاءِ آسَا وَقَالَ لَهُ: «اسْمَعُونِي يَا آسَا، وَيَا كُلَّ شَعْبِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ! اللهُ مَعَكُمْ مَا دُمتُمْ مَعَهُ. وَإذَا طَلَبْتُمْ اللهَ ، فَسَتَجِدُونَهُ. لَكِنْ إنْ تَرَكْتُمُوهُ، فَسَيَتْرُكُكُمْ. ظَلَّتْ إسْرَائِيلُ زَمَنًا طَوِيلًا مِنْ غَيْرِ اللهِ الحَقِيقِيِّ. وَظَلَّ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ غَيْرِ كَاهِنٍ يُعَلّمُهُمْ، وَمِنْ غَيْرِ شَرِيعَةٍ. لَكِنْ عِنْدَمَا كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يُواجِهُونَ ضِيقًا، كَانُوا يَلْجَأُونَ إلَى اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، مِنْ جَدِيدٍ. كَانُوا يَطْلُبُونَهُ فَيَجِدُونَهُ. «وَفِي أيَّامِ الضِّيقِ تِلْكَ، لَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَسْتَطِيعُ أنْ يَتَنَّقَلَ بِأمَانٍ. فَقَدْ سَادَتْ الِاضْطِرَابَاتُ بَيْنَ الشُّعُوبِ. فَكَانَتْ أُمَّةٌ تَقُومُ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَدِينَةٌ عَلَى مَدِينَةٍ، لِأنَّ اللهَ ابتَلَاهُمْ بكُلِّ أنْوَاعِ الضِّيقِ. أمَّأ أنْتَ وَشَعْبُكَ يَا آسَا، فَتَشَجَّعُوا، وَلَا تَضْعُفُوا، لِأنَّكُمْ سَتُكَافَأُونَ عَلَى عَمَلِكُمُ الحَسَنِ!» وَتَشَجَّعَ آسَا حِينَ سَمِعَ كَلَامَ النَّبِيِّ عُودِيدَ وَالرِّسَالَةَ الَّتِي أعلَنَهَا. فَأزَالَ الأوْثَانَ البَغِيضَةَ مِنْ كُلِّ مِنطَقَةِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ، وَمِنَ المُدُنِ الَّتِي استَوْلَى عَلَيْهَا فِي مِنطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَليَّةِ. وَرَمَّمَ مَذْبَحَ اللهِ الَّذِي أمَامَ دِهْلِيزِ بَيْتِ اللهِ . ثُمَّ جَمَعَ آسَا كُلَّ الشَّعْبِ مِنْ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ. وَجَمَعَ أيْضًا مِنْ عَشَائِر أفْرَايِمَ وَمَنَسَّى وَشَمْعُونَ الجَمَاعَاتِ الَّتِي انتَقَلَتْ مِنْ أرْضِ إسْرَائِيلَ إلَى أرْضِ يَهُوذَا. وَقَدْ جَاءَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ بِأعْدَادٍ كَبِيرَةٍ إلَى يَهُوذَا لِأنَّهُمْ رَأوْا أنَّ مَعَهُ. اجتَمَعَ آسَا وَكُلُّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ مَعًا فِي القُدْسِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِنَ السَّنَةِ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ لِحُكْمِ آسَا. وَذَبَحُوا للهِ سَبْعَ مِئَةِ ثَورٍ وَسَبعَ مِئَةِ خَرُوفٍ وَمَاعِزٍ. وَكَانَ جَيْشُ آسَا قَدِ استَوْلَى عَلَى هَذه المَوَاشِي وَأشْيَاءَ ثَمِينَةٍ أُخْرَى مِنْ أعْدَائِهمْ. ثُمَّ تَعَاهَدُوا عَلَى أنْ يَتْبَعُوا ، إلَهَ آبَائِهُمْ، بِكُلِّ قَلُوبِهِمْ وَبِكُلِّ نَفُوسِهِمْ. وَكَانَ كُلُّ مَنْ لَا يَطْلُبُ اللهَ إلَهَ إسْرَائِيلَ يُقْتَلُ، مَهْمَا عَلَا شَأنُهُ أوْ صَغُرَ، رَجُلًا كَانَ أمِ امْرأةً. وَتَعَهَّدَ آسَا وَالشَّعْبُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ أنْ يَظَلُّوا أوفِيَاءَ للهِ . وَنَفَخُوا فِي الأبْوَاقِ الَّتِي مِنْ قُرُونِ الكِبَاشِ. وَفَرِحَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا بِهَذَا العَهْدِ لِأنَّهُمْ نَذَرُوا للهِ بِكُلِّ قُلُوبِهِمْ، وَطَلَبُوهُ طَوْعًا. طَلَبُوهُ بكُلِّ قُلُوبِهِمْ فَوَجَدُوهُ، فَأعْطَاهُمُ اللهُ سَلَامًا وَرَاحَةً عَلَى كُلِّ حُدُودِهِمْ. وَخَلَعَ آسَا أُمَّهُ مَعْكَةَ كَمَلِكَةٍ أُمٍّ، لِأنَّهَا نَصَبَتْ عَمُودًا بَغِيضًا إكرَامًا للإلَهَةِ عَشْتَرُوتَ. وَهَدَمَ آسَا عَمُودَ عَشْتَرُوتَ وَكَسَّرَهُ تَكْسِيرًا، ثُمَّ أحْرَقَ أجزَاءَهُ فِي وَادِي قَدْرُونَ. لَمْ تُنزَعِ المُرتَفَعَاتُ مِنْ يَهُوذَا، غَيْرَ أنْ قَلْبَ آسَا كَانَ وَفِيًّا لِلرَّبِّ طَوَالَ حَيَاتِهِ. وَوَضَعَ آسَا كُلَّ مَا خَصَّصَهُ هُوَ وَأبُوهُ مِنْ أشْيَاءَ مَصْنُوعَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ للهِ فِي بَيْتِ اللهِ. وَلَمْ تَنْشُبْ حَربٌ حَتَّى السَّنَةِ الخَامسَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حُكْمِ آسَا. وَفِي السَّنَةِ السَّادسَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حُكْمِ آسَا، هَاجَمَ بَعْشَا، مَلِكُ إسْرَائِيلَ، أرْضَ يَهُوذَا. وَحَصَّنَ مَدِينَةَ الرَّامَةِ لِمَنْع النَّاسِ مِنَ الدُّخُولِ إلَى آسَا مَلِكِ يَهُوذَا أوِ الخُرُوجِ مِنْ عِنْدهِ. فَأخَذَ آسَا فِضَّةً وَذَهَبًا مِنَ مَخَازِنِ بَيْتِ اللهِ وَمِنْ بَيْتِهِ، وَأرسَلَهَا مَعَ رُسُلٍ إلَى بَنْهَدَدَ مَلِكِ أرَامَ الَّذِي كَانَ يُقِيمُ فِي دِمَشقَ. وَقَالَ المَلِكُ آسَا فِي رِسَالَتِهِ للمَلِكِ بَنْهَدَدَ: «يَرْبِطُنِي بِكَ عَهْدٌ يَرْجِعُ إلَى زَمَانِ أبِي وَأبيكَ. وَهَا أنَا أُرسِلُ إلَيْكَ فِضَّةً وَذَهَبًا. فَانقُضْ عَهْدَكَ مَعَ بَعْشَا مَلكِ إسْرَائِيلَ، لكَي يَتْرُكَنِي وَشَأنِي.» فَاسْتَجَابَ بَنْهَدَدُ لِطَلَبِ آسَا. وَأرْسَلَ قَادَةَ جَيْشِهِ لِلهُجُومِ عَلَى مُدُنِ إسْرَائِيلَ. فَهَاجَمُوا مُدُنَ عُيُونَ وَدَانٍ وَآبَلَ مَايِمَ وَجَمِيعَ المَخَازِنِ فِي مِنْطَقَةِ نَفْتَالِي. فَلَمَّا وَصَلَ بَعْشَا خَبَرُ الهُجُومِ عَلَى مُدُن إسْرَائِيلَ، أوْقَفَ تَحْصِينَ الرَّامَةِ، وَصَرَفَ النَّظَرَ عَنْ ذَلِكَ العَمَلِ. ثُمَّ اسْتَدْعَى المَلكُ آسَا رِجَالَ يَهُوذَا لِلِاجْتِمَاعِ مَعًا. وَذَهَبُوا إلَى مَدِينَةِ الرَّامَةِ وَأخَذُوا الحِجَارَةَ وَالأخشَابَ الَّتِي اسْتَخْدَمَهَا بَعْشَا فِي تَحْصِينِ مَدِينَةِ الرَّامةِ، وَحَصَّنُوا بِهَا مَدِينَتَي جَبَعَ وَالمِصْفَاةَ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، جَاءَ الرَّائِي حَنَاني إلَى آسَا، مَلكِ يَهُوذَا، وَقَالَ لَهُ: «أخطَأتَ إذِ اتَّكَلْتَ عَلَى مَلِكِ أرَامَ، وَلَمْ تَتَّكِلْ عَلَى . لِذَلِكَ نَجَا مِنْكَ جَيْشُ أرَامَ. ألَمْ أنصُرْكَ عَلَى الكُوشِيِّينَ وَاللِّيبِيِّينَ الَّذِينَ هَاجَمُوكَ بِجَيْشٍ كَبِيرٍ وَقَوِيٍّ جِدًّا بِمَرْكَبَاتٍ كَثِيرَةٍ وَفُرْسَانٍ كَثِيرِينَ؟ اتَّكَلْتَ عَلَى اللهِ ، لذَلِكَ نَصَرَكَ عَلَى ذَلِكَ الجَيْشِ الكَبِيرِ القَوِيِّ. فَعَينَا اللهِ تَجُولَانِ فِي الأرْضِ، بَحْثًا عَنِ الأوفِيَاءَ لَهُ لِكَي يُقَوِّيَهُمْ. أمَّا أنْتَ يَا آسَا، فَقَدْ قُمْتَ بِعَمَلٍ أحمَقَ. فَمِنَ الآنَ فَصَاعِدًا، سَتَرَى حُرُوبًا كَثِيرَةً.» فَغَضِبَ آسَا وَاغْتَاظَ كَثِيرًا مِنْ حَنَانِي بِسَبَبِ مَا قَالَهُ، حَتَّى إنَّهُ سَجَنَهُ وَوَضَعَ قَدَمِيهِ بَيْنَ لَوحَينِ خَشَبِيَّينِ كَبِيرَينِ. وَقَدْ أسَاءَ آسَا مُعَامَلَةَ بَعْضٍ مِنَ الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ أيْضًا. وَكُلُّ الأعْمَالِ الَّتِي عَمِلَهَا آسَا مِنْ أوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإسْرَائِيلَ. وَأصَابَ قَدَمَيِّ آسَا مَرَضٌ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حُكْمِهِ. وَسَاءَتْ حَالَتُهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ شِفَاءً مِنَ اللهِ وَإنَّمَا مِنَ الأطِبَّاءِ فَقَطْ. وَمَاتَ آسَا فِي السَّنَةِ الحَادِيَةِ وَالأرْبَعِينَ مِنْ حُكْمِهِ. وَرَقَدَ مَعَ آبَائِهِ. وَدَفَنَ الشَّعْبُ آسَا فِي القَبْرِ الَّذِي بَنَاهُ لِنَفْسِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَمَدَّدُوهُ فِي سَرِيرٍ مَملُوءٍ بَأطيَابٍ وَعُطُورٍ مَمْزُوجَةٍ مُتَنَوِّعَةٍ. وَأشعَلَ الشَّعْبُ نَارًا عَظِيمَةً إكرَامًا لِآسَا. وَخَلَفَ يَهُوشَافَاطُ أبَاهُ آسَا فِي الحُكْمِ. وَقَوَّى يَهُوشَافَاطُ يَهُوذَا ضِدَّ إسْرَائِيلَ. فَوَضَعَ فِرَقًا مِنَ الجُنُودِ فِي كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا المُحَصَّنَةِ. وَبَنَى يَهُوشَافَاطُ حُصُونًا فِي يَهُوذَا وَفي مُدُنِ أفْرَايِمَ الَّتِي استَوْلَى عَلَيْهَا أبُوهُ. وَكَانَ اللهُ مَعَ يَهُوشَافَاطَ لِأنَّهُ عَمِلَ الأُمُورَ الصَّالحَةَ الَّتِي عَمِلَهَا جَدُّهُ دَاوُدُ. وَلَمْ يَتْبَعْ أوْثَانَ البَعْلِ، بَلْ طَلَبَ إلَهَ آبَائِهُ، وَعَمِلَ بِوَصَايَاهِ. وَلَمْ يَعِشْ كَمَا عَاشَ بَنُو إسْرَائِيلَ. فَقَوَّى اللهُ حُكْمَهُ وَثَبَّتَهُ عَلَى يَهُوذَا. وَأحَبَّهُ شَعْبُ يَهُوذَا وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا. فَكَانَ لَدَى يَهُوشَافَاطَ ثَروَةٌ وَكَرَامَةٌ كَبِيرَتَانِ. وَتَلَذَّذَ قَلْبُ يَهُوشَافَاطَ بِسُلُوكِهِ وَفْقَ طُرُقِ اللهِ ، وَأزَالَ المُرتَفَعَاتِ وَأعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ مِنْ أرْضِ يَهُوذَا. وَأرْسَلَ يَهُوشَافَاطُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حُكمِهِ قَادَتَهُ ليُعَلِّمُوا فِي مُدُنِ يَهُوذَا. وَهَؤُلَاءِ القَادَةُ هُمْ بِنْحَائِلُ وَعُوبَدْيَا وَزَكَرِيَّا وَنَثَنْئِيلُ وَمِيخَايَا. وَأرْسَلَ أيْضًا لَاوِيِّينَ مَعَ هَؤُلَاءِ القَادَةِ. وَهَؤُلَاءِ اللَّاوِيُّونَ هُمْ شَمَعْيَا وَنَثَنْيَا وَزَبَدْيَا وَعَسَائِيلُ وَشَمِيرَامُوثُ وَيَهُونَاثَانُ وَأدُونِيَّا وَطُوبِيَّا. وَأرْسَلَ مَعَهُمْ أيْضًا الكَاهنَينِ ألِيشَمَعَ وَيَهُورَامَ. فَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ القَادَةُ وَاللَّاوِيُّونَ وَالكَاهِنَانِ الشَّعْبَ فِي يَهُوذَا. وَكَانَ مَعَهُمْ كِتَابُ شَرِيعَةِ اللهِ . فَجَالُوا فِي كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا وَعَلَّمُوا الشَّعْبَ. وَكَانَتِ الشُّعُوبُ المُحِيطَةُ بِيَهُوذَا تَهَابُ اللهَ . وَلهَذَا لَمْ تُحَارِبْ يَهُوشَافَاطَ. وَأحضَرَ بَعْضُ الفِلَسطِيِّينَ هَدَايَا وَفِضَّةً لِلمَلِكِ يَهُوشَافَاطَ لِأنَّهُمْ عَرَفُوا أنَّهُ مَلِكٌ قَوِيٌّ. وَأتَى بَعْضُ العَرَبِ بِمَوَاشِي لِيَهُوشَافَاطَ. فَجَلَبُوا إلَيْه سَبْعَةَ آلَافٍ وَسَبعَ مِئَةِ كَبْشٍ وَسَبعَةَ آلَافٍ وَسَبعَ مئَةِ تَيسٍ. وَازْدَادَ يَهُوشَافَاطُ قُوَّةً وَعَظَمَةً، فَبَنَى حُصُونًا وَمُدُنَ مَخَازِنَ فِي يَهُوذَا. وَخَزَنَ فِيهَا مُؤَنًا كَثِيرَةً. وَكَانَ يَهُوشَافَاطُ يَحْتَفِظُ بِجُنُودٍ مُقَاتِلِينَ فِي القُدْسِ. وَهَذِهِ قَائِمَةٌ بِالجُنُودِ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: قَادَةُ الأُلُوفِ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا: عَدْنَةُ عَلَى ثَلَاثِ مئَةِ ألْفِ جُنديٍّ مُقَاتِلٍ، يَهُونَاثَانُ عَلَى مِئَتَيْنِ وَثَمَانِينَ ألْفِ جُندِيٍّ مُقَاتِلٍ، عَمَسْيَا بْنُ زِكْرِي عَلَى مِئَتَي ألْفِ جُندِيٍّ مُقَاتِلٍ. وَكَانَ عَمَسْيَا قَدْ تَطَوَّعَ لخِدْمَةِ اللهِ . قَادَةُ الأُلُوفِ مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ: أليَادَاعُ عَلَى مِئَتَي ألْفِ جُندِيٍّ مُقَاتِلٍ، كُلُّهُمْ مُسَلَّحُونَ بِأقوَاسٍ وَسهَامٍ وَتُرُوسٍ، يَهُوزَابَادُ عَلَى مئَةٍ وَثَمَانِينَ ألْفَ رَجُلٍ مُسَلَّحٍ للحَربِ. خَدَمَ هَؤُلَاءِ الجُنُودُ المَلِكَ يَهُوشَافَاطَ. وَكَانَ لَدَى المَلِكِ أيْضًا رِجَالٌ آخَرُونَ فِي الحُصُونِ فِي كُلِّ أرْضِ يَهُوذَا. وَكَانَ ليَهُوشَافَاطَ ثَروَةٌ وَكَرَامَةٌ كَبِيرَتَانِ، لَكِنَّهُ صَاهَرَ أخآبَ وَقَطَعَ مَعَهُ عَهْدًا. وَبَعْدَ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ زَارَ يَهُوشَافَاطُ أخآبَ فِي مَدِينَةِ السَّامِرَةِ. فَذَبَحَ أخآبُ غَنَمًا وَبَقَرًا كَثِيرًا لِيَهُوشَافَاطَ وَجَمَاعَتِهِ. وَحَثَّ أخآبُ يَهُوشَافَاطَ عَلَى مُهَاجَمَةِ رَامُوثَ الَّتِي فِي جَلْعَادَ. وَقَالَ أخآبُ مَلِكُ إسْرَائِيلَ ليَهُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا: «مَا رَأيُكَ أنْ تَنْضَمَّ إلَيَّ فِي الهُجُومِ عَلَى رَامُوثَ الَّتِي فِي جَلْعَادَ؟» فَأجَابَهُ: «أنَا مِثْلُكَ، وَشَعْبِي مِثْلُ شَعْبِكَ. وَلِهَذَا سَنَنضَمُّ إلَيْكَ فِي المَعْرَكَةِ.» ثُمَّ قَالَ يَهُوشَافَاطُ لِمَلِكِ إسْرَائِيلَ: «لَكنْ لِنسْتَشِرِ اللهَ أوَّلًا.» فَجَمَعَ أخآبُ أنْبِيَاءَهُ مَعًا، وَكَانُوا أرْبَعَ مِئَةِ رَجُلٍ وَقَالَ لَهُمْ: «أتَنْصَحُونَنَا بِأنْ نَذْهَبَ وَنُقَاتِلَ جَيْشَ أرَامَ فِي رَامُوتَ؟ أمْ لَا؟» فَأجَابَ أنبِيَاؤُهُ: «اذْهَبْ فَيَنْصُرَكَ اللهُ عَلَيْهِمْ.» لَكِنَّ يَهُوشَافَاطَ سَألَ: «ألَا يُوجَدُ أيُّ نَبِيٍّ آخَرَ للهِ هُنَا حَتَّى نَسألَهُ عَنْ مَا يَقُولُهُ اللهُ .» فَقَالَ أخآبُ لِيَهُوشَافَاطَ: «لَا يُوجَدُ إلَّا نَبِيٌّ وَاحِدٌ بَعْدُ لِنَسْألَ مِنْ خِلَالِهِ عَنْ إرَادَةِ اللهِ هُوَ النَّبِيُّ مِيخَا بْنُ يَمْلَةَ. لَكِنِّي أبغَضُهُ. فَحِينَ يَنْقُلُ كَلَامَ اللهِ ، لَا يَقُولُ أبَدًا شَيْئًا حَسَنًا عَنِّي. فَهُوَ يَقُولُ عَنِّي مَا لَا أُحَبُّ.» لَكنَّ يَهُوشَافَاطَ قَالَ لِأخآبَ: «لَا تَقُلْ هَذَا أيُّهَا المَلِكُ!» فَدَعَا المَلكُ أحَدَ خُدَّامهِ وَقَالَ لَهُ: «أسرِعْ بِإحضَارِ مِيخَا بْنِ يَمْلَةَ إلَى هُنَا!» وَكَانَ المَلِكَانِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، يَرْتَدِيَانِ زِيَّهُمَا المَلَكِيَّ وَيَجْلِسَانِ عَلَى عَرْشَينِ فِي قَاعَةِ القَضَاءِ قُرْبَ بَوَّابَةِ السَّامِرَةِ. وَكَانَ الأنْبِيَاءُ جَمِيعًا وَاقِفِينَ يَتَنَبَّأُونَ أمَامَهُمَا. وَكَانَ هُنَاكَ نَبِيٌّ اسْمُهُ صِدْقِيَّا بْنُ كَنعَنَةَ. صَنَعَ صِدْقِيَّا هَذَا قُرُونًا مِنَ حَدِيدٍ وَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹بِهَذِهِ القُرُونِ الحَدِيدِيَّةِ، سَتَنْطَحُ الأرَامِيِّينَ إلَى أنْ تَقْضِيَ عَلَيْهِمْ تَمَامًا.›» وَوَافَقَ الأنْبِيَاءُ الآخَرُونَ صِدْقِيَّا عَلَى مَا قَالَهُ. وَقَالُوا: «تَقَدَّمِ الآنَ نَحْوَ جَيْشِ أرَامَ فِي رَامُوتَ، وَسَتَنْتَصِرُ إذْ سَيَنْصُرُكَ اللهُ .» وَقَالَ الرَّسُولُ الَّذِي ذَهَبَ لِإحْضَارِ مِيخَا لَهُ: «هَا قَدْ رَدَّدَ كُلُّ الأنْبِيَاءِ الكَلَامَ نَفْسَهُ، إذْ قَالُوا إنَّ المَلِكَ سَيَنْجَحُ. فَقُلْ مَا قَالُوهُ، وَبِهَذَا تُحسِنُ القَولَ وَتَفْعَلُ خَيْرًا.» لَكِنَّ مِيخَا قَالَ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، لَا أقُولَ إلَّا مَا يَقُولُهُ إلَهِي.» فَلَمَّا جَاءَ مِيخَا، وَقَفَ أمَامَ المَلِكِ. فَسَألَهُ المَلِكُ: «يَا مِيخَا، بِمَ تَنْصَحُنَا؟ أنَذْهَبُ أنَا وَالمَلِكُ يَهوشَافَاطُ بِجَيْشَينَا لِمُقَاتَلَةِ جَيْشِ أرَامَ فِي رَامُوثَ الَّتِي فِي جَلْعَادَ؟» فَأجَابَ مِيخَا سَاخِرًا: «نَعَمْ! اذهَبَا وَقَاتِلَاهُمُ الآنَ، فَتَنْتَصِرَانِ.» فَأجَابَ أخآبُ: «أنْتَ تَسْخَرُ مِنِّي، وَتُجِيبُ مِنْ عِندِكَ. كَمْ مَرَّةً يَنْبَغِي أنْ أستَحْلِفَكَ أنْ لَا تَقُولَ إلَّا مَا يَقُولُهُ اللهُ ؟» فَأجَابَ مِيخَا: «لَقَدْ أرَانِي اللهُ كُلَّ مَا سَيَحْدُثُ. فَرَأيْتُ جَيْشَ إسْرَائِيلَ مُشَتَّتًا عَلَى الجِبَالِ. رَأيْتُهُمْ كَخِرَافٍ فَقَدَتْ رَاعِيَهَا. وَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹لَيْسَ لِهَؤُلَاءِ قَائِدٌ، فَلْيَرْجِعُوا بِأمَانٍ إلَى بُيُوتِهِمْ.›» فَقَالَ أخآبُ لِيَهُوشَافَاطَ: «أتَرَى؟ أمَا قُلْتُ لَكَ؟ لَا يَقُولُ هَذَا النَّبِيُّ عَنِّي شَيْئًا حَسَنًا، وَإنَّمَا بِالسُّوءِ وَبِمَا لَا أُحِبُّ سَمَاعَهُ!» حِينَئِذٍ، قَالَ مِيخَا: «مَا دُمْتَ تَقُولُ هَذَا، فَاسْمَعْ إذًا مَا يَقُولُهُ اللهُ ! فَقَدْ رَأيْتُ اللهَ جَالِسًا عَلَى عَرْشِهِ فِي السَّمَاءِ. وَرَأيْتُ المَلَائِكَةَ وَاقِفِينَ عِنْدَهُ، بَعْضٌ عَنْ يَمِينهِ وَبَعْضٌ عَنْ شِمَالِهِ. فَقَالَ اللهُ : ‹مَنْ يَخْدَعُ أخآبَ مَلِكَ إسْرَائِيلَ، فَيُقْنِعَهُ بِالهُجُومِ عَلَى مَدِينَةِ رَامُوثَ الَّتِي فِي جَلْعَادَ لكَي يُقتَلَ هُنَاكَ؟› فَقَالَ مَلَائِكَةٌ مُختَلِفُونَ أشْيَاءَ مُختَلِفَةً. ثُمَّ جَاءَ رُوحٌ وَوَقَفَ فِي حَضْرَةِ اللهِ وَقَالَ: ‹أنَا سَأخدَعُ أخآبَ.› فَسَألَهُ اللهُ : ‹كَيْفَ سَتَفْعَلُ هَذَا؟› فَأجَابَ: ‹سَأخْرُجُ وَأصِيرُ رُوحَ كَذبٍ وَضَلَالٍ فِي أفوَاهِ أنْبِيَاءِ أخآبَ.› فَقَالَ اللهُ : ‹سَتَنْجَحُ فِي خِدَاعِهِ. فَاذهَبْ وَافْعَلْ ذَلِكَ.›» وَأضَافَ مِيخَا: «فَهَذَا هُوَ تَمَامًا مَا حَدَثَ هُنَا. فَقَدْ جَعَلَ اللهُ أنْبِيَاءَكَ يَكْذِبُونَ عَلَيْكَ. فَاللهُ نَفْسُهُ يَنْوِي أنْ يُنْزِلَ بِكَ الشَّرَّ.» فَاقْتَرَبَ صِدْقِيَّا بْنُ كَنْعَنَةَ مِنْ مِيخَا وَلَكَمَهُ عَلَى فَكِّهِ. وَقَالَ صِدْقِيَّا: «مِنْ أيِّ طَرِيقٍ ذَهَبَ الرُّوحُ المُرسَلُ مِنَ اللهِ عِنْدَمَا ذَهَبَ منّي لِيَتَكَلَّمَ إلَيْكَ؟» فَأجَابَ مِيخَا: «سَتَرَى قَرِيبًا جِدًّا أنِّي إنَّمَا أقُولُ الصِّدْقَ. سَتَرَى ذَلِكَ عِنْدَمَا تَهْرُبُ مِنْ غُرفَةٍ إلَى غُرْفَةٍ لِتَخْتَبِئَ!» فَأمَرَ أخآبُ أحَدَ رِجَالِهِ بِالقَبْضِ عَلَى مِيخَا، وَقَالَ: «اقبِضُوا عَلَيْهِ وسلِّمُوهُ إلَى أمُّونَ، وَالِي المَدِينَةِ، وَإلَى الأمِيرِ يُوآشَ. وَقُولُوا لِأمُّونَ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ المَلِكُ: ضَعْ مِيخَا فِي السِّجْنِ. وَلَا تُعْطِهِ إلَّا قَليلًا جِدًّا مِنَ المَاء إلَى أنْ أعُودَ مِنَ المَعْرَكَةِ سَالِمًا.›» فَأجَابَ ميخَا أخآبَ: «إنْ رَجِعْتَ مِنَ المَعْرَكَةِ سَالِمًا، لَا يَكُونُ اللهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِفَمِي. فَاسْمَعُوا وَتَذَكَّرُوا كَلَامِي يَا جَمِيعَ الشَّعْبِ.» وَذَهَبَ أخآبُ وَالمَلِكُ يَهُوشَافَاطُ لِمُقَاتَلَةِ جَيْشِ أرَامَ فِي رَامُوثَ الَّتِي فِي جَلْعَادَ. وَقَالَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ ليَهُوشَافَاطُ: «أنَا سأتَنَّكَرُ كَجُنْدِيٍّ وَأدْخُلُ المَعرَكَةَ. أمَّا أنْتَ فَالْبَسْ رِدَاءَكَ المَلَكِيَّ.» فَتَنَكَّرَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ، وَدَخَل كِلَاهُمَا المَعْرَكَةَ. وَأمَرَ مَلِكُ أرَامَ قَادَةَ مَرْكَبَاتِهِ فَقَالَ: «لَا تَنْشَغِلُوا بِقِتَالِ أحَدٍ مَهْمَا كَانَ شأنُهُ، سِوَى مَلِكِ اسرَائِيلَ» وَأثنَاءَ المَعْرَكَةِ رَأى قَادَةُ المَرْكَبَاتِ يَهُوشَافَاطَ، فَظَنُّوا أنَّهُ أخآبَ. فَهَجَمُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ، فَصَرَخَ يَهُوشَافَاطُ. فَأعَانَهُ اللهُ ، رَدَّ اللهُ عَنْهُ المَرْكَبَاتِ. فَهُمْ لَمَّا أدرَكُوا أنَّهُ لَيْسَ أخآبَ، مَلِكَ إسْرَائِيلَ، كَفُّوا عَنْ مُطَارَدَتِهِ. لَكِنَّ جُندِيًّا رَمَى سَهمًا دُونَ أنْ يَنْتَبِهَ، فَأصَابَ أخآبَ مَلِكَ إسْرَائِيلَ عَبْرَ فَتْحَةٍ فِي دِرْعِهِ. فَقَالَ أخآبُ لِسَائِقِ مَرْكَبَتِهِ: «قَدْ أُصِبْتُ بِسَهمٍ. فَارْجِعْ إلَى الخَلفِ وَانسَحِبْ بِي مِنَ المَعْرَكَةِ.» وَاشْتَدَّ القِتَالُ بَيْنَ الجُيُوشِ. وَبَقِيَ أخآبُ فِي مَرْكَبَتِهِ مُسْتَنِدًا عَلَى جَوَانِبِهَا مُقَابِلَ جَيْشِ أرَامَ. وَسَالَ دَمُهُ حَتَّى غَطَّى أرْضِيَةَ المَرْكَبَةِ. وَفِي فَتْرَةٍ لَاحِقَةٍ مِنْ مَسَاءِ ذَلِكَ اليَوْمِ، مَاتَ أخآبُ. وَعَادَ يَهُوشَافَاطُ مَلكُ يَهُوذَا بِسَلَامٍ إلَى بَيتهِ فِي القُدْسِ. فَخَرَجَ الرَّائِي يَاهُو بْنُ حَنَانِي لِلقَائِه. وَقَالَ يَاهُو لِلمَلِكِ يَهُوشَافَاطَ: «لِمَاذَا خَرَجْتَ لتُسَاعدَ أشرَارًا؟ وَلِمَاذَا أحبَبتَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُبغضُونَ اللهَ ؟ اللهُ غَاضبٌ عَلَيْكَ مِنْ أجْلِ هَذَا. لَكِنَّكَ فَعَلْتَ فِي حَيَاتِكَ بَعْضَ الأُمُورِ الصَّالِحَةِ، إذْ أزَلْتَ أعْمِدَةَ عَشْتَرُوتَ مِنْ هَذَا البَلَدِ، وَصَمَّمَتَ فِي قَلْبِكَ أنْ تَتَّبِعَ اللهَ.» وَأقَامَ يَهُوشَافَاطُ فِي القُدْسِ. ثُمَّ خَرَجَ ثَانِيَّةً لِكَي يَكُونَ مَعَ الشَّعْبِ مِنْ بِئْرِ السَّبعِ إلَى مِنطَقَةِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ. وَأرْجَعَ يَهُوشَافَاطُ هَؤُلَاءِ النَّاسَ إلَى الَّذِي تَبِعَهُ آبَاؤهُمْ. وَعَيَّنَ يَهُوشَافَاطُ قُضَاةً فِي الأرْضِ، وَفِي كُلِّ المُدُنِ الحَصِينةِ بِيَهُوذَا. وَقَالَ يَهُوشَافَاطُ لِهَؤُلَاءِ القُضَاةِ: «دَقِّقُوا فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُونَ، لِأنَّكُمْ لَا تَقْضُونَ لِلنَّاسِ، بَلْ للهِ . وَسَيُعينُكُمُ اللهُ فِي أحكَامِكُمْ. عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أنْ يَخَافَ اللهَ . فَدَقِّقُوا فِي مَا تَفْعَلُونَ لِأنَّ لَا يَظْلِمُ، وَلَا يُمَيِّزُ كَبِيرًا عَنْ صَغِيرٍ، وَلَا يَرْتَشِي ليُغَيِّرَ أحكَامَهُ.» وَفِي القُدْسِ عَيَّنَ يَهُوَشَافَاطُ بَعْضَ اللَّاوِيِّينَ وَالكَهَنَةِ وَرُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ إسْرَائِيلَ قُضَاةً. وَكَانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَحْتَكمُوا إلَى شَرِيعَةِ اللهِ لتَسْوِيَةِ مَشَاكِلِ أهْلِ القُدْسِ. وَأمَرَهُمْ يَهُوشَافَاطُ فَقَالَ: «يَنْبَغِي أنْ تَخْدِمُوا بِأمَانَةٍ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَتَخَافُوا اللهَ . سَتَأْتِيكُمْ قَضَايَا تَتَعَلَّقُ بِالقَتلِ أوْ قَانُونٍ مِنَ القَوَانِينِ أوْ وَصِيَّةٍ أوْ فَرِيضَةٍ أوْ أيَّةِ قَضِيَّةٍ مِنْ إخْوَتِكُمُ السَّاكِنِينَ فِي المُدُنِ. فَفي كُلّ هَذِهِ القَضَايَا، يَنْبَغِي أنْ تُحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْ أنْ يُخطئُوا إلَى اللهِ . فَإنْ لَمْ تَخْدِمُوا بأمَانَةٍ، سَتَجْعَلُونَ غَضَبَ اللهِ يَنْزِلُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى إخْوَتِكُمْ. افْعَلُوا مَا أمَرْتُكُمْ بِهِ، فَلَا تُلَامُونَ. «وَهَا هُوَ أمَرْيَا رَئِيسُ الكَهَنَةِ سَيَكُونُ مُشرِفًا عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ أُمُورِ اللهِ . أمَّا زَبَدْيَا بْنُ يَشْمَعِيئِيلَ رَئِيسُ عَائِلَاتِ يَهُوذَا فَسَيَكُونُ مُشْرِفًا عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ أُمُورِ المَلِكِ. وَسَيَخْدِمُ اللَّاويُّونَ كَكَتَبَةٍ عِنْدَكُمْ. فَتَحَمَّسُوا وَتَشَجَّعُوا فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُونَ. وَلْيَكُنِ اللهُ مَعَ كُلِّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ الصَّوَابَ.» وَبَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ المُوآبِيُّونَ وَالعَمُّونيُّونَ وَالمَعُونِيُّونَ ليُحَارِبُوا يَهُوَشَافَاطَ. فَجَاءَ أُنَاسٌ وَقَالُوا لِيَهُوشَافَاطَ: «إنَّ جَيْشًا عَظِيمًا قَادِمٌ عَلَيْكَ مِنْ أدُومَ مِنَ الجَانبِ الآخَرِ مِنَ البَحْرِ . وَهَا قَدْ وَصَلُوا إلَى حَصُّونَ ثَامَارَ!» – وَتُدعَى حَصُّونُ ثَامَارُ أيْضًا عَينَ جَدْيٍ. فَخَافَ يَهُوشَافَاطُ. وَصَمَّمَ أنْ يَطْلُبَ اللهَ وَيَسألَهُ مَاذَا يَفْعَلُ. فَدَعَا جَمِيعَ أهْلِ يَهُوذَا إلَى الصَّومِ. فَجَاءَ شَعْبُ يَهُوذَا مِنْ كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا وَاجْتَمَعُوا مَعًا لِكَي يَطْلُبُوا مَعُونَةَ اللهِ وَإرَادَتَهُ. كَانَ يَهُوشَافَاطُ فِي بَيْتِ اللهِ أمَامَ السَّاحَةِ الجَدِيدَةِ. فَوَقَفَ فِي الِاجْتِمَاعِ الَّذِي ضَمَّ أهْلَ يَهُوذَا وَالقُدْسِ. وَقَالَ: «يَا اللهُ ، يَا إلَهَ آبَائِنَا، أنْتَ اللهُ فِي السَّمَاءِ! وَأنْتَ تَسُودُ عَلَى كُلِّ مَمَالِك الشُّعُوبِ! لَكَ القُوَّةُ وَالقُدرَةُ! وَلَيْسَ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَقِفَ فِي وَجْهِكَ! إلَهُنَا أنْتَ! أنْتَ الَّذِي طَرَدْتَ سُكَّانَ هَذِهِ الأرْضِ مِنْهَا أمَامَ شَعْبِكَ إسْرَائِيلَ. وَأعْطَيْتَهَا لِنَسْلِ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ إلَى الأبَدِ. وَعَاشَ نَسْلُ إبْرَاهِيمَ فِي هَذِهِ الأرْضِ، وَبَنَوْا هَيْكَلًا مِنْ أجْلِ اسْمِكَ. وَقَالُوا: ‹إنْ جَاءَ عَلَيْنَا ضِيقٌ أوْ حَربٌ أوْ عِقَابٌ أوْ مَرَضٌ أوْ مَجَاعَةٌ، فَسَنَقِفُ أمَامَكَ وَأمَامَ هَذَا الهَيْكَلِ الَّذِي وَضَعتَ فِيهِ اسْمَكَ. وَسَنَسْتَغِيثُ بِكَ فِي ضِيقِنَا، فَتَسْمَعُنَا وَتُخَلِّصُنَا.› «وَالْآنَ، هَا قَدْ جَاءَتْ جُيُوشٌ مِنْ عَمُّونَ وَمُوآبَ وَجَبَلِ سَعِيرَ! لَمْ تَسْمَحْ أنْتَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ بِالدُّخُولِ إلَى أرَاضِي هَؤُلَاءِ عِنْدَمَا خَرَجَ شَعْبُكَ مِنْ مِصْرٍ، بَلْ تَرَكُوهُمْ فِي حَالِهِمْ، وَلَمْ يَقْضُوا عَلَيْهِمْ. لَكنِ انْظُرْ أيَّةَ مُكَافَأةٍ تُكَافِئُنَا بِهَا هَذِهِ الشُّعُوبُ عَلَى عَدَمِ قَضَائِنَا عَلَيْهِمْ. فَقَدْ جَاءُوا لِكَي يَطْرُدُونَا مِنْ أرْضِكَ الَّتِي أعْطَيْتَهَا لَنَا. احْكُمْ أنْتَ عَلَى هَؤُلَاءِ النَّاسِ، يَا إلَهَنَا! فَلَا قُدرَةَ لَنَا عَلَى مِثْلِ هَذَا الجَيْشِ الكَبِيرِ الهَاجمِ عَلَيْنَا! وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ مَاذَا يُمكِنُنَا أنْ نَعمَلَ، لَكِنَّنَا نُعَلِّقُ رَجَاءَنَا عَلَيْكَ أنتَّ!» وَكَانَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا وَاقِفِينَ فِي حَضْرَةِ اللهِ مَعَ أطْفَالِهمْ الرُّضَّعِ وَزَوْجَاتِهِمْ وَأبنَائهِمْ. ثُمَّ حَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى يَحْزَئِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ بَنَايَا بْنِ يَعِيئِيلَ بْنِ مَتَّنْيَا اللَّاوِي. وَكَانَ يَحْزَئِيلُ لَاوِيًّا مِنْ نَسْلِ آسَافَ. فَقَالَ يَحْزَئِيلُ: «اسْمَعُونِي أيُّهَا المَلِكُ يَهُوشَافَاطُ وَيَا كُلَّ سُكَّانِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لَكُمْ: ‹لَا تَخَافُوا وَلَا تَنْزَعِجُوا بسَبَبِ ضَخَامَةِ هَذَا الجَيْشِ القَادِمِ عَلَيْكُمْ، لِأنَّ المَعرَكَةَ لَيْسَتْ مَعرَكَتَكُمْ، بَلْ مَعرَكَةُ اللهِ! فَانزِلُوا غَدًا وَاهجُمُوا عَلَيْهِمْ. هَا هُمُ الآنَ يَمُرُّونَ فِي مَعبَرِ صِيصٍ. وَغَدًا سَتَجِدُونَهُمْ فِي آخِرِ الوَادِي أمَامَ بَرِّيَّةِ يَرُوئِيلَ. لَنْ تَضْطَرُّوا إلَى القِتَالِ فِي هَذِه المَعْرَكَةِ، لَكِنِ اثبُتُوا فِي مَوَاقِعِكُمْ وَسَتَرَوْنَ كَيْفَ يُخَلِّصُكُمُ اللهُ . فَلَا تَخَافُوا وَلَا تَنْزَعِجُوا يَا أهْلَ يَهُوذَا وَالقُدْسِ. فَوَاجِهُوهُمْ غَدًا، وَاللهُ مَعَكُمْ.›» فَانبَطَحَ يَهُوشَافَاطُ وَوَجْهُهُ إلَى الأرْضِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ جَمِيعُ أهْلِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَوَقَفَ اللَّاوِيُّونَ مِنْ بَنِي قَهَاتَ وَبَنِي قُورَحَ لِيُسَبِّحُوا اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، بصَوْتٍ عَالٍ جِدًّا. وَخَرَجَ جَيْشُ يَهُوشَافَاطَ إلَى بَرِّيَّةِ تَقُوعَ فِي الصَّبَاح البَاكرِ. وَعندَ خُرُوجِهمْ، وَقَفَ يَهُوشَافَاطُ وَقَالَ: «اسْمَعُونِي يَا أهْلَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ القُدْسِ. ليَكُنْ لَكُمْ إيمَانٌ ، وَلَنْ يُصِيبَكُمْ شَرٌّ. ليَكُنْ لَكُمْ إيمَانٌ بِأنْبِيَاءِ اللهِ ، وَسَتَنْجَحُونَ!» وَشَجَّعَ يَهُوشَافَاطُ الشَّعْبَ وَأصْدَرَ تَعْلِيمَاتِهِ. ثُمَّ عَيَّنَ مُرَنِّمِينَ لِيُسَبِّحُوا اللهَ فِي أزْيَائِهِمُ البَهِيَّةِ. فَسَارُوا أمَامَ الجَيْشِ وَسَبَّحُوا اللهَ بِتَرْنِيمَةِ: «سَبِّحُوا اللهَ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ.» وَلَمَّا بَدَأ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ يُرَنِّمُونَ وَيُسَبِّحُونَ اللهَ ، نَصَبَ اللهُ كَمينًا لشَعْبِ عَمُّونَ وَمُوآبَ وَجَبَلِ سَاعِيرَ الَّذِينَ هَاجَمُوا يَهُوذَا، فَهُزِمُوا. وَبَدَأ العَمُّونِيُّونَ وَالمُوآبِيُّونَ يُقَاتِلُونَ أهْلَ جَبَلِ سَاعِيرَ، فَقَضُوا عَلَيْهِمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَاحُوا يَقْتُلُ أحَدُهُمُ الآخَرَ! وَلَمَّا وَصَلَ جَيْشُ يَهُوذَا إلَى المِنْطَقَةِ المُشرِفَةِ عَلَى البَرِّيَّة، نَظَرُوا إلَى جَيْشِ العَدُوِّ الكَبِيرِ، فَلَمْ يَرَوْا إلَّا جُثَثًا مُلقَاةً عَلَى الأرْضِ، إذْ لَمْ يَنْجُ منهُمْ أحَدٌ. فَجَاءَ يَهُوشَافَاطُ وَجَيْشُهُ وَغَنِمُوا الأشْيَاءَ الثَّمِينَةَ الَّتِي كَانَتْ مَعَ أعْدَائِهِمْ. فَأخَذُوا خُيُولًا وَكُنُوزًا وَمَلَابِسَ وَأشْيَاءَ ثَمينَةً. فَأخَذَهَا يَهُوشَافَاطُ وَجَيْشُهُ لِأنْفُسِهِمْ. وَكَانَتْ هَذِه الغَنَائِمُ أثقَلَ مِنْ أنْ يَحْمِلَهَا يَهُوشَافَاطُ وَجَيْشُهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. فَأمْضَوْا ثَلَاثَةَ أيَّامٍ يَنْقُلُونَ الغَنَائِمَ. وَفي اليَوْمِ الرَّابِعِ اجْتَمَعَ يَهُوشَافَاطُ وَجَيْشُهُ فِي «وَادِي بَرَكَةَ.» – فَقَدْ بَارَكُوا اللهَ وَسَبَّحُوهُ هُنَاكَ. لهَذَا مَا زَالَ النَّاسُ يُطلِقُونَ عَلَى ذَلِكَ المَكَانِ «وَادِي بَرَكَةَ.» ثُمَّ عَادَ يَهُوشَافَاطُ بِأهْلِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَقَدْ فَرَّحَهُمُ اللهُ كَثِيرًا بِسَبَبِ هَزِيمَةِ أعْدَائِهمْ. فَجَاءُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ بِقَيَاثِيرَ وَرَبَابٍ وَأبوَاقٍ، وَتَوَجَّهُوا إلَى بَيْتِ اللهِ . فَخَافَتْ كُلُّ المَمَالكِ حَوْلَهُمُ اللهَ ، لِأنَّهُمْ سَمِعُوا أنَّ اللهَ نَفْسَهُ حَارَبَ أعْدَاءَ إسْرَائِيلَ. فَاسْتَرَاحَتْ مَملَكَةُ يَهُوشَافَاطَ لِأنَّ إلَهَ يَهُوشَافَاطَ أرَاحَهَا مِنَ الحُرُوبِ مَعَ البِلَادِ المُجَاوِرَةِ. حَكَمَ يَهُوشَافَاطُ بِلَادَ يَهُوذَا. وَكَانَ فِي الخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ عُمرِهِ لَمَّا اسْتَلَمَ الحُكْمَ. وَحَكَمَ خَمْسًا وَعِشرينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَاسْمُ أُمّهِ عَزُوبَةُ بِنْتُ شَلْحِي. وَعَاشَ يَهُوشَافَاطُ حَيَاةً مُسْتَقِيمَةً كَأبِيه آسَا. وَلَمْ يَنْحَرِف عَنْ طَرِيقِ أبِيهِ. إذْ فَعَلَ يَهُوشَافَاطُ كُلَّ مَا يُرْضِي اللهَ . لَكنَّهُ لَمْ يَهْدِمِ المُرْتَفَعَاتِ، وَلَمْ يُوَجِّهِ الشَّعْبُ قُلُوبَهُمْ لِاتِّبَاعِ الإلَهِ الَّذِي تَبِعَهُ آبَاؤهُمْ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يَهُوشَافَاطُ، مِنْ أوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي السِّجلَّاتِ الرَّسمِيَّةِ لِيَاهُو بْنِ حَنَانِي. وَهَذِهِ مَسَجَّلَةٌ فِي كِتَاب تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ، عَمِلَ يَهُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا مُعَاهَدَةً مَعَ أخَزْيَا، مَلِكِ إسْرَائِيلَ الَّذِي عَمِلَ شُرُورًا. فَاشتَرَكَ مَعَهُ فِي إرسَالِ سُفُنٍ إلَى مَدِينَةِ تَرْشِيشَ. وَصَنَعَا سُفُنًا فِي عِصْيُونِ جَابِرَ. فَنَقَلَ ألِيعَزَرُ بْنُ دُودَاوَا المَرِيشِيُّ رِسَالَةً مِنَ اللهِ إلَى يَهُوشَافَاطَ قَالَ فِيهَا: «لِأنَّكَ انضَمَمْتَ إلَى أخَزْيَا، سَيُحَطِّمُ اللهُ أعْمَالَكَ.» فَتَحَطَّمَتْ سُفُنُ يَهُوشَافَاطَ وَأخَزْيَا، فَلَمْ يَقدرَا أنْ يُرسِلَاهَا إلَى تَرْشِيشَ. وَمَاتَ يَهُوشَافَاطُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْم يَهُورَامُ ابْنُهُ. وَإخوَةُ يَهُورَامَ هُمْ عَزَرْيَا وَيَحِيئيلُ وَزَكَرِيَّا وَعَزَرْيَاهُو وَمِيخَائِيلُ وَشَفَطْيَا. كَانَ كُلُّ هَؤُلَاءِ أبْنَاءَ يَهُوشَافَاطَ، مَلِكِ يَهُوذَا. وَكَانَ يَهُوَشَافَاطُ قَدْ أهدَى أبْنَاءَهُ هَدَايَا مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَأشْيَاءَ ثَمِينَةٍ. وَأعْطَاهُمْ أيْضًا مُدُنًا مُحَصَّنَةً فِي يَهُوذَا. لَكِنَّ يَهُوشَافَاطَ اخْتَارَ يَهُورَامَ مَلِكًا لِأنَّهُ كَانَ بِكرَهُ. وَتَوَلَّى يَهُورَامُ مَملَكَةَ أبيهِ. وَلَمَّا شَدَّدَ قَبْضَتَهُ عَلَى المَمْلَكَةِ قَتَلَ بِالسَّيْفِ كُلَّ إخْوَتهِ. وَقَتَلَ أيْضًا بَعْضَ قَادَةِ إسْرَائِيلَ. وَكَانَ يَهُورَامُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ عُمرِه عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ. وَعَاشَ يَهُورَامُ مِثْلَ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ، وَسَارَ عَلَى نَهْجِ عَائِلَةِ أخآبَ، إذْ تَزَوَّجَ مِنَ بِنتِ أخآبَ. وَفَعَلَ يَهُورَامُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . لَكنَّ اللهَ لَمْ يَشأْ أنْ يَقْضِيَ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ بِسَبَبِ عَهْدِ اللهِ مَعَ دَاوُدَ. إذْ وَعَدَ اللهُ بأِنْ يُبقِيَ مِصبَاحًا مُنِيرًا لِدَاوُدَ وَأبنَائِهِ إلَى الأبَد. وَفِي زَمَنِ يَهُورَامَ، تَمَرَّدَتْ أدُومُ وَانفَصَلَتْ عَنْ حُكْمِ يَهُوذَا. وَنَصَّبُوا لِأنْفُسِهِمْ مَلِكًا مِنْ بَينِهِمْ. فَذَهَبَ يَهُورَامُ مَعَ كُلِّ قَادَتهِ وَعَرَبَاتِهِ إلَى أدُومَ. فَحَاصَرَ الجَيْشُ الأدُومِيُّ يَهُورَامَ وَقَادَةَ مَرْكَبَاتهِ. لَكنَّهُ قَاتَلَهُمْ لَيْلًا، وَكَسَرَ الحِصَارَ المَفرُوضَ عَلَيْهِ. وَمُنذُ ذَلِكَ الوَقْتِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، مَا يَزَالُ أدُومُ مُتَمَرِّدًا عَلَى يَهُوذَا. فَشَجَّعَ هَذَا أهْلَ مَدِينَةِ لِبْنَةَ عَلَى التَّمَرُّدِ عَلَى يَهُورَامَ، لِأنَّهُ تَرَكَ اللهَ ، إلَهَ آبَائِهِ. وَبَنَى يَهُورَامُ أيْضًا مُرتَفَعَاتٍ عَلَى تِلَالِ يَهُوذَا. فَجَعَلَ سُكَّانَ القُدْسِ يَخُونُونَ اللهَ، وَأضّلَّ أهْلَ يَهُوذَا. وَأرْسَلَ النَّبيُّ إيليَّا رسَالَةً خَطِّيَّةً إلَى يَهُورَامَ قَالَ فِيهَا: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ دَاوُدَ جَدِّكَ. أنْتَ لَمْ تَسْلُكْ كَمَا سَلَكَ أبُوكَ يَهُوشَافَاطُ، وَلَا كَمَا سَلَكَ آسَا مَلكُ يَهُوذَا. أنْتَ سَلَكْتَ عَلَى غِرَارِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ. دَفَعْتَ أهْلَ يَهُوذَا وَالقُدْسِ إلَى الخِيَانَةِ كَمَا فَعَلَتْ عَائِلَةُ أخآبَ بِإسرَائِيلَ. وَأنْتَ أيْضًا قَتَلْتَ إخْوَتَكَ، أهْلَ بَيْتِ أبيكَ، الَّذِينَ كَانُوا خَيْرًا مِنْكَ. وَلهَذَا فَإنَّ اللهَ سَيُعَاقِبُ شَعْبَكَ عِقَابًا قَاسِيًا. وَسَيُعَاقِبُ أبْنَاءَكَ وَزَوْجَاتِكَ وَكُلَّ مَا يَخُصُّكَ. وَسَيُصِيبُ أمعَاءَكَ بِمَرَضٍ فَظيعٍ. وَسَيَزدَادُ مَرَضُكَ سُوءًا كُلَّ يَوْمٍ إلَى أنْ تَخْرُجَ أمعَاؤُكَ.» وَهَيَّجَ اللهُ الفِلِسْطِيِّينَ وَالعَرَبَ السَّاكِنِينَ إلَى جِوَارِ الشَّعْبِ الكُوشِيِّ عَلَى يَهُورَامَ. فَهَاجَمَ هَؤُلَاءِ أرْضَ يَهُوذَا، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى ثَرْوَة بَيْتِ المَلكِ، وَأخَذُوا زَوْجَاتِ يَهُورَامَ وأبْنَائِهِ، وَلَمْ يَتْرُكُوا إلَّا ابْنَ يَهُورَامَ الأصغَرَ، يَهُوآحَازَ. بَعْدَ ذَلِكَ، أصَابَ اللهُ يَهُورَامَ بمَرَضٍ فِي أمْعَائهِ لَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَاجٌ. وَبَعْدَ سَنَتَين خَرَجَتْ أمْعَاءُ يَهُورَامَ بِسَبَبِ مَرَضِهِ. وَمَاتَ فِي ألَمٍ شَدِيدٍ. وَلَمْ يَعْمَلِ الشَّعْبُ نَارًا كَبِيرَةً إكرَامًا لَهُ كَمَا فَعَلُوا مَعَ أبِيهِ. فَكَانَ يَهُورَامُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ فِي القُدْسِ. وَلَمْ يَحْزَنْ أحَدٌ عَلَى وَفَاتِهِ. وَدَفَنَهُ الشَّعْبُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، لَكِنْ لَيْسَ فِي قُبُورِ المُلُوكِ. وَنَصَّبَ أهْلُ القُدْسِ أخَزْيَا بْنَ يَهُورَامَ مَلِكًا بَدَلًا مِنْ أبِيهِ. كَانَ أخَزْيَا أصغَرَ أبْنَاءِ يَهُورَامَ. وَلَمْ يَبْقَ غَيرُهُ لِأنَّ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ العَرَبِ لِلهُجُومِ عَلَى مُخَيَّمِ يَهُورَامَ قَتَلُوا بَقِيَّةَ أبنَائِهِ. وَهَكَذَا صَارَ أخَزْيَا مَلِكًا. وَكَانَ عُمْرُهُ اثنَيْنِ وَعِشرِينَ سَنَةً عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ فِي القُدْسِ سَنَةً وَاحِدَةً. وَأُمُّهُ هِيَ عَثَلْيَا بِنْتُ عُمْرِي. وَعَمِلَ أخَزْيَا مَا لَا يُرْضِي اللهَ، فسَلَكَ عَلَى غِرَارِ عَائِلَةِ أخآبَ، إذْ شَجَّعَتْهُ أُمُّهُ عَلَى فِعلِ الشُّرُورِ. فَفَعَلَ أخَزْيَا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ ، كَمَا فَعَلَتْ عَائِلَةُ أخآبَ. فَقَدْ صَارَ أفرَادُ عَائِلَةِ أخآبَ مُسْتَشَارِينَ لِأخَزْيَا بَعْدَ مَوْتِ أبِيهِ. فَأسَاءُوا النُّصحَ لَهُ، فَأدَّى ذَلِكَ إلَى مَوْتِهِ. وَاستَمَعَ أخَزيَا إلَى نَصِيحَةِ عَائِلَةِ أخآبَ، فَذَهَبَ مَعَ المَلِكِ يَهُورَامَ بْنِ مَلِكِ إسْرَائِيلَ أخآبَ، لمُحَارَبَةِ حَزَائِيلَ مَلِكِ أرَامَ فِي مَدِينَةِ رَامُوثَ الَّتِي فِي جَلْعَادَ. فَجَرَحَ الأرَامِيُّونَ يُورَامَ فِي المَعْرَكَةِ. فَرَجِعَ يُورَامُ إلَى مَدِينَةِ يَزْرَعِيلَ ليَتَعَافَى. وَكَانَ قَدْ أُصِيبَ فِي رَامُوثَ أثْنَاءَ قَتَالِهِ حَزَائيلَ، مَلِكَ أرَامَ. فَذَهَبَ أخَزْيَا بْنُ يَهُورَامَ إلَى مَدِينَةِ يَزْرَعيلَ لِيَطْمَئِنَّ عَلَى يَهُورَامَ بْنِ أخآبَ، لِأنَّهُ كَانَ مُصَابًا. وَجَعَلَ اللهُ مَوْتَ أخَزْيَا فِي وَقْتِ زيَارَتِه لِيَهُورَامَ. فَوَصَلَ أخَزْيَا وَخَرَجَ مَعَ يَهُورَامَ لِيُقَابِلَ يَاهُو بْنَ نِمْشِي الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ لِلقَضَاءِ عَلَى عَائِلَةِ أخآبَ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَاهُو يَقْتُلُ عَائِلَةَ أخآبَ، رَأى قَادَةَ يَهُوذَا وَأقْرِبَاءَ أخَزْيَا الَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَ أخَزْيَا، فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا. ثُمَّ بَحَثَ عَنْ أخَزْيَا، وَألقَى رِجَالُ يَاهُو القَبْضَ عَلَى أخَزْيَا وَهُوَ يَخْتَبِئُ فِي مَدِينَةِ السَّامِرَةِ. فَأحْضَرُوهُ إلَى يَاهُو، ثُمَّ قَتَلُوهُ وَدَفَنُوهُ إذْ قَالُوا: «أخَزْيَا مِنْ نَسْلِ يَهُوشَافَاطَ الَّذِي تَبِعَ اللهَ بِكُلِّ قَلْبِهِ.» وَلَمْ تَكُنْ لِعَائِلَةِ أخَزْيَا قُدْرَةٌ عَلَى ضَبْطِ شُؤُونِ مَمْلَكَةِ يَهُوذَا. وَلَمَّا رَأتْ عَثَلْيَا أُمُّ أخَزْيَا أنَّ ابْنَهَا قَدْ مَاتَ، قَتَلَتْ جَمِيعَ أحفَادِهَا أبْنَاءِ المَلكِ فِي يَهُوذَا. أمَّا يَهُوشَبْعَةُ بِنْتُ المَلِكِ، فَقَدْ خَطَفَتْ يُوآشَ بْنَ أخَزْيَا مِنْ بَيْنِ إخْوَتِهِ قَبْلَ أنْ يُقْتَلُوا، وَخَبَّأتْهُ هُوَ وَمُرْضِعَتُهُ فِي غُرفَةِ نَومِهَا. كَانَتْ يَهُوشَبْعَةُ بِنْتَ المَلِكِ يَهُورَامَ، وَزَوْجَةَ الكَاهِنِ يَهُويَادَاعَ، وَأُخْتَ أخَزْيَا. لِذَلِكَ خَبَّأتْ يَوَآشَ مِنْ عَثَلْيَا فَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ قَتلِهِ. فَبَقِيَ يُوآشُ مُخبَّأً فِي بَيْتِ اللهِ مَعَ يَهُوشَبْعَةَ وَمُرْضِعَتِهِ سِتَّ سَنَوَاتٍ. بَيْنَمَا مَلَكَتْ عَثَلْيَا عَلَى يَهُوذَا. وَبَعْدَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ السِّتِّ، قَوِيَ نُفُوذُ يَهُويَادَاعَ. وَتَعَاهَدَ مَعَ قَادَة الجَيْشِ: عَزَرْيَا بْنِ يَرُوحَامَ، وَإسْمَاعِيلَ بْنِ يَهُوحَانَانَ، وَعَزَرْيَا بْنِ عُوبِيدَ، وَمَعَسْيَا بْنِ عَدَايَا، وَألِيشَافَاطَ بْنِ زِكْرِي. وَجَالُوا فِي يَهُوذَا وَجَمَعُوا اللَّاوِيِّينَ مِنْ كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا. وَجَمَعُوا أيْضًا كُلَّ رُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ إسْرَائِيلَ، وَذَهَبُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَقَطَعَ كُلُّ المُجتَمعينَ هُنَاكَ عَهْدًا مَعَ المَلِكِ فِي بَيْتِ اللهِ. وَقَالَ يَهُويَادَاعُ لَهُمْ: «لَا بُدَّ أنْ يَحْكُمَ ابْنُ المَلِكِ بَلَدَنَا. فَهَذَا هُوَ مَا وَعَدَ بِهِ اللهُ مِنْ جِهَةِ نَسْلِ دَاوُدَ. وَالْآنَ هَذَا مَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَلُوهُ: ليَحْرُسْ ثُلُثُكُمُ الأبْوَابَ أنْتُمُ الكَهَنَةَ وَاللَّاوِيِّينَ المُنَاوِبِينَ فِي أيَّامِ السَّبْتِ. وَلْيَكُنْ ثُلُثُكُمُ الثَّانِي عِنْدَ بَيْتِ المَلكِ، وَثُلُثُكُمُ الأخِيرُ عِنْدَ بَوَّابَةِ الأسَاسِ. أمَّا الآخَرُونَ، فَليَبْقَوْا فِي سَاحَاتِ بَيْتِ اللهِ . لَا تَدَعُوا أحَدًا يَدْخُلُ بَيْتَ اللهِ غَيْرَ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ. فَهَؤُلَاءِ مُقَدَّسُونَ. أمَّا الآخَرُونَ، فَيَنْبَغِي أنْ يَحْرِصُوا عَلَى القِيَامِ بِالوَاجِبِ الَّذِي أوْكَلَهُ اللهُ إليهِمْ. وَعَلَى اللَّاويِّينَ أنْ يُحِيطُوا بِالمَلِكِ مِنْ كُلِّ جَانبٍ لِحِرَاسَتِهِ، وَسَيفُ كُلِّ وَاحِدٍ بيَدْهِ. وَاقتُلُوا كُلَّ مَنْ يُحَاوِلُ دُخُولَ الهَيْكَلِ. وَلَازِمُوا المَلِكَ حَيْثُمَا ذَهَبَ وَأتَى.» فَأطَاعَ اللَّاوِيُّونَ وَكُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا كُلَّ مَا أمَرَ بِهِ الكَاهِنُ يَهُويَادَاعُ. وَلَمْ يَعْفِ الكَاهِنُ يَهُويَادَاعُ أيَّ كَاهِنٍ مِنْ أيِّ فَرِيقٍ مِنَ الكَهَنَةِ. فَدَخَلَ كُلُّ قَائدٍ وَكُلُّ رِجَالِهِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ مَعَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ فِي السَّبْتِ. وَوَزَّعَ يَهُويَادَاعُ الكَاهنُ الرّمَاحَ وَالتُّرُوسَ الكَبِيرَةَ وَالتُّرُوسَ الصَّغِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ لِلمَلِكِ دَاوُدَ إلَى الضُّبَّاطِ. وَكَانَتْ هَذِهِ الأسلِحَةُ مَحفُوظَةً فِي بِيتِ اللهِ. ثُمَّ وَجَّهَ يَهُويَادَاعُ الرِّجَالَ أيْنَ يَنْبَغِي أنْ يَقِفُوا. فَوَقَفَ الرِّجَالُ، وَسِلَاحُ كُلِّ وَاحِدٍ بِيَدِهِ، مِنَ الجَانبِ الأيمَنِ إلَى الجَانِبِ الأيسَرِ مِنَ بِيتِ اللهِ. فَكَانُوا قُرْبَ المَذْبَحِ، وَقُرْبَ بِيتِ اللهِ وَقُرْبَ المَلِكِ. وَأخْرَجُوا ابْنَ المَلِكِ وَوَضَعُوا التَّاجَ عَلَى رَأسِهِ، وَأعْطَوْهُ نُسخَةً مَنْ كِتَابِ الشَّرِيعَةِ. ثُمَّ نَصَّبُوهُ مَلِكًا. وَمَسَحَ يَهُويَادَاعُ وَأبنَاؤُهُ يُوآشَ. وَهَتَفُوا: «يَعِيشُ المَلكُ!» وَسَمِعَتْ عَثَلْيَا صَوْتَ الشَّعْبِ وَهُمْ يَرْكُضُونَ إلَى الهَيْكَلِ وَيُحَيُّونَ المَلِكَ. فَدَخَلَتْ إلَى بَيْتِ اللهِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الشَّعْبُ. فَرَأتِ المَلِكَ وَاقِفًا عِنْدَ العَمُودِ قُرْبَ المَدْخَلِ. وَرَأتْ أيْضًا القَادَةَ وَضَارِبِي الأبوَاقِ يَنْفُخُونَ الأبوَاقَ ابتِهَاجًا بِالمَلِكِ، وَجَمِيعَ الشَّعْبِ يَبْتَهِجُونَ وَيَنْفُخُونَ الأبوَاقَ، وَالمُرَنِّمُونَ يَقُودونَ الِاحْتِفَالَ بِآلَاتِهِم، فَشَقَّتْ ثِيَابَهَا وَصَرَخَتْ: «هَذِهِ خِيَانَةٌ! هَذِهِ خِيَانَةٌ!» وَأمَرَ الكَاهِنُ القَادَةَ المَسْؤُولِينَ عَنِ الجُنُودِ فَقَالَ: «أخرِجُوا عَثَلْيَا خَارِجَ سَاحَةِ الهَيْكَلِ. وَإذَا حَاوَلَ أحَدٌ أنْ يُدَافِعَ عَنْهَا، فَاقْتُلُوهُ. لَكِنْ لَا تَقْتُلُوهَا فِي بَيْتِ اللهِ .» فَأمسَكَ الجُنُودُ بِعَثَلْيَا. وَاقتَادُوهَا عَبْرَ طَرِيقِ الخَيلِ إلَى مَدْخَلِ القَصْرِ. وَقَتَلُوهَا هُنَاكَ. ثُمَّ قَطَعَ يَهُويَادَاعُ عَهْدًا مَعَ كُلِّ الشَّعْبِ وَمَعَ المَلِكِ. وَتَعَاهَدُوا جَمِيعًا عَلَى أنْ يَكُونُوا شَعْبَ اللهِ . وَذَهَبَ كُلُّ الشَّعْبِ إلَى مَعبَدِ البَعْلِ. وَدَمَّرُوا تِمثَالَهُ وَمَذَابِحَهُ، وَكَسَّرُوهَا تَكْسِيرًا. وَقَتَلُوا أيْضًا مَتَّانَ، كَاهِنَ البَعْلِ، أمَامَ مَذَابِحِ البَعْلِ. ثُمَّ عَيَّنَ يَهُويَادَاعُ الكَهَنَةَ اللَّاوِيِّينَ المَسؤُولينَ عَنْ بَيْتِ اللهِ . وَكَانَ دَاوُدُ هُوَ الَّذِي أعطَاهُمْ مَسؤُولِيَّةَ الإشرَافِ عَلَى بَيْتِ اللهِ . وَكَانَ عَلَيْهِمْ أنْ يُقَدِّمُوا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً للهِ وَفْقَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أمَرَ بِهَا مُوسَى. فَقَدَّمُوا الذَّبَائِحَ بِفَرَحٍ غَامِرٍ وَتَرْنِيمٍ كَمَا أمَرَ دَاوُدُ. وَوَضَعَ يَهُويَادَاعُ حُرَّاسًا عَلَى بَوَّابَاتِ بَيْتِ اللهِ لِئَلَّا يَدْخُلَ الهَيْكَلَ أيُّ شَخْصٍ غَيْرِ طَاهِرٍ. وَأخَذَ يَهُويَادَاعُ ضُبَّاطَ الجَيْشِ وَالقَادَةَ وَرُؤَسَاءَ الشَّعْبِ، وَكُلَّ شَعْبِ الأرْضِ مَعَهُ. ثُمَّ أخْرَجَ المَلِكَ مِنْ بَيْتِ اللهِ . وَعَبَرُوا البَوَّابَةَ العُلْويَّةَ إلَى بَيتِ المَلِكِ. وَهُنَاكَ أجلَسُوا المَلِكَ عَلَى العَرْشِ. فَفَرِحَ جِدًّا كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا. وَاستَرَاحَتْ مَدِينَةُ القُدْسِ بَعْدَ أنْ قُتِلَتْ عَثَلْيَا بِالسَّيْفِ. كَانَ يُوآشُ فِي السَّابِعَةِ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ، وَحَكَمَ أرْبَعِينَ سَنَةً فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ ظَبْيَةُ، وَهِيَ مِنْ بِئْرِ السَّبعِ. وَعَمِلَ يُوآشُ مَا يُرضِي اللهَ طَوَالَ حَيَاةِ الكَاهِنِ يَهُويَادَاعَ. وَاخْتَارَ يَهُويَادَاعُ زَوْجَتَيْنِ ليُوآشَ. فَأنْجَبَ يُوآشُ أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. وَبَعْدَ مُدَّةٍ قَرَّرَ يُوآشُ أنْ يُرَمِّمَ بَيْتَ اللهِ . فَدَعَى الكَهَنَةَ وَاللَّاوِيِّينَ مَعًا. وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إلَى مُدُنِ يَهُوذَا وَاجمَعُوا المَالَ الَّذِي يَدْفَعُهُ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلَّ سَنَةٍ. أنفِقُوا ذَلِكَ المَالَ فِي تَرْمِيمِ بَيْتِ إلَهِكُمْ، وَعَجِّلُوا بِذَلِكَ.» فَاسْتَدْعَى المَلكُ يُوآشُ رَئيسَ الكَهَنَةِ يَهُويَادَاعَ، وَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا لَمْ تَطْلُبْ مِنَ اللَّاوِيِّينَ أنْ يُحضِرُوا مَبلَغَ الضَّرِيبَةِ مِنْ يَهُوذَا وَالقُدْسِ؟ فَقَدْ سَبَقَ أنْ استَخْدَمَ مُوسَى خَادِمُ اللهِ وَبَنُو إسْرَائِيلَ مَبلَغَ الضَّرِيبَةِ لِبِنَاءِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ.» وَكَانَ أبْنَاءُ عَثَلْيَا الشِّرِّيرَةِ قَدْ سَطَوْا عَلَى بِيتِ اللهِ. وَأخَذُوا الآنِيَةَ المُقَدَّسَةَ المُسْتَخْدَمَةَ فِي عِبَادَةِ اللهِ وَاستَخْدَمُوهَا لِعبَادَةِ آلِهَةِ البَعْلِ. وَأصدَرَ المَلِكُ يُوآشُ أمْرًا بِصُنْعِ صُنْدُوقٍ وَوَضْعِهِ خَارِجَ البَوَّابَةِ عِنْدَ بَيْتِ اللهِ . ثُمَّ أذَاعَ اللَّاوِيُّونَ إعلَانًا فِي يَهُوذَا وَالقُدْسِ. فَنَادُوا أنَّ عَلَى الشَّعْبِ أنْ يُحضِرُوا مَبلَغَ الضَّرِيبَةِ للهِ . وَهُوَ مَبلَغُ الضَّرِيبَةِ الَّتِي فَرَضَهَا مُوسَى عَبدُ اللهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي البَرِّيَّةِ. فَفَرِحَ كُلُّ القَادَةِ وَالشَّعْبِ، وَصَارُوا يَضَعُونَ مِنْ مَالِهِم فِي الصُّنْدُوقِ حَتَّى يَمْتَلِئَ. وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ يَأْخُذُونَ الصُّنْدُوقَ إلَى الوُكَلَاءِ الَّذِينَ انتَدَبَهُمُ المَلِكُ. وَعندَمَا يَرَوْنَ أنَّ الصُّنْدُوقَ مُمتَلئٌ مَالًا، كَانَ كَاتِبُ المَلِكِ وَالوَكِيلُ المُنتَدَبُ مِنْ رَئِيسِ الكَهَنَةِ يَأْتِيَانِ وَيَأْخُذَانِ المَالَ مِنَ الصُّنْدُوقِ، ثُمَّ يُعِيدَانِهِ إلَى مَكَانِهِ. وَكَرَّرُوا هَذَا الأمْرَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، فَجَمَعُوا مَالًا كَثِيرًا. ثُمَّ كَانَ المَلِكُ يُوآشُ وَيَهُويَادَاعُ يَدْفَعُونَ أُجُورَ العُمَّالِ الَّذِينَ كَانُوا يَشْتَغِلُونَ فِي بَيْتِ اللهِ . فَقَدِ اسْتَأْجَرَ العَامِلُونَ عَلَى بَيْتِ اللهِ نَحَّاتِي خَشَبٍ وَنَجَّارِينَ لِكَي يُعِيدُوا بِنَاءَ بَيْتِ اللهِ . وَاستَأْجَرُوا أيْضًا عُمَّالًا مَاهِرينَ فِي استِخدَامِ الحَدِيدِ وَالبُرُونْزِ فِي الهَيْكَلِ. وَقَامَ العَامِلونَ بِعَمَلِهِمْ عَلَى أفْضَلِ وَجْهٍ. فَكَانَ التَرْمِيمُ يَتَقَدَّمُ شَيْئًا فَشَيئًا. فَقَدْ بَنَوْا بِيتَ اللهِ حَسَبَ تَصْمِيمِهِ السَّابِقِ، وَقَوُّوهُ. وَلَمَّا أكمَلَ العُمَّالُ عَمَلَهُمْ، جَلَبُوا المَالَ المُتَبَقِّيَ إلَى المَلِكِ وَيَهُويَادَاعَ. فَاسْتُخْدِمَ ذَلِكَ المَالُ فِي عَمَلِ أغرَاضٍ وَأدَوَاتٍ لِبَيْتِ اللهِ . فَاسْتُخْدِمَتْ تلكَ الأغرَاضُ وَالأدَوَاتُ فِي الخِدْمَةِ فِي الهَيْكَلِ وَفِي تَقْدِيم الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ. وَصَنَعُوا طَاسَاتٍ وَأدَوَاتٍ أُخْرَى مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ. وَكَانَ الكَهَنَةُ يُقَدِّمُونَ الذَّبَائِحَ فِي بَيْتِ اللهِ طَوَالَ حَيَاةِ يَهُويَادَاعَ. وَشَاخَ يَهُويَادَاعُ. وَمَاتَ بَعْدَ أنْ شَبِعَ مِنَ الأيَّامِ، إذْ بَلَغَ المِئَةِ وَالثَّلَاثِينَ سَنَةً مِنَ العُمرِ. وَدَفَنَ الشَّعْبُ يَهُويَادَاعَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مَعَ المُلُوكِ. وَقَدْ دَفَنُوهُ هُنَاكَ إكرَامًا لَهُ، لِأنَّهُ فَعَلَ الكَثِيرَ فِي حَيَاتهِ لِخَيرِ إسْرَائِيلَ وَلِخَيرِ اللهِ وَبَيْتِهِ. وَبَعْدَ مَوْتِ يَهُويَادَاعَ، جَاءَ قَادَةُ يَهُوذَا وَانْحَنَوْا احتِرَامًا لِلمَلِكِ يُوآشَ. فَاسْتَمَعَ المَلِكُ إلَى نَصِيحَةِ هَؤُلَاءِ القَادَةِ. فَتَرَكُوا بَيْتَ اللهِ ، إلَهِ آبَائِهِمْ. وَرَاحُوا يَعْبُدُونَ أعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ وَأصْنَامًا أُخْرَى. فَغَضِبَ اللهُ عَلَى أهْلِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ بِسَبَبِ الذَّنْبِ العَظِيمِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ المَلِكُ وَالقَادَةُ. وَأرْسَلَ أنْبِيَاءً إلَى الشَّعْبِ لِكَي يُعِيدَهُمْ إلَى اللهِ . وَقَدْ شَهِدَ الأنْبِيَاءُ ضِدَّ أُولَئِكَ القَادَةِ، فَلَمْ يُصغِ الشَّعْبُ للأنْبِيَاءِ. فَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى زَكَرِيَّا بْنِ يَهُويَادَاعَ الكَاهِنِ. فَوَقَفَ أمَامَ الشَّعْبِ وَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ: ‹لِمَاذَا تَتَجَاهَلُونَ وَصَايَا اللهِ فَتَفْشَلُونَ؟ تَرَكْتُمْ اللهَ فَتَرَكَكُمْ!›» لَكِنَّ الشَّعْبَ تآمَرَ عَلَى زَكَرِيَّا. وَبَأمْرٍ مِنَ المَلِكِ، رَجَمَ الشَّعْبُ زَكَرِيَّا بِالحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ . وَلَمْ يَتَذَكَّرِ المَلِكُ يُوآشُ فَضلَ يَهُويَادَاعَ أبِي زَكَرِيَّا عَلَيْهِ. فَقَتَلَ زَكَرِيَّا بْنَ يَهُويَادَاعَ. فَقَالَ زَكَرِيَّا وَهُوَ يَلْفُظُ أنفَاسَهُ الأخِيرَةَ ليُوآشَ: «تَيَقَّنْ مِنْ أنَّ اللهَ يَرَى مَا تَفْعَلُهُ وَأنَّهُ سَيُعَاقِبُكَ!» وَفِي نهَايَةِ السَّنَةِ هَجَمَ الجَيْشُ الأرَامِيُّ عَلَى يُوآشَ. فَهَاجَمُوا يَهُوذَا وَالقُدْسَ وَقَتَلُوا قَادَةَ الشَّعْبِ. وَنَهَبُوا كُلَّ كُنُوزِ المَلِكِ وَأخَذُوهَا إلَى مَلِكِ دِمَشقَ. لَمْ يَكُنِ الجَيْشُ الأرَامِيُّ المُهَاجمُ كَبِيرًا، لَكِنَّ اللهَ نَصَرَهُ عَلَى جَيْشِ يَهُوذَا الكَبِيرِ. لِأنَّ شَعْبَ يَهُوذَا تَرَكُوا اللهَ ، إلَهَ آبَائِهِمْ، فَعُوقِبَ يُوآشُ. تَرَكَ الجَيْشُ الأرَامِيُّ يُوآشَ مُصَابًا إصَابَةً بَلِيغَةً. فَتَآمَرَ عَلَى يُوآشَ خُدَّامُهُ أنْفُسُهُمْ لِأنَّهُ قَتَلَ زَكَرِيَّا بْنَ يَهُويَادَاعَ الكَاهنِ. جَاءُوا إلَيْهِ فِي فِرَاشِهِ وَقَتَلُوهُ. وَبَعْدَ أنْ مَاتَ يُوآشُ، دَفَنَهُ الشَّعْبُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَدْفِنُوهُ فِي القُبُورِ المَلَكِيَّةِ. وَهَذَانِ هُمَا الخَادِمَانِ اللَّذَانِ تَآمَرَا عَلَيْهِ: زَابَادُ بْنُ شِمْعَةَ العَمُّونِيَّةِ، وَيَهُوزَابَادُ بْنُ شِمْرِيتَ المُوآبِيَّةِ. أمَّا قِصَصُ أبنَائِه وَالنُبُوَّاتُ العَظِيمَةُ ضِدَّهُ، وَبِنَاؤُهُ لِبِيتِ اللهِ، فَمَكْتُوبَةٌ فِي كتَابِ تَفسِيرِ المُلُوكِ. وَخَلَفَهُ ابْنُهُ أمَصْيَا عَلَى العَرْشِ. وَكَانَ أمَصْيَا فِي الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ، عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يَهُوعَدَّانُ، وَهِيَ مِنَ القُدْسِ. وَعَمِلَ أعْمَالًا صَالِحَةً وَفْقَ شَرِيعَةِ اللهِ ، لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ قَلْبٍ صَادِقٍ. وَلَمَّا أحْكَمَ أمَصْيَا قَبْضَتَهُ عَلَى المَمْلَكَةِ، قَتَلَ القَادَةَ الَّذِينَ قَتَلُوا أبَاهُ. غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ أبْنَاءَ القَتَلَةِ هَؤُلَاءِ بِسَبَبِ مَا تَنُصُّ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ اللهِ . فَقَدْ أمَرَ اللهُ وَقَالَ: «لَا يَجُوزُ أنْ يُقْتَلَ الآبَاءُ بِسَبَبِ أمْرٍ فَعَلَهُ الأبْنَاءُ. وَلَا يَجُوزُ أنْ يُقتَلَ الأبْنَاءُ بِسَبَبِ أمْرٍ فَعَلَهُ الآبَاءُ.» وَجَمَعَ أمَصْيَا شَعْبَ يَهُوذَا مَعًا حَسَبَ عَائِلَاتهِمْ، وَوَضَعَ قَادَةً وَرُؤَسَاءَ مَسؤُولِينَ عَنْهُمْ. فَكَانَ هَؤُلَاءِ القَادَةُ مَسؤُولِينَ عَنْ كُلِّ الجُنُودِ فِي يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ. فَكَانَ كُلُّ الرِّجَالِ الَّذِينَ اختِيرُوا جُنُودًا فِي العِشرِينَ مِنَ العُمْرِ فَمَا فَوقُ. فَكَانَ مَجْمُوعُهُمْ ثَلَاثَ مِئَةِ ألْفِ جُندِيٍّ مُدّرَّبٍ عَلَى القِتَالِ وَمَاهِرٍ فِي اسْتِخْدَامِ الرِّمَاحِ وَالتُّرُوسِ. وَاستَأْجَرَ أمَصْيَا مِئَةَ ألْفِ جُنديٍّ جَبَّارٍ مِنْ إسْرَائِيلَ، بِمِئَةِ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ. وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ رِجَالِ اللهِ إلَى أمَصْيَا وَقَالَ لَهُ: «أيُّهَا المَلِكُ، لَا تَدَعْ جَيْشَ إسْرَائِيلَ يَذْهَبُ مَعَكَ. فَلَيْسَ اللهُ مَعَ إسْرَائِيلَ أوْ مَعَ شَعْبِ أفْرَايِمَ. رُبَّمَا تَسْعَى إلَى أنْ تَكُونَ قَوِيًّا وَمُتَأهِّبًا لِلحَرْبِ، لَكِنَّ نَصْرَكَ أوْ هَزِيمَتَكَ مِنَ اللهِ وَحْدَهُ.» فَقَالَ أمَصْيَا لِرَجُلِ اللهِ: «لَكِنْ مَاذَا عَنْ مِئَةِ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ دَفَعْتُهَا لجَيْشِ إسْرَائِيلَ؟» فَأجَابَهُ رَجُلُ اللهِ: « اللهُ غَنِيٌّ جِدًّا. وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُعَوِّضَكَ عَنْهُ وَأكثَرَ!» فَأعَادَ أمَصْيَا جَيْشَ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى بَلَدِهِمْ فِي أفْرَايِمَ. فَعَادُوا إلَى بَلَدِهمْ وَهُمْ يَشْتَعِلُونَ غَضَبًا مِنَ المَلِكِ وَمِنْ شَعْبِ يَهُوذَا. ثُمَّ اسْتَجْمَعَ أمَصْيَا شَجَاعَتَهُ وَقَادَ جَيْشَهُ إلَى وَادِي المِلحِ فِي أدُومَ. وَفِي ذَلِكَ المَكَانِ قَتَلَ جَيْشُ أمَصْيَا عَشْرَةَ آلَاف جُندِيٍّ مِنْ سَاعِيرَ. وَأسَرُوا أيْضًا عَشْرَةَ آلَافِ رَجُلٍ مِنْهُمْ. وَأخَذُوهُمْ إلَى قِمَّةِ تَلَّةٍ، وَألقَوْا بِهِمْ أحْيَاءً مِنْ فَوقِهَا، فَتَحَطَّمْتْ أجْسَادُهُمْ عَلَى الصُّخُورِ. أمَّا جَيْشُ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِي أرْجَعَهُ أمَصْيَا وَمَنَعَهُ مِنَ المُشَارَكَةِ فِي المَعْرَكَةِ، فَكَانَ يُهَاجِمُ مُدُنَ يَهُوذَا مِنْ بَيت حُورُونَ إلَى السَّامِرَةِ فِي طَريقِ عَودَتِهِ. فَقَتَلَ ثَلَاثَةَ آلَافِ شَخْصٍ، وَسَلَبَ أشْيَاءَ ثَمِينَةً جِدًّا. وَرَجِعَ أمَصْيَا إلَى وَطَنهِ بَعْدَ أنْ هَزَمَ الجَيْشَ الأدُومِيَّ. وَجَلَبَ مَعَهُ الأصْنَامَ الَّتِي كَانَ يَعْبُدُهَا شَعْبُ سَاعِيرَ. وَصَارَ يَعْبُدُهَا وَيَسْجُدُ أمَامَهَا، وَأحرَقَ لَهَا بَخُورًا. فَاشتَعَلَ غَضَبُ اللهِ عَلَى أمَصْيَا، وَأرْسَلَ لَهُ نَبيًّا يَقُولُ لَهُ: «لمَاذَا عَبَدتَ آلهَةَ ذَلِكَ الشَّعْبِ، تِلْكَ الآلِهَةَ الَّتِي عَجِزتَ عَنْ أنْ تُخَلِّصَ شَعْبَهَا مِنْكَ؟» فَلَمَّا تَكَلَّمَ النَّبِيُّ، قَالَ لَهُ المَلكُ: «مَنْ عَيَّنَكَ مُسْتَشَارًا لِلمَلِكِ! اخرَسْ وَإلَّا فَإنَّكَ سَتُقتَلُ!» فَسَكَتَ النَّبِيُّ، لَكِنَّهُ عَادَ فَقَالَ: «قَدْ قَضَى اللهُ بِمَوْتِكَ، لِأنَّكَ فَعَلْتَ تِلْكَ الشُّرُورَ وَلَمْ تَسْمَعْ نَصِيحَتِي.» فَتَشَاوَرَ أمَصْيَا مَلِكُ يَهُوذَا مَعَ رِجَالِهِ، وَأرْسَلَ رِسَالَةً إلَى يُوآشَ بْنِ يَهُوآحَازَ مَلِكِ إسْرَائِيلَ قَالَ فِيهَا: «تَعَالَ وَلْنَتَوَاجَهَ!» فَرَدَّ يُوآشُ مَلِكُ إسْرَائِيلَ عَلَى أمَصْيَا، مَلِكِ يَهُوذَا وَقَالَ: «أرْسَلَ عَوسَجُ لُبْنَانَ رِسَالَةً إلَى أرْزِ لُبْنَانَ، قَالَ فِيهَا: ‹زَوِّجِ ابْنَتَكَ لِابْنِي.› لَكِنَّ وَحشًا بَرِّيًّا مِنْ لُبْنَانَ مَرَّ وَدَاسَ العَوْسَجَ. صَحِيحٌ أنَّكَ هَزَمْتَ أدُومَ. لَكِنَّكَ انتَفَخْتَ بِالكِبْرِيَاءِ بِسَبَبِ ذَلِكَ. فَالزَمْ بَيْتَكَ وَتَفَاخَرْ كَمَا يَحْلُو لَكَ. وَلَا تَطْلُبِ الشَّرَّ لِنَفسِكَ. لِأنَّكَ إنْ فَعَلْتَ، سَتَسْقُطُ أنْتَ وَيَهُوذَا مَعَكَ!» لَكِنَّ أمَصْيَا أغلَقَ أُذُنَيهِ. وَكَانَ هَذَا مِنَ اللهِ. إذْ أرَادَ اللهُ أنْ يَنْصُرَ إسْرَائِيلَ عَلَى يَهُوذَا لِأنَّ شَعْبَ يَهُوذَا تَبِعُوا آلِهَةَ شَعْبِ أدُومَ. فَخَرَجَ يُوآشُ، مَلِكُ إسْرَائِيلَ، لِيُحَارِبَ أمَصْيَا، مَلِكَ يَهُوذَا، فِي بَيْتِ شَمسٍ فِي يَهُوذَا. فَألحَقَتْ إسْرَائِيلُ هَزِيمَةً بِيَهُوذَا. فَهَرَبَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا إلَى بُيُوتِهِمْ. وَفِي بَيْتِ شَمسٍ أسَرَ يُوآشُ بْنُ يَهُوآحَازَ، مَلِكُ إسْرَائِيلَ، أمَصْيَا ابْنَ يُوآشَ بْنِ أخَزْيَا، مَلِكَ يَهُوذَا. وَأخَذَ يُوآشُ أمَصْيَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَهَدَمَ سُورَ القُدْسِ مِنْ بَوَّابَةِ أفْرَايِمَ إلَى بَوَّابَةِ الزَّاوِيَةِ، نَحْوَ أرْبَعِ مِئَةِ ذِرَاعٍ. وَأخَذَ يُوآشُ كُلَّ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالأدَوَاتِ الأُخرَى الثَمِينَةِ الَّتِي فِي بِيتِ اللهِ الَّتِي كَانَتْ فِي عُهْدَةِ عُوبِيدَ أدُومَ، مَعَ الكُنُوزِ الَّتِي فِي بَيْتِ المَلِكِ. ثُمَّ أخَذَ بَعْضَ الرَّهَائِنِ وَرَجِعَ إلَى السَّامِرَةِ. وَعَاشَ مَلِكُ يَهُوذَا أمَصْيَا بْنُ يُوآشَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ مَوْتِ مَلِكِ إسْرَائِيلَ يُوآشَ بْنِ يَهُوآحَازَ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ أمَصْيَا مُنْذُ بِدَايَةِ حُكْمِهِ حَتَّى نِهَايَتِهِ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإسْرَائِيل. وَكَانَ أمَصْيَا قَدِ انْحَرَفَ عَنِ اتِّبَاعِ طَرِيقِ اللهِ . فَقَرَّرَ أهْلُ مَدِينَةِ القُدْسِ أنْ يَنْقَلِبُوا عَلَيْهِ وَيَقْتُلُوهُ. فَهَرَبَ إلَى بَلْدَةِ لَخِيشَ. لَكِنَّهُمْ أرْسَلُوا إلَى لَخِيشَ رِجَالًا فَقَتَلُوهُ هُنَاكَ. ثُمَّ حَمَلُوا جُثَّتَهُ وَدَفَنُوهُ فِي مَقْبَرَةِ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ يَهُوذَا. ثُمَّ اخْتَارَ شَعْبُ يَهُوذَا عُزِّيَّا مَلِكًا جَدِيدًا مَكَانَ أبيهِ أمَصْيَا. وَكَانَ عُزِّيَّا فِي السَّادِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَأعَادَ عُزِّيَّا بِنَاءَ مَدِينَةِ أيلَةَ وَأعَادَهَا إلَى يَهُوذَا. عَمِلَ عُزِّيَا هَذَا بَعْدَ أنْ مَاتَ أمَصْيَا وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. كَانَ عُزِّيَّا فِي السَّادِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمرِه عِنْدَمَا صَارَ مَلِكًا. وَحَكَمَ اثنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يَكُلْيَا وَهِيَ مِنَ القُدْسِ. وَعَمِلَ عُزِّيَّا مَا يُرضِي اللهَ . فَأطَاعَ اللهَ كَمَا فَعَلَ أبُوهُ أمَصْيَا. وَتَبِعَ عُزِّيَّا اللهَ طَوَالَ حَيَاةِ زَكَرِيَّا الَّذِي عَلَّمَهُ كَيْفَ يَتَّقي اللهَ وَيُطِيعُهُ. وَقَدْ وَفَّقَ اللهُ عُزِّيَّا حِينَ كَانَ يَتْبَعُ اللهَ . وَشَنَّ عُزِّيَّا حَربًا عَلَى الفِلِسْطِيِّينَ. وَهَدَمَ الأسوَارَ المُحِيطَةَ بِمَدِينَةِ جَتَّ وَلِبْنَةَ وَأشْدُودَ. وَبَنَى مُدُنًا قُرْبَ مَدِينَةِ أشْدُودَ وَفِي أمَاكِنَ أُخْرَى بَيْنَ الفِلِسْطِيِّينَ. وَأعَانَ اللهُ عُزِّيَّا فِي حَربِهِ عَلَى الفِلِسْطِيِّينَ، وَالعَرَبِ السَّاكنِينَ فِي مَدِينَةِ جُورِ بَعلٍ وَالمَعُونِيِّينَ. وَدَفَعَ العَمُّونِيُّونَ الجزيَةَ لِعُزِّيَّا، فَصَارَ اسْمُهُ مَعْرُوفًا حَتَّى حُدُودِ مِصْرٍ بفَضلِ قُوَّتِهِ الكَبِيرَةِ. وَبَنَى عُزِّيَّا أبرَاجًا فِي القُدْسِ عِنْدَ بَوَّابَةِ الزَّاوِيَةِ، وَبَوَّابَةِ الوَادِي وَفِي مُنعَطَفِ السُّورِ. وَقَوَّى هَذِه الأبرَاجَ. وَبَنَى أبرَاجًا فِي الصَّحرَاءِ، وَحَفَرَ أيْضًا آبَارًا كَثِيرَةً فِي المَنَاطِقِ الجَبَلِيَّةِ وَفِي السُّهُولِ. وَكَانَ لَدَيهِ مُزَارِعُونَ فِي الجِبَالِ الغَربِيَّةِ وَفِي الأرَاضِي الخَصبَةِ. وَكَانَ لَدَيهِ أيْضًا رِجَالٌ يَعْتَنُونَ بِالكُرُومِ. فَقَدْ كَانَ يُحِبُّ الزِّرَاعَةَ. وَكَانَ لَدَى عُزِّيَّا جَيْشٌ مِنَ الجُنُودِ المُدَرَّبِينَ. وَقَدْ قَسَّمَ الجَيْشَ إلَى فِرَقٍ وَفْقَ الخُطَّةِ الَّتِي أعَدَّهَا يَعِيئِيلُ كَاتِبُ المَلِكِ، وَالضَابِطُ مَعْسِيَّا، تَحْتَ إدَارَةِ حَنَنْيَا، أحَدِ كِبَارِ الضُّبَّاطِ لَدَى المَلِكِ. فَأحصَى يَعِيئيلُ وَمَعْسِيَّا الجُنُودَ وَقَسَّمَاهُمْ فِي فِرَقٍ. وَكَانَ هُنَاكَ ألفَانِ وَسِتُّ مِئَةِ رَئِيسٍ عَلَى هَؤُلَاءِ الجُنُودِ. فَكَانَ رُؤَسَاءُ العَائِلَاتِ مَسؤُولِينَ عَنْ جَيْشٍ قِوَامُهُ ثَلَاثُ مِئَةِ ألفٍ وَسَبعَةُ آلَافٍ وَخَمسُ مِئَةٍ مِنَ المُحَارِبِينَ الأشِدَّاءِ الَّذِينَ سَانَدُوا المَلِكَ فِي حَرْبِهِ عَلَى الأعْدَاءَ. وَسَلَّحَ عُزِّيَّا الجَيْشَ بِالتُّرُوسِ وَالرِّمَاحِ وَالخُوَذِ وَالدُّرُوعِ وَالأقوَاسِ وَحِجَارَةٍ لِلمَقَالِيعِ. وَوَضَعَ عُزِّيَّا فِي القُدْسِ قَاذِفَاتِ حِجَارَةٍ اختَرَعَهَا رِجَالٌ أذكِيَاءٌ. وُضِعَتْ هَذِهِ الآلَاتُ عَلَى الأبرَاجِ وَزَوَايَا الأسوَارِ. فَكَانَتْ تُطلِقُ سِهَامًا وَحِجَارَةً ضَخمَةً. فَذَاعَ صِيتُ عُزِّيَّا فِي أمَاكِنَ بَعِيدَةٍ. وَقَدْ أعَانَهُ اللهُ حَتَّى صَارَ مَلكًا قَوِيًّا. لَكِنْ عِنْدَمَا صَارَ عُزِّيَّا مَلِكًا قَوِيًّا، وَقَعَ فِي فَخِّ الكِبرِيَاءِ، مِمَّا أدَّى إلَى هَلَاكِهِ. فَلَمْ يَعُدْ وَفِيًّا ، إذْ دَخَلَ بِنَفْسِهِ إلَى هَيْكَلِ اللهِ لِكَي يُحْرِقَ بَخُورًا عَلَى مَذْبَحِ البَخُورِ. فَلَحِقَ بِهِ إلَى دَاخِلِ الهَيْكَلِ الكَاهِنُ عَزَرْيَا، وَثَمَانُونَ كَاهِنًا شُجَاعًا يَخْدِمُونَ اللهَ . وَوَاجَهُوهُ وَحَاوَلُوا مَنْعَهُ فَقَالُوا لَهُ: «لَيْسَ مَسمُوحًا لَكَ بِأنْ تُحْرِقَ بَخُورًا للهِ . فَهَذَا عَمَلُ الكَهَنَةِ المُقَدَّسِينَ مِنْ بَنِي هَارُونَ. قَدْ تَجَاوَزْتَ حَدَّكَ. فَاخْرُجِ الآنَ مِنَ المَكَانِ المُقَدَّسِ. لَقَدْ خُنْتَ شَرِيعَةَ اللهِ . فَلَا تَتَوَهَّمْ أنَّ سَيُكرِمُكَ عَلَى مَا فَعَلتَهُ!» فَغَضِبَ عُزِّيَّا كَثِيرًا. وَكَانَتْ فِي يَدِهِ مِجمَرَةٌ لِإحْرَاقِ البَخُورِ. وَعِنْدَمَا غَضِبَ كَثِيرًا عَلَى الكَهَنَةِ، ظَهَرَ البَرَصُ عَلَى جَبِينهِ عَلَى مَرْأى مِنَ الكَهَنَةِ فِي بَيْتِ اللهِ قُرْبَ مَذْبَحِ البَخُورِ. وَنَظَرَ رَئيسُ الكَهَنَةِ عَزَرْيَا وَكُلُّ الكَهَنَةِ إلَى عُزِّيَّا، وَرَأوْا البَرَصَ عَلَى جَبِينِهِ. فَبَدَأُوا يَطْرُدُونَهُ مِنَ الهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا أدرَكَ عُزِّيَّا أنَّ اللهَ عَاقَبَهُ بِالبَرَصِ، بَادَرَ هُوَ نَفْسُهُ إلَى الإسرَاعِ بِالخُرُوجِ. فَصَارَ المَلِكُ عُزِّيَّا أبرَصَ، وَلَمْ يَعُدْ بِمَقدُورِهِ أنْ يَدْخُلَ بَيْتَ اللهِ . فَتَوَلَّى يُوثَامُ بْنُ عُزِّيَّا الإشرَافَ عَلَى بَيْتِ المَلِكِ، وَصَارَ حَاكِمًا للشَّعبِ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ عُزِّيَّا، مِنْ أوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، فَهِيَ مَدَوَّنَةٌ فِي كِتَابَاتِ النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ. وَمَاتَ عُزِّيَّا وَدُفِنَ إلَى جِوَارِ آبَائِهِ. وَدَفَنُوهُ فِي الحَقْلِ قُرْبَ القُبُورِ المَلَكيَّةِ، لِأنَّ الشَّعْبَ قَالُوا: «إنَّهُ أبرَصُ.» وَخَلَفَهُ عَلَى العَرْشِ ابْنُهُ يُوثَامُ. وَكَانَ يُوثَامُ فِي الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ، وَحَكَمَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَأُمُّهُ هِيَ يَرُوشَةُ بِنْتُ صَادُوقَ. وَعَمِلَ يُوثَامُ مَا يُرضِي اللهَ كَأبِيهِ عُزِّيَّا، كَمَا أنَّهُ لَمْ يَنْتَهِكْ هَيْكَلَ اللهِ ليُحْرِقَ بَخُورًا، كَمَا فَعَلَ أبُوهُ. لَكِنَّ الشَّعْبَ لَمْ يَتَوَقَّفُوا عَنْ ارْتِكَابِ الآثَامِ وَالِابْتِعَادِ عَنْ طَرِيقِ اللهِ . وَبَنَى يُوثَامُ البَوَّابَةَ العُليَا لبَيْتِ اللهِ ، وَبَنَى كَثِيرًا عَلَى السُّورِ فِي المَكَانِ المُسَمَّى عُوفِلَ. وَبَنَى يُوثَامُ أيْضًا مُدُنًا فِي مِنطَقَةِ يَهُوذَا الجَبَلِيَّةِ. وَبَنَى فِيهَا حُصُونًا وَأبْرَاجًا مِنْ أخْشَابِ الغَابَاتِ المُحيطَةِ. وَحَارَبَ مَلِكَ العَمُّونِيِّينَ وَانتَصَرَ عَلَيْهِ. فَدَفَعَ العَمُّونِيُّونَ لِيُوثَامَ مِئَةَ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَعَشْرَةَ آلَافِ كِيسٍ مِنَ القَمْحِ، وَعَشْرَةَ آلَافِ كِيسٍ مِنَ الشَّعِيرِ. وَدَفَعَ العَمُّونِيُّونَ مِثْلَ هَذَا المِقْدَارِ فِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا. وَازدَادَ يُوثَامُ قُوَّةً لِأنَّهُ كَانَ أمِينًا فِي طَاعَةِ . أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يُوثَامُ وَالحُرُوبُ الَّتِي خَاضَهَا، فَهِيَ مُدّوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. اعتَلَى يُوثَامُ العَرْشَ وَهُوَ فِي الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ، وَحَكَمَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. ثُمَّ مَاتَ يُوثَامُ. وَدَفَنَهُ الشَّعْبُ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ آحَازَ. كَانَ آحَازُ فِي العِشرِينَ مِنْ عُمرِهِ عندَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ ستَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي القُدْسِ. لَكنَّهُ لَمْ يَعِشْ حَيَاةَ اسْتقَامَةٍ كَسَلَفِهِ دَاوُدَ. فَلَمْ يَفْعَلْ آحَازُ مَا يُرضي اللهَ ، بَلْ سَارَ عَلَى نَهْجِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ الأردِيَاءِ. وَاستَخْدَمَ قَوَالبَ لصُنعِ أوْثَانٍ لِعِبَادَةِ آلهَةِ البَعْلِ. فَكَانَ يُقَدِّمُ البَخُورَ وَيُحْرِقُ أبْنَاءَهُ فِي وَادِي ابنِ هِنُّومَ كَتَقْدِمَاتٍ لِلآلَهَةِ الأُخْرى. عَمِلَ الأُمُورَ البَغِيضَةَ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا أهْلُ تِلْكَ الأرْضِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ اللهُ عندَمَا دَخَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ تِلْكَ الأرْضَ. وَقَدَّمَ آحَازُ أيْضًا ذَبَائحَ وَأحرَقَ بَخُورًا فِي المُرْتَفَعَاتِ، وَعَلَى التِّلَالِ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضرَاءَ. فَدَفَعَ آحَازَ إلَى يَدِ مَلِكِ أرَامَ، فَهَزَمَهُ وَأسَرَ كَثِيرِينَ مِنْ شَعْبِ يَهُوذَا وَأحْضَرَهُمْ إلَى دِمَشْقَ. كَمَا دَفَعَهُ إلَى يَدِ فَقَحَ مَلكِ إسْرَائِيلَ، فَهَزَمَهُ وَأحدَثَ مَجزَرَةً فِي جَيْشِهِ. فَقَدْ قَتَلَ فَقَحُ بْنُ رَمَلْيَا مئَةً وَعِشرِينَ ألْفَ جُندِيٍّ قَوِيٍّ مِنْ يَهُوذَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، لِأنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ اللهِ ، إلَهِ آبَائِهِمْ. وَكَانَ زِكْرِي جُندِيًّا قَوِيًّا مِنْ جُنُودِ أفْرَايِمَ. فَتَمَكَّنَ مِنْ قَتلِ مَعْسِيَّا بْنِ المَلِكِ آحَازَ، وَعَزْرِيقَامَ المَسؤُولِ عَنْ بَيْتِ المَلِكِ، وَألقَانَةَ نَائِبِ المَلكِ. وَأسَرَ جَيْشُ إسْرَائِيلَ مِئَتَي ألْفَ شَخْصٍ مِنْ أقربَائِهِمُ السَّاكِنِينَ فِي يَهُوذَا. وَغَنِمُوا نِسَاءً وَأطْفَالًا وَأشْيَاءَ ثَمِينَةً كَثِيرَةً مِنْ يَهُوذَا. وَجَاءُوا بكُلِّ مَا غَنِمُوهُ إلَى مَدِينَةِ السَّامرَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ أحَدُ أنْبِيَاءِ اللهِ ، وَاسْمُهُ عُودِيدُ. قَابَلَ النَّبِيُّ عُودِيدُ جَيْشَ إسْرَائِيلَ العَائِدَ إلَى السَّامرَةِ. وَقَالَ لَهُمْ: «لَقَدْ سَمَحَ لَكُمُ اللهُ ، إلَهُ آبَائِكُمْ بِالِانْتِصَارِ عَلَى شَعْبِ يَهُوذَا لِأنَّهُ غَضِبَ عَلَيْهِمْ. لَكِنَّكُمْ تَجَاوَزْتُمْ كُلَّ حَدٍّ فِي مُعَاقَبَتِهِمْ وَقَتلِهِمْ. وَالْآنَ، فَإنَّ اللهَ غَاضِبٌ عَلَيْكُمْ أنْتُمْ. فَأنْتُمْ تَنْوُونَ إبقَاءَ أهْلِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ عَبيدًا خَاضِعِينَ لَكُمْ. أفَلَسْتُمْ مِثْلَهُمْ فِي الخَطَايَا الَّتِي ارتَكَبْتُمُوهَا ضِدَّ ؟ وَالْآنَ استَمْعُوا إلَيَّ. أطلِقُوا إخْوَتَكُمْ وَأخَوَاتِكُمُ الَّذِينَ أسَرْتُمُوهُمْ، وَإلَّا ازدَادَ غَضَبُ اللهِ عَلَيْكُمْ.» ثُمَّ رَأى بَعْضُ قَادَةِ أفْرَايِمَ جُنُودَ جَيْشِ إسْرَائِيلَ القَادمينَ مِنَ الحَرْبِ. فَاجتَمَعَ هَؤُلَاءِ القَادَةُ مَعَ جُنُودِ إسْرَائِيلَ وَأنذَرُوهُمْ. وَهَؤُلَاءِ القَادَةُ هُمْ عَزَرْيَا بْنُ يَهُوحَانَانَ، وَبَرَخْيَا بْنُ مَشُلِّيمُوتَ، وَيَحَزْقِيَا بْنُ شَلُّومَ، وَعَمَاسَا بْنُ حَدلَايَ. قَالَ هَؤُلَاءِ القَادَةُ لِجُنُودِ إسْرَائِيلَ: «لَا تُدخِلُوا أسرَى يَهُوذَا إلَى هُنَا. فَإنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، فَإنَّكُمْ تَتَمَادُونَ فِي الإثمِ ضِدَّ اللهِ . وَسَتَزِيدُونَ إثمَنَا إثمًا، وَسَيَشْتَدُّ غَضَبُ اللهِ عَلَى إسْرَائِيلَ!» فَأعطَى الجُنُودُ الأسرَى وَالغَنَائِمَ لِهَؤُلَاءِ القَادَةِ وَلِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَامَ القَادَةُ عَزَرْيَا وَبَرَخْيَا وَيَحَزْقِيَا وَعَمَاسَا وَأعَانُوا الأسْرَى. فَجَلَبَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الأرْبَعَةُ المَلَابِسَ الَّتِي أخَذَهَا جَيْشُ إسْرَائِيلَ وَأعْطَوْهَا لِهَؤُلَاءِ الأسْرَى العُرَاةِ. وَألبَسُوهُمْ أحذِيَةً أيْضًا. ثُمَّ أعْطَوْهُمْ طَعَامًا لِيَأْكُلُوا وَمَاءً لِيَشْرَبُوا. وَدَهَّنُوهُمْ بِالزَّيْتِ مِنْ أجْلِ تَطريَة جُرُوحهِمْ وَشِفَائِهَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ وَضَعَ قَادَةُ أفْرَايِمَ هَؤُلَاءِ الأسرَى المُنهَكِينَ عَلَى حَمِيرٍ، وَأرْجَعُوهُمْ إلَى أقْرِبَائِهِمْ فِي أرِيحَا، مَدِينَةِ النَّخِيلِ. ثُمَّ عَادَ هَؤُلَاءِ القَادَةُ إلَى وَطَنِهمْ فِي السَّامرَةِ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، اسْتَنْجَدَ المَلِكُ آحَازُ بِمَلِكِ أشُّورَ. فقَدْ هَجَمَ الأدُومِيُّونَ ثَانِيَةً عَلَى شَعْبِ يَهُوذَا وَضَرَبُوهُمْ ضَربَةً مُوجِعَةً، وَأسَرُوا منهُمْ كَثِيرِينَ. وَهَاجَمَ الفِلِسْطِيُّونَ أيْضًا المُدُنَ وَالتِّلَالَ فِي جَنُوبِ يَهُوذَا. وَاستَوْلَوْا عَلَى مُدُنِ بَيْتِ شَمسٍ وَأيَّلُونَ وَجَدِيرُوتَ وَسُوكُو وَتِمْنَةَ وَحِمْزُو. وَاستَوْلُوا أيْضًا عَلَى القُرَى التَّابِعَةِ لِهَذِهِ المُدُنِ. وَأذَلَّ اللهُ يَهُوذَا بِمَزِيدٍ مِنَ الضِّيقَاتِ لِأنَّ آحَازَ مَلِكَ يَهُوذَا شَجَّعَ الشَّعْبَ عَلَى السَّيرِ فِي طَرِيقِ الخَطِيَّةِ. فَكَانَ غَيْرَ وَفيٍّ للهِ . فَجَاءَ تَغْلَثُ فَلَاسَرُ، مَلِكُ أشُّورَ، وَكَانَ مَصْدَرَ ضيقٍ لَا مَصْدَرَ عَونٍ لِآحَازَ. فَمَعَ أنَّ آحَازَ أخَذَ بَعْضَ الأشْيَاءِ الثَّمينَةِ مِنْ بَيْتِ اللهِ وَمِنْ بَيْتِ المَلِكِ وَمِنْ بَيْتِ الرُّؤَسَاءِ وَأعْطَاهَا لمَلِكِ أشُّورَ، إلَّا أنَّهُ لَمْ يُقَدِّمِ العَونَ لِآحَازَ. وَفِي وَسَط ضِيقَاتِ آحَازَ، زَادَ ذَلِكَ المَلِكُ فِي الإثمِ وَعَدَمِ الوَفَاءِ للهِ . قَدَّمَ ذَبَائِحَ للآلِهَةِ الَّتِي يَعْبُدُهَا أهْلُ دِمَشقَ الَّذِينَ هَزَمُوهُ. وَقَالَ: «سَاعَدَتْ آلِهَةُ أرَامَ الشَّعْبَ الَّذِي يَعْبُدُهَا، فَلَعَلَّهَا تُعِينُنِي أنَا أيْضًا إذَا ذَبَحتُ لَهَا.» فَعَبَدَ آحَازُ تِلْكَ الآلِهَةَ. فَكَانَتْ سَبَبًا فِي سُقُوطِهِ، وَسُقُوطِ إسْرَائِيلَ مَعَهُ. وَجَمَعَ آحَازُ الأدَوَاتِ المُسْتَخْدَمَةَ فِي بِيتِ اللهِ وَكَسَّرَهَا. ثُمَّ أغلَقَ أبوَابَ بَيْتِ اللهِ . وَعَمِلَ مَذَابحَ وَوَضَعَهَا فِي كُلِّ زَاوِيَةِ شَارعٍ فِي القُدْسِ. وَبَنَى آحَازُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ فِي يَهُوذَا مُرتَفَعَاتٍ لِإحْرَاقِ البَخُورِ لعِبَادَةِ آلِهَةٍ أُخْرَى. وَأغْضَبَ آحَازُ اللهَ ، إلَهَ آبَائِهِ، غَضَبًا شَدِيدًا. أمَّا الأشْيَاءُ الأُخْرَى الَّتِي عَمِلَهَا آحَازُ، فَمَكْتُوبَةٌ مِنْ أوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَمَاتَ آحَازُ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. وَدَفَنَهُ الشَّعْبُ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَدْفِنُوهُ فِي المَقَابِرِ المَلَكِيَّةِ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ حَزَقِيَّا. وَاعْتَلَى حَزَقِيَّا العَرْشَ عِنْدَمَا كَانَ فِي الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ. وَحَكَمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَأُمُّهُ هِيَ أبِيَّةُ بِنْتُ زَكَريَّا. عَمِلَ حَزَقيَّا مَا يُرضِي اللهَ ، تَمَامًا كَمَا فَعَلَ جَدُّهُ دَاوُدَ. وَأصلَحَ حَزَقِيَّا أبْوَابَ بَيْتِ اللهِ وَمَكَّنَهَا. وَأعَادَ فَتْحَ الهَيْكَلِ فِي الشَّهْرِ الأوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الأُولَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَاستَدْعَى حَزَقِيَّا الكَهَنَةَ وَاللَّاوِيِّينَ وَجَمَعَهُمْ فِي السَّاحَةِ عَلَى الجَانِبِ الشَّرقيِّ مِنَ الهَيْكَلِ. وَقَالَ لَهُمْ: «اسمَعُونِي أيُّهَا اللَّاوِيُّونَ! أعِدُّوا أنْفُسَكُمْ لِلخِدْمَةِ المُقَدَّسَةِ. وَأعِدُّوا بَيْتَ اللهِ ، إلَهِ آبَائِكُمْ، للخِدْمَةِ المُقَدَّسَةِ. أخْرِجُوا مِنَ الهَيْكَلِ كُلَّ مَا لَا يَخُصُّهُ أوْ يُنَجِّسُهُ. فَلَمْ يَكُنْ آبَاؤنَا مُخْلِصِينَ، بَلْ فَعَلُوا الشَّرَّ أمَامَ وَتَخَلَّوْا عَنْهُ! أعْطَوْهُ ظُهُورَهُمْ، وَحَوَّلُوا وُجُوهَهُمْ بَعِيدًا عَنْ بَيْتِهِ! أغلَقُوا أبْوَابَ دِهْلِيزِ الهَيْكَلِ، وَتَرَكُوا نِيرَانَ السُّرُجِ حَتَّى انْطَفأتْ. تَوَقَّفُوا عَنْ حَرْقِ البَخُورِ وَتَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ لِإلَهِ إسْرَائِيلَ فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ. فَحَلَّ غَضِبُ اللهِ عَلَى أهْلِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ، وَجَعَلَهُمْ سَبَبَ رُعبٍ وَدَهشَةٍ وَتَعْيّيرٍ كَمَا تَرَوْنَ بِأعيُنِكُمْ. وَلِهَذَا هُزِمَ آبَاؤنَا فِي الحُرُوبِ وَقُتِلُوا، وَأُخِذَ أبْنَاؤنَا وَبَنَاتُنَا وَزَوْجَاتُنَا سَبَايَا. وَالْآنَ أنَا عَازِمٌ عَلَى أنْ أقْطَعَ عَهْدًا مَعَ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، لِكَي يُبْعِدَ عَنَّا غَضَبَهُ الشَّدِيدَ. يَا أوْلَادِي، لَا تَتَكَاسَلُوا أوْ تُضَيِّعُوا مَزِيدًا مِنَ الوَقْتِ. فَقَدِ اخْتَارَكُمُ اللهُ لكَي تَكُونُوا قَرِيبِينَ مِنْهُ. اخْتَارَكُمْ لِكَي تَخدِمُوهُ فِي الهَيْكَلِ وَتُحْرِقُوا لَهُ البَخُورَ.» أمَّا اللَّاويُّونَ الَّذِينَ بَدَأُوا العَمَلَ فَهُمْ: مَحَثُ بْنُ عَمَاسَايَ وَيُوئيلُ بْنُ عَزَرْيَا مِنْ عَائِلَةِ قَهَاتَ، قَيسٌ بْنُ عَبْدي وَعَزَرْيَا بْنُ يَهْلَلْئِيلَ مِنْ عَائِلَةِ مَرَارِي، يُوآخُ بْنُ زِمَّةَ وَعِيدَنُ بْنُ يُوآخَ مِنْ عَائِلَةِ جَرشُونَ، شِمرِي وَيَعِيئِيلُ مِنْ نَسْلِ ألِيصَافَانَ، زَكَريَّا وَمَتَّنْيَا مِنْ نَسْلِ آسَافَ، يَحِيئيلُ وَشِمْعَى مِنْ نَسْلِ هَيمَانَ، شَمَعْيَا وَعُزِّيئِيلُ مِنْ نَسْلِ يَدُوثُونَ. ثُمَّ جَمَعَ هَؤُلَاءِ اللَّاوِيُّونَ إخْوَتَهُمْ وَطَهَّرُوا أنْفُسَهُمُ اسْتِعْدَادًا للخِدْمَةِ المُقَدَّسَةِ فِي الهَيْكَلِ. فَأطَاعُوا بذَلكَ أمرَ المَلِكِ الَّذِي جَاءَ بِإيعَازٍ مِنَ اللهِ . وَدَخَلُوا إلَى بَيْتِ اللهِ لكَي يُطَهِّرُوهُ. فَدَخَلَ الكَهَنَةُ إلَى الهَيْكَلِ، وَأخرَجُوا كُلَّ الأشْيَاءِ النَّجِسَةِ الَّتِي وَجَدُوهَا فِي هَيْكَلِ اللهِ ، وَأحضَرُوهَا إلَى سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ . ثُمَّ حَمَلَ اللَّاوِيُّونَ هَذِهِ الأشْيَاءَ النَّجِسَةَ إلَى وَادِي قَدْرُونَ. فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ بَدَأ اللَّاوِيُّونَ يُطَهِّرُونَ أنْفُسَهُمُ اسْتِعدَادًا لِلخِدْمَةِ المُقَدَّسَةِ. وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ مِنَ الشَّهْرِ، جَاءَ اللَّاوِيُّونَ إلَى دِهْلِيزِ بَيْتِ اللهِ . وَرَاحُوا يُطَهّرُونَ بَيْتَ اللهِ ثَمَانيَةَ أيَّامٍ لِإعْدَادِهِ لِلِاسْتِعْمَالِ المُقَدَّسِ. وَأكمَلُوا عَمَلَهُمْ هَذَا فِي السَّادِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ. ثُمَّ ذَهَبُوا إلَى المَلِكِ حَزَقِيَّا وَقَالُوا لَهُ: «لَقَدْ طَهَّرْنَا هَيْكَلَ اللهِ كُلَّهُ وَمَذْبَحَ التَّقْدِمَاتِ الصَّاعِدَةِ وَكُلَّ الأشْيَاءِ فِي الهَيْكَلِ. طَهَّرْنَا طَاوِلَةَ خُبْزِ مَحْضَرِ اللهِ مَعَ كُلِّ تَوَابعِهَا. وَقَدْ أصلَحْنَا جَمِيعَ الأغْرَاضِ الَّتِي أهْمَلَهَا آحَازُ عندَمَا كَانَ مَلِكًا. فَطَهَّرْنَاهَا وَأعْدَدْنَاهَا لِلخِدْمَةِ. وَهَا هِيَ الآنَ أمَامَ مَذْبَحِ اللهِ .» فَجَمَعَ حَزَقِيَّا مَسؤُولي المَدِينَةِ وَصَعِدُوا إلَى هَيْكَلِ اللهِ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ مِنَ اليَوْمِ التَّالِي. وَأحْضَرُوا سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ وَسَبْعَةَ حِمْلَانٍ وَسَبْعَةَ تُيُوسٍ. كَانَتْ هَذِهِ الحَيَوَانَاتُ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ عَنْ مَمْلَكَةِ يَهُوذَا، وَعَنْ المَكَانِ المُقَدَّسِ مِنْ أجل تَطْهِيرهِ، وَعَنْ شَعْبِ يَهُوذَا. وَأمَرَ المَلِكُ حَزَقِيَّا الكَهَنَةَ المُتَحَدِّرِينَ مِنْ هَارُونَ بِتَقْدِيمِ تلْكَ الذَّبَائِحِ عَلَى مَذْبَحِ اللهِ . فَذَبَحَ الكَهَنَةُ الثِّيرَانَ، وَحَمَلُوا دَمَهَا وَرَشُّوهُ عَلَى المَذْبَحِ، وَذَبَحُوا الكبَاشَ وَرَشُّوا دَمَهَا عَلَى المَذْبَحِ، وَذَبَحُوا الحِملَانَ وَرَشُّوا دَمَهَا عَلَى المَذْبَحِ. ثُمَّ أحْضَرَ الكَهَنَةُ التُّيُوسَ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ أمَامَ المَلِكِ وَالشَّعْبِ المُجتَمِعينَ هُنَاكَ، فَوَضَعُوا أيدِيَهُمْ عَلَى التُّيُوسِ، وَذَبَحَهَا الكَهَنَةُ عَلَى المَذْبَحِ لِيُكَفِّرُوا بِدَمِهَا عَنْ خَطَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ. فَقَدْ قَالَ المَلِكُ إنَّ الذَّبيِحَةَ الصَّاعِدَةَ وَذَبِيحَةَ الخَطِيَّةِ هُمَا عَنْ جَمِيعِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَوَضَعَ المَلِكُ حَزَقيَّا اللَّاوِيِّينَ فِي بَيْتِ اللهِ مَعَ صُنُوجٍ وَقَيَاثِيرَ وَرَبَابٍ كَمَا أمَرَ دَاوُدُ وَالرَّائي جَادٌ وَالنَّبِيُّ نَاثَانُ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الأمْرُ مِنَ اللهِ عَلَى فَمِ أنبِيَائهِ. فَوَقَفَ اللَّاوِيُّونَ مُتَأهِّبِينَ بِآلَاتِ دَاوُدَ المُوسِيقِيَّةِ، وَوَقَفَ الكَهَنَةُ بِأبوَاقِهِمْ. ثُمَّ أمَرَ حَزَقِيَّا بِتَقْدِيمِ الذَّبِيحَةِ الصَّاعِدَةِ عَلَى المَذْبَحِ. وَعِنْدَ بَدءِ تَقْدِيمِ الذَّبِيحَةِ، بَدَأ تَسْبِيحُ اللهِ . وَنُفِخَتِ الأبوَاقُ وَعُزِفَ عَلَى آلَاتِ المَلِكِ دَاوُدَ المُوسِيقِيَّةِ. وَسَجَدَتْ كُلُّ الجَمَاعَةِ وَرَنَّمَ المُرَنِّمُونَ، وَنَفَخَ نَافِخُو الأبوَاقِ أبوَاقَهُمْ إلَى أنْ تَمَّ تَقْدِيمُ الذَّبِيحَةِ. وَبَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنْ تَقديمِ الذَّبَائِحِ، سَجَدَ المَلِكُ حَزَقِيَّا وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِينَ مَعَهُ. وَأمَرَ المَلِكُ حَزَقِيَّا وَكِبَارُ مَسؤُولِيهِ اللَّاوِيِّينَ بِأنْ يُسَبِّحُوا اللهَ . فَرَنَّمُوا تَرَانِيمَ كَتَبَهَا دَاوُدُ وَالرَّائِي آسَافُ. وَسَبَّحُوا اللهَ بِفَرَحٍ غَامِرٍ، وَسَجَدُوا وَعَبَدُوا اللهَ . فَقَالَ حَزَقِيَّا: «الآنَ وَهَبتُمْ أنْفُسَكُمْ وَكَرَّسْتُمُوهَا للهِ ، يَا شَعْبَ يَهُوذَا. فَاقتَرِبُوا وَأحْضِرُوا الذَّبَائحَ وَتَقْدِمَاتِ الشُّكْرِ إلَى بَيْتِ اللهِ .» فَأحْضَرَ الشَّعْبُ ذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتِ شُكرٍ. وَكُلُّ مَنْ أرَادَ كَانَ أيْضًا يَأْتِي بِذَبَائِحَ صَاعِدَةٍ. وَهَذَا هُوَ عَدَدُ الذَّبَائِحِ الَّتِي قَدَّمَتْهَا الجَمَاعَةُ إلَى الهَيْكَلِ: سَبعُونَ ثَوْرًا، وَمِئَةُ كَبْشٍ، وَمِئَتَا حَمَلٍ. قُدِّمَتْ هَذَهِ كُلُّهَا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً إلَى اللهِ . وَكَانَ عَدَدُ الذَّبَائِحِ المُقَدَّسَةِ للهِ سِتَّ مِئَةِ ثَورٍ، وَثَلَاثَةَ آلَافِ خَرُوفٍ وَتَيسٍ. إلَّا أنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَدَدٌ كَافٍ مِنَ الكَهَنَةِ لِسَلخِ جِلْدِ كُلِّ الحَيَوَانَاتِ وَتَقْطِيعِهَا مِنْ أجْلِ تَقْدِيمِهَا ذَبَائحَ صَاعِدَةً، فَأعَانَهُمْ أقرِبَاؤُهُمُ اللَّاوِيُّونَ إلَى أنْ اكتَمَلَ العَمَلُ وَإلَى أنْ أعَدَّ الكَهَنَةُ أنْفُسَهُمْ لِلخِدْمَةِ المُقَدَّسَةِ. وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ أكْثَرَ إخلَاصًا مِنَ الكَهَنَةِ فِي إعدَادِ أنْفُسِهِمْ لِلخِدْمَةِ. كَانَتْ هُنَاكَ ذَبَائِحُ كَثِيرَةٌ، وَشَحمٌ كَثِيرٌ لِذَبَائِحِ السَّلَامِ، وَسَكِيبٌ كَثِيرٌ. فَبَدَأتِ الخِدْمَةُ فِي هَيْكَلِ اللهِ مِنْ جَدِيدٍ. وَفَرِحَ حِزَقِيَّا وَالشَّعْبُ كَثِيرًا بِالأُمُورِ الكَثِيرَةِ الَّتِي أعَدَّهَا اللهُ لِشَعْبِهِ. وَقَدْ فَرِحُوا أكْثَرَ لِأنَّ العَمَلَ تَمَّ عَلَى نَحوٍ سَرِيعٍ جِدًّا! وَأرْسَلَ المَلِكُ حَزَقِيَّا رَسَائلَ إلَى كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَكَتَبَ أيْضًا إلَى بَنِي أفْرَايِمَ وَمَنَسَّى. وَدَعَا كُلَّ هَؤُلَاءِ إلَى بَيْتِ اللهِ فِي القُدْسِ لِكَي يَحْتَفِلُوا بِعِيدِ الفِصْحِ إكرَامًا للهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. وَاتَّفَقَ المَلِكُ حَزَقِيَّا مَعَ كُلِّ مَسؤُولِيهِ وَكُلِّ الجَمَاعَةِ فِي القُدْسِ عَلَى اقَامَةِ الفِصْحِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي. لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَحْتَفِلُوا بِالفِصْحِ فِي الوَقْتِ المُحَدَّدِ، لِأنَّ عَدَدَ الكَهَنَةِ الَّذِينَ طَهَّرُوا أنْفُسَهُمُ استِعدَادًا لِلخِدْمَةِ المُقَدَّسَةِ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا. وَلَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الشَّعْبِ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي القُدْسِ بَعْدُ. فَأرْضَى الِاتِّفَاقُ المَلِكَ حَزَقِيَّا وَكُلَّ الجَمَاعَةِ. فَأذَاعُوا نِدَاءً فِي كُلِّ أنْحَاءِ إسْرَائِيلَ، مِنْ مَدِينَةِ بِئرِ السَّبعِ إلَى مَدِينَةِ دَانٍ. وَطَلَبُوا إلَى الشَّعْبِ المَجِيءَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِلِاحْتِفَالِ بِالفِصْحِ إكْرَامًا للهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. إذْ لَمْ يَحْتَفِلْ قِسْمٌ كَبِيرٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ بِالفِصْحِ مُنْذُ زَمَنٍ بَعيدٍ عَلَى النَّحوِ الَّذِي نَصَّتْ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ مُوسَى. فَنَقَلَ رُسُلُ المَلِكِ رَسَائِلَهُ إلَى جَمِيعِ أنْحَاءِ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَهَذَا مَا قَالَتْهُ الرَّسَائِلُ: «يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، ارْجِعُوا إلَى اللهِ ، إلَهِ إبْرَاهيمَ وَإسحَاقَ وَإسْرَائِيلَ. حِينَئِذٍ، سَيَرْجِعُ اللهُ إلَيكُمْ أنْتُمُ الَّذِينَ نَجَوْتُمْ مِنْ مُلُوكِ أشُّورَ. فَلَا تَكُونُوا مثلَ آبَائكُمْ أوْ إخْوَتِكُمُ الَّذِينَ انقَلَبُوا عَلَى اللهِ ، إلَهِ آبَائِهِمْ. فَجَعَلَهُمْ عِبْرَةً حَيَّةً لِلشُّعُوبِ الأُخرَى الَّتِي تَحْتَقْرُهُمْ، كَمَا تَرَوْنَ. وَلَا تَكُونُوا عَنيدِينَ كَمَا كَانَ آبَاؤكُمْ. بَلِ اخْضَعُوا للهِ بِقَلْبٍ رَاغِبٍ. وَاصْعَدُوا إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي قَدَّسَهُ اللهُ إلَى الأبَدِ. اخْدِمُوا فَيَرْتَدَّ عَنْكُمْ غَضَبُهُ الشَّدِيدُ عَلَيْكُمْ. فَإنْ رَجِعتُمْ إلَى اللهِ ، سَيَكُونُ الَّذِينَ أسَرُوا أقْرِبَاءَكُمْ وَأبْنَاءَكُمْ رَحِيمِينَ مَعَهُمْ، وَسَيُعِيدُونَهُمْ إلَى هَذِه الأرْضِ. إنَّ عَطُوفٌ وَرَحِيمٌ، فَلَنْ يَصُدَّكُمْ إنْ رَجِعتُمْ إلَيْهِ.» فَذَهَبَ الرُّسُلُ إلَى كُلِّ مَدِينَةٍ فِي مِنْطِقَةِ أفْرَايِمَ وَمَنَسَّى حَتَّى زَبُولُونَ. لَكِنَّ الشَّعْبَ ضَحِكُوا عَلَيْهِمْ وَسَخرُوا مِنْهُمْ. لَكنَّ بَعْضًا مِنْهُمْ مِنْ مَنَاطِقِ أشِيرَ وَمَنَسَّى وَزَبُولُونَ تَوَاضَعَ وَجَاءَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَعَمِلَتْ يَدُ اللهِ فِي يَهُوذَا أيْضًا، فَأعطَتهُمْ قَلْبًا مُوَحَّدًا عَلَى إطَاعَةِ المَلِكِ وَمَسؤُولِيهِ. فَكَانُوا بِهَذَا يُطِيعُونَ أمْرَ اللهِ . فَجَاءَتْ أعدَادٌ كَبِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ للَاحتِفَالِ بِعِيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُختَمْرِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي. فَكَانُوا حَشْدًا كَبِيرًا. وَأزَالَ هَؤُلَاءِ مَذَابحَ الآلهَةِ الزَّائِفَةِ الَّتِي فِي القُدْسِ. وَأزَالُوا أيْضًا جَمِيعَ مَذَابِحِ البَخُورِ المُسْتَخْدَمَةِ فِي عِبَادَةِ تِلْكَ الآلِهَةِ. وَألقَوْا بِهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ. ثُمَّ ذَبَحُوا حَمَلَ الفِصْحِ فِي اليَومِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي. فَخَجِلَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ وَطَهَّرُوا أنْفُسَهُمُ استِعدَادًا للخِدْمَةِ المُقَدَّسَةِ. وَأدْخَلُوا الذَّبَائِحَ إلَى هَيْكَلِ اللهِ . وَأخَذُوا أمَاكِنَهُمُ الدَّائِمَةَ فِي الهَيْكَلِ، كَمَا قَالَ مُوسَى رَجُلُ اللهِ. وَأعْطَى اللَّاوِيُّونَ دَمَ الذَّبَائِحِ لِلكَهَنَةِ، فَرَشَّهُ الكَهَنَةُ عَلَى المَذْبَحِ. وَكَانَ هُنَاكَ كَثِيرُونَ مِنَ الشَّعْبِ لَمْ يَتَطَهَّرُوا اسْتِعدَادًا لِلخِدْمَةِ المُقَدَّسَةِ. فَلَمْ يُسْمَحْ لَهُمْ بِذَبْحِ خِرَافِ الفِصْحِ. فَتَوَلَّى اللَّاوِيُّونَ مَسؤُوليَّةَ ذَبحِ خِرَافِ الفِصْحِ عَنْ كُلِّ شَخْصٍ لَمْ يَتَطَهَّرْ، لِكَي تُقَدَّمَ الخِرَافُ مَقَدَّسَةً للهِ . لَمْ يَكُنْ كَثِيرُونَ مِنْ أفْرَايِمَ وَمَنَسَّى وَيَسَّاكَرَ وَزَبُولُونَ قَدْ طَهَّرُوا أنْفُسَهُمْ عَلَى نَحوٍ سَلِيمٍ اسْتِعدَادًا لِاحْتِفَالِ الفِصْحِ. فَلَمْ تَكُنْ مُشَارَكَتُهُمْ فِي احْتفَالِ الفِصْحِ عَلَى نَحْوٍ سَلِيمٍ، وَفْقَ شَرِيعَةِ مُوسَى. لَكنَّ حَزَقِيَّا صَلَّى مِنْ أجْلِهِمْ وَقَالَ: « اللهُ صَالِحٌ يَغْفِرُ لِلجَمِيعِ. هُوَ يُوَجِّهُ قُلُوبَهُمْ لِطَلَبِ اللهِ ، إلَهِ آبَائِهِمْ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَلْتَزِمُوا بِقَوَاعِدِ التَّطْهيرِ المَعْرُوفَةِ فِي المَسْكَنِ المُقَدَّسِ.» فَاسْتَجَابَ اللهُ صَلَاةَ حَزَقِيَّا، وَغَفَرَ للشَّعبِ. وَاحْتَفَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي القُدْسِ بِعيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ سَبْعَةَ أيَّامٍ بفَرَحٍ غَامِرٍ. وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ وَالكَهَنَةُ يُسَبِّحُونَ اللهَ كُلَّ يَوْمٍ بكُلِّ قُوَّتِهِمْ. وَشَجَّعَ المَلِكُ حَزَقِيَّا كُلَّ اللَّاوِيِّينَ العَارفِينَ كَيفيَّةَ القِيَامِ بِخِدْمَةِ اللهِ . احْتَفَلَ الشَّعْبُ بِالعِيدِ سَبْعَةَ أيَّامٍ وَقَدَّمَ ذَبَائِحَ شَرِكَةٍ. وَشَكَرُوا وَسَبَّحُوا اللهَ ، إلَهَ آبَائِهِمْ. وَوَافَقَ جَمِيعُ الشَّعْبِ عَلَى البَقَاءِ سَبْعَةَ أيَّامٍ أُخْرَى، فَمَدَّدُوا الِاحْتِفَالَ سَبْعَةَ أيَّامٍ بِفَرَحٍ. وَقَدَّمَ حَزَقِيَّا مَلكُ يَهُوذَا لِلجَمَاعَةِ ألْفَ ثَورٍ وَسَبعَةَ آلَافِ خَرُوفٍ لِكَي يَذْبَحُوهَا وَيَأْكُلُوهَا. وَقَدَّمَ القَادَةُ ألْفَ ثَورٍ وَعَشْرَةَ آلَافِ خَرُوفٍ لِلجَمَاعَةِ. وَطَهَّرَ كَهَنَةٌ كَثِيرُونَ أنْفُسَهُمْ لِأجْلِ الخِدْمَةِ المُقَدَّسَةِ. وَفَرِحَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ يَهُوذَا، وَالكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ، وَكُلُّ الغُرَبَاءِ المُقِيمِينَ الآتِينَ مِنْ إسْرَائِيلَ، وَكُلُّ الغُرَبَاءِ المُقِيمِينَ فِي أرْضِ يَهُوذَا. كَانَ الفَرَحُ عَظِيمًا فِي القُدْسِ. وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا الِاحْتِفَالِ مَثِيلٌ مُنْذُ زَمَنِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مَلكِ إسْرَائِيلَ. وَقَامَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ وَبَارَكُوا الشَّعْبَ. فَسُمِعَ صَوْتُهُمْ، وَوَصَلَتْ صَلَاتُهُمُ إلَى المَسْكَنِ المُقَدَّسِ فِي السَّمَاءِ. وَانْتَهَتِ احتِفَالَاتُ الفِصْحِ، فَانطَلَقَ بَنُو إسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا فِي القُدْسِ إلَى مُدُنِ يَهُوذَا، وَكَسَّرُوا أصْنَامَ الآلِهَةِ الزَّائفَةِ الحَجَرِيَّةِ الَّتِي فِيهَا. وَهَدَمُوا أعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ، وَدَمَّرُوا المُرْتَفَعَاتِ وَالمَذَابِحَ فِي كُلِّ أنْحَاءِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ. وَفَعَلَ الشَّعْبُ الأمْرَ نَفْسَهُ فِي مِنطَقَةِ أفْرَايِمَ وَمَنَسَّى. وَلَمْ يَتَوَقَّفُوا حَتَّى دَمَّرُوا كُلَّ أغرَاضِ عبَادَةِ الآلِهَةِ الزَّائِفَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجِعَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى مُدُنِهِمْ. وَكَانَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ مُنقَسِمينَ إلَى فِرَقٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَظِيفَتُهَا الخَاصَّةُ. فَطَلَبَ المَلِكُ حَزَقِيَّا إلَى هَاتَيْنِ الجَمَاعَتَيْنِ أنْ تَسْتَأْنِفَا عَمَلَهُمَا ثَانِيَةً. فَاسْتَأْنَفَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ تَقْدِيمَ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَذَبَائِحِ السَّلَامِ. وَكَانُوا يَقُومُونَ بِوَظِيفَةِ الخِدْمَةِ فِي الهَيْكَلِ وَالتَّرنِيمِ وَالتَّسبِيحِ عِنْدَ أبوَابِ بَيْتِ اللهِ . وَقَدَّمَ حَزَقِيَّا ذَبَائحَ مِنْ مَوَاشِيهِ. فَكَانَتِ الذَّبَائِحُ تُقَدَّمُ صَبَاحًا وَمَسَاءً وَفِي السُّبُوتِ وَأوَائِلِ الشُّهُورِ، وَفِي الأعيَادِ وَالِاحْتِفَالَاتِ الخَاصَّةِ الأُخرَى. وَكَانَ يَعْمَلُ هَذَا كُلَّهُ وَفْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ اللهِ . وَأمَرَ حَزَقيَّا سُكَّانَ القُدْسِ بِأنْ يُعطُوا الحِصَّةَ الشَّرعِيَّةَ الوَاجِبَةَ عَلَيْهِمْ لِلكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ، لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ تَكْرِيسِ وَقْتِهُمْ لشَرِيعَةِ اللهِ . وَوَصَلَتْ أخْبَارُ أمْرِ المَلِكِ هَذَا إلَى الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ البَلَدِ. فَأعطَى بَنُو إسْرَائِيلَ بَاكُورَةَ حَصَادِهِمْ مِنَ القَمْحِ وَالعِنَبِ وَالزَّيْتِ وَالعَسَلِ وَكُلِّ مَا يَنْبُتُ فِي حُقُولِهِمْ. فَجَلَبُوا عُشْرَ هَذِهِ المَحَاصِيلِ الكَثِيرَةِ. وَأحضَرَ أيْضًا رِجَالُ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا السَّاكِنُونَ فِي يَهُوذَا عُشْرَ بَقَرِهِمْ وَغَنَمِهِمْ. وَوَضَعُوا العُشْرَ المُخَصَّصَ للهِ فِي مَكَانٍ خَاصٍّ. فَجَلَبُوا كُلَّ هَذِهِ الأشْيَاءَ . وَوَضَعُوهَا أكْوَامًا أكْوَامًا. بَدَأ الشَّعْبُ يُحضِرُ هَذِهِ الأشْيَاءَ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَانتَهَوْا مِنْ جَمْعِهَا فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ. وَلَمَّا جَاءَ حَزَقِيَّا وَالقَادَةُ، رَأوْا أكْوَامَ الأشْيَاءِ الَّتِي جُمِعَتْ. فَبَارَكُوا اللهَ وَشَعْبَهُ، بَنِي إسْرَائِيلَ. ثُمَّ استَفْسَرَ حَزَقِيَّا مِنَ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ عَنْ الأكْوَامِ. فَقَالَ عَزَرْيَا رَئِيسُ الكَهَنَةِ – وَهُوَ مِنْ بَيْتِ صَادُوقَ – لِلمَلِكِ: «مُنْذُ أنْ بَدَأ الشَّعْبُ بِإحْضَارِ التَّقدِمَاتِ إلَى بَيْتِ اللهِ ، صِرْنَا نأكُلُ حَتَّى الشَّبَعِ، وَمَا يَزَالُ لَدَيْنَا فَائِضٌ كَبِيرٌ مِنَ الطَّعَامِ. لَقَدْ بَارَكَ اللهُ شَعْبَهُ حَقًّا. وَلِهَذَا لَدَيْنَا فَائِضٌ كَثِيرٌ.» فَأمَرَ حَزَقِيَّا الكَهَنَةَ بِإعدَادِ حُجْرَاتِ تَخْزِينٍ فِي بَيْتِ اللهِ . فَفَعَلُوا. ثُمَّ أحْضَرَ الكَهَنَةُ التَّقِدِمَاتِ وَالعُشُورَ وَكُلَّ الأشْيَاءِ الَّتِي خُصِّصَتْ للهِ، وَوَضَعُوهَا فِي مَخَازِنِ الهَيْكَلِ. وَكَانَ كُونَنْيَا اللَّاوِيُّ مَسؤُولًا عَنْهَا، وَكَانَ أخُوهُ شِمْعَى مُسَاعِدًا لَهُ. وَعَمِلَ تَحْتَ إمْرَةِ كُونَنْيَا وَأخِيهِ شِمْعَى كُلٌّ مِنْ يَحِيئِيلَ وَعَزَرْيَا وَنَحَثَ وَعَسَائِيلَ وَيَرِيمُوثَ وَيُوزَابَادَ وَإيلِيئِيلَ وَيَسْمَخْيَا وَمَحَثَ وَبَنَايَا. وَقَدِ اخْتَارَ المَلِكُ حَزَقِيَّا وَعَزَرْيَا المَسؤُولُ عَنْ بَيْتِ اللهِ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ. وَكَانَ قُورِي بْنُ يَمْنَةَ اللَّاوِي هُوَ البَوَّابُ المَسؤُولُ عَنِ البَوَّابَةِ الشَّرقِيَّةِ. وَأُوْكِلَتْ إلَى قُورِي مَهَمَّةُ الإشْرَافِ عَلَى التَقْدِمَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ للهِ، وَتَوْزِيعِ التَّقدِمَاتِ المُخَصَّصَةِ لِخُدَّامِ اللهِ وَالتَّبَرُّعَاتِ المُقَدَّسَةِ. وَكَانَ تَحْتَ إمرَتِهِ عَدَنُ وَمُنْيَامِنُ وَيَشُوعُ وَشِمْعِيَا وَأمَرْيَا وَشَكُنْيَا الَّذِينَ سَاعَدُوهُ بِأمَانَةٍ، فِي المُدُنِ الَّتِي يَسْكُنُهَا الكَهَنَةُ. فَوَزَّعُوا هَذِهِ الأشْيَاءَ عَلَى أقرِبَائِهِمْ فِي كُلِّ فِرقَةٍ مِنْ فِرَقِ الكَهَنَةِ بِالتَّسَاوِي كِبَارًا وَصِغَارًا. وَأعْطَوْا حِصَّةً لِلذُّكُورِ مِنَ ابنِ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ فَمَا فَوقُ مِنَ الَّذِينَ سُجِّلَتْ أسمَاؤُهُمْ فِي سِجِلِّ مَوَالِيدِ اللَّاوِيِّينَ. وَكَانَ عَلَى كُلِّ هَؤُلَاءِ الذُّكُورِ أنْ يَدْخُلُوا بَيْتَ اللهِ لِلخِدْمَةِ اليَوْمِيَّةِ لِلقِيَامِ بِوَاجِبَاتِهِمْ. فَكَانَ لِكُلِّ فِرقَةٍ مِنَ اللَّاوِيِّينَ مَسؤُولِيَّتُهَا الخَاصَّةُ. وَأُعْطِيَ الكَهَنَةُ حِصَّةً مِنْ هَذِهِ العَطَايَا، حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ وَطَرِيقَةِ تَسْجِيلهِمْ فِي نَسَبِ المَوَالِيدِ. وَأُعْطِيَ أيْضًا اللَّاوِيُّونَ مِنَ الَّذِينَ بَلَغُوا عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوقُ حِصَّةً مِنْ هَذِه العَطَايَا، حَسَبَ مَسؤُولِيَّاتِهمْ وَحَسَبَ فِرَقِهِمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ الكَهَنَةِ مَعَ أطْفَالِهِمْ وَزَوْجَاتِهِمْ وَأبْنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ جَمِيعًا، لِأنَّهُمْ كَانُوا طَاهِرِينَ دَائِمًا وَمُسْتَعِدِّينَ لِلخِدْمَةِ. وَكَانَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ بَعْضُ الكَهَنَةِ يَسْكُنُونَ فِي حُقُولٍ أوْ مُدُنٍ قُرْبَ مُدُنِ اللَّاوِيِّينَ. فَتَمَّ تَحْدِيدُ رِجَالٍ بِالِاسْمِ مِنْ كُلِّ مَدِينَةٍ مِنْ هَذِهِ المُدُنِ لِتَوْزِيعِ حِصَصِ هَذِهِ العَطَايَا عَلَى جَمِيعِ الذُّكُورِ مِنْ عَائِلَاتِ الكَهَنَةِ، وَجَمِيعِ المُسَجَّلَينَ فِي سِجِلِّ أنْسَابِ اللَّاوِيِّينَ. وَهَكَذَا عَمِلَ المَلِكُ حَزَقِيَّا كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ الصَّالِحَةِ فِي يَهُوذَا. عَمِلَ كُلَّ مَا هُوَ صَوَابٌ وَكُلَّ مَا هُوَ مُرْضٍ . وَقَدْ عَمِلَ بِكُلِّ قَلْبِهِ كُلِّ مَا عَمِلَهُ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ، وَفِي طَاعَةِ الشَّرِيعَةِ وَالوَصَايَا، وَفِي اتِّبَاعِ إلَهِهِ، فَنَجَحَ. بَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الأعْمَالِ الَّتِي عَمِلَهَا حَزَقِيَّا بِأمَانَةٍ، جَاءَ سَنْحَارِيبُ وَجَيْشُهُ إلَى يَهُوذَا، وَحَاصَرَ المُدُنَ المُحَصَّنَةَ بِهَدَفِ أنْ يَهْزِمَهَا وَيَسْتَوليَ عَلَيْهَا. وَأدرَكَ حَزَقِيَّا أنَّ سَنحَارِيبَ قَدْ أتَى نَاوِيًا مُهَاجَمَةَ القُدْسِ. فَتَحَدَّثَ حَزَقِيَّا مَعَ كِبَارِ مَسؤُولِيهِ وَقَادَةِ الجَيْشِ. فَاتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلَى طَمِّ مِيَاهِ اليَنَابِيعِ خَارِجَ المَدِينَةِ. فَسَاعَدَ هَؤُلَاءِ المَسؤُولُونَ وَقَادَةُ الجَيْشِ حَزَقِيَّا. وَتَجَمَّعَ جُمهُورٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَطَمُّوا اليَنَابِيعَ وَالجدْوَلَ المُتَدَفِّقَ إلَى وَسَطِ البَلَدِ وَقَالُوا: «لَا نُرِيدُ أنْ يَجِدَ مَلِكُ أشُّورَ مَاءً كَثِيرًا عِنْدَمَا يَصِلُ إلَى هُنَا!» وَحَصَّنَ حَزَقِيَّا القُدْسَ. فَأعَادَ بِنَاءَ الأجزَاءِ المُتَهَدِّمَةِ مِنَ السُّورِ. وَبَنَى أبرَاجًا عَلَى الأسوَارِ. وَبَنَى أيْضًا سُورًا آخَرَ خَارِجَ السُّورِ الأوَّلِ. وَحَصَّنَ القِلَاعَ عَلَى الجَانِبِ الشَّرقِيِّ فِي الجُزءِ القَديمِ مِنَ القُدْسِ. وَصَنَعَ أسلِحَةً وَتُرُوسًا كَثِيرَةً. وَعَيَّنَ حَزَقِيَّا ضُبَّاطَ حَرْبٍ لِيَكُونُوا مَسؤُولِينَ عَنِ الشَّعْبِ. وَاجتَمَعَ بِهِمْ فِي السَّاحَةِ المَفتُوحَةِ قُرْبَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ. وَكَلَّمَهُمْ حَزَقِيَّا وَشَجَّعَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: «كُونُوا أقوِيَاءَ وَشُجعَانًا. وَلَا تَخَافُوا مِنْ مَلِكِ أشُّورَ أوْ تَقْلَقُوا بِسَبَبِ الجَيْشِ الكَبِيرِ الَّذِي مَعَهُ. فَإنَّ مَا مَعَنَا مِنْ قُوَّةٍ يَفُوقُ مَا مَعَ مَلِكِ أشُّورَ! فَلَيْسَ لَدَى مَلِكِ أشُّورَ إلَّا بَشَرٌ. أمَّا نَحْنُ مَعَنَا. وَهُوَ سَيُعِينُنَا، وَيُحَارِبُ عَنَّا مَعَارِكَنَا!» فَاسْتَمَدَّ الشَّعْبُ شَجَاعَةً وَقُوَّةً مِنْ كَلَامِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. وَكَانَ سَنحَارِيبُ وَكُلُّ جَيْشِهِ مُخَيِّمِينَ قُرْبَ مَدِينَةِ لَخِيشَ يَنْوُونَ اقتِحَامَهَا. فَأرْسَلَ سَنحَارِيبُ خُدَّامَهُ إلَى حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا وَإلَى كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا فِي القُدْسِ فَقَالُوا: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ سَنحَارِيبُ مَلِكُ أشُّورَ: مَا الَّذِي تَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ، لَكَي تَحْتَمِلُوا الحِصَارَ فِي القُدْسِ؟ اعلَمُوا أنَّ حَزَقِيَّا يُضِلُّكُمْ وَيَخْدَعُكُمْ، وَهُوَ يُرِيدُ أنْ يُغوِيَكُمْ لِكَي تَبْقُوا فِي القُدْسِ لِتَمُوتُوا جُوعًا وَعَطَشًا بِقَولِهِ لَكُمْ: ‹سَيُنقِذُنَا مِنْ مَلِكِ أشُّورَ.› وَحَزَقِيَّا هُوَ نَفْسُهُ الَّذِي نَزَعَ المُرْتَفَعَاتِ وَالمَذَابِحَ. وَأمَرَكُمْ يَا أهْلَ يَهُوذَا وَالقُدْسِ بِأنْ تَعْبُدُوا وَتُحرِقُوا بَخُورًا عَلَى مَذْبَحٍ وَاحِدٍ فَقَطْ. أنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا فَعَلنَاهُ أنَا وَآبَائِي بِكُلِّ شُعُوبِ البُلْدَانِ الأُخرَى. لَمْ تَسْتَطِعْ آلِهَةُ تِلْكَ البُلدَانِ أنْ تُنقِذَ شُعُوبَهَا. وَلَمْ تَسْتَطِعْ أنْ تَمْنَعَنِي مِنَ القَضَاءِ عَلَيْهَا. أيَّةُ آلِهَةٍ استَطَاعَتْ أنْ تُنقِذَ شَعْبَهَا مِنْ آبَائِي الَّذِينَ قَضَوْا عَلَيْهِمْ؟ وَأيَّةُ آلِهَةٍ استَطَاعَتْ أنْ تُنقِذَ شَعْبَهَا مِنِّي؟ فَكَيْفَ تَتَوَقَّعُونَ أنْ يُنْقِذَكُمْ إلَهُكُمُ الوَاحِدُ مِنْ يَدِي؟ لَا تَدَعُوا حَزَقِيَّا يَخدْعُكُمْ أوْ يُضِلُّكُمْ. لَا تُصَدِّقُوهُ لِأنَّهُ مَا مِنْ إلَهِ أُمَّةٍ أوْ مَملَكَةٍ استَطَاعَ يَومًا أنْ يَحْمِيَ شَعْبَهُ مِنِّي أوْ مِنْ آبَائِي. فَلَا تَتَوَهَّمُوا أنَّ إلَهَكُمْ يَقْدِرُ عَلَى مَنعِي مِنَ القَضَاءِ عَلَيْكُمْ.» وَتَكَلَّمَ خُدَّامُ مَلِكِ أشُّورَ بِمَزِيدٍ مِنَ الشَّرِّ وَالتَّجْدِيفِ عَلَى وَخَادِمِهِ حَزَقِيَّا. وَكَتَبَ مَلِكُ أشُّورَ أيْضًا رَسَائِلَ فِيهَا ازْدِرَاءٌ وَإهَانَةٌ للهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، يَقُولُ فِيهَا: «لَمْ تَسْتَطِعْ آلِهَةُ الشُّعُوبِ الأُخرَى أنْ تَمْنَعَنِي مِنَ القَضَاءِ عَلَى شُعُوبِهَا. كَذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُ إلَهُ حَزَقِيَّا أنْ يُنْقِذَ شَعْبَهُ مِنِّي.» ثُمَّ نَادَى خُدَّامُ مَلِكِ أشُّورَ بِصَوْتٍ عَالٍ عَلَى أهْلِ القُدْسِ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى سُورِ المَدِينَةِ. وَكَلَّمُوهُمْ بِالعِبْرِيَّةِ. أرَادُوا أنْ يُرهِبُوهُمْ لِيَتَمَكَّنُوا مِنَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَجَّهَ خُدَّامُ المَلِكِ إهَانَاتٍ لِإلَهِ القُدْسِ بِالطَّرِيقَةِ نَفسِهَا الَّتِي وَجَّهُوا فِيهَا إهَانَاتٍ لِآلِهَةِ الأُمَمِ الأُخرَى الَّتِي خَلَقَهَا النَّاسُ بِأيدِيهِمْ. فَصَلَّى المَلِكُ حَزَقِيَّا وَالنَّبِيُّ إشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ بِشَأنِ هَذَا الأمْرِ، وَصَرَخُوا إلَى إلَهِ السَّمَاءِ. فَأرْسَلَ اللهُ مَلَاكًا إلَى مُخَيَّمِ مَلِكِ أشُّورَ. فَقَتَلَ المَلَاكُ جَمِيعَ الجُنُودِ وَالقَادَةِ وَالضُّبَّاطِ فِي الجَيْشِ الأشُّورِيِّ. فَرَجِعَ مَلِكُ أشُّورَ إلَى وَطَنِهِ بِالخَيبَةِ وَالخِزْيِّ. فَدَخَلَ إلَى هَيْكَلِ إلَهِهِ، وَقَتَلَهُ بَعْضُ أوْلَادِهِ بِالسَّيْفِ. وَهَكَذَا أنقَذَ اللهُ حَزَقِيَّا وَالشَّعْبَ فِي القُدْسِ مِنْ يَدِ سَنحَارِيبَ مَلِكِ أشُّورَ وَمِنْ جَمِيعِ أعْدَائِهِ، وَأعْطَاهُمْ رَاحَةً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. فَأحضَرَ كَثِيرُونَ عَطَايَا للهِ فِي القُدْسِ، وَهَدَايَا ثَمِينَةً لِحَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. وَمِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ صَارَتِ الشُّعُوبُ كُلُّهَا تَحْسِبُ لِحَزَقِيَّا حِسَابًا. وَفِي تِلْكَ الأيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا وَقَارَبَ المَوْتَ. فَصَلَّى إلَى اللهِ . فَكَلَّمَ اللهُ حَزَقِيَّا وَأعْطَاهُ عَلَامَةً. لَكِنَّ قَلْبَ حَزَقِيَّا تَكَبَّرَ، فَلَمْ يَسْتَجِبِ استِجَابَةً لَائقَةً بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ. فَحَلَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى حَزَقِيَّا وَعَلَى أهْلِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ. فَتَوَاضَعَ حَزَقِيَّا وَتَابَ عَنْ كِبريَاءِ قَلْبِهِ، هُوَ وَأهْلُ القُدْسِ مَعَهُ، فَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ طَوَالَ حَيَاةِ حَزَقِيَّا. وَكَانَ لِحَزَقِيَّا ثَروَةٌ وَكَرَامَةٌ كَبِيرَتَانِ جِدًّا. فَصَنَعَ خَزَائِنَ لِحِفظِ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالأحجَارِ الكَرِيمَةِ وَالأطيَابِ وَالتُّرُوسِ وَكُلِّ الأشْيَاءِ الثَّمِينَةِ. وَكَانَتْ لَدَيهِ مَخَازِنُ لِلقَمْحِ وَالنَّبِيذِ وَالزَّيْتِ الَّتِي كَانَ الشَّعْبُ يُرسِلُهَا إلَيْهِ، وَحَظَائِرُ لِلحَيَوَانَاتِ وَالمَاشِيَةِ المُختَلِفَةِ. وَبَنَى حَزَقِيَّا أيْضًا مُدُنًا كَثِيرَةً، وَكَانَ لَدَيهِ قُطعَانٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الغَنَمِ وَالبَقَرِ، لِأنَّ اللهَ أغنَاهُ كَثِيرًا جِدًّا. وَحَزَقِيَّا هُوَ الَّذِي سَدَّ المَنْبَعَ العُلوِيَّ لِمِيَاهِ يُنْبُوعِ جِيحُونَ فِي القُدْسِ، وَجَعَلَ هَذِهِ المِيَاهَ تَجْرِي مُبَاشَرَةً إلَى الجَانِبِ الغَربِيِّ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ. فَوَفَّقَهُ اللهُ فِي كُلِّ مَا عَمِلَ. وَأرْسَلَ أحَدُ قَادَةِ بَابِلَ رُسُلًا إلَى حَزَقِيَّا. وَسَألُوهُ عَنِ الأُمُورِ العَجِيبةِ العَظِيمَةِ الَّتِي حَدَثَتْ فِي بَلَدِهِ. فَلَمَّا جَاءُوا، تَرَكَهُ اللهُ وَحْدَهُ لِيَمْتَحِنَهُ وَلِيَعْرِفَ كُلَّ مَا فِي قَلْبِهِ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ حَزَقِيَّا، وَإنجَازَاتِهِ الصَّالِحَةِ، فَهِيَ مُدُوَّنَةٌ فِي كِتَابِ رُؤيَا إشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، وَفِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإسْرَائِيلَ. وَمَاتَ حَزَقِيَّا وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ. دَفَنَهُ الشَّعْبُ عَلَى التَّلَّةِ حَيْثُ قُبُورُ آبَائِهِ، أبْنَاءِ دَاوُدَ. فَأكرَمَهُ جَمِيعُ أهْلِ يَهُوذَا وَسُكَّانُ القُدْسِ. وَخَلَفَهُ ابْنُهُ مَنَسَّى فِي الحُكْمِ. كَانَ مَنَسَّى فِي الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا اعْتَلَى عَرْشَ يَهُوذَا. وَحَكَمَ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَفَعَلَ مَنَسَّى الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَتَبَنَّى المُمَارَسَاتِ البَشِعَةَ لِلشُّعُوبِ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنَ الأرْضِ الَّتِي أخَذَهَا بَنُو إسْرَائِيلَ. وَأعَادَ مَنَسَّى بِنَاءَ المُرْتَفَعَاتِ الَّتِي كَانَ قَدْ هَدَمَهَا أبُوهُ حَزَقِيَّا، وَأعَادَ بِنَاءَ مَذَابِحَ لِلبَعلِ وَنَصَبَ أعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ. وَعَبَدَ نُجُومَ السَّمَاءِ وَخَدَمَهَا. وَبَنَى مَذَابِحَ لِلآلِهَةِ الزَّائِفَةِ فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي قَالَ عَنْهُ اللهُ : «سَيَكُونُ اسْمِي إلَى الأبَدِ فِي القُدْسِ.» وَبَنَى مَنَسَّى مَذَابِحَ لِنُجُومِ السَّمَاءِ فِي سَاحَتَي بَيْتِ اللهِ . وَأحْرَقَ ابْنَهُ فِي النَارِ كَقُرْبَانٍ فِي وَادِي ابْنِ هَنُّومَ. وَاسْتَعَانَ بِالسِّحْرِ وَالعِرَافَةِ لِمُحَاوَلَةِ مَعْرِفَةِ المُسْتَقْبَلِ. وَاسْتَخْدَمَ وُسَطَاءَ وَمُشَعْوَذِينَ. وَأكثَرَ مَنَسَّى مِنْ عَمَلِ الشَّرِّ أمَامَ اللهِ ، فَغَضِبَ اللهُ غَضَبًا شَدِيدًا. وَصَنَعَ مَنَسَّى تِمثَالًا لِوَثَنٍ، وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ لِدَاوُدَ وَابِنِهِ سُلَيْمَانَ عَنْهُ: «اختَرْتُ القُدْسَ مِنْ كُلِّ مُدُنِ إسْرَائِيلَ. سَأضَعُ اسْمِي فِي الهَيْكَلِ فِي القُدْسِ إلَى الأبَدِ. وَلَنْ أدَعَهُمْ يُبْعَدوُنَ مِنَ الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِآبَائِهِمْ، بَلْ سَأُبْقِيهِمْ فِي أرْضِهِمْ، إنْ أطَاعُوا كُلَّ وَصَايَايَ وَكُلَّ التَّعَالِيمِ الَّتِي أعْطَاهَا لَهُمْ عَبدِي مُوسَى.» وَشَجَّعَ مَنَسَّى أهْلَ يَهُوذَا وَأهْلَ القُدْسِ عَلَى الضَّلَالِ. فَعَمِلُوا شُرُورًا أكْثَرَ وَأقبَحَ مِنْ كُلِّ الشُّرُورِ الَّتِي مَارَسَتْهَا الشُّعُوبُ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ كَنْعَانَ قَبْلَ دُخُولِ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَيْهَا. وَكَلَّمَ اللهُ مَنَسَّى وَشَعْبَهُ، لَكِنَّهُمْ أغلَقُوا آذَانَهُمْ، فَلَمْ يَسْتَمِعُوا إلَيْهِ. فَأرْسَلَ اللهُ جَيْشَ أشُّورَ بِقِيَادَةِ كِبَارِ قَادَةِ مَلِكِ أشُّورَ لِمُهَاجَمَةِ يَهُوذَا. فَألقَوْا القَبْضَ عَلَى مَنَسَّى وَأسَرُوهُ، وَوَضَعُوا فِي أنفِهِ خِزَامَةً اقتَادُوهُ بِهَا. وَكَبَّلُوا يَدَيهِ بِسَلَاسِلَ نُحَاسِيَّةٍ، وَجَرُّوهُ إلَى بَابِلَ. فَلَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ المَصَائِبُ عَلَى رَأسِ مَنَسَّى، تَابَ إلَى اللهِ إلَهِهِ وَطَلَبَ عَوْنَهُ. وَتَوَاضَعَ كَثِيرًا أمَامَ إلَهِ آبَائِهِ. صَلَّى مَنَسَّى إلَى اللهِ وَاستَنْجَدَ بِهِ. فَسَمِعَ اللهُ تَضَرُّعَاتِهِ وَتَحَنَّنَ عَلَيْهِ. وَأرْجَعَهُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَإلَى عَرشِهِ. فَعَرَفَ مَنَسَّى حِينَئِذٍ، أنَّ يهوه هُوَ اللهُ حَقًّا. وَبَعْدَ ذَلِكَ بَنَى مَنَسَّى سُورًا عَالِيًا حَوْلَ مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَامتَدَّ السُّورُ غَربِيَّ عَيْنِ جِبْعُونَ فِي وَادِي قَدْرُونَ، إلَى مَدْخَلِ بَوَّابَةِ السَّمَكِ، وَحَولَ تَلِّ عُوفِلَ. ثُمَّ وَضَعَ ضُبَّاطًا فِي كُلِّ حُصُونِ يَهُوذَا. وَنَزَعَ أصْنَامَ الآلِهَةِ الغَرِيبَةِ. وَأزَالَ الصَّنَمَ مِنْ بَيْتِ اللهِ . وَنَزَعَ كُلَّ المَذَابِحِ الَّتِي بَنَاهَا عَلَى تَلِّ بَيْتِ اللهِ وَفِي القُدْسِ، وَطَرَحَهَا كُلَّهَا بَعيدًا عَنْ مَدِينَةِ القُدْسِ. ثُمَّ نَصَبَ مَذْبَحَ اللهِ وَقَدَّمَ عَلَيْهِ ذَبَائِحَ شَرِكَةٍ وَتَقْدِمَاتِ شُكرٍ. وَأمَرَ مَنَسَّى شَعْبَ يَهُوذَا بِأنْ يَعْبُدُوا اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ، وَيَخْدِمُوهُ. وَاستَمَرَّ الشَّعْبُ فِي تَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ فِي المُرْتَفَعَاتِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُقَدِّمُونَهَا إلَّا . أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ مَنَسَّى، صَلَوَاتِهِ لِإلَهِهِ وَكَلَامِ الرَّائِينَ الَّذِينَ كَلَّمُوهُ بِاسْمِ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ السِّجِلَّاتِ الرَّسمِيَّةِ لِمُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَصَلَاةُ مَنَسَّى وَاستِجَابَةُ الله لِصَلَاتِهِ وَتَحَنُّنُهُ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَاب الرَّائِينَ. كَذَلِكَ كُلُّ خَطَايَاهُ، وَعَدَمِ أمَانَتِهِ قَبْلَ تَوَاضُعِهِ فِي حَضْرَةِ اللهِ، وَالأمَاكِنُ الَّتِي بَنَى فِيهَا مُرتَفَعَاتٍ وَأقَامَ أعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ الرَّائِينَ. وَمَاتَ مَنَسَّى وَدُفِنَ مَعَ آبَائِه. وَدَفَنَهُ الشَّعْبُ فِي بَيْتِهِ المَلَكِيِّ. وَخَلَفَهُ عَلَى العَرْشِ ابْنُهُ آمُون. كَانَ آمُونُ فِي الثَّانِيَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا اعتَلَى العَرْشَ. وَحَكَمَ سَنَتَيْنِ فِي القُدْسِ. وَعَمِلَ آمُونُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ كَأبِيهِ مَنَسَّى. وَقَدَّمَ آمُونُ ذَبَائِحَ لِكُلِّ الأوْثَانِ وَالتَّمَاثِيلِ المَنحُوتَةِ الَّتِي عَمِلَهَا أبُوهُ، وَعَبَدَهَا. وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أمَامَ اللهِ كَمَا تَوَاضَعَ أبُوهُ مَنَسَّى، بَلْ تَمَادَى آمُونُ فِي الشَّرِّ كَثِيرًا. فَتَآمَرَ عَلَيْهِ خُدَّامُهُ، وَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ. فَقَامَ شَعْبُ البَلَدِ وَقَتَلُوا كُلَّ الَّذِينَ تَآمَرُوا عَلَى آمُونَ. ثُمَّ نَصَّبُوا ابْنَهُ يُوشِيَّا مَلِكًا بَعْدَهُ. كَانَ يُوشِيَّا فِي الثَّامِنَةِ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَعَمِلَ يُوشِيَّا مَا يُرْضِي اللهَ . وَتَبِعَ اللهَ بِكُلِّ أمَانَةٍ كَجَدِّهِ دَاوُدَ. وَالتَزَمَ بِهَذَا التِزَامًا كَامِلًا. وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ حُكمِهِ، بَدَأ يَتْبَعُ اللهَ الَّذِي تَبِعَهُ جَدُّهُ دَاوُدُ. فَقَدْ كَانَ بَعْدُ صَغِيرًا فِي السِّنِّ عِنْدَمَا عَزَمَ عَلَى تَكْرِيسِ نَفْسِهِ لِطَاعَةِ اللهِ. وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكمِهِ بَدَأ يُطَهِّرُ يَهُوذَا وَالقُدْسَ بِهَدْمِ المُرْتَفَعَاتِ، وَإزَالَةِ أعمِدَةِ عَشْتَرُوتَ، وَالتَّمَاثِيلِ المَنحُوتَةِ وَالأصْنَامِ المَسْبُوكَةِ. وَهَدَمَ الشَّعْبُ مَذَابِحَ آلِهَةِ البَعْلِ أمَامَ يُوشِيَّا. ثُمَّ هَدَمَ يُوشِيَّا مَذَابِحَ البَخُورِ العَالِيَةِ. وَكَسَّرَ الأوْثَانَ المَنحُوتَةَ وَالأوْثَانَ المَسْبُوكَةَ، وَسَحَقَهَا، وَرَشَّ مَسحُوقَهَا عَلَى قُبُورِ الَّذِينَ قَدَّمُوا ذَبَائِحَ لَهَا. وَحَرَقَ عِظَامَ الكَهَنَةِ عَلَى مَذَابِحِهِمْ. وَهَكَذَا طَهَّرَ يَهُوذَا وَالقُدْسَ. وَفَعَلَ يُوشِيَّا الأمْرَ ذَاتَهُ فِي المُدُنِ الوَاقِعَةِ فِي مَنَاطِقِ مَنَسَّى وَأفرَايِمَ وَشَمْعُونَ حَتَّى نَفْتَالِي، مَعَ الخَرَائِبِ المُحِيطَةِ بِهَا. وَهَدَمَ المَذَابِحَ وَقَطَّعَ أعمِدَةَ عَشْتَرُوتَ. وَسَحَقَ الأصْنَامَ حَتَّى صَارَتْ مَسْحُوقًا نَاعِمًا. وَهَدَمَ جَمِيعَ مَذَابِحِ البَعْلِ فِي إسْرَائِيلَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ عَادَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ يُوشِيَّا، وَبِقَصْدِ تَطْهِيرِ البَلَدِ وَالهَيْكَلِ، أرْسَلَ يُوشِيَّا شَافَانَ بْنَ أصَلْيَا، وَمَعْسِيَّا رَئِيسَ المَدِينَةِ، وَيُوآخَ بْنَ يُوآحَازَ كَاتِبَ الأخْبَارِ لِكَي يُرَمِّمُوا بَيْتَ . أمَرَ يُوشِيَّا بِإصلَاحِ الهَيْكَلِ لِكَي يُطَهِّرَ يَهُوذَا وَالهَيْكَلَ. فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ إلَى حِلْقِيَّا رَئِيسِ الكَهَنَةِ، وَأعْطَوْهُ المَالَ المُقَدَّمَ مِنْ أجْلِ بَيْتِ اللهِ، الَّذِي كَانَ قَدْ جَمَعَهُ البَوَّابُونَ اللَّاوِيُّونَ مِنْ سُكَّانِ مَنَسَّى وَأفرَايِمَ وَمِنْ كُلِّ مَنْ تَبَقَّى مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَمِنْ يَهُوذَا، وَبَنْيَامِينَ وَسُكَّانِ القُدْسِ. وَأعْطَى اللَّاوِيُّونَ المَالَ لِلمُشرِفِينَ عَلى بَيْتِ اللهِ ، لِيَدْفَعُوا أُجْرَةَ العُمَّالِ القَائِمِينَ علَى تَرْمِيمِ وَإصلَاحِ بَيْتِ اللهِ . وَأعْطَوْا مَالًا لِلنَّجَّارِينَ وَالبَنَّائِينَ لِكَي يَشْتَرُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً مَقطُوعَةً وَخَشَبًا لِلسُّقُوفِ وَبِنَاءِ عَوَارضَ لِلأبنِيَةِ. إذْ لَمْ يَهْتَمَّ مُلُوكُ يَهُوذَا فِي السَّابِقِ بِأبنِيَةِ الهَيْكَلِ، فَصَارَتْ قَدِيمَةً وَتَالفَةً. وَعَمِلَ العُمَّالُ بِأمَانَةٍ. وَكَانَ يُشرِفُ عَلَيْهِمْ يَحَثٌ وَعُوبَدْيَا اللَّاوِيَّانِ مِنْ نَسْلِ مَرَارِي، وَزَكَرِيَّا وَمَشُلَّامُ مِنَ القَهَاتِيِّينَ. وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ المُبدِعُونَ فِي عَزْفِ الآلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ يُشرفُونَ أيْضًا عَلَى العُمَّالِ وَكُلِّ العَامِلِينَ فِي كُلِّ اختِصَاصٍ. وَعَمِلَ بَعْضُ اللَّاوِيِّينَ وُكَلَاءَ وَمَسؤُولِينَ وَبَوَّابِينَ. وَأخرَجَ اللَّاوِيُّونَ المَالَ الَّذِي فِي بَيْتِ اللهِ . وَأثنَاءَ ذَلِكَ، وَجَدَ الكَاهِنُ حِلَقِيَّا كِتَابَ شَرِيعَةِ اللهِ الَّذِي أُعْطِيَ لمُوسَى. وَقَالَ حِلْقِيَّا لِلوَكِيلِ شَافَانَ: «هَا قَدْ وَجَدْتُ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ اللهِ !» وَأعْطَى حِلْقِيَّا الكِتَابَ لِشَافَانَ. فَأخَذَ شَافَانُ السِّفرَ إلَى المَلِكِ يُوشِيَّا. وَقَالَ لِلمَلِكِ: «إنَّ خُدَّامَكَ يُنَفِّذُونَ كُلَّ الوَاجِبَاتِ الَّتِي أوكَلْتَهَا إلَيْهِمْ. وَقَدْ أخرَجُوا المَالَ الَّذِي فِي هَيْكَلِ اللهِ ، وَهُمْ يَدْفَعُونَ لِلمُشرِفِينَ وَالعُمَّالِ أُجُورَهُمْ.» وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الوَكِيلُ شَافَانُ لِلمَلِكِ: «لَقَدْ أعطَانِي الكَاهِنُ حِلْقِيَّا هَذَا الكِتَابَ.» وَقَرَأ شَافَانُ الكِتَابَ عَلَى المَلِكِ. فَلَمَّا سَمِعَ المَلِكُ كَلَامَ كِتَابِ الشَّرِيعَةِ، مَزَّقَ مَلَابِسَهُ حُزْنًا وَتَذَلُّلًا. ثُمَّ وَجَّهَ المَلِكُ أمْرًا إلَى حِلْقِيَا، وَأخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ، وَعَبْدُونَ بْنِ مِيخَا، وَالوَكيلِ شَافَانَ، وَخَادِمِ المَلِكِ عَسَايَا. قَالَ المَلِكُ: «اذْهَبُوا وَاسْألُوا اللهَ مَاذَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أنْ نَفْعَلَ. اسْألُوهُ مِنْ أجْلِي، وَمِنْ أجْلِ الشَّعْبِ، وَمِنْ أجْلِ يَهُوذَا. وَاسْألُوا عَنْ كَلَامِ هَذَا الكِتَابِ الَّذِي وَجَدْنَاهُ. فَاللهُ غَاضِبٌ عَلَيْنَا، لِأنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَعْمَلُوا بِكَلَامِ هَذَا الكِتَابِ، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِكُلِّ الوَصَايَا الَّتِي كُتِبَتْ لَنَا لِنَعَمَلَ بِهَا!» فَذَهَبَ حِلْقِيَا وَخُدَّامُ المَلِكِ إلَى النَّبِيَّةِ خَلْدَةَ – وَهِيَ زَوْجَةُ شَلُّومَ بْنِ تُوقَهَةَ بْنِ حَسْرَةَ المَسْؤُولِ عَنْ ثِيَابِ الكَهَنَةِ. وَكَانَتْ تَسْكُنُ فِي القِسْمِ الثَّانِي مِنَ القُدْسِ. فَجَاءُوا وَتَحَدَّثُوا إلَيْهَا. فَقَالَتْ لَهُمْ خَلْدَةُ: «يَقُولُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹قُولُوا لِلرَّجُلِ الَّذِي أرْسَلَكُمْ إلَيَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : أنَا جَالِبٌ ضِيقًا عَلَى هَذَا المَكَانِ وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِيهِ. سَأجْلِبُ عَلَيْهِمْ كُلَّ اللَّعَنَاتِ المَذْكُورَةِ فِي الكِتَابِ الَّذِي قَرأهُ مَلِكُ يَهُوذَا. لِأنَّ شَعْبَ يَهُوذَا تَرَكُونِي وَأدَارُوا لِي ظُهُورَهُمْ وَأحْرَقُوا بَخُورًا لِآلِهَةٍ أُخْرَى صَنَعُوهَا بِأيدِيهِمْ، فَأغْضَبُونِي. فَسَيَكُونُ غَضَبِي نَارًا لَا تَنْطَفِئُ عَلَى هَذَا المَكَانِ!› «وَأمَّا يُوشِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا الَّذِي أرسَلَكُمْ لِتَسألُوا اللهَ ، فَقُولُوا لَهُ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، عَنِ الكَلَامِ الَّذِي سَمِعْتَهُ للتَّوِّ: ‹قَدْ تَابَ قَلْبُكَ وَتَوَاضَعْتَ فِي حَضْرَةِ اللهِ عِنْدَمَا سَمِعْتَ هَذَا الكَلَامَ، وَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ وَبَكَيتَ أمَامِي، وَأنَا قَدْ سَمِعْتُكَ. يَقُولُ اللهُ . لِذَلِكَ سَأجمَعُكَ بِآبَائِكَ، وَسَتَمُوتُ بِسَلَامٍ. لَنْ تَرَى أيًّا مِنَ الضِّيقَاتِ الَّتِي سَأُرْسِلُهَا عَلَى الشَّعْبِ السَّاكِنِينَ هُنَا.›» فَحَمَلَ حِلْقِيَا هَذَا الجَوَابَ إلَى المَلِكِ. فَاسْتَدْعَى المَلِكُ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ لِلِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ ذَهَبَ المَلِكُ إلَى بَيْتِ اللهِ . وَرَافَقَهُ جَمِيعُ أهْلِ يَهُوذَا وَأهْلِ القُدْسِ وَالكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ، مِنْ أصْغَرِهِمْ شَأنًا إلَى أرْفَعِهِمْ شَأنًا. ثُمَّ قَرَأ كِتَابَ العَهْدِ – أيْ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ الَّذِي عُثِرَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ اللهِ – قَرَأهُ بِصَوْتٍ عَالٍ لِيَسْمَعَهُ الجَمِيعُ. ثُمَّ وَقَفَ المَلِكُ فِي مَكَانِهِ، وَقَطَعَ عَهْدًا فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَتَعَهَّدَ بِأنْ يَتْبَعَ اللهَ وَيُطِيعَ وَصَايَاهُ وَعَهْدَهُ وَقَوَانِينَهُ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ وَنَفْسِهِ. تَعَهَّدَ بِأنْ يَعْمَلَ بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي هَذَا الكِتَابِ. وَوَقَفَ الشَّعْبُ كُلُّهُ شُهُودًا عَلَى هَذَا. ثُمَّ جَعَلَ يُوشِيَّا كُلَّ سُكَّانِ القُدْسِ وَبَنْيَامِينَ يَتَعَهَّدُونَ بِالِالتِزَامِ بِالعَهْدِ. فَالتَزَمَ سُكَّانُ القُدْسِ بِعَهْدِ اللهِ، إلَهِ آبَائِهِمْ. وَأزَالَ يُوشِيَّا الأوْثَانَ البَغيضَةَ مِنْ كُلِّ مِنْطَقَةٍ مِنْ أرَاضِي إسْرَائِيلَ. وَجَعَلَ كُلَّ الشَّعْبِ فِي القُدْسِ يَعْبُدُونَ وَيَخْدِمُونَهُ. وَظَلَّ الشَّعْبُ يَعْبُدُونَ اللهَ ، إلَهَ آبَائِهِمْ، وَيَخْدِمُونَهُ طَوَالَ حَيَاةِ يُوشِيَّا. وَعَمِلَ يُوشِيَّا احتِفَالًا بِالفِصْحِ فِي القُدْسِ إكرَامًا للهِ . وَذَبَحُوا حَمَلَ الفِصْحِ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ. فَعَيَّنَ يُوشِيَّا الكَهَنَةَ لِلقِيَامِ بِمَسؤُولِيَّاتِهِمْ. وَكَانَ يُشَجِّعُهُمْ عَلى الخِدْمَةِ فِي بَيْتِ اللهِ . وَتَحَدَّثَ يُوشِيَّا إلَى اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَلِّمُونَ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ أنْ تَطَهَّرُوا اسْتِعْدَادًا لِخِدْمَةِ اللهِ ، وَقَالَ لَهُمْ: «ضَعُوا صُنْدُوقَ العَهْدِ فِي الهَيْكَلِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ. وَلَنْ تُضطَرُّوا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حَمْلهِ مِنْ مَكَانٍ إلَى آخَرَ عَلَى أكتَافِكُمْ. وَالْآنَ اخدِمُوا ، وَاخدِمُوا شَعْبَهُ إسْرَائِيلَ. أعِدُّوا أنْفُسَكُمْ لِلخِدْمَةِ فِي الهَيْكَلِ حَسَبَ مَجمُوعَاتِ عَائِلَاتِكُمْ. وَقُومُوا بِكُلِّ الوَاجِبَاتِ الَّتِي أوْكَلَهَا إلَيكُمْ دَاوُدُ مَلِكُ إسْرَائِيلَ وَابْنُهُ سُلَيْمَانُ. قِفُوا فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ حَسَبَ مَجمُوعَاتِ عَائِلَاتِ اللَّاوِيِّينَ، مَجمُوعَةً بَعْدَ مَجمُوعَةٍ لِكَي تُسَاعِدُوهُمْ. وَاذبَحُوا خِرَافَ الفِصْحِ، وَقَدِّسُوا أنْفُسَكُمْ للهِ . وَسَاعِدُوا إخْوَتَكُمْ، بَنِي إسْرَائِيلَ، فِي تَقْدِيسِ أنْفُسِهِمْ لِكَي يَعْمَلُوا بِكُلِّ كَلَامِ اللهِ الَّذِي أعطَاهُ لَنَا اللهُ عَلَى لِسَانِ مُوسَى.» وَأعْطَى يُوشِيَّا بَنِي إسْرَائِيلَ ثَلَاثِينَ ألْفَ رَأسٍ مِنَ الغَنَمِ وَالمَاعِزِ لِيَذْبَحُوهَا لِلفِصْحِ. وَأعْطَاهُمْ أيْضًا ثَلَاثَةَ آلَافِ رَأسِ بَقَرٍ. أعطَاهُمْ هَذِهِ المَوَاشِي كُلَّهَا مِنْ مُلكِهِ الخَاصِّ. وَأعْطَى كِبَارُ مَسؤُولِي يُوشِيَّا أيْضًا مَوَاشيَ وَأشْيَاءَ أُخْرَى لِلشَّعْبِ وَالكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ. وَكَانَ حِلْقِيَّا وَزَكَرِيَّا وَيَحِيئيلُ مَسؤُولِينَ عَنِ بَيْتِ اللهِ. قَدَّمَ هَؤُلَاء المَسؤُولُونَ لِلكَهَنَةِ ألفَينِ وَسِتَّ مئَةِ حَمَلٍ وَتَيسٍ وَثَلَاثَ مِئَةِ ثَورٍ ذَبَائِحَ لِلفِصْحِ. وَأعْطَى أيْضًا كُونَنْيَا مَعَ شَمَعْيَا وَنَثْنِيئِيلَ أخَوَيهِ خَمْسَ مِئَةِ رَأسٍ مِنَ الغَنَمِ وَالتُّيُوسِ وَخَمْسَ مِئَةِ ثَورٍ للَّاوِيِّينَ ذَبَائِحَ فِصْحٍ. وَلَمَّا صَارَ كُلُّ شَيءٍ مُعَدًّا لِبَدءِ خِدْمَةِ الفِصْحِ، ذَهَبَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ إلَى أمَاكِنِهِمْ، حَسَبَ أمْرِ المَلِكِ. فَذُبِحَتْ خِرَافُ الفِصْحِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَلَخَ اللَّاوِيُّونَ جُلُودَهَا وَأعْطَوْا دَمَهَا لِلكَهَنَةِ. فَرَشَّ الكَهَنَةُ الدَّمَ عَلَى المَذْبَحِ. ثُمَّ وَزَّعُوا الحَيَوَانَاتِ المُعَدَّةَ لِلذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ عَلَى مَجمُوعَاتِ العَائِلَاتِ المُختَلِفَةِ، لِكَي تُقَدَّمَ للهِ وَفْقَ شَرِيعَةِ مُوسَى. وَهَكَذَا فَعَلُوا بِالبَقَرِ. وَشَوَى اللَّاوِيُّونَ ذَبَائِحَ الفِصْحِ عَلَى النَّارِ كَمَا تَقْضِي الشَّرِيعَةُ. وَسَلَقُوا الذَّبَائِحَ المُقَدَّسَةَ فِي قُدُورٍ وَأبَارِيقَ وَمَقَالٍ. ثُمَّ سَارَعُوا إلَى إعطَاءِ اللَّحمِ إلَى الشَّعْبِ لِيَأْكُلُوا. وَبَعْدَ أنْ انتَهَوْا مِنْ ذَلِكَ، أعَدَّ اللَّاوِيُّونَ لَحْمًا لِأنفُسِهِمْ وَلِلكَهَنَةِ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ. فَقَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ الكَهَنَةُ مُنهَمِكِينَ فِي العَمَلِ حَتَّى حُلُولِ الظَّلَامِ. إذْ عَمِلُوا بِجِدٍّ عَلَى حَرْقِ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَشَحْمِ الذَّبَائِحِ. وَأخَذَ المُرَنِّمُونَ مِنْ عَائِلَةِ آسَافَ أمَاكِنَهُمُ الَّتِي عَيَّنَهَا لَهُمُ المَلِكُ دَاوُدُ. وَهُمْ آسَافُ وَهَيمَانُ وَيَدُوثُونُ رَائِي المَلِكِ. وَلَمْ يُضطَرَّ البَوَّابُونَ الوَاقِفُونَ عِنْدَ البَوَّابَاتِ إلَى تَرْكِ أمَاكِنِهِمْ، لِأنَّ إخْوَتَهُمُ اللَّاوِيِّينَ أعَدُّوا لَهُمْ كُلَّ شَيءٍ لِلفِصْحِ. فَتَمَّ كُلُّ شَيءٍ مُتَعَلِّقٍ بِخِدْمَةِ اللهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ كَمَا أمَرَ المَلِكُ يُوشِيَّا. فَقَدِ احتُفِلَ بِالفِصْحِ وَقُدِّمَتِ الذَّبَائِحُ عَلَى مَذْبَحِ اللهِ . وَاحتَفَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ الحَاضِرُونَ بِعَيدِ الفِصْحِ وَعيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ سَبْعَةَ أيَّامٍ. وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا الِاحْتِفَالِ مُنْذُ أيَّامِ النَّبِيِّ صَمُوئيلَ! إذْ لَمْ يَحْتَفِلْ أيٌّ مِنْ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ بِالفِصحِ عَلَى هَذَا النَّحوِ الفَرِيدِ الَّذِي احتَفَلَ بِهِ يُوشِيَّا وَالكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ وَكُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا وَإسْرَائِيلَ الحَاضرِينَ وَسُكَّانِ القُدْسِ. وَقَدْ أُقِيمَ هَذَا الِاحْتِفَالُ بِالفِصْحِ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ يُوشِيَّا. عَمِلَ يُوشِيَّا كُلَّ هَذِهِ الأشْيَاءِ الصَّالِحَةِ مِنْ أجْلِ الهَيْكَلِ. وَفِيمَا بَعْدُ، جَاءَ نَخُوٌ مَلكُ مِصْرٍ عَلَى رَأسِ جَيْشٍ لِيَخُوضَ حَرْبًا فِي مَدِينَةِ كَرْكَمِيشَ عَلَى نَهْرِ الفُرَاتِ. فَخَرَجَ المَلِكُ يُوشِيَّا لِيَعْتَرِضَ طَرِيقَهُ. فَأرْسَلَ نَخُوُ رُسُلًا لِيُوشِيَّا. وَقَالُوا لَهُ: «لَيْسَتْ هَذهِ الحَرْبُ حَربَكَ. فَلِمَاذَا تُقحِمُ نَفْسَكَ فِيهَا؟ فَأنَا لَمْ آتِ لِأشُنَّ عَلَيْكَ حَربًا. بَلْ جِئتُ لِأُحَارِبَ أعْدَائي. وَقَدْ أمَرَنِي اللهُ بِأنْ أُسرِعَ فِي مَهَمَّتِي. فَاللهُ مَعي. فَإنْ حَارَبْتَنِي، فَإنَّكَ إنَّمَا تُحَارِبُ اللهَ. وَهُوَ سَيَقْضِي عَلَيْكَ!» لَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْنِ يُوشِيَّا عَنْ عَزمِهِ عَلَى مُحَارَبَةِ نَخُوَ. فَتَنَكَّرَ فِي زِيٍّ آخَرَ وَاشتَبَكَ مَعَهُ فِي مَعرَكَةٍ. وَلَمْ يَشَأ يُوشِيَّا أنْ يُصغِيَ إلَى مَا قَالَهُ نَخُوُ عَنْ أمْرِ اللهِ. بَلْ ذَهَبَ إلَى سَهلِ مَجِدُّو لِيُحَارِبَهُ. فَأُصِيبَ المَلِكُ يُوشِيَّا بسَهمٍ. فَقَالَ لِخُدَّامِهِ: «أخرِجُونِي مِنَ المَعْرَكَةِ، لِأنِّي قَدْ جُرِحْتُ جُرحًا بَالِغًا!» فَأخرَجَهُ خُدَّامُهُ مِنْ مَرْكَبَتِهِ وَوَضَعُوهُ فِي مَرْكَبَةٍ أُخْرَى أحضَرَهَا إلَى المَعْرَكَةِ. وَنَقَلُوهُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ حَيْثُ مَاتَ. وَدُفِنَ يُوشِيَّا فِي مِقبَرَةِ آبَائِهِ. وَنَاحَ عَلَيْهِ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ. وَكَتَبَ إرْمِيَا مَرْثَاةً لِيُوشِيَّا وَغَنَّاهَا. وَمَا يَزَالُ المُغَنُّونَ وَالمُغَنِّيَاتُ يُغَنُّونَ مَرَاثي إرْمِيَا لِيُوشِيَّا حَتَّى هَذَا اليَوم. فَصَارَ غِنَاءُ المَرَاثي المَكْتُوبَةِ فِي يُوشِيَّا أمْرًا مَعْروفًا لَدَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ المَرَاثِي عَنْ يُوشِيَّا. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يُوشِيَّا وَأمَانَتِهِ فِي عَمَلِ مَا يَتَوَافَقُ وَشَريعَةِ اللهِ ، وَإنْجَازَاتِهِ مِنْ أوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَنَصَّبَ شَعْبُ يَهُوذَا يَهُوآحَازَ بْنَ يُوشِيَّا مَلِكًا عَلَيْهِمْ فِي القُدْسِ عِوَضًا عَنْ أبِيهِ. كَانَ يَهُوآحَازُ فِي الثَّالِثَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ ثَلَاثَةَ شُهُورٍ فِي القُدْسِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ خَلَعَهُ نَخُوٌ مَلِكُ مِصْرٍ عَنِ العَرْشِ. وَفَرَضَ جِزيَةً عَلَى يَهُوذَا مِقدَارُهَا مِئَةُ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَقِنْطَارٌ وَاحِدٌ مِنَ الذَّهَبِ. وَنَصَّبَ نَخُوُ ألِيَاقيمَ أخَا يُوآحَازَ مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا وَالقُدْسِ بَدَلًا مِنْهُ. ثُمَّ غَيَّرَ نَخُوُ اسْمَ ألِيَاقِيمَ إلَى يَهُويَاقِيمَ. أمَّا يَهُوآحَازُ، فَأسَرَهُ نَخُوُ وَأخَذَهُ إلَى مِصْرٍ. كَانَ يَهُويَاقِيمُ فِي الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فِي القُدْسِ. وَفَعَلَ يَهُويَاقِيمُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَهَاجَمَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ يَهُوذَا، وَأسَرَ يَهُويَاقِيمَ وَقَيَّدَهُ بِسَلَاسِلَ نُحَاسيَّةٍ، ثُمَّ أخَذَهُ إلَى بَابِلَ. وَأخَذَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ بَعْضَ الآنِيَةِ مِنْ بَيْتِ اللهِ ، وَحَمَلَهَا إلَى بَابِلَ وَوَضَعَهَا فِي هَيْكَلِهِ. أمَّا بَقِيَّةُ أعْمَالِ يَهُويَاقِيمُ، وَخَطَايَاهُ البَغِيضَةُ الَّتِي ارتَكَبَهَا، وَكُلُّ عُيُوبِهِ، فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَخَلَفَهُ عَلَى العَرْشِ ابْنُهُ يَهُويَاكِينُ. كَانَ يَهُويَاكِينُ فِي الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ ثَلَاثَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرَةَ أيَّامٍ فِي القُدْسِ. وَفَعَلَ يَهُويَاكينُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَفِي الرَّبِيعِ أرْسَلَ المَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ بَعْضَ خُدَّامِهِ إلَى يَهُويَاكِينَ. فَأخَذُوا يَهُويَاكِينَ وَبَعْضَ الكُنُوزِ الثَّمِينَةِ مِنْ بَيْتِ اللهِ إلَى بَابِلَ. وَنَصَّبَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ صِدْقِيَّا، قَرِيبَ يَهُويَاكِينَ، مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا وَالقُدْسِ. وَكَانَ صِدْقِيَّا فِي الحَادِيَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَفَعَلَ الشَّرَّ أمَامَ . وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أمَامَ النَّبِيِّ إرْمِيَا الَّذِي تَكَلَّمَ لَهُ مِنْ فَمِ اللهِ . وَتَمَرَّدَ صِدْقِيَّا عَلَى المَلِكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ الَّذِي استَحْلَفَهُ بِاللهِ أنْ يَكُونَ وَفيًّا لَهُ. فَقَسَّى رَقَبَتَهُ وَقَلْبَهُ رَافِضًا أنْ يَتُوبَ إلَى اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. وَقَدْ وَصَلَ تَأْثِيرُهُ السَّيِّئُ حَتَّى إلَى رُؤَسَاءِ الكَهَنَةِ وَقَادَةِ شَعْبِ يَهُوذَا. إذْ تَمَادَى هَؤُلَاءِ فِي الخَطَايَا، وَصَارُوا أكْثَرَ بُعدًا عَنِ اللهِ . وَقَلَّدُوا الأُمَمَ الأُخرَى فِي مُمَارَسَاتِهَا البَغِيضَةِ، وَنَجَّسُوا بَيْتَ اللهِ الَّذِي قَدَّسَهُ فِي القُدْسِ. فَأرْسَلَ اللهُ ، إلَهُ آبَائِهِمْ، أنْبِيَاءَ وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ لِإنْذَارِ شَعْبِهِ. فَقَدْ أشْفَقَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَكَانِ سُكْنَاهُ. لَكِنَّهُمْ سَخِرُوا بِرُسُلِ اللهِ، وَاسْتَهَانُوا بِكَلَامِهِ، وهزَأُوا بِأنْبِيَائِهِ، فَازْدَادَ غَضَبُ اللهِ عَلَى الشَّعْبِ حَتَّى لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ سَبيلٌ للنَّجَاةِ. فَحَرَّكَ اللهُ مَلِكَ بَابِلَ لِلهُجُومِ عَلَى شَعْبِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ. فَقَتَلَ المَلِكُ الفِتيَانَ حَتَّى وَهُمْ فِي الهَيْكَلِ. وَلَمْ يُشفِقْ عَلَى شَعْبِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ. قَتَلَ الكِبَارَ وَالصّغَارَ، الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، المَرْضَى وَالأصحَّاءَ. فَقَدْ سَمَحَ اللهُ لِنَبُوخَذْنَاصَّرَ بِمُعَاقَبَة يَهُوذَا وَالقُدْسِ. وَحَمَلَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ كُلَّ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ إلَى بَابِلَ، وَأخَذَ كُنُوزَ بَيْتِ اللهِ ، وَكُنُوزَ المَلِكِ، وَكُنُوزَ المَسؤُولِينَ الكِبَار لَدَى المَلِكِ. وَأحْرَقَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ وَجَيْشُهُ بَيْتَ اللهِ، وَهَدَمُوا سُورَ القُدْسِ، وَأحْرَقُوا قُصُورَهَا وَدَمَّرُوا كُلَّ ثَمِينٍ فِيهَا. وَأخَذَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ الشَّعْبَ الَّذِينَ ظَلُّوا عَلَى قَيدِ الحَيَاةِ إلَى بَابِلَ، فَصَارُوا عَبِيدًا لَهُ وَلِأبْنَائِهِ إلَى أنْ تَأسَّسَتِ المَملَكَةُ الفَارِسِيَّةُ. وَهَكَذَا تَحَقَّقَتْ كُلُّ النُبُوَّاتِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا اللهُ عَلَى فَمِ النَّبِيِّ إرْمِيَا: «سَيَصِيرُ هَذَا المَكَانُ قَفْرًا خَاليًا لِمَدَّةِ سَبعِينَ سَنَةً، تَعْوِيضًا عَنْ سُبُوتِ الرَّاحَةِ الَّتِي أهمَلَهَا الشَّعْبُ.» وَفي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ حُكْمِ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ، جَعَلَ اللهُ كُورَشَ يُطلِقُ نِدَاءً خَاصًّا. وَقَدْ جَاءَ نِدَاؤُهُ هَذَا مِنْ أجْلِ تَحْقِيقِ النُبُوَّاتِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا اللهُ عَلَى فَمِ النَّبِيِّ إرْمِيَا. فَأرْسَلَ كُورَشُ رُسُلًا فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنْ مَملَكَتِهِ يَحْمِلُونَ رِسَالَةً منهُ. كَانَ مُحْتَوَى الرِّسَالَةِ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ كُورَشُ مَلكُ فَارِسَ: «جَعَلَنِي اللهُ ، إلَهُ السَّمَاءِ، مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأرْضِ. وَقَدْ أوْكَلَ إلَيَّ مَسؤُولِيَّةَ بنَاءِ بَيْتٍ لَهُ فِي القُدْسِ، فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا. فَكُلُّ مَنْ يُرِيدُ مِنْكُمْ أيُّهَا الشَّعْبُ أنْ يَذْهَبَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، فَلْيَذْهَبْ، وَلْيَكُنِ مَعَهُ.» وَفي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ حُكْمِ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ، وَمِنْ أجْلِ تَحْقِيقِ النُبُوَّاتِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا اللهُ عَلَى فَمِ النَّبِيِّ إرْمِيَا، نَبَّهَ اللهُ رُوحَ المَلِكِ كُورَشَ لِيُعلِنَ نِدَاءً فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ مَملَكَتِهِ، وَمَرسُومًا مَلَكِيًّا مَكْتُوبًا يَقُولُ فِيهِ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ كُورَشُ مَلكُ فَارِسَ: «قَدْ جَعَلَنِي اللهُ ، إلَهُ السَّمَاءِ، مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأرْضِ. وَقَدْ أوكَلَ إلَيَّ مَسؤُولِيَّةَ بنَاءِ هَيْكَلٍ لَهُ فِي القُدْسِ، فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا. وَالْآنَ يُمْكِنُكُمْ جَمِيعًا، يَا شَعْبَ اللهِ، أنْ تَذْهَبُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. لِيَكُنْ إلَهُكُمْ مَعَكُمْ، وَاذْهَبُوا لِتَبْنُوا بَيْتَ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، الإلَهِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. أمَّا المُقِيمُونَ مِنْ غَيْرِ اليَهُودِ فِي المَنَاطِقِ الَّتِي يَسْكُنهَا النَّاجُونَ اليَهُودُ، فَعَلَيْهِمْ أنْ يُسَاعِدُوهُمْ بِالفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالمُؤَنِ وَالبَهَائِمِ. فَضلًا عَنْ مَا يَتَبَرَّعُونَ بِهِ لِبَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي القُدْسِ.» فَاسْتَعَدَّ رُؤَسَاءُ عَشَائِرِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ وَالكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ، وَكُلُّ مَنْ نَبَّهَ اللهُ رُوحَهُ، لِلذَّهَابِ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَسَاعَدَهُمْ كُلُّ جِيرَانِهِمْ بِإعْطَائِهِمْ مَصْنُوعَاتٍ مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَمُؤَنًا وَبَهَائِمَ وَهَدَّايَا ثَمِينَةً بِالإضَافَةِ إلَى كُلِّ أنْوَاعِ العَطَايَا. وَأخرَجَ مَلِكُ كُورَشَ آنِيَةَ بَيْتِ اللهِ الَّتِي كَانَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ قَد نَهَبَهَا مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ وَوَضَعَهَا فِي مَعبَدِ آلِهَتِهِ. وَسَلَّمَهَا كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ إلَى أمِينِ الخَزنَةِ مِثْرَدَاثَ، الَّذِي أحصَاهَا أمَامَ شِيشْبَصَّرَ حَاكِمِ يَهُوذَا. فَكَانَتَ ثَلَاثِينَ طَبَقًا مِنَ الذَّهَبِ، ألْفَ طَبَقٍ مِنَ الفِضَّةِ، تِسعًا وَعِشْرِينَ سِكِّينًا، ثَلَاثِينَ كَأسًا ذَهَبِيَّةً صَغِيرةً، أرْبَعَ مِئَةٍ وَعَشْرَ كُؤُوسٍ فِضِيَّةٍ، وَألفًا مِنَ الآنِيَةِ الأُخْرَى. أمَّا مَجْمُوعُ الآنِيَةِ فَقَدْ وَصَلَ إلَى خَمْسَةِ آلَافٍ وَأرْبَعِ مِئَةِ إنَاءٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، أحضَرَهَا شِيشْبَصَّرُ كُلَّهَا عِنْدَمَا عَادَ المَسْبِيُّونَ مِنْ بَابِلَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. فِيمَا يَلِي أسْمَاءُ سُكَّانِ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا الَّذِينَ عَادُوا مِنَ السَّبْيِ، الَّذِينَ كَانَ المَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ قَد سَبَى عَشَائِرَهُمْ إلَى بَابِلَ. وَقَدْ عَادُوا جَمِيعًا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَيَهُوذَا، كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَلدَتِهِ. عَادُوا مَعَ زَرُبَّابِلَ وَيَشُوعَ وَنَحَمْيَا وَسَرَايَا وَرَعْلَايَا وَمُرْدَخَايَ وَبِلْشَانَ وَمِسْفَارَ وَبِغْوَايَ وَرَحُومَ وَبَعنَةَ. وَهَذِهِ قَائِمَةٌ بِبَنِي إسْرَائِيلَ العَائِدِينَ: بَنُو فَرْعُوشَ وَعَدَدُهُمْ ألْفَانِ وَمِئَةٌ وَاثْنَانِ وَسَبعُونَ. بَنُو شَفَطْيَا وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَسَبعُون. بَنُو آرَحَ وَعَدَدُهُمْ سَبعُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبعُونَ. بَنُو فَحَثَ مُوآبَ، مِنْ عَائِلَةِ يَشُوعَ وَيُوآبَ، وَعَدَدُهُمْ ألْفَانِ وَثَمَانُ مِئَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ. بَنُو عِيلَامَ وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَمِئَتَانِ وَأرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ. بَنُو زَتُّو وَعَدَدُهُمْ تِسْعُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَأرْبَعُونَ. بَنُو زَكَّايَ وَعَدَدُهُمْ سَبعُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ. بَنُو بَانِي وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَأرْبَعُونَ. بَنُو بَابَايَ وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشرُونَ. بَنُو عَرْجَدَ وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَمِئَتَانِ وَاثْنَانِ وَعِشرُونَ. بَنُو أدُونِيقَامَ وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ. بَنُو بِغْوَايَ وَعَدَدُهُمْ ألفَانِ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ. بَنُو عَادِينَ وَعَدَدُهُمْ أرْبَعُ مِئَةٍ وَأرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ. بَنُو آطِيرَ، مِنْ عَائِلَةِ حَزَقِيَّا، وَعَدَدُهُمْ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ. بَنُو بِيصَايَ وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَعِشرُونَ. بَنُو يُورَةَ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ. بَنُو حَشُومَ وَعَدَدُهُمْ مِئَتَانِ وَثَلَاثَةٌ وَعِشرُونَ. بَنُو جِبَّارَ وَعَدَدُهُمْ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ بَيْتِ لَحْمٍ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَعِشرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ نَطُوفَةُ وَعَدَدُهُمْ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ عَنَاثُوثَ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ عَزْمُوتَ وَعَدَدُهُمُ اثْنَانِ وَأرْبَعُونَ. الرِّجَالُ مِنْ قَريَةِ عَارِيمَ وَكَفِيرَةَ وَبِئِيرُوتَ وَعَدَدُهُمْ سَبعُ مِئَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَأرْبَعُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلدَتَيِّ الرَّامَةِ وَجَبَعَ وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مئَةٍ وَوَاحِدٌ وَعِشرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ مِخْمَاسَ وَعَدَدُهُمْ مِئَةُ وَاثْنَانِ وَعِشرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَتَيْ إيلٍ وَعَايٍ وَعَدَدُهُمْ مِئَتَانِ وَثَلَاثَةٌ وَعِشرُونَ. الرِّجَال مِنْ بَلْدَةِ نَبُو وَعَدَدُهُمُ اثْنَانِ وَخَمْسُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ مَغْبِيشَ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ عِيلَامَ الأُخرَى وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَمِئَتَانِ وَأرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ حَارِيمَ وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَعِشرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلدَاتِ لُودٍ وَحَادِيدَ وَأُونُو وَعَدَدُهُمْ سَبعُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ أرِيحَا وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَأرْبَعُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ سَنَاءَةَ وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّ مِئَةٍ وَثَلَاثُونَ. أمَّا الكَهَنَةُ العَائِدُونَ فَهُمْ: بَنُو يَدْعِيَّا، مِنْ عَائِلَةِ يَشُوعَ، وَعَدَدُهُمْ تِسْعُ مِئَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَسَبعُونَ. بَنُو إمِّيرَ وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ. بَنُو فَشْحُورَ وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَمِئَتَانِ وَسَبعَةٌ وَأرْبَعُونَ. بَنُو حَارِيمَ وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَسَبْعَةَ عَشَرَ. أمَّا اللَّاوِيُّونَ فَهُمْ: بَنُو يَشُوعَ وَقَدْمِيئِيلَ، مِنْ عَائِلَةِ هُودُويَا، وَعَدَدُهُمْ أرْبَعَةٌ وَسَبعُونَ. وَالمُرَنِّمُونَ: بَنُو آسَافَ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشرُونَ. وَبَنُو حُرَّاسِ بَوَّابَاتِ الهَيْكَلِ: بَنُو شَلُّومَ وَآطِيرَ وَطَلْمُونَ وَعُقُّوبَ وَحَطِيطَا وَشُوبَايَ، وَعَدَدُهُمْ جَمِيعًا مِئَةٌ وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ. أمَّا خُدَّامُ الهَيْكَلِ فَهُمْ: بَنُو صِيحَا وَحَسُوفَا وَطَبَاعُوتَ، وَبَنُو قِيرُوسَ وَسيعَهَا وَفَادُونَ، وَبَنُو لَبَانَةَ وَحَجَابَةَ وَعَقُّوبَ، وَبَنُو حَاجَابَ وَشَمُلَايَ وَحَانَانَ، وَبَنُو جَدِيلَ وَحَجَرَ وَرَآيَا، وَبَنُو رَصِينَ وَنَقُودَا وَجَزَّامَ، وَبَنُو عُزَّا وَفَاسِيحَ وَبِيسَايَ، وَبَنُو أسْنَةَ وَمَعُونِيمَ وَنَفُوسِيمَ، وَبَنُو بَقْبُوقَ وَحَقُوفَا وَحَرْحُورَ، وَبَنُو بَصلُوتَ وَمَحِيدَا وَحَرْشَا، وَبَنُو بَرْقُوسَ وَسِيسَرَا وَثَامَحَ، وَبَنُو نَصِيحَ وَحَطِيفَا. أمَّا خُدَّامُ سُلَيْمَانَ فَهُمْ: بَنُو سُوطَايَ وَهَسُّوفَرَثَ وَفَرُودَا. وَبَنُو يَعْلَةَ وَدَرْقُونَ وَجَدِّيلَ، وَبَنُو شَفَطْيَا وَحَطِّيلَ وَفُوخَرَةِ الظِّبَاءِ وَآمِيَ. فَبَلَغَ عَدَدُ خُدَّامِ الهَيْكَلِ وَأبْنَاءُ خُدَّامِ سُلَيْمَانَ ثَلَاثَ مِئَةٍ وَاثنَيْنِ وَتِسْعِينَ شَخْصًا. وَجَاءَتِ الجَمَاعَاتُ التَّالِيَةُ مِنْ مُدُنِ تَلِّ مِلْحٍ وَتَلِّ حَرْشَا وَكَرُوبَ وَأدَّانَ وَإمِّيرَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إثبَاتِ نَسَبِهِمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ: بَنُو دَلَايَا وَطُوبِيَّا وَنَقُودَا وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ. وَمِنْ عَائِلَةِ الكَهَنَةِ: بَنُو حَبَايَا وَهَقُّوصَ وَبَرْزِلَّايَ الَّذِي كَانَ قَد تَزَوَّجَ مِنْ إحْدَى بَنَاتِ بَرْزَلَّايَ الجِلْعَادِيِّ، فَدُعِيَ بِاسْمِهِ. بَحَثَ هَؤلَاءِ فِي السِّجِلَّاتِ الرَّسمِيَّةِ عَنْ أصلِهِم وَنَسَبِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذِكرٌ فِيهَا، فَتَمَّ استِثْنَاؤُهُمْ مِنْ خِدْمَةِ الكَهَنُوتِ. وَأمَرَهُمُ الوَالِي بِأنْ لَا يَأْكُلُوا مِنْ أطْعِمَةِ قُدْسِ الأقْدَاسِ إلَى أنْ يَظْهَرَ كَاهِنٌ يَسْتَطِيعُ أن يَسألَ اللهَ بِوَاسِطَةِ الأُورِيمِ وَالتُّمِّيمِ فِي أمْرِهِمْ. وَقَدْ بَلَغَ مَجْمُوعُ الجَمَاعَةِ اثنَيْنِ وَأرْبَعِينَ ألْفًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ وستِّينَ شَخْصًا. هَذَا بِالإضَافَةِ إلَى خُدَّامِهِمْ وَخَادِمَاتِهِمُ الَّذِينَ بَلَغَ عَدَدُهُمْ سَبْعَةَ آلَافٍ وَثَلَاثَ مِئَةٍ وَسَبْعَةً وَثَلَاثِينَ. كَمَا كَانَ مَعَهُمْ مِئَتَا مُرَنِّمٍ وَمُرَنِّمَةٍ. وَكَانَ لَدَيهِمْ سَبعُ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ حِصَانًا، وَمِئَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَأرْبَعُونَ بَغلًا، وَأرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ جَمَلًا، وَسِتَّةُ آلَافٍ وَسَبعُ مِئَةٍ وَعِشرُونَ حِمَارًا. وَقَدَّمَ بَعْضُ رُؤَسَاءِ العَائِلَاتِ وَالعَشَائِرِ عِنْدَ وُصُولِهِمْ إلَى بَيْتِ اللهِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، تَبَرُّعَاتٍ لِبَيْتِ اللهِ، مِنْ أجْلِ أنْ يُعَادَ بِنَاؤُهُ فِي مَكَانِهِ. فَكَانَت تَبَرُّعَاتُهُمْ لِهَذَا البِنَاءِ قَدْرَ طَاقَتِهِمْ: وَاحِدًا وَسِتِّينَ ألْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَخَمْسَةَ آلَافِ رَطلٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَمِئَةَ ثَوبٍ لِلكَهَنَةِ. وَأقَامَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ وَبَعْضُ الشَّعْبِ فِي مُدُنِهِمْ مَعَ المُغَنِّينَ وَحُرَّاسِ الأبْوَابِ وَخُدَّامِ الهَيْكَلِ. وَسَكَنَ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمْ. وَفِي أوَّلِ الشَّهْرِ السَّابِعِ، حِينَ كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ مُسْتَقِرِّينَ فِي مُدُنِهِمْ، اجتَمَعَ الشَّعْبُ كُلُّهُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَبَدَأ يَشُوعُ بْنُ يُوصَادَاقَ وَرُفَقَاؤُهُ الكَهَنَةُ وَزَرُبَّابِلُ بْنُ شَألتِئِيلَ وَأقرِبَاؤُهُ بِإعَادَةِ بِنَاءِ مَذْبَحِ إلَهِ إسْرَائِيلَ لِكَي يُقَدِّمُوا عَلَيْهِ ذَبَائِحَ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، رَجُلِ اللهِ. وَأقَامُوا المَذْبَحَ عَلَى قَوَاعِدِهِ الأصلِيَّةِ خَوْفًا مِنَ الشُّعُوبِ المُحِيطَةِ بِهِمْ، وَقَدَّمُوا عَلَيْهِ الذَّبَائِحَ للهِ صَبَاحًا وَمَسَاءً. وَاحْتَفَلُوا بِعِيدِ السَّقَائِفِ كَمَا تَنُصُّ الشَّرِيعَةُ، وَقَدَّمُوا العَدَدَ المَطلُوبَ مِنَ الذَّبَائِحِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ أيَّامِ الِاحْتِفَالِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَدَّمُوا الذَّبَائِحَ المُعْتَادَةَ وَذَبَائِحَ أوَائِلِ الشُّهُورِ وَكُلِّ أعيَادِ اللهِ المُقَدَّسَةِ، وَكُلِّ شَخْصٍ تَبَرَّعَ بِشَئٍ للهِ . وَبَدَأُوا يُقَدِّمُونَ الذَّبَائِحَ للهِ اعتِبَارًا مِنَ اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، مَعَ أنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَد وَضَعُوا أسَاسَاتِ هَيْكَلِ اللهِ بَعْدُ. وَأعْطَوْا مَالًا لِلبَنَائِينَ وَالنَّجَّارِينَ، وَقَدَّمُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَزَيْتَ الزَّيْتُونِ إلَى أهَالِي صِيدَا وَصُورٍ لِقَاءَ نَقلِهِمْ خَشَبَ الأرْزِ إلَيْهِمْ مِنْ لُبْنَانَ إلَى يَافَا عَنْ طَرِيقِ البَحْرِ، فَقَدْ سَمَحَ لَهُمْ بِذَلِكَ كُورُشُ مَلِكُ فَارِسَ. وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ وُصُولِهِمْ إلَى بَيْتِ اللهِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، بَدَأ زَرُبَّابِلُ بْنُ شَألتِئِيلَ وَيَشُوعُ بْنُ يُوصَادَاقَ العَمَلَ إلَى جَانِبِ إخْوَتِهِمُ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ وَجَمِيعِ الَّذِينَ عَادُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ مِنْ سَبيِ بَابِلَ. وَعَيَّنُوا اللَّاوِيِّينَ مِنْ سِنِّ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا مُشرِفِينَ عَلَى بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ . وَقَامَ يَشُوعُ وَأبْناؤُهُ وَإخْوَتُهُ قَدْمِيئِيلُ وَبَنُوهُ بَنُو يَهُوذَا مَعَ بَنِي حِينَادَادَ وَبَنِيهِمْ وَإخوَتِهِمُ اللَّاوِيِّينَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لِلإشرَافِ عَلَى العُمَّالِ الَّذِينَ كَانُوا يَبْنُونَ بَيْتَ اللهِ. وَلَمَّا وَضَعَ البَنَّاؤُونَ أسَاسَاتِ هَيْكَلِ اللهِ ، أخَذَ الكَهَنَةُ أمَاكِنَهُمُ المُخَصَّصَةَ، وَهُمْ يَرْتَدُونَ أثوَابَهُمُ الكَهَنُوتِيَّةَ وَيَحْمِلُونَ الأبوَاقَ. وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ بَنُو آسَافَ يُسَبِّحُونَ اللهَ وَهُمْ يَحْمِلُونَ الصُّنُوجَ، كَمَا رَتَّبَ دَاوُدُ مَلِكُ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَرَنَّمُوا بِالتَّنَاوُبِ مُسَبِّحِينَ وَشَاكِرِينَ اللهَ : «سَبِّحُوا اللهَ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ.» وَهَتَفَ كُلُّ الشَّعْبِ هُتَافًا عَظِيمًا تَسْبِيحًا للهِ ، لِأنَّ أسَاسَاتِ بَيْتِ اللهِ قَد وُضِعَتْ. وَكَثِيرُونَ مِنَ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ وَرُؤَسَاءِ العَشَائِرِ الَّذِينَ سَبَقَ لَهُمْ أنْ رَأوْا الهَيْكَلَ السَّابِقَ، بَكَوْا بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ لَمَّا رَأوْا أسَاسَاتِ الهَيْكَلِ الجَّدِيدِ تُوضَعُ أمَامَ عُيُونِهِمْ. بَيْنَمَا كَانَ كَثِيرُونَ غَيرُهُمْ يَصْرُخُونَ مِنَ الفَرَحِ، فَلَمْ يَكُن بِاسْتِطَاعَةِ أحَدٍ أنْ يُمَيِّزَ صَوْتَ الفَرَحِ مِنْ صَوْتِ البُكَاءِ! لِأنَّ الشَّعْبَ كُلَّهُ كَانَ يَهْتِفُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ جِدًا، حَتَّى إنَّ صَوْتَهُمْ كَانَ يُسمَعُ مِنْ بَعِيدٍ. وَلَمَّا سَمِعَ أعْدَاءُ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ أنَّ اليَهُودَ العَائِدِينَ مِنَ السَّبْيِ يُعِيدُونَ بِنَاءَ هَيْكَلِ اللهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، جَاءُوا إلَى زَرُبَّابِلَ وَرُؤَسَاءِ العَشَائِرِ وَقَالُوا لَهُمْ: «دَعُونَا نُسَاعِدكُمْ فِي البِنَاءِ، فَنَحْنُ نَتَقَرَّبُ إلَى إلَهِكُمْ مِثْلُكُمْ، وَنَحْنُ نُقَدِّمُ لَهُ الذَّبَائِحَ مُنْذُ عَهْدِ أسَرْحَدُّونَ مَلِكِ أشُّورَ الَّذِي جَاءَ بِنَا إلَى هُنَا.» لَكِنَّ زَرُبَّابِلَ وَيَشُوعَ وَرُؤَسَاءَ العَشَائِرِ الأُخْرَى رَدُّوا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: «لَا نَسْتَطِيعُ أن نَسْمَحَ لَكُمْ بِأنْ تَبْنُوا مَعَنَا بَيْتًا لِإلَهِنَا. فَعَلَينَا وَحدَنَا أن نَبنِيَ لِلهِ ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، كَمَا أمَرَنَا كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ.» وَكَانَ شَعْبُ تِلْكَ الأرْضِ يُحَاوِلُ بِذَلِكَ أنْ يُثَبِّطَ هِمَّةَ بَنِي يَهُوذَا وَيُخِيفَهُمْ حَتَّى لَا يَبْنُوا. وَقَدَّمُوا الرِّشوَةَ لِلمَسؤُولِينَ الفُرْسِ حَتَّى يُقَاوِمُوا اليَهُودَ وَيُعِيقُوا خُطَّتَهُمْ. وَاستَمَرَّ ذَلِكَ طَوَالَ فَترَةِ حُكْمِ المَلِكِ كُورَشَ وَإلَى أنْ أصبَحَ دَارِيُوسُ مَلِكًا عَلَى بِلَادِ فَارِسَ. وَفِي بِدَايَةِ حُكْمِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ، قَدَّمَ أعْدَاءُ اليَهُودِ شَكوَى خَطِيَّةً ضِدَّ سُكَّانِ يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ. وَفِي عَهْدِ أرْتَحْشَسْتَا مَلِكِ فَارِسَ، كَتَبَ بِشْلَامُ وَمِثْرَدَاثُ وَطَبْئِيلُ وَبَقِيَّةُ جَمَاعَتِهِمْ رِسَالَةً إلَى أرْتَحْشَسْتَا. وَكَانَتِ الوَثِيقَةُ مَكْتُوبَةً بِاللُّغَةِ الأرَامِيَّةِ وَمُتَرْجَمَةً. وَكَتَبَ رَحُومُ نَائِبُ المَلِكِ، وَشِمْشَايُ الكَاتِبُ، رِسَالَةً إلَى المَلِكِ أرْتَحْشَسْتَا يُحَرِّضَانِهِ عَلَى يَهُودِ مَدِينَةِ القُدْسِ، جَاءَ فِيهَا: مِنْ رَحُومَ وَكِيلِ المَلِكِ وَشِمْشَايَ الكَاتِبِ وَبَقِيَّةِ زُمَلَائِهِمَا القُضَاةِ وَالمَندُوبِينَ وَالمَسؤُولِينَ وَالفُرْسِ وَالأرَكْوِيِّينَ وَالبَابِلِيِّينَ وَالشُّوشَنِيِّينَ – أيْ العِيلَامِيِّينَ، وَمِنْ بَقِيَّةِ الأُمَمِ الَّتِي طَرَدَهَا أُسْنَفَّرُ العَظِيمُ الشَّهِيرُ مِنْ بِلَادِهِا، وَأسكَنَهَا فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ وَبَقِيَّةِ المِنْطَقَةِ غَربَ نَهْرِ الفُرَاتِ. هَذِهِ نُسخَةٌ مِنَ الرِّسَالةِ إلَى المَلِكِ أرْتَحْشَسْتَا: إلَى المَلِكِ مِنْ عَبِيدِكَ السَّاكِنِينَ فِي مِنْطِقَةِ غَرْبِ نَهْرِ الفُرَاتِ. لِيَكُن مَعلُومًا عِنْدَ المَلِكِ أنَّ اليَهُودَ الَّذِينَ قَدِمُوا مِنْ عِندِكَ قَد تَوَجَّهُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، وَأنَّهُمْ يَقُومُونَ الآنَ بِإعَادَةِ بِنَاءِ المَدِينَةِ المُتَمَرِّدَةِ الشِّرِيرَةِ، وَيُكمِلُونَ بِنَاءَ أسوَارِهَا وَيُصلِحُونَ أسَاسَاتِهَا. فَلِيَكُن مَعلُومًا لَدَى المَلِكِ أنَّهُ إذَا أُعِيدَ بِنَاءُ المَدِينَةِ وَأُكمِلَتْ أسوَارُهَا، فَإنَّهُمْ سَيَمْتَنِعُونَ عَنْ دَفعِ أيِّ نَوعٍ مِنَ الضَّرَائِبِ، مِمَّا سَيُلحِقُ الضَرَرَ فِي نِهَايَةِ الأمْرِ بِالمَصَالِحِ المَلَكِيَّةِ. وَحَيْثُ إنَّنَا أكَلنَا مِلْحَ المَلِكِ وَعَاهَدنَاهُ عَلَى الوَلَاءِ، فَإنَّهُ لَا يَلِيقُ بِنَا أن نَرَى ضَرَرًا يُصِيبُهُ وَنَسْكُتَ. لِذَلِكَ أرْسَلنَا هَذِهِ الرِّسَالَةَ لِإبلَاغِ المَلِكِ بِالأمْرِ، لِكَي يَتِمَّ إجرَاءُ بَحثٍ فِي سِجِلَّاتِ آبَائِكَ، فَتَكْشِفَ أنَّ هَذِهِ المَدِينَةَ مَدِينَةٌ مُتَمَرِّدَةٌ تُزْعِجُ المُلُوكَ وَالأقَالِيمَ، وَأنَّهَا حَرَّضَت عَلِى التَّمَرُّدِ مُنْذُ القَدِيمِ، وَلِهَذَا دُمِّرَتْ. كَمَا نُبلِغُ المَلِكَ أنَّهُ إذَا أُعِيدَ بِنَاءُ هَذِهِ المَدِينَةِ، وَأُكمِلَتْ أسوَارُهَا، فَلَن يَكُونَ لَكَ نَصِيبٌ فِي إقْلِيمِ مَا وَرَاءَ نَهْرِ الفُرَاتِ. فَأرْسَلَ المَلِكُ رِسَالَةً جَوَابِيَّةً يَقُولُ فِيهَا: إلَى رَحُومَ نَائِبِ المَلِكِ وَشِمْشَايَ الكَاتِبِ وَبَقِيَّةِ زُمَلَائِهِمَا السَّاكِنِينَ فِي السَّامِرَةِ وَبَقِيَّةِ إقْلِيمِ مَا وَرَاءَ نَهْرِ الفُرَاتِ: سلَامٌ لَكُمْ … لَقَد قُرِئَت وَتُرجِمَت رِسَالَتُكُمْ أمَامِي. وَأصدَرتُ أمْرًا بِتَقَصِّي الحَقَائِقِ، فَوَجَدتُ أنَّ هَذِهِ المَدِينَةَ ثَارَت عَلَى المُلُوكِ مُنْذُ القَدِيمِ، وَأنَّ فِيهَا تَمَرُّدًا وَتَحْرِيضًا إلَى الآنِ. وَكَانَ قَد حَكَمَ مَدِينَةَ القُدْسِ مُلُوكٌ أقوِيَاءٌ وَسَيطَرُوا عَلَى كُلِّ الإقْلِيمِ الوَاقِعِ غَرْبَ نَهْرِ الفُرَاتِ، وَدُفِعَت لَهُمُ الجِزيَةُ وَالضَّرِيبَةُ. وَالآنَ أصْدِرُوا أمْرًا بِإيقَافِ أُولَئِكَ الرِّجَالِ اليَهُودِ عَنِ العَمَلِ، فَلَا تُبنَى هَذِهِ المَدِينَةُ ثَانِيَةً إلَّا بِأمْرٍ مِنِّي. وَلَا تَتَهَاوَنُوا فِي تَنْفِيذِ هَذَا الأمْرِ لِئَلَّا يَسُوءَ الأمْرُ وَتَتَضَرَّرَ المَصَالِحُ المَلَكِيَّةُ. وَحَالَمَا قُرِئَت رِسَالَةُ المَلِكِ أرْتَحْشَسْتَا أمَامَ رَحُومَ وَشِمْشَايَ الكَاتِبِ وَجَمَاعَتِهِمَا، ذَهَبُوا فَوْرًا إلَى اليَهُودِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَأوقَفُوهُمْ عَنِ العَمَلِ بِالقُوَّةِ. وَتَوَقَفَ العَمَلُ فِي بَيْتِ اللهِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَلَمْ يُستَأْنَفِ العُمَلُ إلَّا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حُكْمِ دَارِيُوسَ، مَلِكِ بِلَادِ فَارِسَ. وَتَنَبَّأ النَّبِيَّانِ حَجَّي وَزَكَرِيَّا بْنُ عِدُّوَ لِليَهُودِ الَّذِينَ فِي يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ بِاسْمِ إلَهِ إسْرَائِيلَ. عِنْدَ ذَلِكَ قَامَ زَرُبَّابِلُ بْنُ شَألتِئِيلَ وَيَشُوعُ بْنُ يُوصَادَاقَ وَأخَذَا يَبْنِيَانِ بَيْتَ اللهِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَكَانَ يُعَاوِنُهُمَا أنْبِيَاءُ اللهِ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، جَاءَهُمْ تَتْنَايُ وَالِي إقْلِيمِ غَرْبِ النَّهرِ وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرِفَاقُهُمَا وَسَألُوهُمْ: «مَنْ أذِنَ لَكُمْ بِبِنَاءِ هَذَا البَيْتِ، وَوَضْعِ أسَاسَاتِهِ؟» ثُمَّ سَألُوهُمْ: «مَا هِيَ أسْمَاءُ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَبْنُونَ هَذَا البِنَاءَ؟» لَكِنَّ عَينَ اللهِ كَانَتْ تَسْهَرُ عَلَى رِعَايَةِ شُيُوخِ اليَهُودِ، فَلَمْ يُوقِفُوهُمْ عَنِ العَمَلِ فِيمَا أرْسَلُوا عَنْ الأمْرِ إلَى دَارِيُوسَ، مُنْتَظِرِينَ أمْرًا خَطِّيًّا مِنْهُ حَوْلَ هَذَا الأمْرِ. وَهَذِهِ نُسخَةٌ عَنِ الرِّسَالَةِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا تَتْنَايُ وَالِي الإقْلِيمِ الوَاقِعِ غَرْبَ نهرِ الفُرَاتِ وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرِفَاقُهُمَا وَمُفَتِّشُو إقْلِيمِ مَا وَرَاءَ نَهْرِ الفُرَاتِ الَّذِينَ أرسَلُوا رِسَالةً إلَى المَلِكِ دَارِيوسَ. وَقَدْ أرسَلُوا إلَيْهِ تَقْرِيرًا هَذَا نَصُّهُ: إلَى المَلِكِ دَارِيُوسَ، تَحِيَّةً وَسَلَامًا! لِيَكُن مَعلُومًا أنَّنَا ذَهَبنَا إلَى إقْلِيمِ يَهُوذَا، حَيْثُ يُبنَى هَيْكَلُ اللهِ العَظِيمِ بِحِجَارَةٍ ضَخمَةٍ، وَتُوضَعُ ألوَاحٌ خَشَبِيَّةٌ فِي الجُدْرَانِ. وَيَجْرِي هَذَا العَمَلُ بِاجتِهَادٍ وَيَتَقَدَّمُ بِسُرعَةٍ عَلَى أيدِيهِمْ. فَحَقَّقنَا مَعَ هَؤُلَاءِ الشُّيُوخِ وَسَألنَاهُمْ: «مَنْ أذِنَ لَكُمْ بِبِنَاءِ هَذَا البَيْتِ، وَوَضْعِ أسَاسَاتِهِ؟» كَمَا سَألنَاهُمْ عَنْ أسْمَائِهِمْ لِكَي نُبَلِّغَكَ بِهَا وَنَكتُبَ لَكَ أسْمَاءَ قَادَتِهِمْ. فَأجَابُوا: «نَحْنُ عَبِيدُ إلَهِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، وَنَحْنُ نُعِيدُ بِنَاءَ هَذَا البَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ وَأكمَلَهُ أحَدُ المُلُوكِ العُظَمَاءِ قَبْلَ سِنِينَ طَوِيلَةٍ. آبَاؤنَا أغَضَبُوا إلَهَ السَّمَاوَاتِ، فَهُزِمُوا أمَامَ المَلِكِ الكِلدَانِيِّ نَبُوخَذْنَاصَّرَ الَّذِي هَدَمَ هَذَا البَيْتَ وَسَبَى الشَّعْبَ إلَى بَابِلَ. وَلَكِنَّ المَلِكَ كُورَشَ أصدَرَ فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ حُكمِهِ أمْرًا بِإعَادَةِ بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ. أمَّا الآنِيَةُ الذَّهَبِيَّةُ وَالفِضِّيَّةُ الخَاصَّةُ بِبَيْتِ اللهِ الَّتِي استَوْلَى عَلَيْهَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنَ الهَيْكَلِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ وَوَضَعَهَا فِي هَيْكَلِ بَابِلَ، فَقَدْ أخْرَجَهَا المَلِكُ كُورَشُ مِنْ هَيْكَلِ بَابِلَ وَأعْطَاهَا لِرَجُلٍ عَيَّنَهُ وَالِيًا اسْمُهُ شِيشْبَصَّرُ.» وَقَالَ كُورَشُ لِشِيشْبَصَّرَ: «خُذْ هَذِهِ الآنِيَةَ وَعُدْ بِهَا إلَى الهَيْكَلِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَأعِدْ بَنَاءَ بَيْتِ اللهِ فِي مَكَانِهِ.» فَجَاءَ شِيشْبَصَّرُ، وَوَضَعَ أسَاسَاتِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَمُنذُ ذَلِكَ الوَقْتِ إلَى الآنَ كَانَ البِنَاءُ يَجْرِي، لَكِنَّهُ لَمْ يَكْتَمِلْ بَعْدُ. فَإذَا شَاءَ المَلِكُ، فَلْيَأْمُرْ بِالرُّجُوعِ إلَى السِّجِلَّاتِ المَلَكِيَّةِ فِي بَابِلَ، لِلتَأْكُدِ مِنْ أنَّ المَلِكَ كُورَشَ كَانَ قَد أصدَرَ أمْرًا بِإعَادَةِ بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَلِيُبَلِّغْنَا المَلِكُ بِمَا يَرَاهُ مُنَاسِبًا فِي هَذِهِ المَسألَةِ. حِينَئِذٍ، أصدَرَ المَلِكُ دَارِيُوسُ أمْرًا بِالبَحثِ فِي السِّجِلَّاتِ المَحفُوظَةِ فِي بَابِلَ. فتَمَّ العُثُورُ فِي أحْمَثَا، مَقَرِّ المَلِكِ فِي إقْلِيمِ مَادِي، عَلَى مَخطُوطَةٍ كُتِبَ فِيهَا: هَذِهِ مُذَكِّرَةُ … فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ حُكْمِ المَلِكِ كُورَشَ، أصْدَرَ المَلِكُ الأمْرَ التَّالِيَ حُوْلَ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ: لِيُبْنَ البَيْتُ الَّذِي كَانَتْ تُقَدَّمُ الذَّبَائِحُ فِيهِ، وَلِتُوضَعْ أسَاسَاتُهُ، وَلِيَكُنِ ارتِفَاعُهُ سِتِّينَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ سِتِّينَ ذِرَاعًا. بِثَلَاثِ طَبَقَاتٍ مِنَ الحِجَارَةِ الضَخمَةِ وَطَبَقَةٍ مِنَ الألوَاحِ الخَشَبِيَّةِ. عَلَى أنْ تُدْفَعَ نَفَقَاتُ البِنَاءِ مِنَ الخَزِينَةِ المَلَكِيَّةِ. وَكُلُّ الأوَانِي الذَّهَبِيَّةِ وَالفِضِّيَّةِ الَّتِي سَلَبَهَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ وَأحْضَرَهَا إلَى بَابِلَ، تُرَدُّ إلَى مَكَانِهَا فِي الهَيْكَلِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَتُوضَعُ فِي بَيْتِ اللهِ. وَالْآنَ يَا تَتْنَايُ، وَالِي إقْلِيمِ غَرْبِ نَهْرِ الفُرَاتِ وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرِفَاقَكُمَا المَسؤُولِينَ هُنَاكَ، دَعُوهُمْ وَشَأنَهُمْ. وَلَا تَتَدَخَّلُوا فِي عَمَلِ بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ. وَدَعُوا وَالِيَ اليَهُودِ وَشُيُوخَهُمْ يُعِيدُوا بِنَاءَ بَيْتِ اللهِ فِي مَوقِعِهِ الأصلِيِّ. وَأنَا أُصدِرُ هَذَا الأمْرَ حَوْلَ مَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَلُوهُ لِشُيُوخِ اليَهُودِ هَؤُلَاءِ مِنْ أجْلِ بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ: تُدْفَعُ جَمِيعُ نَفَقَاتِ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ مِنَ الخَزِينَةِ المَلَكِيَّةِ، مِنَ الضَّرَائِبِ المُسْتَوفَاةِ مِنْ إقْلِيمِ غَرْبِ نَهْرِ الفُرَاتِ، حَتَّى لَا يَتَوَقَّفُوا عَنِ العَمَلِ. أعطُوهُمْ كُلَّ مَا يَحتَاجُونَ إلَيْهِ مِنَ الثِّيرَانِ وَالكِبَاشِ وَالحِمْلَانِ لِلذَّبَائِحِ المُقَدَّمَةِ لِإلَهِ السَّمَاوَاتِ، وَكُلَّ مَا يَطْلُبُهُ الكَهَنَةُ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ مِنْ قَمْحٍ وَمِلحٍ وَنَبِيذٍ وَزَيْتٍ، يَومًا فَيَومًا دُونَ تَقْصِيرٍ، لِكَي يُقَدِّمُوا ذَبَائِحَ يُسَّرُّ بِهَا إلَهُ السَّمَاءِ، وَيُصَّلُّوا مِنْ أجْلِ حَيَاةِ المَلِكِ وَبَنِيهِ. وَهَا أنَا أُصدِرُ أيْضًا أمْرًا بِأنْ يُقلَعَ لَوْحُ خَشَبٍ مِنْ بَيْتِ كُلِّ شَخْصٍ يُخَالِفُ أوَامِرِي هَذِهِ، وَيُعَلَّقَ عَلَيْهِ وَيُخَرَّبَ بَيتُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ. وَلَيْتَ اللهَ الَّذِي جَعَلَ اسْمَهُ يَسْكُنُ هُنَاكَ يُدَمِّرُ أيَّ مَلِكٍ أوْ شَعْبٍ يُحَاوِلُ أنْ يَهْدِمَ بَيْتَ اللهِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. صَدَرَ هَذَا الأمْرُ عَنِّي أنَا دَارِيُوسَ، فَلْيَتِمَّ تَنْفِيذُهُ بِدِقَّةٍ وَسُرعَةٍ. وَبِحَسَبِ رِسَالَةِ المَلِكِ دَارِيُوسَ هَذِهِ، بَذَلَ تَتْنَايُ وَالِي إقْلِيمِ غَرْبِ نَهْرِ الفُرَاتِ وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرِفَاقُهُمَا كُلَّ جَهْدِهِمْ لِتَنْفِيذِ مَا أمَرَ بِهِ المَلِكُ. وَاستَمَرَّ شُيُوخُ اليَهُودِ وَقَادَتُهُمْ فِي البِنَاءِ بِنَجَاحٍ حَسَبَ نُبُوَّةِ حَجَّي وَزَكَرِيَّا بْنِ عِدُّوَ، وَأكمَلُوهُ حَسَبَ أمْرِ إلَهِ إسْرَائِيلَ وَأمْرِ كُورَشَ وَدَارِيُوسَ أرْتَحْشَسْتَا، مُلُوكِ فَارِسَ. وَقَدْ اكتَمَلَ بِنَاءُ هَذَا البَيْتِ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ شَهرِ آذَارَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ دَارِيُوسَ. ثُمَّ كَرَّسَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنَ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ وَبَقِيَّةِ العَائِدِينَ مِنَ السَّبْيِ بَيْتَ اللهِ بِفَرَحٍ. وَقَدَّمُوا فِي احتِفَالِ تَكْرِيسِ بَيْتِ اللهِ مِئَةَ ثَورٍ وَمِئَتَي كَبْشٍ وَأرْبَعَ مِئَةِ حَمَلٍ. كَمَا قَدَّمُوا اثنَيْ عَشَرَ تَيسًا عَلَى عَدَدِ قَبَائِلِ شَعْبِ اللهِ، ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ عَنْهُمْ جَمِيعًا. وَعَيَّنُوا الكَهَنَةَ فِي فِرَقِهِمُ الخَاصَّةِ وَاللَّاوِيِّينَ فِي فِرَقِهِمُ الخَاصَّةِ مِنْ أجْلِ خِدْمَةِ اللهِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ مُوسَى. وَاحتَفَلَ العَائِدُونَ مِنَ السَّبْيِ بِعِيدِ الفِصْحِ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ. لِأنَّ جَمِيعَ الكَهَنَةِ كَانُوا قَد طَهَّرُوا أنْفُسَهُمْ. وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ جَمِيعًا طَاهِرِينَ، فَذَبَحُوا حَمَلَ الفِصْحِ عَنْ كُلِّ الَّذِينَ عَادُوا مِنَ السَّبْيِ، وَعَنْ إخْوَتِهِمُ الكَهَنَةِ، وَعَن أنْفُسِهِمْ. وَأكَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ العَائِدُونَ مِنَ السَّبْيِ مِنْ وَلِيمَةِ الفِصْحِ مَعَ كُلِّ الَّذِينَ انضَمُّوا إلَيْهِمْ بَعْدَ أنِ انفَصَلُوا عَنْ نَجَاسَةِ أُمَمِ الأرْضِ لِيَعْبُدُوا اللهَ ، إلَهَ إسْرَائِيلَ. وَاحتَفَلُوا بِعِيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ لِمُدَّةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ بِفَرَحٍ كَبِيرٍ، لِأنَّ اللهَ فَرَّحَهُمْ وَأمَالَ قَلْبَ مَلِكِ أشُّورَ إلَيْهِمْ، فَسَاعَدَهُمْ فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. بَعْدَ هَذِهِ الأحْدَاثِ، وَفِي عَهْدِ أرْتَحْشَسْتَا مَلِكِ فَارِسَ، وَصَلَ عَزْرَا مِنْ بَابِلَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَعَزْرَا هُوَ ابْنُ سَرَايَا بْنِ عَزَرْيَا بْنِ حِلْقِيَّا بْنِ شَلُّومَ بْنِ صَادُوقَ بْنِ أخِيطُوبَ بْنِ أمَرْيَا بْنِ عَزَرْيَا بْنِ مَرَايُوثَ بْنِ زَرَحْيَا بْنِ عُزِّي بْنِ بُقِّي بْنِ أبِيَشُوعَ بْنِ فِينْحَاسَ بْنِ ألِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ. وَكَانَ عَزْرَا هَذَا الَّذِي جَاءَ مِنْ بَابِلَ، مُعَلِّمًا ضَلِيعًا بِشَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أعطَاهُ إيَّاهَا اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ. وَقَدْ لَبَّى المَلِكُ لِعَزْرَا كُلَّ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ، حَيْثُ إنَّ يَدَ إلَهِهِ كَانَتْ مَعَهُ وَتُعِينُهُ. وَصَعِدَ قَومٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، مَعَ بَعْضِ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ وَالمُرَنِّمِينَ وَحُرَّاسِ البَوَّابَاتِ وَخُدَّامِ الهَيْكَلِ، إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ أرْتَحْشَسْتَا. وَوَصَلَ عَزْرَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ فِي الشَّهْرِ الخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِحُكمِ المَلِكِ. وَكَانَ قَد غَادَرَ بَابِلَ فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ، فَوَصَلَ فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الخَامِسِ، لِأنَّ يَدَ إلَهِهِ الكَرِيمَةَ كَانَتْ مَعَهُ. فَقَدْ كَانَ عَزْرَا قَد هَيَّأ قَلْبَهُ لِدِرَاسَةِ شَرِيعَةِ اللهِ وَالعَمَلِ بِهَا، وَلِتَعْلِيمِ وَصَايَا اللهِ وَفَرَائِضِهِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَهَذِهِ نُسخَةٌ مِنَ الرِّسَالَةِ الَّتِي أعْطَاهَا المَلِكُ أرْتَحْشَسْتَا إلَى عَزْرَا الكَاهِنِ وَالمُعَلِّمِ، مُعَلِّمِ الأُمُورِ المُختَصَّةِ بِوَصَايَا اللهِ وَفَرَائِضِهِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: مِنْ أرْتَحْشَسْتَا مَلِكِ المُلُوكِ إلَى عَزْرَا الكَاهِنِ مُعَلِّمِ شَرِيعَةِ إلَهِ السَّمَاءِ. سَلَامٌ لَكَ … فَإنِّي أُصدِرُ أمْرِي بِأنْ يَرْجِعَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ كُلُّ مَنْ شَاءَ فِي مَملَكَتِي مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أوْ كَهَنَتِهِمْ أوِ اللَّاوِيِّينَ. لِأنَّكَ مُرسَلٌ مِنَ المَلِكِ وَمُسْتَشَارِيهِ السَّبعِ لِتَرَى مَدَى طَاعَةِ بَنِي يَهُوذَا لِشَرِيعَةِ إلَهِكَ الَّتِي أنْتَ ضَلِيعٌ بِهَا. وَخُذْ مَا تَبَرَّعَ بِهِ المَلِكُ وَمُسْتَشَارُوهُ لِإلَهِ إسْرَائِيلَ السَّاكِنِ فِي القُدْسِ مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ. وَخُذْ مَعَكَ أيْضًا كُلَّ مَا تَسْتَطِيعُ الحُصُولَ عَلَيْهِ مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِي كُلِّ إقْلِيمِ بَابِلَ، مَعَ تَبَرُعَاتِ الشَّعْبِ وَالكَهَنَةِ لِبَيْتِ إلَهِهِمْ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَخَصِّصْ هَذَا المَالَ لِشِرَاءِ ثِيرَانٍ وَكِبَاشٍ وَحِملَانٍ وَمَا يُرَافِقُهَا مِنْ تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ، وَقَدِّمهَا عَلَى مَذْبَحِ هَيْكَلِ إلَهِكَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَتَصَرَّف بِمَا يَتَبَقَّى مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ كَمَا تَسْتَحْسِنُ أنْتَ وَرِفَاقُكَ اليَهُودُ حَسَبَ مَشِيئَةِ إلَهِكُمْ. وَأمَّا الآنِيَةُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَكَ مِنْ أجْلِ خَدَمَاتِ بَيْتِ إلَهِكَ، فَضَعْهَا فِي حَضْرَةِ إلَهِ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَفِي مَا يَتَعَلَّقُ بِبَقِيَّةِ الأُمُورِ اللَّازِمَةِ لِبَيْتِ إلَهِكَ، الَّتِي تَقَعُ ضِمنَ مَسؤُولِيَّتِكَ، يُمكِنُكَ تَوْفِيرَهَا مِنَ الخَزِينَةِ المَلَكِيَّةِ. كَمَا آمُرُ أنَا المَلِكَ أرْتَحْشَسْتَا كُلَّ أُمَنَاءِ الخَزِينَةِ فِي إقْلِيمِ غَرْبِ نَهْرِ الفُرَاتِ بِأنْ يُقَدِّمُوا لِعَزْرَا الكَاهِنِ وَمُعَلِّمِ شَرِيعَةِ إلَهِ السَّمَاءِ كُلَّ مَا يَطْلُبُهُ فَوْرًا وَمِنْ دُونِ تَوَانٍ. فَليُعْطَ حَتَّى مِئَةِ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَمِئَةِ كِيسٍ مِنَ القَمْحِ، ومِئَةِ قِدْرٍ مِنَ النَّبِيذِ، ومِئَةِ قِدْرٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ. وَلِيَأْخُذْ مِنَ المِلحِ قَدْرَ مَا يَشَاءُ. فَلِيَتِمَّ تَنْفِيذُ كُلَّ مَا أمَرَ بِهِ إلَهُ السَّمَاءِ مِنْ أجْلِ هَيْكَلِهِ بِسُرعَةٍ وَبِشَكلٍ كَامِلٍ، لِئَلَّا يَأْتِيَ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَمْلَكَةِ المَلِكِ وَبَنِيهِ. وَنُعلِمُكُمْ أنَّهُ يُمنَعُ استِيفَاءُ أيِّ نَوعٍ مِنَ أنْوَاعِ الضَّرَائِبِ مِنَ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ وَالمُرَنِّمِينَ وَحُرَّاسِ البَوَّابَاتِ وَخُدَّامِ الهَيْكَلِ وَأيِّ عَامِلٍ آخَرَ فِي بَيْتِ اللهِ. وَقُمْ أنْتَ يَا عَزْرَا، بِالِاسْتِعَانَةِ بِحِكْمَةِ إلَهِكَ الَّتِي تَمْلُكُهَا، فِي تَعْيِينِ قُضَاةٍ وَحُكَّامٍ يَقْضُونَ بَيْنَ سُكَّانِ إقْلِيمِ غَرْبِ نَهْرِ الفُرَاتِ، أيْ كُلِّ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ شَعَائِرَ إلَهِكُمْ. وَعَلِّمْهَا لِكُّلِّ مَنْ لَا يَعْرِفُهَا. وَأنْزِل حُكْمًا سَرِيعًا وَشَدِيدًا بِكُلِّ مَنْ لَا يُطِيعُ شَرِيعَةَ إلَهِكَ وَشَرِيعَةَ المَلِكِ، إمَّا بِالمَوْتِ أوْ بِالنَّفيِ أوْ بِالغَرَامَةِ أوْ بِالحَبْسِ. الحَمدُ للهِ ، إلَهِ آبَائِنَا الَّذِي رَغَّبَ المَلِكَ فِي تَكْرِيمِ بَيْتِ اللهِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَأظْهَرَ لِي مَحَبَّتَهُ الثَّابِتَةَ أمَامَ المَلِكِ وَمُسْتَشَارِيهِ وَكُلِّ كِبَارِ مَسؤُولِيهِ. فَتَشَجَّعتُ لِأنَّ يَدَ كَانَتْ تُعينُنِي. وَجَمَعتُ قَادَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لِلذَّهَابِ مَعِي إلَى القُدْسِ. هَذِهِ أسْمَاءُ رُؤَسَاءِ العَشَائِرِ الَّذِينَ أتَوْا مَعِي مِنْ بَابِلَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، مَعَ نَسَبِهِمْ فِي فَتْرَةِ حُكْمِ أرْتَحْشَسْتَا: مِنْ بَنِي فِينَحَاسَ جِرْشُومُ. وَمِنْ بَنِي إيثَامَارَ دَانِيَالُ. وَمِنْ بَنِي دَاوُدَ حَطُّوشُ مِنْ بَنِي شَكَنْيَا. وَمِنْ بَنِي فَرْعُوشَ زَكَرِيَّا وَمَعَهُ مِئَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا مُسَجَّلًا. وَمِنْ بَنِي فَحَثَ مُوآبُ ألِيهُوعَينَايُ بْنُ زَرَحِيَا وَمَعَهُ مِئَتَا رَجُلٍ. وَمِنْ بَنِي زَتَو شَكَنْيَا بْنُ يَحْزِئِيلَ وَمَعَهُ ثَلَاثُ مِئَةِ رَجُلٍ. وَمِنْ بَنِي عَادِينَ عَابِدُ بْنُ يُونَاثَانَ وَمَعَهُ خَمْسُونَ رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي عِيلَامَ يَشْعِيَا بْنُ عَثَلَيَا وَمَعَهُ سَبعُونَ رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي شَفَطْيَا زَبَدْيَا بْنُ مِيخَائِيلَ وَمَعَهُ ثَمَانُونَ رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي يُوآبَ عُوبَدْيَا بْنُ يَحِيئِيلَ وَمَعَهُ مِئَتَانِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي بَانِيَ شَلُومِيثُ بْنُ يُشَفْيَا وَمَعَهُ مِئَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي بَابَايَ زَكَرِيَّا بْنُ بَابَايَ وَمَعَهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشرُونَ رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي عَزْجَدَ يُوحَنَانُ بْنُ هِقَّاطَانَ وَمَعَهُ مِئَةٌ وَعَشْرَةُ رِجَالٍ. مِنْ بَنِي أدُونِيقَامَ، وَهَذِهِ أسْمَاءُ آخِرِهِمْ: ألِيفَلَطُ وَيَعِيئِيلُ وَشَمْعِيَا وَمَعَهُمْ سِتُّونَ رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي بَغْوَايَ عُوتَايُ وَزَبُّودُ وَمَعهُمَا سَبعُونَ رَجُلًا. فَجَمَعتُهُمْ عِنْدَ القَنَاةِ الَّتِي تَجْرِي بِاتِّجَاهِ نَهْرِ أهْوَا، وَخَيَّمنَا هُنَاكَ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ. وَبَحَثْتُ بَيْنَ الشَّعْبِ وَالكَهَنَةِ، فَلَمْ أجِدْ أحَدًا مِنْ بَنِي لَاوِي هُنَاكَ. وَاسْتَدْعَيتُ ألِيعَزَرَ وَأرِيئِيلَ وَشَمْعِيَا وَألْنَاثَانَ وَيَارِيبَ وَألْنَاثَانَ وَنَاثَانَ وَزَكَرِيَّا وَمَشُلَّامَ، وَهُمْ مِنَ القَادَةِ. كَمَا اسْتَدْعَيتُ يُويَارِيبَ وَألنَاثَانَ، وَهُمَا حَكِيمَانِ. وَأرسَلتُهُمْ إلَى إدُّو، القَائِدِ فِي المَكَانِ المُسّمَّى كَسِفْيَا، وَأعلَمتُهُمْ مَاذَا يَقُولُونَ لِإدُّو وَإخوَتِهِ وَخُدَّامِ الهَيْكَلِ فِي كَسِفْيَا، لِكَي يُرسِلُوا إلَينَا مُسَاعِدِينَ لِهَيْكَلِ إلَهِنَا. وَلِأنَّ إلَهَنَا الصَّالِحَ سَاعَدَنَا، أرسَلُوا إلَينَا رَجُلًا حَكِيمًا مُقتَدِرًا مِنْ بَنِي مَحلِي بْنِ لَاوِي بْنِ إسْرَائِيلَ، إذْ أرْسَلُوا شَرَبْيَا وَأبْنَاءَهُ وَإخوَتَهُ، وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا. كَمَا أرسَلُوا إلَينَا حَشَبْيَا وَيَشَعْيَا مِنْ بَنِي مَرَارِي وَإخوَتَهُمْ وَبَنِيهُمْ، وَكَانُوا عِشْرِينَ رَجُلًا. وَأرسَلُوا أيْضًا خُدَّامَ الهَيْكَلِ الَّذِينَ عَيَّنَ دَاوُدُ وَالمَسؤُولُونَ آبَاءَهُمْ لِيُسَاعِدُوا اللَّاوِيِّينَ. وَكَانُوا مِئَتَيْنِ وَعِشرِينَ خَادِمًا مِنْ خُدَّامِ الهَيْكَلِ. وَكَانَتْ جَمِيعُ أسْمَائِهِمْ مُدَوَّنَةً. وَهُنَاكَ عِنْدَ نَهْرِ أهْوَا أعلَنتُ صَومًا لِكَي نَتَوَاضَعَ أمَامَ إلَهِنَا وَنَطلُبُ مِنْهُ رِحلَةً آمِنَةً لَنَا وَلِصِغَارِنَا وَلِكُلِّ مُقتَنَيَاتِنَا، لِأنِّي استَحَيتُ أنْ أطلُبَ مِنَ المَلِكِ جُنُودًا وَفُرسَانًا لِحِمَايَتِنَا مِنْ أعْدَائِنَا فِي الطَّرِيقِ. فَقَدْ قُلنَا لَهُ: «إلَهُنَا يُعِينُ كُلَّ الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ، وَيَغْضَبُ عَلَى كُلِّ الَّذِينَ يَبْتَعِدُونَ عَنْهُ.» وَهَكَذَا صُمْنَا وَصَلَّينَا لِإلَهِنَا مِنْ أجْلِ رِحلَةٍ آمِنَةٍ، فَاسْتَجَابَ لَنَا. ثُمَّ اخْتَرْتُ اثنَيْ عَشَرَ مِنْ قَادَةِ الكَهَنَةِ مَعَ شَرَبْيَا وَحَشَبْيَا وَعَشْرَةً مِنْ أقَارِبِهِمْ مَعَهُمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ وَزَنْتُ وَأعْطَيْتُهُمُ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالآنِيَةَ، وَهِيَ تَقْدِمَةٌ لِهَيْكَلِ إلَهِنَا مِنَ المَلِكِ وَمُسْتَشَارِيهِ وَمَسؤولِيهِ وَكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ هُنَاكَ. وَقَدْ وَزَنْتُ وَأعْطَيْتُهُمْ سِتَّ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ قِنْطَارًا مِنَ الفِضَّةِ، وَمِئَةَ قِنْطَارٍ مِنَ الآنِيَةِ الفِضِّيَّةِ، وَمِئَةَ قِنْطَارٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَعِشرِينَ زِبدِيَّةً ذَهَبِيَّةً تُعَادِلُ ألْفَ دِرْهَمٍ، وَإنَائَينِ مِنَ البُرُونْزِ المَصقُولِ ثَمِينَتَيْنِ كَالذَّهَبِ. ثُمَّ قُلْتُ للكَهَنَةِ: «أنْتُمْ مُكَرَّسُونَ للهِ ، وَهَذِهِ الآنِيَةُ مُكَرَّسَةٌ لَهُ أيْضًا. وَالفِضَّةُ وَالذَّهَبُ هِيَ تَقْدِمَاتٌ آبَائِكُمْ. فَاحرُسُوهَا بِعِنَايَةٍ إلَى أنْ تَزِنُوهَا أمَامَ قَادَةِ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ وَقَادَةِ عَشَائِرِ شَعْبِ اللهِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، فِي غُرَفِ بَيْتِ اللهِ .» فَأخَذَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيِّونَ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ الَّتِي وُزِنَتْ لِكَي يُحضِرُوهَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، إلَى هَيْكَلِ إلَهِنَا. وَغَادَرنَا نَهْرَ أهْوَا فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ لِلذَّهَابِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَكَانَ إلَهُنَا مَعَنَا، فَحَمَانَا طَوَالَ الرِّحلَةِ مِنْ قُوَّةِ أعْدَائِنَا وَكَمَائِنِ قُطَّاعِ الطُّرُقِ. وَوَصَلنَا أخِيرًا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، وَاستَرَحنَا فِيهَا ثَلَاثَةَ أيَّامٍ. وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعِ وَزَنَّا الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالآنِيَةَ فِي هَيْكَلِ إلَهِنَا، وَأعْطَينَاهَا لِمَرِمُوثَ بْنِ أُورِيَّا الكَاهِنِ، وَمَعَهُ ألِعَازَارُ بْنُ فِينَحَاسَ، وَمَعَهُمَا اللَّاوِيَّانِ يُوزَابَادُ بْنُ يَشُوعَ وَنُوعَدْيَا بْنُ بَنُّوِيَ. وَتَمَّ التَحَقُقُ مِنْ كُلِّ شَئٍ بِالعَدَدِ وَالوَزنِ، وَسُجِّلَ الوَزنُ الكُلِيُّ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. ثُمَّ قَدَّمَ اليَهُودُ العَائِدُونَ مِنَ السَّبْيِ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً لِإلَهِ إسْرَائِيلَ: اثنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا عَنْ كُلِّ شَعْبِ اللهِ، وَسِتَّةً وَتِسْعِينَ كَبْشًا وَسَبعَةً وَسَبعِينَ حَمَلًا وَاثنَيْ عَشَرَ تَيسًا ذَبَائِحَ خَطِيَّةٍ. وَكَانَ هَذَا كُلُّهُ ذَبِيحَةً صَاعِدَةً للهِ . وَسَلَّمُوا أوَامِرَ المَلِكِ إلَى الحُكَّامِ وَالوُلَاةِ فِي إقْلِيمِ غَرْبِ النَّهرِ، فَقَدَّمُوا العَونَ لِلشَّعْبِ وَلِبَيْتِ اللهِ. وَبَعْدَ أنْ تَمَّت هَذِهِ الأُمُورُ، جَاءَ القَادَةُ إلَيَّ وَقَالُوا: «لِمَاذَا لَمْ يَعْزِلِ الشَّعْبُ وَالكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ أنْفُسَهُمْ عَنْ شُعُوبِ الأرْضِ المُحِيطِينَ بِهِمْ مِنَ الكَنْعَانِيِّينَ وَالحِثِيِّينَ وَالفِرزَّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ وَالعَمُّونِيِّينَ وَالمُوآبِيِّينَ وَالمِصرِيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ. فَقَدْ أخَذُوا لِأنفُسِهِمْ وَلِأبنَائِهِمْ زَوْجَاتٍ مِنْهُمْ، فَخَلَطُوا النَّسْلَ المُقَدَّسَ بِشُعُوبِ الأرْضِ المُحِيطَةِ. وَكَانَ القَادَةُ وَالمَسْؤولُونَ أوَّلَ النَّاسِ فِي عَدَمِ أمَانَتِهِمْ.» فَلَّمَا سَمِعْتُ هَذَا شَقَّقتُ ثَوبِي وَرِدَائِي. وَنَتَّفتُ شَعرَ رَأسِي وَلِحيَتِي، وَجَلَسْتُ مَذهُولًا وَمُكْتَئِبًا جِدًّا. ثُمَّ جَاءَ إلَيَّ كُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ يَخَافُونَ كَلِمَاتِ إلَهَ إسْرَائِيلَ. كَانُوا خَائِفِينَ لِأنَّ الشَّعْبَ الَّذِي عَادَ مِنَ السَّبْيِ كَانَ غَيْرَ أمِينٍ للهِ. وَجَلَسْتُ مَذهُولًا حَتَّى وَقْتِ تَقْدِيمِ الذَّبِيحَةِ المَسَائِيَّةِ. وَعِنْدَ وَقْتِ الذَّبِيحَةِ، قُمتُ مِنْ حَيْثُ كُنْتُ أجْلِسُ فِي عَارِي، وَمَزَّقتُ ثَوبِي وَرِدَائِي وَرَكَعتُ عَلَى رُكبَتَيَّ، وَمَدَدتُ يَدَيَّ ، وَقُلْتُ: «إنَّنِي أخْجَلُ أنْ أرْفَعَ عَينَيَّ إلَيْكَ يَا إلَهِي. فَقَدْ تَكَاثَرَتْ آثَامُنَا حَتَّى إنَّهَا عَلَتْ وَغَطَّتْ رُؤوسَنَا، وَارتَفَعَ ذَنبُنَا إلَى السَّمَاوَاتِ. وَمُنذُ أيَّامِ آبَائِنَا إثمُنَا عَظِيمٌ. وَبِسَبَبِ خَطَايَانَا، جَاءَ مُلُوكٌ أجَانِبُ، وَعَاقَبُوا مُلُوكَنَا وَكَهَنَتَنَا بِالسَّيْفِ وَالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَالإذلَالِ كَمَا هُوَ الحَالُ اليَوْمَ. «وَالْآنَ، وَمُنذُ فَترَةٍ قَصِيرَةٍ أظْهَرَ لَنَا رَأفَتَهُ، فَسَمَحَ لِبَعْضِنَا بِأنْ يَنْجُوا مِنَ السَّبْيِ، وَوَفَّرَ لَنَا مَكَانًا آمِنًا فِي مَكَانِهِ المُقَدَّسِ، لِكَي يُعطِيَنَا رَجَاءً وَفَرَحًا جَدِيدَينَ، وَيَمْنَحَنَا حَيَاةً جَدِيدَةً فِي عُبُودِيَّتِنَا. فَنَحْنُ مُسْتَعْبَدُونَ، لَكِنَّ إلَهَنَا لَمْ يَتْرُكنَا فِي عُبُودِيَّتِنَا. وَقَدْ أظْهَرَ لَنَا مَحَبَّتَهُ الأمِينَةَ أمَامَ مُلُوكِ فَارِسَ، بِإعطَائِنَا حَيَاةً جَدِيدَةً حَتَّى نُقِيمَ هَيْكَلَ إلَهِنَا وَنُرَمِّمَ أنقَاضَهُ، وَبِإعطَائِنَا سُورَ حِمَايَةٍ فِي يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ. «لَكِن مَاذَا يُمكُنُنَا أنْ نَقُولَ الآنَ يَا إلَهَنَا بَعْدَ هَذَا؟ فَقَدْ تَجَاهَلنَا وَصَايَاكَ الَّتِي أعْطَيْتَنَا إيَّاهَا بِوَاسِطَةِ عَبِيدِكَ الأنْبِيَاءِ عِنْدَمَا قُلْتَ: ‹إنَّ الأرْضَ الَّتِي سَتَدْخُلُونَهَا لِتَمْتَلِكُوهَا هِيَ أرْضٌ مُلَوَّثَةٌ بِشُرُورِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِيهَا. فَقَدْ تَلَوَّثَتِ الأرْضُ بِشُرُورِهِمُ الَّتِي مَلأُوا بِهَا الأرْضَ مِنْ أوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا. لِذَلِكَ لَا تُزَوِّجُوا بَنَاتِكُمْ مِنْ بَنِيهِمْ، وَلَا بَنِيكُمْ مِنْ بَنَاتِهِمْ، وَلَا تَطْلُبُوا مَا يَطْلُبُونَهُ مِنَ ازدِهَارٍ وَنَجَاحٍ، لِكَي تَتَقَوَوْا وَتَتَمَتَّعُوا بِخَيرَاتِ الأرْضِ، وَتُوَرِّثُوهَا لِأبنَائِكُمْ إلَى الأبَدِ.› «وَبَعْدَ كُلِّ مَا حَلَّ بِنَا بِسَبَبِ أعْمَالِنَا الشِّرِيرَةِ وَذَنبِنَا العَظِيمِ، وَرُغمَ أنَّكَ عَاقَبتَنَا يَا إلَهَنَا بِأقَلَّ مِمَّا يَسْتَحِقُّ إثمُنَا، وَأبقَيْتَ لَنَا هَذِهِ المَجْمُوعَةَ مِنَ النَّاجِينَ، فَهَل نَعُودُ وَنَكسِرُ وَصَايَاكَ وَنَتَزَاوَجُ مَعَ الشُّعُوبِ الَّتِي تَفْعَلُ هَذِهِ الأُمُورَ الكَرِيهَةَ؟ أفَلَا تَسْخَطُ عَلَيْنَا كَي تُفنِينَا، حَتَّى لَا تَبْقَى بَقِيَّةٌ تَنْجُو مِنَ الدَّينُونَةِ؟ يَا اللهُ ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، أنْتَ إلَهٌ عَادِلٌ! فَقَدْ أبقَيْتَ مِنَّا جَمَاعَةً نَاجِيَةً إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَهَا نَحْنُ نَقِفُ فِي حَضْرَتِكَ بِذُنُوبِنَا. وَمَنْ هُمْ مِثْلُنَا، لَا يَسْتَحِقُّونَ الوُقُوفَ فِي حَضْرَتِكَ.» وَبَيْنَمَا كَانَ عَزرَا يُصَلِّي وَيَعْتَرِفُ وَيَنُوحُ وَيَطْرَحُ نَفْسَهُ أمَامَ بَيْتِ اللهِ، انْضَمَّ إلَيْهِ جَمعٌ كَبِيرٌ جِدًّا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، رِجَالًا وَنِسَاءً وَأطْفَالًا، وَكَانُوا يَبْكُونَ بُكَاءً مُرًّا. وَقَالَ شَكَنْيَا بْنُ يَحِيئِيلَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عِيلَامَ، لِعَزْرَا: «لَقَد خُنَّا إلَهَنَا حِينَ اتَّخَذنَا زَوْجَاتٍ غَرِيبَاتٍ مِنْ شُعُوبِ الأرْضِ. وَالْآنَ مَا زَالَ يُوجَدُ لِشَعْبِ اللهِ رَجَاءٌ فِي هَذِهِ المَسألَةِ. فَلْنَتَعَهَّدْ لِإلَهِنَا بِصَرفِ كُلِّ الزَّوجَاتِ الغَرِيبَاتِ وَأوْلَادِهِنَّ حَسَبَ نَصِيحَةِ سَيِّدِي عَزْرَا وَالَّذِينَ يَحْتَرِمُونَ وَصِيَّةَ إلَهِنَا. وَلِيَتِمَّ الأمْرُ بِحَسَبِ الشَّرِيعَةِ. قُمْ، فَإنَّ المَسؤُولِيَّةَ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِكَ فِي هَذَا الأمْرِ، وَسَنَدعَمُكَ نَحْنُ. فَتَشَجَّعْ وَنَفِّذْ.» فَنَهَضَ عَزْرَا وَحَلَّفَ الكَهَنَةَ وَاللَّاوِيِّينَ وَكُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَفْعَلُوا حَسَبَ كَلَامَ شَكَنْيَا، فَحَلَفُوا لَهُ. ثُمَّ مَضَى عَزْرَا مِنْ أمَامِ بَيْتِ اللهِ وَدَخَلَ غُرفَةَ يَهُوحَانَانَ بْنِ ألِيَاشِيبَ، وَبَاتَ هُنَاكَ. وَلَمْ يَذُق طَعَامًا وَلَا شَرَابًا لِأنَّهُ كَانَ مَا يَزَالُ يَنُوحُ بِسَبَبِ تَمَرُّدِ الَّذِينَ رَجِعُوا مِنَ السَّبْيِ. وَأذَاعُوا نِدَاءً فِي كُلِّ يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ لِكُلِّ العَائِدِينَ مِنَ السَّبْيِ لِلِاجْتِمَاعِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَهَدَّدُوا بِمُصَادَرَةِ مُمتَلَكَاتِ كُلِّ مَنْ لَا يَأْتِي خِلَالَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ حَسَبَ مَشُورَةِ القَادَةِ وَالشُّيُوخِ، وَعَزلِهِ عَنْ جَمَاعَةِ العَائِدِينَ مِنَ السَّبْيِ. وَهَكَذَا اجتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ خِلَالَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي العِشرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ. وَجَلَسَ جَمِيعُ الشَّعْبِ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ، وَكَانُوا يَرْتَعِدُونَ بِسَبَبِ هَذِهِ المَسألَةِ وَالمَطَرِ الغَزِيرِ. ثُمَّ وَقَفَ الكَاهِنُ عَزْرَا وَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ تَمَرَّدْتُمْ عَلَى اللهِ وَخُنْتُمُوهُ بِزَوَاجِكُمْ مِنْ نِسَاءٍ غَرِيبَاتٍ. فَزِدْتُمْ فِي إثمِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَاعتَرِفُوا الآنَ للهِ ، إلَهِ آبَائِنَا، وَنَفِّذُوا مَشِيئَتَهُ. اعزِلُوا أنْفُسَكُمْ عَنْ شُعُوبِ الأرْضِ، وَعَنْ نِسَائِكُمُ الغَرِيبَاتِ!» فَأجَابَ كُلُّ الجُّمهُورِ بِصَوْتٍ عَالٍ: «نَعَمْ! سَنَفعَلُ كَمَا قُلْتَ. لَكِنَّ المُجتَمِعِينَ هُنَا كَثِيرُونَ، وَالطَقسَ مَاطِرٌ جِدًّا. فَلَا قُدرَةَ لَنَا عَلَى الوُقُوفِ تَحْتَ المَطَرِ. وَهَذَا الأمْرُ لَا يَتِمُّ فِي يَوْمٍ أوْ يَوْمَين، لِأنَّنَا قَدْ أسَأنَا كَثِيرًا. فَليُمَثِّلْ قَادَتُنَا الجَّمَاعَةَ كُلَّهَا. وَلِيَأْتِ كُلُّ الَّذِينَ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَاءٍ غَرِيبَاتٍ فِي أوقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، وَمَعَهُمْ شُيُوخُ كُلِّ بَلدَةٍ وَقُضَاتُهَا، إلَى أنْ يَزُولَ عَنَّا غَضَبُ إلَهِنَا المُتَّقِدِ فِي هَذِهِ المَسألَةِ.» وَلَمْ يُعَارِضْ هَذَا الرَّأيَ إلَّا يُونَاثَانُ بْنُ عَسَائِيلَ وَيَحَزْيَا بْنُ تِقْوَةَ، وَأيَّدَهُمَا فِي ذَلِكَ مَشُلَّامُ وَشَبْتَايُ اللَّاوِيُّ. فَفَعَلَ هَذَا العَائِدُونَ مِنَ السَّبْيِ. وَاخْتَارَ عَزْرَا الكَاهِنُ رِجَالًا مِنْ قَادَةِ العَشَائِرِ بِحَسَبِ تَقْسِيمَاتِهِمْ لِتَمْثِيلِهَا. وَتَمَّ تَعْيِينُهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمِهِ. وَفِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ العَاشِرِ جَلَسُوا لِبَحثِ هَذِهِ المَسألَةِ، وَانتَهَوْا مِنَ مَسألَةِ كُلِّ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَاءٍ غَرِيبَاتٍ قَبْلَ اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ مِنَ السَّنَةِ التَّالِيَةِ. وَقَدْ وَجَدُوا أنَّ مِنْ بَيْنِ نَسْلِ الكَهَنَةِ الَّذِينَ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَاءٍ غَرِيبَاتٍ مِنْ بَنِي يَشُوعَ بِنِ يُوصَادَاقَ وَإخوَتِهِ: مَعْسِيَا وَألِيعَزَرُ وَيَارِيبُ وَجَدَليَا. وَقَدْ وَعَدُوا جَمِيعًا بِتَطْلِيقِ نِسَائِهِمْ، وَقَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَبْشًا مِنْ قَطِيعِهِ عَنْ إثْمِهِ. وَمِنْ بَنِي إمِّيرَ: حَنَانِي وَزَبْدِيَا. وَمِنْ بَنِي حَارِيمَ: مَعْسِيَّا وَإيلِيَّا وَشَمْعِيَا وَيَحِئِيلُ وَعُزِّيَّا. وَمِنْ بَنِي فَشْحُورَ: ألِيُوعِينَايُ وَمَعْسِيَّا وَإسْمَاعِيلُ وَنَثنَائِيلُ وَيُوزَابَادُ وَألْعَاسَةُ. وَمِنَ اللَّاوِيِّينَ: يُوزَابَادُ وَشِمْعَى وَقَلَايَا – أيْ قَلِيطَا – وَفَتَحْيَا وَيَهُوذَا وَألِيعَزَرُ. وَمِنَ المُرَّنِّمِينَ: ألْيَاشِيبُ. وَمِنْ حُرَّاسِ البَوَّابَاتِ، شَلُّومُ وَطَالَمُ وَأُورِي. وَمِنْ بَقِيَّةِ بَنِي إسْرَائِيلَ: مِنْ بَنِي فَرْعُوشَ رَمْيَا وَيَزِّيَّا وَمَلْكِيَّا وَمِيَّامِينُ وَألعَازَارُ وَمَلْكِيَّا وَبَنَايَا. وَمِنْ بَنِي عِيلَامَ، مَتَّنْيَا وَزَكَرِيَّا وَيَحِيئِيلُ وَعَبْدِي وَيَرِيمُوثُ وَإيلِيَّا. وَمِنْ بَنِي زَتُّو، ألْيُوعِينَايُ وَألْيَاشِيبُ وَمَتَّنْيَا وَيَرِيمُوثُ وَزَابَادُ وَعَزِيزَا. وَمِنْ بَنِي بَابَايَ، يَهُوحَانَانُ وَحَنَنْيَا وَزَبَايُ وَعَثلَايُ. وَمِنْ بَنِي بَانِي، مَشُلَّامُ وَمَلُّوخُ وَعَدَايَا وَيَاشُوبُ وَشَآلُ وَرَامُوثُ. وَمِنْ بَنِي فَحَثَ مُوآبَ، عَدْنَا وَكَلَالُ وَبَنَايَا وَمَعْسِيَا وَمَتَّنْيَا وَبَصَلْئِيلُ وَبَنُّويُ وَمَنَسَّى. وَمِنْ بَنِي حَارِيمَ: ألِيعَزَرُ وَيِشِّيَّا وَمَلْكِيَّا وَشِمْعِيَا وَشِمْعُونُ. وَبَنْيَامِينُ وَمَلُّوخُ وَشَمَرْيَا. وَمِنْ بَنِي حَشُومَ: مَتَّنَايُ وَمَتَّاثَا وَزَابَادُ وَألِيفَلَطُ وَيَرِيمَايُ وَمَنَسَّى وَشِمْعَى. وَمِنْ بَنِي بَانِي: مَعَدَايُ وَعَمْرَامُ وَأُوئِيلُ. وَبَنَايَا وَبِيدْيَا وَكَلُوهِي، وَوَنْيَا وَمَرِيمُوثُ وَألْيَاشِيبُ، وَمَتَّنْيَا وَمَتَّنَايُ وَيَعْسُو. وَمِنْ بَنِي بِنُّويَ: شِمْعَى، وَشَلَمْيَا وَنَاثَانُ وَعَدَايَا، وَمَكْنَدْبَايُ وَشَاشَايُ وَشَارَايُ، وَعَزَرْئِيلُ وَشَلْمِيَا وَشَمَرْيَا، وَشَلُّومُ وَأمَرْيَا وَيُوسُفُ. وَمِنْ بَنِي نَبُو: يَعِيئِيلُ وَمَتَّثْيَا وَزَابَادُ وَزَبِينَا وَيَدُّو وَيُوئِيلُ وَبَنَايَا. تَزَوَّجَ هَؤلَاءِ جَمِيعًا مِنْ نِسَاءٍ أجنَبِيَّاتٍ، وَأنجَبُوا مِنهُنَّ أوْلَادًا. هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ نَحَمْيَا بْنُ حَكَلْيَا: فِي شَهْرِ كَسلُو مِنَ السَّنَةِ العِشْرِينَ لِحُكْمِ المَلِكِ أرْتَحْشَسْتَا، كُنْتُ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ. فَجَاءَ حَنَانِي، وَهُوَ أحَدُ إخْوَتِي، مَعَ بَعْضِ رِجَالٍ آخَرِينَ مِنْ يَهُوذَا. فَسَألْتُهُمْ عَنْ العَائِلَاتِ اليَهُودِيَّةِ الَّتِي عَادَتْ مِنَ الأسْرِ. وَسَألْتُهُمْ عَنِ القُدْسِ أيْضًا. فَأجَابُونِي: «إنَّ الَّذِينَ فِي أرْضِ يَهُوذَا مِنَ النَّاجِينَ مِنَ الأَسْرِ فِي حَالَةٍ مِنَ الضِّيقِ وَالعَارِ العَظِيمَينِ، حَيْثُ سُورُ القُدْسِ مُهَدَّمٌ، وَأبوَابُهَا مَحْرُوقَةٌ بِالنَّارِ!» فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الكَلَامَ، جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أيَّامًا كَثِيرَةً وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ لِإلَهِ السَّمَاءِ. وَقُلْتُ: «يَا اللهُ ، يَا إلَهَ السَّمَاوَاتِ، يَا اللهُ المَهِيبُ الَّذِي يُحَافِظُ عَلَى عَهْدِ مَحَبَّتِهِ وَإخلَاصِهِ مَعَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيُطِيعُونَ وَصَايَاهُ، افتَحْ أُذُنَيكَ وَعَيْنَيْكَ لِكَي تَسْمَعَ صَلَاتِي أنَا عَبدَكَ الَّذِي يُصَلِّي أمَامَكَ لَيلَ نَهَارَ مِنْ أجْلِ عَبِيدِكَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَيَعْتَرِفُ بِخَطَايَاهُمْ ضِدَّكَ. أعْتَرِفُ أنَّنِي أنَا وَبَيْتُ أبِي أخْطَأنَا إلَيْكَ. وَقَدْ أسَأنَا إلَيْكَ كَثِيرًا، وَلَمْ نُطِعْ وَصَايَاكَ وَفَرَائِضَكَ وَشَرَائِعَكَ الَّتِي أعْطَيْتَهَا لِعَبدِكَ مُوسَى. «تَذَكَّرْ أمْرَكَ لِعَبْدِكَ مُوسَى حِينَ قُلْتَ: ‹إنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فَسَأُشَتِّتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ. أمَّا إذَا رَجِعْتُمْ إلَيَّ، وَحَرِصْتُمْ عَلَى العَمَلِ بِوَصَايَايَ، حِينَئِذٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ المُشَتَّتُونَ مِنْكُمْ فِي آخِرِ الدُّنيَا، فَسَأُلَملِمُهُمْ مِنْ هُنَاكَ، وَسَأُحْضِرُهُمْ إلَى المَكَانِ الَّذِي اختَرْتُ أنْ يُعبَدَ فِيهِ اسْمِي.› إنَّهُمْ عَبِيدُكَ وَشَعْبُكَ الَّذِي حَرَّرْتَهُمْ بِقُوَّتِكَ العَظِيمَةِ وَيَدِكَ القَوِيَّةِ! يَا رَبُّ، لِتَنْتَبِهْ أُذُنَاكَ إلَى صَلَاتِي أنَا عَبْدَكَ، وَلِصَلَاةِ جَمِيعِ عَبِيدِكَ الَّذِينَ يَجِدُونَ لَذَّةً فِي إكرَامِكَ وَإجلَالِ اسْمِكَ. فَوَفِّقِ اليَوْمَ عَبْدَكَ، لَعَلِّي أحظَى بِرِضَى المَلِكِ.» فَقَدْ كُنْتُ حِينَئِذٍ مَسؤُولًا عَنْ تَقْدِيمِ الخَمْرِ لِلمَلِكِ. وَفِي شَهْرِ نِيسَانَ مِنَ السَّنَةِ العِشرِينَ لِحُكْمِ المَلِكِ أرْتَحْشَسْتَا، عِنْدَمَا كَانَتِ الخَمْرُ مَوضُوعَةً أمَامَهُ، أخَذْتُ الخَمْرَ وَأعْطَيْتُهَا لِلمَلِكِ. وَكَانَتْ هَذِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ أبدُو حَزِينًا فِي حَضَرَتِهِ. فَسَألَنِي المَلِكُ: «لِمَاذَا أنْتَ حَزِينٌ؟ ألَعَلَّكَ مَرِيضٌ؟ لَا، بَلْ إنَّ قَلْبَكَ هُوَ الحَزِينُ.» فَخِفتُ كَثِيرًا، وَقُلْتُ لِلمَلِكِ: «أطَالَ اللهُ عُمْرَكَ أيُّهَا المَلِكُ. كَيْفَ لَا أكُونُ حَزِينًا وَالمَدِينَةُ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا آبَائِي خَرَابٌ وَبَوَّابَاتُهَا قَدْ دُمِّرَتْ بِالنَّار.» فَقَالَ لِي المَلِكُ: «مَاذَا تَطْلُبُ مِنِّي؟» فَوَجَّهْتُ صَلَاتِي إلَى إلَهِ السَّمَاءِ، وَقُلْتُ لِلمَلِكِ: «إنْ شِئْتَ أيُّهَا المَلِكُ، وَإنْ كُنْتَ رَاضِيًا عَنْ عَبدِكَ، فَأرسِلْنِي إلَى بِلَادِ يَهُوذَا حَيْثُ تُوجَدُ المَدِينَةُ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا آبَائِي، لِكَي أُعِيدَ بِنَاءَهَا.» فَقَالَ لِي المَلِكُ، وَالمَلِكَةُ جَالِسَةٌ إلَى جَانِبِهِ: «كَمْ سَتَطُولُ رِحلَتُكَ، وَمَتَى سَتَعُودُ؟» وَبَعْدَ أنْ أعلَمْتُ المَلِكَ عَنْ مُدَّةِ غِيَابِي، وَافَقَ بِسُرُورٍ عَلَى أنْ يُرسِلَنِي. ثُمَّ قُلْتُ لِلمَلِكِ: «إنْ شِئْتَ فَأصْدِرْ أمْرًا بِأنْ تُعطَى لِي رَسَائِلُ إلَى وُلَاةِ المَنَاطِقِ الوَاقِعَةِ غَرْبَ نَهْرِ الفُرَاتِ، لِكَي يَأْذَنُوا لِي بِالعُبُورِ حَتَّى أصِلَ إلَى يَهُوذَا. وَبِأنْ تُعْطَى لِي رِسَالَةٌ إلَى آسَافَ المُشرِفِ عَلَى غَابَةِ المَلِكِ، لِيُعطِيَنِي خَشَبًا لِصُنْعِ سُقُوفٍ لِلبَوَّابَاتِ وَالأسوَارِ وَالجُدرَانِ المُحِيطَةِ بِالهَيْكَلِ، وَالبَيْتِ الَّذِي سَأنزِلُ فِيهِ.» فَاسْتَجَابَ المَلِكُ لِطَلَبِي، لِأنَّ إلَهِي كَانَ مَعِي وَأحْسَنَ إلَيَّ. فَذَهَبْتُ إلَى وُلَاةِ المَنَاطِقِ الوَاقِعَةِ غَرْبَ النَّهْرِ، وَسَلَّمْتُهُمْ رَسَائِلَ المَلِكِ. وَكَانَ المَلِكُ قَدْ أرْسَلَ مَعِي ضُبَّاطًا مِنَ الجَيْشِ وَفُرسَانًا. وَعِنْدَمَا عَرَفَ سَنْبَلَّطُ الحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا، وَهُوَ مَسؤُولٌ عَمُّونِيٌّ، عَنْ هَذَا الأمْرِ، اغتَاظَا غَيظًا شَدِيدًا لِأنَّ شَخْصًا جَاءَ يَسْعَى إلَى خَيرِ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَهَكَذَا جِئتُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَبَقَيتُ فِيهَا ثَلَاثَةَ أيَّامٍ. ثُمَّ انْطَلَقْتُ لَيْلًا مَعَ بَعْضِ الرِّجَالِ. وَلَمْ أكُنْ قَدْ أخْبَرْتُ أحَدًا مِنْهُمْ بِمَا وَضَعَ إلَهِي فِي قَلْبِي مِنْ أجْلِ القُدْسِ. وَلَمْ نَكُنْ قَدْ أحضَرْنَا مَعَنَا أيَّةَ دَابَّةٍ إلَّا الحِصَانَ الَّذِي كُنْتُ أرْكَبُهُ. فَعَبَرْتُ بَابَ الوَادِي وَتَجَاوَزْتُ عَينَ التِّنِّينِ، حَتَّى وَصَلْتُ إلَى بَابِ الدِّمْنِ. وَتَفَقَّدتُ أسوَارَ القُدْسِ المُهُدَّمَةَ وَبَوَّابَاتِهَا الَّتِي دَمَّرَتْهَا النَّارُ. ثُمَّ تَابَعْتُ إلَى بَابِ العَيْنِ وَبِرْكَةِ المَلِكِ. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُتَّسَعٌ لِعُبُورِ الحِصَانِ الَّذِي أركَبُهُ. فَصَعِدْتُ إلَى أعَلَى الوَادِي لَيْلًا مُتَفَحِّصًا السُّورَ، ثُمَّ عُدْتُ وَدَخَلْتُ مِنْ بَابِ الوَادِي. وَهَكَذَا رَجِعْتُ. وَلَمْ يَعْلَمْ المَسؤُولُونَ أيْنَ ذَهَبْتُ أوْ مَا كُنْتُ أفْعَلُهُ، فَلَمْ أكُنْ بَعْدُ قَدْ أخبَرْتُ اليَهُودَ أوِ الكَهَنَةَ أوِ الأشْرَافَ أوِ المَسؤُولِينَ، أوْ بَقِيَّةَ الَّذِينَ سَيَقُومُونَ بِالعَمَلِ. ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: «أنْتُمْ تَرَوْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مِحنَةٍ وَضِيقٍ، وَكَيْفَ أنَّ القُدْسَ مُهَدَّمَةٌ، وَأبْوَابَهَا مَحرُوقَةٌ بِالنَّارِ. فَلْنَبنِ سُورَ القُدْسِ مِنْ جَدِيدٍ، حَتَّى لَا نَخزَى بَعْدَ اليَوْمِ.» وَأخبَرْتُهُمْ كَيْفَ أحْسَنَ إلَهِي إلَيَّ، وَمَا قَالَهُ المَلِكُ لِي. فَقَالُوا: «لِنَنهَضْ وَنَبْنِ.» وَشَجَّعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الِاسْتِعدَادِ لِهَذَا العَمَلِ الصَّالِحِ. وَلَمَّا سَمِعَ بِهَذَا سَنَبَلَّطُ الحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا المَسؤُولُ العَمُّونِيُّ وَجَشَمُ العَرَبِيُّ، سَخِرُوا مِنَّا وَاسْتَهْزَأُوا بِنَا، وَقَالُوا: «مَا هَذَا الَّذِي تَفْعَلُونَهُ؟ هَلْ تَتَمَرَّدُونَ عَلَى المَلِكِ؟» فَأجَبْتُهُمْ: «سَيُوَفِّقُ إلَهُ السَّمَاءِ مَسْعَانَا، وَسَنَقُومُ نَحْنُ عَبِيدَهُ بِإعَادَةِ البِنَاءِ. أمَّا أنْتُمْ فَلَيْسَتْ لَكُمْ مُمتَلَكَاتٌ أوْ حُقُوقٌ أوْ مَكَانٌ فِي القُدْسِ فِيهِ اسْمٌ لَكُمْ.» وَقَامَ ألِيَاشِيبُ رَئِيسُ الكَهَنَةِ وَزُمَلَاؤُهُ الكَهَنَةُ لِلعَمَلِ. فَأقَامُوا بَابَ الضَّأنِ. هُمْ رَفَعُوا دَفَّتَيْهِ، وَكَرَّسُوهُ للهِ حَتَّى بُرجِ المِئَةِ، وَإلَى بُرجِ حَنَئِيلَ. وَبَنَى بِجَانِبِ ألِيَاشِيبَ رِجَالُ أرِيحَا، وَبِجَانِبِهِمْ بَنَى زَكُّورُ بْنُ إمرِي. وَأقَامَ بَنُو هَسْنَاءَةَ بَابَ السَّمَكِ. هُمْ ثَبَّتُوا عَتَبَتَهُ العُليَا وَرَفَعُوا دَفَّتَيْهِ وَوَضَعُوا أقفَالَهُ وَمَزَالِيجَهُ. وَقَامَ مَرِيمُوثُ بْنُ أُورِيَّا بْنِ هَقُّوصَ بِإصلَاحِ القِسْمِ المُجَاوِرِ مِنَ السُّورِ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ مَشُلَّامُ بْنُ بَرَخْيَا بْنِ مَشِيزَبْئِيلَ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ صَادُوقُ بْنُ بَعْنَا. وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ رِجَالُ تَقُوعَ. لَكِنَّ أشرَافَهُمْ وَقَادَتَهُمْ رَفَضُوا أنْ يَعْمَلُوا لَدَى سَيِّدِهِمْ. وَرَمَّمَ يُويَادَاعُ بْنُ فَاسِيحَ وَمَشُلَّامُ بْنُ بَسُودْيَا البَابَ العَتِيقَ لِلمَدِينَةِ. هُمَا ثَبَّتَا عَتَبَتَهُ العُليَا وَرَفَعَا دَفَّتَيْهِ وَوَضَعَا أقفَالَهُ وَمَزَالِيجَهُ. وَبِجَانِبِهِمَا رَمَّمَ مَلَطْيَا الجِبْعُونِيُّ وَيَادُونُ المِيرُونُوثِيُّ مَعَ رِجَالٍ مِنْ جِبعُونَ وَالمِصْفَاةِ – وَهُمَا مَدِينَتَانِ تَابِعَتَانِ لِوَالِي مِنْطَقَةِ غَرْبِ النَّهْرِ. وَبِجَانِبِ مَلَطْيَا رَمَّمَ عُزَّيئِيلُ بْنُ حَرْهَايَا، وَهُوَ صَائِغُ ذَهَبٍ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ حَنَنْيَا العَطَّارُ وَأصْلَحَ القُدْسَ حَتَّى السُّورِ العَرِيضِ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ رَفَايَا بْنُ حُورٍ، وَهُوَ حَاكِمٌ عَلَى نِصْفِ مِنْطَقَةِ القُدْسِ. وَبِجَانِبِهِ أصلَحَ يَدَايَا بْنُ حَرُومَافَ مُقَابِلَ بَيْتِهِ، وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ حَطُّوشُ بْنُ حَشَبْنِيَا. وَأصلَحَ مَلْكِيَّا بْنُ حَارِيمَ وَحَشُّوبُ بْنُ فَحثٍ مُوآبَ قِسْمًا آخَرَ، وَبُرجَ التَنَانِيرِ. وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ شَلُّومُ بْنُ هَلُّوحِيشَ حَاكِمُ نِصفِ مِنْطَقَةِ القُدْسِ مَعَ بَنَاتِهِ. وَأصلَحَ حَانُونُ وَسُكَّانُ زَانُوحَ بَابَ الوَادِي. هُمْ أقَامُوهُ وَرَفَعُوا دَفَّتَيْهِ وَوَضَعُوا أقفَالَهُ وَمَزَالِيجَهُ. وَأصلَحُوا مَسَافَةَ ألْفِ ذِرَاعٍ مِنَ السُّورِ إلَى بَابِ الدِّمْنِ. وَرَمَّمَ مَلْكِيَّا بْنُ رَكَابَ، وَهُوَ حَاكِمُ مِنْطَقَةِ بَيْتِ هَكَارِيمَ بَابَ الدِّمْنِ. فَبَنَاهُ وَثَبَّتَ مِصْرَاعَيهِ وَوَضَعَ أقْفَالَهُ وَمَزَالِيجَهُ. وَرَمَّمَ شَلُّونُ بْنُ كَلحُوزَةَ، وَهُوَ وَالِي مِنْطَقَةِ المِصْفَاةِ، بَابَ العَيْنِ. هُوَ أقَامَهُ وَثَبَّتَ عَتَبَتَهُ العُليَا وَرَفَعَ دَفَّتَيْهِ وَوَضَعَ أقْفَالَهُ وَمَزَالِيجَهُ. كَمَا رَمَّمَ سُورَ بِرْكَةِ سِلْوَامَ عِنْدَ حَدِيقَةِ المَلِكِ إلَى الدَّرَجَاتِ النَّازِلَةِ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ. بَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ نَحَمْيَا بْنُ عَزبُوقَ، وَهُوَ حَاكِمٌ عَلَى نِصْفِ مِنْطَقَةِ بَيْتِ صُورٍ إلَى مُقَابِلِ قُبُورِ دَاوُدَ وَحَتَّى البِركَةِ الصِّنَاعِيَّةِ وَبَيْتِ الأبطَالِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ اللَّاوِيُّونَ بِقِيَادَةِ رَحُومَ بْنِ بَانِي، وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ حَشَبْيَا حَاكِمُ مِنْطَقَةِ قَعِيلَةَ مَنطِقَتَهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَامَ إخوَانُهُمْ بِالتَّرمِيمِ، فَرَمَّمَ بَوَّايُ بْنُ حِينَادَادَ، حَاكِمُ نِصْفِ مِنْطَقَةِ قَعِيلَةَ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ عَازَرُ بْنُ يَشُوعَ حَاكِمُ المِصْفَاةِ قِسْمًا آخَرَ مُقَابِلَ مَطلَعِ مُسْتَوْدَعِ الأسلِحَةِ إلَى الزَّاوِيَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ بَارُوخُ بْنُ زَبَّايَ قِسْمًا ثَانِيًا مِنَ الزَّاوِيَةِ إلَى مَدْخَلِ بَيْتِ ألْيَاشِيبَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ أُورِيَّا بْنُ هَقُّوصَ قِسْمًا آخَرَ مِنْ مَدْخَلِ بَيْتِ ألْيَاشِيبَ إلَى آخِرِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَامَ كَهَنَةُ الأمَاكِنِ المُحِيطَةِ بِأعْمَالِ التَّرمِيمِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أصلَحَ بَنْيَامِينُ وَحَشُّوبُ أمَامَ بَيْتِهِمَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ عَزَرْيَا بْنُ مَعْسِيَّا بْنِ عَنَنْيَا قُرْبَ بَيْتِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أصلَحَ بَنُّويُ بْنُ حِينَادَادَ جُزءًا آخَرَ مِنْ بَيْتِ عَزرِيَا إلَى الزَّاوِيَةِ وَالمُنعَطَفِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ فَلَالُ بْنُ أُوزَايَ مِنْ مُقَابِل الزَّاوِيَةِ لِبَيْتِ المَلِكِ العُلوِيِّ وَالبُرجِ البَارِزِ، وَهُوَ يَخُصُّ سَاحَةَ الحُرَّاسِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ فَدَايَا بْنُ فَرْعُوشَ. وَخُدَّامُ الهَيْكَلِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ تَلَّةَ عُوفَلَ، رَمَّمُوا إلَى مُقَابِلِ بَابِ المَاءِ شَرْقًا، وَإلَى البُرجِ البَارِزِ مِنَ القَصْرِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أصلَحَ رِجَالُ تَقُوعَ جُزءًا آخَرَ مِنْ مَكَانٍ مُقَابِلَ البُرجِ الكَبِيرِ البَارِزِ إلَى سُورِ عُوفَلَ. وَأصلَحَ الكَهَنَةُ فَوْقَ بَابِ الخَيلِ، كُلُّ وَاحِدٍ مُقَابِلَ بَيْتِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ صَادُوقُ بْنُ إمِّيرَ مُقَابِلَ بَيْتِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ شَمَعْيَا بْنُ شَكَنْيَا حَارِسُ بَابِ الشَّرقِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ حَنَنْيَا بْنُ شَلَمْيَا وَحَانُونُ، وَهُوَ الِابْنُ السَّادِسُ لِصَالَافَ، جُزءًا ثَانِيًا. بَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ مَشُلَّامُ بْنُ بَرَخْيَا مُقَابِلَ غُرفَتِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَمَّمَ مَلْكِيَّا، وَهُوَ صَائِغُ ذَهَبٍ، إلَى بَيْتِ خُدَّامِ الهَيْكَلِ وَالتُّجَّارِ، مُقَابِلَ بَابِ العَدِّ، وَإلَى الغُرفَةِ العُلوِيَّةِ عِنْدَ الزَّاوِيَةِ. وَرَمَّمَ صَائِغُو الذَّهَبِ وَالتُّجَّارُ مَا بَيْنَ الغُرفَةِ العُلوِيَّةِ عِنْدَ الزَّاوِيَةِ وَبَابِ الضَّأنِ. وَلَمَّا سَمِعَ سَنَبَلَّطُ بِأنَّنَا عَاكِفُونَ عَلَى بِنَاءِ السُّورِ، غَضِبَ وَاهتَاجَ كَثِيرًا، وَرَاحَ يُحَقِّرُ اليَهُودَ وَيَسْخَرُ مِنْهُمْ. وَقَالَ أمَامَ حُلَفَائِهِ وَجَيْشِ السَّامِرَةِ: «مَا الَّذِي يَفْعَلُهُ هَؤُلَاءِ اليَهُودُ الضُّعَفَاءُ؟ هَلْ سَيُبقُونَ الأمْرَ بَيْنَ أيدِيهِمْ؟ أمْ سَيُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَ للهِ؟ هَلْ سَيُكمِلُونَ مَشرُوعَهُمْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟ هَلْ يُعِيدَوْنَ الحَيَاةَ إلَى الحِجَارَةِ مِنْ أكْوَامِ التُّرَابِ وَالقُمَامَةِ، حَتَّى وَهِيَ مَحرُوقَةٌ؟» وَكَانَ طُوبِيَّا العَمُّونِيُّ بِجَانِبِهِ فَقَالَ: «لَوْ تَسَلَّقَ حَتَّى ثَعلَبٌ عَلَى مَا يَبْنُونَهُ، فَسَيَهْدِمُ حِجَارَةَ سُورِهِمْ!» فَصَلَّيتُ أنَا نَحَمْيَا وَقُلْتُ: «اسْمَعْ صَلَاتَنَا يَا إلَهَنَا، لِأنَّنَا صِرْنَا مُحتَقَرِينَ. عَاقِبْهُمْ عَلَى إهَانَتِهِمْ لَنَا. وَاجعَلْهُمْ يُسْبَونَ فِي أحَدِ المَنَافِي. وَلَا تَسْتُرْ ذَنبَهُمْ هَذَا، وَلَا تَدَعْ خَطِيَّتَهُمْ تُمحَى مِنْ أمَامِ عَيْنَيْكَ. لِأنَّهُمْ أهَانُوا وَأحْبَطُوا البَنَّائِينَ.» وَبَنَينَا السُّورَ وَوَصَلْنَاهُ، فَوَصَلَ إلَى نِصْفِ ارتِفَاعِهِ القَدِيمِ، لِأنَّ الشَّعْبَ كَانُوا مُتَحَمِّسِينَ لِلعَمَلِ. وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ وَطُوبِيَّا وَالعَرَبُ وَالعَمُّونِيُّونَ وَسُكَّانُ أشدُودَ أنَّ تَرْمِيمَ أسْوَارِ القُدْسِ جَارٍ، وَأنَّ الثَّغَرَاتِ وَالأجزَاءَ الَّتِي انْهَدَمَتْ بَدَأتْ تُسَدُّ، غَضِبُوا غَضَبًا شَدِيدًا. وَتَآمَرُوا جَمِيعًا عَلَى أنْ يَأْتُوا لِمُحَارَبَةِ القُدْسِ. وَخَطَّطُوا لِإثَارَةِ الفَوضَى وَالإربَاكِ. لَكِنَّنا التَجَأنَا إلَى إلَهِنَا وَصَلَّينَا، وَأقَمْنَا حُرَّاسًا عَلَى الأسوَارِ لَيلَ نَهَارَ بِسَبَبِهِمْ. غَيْرَ أنَّ بَنِي يَهُوذَا قَالُوا: «بَدَأتْ قُوَّةُ الحَمَّالِينَ تَضْعُفُ، وَهُنَاكَ حِجَارَةٌ مُكَسَّرَةٌ كَثِيرَةٌ. وَلِهَذَا لَنْ نَتَمَكَّنَ وَحدَنَا مِنْ إعَادَةِ بِنَاءِ السُّورِ.» وَقَالَ أعْدَاؤُنَا: «سَنُهَاجِمُ اليَهُودَ بَغْتَةً وَنَقْتَحِمُهُمْ وَنَقتُلُهُمْ وَنُوقِفُ العَمَلَ.» وَعِنْدَمَا جَاءَ اليَهُودُ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ قُرْبَ أعْدَائِنَا، كَرَّرُوا عَلَى مَسَامِعِنَا قَولَهُمْ: «الأعْدَاءُ مُحِيطُونَ بِكُمْ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ فَاترُكُوا المَدِينَةَ وَارجِعُوا إلَينَا سَالِمِينَ!» فَوَقَفْتُ فِي الجُزءِ المُنخَفِضِ خَلْفَ السُّورِ فِي المَكَانِ المَفتُوحِ، وَجَعَلْتُ الشَّعْبَ يَقِفُونَ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ حَامِلِينَ سُيُوفَهُمْ وَرِمَاحَهُمْ وَأقوَاسَهُمْ. وَبَعْدَ أنْ فَكَّرْتُ فِي الأمْرِ، نَهَضْتُ وَقُلْتُ لِلوُجَهَاءِ وَالمَسؤُولِينَ وَبَقِيَّةِ الشَّعْبِ: «لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ. وَتَذَكَّرُوا الرَّبَّ العَظِيمَ المَخُوفَ. وَقَاتِلُوا مِنْ أجْلِ إخْوَتِكُمْ وَأبنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَزَوْجَاتِكُمْ وَبُيُوتِكُمْ.» فَلَمَّا سَمِعَ أعْدَاؤُنَا أنَّ خُطَّتَهُمُ انكَشَفَتْ لَنَا، وَأنَّ اللهَ أفشَلَ مُؤَامَرَتَهُمْ، عُدْنَا جَمِيعًا إلَى السُّورِ، وَعَادَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى عَمَلِهِ. وَمُنذُ ذَلِكَ اليَوْمِ عَمِلَ نِصفُ العَامِلِينَ مَعِي بِنَشَاطٍ عَلَى السُّورِ. بَيْنَمَا حَمَلَ النِّصفُ الآخَرُ التُّرُوسَ وَالرِّمَاحَ وَالأقوَاسَ وَالدُّرُوعَ. وَوَقَفَ المَسؤُولُونَ خَلْفَ بَنِي يَهُوذَا يَحْرُسُونَ وَيَدْعَمُونَ الَّذِينَ يَبْنُونَ السُّورَ. وَكَانَ الحَمَّالُونَ يَحْمِلُونَ وَيَشْتَغِلُونَ بِيَدٍ، وَيَحْمِلُونَ سِلَاحًا بِاليَدِ الأُخرَى. وَكَانَ البَنَّاؤُونَ يَبْنُونَ وَسُيُوفُهُمْ مُثَبَّتَةٌ إلَى جَانِبِهِمْ، وَكَانَ نَافِخُ البُوقِ يَقِفُ بِجَانِبِي. وَقُلْتُ لِلوُجَهَاءِ وَالمَسؤُولِينَ وَبَقِيَّةِ الشَّعْبِ: «العَمَلُ كَثِيرٌ وَمُمتَدٌّ، وَالمَسَافَةُ الفَاصِلَةُ بَيْنَ الوَاحِدِ وَأخِيهِ عَلَى السُّورِ كَبِيرَةٌ جِدًّا. فَانضَمُّوا إلَينَا مِنْ أيِّ مَكَانٍ تَسْمَعُونَ فِيهِ صَوْتَ البُوقِ، وَسَيُقَاتِلُ إلَهُنَا عَنَّا.» فَتَابَعْنَا العَمَلَ وَنِصفُ الرِّجَالِ يَحْمِلُونَ رِمَاحَهُمْ مِنْ أوَّلِ الفَجرِ حَتَّى ظُهُورِ النُّجُومِ. وَقُلْتُ أيْضًا لِلشَّعْبِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ: «لِيَقْضِ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ خَادِمِهِ اللَّيلَةَ فِي القُدْسِ، لِيَحْرُسُونَا لَيْلًا وَيَعْمَلُوا نَهَارًا.» وَلَمْ نَخلَعْ لَا أنَا وَلَا أقرِبَائِي وَلَا رِجَالِي وَلَا الحُرَّاسُ الَّذِينَ تَبِعُونِي مَلَابِسَنَا. وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَضَعُ سِلَاحَهُ فِي مُتُنَاوَلِ يَمِينِهِ. وَبَدَأ عَامَّةُ النَّاسِ وَزَوْجَاتُهُمْ يَتَذَمَّرُونَ مِنْ إخْوَتِهِمُ اليَهُودِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «عَدَدُنَا كَبِيرٌ مَعَ أبنَائِنَا وَبَنَاتِنَا، فَأعطُونَا بَعْضَ القَمْحِ لِنَأكُلَ وَنَبقَى عَلَى قَيدِ الحَيَاةِ.» وَقَالَ آخَرُونَ: «لَقَدْ قُمْنَا بِرَهْنِ حُقُولِنَا وَكُرُومِنَا وَبُيُوتِنَا لِنَسْتَدِينَ مَالًا لِشِرَاءِ قَمْحٍ أثْنَاءَ المَجَاعَةِ.» وَقَالَ آخَرُونَ: «لَقَدِ اضْطُرِرْنَا إلَى رَهْنِ حُقُولِنَا وَكُرُومِنَا لِكَي نَدفَعَ ضَرِيبَةً لِلمَلِكِ. وَنَحْنُ نَشتَرِكُ فِي الدَّمِ وَاللَّحمِ مَعَ إخْوَتِنَا الأغنِيَاءِ. أبنَاؤنَا مِنْ نَفْسِ طِينَةِ أبْنَائِهِمْ، غَيْرَ أنَّنَا نُوشِكُ عَلَى جَعلِ أبنَائِنَا وَبَنَاتِنَا عَبِيدًا لَهُمْ سَدَادًا لِدُيُونِنَا. وَبَعْضُ بَنَاتِنَا مُسْتَعْبَدَاتٌ فِعلًا، وَمَا بِيَدِنَا مِنْ حِيلَةٍ. فَحُقُولُنَا وَكُرُومُنَا هِيَ الآنَ لِآخَرِينَ.» فَلَمَّا سَمِعْتُ شَكوَاهُمْ وَكَلَامَهُمْ غَضِبْتُ كَثِيرًا. وَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي فِي الأمْرِ. وَلُمْتُ الوُجَهَاءَ وَالمَسؤُولِينَ، وَقُلْتُ لَهُمْ: «أنْتُمْ تَأْخُذُونَ أُنَاسًا وَمُمتَلَكَاتٍ مِنْ بَنِي جِنسِكُمْ رَهنًا كَضَمَانٍ لِاسْتِعَادَةِ القُرُوضِ.» وَدَعَوْتُ إلَى اجتِمَاعٍ كَبِيرٍ. وَقُلْتُ لَهُمْ: «لَقَدِ افْتَدَينَا إخْوَتَنَا اليَهُودَ الَّذِينَ بَاعُوا أنْفُسَهُمْ لِلأُمَمِ الأُخْرَى عَلَى قَدْرِ طَاقَتِنَا. أمَّا الآنَ، فَأنْتُمْ أنْفُسُكُمْ تَبِيعُونَ إخْوَتَكُمْ. وَهَكَذَا نَجِدُ أنْفُسَنَا مُضطَرِّينَ إلَى شِرَائِهِمْ ثَانِيَةً.» فَسَكَتُوا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الدِّفَاعَ عَنْ مَوقِفِهِمْ. فَقُلْتُ لَهُمْ: «لَيْسَ حَسَنًا مَا تَفْعَلُونَهُ. ألَا يَنْبَغِي أنْ تَخَافُوا إلَهَنَا فِي حَيَاتِكُمْ لِكَي تَتَجَنَّبُوا سُخْرِيَةَ أعْدَائِكُمُ مِنَ الأُمَمِ الأُخْرَى بِكُمْ؟ وَأنَا وَرِجَالِي، أيُّهَا الإخْوَةُ، نُقرِضُهُمُ المَالَ وَالقَمْحَ. فَدَعُونَا نَترُكُ المُطَالَبَةَ بِرَهْنٍ لِلقُرُوضِ. وَرُدُّوا لَهُمُ اليَوْمَ حُقُولَهُمْ وَكُرُومَهُمْ وَبَسَاتِينَ زَيْتُونِهِمْ وَبُيُوتَهُمْ، وَتَوَقَّفُوا عَنْ أخذِ فَائِدَةٍ عَلَى مَا تُقرِضُونَهُمْ مِنْ مَالٍ وَقَمْحٍ وَنَبِيذٍ وَزَيْتٍ.» عِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا: «سَنَرُدُّ لَهُمْ كُلَّ شَيءٍ، وَلَنْ نَطلُبَ المَزِيدَ مِنْ أحَدٍ. وَسَنَفعَلُ كَمَا تَقُولُ.» فَدَعَوْتُ الكَهَنَةَ وَطَلَبْتُ مِنَ الدَّائِنِينَ أنْ يُقْسِمُوا أمَامَهُمْ أنْ يُحَافِظُوا عَلَى وَعدِهِمْ. ثُمَّ نَفَضْتُ ثَنْيَةَ ثَوبِي عِنْدَ الحَضْنِ وَقُلْتُ: «لَيْتَ اللهَ يَنْفُضُ هَكَذَا مِنْ بَيْتِهِ وَمُلْكِهِ كُلَّ مَنْ لَا يَحْفَظُ هَذَا العَهْدَ. وَلَيْتَ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا يُنْفَضُ خَارِجًا وَيِصِيرُ مُفلِسًا.» فَقَالَ كُلُّ الحَاضِرِينَ: «آمِينَ،» وَسَبَّحُوا اللهَ . وَحَافَظَ الشَّعْبُ عَلَى وَعدِهِمْ. وَعُيِّنْتُ مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ وَالِيًا عَلَى أرْضِ يَهُوذَا، مِنَ السَّنَةِ العِشْرِينَ حَتَّى الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ أرْتَحْشَسْتَا، أيْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَلَمْ نَكُنْ أنَا وَأقَارِبِي نَأكُلُ مِنَ الطَّعَامِ المُخَصَّصِ لِلوَالِي. لَقَدْ صَعَّبَ الوُلَاةُ الَّذِينَ سَبَقُونِي الحَيَاةَ عَلَى النَّاسِ، وَأخَذُوا مِنْهُمُ الطَّعَامَ وَالنَّبِيذَ، وَضَرَائِبَ يَوْمِيَّةً أرْبَعُينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ. وَكَانَ العَامِلُونَ تَحْتَ إمرَتِهِمْ يُعَامِلُونَ الشَّعْبَ بِقَسوَةٍ. أمَّا أنَا فَلَمْ أفعَلْ مِثْلَ هَذِهِ الأُمُورِ لِأنِّي كُنْتُ أخَافُ اللهَ. وَقَدْ كَرَّسْتُ نَفْسِي لِبِنَاءِ السُّورِ. كُلُّ رِجَالِي اجْتَمَعُوا لِلعَمَلِ هُنَاكَ. وَلَمْ نَحصُلْ أنَا وَجَمَاعَتِي عَلَى قِطْعَةِ أرْضٍ. كُنْتُ أسْتَضِيفُ عَلَى مَائِدَتِي مِئَةً وَخَمْسِينَ مَسؤُولًا يَهُودِيًّا، عَدَا الضُّيُوفِ الَّذِينَ كَانُوا يَأْتُونَ إلَينَا مِنَ الأُمَمِ المُجَاوِرَةِ. وَكُنْتُ أُقَدِّمُ لَهُمْ يَوْمِيًّا لِيَأْكُلُوا ثَوْرًا وَسِتَّةَ خِرَافٍ وَبَعْضَ الدَّوَاجِنِ عَلَى حِسَابِي. وَبَعْدَ كُلِّ عَشْرَةِ أيَّامٍ كُنْتُ أُقَدِّمُ لَهُمْ جَمِيعَ أنْوَاعِ النَّبِيذِ بِكَمِّيَّاتٍ كَبِيرَةٍ. وَرُغْمَ هَذَا لَمْ أُطَالِبْ بِحِصَّةِ الوَالِي مِنْ طَعَامِ النَّاسِ، لِأنَّ العَمَلَ كَانَ مُرهِقًا لِهَذَا الشَّعْبِ. فَاذْكُرْ يَا إلَهِي مَا فَعَلْتُهُ مِنْ خَيرٍ لِهَذَا الشَّعْبِ. وَعَلِمَ سَنْبَلَّطُ وَطُوبِيَّا وَجَشَمُ العَرَبِيُّ وَبَقِيَّةُ أعْدَائِنَا بِأنَّنَا قَدْ أنهَينَا بِنَاءَ السُّورِ، وَأنَّهُ لَمْ تَعُدْ فِيهِ ثَغْرَةٌ – مَعَ أنَّنِي لَمْ أكُنْ قَدْ ثَبَّتُّ مَصَارِيعَ البَوَّابَاتِ عَلَيْهَا. فَأرْسَلَ سَنْبَلَّطُ وَجَشَمُ لِي هَذِهِ الرِّسَالَةَ: «تَعَالَ فَنَلْتَقِ فِي إحْدَى القُرَى فِي سَهلِ أُونُو.» لَكِنَّهُمَا كَانَا يُخَطِّطَانِ لِإيذَائِي. فَأرْسَلْتُ إلَيْهِمَا رُسُلًا قَالُوا لَهُمَا: «أنَا أقُومُ بِعَمَلٍ مُهِمٍ، وَلِهَذَا لَا أسْتَطِيعُ النُّزُولَ إلَيكُمَا. فَمَا الَّذِي يَجْعَلُنِي أُوقِفُ العَمَلَ مِنْ أجْلِ أنْ آتِيَ إلَيكُمَا؟» فَأرْسَلَا الرِّسَالَةَ نَفْسَهَا أرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأعْطَيْتُهُمُ الجَوَابَ نَفْسَهُ. ثُمَّ عَادَ سَنْبَلَّطُ فَأرْسَلَ خَادِمَهُ بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا وَفِي يَدِهِ رِسَالَةٌ غَيْرُ مَختُومَةٍ، مَكْتُوبٌ فِيهَا: «يُؤَكِّدُ جَشَمُ مَا يُقَالُ بَيْنَ الشُّعُوبِ مِنْ أخْبَارٍ بِأنَّكَ أنْتَ وَاليَهُودَ تُخَطِّطُونَ لِلتَّمَرُّدِ، وَهَذَا سَبَبُ بِنَائِكُمْ لِلسُّورِ. كَمَا سَمِعْنَا أنَّكَ سَتُعلِنُ نَفْسَكَ مَلِكًا عَلَى اليَهُودِ قَرِيبًا! وَأنَّكَ عَيَّنْتَ أنْبِيَاءَ لِيُذِيعُوا فِي القُدْسِ: ‹يُوجَدُ مَلِكٌ فِي يَهُوذَا› الَّذِي هُوَ أنْتَ. وَسَنَنقُلُ هَذِهِ الأخْبَارَ لِلمَلِكِ، إلَّا إذَا جِئْتَ لِنَجتَمِعَ مَعًا.» فَأرسَلْتُ رِسَالَةً إلَيْهِ قُلْتُ فِيهَا: «لَمْ يَحْدُثْ شَيءٌ مِمَّا قُلْتَهُ، وَأنْتَ تَخْتَرِعُ هَذِهِ الأشْيَاءَ مِنْ نَفْسِكَ.» فَقَدْ كَانُوا جَمِيعًا يُحَاوِلُونَ إخَافَتَنَا بِقَولِهِمْ: «سَنُثْنِيهِمْ عَنِ الِاسْتِمرَارِ فِي العَمَلِ، فَلَا يَتِّمُّ.» لَكِنِّي وَاصَلْتُ العَمَلَ بِتَصْمِيمٍ أقوَى. وَذَاتَ يَوْمٍ ذَهَبْتُ إلَى بَيْتِ شَمْعِيَا بْنِ دَلَايَا بْنِ مَهِيطَبْئِيلَ، وَكَانَ قَلِقًا فَقَالَ لِي: «لِنَجتَمِعْ فِي بَيْتِ اللهِ، دَاخِلَ الهَيْكَلِ، وَنُغلِقْ أبْوَابَ الهَيْكَلِ، لِأنَّ الأعْدَاءَ قَادِمُونَ لِقَتلِكَ.» فَقُلْتُ لَهُ: «أيَهْرُبُ رَجُلٌ مِثْلِي؟ ثُمَّ إنْ دَخَلَ رَجُلٌ عَادِيٌّ مِثْلِي الهَيْكَلَ يَنْبَغِي أنْ يُقْتَلَ. لَنْ أدْخُلَ!» وَأدرَكْتُ وَفَهِمْتُ أنَّ اللهَ لَمْ يُرسِلْهُ قّطُّ، لَكِنَّهُ تَنَبَّأ لِي شَرًّا لِأنَّ طُوبِيَّا وَسَنْبَلَّطَ دَفَعَا لَهُ مَالًا. فَقَدِ استَأْجَرَاهُ لِيُنزِلَ الخَوفَ فِي قَلْبِي، فأخْطِئَ بِدُخُولِ مَكَانٍ مُقَدَّسٍ فِي الهَيْكَلِ. ثُمَّ يُشِيعُونَ عَنِّي ذَلِكَ الخَبَرَ عَارًا لِي. فَعَاقِبْ يَا إلَهِي طُوبِيَّا وَسَنبَلَّطَ عَلَى مَا فَعَلَاهُ، وَعَاقِبْ أيْضًا النَّبِيَّةَ نُوعَدْيَةَ وَبَقِيَّةَ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ تَخْوِيفِي. وَاكتَمَلَ السُّورُ فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِينَ مِنْ أيلُولَ فِي اثنَيْنِ وَخَمْسِينَ يَوْمًا. وَلَمَّا سَمِعَ جَمِيعُ أعْدَائِنَا هَذَا الخَبَرَ، وَرَأتِ الشُّعُوبُ مِنْ حَوْلِنَا السُّورَ، لَمْ تَعُدْ لَهُمْ ثِقَةٌ بِأنفُسِهِمْ. فَقَدْ عَرَفُوا أنَّ إلَهَنَا هُوَ الَّذِي عَمِلَ العَمَلَ. وَفِي تِلْكَ الأيَّامِ كَانَ وُجَهَاءُ يَهُوذَا يُرسِلُونَ رَسَائِلَ كَثِيرَةً إلَى طُوبِيَّا، وَكَانَتْ رَسَائِلُ طُوبِيَّا تَصِلُهُمْ. لِأنَّ كَثِيرِينَ فِي يَهُوذَا كَانُوا فِي عَهْدِ مُوالَاةٍ لَهُ، لِأنَّهُ كَانَ صِهْرَ شَكَنْيَا بْنِ آرَحَ، وَتَزَوَّجَ ابْنُهُ يُهُوحَانَانُ بِنْتَ مَشُلَّامَ بْنِ بَرَخْيَا. كَمَا كَانُوا يَذْكُرُونَ أمَامِي أعْمَالَهُ الحَسَنَةَ، وَيَنْقُلُونَ إلَيْهِ كَلَامِي. فَبَعَثَ طُوبِيَّا بِرَسَائِلَ لِيُخِيفَنِي. وَبَعْدَ أنْ أُعِيدَ بِنَاءُ السُّورِ، وَثُبِّتَتِ الأبْوَابُ فِي مَكَانِهَا، تَمَّ تَعْيِينُ حُرَّاسٍ لِلأبوَابِ، وَمُرَنِّمِينَ وَلَاوِيِّينَ لِلقِيَامِ بِمَهَمَّاتِهِمْ. ثُمَّ جَعَلْتُ أخِي حَنَانِيَ مَسؤُولًا عَنْ مَدِينَةِ القُدْسِ، لِأنَّ حَنَانِيَ كَانَ أمِينًا وَيَخَافُ اللهَ أكْثَرَ مِنْ مُعْظَمِ النَّاسِ. وَعَيَّنْتُ حَنَنْيَا رَئِيسًا لِلحِصْنِ. وَقُلْتُ لَهُمَا: «يَنْبَغِي أنْ تُفْتَحَ أبْوَابُ القُدْسِ بَعْدَ سَاعَاتٍ مِنْ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَيَنْبَغِي أنْ تُغلَقَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. ضَعَا حُرَّاسًا مِنْ سُكَّانِ القُدْسِ، ضَعَا بَعْضًا عِنْدَ نِقَاطِ الحِرَاسَةِ، وَبَعْضًا أمَامَ بُيُوتِهِمْ.» كَانَتِ المَدِينَةُ مُمتَدَّةً وَكَبِيرَةً، لَكِنَّ النَّاسَ الَّذِينَ يَسْكُنُونَهَا قَلِيلُونَ، لِأنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بِنَاءُ عَدَدٍ كَافٍ مِنَ البُيُوتِ ثَانِيَةً. وَدَفَعَنِي إلَهِي إلَى جَمْعِ الأشْرَافِ وَالمَسؤُولِينَ وَعَامَّةِ النَّاسِ مِنْ أجْلِ تَسْجِيلِهِمْ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ. فَوَجَدْتُ سِجِلَّاتٍ لِلعَائِلَاتِ الَّتِي عَادَتْ مِنَ السَّبْيِ أوَّلًا. وَوَجَدْتُ مَكْتُوبًا فِيهَا: هَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ سُكَّانِ المِنْطَقَةِ الَّذِينَ عَادُوا مِنَ السَّبْيِ، الَّذِينَ كَانَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ قَدْ سَبَاهُمْ، فَعَادُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَيَهُوذَا، كُلُّ وَاحِدٍ إلَى مَدِينَتِهِ. جَاءُوا مَعَ زَرُبَّابِلَ وَيَشُوعَ وَنَحَمْيَا وَعَزَرْيَا وَرَعَمْيَا وَنَحَمَانِيَ وَمُردَخَايَ وَبَلْشَانَ وَمِسْفَارَثَ وَبِغْوَايَ وَنَاحُومَ وَبَعْنَةَ. هَذِهِ قَائِمَةٌ بِأسْمَاءِ مُجمَلِ رِجَالِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ عَادُوا وَأعْدَادِهِمْ: بَنُو فَرْعُوشَ وَعَدَدُهُمْ ألْفَانِ وَمِئَةٌ وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ. بَنُو شَفَطْيَا وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ. بَنُو آرَحَ وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ. بَنُو فَحَثَ مُوآبَ مِنْ عَائِلَةِ يَشُوعَ وَيُوآبَ، وَعَدَدُهُمْ ألْفَانِ وَثَمَانُ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ. بَنُو عِيلَامَ وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَمِئَتَانِ وَأرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ. بَنُو زَتُّو وَعَدَدُهُمْ ثَمَانُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَأرْبَعُونَ. بَنُو زَكَّايَ وَعَدَدُهُمْ سَبْعُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ. بَنُو بِنُّويَ وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَأرْبَعُونَ. بَنُو بَابَايَ وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ. بَنُو عَزْجَدَ وَعَدَدُهُمْ ألْفَانِ وَثَلَاثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ. بَنُو أدُونِيقَامَ وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَسَبْعَةٌ وَسِتُّونَ. بَنُو بِغْوَايَ وَعَدَدُهُمْ ألْفَانِ وَسَبْعَةٌ وَسِتُّونَ. بَنُو عَادِينَ وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ. بَنُو أطِّيرَ، مِنْ عَائِلَةِ حَزَقِيَّا، وَعَدَدُهُمْ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ. بَنُو حَشُومَ وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ. بَنُو بِيصَايَ وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَأرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ. بَنُو حَارِيفَ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ. بَنُو جِبْعُونَ وَعَدَدُهُمْ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَتَي بَيْتِ لَحْمٍ وَنَطُوفَةَ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَثَمَانيَةٌ وَثَمَانُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ عَنَاثُوثَ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ بَيْتِ عَزْمُوتَ وَعَدَدُهُمُ اثْنَانِ وَأرْبَعُونَ. الرِّجَالُ مِنْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ وكَفِيرَةَ وَبَئِيرُوتَ وَعَدَدُهُمْ سَبْعُ مِئَةٍ وَثَلَاثةٌ وَأرْبَعُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَتِي الرَّامَةِ وَجَبَعَ وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَوَاحِدٌ وَعِشْرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ مِخْمَاسَ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَتِي بَيْتِ إيلٍ وعَايٍ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَثَلَاثةٌ وَعِشْرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ نَبُو الأُخْرَى وَعَدَدُهُمُ اثْنَانِ وَخَمْسُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ عِيلَامَ الأُخْرَى وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَمِئَتَانِ وَأرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ حَارِيمَ وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَعِشْرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ أرِيحَا وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَأرْبَعُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَاتِ لُودٍ وَحَادِيدَ وَأُونُو وَعَدَدُهُمْ سَبْعُ مِئَةٍ وَوَاحِدٌ وَعِشْرُونَ. الرِّجَالُ مِنْ بَلْدَةِ سَنَاءَةَ وَعَدَدُهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَتِسْعُ مِئَةٍ وَثَلَاثُونَ. أمَّا الكَهَنَةُ فَهُمْ: بَنُو يَدْعِيَا، مِنْ عَائِلَةِ يَشُوعَ، وَعَدَدُهُمْ تِسْعُ مِئَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ. بَنُو إمِّيرَ وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ. بَنُو فَشْحُورَ وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَمِئَتَانِ وَسَبْعَةٌ وَأرْبَعُونَ. بَنُو حَارِيمَ وَعَدَدُهُمْ ألْفٌ وَسَبْعَةَ عَشَرَ. أمَّا اللَّاوِيُّونَ فَهُمْ: بَنُو يَشُوعَ مِنْ طَرَفِ قَدْمِيئِيلَ، مِنْ عَائِلَةِ هُودُويَا، وَعَدَدُهُمْ أرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ. وَالمُرَنِّمونَ هُمْ: بَنُو آسَافَ وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَأرْبَعُونَ. أمَّا حُرَّاسُ بوَّابَاتِ الهَيْكَلِ فَهُمْ: بَنُو شَلُّومَ وَبَنُو أطِيرَ وَبَنُو طَلْمُونَ وَبَنُو عَقُّوبَ وَبَنُو حَطِيطَا وَبَنُو شُوبَايَ وَعَدَدُهُمْ جَمِيعًا مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ. وَهَذِهِ أسْمَاءُ خُدَّامِ الهَيْكَلِ: بَنُو صِيحَا وَبَنُو حَسُوفَا وَبَنُو طَبَاعُوتَ. وَبَنُو قِيرُوسَ وَبَنُو سِيعَا وَبَنُو فَادُونَ. وَبَنُو لَبَانَةَ وَبَنُو حَجَابَا وَبَنُو سَلْمَايَ. وَبَنُو حَانَانَ وَبَنُو جَدِيلَ وَبَنُو جَاحَرَ. وَبَنُو رَآيَا وَبَنُو رَصِينَ وَبَنُو نَقُودَا. وَبَنُو جَزَامَ وَبَنُو عَزَا وَبَنُو فَاسِيحَ. وَبَنُو بِيسَايَ وَبَنُو مَعُونِيمَ وَبَنُو نَفِيشَسِيمَ. وَبَنُو بَقْبُوقَ وَبَنُو حَقُوفَا وَبَنُو حَرْحُورَ. وَبَنُو بَصلِيتَ وَبَنُو مَحِيدَا وَبَنُو حَرْشَا. وَبَنُو بَرْقُوسَ وَبَنُو سِيسَرَا وَبَنُو تَامَحَ. وَبَنُو نَصِيحَ وَبَنُو حَطِيفَا. وَهَذِهِ أسْمَاءُ نَسْلِ خُدَّامِ سُلَيْمَانَ: بَنُو سُوطَايَ وَبَنُو سُوفَرَثَ وَبَنُو فَرِيدَا. وَبَنُو يَعلَا وَبَنُو دَرْقُونَ وَبَنُو جَدِّيلَ. وَبَنُو شَفَطْيَا وَبَنُو حَطِّيلَ وَبَنُو فُوخَرَةَ الظِّبَاءَ وَبَنُو آمُونَ. وَعَدَدُ خُدَّامِ الهَيْكَلِ وَأبْنَاءِ خُدَّامِ سُلَيْمَانَ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَتِسْعُونَ. وَجَاءَتِ الجَمَاعَاتُ التَّالِيةُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ مِنْ تَلِّ مِلْحٍ وَتَلِّ حَرْشَا وَكَرُوبَ وَأدُونَ وَإمِّيرَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إثبَاتِ نَسَبِهِمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ: بَنُو دَلَايَا وَبَنُو طُوبِيَّا وَبَنُو نَقُودَا، وَعَدَدُهُمْ سِتُّ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَأرْبَعُونَ. وَمِنَ عَائِلَةِ الكَهَنَةِ: بَنُو حَبَابَا وَبَنُو هَقُّوسَ وَبَنُو بَرْزِلَّايَ الَّذِي تَزَوَّجَ مِنْ إحْدَى بَنَاتِ بَرْزِلَّايَ الجِلْعَادِيِّ، وَتَسَمَّى بِاسْمِهِمْ. بَحَثَ هَؤُلَاءِ فِي السِّجِلَّاتِ الرَّسْمِيَّةِ عَنْ أصلِهِمْ وَنَسَبِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذِكْرٌ فِيهَا، فَتَمَّ اسْتِثْنَاؤُهُمْ مِنْ خِدْمَةِ الكَهَنَةِ. وَأمَرَهُمُ الوَالِي بِأنْ لَا يَأْكُلُوا مِنْ أطعِمَةِ قُدْسِ الأقدْاسِ إلَى أنْ يَظْهَرَ كَاهِنٌ يَسْتَطِيعُ أنْ يَسألَ اللهَ بِوَاسِطَةِ الأُورِيمِ وَالتُّمِّيمِ فِي أمْرِهِمْ. وَقَدْ بَلَغَ مَجْمُوعُ الجَمَاعَةِ اثنَيْنِ وَأرْبَعينَ ألْفًا وَثَلَاثَ مِئِةٍ وَسِتِّينَ. عَدَا خُدَّامِهِمْ وَخَادِمَاتِهِمُ الَّذِينَ بَلَغَ عَدَدُهُمْ سَبْعَةَ آلَافٍ وَثَلَاثَ مِئَةٍ وَسَبْعَةً وَثَلَاثِينَ. كَمَا كَانَ مَعَهُمْ مِئَتَا مُرَنِّمٍ وَمُرَنَّمَةٍ. وَكَانَ لَدَيهِمْ سَبْعُ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ حِصَانَا، وَمِئَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَأرْبَعُونَ بَغلًا، وَأرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ جَمَلًا، وَسِتَّةُ آلَافٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ وَعِشْرُونَ حِمَارًا. وَقَدْ قَدَّمَ بَعْضُ رُؤَسَاءِ العَائِلَاتِ مِنْ مَالِهِمْ لِلإنفَاقِ عَلَى إعَادَةِ بِنَاءِ الهَيْكَلِ. فَقَدْ قَدَّمَ الوَالِي لِلخَزْنَةِ ألْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَخَمْسِينَ طَاسًا لِلِاغْتِسَالِ، وَخَمْسَ مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ ثَوْبًا للْكَهَنَةِ. وَقَدَّمَ رُؤَسَاءُ العَائِلَاتِ عِشْرِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَألْفَيْنِ وِمِئتَي رَطلٍ مِنَ الفِضَّةِ. وَقَدَّمَ بَقِيَّةُ الشَّعْبِ عِشْرِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَألفَيِّ رَطلٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَسَبعَةً وَسِتِّينَ ثَوْبًا لِلكَهَنَةِ. وَأقَامَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ وَبَعْضُ الشَّعْبِ فِي مُدُنِهِمْ مَعَ المُغَنِّينَ وَحُرَّاسِ الأبْوَابِ وَخُدَّامِ الهَيْكَلِ. وَسَكَنَ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمْ. فَفِي الشَهْرِ السَّابِعِ مِنَ السَّنَةِ، كَانَ قَدِ اسْتَقَرَّ جَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمْ. اجتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ مَعًا فِي السَّاحَةِ قُرْبَ «بَابِ المَاءِ» وَطَلَبُوا مِنَ المُعَلِّمِ عَزْرَا أنْ يُحضِرَ كِتَابَ شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أمَرَ اللهُ بَنِي إسْرَائِيلَ بِأنْ يَتَّبِعُوهَا. فَأحضَرَ عَزْرَا الكَاهِنُ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ أمَامَ الجُمْهُورِ الَّذِي تَألَّفَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَعًا، أيْ كُلِّ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَفْهَمَ مَا يَسْمَعُهُ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ. وَقَرَأ عَزْرَا أمَامَ السَّاحَةِ، أمَامَ «بَابِ المَاءِ» مِنْ أوَّلِ الصَّبَاحِ إلَى الظُّهْرِ، لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكُلِّ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَفْهَمَ مَا يَسْمَعُهُ. وَأصغَى كُلُّ الشَّعْبِ إلَى تَعْلِيمِ الشَّرِيعَةِ. وَوَقَفَ المُعَلِّمُ عَزْرَا عَلَى مِنَصَّةٍ خَشَبِيَّةٍ صُنِعَتْ لِتِلْكَ المُنَاسَبَةِ. وَعَلَى يَمِينِهِ وَقَفَ مَتَّثْيَا وَشَمَعُ وَعَنَايَا وَأُورِيَّا وَحِلْقِيَّا وَمَعْسِيَّا. وَعَلَى شِمَالِهِ وَقَفَ فَدَايَا وَمِيشَائِيلُ وَمَلْكِيَّا وَحَاشُومُ وَحَشْبَدَّانَةُ وَزَكَرِيَّا وَمَشُلَّامُ. وَفَتَحَ عَزْرَا الكِتَابَ عَلَى مَرْأى مِنْ جَمِيعِ الشَّعْبِ، لِأنَّهُ كَانَ أعْلَى مِنْهُمْ. وَلَمَّا فَتَحَ عَزْرَا الكِتَابَ، وَقَفَ كُلُّ الشَّعْبِ. وَسَبَّحَ عَزْرَا اللهَ ، الإلَهَ العَظِيمَ، فَأجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: «آمِينَ! آمِينَ!» وَأيَادِيهِمْ مَرْفُوعَةٌ. وَانْحَنَوْا وَعَبَدُوا اللهَ وَوُجُوهُهُمْ إلَى الأرْضِ. وَقَامَ اللَّاوِيُّونَ، وَهُمْ يَشُوعُ وَبَانِي وَشَرَبْيَا وَيَامِينُ وَعَقُّوبُ وَشَبْتَايَ وَهُودِيَّا وَمَعْسِيَّا وَقَلِيطَا وَعَزَرْيَا وَيُوزَابَادُ وَحَنَانُ وَفَلَايَا، بِإفْهَامِ الشَّعْبِ شَرِيعَةَ اللهِ وَالشَّعْبُ وَاقِفُونَ فِي أمَاكِنِهِمْ. وَقَرَأُوا كِتَابَ شَرِيعَةِ اللهِ قِسْمًا قِسْمًا وَأوضَحُوا مَعْنَاهَا، فَفَهِمَ الشَّعْبُ مَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ نَحَمْيَا الوَالِي وَعَزْرَا المُعَلِّمُ وَاللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ الشَّعْبَ لَهُمْ: «هَذَا اليَوْمُ مُخَصَّصٌ . فَلَا تَحْزَنُوا وَلَا تَنُوحُوا،» لِأنَّ الشَّعْبَ كَانُوا جَمِيعًا يَبْكُونَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ الشَّرِيعَةِ. وَقَالَ لَهُمْ عَزْرَا: «اذْهَبُوا وَكُلُوا طَعَامًا دَسِمًا وَاشْرَبُوا شَرَابًا حُلْوًا، وَأرسِلُوا حِصَّةً لِلَّذِينَ لَمْ يُحضِرُوا طَعَامًا، لِأنَّ اليَوْمَ مُخَصَّصٌ لِرَبِّنَا. وَلَا تَحْزَنُوا لِأنَّ فَرَحَ اللهِ يَجْعَلُكُمْ أقْوِيَاءَ.» وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ يُهَدِّئُونَ الشَّعْبَ بِقَولِهِمْ: «اسْكُتُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَهَذَا يَوْمٌ مُخَصَّصٌ للهِ.» فَقَامَ جَمِيعُ الشَّعْبِ لِيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا وَيُرْسِلُوا حِصَصًا مِنَ الطَّعَامِ، وَيَحْتَفِلُوا بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، لِأنَّهُمْ فَهِمُوا الكَلَامَ الَّذِي أُعْلِنَ لَهُمْ. وفِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ، اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ جَمِيعِ العَائِلَاتِ وَالكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ مَعَ المُعَلِّمِ عَزْرَا لِدِرَاسَةِ كَلَامِ الشَّرِيعَةِ وَتَعْلِيمِهَا. وَوَجَدُوا فِيهَا مَا أمَرَ بِهِ اللهُ عَلَى فَمِ مُوسَى. وَأنَّ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَسْكُنُوا فِي سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةٍ فِي عِيدِ الشَّهْرِ السَّابِعِ. وَأنْ يُنَادُوا بِالكَلِمَاتِ التَّالِيَةِ وَيَنْشُرُوهَا عَبْرَ مُدُنِهِمْ وَفِي القُدْسِ: «اخْرُجُوا إلَى المَنَاطِقِ الجَبَلِيَّةِ وَأحْضِرُوا أغْصَانًا مِنَ الزَّيْتُونِ وَالزَّيْتُونِ البَرِّيِّ وَالآسِ وَالنَّخِيلِ وَأشْجَارٍ مُورِقَةٍ أُخْرَى لِكَي تَصْنَعُوا سَقَائِفَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الشَّرِيعَةِ.» فَخَرَجَ الشَّعْبُ وَأحضَرُوا أغْصَانًا وَصَنَعُوا سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةً لِأنْفُسِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى سَطْحِ بَيْتِهِ وَفِي سَاحَةِ مَنزِلِهِ، وَفِي سَاحَاتِ بَيْتِ اللهِ، وَفِي السَّاحَةِ القَرِيبَةِ مِنْ بَابِ المَاءِ، وَالسَّاحَةِ القَرِيبَةِ مِنْ بَابِ أفْرَايِمَ. وَصَنَعَتْ كُلُّ الجَمَاعَةِ الَّتِي عَادَتْ مِنَ السَّبِيِ سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةً، وَأقَامُوا فِيهَا. لِأنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا هَذَا مِنْ أيَّامِ يَشُوعَ بْنِ نُونٍ. وَكَانَ فَرَحُهُمْ عَظِيمًا. وَكَانَ عَزْرَا يَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ شَرِيعَةِ اللهِ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أوَّلِ يَوْمٍ إلَى آخِرِ يَوْمٍ فِي الِاحْتِفَالِ. وَاحْتَفَلُوا سَبْعَةَ أيَّامٍ، وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ كَانَ هُنَاكَ اجْتِمَاعٌ خَاصٌّ كَمَا تَقُولُ الشَّرِيعَةُ. وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعِ وَالعِشْرِينَ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ، اجتَمَعَ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعًا لِيَصُومُوا لَابِسِينَ الخَيْشَ وَوَاضِعِينَ تُرَابًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ. وَفَصَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ أنْفُسَهُمْ عَنْ كُلِّ الغُرَبَاءِ، فَلَمْ يَخْتَلِطُوا بِهِمْ. وَوَقَفُوا فِي أمَاكِنِهِمْ وَاعتَرَفُوا للهِ بِذُنُوبِهِمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ. وَوَقَفُوا فِي أمَاكِنِهِمْ وَقَرَأُوا كِتَابَ شَرِيعَةِ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ. وَلِمُدَّةِ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ أُخْرَى اعتَرَفُوا بِخَطَايَاهُمْ وَعَبَدُوا . ثُمَّ وَقَفَ يَشُوعُ عَلَى الدَّرَجِ مَعَ بَانِي وَقَدْمِيئِيلَ وَشَبَنْيَا وَبُنِّيَّ وَشَرَبْيَا وَبَانِي وَكَنَانِي وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَالٍ إلَى . ثُمَّ قَالَ اللَّاوِيُّونَ – وَهُمْ يَشُوعُ وَقَدْمِيئِيلُ وَبَانِي وَحَشَبْنِيَا وَشَرَبْيَا وَهُودِيَّا وَشَبَنْيَا وَفَتَحْيَا: «قِفُوا وَسَبِّحُوا ! لِيُحْمَدْ مَجْدُ اسْمِكَ الَّذِي هُوَ أروَعُ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ وَتَسْبِيحٍ. أنْتَ وَحْدَكَ اللهُ ، خَلَقتَ السَّمَاءَ، وَالسَّمَاوَاتِ العُلْيَا وَكُلَّ نُجُومِهَا، وَخَلَقْتَ الأرْضَ وَكُلَّ مَا عَلَيْهَا، وَالبِحَارَ وَكُلَّ مَا فِيهَا. وَأنْتَ تُعطِي الحَيَاةَ لَهَا جَمِيعًا، وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَسْجُدُ لَكَ، أنْتَ اللهُ ، الإلَهُ الَّذِي اخْتَارَ أبْرَامَ، وَأخرَجَهُ مِنْ أُورِ الكِلْدَانِيِّينَ، وَأسْمَاهُ إبْرَاهِيمَ. وَجَدْتَ قَلْبَهُ مُخْلِصًا لَكَ، فَقَطَعْتَ مَعَهُ عَهْدًا بِأنْ تُعطِيَهُ أرْضَ الكَنْعَانِيِّينَ وَالحِثِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالفَرِزِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ وَالجِرْجَاشِيِّينَ، لِكَي تُعطِيَهَا لِأحفَادِهِ. وَحَفِظْتَ وَعدَكَ لِأنَّكَ إلَهٌ أمِينٌ. رَأيْتَ مُعَانَاةَ آبَائِنَا فِي مِصْرٍ، وَسَمِعْتَ اسْتِغَاثَتَهُمْ عِنْدَ البَحْرِ الأحْمَرِ، وَصَنَعْتَ عَلَامَاتٍ وَعَجَائِبَ ضِدَّ فِرعَوْنَ وَضِدَّ كُلِّ خُدَّامِهِ وَشَعْبِ أرْضِهِ، لِأنَّكَ عَرَفْتَ أنَّهُمْ عَامَلُوا آبَاءَنَا بِقَسْوَةٍ وَأشْهَرْتَ اسْمَكَ. شَقَقْتَ البَحْرَ أمَامَهُمْ فَعَبَرُوا عَبْرَ البَحْرِ عَلَى أرْضٍ جَافَّةٍ. لَكِنَّكَ رَمَيتَ بِالَّذِينَ طَارَدُوهُمْ فِي أعْمَاقِ البَحْرِ، كَحَجَرٍ يُرمَى فِي مِيَاهٍ عَنِيفَةٍ. قُدْتَهُمْ بِسَحَابَةٍ عَلَى شَكْلِ عَمُودٍ نَهَارًا، وَنَارٍ عَلَى شَكْلِ عَمُودٍ لَيْلًا، لِتُنِيرَ لَهُمُ الطَّرِيقَ الَّتِي يَنْبَغِي أنْ يَسْلُكُوا فِيهَا. نَزَلْتَ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ وَتَحَدَّثْتَ مَعَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ. وَأعْطَيْتَهُمْ فَرَائِضَكَ المُسْتَقِيمَةَ، وَشَرَائِعَكَ الصَّحِيحَةَ، وَأوَامِرَكَ وَوَصَايَاكَ الصَّالِحَةَ. وَأعلَنْتَ لَهُمْ عَنِ السَّبْتِ المُخَصَّصِ لَكَ. وَأعْطَيْتَهُمْ وَصَايَا وَفَرَائِضَ وَتَعْلِيمًا عَلَى فَمِ مُوسَى عَبْدِكَ. جَاعُوا فَأطعَمْتَهُمْ طَعَامًا مِنَ السَّمَاءِ، وَعَطِشُوا فَأخرَجْتَ مَاءً مِنْ صَخْرَةٍ وَسَقَيتَهُمْ. وَأمَرْتَهُمْ أنْ يَأْخُذُوا الأرْضَ الَّتِي وَعَدْتَ بِأنْ تُعطِيَهُمْ إيَّاهَا. لَكِنَّ آبَاءَنَا تَكَبَّرُوا وَيَبَّسُوا رِقَابَهُمْ، وَلَمْ يَسْتَمِعُوا إلَى وَصَايَاكَ. رَفَضُوا أنْ يُطِيعُوا، وَنَسَوْا الأشْيَاءَ العَظِيمَةَ الَّتِي صَنَعْتَهَا بَيْنَهُمْ. صَارُوا عَنِيدِينَ وَعَيَّنُوا قَائِدًا لِيُعِيدَهُمْ إلَى عُبُودِيَّتِهِمْ فِي مِصْرٍ. «لَكِنَّكَ إلَهٌ غَفُورٌ، شَفُوقٌ وَرَحِيمٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَمَملُوءٌ مَحَبَّةً، لِذَلِكَ لَمْ تَتْرُكْهُمْ. حَتَّى عِنْدَمَا سَبَكُوا لِأنْفُسِهِمْ تِمثَالًا لِعِجلٍ، وَقَالُوا: ‹هَذَا إلَهُنَا الَّذِي أخرَجَنَا مِنْ مِصْرٍ!› أوْ عِنْدَمَا أهَانُوكَ كَثِيرًا. لَكِنَّكَ رَحِيمٌ جِدًّا، فَلَمْ تَتَخَلَّ عَنْهُمْ فِي الصَّحرَاءِ. وَظَلَّ عَمُودُ السَّحَابِ يَهْدِيهِمْ فِي مَسِيرِهِمْ نَهَارًا، وَعَمُودُ النَّارِ يُنِيرُ لَهُمْ الطَّرِيقَ الَّتِي يَنْبَغِي أنْ يَسْلُكُوا فِيهَا. أعْطَيْتَهُمْ رُوحَكَ الصَّالِحَ لِتُعَلِّمَهُمْ وَتَجْعَلَهُمْ حُكَمَاءَ. لَمْ تَحْرِمْهُمْ مِنَ المَنِّ لِيَأْكُلُوا، وَوَفَّرْتَ لَهُمُ المَاءَ لِيَشْرَبُوا. اعتَنَيتَ بِهِمْ أرْبَعِينَ سَنَةً فِي الصَّحْرَاءِ، فَلَمْ يَنْقُصْهُمْ شَيءٌ. مَلَابِسُهُمْ لَمْ تَهْتَرِئْ، وَأقْدَامُهُمْ لَمْ تَتَوَرَّمْ. أعْطَيْتَهُمْ بِلَادًا وَشُعُوبًا لِيَحْكُمُوهَا وَجَعَلْتَ البِلَادَ البَعِيدَةَ حُدُودًا لَهُمْ أخَذُوا أرْضَ سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ وَامتَلَكُوا أرْضَ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ. كَثَّرْتَ نَسْلَهُمْ، فَصَارُوا كَنُجُومِ السَّمَاءِ. أحضَرْتَهُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي طَلَبْتَ مِنْ آبَائِهِمْ أنْ يَدْخُلُوهَا وَيَمْتَلِكُوهَا. أبْنَاؤهُمْ امْتَلَكُوا الأرْضَ. وَهَزَمُوا أعْدَاءَهُمْ سُكَّانَ الأرْضِ الكَنْعَانِيِّينَ. جَعَلْتَهُمْ يُخضِعُونَ الكَنْعَانِيِّينَ وَشُعُوبَ تِلْكَ البِلَادِ، وَيَتَحَكَّمُونَ بِهِمْ كَمَا يَشَاءُونَ. اسْتَوْلَوْا عَلَى مَدُنٍ مُحَصَّنَةٍ، وَأرْضٍ خَصِيبَةٍ. أخَذُوا بُيُوتًا مَليئَةً بِكُلِّ شَيءٍ حَسَنٍ، وآبَارًا مَحفُورَةً وَكُرُومًا وَأشْجَارَ زَيْتُونٍ، وَأشْجَارَ فَاكِهَةٍ كَثِيرَةً. فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَسَمِنُوا، وَتَلَذَّذُوا بِخَيرِكَ العَظِيمِ وَصَلَاحِكَ. لَكِنَّهُمْ عَصَوْكَ وَتَمَرَّدُوا عَلَيْكَ، وَرَمَوْا شَرِيعَتَكَ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ قَتَلُوا أنْبِيَاءَكَ الَّذِينَ أنذَرُوهُمْ لِكَي يَعُودُوا إلَيْكَ تَائِبِينَ. وَأهَانُوكَ إهَانَاتٍ بَالِغَةً. وَلِهَذَا جَعَلْتَ أعْدَاءَهُمْ يَهْزِمُونَهُمْ وَيَقْسُونَ عَلَيْهِمْ. تَضَايَقُوا وَصَرَخُوا إلَيْكَ لِتُسَاعِدَهُمْ، فَسَمِعْتَهُمْ وَأًنْتَ فِي السَّمَاءِ. وَأرْسَلْتَ إلَيْهِمْ مُنقِذِينَ خَلَّصُوهُمْ مِنْ قُوَّةِ أعْدَائِهِمْ، لِأنَّكَ رَحِيمٌ. لَكِنْ حَالَمَا أرَحْتَهُمْ مِنْ أعْدَائِهِمْ فَعَلُوا ثَانِيَةً مَا لَا يُرْضِيكَ، فَتَرَكْتَ أعْدَاءَهُمْ يَتَجَبَّرُونَ بِهِمْ. فَحَكَمُوهُمْ، لَكِنْ عِنْدَمَا صَرَخُوا إلَيْكَ ثَانِيَةً، سَمِعْتَهُمْ وَأنْتَ فِي السَّمَاءِ وَأنقَذْتَهُمْ كَثِيرًا بِسَبَبِ رَحمَتِكَ. أنذَرْتَهُمْ لِكَي يَعُودُوا إلَى شَرِيعَتِكَ. فَتَمَرَّدُوا وَلَمْ يُطِيعُوا وَصَايَاكَ، بَلْ أسَاءُوا إلَى شَرِيعَتِكَ الَّتِي تُحيِي مَنْ يَحْفَظُهَا. لَمْ يُبَالُوا بِسَبِبِ عِنَادِهِمْ، وَيَبَّسُوا رِقَابَهَمْ فَلَمْ يُطِيعُوا. «صَبَرْتَ عَلَيْهِمْ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً، وَأنذَرْتَهُمْ بِوَاسِطَةِ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِرُوحِكَ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا، فَجَعَلْتَ شُعُوبًا أُخْرَى تَتَحَكَّمُ بِهِمْ. «لَكِنَّكَ لَمْ تَقْضِ عَلَيْهِمْ تَمَامًا بِسَبِبِ رَحمَتِكَ. وَلَمْ تَتَخَلَّ عَنْهُمْ لِأنَّكَ إلَهٌ رَحِيمٌ وَحَنَّانٌ. وَالْآنَ يَا إلَهَنَا، أيُّهَا الإلَهُ الجَبَّارُ الجَلِيلُ الَّذِي يَحْفَظُ عَهْدَهُ بِإخْلَاصٍ وَمَحَبَّةٍ، لَا تَسْتَهِنْ بِالمَتَاعِبِ وَالضِّيقَاتِ الَّتِي لَاحَقَتْنَا لَاحَقَتْ مُلُوكَنَا وَكَهَنَتَنَا وَأنْبِيَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِكَ مُنْذُ أيَّامِ مُلُوكِ أشُّورَ، حَتَّى هَذَا اليَوْمَ. كُنْتَ عَادِلًا دَائِمًا فِي كُلِّ مَا حَصَلَ لَنَا، لِأنَّكَ كُنْتَ مُخْلِصًا فِي مَا فَعَلْتَ، بَيْنَمَا نَحْنُ أخْطَأنَا. لَمْ يَحْفَظْ مُلُوكُنَا وَقَادَتُنَا وَكَهَنَتُنَا وَآبَاؤُنَا شَرِيعَتَكَ. وَلَمْ يَهْتَمُّوا بِوَصَايَاكَ وَتَحْذِيرَاتِكَ لَهُمْ. وَعِنْدَمَا كَانُوا فِي الأرْضِ الفَسِيحَةِ وَالخَصِيبَةِ وَالخَيْرَاتِ الَّتِي أعْطَيْتَهَا لَهُمْ، لَمْ يَعْبُدُوكَ وَلَمْ يَتْرُكُوا أعْمَالَهُمُ الشِّرِّيرَةَ. انْظُرْ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذُلٍّ. فَنَحْنُ عَبِيدٌ فِي الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتَهَا لِآبَائِنَا لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهَا وَطَيِّبَاتِهَا. وَهَا هُوَ خَيرُ الأرْضِ وَحَصَادُهَا يَذْهَبُ إلَى المَلِكِ الَّذِي حَكَّمْتَهُ عَلَيْنَا بِسَبَبِ خَطَايَانَا. إنَّهُمْ يَتَحَكَّمُونَ بِنَا وَبِأجسَادِنَا وَمَوَاشِينَا كَمَا يَحْلُو لَهُمْ، وَنَحْنُ مُتَضَايِقُونَ جِدًّا. «وَعَلَى الرُّغمِ مِنْ كُلِّ هَذَا، فَإنَّنَا نَكْتُبُ لَكَ وَعْدًا عَلَيْهِ خَتْمٌ يَحْمِلُ أسْمَاءَ القَادَةِ وَاللَّاوِيِّينَ وَالكَهَنَةِ.» وَخَتَمَ العَهْدَ المَكْتُوبَ الوَالِي نَحَمْيَا بْنُ حَكَلْيَا وَصِدْقِيَا وَسَرَايَا وَعَزَرْيَا وَيَرَمْيَا وَفَشْحُورُ وَأمَرْيَا وَمَلْكِيَا وَحَطُّوشُ وَشَبَنْيَا وَمَلُّوخُ وَحَارِيمُ وَمَرِيمُوثُ وَعُوبَدْيَا وَدَانِيَالُ وَجِنْتُونُ وَبَارُوخُ وَمَشُلَّامُ وَأبِيَّا وَمَيَّامِينُ وَمَعَزْيَا وَيَلْجَايُ وَشَمَعْيَا. هَذِهِ أسْمَاءُ الكَهَنَةِ الَّذِينَ خَتَمُوا العَهْدَ. أمَّا اللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ خَتَمُوهُ فَهُمْ يَشُوعُ بْنُ أزَنْيَا وَبِنُّويُ – وَهُوَ مِنْ نَسْلِ حِينَادَادَ – وَقَدْمِيئِيلُ، وَأقْرِبَاؤُهُم: شَبَنْيَا وَهُودِيَّا وَقِلِيطَا وَفَلَايَا وَحَانَانُ وَمِيخَا وَرَحُوبُ وَحَشَبْيَا وَزَكُّورُ وَشَرَبْيَا وَشَبَنْيَا وَهُودِيَّا وَبَانِي وَبَنِينُو. وَمِنْ قَادَةِ الشَّعْبِ فَرْعُوشُ وَفَحَثُ مُوآبُ وَعِيلَامُ وَزَتُّو وَبَانِي وَبُنِّي وَعَزْجَدُ وَبِيبَايُ وَأدُونِيَّا وَبَغْوَايُ وَعَادِينُ وَآطِيرُ وَحَزَقِيَّا وَعَزُّورُ وَهُودِيَّا وَحَشُّومُ وَبِيصَايُ وَحَارِيفُ وَعَنَاثُوثُ وَنِيبَايُ وَمَجفِيعَاشُ وَمَشُلَّامُ وَحَزِيرُ وَمَشِيزَبْئِيلُ وَصَادُوقُ وَيَدُّوعُ وَفَلَطْيَا وَحَانَانُ وَعَنَايَا وَهُوشَعُ وَحَنَنْيَا وَحَشُّوبُ وَهَلُّوحِيشُ وَفِلْحَا وَشُوبِيقُ وَرَحُومُ وَحَشَبْنَا وَمَعْسِيَّا وَأخِيَّا وَحَانَانُ وَعَانَانُ وَمَلُّوخُ وَحَرِيمُ وَبَعْنَةُ. وَبَقِيَّةُ الشَّعْبِ مِنَ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ وَحُرَّاسِ الأبوَابِ وَالمُرَنِّمِينَ وَخُدَّامِ الهَيْكَلِ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ قَرَّرُوا أنْ لَا يَخْتَلِطُوا بِالشُّعُوبِ المُجَاوِرَةِ لِكَي يَحْفَظُوا شَرِيعَةَ اللهِ، انضَمُّوا مَعَ زَوْجَاتِهِمْ وَأبنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ وَجَمِيعِ الفَاهِمِينَ، إلَى أقْرِبَائِهِمُ الأشْرَافِ، وَوَعَدُوا وَعْدًا مَرْبُوطًا بِلَعْنَةٍ بِأنْ يَتَّبِعُوا شَرِيعَةَ اللهِ الَّتِي أعْطَاهَا لِخَادِمِهِ مُوسَى، وَأنْ يَحْرِصُوا عَلَى إطَاعَةِ جَمِيعِ وَصَايَا اللهِ ، رَبِّنَا وَإلَهِنَا، وَفَرَائِضِهِ وَتَعَالِيمِهِ. قَالُوا: «نَعِدُ بِأنْ لَا نُزَوِّجَ بَنَاتَنَا لِلشُّعُوبِ الأُخرَى فِي الأرْضِ، وَألَّا نُزَوِّجَ أبْنَاءَنَا مِنْ بَنَاتِهِمْ. وَإذَا جَاءَ تُجَّارٌ مِنْ هَذِهِ الشُّعُوبِ يَحْمِلُونَ قَمْحًا أوْ أيَّةَ بِضَاعَةٍ فِي يَوْمِ السَّبْتِ المُخَصَّصِ للهِ، أوْ أيِّ يَوْمٍ مُقَدَّسٍ آخَرَ، فَلَنْ نَشْتَرِيَ مِنْهُمْ. لَنْ نَفلَحَ الأرْضَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ أجْلِ مَحصُولٍ. وَسَنُلْغِي كُلَّ دَينٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَسَنُعِيدُ كُلَّ مَا أخَذْنَاهُ كَرَهْنٍ وَضَمَانٍ لِاسْتِرْجَاعِ الدَّينِ. «وَنَتَعَهَّدُ بِدَفْعِ ثُلُثَ مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ لِلإنْفَاقِ عَلَى خِدْمَةِ بَيْتِ إلَهِنَا. مِنْ أجْلِ الخُبْزِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى المَائِدَةِ، وَتَقْدِمَاتِ الدَّقِيقِ وَالتَّقْدِمَاتِ اليَوْمِيَّةِ للهِ، وَتَقْدِمَاتِ السَّبُوتِ وَأوَائِلِ الشُّهُورِ وَالأعيَادِ وَالتَّقْدِمَاتِ المُقَدَّسَةِ، وَذَبَائِحِ الخَطِيَّةِ لِلتَّطْهِيرِ وَالتَّكْفِيرِ عَنْ شَعْبِ اللهِ، وَمِنْ أجْلِ القِيَامِ بِكُلِّ الأعْمَالِ وَالوَاجِبَاتِ المَطلُوبَةِ فِي هَيْكَلِ . «وَقَدْ ألقَينَا، نَحْنُ الكَهَنَةَ وَاللَّاوِيِّينَ وَالشَّعْبَ، القُرْعَةَ حَوْلَ تَقْدِمَةِ الخَشَبِ مِنْ أجْلِ تَرْتِيبِ إحضَارِ الأخشَابِ إلَى بَيْتِ إلَهِنَا فِي الأوقَاتِ المُحَدَّدَةِ كُلَّ عَامٍ، لِتُحرَقَ عَلَى مَذْبَحِ إلَهِنَا ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَمَطلُوبٌ فِي الشَّرِيعَةِ. «كَمَا نَتَعَهَّدُ بِأنْ نُحضِرَ إلَى بَيْتِ اللهِ أوَّلَ ثِمَارِ مَحَاصِيلِنَا وَثِمَارِ كُلِّ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ كُلَّ عَامٍ. «كَمَا تَقُولُ الشَّرِيعَةُ، نَتَعَهَّدُ بِأنْ نُحْضِرَ أوَّلَ طِفلٍ مَولُودٍ لَنَا وَلِمَوَاشِينَا وَقُطْعَانِنَا إلَى الكَهَنَةِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ فِي بَيْتِ إلَهِنَا. «وَسَنُحضِرُ أيْضًا إلَى مَخَازِنِ بَيْتِ إلَهِنَا، إلَى الكَهَنَةِ، أوَّلَ عَجِينِنَا وَتَبَرُّعَاتِنَا وَثَمَرَ كُلِّ شَجَرَةٍ، وَنَبِيذًا وَزَيْتًا. وَسَنُحضِرُ لِلَّاوِيِّينَ عُشْرَ مَحَاصِيلِ أرْضِنَا. وَسَيَجْمَعُ اللَّاوِيُّونَ هَذِهِ الأعْشَارَ فِي كُلِّ المُدُنْ الَّتِي نَعْمَلُ فِيهَا. وَسَيَكُونُ الكَاهِنُ، وَهُوَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ، مَعَ اللَّاوِيِّينِ عِنْدَمَا يَجْمَعُونَ الأعْشَارَ. وَسَيُحضِرُ اللَّاوِيُّونَ عُشْرَ هَذِهِ الأعْشَارِ إلَى بَيْتِ إلَهِنَا وَيَضَعُونَهَا فِي المَخَازِنِ. لِأنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يُحضِرَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَاللَّاوِيُّونَ تَبَرُّعَاتِ القَمْحِ وَالنَّبِيذِ الجَدِيدِ وَالزَّيْتِ إلَى المَخَازِنِ حَيْثُ آنِيَةُ الهَيْكَلِ، وَحَيْثُ الكَهَنَةُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ وَحُرَّاسُ الأبوَابِ وَالحَرَسُ المُرَنِّمُونَ. «وَنَعِدُ بِأنْ لَا نُهْمِلَ بَيْتَ إلَهِنَا.» وَانْتَقَلَ قَادَةُ الشَّعْبِ لِلسَّكَنِ فِي القُدْسِ. وَأُلقِيَتِ القُرْعَةُ لِاخْتِيَارِ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ عَشْرَةٍ مِنَ الشَّعْبِ وَإلزَامِهِ بِالسَّكَنِ فِي القُدْسِ، المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ، بَيْنَمَا يَبْقَى التِّسْعَةُ الآخَرُونَ فِي المُدُنِ الأُخرَى. وَبَارَكَ الشَّعْبُ الَّذِينَ تَطَوَّعُوا لِلعَيشِ فِي القُدْسِ. وَهَذِهِ أسْمَاءُ قَادَةِ المَنَاطِقِ الَّذِينَ اسْتَقَرُّوا فِي القُدْسِ. أمَّا فِي مُدُنِ يَهُوذَا فَقَدْ سَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتِهِ فِي مَدِينَتِهِ: الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ وَخُدَّامُ الهَيْكَلِ وَنَسْلُ خُدَّامِ سُلَيْمَانَ. وَسَكَنَتْ بَعْضُ العَائِلَاتِ الَّتِي مِنْ نَسْلِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ فِي القُدْسِ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ سَكَنُوا فِي القُدْسِ مِنْ نَسْلِ يَهُوذَا: عَثَايَا بْنُ عُزِّيَّا بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ إمْرِيَّا بْنِ شَفَطْيَا بْنِ مَهلَلْئِيلَ مِنْ بَنِي فَارَصَ، وَمَعَسِيَّا بْنُ بَارُوخَ بْنِ كَلْحُوزَةَ بْنِ حَزَايَا بْنِ عَدَايَا بْنِ يُويَارِيبَ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ الشِّيلُونِيِّ. وَوَصَلَ مَجْمُوعُ بَنِي فَارَصَ السَّاكِنِينَ فِي القُدْسِ إلَى أرْبَعِ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ رَجُلًا شُجَاعًا. وَهَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو بَنْيَامِينَ الَّذِينَ سَكَنُوا فِي القُدْسِ: سَلُّو بْنُ مَشُلَّامَ بْنِ يُوعِيدَ بْنِ فَدَايَا بْنِ قُولَايَا بْنِ مَعَسِيَّا بْنِ إيثِيئِيلَ بْنِ يَشَعْيَا، وَبَعْدَهُ جِبَّايُ وَسِلَايُ، وَمَجْمُوعُهُمْ تِسْعُ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرِينَ رَجُلًا. وَكَانَ يُوئِيلُ بْنُ زِكْرِي رَئِيسَهُمْ عَنْهُمْ. وَكَانَ يَهُوذَا بْنُ هَسْنُوءَةَ مَسْؤُولًا عَنْ القِسْمِ الثَّانِي مِنَ المَدِينَةِ وَمِنَ الكَهَنَةِ يَدَعْيَا بْنُ يُويَارِيبَ وَيَاكِينَ، وَسَرَايَا بْنُ حِلْقِيَّا بِنِ مَشُلَّامَ بِنِ صَادُوقَ بِنِ مَرَايوثَ بِنِ أحِيطُوبَ المَسْؤُولُ عَنْ بَيْتِ اللهِ، وَأقْرِبَاؤُهُمُ المَسْؤُولُونَ عَنِ العَمَلِ فِي الهَيْكَلِ، وَمَجْمُوعُهُمْ ثَمَانُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا. وَعَدَايَا بْنُ يَرُوحَامَ بْنِ فَلَلْيَا بْنِ أمصِي بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ فَشْحُورَ بْنِ مَلْكِيَّا، وَأقْرِبَاؤُهُ مِنْ وُجَهَاءِ القَبِيلَةِ، وَمَجْمُوعُهُمْ مِئَتَانٍ وَاثْنَانِ وَأرْبَعُونَ رَجُلًا. وَكَانَ أيْضًا عَمْشِتَايُ بْنُ عَزَرْئِيلَ بْنِ أخزَايَا بْنِ مَشلِيمُوثَ بْنِ إمِّيرَ، وَأقْرِبَاؤُهُ، وَهُمْ مُحَارِبُونَ شُجعَانٌ. وَعَدَدُهُمْ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا. وَرَئِيسُهُمْ زَبْدِيئِيلُ بْنُ هَجْدُولِيمَ. وَاسْتَقَرَّ فِي القُدْسِ مِنَ اللَّاوِيِّينَ شَمَعْيَا بْنُ حَشُّوبَ بْنِ عَزْرِيقَامَ بْنِ حَشَبْيَا بْنِ بُونِّي، وَشَبْتَايُ وَيُوزَابَادُ، وَهُمَا مِنْ قَادَةِ اللَّاوِيِّينَ، وَكَانَا مَسْؤُولَينِ عَنِ العَمَلِ الخَارِجِيِّ لِبَيْتِ اللهِ. وَمَتَّنْيَا بْنُ مِيخَا بْنِ زَبْدِي بْنِ آسَافَ قَائِدِ المُرَنِّمِينَ الَّذِي يَقُودُ تَرَانِيمَ الشُّكْرِ أثْنَاءَ الصَّلَاةِ، وَبَقْبُقْيَا، وَهُوَ الثَّانِي أهَمِّيَّةً بَيْنَ أقْرِبَائِهِ، وَعَبْدَا بْنُ شَمُّوعَ بْنِ جَلَالَ بْنِ يَدُوثُونَ. وَكَانَ مَجْمُوعُ اللَّاوِيِّينَ فِي القُدْسِ مِئَتَيْنِ وَثَمَانِيَةً وَأرْبَعَينَ. أمَّا حُرَّاسُ الأبوَابِ عَقُوبُ وَطَلْمُونُ وَأقْرِبَاؤُهُمَا، فَكَانَ عَدَدُهُمْ مِئَةً وَاثنَيْنِ وَسَبْعِينَ. وَسَكَنَتْ بَقِيَّةُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَالكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ فِي كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا، كُلُّ وَاحِدٍ فِي الأرْضِ الَّتِي وَرَثَهَا عَنْ آبَائِهِ. وَسَكَنَ خُدَّامُ الهَيْكَلِ عَلَى تَلِّ أُوفِيلَ، وَكَانَ صِيحَا وَجِشْفَا مَسْؤُولَينِ عَنْ خُدَّامِ الهَيْكَلِ. وَكَان رَئِيسُ اللَّاوِيِّينَ فِي القُدْسِ عُزِّي بْنُ حَشَبْيَا بْنِ مَتَّنْيَا بْنِ مِيخَا مِنْ نَسْلِ آسَافَ، وَكَانُوا مَسْؤُولِينَ عَنْ خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ. وَكَانُوا يَقُومُونَ بِوَاجِبَاتِهِم بِحَسَبِ التَّعلِيمَاتِ الَّتِي تَرَكَهَا المَلِكُ دَاوُدَ يَوْمًا فَيَوْمًا. وَكَانَ فَتَحْيَا بْنُ مَشِيزَبْئِيلَ مِنْ نَسْلِ زَارَحَ بْنِ يَهُوذَا مُسْتَشَارًا لِلمَلِكِ فِي كُلِّ الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِالشَّعْبِ. أمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى القُرَى وَحُقُولِهَا، فَقَدْ سَكَنَ بَعْضُ بَنِي يَهُوذَا فِي قَرْيَةِ أرْبَعَ وَمُسْتَوْطَنَاتِهَا وَدِيبُونَ وَمُسْتَوْطَنَاتِهَا وَفِي يَقْبَصِئِيلَ وَقُرَاهَا، وَفِي يَشُوعَ وَمُولَادَةَ وَبَيْتِ فَالِطَ، وَفِي حَصَرَ شُوعَالَ وَبِئْرِ سَبْعٍ وَمُسْتَوْطَنَاتِهَا، وَفِي صِقلَغَ وَمَكُونَةَ وَمُسْتَوْطَنَاتِهَا، وَفِي عَيْنِ رِمُّونَ وَصَرْعَةَ وَيَرْمُوثَ، وَفِي زَانُوحَ وَعَدُلَّامَ وَقُرَاهُمَا، وَلَخِيشَ وَحُقُولِهَا وَعَزِيقَةَ وَمُسْتَوْطَنَاتِهَا. وَهَكَذَا سَكَنُوا فِي البِلَادِ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ إلَى وَادِي هِنُّومَ. وَسَكَنَ بَعْضُ بَنِي بَنْيَامِينَ فِي جَبَعَ وَمِخْمَاسَ وَعَيَّا وَبَيْتَ إيلَ وَمُسْتَوْطَنَاتِهَا، وَفِي عَنَاثُوثَ وَنُوبٍ وَعَنَنْيَةَ، وَحَاصُورَ وَرَامَةَ وَجِتَّايِمَ، وَحَادِيدَ وَصَبُوعِيمَ وَنَبَلَّاطَ، وَلُودٍ وَأُونُو وَوَادِي الحِرْفِيِّينَ. وَانتَقَلَ بَعْضُ اللَّاوِيِّينَ مِنْ أرْضِ يَهُوذَا إلَى أرْضِ بَنْيَامِينَ. وَهَذِهِ أسْمَاءُ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ عَادُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ مِنَ الأسْرِ مَعَ زَرُبَّابِلَ بْنِ شَألَتئِيلَ وَيَشُوعَ: سَرَايَا وَيَرْمِيَا وَعَزْرَا وَأمَرْيَا وَمَلُّوخُ وَحَطُّوشُ وَشَكَنْيَا وَرَحُومُ وَمَرِيمُوثُ وَعِدُّو وَجِنْتُويُ وَأبِيَّا وَمِيَّامِينَ وَمَعَدْيَا وَبَلْجَةَ وَشَمَعْيَا وَيُويَارِيبُ وَيَدَعْيَا وَسَلُو وَعَامُوقُ وَحِلْقِيَّا وَيَدَعِيَا. كَانَ هَؤُلَاءِ قَادَةَ أُولَئِكَ الكَهَنَةِ وَمُسَاعِدِيهِمْ فِي زَمَنِ يَشُوعَ. أمَّا اللَّاوِيُّونَ فَهُمْ يَشُوعُ وَبِنُّويُ وَقَدْمِيئِيلُ وَشَرَبْيَا وَيَهُوذَا وَمَتَّنْيَا الَّذِي كَانَ مَسْؤُولًا مَعَ جَمَاعَتِهِ عَنْ تَرَانِيمِ الشُّكْرِ. وَكَانَ قَرِيبَاهُمْ بَقْبُقْيَا وَعُنِّي يَقِفَانِ مُقَابِلَهُمْ أثْنَاءَ خِدْمَاتِ العِبَادَةِ. كَانَ يَشُوعُ أبَا يُويَاقِيمَ، وَيُويَاقِيمُ أبَا ألْيَاشِيبَ، وَألْيَاشِيبُ أبَا يُويَادَاعَ، وَيُويَادَاعُ أبَا يُونَاثَانَ، وَيُونَاثَانُ أبَا يَشُوعَ. وَفِي زَمَنِ يُويَاقِيمَ كَانَ هَؤُلَاءِ قَادَةً لِلعَائِلَاتِ الكَهَنُوتِيَّةِ. كَانَ مَرَايَا رَئِيسًا عَلَى عَائِلَةِ سَرَايَا، وَحَنَنْيَا رَئِيسًا لِعَائِلَةِ يَرْمِيَا، وَمَشُلَّامُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ عَزْرَا، وَيَهُوحَانَانُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ أمَرْيَا، وَيُونَاثَانُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ مَلِيكُو، وَيُوسُفُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ شَكَنْيَا، وَعَدْنَا رَئِيسًا لِعَائِلَةِ حَرِيمَ، وَحِلْقَايُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ مَرَايُوثَ، وَزَكَرِيَّا رَئِيسًا لِعَائِلَةِ عِدُّو، وَمَشُلَّامُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ جِنَثُونَ، وَزِكْرِي رَئِيسًا لِعَائِلَةِ أبِيَّا، وَفِلْطَايُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ مِنْيَامِينَ وَمُوعَدْيَا، وَشَمُّوعُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ بِلْجَةَ، وَيَهُونَاثَانُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ شَمَعْيَا، وَمَتْنَايُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ يُويَارِيبَ، وَعُزِّي رَئِيسًا لِعَائِلَةِ يَدَعْيَا، وَقَلَّايُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ لِسَلَّايَ، وَعَابِرُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ عَامُوقَ، وَحَشَبْيَا رَئِيسًا لِعَائِلَةِ حِلْقِيَا، وَنَثْنئِيلُ رَئِيسًا لِعَائِلَةِ يَدَعْيَا. وَتَمَّ فِي زَمَنِ ألِيَاشِيبَ وَيُويَادَاعَ وَيُوحَانَانَ وَيَدُّوعَ تَسْجِيلُ أسْمَاءِ اللَّاوِيِّينَ كَرُؤَسَاءَ لِلعَائِلَاتِ. كَمَا سُجِّلَتْ أسْمَاءُ الكَهَنَةِ أثْنَاءَ حُكْمِ دَاريُوسَ الفَارِسِيِّ عِنْدَمَا كَانَ مَلِكًا. وَكُتِبَتْ أسْمَاءُ رُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ اللَّاوِيِّينَ فِي دَفْتَرِ السِّجِلَّاتِ حَتَّى زَمَنِ يُوحَانَانَ بْنِ ألِيَاشِيبَ. وَكَانَ حَشَبْيَا وَشَرَبْيَا وَيَشُوعُ وَبِنُّويُ وَقَدَمْئِيلُ وَأقرِبَاؤُهُمْ قَادَةَ اللَّاوِيِّينَ. وَكَانَ أقْرِبَاؤُهُمْ هَؤُلَاءِ يَقِفُونَ مُقَابِلَهُمْ لِيُسَبِّحُوا اللهَ وَيَشْكُرُوهُ حَسَبَ أمْرِ دَاوُدَ رَجُلِ اللهِ. كَانَتْ جَمَاعَةٌ تُرَنِّمُ، وَأُخرَى تَرُدُّ عَلَيْهَا. وَكَانَ مَتَّنْيَا وَبَقْبُقْيَا وَعُوبَدْيَا وَمَشُلَّامُ وَطَلْمُونُ وَعَقُوبُ حُرَّاسًا لِلبَوَّابَاتِ قُرْبَ المَخَازِنِ عِنْدَ البَوَّابَاتِ. خَدَمَ هَؤُلَاءِ فِي زَمَنِ يُويَاقِيمَ بْنِ يَشُوعَ بْنِ يُوصَادَاقَ وَفِي زَمَنِ نَحَمْيَا الوَالِي وَعَزْرَا الكَاهِنِ وَالمُعَلِّمِ. وَعِنْدَمَا صَلُّوا وَكَرَّسُوا سُورَ القُدْسِ للهِ، بَحَثُوا عَنِ اللَّاوِيِّينَ أينَمَا كَانُوا يَسْكُنُونَ، وَجَلَبُوهُمْ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِيَحْتَفِلُوا بِتَكْرِيسِ السُّورِ وَتَخْصِيصِهِ للهِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ جَوْقَاتٌ مُوسِيقِيَّةٌ تَشْكُرُ وَتُسَبِّحُ وَتُرَنِّمُ بِالصُّنُوجِ وَالرَّبَابِ وَالقَيَاثِيرِ. وَاجتَمَعَ المُرَنِّمُونَ مِنَ المَنَاطِقِ المُحِيطَةِ بِالقُدْسِ وَمِنْ قُرَى نَطُوفَاتِي، وَأيْضًا مِنْ بَيْتِ الجِلْجَالِ وَحُقُولِ جَبَعَ وَعَزْمُوتَ، لِأنَّ المُرَنِّمِينَ كَانُوا قَدْ بَنَوْا لِأنْفُسِهِمْ قُرَىً حَوْلَ القُدْسِ. وَطَهَّرَ الكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ أنْفُسَهُمْ، وَطَهَّرُوا الشَّعْبَ وَالأبْوَابَ وَالسُّورَ. ثُمَّ جَعَلْتُ قَادَةَ بَنِي يَهُوذَا يَصْعَدُونَ إلَى السُّورِ. وَعَيَّنْتُ جَوْقَتَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ لِتُرَنِّمَا تَرَانِيمَ شُكْرٍ للهِ. فَسَارَتْ جَوْقَةٌ أعْلَى السُّورِ مِنَ الجِهَةِ اليُمْنَى نَحْوَ بَابِ الدِّمْنِ. وَسَارَ وَرَاءَهَا هُوشَعْيَا وَنِصْفُ قَادَةِ يَهُوذَا. وَسَارَ مَعَهُمْ أيْضًا عَزَرْيَا وَعَزْرَا وَمَشُلَّامُ وَيَهُوذَا وَبَنْيَامِينُ وَشَمَعْيَا وَيَرْمِيَا، وَبَعْضُ الكَهَنَةِ وَهُمْ يَنْفُخُونَ الأبْوَاقَ. وَزَكَرِيَّا بْنُ يُونَاثَانَ بْنِ شَمَعْيَا بْنِ مَتَّنْيَا بْنِ مِيخَا بْنِ زَكُّورَ بْنِ آسَافَ، وَأقرِبَاؤُهُ شَمَعْيَا وَعَزَرْئِيلُ وَمِللَايُ وَجِللَايُ وَمَاعَايُ وَنَثَنْئِيلُ وَيَهُوذَا وَحَنَانِي، وَهُمْ يَعْزِفُونَ عَلَى آلَاتِ دَاوُدَ رَجُلِ اللهِ. وَسَارَ أمَامَهُمْ المُعَلِّمُ عَزْرَا. فَسَارُوا فَوْقَ بَابِ العَيْنِ. ثُمَّ صَعِدُوا أعْلَى دَرَجَاتِ مَدِينَةِ دَاوُدَ – الدَّرَجَاتِ المُوصِلَةِ إلَى السُّورِ. وَمَرُّوا فَوْقَ بَيْتِ دَاوُدَ حَتَّى وَصَلُوا إلَى بَابِ المَاءِ شَرْقًا. وَاتَّجَهَتْ جَوْقَةُ الشُّكْرِ الثَّانِيَةِ إلَى اليَسَارِ. وَتَبِعْنَا أنَا وَالنِّصْفُ الآخَرُ مِنْ قَادَةِ الشَّعْبِ المَوكِبَ عَلَى السُّورِ. وَمَرَرْنَا بِبُرجِ التَّنَانِيرِ بِاتِّجَاهِ السُّورِ العَرِيضِ، وَمَرَرْنَا بِبَابِ أفْرَايِمَ، وَفَوقَ بَابِ المَدِينَةِ القَدِيمَةِ، وَبَابِ السَّمَكِ وَبُرجِ حَنَنْئِيلَ وَبُرجِ المِئَةِ، حَتَّى وَصَلْنَا بَابَ الضَّأنِ، وَتَوَقَّفْنَا عِنْدَ بَابِ الحُرَّاسِ. وَأخَذَتْ جَوقَتَا الشُّكْرِ وَالتَّسبِيحِ مَكَانَهُمَا فِي بَيْتِ اللهِ. كَمَا فَعَلَ الشَّيءَ نَفْسَهُ النِّصْفُ الآخَرُ مِنَ المَسؤُولِينَ عَنْ شَعْبِي. وَكَذَلِكَ الكَهَنَةُ ألْيَاقِيمُ وَمَعْسِيَا وَمِنْيَامِينُ وَمِيخَا وَأليُوعِينَايُ وَزَكَرِيَّا وَحَنَنْيَا وَمَعَهُمْ أبوَاقُهُمْ وَأيْضًا مَعْسِيَا وَشَمَعْيَا وَألِيعَازَارُ وَعُزِّي وَيَهُوحَانَانُ وَمَلْكِيَّا وَعِيلَامُ وَعَازَرُ. وَرَنَّمَ المُرَنِّمُونَ يَقُودُهُمْ يَزْرَحيَا. وَقَدَّمُوا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ذَبَائِحَ كَثِيرَةً، وَابْتَهَجُوا لِأنَّ اللهَ أعطَاهُمْ فَرَحًا عَظِيمًا، وَاحتَفَلَ حَتَّى النِّسَاءُ وَالأطْفَالُ. وَسَمِعَ النَّاسُ فَرَحَ القُدْسِ وَاحتِفَالَهَا عَنْ بُعدٍ. كَمَا تَمَّ تَعِيينُ مَسْؤُولِينَ عَنِ المَخَازِنِ لِيُشرِفُوا عَلَى التَّقْدِمَاتِ وَأوَّلِ الثِّمَارِ وَالأعْشَارِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَيَجْمَعُوا حِصَصَ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ مِنْ حُقُولِ المَدِينَةِ، كَمَا تَقُولُ الشَّرِيعَةُ. فَقَدْ رَضِيَ الشَّعْبُ اليَهُودِيُّ عَنِ الكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ خَدَمُوا. فَقَدْ قَامُوا بِخِدْمَةِ إلَهِهِمْ، وَخِدْمَةِ التَّطهِيرِ، كَمَا قَامَ المُرَنِّمُونَ وَحُرَّاسُ الأبوَابِ بِخِدمَتِهِمْ كَمَا أمَرَ دَاوُدُ وَابْنُهُ سُلَيْمَانَ. فَفِي زَمَنِ دَاوُدَ وَآسَافَ قَدِيمًا، كَانَ هُنَاكَ قَادَةٌ لِلمُرَنِّمِينَ وَمَسؤُولُونَ عَنْ قِيَادَةِ تَرَانِيمِ التَّسبِيحِ وَالشُّكْرِ للهِ. وَهَكَذَا فِي زَمَنِ زَرُبَّابِلَ وَزَمَنِ نَحَمْيَا كَانَ كُلُّ شَعْبِ اللهِ يُعطُونَ حِصَصًا لِلمُرَنِّمِينَ وَحُرَّاسِ الأبوَابِ، كَمَا تَقْتَضِي الحَاجَةُ كُلَّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ. وَخَصَّصُوا أيْضًا حِصَصًا لِلَّاوِيِّينَ، وَخَصَّصَ اللَّاوِيُّونَ مِنْ حِصَصِهِمْ حِصَّةَ نَسْلِ هَارُونَ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ قَرَأُوا كِتَابَ مُوسَى عَلَى الشَّعْبِ. وَوَجَدُوا مَكْتُوبًا فِيهِ أنَّهُ مُحَرَّمٌ أنْ يَدْخُلَ عَمُّونِيٌّ أوْ مُوآبِيٌّ اجتِمَاعَ العِبَادَةِ للهِ. لِأنَّ العَمُّونِيِّينَ وَالمُوآبِيِّينَ لَمْ يَسْتَقْبِلُوا بَنِي إسْرَائِيلَ بِالخُبْزِ وَالمَاءِ، بَلْ دَفَعُوا مَالًا لِبَلْعَامَ لِيَلْعَنَهُمْ. لَكِنَّ اللهَ حَوَّلَ اللَّعْنَةَ إلَى بَرَكَةٍ. وَعِنْدَمَا سَمِعَ الشَّعْبُ كَلَامَ الشَّرِيعَةِ، فَصَلُوا كُلَّ أجنَبِيٍّ عَنْ شَعْبِ اللهِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ جُعِلَ ألْيَاشِيبُ الكَاهِنُ مُشِرِفًا عَلَى غُرَفِ المَخَازِنِ فِي بَيْتِ إلَهِنَا. وَكَانَ نَسِيبًا وَصَدِيقًا حَمِيمًا لِطُوبِيَّا العَمُّونِيِّ، وَقَدَّمَ لَهُ غُرفَةً وَاسِعَةً سَبَقَ أنْ وُضِعَتْ فِيهَا تَقْدِمَةُ الدَّقِيقِ وَالبَخُورِ وَآنِيَةُ الهَيْكَلِ وَعُشْرُ القَمْحِ وَالنَّبِيذِ الجَدِيدِ وَالزَّيْتِ الَّذِي أوْصَى اللهُ أنْ يُعْطَى لِلَّاوِيِّينَ وَالمُرَنِّمِينَ وَحُرَّاسِ الأبوَابِ، وَالتَّبَرُّعَاتُ لِلكَهَنَةِ أيْضًا. وَلَمَّا حَدَثَ كُلُّ هَذَا لَمْ أكُنْ فِي القُدْسِ. فَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِحُكْمِ المَلِكِ أرْتَحْشَسْتَا، مَلِكِ بَابِلَ، كُنْتُ قَدْ عُدتُ إلَيْهِ. وَأخِيرًا استَأْذَنْتُ المَلِكَ، وَعُدْتُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. عِنْدَ ذَلِكَ عَرَفْتُ مَا فَعَلَهُ ألْيَاشِيبُ مِنْ شَرٍّ مِنْ أجْلِ طُوبِيَّا حِينَ أعطَاهُ غُرفَةً فِي حَرَمِ بَيْتِ اللهِ. فَغَضِبْتُ كَثِيرًا وَألقَيتُ بِمُمتَلَكَاتِ طُوبِيَّا خَارِجَ الغُرْفَةِ. وَأمَرْتُ بِتطهِيرِ الغُرَفِ، وَأعَدْتُ إلَيْهَا آنِيَةَ بَيْتِ اللهِ مَعَ تَقْدِمَاتِ الدَّقِيقِ وَالبَخُورِ. ثُمَّ عَلِمْتُ أنَّ حِصَصَ اللَّاوِيِّينَ لَمْ تَصِلْهُمْ. فَعَادَ اللَّاوِيُّونَ وَالمُرَنِّمُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَقُومُونَ بِالخِدْمَةِ إلَى حُقُولِهِمْ لِيَعْمَلُوا. فَوَبَّخْتُهُمْ وَقُلْتُ لَهُمْ: «لِمَاذَا بَيْتُ اللهِ مُهمَلٌ؟» ثُمَّ جَمَعْتُ اللَّاوِيِّينَ وَالمُرَنِّمِينَ وَأرجَعْتُهُمْ إلَى أمَاكِنِ عَمَلِهِمْ. ثُمَّ أحْضَرَ كُلُّ بَنِي يَهُوذَا عُشْرَ القَمْحِ وَالنَّبِيذِ الجَدِيدِ وَالزَّيْتِ إلَى المخَازِنِ. ثُمَّ عَيَّنْتُ شَلَمْيَا الكَاهِنَ وَصَادُوقَ المُعَلِّمَ وَفَدَايَا اللَّاوِيَّ أُمَنَاءَ صُنْدُوقٍ، وَعَيَّنْتُ حَانَانَ بْنَ زَكُّورَ بْنَ مَتَّنْيَا مُسَاعِدًا لَهُمْ، لِأنَّهُمْ كَانُوا يُعتَبَرُونَ أُمَنَاءَ مُخْلِصِينَ. فَكَانَ وَاجِبُهُمْ أنْ يُوَزِّعُوا الحِصَصَ عَلَى جَمَاعَاتِهِمْ. فَاذْكُرْنِي يَا إلَهِي مِنْ أجْلِ مَا فَعَلْتُ. وَلَا تَنْسَ أعْمَالِي الصَّالِحَةَ الَّتِي عَمِلْتُهَا بِأمَانَةٍ مِنْ أجْلِ بَيْتِ إلَهِي وَخِدْمَتِهِ. وَفِي تِلْكَ الأيَّامِ رَأيْتُ النَّاسَ فِي يَهُوذَا يَعْمَلُونَ فِي مَعَاصِرِ الخَمْرِ أيَّامَ السَّبْتِ وَيُحضِرُونَ أكْوَامًا مِنَ القَمْحِ وَالنَّبِيذِ وَالعِنبِ وَالتِّينِ وَكُلِّ أنْوَاعِ الثِّمَارِ، وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى الحَمِيرِ. ثُمَّ يَجْلِبُونَهَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ. فَحَذَّرْتُهُمْ مِنَ المُتَاجَرَةِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. وَكَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ مِنْ صُورٍ سَاكِنُونَ فِي القُدْسِ يُحضِرُونَ إلَيْهَا السَّمَكَ وَكُلِّ أنْوَاعِ البَضَائِعِ، وَيَبِيعُونَهَا فِي السَّبْتِ لِلنَّاسِ فِي يَهُوذَا وَالقُدْسِ. وَوَبَّخْتُ أشْرَافَ يَهُوذَا وَقُلْتُ لَهُمْ: «مَا هَذَا الشَّرُّ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ وَتُدَنِّسُونَ بِهِ السَّبْتَ؟ ألَمْ يَفْعَلْ آبَاؤُكُمْ هَذَا فَجَلَبَ إلَهُنَا كُلَّ هَذِهِ المَصَائِبِ عَلَيْنَا وَعَلَى هَذِهِ المَدِينَة؟ لَكِنَّكُمْ تَجْلِبُونَ مَزِيدًا مِنَ الغَضَبِ عَلَى شَعْبِ اللهِ بِعَدَمِ حِفْظِهِمُ السَّبْتَ.» وَعِنْدَمَا بَدَأ الظَّلَامُ يَحِلُّ عِنْدَ بَوَّابَاتِ القُدْسِ قُبَيلَ حُلُولِ السَّبْتِ، أمَرْتُ بِإغلَاقِ البَوَّابَاتِ وَعَدَمِ فَتْحِهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ السَّبْتُ. وَأوقَفْتُ بَعْضَ رِجَالِي عِنْدَ البَوَّابَاتِ حَتَّى لَا تَدْخُلَ أيَّةُ حُمُولَةٍ إلَى المَدِينَةِ يَوْمَ السَّبْتِ. وَبَاتَ تُجَّارُ البَضَائِعِ المُختَلِفَةِ مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ لَيلَتَهُمْ خَارِجَ القُدْسِ. فَحَذَّرْتُهُمْ وَقُلْتُ لَهُمْ: «لِمَاذَا تَبِيتُونَ أمَامَ السُّورِ؟ إنْ كَرَّرْتُمْ هَذَا الأمْرَ ثَانِيَةً فَسَأسْتَخْدِمُ القُوَّةَ ضِدَّكُمْ.» وَمُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ لَمْ يَعُودُوا يَأْتُونَ يَوْمَ السَّبْتِ. ثُمَّ قُلْتُ لِلَّاوِيِّينَ إنَّ عَلَيْهِمْ أنْ يَتَطَهَّرُوا وَيَذْهَبُوا لِيَحْرُسُوا البَوَّابَاتِ لِكَي يَحْفَظُوا يَوْمَ السَّبْتِ مُقَدَّسًا مُخَصَّصًا للهِ. فَاذْكُرْنِي يَا إلَهِي مِنْ أجْلِ هَذَا أيْضًا، وَتَرَأَفْ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ الكَثِيرَةِ. كَمَا رَأيْتُ فِي تِلْكَ الأيَّامِ رِجَالًا مِنْ يَهُوذَا تَزَوَّجُوا نِسَاءً مِنْ أشْدُودَ وَعَمُّونَ وَمُوآبَ. وَكَانَ نِصْفُ أبْنَائِهِمْ يَتَكَلَّمُ لُغَةَ أشْدُودَ أوْ إحْدَى لُغَاتِ الأُمَمِ الأُخرَى، وَكَانُوا يَجْهَلُونَ لُغَةَ يَهُوذَا العِبْرِيَّةِ. فَوَبَّخْتُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ، وَقُلْتُ لَهُمْ إنَّهُمْ مُخطِئُونَ، وَلَعَنْتُهُمْ وَضَرَبْتُ بَعْضًا مِنْ رِجَالِهِمْ، وَشَدَدْتُ شَعْرَهُمْ، وَحَلَّفْتُهُمْ بِاسْمِ اللهِ. وَقُلْتُ: «لَا تُزَوِّجُوا بَنَاتَكُمْ مِنْ أبْنَائِهِمْ، وَلَا تَتَّخِذُوا لِأبْنَائِكُمْ أوْ لِأنفُسِكُمْ أيَّةَ بِنْتٍ مِنْ بَنَاتِهِمْ زَوْجَةً. ألَمْ يُخطِئْ سُلَيْمَانُ مَلِكُ إسْرَائِيلَ بِسَبَبِ نِسَاءٍ كَهَؤُلَاءِ؟ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ بَيْنَ المُلُوكِ، وَأحَبَّهُ إلَهُهُ، وَجَعَلَهُ اللهُ مَلِكًا عَلَى كُلِّ شَعْبِ اللهِ. لَكِنَّ زَوْجَاتِهِ الأجنَبِيَّاتِ جَعَلْنَهُ يُخطِئُ إلَى اللهِ. فَهَلْ نَسْمَعُ لَكُمْ وَنَرتَكِبُ هَذَا الشَّرَّ العَظِيمَ، وَنَخُونُ إلَهَنَا فَنَتَزَوَّجُ نِسَاءً غَرِيبَاتٍ؟» وَكَانَ أحَدُ أبْنَاءِ يُويَادَاعَ بْنِ ألْيَاشِيبَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ صِهْرًا لِسَنْبَلَّطَ الحُورُونِيِّ. فَطَرَدْتُهُ بَعِيدًا. فَاذْكُرْنِي يَا إلَهِي وَعَاقِبْهُمْ، لِأنَّهُمْ دَنَّسُوا الكَهَنُوتَ وَعَهْدَ الكَهَنُوتِ اللَّاوِيِّ بِعَدَمِ طَاعَتِهِمْ. فَطَهَّرْتُهُمْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ أجنَبِيٍّ، وَحَدَّدْتُ وَاجِبَاتٍ وَمَسْؤُولِيَّاتٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الكَهَنَةِ. كَمَا وَضَعْتُ تَرْتِيبَاتٍ لِتَقْدِمَةِ الخَشَبِ وَأوَّلِ الثِّمَارِ فِي مَوَاعِيدِهَا. فَاذْكُرْنِي بِعَطْفِكَ وَإحْسَانِكَ يَا إلَهِي. وَقَعَتِ الأحْدَاثُ التَّالِيَةُ فِي أيَّامِ أحَشْوِيرُوشَ. وَهُوَ المَلِكُ الَّذِي حَكَمَ مِنَ الهِندِ إلَى الحَبَشَةِ عَلَى مِئَةٍ وَسَبعٍ وَعِشرِينَ مُقَاطَعَةً. حَكَمَ المَلِكُ أحَشْويِرُوشُ فِي تِلْكَ الأيَّامِ مِنْ عَرْشِ مُلكِهِ فِي قَصْرِ العَاصِمَةِ شُوشَنَ. وَفِي السَّنَةِ الثَالِثَةِ مِنْ حُكْمِهِ، أقَامَ احْتِفَالًا لِكُلِّ ضُبَّاطِهِ وَوُزَرَائِهِ وَقَادَةِ جَيْشِ فَارِسَ وَمَادِي وَالنُّبَلَاءِ وَرُؤَسَاءِ البِلَادِ. وَاسْتَمَرَّتِ الِاحْتِفَالَاتُ مِئَةً وَثَمَانِينَ يَومًا، أظْهَرَ فِيهَا غِنَى مَملَكَتِهِ العَظِيمَ، وَجَمَالَ وَرَوعَةَ مَجْدِ مُلكِهِ. وَفِي نِهَايَةِ تِلْكَ الأيَّامِ، أقَامَ المَلِكُ وَلِيمَةً فِي سَاحَةِ حَدِيقَةِ المَنزِلِ الصَّيفِيِّ لِمُدَّةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ، لِجَمِيعِ السَّاكِنِينَ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ بِمُخْتَلِفِ طَبَقَاتِهِمْ. كَانَتِ السَّاحَةُ مُزَيَّنَةً بَسَتَائِرَ كَتَّانِيَةٍ بَيْضَاءَ وَزَرْقَاءَ مُعَلَّقَةٍ عَلَى أعْمِدَةٍ رُخَامِيَّةٍ بِحِبَالٍ بَيْضَاءَ مِنْ كَتَّانٍ وَأُرْجُوانَ، وَبِحَلَقَاتٍ فِضِّيَةٍ. أمَّا المَقَاعِدُ فَمِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وُضِعَتْ عَلَى أرْضِيَّةٍ مَرْصُوفَةٍ بِالمَرْمَرِ وَالرَّخَامِ السُّمَّاقِيِّ وَالقُزَحِيِّ وَالأسْوَدِ. وَكَانَتِ المَشرُوبَاتُ تُقَدَّمُ فِي آنِيَةٍ ذَهَبِيَّةٍ، يَتَمّيَّزُ كُلٌّ مِنْهَا عَنِ الآخَرِ. فُقُدِّمَتِ الخُمُورُ المَلَكِيَّةُ بِوَفرَةٍ بَحَسَبِ سَخَاءِ المَلِكِ. وَكَانَ شُرْبُ الخَمْرِ بِالأبَارِيقِ بِلَا قُيودٍ! إذْ أمَرَ المَلِكُ جَمِيعَ خُدَّامِ القَصرِ بِأنْ يُقَدِّمُوا لِلضُّيوفِ كُلَّ مَا يُرِيدُونَهُ. كَمَا أقَامَتِ المَلِكَةُ وَشْتِي وَلِيمَةً لِكُلِّ النِّسَاءِ فِي قَصرِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، بَعْدَ أنْ فَرِحَ قَلْبُ المَلِكِ بِسَبَبِ الخَمْرِ، أمَرَ خُدَّامَهُ السَبعَةَ: مَهُومَانَ وَبِزْثَا وَحَرْبُونَا وَبِغْثَا وَأبَغْثَا وَزِيَثَارَ وَكَرْكَسَ، بِأنْ يُحضِرُوا إلَيْهِ المَلِكَةَ وَشْتِي، وَهِيَ تَرْتَدِي التَّاجَ المَلَكِيَّ. فَقَدْ أرَادَ أنْ يَعْرِضَ جَمَالَهَا أمَامَ الشُّعُوبِ وَالمَسؤُولِينَ وَالضُّبَّاطِ، لِأنَّهَا كَانَتْ جَمِيلَةً جِدًا. وَلَكِنَّ المَلِكَةَ وَشْتِي رَفَضَتِ المَجِئَ خِلَافًا لِأمْرِ المَلِكِ الَّذِي أرْسَلَهُ عَنْ طَرِيقِ خُدَّامِهِ. فَغَضِبَ المَلِكُ جِدًّا، وَاغتَاظَ غَيظًا شَدِيدًا. وَاسْتَشَارَ المَلِكُ الحُكَمَاءَ العَارِفِينَ فِي شُؤونِ القَانُونِ – فَهَذَا مَا اعْتَادَ المَلِكُ أنْ يَفْعَلَهُ مَعَ الخُبَرَاءِ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالأوَامِرِ وَالقَرَارَاتِ اليَوْمِيَّةِ. وَكَانَ المُقَرَّبُونَ إلَيْهِ سَبعَةُ مَسؤولِينَ مِنْ فَارِسَ وَمَادِي هُمْ كَرْشَنَا وَشِيثَارَ وَأدْمَاثَا وَتَرْشِيشَ وَمَرَسُ وَمَرْسَنَا وَمَمُوكَانُ. وَهُمُ الرِّجَالُ البَارِزُونَ فِي المَمْلَكَةِ الَّذِينَ كَانَ يُسمَحُ لَهُمْ بِالدُّخُولِ مُبَاشَرَةً إلَى المَلِكِ. فَقَالَ لَهُمُ المَلِكُ: «مَاذَا يَنْبَغِي أنْ نَفعَلَ بِالمَلِكَةِ وَشْتِي بِحَسَبِ القَانُونِ، فَهِيَ لَمْ تُنَفِّذْ مَا أمَرَ بِهِ المَلِكُ عَنْ طَرِيقِ خُدَّامِهِ؟» فَقَالَ مَمُوكَانُ لِلمَلِكِ وَلِلمَسْؤُولِينَ: «لَمْ تُخْطِئِ المَلِكَةُ وَشْتِي إلَى المَلِكِ وَحْدَهُ، بَلْ إلَى كُلِّ المَسْؤُولِينَ وَجَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. فَسَيَصِلُ خَبَرُ مَا فَعَلَتْهُ المَلِكَةُ إلَى كُلِّ النِّسَاءِ، فَيَحْتَقِرنَ أزوَاجَهُنَّ. وَحِينَئِذٍ سَيُقَالُ: ‹أمَرَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشَ المَلِكَةَ وَشْتِي بِأنْ تَحْضُرَ أمَامَهُ، فَلَمْ تُطِعْ أمْرَهُ!› بَلْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، جَمِيعُ نِسَاءِ بِلَادِ فَارِسَ وَمَادِي اللَّوَاتِي سَمِعْنَ بِمَوْقِفِ المَلِكَةِ، سَيَتَمَرَّدْنَ عَلَى أزْوَاجِهِنَّ خُدَّامِ المَلِكِ. وَلَنْ تَهدأَ دَوَّامَةُ الِاحْتِقَارِ وَالغَضَبِ. فَإنِ اسْتَحْسَنَ المَلِكُ، فَلْيُصْدِرْ مَرْسُومًا مَلَكِيًّا يُكْتَبُ فِي شَرَائِعِ مَادِي وَفَارِسَ، حَتّى لَا يُمكِنَ إبطَالُهُ، بِأنْ لَا تَدْخُلَ المَلِكَةُ وَشْتِي إلَى مَحْضَرِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ ثَانِيَةً، وَبِأنْ يُعطِيَ المَلِكُ مَنصِبَهَا المَلَكِيَّ لِامْرأةٍ أفْضَلَ مِنْهَا. وَلْيُعلَنْ قَرَارُ المَلِكِ فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ مَملَكَتِهِ وَعَلَى امْتِدَادِهَا! وَهَكَذَا تُكْرِمُ جَمِيعُ النِّسَاءِ أزْوَاجَهُنَّ، العُظَمَاءَ مِنْهُمْ وَغَيْرَ العُظَمَاءِ.» فَاسْتَحْسَنَ المَلِكُ وَالمَسْؤولونَ هَذِهِ المَشُورَةَ. وَأخَذَ المَلِكُ بِاقْتِرَاحِ مَمُوكَانَ. فَأرْسَلَ المَلِكُ رَسَائِلَ إلَى جَمِيعِ الأقَالِيمِ – كُلِّ إقْلِيمٍ بِحَسَبِ أُسلُوبِ كِتَابَتِهِ، وَكَلِّ شَعْبٍ بِحَسَبِ لُغَتِهِ – بِأنَّ كُلَّ رَجُلٍ هُوَ السَّيِّدُ فِي بَيْتِهِ. وَأمَرَ أنْ تُبَلَّغَ بِذَلِكَ جَمِيعُ الشّعُوبِ بِلُغَاتِهَا. وَحِينَ هَدَأ غَضَبُ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ بَعْدَ هَذِهِ الأحْدَاثِ، تَذَكَّرَ وَشْتِي وَفِعلَتَهَا وَحُكمَهُ عَلَيْهَا. فَقَالَ الفِتيَانُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ: «لِيُبْحَثْ لِلمَلِكِ عَنْ فَتَيَاتٍ عَذَارَى جَمِيلَاتٍ. وَلِيُعَيِّنِّ المَلِكُ وُكَلَاءَ فِي كُلِّ بِلَادِ مَملَكَتِهِ، لِكَي يَجْمَعُوا العَذَارَى الجَمِيلَاتِ فِي جَنَاحِ الحَرِيمِ فِي قَصرِ العَاصِمَةِ شُوشَنَ تَحْتَ رِعَايَةِ هَيجَايَ خَادِمِ المَلِكِ المَسْؤولِ عَنْ شُؤُونِ نِسَائِهِ. وَلْتُوفَّرْ لَهُنَّ مَوَادُّ التَّجمِيلِ اللَّازِمَةُ. وَالفَتَاةُ التِي تُعْجِبُ المَلِكَ، تَصِيرُ مَلِكَةً عِوَضًا عَنْ وَشْتِي.» فَاسْتَحْسَنَ المَلِكُ هَذِهِ الفِكرَةَ وَعَمِلَ بِهَا. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَهُودِّيٌّ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ اسْمُهُ مُردَخَايُ. وَهُوَ ابْنُ يَائِيرَ بْنِ شِمْعَى بْنِ قَيسٍ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. وَقَدْ سُبِيَ مُردَخَايُ مِنَ القُدْسِ مَعَ الَّذِينَ أُسِرُوا مَعَ يَكُنيَا مَلِكِ يَهُوذَا، الَّذِي سَبَاهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ. وَكَانَ مُرْدَخَايُ يُرَبِّي فَتَاةً يَتِيمَةَ الأبَوَينِ اسْمُهَا هَدَسَّةُ – وَتُدْعَى أيْضًا أسْتِيرَ – وَهِيَ ابنَةُ عَمِّهِ. كَانَتِ الفَتَاةُ جَمِيلَةً جِدًّا، وَقَدْ تَبَنَّاهَا مُرْدَخَايُ عِنْدَمَا مَاتَ أبَوَاهَا. فَلَّمَا تَمَّ إعلَانُ قَرَارِ المَلِكِ وَرِسَالَتُهُ، وَجُمِعَتْ فَتَيَاتٌ كَثِيرَاتٌ فِي قَصْرِ العَاصِمَةِ شُوشَنَ تَحْتَ رِعَايَةِ هَيجَايَ، أُخِذَت أسْتِيرُ أيْضًا إلَى قَصرِ المَلِكِ تَحْتَ رِعَايَةِ هَيجَايَ المَسْؤولِ عَنْ شُؤُونِ النِّسَاءِ. فَحَظِيَتِ الفَتَاةُ بِرَضِى هَيجَايَ وَاسْتِحْسَانِهِ. فَسَارَعَ بِإعْطَائِهَا مَوَادَّ تَجْمِيلِهَا وَحِصَصَهَا مِنَ الطَّعَامِ. وَعَيَّنَ لَهَا أفْضَلَ سَبْعِ مُرَافِقَاتٍ مِنْ قَصرِ المَلِكِ. ثُمَّ نَقَلَهَا وَمُرَافِقَاتِهَا إلَى أفْضَلِ مَكَانٍ فِي جَنَاحِ الحَرِيمِ. وَلَمْ تَذْكُر أسْتِيرُ شَيْئًا عَنْ شَعْبِهَا أوْ نَسَبِهَا، لِأنَّ مُرْدَخَايَ قَالَ لَهَا أنْ لَا تَفْعَلَ. وَكَانَ مُرْدَخَايُ يَتَمَشَّى كُلَّ يَوْمٍ أمَامَ سَاحَةِ جَنَاحِ الحَرِيمِ، لِيَعْرِفَ كَيْفَ حَالُ أسْتِيرَ وَمَا يَحْدُثُ لَهَا. وَكَانَ عَلَى كُلِّ فَتَاةٍ – قَبْلَ أنْ تُعْطَى دَورَهَا لِلدُّخُولِ إلَى مَحْضَرِ الَمَلِكِ – أنْ تُتِمَّ سَنَةً كَامِلَةً تَتَعَطَّرُ فِيهَا: سِتَّةَ أشْهُرٍ بِزَيْتِ المُرِّ، وَسِتَّةَ أشْهُرٍ بِالعُطُورِ وَمَوَادِّ تَجْمِيلِ النِّسَاءِ. وَحِينَ يَأْتِي الوَقْتُ المُعَيَّنُ لِكُلِّ فَتَاةٍ لِلدُّخُولِ إلَى المَلِكِ، لَهَا أنْ تَأْخُذَ مَعَهَا أيَّ شَئٍ تَطْلُبُهُ مِنْ جَنَاحِ الحَرِيمِ إلَى قَصْرِ المَلِكِ. فَتَدْخُلُ الفَتَاةُ إلَى القَصْرِ مَسَاءً، وَتَعُودُ صَبَاحًا إلَى جَنَاحٍ آخَرَ لِلحَرِيمِ تَحْتَ رِعَايَةِ شَعَشْغَازَ خَادِمِ المَلِكِ المَسْؤولِ عَنْ شُؤُونِ الجَوَارِي. وَلَا تَعُودُ الفَتَاةُ إلَى المَلِكِ ثَانِيَةً إلَّا إذَا سُرَّ بِهَا، وَدَعَاهَا بِاسْمِهَا. وَعِنْدَمَا اقْتَرَبَ مَوعِدُ أسْتِيرَ لِلدُّخُولِ إلَى المَلِكِ – وَهِيَ بِنْتُ أبِيَحَايِلَ عَمِّ مُرْدَخَايَ الَّذِي تَبَنَّى أسْتِيرَ كَابنَةٍ لَهُ – لَمْ تَطْلُبْ أيَّ شَئٍ إلَا مَا أخْبَرَهَا بِهِ خَادِمُ المَلِكِ وَحَارِسُ النِّسَاءِ هَيجَايُ. فَنَالَتْ أسْتِيرُ استِحْسَانَ كُلَّ مَنْ رَآهَا. وَفِي الشَّهْرِ العَاشِرِ – شَهْرِ طِيبِيتَ – مِنَ السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ، أُخِذَتْ أسْتِيرُ إلَى المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. وَأحَبَّ المَلِكُ أسْتِيرَ أكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النِّسَاءِ، وَنَالَتِ استِحسَانَهُ وَرِضَاهُ أكْثَرَ مِنْ كُلِّ الفَتَيَاتِ، فَوَضَعَ التَّاجَ المَلَكِيَّ عَلَى رَأسِهَا وَجَعَلَهَا مَلِكَةً مَكَانَ وَشْتِي. وَأقَامَ المَلِكُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً لِكُلِّ رُؤَسَائِهِ وَخُدَّامِهِ، سُمِّيَتْ وَلِيمَةَ أسْتِيرَ. وَجَعَلَ المَلِكُ ذَلِكَ اليَوْمَ إجَازَةً لِكُلِّ النَّاسِ فِي كُلِّ البِلَادِ. وَوَزَّعَ هَدَايَا بِكَمِيَّاتٍ لَا يَسْتَطِيعُ تَوْزِيعَهَا إلَا المَلِكُ بِكَرَمِهِ. وَفِي الوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ تُجمَعُ فِيهِ الفَتَيَاتُ ثَانِيَةً، كَانَ مُرْدَخَايُ جَالِسًا عِنْدَ بَوَّابَةِ المَلِكِ كَعَادَتِهِ. أمَّا أسْتِيرُ فَلَمْ تَكْشِفْ عَنْ نَسَبِهَا أوْ عَنْ شَعْبِهَا تَمَامًا كَمَا أمَرَهَا مُرْدَخَايُ. فَقَدْ عَمِلَتْ بِحَسَبِ تَعْلِيمَاتِهِ، كَمَا اعتَادَتْ وَهِيَ تَحْتَ رِعَايَتِهِ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ – بَيْنَمَا كَانَ مُرْدَخَايُ جَالِسًا عِنْدَ بَوَّابَةِ المَلِكِ – غَضِبَ بِغْثَانُ وَتَرَشُ خَادِمَا المَلِكِ وَحَارِسَا البَوَّابَةِ، وَتَآمَرَا عَلَى اغتِيَالِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. فَعَلِمَ مُرْدَخَايُ بأمْرِ هَذِهِ المُوآمَرَةِ، وَأخبَرَ المَلِكَةَ أسْتِيرَ. فَنَقَلَتْ لِلمَلِكِ مَا قَالَهُ مُرْدَخَايُ. وَتَمَّ التَحَقُقُ مِنَ الأمْرِ، وَثَبُتَتْ صِحَّتُهُ. وَهَكَذَا عُلِّقَ هَذَانِ الِاثْنَانِ عَلَى خَشَبَةٍ. وَدُوِّنَ هَذَا أمَامَ المَلِكِ فِي السِّجِلِّ الرَّسمِيِّ لِتَارِيخِ المَمْلَكَةِ. بَعْدَ هَذِهِ الأحْدَاثِ، رَفَّعَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشُ هَامَانَ بْنَ هَمَدَاثَا الأجَاجِيَّ وَرَقَّاهُ، وَأعْطَاهُ مَركَزًا أعْلَى مِنْ كُلِّ الرُؤَسَاءِ الآخَرِينَ. وَبِأمرٍ مِنَ المَلِكِ، كَانَ عَلَى كُلِّ الخُدَّامِ الَّذِينَ فِي القَصْرِ أنْ يَنْحَنُوا وَيَسْجُدُوا لِهَامَانَ. وَلَكِنَّ مُرْدَخَايَ رَفَضَ أنْ يَنْحَنِيَ وَيَسْجُدَ لِهَامَانَ. فَقَالَ الخُدَّامُ الَّذِينَ فِي القَصرِ لِمُرْدَخَايَ: «لِمَاذَا لَا تُطِيعُ أمرَ المَلِكِ؟» فَلَمْ يُصْغِ إلَيْهِمْ وَهُمْ يُكَلِّمُونَهُ يَومًا بَعْدَ يَوْمٍ، بَلْ قَالَ إنَّهُ يَهُودِيٌّ. فَأخبَرُوا هَامَانَ لِيَرَوْا إنْ كَانَ سَيقْبَلُ كَلَامَ مُرْدَخَايَ. فَغَضِبَ هَامَانُ جَدًّا لَمَّا عَلِمَ أنَّ مُرْدَخَايَ لَا يَنْحَنِي وَلَا يَسْجُدُ لَهُ. لَكِنَّ هَامَانَ لَمْ يُرِدْ أنْ يُعَاقِبَ مُرْدَخَايَ وَحْدَهُ، لِأنَّهُ عَرَفَ أنَّ مُرْدَخَايَ يَهُودِيٌّ. بَلْ أرَادَ أنْ يَقْتُلَ كُلَّ اليَهُودِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي مَمْلَكَةِ أحَشْوِيرُوشَ. وَفِي الشَّهْرِ الأوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنُ حُكْمِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ، أُجرِيَتْ قُرعَةٌ بِحُضُورِ هَامَانَ لِتَعْيِينِ مَوْعِدٍ لِلقَضَاءِ عَلَى شَعْبِ مُرْدَخَايَ اليَهُودِيِّ. وَتَمَّ اختِيَارُ اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ – شَهْرِ آذَارَ. وَقَالَ هَامَانُ لِلمَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ: «هُنَاكَ شَعْبٌ يَعِيشُ مُتَفَرِقًا مُشَتَّتًا بَيْنَ الشُّعُوبِ فِي كُلِّ مُقَاطَعَاتِ مَملَكَتِكَ. وَشَرَائِعُ هَذَا الشَّعْبِ تَخْتَلِفُ عَنْ شَرَائِعِ الشُّعُوبِ الأُخْرَى. فَهُمْ لَا يُطِيعُونَ شَرَائِعَ المَلِكِ! وَلَيْسَ مُلَائِمًا للمَلِكِ أنْ يَتْرُكَهُمْ وَشَأنَهُمْ. فَإنِ استَحْسَنَ المَلِكُ، فَلْيُصدِرْ مَرْسُومًا بِقَتلِهِم جَمِيعًا. وَسَأدْفَعُ عَشْرَةَ آلَافِ قِنْطَارٍ مِنَ الفِضَّةِ لِلضُّبَّاطِ لِيَضَعُوهَا فِي خَزِينَةِ المَلِكِ.» فَنَزَعَ المَلِكُ خَاتَمَهُ، وَأعْطَاهُ لِعَدُوِّ اليَهودِ هَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا الأجَاجِيِّ. وَقَالَ المَلِكُ لِهَامَانَ: «احتَفِظْ بِالمَالِ وَافْعَلْ بِهَذَا الشَّعْبِ مَا تَرَاهُ مُنَاسِبًا.» وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ، اسْتَدْعَى هَامَانُ كَتَبَةَ المَلِكِ. فَكَتَبُوا مَا أمَرَهُمْ بِهِ بِاسْمِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ وَخَتَمُوهُ بِخَاتَمِهِ. وَقَدْ أرسَلُوا هَذِهِ الكُتُبَ إلَى القَادَةِ وَإلَى حُكَّامِ البِلَادِ بِحَسَبِ أُسلُوبِ كِتَابَتِهِمْ، وَبِحَسَبِ لُغَةِ كُلِّ شَعْبٍ. وَحَمَلَ الرُّسُلُ هَذِهِ الأوَامِرَ المَكْتُوبَةَ إلَى كُلِّ بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. حَيْثُ تَقْضِي هَذِهِ الأوَامِرُ بِأنْ يَتِمَّ القَضَاءُ عَلَى جَمِيعِ اليَهْودِ، وَقَتلُهُمْ وَإبَادَتُهُمْ كِبَارًا وَصِغَارًا، نِسَاءً وَأطْفَالًا، وَأنْ يُؤخَذَ كُلُّ مَا لَهُمْ غَنِيمَةً. وَأنْ يَتِمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، هُوَ اليَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ – شَهْرِ آذَارَ. وَنُشِرَتْ نُسَخٌ مِنْ هَذَا القَرَارِ المَكْتُوبِ فِي كُلِّ البِلَادِ وَالمُقَاطَعَاتِ، وَأُعلِنَتْ لِكُلِّ الشُّعُوبِ وَذَلِكَ لِيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِذَلِكَ اليَوْمِ. وَبِأمرٍ مِنَ المَلِكِ، أسرَعَ الرُّسُلُ وَنَشَرُوا الأمْرَ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ، حَتَّى اضَّطَرَبَ سُكَّانُهَا. أمَا المَلِكُ وَهَامَانُ فَقَدْ جَلَسَا لِيَشْرَبَا الخَمْرَ. وَحِينَ عَلِمَ مُرْدَخَايُ بَكُلِّ مَا حَدَثَ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ، وَارتَدَى الخَيْشَ وَتَمَرَّغَ بِالرَّمَادِ، وَخَرَجَ إلَى وَسَطِ المَدِينَةِ وَنَاحَ بِمَرَارَةٍ. ثُمَّ جَاءَ وَوَقَفَ أمَامَ بَوَّابَةِ المَلِكِ، فَلَمْ يُسْمَحْ لَهُ بِالدُّخُولِ. فَقَدْ كَانَ مَحْظُورًا أنْ يَدْخُلَ أحَدٌ إلَى المَلِكِ وَهُوَ يَلبَسُ الخَيْشَ. وَحَزِنَ اليَهُودُ كَثِيرًا، وَصَامُوا وَبَكَوْا وَنَاحُوا وَلَبِسُوا الخَيْشَ وَتَمَرَّغُوا بِالرَّمَادِ فِي كُلِّ بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ وَمُقَاطَعَاتِهِ التِي سَمِعَتْ بِالقَرَارِ. وَأخْبَرَتِ الخَادِمَاتُ وَالخُدَّامُ أسْتِيرَ بِمَا حَدَثَ، فَاكتَأْبَتِ المَلِكَةُ وَاضْطَرَبَتْ. وَأرسَلَت لِمُرْدَخَايَ ثِيَابًا لِيَرْتَدِيَهَا بَدَلَ الخَيْشِ، وَلَكِنَّ مُرْدَخَايَ رَفَضَ ذَلِكَ. فَاسْتَدْعَتْ أسْتِيرُ هَتَاخَ، وَهُوَ أحَدُ خُدَّامِ المَلِكِ عُيِّنَ خَادِمًا لِأسْتِيرَ، وَأمَرَتْهُ أنْ يَعْرِفَ مِنْ مُرْدَخَايَ مَا الَّذِي جَعَلَهُ يَفْعَلُ هَذَا. فَخَرَجَ هَتَاخُ إلَى مُرْدَخَايَ فِي سَاحَةِ المَدِينَةِ المُقَابِلَةِ لِبَوَّابَةِ المَلِكِ. فَأخْبَرَهُ مُرْدَخَايُ بِكُلِّ مَا حَصَلَ مَعهُ، وَبِأمْرِ المَالِ الَّذِي سَيَدْفَعُهُ هَامَانُ لِخَزِينَةِ المَلِكِ لِيَقْتُلَ اليَهُودَ. وَأعْطَاهُ نُسْخَةً مِنَ القَرَارِ الَّذِي صَدَرَ فِي مَدِينَةِ شُوشَنَ بِخُصُوصِ قَتلِ اليَهُودِ، لِيُرِيَهِ لِأسْتِيرَ وَيَشْرَحَهُ لَهَا. وَأوصَى مُرْدَخَايُ أسْتِيرَ أنْ تَذْهَبَ إلَى المَلِكِ وَتَطْلُبَ مِنْهُ الرَّحمَةَ، وَأنْ تَتَوَسَّلَ إلَيْهِ مِنْ أجْلِ شَعْبِهَا. فَذَهَبَ هَتَاخُ وَأخبَرَ أسْتِيرَ بِمَا قَالَهُ مُرْدَخَايَ. فَأمَرَتْ أسْتِيرُ هَتَاخَ أنْ يَقُولَ لِمُرْدَخَايَ: «كُلُّ خُدَّامَ المَلِكِ وَكُلُّ النَّاسِ فِي بِلَادِهِ يَعْرِفُونَ أنَّ عُقُوبَةَ مَنْ يَدْخُلُ إلَى المَلِكِ فِي مَجلِسِهِ دَونَ دَعوَةٍ هِيَ المَوْتُ. لَكِنْ إنْ مَدَّ المَلِكُ صَولَجَانَهُ الذَهَبيَّ نَحْوَ الَّذِي يَدْخُلُ إلَيْهِ بِلَا دَعْوةٍ، يُعْفَى عَنْهُ فَلَا يُقْتَلُ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْعُنِي لِلدُّخُولِ إلَيْهِ مُنْذُ ثَلَاثِينَ يَومًا.» وَعِنْدَمَا سَمِعَ مُرْدَخَايُ جَوَابَ أسْتِيرَ، أرْسَلَ إلَيْهَا رِسَالَةً قَالَ فِيهَا: «لَا تَظُنِّي بأنَّكِ سَتَنْجِينَ مِنَ العِقَابِ لِأنَكِ تَعِيشِينَ فِي قَصرِ المَلِكِ. إنْ لَمْ تَفْعَلِي شَيْئًا الآنَ، فَإنَّ إنْقَاذَ اليَهُودِ وَنَجَاتَهُم سَتَأْتِي مِنْ مَكَانٍ آخَرَ. أمَّا أنْتِ وَعَائِلَتُكِ فسَتَمُوتُونَ. وَمَنْ يَعْلَمُ، فَرُبَّمَا أصبَحْتِ مَلِكَةً لِأجْلِ وَقْتٍ مِثْلِ هَذَا.» فَأرسَلَت أسْتِيرُ بِالرَّدِّ التَّالِي إلَى مُرْدَخَايَ: «اجمَعْ كُلَّ اليَهُودِ الَّذِينَ فِي شُوشَنَ، وَصُومُوا مِنْ أجْلِي ثَلَاثَةَ أيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ، وَسَأصُومُ أنَا وَجَوَارِيَّ أيْضًا، ثُمَّ سَأدخُلُ إلَى المَلِكِ، عَلَى الرُّغمِ مِنْ أنَّ هَذَا يُخَالِفُ أمرَهُ. فَإذَا مِتُّ، فَليَكُنْ!» فَذَهَبَ مُرْدَخَايُ وَفَعَلَ مَا أوْصَتْهُ بِهِ أسْتِيرُ. وَفِي اليَوْمِ الثَالِثِ، لَبِسَتْ أسْتِيرُ ثِيَابَهَا المَلَكِيَّةَ، وَوَقَفَتْ فِي سَاحَةِ القَصرِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَكَانَ المَلِكُ جَالِسًا عَلَى عَرشِهِ فِي المَسْكَنِ مُقَابِلَ سَاحَةِ القَصرِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَعِنْدَمَا رَأى المَلِكُ أسْتِيرَ وَاقِفَةً فِي المَسْكَنِ، نَالَتِ استِحْسَانَهُ، وَمَدَّ صَولَجَانَهُ الذَهَبِيَّ بِاتِجَاهِهَا، فَاقْتَرَبَتْ وَلَمَسَتِ الصَولَجَانَ. فَقَالَ المَلِكُ لِأسْتِيرَ: «مَا الَّذِي يُضَايِقُكِ أيَّتُهَا المَلِكَةُ أسْتِيرُ؟ وَمَا هُوَ طَلَبُكِ؟ فَحَتَّى لَوْ طَلَبتِ نِصفَ مَملَكَتِي فَسَأُعْطِيهِ لَكِ.» فَقَالَتْ أسْتِيرُ: «أرْجُو أنْ يَقْبَلَ المَلِكُ دَعْوَتِي بِأنْ يَأْتِيَ اليَوْمَ هُوَ وَهَامَانُ إلَى الوَلِيمَةِ التِي أعْدَدْتُهَا لِلمَلِكِ.» فَقَالَ المَلِكُ: «استَدْعُوا هَامَانَ بِسُرعَةٍ، لِكَي نَعْمَلَ مَا طَلَبَتْهُ أسْتِيرُ.» وَذَهَبَ المَلِكُ وَهَامَانُ إلَى الوَلِيمَةِ التِي أقَامَتْهَا أسْتِيرُ. وَأثْنَاءَ شُربِ الخَمْرِ، قَالَ المَلِكُ لِأسْتِيرَ: «كُلُّ مَا تَتَمَنِّينَهِ سَيُعطَى لَكِ، وَكُلُّ مَا تَطْلُبِينَهُ سَتَأْخُذِينَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ نِصفَ مَملَكَتِي.» فَأجَابَت أسْتِيرُ: «أتُرِيدُ أنْ تَعْرِفَ أُمنِيَتِي وَطِلبَتِي؟ إنْ نِلتُ اسْتِحسَانَ المَلِكِ، وَأرَادَ أنْ يُعْطِينِي طِلبَتِي، فَلِيَأْتِ هُوَ وَهَامَانُ إلَى الوَلِيمَةِ التِي سَأُعِدُّهَا لَهُمَا غَدًا. وَغَدًا سَأُخبِرُ المَلِكَ بِطِلبَتِي.» فَخَرَجَ هَامَانُ فَرِحًا مُبتَهِجَ القَلْبِ فِي ذلِكَ اليَوْمِ. وَلَكِّنَّهُ غَضِبَ جِدًّا عِنْدَمَا رَأى مُرْدَخَايَ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَلِكِ، لِأنَّ مُرْدَخَايَ لَمْ يَقِفِ احتِرَامًا لَهُ، وَلَمْ يُبْدِ خُوفًا مِنْهُ. فَتَمَالَكَ هَامَانُ نَفْسَهُ وَعَادَ إلَى بَيْتِهِ. ثُمَّ دَعَا أصدِقَاءَهُ وَزَوْجَتَهُ زَرَشَ. وَأخَذَ يَتَفَاخَرُ أمَامَهُمْ بِثَروَتِهِ، وَبِكَثرَةِ أبنَائِهِ، وَكَيْفَ أنَّ المَلِكَ رَقَّاهُ وَأعْطَاهُ مَركِزًا أعْلَى مِنْ كُلِّ رُؤَسَاءِ وَخُدَّامِ المَلِكِ. وَقَالَ هَامَانُ: «لَمْ تَدْعُ المَلِكَةُ أسْتِيرُ أحَدًا غَيرِي مَعَ المَلِكِ إلَى الوَلِيمَةِ التِي أعَدَّتْهَا، وَقَدْ دَعَتْنِي غَدًا أيْضًا مَعَ المَلِكِ. وَلَكِنَّ كُلَّ هَذَا لَا يَعْنِي لِي شَيْئًا وَأنَا أرَى مُرْدَخَايَ اليَهُودِيَّ جَالِسًا أمَامَ بَوَّابَةِ المَلِكِ.» فَقَالَ لَهُ أصدِقَاؤُهُ وَزَوْجَتُهُ زَرَشُ: «جَهِّزْ عَمُودًا خَشَبِيًّا ارتِفَاعُهُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا. وَفِي الصَّبَاحِ، اطلُبْ مِنَ المَلِكِ أنْ يُعَلَّقَ مُرْدَخَايَ عَلَيْهِ. ثُمَّ اذْهَبْ إلَى الوَلِيمَةِ وَابْتَهِجْ مَعَ المَلِكِ.» فَأُعجِبَ هَامَانُ بِالفِكرَةِ، وَصَنَعَ العَمُودَ الخَشَبِيِّ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ المَلِكُ أنْ يَنَامَ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ، فَطَلَبَ مِنْ خُدَّامِهِ أنْ يُحضِرُوا لَهُ السِّجِلَّ الرَّسمِيَّ لِتَارِيخِ المملَكَةِ. وَعِنْدَمَا قُرِئَ السِّجِلُّ أمَامَ المَلِكِ، اكتَشَفَ أنَّ مُرْدَخَايَ هُوَ الَّذِي كَشَفَ أمْرَ بَغْثَانَا وَتَرَشَ خَادِمَي المَلِكِ وَحَارِسَي بَوَّابَةِ المَلِكِ اللَّذَيْنِ تَآمَرَا عَلَى اغتِيَالِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. فَقَالَ المَلِكُ: «بِمَاذَا أكْرَمْنَا مُرْدَخَايَ وَكَافأنَاهُ لِعَمَلِهِ هَذَا؟» فَأجَابَهُ الخُدَّامُ: «لَمْ نَفعَلَ لَهُ أيُّ شَئٍ!» فَقَالَ المَلِكُ: «مَنْ هَذَا الَّذِي فِي سَاحَةِ القَصْرِ؟» وَكَانَ هَامَانُ قَدْ دَخَلَ لِتَوِّهِ لِيَطْلُبَ مِنَ المَلِكِ أنْ يُعَلِّقَ مُرْدَخَايَ عَلَى العَمُودِ الخَشَبِيِّ الَّذِي جَهَّزَهُ لَهُ. فَقَالَ الرِّجَالُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ المَلِكَ: «هَذَا هَامَانُ فِي سَاحَةِ القَصرِ.» فَقَالَ المَلِكُ: «أدْخِلُوهُ.» فَدَخَلَ هَامَانُ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: «مَاذَا يُصْنَعُ لِمَنْ يُرِيدُ المَلِكُ أنْ يَكْرِمَهُ؟» فَقَالَ هَامَانُ فِي نَفْسِهِ: «لَا أحَدَ يَسْتَحِقُّ أنْ يُكْرِمَهُ المَلِكُ سِوَايَ!» وَقَالَ هَامَانُ لِلمَلِكِ: «سَأُخْبِرُكَ مَا يُصْنَعُ لِمَنْ يُرِيدُ المَلِكُ أنْ يَكْرِمَهُ. يُعْطَى ثِيَابًا مَلَكِيَّةً مِنَ الَّتِي كَانَ يَرْتَدِيهَا المَلِكُ، وَحِصَانًا كَانَ المَلِكُ قَدْ رَكِبَ عَلَيْهِ، وَيوضَعُ تَاجٌ عَلَى رَأسِهِ. تُوضَعْ هَذِهِ الثِّيَابُ وَالحِصَانُ فِي عُهدَةِ وَاحِدٍ مِنْ أنبَلِ الرُؤَسَاءِ عِنْدَ المَلِكِ. ثُمَّ يُلْبِسُ الرُّؤَسَاءُ الرَّجُلَ الَّذِي يُرِيدُ المَلِكُ أنْ يُكرِمَهُ، وَيُركِبُونَهُ عَلَى الحِصَانِ لِيَتَجَوَّلَ فِي سَاحَاتِ المَدِينَةِ، بَيْنَمَا هُمْ يَهْتِفُونَ: ‹هَذَا مَا يَنَالُهُ مَنْ يُرِيدُ المَلِكُ أنْ يُكرِمَهُ.›» فَقَالَ المَلِكُ لِهَامَانَ: «إذَنْ أسرِعْ وَخُذِ الثِّيَابَ وَالحِصَانَ كَمَا قُلْتَ، وَافْعَلْ هَذَا لِمُرْدَخَايَ اليَهُودَيِّ، الَّذِي يَجْلِسُ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَلِكِ. وَلَا تَنْسَ شَيْئًا مِنَ الأشْيَاءِ التِي قُلْتَهَا.» فَأخَذَ هَامَانُ الثِّيَابَ وَألبَسَهَا لِمُرْدَخَايَ، وَأركَبَهُ عَلَى الحِصَانِ وَتَجَوَّلَ بِهِ فِي كُلِّ المَدِينَةِ. وَأعلَنَ هَامَانُ: «هَذَا مَا يَنَالُهُ مَنْ يُرِيدُ المَلِكُ أنْ يُكرِمَهُ.» ثُمَّ عَادَ مُرْدَخَايُ إلَى بَوَّابَةِ المَلِكِ. أمَّا هَامَانُ فَقَدْ عَادَ مُسرِعًا إلَى بَيْتِهِ وَهُوَ يَشْعُرُ بِاليَأْسِ وَالخِزيِ. وَأخْبَرَ زَوْجَتَهُ زَرَشَ وَأصدِقَاءَهُ بِكُلِّ مَا حَدَثَ. فَقَالَ لَهُ مُسْتَشَارُوهُ وَزَوْجَتُهُ: «إذَا كَانَ مُرْدَخَايُ الَّذِي بَدَأتَ تَنْهَزِمُ أمَامَهُ يَهُودِيًّا بِالفِعْلِ، فَإنَّكَ لَنْ تَنْتَصِرَ عَلَيْهِ، بَلْ سَتُهزَمُ أمَامَهُ بِالتَأْكِيدِ.» وَبَيْنَمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ وَصَلَ خُدَّامُ المَلِكِ، وَاصطَحَبُوا هَامَانَ إلَى الوَلِيمَةِ التِي أعَدَّتهَا أسْتِيرُ. فَذَهَبَ المَلِكُ وَهَامَانُ إلَى الوَلِيمَةِ التِي أعَدَّتهَا المَلِكَةُ أسْتِيرُ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، سَألَ المَلِكُ أسْتِيرَ ثَانِيَةً كَمَا فَعَلَ فِي اليَوْمِ الأوَّلِ لِلوَلِيمَةِ: «مَا هِيَ أُمنِيَتُكِ أيَّتُهَا المَلِكَةُ أسْتِيرُ؟ فَسَأُعْطِيهَا لَكِ، وَمَا هِيَ طِلبَتُكِ؟ حَتَّى لَوْ طَلَبتِ نِصْفَ مَملَكَتِي فَسَأُعْطِيكِ مَا تَطْلُبِينَ.» فَأجَابَتِ المَلِكَةُ أسْتِيرُ: «إنْ رَضِيتَ أيُّهَا المَلِكُ وَاستَحْسَنتَ الأمْرَ، فَإنَّ أُمنِيَتِي أنْ تَتْرُكَنِي أعِيشُ، وَطِلبَتِي أنْ تَتْرُكَ شَعْبِي يَعِيشُ. لَقَد تَمَّ بَيعِي أنَا وَشَعْبِي لِكَي نَهلِكَ وَنُقتَلَ وَنُبَادَ. وَلَوْ تَمَّ بَيعُنَا رِجَالًا وَنِسَاءً كَعَبِيدٍ لَمَا قُلْتُ شَيْئًا، فَمِثْلُ هَذَا الضَرَرِ لَا يَسْتَحِقُّ إزعَاجَ المَلِكِ.» فَقَالَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشَ لِلمَلِكَةِ أسْتِيرَ: «مَنْ هَذَا الَّذِي يُفَكِّرُ بِعَمَلِ شَيءٍ كَهَذَا؟ وَأينَ هُوَ؟» أجَابَتْ أسْتِيرُ: «هَذَا العَدُّوُّ الشِرِّيرُ هُوَ هَامَانُ.» فَارْتَعَدَ هَامَانُ أمَامَ المَلِكِ وَالمَلِكَةِ. فَقَامَ المَلِكُ غَاضِبًا وَخَرَجَ إلَى الحَدِيقَةِ تَارِكًا شَرَابَهُ. فَوَقَفَ هَامَانُ يَتَوَسَّلُ إلَى المَلِكَةِ أسْتِيرَ لِكَي تُنْقِذَ حَيَاتَهُ، لِأنَّهُ عَرَفَ أنَّ المَلِكَ سَيُعَاقِبُهُ. وَإذْ رَجِعَ المَلِكُ مِنَ الحَدِيقَةِ إلَى قَاعَةِ الوَلِيمَةِ، وَجَدَ هَامَانَ مُنْطَرِحًا عَلَى الأَرِيكَةِ الَّتِي تَتَكِئُ عَلَيْهَا أسْتِيرُ. فَقَالَ المَلِكُ بِغَضَبٍ: «أيُهَاجِمُ المَلِكَةَ فِي حَضْرَتِي وَفِي بَيْتِي؟» وَقَبْلَ أنْ يُكْمِلَ المَلِكُ جُملَتَهُ، تَمَّ قَتلُ هَامَانَ. فَقَالَ أحَدُ خُدَّامِ المَلِكِ وَاسْمُهُ حَرْبُونَا: «أعَدَّ هَامَانُ عَمُودًا خَشَبِيًّا ارتِفَاعُهُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا لِمُرْدَخَايَ – الَّذِي نَبَّهَ المَلِكَ وَأنقَذَهُ. وَمَا يَزَالُ ذَلِكَ العَمُودُ مَكَانَهُ فِي بَيْتِ هَامَانَ.» فَقَالَ المَلِكُ: «عَلِّقُوا هَامَانَ عَلَيْهِ.» فَعَلَّقُوا هَامَانَ عَلَى العَمُودِ الخَشَبِيِّ الَّذِي أعَدَّهُ لِمُرْدَخَايَ. وَهَكَذَا هَدَأ غَضَبُ المَلِكِ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، سَلَّمَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشُ لِلمَلِكَةِ أسْتِيرَ كُلَّ مُمْتَلَكَاتِ عَدُوِّ اليَهُودِ هَامَانُ. أمَّا مُرْدَخَايُ فَقَدْ جَاءَ لِيُقَابِلَ المَلِكَ، بَعْدَ أنْ أخْبَرَتْ أسْتِيرُ المَلِكَ عَنْ صِلَةِ قَرَابَتِهَا بِهِ. فَنَزَعَ المَلِكُ خَاتَمَهُ الَّذِي استَرَدَّهُ مِنْ هَامَانَ وَأعْطَاهُ لِمُرْدَخَايَ. أمَّا أسْتِيرُ فَقَدْ أوْكَلَتْ لِمُرْدَخَايَ مَهَمَّةَ الإشْرَافِ عَلَى مُمتَلَكَاتِ هَامَانَ. ثُمَّ تَكَلَّمَتْ أسْتِيرُ مَرَّةً أُخْرَى مَعَ المَلِكِ، وَسَجَدَتْ أمَامَهُ، وَبَكَتْ وَطَلَبَتْ وَقْفَ شَرِّ هَامَانَ الأجَاجِيِّ، وَمُؤَامَرَتِهِ ضِدَّ اليَهُودِ. فَمَدَّ المَلِكُ صَولَجَانَهُ الذَهَبِيِّ نَحْوَ أسْتِيرَ. فَوَقَفَتْ أستِيرُ أمَامَ المَلِكِ وَقَالَتْ: «إنْ شَاءَ المَلِكُ وَرَضِيَ عَنِّي، وَاستَحْسَنَ رَأيِي وَوَافَقَ عَلَيْهِ، فَلْيُصْدِرْ أمْرًا يُلغِي فِيهِ أمرَ هَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا الأجَاجِيَّ الَّذِي أصدَرَهُ لِيَقْضِيَ عَلَى اليَهُودِ فِي كُلِّ مُقَاطَعَاتِ المَلِكِ. لِأنَّهُ كَيْفَ أسْتَطِيعُ رؤْيَةَ شَعْبِي يَتألّمُ، وَكَيْفَ أسْتَطِيعُ احتِمَالَ رُؤْيَةِ أفرَادَ عَائِلَتِي يَمُوتُونَ؟» فَقَالَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشَ لِلمَلِكَةِ أسْتِيرَ وَلِمُرْدَخَايَ اليَهُودِيِّ: «قَدْ سَلَّمْتُ لِأسْتِيرَ كُلَّ مُمتَلَكَاتِ هَامَانَ، لِأنَّهُ تآمَرَ لِقَتلِ اليَهُودِ. وَهَا هُوَ قَدْ عُلِّقَ عَلَى العَمُودِ الخَشَبِيِّ. فَاكتُبَا بِاسْمِ اليَهُودِ مَا تَرَيَانِهِ مُنَاسِبًا لَهُمْ، وَاختِمَاهُ بِخَاتَمِ المَلِكِ، لِأنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلغَاءُ أمْرٍ يُصدَرُ بِأمْرِ المَلِكِ وَيُختَمُ بِخَاتَمِهِ.» وَفِي اليَوْمِ الثَالِثِ وِالعِشرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ – شَهْرِ سِيوَانَ – استَدْعَى مُرْدَخَايُ كُتَّابَ المَلِكِ، فَكَتَبُوا مَا أمَرَهُمْ بِهِ مُرْدَخَايُ تَمَامًا إلَى كُلِّ اليَهُودِ وَالحُكَّامِ وَرؤَسَاءِ البِلَادِ. وَعَدَدُ تِلْكَ البِلَادِ مِئةٌ وَسَبْعَةٌ وَعِشرُونَ إقْلِيمًا وَبَلَدًا، تَمْتَدُّ مِنَ الهِنْدِ حَتَّى الحَبَشَةِ. وَقَدْ كَتَبُوا إلَى كُلِّ إقْلِيمٍ وَبَلَدٍ بِحَسَبِ أُسلُوبِ كِتَابَتِهِ، وَإلَى كُلِّ شَعْبٍ بِحَسَبِ لُغَتِهِ، وَإلَى اليَهُودِ بِحَسَبِ أُسلُوبِ كِتَابَتِهِمْ وَبِحَسَبِ لُغَتِهِمْ. وَكَتَبَ مُرْدَخَايُ كُلَّ الأوَامِرِ بِاسْمِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ وَخَتَمَهَا بِخَاتَمِهِ. ثُمَّ أرْسَلَهَا مَعَ الرُّسُلِ عَلَى ظَهْرِ الخُيُولِ المَلَكِيَّةِ السَّرِيعَةِ. وَتَضَمَّنَتِ الرَسَائِلُ إذْنًا مِنَ المَلِكِ لِليَهُودِ فِي كُلِّ المُدُنِ بِأنْ يَتَوَحَّدُوا لِيُدَافِعُوا عَنْ أرْوَاحِهِمْ. وَأنْ يَقْضُوا عَلَى أيَّةِ قُوَّةٍ مُسَلَّحَةٍ لِأيِّ شَعْبٍ أوْ بَلَدٍ يُهَاجِمُهُمْ أوْ يُهَاجِمُ أوْلَادَهُمْ وَزَوْجَاتِهُمْ، فَيُدَمِّرُوهَا وَيُبيدُوهَا وَيَسْلِبُوا غَنَائِمَهَا. وَكَانَ يَنْبَغِي عَمَلُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ فِي كُلِّ بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ – شَهرِ آذَارَ. وَنُشِرَتْ نُسَخٌ مِنْ هَذَا الأمْرِ فِي كُلِّ البِلَادِ. وَأُعلِنَ ذَلِكَ لِكُلِّ النَّاسِ حَتَّى يَسْتَعِدَّ اليَهُودُ لِليَوْمِ الَّذِي سَيَنْتَقِمُونَ فِيهِ مِنْ أعْدَائِهِمْ. وَبِأمرٍ مِنَ المَلِكِ، أسرَعَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الرَّسَائِلَ عَلَى الخُيُولِ المَلَكِيَّةِ. وَأُعلِنَ الأمْرُ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ أيْضًا. وَخَرَجَ مُرْدَخَايُ مِنْ عِنْدِ المَلِكِ بِثِيَابٍ مَلَكِيَّةٍ بَيْضَاءَ وَأُرجُوانِيَّةٍ. وَعَلَى رَأسِهِ تَاجٌ ذَهَبِيٌّ كَبِيرٌ، وَيَرْتَدِي رِدَاءً مِنَ الكِتَّانِ الأُرجُوانِيِّ. وَعَمَّتِ الفَرحَةُ مَدِينَةَ شُوشَنَ. أمَّا اليَهُودُ فَكَانُوا مُبتَهِجَينَ وَفَرِحِينَ وَسُعَدَاءَ وَفَخُورِينَ. وَأُقِيمَتِ الوَلَائِمُ وَالأفرَاحُ فِي كُلِّ الأمَاكِنِ وَالبِلَادِ وَالمُدُنِ التِي سَمِعَتْ بِأمْرِ المَلِكِ. وَكَثِيرُونَ مِنَ السَّاكِنِينَ فِي تِلْكَ الأرْضِ تَظَاهَرُوا بِأنَّهُمْ يَهُودٌ لِخَوفِهِمْ مِنْهُمْ. وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ – شَهرِ آذَارَ – يَوْمَ تَنْفِيذِ مَرسُومِ المَلِكِ، وَيَوْمَ تَمَنّى أعْدَاءُ اليَهُودِ أنْ يَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ، تَغَيَّرَ الحَالُ وَتَسَلَّطَ اليَهُودَ عَلَى أعْدَائِهِمْ! فَقَدِ احتَشَدَ اليَهُودُ فِي مُدُنِهِمْ، فِي كُلِّ بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ وَأقَالِيمِهِ لِيُهَاجِمُوا أعْدَاءَهُمْ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يَصْمُدَ أمَامَهُمْ، لِأنَّ الجَمِيعَ صَارُوا يَخَافُونَ مِنْهُمْ. وَدَعَمَهُمْ كُلُّ رُؤَسَاءِ البِلَادِ وَالوُلَاةِ وَالحُكَّامِ وَوُكَلَاءِ المَلِكِ، لِأنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ مُرْدَخَايَ. فَقَدْ صَارَ رَجُلًا مُهِمًّا فِي قَصْرِ المَلِكِ، وَاشْتَهَرَ فِي كُلِّ البِلَادِ. وَكَانَتْ هَيبَتُهُ وَعَظَمَتُهُ تَتَزَايَدَانِ يُومًا بَعْدَ يَوْمٍ. وَهَاجَمَ اليَهُودُ أعْدَاءَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَقَتَلُوهُمْ وَأهْلَكُوهُمْ وَفَعَلُوا بِهِمْ كُلَّ مَا يُرِيدُونَهُ. وَقَتَلُوا خَمْسَ مِئَةِ رَجُلٍ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ وَحدَهَا. كَمَا قَتَلُوا فَرْشَنْدَاثَا وَدَلْفُونَ وَأسْفَاثَا وَفُوَرَاثَا وَأدَلْيَا وَأرِيدَاثَا وَفَرْمَشْتَا وَأرِيسَايَ وَأرِيدَايَ وَيِزَاثَا، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْلِبُوا أيَّةَ غَنَائِمَ. وَهَؤلَاءِ العَشْرَةُ الَّذِينَ قُتِلُوا كَانُوا أبْنَاءَ عَدُوِّ اليَهُودِ هَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا. وَأبلَغَ الخُدَّامُ المَلِكَ، فِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَفْسِهِ، بِعَدَدِ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ. فَقَالَ المَلِكُ لِلمَلِكَةِ أسْتِيرَ: «لَقَدْ قَتَلَ اليَهُودُ خَمْسَ مِئَةِ رَجُلٍ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ وَحْدَهَا، كَمَا قَتَلُوا أبْنَاءَ هَامَانَ العَشْرَةَ، فَكَمْ سَيَكُونُ عَدَدُ القَتلَى فِي البِلَادِ الأُخْرَى؟ وَالْآنَ مَاذَا تَتَمَنِينَ فَأفْعَلَهُ لَكِ؟ وَمَاذَا تَطْلُبِينَ فَأُعْطِيكِ؟» فَقَالَتْ أسْتِيرُ: «إنِ اسْتَحْسَنَ المَلِكُ رَأيِي، فَلْيَسْمَحْ لِليَهُودِ فِي بَلْدَةِ شُوشَنَ بأِنْ يَفْعَلُوا غَدًا كَمَا فَعَلُوا اليَوْمَ. وَأنْ يُعَلَّقَ أبْنَاءُ هُامَانَ عَلَى أعْمِدَةٍ خَشَبِيَّةٍ.» فَأمَرَ المَلِكُ أنْ تُنَفَّذَ طِلبَةُ أسْتِيرَ. وَأُعلِنَ الأمْرُ فِي مَدِينَةِ شُوشَنَ، فَعُلِّقَ أبْنَاءُ هَامَانَ عَلَى أعمِدَةٍ خَشَبِيَّةٍ. وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ آذَارَ، اجتَمَعَ اليَهُودُ الَّذِينَ فِي بَلْدَةِ شُوشَنَ مَرَّةً أُخْرَى، وَقَتَلُوا هُنَاكَ ثَلَاثَ مِئَةِ رَجُلٍ، مِنْ دُونِ أنْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنَ الغَنِيمَةِ. وَكَانَ بَقِيَّةُ اليَهُودِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي بِلَادِ المَلِكِ قَدِ اجتَمَعُوا فِي اليَوْمِ السَّابِقِ لِيُدَافِعُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ وَيَتَخَلَّصُوا مِنْ أعْدَائِهِمْ. فَقَتَلُوا خَمْسةً وَسَبعِينَ ألْفَ رَجُلٍ مِنْ أعْدَائِهِمْ، وَلَمْ يَسْلِبُوا مِنْهُمْ غَنِيمَةً. حَدَثَ هَذَا فِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَاستَرَاحُوا فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ، وَجَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ يَوْمَ فَرَحٍ وَاحتِفَالٍ وَوَلَائِمَ. أمَّا اليَهُودُ الَّذِينَ فِي بَلْدَةِ شُوشَنَ فَقَدْ اجتَمَعُوا لِيُدَافِعُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ فِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ، ثُمَّ استَرَاحُوا فِي اليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ. وَجَعَلُوا مِنْ هَذَا اليَوْمِ عِيدًا. لِذَلِكَ يَحْتَفِلُ اليَهُودُ فِي الرِّيفِ وَفِي القُرَى الصَّغِيرَةِ فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهرِ آذَارَ، وَيَتَبَادَلُونَ الطّعَامَ وَالهَدَايَا. وَكَانَ مُرْدَخَايُ يُسَجِّلُ هَذِهِ الأحْدَاثَ، وَيُرسِلُ بِالرَّسَائِلِ إلَى اليَهُودِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي بِلَادِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ القَرِيبَةِ وَالبَعِيدَةِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُمْ فِي رَسَائِلِهِ أنْ يَحْتَفِلُوا سَنَوِيًّا فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ وَاليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ آذَارَ. وَهُمَا اليَومَانِ اللَّذَانِ تَخَلَّصَ فِيهِمَا اليَهُودُ مِنْ أعْدَائِهِمْ. فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، تَحَوَّلَ النُّواحُ إلَى احتِفَالٍ، وَالحُزْنُ إلَى عِيدٍ. فَجَعَلُوهُمَا يَوْمَيَّ عِيدٍ وَاحتِفَالٍ، فِيهِمَا يَتَبَادَلُونَ الطَّعَامَ، وَيُعطُونَ هَدَايَا لِلفُقَرَاءِ. وَالتَزَمَ اليَهودُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِمَا كَتَبَهُ إلَيْهِمْ مُرْدَخَايُ. وَذَلِكَ لِأنَّ عَدُوَّ اليَهُودِ هَامَانَ بنَ هَمَدَاثَا الأجَاجِيَّ تَآمَرَ لِيَقْتُلَ اليَهُودَ، وَألقَى قُرَعًا لِيُفنِيَهُمْ. لَكِنْ لَمَّا دَخَلَتْ أسْتِيرُ إلَى المَلِكِ، وَأخبَرَتْهُ بِذَلِكَ، أصدَرَ أمْرًا خَطِّيًا بِأنْ يَرتدَّ شَرُّ هَامَانَ ضِدَّ اليَهُودِ عَلَى رَأسِهِ، وَبِأنْ يُعَلَّقَ أبنَاؤهُ عَلَى أعمِدَةٍ خَشَبِيَّةٍ كَمَا عُلِّقَ هُوَ. لِذَلِكَ يُسَمِّي اليَهُودُ هَذَينِ اليَوْمَينِ بِالفُورِيمِ نِسبَةً إلَى كَلِمَةِ «فُورَ» التِي تَعْنِي «قُرعَة.» وَبِسَبَبِ رِسَالَةِ مُرْدَخَايَ، وَبِسَبَبِ مَا وَاجَهَهُ اليَهُودُ، وَمَا مَرُّوا بِهِ. فَقَدْ أوجَبُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ وَعَلَى أوْلَادِهِمْ وَعَلَى كُلِّ أقَارِبِهِمْ بِأنْ يَحْتَفِلُوا بِهَذَينِ اليَوْمَينِ فِي مَوعِدِهِمَا كُلِّ سَنَةٍ، تَمَامًا كَمَا كَتَبَ إلَيْهِمْ مُرْدَخَايُ. وَهَكَذَا تَمَّ إحْيَاءُ ذِكرَى هَذِينِ اليَوْمَينِ مِنْ جِيلٍ إلَى جِيلٍ فِي كُلِّ عَائِلَةٍ، وَفِي كُلِّ بَلدَةٍ وَمَدِينَةٍ. وَلَمْ يَنْسَ أحَدٌ مِنَ اليَهُودِ أنْ يَحْتَفِلَ بِهَذَينِ اليَوْمَينِ عَلَى الدَّوَامِ، كَمَا التَزَمَ نَسْلُ أُولَئِكَ اليَهُودِ بِإحيَاءِ هَذِهِ الذِكرَى. ثُمَّ كَتَبَتِ المَلِكَةُ أسْتِيرُ بِنْتُ أبيحَايِلَ، وَمُرْدَخَايُ اليَهُودِيُّ رِسَالَةً ثَانِيَةً بِخُصُوصِ عِيدِ الفُورِيم. وَأرْسَلَ مُرْدَخَايَ رسَائِلَ يَتَمَنَّى فِيهَا السَّلَامَ وَالِاستِقرَارَ لِكُلِّ اليَهُودِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي مِئَةٍ وَسَبعةٍ وَعِشرِينَ إقْلِيمًا تَابِعًا لِمَمْلَكَةِ أحَشْوِيرُوشَ. وَأكَدَّتِ الرِّسَائِلُ عَلَى أهَمِيَّةِ الِاحتِفَالِ بِالفُورِيمِ فِي مَوعِدِهِ المُحَدَّدِ الذَي عَيَّنَهُ مُرْدَخَايُ اليَهُودِيُّ وَالمَلِكَةُ أسْتِيرُ لِليَهُودِ. كَمَا أوجَبَ مُرْدَخَايُ وَأستِيرُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى نَفسَيهِمَا وَعَلَى نَسْلِهِمُ الصِّيَامَ وَالبُكَاءَ فِي ذِكرَى الأمْرِ بِقَتلِ اليَهُودِ. فَأكَّدَتْ رِسَالَةُ أسْتِيرَ عَلَى أهَمِيَّةِ إحيَاءِ ذِكرَى الفُورِيمِ. وَدُوِّنَ ذَلِكَ فِي وَثِيقَةٍ رَسمِيَّةٍ. ثُمَّ فَرَضَ المَلِكُ أحَشْوِيرُوشُ الضَرَائِبَ عَلَى الشَّعْبِ وَالمُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ. أمَّا قِصَّةَ قُوَّةِ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ وَعَظَمَتَهِ، وَكَيْفَ رَقَّى مُرْدَخَايَ، فَإنّهَا مُدَوَّنَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ مُلُوكِ مَادِي وَفَارِسَ. وَأصبَحَ مُرْدَخَايُ اليَهُودِيُّ فِي المَرتَبَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ المَلِكِ أحَشْوِيرُوشَ. وَعَظُمَ شأنُهُ عِنْدَ اليَهُودِ. نَالَ رِضَى غَالِبِيَّةِ إخْوَتِهِ اليَهُودِ، لِأنَّهُ كَانَ يَسْعَى إلَى خَيرِ شَعْبِهِ، وَيَصْنَعُ السَّلَامَ لِجَمِيعِ اليَهُودِ. كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ فِي بِلَادِ عُوصٍ اسْمُهُ أيُّوبُ. وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ نَزِيهًا وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَبْتَعِدُ عَنِ الشَرِّ. وَقَدْ وُلِدَ لَهُ سَبعَةُ أبْنَاءَ وَثَلَاثُ بَنَاتٍ. وَكَانَ يَمْتَلِكُ سَبْعَةَ آلَافِ خَرُوفٍ وَمَاعِزٍ، وَثَلَاثَةَ آلَافِ جَمَلٍ، وَخَمْسَ مِئَةِ زَوْجٍ مِنَ الثِّيرَانِ، وَخَمْسَ مِئَةِ حِمَارٍ، وَخُدَّامًا كَثِيرِينَ، فَكَانَ أغنَى سُكَّانِ المَشرِقِ. وَكُلَّ يَوْمٍ، كَانَ يَأتِي دَورُ أحَدِ أبْنَائِهِ لِيُقِيمَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِهِ، وَيَدْعُو أخَوَاتِهِ الثَّلَاثَ لِيَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ. وَعِنْدَ انتِهَاءِ كُلِّ وَلِيمَةٍ، كَانَ أيُّوبُ يُكَرِّسُهُمْ. فَكَانَ يَنْهَضُ بَاكِرًا فِي الصَّبَاحِ وَيُقَدِّمُ ذَبَائِحَ بِعَدَدِ أبنَائِهِ وَبَنَاتِهِ. لِأنَّ أيُّوبَ كَانَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: «رُبَّمَا أخطَأ أبنَائِي فَلَعَنُوا اللهَ فِي قُلُوبِهِمْ.» وَمَارَسَ أيُّوبُ هَذَا الأمْرَ دَائِمًا. وَذَاتَ يَوْمٍ دَخَلَتِ المَلَائِكَةُ لِتَقِفَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ أيْضًا بَيْنَهُمْ. فَقَالَ اللهُ لِلشَّيطَانِ: «مِنْ أيْنَ جِئتَ؟» فَأجَابَ الشَّيْطَانُ اللهَ : «مِنَ التَّجَوُّلِ هُنَا وَهُنَاكَ فِي الأرْضِ وَالتَّمَشِّي فِيهَا.» فَسَألَ اللهُ الشَّيطَانَ: «هَلْ لَاحَظتَ أنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الأرْضِ مَثِيلٌ لِعَبدِي أيُّوبَ فِي نَزَاهَتِهِ وَاستِقَامَتِهِ وَتَقوَاهُ وَخَوْفِهِ اللهَ وَابتِعَادِهِ عَنِ الشَّرِّ؟» فَأجَابَ الشَّيْطَانُ اللهَ : «وَهَلْ يَخَافُ أيُّوبُ اللهَ بِلَا مُقَابِلٍ؟ ألَمْ تُسَيِّجْ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ؟ لَقَدْ جَعَلْتَهُ نَاجِحًا وَوَسَّعتَ مُمتَلَكَاتِهِ فِي الأرْضِ كَثِيرًا. لَكِنْ لَوْ مَدَدْتَ يَدَكَ وَأفْسَدْتَ كُلَّ مَا لَهُ، فَسَيَلْعَنُكَ فِي وَجْهِكَ!» فَقَالَ اللهُ لِلشَّيطَانِ: «افْعَلْ مَا شِئتَ بِأيِّ شَيءٍ يَمْلِكُهُ، لَكِنْ لَا تُؤذِ جَسَدَهُ.» فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ اللهِ . وَذَاتَ يَوْمٍ كَانَ أبْنَاءُ أيُّوبَ وَبَنَاتُهُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ النَّبِيذَ فِي بَيْتِ ابنِهِ البِكرِ. فَجَاءَ إلَى أيُّوبَ رَسُولٌ يَقُولُ لَهُ: «كُنَّا نَحرُثُ الأرْضَ بِالثِّيرَانِ، وَكَانَتِ الحَمِيرُ تَرْعَى إلَى جَانِبِهَا. فَهَجَمَ عَلَيْهَا بَعْضُ السَّبَئيِّينَ وَسَلَبُوهَا. وَقَتَلُوا بِسُيُوفِهِمُ الحُرَّاسَ. وَقَدْ هَرَبتُ وَحْدِي لِأنقُلَ إلَيْكَ الخَبَرَ.» وَبَيْنَمَا كَانَ ذَلِكَ الرَّسُولُ يَتَكَلَّمُ، وَصَلَ رَسُولٌ آخَرُ يَقُولُ: «نَزَلَتْ صَاعِقَةٌ مِنَ السَّمَاءِ وَالتَهَمَتِ الخِرَافَ وَالمَاعِزَ وَالحُرَّاسَ. وَقَدْ هَرَبْتُ وَحْدِي لِأنقُلَ إلَيْكَ الخَبَرَ.» وَبَيْنَمَا كَانَ ذَلِكَ الرَّسُولُ يَتَكَلَّمُ، وَصَلَ رَسُولٌ آخَرُ يَقُولُ: «هَجَمَ بَعْضُ الكَلدَانِيِّينَ فِي ثَلَاثِ فِرَقٍ عَلَى الجِمَالِ وَأخَذُوهَا، وَقَتَلُوا بِسُيُوفِهِمُ الحُرَّاسَ. وَقَدْ هَرَبْتُ وَحْدِي لِأنقُلَ إلَيْكَ الخَبَرَ.» وَبَيْنَمَا كَانَ ذَلِكَ الرَّسُولُ يَتَكَلَّمُ، وَصَلَ رَسُولٌ آخَرُ يَقُولُ: «كَانَ أبنَاؤُكَ وَبَنَاتُكَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ النَّبِيذَ فِي بَيْتِ أخِيهِمُ الأكبَرِ، بِكْرِكَ، فَهَبَّتْ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ عَبْرَ الصَّحرَاءِ وَضَرَبَتِ البَيْتَ كُلَّهُ، فَانْهَارَ عَلَى أبنَائِكَ وَبَنَاتِكَ فَمَاتُوا جَمِيعًا، وَقَدْ هَرَبتُ وَحْدِي لِأنقُلَ إلَيْكَ الخَبَرَ.» فَنَهَضَ أيُّوبُ وَشَقَّ ثَوبَهُ حُزْنًا. ثُمَّ حَلَقَ رَأسَهُ وَارتَمَى عَلَى الأرْضِ وَسَجَدَ مِرَارًا. وَقَالَ: «عُرْيَانًا خَرَجتُ مِنْ بَطنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا سَأعُودُ. اللهُ أعْطَى، وَاللهُ أخَذَ. فَلِيَتَبَارَكِ اسْمُ اللهِ .» فَلَمْ يَرْتَكِبْ أيُّوبُ إثمًا فِي كُلِّ هَذَا، وَلَمْ يَتَّهِمِ اللهَ بِالظُّلْمِ! وَجَاءَتِ المَلَائِكَةُ ذَاتَ يَوْمٍ لِكَي يَقِفُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ لِيَقِفَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . فَقَالَ اللهُ لِلشَّيطَانِ: «مِنْ أيْنَ جِئتَ؟» فَأجَابَ الشَّيْطَانُ اللهَ : «مِنَ التَّجَوُّلِ فِي الأرْضِ وَالتَّمَشِّي فِيهَا.» فَقَالَ اللهُ لِلشَّيطَانِ: «هَلْ لَاحَظتَ أنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الأرْضِ مَثِيلٌ لِعَبدِي أيُّوبَ فِي نَزَاهَتِهِ وَاستِقَامَتِهِ وَتَقوَاهُ وَابتِعَادِهِ عَنِ الشَّرِّ؟ وَهُوَ مَا يَزَالُ مُتَمَسِّكًا بِنَزَاهَتِهِ مَعَ أنَّكَ حَاوَلتَ أنْ تَدْفَعَنِي لِأُدَمِّرَهُ بِلَا دَاعٍ.» فَأجَابَ الشَّيْطَانُ اللهَ : «وَاحِدَةً بِوَاحِدَةٍ! فَالإنْسَانُ مُسْتَعِدٌّ أنْ يُعْطِيَ كُلَّ مَا يَمْلِكُ لِإنقَاذِ حَيَاتِهِ. فَإنْ مَدَدْتَ يَدَكَ لِتُؤذِي عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَسَيَلْعَنُكَ فِي وَجْهِكَ!» فَقَالَ اللهُ لِلشَّيطَانِ: «افْعَلْ بِهِ كَمَا تَشَاءُ، لَكِنْ أبْقِ عَلَى حَيَاتِهِ.» فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ اللهِ ، وَابْتَلَى أيُّوبَ بِقُرُوحٍ مُؤلِمَةٍ مِنْ رَأسِهِ إلَى قَدَمَيهِ. فَاسْتَعَانَ أيُّوبُ بِقِطعَةِ فَخَّارٍ مَكسُورَةٍ لِيَحِكَّ جِلْدَهُ، وَهُوَ يَجْلِسُ وَسَطَ كَوْمَةٍ مِنَ الرَّمَادِ. فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: «أمَا زِلتَ مُتَمَسِّكًا بِاسْتِقَامَتِكَ؟ العَنِ اللهَ وَمُتْ!» فَقَالَ لَهَا أيُّوبُ: «تَتَكَلَّمِينَ كَالجَاهِلَاتِ! فَهَلْ نَقبَلُ الخَيْرَ مِنَ اللهَ وَلَا نَقبَلُ الشَّرَّ؟» فَفِي كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَكِبْ أيُّوبُ إثمًا فِي مَا قَالَهُ. وَسَمِعَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أصْحَابِ أيُّوبَ عَنْ كُلِّ المَصَائِبِ الَّتِي حَلَّتْ بِهِ، فَتَرَكُوا بُيُوتَهُمْ وَجَاءُوا إلَيْهِ. وَهُمْ ألِيفَازُ التَّيمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ. فَاجتَمَعُوا مَعًا لِيُعَبِّرُوا عَنْ تَعَاطُفِهِمْ مَعَهُ وَيُعَزُّوهُ. وَعِنْدَمَا نَظَرُوا إلَى أيُّوبَ عَنْ بُعْدٍ لَمْ يُمَيِّزُوهُ. فَبَكَوْا بِصَوْتٍ عَالٍ وَمَزَّقُوا ثِيَابَهُمْ، وَنَثَرُوا رَمَادًا عَلَى رُؤوسِهِمْ. وَجَلَسُوا مَعَهُ عَلَى الأرْضِ سَبْعَةَ أيَّامٍ وَسَبعَ لَيَالٍ صَامِتينَ، لِأنَّهُمْ رَأوْا شِدَّةَ ألَمِهِ. بَعْدَ هَذَا ابتَدَأ أيُّوبُ يَتَحَدَّثُ، فَلَعَنَ يَوْمَ مَولِدِهِ، وَقَالَ: «لَيتَهُ مُحِيَ ذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي وُلِدتُ فِيهِ، وَتِلْكَ اللَّيلَةُ الَّتِي قَالُوا فِيهَا حَبَلَتِ امْرأةٌ بِوَلَدٍ. لَيْتَ ذَلِكَ اليَوْمَ ظَلَّ مُظلِمًا، وَلَيْتَ اللهَ فِي سَمَائِهِ لَمْ يَصْنَعْهُ. لَيْتَ النُّورَ لَمْ يُشرِقْ عَلَيْهِ. لَيْتَ الظُّلمَةَ وَعَتْمَةَ المَوْتِ اشْتَرَيَاهُ. وَلَيْتَ السُّحُبَ الكَثِيفَةَ خَيَّمَتْ فَوقَهُ، وَغَمَرَتْهُ ظُلُمَاتُ الخُسُوفِ. أمَّا اللَّيلَةُ الَّتِي وُلِدتُ فِيهَا، فَلَيتَ ظُلمَةً عَمِيقَةً طَوَتَهَا، وَلَمْ يُحتَفَلْ بِهَا مَعَ أيَّامِ السَّنَةِ، وَلَا حُسِبَتْ بَيْنَ الشُّهُورِ. لَيْتَ تِلْكَ اللَّيلَةَ كَانَتْ عَقِيمَةً وَلَمْ تَتَرَدَّدْ فِيهَا أغَانِي الفَرَحِ. لَيْتَ السَّحَرَةَ الَّذِينَ يَلْعَنُونَ الأيَّامَ، وَيُوقِظُونَ لَوِيَاثَانَ، لَعَنُوا ذَلِكَ اليَوْمَ. لَيْتَ نَجمَةَ الصُّبحِ لَمْ تُشرِقْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَلَيْتَ اللَّيلَ انتَظَرَ النُّورَ فَلَمْ يَأْتِ. لَيتَهَا لَمْ تَرَ خُيُوطَ الشَّمْسِ الأُولَى. لِأنَّهَا لَمْ تَمْنَعْ أُمِّي مِنْ وِلَادَتِي، وَلَمْ تُخْفِ المَصَائِبَ عَنِّي. لِمَ لَمْ أُولَدْ مَيِّتًا؟ لِمَ لَمْ أنْتَهِ فَورَ خُرُوجِي مِنَ البَطنِ؟ لِمَاذَا كَانَتْ هُنَاكَ رُكْبَتَانِ لِتَحْمِلَانِي، وَثَدْيَانِ لِأرضَعَ مِنهُمَا؟ فَلَوْ مِتُّ لَدَى وِلَادَتِي، لَكُنْتُ الآنَ نَائِمًا لَا يُزعِجَنِي شَيءٌ، وَلَكُنْتُ رَاقِدًا مُسْتَرِيحًا مَعَ مُلُوكِ الأرْضِ وَالمُشِيرِينَ الَّذِينَ بَنَوْا لِأنْفُسِهِمْ قُصُورًا صَارَتْ خَرَابًا. أوْ مَعَ النُّبَلَاءِ الَّذِينَ امتَلَكُوا الذَّهَبَ وَمَلأُوا قُبُورَهُمْ بِالفِضَّةِ. أمَا كَانَ يُمْكِنُ أنْ تُسقِطَنِي أُمِّي وَتَدْفِنَنِي، فَأكُونَ كَالأطْفَالِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا نُورَ النَّهَارِ؟ فَهُنَاكَ يَتَوَقَّفُ المُجْرِمُونَ عَنْ إثْمِهِمْ، وَيَسْتَرِيحُ المُرهَقُونَ، وَيَطْمَئِنُّ الأسرَى جَمِيعًا. لِأنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ صَوْتَ مُضطَهِدِهِمُ المُخِيفِ. الوَضِيعُ وَالعَظِيمُ هُنَاكَ، وَالعَبدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ. «لِمَاذَا يُعْطَى البَائِسُونَ نُورَ الحَيَاةِ، وَلِمَاذَا يَعيشُ ذَوُو النَّفُوسِ المُرَّةِ؟ فَهُمْ يَرْغَبُونَ بِالمَوْتِ وَلَا يَأتِي. يَبْحَثُونَ عَنْهُ كَمَنْ يُنَقِّبُونَ عَنْ كَنْزٍ مَدْفُونٍ. يَفْرَحُونَ إلَى أقْصَى الفَرَحِ يُغَنُّونَ بِابتِهَاجٍ، عِنْدَمَا يَصِلُونَ إلَى القَبْرِ! لِمَاذَا تُعطَى حَيَاةٌ لِإنْسَانٍ لَا يَرَى طَرِيقَهُ، لِأنَّ اللهَ أقَامَ حَوْلَهُ سِيَاجًا؟ هَا إنَّ تَنَهُّدِي يَأْتِي إلَى فَمِي كَالخُبْزِ، وَأنَّاتِي تَجْرِي كَالمِيَاهِ. مَا خِفْتُ مِنْهُ هَجَمَ عَلَيَّ، وَجَاءَنِي مَا كُنْتُ أفزَعُ مِنْهُ. وَأنَا لَسْتُ مُطمَئِنًّا أوْ صَافِيًا أوْ مُرتَاحًا، وَلَسْتُ إلَّا فِي اضْطِرَابٍ.» فَأجَابَ ألِيفَازُ التَّيمَانِيُّ: «هَلْ سَتَنْزَعِجُ إنْ تَحَدَّثْتُ إلَيْكَ؟ لَكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الكَلَامِ؟ لَقَد أرشَدْتَ كَثِيرِينَ، وَسَاعَدْتَهُمْ عِنْدَ الحَاجَةِ. أقَامَتْ كَلِمَاتُكَ العَاثِرِينَ وَثَبَّتَتْهُمْ، وَقَوَّتْ عَزَائِمَ الضُّعَفَاءِ. أمَّا الآنَ فَيَحْدُثُ لَكَ سُوءٌ فَيُزعِجَكَ، يَقْتَرِبُ مِنْكَ فَتَضْطَرِبَ. أمَا تَثِقُ بِتَقوَاكَ؟ أمَا أسَّسْتَ رَجَاءَكَ عَلَى اسْتِقَامَتِكَ؟ تَذَكَّرْ هَلْ مِنْ بَرِيءٍ هلَكَ، وَهَلْ بَادَ المُسْتَقِيمُونَ يَومًا؟ فَمَا رَأيْتُهُ هُوَ أنَّ الَّذِينَ يَحْرُثُونَ الشَّرَّ وَيَزْرَعُونَ الشَّقَاءَ، هُمُ الَّذِينَ يَحْصُدُونَهُ. نَفخَةُ اللهِ تَقْتُلُهُمْ، وَغَضَبُهُ العَاصِفُ يَلْتَهِمُهُمْ. فَيَنْقَطِعُ زَئِيرُ الأسَدِ وَزَمجَرَتُهُ الغَاضِبَةُ، وَتَتَكَسَّرُ أسنَانُ الأشبَالِ. يَهْلِكُ كَمَا يَهْلِكُ الأسَدُ القَوِيُّ حِينَ لَا يَجِدُ طَعَامًا، وَيتَشَتَّتُ أشبَالُهُ. «وَجَاءَتنِي رِسَالَةٌ فِي الخَفَاءِ، وَبِالكَادِ سَمِعْتُهَا إذِ التَقَطتْ أذُنَايَ هَمْسَةً مِنْهَا. فَفِي كَوَابِيسِي، عِنْدَمَا كُنْتُ مُسْتَغْرِقًا فِي النَّومِ، نَادَانِي الخَوفُ وَالِارتِعَادُ، فَارتَعَشَتْ كُلُّ عِظَامِي بِقُوَّةٍ. وَمَرَّتْ رُوحٌ عَلَى وَجْهِي، فَوَقَفَ شَعرُ رَأسِي! وَقَفَتِ الرُّوحُ سَاكِنَةً، لَكِنِّي لَمْ أُمَيِّزْ شَكلَهَا. وَقَفَ أمَامِي طَيفٌ، وَسَادَ صَمتٌ، ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا يَقُولُ: ‹أيُمكِنُ أنْ يَكُونَ الإنْسَانُ أكْثَرَ صَوَابًا مِنَ اللهِ، أمْ يُمْكِنُ لِلإنْسَانِ أنْ يَكُونَ أطهَرَ مِنْ صَانِعِهِ؟ فَاللهُ لَا يَثِقُ بِخُدَّامِهِ، وَيَرَى أخْطَاءً حَتَّى فِي مَلَائِكَتِهِ. فَكَيْفَ بِالنَّاسِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ بُيُوتًا مِنْ طِينٍ، أسَاسَاتُهَا فِي التُّرَابِ؟ ألَا يَسْحَقُهُمُ اللهُ كَحَشَرَةٍ؟ وَيُضرَبُونَ مِنَ الصَّبَاحِ إلَى المَسَاءِ. وَلِأنَّهُمْ غَيْرُ رَاسِخِينَ، يَهْلِكُونَ إلَى الأبَدِ. أفَلَا تُقتَلَعُ حِبَالُ خِيَامِهِمْ، لِيَمُوتُوا فِي جَهلِهِمْ؟› «إنْ دَعَوتَ الآنَ، فَمَنْ يُجِيبُكَ؟ وَإلَى مَنْ مِنَ المَلَائِكَةِ سَتَلْجَأُ؟ لِأنَّ الغَيظَ يَقْتُلُ الأحْمَقَ، وَالحَسَدُ يَذْبَحُ الأبلَهُ. قَد رَأيْتُ الأحْمَقَ يَمُدُّ جُذُورَهُ، وَفَجْأةً هُدِمَ مَسْكَنُهُ! أبنَاؤُهُ بَعِيدُونَ عَنِ الأمَانِ، يُهزَمُونَ فِي المُحَاكَمَةِ، وَمَا مِنْ أحَدٍ يُدَافِعُ عَنْهُمْ. يَأْكُلُ الجَّائِعُ حَصَادَهُ، وَيَأْخُذُهُ مِنْ بَيْنِ الأشوَاكِ، وَيَشْتَهِي الجَشِعُونَ ثَروَتَهُ. لِأنَّ المُصِيبَةَ لَا تَأْتِي مِنَ التُرَابِ، وَلَا تَنْبُتُ المُعَانَاةُ مِنَ الأرْضِ. لَكِنَّ البَشَرَ يَلِدُونَ المُصِيبَةَ، تَمَامًا كَمَا تُرفَعُ ألسِنَةُ اللَّهَبِ إلَى الأعْلَى. أمَّا أنَا فَأتَضَرَّعُ إلَى اللهِ، وَأُخبِرُهُ بِمَا أصَابَنِي. فَهُوَ صَانِعُ الأعْمَالِ العَظِيمَةِ الَّتِي يَصْعُبُ فَهْمُهَا، الأعْمَالِ المُهِيبَةِ الَّتِي لَا تُحصَى. هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ المَطَرَ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ، وَيُرسِلُ المِيَاهَ عَلَى وَجْهِ الحُقُولِ. يَرْفَعُ المُتَّضِعِينَ، وَيُحَسِّنُ حَالَ مَنْ سَوَّدَ الحُزنُ حَيَاتَهُمْ. هُوَ الَّذِي يُحْبِطُ مُؤَامَرَاتِ المَاكِرِينَ، لِئَلَّا يَنْجَحُوا فِي مَقَاصِدِهِمْ. يَصطَادُ اللهُ الحُكَمَاءَ بِذَكَائِهِمْ، فَيُفْشِلُ خُطَّةَ المَاكِرِينَ. تُواجِهُهُمُ الظُّلْمَةُ فِي وَضَحِ النَّهَارِ. وَيَتَلَمَّسُونَ طَرِيقَهُمْ فِي الظُّهرِ، كَمَا فِي الظَّلَامِ. لَكِنَّ اللهَ يُخَلِّصُ الفَقِيرَ مِنْ سِيَاطِ أفوَاهِهِمْ، وَمِنْ يَدِ القَوِيِّ. لِهَذَا يُوجَدُ رَجَاءٌ لِلمِسْكِينِ، وَيَسُدُّ الظُلمُ فَمَهُ! «هَنِيئًا لِمَنْ يُؤَدِّبُهُ اللهُ، فَلَا تَرْفُضْ تَأْدِيبَ القَدِيرِ. لِأنَّ اللهَ يَضْرِبُ وَيُضَمِّدُ. يَجْرَحُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ. يُخَلِّصُكَ مِنَ الضِّيقَاتِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَلَا يَمَسُّكَ السُّوءُ أيْضًا. فِي المَجَاعَةِ يَحْمِيكَ مِنَ المَوْتِ، وَفِي الحَرْبِ مِنَ القَتلِ بِالسَّيْفِ. يَحْمِيكَ مِنَ افتِرَاءِ الألسِنَةِ الَّتِي تَنْزِلُ كَالسِّيَاطِ، فَلَيْسَ مَا يَدْعُوكَ إلَى أنْ تَخْشَى المَصَائِبَ حِينَ تَأْتِي. تَهْزَأُ بِالخَرَابِ وَالمَجَاعَةِ، وَوُحُوشُ البَرِّيَّةِ لَا تُخِيفُكَ. لِأنَّكَ سَتَقْطَعُ عَهْدًا مَعَ صُخُورِ الأرْضِ، وَتُسَالِمُكَ وُحُوشُ البَرِّيَّةِ. سَتَعْرِفُ أنَّ بَيْتَكَ آمِنٌ، وَتَتَفَقَّدُ قَطِيعَكَ فَتَجِدُهُ غَيْرَ مَنقُوصٍ. سَتَعْرِفُ أنَّكَ سَتُرْزَقُ بِنَسْلٍ كَثِيرٍ، وَسَتَكُونُ ذُرِّيَّتُكَ بِعَدَدِ أورَاقِ عُشبِ الأرْضِ. سَتَعِيشُ حَيَاتَكَ كَامِلَةً، فَتَكُونُ كَكَوْمَةٍ مِنَ الحُبُوبِ النَّاضِجَةِ وَقْتَ حَصَادِهَا. هَذَا هُوَ الأمْرُ الَّذِي تَفَحَّصنَاهُ، وَهُوَ هَكَذَا … فَاسمَعْ وَتَعَلَّمْ أنْتَ.» فَأجَابَ أيُّوبُ: «آهِ لَوْ أمْكَنَ وَزْنُ عَذَابِي وَوَضْعُ مَصَائِبِي كُلِّهَا عَلَى المَوَازِينِ. فَسَتَكُونُ أثقَلَ مِنْ رَملِ البَحْرِ. لِذَا كَلِمَاتِي طَائِشَةٌ. لِأنَّ سِهَامَ القَدِيرِ فِيَّ، وَرُوحِي تَشْرَبُ سُمَّهَا اللَّاذِعَ. حُشِدَتْ أسلِحَةُ اللهِ المُخِيفَةُ لِقِتَالِي. سَهلٌ عَلَيْكَ أنْ تَقُولَ كَلَامَكَ هَذَا، حِينَ لَا تُواجِهُ مُصِيبَةً. لَكِنْ حَتَّى الحِمَارُ لَا يَتَذَمَّرُ حِينَ يَتَوَفَّرُ لَهُ عُشْبٌ. وَلَا الثَّورُ يَخُورُ وَلَدَيهِ عَلَفٌ. هَلْ يُؤكَلُ الطَعَامُ بِلَا مِلْحٍ؟ أمْ هُنَاكَ نَكْهَةٌ فِي بَيَاضِ البَيضِ؟ كَذَلِكَ لَا رَغبَةَ لِي فِي سَمَاعِ كَلِمَاتِكَ، فَهِيَ أشبَهُ بِالطَعَامِ الفَاسِدِ! «لَيْتَ طِلبَتِي تُستَجَابُ، فَيُعطِينِي اللهُ مَا أشتَهِيهِ. لَيْتَ اللهَ يَشَاءُ أنْ يَسْحَقَنِي. لَيتَهُ يُدَمِّرُنِي تَدْمِيرًا بِضَربَةٍ خَاطِفَةٍ مِنْ يَدِهِ. فَفِي هَذَا تَكُونُ رَاحَتِي: أنَّنِي لَمْ أتَجَاهَلْ كَلَامَ القُدُّوسِ، رُغْمَ كُلِّ هَذَا الألَمِ. «مَا هِيَ القُوَّةُ الَّتِي سَتُعْطينِي رَجَاءَ الِانْتِظَارِ، وَمِنْ أجْلِ مَاذَا أتَمَنَّى طُولَ العُمْرِ؟ هَلْ لَدَيَّ قُوَّةُ الصُّخُورِ، أمْ أنَّ جَسَدِي مَصْنُوعٌ مِنَ البُرُونْزِ؟ لَيْسَتْ فِيَّ قُوَّةٌ تُعِينُنِي، وَالرَأيُ الصَّائِبُ أُخِذَ مِنِّي. «يَحْتَاجُ اليَائِسُ إلَى إخلَاصِ أصْدِقَائِهِ، حَتَّى وَإنِ ابْتَعَدَ عَنْ تَقْوَى القَدِيرِ. إخْوَتِي غَدَرُوا بِي كَسَيلِ مِيَاهٍ، كَسُيُولِ الوَادِي يَعْبُرُونَ. فِي الشِّتَاءِ، تَتَصّلَّبُ بِالجَليدِ الَّذِي يُغَطِّي الثِّلْجَ. وَفِي الصَّيفِ تَجِفُّ، تَخْتَفِي مِنَ مَكَانِهَا بِسَبَبِ الحَرِّ. تَتَلّوَّى الجَدَاوِلُ فِي طَرِيقِهَا، ثُمَّ تَخْتَفِي فِي الصَّحرَاءِ. تَبْحَثُ قَوَافِلُ تَيمَاءُ عَنِ المَاءِ بِلَهفَةٍ، وَتَرْجُو قَوَافِلُ سَبَأ المَاءَ. كَانُوا وَاثِقِينَ مِنْ أنَّ المَاءَ هُنَاكَ، فَخَابَتْ آمَالُهُمْ! أنْتُمْ مِثْلُ هَذِهِ الجَدَاوِلِ، رَأيْتُمْ تَعَاسَتِي فَارْتَعَبْتُمْ. فَهَلْ قُلْتُ لَكُمْ أعطُونِي شَيْئًا؟ أمْ طَلَبتُ مِنْكُمْ أنْ تَدْفَعُوا رِشْوَةً مِنْ مَالِكُمْ لِأحَدٍ لِأجْلِي؟ هَلْ قُلْتُ لَكُمْ أنقِذُونِي مِنْ يَدِ مَنْ يَضْطَهِدُنِي؟ أوِ اشتَرُونِي مِنْ يَدِ الَّذِينَ يُرعِبُونَنِي؟ «عَلِّمُونِي وَأنَا أصْمِتُ، وَأفهِمُونِي أيْنَ أخْطَأتُ. مَا أقوَى الكَلِمَاتُ الصَّائِبَةُ! لَكِنْ مَاذَا تُبَرهِنُ أقْوَالُكُمْ؟ أتَنْوُونَ انْتِقَادَ كَلَامِي، وَتَحْسِبُونَ كَلِمَاتِ اليَأْسِ الَّتِي أقُولُهَا مُجَرَّدَ رِيحٍ؟ حَتَّى إنَّكُمْ تُلقُونَ قُرعَةً عَلَى مَالِ اليَتِيمِ، وَتُسَاوِمُونَ عَلَى صَدِيقِكُمْ. وَالْآنَ تَمَعَّنُوا فِي وَجْهِي، فَإنِّي لَسْتُ أكذِبُ عَلَيْكُمْ. أعِيدُوا النَّظَرَ فِي مَا قُلْتُمْ وَكُفُّوا عَنْ ظُلْمِي. أعِيدُوا النَّظَرَ الآنَ لِأنَّنِي بَريءٌ. هَلْ أخْطأ لِسَانِي بِشَيءٍ، أمْ لَمْ يَعُدْ يُمَيِّزُ مَذَاقَ الظُّلمِ؟ «ألَا يُكَافِحُ الإنْسَانُ عَلَى الأرْضِ؟ ألَيْسَتْ أيَّامُهُ كَأيَّامِ عَمَلِ الأجِيرِ؟ يَشتَاقُ كَعَبدٍ إلَى الظِلِّ، وَيَنْتَظِرُ أُجْرَتَهُ بِلَهفَةٍ. هَكَذَا وَرِثْتُ شُهُورًا عَقِيمَةً، وَأُعْطِيتُ نَصِيبِي مِنْ لَيَالِي الشَّقَاءِ. إذَا نِمْتُ أقُولُ: ‹مَتَى سَأنهَضُ؟› وَيَمُرُّ اللَّيلُ بَطِيئًا، وَأتَقَلَّبُ فِي فِرَاشِي حَتَّى الفَجرِ. جَسَدِي مُغَطَّى بِالدُّودِ وَالطِّينِ، وَجِلْدِي يَتَصَلَّبُ وَيَتَقَيَّحُ. «تَمُرُّ أيَّامُ حَيَاتِي أسرَعُ مِنْ دَوَرَانِ المَكُّوكِ فِي المِغزَلِ، وَتَنْتَهِي بِلَا رَجَاءٍ. تَذَكَّرْ أنَّ حَيَاتِي كَنَفَسٍ عَابِرٍ، وَلَنْ أرَى خَيْرًا ثَانِيَةً. مَنْ يَرَانِي الآنَ، لَنْ يَرَانِي بَعْدُ. تُرَاقِبُنِي أنْتَ قَلِيلًا ثُمَّ أمضِي بِلَا عَودَةٍ. وَكَمَا يَخْتَفِي السَّحَابُ وَيَزُولُ، كَذَلِكَ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ إلَى عَالَمِ المَوْتِ، لَا يَصْعَدُونَ. لَا يَعُودُ المَيِّتُ إلَى بَيْتِهِ، وَأهْلُهُ لَا يَعُودُونَ يَعْرِفُونَهُ. «لِهَذَا لَنْ أسْكُتَ. وَسَأتَكَلَّمُ مِنْ عَذَابِ رُوحِي. سَأشكُو مِمَّا ذُقتُهُ مِنْ مَرَارَةٍ فِي نَفْسِي. هَلْ أنَا اليَمُّ أمِ التِّنِّينُ لِتَضَعَ عَلَيَّ حَارِسًا؟ إنْ قُلْتُ سَيُعطِينِي فِرَاشِي رَاحَةً، وَيَحْمِلُ السَّرِيرُ هَمِّي عِنْدَمَا أشكُو، فَإنَّكَ تُخِيفُنِي يَا اللهُ فِي أحْلَامِي، وَتُرعِبُنِي بِالرُّؤى. فَأخْتَارُ الخَنْقَ وَالمَوْتَ عَلَى هَذِهِ الحَيَاةِ. كَرِهْتُ الحَيَاةَ، وَلَا أُرِيدُ أنْ أعِيشَ إلَى الأبَدِ. اترُكْنِي، لِأنَّ حَيَاتِي نَسَمَةٌ عَابِرَةٌ. مَا هُوَ الإنْسَانُ، يَا اللهُ، حَتَّى تُعطِيهِ اعتِبَارًا، أوْ تُفَكِّرَ فِيهِ؟ لِمَ تَزُورُهُ صَبَاحًا بَعْدَ صَبَاحٍ، وَتَمْتَحِنُهُ لَحْظَةً بَعْدَ لَحْظَةٍ؟ لِمَ لَا تُبْعِدَ نَظَرَكَ عَنِّي، حَتَّى أبلَعَ رِيقِي؟ هَبْ أنَّنِي أخْطَأتُ، فَكَيْفَ فِي وُسْعِي أنْ أُسِيئَ إلَيْكَ يَا رَقِيبَ البَشَرِ؟ لِمَ استَهْدَفْتَنِي؟ وَلِمَاذَا صِرْتُ عِبئًا عَلَيْكَ؟ لِمَاذَا لَا تَغْفِرُ جَرِيمَتِي وَتَتَغَاضَى عَنْ إثمِي؟ لِأنِّي سَأضطَجِعُ قَرِيبًا فِي تُرَابِ القَبْرِ. تَبْحَثُ عَنِّي فَلَا تَجِدُنِي.» فَأجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ: «حَتَّى مَتَى تَتَفَوَّهُ بِهَذَا الكَلَامِ؟ مَا كَلِمَاتُكَ سِوَى هَوَاءٍ! فَهَلْ يَعوِّجُ اللهُ عَدلَهُ؟ أمْ يُغَيِّرُ القَدِيرُ الصَّوَابَ وَيَظْلِمُ؟ إنْ أخطَأ أبنَاؤُكَ ضِدَّ اللهِ، فَقَدْ عَاقَبَهُمْ عَلَى شَرِّهِمْ. فَإنْ سَعَيتَ إلَى اللهِ، وَطَلَبْتَ رَحمَةَ القَدِيرِ، إنْ كُنْتَ نَقِيًّا وَمُسْتَقِيمًا، فَسَيُصلِحُ اللهُ حَالَكَ حَالًا، وَيَرُدُّ إلَيْكَ عَائِلَتَكْ. فَيَكُونُ لَكَ فِي المُسْتَقْبَلِ أكْثَرُ مِمَّا كَانَ لَكَ فِي المَاضِي. «سَلِ الأجْيَالَ المَاضِيَةَ، وَتَعَلَّمْ مَا تَسْتَطِيعُ مِنْ آبَائِهِمْ. فَمَا نَحْنُ سِوَى أوْلَادِ الأمْسِ، وَلَا نَعْرِفُ شَيْئًا. حَيَاتُنَا عَلَى الأرْضِ قَصِيرَةٌ كَالظِّلِّ. ألَا يُعَلِّمُكَ الآبَاءُ؟ ألَا يُكَلِّمُونَكَ؟ ألَا يُخرِجُونَ أقْوَالًا صَادِقَةً مِنْ فَمِهِمْ؟ «هَلْ يَنْمُو نَبَاتُ البَرْدِيِّ حَيْثُ لَا مُسْتَنْقَعٌ؟ أمْ هَلْ ينمُو القَصَبُ حَيْثُ لَا مَاءٌ؟ بَلْ تَذْوِي وَهِيَ بَعْدُ فِي نَضَارَتِهَا، وَتَجِفُّ قَبْلَ أنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِلقَطعِ. هَذَا هُوَ مَصِيرُ كُلِّ الَّذِينَ يَنْسَونَ اللهَ. إذْ يَخِيبُ رَجَاءُ الشِّرِّيرِ. يَخِيبُ مَا يَتَكِّلُ عَلَيْهِ، لِأنَّهُ كَمَنْ يَثِقُ بِخُيُوطِ عَنْكَبُوتٍ. إذَا اتَّكَأ عَلَيْهَا لَا تَصْمُدُ، وَإذَا مَدَّ يَدَهُ إلَيْهَا لَا تَتَحَمَّلُ. فَيَكُونُ كَنَبتَةٍ رَطِبَةٍ أمَامَ الشَّمْسِ، تَنْشُرُ أغْصَانَهَا فَوْقَ بُستَانٍ. جُذُورُهَا مُتَشَابِكَةٌ حَوْلَ كَومَةٍ مِنَ الحِجَارَةِ. تَنْمُو بَيْنَ الصُّخُورِ. وَإذَا اقتُلِعَتْ، يُنْكِرُهَا مَكَانُهَا وَيَقُولُ مَا رَأيْتُكِ مِنْ قَبْلُ. هَكَذَا تَذْوِي حَيَاةُ النَّبْتَةِ، وَمِنَ الأرْضِ تَنْمُو أُخْرَى غَيرُهَا. لَا يَرْفُضُ اللهُ الرَّجُلَ الكَامِلَ، وَلَا يَأْخُذُ بِيَدِ الأشْرَارِ. سَيَملأُ فَمَكَ ضَحِكًا وَشَفَتَيْكَ أغَانِي فَرَحٍ. سَيَلبَسُ مُبغِضُوكَ الخِزيَ، وَسَتَخْتَفِي بُيُوتُ الأشْرَارِ.» فَأجَابَ أيُّوبُ وَقَالَ: «أعْلَمُ أنَّكَ عَلَى صَوَابٍ. فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإنْسَانُ أمَامَ اللهِ؟ إنْ أرَادَ اللهُ أنْ يَتَّهِمَهُ، فَلَنْ يَسْتَطِيعَ أنْ يُعطِيَهِ جَوَابًا شَافِيًا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ ألفٍ. فَاللهُ كَامِلُ الحِكْمَةِ وَالقُوَّةِ. مَنْ عَانَدَهُ وَسَلِمَ؟ هُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ الجِبَالَ دُونَ أنْ تَعْلَمَ، وَيَقْلِبُهَا عِنْدَمَا يَغْضَبُ. هُوَ الَّذِي يَهُزُّ الأرْضَ مِنْ مَكَانِهَا، فَتَرْتَجِفُ أسَاسَاتُهَا. هُوَ الَّذِي يَأْمُرُ قُرْصَ الشَّمْسِ فَلَا تُشرِقُ، وَيُغَطِّي النُّجُومَ فَلَا تُشِّعُّ. هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي يَبْسِطُ السَّمَاوَاتِ، وَيَمْشِي عَلَى أموَاجِ البَحْرِ. «هُوَ الَّذِي صَنَعَ الدُّبَّ الأكبَرَ وَالجَبَّارَ وَالثُرَيَّا وَكَوَاكِبَ الجَنُوبِ. هُوَ الَّذِي صَنَعَ عَجَائِبَ أعْظَمَ مِنْ أنْ تُدرَكَ، وَأكثَرَ مِنْ أنْ تُعَدَّ. هَا هُوَ اللهُ يَمُرُّ بِي فَلَا أرَاهُ، يَتَجَاوَزُنِي فَلَا ألحَظُهُ. إذَا خَطَفَ شَيْئًا، مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَرُدَّهُ، أوْ مَنْ سَيَقُولُ لَهُ مَاذَا تَفْعَلُ؟ لَنْ يَرْجِعَ عَنْ غَضَبِهِ. قَدِ انحَنَى لَهُ كُلُّ مُسَاعِدي رَهَبَ. فَكَيْفَ أُجِيبُهُ إذًا؟ وَكَيْفَ أنتَقِي كَلِمَاتِي حِينَ أرُدُّ عَلَيْهِ؟ فَرُغْمَ بَرَاءَتِي لَا أملُكُ أنْ أُجِيبَهُ، بَلْ أسْتَرْحِمُ دَيَّانِي. حَتَّى إنْ دَعَوتُ اللهَ فَأجَابَنِي، لَا أُصَدِّقُ أنَّهُ يُصغِي إلَى صَوْتِي! هُوَ الَّذِي يَضْرِبُنِي بِمَصَائِبَ كَالعَاصِفَةِ، وَيُكَثِّرُ جُرُوحِي دُونَ سَبَبٍ. لَا يَدَعُنِي ألتَقِطُ أنفَاسِي، بَلْ يُشبِعُنِي مَرَارَةً. إنْ كَانَتْ مَسْألَةَ قُوَّةٍ، فَهُوَ أقوَى. وَإنْ كَانَتْ مَسْألَةَ عَدلٍ، فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَدْعُوهُ إلَى مُحَاكَمَةٍ؟ رُغْمَ اسْتِقَامَتِي وَرُغْمَ بَرَاءَتِي، فَإنَّ مَا أقُولُهُ يُظهِرُنِي مُذْنِبًا. أنَا مُسْتَقِيمٌ وَبَريءٌ، وَلَا أهتَمُّ لِنَفْسِي. أحتَقِرُ حَيَاتِي. أقُولُ إنَّ هُنَاكَ نَتِيجَةً وَاحِدَةً: اللهُ يُنْهِي حَيَاةَ الصَّالِحِ وَالشِّرِّيرِ مَعًا. فَإنْ جَاءَتْ مُصِيبَةٌ وَقَتَلَتْ مَنْ قَتَلَتْ، أيَضْحَكُ اللهُ عِنْدَ مَوْتِ الأبرِيَاءِ؟ الأرْضُ مَوضُوعَةٌ تَحْتَ سُلطَةِ الأشْرَارِ، وَقَدْ حَجَبَ اللهُ الحَقَّ عَنِ القُضَاةِ. إنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ وَرَاءَ هَذِهِ الأُمُورِ، فَمَنْ إذًا؟ «أيَّامِي أسرَعُ مِنْ عَدَّاءٍ تَعْدُو هَارِبَةً، وَمَا مِنْ شَيءٍ صَالِحٍ يَحْدُثُ فِيهَا. تَمُرُّ كَسُفُنِ القَصَبِ. تَنْقَضُّ سَرِيعًا كَمَا يَنْقَضُّ النَّسرُ عَلَى فَرِيسَتِهِ. «لَوْ قُلْتُ سَأنْسَى شَكوَايَ وَحُزنِي، وَرَسَمْتُ ابتِسَامَةً عَلَى وَجْهِي، أظَلُّ أخشَى كُلَّ ألَمِي، وَأعْرِفُ أنَّكَ يَا اللهُ لَنْ تُبَرِّئَنِي. إنْ كُنْتَ سَتَجِدُنِي مُذْنِبًا، لِمَاذَا أُتعِبُ نَفْسِي بِلَا فَائِدَةٍ؟ فَلَوْ غَسَلْتُ نَفْسِي بِثَلجٍ مُذَابٍ، وَنَقَّيتُ يَدَيَّ بِالصَّابُونِ، فَسَيَغْمِسُنِي اللهُ فِي وَحلِ الهَاوِيَةِ، إلَى أنْ تَشْمَئِزَّ ثِيَابِي مِنِّي. لَيْسَ اللهُ إنْسَانًا مِثْلِي فَأرُدَّ عَلَيْهِ، أوْ كَي نَجتَمِعَ مَعًا فِي مَحكَمَةٍ. لَيْسَ مِنْ وَسِيطٍ بَيْنَنَا، يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَينَا. لَوْ أنَّهُ يَرْفَعُ عَنِّي عَصَا عِقَابِهِ، فَلَا يُرعِبُنِي رُعبًا. عِنْدَ ذَلِكَ سَأتَكَلَّمُ دُونَ أنْ أخَافَ، أمَّا الآنَ فَلَا أسْتَطِيعُ. «عِفْتُ حَيَاتِي. سَأنطِقُ بِشَكوَايَ، وَسَأتَكَلَّمُ بِمَا فِي نَفْسِي مِنْ مِرَارَةٍ. وَسَأقُولُ للهِ لَا تُدِنِّي، عَرِّفنِي مَا تَتَّهِمُنِي بِهِ. فَهَلْ يَسُرُّكَ أنْ تَظْلِمَنِي وَتَرْفُضَ عَمَلَ يَدَيْكَ؟ بَيْنَمَا تُشرِقُ علَى مُخَطَّطَاتِ الأشْرَارِ؟ هَلْ عَينَاكَ كَعَينَيِّ الإنْسَانِ، أمْ أنَّكَ تَرَى الأُمُورَ كَمَا يَرَاهَا الإنْسَانُ؟ هَلْ أيَّامُكَ كَأيَّامِ البَشَرِ، فَتَمُرُّ عَلَيْكَ السَّنَوَاتُ كَمَا تَمُرُّ عَلَى الإنْسَانِ؟ أسألُ هَذَا لِأنَّكَ تُفَتِّشُ عَنْ إثمِي وَتَبْحَثُ عَنْ خَطِيَّتِي، وَأنْتَ تَعْلَمُ أنِّي لَمْ أقتَرِفْ ذَنبًا، وَلَا مَهرَبَ مِنْكَ. يَدَاكَ اللَّتَانِ شَكَّلَتَانِي وَصَنَعَتَانِي، حَاصَرَتَانِي الآنَ وَدَمَّرَتَانِي. اذكُرْ أنَّكَ صَنَعْتَنِي طِينًا، فَهَلْ تُرْجِعُنِي ثَانِيَةً إلَى تُرَابٍ. ألَمْ تَسْكُبْنِي كَمَا يُسكَبُ الحَلِيبُ، وَتُخَثِّرُنِي كَمَا يُخَثَّرُ الجُبْنُ؟ ألبَسْتَنِي جِلْدًا وَلَحْمًا، وَنَسَجْتَنِي مَعًا بِعِظَامٍ وَأعْصَابٍ. أعْطَيتَنِي حَيَاةً وَنِعْمَةً، وَرَعَيتَ رُوحِي بِعِنَايَتِكَ. كَانَتْ هَذِهِ خُطَّتَكَ المَكتُومَةَ، وَأنَا أعْلَمُ أنَّ هَذَا هُوَ قَصدُكَ. إنْ أخْطَأتُ سَتُرَاقِبُنِي، وَلَنْ تُبرِّئَنِي مِنْ شَرِّي. إنْ تَعَدَّيتُ حُدُودَكَ، فَالوَيلُ لِي! وَحَتَّى إنْ كُنْتُ بَرِيئًا، فَإنِّي لَا أقدِرُ أنْ أرفَعَ رَأسِي. أنَا فِي خِزيٍ كَامِلٍ، وَكُلِّي آلَامٌ. إذَا رَفَعْتُ نَفْسِي فَسَوفَ تَطَارِدُنِي كَأسَدٍ، وَتَعُودُ وَتُظهِرُ تَمَيُّزَ عَظَمَتِكَ عَلَيَّ. تَسْتَدْعِي شُهُودًا كَثِيرِينَ ضِدِّي، وَيَزدَادُ غَضَبُكَ عَلَيَّ. فَتُرسِلُ جَيْشًا بَعْدَ جَيْشٍ ضِدِّي. لِمَ أخرَجتَنِي مِنْ بَطنِ أُمِّي؟ لِمَ لَمْ أمُتْ قَبْلَ أنْ يَرَانِي أحَدٌ؟ لَيتَنِي لَمْ أُولَدْ قَطُّ، لَيتَنِي نُقِلتُ مِنَ البَطْنِ إلَى القَبْرِ. ألَيْسَتْ أيَّامِي قَصِيرَةً؟ فَدَعْنِي إذًا، فأسْتَمْتِعْ قَلِيلًا، قَبْلَ أنْ أمْضِيَ دُونَ رَجْعَةٍ إلَى مَكَانِ الظَّلمَةِ وَعَتَمَةِ المَوْتِ، مَكَانِ ظَلمَةٍ مُخِيفٍ وَمَوْتٍ، أرْضِ اضطِرَابٍ حَيْثُ النُّورُ كَظُلْمَةٍ عَمِيقَةٍ.» فَأجَابَ صُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ: «هَلْ سَيَمُرُّ هَذَا الكَلَامُ كُلُّهُ دُونَ جَوَابٍ؟ وَهَلْ تَظْهَرُ بَرَاءَةُ الإنْسَانِ بِكَثرَةِ ثَرْثَرَتِهِ؟ هَلْ يُسْكِتُ كَلَامُكَ الفَارِغُ السَّامِعِينَ؟ وَعِنْدَمَا تَسْخَرُ، أفَلَيْسَ مَنْ يُخْجِلُكَ؟ تَقُولُ حُجَجِي صَحِيحَةٌ، وَأنَا طَاهِرٌ فِي عَيْنَيْكَ يَا اللهُ. لَكِنْ لَيْتَ اللهَ يَتَكَلَّمُ، وَيَتَحَدَّثُ إلَيْكَ، وَيُعلِنُ أسرَارَ الحِكْمَةِ لَكَ، لِأنَّ لِكُلِّ حُجَّةٍ جَانِبَينِ. وَاعلَمْ بِأنَّ اللهَ يُعَاقِبُكَ بِأقَلَّ مِمَّا تَسْتَحِقُّ! «أتَظُنُ أنَّكَ تَفْهَمُ أعْمَاقَ اللهِ، أوْ تَصِلُ إلَى المَعْرِفَةِ الكَامِلَةِ لِلقَدِيرِ؟ هِيَ أعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ تَفْعَلُ؟ وَأعمَقُ مِنَ الهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي عَنْهَا؟ هِيَ أطوَلُ مِنَ الأرْضِ، وَأعرَضُ مِنَ البَحْرِ. «إنْ مَرَّ وَأمسَكَ بِإنْسَانٍ وَقَادَهُ إلَى المَحْكَمَةِ، فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُقَاوِمَهُ؟ لِأنَّ اللهَ يَعْرِفُ أُولَئِكَ البَاطِلِينَ. حِينَ يَرَى الشَّرَّ، أفَلَا يَنْتَبِهُ؟ سَيَكْتَسِبُ فَارِغُ العَقلِ فَهْمًا، حِينَ يَلْدُ الحِمَارُ البَرِّيُّ إنْسَانًا! «فَإنْ وَجَّهْتَ قَلْبَكَ إلَى اللهِ، وَمَدَدْتَ يَدَكَ نَحوَهُ، إذَا نَفَضتَ الشَّرَّ مِنْ يَدِكَ، وَلَمْ تَسْمَحْ لِلإثمِ بِأنْ يَسْكُنَ بَيْتَكَ، فَسَتَرْفَعُ وَجْهَكَ دُونَ خَجَلٍ مِنْ عَيْبٍ، وَسَتَقِفُ آمِنًا بِلَا خَوفٍ. لِأنَّكَ سَتَنْسَى ضِيقَكَ، وَلَنْ تَذْكُرَهُ إذْ سَيَكُونُ كَميَاهٍ جَارِيَةٍ تَعْبُرُ. سَتَسْطِعُ الحَيَاةُ أكْثَرَ مِنْ شَمْسِ الظَّهِيرَةِ، وَتَكُونُ ظُلمَتُهَا كَنُورِ الصَّبَاحِ. وَتَطْمَئِنُّ لِأنَّ لَكَ رَجَاءً، تَنْظُرُ حَوْلَكَ وَتَنَامُ دُونَ هَمٍّ. وَعِنْدَمَا تَضْطَجِعُ، لَنْ يُرْهِبَكَ أحَدٌ. سَيطلُبُ عَونَكَ كَثِيرُونَ. أمَّا عُيُونُ الأشْرَارِ فَتَبْلَى. لَنْ يَجِدُوا مَهْرَبًا، وَرَجَاؤُهُمُ الأخِيرُ يَمْضِي كَالرِّيحِ.» فَأجَابَ أيُّوبُ: «لَا بُدَّ أنَّكُمْ أهْلُ الحِكْمَةِ. وَتَمُوتُ الحِكْمَةُ بِمَوْتِكُمْ! لَكِنْ لِي أنَا أيْضًا عَقلٌ مِثْلَكُمْ، فَلَسْتُ أقِلَّ مِنْكُمْ. فَمَنْ لَا يَعْرِفُ هَذَا الَّذِي تَقُولُونَهُ؟ «هَا قَد أصبَحْتُ أُضْحُوكَةً لِأصدِقَائِي. يَقُولُونَ دَعَا اللهَ، فَاسْتَجَابَ إلَيْهِ بِالآلَامِ. فَهَا هُوَ البَّارُّ وَالمُسْتَقِيمُ يُصْبِحُ أُضْحُوكَةً. فَالَّذِينَ يَعِيشُونَ حَيَاةً هَانِئَةً، يَسْتَخِفُّونَ بِمَصَائِبِ الآخَرِينَ، يَضْرِبُونَ الإنْسَانَ بَعْدَ أنْ يَسْقُطَ! بُيُوتُ اللُّصُوصِ تَسْلَمُ، وَالَّذِينَ يُغِيظُونَ اللهَ يَعِيشُونَ بِأمَانٍ! مَعَ أنَّ مَصَائِرَهُمْ فِي يَدِ اللهِ! «اسْألِ البَهَائِمَ فَتُعَلِّمَكَ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَسَتُخبِرَكَ. أوْ حَدِّثِ الأرْضَ فَتُرشِدَكَ، أوْ سَمَكَ البَحْرِ فَيَرْوِيَ لَكَ. مَنْ مِنْهَا لَا يَعْرِفُ أنَّ يَدَ اللهِ هِيَ الَّتِي فَعَلَتْ هَذَا بِكَ، فَهُوَ يَتَحَكَّمُ بِنَفَسِ كُلِّ شَيءٍ حَيٍّ، وَبِرُوحِ كُلِّ بَشَرٍ. ألَا تَزِنُ الأُذُنُ الكَلَامَ، كَمَا يَفْحَصُ اللِّسَانُ الطَعَامَ؟ هَلِ الحِكْمَةُ لِلشُّيُوخِ، وَالفَهُمُ لِمَنْ يَعِيشُونَ طَوِيلًا؟ بَلِ الحِكْمَةُ وَالقُوَّةُ للهِ، لَهُ الحُكْمُ الصَّائِبُ وَالفَهْمُ. إذَا هَدَمَ، فَلَا أحَدَ يَبْنِي. إذَا أغلَقَ عَلَى أحَدٍ، فَلَا أحَدَ يَفْتَحُ. إذَا حَجَزَ المَطَرَ، يَجِفُّ كُلَّ شَيءٍ، وَإذَا أرْسَلَهُ، فَإنَّهُ يَغْمُرُ الأرْضَ. لَهُ القُوَّةُ وَالحِكْمَةُ. الرَّابِحُونَ وَالخَاسِرُونَ كُلُّهُمْ للهِ. يَنْزِعُ الحِكْمَةَ مِنَ النَّاصِحِينَ، وَيَجْعَلُ القُضَاةَ يَبْدُونَ كَحَمقَى. يَنْزِعُ قُوَّةَ المُلُوكِ، وَيُطَوِّقُهُمْ بِقُيُودٍ. يَنْزِعُ قُوَّةَ الكَهَنَةِ، وَيُنزِلُ ذَوِي المَرَاكِزِ الَّتِي يَظُنُّونَهَا خَالِدَةً. يُخْرِسُ النَّاصِحِينَ المُؤتَمَنِينَ، وَيَنْزِعُ حُسْنَ التَمْيِيزِ مِنَ الشُّيُوخِ. يَسْكُبُ الخَجَلَ عَلَى النُّبَلَاءِ، وَيَنْزِعُ قُوَّةَ الأقوِيَاءِ. يَكْشِفُ أعمَقَ أسرَارِ الظُلمَةِ، وَيُعلِنَ مَا هُوَ مُظلِمٌ كَالمَوْتِ. يُقَوِّي الأُمَمَ، ثُمَّ يُدَمِّرُهَا، يُوَسِّعُ حُدُودَ البِلَادِ، ثُمَّ يُشَتِّتُ شُعُوبَهَا. يَنْزِعُ فَهْمَ قَادَةِ شَعْبِ الأرْضِ، وَيُضِلُّهُمْ فِي أرْضٍ قَاحِلَةٍ بِلَا طَرِيقٍ. فَيَدُورُونَ كَالسُّكَارَى، يَتَلَمَّسُونَ طَرِيقَهُمْ فِي الظُّلمَةِ دُونَ نُورٍ. «هَا قَدْ رَأتْ عَيْنِي هَذَا كُلَّهُ، وَسَمِعَتْهُ أُذُنِي وَفَهِمَتْهُ. فَأنَا أعْرِفُ مَا تَعْرِفُونَ، فَلَسْتُ دُونَكُمْ. غَيْرَ أنِّي أوَدُّ أنْ أتَحَدَّثَ إلَى القَدِيرِ، وَأُحَاجِجَهُ بِشَأنِ قَضِيَّتِي. لَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أنْ تَسْتُرُوا جَهلَكُمْ بِالكَذِبِ، كُلُّكُمْ أطِبَّاءٌ عَاجِزُونَ. لَيتَكُمْ تَصْمِتُونَ! فَيَكُونُ هَذَا أحكَمَ شَيءٍ تَفْعَلُونَهُ! «اسْمَعُوا رَأيِي، وَانتَبِهُوا لِلحُجَجِ الَّتِي سَأطرَحُهَا. هَلْ تَكْذِبُونَ لِأجْلِ اللهِ، وَتَتَحَدَّثُونَ بِالغِشِّ لِمَصلَحَتِهِ؟ هَلْ تَتَمَلَّقُونَ اللهَ، وَتُدَافِعُونَ عَنْ قَضِيَّتِهِ؟ إنْ فَحَصَكُمُ اللهُ، أيَقُولُ إنَّكُمْ عَلَى صَوَابٍ؟ أمْ تَسْتَطِيعُونَ خِدَاعَهُ كَمَا يَخْدَعُ البَشَرُ أحَدُهُمُ الآخَرَ؟ لَا شَكَّ فِي أنَّهُ سَيُؤَدِّبُكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُتَحَيِّزِينَ فِي السِّرِّ. ألَا يُرعِبُكُمْ حِينَ يَنْهَضُ؟ ألَا تَخَافُونَهُ؟ حَفِظتُمْ أمثَالًا تَافِهَةً كَالرَّمَادِ تُجَادِلُونَ بِهَا، وَأجوِبَتُكُمْ هَشَّةٌ كَالطِّينِ. «اصمُتُوا وَدَعُونِي أتَكَلَّمْ، وَلِيَحْدُثْ لِي مَا يَحْدُثُ. لِمَاذَا أُخَاطِرُ بِحَيَاتِي، وَأضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟ هَلْ سَيَقْتُلُنِي اللهُ؟ حَتَّى لَوْ فَعَلَ، فَرَجَائِي فِيهِ. غَيْرَ أنِّي سَأُدَافِعُ عَنْ نَفْسِي أمَامَ وَجْهِهِ. فَهُوَ نَفْسُهُ سَيُخَلِّصُنِي، لِأنَّ الفَاجِرَ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَقِفَ أمَامَهُ. انتَبِهُوا لِمَا أقُولُ، وَاصْغُوا لِمَا أُخبِرُكُمْ بِهِ. هَا أنَا قَدْ أعدَدتُ دِفَاعِي، وَأنَا أعْلَمُ أنِّي سَأُبَرَّأُ. فَمَنْ يُثبِتُ تُهمَةً عَلَيَّ؟ فَإنْ فَعَلَ فَإنِّي سَأخرَسُ وَأمُوتُ. «لَكِنِّي أسألُكَ أنْ لَا تَفْعَلَ أمرَينَ بِي، حِينَئِذٍ، لَنْ أختَبِئَ مِنْكَ. أبْعِدْ يَدَكَ عَنِّي، وَتَوَقَّفْ عَنْ تَرْهِيبِي بِخَوفِكَ. ادْعُنِي وَأنَا سَأُجِيبُ. أوْ دَعْنِي أتَكَلَّمْ، وَأجِبْ أنْتَ. كَمْ هِيَ ذُنُوبِي وَخَطَايَايَ؟ أرِنِي أيْنَ جَرِيمَتِي وَخَطِيَّتِي. لِمَاذَا تُخفِي عَنِّي وَجْهَكَ، وَتَعْتَبِرُنِي عَدُوَّكَ؟ أتُرعِبُ وَرَقَةً تَحْمِلُهَا الرِّيحُ، أمْ تُطَارِدُ قَشَّةً يَابِسَةً؟ لِأنَّكَ كَتَبْتَ تُهَمًا لَاذِعَةً ضِدِّي، وَجَعَلتَنِي أُعَانِي بِسَبَبِ آثَامِ شَبَابِي. تُقَيِّدُ قَدَمَيَّ بِالحَدِيدِ وَالخَشَبِ، تُرَاقِبُ كُلَّ مَكَانٍ أذهَبُ إلَيْهِ، وَتُرَاقِبُ كُلَّ خُطوَةٍ أخطُوهَا. وَأنَا أتلَفُ كَشَيءٍ عَفِنٍ، كَثَوبٍ يَأْكُلُهُ العُثُّ. «الإنْسَانُ المَولُودُ مِنِ امْرأةٍ حَيَاتُهُ قَصِيرَةٌ وَمَليئَةٌ بِالشَّقَاءِ. كَزَهرَةٍ تَنْمُو حَيَاةُ الإنْسَانِ ثُمَّ تَذْوِي، وَتَهْرُبُ كَظِلٍّ لَا يَدُومُ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَأنْتَ، يَا اللهُ، تَفْتَحُ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ، وَتَقُودُنِي إلَى المُحَاكَمَةِ مَعَكَ. «مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَجْعَلَ النَّجِسَ طَاهِرًا؟ لَا أحَدُ! مَا دَامَت أيَّامُ حَيَاتِهِ مُحَدَّدَةٌ سَلَفًا، وَطُولُ عُمرِهِ مَعلُومًا لَدَيكَ، فَلَا يُمْكِنُ أنْ يَتَغَيَّرَ. أبْعِدْ عَيْنَيْكَ عَنْهُ وَدَعْهُ وَشَأنَهُ، لِكَي يَتَمَتَّعَ بِحَيَاتِهِ كَمَا يَفْعَلُ الأجِيرُ. «لِلشَّجَرَةِ رَجَاءٌ. إنْ قُطِعَتْ فَإنَّهَا تَنْمُو مِنْ جَدِيدٍ، وَأغْصَانُهَا تَظَلُّ تَنْبُتُ. وَإذَا شَاخَ فِي الأرْضِ جِذْرُهَا، وَمَاتَ فِي التُّرَابِ جِذعُهَا، فَبِالمَاءِ القَلِيلِ تَعُودُ فَتُزْهِرُ، وَتُنتِجُ أغْصَانًا كَنَبْتَةٍ جَدِيدَةٍ. أمَّا الإنْسَانُ فَيَضْعُفُ وَيَمُوتُ. يَفْقِدُ الإنْسَانُ صِحَّتَهُ، فَأينَ يَكُونُ عِنْدَ ذَلِكَ؟ تَنْفَدُ المِيَاهُ مِنْ بُحَيرَةٍ، وَيَنْشَفُ النَّهرُ مِنْ مَصْدَرِهِ. هَكَذَا أيْضًا يَضْطَجِعُ الإنْسَانُ وَلَا يَنْهَضُ. فَلَنْ يَسْتَيْقِظَ المَوْتَى أوْ يَقُومُونَ مِنْ نَومِهِمْ، إلَّا حِينَ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ. «لَيتَكَ تَخْفِينِي فِي الهَاوِيَةِ، وَتُخَبِّئُنِي حَتَّى يَهْدَأ غَضَبُكَ. لَيتَكَ تُحَدِّدُ لِي وَقْتًا تَذْكُرُنِي فِيهِ. إنْ مَاتَ إنْسَانٌ، فَهَلْ يَحيَا ثَانِيَةً؟ إذًا سَأنتَظِرُ كُلَّ أيَّامِ جُندِيَّتِي، حَتَّى يأتِيَ إعفَائِي. سَتَدْعُونِي فَأُلَبِّي، فَأنْتَ تَشتَاقُ إلَى عَمَلِ يَدَيْكَ. حِينَئِذٍ، سَتُرَاقِبُ خُطُواتِي، وَلَنْ تَتَرَصَّدَ خَطَايَايَ. سَتَضَعُ خَطِيَّتِي فِي كِيسٍ مَختُومٍ، وَسَتَسْتُرُ إثمِي فَلَا تَرَاهُ. «لَكِنْ كَمَا يَسْقُطُ جُزءٌ مِنَ الجَبَلِ وَيُجرَفُ، وَكَمَا تُزَحْزَحُ الصَّخرَةُ مِنْ مَكَانِهَا، وَكَمَا تَتَآكَلُ الحِجَارَةُ بِالمَاءِ، وَتَغْسِلُ السُّيُولُ تُرَابَ الأرْضِ، هَكَذَا تُدَمِّرُ يَا اللهُ رَجَاءَ الإنْسَانِ الفَانِي. تَهْزِمُهُ وَتَنْتَصِرُ عَلَيْهِ، فَيَمْضِي. تُرسِلُهُ إلَى المَوْتِ بَعْدَ أنْ غَيَّرتِ الهَزِيمَةُ وَجْهَهُ! إذَا أُكْرِمَ أبْنَاؤُهُ، فَإنَّهُ لَا يَعْلَمُ، وَإذَا ذَلُّوا، فَإنَّهُ لَا يَدْرِي. غَيْرَ أنَّ جَسَدَهُ يَتَألَّمُ، وَلَا يَنُوحُ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ.» فَأجَابَ ألِيفَازُ التَّيمَانِيُّ: «أيُجِيبُ الحَكِيمُ بِكَلَامٍ فَارِغٍ؟ بَطنُهُ مَلِيءٌ بِالهَوَاءِ. هَلْ يُجَادِلُ بِكَلَامٍ لَا يُفِيدُ، وَبِأقْوَالٍ لَا تَنْفَعُ؟ فَإنَّكَ تُبعِدُ النَّاسَ عَنِ مَخَافَةِ اللهِ، وَتُعِيقُ التَّأمُّلَ فِي حَضْرَتِهِ. فَمُكَ يُظهِرُ ذَنبَكَ، لِأنَّ لِسَانَكَ يَختَارُ الكَلِمَاتِ بِاحتِيَالٍ. فَمُكَ يَدِينُكَ، لَا أنَا. إذْ تَشْهَدُ عَلَيْكَ شَفَتَاكَ. «أأنْتَ أوَّلُ المَولُودِينَ مِنَ البَشَرِ؟ هَلْ خُلِقْتَ قَبْلَ التِّلَالِ؟ هَلْ كُنْتَ حَاضِرًا تَسْمَعُ مَشُورَةَ اللهِ؟ هَلِ الحِكْمَةُ مَقصُورَةٌ عَلَيْكَ؟ مَا الَّذِي تَعْرِفُهُ أنْتَ وَلَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ، مَا الَّذِي تَفْهَمُهُ أنْتَ وَلَا نَفهَمُهُ نَحْنُ؟ بَيْنَنَا الأشيَبُ وَالعَجُوزُ، وَهُوَ أكبَرُ سِنًّا مِنْ أبِيكَ. هَلْ تَسْتَخِفُّ بِتَعْزِيَاتِ اللهِ لَكَ، وَالكَلِمَاتِ الرَّفِيقَةِ بِكَ؟ لِمَاذَا تَسْمَحُ لِقَلْبِكَ بِأنْ يَأْخُذَكَ بَعِيدًا، حَتَّى إنَّ عَيْنَيْكَ تُظهِرَانِ ذَلِكَ؟ إنَّكَ تَنْقَلِبُ عَلَى اللهِ، وَتُطلِقُ مِثْلَ هَذِهِ الأقْوَالَ مِنْ فَمِكَ. «مَا هُوَ الإنْسَانُ لِيَكُونَ طَاهِرًا، أوِ المَولُودُ مِنَ المَرْأةِ لِيَكُونَ بَارًّا، فَاللهُ لَا يَتَّكِلُ عَلَى مَلَائِكَتِهِ المُقَدَّسِينَ، حَتَّى السَّمَاوَتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ فِي عَيْنَيْهِ. فَكَمْ بِالحِرِيِّ يَكُونُ ذَلِكَ الإنْسَانُ المَكرُوهُ الفَاسِدُ، الَّذِي يَشْرَبُ الإثمَ كَالمَاءِ. «سَأُفْهِمُكَ قَصدِي، فَاسْتَمِعْ إلَيَّ. لَقَدْ رَأيْتُ هَذَا، فَدَعْنِي أُخبِرُكَ عَنْهُ. هُوَ شَيءٌ قَالَهُ الحُكَمَاءُ، وَلَمْ يُخْفِهِ آبَاؤُهُمْ عَنْهُمْ. أُعْطِيَتِ الأرْضَ لَهُمْ وَحدَهُمْ. وَلَمْ يَعْبُرْ غَرِيبٌ طَرِيقَهُمْ. يَتَلَوَّى الشِّرِّيرُ طَوَالَ حَيَاتِهِ ألَمًا، كَذلِكَ الظَّالِمُ يُعَانِي كُلَّ حَيَاتِهِ. يَتَخَيَّلُ أصْوَاتَ الرُّعبِ فِي أُذُنَيهِ، وَفِي وَقْتِ سَلَامِهِ، يَأْتِيهِ الغُزَاةُ. لَا رَجَاءَ لَهُ فِي أنْ يَعُودَ مِنَ الظُّلمَةِ، وَهُنَاكَ سَيفٌ بِانْتِظَارِهِ. سَيُلقَى بِهِ طَعَامًا لِلنُّسُورِ، وَهُوَ يَعْرِفُ أنَّ يَوْمَ الظُلمَةِ قَرِيبٌ. يُرعِبُهُ البَلَاءُ وَالضِّيقُ، وَيُرْهَبَانِهِ كَمَلِكٍ يَتَهَيَّأُ لِلهُجُومِ. لِأنَّهُ مَدَّ يَدَهُ ضِدَّ اللهِ، وَوَاجَهَ القَدِيرَ بِوَقَاحَةٍ. بِعِنَادٍ هَاجَمَهُ، وَبِدِرْعٍ تَقَدَّمَ ضِدَّهُ. فَمَعْ أنَّهُ تَغَطَّى وَجْهُهُ وَخَاصِرَتَاهِ مِنَ الشَّحْمِ، سَيَسْكُنُ مُدُنَ الأشْبَاحِ، فِي بُيُوتٍ مَهجُورَةٍ مَصِيرُهَا أكْوَامٌ مِنْ حُطَامٍ. لِهَذَا لَنْ يَكُونَ الشِّرِّيرُ غَنِيًّا فِيمَا بَعْدُ، وَقُوَّتُهُ لَنْ تَدُومَ، وَمَمتَلَكَاتُهُ لَنْ تَمْتَدَّ فِي الأرْضِ. لَنْ يَجِدَ مَهرَبًا مِنَ الظُلمَةِ، وَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ يَبَّسَ المَرَضُ أغْصَانَهَا، وَطَيَّرَتِ الرِّيَاحُ أوْرَاقَهَا. لَا يَنْبَغِي أنْ يَتَّكِلَ عَلَى أُمُورٍ فَارِغَةٍ، فَيَخْدَعَ نَفْسَهُ. لِأنَّ الفَرَاغَ سَيَكُونُ مُكَافَأتَهُ. وَسَيَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِهِ، كَشَجَرَةٍ اصفَرَّتْ قِمَّتُهَا. وَيَكُونُ كَكَرمَةٍ تَفْقِدُ عِنَبَهَا قَبْلَ نُضْجِهِ، أوْ كَزَيْتُونَةٍ تُسْقِطُ بَرَاعِمَهَا. لِأنَّ الأشرَارَ الفَاسِدِينَ عَقِيمُونَ لَا ثَمَرَ لَهُمْ، وَالنَّارَ تَأْكُلُ المُتَعَامِلِينَ بِالرِّشوَةِ. لِأنَّهُمْ يَحْبَلُونَ ضِيقًا، وَيَلِدُونَ شَرًّا، وَبُطُونُهُمْ تَلِدُ خِدَاعًا.» فَأجَابَ أيُّوبُ: «استَمَعتُ إلَى هَذِهِ الأفكَارِ كُلَّهَا، وَكُلُّكُمْ مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ. أمَا مِنْ نِهَايَةٍ لِهَذَا الكَلَامِ الفَارِغِ؟ فَمَا الَّذِي يُزعِجُكُمْ فَتُضْطَرُّونَ لِلكَلَامِ؟ لَوْ كَنتُمْ مَكَانِي، لَكُنْتُ أسْتَطِيعُ أنَا أيْضًا أنْ أتَكَلَّمَ مِثْلَكُمْ. أُهَاجِمُكُمْ بِالِاتِّهَامَاتِ، وَأهُزُّ رَأسِي لَكُمْ. «لَكِنِّي كُنْتُ سَأُشَجِّعُكُمْ بِكَلِمَاتِي، وَأُخَفِّفُ أوجَاعَكُمْ بِكَلَامٍ مُعَزٍّ. «إنْ تَكَلَّمْتُ، لَا يَخِفُّ ألَمِي، وَإنِ امتَنَعْتُ عَنِ الكَلَامِ، لَا يَتَوَقَفُ. هَا هُوَ اللهُ يُضعِفُنِي، ألَمْ تُدَمِّرْ يَا اللهُ كُلَّ أهْلِي؟ مَلأتَ وَجْهِي بِالتَّجَاعِيدِ، فَصَارَ هَذَا شَاهِدًا ضِدِّي. قَامَ جِسْمِي الهَزِيلُ لِيَشْهَدَ عَنْ ذَنبِي. «يُهَاجِمُنِي فِي غَضَبِهِ وَيُمَزِّقُنِي، وَهُوَ يَصِّرُّ بِأسنَانِهِ عَلَيَّ. وَيَنْظُرُ إلَيَّ عَدُوِّي بِكُرْهٍ. يَفْتَحُ النَّاسُ أفوَاهَهُمْ لِيَفْتَرِسُونِي. لَطَمُونِي عَلَى وَجْهِي استِهزَاءً، وَاصطَفُّوا مَعًا ضِدِّي. أسلَمَنِي اللهُ إلَى الشِّرِّيرِ، وَرَمَانِي بَيْنَ يَدَي الأشْرَارِ. كُنْتُ مُرتَاحًا فَحَطَّمَنِي. أمسَكَ بِرَقَبَتِي وَكَسَّرَنِي تَكْسِيرًا. نَصَبَنِي لَهُ هَدَفًا، وَأحَاطَ بِي رُمَاةُ سِهَامِهِ. شَقَّ كُلْيَتَيَّ شَقًّا دُونَ شَفَقَةٍ. يَسْكُبُ مَرَارَتِي عَلَى الأرْضِ. يَسْحَقُنِي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَيَهْجُمُ عَلَيَّ كَمُقَاتِلٍ. «لَبِستُ خَيْشًا عَلَى جِلْدِي، وَمَرَّغتُ كِبرِيَائِي فِي التُّرَابِ. احمَرَّ وَجْهِي مِنَ البُكَاءِ، وَبَدَتْ حَوْلَ عَينَيَّ دَوَائِرُ سَودَاءُ. مَعَ أنَّ يَدَيَّ لَمْ تُسِيئَا لِأحَدٍ، وَصَلَاتِي نَقِيَّةٌ. «لَا تُغَطِّي دَمِي يَا أرْضُ، وَلَا تَمْنَعِي صَرَخَاتِي مِنْ أنْ تُسمَعَ. الآنَ يُوجَدُ شَاهِدٌ فِي السَّمَاءِ، وَدَلِيلُ بَرَاءَتِي فِي الأعَالِي. صَاحِبِي يُدَافِعُ عَنِّي، بَيْنَمَا تَذْرِفُ عَيْنَايَ الدُمُوعَ للهِ. سَيُحَاجِجُ عَنِّي فِي حَضْرَةِ اللهِ، كَإنْسَانٍ يُدَافِعُ عَنْ صَدِيقِهِ. «لِأنَّهُ بَعْدَ سَنَوَاتٍ قَلِيلَةٍ، سَأمضِي فِي طَرِيقٍ لَا أعُودَ مِنْهَا. «رُوحِي مُكَبَّلَةٌ، وَحَيَاتِي مُطفَأةٌ، وَالقَبرُ فِي انتِظَارِي. يَهْزَأُ الجَمِيعُ بِي، وَأنَا أُرَاقِبُ هُجُومَهُمْ عَلَيَّ بِشَرَاسَةٍ. «كُنْ أنْتَ ضَامِنِي عِنْدَكَ، فَمَنْ غَيرُكُ يَرْضَى أنْ يُصَافِحَ يَدِي؟ لِأنَّكَ أغلَقتَ عُقُولَ أصْحَابِي لِئَلَّا يَفْهَمُوا، فَلَا تَدَعْهُمْ يَرْفَعُونَ أنْفُسَهُمْ عَلَيَّ. مَعَ أنَّهُ يُقَالُ: ‹الصَّاحِبُ يَدْعَمُ أصْحَابَهُ، حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ عُيُونُ أوْلَادِهِ بُكَاءً!› جَعَلَنِي اللهُ أُمثُولَةً لِشُعُوبِ الأرْضِ، وَعَيَّنَ وَجْهِي لِلبُصَاقِ. ضَعُفَتْ عَيْنَايَ مِنَ الحُزنِ. وَصَارَتْ أعضَاءُ جَسَدِي هَزِيلَةً كَالظِّلِّ. صُدِمَ المُسْتَقِيمُونَ مِنْ حَالَتِي، وَانْزَعَجَ البَريءُ مِنَ الشِّرِّيرِ. يَتَمَسَّكُ الصَّالِحُ بِطَرِيقِهِ، وَيَزدَادُ طَاهِرُ اليَدَينِ قُوَّةً. «لَكِنْ عُودُوا جَمِيعًا لِمُهَاجَمَتِي، فَلَنْ أجِدَ شَخْصًا حَكِيمًا بَيْنَكُمْ. انقَضَتْ حَيَاتِي، وَتَمَزَّقَتْ أحْلَامِي، وَزَالَ رَجَائِي. انقَلَبَتْ حَيَاتِي. فَصَارَ اللَّيلُ نَهَارًا، وَالمَسَاءُ فَجرًا. «إذِ اشتَهَيتُ الهَاوِيَةَ بَيْتًا لِي، وَأنْ أجْعَلَ سَرِيرِي فِي الظَّلَامِ. إذْ قُلْتُ لِلهَاوِيَةِ: أنْتِ أبِي، وَلِلدُّودَةِ: أنْتِ أُمِّي أوْ أُختِي، فَأينَ يَكُونُ رَجَائِي إذًا؟ وَمَنْ سَيَرى آمَالِي بَعْدِي؟ هَلْ سَيَهْبِطُ رَجَائِي مَعِي إلَى مَدْخَلِ الهَاوِيَةِ، أمْ سَيُدفَنُ مَعِي فِي التُّرَابِ؟» فَأجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ: «حَتَّى مَتَى تُواصِلُونَ مِثْلَ هَذَا الكَلَامِ؟ تَعَقَّلُوا، وَسَنَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ. لِمَاذَا تَعْتَبِرُنَا كَقَطِيعٍ مِنَ البَهَائِمِ؟ لِمَاذَا نَحْنُ أغبِيَاءُ فِي نَظَرِكَ؟ أنْتَ مَنْ يُؤذِي نَفْسَهُ فِي غَضَبِهِ. فَهَلْ سَتُهْجَرُ الأرْضُ بِسَبَبِكَ؟ أمْ هَلْ سَتَتَحَرَّكُ تَلَّةٌ مِنْ مَكَانِهَا لِأجْلِكَ؟ «نَعَمْ، يَنْطَفِئُ نُورُ الأشْرَارِ، فَلَا تَعُودُ ألسِنَةُ نَارِهِمْ تَسْطَعُ. نُورُ بَيْتِهِمْ مُظلِمٌ، وَالسِّرَاجُ فَوقَهُ مُطفَأٌ. تَتَقَيَّدُ خُطُواتُهُمُ القَوِيَّةُ، وَتُسقِطُهُمْ خُطَطُهُمْ. تَدُوسُ أقْدَامُهُمُ المِصيَدَةَ فَيَقَعُونَ فِيهَا، وَيَمْشُونَ فَوْقَ فَخٍّ مَخْفِيٍّ. تُمسِكُ المِصيَدَةُ بِأرجُلِهِمْ، وَتُطْبِقُ الشَّبَكَةُ عَلَيْهِمْ. فَالشَّرَكُ مُخَبَّأٌ فِي الأرْضِ، فَخُّهُمْ مُخَبَّأٌ عَلَى الطَّرِيقِ. تُرعِبُهُمُ المَصَائِبُ مِنْ حَوْلِهِمْ وَتُطَارِدُ كُلَّ خُطُوَاتِهِمْ. الضِّيقَاتُ جَائِعَةٌ لِالتِهَامِهِمْ، وَالمُصِيبَةُ جَاهِزَةٌ لِعَثْرَتِهِمْ. يَأْكَلُ المَرَضُ جِلْدَهُمْ، وَيَلْتَهِمُ المَوْتُ أطرَافَهُمْ. أُبعِدُوا عَنْ حِصنِهِمُ الأمِينِ، وَاقتِيدُوا لِمُلَاقَاةِ المَوْتِ مَلِكِ الأهْوَالِ. لَا يَبْقَى شَيءٌ فِي بُيُوتِهِمْ، وَتَنهَالُ نَارُ الكِبرِيتِ عَلَى مَسَاكِنِهِمْ. تَجِفُّ جُذُورُهُمْ تَحْتَ الأرْضِ وَتَذْبُلُ غُصُونُهُمْ مِنْ فَوقُ. لَا يَذْكُرُهُمْ أحَدٌ فِي الأرْضِ، وَلَا تُذْكَرُ أسْمَاؤُهُمْ فِي الطُّرُقَاتِ. يُطَارَدُونَ مِنَ النُّورِ إلَى ظُلمَةِ المَوْتِ، وَيُطرَدُونَ مِنْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ. لَا نَسْلَ لَهُمْ وَلَا أوْلَادَ بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ، وَلَا يَنْجُو لَهُمْ أحَدٌ فِي مَوضِعِ سُكنَاهُمْ. يَرْتَعِبُ أهْلُ الغَرْبِ مِمَّا حَدَثَ لَهُمْ فِي يَوْمِ عِقَابِهِمْ، وَيَشُلُّ الرُّعبُ أهْلَ الشَّرْقِ. إنَّمَا هَذَا مَصِيرُ الأشْرَارِ، وَهَذَا نَصِيبُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ.» فَأجَابَ أيُّوبُ: «إلَى مَتَى تُعَذِّبُونَنِي. وَتَسْحَقُونَنِي بِكَلَامِكُمْ؟ أهَنتُمُونِي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ! وَأسأتُمْ إلَيَّ بِلَا خَجَلٍ. فَحَتَّى لَوْ أخْطَأتُ، فَخَطَيَّتِي عَلَيَّ أنَا. إنْ كُنْتُمْ تَحْسِبُونَ أنْفُسَكُمْ أفْضَلَ مِنِّي، وَتَسْتَخْدِمُونَ ذُلِّي حُجَّةً ضِدِّي، فَاعلَمُوا أنَّ اللهَ أوْقَعَنِي فِي الخَطَأِ وَحَاصَرَنِي بِفَخِّهِ. أصرُخُ مِنَ الظُّلْمِ وَمَا مِنْ مُجِيبٍ، وَأستَغِيثُ وَمَا مِنْ عَدلٍ. سَدَّ طَرِيقِي، فَلَا أسْتَطِيعُ المُرُورَ، وَأظلَمَ كُلَّ طُرُقِي. جَرَّدَنِي مِنْ مَجْدِي، وَأزَالَ التَّاجَ عَنْ رَأسِي. يَهْدِمُنِي مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ، فَيُقضَى عَلَيَّ، وَيُقلَعُ رَجَائِي كَمَا تُقلَعُ الشَّجَرَةُ. أشعَلَ ضِدِّي غَضَبَهُ، وَاعتَبَرَنِي عَدُوًّا لَهُ. تَتَقَدَّمُ قُوَّاتُهُ مَعًا وَتَسُدُّ طَرِيقِي، وَتُعَسكِرُ حَوْلَ بَيْتِي. «أبعَدَ عَنِّي إخْوَتِي، وَأصبَحَ أصدِقَائِي غُرَبَاءَ عَنِّي. تَرَكَنِي أقرِبَائِي، وَأصدِقَائِي نَسَوْنِي. ضُيُوفُ بَيْتِي وَخَادِمَاتِي يَنْظُرُونَ إلَيَّ كَغَرِيبٍ. صِرتُ أجنَبِيًّا فِي عُيُونِهِمْ! أُنَادِي خَادِمِي، فَلَا يُجِيبُ. حَتَّى لَوْ تَوَسَّلْتُ إلَيْهِ. زَوْجَتِي تَكْرَهُ رَائِحَتِي، وَصِرتُ مَكرُوهًا حَتَّى عِنْدَ إخْوَتِي. حَتَّى الصِّغَارُ يَكْرَهُونَنِي. أقِفُ فَيَتَكَلَّمُونَ عَلَيَّ. أصدِقَائِي الحَمِيمُونَ كُلُّهُمْ يَنْفُرُونَ مِنِّي. انْقَلَبَ عَلَيَّ الَّذِينَ أحبَبتُهُمْ. «التَصَقَتْ عِظَامِي بِجِلْدِي وَلَحْمِي، وَبِالكَادِ نَجَوْتُ بِجِلْدِي. «أشْفِقُوا عَلَيَّ يَا أصدِقَائِي، أشْفِقُوا لِأنَّ يَدَ اللهِ قَدْ ضَرَبَتْنِي. لِمَاذَا تُطَارِدُونَنِي كَمَا يَفْعَلُ اللهُ؟ ألَمْ تَكْتَفُوا مِنَ الهُجُومِ عَلَيَّ؟ «لَيْتَ كَلِمَاتِي تُكتَبُ، وَتُحفَظُ فِي كِتَابٍ. لَيتَهَا تُنقَشُ فِي صَخرَةٍ إلَى الأبَدِ بِقَلَمِ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ. لِأنِّي أعْلَمُ أنَّ فَادِيَّ حَيٌّ، وَسَيَقُفُ هُنَا عَلَى الأرْضِ لِلدِّفَاعِ عَنِّي فِي النِّهَايَةِ. فَحَتَّى بَعْدَ أنْ أتْرُكَ جَسَدِي، وَيَفْنَى جِلْدِي، أعْلَمُ أنني سأرَى الله. أرَاهُ بِنَفْسِي، وَتَنْظُرُهُ عَيْنَايَ لَا عَينَا غَيرِي. أتُوقُ إلَى هَذَا مِنْ أعْمَاقِي. «تَتَسَاءَلُونَ: ‹كَيْفَ نُضَايِقُهُ أكْثَرَ، لِيَعْلَمَ أنَّ المُشكِلَةَ فِيهِ؟› لَكِنِ احذَرُوا مِنَ السَّيْفِ، لِأنَّ غَضَبَكُمْ إثمٌ يَسْتَوْجِبُ السَّيْفَ، لِكَي تَعْلَمُوا أنَّ هُنَاكَ دَينُونَةً.» فَأجَابَ صُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ: «هَا إنَّ أفكَارِي المُضطَرِبَةَ تَجْعَلُنِي أُجِيبُكَ، بِسَبَبِ هَيَاجٍ فِي دَاخِلِي. أسمَعُ فِي كَلَامِكَ لنَا إهَانَةً. سَأرُدُّ عَلَيْكَ بِرُوحِ فَهمِي. «أمَا عَلِمْتَ أنَّ الأُمُورَ هِيَ هَكَذَا مُنْذُ القَدِيمِ، مُنْذُ أنْ وُجِدَ الإنْسَانُ عَلَى الأرْضِ؟ أمَا عَلِمْتَ أنَّ هُتَافَ انتِصَارِ الأشْرَارِ لَا يَدُومُ، وَأنَّ فَرَحَ الفَاسِدِينَ إلَى حِينٍ؟ حَتَّى لَوِ ارتَفَعَ كِبرِيَاؤُهُ إلَى السَّمَاوَاتِ وَرَأسُهُ إلَى السَّحَابِ، فَسَيَتَلَاشَى إلَى الأبَدِ كَمَا تَتَلَاشَى فَضَلَاتُهُ. فَيَسألُ الَّذِينَ رَأَوْهُ: ‹أيْنَ هُوَ؟› كَحُلمٍ يَطِيرُ، فَلَا تَجِدُونَهُ، وَكَطَيفِ اللَّيلِ يُطرَدُ. لَا يَعُودُ يَرَاهُ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ، وَلَا يُرَى مَكَانُهُ فِيمَا بَعْدُ. يَسْتَجْدِي أبنَاؤُهُ الفُقَرَاءُ، وَتَرُدُّ يَدَاهُ مَا جَمَعَهُ مِنْ ثَرْوَةٍ. كَانَتْ عِظَامُهُ مَلِيئَةً بِرُوحِ الشَّبَابِ، لَكِنَّهَا سَتَضْطَجِعُ مَعَهُ فِي التُّرَابِ. «فِي فَمِهِ، يَحْلُو مَذَاقُ الشَّرِّ، فَيُخفِيهِ تَحْتَ لِسَانِهِ لِيَسْتَمْتِعَ بِهِ. يَتَمَسَّكُ بِهِ وَلَا يُفلِتُهُ، وَيُبقِيهِ فِي حَنَكِهِ، لَكِنَّ طَعمَهُ يَنْقَلِبُ مُرًّا فِي مَعِدَتِهِ، وَيَكُونُ كَسُّمِّ الأفَاعِي فِي جَوْفِهِ. يَبْتَلِعُ الثَّروَةَ ثُمَّ يَتَقَيّأُهَا، وَيَطْرُدُهَا اللهُ مِنْ مَعِدَتِهِ. يَرْضَعُ سُمَّ الأفَاعِي، فَيَقْتُلُهُ لِسَانُ الأفعَى. لَا يَتَمَتَّعُ بِمَا يَرَى مِنْ أوْدِيَةٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. يَرُدُّ ثِمَارَ تَعَبِهِ، لِأنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى ابتِلَاعِهَا، فَلَا يَفْرَحُ بِنَجَاحِ تِجَارَتِهِ. لِأنَّهُ سَحَقَ المَسَاكِينَ وَتَرَكَهُمْ، وَاغتَصَبَ بَيْتًا لَمْ يَبْنِهِ. «لِأنَّ جُوعَهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ، وَلَا تُخَلِّصُهُ مُشتَهَيَاتُهُ. لَمْ يَتَبَقَّ فُتَاتٌ بَعْدَ أنْ أكَلَ. لِهَذَا لَا يَدُومُ نَجَاحُهُ. فِي قِمَّةِ اكتِفَائِهِ يَتَضَايَقُ، وَتَأْتِيهِ كُلُّ تَعَاسَةٍ. وَيُرسِلُ اللهُ عَلَيْهِ غَضَبَهُ لِيَملأَ بِهِ بَطنَهُ، وَيُمطِرُ الغَضَبَ عَلَيْهِ طَعَامًا. إنْ هَرَبَ مِنْ سِلَاحِ الحَدِيدِ، يَخْتَرِقُهُ سَهمٌ مِنْ نُحَاسٍ. يُسحَبُ السَّهمُ مِنْ ظَهرِهِ، وَرَأسُ السَّهْمِ اللَّامِعِ كَالبَرْقِ مِنْ مَرَارَتِهِ، وَيَهُزُّهُ الرُعْبُ. لَا تَرَى كُنُوزُهُ ضَوْءَ النَّهَارِ، وَتَلْتَهِمُهُ نَارٌ لَمْ يُضْرِمْهَا بَشَرٌ. فَتُدَمِّرُ كُلَّ مَا تَبَقَّى مِنْ بَيْتِهِ. تَكْشِفُ السَّمَاوَاتُ إثمَهُ، وَتَقُومُ الأرْضُ ضِدَّهُ. تُجرَفُ كُلُّ مُقتَنَيَاتِ بَيْتِهِ حِينَ يَفِيضُ غَضَبُ اللهِ. هَذَا نَصِيبُ الشِّرِيرِ مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَمِيرَاثُهُ الَّذِي حَدَّدَهُ اللهُ.» فَأجَابَ أيُّوبُ: «اسْمَعُونِي جَيِّدًا، فَهَكَذَا تُعَزُّونَنِي. احتَمِلُونِي وَدَعُونِي أتَكَلَّمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ استَهْزِئُوا بِي. «شَكوَايَ لَيْسَتْ مِنْ إنْسَانٍ، وَلِهَذَا لَا صَبْرَ لِي. تَفَرَّسُوا فِي وَجْهِي وَاندَهِشُوا، وَضَعُوا أيدِيكُمْ عَلَى أفوَاهِكُمْ. حِينَ أُفَكِّرُ فِي الأمْرِ أرْتَعِبُ، وَيَرْتَجِفُ كُلُّ كِيَانِي. لِمَاذَا يَحيَا الأشرَارُ؟ نَعَمْ! يُعَمِّرُونَ طَوِيلًا وَتَزدَادُ ثَرَوَاتُهُمْ؟ نَسْلُهُمْ قَائِمٌ أمَامَهُمْ، وَيَرَوْنَ أحفَادَهُمْ بِعُيُونِهِمْ. بُيُوتُهُمْ آمِنَةٌ مُطمَئِنَّةٌ، وَاللهُ لَا يُعَاقِبُهُمْ. ثَوْرُ الشِّرِّيرِ يُلْقِحُ وَلَا يَفْشَلُ، وَبَقَرَتُهُ تَلِدُ وَلَا تُجهِضُ. يُطلِقُونَ صِغَارَهُمْ لِيَلْعَبُوا كَالحِمْلَانِ، وَيَرْقُصُ أبنَاؤُهُمْ. يَعْزِفُونَ عَلَى الدُّفِّ وَالقِيثَارَةِ وَيَحْتَفِلُونَ بِالعَزفِ عَلَى النَّايِ. يَقْضُونَ كُلَّ حَيَاتِهِمْ سُعَدَاءَ، وَيَهْبِطُونَ إلَى الهَاوِيَةِ فِي سَلَامٍ. يَقُولُونَ للهِ: ‹دَعنَا! لَا نُرِيدُ أنْ نَعْرِفَ طُرُقَكَ. وَمَنْ هُوَ القَدِيرُ حَتَّى نَعبُدَهُ؟ وَمَاذَا نَنتَفِعُ إنْ صَلَّينَا إلَيْهِ؟› «حَقًّا، خَيرُهُمْ لَيْسَ فِي يَدِهِمْ. لَكِنِّي لَا أقبَلُ نَصِيحَةَ الأشْرَارِ. فَكَثِيرًا مَا يَنْطَفِئُ نُورُ حَيَاةِ الأشْرَارِ، أوْ تُصِيبُهُمْ مَصَائِبُ، أوْ يُخَصِّصُ اللهُ لَهُمْ فِي غَضَبِهِ أوجَاعًا. كَثِيرًا مَا يَكُونُونَ كَالقَشِّ أمَامَ الرِّيحِ، أوْ كَالتِّبْنِ الَّذِي تَحْمِلُهُ العَاصِفَةُ؟ تَقُولُونَ: ‹يَحْفَظُ اللهُ عِقَابَ الشِّرِّيرِ لِأبنَائِهِ.› بَلْ لِيُجَازِهِ هُوَ فَيَعْرِفَ إثمَهُ. لِيَرَ الشِّرِّيرُ دَمَارَهُ بِعَيْنَيْهِ، وَلِيَشْرَبْ مِنْ غَضَبِ القَدِيرِ. لِأنَّهُ مَاذَا يُرِيدُ مِنْ بَيْتِهِ بَعْدَهُ، عِنْدَمَا تَنْقَضِي شُهُورُ حَيَاتِهِ؟ «هَلْ يُعَلِّمُ أحَدٌ اللهَ شَيْئًا، وَهُوَ الَّذِي يَدِينُ أعْلَى النَّاسِ شأنًا؟ يَمُوتُ أحَدُهُمْ فِي قِمَّةِ نَجَاحِهِ مُرتَاحًا مُطمَئِنًّا. أوعِيَتُهُ مَلِيئَةٌ بِاللَّبَنِ، وَمُخُّ عِظَامِهِ مَملُوءٌ حَيَاةً. وَيَمُوتُ آخَرُ بِمَرَارَةِ نَفْسِهِ، دُونَ أنْ يَتَذَوَّقَ خَيْرًا. فَيَضْطَجِعُ الِاثْنَانُ مَعًا فِي التُّرَابِ، وَسَرْعَانَ مَا يُغَطِّيهِمَا الدُّودُ. «أنَا أعْرِفُ أفكَارَكُمْ، وَكَيْفَ تَتَّفِقُونَ لِاتِّهَامي ظُلمًا. تَقُولُونَ: ‹شَتَّانَ بَيْنَ بَيْتِ الشَّرِيفِ، وَبَيْنَ خَيْمَةِ الأشْرَارِ!› «ألَمْ تَسألُوا عَابِرِي السَّبِيلِ؟ قَدْ سَمِعْتُمْ شِهَادَاتِهِمْ: الشِّرِّيرُ يَنْجُو يَوْمَ البَلوَى، وَيُنقَذُ فِي يَوْمِ الغَضَبِ. مَنْ وَاجَهَ الشِّرِّيرَ بِأفْعَالِهِ يَومًا؟ وَمَنْ يُجَازيهِ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ بِالآخَرِينَ؟ يُحمَلُ إلَى المَقَابِرِ، وَيَسْهَرُ حَارِسٌ عَلَى قَبرِهِ لِيَحْرُسَهُ. يُسَرُّ بِتُرَابِ الوَادِي، وَيَمْشِي الجَمِيعُ وَرَاءَ مَوكِبِ جَنَازَتِهِ، وَأمَامَهُ جُمهُورٌ بِلَا عَدَدٍ. «فَكَيْفَ تُعَزُّونَنِي بِكَلِمَاتٍ فَارِغَةٍ، وَأجوِبَتُكُمْ بَعيدَةٌ عَنِ الحَقِّ؟» فَأجَابَ ألِيفَازُ التَّيمَانِيُّ: «هَلْ يَنْفَعُ الإنْسَانُ اللهَ؟ إنَّمَا يَنْفَعُ الحَكِيمُ نَفْسَهُ. هَلْ تُفِيدُ القَدِيرَ إنْ كُنْتَ بَارًّا، أمْ تَعُودُ عَلَيْهِ طُرُقُكَ المُسْتَقِيمَةُ بِالرِّبحِ؟ هَلْ يُوَبِّخُكَ بِسَبَبِ تَقوَاكَ، فَيَدْخُلَ مَعَكَ فِي مُحَاكَمَةٍ؟ ألَيْسَ شَرُّكَ عَظِيمًا؟ ألَيْسَتْ آثَامُكَ بِلَا حَدٍّ؟ لِأنَّكَ تَطْلُبُ رَهنًا مِنْ إخْوَتِكَ بِلَا دَاعٍ، وَتَنْزِعُ ثِيَابَ العُرَاةِ. لَا تُعطِي المُتعَبَ مَاءً لِيَشْرَبَ، وَتَمْنَعُ الطَعَامَ عَنِ الجِيَاعِ. الأرْضُ لِلقَوِيِّ، وَالثَرِيُّ يَسْكُنُ فِيهَا. تُرسِلُ الأرَامِلَ فَارِغَاتِ الأيدِي، وَتَسْحَقُ قُوَّةَ اليَتَامَى. لِهَذَا تُحِيطُ بِكَ الفِخَاخُ، وَيَسْتَوْلِي عَلَيْكَ خَوفٌ مُفَاجِئٌ، وَظُلمَةٌ فَلَا تَرَى، وَفَيَضَانٌ يَغْمُرُكَ. «ألَيْسَ اللهُ هُوَ العَلِيُّ فِي السَّمَاوَاتِ؟ ألَيْسَ هُوَ أعْلَى مِنَ النُّجُومِ؟ وَأنْتَ تَقُولُ: ‹مَا الَّذِي يَعْرِفُهُ اللهُ؟ أيَدِينُ مِنْ خَلفِ سَحَابَةٍ سَودَاءَ؟ تَحْجُبُهُ سُحُبٌ سَودَاءُ فَلَا يَرَانَا، بَيْنَمَا يَمْشِي عَلَى قُبَّةِ السَّمَاوَاتِ.› «أتَنْوِي أنْ تُواصِلَ الطَّرِيقَ القَدِيمَ الَّذِي سَلَكَهُ الأشرَارُ، الَّذِينَ أُختُطِفُوا قَبْلَ أوَانِهِمْ، وَجُرِفُوا كَبَيتٍ جَرَفَهُ فَيَضَانٌ مِنْ أسَاسِهِ؟ يَقُولُونَ للهِ: ‹دَعنَا! مَاذَا سَيَفْعَلُ القَدِيرُ لَنَا؟› مَعَ أنَّ القَدِيرَ مَلأ بُيُوتَهُمْ بِالخَيْرَاتِ. لِتَبْتَعِدْ عَنِّي نَصَائِحُ الأشْرَارِ. يَرَى الأبْرَارُ مَتَاعِبَ الأشْرَارِ وَيَبْتَهِجُونَ، وَالأنقِيَاءُ يَهْزَأُونَ بِهِمْ. وَيَقُولُونَ: ‹دُمِّرَ مُقَاوِمُونَا، وَهَا هِيَ النَّارُ تَلْتَهِمُ ثَروَتَهُمْ.› «تَصَالَحْ مَعَ اللهِ وَاطمَئِنّْ، بِذَلِكَ يَأْتِيكَ خَيْرٌ. اقبَلِ التَّعلِيمَ الَّذِي مِنْ فَمِ اللهِ، وَضَعْ أقْوَالَهُ فِي قَلْبِكَ إنْ عُدْتَ إلَى القَدِيرِ يَبْنِي بَيْتَكَ. إنْ أزَلْتَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، إنْ ألقَيتَ الذَّهَبَ عَلَى التُّرَابِ، وَذَهَبَ أُوفِيرَ فِي قَاعِ الوَادِي. إنْ كَانَ القَدِيرُ هُوَ ذَهَبَكَ، وَأغلَى فِضَّةٍ عِنْدَكَ، حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ فِي القَدِيرِ، وَتَرْفَعُ وَجْهَكَ أمَامَهُ. تُصَلِّي إلَيْهِ فَيَسْمَعُكَ، وَتُوفِي كُلَّ نُذُورِكَ لَهُ. حِينَئِذٍ، تُقَرِّرُ أمْرًا فَيَكُونُ لَكَ، وَتُنَارُ لَكَ الدُّرُوبُ. حِينَ يَكْتَئِبُ الآخَرُونَ تَقُولُ لَهُمُ ابتَهِجُوا، وَيُخَلِّصُ القَدِيرُ المُتَّضِعَ. حَتَّى إنَّ المُذنِبَ يُطلَقُ، فَيَتَحَرَّرُ، وَيُنَجِّيهِ اللهُ بِسَبَبِ عَمَلِ يَدَيْكَ.» فَأجَابَ أيُّوبُ: «اليَوْمَ أيْضًا شَكوَايَ مُرَّةٌ، فَيَدُ اللهِ عَلَيَّ ثَقِيلَةٌ رُغْمَ أنِينِي. لَيتَنِي أعْرِفُ أيْنَ أجِدُهُ، فَأذْهَبَ إلَى حَيْثُ هُوَ. لِأُقَدِّمَ دَعوَايَ أمَامَهُ، وَأملأ فَمِي بِحُجَجٍ مَشرُوعَةٍ، وَأعلَمَ مَا سَيُجِيبُنِي بِهِ، فَأفهَمَ مَا يَقُولُهُ لِي. هَلْ سَيُنَازِلُنِي اللهُ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ؟ لَا بَلْ سَيُصغِي إلَيَّ. هُنَاكَ يَسْتَطِيعُ المُسْتَقِيمُ أنْ يُحَاجِجَهُ، فَأنجُو نِهَائِيًّا مِنْ دَيَّانِي. «أذهَبُ شَرقًا فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ، وَغَربًا فَلَا أرَاهُ. أتَّجِهُ شِمَالًا حَيْثُ يَعْمَلُ فَلَا أرَاهُ، وَحِينَ يَمِيلُ إلَى الجَنُوبِ لَا أرَاهُ. لَكِنَّهُ يَعْرِفُ مَسْلَكِي، حِينَ يَمْتَحِنُنِي أخْرُجُ كَالذَّهَبِ. تَتْبَعُ خُطَايَ خُطَاهُ، وَأحفَظُ طَرِيقَهُ، وَلَا أحِيدُ عَنْهُ. أُطِيعُ وَصَايَا شَفَتَيْهِ وَلَا أترُكُهَا. وَأكنُزُ كَلِمَاتِ فَمِهِ فِي صَدرِي. «أمَّا هُوَ فَقَدْ عَزَمَ أمرَهُ، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يَرُدُّهُ. وَمَا يَرْغَبُ فِيهِ يَعْمَلُهُ. لِأنَّهُ سَيُحَقِّقُ خُطَّتَهُ لِحَيَاتِي، وَلَدَيهِ أشيَاءُ كَثِيرَةٌ لِي. لِهَذَا أرْتَعِبُ مِنْهُ، أتَأمَّلُ ذَلِكَ، فَأخَافُ مِنْهُ. أفقَدَنِي اللهُ شَجَاعَتِي، وَأرْعَبَنِي القَدِيرُ. لَكِنِّي لَمْ أخْتَفِ فِي الظَّلَامِ، مَعَ أنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ يُغَطِّي وَجْهِي. «لِمَاذَا لَا يَخْفَى شَيءٌ مِنَ الأزمِنَةِ عَلَى القَدِيرِ؟ بَيْنَمَا الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُ لَا يَرَوْنَ مَاذَا سَيَحْدُثُ؟ «يُغَيِّرُ النَّاسُ حُدُودَ أرَاضِي الآخَرِينَ، يَسْرِقُونَ المَوَاشِي وَيُطلِقُونَهَا فِي مَرَاعِيهِمْ. يَسُوقُونَ حِمَارَ اليَتِيمِ، وَيُصَادِرُونَ ثَوْرَ الأرمَلَةِ رَهْنًا. يُبعِدُونَ المُحتَاجِينَ عَنِ الطَّرِيقِ، فَيَخْتَبِئُ مِنْهُمْ كُلُّ فُقَرَاءِ الأرْضِ. «كَالحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ يَخْرُجُونَ إلَى عَمَلِهِمْ فِي البَرِّيَّةِ، يُبَكِّرُونَ فِي سَعيِهِمْ إلَى الخُبْزِ مِنْ أجْلِ صِغَارِهِمْ فِي الأرْضِ المُقفِرَةِ. يَحْصُدُ الفُقَرَاءُ عَلَفَ الشِّرِّيرِ فِي الحَقْلِ، وَيَجْمَعُونَ البَوَاقِيَ مِنْ كَرْمِهِ. يَبِيتُونَ عُرَاةً مِنْ غَيْرِ كِسَاءٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَحْمِيهِمْ مِنَ البَرْدِ. تُبُلِّلهُمْ أمْطَارُ الجِبَالِ. فَيَلْتَصِقُونَ بِصَخْرَةٍ يَحْتَمُونَ بِهَا. يَخْطَفُ الأشْرَارُ اليَتِيمَ عَنْ ثَديِ أُمِّهِ، وَيَأْخُذُونَ ثِيَابَ المَسَاكِينِ رَهنًا. فَيَمْشِي المَسَاكِينُ عُرَاةً دُونَ كِسَاءٍ، وَيَحْمِلُ الجِيَاعُ حَفنَةَ حُبُوبٍ. يَعْصِرُونَ الزَّيْتَ بَيْنَ أتلَامِ الأشْرَارِ. وَيَدُوسُونَ مَعَاصِرَ الخَمْرِ وَهُمْ عِطَاشٌ. فِي المَدِينَةِ يَئِنُّ النَّاسُ، وَحَنَاجِرُ المَجرُوحِينَ تَسْتَغِيثُ صَارِخَةً، لَكِنَّ اللهَ لَا يَنْتَبِهُ إلَى صَلَاتِهِمْ. «هَؤلَاءِ مُتَمَرِّدُونَ عَلَى النُّورِ وَلَا يَعْتَرِفُونَ بِطُرُقِهِ، وَلَا يَسْكُنُونَ فِي مَسَالِكِهِ. يَقُومُ القَاتِلُ فَجرًا، وَيَقْتُلُ الضَّعِيفَ وَالمِسكِينَ، وَفِي اللَّيلِ يُصْبِحُ لِصًّا. عَينُ الزَّانِي تَتَرَقَّبُ حُلُولَ المَسَاءِ وَتَقُولُ: ‹لَنْ تَرَانِي عَينٌ!› وَعَلَى وَجْهِهِ يَضَعُ قِنَاعًا. يَسْطُونَ عَلَى البُيُوتِ لَيْلًا، وَفِي النَّهَارِ يُغلِقُونَ عَلَى أنْفُسِهِمْ، لِأنَّهُمْ غَيْرُ مُتَصَالِحِينَ مَعَ النُّورِ. لِأنَّ الظُلمَةَ العَمِيقَةَ عِنْدَهُمْ كَالصُّبْحِ، غَيْرَ أنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أهْوَالَ الظُّلمَةِ العَمِيقَةِ. «تَقُولُ: ‹إنَّ الشِّرِّيرَ كَالقَشَّةِ تَجْرُفُهَا الميَاهُ، وَمُمتَلَكَاتِهِ مَلعُونَةٌ عَلَى الأرْضِ، فَلَا يَعْمَلُ أحَدٌ فِي كُرُومِهِ. فَكَمَا يَسْرِقُ الجَفَافُ وَالحَرُّ مِيَاهَ الثُّلُوجِ الذَّائِبَةِ، كَذَلِكَ تَسْرِقُ الهَاوِيَةُ الخُطَاةَ. يَنسَاهُ البَطنُ الَّذِي وَلَدَهُ، وَيَسْتَحْلِيهِ الدُّودُ. لَا يَعُودُ يُذكَرُ، وَيَنْكَسِرُ الشَّرُّ كَالعَصَا. الشِّرِّيرُ يَأْكُلُ المَرْأةَ العَاقِرَ، وَلَا يُحسِنُ إلَى الأرمَلَةِ. يُزِيلُ بِقُوَّتِهِ الأشْرَافَ الأشِدَّاءَ. وَرُبَّمَا يَتَقَدَّمُ، لَكِنَّهُ لَا يَثِقُ بِالحَيَاةِ. رُبَّمَا يَشْعُرُ بِالأمَانِ وَالثَّبَاتِ، وَيُرِيدُ أنْ يَتْبَعَ طُرُقَهُمْ نَحْوَ القُوَّةِ، لَكِنَّهُ مِثْلُهُمْ، يَرْتَفِعُ قَلِيلًا، ثُمَّ يَمْضِي. يُقْطَعُ كَرُؤُوسِ السَّنَابِلِ كَغَيرِهِ مِنَ النَّاسِ.› «فَإنْ لَمْ تَكُنِ الأُمُورُ هَكَذَا، فَمَنْ يُبَرْهِنُ كَذِبِي، وَيُبَيِّنُ أنَّ كَلَامِي بَاطِلٌ.» فَأجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ: «للهِ السِّيَادَةُ وَالمَهَابَةُ. هُوَ يَصْنَعُ سَلَامًا فِي الأعَالِي. أيُحصَى عَدَدُ جُنُودِهِ؟ وَعَلَى مَنْ لَا يُشرِقُ نُورُهُ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ الإنْسَانُ بَرِيئًا فِي حَضْرَةِ اللهِ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ طَاهِرًا مَولُودُ المَرْأةِ؟ حَتَّى القَمَرُ غَيْرُ سَاطِعٍ، وَالنُّجُومُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ فِي عَيْنَيْهِ. فَكَمْ بِالحِرِيِّ الإنْسَانُ الَّذِي يُشْبِهُ اليَرَقَةَ، وَابْنُ آدَمَ الَّذِي يُشْبِهُ الدُّودَ؟» فَأجَابَ أيُّوبُ: «مَا أعْجَبَ طَريقَتُكَ فِي مَعُونَةِ الضَّعِيفِ، وَخَلَاصِ مَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ! مَا أحْكَمَ مَشُورَتُكَ عَلَى مَنْ لَا حِكمَةَ لَهُ! فَهَا قَدْ ظَهَرَ فَهْمُكَ بِوضُوحٍ! فَمِن أيْنَ جِئتَ بِمِثْلِ هَذِهِ الأقْوَالِ؟ وَمَنْ ألهَمَكَ هَذِهِ الأفْكَارَ؟ «تَرْتَجِفُ أروَاحُ المَوْتَى فِي الأسفَلِ، تَحْتَ المِيَاهِ العَظِيمَةِ يَسْكُنُونَ. الهَاوِيَةُ عَارِيَةٌ فِي حَضْرَةِ اللهِ، وَلَيْسَ لِمَوْضِعِ الهَلَاكِ غِطَاءٌ. يَمُدُّ السَّمَاوَاتِ الشِّمَالِيَّةَ عَلَى الفَرَاغِ، وَيُعَلِّقُ الأرْضَ عَلَى لَا شَيءٍ. يَحْزِمُ المِيَاهَ فِي سُحُبِهِ الكَثِيفَةِ، فَلَا تَتَمَزَّقُ السُّحُبُ تَحْتَهَا. يَحْجُبُ وَجْهَ البَدرِ، وَيَبْسِطُ سَحَابَهُ كَغِطَاءٍ فَوقَهُ فَيُخْفِيهِ. رَسَمَ دَائِرَةً تُحَدِّدُ وَجْهَ المِيَاهِ، عِنْدَ مُلتَقَى الضِّيَاءِ وَالظُلمَةِ. تَهْتَزُّ أسَاسَاتُ السَّمَاوَاتِ بِذُهُولٍ عِنْدَمَا يَنْتَهِرُهَا. هَدَّأ البَحْرَ بِقُوَّتِهِ، وَمَزَّقَ رَهَبَ بِفَهْمِهِ. بِرُوحِهِ تَصْفُو السَّمَاوَاتُ، وَيَدَاهُ طَعَنَتَا الحَيَّةَ الهَارِبَةَ. وَمَا هَذَا إلَّا لَمحَةٌ مِمَّا يَسْتَطِيعُهُ، وَلَا نَسمَعُ إلَّا هَمسَةً مِنْهُ. فَمَنْ يَسْتَطِيعُ إذًا أنْ يَفْهَمَ رَعْدَ قُوَّتِهِ؟» وَتَابَعَ أيُّوبُ كَلَامَهُ فَقَالَ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، الَّذِي يَمْنَعُنِي مِنْ أخذِ حَقِّي، وَيُمِرِّرُ حَيَاتِي، أنَّهُ مَا دَامَ فِيَّ نَفَسٌ، وَمَا دُامَتْ نَسَمَةُ اللهِ الَّتِي تُعطِينِي الحَيَاةَ فِي أنفِي، لَنْ تَقُولَ شَفَتَايَ شَرًّا، وَلَنْ يَنْطِقَ لِسَانِي غِشًّا. حَاشَا لِي أنْ أقُولَ إنَّكُمْ مُحِقُّونَ. فَلَنْ أتَخَلَّى عَنِ استِقَامَتِي حَتَّى أمُوتَ. أتَمَسَّكُ بِبَرَاءَتِي وَلَا أتَخَلَّى عَنْهَا، وَضَمِيرِي لَا يُوَبِّخُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ. لِيُحْسَبْ عَدُوِّي فَاعِلَ شَرٍّ، وَمَنْ يَقِفُ ضِدِّي مُنحَرِفًا. لِأنَّهُ أيُّ رَجَاءٍ لِلمُرَائِي، عِنْدَمَا يُدَمِّرُهُ اللهُ، وَيَنْزِعُ نَفْسَهُ؟ هَلْ يَسْمَعُ اللهُ صَرخَةَ استِغَاثَتِهِ عِنْدَمَا يَأْتِي عَلَيْهِ ضِيقٌ؟ هَلْ سَيُسَرُّ بِالقَدِيرِ؟ هَلْ سَيَدْعُو اللهَ فِي كُلِّ حِينٍ؟ «سَأُعَلِّمُكُمْ عَنْ قُوَّةِ اللهِ. وَلَنْ أُخفِيَ أُمُورَ القَدِيرِ. لَقَدْ رَأيْتُمُوهَا جَمِيعًا، فَلِمَاذَا تَقُولُونَ هَذِهِ الأشْيَاءَ الغَبِيَّةَ؟ «هَذَا هُوَ النَّصِيبُ الَّذِي قَسَمَهُ اللهُ لِلشِّرِّيرِ، وَهَذَا هُوَ المِيرَاثُ الَّذِي يَنَالُهُ المُضطَهِدُونَ القُسَاةُ مِنَ القَدِيرِ: فَحَتَّى إنْ كَثُرَ أبنَاؤُهُ فَسَيُقتَلُونَ بِالسَّيْفِ، وَذُرِيَّتُهُ تَجُوعُ، إذْ لَيْسَ لَهَا مَا يَكْفِيهَا. وَالبَاقُونَ يُدفَنُونَ بِسَبَبِ الوَبَاءِ، وَأرَامِلُهُ لَا يَنُحْنَ عَلَيْهِ. إنْ كَوَّمَ الشِّرِّيرُ المَالَ كَالتُّرَابِ، وَإنْ جَمَعَ الثِّيَابَ كَأكْوَامٍ مِنَ الطِّينِ، فَالأشرَارُ يَجْمَعُونَ، لَكِنَّ الصَّالِحِينَ يَلبَسُونَهَا، وَالأبرِيَاءَ يَقْتَسِمُونَ المَالَ. بَنَى الشِّرِّيرُ بَيْتَهُ كَخُيُوطِ العَنْكَبُوتِ، وَكَكُوخٍ يَبْنِيهِ حَارِسٌ. يَضْطَجِعُ لِيَنَامَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لَكِنَّهُ يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ فَيَرَى أنَّ ثَروَتَهُ قَدْ طَارَتْ. كَمِيَاهِ الفَيَضَانَاتِ تَجْرِفُهُ الأهْوَالُ، وَفِي اللَّيلِ تَخْطَفُهُ الرِّيحُ. تَرْفَعُهُ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ فَيَذْهَبُ، وَتَقْتَلِعُهُ مِنْ بَيْتِهِ. تَرْمِي الرِّيحُ بِثِقَلِهَا عَلَيْهِ بِلَا شَفَقَةٍ، وَيَهْرُبُ هَرَبًا مِنْ قُوَّتِهَا. تُصَفِّقُ بَيَدَيهَا وَهُوَ يَرْكُضُ أمَامَهَا، وَتُصَفِّرُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَهْرُبُ مِنْ بَيْتِهِ.» «حَقًّا هُنَاكَ مَنجَمٌ لِلفِضَّةِ، وَمَكَانٌ يُنَقُّونَ فِيهِ الذَّهَبَ. يُؤخَذُ الحَدِيدُ مِنَ التُّرَابِ، وَيُذَابُ النُّحَاسُ مِنَ الصَّخرِ. يَضَعُ عُمَّالُ المَنَاجِمِ حَدًّا لِلظُلمَةِ، وَيُفَتَّشُونَ عَنِ المَعَادِنِ النَّفِيسَةِ فِي أبعَدِ مَكَانٍ، فِي العَتْمَةِ وَفِي أعْمَاقِ الظُّلمَةِ. يَشُقُّونَ حُفرَةً فِي الأرْضِ بَعِيدًا عَنْ مَسَاكِنِ النَّاسِ، فِي أمكِنَةٍ لَمْ تَطأهَا أقْدَامٌ مُنْذُ زَمَنٍ. يَتَدَلُّونَ عَلَى الحِبَالِ بَعِيدًا عَنِ البَشَرِ. يَخْرُجُ الطَّعَامُ مِنْ سَطْحِ الأرْضِ، أمَّا تَحْتَ الأرْضِ، فَإنَّهَا تَتَقَلَّبُ كَمَا بِالنَّارِ. صُخُورُهَا بُيُوتٌ لِليَاقُوتِ الأزرَقِ، وَتُرَابُهَا يَحْوِي ذَهَبًا. لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ إلَيْهَا طَيرٌ كَاسِرٌ، وَعَينُ الصَّقرِ لَا تَرَاهَا. لَمْ تَمْشِ أشجَعُ المَخْلُوقَاتِ عَلَيْهَا، وَلَا مَرَّ عَلَيْهَا أسَدٌ. يَضْرِبُ عَامِلُ المَنجَمِ الصَّوَّانَ، وَيَقْلِبُ جِبَالًا كَامِلَةً مِنْ أسَاسِهَا. يَشُقُّ مَمَرَّاتٍ فِي الصُّخُورِ، وَتَرَى عَينَاهُ كُلَّ أنْوَاعِ الحِجَارَةِ الثَّمِينَةِ. يَسُدُّ مَنَابِعَ الأنهَارِ، وَيُخرِجُ المَخَبّأ إلَى النُّورِ. «أمَّا الحِكْمَةُ، فَأينَ يُعثَرُ عَلَيْهَا؟ وَأينَ بَيْتُ الفَهْمِ؟ لَا يَعْرِفُ الإنْسَانُ بَيْتَ الحِكْمَةِ، فَهِيَ لَيْسَتْ فِي أرْضِ الأحيَاءِ. يَقُولُ المُحِيطُ العَمِيقُ: ‹لَيْسَتْ فِي دَاخِلِي،› وَيَقُولُ البَحرُ: ‹لَيْسَتْ مَعِي.› لَا يَقْدِرُ الذَّهَبُ الثَّمِينُ أنْ يَشْتَرِيهَا، وَلَا أيُّ مِقدَارٍ مِنَ الفِضَّةِ أنْ يَبتَاعَهَا. ذَهَبُ أُوفِيرَ لَا يَشْتَرِيهَا، وَلَا الحِجَارَةُ الثَّمِينَةُ مِثْلَ اليَاقُوتِ الأزرَقِ. لَا تُقَارَنُ بِالذَّهَبِ أوِ الزُّجَاجِ، وَلَا تُبَدَّلُ بِآنِيَةِ الذَّهَبِ. لَا يَسْتَحِقُّ المُرجَانُ الثَّمِينُ وَالبِلَّوْرُ أنْ يُذكَرَا مَعَهَا. الحِكْمَةُ أثمَنُ مِنَ اليَاقُوتِ وَاللَّآلِئِ. وَلَا تُقَارَنُ مَعَهَا حِجَارَةُ تُوبَازِ الحَبَشَةِ، وَلَا تُبَدَّلُ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ. «أمَّا الحِكْمَةُ، فَمِن أيْنَ تَأْتِي؟ وَأينَ بَيْتُ الفَهْمِ؟ الحِكْمَةُ مُخَبَّأةٌ عَنْ فَهْمِ كُلِّ حِيٍّ، وَمُخفَاةٌ عَنِ الطُّيُورِ فِي السَّمَاءِ. يَقُولُ ‹أبَدُّونُ› وَ ‹المَوْتُ›: ‹سَمِعْنَا بِهَا بِآذَانِنَا فَقَطْ.› «يَفْهَمُ اللهُ طَرِيقَهَا، وَيَعْرِفُ بَيتَهَا. فَهُوَ يَقْدِرُ أنْ يَرَى إلَى أقَاصِي الأرْضِ، وَيَعْلَمُ كُلَّ مَا يَجْرِي تَحْتَ السَّمَاءِ. عِنْدَمَا حَدَّدَ وَزْنَ الرِّيحِ، وَقَاسَ مِقدَارَ المِيَاهِ فِي المُحِيطِ، عِنْدَمَا وَضَعَ لِلمَطَرِ قَانُونًا، وَلِلصَّوَاعِقِ مَسَارًا، رَأى الحِكْمَةَ وَقَدَّرَهَا، وَرَسَّخَهَا وَفَحَصَهَا. وَقَالَ لِلإنْسَانِ: ‹إنَّ مَخَافَةَ اللهِ هِيَ الحِكْمَةُ الحَقِيقِيَّةُ. وَالفَهْمُ هُوَ الِابتِعَادُ عَنِ الشَّرِّ.›» وَعَادَ أيُّوبُ وَطَرَحَ دَعْوَاهُ: «لَيْتَ حَيَاتِي كَانَتْ كَالشُّهُورِ السَّابِقَةِ، قَبْلَ مَجِيءِ الضِّيقِ. كَتِلْكَ الأيَّامِ الَّتِي حَمَانِي اللهُ فِيهَا، عِنْدَمَا أضَاءَ نُورُهُ فَوْقَ رَأسِي، وَكُنْتُ أمشِي فِي الظُّلمَةِ بِنُورِهِ. عِنْدَمَا كُنْتُ بَعْدُ فِي قُوَّتِي، وَكَانَتْ صَدَاقَةُ اللهِ تُظَلِّلُ خَيْمَتِي. عِنْدَمَا كَانَ القَدِيرُ بَعْدُ مَعِي، وَصِغَارِي يُحِيطُونَ بِي. عِنْدَمَا كُنْتُ أغسِلُ قَدَمَيَّ بِالحَلِيبِ! وَكَانَتِ المَعَاصِرُ الصَّخرِيَّةُ تَسْكُبُ لِي جَدَاوِلَ زَيْتٍ. «عِنْدَمَا كُنْتُ أخرُجُ إلَى بَوَّابَةِ المَدِينَةِ، وَأتَّخِذُ مَجلِسِي فِي سَاحَتِهَا. كَانَ الشَّبَابُ يَرَوْنَنِي فَيَنْسَحِبُونَ، وَالكِبَارُ يَقُومُونَ وَيَقِفُونَ. كَانَ الوُجَهَاءُ يَتَوَقَّفُونَ عَنِ الكَلَامِ، وَيَضَعُونَ أيدِيَهُمْ عَلَى أفوَاهِهِمْ. كَانَتْ أصوَاتُ الأُمَرَاءِ تَخْرَسُ، فَلَا يَنْطِقُونَ بِحَرْفٍ. كَانُوا يَمْتَدِحُونَ كُلَّ مَا أقُولُ، وَيَسْتَحْسِنُونَ كُلَّ مَا أفْعَلُ. لِأنِّي أنقَذتُ المِسكِينَ المُسْتَغِيثَ، وَاليَتِيمَ الَّذِي لَا سَنَدَ لَهُ. حَتَّى المُشَرَّدُونَ كَانُوا يَسْألُونَ لِي البَرَكَةَ، وَأدْخَلْتُ الفَرَحَ عَلَى قُلُوبِ الأرَامِلِ. لَبِسْتُ البِرَّ فَكَسَانِي كَثَوبٍ. وَلَبِسْتُ العَدْلَ رِدَاءً وَعِمَامَةً، كُنْتُ لِلأعمَى عَيْنَيْنِ، وَلِلكَسِيحِ قَدَمَينِ. كُنْتُ أبًا لِلمُحتَاجِ، أدْرُسُ قَضَايَا أُنَاسٍ لَا أعرِفُهُمْ، لِأُسَاعِدَهُمْ فِي المَحْكَمَةِ. كَسَّرْتُ قُوَّةَ الظَّالِمِ، وَجَعَلتُهُ يُسقِطُ فَرِيسَتَهُ مِنْ فَمِهِ. «ثُمَّ قُلْتُ لِنَفْسِي: سَأمُوتُ فِي سِنٍّ مُتَقَدِّمَةٍ، وَسَتُضَاعَفُ أيَّامُ حَيَاتِي لِتَكُونَ كَعَدَدِ الرَّملِ، وَسَتَمْتَدُّ إلَى المَاءِ جُذُورِي، وَيَبِيتُ النَّدَى عَلَى أغْصَانِي. وَتَتَجَدَّدُ عَلَى الدَوَامِ قُوَّتِي، وَتَرْجِعُ قَوسِي شَابَّةً فِي يَدِي. «كَانَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ لِيَسْمَعُونِي، وَيَصْمُتُونَ لِسَمَاعِ نَصِيحَتِي. بَعْدَ أنْ أتَكَلَّمَ، لَا يَبْقَى لِلآخَرِينَ شَيءٌ يَقُولُونَهُ، وَيَنْزِلُ عَلَيْهِمْ كَلَامِي كَالمَطَرِ. فَكَانُوا يَنْتَظِرُونَنِي كَمَا يَنْتَظِرُونَ المَطَرَ، وَيَفْتَحُونَ أفوَاهَهُمْ كَمَا لِلمَطَرِ المُتَأخِّرِ. إذَا ابتَسَمْتُ لَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ مِنَ الفَرَحِ، وَوَجْهِي البَشُوشُ يُشَجِّعُهُمْ. اختَرْتُ أنْ أكُونَ مَعَهُمْ، رُغْمَ أنِّي كُنْتُ قَائِدَهُمْ. جَلَسْتُ مَعَهُمْ كَمَا يَجْلِسُ مَلِكٌ بَيْنَ قُوَّاتِهِ، وَكَمَنْ يُعَزِّي النَّائِحِينَ. «وَأمَّا الآنَ، فَالَّذِينَ هُمْ دُونِي سِنًّا يَهْزَأُونَ بِي. الَّذِينَ لَمْ أكُنْ أقبَلُ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلَابِ قَطِيعِي! وَقُوَّةُ أيدِيهِمْ لَا تُفِيدُنِي شَيْئًا، فَقَدْ فَقَدُوا قُوَّتَهُمْ. وَفِي الفَقرِ وَالجُوعِ الشَّدِيدِ، يَلْعَقُونَ الغُبَارَ فِي الصَّحرَاءِ. يَقْلَعُونَ النَّبَاتَاتِ المَالِحَةِ وَسَطَ الشُّجَيرَاتِ، وَجُذُورَ نَبَاتِ الرَّتَمِ، وَيأكُلُونَهَا. مِنْ وَسَطِ النَّاسِ يُطرَدُونَ، وَيَصْرُخُ النَّاسُ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ كَانُوا لُصُوصًا. يَسْكُنُونَ فِي الكُهُوفِ وَبَيْنَ الصُّخُورِ وَفِي شُقُوقِ الوِديَانِ. يَنْبَحُونَ بَيْنَ أعشَابِ الصَّحرَاءِ، وَيَتَجَمَّعُونَ مَعًا تَحْتَ الشُّجَيرَاتِ الشَّائِكَةِ. هُمْ مُحتَقَرُونَ، طُرِدُوا مِنَ الأرْضِ بِالسِّيَاطِ. أُنَاسٌ لَا وَزنَ أوْ قِيمَةَ لَهُمْ. «وَالْآنَ أصبَحتُ أنَا أُغنِيَتَهُمْ، وَصِرتُ لَهُمْ أُضْحُوكَةً. يَمْقُتُونَنِي وَيَبْتَعِدُونَ عَنِّي، وَلَا يَتَرَدَّدُونَ فِي البَصْقِ عَلَيَّ. لِأنَّ اللهَ أرخَى وَتَرَ قَوسِي وَأذَلَّنِي، يُهَاجِمُونَنِي دُونَ ضَابِطٍ. يَقُومُ أصَاغِرُهُمْ عَنْ يَمِينِي، لِيَجْعَلُوا قَدَمَيَّ تَزِلَّانِ، وَيُحَاصِرُونَنِي لِتَدْمِيرِي. خَرَّبُوا طَرِيقِي، وَنَجَحُوا فِي تَحْطِيمِي، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُعِينُنِي عَلَيْهِمْ. يَدْخُلُونَ إلَيَّ مِنْ ثَغرَةٍ وَاسِعَةٍ، وَيَتَدَحرَجُ عَلَيَّ الحُطَامُ. غَمَرَتْنِي المَصَائِبُ، وَطَارَدَتْ كَرَامَتِي كَالرِّيحِ، وَمَضَى خَلَاصِي كَغَيمَةٍ. «وَالْآنَ تَتَهَاوَى حَيَاتِي، وَيُسَيطِرُ عَلَيَّ زَمَنُ البَلوَى. فِي اللَّيلِ يَخْتَرِقُ الألَمُ عِظَامِي دَاخِلِي، وَأوجَاعِي لَا تَنَامُ. بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ يُمْسِكُ مَلَابِسِي، يُمسِكُنِي مِنْ يَاقَةِ رِدَائِي. وَيَرْمِينِي فِي الوَحلِ، فَأصِيرُ تُرَابًا وَرَمَادًا. «أصرُخُ مُسْتَغِيثًا بِكَ يَا اللهُ، لَكِنَّكَ لَا تُجِيبُنِي. أقِفُ فَلَا تَنْتَبِهُ إلَيَّ. صِرْتَ قَاسِيًا عَلَيَّ، وَبِيَدِكَ القَوِيَّةِ صِرْتَ تُقَاوِمُنِي. تَتْرُكُ الرِّيحَ تَحْمِلُنِي وَتَرْمِي بِي بَعِيدًا، وَالعَوَاصِفَ الهَادِرَةُ تَتَقَاذَفُنِي. أنَا أعْرِفُ أنَّكَ سَتُرجِعُنِي إلَى المَوْتِ، إلَى مِيعَادِ الأحيَاءِ جَمِيعًا. «لَكِنْ أيَضْطَهِدُ أحَدٌ إنْسَانًا مُحَطَّمًا خَرِبًا، إنِ استَغَاثَ لَحظَةَ الدَّمَارِ؟ ألَمْ أبْكِ مِنْ أجْلِ الَّذِينَ عَانَوْا مِنْ أيَّامٍ صَعْبَةٍ؟ ألَمْ أحْزَنْ عَلَى المَسَاكِينِ؟ تَوَقَّعتُ خَيْرًا فَجَاءَ الشَّرُّ! انتَظَرْتُ النُّورَ، فَحَلَّتْ ظُلمَةٌ دَامِسَةٌ. تَضْطَرِبُ أحشَائِي دُونَ تَوَقُّفٍ. اقْتَرَبَتْ مِنِّي أيَّامُ ألَمِي. تَمَشَّيتُ مُسْوَدًّا لَكِنْ لَيْسَ مِنَ الشَّمْسِ. وَقَفتُ فِي الجَمَاعَةِ وَاستَغَثْتُ. صِرْتُ أخًا لِلذِّئَابِ، وَرَفِيقًا لِلبُومِ. اسوَدَّ جِلْدِي مِنَ المَرَضِ، وَجَسَدِي مَحمُومٌ جِدًّا. قِيثَارَتِي لَا تَعْزِفُ إلَّا لِلحُزنِ، وَلَا يُطلِقُ مِزمَارِي إلَّا ألحَانَ الرِّثَاءِ. «عَاهَدْتُ عَينَيَّ، فَكَيْفَ أنْظُرُ إلَى عَذْرَاءَ؟ فَمَاذَا كَانَ نَصِيبِي مِنَ اللهِ مِنْ فَوقُ، وَمَاذَا كَانَ مِيرَاثِي مِنَ القَدِيرِ السَّاكِنِ فِي الأعَالِي؟ ألَيْسَ الدَّمَارُ لِلشِّرِّيرِ، وَالكَارِثَةُ مِنْ نَصِيبِ فَاعِلِي الإثْمِ؟ ألَا يَرَى اللهُ مَا أفْعَلُهُ، وَيُرَاقِبُ كُلَّ حَرَكَاتِي؟ «إنْ كُنْتُ تَصَرَّفتُ بِالغِشِّ، أوْ أسْرَعتُ إلَى الخِدَاعِ، فَليَزِّنِي اللهُ فِي مِيزَانِ البِرِّ، وَسَيَعْرِفُ عِنْدَ ذَلِكَ استِقَامَتِي. إنْ حَادَتْ خُطُواتِي عَنِ الطَّرِيقِ، وَإنْ ذَهَبَ قَلْبِي وَرَاءَ شَهَوَاتِي، وَإنْ تَلَطَّخَتْ يَدَايَ بِالخَطِيَّةِ، فَليَأْكُلْ مَا زَرَعتُهُ رَجُلٌ آخَرَ، وَلْتُقلَعْ مَحَاصِيلِي. «إذَا تَغَابَى قَلْبِي فَاشْتَهَى امْرأةً، وَاقْتَنَصْتُ الفُرْصَةَ لِلتَّسَلُّلِ إلَى امْرأةِ صَاحِبِي، فَلتَطْحَنِ امْرَأتِي حُبُوبًا لِآخَرَ، وَلْيَضْطَجِعْ مَعَهَا آخَرُونَ! لِأنَّ هَذَا شَرٌّ مُخْزٍ جَرِيمَةٌ تَسْتَحِقُّ الدَينُونَةَ. فَمِثْلُ هَذَا نَارٌ تَأْكُلُ كُلَّ شَيءٍ حَتَّى إلَى مَوْضِعِ الهَلَاكِ، وَتَسْتَأْصِلُ كُلَّ مَا أُنتِجُ. «لَوْ كُنْتُ قَدْ أنكَرتُ حُقُوقَ خَادِمِي أوْ خَادِمَتِي، إذَا جَاءَا يَتَظَلَّمَانِ، فَمَاذَا سَأفْعَلُ حِينَ يَقُومُ اللهُ لِيَتَّهِمَنِي؟ وَحِينَ يَأْتِي اللهُ لِيَسألَنِي، فَمَاذَا أقُولُ، وَأيَّ جَوَابٍ أُعْطِيهِ؟ ألَيْسَ الَّذِي صَنَعَنِي فِي بَطنِ أُمِّي هُوَ الَّذِي صَنَعَ خَادِمِي؟ ألَمْ يُشَكِّلْنَا الإلَهُ ذَاتُهُ فِي البَطنِ؟ «لَوْ كُنْتُ قَدْ مَنَعْتُ عَنِ المَسَاكِينِ مُرَادَهُمْ، لَوْ لَمْ أمسَحْ دُمُوعَ الأرمَلَةِ، لَوِ احتَفَظتُ بِخُبْزِي لِنَفْسِي، وَلَمْ أُطْعِمِ اليَتِيمَ، مَعَ أنَّهُ اعتَبَرَنِي أبًا لَهُ مُنْذُ شَبَابِي. اهتَمَمتُ بِالأرمَلَةِ مُنْذُ وِلَادَتِي، هَل رَأيْتُ مَنْ يَتَعَذَّبُ لِقِلَّةِ مَلَابِسِهِ، أوْ رَأيْتُ فَقيرًا دُونَ غِطَاءٍ، وَلَمْ يَشْكُرْنِي مِنْ قَلْبِهِ، أوْ لَمْ يَتَدَفَّأ بِصُوفِ خِرَافِي؟ إنْ هَدَّدْتُ اليَتِيمَ، مُعتَمِدًا عَلَى مَركَزِي وَنُفُوذِي، فَلْيَنْفَصِلْ كَتِفِي مِنْ أصلِهِ، وَلْتُكسَرْ ذِرَاعِي مِنْ مَفْصِلِهَا. لِأنَّ أكْثَرَ مَا أخشَاهُ هُوَ مُصِيبَةٌ يُرسِلُهَا اللهُ، فَلَا أنجُو إذَا قَامَ لِمُقَاوَمَتِي. «إنِ اتَكَلتُ عَلَى الغِنَى، وَقُلْتُ لِلذَّهَبِ: ‹أنْتَ أمَانِي،› إنْ فَرِحتُ كَثِيرًا بِثَروَتِي الكَثِيرَةِ، أوْ لِأنِّي جَمَعتُ مَالًا كَثِيرًا، إنْ لَاحَظتُ شُعَاعَ الشَّمْسِ الجَمِيلَ، وَرَوعَةَ القَمَرِ فِي حَرَكَتِهِ، فَغَوَى قَلْبِي سِرًّا، وَقَبَّلتُ يَدَيَّ عِبَادَةً لَهُمَا، فَهَذِهِ أيْضًا جَرِيمَةٌ تَسْتَوْجِبُ الدَّينُونَةَ، لِأنِّي سَأكُونُ قَدْ خَذَلْتُ العَلِيَّ. «إنِ ابْتَهَجْتُ بِمُصِيبَةٍ حَلَّتْ بِعَدُوِّي، أوْ هَتَفْتُ لِأنَّ سوءًا أصَابَهُ … لَكِنِّي لَمْ أُخطِئْ بِكَلَامِي، لَمْ أنْطِقْ بِلَعْنَةٍ عَلَى حَيَاتِهِ. أُقْسِمُ أنَّ لَا أحَدَ مِنْ أهْلِي وَبَيْتِي طَلَبَ طَعَامًا وَلَمْ يَأْخُذْ كِفَايَتَهُ. لَمْ يَبِتْ غَرِيبٌ لَيلَتَهُ فِي الطَّرِيقِ، بَلْ فَتَحْتُ بَيْتِي لِلمُسَافِرِ. إنْ أخفَيتُ إثمِي كَآدَمَ، فَكَتَمْتُ جَرِيمَتِي فِي صَدرِي، لِأنِّي خِفْتُ مِنَ النَّاسِ، أوْ لِأنِّي خَشِيتُ أنْ لَا يَرْضَى أقَارِبِي، فَسَكَتُّ وَلَمْ أُغَادِرْ مَدخَلَ بَيْتِي. «لَيْتَ هُنَاكَ مَنْ يَرْضَى أنْ يَسْتَمِعَ إلَيَّ! فَلْيُجِبْنِي خَصْمِي القَدِيرُ، وَلِيَكْتُبِ اتِّهَامَاتِهُ عَلَى مَخْطُوطَةٍ، وَأنَا سَأُوَقِّعُ عَلَيْهَا. سَأضَعُهَا عَلَى كَتِفِي، وَألبَسُهَا تَاجًا عَلَى رَأسِي. سَأذكُرُ لَهُ كُلَّ مَا فَعَلْتُ، وَأدنُو مِنْهُ كَقَائِدٍ مَرْفُوعِ الرَّأسِ. «إنْ صَرَخَتْ أرْضِي ضِدِّي، وَبَكَتْ أتلَامُهَا مَعًا. إنْ كُنْتُ قَدْ أكَلْتُ غَلَّتَهَا، دُونَ أنْ أدفَعَ أُجرَةً. أوْ سَلَبْتُ حِصَّةَ مَالِكِيهَا، فَليَنْبُتِ الشَّوكُ فِيهَا عِوَضًا عَنِ القَمْحِ، وَالأعشَابُ عِوَضًا عَنِ الشَّعِيرِ.» اكتَمَلَتْ أقْوَالُ أيُّوبَ. وَهَكَذَا تَوَقَّفَ الرِّجَالُ الثَّلَاثَةُ عَنِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَقَدْ كَانَ مُقتَنِعًا بِبَرَاءَتِهِ. لَكِنَّ ألِيهُوَ بْنَ بَرَخْئِيلَ البُوزِيِّ مِنْ عَشِيرَةِ رَامٍ غَضِبَ كَثِيرًا، وَاشتَعَلَ غَضَبُهُ عَلَى أيُّوبَ لِأنَّهُ بَرَّأ نَفْسَهُ، لَا اللهَ. كَمَا غَضِبَ مِنْ أصدِقَاءِ أيُّوبَ الثَّلَاثَةِ، لِأنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا رَدًّا عَلَى حُجَجِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ اعْتَبَرُوهُ مُذْنِبًا. لَكِنَّ ألِيهُوَ أجَّلَ الرَّدَّ عَلَى أيُّوبَ، لِأنَّهُمْ كَانُوا أكبَرَ مِنْهُ سِنًّا. وَلَمَّا رَأى ألِيهُو أنَّ الرِّجَالَ الثَّلَاثَةَ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الرَّدَّ عَلَى أيُّوبَ، غَضِبَ كَثِيرًا. فَقَالَ ألِيهُو بْنُ بَرَخْئِيلَ: «أنَا صَغِيرُ السِّنِّ وَأنْتُمْ شُيُوخٌ. لِهَذَا تَرَدَّدْتُ وَخِفْتُ أنْ أُعْلِنَ لَكُمْ عَنْ رَأيِي. قُلْتُ: ‹دَعِ الخِبرَةَ تَتَكَلَّمْ، وَدَعْ كَثْرَةَ السِّنِينِ تُعَلِّمُ الحِكْمَةَ.› غَيْرَ إنَّ هُنَاكَ رُوحًا فِي الإنْسَانِ، وَنَسَمَةُ القَدِيرِ تُعطِيهِ فَهْمًا. الحِكْمَةُ لَيْسَتْ مَقصُورَةً عَلَى الكِبَارِ، وَلَا هُمْ وَحدُهُمْ يُمَيِّزُونَ الحَقَّ. لِهَذَا قُلْتُ: ‹اسْتَمِعْ إلَيَّ، فَسَأُصَرِّحُ أنَا أيْضًا بِمَا أعْرِفُهُ.› «انتَظَرْتُ وَأنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ. أصْغَيتُ إلَى مَنطِقِكُمْ، وَأنْتُمْ تَزِنُونَ كَلَامَهُ. تَفَكَّرتُ جَيِّدًا فِي مَا قُلْتُمْ، وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ مَنْ أثبَتَ خَطَأ أيُّوبَ، وَلَمْ يَرُدَّ أحَدُكُمْ عَلَى كَلَامِهِ. لِئَلَّا تَقُولُوا: ‹كُنَّا حُكَمَاءَ.› اللهُ هُوَ مَنْ سَيَغْلِبُ أيُّوبَ لَا إنْسَانٌ. لَكِنَّ أيُّوبَ لَمْ يُوَجِّهْ كَلَامَهُ إلَيَّ، وَأنَا لَنْ أرُدَّ عَلَيْهِ بِحُجَجِكُمْ. «لَقَدْ فَشِلُوا بِالرَّدِّ عَلَيْكَ يَا أيُّوبُ، فَبَدَأُوا يَكرِّرُونَ كَلَامَهُمْ! وَانتَظَرْتُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا، لِأنَّهُمْ وَاقِفُونَ دُونَ أنْ يُجِيبُوا. فَأنَا أيْضًا سَأُدلِي بِرَأيِي، وَسَأُصَرِّحُ أنَا أيْضًا بِمَا أعْرِفُهُ. لِأنَّ عِندِي الكَثِيرَ لِأقُولَهُ، وَالرُّوحُ الَّتِي فِيَّ تَدْفَعُنِي إلَى الكَلَامِ. وَدَاخِلِي كَزُقَاقِ خَمْرٍ جِلْدِيَّةٍ مُغلَقَةٍ. كَأوعِيَةِ نَبِيذٍ تُوشِكُ أنْ تَنْشَقَّ. دَعُونِي أتَكَلَّمُ فَأُعَبِّرَ عَنِ الرُّوحِ الَّتِي فِي دَاخِلِي. دَعُونِي أفتَحُ شَفَتَيَّ لِأُعْطِيَ جَوَابًا. لَنْ أنحَازَ إلَى أحَدٍ وَلَنْ أتَمَلَّقَ أحَدًا، لِأنِّي لَا أعْرِفُ كَيْفَ أتَمَلَّقُ، وَإلَّا فَسَرْعَانَ مَا سَيَأْخُذنِي خَالِقِي. «لَكِنْ اسْمَعِ الآنَ كَلَامِي يَا أيُّوبُ، وَانتَبِه إلَى كَلِمَاتِي. سَأفتَحُ فَمِي، وَسَأتَحَدَّثُ بِمَا فِي فِكْرِي. سَأقُولُ مَا يَجُولُ حقًّا فِي خَاطِرِي، وَسَيَنْقُلُ لِسَانِي بِإخْلَاصٍ مَا أعرِفُهُ. رُوحُ اللهِ خَلَقَنِي، وَنَسْمَةُ القَدِيرِ أحْيَتْنِي. فَإنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ الرَّدَّ عَلَيَّ، فَحَضِّرْ حُجَّتَكَ وَقِفْ. أنَا مِثْلُكَ فِي حَضْرَةِ اللهِ. فَقَدْ قُطِعْتُ أيْضًا مِنَ الطِّينِ. فَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يُخِيفُكَ مِنِّي، وَقُوَّتِي لَنْ تُثَقِّلَ عَلَيْكَ. «غَيْرَ أنَّكَ تَكَلَّمْتَ فِي أُذُنِي، فَسَمِعتُ صَوْتَكَ حِينَ تَكَلَّمْتَ. تَقُولُ: ‹أنَا نَقِيٌّ بِلَا ذَنبٍ، وَطَاهِرٌ بِلَا إثمٍ. غَيْرَ أنَّ للهِ أسبَابًا فِي مُعَادَاتِي، وَيَحْسِبُنِي عَدُوًّا لَهُ. يُقَيِّدُ قَدَمَيَّ بِالحَدِيدِ وَالخَشَبِ، وَيَحْرُسُ كُلَّ مَنَافِذِ هُرُوبِي.› «إنَّكَ مُخطِئٌ حَقًّا فِي هَذَا، وَلِهَذَا سَأُجِيبُكَ: «إنَّ اللهَ أعْظَمُ مِنْ كُلِّ البَشَرِ. لِمَاذَا تَتَّهِمُهُ وَتَقُولُ: ‹إنَّ اللهَ لَا يُجِيبُ عَنْ كُلِّ اتِّهَامَاتِ الإنْسَانِ؟› لَكِنَّ اللهَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالإنْسَانُ لَا يُدْرِكُ ذَلِكَ. يَتَحَدَّثُ فِي حُلُمٍ، فِي رُؤيَا اللَّيلِ. عِنْدَمَا يَنْعَسُ النَّاسُ وَيَنَامُونَ، حِينَئِذٍ، يَفْتَحُ اللهُ آذَانَهُمْ، وَيُخِيفُهُمْ بِتَحْذِيرَاتِهِ. لِيُحَوِّلَ الإنْسَانَ عَمَّا يَفْعَلُهُ، وَلِيَمْنَعَ الإنْسَانَ مِنَ التَّكَبُّرِ أوِ التَّفَاخُرِ. يَحْفَظُهُ اللهُ مِنَ الهَاوِيَةِ، وَيَحْفَظُ حَيَاتَهُ مِنْ عُبُورِ نَهْرِ المَوْتِ. يُؤَدِّبُهُ بِالوَجَعِ عَلَى فِرَاشِهِ، وَبِألَمٍ مُتَّصِلٍ فِي عِظَامِهِ. فَيَكْرَهُ الطَعَامَ، وَيَنْفُرُ حَتَّى مِنْ أطَايِبِهِ. لَا يَعُودُ لَحْمُهُ يُرَى مِنَ الهُزَالِ، وَتَبْرُزُ عِظَامُهُ وَتُرَى. مِنَ الهَاوِيَةِ تَقْتَرِبُ نَفْسُهُ. مِنَ القَتَلَةِ تَدْنُو حَيَاتُهُ. وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَلَاكٌ وَاحِدٌ، وَسِيطٌ هُوَ الأفضَلُ بَيْنَ ألفٍ، يُدَافِعُ عَنِ استِقَامَتِهِ، يَطْلُبُ لَهُ رَحْمَةً وَيَقُولُ للهِ: ‹جَنِّبْهُ الهُبُوطَ فِي الهَاوِيَةِ، لِأنِّي دَبَّرتُ لَهُ فِديَةً.› فَيَتَجَدَّدُ لَحْمُهُ كَشَّابٍ، وَإلَيْهِ تَعُودُ قُوَّةُ الصِّبَا. يُصَلِّي الإنْسَانُ إلَى اللهِ فَيَحْظَى بِرِضَاهُ. وَيُسَرُّ اللهَ أنْ يُعلِنَ نَفْسَهُ لِلإنْسَانِ، فَيَرُدُّ لِلإنْسَانِ حَقَّهُ. يَهْتِفُ أمَامَ النَّاسِ وَيَقُولُ: ‹أذْنَبْتُ وَعَوَّجتُ المُسْتَقِيمَ، لَكِنْ لَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. بَلْ فَدَى نَفْسِي مِنَ الهَاوِيَةِ، فَسَأنظُرُ إلَى نُورِ الحَيَاةِ وَأتَمَتَّعُ.› «نَعَمْ، قَد يَفْعَلُ اللهُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا لِلإنْسَانِ، لِكَي يَرُدَّ نَفْسَهُ مِنَ الهَاوِيَةِ وَالهَلَاكِ، وَيُنِيرَ عَلَيْهِ بِنُورِ الحَيَاةِ. «انتَبِهْ يَا أيُّوبُ، وَاستَمِعْ إلَيَّ. اصْمُتْ وَدَعْنِي أتَكَلَّمْ. إنْ كَانَ لَدَيكَ جَوَابٌ فَقُلْهُ، لِأنِّي أتَمَنَّى أنْ أجِدَكَ مُحِقًّا. وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَدَيكَ جَوَابٌ، فَاسْتَمِعْ إلَيَّ. اصمُتْ وَسَأُعَلِّمُكَ الحِكْمَةَ.» ثُمَّ تَابَعَ ألِيهُو فَقَالَ: «اسْتَمِعُوا أيُّهَا الحُكَمَاءُ إلَى كَلَامِي، وَأصغُوا إلَيَّ يَا أصْحَابَ المَعْرِفَةِ. لِأنَّ الأُذُنَ تَتَفَحَّصُ الكَلَامَ، كَمَا يَذُوقُ اللِّسَانُ الطَعَامَ. فَلْنُقَرِّرْ لِأنفُسِنَا مَا هُوَ العَدلُ، وَلِنَكْتَشِفْ مَعًا مَا هُوَ صَالِحٌ. لِأنَّ أيُّوبَ يَقُولُ: ‹أنَا بَرِيءٌ، وَقَدْ ظَلَمَنِي القَدِيرُ. أُدعَى كَاذِبًا رُغْمَ حَقِّي. وَلَا شِفَاءَ لِجُرحِي مَعَ أنِّي لَمْ أقتَرِفْ ذَنبًا.› «فَأيُّ إنْسَانٍ كَأيُّوبَ؟ يَشْرَبُ السُّخْرِيَةَ كَالمَاءِ! وَيَسْلُكُ طَرِيقًا لِيَنْضَمَّ إلَى فَاعِلِي الشَّرِّ، وَيُرَافِقُ المُجرِمِينَ. لِأنَّهُ يَقُولُ: ‹لَا فَائِدَةَ مِنْ أنْ يُحَاوِلَ الإنْسَانُ إرضَاءَ اللهِ.› «لِهَذَا اسْمَعُونِي يَا أصْحَابَ الفَهْمِ. حَاشَا أنْ يَرْتَبِطَ اللهُ بِذَنبٍ، وَأنْ تَكُونَ لِلقَدِيرِ عَلَاقَةٌ بِالشَّرِّ. لِأنَّ اللهَ يُعْطِي الإنْسَانَ أُجرَةَ أعْمَالِهِ، وَيَجْلِبُ عَلَيْهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ. وَحَاشَا للهِ أنْ يَحْكُمَ عَلَى النَّاسِ ظُلمًا، وَلِلقَدِيرِ أنْ يَعْمَلَ بِغَيرِ عَدلٍ. فَمَنِ الَّذِي أوْكَلَهُ عَلَى الأرْضِ؟ وَمَنْ عَيَّنَهُ عَلَى كُلِّ الكَوْنِ؟ إذَا قَرَّرَ أنْ يَسْتَرِدَّ رُوحَهُ وَيَسْتَعِيدَ نَسَمَةَ الحَيَاةِ، فَسَيَمُوتُ كُلُّ جَسَدٍ عَلَى الأرْضِ. وَيَعُودُ الإنْسَانُ إلَى التُّرَابِ. «إنْ كَانَ لَكَ فَهْمٌ فَاسْمَعْ هَذَا، اسْتَمِعْ إلَى كَلَامِي: إنْ كَانَ القَدِيرُ يُبْغِضُ العَدْلَ، فَكَيْفَ يَحْكُمُ؟ وَإنْ كُنْتَ بَارًّا، فَلِمَاذَا تَدِينُ القَدِيرَ؟ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لِلمَلِكِ: ‹أنْتَ بِلَا قِيمَةٍ.› وَلِلشَّرِيفِ: ‹أنْتَ شِرِّيرٌ.› هُوَ اللهُ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا يَسْمَعُ طِلْبَاتِ الغَنِيِّ قَبْلَ الفَقِيرِ، لِأنَّ كِلَيهِمَا عَمَلُ يَدَيهِ. يُمُوتَانِ فِي لَحظَةٍ، فِي مُنْتَصَفِ اللَّيلِ. يَرْتَجِفُ النَّاسُ وَيَمُوتُونَ. يُطِيحُ اللهُ بِالأقوِيَاءِ بِلَا جَهْدٍ. «لِأنَّ عَيْنَيْهِ تُرَاقِبَانِ طُرُقَ الإنْسَانِ وَيَرَى كُلَّ خُطُوَاتِهِ. مَا مِنْ عَتْمَةٍ أوْ حَتَّى ظَلَامٍ عَمِيقٍ، يُمْكِنُ أنْ يَخْتَفِيَ فِيهَا فَاعِلُو الشَّرِّ عَنِ اللهِ. وَلَيْسَ لِلإنْسَانِ أنْ يُحَدِّدَ مَوعِدًا فِيهِ يَأْتِي فِي حَضْرَةِ اللهِ لِلدَّينُونَةِ. يُحَطِّمُ الأقوِيَاءَ وَلَا يَسألُ أحَدًا. وَيُعَيِّنُ آخَرِينَ مَكَانَهُمْ. إنَّهُ يَعْرِفُ أفعَالَهُمْ حَقًّا، يَسْحَقُهُمْ فِي لَيلَةٍ وَاحِدَةٍ. يُعَاقِبُهُمْ عَلَى أعْمَالِهِمُ الشِّرِّيرَةِ فِي العَلَنِ، لِأنَّهُمْ لَمْ يَعُودُوا يَتْبَعُونَ اللهَ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَى طُرُقِهِ، حَتَّى جَعَلُوا صُرَاخَ الفَقِيرِ يَصِلُ إلَيْهِ. هُوَ يَسْمَعُ صَرخَةَ المُضْطَهَدِينَ. فَإنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا، فَمَنْ يَسْتَذْنِبُهُ؟ وَإذَا حَجَبَ وَجْهَهُ، فَمَنْ يَقْدِرُ أنْ يَرَاهُ – أكَانَ شَعْبًا أمْ فَرْدًا؟ يَمْنَعُ الفَاسِدَ مِنْ أنْ يَصِيرَ مَلِكًا، فَيَقُودَ شَعْبًا إلَى الدَّمَارِ. «لَكِنْ قُلْ للهِ، ‹أذنَبتُ، وَلَنْ أنْحَرِفَ ثَانِيَةً. عَلِّمْنِي مَا لَا أقدِرُ أنْ أرَاهُ. إنْ أخْطَأتُ، فَلَنْ أعُودَ إلَيْهِ.› فَهَلْ يُجَازِيكَ اللهُ حَسَبَ قَولِكَ إذَا رَفَضتَ حَقَّهُ؟ لِأنَّكَ أنْتَ الَّذِي يَختَارُ، لَا أنَا. فَتَكَلَّمْ بِمَا تَعْرِفُ. سَيَقُولُ لِي أصْحَابُ الفَهْمِ وَالحَكِيمُ الَّذِي يَسْمَعُنِي: ‹يَتَحَدَّثُ أيُّوبُ بِلَا فِهمٍ، وَكَلَامُهُ يَخلُو مِنَ البَصِيرَةِ.› لَيْتَ أيُّوبَ يُجَرَّبُ إلَى آخِرِ حَدٍّ، لِأنَّهُ يُجِيبُ كَالأشرَارِ. فَهُوَ يُضِيفُ إلَى خَطِيَّتِهِ خَطِيَّةً. يَزِيدُ الشَّرَّ بَيْنَنَا، وَيُكثِّرُ اتِّهَامَاتَهَ للهِ.» ثُمَّ قَالَ ألِيهُو: «أتَحْسِبُ أنَّ مِنَ الصَّوَابِ أنْ تَقُولَ: ‹أنَا أكْثَرُ استِقَامَةً مِنَ اللهِ›؟ إنْ قُلْتَ، ‹مَاذَا أستَفِيدُ؟ كَيْفَ أنْتَفِعُ إنْ تِرَكْتُ خَطِيَّتِي؟› «سَأرُدُّ عَلَيْكَ وَعَلَى أصْحَابِكَ الَّذِينَ مَعَكَ، تَطَلَّعْ إلَى السَّمَاوَاتِ وَانْظُرْ، فَوْقَ الغُيُومِ الَّتِي تَعْلُوكَ كَثِيرًا. اللهُ أعْلَى مِنْهَا. إنْ أخطَأتَ، فَبِمَاذَا تَضُرُّ اللهَ؟ وَإذَا كَثَّرتَ مَعَاصِيكَ، فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ هَذَا فِيهِ؟ إنْ كُنْتَ بَرِيئًا، فَكَيْفَ يَنْتَفِعُ بِبَرَاءَتِكَ؟ أوْ مَا الَّذِي يَنَالُهُ مِنْ يَدِكَ؟ لَا يُؤَثِّرُ شَرُّكَ إلَّا فِي إنْسَانٍ مِثْلِكَ، وَلَا تُؤَثِّرُ بَرَاءَتُكَ إلَّا فِي البَشَرِ. «يَصْرُخُ النَّاسُ مِنَ الِاضطِهَادِ العَظِيمِ، وَيَسْتَغِيثُونَ بِأحَدٍ يُخَلِّصُهُمْ مِنْ ذِرَاعِ الأقوِيَاءِ. وَلَا يَقُولُ أحَدٌ مِنْهُمْ مُتَذَمِّرًا: ‹أيْنَ اللهُ صَانِعِي الَّذِي يُعْطِي أغَانِيَ فِي اللَّيلِ، يُعَلِّمُنَا أكْثَرَ مِنْ وُحُوشِ الأرْضِ، وَيُعطِينَا حِكْمَةً أكْثَرَ مِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ.› «قَدْ يَصْرُخُونَ فَلَا يَسْتَجِيبُ اللهُ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ كِبرِيَاءِ الأشْرَارِ. حَقًّا، لَا يَسْتَمِعُ اللهُ إلَى الكَلَامِ البَاطِلِ، وَلَا يَلْتَفِتُ القَدِيرُ إلَيْهِ. فَلِمَاذَا تَشْكُو مِنْ أنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْكَ؟ تَقُولُ إنَّ دَعْوَاكَ أمَامَهُ، فَانتَظِرْ إذًا! «يَظُنُّ أيُّوبُ أنَّ اللهَ لَا يُعَاقِبُهُ، وَلَا يَبَالِي كَثِيرًا بِخَطَايَاهُ، لِذَلِكَ يُواصِلُ أيُّوبُ كَلَامَهُ الفَارِغَ، وَيُتَابِعُ ثَرثَرَتَهُ بِلَا مَعْرِفَةٍ.» ثُمَّ أضَافَ ألِيهُو: «فَاصْبِرْ عَلَيَّ قَلِيلًا فَأشْرَحَ لَكَ، لِأنَّهُ مَا يَزَالُ هُنَاكَ كَلَامٌ يُقَالُ دِفَاعًا عَنِ اللهِ. سَأجْلِبُ مَعْرِفَتِي مِنْ بَعِيدٍ، وَسَأُبَيِّنُ أنَّ خَالِقِي عَلَى حَقٍّ. حَقًّا لَيْسَ فِي كَلَامِي زَيفٌ، وَأنْتَ تَعْلَمُ هَذَا تَمَامَ العِلمِ. «اللهُ قَدِيرٌ حقًّا وَلَا يَحْتَقِرُ النَّاسَ. هُوَ قَدِيرٌ وَغَنِيٌّ فِي المَعْرِفَةِ وَالحِكْمَةِ. لَا يَدَعُ الشِّرِّيرَ يَحيَا، لَكِنَّهُ يُنْصِفُ المَضطَهَدِينَ. لَا يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ الأبرِيَاءِ، يُجلِسُهُمْ مَعَ المُلُوكِ عَلَى العُرُوشِ إلَى الأبَدِ فَيَرْتَفِعُونَ. وَإنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُقَيَّدِينَ بِسَلَاسِلَ، أوْ إذَا أسَرَتْهُمْ قُيُودٌ ألِيمَةٌ، فَإنَّهُ يُخبِرُهُمْ بِمَا فَعَلُوهُ، وَيُعَلِّمُهُمْ عَنْ جَرَائِمِهِمْ عِنْدَمَا يَتَكَبَّرُونَ. يَفْتَحُ آذَانَهُمْ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَتَحْذِيرِهِ، لِكَي يَرْجِعُوا عَنِ الشَّرِّ. فَإنِ استَمَعُوا إلَيْهِ وَخَدَمُوهُ، يُمْضُونَ بَقِيَّةَ حَيَاتِهِمْ فِي خَيرٍ، وَسَنَوَاتِهِمْ بِالمَسَّرَّاتِ. وَإذَا لَمْ يَسْمَعُوا، فَسَيَضْرِبُهُمْ سَهمٌ، فَيَنهَارُونَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا أصَابَهُمْ! «أمَّا فَاسِدُو القَلْبِ فَيَتَمَسَّكُونَ بِالغَضَبِ وَالمَرَارَةِ، وَلَا يَصْرُخُونَ إلَى اللهِ حِينَ يُقَيِّدُهُمْ. يَمُوتُونَ فِي شَبَابِهِمْ مَعَ مَنْ يُبِيحُونَ أجسَادَهُمْ فِي عِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ. يَنْشِلُ المُحبَطِينَ مِنْ ضِيقَتِهِمْ، وَفِي الإحْبَاطِ يَفْتَحُ آذَانَهُمْ، وَيَجْعَلُهُمْ يَسْتَيْقِظُونَ. «كَمَا يُخَلِّصُكَ مِنْ فَمِ الضِّيقِ، إلَى مَكَانٍ رَحْبٍ غَيْرِ مَحصُورٍ عِوَضًا عَنْهُ. وَتَمْتَلِئُ مَائِدَتُكَ طَعَامًا. لَكِنَّ دَعْوَاكَ مَلأى بِالذُّنُوبِ، لِذَلِكَ تُمْسِكُ بِكَ الدَّعوَى وَالعَدلُ، فَتُعَاقَبُ. لَا تَسْمَحْ لِغَيظِكَ بِأنْ يَجْذِبَكَ إلَى الشَّكِّ، وَلَا تَتَرَاجَعْ بِسَبِبِ عِظَمِ فِدْيَتِكَ. هَلْ يُمْكِنُ لِتَوَسُّلَاتِكَ فِي وَقْتِ الضِّيقِ، أوْ تَوَسُّلَاتِ كُلِّ أصْحَابِ النُّفُوذِ، أنْ تُعِيدَ الأُمُورَ إلَى وَضْعِهَا؟ لَا تَلْهَثْ وَرَاءَ الظُّلمَةِ الَّتِي تُغَطِّي الآخَرِينَ. احرِصْ عَلَى أنْ لَا تَلْتَفِتَ إلَى الشَّرِّ، فَيَبْدُو أنَّكَ اخْتَرْتَ ذَلِكَ بِسَبَبِ ألَمِكَ. «حَقًّا يَتَعَالَى اللهُ فِي قُوَّتِهِ، أيُّ مُعَلِّمٍ مِثْلُهُ؟ مَنْ حَدَّدَ لَهُ طَرِيقَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَقُولَ لَهُ: ‹قَدْ أخطَأتَ؟› تَذَكَّرْ أنَّ عَلَيْكَ أنْ تُمَجِّدَ أعْمَالَهُ الَّتِي يَتَرَنَّمُ بِهَا النَّاسُ. الجَمِيعُ يُرِيدُونَ أنْ يُبصِرُوا اللهَ، لَكِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ. حَقًّا إنَّ اللهَ عَظِيمٌ، وَلَا نَسْتَوْعِبُ عَظَمَتَهُ. وَسَنَوَاتُ وُجُودِهِ لَا يُمْكِنُ أنْ تُحصَى. «لِأنَّهُ يَجْذِبُ قَطَرَاتِ المَاءِ مِنَ الأرْضِ، وَيُنْزِلُ المَطَرَ عَبْرَ الضَّبَابِ. هُوَ الَّذِي يَجْعَلُ الغُيُومَ تَقْطُرُ، وَيُرسِلُ مَاءً كَثِيرًا عَلَى النَّاسِ. حقًّا مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَفْهَمَ كَيْفَ تَنْتَشِرُ الغُيُومُ، وَكَيْفَ يَهْدِرُ الرَّعدُ مِنْ مَسكَنِهِ فِي السَّمَاءِ؟ هَا إنَّهُ يَنْشُرُ بَرْقَهُ حَوْلَهُ، وَيُغَطِّي قَاعَ البَحْرِ. لِأنَّهُ هَكَذَا يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ، وَيُعطِيهِمْ طَعَامًا حَتَّى الفَيضِ. يَقْبِضُ عَلَى البَرْقِ بِيَدِهِ، وَيَأْمُرُهُ لِكَي يُصِيبَ هَدَفَهُ. يُعلِنُ الرَّعْدُ قُدُومَ العَاصِفَةِ. فَحَتَّى المَوَاشِي تَعْرِفُ أنَّهَا آتِيَةٌ. «يَضْطَرِبُ قَلْبِي مِنَ البَرْقِ وَالرَّعْدِ، وَيَقْفِزُ مِنْ مَكَانِهِ، اسْتَمِعُوا اسْتِمَاعًا إلَى صَوْتِ اللهِ المُرْعِدِ، وَإلَى هَدِيرِ فَمِهِ. يُضِيءُ بَرْقُهُ السَّمَاءَ كُلَّهَا، وَيَمْتَدُّ نُورُهُ إلَى أقَاصِي الأرْضِ. ثُمَّ يَهْدِرُ الرَّعدُ. يُرْعِدُ بِصَوْتِهِ الجَلِيلِ. يَهْدِرُ صَوْتُهُ وَيَتَوَاصَلُ البَرْقُ. يُرْعِدُ اللهُ بِصَوْتِهِ العَجِيبِ، صَانِعًا أُمُورًا عَظِيمَةً لَا نَسْتَطِيعُ فَهمَهَا. فَهُوَ يَقُولُ لِلثَّلجِ: ‹اسقُطْ عَلَى الأرْضِ،› وَيَقُولُ لِلأمْطَارِ: ‹اشتَدِّي.› يُعلِنُ رِضَاهُ عَنْ أعْمَالِ أيدِي البَشَرِ، فَيَرَى النَّاسُ أعْمَالَهُ. فَيَذْهَبُ الحَيَوَانُ إلَى جُحرِهِ، لِيَكُونَ لَهُ مَأوَى. تَأْتِي العَاصِفَةُ مِنْ مَخَزَنِهَا الجَنُوبِيِّ، وَالبَردُ مِنَ الرِّيَاحِ الشِّمَالِيَّةِ. مِنْ نَسمَةِ اللهِ يَأْتِي الجَلِيدُ، فَتَتَجَمَّدُ المِيَاهُ بِمَسَاحَاتٍ وَاسِعَةٍ. أيْضًا يَملأُ السَّحَابَةَ الكَثِيفَةَ بِالرُّطُوبَةِ، وَيُبَعْثِرُ بَرْقَهُ فِي السَّحَابِ. تَلْتَفُّ السُّحُبُ كَالدَّوَّامَةِ حَسَبَ قَيَادَتِهِ، لِتَفْعَلَ كُلَّ مَا يَأْمُرُهَا بِهِ عَلَى الأرْضِ، قَدْ يَصْنَعُ هَذَا كُلَّهُ مِنْ أجْلِ عَشِيرَةٍ مَا، أوْ مِنْ أجْلِ أرْضٍ مَا، أوْ بِسَبَبِ نِعْمَتِهِ. «اسْمَعْ هَذَا يَا أيُّوبُ. قِفْ وَتَأمَّلْ عَجَائِبَ اللهِ تَأمُّلًا. أتَعْرِفُ كَيْفَ يُسَيطِرُ اللهُ عَلَى السُّحُبِ، وَيَجْعَلُ نُورَهُ يَبْرُقُ مِنْهَا؟ أتَعْرِفُ كَيْفَ يُعَلِّقُ الغُيُومَ الكَثِيفَةَ فِي السَّمَاءِ؟ هِيَ فَقَطْ وَاحِدَةٌ مِنْ أعَاجِيبِ اللهِ الكَامِلِ المَعْرِفَةِ. كُلُّ مَا تَعْرِفُهُ هُوَ أنَّ ثِيَابَكَ تَلْتَصِقُ بِكَ مِنَ الحَرِّ، وَتَهْدَأُ الأرْضُ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ الجَنُوبِ. لَكِنْ هَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَنْشُرَ سُحُبَ السَّمَاءِ مَعَ اللهِ، لِتَصِيرَ مِثْلَ مَعدِنٍ مَصقُولٍ. «عَلِّمنَا مَاذَا نَقُولُ للهِ! فَنَحْنُ الجُهَّالَ، لَا نَسْتَطِيعُ أنْ نُرَتِّبَ كَلَامَنَا! أيُطلَبُ الإذنُ لِي بِالْكَلَامِ مَعَهُ! فَوَاحِدٌ مِثْلِي قَدْ يَبْتَلِعُهُ اللهُ! ألَيْسَ صَحِيحًا أنَّ النُّورَ يَسْطَعُ حَتَّى عَبْرَ السُّحُبِ العَالِيَةِ، ثُمَّ تَمُرُّ الرِّيحُ فَتُبَدِّدُهَا. يَأْتِي اللهُ مِنَ الشِّمَالِ بِمَجْدٍ ذَهَبِيٍّ، يُحِيطُ بِهِ البَهَاءُ وَالجَلَالُ. أمَّا القَدِيرُ فَلَا نَقدِرُ أنْ نَصِلَ إلَيْهِ. عَظِيمٌ هُوَ فِي قُوَّتِهِ وَفِي أحْكَامِهِ، وَلَا يُنَاقِضُ كَثْرَةَ عَدلِهِ بِالظُّلْمِ. لِهَذَا يَهَابُهُ البَشَرُ، فَهُوَ لَا يَتَحَيَّزُ لِمَنْ يَرَوْنَ أنْفُسَهُمْ حُكَمَاءَ.» وَبَدَأ اللهُ يَتَكَلَّمُ مِنَ العَاصِفَةِ مُسْتَجِيبًا لِأيُّوبَ: «مَنْ هَذَا الَّذِي يَلُفُّ الظَّلَامَ حَوْلَ مَقَاصِدِي بِكَلِمَاتٍ بِلَا مَعنَى؟ تَهَيَّأْ كَرَجُلٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ أنَا أسْألُكَ فَتُجِيبَنِي. «أيْنَ كُنْتَ حِينَ وَضَعْتُ أسَاسَ الأرْضِ؟ أخْبِرْنِي إنْ كَانَ لَكَ فَهْمٌ. مَنِ الَّذِي وَضَعَ قِيَاسَاتِهَا؟ أوْ مَنِ الَّذِي مَدَّ فَوقَهَا خَيطًا لِيَقِيسَهَا؟ عَلَى أيِّ شَيءٍ رُكِّزَتْ أسَاسَاتُهَا؟ أوْ مَنِ الَّذِي وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا عِنْدَمَا رَنَّمَتْ نُجُومُ الصُّبحِ مَعًا، وَهَتَفَتِ المَلَائِكَةُ فَرَحًا؟ «مَنِ الَّذِي حَصَرَ البَحْرَ خَلفَ أبوَابٍ، عِنْدَمَا اندَفَعَ كَأنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الرَّحِمِ. عِنْدَمَا جَعَلْتُ أنَا الغُيُومَ لِبَاسًا لَهُ، وَلَفَفْتُ غَيمَةً سَودَاءَ حَوْلَهُ. عِنْدَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِّي، وَأقَمتُ قُضبَانًا وَأبوَابًا حَدِيدِيَّةً عَلَيْهِ، عِنْدَمَا قُلْتُ لَهُ: ‹هَذَا حَدُّكَ فَلَا تَتَجَاوَزْهُ، وَإلَى هُنَا حَدُّ أموَاجِكَ المُعتَزَّةِ؟› «هَلْ أمرْتَ فِي حَيَاتِكِ الصَّبَاحَ أنْ يَطْلُعَ، أوْ هَلْ أرَيتَ الفَجرَ أيْنَ يَمْكُثُ؟ هَلْ أمسَكْتَ الأرْضَ مِنْ أطرَافِهَا لِكَي يُنْفَضَ عَنْهَا الأشرَارُ؟ تَرَى الأرْضَ وَكَأنَّهَا تَتَشَكَّلُ كَطِينٍ تَحْتَ خَتمٍ، وَتَقِفُ التِّلَالُ وَالوِديَانُ كَطَيَّاتِ ثَوبٍ. هَكَذَا يَظْهَرُ النُّورُ الَّذِي يَقِفُ فِي وَجْهِ الأشْرَارِ، فَتُكَسِّرُ ذِرَاعَهُمُ المُرْتَفِعَةَ. «هَلْ ذَهَبتَ يَومًا إلَى يَنَابِيعِ البَحْرِ، وَهَلْ تَمَشَّيتَ فِي أعْمَاقِ المُحِيطِ؟ هَلِ انكَشَفَتْ لَكَ بَوَّابَاتُ المَوْتِ؟ وَهَلْ رَأيْتَ بَوَّابَاتِ الظُّلمَةِ العَمِيقَةِ؟ هَلْ تَسْتَوْعِبُ أبْعَادَ الأرْضِ؟ قُلْ، إنْ كُنْتَ تَعْرِفُ هَذَا كُلَّهُ. «أيْنَ الطَّرِيقُ إلَى حَيْثُ يَسْكُنُ النُّورُ؟ وَأينَ بَيْتُ الظُلمَةِ؟ لَا شَكَّ أنَّكَ تَسْتَطِيعُ أنْ تُعِيدَهَا إلَى مَكَانِهَا. وَتَعْرِفَ الطَّرِيقَ المُؤَدِّي إلَى النُّورِ. لَا بُدَّ أنَّكَ تَعْلَمُ هَذِهِ الأُمُورَ لِأنَّكَ كُنْتَ مَولُودًا حِينَئِذٍ، وَلِأنَّ عُمْرَكَ طَوِيلٌ! «هَلْ ذَهَبْتَ يَومًا إلَى مَخَازِنِ الثَّلجِ، أوْ رَأيْتَ مَخَازِنَ البَرَدِ الَّتِي أبقَيْتُهَا لِوَقْتِ ضِيقٍ، لِيَوْمِ حَرْبٍ أوْ مَعْرَكَةٍ؟ أيْنَ الطَّرِيقُ إلَى حَيْثُ يَخْرُجُ النُّورُ، الَّذِي تَتَفَرَّقُ مِنْهُ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ عَلَى الأرْضِ؟ مَنِ الَّذِي يَشُقُّ قَنَاةً لِمِيَاهِ الفَيَضَانِ، وَطَرِيقًا لِقَصْفِ الرَّعدِ، لِيَجْلِبَ المَطَرَ عَلَى أرْضٍ غَيْرِ مَسكُونَةٍ، صَحرَاءَ لَا يَسْكُنُهَا إنْسَانٌ، فَيَفِيضُ الخَيْرُ فِي الأرْضِ الجَرْدَاءِ، وَيُطلِعُ العُشْبَ؟ هَلْ لِلمَطَرِ أبٌ؟ أوْ مَنْ أنْجَبَ قَطَرَاتِ النَّدَى؟ مِنْ أيِّ بَطنٍ يَخْرُجُ الجَلِيدُ؟ وَابْنُ مَنْ صَقِيعُ السَّمَاءِ؟ يَتَصَلَّبُ المَاءُ كَصَخرَةٍ، وَيَتَجَمَّدُ سَطحُ المُحِيطِ. «أتَقْدِرُ أنْ تَرْبِطَ حِبَالَ الثُرَيَّا؟ أوْ أنْ تَفُكَّ حِبَالَ الجَبَّارِ؟ أتَقْدِرُ أنْ تُخْرِجَ الكَوَاكِبَ فِي أوْقَاتِهَا، أوْ تَهْدِي الدُّبَ الأكبَرَ مَعَ بَنِيهِ؟ أتَعْرِفُ قَوَانِينَ السَّمَاوَاتِ؟ أوْ هَلْ تُحَدِّدُ القَوَاعِدَ الَّتِي تَحْكُمُ الأرْضَ؟ أتَقْدِرُ أنْ تَأْمُرَ الغُيُومَ، فَتَغْمُرَ نَفْسَكَ بِفَيضِ المِيَاهِ؟ أتَقْدِرُ أنْ تَأْمُرَ الصَّوَاعِقَ بِالقَصْفِ، فَتَقُولَ لَكَ: ‹سَمْعًا وَطَاعَةً؟› «مَنْ جَعَلَ الحِكْمَةَ فِي النَّاسِ؟ أوْ مَنْ وَضَعَ فَهْمًا فِي أعمَاقِهِمْ. مَنِ الَّذِي يُحْصِي الغُيُومَ بِالحِكْمَةِ؟ وَمَنِ الَّذِي يَسْكُبُ المَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ فَيُشَكِّلُ التُرَابُ طِينًا تَتَكَتَّلُ حَبَّاتُهُ؟ «هَلْ تَصطَادُ فَرِيسَةً لِلأسَدِ، أمْ تَسُدُّ شَهِيَّةَ الأشْبَالَ، عِنْدَمَا تَرْبِضُ فِي عَرِينِهَا وَتَكْمُنُ لِفَرِيسَتِهَا فِي العُشبِ الكَثِيفِ؟ مَنْ يُزَوِّدُ الغُرَابَ بِالطَعَامِ عِنْدَمَا تَصْرُخُ صِغَارُهُ مُسْتَغِيثَةً بِاللهِ، وَتَهِيمُ بَاحِثَةً عَنْ طَعَامٍ؟ «أتَعْرِفُ مَتَى تَلِدُ المِعزَاةُ الجَبَلِيَّةُ؟ أتُرَاقِبُ الغُزلَانَ أثْنَاءَ آلَامِ الوِلَادَةِ وَتَحْمِيهَا؟ وَتَحْسِبُ الشُّهُورَ حَتَّى تَلِدَ؟ هَلْ تَعْرِفُ وَقْتَ وِلَادَتِهَا؟ حِينَ تَرْبِضُ وَتَلِدُ أوْلَادَهَا، وَتَتَخَلَّصُ مِنْ آلَامِهَا. يَصِيرُ أوْلَادُهَا أقوِيَاءَ، يَكْبُرُونَ فِي البَرِّيَّةِ. يَتْرُكُونَ أُمَّهَاتِهِمْ وَلَا يَعُودُونَ. «مَنِ الَّذِي أطلَقَ الحِمَارَ البَرِّيَّ؟ مَنْ حَلَّهُ؟ جَعَلْتُ لَهُ فِي الصَّحْرَاءِ بَيْتًا، وَمَكَانَ سَكَنٍ فِي الأرْضِ المَالِحَةِ. يَضْحَكُ عَلَى ضَجِيجِ المَدِينَةِ، وَلَا يَسْمَعُ أوَامِرَ مُرَاقِبِ العَمَلِ. يَطُوفُ التِّلَالَ بَحْثًا عَنْ مَرَاعِيهِ، وَيَسْعَى إلَى كُلِّ مَا هُوَ أخضَرُ. «أيَرْضَى الثَّورُ البَرِّيُّ أنْ يَكُونَ لَكَ خَادِمًا؟ أوْ أنْ يَبِيتَ عِنْدَ مِذوَدِكَ؟ أتَقْدِرُ أنْ تَضَعَ نِيرًا عَلَى جَامُوسٍ بَرِّيٍّ لِيَحْرُثَ؟ أمْ يَرْضَى بِأنْ يُمَهِّدَ الحُقُولَ خَلفَكَ؟ أتَتَّكِلُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ العَظِيمَةِ؟ وَهَلْ تَتْرُكُ لَهُ عَمَلَكَ المُتْعِبَ؟ أتَتَّكِلُ عَلَيْهِ لِيُحضِرَ زَرعَكَ، وَيَجْمَعَهُ إلَى بَيدَرِكَ؟ «يُصَفِّقُ جَنَاحَا النَّعَامَةِ، مَعَ أنَّهُمَا لَيْسَا كَجَنَاحِ اللَّقلَقِ وَرِيشِهِ. لَكِنَّهَا تَتْرُكُ بَيضَهَا عَلَى الأرْضِ، تَضَعُهُ عَلَى التُّرَابِ لِتُبقِيَهُ دَافِئًا. ثُمَّ تَنْسَى أنَّ قَدَمًا قَدْ تَدُوسُهُ، وَأنَّ حَيَوَانًا بَرِّيًّا قَدْ يَسْحَقُهُ. تَقْسُو عَلَى صِغَارِهَا كَأنَّهُمْ لَيْسُوا لَهَا. وَلَا يُقلِقُهَا إنْ كَانَتْ قَدْ تَعِبَتْ عَبَثًا، لِأنَّ اللهَ مَنَعَ عَنْهَا الحِكْمَةَ، وَلَمْ يُعطِهَا فَهْمًا. لَكِنْ عِنْدَمَا تَنْهَضُ وَتَبْدَأُ العَدْوَ، تَضْحَكُ عَلَى الحِصَانِ وَرَاكِبِهِ. أأنْتَ مَنْ تُعطِي الحِصَانَ قُوَّتَهُ، وَتَكْسُو عُنُقَهُ عُرْفًا مُنْسَابًا؟ أتَجْعَلُهُ يَثِبُ كَجَرَادَةٍ، وَهُوَ الَّذِي يُخِيفُ النَّاسَ بِصَهِيلِهِ ذِي الكِبرِيَاءِ؟ يَضْرِبُ الأرْضَ بِعُنفٍ بِحَافِرِهِ، وَيُسرِعُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ إلَى المَعْرَكَةِ. يَهْزَأُ بِالخَوفِ وَلَا يَفْزَعُ، وَلَا يَتَرَاجَعُ أمَامَ السَّيْفِ. تُقَعْقِعُ عَلَيْهِ جَعْبَةُ السِّهَامِ، وَوَمِيضُ الحَرْبِ وَالرِّمَاحِ. يَبْتَلِعُ الأرْضَ وَسَطَ ضَجِيجِ الحَرْبِ، وَعِنْدَ صَوْتِ البُوقِ لَا يَهْدَأُ، عِنْدَ نَفخِ البُوقِ يَصْهَلُ مُتَحَمِّسًا! وَيَشُمُّ رَائِحَةَ المَعْرَكَةِ مِنْ بَعِيدٍ. يَسْمَعُ صِيَاحَ القَادَةِ وَصَرَخَاتِ القِتَالِ. «أتَفْهَمُ كَيْفَ يَطِيرُ الصَّقرُ، وَيَنْشُرُ جَنَاحَيهِ حَوْلَ الجَنُوبِ؟ أيُحَلِّقُ النَّسرُ بِأمْرِكَ؟ وَيَبْنِي عُشَّهُ فِي الأعَالِي؟ يَسْكُنُ عَلَى صَخْرَةٍ شَاهِقَةٍ، وَيَبِيتُ عَلَى قِمَّتِهَا، وَيَجْعَلُهَا حِصْنًا لَهُ. يَبْحَثُ عَنْ طَعَامِهِ مِنْ هُنَاكَ، وَيُرَاقِبُ فَرِيسَتَهُ عَنْ بُعْدٍ. تَلْعَقُ صِغَارُهُ الدَّمَ، وَحَيْثُ الجُثَثُ، فَهُنَاكَ تَجِدُهُ.» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِأيُّوبَ: «أتُرِيدُ أنْ تَنْتَقِدَ القَدِيرَ وَتُجَادِلَهُ؟ مَنْ يُصَحِّحُ اللهَ، عَلَيْهِ أنْ يُقَدِّمَ أجْوِبَتَهُ!» فَأجَابَ أيُّوبُ اللهَ وَقَالَ: «حَقًّا أنَا سَخِيفٌ! فَبِمَاذَا أُجِيبُكَ؟ أضَعُ يَدِي عَلَى فَمِي وَأسكُتُ. تَكَلَّمْتُ أكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي، وَلَنْ أزِيدَ عَلَى ذَلِكَ!» فَأجَابَ اللهُ أيُّوبَ مِنَ العَاصِفَةِ: «تَهَيَّأ كَرَجُلٍ، أسألُكَ فَتُجِيبُنِي. «أتُرِيدُ حَقًّا أنْ تُخَطِّئَ حُكْمِي؟ أوْ أنْ تَدِينَنِي كَي تَتَبَرَّأَ أنْتَ؟ ألَعَلَّ لَكَ قُوَّةَ اللهِ، وَتُرْعِدُ بِصَوْتٍ كَصَوْتِهِ؟ إنْ كَانَتْ لَكَ قُوَّتُهُ، فَتَزَيَّنْ إذًا بِالعَظَمَةِ وَالجَلَالِ، وَالبِسِ المَجْدَ وَالجَمَالَ. أطلِقْ غَضَبَكَ وَحَمْلِقْ فِي كُلِّ مُتَفَاخِرٍ حَتَّى يَتَّضِعَ. انْظُرْ إلَى كُلِّ مُتَفَاخِرٍ حَتَّى تُذِلَّهُ، وَحَطِّمِ الأشرَارَ حَيْثُ هُمْ. ادْفِنْهُمْ فِي التُّرَابِ مَعًا. وَكَفِّنْهُمْ فِي القَبْرِ. حِينَئِذٍ، سَأمدَحُكَ لِأنَّ يَمِينَكَ تَقْدِرُ أنْ تُخَلِّصَكَ. «انْظُرْ إلَى فَرَسِ النَّهرِ الَّذِي صَنَعتُهُ كَمَا صَنَعتُكَ، يَأْكُلُ العُشبَ مِثْلَ المَوَاشِي. انْظُرْ إلَى قُوَّةِ جَسَدِهِ، وَقُوَّةِ عَضَلَاتِ بَطنِهِ. يَحْنِي ذَنَبَهُ كَشَجَرَةِ أرْزٍ. عَضَلَاتُ فَخْذَيهِ مَنسُوجَةٌ مَعًا. عِظَامُهُ أنَابِيبُ نُحَاسٍ، وَأطرَافُهُ كَقُضبَانِ حَدِيدٍ. هُوَ الأوَّلُ بَيْنَ خَلَائِقِ اللهِ، لَكِنَّ صَانِعَهُ يَهْزِمُهُ بِسَيفِهِ. تأتِيهِ الجِبَالُ بِنِتَاجِهَا، حَيْثُ تَلْعَبُ جَمِيعُ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ. يَنَامُ تَحْتَ نَبَاتَاتِ اللُّوطُسِ، وَيَجْعَلُ مِنَ القَصَبِ وَالمُسْتَنْقَعَاتِ مَخبَأهُ. تُغَطِّيهِ نَبَاتَاتِ اللُّوطُسِ بِظِلِّهَا، وَيُحِيطُ بِهِ صَفْصَافُ الجَدَاوِلْ. إذَا اندَفَعَ النَّهرُ، لَا يَنْزَعِجُ. يَظَلُّ مُطمَئِنًّا وَلَوْ فَاضَ نَهْرُ الأُردُّنِّ إلَى فَمِهِ. أيَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَصطَادَهُ بِصِنَّارَةٍ؟ أيَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَصطَادَهُ وَيَثْقُبَ أنْفَهُ؟ «أتَقْدِرُ أنْ تَسْحَبَ لَوِيَاثَانَ مِنَ المَاءِ بِصِنَّارَةٍ؟ أوْ تَقْدِرُ أنْ تَرْبِطَ فَكَّيهِ بِحَبلٍ؟ أتَقْدِرُ أنْ تَضَعَ رِبَاطًا فِي أنفِهِ؟ وَهَلْ تَقْدِرُ أنْ تَخْتَرِقَ فَكَّهُ بِخَطَّافٍ؟ أيَسْتَرْحِمُكَ، أوْ يُحَاوِلُ أنْ يُرضِيَكَ لِتَعْفُوَ عَنْهُ؟ أيَقْطَعُ مَعَكَ عَهْدًا؟ أتَتَّخِذُهُ عَبْدًا لَكَ دَائِمًا؟ أتُلَاعِبُهُ كَعُصفُورٍ؟ أتَرْبِطُهُ لِتَتَفَرَّجَ عَلَيْهِ فَتَيَاتُكَ؟ هَلْ يُسَاوِمُ الصَّيَادُونَ عَلَى شِرَائِهِ؟ وَهَلْ يُقَسِّمُونَهُ بَيْنَ التُّجَّارِ؟ أتَملأُ جِلْدَهُ حِرَابًا، وَرَأسَهُ رِمَاحًا؟ «المِسْهُ مَرَّةً، وَانْظُرْ أيَّةَ مَعْرَكَةٍ سَتُواجِهُ! لَنْ تَمَسَّهُ ثَانِيَةً! حَقًّا يَخِيبُ أمَلُ الإنْسَانِ فِي إخْضَاعِهِ. إذْ يَقَعُ أرْضًا لِمُجَرَّدِ رُؤيَتِهِ. مَا مِنْ شُجَاعٍ يَجْرُؤُ أنْ يُوقِظَهُ، فَمَنْ يَقِفُ بِوَجْهِي أنَا؟ مَنْ وَاجَهَنِي وَرَبِحَ؟ كُلُّ شَيءٍ تَحْتَ السَّمَاءِ لِي. «لَنْ أسكُتَ عَنِ الحَدِيثِ عَنْ أطرَافِهِ أوْ قُوَّتِهِ العَظِيمَةِ أوْ شَكلِهِ الجَمِيلِ. مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَخْلَعَ عَنْهُ ثَوبَهُ الخَارِجِيَّ؟ مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَخْتَرِقَ دِرْعَهُ المُزدَوَجَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَفْتَحَ فَكَّيهِ الجَبَّارَينِ؟ فَأسنَانُهُ دَائِرَةُ رُعْبٍ. ظَهرُهُ مِثْلَ صُفُوفٍ مِنَ الدُّرُوعِ المُغلَقَةِ بِإحكَامٍ كَمَا بِخَتْمٍ. قَريبٌ أحَدُهَا مِنَ الآخَرِ، فَلَا تَسْتَطِيعُ الرِّيحُ أنْ تَدْخُلَ بَيْنَهَا. وَيَتَّصِلُ أحَدُهَا بِالآخَرِ، فَتَتَشَابَكُ وَلَا تَنْفَصِلُ. عِطَاسُهُ يُشْبِهُ وَميضَ النُّورِ، وَالشَّرُّ فِي عَيْنَيْهِ مِثْلُ أشِعَّةِ الفَجْرِ. مِنْ فَمِهِ تَخْرُجُ مَشَاعِلُ لَهَبٍ، تَنْفَلِتُ كَالشَّرَارِ! وَمِنْ أنفِهِ يَخْرُجُ دُخَّانٌ، كَأنَّهُ بُخَارٌ مِنْ قِدْرٍ يَغْلِي فَوْقَ نَارٍ مِنْ قَصَبٍ. نَفَسُهُ يُشعِلُ الجَمْرَ، وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ لَهَبٌ. فِي عُنُقِهِ قُوَّةٌ هَائِلَةٌ، وَكُلُّ مَنْ يَرَاهُ يَرْتَعِبُ. طَيَّاتُ جِلْدِهِ مُتَلَاصِقَةٌ، لَا يُمْكِنُ فَصلُهَا. قَلْبُهُ مَسْبُوكٌ كَصَخرَةٍ. كَحَجَرِ الرَّحَى السُّفلِي فَلَا يَتَزَحزَحُ. يَنْهَضُ فَيَخَافُ حَتَّى الأقوِيَاءُ، وَيَرْتَبِكُونَ مِنَ الضَرَبَاتِ الشَّدِيدَةِ. يَصِلُ إلَيْهِ السَّيْفُ وَلَا يُخْتَرِقُ جِلْدَهُ، وَكَذَلِكَ الحَرْبَةُ وَالسَّهمُ وَالرُّمحُ. الحَدِيدُ عِنْدَهُ كَالقَشِّ، وَالنُّحَاسُ كَالخَشَبِ المَنخُورِ. لَا يَهْرُبُ مِنْ سَهمٍ، وَحِجَارَةُ المِقلَاعِ تَرْتَدُّ عَنْهُ كَالقَشِّ. إنْ ضَرَبَتهُ عَصًا غَليظَةٌ، يَحْسَبُهَا قَشَّةً، وَيَهْزَأُ بِأصْوَاتِ الرِّمَاحِ. بَطنُهُ أشبَهُ بِشَظَايَا فَخَّارٍ مُكَسَّرَةٍ حَادَّةٍ، يَتْرُكُ عَلَامَاتٍ فِي الوَحلِ كَدَرَّاسَةٍ. يُقَلِّبُ البَحْرَ كَحِسَاءٍ يَغْلِي فِي قِدْرٍ، وَيَجْعَلُ البَحْرَ يُزْبِدُ كَقِدْرٍ تُمزَجُ فِيهِ المَرَاهِمُ. يَتْرُكُ أثَرًا خَلْفَهُ، فَتَظُنُّ البَحْرَ العَمِيقَ أشْيَبَ! هُوَ بِلَا نَظِيرٍ عَلَى الأرْضِ، مَخْلُوقٌ بِلَا خَوفٍ. يَحْتَقِرُ كُلَّ مُتَعَالٍ هُوَ مَلِكٌ عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ مُتَكَبِّرٍ.» فَأجَابَ أيُّوبُ اللهَ وَقَالَ: «أعْلَمُ أنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيءٍ، وَلَا يُحْبَطُ لَكَ هَدَفٌ. قُلْتَ: ‹مَنْ هَذَا الَّذِي يُشِيعُ الفَوضَى حَوْلَ مَقَاصِدِي بِقِلَّةِ الفَهْمِ؟› حَقًّا تَكَلَّمْتُ عَنْ أُمُورٍ لَمْ أفهَمْهَا، أُمُورٍ مُذهِلَةٍ أعْلَى مِنِّي لَمْ أستَوْعِبْهَا. «قُلْتَ لِي: ‹اسمَعْنِي فَأتَكَلَّمَ، وَأسألُكَ فَأجِبْنِي.› قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ بِسَمَاعِ الأُذُنِ فَقَطْ، أمَّا الآنَ فَقَدْ رَأتكَ عَينيَ. لِهَذَا أخْجَلُ مِنْ نَفْسِي، وَأندَمُ جَالِسًا فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ.» وَبَعْدَ أنْ كَلَّمَ اللهُ أيُّوبَ حَوْلَ هَذِهِ الأُمُورِ، قَالَ لِألِيفَازَ التَّيمَانِيِّ: «غَضَبِي مُتَّقِدٌ عَلَيْكَ وَعَلَى صَاحِبَيكَ لِأنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَمَا فَعَلَ عَبدِي أيُّوبُ. وَالْآنَ خُذُوا لِأنفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبعَةَ كِبَاشٍ وَاذْهَبُوا إلَى عَبدِي أيُّوبَ، وَقَدِّمُوا ذَبِيحَةً عَنْكُمْ. وَسَيُصَلِّي عَبدِي أيُّوبُ مِنْ أجْلِكُمْ. لِأنِّي سَأُكرِمُ طَلَبَاتِ أيُّوبَ. وَلَنْ أتَعَامَلَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ، لِأنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبدِي أيُّوبَ.» فَذَهَبَ ألِيفَازُ التَّيمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ وَفَعَلُوا كَمَا أمَرَهُمُ اللهُ . وَأكرَمَ اللهُ طِلبَةَ أيُّوبَ. وَرَدَّ اللهُ ثَرَوَاتِ أيُّوبَ السَّابِقَةِ بَعْدَ أنْ صَلَّى مِنْ أجْلِ أصْحَابِهِ. وَأعْطَاهُ اللهُ ضِعْفَي مَا كَانَ لَهُ مِنْ مُقتَنَيَاتٍ. وَجَاءَ إلَيْهِ جَمِيعُ إخْوَتِهِ وَأخَوَاتِهِ وَكُلُّ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ عَرَفُوهُ، وَتَنَاوَلُوا مَعَهُ الطَعَامَ فِي بَيْتِهِ. وَأظْهَرُوا تَعَاطُفًا مَعَهُ، وَعَزُّوهُ عَنْ كُلِّ الضِّيقِ الَّذِي جَلَبَهُ اللهُ عَلَيْهِ. وَأعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قِطعَةً مِنَ الفِضَّةِ وَخَاتِمًا مِنَ الذَّهَبِ. وَبَارَكَ اللهُ أيُّوبَ فِي النِّهَايَةِ أكْثَرَ مِنَ البِدَايَةِ. فَكَانَ لَهُ أرْبَعَةَ عَشَرَ ألْفَ رَأسٍ مِنَ الغَنَمِ وَسِتَّةُ آلَافِ رَأسٍ مِنَ الجِمَالِ وَألفُ زَوْجٍ مِنَ البَقَرِ وَألفُ حِمَارٍ. وَكَانَ لَهُ سَبعَةُ أبْنَاءٍ وَثَلَاثُ بَنَاتٍ. وَسَمَّى ابنَتَهُ الأُولَى يَمِيمَةَ، وَالثَّانِيَةَ قَصِيعَةَ، وَالثَّالِثَةَ قَرْنَ هَفُّوكَ. وَلَمْ تَكُنْ فِي الأرْضِ نِسَاءٌ أجمَلَ مِنْ بَنَاتِ أيُّوبَ. وَأعْطَاهُنَّ أبُوهُنَّ أيُّوبُ جُزءًا مِنَ المِيرَاثِ كَمَا فَعَلَ مَعَ إخْوَتِهِنَّ. وَعَاشَ أيُّوبُ بَعْدَ هَذَا مِئَةً وَأرْبَعِينَ سَنَةً. وَرَأى أيُّوبُ أرْبَعَةَ أجيَالٍ مِنْ نَسْلِهِ. وَمَاتَ أيُّوبُ عَجُوزًا مُكتَفِيًا مِنَ الأيَّامِ. هَنِيئًا لِلإنْسَانِ الَّذِي لَمْ يَمْشِ حَسَبَ نَصِيحَةِ الأشْرَارِ، وَعَلَى طَرِيقِ الخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَلَمْ يُخَالِطِ المُسْتَهْزِئِينَ. لَكِنَّهُ يُحِبُّ شَرِيعَةَ اللهِ . وَيَتَأمَّلُ تَعَالِيمَهُ لَيلَ نَهَارٍ. فَهُوَ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ قُرْبَ جَدَاوِلِ المِيَاهِ، تُنتِجُ ثَمَرَهَا فِي وَقْتِهِ، وَأوْرَاقُهَا لَا تَذْبُلُ أبَدًا، وَيَنْجَحُ كُلُّ مَا يَفْعَلُهُ. أمَّا الأشْرَارُ فَلَيْسُوا كَذَلِكَ، بَلْ هُمْ كَبَقَايَا التِّبْنِ تُطَيِّرُهُ الرِّيحُ. لِهَذَا لَا يُبَرَّأُ الأشْرَارُ عِنْدَ المُحَاكَمَةِ. وَلَا يُحْسَبُ الخُطَاةُ بَيْنَ جَمَاعَةِ الأبْرَارِ. لِأنَّ اللهَ يُرْشِدُ المُسْتَقِيمِينَ وَيَحْمِيهِمْ، أمَّا الأشْرَارُ فَيَهْلِكُونَ. لِمَاذَا تَتآمَرُ الأُمَمُ، وَلِمَاذَا تُدَبِّرُ الشُّعُوبُ المَكَائِدَ عَبَثًا؟ أعَدَّ مُلُوكُ الأرْضِ أنْفُسَهُمْ لِلمَعرَكَةِ. وَاجتَمَعَ الحُكَّامُ مَعًا عَلَى اللهِ وَعَلَى مَسِيحِهِ. يَقُولُونَ: «لِنَتَخَلَّصْ مِنْ قُيُودِهِمْ، وَلْنُلْقِ بِهَا بَعِيدًا عَنَّا!» الجَالِسُ فِي السَّمَاءِ يَضْحَكُ، اللهُ يَهْزَأُ بِهِمْ. ثُمَّ يَتَحَدَّثُ إلَيْهِمْ فِي غَضَبِهِ، وَبِسَخَطِهِ يُفزِعُهُمْ وَيَقُولُ: «قَدْ نَصَّبْتُ مَلِكِي فِي صِهْيَوْنَ – جَبَلِي المُقَدَّسِ.» دَعُونِي أُخبِرُكُمْ بِمَا قَضَى بِهِ اللهُ . قَالَ لِي: «أنْتَ ابْنِي، وَأنَا اليَوْمَ وَلَدْتُكَ! اطلُبْ، وَسَأجْعَلُ جَمِيعَ الشُّعُوبِ مِيرَاثًا لَكَ، وَأطرَافَ الأرْضِ مِلْكًا لَكَ. سَتَحْكُمُهَا بِصَولَجَانٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَتُكَسِّرُهَا كَآنِيَةِ الفَخَّارِ.» وَالْآنَ، تَعَقَّلُوا أيُّهَا المُلُوكُ. وَخُذُوا بِنَصِيحَتِي يَا قَادَةَ الأرْضِ. اخدِمُوا اللهَ بِخَوْفٍ وَتَوْقِيرٍ. ارتَعِدُوا أمَامَهُ ارتِعَادًا. اخضَعُوا لِلِابْنِ لِئَلَّا يَغْضَبَ، فَتَهْلِكُوا! لِأنَّ غَضَبَهُ يُوشِكُ أنْ يَنْفَجِرَ. هَنِيئًا لِلمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ. ضِيقَاتِي كَثِيرَةٌ يَا اللهُ . فَقَدْ قَامَ عَلَيَّ كَثِيرُونَ. كَثِيرُونَ يَتَآمَرُونَ ضِدِّي. وَيَقُولُونَ: «لَنْ يُخَلِّصَهُ اللهُ.» لَكِنَّكَ يَا اللهُ تُرسِي. أنْتَ مَجْدِي. أنْتَ مَنْ يَرْفَعُ رَأسِي. بِصَوْتِي أدعُو اللهَ ، وَهُوَ يُجِيبُنِي مِنْ جَبَلِهِ المُقَدَّسِ. اسْتَلْقَيتُ وَنِمْتُ. وَهَا قَدِ استَيْقَظْتُ، لِأنَّ اللهَ يَسْنِدُنِي! فَلَا أخَافُ مِنْ عَشَرَاتِ الأُلُوفِ الَّذِينَ أحَاطُوا بِي. قُمْ يَا اللهُ ! قُدْنِي يَا إلَهِي إلَى النَّصْرِ! عِنْدَمَا تَضْرِبُ كُلَّ أعْدَائِي عَلَى وُجُوهِهِمْ، سَتُكَسِّرُ كُلَّ أسنَانِ هَؤُلَاءِ الأشْرَارِ. الِانْتِصَارُ مِنَ اللهِ ! لِتَكُنْ بَرَكَتُكَ عَلَى شَعْبِكَ! أجِبْنِي يَا إلَهِي الصَّالِحَ عِنْدَمَا أدعُوكَ. فِي الضِّيقِ أعْطِنِي فُسْحَةً وَرَاحَةً! ارحَمْنِي وَاسْمَعْ صَلَاتِي. حَتَّى مَتَى أيُّهَا النَّاسُ تُحَوِّلُونَ كَرَامَتِي عَارًا؟ تَعْشَقُونَ الأقَاوِيلَ الفَارِغَةَ، وَتُفَتِّشُونَ عَنْ أكَاذِيبَ ضِدِّي. فَاعلَمُوا أنَّ اللهَ يُصْغِي إلَى تَابِعِهِ الأمِينِ! اللهُ يَسْمَعُنِي عِنْدَمَا أدعُوهُ! لَا تَجْعَلُوا غَضَبَكُمْ يَجُرَّكُمْ إلَى الخَطِيَّةِ. تَفَكَّرُوا فِي مَا حَدَثَ بِصَمتٍ عَلَى فِرَاشِكُمْ. قَدِّمُوا الذَّبَائِحَ اللَّائِقَةَ، وَاتَّكِلُوا عَلَى اللهِ ! كَثِيرُونَ يَقُولُونَ: «مَنْ يُرِينَا خَيْرًا؟» ارفَعْ عَلَيْنَا نُورَ وَجْهِكَ يَا اللهُ . وَضَعْتَ فِي قَلْبِي سَعَادَةً أعْظَمَ مِنَ الفَرَحِ بِأغنَى مَوَاسِمِ حَصَادِ القَمْحِ وَالنَّبِيذِ. فِي سَلَامٍ كَامِلٍ أستَلْقِي وَأنَامُ. لِأنَّكَ وَحْدَكَ يَا اللهُ تَجْعَلُنِي أستَلْقِي فِي أمَانٍ! اسْمَعْ كَلِمَاتِي يَا اللهُ ! وَانتَبِهْ إلَى شَكْوَايَ. إلَهِي وَمَلِكِي، اسْتَمِعْ لِي وَأنَا أصرُخُ إلَيْكَ، لِأنِّي إلَيْكَ أُصَلِّي. كُلَّ صَبَاحٍ أُسْمِعُ صَلَاتِي إلَيْكَ يَا اللهُ ، أُصَلِّي إلَيْكَ وَأنتَظِرُ. لَسْتَ إلَهًا يُسَرُّ بِالشَّرِّ، وَالأشْرَارُ لَا يَخْشَوْنَكَ. وَالحَمقَى لَا يَقِفُونَ قُدَّامَكَ! أنْتَ تَرْفُضُ فَاعِلِي الشَّرَّ. يُهلِكُ المُتَكَلِّمِينَ بِالأكَاذِيبِ. يَمْقُتُ اللهُ القَتَلَةَ الَّذِينَ يَتَآمَرُونَ عَلَى الآخَرِينَ. أمَّا أنَا فَبِرَحمَتِكَ آتِي إلَى بَيْتِكَ. أنحَنِي عَابِدًا تُجَاهَ هَيْكَلِكَ المُقَدَّسِ فِي خَوفٍ وَمَهَابَةٍ. أرْشِدْنِي يَا اللهُ إلَى بِرِّكَ، فأنَا مُحَاطٌ بِالأعْدَاءِ. اجعَلْ طَرِيقَكَ مُسْتَقِيمًا أمَامِي. هُمْ لَا يَنْطِقُونَ بِالحَقِّ، فَإنَّ قُلُوبَهُمْ دَمَارٌ. أفوَاهُهُمْ أشبَهُ بِقُبُورٍ مَفتُوحَةٍ. يَخْدَعُونَ النَّاسَ بِألسِنَتِهِمُ النَّاعِمَةِ. عَاقِبْهُمْ يَا اللهُ! مُؤَامَرَاتُهُمْ سَتُدَمِّرُهُمْ. اسْحَقْهُمْ يَا اللهُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ مَعَاصِيهِمْ. لِأنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيْكَ. أمَّا الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَيْكَ فَسَيَفْرَحُونَ! إلَى الأبَدِ سَيَبْتَهِجُونَ. احْمِ مُحِبِّي اسْمِكَ، فَيَبْتَهِجُونَ بِكَ. حِينَ تُبَارِكُ المُسْتَقِيمِينَ يَا اللهُ ، فَكَأنَّكَ سِيَاجٌ يُحِيطُ بِهِمْ. لَا تُوَبِّخْنِي يَا اللهُ فِي غَضَبِكَ! لَا تُؤَدِّبْنِي وَأنْتَ سَاخِطٌ. ارحَمْنِي يَا اللهُ فَأنَا ضَعِيفٌ، اشفِنِي لِأنَّ عِظَامِي تَتَوَجَّعُ. نَفْسِي تَرْتَعِدُ ارتِعَادًا. فَحَتَّى مَتَى يَا اللهُ لَا تُعَزِّينِي. ارْجِعْ يَا اللهُ وَأنْقِذْني، خَلِّصْنِي بِمَحَبِّتِكَ وَرَحْمَتِكَ الدِّائِمَتَيْنِ. لِأنَّ النَّاسَ لَا يُكرِمُونَ اسْمَكَ فِي عَالَمِ الأمْوَاتِ. النَّاسُ فِي القُبُورِ لَا يُسَبِّحُونَكَ! أنْهَكْتُ نَفْسِي طَوَالَ اللَّيلِ بِأنِينِي وَتَنَهُّدِي، حَتَّى غَرِقَ فِرَاشِي بِالدُّمُوعِ. ذَبُلَتْ عَيْنَايَ مِنَ الحُزنِ، وَتَعِبَتْ مِنْ كَثرَةِ الأعْدَاءِ. ابْتَعِدُوا عَنِّي كُلُّكُمْ يَا فَاعِلِي الإثْمِ! لِأنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ صُرَاخِي. سَمِعَ اللهُ تَضَرُّعَاتِي، وَقَبِلَ صَلَاتِي. سَيُذَلُّ أعْدَائِي وَيَرْتَعِدُونَ جِدًّا. نَعَمْ، سَيَتَرَاجَعُونَ أذِلَّاءَ فَجْأةً. يَا ، عَلَيْكَ أتَّكِلُ. خَلِّصْنِي مِنْ كُلِّ مُضْطَهِدِيَّ. أنقِذْنِي. لِئَلَّا يُمَزِّقُونِي كَأسَدٍ، فَأتَمّزَّقَ وَلَا مُنقِذَ لِي! يَا ، إنْ كُنْتُ قَدِ اقتَرَفْتُ السَّيِّئَاتِ، وَإنْ اقتَرَفَتْ يَدَايَ شَرًّا، إنْ كُنْتُ قَدْ أسَأتُ إلَى مَنْ يُسَالِمُنِي، وَإنْ غَنِمْتُ غَنَائِمَ مِنْ عَدُوِّي بِلَا سَبَبٍ، فَلَيتَ عَدُوِّي يَسْعَى إلَى قَتلِي، وَيُمسِكُ بِي وَيَدُوسُ حَيَاتِي فِي الأرْضِ! وَيَضَعُ نَفْسِي وَكَرَامَتِي فِي التُّرَابِ. قُمْ يَا اللهُ وَأظْهِرْ غَضَبَكَ! وَتَصَدَّ لِأعْدَائِي الغَاضِبِينَ! أيِّدْنِي بِالعَدْلِ الَّذِي أوْصَيتَنَا بِهِ! لِتَجْتَمِعْ حَوْلَكَ الشُّعُوبُ، وَلْتَرْتَفِعْ عَلَيْهَا قَاضِيًا. اللهُ هُوَ مَنْ يَدِينُ الشُّعُوبَ. فَاقْضِ لِي يَا اللهُ حَسَبَ صَلَاحِي وَنَزَاهَتِي. اقطَعْ شَرَّ الأشْرَارِ وَأعِنِ المُستِقِيمَ. فَأنْتَ أيُّهَا الإلَهُ البَارُّ، فَاحِصُ الأفكَارِ وَالقُلُوبِ. تُرسِي هُوَ اللهُ، مُخَلِّصُ الصَّالِحِينَ الأُمَنَاءَ. اللهُ قَاضٍ عَادِلٌ. وَهُوَ يَدِينُ الأشْرَارَ عَلَى الدَّوَامِ. فَإذَا لَمْ يَتُبِ الشِّرِّيرُ إلَى اللهِ، سَيَسْتَلُّ اللهُ سَيفَهُ، وَيَسْحَبُ قَوْسَهُ القَوِيَّ وَيُصَوِّبُ إلَيْهِ. أعَدَّ اللهُ أسلِحَتَهُ المُمِيتَةَ لِلشِّرِّيرِ، مُسْتَخْدِمًا حَتَّى سِهَامًا نَارِيَّةً. هَا هُوَ الشِّرِّيرُ يَحْمِلُ الشَّرَّ. يَحْبَلُ بِأعْمَالِ الأذَى، وَيَلِدُ الخِدَاعَ. قَدْ يَحْفِرُ إنْسَانٌ حُفرَةً وَيُغَطِّيهَا لِتَكُونَ فَخًّا. فَيَقَعُ هُوَ فِيهَا. يَهْوِي عَلَى رَأسِهِ الفَخُّ الَّذِي صَنَعَهُ. وَعَلَى جُمجُمَتِهِ يَقَعُ عُنْفُهُ وَظُلْمُهُ. أسَبِّحُ اللهَ حَسَبَ بِرِّهِ. أُرَنِّمُ مَزَامِيرَ إكْرَامًا لِاسْمِ اللهِ العَلِيِّ. يَا اللهُ ، رَبَّنَا، لَكَ أرْوَعُ اسْمٍ فِي كُلِّ الكَوْنِ! لَكَ يُقَدَّمُ التَّسبِيحُ عَبْرَ السَّمَاوَاتِ. مِنْ أفوَاهِ الأطْفَالِ وَالرُّضَّعِ، أسَّسْتَ تَسْبِيحًا فِي وَجْهِ مُقَاوِميكَ، لِكَي تُخرِسَ أعْدَاءَكَ، وَالسَّاعِينَ إلَى الِانْتِقَامِ. عِنْدَمَا أرَى السَّمَاوَاتِ الَّتِي صَنَعَتْهَا أصَابِعِكَ. وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ الَّتِي وَضَعْتَهَا فِي أمَاكِنِهَا، أُقُولُ: مَا هِيَ أهَمِّيَّةُ الإنْسَانِ حَتَّى تُفَكِّرَ بِهِ، وَمَا أهَمِّيَّةُ ابنِ الإنْسَانِ حَتَّى تَهْتَمَّ بِهِ؟ جَعَلْتَهُ لِوَقْتٍ قَلِيلٍ أدنَى مِنَ الكَائِنَاتِ السَّمَاوِيَّةِ وَتَوَّجْتَهُ بِالمَجْدِ وَالكَرَامَةِ. وَكَّلْتَهُ عَلَى كُلِّ مَا صَنَعْتَ. وَأخضَعْتَ كُلَّ الأشْيَاءِ تَحْتَ قَدَمَيهِ. يَحْكُمُ الأغْنَامَ وَالمَوَاشِي كُلَّهَا، وَالحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةَ، وَالطُّيُورَ فِي السَّمَاءِ، وَالأسمَاكَ السَّابِحَةَ فِي مَسَالِكِ البِحَارِ. يَا اللهُ ، رَبَّنَا، لَكَ أروَعُ اسْمٍ فِي كُلِّ الكَوْنِ! بِكُلِّ قَلْبِي سَأُسَبِّحُ اللهَ . سَأُعَدِّدُ كُلَّ أعْمَالِهِ العَجِيبَةِ. بِكَ سَأسعَدُ وَأبتَهِجُ أيُّهَا العَلِيُّ. وَأُرَنِّمُ مَزَامِيرَ تَسْبِيحًا لِاسْمِكَ. بِفَضْلِكَ يَرْتَدُّ أعْدَائِي وَيَفِرُّونَ، وَيَسْقُطُونَ وَيُقتَلُونَ أمَامَكَ. فَإنَّكَ قَضَيتَ لِي، جَلَسْتَ عَلَى الكُرسِيِّ قَاضِيًا عَادِلًا. وَبَّخْتَ الأُمَمَ الغَرِيبَةَ. أهْلَكْتَ الأشْرَارَ، وَمَحَوْتَ اسْمَهُمْ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. قُضِيَ عَلَى العَدُوِّ! خَرِبَتْ إلَى الأبَدِ مُدُنُهُمْ. اسْتَأْصَلْتَهُمْ مِنْهَا. أبَدْتَ كُلَّ ذِكْرٍ لَهُمْ. أمَّا اللهُ ، فَعَلَى عَرْشِهِ إلَى الأبَدِ. جَعَلَ عَرْشَهُ كُرسِيَّ عَدلٍ. وَهُوَ يَدِينُ العَالَمَ بِعَدلٍ. يَدِينُ الأُمَمَ بِاسْتِقَامَةٍ. فَلْيَكُنِ اللهُ مَلجَأً لِلمَسحُوقِينَ، مَلجَأً لَهُمْ فِي أزمِنَةِ الشِّدَّةِ. وَيَتَّكِلُ عَلَيْكَ عَارِفُو اسْمِكَ، لِأنَّ اللهَ لَا يَتَخَلَّى عَنِ الَّذِينَ يَسْتَعِينُونَ بِهِ. رَنِّمُوا تَرَانِيمَ تَسْبِيحٍ للهِ السَّاكِنِ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ. حَدِّثُوا الشُّعُوبَ عَنْ أعْمَالِهِ العَجِيبَةِ. لَا يَنْسَى اللهُ السَّاعِينَ إلَى الحُصُولِ عَلَى حَقِّهِمْ. لَا يَنْسَى المَسَاكِينَ المُتَّضِعِينَ الصَّارِخِينَ إلَيْهِ. ارحَمْنِي يَا اللهُ ! انْظُرْ كَيْفَ يَضْطَهِدُنِي أعْدَائِي. أنْتَ مَنْ يَرْفَعُنِي مِنْ أبوَابِ المَوْتِ. خَلِّصْنِي لِكَي أُرَنِّمَ تَسَابِيحَكَ عِنْدَ أبوَابِ العَزيزَةِ صِهْيَوْنَ وَأبتَهِجَ بِخَلَاصِكَ. وَقَعَتِ الشُّعُوبُ فِي الحُفْرَةِ الَّتِي حَفَرَتْهَا. عَلِقَتْ أقْدَامُهُمْ فِي الشَّبَكَةِ. لِيَعْرِفَ النَّاسُ أنَّ اللهَ عَادِلٌ. يَعْلَقُ الأشرَارُ بِالمَصَائِدِ الَّتِي يَصْنَعُونَهَا لِلآخَرِينَ. خَلِّصْنِي مِنَ المَوْتِ. لَيْتَ الأشْرَارَ، كُلُّ الَّذِينَ نَسُوا اللهَ، يَمْضُونَ إلَى المَوْتِ. لِأنَّ الفُقَرَاءَ المُحْتَاجِينَ لَنْ يُنْسَوْا إلَى الأبَدِ. وَآمَالُ البَائِسِينَ لَنْ تُحَطَّمَ إلَى الأبَدِ. قُمْ يَا اللهُ . لَا تَدَعْ هَؤُلَاءِ النَّاسَ يَتَقَوَّوْا! وَلْتُحَاكَمِ الشُّعُوبُ فِي حَضْرَتِكَ. ضَعْ فِيهِمْ فَزَعًا يَا اللهُ ، فَتَعْرِفَ هَذِهِ الشُّعُوبُ أنَّهُمْ مُجَرَّدُ بَشَرٍ! لِمَاذَا، يَا اللهُ ، تَبْقَى بَعِيدًا هَكَذَا، صَامِتًا فِي زَمَانِ الضِّيقِ؟ يُخَطِّطُ الأشْرَارُ المُتَكَبِّرُونَ لِلشَّرِّ. وَيَسْقُطُ المَسَاكِينُ فِي فَخِّ مَكَائِدِ الأشْرَارِ. حَقًّا يَفْتَخِرُ الأشْرَارُ بِرَغَبَاتِهِمُ الشِّرِّيرَةِ لِلَّذَّاتِ. وَالجَشِعُونَ يَلْعَنُونَ وَيَحْتَقِرُونَ اللهَ . عِنْدَمَا يَغْضَبُ الأشْرَارُ، فَإنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ فِي تَكَبُّرِهِمْ مَشُورَةَ اللهِ. لَا مَكَانَ للهِ فِي خُطَطِهِمْ. يَفْعَلُ الأشْرَارُ دَوْمًا أُمُورًا مُلتَوِيَةً. وَهُمْ لَا يَرَوْنَ أحكَامُكَ وَتَعْلِيمَكَ. لَكِنَّكَ تَسْخَرُ بِهِمْ. يَقُولُونَ فِي قُلُوبِهِمْ إنَّهُمْ لَنْ يَفْشَلُوا، وَلَنْ يَحْدُثَ لَهُمْ سُوءٌ أبَدًا. أفوَاهُهُمْ مَملوءَةٌ بِاللَّعَنَاتِ وَالمَكرِ وَالتَّهدِيدِ، وَتَحْتَ ألسِنَتِهِمْ شَقَاءٌ وَشَرٌّ. يَكْمُنُونَ فِي الأزِقَّةِ لِيَغتَالُوا الأبرِيَاءَ. يَقْبَعُونَ فِي السِّرِّ مُتَرَقِّبِينَ مُرُورَ المَسْكِينِ. يَكْمُنُونَ كَأسَدٍ فِي عَرِينِهِ. يَخْتَبِئُونَ لِيُمسِكُوا بِالمَسَاكِينِ. لِيُمسِكُوهُمْ وَيَجُرُّوهُمْ فِي شَبَكَتِهِمْ. يَنْطَرِحُ المَسَاكِينُ أيْضًا مِنْ بَطشِ الأشْرَارِ. يَقُولُ المَسَاكِينُ فِي أنْفُسِهِمْ: «اللهُ نَسِيَنَا. يَتَجَاهَلُنَا وَلَا يَرَى مَا يَحْدُثُ لَنَا.» قُمْ يَا اللهُ . ارفَعْ يَدَكَ لِتُعَاقِبَهُمْ. لَا تَنْسَ المَسَاكِينَ. لِمَاذَا يُهِينُ الشِّريرُ اللهَ وَيَقُولُ لِنَفْسِهِ: «لَنْ يُحَاسِبَنِي اللهُ عَلَى مَا فَعَلْتُ»؟ لَكِنَّكَ تَرَى يَا اللهُ مَا يَحْدُثُ. تَرَى كُلَّ الضِّيقِ وَالألَمِ! وَتَمُدُّ يَدَكَ لِتُسَاعِدَ البُؤَسَاءَ. أنْتَ مُعِينُ مَنْ لَا مُعِينَ لَهُ! اكسِرْ يَا اللهُ ذِرَاعَ الشِّرِّيرِ! حَطِّمْ مَا فَعَلَهُ مِنْ شَرٍّ فَلَا يَبْقَى لَهُ أثَرٌ! اللهُ مَلِكٌ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ! وَسَتُقطَعُ الأُمَمُ الشِّرِّيرَةُ مِنْ أرْضِهِ! اسْمَعْ يَا اللهُ مَطلَبَ المَسَاكِينِ المُتَّضِعِينَ. شَجِّعْهُمْ! اسْتَمِعْ إلَى صَلَوَاتِهِمْ. أنصِفِ الأيتَامَ وَالمُضطَهَدِينَ، فَلَا يَعُودُ الإنْسَانُ، الَّذِي هُوَ مِنَ الأرْضِ، يُرْعِبُهُمْ. عَلَى اللهِ أتَّكِلُ. فَكَيْفَ تَقُولُونَ لِي: «اهرُبْ كَعَصفُورٍ إلَى جَبَلِكَ!» فَالأشرَارُ يَخْتَبِئُونَ فِي الظَّلَامِ، يَمُدُّونَ أقوَاسَهُمْ وَيُسَدِّدُونَ سِهَامَهُمْ لِيُصِيبُوا أحشَاءَ الإنْسَانِ المُسْتَقِيمِ. مَاذَا يَفْعَلُ الصَّالِحُونَ إذَا هَوَتِ الأسَاسَاتُ؟ اللهُ فِي هَيْكَلِهِ المُقَدَّسِ. عَرشُ اللهِ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ يَرَى كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ البَشَرُ. يَمْتَحِنُ اللهُ الصَّالِحِينَ، لَكِنَّهُ يُبغِضُ الأشرَارَ العُنَفَاءَ، وَيُمطِرُ عَلَيْهِمْ نَارًا وَكِبرِيتًا. وَرِيحٌ لَافِحَةٌ هِيَ كُلُّ نَصِيبِهِمْ. اللهُ عَادِلٌ وَيُحِبُّ الصَّالِحِينَ. وَسَيُبصِرُ المُسْتَقِيمُونَ وَجْهَهُ. نَجِّنِي يَا اللهُ ! فَقَدْ تَلَاشَى الأتقِيَاءُ! وَاختَفَى كُلُّ الأُمَنَاءِ مِنْ بَينِهِمْ. لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ إلَّا بِالتَّوَافِهِ. وَلَا يُفَكِّرُونَ إلَّا بِأكَاذِيبِ النِّفَاقِ. هَذَا مَا يُحَدِّثُ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا! لَيْتَ اللهَ يَقْطَعُ تِلْكَ الشِّفَاهَ الكَاذِبَةَ، وَتِلْكَ الألسِنَةَ المُتَفَاخِرَةَ. يَقُولُونَ: «نَعْرِفُ كَيْفَ نَسْتَخْدِمُ ألسِنَتَنَا وَنَنتَصِرُ. شِفَاهُنَا تَحْتَ سَيطَرَتِنَا، فَمَنْ يَتَسَيَّدَ عَلَيْنَا؟» «لِأنَّ المَسَاكِينَ قَدْ سُلِبُوا، وَالبَائِسِينَ يَئِنُّونَ ألَمًا، سَأقُومُ، يَقُولُ اللهُ . سَأُعْطِيهِمُ الأمَانَ الَّذِي يَتُوقُونَ إلَيْهِ.» وُعُودُ اللهِ نَقِيَّةٌ، مِثْلَ الفِضَّةِ المُصَفَّاةِ فِي فُرنٍ، المُنَقَّاةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. احْمِ المَسَاكِينَ يَا اللهُ . وَاحفَظْهُمْ مِنْ هَذَا الجِيلِ الشِّرِّيرِ إلَى الأبَدِ. يَختَالُ الأشرَارُ حَوْلَنَا. حِينَ يُمْتَدَحُ مَا هُوَ تَافِهٌ بَيْنَ البَشَرِ. حَتَّى مَتَى تَنسَانِي يَا اللهُ ؟ أإلَى الأبَدِ؟ حَتَّى مَتَى تُشِيحُ بِوَجْهِكَ عَنِّي؟ حَتَّى مَتَى يَنْبَغِي أنْ أُصَارِعَ هَذِهِ الأفكَارَ فِي نَفْسِي؟ حَتَّى مَتَى أحمِلُ هَذَا الحُزْنَ فِي قَلْبِي طَوَالَ النَّهَارِ؟ حَتَّى مَتَى يَتَسَلَّطُ عَدُوِّي عَلَيَّ؟ اللهُ ، يَا إلَهِي، التَفِتْ إلَيَّ! أجِبْنِي. أنِرْ عَينَيَّ وَإلَّا مِتُّ! أجِبْنِي لِئَلَّا يَقُولَ عَدُوِّي: «قَضَيتُ عَلَيْهِ!» إنْ تَعَثَّرْتُ وَسَقَطتُ، سَيَبْتَهِجُ خُصُومِي. أمَّا أنَا، فَأتَّكِلُ عَلَى مَحَبَّتِكَ المُخْلِصَةِ! يَبْتَهِجُ قَلْبِي بِخَلَاصِكَ سَأُرَنِّمُ للهِ ، لِأنَّهُ اهتَمَّ بِي كَثِيرًا. يَقُولُ الأحْمَقُ فِي قَلْبِهِ: «اللهُ غَيْرُ مَوجُودٍ!» الحَمْقَى يُخَرِّبونَ. يَفْعَلُونَ أُمُورًا مُلتَوِيَةً. وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا. مِنَ السَّمَاءِ نَظَرَ اللهُ إلَى البَشَرِ، لِيَرَى إنْ كَانَ بَيْنَهُمْ أيُّ حَكِيمٍ، إنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَطْلُبُهُ. لَكِنَّهُمُ انْحَرَفُوا جَمِيعًا وَابْتَعَدُوا. جَمِيعُهُمْ فَاسِدُونَ. وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، وَلَا وَاحِدٌ! ألَا يَفْهَمُونَ؟ لَا يَطْلُبُ هَؤلَاءِ الأشْرَارُ مَشُورَةَ اللهِ ، لَكِنَّهُمْ يَلْتَهِمُونَ شَعْبِي كَمَا يَلْتَهِمُونَ الطَّعَامَ! وَعِنْدَمَا يُعَاقِبُهُمُ اللهُ، سَيَرْتَعِبُ الأشرَارُ رُعبًا. لِأنَّ اللهَ يَقِفُ مَعَ الصَّالِحِينَ. يَسْتَصْغِرُ الأشرَارُ سَعيَ المَسَاكِينِ إلَى النَّصِيحَةِ. لِأنَّ اللهَ هُوَ مَلَاذُهُمْ وَمَلْجَأُهُمْ. لَيْتَ خَلَاصَ بَنِي إسْرَائِيلَ يَأْتِي سَرِيعًا مِنْ عِندِ اللهِ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ! عَندَمَا يُعِيدُ اللهُ أسرَى الحَرْبِ، سَيَبْتَهِجُ يَعْقُوبُ وَيَفْرَحُ بَنُو إسْرَائِيلَ. مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَسْكُنَ فِي خَيْمَتِكَ يَا اللهُ ؟ مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَسْكُنَ فِي جَبَلِكَ المُقَدَّسِ؟ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَحْيَوْنَ بِالِاسْتِقَامَةِ وَيَفْعَلُونَ الصَّوَابَ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالصِّدْقِ مِنَ قُلُوبِهِمْ. الَّذِينَ لَا يَفْتَرُونَ عَلَى القَرِيبِ، وَلَا يُسِيئُونَ إلَى الأصْحَابِ، وَلَا يُرَوِّجُونَ لِلأقَاوِيلِ عَلَى الجِيرَانِ. يَحْتَقِرُونَ الأشْرَارَ الَّذِينَ رَفَضَهُمُ اللهُ، وَيُكرِمُونَ مَنْ يَهَابُونَ اللهَ . الَّذِينَ يَفُونَ بِوُعُودِهِمْ، حَتَّى وَإنْ ضَرَّهُمْ ذَلِكَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ يُقرِضُونَ بِلَا مُقَابِلٍ. وَلَا يَقْبَلُونَ الرِّشوَةَ لِأذَى الأبرِيَاءِ. مَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ كُلَّهَا لَا يَسْقُطُ أبَدًا. احمِنِي يَا اللهُ لِأنِّي عَلَيْكَ أعتَمِدُ! قُلْتُ للهِ : «أنْتَ رَبِّي! بَرَكَاتِي كُلُّهَا مِنْكَ تَأْتِي! القِدِّيسُونَ الَّذِينَ فِي الأرْضِ هُمُ الجَلِيلُونَ الَّذِينَ أُسَرُّ وَأتَمَتَّعُ بِهِمْ.» لَكِنْ مَا أكْثَرَ أوجَاعَ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ آلِهَةً أُخْرَى! وَلَا أشتَرِكُ فِي سَكَائِبِ الدَّمِ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا. وَلَا أجعَلُ أسْمَاءَ آلِهَتِهِمْ تَمُسُّ لِسَانِي! نَصِيبِي هُوَ اللهُ وَكَأسِي! أنْتَ تُمْسِكُ بِمِيرَاثِي بَيْنَ يَدَيْكَ! وَقَعَ نَصِيبِي فِي أرْضٍ طَيِّبَةٍ. فَمَا أحلَى مِيرَاثِي! أُبَارِكُ اللهَ ، الَّذِي يَنْصَحُنِي. يُعَلِّمُنِي حَتَّى فِي اللَّيلِ وَيُوَجِّهُ قَلْبِي. جَعَلْتُ اللهَ أمَامِي دَائِمًا، هُوَ عَنْ يَمِينِي فَلَنْ أتَزَعْزَعَ. لِهَذَا يَفْرَحُ قَلْبِي وَتَبْتَهِجُ رُوحِي. حَتَّى جَسَدِي يَسْكُنُ فِي أمَانٍ. لِأنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَابِعَكَ التَّقِيِّ يَتَعَفَّنُ. تُعَلِّمُنِي طَرِيقَ الحَيَاةِ! مَعَكَ أشبَعُ سُرُورًا. أسْعَدُ، وَأنَا بِجَانِبِكَ، إلَى الأبَدِ! اسْتَمِعْ يَا اللهُ إلَى مُطَالَبَتِي بِالعَدْلِ. أنصِتْ إلَى صَوْتِ استِغَاثَتِي. أُقَدِّمُ إلَيْكَ صَلَاتِي مِنْ شَفَتَيْنِ لَا غِشَّ فِيهِمَا. مِنْ عِندِكَ يَأْتِي حَقِّي. عَينَاكَ تَرَيَانِ الحَقَّ. أنْتَ فَحَصْتَ قَلْبِي. فَتَّشْتَنِي فِي اللَّيلِ. امتَحَنتَنِي فَلَمْ تَجِدْ فِيَّ لَوْمًا. فَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى ألَّا أُخْطِئَ بِفَمِي. عَلَى قَدْرِ طَاقَتِي كَإنْسَانٍ، أطَعْتُ كَلَامَ شَفَتَيْكَ، لَكَي أتَجَنَّبَ دُرُوبَ العُنْفِ. فَلَيتَكَ تَحْفَظُ خُطُوَاتِي فِي طُرُقِكَ، حَتَّى لَا تَتَعَثَّرَ قَدَمَايَ! دَعَوْتُكَ لِأنَّكَ تُجِيبُنِي يَا اللهُ! أمِلْ إلَيَّ أُذُنَكَ. وَاسمَعْ كَلِمَاتِي! أظْهِرْ بِشَكلٍ عَجِيبٍ مَحَبَّتَكَ المُخْلِصَةَ، يَا مَنْ تُنقِذُ يَمِينُكَ الَّذِينَ يَلْجَأُونَ إلَيْكَ مِمَّنْ يَقُومُونَ ضِدَّهُمْ. احفَظْنِي وَكَأنِّي حَدَقَةُ عَيْنِكَ! خَبِّئْنِي فِي ظِلِّ جَنَاحَيكَ، مِنَ الأشْرَارِ الَّذِينَ يَسْلِبُونَنِي! وَمِنْ أعْدَائِي اللَّدُودِينَ الَّذِينَ يُحَاصِرُونَنِي! أغلَقُوا قُلُوبَهُمْ عَنِ الشَّفَقَةِ! فَمُهُمْ يَنْطُقُ بِالكِبرِيَاءِ. طَارَدُونِي، وَقَدْ أحَاطُوا بِي مُتَأهِّبِينَ لِطَرحِي أرْضًا! وَكَأنَّ عَدُوِّي أسَدٌ مُتَأهِّبٌ لِلِانقِضَاضِ عَلَى فَرِيسَتِهِ. كَشِبلٍ قَوِيٍّ يَتَرَبَّصُ. قُمْ يَا اللهُ ! تَصَدَّ لَهُ، وَأخْضِعْهُ! بِسَيفِكَ خَلِّصْنِي مَنْ ذَلِكَ الشِّرِّيرِ! أزِلْهُمْ يَا اللهُ بِيَدِكَ بِقُوَّتِكَ مِنْ هَذِهِ الدُّنيَا! أزِلْهُمْ مِنْ أرْضِ الأحيَاءِ! أمَّا الَّذِينَ تُعِزُّهُمْ، فَأعْطِهِمْ وَفرَةً لِيَشْبَعُوا، وَيَشْبَعَ أوْلَادُهُمْ، وَيَكْتَفِي أحفَادُهُمْ! أرَى وَجْهَكَ بِالبِرِّ. وَسَأشْبَعُ حِينَ أستَيْقِظُ عَلَى رُؤْيَةِ صُورَتِكَ. أُحِبُّكَ يَا اللهُ ، يَا قُوَّتِي! اللهُ هُوَ الصَّخْرَةُ الَّتِي ألتَجِئُ إلَيْهَا. إلَهِي دِرْعِي. قُوَّتُهُ تُنْقِذُنِي وَتَنْصُرُنِي. دَعَوْتُ اللهَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ التَّسْبِيحَ، فَخَلَصْتُ مِنْ أعْدَائِي! حِبَالُ المَوْتِ أحَاطَتْ بِي، وَسُيُولُ الهَلَاكِ اقتَحَمَتْنِي. حِبَالُ الهَاوِيَةِ التَفَّتْ حَوْلِي. وَأفْخَاخُ المَوْتِ مِنْ أمَامِي. فِي ضِيقِي دَعَوتُ اللهَ ، دَعَوتُ إلهِي. وَكَانَ اللهُ فِي هَيْكَلِهِ، فسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي. وَدَخَل صُرَاخِي أُذُنَيهِ. ثمَّ اهْتزَّتِ الأرْضُ وَارْتَجَفَتْ! وَالجِبَالُ تَحَرَّكَتْ وَارْتَجَّتْ، لِأنَّهُ غَضِبَ! مِنْ أنْفِهِ خَرَجَ دُخَانٌ، وَنَارٌ مُشْتَعَلةٌ انْطَلَقَتْ مِنْ فَمِهِ، وَاتَّقَدَتْ مِنْهَا الجَمْرُ. شَقَّ اللهُ السَّمَاءَ! وَقَفَ فَوْقَ غَيمَةٍ سَمِيكَةٍ دَاكِنَةٍ! كَانَ يَطيرُ مُمتَطِيًا مَلَائِكَةَ الكَرُوبِيمِ المُحَلِّقةَ، وَقَدِ امْتَطَى الرِّيحَ. لَفَّ اللهُ الغُيُومَ الدَّاكِنَةَ مِنْ حَوْلِهِ، جَمَعَ المَاءَ دَاخِلَ الغُيومِ الرَّاعِدةِ السَّميكَةِ. انْطَلقَتِ الجَمْرَاتُ كَالفَحْمِ المُشْتَعِلِ، أوْقَعَ بَرَدًا وَجَمْرَ نَارٍ! أرْعَدَ اللهُ فِي السَّمَاءِ غَضَبًا، وسمَّعَ اللهُ العَلِيُّ صَوْتَهُ. أطلَقَ سِهَامَهُ وَشَتَّتَ العَدُوَّ. أرْسَلَ اللهُ بُرُوقَهُ، فَتفرَّقَ النَّاسُ مُرْتَبِكِينَ وَفِي حَيرَةٍ. تكَلَّمْتَ يَا اللهُ بِقوَّةٍ، وَمِنْ فَمِكَ هبَّتْ رِيحٌ قَوِيَّةٌ، فَتَرَاجَعَتِ المِيَاهُ، حَتَّى رَأينَا قَعْرَ البَحْرِ، وَأُسُسَ الأرْضِ. مَدَّ ذِرَاعَهُ مِنْ عَليَائِهِ، وَأمْسَكَ بِي، وَسَحَبَنِي مِنَ المِيَاهِ العَمِيقَةِ المُنْدَفِعةِ. خَلَّصَنِي مِنْ أعْدَائِي الَّذِينَ هُمْ أقْوَى مِنِّي. أنْقَذَنِي مِنْ كَارِهِيَّ، فَقَدْ كَانُوا أقْوَى مِنْ أنْ أُواجَهَهُم. وَبينَمَا كُنْتُ فِي مأزِقٍ، هَاجَمَنِي أعْدَائِي، لَكِنَّ اللهَ كَانَ هُنَاكَ لِيَدْعَمَنِي وَيُعينَنِي. اللهُ يُحِبُّنِي، لِذَا أنْقَذَنِي، وَأخَذَنِي إلَى مَكَانٍ أمِينٍ لَا ضِيقَ فِيهِ. سَيكَافئُنِي اللهُ لِأنَّنِي فعَلْتُ الصَّوَابَ، لَمْ أقْتَرِفْ ذَنْبًا، لِذَا سَيَصْنَعُ الأشْيَاءَ الحَسَنَةَ لِي. لِأنَّنِي سَلَكْتُ فِي وَصَايَا اللهَ ، وَلَمْ أُخْطِئْ إلَى إلَهِي. أذكُرُ دَائِمًا شَرَائِعَهُ وَأفكِّرُ بِهَا، وَأعْمَلُ بِحَسَبِهَا! أبْقَى أمِينًا لَهُ، وَأحْفَظُ نَفْسِي نَقِيًّا بِلَا إثْمٍ أمَامَهُ. لِذَا، سَيُكَافِئُنِي اللهُ حَسَبَ بِرِّي وَصَلَاحِي، بِحَسَبِ الصَّلَاحِ الَّذِي يَرَانِي أعْمَلُهُ. تُظهِرُ أمَانَتَكَ لِلأُمَنَاءِ، وَصَلَاحَكَ لِلصَّالِحِينَ. إنْ كَانَ أحَدُهُم صَادِقًا مَعَكَ، كُنْتَ أنْتَ أيْضًا صَادِقًا مَعَهُ. تُظهِرُ طَهَارَتَكَ لِلطَّاهِرِينَ، بَيَنَمَا يَرَاكَ الأعوَجُ مُلتَوِيًا. تُسَاعِدُ المُتوَاضِعِينَ، لَكِنَّكَ تَجْلُبُ العَارَ عَلَى المُتَفَاخِرِينَ. أنْتَ مِصْبَاحِي يَا ، تُضِيءُ الظُّلْمَةَ مِنْ حَوْلِي بمُسَاعَدَتِكَ، يَا اللهُ، أرْكُضُ مَعَ الجُنُودِ. بِمَعُونَةِ اللهِ، أتَسَلَّقُ جُدْرَانَ العَدُوِّ. طَرِيقُ اللهِ كَامِلٌ. كَلِمَةُ الله اجْتَازَتْ كَلَّ امتِحَانٍ. هُوَ تُرْسٌ لِمَنْ يَحْتَمُونَ بِهِ. مَا مِنْ إلهٍ غَيْرُ اللهِ ، وَمَا مِنْ صَخْرَةٍ سِوى إلَهِنَا. اللهُ حِصْنِي المَنِيعُ. يُسَاعِدُ الأنْقِيَاءَ لِيَسْلُكُوا الدَّرْبَ الصَّحِيحَ، يُسَاعِدُنِي اللهُ فَأعْدُوَ سَرِيعًا كَالغَزَالِ. يُبْقينِي فَوْقَ المَشَارِفِ. يُدَرِّبُني لِشَنِّ الحَرْبِ، فتُطلِقَ ذِرَاعَايَ سِهَامًا قَويَّةً. أنْتَ حَمَيتَني يَا اللهُ جَعَلْتَنِي عَظِيمًا، وَسَاعَدْتَني لِأهْزِمَ عَدُوِّي. تَمْنَحُنِي قُوَّةً فِي رِجْليَّ وَكَاحِليَّ فَأمْشِيَ سَرِيعًا مِنْ غَيْرِ أنْ أتَعَثَّرَ. أُطَارِدُ أعْدَائِي وَأُمْسِكُ بِهِمْ! وَلَا أعُودُ حَتَّى يَنْتَهِيَ أمْرُهُم. أهْلَكْتُ أعْدَائيَ. هَزمتُهُم! وَلَنْ يَنْهَضُوا بَعْدَ اليَوْمِ. سَقَطَ أعْدَائِي عِنْدَ قَدَميَّ. مَنَحْتَني القُوَّةَ فِي المَعْرَكَةِ. جَعَلْتَ أعْدَائِي يَنْهَارُونَ أمَامِي. مَنَحْتَنِي الفُرْصَةَ لِأنَالَ مِنْ عَدُوِّي، وَأهْزِمَ الَّذِي يَكْرَهُنِي! صَرَخَ أعْدَائِي طَلَبًا لِلمُسَاعَدَةِ، لَكِنْ مَا مِنْ أحَدٍ لِيُنْقِذَهُمْ. بَلْ وَنَظَرُوا إلَى اللهِ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُمْ. قَطَّعْتُ أعْدَائِي إرَبًا، فَكَانُوا كَالغُبَارِ الَّذِي يَحْمِلُهُ الرِّيحُ. سَحقْتُ أعْدَائِي. وَدُسْتُهُمْ كَالوَحلِ فِي الشَّوَارِعِ. أنْتَ أنْقَذْتني مِنْ مُؤَامَرَاتِ الشَّعْبِ الَّذِي يُحَارِبُني. أبْقَيْتَ عَلَيَّ حَاكِمًا عَلَى تِلْكَ الأُمَمِ. يَخْدُمُني الآنَ أُنَاسٌ لَمْ أعْرِفْهُمْ! يُطِيعُونَنِي فَورَ سَمَاعِهِمْ بِي! أُولئِكَ الغُرَبَاءُ يَتَذَلَّلُونَ أمَامِي! الغُرَبَاءُ يَرْتَعِدُونَ خَوْفًا. يَخْرُجُونَ مِنْ مَخَابِئِهِم وَهُمْ يَرْتَجِفُونَ. اللهُ حيٌّ! أمَجِّدُ صَخْرَتِي! اللَّهُ عَظِيمٌ! هُوَ الصَّخْرَةُ الَّتِي تُنْقِذُنِي. هُوَ اللهُ الَّذِي، مِنْ أجْلِي، عَاقَبَ أعْدَائِي جَعَلَ الشُّعُوبَ تَخْضَعُ لِحُكْمِي. خَلَّصْتَني مِنْ أعْدَائِي. سَاعَدْتَنِي عَلَى هَزْمِ الَّذِينَ وَقَفُوا ضِدِّي. حَرَّرْتَنِي مِنَ القُسَاةِ! لِهَذَا سَأحْمَدُكَ بَيْنَ بَقيّةِ الأُمَمِ يَا اللهُ . وَسَأُنشِدُ تَسْبِيحًا لِاسْمِكَ. يُعينُ اللهُ مَلِكَهُ لِيَفُوزَ بِمَعَارِكَ كَثِيرَةٍ! يُظْهِرُ رَحْمَتَهُ لِمَلِكِه المَمْسُوحِ. وَسَيَبْقَى وَفِيًا لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إلَى الأبَدِ! السَّمَاوَاتُ تَحْكِي عَنْ مَجْدِ اللهِ. وَتَعْرِضُ قُبَّةُ السَّمَاءِ عَمَلَ يَدَيهِ. كُلُّ يَوْمٍ يُمَرِّرُ خَبَرًا لِليَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ، وَكُلُّ لَيلَةٍ تُعلِنُ مَعْرِفَتَهَا لِلَّيلَةِ الَّتِي تَلِيهَا. مَا مِنْ كَلِمَاتٍ تُقَالُ، أوْ مِنْ صَوْتٍ يُسْمَعُ. غَيْرَ أنَّ أصوَاتِهِمْ وَصَلَتْ إلَى جَمِيعِ أنْحَاءِ الأرْضِ، وَانتَقَلَتْ كَلِمَاتُهُمْ إلَى أقَاصِي العَالَمِ. جَعَلَ اللهُ خَيْمَةَ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ. وَهِيَ كَالعَرِيسِ الخَارِجِ مِنْ خَيْمَتِهِ، وَهِيَ مُبتَهِجَةٌ كَرِيَاضِيٍّ مُتَأهِّبٍ لِلسِّبَاقِ. تَبْدَأُ السِّبَاقَ مِنْ أُفُقِ السَّمَاءِ، وَتَرْكُضُ حَتَّى النِّهَايَةِ! وَلَا شَيءَ يَخْتَبِئُ مِنْ حَرِّهَا. شَرِيعَةُ اللهِ نَقِيَّةٌ، تَرُدُّ الرُّوحَ شَهَادَاتُ اللهِ مَوثُوقَةٌ تَجْعَلُ البَسِيطَ حَكِيمًا. فَرَائِضُ اللهِ مُسْتَقِيمَةٌ تُسْعِدُ القَلْبَ. وَصَايَا اللهِ طَاهِرَةٌ تُنِيرُ العُيُونَ. خَوْفُ اللهِ نَقِيٌّ. إلَى الأبَدِ يَبْقَى. أحكَامُ اللهِ صَحِيحَةٌ. عَادِلَةٌ كُلُّهَا. هِيَ أثمَنُ مِنْ ذَهَبٍ كَثِيرٍ نَقِيٍّ! كُلُّهَا أشهَى مِنَ العَسَلِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ أقرَاصِ الشَّهْدِ. وَأنَا، عَبْدَكَ، يُحَذَّرُ بِهَا، وَفِي اتِّبَاعِهَا مُكَافَأةٌ عَظِيمَةٌ. مَنْ يُدْرِكُ كُلَّ أخطَائِهِ؟ فَاحفَظْنِي طَاهِرًا يَا اللهُ مِنَ الأخطَاءِ الخَفِيَّةِ. احمِنِي، أنَا عَبْدَكَ، مِنْ أفْكَارِ الكِبْرِيَاءِ. لَا تَدَعْهَا تَتَسَلَّطْ عَلَيَّ. فَأكُونَ بِلَا شَائِبَةٍ، وَأتَحَرَّرَ مِنْ خَطَايَا كَثِيرَةٍ. يَا اللهُ ، يَا صَخرَتِي وَفَادِيَّ، اقبَلْ كَلِمَاتِ فَمِي وَأفكَارَ قَلْبِي. لَيْتَ اللهَ يَسْتَجِيبُ لَكَ فِي ضِيقِكَ. لَيْتَ اسْمَ إلَهِ يَعْقُوبَ يَرْفَعُكَ وَيَحْمِيكَ. لَيتَهُ يُرْسِلُ لَكَ عَوْنًا مِنْ هَيْكَلِ قُدْسِهِ. لَيتَهُ يَسْنِدُكَ مِنْ صِهْيَوْنَ. لَيتَهُ يَتَذَكَّرُ كُلَّ تَقْدِمَاتِكَ مِنَ الدَّقِيقِ، وَيَقْبَلُ ذَبِيحَتَكَ. لَيتَهُ يُعطِيكَ مُشْتَهَيَاتِ قَلْبِكَ، لَيتَهُ يُنْجِحُ كُلَّ خُطَطِكَ. سَنَفْرَحُ بِنَصْرِكَ، وَنَبْتَهِجُ بِاسْمِ إلَهِنَا. لَيْتَ اللهَ يُحَقِّقُ كُلَّ طِلْبَاتِكَ. عَرَفْتُ الآنَ أنَّ اللهَ سَيُنَجِّي مَلِكَهُ المَمسُوحَ. سَيَسْتَجِيبُ مِنْ سَمَاوَاتِهِ المُقَدَّسَةِ، وَبِيَمِينِهِ سَيُحرِزُ نَصْرًا عَظِيمًا. بَعْضُهُمْ يَفْتَخِرُ بِمَرْكَبَاتِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِخَيلِهِ. أمَّا نَحْنُ فَنَذْكُرُ اسْمَ إلَهِنَا وَنَفْتَخِرُ بِهِ. هَؤُلَاءِ يَسْقُطُونَ وَيُخضَعُونَ. أمَّا نَحْنُ فَنَصْمِدُ وَنَغلِبُ. يَسْتِجِيبُ لَنَا اللهُ حِينَ نَدعُوهُ، وَسَيَنْصُرُ المَلِكَ. يَفْرَحُ المَلِكُ بِقُوَّتِكَ يَا اللهُ . يَبْتَهِجُ كَثِيرًا بِخَلَاصِكَ. أعْطَيْتَهُ مُشْتَهَى قَلْبِهِ. وَلَمْ تَحْرِمْهُ مِنْ مَطلَبِ شَفَتَيْهِ. تُقَدِّمُ لَهُ بَرَكَاتٍ وَاعِدَةً بِالخَيْرِ. وَتَاجًا مِنَ الذَّهَبِ تَضَعُ عَلَى رَأسِهِ. حَيَاةً طَلَبَ مِنْكَ، فَأعْطَيْتَهُ حَيَاةً تَطُولُ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. عَظَّمْتَ كَرَامَتَهُ بِنَصْرِكَ إيَّاهُ. عَلَيْهِ سَكَبْتَ مَجدًا وَشَرَفًا. أعْطَيْتَهُ بَرَكَاتٍ أبَدِيَّةً، فَأبْهَجْتَهُ بِابْتِهَاجِ حَضْرَتِكَ. هَذَا لِأنَّ المَلِكَ يَتَّكِلُ عَلَى اللهِ . وَبِمَحَبَّتِهِ للعَلِيِّ لَنْ يُزَحْزَحَ. لِتَمْتَدَّ يَدُكَ عَلَى كُلِّ أعْدَائِكَ. وَلْتَكُنْ يَمِينُكَ ضِدَّ مُبغِضِيكَ. أحْرِقْهُمْ كَفُرْنٍ عِنْدَ حُضُورِكَ. ابتَلِعْهُمْ يَا اللهُ فِي غَضَبِكَ، وَلْتَلْتَهِمْهُمْ نَارُكَ. أبنَاؤُهُمْ سَيَهْلِكُونَ. كُلُّ نَسْلِهِمْ يَزُولُ مِنْ بَيْنِ النَّاس. يَتَآمَرُونَ عَلَيْكَ، وَيُخَطِّطُونَ لِلشَّرِّ، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَنْجَحُوا! لِأنَّكَ تَرْبِطُهُمْ كَتِفًا إلَى كَتِفٍ. وَعَلَيْهِمْ تُحْكِمُ قَبْضَتَكَ. أنْتَ عَلِيٌّ يَا اللهُ بِقُوَّتِكَ، وَنَحْنُ نَتَغَنَّى بِجَبَرُوتِكَ. إلَهِي، إلَهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ أأنْتَ أبْعَدُ مِنْ أنْ تُخَلِّصَنِي، أوْ تَسْمَعَ صَرَخَاتِي؟ إلَهِي، فِي النَّهَارِ دَعَوْتُكَ فَلَمْ تُجِبْ. وَطَوَالَ اللَّيلِ لَمْ أسكُتْ. لَكِنَّكَ أنْتَ القُدُّوسُ. مُتَوَّجٌ أنْتَ عَلَى عَرْشِ تَسْبِيحَاتِ شَعْبِكَ. عَلَيْكَ اتَّكَلَ آبَاؤُنَا. اتَّكَلُوا عَلَيْكَ فَأنقَذْتَهُمْ. صَرَخُوا إلَيْكَ فَنَجُوا. عَلَيْكَ اتَّكَلُوا، فَلَمْ تَخْذِلْهُمْ. فَهَلْ أنَا دُودَةٌ لَا إنْسَانٌ؟ أأنَا شَيءٌ يَحْتَقِرُهُ النَّاسُ؟ فَكُلُّ مَنْ يَرَانِي يَهْزَأُ بِي. يَمُدُّونَ ألسِنَتَهُمْ وَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ عَلَيَّ. يَقُولُونَ: لِيَدْعُ اللهَ ! فَيُنقِذَهُ، وَيُخَلِّصَهُ بِمَا أنَّهُ مَسرُورٌ بِهِ! أمَّا أنَا، فَقَدْ أخْرَجْتَنِي سَالِمًا مِنْ بَطْنِ أُمِّي. طَمْأنتَنِي وَأنَا بَعْدُ أرْضَعُ. أُلْقِيتُ بَيْنَ ذِرَاعَيكَ مُنْذُ وُلِدْتُ. كُنْتَ إلَهِي وَأنَا فِي بَطْنِ أُمِّي. فَلَا تَتْرُكْنِي لِأنَّ الضِّيقَ قَرِيبٌ، وَلَا مُعِينَ لِي! أحَاطَ بِي أعْدَائِي كَالثِّيرَانِ، كَثِيرَانِ بَاشَانَ يُطَوِّقُونَنِي! فتَحُوا أفوَاهَهُمْ كَأسَدٍ غَاضِبٍ مُزَمْجِرٍ يَنْقَضُّ عَلَى فَرِيسَتِهِ. انسَكَبْتُ كَالمَاءِ، وَانفَصَلَتْ كُلُّ عِظَامِي. وَكَالشَّمْعِ ذَابَ قَلْبِي دَاخِلِي. جَفَّتْ قُوَّتِي كَقِطعَةِ فَخَّارٍ. وَالتَصَقَ لِسَانِي بِسَقْفِ حَلْقِي. وَأنْتَ وَضَعتَنِي عَلَى حَافَّةِ القَبْرِ. أحَاطَ بِي الأشرَارُ كَكِلَابِ بَاشَانَ. أطبَقَتْ عَلَيَّ جَمَاعَةٌ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ. وَكَأسَدٍ ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجلَيَّ. أرَى كُلَّ عِظَامِي. وَهُمْ يُحَدِّقُونَ بِي وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ. يَقْتَسِمُونَ ثِيَابِي فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَعَلَى قَمِيصِي يُلقُونَ القُرعَةَ. فَلَا تَبْعُدْ عَنِّي هَكَذَا يَا اللهُ . يَا قُوَّتِي، أسْرِعْ إلَى عَوْنِي. مِنَ السَّيْفِ نَجِّ نَفْسِي. وَمِنَ الكِلَابِ خَلِّصْ حَيَاتِي الوَحِيدَةَ! خَلِّصْنِي مِنْ فَمِ الأسَدِ، احمِنِي مِنْ قُرُونِ الثِّيرَانِ. لِهَذَا سَأُعلِنُ اسْمَكَ لِإخْوَتِي، وَسَأُسَبِحُكَ وَسَطَ جَمَاعَةِ شَعْبِكَ. سَبِّحُوا اللهَ يَا مَنْ تَخَافُونَهُ! كَرِّمُوهُ يَا نَسْلَ يَعْقُوبَ! اتَّقُوهُ يَا كُلَّ نَسْلِ إسْرَائِيلَ. فَاللهُ لَا يَخْجَلُ مِنَ الوُدَعَاءِ المُتَألِّمِينَ وَلَا يَحْتَقِرُهُمْ! لَا يَخْتَفِي عَنْهُمْ، بَلْ يَسْمَعُ عِنْدَمَا يَصْرُخُونَ إلَيْهِ. مِنْكَ يَأْتِي تَسْبِيحِي فِي الِاجْتِمَاعِ العَظِيمِ. وَسَأُوفِي بِنُذُورِي أمَامَ عَابِدِيكَ. تَعَالَوْا أيُّهَا الوُدَعَاءُ، كُلُوا وَاشْبَعُوا. سَبِّحُوا اللهَ يَا مَنْ تَطْلُبُونَهُ، وَلْتَحْيَ قُلُوبُكُمْ إلَى الأبَدِ! يَا سُكَّانَ الأرْضِ كُلِّهَا، تَذَكَّرُوا اللهَ وَارجِعُوا إلَيْهِ! لَيْتَ البَشَرَ كُلَّهُمْ يَنْحَنُونَ وَيَعْبُدُونَكَ. لِأنَّ المُلْكَ للهِ . اللهُ يَحْكُمُ عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ. كُلُّ الأغْنِيَاءِ وَالأصِحَّاءِ سَيَأْكُلُونَ وَيَسْجُدُونَ. نَعَمْ، كُلُّ الَّذِينَ يَنْحَدِرُونَ إلَى التُّرَابِ، وَحَتَّى الَّذِينَ لَمْ يُعْطَوْا حَيَاةً، سَيَسْجُدُونَ كُلُّهُمْ. ذُرِّيَتُهُمْ سَتَخْدِمُهُ. وَسَتُحَدِّثُ النَّاسَ عَنْ فَضلِ رَبِّنَا فِي الأجيَالِ التَّالِيَةِ. يَأْتِي أُنَاسٌ وَيُخبِرُونَ مَنْ لَمْ يُولَدُوا بَعْدُ بِأعْمَالِ اللهِ الحَسَنَةِ. اللهُ رَاعِيَّ، فلَنْ يَنْقُصَنِي شَيءٌ. فِي مَرَاعٍ خَصبَةٍ يُسكِنُنِي. إلَى جَدَاوِلَ هَادِئَةٍ يَقُودُنِي. يُنْعِشُ رُوحِي، وَعَلَى طُرُقٍ صَالِحَةٍ يَهْدِينِي، حَتَّى حِينَ أمشِي فِي وَادِي المَوْتِ المُظلِمِ، لَنْ أخشَى شَرًّا لِأنَّكَ أنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازَكَ يُشَجِّعَانَنِي. أعدَدْتَ لِي مَائِدَةً أمَامَ أعْدَائِي. بِزَيْتٍ مَسَحْتَ رَأسِي. كَأسِي امتَلأتْ وَفَاضَتْ. الخَيْرُ وَالرَّحمَةُ يَتْبَعَانَنِي كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِي. وَسَأمكُثُ فِي بَيْتِ اللهِ طَوَالَ حَيَاتِي. إنَّمَا الأرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهَا مُلْكٌ للهِ . العَالَمُ وَكُلُّ سُكَّانِهِ لَهُ. فَهُوَ الَّذِي أسَّسَهَا عَلَى المِيَاهِ، وَعَلَى الأنهَارِ ثَبَّتَهَا. مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَصْعَدَ جَبَلَ اللهِ ؟ مَنْ يَصْعَدَ إلَى مَكَانِهِ المُقَدَّسِ؟ لَا يَصْعَدُ إلَّا أنقِيَاءُ القُلُوبِ وَالأيدِي، الَّذِينَ لَمْ يُقْسِمُوا بِاسْمِي كَذِبًا، وَلَمْ يَقْطَعُوا وَعَوْدًا زَائِفَةً. هُؤُلَاءِ يَنَالُونَ بَرَكَاتٍ مِنَ اللهِ ، وَخَيرَاتٍ مِمَّنْ يُخَلِّصُهُمْ. هُمُ العَابِدُونَ الحَقِيقِيُّونَ الَّذِينَ يَأْتُونَ طَالِبِينَ إلَهَ يَعْقُوبَ. ارْفَعْنَ رُؤُوسَكُنَّ أيَّتُهَا البَوَّابَاتُ! انْفَتِحِي أيَّتُهَا الأبوَابُ القَدِيمَةُ، فَيَدْخُلَ المَلِكُ المَجِيدُ. مَنْ هُوَ هَذَا المَلِكُ المَجِيدُ! هُوَ اللهُ القَدِيرُ القَوِيُّ. هُوَ اللهُ ، المُحَارِبُ القَوِيُّ. ارفَعْنَ رُؤُوسَكُنَّ أيَّتُهَا البَوَّابَاتِ! انفَتِحِي أيَّتُهَا الأبوَابُ القَدِيمَةُ! فَيَدْخُلَ المَلِكُ المَجِيدُ. مَنْ هُوَ هَذَا المَلِكُ المَجِيدُ! اللهُ القَدِيرُ، هُوَ المَلِكُ المَجِيدُ! أُسَلِّمُكَ يَا اللهُ نَفْسِي! وَأُصَلِّي إلَيْكَ إلَهِي، عَلَيْكَ أتَّكِلُ، فَلَا أُخْزَى. عَدُوِّي لَنْ يَنْتَصِرَ. لَا يُخْزَى كُلُّ مَنْ جَعَلَ عَلَيْكَ رَجَاءَهُ. أمَّا الغَادِرُونَ فَسَيُخْزَوْنَ، وَعُذْرُهُمْ لَنْ يَنْفَعَهُمْ! أرِنِي يَا اللهُ طُرُقَكَ. دَرِّبْنِي فِي سُبُلِكَ. أرشِدْنِي، وَعَلِّمْنِي حَقَّكَ. لِأنَّكَ اللهُ الَّذِي يُخَلِّصُنِي وَأنَا أتَرَقَّبُكَ كُلَّ يَوْمٍ. تَذَكَّرْ مَرَاحِمَكَ وَمَحَبَّتَكَ المُخْلِصَةَ لَنَا يَا اللهُ ، لِأنَّ مَرَاحِمَكَ وَمَحَبَّتَكَ مُنْذُ القَدِيمِ. فَانْسَ خَطَايَا شَبَابِي وَتَعَدِّيَاتِي. اذْكُرْنِي بِرَحمَتِكَ، لِأنَّكَ صَالِحٌ يَا اللهُ . اللهُ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يُعَلِّمُ الخُطَاةَ الطَّرِيقَ القَوِيمَ. يَهْدِي المَسَاكِينَ إلَى الحَقِّ، وَيُعَلِّمُهُمْ طُرُقَهُ. كُلُّ طَرُقِ اللهِ مَحَبَّةٌ وَأمَانَةٌ، لِلَّذِينَ يَحْفَظُونَ شَرَائِعَ عَهْدِهِ. خَطِيَّتِي عَظِيمَةٌ، فَاغفِرْ لِي مِنْ أجْلِ اسْمِكَ يَا اللهُ . اللهُ يَقُودُ مَنْ يَخَافُهُ. يَهْدِيهِ فِي طَرِيقٍ يَختَارُهَا لَهُ. يَسْكُنُ فِي الأرْضِ الطَّيِّبَةِ، وَنَسْلُهُ يَحْتَفِظُونَ بِنَصِيبِهِمْ فِي الأرْضِ. يُشْرِكُ اللهُ خَائِفِيهِ فِي أسْرَارِهِ. يُعَلِّمُهُمْ مَعْنَى عَهْدِهِ. عَيْنَايَ نَحْوَ اللهِ دَوْمًا، لِأنَّهُ يَنْشِلُنِي مِنَ الضِّيقِ دَائِمًا. انْظُرْ إلَيَّ وَارْحَمْنِي، فَإنِّي مِسْكِينٌ وَمَسحُوقٌ. مِنْ هُمُومِ قَلْبِي حَرِّرْنِي، وَأخرِجْنِي مِنْ عَنَائِي. انْظُرْ إلَى تَجَارِبِي وَضِيقَاتِي. وَاغْفِرْ خَطَايَايَ كُلَّهَا! لَاحِظْ كَثْرَةَ أعْدَائِي، كَيْفَ يُبغِضُونَنِي بُغضًا وَيُرِيدُونَ أذِيَّتِي ظُلْمًا. فَاحْمِ حَيَاتِي وَأنْقِذْنِي. إلَيْكَ ألجَأُ، فَلَا تَخْذِلْنِي! الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاحُ يَحْمِيَانَنِي، لِأنِّي أتَرَقَّبُ عَوْنَكَ. خَلِّصْ يَا اللهُ إسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ أعْدَائِهِ! أنْصِفْنِي يَا اللهُ لِأنِّي عِشْتُ بِاسْتِقَامَةٍ، وَلأنِّي عَلَى اللهِ أتَّكَلْتُ بِلَا تَرَدُّدٍ. امتَحِنِّي يَا اللهُ ، جَرِّبْنِي. افْحَصْ عَقلِي وَقَلْبِي. مَحَبَّتُكَ أمَامَ عَينَيَّ دَائِمًا. وَأنَا أسِيرُ حَسْبَ أمَانَتِكَ. لَا أُعَاشِرُ الأدنِيَاءَ. وَالمُنَافِقُونَ لَا أُخَالِطُهُمْ. أبغَضُ رِفقَةَ أُنَاسِ السُّوءِ. وَلَا أُرَافِقُ الأشْرَارَ. أغسِلُ يَدَيَّ لِأُظهِرَ بَرَاءَتِي، لِكَي أطُوفَ حَوْلَ مَذْبَحِكَ، يَا اللهُ . لِكَي أُسَمِّعَ النَّاسَ تَرَانِيمَ تَسْبِيحِكَ، وَأُحَدِّثَ بِأعْمَالِكَ العَجِيبَةِ. أُحِبُّ يَا اللهُ أنْ أكُونَ فِي بَيْتِكَ حَيْثُ تَسْكُنُ، فِي الخَيْمَةِ حَيْثُ مَجْدُكَ. لَا تُهلِكْنِي مَعَ الخُطَاةِ يَا اللهُ، وَلَا تَأْخُذْ حَيَاتِي مَعَ القَتَلَةِ. الَّذِينَ يُدَبِّرُونَ مَكَائِدَ لِلآخَرِينَ، وَيَقْبَلُونَ الرِّشوَةَ دَائِمًا. أمَّا أنَا، فَأحيَا بِالنَّقَاءِ. فَارحَمْنِي وَخَلِّصْنِي. عَلَى سَهلٍ أقِفُ ثَابِتًا وَفِي الجَمَاعَةِ أقِفُ وَأُبَارِكُ اللهَ . اللهُ نُورِي وَخَلَاصِي، فَمِمَّنْ أخَافُ؟ اللهُ مَلجَأُ حَيَاتِي، فَمِمَّنْ أخْشَى؟ إنِ اقْتَرَبَ مِنِّي أعْدَائِي وَخُصُومِي وَالأشْرَارُ لِيَفْتَرِسُونِي، فَسَيَتَعَثَّرُونَ وَيَسْقُطُونَ. لَنْ أخَافَ حَتَّى لَوْ حَاصَرَنِي جَيْشٌ. وَسَأظَلُّ مُطْمَئِنًّا حَتَّى لَوْ شَنُّوا عَلَيَّ حَرْبًا. وَلَيْسَ لِي إلَّا مَطلَبٌ وَاحِدٌ مِنَ اللهِ : أنْ أبْقَى فِي بَيْتِ اللهِ بَقِيَّةَ عُمْرِي، لِكَي أرَى جَمَالَ اللهِ وَأُسَبِّحَهُ فِي هَيْكَلِهِ. لِأنَّهُ يَحْمِينِي فِي سِتْرِهِ فِي يَوْمِ الشَّرِّ. يُخَبِّئُنِي فِي أعْمَاقِ خَيْمَتِهِ، وَيَرْفَعُنِي إلَى مَكَانِ أمَانٍ. وَالْآنَ، يَرْفَعُنِي فَوْقَ أعْدَائِي المُحِيطِينَ بِي، فَأُقَدِّمُ فِي هَيْكَلِهِ ذَبَائِحِي بِهُتَافِ الفَرَحِ، وَأُغَنِّي الأغَانِيَ وَأُرَنِّمُ للهِ . اسْتَمِعْ لِي وَأنَا أدعُوكَ يَا اللهُ . ارحَمِنِي وَاستَجِبْ لِي. أنْتَ تَقُولُ لِقَلْبِي: «اطلُبْ وَجْهِي.» وَلِهَذَا أطلُبُ يَا اللهُ وَجْهَكَ. لَا تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي. لَا تَتَجَاهَلْنِي بِسَبَبِ غَضَبِكَ. فَأنْتَ عَوْنِي! لَا تَتْرُكنِي وَلَا تَهْجُرْنِي، يَا إلَهِي المُعِينُ. حَتَّى لَوْ تَرَكَنِي أبِي وَأُمِّي، فَإنَّ اللهَ يَحْتَضِنُنِي. عَلِّمْنِي يَا اللهُ طُرُقَكَ، وَفِي طَرِيقِ السَّلَامَةِ اهدِنِي، فَأعْدَائِي كَثِيرُونَ. لَا تَسْمَحْ بِأنْ يَهْزِمَنِي خُصُومِي! أطلُبُ هَذَا لِأنَّ كَثِيرِينَ قَالُوا كَذِبًا عَلَيَّ لِيُؤذُونِي. لَولَا أنِّي آمَنْتُ بِأنِّي سَأرَى بَرَكَاتِ اللهِ فِي حَيَاتِي. لِيَكُنْ رَجَاؤُكَ فِي اللهِ ! تَقَوَّ وَتَشَجَّعْ. وَلِيَكُنْ رَجَاؤُكَ فِي اللهِ ! أدعُوكَ يَا اللهُ يَا صَخرَتِي، فَلَا تَرْفَضْ أنْ تَسْمَعَنِي. لِأنَّكَ إنْ سَكَتَّ، سَأكُونُ مِثْلَ الهَابِطِينَ إلَى الهَاوِيَةِ. اسْمَعْ صَوْتَ تَضَرُّعِي وَأنَا أستَغِيثُ بِكَ. رَافِعًا يَدَيَّ نَحْوَ قُدْسِ الأقْدَاسِ. لَا تَجُرَّنِي مَعَ فَاعِلِي السُّوءِ، الَّذِينَ يُلقُونَ السَّلَامَ مُخَطِّطِينَ لِلشَّرِّ فِي قُلُوبِهِمْ. عَاقِبْهُمْ كَمَا يَسْتَحِقُّونَ! عَاقِبْهُمْ بِالمَصَائِبِ الَّتِي يُخَطِّطُونَهَا لِلآخَرِينَ! كَمَا فَعَلُوا بِغَيرِهِمِ افْعَلْ بِهِمْ! وَلِأنَّهُمْ لَا يَهْتَمُّونَ بِمَا فَعَلَهُ اللهُ وَصَنَعَهُ. فَسَيُدَمِّرُهُمُ اللهُ ، وَلَا يَبْنِيهِمْ. أُبَارِكُ اللهَ لِأنَّهُ اسْتَجَابَ لِطِلْبَاتِي. اللهُ قُوَّتِي وَتُرسِي، لِهَذَا أثِقُ بِهِ وَأطْمَئِنُّ. إلَى مَعُونَتِي جَاءَ، لِهَذَا يَبْتَهِجُ قَلْبِي، وَأحمَدُهُ بِتَرْنِيمِي! اللهُ قُوَّةُ شَعْبِهِ، مَصْدَرُ انتِصَارٍ لِمَلِكِهِ المُختَارِ. انصُرْ شَعْبَكَ. بَارِكْ جَمَاعَتَكَ. ارعَهُمْ وَتَعَهَّدْهُمْ إلَى الأبَدِ بِرِعَايَتِكَ! سَبِّحُوا اللهَ يَا أبْنَاءَهُ. كَرِّمُوهُ وَتَغَنُّوا بِقُوَّتِهِ! أعطُوا للهِ التَّسبِيحَ اللَّائِقَ بِاسْمِهِ المَجِيدِ! اعبُدُوا اللهَ بِقَدَاسَةٍ مَجِيدَةٍ. يُرعِدُ اللهُ بِصَوْتِهِ فَوْقَ المُحِيطِ. يُرعِدُ الإلَهُ المَجِيدُ وَيَتَرَدَّدُ صَدَى صَوْتِهِ فَوْقَ المُحِيطِ. صَوْتُ اللهِ قَوِيٌّ، صَوْتُ اللهِ جَلِيلٌ وَمَهِيبٌ. صَوْتُ اللهِ المُرْعِدُ يُحَطِّمُ أشْجَارَ الأرْزِ. يُحَطِّمُ اللهُ أرْزَ لُبْنَانَ. يَجْعَلُ جِبَالَ لُبْنَانَ تَقْفِزُ كَالعُجُولِ، وَجَبَلَ حَرْمُونَ كَالثَّوْرِ. يُطلِقُ صَوْتُ اللهِ وَمِيضَ البَرْقِ. صَوْتُ اللهِ يَجْعَلُ الصَّحرَاءَ تَرْتَجِفُ. يَجْعَلُ صَحرَاءَ قَادِشَ تَرْتَعِدُ. صَوْتُ اللهِ يَهُزُّ أشْجَارَ البَلُّوطِ، وَيُعَرِّي أشْجَارَ الغَابَةِ. أمَّا فِي هَيْكَلِهِ فَيَهْتِفُ الجَمِيعُ: «مَجدًا!» أثْنَاءَ الطُّوفَانِ، جَلَسَ اللهُ مَلِكًا، وَسَيَمْلُكُ إلَى الأبَدِ. لَيْتَ اللهَ يُقَوِّي شَعْبَهُ! لَيتَهُ يُبَارِكُهُمْ بِالسَّلَامِ. أرفَعُكَ يَا اللهُ لِأنَّكَ نَشَلتَنِي، وَلَمْ تَجْعَلْ أعْدَائِي يَشْمَتُونَ بِي! بِكَ اسْتَغَثْتُ يَا ، فَشَفَيتَنِي! رَفَعْتَنِي يَا اللهُ مِنَ الهَاوِيَةِ. أحيَيْتَ نَفْسِي وَحَفِظْتَنِي مِنَ الهُبُوطِ إلَى الحُفْرَةِ. سَبِّحُوا اللهَ أيُّهَا الأُمنَاءُ، أكرِمُوا ذِكْرَ اسْمِهِ القُدُّوسِ. لِأنَّ المَوْتَ فِي غَضَبِهِ! وَالحَيَاةُ فِي رِضَاهُ. فِي المَسَاءِ اضْطَجَعْتُ بَاكِيًا وَفِي الصَّبَاحِ كُنْتُ مُبتَهِجًا! ظَنَنْتُ فِي طُمَأنِينَتِي أنَّ لَا شَيءَ يَمَسُّنِي. وَحِينَ رَضِيتَ يَا اللهُ عَنِّي صِرْتُ وَكَأنِّي أقِفُ عَلَى جَبَلٍ ثَابِتٍ. وَعِنْدَمَا أدَرْتَ وَجْهَكَ عَنِّي، ارتَعَدْتُ خَوْفًا. بِكَ استَغَثْتُ يَا اللهُ ، تَضَرَّعْتُ إلَى اللهِ . قُلْتُ مَا الفَائِدَةُ إذَا مِتُّ؟ ألَعَلَّ التُّرَابَ يُسَبِّحُكَ؟ ألَعَلَّ المَوْتَى يُخبِرُونَ عَنْ أمَانَتِكَ؟ اسْمَعْ يَا اللهُ صَلَاتِي، وَأظهِرْ لِي رَحْمَةً. كُنْ عَوْنِي يَا اللهُ . فَحَوَّلْتَ حِدَادِي إلَى ابتِهَاجٍ عَظِيمٍ. خَلَعْتَ عَنِّي ثِيَابَ الحُزْنِ، وَألبَسْتَنِي سَعَادَةً. يَا ، أُسَبِّحُكَ إلَى الأبَدِ، لِكَي يُوجَدَ مَنْ يَتَرَنَّمُ بِتَسْبِيحِكَ، وَلَا يَكُونُ صَمْتٌ. أنْتَ مَلْجَأي يَا اللهُ ، فَلَا تَدَعْنِي أُخزَى. نَجِّنِي بِبِرِّكَ. أمِلْ إلَيَّ أذُنَكَ، وَأسرِعْ إلَى مَعُونَتِي! كُنْ لِي صَخرَةً وَمَلجأً، وَكَقَلْعَةٍ مُحَصَّنَةٍ احمِنِي. فَأنْتَ صَخرَتِي وَحِصْنِي. لِذَا اهدِنِي وَقُدْنِي مِنْ أجْلِ اسْمِكَ. انشِلْنِي مِنَ الفَخِّ الَّذِي نَصَبُوهُ لِي، لِأنِّي عَلَيْكَ أعتَمِدُ. أسْتَوْدِعُ رُوحِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَافدِنِي يَا الحَقِّ. أرفُضْ مَنْ يَخْدِمُونَ أوْثَانًا بَاطِلَةً. أمَّا أنَا فَعَلَى اللهِ أتَّكِلُ. أبتَهِجُ وَأرقُصُ فَرَحًا بِمَحَبَّتِكَ وَلُطْفِكَ! إذِ التَفَتَّ إلَى مُعَانَاتِي وَأدرَكْتَ ضِيقِي. لَمْ تَتْرُكْنِي فِي قَبْضَةِ عَدُوِّي، بَلْ أطلَقْتَنِي حُرًّا. أنَا فِي ضِيقٍ يَا اللهُ ، فَارْحَمْنِي! مُتَضَايِقٌ جِدًّا حَتَّى إنَّ عَينَيَّ ذَبُلَتَا. حَلقِي وَبَطْنِي يُؤلِمَانَنِي. الحُزْنُ يُنْهِي حَيَاتِي، وَفِي التَّنَهُّدِ تَضِيعُ سَنَوَاتِي. هُمُومِي تَنْهَشُ قُوَّتِي، وَعِظَامِي تَذْوِي. أعْدَائِي يَحْتَقِرُونَنِي، كَذَلِكَ جِيرَانِي. يَخَافُ مِنِّي أقرِبَائِي. يَرَوْنَنِي فِي الطَّرِيقِ فَيَتَجَنَّبُونَنِي. نَسِيَنِي النَّاسُ كَمَيِّتٍ، أوْ كَآنِيَةٍ مَكْسُورَةٍ. سَمِعْتُ الفَظَائِعَ الَّتِي يُرَدِّدُهَا النَّاسُ حَوْلِي، عِنْدَمَا يَتَشَاوَرُونَ وَيَتَآمَرُونَ ضِدِّي، مُخَطِّطِينَ لِنَزْعِ حَيَاتِي. أمَّا أنَا يَا اللهُ ، فَعَلَيكَ أتَّكِلُ. قُلْتُ: «أنْتَ إلَهِي.» حَيَاتِي وَمُسْتَقْبَلِي بَيْنَ يَدَيْكَ. فَخَلِّصْنِي مِنْ أعْدَائِي، وَمِنَ الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَنِي. ارْضَ عَلَى عَبْدِكَ، وَفِي رَحمَتِكَ خَلِّصْنِي. استَغَثْتُ يَا اللهُ بِكَ. وَلِهَذَا لَنْ يَخِيبَ رَجَائِي. أمَّا الأشْرَارُ فَسَيُخْزَوْنَ، وَفِي الهَاوِيَةِ يَصْمُتُونَ. لِتَخْرَسِ الألسِنَةُ الكَاذِبَةُ وَالنَّاسُ المُتَكَبِّرُونَ، الحَاقِدُونَ الَّذِينَ بِكِبْرِيَاءٍ وَاحْتِقَارٍ يَتَكَلَّمُونَ عَلَى الإنْسَانِ الصَّالِحِ. لَكِنَّكَ تدَّخِرُ بَرَكَاتٍ عَظِيمَةً لِلَّذِينَ يَتَّقُونَكَ. وَتَفْعَلُ الكَثِيرَ لِلمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ مِنَ البَشَرِ. تُدخِلُهُمْ إلَى مَحْضَرِكَ، وَتُخفِيهِمْ عَنْ الَّذِينَ يُضْمِرُونَ لَهُمُ الأذَى. تُخَبِّئُهُمْ فِي سِتْرِكَ مِنْ هَجَمَاتِ مُبغِضِيهِمْ وَألْسِنَتِهِمْ. أُبَارِكُ اللهَ لِأنَّهُ أرَانِي رَحْمَةً عَجِيبَةً، وَأنَا مُقَيَّدٌ كَمَدِينَةٍ تَحْتَ الحِصَارِ. قُلْتُ فِي خَوْفِي: «إنِّي أُبْعِدْتُ عَنْ مَحْضَرِكَ» غَيْرَ أنَّكَ سَمِعْتَ تَضَرُّعَاتِي، حِينَ اسْتَغَثْتُ بِكَ! أحِبُّوا اللهَ يَا أتبَاعَهُ المُخْلِصِينَ! فَهُوَ يَحْمِي الأُمَنَاءَ، وَيُجَازِي المُتَكَبِّرِينَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ، وَأكثَرَ! فَتَقَوُّوا وَتَشَجَّعُوا يَا كُلَّ مَنْ يَتَرَقَّبُ مَعُونَةَ اللهِ ! هَنِيئًا لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. هَنِيئًا لِمَنْ لَا يَحْسِبُ اللهُ إثمَهُ، وَفِي رُوحِهِ لَا يُوجَدُ غِشٌّ. طَوَالَ سُكُوتِي عَنْ خَطِيَّتِي، كُنْتُ أزدَادُ ضَعفًا، وَأنَا أصرُخُ كُلَّ يَوْمٍ. ثَقِيلَةٌ يَدُكَ كَانَتْ عَلَيَّ، تَبَخَّرَتْ قُوَّتِي كَمَا تَتَبَخَّرُ رُطُوبَةُ النَّبَاتَاتِ فِي حَرِّ الصَّيفِ. لِهَذَا أعتَرِفُ لَكَ بِخَطَايَايَ كُلِّهَا، خَطيَّةً وَاحِدَةً لَنْ أكتِمَ عَنْكَ. قُلْتُ: «سَأعتَرِفُ للهِ بِذُنُوبِي.» فَغَفَرْتَ ذَنبَ خَطِيَّتِي. لِذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يُصَلِّيَ لَكَ كُلُّ تَقِيٍّ طَالَمَا هُنَاكَ وَقْتٌ. حِينَئِذٍ، حَتَّى وَلَوْ جَاءَ طُوفَانٌ هَائِلٌ مِنَ الضِّيقَاتِ، فَإلَيْهِ لَنْ يَصِلَ. مَخبَأي أنْتَ. تَحْمِينِي مِنَ الضِّيقِ، وَتُحِيطُ بِي، فَأبْتَهِجَ بِحُرِّيَّتِي. «سَأُعَلِّمُكَ وَأُنِيرُ لَكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. عَلَيْكَ سَأسْهَرُ، وَسَأنصَحُكَ.» لَا تَكُنْ كَحِصَانٍ أوْ بَغلٍ لَا يَفْهَمُ، إذْ يَنْبَغِي كَبْحُهُ بِلِجَامٍ وَرَسَنٍ. وَإلَّا فَإنَّهُ لَا يَكُونُ تَحْتَ سَيطَرَتِكَ. كَثِيرَةٌ هِيَ آلَامُ الأشْرَارِ. أمَّا المُتَّكِلُ عَلَى اللهِ فَمُحَاطٌ بِنِعْمَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ. فَابْتَهِجُوا بِاللهِ وَافرَحُوا أيُّهَا الصَّالِحُونَ، يَا كُلَّ أصْحَابِ القُلُوبِ المُسْتَقِيمَةِ، ابتَهِجُوا. ابتَهِجُوا وَرَنِّمُوا بِاللهِ أيُّهَا الصَّالِحُونَ! التَّسبِيحُ لَائِقٌ بِمُسْتَقِيمِي القُلُوبِ! سَبِّحُوا اللهَ بِعَزْفِ العُودِ! اعزِفُوا لَهُ بِقِيثَارٍ ذِي عَشْرَةِ أوتَارٍ. رَنَّمُوا لَهُ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. أحسِنُوا العَزْفَ وَاهتِفُوا فَرَحًا. لِأنَّ كَلِمَةَ اللهِ صَادِقَةٌ. وَهُوَ أمِينٌ فِي كُلِّ أفعَالِهِ. يُحِبُّ الِاسْتِقَامَةَ وَالعَدْلَ. وَالأرْضُ مَلأى بِرَحمَةِ اللهِ وَمَحَبَّتِهِ. بِأمْرِ اللهِ خُلِقَتِ السَّمَاوَاتُ. وَكُلُّ نُجُومِ السَّمَاءِ وُجِدَتْ بِنَسْمَةِ فَمِهِ. جَمَعَ مِيَاهَ البَحْرِ مَعًا، وَوَضَعَ المُحِيطَ فِي مَكَانِهِ. يَا كُلَّ سُكَّانِ الأرْضِ اتَّقُوا اللهَ . خَافُوهُ يَا جَمِيعَ سُكَّانِ المَسكُونَةِ. لِأنَّهُ يَقُولُ شَيْئًا فَيَكُونَ، وَيأمُرُ فَيَصِيرُ! قَادِرٌ هُوَ اللهُ عَلَى إبْطَالِ مُخَطَّطَاتِ الأُمَمِ. وَعَلَى إفْنَاءِ نَوَايَا الشُّعُوبِ كُلِّهَا. أمَّا قَصْدُ اللهِ فَإلَى الأبَدِ يَدُومُ. خُطَطُهُ تَبْقَى جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. هَنِيئًا لِأُمَّةٍ جَعَلَتْ اللهَ إلَهَهَا، لِأُمَّةٍ اخْتَارَهَا اللهُ مِلْكًا. مِنَ السَّمَاءِ تَطَلَّعَ اللهُ ، وَرَأى البَشَرَ جَمِيعًا. مِنْ عَرشِهِ يُشرِفُ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ الأرْضِ. هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ كُلَّهُمْ، وَيَفْهَمُ كُلَّ مَا يَفْعَلُونَ. لَا يَنْتَصِرُ المُلُوكُ بِكَثْرَةِ جُنُودِهِمْ، وَلَا يَغْلِبُ الجُنُودُ بِقُوَّتِهِمْ. الخَيلُ القَوِيَّةُ لَا تَضْمَنُ النَّصْرَ. وَقُوَّتُهَا لَا تُنَجِّي. هَا عَينُ اللهِ تَسْهَرُ عَلَى خَائِفِيهِ، يَرْعَى الَّذِينَ يَتَرَقَّبُونَ مَحَبَّتَهُ الصَّادِقَةَ. مِنَ المَوْتِ يُنْقِذُهُمْ، وَفِي المَجَاعَةِ يُحيِيهِمْ. تَتَرَقَّبُ اللهَ نُفُوسُنَا، لِأنَّهُ لَنَا مُعِينٌ، وَعَنَّا مُحَامٍ. لِأنَّنَا نَفْرَحُ بِهِ. وَعَلَى اسْمِهِ القُدُّوسِ نَتَّكِلُ. ظَلِّلنَا يَا اللهُ بِرَحمَتِكَ وَمَحَبَّتِكَ، فَرَجَاؤُنَا هُوَ فِيكَ. أُبَارِكُ اللهَ فِي كُلِّ حِينٍ. وَدَائِمًا تَسْبِيحُهُ عَلَى شَفَتَيَّ. بِاللهِ فَخْرُ نَفْسِي. لَيْتَ المَسَاكِينَ يَسْمَعُونَنِي لِيَفْرَحُوا! كَرِّمُوا مَعِي اللهَ . وَلْنَرْفَعْ مَعًا اسْمَهُ. إنِّي للهِ لَجَأتُ، فَأجَابَنِي! وَمِنْ جَمِيعِ مَخَاوِفِي خَلَّصَنِي. انْظُرُوا إلَيْهِ وَاسْتَنِيرُوا، فَلَنْ تَخْجَلَ وُجُوهُكُمْ. دَعَوْتُ أنَا المِسْكِينَ، فَسَمِعَنِي اللهُ ، وَمِنْ مَتَاعِبِي أنقَذَنِي. مَلَاكُ اللهِ يُخَيِّمُ حَوْلَ خَائِفِيهِ، وَهُوَ يُنْقِذُهُمْ. ذُوقُوا لِتَعْرِفُوا مَا أطْيَبَ اللهَ . هَنِيئًا لِلإنْسَانِ المُتَّكِلِ عَلَيْهِ. اتَّقُوا اللهَ أيُّهَا المُقَدَّسونَ لَهُ. لِأنَّ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ مُكتَفُونَ وَلَا يَنْقُصُهُمْ شَيءٌ. حَتَّى الأُسُودُ القَوِيَّةُ تَجُوعُ وَتَحتَاجُ، أمَّا المُلتَجِئُونَ إلَى اللهِ ، فَلَا يَنْقُصُهُمْ شَيءٌ مِنَ الخَيْرِ. تَعَالَوْا يَا أبنَائِي وَاستَمِعُوا إلَيَّ، وَسَأُعَلِّمُكُمْ كَيْفَ تَتَّقُونَ اللهَ . أتُحِبُّ أنْ تَتَمَتَّعَ بِالحَيَاةِ؟ أتُرِيدُ أنْ تَحيَا حَيَاةً طَوِيلَةً مَملوءَةً بِالخَيْرِ؟ فَاحفَظْ لِسَانَكَ مِنَ الشَّرِّ، وَشَفَتَيْكَ مِنَ الكَلَامِ المُخَادِعِ. تَجَنَّبِ الشَّرَّ، وَافْعَلِ الخَيْرَ. إلَى السَّلَامِ اسْعَ، بَلْ جِدَّ فِي طَلَبِهِ! عَينَا اللهِ عَلَى الأبْرَارِ، وَأُذُنَاهُ مُنتَبِهَتَانِ إلَى صُرَاخِهِمْ. لَكِنَّ اللهَ يُقَاوِمُ فَاعِلِي الشَّرِّ، حَتَّى يَقْطَعَ مِنَ الأرْضِ ذِكْرَهُمْ. صَرَخُوا إلَى اللهِ فَسَمِعَهُمْ، وَمِنْ جَمِيعِ مَتَاعِبِهِمْ أنقَذَهُمْ. اللهُ قَرِيبٌ مِنْ كَسِيرِي القُلُوبِ، وَهُوَ يُخَلِّصُ الَّذِينَ انقَطَعَ رَجَاؤُهُمْ. رُبَّمَا تَكْثُرُ ضِيقَاتُ الإنْسَانِ المُسْتَقِيمِ. لَكِنْ مِنْهَا كُلِّهَا يُخَلِّصُهُ اللهُ . يَحْفَظُ عِظَامَهُ كُلَّهَا، فَلَا يُكسَرُ وَاحِدٌ مِنْهَا. الشِّرِّيرُ سَيَقْتُلُهُ شَرُّهُ. وَأعْدَاءُ الإنْسَانِ الصَّالِحِ سَيُعَاقَبُونَ. اللهُ يَفْدِي حَيَاةَ عَبِيدِهِ، يُعْفَى عَنْ كُلِّ المُحتَمِينَ بِهِ. قَاوِمْ مُقَاوِمِيَّ يَا اللهُ ، وَمَنْ يُقَاتِلوْنَنِي قَاتِلْهُمْ. أمسِكْ تُرْسَكَ وَانْهَضْ وَتَعَالَ إلَى عَونِي! ارْفَعْ رُمْحًا وَعَصًا عَلَى مَنْ يُطَارِدُنِي. قُلْ لِي: «أنَا أُنْقِذُكَ وَأنصُرُكَ.» لَيْتَ السَّاعِينَ إلَى مَوْتِي يُهزَمُونَ وَيُخزَوْنَ. لَيْتَ المُتَآمِرِينَ عَلَيَّ يَتَرَاجَعُونَ وَيَرْتَبِكُونَ. لَيْتَ مَلَاكَ اللهِ يَطْرُدُهُمْ أمَامَهُ، كَمَا تُطَيِّرُ الرِّيحُ القَشَّ! لَيْتَ طَرِيقَ هُرُوبِهِمْ تَكُونُ مُظلِمَةً زَلِقَةً، أمَامَ مَلَاكِ اللهِ ، مُطَارِدِهِمْ. لِأنَّهُمْ نَصَبُوا لِي فَخًّا بِلَا سَبَبٍ. أرَادُوا أذِيَّتِي مِنْ دُونِ سَبَبٍ. لِتَأْتِهِمْ مُصِيبَةٌ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرُونَ! وَلْيَقَعُوا فِي الفَخِّ الَّذِي نَصَبَوْهُ لِي! فَتَبْتَهِجَ نَفْسِي بِاللهِ وَأفرَحَ بِخَلَاصِهِ! وَأقُولَ لَكَ بِكُلِّ كَيَانِي: «لَا مِثْلَ لَكَ يَا اللهُ يَا مَنْ تُخَلِّصُ المِسْكِينَ مِمَّنْ هُوَ أقوَى مِنْهُ، وَالفُقَرَاءَ مِمَّنْ يَسْرِقُونَهُمْ.» شُهُودٌ قُسَاةٌ يَقُومُونَ ضِدِّي، وَيَتَّهِمُونَنِي بِجَرَائِمَ لَا أعمَلُهَا! يُجَازُونَنِي عَنْ خَيرِي شَرًّا، يُحزِنُونَ نَفْسِي حَتَّى المَوْتِ. وَأنَا الَّذِي لَبِستُ خَيْشًا فِي مَرَضِهِمْ، وَأنهَكْتُ جِسمِي بِالصَّومِ، فَعَادَتْ صَلَوَاتِي إليَّ! فَبَكَيتُ كَمَنْ فَقَدَ صَدِيقًا أوْ أخًا. انحَنَيتُ حُزْنًا كَمَنْ يَنُوحُ عَلَى أُمِّهِ! وَعِنْدَمَا تَعَثَّرْتُ، هَزِئُوا بِي. لَمْ أكُنْ أعرِفُهُمْ حَقَّ المَعْرِفَةِ. أحَاطُوا بِي. هَاجَمُونِي، لَمْ يَتَوَقَّفُوا. سَخِرُوا بِي، تَهَكَّمُوا عَلَيَّ. وَبِشَتَائِمَ فَظِيعَةٍ صَرَخُوا عَلَيَّ. حَتَّى مَتَى يَا اللهُ تُرَاقِبُ؟ مِنَ الدَّمَارِ أنقِذْنِي. خَلِّصْ حَيَاتِي الثَّمِينَةَ مِنْ هَذِهِ الأُسُودِ! وَسَأُسَبِّحُكَ فِي الِاجْتِمَاعِ العَظِيمِ! سَأحمَدُكَ بَيْنَ الجُمْهُورِ الكَبِيرِ! لَا تَسْمَحْ لِأعْدَائِي بِأنْ يَهْزَأُوا بِي ظُلْمًا! وَلَا تَسْمَحْ لِمَنْ يُبغِضُونِي بِلَا سَبَبٍ بِأنْ يَتَغَامَزُوا عَلَيَّ. لَا يَتَكَلَّمُونَ عَنِ السَّلَامِ، وَهُمْ يَتَآمَرُونَ وَيَبْتَكِرُونَ شُرُورًا ضِدَّ شَعْبِ هَذِهِ الأرْضِ. يَكْذِبُونَ حِينَ يَقُولُونَ عَنِّي: «نَعَمْ، رَأينَا بِأعْيُنِنَا مَا فَعَلَ.» فَتَكَلَّمْ يَا اللهُ ! لِأنَّكَ رَأيْتَ مَا حَدَثَ! لَا تَبْعُدْ عَنِّي هَكَذَا يَا رَبِّي. يَا إلَهِي وَرَبِّي اسْتَيْقِظْ! قُمْ وَأبرِئْنِي. دَافِعْ أنْتَ عَنِّي. أنصِفنِي يَا بِحَسَبِ بِرِّكَ. وَلَا تَسْمَحْ بِأنْ يَهْزَأُوا بِي! لَا تَسْمَحْ بِأنْ يَقُولُوا: «نِلنَا مُرَادَ قُلُوبِنَا!» لَا تَسْمَحْ بِأنْ يَقُولُوا: «ابْتَلَعنَاهُ!» لِيَخْزَ وَيُذَلُّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ هَلَاكِي. لَيْتَ الخِزيَ وَالعَارَ يُغَطِّيَانِ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَعَظَّمُونَ عَلَيَّ! لِيَبْتَهِجْ وَيَفْرَحِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَظْهَرَ بَرَاءَتِي! لَيتَهُمْ يَقُولُونَ دَائِمًا: «عَظِيمٌ هُوَ اللهُ ، الَّذِي يَفْرَحُ بِنَجَاحِ عَبِيدِهِ وَخَيرِهِمْ!» فَلْيُحَدِّثْ لِسَانِي بِعَدلِكَ، وَيَحْمَدْكَ كُلَّ يَوْمٍ. فِي أعْمَاقِ قَلْبِ الشِّرِّيرِ صَوْتٌ يَدْعُوهُ لِلإثمِ. وَلَا يَضَعُ مَهَابَةَ اللهِ أمَامَ عَيْنَيْهِ. يَكْذِبُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَرَى إثْمَهُ. وَلِهَذَا لَا يَطْلُبُ الغُفْرَانَ. كَلِمَاتُهُ أكَاذِيبٌ بَاطِلَةٌ وَخِدَاعٌ، لَا تُعطِي حِكْمَةً وَلَا نَفْعَ مِنْهَا. يُخَطِّطُ لِعَمَلِ الشَّرِّ وَهُوَ مُسْتَلْقٍ فِي فِرَاشِهِ. يَقُومُ وَيَسْلُكُ فِي طَرِيقٍ لَا نَفْعَ مِنْهَا. لَا يَرْفُضُ أنْ يَفْعَلَ شَرًّا. يَا اللهُ ، يَا سَاكِنَ السَّمَاوَاتِ، إلَى السَّمَاءِ مَحَبَّتُكَ الصَّادِقَةُ، وَإلَى السَّحَابِ أمَانَتُكَ! بِرُّكَ كَالجِبَالِ الشَّاهِقَةِ. وَأحكَامُكَ كَعُمْقِ المُحِيطِ. تَهْتَمُّ بِالإنْسَانِ وَالحَيَوَانِ يَا اللهُ . أثْمَنُ مِنْ مَحَبَّتِكَ المُخْلِصَةِ لَا يُوجَدُ. المَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ يَلْجَأُونَ إلَى ظِلِّ جَنَاحَيكَ. مِنْ فَيضِ أطَايِبِ بَيْتِكَ يَأْكُلُونَ. مِنْ نَهْرِكَ العَذْبِ يَشْرَبُونَ. فَمِنْكَ يَتَدَفَّقُ يُنْبُوعُ الحَيَاةِ، وَبِفَضلِ نُورِكَ نَرَى النُّورَ. فَأظْهِرْ لُطفَكَ وَرَحْمَتَكَ لِعَارِفِيكَ، وَجُودَكَ لِمُسْتَقِيمِي القَلْبِ. لَا تَدَعِ المُتَكَبِّرِينَ يَدُوسُونِي، وَلَا الأشْرَارَ يُؤذُونِي. انْظُرْ أيْنَ سَقَطَ فَاعِلُو الشَّرِّ. هَا هُمْ مَطرُوحُونَ لَا يَقُومُونَ. لَا يُزعْجْكَ الأشْرَارُ. وَلَا تَحْسِدْ مَنْ يَقْتَرِفُونَ الآثَامَ. لِأنَّهُمْ سَرْعَانَ مَا يُذَلُّونَ وَيَمُوتُونَ، يَذْبُلُونَ مِثْلَ الحَشَائِشِ الَّتِي تَنْمُو فِي الحُقُولِ. عَلَى اللهِ اتَّكِلْ، وَافْعَلِ الخَيْرَ. وَسَتَسْكُنُ أرْضَكَ وَتَنْعُمُ بِالأمَانِ. تَلَذَّذْ بِاللهِ ، وَسَيُعطِيكَ مُشْتَهَيَاتِ قَلْبِكَ. سَلِّمْ للهِ حَيَاتَكَ، وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ، وَهُوَ سَيَعْمَلُ. سَيَجْعَلُ صَلَاحَكَ يُشْرِقُ كَالضِّيَاءِ، وَعَدْلَكَ كَشَمْسِ الظَّهِيرَةِ. اثبُتْ فِي حَضْرَةِ اللهَ ، وَانتَظِرْهُ بِصَبرٍ. وَلَا تَقْلَقْ إذَا نَجَحَتْ خُطَطُ ذَوِي المَكَائِدِ الشِّرِّيرَةِ. لَا تَنْزَعِجْ وَلَا تَغْضَبْ! وَلَا تَغْتَظْ فَتَنْدَفِعَ إلَى الشَّرِّ. لِأنَّ الأشْرَارَ سَيَهْلِكُونَ، أمَّا الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ اللهَ ، فَسَيَمْتَلِكُونَ الأرْضَ. بَعْدَ وَقْتٍ قَلِيلٍ، يَمْضِي الشِّرِّيرُ. تُفَتِّشُ عَنْهُ طَوِيلًا، فَلَا تَجِدُهُ! أمَّا الوُدَعَاءُ فَسَيَمْتَلِكُونَ الأرْضَ، وَيَتَمَتَّعُونَ بِسَلَامٍ وَخَيرٍ. الأشْرَارُ يَكِيدُونَ دَوْمًا لِلصَّالِحِينَ، وَيُظهِرُونَ بُغضَهُمْ لَهُمْ. لَكِنَّ اللهَ يَسْخَرُ مِنْهُمْ! لِأنَّهُ يَعْرِفُ أنَّ يَوْمَهُمْ آتٍ! يَسْتَلُّ الأشْرَارُ سُيُوفَهُمْ وَيَمُدُّونَ أقوَاسَهُمْ. لِقَتلِ المَسَاكِينِ وَذَبْحِ الصَّالِحِينَ المُسْتَقِيمِينَ. لَكِنَّ سُيُوفَهُمْ سَتَخْتَرِقُ قُلُوبَهُمْ، وَأقوَاسَهُمْ سَتَنْكَسِرُ. القَلِيلُ الَّذِي يَمْلِكُهُ البَارُّ خَيْرٌ مِنَ الثَّروَةِ العَظِيمَةِ الَّتِي يُكَدِّسُهَا الأشْرَارُ. لِأنَّ قُوَّةَ الأشْرَارِ سَتُكْسَرُ، أمَّا الصَّالِحُونَ، فَاللهُ يَعْتَنِي بِهِمْ. اللهُ يَعْلَمُ مَنْ هُمُ الطَّاهِرُونَ، وَثَوَابُهُمْ يَدُومُ إلَى الأبَدِ! فِي الأزمِنَةِ العَصِيبَةِ لَنْ يَخْزَوْا، وَفِي أيَّامِ الجُوعِ يَشْبَعُونَ. أمَّا الأشْرَارُ فَسَيَهْلِكُونَ. فَأعْدَاءُ اللهِ أشْبَهُ بِزُهُورِ الحَقْلِ الجَمِيلَةِ، الَّتِي تَصْعَدُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي الدُّخَانِ! الشِّرِّيرُ يَسْتَدِينُ المَالَ وَلَا يَسُدُّ دَينَهُ، أمَّا الصَّالِحُ فَكَرِيمٌ مِعْطَاءٌ. لِأنَّ مَنْ يُبَارِكُهُمُ اللهُ يَمْتَلِكُونَ الأرْضَ، وَمَنْ يَلْعَنُهُمْ يَهْلِكُونَ. يُثَبِّتُ اللهُ خُطُوَاتِ الإنْسَانِ الَّذِي تُرضِيهِ طَرِيقُهُ. إذَا تَعَثَّرَ، لَا يَسْقُطُ، فَاللهُ حَاضِرٌ لِيَسْنِدَهُ وَيُثَبِّتَهُ. عَمَّرْتُ طَوِيلًا، وَلَمْ أرَ بَارًّا مَتْرُوكًا، وَلَمْ أرَ أبْنَاءَهُ يَسْتَعْطُونَ طَعَامًا. بَلْ هُوَ شَفُوقٌ دَوْمًا وَيُقْرِضُ بِسَخَاءٍ، وَالبَرَكَةُ نَصِيبُ أبْنَائِهِ. فَتَجَنَّبِ الشَّرَّ، وَافْعَلِ الخَيْرَ وَلَنْ تَكُونَ بِلَا مَأوَى. لِأنَّ اللهَ يُحِبُّ الإنصَافَ. وَلَا يَتْرُكُ أتبَاعَهُ الأُمَنَاءَ. إلَى الأبَدِ يَرعَاهُمْ، أمَّا نَسْلُ الأشْرَارِ فَيُقطَعُ. يَأْخُذُ الصَّالِحُونَ الأرْضَ المَوعُودَةَ، وَإلَى الأبَدِ يَسْكُنُونَهَا. بِحِكْمَةٍ يَتَكَلَّمُ الإنْسَانُ الصَّالِحُ، وَعَنْ أُمُورٍ مُسْتَقِيمَةٍ يَتَحَدَّثُ. شَرِيعَةُ إلَهِهِ فِي قَلْبِهِ. بِهَا يَعْمَلُ دَائِمًا. الشِّرِّيرُ يُرَاقِبُ الصَّالِحِينَ دَوْمًا مُتَفَكِّرًا فِي طُرُقٍ لِقَتلِهِمْ. لَكِنَّ اللهَ لَا يَتْرُكُ الإنْسَانَ الصَّالِحَ، لَا يَدَعُهُ اللهُ يُدَانُ فِي المُحَاكَمَةِ. انتَظِرِ اللهَ وَاعْمَلْ بِكَلَامِهِ، وَهُوَ يَرْفَعُكَ فَتَمْتَلِكَ الأرْضَ، وَتَرَى الأشْرَارَ يَهْلِكُونَ. رَأيْتُ مَرَّةً طَاغِيَةً مُسْتبِدًّا، مُتَشَامِخًا كأرْزِ لُبْنَانَ. ثُمَّ مَرَرْتُ بِهِ ثَانِيَةً، فَلَمْ أجِدْهُ. بَحَثْتُ عَنْهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَوضِعٌ. لَاحِظِ الأتقِيَاءَ الأُمَنَاءَ. فَآخِرَةُ مُحِبِّي السَّلَامِ صَالِحَةٌ. أمَّا كَاسِرُو الشَّرِيعَةِ فَيَهْلِكُونَ جَمِيعًا، لِأنَّهُمْ سَيُقطَعُونَ مِنَ الأرْضِ. يَنْصُرُ اللهُ الأبْرَارَ، هُوَ حِصْنُهُمْ فِي الضِّيقِ. يُعِينُهُمُ اللهُ وَيُحَرِّرُهُمْ. وَمِنَ الأشْرَارِ يُنْقِذُهُمْ. لِأنَّهُمْ إلَيْهِ يَلجأونَ. لَا تُؤَنِّبْنِي يَا اللهُ بِغَضَبِكَ. وَلَا تُؤَدِّبْنِي وَأنْتَ مُهتَاجٌ. بِسِهَامِكَ اختَرَقْتَنِي، وَبِيَدِكَ ضَغَطْتَنِي. فِي غَضَبِكَ انهَلْتَ عَلَيَّ ضَربًا وَرَضَضْتَنِي. لَيْسَ فِيَّ مَوضِعٌ لَمْ يَتَجَرَّحْ. لَيْسَتْ فِيَّ عَظْمَةٌ لَمْ تُكسَرْ. إثمِي كَحِملٍ ثَقِيلٍ عَلَى رَأسِي، أثقَلُ مِنْ أنْ أحتَمِلَهُ. قَاحَتْ قُرُوحِي وَأنتَنَتْ بِسَبَبِ فِعلَتِي الحَمْقَاءِ. أنَا مَحنِيٌّ بِالألَمِ، وَمَطرُوحٌ، أمشِي نَائِحًا كَشَخْصٍ فِي حِدَادٍ. جِسْمِي مَحمُومٌ، وَلَيْسَ فِي جَسَدِي كُلِّهِ مَوْضِعٌ سَلِيمٌ. أتَألَّمُ حَتَّى الخَدَرِ. أصرُخُ مِنْ شِدَّةِ حُزْنِ قَلْبِي! رَبِّي أنْتَ تَعْلَمُ مَطلَبِي. وَلَا تَخْفَى عَنْكَ أنَّاتِي. بِعُنفٍ يَدُقُّ قَلْبِي، وَقُوَّتِي تَرَكَتْنِي. حَتَّى نُورُ عَينَيَّ تَرَكَنِي! أصْحَابِي وَأحِبَّائِي يَنْفُرُونَ مِنِّي لِمَرَضِي. وَحَتَّى أقرِبَائِي يَتَجَنَّبُونَنِي. السَّاعُونَ إلَى قَتلِي يَضَعُونَ لِي فِخَاخًا. وَالطَّالِبُونَ أذِيَّتِي يُهَدِّدُونَ بِتَدْمِيرِي. طَوَالَ اليَوْمِ يَتَآمَرُونَ عَلَيَّ. وَأنَا كَرَجُلٍ أصَمَّ لَا أسْمَعُ. وَكَرَجُلٍ أخرَسَ لَا أتَكَلَّمُ. حَقًّا أنَا مِثْلُ رَجُلٍ أصَمَّ لَا يَسْمَعُ اتِّهَامَاتِهِمْ، أبْكَمٍ بِلَا جَوَابٍ. لِأنِّي أنْتَظِرُكَ أنْتَ يَا اللهُ . وَأنْتَ سَتُجِيبُنِي يَا ! لَا تَدَعْ أعْدَائِي يَشْمَتُونَ بِي لِأجْلِ سُقُوطِي! لَا تَدَعْهُمْ يَتَفَاخَرُونَ عَلَيَّ! أنَا عَلَى حَافَّةِ السُّقُوطِ! وَألَمِي حَاضِرٌ عَلَى الدَّوَامِ. بِخَطَايَايَ أعتَرِفُ، وَعَلَيْهَا أحْزَنُ كَثِيرًا. أمَّا أعْدَائِي فَأقوِيَاءُ وَأصِحَّاءُ، وَمَا زَالُوا يَنْشُرُونَ أكَاذِيبَهُمْ! الَّذِينَ يُجَازُونَنِي عَنِ الخَيْرِ بِشَرٍّ، مُسْتَمِرُّونَ فِي مُقَاوَمَتِي وَأنَا أسعَى إلَى الخَيْرِ! لَا تَتَخَلَّ عَنِّي يَا اللهُ ! إلَهِي لَا تَبْقَ هَكَذَا بَعِيدًا عَنِّي! أسرِعْ إلَى عَوْنِي! يَا رَبِّي، خَلِّصْنِي! قُلْتُ: «سَأُدَقِّقُ فِي كُلِّ مَا أفْعَلُ. وَسَأحْذَرُ بِأنْ لَا أُخْطِئَ فِي مَا أقُولُ. سَأُبْقِي فَمِي مُغْلَقًا وَالشَّرُّ حَوْلِي.» لِهَذَا لَمْ أقُلْ شَيْئًا، وَلَا حَتَّى شَيْئًا حَسَنًا. لَكِنِّي ازْدَدْتُ انزِعَاجًا! مِنَ الدَّاخِلِ كُنْتُ أشتَعِلُ وَكُلَّمَا تَفَكَّرْتُ فِي ذَلِكَ، ازدَدْتُ اشْتِعَالًا، فَتَكَلَّمَ لِسَانِي. يَا اللهُ ، قُلْ لِي كَيْفَ سَيَنْتَهِي الأُمْرُ بِي! كَمْ تَبَقَّى لِي فِي هَذِهِ الحَيَاةِ؟ عَرِّفْنِي كَمْ قَصِيرٌ هُوَ عُمْرِي! هَا قَدْ جَعَلْتَ عُمرِي قَصِيرًا، بِالشِّبْرِ يُقَاسُ. وَعُمرِي القَصِيرُ لَيْسَ شَيْئًا بِالقِيَاسِ بِكَ. وَحَيَاةُ الإنْسَانِ أشْبَهُ بِغَيمَةِ بُخَارٍ زَائِلَةٍ. الإنْسَانُ مُجَرَّدُ ظِلٍّ. نَندَفِعُ بِسُرعَةٍ مَحمُومَةٍ جَامِعِينَ أشْيَاءَ لَا نَدرِي لِمَنْ سَتَكُونُ. فَأيُّ رَجَاءٍ لِي يَا رَبُّ؟ رَجَائِي هُوَ أنْتَ! مِنْ عَوَاقِبِ مَعَاصِيَّ أنْقِذْنِي. لَا تَجْعَلْنِي أُخْزَى كَالجَاهِلِ. سَأكُونُ كَالأخرَسِ، لَنْ أفتَحَ فَمِي. لِأنَّكَ أنْتَ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِي! ارفَعْ عِقَابَكَ عَنِّي! قُوَّةُ يَدِكَ أهْلَكَتْنِي. أنْتَ تُوَبِّخُ النَّاسَ عَلَى ذَنبِهِمْ لِتُعَلِّمَهُمْ. كَقُمَاشٍ أكَلَهُ العَثُّ تَخْتَفِي مُشْتَهَيَاتُ النَّاسِ. حَيَاةُ الإنْسَانِ هِيَ كَبُخَارٍ حَقًّا. اسْمَعْ صَلَاتِي يَا اللهُ ، وَإلَى صُرَاخِي أصْغِ. لَا تَتَجَاهَلْ دُمُوعِي. فَمَا أنَا إلَّا غَرِيبٌ عِنْدَكَ. كَجَمِيعِ آبَائِي، أنَا نَزِيلٌ هُنَا. كُفَّ عَنِّي وَدَعْنِي أسعَدُ قَبْلَ أنْ أمُوتَ وَأختَفِيَ! انْتَظَرْتُ اللهَ بِصَبْرٍ. فَالتَفَتَ إلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي. مِنَ المَوْتِ نَشَلَنِي. أخرَجَنِي مِنَ الوَحلِ. عَلَى أرْضٍ ثَابِتَةٍ وَضَعَ قَدَمَيَّ، وَثَبَّتَ خُطُوَاتِي. وَضَعَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً عَلَى شَفَتَيَّ، تَرْنِيمَةَ شُكْرٍ لِإلَهِنَا. كَثِيرُونَ سَيَرَوْنَ أعْمَالَهُ، فَيَهَابُونَ اللهِ وَيَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ. هَنِيئًا لِمَنْ وَضَعَ ثِقَتَهُ فِي اللهِ ، وَلَا يَلْجَأُ إلَى الشَّيَاطِينِ وَالآلِهَةِ المُزَيَّفَةِ. يَا ، أنْتَ صَنَعْتَ عَجَائِبَ كَثِيرَةً. رَائِعَةٌ هِيَ خُطَطُكَ لَنَا، وَلَيْسَ مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَذْكُرَهَا كُلَّهَا. سَأُخبِرُ بِهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، مَعَ أنَّهَا لَا تُحْصَى. أنْتَ لَا تُسَرُّ بِالذَّبَائِحِ وَالقَرَابِينِ، بَلْ فَتَحْتُ أُذُنَيَّ لِصَوْتِكَ. لَمْ تَطْلُبْ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَذَبَائِحَ خَطِيَّةٍ. لِهَذَا قُلْتُ: «هَا قَدْ جِئْتُ. مَكْتُوبٌ هَذَا عَنِّي فِي الكِتَابِ. رَغبَتِي أنْ أفعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إلَهِي، وَشَرِيعَتُكَ هِيَ فِي قَلْبِي.» بَشَّرْتُ بِأعْمَالِكَ الحَسَنَةِ بَيْنَ الجَمَاعَةِ الكَبِيرَةِ. وَأنْتَ، يَا اللهُ ، تَعْلَمُ أنَّنِي لَا أُقفِلُ شَفَتَيَّ. لَمْ أكتِمْ فِي قَلْبِي أعْمَالَكَ الصَّالِحَةَ. بَلْ جَاهَرْتُ بِإخلَاصِكَ وَخَلَاصِكَ. عَنِ الجَمَاعَةِ الكَبِيرَةِ لَمْ أُخفِ شَيْئًا مِنْ صِدْقِ مَحَبَّتِكَ وَأمَانَتِكَ. فَلَا تَمْنَعْ، يَا اللهُ ، عَنِّي رَحْمَتَكَ. وَبِصِدْقِ مَحَبَّتِكَ وَأمَانَتِكَ احْمِنِي دَوْمًا. لِأنَّ أشْرَارًا بِلَا عَدَدٍ قَدْ حَاصَرُونِي. وَخَطَايَايَ أمسَكَتْ بِي وَلَا أرَى مَهرَبًا. خَطَايَايَ أكْثَرُ مِنْ شَعْرِ رَأسِي. وَشَجَاعَتِي فَارَقَتْنِي. عَجِّلْ يَا اللهُ وَأنْقِذْنِي. إلَى مَعُونَتِي أسرِعْ يَا اللهُ . لَيْتَ جَمِيعَ السَّاعِينَ إلَى هَلَاكِي يَخْجَلُونَ وَيُخْذَلُونَ. لَيْتَ مَنْ يُرِيدُونَ أذِيَّتِي يَسْقُطُونَ وَيَنْدَحِرُونَ! لَيْتَ المُتَهَكِّمِينَ بِي يَفْزَعُونَ فِي خَجَلِهِمْ، بَيْنَمَا يَبْتَهِجُ وَيَفْرَحُ كُلُّ طَالِبِيكَ، وَيَقُولُ مُحِبُّو خَلَاصِكَ دَائِمًا: «عَظِيمٌ هُوَ اللهُ !» لَكِنِ انْظُرْ إلَيَّ يَا رَبِّي، لِأنِّي أنَا مِسْكِينٌ وَبَائِسٌ. إلَهِي، عَوْنِي وَخَلَاصِي أنْتَ. فَلَا تَتَأخَّرْ. هَنِيئًا لِمَنْ يُعِينُ المَسَاكِينَ وَيَهْتَمُّ بِهِمْ. فَاللهُ يُنْقِذُهُ فِي أزمِنَةِ الشِّدَّةِ. يَحْرُسُهُ اللهُ وَيَحْفَظُهُ. يَكُونُ مُبَارَكًا جِدًّا فِي الأرْضِ. وَلَا يُسَلِّمُهُ اللهُ إلَى أيدِي أعْدَائِهِ. عَلَى فِرَاشِ مَرَضِهِ يَسْنِدُهُ اللهُ . يُحَوِّلُ ضَعْفَهُ إلَى قُوَّةٍ. قُلْتُ: «إلَيْكَ أخْطَأتُ يَا اللهُ . فَارحَمْنِي وَاشْفِ نَفْسِي.» لَكِنَّ أعْدَائِي تَكَلَّمُوا عَلَيَّ بِالشَّرِّ وَقَالُوا: «مَتَى يَمُوتُ وَيُنسَى؟» وَإنْ جَاءُوا لِرُؤْيَتِي، لَا يَتَكَلَّمُونَ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ. بَلْ يَأْتُونَ لِيَعْرِفُوا خَبَرًا سَيِّئًا عَنِّي. ثُمَّ يَخْرُجُونَ لِيُرَوِّجُوهُ. يَتَهَامَسُ كُلُّ كَارِهِيَّ عَلَيَّ يَتَآمَرُونَ بِشُرُورٍ ضِدِّي. يَقُولُونَ: «لَا بُدَّ أنَّهُ فَعَلَ أمْرًا رَدِيئًا. لِذَا هُوَ مَطرُوحٌ وَلَنْ يَقُومَ.» حَتَّى أعَزُّ صَدِيقٍ لِي، الَّذِي بِهِ وَثِقْتُ، أكَلَ خُبْزِي وَانقَلَبَ ضِدِّي. فَارحَمْنِي يَا اللهُ . أقِمْنِي لِكَي أُجَازِيَهُمْ. بِهَذَا سَأعرِفُ أنَّكَ رَاضٍ عَنِّي، وَأنَّكَ لَمْ تُهَيِّجْ أعْدَائِي عَلَيَّ. وَسَأعرِفُ أنِّي بَرِيءٌ، وَأنَّكَ سَانَدْتَنِي، وَأقَمْتَنِي أمَامَكَ لِأخدِمَكَ إلَى الأبَدِ. مُبَارَكٌ اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ مُنْذُ الأزَلِ وَإلَى الأبَدِ. آمِينَ ثُمَّ آمِينَ. إلَيْكَ أتُوقُ يَا اللهُ تَوْقَ الغَزَالِ إلَى جَدوَلِ مَاءٍ بَارِدٍ. نَفْسِي عَطْشَى إلَى اللهِ، الإلَهِ الحَيِّ! فَمَتَى أذْهَبُ ثَانِيَةً إلَى الهَيْكَلِ لِألتَقِيَ اللهَ؟ دُمُوعِي صَارَتْ طَعَامِي الَّذِي أتَنَاوَلُهُ لَيلَ نَهَارٍ، إذْ يَسألُونَنِي كُلَّ الوَقْتِ: «أيْنَ إلَهُكَ؟» يَنْكَسِرُ قَلْبِي حِينَ أتَذَكَّرُ ذَلِكَ. أتَذَكَّرُ مُرُورِي مِنْ بَيْنِ الجُمُوعِ لِأقُودَ المَوكِبَ إلَى بَيْتِ اللهِ، وَأنَا أسمَعُ تَسَابِيحَ الفَرَحِ مِنْ جُمُوعِ الحُجَّاجِ المُحتَفِلِينَ. لِمَاذَا أنْتِ حَزِينَةٌ وَمُضطَرِبَةٌ يَا نَفْسِي؟ ثِقِي بِاللهِ وَانْتَظِرِيهِ، لِأنِّي سَأحمَدُهُ مِنْ جَدِيدٍ، فَفِي حَضرَتِهِ خَلَاصِي. نَفْسِي كَئِيبَةٌ يَا إلَهِي، لِذَلِكَ أتَذَكَّرَكَ مِنْ هَذَا المَكَانِ. مِنْ عَلَى هَذِهِ التَّلَّةِ الصَّغِيرَةِ، حَيْثُ تَلْتَقِي جِبَالُ حَرْمُونَ بِأرْضِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. مَوْجَةً فِي إثرِ مَوْجَةٍ تَخْتَلِطُ أصوَاتُهَا بِصَوْتِ شَلَّالَاتِكَ، تَنْدَفِعُ تَيَّارَاتُكَ وَأموَاجُكَ لِتَتَكَسَّرَ عَلَى رَأسِي. لِيُظهِرِ اللهُ مَحَبَّتَهُ نَهَارًا لِأُغَنِّي لَهُ لَيْلًا، مُصَلِّيًا لِإلَهِ حَيَاتِي. وَأقُولُ للهِ الَّذِي هُوَ صَخرَتِي: «لِمَاذَا نَسِيتَنِي؟ لِمَاذَا عَلَيَّ أنْ أتَحَمَّلَ قَسوَةَ عَدُوِّي؟» يُهِينُنِي خُصُومِي، وَعِظَامِي يَسْحَقُونَ. يَسألُونَنِي كُلَّ الوَقْتِ: «أيْنَ إلَهُكَ؟» لِمَاذَا أنْتِ حَزِينَةٌ وَمُضطَرِبَةٌ يَا نَفْسِي؟ ثِقِي بِاللهِ، لِأنِّي سَأحمَدُهُ مِنْ جَدِيدٍ، فَفِي حَضرَتِهِ خَلَاصِي. كُنْتَ أنْتَ يَا اللهُ المُدَافِعَ عَنِّي، نَجِّنِي مِنَ الأشْرَارِ، وَمِنَ المُخَادِعِ الشِّرِّيرِ أنْجِدنِي. لِأنَّكَ أنْتَ إلَهِي وَحِصنِي. فَلِمَاذَا تَتْرُكُنِي؟ لِمَاذَا أعِيشُ فِي حُزْنٍ؟ لِمَاذَا عَلَيَّ أنْ أحتَمِلَ مُضَايَقَةَ عَدُوِّي؟ أرِنِي نُورَكَ وَخَلَاصَكَ، وَهُمَا يَهْدِيَانَنِي، وَيَأْتِيَانِ بِي إلَى مَسْكَنِكَ عَلَى جَبَلِكَ المُقَدَّسِ. عِنْدَ ذَلِكَ، أقتَرِبُ مِنْ مَذْبَحِ اللهِ. أقْتَرِبُ مِنَ اللهِ الَّذِي هُوَ فَرَحِي الغَامِرُ، فَأُسَبِّحُكَ يَا اللهُ، أُسَبِّحُكَ بِقِيثَارٍ يَا إلَهِي. لِمَاذَا أنْتِ حَزِينَةٌ وَمُضطَرِبَةٌ يَا نَفْسِي؟ ثِقِي بِاللهِ لِأنِّي سَأحمَدُهُ مِنْ جَدِيدٍ، فَفِي حَضرَتِهِ خَلَاصِي. بِآذَانِنَا سَمِعْنَا يَا اللهُ. آبَاؤُنَا حَكَوْا لَنَا، حَدَّثُونَا عَنْ أعْمَالِكَ الَّتِي عَمِلْتَ فِي أيَّامِهِمْ مُنْذُ القَدِيمِ. طَرَدْتَ الأُمَمَ الوَثَنِيَّةَ بِيَدِكَ قَلَعْتَهُمْ مِنَ الأرْضِ وَأعْطَيْتَهَا لَنَا. أخبَرُونَا أنَّ سُيُوفَهُمْ وَقُوَّةَ سَوَاعِدِهُمْ لَمْ تَضْمَنْ لَهُمُ النَّصرَ وَالأرْضَ. بَلْ قُوَّتُكَ وَحُضُورُكَ صَنَعَا ذَلِكَ، لِأنَّكَ رَضِيتَ عَنْهُمْ. أنْتَ مَلِكِي يَا اللهُ. فَمُرْ بَانتِصَارِ يَعْقُوبَ. بِاسْمِكَ وَقُوَّتِكَ نَطرَحُ مَنْ يُقَاوِمُونَنَا أرْضًا وَنَدُوسُهُمْ. لِأنِّي لَا أتَّكِلُ عَلَى قَوسِي، وَسَيفِي لَا يَنْصُرُنِي. بلْ أنْتَ، أنْتَ تَنْصُرُنَا عَلَى أعْدَائِنَا. أنْتَ مَنْ يُخزِي كَارِهِينَا! سَبَّحْنَا اللهَ طَوَالَ اليَوْمِ، وَإلَى الأبَدِ نُسَبِّحُ اسْمَكَ. لَكِنَّكَ تَخَلَّيتَ عَنَّا وَأخْزَيْتَنَا. وَرَفَضتَ أنْ تَخْرُجَ إلَى الحَرْبِ مَعَنَا! جَعَلْتَنَا نَفِرُّ مِنْ أمَامِ العُدُوِّ، فَأخَذَ مُبغِضُونَا الغَنَائِمَ. جَعَلْتَنَا كَغَنَمٍ لِلذَّبحِ، وَشَتَّتَّنَا بَيْنَ الغُرَبَاءِ! بِعْتَ شَعْبَكَ كَالعَبِيدِ بِثَمَنٍ زَهِيدٍ! وَلَمْ تَسْعَ لِرَفْعِ ثَمَنِهِمْ! رَأى جِيرَانُنَا مَا فَعَلْتَ بِنَا، وَهَا هُمْ يَهْزَأُونَ بِنَا وَعَلَينَا يَضْحَكُونَ! جَعَلْتَنَا أُضحُوكَةً عِنْدَ الشُّعُوبِ المُجَاوِرَةِ. يَسْتَهْزِئُونَ بِنَا وَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ. أُواجِهُ خِزْيِي طَوَالَ اليَوْمِ فَأُغَطِّي وَجْهِي، عِنْدَ سُخْرِيَةِ وَإهَانَةِ العَدُوِّ السَّاعِي إلَى الِانْتِقَامِ مِنِّي. أنْتَ فَعَلْتَ هَذَا كُلَّهُ يَا اللهُ، رُغْمَ أنَّنَا مَا نَسَينَاكَ وَلَمْ نَكسِرْ عَهْدَكَ. لَمْ نُبعِدْ قُلُوبَنَا عَنْكَ! وَلَا تَوَقَّفنَا عَنِ السَّيرِ وَرَاءَكَ! لَكِنَّكَ سَحَقتَنَا فِي أرْضِ الأفَاعِي، وَغَطَّيتَنَا بِظُلمَةٍ حَالِكَةٍ كَالمَوْتِ. لَوْ نَسِينَا اسْمَ إلَهِنَا وَرَفَعْنَا أيدِيَنَا بِالدُّعَاءِ لِإلَهٍ مُزَيَّفٍ، فَسَتَعْلَمُ ذَلِكَ، لِأنَّكَ تَعْرِفُ أسرَارَ قُلُوبِنَا. لِانَّنَا مِنْ أجْلِكَ نُواجِهُ خَطَرَ المَوْتِ طَوَالَ النَّهَارِ. وَنَحْنُ مَحسُوبُونَ كَغَنَمٍ لِلذَّبحِ. استَيْقِظْ، لِمَاذَا تَنَامُ يَا رَبُّ؟ قُمْ وَلَا تَتْرُكنَا إلَى الأبَدِ! لِمَاذَا تَخْتَفِي عَنَّا؟ لَا تَتَجَاهَلْ مُعَانَاتَنَا وَاضطِهَادَنَا. إلَى الوَحلِ دُفِعَتْ نُفُوسُنَا وَبُطُونُنَا التَصَقَتْ فِي التُّرَابِ. قُمْ، سَارِعْ إلَى عَونِنَا، أنقِذْنَا بِسَبَبِ رَحْمَتِكَ الدَّائِمَةِ. كَلَامٌ حُلوٌ يَملأُ قَلْبِي، وَأنَا أكتُبُهُ لِلمَلِكِ. مِنْ لِسَانِي تَتَدَفَّقُ الكَلِمَاتُ كَمَا مِنْ قَلَمِ كَاتِبٍ مُبدِعٍ. فُقْتَ كُلَّ البَشَرِ جَمَالًا. وَمِنْ فَمِكَ يَخْرُجُ كَلَامٌ رَائِعٌ! لِهَذَا بَارَكَكَ اللهُ إلَى الأبَدِ! ضَعْ زِيَّكَ المَجِيدَ! تَقَلَّدْ سَيفَكَ عَلَى فَخذِكَ، مَا أبهَاكَ فِي ثِيَابِ الجَلَالِ! اركَبْ وَامْضِ إلَى أعْمَالِ الحَقِّ وَالنَّصرِ العَظِيمِ! يَمِينُكَ قَدْ تَدَرَّبَتْ عَلَى أعْمَالٍ مُهِيبَةٍ. سِهَامُكَ المَسنُونَةُ، تَطِيرُ مُبَاشَرَةً إلَى قَلْبِ أعْدَاءِ المَلِكِ، فَتَتَسَاقَطُ شُعُوبٌ تَحْتَ قَدَمَيكَ. عَرْشُكَ يَا اللهُ بَاقٍ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ، بِصَولَجَانِ الِاسْتِقَامَةِ سَتَحْكُمُ مَملَكَتَكَ. أحبَبْتَ البِرَّ، وَكَرِهْتَ الإثْمَ. لِهَذَا مَسَحَكَ اللهُ إلَهُكَ بِزَيْتِ الِابتِهَاجِ أكْثَرَ مِنْ كُلِّ رِفَاقِكَ. مِنْ ثِيَابِكَ يَفُوحُ المُرُّ وَالصَّبرُ وَالسَّنَا وَفِي قُصُورٍ مُزَيَّنَةٍ بِالعَاجِ يُكَرِّمُكَ العَازِفُونَ. هُنَاكَ أمِيرَاتٌ بَيْنَ سَيِّدَاتِ بَلَاطِكَ. وَعَنْ يَمِينِكَ تَقِفُ المَلِكَةُ وَعَلَى رَأسِهَا تَاجٌ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. أيَّتُهَا الفَتَاةُ العَزِيزَةُ، اسْمَعِينِي. انتَبِهِي وَافهَمِي، انسَي شَعْبَكِ وَبَيْتَ أبِيكِ. فَالمَلِكُ يَشْتَهِي جَمَالَكِ. هُوَ الآنَ سَيِّدُكِ، فَانحَنِي لَهُ! شَعْبُ صُورٍ الَّذِي هُوَ أغنَى الشُّعُوبِ، سَيَأْتِي بِهَدَايَا لِيَسْتَرْضِيَ وَجْهَكِ. بِنْتُ المَلِكِ غَايَةٌ فِي البَهَاءِ لِبَاسُهَا مُزَخْرَفٌ بِالذَّهَبِ. تُزَفُّ إلَى المَلِكِ فِي رِدَائِهَا المَنسُوجِ الجَمِيلِ. تَتْبَعُهَا صَاحِبَاتُهَا العَذَارَى اللَّوَاتِي أُحْضِرْنَ مَعَهَا. يُحْضَرْنَ بِفَرَحٍ وَابتِهَاجٍ لِيَدْخُلنَ قَصرَ المَلِكِ. يَكُونُ لَكَ أبْنَاءٌ كَثِيرُونَ يَا مَلِكِي وَرَثَةً لِعَرشِ آبَائِكَ، يَكُونُونَ أُمَرَاءَ عَبْرَ الأرْضِ. لِأجيَالٍ قَادِمَةٍ سَأُعَرِّفُ بِاسْمِكَ. فَتُسَبِّحُكَ إلَى الأبَدِ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ. مَلجَأُنَا وَقُوَّتُنَا هُوَ اللهُ. هُوَ مُعِينٌ يَسْهُلُ إلَيْهِ الوُصُولُ فِي الضِّيقَاتِ. لِهَذَا لَا نَخَافُ حَتَّى لَوْ تَزَلْزَلَتِ الأرْضُ وَسَقَطَتِ الجِبَالُ فِي البَحْرِ. حَتَّى لَوْ هَاجَتِ البِحَارُ وَمَاجَتْ وَهَزَّ كِبرِيَاؤُهَا الجِبَالَ. هُنَاكَ نَهْرٌ رَوَافِدُهُ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ اللهِ، المَسْكَنَ المُقَدَّسَ للهِ العَلِيِّ. اللهُ فِي المَدِينَةِ، فَلَنْ تَسْقُطَ أبَدًا. اللهُ هُنَاكَ لِيُدَافِعَ عَنْهَا حَتَّى قَبْلَ الفَجرِ. الشُّعُوبُ تَرْتَعِدُ خَوْفًا، وَتَسْقُطُ المَمَالِكُ وَتَنْحَلُّ الأرْضُ حِينَ يُرْعِدُ اللهُ بِصَوْتِهِ. اللهُ القَدِيرُ مَعَنَا إلَهُ يَعْقُوبَ هُوَ قَلْعَتُنَا. هَلُمُّوا انْظُرُوا بِأنفُسِكُمْ أعْمَالَ اللهِ القَوِيَّةَ. انْظُرُوا أعْمَالَهُ الَّتِي تُوقِعُ الرَّهبَةَ فِي النُّفُوسِ. هُوَ الَّذِي يُخمِدُ الحُرُوبَ فِي الأرْضِ كُلِّهَا، مُكَسِّرًا الأقوَاسَ وَقَاطِعًا الرِّمَاحَ وَحَارِقًا التُّرُوسَ. يَقُولُ: «كُفُّوا عَنِ القِتَالِ، وَاعلَمُوا أنِّي أنَا اللهَ، مُرْتَفِعٌ فَوْقَ الشُّعُوبِ وَفَوْقَ كُلِّ الأرْضِ.» اللهُ القَدِيرُ مَعَنَا إلَهُ يَعْقُوبَ هُوَ قَلعَتُنَا. يَا كُلَّ شُعُوبِ الأرْضِ، صَفِّقُوا بِالأيَادِي فَرَحًا، وَعَلُّوا تَرَانِيمَ التَّسبِيحِ للهِ. لِأنَّ اللهَ العَلِيَّ عَظِيمُ الهَيبَةِ هُوَ المَلِكُ العَظِيمُ عَلَى كُلِّ الأرْضِ. أخضَعَ لَنَا شُعُوبًا، وَوَضَعَهَا تَحْتَ أقْدَامِنَا. اللهُ يُحِبُّ يَعْقُوبَ. وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَ لَنَا مِيرَاثَنَا الَّذِي اعتَزَّ بِهِ يَعْقُوبُ. يَصْعَدُ اللهُ مَصحُوبًا بِهُتَافٍ. يَصْعَدُ اللهُ مَصحُوبًا بِصَوْتِ البُوقِ. سَبِّحُوا اللهَ، سَبِّحُوهُ. سَبِّحُوا مَلِكِنَا، سَبِّحُوهُ. لِأنَّ اللهَ هُوَ المَلِكُ عَلَى كُلِّ الأرْضِ، سَبِّحُوهُ بِأشْعَارٍ عَذْبَةٍ. يَمْلُكُ اللهُ عَلَى جَمِيعِ الشُّعُوبِ، يَجْلِسُ اللهُ عَلَى عَرشِهِ المُقَدَّسِ. يَتَجَمَّعُ قَادَةُ الشُّعُوبِ لِمُلَاقَاةِ إلَهِ إبْرَاهِيمَ. لِأنَّ الأقوِيَاءَ فِي الأرْضِ هُمْ للهِ، وَهُوَ فَوقَهُمْ جَمِيعًا! عَظِيمٌ هُوَ اللهُ وَمُسْتَحِقٌّ كُلَّ تَسْبِيحٍ فِي مَدِينَةِ إلَهِنَا، حَيْثُ جَبَلُهُ المُقَدَّسُ. القُدْسُ جَمِيلَةُ الِارتِفَاعِ، وَهِيَ فَرَحُ لِلأرْضِ كُلِّهَا. جَبَلُ صِهْيَوْنُ كَقِمَّةِ صَافُونَ. القُدْسُ مَدِينَةُ المَلِكِ العَظِيمِ. فِي حُصُونِهَا أظْهَرَ اللهُ أنَّهُ مَلجَأٌ. فَحِينَ احتَشَدَ المُلُوكُ الغُرَبَاءُ لِإفنَائِهَا. رَأوْهَا فَدُهِشُوا وَفَزِعُوا وَهَرَبُوا. خَافُوا وَارتَعَدُوا. كَامْرَأةٍ أمسَكَتْ بِهَا آلَامُ الوِلَادَةِ. كَالرِّيحِ الشَّرقِيَّةِ الَّتِي تُحَطِّمُ السُّفُنَ العَظِيمَةَ. رَأينَا قُوَّةَ اللهِ تَمَامًا كَمَا سَمِعْنَا عَنْهَا. فِي مَدِينَةِ اللهِ القَدِيرِ فِي مَدِينَةِ إلَهِنَا. يُثَبِّتُهَا اللهُ إلَى الأبَدِ. بِرَحْمَتِكَ نَحتَفِلُ يَا اللهُ فِي وَسَطِ هَيْكَلِكَ. وَكَمَا ذَاعَ اسْمُكَ، لِيُذَعْ تَسْبِيحُكَ فِي كُلِّ الأرْضِ أيْضًا. لِيَعْرِفِ الجَمِيعُ أنَّكَ مُمتَلِئٌ بِالبِرِّ وَالصَّلَاحِ. لَيْتَ النَّاسَ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ يَبْتَهِجُونَ، وَلَيْتَ مُدُنَ يَهُوذَا تَبْتَهِجُ بِأحكَامِكَ الصَّالِحَةِ. طُوفُوا حَوْلَ صِهْيَوْنَ، وَتَأمَّلُوا المَدِينَةَ. أحْصُوا كُلَّ أبْرَاجِهَا. تَأمَّلُوا أسوَارَهَا وَتَغَزَّلُوا بِقُصُورِهَا، لِكَي تُحَدِّثُوا عَنْهَا أجيَالًا قَادِمَةً. لِأنَّ اللهَ هُوَ إلَهُنَا إلَى الأبَدِ. وَهُوَ يَهْدِينَا حَتَّى عَبْرَ المَوْتِ. اسْمَعُوا هَذَا يَا كُلَّ الأُمَمِ. أصغُوا يَا كُلَّ سُكَّانِ العَالَمِ. يَا كُلَّ البَشَرِ بُسَطَاءَ وَعُظَمَاءَ، فُقَرَاءَ وَأغنِيَاءَ، يَتَحَدَّثُ فَمِي بِتَعَالِيمِ حِكْمَةٍ وَفَهمٍ كُنْتُ قَدْ تَأمَّلْتُهَا. أفتَحُ أُذُنَيَّ لِهَذِهِ الأمثَالِ، وَأعزِفُ عَلَى قَيثَارَتِي. لِمَ أقلَقُ فِي أزمِنَةِ الضِّيقِ مِنَ الَّذِينَ يُلَاحِقُونَنِي وَيُحَاصِرُونَنِي. لَنْ أخشَى الَّذِينَ عَلَى قُوَّتِهِمْ يَتَّكِلُونَ، وَبِثَروَتِهِمْ يَفْتَخِرُونَ. لَا يَقْدِرُ أخٌ إنْسَانٌ مِثْلُكَ أنْ يَفْدِيكَ. لَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَدْفَعَ للهِ مَا يَكْفِي! لَا يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَدْفَعَ مَا يَكْفِي لِتَخْلِيصِ حَيَاتِهِ. أوْ أنْ يَشْتَرِيَ حَقَّ الحَيَاةِ إلَى الأبَدِ، فَيُنقِذَ جَسَدَهُ مِنَ القَبْرِ. انْظُرُوا، فَالحُكَمَاءُ يَمُوتُونَ وَيَتَعَفَّنُونَ، تَمَامًا كَالجُهَّالِ وَالحَمقَى. هُمْ أيْضًا يَمُوتُونَ وَيَتْرُكُونَ لِلآخَرِينَ ثَروَتَهُمْ. القَبرُ إلَى الأبَدِ بَيتُهُمْ، وَمَسكَنُهُمْ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، مَعَ أنَّهُمْ امْتَلَكُوا أرْضًا كَثِيرَةً. قَدْ يَكُونُ إنْسَانٌ غَنِيًّا، لَكِنَّهُ لَا يَبْقَى هُنَا إلَى الأبَدِ. بَلْ يَمُوتُ كَمَا الحَيَوَانُ، هَذِهِ هِيَ نِهَايَةُ الحَمْقَى، وَنِهَايَةُ الَّذِينَ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمْ. كَالغَنَمِ سَيَمُوتُونَ، فَيُصبِحُ القَبرُ حَظِيرَتَهُمْ وَالمَوْتُ رَاعِيَهُمْ. ثُمَّ يَتَوَلَّى المُسْتَقِيمُونَ أجسَادَهُمْ. يَحْمِلُونَهَا وَيَضَعُونَهَا فِي القَبْرِ، لَكِنَّ اللهَ سَيَفْدِينِي مِنَ المَوْتِ، وَسَيَأْخُذُنِي لِأكُونَ مَعَهُ. لَا تَخْشَ إنْسَانًا بِسَبَبِ غِنَاهُ وَجَمَالِ مَسَاكِنِهِ. لِأنَّ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَيَهْبِطُونَ إلَى القَبْرِ، لَا يَأْخُذُونَ شَيْئًا مِنْ ثَروَتِهِمْ مَعَهُمْ. يَعْتَبِرُ الغَنِيُّ نَفْسَهُ مَحظُوظًا فِي الحَيَاةِ، وَيَمْدَحُهُ النَّاسُ عَلَى مَا فَعَلَ لِنَفْسِهِ. لَكِنْ يَأْتِي وَقْتٌ يَذْهَبُ فِيهِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ، حَيْثُ لَا يَرَى نُورًا إلَى الأبَدِ. إنْسَانٌ غَنِيٌّ وَلَا يَفْهَمُ أشبَهُ بِالحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَبِيدُ. اللهُ قَدْ تَكَلَّمَ، الإلَهُ العَظِيمُ. وَهُوَ يَدْعُو كُلَّ سُكَّانِ الأرْضِ مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ. فِي جَمَالٍ سَامٍ يُشرِقُ اللهُ مِنْ صِهْيَوْنَ. يَأْتِي إلَهُنَا بِغَيرِ صَمْتٍ، أمَامَهُ نَارٌ آكِلَةٌ، وَحَولَهُ عَاصِفَةٌ هَوْجَاءُ! يَدْعُو السَّمَاوَاتِ مِنْ فَوقُ وَالأرْضَ مِنْ تَحْتُ لِكَي تَشْهَدَ مَجِيئَهُ لِمُحَاكَمَةِ شَعْبِهِ. يَقُولُ اللهُ: «اجمَعُوا أتبَاعِي الأُمَنَاءَ الَّذِينَ قَدَّمُوا ذَبَائِحَ عِنْدَمَا قَطَعْنَا العَهْدَ مَعًا.» عِنْدَئِذٍ تُعلِنُ السَّمَاوَاتُ بِرَّ اللهِ، وَأنَّهُ قَاضٍ يَحْكُمُ بِالعَدْلِ. أسمَعْنِي يَا شَعْبِي وَأنَا أتَكَلَّمُ. أصْغِ يَا إسرَائِيلُ وَأنَا أشهَدُ عَلَيْكِ. «إلَهُكَ أنَا! لَا أُوَبِّخُكَ عَلَى تَقْدِمَاتِكَ وَذَبَائِحَكَ. فَهِيَ أمَامِي دَائِمًا. لَنْ آخُذَ ثِيرَانًا وَخِرَافًا مِنْ بُيُوتِكَ وَحَظَائِرِكَ! فَلِي كُلُّ حَيَوَانٍ بَرِّيٍّ وَألِيفٍ عَلَى جِبَالٍ لَا حَصرَ لَهَا. كُلُّ طَيرٍ عَلَى الجِبَالِ مَعرُوفٌ لَدَيَّ. وَكُلُّ مَخْلُوقٍ زَاحِفٍ فِي الحُقُولِ. إنْ جُعْتُ لَا أطلُبُ مِنْكَ طَعَامًا. لِأنَّ العَالَمَ وَكُلَّ مَا عَلَيْهِ لِي! أآكُلُ لَحْمَ البَقَرِ أوْ أشرَبُ دَمَ التُّيُوسِ؟» فَقَدِّمْ للهِ تَقْدِمَاتِ الشُّكْرِ، وَأوْفِ نُذُورَكَ للهِ العَلِيِّ. «وَحِينَ يَأْتِي ضِيقٌ، ادْعُنِي، وَعِنْدَمَا أُنقِذُكَ، أكرِمْنِي.» أمَّا لِلشِّرِّيرِ فَيَقُولُ اللهُ: «كَيْفَ تَتَحَدَّثُ عَنْ وَصَايَايَ، وَبِفَمِكَ تَتْلُو عَهْدِي. وَأنْتَ تَكْرَهُ التَّأدِيبَ وَالتَّصْحِيحَ، وَتُلقِي بِكَلَامِي وَرَاءَ ظَهْرِكَ؟ تُصَاحِبُ كُلَّ لِصٍّ تَرَاهُ. وَتُعَاشِرُ الزُّنَاةَ. فِي مَهَمَّاتٍ شِرِّيرَةٍ تُرسِلُ لِسَانَكَ، وَهُوَ يُنْبِتُ غُشًّا. تَدِينُ أخَاكَ، وَتَفْتَرِي عَلَى ابْنِ أُمِّكَ. وَتُدَمِّرُ أقرَبَ أقرِبَائِكَ. فَعَلْتَ كُلَّ هَذَا، وَأنَا سَكَتُّ. فَتوَهَّمتَ أنِّي مِثْلُكَ. أمَّا الآنَ فَأضَعُ هَذِهِ التُّهَمَ أمَامَكَ وَأُوَبِّخُكَ. افهَمُوا هَذَا جَمِيعًا يَا تَارِكِي اللهِ، لِئَلَّا أُمَزِّقَكُمْ وَلَا مُنقِذَ لَكُمْ. مَنْ يُقَدِّمُ ذَبِيحَةَ شُكرٍ يُكرِمُنِي. وَمَنْ يَعِيشُ بِاستِقَامَةٍ، أُرِيهِ خَلَاصَ اللهِ!» ارحَمنِي يَا اللهُ بِرَحمَتِكَ العَظِيمَةِ، أظْهِرْ شَفَقَتَكَ العَظِيمَةَ، وَامْحُ مَعَاصِيَّ. اغْسِلْنِي مِنْ ذُنُوبِي الكَثِيرَةِ. وَمِنْ كُلِّ خَطَايَايَ طَهِّرْنِي. فَأنَا عَارِفٌ بِذَنبِي. وَخَطَايَايَ مَاثِلَةٌ أمَامَ عَينَيَّ دَائِمًا. أخْطَأتُ إلَيْكَ وَحْدَكَ، وَفَعَلتُ الشَّرَّ أمَامَكَ. لِكَي يَثْبُتَ أنَّكَ عَلَى صَوَابٍ فِيمَا تَقُولُ، وَتَرْبَحَ قَضِيَّتَكَ حِينَ تُحَاكِمُنِي. هَأنَذَا وُلِدتُ بِالإثْمِ، وَأنَا فِي الخَطِيَّةِ مُنْذُ أنْ حَبِلَتْ بِي أُمِّي. مَشِيئَتُكَ أنْ تَكُونَ الأمَانَةُ فِي أعمَاقِي، فَعَرِّفْنِي الحِكْمَةَ فِي الأمَاكِنِ الخَفِيَّةِ تِلْكَ. طَهِّرْنِي بِنَبَاتِ الزُّوفَا فَأطْهُرَ. اغسِلْنِي فَأفُوقَ الثَّلجَ بَيَاضًا! أسْمِعْنِي مَا يَمْلأُنِي فَرَحًا وَسَعَادَةً! وَاجْعَلْ عِظَامِي الَّتِي سَحَقتَهَا تَبْتَهِجُ ثَانِيَةً! إلَى خَطَايَايَ لَا تَنْظُرْ، وَامْسَحْ ذُنُوبِي كُلَّهَا. قَلْبًا طَاهِرًا يَا اللهُ ضَعْ فِيَّ، وَرُوحًا صَحِيحَةً وَمُسْتَقِيمَةً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي. لَا تَدْفَعنِي بَعِيدًا عَنْ وَجْهِكَ. وَلَا تَنْزِعْ مِنِّي رُوحَكَ القُدُّوسَ! أعِدْ لِي فَرَحِي الأوَّلَ عِنْدَمَا خَلَّصْتَنِي. وَأعْطِنِي رُوحًا مُطِيعَةً. سَأُعَلِّمُ الآثِمِينَ طُرُقَكَ. فَيَرْجِعَ إلَيْكَ الخُطَاةُ. فَأنْتَ مُخَلِّصِي مِنْ عُقُوبَةِ المَوْتِ. اعْفُ عَنِّي فَأتَغَنَّى بِصَلَاحِكَ. سَأفتَحُ فَمِي يَا رَبِّي وَأُسَبِّحُكَ بِأغَانِيَّ! لِأنَّ الذَّبَائِحَ لَيْسَتْ هِيَ مَطْلَبَكَ، فَلِمَاذَا أُقَدِّمُ إلَيْكَ ذَبَائِحَ لَا تُرِيدُهَا؟ الرُّوحُ المُنسَحِقَةُ هِيَ الذَّبِيحَةُ الَّتِي يَطْلُبُهَا اللهُ! وَأنْتَ لَا تَرْفُضُ صَاحِبَ القَلْبِ المُتَّضِعِ. لَيتَكَ تَتَكَرَّمُ فَتُبَارِكُ صِهْيَوْنَ، وَتَبْنِي أسوَارًا حَوْلَ القُدْسِ! حِينَئِذٍ تَتَقَبَّلُ ذَبَائِحَ سَلِيمَةً خَالِيَةً مِنَ العَيبِ. وَيُقَدِّمُ النَّاسُ ثِيرَانًا عَلَى مَذَابِحِكَ. كَيْفَ تَتَبَاهَى بِشَرِّكَ أيُّهَا الجَبَّارُ، بَيْنَمَا يُظهِرُ اللهُ كُلَّ يَوْمٍ رَحْمَتَهُ؟ عَلَى الدَّوَامِ تَبْتَكِرُ خُطَطًا لِلدَّمَارِ. وَلِسَانُكَ مُؤذٍ كَشَفرَةٍ حَادَّةٍ. يُفَتِّشُ عَنْ طَرِيقٍ لِلكَذِبِ وَالخِدَاعِ. تُفَضِّلُ الشَّرَّ عَلَى الخَيْرِ، وَالكَذِبَ عَلَى الصِّدقِ. أنْتَ وَلِسَانُكَ الكَاذِبُ تُحِبَّانِ الأذَى لِلنَّاسِ. لِهَذَا سَيُمسِكُ اللهُ بِكَ، وَيَقْذِفُكَ خَارِجَ خَيْمَتِكَ وَيَهْدِمُكَ! وَيَسْتَأْصِلُكَ مِنْ أرْضِ الأحيَاءِ. سَيَرَى الأخيَارُ مَا حَدَثَ، فَيَهَابُونَ اللهَ، وَيَضْحَكُونَ عَلَى الشِّرِّيرِ. انْظُرْ إلَى الإنْسَانِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلِ اللهَ مَلجَأهُ. يَتَّكِلُ عَلَى ثَرْوَتِهِ، وَإلَى الحَمَاقَةِ يَلْجَأُ. أمَّا أنَا فَكَشَجَرَةِ زَيْتُونٍ خَضرَاءَ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ. سَأتَّكِلُ عَلَى صِدقِ مَحَبَّةِ اللهِ إلَى الأبَدِ. إلَى الأبَدِ سَأحمَدُكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ. وَأمَامَ أتبَاعِكَ الأُمَنَاءِ سَأذكُرُ اسْمَكَ، لِأنَّهُ حُلوٌ جِدًّا! يَقُولُ الأحْمَقُ فِي قَلْبِهِ: «اللهُ غَيْرُ مَوجَودٍ!» الحَمْقَى يُخَرِّبونَ. يَفْعَلُونَ أُمُورًا مُلتَوِيَةً. لَا يَعْمَلُونَ أيَّ صَلَاحٍ. مِنَ السَّمَاءِ نَظَرَ اللهُ إلَى البَشَرِ، لِيَرَى إنْ كَانَ بَيْنَهُمْ أيُّ حَكِيمٍ، إنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَطْلُبُهُ. لَكِنَّهُمْ جَمِيعَهُمُ انْحَرَفُوا وَابْتَعَدُوا عَنِ اللهِ. جَمِيعُهُمْ كَانُوا فَاسِدِينَ. لَيْسَ بَيْنَهُمْ مَنْ يَعْمَلُ الصَّلَاحَ، وَلَا وَاحِدٌ. ألَا يَفْهَمُونَ؟ لَا يَطْلُبُ الأشْرَارُ مَشُورَةَ اللهِ، بَلْ يَلْتَهِمُونَ شَعْبِي كَمَا يَلْتَهِمُونَ الطَّعَامَ! لِذَلِكَ سَيَخَافُونَ خَوْفًا لَمْ يَخَافُوهُ مِنْ قَبْلُ. لِأنَّ اللهَ قَدْ رَفَضَ الأشْرَارَ. فَسَيُخْزَى مَهَاجِمُوكَ، وَيُشَتِّتُ اللهُ عِظَامَهُمْ. لَيْتَ خَلَاصَ بَنِي إسْرَائِيلَ يَأْتِي سَرِيعًا مِنْ عِندِ اللهِ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ! عَندَمَا يُعِيدُ اللهُ أسرَى الحَرْبِ، سَيَبْتَهِجُ يَعْقُوبُ وَيَفْرَحُ بَنُو إسْرَائِيلَ. خَلِّصْنِي بِاسْمِكَ يَا اللهُ! وَبِقُوَّتِكَ العَظِيمَةِ أبْرِئْنِي وَاحْكُمْ لِي. يَا اللهُ اسْمَعْ صَلَاتِي، وَإلَى كَلِمَاتِي انتَبِهْ. هَاجَمَنِي غُرَبَاءٌ، أُنَاسٌ أقوِيَاءُ يُرِيدُونَ قَتلِي. لَا يَضَعُونَ اللهَ أمَامَ أعيُنِهِمْ. هَا هُوَ اللهُ مُعِينِي. الرَّبُّ حَافِظُ حَيَاتِي. يُعَاقِبُ أعْدَائِي بِحَسَبِ شَرِّهِمْ. أرِنِي يَا اللهُ أمَانَتَكَ وَدَمِّرْهُمْ. سَأُقَدِّمُ لَكَ ذَبَائِحَ اختِيَارِيَّةً، وَسَأحمَدُ اسْمَكَ الصَّالِحَ يَا اللهُ . لِأنَّكَ أنقَذْتَنِي مِنْ كُلِّ ضِيقَاتِي. وَأنَا رَأيْتُ ذَلِكَ بِعَينَيَّ! إلَى صَلَاتِي اسْتَمِعْ يَا اللهُ. وَلَا تَتَجَاهَلِ استِرحَامِي. اسْتَمِعْ لِي وَاسْتَجِبْ بِالأنِينِ أعرِضُ أمَامَكَ كَلَامِي. صَوْتُ خَصمِي أفزَعَنِي، وَذَلِكَ الشِّرِّيرُ صَرَخَ عَلَيَّ! بِفَظَائِعَ يَتَّهِمُونَنِي، وَبِأُمُورٍ سَيِّئَةٍ جِدًّا، وَيُخَاصِمُونَنِي فِي غَضَبٍ. يَخْفِقُ قَلْبِي دَاخِلِي بِقُوَّةٍ وَأنَا خَائِفٌ مِنَ المَوْتِ. تَمَلَّكَنِي خَوفٌ وَارتِعَادٌ، وَغَمَرَنِي الرُّعبُ. لَيْتَ لِي جَنَاحَينِ كَاليَمَامَةِ فَأطِيرَ بَعِيدًا وَأجِدَ مَكَانَ رَاحَةٍ. لَيتَنِي أذْهَبُ بَعِيدًا، أتَوَغَّلُ فِي الصَّحرَاءِ وَأُقِيمُ فِيهَا. كُنْتُ سَأندَفِعُ إلَى مَكَانِ النَّجَاةِ، وَأهرُبُ مِنْ عَاصِفَةِ الضِّيقِ. أفسِدْ مَكَائِدَهُمْ يَا رَبُّ، وَفَرِّقْ آرَاءَهُمْ. فِي المَدِينَةِ أرَى عُنفًا وَخِصَامًا يُحِيطَانِ بِهَا لَيلَ نَهَارٍ، وَيَملآنِهَا بِجَرَائِمَ وَمَشَقَّاتٍ. فِي الشَّوَارِعِ إثمٌ كَثِيرٌ. وَالنَّاسُ يَكْذِبُونَ وَيَغِشُّونَ فِي كُلِّ مَكَانٍ! لَوْ كَانَ الَّذِي يَحْتَقِرُنِي عَدُوًّا، لَاحتَمَلْتُ. وَلَوْ كَانَ الَّذِي يُهَاجِمُنِي خَصمًا، لَاخْتَبَأتُ. لَكِنَّهُ أنْتَ، رَفِيقِي وَزَمِيلِي وَصَاحِبِي. أنْتَ مَنْ يَحْتَقِرُنِي وَيُهَاجِمُنِي! كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِأحَادِيثِنَا مَعًا، وَنَحْنُ نَتَمَشَّى مَعًا بَيْنَ الجُمُوعِ فِي بَيْتِ اللهِ. لَيْتَ المَوْتَ يُفَاجِئُ أعْدَائِي! لَيْتَ الأرْضَ تَنْفَتِحُ وَتَبْتَلِعُهُمْ أحيَاءً. لِأنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ الشُّرُورَ فِي بُيُوتِهِمْ. أمَّا أنَا فَأستَنْجِدُ بِاللهِ. وَاللهُ سَيُنجِدُنِي! لَيْلًا وَصَبَاحًا وَظُهرًا أُصَلِّي، وَهُوَ لِصَلَاتِي يَسْتَجِيبُ. مَعَارِكَ كَثِيرَةً حَارَبْتُ، وَدَائِمًا أنقَذَنِي اللهُ. وَأعَادَنِي سَالِمًا. سَيَسْمَعُنِي اللهُ، المَلِكُ مُنْذُ القَدِيمِ، وَسَيُعَاقِبُ أعْدَائِي. لَكِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ أنْ يَتَغَيَّرُوا، وَلَا يَخَافُونَ اللهَ. فَقَدْ هَاجَمُوا الَّذِينَ سَالَمُوهُمْ، وَتَرَاجَعُوا عَنْ وُعُودِهِمْ. هُمْ مُتَحَدِّثُونَ لُطَفَاءُ، لَكِنَّ قُلُوبَهُمْ تُخَطِّطُ لِلحَرْبِ. كَلِمَاتُهُمْ مَلسَاءُ كَالزَّيْتِ، وَهِيَ تَقْطَعُ كَالسَّكَاكِينِ الحَادَّةِ. ارمِ أحمَالَكَ عَلَى اللهِ . وَهُوَ سَيَهْتَمُّ بِكَ. لَا يَسْمَحُ بِأنْ يَنْزَلِقَ التَّقِيُّ وَيَقَعَ. أمَّا أنْتَ يَا اللهُ، فَتُلقِي بِالقَتَلَةِ وَالكَاذِبِينَ إلَى حُفرَةِ التَّعَفُّنِ قَبْلَ أنْ تَنْتَصِفَ أعْمَارُهُمْ. أمَّا أنَا، فَعَلَيكَ أتَّكِلُ. ارحَمنِي يَا اللهُ لِأنَّ هُنَاكَ مَنْ يَتَعَقَّبُنِي. وَخَصْمِي يُضَايِقُنِي طَوَالَ اليَوْمِ. يَتَجَسَّسُونَ عَلَيَّ وَيُطَارِدُونَنِي اليَوْمَ كُلَّهُ. خُصُومٌ كَثِيرُونَ يُعَادُونَنِي بِكِبْرِيَاءٍ. لَكِنَّنِي أتَّكِلُ عَلَيْكَ مِنْ بِدَايَةِ خَوفِي. وَأُسَبِّحُ اللهَ عَلَى وَعدِهِ لِي. عَلَى اللهِ أتَّكِلُ. فَلَا أخشَى مَا يُمْكِنُ لِإنْسَانٍ أنْ يَفْعَلَهُ بِي. يُشَوِّهُونَ كَلَامِي طَوَالَ اليَوْمِ، وَلِلشَّرِّ يُخَطِّطُونَ ضِدِّي. يَتَشَاوَرُونَ مَعًا، وَيُرَاقِبُونَ كُلَّ خُطُوَاتِي يَتَعَقَّبُونَ كُلَّ خُطوَةٍ آمِلِينَ اصطِيَادَ رُوحِي. أبْعِدْهُمْ يَا اللهُ لِشَرِّهِمْ. أخْضِعْهُمْ تَحْتَ غَضَبِ الشُّعُوبِ الغَرِيبَةِ. لَا رَيبَ أنَّكَ أحصَيتَ رَعَشَاتِ عَذَابِي. اجمَعْ دُمُوعِي فِي قَارُورَتِكَ لِتَذْكُرَهَا. ألَمْ تَنْتَبِهْ إلَيْهَا؟ لِهَذَا سَيَتَرَاجَعُ أعْدَائِي حِينَ أدعُوكَ. مُتَيَقِّنٌ أنَا مِنْ ذَلِكَ، لِأنَّكَ أنْتَ إلَهِي! أُسَبِّحُ اللهَ عَلَى وَعدِهِ لِي. أُسَبِّحُ اللهَ عَلَى وَعدِهِ لِي. عَلَى اللهِ أتَّكِلُ فَلَا أخَافُ، فَمَاذَا يُمْكِنُ لِإنْسَانٍ أنْ يَفْعَلَ بِي. سَأفِي للهِ بِوَعدِي. لَكَ أُقَدِّمُ يَا اللهُ تَقْدِمَاتِ الشُّكْرِ. لِأنَّكَ مِنَ المَوْتِ أنقَذتَ نَفْسِي. وَحَفِظتَ مِنَ التَّعَثُّرِ قَدَمَيَّ. لِكَي أمشِيَ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي نُورِ الأحيَاءِ. ارحَمْنِي يَا اللهُ ارحَمْنِي. لِأنِّي جَعَلْتُكَ مَلْجَأي، وَتَحْتَ ظِلِّ جَنَاحَيكَ أحتَمِي، إلَى أنْ تَعْبُرَ العَوَاصِفُ المُدَمِّرَةُ. أدعُو اللهَ العَلِيَّ، اللهَ الَّذِي يَسْهَرُ عَلَيَّ. يُرْسِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَونًا وَيُنَجِّينِي، وَيُذِلُّ مَنْ يَضْطَهِدُنِي. سَيُرسِلُ رَحْمَتَهُ وَأمَانَتَهُ. حَيَاتِي فِي خَطَرٍ، وَأنَا مُحَاطٌ بِأعْدَاءٍ. كَأنِّي وَسَطَ أُسُودٍ تَفْتَرِسُ البَشَرَ. أسنَانُهَا رِمَاحٌ وَسِهَامٌ، وَألسِنَتُهَا سُيُوفٌ مَاضِيَةٌ. أعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ أنْتَ يَا اللهُ. وَمَجْدُكَ يُغَطِّي كُلَّ الأرْضِ! حَاوَلُوا أنْ يَنْصِبُوا لِي أشرَاكًا. نَشَرُوا شَبَكَةً لِيُوقِعُوا قَدَمَيَّ. حَفَرُوا حُفرَةً لِي. لَكِنَّ فَخَّهُمُ اصْطَادَهُمْ! قَلْبِي ثَابِتٌ يَا اللهُ، قَلْبِي ثَابِتٌ، وَسَأُغَنِّي وَأعزِفُ لَكَ. استَيْقِظِي يَا نَفْسِي! استَيْقِظِي يَا قِيثَارَتِي، يَا عُودِي هَيَّا نُوقِظُ الفَجرَ! أحمَدُكَ، يَا اللهُ ، بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُسَبِّحُكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ. فَمَحَبَّتُكَ عَظِيمَةٌ تَطَالُ السَّمَاءَ، وَأمَانَتُكَ تَعْلُو السَّحَابَ! أعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ أنْتَ يَا اللهُ، وَمَجْدُكَ يُغَطِّي كُلَّ الأرْضِ. لِمَاذَا تَصْمِتُونَ عَنِ العَدلِ أيُّهَا القَادَةُ العِظَامُ؟ أتَقْضُونَ بِالعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ؟ بَلْ قُلُوبُكُمْ مَلأى بِالشَّرِّ فِي هَذِهِ الأرْضِ، وَبِأيدِيكُمْ عُنفٌ وَجَرِيمَةٌ. هَؤُلَاءِ الأشرَارُ ضَلُّوا مُنْذُ مَولِدِهِمْ. وَمُنذُ طُفُولَتِهِمْ كَاذِبُونَ. غَضَبُهُمْ كَسُمِّ الأفعَى. وَلَا يَسْمَعُونَ صَوْتَ الحَقِّ، كَمَا لَا تَسْمَعُ الأفعَى السَّامَّةُ صَوْتَ الحَاوِي. بِمَهَارَةٍ يُعِدُّونَ مَكَائِدَهُمْ. كَسِّرْ أسنَانَهُمْ فِي أفوَاهِهِمْ يَا اللهُ ! وَاقلَعْ أنيَابَ الأُسُودِ مِنْهَا. لِتَذُبْ قُوَّتُهُمْ كَالمَاءِ الَّذِي يَمْضِي فِي طَرِيقِهِ. وَلْيُدَاسُوا كَعُشبٍ ذَابِلٍ. لَيتَهُمْ يَخْتَفُونَ كَحَلَزَونٍ يَذُوبُ كُلَّمَا تَحَرَّكَ حَتَّى يَخْتَفِيَ. لَيتَهُمْ كَجَنِينٍ مَيِّتٍ لَمْ يَرَ ضَوْءَ الشَّمْسِ. لَيتَهُمْ يَصِيرُونَ كَالأشوَاكِ. بَعْضُهَا يَحْتَرِقُ، وَبَعْضُهَا يَنْتَظِرُ. تُطَيِّرُهَا الرِّيحُ قَبْلَ أنْ تَلْمِسَ النَّارَ. لَيْتَ الصَّالِحِينَ يَفْرَحُونَ، إذْ يَرَوْنَ مُكَافأتَهُمْ. لَيتَهُمْ يَدُوسُونَ الأشرَارَ. وَلَيْتَ النَّاسَ يَقُولُونَ: «حَقًّا إنَّ الصَّالِحِينَ يُكَافَأُونَ. حَقًّا يُوجَدُ إلَهٌ يَحْكُمُ هَذَا الكَونَ.» إلَهِي، خَلِّصْنِي مِنْ أعْدَائِي! انْصُرْنِي عَلَى الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَيَّ. مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ أنقِذْنِي. وَمِنَ القَتَلَةِ نَجِّنِي. يُرِيدُونَ قَتلِي. وَرِجَالٌ أشِدَّاءُ يُثِيرُونَ مَتَاعِبَ ضِدِّي. وَأنَا لَمْ أفعَلْ إثمًا، وَلَمْ أرتَكِبْ خَطِيَّةً، يَا اللهُ ! لَمْ أُخطِئْ، غَيْرَ أنَّهُمُ اندَفَعُوا نَحوِي، استَعَدُّوا لِمُحَارَبَتِي. قُمْ وَتَعَالَ إلَى عَونِي! انْظُرْ مَا يَجْرِي. وَالْآنَ يَا اللهُ ، أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ، أنْتَ إلَهُ إسْرَائِيلَ. فَانْهَضْ وَحَاسِبْ هَذِهِ الشُّعُوبَ. وَلَا تُظهِرْ رَحْمَةً لِلغَادِرِينَ. بِالخَفَاءِ يَأْتُونَ إلَى هُنَا مَسَاءً، وَيَنْبَحُونَ كَزَمجَرَةِ كِلَابٍ تَهِيمُ فِي طُرُقَاتِ المَدِينَةِ. اسْمَعهُمْ وَهُمْ يُطلِقُونَ إهَانَاتِهِمْ نُبَاحًا، وَكَأنَّ ألسِنَتَهُمْ سُيُوفٌ. وَيَقُولُونَ لِأنفُسِهِمْ: «مَنْ يَسْمَعُ؟» لَكِنَّكْ تَضْحَكُ عَلَيْهِمْ يَا اللهُ ، تَسْخَرُ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ. وَسَأُرَنِّمُ لَكَ يَا اللهُ تَرَانِيمِي، لِأنَّكَ قُوَّتِي، حِصْنِي المُرْتَفِعُ! اللهُ يُحِبُّنِي وَيَتَقَدَّمُنِي فِي المَعْرَكَةِ. وَسَيُرِينِي نَصرًا عَلَى أعْدَائِي. لَا تَكْتَفِ بِقَتلِهِمْ، وَإلَّا نَسِيَ شَعْبِي مَنْ نَصَرَهُ. شَتِّتْهُمْ بِقُوَّتِكَ يَا رَبَّنَا وَتُرسَنَا. قَالُوا عَنْكَ كَذِبًا وَلَعَنُونَا فَأخطَأُوا. فَعَاقِبْهُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ نَفْسِهَا! وَلْيَكُنْ كِبرِيَاؤُهُمْ فَخًّا لَهُمْ! أهْلِكْهُمْ فِي غَضَبِكَ! أهْلِكْهُمْ إلَى أنْ يَفْنَوْا إلَى الأبَدِ! عِنْدَئِذٍ سَيَعْلَمُ النَّاسُ أنَّ اللهَ هُوَ الحَاكِمُ فِي إسْرَائِيلَ. سَيَعُودُ هَؤُلَاءِ عِنْدَ المَسَاءِ خِفيَةً، وَسَيَنْبَحُونَ كَزُمرَةِ كِلَابٍ تَهِيمُ فِي شَوَارِعِ المَدِينَةِ. يَطُوفُونَ بَحَثًا عَنْ طَعَامٍ، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا لَا طَعَامًا وَلَا مَكَانًا لِلمَبِيتِ. أمَّا أنَا فَأُغَنِّي لِقُوَّتِكَ، وَأُرَنِّمُ فِي الصَّبَاحِ لِمَحَبَّتِكَ، فَأنْتَ حِصْنِي المُرْتَفِعُ. أنْتَ مَلْجَأي فِي يَوْمِ ضِيقِي. يَا قُوَّتِي لَكَ سَأُرَنِّمُ، لِأنَّكَ حِصْنِي المُرْتَفِعُ، لِأنَّكَ إلَهِي المُحِبُّ. غَضِبْتَ مِنَّا يَا اللهُ. رَفَضْتَنَا وَضَرَبْتَنَا بِقُوَّةٍ. فَأعِدْ عَافِيَتَنَا إلَينَا. أنْتَ زَلزَلتَ الأرْضَ وَشَقَّقْتَهَا تَحْتَنَا. فَأصلِحْهَا لِأنَّهَا تَتَهَاوَى! أعْطَيْتَ شَعْبَكَ مَتَاعِبَ كَثِيرَةً، وَنَحْنُ كَالسُّكَارَى نَتَرَنَّحُ مِنْ تَأْثِيرِهَا. أعْطَيْتَ لِخَائِفِيكَ رَايَةً لِيَلْتَفُّوا حَوْلَهَا ضِدَّ العَدُوِّ. خَلِّصْنِي بِيَمِينِكَ، استَجِبْ لِصَلَاتِي وَخَلِّصِ الَّذِينَ تُحِبُّهُمْ. قَالَ اللهُ فِي هَيْكَلِهِ: «سَأربَحُ المَعرَكَةَ وَأبتَهِجُ! سَأُعْطِي شَكِيمَ حِصَّةً لِمَنْ أُرِيدُ، وَسَأُقَسِّمُ وَادِي سُكُّوتَ. لِي سَتَكُونُ جِلعَادُ، وَكَذَلِكَ مَنَسَّى. أفْرَايِمُ خُوذَتِي، وَيَهُوذَا صَولَجَانُ مُلْكِي. مُوآبُ مِغسَلَةُ قَدَمَيَّ، وَأُدُومُ حَيْثُ أخلَعُ حِذَائِي. وَفِي فِلِسْطِيَةَ يُدَوِّي هُتَافُ انتِصَارِي.» لَكِنِّي أقُولُ، مَنْ سَيَأْخُذُنِي إلَى المَدِينَةِ المُحَصَّنَةِ؟ مَنْ سَيَقُودُنِي إلَى أدُومَ؟ ألَسْتَ أنْتَ مَنْ هَجَرتَنَا، يَا اللهُ؟ ألَسْتَ تَرْفُضُ الخُرُوجَ إلَى المَعْرَكَةِ مَعَ جُيُوشِنَا؟ أعِنَّا فَنَتَخَلَّصَ مِنَ العَدُوِّ! فَعَونُ البَشَرِ بِلَا فَائِدَةٍ! أمَّا بِعَونِ اللهِ فَنَنتَصِرُ. إذْ هُوَ يَدُوسُ أعْدَاءَنَا. إلَهِي، اسْمَعْ صَرخَتِي. وَإلَى صَلَاتِي انتَبِهْ. حَيْثُمَا كُنْتُ وَحِينَمَا أضعُفُ، بِكَ أستَنْجِدُ! فَقُدنِي إلَى قَلعَةٍ أعْلَى مِنِّي. لِأنَّكَ أنْتَ قَلعَتِي المُرْتَفِعَةُ! وَأنْتَ بُرجِي المَنِيعُ فِي وَجْهِ أعْدَائِي! أُرِيدُ أنْ أسكُنَ فِي خَيْمَتِكَ إلَى الأبَدِ، مُحتَمِيًا تَحْتَ جَنَاحَيكَ. لِأنَّكَ نَظَرتَ إلَى نُذُورِي يَا اللهُ. وَأعْطَيْتَنِي مِيرَاثَ خَائِفِيكَ. لَيتَكَ تُطِيلُ عُمْرَ المَلِكِ، فَيَعِيشَ عَبْرَ الأجيَالِ الآتِيَةِ. لَيتَهُ يُتَوَّجُ إلَى الأبَدِ فِي حَضْرَةِ اللهِ، تَحْمِيهِ رَحمَتُكَ وَأمَانَتُكَ. سَأُرَنِّمُ تَرَانِيمَ إكرَامًا لِاسْمِكَ إلَى الأبَدِ، وَأُوفِي نُذُورِي يَومًا فَيَومًا! انتَظِرِي يَا نَفْسِي اللهَ، فَمِنهُ يَأْتِي خَلَاصِي! هُوَ حِصْنِي وَمُخَلِّصِي! هُوَ قَلعَتِي المُرْتَفِعَةُ. فَلَا تَهُزُّنِي كَثْرَةُ أعْدَائِي! إلَى مَتَى تُواصِلُونَ الهُجُومَ عَلَيَّ؟ إلَى أنْ تَهْدِمُونِي كَحَائِطٍ مَائِلٍ؟ رُغْمَ كَرَامَتِي، يَتَآمَرُونَ لِتَدْمِيرِي، مَسرُورِينَ بِأكَاذِيبِهِمْ. أمَامَ النَّاسِ يَمْدَحُونَنِي، ثُمَّ يَلْعَنُونَنِي فِي قُلُوبِهِمْ. انتَظِرِي يَا نَفْسِي اللهَ، فَمِنهُ يَأْتِي رَجَائِي. هُوَ حِصنِي وَمُخَلِّصِي! هُوَ قَلعَتِي المُرْتَفِعَةُ فَلَا أُخْزَى! عَلَى اللهِ تَعْتَمِدُ كَرَامَتِي وَخَلَاصِي. هُوَ حِصنِي وَقَلعَتِي المُرْتَفِعَةُ. ثِقُوا بِهِ أيُّهَا البَشَرُ. اسكُبُوا قُلُوبَكُمْ أمَامَهُ. اللهُ هُوَ مَلجَأُنَا. لَكِنَّ البَشَرَ بُخَارٌ لَا أكْثَرَ. مَا هُمْ إلَّا نَسْمَةٌ عَابِرَةٌ. وَفِي المَوَازِينِ لَا يَزِنُونَ أكْثَرَ مِنْ بُخَارٍ. لَا تَتَّكِلُوا عَلَى الِانْتِزَاعِ مِنَ الآخَرِينَ، وَلَا تَضَعُوا آمَالًا كَاذِبَةً فِي السَّرِقَةِ. وَإذَا زَادَتْ ثَروَتُكُمْ، لَا تَسْمَحُوا بِأنْ تَتَعَلَّقَ قُلُوبُكُمْ بِالثَّرْوَةِ. حِينَ تَكَلَّمَ اللهُ مَرَّةً، فَهِمْتُ هَذَينِ الأمْرَينِ: «أنَّ القُوَّةَ للهِ، وَأنَّ الرَّحمَةَ لَكَ يَا رَبُّ.» أنْتَ تُجَازِي الجَمِيعَ بِحَسَبِ أعْمَالِهِمْ. إلَهِي أنْتَ يَا اللهُ. إلَيْكَ أشتَاقُ. عَطشَانٌ إلَيْكَ أنَا جَسَدًا وَرُوحًا، وَكَأنَّنِي فِي أرْضٍ جَافَّةٍ قَاحِلَةٍ لَا مَاءَ فِيهَا. هَكَذَا شَعَرتُ حِينَ رَأيْتُكَ فِي هَيْكَلِكَ. حَيْثُ رَأيْتُ قُوَّتَكَ وَمَجْدَكَ! رَحمَتُكَ أفْضَلُ مِنَ الحَيَاةِ نَفْسِهَا. تَشتَاقُ شَفَتَايَ إلَى تَسْبِيحِكَ. بِحَيَاتِي سَأُبَارِكُكَ، وَبِاسْمِكَ أرْفَعُ يَدَيَّ طَالِبًا البَرَكَةَ. شَبعَانٌ أنَا، كَأنِّي تَنَاوَلتُ دَسَمًا كَثِيرًا! وَبِشَفَتَيْنِ فَرِحَتَيْنِ أُسَبِّحُكَ! سَأذكُرُكَ عَلَى فِرَاشِي. وَفِي مُنْتَصَفِ اللَّيلِ سَأُفَكِّرُ بِكَ، لِأنَّكَ أعَنتَنِي، وَأنَا ابتَهَجتُ فِي ظِلِّ جَنَاحَيكَ. بِكَ تَتَعَلَّقُ رُوحِي، وَبِيَمِينِكَ تُثَبِّتُنِي. أمَّا السَّاعُونَ إلَى إهلَاكِ نَفْسِي، فَسَيُرسَلُونَ إلَى أعْمَاقِ الأرْضِ. بِالسُّيُوفِ سَيُقتَلُونَ. وَسَتَأْكُلُهُمُ الثَّعَالِبُ. أمَّا المَلِكُ، فَبِاللهِ سَيَفْرَحُ. وَكُلُّ مَنْ أقْسَمَ عَلَى الوَلَاءِ لَهُ، سَيُسَبِّحُ اللهَ! لِأنَّ الأفوَاهَ الكَاذِبَةَ سَتُسَدُّ. اسْمَعنِي يَا اللهُ عِنْدَمَا أتَكَلَّمُ! احمِنِي مِنْ تَهْدِيدَاتِ عَدُوِّي. خَبِّئنِي مِنْ مُؤَامَرَاتِ الأشْرَارِ. وَمِنْ مَكَائِدِهِمِ احفَظنِي. ألسِنَتُهُمْ مَاضِيَةٌ كَالسُّيُوفِ. وَكَلِمَاتُهُمُ الحَاقِدَةُ كَالقَوسِ المُعَدَّةِ لِلإطلَاقِ. وَفَجْأةً وَدُونَ خِشيَةٍ، يُطلِقُونَ السَّهمَ مِنْ مَخبَإهِمْ. وَيُصِيبُونَ الإنْسَانَ المُسْتَقِيمَ. بِكَلِمَاتٍ شِرِّيرَةٍ يُشَجِّعُونَ أحَدُهُمُ الآخَرَ. يَتَحَدَّثُونَ عَنْ نَصبِ المَصَائِدِ. وَيَقُولُونَ: «لَنْ يَرَاهَا أحَدٌ!» أخْفَوْا مَصَائِدَهُمُ المُحكَمَةَ. وَهُمْ يَبْحَثُونَ عَنْ ضَحَايَا. دَوَاخِلُ الإنْسَانِ عَمِيقَةٌ، وَكَذَلِكَ قَلْبُهُ. غَيْرَ أنَّ اللهَ أيْضًا يَرْمِي سِهَامَهُ! فَيَضْرِبُ الأعْدَاءَ فَجْأةً. يَقْدِرُ أنْ يُوقِعَهُمْ فِي مَصَائِدِهِمْ وَخُطَطِهِمْ. كُلُّ مَنْ يَرَاهُمْ يَهُزُّ رَأسَهُ مُتَعَجِّبًا. ثُمَّ يَرَى الجَمِيعُ مَا حَدَثَ، وَيُخبِرُونَ بِمَا صَنَعَ اللهُ. وَيُعَلِّمُونَ الآخَرِينَ عَنْ أعْمَالِهِ العَظِيمَةِ. لِيَبْتَهِجِ البَارُّ بِاللهِ ، وَلْيَحْتَمِ بِهِ. لِيَتَهَلَّلْ ذُو القَلْبِ المُسْتَقِيمِ. عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ تَنَالُ مَا تَسْتَحِقُّ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتُوفَى لَكَ النُّذُورُ. هُنَاكَ سَيَأْتِي أمَامَكَ كُلُّ إنْسَانٍ، يَا مَنْ تَسْمَعُ الصَّلَوَاتِ! إثمُنَا يَغْمُرُنَا، لَكِنَّكَ أنْتَ تُغَطِّي خَطَايَانَا وَتَغْفِرُهَا. هَنيئًا لِمَنْ تَختَارُهُ لِلِاقتِرَابِ إلَيْكَ وَالسُّكنَى فِي سَاحَاتِ بَيْتِكَ، لِأنَّهُ سَيَشْبَعُ مِنْ أطَايِبِ هَيْكَلِكَ المُقَدَّسِ. أنَتَ تُخَلِّصُنَا يَا إلَهَنَا، تَسْتَجِيبُ لَنَا، وَبِقُوَّةٍ مُهِيبَةٍ تَنْصُرُنَا. عَلَيْكَ يَعْتَمِدُ كُلُّ بَشَرٍ فِي الأرَاضِي البَعِيدَةِ وَفِي البِحَارِ النَّائِيَةِ. يَلبَسُ اللهُ القُدرَةَ. يُثَبِّتُ الجِبَالَ بِقُوَّتِهِ. يُهَدِّئُ البِحَارَ الهَائِجَةَ، وَالأموَاجَ المُضطَرِبَةَ، وَالشُّعُوبَ الثَّائِرَةَ. آيَاتُكَ تُوقِعُ الهَيبَةَ فِي النَّاسِ فِي البِلَادِ البَعِيدَةِ. وَأنْتَ تُدهِشُ السَّاكِنِينَ فِي أقَاصِي الشَّرقِ وَالغَربِ. تَعْتَنِي بِالأرْضِ وَتَسْقِيهَا. تَجْعَلُهَا خَصْبَةً وَمُثْمِرَةً. أنْهَارُ اللهِ مَلآنَةٌ مَاءً، تُهَيِّئُ الأرْضَ وَتَزِيدُ قَمْحَهَا وَغِلَالَهَا. أنْتَ تُرَطِّبُ حُقُولَهَا. الأمطَارُ الخَفِيفَةُ تُمَهِّدُ تُربَتَهَا وَتُنَعِّمُهَا. وَأنْتَ تُبَارِكُ نَبَاتَاتِهَا وَغَلَّاتِهَا. تُكَلِّلُ السَّنَةَ بِخَيرِكَ الوَفِيرِ، وَتَملأُ عَرَبَاتِكَ بِغَلَّةٍ عَظِيمَةٍ. تَفِيضُ المَرَاعِي دَسَمًا كَثِيرًا. وَالتِّلَالُ المُحِيطَةُ تُعطِي ثَمَرَهَا كَامِلًا. تَكْتَسِي المُرُوجُ بِقُطعَانِ الغَنَمِ. وَبِالحُبُوبِ تَتَغَطَّى الوِديَانُ. تَهْتِفُ وَتُغَنِّي. اهتِفِي تَكْرِيمًا للهِ يَا كُلَّ الأرْضِ. اعزِفُوا تَكْرِيمًا لِاسْمِهِ المَجِيدِ! بِالتَّسبِيحِ كَرِّمُوهُ! قُولُوا للهِ: «مُهِيبَةٌ هِيَ أعْمَالُكَ! حَتَّى أعْدَاؤُكَ يَتَمَلَّقُونَكَ بِتَرَانِيمِ تَسْبِيحٍ كَثِيرَةٍ. تَسْجُدُ لَكَ الأرْضُ كُلُّهَا. لَكَ يُرَنِّمُونَ مَزَامِيرَ. لِاسْمِكَ يُرَنِّمُونَ.» اذْهَبُوا لِتَرَوْا مَا فَعَلَ اللهُ. صَنَعَ أعْمَالًا مُهِيبَةً فَلَا يُقَلِّدُهَا بَشَرٌ. حَوَّلَ البَحْرَ الأحْمَرَ إلَى أرْضٍ يَابِسَةٍ. وَمَشَى شَعْبُهُ عَبْرَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ عَلَى أقْدَامِهِمْ. وَهُنَاكَ ابتَهَجُوا بِهِ. بِقُوَّتِهِ يَتَسَيَّدُ عَلَى الأرْضِ إلَى الأبَدِ. بِعَيْنَيْهِ يُرَاقِبُ الشُّعُوبَ. وَالمُتَمَرِّدُونَ عَلَيْهِ لَا ينْجَحُونَ! يَا شُعُوبُ بَارِكُوا إلَهَنَا! عَلُّوا تَسَابِيحَهُ! هُوَ حَفِظَ حَيَاتَنَا، وَلَمْ يَدَعْنَا نَسقُطُ. لَكِنَّكَ امتَحَنتَنَا يَا اللهُ! فِي تَجَارِبَ نَارِيَّةٍ أدخَلْتَنَا، كَمَا يَمْتَحِنُ صَانِعُ الفِضَّةِ فِضَّتَهُ! إلَى مِصيَدَةٍ أدخَلتَنَا. وَرَبَطتَ حِبَالًا عَلَى خَوَاصِرِنَا. مِنْ رُؤُوسِنَا جَرَرْتَنَا وَفِي النَّارِ وَالمَاءِ أجَزْتَنَا. قُدْتَنَا إلَى مَكَانٍ بَدِيعٍ. هَا أنَا آتِي إلَى بَيْتِكَ بِذَبَائِحَ صَاعِدَةٍ لِأُوفِيَ نُذُورِي الَّتِي نَطَقْتُ بِهَا بِشَفَتّيَّ، وَوَعَدْتُ بِهَا فِي ضِيقِي. أُقَدِّمُ لَكَ ذَبَائِحَ صَاعِدَةً سَمينَةً وَبَخُورًا وَكِبَاشًا، ثِيرَانًا وَتُيُوسًا. تَعَالَوْا يَا خَائِفِي اللهَ، وَسَأُخبِرُكُمْ بِمَا صَنَعَ لِي. أنَا دَعَوتُهُ! وَكَلِمَاتُ التَّعظِيمِ عَلَى لِسَانِي. وَأنَا أُدرِكُ أنَّ سَيِّدِي لَنْ يَسْمَعَنِي إذَا رَأيْتُ نَجَاسَةً فِي قَلْبِي وَلَمْ أنزَعْهَا. لَكِنَّ اللهَ بِالفِعْلِ قَدْ سَمِعَ! وَأصغَى إلَى صَلَاتِي! أحمَدُ اللهَ الَّذِي لَمْ يَرُدَّ صَلَاتِي، وَعَنِّي لَمْ يَمْنَعْ رَحْمَتَهُ. يَا اللهُ ارحَمْنَا وَبَارِكْنَا. لَيْتَ وَجْهَكَ يُشرِقُ لَنَا. لَيْتَ طَرِيقَكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ تُعرَفُ. لَيْتَ الشُّعُوبَ كُلَّهَا تَعْرِفُ قُوَّةَ خَلَاصِكَ. لَيْتَ النَّاسَ يُسَبِّحُونَكَ يَا اللهُ. لَيْتَ كُلَّ النَّاسِ يُسَبِّحُونَكَ. يَنْبَغِي أنْ تَفْرَحَ كُلُّ الشُّعُوبِ. لِأنَّكَ بِالإنصَافِ تَحْكُمُ البَشَرَ، وَأنْتَ مَنْ يُرْشِدُهَا فِي الأرْضِ. لِيُسَبِّحْكَ الشَّعْبُ يَا اللهُ. لِيُسَبِّحْكَ كُلُّ البَشَرِ. أعْطِ الأرْضَ غَلَّتَهَا الوَفِيرَةَ. فَاللهُ إلَهُنَا، يُبَارِكُنَا دَائِمًا. اللهُ يُبَارِكُنَا، وَعَلَى البَشَرِ فِي البِلَادِ البَعِيدَةِ أنْ يَخْشَوْهُ. لَيْتَ اللهَ يَقُومُ، وَأعْدَاؤُهُ يَتَشَتَّتُونَ. وَلَيْتَ كُلَّ مُقَاوِمِيهِ يَهْرُبُونَ مِنْ أمَامِهِ! لَيْتَ الأشرَارَ يَخْتَفُونَ مِنْ حَضْرَةِ اللهِ، كَمَا يَتَفَرَّقُ الدُّخَانُ الخَارِجُ مِنَ النَّارِ، وَكَمَا يَذُوبُ الشَّمعُ أمَامَهَا. وَلَيْتَ الصَّالِحِينَ يَبْتَهِجُونَ فِي حَضْرَةِ اللهِ. لَيتَهُمْ يَطِيرُونَ فَرَحًا! غَنُّوا للهِ، سَبِّحُوا اسْمَهُ بِالتَّرنِيمِ. هَيِّئُوا الطَّرِيقَ لِلرَّاكِبِ عَبْرَ الصَّحرَاءِ. ابتَهِجُوا أمَامَ مَنِ اسْمُهُ يَاه. اللهُ فِي مَسْكَنِهِ المُقَدَّسِ هُوَ أبٌ لِمَنْ لَيْسَ لَهُمْ أبٌ، وَحَامِي الأرَامِلِ. يُسْكِنُ اللهُ المُتَوَحِّدِينَ فِي بَيْتٍ. أمَّا المُتَمَرِّدُونَ فَفِي أرْضٍ نَاشِفَةٍ يَسْكُنُونَ. لَمَّا مَضَيتَ أمَامَ شَعْبِكَ، وَخَرَجتَ إلَى الصَّحرَاءِ. وَأمطَرَتِ السَّمَاءُ حِمَمًا أمَامَ اللهِ، اهتَزَّتْ وَذَابَتْ سِينَاءُ نَفْسُهَا أمَامَ إلَهِ إسْرَائِيلَ! أرسَلْتَ مَطَرًا غِزِيرًا يَا اللهُ، وَأصلَحْتَ أرْضَكَ المُنْهَكَةَ. هُنَاكَ استَقَرَّتْ قُطعَانُكَ. وَأنْتَ هَيَّأتَ الأرْضَ بِبَرَكَاتٍ كَثِيرَةٍ لِلمَسَاكِينِ. سَيِّدِي يَأْمُرُ، وَجَيْشٌ عَظِيمٌ مِنَ النَّاسِ يَنْشُرُ الأخْبَارَ: «المُلُوكُ الأقوِيَاءُ وَجُيُوشُهُمْ فَرُّوا! وَالمَرْأةُ الَّتِي لَزِمَتْ بَيتَهَا لَهَا نَصِيبٌ مِنَ الغَنَائِمِ. وَالَّذِينَ بَقُوا لِرِعَايَةِ الأغْنَامِ فِي الحَظَائِرِ، لَهُمْ ثَروَةٌ خُرَافِيَّةٌ. لَهُمْ أجنِحَةُ يَمَامٍ مُغَشَّاةٌ بِالفِضَّةِ، وَرِيشٌ مِنْ ذَهَبٍ!» فَرَّقَ اللهُ القَدِيرُ المُلُوكَ كَالثَّلجِ النَّازِلِ عَلَى جَبَلِ صَلْمُونَ. يَا جَبَلَ بَاشَانَ العَظِيمَ، يَا جَبَلَ بَاشَانَ ذَا القِمَمِ الكَثِيرَةِ! أيُّهَا الجَبَلُ كَثِيرُ القِمَمِ، لِمَاذَا تَحْسِدُ الجَبَلَ الَّذِي اشتَهَاهُ اللهُ مَقَامًا لَهُ، حيثُ يَسْكُنُ اللهُ إلَى الأبَدِ؟ مِنْ سِينَاءَ يأتِي الرَّبُّ إلَى مَسْكَنِهِ المُقَدَّسِ مَعَ مَلَايِينَ مِنْ مَركِبَاتِهِ. قَدْ صَعِدْتَ إلَى الأعَالِي، سَبَيتَ غَنيمَةً، وَأعْطَيْتَ النَّاسَ عَطَايَا. حَتَّى مِنَ المُتَمَرِّدِينَ عَلَيْكَ! صَعِدَ إلَى العَلَاءِ لِيَسْكُنَ. مُبَارَكٌ الرَّبُّ، يُخَفِّفُ أحمَالَنَا كُلَّ يَوْمٍ! اللهُ هُوَ خَلَاصُنَا. لِنُسَبِّحِ اللهَ، فَهُوَ الإلَهُ الَّذِي يُنَجِّينَا. لِنُسَبِّحِ الرَّبَّ الإلَهَ الَّذِي يَمْلِكُ مَنَافِذَ المَوْتِ. سَيَسْحَقُ اللهُ رَأسَ أعْدَائِهِ، الرَّأسَ الكَثِيرَةَ الشَّعرِ لِلسَّالِكِ فِي سُبُلِ الإثْمِ. قَالَ الرَّبُّ: «مِنْ بَاشَانَ وَمِنْ أعْمَاقِ البَحْرِ سَأستَرِدُّ جُثَثَ الأعْدَاءِ، لِكَي تَمْشِيَ بِقَدَمِيكَ وَسَطَ دِمَائِهِمْ، وَتَلْحَسَ كِلَابُكَ نَصيبَهَا مِنْهُمْ.» سَيَرَى الأعْدَاءُ مَوكِبَ نَصرِكَ يَا اللهُ! مَوكِبُ نَصرِ إلَهِي، مَلِكِي، وَهُوَ يَتَقَدَّمُ فِي قَدَاسَةٍ. المُرَنِّمُونَ يَتَقَدَّمُونَ المَوكِبَ وَوَرَاءَهُمُ العَازِفُونَ، تُحِيطُ بِهِمْ فَتَيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفُوفِ. سَبِّحُوا اللهَ يَا شَعْبَهُ فِي الِاجْتِمَاعِ. يَا نَسْلَ إسْرَائِيلَ سَبِّحُوا اللهَ . هَا هُوَ بَنْيَامِينُ الصَّغِيرُ يَتَقَدَمُهُمْ، ثُمَّ زُعَمَاءٌ كَثِيرُونَ مِنْ يَهُوذَا، وَيَلَيهِمْ آخَرُونَ مِنْ زَبُولُونَ وَنَفتَالِي! أظْهِرْ قُوَّتَكَ يَا اللهُ، أظْهِرْ قُوَّتَكَ، يَا اللهُ، كَمَا فَعَلْتَ فِي المَاضِي. يُحْضِرُ مُلُوكُ الأرْضِ هَدِيَّةً إلَى هَيْكَلِكَ فِي القُدْسِ. عَاقِبْ يَا اللهُ قَطِيعَ المُسْتَنْقَعَاتِ! وَبِّخِ الثِّيرَانَ فِي قَطِيعِ الغُرَبَاءِ. اخزِ هَؤُلَاءِ النَّاسَ الَّذِينَ أحَبُّوا الحَرْبَ فَفَرَّقْتَهُمْ. لِيَأْتُوا إلَيْكَ زَحفًا عَلَى الوَحلِ حَامِلِينَ فِضَّتَهُمْ! مِنْ مِصْرٍ سَيَأْتِي حَامِلُو الضَّرَائِبِ، وَيُعَجِّلُ أهْلُ الحَبَشَةِ بِإرسَالِ هَدَايَاهُمْ. غَنُّوا للهِ، يَا مَمَالِكَ الأرْضِ. سَبِّحُوا الرَّبَّ غِنَاءً! غَنُّوا لِلرَّاكِبِ عَلَى أعْلَى السَّمَاوَاتِ القَدِيمَةِ. غَنُّوا لِمَنْ يُرعِدُ بِصَوْتِهِ القَوِيِّ. رَنِّمُوا تَرَانِيمَ تَسْبِيحٍ للهِ، الَّذِي جَلَالُهُ فَوْقَ شَعْبِهِ إسْرَائِيلَ وَقُوَّتُهُ فِي السَّمَاءِ! مَهُوبٌ أنْتَ يَا اللهُ فِي هَيْكَلِكَ المُقَدَّسِ. اللهُ يُعْطِي قُدرَةً وَقُوَّةً لِشَعْبِهِ. تَبَارَكَ اللهُ. يَا اللهُ نَجِّنِي لِأنَّ المَاءَ قَدِ ارتَفَعَ إلَى عُنقِي. فِي الوَحلِ العَمِيقِ أغُوصُ، وَلَيْسَ لِقَدَمَيَّ مَوضِعٌ. دَخَلتُ فِي المِيَاهِ العَمِيقَةِ، وَالتَّيَّارُ يَجْرِفُنِي! مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ تَعِبْتُ. وَحَلقِي يُؤلِمُنِي. تَعِبَتْ مِنَ النَّظَرِ عَيْنَايَ بَيْنَمَا أنَا أنتَظِرُ اللهَ. الَّذِينَ يَبْغِضُونَنِي بِلَا سَبَبٍ أكْثَرُ مِنْ شَعرِ رَأسِي. الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ تَدْمِيرِي كَثِرُوا، وَحَولِي كَذَبُوا. وَالْآنَ لَا بُدَّ أنْ أرُدَّ مَا لَمْ أسرِقْ! ذُنُوبِي مَعرُوفَةٌ لَدَيكَ يَا اللهُ! لَا أقدِرُ أنْ أُخفِيَ عَنْكَ ذَنبِي. أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ، لَا تَدَعْ مَنْ يَرْجُونَكَ يَخْجَلُونَ مِنِّي. يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ، لَا تَدَعْ مَنْ يَطْلُبُونَكَ يَقُولُونَ فِيَّ سُوءًا. وَجْهِي مُغَطَّىً بِالعَارِ، وَأنَا أحتَمِلُ ذَلِكَ مِنْ أجْلِكَ! كَغَرِيبٍ صِرتُ عِنْدَ إخْوَتِي. وَكَأجنَبِيٍّ عِنْدَ أبْنَاءِ أُمِّي. فَقَدْ أكَلَتْنِي الغَيْرَةُ عَلَى بَيْتِكَ، وَإهَانَاتُ الَّذِينَ أهَانُوكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ! حِينَ أبكِي وَأصُومُ للهِ، فَلَا يَكُفُّونَ عَنْ تَحْقِيرِي. ألبَسُ الخَيْشَ حُزْنًا، وَأصِيرُ لَهُمْ أُضحُوكَةً. الَّذِينَ يَجْلِسُونَ عِنْدَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيَّ، وَشَارِبُو الخَمْرِ يُؤَلِّفُونَ عَنِّي أغَانِي. أمَّا أنَا يَا اللهُ ، فَأُصَلِّي لِكَي أحظَى بِرِضَاكَ. فَاسْتَجِبْ لِي بِعَظِيمِ رَحمَتِكَ وَقُوَّةِ خَلَاصِكَ. مِنْ هَذَا الوَحلِ نَجِّنِي، لِئَلَّا أغرَقَ أكْثَرَ! أعِنِّي فَأنجُوَ مِنْ أعْدَائِي، وَمِنَ المِيَاهِ العَمِيقَةِ. حِينَئِذٍ، لَا يَجْرِفُنِي التَّيَّارُ، وَلَا تَبْتَلِعُنِي المِيَاهُ العَمِيقَةُ، وَلَا تُغلِقُ الهَاوِيَةُ فَمَهَا عَلَيَّ! استَجِبْ يَا اللهُ لِي بِرَحمَتِكَ الصَّالِحَةِ. بِعَظِيمِ مَحَبَّتِكَ التَفِتْ إلَيَّ. لَا تَخْتَفِ عَنْ عَبدِكَ! أنَا فِي ضِيقٍ، فَأسرِعْ بِاسْتِجَابَتِكَ! تَعَالَ خَلِّصْنِي! افدِنِي. بِسَبَبِ أعْدَائِي تَعَالَ وَحَرِّرْنِي! عَالِمٌ أنْتَ بِعَارِي وَحَرَجِي وَخِزيِي. وَخُصُومِي أنْتَ تَعْرِفُهُمْ. يُذِلُّنِي هَذَا الخِزيُ، فَأنَا يَائِسٌ! رَجَوْتُ عَطفًا، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَطفٍ. رَجَوْتُ مَنْ يُعَزُّونَنِي، فَمَا وَجَدتُ أحَدًا. لَكِنَّهُمْ دَسُّوا سُمًّا فِي طَعَامِي. وَفِي عَطَشِي أعطُونِي خَلًّا. لِتَكُنْ مَوَائِدُهُمْ مَصَائِدَ لَهُمْ. وَلَيْتَ وَلَائِمَهُمْ لِأصْحَابِهِمْ تَصِيرُ مِصْيَدَةً. لَيْتَ عُيُونَهُمْ تُظلِمُ كَي لَا يُبصِرُوا، وَلَيْتَ ظُهُورَهُمْ تَنْحَنِي بِاسْتِمرَارٍ. اسْكُبْ عَلَيْهِمْ غَضَبَكَ يَا اللهُ، وَلْتُدرِكْهُمْ نَارُكَ! خَرِّبْ بُيُوتَهُمْ! فَلَا يَسْكُنُ فِيهَا أحَدٌ! حَتَّى يَهْرُبُوا عِنْدَمَا أضرِبُهُمْ! وَتَكُونَ لَهُمْ أوجَاعٌ وَجِرَاحٌ لِيَتَحَدَّثُوا عَنْهَا! كَمَا يَسْتَحِقُّونَ عَاقِبْهُمْ! وَبِعَدلِكَ لَا تَقْبَلْهُمْ. امْحُ أسْمَاءَهُمْ مِنْ سِفرِ الحَيَاةِ! وَمَعَ الصَّالِحِينَ لَا تَذْكُرْهَا. أمَّا أنَا فَمِسكِينٌ وَمُتَألِّمٌ. خَلَاصُكَ يَا اللهُ يَرْفَعُنِي. سَأُسَبِّحُ اسْمَ اللهِ غِنَاءً، سَأُمَجِّدُهُ بِتَرَانيمِ التَّسبِيحِ. فَيَفْرَحُ اللهُ بِهَا أكْثَرَ مِنْ ذَبِيحَةِ ثَورٍ كَامِلٍ. يَرَى المَسَاكِينُ هَذَا فَيَفْرَحُونَ، وَتَنْتَعِشُ أروَاحُ عَابِدِي اللهِ. لِأنَّهُمْ سَيَعْرِفُونَ أنَّ اللهَ يَسْتَمِعُ إلَى المَسَاكِينِ، وَلَا يَحْتَقِرُ أسرَاهُ. لِتُسَبِّحِ اللهَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهِمَا. لِأنَّ اللهَ يُخَلِّصُ صِهْيَوْنَ، وَيَبْنِي مُدُنَ يَهُوذَا. لِيَسْكُنَ هُنَاكَ شَعْبُهُ وَيَرِثُوا الأرْضَ. فَيَرِثَهَا نَسْلُ عَبِيدِهِ أيْضًا، وَيَسْكُنَ كُلُّ مُحِبِّي اسْمِهِ هُنَاكَ. لَيتَكَ يَا اللهُ تُنْقِذُنِي! إلَى مَعُونَتِي وَنَجَاتِي أسْرِعْ يَا اللهُ . لَيْتَ السَّاعِينَ إلَى قَتْلِي يَخْجَلُونَ وَيُخْذَلُونَ. لَيْتَ طَالِبِي أذِيَّتِي يَنْدَحِرُونَ خِزْيًا، لَيْتَ المُتَهَكِّمِينَ بِي يَتَرَاجَعُونَ فِي خَجَلِهِمْ، بَيْنَمَا يَبْتَهِجُ وَيَفْرَحُ كُلُّ طَالِبِيكَ، وَيَقُولُ مُحِبُّو خَلَاصِكَ دَائِمًا: «عَظِيمٌ هُوَ اللهُ!» أسْرِعْ يَا اللهُ وَأعِنِّي أنَا المِسْكِينَ. أنْتَ عَونِي وَمُنقِذِي يَا اللهُ ، فَلَا تَتَأخَّرْ. جَعَلْتُ فِيكَ مَلْجَأي يَا اللهُ ، فَلَا تَدَعْنِي أُخزَى. نَجِّنِي بِبِرِّكَ، أمِلْ إلَيَّ أُذُنَكَ وَخَلِّصْنِي! كُنْ صَخَرَةَ مَلْجَأي، أهرُبُ إلَيْهَا دَائِمًا! مُرْ بِخَلَاصِي! لِأنَّكَ أنْتَ صَخرَتِي، وَمَدِينَتِي المُحَصَّنَةُ أنْتَ. نَجِّنِي يَا إلَهِي مِنْ أُنَاسِ السُّوءِ، وَمِنْ قَبضَةِ الأشْرَارِ وَالظَّالِمِينَ القُسَاةِ. لِأنَّكَ أنْتَ رَجَائِي يَا رَبُّ. مُنْذُ شَبَابِي اتَّكَلتُ عَلَيْكَ يَا اللهُ . مُنْذُ وِلَادَتِي وُضِعْتُ تَحْتَ عِنَايَتِكَ. مُنْذُ وُلِدْتُ أعَنْتَنِي. بِفَضْلِكَ أُسَبِّحُ دَائِمًا. صِرْتُ مَثَلًا لِكَثِيرِينَ، لَكِنَّكَ أنْتَ قَلعَتِي القَوِيَّةُ. لَيْتَ فَمِي يَمْتَلِئُ بِتَسْبِيحِكَ وَبِتَمْجِيدِكَ كُلَّ اليَوْمِ. حِينَ أشِيخُ لَا تَرْمِنِي بَعِيدًا. لَا تَتَخَلَّ عَنِّي عِنْدَ ضَيَاعِ قُوَّتِي. أعْدَائِي يَتَآمِرُونَ مَعًا عَلَيَّ، وَالَّذِينَ يَكْمُنُونَ لِقَتلِي يَتَشَاوَرُونَ. قَالُوا: «لَيْسَ مَنْ يُنْقِذُهُ. تَرَكَهُ اللهُ، فَلْنُطَارِدْهُ وَنُمسِكْ بِهِ.» لَا تَبْعُدْ عَنِّي يَا إلَهِي. أسرِعْ إلَى مَعُونَتِي! لَيْتَ أعْدَائِي يُخْزَوْنَ وَيَفْنَوْنَ. لَيْتَ السَّاعِينَ إلَى أذِيَّتِي يَعْرِفُونَ العَارَ وَالخِزيَ إلَى الأبَدِ! لَكِنِّي سَأظَلُّ أنتَظِرُكَ، وَسَأُسَبِّحُكَ أكْثَرَ فَأكثَرَ! يَنْبَغِي أنْ يَذْكُرَ الإنْسَانُ دَومًا أعْمَالَكَ الصَّالِحَةَ. وَيُخبِرَ بِصَنَائِعِ خَلَاصِكَ، لِأنِّي لَا أعْرِفُ لَهَا عَدَدًا. سَأُخبِرُ بِجَبَرُوتِكَ أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، وَسَأُذَكِّرُ بِرَّكَ وَحْدَكَ! مُنْذُ شَبَابِي دَرَّبْتَنِي يَا اللهُ. وَأنَا إلَى الآنَ أُخْبِرُ بِصَنَائِعِكَ العَجِيبَةِ. فَلَا تَتَخَلَّ عَنِّي يَا اللهُ فِي شَيخُوخَتِي، لِكَي أُخبِرَ الجِيلَ الآتِيَ بِقُوَّتِكَ! عَظِيمَةٌ وَمُرْتَفِعَةٌ أعْمَالُكَ الصَّالِحَةُ يَا اللهُ، تَصِلُ إلَى أعْلَى السَّمَاوَاتِ الَّتِي أنْتَ بِنَفْسِكَ صَنَعتَهَا. لَا مِثْلَ لَكَ يَا اللهُ! أنْتَ أرَيتَنَا كُلَّ هَذِهِ الضِّيقَاتِ وَالمَصَائِبِ. يَا رَبُّ عُدْ وَأحْيِنِي. عُدْ، وَمِنْ أعْمَاقِ الأرْضِ انْشِلْنِي. زِدْ أعْمَالَكَ القَوِيَّةَ الكَثِيرَةَ، التَفِتْ إلَيَّ وَعَزِّنِي. عِنْدَ ذَلِكَ سَأعزِفُ عَلَى القِيثَارِ وَأُسَبِّحُكَ عَلَى أمَانَتِكَ. عَلَى العُودِ سَأُرَنِّمُ تَسَابِيحَكَ، يَا قُدُّوسَ إسْرَائِيلَ. أنقَذتَ نَفْسِي، لِهَذَا تَبْتَهِجُ وَتُرَنِّمُ شَفَتَايَ تَسَابِيحَكَ! وَلِسَانِي سَيُعلِنُ أعْمَالَكَ الصَّالِحَةَ طُولَ اليَوْمِ. لِأنَّ الَّذِينَ سَعَوْا إلَى أذِيَّتِي هُمُ الَّذِينَ خَزُوا وَخَجِلُوا. أعْطِ يَا اللهَ حُكمًا سَدِيدًا لِلمَلِكِ. وَلِابنِ المَلِكِ أعْطِ العَدْلَ وَالإنصَافَ. لِكَي يَحْكُمَ المَلِكُ شَعْبَكَ بِالإنْصَافِ وَيَقْضِي بِالعَدْلِ لِلمَسَاكِينِ. لِكَي تُثمِرَ الجِبَالُ سَلَامًا، وَالتِّلَالُ أعْمَالَ خَيرٍ. لِكَي يُنْصِفَ المَلِكُ المَسَاكِينَ وَيُغِيثَ المُحتَاجَ وَيُعَاقِبَ الظَّالِمِينَ. لِكَي يَخَافَكَ وَيَتَّقِيكَ البَشَرُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ طَالَمَا وُجِدَتْ شَمسٌ وَكَانَ قَمَرٌ! وَلِيَكُنِ المَلِكُ كَالنَّدَى عَلَى عُشْبِ الحَقْلِ. وَكَالمَطَرِ النَّازِلِ عَلَى الأرْضِ. لِيَزْدَهِرِ الإنْسَانُ المُسْتَقِيمُ فِي حَيَاتِهِ، وَلِيَزْدَهِرْ سَلَامُهُ إلَى الأبَدِ. لِيَمْتَدَّ مُلْكُهُ مِنَ البَحْرِ إلَى البَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إلَى أقَاصِي الأرْضِ. لِيَنْحَنِ لَهُ أعْدَاؤُهُ، سُكَّانُ الصَّحرَاءِ، وَلْيَلْحَسُوا تُرَابَ قَدَمَيهِ. لِيَأْتِهِ مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالسَّوَاحِلِ بِهَدَايَا، وَلِيُقَدِّمْ لَهُ مُلُوكُ شَبَا وَسَبأ ضَرِيبَةً. لِيَنْحَنِ خُضُوعًا لَهُ كُلُّ المُلُوكِ، وَلِتَخْدِمْهُ كُلُّ الشُّعُوبِ. لِأنَّهُ يُنْقِذُ المَسَاكِينَ وَالمُحتَاجِينَ المُسْتَغِيثِينَ، الَّذِينَ لَا مُنقِذَ لَهُمْ. عَلَى المَسَاكِينَ وَالبَائِسِينَ يَتَحَنَّنُ المَلِكُ، وَيُخَلِّصُ حَيَاةَ العَاجِزِينَ المُحتَاجِينَ. مِنَ المَكَائِدِ الخَبِيثَةِ وَالبَطشِ يَفْدِي نُفُوسَهُمْ. فَحَيَاتُهُمْ ثَمِينَةٌ لَدَيهِ. لَيْتَ عُمرَ المَلِكِ يَطُولُ وَيَكُونَ ذَهَبُ شَبَا مِنْ نَصِيبِهِ. لَيْتَ النَّاسَ يُصَلُّونَ لِأجْلِهِ وَيُبَارِكُونَهُ دَائِمًا. لَيْتَ حُقُولَ الحُبُوبِ تُغَطِّي رُؤُوسَ الجِبَالِ! لَيْتَ ثَمَرَهَا يَكْبُرُ كَأرْزِ لُبْنَانَ، وَيَطْلُعُ مِنَ المُدُنِ كَالعُشبِ فِي الحُقُولِ. لَيْتَ اسْمَهُ يَدُومُ إلَى الأبَدِ، وَيَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ تَحْتَ الشَّمْسِ. لَيْتَ الأُمَمَ بِاسْمِهِ تَتَبَارَكُ، وَيَطْلُبُونَ لَهُ البَرَكَةَ. لِيَتَبَارَكِ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ الَّذِي وَحْدَهُ يَصْنَعُ العَجَائِبَ! لِيَتَبَارَكِ اسْمُهُ المَجِيدُ إلَى الأبَدِ، وَلْيَملأ مَجْدُهُ كُلَّ الأرْضِ. آمِينَ ثُمَّ آمِينَ. بِهَذَا تَنْتَهِي صَلَوَاتُ دَاوُدَ بْنِ يَسَّى. صَالِحٌ هُوَ اللهُ لِإسْرَائِيلَ، لِأنقِيَاءِ القُلُوبِ وَالدَّوَافِعِ. لَكِنِّي كِدْتُ أزِلُّ وَأتَوَقَّفُ عَنِ اتِّبَاعِهِ. لِأنِّي رَأيْتُ حَالَ الأشْرَارِ الحَسَنِ، وَغِرتُ مِنْ أُولَئِكَ النَّاسِ المُتَغَطرِسِينَ. فَمَا مِنْ ألَمٍ يُزْعِجُهُمْ طَوَالَ حَيَاتِهِمْ، وَصِحَّتُهُمْ مُمتَازَةٌ. لَا يُضطَرُّونَ إلَى الكِفَاحِ كَبَقِيَّةِ النَّاسِ، وَلَا يُشَارِكُونَهُمْ ضِيقَاتِهِمْ. وَلِهَذَا يَعْرِضُونَ كِبرِيَاءَهُمْ كَقِلَادَةٍ، وَقَسَاوَتَهُمْ كَرِدَاءٍ يَلُفُّونَهُ حَوْلَهُمْ. يُرِيدُونَ المَزِيدَ دَائِمًا وَيَحْصُلُونَ عَلَيْهِ. وَدَائِمًا يُدَبِّرُونَ المَكَائِدَ لِلحُصُولِ عَلَيْهِ. بِالنَّاسِ يَسْتَهْزِئُونَ وَلِلشَّرِّ يُخَطِّطُونَ. وَمِنْ عَليَائِهِمْ يَرْسُمُونَ طُرُقًا لِظُلمِ الآخَرِينَ. يَتَحَدَّثُونَ وَكَأنَّهُمْ آلِهَةٌ. لِذَلِكَ، حَتَّى شَعْبُ اللهِ يَلْجَأُ إلَيْهِمْ طَلَبًا لِلعَونِ، وَيَقْبَلُ كُلَّ مَا يَقُولُونَهُ. يَقُولُ أُولَئِكَ المُتَكَبِّرُونَ: «لَا يَعْرِفُ اللهُ مَا نَحْنُ نَفعَلُهُ.» هَا أُولَئِكَ أشرَارٌ، لَكِنَّهُمْ أغنِيَاءٌ وَيَزدَادُونَ غِنىً! فَلِمَاذَا أظَلُّ مُخْلِصًا للهِ؟ وَلِمَاذَا أُبْقِي نَفْسِي طَاهِرَةً؟ لِمَاذَا أُعَانِي الوَقْتَ كُلَّهُ؟ وَلِمَاذَا أحْتَمِلُ التَّأنِيبَ كُلَّ صَبَاحٍ؟ لَكِنْ لَوْ قَرَّرتُ أنْ أتَحَدَّثَ هَكَذَا، لَكُنْتُ قَدْ خُنْتُ شَعْبَكَ. جَاهِدًا حَاوَلتُ أنْ أفهَمَ هَذِهِ الأُمُورَ، لَكِنَّ فَهمَهَا صَعبٌ كَثِيرًا عَلَيَّ. استَصْعَبْتُ فَهمَهَا إلَى أنْ دَخَلْتُ هَيْكَلَكَ. عِنْدَئِذٍ فَهِمتُ أخِيرًا! أنْتَ وَضَعتَهُمْ يَا اللهُ فِي وَضعٍ خَطِرٍ! وَأعدَدْتَهُمْ لِسُقُوطِهِمْ. وَذَاتَ يَوْمٍ سَيَسْقُطُونَ دُونَ سَابِقِ إنذَارٍ. أهوَالٌ سَتُصِيبُهُمْ فَيَنْتَهِي أمرُهُمْ! سَيَكُونُ هَؤُلَاءِ يَا رَبُّ كَحُلمٍ نَنسَاهُ عِنْدَ الصَّحوِ! سَيَكُونُونَ مُرعِبِينَ كَالوُحُوشِ لَكِنْ فِي كَوَابِيسِنَا. عِنْدَمَا حَزِنتُ وَانزَعَجْتُ وَأنَا أُفَكِّرُ فِي أُولَئِكَ الأغبِيَاءِ الأشْرَارِ. كُنْتُ غَبِيًّا حَقًّا عِنْدَكَ، غَبِيًّا كَالثَّورِ! لَكِنَّنِي بَقِيتُ عَلَى الدَّوَامِ مَعَكَ! وَأنْتَ تُمسِكُ بِيَدِي. بِنَصَائِحِكَ تَقُودُنِي. وَإلَى المَجْدِ سَتَأْخُذُنِي. لَيْسَ لِي فِي السَّمَاءِ سِوَاكَ، وَلَا أُرِيدُ عَلَى الأرْضِ غَيْرَكَ. قَدْ يَضْعُفُ جَسَدِي وَعَقلِي، لَكِنَّ اللهَ هُوَ قُوَّتِي وَهَوَ حِصَّتِي إلَى الأبَدِ! لَكِنَّ البَعِيدِينَ عَنْكَ سَيُبَادُونَ. وَسَتُهلِكُ غَيْرَ المُخْلِصِينَ لَكَ. أمَّا أنَا فَيَطِيبُ لِي قُربُكَ. فِي الرَّبِّ الإلَهِ وَضَعتُ ثِقَتِي، وَسَأخبِرُ بِكُلِّ صَنَائِعِكَ! لِمَاذَا أدَرْتَ ظَهرَكَ يَا اللهُ لَنَا هَذِهِ الفَترَةَ الطَّوِيلَةَ؟ لِمَاذَا اتَّقَدَ غَضَبُكَ عَلَى رَعِيَّتِكَ؟ اذْكُرِ النَّاسَ الَّذِينَ اشتَرَيتَهُمْ مُنْذُ القَدِيمِ! اذْكُرِ النَّاسَ الَّذِينَ فَدَيتَهُمْ وَامتَلَكتَهُمْ! اذْكُرْ جَبَلَ صِهْيَوْنَ. حَيْثُ تسكُنُ! فَامشِ عَبْرَ الآثَارِ القَدِيمَةِ. وَارجِعْ إلَى الهَيْكَلِ الَّذِي حَطَّمَهُ العَدُّوُّ. أطلَقَ العَدُّوُّ صَيحَاتِ الحَرْبِ فِي مَكَانِ اجتِمَاعِكَ المُقَدَّسِ. وَرَفَعُوا أعلَامَهُمْ عَلَامَةً عَلَى انتِصَارِهِمْ. ضَرَبُوهُ مِثْلَ حَطَّابٍ يَرْفَعُ مِعوَلَهُ لِيَقْطَعَ الشُّجَيرَاتِ الكَثِيفَةَ بِفَأسٍ. وَالْآنَ يُحَطِّمُونَ الألوَاحَ الخَشَبِيَّةَ المَنقُوشَةَ بِالبَلطَاتِ وَالمَعَاوِلِ. أحرَقُوا هَيْكَلَكَ وَسَوُّوهُ بِالأرْضِ، وَدَنَّسُوا مَسْكَنَ اسْمِكَ. قَالُوا لِأنْفُسِهِمْ، «لِنَسْحَقْهُمْ جَمِيعًا.» وَحَرَقُوا كُلَّ مَعَابِدِ اللهِ. لَا نَرَى إشَارَاتِ نِيرَانِنَا. مَا عَادَ هُنَاكَ أنْبِيَاءُ! وَلَا نَدرِي مَا الَّذِي يَحْدُثُ! يَا اللهُ، حَتَّى مَتَى سَيَظَلُّ العَدُّوُّ يَهْزَأُ بِكَ؟ هَلْ إلَى الأبَدِ سَيَظَلُّ يُهِينُكَ؟ لِمَاذَا حَجَزتَ قُوَّتَكَ؟ أظْهِرْهَا وَحَطِّمْهُمْ جَمِيعًا! مَلِكِي هُوَ اللهُ مُنْذُ القَدِيمِ! يُخَلِّصُ شَعْبَهُ وَيَنْصُرُهُمْ فِي أرْضِهِ! بِقُوَّتِكَ شَطَرْتَ البَحْرَ الأحْمَرَ. سَحَقتَ رَأسَ وُحُوشِ البَحْرِ الجَبَّارَةِ. هَشَّمتَ رَأسَ لَويَاثَانَ، وَأطعَمْتَ جَسَدَهُ لِلنَّاسِ وَلِوُحُوشِ الأرْضِ. أنْتَ تَجْعَلُ اليَنَابِيعَ وَالأودِيَةَ تَفِيضُ وَتَجْرِي، وَتُجَفِّفُ الأنهَارَ المُندَفِعَةَ. النَّهَارُ وَاللَّيلُ لَكَ كِلَاهُمَا. أنْتَ خَلَقتَ القَمَرَ وَالشَّمْسَ. أنْتَ وَضَعتَ كُلَّ الحُدُودِ عَلَى الأرْضِ. وَشَكَّلتَ الصَّيفَ وَالشِّتَاءَ! اذْكُرْ يَا اللهُ استِهزَاءَ العَدُّوِّ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الشَّعْبُ الأحْمَقُ اسْمَكَ. لَا تَدَعِ الوُحُوشَ تَقْتُلُ يَمَامَتَكَ، لَا تَنْسَ شَعْبَكَ المِسكِينَ إلَى الأبَدِ. اذْكُرْ عَهْدَكَ مَعَنَا وَاحمِنَا! هُنَاكَ عُنفٌ وَظُلْمٌ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مُظلِمَةٍ فِي أرْضِنَا! لَا تَدْعِ المَسحُوقِينَ يَعُودُونَ خَائِبِينَ. بَلْ دَعِ المَسَاكِينَ وَالمُحتَاجِينَ يُسَبِّحُونَ اسْمَكَ! هَيَّا يَا اللهُ، حَارِبْ حَربَكَ. اذكُرْ تَعْيِيرَ هَؤُلَاءِ الحَمْقَى لَكَ طُولَ اليَوْمِ. لَا تَنْسَ صَيحَاتِ أعْدَائِكَ، وَصَخَبَ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَيْكَ دَائِمًا. «لِقَائِدِ المُرَنِّمِينَ» عَلَى لَحنِ «لَا تُهلِكْ.» نُسَبِّحُكَ يَا اللهُ، نُسَبِّحُكَ. قَرِيبٌ أنْتَ. النَّاسُ يُخْبِرُونَ عَنْ أعْمَالِكَ العَجِيبَةِ. يَقُولُ اللهُ: «حِينَ أعقِدُ المَحكَمَةَ، فَإنِّي بِالإنْصَافِ أقْضِي! قَدْ تَرْتَجِفُ الأرْضُ وَسُكَّانُهَا، لَكِنِّي أُثَبِّتهَا وَأدعَمُ أسَاسَاتِهَا. «أنَا أمَرْتُ المُتَكَبِّرِينَ بِأنْ يَكُفُّوا عَنِ التَّكَبُّرِ. وَأمُرْتُ الأشرَارَ بِأنْ يَكُفُّوا عَنِ التَّبَاهِي بِقُوَّتِهِمْ. ‹لَا تَتَحَدُّوا اللهَ بِقُوَّتِكُمْ. وَبِعَجرَفَةٍ لَا تَتَكَلَّمُوا.›» لِأنَّ قُوَّةَ الإنْسَانِ لَا تَأْتِي مِنَ الشَّرقِ أوْ مِنَ الغَرْبِ أوْ مِنَ الصَّحرَاءِ الجَبَلِيَّةِ. لَكِنَّ اللهَ القَاضِيَ هُوَ الَّذِي يُذِلُّ وَيَرْفَعُ! فِي يَدِ اللهِ كَأسٌ مَملُوءَةٌ نَبِيذًا أحمَرَ مَمْزُوجًا بِسُمٍّ. وَسَيَسْكُبُ مِنْ كَأسِهِ، وَسَيَشْرَبُهَا أشرَارُ الأرْضِ حَتَّى الثُّمَالَةِ. أمَّا أنَا فَأحكِي الحِكَايَةَ دَائِمًا. أشدُو تَسْبِيحًا لِإلَهِ يَعْقُوبَ. يَقُولُ اللهُ: «سَأُكَسِّرُ قُوَّةَ الأشْرَارِ، وَسَأنصُرُ الأبْرَارَ.» اللهُ شَهِيرٌ فِي يَهُوذَا، وَاسْمُهُ عَظِيمٌ فِي إسْرَائِيلَ. فِي سَالِيمَ خَيْمَتُهُ، وَعَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ مَسكَنُهُ. هُنَاكَ كَسَّرَ السِّهَامَ المُلتَهِبَةَ، وَالتُّرُوسَ وَسُيُوفَ الحَرْبِ. كُنْتَ بَهِيًّا وَمَجِيدًا عَلَى سِلسِلَةِ الجِّبَالِ الَّتِي ذُبِحَ عَلَيْهَا كَثِيرُونَ. نُهِبَ الجُنُودُ الأقوِيَاءُ وَهُمْ نَائِمُونَ. وَلَمْ يَقْوَ أحَدٌ مِنْ أصْحَابِ البَأسِ عَلَى أنْ يَرْفَعَ يَدًا. يَسْقُطُ الحِصَانُ وَرَاكِبُهُ كَمَا لَوْ كَانُوا نِيَامًا عِنْدَمَا تَنْتَهِرُهُمْ يَا إلَهَ يَعْقُوبَ. أمَّا أنْتَ فَمَهُوبٌ! لَيْسَ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَصْمُدَ أمَامَ غَضَبِكَ الشَّدِيدِ. مِنَ السَّمَاءِ أعلَنتَ حُكمَكَ. الأرْضُ صَمَتَتْ خَوْفًا عِنْدَمَا قَامَ اللهُ لِيُصدِرَ حُكمًا وَيَحْمِيَ المَسَاكِينَ، وَالوُدَعَاءَ فِي الأرْضِ. حَتَّى غَضَبُ النَّاسِ يُمْكِنُ أنْ يَجْلِبَ المَدِيحَ لَكَ. وَالنَّاجُونَ يُصْبِحُونَ أكْثَرَ قُوَّةٍ. أحضِرُوا جِزيَتَكُمْ أيَّتُهَا الأُمَمُ المُحِيطَةُ! أنذِرُوا نُذُورًا وَأوفُوهَا ، الإلَهِ الوَاجِبِ التَّوقِيرِ! يُرْعِبُ اللهُ القَادَةَ العِظَامَ. وَمُلُوكُ الأرْضِ يَخْشُونَهُ. أُنَادِي اللهَ وَأصرُخُ طَالِبًا العَونَ. أُنَادِي اللهَ، فَلَعَلَّهُ يُصغِي إلَيَّ! فِي وَقْتِ الضِّيقِ لَجَأتُ إلَى الرَّبِّ. مَدَدتُ يَدَيَّ لِلصَّلَاةِ طَوَالَ اللَّيلِ. أرفُضُ أنْ أتَعَزَّى. أُفَكِّرُ بِاللهِ وَيَبْدَأُ أنِينِي. أتَأمَّلُ بِهِ لَكِنَّ رُوحِي تَتَضَايَقُ! أمْسَكْتَ جِفنَيَّ لِئَلَّا أنَامَ. تَضَايَقْتُ كَثِيرًا وَلَمْ أتَكَلَّمْ. فَكَّرتُ فِي الأيَّامِ المَاضِيةِ، بِالسِّنِينَ القَدِيمَةِ. وَأخَذْتُ أُنَاجِي قَلْبِي فِي اللَّيلِ. فَكَّرْتُ كَثِيرًا وَفَتَّشْتُ رُوحِي عَنْ جَوَابٍ. أإلَى الأبَدِ أدَارَ لَنَا الرَّبُّ ظَهرَهُ؟ ألَنْ نَحظَى بِرِضَاهُ أبَدًا؟ هَلْ ذَهَبَتْ إلَى الأبَدِ رَحمَتُهُ؟ أإلَى الأبَدِ سَيَبْقَى صَامِتًا! هَلْ نَسِيَ كَيْفَ يُشفِقُ؟ أمْ أنَّ غَضَبَهُ أغلَقَ عَلَى مَحَبَّتِهِ؟ قُلْتُ لِنَفْسِي: «مَا يُحزِنُنِي هُوَ أنَّ القَدِيرَ لَمْ يَعُدْ يُظهِرُ قُوَّتَهُ!» أتَذَكَّرُ أعْمَالَ يَاه العَظِيمَةَ! أتذَكَّرُ الأعْمَالَ العَجِيبَةَ الَّتِي صَنَعْتَهَا قَدِيمًا! فَبَدَأتُ أتَأمَّلُ كُلَّ أعْمَالِكَ. وَبَدَأتُ أتَفَكَّرُ فِي كُلِّ أفعَالِكَ! طُرُقُكَ مُقَدَّسَةٌ يَا اللهُ. وَمَا مِنْ إلَهٍ عَظِيمٍ كَاللهِ. أنْتَ الإلَهُ الَّذِي يَفْعَلُ العَجَائِبَ حَقًّا. أظْهَرْتَ لِلشُّعُوبِ قُوَّتَكَ! بِقُوَّتِكَ خَلَّصتَ شَعْبَكَ، نَسْلَ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ. رَآكَ مَاءُ البَحْرِ يَا اللهُ، رَآكَ المَاءُ فَارتَجَفَ خَوْفًا. حَتَّى مِيَاهُ المُحِيطِ اضطَرَبَتْ. جَرَى المَاءُ مِنَ الغُيُومِ الكَثِيفَةِ، وَمِنَ السَّحَابِ زَمجَرَ الرَّعدُ، وَمِنهَا وَمَضَتْ سِهَامُ البَرقِ. جَرَى صَوْتُكَ المُرعِدُ فَوْقَ الأموَاجِ. وَأضَاءَ البَرقُ المَسْكُونَةَ. وَالأرْضُ اهتَزَّتْ وَارتَجَفَتْ! فِي البَحْرِ مَشَيْتَ، وَالمُحِيطَ عَبَرْتَ، لَكِنَّكَ لَمْ تَتْرُكْ آثَارًا لِقَدَمَيكَ! قُدتَ شَعْبَكَ كَالخِرَافِ عَلَى يَدَيِّ مُوسَى وَهَارُونَ. اسْتَمِعْ يَا شَعْبِي لِتَعْلِيمِي. افتَحُوا آذَانَكُمْ إلَى كَلَامِي. سَأفتَحُ فَمِي بِمَثَلٍ. وَسَأنطِقُ بِألغَازٍ قَدِيمَةٍ. سَمِعْنَا القِصَّةَ وَنَعْرِفُهَا جَيِّدًا، وَقَدْ أخْبَرَنَا آبَاؤُنَا بِهَا. لَنْ نُخفِيهَا عَنِ أوْلَادِنَا، بَلْ سَنُخَبِّرُ الجِيلَ الآتِي بِأعْمَالِ اللهِ المَجِيدَةِ وَعَجَائِبِهِ الَّتِي صَنَعَهَا! قَطَعَ عَهْدًا مَعَ يَعْقُوبَ. وَضَعَ شَرِيعَةً فِي إسْرَائِيلَ. أمَرَ آبَاءَنَا بِأنْ يُعَلِّمُوهَا لِأبنَائِهِمْ. لِكَي تَعْرِفَ الأجْيَالُ الآتِيَةُ بِهَذَا العَهْدِ. فِي كُلِّ جِيلٍ يُولَدُ أبْنَاءٌ، يَكْبَرُونَ وَيَنْقُلُونَ القِصَصَ لِأبنَائِهِمْ. يَضَعُونَ مَصِيرَهُمْ فِي يَدِ اللهِ. لَا يَنْسَوْنَ أعْمَالَهُ العَجِيبَةَ، وَيَتَّبِعُونَ وَصَايَاهُ. لَنْ يَكُونُوا كَآبَائِهِمْ جِيلًا مُتَمَرِّدًا، جِيلًا لَمْ يُكَرِّسْ للهِ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَتَعَلَّمِ الإخلَاصَ للهِ. ارتَدَّ بَنُو أفْرَايِمَ فِي المَعْرَكَةِ، ارتِدَادَ السِّهَامِ فِي يَوْمِ الحَرْبِ. لَمْ يَحْفَظُوا عَهْدَهُمْ مَعَ اللهِ. وَرَفَضُوا أنْ يَتْبَعُوا وَصَايَاهُ. نَسَوْا أعْمَالَهُ القَوِيَّةَ العَجِيبَةَ، وَمُعْجِزَاتِهِ الَّتِي أرَاهُمْ إيَّاهَا. صَنَعَ هَذِهِ الأعْمَالَ العَجِيبَةَ أمَامَ آبَائِهِمْ فِي حُقُولِ صُوعَنَ فِي مِصْرٍ. شَطَرَ البَحْرَ الأحْمَرَ وَقَادَهُمْ عَبرَهُ، وَالمَاءُ مُكَوَّمٌ كَجَبَلٍ عَلَى جَانِبَيهِمْ. ثُمَّ هَدَاهُمْ بِالسَّحَابَةِ نَهَارًا، وَبِنُورِ النَّارِ لَيْلًا. شَطَرَ الصَّخرَةَ فِي الصَّحرَاءِ، فَاندَفَعَ المَاءُ كَمَا مِنْ بِئرٍ عَظِيمَةٍ. فَتَدَفَّقَ جَدْوَلُ المَاءِ مِنَ الصَّخرَةِ، وَجَرَى كَنَهْرٍ. لَكِنَّهُمْ ظَلُّوا يُخطِئُونَ وَيَتَمَرَّدُونَ عَلَى العَلِيِّ فِي تِلْكَ الأرْضِ الجَّافَةِ. ثُمَّ عَزَمُوا عَلَى امتِحَانِ اللهِ، فَطَلَبُوا طَعَامًا لِإشْبَاعِ شَهِيَّتِهِمْ. تَكَلَّمُوا عَلَى اللهِ وَقَالُوا: «أيَسْتَطِيعُ اللهُ أنْ يُعِدَّ لَنَا مَائِدَةً فِي الصَّحْرَاءِ؟ هَا إنَّهُ ضَرَبَ الصَّخرَةَ، فَتَدَفَّقَ المَاءُ وَمَلأ الوِديَانَ. لَكِنْ هَلْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُوَفِّرَ لَحْمًا لِشَعْبِهِ؟» لِذَلِكَ، حِينَ سَمِعَ اللهُ ، امتَلْأ غَضَبًا. اشْتَعَلَتْ نَارٌ عَلَى يَعْقُوبَ. وَازدَادَ غَضَبُهُ عَلَى إسْرَائِيلَ. لِأنَّهُمْ لَمْ يُؤمِنُوا بِاللهِ، وَلَمْ يَثِقُوا بِخَلَاصِهِ. ثُمَّ أمَرَ اللهُ السُّحُبَ مِنْ فَوْقُ، وَانفَتَحَتِ السَّمَاوَاتُ. فَأمطَرَ عَلَيْهِمْ مَنًّا لِيَأْكُلُوا. أعطَاهُمْ خُبْزَ السَّمَاءِ. أكَلَ أُولَئِكَ البَشَرُ خُبْزَ المَلَائِكَةِ. أرْسَلَ إلَيْهِمْ طَعَامًا لِإشبَاعِهِمْ. أثَارَ اللهُ رِيَاحًا شَرقِيَّةً مِنَ السَّمَاءِ، وَسَاقَ رِيَاحَ الجَنُوبِ حَيْثُ يُرِيدُ. أمطَرَتْ عَلَيْهِمْ أيَّامًا أسرَابًا مِنَ الطُّيُورِ بِعَدَدِ الرَّملِ وَالغُبَارِ. سَقَطَتِ الطُّيُورُ فِي وَسَطِ مُعَسكَرِهِمْ حَوْلَ خِيَامِهِمْ. أكَلُوا كَثِيرًا وَشَبِعُوا، أعْطَاهُمْ مَا اشْتَهَوْهُ. لَمْ يَضْبُطُوا شَهِيَّتَهُمْ. أكَلُوهَا فَوْرًا دُونَ طَبْخٍ وَلَمْ يَشْكُرُوا اللهَ. فَنَزَلَ غَضَبُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَقَتَلَ حَتَّى أوفَرَهُمْ صِحَّةً، وَأذَلَّ حَتَّى خِيرَةَ جُنُودِ إسْرَائِيلَ. وَرُغْمَ هَذَا كُلِّهِ، ظَلُّوا يُخطِئُونَ، وَلَمْ يُؤمِنُوا بِأعْمَالِهِ العَجِيبَةِ. بِالبُطلَانِ انْتَهَتْ أيَّامُهُمْ، وَبِالخَوفِ وَالِارتِعَادِ سَنَوَاتُهُمْ. كُلَّمَا قَتَلَ اللهُ بَعْضًا مِنْهُمْ لَجَأتْ إلَيْهِ بَقِيَّتُهُمْ. بِلَهفَةٍ كَانُوا يَعُودُونَ إلَيْهِ وَيَنْتَظِرُونَهُ. وَكَانُوا يَتَذَكَّرُونَ أنَّ اللهَ هُوَ صَخرَتُهُمْ، وَأنَّ اللهَ العَلِيَّ هُوَ الَّذِي يَفْدِيهِمْ. حَاوَلُوا أنْ يَخْدَعُوهُ بِكَلَامِهِمْ، كَذَبُوا عَلَيْهِ بِألسِنَتِهِمْ. لَمْ تَكُنْ قُلُوبُهُمْ صَادِقَةً نَحوَهُ، وَلَمْ يُخلِصُوا لِعَهْدِهِ. لَكِنَّ اللهَ غَفَرَ ذَنبَهُمْ لِأجْلِ مَحَبَّتِهِ وَلَمْ يُهلِكْهُمْ. هَكَذَا هَدَّأ غَضَبَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَرَفَضَ أنْ يُهَيِّجَ غَيظَهُ. لَمْ يَنْسَ اللهُ أنَّهُمْ كَالرِّيحِ الَّتِي تَمُرُّ فَلَا تَعُودُ. كَثِيرًا مَا تَمَرَّدُوا عَلَيْهِ فِي الصَّحرَاءِ. وَأحزَنُوهُ فِي تِلْكَ الأرَاضِي القَاحِلَةِ. وَمَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ امتَحَنُوا وَأحزَنُوا قُدُّوسَ إسْرَائِيلَ. لَمْ يَتَذَكَّرُوا قُوَّتَهُ حِينَ أنقَذَهُمْ مِنَ الضِّيقِ. لَمْ يَتَذَكَّرُوا أنَّهُ أرَاهُمْ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي حُقُولِ صُوعَنَ. حَوَّلَ المَاءَ إلَى دَمٍ فِي الأنهَارِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنِ المِصْرِيُّونَ مِنَ الشُّرْبِ مِنْ جَدَاوِلِهِمْ. أرْسَلَ الذُّبَابَ فَنَهَشَهُمْ، وَالضَفَادِعَ فَدَمَّرَتْهُمْ. أرْسَلَ الجَنَادِبَ وَالجَرَادَ لِيَأْكُلَ مَحَاصِيلَهُمُ الَّتِي تَعِبُوا فِيهَا. قَضَى عَلَى كُرُومِهِمْ بِالبَرَدِ، وَعَلَى جُمَّيزِهِمْ بِالصَّقِيعِ. قَتَلَ حَيَوَانَاتِهِمْ بِحَبَّاتِ البَرَدِ، وَقُطعَانَهُمْ بِالصَّوَاعِقِ. أظْهَرَ غَضَبَهُ لِلمِصْرِيِّينَ، وَأرْسَلَ مَلَائِكَةَ الدَّمَارِ عَلَيْهِمْ. أطلَقَ لِغَضَبِهِ العَنَانَ، فَلَمْ يَمْنَعِ المَوْتَ عَنْهُمْ، وَأسلَمَهُمْ لِلوَبَاءِ. صَرَعَ كُلَّ بِكرٍ لِلمَصرِيِّينَ، أهْلَكَ بَوَادِرَ القُوَّةِ فِي مَسَاكِنِ نَسْلِ حَامٍ. وَسَاقَ شَعْبَهُ كَمَا يَسُوقُ الرَّاعِي غَنَمَهُ، قَادَهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ كَقَطِيعٍ. إلَى الأمَانِ قَادَهُمْ! لَمْ يَخْشَوْا أعْدَاءَهُمْ، لِأنَّ اللهَ أغرَقَهُمْ فِي البَحْرِ الأحْمَرِ. ثُمَّ قَادَهُمْ إلَى حَدِّ جَبَلِهِ المُقَدَّسِ، الجَبَلِ الَّذِي شَكَّلَهُ بِيَمِينِهِ. ثُمَّ طَرَدَ الشُّعُوبَ مِنَ الأرْضِ المُمتَدَّةِ أمَامَهُمْ. وَخَصَّصَ لَهُمْ حِصَّتَهُمْ مِنَ الأرْضِ، مُسكِنًا قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ فِي مَسَاكِنِ أعْدَائِهِمْ. لَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ عَصَوْهُ دَائِمًا وَامتَحَنُوا اللهَ العَلِيَّ، وَلَمْ يَحْفَظُوا شَهَادَاتِهِ. كَسِهَامٍ مُرتَدَّةٍ مُتَقَلِّبَةٍ فِي الطَّيَرَانِ، ارتَدُّوا وَهَجَرُوهُ كَآبَائِهِمْ. أغضَبُوهُ بِمَعَابِدِهِمُ العَالِيَةِ، وَأثَارُوا سَخَطَهُ بِأصْنَامِهِمْ. سَمِعَ اللهُ هَذَا فَغَضِبَ، وَرَفَضَ إسْرَائِيلَ رَفضًا. هَدَمَ الخَيْمَةَ المُقَدَّسَةَ فِي شِيلُوهَ، حَيْثُ كَانَ يَسْكُنُ بَيْنَ النَّاسِ. سَلَّمَ صُنْدُوقَ عَهْدِهِ لِلغُرَبَاءِ، رَمْزَ قُوَّتِهِ وَمَجْدِهِ. غَضِبَ عَلَى شَعْبِهِ، وَعَيَّنَهُمْ لِلمَوْتِ بِالسَّيْفِ. التَهَمَتِ النَّارُ الجُنُودَ المُدَرَّبِينَ، وَمَا غَنَّتِ العَذَارَى أغَانِيَ الفَرَحِ! سَقَطَ الكَهَنَةُ بِالسَّيْفِ. وَلَمْ تَتَمَكَّنِ الأرَامِلُ مِنَ البُكَاءِ عَلَيْهِمْ. فَانتَفَضَ الرَّبُّ كَمُقَاتِلٍ يَصْحُو مِنَ الخَمْرِ. ضَرَبَ العَدُّوُّ وَرَدَّهُمْ إلَى الوَرَاءِ، فَأذَلَّهُمْ إلَى الأبَدِ. ثُمَّ رَفَضَ اللهُ خَيْمَةَ يُوسُفَ، وَلَمْ يَخْتَرْ قَبِيلَةَ أفْرَايِمَ. اخْتَارَ عَشِيرَةَ يَهُوذَا لِلمُلْكِ، وَجَبَلَ صِهْيَوْنَ الَّذِي اخْتَارَهُ مَوقِعًا لِهَيْكَلِهِ. بَنَى مَقْدِسَهُ كِالجِبَالِ، وَرَسَّخَ أسَاسَهُ كَالأرْضِ لِيَدُومَ إلَى الأبَدِ. اخْتَارَ دَاوُدَ خَادِمَهُ، وَأخَذَهُ مِنْ حَظَائِرِ الغَنَمِ. وَبَعْدَ أنْ رَفَعَهُ أخَذَهُ لِيَرْعَى يَعْقُوبَ شَعْبَهُ وَإسْرَائِيلَ مُقتَنَاهُ. فَقَادَهُمْ دَاوُدُ بِقَلْبٍ نَقِيٍّ وَحِكمَةٍ بَارِعَةٍ. جَاءَتْ شُعُوبٌ يَا اللهُ لِتُقَاتِلَ شَعْبَكَ، وَدَنَّسُوا هَيْكَلَكَ المُقَدَّسَ، وَأحَالُوا القُدْسَ كَومَةً مِنَ الخَرَابِ. تَرَكُوا جُثَثَ خُدَّامِكَ لِتَأْكُلَهَا الطُّيُورُ الكَاسِرَةُ. وَتَرَكُوا لَحْمَ أتقِيَائِكَ لِلوُحُوشِ المُفتَرِسَةِ. أرَاقُوا دَمَ شَعْبِكَ حَوْلَ القُدْسِ دُونَ أنْ يَدْفِنُوا مِنْهُمْ أحَدًا. صِرنَا مَنبُوذِينَ مِنْ جِيرَانِنَا، وَأُضحُوكَةً لِمَنْ هُمْ حَوْلَنَا. حَتَّى مَتَى تَظَلُّ غَاضِبًا عَلَيْنَا يَا اللهُ ؟ هَلْ سَيَظَلُّ سَخَطُكَ عَلَيْنَا مُتَّقِدًا كَالنَّارِ إلَى الأبَدِ؟ اسكُبْ غَضَبَكَ عَلَى الشُّعُوبِ الَّتِي لَا تَعْرِفُكَ، وَعَلَى المَمَالِكِ الَّتِي لَا تَلْجَأُ إلَيْكَ. افْعَلْ هَذَا لِأنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أهْلَكُوا يَعْقُوبَ، وَخَرَّبُوا أرْضَهُمْ! لَا تَذْكُرْ آثَامَنَا السَّابِقَةَ! بَلْ أظْهِرْ رَحمَتَكَ، لِأنَّنَا بِلَا حَوْلٍ وَلَا قُوَّةٍ! أيُّهَا الإلَهُ الَّذِي يُخَلِّصُنَا، أعِنَّا مِنْ أجْلِ كَرَامَةِ اسْمِكَ! أنقِذْنَا وَامْحُ خَطَايَانَا، مِنْ أجْلِ خَيرِ اسْمِكَ! لِمَاذَا تَتْرُكُ الشُّعُوبَ تَقُولُ لَنَا: «أيْنَ إلَهُكُمْ؟» لَيْتَ هَذِهِ الشُّعُوبَ تَرَى انتِقَامَكَ لِدَمِ خُدَّامِكَ المَسْفُوكِ. لَيتَكَ تَسْمَعُ أنَّاتِ الأسرَى. لَيتَكَ تُظهِرُ عَظِيمَ قُوَّتِكَ وَتُنقِذُ المَحكُومَ عَلَيْهِمْ بِالمَوْتِ. وَلَيتَكَ تَكِيلُ عَلَى جِيرَانِنَا سَبْعَةَ أضعَافٍ مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِقَارِ الَّذِي أظْهَرُوهُ لَكَ، يَا رَبُّ! عِنْدَئِذٍ سَنَحْمَدُكَ نَحْنُ شَعْبَكَ وَخِرَافَ مَرْعَاكَ، إلَى الأبَدِ. وَمِنْ جِيلٍ إلَى جِيلٍ سَنُرَنِّمُ بِتَسْبِيحِكَ! يَا رَاعِيَ إسْرَائِيلَ، يَا مَنْ تَقُودُ شَعْبَ يُوسُفَ كَالخِرَافِ، اسْمَعْنِي! اظهَرْ يَا مَنْ تَجْلِسُ عَلَى مَلَائِكَةِ الكَارُوبِيمِ. أيقِظْ قُوَّتَكَ أمَامَ شَعْبِكَ أفْرَايِمَ وَبَنْيَامِينَ وَمَنَسَّى، وَاخرُجْ أمَامَنَا وَخَلِّصْنَا وَانْصُرْنَا. استَجِبْ لَنَا يَا اللهُ، وَاعطِفْ عَلَيْنَا، وَأنقِذنَا. أيُّهَا القَدِيرُ، حَتَّى مَتَى سَتَظَلُّ غَاضِبًا، فَلَا تَسْتَمِعُ إلَى صَلَوَاتِ شَعْبِكَ؟ أطعَمتَهُمْ خُبْزَ الدُّمُوعِ، وَجَعَلتَهُمْ يَشْرَبُونَ دُمُوعًا كَثِيرَةً. جَعَلْتَنَا نَبدُو كَثِيرِي الخِصَامِ أمَامَ جِيرَانِنَا، وَأعْدَاؤُنَا يَسْخَرُونَ بِنَا. استَجِبْ لَنَا أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ، اعْطِفْ عَلَيْنَا فَنَخلُصَ. أخرَجتَ الكَرمَةَ مِنْ مِصْرٍ. اقْتَلَعْتَ الغُرَبَاءَ وَزَرَعْتَهَا. نَزَعْتَ الأعشَابَ الضَّارَّةَ مِنْ أجْلِهَا، أطلَقْتَ جُذُورَهَا فَمَلأتِ الكَرمَةُ الأرْضَ. غَطَّتِ الجِبَالَ، أورَاقُهَا ظَلَّلَتْ حَتَّى أرْزَ اللهِ فِي لُبْنَانَ مَدَّتِ الكَرمَةُ غُصُونَهَا إلَى البَحْرِ غَربًا، وَإلَى نَهْرِ الفُرَاتِ شَرقًا. فَلِمَاذَا هَدَمْتَ سُورَ الحِمَايَةِ حَوْلَ الكَرْمِ، لِيَلْتَقِطَ مِنْهُ كُلُّ مَنْ يَمُرُّ بِهِ؟ الخَنَازِيرُ البَرِّيَّةُ تَدُوسُهُ، وَالوُحُوشُ الكَاسِرَةُ تَلْتَهِمُهُ. أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ، عُدْ! تَطَلَّعْ مِنَ السَّمَاءِ وَانْظُرْ مَا حَلَّ بِكَرْمِكَ. تَعَالَ وَارْعَ تِلْكَ الكَرْمَةَ! انْظُرْ إلَى مَا زَرَعْتَهُ بِيَمِينِكَ، وَإلَى الزَّرْعِ الغَضِّ الَّذِي أقَمْتَهُ. كَالقُمَامَةِ احتَرَقَتِ الكَرمَةُ. هَلَكَ الشَّعْبُ حِينَ انتَهَرْتَهُمْ. مُدَّ يَدَكَ إلَى مَنْ أحْبَبْتَهُ، إلَى الإنْسَانِ الَّذِي شَدَّدْتَهُ لَكَ. عِنْدَئِذٍ لَنْ نَرتَدَّ عَنْكَ سَتُحيِينَا فَنَدْعُوَ بِاسْمِكَ. أيُّهَا القَدِيرُ، أعِدْنَا إلَيْكَ. اعْطِفْ عَلَيْنَا فَنَخلُصَ. دَعُونَا نُرَنِّمُ للهِ قُوَّتِنَا، اهْتِفُوا لِإلَهِ يَعْقُوبَ! دُقُّوا المُوسِيقَى، اضرِبُوا عَلَى الدُّفِّ وَالعُودِ الجَمِيلِ وَالقِيثَارِ! انفُخُوا البُوقَ عِنْدَ أوَّلِ الشَّهْرِ، وَعِنْدَ اكتِمَالِ البَدرِ إيذَانًا بِبَدءِ عِيدِنَا المُقَدَّسِ. وَهَذِهِ فَرِيضَةٌ عَلَى إسْرَائِيلَ، إنَّهَا وَصِيَّةٌ أعْطَاهَا اللهُ لِيَعْقُوبَ. هَذَا جُزءٌ مِنَ عَهْدِ اللهِ لَمَّا غَادَرُوا مِصْرًا. سَمِعْتُ صَوْتًا بِلُغَةٍ لَمْ أعْرِفْهَا يَقُولُ: «أزَحتُ العِبءَ عَنْ كَتِفِهِ، وَالسَّلَّةَ مِنْ يَدَيهِ. حِينَ كُنْتَ فِي ضِيقٍ استَنْجَدتَ بِي. فَأجَبتُكَ سِرًّا بِالرَّعدِ. امتَحَنْتُكَ عِنْدَ مِيَاهِ مَرِيبَةَ.» «اسْتَمِعْ إلَيَّ يَا شَعْبِي! إنْ استَمَعتَ إلَيَّ، سَأقْطَعُ مَعَكَ عَهْدًا. لَا يَكُنْ فِي وَسَطِكُمْ آلِهَةٌ غَرِيبَةٌ. وَلإلَهٍ غَرِيبٍ لَا تَنْحَنُوا. أنَا الَّذِي أخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرٍ. افتَحْ فَمَكَ وَأنَا أملأُهُ. «لَكِنَّ شَعْبِي لَمْ يَسْمَعْ لِصَوْتِي. إسْرَائِيلُ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُنِي. لِهَذَا سَأترُكُهُمْ لِعِنَادِهِمْ، فَيَفْعَلُونَ مَا يَحْلُو لَهُمْ. لَيْتَ شَعْبِي يَسْتَمِعُ إلَيَّ، لَيْتَ إسْرَائِيلَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ الَّتِي أُرِيدُهَا لَهُ. لِأنَّنِي عِنْدَئِذٍ سَأُسرِعُ إلَى إخضَاعِ أعْدَائِهِمْ، وَأُعَاقِبُ خُصُومَهُمْ. الَّذِينَ يَكْرَهُونَ اللهَ سَيَنْكَمِشُونَ أمَامَهُ، وَدَمَارُهُمْ سَيَكُونُ إلَى الأبَدِ. أمَّا أنَا فَسَأُطعِمُكُمْ قَمْحًا كَثِيرًا. وَسَأُشبِعُكُمْ عَسَلًا مِنَ الصَّخرَةِ.» وَقَفَ اللهُ قَاضِيًا بَيْنَ المَلَائِكَةِ فِي المَجْمَعِ الإلَهِيِّ. «حَتَّى مَتَى تُحَرِّفُونَ العَدَالَةَ؟ حَتَّى مَتَى لَا تُحَاسِبُونَ الأشرَارَ؟» «احكُمُوا بِالإنْصَافِ لِليَتَامَى وَالضُّعَفَاءِ. دَافِعُوا عَنِ المُعْدَمِينَ وَالبُؤَسَاءِ. أنقِذُوا المَسَاكِينَ وَالعَاجِزِينَ! خَلِّصُوهُمْ مِنَ الأشْرَارِ! «لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلمٌ وَلَا فَهْمٌ. فِي الظُّلمَةِ يَمْشُونَ وَالعَالَمُ حَوْلَهُمْ يَتَهَاوَى! أنَا قُلْتُ إنَّكُمْ آلِهَةٌ. كُلُّكُمْ أبْنَاءُ العَلِيِّ. لَكِنَّكُمْ كُلَّكُمْ سَتَمُوتُونَ كَبَقِيَّةِ البَشَرِ. وَسَتَسْقُطُونَ كُلُّكُمْ كَمَا سَقَطَ الحُكَّامُ السَّابِقُونَ.» قُمْ يَا اللهُ وَاحْكُمْ عَلَى الأرْضِ، فَكُلُّ الأُمَمِ هِيَ لَكَ! لَا تَبْقَ صَامِتًا يَا اللهُ، لَا تَهدأ وَلَا تَسْكُتْ يَا اللهُ. أعْدَاؤُكَ الَّذِينَ يُبغِضُونَكَ مُتَغَطرِسُونَ، يُقَعْقِعُونَ بِسُيُوفِهِمْ. يَجْتَمِعُونَ مَعًا وَيُخَطِّطُونَ لِمُحَارَبَةِ شَعْبِكَ الغَالِي. يَقُولُونَ: «لِنَمسَحْهُمْ مِنْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ، فَلَا يَتَذَكَّرَ أحَدٌ فِيمَا بَعْدُ اسْمَ إسْرَائِيلَ.» تَآمَرَ هَؤُلَاءِ صَفًّا وَاحِدًا، وَتَعَاهَدُوا ضِدَّكَ. وَهُمْ قَبَائِلُ أدُومَ وَالإسْمَاعِيلِيِّينَ وَالمُوآبِيِّينَ وَالهَاجَرِيِّينَ وَسُكَّانُ جُبِيلَ وَالعَمُّونِيُّونَ وَعَمَالِيقُ وَالفِلِسْطِيِّونَ وَسُكَّانُ صُورٍ. حَتَّى أشُّورُ انضَمَّ إلَيْهِمْ، وَصَارَ ذِرَاعًا لِنَسْلِ لُوطٍ! افْعَلْ بِهِمْ كَمَا فَعَلْتَ بِمِدْيَانَ وَسِيسَرَا وَيَابِينَ عِنْدَ وَادِي قِيشُونَ. قُتِلُوا فِي عَيْنِ دُورٍ، وَتَعَفَّنَتْ عَلَى الأرْضِ جُثَثُهُمْ. افْعَلْ بِقَادَتِهِمْ كَمَا فَعلتَ بِغُرَابٍ وَذِئْبٍ، افْعَلْ بِقَادَتِهِمْ كَمَا فَعَلْتَ بِزَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ. قَالَ هَؤُلَاءِ: «لِنَسْتَوْلِ عَلَى شَعْبِ اللهِ.» اعصِفْ بِهِمْ يَا إلَهِي كَمَا تَعْصِفُ الرِّيحُ بِغُبَارِ القَمْحِ وَالقَشِّ. كَنْ كَنَارٍ فِي غَابَةٍ، كَحَرِيقٍ هَائِلٍ يَلْتَهِمُ التِّلَالَ. تَعَقَّبْهُمْ وَأرْعِبْهُمْ بِزَوَابِعِكَ وَعَوَاصِفِكَ. بِالخِزيِّ غَطِّ وُجُوهَهُمْ لِكَي يَطْلُبُوكَ يَا اللهُ . لَيتَهُمْ يَخْزَوْنَ وَيُذَلُّونَ إلَى الأبَدِ، لَيتَهُمْ يَخْزَوْنَ وَيَهْلِكُونَ! عِنْدَئِذٍ سَيَعْلَمُونَ أنَّكَ أنْتَ يهوه وَحْدَكَ اللهُ العَلِيُّ عَلَى كُلِّ الأرْضِ! مَا أروَعَ هَيْكَلَكَ أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ! أتُوقُ وَأشتَاقُ إلَى أنْ أكُونَ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ . يَهْتِفُ عَقلِي وَجَسَدِي فَرَحًا بِالإلَهِ الحَيِّ. أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ، يَا إلَهِي وَمَلِكِي، حَتَّى العَصَافِيرُ وَجَدَتْ لَهَا بَيْتًا هُنَا عَلَى الجَبَلِ المُقَدَّسِ، وَالسُّنُونُواتُ مَكَانًا لِأعْشَاشِهَا، مَكَانًا تُرَبِّي فِيهِ صِغَارَهَا قُرْبَ مَذْبَحِكَ. هَنِيئًا لِمَنْ يَسْكُنُونَ بَيْتَكَ، لِأنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِكَ! هَنِيئًا لِمَنْ مِنْكَ قُوَّتُهُمْ عَزَمُوا عَلَى أنْ يَشُقُّوا طَرِيقَهُمْ إلَى هَيْكَلِكَ يَعْبُرُونَ وَادِي البُكَاءِ، جَاعِلِينَ بِرَكَ مِيَاهِ الخَرِيفِ مَصْدَرَ مَائِهِمْ. مِنْ بَلْدَةٍ إلَى بَلْدَةٍ يَرْتَحِلُونَ لِيَمْثُلُوا فِي حَضْرَةِ اللهِ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ. أيُّهَا القَدِيرُ، اسْمَعْ صَلَاتِي! أصْغِ إلَيَّ يَا إلَهَ يَعْقُوبَ. يَا اللهُ احمِ حَامِينَا المَلِكَ، وَاحْرُسْ مَلِكَكَ المُختَارَ. يَومٌ وَاحِدٌ فِي سَاحَةِ هَيْكَلِكَ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ يَوْمٍ فِي أيِّ مَكَانٍ آخَرَ! أُفَضِلُّ أنْ أقِفَ بَوَّابًا فِي بَيْتِ إلَهِي عَلَى أنْ أسكُنَ فِي بَيْتِ الشِّرِّيرِ. شَمسِي وَتُرسِي. يُعطِيني مَجدًا وَكَرَامَةً. لَا يَمْنَعُ اللهُ شَيْئًا صَالِحًا عَنِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي طَهَارَةٍ. أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ، هَنِيئًا لِمَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْكَ. ارضَ يَا اللهُ عَنْ بَلَدِكَ، وَأرجِعْ مَنفِيِّي يَعْقُوبَ إلَى هَذِهِ الأرْضِ. انزَعْ إثمَ شَعْبِكَ! امحُ جَمِيعَ خَطَايَاهُمْ! كُفَّ عَنْ غَضَبِكَ! ارجِعْ عَنْ سَخَطِكَ عَلَيْنَا! يَا اللهُ مُخَلِّصَنَا، أرْجِعْنَا إلَيْكَ، وَكُفَّ عَنْ غَضَبِكَ عَلَيْنَا. هَلْ سَتَبْقَى إلَى الأبَدِ غَاضِبًا مِنَّا؟ هَلْ سَتُدِيمُ غَضَبَكَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ؟ عُدْ إلَينَا وَأحْيِنَا لِكَي يَفْرَحَ بِكَ شَعْبُكَ! أرِنَا يَا اللهُ رَحْمَتَكَ! خَلِّصنَا! سَأسْمَعُ مَا يَقُولُهُ : «سَلَامٌ لِشَعْبِهِ وَأتقِيَائِهِ! لِذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أنْ يَرْجِعُوا إلَى طُرُقِهِمُ الحَمقَاءِ.» وَسَيُنقِذُ أيْضًا عَنْ قَرِيبٍ خَائِفِيهِ. فَنَحيَا بِكَرَامَةٍ عَلَى أرْضِنَا. الرَّحْمَةُ وَالحَقُّ تَلَاقَيَا. البِرُّ وَالسَّلَامُ تَعَانَقَا! مِنَ الأرْضِ سَيَنْبُتُ الحَقُّ، وَمِنَ السَّمَاءِ سَيَنْزِلُ البِرُّ. اللهُ نَفْسُهُ سَيُعطِينَا خَيْرًا، وَأرْضُنَا سَتُعطِي ثَمَرَهَا. البِرُّ أمَامَهُ سَيَسِيرُ، وَلِخُطُواتِهِ سَيُمَهِّدُ الطَّرِيقَ. أمِلْ إلَيَّ أُذُنَكَ يَا اللهُ ! أجِبْنِي، فَأنَا بَائِسٌ وَمِسكِينٌ. احْرُسْ نَفْسِي لِأنِّي أتَّقِيكَ، أنقِذنِي فَأنَا أتَّكِلُ عَلَيْكَ وَأنْتَ إلَهِي. ارحَمْنِي يَا رَبُّ، فَأنَا أسْتَنْجِدُ بِكَ طَوَالَ اليَوْمِ. فَرِّحْ يَا اللهُ نَفسَ عَبدِكَ، لِأنِّي وَضَعتُ حَيَاتِي بَيْنَ يَدَيْكَ. فَأنْتَ صَالِحٌ يَا رَبُّ، وَغَفَّارٌ وَمَملُوءٌ مَحَبَّةً لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَكَ! اسْتَمِعْ يَا اللهُ إلَى صَلَاتِي. اسْمَعْ طِلبَاتِي! فِي ضِيقَاتِي أدعُوكَ لِأنَّكَ تُنَجِّينِي. يَا رَبُّ مَا مِنْ إلَهٍ آخَرَ مِثْلَكَ! وَمَا مِنْ أحَدٍ يَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ! يَا رَبُّ، أنْتَ صَنَعتَ كُلَّ الشُّعُوبِ، وَكُلُّهُمْ إلَيْكَ سَيَأْتُونَ وَيَنُوحُونَ أمَامَكَ وَيُكرِمُونَ اسْمَكَ. فَأنْتَ عَظِيمٌ وَصَانِعُ العَجَائِبِ. أنْتَ وَحْدَكَ اللهُ! عَلِّمنِي يَا اللهُ طُرُقَكَ لِأحيَا فِي أمَانَتِكَ. رَكِّزْ كِيَانِي كُلَّهُ عَلَى تَوْقِيرِ اسْمِكَ. مِنْ كُلِّ كِيَانِي أُسَبِّحُكَ يَا ، وَإلَى الأبَدِ سَأُكْرِمُ اسْمَكَ! لِأنَّ رَحْمَتَكَ لِي عَظِيمَةٌ، وَلِأنَّكَ مِنَ المَوْتِ خَلَّصتَ حَيَاتِي! يَا اللهُ، هَجَمَ بَعْضُ المُتَغَطرِسِينَ عَلَيَّ. عِصَابَةُ قُسَاةٍ يَسْعُونَ إلَى مَوْتِي، وَهُمْ لَا يَتَّقُونَكَ. أمَّا أنْتَ يَا رَبُّ فَإلَهٌ رَحُومٌ وَمُنعِمٌ، بَطِيئُ الغَضَبِ، مُسرِعٌ إلَى الرَّحمَةِ وَالأمَانَةِ. فَانتَبِهْ لِي وَارحَمْنِي. أعْطِنِي أنَا عَبدَكَ قُوَّتَكَ، وَأنقِذِ ابْنَ أمَتِكَ. أعْطِنِي عَلَامَةً عَلَى صَلَاحِكَ يَا اللهُ ! فَيَرَاهَا أعْدَائِي فَيَخْزَوْنَ. عِنْدَئِذٍ سَيَعْرِفُونَ أنَّكَ يَا اللهُ أعَنتَنِي وَعَزَّيتَنِي! وَضَعَ اللهُ أسَاسَهَا فِي سِلسِلَةِ الجِبَالِ المُقَدَّسَةِ. يَحِبُّ اللهُ بَوَّابَاتِ صِهْيَوْنَ، أكْثَرَ مِنْ كُلِّ مُدُنِ إسْرَائِيلَ الأُخرَى. يَا مَدِينَةَ اللهِ، يَقُوُلُ فِيكِ النَّاسُ أشْيَاءَ بَدِيعَةً. أذْكُرُ مِصْرًا وَبَابِلَ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ الَّتِي تَعْرِفُنِي. أذْكُرُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي فِلَسطِينَ وَصُورَ وَكُوشٍ. هَذَا وَذَاكَ يَقُولَانِ إنَّهُمَا وُلِدَا فِي صِهْيَوْنَ، المَدِينَةِ الَّتِي بَنَاهَا اللهُ العَلِيُّ. عِنْدَ اللهِ سِجِلَّاتٌ لِشَعْبِهِ، فَيَعْرِفُ أيْنَ وُلِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. سَيَرْقُصُونَ وَيُغَنُّونَ وَيَقُولُونَ: «مِنْ صِهْيَوْنَ تَأْتِي كُلُّ الخَيْرَاتِ.» يَا اللهُ ، أنْتَ الإلَهُ الَّذِي يُخَلِّصُنِي. دَعَوتُكَ نَهَارًا وَلَيلًا. اقبَلْ صَلَاتِي، وَإلَى طِلبَتِي أمِلْ أُذُنَكَ. أخَذَتْ نَفْسِي نَصِيبَهَا الكَامِلَ مِنَ المَصَائِبِ. وَهَا حَيَاتِي تَقْتَرِبُ مِنَ الهَاوِيَةِ! أنَا كَالنَّازِلِينَ إلَى القَبْرِ، كَمُحَارِبٍ فَقَدَ قُوَّتَهُ. ابْحَثْ عَنِّي بَيْنَ الأمْوَاتِ، بَيْنَ الجُثَثِ المُمَدَّدَةِ فِي القَبْرِ، الَّذِينَ انقَطَعْتَ عَنْ تَذَكُّرِهِمْ، وَانقَطَعُوا عَنْكَ وَعَنْ مَحضَرِكَ. وَضَعَنِي اللهُ فِي أعمَقِ حُفرَةٍ، مَحبُوسًا فِي ظُلمَةِ القَبْرِ. بِغَضَبِكَ غَطَّيتَنِي وَبِأموَاجِ ضِيقَاتِكَ آلَمْتَنِي. أصدِقَائِي يَتَجَنَّبُونَنِي بِسَبَبِ مَا فَعَلْتَهُ بِي. وَكَمَنبُوذٍ يُعَامِلُونَنِي. مَحبُوسٌ أنَا وَلَا أسْتَطِيعُ الخُرُوجَ! عَيْنَايَ تُؤلِمَانِنِي مِنَ البُكَاءِ بِسَبَبِ ألَمِي! أبسِطُ ذِرَاعَيَّ كُلَّ يَوْمٍ إلَيْكَ يَا اللهُ ! أأنْتَ تُجرِي عَجَائِبَ لِلمَوْتَى؟ أتَقُومُ الأشبَاحُ مِنَ القَبْرِ لِتُسَبِّحَكَ؟ هَلْ يُخبِرُ المَوْتَى مِنَ القُبُورِ بِمَحَبَّتِكَ، وَهَلْ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ أمَانَتِكَ فِي مَوْضِعِ الهَلَاكِ؟ لَا يُحَدِّثُ المَوْتَى فِي عَالَمِ الظُّلمَةِ بِعَجَائِبِكَ وَأعْمَالِكَ الصَّالِحَةِ. أمَّا أنَا يَا اللهُ ، فَأصْرُخُ إلَيْكَ مُصَلِّيًا كُلَّ صَبَاحٍ قُدَّامَكَ! لِمَاذَا تَرَكتَنِي يَا اللهُ ؟ لِمَاذَا حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنِّي؟ ضَعِيفٌ وَسَقِيمٌ أنَا مُنْذُ شَبَابِي. احتَمَلتُ أنَا البَائِسُ غَضَبَكَ. اكتَسَحَنِي غَضَبُكَ، وَكَادَ الرُّعبُ مِنْكَ يَقْتَلِعُ حَيَاتي. كَمَوجَاتٍ مُتَلَاحِقَةٍ يَغْمُرُنِي الألَمُ طَوَالَ اليَوْمِ. تَضْرِبُنِي مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مَعًا. عَنْ كُلِّ صَدِيقٍ وَحَبِيبٍ فَصَلتَنِي. وَالظُّلمَةُ هِيَ رَفِيقِي الوَحِيدُ! سَأتَغَنَّى عَلَى الدَّوَامِ بِرَحمَتِكَ يَا اللهُ . وَسَأُخبِرُ بِلِسَانِي عَنْ أمَانَتِكَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ! كَمَا قُلْتُ: «رَحمَتُكَ هِيَ إلَى الأبَدِ، مِثْلُ السَّمَاوَاتِ. وَإخلَاصُكَ ثَابِتٌ كَالسَّمَاوَاتِ.» أنْتَ قُلْتَ: «قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَ مُختَارِي، حَلَفْتُ لِخَادِمِي دَاوُدَ: ‹إلَى الأبَدِ سَأُبْقِي نَسْلَكَ، وَسَأُثَبِّتُ عَرشَكَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.›» السَّمَاوَاتُ سَتُسَبِّحُكَ عَلَى عَجَائِبِكَ يَا اللهُ ! وَجَمَاعَةُ المُقَدَّسِينَ عَلَى أمَانَتِكَ. مَنْ فِي السَّمَاءِ يُعَادِلُ اللهَ ؟ أوْ مَنْ بَيْنَ الآلِهَةِ الأُخرَى يُقَارَنُ بِاللهِ ؟ مَهَابَةُ اللهِ هِيَ فِي اجتِمَاعِ المُقَدَّسِينَ، هُوَ أعْظَمُ وَأرهَبُ مِنْ كُلِّ المُحِيطينَ بِهِ. أيُّهَا القَدِيرُ، مَنْ مِثْلُكَ جَبَّارٌ يَا اللهُ ؟ أمَانَتُكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا! تَحْكُمُ البَحْرَ القَوِيَّ، وَتُهَدِّئُ الأموَاجَ العَاتِيَةَ. أنْتَ سَحَقتَ رَهَبَ، بِذِرَاعِكَ القَوِيَّةِ بَعثَرتَ أعْدَاءَكَ. السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَكُلُّ شَيءٍ عَلَيْهَا لَكَ. أنْتَ خَلَقتَهَا كُلَّهَا! أنْتَ خَلَقتَ الشِّمَالَ وَالجَنُوبَ! جَبَلُ تَابُورَ وَجَبَلُ حَرمُونَ يُغَنِّيَانِ فَرَحًا عِنْدَ ذْكرِ اسْمِكَ! قَوِيَّةٌ هِيَ ذِرَاعُكَ! يَدُكَ مَلأى قُدرَةً! وَيَمِينُكَ مَرْفُوعَةٌ بِالنَّصرِ! عَرشُكَ عَلَى الصَّلَاحِ وَالعَدلِ قَائِمٌ! الإخلَاصُ وَالأمَانَةُ يَسِيرَانِ أمَامَكَ! هَنِيئًا يَا اللهُ لِمَنْ يُمَيِّزُونَ بُوقَ دَعوَتِكَ إلَى الِاجْتِمَاعِ لِلعِبَادَةِ، الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي نُورِ حُضُورِكَ! طَوَالَ اليَوْمِ يَبْتَهِجُونَ بِتَسْبِيحِ اسْمِكَ. وَأعْمَالُكَ الصَّالِحَةُ تَرْفَعُهُمْ. فَأنْتَ قُوَّتُهُمُ العَجِيبَةُ! وَحِينَمَا تَشَاءُ يَتَمَجَّدُونَ! لِأنَّ حَامِيَنَا يَأْتِي مِنْ عِندِ اللهِ ، مَلِكُنَا هُوَ مِنْ عِندِ قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ! وَلِهَذَا كَلَّمتَ أتبَاعَكَ الأُمَنَاءَ فِي رُؤيَا وَقُلْتَ: «أعْطَيتُ عَوْنًا وَقُوَّةً لِمُحَارِبٍ. رَفَعْتُ شَابًّا مِنْ بَيْنِ عَامَّةِ النَّاسِ! وَجَدتُ خَادِمِي دَاوُدَ، وَمَسَحْتُهُ بِزَيْتِي المُقَدَّسِ. يَدِي سَتَسْنِدُهُ. وَذِرَاعِي سَتُشَدِّدُهُ! لَنْ يَغْلِبَهُ عَدُوٌّ، وَلَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ شِرِّيرٌ. سَأسحَقُ خُصُومَهُ أمَامَهُ. وَسَأهزِمُ مُبغِضِيهِ. أمَانَتِي وَنِعْمَتِي تُلَازِمَانَهُ، وَبِاسْمِي سَيَرْفَعُ رَأسَهُ مُنتَصِرًا. عَلَى البَحْرِ وَالأنهَارِ سَأمُدُّ سَيطَرَتَهُ. سَيَقُولُ لِي: ‹أنْتَ أبِي وَإلَهِي، أنْتَ الصَّخرَةُ الَّتِي تُخَلِّصُنِي.› وَسَأجعَلُهُ بِكْرِي، الأعْلَى بَيْنَ مُلُوكِ الأرْضِ! إلَى الأبَدِ سَأحْفَظُ لَهُ مَحَبَّتِي وَعَهْدِي الأمِينَ مَعَهُ! إلَى الأبَدِ سَأُثَبِّتُ نَسْلَهُ، وَمُلْكُهُ سَيَدُومُ دَوَامَ السَّمَاوَاتِ. قَدْ يَتْرُكُ أبنَاؤُهُ شَرِيعَتِي. وَلَا يُطِيعُونَ أحكَامِي. وَقَدْ يَنْتَهِكُونَ حُرمَةَ مَبَادِئِي، وَلَا يَحْفَظُونَ أوَامِرِي. عِنْدَئِذٍ سَأُحَاسِبُهُمْ عَلَى جَرَائِمِهِمْ وَأضرِبُهُمْ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ. لَكِنِّي لَنْ أسحَبَ مَحَبَّتِي لَهُ، وَلَنْ أنقُضَ إخلَاصِي لَهُ! لَنْ أخرِقَ عَهْدِي مَعَهُ، وَلَنْ أُغَيِّرَ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ لَهُ! أحلِفُ بِقَدَاسَتِي إنِّي لَا أكذِبُ عَلَى دَاوُدَ. إلَى الأبَدِ سَيَدُومُ نَسْلُهُ! وَعَرشُهُ سَيَدُومُ أمَامِي دَوَامَ الشَّمْسِ! كَالقَمَرِ سَيَدُومُونَ إلَى الأبَدِ! وَالشَّاهِدُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ جَدِيرٌ بِالثِّقَةِ!» لَكِنَّكَ تَرَكتَ المَلِكَ الَّذِي مَسَحتَهُ، رَفَضْتَهُ وَعَاقَبْتَهُ. رَفَضْتَ العَهْدَ مَعَ خَادِمِكَ. لَوَّثْتَ تَاجَهُ مُلقِيًا إيَّاهُ عَلَى الأرْضِ. هَدَمتَ سُورَ الحِمَايَةِ حَوْلَ مَدِينَتِهِ. سَحَقتَ حِصنَهُ تُرَابًا. سَلَبَهُ عَابِرُو السَّبِيلِ. وَاحتَقَرَهُ جِيرَانُهُ. عَلَّيْتَ يَمِينَ خُصُومِهِ، وَفَرَّحْتَ جَمِيعَ أعْدَائِهِ. وَضَعَ الصَّخرَةُ سَيفَهُ فِي غِمدِهِ. وَعَونًا لَمْ يُقَدِّمْ فِي المَعْرَكَةِ! أنهَيتَ مَجْدَهُ. أزَحتَ عَرشَهُ مِنْ مَكَانِهِ، وَألقَيتَهُ إلَى الأرْضِ. قَصَّرْتَ أيَّامَ شَبَابِهِ، وَبِالعَارِ غَطَّيتَهُ. حَتَّى مَتَى يَا اللهُ سَتُخْفِي نَفْسَكَ؟ أإلَى الأبَدِ سَيَتَّقِدُ كَالنَّارِ غَضَبُكَ؟ تَذكَّرْ أنَّنَا جَمِيعًا فَانُونَ، وَأنَّ كُلَّ البَشَرِ كَبُخَارٍ. مَا مِنْ إنْسَانٍ يَحيَا وَلَا يَرَى المَوْتَ أيْضًا. مَا مِنْ أحَدٍ يَقْدِرُ أنْ يَحْمِيَ نَفْسَهُ مِنْ قُوَّةِ الهَاوِيَةِ. أيْنَ يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ الَّتِي أظْهَرتَهَا فِي البِدَايَةِ، الَّتِي حَلَفْتَ بِهَا بِإخْلَاصٍ لِدَاوُدَ؟ اذْكُرْ يَا رَبُّ العَارَ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ خُدَّامُكَ. أعِنِّي فَأُعَزِّي كُلَّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ. اذْكُرْ إهَانَاتِ أعْدَائِكَ يَا اللهُ ، الَّذِينَ أهَانُوا المَلِكَ الَّذِي مَسَحتَهُ. بَارِكُوا اللهَ إلَى الأبَدِ. آمِينَ ثُمَّ آمِينَ. يَا رَبُّ كُنْتَ لَنَا عَلَى الدَّوَامِ مَلجأٌ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. مِنْ قَبلِ وِلَادَةِ الجِبَالِ، مِنْ قَبلِ أنْ تُخلَقَ الأرْضُ وَالعَالَمُ. مُنْذُ الأزَلِ وَإلَى الأبَدِ، أنْتَ اللهُ! أنْتَ تُعِيدُ الإنْسَانَ إلَى التُّرَابِ، وَلِلبَشَرِ تَقُولُ: «عُودُوا.» إنَّ ألْفَ سَنَةٍ لَدَيكَ هِيَ كَمُرُورِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، كَجُزءٍ مِنَ اللَّيلِ حِينَ يَغْلِبُ النُّعَاسُ. تَزُولُ كَأنَّهَا حُلْمٌ، كَعُشْبٍ يَتَجَدَّدُ عِنْدَ الصَّبَاحِ. فِي الصَّبَاحِ يَنْمُو وَيَتَجَدَّدُ، وَقَبْلَ المَسَاءِ يَيْبِسُ وَيَذْوِي. هَكَذَا نَهلِكُ حِينَ تَغْضَبُ، وَحِينَ تَسْخَطُ نَرْتَعِبُ. بِوُضُوحٍ تَرَى كُلَّ آثَامِنَا. وَخَطَايَانَا الخَفِيَّةُ لَا تَخْفَى عَلَيْكَ. كُلُّ سَنَوَاتِنَا تَمُرُّ تَحْتَ غَضَبِكَ، تَمُرُّ سَنَوَاتُنَا كَفِكْرَةٍ. نَعِيشُ لِسَبعِينَ سَنَةٍ كَتَنْهِيدَةٍ! وَإنْ كُنَّا أقوِيَاءَ، فَرُبَّمَا ثَمَانِينَ. وَأغلَبُ تِلْكَ السَّنَوَاتِ مَلِيئَةٌ بِالتَّعَبِ وَالألَمِ. فَجْأةً تَنْتَهِي سَنَوَاتُنَا، وَنَحْنُ نَطِيرُ! مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضَبِكَ؟ أمْ هَلْ سَنَسْتَطِيعُ بِتَقوَانَا أنْ نَتَّقِيَ غَضَبَكَ؟ عَلِّمْنَا أنْ نُحْصِيَ أيَّامَنَا القَلِيلَةَ، لِكَي نَحصُلَ عَلَى قُلُوبٍ حَكِيمَةٍ. فَمَتَى سَتَعُودُ يَا اللهُ ، وَتُعَزِّي عَبِيدَكَ؟ أشْبِعْنَا كُلَّ صَبَاحٍ بِمَحَبَّتِكَ، وَسَنَبتَهِجُ وَنَفرَحُ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِنَا. أعْطِنَا سَنَوَاتٍ مِنَ السَّعَادَةِ بِعَدَدِ مَا أعْطَيْتَنَا مِنْ سَنَوَاتِ الألَمِ وَالضِّيقِ! دَعْ خُدَّامَكَ وَنَسْلَهُمْ يَرَوْنَ أعْمَالَكَ المُهِيبَةَ. فَلْنَعْرِفْ نِعْمَةَ الرَّبِّ الإلَهِ. وَلْيُدعَمْ وَيُثَبَّتْ مَا نَعمَلُ. وَلَيْتَ مَا نَفعَلُهُ يُثمِرُ. السَّاكِنُ تَحْتَ سِترِ العَلِيِّ، تُظَلِّلُهُ حِمَايَةُ القَدِيرِ. أقُولُ للهِ الَّذِي أتَّكِلُ عَلَيْهِ: «أنْتَ إلَهِي وَمَلْجَأي وَحِصنِي!» مِنَ الفَخِّ سَيُنقِذُكَ. سَيُنقِذُكَ مِنَ المُصِيبَةِ وَالأوْبِئَةِ. سَيَفْرِدُ جَنَاحَيهِ فَوقَكَ، وَيَدَعُكَ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيهِ. وَسَيَكُونُ إخلَاصُهُ سِيَاجًا حَامِيًا حَوْلَكَ! لَنْ تَخْشَى مِنْ رُعبِ اللَّيلِ، وَلَا مِنْ سِهَامِ العَدُوِّ الطَّائِرَةِ فِي النَّهَارِ! لَنْ تَخْشَى مِنْ مَرَضٍ يَنْتَشِرُ فِي الخَفَاءِ. وَلَا مِنْ وَبَاءٍ يَضْرِبُ عِنْدَ الظُّهرِ. ألْفٌ مِنْ جُنُودِ الأعَادِي سَيَسْقُطُونَ حَوْلَكَ. وَعَشْرَةُ آلَافٍ سَيَسْقُطُونَ بِسَيفِكَ، لَنْ يُؤذِيَكَ أيٌّ مِنْهُمْ! أجَلْ، بِأُمِّ عَيْنَيْكَ سَتَرَى كُلَّ هَذَا! سَتَرَى الأشرَارَ يَنَالُونَ مَا يَسْتَحِقُّونَ! لِأنَّكَ جَعَلْتَ اللهَ مَلجَأكَ، وَالعَلِيَّ مَسكَنَكَ الآمِنَ. لِهَذَا مَا مِنْ مُصِيبَةٍ سَتُصِيبُكَ. وَمَا مِنْ وَبَاءٍ سَيَدْخُلُ مَسكَنَكَ. لِأنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِكَي يَحْرُسُوكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ! سَيَحْمِلونَكَ عَلَى أيَادِيهِمْ، لِئَلَّا تَرْتَطِمَ قَدَمُكَ بِحَجَرٍ. عَلَى الأسَدِ وَالأفعَى تَدُوسُ، وَتَطَأُ الشِبلَ وَالتَّنِّينَ! فَكَمَا يَقُولُ اللهُ: «يُحِبُّنِي، لِهَذَا سَأُنقِذُهُ! سَأُرَفِّعُهُ لِأنَّهُ يَعْتَرِفُ بِاسْمِي. يَسْتَنْجِدُ بِي فَأسْتَجِيبُ. فِي وَقْتِ الضِّيقِ أكُونُ مَعَهُ. أُنقِذُهُ وَأُكَرِّمُهُ. أُعْطِيهِ عُمرًا طَوِيلًا، وَأُرِيهِ خَلَاصِي.» حَسَنٌ هُوَ تَقْدِيمُ الشُّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ للهِ ، وَالتَّغَنِّي بِاسْمِكَ أيُّهَا اللهُ العَلِيُّ. حَسَنٌ أنْ يُخبَرَ بِمَحَبَّتِكَ كُلَّ صَبَاحٍ. وَبِإخلَاصِكَ فِي اللَّيلِ. حَسَنٌ أنْ يَكُونَ التَّغَنِّي مَصْحُوبًا بِقَيثَارَةٍ ذَاتِ عَشْرَةِ أوتَارٍ، وَدَندَنَةِ العُودِ. لِأنَّكَ فَرَّحتَنِي يَا اللهُ بِأعْمَالِكَ. وَأنَا أبتَهِجُ بِأعْمَالِ يَدَيْكَ. أعْمَالُكَ عَظِيمَةٌ جِدًّا يَا اللهُ ، وَأفكَارُكَ تَتَجَاوَزُ الفَهمَ. كَثِيرًا مَا يُشْبِهُ النَّاسُ البَهَائِمَ الغَبِيَّةَ، هُمْ لَا يَفْهَمُونَ شَيْئًا. رُبَّمَا يُزهِرُ الأشرَارُ كَالأزهَارِ البَرِّيَّةِ، وَقَدْ يَنْمُو فَاعِلُو الشَّرِّ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَكِنَّهُمْ إلَى الأبَدِ سَيُدَمَّرُونَ! أمَّا أنْتَ يَا اللهُ ، فَإلَى الأبَدِ مُرْتَفِعٌ! أمَّا أعْدَاؤكَ يَا اللهُ فَسَيَهْلِكُونَ، وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ سَيَتَبَعثَرُونَ. وَأنْتَ قَوَّيتَنِي كَثَورٍ بَرِّيٍّ. وَسَكَبْتَ زَيْتَكَ النَّقِيَّ عَلَى رأسِي! أجَلْ، رَأيْتُ رِجَالَ العِصَابَاتِ يَكْمُنُونَ لِي، يَتَأهَّبُونَ لِلِانقِضَاضِ عَلَيَّ! سَمِعْتُ أُولَئِكَ الأشرَارَ وَهُمْ يَتَسَلَّلُونَ لِلهُجُومِ عَلَيَّ! كَنَخلَةٍ يُزهِرُ الإنْسَانُ الصَّالِحُ، وَكَأرْزَةٍ فِي لُبْنَانَ سَيَعْلُو. يُزهِرُ أُولَئِكَ المَزرُوعُونَ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ إلَهِنَا! حَتَّى فِي شَيخُوخَتِهِمْ سَيُواصِلُونَ الإثْمَارَ، كَأشْجَارٍ دَائِمَةِ الخُضرَةِ. لِكَي يُخبِرُوا بِأنَّ اللهَ أمِينٌ، هُوَ صَخْرَتِي، وَلَا ظُلمَ فِيهِ. اللهُ هُوَ المَلِكُ! يَتَسَربَلُ بِالمَجْدِ! لَبِسَ اللهُ رِدَاءَهُ المَلَكِيَّ! اكتَسَى بِالقُوَّةِ! العَالَمُ ثَابِتٌ لَنْ يَسْقُطَ. عَرشُكَ مُنْذُ القِدَمِ، وَأنْتَ مُنْذُ الأزَلِ! يَا اللهُ ، تَرْفَعُ الأنهَارُ أصوَاتَهَا. وَيَرْتَفِعُ صَوْتُ تَكَسُّرِ الأموَاجِ أكْثَرَ فَأكثَرَ. ضَجِيجُ المُحِيطِ عَالٍ جِدًّا. وَأموَاجُ البَحْرِ المُرتَطِمَةُ قَوِيَّةٌ جِدًّا! وَلَكِنَّ اللهَ أعْلَى وَأعْظَمُ! وَصَايَاكَ يَا اللهُ يُوثَقُ بِهَا. لَيْتَ هَيْكَلَكَ يَكُونُ أرْضًا مُقَدَّسَةً طُولَ الأيَّامِ! اللهُ هُوَ إلَهُ الِانْتِقَامِ. فَيَا إلَهَ الِانْتِقَامِ أظْهِرْ غَضَبَكَ! يَا قَاضِيَ الأرْضِ قُمْ، وَعَاقِبِ المُتَغَطرِسِينَ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ. يَا اللهُ ، إلَى مَتَى يَسْرَحُ أُولَئِكَ الأشرَارُ وَيَمْرَحُونَ؟ حَتَّى مَتَى يَعْمَلُونَ مَا يُرِيدُونَ؟ حَتَّى مَتَى يَظَلُّ أُولَئِكَ المُجرِمُونَ بِحَمَاسَةٍ يَتَبَجَّحُونَ! سَحَقُوا شَعْبَكَ يَا اللهُ ! وَاضطَهَدُوا الَّذِينَ يَخُصُّونَكَ! يَقْتُلُونَ الأرَامِلَ وَالغُرَبَاءَ، وَيَذْبَحُونَ اليَتَامَى! يَقُولُونَ: « اللهُ لَا يَرَى مَا نَفعَلُ! إلَهُ يَعْقُوبَ لَا يَدْرِي.» تَعَقَّلُوا أيُّهَا البُلَهَاءُ! مَتَى تَتَعَلَّمُونَ أيُّهَا الحَمْقَى؟ اللهُ الَّذِي صَنَعَ آذَانَكُمْ، ألَا يَسْمَعُ! وَالَّذِي صَنَعَ عُيُونَكُمْ، ألَا يَرَى! اللهُ يُؤَدِّبُ الأُمَمَ، فَلَا بُدَّ أنَّهُ يَقْدِرُ أنْ يُوَبِّخَهُمْ! اللهُ يُعَلِّمُ النَّاسَ مَا لَا يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُ اللهُ مَا يُفَكِّرُ بِهِ النَّاسُ. يَعْلَمُ أنَّهُمْ لَيْسُوا سِوَى بُخَارٍ! هَنِيئًا لِلإنْسَانِ الَّذِي تُؤَدِّبُهُ يَا اللهُ ، وَتُعَلِّمُهُ تَعَالِيمَكَ. تُهَدِّئُهُ فِي وَقْتِ الضِّيقِ إلَى أنْ يَفْصِلَ المَوْتُ بَيْنَ الأشْرَارِ وَبَيْنَهُ. لَنْ يَتْرُكَ اللهُ شَعْبَهُ، أوْ يَهْجُرَ الَّذِينَ لَهُ. سَيَعُودُ العَدلُ وَيَتَحَقَّقُ الإنصَافُ، وَسَيَرَاهُ كُلُّ مُسْتَقِيمِي القَلْبِ. مَنْ سَيَنْصُرُنِي عَلَى هَؤُلَاءِ الأشْرَارِ؟ مَنْ سَيَتَصَدَّى لِهَؤُلَاءِ المُجرِمِينَ؟ لَولَا أنَّ اللهَ هُوَ عَونِي، لَسَكَنَتْ نَفْسِي سَرِيعًا فِي أرضِ المَوْتِ. حَتَّى عِنْدَمَا ظَنَنتُ أنَّ قَدَمِي سَتَزِلُّ، سَنَدَتْنِي مَحَبَّةُ اللهِ . قَلِقًا كُنْتُ وَمُضطَرِبًا، لَكِنَّكَ عَزَّيتَنِي وَفَرَّحتَنِي. أنْتَ لَا تَصْنَعُ تَحَالُفًا مَعَ المَلِكِ الشِّرِّيرِ، الَّذِي يَسْتَخْدِمُ الشَّرِيعَةَ لِخَلْقِ المَتَاعِبِ. يُهَاجِمُونَ الصَّالِحِينَ، وَيَدِينُونَ الأبرِيَاءَ وَيَقْتُلُونَهُمْ! لَكِنَّ اللهَ سَيَكُونُ مَلْجَأي المُرْتَفِعَ. إلَهِي سَيَكُونُ حِصنِي الَّذِي ألُوذُ بِهِ. عَلَى جَرَائِمِهِمْ سَيُعَاقِبُهُمْ، وَعَلَى سَيِّئَاتِهِمْ سَيُحَطِّمُهُمْ. اللهُ إلَهُنَا سَيُحَطِّمُهُمْ! هَيَّا نُرَنِّمُ فَرَحًا للهِ . هَيَّا نَهتِفُ بِتَسَابِيحَ لِلصَّخرَةِ الَّتِي تُخَلِّصُنَا. لِنَقتَرِبْ مِنْ حَضرَتِهِ بِشُكرٍ، وَنَهْتِفْ لَهُ بِالمَزَامِيرِ. لِأنَّ يهوه إلَهٌ عَظِيمٌ، هُوَ المَلِكُ عَلَى الآلِهَةِ كُلِّهَا. لِأنَّ العَالَمَ لَهُ، مِنْ أعمَقِ الكُهُوفِ إلَى أعْلَى ذُرَى الجِبَالِ! المُحِيطَاتُ الَّتِي صَنَعَهَا وَالقَارَّاتُ الَّتِي كَوَّنَهَا، كُلُّهَا لَهُ! لِنَنْحَنِ وَنُخضِعْ أنْفُسَنَا، وَنُبَارِكِ اللهَ الَّذِي صَنَعَنَا! لِأنَّهُ إلَهُنَا، وَنَحْنُ الشَّعْبُ الَّذِي يَرْعَاهُ، وَالخِرَافُ الَّتِي يَهْدِيهَا بِيَدِهِ. فَاستَمِعُوا اليَوْمَ إلَى صَوْتِهِ: «وَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فَعَلْتُمْ فِي مَرِيبَةَ، وَعِنْدَمَا جَرَّبْتُمُوهُ فِي مَسَّةَ فِي الصَّحرَاءِ. هُنَاكَ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمْ وَامتَحَنُونِي، مَعَ أنَّهُمْ رَأوْا أعْمَالِي أرْبَعِينَ عَامًا صَبَرتُ عَلَى ذَلِكَ الجِيلِ. أقُولُ لَكُمْ إنَّهُمْ كَانُوا شَعْبًا عَاصِيًا لَمْ يَهْتَمُّوا بِطُرُقِي. وَلِهَذَا أقْسَمْتُ غَاضِبًا: ‹لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي.›» رَنِّمُوا للهِ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. غَنُّوا للهِ يَا كُلَّ أهْلِ الأرْضِ. غَنُّوا للهِ ، بَارِكُوا اسْمَهُ. حَدِّثُوا بِخَلَاصِهِ يَومًا بَعْدَ يَوْمٍ. أخبِرُوا بِمَجْدِهِ بَيْنَ الشُّعُوبِ. أخبِرُوا كُلَّ النَّاسِ بِعَجَائِبِهِ. لِأنَّ اللهَ عَظِيمٌ وَمُسْتَحِقٌّ لِلتَّسبِيحِ! هُوَ الأكثَرُ مَهَابَةً بَيْنَ جَمِيعِ الآلِهَةِ. لِأنَّ كُلَّ آلِهَةِ الأُمَمِ تَمَاثِيلُ تَافِهَةٌ. أمَّا اللهُ فَهُوَ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاوَاتِ! يُشِعُّ مَجدًا وَكَرَامَةً. وَفِي مَقْدِسِهِ القُوَّةُ وَالجَمَالُ. يَا شُعُوبَ الأرْضِ، سَبِّحُوا اللهَ عَلَى مَجْدِهِ وَقُوَّتِهِ. مَجِّدُوا اللهَ لِأجْلِ اسْمِهِ! هَاتُوا تَقْدِمَةً وَادخُلُوا سَاحَاتِ هَيْكَلِهِ. اعبُدُوا اللهَ فِي بَهَاءِ قَدَاسَتِهِ! ارتَعِدُوا فِي حَضرَتِهِ يَا جَمِيعَ سُكَّانِ الأرْضِ. قُولُوا بَيْنَ الأُمَمِ: « اللهُ يَحْكُمُ العَالَمَ وَيُثَبِّتُهُ فَلَا يَتَزَعْزَعُ! وَيَقْضِي بَيْنَ البَشَرِ بِالإنصَافِ.» لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ وَلْتَبْتَهِجِ الأرْضُ. لِيَهْدِرِ البَحْرُ وَكُلُّ مَا يَملأُهُ. لِيَبْتَهِجِ الحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ. حِينَئِذٍ، سَتُغَنِّي أشْجَارُ الغَابَةِ بِفِرِحٍ فِي حَضْرَةِ اللهِ لِأنَّهُ آتٍ، لِأنَّهُ آتٍ لِيَحْكُمَ الأرْضَ. سَيَدِينُ العَالَمَ بِالإنْصَافِ، وَالشَّعُوبَ بِالحَقِّ. اللهُ يَحْكُمُ! لِتَبْتَهِجِ الأرْضُ وَلْتَفْرَحْ كُلُّ الجُزُرِ الكَثِيرَةِ. يَحُوطُهُ السَّحَابُ وَالظُّلمَةُ الكَثِيفَةُ. وَالعَدلُ وَالإنصَافُ يَسْنِدَانِ عَرشَهُ! النَّارُ تَسِيرُ أمَامَهُ. وَالأعْدَاءُ حَوْلَهُ يَشْتَعِلُونَ لَهَبًا! تُضِيءُ العَالَمَ بُرُوقُهُ. وَالأرْضُ تَرَاهَا فَتَرْتَعِدُ خَوْفًا. كَالشَّمعِ ذَابَتِ الجِبَالُ أمَامَ يهوه، رَبِّ كُلِّ الأرْضِ! بِصَلَاحِهِ تُخبِرُ السَّمَاوَاتُ، وَكُلُّ النَّاسِ يَرَوْنَ مَجْدَهُ. كُلُّ مَنْ يَعْبُدُ تَمَاثِيلَ تَافِهَةً وَيَفْتَخِرُ بِهَا سَيُذَلُّ وَيَنْحَنِي ذَاتَ يَوْمٍ خُضُوعًا لِلخَالِقِ! سَمِعَتْ صِهْيَوْنُ فَسَعِدَتْ، وَمُدُنُ يَهُوذَا ابتَهَجَتْ، بِسَبِبِ أحكَامِكَ يَا اللهُ، لِأنَّكَ أنْتَ اللهُ العَلِيُّ عَلَى كُلِّ الأرْضِ! مُتَفَوِّقٌ أنْتَ كَثِيرًا عَلَى كُلِّ الآلِهَةِ! يَا مُحِبِّي اللهِ ، أبْغِضُوا الشَّرَّ! هُوَ يَحْرُسُ نُفُوسَ أتقِيَائِهِ، وَمِنَ الأشْرَارِ يُخَلِّصُهُمْ! نُورٌ يُشرِقُ عَلَى الأبْرَارِ، وَفَرَحٌ عَلَى مُسْتَقِيمِي القُلُوبِ. افرَحُوا فِي اللهِ أيُّهَا الصَّالِحُونَ، وَأكرِمُوا اسْمَهُ القُدُّوسَ! رَنِّمُوا للهِ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، لِأجْلِ العَجَائِبِ الَّتِي صَنَعَهَا. خَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ القَوِيَّةُ شَعْبَهُ لِنَفْسِهِ. أبدَى اللهُ قُوَّتَهُ لِلخَلَاصِ. أعْلَنَ لِلأُمَمِ صَلَاحَهُ. تَذَكَّرَ رَحْمَتَهُ وَأمَانَتَهُ لِإسرَائِيلَ. وَأبصَرَتْ كُلُّ البُلدَانِ البَعِيدَةِ خَلَاصَ إلَهِنَا. يَا كُلَّ مَنْ عَلَى الأرْضِ، اهتِفُوا للهِ بِفَرَحٍ! رَنِّمُوا وَابْتَهِجُوا وَاعزِفُوا الأغَانِي! رَنِّمُوا مَزَامِيرَ للهِ عَلَى القِيثَارِ. عَلَى القِيثَارِ مَعَ الأنَاشِيدِ! بِالأبوَاقِ وَصَوْتِ المِزمَارِ، اهتِفُوا قُدَّامَ اللهِ المَلِكِ! البَحرُ وَكُلُّ مَا فِيهِ لِيَهْتِفْ للهِ. وَالأرْضُ وَكُلُّ سُكَّانِهَا! لِتُصَفِّقِ الأنهَارُ بِأيَادِيهَا، وَلْتَرْقُصِ الجِبَالُ فَرَحًا أمَامَ اللهِ . لِأنَّهُ سَيَأْتِي لِيَدِينَ الأرْضَ. سَيَدِينُ العَالَمَ بِالإنْصَافِ، وَالشُّعُوبَ بِالبِرِّ. اللهُ مَلِكٌ. فَلِتَرْتَعِدِ الشُّعُوبُ خَوْفًا! يَجْلِسُ عَلَى مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ. لِذَا فَلْتَهْتَزِّ الأرْضُ أمَامَهُ. اللهُ عَظِيمٌ فِي صِهْيَوْنَ! مُمَجَّدٌ هُوَ فَوْقَ كُلِّ الشُّعُوبِ! لَيْتَ الشُّعُوبَ تُعَظِّمُ اسْمَكَ المَهُوبَ! قُدُّوسٌ هُوَ! أيُّهَا المَلِكُ الجَبَّارُ الَّذِي يُحِبُّ العَدْلَ، أنْتَ رَسَّختَ الإنصَافَ، وَحَكَمْتَ بِالعَدلِ وَالبِرَّ فِي يَعْقُوبَ! مَجِّدُوا ، وَانْحَنَوْا عِنْدَ مَوضِعِ قَدَمَيهِ، قُدُّوسٌ هُوَ. كَانَ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ بَيْنِ كَهَنَتِهِ، وَصَمُوئِيلُ مِنْ بَيْنِ مَنْ دَعَوْا بِاسْمِهِ، دَعَوُا اللهَ فَاستَجَابَ لَهُمْ! كَلَّمَهُمْ مِنْ خِلَالِ عَمُودِ النَّارِ وَعَمُودِ الدُّخَانِ. وَحَفِظُوا العَهْدَ وَالشَّرِيعَةَ اللَّذَينِ أعطَاهُمَا لَهُمْ. أنْتَ استَجَبْتَ لَهُمْ يَا اللهُ إلَهُنَا! أظْهَرتَ لَهُمْ أنَّكَ إلَهٌ غَفُورٌ وَعَاقَبْتَهُمْ عَلَى أفْعَالِهِمُ الشِّرِيرَةِ. مَجِّدُوا اللهَ إلَهَنَا، وَانْحَنَوْا نَحْوَ جَبَلِهِ المُقَدَّسِ! لِأنَّ اللهَ إلَهَنَا قُدُّوسٌ! يَا كُلَّ مَنْ عَلَى الأرْضِ، اهتِفُوا إكرَامًا للهِ ! اعبُدُوا اللهَ فَرِحِينَ! ابتَهِجُوا وَأنْتُمْ تَأْتُونَ لِلعِبَادَةِ أمَامَهُ! اعلَمُوا أنَّ يهوه هُوَ اللهُ! هُوَ صَنَعَنَا، وَنَحْنُ لَهُ. نَحْنُ شَعْبُهُ وَغَنَمُهُ الَّذِي يَرعَاهُ. ادخُلُوا بَوَّابَتَهُ بِالشُّكرِ. ادخُلُوا سَاحَاتِ هَيْكَلِهِ بِالتَّسبِيحِ. كَرِّمُوهُ، بَارِكُوا اسْمَهُ. سَبِّحُوا اللهَ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ. وَأمَانَتُهُ دَائِمَةٌ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. لَكَ يَا اللهُ أُرَنِّمُ هَذَا، وَأتَغَنَّى بِمَحَبَّتِكَ وَعَدلِكَ. سَأعِيشُ حَيَاةً نَقِيَّةً، سَأسلُكُ بِقَلْبٍ نَقِيٍّ فِي بَيْتِي. فَمَتَى سَتَأْتِي إلَيَّ يَا اللهُ؟ لَنْ أضَعَ أمْرًا شِرِّيرًا أمَامَ عَينَيَّ. أبغَضُ فِعلَ مَا يُبعِدُنِي عَنِ اللهِ، وَأرفُضُ أنْ أفعَلَهُ. لِيَبْتَعِدْ عَنِّي النَّاسُ المُلتَوُونَ. مَعَ الشَّرِّ لَنْ يَكُونَ نَصِيبِي. سَأُوَبِّخُ كُلَّ مَنْ يَغتَابُ جَارَهُ أمَامِي. المُتَكَبِّرُونَ وَالمُنتَفِخُونَ لَا أُطِيقُهُمْ. أبحَثُ عَنْ أمَنَاءِ هَذِهِ الأرْضِ، لِكَي يَعِيشُوا مَعِي. لَنْ يَخْدِمَنِي إلَّا الَّذِينَ يَسْلُكُونَ فِي طَهَارَةٍ. لَنْ يَسْكُنَ فِي بَيْتِي مُخَادِعٍ! وَلَنْ يُسمَحَ لِكَاذِبٍ بِأنْ يَخْدِمَنِي. سَأُبِيدُ كُلَّ هَؤُلَاءِ الأشْرَارِ السَّاكِنِينَ فِي الأرْضِ. وَسَأُخلِي الأشرَارَ مِنْ مَدِينَةِ اللهِ . اسْمَعْ يَا اللهُ صَلَاتِي. لَيْتَ استِغَاثَتِي تَصِلُ إلَى أُذُنَيكَ. لَا تَتَجَاهَلْنِي فِي وَقْتِ ضِيقِي هَذَا! أمِلْ إلَيَّ أُذُنَكَ حِينَ أستَنْجِدُ بِكَ، وَأسرِعْ إلَى مَعُونَتِي. تَصَاعَدَتْ كَالدُّخَانِ حَيَاتِي. وَالتُهِمَتْ عِظَامِي كَمَا بِلَهَبٍ مُتَّقِدٍ. كَعُشبٍ يَابِسٍ ذَبُلَ قَلْبِي، لِأنِّي نَسِيتُ أنْ آكُلَ طَعَامِي. تَفَجَّعْتُ طَوِيلًا، حَتَّى تَدَلَّى جِلْدِي مِنْ عِظَامِي. وَحِيدٌ أنَا كَبُومَةِ الصَّحرَاءِ، كَبُومَةٍ بَيْنَ الخِرَبِ. بَقِيتُ مُؤَرَّقًا، أنَا كَعُصفُورٍ وَحِيدٍ عَلَى السَّطحِ. عَلَى الدَّوَامِ يُهِينُنِي أعْدَائِي، بِي يَهْزَأُونَ وَإيَّايَ يَلْعَنُونَ. لَمْ أتَنَاوَلْ غَيْرَ الحُزنِ طَعَامًا، وَلَا غَيْرَ الدُّمُوعِ شَرَابًا. هَذَا كُلُّهُ صَارَ بِسَبَبِ غَضَبِكَ العَظِيمِ. فَقَدِ التَقَطْتَنِي وَقَذَفْتَ بِي بَعِيدًا. مَا حَيَاتِي إلَّا ظِلٌّ يَخْبُو. وَأنَا أذبُلُ كَعُشبٍ يَابِسٍ. أمَّا أنْتَ يَا اللهُ فَسَتَظَلُّ إلَى الأبَدِ مُتَوَّجًا! وَسَيَظَلُّ ذِكرُ اسْمِكَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ! أظْهِرْ لِصِهْيَوْنَ رَحْمَتَكَ. آنَ أوَانُ تَعْزِيَتِهَا، وَقْتُهَا حَانَ. يَتُوقُ خُدَّامُكَ إلَى رُؤيَةِ حِجَارَتِهَا. وَيُحِبُّونَ غُبَارَ شَوَارِعِهَا! عِنْدَئِذٍ سَتَخَافُ الشُّعُوبُ الأُخرَى اسْمَ اللهِ . وَيُكرِمُ مُلُوكُهُمْ مَجْدَكَ! لِأنَّ اللهَ سَيُعِيدُ بِنَاءَ صِهْيَوْنَ، وَسَيَظْهَرُ هُنَاكَ فِي مَجْدِهِ! يَنْتَبِهُ اللهُ إلَى صَلَوَاتِ المُحتَاجِينَ، وَلَا يَتَجَاهَلُهَا. اكتُبُوا هَذِهِ الأُمُورَ لِلأجيَالِ القَادِمَةِ، لِكَي يُسَبِّحَ يَاه أُنَاسٌ لَمْ يُولَدُوا بَعْدُ. مِنْ عَرشِهِ السَّامِي فِي السَّمَاءِ أطَلَّ اللهُ عَلَى الأرْضِ. أطَلَّ لِكَي يَسْمَعَ أنَّاتِ الأسرَى وَيُحَرِّرَ المَحكُومَ عَلَيْهِمْ بِالمَوْتِ، لِكَي يَتَحَدَّثُوا عَنِ اسْمِ اللهِ فِي صِهْيَوْنَ، وَيُقَدِّمُوا تَسَابِيحَهُ فِي القُدْسِ عِنْدَ اجتمَاعِ الشُّعُوبِ وَالمَمَالِكِ مَعًا لِيَعْبُدُوا اللهَ . تَخُورُ عَلَى الطَّرِيقِ قُوَّتِي، وَتُقَصَّرُ حَيَاتِي! فَأقُولُ: «يَا إلَهِي، لَا تَأْخُذْ حَيَاتِي فِي مُنْتَصَفِ عُمْرِي، يَا مَنْ تَمْتَدُّ سِنينُكَ عَبْرَ جَمِيعِ الأجيَالِ. مِنْ قَدِيمٍ وَضَعْتَ أسَاسَاتِ الأرْضِ فِي البَدْءِ. وَيَدَاكَ هُمَا اللَّتَانِ صَنَعَتَا السَّمَاوَاتِ. هِيَ سَتَفْنَى، أمَّا أنْتَ فَتَبْقَى. هِيَ سَتَبْلَى كَمَا يَبْلَى الثَّوبُ. كَرِدَاءٍ سَتَطْوِيهَا، فَتَمْضِي بَعِيدًا! أمَّا أنْتَ فَلَا تَتَغَيَّرُ أبَدًا، وَلَا نِهَايَةَ لِسَنَوَاتِ حَيَاتِكَ. أبْنَاءُ خُدَّامِكَ سَيَأْتُونَ وَيَمْضُونَ، وَسَيَأْتِي أبْنَاءُ خُدَّامِكَ لِكَي يَخْدِمُوكَ!» بَارِكِي اللهَ يَا نَفْسِي، وَيَا كُلَّ كَيَانِي، بَارِكِ اسْمَهُ القُدُّوسَ! بَارِكِي اللهَ يَا نَفْسِي، وَلَا تَغِبْ عَنْ ذَاكِرَتِكِ أعْمَالُ لُطفِهِ وَإحْسَانِهِ أبَدًا! فَهُوَ مَنْ يَغْفِرُ خَطَايَاكِ. وَهُوَ مَنْ يَشْفِي كُلَّ أمرَاضِكِ. هُوَ الَّذِي يَفْدِي حَيَاتَكِ مِنَ الحُفرَةِ. هُوَ مَنْ يُغَلِّفُكِ بِالمَحَبَّةِ الحَقِيقِيَّةِ وَالرَّأفَةِ. هُوَ مَنْ يُشْبِعُكَ وَيَملأُكَ بِالعَطَايَا الصَّالِحَةِ، وَيُجدَدِّدُ شَبَابَكِ كَنَسرٍ فَتِيٍّ. يَعْمَلُ اللهُ بِالعَدْلِ وَيُنْصِفُ كُلَّ المَسْحُوقِينَ. عَلَّمَ مُوسَى طُرُقَهُ، وَأرَى بَنِي إسْرَائِيلَ أعْمَالَهُ القَوِيَّةَ. اللهُ حَنُونٌ وَرَحِيمٌ حَلِيمٌ وَمَلِيءٌ بِالمَحَبَّةِ. لِذَلِكَ لَا يُخَاصِمُنَا إلَى الأبَدِ، وَلَا يُبقِي إلَى الأبَدِ غَضَبَهُ. لَا يُعَاقِبُنَا عَلَى قَدْرِ خَطَايَانَا، وَلَا يَقْتَصُّ مِنَّا حَسَبَ ذُنُوبِنَا. كَمَا تَرْتَفِعُ السَّمَاوَاتُ عَلَى الأرْضِ، هَكَذَا تَفِيضُ رَحْمَتُهُ، وَتَكْثُرُ لِأتْبَاعِهِ. يُبعِدُ عَنَّا خَطَايَانَا، بُعْدَ الشَّرقِ عَنِ الغَرْبِ! يَحْنُو اللهُ عَلَى خَائِفِيهِ، كَمَا يَحْنُو أبٌ عَلَى أبنَائِهِ. إنَّهُ يَعْرِفُ تَكْوِينَنَا، يَعْلَمُ أنَّنَا مِنَ التُّرَابِ شُكِّلْنَا. يَعْلَمُ أنَّ حَيَاةَ النَّاسِ قَصِيرَةٌ كَالعُشْبِ، كَزَهرَةٍ بَرِّيَّةٍ تَطْلُعُ فَجْأةً، وَفَجْأةً تَخْتَفِي حِينَ تَهُبُّ الرِّيَاحُ الجَافَّةُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَعْرِفَ أيْنَ كَانَتْ تَنْمُو. أمَّا مَحَبَّةُ اللهِ الحَقِيقِيَّةُ لِأتبَاعِهِ، وَأعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ لِأوْلَادِهِمْ، فَعَلَى الدَّوَامِ كَانَتْ، وَكَذَلِكَ سَتَظَلُّ. اللهُ سَيُظهِرُ مَحَبَّتَهُ وَأعْمَالَهُ الصَّالِحَةَ لِلَّذِينَ يَحْفَظُونَ عَهْدَهُ، وَيُطِيعُونَ وَصَايَاهُ. نَصَبَ اللهُ فِي السَّمَاءِ عَرشَهُ، وَعَلَى الجَمِيعِ يَمْتَدُّ حُكمُهُ. يَا مَلَائِكَةَ اللهِ ، بَارِكُوهُ! بَارِكُوهُ أيُّهَا المُحَارِبُونَ الأقوِيَاءُ الَّذِينَ يُطِيعُونَ أوَامِرَهُ، السَّامِعُونَ كَلَامَهُ. بَارِكُوا اللهَ يَا كُلَّ جُيُوشِ السَّمَاءِ وَخُدَّامَهُ المُنَفِّذِينَ مَشِيئَتَهُ! يَا كُلَّ خَلقِ اللهِ ، بَارِكُوهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي مُلكِهِ! بَارِكِي اللهَ يَا نَفْسِي! بَارِكِي اللهَ يَا نَفْسِي! يَا اللهُ إلَهِي، عَظِيمٌ أنْتَ، لَابِسٌ مَجدًا وَكَرَامَةً. يَلُفُّ نَفْسَهُ بِالنُّورِ كَمَا بِثَوبٍ. وَكَسِتَارَةٍ يَبْسِطُ السَّمَاءَ. فَوْقَ السُّحُبِ بَنَى حُجُرَاتِهِ العُلْوِيَّةَ. يَجْعَلُ الغُيُومَ مَرْكَبَتَهُ. وَعَلَى أجنِحَةِ الرِّيحِ يَعْبُرُ السَّمَاءَ. هُوَ يَجْعَلُ رُسُلَهُ رِيَاحًا، وَيَجْعَلُ خُدَّامَهُ نَارًا وَلَهِيبًا. ثَبَّتَ الأرْضَ عَلَى أسَاسَاتِهَا، فَلَا تَهْتَزُّ أبَدًا. غَطَّى الأرْضَ بِالمُحِيطِ كَدِثَارٍ، مُغَطِّيًا بِالمَاءِ الجِبَالَ. وَعِنْدَ تَوْبِيخِكَ، عِنْدَ صَوْتِكَ المُرعِدِ، اندَفَعَ المَاءُ مِنَ الجِبَالِ. الجِبَالُ ارتَفَعَتْ، وَالوِديَانُ سَقَطَتْ، كُلُّ وَاحِدٍ إلَى المَكَانِ الَّذِي عَيَّنتَهُ لَهُ. وَضَعتَ حُدُودًا لَا تَقْدِرُ المِيَاهُ أنْ تَتَجَاوَزَهَا لِتُغَطِّيَ الأرْضَ. جَعَلْتَ اليَنَابِيعَ تَصُبُّ فِي الجَدَاوِلِ المُتَدَفِّقَةِ بَيْنَ الجِبَالِ. تَسْقِي الجَدَاوِلُ كُلَّ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةَ. وَتَأْتِي حَتَّى الحَمِيرُ البَرِّيَّةُ لِتُطفِئَ ظَمَأهَا. تَصْنَعُ الطُّيُورُ أعشَاشَهَا قُرْبَ المَاءِ، مُغَنِّيَةً عَلَى أغْصَانِ الأشْجَارِ القَرِيبَةِ. يَسْقِي الجِبَالَ بِمَاءٍ مِنْ غُرَفِهِ العُلْوِيَّةِ، فَتَشْبَعُ الأرْضُ مِنْ ثَمَرِ يَدَيهِ. يُطلِعُ لِلبَهَائِمِ أعشَابًا، وَالحُبُوبَ لِكَي يَعْمَلَ الإنْسَانُ وَيُخرِجُ مِنَ الأرْضِ خُبْزًا، وَنَبِيذًا يُفَرِّحُ قُلُوبَ النَّاسِ! وَزَيْتًا يُلَمِّعُ وُجُوهَنَا، وَخُبْزًا يَسْنِدُ أجسَادَنَا. الأشْجَارُ العِملَاقَةُ الَّتِي زَرَعَهَا اللهُ تَتَغَذَّى حَسَنًا. هَذِهِ أشْجَارُ أرْزِ لُبْنَانَ، حَيْثُ الطُّيُورُ، مِنَ الدُّورِيِّ إلَى اللَّقلَقِ، تَبْنِي بُيُوتَهَا فِي أغْصَانِ السَّرُوِ. الجِبَالُ العَالِيَةُ هِيَ مَسكَنٌ لِمَاعِزِ الجَبَلِ. وَالصُّخُورُ مَلَاجِئُ لِحَيَوَانِ الغُرِيرِ. خَلَقْتَ القَمَرَ لِتَحْدِيدِ المَوَاسِمِ، وَالشَّمْسُ تَعْرِفُ وَقْتَ مَغِيبِهَا. خَلَقْتَ الظُّلمَةَ لِيَكُونَ هُنَاكَ لَيلٌ، لِكَي تَخْرُجَ حَيَوَانَاتُ الغَابَةِ وَتَطُوفَ. الأُسُودُ تَزأرُ مِنْ أجْلِ فَرِيسَةٍ مُلتَمِسَةً مِنَ اللهِ طَعَامَهَا. ثُمَّ تُشرِقُ الشَّمْسُ، فَتَعُودُ حَيَوَانَاتُ اللَّيلِ لِتَرْبُضَ فِي مَسَاكِنِهَا. ثُمَّ يَخْرُجُ النَّاسُ لِيَعْمَلُوا، لِيَقُومُوا بِأعْمَالِهِمْ حَتَّى المَسَاءِ. يَا اللهُ أعْمَالُكَ لَا تُحصَى! صَنَعْتَهَا كُلَّهَا بِحِكمَةٍ! الأرْضُ مَملُوءَةٌ بِصَنَائِعِكَ. هَا البَحرُ مَثَلًا! هُوَ وَاسِعٌ وَمُمتَدٌّ، وَمَملُوءٌ بِحَيَوَانَاتٍ كَبيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ بِلَا عَدَدٍ! عَلَى سَطحِهِ تُبحِرُ السُّفُنُ، وَفِي أعمَاقِهِ يَلْعَبُ لَوِيَاثَانُ الَّذِي صَنَعْتَهُ. كُلُّهَا إلَيْكَ تَأْتِي لِتَنَالَ نَصِيبَهَا مِنَ الطَّعَامِ فِي حِينِهِ. تَفْتَحُ يَدَيْكَ وَتَنْثُرُ طَعَامَهَا لِتَلْتَقِطَهُ، فَتَشْبَعَ خَيرَاتٍ. لَكِنْ حِينَ تُدِيرُ لَهَا ظَهرَكَ، فَإنَّهَا تَرْتَعِبُ وَتَحْبِسُ أنْفَاسَهَا. تَضْعُفُ وَتَمُوتُ، وَإلَى التُّرَابِ تَعُودُ. لَكِنْ عِنْدَمَا تُرسِلُ رُوحَكَ، فَإنَّهَا تَحْيَا، وَالأرْضُ تَتَجَدَّدُ. لِيَتَمَجَّدِ اللهُ إلَى الأبَدِ، وَلْيَفْرَحْ وَيَبْتَهِجْ بِخَلِيقَتِهِ. لِأنَّهُ يُحَمْلِقُ فِي الأرْضِ فَتَرْتَعِدَ. يَلْمِسُ الجِبَالَ فَيَخْرُجَ دُخَانٌ مِنْهَا. سَأُغَنِّي للهِ مَا دُمْتُ حَيًّا، أُسَبِّحُ إلَهِي بِمَزَامِيرَ مَا دُمتُ حَيًّا. سَأنْظُمُ لَهُ قَصَائِدَ، وَسَأفرَحُ فِي اللهِ . سَيُبَادُ الخُطَاةُ مِنَ الأرْضِ، وَلَا يَكُونُ فِيمَا بَعْدُ أشرَارٌ. سَبِّحِي اللهَ يَا نَفْسِي! سَبِّحِي يَاه! احْمَدُوا اللهَ ، أذِيعُوا اسْمَهُ. خَبِّرُوا الشُّعُوبَ بِمَا صَنَعَ. غَنُّوا لَهُ. رَنِّمُوا لَهُ. وَفِي رَوَائِعِهِ تَأمَّلُوا. تَبَاهَوْا بِاسْمِهِ القُدُّوسِ. وَلْيَفْرَحِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ اللهَ . اطْلُبُوا اللهَ وَقُوَّتَهُ، اطْلُبُوا حُضُورَهُ دَائِمًا. تَذَكَّرُوا الأُمُورَ العَظِيمَةَ الَّتِي أجْرَاهَا، عَجَائِبَهُ وَأحْكَامَهُ الَّتِي نَطَقَ بِهَا. يَا أبْنَاءَ خَادِمِهِ إبْرَاهِيمَ، يَا مُخْتَارِيهِ أبْنَاءَ يَعْقُوبَ. يهوه هُوَ إلَهُنَا، وَأحكَامُهُ فِي كُلِّ الأرْضِ. إلَى الأبَدِ سَيَذْكُرُ عَهْدَهُ، الكَلَامَ الَّذِي أوصَى بِهِ لِألْفِ جِيلٍ، العَهْدَ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ إبْرَاهِيمَ، وَوَعَدَ بِهِ إسْحَاقَ. ثَبَّتَهُ مَعَ يَعْقُوبَ شَرِيعَةً، وَمَعَ إسْرَائِيلَ عَهْدًا أبَدِيًّا. فَقَالَ: «سَأُعْطِيكَ أرْضَ كَنْعَانَ، فَتَكُونَ مِنْ نَصِيبِكَ.» كَانُوا قَلِيلِينَ وَغُرَبَاءَ فِي الأرْضِ، يَرْتَحِلُونَ مِنْ أُمَّةٍ إلَى أُمَّةٍ، وَمِنْ مَملَكَةٍ إلَى مَملَكَةٍ. فَلَمْ يَسْمَحِ لِأحَدٍ بِأنْ يَظْلِمَهُمْ، بَلْ حَذَّرَ المُلُوكَ مِنْ أجْلِهِمْ. قَالَ لَهُمْ: «لَا تَمَسُّوا مَنْ مَسَحْتُهُمْ، وَلَا تُؤْذُوا أنبِيَائِي!» جَلَبَ اللهُ عَلَى الأرْضِ مَجَاعَةً، فَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ مَا يَكْفِي مِنَ الخُبْزِ! أرْسَلَ رَجُلًا إلَى مِصْرٍ قَبْلَ بَنِي إسْرَائِيلَ، يُوسُفَ الَّذِي بِيعَ عَبْدًا. آذُوا بِالسَّلَاسِلِ قَدَمَيهِ، وَبِطَوقٍ حَدِيدِيٍّ طَوَّقُوا رَقَبَتَهُ. حَتَّى تَحَقَّقَ كَلَامُهُ، وَكَلِمَةُ اللهِ بَرهَنَتْ صِدْقَهُ. أرْسَلَ المَلِكُ فِي طَلَبِهِ وَكَافَأهُ. وَحَاكِمُ الشَّعْبِ حَرَّرَهُ مِنَ السِّجْنِ. عَيَّنَهُ سَيِّدًا عَلَى بَيْتِهِ، مَسؤُولًا عَنْ كُلِّ أمْلَاكِهِ. أعْطَى يُوسُفُ تَعْلِيمَاتٍ لِلقَادَةِ، وَدَرَّبَ قَادَةً أكبَرَ مِنْهُ. ثُمَّ دَخَلَ إسرَائِيلُ مِصْرًا. عَاشَ يَعْقُوبُ غَرِيبًا فِي أرْضِ حَامٍ. كَثَّرَ اللهُ شَعْبَهُ كَثِيرًا، فَصَارُوا أعْظَمَ وَأقوَى مِنْ أعْدَائِهِمْ. عِنْدَئِذٍ تَغَيَّرَتْ نَظرَةُ المِصْرِيِّينَ إلَيْهِمْ، فَبَدَأُوا يُبغِضُونَهُمْ وَيَتَآمَرُونَ عَلَى عَبِيدِهِمْ. فَأرْسَلَ اللهُ عَبدَهُ مُوسَى، وَهَارُونَ الَّذِي اخْتَارَهُ. أظْهِرُوا بَرَاهِينَهُ وَسَطَ شَعْبِ مِصْرٍ، وَمُعجِزَاتِهِ فِي أرْضِ حَامٍ. أرْسَلَ ظَلَامًا شَدِيدًا، وَلَمْ يُصغِ المِصْرِيونَ إلَيْهِ. حَوَّلَ مَاءَهُمْ دَمًا، وَقَتَلَ سَمَكَهُمْ. مَلأ بَلَدَهُمْ بِالضَّفَادِعِ، حَتَّى فِي قَصرِ المَلِكِ. أصدَرَ أمرَهُ، فَغَزَتْ مِصْرًا أسرَابُ الذُّبَابِ وَالبَعُوضِ. حَوَّلَ مَطَرَهُمْ بَرَدًا وَأرْسَلَ بَرْقًا ضَرَبَ أرضَهُمْ، فَدَمَّرَ كُرُومَهُمْ وَتِينَهُمْ، وَكَسَّرَ أشْجَارًا فِي كُلِّ بِلَادِهِمْ. أمَرَ، الجَرَادَ وَالجَنَادِبَ، فَجَاءَتْ بِأعْدَادٍ لَا تُحصَى. أكَلَتْ كُلَّ نَبَاتٍ أخضَرَ فِي الحُقُولِ، وَكُلَّ محَاصِيلِ الأرْضِ. ثُمَّ ضَرَبَ كُلَّ ابنٍ بِكرٍ فِي كُلِّ عَائِلَةٍ، الَّذِينَ هُمْ بُرهَانُ قُوَّةِ آبَائِهِمْ. أخرَجَهُمْ حَامِلِينَ ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَلَمْ يَتَعَثَّرْ أحَدٌ مِنْ كُلِّ عَشَائِرِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَرِحَ المِصْرِيُّونَ بِرَحيلِهِمْ، لِأنَّهُمُ ارْتَعَبُوا مِنْهُمْ. كَغِطَاءٍ بَسَطَ اللهُ سَحَابَتَهُ فَوقَهُمْ، وَأعْطَاهُمْ عَمُودَ نَارٍ لِيُضِيءَ اللَّيلَ. طَلَبُوا مِنَ اللهِ، فَأنزَلَ السَّلوَى عَلَيْهِمْ. وَمِنَ الخُبْزِ السَّمَاوِيِّ أشبَعَهُمْ. شَقَّ اللهُ الصَّخرَةَ، فَاندَفَعَ المَاءُ عَلَى الأرْضِ الجَافَّةِ كَنَهْرٍ. لِأنَّهُ تَذَكَّرَ عَهْدَهُ المُقَدَّسَ لِخَادِمِهِ إبْرَاهِيمَ، وَأخرَجَ شَعْبَهُ المُختَارَ مِنْ مِصْرٍ فَرِحِينَ مُتَهَلِّلِينَ. ثُمَّ أعطَاهُمْ أرْضَ شُعُوبٍ أُخْرَى، وَوَرَثُوا ثَمَرَ تَعَبِ الغُرَبَاءِ. لِكَي يُطِيعُوا شَرَائِعَهُ، وَيَحْفَظُوا تَعَالِيمَهُ. سَبِّحُوا اللهَ . سَبِّحُوا اللهَ . سَبِّحُوا اللهَ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ. مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَصِفَ أعْمَالَ اللهِ الجَبَّارَةَ، لِكَي يُسَبِّحَهُ بِمَا يَكْفِي؟ هَنِيئًا لِمَنْ يَحْفَظُونَ العَدْلَ، وَعَلَى الدَّوَامِ يَعْمَلُونَ أعْمَالًا صَالِحَةً وَمُسْتَقِيمَةً. اذكُرْنِي يَا اللهُ عِنْدَمَا تُرِي شَعْبَكَ لُطفَكَ. أعِنِّي أنَا أيْضًا حِينَ تُخَلِّصُهُمْ. فَأُشَارِكَ فِي بَرَكَاتِ مُختَارِيكَ، وَأفرَحَ مَعَ شَعْبِكَ، وَأُسَبِّحَ مَعَ الَّذِينَ هُمْ لَكَ. كَآبَائِنَا نَحْنُ أخْطَأنَا. أشرَارًا كُنَّا. مُذنِبُونَ نَحْنُ! لَمْ يَتَعَلَّمْ آبَاؤُنَا فِي مِصْرٍ مِنَ المُعجِزَاتِ. لَمْ يَتَذَكَّرُوا مَحَبَّتَكَ وَإحْسَانَكَ العَظِيمَينِ. هُنَاكَ عِنْدَ البَحْرِ الأحْمَرِ، تَمَرَّدُوا عَلَيْكَ. لَكِنَّهُ خَلَّصَهُمْ مِنْ أجْلِ اسْمِهِ، لِكَي يُظهِرَ عَظَمَتَهُ، انتَهَرَ البَحْرَ الأحْمَرَ فَجَفَّ، فَقَادَهُمْ عَبْرَ البَحْرِ كَأنَّهُ قَادَهُمْ عَبْرَ الصَّحرَاءِ. خَلَّصَهُمْ مِنْ مُبغِضِيهِمْ، وَفَدَاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ. ثُمَّ غَمَرَ فِي المَاءِ أعْدَاءَهُمْ. فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أحَدٌ. بِكَلَامِهِ آمَنُوا، وَرَنَّمُوا تَسَابِيحَهُ. لَكِنَّهُمْ سَرْعَانَ مَا نَسَوْا مَا صَنَعَهُ، وَرَفَضُوا أنْ يَنْتَظِرُوا مَشُورَتَهُ وَرَأيَهُ. وَفِي الصَّحرَاءِ استَسْلَمُوا لِشَهَوَاتِهِمْ، وَامتَحَنُوا اللهَ فِي البَرِّيَّةِ. فَأعطَاهُمْ مَا طَلَبُوهُ، وَأرْسَلَ إلَيْهِمْ مَرَضًا مُمِيتًا. فَغَارَ الشَّعْبُ مِنْ مُوسَى، وَغَارُوا مِنْ هَارُونَ، الكَاهِنِ المُقَدَّسِ للهِ . فَانشَقَّتِ الأرْضُ وَالتَهَمَتْ جَمَاعَةَ دَاثَانَ وَأبِيرَامَ، وَدَفَنَتْ كُلَّ تِلْكَ الجَمَاعَةِ المُتَمَرِّدَةِ. شَبَّتْ نَارٌ فِيهِمْ، وَالتَهَمَتْ أُولَئِكَ الأشرَارَ. صَنَعُوا العِجلَ الذَّهَبِيَّ عِنْدَ جَبَلِ حُورِيبَ، وَسَجَدُوا لِذَلِكَ التِّمثَالِ. استَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ بِتِمثَالٍ مَسْبُوكٍ لِثَورٍ آكِلٍ لِلعُشبِ. نَسَوْا اللهَ الَّذِي خَلَّصَهُمْ، وَصَنَعَ مُعجِزَاتٍ عَظِيمَةً فِي مِصْرٍ، صَنَعَ عَجَائِبَ فِي أرْضِ حَامٍ، وَمُعجِزَاتٍ مُهِيبَةً عِنْدَ البَحْرِ الأحْمَرِ! كَانَ سَيُهلِكُهُمْ لَولَا أنَّ مُوسَى الَّذِي اخْتَارَهُ تَدَخَّلَ وَهَدَّأ غَضَبَ اللهِ، فَحَالَ دُونَ هَلَاكِهِمْ. ثُمَّ رَفَضُوا الأرْضَ الطَّيِّبَةَ. لَمْ يُؤمِنُوا بِوَعدِهِ. جَلَسُوا فِي خِيَامِهِمْ يَتَذَمَّرُونَ عَلَى اللهِ ، وَلَمْ يُطِيعُوا وَصَايَا اللهِ . فَرَفَعَ يَدَهُ وَأقسَمَ أنْ يَرْمِيَهُمْ فِي الصَّحرَاءِ بَعِيدًا، وَأنْ يُهزَمَ أحفَادُهُمْ أمَامَ الأُمَمِ الأُخرَى، فَيَتَشَتَّتُوا عَلَى وَجْهِ الأرْضِ. ثُمَّ تَعَلَّقُوا بِبَعلِ فَغُورَ، وَأكَلُوا مِنَ الذَّبَائِحِ المُقَدَّمَةِ لِلمَوْتَى. أثَارُوا غَضَبَ اللهِ بِأعْمَالِهِمْ، فَانتَشَرَ وَبَاءٌ بَيْنَهُمْ. ثُمَّ تَدَخَّلَ فِينَحَاسُ، فَتَوَقَّفَ الوَبَاءُ. وَحُسِبَ لَهُ هَذَا عَمَلًا بَارًّا، وَحُفِظَتْ ذِكرَاهُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ! أغضَبُوا اللهَ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ، وَاضطَرَبَ مُوسَى بِسَبَبِهِمْ. أمَرُّوا رُوحَهُ، فَتَكَلَّمَ بِطَيشٍ. ثُمَّ لَمْ يُهلِكُوا الأُمَمَ الأُخرَى كَمَا أمَرَهُمُ اللهُ . بَلِ اخْتَلَطُوا بِهِمْ، وَتَعَلَّمُوا عَادَاتِهِمْ. بَدَأُوا يَخْدِمُونَ أصْنَامَهُمْ، فَصَارَ هَذَا لَهُمْ فَخًّا. ضَحُّوا حَتَّى بِأبنَائِهِمْ، وَقَدَّمُوهُمْ لِشَيَاطِينَ! سَفَكُوا دَمًا بَرِيئًا، دَمَ أبنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمُ الَّذِينَ ضَحُّوا بِهِمْ لِأصْنَامِ كَنْعَانَ. فَتَلَوَّثَتْ بِالدَّمِ أرْضُهُمْ. وَتَنَجَّسُوا هُمْ أيْضًا بِأعْمَالِهِمُ الخَائِنَةِ وَالنَّجِسَةِ. فَغَضِبَ اللهُ عَلَى شَعْبِهِ، وَبَدَأ يَشْمَئِزُّ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا لَهُ. فَأسلَمَهُمْ لِلأُمَمِ الأُخرَى، وَصَارَ كَارِهُوهُمْ يَحْكُمُونَهُمْ. وَضَايَقَهُمْ أعْدَاؤُهُم، وَأخْضَعُوهُمْ بِقُوَّتِهِمْ. كَثِيرًا مَا كَانَ اللهُ يُنْقِذُهُمْ، لَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَفَعَلُوا مَا أرَادُوهُ، وَانحَدَرُوا أكْثَرَ فَأكثَرَ فِي ذُنُوبِهِمْ. وَكُلَّمَا كَانُوا فِي ضِيقٍ، وَصَلُّوا إلَيْهِ، كَانَ يَسْمَعُهُمْ وَيَرْفَعُ أعبَاءَهُمْ. يَتَذَكَّرُ عَهْدَهُ مَعَهُمْ، وَيُعَزِّيهِمْ بِمَحَبَّتِه وَإحْسَانِهِ العَظِيمَينِ. بَلْ جَعَلَ قُلُوبَ آسِرِيهِمْ تَرِقُّ لَهُمْ. فَالآنَ يَا خَلِّصْنَا. رُدّنَا مَعًا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الأُمَمِ، لِكَي نُقَدِّمَ الشُّكرَ لِاسْمِكَ القُدُّوسِ، وَبِتَرَانِيمِ التَّسْبِيحِ نُكرِمُكَ. مُبَارَكٌ اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ مِنَ الأزَلِ إلَى الأبَدِ مُسْتَحِقٌ التَّسْبِيحَ. وَلْيَقُلِ الشَّعْبُ كُلُّهُ: «آمِينَ!» سَبِّحُوا اللهَ . سَبِّحُوا اللهَ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ. لِيَقُلْ هَذَا مَفدِيُّو اللهِ الَّذِينَ حَرَّرَهُمْ مِنَ العَدُوِّ! الَّذِينَ جَمَعَهُمْ مِنْ بِلَادٍ كَثِيرَةٍ فِي الشَّرقِ وَالغَربِ، فِي الشِّمَالِ وَالجَنُوبِ. هَامُوا عَبْرَ صَحَارَى جَافَّةٍ بَحْثًا عَنْ مَدِينَةِ سَكَنٍ، فَلَمْ يَجِدُوا. نُفُوسُهُمْ أُنهِكَتْ مِنَ الجُوعِ وَالعَطَشِ. صَرَخُوا إلَى اللهِ فِي وَقْتِ ضِيقِهِمْ، فَأنقَذَهُمْ مِنْ ضِيقَاتِهِمْ. أخَذَهُمْ فِي طَرِيقٍ مُسْتَقِيمَةٍ، وَإلَى مَدِينَةِ سَكَنٍ قَادَهُمْ. فَلْيُسَبِّحُوا اللهَ عَلَى رَحْمَتِهِ، وَعَلَى العَجَائِبِ الَّتِي يَصْنَعُهَا لِلبَشَرِ. فَهُوَ يُروِي النَّفْسَ العَطشَانَةَ وَيُشبِعُ النَّفْسَ الجَوْعَانَةَ خَيرَاتٍ. سَكَنَ الشَّعْبُ فِي زَنَازِنَ حَيْثُ الظُّلمَةُ سَودَاءُ كَالمَوْتِ. وَأُوثِقُوا بِسَلَاسِلَ مِنْ حَدِيدٍ. هَذَا لِأنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَى وَصَايَا اللهِ، وَاحتَقَرُوا نَصَائِحَ العَلِيِّ! أخضَعَهُمْ لِلعَمَلِ المُجهِدِ وَالمُعَانَاةِ. تَعَثَّرُوا وَلَا مَنْ يُعِينُهُمْ. صَرَخُوا إلَى اللهِ فِي وَقْتِ ضِيقِهِمْ، فَخَلَّصَهُمْ مِنْ ضِيقَاتِهِمْ. مِنْ سُجُونِهِمُ المُظلِمَةِ كَالمَوْتِ أخرَجَهُمْ وَقَطَّعَ قُيُودَهُمْ! فَلْيُسَبِّحُوا اللهَ عَلَى رَحْمَتِهِ، وَعَلَى العَجَائِبِ الَّتِي يَصْنَعُهَا لِلبَشَرِ. فَقَدْ حَطَّمَ تِلْكَ البَوَّابَاتِ البُرُونْزِيَّةَ، وَحَطَّمَ قُضبَانَهَا الحَدِيدِيَّةَ. تَمَرَّدَ عَلَى اللهِ بَعْضُ الحَمْقَى، فَعَانُوا بِسَبَبِ الشُّرُورِ الَّتِي فَعَلُوهَا. عَافَتْ نُفُوسُهُمُ الطَّعَامَ، وَعَلَى المَوْتِ أشرَفُوا. صَرَخُوا إلَى اللهِ فِي وَقْتِ ضِيقِهِمْ، فَخَلَّصَهُمْ مِنْ ضِيقَاتِهِمْ. نَطَقَ بِكَلِمَتِهِ فَشَفَاهُمْ، وَخَلَّصَهُمْ مِنَ القَبْرِ وَالهَلَاكِ. فَليُسَبِّحُوا اللهَ عَلَى رَحْمَتِهِ، وَعَلَى العَجَائِبِ الَّتِي يَصْنَعُهَا لِلبَشَرِ. فَلْيُقَدِّمُوا تَقْدِمَاتِ الشُّكْرِ، وَلْيُخبِرُوا بِفَرَحٍ وَتَرِنِيمٍ بِمَا فَعَلَ اللهُ لَهُمْ. انطَلَقَ بَعْضُ البَحَّارَةِ إلَى البَحْرِ فِي سُفُنِهِمْ، لِيَجْتَهِدُوا فِي تِجَارَةٍ عَبْرَ المُحِيطِ. رَأوْا أعْمَالَ اللهِ ، وَالآيَاتِ الَّتِي صَنَعَهَا فِي المُحِيطِ. أعْطَى الأمْرَ، فَهَبَّتْ عَاصِفَةٌ، وَتَعَالَتِ الأموَاجُ! كَانَتِ السُّفُنُ تُقذَفُ عَالِيًا فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تُلقَى إلَى البَحْرِ العَمِيقِ! تَلَاشَتْ شَجَاعَتُهُمْ مِنَ الكَارِثَةِ الوَشِيكَةِ. كَالسُّكَارَى تَعَثَّرُوا وَتَرَنَّحُوا، وَمَهَارَتُهُمْ لَمْ تَنْفَعْهُمْ! فِي وَقْتِ ضِيقِهِمْ إلَى اللهِ صَرَخُوا، فَخَلَّصَهُمْ مِنْ ضِيقَاتِهِمْ. سَكَّنَ العَاصِفَةَ، وَهَدَّأ أموَاجَ البَحْرِ. فَابْتَهَجُوا بِسُكُونِ المُحِيطِ. وَأرشَدَهُمُ اللهُ إلَى المَلَاذِ الَّذِي يَطْلُبُونَهُ. فَلْيُسَبِّحُوا اللهَ عَلَى رَحْمَتِهِ، وَعَلَى العَجَائِبِ الَّتِي يَصْنَعُهَا لِلبَشَرِ. وَلْيُعَظِّمُوهُ فِي الِاجْتِمَاعِ الكَبِيرِ فِي الهَيْكَلِ، وَلْيُسَبِّحُوهُ فِي اجتِمَاعِ مَجلِسِ شُيُوخِ المَدِينَةِ. حَوَّلَ الأنهَارَ إلَى صَحَارَى، وَيَنَابِيعَ المِيَاهِ إلَى أرْضٍ جَافَّةٍ. الأرْضَ الخَصِيبَةَ جَعَلَهَا مَالِحَةً بِسَبَبِ الشَّرِّ الَّذِي فَعَلَهُ سُكَّانُهَا! لَكِنَّهُ حَوَّلَ الصَّحرَاءَ إلَى بِرَكِ مِيَاهٍ، وَالأرْضَ النَّاشِفَةَ إلَى يَنَابِيعَ. أسكَنَ الجِيَاعَ هُنَاكَ فَأسَّسُوا مَدِينَةً فِيهَا يَسْكُنُونَ. بَذَرَ الجِيَاعُ الحُقُولَ، وَزَرَعُوا الكُرُومَ، فَأنْتَجَتْ ثَمَرَهَا. وَاللهُ بَارَكَهُمْ، فَتَكَاثَرُوا هُمْ وَمَوَاشِيهِمْ. وَبِسَبَبِ المَصَائِبِ وَالضِّيقَاتِ، صَغُرَتْ وَضَعُفَتْ عَشَائِرُهُمْ. خَجَّلَ النُّبَلَاءُ، وَجَعَلَهُمْ يَهِيمُونَ فِي صَحرَاءَ فَارِغَةٍ لَا طَرِيقَ فِيهَا. لَكِنَّهُ رَفَعَ المَسَاكِينَ مِنْ بُؤْسِهِمْ، وَجَعَلَ عَائِلَاتِهِمْ تَنْمُو كَقُطعَانِ الخِرَافِ. يَرَى هَذَا الصَّالِحُونَ فَيَفْرَحُونَ، أمَّا الأشرَارُ فَيَسُدُّونَ أفْوَاهَهُمْ. مَنْ كَانَ حَكِيمًا فَرَاعَى هَذِهِ الأُمُورَ سَيَفْهَمُ مَحَبَّةَ اللهِ الصَّادِقَةَ. قَلْبِي ثَابِتٌ يَا اللهُ، قَلْبِي ثَابِتٌ، وَسَأُغَنِّي وَأعزِفُ لَكَ، فَاسْتَيْقِظِي يَا نَفْسِي. استَيْقِظِي يَا قِيثَارَتِي، يَا عُودِي هَيَّا نُوقِظُ الفَجرَ! أحمَدُكَ، يَا اللهُ ، بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُسَبِّحُكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ. فَمَحَبَّتُكَ تَعْلُو كَثِيرًا فَوْقَ السَّمَاءِ، وَأمَانَتُكَ إلَى السَّحَابِ. ارْتَفِعْ يَا اللهُ مُعَظَّمًا فَوْقَ السَّمَاءِ، وَلْيَرْتَفِعْ مَجْدُكَ فَوْقَ الأرْضِ كُلِّهَا. خَلِّصْنِي بِيَمِينِكَ، استَجِبْ لِصَلَاتِي وَخَلِّصِ الَّذِينَ تُحِبُّهُمْ. قَالَ اللهُ فِي هَيْكَلِهِ: «سَأربَحُ المَعرَكَةَ وَأبتَهِجُ! سَأُعْطِي شَكِيمَ حِصَّةً لِمَنْ أُرِيدُ، وَأُقَسِّمُ وَادِي سُكُّوتَ. لِي سَتَكُونُ جِلعَادُ، وَكَذَلِكَ مَنَسَّى. أفْرَايِمُ خُوذَتِي، وَيَهُوذَا صَولَجَانُ مُلْكِي. مِغسَلَةً لِقَدَمَيَّ سَتَكُونُ مُوآبُ، وَأُدُومُ حَيْثُ أخلَعُ حِذَائِي. وَفِي فِلِسْطِيَةَ يُدَوِّي هُتَافُ انتِصَارِي.» لَكِنْ مَنْ سَيَأْخُذُنِي إلَى المَدِينَةِ المُحَصَّنَةِ؟ مَنْ سَيَقُودُنِي إلَى أدُومَ؟ ألَسْتَ أنْتَ مَنْ هَجَرتَنَا، يَا اللهُ؟ ألَسْتَ تَرْفُضُ الخُرُوجَ إلَى المَعْرَكَةِ مَعَ جُيُوشِنَا؟ أعِنَّا فَنَتَخَلَّصَ مِنَ العَدُوِّ! فَعَونُ البَشَرِ بِلَا فَائِدَةٍ! أمَّا بِعَونِ اللهِ فَنَنتَصِرُ. وَهُوَ يَدُوسُ أعْدَاءَنَا. يَا اللهُ، يَا مَنْ إيَّاهُ أُسَبِّحُ، أجِبْنِي وَلَا تَسْكُتْ! فَقَدِ افتَرَى عَلَيَّ أشرَارٌ مُخَادِعُونَ. بِالأكَاذِيبِ تَكَلَّمُوا عَلَيَّ. بِألسِنَتِهِمْ هَاجَمُونِي، وَقَالُوا عَلَيَّ أشْيَاءَ بَغِيضَةً، وَيُحَارِبُونَنِي بِلَا سَبَبٍ. كَافَأُوا مَحَبَّتِي بِالعَدَاوَةِ. وَهَا أنَا الآنَ أُصَلِّي إلَيْكَ يَا اللهُ. صَنَعُوا مَعِي شَرًّا مُقَابِلَ الخَيْرِ، بِالبُغضِ قَابَلُوا مَحَبَّتِي. قَالُوا: «عَيِّنُوا رَجُلًا شِرِّيرًا يُدَافِعُ عَنْهُ، فَيَكُونُ مُقَاوِمًا لَهُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ. لِيُوجَدَ مُذْنِبًا حِينَ يُحَاكَمُ، وَلِتُستَخْدَمَ صَلَاتُهُ ضِدَّهُ! وَهَكَذَا تُقطَعُ حَيَاتُهُ قَبْلَ أوَانِهَا، وَيُشغِلُ وَظِيفَتَهُ شَخْصٌ آخَرُ. لِيُصْبِحْ أوْلَادُهُ يَتَامَى، وَلْتَتَرَمَّلْ زَوْجَتُهُ. لِيَتَنَقَّلْ أبنَاؤُهُ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ مُتَسَوِّلِينَ، وَلْيُطرَدُوا مِنْ مَسْكَنِهِمُ الخَرِبِ! لِيتَ مُقرِضِيهِ يَأْخُذُونَ كُلَّ مَا لَهُ، وَلَيْتَ الغُرَبَاءَ يَنْهَبُونَ كُلَّ مَا تَعِبَ فِيهِ. لَيْتَ أحَدًا لَا يَرْحَمُهُ، وَلَيتَهُ لَا يُوجَدُ مَنْ يُشفِقُ عَلَى أبنَائِهِ اليَتَامَى. لِيُقطَعْ نَسْلُهُ، وَليُمْحَ ذِكْرُ اسْمِهِ فِي الجِيلِ التَّالِي. لَيْتَ اللهَ يُذَكَّرُ دَائِمًا بِخَطيَّةِ آبَائِهِ، وَلَيْتَ خَطَايَا أُمِّهِ لَا تُمحَى أبَدًا. لَيْتَ هَذِهِ الخَطَايَا تَكُونُ أمَامَ اللهِ دَائِمًا، وَلَيْتَ كُلَّ ذِكرَى لَهَا عَلَى الأرْضِ تُنسَى. فَهُوَ لَمْ يُفَكِّرْ يَومًا أنْ يُبدِيَ لُطفًا، بَلِ اضطَهَدَ المَسَاكِينَ الفُقَرَاءَ وَطَارَدَ المُنسَحِقِينَ حَتَّى المَوْتِ. أحَبَّ أنْ يَلْعَنَ الآخَرِينَ، فَلْتُصِبهُ هُوَ هَذِهِ اللَّعَنَاتُ. لَمْ يُحِبَّ أنْ يَتَبَارَكَ النَّاسُ، فَلَيتَهُ لَا يَرَى البَرَكَاتِ. لَبِسَ اللَّعَنَاتِ كَثِيَابٍ، فَلْتَكُنْ هَذِهِ اللَّعَنَاتُ المَاءَ الَّذِي يَشْرَبُهُ، وَالطَّعَامَ الَّذِي يُسَمِّنُ بِهِ عِظَامَهُ! لَيتَهَا تَكُونُ عَلَى الدَّوَامِ ثِيَابًا لَهُ، وَحِزَامًا يَشُدُّهُ حَوْلَ خَصْرِهِ.» لَيْتَ اللهَ يَفْعَلُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورَ بِمَنْ يَتَّهِمُونَنِي، لِمَنْ يَتَكَلَّمُونَ بِالشَّرِّ عَلَيَّ. أمَّا أنْتَ أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، فَافْعَلْ بِي مَا يُمَجِّدُ اسْمَكَ. أنقِذنِي حَسَبَ صَلَاحِ مَحَبَّتِكَ الصَّادِقَةِ وَرَحمَتِكَ. فَأنَا مِسكِينٌ فَقِيرٌ! قُوَّتِي وَشَجَاعَتِي مَيِّتَتَانِ. وَصَلَتْ حَيَاتِي إلَى نِهَايَتِهَا، كَظِلِّ زَائِلٍ، كَحَشَرَةٍ مَطرُودَةٍ! رُكبَتَايَ تَضْعُفَانِ مِنَ الجُوعِ. جِسمِي يَنْقُصُ وَزنُهُ وَيَهْزَلُ. يَحْتَقِرُونَنِي، يَنْظُرُونَ إلَيَّ وَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ. أعِنِّي يَا اللهُ . أنقِذْنِي، يَا اللهُ ، حَسَبَ مَحَبَّتِكَ. فَعِنْدَئِذٍ يَعْلَمُونَ أنَّ قُوَّتَكَ، يَا اللهُ ، هِيَ الَّتِي خَلَّصَتنِي. عِنْدَمَا يُطلِقُونَ لَعنَةً، حَوِّلْهَا إلَى بَرَكَةٍ! وَعِنْدَمَا يُهَاجِمُونَنِي أخْزِهِمْ. وَلَيْتَ عَبدَكَ يَفْرَحُ. لَيْتَ المُشْتَكِينَ عَلَيَّ يَلبَسُونَ خِزيَهُمْ كَثَوبٍ وَذُلَّهُمْ كَمِعطَفٍ. بِفَمِي أشكُرُ اللهَ كَثِيرًا، وَفِي الِاجْتِمَاعِ العَظِيمِ أُسَبِّحُهُ. فَهُوَ يَأْخُذُ بِيَمِينِ المَسَاكِينِ، لِيُنصِفَهُمْ مِنَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ لَهُمْ حُكْمَ المَوْتِ. قَالَ اللهُ لِسَيِّدِي: «اجلِسْ عَنْ يَمِينِي، إلَى أنْ أجعَلَ أعْدَاءَكَ تَحْتَ قَدَمَيكَ.» سَيَمُدُّ اللهُ سَيطَرَتَكَ أبعَدَ مِنْ صِهْيَوْنَ وَسَتَسُودُ أعْدَاءَكَ. سَيَتَطَوَّعُ شَعْبُكَ لِلِانضِمَامِ إلَيْكَ حِينَ تَقُودُ جَيْشَكَ بِبَهَاءٍ مُقدَّسٍ. وَسَيَأْتِي شُبَّانُكَ إلَيْكَ كَمَا يأتِي النَّدَى مِنْ رَحِمِ الصّبَاحِ. أقْسَمَ اللهُ وَلَنْ يَتَرَاجَعَ: «أنْتَ كَاهِنٌ إلَى الأبَدِ عَلَىْ رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ.» عَنْ يَمِينِكَ يَقِفُ الرَّبُّ. وَعِنْدَمَا يَغْضَبُ، سَيَسْحَقُ المُلُوكَ وَالحُكَّامَ. وَسَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ، وَيَملأُ تِلْكَ الأرْضَ العَظِيمَةَ بِالجُثَثِ. فِي الطَّرِيقِ سَيَنْحَنِي لِيَشْرَبَ مِنْ جَدوَلٍ، وَفِي تِلْكَ البُقعَةِ سَيَرْفَعُ رَأسَهُ. هَلِّلُويَا! أحمَدُ اللهَ بِكُلِّ قَلْبِي فِي مَجَالِسِ المُسْتَقِيمِينَ وَاجتِمَاعَاتِهِمْ. يَصْنَعُ اللهُ أُمُورًا عَظِيمَةً، يَسْعَى إلَيْهَا الصَّالِحُونَ الَّذِينَ يَسُرُّونَهُ. أعْمَالُهُ عَجِيبَةٌ وَمَجِيدَةٌ، إلَى الأبَدِ تَثْبُتُ أعْمَالُ بِرِّهِ. عَجَائِبُهُ لَا تُنسَى، تُذَكِّرُ بِأنَّ اللهَ طَيِّبٌ وَرَحِيمٌ! دَائِمًا يَتَذَكَّرُ عَهْدَهُ، وَيُعطِي لِتَابِعِيهِ طَعَامًا. أخبَرَ شَعْبَهُ كَمْ سَتَكُونُ قُوَّةُ أعْمَالِهِ، لِكَي يُعطِيَهُمْ أرْضَ شُعُوبٍ أُخْرَى. أعْمَالُهُ مَوثُوقَةٌ وَمُنصِفَةٌ. أحكَامُهُ يُتَّكَلُ عَلَيْهَا. تَظَلُّ رَاسِخَةً إلَى الأبَدِ، بِأمَانَةٍ وَإخلَاصٍ صُنِعَتْ. حَرَّرَ شَعْبَهُ مِنْ آسِرِيهِمْ أعطَاهُمْ عَهْدَهُ إلَى الأبَدِ. اسْمُهُ مُقَدَّسٌ وَمَهُوبٌ. مَخَافَةُ اللهِ هِيَ بِدَايَةُ الحِكْمَةِ. وَكُلُّ مَنْ يُطِيعُ وَصَايَاهُ فَهِيمٌ. إلَى الأبَدِ يَسْتَمِرُّ تَسْبِيحُهُ! هَلِّلُويَا! هَنِيئًا لِمَنْ يَخَافُ اللهَ ، وَيَشْتَهِي طَاعَةَ وَصَايَاهُ. سيَكُونُ نَسْلُهُ مُحَارِبِينَ أشِدَّاءَ فِي الأرْضِ، ذَلِكَ الجِيلُ المُسْتَقِيمُ سَيُبَارِكُهُ اللهُ. الغِنَى وَالكَرَامَةُ سَيَملآنِ بَيْتَهُ. إلَى الأبَدِ تَقُومُ أعْمَالُ بِرِّهِ. الضِّيَاءُ يَسْطَعُ فِي الظُّلمَةِ لِلمُسْتَقِيمِينَ، لِأنَّ اللهَ طَيِّبٌ وَرَحِيمٌ وَعَادِلٌ. الخَيْرُ يُصِيبُ الإنْسَانَ الطَّيِّبَ وَالكَرِيمَ الَّذِي يُجرِي شُؤُونَهُ بِالعَدْلِ. لَنْ يَسْقُطَ الأبْرَارُ، وَلَنْ يُنْسَى ذِكرُهُمْ إلَى الأبَدِ. لَا يَخْشَوْنَ أخْبَارَ السُّوءِ، فقُلُوبُهُمْ رَاسِخَةٌ وَآمِنَةٌ فِي اللهِ . قُلُوبُهُمْ ثَابِتَةٌ فَلَا يَخَافُونَ، وَسَيُخضِعُونَ أعْدَاءَهُمْ فِي نِهَايَةِ الأمْرِ. يُوَزِّعُونَ عَلَى الفُقَرَاءِ بِسَخَاءٍ. بِرُّهُمْ إلَى الأبَدِ يَبْقَى، وَتَرْتَفِعُ رُؤُوسُهُمْ كَرَامَةً. يَرَى الأشرَارُ هَذَا فَيَغتَاظُونَ، وَيُصِرُّونَ بِأسنَانِهِمْ، لَكِنَّهُمْ يَزُولُونَ. شَهَوَاتُ الأشْرَارِ لَنْ تَؤُولَ إلَى شَيءٍ. هَلِّلُويَا! يَا خُدَّامَ اللهِ سَبِّحُوهُ! سَبِّحُوا اسْمَ اللهِ ! لِيَتَبَارَكِ اسْمُ اللهِ ، الآنَ وَإلَى الأبَدِ! لِيُسَبَّحِ اسْمُ اللهِ مِنَ الشَّرقِ حَيْثُ تُشرِقُ الشَّمْسُ وَإلَى حَيْثُ تَغْرُبُ. مُعَظَّمٌ هُوَ اللهُ فَوْقَ كُلِّ الشُّعُوبِ، أعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ مَجْدُهُ. لَيْسَ مِنْ مَثِيلٍ . رَفَعَ عَرشَهُ لِيَتَرَبَّعَ عَلَيْهِ. يُشرِفُ مِنَ السَّمَاءِ، لِيَنْظُرَ إلَى السَّمَاءِ وَالأرْضِ. يَرْفَعُ المَسَاكِينَ مِنَ الحَضِيضِ. وَيُقِيمُ المَسَاكِينَ مِنَ الرَّمَادِ. ثُمَّ يُجلِسُهُمْ بَيْنَ النُّبَلَاءِ، قَادَةِ شَعْبِهِ. يُملأُ بَيْتَ المَرْأةِ العَاقِرِ، يُعطيهَا فَرَحَ الأُمِّ بِأوْلَادِهَا. هَلِّلُويَا! لَمَّا تَرَكَ إسرَائِيلُ مِصْرًا لَمَّا غَادَرَ يَعْقُوبُ تِلْكَ الأرْضَ الغَرِيبَةَ، صَارَ بَنُو يَهُوذَا وَبَنُو إسْرَائِيلَ شَعْبَهُ المُقَدَّسَ. نَظَرَ البَحرُ ذَلِكَ فَهَرَبَ. وَنَهْرُ الأُرْدُنِّ تَرَاجَعَ. الجِبَالُ رَقَصَتْ كَالمَاعِزِ البَرِّيِّ، وَالتِّلَالُ كَالحِمْلَانِ. لِمَاذَا هَرَبْتَ يَا بَحرُ؟ لِمَاذَا تَوَقَّفَ نَهْرُ الأُرْدُنِّ عَنِ الجَرَيَانِ وَتَرَاجَعَ؟ أيَّتُهَا الجِبَالُ، لِمَاذَا رَقَصْتِ كَالكِبَاشِ، أيَّتُهَا التِّلَالُ لِمَاذَا رَقَصْتِ كَالحِمْلَانِ؟ أيَّتُهَا الأرْضُ، ارتَعِدِي مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، مِنْ حَضْرَةِ إلَهِ يَعْقُوبَ، الَّذِي حَوَّلَ الصَّخرَةَ إلَى بِرْكَةِ مَاءٍ، وَالصُّوَّانَ إلَى يُنْبُوعٍ. لَا تُعطِنَا نَحْنُ، يَا اللهُ ، الكَرَامَةَ، فَهِيَ لَكَ، لَكَ وَحْدَكَ المَجْدُ، مِنْ أجْلِ مَحَبَّتِكَ وَأمَانَتِكَ. كَيْفَ تَقُولُ الأُمَمُ: «أيْنَ إلَهُكُمْ؟» إلَهُنَا فِي السَّمَاءِ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ! أمَّا أصْنَامُهُمْ فَمَا هِيَ إلَّا تَمَاثِيلُ صَنَعَتْهَا أيدِي بَشَرٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. لَهَا أفوَاهٌ، وَلَا تَقْدِرُ أنْ تَنْطِقَ. لَهَا عُيُونٌ، وَلَا تَقْدِرُ أنْ تَرَى. لَهَا آذَانٌ، وَلَا تَقْدِرُ أنْ تَسْمَعَ. لَهَا أُنُوفٌ، وَلَا تَقْدِرُ أنْ تَشُمَّ. لَهَا أيدٍ، وَلَا تَقْدِرُ أنْ تَلْمِسَ. لَهَا أقْدَامٌ، وَلَا تَقْدِرُ أنْ تَمْشِيَ. وَحَنَاجِرُهَا لَا تَقْدِرُ أنْ تَئِنَّ. وَمَنْ يَصْنَعُونَهَا وَيَتَّكِلُونَ عَلَيْهَا سَرْعَانَ مَا يَصِيرُونَ مِثْلَهَا. اتَّكِلْ عَلَى اللهِ ، يَا إسْرَائِيلُ. هُوَ يُعِينُهُمْ وَيَحْمِيهِمْ. اتَّكِلُوا عَلَى اللهِ ، يَا بَيْتَ هَارُونَ، هُوَ يُعِينُهُمْ وَيَحْمِيهِمْ. يَا خَائِفِي اللهَ ، اتَّكِلُوا عَلَى اللهِ . هُوَ يُعِينُهُمْ وَيَحْمِيهِمْ. اللهُ يَذْكُرُنَا وَسَيُبَارِكُنَا: سَيُبَارِكُ بَيْتَ إسْرَائِيلَ. سَيُبَارِكُ بَيْتَ هَارُونَ. سَيُبَارِكُ مُتَّقِي اللهِ ، مِنَ الأقَلِّ شَأنًا إلَى الأعْظَمِ شَأنًا. اللهُ سَيَظَلُّ يَكِيلُ بَرَكَاتٍ عَلَيْكُمْ، عَلَيْكُمْ وَعَلَى أبنَائِكُمْ. مُبَارَكُونَ أنْتُمْ مِنَ اللهِ ، خَالِقِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ. السَّمَاءُ هِيَ للهِ . أمَّا الأرْضُ، فَأعطَاهَا لَنَا نَحْنُ البَشَرَ. الأمْوَاتُ الَّذِينَ يَهْبِطُونَ إلَى عَالَمِ الصَّمْتِ لَا يُسَبِّحُونَ اللهَ . أمَّا نَحْنُ فَنُبَارِكُ اللهَ مِنَ الآنَ وَإلَى الأبَدِ. هَلِّلُويَا! مَا أحلَى أنْ يَسْتَمِعَ اللهُ إلَى صَوْتِي حِينَ أُصَلِّي إلَيْهِ. لِأنَّهُ أمَالَ أُذُنَيهِ إلَيَّ، لِذَلِكَ سَادْعُوهُ طَوَالَ حَيَاتِي. عَلَى بَابِ المَوْتِ كُنْتُ، وَأمسَكَتْ بِي أوجَاعُ الهَاوِيَةِ. الأسَى وَالضِّيقُ غَمَرَانِي. دَعَوتُ باسْمِ اللهِ وَقُلْتُ: «خَلِّصْ يَا اللهُ حَيَاتِي.» اللهُ رَحِيمٌ وَبَارٌّ. إلَهُنَا حَنَّانٌ، اللهُ يَرْعَى البُسَطَاءَ. إذْ حِينَ كُنْتُ عَاجِزًا خَلَّصَنِي. عُودِي إلَى رَاحَةِ بَالِكِ، يَا نَفْسِي. فَاللهُ سَيَهْتَمُّ بِكِ. مِنْ فَمِ المَوْتِ انتَزَعْتَ حَيَاتِي. مِنَ الدُّمُوعِ خَلَّصْتَ عَينَيَّ، وَقَدَمَيَّ مِنَ السُّقُوطِ. أخدِمُ اللهَ مَا دُمتُ فِي أرْضِ الأحيَاءِ. آمَنْتُ، ولِهَذَا تَكَلَّمْتُ وَقُلْتُ: «قَدْ تَحَطَّمْتُ جِدًّا.» وَفِي اضطِرَابِي وَإحبَاطِي قُلْتُ: «كُلُّ البَشَرِ كَاذِبُونَ.» فَمَاذَا فِي وُسْعِي أنْ أُعْطِيَ اللهَ الَّذِي أعطَانِي كُلَّ مَا أملُكُ؟ اللهُ خَلَّصَنِي، لِذَا سَأرفَعُ تَقْدِمَةَ سَكِيبٍ وَأدعُو بِاسْمِ اللهِ . للهِ سَأُوفِي نُذُورِي أمَامَ كُلِّ شَعْبِهِ. ثَمِينٌ لَدَى اللهِ دَائِمًا مَوْتُ أحَدِ أتبَاعِهِ الأُمَنَاءِ. يَا اللهُ أرْجُوكَ، عَبدٌ مِنْ عَبِيدِكَ أنَا، عَبدٌ مِنْ عَبِيدِكَ، ابْنُ إحْدَى إمَائِكَ. وَأنْتَ مِنْ قُيُودِي حَرَّرْتَنِي. إلَيْكَ أنْتَ يَا اللهُ أُقَدِّمُ تَقْدِمَاتِ الحَمْدِ، وَأدعُو بِاسْمِكَ حِينَ أدعُو. للهِ سَأُوفِي نَذُورِي أمَامَ كُلِّ شَعْبِهِ. سَبِّحُوا اللهَ فِي سَاحَةِ هَيْكَلِهِ فِي وَسَطِكِ يَا قُدْسُ. هَلِّلُويَا. سَبِّحِي اللهَ يَا بَقِيَّةَ الأُمَمِ، وَلْتُمَجِّدْهُ كُلُّ الشُّعُوبِ! لِأنَّ رَحمَةَ اللهِ عَظِيمَةٌ نَحوَنَا، وَأمَانَتَهُ إلَى الأبَدِ. هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اللهَ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ. يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، قُولُوا هَذَا: لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ. يَا بَيْتَ هَارُونَ، قُولُوا هَذَا: لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ. يَا عَابِدِي اللهِ ، قُولُوا هَذَا: لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ. فِي الضِّيقِ دَعَوتُ اللهَ ، فَاسْتَجَابَ اللهُ وَوَسَّعَ صَدرِي. اللهُ إلَى جَانِبِي فَلَا أخَافُ. فَمَا الَّذِي يُمْكِنُ لِبَشَرٍ أنْ يَصْنَعَهُ بِي؟ اللهُ إلَى جَانِبِي، يُعِينُنِي، فَأرَى هَزِيمَةَ أعْدَائِي. التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ خَيْرٌ مِنَ الِاعتِمَادِ عَلَى البَشَرِ. التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ خَيْرٌ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى القَادَةِ. مِنْ كُلِّ الأُمَمِ أحَاطَ بِي أعْدَائِي، فَدَعَوْتُ بِاسْمِ اللهِ وَهَزَمْتُهُمْ. مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أحَاطُوا بِي، لَكِنِّي دَعَوْتُ بِاسْمِ اللهِ وَهَزَمتُهُمْ. أحَاطَ بِي أعْدَائِي كَالنَّحلِ، لَكِنَّهُمْ بَادُوا سَرِيعًا كَأشوَاكٍ مُحتَرِقَةٍ. فَدَعَوْتُ بِاسْمِ اللهِ وهَزَمتُهُمْ. بِكُلِّ طَرِيقَةٍ حَاوَلَ أعْدَائِي إهلَاكِي، لَكِنَّ اللهَ أعَانَنِي! قُوَّتِي هُوَ اللهُ وَنَشِيدُ انتِصَارِي، هُوَ يُنْقِذُنِي. تَتَعَالَى أصْوَاتُ الِابتِهَاجِ وَأنَاشِيدُ الِانْتِصَارِ فِي خِيَامِ المُنتَصِرِينَ، حِينَ يُبدِي اللهُ قُوَّتَهُ. يَمِينُ اللهِ مَرْفُوعَةٌ مُنتَصِرَةٌ لِأنَّ اللهَ أظْهَرَ قُوَّتَهُ. لِذَا سَأحيَا وَلَنْ أمُوتَ! وَسَأُحَدِّثُ بِأعْمَالِ اللهِ . أدَّبَنِي اللهُ ، لَكِنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْنِي لِلمَوْتِ. فَافتَحُوا لِي أبوَابَ البِرِّ لِأدْخُلَهَا، وَأحْمَدَ اللهَ . هَذِهِ بَوَّابَةُ اللهِ ، وَلَا يَعْبُرُهَا إلَّا الأبْرَارُ! أحمَدُكَ يَا اللهُ لِأنَّكَ استَجَبتَ لِي، وَأنقَذتَنِي. الحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ البَنَّاؤُونَ صَارَ حَجَرَ الأسَاسِ. اللهُ فَعَلَ هَذَا، وَهُوَ بَدِيعٌ فِي عُيُونِنَا. هَذَا هُوَ اليَوْمُ الَّذِي صَنَعَهُ اللهُ ، لِنَبتَهِجْ وَنَفرَحْ فِيهِ! خَلِّصْنَا الآنَ، نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ يَا اللهُ ! يَا اللهُ ، نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ، أنجِحْ مَسعَانَا. مُبَارَكٌ هُوَ الآتِي بِاسْمِ اللهِ . مِنْ بَيْتِ اللهِ نُبَارِكُكَ. يهوه هُوَ اللهُ، وَسَيَقْبَلُنَا. فَاربُطُوا ذَبِيحَةَ العِيدِ بِزَوَايَا المَذْبَحِ. إلَهِي أنْتَ الَّذِي أُسَبِّحُهُ، إلَهِيَ الَّذِي أُعَظِّمُهُ! سَبِّحُوا اللهَ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ. هَنِيئًا لِمَنْ يَعِيشُونَ فِي طَهَارَةٍ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ تَعَالِيمَ اللهِ . هَنِيئًا لِمَنْ يَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ، وَيَطْلُبُونَهُ مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ. لَا يَصْنَعُونَ الشَّرَّ أبَدًا. بَلْ يَتَّبِعُونَ طُرُقَهُ. أعْطَيْتَنَا وَصَايَاكَ، وَأمَرتَنَا بِأنْ نَحفَظَهَا بِدِقَّةٍ. آهِ، لَيتَنِي كُنْتُ أكْثَرَ ثَبَاتًا فِي حِفظِ شَرَائِعِكَ. حِينَئِذٍ لَا أخْجَلُ بَلْ أتَأمَّلُ جَمِيعَ وَصَايَاكَ. مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ أحمَدُكَ لِأنَّكَ عَلَّمتَنِي أحكَامَكَ المُنصِفَةَ. لَا تَتْرُكنِي طَوِيلًا لِأنِّي أُطِيعُ شَرَائِعَكَ حَقًّا. كَيْفَ يُنَقِّي الشَّابُّ نَفْسَهُ؟ بِحِفْظِهِ وَصَايَاكَ. مِنْ كُلِّ قَلْبِي أطلُبُكَ، فَاحفَظْنِي مِنْ أنْ أضِلَّ عَنْ وَصَايَاكَ. خَزَّنتُ كَلَامَكَ فِي قَلْبِي لِئَلَّا أُخطِئَ إلَيْكَ. تَبَارَكْ، يَا اللهُ . عَلِّمْنِي شَرَائِعَكَ. بِشَفَتَيَّ أُخبِرُ بِكُلِّ الأحكَامِ الخَارِجَةِ مِنْ فَمِكَ. بِوَصَايَا عَهْدِكَ أُسَرُّ، كَمَنْ يَبْتَهِجُ بِثَروَةٍ عَظِيمَةٍ. أحكَامُكَ أتَأمَّلُهَا وَطُرُقُكَ بِحِرصٍ أفحَصُهَا. شَرَائِعُكَ لَذَّتِي، وَلَا أنْسَى كَلَامَكَ أبَدًا. كَافِئْ عَبدَكَ بِسَخَاءٍ، فَأحيَا وَأحفَظَ وَصَايَاكَ. افتَحْ عَينَيَّ حَتَّى أرَى عَجَائِبَ تَعَالِيمِكَ. غَرِيبٌ أنَا فِي هَذِهِ الأرْضِ، فَلَا تُخْفِ وَصَايَاكَ عَنِّي. تَلْتَهِبُ نَفْسِي شَوقًا إلَى أحكَامِ شَرِيعَتِكَ فِي كُلِّ حِينٍ. أنْتَ تُوَبِّخُ المُتَكَبِّرِينَ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ وَصَايَاكَ. مَلعُونُونَ هُمْ! حَفِظْتُ عَهْدَكَ، فَانزِعْ عَنِّي الهُزءَ وَالِازْدِرَاءَ. قَادَةٌ قَدْ يَجْلِسُونَ لِيَتَآمَرُوا عَلَيَّ، وَأنَا عَبدَكَ أتَأمَّلُ فِي أحْكَامِكَ. أتَلَذَّذُ بِوَصَايَا عَهْدِكَ. تَعَالِيمُكَ هِيَ نَصَائِحِي. أمَّا الآنَ، فَأنَا عَلَى وَشَكِ المَوْتِ، فَأحْيِنِي كَوَعدِكَ. لَكَ اعتَرَفتُ بِطُرُقِي فَاسْتَجَبْتَ. فَعَلِّمنِي أحكَامَكَ. فَهِّمْنِي كَيْفَ أحفَظُ وَصَايَاكَ، وَسَأتَأمَّلُ فِي أعْمَالِكَ العَجِيبَةِ. مُتعَبٌ وَكَئِيبٌ أنَا، فَارفَعْنِي بِحَسَبِ وَعدِكَ. مِنَ الطُّرُقِ المُخَادِعَةِ احفَظْنِي، وَأنعِمْ عَلَيَّ بِشَرِيعَتِكَ. اختَرْتُ أنْ أكُونَ وَفِيًّا لَكَ، أتَفَحَّصُ بِدِقَّةٍ أحكَامَكَ. بِعَهْدِكَ تَعَلَّقتُ، يَا اللهُ ، فَلَا تُذِلَّنِي! طَاعَةُ وَصَايَاكَ مُتعَتِي لِأنَّكَ تُفَرِّحُ قَلْبِي! يَا اللهُ ، عَلِّمْنِي شَرَائِعَكَ وَبِثَبَاتٍ سَأتبَعُهَا. أعْطِنِي فَهمًا لِأُطِيعَ تَعَالِيمَكَ، لِكَي أتبَعَهَا مِنَ القَلْبِ. اهدِنِي عَبْرَ سُبُلِ وَصَايَاكَ لِأنِّي بِهَا أتَلَذَّذُ. حَوِّلْ قَلْبِي إلَى وَصَايَا عَهْدِكَ، لَا إلَى الغِنَى وَالمَكْسَبِ. حَوِّلْ عَينَيَّ عَنِ التَّوَافِهِ. أعِنِّي فَأحيَا كَمَا تُرِيدُ. احفَظْ وُعُودَكَ لِي، أنَا عَبدَكَ، تِلْكَ الوُعُودَ الَّتِي تَجْعَلُ النَّاسَ يُوَقِّرُونَكَ. انزَعِ العَارَ الَّذِي أخشَاهُ، لِأنَّ أحكَامَ شَرِيعَتِكَ صَالِحَةٌ. هَا أنَا أتُوقُ لِشَرَائِعِكَ، فَأرِنِي مَرَاحِمَكَ لِكَي أحيَا! أرِنِي يَا اللهُ رَحمَتَكَ وَمَحَبَّتَكَ. أنقِذنِي كَوَعدِكَ. عِنْدَئِذٍ سَأُجَاوِبُ الَّذِينَ يُعيِّرُونَنِي، لِأنِّي بِكَلَامِكَ أثِقُ! أعِنِّي فَأتَكَلَّمَ دَومًا بِحَقِّ كَلِمَتِكَ، فَإنِّي عَلَى أحكَامِكَ مُتَوَكِّلٌ. إلَى الأبَدِ وَالدَّهرِ سَأتَّبِعُ أحكَامَكَ. لِأنِّي فِي رُحْبٍ سَأحيَا، لِأنِّي أسعَى إلَى حِفظِ أحكَامِكَ. سَأُحَدِّثُ مُلُوكًا بِعَهْدِكَ بِجَسَارَةٍ وَبِلَا خَجَلٍ. وَبِوَصَايَاكَ الَّتِي أُحِبُّ سَأتَلَذَّذُ. أقْسَمْتُ عَلَى الوَلَاءِ لِوَصَايَاكَ الَّتِي أُحِبُّ، وَسَأتَفَكَّرُ فِي شَرَائِعِكَ. اذكُرْ وَعدَكَ لِي، أنَا عَبدَكَ، فَلِي بِهِ رَجَاءٌ. فِي مُعَانَاتِي، هَذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي. وُعُودُكَ تُحيِينِي! المُتَكَبِّرُونَ سَخِرُوا بِي كَثِيرًا، لَكِنِّي لَا أنْحَرِفُ عَنْ وَصَايَاكَ أبَدًا. أحكَامُكَ القَدِيمَةُ، يَا اللهُ ، أذكُرُهَا، فَأتَعَزَّى. يُخِيفُنِي أُولَئِكَ الأشرَارُ، الَّذِينَ تَرَكُوا تَعَالِيمَكَ. كَالمُوسِيقَى فِي بَيْتِي هِيَ شَرَائِعُكَ. فِي اللَّيلِ أتَذَكَّرُ اسْمَكَ يَا اللهُ ، وَشَرِيعَتَكَ أحفَظُ. يَحْدُثُ هَذَا لِي، لِأنِّي أحفَظُ أحكَامَكَ. أنْتَ نَصِيبِي يَا اللهُ . لِذَا صَمَّمتُ أنْ أُطِيعَ وَصَايَاكَ. بِكُلِّ كَيَانِي أشتَهِي أنْ أخدِمَكَ، فَارحَمْنِي كَوَعدِكَ. تَأمَّلتُ خُطُوَاتِي، لِكَي أُعِيدَهَا إلَى شَرَائِعِكَ. سَارَعتُ إلَى حِفظِ وَصَايَاكَ وَلَمْ أُبطِئْ. مَصَائِدُ الأشْرَارِ تَتَرَبَّصُ بِي، لَكِنِّي لَا أنْسَى أبَدًا تَعَالِيمَكَ. فِي مُنْتَصَفِ اللَّيلِ أصحُو، وَأنهَضُ لِأشْكُرَكَ عَلَى عَدلِ أحْكَامِكَ. صَدِيقٌ أنَا لِكُلِّ عَابِدِيكَ الَّذِينَ يَهَابُونَكَ، صَدِيقٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَاكَ. رَحمَتُكَ، يَا اللهُ ، تَملأُ الأرْضَ. عَلِّمْنِي شَرَائِعَكَ. كُنْتَ، يَا اللهُ ، كَرِيمًا مَعَ عَبدِكَ، تَمَامًا كَوَعدِكَ. عَلِّمْنِي التَّعَقُّلَ وَالمَعْرِفَةَ، لِأنِّي بِوَصَايَاكَ أثِقُ. فَقَبلَ أنْ أُعَانيَ مِنَ الذُلِّ، كُنْتُ قَدْ تِهْتُ عَنْكَ. أمَّا الآنَ فَسأُطِيعُ كَلَامَكَ. كَرِيمٌ أنْتَ وَصَانِعٌ خَيْرًا مَعَ النَّاسِ، فَعَلِّمنِي وَصَايَاكَ. المُتَفَاخِرُونَ حَاكُوا حَوْلِي كَذِبًا، غَيْرَ أنِّي حَفِظتُ وَصَايَاكَ مِنَ القَلْبِ. أغبِيَاءُ هُمْ! أمَّا أنَا فَأتَلَذَّذُ بِتَعَالِيمِكَ. حَسَنٌ أنِّنَي تَذَلَّلْتُ، إذْ تَعَلَّمتُ شَرَائِعَكَ. صَالِحَةٌ هِيَ تَعَالِيمُكَ لِي. هِيَ أثمَنُ مِنْ ألْفِ قِطعَةٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ. يَدَاكَ صَنَعَتَانِي وَهُمَا تَسْنِدَانَنِي. أعِنِّي فَأتَعَلَّمَ وَأفهَمَ وَصَايَاكَ. خَائِفُوكَ يَرَوْنَنِي فَيَفْرَحُونَ، لِأنِّي عَلَى كَلِمَتِكَ أتَّكِلُ. يَقِينِي، يَا اللهُ ، أنَّ أحكَامَكَ مُنصِفَةٌ، وَأنَّ عِقَابَكَ لِي كَانَ صَوَابًا. أمَّا الآنَ فَعَزِّنِي بِرَحمَتِكَ. كَمَا وَعَدتَ عَبدَكَ. لِتُقَابِلْنِي رَحمَتُكَ فَأحيَا فَأنَا أتَلَذَّذُ بِتَعَالِيمِكَ. لِيُخزَ هَؤُلَاءِ المُنتَفِخُونَ لِأنَّهُمْ ظُلمًا اتَّهَمُونِي. أمَّا أنَا فَتَأمَّلتُ فَرَائِضَكَ. لِيتَ عَابِدِيكَ وَعَارِفِي عَهْدِكَ يَرْجِعُونَ إلَيَّ. أعِنِّي فَأُخْلِصَ لِشَرَائِعِكَ، فَلَا أُخزَى أبَدًا. أتَحَرَّقُ شَوقًا لِخَلَاصِكَ. مُنتَظِرٌ أنَا وَاضِعًا فِي كَلَامِكَ رَجَائِي! كَلَّتْ عَيْنَايَ انتِظَارًا لِأمْرِكَ، فَمَتَى سَتُعَزِّينِي؟ حَتَّى عِنْدَمَا أُصبِحُ عَجُوزًا كَإنَاءِ خَمرٍ قَدِيمٍ عَلَى كَوْمَةِ قُمَامَةٍ، لَنْ أنْسَى شَرَائِعَكَ. حَتَّى مَتَى يَحيَا عَبدُكَ قَبْلَ أنْ تَقْتَصَّ مِنْ مُضطَهِدِيَّ؟ المُتَغَطرِسُونَ أقَامُوا لِي كَمَائِنَ. عَلَى نَقِيضِ شَرِيعَتِكَ تَصَرَّفُوا. اضطَهَدُونِي بِلَا سَبَبٍ. كُلُّ وَصَايَاكَ يُعتَمَدُ عَلَيْهَا، فَأعِنِّي يَا اللهُ! كَادَ هَؤُلَاءِ أنْ يُمِيتُونِي، وَأنَا مَا تَوَقَّفتُ يَومًا عَنْ طَاعَةِ وَصَايَاكَ. أحيِنِي بِرَحمَتِكَ، فَأحفَظَ الوَصَايَا الَّتِي أعْطَيْتَهَا. إلَى الأبَدِ سَتَثْبُتُ كَلِمَتُكَ فِي السَّمَاءِ، يَا اللهُ . تَظَلُّ أمَانَتُكَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ! فَقَدْ أسَّستَ الأرْضَ، وَهَا هِيَ قَائِمَةٌ. كُلُّ شَيءٍ قَائِمٌ اليَوْمَ بِفَضْلِ عَدلِكَ، لِأنَّ كُلَّ شَيءٍ يَخْدِمُكَ. لَولَا أنَّ تَعَالِيمَكَ هِيَ مَسَرَّتِي لَهَلَكْتُ فِي آلَامِي وَمُعَانَاتِي. وَصَايَاكَ لَنْ أنْسَاهَا لِأنِّي بِسَبَبِهَا حَيِيتُ. لَكَ أنَا فَأنقِذنِي، لِأنِّي أشتَهِي أنْ أُطِيعَ وَصَايَاكَ. أمِلَ الأشرَارُ أنْ يُهلِكُونِي، لَكِنِّي ظَلَلتُ أُحَاوِلُ فَهمَ عَهْدِكَ. أدرَكتُ أنَّ لِكُلِّ شَيءٍ حُدُودَهُ، أمَّا وَصَايَاكَ فَلَا حُدُودَ لَهَا! آهِ كَمْ أُحِبُّ تَعَالِيمَكَ، كُلَّ الوَقْتِ أتَأمَّلُهَا. وَصَايَاكَ تَجْعَلُنِي أحكَمَ مِنْ أعْدَائِي لِأنَّهَا دَائِمًا مَعِي. جَعَلْتَنِي أعقَلَ حَتَّى مِنْ كُلِّ مُعَلِّمِيَّ لِأنِّي أتَفَكَّرُ فِي عَهْدِكَ. أحكَمُ مِنَ الشُّيُوخِ أنَا لِأنِّي أُطِيعُ وَصَايَاكَ. مَنَعْتُ نَفْسِي عَنْ عَمَلِ الشَّرِّ لِكَي أُطِيعَ وَصَايَاكَ. لَمْ أنْحَرِفْ عَنْ أحْكَامِكَ، لِأنَّكَ عَلَّمتَنِي إيَّاهَا! مَا أحلَى كَلَامَكَ! أحلَى مِنَ العَسَلِ فِي فَمِي! تَجْعَلُنِي تَعَالِيمُكَ حَكِيمًا، لِذَا أبغَضُ البَاطِلَ. كَمِصبَاحٍ لِقَدَمَيَّ كَلَامُكَ، يُنِيرُ سَبِيلِي. نَذَرْتُ أنْ أحفَظَ أحْكَامَكَ المُنصِفَةَ، وَسَأُوفِي. كَثِيرًا مَا عَانَيتُ يَا اللهُ ، فَأحْيِنِي بِحَسَبِ وَعدِكَ. اقبَلْ حَمْدِي يَا اللهُ ، وَشَرَائِعَكَ عَلِّمنِي. أحمِلُ رُوحِي دَائِمًا عَلَى رَاحَتِي، لِكَي لَا أنْسَى أبَدًا تَعَالِيمَكَ. نَصَبَ الأشرَارُ لِي مَصَائِدَ، لَكِنِّي لَمْ أعْصِ وَصَايَاكَ. إلَى الأبَدِ سَأتَّبِعُ عَهْدَكَ، لِأنِّي أتَلَذَّذُ بِهِ. سَأُكَرِّسُ قَلْبِي عَلَى الدَّوَامِ لِطَاعَةِ شَرَائِعِكَ حَتَّى النِّهَايَةِ! أكْرَهُ أفكَارَ المُتَقَلقِلِينَ. أمَّا تَعَالِيمُكَ فَأُحِبُّهَا. سِتْرِي أنْتَ وَتُرسِي، بِكَلَامِكَ أثِقُ. ابتَعِدُوا عَنِّي أيُّهَا الأشرَارُ فَأحفَظَ وَصَايَا إلَهِي. أسْنِدْنِي حَسَبَ وَعدِكَ فَأحيَا، وَلَا تَخْذِلنِي فِي آمَالِي. أسْنِدْنِي فَأنجُوَ، وَألتَزِمَ بِشَرَائِعِكَ كُلَّ حَيَاتِي. تَرْفُضُ الَّذِينَ يُضِلُّونَ عَنْ شَرَائِعِكَ وَتُظهِرُ خِدَاعَهُمْ. أنْتَ تَنْبُذُ كُلَّ أشْرَارِ الأرْضِ كَالنِّفَايَةِ. لِذَا أُحِبُّ وَصَايَا عَهْدِكَ. جِسْمِي يَرْتَعِدُ خَوْفًا، فَأنَا أخَافُ وَأُوَقِّرُ أحكَامَكَ. عَادِلًا وَمُنصِفًا كُنْتُ، فَلَا تَتْرُكْنِي فِي أيدِي ظَالِمِيَّ. اضْمَنْ خَيرَ عَبْدِكَ. لَا تَسْمَحْ لِلمُتَغَطرِسِينَ بِأنْ يَظْلِمُونِي. كَلَّتْ عَيْنَايَ مِنِ انتِظَارِ خَلَاصِكَ وَانتِظَارِ وَعدِكَ البَارِّ. عَامِلْ عَبدَكَ حَسَبَ رَحْمَتِكَ، وَشَرَائِعَكَ عَلِّمْنِي. عَبدُكَ أنَا، فَأعِنِّي عَلَى الفَهمِ لِأعْرِفَ عَهْدَكَ. آنَ لَكَ أنْ تَفْعَلَ شَيْئًا يَا اللهُ ، لِأنَّ الشَّعْبَ يَكْسِرُونَ شَرِيعَتَكَ. لِهَذَا السَّبَبِ، أُحِبُّ وَصَايَاكَ. أكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ. لِهَذَا أُطِيعُ كُلَّ تَعَالِيمِكَ، وَأُبغِضُ طُرُقَ الكَذِبِ. عَجِيبٌ هُوَ عَهْدُكَ، لِهَذَا أحفَظُ كُلَّ وَصَايَاهُ. كَبَابِ نُورٍ مَفتُوحٍ يُنِيرُ كَلَامُكَ حَتَّى البُسَطَاءُ يَفْهَمُونَهُ. ألهَثُ مُتَلَهِّفًا مُنتَظِرًا أنْ أدرُسَ وَصَايَاكَ. انتَبِهْ لِي وَعَزِّنِي كَعَادَتِكَ مَعَ الَّذِينَ يُحِبُّونَكَ. كَمَا وَعَدتَ يَا اللهُ اهدِنِي وَلَا تَسْمَحْ لِلشَّرِّ بِأنْ يَسُودَ عَلَيَّ. مِنَ استِبدَادِ النَّاسِ خَلِّصْنِي، فَأُطِيعَ فَرَائِضَكَ. أشرِقْ بِنُورِ حَضرَتِكَ عَلَى خَادِمِكَ، وَفَهِّمْنِي أحْكَامَكَ. جَدَاوِلُ دُمُوعٍ تَجْرِي عَلَى وَجْهِي لِأنَّ شَعْبَكَ لَا يُطِيعُونَ تَعَالِيمَكَ. أنْتَ يَا اللهُ بَارٌّ، وَأحكَامُكَ مُنصِفَةٌ وَمُسْتَقِيمَةٌ. العَهْدُ الَّذِي قَطَعْتَهُ صَالِحٌ وَجَدِيرٌ بِالثِّقَةِ. اشتَعَلْتُ غَيْرَةً لِأنَّ أعْدَائِي نَسُوا كَلَامَكَ. قَدْ جَرَّبْتُ كَلَامَكَ، وَعَبدُكَ أحَبَّهُ كَثِيرًا. صَغِيرٌ أنَا، وَرُبَّمَا الآخَرُونَ لَا يَحْتَرِمُونَنِي، لَكِنِّي لَا أنْسَى أبَدًا وَصَايَاكَ. خَالِدٌ هُوَ بِرُّكَ، وَتَعَالِيمُكَ حَقَّةٌ وَمَوثُوقَةٌ. حَتَّى لَوْ لَاقَتنِي مَصَائِبُ وَضِيقَاتٌ، فَسَأظَلُّ أجِدُ فِي وَصَايَاكَ مَسَرَّتِي. عُهُودُكَ صَالِحَةٌ وَمُنصِفَةٌ إلَى الأبَدِ. أعِنِّي عَلَى فَهمِهَا فَأحيَا. شَرَائِعُكَ أحفَظُهَا يَا اللهُ . مِنْ كُلِّ قَلْبِي دَعَوتُ، فَاسْتَجِبْ لِي! دَعَوتُكَ إلَى عَونِي فَأنقِذْنِي، لِكَي أحفَظَ عَهْدَكَ. بَكَّرْتُ لِلصَّلَاةِ إلَيْكَ، عَلَى كَلِمَتِكَ أعتَمِدُ. بَاكِرًا صَحَوْتُ قَبْلَ الفَجرِ، لِكَي أتَأمَّلَ كَلِمَتَكَ. اسْتَمِعْ إلَيَّ حَسَبَ مَحَبَّتِكَ، وَبِعَدلِكَ أحيِنِي يَا اللهُ . الأشرَارُ المُتَآمِرُونَ يَدْنُونَ، عَنْ تَعَالِيمِكَ ابتَعَدُوا. أمَّا أنْتَ، يَا اللهُ ، فَقَرِيبٌ وَوَصَايَاكَ حَقَّةٌ وَمَوثُوقَةٌ. وَأنَا تَعَلَّمتُ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ عَنْ شَهَادَاتِكَ، أنَّكَ إلَى الأبَدِ تَحْفَظُهَا. انْظُرْ إلَى مُعَانَاتِي وَأنقِذْنِي، لِأنِّي لَمْ أنسَ تَعَالِيمَكَ. حَارِبْ حَربِي وَافدِنِي. أحيِنِي بِحَسَبِ كَلِمَتِكَ. بَعِيدٌ هُوَ الخَلَاصُ عَنِ الأشْرَارِ لِأنَّهُمْ لَا يُحَاوِلُونَ حَتَّى أنْ يُطِيعُوا شَرَائِعَكَ. عَظِيمَةٌ هِيَ مَرَاحِمُكَ يَا اللهُ ، فَأحْيِنِي بِعَدلِكَ. أعْدَاءٌ كَثِيرُونَ يَضْطَهِدُونَنِي، أمَّا أنَا فَلَمْ أضِلَّ عَنْ عَهْدِكَ. أرَى الخَوَنَةَ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَ كَلِمَتَكَ، فَأرفُضُهُمْ! انْظُرْ كَمْ أحبَبتُ وَصَايَاكَ. فَأحْيِنِي حَسَبَ رَحمَتِكَ. مُنْذُ البَدءِ كَلَامُكَ يُتَّكَلُ عَلَيْهِ، وَأحكَامُكَ العَادِلَةُ إلَى الأبَدِ مَوثُوقَةٌ! بِلَا سَبَبٍ هَاجَمَنِي قَادَةٌ أقوِيَاءُ، أمَّا أنَا فَلَا أخَافُ إلَّا وَصَايَاكَ. تُفَرِّحُنِي كَلِمَتُكَ، كَمَا يَفْرَحُ مَنْ وَجَدَ كَنْزًا عَظِيمًا. الأكَاذِيبَ أُبغِضُهَا وَأحتَقِرُهَا، أمَّا تَعَالِيمُكَ فَأُحِبُّهَا. سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي اليَوْمِ أُسَبِّحُكَ عَلَى أحكَامِكَ المُنصِفَةِ. يَنْعَمُ مُحِبُّو تَعَالِيمِكَ بِسَلَامٍ عَظِيمٍ، وَمَا مِنْ شَيءٍ يَهْزِمُهُمْ. خَلَاصَكَ، يَا اللهُ ، أنتَظِرُ، وَبِمَا أمَرْتَ أعمَلُ. عَهْدَكَ حَفِظتُهُ، وَأنَا كَثِيرًا أُحِبُّهُ. حَفِظتُ وَصَايَاكَ وَعَهْدَكَ، وَهَا حَيَاتِي مَكشُوفَةٌ أمَامَكَ. لَيتَكَ، يَا اللهُ ، تَنْتَبِهُ إلَى تَرْنِيمَتِي الفَرِحَةِ. أعْطِنِي فَهمًا كَوَعدِكَ. لَيتَكَ تَنْتَبِهُ إلَى صَلَاتِي. أنقِذْنِي بِحَسَبِ وَعدِكَ. تَفِيضُ شَفَتَايَ بِتَرَانِيمِ التَّسبِيحِ، لِأنَّكَ تُعَلِّمُنِي شَرَائِعَكَ. أعِنِّي فَاسْتَجِيبَ لِكَلَامِكَ، فَكُلُّ وَصَايَاكَ صَائِبَةٌ. تَهَيَّأْ لِمَعُونَتِي لِأنِّي اختَرْتُ أنْ أُطِيعَ وَصَايَاكَ. شَوقِي هُوَ إلَى خَلَاصِكَ يَا اللهُ . وَبِتَعْلِيمِكَ أتَلَذَّذُ. أحْيِنِي فَتُسَبِّحَكَ نَفْسِي. فَرَائِضُكَ عَونِي. إنْ تُهتُ كَخَرُوفٍ ضَالٍّ، فَتَعَالَ يَا اللهُ، وَجِدْ عَبدَكَ، فَأنَا لَمْ أنْسَ وَصَايَاكَ. فِي ضِيقِي دَعَوتُ اللهَ ، فَاسْتَجَابَ لِي. مِنَ النَّاسِ الكَاذِبِينَ المُخَادِعِينَ نَجِّنِي، يَا اللهُ . أيُّهَا الكَاذِبُونَ المُخَادِعُونَ، مَاذَا سَتَرْبَحُونَ مِنَ الكَذِبِ؟ لَنْ تَرْبَحُوا غَيْرَ سِهَامٍ حَادَّةٍ وَجَمرَاتٍ حَامِيَةٍ. وَيْلٌ لِي! فَانَا بَيْنَكُمْ كَالغَرِيبِ السَّاكِنِ فِي مَاشِكَ أوْ فِي الخِيَامِ فِي صَحرَاءِ قِيدَارَ. طَالَتْ سُكنَايَ بَيْنَ أعْدَاءِ السَّلَامِ. إلَى السَّلَامِ أدعُو، أمَّا هُمْ فَيُنَادُونَ بِالحَرْبِ. أرفَعُ عَينَيَّ نَحْوَ الجِبَالِ، لَكِنْ مِنْ أيْنَ سَيَأْتِي عَونِي؟ يَأْتِي عَونِي مِنْ عِندِ اللهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ. لَنْ يَتْرُكَكَ لِتَسْقُطَ، وَحَارِسُكُ لَا يَنَامُ. حَامِي إسْرَائِيلَ، لَا يَنْعَسُ وَلَا يَنَامُ أبَدًا! اللهُ هُوَ الَّذِي يَحْرُسُكَ! حَامِيكَ هُوَ، وَاقِفٌ عَنْ يَمِينِكَ. فَلَا الشَّمْسُ تُؤذِيكَ نَهَارًا، وَلَا القَمَرُ يَضُرُّكَ لَيْلًا. يَحْمِيكَ اللهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَيَحْفَظُ حَيَاتَكَ. فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُهُ سَيَسْهَرُ اللهُ عَلَيْكَ، مِنَ الآنَ وَإلَى الأبَدِ. فَرِحْتُ بِالقَائِلِينَ: «هَيَّا نَصعَدُ إلَى بَيْتِ اللهِ .» نَقِفُ عِنْدَ بَوَّابَاتِكِ يَا قُدْسُ. نَعَمْ، القُدْسُ المَدِينَةُ الَّتِي بُنِيَتْ مِنْ جَدِيدٍ مَدِينَةً مُوَحَّدَةً وَاحِدَةً. تَصْعَدُ القَبَائِلُ إلَى هُنَاكَ، قَبَائِلُ يهوه لِيَحْمَدُوا اسْمَ يهوه، بِحَسَبِ فَرَائِضِهِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. لِأنَّهُ هُنَاكَ تُقَامُ عُرُوشُ العَدلِ، عُرُوشُ نَسْلِ دَاوُدَ. صَلُّوا مِنْ أجْلِ سَلَامِ القُدْسِ. قُولُوا: «لَيْتَ مُحِبِّيكِ يَنْعَمُونَ بِالسَّلَامِ! لَيْتَ السَّلَامَ يَسْكُنُ دَاخِلَ أسوَارِكِ وَقُصُورِكِ.» مِنْ أجْلِ السَّلَامِ فِي القُدْسِ أُصَلِّي، مِنْ أجْلِ إخْوَتِي وَجِيرَانِي. أطلُبُ لَكِ خَيْرًا مِنْ أجْلِ بَيْتِ . إلَيْكَ أرفَعُ عَينَيَّ، أيُّهَا المُتَوَّجُ فِي السَّمَاءِ! كَمَا يَعْتَمِدُ العَبدُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَالخَادِمَةُ عَلَى سَيِّدَتِهَا، هَكَذَا نَحْنُ نَتَّكِلُ عَلَى لِكَي يُبدِيَ لَنَا رَحْمَةً. ارحَمْنَا، يَا اللهُ ، ارحَمنَا، فَقَدِ اكتَفَينَا مِنَ الذُّلِّ مِنَ الإهَانَاتِ وَالِاسْتِهزَاءِ مِنْ أُولَئِكَ المُرتَاحِينَ المُتَغَطرِسِينَ! لِيَقُلْ إسرَائِيلُ، لَوْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَنَا! لَوْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَنَا عِنْدَمَا قَامَ عَلَيْنَا هَؤُلَاءِ! لَابتَلَعَنَا أعْدَاؤُنَا أحيَاءَ عِنْدَ اشتِعَالِ غَضَبِهِمْ! لَاجتَاحُونَا كَطُوفَانٍ، وَغَمَرَنَا السَّيلُ الجَارِفُ. لَأغْرَقُونَا فِي المِيَاهِ الثَّائِرَةِ. بَارِكُوا اللهَ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْنَا فَرِيسَةً لِأسْنَانِهِمْ. كُنَّا كَعُصفُورٍ كَادَ فَخُّ الصَّيَّادِ أنْ يُطبِقَ عَلَيْهِ. وَانكَسَرَ الفَخُّ، وَنَحْنُ أفلَتْنَا. عَونُنَا جَاءَ مِنَ اللهِ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ. كَجَبَلِ صِهْيَوْنَ سَيَكُونُ الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَى اللهِ ، فَلَا يَسْقُطُونَ أبَدًا، بَلْ يَثْبُتُونَ إلَى الأبَدِ. كَمَا تُحِيطُ الجِبَالُ بِالقُدْسِ، هَكَذَا يُحِيطُ اللهُ بِشَعْبِهِ مِنَ الآنَ وَإلَى الأبَدِ. لَيْسَ لِعَصَا الأشْرَارِ أنْ تَحْكُمَ أرضًا خُصِّصَتْ لِلأبْرَارِ، حَتَّى لَا يَمُدَّ الأبْرَارُ أيَادِيَهُمْ إلَى الخَطَيَّةِ. أحسِنْ يَا اللهُ إلَى الصَّالِحِينَ وَمُسْتَقِيمِي القُلُوبِ. وَلَيتَكَ يَا اللهُ تُهلِكُ المُلتَوِينَ فِي سُلُوكِهِمْ مَعَ بَقِيَّةِ الأشْرَارِ. لَيْتَ بَنِي إسْرَائِيلَ يَتَمَتَّعُونَ بِالسَّلَامِ! عِنْدَمَا يَرُدُّ اللهُ الشَّعْبَ المَنفِيَّ إلَى صِهْيَوْنَ، سَيَكُونُ ذَلِكَ أشبَهَ بِحُلمٍ! سَنَمتَلِئُ فَرَحًا وَنُرَنِّمُ تَرَانِيمَ بَهِيجَةً. عِنْدَمَا يُذَاعُ الخَبَرُ بَيْنَ الشُّعُوبِ الأُخرَى، سَيَقُولُونَ: « اللهُ صَنَعَ عَجَائِبَ لِهَؤُلَاءِ!» نَعَمْ، صَنَعَ اللهُ أشْيَاءَ عَظِيمَةً مِنْ أجْلِنَا، وَفَرَّحَنَا بِهَا! أعِدْ، يَا اللهُ ، المَنفِيِّينَ مِنَّا. كَجَدَاوِلِ الصَّحَارَى المُتَدَفِّقَةِ بِالمَاءِ. الَّذِينَ زَرَعُوا بِالدُّمُوعِ، يَحْصُدُونَ بِالفَرَحِ. الَّذِينَ حَمَلُوا البِذَارَ إلَى الحُقُولِ ذَارِفِينَ دُمُوعًا، يَبْتَهِجُونَ وَهُمْ يَحْمِلُونَ حُزَمًا مِنَ الحُبُوبِ! إنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ هُوَ بَانِي البَيْتِ، فَكُلُّ تَعَبِ البَنَّائِينَ بِلَا فَائِدَةٍ! وَإنْ لَمِ يَكُنِ اللهُ هُوَ الَّذِي يَحْرُسُ المَدِينَةَ، فَمُرَاقَبَةُ الحُرَّاسِ بِلَا فَائِدَةٍ! وَلَيَسَتِ الفَائِدَةُ فِي الخُرُوجِ بَاكِرًا إلَى العَمَلِ، أوْ فِي السَّهَرِ مِنْ أجْلِ لُقْمَةِ العَيشِ. فَاللهُ يَعْطِي أحِبَّاءَهُ رَاحَةً. الأبْنَاءُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ ، مُكَافَأةٌ تَأْتِي مِنْ أحشَاءِ الأُمِّ. كَسِهَامٍ بِيَدَي مُحَارِبٍ هُمُ الأبْنَاءُ الَّذِينَ يُرزَقُ المَرءُ بِهِمْ فِي شَبَابِهِ. هَنِيئًا لِلمُحَارِبِ الَّذِي مَلأ جُعبَتَهُ مِنْهُمْ! لَدَى مُواجَهَةِ أعْدَائِهِمْ عِنْدَ بَابِ المَدِينَةِ لَنْ يُخْزَوَا. هَنِيئًا لِكُلِّ مَنْ يَخَافُونَ اللهَ وَيُوَقِّرُونَهُ، الَّذِينَ يَتْبَعُونَ طُرُقَهُ. بِثَمَرِ تَعَبِ يَدَيْكَ سَتَتَمَتَّعُ. وَيَكُونُ لَكَ خَيْرٌ وَسَعَادَةٌ. فِي بَيْتِكَ تَكُونُ زَوْجَتُكَ كَكَرمَةٍ مُثمِرَةٍ. وَيَكُونُ أوْلَادُكَ حَوْلَ مَائِدَتِكَ كَأشْجَارِ زَيْتُونٍ مَزرُوعَةٍ عِنْدَ الجَدَاوِلِ. هَكَذَا يُبَارِكُ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ وَمَنْ يُوَقِّرُهُ. فَلْيُبَارِكْكَ اللهُ مِنْ هَيْكَلِهِ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، فَتَتَمَتَّعَ بِبَرَكَاتِ القُدْسِ كُلَّ حَيَاتِكَ! وَلَيتَكَ تَرَى أبْنَاءَ بَنِيكَ. سَلَامٌ لِلقُدْسِ! لِيَقُلْ إسرَائِيلُ: كَانَ لِي أعْدَاءٌ كَثِيرُونَ مُنْذُ شَبَابِي. كَانَ لِي أعْدَاءٌ كَثِيرُونَ مُنْذُ شَبَابِي، وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَنْتَصِرْ! بِقَسوَةٍ ضَرَبُونِي، تَرَكُوا عَلَى ظَهرِي جِرَاحًا طَوِيلَةً، كَالأتلَامِ فِي حَقْلٍ مَحرُوثٍ. غَيْرَ أنَّ اللهَ البَارَّ حَرَّرَنِي مِنْ قُيُودِ الأشْرَارِ. لِيُذَلَّ كُلُّ أعْدَاءِ صِهْيَوْنَ، وَيُرَدُّوا مَهزُومِينَ مَخْزِيِّينَ. لَيتَهُمْ يَكُونُونَ كَعُشبٍ عَلَى السُّطُوحِ يَذْوِي قَبْلَ أنْ يَكْتَمِلَ نُمُوُّهُ. لَا يَملأُ الحَاصِدُونَ مِنْهُ أيدِيَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِي لِحُزمَةٍ وَاحِدَةٍ! وَلَا يَقُولُ مَنْ يَمُرُّ بِهَؤُلَاءِ الأشْرَارِ: «لِتَكُنْ لَكُمْ بَرَكَاتُ اللهِ !» أوْ «نُبَارِكُكُمْ بِاسْمِ اللهِ !» مِنْ أعْمَاقِ ضِيقِي استَغَثتُ بِكَ يَا اللهُ . يَا رَبُّ، اسْمَعْ صَوْتِي! أعْطِ آذَانًا صَاغِيَةً لِتَضَرُّعَاتِي. إنْ حَاسَبْتَنَا يَا اللهُ عَلَى كُلِّ آثَامِنَا، فَمَنْ يَصْمِدُ أمَامَكَ يَا رَبُّ؟ لَكِنَّنَا نَعْرِفُ أنَّ المَغفِرَةَ هِيَ مِنْ عِندِكَ. لِذَلِكَ نَتَّقِيكَ. أنَا فِي انتِظَارِ اللهِ . نَفْسِي تَنْتَظِرُهُ، وَتَنْتَظِرُ كَلَامَهُ وَتَضَعُ رَجَاءَهَا فِيهِ. كَحَارِسٍ يَنْتَظِرُ الفَجرَ أنتَظِرُ الرَّبَّ، أنتَظِرُ كَلَامَهُ كَحَارِسٍ يَنْتَظِرُ الفَجرَ. انتَظِرْ، يَا إسرَائِيلُ، اللهَ . لِأنَّ المَحَبَّةَ هِيَ عِنْدَ اللهِ وَحْدَهُ، هُوَ يُخَلِّصُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَسَيُخَلِّصُ إسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ خَطَايَاهُ. يَا اللهُ ، مَا أنَا بِالمُتَكَبِّرِ أوِ المُنتَفِخِ. وَفِي أُمُورٍ أعْظَمَ مِنِّي وَمَسَائِلَ عَوِيصَةٍ لَا أُقحِمُ نَفْسِي. لَكِنْ هَا أنَا هَدَّأتُ نَفْسِي، سَكَّتُّهَا كَأُمٍّ تُسَكِّتُ فَطِيمَهَا. نَعَمْ، نَفْسِي عِنْدِي كَطِفلٍ مَفطُومٍ. يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، لِيَكُنْ رَجَاؤُكُمْ فِي اللهِ ، مِنَ الآنَ وَإلَى الأبِدِ. يَا اللهُ ، اذكُرْ دَاوُدَ وَكُلَّ مَا عَانَاهُ! قَطَعَ هَذَا الوَعدَ بِقَسَمٍ للهِ القَدِيرِ، إلَهِ إسْرَائِيلَ: «بَيْتِي لَنْ أدخُلَهُ، وَعَلَى سَرِيرِي لَنْ أضطَجِعَ. عَيْنَايَ لَنْ تَعْرِفَا نَومًا، وَلَا أجفَانِي نُعَاسًا. إلَى أنْ أجِدَ للهِ مَكَانًا، مَسْكَنًا لِلعَلِيِّ، إلَهِ يَعْقُوبَ!» سَمِعْنَا عَنِ المَسْكَنِ فِي أفرَاتَةَ. وَجَدْنَا صُنْدُوقَ العَهْدِ فِي قَريَاتِ يَاعِيرَ. يَقُولُ النَّاسُ: «لِنَذهَبْ إلَى مَسْكَنِهِ المُقَدَّسِ! لِنَنْحَنِ عِنْدَ مَوطِئِ قَدَمَيهِ!» قُمْ يَا اللهُ ، أنْتَ وَتَابُوتُ عَهْدِ قُوَّتِكَ وَاسْتَقِرَّ فِي مَكَانِ رَاحَتِكَ الجَدِيدِ! لِيَلْبَسْ كَهَنَتُكَ الصَّلَاحَ كَثِيَابٍ، وَلْيَتْبَعْهُمْ أتقِيَاؤُكَ بِالرَّقصِ وَالفَرَحِ! مِنْ أجْلِ دَاوُدَ، عَبدِكَ، لَا تَرْفُضْ طَلَبَ المَلِكِ الَّذِي مَسَحتَهُ. أقْسَمَ اللهُ لِدَاوُدَ، وَهُوَ لَا يَكْذِبُ وَلَنْ يَرْجِعَ عَنْ وَعْدِهِ: «سَأضَعُ نَسْلَكَ عَلَى عَرشِكَ، إنْ ظَلَّ بَنُوكَ يَحْفَظُونَ عَهْدِي وَوَصَايَايَ الَّتِي أُعَلِّمُهَا. وَنَسْلُهُمْ أيْضًا، سَيَجْلِسُونَ عَلَى العَرْشِ إلَى الأبَدِ.» هَذَا لِأنَّ اللهَ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ. فَهُنَاكَ يُرِيدُ مَسكَنَهُ. هَذَا مَكَانُ رَاحَتِي، مَسكَنِي إلَى الأبَدِ، لَانَّنِي اختَرْتُهُ. بِالوَفرَةِ سَأُبَارِكُهَا، وَسَيَكُونُ حَتَّى لِلفُقَرَاءِ طَعَامٌ كَثِيرٌ. سَأكسُو كَهَنَتَهَا بِثِيَابِ الخَلَاصِ، وَبِالفَرَحِ سَيَرْقُصُ أتقِيَاؤُهَا! هُنَاكَ سَأُعَظِّمُ قُوَّةَ دَاوُدَ. وَهُنَاكَ سَأُمَجِّدُ المَلِكَ الَّذِي مَسَحْتُهُ. سَأُذِلُّ أعْدَاءَهُ، أمَّا تَاجُ دَاوُدَ، فَسَأجعَلُهُ يَسْطَعُ! انْظُرُوا مَا أروَعَ وَمَا أحلَى أنْ يَسْكُنَ الإخْوَةُ فِي وِحدَةٍ مَعًا! هَذَا كَالزَّيْتِ الثَّمِينِ المُنسَكِبِ عَلَى رَأسِ هَارُونَ، النَّازِلِ عَلَى لِحيَتِهِ، النَّازِلَةِ فَوْقَ ثِيَابِهِ. كَالنَّدَى فَوْقَ جَبَلِ حَرْمُونَ السَّاقِطِ عَلَى جِبَالِ صِهْيَوْنَ. فَهُنَاكَ أمَرَ اللهُ أنْ تُعطَى بَرَكَةٌ، بَرَكَةُ الحَيَاةِ إلَى الأبَدِ. سَبِّحُوا اللهَ ، يَا جَمِيعَ خُدَّامِهِ السَّاهِرِينَ طَوَالَ اللَّيلِ فِي الهَيْكَلِ! ارفَعُوا أيدِيَكُمُ المُقَدَّسَةَ وَبَارِكُوا اللهَ . مِنْ صِهْيَوْنَ لِيُبَارِكْكُمُ اللهُ خَالِقُ السَّمَاءِ وَالأرْضِ. هَلِّلُويَا! سَبِّحُوا اسْمَ اللهِ . سَبِّحُوا اللهَ يَا خُدَّامَهُ. سَبِّحُوا اللهَ أيُّهَا الوَاقِفُونَ لِلخِدْمَةِ فِي هَيْكَلِهِ، فِي سَاحَةِ بَيْتِ إلَهِنَا. هَلِّلُوا للهِ فَهُوَ صَالِحٌ. رَنِّمُوا تَرَانِيمَ إكرَامًا لَاسْمِهِ، لِأنَّ ذَلِكَ عَذبٌ. لِأنَّ اللهَ اخْتَارَ يَعْقُوبَ لِيَكُونَ شَعْبَهُ الخَاصَّ، وَصَارَ إسرَائِيلُ كَنزَهُ الثَّمِينَ. أعْلَمُ أنَّ اللهَ عَظِيمٌ! أعْلَمُ أنَّ رَبَّنَا أعْظَمُ مِنْ كُلِّ الآلِهَةِ المُزَيَّفَةِ! كُلُّ مَا يَشَاءُ اللهُ يَفْعَلُهُ، فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأرْضِ وَحَتَّى فِي أعمَقِ أعْمَاقِ المُحِيطَاتِ. يُطلِعُ السَّحَابَ مِنْ أطرَافِ الأرْضِ، يُحِيلُهُ إلَى عَوَاصِفَ رَعدِيَّةٍ بِمَطَرٍ وَبَرقٍ، وَيُرسِلُ الرِّيحَ مِنْ مَخَازِنِهِ. ضَرَبَ كُلَّ بِكرٍ فِي مِصْرٍ، قَتَلَ أبكَارَ النَّاسِ وَالمَوَاشِي. فِي كُلِّ مِصْرٍ نَشَرَ آيَاتٍ وَمُعجِزَاتٍ ضِدَّ فِرْعَوْنَ وَأعْوَانِهِ. شُعُوبًا كَثِيرَةً هَزَمَ، وَمُلُوكًا أقوِيَاءَ قَتَلَ. فَقَتَلَ سِيحُونَ المَلِكَ الأمُّورِيَّ وَعُوجًا مَلِكَ بَاشَانَ وَكُلَّ المَمَالِكِ فِي أرْضِ كِنْعَانَ. ثُمَّ أعْطَى أرْضَهُمْ مِيرَاثًا لِشَعْبِهِ إسْرَائِيلَ. صِيتُكَ، يَا اللهُ ، إلَى الأبَدِ يَدُومُ! وَالنَّاسُ سَيَذْكُرُونَ اسْمَكَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ! اللهُ سَيَدِينُ شَعْبَهُ، وَسَيَكُونُ رَحِيمًا مَعَ خُدَّامِهِ. أوْثَانُ الشُّعُوبِ الأُخرَى مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، صَنَعَهَا النَّاسُ بِأيدِيهِمْ. لَهَا أفوَاهٌ لَكِنَّهَا لَا تَقْدِرُ أنْ تَنْطِقَ. لَهَا عُيُونٌ، لَكِنَّهَا لَا تَقْدِرُ أنْ تَرَى. لَهَا آذَانٌ، لَكِنَّهَا لَا تَقْدِرُ أنْ تَسْمَعَ. وَلَا نَفَسَ فِي أفْوَاهِهِا. صَانِعُوهَا وَالمُتَّكِلُونَ عَلَيْهَا سَيُصبِحُونَ مِثْلَهَا. يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ، بَارِكُوا اللهَ ! يَا بَيْتَ هَارُونَ، بَارِكُوا اللهَ ! يَا بَيْتَ لَاوِي، بَارِكُوا اللهَ ! بَارِكُوا اللهَ يَا مُتَّقِيهِ. يَا سُكَّانَ القُدْسِ، بَارِكُوا اللهَ مِنْ صِهْيَوْنَ. هَلِّلُويَا! سَبِّحُوا اللهَ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ. سَبِّحُوا إلَهَ الآلِهَةِ لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا رَبَّ الأرْبَابِ لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ وَحْدَهُ يَصْنَعُ العَجَائِبَ العَظِيمَةَ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ بِحِكمَةٍ صَنَعَ السَّمَاءَ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ مَدَّ اليَابِسَةَ فَوْقَ المَاءِ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ صَنَعَ النُّورَينِ العَظِيمَينِ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ صَنَعَ الشَّمْسَ لِتَحْكُمَ النَّهَارَ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ صَنَعَ القَمَرَ وَالنُّجُومَ لِتَحْكُمَ اللَّيلَ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ ضَرَبَ أبْكَارَ مِصْرٍ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! وَأخرَجَ إسْرَائِيلَ مِنْ وَسَطِهِمْ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَذِرَاعٍ مَمدُودَةٍ أخرَجَهُمْ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ قَسَمَ البَحْرَ الأحْمَرَ إلَى نِصفَينِ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! وَسَارَ بَنُو إسْرَائِيلَ عَبْرَهُ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! ثُمَّ طَوَّحَ بِفِرعَونَ وَجُنُودِهِ فِي البَحْرِ الأحْمَرِ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ قَادَ شَعْبَهُ فِي الصَّحرَاءِ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ هَزَمَ مُلُوكًا عِظَامًا، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! وَقَتَلَ مُلُوكًا أشِدَّاءَ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! فَقَتَلَ سِيحُونَ مَلِكَ الأمُورِيِّينَ لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! قَتَلَ عُوجًا مَلِكَ بَاشَانَ لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! ثُمَّ أعْطَى أرْضَهُمْ مِيرَاثًا، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! أعْطَاهَا لِعَبدِهِ إسْرَائِيلَ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! هُوَ لَمْ يَتْرُكْنَا فِي أسوأ أحوَالِنَا، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! مِنْ أعْدَائِنَا أنقَذَنَا، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا مَنْ يُعْطِي الجَمِيعَ طَعَامًا، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! سَبِّحُوا إلَهَ السَّمَاءِ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ! هُنَاكَ جَلَسنَا عَلَى ضِفَافِ أنهَارِ بَابِلَ، تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ فَبَكَينَا. وَهُنَاكَ عَلَى صَفصَافِ تِلْكَ المَدِينَةِ عَلَّقْنَا قَيَاثِيرَنَا. فَهُنَالِكَ طَلَبَ آسِرُونَا مِنَّا أنْ نُنشِدَ القَصَائِدَ، وَأنْ نُرَنِّمَ تَرَانِيمَ تَسْبِيحٍ بَهِيجَةً. قَالُوا: «رَنِّمُوا تَرَانِيمَ صِهْيَوْنَ.» فَكَيْفَ لَنَا أنْ نُرَنِّمَ تَرَانِيمَ اللهِ فِي هَذِهِ الأرْضِ الغَرِيبَةِ؟ لِتَنْسَ يَمِينِي كَيْفَ تَعْزِفُ إنْ نَسِيتُكِ يَا قُدْسُ. لِيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِسَقفِ فَمِي إنْ لَمْ أتَذَكَّرْكِ دَائِمًا، وَإنْ لَمْ أجعَلِ القُدْسَ مَصدَرَ أكبَرِ فَرَحٍ لِي! وَلَيْتَ اللهَ يَذْكُرُ مَا فَعَلَهُ الأدُومِيُّونَ يَوْمَ سَقَطَتِ القُدْسُ! قَالُوا: «اهدِمُوهَا! سَوُّوهَا بِالأرْضِ!» وَأنتِ أيْضًا، يَا بَابِلُ، سَتُدَمَّرِينَ وَتُنهَبِينَ! مُبَارَكٌ مَنْ يُجَازِيكِ عَلَى مَا فَعَلْتِ بِنَا! مُبَارَكٌ مَنْ يُمْسِكُ بِأطْفَالِكِ وَيَسْحَقُهُمْ عَلَى الصُّخُورِ! أحمَدُكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي يَا اللهُ . أُرَنِّمُ لَكَ أمَامَ كُلِّ الآلِهَةِ. أنحَنِي تُجَاهَ هَيْكَلِكَ المُقَدَّسِ. وَأُحمَدُ اسْمَكَ مِنْ أجْلِ أمَانَتِكَ وَمَحَبَّتِكَ. لِأنَّكَ رَفَعْتَ اسْمَكَ وَكَلِمَتَكَ فَوْقَ كُلِّ شَيءٍ. استَجَبتَ لِي يَوْمَ دَعَوتُكَ، وَشَدَّدْتَ نَفْسِي. سَيُسَبِّحُكَ، يَا اللهُ ، كُلُّ مُلُوكِ الأرْضِ حِينَ يَسْمَعُونَ كَلَامَكَ. وَلْيَتَغَنُّوا بِمَا يَفْعَلُهُ اللهُ لِأنَّ مَجْدَ اللهِ عَظِيمٌ! اللهُ مُمَجَّدٌ، غَيْرَ أنَّهُ يَنْتَبِهُ لِلمُتَوَاضِعِينَ، وَيَعْرِفُ المُتَعَالِينَ لَكِنَّهُ يَنأى عَنْهُمْ. إنْ سِرتُ فِي وَسَطِ ضِيقٍ لَا تَدَعْ غَضَبَ عَدُوِّي يَقْضِي عَلَيَّ، بَلْ تَمُدُّ يَدَكَ وَتُخَلِّصُنِي بِيَمِينِكَ. اللهُ سَيَقْتَصُّ لِي مِنْ أعْدَائِي لِأنَّ رَحْمَتَكَ إلَى الأبَدِ، يَا اللهُ . أنْتَ خَلَقْتَنَا بِيَدَيكَ، فَلَا تَتَخَلَّ عَنَّا. أنْتَ فَحَصتَنِي، يَا اللهُ ، وَتَعْرِفُنِي بِشَكلٍ كَامِلٍ. تَعْرِفُ مَتَى أجْلِسُ وَمَتَى أقُومُ. تَفْهَمُ أفكَارِي مِنْ بَعِيدٍ. الطَّرِيقُ الَّتِي أسلُكُهَا وَاضِحَةٌ لَدَيكَ، وَمَكَانُ اضطِجَاعِي لَا يَخْفَىْ عَنْكَ. تَعْرِفُ كُلَّ مَا أفْعَلُ. قَبْلَ أنْ أنطِقَ بِكَلِمَةٍ أنْتَ تَعْرِفُهَا يَا اللهُ تَمَامَ المَعْرِفَةِ. أنْتَ مِنْ حَوْلِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَتَحْرُسُ ظَهرِي، وَاضِعًا يَدَكَ بِرِفقٍ عَلَى كَتِفِي. عَجِيبَةٌ مَعْرِفَتُكَ، هِيَ فَوقِي، تَسْمُو عَلَى فَهْمِي. أيْنَ يُمْكِنُنِي أنْ أذْهَبَ لِأهْرُبَ مِنْ رُوحِكَ؟ أيْنَ يُمْكِنُنِي أنْ أذْهَبَ لِأخْرُجَ مِنْ حَضْرَتِكَ؟ حَتَّى لَوْ صَعِدْتُ إلَى السَّمَاوَاتِ، فَأنْتَ هُنَاكَ. وَلَوِ اضْطَجَعْتُ فِي الهَاوِيِةِ، فَأنْتَ هُنَاكَ! لَوْ نَبَتَ لِي جَنَاحَانِ وَطِرْتُ إلَى الشَّمْسِ المُشْرِقَةِ، أوْ طِرْتُ غَرْبًا إلَى أقْصَى البَحْرِ. حَتَّى هُنَاكَ، أجِدُ أنَّ يَدَكَ تُمْسِكُنِي وَتَقُودُنِي. رُبَّمَا قُلْتُ لِنَفْسِي: «الظَّلمَةُ سَتُخْفِينِي عَنْكَ! وَمِنَ اللَّيلِ سَأتَّخِذُ لِي سِتْرًا.» لَكِنَّ الظُّلمَةَ لَيْسَتْ مُظْلِمَةً لَدَيْكَ. مَهْمَا أظْلَمَ اللَّيلُ، فَهُوَ وَاضِحٌ كَالنَّهَارِ لَكَ. الضَّوْءُ وَالظُّلمَةُ سِيَّانَ عِنْدَكَ. أعْضَائِي كُلُّهَا أنْتَ شَكَّلتَهَا، وَكَسَوتَهَا جِلْدًا وَأنَا بَعْدُ فِي بَطْنِ أُمِّي. لِهَذَا أحْمَدُكَ لِأنِّي خُلِقتُ عَلَى نَحوٍ عَجِيبٍ، عَمَلًا مُدْهِشًا أنْتَ تَصْنَعُ، وَأنَا أعْرِفُ هَذَا حَقًّا! حَتَّى عِظَامِي لَمْ تَكُنْ خَافِيَةً عَنْ عَيْنَيْكَ، مَعَ أنِّي كُوِّنْتُ فِي بُقعَةٍ خَفِيَّةٍ. فِي ذَلِكَ المَكَانِ الخَفِيِّ جُمِعتُ. غَيْرَ إنَّكَ رَأيْتَ جَسَدِي، وَضَعْتَ قَائِمَةً لِكُلِّ جُزءٍ مِنْهُ. دَوَّنْتَهَا مَعَ كُلِّ يَوْمٍ شُكِّلَتْ فِيهِ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَنْقُصْ. مَا أغلَى أفكَارَكَ عِندِي يَا اللهُ! مِنْ أيْنَ تَأْتِي كُلُّهَا؟ لَوْ أحصَيتُهَا لَكَانَتْ أكْثَرَ مِنْ حَبَّاتِ الرَّملِ، وَكُلَّمَا ظَنَنْتُ أنِّي انتَهَيتُ، أجِدُ أنَّنِي مَا زِلتُ فِي البِدَايَةِ! لَيتَكَ تَقْضِي عَلَى الأشْرَارِ يَا اللهُ، وَتُبعِدُ عَنِّي هَؤُلَاءِ القَتَلَةَ! يَقُولُ هُؤُلَاءِ فِيكَ سُوءًا، بَاطِلًا يَحْلِفُونَ بِاسْمِكَ. ألَا أبْغَضُ مُبْغِضِيكَ يَا اللهُ ، وَأحتَقِرُ المُتَمَرِّدِينَ عَلَيْكَ؟ أبغَضُهُمْ بُغضًا شَدِيدًا، هُمْ أعْدَائِي! افحَصْنِي يَا اللهُ، لِتَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِي. امتَحِنِّي وَاعرِفْ أفكَارِي. وَانْظُرْ إنْ كَانَتْ فِيَّ أفكَارٌ شِرِّيرَةٌ. وَقُدْنِي فِي طَرِيقِ الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ. أنقِذْنِي مِنَ الأشْرَارِ، يَا اللهُ . احمِنِي مِنَ العُنَفَاءِ، الَّذِينَ يُخَطِّطُونَ لِلشَّرِّ وَيُثِيرُونَ النِّزَاعَاتِ. ألسِنَتُهُمْ حَادَّةٌ كَلِسَانِ الأفعَى، وَسُمُّ الأفَاعِي عَلَى شِفَاهِهِمْ! مِنْ هَؤُلَاءِ الأشْرَارِ، يَا اللهُ ، احمِنِي، احْمِنِي مِنَ هَؤُلَاءِ العُنَفَاءِ الَّذِينَ يَسْعُونَ إلَى إعثَارِ قَدَمَيَّ. يَنْصِبُ هَؤُلَاءِ المُتَغَطرِسُونَ مَصيَدَةً لِي يَحْفُرُونَ حُفَرًا وَيَبْسِطُونَ شِبَاكَهُمْ قُرْبَ مَصَائِدِهِمْ. يُرِيدُونَ إيقَاعِي فِي الشَّرَكِ. فَقُلْتُ للهِ : «أنْتَ إلَهِي.» فَاسْتَمِعْ إلَى التِمَاسِي رَحمَتَكَ. اللهُ هُوَ رَبِّي. مُخَلِّصِي القَدِيرُ أنْتَ، فَاحمِنِي فِي يَوْمِ المَعْرَكَةِ. يَا اللهُ ، لَا تُمَكِّنْ هَؤُلَاءِ الأشْرَارَ مِنْ مُرَادِهِمْ! لَا تُوَفِّقْ خُطَطَهُمْ لِئِلَّا يَغْتَرُّوا بِأنفُسِهِمْ. يُحِيطُونَ بِي رَافِعِينَ رُؤُوسَهُمْ. فَاجعَلْ مَا يُخَطِّطُونَ لَهُ مِنَ الإسَاءَةِ يَسْحَقُهُمْ. أسْقِطْ عَلَيْهِمْ جَمَرَاتٍ مُلتَهِبَةٍ. وَادفَعْهُمْ إلَى قُبُورٍ لَا يَقُومُونَ مِنْهَا! لَا تَسْمَحْ لِلمُفتَرِينَ بِأنْ يَسْتَقِرُّوا فِي هَذِهِ الأرْضِ، بَلْ لِيَقْتَنِصْهُمُ الشَّرُّ سَرِيعًا. أعْلَمُ أنَّ اللهَ سَيَفْعَلُ مَا هُوَ حَقٌّ لِلمَسَاكِينِ، وَمَا هُوَ مُنصِفٌ لِلبَائِسِينَ. وَأعرِفُ أنَّ الصَّالِحِينَ وَالمُسْتَقِيمِينَ، سَيُكرِمُونَ اسْمَكَ وَيَعِيشُونَ فِي حَضرَتِكَ. بِكَ استَغَثتُ يَا اللهُ ، فَأسرِعْ إلَى عَونِي! أصغِ إلَيَّ حينَمَا أدعُوكَ! لَيتَكَ تَقْبَلُ صَلَوَاتِي كَرَائِحَةِ البَخُورِ، وَكَفَّيَّ المُرْتَفِعَتَيْنِ كَتَقْدِمَةِ المَسَاءِ. أعِنِّي، يَا اللهُ ، وَاضبُطْ لِسَانِي. أعِنِّي فَأنْتَبِهَ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لَا تُحَوِّلْ قَلْبِي إلَى الشَّرِّ، فَأنْشَغِلَ فِي الشُّرُورِ مَعَ رِفَاقِ الإثْمِ. لَا تَجْعَلْنِي أتَلَذَّذُ بِمَا يَشْتَهُونَ. إنْ أدَّبَنِي إنْسَانٌ صَالِحٌ، فَسَأعتَبِرُ ذَلِكَ كَرَمًا. وَإنْ وَبَّخَنِي، فَكَزَيْتٍ لِرأسِي. وَأُواصِلُ صَلَاتِي ضِدَّ أفعَالِ الأشْرَارِ. لَيتَهُ يُلقِي بِقَادَتِهِمْ مِنْ أعَالِي الصُّخُورِ، فَيَعْلَمُ الأشرَارُ أنِّي تَكَلَّمْتُ بِالحَقِّ. تَنَاثَرَتْ عِظَامُنَا عِنْدَ بَابِ القَبْرِ كَمَا يُنْثَرُ التُّرَابُ عِنْدَ الفِلَاحَةِ وَالحَفرِ. نَحوَكَ عَيْنَايَ أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، عَلَيْكَ أتَّكِلُ، فَلَا تُسَلِّمنِي إلَى المَوْتِ! احمِنِي مِنَ الأشرَاكِ وَالمَصَائِدِ الَّتِي نَصَبَهَا لِيَ الأشرَارُ لِيَصطَادُونِي! لِيَسْقُطِ الأشرَارُ فِي شِبَاكِهِمْ بَيْنَمَا أمُرُّ عَنْهَا بِسَلَامَةٍ. بِصَوْتِي إلَى اللهِ أصرُخُ! بِصَوْتِي أتَضَرَّعُ إلَى اللهِ . أسكُبُ أمَامَهُ شَكْوَايَ، وَعَنْ كُلِّ ضِيقَاتِي أُخبِرُهُ. عِنْدَمَا يَتَمَلَّكُنِي الخَوفُ، أنْتَ تَعْرِفُ أيْنَ أنَا، وَتَعْرِفُ أنَّ أعْدَائِي يَنْصِبُونَ مَصَائِدَ فِي طَرِيقِي. هَا أنَا بِلَا صَدِيقٍ يَقِفُ مَعِي! أنَا بِلَا مَلَاذٍ، وَلَيْسَ مَنْ يَهْتَمُّ إنْ عِشتُ أوْ مِتُّ. دَعَوتُكَ يَا اللهُ . قُلْتُ لَكَ: «أنْتَ مَلْجَأي! كُلُّ نَصِيبِي أنْتَ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ!» اسْتَمِعْ إلَى صَلَاتِي لِأنَّ حَاجَتِي مَاسَّةٌ! مِنْ مُطَارِدِيَّ نَجِّنِي، لِأنَّهُمْ أقوَى مِنِّي. حَرِّرنِي مِنْ هَذَا الفَخِّ، فَأُسَبِّحَ اسْمَكَ. عِنْدَئِذٍ سَيَلْتَفُّ الصَّالِحُونَ حَوْلِي لِأنَّكَ اهتَمَمتَ بِي. اسْمَعْ صَلَوَاتِي، يَا اللهُ ! أصغِ إلَى طِلْبَاتِي! اسْتَجِبْ لِي لِأنَّكَ بَارٌّ. لَا تَرْفَعْ دَعوَاكَ ضِدِّي، أنَا عَبدَكَ. فَمَا مِنْ حَيٍّ يَقِفُ أمَامَكَ وَيَتَبَرَّرُ! عَدُوٌّ يُطَارِدُنِي لِيَقْتُلَنِي، إلَى المَوْتِ يَدْفَعُنِي، إلَى مَكَانٍ مُظلِمٍ، لِأنضَمَّ إلَى مَنْ سَبَقُونِي إلَى المَوْتِ! ارتَمَت رُوحِي خَوْفًا، وَذُعِرَ قَلْبِي فِي دَاخِلِي! أذكُرُ أعْمَالَكَ قَدِيمًا! أتَأمَّلُ كُلَّ مَا فَعَلْتَ، وَكُلَّ مَا صَنَعَتْ يَدَاكَ. أبسِطُ إلَيْكَ يَدَيَّ! نَفْسِي تَعْطَشُ إلَيْكَ كَأرْضٍ نَاشِفَةٍ! استَجِبْ لِي سَرِيعًا يَا اللهُ ، فَأنَا أُوشِكُ عَلَى المَوْتِ. لَا تَسْتُرْ وَجْهَكَ عَنِّي، وَإلَّا مِتُّ. فِي الصَّبَاحِ أرِنِي رَحْمَتَكَ، لِأنِّي عَلَيْكَ أتَوَكَّلُ. اختَرْ لِي طَرِيقِي، لِأنِّي فِي كَفَّيكَ وَضَعتُ حَيَاتِي. مِنْ أعْدَائِي نَجِّنِي يَا اللهُ ، لِأنِّي إلَيْكَ ألتَجِئُ. عَلِّمنِي مَشِيئَتَكَ لِأنَّكَ أنْتَ إلَهِي. رُوحُكَ الصَّالِحُ يَقُودُنِي عَبْرَ أرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ. احفَظْ حَيَاتِي لِأجْلِ اسْمِكَ: يهوه. ارحَمْنِي، وَمِنْ ضِيقَاتِي نَجِّنِي. أرِنِي مَحَبَّتَكَ، وَاهزِمْ أعْدَائِي. أهْلِكْ أعْدَائِي، لِأنِّي عَبدُكَ. أُبَارِكُ اللهَ ، صَخْرَتِي. الَّذِي يُدَرِّبُ يَدَيَّ عَلَى القِتَالِ، وَأصَابِعِي عَلَى الحَرْبِ. هُوَ رَحْمَتِي وَحِصْنِي، مَلْجَأي وَمُنقِذِي وَتُرسِي. إلَيْهِ ألجَأُ، فَيَخْضَعُ شَعْبِي تَحْتِي. يَا اللهُ ، مَا هُوَ الإنْسَانُ حَتَّى تَهْتَمَّ بِهِ؟ وَمَا هُوَ مَولُودُ البَشَرِ لِكَي تُلَاحِظَهُ؟ كَبُخَارٍ هُوَ الإنْسَانُ يَتَبَدَّدُ سَرِيعًا وَيَخْتَفِي. كَظِلِّ عَابِرٍ حَيَاتُهُ. شُقَّ السَّمَاوَاتِ، يَا اللهُ ، وَانزِلْ. المِسِ الجِبَالَ فَتَتَفَجَّرَ دُخَانًا. اضرِبْ بِالبُرُوقِ أعْدَائِي وَشَتِّتْهُمْ. أرسِلْ عَلَيْهِمْ سِهَامَ صَوَاعِقِكَ وَأربِكْهُمْ. انزِلْ مِنَ السَّمَاءِ، يَا اللهُ، وَنَجِّنِي! انشِلْنِي مِنْ هَذِهِ المِيَاهِ القَوِيَّةِ، مِنْ هَؤُلَاءِ الغُرَبَاءِ خَلِّصْنِي. خَلِّصْنِي مِنْ ذَوِي الوُعُودِ الكَاذِبَةِ، وَالحَالِفِينَ بِالبَاطِلِ. لَكَ، يَا اللهُ، أُرَنِّمُ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، سَأُرَنِّمُ لَكَ عَلَى قِيثَارَتِي بِعَشْرَةِ أوتَارٍ! أنْتَ مَنْ يُخَلِّصُ المُلُوكَ وَيُنَجِّي عَبدَهُ، دَاوُدَ، مِنْ سَيفِ الأشْرَارِ. فَخَلِّصنِي مِنَ الغُرَبَاءِ ذَوِي الوُعُودِ الكَاذِبَةِ، وَالحَالِفِينَ بِالبَاطِلِ. أمَّا نَحْنُ، فَأبْنَاؤنَا يَنْمُونَ فِي شَبَابِهِمْ كَأشْجَارٍ قَوِيَّةٍ. وَبَنَاتُنَا كَأعمِدَةِ زَوَايَا مَنحُوتَةٍ لِبِنَاءِ قَصْرٍ. مَخَازِنُ حُبُوبِنَا مَلآنَةٌ مِنْ كُلِّ صِنفٍ وَالخِرَافُ فِي حُقُولِنَا أُلوفٌ وَمِئَاتُ الأُلُوفِ. جُنُودُنَا مُسَلَّحُونَ، وَمَا مِنْ ثَغَرَاتٍ فِي أسوَارِ المَدِينَةِ. لَا مَنْ يَخْرُجُ إلَى الحَرْبِ، وَلَا مَنْ يَبْكِي عَلَى فَقِيدٍ فِي شَوَارِعِنَا. هَنِيئًا لِلَّذِينَ يَنْعَمُونَ بِهَذَا. هَنِيئًا لِلَّذِينَ إلَهُهُمْ هُوَ يهوه. سَأرفَعُ اسْمَكَ يَا إلَهِيَ المَلِكَ. سَأُبَارِكُ اسْمَكَ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ! كُلَّ يَوْمٍ سَأُبَارِكُكَ وَأُسَبِّحُ اسْمَكَ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ! عَظِيمٌ هُوَ اللهُ وَمُسْتَحِقٌّ لِلتَّسْبِيحِ! وَلَيْسَ مَنْ يَسْتَوْعِبُ كُلَّ عَظَمَتِهِ. جِيلٌ بَعْدَ جِيلٍ سَيُسَبِّحُ أعْمَالَكَ، وَبِعَظَمَتِكَ سَيُخبِرُونَ. مَجْدُكَ بَهِيٌّ، أنَا أتَأمَّلُ بِأعْمَالِكَ العَجِيبَةِ، وَبِبَهَاءِ جَلَالِكَ المَجِيدِ. سَيَتَحَدَّثُ النَّاسُ عَنْ قُوَّتِكَ المُهِيبَةِ حِينَ أُخَبِّرُ بِعَظَمَتِكَ. صَلَاحَكَ العَظِيمَ سَيَذْكُرُونَ، وَبِبِرِّكَ سَيَتَغَنُّونَ. طَيِّبٌ هُوَ اللهُ وَرَحِيمٌ، صَبُورٌ وَكَثِيرُ المَحَبَّةِ. صَالِحٌ هُوَ اللهُ لِلجَمِيعِ، وَلِكُلِّ مَنْ خَلَقَهُمْ يُظهِرُ رَحْمَتَهُ. فَلْيَحْمَدْكَ، يَا اللهُ ، كُلُّ مَنْ خَلَقْتَ، وَلْيُبَارِكْكَ أتبَاعُكَ المُخْلِصُونَ. لِيُحَدِّثُوا بِمُلكِكَ المَجِيدِ وَبِقُدرَتِكَ، فَيَعْلَمَ كُلُّ بَشَرٍ عَنْ عَظَمَتِكَ وَبَهَاءِ مَجْدِ مُلكِكَ. مُلْكُكَ مُلْكٌ أبَدِيٌّ، وَسِيَادَتُكَ ثَابِتَةٌ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. اللهُ يَسْنِدُ كُلَّ العَاثِرِينَ وَهُوَ يُقِيمُهُمْ. الجَمِيعُ يَتَطَلَّعُونَ إلَيْكَ مِنْ أجْلِ طَعَامِهِمْ. إلَيْكَ يَأْتُونَ، وَأنْتَ تُعطِيهِمْ حِصَّتَهُمْ فِي وَقْتِهَا. تَفْتَحُ يَدَكَ وَتَسُدُّ حَاجَاتِ كُلِّ حَيٍّ. اللهُ عَادِلٌ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ، وَفِي كُلِّ مَا يَصْنَعُهُ هُوَ وَفِيٌّ. قَرِيبٌ هُوَ اللهُ لِكُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ، لِلَّذِينَ بِإخْلَاصٍ يَدْعُونَهُ. يَعْمَلُ مُشتَهَى عَبِيدِهِ يَسْمَعُ صَرَخَاتِهِمْ وَيُخَلِّصُهُمْ. يَحْمِي اللهُ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. أمَّا الأشرَارُ فَيُهلِكُهُمْ. لِذَا أُسَبِّحُ اللهَ ، وَلْيُبَارِكِ اسْمَهُ القُدُّوسَ كُلُّ بَشَرٍ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. هَلِّلُويَا! سَبِّحِي اللهَ ، يَا نَفْسِي! طَوَالَ حَيَاتِي سَأُسَبِّحُ اللهَ . لِإلَهِي سَأُرَنِّمُ مَا دُمتُ حَيًّا. عَلَى الأُمَرَاءِ لَا تَتَّكِلْ، فَلَيْسَ عِنْدَ بَشَرٍ قُدرَةٌ عَلَى أنْ يُخَلِّصَ. هُمْ أيْضًا يَمُوتُونَ، وَإلَى التُّرَابِ يَعُودُونَ، وَكُلُّ أفكَارِهِمْ وَخُطَطِهِمْ لَا تُسفِرُ عَنْ شَيءٍ. هَنِيئًا لِمَنْ إلَهُ يَعْقُوبَ مُعِينُهُ، هَنِيئًا لِمَنْ يَتَّكِلُ عَلَى . هُوَ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَالبَحْرَ، وَكُلَّ مَا فِيهَا. هُوَ الَّذِي إلَى الأبَدِ يَحْفَظُ الحَقَّ! هُوَ الَّذِي يُنْصِفُ المَظلُومِينَ، وَيُطعِمُ الجِيَاعَ. اللهُ يُطلِقُ السُّجَنَاءَ. اللهُ يَفْتَحُ عُيُونَ العُمِي، وَيُقِيمُ العَاثِرِينَ. اللهُ يُحِبُّ الأبْرَارَ. اللهُ يَحْمِي الغُرَبَاءَ، وَيُطعِمُ الأرَامِلَ وَاليَتَامَى، أمَّا الأثَمَةُ فَيُحبِطُ طُرُقَهُمْ. لِيَمْلُكِ اللهُ إلَى الأبَدِ! جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ لِيَمْلُكْ إلَهُكِ، يَا صِهْيَوْنَ. هَلِّلُويَا! سَبِّحُوا اللهَ ، فَهُوَ صَالِحٌ. لِإلَهِنَا رَنِّمُوا، لِأنَّ التَّرنِيمَ حَسَنٌ وَمُسِرٌّ. اللهُ بَنَى القُدْسَ، وَسَيَلُمُّ شَملَ أسرَى إسْرَائِيلَ. يَشْفِي المَكسُورِي القَلْبِ، وَيَعْصِبُ جُرُوحَهُمْ. يُقَرِّرُ عَدَدَ النُّجُومِ، وَيَعْرِفُهَا كُلَّهَا بِالِاسْمِ. عَظِيمٌ وَقَدِيرٌ هُوَ الرَّبُّ، وَلَا حَدَّ لِمَعْرِفَتِهِ. اللهُ يَسْنِدُ الوُضَعَاءَ، أمَّا الأشرَارُ فَإلَى الأرْضِ يُنْزِلُهُمْ. بِتَقْدِمَاتِ الشُّكْرِ استَجِيبُوا للهِ ، رَنِّمُوا عَلَى قِيثَارَةٍ لِإلَهِنَا! هُوَ الَّذِي يُغَطِّي السَّمَاءَ بِالسَّحَابِ، وَيُرسِلُ مَطَرًا عَلَى الأرْضِ، فَتَنْمُو الأعشَابُ عَلَى الجِبَالِ. هُوَ الَّذِي يُعْطِي طَعَامًا لِلبَهَائِمِ، وَلِلغِربَانِ الَّتِي تَصْرُخُ إلَيْهِ! لَا يَشْتَهِي قُوَّةَ الخَيلِ وَلَا يُسَرُّ بِقُوَّةِ سِيقَانِ الرِّجَالِ. بَلْ بِخَائِفِيهِ يُسَرُّ اللهُ ، بِالَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَى مَحَبَّتِهِ. يَا قُدْسُ، سَبِّحِي اللهَ ! وَيَا صِهْيَوْنُ، سَبِّحِي إلَهَكِ! فَهُوَ يُقَوِّي قُضبَانَ أبوَابِكِ لِيَحْمِيكِ، وَيُبَارِكُ الشَّعْبَ فِي وَسَطِكِ. هُوَ الَّذِي يَمْنَحُ حُدُودَكِ السَّلَامَ، وَبِقَمْحٍ وَفِيرٍ يُشبِعُكَ. هُوَ الَّذِي يُعْطِي الأرْضَ أمْرًا، فَتُسرِعُ إلَى طَاعَتِهِ. هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الثَّلجَ كَالصُّوفِ، وَيَنْثُرُ الجَلِيدَ كَالرَّمَادِ. هُوَ الَّذِي يَرْشُقُ البَرَدَ كَالحِجَارَةِ. وَمَنْ يَحْتَمِلُ البَرْدَ الَّذِي يُرسِلُهُ؟ ثُمَّ يُعْطِي الأمْرَ، فَيَذُوبُ الجَلِيدُ وَالثَّلجُ. يُرْسِلُ الرِّيحَ فَتَتَدَفَّقُ المِيَاهُ. لِشَعْبِ يَعْقُوبَ أعْطَى الوَصَايَا. أعْطَى لِإسرَائِيلَ شَرَائِعَهُ وَأحكَامَهُ. لَمْ يَفْعَلْ هَذَا مَعَ أيَّةِ أُمَّةٍ أُخْرَى. لَا تَعْرِفُ الأُمَمُ أحكَامَهُ. هَلِّلُويَا. هَلِّلُويَا! سَبِّحُوا اللهَ مِنَ السَّمَاءِ! سَبِّحُوهُ فِي الأعَالِي. سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ مَلَائِكَتِهِ. سَبِّحُوهُ يَا جَيْشَهُ السَّمَاوِيَّ! سَبِّحِيهِ يَا شَمسُ، وَأنْتَ يَا قَمَرُ سَبِّحْهُ! يَا كُلَّ النُّجُومِ المُتَلألِئَةِ، سَبِّحِيهِ! أيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَالمِيَاهُ مِنْ فَوقُ، سَبِّحِيهِ! كُلُّهَا لِتُسَبِّحِ اسْمَ اللهِ ، لِأنَّهُ أعْطَى الأمْرَ فَظَهَرَتْ إلَى الوُجُودِ. إلَى أبَدِ الآبِدِينَ وَضَعَهَا! وَضَعَ لَهَا قَوَانِينَ لَا تَقْدِرُ أنْ تَكْسِرَهَا! أيَّتُهَا المَخْلُوقَاتُ العَظِيمَةُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ، سَبِّحِي اللهَ ! النَّارُ وَالبَردُ وَدُخَانُ البَرَاكِينِ وَالأعَاصِيرُ جَمِيعًا تُطِيعُ أمرَهُ. خَلَقَ التِّلَالَ وَالجِبَالَ، الأشْجَارَ المُثمِرَةَ وَالأرْزَ. خَلَقَ الحَيَوَانَاتِ صِغَارًا وَكِبَارًا صِغَارَ الزَّوَاحِفِ وَالطُيُورَ ذَوَاتِ الأجْنِحَةِ. خَلَقَ مُلُوكَ الأرْضِ وَكُلَّ الشُّعُوبِ، الأُمَرَاءَ وَكُلَّ قُضَاةِ الأرْضِ. خَلَقَ الشُّبَّانَ وَالشَّابَّاتِ الشُّيُوخَ وَالفِتيَانَ. فَليُسَبِّحُوا جَمِيعًا اسْمَ اللهِ ، فَاسمُهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أنْ يُعَظَّمَ! أعْلَى مِنَ الأرْضِ مَجْدُهُ. سَيَنْصُرُ شَعْبَهُ. يُسَبِّحُهُ أتبَاعُهُ المُخْلِصُونَ. يُسَبِّحُهُ بَنُو إسرَائِيلَ الأقرَبُ إلَيْهِ. هَلِّلُويَا. هَلِّلُويَا! رَنِّمُوا للهِ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. رَنِّمُوا تَسَابِيحَهُ فِي اجتِمَاعِ الأتبَاعِ المُخْلِصِينَ. ابتَهِجْ يَا إسرَائِيلُ بِخَالِقِكَ. وَيَا سُكَّانَ صِهْيَوْنَ، بِمَلِكِكُمُ ابتَهِجُوا. بِالرَّقصِ سَبِّحُوهُ. بِالدُّفُوفِ وَالقَيَاثِيرِ رَنِّمُوا لَهُ. اللهُ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُزَيِّنُ الشَّعْبَ المُتَوَاضِعَ بِالخَلَاصِ. بِمَجْدِهِ يَبْتَهِجُ أتبَاعُهُ المُخْلِصُونَ. وَهُمْ بَعْدُ فِي فِرَاشِهِمْ يُرَنِّمُونَ فَرَحًا. لِيَهْتِفُوا تَسْبِيحًا للهِ، مُلَوِّحِينَ بِسُيُوفٍ مِنْ ذَوَاتِ الحَدَّينِ فِي أيدِيهِمْ. لِيَهْتِفُوا مُتَهَيِّئِينَ لِلِانتِقَامِ مِنَ الأُمَمِ الأُخرَى، وَمُعَاقِبِينَ الشُّعُوبَ. لِيَهْتِفُوا وَهُمْ يُقَيِّدُونَ مُلُوكَهُمْ فِي سَلَاسِلَ، وَقَادَتَهُمْ فِي قُيُودٍ مِنْ حَدِيدٍ. يُعَاقِبُونَهُمْ حَسَبَ الحُكْمِ المَكْتُوبِ، وَيَظْهَرُ مَجْدُ أتْقِيَائِهِ. هَلِّلُويَا! هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اللهَ فِي هَيْكَلِهِ. سَبِّحُوهُ فِي قُبَّةِ قُوَّتِهِ. سَبِّحُوهُ عَلَى أعْمَالِهِ الجَبَّارَةِ. سَبِّحُوهُ عَلَى قَدرِ عَظَمَتِهِ الفَائِقَةِ. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ البُوقِ. سَبِّحُوهُ بِالعُودِ وَبِالقِيثَارَةِ. سَبِّحُوهُ بِالدُّفُوفِ وَبِالرَّقصِ. سَبِّحُوهُ بِالوَتَرِيَّاتِ وَبِالنَّايِ. سَبِّحُوهُ بِالصُّنُوجِ العَالِيَةِ. سَبِّحُوهُ بِالصُّنُوجِ المُدَوِّيَةِ. فَلِيُسَبِّحِ اللهَ كُلُّ مَا يَتَنَفَّسُ! هَلِّلُويَا! هَذِهِ أمثَالُ مَلِكِ إسْرَائِيلَ، سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ. قِيلَتْ لِكَي تَعْرِفَ الحِكْمَةَ وَالِانضِبَاطَ، وَتَفْهَمَ التَّعلِيمَ الَّذِي يُسَاعِدُكَ عَلَى التَمييزِ. لِكَي تنَالَ انْضِبَاطًا فِي السُّلُوكِ الحَكِيمِ وَالأمَانةِ وَالعَدلِ وَالِاستِقَامَةِ. قِيلَتْ لِتُعطِيَ الجَاهِلَ تَعَقُّلًا، وَالشَّابَّ مَعْرِفَةً وَحُسْنَ تَدْبِيرٍ. يَسْمَعُهَا الحَكِيمُ فَيَزدَادُ عِلمًا، وَالذَّكِيُّ يَنَالُ إرشَادًا. قِيلَتْ لِتَفْهَمَ الأمثَالَ وَالأُمُورَ الغَامِضَةَ، وَلِتَفْهَمَ أقْوَالَ الحُكَمَاءِ وَألغَازَهُمْ. خِشيَةُ اللهِ هِيَ أسَاسُ المَعْرِفَةِ، أمَّا الأغبِيَاءُ فَيَكْرَهُونَ الحِكْمَةَ وَالِانْضِبَاطَ وَالتَّهذِيبَ. اسْمَعْ يَا بُنَيَّ تَهْذِيبَ أبِيكَ، وَلَا تُهمِلْ تَعْلِيمَ أمِّكَ. لِأنَّ تَعَالِيمَهُمَا إكلِيلُ زَهرٍ عَلَى رَأسِكَ، وَقِلَادَةٌ حَوْلَ رَقَبَتِكَ. يَا بُنَيَّ، إنْ أغوَاكَ الخُطَاةُ فَلَا تَسْتَسْلِمْ لِإغْوَائِهِمْ. إنْ قَالُوا لَكَ: «تَعَالَ مَعَنَا لِنُعِدَّ كَمِينًا لِنَقتُلَ أحَدَهُمْ. تَعَالَ لِنَختَبِئَ وَنَقتُلَ بَرِيئًا دُونَ سَبَبٍ. لِنُحَطِّمَهُمْ وَهُمْ أحيَاءٌ كَمَا يَفْعَلُ المَوْتُ، وَنُنْزِلْهُمْ إلَى القَبْرِ وَهُمْ بَكَامِلِ صِحَّتِهِمْ. لِنَسْطُ عَلَى كُلِّ الثَّرَوَاتِ الثَّمِينَةِ، وَنَملأْ بُيُوتَنَا مِنَ المَسرُوقَاتِ. شَارِكْنَا، وَسَنتقَاسَمُ مَا نسرِقُهُ بِالتَّسَاوِي.» فَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمْ يَا بُنَيَّ، وَأبعِدْ رِجلَيكَ بَعِيدًا عَنْ طُرُقِهِمْ. لِأنَّ أرجُلَهُمْ تَرْكُضُ إلَى الشَّرِّ، وَتُسرِعُ إلَى القَتلِ. لِأنَّ الشَبَكَةَ الَّتِي تُنصَبُ عَلَى مَرَأى مِنَ الطُّيُورِ لَا فَائدةَ مِنْهَا! يَكْمِنُونَ لِآخَرِينَ لِضَرَرِ أنْفُسِهِم، وَيَخْتَبِئُونَ لِيَقْتُلُوا أنْفُسَهُمْ. هَذَا مَصِيرُ جَمِيعِ الَّذِينَ يَسْعَوَنَ إلَى الكَسْبِ الظَّالِمِ. فَهَذِهِ الطُّرُقُ تَقْتُلُ مَنْ يَسْلُكُونَ بِهَا. الحِكْمَةُ تُنَادِي فِي الشَّوَارِعِ، وَتَرْفَعُ صَوْتَهَا فِي المَيَادِينِ. وَتَدْعُو فِي الشَّوَارِعِ المُزدَحِمَةِ، وَعَلِى مَدَاخِلِ أبوَابِ المَدِينَةِ تَقُولُ: «إلَى مَتَى أيُّهَا الجُهَّالُ تَتَعَلَّقُونَ بِالجَهلِ؟ وَإلَى مَتَى أيُّهَا المُسْتَهْزِئُونَ سَتُسَرُّونَ بِاسْتِهزَائِكُمْ؟ وَإلَى مَتَى أيُّهَا الحَمْقَى سَتَسْتَمِرُّونَ فِي كُرْهِ المَعْرِفَةِ؟ فَإذَا استَجَبْتُمْ لِتَوْبِيخِي، فَإنَّنِي سَأسكُبُ عَلَيْكُمْ رُوحِي، وَسَأكشِفُ لَكُمْ عَنْ أفكَارِي. «لِأنِّي دَعَوْتُ فَرَفَضْتُمْ الِاسْتِمَاعَ، مَدَدْتُ يَدِي فَلَمْ تَهْتَمُّوا. فَلِأنَّكُمْ أهمَلْتُمْ كُلَّ نَصَائِحِي، وَلَمْ تَقْبَلُوا تَوْبِيخِي، فَإنِّي سَأضحَكُ عِنْدَ مَجِيءِ المَصَائِبِ عَلَيْكُمْ، وَسَأهزَأُ عِنْدَ خَوفِكُمْ. سَيَسْتَوْلِي عَلَيكُمُ الخَوفُ كَعَاصِفَةٍ، وَيَأْتِي دَمَارُكُمْ كَرِيحٍ هُوجَاءَ، وَيَأْتِي عَلَيكُمُ الضِّيقُ وَالألَمُ الشَّدِيدُ. «عِنْدَهَا سَيَدْعُونَنِي وَلَكِنِّي لَنْ أُجِيبَ، وَسَيَبْحَثُونَ عَنِّي وَلَنْ يَجِدُونِي، لِأنَّهُمْ كَرِهُوا المَعْرِفَةَ وَلَمْ يَختَارُوا مَخَافَةَ اللهِ ، وَلِأنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا نَصِيحَتِي وَرَفَضُوا تَوْبِيخِي، لِذَلِكَ سَيَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ، وَيَشْبَعُونَ مِنْ خُطَطِهِمُ الشِّرِّيرَةِ. «لِأنَّ تَمَرُّدَ الجُهَّالِ يَقْتُلُهُمْ وَرَاحَةُ الأغبِيَاءِ تُدَمِّرُهُمْ. وَلَكِنْ كُلُّ مَنْ يُصغِي إلَيَّ سَيَعِيشُ آمِنًا وَسَيَسْتَرِيحُ دُونَ خَوفٍ مِنَ الأذَى.» يَا بُنَيَّ، إنْ قَبِلْتَ كَلِمَاتِي، وَخَبَّأتَ وَصَايَايَ عِنْدَكَ، حَتَّى تَسْتَمِعَ إلَى الحِكْمَةِ، وَتُمِيلَ ذِهنَكَ إلَى الفَهْمِ، إنْ دَعَوتَ التَمييزَ بِإلحَاحٍ، وَرَفَعْتَ صَوْتَكَ فَنَاديتَ الفَهْمَ، إنْ بَحَثْتَ عَنْهَا مِثْلَ بَحثِكَ عَنِ الفِضَّةِ، وَفَتَّشْتَ عَنْهَا مِثْلَ تَفْتِيشِكَ عَنِ الكَنزِ المَخفِيِّ، عِنْدَئِذٍ سَتَفْهَمُ مَهَابَةَ اللهِ ، وَسَتَجِدُ مَعْرِفَةَ اللهِ. لِأنَّ اللهَ يُعْطِي الحِكْمَةَ، وَمِنْ فَمِهِ تَأتِي المَعْرِفَةُ وَالفَهْمُ. يُعْطِي إرْشَادًا وقُدْرَةً للمُسْتَقِيمِينَ، وَيحْمِي الَّذِينَ يَسلُكُونَ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالصَّلَاحِ. يَفْعَلُ هَذَا لِيَحْرُسَ طُرُقَ الحَقِّ، وَيَحْمِي طَرِيقَ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. عِنْدَئِذٍ سَتَفْهَمُ البِرَّ وَالعَدْلَ وَالِاسْتَقَامَةَ، وَسَتَفْهَمُ كُلَّ طَرِيقٍ صَالِحٍ. لِأنَّ الحِكْمَةَ سَتَدْخُلُ عَقلَكَ، وَسَتَلَذُّ لَكَ المَعْرِفَةُ. التَّعَقُّلُ سَيَحْفَظُكَ، وَالفَهْمُ سَيَحْمِيكَ. فَتَنْجُو مِنْ طَرِيقِ الشِّرِّيرِ، وَمِنَ الكَاذِبِينَ وَالمُتَكَلِّمِينَ بأُمُورٍ مُنْحَرِفَةٍ، الَّذِينَ تَرَكُوا الصِّدقَ لِيَمْشُوا فِي الطُّرُقِ المُظلِمَةِ، الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِعَمَلِ الشَّرِّ، وَيَبْتَهِجُونَ بِأكَاذِيبِ الشِّرِّيرِ. طُرُقُهُمْ مُلْتَوِيَةٌ وَهُمْ مُعْوَجُّونَ فِي سُبُلِهِمْ. كَمَا تَنْجُو مِنَ المَرْأةِ الَّتِي خَانَتْ زَوْجَهَا، وَمِنَ لِسَانِ الزَّانِيَةِ المَعسُولِ. تَرَكَتْ زَوْجَهَا، رَفِيقَ صِبَاهَا، وَنَسِيَتْ عَهْدَهَا المُقَدَّسَ. لِأنَّ بَيتَهَا فَخٌّ يَقُودُ إلَى المَوْتِ، وَسُبُلَهَا تَقُودُ إلَى الجَحِيمِ. كُلُّ مَنْ يَذْهَبُ إلَيْهَا لَا يَعُودُ. وَلَا يَجِدُ طَرِيقَ الحَيَاةِ مِنْ جَدِيدٍ. الحِكْمَةُ تُعينُكَ لِتَسْلُكَ فِي طَرِيقِ الصَّالِحِينَ، وَتَلْتَزِمَ بِسُبُلِ العَدلِ. لِأنَّ الأُمَنَاءَ سَيَعِيشُونَ فِي أرْضِهِمْ، وَالمُسْتَقِيمِينَ سَيَبْقَوْنَ فِيهَا. أمَّا الأشرَارُ فَسَيُقطَعُونَ مِنْ هَذِهِ الأرْضِ، وَالخَائِنُونَ سيُطرَدُونَ مِنْهَا. يَا بُنَيَّ، لَا تَنْسَ تَعْلِيمِي، بَلِ احفَظْ وَصَايَايَ فِي قَلْبِكَ. لِأنَّهَا سَتَجْعَلُ حَيَاتَكَ طَوِيلَةً وَمَلِيئَةً بِالسَّلَامِ. تَمَسَّكْ بِالرَّحْمَةِ وَالأمَانَةِ. اربِطْهُمَا حَوْلَ عُنُقِكَ وَاحفَظْهُمَا فِي قَلْبِكَ وَعَقلِكَ. عِنْدَئِذٍ سَتَجِدُ نِعْمَةً وَنَجَاحًا فِي عُيُونِ اللهِ وَالنَّاسِ. ثِقْ بِاللهِ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَلَا تَتَكِلْ عَلَى فَهمِكَ. اعرِفْهُ فِي كُلِّ سُبُلِكَ، وَهُوَ سَيُمَهِّدُ طُرُقَكَ. لَا تَتَمَسَّكْ بِحِكمَتِكَ، بَلِ اتَّقِ اللهَ وَتَجَنَّبِ الشَّرَّ، فَهَذَا شِفَاءٌ لِصِحَّتِكَ وَدَوَاءٌ لِجَسَدِكَ. أكرِمِ اللهَ مِنْ مَالِكَ، وَمِنْ أحسَنِ مَحَاصِيلِكَ. وَعِنْدَهَا سَتَمْتَلِئُ مَخَازِنُكَ بِالغَلَّاتِ، وَسَتَفِيضُ مَعَاصِرُكَ نَبِيذًا. يَا بُنَيَّ، لَا تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ اللهِ وَلَا تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ، لِأنَّ اللهَ يُؤَدِّبُ الَّذِي يُحِبُّهُ، كَالأبِ الَّذِي يُحِبُّ ابْنَهُ. هَنِيئًا لِلإنْسَانِ الَّذِي يَجِدُ الحِكْمَةَ، وَلِلإنْسَانِ الَّذِي يَنَالُ الفَهْمَ. لِأنَّ التِّجَارَةَ بِالحِكْمَةِ أفْضَلُ مِنَ التِّجَارَةِ بِالفِضَّةِ، وَرِبحُهَا أفْضَلُ مِنْ رِبحِ الذَّهَبِ. هِيَ أغلَى مِنَ اليَاقُوتِ، وَكُلُّ جَوَاهِرِكَ لَا تُقَارَنَ بِهَا. حَيَاةٌ أطوَلُ فِي يَدِهَا اليُمْنَى، وَالغِنَى وَالكَرَامَةُ فِي يَدِهَا اليُسْرَى. طُرُقُهَا مُفرِحَةٌ، وَكُلُّ مَسَالِكِهَا تَقُودُ إلَى السَّلَامِ. وَهِيَ مِثْلُ شَجَرَةِ الحَيَاةِ لِلَّذِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا، وَسَيَفْرَحُ مَنْ يَتَشّبَّثُ بِهَا. اللهُ أسَّسَ الأرْضَ بِالحِكْمَةِ، وَبِالفَهْمِ ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ. بِعِلْمِهِ تَفَجَّرَتِ اليَنَابِيعُ مِنَ الأرْضِ، وَأمطَرَتِ الغُيُومُ. يَا بُنَيَّ، لَا يَغِبْ هَذَانِ الأمْرَانِ عَنْكَ: احفَظِ الحِكْمَةَ السَّلِيمةَ، وَالتَخْطِيطَ المُتَعَقِّلَ. فَهُمَا حَيَاةٌ لِنَفْسِكَ، وَزِينَةٌ لِعُنقِكَ. بِهِمَا سَتَمْشِي فِي طَرِيقِكَ آمِنًا، وَرِجلُكَ لنْ تَزِلَّ. تَضْطَجِعُ مُطمَئِنًّا، وَتَنَامُ مُرتَاحًا فِي سَلَامٍ. لَا تَخْشَى مِنْ أمرٍ مُخِيفٍ يَأْتِي فَجْأةً، وَلَا مِنْ عَاصِفَةِ الشَّرِّ إذَا جَاءَتْ. لِأنَّكَ سَتَثِقُ بِاللهِ ، فَيَحْمِيَ رِجلَيكَ مِنَ الفَخِّ. لَا تَمْنَعِ الخَيْرَ عَنِ الَّذِينَ يَحتَاجُونَ إلَيْهِ، عِنْدَمَا تَكُونُ قَادِرًا. لَا تَقُلْ لِصَاحِبِكَ: «عُدْ غَدًا وَسَأُعْطِيكَ،» بَيْنَمَا لَدَيكَ الآنَ. لَا تُخَطِّطْ بِعَمَلِ الشَّرَّ لِصَاحِبِكَ الَّذِي يَسْكُنُ آمِنًا بِجِوَارِكَ. لَا تَتَشَاجَرْ مَعَ أحَدٍ دُونَ سَبَبٍ، وَهُوَ لَمْ يُؤذِكَ. لَا تَحْسِدِ الظَّالِمَ، وَلَا تَقْتَدِ بِهِ. لِأنَّ اللهَ يُبغِضُ الخِدَاعَ، لَكِنَّهُ يُطلِعُ الأُمَنَاءَ عَلَى سِرِّهِ. لَعْنَةُ اللهِ عَلَى بَيْتِ الشِّرِّيرِ، وَيُبَارِكُ بَيْتَ الأبْرَارِ. يَهزأُ بِالهَازِئِينَ، لَكِنَّهُ يُعْطِي نِعْمَتَهُ لِلمُتَوَاضِعِينَ. الحُكَمَاءُ سَيَرِثُونَ كَرَامَةً، أمَّا الحَمْقَى فَالعَارُ نَصِيبُهُمْ. اسْمَعُوا أيُّهَا الأبْنَاءُ إلَى تَعْلِيمِ أبِيكُمْ، وَانتَبِهُوا إلَيْهِ لِتَنَالُوا فَهْمًا. لِأنِّي أُعْطِيكُمْ تَعْلِيمًا صَحِيحًا، فَلَا تَتَخَلُّوا عَنْ تَعْلِيمِي. فَأنَا كُنْتُ ابْنًا لِأبِي، صَغِيرًا وَوَحِيدًا لِأُمِّي. وَكَانَ أبِي يُعَلِّمُنِي وَيَقُولُ: «لِيَفْهَمْ قَلْبُكَ كَلَامِي وَلْيَثْبُتْ فِيهِ. احفَظْ وَصَايَايَ لِتَحيَا. احْصُلْ عَلَى الحِكْمَةِ وَالفَهْمِ، وَلَا تَنْسَ كَلِمَاتِي وَلَا تَحِدْ عَنْهَا. لَا تَتَخَلَّ عَنِ الحِكْمَةِ فَهِيَ سَتَحْمِيكَ، أحبِبْهَا فَهِيَ سَتَحْرُسُكَ.» سَعَيُكَ إلَى الحِكْمَةِ هُوَ بِدَايةُ الحِكْمَةِ، فَنَلِ الفَهْمَ مَهْمَا كَلَّفَكَ. أكْرِمِ الحِكْمَةَ وَهِيَ سَتَجْعَلُكَ عَظِيمًا، سَتُكْرِمُكَ إذَا عَانَقْتَهَا. تُكَلِّلُ رأسَكَ بِالجَمَالِ، وَتُكرِمُكَ بِتَاجٍ بَهِيٍّ. اسْتَمِعْ يَا بُنَيَّ لِكَلِمَاتِي وَاقبَلْهَا، فَتَطُولَ سَنَوَاتُ حَيَاتِكَ. وَجَّهْتُكَ إلَى طَرِيقِ الحِكْمَةِ، وَقُدْتُكَ فِي طُرُقِ الِاسْتِقَامَةِ. لَنْ تُعَاقَ خُطُوَاتُكَ حِينَ تَمْشِي، وَلَنْ تَتَعَثَّرَ حِينَ تَرْكُضُ. تَمَسَّكْ بِالتَّعلِيمِ، وَلَا تَدَعْهُ يُفلِتُ مِنْكَ. احْرُسْهُ لِأنَّهُ حَيَاتُكَ. لَا تَدْخُلْ فِي طَرِيقِ الأشْرَارِ، وَلَا تَتْبَعْ سُبُلَهُمْ. تَجَنَّبْ طَرِيقَ الأشْرَارِ وَلَا تَمْشِ فِيهِ، ابتَعِدْ عَنْهُ وَأكمِلْ مَسِيرَكَ. فَإنَّ الأشرَارَ لَا يَنَامُونَ حَتَّى يَعْمَلُوا الشَّرَّ، وَيُسْرَقُ مِنْهُمُ النَّومُ إذَا لَمْ يُؤذُوا أحَدًا. لِأنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الشَّرِّ كَالْخُبْزِ، وَيَشْرَبُونَ العُنفَ كَالْخَمْرِ. أمَّا طَرِيقُ البِرِّ فَإنَّهُ نُورٌ يَشِعُّ أكْثَرَ فَأكثَرَ حَتَّى ظَهِيرةِ النَّهَارِ. بَيْنَمَا يُشْبِهُ طَرِيقُ الأشْرَارِ الظَّلَامَ الحَالِكَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَا فِيهِ مِنْ عَثَرَاتٍ. يَا بُنَيَّ، انتَبِهْ إلَى كَلِمَاتِي، وَأصغِ إلَى أقْوَالِي. لَا تَغِبْ عَنْ نَظَرِكَ، بَلِ احفَظْهَا فِي قَلْبِكَ وَعَقلِكَ. لِأنَّهَا حَيَاةٌ لِلَّذِينَ يَجِدُونَهَا، وَصِحَّةٌ لِلجَسَدِ كُلِّهِ. احفَظْ قَلْبَكَ قَبْلَ أيِّ شَيءٍ آخَرَ، لِأنَّ مِنْهُ مَصدَرَ الحَيَاةِ. أبْعِدْ عَنْكَ الكَذِبَ، وَتَجَنَّبِ الكَلَامَ المُلتَوِيَ. لِتَنْظُرْ عَينَاكَ إلَى الأمَامِ، وَأمْعِنِ النَّظَرَ قُدَّامَكَ. افحَصِ الطَّرِيقَ أمَامَكَ، لِتَكُونَ كُلُّ طُرُقِكَ آمِنَةً. لَا تَمِلْ إلَى اليَمِينِ أوْ إلَى اليَسَارِ، وَأبْعِدْ قَدَمَكَ عَنِ الشَّرِّ. يَا بُنَيَّ، اسْتَمِعْ إلَى حِكمَتِي، وَأصغِ إلَى فَهْمِي، لِكَي تَتَمَسَّكَ بِالتَّعَقُّلِ، وَتَتَكَلَّمَ بِالمَعْرِفَةِ دَائِمًا. لِأنَّ شَفَتَي المَرْأةِ الزَّانِيَةِ تَقْطُرَانِ عَسَلًا، وَفَمُهَا أنعَمُ مِنَ الزَّيْتِ. لَكِنَّهَا تُصْبِحُ مُرَّةً كَالسُّمِّ وَحَادَّةً كَسَيفٍ ذِي حَدَّينِ. قَدَمَاهَا تَقُودَانِ إلَى المَوْتِ، وَخُطُوَاتُهَا تَسِيرُ فِي طَرِيقَ الجَحِيمِ. هِيَ لَا تُفَكِّرُ فِي طَرِيقِ الحَيَاةِ، تَجُولُ تَائِهَةً وَهِيَ لَا تَعْلَمُ ذَلِكَ. وَالْآنَ اسْتَمِعُوا إلَيَّ أيُّهَا الأبْنَاءُ وَلَا تَتَجَاهَلُوا كَلِمَاتِي. ابْتَعِدْ عَنْ طَرِيقِ المَرْأةِ الزَّانِيَةِ، وَلَا تَقْتَرِبْ مِنْ بَابِ بَيْتِهَا. وَإلَّا سَتَخْسَرُ كَرَامَتَكَ أمَامَ الآخَرِينَ، وَسَتُعْطِي سَنَوَاتِ حَيَاتِكَ لِمَنْ لَا يَرْحَمُ. أوْ سَيَأْخُذُ الغَرِيبُ نُقُودَكَ، وَيَذْهَبُ تَعَبُكَ إلَى بَيْتِهِ. وَسَتَئِنُّ فِي نِهَايَةِ حَيَاتِكَ عِنْدَمَا يَتْلَفُ لَحْمُكَ وَجَسَدُكَ، وَسَتَقُولُ: «لِمَاذَا كَرِهْتُ التَّعلِيمَ وَرَفَضْتُ التَّأدِيبَ وَالتَّوبِيخَ؟ لِمَاذَا لَمْ أُطِعْ مُعَلِّمِيَّ وَلَمْ أُصغِ إلَى مُرشِدِيَّ؟ وَهَا أنَا فِي دَمَارٍ كَبِيرٍ أمَامَ عُيُونِ الجَمِيعِ.» اشْرَبْ مَاءً مِنْ نَبْعِكَ. اشْرَبْ مِنَ اليَنَابِيعِ المُتَدَفِّقَةِ فِيهِ. لِمَاذَا تَفِيضُ يَنَابِيعُكَ فِي الخَارِجِ، وَنَهْرُ مَائِكَ فِي الشَّوَارِعِ؟ لِتَكُنْ لَكَ وَحْدَكَ لَا يُشَارِكُكَ فِيهَا غَرِيبٌ. فَلْيَتَبَارَكْ نَبْعُكَ، وَلْتَسْتَمْتِعْ بِالمَرْأةِ الَّتِي تزوَّجْتَهَا فِي شَبَابِكَ. وَسَتَكُونُ لَكَ الظَّبيَةَ المَحبُوبَةَ وَالوَعلَةَ الجَمِيلَةَ. سَيَرْوِيكَ ثَدْيَاهَا فِي كُلِّ حِينٍ، وَبِحُبِّهَا سَتُفتَنُ دَائِمًا. فَلِمَاذَا تُفتَنُ يَا بُنَيَّ بِامْرَأةٍ غَريبَةٍ، وَتَحْتَضِنُ امْرأةً فَاسِدَةً. لِأنَّ اللهَ يَرَى طُرُقَ الإنْسَانِ، وَيَفْحَصُ كُلَّ سُبُلِهِ. فَيُقْبِضُ عَلَى الشِّرِّيرِ بِسَبَبِ شَرِّهِ، وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ سَيُمسِكُ بِهِ. فَيَمُوتُ لِفُقْدَانِهِ لِلتَّعلِيمِ وَعَدمِ قُبُولِهِ لِلتَّأدِيبِ، وَيَضِيعُ بَسَبَبِ كَثْرَةِ حَمَاقَتِهِ. يَا بُنَيَّ، لَا تَكْفَلْ دَينَ صَاحِبِكَ، وَلَا تُبرِمِ الصَّفَقَاتِ مَعَ الغَرِيبِ. لِأنَّكَ سَتُربَطُ بِلِسَانِكَ، وَتُمسَكُ بِكَلَامِكَ. حَرِّرْ نَفْسَكَ مِنَ هَذَا الِالْتِزَامِ يَا بُنَيَّ. إنْ وَقَعتَ فِي يَدِ صَاحِبِكَ، فَاذْهَبْ وَالتَمِسِ الخَلَاصَ مِنَ الدَّينِ. لَا تَنَمْ عَينَاكَ، وَلَا يَغْفُ جَفْنَاكَ. نَجِّ نَفْسَكَ كَمَا يُنَجِّي الغَزَالُ نَفْسَهُ مِنَ الصَّيَّادِ، وَالعُصفُورُ مِنَ الفَخِّ. اذْهَبْ إلَى النَّملَةِ أيُّهَا الكَسلَانُ، تَأمَّلْ تَدْبِيرَهَا وَصِرْ حَكِيمًا. فَلَيْسَ لَهَا ضَابِطٌ أوْ قَائِدٌ أوْ حَاكِمٌ، لَكِنَّهَا تَخْزِنُ طَعَامَهَا فِي الصَّيفِ، وَتَجْمَعُ مَؤُونَتَهَا فِي وَقْتِ الحَصَادِ. إلَى مَتَى تَنَامُ أيُّهَا الكَسلَانُ؟ مَتَى سَتَقُومُ مِنْ نَومِكَ؟ تَقُولُ: «قَلِيلٌ مِنَ النَّومِ فَقَطْ، وَقَلِيلٌ مِنَ النُّعَاسِ، وَقَلِيلٌ مِنْ ثَنْيِ اليَدَينِ لِلرَّاحَةِ!» لَكِنْ سَيُدَاهِمُكَ الفَقرُ كَلِّصٍّ، وَتَقْتَحِمُكَ الخَسَارَةُ اقتِحَامًا. الرَّجُلُ اللَّئيمُ البَطَّالُ يَجُولُ بِلِسَانِهِ المُحتَالِ. يَغْمِزُ بِعَيْنَيْهِ، وَيَضْرِبُ بِرِجلَيهِ، وَيُشِيرُ بِأصَابِعِهِ. الفَسَادُ فِي عَقلِهِ، وَهَوَ يُخَطِّطُ لِلشَّرِّ، وَيَزْرَعُ الخِصَامَ دَائِمًا. وَلِهَذَا يَأْتِي دَمَارُهُ فَجْأةً. فِي لَحظَةٍ يَنْكَسِرُ، وَلَيْسَ لَهُ شِفَاءٌ. سَتَّةُ أشْيَاءَ يَكْرَهُهَا اللهُ ، وَسَبعَةٌ يُبغِضُهَا: عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ، يَدٌ تَقْتُلُ بَرِيئًا، قَلْبٌ يَخْتَرِعُ أفكَارًا شِرِّيرَةً، أقْدَامٌ تُسرِعُ إلَى الشَّرِّ، شَاهِدُ زُورٍ كَذَّابٌ، وَزَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ الإخوَةِ. يَا بُنَيَّ، احفَظْ وَصِيَّةَ أبِيكَ، وَلَا تُهمِلْ تَعْلِيمَ أُمِّكَ. احفَظْهُمَا وِسَامًا عَلَى صَدْرِكَ، وَقِلَادَةً حَوْلَ عُنُقِكَ. يَقُودَانِكَ عِنْدَمَا تَسِير، وَيَحْفَظَانِكَ عِنْدَمَا تَنَامُ، وَيَتَحَدَّثَانِ إلَيْكَ عِنْدَمَا تَصْحُو. لِأنَّ الوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ، وَالتَّعلِيمَ ضِيَاءٌ. وَعِتَابَ التَّأدِيبِ طَرِيقُ الْحَيَاةِ. سَتَحْفَظُكَ مِنَ المَرْأةِ الشِّرِّيرَةِ، وَمِنْ لِسَانِ الزَّانِيَةِ المَعسُولِ. فَلَا تَشْتَهِ جَمَالَهَا فِي قَلْبِكَ، وَلَا تَقْبَلْ أنْ تَأْسُرَكَ بِعَيَنَيهَا. قَدْ تَخْسَرُ رَغِيفَ خُبْزٍ بِسَبَبِ بِنْتِ الهَوَى، أمَّا الزِّنَا مَعَ المُتَزَوِّجَةِ فيُكَلِّفُكَ حيَاتَكَ. أيَحْمِلُ أحَدٌ نَارًا فِي حِضنِهِ وَلَا تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟ أوْ يَدُوسُ عَلَى الجَمرِ وَلَا تُلذَعُ قَدَمَاهُ؟ هَكَذَا هُوَ حَالُ مَنْ يُعَاشِرُ زَوْجَةَ صَاحِبِهِ. إنْ لَمَسَهَا، لَنْ يُفلِتَ مِنَ العِقَابِ. لَا يَحْتَقِرْ أحَدٌ اللِّصَّ إذَا سَرَقَ لِيَشْبَعَ وَهُوَ جَائِعٌ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَهُوَ يَدْفَعُ سَبْعَةَ أضْعَافٍ إنْ أُمْسِكَ. وَقَدْ يَدْفَعُ كُلَّ مَا فِي بَيْتِهِ. أمَّا الزَّانِي فَعَدِيمُ الفَهمِ، وَهُوَ يُدُمِّرُ نَفْسَهُ. سَيَتَلَقَّى الضَّرَبَاتِ وَسَيُذَلُّ، وَعَارُهُ لَنْ يَزُولَ. لِأنَّ الغَيْرَةَ تُوقِظُ غَضَبَ الزَّوْجِ، فَلَا يُشفِقُ حِينَ يَنْتَقِمُ. لَا يَقْبَلُ تَعْوِيضًا، وَيَرْفُضُ الرِّشوَةَ مَهْمَا كَانَتْ كَبِيرَةً. احفَظْ يَا بُنَيَّ كَلِمَاتِي، وَاحرُسْ وَصَايَايَ كَكَنْزٍ فِي قَلْبِكَ. احفَظْهَا فَتَحيَا، وَاحرُسْ تَعَالِيمِي كَحَدَقَةِ عَيْنِكَ. اربِطْ وَصَايَايَ عَلَى أصَابِعِكَ، وَاكتُبْهَا فِي قَلْبِكَ. قُلْ لِلحِكمَةِ: «أنْتِ شَقِيقَتِي.» وَقُلْ لِلبَصِيرَةِ: «أنْتِ صَدِيقَتِي.» فَيَحْفَظَاكَ مِنَ المَرْأةِ الَّتِي خَانَتْ زَوْجَهَا، وَمِنْ لِسَانِ الزَّانِيَةِ المَعسُولِ. فَإنِّي نَظَرْتُ مِنْ نَافِذَةِ بَيْتِي، مِنْ خِلَالِ الشُّبَّاكِ، فَرَأيْتُ بَيْنَ الفِتيَانِ السُّذَّجِ شَابًّا فَقَدَ عَقلَهُ تَمَامًا. كَانَ يَمْشِي فِي الشَّارِعِ قُرْبَ بَيْتِهَا، بَلْ يَتَّجِهُ إلَيْهِ فِي وَقْتِ الغُرُوبِ، وَفِي المَسَاءِ، وَعِنْدَ حُلُولِ الظَّلَامِ. فَظَهَرَتْ فَجْأةً امْرأةٌ تَقْتَرِبُ مِنْهُ فِي ثِيَابِ عَاهِرَةٍ، وَقَلْبٍ مَاكِرٍ. هِيَ امْرَأةٌ صَاخِبَةٌ مُتَمَرِّدَةٌ، لَا تَسْتَقِرُّ فِي بَيْتِهَا. تَرَاهَا فِي الشَّوَارِعِ وَفِي السَّاحَاتِ، وَفِي كُلِّ زَاوِيَةٍ تَتَرَقَّبُ صَيدًا. فَأمسَكَتْهُ وَقَبَّلَتْهُ، وَقَالَتْ لَهُ بِقِلَّةِ حَيَاءٍ: «قَدَّمْتُ ذَبَائِحَ السَّلَامِ وَالشُّكْرِ، وَأوفَيتُ اليَوْمَ بِنُذُورِي. ثًمَّ جِئْتُ أبحَثُ عَنْكَ بِلَهفَةٍ، وَهَا قَدْ وَجَدتُكَ. قَدْ غَطَّيتُ سَرِيرِي بِالأغطِيَةِ المُلَوَّنَةِ مِنَ الكِتَّانِ المِصْرِيِّ. عَطَّرْتُ فِرَاشِي بِالمُرِّ وَالصَّبرِ وَالقِرفَةِ. فَتَعَالَ لِنَشْرَبْ حُبًّا حَتَّى الصَّبَاحِ، وَلْنُمَتِّعْ أنْفُسَنَا بِالغَرَامِ. لِأنَّ زَوْجِي لَيْسَ فِي البَيْتِ، فَقَدْ ذَهَبَ فِي رِحلَةٍ طَوِيلَةٍ. أخَذَ مَعَهُ مَالًا كَثِيرًا، وَلَنْ يَعُودَ قَبْلَ مُنْتَصَفِ الشَّهِرِ.» أقنَعْتَهُ بِكَثرَةِ كَلَامِهَا المُغرِي، وَبِكَلَامِهَا النَّاعِمِ ضَلَّلَتْهُ. فَفِي الحَالِ تَبِعَهَا كَثَورٍ يُؤخَذُ إلَى الذَّبحِ، وَكَغَزَالٍ يَسِيرُ إلَى الفَخِّ، حَتَّى يَشُقَّ سَهمٌ كَبِدَهُ، وَهُوَ كَطَائِرٍ يُسرِعُ إلَى المِصيَدَةِ، وَلَا يَعْلَمُ أنَّهَا سَتُكَلِّفُهُ حَيَاتَهُ. وَالْآنَ يَا أبنَائِي، اسْتَمِعُوا إلَيَّ، وَاصغُوا إلَى كَلَامِي. لَا تُحَوِّلُوا قُلُوبَكُمْ إلَى طُرُقِهَا، وَلَا تَميلُوا نَحْوَ دُرُوبِهَا. لِأنَّهَا أسقَطَتِ العَدِيدَ مِنَ الأقوِيَاءِ، وَضَحَايَاهَا كَثِيرُونَ. بَيُتُهَا يُؤدِّي إلَى الهَاوِيَةِ، وَيَنْحَدِرُ إلَى حُجُرَاتِ المَوْتِ. هَا الحِكْمَةُ تُنَادِي، وَالبَصِيرَةُ تَرْفَعُ صَوْتَهَا. تَقِفُ عَلَى القِمَمِ العَالِيَةِ، وَفِي الشَّوَارِعِ وَمَفَارِقِ الطُّرُقَاتِ. بِجَانِبِ البَوَّابَاتِ، وَعَلَى مَدْخَلِ المَدِينَةِ، وَمَدَاخِلِ الشَّوَارِعِ تَصْرُخُ وَتَقُولُ: «أُنَادِي عَلَيْكُمْ أيُّهَا النَّاسُ، وَصَوْتِي يُخَاطِبُ الإنْسَانَ. أيُّهَا الجُهَلَاءُ، تَعَلَّمُوا حُسْنَ التَّدبِيرِ، وَيَا أيُّهَا الأغبِيَاءُ، تَعَلَّمُوا الفَهمَ. اسْتَمِعُوا فَعِندِي كَلَامٌ عَظِيمٌ، وَعَلَى شَفَتَيَّ كَلِمَاتُ الحَقِّ. لِأنَّ فَمِي يُخبِرُ بِالصِّدْقِ وَالحَقِّ، وَشَفَتَايَ تَكْرَهَانِ الشَّرَّ. كَلَامِي كُلُّهُ عَدلٌ، وَلَيْسَ فِيهِ انْحِرَافٌ وَلَا ضَلَالٌ. كُلُّهُ وَاضِحٌ لِلذَّكِيِّ، وَمُسْتَقِيمٌ لِمَنْ يَمْلِكُونَ المَعْرِفَةَ. «اقبَلْ تَأْدِيبِي أكْثَرَ مِنَ الفِضَّةِ، وَاقبَلِ المَعْرِفَةَ أكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ الجَيِّدِ. لِأنَّ الحِكْمَةَ أفْضَلُ مِنَ اليَاقُوتِ، وَكُلُّ الجَوَاهِرِ لَا تُسَاوِيهَا. «أنَا الحِكْمَةُ، أعِيشُ مَعَ التَّدبِيرِ، وَأمْلِكُ المَعْرِفَةَ وَالتَّعَقُّلَ. مَخَافَةُ اللهِ هِيَ كُرْهُ الشَّرِّ، وَكُرْهُ الكِبرِيَاءِ وَالعَجرَفَةِ وَطَرِيقِ الشَّرِّ وَالكَلَامِ المُضَلِّلِ المُنْحَرِفِ. عِندِي النَّصِيحَةُ وَالحُكْمُ الصَّحِيحُ، وَأنَا البَصِيرَةُ وَلَدَيَّ القُوَّةُ. يُمَارِسُ المُلوكُ حُكْمَهُمْ بِي، وَبِي يُصدِرُ الحُكَّامُ أحْكَامَهُمُ العَادِلَةَ. بِي يَتَرَأسُ الرُّؤسَاءُ، وَالعُظمَاءُ يُصْدِرُونَ الأحكَامِ العَادِلَةِ. أنَا أُحِبُّ الَّذِينَ يُحِبُّونَنِي، وَكُلُّ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنِّي سَيَجِدُونَنِي. عِنْدِي الغِنَى وَالكَرَامَةُ، وَالثَّرْوَةُ وَالصَّلَاحُ إلَى الأبَدِ. ثِمَارِي أفْضَلُ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ، وَغَلَّتِي أفْضَلُ مِنَ الفِضَّةِ الجَيِّدَةِ. أسِيرُ فِي طَرِيقِ الصَّلَاحِ، وَعَلَى دُرُوبِ العَدْلِ. لِأُعْطِيَ الغِنَى كَمِيرَاثٍ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَنِي وَأملأُ مَخَازِنَهُمْ. «شَكَّلَنِي اللهُ مُنْذُ البِدَايَةِ، أنَا أوَّلُ أعْمَالِهِ. هَيَّأنِي فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ، فِي البَدءِ، قَبْلَ أنْ تَبْدَأ الأرْضُ. خَرَجتُ قَبْلَ أنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَحرٌ، وَقَبْلَ أنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَاءٌ فِي اليَنَابِيعِ. وُجِدْتُ قَبْلَ أنْ تَسْتَقِرَّ الجِبَالُ وَالتِّلَالُ فِي مَكَانِهَا. عِنْدَمَا لَمْ تَكُنِ الأرْضُ وَالحُقُولُ قَدْ صُنِعَتْ، وَلَمْ تُصنَعْ ذَرَّةٌ مِنْ تُرَابِ العَالَمِ. كُنْتُ عِنْدَمَا وَضَعَ السَّمَاوَاتِ فِي مَكَانِهَا، وَعِنْدَمَا رَسَمَ دَائِرَةَ الأُفُقِ عَلَى وَجْهِ البَحْرِ. وَكُنْتُ مَوجُودًا عِنْدَمَا ثَبَّتَ الغُيُومَ عَالِيًا، وَعِنْدَمَا فَجَّرَ يَنَابِيعَ البَحْرِ وثبَّتَهَا. وَكُنْتُ عِنْدَمَا وَضَعَ حُدُودًا لِلبَحْرِ، فَلَا تَتَعَدَّاهَا المِيَاهُ، وَكُنْتُ عِنْدَمَا وَضَعَ أسَاسَاتِ الأرْضِ. كُنْتُ عِنْدَهُ كَصَانِعٍ مَاهِرٍ، وَكُنْتُ فَرَحَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَأفرَحُ أمَامَهُ كُلَّ حِينٍ. أفرَحُ بَيْنَ خَليقَتِهِ، وَلَذَّتِي مَعَ بَنِي البَشَرِ. «وَالْآنَ يَا أبنَائِي، اسْتَمِعُوا إلَيَّ: يَفْرَحُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ طَرِيقِي. اسْتَمِعُوا إلَى تَعْلِيمِي وَكُونُوا حُكَمَاءَ، وَلَا تُهمِلُوا كَلَامِي. يَفْرَحُ الَّذِي يَسْتَمِعُ إلَيَّ سَاهِرًا عِنْدَ بَابِي دَائِمًا، مُنتَظِرًا عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِي. لِأنَّ الَّذِي يَجِدُنِي يَجِدُ الحَيَاةَ، وَيَنَالُ رِضى اللهِ وبَرَكَتَهُ. وَلَكِنَّ الَّذِي لَا يَجِدُنِي فَإنَّهُ يُدَمِّرُ حَيَاتَهُ، وَمَنْ يَكْرَهُنِي فَإنَّهُ يُحِبُّ المَوْتَ.» بَنَتِ الحِكْمَةُ بَيتَهَا، وَنَحَتَتْ أعمِدَتَهَا السَّبعَةَ. جَهَّزَتْ لَحْمًا، وَمَزَجَتْ الخَمْرَ، وَأعَدَّتِ المَائِدَةَ. أرسَلَتْ خَادِمَاتِهَا لِيُنَادِينَ مِنْ أعْلَى المَدِينَةِ، تَقُولُ الحِكْمَةُ: «تَعَالَ أيُّهَا الجَاهِلُ!» وَتَقُولُ لِعَدِيمِ الفَهمِ: «تَعَالَ وَكُلْ مِنْ طَعَامِي وَاشرَبْ مِنْ نَبِيذِي الَّذِي صَنَعْتُهُ. اترُكُوا الجَهَالَةَ وَاحيُوا، وَسِيرُوا فِي طَرِيقِ البَصِيرَةِ.» مَنْ يُرْشِدِ المُسْتَهْزِئَ يَجْلِبِ الإهَانَةَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ يُؤَدِّبِ الشِّرِّيرَ يَتَضَرَّرْ. لَا تُوَبِّخْ مُسْتَهْزِئًا لِئَلَّا يَكْرَهَكَ، وَبِّخْ حَكِيمًا فَيُحِبَّكَ. عَلِّمْ الحَكِيمَ فَيُصبِحَ أكْثَرَ حِكْمَةً، وَعَلِّمْ البَارَّ فِيَزدَادَ فِي المَعْرِفَةِ. أوَّلُ الحِكْمَةِ أنْ تَخَافَ اللهَ ، وَمَعْرِفَةُ القُدُّوسِ فَهْمٌ. بِوَاسِطَتِي تَزدَادُ أيَّامُكَ، وَتُضَافُ سَنَوَاتٌ إلَى حَيَاتِكَ. إذَا أصبَحتَ حَكِيمًا فَأنْتَ حَكِيمٌ لِمَنفَعَةِ نَفْسِكَ، وَإذَا أصبَحْتَ مُسْتَهْزِئًا فَإنَّكَ سَتَحْمِلُ نَتَائِجَ اسْتِهْزَائِكَ. المَرْأةُ الجَاهِلَةُ مُزعِجَةٌ سَاذَجَةٌ، وَلَا تَعْرِفُ شَيْئًا. تَجْلِسُ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا، عَلَى مَقعَدٍ فِي أعْلَى مِنْطَقَةٍ فِي المَدِينَةِ، وَتُنَادِي عَلَى المَارِّينَ فِي حَالِ سَبِيلِهِمْ: «تَعَالَوْا أيُّهَا الجُهَّالُ،» وَتَقُولُ لِعَدِيمِي الفَهمِ: «المَاءُ المَسرُوقُ ألَذُّ، وَالخُبْزُ المَسرُوقُ أطيَبُ.» وَلَكِنَّ الجُهَّالَ وَعَدِيمِي الفَهمِ لَا يَعْرِفُونَ أنَّ المَوْتَ هُنَاكَ، وَأنَّ كُلَّ زُوَّارِهَا سَيَذْهَبُونَ إلَى المَوْتِ. هَذِهِ أمثَالُ سُلَيْمَانَ: الِابْنُ الحَكِيمُ يُفرِحُ أبَاهُ، وَالِابنُ الجَاهِلُ يُحزِنُ أُمَّهُ. الكُنُوزُ الَّتِي تُجمَعُ بِأعْمَالٍ شِرِّيرةٍ لَا تنفَعُ، أمَّا البِرُّ وَالصَّلَاحُ فينجِّيَانِ مِنَ المَوْتِ. لَا يَدَعُ اللهُ الصِّدِّيقَ يَجُوعُ، لَكِنَّهُ يَمْنَعُ الأشْرَارَ مِنْ تَحْقِيقِ رَغَبَاتِهِمْ. الكَسلَانُ يُصْبِحُ فَقِيرًا، وَمَنْ يَعْمَلْ بِاجتِهَادٍ يَغْتَنِ. الرَّجُلُ العَاقِلُ هُوَ الَّذِي يَحْصُدُ فِي الصَّيفِ، وَمَنْ يَنَامُ وَقْتَ الحَصَادِ فَهُوَ رَجُلٌ مُخْزٍ. يَضَعُ النَّاسُ البَرَكَاتِ عَلَى رَأسِ البَارِّ، وَكَلَامُ الشِّريرِ يُظهِرُ الخَيْرَ وَيُبْطِنُ العُنْفَ. ذِكرُ اسْمِ البَارِّ بَرَكَةٌ، أمَّا اسْمُ الشِّرِّيرِ فَسَيَفْنَى. الحَكِيمُ يَقْبَلُ الوَصَايَا وَالتَّعلِيمَ، وَأمَّا الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِحَمَاقَةٍ فَسَيُدَمَّرُ. مَنْ يَسْلُكُ بِاستَقَامَةٍ يَعِيشُ آمِنًا، وَمَنْ يَسْلُكُ بِغَيرِ أمَانَةٍ فَسَيُفتَضَحُ أمرُهُ. مَنْ يَغْمِزُ بِعَيْنِهِ بِمَكْرٍ يُسَبِّبُ المَتَاعِبَ، وَمَنْ يَتَكَلَّمُ بِالحَمَاقَةِ سَيُدَمَّرُ. كَلَامُ البَارِّ يُنْبُوعٌ لِلحَيَاةِ، وَكَلَامُ الشِّريرِ يُظهِرُ الخَيْرَ وَيُبْطِنُ العُنْفَ. الكُرهُ يُثِيرُ النِّزَاعَاتِ، أمَّا المَحَبَّةُ فَتَسْتُرُ كُلَّ الأخطَاءِ. الفَهِيمُ يَتَكَلَّمُ بِالحِكْمَةِ، وَالعَصَا هِيَ لِعِقَابِ عَدِيمِ الفَهمِ. الحَكِيمُ يَخْزِنُ المَعْرِفَةَ، أمَّا كَلَامُ الأحمَقِ فَهُوَ دَمَارٌ يَقْتَرِبُ. ثَروَةُ الغَنِيِّ هِيَ مَدِينَتُهُ الحَصِينَةُ، وَهَلَاكُ الفُقَرَاءِ فِي فَقرِهِمْ. أُجْرَةُ البَّارِّ هِيَ الحَيَاةُ، أمَّا رِبحُ الشِّرِّيرِ فَهُوَ لِلإثمِ. مَنْ يَسْتَمِعُ إلَى التَّعليمِ يَسْلُكُ فِي طَريقِ الحَيَاةِ، وَمَنْ يَرْفُضُ التَّأدِيبَ يَضِلُّ. الَّذِي يُخْفي كُرْهَهُ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا، وَمَنْ يتَكَلَّمُ ضِدَّ الآخَرِينَ فَهُوَ أحْمَقُ. عِنْدَمَا يَكْثُرُ الكَلَامُ يَكْثُرُ الخَطَأُ، أمَّا الَّذِي يَضْبُطُ شَفَتَيْهِ فَهُوَ عَاقِلٌ. كَلَامُ البَارِّ كَالفِضَّةِ النَّقِيَّةِ، أمَّا قَلْبُ الشِّرِّيرِ فَقَلِيلُ القِيمَةِ. كَلَامُ البَارِّ يُفَيدُ الكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ، أمَّا الجَاهِلُ فَيَمُوتُ لِأنَّهُ لَا يَفْهَمُ. بَرَكَةُ اللهِ تُغنِي، وَلَا يُضِيفُ اللهُ إلَيْهَا عَنَاءً. الجَاهِلُ يَتَمَتَّعُ بِالخَطِيَّةِ، أمَّا العَاقِلُ فَيَتَمَتَّعُ بِالحِكْمَةِ. مَا يَخَافُ مِنْهُ الأشرَارُ يَأْتِيهِمْ، وَمَا يَتَمَنَّاهُ البَارُّ سَيَنَالُهُ. عِنْدَمَا تَمُرُّ العَاصِفَةُ سَيَخْتَفِي الشِّرِّيرُ، أمَّا البَارُّ فَسَيَثْبُتُ إلَى الأبَدِ. مِثْلُ الخَلِّ لِلأسْنَانِ، وَمِثْلُ الدُخَانِ لِلعَيْنِ، هَكَذَا الكَسْلَانُ لِلَّذِي يُرسِلُهُ. مَخَافَةُ اللهِ تَزِيدُ طُولَ الحَيَاةِ، أمَّا حَيَاةُ الأشْرَارِ فَتَقْصُرُ. رَجَاءُ الصِّدِّيقِينَ يَجْعَلُهُمْ فَرِحِينَ، أمَّا أمَلُ الأشْرَارِ فَسَيَزُولُ. طَرِيقُ اللهِ حِصْنٌ لِلمُسْتَقِيمِينَ، وَلَكِنَّهُ يُهلِكُ فَاعِلِي الشِّرِّ. البَارُّ لَا يَتَزَعزَعُ أبَدًا، أمَّا الشِّرِّيرُ فَلَنْ يَبْقَى عَلَى هَذِهِ الأرْضِ. كَلَامُ البَارِّ يُخْرِجُ حِكْمَةً، أمَّا كَلَامُ الشِّرِّيرِ فَسَيَنْتَهِي. كَلَامُ البَارِّ كُلُّهُ جَيِّدٌ، أمَّا كَلَامُ الشِّرِّيرِ فَكُلُّهُ كَذِبٌ وَانْحِرَافٌ. اللهُ يَحْتَقِرُ المِيزَانَ المَغشُوشَ، وَيَفْرَحُ بِمَنْ يَزِنُ بِالعَدْلِ. عِنْدَمَا تَأْتِي الكِبرِيَاءُ، يَأْتِي مَعَهَا العَارُ، وَمَعِ التَّوَاضُعِ تَأْتِي الحِكْمَةُ. نَزَاهَةُ المُسْتَقِيمِينَ تَقُودُهُمْ، أمَّا انْحِرَافُ المُخَادِعِ فَيُدَمِّرُهُ. الغِنى لَا يَنْفَعُ فِي يَوْمِ الغَضَبِ، لَكِنَّ البِرَّ يُنْقِذُ مِنَ المَوْتِ. البِرُّ يُسَهِّلُ طَرِيقَ الرَّجُلِ البَارِّ، وَأمَّا الشِّرِّيرُ فَسَيَسْقُطُ بِشَرِّهِ. بِرُّ المُسْتَقِيمِ يُنْقِذُهُ، أمَّا الغَادِرونَ فيَقَعُونَ فِي فَخِّ رَغبَاتِهِمْ. عِنْدَمَا يَمُوتُ الشِّرِّيرُ فَإنَّ رَجَاءَهُ يَمُوتُ، وَلَا تتحقَّقُ أمَانِيهُ. البَارُّ يَنْجُو مِنَ المَشَاكِلِ، وَالشِّرِّيرُ يَقَعُ فِيهَا عِوَضًا عَنْهُ. الشِّرِّيرُ يُدَمِّرُ جَارَهُ بِكَلَامِهِ، وَبِالمَعْرِفَةِ يَنْجُو البَارُّ. يَفْرَحُ سُكَّانُ المَدِينَةِ عِنْدَمَا يَنْجَحُ البَارُّ، وَيَبْتَهِجُونَ عِنْدَمَا يَمُوتُ الشِّرِّيرُ. بِبَرَكَةِ البَارِّ تَتَمَجَّدُ المَدِينَةُ، وَتُخرَبُ بِكَلَامِ الشِّرِّيرِ. مَنْ يَحْتَقِرُ جَارَهُ لَا يَفْهَمُ، وَالعَاقِلُ يَبْقَى صَامِتًا. النَّمَّامُ يُفشِي السِّرَّ، وَالأمِينُ يُبقِي الأمْرَ سِرًّا. بِدُونِ قِيَادَةِ الحِكْمَةِ يَسْقُطُ الشَّعْبُ، أمَّا النَّجَاةُ فَبِكَثرَةِ المُشِيرِينَ. مَنْ يَكْفَلُ غَرِيبًا يَتَألَّمُ، وَمَنْ يَرْفُضُ ذَلِكَ يَنْجُو. المَرْأةُ الكَريمَةُ تَنَالُ كَرَامَةً، وَالرِّجَالُ العُدوَانِيُونَ يَنَالُونَ غِنَىً بِلَا كَرَامَةٍ. الرَّحِيمُ وَاللَّطِيفُ يَنْفَعُ نَفْسَهُ، أمَّا الرَّجُلُ القَاسِي فَيُؤذِي نَفْسَهُ. الشِّرِّيرُ لَا يَرْبَحُ شَيْئًا حَقِيقِيًّا، أمَّا الَّذِي يَبْذُرُ البِرَّ فَينَالُ مُكَافَأةً حَقِيقِيَّةً. الثَّابِتُ فِي البِرِّ يُعْطَى حَيَاةً أطوَلَ، وَالَّذِي يَتْبَعُ الشَّرَّ سَيَمُوتُ. اللهُ يَكْرَهُ النَّاسَ الَّذِينَ يُفَكِّرُونَ بِأفكَارٍ شِرِّيرَةٍ، وَيَقْبَلُ الَّذِينَ يَعِيشُونَ بِاسْتَقَامَةٍ. الأشرَارُ سَيُعَاقَبُونَ لَا مَحَالَةَ، أمَّا الأبْرَارُ وَأبنَاؤُهُمْ فَسَينْجُونَ. المَرْأةُ الجَمِيلَةُ الحَمقَاءُ، تُشبِهُ الخَاتَمَ الذَّهَبِيَّ فِي أنْفِ الخِنْزِيرِ. رَغبَةُ البَارِّ هِيَ لِلخَيرِ، أمَّا الأشرَارُ فَرَجَاؤُهُمْ يُؤَدِّي إلَى الغَيظِ. هُنَاكَ مَنْ يُعْطِي بِسَخَاءٍ فَيَزدَادُ، وَهُنَاكَ مَنْ يُصْبِحُ فَقِيرًا لِأنَّهُ لَا يُعْطِي كَمَا يَنْبَغِي. الكَرِيمُ سَيُصبِحُ غَنِيًّا، وَمَنْ يُعِينُ غَيْرَهُ هُوَ أيْضًا سَيُعَانُ. يَكْرَهُ النَّاسُ مَنْ يَحْتَكِرُ القَمْحَ، وَيُبَارِكُونَ مَنْ يَبِيعُهُ. مَنْ يُكَافِحُ مِنْ أجْلِ الخَيْرِ يَجِدُ البَرَكَةَ، أمَّا البَاحِثُ عَنِ الشَّرِّ فَالشَّرُّ سَيَأْتِيهِ. مَنْ يَعْتَمِدْ عَلَى غِنَاهُ يَسْقُطْ، أمَّا البَارُّ فَسَيُشرِقُ مِثْلَ وَرَقَةٍ خَضرَاءَ. مَنْ يُسِيءُ إلَى عَائِلَتِهِ لَا يَحْصُلُ عَلَى شَيءٍ، وَالأحْمَقُ يَصِيرُ عَبْدًا لِلحَكِيمِ. ثَمَرُ البَارِّ مِثْلُ شَجَرَةٍ تُعطِي الحَيَاةَ، وَالَّذِي يُنْقِذُ النَّاسَ بِهَذَا الثَّمَرِ حَكِيمٌ. إنْ كَانَ البَارُّ يَأْخُذُ أُجرَةً عَلَى الأرْضِ، فَبَالأولَى الشِّرِّيرُ وَالخَاطئُ. مَنْ يُحِبُّ التَّأدِيبَ فَهُوَ يُحِبُّ المَعْرِفَةَ، وَالَّذِي يَكْرَهُ التَّوبِيخَ غَبِيُّ. الإنْسَانُ الصَّالِحُ يَنَالُ رِضَى اللهِ ، أمَّا الَّذِي يُخَطِّطُ لِلشَّرِّ فَسَيُدَانُ. لَا يَقْوَى الإنْسَانُ بِالشَّرِّ، أمَّا البَارُّ فَتَثْبُتُ جُذُورُهُ. المَرْأةُ الصَّالِحَةُ تَاجٌ لِزَوْجِهَا، أمَّا الَّتِي تَجْلِبُ العَارَ لِزَوْجِهَا فَكَالنَّخْرِ فِي العِظَامِ. أفكَارُ البَارِّ كُلُّهَا عَدلٌ، أمَّا خُطَطُ الشِّرِّيرِ فَكُلُّهَا خِدَاعٌ. كَلَامُ الشِّرِّيرِ يُشْبِهُ الفَخَّ الَّذِي يَقُودُ إلَى المَوْتِ، أمَّا كَلَامُ البَارِّ فَيُنقِذُ حَيَاةَ النَّاسِ. يَسْقُطُ الشِّرِّيرُ وَلَا يَبْقَى لَهُ أثَرٌ، أمَّا بَيْتُ البَارِّ فَيَثْبُتُ. يُمدَحُ الإنْسَانُ عَلَى حِكْمتِهِ، أمَّا الَّذِي يُفَكِّرُ بِالفَسَادِ فَيُحتَقَرُ. خَيْرٌ لَكَ أنْ لَا تَكُونَ مُهِمًّا وَتَمْلِكُ عَبْدًا، مِنْ أنْ تَدَّعِيَ الأهَمِّيَةَ وَلَيْسَ عِنْدَكَ طَعَامٌ. البَارُّ يَهْتَمُّ بِحَاجَةِ بَهِيمَتِهِ، أمَّا شَفَقَةُ الشِّرِّيرِ فَهِيَ قَسوَةٌ. مَنْ يَعْمَلُ فِي حَقلِهِى يَجْنِي الكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ، أمَّا الأحْمَقُ فَيُلَاحِقُ أشْيَاءَ بِلَا قِيمَةٍ. الشِّرِّيرُ يَشْتَهِي صَيدَ الشَّرِّ، أمَّا الأبْرَارُ فَيُثمِرُونَ دَائِمًا. يُمسَكُ الشِّرِّيرُ بِسَبَبِ كَلَامِهِ الخَاطِئِ، أمَّا البَارُّ فيَنْجُو مِنَ المَتَاعِبِ. يَشْبَعُ الإنْسَانُ خَيْرًا مِنْ ثَمَرِ فَمِهِ، وَيُكَافَأُ الإنْسَانُ عَلَى عَمَلِ يَدَيهِ. طَرِيقُ الأحْمَقِ تَبْدُو صَحِيحَةً لَهُ، أمَّا الحَكِيمُ فَيَسْتَمِعُ إلَى النَّصِيحَةِ. الأحْمَقُ يُظهِرُ غَضَبَهُ فِي الحَالِ، أمَّا الَّذِي يَغْفِرُ لِمَنْ أهَانَهُ فَهُوَ ذَكيٌّ. الشَّاهِدُ الصَّادِقُ يَقُولُ الحَقَّ، أمَّا الشَّاهِدُ الكَاذِبُ فَتَقُودُ كَلِمَاتُهُ إلَى الخِدَاعِ وَالضِّيقِ. هُنَاكَ ثَرثَرَةٌ مِثْلُ الطَّعْنِ بِالسَّيْفِ، أمَّا كَلَامُ الحَكِيمِ فَفِيهِ شِفَاءٌ. الكَلَامُ الصَّادِقُ يَثْبُتُ إلَى الأبَدِ، أمَّا كَلَامُ الكَذِبِ فَيَثْبُتُ لِلَحَظَاتٍ. الخِدَاعُ مَوجُودٌ فِي ذِهنِ الَّذِينَ يُفَكِّرُونَ بِالشَّرِّ، أمَّا الَّذِينَ يُفَكِّرُونَ بِالخَيْرِ وَيُنَادُونَ بِهِ فَيَفْرَحُونَ. البَارُّ لَا يُصِيبُهُ الشَّرُّ، وَالشِّرِّيرُ يَمْتَلِئُ بِالمَشَاكِلِ. اللهُ يَحْتَقِرُ الكَلَامَ الكَاذِبَ، وَيَفْرَحُ بِالصَّادِقِينَ. الرَّجُلُ الذَّكِيُّ لَا يُظْهِرُ كُلَّ مَا يَعْرِفُهُ، أمَّا الأغبِيَاءُ فَيُظهِرُونَ جَهلَهُمْ. المُجتَهِدُ سَيَحْكُمُ، أمَّا الكُسَالَى فَيُصْبِحُونَ فُقَرَاءَ وَعَبِيدًا. القَلَقُ الَّذِي فِي قَلْبِ الإنْسَانِ يَحْنيهِ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تُسعِدُهُ. البَارُّ يَنْصَحُ جِيرَانَهُ، أمَّا الأشرَارُ فَيُضِلُّونَ. الكَسْلَانُ لَا يَطْبُخُ صَيْدَهُ، أمَّا المُجتَهِدُ فَيَنَالُ الغِنَى. هُنَاكَ حَيَاةٌ فِي طَرِيقِ البِرِّ، وَفِي السُّلُوكِ فِيهِ نَجَاةٌ مِنَ المَوْتِ. الِابْنُ الحَكِيمُ يَسْتَمِعُ إلَى تَعْلِيمِ أبِيهِ، أمَّا المُسْتَهْزئُ فَلَا يَسْتَمِعُ إلَى التَّأدِيبِ. مِنْ ثَمَرِ كَلَامِهِ يَأْكُلُ الإنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَالغَادِرُونَ يَشْتَهُونَ العُنفَ وَالظُّلْمَ. مَنْ يَحْرِصُ عَلَى كَلَامِهِ يَحْرِصُ عَلَى حَيَاتِهِ، وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ كَثِيرًا يُدَمَّرُ. الكَسْلَانُ يَشْتَهِي وَلَكِنَّهُ لَا يَحْصُلُ عَلَى شَيءٍ، أمَّا المُجتَهِدُ فَيَحْصُلُ عَلَى مُبتَغَاهُ. البَارُّ يَكْرَهُ الكَذِبَ، أمَّا الشِّرِّيرُ فَيَتَصَرَّفُ بِطَرِيقَةٍ مُخزِيَةٍ. البِرُّ يَحْرُسُ الإنْسَانَ الَّذِي يَحيَا بِصِدقٍ وَاسْتِقَامةٍ، وَالشَّرُّ يُسقِطُ الخَاطِئَ. يُوجَدُ إنْسَانٌ يَتَظَاهَرُ بِالغِنَى وَهُوَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَآخَرُ يَتَظَاهَرُ بِالفَقرِ، مَعَ أنَّهُ يَمْلِكُ ثَروَةً عَظِيمَةً. ثَروَةُ الإنْسَانِ فِديَةٌ لِحَيَاتِهِ، أمَّا الفَقِيرُ فَلَا يَسْمَعُ التَّهدِيدَ. يَسْطَعُ نُورُ الأبْرَارِ، أمَّا الأشرَارُ فَيَنْطَفِئُ مِصبَاحُهُمْ. الكِبرِيَاءُ تُؤَدِّي إلَى الخِلَافِ، أمَّا الحِكْمَةُ فَمَعِ الَّذِينَ يأخُذُونَ بِالنَّصِيحَةِ. الغِنَى الَّذِي يَأْتِي بِالغِشِّ وَالأسَاليبِ البَطَّالةِ سَيَتَنَاقَصُ، أمَّا الَّذِي يَجْمَعُ الثَّروَةَ بِتَعَبِهِ فيَسْتَغْنِيَ. الرَّغبَةُ المُؤَجَّلَةُ تُسَبِّبُ المَرَضَ لِلقَلْبِ، وَالأُمنِيَةُ المُتَحَقِّقَةُ تُعطِي حَيَاةً. مَنْ يَرْفُضُ التَّعلِيمَ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ للخَرَابِ، وَمَنْ يَلْتَزِمُ بِالوَصِيَّةِ يُكَافَأُ. تَعْلِيمُ الحَكِيمِ يُنْبُوعُ حَيَاةٍ حَتَّى يَبْتَعِدَ الإنْسَانُ عَنْ فِخَاخِ المَوْتِ. التَّفكَيرُ الصَّالِحُ وَالسَّليمُ يُعْطِي نِعْمَةً، أمَّا طَرِيقُ الغَادِرِينَ فَصَعْبٌ. يَسْلُكُ النَّبِيهُ وَفْقَ مَعْرِفَتِهِ، أمَّا الأحْمَقُ فَيَكَشِفُ غَبَاءَهُ. المَبعُوثُ الشِّرِّيرُ يُسَبِّبُ المَشَاكِلَ، أمَّا الرَّسُولُ الأمِينُ فَيُعطِي شِفَاءً. مَنْ يَتَجَاهَلُ التَّعلِيمَ يُصِيبُهُ الفَقرُ وَالذُّلُّ، أمَّا مَنْ يَقْبَلُ التَّوبِيخَ فَسَيُكَرَّمُ. الرَّغبَةُ المُجَابَةُ تُفرِحُ النَّفْسَ، أمَّا الأغْبِيَاءَ فَيَكْرَهُونَ الِابتِعَادَ عَنِ الشَّرِّ. مَنْ يُصَادِقُ الحَكِيمَ يَصْبِحُ حَكِيمًا، وَمَنْ يُرَافِقُ الأغبِيَاءَ سَيُعَانِي. الضِّيقُ يُلَاحِقُ الخُطَاةَ، أمَّا الأبْرَارُ فَمُكَافَأتُهُمُ الخَيْرُ. الرَّجُلُ الصَّالِحُ يَتْرُكُ مِيرَاثًا لِأحْفَادِهِ، وَغِنَى الأشْرَارِ يَأْخُذُهُ الأبْرَارُ. أرْضُ الفَقِيرِ المَحرُوثَةُ قَدْ تُنتِجُ غَلَّةً، وَلَكِنَّ الظُّلْمَ يَسْلُبُهَا. مَنْ يَمْنَعُ عَصَا التَّأدِيبِ عِنْ ابْنِهِ فَإنَّهُ يَكْرَهُهُ، وَمَنْ يُحِبُّ ابْنَهُ يَسْعَى إلَى تأديبِهِ. البَارُّ يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعُ، أمَّا بَطنُ الشِّرِّيرِ فَيَبْقَى فَارِغًا. المَرْأةُ الحَكيمَةُ تَبْنِي بَيتَهَا، أمَّا الحَمقَاءُ فَتَهْدِمُهُ بِيَدَيهَا. مَنْ يَعيشُ بِاستِقَامَةٍ يَخَافُ اللهَ ، أمَّا المُنْحَرِفُ فَيَزْدَرِي بِهِ. يَتَكلَّمُ الأحْمَقُ فَيُسبِّبَ المَتَاعبَ لِنَفْسِهِ، أمَّا مَا يَقُولُهُ الحُكَمَاءُ فإنهُ يَحْفَظُهُمْ. بِدُونِ ثِيرَانٍ لِلعَمَلِ يَظَلُّ المَعلَفُ فَارِغًا ونَظِيفًا، فَالْحَصَادُ الكَثِيرُ يَأْتِي بِسَبَبِ عَمَلِ الثَّورِ. الشَّاهِدُ الأمينُ لَا يَكْذِبُ، وَأمَّا شَاهِدُ الزُّورِ فَيَنْشُرُ الكَذِبَ. يَبْحَثُ المُسْتَهْزِئُ عَنِ الحِكْمَةِ فَلَا يَجِدُهَا، وَأمَّا المَعْرِفَةُ فَفِي مُتَنَاوَلِ الفَهِيمِ. لَا تَمْكُثْ طَوِيلًا أمَامَ الأحْمَقِ، فَلَنْ تَتْعلَّمَ مِنْهُ شَيْئًا. حِكْمَةُ الفَهِيمِ فِي سُلُوكِهِ، وَأمَّا حَمَاقَةُ الحَمْقَى فَهِيَ حَيَاةُ الغِشِّ. يَسْخَرُ الأحْمَقُ مِنَ التَّعوِيضِ عَنْ أخْطَائِهِ، أمَّا الأبْرَارُ فَمُسْتَعِدُّونَ لِذلِكَ. الإنْسَانُ فَقَطْ يَعْرِفُ مَرَارةَ نَفْسِهِ، وَفَرَحُهُ لَا يشْعُرُ بِهِ أحَدٌ سِوَاهُ. يَنْهَدِمُ بَيْتُ الأشْرَارِ، أمَّا خَيْمَةُ المُسْتَقِيمِينَ فَتَبْقَى إلَى الأبَدِ. تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإنِسَانِ كَأنَّهَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَلِكِنَّهَا تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. يَتألَّمُ القّلْبُ وَهُوَ يَضْحَكُ، وَنِهَايَةُ الطَّرَبِ كَآبَةٌ. يُجَازَى غَيْرُ الأمِينِ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ، وَيُكَافَأُ الصَّالِحُ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ. يُصَدَّقُ السَّاذَجُ كُلَّ شَيءٍ، وَأمَّا الذَّكِيُّ فَيَنْتَبِهُ إلَى مَا يَعْمَلُهُ. الحَكَيمُ حَريصٌ يَحيدُ عَنِ الشَّرِّ، وَأمَّا الأحْمَقُ فَيَتَصَرَّفُ بِطَيشٍ وَهُوَ وَاثِقٌ بِنَفْسِهِ. سَريعُ الغَضَبِ قَدْ يَعْمَلُ أُمُورًا حَمْقَاءَ، وَأمَّا المَاكِرُ فَمَكرُوهٌ. يَرِثُ السُّذَّجُ حَمَاقَةً، وَيُكَافَأُ الأذْكِيَاءُ بِنَوَالِ المَعْرِفَةِ. يَنْحَنِي الأشْرَارُ أمَامَ الأخْيَارِ الصَّالِحِينَ، وَسَيَرْكَعُونَ عِنْدَ أبْوَابِ الأبْرَارِ. الفَقِيرُ مَكْرُوهٌ حَتَّى مِنْ جَارِهِ، أمَّا الغَنِيُّ فَمُحِبُّوهُ كَثِيرُونَ. يُخْطِئُ مَنْ يَحْتَقِرُ صَاحِبَهُ، وَهَنِيئًا لِمَنْ يَرْحَمُ المَسَاكِينَ وَيُسَاعِدُهُمْ. الَّذِينَ يُخَطِّطُونَ لِلشَّرِّ يَضِلُّونَ، أمَّا الَّذِينَ يُخْطِّطُونَ لِلخَيرِ فَلَهُمُ الرَّحمَةُ وَالأمَانُ. هُنَاكَ فَائِدَةٌ مِنَ العَمَلِ الجَادِّ، أمَّا الكَلَامُ دُونَ عَمَلٍ فَيُؤَدِّي إلَى الفَقْرِ. يُكَافَأُ الحُكْمَاءُ بِالغِنَى، أمَّا الحَمْقَى فيُكَافَأون بِالحَمَاقَةِ. الشَّاهِدُ الصَّادِقُ يُنَجِّي كَثِيرِينَ، وَالمُتَكَلِّمُ بِالكَذِبِ يُؤذِي الآخَرِينَ. الَّذِي يَخَافُ اللهَ يَأْمَنُ، وَيَكُونُ مَلجَأً لِأبْنَائِهِ. مَخَافَةُ اللهِ تُعْطِي حَيَاةً حَقِيقِيَّةً، وَتُنْقِذُ الإنْسَانَ مِنْ فَخِّ المَوْتِ. المَمْلَكةُ كَثِيرةُ الشَّعْبِ تَأْتِي بِالكَرَامَةِ للْمَلِكِ، وَالعَدَدُ القَلِيلُ يأتِي بِالخِزْي لِلقَائِدِ. طَوِيلُ البَالِ ذَكِيٌّ جِدًّا، وَأمَّا سَرِيعُ الغَضَبِ فَهُوَ أحْمَقُ. القَلْبُ المَلِيءُ بِالسَّلَامِ يُنَشِّطُ الجِسْمَ، أمَّا الغَيْرَةُ فَتُسَبِّبُ المَرَضَ. مَنْ يَظْلِمُ الفَقِيرَ إنَّمَا يُهينُ اللهَ، وَمَنْ يَرْحَمُ المِسْكِينَ يُكْرِمُ اللهَ. فِي المَتَاعِبِ يُعَانِي الأشْرَارُ، وَأمَّا البَارُّ فَلَهُ رَجَاءٌ حَتَّى لَحظَةِ مَوْتِهِ. تَسْتَقِرُّ الحِكْمَةُ فِي قَلْبِ الحَكِيمِ، لَكِنَّكَ تَبْحَثُ عَنْهَا بِعَنَاءٍ فِي قَلْبِ الأحْمَقِ. البِرُّ يُعَظِّمُ مَكَانَةَ الأُمَّةِ، وَالخَطِيَّةُ عَارُ الشُّعُوبِ. يَرْضَى المَلِكُ عَنِ الخَادِمِ الفَهِيمِ، وَيَغْضَبُ عَلَى الخَادِمِ المُخْزِي. الإجَابَةُ الهَادِئَةُ تُبعِدُ الغَضَبَ، أمَّا الكَلِمَةُ القَاسِيَةُ فَتُشعِلُ الغَيظَ. لِسَانُ الحُكَمَاءِ يُعطينَا مَعْرِفَةً نَافِعَةً، وَالحَمْقَى يَفِيضُونَ حَمَاقَةً. اللهُ يُرَاقِبُ كُلَّ مَكَانٍ، وَيَرَى الشِّرِّيرَ وَالصَّالِحَ. الكلَامُ اللطِيفُ يُشْبِهُ شَجَرةَ حَيَاةٍ، أمَّا الكَلَامُ المُلتَوِي فَيَسْحَقُ الرُّوحَ. الأحْمَقُ يَحْتَقِرُ تَعْلِيمَ أبِيهِ، أمَّا الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبِيخَ فَيُصبِحُ ذَكِيًّا. بَيْتُ الصِّدِّيقِ فِيهِ كُنُوزٌ عَظِيمَةٌ، وَأمَّا مُمتَلَكَاتُ الشِّرِّيرِ وَمَا يَكْسَبُهُ فَتَجْلِبُ لَهُ المَشَاكِلَ. فَمُ الحَكِيمِ يَنْشُرُ المَعْرِفَةَ، أمَّا أفْكَارُ الأغبِيَاءِ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ. اللهُ يَكْرَهُ ذَبِيحَةَ الأشْرَارِ، أمَّا صَلَاةُ البَارِّ فَتُفرِحُ اللهَ . اللهُ يَكْرَهُ طَرِيقَ الأشْرَارِ، وَيُحِبُّ السَّاعِينَ إلَى البِرِّ. العِقَابُ يَنْتَظِرُ مَنْ يَتْرُكُ الِاسْتِقَامَةَ، وَمَنْ يَكْرَهُ التَّوْبِيخَ يَمُوتُ. الهَاوِيَةُ وَمَوْضِعُ الهَلَاكِ مَكْشُوفَانِ أمَامَ اللهِ ، فَكَمْ بِالأوْلَى أفكَارُ البَشَرِ. المُسْتَهْزِئُ لَا يُحِبُّ أنْ يُوَبِّخَهُ أحَدٌ، وَهُوَ لَا يَلجأُ إلَى الحُكَمَاءِ. القَلْبُ الفَرحَانُ يُبهِجُ الوَجْهَ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَحْزَنُ القَلْبُ تَنْسَحِقُ الرُّوحُ. الحَكِيمُ يَبْحَثُ عَنِ المَعْرِفَةِ، أمَّا فَمُ الحَمْقَى فَيَتَغَذَّى عَلَى الغَبَاءِ. كُلُّ أيَامِ الفَقِيرِ صَعبَةٌ، وَلَكِنَّ القَلْبَ الفَرِحَ وَلِيمَةٌ دَائِمَةٌ. القَلِيلُ مَعَ مَخَافَةِ اللهِ أفْضَلُ مِنْ كُنُوزٍ عَظِيمَةٍ مَعَهَا قَلَقٌ وَاضْطِرَابٌ. طَبَقٌ مِنَ الخَضرَاوَاتِ وَمَعْهُ مَحَبَّةٌ أفْضَلُ مِنْ لَحْمٍ مُسَمَّنٍ وَمَعْهُ كَرَاهِيَّةٌ. سَرِيعُ الغَضَبِ يُشعِلُ الشِّجَارَ، أمَّا بَطِيءُ الغَضَبِ فَيُهَدِّئُ النِّزَاعَ. طَرِيقُ الكَسْلَانِ يُشْبِهُ السِّيَاجَ الشَّائِكَ، أمَّا طَرِيقُ البَارِّ فَهُوَ مُمَهَّدٌ. الِابْنُ الحَكِيمُ يُفَرِّحُ أبَاهُ، أمَّا الإنْسَانُ الأحْمَقُ فَيَحْتَقِرُ أُمَّهُ. الأحْمَقُ يَفْرَحُ بِأعْمَالِ الغَبَاءِ، أمَّا الفَهِيمُ فَيَفْعَلُ مَا هُوَ صَحِيحٌ. بِدُونِ مَشُورَةٍ يَفْشَلُ التَّخطِيطُ، وَالنَّجَاحُ بِكَثرَةِ المُشِيرِينَ. يَفْرَحُ النَاسُ حِينَ يُعطُونَ جَوَابًا جَيِّدًا، وَمَا أجْمَلَ الكَلِمَةَ فِي وَقْتِهَا! طَرِيقُ المُتُعَقِّلِ يَقُودُهُ إلَى الحَيَاةِ، وَيُبعِدُهُ عَنْ طَرِيقِ المَوْتِ. اللهُ يَهْدِمُ بَيْتَ المُتُكَبِّرِ، وَلَكِنَّهُ يَحْمِي الأرمَلَةَ. اللهُ يَكْرَهُ الأفكَارَ الشِّرِّيرَةَ، أمَّا الكَلَامُ اللَّطِيفُ فَيُحِبُّهُ. الَّذِي يَطْمَعُ بِكَثْرَةِ الرِّبحِ يُخَرِّبُ بَيْتَهُ، وَالَّذِي يَكْرَهُ الرِّشوَةَ سَيَحيَا. عَقلُ البَارِّ يُفَكِّرُ بِالإجَابَةِ قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا، أمَّا فَمُ الشِّرِّيرِ فَيَفِيضُ بِالشَّرِّ. اللهُ لَا يَسْتَمِعُ إلَى الشِّرِّيرِ، وَلَكِنَّهُ يُصغِي إلَى صَلَاةِ البَارِّ. الِابتِسَامَةُ تُفرِحُ القَلْبَ، وَالأخْبَارُ الطَّيِّبَةُ تُقَوِّي الجَسَدَ. مَنْ يَسْتَمِعُ للتَوْبيخِ المُؤَدِّي إلَى الحَيَاةِ، يَسْكُنُ بَيْنَ الحُكَمَاءِ. مَنْ يَتَجَاهَلُ التَّأدِيبَ يَكْرَهُ حَيَاتَهُ، أمَّا الَّذِي يُصغِي إلَى التَّوْبِيخِ فَيَنَالُ فَهمًا. مَخَافَةُ اللهِ تُعلِّمُ الإنْسَانَ الحِكْمَةَ، وَالتَّوَاضُعُ يَأْتِي قَبْلَ الكَرَامَةِ. التَّفكِيرُ يَخُصُّ الإنْسَانَ، أمَّا الجَوَابُ المُنَاسِبُ فَمِنَ اللهِ . كُلُّ طُرُقِ الإنْسَانِ صَالِحَةٌ بِحَسَبِ رَأيِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ يَحْكُمُ عَلَى دَوَافِعِ الإنْسَانِ. اتَّكِلْ عَلَى اللهِ فِي أعْمَالِكَ، فَتَنْجَحَ كُلُّ خُطَطِكَ. اللهُ صَنَعَ كُلَّ شَيءٍ لِهَدَفٍ، فَحَتَّى الأشرَارُ صَنَعَهُمْ لِليَوْمِ الشِّرِّيرِ. يُبغِضُ اللهُ كُلَّ مُتَكَبِّرٍ، وَلَا بُدَّ أنْ يَنَالَ عِقَابَهُ. بِالرَّحمَةِ وَالحَقِّ يُكَفَّرُ عَنِ الخَطَايَا، وَبِمَخَافَةِ اللهِ يَبْتَعِدُ الإنْسَانُ عَنِ الشَّرِّ. إذَا سُرَّ اللهُ بِطُرُقِ إنْسَانٍ، جَعَلَ حَتَّى أعْدَاءَهُ يُسَالِمُونَهُ. القَلِيلُ مَعَ البِرِّ، أفْضَلُ مِنْ رِبحٍ كَثِيرٍ تَحَقَّقَ بِالظُلمِ. الإنْسَانُ يُخَطِّطُ لِطَرِيقِهِ، وَ اللهُ يُحَدِّدُ خُطُوَاتِهِ. المَشُورَةُ الإلَهِيَّةُ فِي كَلَامِ المَلِكِ، فَلَا يَحْكُمُ بِغَيرِ العَدْلِ. يُرِيدُ اللهُ أنْ تَكُونَ المَوَازِينُ أمِينَةً، وَكُلُّ الِاتِّفَاقيَّاتِ نَزِيهَةً. المُلُوكُ يَكْرَهُونَ الأعْمَالَ الشِّرِّيرَةَ، لِأنَّهُ بِالبِرِّ يَثْبُتُ حُكمُهُمْ. كَلَامُ البِرِّ يُسعِدُ المَلِكَ، وَالمَلِكُ يُحِبُّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالحَقِّ. غَضَبُ المَلِكِ مُرْعِبٌ كَرَسُولِ الْمَوْتِ، وَالحَكِيمُ يَسْعَى إلَى تَهْدِئَتِهِ. تُوجَدُ حَيَاةٌ فِي إرضَاءِ المَلِكِ، وَرِضَاهُ يُشْبِهُ الغَيمَةَ المُمطِرَةَ فِي الرَّبِيعِ. الحِكْمَةُ أفْضَلُ مِنَ الذَّهَبِ، وَالفَهمُ أفْضَلُ مِنَ الفِضَّةِ. طَرِيقُ البِرِّ يَتَجَنَّبُ الشَّرَّ، وَمَنْ يَنْتَبِهُ إلَى خُطُوَاتِهِ يَحْرُسُ حَيَاتَهُ. الكِبرِيَاءُ تُسَبِّبُ الدَّمَارَ، وَالغُرُورُ يُسَبِّبُ السُّقُوطَ. أنْ تَكونَ مُتَوَاضِعًا وَتَحيَا مَعَ الوُدَعَاءِ، أفْضَلُ مِنْ أنْ تَقْسِمَ غَنِيمَةً مَعَ المُتَكَبِّرِينَ. مَنْ يَتَعَلَّمُ قَدْ يَجِدُ النَّجَاحَ، وَلَكِنْ هَنِيئًا لِمَنْ يَثِقُ بِاللهِ . الحَكِيمُ يُسَمَّى فَهِيمًا، وَالكَلَامُ المُفِيدُ المُفرِحُ يَزِيدُ العِلْمَ. التَّفكِيرُ الجَيِّدُ مَصدَرٌ لِلحَيَاةِ لِصَاحِبِهِ، وَتَأْدِيبُ الأحْمَقِ غَبَاءٌ وَبِلَا فَائِدَةٍ. عَقلُ الحَكِيمُ يَقُودُ كَلَامَهُ، وَبِكَلَامِهِ يَزدَادُ العِلْمُ. الكَلَامُ الحُلْوُ يُشْبِهُ شَهْدَ العَسَلِ، فَهْوَ حُلْوُ المَذَاقِ وَشِفَاءٌ لِلجِسمِ. تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإنِسَانِ كَأنَّهَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَلِكِنَّهَا تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. شَهِيَّةُ الإنْسَانِ الَّذِي يَعْمَلُ تَقُودُهُ فِي عَمَلِهِ، لِأنَّ جُوعَهُ يَحُثُّهُ عَلَى العَمَلِ. عَدِيمُ الفَائِدَةِ يُخَطِّطُ لِلأذَى، وَكُلُّ مَا يَقُولُهُ يُشْبِهُ النَّارَ الصَاعِدَةَ. المُخَادِعُ يُحدِثُ النِّزَاعَ، وَالنَمَّامُ يُفَرِّقُ الأصْدِقَاءَ. القَاسِي يَخْدَعُ جَارَهُ، وَيَقُودُهُ إلَى طَرِيقٍ رَدِيءٍ. مَنْ يَغْمِزُ عَيْنَيْهِ يُخَطِّطُ لِلفَوضَى وَالخَرَابِ، وَبِزَمِّ شَفَتَيْهِ يُظهِرُ نِيَّتَهُ لِلشَّرِّ. الشَّيبُ تَاجُ مَجدٍ لِلَّذِينَ يَنَالُونَهُ بِعَيشِ حَيَاةِ البِرِّ. الصَّبُورُ خَيْرٌ مِنَ الجَبَّارِ، وَضَابِطُ نَفْسِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَحْكُمُ مَدِينَةً. قَدْ تُلْقَى القُرعَةُ فِي حِضنِكَ، لَكِنَّ الأحكَامَ مِنَ اللهِ . لُقمَةُ خُبْزٍ يَابِسَةٌ وَمَعَهَا سَلَامٌ خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَلِيئٍ بِالطَّعَامِ وَفِيهِ خِصَامٌ. العَبدُ الحَكِيمُ يَتَسَّيَدُ عَلَى الِابنِ المُخْزِي، وَيَتَقَاسَمُ المِيرَاثَ مَعَ الإخوَةِ. النَّارُ تَفْحَصُ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ، أمَّا فَاحِصُ القُلُوبِ فَهُوَ اللهُ . الشِّرِّيرُ يُصْغِي إلَى الأفكَارِ الشِّرِّيرَةِ، وَالْكَذَّابُونَ يَنْطِقُونَ بِالْكَلَامِ المُدّمِّرِ. مَنْ يَسْخَرُ بِالفَقِيرِ يُهِينُ خَالِقَهُ، وَمَنْ يَفْرَحُ بِمِحنَةِ غَيرِهِ لَنْ يُفلِتَ مِنَ العِقَابِ. الأحفَادُ تَاجٌ لِلرَّجُلِ العَجُوزِ، وَالأبْنَاءُ يَفْتَخِرُونَ بِأبِيهِمْ. الكَلَامُ البَلِيغُ لَا يُنَاسِبُ الأحْمَقَ، فَكَمْ بِالحَرِي الكَلَامُ المُخَادِعُ لِلرَّجُلِ النَّبِيلِ. قَدْ تَبْدُو الرِّشوَةُ كَالسِّحْرِ فِي نَظَرِ مَنْ يُعْطِيهَا، فَهِيَ تَنْجَحُ فِي أيِّ مَكَانٍ يَضَعُهَا. المُسَامَحَةُ تُعَزِّزُ الصَّدَاقَةَ، وَالتَّذكيرُ بِالخَطَأِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الأصْدِقَاءِ. التَّوبِيخُ يُؤَثِّرُ فِي الفَهِيمِ أكْثَرَ مِنْ مِئَةِ جَلْدَةٍ فِي الأحْمَقِ. الشِّرِّيرُ يَسْعَى إلَى الخَطَايَا، فَيُرسَلُ رَسُولٌ قَاسٍ ضِدَّهُ. أنْ تُقَابِلَ دُبَّةً غَاضِبَةً فَقَدَتْ أوْلَادَهَا، خَيْرٌ مِنْ أنْ تُقَابِلَ غَبِيًّا فِي وَقْتِ غَبَائِهِ. إذَا جَازَى أحَدُهُمُ الخَيْرَ بِشَرٍّ، فَإنَّ الشَّرَّ لَنْ يُفَارِقَ بَيْتَهُ. بِدَايَةُ الخِصَامِ مِثْلُ رَشِّ المَاءِ، فَأوقِفِ الخِصَامَ قَبْلَ أنْ يَنْفَجِرَ. اللهُ يَكْرَهُ مَنْ يُبَرِّئُ المُذْنِبَ، وَمَنْ يَحْكُمُ عَلَى البَرِيءَ. مَا فَائِدَةُ المَالِ فِي يَدِ الأحْمَقِ؟ أيَسْتَطِيعُ شِرَاءَ الحِكْمَةِ وَهُوَ لَا يَرْغَبُ فِيهَا؟ الصِّديقُ يُحِبُّ كُلَّ الوَقْتِ، وَالأخُ يُولَدُ لِيَوْمِ المِحنَةِ. عَدِيمُ الفَهْمِ يَعْقِدُ صَفقَةً وَيَكْفَلُ دَينَ شَخْصٍ آخَرَ. مَنْ يُحِبُّ النِّزَاعَ يُحِبُّ الخَطِيَّةَ، وَمَنْ يَتَفَاخَرُ بِنَفْسِهِ يَبْحَثُ عَنِ السُّقُوطِ. مَنْ يُفَكِّرُ بِالشَّرِّ لَنْ يَنْجَحَ أبَدًا، وَمَنْ يُخَادِعُ فِي كَلَامِهِ سَيَقَعُ فِي الضِّيقِ. مَنْ لَهُ وَلَدٌ جَاهِلٌ يَعِيشُ بِحَسْرَةٍ، وَلَا يَفْرَحُ أبُو الأحْمَقِ. الفَرَحُ مِنَ القَلْبِ دوَاءٌ شَافٍ، وَالرُّوحُ الحَزِينةُ تُسَبِّبُ المَرَضَ. الشِّرِّيرُ يَأْخُذُ الرِّشوَةَ فِي السِّرِّ، لِيُحْرِّفَ سَيْرَ العَدَالَةِ. البَصِيرُ يَنْظُرُ إلَى الحِكْمَةِ دَائِمًا، أمَّا الأحْمَقُ فَعَينَاهُ تَتُوهَانِ فِي آخِرِ الدُّنيَا. الِابْنُ الأحْمَقُ يُسَبِّبُ الحُزْنَ لِأبِيهِ، وَيُسَبِّبُ المَرَارَةَ لِأُمِّهِ. لَيْسَ جَيِّدًا أنْ تُعَاقِبَ البَرِيءَ، وَلَا أنْ تَضْرِبَ النَّزِيهَ بِسَبَبِ أمَانَتِهِ. الذَّكِيُّ لَا يَتَكَلَّمُ كَثِيرًا، وَالبَصِيرُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ. حَتَّى الأحْمَقُ يُعتَبَرُ حَكِيمًا إذَا صَمَتَ، وَإذَا أحكَمَ إغلَاقَ فَمِهِ فَسَيَبْدُو ذَكِيًّا. الإنْسَانُ المُنعَزِلُ يَبْحَثُ عَنْ رَغبَتِهِ، وَيَتَضَايَقُ مِنْ كُلِّ نَصِيحَةٍ. الأحْمَقُ لَا يَجِدُ مُتعَةً فِي الفَهْمِ، بَلْ فِي إعطَاءِ آرَاءِهِ فَقَطْ. عِنْدَمَا يَأْتِي الشَّرُّ يَأْتِي الِاحْتِقارُ، وَمَعَ الإهَانَةِ يَأْتِي الخِزْيُ وَالعَارُ. كَلِمَاتُ الإنْسَانِ مِيَاهٌ عَمِيقَةٌ، وَنَبعُ الحِكْمَةِ نَهْرٌ مُتَدَفِّقٌ. لَيْسَ جَيِّدًا أنْ تَتَحَيَّزَ لِلمُذنِبِ، فَتَحْرِمَ البَرِيءَ مِنْ حَقِّهِ. كَلَامُ الأحْمَقِ يُؤَدِّي إلَى الجَدَلِ، وَفَمُهُ يُسَبِّبُ لَهُ الضَّرْبَ. فَمُ الأحْمَقِ يُسَبِّبُ دَمَارَهُ، وَكَلَامُهُ يُشْبِهُ الفَخَّ لِحَيَاتِهِ. كَلَامُ النَّمَّامِ يُشْبِهُ لُقَمَ الطَّعَامِ الَّتِي تَنْزِلُ إلَى المَعِدَةِ. الكَسْلَانُ فِي عَمَلِهِ، هُوَ وَالمُخَرِّبُ سِيَّانِ. اسْمُ يهوه بُرجٌ مَنِيعٌ، يَرْكُضُ إلَيْهِ البَارُّ وَيَحْتَمِي. ثَروَةُ الغَنِيِّ هِيَ مَدِينَتُهُ الحَصِينَةُ، فَيَتَخَيَّلُهَا سُورًا عَالِيًا. الكِبرِيَاءُ تأتِي قَبْلَ الِانْهِيَارِ، أمَّا التَّوَاضُعُ فَيَأْتِي قَبْلَ الكَرَامَةِ. مَنْ يُجِيبُ عَنْ سُؤَالٍ قَبْلَ أنْ يَسْمَعَهُ، فَهُوَ أحْمَقُ يُسَبِّبُ لِنَفْسِهِ الخِزيَ. رُوحُ الإنْسَانِ تُسَانِدُهُ فِي مَرَضِهِ، أمَّا الرُّوحُ الحَزِينَةُ فَلَا يَحْتَمِلُهَا أحَدٌ. الإنْسَانُ الذَّكِيُّ يَكْتَسِبُ المَعْرِفَةَ، وَأُذُنُ الحَكِيمِ تَبْحَثُ عَنِ العِلْمِ. الهَدِيَّةُ تُؤدّي إلَى التَرْحيبِ، وَتُمَهِّدُ لِمُقَابَلَةِ العُظَمَاءَ. مَنْ يَشْتَكِي أوَّلًا يَبْدُو مُحِقًّا، إلَى أنْ يَأْتِيَ خَصْمُهُ وَيَسْتَجْوِبُهُ. القُرعَةُ تُنهِي النِّزَاعَ، وَتَفْصِلُ بَيْنَ طَرَفَينِ قَوِيّينِ. مُصَالَحةُ الأخِ بَعْدَ إهَانَتِهِ أصعَبُ مِنْ فَتْحِ مَدِينَةٍ، وَالمُخَاصَمَاتُ بَيْنَ الأصْدِقَاءِ أشبَهُ بِعَوَارِضِ قَلعَةٍ. مِنْ ثَمَرِ كَلَامِ الإنْسَانِ تَمْتَلِئُ مَعِدَتُهُ، وَمِنْ غَلَّةِ شَفَتَيْهِ يَشْبَعُ. المَوْتُ وَالحَيَاةُ تَحْتَ سُلْطَةِ اللِّسَانِ، وَمَنْ يُحِبُّ الكَلَامَ سَيَأْكُلُ ثَمَرَ كَلَامِهِ. مَنْ يَجِدُ زَوْجَةً صَالِحَةً يَجِدُ خَيْرًا، وَينَالُ رِضَىً مِنَ اللهِ . الفَقِيرُ يَطْلُبُ بِتَوَاضُعٍ، أمَّا الغَنِيُّ فَيُجِيبُ بِخُشُونَةٍ. قَدْ يَضُرُّ الأصْدِقَاءُ صَدِيقَهُمْ، لَكِنْ هُنَاكَ صَدِيقٌ ألصَقُ مِنَ الأخِ. الفَقِيرُ الَّذِي يَسْلُكُ بِاسْتِقَامَةٍ خَيْرٌ مِنَ الأحْمَقِ الَّذِي يُرَاوِغُ بِكَلَامِهِ. الرَّغبَةُ فِي شَيءٍ دُونَ العِلْمِ بِهِ لَيْسَتْ حَسَنَةً، وَمَنْ يَتَسَرَّعُ فِي قَرَارَاتِهِ يُخْطِئُ. غَبَاءُ الإنْسَانِ يُدَمِّرُ حَيَاتَهُ، ثُمَّ يُلقِي بِلَومِهِ عَلَى اللهِ . الغَنِيُّ كَثِيرُ الأصْحَابِ، فَإنِ افتَقَرَ تَرَكُوهُ. شَاهِدُ الزُّورِ يُعَاقَبُ، وَالَّذِي يَكْذِبُ فِي شَهَادَتِهِ لَنْ يَنْجُو. كَثِيرُونَ يَسْتَرْضُونَ الرَّجُلَ الكَرِيمَ، وَيُصَاحِبُونَ الَّذِي يُعْطِي هَدَايَا. كُلُّ إخْوَةِ الفَقِيرِ يَكْرَهُونَهُ، وَأصدِقَاؤُهُ يَبْتَعِدُونَ عَنْهُ. يَتَوَسَّلُ إلَيْهِمْ بِكَلَامِهِ، لَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَجِيبونَ. المُتَمَسِّكُ بِالحِكمَةِ يُحِبُّ حَيَاتَهُ، وَمَنْ يُحَافِظُ علَى المَعْرِفَةِ يَنْجَحُ. شَاهِدُ الزُّورِ يُعَاقَبُ، وَالَّذِي يَكْذِبُ فِي شَهَادَتِهِ سَيَهْلِكُ. لَا يَلِيقُ التَّرَفُ بِالأحْمَقِ، كَمَا لَا يَلِيقُ بِالعَبْدِ أنْ يَحْكُمَ الرُّؤَسَاءَ. التَّفكِيرُ الجَيِّدُ يُنْتِجُ الصَّبْرَ، وَمَغفِرَةُ الإسَاءَةِ تُعطِي مَجدًا وَسُمعَةً حَسَنَةً. غَضَبُ المَلِكِ كَزَئِيرِ الأسَدِ، وَرِضَاهُ كَالنَّدَى عَلَى العُشْبِ. الِابْنُ الأحْمَقُ مُصِيبَةٌ لِأبِيهِ، وَمُخَاصَمَاتُ الزَّوجَةِ كَنَقَرَاتِ المَاءِ المُتَسَرِّبِ. البَيْتُ وَالغِنَى مِيرَاثٌ مِنَ الآبَاءِ، أمَّا الزَّوجَةُ العَاقِلَةُ فَهِيَ مِنَ اللهِ . الكَسَلُ يُسَبِّبُ النَّومَ العَمِيقَ، وَالإنْسَانُ المُتَرَاخِي يَجُوعُ. مَنْ يُطِيعُ الوَصَايَا يَحْرِصُ عَلَى حَيَاتِهِ، وَمَنْ لَا يُبَالِي بِسُلُوكِهِ سَيَمُوتُ. مَنْ يُكرِمُ الفَقِيرَ يُقرِضُ اللهَ ، وَسَيُكَافِئُهُ عَلَى عَمَلِهِ. أدِّبِ ابنَكَ لِأنَّ هُنَاكَ أمَلًا فِي أنْ يَتَغَيَّرَ، وَإلَّا فَإنَّكَ تُشَارِكُ فِي تَدْمِيرِهِ. الغَضُوبُ سَيَنَالُ عِقَابَهُ، وَإنْ جَنَّبْتَهُ العِقَابَ يَزدَادُ سُوءًا. اسْتَمِعْ إلَى المَشُورَةِ وَاقبَلِ التَّأدِيبَ لِكَي تُصْبِحَ حَكِيمًا. كَثِيرَةٌ هِيَ الأفكَارُ فِي عَقلِ الإنْسَانِ، وَلَكِنَّ مَشِيئُةَ اللهِ هِيَ الَّتِي تَثْبُتُ. إخلَاصُ الإنْسَانِ يَجْعَلُهُ جَذَّابًا. فَأنْ تَكُونَ فَقِيرًا خَيْرٌ مِنْ أنْ تَكُونَ كَاذِبًا. مَنْ يَخَافُ اللهَ يَنَالُ حَيَاةً، وَيَنَامُ رَاضِيًا دُونَ أنْ يَمَسَّهُ أذَى. الكَسْلَانُ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الطَّبَقِ، وَلَا يَرُدُّهَا إلَى فَمِهِ. عَاقِبِ المُسْتَهْزِئَ فَيُصبِحَ الجَاهِلُ ذَكِيًّا، وَوَبِّخِ العَاقِلَ فَيَنَالَ مَعْرِفَةً. مَنْ يَسْرِقُ مِنْ أبِيهِ وَيَطْرُدُ أُمَّهُ، هُوَ ابْنٌ مُخْزٍ وَمُخْجِلٌ. يَا بُنَيَّ، إذَا تَوَقَّفْتَ عَنِ الِاسْتِمَاعِ إلَى الوَصِيَّةِ، سَتَضِلُّ عَنْ طَرِيِقِ المَعْرِفَةِ. شَاهِدُ الزُّورِ يَسْتَهْزِئُ بِالعَدْلِ، وَكَلَامُ الأشْرَارِ يُعَزِّزُ الدَّمَارَ. العِقَابُ أُعِدَّ لِلمُتَكَبِّرِينَ، وَالضَّرْبُ لِلأغبِيَاءِ. الخَمْرُ وَالمُسْكِرَاتُ تُسَبِّبُ الِاسْتِهزَاءَ وَالفَوضَى، وَمَنْ يَسْكَرُ بِهَا لَيْسَ حَكِيمًا. غَضَبُ المَلِكِ كَزئِيرِ الأسَدِ، وَمَنْ يُغْضِبُهُ يُخْطِئُ إلَى نَفْسِهِ. تَجَنُّبُ النِّزَاعِ يُشَرِّفُ الإنْسَانَ، أمَّا الإنْسَانُ الأحْمَقُ فَيُسرِعُ إلَى الشِّجَارِ. الكَسْلَانُ لَا يَحْرُثُ فِي الخَرِيفِ، وَفِي مَوسِمِ الحَصَادِ يَبْحَثُ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا. قَصْدُ الإنْسَانِ يُشْبِهُ المِيَاهَ العَمِيقَةَ، وَالإنْسَانُ الذَّكِيُّ يَسْتَخْرِجُهُ. الكَثِيرُونَ يَقُولُونَ إنَّهُمْ أصدِقَاءٌ مُخْلِصُونَ، أمَّا الجَدِيرُ بِالثِّقَةِ فَأينَ تَجِدُهُ؟ البَارُّ يَحيَا بِاستِقَامَةٍ، وَأطْفَالُهُ يَعِيشُونَ بِسَعَادَةٍ وَيَتَبَارَكُونَ مِنْ بَعْدِهِ. المَلِكُ يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِ القَضَاءِ وَيُمَيِّزُ الشَّرَّ بِنَظرَةٍ وَاحِدَةٍ. مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَقُولَ: «أنَا طَهَّرْتُ قَلْبِي، وَتَخَلَّصْتُ مِنْ خَطَايَايَ»؟ يُبغِضُ اللهُ المَوَازِينَ وَالمَكَايِيلَ المَغشُوشَةَ. حَتَّى الوَلدُ تُعرَفُ طَبِيِعَتُهُ بِأعْمَالِهِ، وَتُظْهِرُ إنْ كَانَ طَاهِرًا وَمُسْتَقِيمًا. اللهُ خَلَقَ الأُذُنَ الَّتِي تَسْمَعُ وَالعَينَ الَّتِي تَرَى. لَا تُحِبَّ النَّومَ لِئَلَّا تَصِيرَ فَقِيرًا، افتَحْ عَيْنَيْكَ فَيَكْثُرُ طَعَامُكَ. مَنْ يَشْتَرِي يَقُولُ دَائِمًا: «هَذَا لَيْسَ جَيِّدًا،» ثُمَّ يَبْتَعِدُ مَتَبَاهِيًا. الشِّفَاهُ المُتَكَلِّمَةُ بِالمَعْرِفَةِ أنْدَرُ مِنَ الذَّهَبِ وَاللآلئِ وَالجَوَاهِرِ الكَريمَةِ. خُذْ رِدَاءً رَهْنًا مِمَّنْ يَكْفَلُ غَريبًا أخَذَ دَينًا، وَاحتَفِظْ بِهِ ضَمَانًا. مَذَاقُ الخُبْزِ المَسْرُوقِ لَذِيذٌ، وَلَكِنَّهُ يُصْبِحُ كَالحَصَى فِي الفَمِّ. تَنْجَحُ الخُطَطُ بِالمَشُورَةِ. فَلَا تَشَنَّ حَرْبًا إلَّا بِقِيَادَةٍ حَكِيمَةٍ. النَّمَّامُ هُوَ الَّذِي يُفشِي الأسْرَارَ، فَلَا تَخْتَلِطْ بِالإنْسَانِ الثَّرْثَارِ. مَنْ يَلْعَنُ أبَاهُ وَأُمَّهُ، سَيُطفأُ نُورُهُ عِنْدَمَا يَحِلُّ الظَّلَامُ. الثَّرْوَةُ الَّتِي تُجمَعُ سَرِيعًا، نِهَايتُهَا غَيْرُ مُبَارَكَةٍ. لَا تَقُلْ: «سَأُجَازِي الشَّرَّ بِالشَّرِّ.» انتَظِرِ اللهَ وَهُوَ سَيُنَجِّيكَ. اللهُ يَكْرَهُ المَكَايِيلَ المَغشُوشَةَ، فَالمَوَازِينُ المَغشُوشَةُ سَيِّئَةٌ. طَريقُ الإنْسَانِ يُحَدِّدُهُ اللهُ . فَكَيْفَ لِلإنْسَانِ أنْ يَفْهَمَ مَا يَحْصُلُ مَعَهُ؟ لَا تَتَسَرَّعْ بِالتَعَهُّدِ، فَقَدْ تَنْدَمُ بِسَبَبِ مَا تَعَهَّدْتَ بِهِ. المَلِكُ الحَكِيمُ يَفْحَصُ الأشرَارَ وَيُعَاقِبُهُمْ. رُوحُ الإنْسَانِ سِرَاجُ اللهِ ، تَفْحَصُ كُلَّ مَا فِي دَاخِلِهِ. الوَفَاءُ وَالأمَانَةُ يَحْفَظَانِ المَلِكَ، وَهُوَ يَدْعَمُ حُكمَهُ بِأنْ يَكُونَ وَفِيًّا ومُحِبًّا. الشَّبَابُ يَفْتَخِرُونَ بِقُوَّتِهِمْ، أمَّا الشُّيُوُخُ فَوَقَارُهُمْ فِي شَيبِهِمْ. العِقَابُ الصَّارِمُ يُزِيلُ الشَّرَّ، وَالضَّرَبَاتُ تُطَهِّرُ الضَّمَائِرَ. قُلُوبُ المُلُوكِ فِي يَدِ اللهِ مِثْلُ جَدَاوِلِ المِيَاهِ، يُدِيرُهَا حَيْثُمَا يُرِيدُ. كُلُّ طُرُقِ الإنْسَانِ قَدْ تَبْدُو صَحِيحَةً فِي عَيْنَيْهِ، وَلَكِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يَفْحَصُ القُلُوبَ. فِعلُ مَا هُوَ صَحِيحٌ وَعَادِلٌ أهَمُّ عِنْدَ اللهِ مِنْ تَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ. النَّظرَاتُ المُتَعَجْرِفَةُ وَالأفْكَارُ المُتكبِّرةُ تُظْهِرُ خَطيَّةَ الشِّرِّيرِ. خُطَطُ المُجتَهِدِ تَقُودُهُ إلَى الرِّبحِ، أمَّا المُتَهَوِّرُ فَيَصِيرُ فَقِيرًا. الكُنُوزُ الَّتِي تَأْتِي بِالكَذِبِ هِيَ بُخَارٌ يَتَلَاشَى وَفَخٌّ يُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. عُنْفُ الأشْرَارِ يَجُرُّهُمْ بَعِيدًا، لِأنَّهُمْ يَرْفُضُونَ عَمَلَ مَا هُوَ عَدلٌ. المُذنِبُ يَتَصَرَّفُ بِخِدَاعٍ، أمَّا البَرِيءُ فَطُرُقُهُ مُسْتَقِيمَةٌ. خَيْرٌ لِلإنْسَانِ أنْ يَسْكُنَ فِي زَاوِيَةِ البَيْتِ، مِنْ أنْ يَعِيشَ فِي بَيْتٍ وَاسِعٍ مَعَ زَوْجَةٍ تُثِيرُ النِّزَاعَ. الشِّرِّيرُ يَشْتَهِي الشَّرَّ، وَهُوَ لَيْسَ رَحِيمًا مَعَ جَارِهِ. عِنْدَمَا يُعَاقَبُ المُتَكَبِّرُ، يُصْبِحُ الجَاهِلُ حَكِيمًا. وَعِنْدَمَا يُنْصَحُ الحَكِيمُ وَيُرْشَدُ، فَإنَّهُ يَكْتَسِبُ المَعْرِفَةَ. اللهُ البَارُّ يُرَاقِبُ بُيُوتَ الأشْرَارِ، وَيُدّمِّرُ الأشْرَارَ تَدْمِيرًا. مَنْ يَسُدُّ أُذُنَيهِ عِنْ نِدَاءِ الفَقِيرِ، يَطْلُبُ هُوَ المُسَاعَدَةَ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُجِيبُهُ. الهَدِيَّةُ الَّتِي تُعطَى فِي السِّرِّ تُهَدِّئُ الغَضَبَ، وَالهَدَيَّةُ الحَميمَةُ تُهَدِّئُ الغَضَبَ الشَّدِيدَ. البَارُّ يَفْرَحُ بِالعَدْلِ، وَالهَلَاكُ لِفَاعِلِي الشَّرِّ. مَنْ يَتَجَنَّبُ طَرِيقَ الفَهمِ يَرتَاحُ مَعَ جَمَاعَةِ الأمْوَاتِ. مُحِبُّ المَلَذَّاتِ يُصِيرُ فَقِيرًا، وَمُحِبُّ الخَمْرِ وَالتَّرَفِ لَنْ يَغْتَنِيَ. يُؤخَذُ الشِّرِّيرُ عِوَضًا عَنِ البَارِّ، وَيُعَاقَبُ الخَائِنُ لَا المُسْتَقِيمُ. خَيْرٌ لِلإنْسَانِ أنْ يَحيَا فِي الصَّحرَاءِ مِنْ أنْ يَعِيشَ مَعَ زَوْجَةٍ مُتَقَلِّبَةٍ تُثِيرُ النِّزَاعَ. فِي بَيْتِ الحَكِيمِ تَجِدُ كَنزًا ثَمِينًا وَزَيْتًا مُخَزَّنًا، أمَّا الأحْمَقُ فَيَسْتَهْلِكُ كُلَّ مَا لَدَيهِ. مَنْ يتْبَعُ العَدْلَ وَالرَّحمَةَ سَيَجِدُ حَيَاةً وَكَرَامَةً وَبِرًّا. رَجُلٌ حَكِيمٌ يَغْلِبُ مَدِينَةَ مُحَارِبِينَ، وَيُدَمِّرُ حِصنَهَا المَنيعَ. مَنْ يَنْتَبِهْ إلَى كَلَامِهِ يَحْفَظْ نَفْسَهُ مِنَ المَتَاعِبِ. المُتَكَبِّرُ المَغرُورُ يَسَخَرُ بِهِ النَّاسُ، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ بِتَفَاخُرٍ شَدِيدٍ. شَهْوَةُ الكَسْلَانِ سَتَقْتُلُهُ، لِأنَّهُ لَا يُحِبُّ أنْ يَعْمَلَ. فَهُوَ يَشْتَهِي أكْثَرَ فَأكثَرَ، أمَّا البَارُّ فَيُعطِي مِنْ دُونِ تَأْخِيرٍ. الذَّبَائِحَ الَّتِي يُقَدِّمُهَا الشِّرِّيرُ كَرِيهةٌ، لِأنَّهُ يُقَدِّمُهَا بِغِشٍّ. شُهُودُ الزُّورِ يُعَاقَبونَ، أمَّا مَنْ يُصغِي لِضَمِيرِهِ فَإنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِثِقَةٍ. الشِّرِّيرُ يُغَيِّرُ مَلَامِحَ وَجْهِهِ، أمَّا الصَّالِحُ فَوَاثِقٌ مِنْ طَرِيقِهِ. مَا مِنْ حِكمَةٍ وَلَا فَهْمٍ وَلَا مَشُورَةٍ تَنْجَحُ ضِدَّ اللهِ . الحِصَانُ يُجَهَّزُ لِيَوْمِ الحَرْبِ، أمَّا النُّصرَةُ فَهِيَ مِنْ عِندِ اللهِ . السُّمعَةُ الجَيِّدَةُ أفْضَلُ مِنَ الغِنَى العَظِيمِ، وَالِاحتِرَامُ أفْضَلُ مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ. لَا فَرقَ بَيْنَ الغَنِيِّ وَالفَقِيرِ، لِأنَّ اللهَ خَلَقَهُمَا. العَاقِلُ يَخْتَبِئُ عِنْدَمَا يَرَى المَشَاكِلَ آتِيَةً، وَالجَاهِلُ يَدْخُلُ فِي المَشَاكِلِ فَيَنَالَ العِقَابَ. مَنْ يَتَوَاضَعُ يَخَافُ اللهَ ، وَيُكَافَأُ بِالغِنَى وَالكَرَامَةِ وَالحَيَاةِ. فِي طَرِيقِ المُخَادِعِ أشوَاكٌ وَفِخَاخٌ، وَمَنْ يُحِبُّ حَيَاتَهُ يَبْتَعِدُ عَنِ المُخَادِعِ. دَرِّبِ الطِّفْلَ عَلَى مَا يَنْبَغِي أنْ يَفْعَلَهُ، فَلَا يَتْرُكَهُ عِنْدَمَا يَكْبُرُ. الغَنِيُّ يَتَسَلَّطُ عَلَى الفَقِيرِ، وَالَّذِي يَقْتَرِضُ هُوَ عَبدٌ لِمَنْ أقرَضَهُ. مَنْ يَزْرَعُ الظُّلمَ يَحْصُدُ الدَّمَارَ بِسَخَطِهِ، وَالعَصَا تُنهِي سَخَطَهُ. الرَّجُلُ الكَرِيمُ سَيَتَبَارَكُ، لِأنَّهُ يُعْطِي مِنْ طَعَامِهِ لِلفُقَرَاءِ. اطرُدِ المُسْتَهْزِئَ فَيَنْتَهِيَ الخِصَامُ، وَيَتَوَقَّفَ الجِدَالُ وَالإهَانَةُ. مَنْ يُحِبُّ طَهَارَةَ القَلْبِ، وَالكَلَامَ المُهَذَّبَ، يَكُونُ المَلِكُ صَدِيقَهُ. عُيُونُ اللهِ تَحْرُسُ المَعْرِفَةَ، وَلَكِنَّهُ يُحْبِطُ خُطَطَ الغَادِرِينَ. الكَسْلَانُ يَصْرُخُ: «هُنَاكَ أسَدٌ فِي الخَارِجِ! قَدْ أُقتَلُ فِي الشَّارِعِ!» كَلَامُ الزَّانِيَةِ يُشْبِهُ الحُفْرَةَ العَمِيقَةَ، مَنْ لَا يَعِيشُ فِي رِضَا اللهِ يَسْقُطُ فِيهَا. الحَمَاقَةُ مُرتَبِطَةٌ بِعَقلِ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ، وَالتَّأدِيبُ يُزِيلُ الحَمَاقَةَ مِنْهُ. مَنْ يَظْلِمُ الفَقِيرَ لِيُصْبِحَ غَنيًّا، وَمَنْ يُعْطِي الغَنِيَّ، كِلَاهُمَا سَيَفْتَقِرَانِ. افتَحْ أُذُنَكَ لِأقْوَالِ الحُكَمَاءِ، وَرَكِّزْ تَفْكِيرَكَ عَلَى تَعْلِيمِي. حَسَنٌ أنْ تَتَذَكَّرَهَا، وَأنْ تَتَكَلَّمَ بِهَا. أُعَلِّمُكَ إيَّاهَا أنْتَ الَيَوْمَ، لِكَي تَضَعَ ثِقَتَكَ أنْتَ فِي اللهِ . ألَمْ أكتُبْ إلَيْكَ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ نَصَائِحَ وَمَعْرِفَةً، لِأُعَلِّمَكَ الحَقَّ وَالكَلَامَ الصَّادِقَ، حَتَّى تَرُدَّ بِإجَابَاتٍ صَادِقَةٍ للَّذِي أرْسَلَكَ؟ لَا تَسْرِقْ مِنَ الفَقِيرِ لِأنَّهُ فِقِيرٌ، وَلَا تَسْحَقِ العَاجِزَ فِي المَحْكَمَةِ. لِأنَّ اللهَ سَيُدَافِعُ عَنْ قَضِيَّتِهِمْ، وَيَسْرِقُ حَيَاةَ ظَالِمِيهِمْ. لَا تُصَادِقِ الرَّجُلَ الغَضُوبَ، وَلَا تُرَافِقِ الرَّجُلَ الَّذِي يَثُورُ بِسُرعَةٍ. لِئلَّا تَتَعَلَّمَ سُلُوكَهُ، وَتُوقِعَ نَفْسَكَ فِي الفَخِّ. لَا تَدْخُلْ فِي صَفقَاتٍ تَكْفَلُ بِهَا دُيُونَ الآخَرِينَ. فَإذَا كُنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ السَّدَادَ، فَحَتَّى سَرِيرُكُ سَيُؤخَذُ مِنْكَ. لَا تُزِلِ الحُدُودَ القَدِيمَةَ الَّتِي وَضَعَهَا آبَاؤكَ. أرَأيْتَ الرَّجُلَ الَّذِي يُتقِنُ عَمَلَهُ؟ هُوَ سَيَخْدِمُ المُلُوكَ، وَلَنْ يَخْدِمَ أُنَاسًا مَغْمُورِينَ. إذَا جَلَسْتَ لِتَأْكُلَ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، فَانتَبِهْ جَيِّدًا إلَى مَا هُوَ أمَامَكَ. رَاقِبْ شَهِيَّتَكَ وَاكْبَحْهَا، إذَا كُنْتَ شَرِهًا. لَا تَقْتَرِبْ مِنَ الطَّعَامِ الغَالِي، لِأنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَعَامَ كَذِبٍ وَخِدَاعٍ. لَا تُنهِكْ نَفْسَكَ طَلَبًا لِلثَّرْوَةِ، وَلَا تَتَّكِلْ عَلَى فَهمِكَ. لِأنَّ الغَنِيَّ يَذْهَبُ بِلَمحِ البَصَرِ، كَمَا لَوْ أنَّهُ يَطِيرُ بِجَنَاحَينِ كَالنَّسْرِ إلَى السَّمَاءِ. لَا تَأْكُلْ خُبْزَ البَخِيلِ وَلَا تَشْتَهِ طَعَامَهُ اللَّذِيذَ، لِأنَّهُ دَائِمًا يَحْسِبُ تَكْلِفةَ مَا يأكُلُهُ. فَإنْ قَالَ لَكَ: «كُلْ وَاشرَبْ» فَهُوَ لَا يَعْنِي مَا يَقُولُ. القَلِيلُ الَّذِي تَأكُلُهُ سَتَتَقَيَّأُهُ، وَتُضَيِّعُ كَلِمَاتِكَ الحُلوَةَ. لَا تُعطِ نَصِيحَةً لِلغَبِيِّ، لِأنَّهُ سَيَحْتَقِرُ الحِكْمَةَ فِي كَلَامِكَ. لَا تُغَيِّرِ الحُدُودَ القَدِيمَةَ، وَلَا تَتَعَدَّ عَلَى حُقُولِ الأيتَامِ، لِأنَّ فَادِيَهُمْ قَوِيٌّ، وَسَيُحَامِي عَنْهُمْ ضِدَّكَ. أصْغِ إلَى الوَصِيَّةِ، وَاستَمِعْ إلَى أقْوَالِ المَعْرِفَةِ. لَا تَمْنَعِ التَّأدِيبَ عَنِ الوَلَدِ. إذَا ضَرَبتَهُ بِالعَصَا فَلَنْ يَمُوتَ. بَلْ إذَا ضَرَبتَهُ بِالعَصَا فَسَتُنقِذُهُ مِنَ المَوْتِ. يَا بُنَيَّ، سَيَفْرَحُ قَلْبِي إذَّا أصبَحتَ حَكِيمًا، سَيَبْتَهِجُ قَلْبِي عِنْدَمَا تَتَكَلَّمُ بِمَا هُوَ حَقٌّ وَمُسْتَقِيمٌ. لَا تَحْسِدِ الخُطَاةَ، وَلَكِنِ اتَّقِ اللهَ فِي كُلِّ حِينٍ، لِأنَّكَ فِي التَّقْوى سَتَنَالُ حَيَاةً نَاجِحَةً، وَرَجَاؤُكَ فِيهَا لَنْ يَنْتَهِيَ. اسْتَمِعْ لِي يَا بُنَيَّ وَكُنْ حَكِيمًا، وَقُدْ حَيَاتَكَ فِي الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ. لَا تُرَافِقْ مَنْ يُسرِفُونَ فِي شُربِ الخَمْرِ، وَمَنْ يُسرِفُونَ فِي الأكلِ، لِأنَّ مَنْ يُسرِفُونَ فِي الأكلِ وَالشَّربِ سَيُفقَرُونَ، وَالَّذِينَ يُحِبُّونَ النَّومَ سَيَلبَسُونَ الثِّيَابَ القَدِيمَةَ المُتَهَرِّئَةَ. أصغِ إلَى أبِيكَ الَّذِي وَلَدَكَ، وَلَا تَحْتَقِرْ أُمَّكَ عِنْدَمَا تَكْبُرُ فِي السِّنِّ. اشْتَرِ الحَقَّ وَالحِكْمَةَ وَالمَعْرِفَةَ وَالفَهمَ، وَإيَّاكَ أنْ تُفَرِّطَ بِشَيءٍ مِنْهَا. وَالِدُ البَارِّ يَفْرَحُ كَثِيرًا، وَوَالِدُ الِابنِ الحَكِيمِ سَيَبْتَهِجُ بِهِ. فَأسْعِدْ أبَاكَ وَأُمَّكَ، وَاجعَلْ مَنْ وَلَدَتْكَ تَبْتَهِجُ بِكَ. اسْتَمِعْ إلَيَّ جَيِّدًا يَا بُنَيَّ، وَلَاحِظْ حَيَاتِي لِتكُونَ مِثَالًا لَكَ. لِأنَّ الزَّانِيَةَ تُشبِهُ حُفرَةً عَمِيقَةً وَبِئرًا ضَيِّقًا. تَتَرَبَّصُ لِفَرِيسَتِهَا، وَتَدْفَعُ كَثِيرِينَ إلَى الخِيَانَةِ. لِمَنِ البُؤْسُ وَالحُزنُ؟ لِمَنِ النِّزَاعُ وَالمَشَاكِلُ؟ مَنْ سَيَنَالُ الضَّربَ بِدُونِ سَبَبٍ، وَمَنْ سَتَحْمَرُّ عَينَاهُ مِنَ الضَّربِ؟ هَذِهِ جَمِيعُهَا لِلَّذِينَ يَسْرِفُونَ فِي شُرْبِ النَّبِيذِ، وَيَبْحَثُونَ عَنْ أنْوَاعِ الخَمْرِ المَمْزُوجِ. فَإيَّاكَ أنْ تُبهَرَ بِالخَمْرِ عِنْدَمَا يَتَألَّقُ لُونُهَا فِي الكَأسِ، وَتَنسَابُ مُتَلألِئَةً. فَفِي نِهَايَةِ الأمْرِ سَيَلْسَعُ كَالثُّعبَانِ، وَيَعَضُّ مِثْلَ الأفعَى السَّامَّةِ. فَتَرَى عَينَاكَ أشْيَاءَ غَرِيبَةً وَسَتُصبِحُ مُشَوَّشًا فِي كَلَامِكَ وَتَفْكِيرِكَ. سَتُصبِحُ كَمَنْ يَسْتَلْقِي عَلَى سَرِيرٍ فِي البَحْرِ، وَمِثْلَ الَّذِي يَسْتَلْقِي عَلَى قِمَّةِ السَّارِيَةِ. وَسَتَقُولُ: «ضَرَبُونِي لَكِنِّي لَمْ أشعُرْ بِألَمٍ! وَلَمْ أُدرِكْ أنَّهُمْ يَلْكُمُونَنِي! فَمَتَى أصْحُو سَأبْحَثُ عَنْ المَزِيدِ مِنَ الشَّرَابِ!» لَا تَحْسِدِ الأشرَارَ، وَلَا تَتَمَنَّ أنْ تَكُونَ مَعَهُمْ، لِأنَّهُمْ يُخَطِّطُونَ لِلعُنفِ وَالسَّلْبِ، وَيَتَكَلَّمُونَ عَنِ الأذَى. بِالحِكْمَةِ تُبنَى البُيُوتُ، وَبِالفَهمِ تَثْبُتُ. بِالمَعْرِفَةِ تَمْتَلِئُ الغُرَفُ بِكُلِّ مَا هُوَ ثَمِينٌ وَمُفرِحٌ. الرَّجُلُ الحَكيمُ قَوِيٌّ فِعلًا، وَالمَعْرِفَةُ تَجْعَلُهُ أقدَرَ. لِأنَّكَ تَسْتَطِيعُ أنْ تَشُنَّ حَربًا بِالمَشُورَةِ وَالخُطَطِ الحَكِيمَةِ، وَسَتَنْتَصِرُ بِكَثرَةِ المُسْتَشَارينَ. الحِكْمَةُ أعْلَى مِنَ الحَمْقى. فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَفْتَحُوا أفوَاهَهُمْ فِي المَجَالِسِ. مَنْ يُخَطِّطُ دَائِمًا لِلأذَى يُسَمِّيهِ النَّاسُ «أبَا المَشَاكِلِ.» الخُطَّةُ الَّتِي يَرْسُمُهَا الأحْمَقُ خَطِيَّةٌ، وَالنَّاسُ يَكْرَهُونَ المُسْتَهْزِئَ. إذَا ظَهَرَ ضَعفُكَ فِي وَقْتِ الضِّيقِ، فَإنَّكَ ضَعِيفٌ حَقًّا. أنقِذِ المُنقَادِينَ إلَى المَوْتِ، وَلَا تَتَرَاجَعْ عَنْ مُسَاعَدَةِ الَّذِينَ سَيُذْبَحُونَ، لِأنَّكَ إنْ قُلْتَ: «نَحْنُ لَا نَعْلَمُ بِهَذَا الأمْرِ،» فَإنَّ فَاحِصَ القُلُوبِ يَعْلَمُ بِهِ. ألَيْسَ هُوَ يَرَاكَ وَيَعْلَمُ؟ ألَيْسَ هُوَ مَنْ سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَمَلِهِ؟ يَا بُنَيَّ كُلْ عَسَلًا لِأنَّهُ مُفِيدٌ، وَشَهْدُ العَسَلِ طَيِّبُ المَذَاقِ. وَاعلَمْ أنَّ الحِكْمَةَ لَذِيذَةٌ كَالعَسَلِ لِحَيَاتِكَ، فَإذَا وَجَدتَهَا فَسَتَجِدُ مُسْتَقْبَلًا عَظِيمًا، وَلَنْ يَخِيبَ رَجَاؤُكَ. لَا تَنْصِبْ كَمِينًا فِي طَرِيقِ الرَّجُلِ البَارِّ، وَلَا تَهْجُمْ عَلَى بَيْتِهِ. فَحَتَّى لَوْ سَقَطَ البَارُّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإنَّهُ سَيَقُومُ. أمَّا الشِّرِّيرُ فَيَسْقُطُ بِسَبَبِ شُرُورِهِ. لَا تَفْرَحْ عِنْدَمَا يَسْقُطُ عَدُوُّكَ، وَلَا تَبْتَهِجْ عِنْدَمَا يَتَعَثَّرُ. وَإلَّا سَيَرَاكَ اللهُ وَيَنْزَعِجُ، وَسَيُزِيلُ غَضَبَهُ عَنْ عَدُوِّكَ. لَا تَكْتَئِبْ أوْ تَغْضَبْ بِسَبَبِ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلَا تَحْسَدِ الأشرَارَ. لِأنَّهُ لَا يُوجَدُ رَجَاءٌ لِلشِّرِّيرِ، وَسَيَنْطَفِئُ مِصبَاحُهُ. يَا بُنَيَّ، اخشَ اللهَ وَالمَلِكَ، وَلَا تَنْضَمَّ إلَى المُتَمَرِّدِينَ عَلَيْهِمَا. لِأنَّ المُصِيبَةَ تَأْتِي مِنهمَا فَجْأةً، وَمَنْ يَعْرِفُ مِقدَارَ الدَّمَارِ الَّذِي يَسْتَطِيعَانِ أنْ يُسَبِّبَاهُ؟ وَهَذِهِ أيْضًا مَزِيدٌ مِنْ أقْوَالِ الحِكْمَةِ: التَّحَيُّزُ فِي المُحَاكَمَةِ لَيْسَ جَيِّدًا. سَيُلْعَنُ مِنَ الشُّعُوبِ وَسَيُرفَضُ مِنَ الأُمَمِ مَنْ يَقُولُ لِلمُذْنِبِ: «أنْتَ بَرِيءٌ وَصَالِحٌ.» لَكِنْ يُسَرُّ النَّاسُ بِمَنْ يُوَبِّخُ المُذْنِب، وَهُوَ بَرَكَةٌ لَهُمْ. الإجَابَةُ الصَّادِقَةُ مِثْلُ القُبلَةِ عَلَى الشَّفَتَيْنِ. نَظِّمْ عَمَلَكَ وَجَهِّزْ حَقلَكَ قَبْلَ أنْ تَبْنِيَ بَيْتَكَ. لَا تَشْهَدْ ضِدَّ جَارِكَ دُونَ سَبَبٍ، وَلَا تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لَا تَقُلْ: «سَأفْعَلُ مَعَهُ كَمَا فَعَلَ مَعِي، وَسَأُجَازِيهِ بِحَسَبِ أفعَالِهِ!» مَرَرْتُ بِحَقْلِ الرَّجُلِ الكَسْلَانِ، وَبِكَرْمِ الرَّجُلِ الأحمَقِ، فَرَأيْتُ الأشوَاكَ نَمَتْ فِي جَمِيعِ أنْحَائِهِ، وَالأعشَابَ الضَّارَّةَ قَدْ غَطَّتْهُ، وَانهَدَمَ السُّورُ الحَجَرِيُّ الَّذِي يُحِيطُ بِهِ. فَنَظَرْتُ وَفَكَّرْتُ فِي الأمْرِ، وَدَقَّقْتُ النَّظَرَ فَتَعَلَّمْتُ دَرسًا. وَهُوَ أنَّ قَلِيلًا مِنْ طَيِّ اليَدَينِ ثُمَّ قَلِيلًا مِنَ النُّعَاسِ ثُمَّ قَلِيلًا مِنَ النَّومِ، وَيُدَاهِمُكَ الفَقرُ كَلِّصٍّ، وَتَقْتَحِمُكَ الخَسَارَةُ اقتِحَامًا. هَذِهِ هِيَ أيْضًا بَعْضُ أمثَالِ سُلَيْمَانَ، وَقَدْ دَوَّنَهَا رِجَالُ المَلِكِ حَزَقِيَّا، مَلِكِ يَهُوذَا: مَجْدُ اللهِ فِي الأُمُورِ الَّتِي يُخفِيهَا، وَمَجْدُ المُلُوكِ فِي الأُمُورِ الَّتِي يَكْشِفُونَهَا. كَارتِفَاعِ السَّمَاءِ وَكَعُمقِ الأرْضِ، تَبْعُدُ قُلُوبُ المُلُوكِ عَنْ أنْ تُفحَصُ. أزِلِ الشَّوَائِبَ مِنَ الفِضَّةِ، لِكَي يَصْنَعَ الصَّائِغُ وِعَاءً. أخرِجِ الشِّرِّيرَ مِنْ حَضْرَةِ المَلِكِ فَيَثْبُتَ عَرشُهُ بِالبِرِّ. لَا تَتَبَاهَ بِنَفْسِكَ فِي حَضْرَةِ المَلِكِ، وَلَا تَقِفْ بَيْنَ العُظَمَاءِ كَمَا لَوْ كُنْتَ رَجُلًا عَظِيمًا، لِأنَّهُ خَيْرٌ أنْ يُقَالَ لَكَ: «تَعَالَ إلَى الأمَامِ،» مِنْ أنْ تُهَانَ فِي مَجلِسِ العُظَمَاءِ. لَا تَتَسَرَّعْ فِي الِاتِّهَامِ، وَإلَّا فَمَا الَّذِي سَتَفْعَلُهُ عِنْدَمَا يَكْشِفُ صَاحِبُكَ خَطَأكَ فَيُخْزِيَكَ. نَاقِشْ مَشَاكِلَكَ مَعَ صَاحِبِكَ، وَلَكِنْ لَا تَكْشِفْ سِرَّ غَيرِكَ، لِئلَا تَتَعرَّضَ لِلخِزيِ مِنْ سَامِعِكَ، وَتَلْتَصِقَ بِكَ سُمْعَةٌ سَيِّئَةٌ. الكلَامُ فِي وَقْتِهِ، يُشْبِهُ تُفَّاحًا ذَهَبِيًّا فِي وِعَاءٍ فِضِّيٍّ. تَوْبِيخُ الحَكيمِ يُشْبِهُ حَلَقًا مِنَ الذَّهَبِ لِأُذُنِهِ المُصْغِيَةِ. الرَّسُولُ الأمِينُ الَّذِي يُسْعِدُ قَلْبَ سَيِّدِهِ، يُشْبِهُ الثَّلْجَ البَارِدَ فِي يَوْمِ الحَصَادِ. مَنْ يَعِدُ بإِعطَاءِ هَدَايَا وَلَا يَفِي بِوَعدِهِ، يُشْبِهُ غُيُومًا وَرِيَاحًا بِلَا مَطَرٍ. بِالصَّبْرِ وَبِطُولِ البَالِ يَقْتَنِعُ حَتَّى الحَاكِمُ، وَالكَلَامُ اللَّيِّنُ لَا يُقَاوَمُ. إذَا وَجَدتَ عَسَلًا، فَكُلْ مَا تَحتَاجُهُ فَقَطْ، وَإلَّا سَتَمْتَلِئُ مَعِدَتُكَ وَتَتَقَيَّؤُهُ. لَا تُكثِرْ مِنْ زِيَارَاتِكَ لِجَارِكَ، وَإلَّا فَإنَّهُ سَيُتخَمُ مِنْ رُؤْيَتِكَ وَيَنْفُرُ مِنْكَ. إذَا شَهِدْتَ بِالزُّورِ ضِدَّ جَارِكَ، فَإنَّكَ تَكُونُ كَالعَصَا وَالسَّيْفِ وَالسَّهْمِ المَسنُونِ. الِاتِّكَالُ عَلَى الغَادِرِ فِي يَوْمِ الضِّيقِ مِثْلُ الأكْلَ عَلَى سِنٍّ مُخَلْخَلٍ، أوِ السَّيرَ عَلَى قَدَمٍ مَكْسُورَةٍ. الغِنَاءُ لِقَلْبٍ حَزِينٍ يُشْبِهُ خَلْعَ المِعطَفِ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ، أوْ سَكْبَ الخَلَّ عَلَى الجُرْحِ. إذَا جَاعَ عَدُوُّكَ فَأعْطِهِ خُبْزًا لِيَأْكُلَ، وَإذَا عَطِشَ فَأعْطِهِ مَاءً لِيَشْرَبَ. لِأنَّكَ هَكَذَا سَتَكُونُ كَمَنْ يَضَعُ جَمْرًا مُلتَهِبًا عَلَى رَأسِهِ، وَ اللهُ سَيُكَافِئُكَ. الرِّيَاحُ القَادِمَةُ مِنَ الشِّمَالِ تَجْلِبُ المَطَرَ، وَالنَّمِيمَةُ تُوَلِّدُ الغَضَبَ. أنْ تَعِيشَ فِي رُكْنٍ مِنْ سَطْحِ المَنْزِلِ أوْ عُلِّيَتِهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ تَعِيشَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مَعَ زَوْجَةٍ دَائِمَةِ الجِدَالِ وَالخِصَامِ. الخَبَرُ السَّارُّ الَّذِي يَأْتِي مِنْ مَسَافةٍ بَعِيدَةٍ يُشْبِهُ كَأسَ مَاءٍ بَارِدٍ لِعَطشَانَ. البَارُّ الَّذِي يَخَضَعُ لِلشِّرِّيرِ يُشْبِهُ نَبعَ مَاءٍ مُعَكَّرٍ وَيَنْبُوعًا مُلَوَّثًا. لَيْسَ جَيِّدًا أنْ تأكُلَ عَسَلًا كَثِيرًا، وَلَا أنْ تَبَالِغَ فِي السَّعِيِ إلَى نَيلِ الإكرَامِ. مَنْ لَا يَضْبُطُ نَفْسَهُ يُشْبِهُ مَدِينَةً مَفتُوحَةً بِلَا أسوَارَ. الكَرَامَةُ لَا تَلِيقُ بِالأحمَقِ، كَمَا أنَّ الثَّلْجَ لَا يُلَائِمُ الصَّيفَ، وَلَا المَطَرَ مَوسِمَ الحَصَادِ. اللَّعنَةُ بِدُونِ سَبَبٍ لَا تَسْتَقِرُّ عَلَيْكَ، كَالعُصفُورِ الطَّائِرَ وَالسُّنُونُوةِ المُحَلِّقَةِ. السَّوطُ لِلحِصَانِ وَاللِّجَامُ لِلحِمَارِ، وَالعَصَا لِلحَمقَى. لَا تُجِاوِبِ الأحْمَقَ بِمِثْلِ حَمَاقَتِهِ، لِئلَّا تَبْدُو مِثْلَهُ. جَاوِبَ الأحْمَقَ بِمِثْلِ حَمَاقَتِهِ، وَسَيَظُنُّ أنَّهُ أحْكَمُ مِنْكَ! مَنْ يُرْسِلُ رِسَالَةً مَعَ الأحْمَقِ كَمَنْ يَقْطَعُ رِجلَيهِ، أوْ كَمَنْ يَبْحَثُ عَنِ الظُّلْمِ. كَلَامُ الحِكْمَةِ الَّذِي يَقُولُهُ الحَمْقَى يُشْبِهُ رِجلَ المَشلُولِ. مَنْ يُعْطِي المَجْدَ لِلأحْمَقِ يُشْبِهُ مَنْ يَرْبِطُ حَجَرًا بِالمِقلَاعِ. كَلَامُ الحِكْمَةِ الَّذِي يَقُولُهُ الحَمْقَى يُشْبِهُ السِّكِّيرَ الَّذِي يُمْسِكُ شَوكًا بِيَدِهِ. مَنْ يسْتَأْجِرُ أحْمَقَ أوْ عَابِرَ سَبِيلٍ لِيَقُومَ بِعَمَلِهِ، يُشْبِهُ مَنْ يَضْرِبُ السِّهَامَ فَيَجْرَحَ الكُلَّ. الأحْمَقُ الَّذِي يُكَرِّرُ تَصَرُّفَاتِهِ الحَمْقَاءَ، كَالكَلْبِ يَعُودُ إلَى قَيئِهِ. أرَأيْتَ رَجُلًا يَظُنُّ نَفْسَهُ حَكِيمًا، قَدْ يُصْبِحُ الأحْمَقُ حَكِيمًا أمَّا هَذَا فَلَا. الكَسْلَانُ يَقُولُ: «هُنَاكَ أسَدٌ فِي الطَّرِيقِ، إنَّهُ فِي الشَّوَارِعِ،» فَلَا يَفْعَلُ شَيئًا. الكَسلَانُ يَتَحَرَّكُ عَلَى سَرِيرِهِ كّمَا يَتَحَرَّكُ البَابُ عَلَى مَفَاصِلِهِ. الكَسلَانُ يَضَعُ يَدَهُ فِي الطَّبَقِ وَلَا يُعِيدُهَا إلَى فَمِهِ. الكَسلَانُ يَظُنُّ نَفْسَهُ أذكَى مِنْ سَبعَةٍ يُجِيبُونَ بِحِكمَةٍ. الَّذِي يَتَدَخَّلُ فِي شِجَارٍ لَا يَخُصُّهُ، كَمَنْ يُمْسِكُ بِأُذُنَي كَلبٍ عَابِرٍ ضَالٍّ. المَجنُونُ الَّذِي يَرْمِي سِهَامًا مُشتَعِلَةً وَقَاتِلَةً، يُشْبِهُ الَّذِي يَخْدَعُ جَارَهُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: «كُنْتُ أمْزَحُ!» بِدُونِ حَطَبٍ تَنْطَفِئُ النَّارُ، وَبِدُونِ النَّمَّامِ تَهْدَأُ المَشَاكِلُ وَالخُصُومَاتُ. الفَحمُ يُستَخْدَمُ لِلجَمرِ، وَالحَطَبُ يُستَخْدَمُ لِلنَّارِ، وَمُثِيرُ المَشَاكِلِ يُشعِلُ النِّزَاعَ. كَلَامُ النَّمَّامِ يُشْبِهُ الطَّعَامَ اللَّذِيذَ الَّذِي يَنْزِلُ إلَى المَعِدَةِ. الكَلَامُ الحُلْوُ الَّذِي يُخْفِي قَلْبًا شِرِّيرًا، يُشْبِهُ طِلَاءً مِنَ الفِضَّةِ عَلَى قِطْعَةِ فَخَّارٍ. يُرَائِي العَدُوُّ عِنْدَمَا يَتَكَلَّمُ، بَيْنَمَا يُخْفِي خِدَاعًا فِي دَاخِلِهِ. فَإذَا تَكَلَّمَ بِلُطفٍ فَلَا تُصَدِّقْهُ، لِأنَّ فِي قَلْبِهِ الكَثِيرَ مِنَ الشَّرِّ. فَهُوَ يُخفِي الكُرْهَ بِالخِدَاعِ، وَلَكِنَّ أمرَهُ سَيُفتَضَحُ بَيْنَ النَّاسِ. مَنْ يَحْفُرُ حُفرَةً لِغَيرِهِ يَقَعُ فِيهَا. وَمَنْ يُدَحرِجُ حَجَرًا عَلَى غَيرِهِ يَرْجِعُ الحَجَرُ عَلَيْهِ. اللِّسَانُ الكَاذِبُ يَكْرَهُ مَنْ يَتَسَبَّبُ بِأذِيَّتِهِمْ. وَالفَمُ المُجَامِلُ يَتَسَبَّبُ بِالخَرَابِ. لَا تَتَفَاخَرْ بِالغَدِ، لِأنَّكَ لَا تَعْلَمُ مَا الَّذِي يَأْتِي بِهِ الغَدُ. دَعِ الآخَرِينَ يَمْدَحُونَكَ، وَلَا تَمْتَدِحْ أنْتَ نَفْسَكَ. الصَّخرُ ثَقِيلٌ وَالرَّملُ ثَقِيلٌ، وَلَكِنَّ غَضَبَ الأحمَقِ أثقَلُ مِنَ الصَّخرِ وَالرَّملِ مَعًا. الغَضَبُ قَاسٍ وَالغَيظُ كَالطَّوَفَانِ، وَلَكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَقِفَ أمَامَ الغَيْرَةِ. التَّوبِيخُ الصَّرِيحُ أفْضَلُ مِنَ الحُبِّ المَخفِيِّ. الجُرُوحُ الَّتِي يُسَبِّبُهَا الصَّدِيقُ دَافِعُهَا الأمَانَةُ، أمَّا العَدُوُّ، فَحَتَّى قُبُلَاتُهُ مُزَيَّفَةٌ. الشَّبعَانُ يَدُوسُ العَسَلَ، وَلِلجَائِعِ كُلُّ مُرٍّ هُوَ حُلْوٌ. البَعِيدُ عَنْ وَطَنِهِ يُشْبِهُ العُصفُورَ البَعِيدَ عَنْ عُشِّهِ. كَلِمَاتُ الصَّديقِ المُخْلِصَةُ حُلْوَةٌ وَتُفَرِّحُ القَلْبَ كَالعُطُورِ الشَّذِيَّةِ. لَا تَتَخَلَّ عَنْ صَدِيقِكَ وَلَا عَنْ صَدِيقِ وَالِدِكَ، وَلَكِنْ لَا تَدْخُلْ بَيْتَ أخِيكَ إذَا كُنْتَ تُواجِهُ المَشَاكِلَ. وَالجَارُ القَرِيبُ أفْضَلُ مِنَ الأخِ البَعِيدِ. يَا بُنَيَّ، كُنْ حَكِيمًا فَيَفْرَحَ قَلْبِي، وَأرُدَّ عَلَى كُلِّ مَنْ يُعَيِّرُونَنِي. العَاقِلُ يَرَى المَشَاكِلَ فَيَخْتَبِئُ، أمَّا الجَاهِلُ فَيَدْخُلُ فِي المَشَاكِلِ وَيَنَالُ جَزَاءَهُ. خُذْ ثَوبَهُ وَارهِنْ مَا لَدَيهِ لِأنَّهُ كَفِلَ رَجُلًا غَرِيبًا وَامْرَأةً أجْنَبيَّةً. الَّذِي يُلقِي التَّحِيَّةَ صَبَاحًا بِصَوْتٍ مُزعِجٍ تُحْسَبُ تَحِيَّتُهُ لَعنَةً. الزَّوجَةُ الَّتِي تُثِيرُ النِّزَاعِ، تُشبِهُ نَقَرَاتِ المَاءِ المُتَسَرِّبِ فِي يَوْمٍ مُمطِرٍ. وَمَنْ يُحَاوِلُ أنْ يُوقِفَهَا يَكُونُ كَمَنْ يُحَاوِلُ أنْ يُوقِفَ الرِّيحَ، أوْ كَمَنْ يُمْسِكُ زَيْتًا بِيَدٍ وَاحِدَةٍ. الحَدِيدُ يَصْقُلُ الحَدِيدَ، وَالإنْسَانُ يُعَلِّمُ الإنْسَانَ وَيُهَذِّبُهُ. مَنْ يَعْتَنِي بِشَجَرَةِ تِينٍ يَأْكُلُ ثَمَرَهَا، أيْضًا مَنْ يَعْتَنِي بِسَيِّدِهِ يُكَرَّمُ. المَاءُ يَعْكِسُ وَجْهَ الإنْسَانِ، وَكَذَلِكَ القَلْبُ يُظْهِرُ حَالَةَ الإنْسَانِ وَطَبِيعَتَهُ. الهَاوِيَةُ وَمَوْضِعُ الهَلَاكِ لَا يَكْتَفِيَانِ، وَكَذَلِكَ عَينَا الإنْسَانِ لَا تَشْبَعَانِ. النَّارُ تَمْتَحِنُ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ، كَمَا أنَّ المَدِيحَ يَمْتَحِنُ الإنْسَانَ. حَتَّى لَوْ طَحَنْتَ الأحمَقَ بِمِدَقَّةٍ، فَلَنْ يُفَارِقَهُ غَبَاؤهُ! اهتَمَّ بِحَالَةِ قَطِيعِكَ، وَارعَ غَنَمَكَ بِأفْضَلِ مَا تَسْتَطِيعُ، لِأنَّ الغِنَى لَا يَدُومُ وَكَذَلِكَ التَّاجُ لَا يَدُومُ إلَى الأبَدِ. عِنْدَمَا يَزُولُ العُشْبُ، وَيَنْمُو غَيرُهُ، وَيُجمَعُ القَشُّ مِنَ الجِبَالِ، عِنْدَهَا يَكُونُ لَدَيْكَ خِرَافٌ تَلْبَسُ صُوفَهَا، وَتُيوُسٌ تَبِيعُهَا وَتَشْتَرِي حَقْلًا، وَمَاعِزٌ يَكْفِي حَلِيبُهَا طَعَامًا لَكَ وَلِبَيْتِكَ وَلِخَدَمِكَ. يَهْرُبُ الشِّرِّيرُ وَلَيْسَ مَنْ يُطَارِدُهُ، أمَّا البَارُّ فَشُجَاعٌ كَالأسَدِ. الشَّعْبُ المُتَمَرِّدُ يَحْكُمُهُ كَثِيرُونَ، أمَّا الحَاكِمُ الفَطِنُ فَيُحَافِظُ عَلَى استِقْرَارِ بَلَدِهِ. الفَقِيرُ الَّذِي يَظْلِمُ الفُقَرَاءَ يُشْبِهُ المَطَرَ الجَارِفَ الَّذِي لَا يُبقِي خَلْفَهُ شَيْئًا. الَّذِينَ لَا يَخْضَعُونَ لِلقَوَانِينِ يُدَافِعُونَ عَنِ الشَّرِّ، أمَّا الَّذِينَ يَخْضَعُونَ لِلقَوَانِينِ فَيُقَاوِمُونَ الشَّرَّ. الأشرَارُ لَا يَفْهَمُونَ العَدْلَ، أمَّا الَّذِينَ يتْبَعُونَ اللهَ فَيَفْهَمُونَهُ تَمَامًا. الفَقِيرُ الَّذِي يَسْلُكُ بِاسْتِقَامَةٍ، أفْضَلُ مِنْ غَنِيٍّ يَسْلُكُ بِاحْتِيَالٍ. مَنْ يَخْضَعُ لِلقَوَانِينِ هُوَ ابنٌ حَكِيمٌ، أمَّا صَدِيقُ المُنحَلِّينَ فَيُخزِي أبَاهُ. مَنْ يَزِيدُ ثَروَتَهُ عَنْ طَرِيقِ الرِّبَا، سَتُعْطَى ثَروَتُهُ لِآخَرَ يَكُونُ طَيِّبًا مَعَ الفُقَرَاءِ. مَنْ يَرْفُضُ الخُضُوعَ لِلشَّرِيعَةِ وَالتَّعلِيمِ، فَحَتَّى صَلَاتُهُ مَكرُوهَةٌ. مَنْ يُضِلُّ البَارَّ لِيَسْلُكَ فِي طَرِيقِ الشَّرِّ سَيَسْقُطُ هُوَ فِي شَرِّ أعْمَالِهِ، أمَّا النَّزِيهُ فَيَنَالُ خَيْرًا. الرَّجُلُ الغَنِيُّ حَكِيمٌ فِي نَظَرِ نَفْسِهِ، أمَّا الرَّجُلُ الفَقِيرُ الفَهِيمُ فَيَرى الحَقِيقَةَ. عِنْدَمَا يَفْرَحُ الأبْرَارُ فَهَذَا فَخرٌ عَظِيمٌ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَأْتِي الأشرَارُ يَخْتَبِئُ جَمِيعُ النَّاسِ. مَنْ يُخفي خَطَايَاهُ لَا يَنْجَحُ، أمَّا مَنْ يَعْتَرِفُ بِهَا وَيَتَخَلَّى عَنْهَا فَسَيَجِدُ رَحْمَةً. مُبَارَكٌ الإنْسَانُ الَّذِي يَحْفَظُ اعتِبَارَ الآخَرِينَ، أمَّا عَنِيدُ القَلْبِ فَيُواجِهُ المَشَاكِلَ. الإنْسَانُ الشِّرِّيرُ الَّذِي يَحْكُمُ شَعْبًا فَقِيرًا وَضَعِيفًا يُشْبِهُ الأسَدَ الزَّائِرَ أوَالدُّبَّ الشَّرِسَ. الحَاكِمُ الَّذِي يَحْكُمُ بِدُونِ فَهْمٍ هُوَ ظَالِمٌ، أمَّا الَّذِي يَكْرَهُ النَّهبَ فَسَيَحْكُمُ لِوَقْتٍ طَوِيلٍ. المُثقَلُ بِذَنبِ جَرِيمَةِ قَتلٍ سَيَعِيشُ هَارِبًا حَتَّى المَوْتِ، وَلَا يَنْبَغِي أنْ يُعِينَهُ أحَدٌ. مَنْ يَسْلُكُ بِأمَانَةٍ سَيَحيَا آمِنًا، أمَّا المُحتَالُ فِي أسَالِيبِهِ فَسَيَسْقُطُ فَجْأةً. الَّذِي يَعْمَلُ فِي حَقلِهِ سَيَحْصُدُ الكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ، أمَّا الَّذِي يَتْبَعُ الأحْلَامَ، فَسَيَجْنِي الفَقْرَ. الإنْسَانُ الأمِينُ الجَدِيرُ بِالثِّقَةِ يُبَارَكُ كَثِيرًا، أمَّا الَّذِي يَبْحَثُ عَنِ الغِنَى السَّرِيعِ فَلَنْ يُفلِتَ مِنَ العِقَابِ. التَّحَيُّزُ فِي الحُكْمِ لَيْسَ حَسَنًا، وَقَدْ يُخطِئُ إنْسَانٌ مِنْ أجْلِ كِسرَةِ خُبْزٍ. البَخِيلُ يَبْحَثُ عَنِ الغِنَى السَّرِيعِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُدْرِكُ أنَّهُ سَيَجِدُ الفَقرَ. مَنْ يُوَبِّخُ إنْسَانًا سَيَحْظَى بِرِضَاهُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، أكْثَرَ مِنَ الَّذِي يَمْدَحُهُ مَدِيحًا كَاذِبًا. الَّذِي يَسْرِقُ أبَاهُ وَأُمَّهُ ثُمَّ يَقُولُ: «هَذِهِ لَيْسَتْ خَطِيَّةً!» فَهُوَ أشبَهُ بِالمُخَرِّبِ! الجَشِعُ يُثِيرُ الخِصَامَ، أمَّا الَّذِي يَثِقُ فِي اللهِ فَسَيُلَاقِي النَّجَاحَ. الأحْمَقُ هُوَ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى نَفْسِهِ، أمَّا الَّذِي تَقُودُهُ الحِكْمَةَ فَسَيَحيَا آمِنًا. الَّذِي يُعْطِي الفُقَرَاءَ لَنْ يَصِيرَ فَقِيرًا، أمَّا الَّذِي يُغلِقُ عَيْنَيْهِ عَنْهُمْ فَسَيَكْثُرُ لَاعِنُوهُ. عِنْدَمَا يَحْكُمُ الأشرَارُ يَخْتَبِئُ النَّاسُ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَسْقُطُ الأشرَارُ فَإنَّ الأبْرَارَ يَزْدَادُونَ. الَّذِي يُصِرُّ عَلَى عِنَادِهِ عَلَى الرُّغمِ مِنْ كَثرَةِ التَّوبِيخِ، سَيَهْلِكُ مِنْ دُونِ أمَلٍ بِالإنْقَاذِ. يَفْرَحُ النَّاسُ عِنْدَمَا يَزْدَادُ الأبْرَارُ، وَلَكِنَّهُمْ يَنُوحُونَ وَيَئِنُّونَ إذَا حَكَمَهُمُ الأشرَارُ. مَنْ يُحِبُّ الحِكْمَةَ يُسعِدُ أبَاهُ، أمَّا مَنْ يُرَافِقُ الزَّانِيَاتِ فَسَيَخْسَرُ ثَروَتَهُ. المَلِكُ الَّذِي يَحْكُمُ بِالعَدْلِ يُثَبِّتُ دَولَتَهُ، أمَّا المَلِكُ الَّذِي يُحِبُّ الهَدَايَا فَسَيُدَمَّرُهَا. مَنْ يَتَمَلَّقُ صَدِيقَهُ فَإنَّهُ يَنْصِبُ لِقَدَمِيهِ فَخًّا. الشِّرِّيرُ سَيَقَعُ فِي فَخِّ خَطِيَّتِهِ، أمَّا البَارُّ فَسَيُغَنِّي فَرِحًا. الرَّجُلُ العَادِلُ يَهْتَمُّ بِقَضِيَّةِ الفَقِيرِ، أمَّا الشِّرِّيرُ فَلَا يَهْتَمُّ. المُسْتَهْزِئُونَ يُشعِلُونَ المَشَاكِلَ فِي المَدِينَةِ، أمَّا الحُكَمَاءُ فَيُهَدِّئُونَ الغَضَبَ. إذَا دَخَلَ حَكِيمٌ فِي مُحَاكَمَةٍ مَعَ حَمقَى، يَكُونُ هُنَاكَ صَخَبٌ وَاستِهزَاءٌ، وَلَا تُحَلَّ المُشكِلَةُ. الَّذِينَ يَسْفُكُونَ الدِّمَاءَ يَكْرَهُونَ الأبْرَارَ، وَيُرِيدُونَ أنْ يَقْتُلُوا المُسْتَقِيمِينَ. الأحْمَقُ يُظهِرُ كُلَّ غَضَبِهِ، أمَّا الحَكِيمُ فَيَضْبُطُ نَفْسَهُ. الحَاكِمُ الَّذِي يُصغِي إلَى الأكَاذِيبِ، يَصِيرُ كُلُّ وُزَرَائِهِ أشْرَارًا. الفَقِيرُ وَالظَّالِمُ مُتَشَابِهَانِ، فَاللهُ خَلَقَ كِلَيهِمَا. إذَا حَكَمَ المَلِكُ لِلفَقِيرِ بِالعَدْلِ فَإنَّ حُكمَهُ سَيَثْبُتُ. العَصَا وَالتَّوبِيخُ تُعطِيَانِ حِكْمَةً، أمَّا الوَلَدُ المَترُوكُ لِيَفْعَلَ مَا يَشَاءُ فَسَيَجْلِبُ الخِزْيَ لِأُمِّهِ. إذَا ازْدَادَ الأشرَارُ ازدَادَ الإثمُ، وَالأبْرَارُ سَيَرَوْنَ سُقُوطَ الأشْرَارِ. أدِّبِ ابنَكَ فَيُرِيحَكَ وَيُبهِجُ قَلْبَكَ. بِلَا رُؤْيَا مِنَ اللهِ يَجْمَحُ الشَّعْبَ، وَهَنيئًا لِمَنْ يَحْفَظُ تَعْلِيمَ الشَّرِيعَةِ. الخَادِمُ لَا يُوَبَّخُ بِالْكَلَامِ وَحْدَهُ فَقَطْ، لِأنَّهُ يَسْمَعُ وَيَفْهَمُ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَجِيبُ. هَلْ رَأيْتَ إنْسَانًا مُتَسَرِّعًا فِي كَلَامِهِ؟ فَاعلَمْ أنَّهُ يُوجَدُ أمَلٌ فِي الأحمَقِ أكْثَرُ مِنْهُ. إذَا دَلَّلَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ سَيُصبِحُ عَنِيدًا عِنْدَمَا يَكْبُرُ. الغَضُوبُ يُثِيرُ المِشَاكِلَ، وَالعَصَبِيُّ يَقْتَرِفُ الكَثِيرَ مِنَ الخَطَايَا. الكِبرِيَاءُ تُقَلِّلُ مِنْ شَأنِ الإنْسَانِ، أمَّا المُتَوَاضِعُ فَيَحْصُلُ عَلَى الكَرَامَةِ. شَرِيكُ اللِّصِّ يَكْرَهُ حَيَاتَهُ، فَهُوَ يُحَلَّفُ بِأنْ يَقُولَ الصِّدْقَ وَلَا يُجِيبُ بِشَيءٍ. خَوفُ الإنْسَانِ سَيُوقِعُهُ فِي الفَخِّ، أمَّا مَنْ يَثِقُ بِاللهِ فَسَيَكُونُ فِي أمَانٍ. كَثِيرُونَ يَطْلُبُونَ رِضَى الحُكَّامِ، وَلَكِنَّ العَدْلَ مِنْ عِندِ اللهِ . البَارُّ يَسْتَقْبِحُ الظَّالِمَ، وَالشِّرِّيرُ يَسْتَقْبِحُ المُسْتَقِيمَ. هَذِهِ أقْوَالُ أجُورَ بْنِ يَاقَةَ مِنْ أهْلِ مَسَّا. يَقُولُ هَذَا الرَّجُلِ: «أنَا مُتعَبٌ مُتعَبٌ يَا اللهُ، كَيْفَ أستَمِرُّ؟» أنَا أبلَدُ البَشَرِ، وَلَيْسَ لِي فَهْمُ الإنْسَانِ. لَمْ أتَعَلَّمْ الحِكْمَةَ، وَلَمْ أعرِفْ شَيْئًا عَنِ القُدُّوسِ. مَنِ الَّذِي صَعِدَ إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ نَزَلَ؟ مَنِ الَّذِي جَمَعَ الرِّيَاحَ فِي يَدِهِ؟ مَنِ الَّذِي جَمَعَ المِيَاهَ فِي ثَوبِهِ؟ مَنِ الَّذِي أسَّسَ أقَاصِي الأرْضَ؟ مَا اسْمُهُ وَمَا اسْمُ ابنِهِ؟ أخبِرُونِي إنْ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ. كُلُّ كَلَامِ اللهِ نَقِيٌ وَكَامِلٌ، وَهُوَ دِرعٌ لِلَّذِينَ يَحْتَمُونَ بِهِ. لَا تُضِفْ شَيْئًا إلَى كَلَامِهِ، وَإلَّا سَيُوَبِّخُكَ وَتَكُونُ كَاذِبًا. أطلُبُ مِنْكَ أمْرَينِ قَبْلَ أنْ أمُوتَ: أبعِدْ عَنِّي الكَذِبَ. وَلَا تَجْعَلْنِي غَنِيًّا جِدًّا وَلَا فَقِيرًا جِدًّا، بَلْ أعْطِنِي كِفَايَتِي مِنَ الطَّعَامِ. لِئَلَّا أشبَعَ كَثِيرًا فَأقُولَ: «مَنْ هُوَ اللهُ ؟» أوْ أُصبِحَ فَقِيرًا فَأسْرِقَ وَأُسِيئَ إلَى اسْمِ إلَهِي. لَا تَشْتَكِ عَلَى عَبدٍ لِسَيِّدِهِ، لِئَلَّا يَلْعَنَكَ وَتَتَحَمَّلَ الذَّنْبَ. بَعْضُ النَّاسِ يَلْعَنُونَ الآبَاءَ وَلَا يُبَارِكُونَ الأُمَّهَاتِ. بَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّونَ أنْفُسَهُمْ أنقِيَاءَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُزِيلُوا الشَّرَّ مِنْ دَاخِلِهِمْ. بَعْضُ النَّاسِ مُتَعَالُونَ وَيَنْظُرُونَ إلَى الآخَرِينَ بِازدِرَاءٍ. بَعْضُ النَّاسِ أسنَانُهُمْ مِثْلُ السُّيُوفِ، وَأضرَاسُهُمْ مِثْلُ السَّكَاكِينِ، فَيُبِيدُونَ الفُقَرَاءَ مِنَ الأرْضِ، وَالمسَاكِينَ مِنْ بَيْنِ البَشَرِ. طَمَعُ النَّاسِ كَعَلَقَةٍ لَهَا بِنتَانِ تَقُولَانِ: «أعْطِنِي، أعْطِنِي.» هُنَاكَ ثَلَاثَةُ أشْيَاءَ لَا تَشْبَعُ، وَالرَّابِعَةُ لَا تَقُولُ: «يَكْفِي.» الهَاوِيَةُ، المَرْأةُ الَّتِي لَا تُنجِبُ، الأرْضُ الَّتِي لَا تَرْتَوِي مِنَ المَاءِ، وَالنَّارُ الَّتِي لَا تَقُولُ: «يَكْفِي.» الإنْسَانُ الَّذِي يَسْتَهْزِئُ بِأبِيهِ وَيَحْتَقِرُ أُمَّهُ، سَتَنْقُرُ غُرْبَانُ الوَادِي عَينَهُ، وَسَتَأْكُلُهُ النُّسُورُ. هُنَاكَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ تُدهِشُنِي وَالرَّابِعُ لَا أفهَمُهُ: طَيَرَانُ النَّسرِ فِي السَّمَاءِ، زَحْفُ الأفعَى بَيْنَ الصُّخُورِ، سَيرُ السَّفِينَةِ فِي البَحْرِ، وَالرَّجُل الَّذِي يُحِبُّ فَتَاةً. الزَّانِيَةُ تَأْكُلُ ثُمَّ تَمْسَحُ فَمَهَا وَتَقُولُ: «أنَا لَمْ أفعَلْ شَيْئًا.» أرْبَعَةُ أُمُورٍ لَا تستَطِيعُ الأرْضُ احتِمَالَهَا: أنْ يُصبِحَ العَبْدُ مَلِكًا، أنْ يَشْبَعَ الأحْمَقُ، أنْ تَتَزَوَّجَ المَرْأةُ المَكرُوهَةُ، وَأنْ تَأْخُذَ الخَادِمَةُ مَكَانَ سَيِّدَتِهَا. أرْبَعَةُ أشْيَاءَ صَغِيرَةٍ فِي كُلِّ الأرْضِ وَلَكِنَّهَا الأكثَرُ حِكْمَةً: النَّملُ يُشَكِّلُ جَمَاعَةً لَيْسَ فِيهَا قُوَّةٌ، وَلَكِنَّهَا تَجْمَعُ طَعَامَهَا فِي الصَّيفِ. الوِبَارُ الَّتِي تُشَكِّلُ جَمَاعَةً لَيْسَ فِيهَا قُوَّةٌ، وَلَكِنَّهَا تَجْعَلُ بَيتَهَا فِي الصَّخرِ. الجَرَادُ لَيْسَ لَهُ قَائِدٌ، وَلَكِنَّهُ يَسْلُكُ بِشَكلٍ مُنَظَّمٍ. وَالسِّحلِيَّةُ الَّتِي تُمسَكُ بِاليَدِ، وَلَكِنَّهَا تَعِيشُ فِي قُصُورِ المُلُوكِ. ثَلَاثَةُ أشْيَاءَ عَظِيمَةٍ حِينَ تَمْشِي، وَالرَّابِعُ مُهِيبٌ فِي مَسِيرِهِ: الأسَدُ أعْظَمُ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ، وَهُوَ لَا يَخَافُ أحَدًا. الدِّيكُ المُتَبَاهِي، التَّيسُ، وَالمَلِكُ وَسَطَ جَيْشِهِ. إنْ جَعَلَكَ غَبَاؤُكَ تَتَرَفَّعُ وَتَتَبَاهَى أوْ تُخَطِّطُ لِلشَرِّ، فَخَفْ مِنَ النَّتَائِجِ وَاخجَلْ مِنْ نَفْسِكَ. لِأنَّ خَضَّ الحَلِيبِ يُنْتِجُ زُبدَةً، وَعَصرَ الأنفِ يُنْتِجُ دَمًا، وَكَذَلِكَ فإنَّ إثَارَةَ الغَضَبِ تُسَبِّبُ المَشَاكِلَ. هَذِهِ أقْوَالُ المَلِكِ لَمُوئِيلَ، مَلِكِ مَسَّا، وَهِيَ أقْوَالٌ عَلَّمَتْهُ إيَّاهَا أُمُّهُ. لَا يَا بُنَيَّ، لَا يَا ابْنَ أحشَائِي، لَا يَا ابْنَ نُذُورِي. لَا تُبَدِّدْ قُوَّتَكَ عَلَى النِّسَاءِ، لَا تُعطِ مَجَالًا لِمَنْ يُدَمِّرْنَ مُلُوكًا. لَيْسَ جَيِّدًا يَا لَمُوئِيلُ، لِلمُلُوكِ وَالحُكَّامِ أنْ يَشْرَبُوا الخَمْرَ وَالمُسْكِرَاتِ. وَإلَّا فَإنَّهُ سَيَشْرَبُ وَيَنْسَى القَوَانِينَ، وَيَسْلِبُ الفُقَرَاءَ حُقُوقَهُمْ. أعْطِ الخَمْرَ لِلهَالِكِينَ، وَلِلَّذِينَ فِي مَرَارَةِ التَّعَاسَةِ. يَشْرَبُونَ لَعَلَّهُمْ يَنْسَوْنَ شَقَائَهُمْ، وَلَا يَتَذَكَّرُونَ تَعَاسَتَهُمْ. دَافِعْ عَمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الدِّفَاعَ عَنْ أنْفُسِهِمْ، وَعَنْ حُقُوقِ جَمِيعِ العَاجِزِيِنَ. تَكَلَّمْ وَاحكُمْ بِالعَدْلِ، وَدَافِعْ عَنْ حُقُوقِ الفُقَرَاءِ وَالمسَاكِينِ. مَنْ يَجِدُ الزَّوجَةَ الصَّالِحَةَ؟ فَهِيَ أثمَنُ مِنَ الأحْجَارِ الكَرِيمَةِ. قَلْبُ زَوْجِهَا يَثِقُ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُهُ الخَيْرُ أبَدًا. تُعطِيهِ الخَيْرَ وَلَا تُسَبِّبُ لَهُ المَشَاكِلَ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِهَا. وَهِيَ تَجْمَعُ الصُّوفَ وَالكِتَّانَ وَتَسْتَمْتِعُ بِالعَمَلِ بِيَدَيهَا. وَهِيَ تُشبِهُ السُّفُنَ التِّجَارِيَّةَ الَّتِي تُحضِرُ الطَّعَامَ مِنْ أمَاكِنَ بَعِيدَةٍ. تَسْتَيْقِظُ مُبَكِّرَةً لِتُجَهِّزَ الطَّعَامَ لِعَائِلَتِهَا، وَتُعْطِي خَادِمَاتِهَا حِصَصَهُنَّ. تَرَى حَقلًا يُعجِبُهَا فَتَشْتَرِيهِ، وَتَزْرَعُ كَرْمًا مِمَّا تَرْبَحُهُ. تَبْدَأُ عَمَلَهَا بِنَشَاطٍ وَجِدٍّ وَيَدَاهَا قَوِيَّتَانِ. تَعْلَمُ أنَّ تِجَارَتَهَا مُربِحَةٌ، لِأنَّهَا تَعْمَلُ حَتَّى وَقْتٍ مُتَأخِّرٍ. تَغْزِلُ الخَيُوطَ بِيَدَيهَا، وَتَنْسِجُ الثِّيَابَ. تُعطِي بِسَخَاءٍ لِلفُقَرَاءَ، وَتَمُدُّ يَدَيهَا لِمَعُونَةِ المُحتَاجِينَ. لَا تَخَافُ عَلَى أهْلِ بَيْتِهَا فِي الشِّتَاءِ عِنْدَ سُقُوطِ الثَّلجِ، لِأنَّ أهْلَ بَيْتِهَا يَلبَسُونَ ثِيَابًا دَافِئَةً. تَصْنَع لِنَفْسِهَا أغطيةً مُزَخْرَفَةً، وَتَلْبَسُ ثِيَابًا مَصْنُوعَةً مِنَ الكِتَّانِ وَالأُرْجُوانِ. يُحتَرَمُ زَوْجُهَا عِنْدَ الأبْوَابِ، حَيْثُ يَجْلِسُ مَعَ قَادَةِ المَدِينَةِ. تَصْنَعُ ثِيَابًا وَأحْزِمَةً وَتَبِيعُهَا لِلتُّجَّارِ. يَمْتَدِحُهَا النَّاسُ وَيَحْتَرِمُونَهَا، وَلَا تَقْلَقُ عَلَى الأيَّامِ القَادِمَةِ. تَتَكلَّمُ بِالحِكْمَةِ، وَتَنْطِقُ بِتَعْلِيمٍ أمِينٍ مَلِيءٍ بِالمَحَبَّةِ وَاللُّطْفِ وَالأمَانَةِ. تُرَاقِبُ شُؤونَ بَيْتِهَا، وَلَا تَأْكُلُ طَعَامًا لَمْ تَتْعَبْ فِي إعدَادِهِ. يَقُومُ أوْلَادُهَا وَيُهَنِّئونَهَا، وَزَوْجُهَا يَمْتَدِحُهَا. كَثِيرَاتٌ يَعْمَلْنَ أعْمَالًا عَظِيمَةً، وَلَكِنَّكِ تَفَوَّقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا. يُمْكِنُ لِلجَمَالِ وَالحَلَاوَةِ أنْ يَخْدَعَاكَ، وَلَكِنَّ المَرْأةَ التِي تَخَافُ اللهَ هِيَ التِي تُمْدَحُ. كَافِئُوهَا عَلَى مَا عَمِلَتْ، فَأعْمَالُهَا تَمْدَحُهَا وَسَطَ النَّاسِ. هَذِهِ هِيَ كَلِمَاتُ المُعَلِّمِ، ابْنِ دَاوُدَ وَمَلِكِ القُدْسِ: كُلُّ شَيءٍ زَائِلٌ وَفَارِغٌ، يَقُولُ المُعَلِّمُ، كُلُّ شَيءٍ زَائِلٌ وَفَارِغٌ. الكُلُّ زَائلٌ! يَتْعَبُ الإنْسَانُ كَثِيرًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَمَاذَا يَكْسِبُ مِنْ وَرَاءِ تَعَبِهِ كُلِّهِ؟ أُنَاسٌ يَمُوتُونَ وَأُنَاسٌ يُولَدُونَ، وَالأرْضُ تَبْقَى بَعدَهُمْ. تَسْتَيْقِظُ الشَّمْسُ فِي الصَّبَاحِ، وَتَنَامُ فِي المَسَاءِ. ثُمَّ تُعَجِّلُ بِالِاسْتِيقَاظِ مِنْ جَدِيدٍ فِي المَكَانِ نَفْسِهِ. تَهُبُّ الرِّيحُ جَنُوبًا، ثُمَّ تَهِبُّ شِمَالًا. تَدُورُ وَتَدُورُ، ثُمَّ تَنْعَطِفُ لِتَعُودَ إلَى مَكَانِهَا الَّذِي انْطَلَقتْ مِنْهُ. تَجْرِي الأنهَارُ كُلُّهَا إلَى البَحْرِ، لَكِنَّ مَاءَ البَحْرِ لَا يَزِيدُ. فَمِيَاهُ الأنهَارِ تعُودُ إلَى المَكَانِ الَّذِي جَرَتْ مِنْهُ. تَعْجَزُ الكَلِمَاتُ عَنِ الوَصْفِ، لَكِنْ يَظَلُّ النَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ. فَالكَلَامُ كَثِيرٌ، لَكِنَّ آذَانَنَا لَا تَمْتَلِئُ. وَنَرَى الكَثِيرَ، لَكِنَّ عُيُونَنَا لَا تَكْتَفِي. مَا سَيَكُونُ هُوَ مَا كَانَ مُنْذُ القِدَمِ. وَمَا سَيَفْعَلُهُ البَشَرُ هُوَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ. لَمْ يَطْرَأ جَدِيدٌ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. قَدْ يَقُولُ أحَدُهُمْ: «هَذَا شَيءٌ جَدِيدٌ!» لَكِنْ لَدَى فَحْصِهِ، نُدرِكُ أنَّهُ لَيْسَ جَدِيدًا. وَنُدرِكُ أنَّ كُلَّ الَّذِينَ سَبَقُونَا اختَبَرُوهُ. لَا أحَدَ يَتَذَّكَرُ الَّذِينَ عَاشُوا قَدِيمًا وَرَحَلُوا. وَالَّذِينَ سَيأتُونَ، سَينسَاهُمُ الآتُونَ بَعدَهُمْ. كُنْتُ، أنَا المُعَلِّمَ، مَلِكًا فِي القُدْسِ عَلَى إسْرَائِيلَ. وَنَوَيتُ فِي قَلْبِي أنْ أبحَثَ وَأدرُسَ. أنْ أُوَظِّفَ حِكمَتِي فِي تَعَلُّمِ كُلِّ شَيءٍ فِي هَذَا العَالَمِ. فَوَجَدْتُ أنَّ اللهَ خَلَقَ البَشَرَ لِكَي يَشْقَوْا فِي الحَيَاةِ. تَأمَّلْتُ فِي كُلِّ مَا عَمِلَهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَوَجَدْتُ أنَّهُ زَائِلٌ وَكَمُطَارَدَةِ الرِّيحِ. عَبَثًا نُحَاوِلُ إصلَاحَ مَا هُوَ أعوَجُ. وَعَبَثًا نُحَاوِلُ أنْ نُحْصِيَ مَا هُوَ مَفقُودٌ. قُلْتُ لِنَفْسِي مَرَّةً: «أنَا حَكِيمٌ جِدًّا! بَلْ أنَا أحكَمُ مِنْ كُلِّ المُلُوكِ الَّذِينَ حَكَمُوا القُدْسَ قَبلِي! لَقَدْ حَصَلْتُ عَلَى المَعْرِفَةِ وَالحِكْمَةِ الحَقِيقِيَّتَيْنِ!» وَنَوَيتُ أنْ أعرِفَ كَيْفَ أنَّ الحِكْمَةَ وَالمَعْرِفَةَ أفْضَلُ مِنَ الجَهلِ وَالحُمْقِ، فَخَلُصْتُ إلَى أنَّ هَذَا أيْضًا زَائِلٌ وَكَمُطَارَدَةِ الرِّيحِ. فَمَعْ كَثْرَةِ الفَهْمِ تَأْتِي كَثْرَةُ الإحبَاطِ. وَكُلَّمَا زَادَ عِلْمُ الإنْسَانِ زَادَ حُزْنُهُ أيْضًا. وَقُلْتُ لِنَفْسِي: «لِمَ لَا أُجَرِّبُ اللَّذَّاتِ وَأتَمَتَّعُ بِالحَيَاةِ.» فَوَجَدْتُ أنَّ هَذَا أيْضًا فَارِغٌ. مِنَ الحُمقِ أنْ يَضْحَكَ الإنْسَانُ طَوَالَ الوَقْتِ. وَلَا فَائِدَةَ مِنَ التَّمَتُّعِ الدَّائِمِ بِالمَلَذَّاتِ. وَقَرَّرْتُ أنْ أُنعِشَ جَسَدِي بِالخَمْرِ بَيْنَمَا أملأُ قَلْبِي بِالحِكْمَةِ. جَرَّبْتُ الحَمَاقَةَ، لِأُحَقِّقَ أقْصَى قَدْرٍ مِنَ السَّعَادَةِ يُمْكِنُ أنْ يُحَقِّقَهُ إنْسَانٌ طَوَالَ حَيَاتِهِ فِي هَذَا العَالَمِ. ثُمَّ بَدَأتُ أعمَلُ أعْمَالًا عَظِيمَةً. فَبَنَيتُ بُيُوتًا. وَغَرَسْتُ كُرُومًا لِنَفْسِي. غَرَسْتُ بَسَاتِينَ، وَأنشَأتُ حَدَائِقَ. غَرَسْتُ كُلَّ أنْوَاعِ الشَّجَرِ المُثمِرِ. عَمِلْتُ بِرَكَ مَاءٍ لِنَفْسِي، وَسَقَيتُ مِنْهَا بَسَاتِينِي. اقتَنَيتُ عَبِيدًا وَجَوَارِي. وَصَارَ أبنَاؤُهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُمْ عَبِيدًا فِي بَيْتِي أيْضًا. مَلَكْتُ الكَثِيرَ. كَانَتْ لِي قُطعَانٌ مِنَ البَقَرِ وَالمَوَاشِي. فَامتَلَكْتُ أكْثَرَ مِنْ كُلِّ المُلُوكِ الَّذِينَ حَكَمُوا فِي القُدْسِ قَبلِي. كَوَّمْتُ فِضَّةً وَذَهَبًا لِنَفْسِي. وَمِنَ المُلُوكِ وَالشُّعُوبِ تَلَقَّيتُ كُنُوزًا وَهَدَايَا. وَكَانَتْ لَدَيَّ الجَوَارِي وَالمُغَنِّيَاتُ. وَتَمَتَّعْتُ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أنْ يَتَمَتَّعَ بِهِ مَلِكٌ. صِرْتُ عَظِيمًا وَتَفَوَّقْتُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ عَاشُوا فِي القُدْسِ قَبلِي. وَظَلَّتْ حِكمَتِي مَعِي لِتُعِينَنِي. كُلَّمَا اشْتَهَتْ عَيْنَايَ شَيْئًا، سَارَعْتُ إلَى الحُصُولِ عَلَيْهِ. وَلَمْ أبخَلْ عَلَى نَفْسِي بِكُلِّ مَا يُفرِحُهَا. فَكَانَتْ تِلْكَ السَّعَادَةُ ثَمَرَ كُلِّ تَعَبِي. ثُمَّ تَفَحَّصْتُ كُلَّ مَا عَمِلْتُهُ، وَالثَّروَةَ الَّتِي جَمَعْتُهَا، فَوَجَدْتُ أنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ زَائِلٌ وَكَمُطَارَدَةِ الرِّيحِ. وَمَا مِنْ فَائِدَةٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. فَقَرَّرْتُ أنْ أخُوضَ فِي مَعَانِي الحِكمَةِ وَالجُنُونِ وَالحَمَاقَةِ. فَمَاذَا يَقْدِرُ المَلِكُ الَّذِي يَحْكُمُ بَعْدَ أبِيهِ أنْ يَفْعَلَ؟ فَلَيْسَ مِنْ جَدِيدٍ يَفْعَلُهُ. ثُمَّ رَأيْتُ أنَّ الحِكْمَةَ أفْضَلُ مِنَ الحَمَاقَةِ، كَمَا أنَّ النُّورَ أفْضَلُ مِنَ الظُّلمَةِ. فَالحَكِيمُ عَينَاهُ يَقِظَتَانِ فِي رَأسِهِ، أمَّا الأحْمَقُ فَكَمَنْ يَمْشِي فِي العَتْمَةِ. لَكِنِّي أدرَكتُ أنَّ الأحْمَقَ وَالحَكِيمَ يَنْتَهِيَانِ إلَى مَصِيرٍ وَاحِدٍ. فَقُلْتُ لِنَفْسِي: «لَنْ يَخْتَلِفَ مَصِيرِي عَنْ مَصِيرِ الجَاهِلِ. فَلِمَاذَا أتعَبُ فِي السَّعِيِ إلَى الحِكْمَةِ؟» وَقُلْتُ لِنَفْسِي: «هَذَا أيْضًا زَائِلٌ. الِاثْنَانِ يَمُوتَانِ، الحَكِيمُ وَالأحْمَقُ! وَلَنْ يَذْكُرَ النَّاسُ أيًّا مِنْهُمَا إلَى الأبَدِ. سَرْعَانَ مَا سَيَنْسَى النَّاسُ كُلَّ مَا فَعَلَاهُ. وَهَكَذَا لَا فَرقَ بَيْنَ الحَكِيمِ وَالأحْمَقِ.» فَكَرِهْتُ الحَيَاةَ. أحْزَنَنِي جَمِيعُ مَا عَمِلَهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، لِأنَّهُ زَائِلٌ وَكَمُطَارَدَةِ الرِّيحِ. وَكَرَهتُ كُلَّ مَا أنجَزْتُهُ وَجَمَعْتُهُ نَتِيجَةَ تَعَبِي فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، إذْ رَأيْتُ أنَّنِي سَأتْرُكُ كُلَّ شَيءٍ لِمَنْ هُمْ بَعْدِي. سَيَأْتِي آخَرُونَ لِيَسْتَوْلُوا عَلَى كُلِّ مَا تَعِبْتُ فِيهِ وَخَطَّطَتُ لَهُ بِحِكْمَةٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. وَلَا أدرِي إنْ كَانُوا سَيكُونُونَ حُكَمَاءَ أمْ حَمْقَى. هَذَا أيْضًا فَارِغٌ. فَعُدَّتُ وَسَلَّمْتُ قَلْبِي لِليَأْسِ، وَنَدِمْتُ عَلَى كُلِّ جَهْدٍ بَذَلْتُهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. رُبَّمَا يَنْجَحُ إنْسَانٌ حِينَ يَسْتَخْدِمُ حِكمَتَهُ وَمَهَارَتَهُ. غَيْرَ أنَّهُ يَمُوتُ تَارِكًا كُلَّ ثِمَارِ تَعَبِهِ لِمَنْ لَمْ يَتْعَبُ فِيهَا. وَهَذَا أيْضًا مُحْزِنٌ وَفَارِغٌ. مَا الَّذِي يَجْنِيهِ الإنْسَانُ حَقًّا بَعْدَ كُلِّ تَعَبِهِ وَجِهَادِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؟ نَصِيبُهُ مِنَ الأيَّامِ أحزَانٌ وَإحْبَاطَاتٌ وَأعْمَالٌ شَاقَّةٌ. حَتَّى فِي اللَّيلِ يَظَلُّ القَلَقُ يُلَاحِقُهُ. هَذَا أيْضًا زَائِلٌ. ألَيْسَ أفْضَلُ لِلإنْسَانِ أنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَتَمَتَّعَ بِمَا يَنْبَغِيُ عَلَيْهِ عَمَلُهُ؟ فَهَذَا فَضلٌ مِنَ اللهِ. فَمَنْ قَطَفَ مِنْ مُتَعِ الحَيَاةِ وَمَلَذَّاتِهَا أكْثَرَ مِنِّي؟ إنْ فَعَلَ أحَدٌ صَلَاحًا وَأرْضَى اللهَ، حِينَئِذٍ، يُعطِيهِ اللهُ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً وَفَرَحًا. أمَّا الخَاطِئُ فَلَا يُعطِيهِ اللهُ إلَّا جَمْعَ الأشْيَاءِ وَتَكْوِيمَهَا. ثُمَّ يَأْخُذُهَا اللهُ مِنْهُ وَيُعْطِيهَا لِإنْسَانٍ يُرْضِيهِ. فَهَذَا كُلُّهُ زَائِلٌ وَكَمُطَارَدَةِ الرِّيحِ. هُنَاكَ وَقْتٌ لِكُلِّ شَيءٍ. وَلِكُلِّ شَيءٍ فِي هَذَا العَالَمِ وَقْتٌ مُنَاسِبٌ. وَقْتٌ لِلوِلَادَةِ، وَوَقْتٌ لِلمَوْتِ. وَقْتٌ لِلغَرسِ، وَوَقْتٌ لِلقَلعِ. وَقْتٌ لِلقَتلِ، وَوَقْتٌ لِلشِّفَاءِ. وَقْتٌ لِلهَدمِ، وَوَقْتٌ لِلبِنَاءِ. وَقْتٌ لِلبُكَاءِ، وَوَقْتٌ لِلضَّحِكِ. وَقْتٌ لِلحُزنِ، وَوَقْتٌ لِلرَقصِ. وَقْتٌ لِرَمِي الحِجَارَةِ، وَوَقْتٌ لِجَمعِهَا. وَقْتٌ لِلعِنَاقِ، وَوَقْتٌ لِلفِرَاقِ. وَقْتٌ لِلبَحْثِ، وَوَقْتٌ لِلتَّوَقُّفِ عَنِ البَحْثِ. وَقْتٌ لِحِفْظِ الأشْيَاءِ، وَوَقْتٌ لِلتَّخَلُّصِ مِنْهَا. وَقْتٌ لِتَمْزِيقِ الثِّيَابِ، وَوَقْتٌ لِتَخْيِيطِهَا. وَقْتٌ لِلصَّمْتِ، وَوَقْتٌ لِلتَّكَلُّمِ. وَقْتٌ لِلحُبِّ، وَوَقْتٌ لِلبُغضَةِ. وَقْتٌ لِلحَرْبِ، وَوَقْتٌ لِلسِّلمِ. هَلْ يَعُودُ كُلُّ تَعَبِ الإنْسَانِ عَلَيْهِ بِمَنفَعَةٍ حَقًّا؟ رَأيْتُ كُلَّ العَمَلِ الشَّاقِّ الَّذِي أعطَانَا إيَّاهُ اللهُ لِنَعمَلَهُ. أعطَانَا اللهُ قُدْرَةً عَلَى التَّفكِيرِ بِالحَيَاةِ، لَكِنَّ قُدرَتَنَا عَلَى فَهْمِ مِا يَعْمَلُهُ مَحْدُودَةٌ. غَيْرَ أنَّ اللهَ يَعْرِفُ كَيْفَ يُدِيرُ الحَيَاةَ. أدرَكْتُ أنَّ أفْضَلَ مَا يُمْكِنُ أنْ يَفْعَلَهُ النَّاسُ هُوَ أنْ يَفْرَحُوا وَيُمَتِّعُوا أنْفُسَهُمْ مَا دَامُوا أحيَاءً. وَعَرَفْتُ أنَّ القُدْرَةَ عَلَى الأكلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمتَاعِ بِالعَمَلِ هِيَ هِبَاتٌ مِنَ اللهِ. عَلِمْتُ أنَّ أيَّ شَيءٍ يَفْعَلُهُ اللهُ سَوفَ يَدُومُ إلَى الأبَدِ. مَا مِنْ أحَدٍ يَقْدِرُ أنْ يَزيدَ عَلَيْهِ، أوْ يُنْقِصَ مِنْهُ. فَعَلَ اللهُ هَذَا لِكَي يَهَابَهُ البَشَرُ. مَا حَدَثَ فِي المَاضِي قَدْ حَدَثَ. وَمَا سَيَحْدُثُ مُسْتَقْبَلًا سَيَحْدُثُ. وَاللهُ يُديرُ هَذَا العَالَمَ. وَرَأيْتُ أيْضًا هَذَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. نَظَرْتُ إلَى المَحَاكِمِ، حَيْثُ يَنْبَغِي أنْ يَسُودَ العَدلُ وَالإنصَافُ، فَرَأيْتُ الظُّلْمَ وَالشَّرَّ. فَقُلْتُ لِنَفْسِي: «جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ وَقْتًا. جَعَلَ وَقْتًا يَحْكُمُ فِيهِ عَلَى كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ. وَسَيَحْكُمُ عَلَى الأخيَارِ وَالأشْرَارِ.» فَكَّرْتُ فِي كُلِّ شُؤُونِ البَشَرِ. وَقُلْتُ لِنَفْسِي: «رُبَّمَا يُرِيدُ اللهُ أنْ يُرِيَ البَشَرَ أنَّهُمْ كَالحَيَوَانَاتِ. إذْ يَنْتَظِرُ البَشَرَ وَالحَيَوَانَاتِ المَصِيرُ نَفْسُهُ. فِي البَشَرِ وَالحَيَوَانَاتِ نَسَمَةُ الحَيَاةِ نَفَسُهَا. وَهَلْ يَخْتَلِفُ حَيَوَانٌ مَيِّتٌ عَنْ إنْسَانٍ مَيِّتٍ؟ هَذَا كُلُّهُ زَائِلٌ! تَؤُولُ جَمِيعُهَا إلَى المَكَانِ نَفْسِهِ. هِيَ مِنَ التُّرَابِ، وَإلَى التُّرَابِ تَعُودُ. وَمَنْ يَدْرِي إنْ كَانَتْ رُوحُ الإنْسَانِ تَصْعَدُ إلَى اللهِ، بَيْنَمَا تَنْزِلُ رُوحُ البَهِيمَةِ وَتَنْحَدِرُ تَحْتَ الأرْضِ؟» فَرَأيْتُ أنَّ أفْضَلَ مَا يُمْكِنُ أنْ يَفْعَلَهُ البَشَرِ هُوَ أنْ يَتَمَتَّعُوا بِمَا يَعْمَلُونَهُ. هَذَا هُوَ نَصِيبُهُمْ. فَمَنْ يَقْدِرُ أنْ يُعِينَهُمْ عَلَى رُؤْيَةِ مَا سَيَحْدُثُ لَهُمْ فِي المُسْتَقْبَلِ؟ وَتَأمَّلْتُ مَرَّةً أُخْرَى مَا يَحْدُثُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ ظُلْمٍ. رَأيْتُ دُمُوعَ المَظلُومِينَ، وَلَيْسَ مَنْ يُعَزِّيهِمْ. وَرَأيْتُ القُسَاةَ أصْحَابَ النُّفُوذِ يُذِيقُونَهُمُ العَذَابَ، وَلَيْسَ مَنْ يُعَزِّيهِمْ. فَوَجَدْتُ أنَّ الأمْوَاتَ أفْضَلُ حَالًا مِنَ الأحيَاءِ. وَأفضَلُ مِنْ هَذَا وَذَاكَ، الَّذِينَ يَمُوتُونَ عِنْدَ وِلَادَتِهِمْ، لِأنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الشُّرُورَ الَّتِي يَعْمَلُهَا النَّاسُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. ثُمَّ رأيْتُ أنَّ النَّاسَ مَدفُوعُونَ إلَى العَمَلِ وَالرَّغبَةِ فِي النَّجَاحِ بِسَبَبِ غَيْرَتِهِمْ مِنَ الآخَرِينَ. وَهَذَا أيْضًا زَائِلٌ وَكَمُطَارَدَةِ الرِّيحِ. يَظَلُّ الأحْمَقُ مَكتُوفَ اليَدَينِ، ثُمَّ يَبْدأُ بِأكلِ لَحْمِ جِسمِهِ! حِفنَةٌ وَاحِدَةٌ أفْضَلُ مِنْ حِفنَتَيْنِ مَعَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَمَعَ مُطَارَدَةِ الرِّيحَ. ثُمَّ عُدْتُ فَرَأيْتُ شَيْئًا زَائلًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا: رَجُلًا وَحيدًا بلَا رَفيقٍ وَلَا ابْنٍ وَلَا أخٍ. لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَنِ العَمَلِ. لَا يَشْبَعُ مِنَ المَالِ، وَلَا يَقُولُ لِنَفْسِهِ لِمَنْ أتعَبُ وَأحرِمُ نَفْسِي مِنَ التَّمَتُّعِ بِالحَيَاةِ؟ هَذَا أيْضًا شَقَاءٌ وَزَائِلٌ. اثْنَانِ يَعْمَلَانِ مَعًا أفْضَلُ مِنْ وَاحِدٍ، إذْ يَحْصُلَانِ عَلَى ثَمَرٍ أكبَرَ. وَإنْ ضَعُفَ أحَدُهُمَا، يَسْنِدُهُ الآخَرُ. لَكِنْ مَا أسوَأَ حَالَ مَنْ يَكُونُ وَحْدَهُ وَيَسْقُطُ! إذْ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُعِينُهُ. إنْ نَامَ اثْنَانِ مَعًا، فَأحَدُهُمَا يُدَفِئُ الآخَرَ. أمَّا الَّذِي يَنَامُ وَحْدَهُ، فَمِنْ أيْنَ يَأْتِيهِ الدِّفءُ؟ قَدْ يَقْوَى عَدُوٌّ عَلَى وَاحِدٍ بِمُفرَدِهِ، لَكِنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى اثنَيْنِ مَعًا. وَالحَبلُ المَثلُوثُ لَا يَنْقَطِعُ بِسُهُولَةٍ. قَائِدٌ شَابٌّ فَقِيرٌ لَكِنْ حَكِيمٌ خَيْرٌ مِنْ مَلِكٍ شَيخٍ لَكِنْ أحْمَقَ لَا يُعْطِي آذَانًا صَاغِيَةً لِلتَّحذِيرَاتِ. رُبَّمَا وُلِدَ ذَلِكَ الشَّابُّ فَقِيرًا فِي المَمْلَكَةِ، وَرُبَّمَا خَرَجَ مِنَ السِّجْنِ لِيَتَوَلَّى قِيَادَةَ البَلَدِ. لَكِنِّي رَأيْتُ جَمِيعَ البَشَرِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، يَتْبَعُونَ ذَلِكَ القَائِدَ الشَّابَّ، وَسَيصِيرُ المَلِكَ الجَدِيدَ. وَسَتَتْبَعُهُ أعدَادٌ لَا تُحصَى مِنَ النَّاسِ. لَكِنْ فِيمَا بَعْدُ، لَنْ يَعُودَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ. فَهَذَا أيْضًا زَائِلٌ وَكَمُطَارَدَةِ الرِّيحِ. انتَبِهْ لِنَفسِكَ جَيِّدًا عِنْدَمَا تَذْهَبُ إلَى بَيْتِ اللهِ. وَتَذَكَّرْ أنَّ طَاعَةَ اللهِ أفْضَلُ مِنْ تَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ كَالحَمقَى. فَهَؤُلَاءِ غَالِبًا مَا يُخطِئُونَ، حَتَّى وَهُمْ غَيْرُ مُنتَبِهِينَ. وَانتَبِهْ حِينَ تَنْذِرُ للهِ نُذُورًا. انتَبِهْ لِمَا تَقُولُهُ للهِ. وَلَا تَتَسَرَّعْ فِي نَذْرِ نُذُورٍ أمَامَهُ. اللهُ فِي السَّمَاءِ، وَأنْتَ عَلَى الأرْضِ. لِذَلِكَ لَا تُكثِرِ الكَلَامَ. فَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ: الكَوَابِيسُ تَأْتِي مَعَ الهُمُومِ الكَثِيرَةِ. وَمَنْ يُكثِرُ الكَلَامَ لَا بُدَّ أنْ يَنْطِقَ بِالحُمقِ. إذَا نَذَرْتَ للهِ نَذْرًا، فَأوْفِ بِهِ فِي أسْرَعِ وَقْتٍ. فَاللهُ لَا يُسَرُّ بِالحَمقَى، فَأوفِ للهِ بِمَا نَذَرْتَهُ. وَإنَّهُ لَخَيْرٌ لَكَ أنْ لَا تَنْذِرَ شَيْئًا مِنْ أنْ تَنْذِرَ وَلَا تَفِي. لَا تَدَعْ لِسَانَكَ يَقُودُكَ إلَى الخَطِيَّةِ. فَلَا تَقُلْ للهِ: «لَمْ أقصِدْ أنْ أنذِرَ ذَلِكَ النِّذْرَ.» وَلِمَاذَا تُعطِي اللهَ سَبَبًا لِيَغْضَبَ مِنْكَ وَيَقْضِيَ عَلَى ثِمَارِ تَعَبِكَ؟ وَلَا تَسْمَحْ لِأحْلَامِكَ البَاطِلَةِ وَكَثْرَةِ كَلَامِكَ بِأنْ تَجُرَّ عَلَيْكَ المَتَاعِبَ. فَاتَّقِ اللهَ. رُبَّمَا تَرَى فِي بَلَدٍ مَا مَسَاكِينَ يَتَعَرَّضُونَ لِلظُّلْمِ وَسُوءِ المُعَامَلَةِ. وَقَدْ تَحْزَنُ لِاغتِصَابِ حُقُوقِهِمْ. لَكِنْ لَا تَنْدَهِشْ! فَفَوقَ الرَّئِيسِ الظَّالِمِ رَئِيسٌ آخَرُ يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ. وَعَلَى كِلَيهِمَا رَئِيسٌ آخَرُ. وَالأرْضُ مَنفَعَتُهَا لِلجَمِيعِ، وَالمَلِكُ لِهُ نَصِيبُهُ مِنْ حَقلِهِ كَالبَاقِينَ. مُحِبُّو المَالِ لَا يَقْنَعُونَ مَهْمَا جَمَعُوا مِنْهُ. وَمُحِبُّو المُقتَنَيَاتِ لَا يَقْنَعُونَ مَهْمَا كَدَّسُوا. هَذَا أيْضًا زَائِلٌ. كُلَّمَا ازدَادَ الخَيْرُ ازدَادَ آكِلُوهُ، وَلَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُ المَالِ إلَّا بِمُرَاقَبَةِ مَالِهِ كَيْفَ يُنْفَقُ. الَّذِينَ يَتْعَبُونَ طَوَالَ اليَوْمِ يَنَامُونَ فِي سَلَامٍ، سَوَاءٌ أأكَلُوا قَلِيلًا أمْ كَثِيرًا. أمَّا الأغنِيَاءُ، فَيَقْلَقُونَ عَلَى ثَرْوَتِهِمْ فَلَا يَنَامُونَ. رَأيْتُ شَيْئًا مُحزِنًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا: يُوَفِّرُ بَعْضُ النَّاسِ المَالَ لِلمُسْتَقْبَلِ، ثُمَّ تَأْتِي مُصِيبَةٌ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ وَيَخْسَرُونَ كُلَّ شَيءٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَدَيهِمْ مَا يُوَرِّثُونَهُ لِأبْنَائِهِمْ. حِينَ يَأْتِي المَرْءُ إلَى هَذِهِ الحَيَاةِ، فَإنَّهُ يَأْتِي فَارِغَ اليَدَينِ. وَحِينَ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإنَّهُ يَخْرُجُ كَمَا أتَى – فَارِغَ اليَدَينِ. لَا يَأْخُذُ مَعَهُ شَيْئًا، وَلَوْ شَيْئًا صَغِيرًا، مِنْ كُلِّ مَا تَعِبَ فِيهِ. هَذَا أمْرٌ مُحزِنٌ جِدًّا. إنْ كَانَ المَرءُ يَخْرُجُ مِنَ الحَيَاةِ كَمَا أتَى مِنْهَا، فَمَا الفَائِدَةُ الَّتِي يَجْنِيهَا مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ؟ ألَيْسَ ذَلِكَ كَمُحَاوَلَةِ الإمْسَاكِ بِالرِّيحِ؟ لَا يَرَى إلَّا الحُزْنَ وَالأسَى فِي أيَّامِهِ. وَيَنْتَهِي بِهِ الأمْرُ مُحبَطًا وَمَرِيضًا وَغَاضِبًا! وَهَذَا هُوَ مَا رَأيْتُ أنَّهُ أفْضَلُ مَا يُمْكِنُ لِلمَرءِ أنْ يَفْعَلَهُ: أنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَتَمَتَّعَ بِعَمَلِهِ أثْنَاءَ حَيَاتِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. فَهَذَا العَمَلُ هُوَ قِسمَتُهُ. فَإنْ أعْطَى اللهُ إنْسَانًا غِنَىً وَثَروَةً وَسَمَحَ لَهُ بِأنْ يَتَمَتَّعَ بِهَا، تَكُونُ هَذِهِ عَطيَّةً مِنَ اللهِ حَقًّا! فَلَا يُفَكِّرُ مِثْلُ هَذَا الإنْسَانِ بِحَيَاتِهِ، إذْ يُشْغِلُهُ اللهُ بِالعَمَلِ الَّذِي يُحِبُّهُ. وَرَأيْتُ ظُلْمًا يُثقِلُ حَيَاةَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. يُعْطِي اللهُ إنْسَانًا مَا ثَرْوَةً وَغِنَىً وَكَرَامَةً. فِي مُتَنَاوَلِ يَدَيهِ كُلُّ مَا يَحتَاجُ وَيَشْتَهِي. لَكِنَّ اللهَ لَا يُمْهِلُهُ لِكَي يَتَمَتَّعَ بِمَا لَدَيهِ، وَيَأْتِي غَرِيبٌ وَيَسْتَوْلِي عَلَى كلِّ شَيءٍ لَهُ. هَذَا أمْرٌ مُحزِنٌ جِدًّا وَزَائِلٌ. قَدْ يَطُولُ العُمْرُ بِإنْسَانٍ، وَقَدْ يُنْجِبُ مِئَةَ ابْنٍ. لَكِنْ إنْ لَمْ يَتَمَتَّعْ بِهَذَا كُلِّهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْرٌ بِاسْمِهِ، فَإنَّ طِفْلًا مَاتَ عِنْدَ وِلَادَتِهِ أفْضَلُ مِنْهُ. فَقَدْ وُلِدَ بِلَا مَعنىً، وَدُفِنَ فِي قَبْرٍ مُظلِمٍ، وَلَمْ يَحْمِلْ حَتَّى اسْمًا. لَمْ يَرَ الشَّمْسَ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ شَيْئًا، لَكِنَّهُ يَجِدُ رَاحَةً أكْثَرَ مِنْ غَيرِهِ. حَتَّى لَوْ عَاشَ ألفَي سَنَةٍ، وَلَمْ يَتَمَتَّعْ بِحَيَاتِهِ، ألَيْسَتْ لِكِلَيهِمَا نِهَايَةٌ وَاحِدَةٌ؟ يَعْمَلُ الإنْسَانُ مِنْ أجْلِ بَطنِهِ. غَيْرَ أنَّهُ لَا يَشْبَعُ أبَدًا. فَبِمَاذَا يَتَمَيَّزُ الحَكِيمُ عَنِ الأحْمَقِ فِي هَذَا؟ وَمَاذَا يَنْتَفِعُ الفَقيرُ بِأنْ يَتَعَلَّمَ حُسْنَ السُّلُوكِ؟ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَمْلِكُهُ الإنْسِانُ أفْضَلُ مِنَ الرَّغْبَةِ بِالمَزِيدِ. هَذَا أيْضًا فَارِغٌ وَكَمُطَارَدَةِ الرِّيحِ. مَا حَدَثَ تَحَدَّدَ مِنَ الأصلِ. وَلَنْ يَكُونَ الإنْسَانُ إلَّا مَا خُلِقَ لِيَكُونَهُ. لِذلِكَ لَا يَقْدِرُ أنْ يُجَادِلَ اللهَ فِي هَذَا. فَاللهُ أقوَى مِنْهُ. أمَّا كَثْرَةُ الكَلَامِ فِي هَذَا الأمْرِ فَهِيَ بِلَا مَعْنَى، وَلَا جَدْوَى لِأحَدٍ مِنْ ذَلِكَ. مَنْ يَعْرِفُ مَا أفْضَلُ شَيءٍ لِلإنْسَانِ أثْنَاءَ حَيَاتِهِ الَّتِي تَمْضِي بِسُرْعَةِ الظِلِّ؟ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُخبِرَهُ بِمَا سَيَحْدُثُ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؟ أنْ يَكُونَ الإنْسَانُ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ خَيْرٌ مِنَ العِطْرِ الثَّمِينِ. يَوْمُ مَوْتِ الإنْسَانِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ وِلَادَتِهِ. الذَّهَابُ إلَى جَنَازَةٍ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَابِ إلَى حَفلَةٍ. لِأنَّ المَوْتَ نِهَايَةُ كُلِّ إنْسَانٍ حَيٍّ، وَيَنْبَغِي أنْ يَتَأمَّلَ كُلُّ إنْسَانٍ فِي هَذَا. الحُزنُ أفْضَلُ مِنَ الضَّحِكِ. فَعِنْدَمَا تَحْزَنُ الوُجُوهُ، تَفْرَحُ القُلُوبُ. الرَّجُلُ الحَكِيمُ يَضَعُ المَوْتَ نَصْبَ عَيْنَيْهِ، أمَّا الأحْمَقُ فَلَا يُفَكِّرُ إلَّا فِي مُتْعَتِهِ. أنْ يَسْمَعَ الإنْسَانُ انْتِقَادَ الحَكِيمِ خَيْرٌ مِنْ أنْ يَسْمَعَ مَدِيحَ الأحْمَقِ أوْ غِنَائِهِ. ضَحِكُ الحَمْقَى مَضْيَعَةٌ. صَوْتُهُ أشْبَهُ بِأشْوَاكٍ تَحْتَرِقُ سَريعًا تَحْتَ قِدْرٍ. هَذَا أيْضًا زَائِلٌ. الضِّيقُ يُحَوِّلُ الحَكيمَ إلَى أحْمَقَ، وَالرِّشوَةُ تُفسِدُ القَلْبَ. أنْ تُنهِيَ مَشْرُوعًا خَيْرٌ مِنْ أنْ تَبْدَأهُ. وَأنْ تَكُونَ وَدِيعًا وَصَبُورًا خَيْرٌ مِنْ أنْ تَكُونَ مُتَكَبِّرًا وَبِلَا صَبْرٍ. لَا تُسْرِعْ إلَى الغَضَبِ، لِأنَّ الحَمْقَى لَا بُدَّ أنْ يُواجِهُوا عَوَاقِبَ غَضَبِهِمْ. لَا تَقُلْ: «كَانَتِ الأيَّامُ القَدِيمَةُ أفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الأيَّامَ. فَمَاذَا حَدَثَ؟» فَالحِكْمَةُ لَا تَقُودُنَا إلَى طَرْحِ هَذَا السُّؤَالِ. الحِكْمَةُ أفْضَلُ مَعَ المُمتَلَكَاتِ. وَالحِكْمَةُ تَقُودُ أصْحَابَهَا إلَى الغِنَى. الحِكْمَةُ وَالمَالُ يَقْدِرَانِ أنْ يَحْمِيَاكَ. لَكِنَّ المَعْرِفَةَ النَّاتِجَةَ عَنِ الحِكْمَةِ أفْضَلُ، فَهِيَ تَقْدِرُ أنْ تُخَلِّصَكَ. تَأمَّلْ مَا صَنَعَهُ اللهُ. أنْتَ لَا تَقْدِرُ أنْ تُغَيِّرَ فِيهِ شَيْئًا، حَتَّى لَوْ لَمْ يُعجِبْكَ. تَمَتَّعْ بِالحَيَاةِ عِنْدَمَا تَبْتَسِمُ لَكَ. لَكِنْ عِنْدَمَا تَعْبَسُ فِي وَجْهِكَ، تَذَكَّرْ أنَّ اللهَ يُعطِيَنَا أوْقَاتًا طَيِّبَةً وَأوْقَاتًا صَعْبَةً. وَلَا يَعْرِفُ الإنْسَانُ مَا يَنْتَظِرُهُ فِي المُسْتَقْبَلِ. فِي حَيَاتِي القَصِيرَةِ هَذِهِ، رَأيْتُ كُلَّ شَيءٍ. رَأيْتُ صَالِحِينَ يَمُوتُونَ فِي رَيَعَانِ الشَّبَابِ. وَرَأيْتُ أشْرَارًا يَطُولُ بِهِمُ العُمْرُ. لَا تُبَالِغْ فِي التَّظَاهُرِ بِالبِرِّ، وَلَا تُبَالِغْ فِي التَّظَاهُرِ بِالحِكْمَةِ. وَإلَّا فَإنَّكَ سَتُدَمِّرُ نَفْسَكَ. إنْ أخْطأتَ، فَلَا تَتَمَادَ فِي الشَّرِّ وَلَا تَسْلُكْ بِالحُمْقِ. وَإلَّا فَإنَّكَ سَتَمُوتُ قَبْلَ أوَانِكَ. تَجَنَّبِ المُبَالَغَةَ وَالتَّطَرُّفَ، فَحَتَّى مُتَّقُو اللهِ يَفْعَلُونَ أشْيَاءً صَالِحَةً وَأُخرَى سَيِّئَةً. الحِكْمَةُ تَجْعَلُ صَاحِبَهَا أقَوَى مِنْ عَشْرَةِ قَادَةٍ فِي مَدِينَةٍ. لِأنَّهُ مَا مِنْ إنْسَانٍ يَعْمَلُ الصَّلَاحَ دَائِمًا، وَلَا يُخطِئُ أبَدًا. لَا تُصغِ إلَى كُلِّ مَا يَقُولُهُ النَّاسُ، وَإلَّا فَإنَّكَ سَتَسْمَعُ حَتَّى خَادِمَكَ وَهُوَ يَقُولُ عَنْكَ مَا لَا يُعجِبُكَ. وَأنْتَ تَعْلَمُ فِي قَرَارَةِ نَفْسِكَ أنَّكَ كَثِيرًا مَا قُلْتَ عَنِ الآخَرِينَ مَا لَا يُعجِبُهُمْ. تَأمَّلْتُ هَذَا كُلَّهُ بِحِكْمَتِي، وَقَلْتُ: «سَأكُونُ حَكِيمًا.» لَكِنَّ ذَلِكَ ظَلَّ أُمنِيَةً بَعِيدَةً. الأسْرَارُ تَأْبَى أنْ تُكشَفَ، وَالأُمُورُ العَوِيصَةُ تَرْفُضُ أنْ تُعرَفَ. دَرَسْتُ وَفَتَّشْتُ بَحْثًا عَنِ الحِكْمَةِ الحَقِيقِيَّةِ. أرَدْتُ أنْ أجِدَ سَبَبًا لِكُلِّ شَيءٍ. فَعَلِمْتُ أنَّ فِعلَ الشَّرِّ حَمَاقَةٌ، وَأنَّ ارتِكَابَ الحَمَاقَاتِ جُنُونٌ. وَوَجَدتُ أيْضًا أنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ أمَرُّ مِنَ المَوْتِ! قُلُوبُهُنَّ مَصَائِدٌ وَشِبَاكٌ. أذْرُعُهُنَّ سَلَاسِلُ. فَمَنْ يَتَّقِي اللهَ يَهْرُبُ مِنْهُنَّ، أمَّا الخَاطِئُ فَيَصْطَدْنَهُ. يَقُولُ المُعَلِّمُ: «وَضَعْتُ الحَقَائِقَ كُلَّهَا جَنْبًا إلَى جَنْبٍ لِأرَى أيَّ جَوَابٍ يُمْكِنُ أنْ أجِدَ، فَوَجَدتُ هَذَا – مَعَ أنَّني مَا زِلْتُ أسْعَى إلَى جَوَابٍ مِنْ دُونِ جَدوَى – بِالكَادِ أجِدُ رَجُلًا صَالِحًا بَيْنَ ألفٍ، وَلَا أجِدُ امْرأةً صَالِحَةً بَيْنَهُمْ أيْضًا! «وَتَعَلَّمْتُ أيْضًا حَقِيقَةً أُخْرَى: صَنَعَ اللهُ النَّاسَ لِيَكُونُوا صَالِحِينَ، لَكِنّهُمُ ابتَكَرُوا طُرُقًا كَثِيرَةً لَارْتِكَابِ الشَّرِّ.» مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَفْهَمَ وَيُفَسِّرَ الأشْيَاءَ كَالحَكِيمِ. حِكمَةُ الإنْسَانِ تُفَرِّحُهُ، وَتُفَرِّحُ الآخَرِينَ. أنصَحُكَ بِأنْ تُطِيعَ أمْرَ المَلِكِ، لِأنَّكَ نَذَرْتَ هَذَا النِّذْرَ للهِ. لَا تَتَرَدَّدْ فِي تَقْدِيمِ اقتِرَاحَاتٍ لِلمَلِكِ. وَلَا تَدْعَمْ شَيْئًا خَاطِئًا، لَكِنْ تَذَكَّرْ أنَّ المَلِكَ يُقَرِّرُ مَا يَشَاءُ. أوَامِرُ المَلِكِ مُلْزِمَةٌ، وَلَيْسَ مَنْ يَعْتَرِضُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ. مَنْ يُطِيعُ أوَامِرَ المَلِكِ يَأْمَنُ، وَالرَّجُلُ الحَكِيمُ يَعْرِفُ مَتَى وَكَيْفَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. لِكُلِّ شَيءٍ وَقْتٌ مُلَائِمٌ، وَهُنَاكَ طَرِيقَةٌ مُلَائِمَةٌ لِعَمَلِ كُلِّ شَيءٍ. وَإنْ لَمْ يَفْعَلِ المَرءُ ذَلِكَ، سَتَأْتِي عَلَيْهِ المَتَاعِبُ. لَا سَبِيلَ لِلإنْسَانِ إلَى مَعْرِفَةِ المُسْتَقْبَلِ، لِأنَّهُ مَا مِنْ أحَدٍ يَقْدِرُ أنْ يُخبِرَهُ بِمَا سَيَحْدُثُ. مَا مِنْ أحَدٍ يَقْدِرُ أنْ يَمْنَعَ الرَّوْحَ مِنْ مُغَادَرَةِ الجَسَدِ. وَمَا مِنْ أحَدٍ يَقْدِرُ أنْ يَمْنَعَ مَوْتَهُ. لَا يُسْمَحُ لِلمُحَارِبِ بِإخلَاءِ مَوْقِعِهِ، كَذَلِكَ الشَّرُّ لَا يُخلِي سَبيلَ الأشْرَارِ. رأيتُ هَذَا كُلَّهُ. وَتَأمَّلْتُ جَيِّدًا جَمِيعَ مَا عَمِلَهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. فَرَأيْتُ أنَّ الإنْسَانَ يَتَسَلَّطُ عَلَى الإنْسَانِ، فَيُسَبِّبَ الأذَى لِنَفْسِهِ. وَرَأيْتُ أيْضًا أشْرَارًا يُدفَنُونَ فِي جَنَازَاتٍ مَهِيبَةٍ. وَسَمِعْتُ النَّاسَ يَمْدَحُونَهُمْ فِي المَدِينَةِ نَفْسِهَا الَّتِي فَعَلُوا الشَّرَّ فِيهَا! هَذَا أيْضًا بِلَا مَعنَى. لَا يُعَاقَبُ النَّاسُ فَوْرًا عَلَى شَرِّهِمْ، فِلِمَاذَا لَا يَفْعَلُ الآخَرُونَ الشَّرِّ أيْضًا؟ قَدْ يَرْتَكِبُ خَاطِئٌ مِئَةَ جَرِيمَةٍ، وَيَطُولُ بِهِ العُمْرُ. لَكِنِّي أعْلَمُ أنَّهُ خَيْرٌ لِلنَّاسِ أنْ يَخَافُوا اللهَ. أمَّا الأشْرَارُ فَلَنْ يَرَوْا خَيْرًا. وَلَنْ يَطُولَ العُمْرُ بِهِمْ. لَنْ تَكُونَ حَيَاتُهُمْ كَالظِّلَالِ الَّتِي تَطُولُ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. شَيءٌ آخَرُ زَائِلٌ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ: يُفتَرَضُ أنْ يُصِيبَ الشَّرُّ الأشْرَارَ وَالخَيْرُ الأخيَارَ. لَكِنِّي أرَى أنَّ الشَّرَّ يُصِيبُ الأخيَارَ أحْيَانًا، وَالخَيْرَ يُصِيبُ الأشْرَارَ. هَذَا أيْضًا بِلَا مَعَنَى. فَاسْتَنْتَجْتُ أنَّ التَّمَتُّعَ بِالحَيَاةِ هُوَ أفْضَلُ مَا يُمْكِنُ أنْ يَفْعَلَهُ إنْسَانٌ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيُمَتِّعُ نَفْسَهُ، إذْ سَيَكُونُ هَذَا ثَمَرَ تَعَبِ البَشَرِ فِي العَمَلِ الَّذِي أعطَاهُمْ إيَّاهُ اللهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. تَأمَّلتُ لِأكتَشِفَ الحِكْمَةَ، لِأفهَمَ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عَلَى الأرْضِ. رَأيْتُهُمْ مُنشَغِلِينَ نَهَارًا وَلَيلًا دُونَ نَوْمٍ. ثُمَّ رَأيْتُ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ اللهُ. لَا يُمْكِنُ لِأحَدٍ أنْ يَفْهَمَ مَا يَفْعَلُهُ اللهُ فِي هَذِهِ الدُّنيَا. لَا يُمْكِنُ لِأحَدٍ مَهْمَا تَعِبَ فِي البَحْثِ أنْ يَفْهَمَ أعْمَالَهُ. حَتَّى الَّذِينَ يَدَّعُونَ الحِكْمَةَ، لَا يُمكِنُهُمْ ذَلِكَ. تَأمَّلْتُ هَذَا كُلَّهُ وَتَفَحَّصْتُهُ. رَأيْتُ أنَّ حيَاةَ الصَّالِحِينَ وَالحُكَمَاءِ وَأعْمَالَهُمْ فِي يَدِ اللهِ. لَا يَعْلَمُ النَّاسُ إنْ كَانُوا سَيُحَبُّونَ أمْ سَيُبغَضُونَ. كُلُّ مَا سَيَحْدُثُ مَعَهُمْ فَارِغٌ. وَمَصِيرٌ وَاحِدٌ لِلجَمِيعِ! لِلأخيَارِ وَلِلأشْرَارِ، لِلأنقِيَاءِ وَغَيرِ الأنقِيَاءِ. لِمَنْ يُقَدِّمُونَ الذَّبَائِحَ وَمَن لَا يُقَدِّمُونَ. الصَّالِحُونَ كَالخُطَاةِ! وَالنَّاذِرُ نُذُورًا كَمَنْ يَتَجَنَّبُونَ النُّذُورَ. أسوَأُ مَا فِي هَذِهِ الدُّنيَا أنَّ مَصِيرًا وَاحِدًا يَنْتَظِرُ الجَمِيعَ. وَمَعَ هَذَا يُفَكِّرُونَ عَلَى الدَّوَامِ أفكَارَ الشَّرِّ وَالحَمَاقَةِ. وَهَذِهِ الأفكَارُ عَاقِبَتُهَا المَوْتُ. لَكِنْ، لَا أحَدَ يُسْتَثْنَى مِنَ المَوْتِ؟ لَكِنْ لَا يُوجَدُ لِأيِّ حَيٍّ رَجَاءٌ. وَصَدَقَ مَنْ قَالَ: كَلْبٌ حَيٌّ، خَيْرٌ مِنْ أسَدٍ مَيِّتٍ. يَعْرِفُ النَّاسُ الأحيَاءُ الآنَ أنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ. أمَّا المَوْتَى فَلَا يَعْرِفُوُنَ شَيْئًا. وَلَنْ يَنَالُوا بَعْدُ مَا يَنَالُهُ البَشَرُ مِنْ مُكَافَآتٍ، ثُمَّ يَنسَاهُمُ النَّاسُ. لَنْ يَعُودُوا قَادِرِينَ عَلَى الحُبِّ وَالبُغضِ وَالغَيْرَةِ. وَلَنْ يَشْتَرِكُوا مَرَّةً أُخْرَى فِي خِبْرَاتِ هَذِهِ الدُّنيَا. فَاذهَبْ وَكُلْ طَعَامَكَ وَتَمَتَّعْ بِهِ، وَاشْرَبْ نَبِيذَكَ وَافرَحْ، فَهَذِهِ مَقبُولَةٌ عِنْدَ اللهِ. البِسْ مَلَابِسَ جَمِيلَةً نَظِيفَةً، وَاظهَرْ بِمَظهَرٍ حَسَنٍ. تَمَتَّعْ بِحَيَاتِكَ مَعَ زَوْجَتِكَ، حَبِيبَةِ عُمْرِكَ. تَمَتَّعْ بِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ أيَّامِ حَيَاتِكَ الزَّائِلَةِ الَّتِي أعطَاكَ إيَّاهَا اللهُ. فَهَذَا كُلُّ مَا سَتَنَالُهُ فِي هَذِهِ الدُّنيَا. فَتَمَتَّعْ بِمَا تَعْمَلُهُ فِي هَذِهِ الدُّنيَا. إنْ عَمِلْتَ شَيْئًا، فَأتْقِنْهُ قَدْرَ اسْتِطَاعَتِكَ. فَفِي الهَاوِيَةِ حَيْثُ سَنَذْهَبُ كُلُّنَا، لَنْ تَخْتَبِرَ العَمَلَ وَالتَّفكِيرَ وَالمَعْرِفَةَ وَالحِكْمَةِ. وَرَأيْتُ أيْضًا فِي هَذِهِ الدُّنيَا أنَّ الأسْرَعَ لَا يَكْسِبُ السِّبَاقَ دَائِمًا، وَأنَّ الأقوَى لَا يَرْبَحُ المَعَارِكَ دَائِمًا. رَأيْتُ حَكِيمًا بِلَا طَعَامٍ، وَذَكِيًّا بِلَا مَالٍ، وَمَاهِرًا بِلَا تَقْدِيرٍ. فَتَقَلُّبَاتُ الزَّمَنِ وَأحْدَاثُهُ تُصِيبُهُمْ جَمِيعًا! لَا يَعْرِفُ المَرءُ مَوْعِدَ المُصِيبَةِ التَّالِيَةِ. فَهُوَ أشبَهُ بِسَمَكَةٍ تُصطَادُ فِي شَبَكَةٍ فَجْأةً. وَهُوَ أشبَهُ بِالعَصَافِيرِ الَّتِي تَقَعُ فِي مَصَائِدَ فَجْأةً. هَكَذَا الإنْسَانُ الَّذِي يَقَعُ فِي فَخِّ المَصَائِبِ. رَأيْتُ أيْضًا رَجُلًا يَفْعَلُ شَيْئًا حَكِيمًا فِي هَذِهِ الدُّنيَا. وَقَدَّرْتُ مَا فَعَلَهُ كَثِيرًا. كَانَتْ هُنَاكَ مَدِينَةٌ صَغِيرَةٌ قَلِيلَةُ السُّكَّانِ، فَجَاءَ مَلِكٌ عَظِيمٌ وَحَاصَرَهَا. وَكَانَ فِي تِلْكَ المَدِينَةِ رَجُلٌ حَكِيمٌ فَقِيرٌ، فَحَرَّرَ المَدِينَةَ بِحِكْمَتَهِ. لَكِنْ نَسِيَ النَّاسُ ذَلِكَ الرَّجُلَ. لِذَلِكَ أقُولُ إنَّ الحِكْمَةَ أفْضَلُ مِنَ القُوَّةِ. لَكِنَّ النَّاسَ يَحْتَقِرُونَ حِكمَةَ الفَقِيرِ، وَلَا يُصغُونَ إلَى كَلَامِهِ. كَلِمَاتٌ قَلِيلَةٌ يَقُولُهَا حَكِيمٌ بِهُدُوءٍ، أفْضَلُ مِنْ كَلِمَاتٍ صَارِخَةٍ يُطلِقُهَا حَاكِمٌ أحْمَقُ. الحِكْمَةُ أقوَى مِنَ الأسلِحَةِ، لَكِنَّ خَاطِئًا وَاحِدًا يَقْدِرُ أنْ يُخَرِّبَ خَيْرًا كَثِيرًا. ذُبَابٌ قَلِيلٌ مَيِّتٌ يُنْتِنُ أطيَبَ العُطُورِ. وَيُمكِنُ لِحَمَاقَةٍ قَليلَةٍ أنْ تُفسِدَ الكَثِيرَ مِنَ الحِكمَةِ وَالكَرَامَةِ. أفكَارُ الحَكِيمِ تَقُودُهُ إلَى الِاسْتِقَامَةِ. أمَّا أفكَارُ الأحْمَقِ فَتَقُودُهُ إلَى الِانْحِرَافِ. الأحْمَقُ يُظهِرُ حُمقَهُ حَتَّى فِي مُجَرَّدِ سَيرِهِ فِي الطَّرِيقِ، وَهُوَ يُعلِنُ جَهلَهُ لِلجَمِيعِ. لَا تَتْرُكْ عَمَلَكَ لِمُجَرَّدِ أنَّ رَئِيسَكَ غَضِبَ عَلَيْكَ، إذْ تَسْتَطِيعُ بِهُدُوئِكَ وَتَعَاوُنِكَ أنْ تُصَحِّحَ أخطَاءً كَبِيرَةً. وَرَأيْتُ ظَلْمًا فِي هَذِهِ الدُّنيَا، تِلْكَ الأخطَاءَ الَّتِي يَرْتَكِبُهَا الحُكَّامُ. يُعْطَى الحَمْقَى مَنَاصِبَ عَالِيَةً. أمَّا الأغنِيَاءُ فَيَنْزِلُونَ إلَى الحَضِيضِ. رَأيْتُ عَبِيدًا صَارُوا سَادَةً يَرْكَبُونَ الخَيلَ. وَرَأيْتُ سَادَةً صَارُوا يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ كَالعَبِيدِ. مَنْ يَحْفِرُ حُفرَةً يَقَعُ فِيهَا. وَمَنْ يَهْدِمُ حَائِطًا تَلْدَغُهُ حَيَّةٌ. مَنْ يَقْطَعُ حِجَارَةً يَتَأذَّى بِهَا. وَمَنْ يَحْطِبُ الأشْجَارَ مُعَرَّضٌ لِلخَطَرِ. لَكِنَّ الحِكْمَةَ تَجْعَلُ أيَّةَ وَظِيفَةٍ أكْثَرَ سُهُولَةً. السِّكِّينُ غَيْرُ الحَادَّةِ لَا تَقْطَعُ، أمَّا السِّكِّينُ المُسَنَّنَةُ فَتَقْطَعُ جَيِّدًا. إذَا لَدَغَتِ الحَيَّةُ أحَدًا فِي غِيَابِ الحَاوِي، فَمَا الفَائِدَةُ مِنْ كُلِّ سِحرِهِ؟ كَلِمَاتُ الحَكِيمِ تَعُودُ عَلَيْهِ بِالمَدِيحِ، أمَّا كَلِمَاتُ الأحْمَقِ فَتَعُودُ عَلَيْهِ بِالدَّمَارِ. يَبْدَأُ الأحْمَقُ كَلَامَهُ بِالحَمَاقَاتِ، وَيُنهِي كَلَامَهُ بِأشْيَاءَ جُنُونِيَّةٍ. لَكِنَّ الأحْمَقَ لَا يَتَوَقَّفُ عَنِ الكَلَامِ. مَا مِنْ إنْسَانٍ يَعْلَمُ مَا سَيَحْدُثُ، أوْ مَا يُخَبِّئُهُ المُسْتَقْبَلُ. يُجهِدُ الأحْمَقُ نَفْسَهُ حَتَّى الإنهَاكِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ طَرِيقَهُ إلَى قَرْيَتِهِ. وَيْلٌ لِبَلَدٍ مَلِكُهُ وَلَدٌ، وَقَادَتُهُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ إلَى الصَّبَاحِ. وَهَنِيئًا لِبَلَدٍ مَلِكُهُ نَبِيلٌ، يَأْكُلُ قَادَتُهُ طَعَامَهُمْ فِي وَقْتِهِ لِلقُوَّةِ لَا لِلسُّكْرِ. سَقفُ الكُسَالَى لَا بُدَّ أنْ يَهْبِطَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَنهَارُ بِسَبَبِ تَرَاخِيهِمْ. يَأْكُلُ النَّاسُ الطَّعَامَ لِيَضْحَكُوا، وَيَشْرَبُونَ الخَمْرَ لِيَفْرَحُوا. لَكِنَّ المَالَ يَحُلُّ كُلَّ أنْوَاعِ المَشَاكِلِ. لَا تَتَكَلَّمْ بِالسُّوءِ عَلَى المَلِكِ وَلَا حَتَّى فِي فِكْرِكَ. وَلَا تَتَكَلَّمْ بِالسُّوءِ عَلَى الأغنِيَاءِ، وَلَا حَتَّى عَلَى فِرَاشِكَ. لِأنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَنْقُلُ الكَلَامَ. افْعَلِ الخَيْرَ حَيْثُمَا أمْكَنَكَ ذَلِكَ. فَبَعْدَ وَقْتٍ، طَالَ أمْ قَصُرَ، سَتَجِدُ أنَّ ذَلِكَ قَدْ عَادَ عَلَيْكَ بِالخَيْرِ. اسْتَثْمِرْ مَا لَدَيكَ فِي أُمُورٍ عِدَّةٍ، فَأنْتَ لَا تَعْرِفُ أيَّةَ تَطَوُّرَاتٍ سَيِّئَةٍ سَتَحْدُثُ. نَعْرِفُ أنَّهُ إنِ امتَلأتِ الغُيُومُ بِالمَطَرِ، سَتَسْكُبُهُ عَلَى الأرْضِ. وَإنْ وَقَعَتْ شَجَرَةٌ إلَى الشِّمَالِ أوِ الجَنُوبِ، فَسَتَبْقَى حَيْثُ وَقَعَتْ. فَمَنْ يَنْتَظِرُ الرِّيحَ المُنَاسِبَةَ لَنْ يَزْرَعَ، وَمَنْ يَحْسِبُ حِسَابًا لِلغُيُومِ لَنْ يَحْصُدَ. وَكَمَا لَا تَعْلَمُ مِنْ أيْنَ تَهُبُّ الرِّيحُ، أوْ كَيْفَ تَتَشَكَّلُ عِظَامُ الجَنِينِ فِي الرَّحِمِ، كَذَلِكَ لَا تَعْلَمُ مَا سَيَفْعَلُهُ اللهُ الَّذِي يَصْنَعُ كُلَّ شَيءٍ. فَبَادِرْ إلَى زَرعِ زَرعِكَ فِي الصَّبَاحِ، وَلَا تَتَوَقَّفْ حَتَّى المَسَاءِ. فَأنْتَ لَا تَعْلَمُ أيَّ بِذَارٍ سَتُغنِيكَ. وَرُبَّمَا يَنْجَحُ كِلَاهُمَا. حَسَنٌ أنْ يَكُونَ المَرْءُ عَلَى قَيدِ الحَيَاةِ، وَحُلْوٌّ أنْ يَرَى نُورَ الشَّمْسِ. فَليَتَمَتَّعْ مَنْ يَعِيشُ طَوِيلًا بِكُلِّ سَنَوَاتِهِ، وَلَيتَذَكَّرْ أنَّ أيَامَ الظُلْمَةِ كَثِيرَةٌ أيْضًا، وَكُلُّ مَا سَيَأْتِي زَائِلٌ. أيُّهَا الشَّابُ، تَمَتَّعْ بِشَبَابِكَ. افرَحْ وَافْعَلْ كُلَّ مَا يُحِبُّهُ قَلْبُكَ وَتَشْتَهيهِ عَينَاكَ. لَكِنْ تَذَكَّرْ أنَّ اللهَ سَيُحَاسِبُكَ عَلَى كُلِّ مَا تَفْعَلُهُ. لَا تَدَعْ غَضَبَكَ يَغْلِبْكَ. وَأبْعِدِ الخَطِيَّةَ عَنْ جَسَدِكَ. فَالشَّبَابُ وَفَجْرُ الحَيَاةِ زَائِلَانْ. فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أنْ تُدَاهِمَكَ سَنَوَاتُ الشَّيخُوخَةِ الصَّعْبَةِ. لِأنَّكَ حِينَئِذٍ، سَتَقُولُ: «أيْنَ سَعَادَتِي؟» قَبْلَ أنْ يَأْتِيَ زَمَنٌ تُظلِمُ فِيهِ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ لَكَ، وَتَتَكَاثَرُ الغُيُومُ بَعْدَ المَطَرِ. حِينَئِذٍ، سَتَفْقِدُ ذِرَاعَاكَ قُوَّتَهُمَا. وَتَضْعُفُ رِجلَاكَ وَتَنْحَنِيَانِ. تَضْعُفُ أسْنَانُكَ وَتَتَسَاقَطُ. وَيَكِلُّ نَظَرُكَ. يَضْعُفُ سَمْعُكَ فَلَا تَقْدِرَ أنْ تَسْمَعَ أصوَاتَ المَطَاحِنِ، أوْ غِنَاءَ النِّسَاءِ. لَكِنَّكَ سَتَصْحُو عَلَى صَوْتِ عُصفُورٍ! المُرتَفَعَاتُ سَتُخِيفُكَ. وَكُلُّ حَجَرٍ فِي الطَّرِيقِ، مَهْمَا صَغُرَ، يُعْثِرُكَ. سَيَبْيَضُّ شَعْرُكَ. وَتَجُرُّ قَدَمَيكَ بِتَثَاقُلٍ، وَتَفْقِدُ شَهِيَّتَكَ. ثُمَّ تَذْهَبُ إلَى بَيْتِكَ الأبَدِيِّ. وَيَنُوحُ عَلَيْكَ النَّادِبُونَ وَهُمْ يَحْمِلُونَكَ إلَى القَبْرِ. اذْكُرْ خَالِقَكَ قَبْلَ أنْ يَنْقَطِعَ حَبلُ الفِضَّةِ، وَيَتَحَطَّمُ إنَاءُ الذَّهَبِ، وَتَنْكَسِرُ حَيَاتُكَ مِثْلَ جَرَّةٍ عِنْدَ بِئرٍ، أوْ كَحَجَرٍ يُغَطِّي بَابَ بِئرٍ فَيَسْقُطُ فِي دَاخِلِهَا. حِينَئِذٍ، يَعُودُ جَسَدُكَ إلَى التُّرَابِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ، وَتَعُودُ الرُّوحُ إلَى اللهِ الَّذِي جَاءَتْ مِنْهُ. كُلُّ شَيءٍ زَائِلٌ وَبِلَا مَعْنَى، يَقُولُ المُعَلِّمُ، الكُلُّ زَائلٌ! كَانَ المُعَلِّمُ حَكِيمًا. بِحِكمَتِهِ عَلَّمَ الشَّعْبَ. وَزَنَ أُمُورَ الحَيَاةِ وَدَرَسَ وَفَتَّشَ، وَجَمَعَ أمثَالًا وَحِكَمًا كَثِيرَةً. اجتَهَدَ المُعَلِّمُ أنْ يَجِدَ الكَلِمَاتِ المُنَاسِبَةَ. فَكَتَبَ تَعَالِيمَ مُسْتَقِيمَةً وَجَدِيرَةً بِالثِّقَةِ. كَلَامُ الحُكَمَاءِ مُؤَشِّرٌ إلَى الطَّرِيقِ القَوِيمِ. هُوَ أشْبَهُ بِأوْتَادٍ مُمَكَّنَةٍ لَا تُقلَعُ. وَلَهُ كُلَّهُ مَصدَرٌ وَاحِدٌ، هُوَ اللهُ الرَّاعِي. فَادرُسْ يَا ابْنِي هَذِهِ التَّعَالِيمَ. لَكِنِ احتَرِسْ مِنَ الكُتُبِ الأُخرَى. فَالنَّاسُ يَكْتُبُونَ كُتُبًا لَا حَصْرَ لَهُا. وَدِرَاسَتُهَا كُلُّهَا أمْرٌ مُتْعِبٌ جِدًّا. وَالْآنَ مَا هِيَ خُلَاصَةُ هَذَا الكِتَابِ كُلِّهِ؟ اتِّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ. فَهَذَا هُوَ القَصْدُ الَّذِي خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ أجْلِهِ. وَسَيُحَاسِبُ اللهُ النَّاسَ جَمِيعًا بِحَسَبِ أعْمَالِهِمْ – حَتَّى الخَفِيَّةِ مِنْهَا – إنْ كَانَتْ خَيْرًا أوْ شَرًّا. هَذَا هُوَ نَشِيدُ الأنشَادِ الَّذِي ألَّفَهُ سُلَيْمَانُ. لَيتَكَ تَغْمُرُنِي بِقُبُلَاتِ فَمِكَ. لِأنَّ مَذَاقَ حُبِّكَ أحلَى مِنْ أحلَى نَبِيذٍ. رَائِحَةُ عُطُورِكَ طَيِّبَةٌ. وَاسْمُكَ أشبَهُ بِعِطرٍ مُنسَكِبٍ. لِهَذَا تُحِبُّكَ الفَتيَاتُ. اجْذِبْنِي وَرَاءَكَ. وَلنَركُضْ! أدْخَلَنِي المَلِكُ إلَى حُجُرَاتِهِ الخَاصَّةِ. فَلنَفْرَحْ بِكَ وَنَبتَهِجْ. أكْثَرُ مِنَ النَّبِيذِ نَمدَحُ مَذَاقَ حُبِّكَ. مُسْتَحِقٌّ أنْتَ مَحَبَّةَ الفَتَيَاتِ. سَمرَاءُ أنَا، غَيْرَ أنِّي بَدِيعَةٌ، يَا بَنَاتِ القُدْسِ. سَمرَاءُ أنَا كَخِيَامِ قِيدَارَ، وَجَمِيلَةٌ كَسَتَائِرِ خِيَامِ سُلَيْمَانَ. لَا تَلْتَفِتْنَ إلَى سُمرَتِي، فَالشَّمْسُ قَدْ لَوَّحَتْنِي. اشتَعَلَ أبْنَاءُ أُمِّي عَلَيَّ غَضَبًا. أبقُونِي عِنْدَهُمْ حَارِسَةً لِكُرُومِهِمْ، فَلَمْ أرْعَ كَرْمِي. قُلْ لِي يَا مَنْ أحَبَّكَ قَلْبِي، أيْنَ تَرْعَى قَطِيعَكَ؟ وَأينَ تُرْبِضُ خِرَافَكَ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ؟ قُلْ لِي لِئَلَّا أكُونَ كَمَنْ تُلقِي نَفْسَهَا عِنْدَ قُطعَانِ رُفَقَائِكَ، لِئَلَا أتَجَوَّلَ كَامْرَأةٍ مُغَطَّاةٍ بَيْنَ القُطعَانِ مِنْ رَاعٍ إلَى آخَرَ. إنْ لَمْ تَعْرِفي، يَا أجمَلَ الجَمِيلَاتِ، أيْنَ تَجِدِينَنِي، فَاتْبَعِي آثَارَ القَطِيعِ، وَارعِي صِغَارَكِ عِنْدَ خِيَامِ الرُّعَاةِ. تَخَيَّلتُكِ كَمُهرَةٍ جَذَّابَةٍ بَيْنَ مَرْكَبَاتِ فِرعَوْنَ يَا حَبِيبَتِي. رَائِعَانِ هُمَا خَدَّاكِ بِقِرطَينِ مُتَدَلِّيَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ. وَبَدِيعٌ هُوَ عُنُقُكِ المُطَوَّقِ بِالقَلَائِدِ. سَنَصنَعُ لَكِ أقْرَاطًا مِنَ الذَّهَبِ، مُطَعَّمةً بِالفِضَّةِ. عِطْرُ النَّارِدِينِ يَفُوحُ مِنِّي مَا دَامَ المَلِكُ عَلَى أرِيكَتِهِ. كَكِيسٍ مَلِئٍ بِالمُرِّ، هَكَذَا حَبِيبِي فِي عَيْنَيَّ. وَهُوَ يَبِيتُ عَلَى صَدرِي. كَعُنقُودٍ مِنَ الحِنَّاءِ فِي كُرُومِ عَيْنِ جَدْيٍ هُوَ حَبِيبِي. آهِ، يَا حَبِيبَتِي، مَا أجمَلَكِ! آهِ، مَا أجمَلَكِ! عَينَاكِ كَيَمَامَتَيْنِ. آهِ، يَا حَبِيبِي، مَا أجمَلَكَ وَمَا أبهَجَكَ. أرِيكَتُنَا خَضرَاءُ. أعمِدَةُ بُيُوتِنَا مِنْ خَشَبِ الأرْزِ، وَعَوَارِضُهَا مِنَ الصُّنَوبَرِ. أنَا زَهرَةٌ مِنْ سَهلِ شَارُونَ، زَنبَقَةٌ مِنْ زَنَابِقِ الوَادِي. حَبِيبَتِي بَيْنَ بَقِيَّةِ النِّسَاءِ، كَزَنبَقَةٍ بَيْنَ أشوَاكٍ. حَبِيبِي بَيْنَ بَقِيَّةِ الرِّجَالِ، كَشَجَرَةِ تُفَّاحٍ بَيْنَ الأشْجَارِ البَرِّيَّةِ فِي الأدغَالِ. ألتَذُّ بِالجُلُوسِ فِي ظِلِّهِ، وَفَمِي يَسْتَطِيبُ ثَمَرَهُ. أخَذَنِي إلَى بَيْتِ النَّبِيذِ، وَكَانَت مَحَبَّتُهُ لِي بَادِيَةً كَعَلَمٍ مَرْفُوعٍ. أسْنِدْنَ نَفْسِي بِكَعْكِ الزَّبِيبِ، وَبِالتُّفَاحِ أنِعِشْنَنِي، لِأنَّ الحُبَّ أضعَفَنِي. شِمَالُهُ تَحْتَ رَأسِي، وَيَمِينُهُ تُطَوِّقُنِي. يَا بَنَاتِ القُدْسِ، أستَحْلِفُكُنَّ بِالغِزلَانِ وَبِالأيَائِلِ البَرِّيَّةِ، ألَّا تُنَبِّهْنَ أوْ تُيقِظْنَ الحُبَّ، حَتَّى أسْتَعِدَّ لَهُ. أنَا أسْمَعُ صَوْتَ حَبِيبِي. هَا هُوَ آتٍ يَثِبُ فَوْقَ الجِّبَالِ وَيَقْفِزُ فَوْقَ التِّلَالِ. كَالغَزَالِ أوْ كَمُهرِ الظَّبيِ حَبِيبِي. هَا هُوَ وَاقِفٌ عَلَى الجَّانِبِ الآخَرِ مِنْ حَائِطِنَا. مِنَ النَّافِذَةِ يُحَدِّقُ، وَمِنَ الشُّبَاكِ يَسْتَرِقُ النَظَرَ. أجَابَ حَبِيبِي وَقَالَ: «قُومِي يَا عَزِيزَتِي، يَا رَائِعَتِي، وَتَعَالِيْ مَعِي. فَهَا الشِّتَاءُ قَد مَضَى وَتَوَقَّفَ المَطَرُ. ظَهَرَتِ الزُّهُورُ فِي الأرْضِ، وَهَا قَد حَلَّ مَوسِمُ التَّغرِيدِ. وَهَدِيلُ اليَمَامِ مَسمُوعٌ فِي أرْضِنَا. شَجَرَةُ التِّينِ تُخْرِجُ ثِمَارَهَا، وَالكُرُومُ تُزهِرُ وَتَنْشُرُ شَذَاهَا. قُومِي يَا عَزِيزَتِي، يَا رَائِعَتِي، وَتَعَالِيْ مَعِي.» يَمَامَتِي مُختَبِئَةٌ فِي شُقُوقِ المُنحَدَرِ الصَّخرِيِّ، فِي حِمَى الجَبَلِ المُرْتَفِعِ. أرِينِي مَلَامِحَ وَجْهِكِ. وَأسمِعِينِي صَوْتَكِ، لِأنَّ صَوْتَكِ عَذبٌ وَجَمَالَكِ بَدِيعٌ. أمسِكْنَ الثَّعَالِبَ مِنْ أجْلِنَا، الثَّعَالِبَ الصَّغِيرَةَ الَّتِي تُتلِفُ الكُرُومَ. فَكُرُومُنَا مُزهِرَةٌ. حَبِيبِي لِي، وَأنَا لَهُ. هُوَ بَيْنَ الزَّنَابِقِ يَرْعَى. ارجِعْ يَا حَبِيبِي، وَكُنْ كَالغَزَالِ، أوْ كَمُهرِ الظَّبيِ عَلَى الجِبَالِ الطَّيِّبَةِ، إلَى أنْ يَصْحُوَ النَّهَارُ، وَتَخْتَفِي ظِلَالُ اللَّيلِ. لَيلَةً بَعْدَ لَيلَةٍ، وَأنَا عَلَى فِرَاشِي، اشتَقْتُ إلَى حَبِيبِي. بَحَثتُ عَنْهُ فَلَمْ أجِدهُ. سَأقُومُ وَأطُوفُ فِي المَدِينَةِ، فِي شَوَارِعِهَا وَمَيَادِينِهَا. سَأبحَثُ عَنْ حَبِيبِ القَلْبِ. بَحَثتُ عَنْهُ، فَلَمْ أجِدْهُ. صَادَفَنِي الحُرَّاسُ فِي شَوَارِعِ المَدِينَةِ. فَسَألتُهُمْ: «هَلْ رَأيْتُمْ حَبِيبِي؟» وَمَا إنْ تَجَاوَزْتُهُمْ حَتَّى وَجَدتُ حَبِيبِي. فَأمسَكتُ بِهِ، وَلَمْ أُفلِتْهُ مِنْ يَدِي، إلَى أنْ أحضَرتُهُ إلَى بَيْتِ أُمِّي، وَإلَى غُرفَةِ وَالِدَتِي. يَا بَنَاتِ القُدْسِ، أستَحْلِفُكُنَّ بِالغِزلَانِ وَبِالأيَائِلِ البَرِّيَّةِ، ألَّا تُنَبِّهْنَ أوْ تُيقِظْنَ الحُبَّ، حَتَّى أسْتَعِدَّ لَهُ. مَنْ هَذِهِ الخَارِجَةُ مِنَ الصَّحرَاءِ تَارِكَةً أعمِدَةَ دُخَّانٍ وَرَاءَهَا، يَفُوحُ مِنْهَا شَذَى المُرِّ وَالبَخُورِ، أكْثَرَ مِنْ كُلِّ مَسَاحِيقِ التُّجَّارِ؟ هَا هِيَ أرِيكَةُ سُلَيْمَانَ. يُحِيطُ بِهَا سِتِّونَ مُحَارِبًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. كُلُّهُمْ حَمَلَةُ سُيُوفٍ مَاهِرُونَ، مُتَمَرِّسُونَ فِي القِتَالِ. كُلٌّ يَحْمِلُ سَيفَهُ عَلَى جَنبِهِ، مُسْتَعِدًّا لِأيِّ خَطَرٍ فِي اللَّيلِ. صَنَعَ سُلَيْمَانُ لِنَفْسِهِ أرِيكَةً مِنْ أرْزِ لُبْنَانَ. طَلَى بِالفِضَّةِ أعمِدَتَهَا، وَبِخُيُوطِ الذَّهَبِ أغطِيَتَهَا. وَسَائِدُهَا أُرجُوانٌ، وَدَاخِلُهَا مُرَصَّعٌ بِالحُبِّ. اخرُجنَ، يَا بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَانْظُرْنَ إلَى المَلِكِ سُلَيْمَانَ، انْظُرْنَ إلَى التَّاجِ الَّذِي تَوَّجَتهُ بِهِ أُمُّهُ فِي يَوْمِ عُرسِهِ، فِي يَوْمِ احتِفَالِهِ. مَا أجمَلَكِ يَا حَبِيبَتِي! مَا أجمَلَكِ! عَينَاكِ كَيَمَامَتَيْنِ خَلفَ نِقَابِكِ. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مَاعِزٍ يَنْحَدِرُ مِنْ عَلَى جَبَلِ جِلْعَادَ. وَأسنَانُكِ كَقَطِيعِ النِّعَاجِ المَجْزُوزَةِ وَالمَغسُولَةِ لِلتَوِّ. كُلٌّ مِنْهَا أنْجَبَتْ تَوأمَينِ! وَليسَ فِيهَا عَقِيمٌ. شَفَتَاكِ كَخَيطِ الأُرجُوانِ، وَفَمُكِ بَدِيعٌ. كَفَلَقَةِ رُمَّانَةٍ هُوَ خَدُّكِ تَحْتَ خِمَارِكِ. عُنُقُكِ كَبُرجِ دَاوُدَ، مَبنِيٌّ بِصُفُوفٍ مِنَ الحِجَارَةِ وَألفُ تُرسٍ مُعُلَّقٌ عَلَيْهِ، مِنْ كُلِّ نَوعٍ مِنْ أنْوَاعِ تُرُوسِ المُحَارِبِينَ. ثَدْيَاكِ كَابنَيِّ ظَبيٍ، كَتَوأمَينِ يَرْعَيَانِ بَيْنَ الزَّنَابِقِ. إلَى جَبَلِ المُرِّ سَأذهَبُ، وَإلَى تَلَّةِ البَخُورِ، إلَى أنْ يَصْحُوَ النَّهَارُ وَتَخْتَفِي ظِلَالُ اللَّيلِ. كُلُّ مَا فِيكِ بَدِيعٌ، يَا حَبِيبَتِي، وَلَيْسَ فِيكِ عَيبٌ. تَعَالِيْ مَعِي مِنْ لُبْنَانَ، يَا عَرُوسِي، تَعَالِيْ مَعِي مِنْ لُبْنَانَ. أسرِعِي بِالنُّزُولِ مِنْ قِمَّةِ جَبَلِ أمَانَةَ، مِنْ قِمَّةِ جَبَلِ سَنِيرَ وَجَبَلِ حَرْمُونَ، مِنْ عَرَائِنِ الأُسُودِ، مِنَ الجِّبَالِ الَّتِي تَطُوفُ فِيهَا النُّمُورُ. يَا عَزِيزَتِي، قَد سَبَيْتِ قَلْبِي، يَا عَرُوسِي، لَقَد سَبَيْتِ قَلْبِي بِلَمحَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عَيْنَيْكِ، بِخَرَزَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عِقدِكِ. مَا أبدَعَ حُبَّكِ، يَا عَزِيزَتِي، يَا عَرُوسِي! حُبُّكِ ألَذُّ مِنَ النَّبِيذِ، وَرَائِحَةُ زُيُوتِكِ الفَوَّاحَةُ أحلَى مِنْ كُلِّ عِطرٍ. شَفَتَاكِ تَقْطُرَانِ شَهْدًا، يَا عَرُوسِي. وَتَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَحَلِيبٌ. شَذَا ثِيَابِكِ كَشَذَا أرزِ لُبْنَانَ. بُستَانٌ مُقفَلٌ هِيَ عَزِيزَتِي وَعَرُوسِي، بَستَانٌ مُقفَلٌ وَيَنْبُوعٌ مَختُومٌ. حُقُولُكِ المَروِيَّةُ بُسْتَانُ رُمَّانٍ فِيهِ أفْضَلُ الثِّمَارِ، تَحْمِلُ الحِنَّاءَ وَأطيَابًا وَنَارِدِينَ. تَحْمِلَ النَّارِدِينَ وَالزَّعفَرَانَ وَالقَصَبَ وَالقِرفَةَ وَالمُرَّ وَالصَّبرَ، مَعَ أفْضَلِ الأطيَابِ. أنْتِ كَيَنْبُوعٍ فِي بُستَانٍ. كَبِئرِ مَاءٍ عَذبٍ، وَكَجَدَاوِلَ تَتَدَفَّقُ مِنْ جِبَالِ لُبْنَانَ. استَيْقِظِي، أيَّتُهَا الرِّيحُ الشِّمَالِيَّةُ. وَهُبِّي، أيَّتُهَا الرِّيحُ الجَنُوبِيَّهُ عَلَى بُستَانِهِ هُبِّي وَانْشُرِي أطيَابَهُ. لِيَأْتِ حَبِيبِي إلَى بُستَانِهِ، وَلْيَأْكُلْ ثِمَارَهُ الرَّائِعَةَ. جِئتُ إلَى بُستَانِي، يَا عَزِيزَتِي وَعَرُوسِي. وَقَطَعتُ مُرِّي مَعَ أطيَابِي. أكَلتُ شَهدِي مَعَ عَسَلِي. شَرِبتُ نَبِيذِي وَلَبَنِي. كُلَا وَاشرَبُا، أيُّهَا الصَّدِيقَانِ، وَانتَشِيَا بِالحُبِّ. أنَا نَائِمَةٌ لَكِنَّ قَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ. فَسَمَعتُ صَوْتًا! كَانَ حَبِيبِي يَقْرَعُ وَيَقُولُ: «افتَحِي لِي البَابَ، يَا عَزِيزَتِي وَيَا رَفِيقَتِي، يَا يَمَامَتِي الَّتِي لَا يَنْقُصُكِ شَيءٌ. فَرَأسِي مَنقُوعٌ فِي النَّدَى، وَشَعرِي مُبَلَّلٌ بِرَذَاذِ اللَّيلِ.» فَقُلْتُ لَهُ: «خَلَعْتُ ثِيَابِي، فَهَلْ ألبَسُهَا مِنْ جَدِيدٍ؟ غَسَّلتُ قَدَمَيَّ، فَهَلْ أُوَسِّخُهُمَا؟» فَمَدَّ حَبِيبِي يَدَهُ إلَيَّ مِنْ فَتْحَةِ البَابِ، فَدَقَّ قَلْبِي بِعُنفٍ شَوقًا إلَيْهِ. قُمْتُ لِأفتَحَ لِحَبِيبِي، وَيَدَايَ تَقْطُرَانِ مُرًّا. فَسَالَ المُرُّ مِنْ أصَابِعِي عَلَى مِقبَضِ البَابِ. فَتَحْتُ البَابَ لِحَبِيبِي، لَكِنَّ حَبِيبِي كَانَ قَد ذَهَبَ وَتَابَعَ سَيرَهُ. حَزِنتُ حَتَّى المَوْتَ حِينَ مَضَى. بَحَثتُ عَنْهُ فَلَمْ أجِدهُ. نَادَيتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُجِبْنِي. رَآنِي حُرَّاسُ المَدِينَةِ الطَوَّافُونَ، فَضَرَبُونِي وَجَرَحُونِي. وَنَزَعَ حُرَّاسُ الأسوَارِ خِمَارِي عَنِّي. أستَحْلِفُكُنَّ، يَا بَنَاتِ مَدِينَةِ القُدْسِ، إنْ وَجَدتُنَّ حَبِيبِي، أخبِرنَهُ بِأنَّ الحُبَّ أمْرَضَنِي. كَيْفَ يَمتَازُ حَبِيبُكِ عَنْ أيِّ حَبِيبٍ آخَرَ، يَا أجمَلَ الجَمِيلَاتِ؟ كَيْفَ يَمتَازُ حَبِيبُكِ عَلَى أيِّ حَبِيبٍ حَتَّى تَسْتَحْلِفِينَا هَكَذَا؟ حَبِيبِي مُتَألِّقٌ مُتَوَرِّدٌ، مُمَيَّزٌ بَيْنَ ألْفِ شَابٍّ. رَأسُهُ ذَهَبٌ مِنْ مَدِينَةِ إبرِيزَ، خُصُلَاتُ شَعْرِهِ أغْصَانُ نَخِيلٍ، سَودَاءُ كَالغُرَابِ. عَينَاهُ كَيَمَامَتَيْنِ عِنْدَ جَدَاوِلِ المِيَاهِ، تَسْتَحِمَّانِ فِي الحَلِيبِ، كَجَوهَرَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمَا. خَدَّاهُ كَحَوضَي أطيَابٍ تُطلِعُ أعْشَابًا طَيِّبَةً. وَشَفَتَاهُ كَزَنْبَقَتَيْنِ تَقْطُرَانِ مُرًّا سَائِلًا. ذِرَاعَاهُ قَضِيبَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعَانِ بِاليَشْبِ. جِسْمُهُ تُحفَةٌ مِنَ العَاجِ المُزَيَّنِ بِاليَاقُوتِ الأزرَقِ. سَاقَاهُ عَمُودَانِ مِنَ المَرمَرِ قَائِمَانِ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ. قَامَتُهُ كَأشْجَارِ لُبْنَانَ. فَمُهُ عَذْبٌ جِدًّا، وَكُلُّ مَا فِيهِ شَهِيٌّ جِدًّا. هَكَذَا هُوَ حَبِيبِي، وَهَكَذَا هُوَ خَلِيلِي يَا بَنَاتِ مَدِينَةِ القُدْسِ. أيْنَ مَضَى حَبِيبُكِ، يَا أجمَلَ الجَمِيلَاتِ؟ فِي أيِّ اتِّجَاهٍ مَضَى حَبِيبُكِ؟ قُولِي لَنَا، فَنَبحَثَ عَنْهُ مَعَكِ. حَبِيبِي نَزَلَ إلَى بُستَانِهِ، إلَى أحوَاضِ الأطيَابِ. نَزَلَ لِيَرْعَى فِي البَسَاتِينِ وَيَقْطِفَ الزَّنَابِقَ. أنَا لِحَبِيبِي، وَحَبِيبِي لِي. هُوَ بَيْنَ الزَّنَابِقِ يَرْعَى. أنْتِ جَمِيلَةٌ كَمَدِينَةِ تِرْصَةَ، يَا حَبِيبَتِي، وَبَدِيعَةٌ كَمَدِينَةِ القُدْسِ. مُذهِلَةٌ كَجَيْشٍ يَرْفَعُ رَايَاتِهِ. حَوِّلِي عَيْنَيْكِ عَنِّي، لِأنَّهُمَا تَقْوَيَانِ عَلَيَّ. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مَاعِزٍ يَنْحَدِرُ مِنْ عَلَى جَبَلِ جِلْعَادَ، وَأسنَانُكِ كَقَطِيعِ النِّعَاجِ المَجْزُوزَةِ وَالمَغسُولَةِ لِلتَوِّ. كُلُّهَا تَلِدُ تَوَائِمَ، لَمْ تُسقِط إحدَاهَا حَمَلًا. كَفَلْقَةِ رُمَّانٍ هُوَ خَدُّكِ تَحْتَ خِمَارِكِ. رُبَّمَا تُوجَدُ سِتُّونَ مَلِكَةً، وَثَمَانُونَ جَارِيَةً، وَفَتَيَاتٌ بِلَا عَدَدٍ، لَكِنْ فَرِيدَةٌ هِيَ يَمَامَتِي، كَامِلَتِي. فَرِيدَةٌ عِنْدَ أُمِّهَا الَّتِي وَلَدَتهَا. الشَّابَّاتُ رَأينَهَا فَمَدَحْنَهَا. المَلِكَاتُ وَالجَوَارِي مَدَحْنَهَا. مَنْ هِيَ هَذِهِ الَّتِي تُطِلُّ كَالفَجرِ؟ مَنْ هَذِهِ الجَمِيلَةُ كَالقَمَرِ، السَّاطِعَةُ كَالشَّمْسِ، المُرهِبَةُ كَجَيْشٍ يَرْفَعُ رَايَاتِهِ؟ نَزَلتُ إلَى بُسْتَانِ الجَوزِ، وَنَظرْتُ إلَى البَرَاعِمِ فِي الوَادِي، لِأرَى إنْ كَانَتِ الكُرُومُ قَدْ أزهَرَتْ، وَالرُّمَّانُ قَد نَضِجَ. فَلَمْ أشعُرْ إلَّا وَأنَا بَيْنَ مَرْكَبَاتِ شَعْبِي. ارْجِعِي، ارْجِعِي، يَا سَلمَى. ارْجِعِي، ارْجِعِي، فَنَنظُرَ إلَيكِ. لِمَاذَا تُحَدِّقُونَ فِي سَلمَى وَهِيَ تَرْقُصُ رَقصَةَ النَّصرِ؟ مَا أجْمَلَ قَدَمَيكِ فِي الحِذَاءِ، يَا نَبِيلَةَ الأصلِ! مُنعَطَفَاتُ فَخذَيكِ كَحِلِيٍّ صَنَعَهَا صَانِعٌ مَاهِرٌ. سُرَّتُكِ كَطَاسٍ مُدَوَّرَةٍ لَا تَنْقُصُهَا خَمرٌ مَمْزُوجَةٌ. بَطنُكِ كَكَومَةٍ مِنَ القَمْحٍ، مُحَاطٌ بِالزُّهُورِ. ثَدْيَاكِ كَابنَيِّ ظَبيٍ، كَتَوأمَي غَزَالٍ. عُنُقُكِ كَبُرجٍ مِنَ العَاجِ. عَينَاكِ كَبُرجِ حَشْبُونَ عِنْدَ بَوَّابَةِ بَثَّ رَبِّيمَ أنفُكِ كَبُرجِ لُبْنَانَ الَّذِي يَتَطَلَّعُ نَحْوَ دِمَشقَ. رَأسُكِ يُتَوِّجُكِ كَجَبَلِ الكَرْمِلِ. خُصُلَاتُ شَعرِكِ كَسِتَارَةٍ أُرجُوانِيَّةٍ، يَتَعَلَّقُ المَلِكُ بِأهدَابِهَا. مَا أجْمَلَكِ، وَمَا أبْهَجَكِ، يَا حَبِيبَتِي، أيَّتُهَا البِنتُ المُبهِجَةُ! جَلِيلَةٌ أنْتِ كَشَجَرَةِ نَخِيلٍ، وَثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ البَلَحِ. قُلْتُ سَأتَسَلَّقُ شَجَرَةَ النَّخِيلِ، وَسَأُمسِكُ بَعْضَ أغْصَانِهَا. لِتَكُنْ كَعَنَاقِيدِ العِنَبِ ثَدِيَاكِ، وَكَالتًّفَاحِ رَائِحَةُ أنفَاسِكِ. وَفَمُكِ كَأفضَلِ نَبيذٍ. نَعَمْ يَنْسَابُ بِرِفْقٍ مِنْ أجْلِ حَبِيبِي، وَيَنْتَشِرُ عَلَى شَفَتَيَّ وَأسْنَانِي. أنَا لِحَبِيبِي، وَهُوَ يَشْتَاقُ إلَيَّ. تَعَالَ، يَا حَبِيبِي، وَلنَذهَبْ إلَى الحَقْلِ. لِنُمضِ اللَّيلَةَ فِي القُرَى. سَنُبَكِّرُ إلَى الكُرُومِ. وَسَنَرَى إنْ كَانَتْ قَد أزهَرَتِ الكُرُومُ، أوْ تَفَتَّحَتِ البَرَاعِمُ، أوْ تَوَرَّدَ الرُّمَّانُ. هُنَاكَ سَأُعْطِيكَ حُبِّي. تُطلِقُ وُرُودُ الوُدِّ رَائِحَتَهَا الذَّكِيَّةَ، وَكُلُّ أنْوَاعِ أطَايِبِ الثِّمَارِ القَدِيمَةِ وَالجَدِيدَةِ فَوْقَ أبوَابِنَا، حَفِظتُ هَذِهِ كُلَّهَا لَكَ يَا حَبِيبِي. لَيتَكَ كُنْتَ أخِي، مَنْ رَضِعَ مِنْ ثَدْيَي أُمِّي؟ إذَا قَابَلتُكَ فِي الشَّارِعِ، أُقَبِّلُكَ وَلَا يَلُومُنِي أحَدٌ. أقتَادُكَ وَأُحْضِرُكَ إلَى بَيْتِ أُمِّي، إلَى غُرْفَةِ وَالِدَتِي، حَيْثُ تُعَلِّمُنِي. وَسَأسقِيكَ خَمرًا مَمْزُوجَةً، هِيَ رَحِيقُ رُمَّانِي. شِمَالُهُ تَحْتَ رَأسِي، وَيَمِينُهُ تُطَوِّقُنِي. يَا بَنَاتِ القُدْسِ، أستَحْلِفُكُنَّ ألَّا تُنَبِّهْنَ أوْ تُيقِظْنَ الحُبَّ، حَتَّى أسْتَعِدَّ لَهُ. مَنْ هَذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ البَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟ تَحْتَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ أيقَظتُكَ. هُنَاكَ حَبِلَتْ بِكَ أُمُّكَ. هُنَاكَ حَبِلَت بِكَ الَّتِي وَلَدَتكَ. كَخَاتِمٍ ضَعنِي عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلِى ذِرَاعِكَ. لِأنَّ الحُبَّ قَوِيٌّ كَالمُوتِ، غَيْرَتُهُ قَاسِيَةٌ كَالهَاوِيَةِ. شَرَارُ الحُبِّ شَرَارُ نَارٍ، لَهَبٌ هَائِلٌ. لَا يَقْوَى طُوفَانٌ عَلَى إطفَاءِ الحُبِّ، وَالأنهُارُ لَا تَقْدِرُ أنْ تَجْرِفَهُ. لَوْ أنَّ إنْسَانًا قَدَّمَ كُلَّ ثَروَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الحُبِّ، فَإنَّهَا سَتُحتَقَرُ كَثِيرًا. عِنْدَنَا أُختٌ صَغِيرَةٌ، وَلَمْ يَكْبُرْ صَدرُهَا بَعْدُ. فَمَاذَا نَفعَلُ لِأُختِنَا عِنْدَمَا تُطلَبُ لِلزَّوَاجِ؟ إنْ كَانَتْ سُورًا، سَنَبنِي عَلَيْهَا بُرجًا مِنْ فِضَّةٍ. وَإنْ كَانَتْ بَابًا، فَسَنَكسُوهَا بِالأرْزِ. أنَا سُورٌ، وَثَدْيَايَ بُرجَانِ، يَنْظُرُ إلَيَّ وَيَجِدُ سَلَامًا. كَانَ لِسُلَيمَانَ كَرْمٌ فِي بَعْلِ هَامُونَ. فَأوكَلَ كَرْمَهُ لِعُمَّالٍ يَتَعَهَّدُونَهُ. فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يُعْطِي سُلَيْمَانَ عَنْ ثَمَرِ الكَرْمِ ألْفَ قِطْعَةٍ مِنَ الفِضَّةِ. احتَفِظْ بِالألْفِ، يَا سُلَيْمَانُ. وَأعْطِ مِئَتَيْنِ لِحُرَّاسِ الثَمَرِ. أمَّا كَرْمِي، الَّذِي أملِكُهُ، فَلِي وَحْدِي. يَا مَنْ تَجْلِسِينَ فِي البَسَاتِينِ، أصدِقَائِي يَسْتَمِعُونَ إلَى صَوْتِكِ. فَأسمِعِينِي صَوْتَكِ أنَا أيْضًا! عَجِّلْ يَا حَبِيبِي، وَكُنْ كَغَزَالٍ، أوْ كَالإيَّلِ عَلَى جِبَالِ الأطْيَابِ. هَذِهِ هِيَ الرُّؤيَا الَّتِي رَآهَا النَّبِيُّ إشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ عَنْ يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ، فِي زَمَنِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا، مُلُوكِ يَهُوذَا. اسمَعِي أيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ، وَأنصِتِي أيَّتُهَا الأرْضُ، لِأنَّ اللهَ تَكَلَّمَ: «رَبَّيتُ أوْلَادِي وَكَبَّرْتُهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ! الثَّورُ يَعْرِفُ صَاحِبَهُ، وَالحِمَارُ يَعْرِفُ حَوضَ عَلَفِ سَيِّدِهِ، وَلَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا يَعْرِفُونَ الَّذِي يُطعِمُهُمْ، شَعْبِي لَا يَفْهَمُ.» آهٍ عَلَى أُمَّةِ إسْرَائِيلَ الخَاطِئَةِ. الشَّعْبِ كَثِيرِ الآثَامِ، وَالأوْلَادِ فَاعِلِي الشَّرِّ الفَاسِدِينَ! فَقَدْ تَخَلَّوْا عَنِ اللهِ ، وَاستَهَانُوا بِقُدُّوسِ إسْرَائِيلَ. تَرَكُوهُ وَعَامَلُوهُ كَغَرِيبٍ! مَا نَفْعُ أنْ تُضرَبُوا أكْثَرَ؟ فَإنَّكُمْ تَسْتَمِرُّونَ فِي عِصيَانِكُمْ! رَأسُكُمْ مَرِيضٌ بِالْكَامِلِ، وَقَلْبُكُمْ كُلُّهُ سَقِيمٌ. مِنْ أسفَلِ القَدَمِ إلَى قِمَّةِ الرَّأسِ لَا يُوجَدُ شَيءٌ سَلِيمٌ. جِسمِكُمْ كُلُّهُ جُرُوحٌ وَقُرُوحٌ وَضَربَاتٌ غَيْرُ مَشفِيَّةٍ لَمْ تُعصَرْ وَلَمْ تُضَمَّدْ وَلَمْ تُدَلَّكْ بِالزَّيْتِ. بَلَدُكُمْ خَرِبٌ، وَمُدُنُكُمْ مَحرُوقَةٌ بِالنَّارِ. الأجَانِبُ يَأْكُلُونَ أرْضَكُمْ أمَامَكُمْ، وَالغُرَبَاءُ خَرَّبُوهَا. وَالعَزِيزَةُ صِهْيَوْنُ هِيَ الوَحِيدَةُ البَاقِيَةُ، كَكُوخِ الحَارِسِ فِي كَرْمٍ، وَكَخَيْمَةٍ وَسَطَ حَقْلِ خَضْرَاوَاتٍ، وَكَمَدِينَةٍ يُحَاصِرُهَا الأعْدَاءُ. لَوْ لَمْ يُبقِ لَنَا اللهُ القَدِيرُ نَسْلًا، لَكُنَّا مِثْلَ سَدُومَ، وَلَأصبَحنَا مِثْلَ عَمُورَةَ. اسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا حُكَّامَ سَدُومَ، وَأصْغُوا إلَى تَعْلِيمِ إلَهِنَا يَا شَعْبَ عَمُورَةَ. يَقُولُ اللهُ : «لِمَاذَا ذَبَائِحُكُمُ الكَثِيرَةُ هَذِهِ؟ أنَا مُتخَمٌ بِذَبَائِحِ الكِبَاشِ وَشَحْمِ الحَيَوَانَاتِ المُسَمَّنَةِ. وَلَا يَسُرُّنِي دَمُ الثِّيرَانِ وَالخِرَافِ وَالتُّيُوسِ. عِنْدَمَا تَأْتُونَ إلَى مَحْضَرِي لِتُقَدِّمُوا ذَبَائِحَ، مَنْ طَلَبَ مِنْكُمْ أنْ تَدُوسُوا سَاحَاتِ هَيْكَلِي؟ تَوَقَّفُوا عَنْ إحْضَارِ تَقْدِمَاتٍ بَاطِلَةٍ. أنَا أكرَهُ البَخُورَ وَأوَائِلَ الشُّهُورِ وَالسُّبُوتَ وَالأعْيَادَ. لَا أُطِيقُ الِاجْتِمَاعَاتِ الدِّينِيَّةَ مَعَ الإثْمِ. تُبْغُضُ نَفْسِي أوَائِلَ شُهُورِكُمْ وَأعيَادَكُمْ. وَقَدْ صَارَتْ ثَقِيلَةً عَلَيَّ. حِينَ تَمُدُّونَ أيدِيَكُمْ لِلدُّعَاءِ لَا أنظُرَ إلَيكُمْ، وَإنْ صَلَّيتُمْ كَثِيرًا لَنْ أسْمَعَ، لِأنَّ أيدِيَكُمْ مُغَطَّاةٌ بِالدِّمَاءِ. اغْتَسِلُوا وَتَطَهَّرُوا، وَأزِيلُوا أعْمَالَكُمُ الشِّرِّيرَةَ الَّتِي تَرْتَكِبُونَهَا أمَامِي. تَوَقَّفُوا عَنْ عَمَلِ الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فِعلَ الخَيْرِ، وَابْتَغُوا العَدْلَ. أنقِذُوا المَظلُومِينَ، وَدَافِعُوا عَنِ اليَتَامَى، وَحَامُوا عَنِ الأرَامِلِ.» يَقُولُ اللهُ : «تَعَالَوْا نَتَحَاجَجَ. إنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ حَمرَاءَ كَالقِرمِزِ، أنَا أجعَلُهَا بَيْضَاءَ كَالثَّلجِ. وَإنْ كَانَتْ كَالأُرجُوانِ، أجعَلُهَا كَالصُّوفِ الأبيَضِ. إنْ أطَعْتُمْ فَسَتَأْكُلُونَ مِنْ خَيرَاتِ هَذِهِ الأرْضِ. وَلَكِنْ إنْ رَفَضْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ فَسَتَأْكُلُكُمْ سُيُوفُ العَدُوِّ.» لِأنَّ فَمَ اللهِ قَدْ تَكَلَّمَ. كَيْفَ صَارَتِ المَدِينَةُ الأمِينَةُ كَزَانِيَةٍ؟ كَانَتْ مَملُوءَةً بِالعَدْلِ، وَكَانَ الصَّلَاحُ يَسْكُنُ فِيهَا، أمَّا الآنَ فَيَسْكُنُهَا القَاتِلُونَ. صَارَتْ فِضَّتُكِ كَنِفَايَةِ المَعَادِنِ، وَاختَلَطَ نَبِيذُكِ بِالمَاءِ. حُكَّامُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَرِفَاقٌ لِلُّصُوصِ. كُلُّهُمْ يُحِبُّونَ الرِّشوَةَ وَيَسْعَوْنَ وَرَاءَ الهَدَايَا. لَا يُعطُونَ اليَتِيمَ حَقَّهُ، وَلَا يُصغُونَ لِشَكوَى الأرمَلَةِ. لِهَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ القَديرُ، جَبَّارُ إسْرَائِيلَ: «لَنْ يُزعِجَنِي أعْدَائِي فِيمَا بَعْدُ، وَسَأنتَقِمُ مِنْ أعْدَائِي. سَأضَعُ يَدِي عَلَيْكِ مِنْ جَدِيدٍ. سَأُنَظِّفُ نِفَايَتَكِ كَمَا بِالصَّابُونِ، وَأُزِيلُ جَمِيعَ شَوَائِبِكِ. سَأُعِيدُ قُضَاتَكِ وَمُشِيرِيكِ كَمَا كَانُوا فِي البِدَايَةِ. حِينَئِذٍ، سَوفَ تُدعَينَ ‹مَدِينَةَ البِرِّ› وَ ‹المَدِينَةَ الأمِينَةَ.›» سَتُفدَى صِهْيَوْنُ بِالعَدْلِ، وَالعَائِدُونَ إلَيْهَا سَيُحَرَّرُونَ بِالبِرِّ. أمَّا العُصَاةُ وَالخُطَاةُ فَسَيُحَطَّمُونَ مَعًا، وَالَّذِينَ يَتْرُكُونَ اللهَ سَيَفْنَوْنَ. سَتَخْجَلُونَ مِنْ أشْجَارِ البَلُّوطِ الَّتِي كُنْتُمْ تُسَرُّونَ بِهَا، وَتَخْزَونَ مِنَ البَسَاتِينِ الَّتِي اختَرْتُمُوهَا لِلعِبَادَةِ. هَذَا لِأنَّكُمْ سَتَكُونُونَ كَأورَاقِ شَجَرِ البَلُّوطِ الَّتِي تَذْبُلُ وَتَسْقُطُ، وَكَالبَسَاتِينِ الجَافَّةِ. وَيَصِيرُ القَوِيُّ كَخَيطِ كِتَّانٍ مَنسُولٍ، وَعَمَلُهُ كَشَرَارَةٍ. فَيَحْتَرِقَانِ مَعًا، وَلَا أحَدَ يَقْدِرُ أنْ يُطفِئَ النَّارَ. هَذَا مَا رَآهُ إشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ عَنْ يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ. وَفِي الأيَّامِ الأخِيرَةِ، سَيَكُونُ جَبَلُ بَيْتِ اللهِ رَاسِخًا كَأعَلَى الجِبَالِ. سَيُرفَعُ فَوْقَ التِّلَالِ، وَتَتَدَفَّقُ الأُمَمُ إلَيْهِ. شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ سَتَأْتِي وَتَقُولُ: «هَلُمَّ نَصْعَدُ إلَى جَبَلِ اللهِ ، إلَى بَيْتِ إلَهِ يَعْقُوبَ. حَيْثُ نَتَعَلَّمُ أنْ نَحيَا وَفْقَ مَشِيئَتِهِ، وَنَسْلَكَ حَسَبَ تَعْلِيمِهِ.» لِأنَّ الشَّريعَةَ سَتَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ، وَكَلِمَةُ اللهِ مِنَ القُدْسِ. سَيَحْكُمُ بَيْنَ الأُمَمِ، وَيَفْصِلُ فِي نِزَاعَاتِ الشُّعُوبِ. تُحَوِّلُ الأُمَمُ السُّيُوفَ إلَى مَحَارِيثَ، وَالرِّمَاحَ إلَى أدَوَاتٍ لِتَقْلِيمِ النَّبَاتَاتِ. لَنْ تَتَحَارَبَ الأُمَمُ، وَلَنْ يَتَعَلَّمُوا الحَرْبَ مِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ فَصَاعِدًا. تَعَالَوْا يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ لِنَسِرْ فِي نُورِ اللهِ . تَرَكْتَ شَعْبَكَ يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، وَهَا هُمْ مُنغَمِسُونَ فِي سِحرِ الشَّرقِ، وَعِرَافَةِ الفِلِسْطِيِّينَ. يَقْطَعُونَ عُهُودًا مَعَ الغُرَبَاءِ. أرْضُهُمْ مَلِيئَةٌ بِالفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَلَا حَدَّ لِكُنُوزِهِمْ. وَأرْضُهُمْ مَليئَةٌ بِالخَيلِ، وَمَركِبَاتُهُمُ لَا تُحصَى. أرْضُهُمْ مَليئَةٌ بِالأوْثَانِ، وَيَسْجُدُونَ لِعَمَلِ أيدِيهِمْ، وَمَا صَنَعَتْهُ أصَابِعُهُمْ. سَيُذَلُّ النَّاسُ وَيُخْزَوْنَ. لَا تَرْفَعْهُمْ يَا اللهُ. ادْخُلْ إلَى الصَّخرَةِ. اختَبِئْ فِي حُفرَةِ الرِّمَالِ مِنْ رَهبَةِ اللهِ ، وَمِنْ جَلَالِهِ المَجِيدِ. سَيَنْحَطُّ المُتَشَامِخُونَ، وَالمُتَكَبِّرُونَ سَيُذَلُّونَ. اللهُ وَحْدَهُ سَيَرْتَفِعُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. لِأنَّ اللهَ القَدِيرَ قَدْ حَدَّدَ يَومًا ضِدَّ كُلِّ المُتَشَامِخِينَ وَالمُتَكَبِّرِينَ، وَسَيُذَلُّونَ. حَدَّدَ يَومًا ضِدَّ كُلِّ أرزِ لُبْنَانَ المُرْتَفِعِ، وَكُلِّ بَلُّوطَاتِ بَاشَانَ. ضِدَّ كُلِّ الجِبَالِ المُرْتَفِعَةِ وَالتِّلَالِ العَالِيَةِ، وَكُلِّ بُرجٍ مُرْتَفِعٍ وَسُورٍ مُحَصَّنٍ عَالٍ. ضِدَّ كُلِّ سُفُنِ تَرْشِيشَ، وَكُلِّ السُّفُنِ الجَمِيلَةِ. سَتُذَلُّ كِبرِيَاءُ النَّاسِ، وَسَيُحَطَّمُ تَشَامُخُهُمْ. اللهُ وَحْدَهُ سَيَرْتَفِعُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. أمَّا الأوْثَانُ فَتَفْنَى بِالْكَامِلِ. سَيَذْهَبُ النَّاسُ إلَى مَغَارَاتِ الصُّخُورِ، وَإلَى حُفَرِ الرِّمَالِ خَوْفًا مِنَ اللهِ وَمَجْدِ جَلَالِهِ، عِنْدَمَا يَقُومُ لِيُرعِبَ الأرْضَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، يُمْسِكُ النَّاسُ بِأصْنَامِهِمُ المَصْنُوعَةِ مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ – الَّتِي صَنَعُوهَا لِيَسْجُدُوا لَهَا – وَيَرْمُونَهَا لِلقَوَارِضِ وَالخَفَافِيشِ. سَيَحْتَمُونَ بِمَغَارَاتِ الصُّخُورِ وَشُقُوقِهَا، خَوْفًا مِنَ اللهِ وَمَجْدِ جَلَالِهِ، حِينَ يَقُومُ لِيُرعِبَ الأرْضَ. لَا تَثِقُوا بِالبَشَرِ، إذْ لَا يَفْصِلُهُمْ عَنِ المَوْتِ سِوَى النَّفَسِ البَاقِي فِي أُنُوفِهِمْ، فَبِمَ يَنْفَعُونَ؟ لِأنَّ الرَبَّ الإلَهَ القَدِيرَ سَيُزِيلُ مِنَ القُدْسِ وَيَهُوذَا كُلَّ مَا يَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ. كُلَّ مَصَادِرِ الطَّعَامِ، وَكُلَّ مَصَادِرِ المَاءِ، وَكُلَّ الأقوِيَاءِ وَالجُنُودِ وَالقُضَاةِ وَالأنْبِيَاءِ وَالعَرَّافِينَ وَالشُّيُوخِ وَالقَادَةِ وَالشُّرَفَاءِ وَالمُسْتَشَارِينَ وَالصُّنَّاعِ المَاهِرِينَ وَالفَاهِمِينَ فِي السِّحرِ وَالعِرَافَةِ. وَيَقُولُ: «سَأجْعَلُ قَادَتَهُمْ مِنَ الأوْلَادِ، وَالأطْفَالُ سَيَحْكُمُونَهُمْ. وَسَيَظْلِمُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. كُلُّ وَاحِدٍ سَيَظْلِمُ صَاحِبَهُ. سَيُهينُ الصِّغَارُ كِبَارَ السِّنِّ، وَسَيُهينُ الأدنِيَاءُ الشُّرَفَاءَ.» سَيُمسِكُ الرَّجُلُ بِقَرِيبٍ لَهُ، مِنْ عَائِلَتِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: «لَدَيكَ ثَوبٌ، لِذَا سَتَكُونُ حَاكِمًا لَنَا. فَمَا تَبَقَّى مِنَ الخَرَابِ، سَيَكُونُ تَحْتَ سُلطَانِكَ.» فَيَصْرُخُ قَرِيبُهُ وَيَقُولُ: «لَا أسْتَطِيعُ أنْ أُسَاعِدَكُمْ، فَلَا يُوجَدُ طَعَامٌ أوْ ثِيَابٌ فِي بَيْتِي. لَا تَجْعَلُونِي حَاكِمًا لِلشَّعْبِ.» لِأنَّ أهْلَ القُدْسِ وَيَهُوذَا تَعَثَّرُوا وَسَقَطُوا. كَلَامُهُمْ وَأعْمَالُهُمْ كُلُّهَا ضِدُّ اللهِ . يَتَحَدَّوْنَ حَضْرَتَهُ المَجِيدَةَ. تَعْبِيرَاتُ وُجُوهِهِمْ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، وَيَتَكَلَّمُونَ عَنْ خَطِيَّتِهِمْ كَسَدُومَ، وَلَا يُخفُونَهَا. مَا أرْعَبَ مَا سَيَحِلُّ بِهِمْ، لِأنَّهُمْ سَبَّبُوا الضِّيقَ لِأنفُسِهِمْ! قُولُوا لِلمُسْتَقِيمِينَ هَنيئًا، لِأنَّهُمْ سَيَأْكُلُونَ ثَمَرَ تَعَبِهِمْ. وَوَيْلٌ لِلأشرَارِ! يَالَتَعَاسَتِهِمْ! لِأنَّهُمْ سَيُجَازَونَ بِمثلِ مَا فَعَلَتْ أيْدِيهِمْ. سَيَظْلُمُ أطْفَالٌ شَعْبِي، وَسَتَحْكُمُهُ نِسَاءٌ. سَيُضِلُّكُمْ مُرشِدُوكُمْ يَا شَعْبِي، وَسَيُخَرِّبُونَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسِيرُونَ فِيهَا. سَيَقِفُ اللهُ لِيَرْفَعَ دَعوَاهُ، سَيَقِفُ لِيُحَاكِمَ الأُمَمَ. سَيُعلِنُ اللهُ حُكمَهُ عَلَى قَادَةِ شَعْبِهِ وَرُؤَسَائِهِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: «أكَلْتُمُ كَرْمَ العِنَبِ، وَسَرَقْتُمُ الفُقَرَاءَ وَأخَذْتُمْ مَالَهُمْ. لِمَاذَا تَسْحَقُونَ شَعْبِي، وَتُمَرِّغُونَ وُجُوهَ المَسَاكِينِ بِالطِّينِ؟» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ. وَيَقُولُ اللهُ : «نِسَاءُ صِهْيَوْنَ مُتَكَبِّرَاتٌ. يَتَمَشَّينَ بِرُؤوسٍ مُتَشَامِخَةٍ وَنَظَرَاتٍ مُسْتَهْتِرَةٍ. وَيَتَبَختَرْنَ بِرَنَّاتِ الخَلَاخِلِ.» لِذَلِكَ سَيُصِيبُ الرَّبُّ رُؤُوسَ نِسَاءِ صِهْيَوْنَ بِالقُرُوحِ، وَسَيَكْشِفُ اللهُ عَورَتَهُنَّ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُزِيلُ الرَّبُّ الزِّينَةَ عَنهُنَّ: الخَلَاخِلَ وَالقَلَائِدَ المَصْنُوعَةَ عَلَى شَكْلِ الشَّمْسِ وَالهِلَالِ، وَالأحلَاقَ وَالأسَاوِرَ وَأغطِيَةَ الرَّأسِ وَعَصَائِبَ الرَّأسِ وَسَلَاسِلَ الأقْدَامِ وَالأحزِمَةَ وَزُجَاجَاتِ العُطُورِ وَالحُجُبَ وَالخَوَاتِمَ وَأحلَاقَ الأنفِ وَالثِّيَابَ الجَمِيلَةَ وَالمَعَاطِفَ وَالشَّالَاتِ وَالحَقَائِبَ وَالمَرَايَا وَالثِّيَابَ الكِتَّانِيَّةَ وَالعَمَائِمَ وَالخِمَارَاتِ. سَتَفُوحُ رَائِحَتُهُنَّ العَفِنَةُ عِوَضًا عَنِ العُطُورِ. سَتَكُونُ لَهُنَّ الحِبَالُ عِوَضًا عَنِ الأحزِمَةِ، وَالقَرَعُ عِوَضًا عَنِ الشَّعرِ المُسَرَّحِ، وَالخَيْشُ عِوَضًا عَنِ الثِّيَابِ الجَمِيلَةِ، وَالخِزيُ عِوَضًا عَنِ الجَمَالِ. سَيُقتَلُ رِجَالُكِ بِالسَّيْفِ، وَأقرِبَاؤُكِ فِي الحَرْبِ. سَتَنُوحُ وَتَبْكِي أبوَابُ المَدِينَةِ، وَتَكُونُ فَارِغَةً مِنَ الرِّجَالِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، تُمْسِكُ سَبعُ نِسَاءٍ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَيَقُلْنَ لَهُ: «سَنَأكُلُ طَعَامَنَا وَنَلبَسُ ثِيَابَنَا، وَمَا نُرِيدُهُ هُوَ أنْ تَتَزَوَّجَنَا فَنُدْعَى بِاسْمِكَ. أزِلْ عَارَنَا لِأنَّنَا لَسْنَا مُتَزَوِّجَاتٍ.» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، يَكُونُ غُصْنُ اللهِ جَمِيلًا وَمَجِيدًا، وَثَمَرُ الأرْضِ فَخرًا وَجَمَالًا لِلبَاقِينَ مِنْ إسْرَائِيلَ. وَسَيُدْعَى البَاقُونَ فِي صِهْيَوْنَ وَالقُدْسِ مُقَدَّسِينَ – أيْ جَمِيعُ الَّذِينَ دَوِّنَتْ أسْمَاؤهُمْ لِيُسمَحَ لَهُمْ بِالسَّكَنِ فِي القُدْسِ. وَسَيَغْسِلُ الرَّبُّ أوسَاخَ مُدُنِ صِهْيَوْنَ، وَسَيُنَظِّفُ الدَّمَ مِنَ وَسَطِ القُدْسِ بِرُوحِ القَضَاءِ وَبِرُوحِ النَّارِ. حِينَئِذٍ، سَيَخْلِقُ اللهُ سَحَابَةَ دُخَانٍ فِي النَّهَارِ، وَنُورَ نَارٍ مُلتَهِبَةٍ فِي اللَّيلِ، عَلَى كُلِّ جُزءٍ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَعَلَى كُلِّ مَكَانٍ لِلِاجْتِمَاعِ. وَسَيَضَعُ غِطَاءَ حِمَايَةٍ فَوْقَ كُلِّ إنْسَانٍ. سَيَكُونُ الغِطَاءُ مِظَلَّةً لِحِمَايَتِهِ مِنَ حَرِّ النَّهَارِ، وَمَلجأً حَصِينًا مِنَ العَاصِفَةِ وَالمَطَرِ. سَأُغَنِّي لِحَبِيبِي أُغنِيَةَ حُبٍّ عَنْ كَرْمِهِ: كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ عَلَى تَلَّةٍ خَصِبَةٍ جِدًّا. حَرَثَهُ وَأزَالَ مِنْهُ الحِجَارَةَ. وَبَنَى بُرجًا فِي وَسَطِهِ، كَمَا عَمِلَ مِعصَرَةً فِيهِ. وَتَوَقَّعَ أنْ يُنْتِجَ هَذَا الكَرْمُ عِنَبًا جَيِّدًا، وَلَكِنَّهُ أنتَجَ عِنَبًا رَدِيئًا. فَقَالَ: «وَالْآنَ يَا سُكَّانَ القُدْسِ وَيَا بَنِي يَهُوذَا، احكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. مَاذَا كَانَ عَلَيَّ أنْ أعمَلَ لِكَرْمِي وَلَمْ أعْمَلْهُ؟ لِمَاذَا تَوَقَّعْتُ أنْ يُنْتِجَ عِنَبًا جَيِّدًا، فَأنْتَجَ عِنَبًا رَدِيئًا؟ «وَالْآنَ سَأُخبِرُكُمْ مَاذَا سَأفْعَلُ بِكَرْمِي: سَأنزِعُ سِيَاجَهُ فَيَكُونَ لِلخَرَابِ، وَسَأهدِمُ سُورَهُ فَيَصِيرَ لِلدَّوسِ. سَأُخَرِّبُهُ، وَلَنْ يُقَلِّمَهُ أوْ يُنَقِّبَ أرْضَهُ أحَدٌ، وَسَتَنْمُو الأشوَاكُ فِيهِ. وَسَآمُرُ الغُيُومَ أنْ لَا تُمطِرَ عَلَيْهِ.» كَرْمُ اللهِ القَدِيرِ هُوَ بَيْتُ إسْرَائِيلَ، وَبَنُو يَهُوذَا هُمْ زَرْعُهُ الَّذِي يُحِبُّهُ. تَوَقَّعَ إنصَافًا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَى القَتلِ. تَوَقَّعَ صَلَاحًا، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ سِوَى صُرَاخِ المُتَضَايِقِينَ. وَيْلٌ لِمَنْ يَزِيدُونَ عَدَدَ بُيُوتِهِمْ وَحُقُولِهِمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى مَكَانٌ لِغَيرِهِمْ! سَتَسْكُنُونَ وَحِيدِينَ فِي الأرْضِ. أقْسَمَ اللهُ القَدِيرُ وَقَالَ: «البُيُوتُ الضَّخمَةُ سَتُخرَبُ، وَالبُيُوتُ الجَمِيلَةُ سَتُصبِحُ فَارِغَةً بِلَا سُكَّانٍ. عَشْرَةُ فَدَادِينَ مِنَ الكُرُومِ، لَنْ تُنْتِجَ سِوَى قِدْرٍ مِنَ النَّبِيذِ. وَكِيسًا مِنَ البُذُورِ، لَنْ يُنْتِجَ سِوَى قُفَّةٍ وَاحِدةٍ.» وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَسْتَيْقِظُونَ بَاكِرًا لِيَسْعَوْا وَرَاءَ المُسْكِرَاتِ! وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَتَأخَّرُونَ فِي اللَّيلِ لِيَشْرَبُوا الخَمْرَ! فِي حَفلَاتِهِمُ العُودُ وَالقِيثَارَةُ وَالدُّفُّ وَالمِزمَارُ وَالخَمْرُ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَهْتَمُّونَ بِمَا يَعْمَلُهُ اللهُ ، وَلَا يُلَاحِظُونَ مَا صَنَعَتْهُ يَدَاهُ. لِذَلِكَ سَيُسبَى شَعْبِي فَجْأةً لِأنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا أنِّي أنَا الَّذِي كُنْتُ أعمَلُ هَذَا. شُرَفَاءُ الشَّعْبِ سَيَجُوعُونَ، وَعَامَّةُ النَّاسِ سَيَعْطَشُونَ. وَلِهَذَا تَفْتَحُ الهَاوِيَةُ شَهِيَتَهَا، وَتُوَسِّعُ فَمَهَا كَثِيرًا لِمَزِيدٍ مِنَ النَّاسِ. شُرَفَاءُ القُدْسِ وَعَامَّةُ النَّاسِ، حُشُودُ السُّكَانِ وَجَمِيعُ المُبتَهِجِينَ، سَيَنْزِلُونَ إلَى الهَاوِيَةِ. سَيُذَلُّ الشَّعْبُ، وَسَيُقَلَّلُ مِنْ قَدرِ كُلِّ إنْسَانٍ. سَيُحَطُّ قَدْرُ المُتَكَبِّرِينَ. أمَّا اللهُ القَدِيرُ فَسَيُظهِرُ مَجْدَهُ بِعَدلِهِ، وَسَيُظهَرُ اللهُ القُدُّوسُ ذَاتَهُ بِبِرِّهِ. حِينَئِذٍ، تَرْعَى الخِرَافُ فِي مَرَاعِي الأغنِيَاءِ، وَتَأْكُلُ الحِملَانُ بَيْنَ خَرَائِبِهِمْ. وَيْلٌ لِمَنْ يَسْحَبُ الإثْمَ خَلفَهُ بِحِبَالِ الكَذِبِ، وَيَجُرُّ الخَطِيَّةَ كَمَا يَجُرُّ عَرَبَةً. يَقُولُونَ: «لِيُسرِعْ! لِيَعْمَلْ عَمَلَهُ بِسُرعَةٍ حَتَّى نَرَاهُ. وَلْتَتَحَقَّقْ خُطَّةُ قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ قَرِيبًا حَتَّى نَعْرِفَهَا.» وَيْلٌ لِلَّذِينَ يُسَمُّونَ الشَّرَّ خَيْرًا وَالخَيْرَ شَرًّا! الَّذِينَ يُحَوِّلُونَ الظُّلمَةَ إلَى نُورٍ وَالنُّورَ إلَى ظُلمَةٍ! الَّذِينَ يُحَوِّلُونَ المُرَّ إلَى حُلوٍ وَالحُلوَ إلَى مُرٍّ! وَيْلٌ لِأولَئِكَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهُمْ حُكَمَاءُ، وَيَعْتَقِدُونَ أنَّهُمْ أذكِيَاءُ. وَيْلٌ لِلأقوِيَاءِ فِي شُربِ الخَمْرِ، وَالمُحتَرِفِينَ فِي مَزْجِ المُسْكِرَاتِ! الَّذِينَ يُطلِقُونَ سَرَاحَ المُذنِبِ بِالرِّشوَةِ، وَلَا يُنْصِفُونَ البَرِيءَ. لِهَذَا كَمَا أنَّ لَهِيبَ النَّارِ يَلْتَهِمُ القَشَّ، وَالعُشبَ الجَافَّ يَزُولُ فِي اللَّهَبِ، هَكَذَا سَتَتَعَفَّنُ جُذُورُهُمْ، وَزَهرُهُمْ كَالغُبَارِ يَطِيرُ. لِأنَّهُمْ رَفَضُوا الخُضُوعَ لِتَعْلِيمِ اللهِ القَدِيرِ، وَاحتَقَرُوا كَلَامَ قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ. لِذَلِكَ اشْتعَلَ غَضَبُ اللهِ عَلَى شَعْبِهِ، وَرَفَعَ يَدَهُ ضِدَّهُمْ، وَضَرَبَهُمْ. الجِبَالُ اهتَزَّتْ، وَجُثَثُهُمْ فِي وَسَطِ الشَّوَارِعِ كَالنُّفَايَةِ. وَبِالرُّغمِ مِنْ هَذَا، مَا يَزَالُ غَاضِبًا، وَيَدُهُ مَرْفُوعَةٌ لِمُعَاقَبَتِهِمْ. سَيَدْعُو اللهُ أُمَمًا بَعِيدَةً، وَيَصْفُرُ لَهُمْ لِيأتُوا مِنْ أقَاصِي الأرْضِ. وَهَا هُمْ يَأْتُونَ سَرِيعًا. لَا أحَدَ مِنْهُمْ يَتْعَبُ أوْ يَتَعَثَّرُ، وَلَا أحَدَ مِنْهُمْ يَنْعَسُ أوْ يَنَامُ. لَا يَنْحَلُّ حِزَامٌ عَنْ وَسطِهِمْ، وَلَا يَنْقَطِعُ رِبَاطُ حِذَاءٍ. سِهَامُهُمْ حَادَّةٌ، وَأقوَاسُهُمْ جَاهِزَةٌ لِلإطلَاقِ. حَوَافِرُ خَيلِهِمْ قَاسِيَةٌ كَالصَّوَّانِ، وَعَجَلَاتُ مَرْكَبَاتِهِمْ تُثِيرُ الغُبَارَ كَرِيحٍ عَاصِفَةٍ. زَمجَرَتُهُمْ كَاللَّبُؤَةِ، وَزَئِيرُهُمْ كَالأشبَالِ. يُزَمجِرُونَ وَيُمسِكُونَ فَرَائِسَهُمْ، وَيَبْتَعِدُونَ بِهَا وَلَا يُوجَدُ مَنْ يُنْقِذُهَا. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَهْدِرُونَ عَلَى إسْرَائِيلَ كَهَدِيرِ أموَاجِ البَحْرِ. وَسَيَنْظُرُ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى الأرْضِ فَإذَا ظَلَامٌ وَضِيقٌ، وَالنُّورُ يَتَلَاشَى وَرَاءَ الغُيُومِ. فِي سَنَةِ وَفَاةِ المَلِكُ عُزِّيَّا، رَأيْتُ الرَّبَّ جَالِسًا عَلَى عَرشٍ عَالٍ، وَأطرَافُ ثَوبِهِ تَملأُ الهَيْكَلَ. وَكَانَتِ مَلَائِكَةُ السَّرَافِيمِ فَوقَهُ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةُ أجنِحَةٍ: بِاثنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثنَيْنِ يُغَطِّي رِجلَيهِ، وَبِاثنَيْنِ يَطِيرُ. وَكَانَتِ المَلَائِكَةُ يُنَادِي أحَدُهَا الآخَرَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ اللهُ القَدِيرُ. مَجْدُهُ يَملأُ كُلَّ الأرْضِ.» فَاهتَزَّتْ أسَاسَاتُ الأبوَابِ بِسَبَبِ صَوْتِ المُنَادِي، وَامتَلأ الهَيْكَلُ بِالدُّخَانِ. فَقُلْتُ: «وَيْلٌ لِي لِأنَّنِي سَأهْلِكُ، فَأنَا لَسْتُ طَاهِرَ الشَّفَتَيْنِ، وَأنَا أسكُنُ وَسَطَ شَعْبٍ غَيْرِ طَاهِرِ الشِّفَاهِ. وَمَعَ هَذَا رَأتْ عَينَيَّ المَلِكَ، الإلَهَ القَدِيرَ.» فَطَارَ إلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمرَةُ نَارٍ أخَذَهَا بِمِلقَطٍ مِنْ عَنِ المَذْبَحِ، وَلَمَسَ بِهَا فَمِي، وَقَالَ: «هَا قَدْ مَسَّتْ هَذِهِ الجَمرَةُ شَفَتَيْكَ، فَأُزِيلَ عَنْكَ إثمُكَ، وَمُحِيَتْ خَطِيَّتُكَ.» وَسَمِعْتُ صَوْتَ الرَّبِّ يَقُولُ: «مَنْ أُرسِلُ؟ مَنْ سَيَذْهَبُ لِيُعلِنَ رِسَالَتَنَا؟» فَقُلْتُ: «هَا أنَا، أرسِلْنِي.» ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِهَذَا الشَّعْبِ: ‹اسْمَعُوا لَكِنَّكُمْ لَنْ تَفْهَمُوا، وَانْظُرُوا لَكِنَّكُمْ لَنْ تَفْهَمُوا!› اجعَلْ ذِهنَ هَذَا الشَّعْبِ عَاجِزًا عَنِ الفَهمِ، وَأغلِقْ آذَانَهُمْ. أُغلِقُ عُيُونَهُمْ، فَلَا يَقْدِرُونَ أنْ يُلَاحِظُوا بِعُيُونِهِمْ، وَلَا أنْ يَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ، وَلَا أنْ يَفْهَمُوا بِعُقُولِهِمْ، لِكَي لَا يَرْجِعُوا إلَيَّ فَأُشْفِيهِمْ.» فَقُلْتُ: «إلَى مَتَى يَا رَبُّ أعلِنُ هَذَا؟» فَقَالَ: «إلَى أنْ تُدَمَّرَ المُدُنُ، وَلَا يَبْقَى فِيهَا سَاكِنٌ. وَإلَى أنْ تُصبِحَ البُيُوتُ بِلَا سَاكِنٍ، وَتُخرَبَ الأرْضُ وَتُصبِحَ فَارِغَةً.» سَيُرسِلُ اللهُ الشَّعْبَ إلَى أرْضٍ بَعِيدَةٍ، فَتَخْلُو مُعظَمُ الأرْضِ. وَمَعَ أنَّهُ يَبْقَى فِي الأرْضِ عُشْرُ العُشبِ، إلَّا أنَّهَا سَتُحرَقُ ثَانِيَةً. وَتَكُونُ مِثْلَ شَجَرَةِ البُطمَةِ وَالبَلُّوطِ الَّتِي إنْ قُطِعَتْ يُترَكُ لَهَا جَذْعٌ، وَجَذْعُهَا زَرعٌ مُقَدَّسٌ يَنْبُتُ مِنْ جَدِيدٍ. وَحَدَثَ فِي أيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوثَامَ بْنِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أنْ خَرَجَ رَصِينُ مَلِكُ أرَامَ وَفَقَحُ بْنُ رَمَلْيَا مَلِكُ إسْرَائِيلَ لِيُهَاجِمَا مَدِينَةَ القُدْسِ. وَلَكِنَّهُمَا لَمْ يَسْتَطِيعَا أنْ يَهْزِمَاهَا. فَوَصَلَ هَذَا الخَبَرُ إلَى بَيْتِ دَاوُدَ: «قَدْ خَيَّمَ أرَامُ عَلَى حُدُودِ أفْرَايِمَ.» فَارتَجَفَ آحَازُ وَشَعْبُهُ مِنَ الخَوفِ، مِثْلَ أشْجَارِ الغَابَةِ عِنْدَمَا تَهُزُّهَا الرِّيحُ. وَقَالَ اللهُ لِإشَعْيَاءَ: «اذْهَبِ التَقِ بِآحَازَ، أنْتَ وَابْنُكَ شَآرَيَاشُوبُ، فِي مَكَانِ تَدَفُّقِ المِيَاهِ إلَى البِركَةِ العُليَا، عَلَى الطَّرِيقِ المُؤَدِّيَةِ إلَى حَقْلِ مُبَيِّضِ الثِّيَابِ. «وَقُلْ لَهُ: ‹احذَرْ وَاهدَأ، لَا يَضطَّرِبْ قَلْبُكَ بِسَبَبِ فَتِيلَتَيْنِ مُدَخِّنَتَيْنِ: أيْ بِسَبَبِ غَضَبِ رَصِينَ مَلِكِ أرَامَ، وَفَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إسْرَائِيلَ. لِأنَّ شَعْبَ أرَامَ وَأفْرَايِمَ وَفَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا قَدْ تَآمَرُوا ضِدَّكَ فَقَالُوا: لِنُهَاجِمْ يَهُوذَا، وَلْنُرعِبْهَا، وَلْنَقسِمْهَا بَيْنَنَا، وَنَضَعِ ابْنَ طَبْئِيلَ مَلِكًا فِيهَا.›» لَذَلِكَ يَقُولُ الرَّبَّ الإلَهَ : «لَنْ تَنْجَحَ خُطَّتُهُمْ، وَلَنْ تَتَحَقَّقَ. لِأنَّ عَاصِمَةَ أرَامَ هِيَ دِمَشقُ، وَحَاكِمَ دِمَشقَ هُوَ رَصِينُ الآنَ. وَخِلَالَ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ عَامًا يَتَحَطَّمُ أفْرَايِمُ فَلَا يَكُونُ شَعْبًا فِيمَا بَعْدُ. عَاصِمَةُ أفْرَايِمَ هِيَ السَّامِرَةُ، وَحَاكِمُ السَّامِرَةِ هُوَ فَقَحُ بْنُ رَمَلْيَا الآنَ. إنْ لَمْ تُؤمِنُوا بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ، فَلَنْ تأمَنُوا.» وَأكمَلَ اللهُ رِسَالَتَهُ لِآحَازَ فَقَالَ: «اطلُبْ دَليلًا مِنْ عَلَى ذَلِكَ. اطلُبْ دَليلًا عَمِيقًا كَالهَاوِيَةِ، أوْ مُرْتَفِعًا كَالسَّمَاوَاتِ.» فَقَالَ آحَازُ: «لَنْ أطلُبَ دَليلًا، وَلَنْ أمتَحِنَ اللهَ .» فَقَالَ إشَعْيَاءُ: «اسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ، ألَيْسَ كَافِيًا أنَّكُمْ تَسْتَنْفِذُونَ صَبْرَ النَّاسِ، حَتَّى تَسْتَنْفِذُوا صَبْرَ إلَهِي أيْضًا؟ لِهَذَا الرَّبُّ نَفْسُهُ سَيُعطِيكُمُ الدَّلِيلَ: «هَا الصَّبِيَّةُ تَحْبَلُ، وَتَلِدُ ابنًا، وَتَدْعُو اسْمَهُ ‹عِمَّانُوئِيلَ› سَيَأْكُلُ زُبدًا وَعَسَلًا، إلَى أنْ يَكْبُرَ وَيُصبِحَ قَادِرًا عَلَى رَفضِ الشَّرِّ وَاختِيَارِ الخَيْرِ، لِأنَّهُ قَبْلَ أنْ يُصبِحَ الوَلَدُ قَادِرًا عَلَى رَفضِ الشَّرِّ وَاختِيَارِ الخَيْرِ، سَتُخلَى أرْضُ المَلِكَينِ اللَّذَيْنِ أنْتَ خَائِفٌ مِنهُمَا. «سَيَجْلِبُ اللهُ ضِدَّكَ وَضِدَّ شَعْبِكَ وَضِدَّ بَيْتِ أبِيكَ وَقْتَ ضِيقٍ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ أنِ انفَصَلَ أفْرَايِمُ عَنْ يَهُوذَا. إذْ سَيَجْلِبُ اللهُ مَلِكَ أشُّورَ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَدْعُو اللهُ الذُّبَابَ مِنْ أقَاصِي قَنَوَاتِ مِيَاهِ مِصْرٍ، وَالنَّحلَ مِنْ أرْضِ أشُّورَ، فَتأتِي بِجُيُوشِهَا جَمِيعًا، وَتُخَيِّمُ فِي الأودِيَةِ الصَّخرِيَّةِ وَفِي شُقُوقِ الصُّخُورِ وَفِي الغَابَاتِ وَعِنْدَ اليَنَابِيعِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَنْزِعُ الرَّبُّ شَعرَ رَأسِكَ وَقَدَمَيكَ وَلِحيَتَكَ أيْضًا بِأدَاةِ حِلَاقَةٍ مِنْ مَا وَرَاءَ نَهْرِ الفُرَاتِ – أيْ بِوَاسِطَةِ مَلِكِ أشُّورَ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَحْتَفِظُ كُلُّ بَيْتٍ بِبَقَرَةٍ وَاحِدَةٍ أوِ غَنَمَتَيْنِ. فَلِأنَّهَا تُدِرُّ حَلِيبًا كَثِيرًا، سَيَأْكُلُ النَّاسُ لَبَنًا رَائِبًا. فَكُلُّ مَنْ سَيَبْقَى فِي الأرْضِ سَيَأْكُلُ لَبَنًا رَائِبًا وَعَسَلًا. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كُلُّ كَرْمٍ كَانَ فِيهِ ألفُ كَرمَةٍ، وَثَمَنُهُ ألفُ مِثْقَالٍ مِنَ الفِضَّةِ، سَيُصبِحُ مَلِيئًا بِالشَّوكِ! سَيَذْهَبُ النَّاسُ إلَى هُنَاكَ وَمَعَهُمْ أقوَاسُهُمْ وَسِهَامُهُمْ لِلصَّيدِ، لِأنَّ الأرْضَ تَكُونُ مَلِيئَةً بِالشَّوكِ. وَسَيَتَوَقَّفُ النَّاسُ عَنِ الذَّهَابِ إلَى كُلِّ التِّلَالِ الَّتِي كَانَتْ تُزرَعُ لِخَوفِهِمْ مِنَ الشَّوكِ، وَسَتُصبِحُ هَذِهِ الأرَاضِي لِتَسْرِيحِ البَقَرِ وَدَوسِ الغَنَمِ.» وَقَالَ اللهُ لِي: «خُذْ لَوحَ فَخَّارٍ كَبِيرٍ، وَاكتُبْ عَلَيْهِ بِقَلَمٍ عَادِيٍّ: ‹لِمَهَيرَ شَلَالَ حَاشَ بَزَ.›» فَأخَذْتُ أُورِيَّا الكَاهِنَ وَزَكَرِيَّا بْنَ يَبْرَخْيَا كَشُهُودٍ أُمَنَاءَ لِيُشَاهِدُونِي وَأنَا أكتُبُ الكَلِمَاتِ عَلَى لَوحِ الفَخَّارِ الكَبِيرِ. وَذَهَبْتُ إلَى زَوْجَتِي النَّبِيَّةِ، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ صَبِيًّا. فَقَالَ لِي اللهُ : «ادعُ اسْمَهُ ‹مَهَيرَ شَلَالَ حَاشَ بَزَ.› لِأنَّهُ قَبْلَ أنْ يَتَعَلَّمَ الصَّبِيُّ أنْ يَقُولَ ‹مَامَا، بَابَا› سَيستَوْلِي مَلِكُ أشُّورَ عَلَى ثَروَةِ دِمَشقَ وَعَلَى غِنَى السَّامِرَةِ.» ثُمَّ تَكَلَّمَ اللهُ إلَيَّ ثَانِيَةً فَقَالَ: «هَؤُلَاءِ النَّاسُ يَرْفُضُونَ مِيَاهَ قَنَاةِ شِيلُوهَ الهَادِئَةِ، وَيَفْرَحُونَ بِرَصِينَ وَفَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا. لِذَلِكَ قَالَ الرَّبُّ: ‹سَأجْلِبُ عَلَيْهِمْ فَيَضَانَ مَاءٍ قَوِيٍّ مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ، أيْ مَلِكَ أشُّورَ وَكُلَّ مَجْدِهِ. وَسَيَغْمُرُ كُلَّ قَنَوَاتِهِ، وَيَفِيضُ عَلَى ضِفَافِهِ. سَيَتَدَفَّقُ إلَى أرْضِ يَهُوذَا غَامِرًا كُلَّ شَيءٍ حَتَّى تَصِلَ المِيَاهُ إلَى العُنُقِ. وَسَيَمْتَدُّ الطُّوفَانُ لِيَمْلأَ كُلَّ أرْضِكَ يَا عِمَّانُوئِيلُ.›» تَحَالَفِي لِلحَرْبِ يَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ وَانهَزِمِي. استَمِعِي يَا جَمِيعَ البِلَادِ البَعِيدَةِ، أعِدِّي جُيُوشَكِ وَانكَسِري، أعِدِّي جُيُوشَكِ وَانكَسِري! تَشَاوَرِي مَعًا، فَلَنْ تَنْجَحَ خُطَطُكِ. أصدِرِي أمْرًا بِالقِتَالِ، لَكِنَّهُ لَنْ يَثْبُتَ. لِأنَّ اللهَ مَعَنَا. أمسَكَتنِي يَدُ اللهِ ، وَحَذَّرَنِي مِنَ السُّلُوكِ فِي طَرِيقِ هَذَا الشَّعْبُ، فَقَالَ لِي: «مَا يَدْعُوهُ النَّاسُ ‹مُؤَامَرَةً،› لَا تَعتَبِرْهُ أنْتَ كَذَلِكَ، وَلَا تَخَفْ مَا يَخَافُونَهُ وَلَا تَرْتَعِبْ.» «أعْطِ اعتِبَارًا لِقَدَاسَةِ اللهِ القَدِيرِ، فَهُوَ مَوْضُوعُ خَوْفِكَ وَمَهَابَتِكَ. يَكُونُ مَلجَأً لَكَ. أمَّا لِبَيتِ إسْرَائِيلَ وَبَيتِ يَهُوذَا، فَيَكُونُ حَجَرًا يُعثِرُهُمْ وَصَخرَةً تُسْقِطُهُمْ. وَيَكُونُ فَخًّا وَشَرَكًا لِسَاكِنِي القُدْسَ. كَثِيرُونَ مِنْهُمْ سَيَتَعَثَّرُونَ وَيَسْقُطُونَ وَيُقتَلُونَ، وَيَقَعُونَ فِي الفَخِّ وَيُمسَكُونَ.» خَبِّئِ الشَّهَادَةَ، ضَعْ خَتمًا عَلَى التَّعلِيمِ بِحُضُورِ أتبَاعِي. سَأنتَظِرُ اللهَ الَّذِي يَسْتُرُ وَجْهَهُ عَنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ، وَأثِقُ أنَّهُ سَيَأْتِي. هَا أنَا وَالأوْلَادُ الَّذِينَ وَهَبَهُمُ اللهُ لِي. نَحْنُ عَلَامَاتٌ وَرُمُوزٌ فِي إسْرَائِيلَ مِنْ اللهِ القَدِيرِ السَّاكِنِ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ. وَيَقُولُونَ لَكُمْ: «اطْلُبُوا إرشَادًا مِنَ العَرَّافِينَ وَمُسْتَحْضِرِي الأرْوَاحِ الَّذِينَ يَصْفُرُونَ وَيُتَمْتِمُونَ.» ألَا يَنْبَغِي أنْ يَطْلُبَ الشَّعْبُ الإرشَادَ مِنْ آلِهَتِهِ. هَلْ يُستَشَارُ الأمْوَاتُ لِأجْلِ الأحيَاءِ؟ إنْ لَمْ يَقُولُوا: «هَيَّا إلَى التَّعلِيمِ وَالشَّهَادَةِ،» فَلَنْ يَطْلَعَ عَلَيْهِمْ صَبَاحٌ. وَسَيَعْبُرُونَ فِي الأرْضِ مُتَضَايِقِينَ وَجَوعَى. وَعِنْدَمَا يَجُوعُونَ وَيَغْضَبُونَ، سَيَنْظُرُونَ إلَى العَلَاءِ وَيَلْعَنُونَ مَلِكَهُمْ وَإلَهَهُمْ. ثُمَّ يَنْظُرُونَ إلَى الأرْضِ فَإذَا بِالضِّيقِ وَالظُّلمَةِ وَالألَمِ الشَّدِيدِ. وَيُطرَدُونَ إلَى الظُّلمَةِ. لَكِنْ لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ظَلَامٌ لِلَّذِينَ كَانُوا فِي الضِّيقِ. كَانَتْ أرْضُ زَبُولُونَ وَنَفتَالِي فِي عَارٍ، وَلَكِنْ فِي المُسْتَقْبَلِ سَتُكَرَّمُ الأرْضُ الغَربِيَّةُ الَّتِي عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ، وَمِنطَقَةُ شَرقِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَأرْضُ الجَلِيلِ حَيْثُ الأُمَمُ الأُخرَى. الشَّعْبُ الَّذِي كَانَ يَسْلُكُ فِي الظُّلمَةِ رَأى نُورًا عَظِيمًا. وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي أرْضِ الظُّلمَةِ أشرَقَ نُورٌ. يَا اللهُ، أنْتَ زِدْتَ عَدَدَ الأُمَّةِ، وَجَعَلْتَ الشَّعْبَ يَفْرَحُونَ أمَامَكَ كَفَرَحِ الشَّعْبِ وَقْتَ الحَصَادِ، وَكَفَرَحِ مَنْ يَقْتَسِمُونَ غَنِيمَةَ الحَرْبِ. لِأنَّكَ كَسَرْتَ النِّيرَ الثَّقِيلَ عَنْهُمْ، وَالعَصَا الَّتِي عَلَى أكتَافِهِمْ، وَعَصَا ظَالِمِيهِمِ، تَمَامًا كَمَا حَدَثَ عِنْدَمَا هَزَمْتَ المِديَانِيِّينَ. لِأنَّ كُلَّ حِذَاءِ جُندِيٍّ اسْتُخدِمَ فِي المَعْرَكَةِ، وَكُلَّ زِيٍّ مُضَرَّجٍ بِالدَّمِ، سَيُحْرَقُ وَقُودًا لِلنَّارِ. هَذَا حِينَ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ، وَنُعطَى ابنًا، وَتَكُونُ مَسؤُولِيَّةُ القِيَادَةِ عَلَى عَاتِقِهِ. وَسَيُدْعَى اسْمُهُ: «المُشِيرَ العَجِيبَ، اللهَ الجَبَّارَ، الأبَ الأبَدِيَّ، رَئِيسَ السَّلَامِ.» لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَدٌّ لِعَظَمَةِ سُلطَانِهِ وَسَلَامِهِ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ وَمَملَكَتِهِ. سَيُؤَسِّسُهَا وَيَحْفَظُهَا بِالبِرِّ مِنَ الآنَ وَإلَى الأبَدِ. اللهُ القَدِيرُ يَصْنَعُ هَذَا بِسَبَبِ غَيْرَتِهِ. أرْسَلَ الرَّبُّ كَلِمَةً ضِدَّ يَعْقُوبَ، فَتَحَقَّقَ مَا قَالَهُ فِي إسْرَائِيلَ. عَلِمَ بِذَلِكَ كُلُّ النَّاسِ، أفْرَايِمُ وَالشَّعْبُ السَّاكِنُ فِي السَّامِرَةِ، وَقَالُوا بِكِبرِيَاءٍ وَتَشَامُخٍ: «سَقَطَتْ أسوَارُ الطِّينِ، لَكِنَّنَا سَنُعيدُ البِنَاءَ بِالحِجَارَةِ المَنحُوتَةِ. انكَسَرَتْ عَوَارِضُ الجُمِّيزِ، وَلَكِنَّنَا سَنَبنِي بِعَوَارِضَ مِنْ خَشَبِ الأرْزٍ.» فَأهَاجَ اللهُ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ تَحْتَ إمرَةِ رَصِينَ ضِدَّهُمْ. وَحَرَّكَ أعْدَاءَهُمْ لِيُحَاصِرُوهُمْ: الأرَامِيِّينَ مِنَ الشَّرقِ، وَالفِلِسْطِيِّينَ مِنَ الغَرْبِ. فَالتَهَمُوا إسْرَائِيلَ بِأفْوَاهِهِمُ الوَاسِعَةِ. وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ، لَمْ يَتَرَاجَعْ غَضَبُ اللهِ، وَمَا زَالَتْ يَدُهُ مَرْفُوعَةً لِلعِقَابِ. وَلَمْ يَرْجِعِ الشَّعْبُ إلَى الَّذِي ضَرَبَهُمْ، وَلَمْ يَطْلُبُوا اللهَ القَدِيرَ. لِذَلِكَ قَطَعَ اللهُ مِنْ إسْرَائِيلَ الرَّأسَ وَالذَّنَبَ. كَسَرَ أغْصَانَ النَّخِيلِ وَالقَصَبِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. الشُّيُوخُ وَالمُكَرَّمُونَ هُمُ الرَّأسُ، وَالأنْبِيَاءُ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَهُمْ كَذِبًا هُمُ الذَّنَبُ. قَادَةُ هَذَا الشَّعْبِ يُضِلُّونَهُمْ، وَالَّذِينَ تَبِعُوهُمْ هَلَكُوا. لِهَذَا لَا يُسَرُّ الرَّبُّ بِالفِتيَانِ، وَلَا يَرْحَمُ الأيتَامَ وَالأرَامِلَ. كُلَّهُمْ نَجِسُونَ وَأشرَارٌ. وَكُلُّ فَمٍ يَتَكَلَّمُ بِحَمَاقَةٍ. وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ، لَمْ يَتَرَاجَعْ غَضَبُ اللهِ، وَمَا زَالَتْ يَدُهُ مَرْفُوعَةً لِلعِقَابِ. لِأنَّ الشَّرَّ يُحْرِقُ كَالنَّارِ، يَلْتَهِمُ الشَّوكَ وَالشُّجَيرَاتِ أوَّلًا، ثُمَّ يُحْرِقُ الغَابَاتِ. وَبِهَذَا يَحْتَرِقُ كُلُّ شَيءٍ وَيَرْتَفِعُ كَعَمُودِ دُخَانٍ. أُحْرِقَتِ الأرْضُ بِغَضَبِ اللهِ القَدِيرِ، وَأصبَحَ الشَّعْبُ كَوَقُودٍ لِنَارٍ، وَلَمْ يَتَحَنَّنْ أحَدٌ عَلَى أخِيهِ. أكَلُوا يَدَهُمُ اليُمْنَى وَظَلُّوا جَائِعِينَ. وَالتَهَمُوا يَدَهُمُ اليُسرَى فَلَمْ يَشْبَعُوا. أكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ نَفْسِهِ. مَنَسَّى التَهَمَ أفْرَايِمَ، وَأفرَايِمُ التَهَمَ مَنَسَّى، وَكِلَاهُمَا ضِدُّ يَهُوذَا. وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ، لَمْ يَتَرَاجَعْ غَضَبُ اللهِ، وَمَا زَالَتْ يَدُهُ مَرْفُوعَةً لِلعِقَابِ. وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَسُنُّونَ قَوَانِينَ ظَالِمَةً، وَيَكْتُبُونَ أحكَامًا مُسْتَبِدَّةً، مِنْ أجْلِ إبعَادِ العَدلِ عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَحِرمَانِ مَسَاكِينِ شَعْبِي مِنَ الإنصَافِ. وَذَلِكَ لِكَي يَسْرِقُوا وَيَنْهَبُوا الأرَامِلَ وَالأيتَامَ. مَاذَا سَتَفْعَلُونَ فِي يَوْمِ العِقَابِ، وَفِي الضِّيقِ الَّذِي سَيَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ؟ إلَى مَنْ سَتَهْرُبُونَ لِلعَونِ؟ وَأينَ سَتَتْرُكُونَ ثَروَتَكُمْ؟ لَنْ يَبْقَى شَيءٌ سِوَى الرُّكُوعِ كَالأسرَى وَالسُّقُوطِ فِي مَكَانِ القَتلَى. وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ، لَمْ يَتَرَاجَعْ غَضَبُ اللهِ، وَمَا زَالَتْ يَدُهُ مَرْفُوعَةً لِلعِقَابِ. هَا إنَّ شَعْبَ أشُّورَ هُمُ عَصَا غَضَبِي، وَفِي يَدِهِمْ هَرَاوَةُ سَخَطِي. سَأُرْسِلُهُمْ عَلَى أُمَّةٍ شِرِّيرَةٍ، وَسَآمُرُهُمْ بِمُحَارَبَةِ شَعْبٍ أغضَبَنِي، لِيَنْهَبُوهُمْ وَيَدُوسُوهُمْ كَطِينِ الشَّوَارِعِ. لَكِنَّ شَعْبَ أشُّورَ لَا يَفْهَمُ أنَّهُ أدَاةٌ فِي يَدِي، وَلَا يُفَكِرُّ بِذَلِكَ. إنَّمَا يُفَكِّرُ بِالتَّدمِيرِ، وَبِإفنَاءِ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ. لِأنَّ مَلِكَ أشُّورَ يَقُولُ: «كُلُّ قَادَتِي مُلُوكٌ. ألَيْسَتْ مَدِينَةُ كَلْنُو مِثْلَ مَدِينَةِ كَرْكَمِيشَ؟ ألَيْسَتْ مَدِينَةُ حَمَاةَ مِثْلَ مَدِينَةِ أرْفَادَ؟ ألَيْسَتْ مَدِينَةُ السَّامِرَةِ مِثْلَ مَدِينَةِ دِمَشقَ؟ فَكَمَا سَيطَرْتُ عَلَى مَمَالِكَ فِيهَا أوْثَانٌ وَأصْنَامٌ أكْثَرَ مِنْ تِلْكَ الَّتِي فِي القُدْسِ وَالسَّامِرَةِ، فَإنِّي سَأفْعَلُ بِالقُدْسِ وَأوْثَانِهَا كَمَا فَعَلْتُ بِالسَّامِرَةِ وَأصْنَامِهَا.» وَعِنْدَمَا يُنْهِي الرَّبُّ عَمَلَهُ ضِدَّ جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَمَدِينَةِ القُدْسِ، سَيُعَاقِبُ مَلِكَ أشُّورَ المُتَعَجرِفَ عَلَى كِبرِيَائِهِ وَغَطرَسَتِهِ. لِأنَّ مَلِكَ أشُّورَ يَقُولُ: «عَمِلْتُ هَذَا بِقُوَّتِي وَحِكمَتِي لِأنِّي فَهِيمٌ. هَزَمتُ الشُّعُوبَ وَأخَذْتُ ثَروَتَهُمْ، وَنَطَحْتُ سَاكِنِيهَا كَثَورٍ قَوِيٍّ. وَجَدْتُ ثَروَةَ الشُّعُوبِ كَعُشٍّ، فَجَمَعْتُ بِيَدِي كُلَّ الأرْضِ كَمَا يُجمَعُ البَيضُ المَترُوكُ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُرَفرِفُ بِجَنَاحَيهِ، أوْ يَفْتَحُ فَمَهُ، لِيَحْمِيَ العُشَّ مِنِّي.» هَلْ تَتَكّبَّرُ الفَأسُ عَلَى مَنْ يَرْفَعُهُا؟ أمْ هَلْ يَتَعَظَّمُ المِنشَارُ عَلَى مَنْ يَسْتَخْدِمُهُ؟ كَمَا لَوْ أنَّ قَصَبَةً تَرْفَعُ حَامِلَهَا! أوْ أنَّ عَصًا تُمسِكُ بِإنْسَانٍ! هَكَذَا تَدَّعِي أشُّورُ أنَّهَا أقوَى مِنَ اللهِ ! لِذَلِكَ سَيَجْعَلُ الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ جُنُودَ مَلِكِ أشُّورَ السِّمَانَ هَزِيلِينَ. وَسَيُحْرِقُ مَجْدَ أشُّورَ كَمَا تُحرِقُ النَّارُ الحَطَبَ. وَسَيُصبِحُ نُورُ إسْرَائِيلَ نَارًا، وَقُدُّوسُهُ لَهِيبًا، وَسَيُحْرِقُ وَيَلْتَهِمُ أشوَاكَ أشُّورَ وَشُجَيرَاتِهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ سَيُخَرِّبُ اللهُ بَهَاءَ غَابَاتِهَا وَبَسَاتِينِهَا مِنْ أوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، فَتَكُونَ أشُّورُ كَالمَرِيضِ المُنهَارِ. وَبَقِيَّةُ الأشْجَارِ القَائِمَةِ سَتَكُونُ قَلِيلَةً جِدًّا بِحَيْثُ يَسْتَطِيعُ طِفلٌ أنْ يَعُدَّهَا. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، لَا يَعُودُ البَاقُونَ فِي إسْرَائِيلَ، وَالنَّاجُونَ مِنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ، يَتَّكِلُونَ عَلَى ضَارِبِيهِمْ، بَلْ سَيَتَّكِلُونَ عَلَى اللهِ قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ. وَالبَقِيَّةُ النَّاجِيَةُ مِنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ سَيَعُودُونَ إلَى اللهِ الجَبَّارِ. حَتَّى لَوْ كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِعَدَدِ رِمَالِ البَحْرِ، فَلَنْ يَخْلُصَ مِنْهُمْ إلَّا عَدَدٌ قَلِيلٌ. فَقَدْ صَدَرَ حُكْمُ الدَمَارِ، ثُمَّ سَيَفِيضُ البِرُّ. لِأنَّ الرَّبَّ الإلَهَ القَدِيرَ سَيَجْلِبُ دَمَارًا كَامِلًا عَلَى الأرْضِ كَمَا قَرَّرَ. لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ: «يَا شَعْبِي السَّاكِنَ فِي صِهْيَوْنَ، لَا تَخَافُوا مِنْ أشُّورَ. فَقَدْ يَضْرِبُكِ بِعَصًا، وَقَدْ يَرْفَعُ عَلَيْكِ سِلَاحًا لِيُعَاقِبَكِ كَمَا فَعَلَتْ مِصْرٌ. لَكِنْ بَعْدَ فَترَةٍ قَصِيرَةٍ سَيَنْتَهِي غَضَبِي عَلَيْكِ، وَسَيَكْتَفِي سَخَطِي بِالدَّمَارِ الَّذِي جَلَبْتُهُ عِقَابًا لَكُمْ.» وَسَيَرْفَعُ اللهُ القَدِيرُ سَوطًا ضَدَّ أشُّورَ كَمَا فَعَلَ عِنْدَمَا هَزَمَ مِديَانَ عِنْدَ صَخرَةِ غُرَابَ. سَتَرْتَفِعُ عَصَاهُ فَوْقَ البَحْرِ، لِيُعَاقِبَ أشُّورَ كَمَا عَمِلَ فِي مِصْرٍ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَزُولُ حِملُ أشُّورَ عَنْ كَتِفِكَ وَنِيرُهُ عَنْ عُنقِكَ. وَسَيَنْكَسِرُ النِّيرُ بِسَبَبِ سَمَانَتِكَ. هَا قَدْ أتَوْا إلَى عَيَّاثَ. اجتَازُوا بِمِجرُونَ. خَزَنُوا أسلِحَتَهُمْ فِي مِخمَاشَ. اجتَازُوا مَعبَرَةَ وَقَالُوا: «سَنَقضِي اللَّيلَ فِي جِبعَةَ.» فَخَافَتْ مَدِينَةُ الرَّامَةِ وَهَرَبَ سُكَّانُ جَبَعَ شَاوُلَ. اصرُخِي يَا بِنْتَ جَلِّيمَ، وَأصغِي يَا لِيشَةُ، وَأجِيبِي يَا عَنَاثُوثُ. شَعْبُ مَدمِينَةَ يَهْرُبُونَ، وَسُكَّانُ جِيبِيمَ يَحْتَمُونَ. اليَوْمَ سَيَتَوَقَّفُونَ فِي نُوبَ، سَيُهَاجِمُونَ جَبَلَ الِابْنَةِ صِهْيَوْنَ، الَّذِي هُوَ تَلَّةُ القُدْسِ. هُوَذَا الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ سَيَقْطَعُ الأغْصَانَ بِالرُّعبِ، وَالأشْجَارَ الطَّوِيلَةَ سَتُقطَعُ، وَالمُرْتَفِعُونَ سَيَسْقُطُونَ. سَيَقْطَعُ الغَابَةَ بِفَأسٍ. وَأشْجَارُ لُبْنَانَ سَتَسْقُطُ بِقُوَّتِهِ الجَليلَةِ. سَيَنْبُتُ فَرْعٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَسَيَنمو غُصْنٌ مِنْ جُذُورِهِ. وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ ، رُوحُ الحِكْمَةِ وَالفَهمِ. رُوحُ الإرشَادِ وَالقُوَّةِ، رُوحُ مَعْرِفَةِ اللهِ وَمَخَافَتِهِ. سَتَكُونُ لَذَّتُهُ بِإكرَامِ اللهِ . لَنْ يَحْكُمَ بِحَسَبِ ظَاهِرِ الأُمُورِ، وَلَنْ يُقَرِّرَ أحكَامًا بِنَاءً عَلَى مَا يَسْمَعُ. وَلَكِنَّهُ سَيَقْضِي بِعَدلٍ لِلضُّعَفَاءِ، وَيُنصِفُ المَسَاكِينَ فِي الأرْضِ. سَيَضْرِبُ الأرْضَ بِأحكَامِهِ كَعَصًا تَضْرِبُ الأرْضَ. وَبِأحكَامِهِ العَادِلَةِ، بِنَفخَةٍ مِنْ شَفَتَيْهِ سَيَقْتُلُ الأشرَارَ. سَيَشُدُّ العَدْلَ وَالأمَانَةَ كَحِزَامٍ حَوْلَهُ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَعِيشُ الذِّئْبُ مَعَ الخَرُوفِ، وَسَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ العِجلِ، وَسَيَسْكُنُ العِجلُ وَالأسَدُ وَالمَاشِيَةُ المُسَمَّنَةُ مَعًا، وَيَقُودُهَا طِفلٌ صَغِيرٌ. سَتَرْعَى البَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ مَعًا فِي سَلَامٍ، وَيَرْبُضُ أوْلَادُهُمَا مَعًا. سَيَأْكُلُ الأسَدُ التِّبنَ كَالبَقَرِ. سَيَلعبُ الرَّضِيعُ قُرْبَ جُحرِ الأفعَى، وَسَيَمُدُّ الفَطِيمُ يَدَهُ إلَى جُحرِ الحَيَّةِ السَّامَّةِ. لَنْ يُؤذِيَ أحَدُهُمُ الآخَرَ، وَلَنْ يُهلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى جَبَلِي المُقَدَّسِ. لِأنَّ الأرْضَ سَتَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ ، كَمَا يَمْتَلِئُ البَحرُ بِالمَاءِ. وَسَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، أنَّ جَذرًا مِنْ بَيْتِ يَسَّى سَيَرْتَفِعُ رَايَةً لِلشُّعُوبِ. وَسَتَجْتَمِعُ الشُّعُوبُ فِي ظِلِّهِ، وَتَسْعَى الأُمَمُ إلَى رِضَاهُ. وَسَيَكُونُ مَكَانُ سُكنَاهُ مَملُوءًا بِالمَجْدِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَرْفَعُ الرَّبُّ يَدَهُ ثَانِيَةً مِنْ أجْلِ جَمعِ مَا بَقِيَ مِنْ شَعْبِهِ فِي أشُّورَ، وَشِمَالِ مِصْرٍ، وَصَعِيدِ مِصْرٍ، وَكُوشٍ، وَعِيلَامَ، وَشِنعَارَ، وَحَمَاةَ، وَجُزُرِ البَحْرِ. وَسَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ فَيَجْمَعُ المَطرُودِينَ مِنْ إسْرَائِيلَ، وَيَجْمَعُ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ كُلِّ أنْحَاءِ الأرْضِ. وَسَتَزُولُ غَيْرَةُ شَعْبِ أفْرَايِمَ، وَسَيَهْلِكُ أعْدَاءُ شَعْبِ يَهُوذَا. لَنْ يَغَارَ شَعْبُ أفْرَايِمَ مِنْ شَعْبِ يَهُوذَا، وَلَنْ يُعَادِي شَعْبُ يَهُوذَا شَعْبَ أفْرَايِمَ. وَلَكِنَّهُمْ سَيَنْقَضُّونَ مَعًا عَلَى الفِلِسْطِيِّينَ فِي الغَرْبِ كَطَيرٍ جَارِحٍ يَنْقَضُّ لِلإمسَاكِ بِحَيَوَانٍ صَغِيرٍ. وَسَيَنْهَبُونَ مَعًا ثَروَةَ شُعُوبِ الشَّرقِ. وَسَيَحْكُمُونَ أدُومَ وَمُوآبَ، وَسَيَخْضَعُ شَعْبُ عَمُّونَ لَهُمْ. وَكَمَا جَفَّفَ اللهُ خَلِيجَ بَحرِ مِصْرٍ، سَيُحَرِّكُ يَدَهُ عَلَى نَهْرِ الفُرَاتِ بِرِيحِهِ العَنِيفَةِ. سَيَقْسِمُهُ إلَى سَبْعَةِ جَدَاوِلَ صَغِيرَةٍ يَعْبُرُهَا النَّاسُ بِأحذِيَتِهِمْ. فَيُصبِحُ هُنَاكَ طَرِيقٌ وَاسِعٌ لِلعَدَدِ القَلِيلِ البَاقِي مِنْ شَعْبِهِ إسْرَائِيلَ، الَّذِينَ سَيَنْجَوْنَ مِنْ أشُّورَ لِيَخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ، كَمَا كَانَ لِإسْرَائِيلَ عِنْدَمَا خَرَجُوا مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. وَسَتَقُولُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ: «أحمَدُكَ يَا اللهُ لِأنَّكَ غَضِبْتَ مِنِّي، وَلَكِنَّ غَضَبَكَ زَالَ عَنِّي، وَتَحَنَّنْتَ عَلَيَّ. هُوَذَا اللهُ يُخَلِّصُنِي، سَأتَّكِلُ عَلَيْهِ وَلَنْ أرتَعِبَ. لِأنَّ اللهَ يَاه هُوَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي، وَقَدْ صَارَ لِي مُخَلِّصًا.» وَسَتَغْرِفُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الخَلَاصِ، وَسَتَفْرَحُونَ. وَسَتَقُولُونَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ: «احمَدُوا اللهَ ، وَادْعُوا بِاسْمِهِ. عَرِّفُوا الأُمَمَ الأُخْرَى بِأعْمَالِهِ. أخبِرُوهُمْ أنَّ اسْمَهُ عَظِيمٌ.» رَنِّمُوا للهِ لِأنَّهُ عَمِلَ أُمُورًا عَظِيمَةً، لِيَكُنْ هَذَا مَعْرُوفًا فِي كُلِّ الأرْضِ. اهتِفُوا وَرَنِّمُوا بِفَرَحٍ يَا سَاكِنِي صِهْيَوْنَ، لِأنَّ قُدُّوسَ إسْرَائِيلَ يَعْمَلُ أعْمَالًا عَظِيمَةً بَيْنَكُمْ. هَذَا هُوَ الوَحيُ الَّذِي تَلَقَّاهُ إشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ عَنْ بَابِلَ. «ارفَعُوا رَايَةً عَلَى جَبَلٍ قَاحِلٍ! ارفَعُوا صَوْتَكُمْ لَهُمْ. حَرِّكُوا أيْدِيَكُمْ كَعَلَامَةٍ لِيَدْخُلُوا بَوَّابَةَ النُّبَلَاءِ. «قَدْ أصدَرْتُ أمْرًا لِجَيْشِي المُقَدَّسِ، نَادَيتُ مُحَارِبِيَّ لِأنِّي كُنْتُ غَاضِبًا، أُولَئِكَ الفَرِحِينَ الَّذِينَ أفتَخِرُ بِهِمْ. «هَا صَوْتُ ضَجَّةٍ فِي الجِبَالِ كَصَوْتِ شَعْبٍ كَبِيرٍ. هَا صَوْتُ ضَجَّةٍ مِنْ مَمَالِكِ الشُّعُوبِ المُجتَمِعَةِ. الأُمَمُ تَحْتَشِدُ. فَاللهُ القَدِيرُ يُجَهِّزُ جَيْشًا لِلمَعرَكَةِ. يَأْتُونَ مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ مِنْ أقْصَى الأرْضِ. اللهُ وَأسلِحَةُ غَضَبِهِ آتِيَةٌ لِتُدَمِّرَ كُلَّ الأرْضِ.» نُوحُوا، لِأنَّ يَوْمَ اللهِ قَرِيبٌ. سَيَأْتِي كَدَمَارٍ مِنَ القَدِيرِ. وَلِهَذَا سَتَضْعُفُ الأيدِي، وَسَتَذُوبُ القُلُوبُ خَوْفًا. سَيَرْتَعِبُونَ، وَسَيُمسِكُهُمُ الألَمُ كَامْرَأةٍ يُمْسِكُهَا ألَمُ الوِلَادَةِ. سَيَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ بِرُعْبٍ. وَسَتَصِيرُ وُجُوهُهُمْ حَمْرَاءَ كَالنَّارِ. هَا يَوْمُ اللهِ قَادِمٌ. وَهُوَ يَومٌ قَاسٍ مَعَ سَخَطٍ وَغَضَبٍ يَشْتَعِلُ لِخَرَابِ الأرْضِ وَلِإبَادَةِ الخُطَاةِ مِنْهَا. لِأنَّ نُجُومَ السَّمَاوَاتِ وَكَوَاكِبَهَا لَنْ تُعطِيَ نُورَهَا، وَسَتَكُونُ الشَّمْسُ مُظلِمَةً عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَالقَمَرُ لَنْ يُعطِيَ نُورَهُ. يَقُولُ اللهُ: «سَآتِي بِمَصَائِبَ عَلَى العَالَمِ، وَسَأُعَاقِبُ الأشرَارَ عَلَى شَرِّهِمْ. سَأضَعُ نِهَايَةً لِكِبرِيَاءِ المُسْتَكْبِرِينَ، وَأحُطُّ كِبرِيَاءَ المُتَجَبِّرِينَ. وَسَأجْعَلُ البَشَرَ أندَرَ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ، وَالنَّاسَ مِنْ ذَهَبِ مَدِينَةِ أُوفِيرَ. وَلِهَذَا سَأُزَلزِلُ السَّمَاوَاتِ، وَأهُزُّ الأرْضَ مِنْ مَكَانِهَا.» سَيَقَعُ هَذَا فِي يَوْمِ اشتِعَالِ غَضَبِ اللهِ القَدِيرِ. سَيَكُونُ النَّاسُ كَغَزَالٍ قَدْ صِيدَ، وَكَغَنَمٍ بِلَا رَاعٍ يَجْمَعُهَا. وَسَيَلجأُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى شَعْبِهِ، وَيَهْرُبُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَلَدِهِ. وَكُلُّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ سَيُطعَنُ، وَكُلُّ مَنْ أُمسِكَ سَيُقتَلُ بِالسَّيْفِ. سَيُمَزَّقُ أطْفَالُهُمْ أمَامَ عُيُونِهِمْ، وَسَتُنهَبُ بُيُوتُهُمْ، وَتُغتَصَبُ نِسَاؤُهُمْ. يَقُولُ اللهُ : «هَا أنَا أُهَيِّجُ المَادِيِّينَ ضِدَّهُمْ. فَهُمْ لَا يَرْتَشُونَ بِالفِضَّةِ وَلَا بِالذَّهَبِ. سَيُمَزِّقُونَ الفِتيَانَ بِأقْوَاسِهِمْ، وَلَنْ يَرْحَمُوا الرُّضَّعَ، وَلَنْ يُشفِقُوا عَلَى الأطْفَالِ. وَبَابِلُ – الَّتِي هِيَ أجمَلُ مَمَالِكِ الأرْضِ وَمَجْدُ الكِلدَانِيِّينَ وَفَخرُهُمْ – سَتَكُونُ مِثْلَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ حِينَ دَمَّرَهُمَا اللهُ. فَلَنْ يَسْكُنَهَا أحَدٌ إلَى الأبَدِ. لَنْ يَنْصِبَ بَدَوِيٌّ خَيْمَتَهُ فِيهَا، وَلَنْ يَرْعَى الرُّعَاةُ غَنَمَهُمْ. بَلْ سَتَعِيشُ فِيهَا الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ، وَسَتَسْكُنُ بُيُوتَهُمُ البُومُ. سَيَسْكُنُ النَّعَامُ هُنَاكَ، وَسَيَلْعَبُ المَاعِزُ الوَحشِيُّ فِيهَا. سَتَصيحُ الضِّبَاعُ فِي أبرَاجِهَا، وَالذِّئَابُ فِي قُصُورِهَا المُترَفَةِ. نِهَايَتُهَا قَرِيبَةٌ، وَلَنْ تَطُولَ أيَّامُهَا.» لِأنَّ اللهَ سَيَرْحَمُ يَعْقُوبَ ثَانِيَةً. سَيَختَارُ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَيَجْعَلُهُمْ يَسْتَقِرُّونَ فِي أرْضِهِمْ. وَسَيَنْضَمُّ إلَيْهِمُ الغُرَبَاءُ، وَيَأْتُونَ لِيَنْضَمُّوا إلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ. سَتَأْخُذُهُمُ الشُّعُوبُ وَتُحضِرُهُمْ إلَى أرْضِهِمْ. وَسَيَمْلُكُ بَيْتُ إسْرَائِيلَ عَلَى الأُمَمِ كَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ لَهُمْ فِي أرْضِ اللهِ . سَيَسْلِبُونَ مَنْ سَلَبَهُمْ، وَيَحْكُمُونَ ظَالِمِيهِمْ. وَعِنْدَمَا يُرِيحُكَ اللهُ مِنْ ألَمِكَ وَضِيقِكَ، وَمِنَ العُبُودِيَّةِ الشَّاقَّةِ الَّتِي كَانَتْ مَفرُوضَةً عَلَيْكَ، سَتُغَنِّي هَذِهِ الأُغنِيَةَ عَنْ مَلِكِ بَابِلَ: انْظُرُوا كَيْفَ بَادَ المَلِكُ القَاسِي! وَكَيْفَ انْتَهَتْ عَجرَفَتُهُ! كَسَرَ اللهُ عَصَا الشِّرِّيرِ، وَصَولَجَانَ الحَاكِمِ. كَانَ يَضْرِبُ الشُّعُوبَ بِغَضَبٍ وَبِلَا تَوَقُّفٍ، حَاكِمًا الأُمَمَ بِغَضَبٍ، وَمُضطَهِدًا إيَّاهُمْ بِلَا تَوَقُّفٍ. أمّأ الآنَ، فَسَتَرتَاحُ الأرْضُ وَتَهْدَأُ، وَيَبْدَأُ النَّاسُ بِالغِنَاءِ. حَتَّى أشْجَارُ السَّروِ وَأرْزُ لُبْنَانَ فَرِحَتْ بِدَمَارِكَ، وَتَقُولُ: «مُنْذُ سَقَطَّتَ، لَمْ يَأْتِ أحَدٌ لِيَقْطَعَنَا.» الهَاوِيَةُ فِي الأسفَلِ تَهْتَزُّ فَرَحًا لَاستِقبَالِكَ عِنْدَ مَجِيئِكَ. سَتُوقِظُ أروَاحَ المَوْتَى لِأجْلِكَ، أروَاحَ عُظَمَاءِ الأرْضِ. يَجْعَلُ كُلَّ مُلُوكِ الأرْضِ يَقُومُونَ عَنْ عُرُوشِهِمْ. كُلُّهُمْ سَيُجِيبُونَ وَيَقُولُونَ لَكَ: «صِرْتَ ضَعِيفًا مِثْلَنَا، وَقَدْ شَابَهْتَنَا!» أُسقِطَ كِبرِيَاؤُكَ إلَى الهَاوِيَةِ، مَعَ صَوْتِ مُوسِيقَى قِيثَارَتِكَ. الحَشَرَاتُ فِرَاشُكَ، وَالدُّودُ غِطَاؤُكَ. كَيْفَ سَقَطْتَ مِنَ السَّمَاءِ، يَا هِلَالَ الفَجْرِ. كَيْفَ أُسقِطتَ إلَى الأرْضِ، يَا هَازِمَ الأُمَمِ؟ قُلْتَ فِي نَفْسِكَ: «سَأصعَدُ إلَى السَّمَاءِ، وَسَأرفَعُ عَرْشِي فَوْقَ نُجُومِ اللهِ، وَسَأجْلِسُ عَلَى قِمَّةِ جَبَلِ صَافُونَ حَيْثُ تَجْتَمِعُ الآلِهَةُ. سَأصعَدُ إلَى أعَالِي السَّحَابِ، وَأصِيرُ مِثْلَ العَلِيِّ.» وَلَكِنَّكَ سَتُهبَطُ إلَى الهَاوِيَةِ، وَإلَى أعْمَاقِ الحُفْرَةِ. الَّذِينَ يَرَوْنَكَ يُحَدِّقُونَ بِكَ وَيَتَعَجَّبُونَ: «ألَيْسَ هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي جَعَلَ الأرْضَ تَهْتَزُّ وَالمَمَالِكَ تَرْتَجِفُ؟ الَّذِي حَوَّلَ العَالَمَ إلَى بَرِّيَّةٍ، وَدَمَّرَ مُدُنَهُ، الَّذِي لَمْ يُطلِقْ سُجَنَاءَهُ إلَى بُيُوتِهِمْ؟» كُلُّ مُلُوكِ الأُمَمِ يُدفَنُونَ بِكَرَامَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي قَبرِهِ. أمَّا أنْتَ فَتُطرَحُ خَارِجَ قَبرِكَ كَغُصنٍ مَنبُوذٍ. سَتُغَطِّيكَ جُثَثُ القَتلَى كَثَوبٍ، مَعَ أُولَئِكَ المَطعُونِينَ بِالسَّيْفِ، الَّذِينَ يَنْزِلُونَ إلَى الحُفرَةِ جُثَثًا مُدَاسَةً. لَنْ تُدفَنَ مَعَ المُلُوكِ، لِأنَّكَ خَرَّبْتَ بَلَدَكَ، وَقَتَلْتَ شَعْبَكَ. وَلَنْ يُذكَرَ نَسْلُكَ فِيمَا بَعْدُ. اسْتَعِدُّوا لِقَتلِ أوْلَادِهِمْ بِسَبَبِ خَطِيَّةِ آبَائِهِمْ. لَنْ يَقُومُوا وَيَمْتَلِكُوا الأرْضَ، وَلَنْ يَملأُوا الأرْضَ بِالمُدُنِ. يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «سَأُحَارِبُهُمْ، وَأُبِيدُ شُهْرَةَ بَابِلَ وَمنْ بَقِيَ مِنْ سَاكِنِيهَا، وَأوْلَادِهِمْ وَأحفَادِهِمْ. وَأجعَلُهَا مِلْكًا وَمَسْكَنًا لِلقَنَافِذِ، وَمُسْتَنْقَعَاتِ ميَاهٍ. سَأُكَنِّسُهَا بِمِكْنَسَةِ الهَلَاكِ.» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. أقْسَمَ اللهُ القَدِيرُ فَقَالَ: «كَمَا عَزَمْتُ سَيَكُونُ، وَكَمَا خَطَّطتُ سَيَحْدُثُ. سَأُحَطِّمُ أشُّورَ فِي أرْضِي، وَأدُوسُهُ عَلَى جِبَالِي. سَيَزُولُ نِيرُهُ عَنْكُمْ، وَحِملُهُ عَنْ أكتَافِكُمْ. هَذَا هُوَ الحُكْمُ الَّذِي أُعِدَّ لَكُلِّ الأرْضِ. هَذِهِ هِيَ اليَدُ المَرْفُوعَةُ لِمُعَاقَبَةِ كُلِّ الأُمَمِ.» اللهُ القَدِيرُ قَرَّرَ هَذَا، فَمَنْ يَسْتَطِيعُ إيقَافَهُ؟ يَدُهُ مَرْفُوعَةٌ لِمُعَاقَبَتِهِمْ، فَمَنْ يَرَدُّهَا إلَى الوَرَاءِ؟ أُعْطِيَتْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ فِي سَنَةِ وَفَاةِ المَلِكِ آحَازَ: لَا تَفْرَحُوا أيُّهَا الفِلِسْطِيُّونَ، لِأنَّ العَصَا الَّتِي ضَرَبَتْكُمْ كُسِرَتْ. فَمِنْ هَذِهِ الحَيَّةِ سَتَخْرُجُ أفعَى، وَتَكُونُ ابنَتُهَا أشَدُّ خُطُورَةً. وَأبْنَاءُ المَسَاكِينِ سَيَرْعَوْنَ بِأمَانٍ، وَالمُحتَاجُونَ سَيَرْبُضُونَ بِطُمَأْنِينَةٍ. وَسَأُمِيتُ عَائِلَتَكِ بِالجُوعِ، وَسَأقتُلُ بَنِيهِمْ. وَلْوِلْ أيُّهَا البَابُ! اصرُخِي أيَّتُهَا المَدِينَةُ! ذُوبِي خَوْفًا يَا أرْضَ الفِلِسْطِيِّينَ، وَيَا كُلَّ مَنْ فِيهَا. لِأنَّ غُبَارَ جَيْشٍ يأتِي مِنَ الشِّمَالِ، وَلَيْسَ فِي صُفُوفِهِ جُندِيُّ ضَعِيفٌ. هَكَذَا يُجَاوَبُ رُسُلُ الأُمَمِ: « اللهُ أسَّسَ صِهْيَوْنَ، وَبِهَا يَحْتَمِي مَسَاكِينُ شَعْبِهِ.» هَذَا وَحيٌ حَوْلَ مُوآبَ: نُهِبَتْ ثَروَةُ مَدِينَةِ عَارَ فِي لَيلَةٍ وَاحِدَةٍ! فَقُضِيَ عَلَى مُوآبَ. نُهِبَتْ ثَروَةُ مَدِينَةِ قِيرٍ فِي لَيلَةٍ وَاحِدَةٍ! فَقُضِيَ عَلَى مُوآبَ. صَعِدَ الشَّعْبُ إلَى دِيبُونَ، إلَى المُرْتَفَعَاتِ لِلبُكَاءِ. يُوَلْوِلُ شَعْبُ مُوآبَ عَلَى نَبُو وَمَيدَبَا. كُلُّ الرُّؤُوسِ قَرعَاءُ، وَاللِّحَى مَحلُوقَةٌ. يَلبَسُونَ الخَيْشَ فِي شَوَارِعِهِمِ حُزْنًا، وَعَلَى سُطُوحِ مَنَازِلِهِمْ وَفِي السَّاحَاتِ، كُلُّهُمْ يَنُوحُونَ وَيَنهَارُونَ مِنَ البُكَاءِ. النَّاسُ فِي حَشْبُونَ وَألْعَالَةَ يَبْكُونَ، صَوْتُهُمْ مَسمُوعٌ مِنْ بَعِيدٍ، مِنْ يَاهَصَ. لِهَذَا يَبْكِي جُنُودُ مُوآبَ، وَيَرْتَجِفُونَ خَوْفًا. يَصْرُخُ قَلْبِي عَلَى مُوآبَ حُزْنًا، يَهْرُبُ شَعْبُهَا إلَى صُوغَرَ طَلَبًا لِلأمَانِ، وَإلَى عِجلَةِ شَلِيشِيَّةَ. لِأنَّ الشَّعْبَ يَصْعَدُ فِي طَرِيقِ الجَبَلِ إلَى لُوحِيثَ وَهُمْ يَبْكُونَ. وَفِي الطَّرِيقِ إلَى حُورَنَايِمَ يَرْفَعُونَ أصوَاتَهُمْ بِسَبَبِ الدَّمَارِ. جَفَّ جَدوَلُ نِمْرِيمَ. العُشبُ يَبِسَ، وَالنَّبَاتَاتُ مَاتَتْ، وَلَمْ يَبْقَ عِرْقٌ أخضَرُ. فَالثَّروَةُ الَّتِي صَنَعُوهَا، وَالأشيَاءُ الَّتِي خَزَنُوهَا، سَيَحْمِلُونَهَا عَبْرَ وَادِي الصَّفْصَافِ. بُكَاؤُهُمْ مَسمُوعٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي أرْضِ مُوآبَ. نُواحُهُمْ يَصِلُ إلَى مَدِينَةِ أجلَايِمَ، وَلْوَلَتُهُمْ تَصِلُ إلَى مَدِينَةِ بِئْرِ إيلِيمَ. لِأنَّ مِيَاهَ مَدِينَةِ دِيمُونَ مَلِيئَةٌ بِالدَّمِ. نَعَمْ، وَسَأجْلِبُ مَزِيدًا مِنَ الضِّيقَاتِ عَلَى دِيمُونَ. سَأُرْسِلُ أسَدًا عَلَى شَعْبِ مُوآبَ الهَارِبِ، وَعَلَى أُولَئِكَ البَاقِينَ فِي الأرْضِ. أرسِلُوا حَمَلًا إلَى حَاكِمِ الأرْضِ، مِنْ سَالِعَ عَبْرَ البَرِّيَّةِ إلَى جَبَلِ العَزِيزَةِ صِهْيَوْنَ. نِسَاءُ مُوآبَ عَلَى مَعَابِرِ نَهْرِ أرنُونَ، تَائِهَاتٌ كَالطُّيُورِ المُرَفرِفَةِ، كَفِرَاخٍ سَقَطَتْ مِنَ العُشِّ. يَقُلْنَ: «هَاتُوا نَصِيحَةً، اتَّخِذُوا قَرَارًا. فِي الظَّهِيرَةِ، اجعَلُوا ظِلَّكُمْ كَاللَّيلِ. خَبِّئُوا المَطرُودِينَ مِنَ الشَّعْبِ، وَلَا تَكْشِفُوا لِلأعْدَاءِ عَنِ الهَارِبِينَ طَلَبًا لِلِاحْتِمَاءِ.» لِيَسْكُنْ مُطرُودُو شَعْبِ مُوآبَ بَيْنَكُمْ. كُونُوا مَلجأً لَهُمْ مِنَ المُهلِكِ. لِأنَّهُ سَيُهزَمُ الحَاكِمُ القَاسِي، سَيَنْتَهِي الخَرَابُ، وَسَيَزُولُ المُضَايِقُونَ مِنَ الأرْضِ. ثُمَّ يُنَصَّبُ مَلِكٌ جَدِيدٌ مُحِبٌّ، وَقَاضٍ أمِينٌ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ يَسْعَى إلَى الإنصَافِ. سَيَجْلِسُ عَلَى العَرْشِ، وَيُسَارِعُ إلَى عَمَلِ الصَّوَابَ. سَمِعْنَا بِكِبرِيَاءِ مُوآبَ. شَعْبُ مُوآبَ مُتَكَبِّرٌ. سَمِعْنَا عَنْ عَجرَفَتِهِ وَكِبرِيَائِهِ وَتَشَامُخِهِ. افتِخَارُهُ بِلَا مَعنَى. فَليَبْكِ شَعْبُ مُوآبَ عَلَى مُوآبَ. لَنْ تأكُلُوا كَعكًا بِالزَّبِيبِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ قَرَيةِ قِيرَ حَارِسَةَ، لِأنَّهَا ضُرِبَتْ ضَرْبَةً شَدِيدَةً. كُرُومُ حَشبُونَ وَسِبْمَةَ ذَبُلَتْ. كَانَتْ عَنَاقِيدُ عِنَبِهَا تُسكِرُ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ، وَقَدْ وَصَلَتْ كُرُومُهُمْ حَتَّى مَدِينَةِ جَازَرَ. وَصَلَتْ إلَى الصَّحرَاءِ، وَامتَدَّتْ وَعَبَرَتِ البَحْرَ. لِذَلِكَ أبْكِي بُكَاءَ سُكَّانِ يَعْزِيرَ، لِأجْلِ كُرُومِ سِبْمَةَ، سَأُغَطِّيكِ بِالدُّمُوعِ يَا حَشبُونُ وَيَا ألْعَالَةُ. لِأنَّهُ لَا يَعُودُ هُنَاكَ هُتَافُ فَرَحٍ عَلَى قِطَافِ ثَمَرِكِ وَحَصَادِكِ. زَالَ الفَرَحُ مِنَ البَسَاتِينِ. التَّرنِيمُ وَالهُتَافُ اختَفَيَا مِنَ الكُرُومِ. لَا أحَدَ يَعْصُرُ نَبِيذًا فِي المَعَاصِرِ، فَقَدْ أسكَتُّ فَرَحَ الحَصَّادِينَ. لِهَذَا يَئِنُّ قَلْبِي عَلَى مُوآبَ كَقِيثَارَةٍ، وَأعمَاقِي تَبْكِي عَلَى قِيرَ حَارِسَ. عِنْدَمَا يَأْتِي شَعْبُ مُوآبَ لِلعِبَادَةِ، وَعِنْدَمَا يُتعِبُونَ أنْفُسَهُمْ فِي أمَاكِنِ العِبَادَةِ، وَعِنْدَمَا يَذْهَبُونَ إلَى المَعَابِدِ، لَنْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ. هَذَا هُوَ الكَلَامُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ اللهُ عَلَى مُوآبَ مُنْذُ زَمَنٍ. وَلَكِنِ الآنَ يَقُولُ اللهُ : «فِي ثَلَاثِ سِنِينَ – كَمَا تُحسَبُ سَنَوَاتُ الأجِيرِ – تُحتَقَرُ كَرَامَةُ مُوآبَ وَجَمَاهِيرُ شَعْبِهَا. أمَّا النَّاجُونَ، فَسَيَكُونُونَ قَلَائِلَ وَضُعَفَاءَ.» هَذَا وَحيٌ حَوْلَ دِمَشقَ: «هُوَذَا دِمَشقُ لَنْ تَبْقَى مَدِينَةً كَبَاقِي المُدُنِ، بَلْ سَتُصبِحُ كَومَةَ حُطَامٍ. مُدُنُ عَرُوعِيرَ سَتُهجَرُ، وَسَتُصبِحُ مَرَاعيَ لِلقُطعَانِ، الَّتِي سَتَرْبِضُ هُنَاكَ وَلَا يُوجَدُ مَنْ يُخِيفُهَا. لَنْ تَبْقَى حُصُونٌ فِي أفْرَايِمَ، وَلَا مَملَكَةٌ فِي دِمَشقَ. أمَّا النَّاجُونَ مِنْ أرَامَ، فَسَيُخزَونَ كَبَنِي إسْرَائِيلَ.» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُحَطُّ مَجْدُ بَنِي يَعْقُوبَ، وَسَتَهْزَلُ سُمنَتُهُمْ. «سَيَكُونُ الحَالُ فِي وَادِي رَفَايِمَ، كَمَا يَجْمَعُ الحَصَّادُونَ الحُبُوبَ النَّاضِجَةَ: يَلْتَقِطُونَ سنَابِلَ القَمْحِ بِأيدِيهِمْ، ثُمَّ يَقْطَعُونَ رُؤوسَهَا. «وَسَيَكُونُ النَّاجُونَ مِثْلَ شَجَرَةِ زَيْتُونٍ تُضرَبُ، فَلَا تبقَى سِوَى حَبَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثٍ عَلَى أغْصَانِهَا العَالِيَةِ، وَأرْبَعٍ أوْ خَمسِ حَبَّاتٍ عَلَى أغْصَانِهَا المُثمِرَةِ،» يَقُولُ إسْرَائِيلَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَنْظُرُ النَّاسُ إلَى اللهِ خَالِقِهِمْ، وَسَتَرَى عُيُونُهُمْ قُدُّوسَ إسْرَائِيلَ، وَسَيَثِقُونَ بِهِ. لَنْ يَتَّكِلُوا عَلَى المَذَابِحِ الَّتِي صَنَعَتْهَا أيدِيهِمْ، وَلَا عَلَى أعمِدَةِ عِبَادَةِ الأوْثَانِ أوْ مَذَابِحِ البَخُورِ الَّتِي عَمِلَتْهَا أصَابِعُهُمْ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتُصبِحُ مُدُنُهُمُ الحَصِينَةُ مِثْلَ مُدُنِ الحُوِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ الَّتِي هَجَرُوهَا هَرَبًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَأصبَحَتْ خَرَابًا. لِأنَّكِ نَسِيتِ الإلَهَ الَّذِي خَلَّصَكِ، وَلَمْ تَتَذَكَّرِي الصَّخرَ الَّذِي تَحْتَمينَ بِهِ. سَتَغْرِسِينَ غَرْسَاتٍ جَمِيلَةً، وَأشتَالًا أحضَرْتِهَا مِنْ بِلَادٍ غَرِيبَةٍ. تَغْرِسِينَهَا، وَتَضَعِينَ حَوْلَهَا سُورًا. وَفِي الصَّبَاحِ، يُزهِرُ زَرْعُكِ، لَكِنَّ ثَمَرَهُ سَيَضِيعُ فِي يَوْمِ الضَّعْفِ وَالمَرَضِ. يَا لِصَوْتِ ضَجيجِ الشُّعُوبِ! ضَجِيجُهُمْ كَهَدِيرِ أمْوَاجِ البَحْرِ. يَا لِهَديرِ الشُّعُوبِ! هَدِيرُهُمْ كَهَدِيرِ جَبَّارَةٍ. تَهْدِرُ الأُمَمُ كَهَدِيرِ شَلَّالَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَكِنَّهُ سَيَنْتَهِرُهَا. وَحَتَّى النَّاسُ السَّاكِنُونَ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ سَيَهْرُبُونَ. سَيُطَارَدُونَ كَقُشُورٍ تَحْمِلُهَا الرِّيحُ، وَكَشُجَيرَةٍ نَاشِفَةٍ تَتَدَحرَجُ بِسَبَبِ دَفعِ العَاصِفَةِ لَهَا. فِي وَقْتِ المَسَاءِ سَيَكُونُ هُنَاكَ رُعبٌ، وَلَكِنْ قَبْلَ الصَّبَاحِ سَيَكُونُونَ قَدْ زَالُوا. هَذَا نَصِيبُ سَالِبِينَا، وَحَظُّ نَاهِبِي ثَروَتِنَا. أيَّتُهَا الأرْضُ المَلِيئَةُ بِأزِيزِ الحَشَرَاتِ، وَرَاءَ أنهَارِ كُوشٍ، المُرسِلَةُ رُسُلًا عَبْرَ البَحْرِ، فِي قَوَارِبَ مِنْ نَبَاتِ البَرْدِي تَجُوبُ المِيَاهَ. اذْهَبُوا أيُّهَا الرُّسُلُ السَّرِيعُونَ، إلَى شَعْبٍ طَوِيلِ القَامَةِ، نَاعِمِ البَشَرَةِ. اذْهَبُوا إلَى الشَّعْبِ الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ الجَمِيعُ، الأُمَّةِ القَوِيَّةِ المُنتَصِرَةِ، الَّتِي تُقَسِّمُ الأنهَارُ أرْضَهَا. يَا جَمِيعَ سَاكِنِي المَسكُونَةِ، وَالقَاطِنِينَ فِي الأرْضِ، انْظُرُوا عِنْدَمَا تُرفَعُ الرَّايَةُ عَلَى الجِبَالِ، وَاسْمَعُوا عِنْدَمَا يُضرَبُ بِالبُوقِ. يَقُولُ اللهَ : «سَأهدَأُ وَأُرَاقِبُ هَذَا مِنْ مَكَانِ سُكنَايَ. سَأُرَاقِبُ كَمَنْ يَسْتَرِيحُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ اللَّامِعَةِ. وَكَغُيُومِ النَّدَى الَّذِي فِي حَرِّ وَقْتِ الحَصَادِ. لِأنَّهُ قَبْلَ وَقْتِ حَصَادِ القَمْحِ، وَعِنْدَمَا يَنْتَهِي الإزهَارُ وَتُصبِحُ الأزهَارُ عِنَبًا نَاضِجًا، سَيَقْطَعُ العَدُوُّ النَّبَاتَاتِ وَسَيَنْزِعُ الأغْصَانَ. حِينَئِذٍ، سَيُترَكُونَ كُلُّهُمْ لِلطُّيُورِ الجَارِحَةِ السَّاكِنَةِ فِي الجِبَالِ، وَلِوُحُوشِ الأرْضِ. وَسَتَأْكُلُهُمُ الطُّيُورُ الجَارِحَةُ فِي الصَّيفِ، وَحَيَوَانَاتُ الأرْضِ فِي الشِّتَاءِ.» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتُقَدَّمُ هَدِيَّةٌ إلَى اللهِ القَدِيرِ مِنْ شَعْبٍ طَوِيلِ القَامَةِ، نَاعِمِ البَشَرَةِ. مِنَ الشَّعْبِ الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ الجَمِيعُ، الأُمَّةِ القَوِيَّةِ المُنتَصِرَةِ الَّتِي تُقَسِّمُ الأنهَارُ أرْضَهَا. سَيُحضِرُهَا إلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ – المَكَانِ الَّذِي يُدْعَى عَلَيْهِ اسْمُ يهوه القَدِيرِ. هَذَا وَحيٌ بِشَأنِ مِصْرٍ: هُوَذَا اللهُ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَآتٍ إلَى مِصْرٍ. سَتَرْتَجِفُ أوْثَانُ مِصْرٍ خَوْفًا أمَامَهُ، وَسَيَذُوبُ قَلْبُ شَعْبِ مِصْرٍ. يَقُولُ اللهُ: «سَأجْعَلُ مِصْرِيِّينَ يُحَارِبُونَ مِصْرِيِّينَ، وَالرَّجُلَ يُحَارِبُ قَرِيبَهُ، وَالجِيرَانَ جِيرَانَهُمْ. سَتُحَارِبُ مُدُنٌ مُدُنًا، وَمَمَالِكُ تُحَارِبُ مَمَالِكَ. سَيَتَحَيَّرُ المِصْرِيُّونَ، وَسَأُربِكُ خُطَطَهُمْ. سَيَطْلُبُونَ النَّصِيحَةَ مِنَ الأوْثَانِ وَالسَّحَرَةِ وَالعَرَّافِينَ وَمُسْتَحْضِرِي الأرْوَاحِ.» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «سَأضَعُ سَادَةً قُسَاةً عَلَى مِصْرٍ، وَسَيَمْلُكُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ أجنَبِيٌّ قَوِيٌّ.» سَتَجِفُّ مِيَاهُ البَحْرِ، وَالنَّهرُ سَيَنْشَفُ وَيَيْبِسُ. سَتَتَعَفَّنُ قَنَوَاتُ المَاءِ، وَسَتَقِلُّ مِيَاهُ رَوَافِدِ نِيلِ مِصْرٍ، ثُمَّ سَتَجِفُّ. سَتَتَعَفَّنُ نَبَاتَاتُ القَصَبِ وَالبَرْدِيِّ. سَتَجِفُّ المَزرُوعَاتُ عَلَى ضِفَافِ نَهْرِ النِّيلِ – كُلُّ مَا هُوَ مَزرُوعٌ عَلَى طُولِهِ – وَسَتَأْخُذُهَا الرِّيحُ فَتَزُولَ. سَيَحْزَنُ الصَّيَّادُونَ. سَيَنُوحُ الَّذِينَ يُلقُونَ بِصِنَّارَةِ الصَّيدِ، وَسَيَضْعُفُ كُلُّ مَنْ يُلقِي بِشَبَكَتَهُ إلَى المِيَاهِ. وَسَيَخْجَلُ كُلُّ مَنْ يَعْمَلُ بِالكِتَّانِ، يُمَشِّطُونَهُ وَيَنْسِجُونَهُ لِيَعْمَلُوا مِنْهُ ثِيَابًا. سَيَكْتَئِبُ النَّسَّاجُونَ، وَسَتَحْزَنُ قُلُوبُ كُلِّ العَامِلِينَ بِالأُجرَةِ. مَا أغبَى رُؤَسَاءَ مَدِينَةِ صُوعَنَ! مُسْتَشَارُو فِرعَوْنَ الحُكَمَاءُ يُقَدِّمُونَ نَصِيحَةً حَمقَاءَ. كَيْفَ تَقُولُونَ لفِرعَونَ: «نَحْنُ حُكَمَاءُ، أوْلَادُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ؟» أيْنَ حُكَمَاؤُكِ؟ لِيُخبِرُوكِ وَيُعَرِّفُوكِ بِمَا خَطَّطَ اللهُ القَدِيرُ لِيَعْمَلَ ضِدَّ مِصْرٍ. أصبَحَ رُؤَسَاءُ صُوعَنَ حَمقَى، وَقَادَةُ مِمْفِيسَ مَخدُوعِينَ. قَادَةُ عَشَائِرِ مِصْرٍ قَدْ أضَلُّوهَا. شَوَّشَ اللهُ قَادَتَهَا، فَأضَلُّوهَا فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُ. كَالسُّكَارَى المُتَرَنِّحِينَ وَهُمْ يَتَقَيَّأُونَ. لَنْ يَسْتَطِيعَ أحَدٌ عَمَلَ شَيءٍ لِأجْلِ مِصْرٍ، لَا الرَّأسُ وَلَا الذَّنَبُ، لَا الأغْصَانُ وَلَا الجِذْعُ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَكُونُ المِصْرِيُّونَ كَالنِّسَاءِ. سَيَرْتَجِفُونَ خَوْفًا مِنْ يَدِ اللهِ القَدِيرِ الَّتِي يَرْفَعُهَا لِيَضْرِبَهُمْ. سَتَكُونُ أرْضُ يَهُوذَا مَصدَرَ رُعبٍ لِكُلِّ مَنْ تُذكَرَ أمَامَهُ مِنْ شَعْبِ مِصْرٍ، بِسَبَبِ مَا حَكَمَ بِهِ اللهُ القَدِيرُ عَلَيْهِمْ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتَكُونُ فِي أرْضِ مِصْرٍ خَمسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ. سَيَحْلِفُ شَعْبُهَا بِأنْ يَتَّبِعُوا اللهَ القَدِيرَ. وَسَتُدعَى إحدَاهَا «مَدِينَةَ الشَّمْسِ.» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَكُونُ هُنَاكَ مَذْبَحٌ للهِ فِي وَسَطِ أرْضِ مِصْرٍ، وَنَصبٌ تَذكَارِيٌّ لِمَجْدِ اللهِ عَلَى حُدُودِهَا. سَيَكُونُ هَذَا عَلَامَةً وَشَهَادَةً للهِ القَدِيرِ فِي أرْضِ مِصْرٍ. وَعِنْدَمَا يَصْرُخُ الشَّعْبُ إلَى اللهِ مِنْ ظَالِمِيهِمْ، سَيُرسِلُ إلَيْهِمْ مُخَلِّصًا يُدَافِعُ عَنْهُمْ وَيُنقِذُهُمْ. وَسَيُعْرَفُ اللهُ فِي مِصْرٍ. وَسَيَعْرِفُ المِصْرِيُّونَ اللهَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، وَسَيَعْبُدُونَهُ بِذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتٍ، وَسَيَنْذِرُونَ للهِ نُذُورًا وَيُوفُونَ بِهَا. وَسَيَضْرِبُ اللهُ مِصْرًا. يَضْرِبُهَا وَيَشْفِيهَا. سَيَعُودُونَ إلَى اللهِ، وَسَيَسْمَعُ تَضَرُّعَاتِهِمْ وَيَشْفِيهِمْ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَكُونُ هُنَاكَ طَرِيقٌ وَاسِعٌ مِنْ مِصْرٍ إلَى أشُّورَ. وَسَيَأْتِي الأشُّورِيُّونَ إلَى مِصْرٍ، وَالمِصْرِيُّونَ إلَى أشُّورَ. وَسَيُصَلِّي المِصْرِيُّونَ مَعَ الأشُّورِيِّينَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتَنْضَمُّ إسْرَائِيلُ إلَى مِصْرٍ وَأشُّورَ. وَسَيَكُونُونَ بَرَكَةً عَلَى الأرْضِ. سَيُبَارِكُهُمُ اللهُ القَدِيرُ وَيَقُولُ: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرٌ، وَمُبَارَكٌ أشُّورُ الَّذِي صَنَعْتُهُ، وَإسْرَائِيلُ مِيرَاثِي.» وَأرْسَلَ سَرْجُونُ مَلِكُ أشُّورَ قَائِدَ الجُيُوشِ الأشُّورِيَّةِ إلَى أشدُودَ. فَحَارَبَ قَائِدُ الجُيُوشِ أشدُودَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَاستَوْلَى عَلَيْهَا. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كَلَّمَ اللهُ إشَعْيَاءَ بْنَ آمُوصَ فَقَالَ: «اذْهَبْ وَاخلَعْ ثِيَابَ الحُزنِ الَّتِي تَرْتَدِيهَا عَلَى جَسَدِكَ، وَاخلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ قَدَمَيكَ.» فَفَعَلَ وَصَارَ يَمْشِي عَارِيًا حَافِيًا. ثُمَّ قَالَ اللهُ : «كَمَا سَارَ عَبْدِي إشَعْيَاءُ عَارِيًا وَحَافِيًا ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ كَعَلَامَةٍ لِمِصْرٍ وَكُوشٍ، هَكَذَا سَيَقُودُ مَلِكُ أشُّورَ الأسرَى مِنْ مِصْرٍ وَكُوشٍ كِبَارًا وَصِغَارًا. سَيَقُودُهُمْ عُرَاةً حُفَاةً وَمَكشُوفِي الأجْسَامِ. وَلِذَلِكَ سَتَخْزَى مِصْرٌ. سَيَتَحَيَّرُونَ وَيُذَلُّونَ بِسَبَبِ كُوشٍ الَّذِي وَضَعُوا فِيهِ آمَالَهُمْ، وَبِسَبَبِ مِصْرٍ الَّتِي افتَخَرُوا بِقُوَّتِهَا.» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَقُولُ الشَّعْبُ السَّاكِنُ قُرْبَ البَحْرِ: «هَذَا مَا حَدَثَ لِمَنِ اتَّكَلْنَا عَلَيْهِمْ، الَّذِينَ رَكَضْنَا نَحوَهُمْ لِيُسَاعِدُونَا وَيُنقِذُونَا مِنْ مَلِكِ أشُّورَ. فَكَيْفَ يُمكِنُنَا نَحْنُ أنْ نَهْرُبَ؟» هَذَا وَحيٌ حَوْلَ بَرِّيَّةِ البَحْرِ: هُنَاكَ شَيءٌ قَادِمٌ مِنَ البَرِّيَّةِ، مِنْ أرْضٍ مُخِيفَةٍ، وَهُوَ كَرِيحٍ عَاصِفَةٍ تَجتَاحُ الجَنُوبَ. رَأيْتُ رُؤيَا قَاسِيَةً، رَأيْتُ غَادِرِينَ يَغْدُرُونَ بِكِ، وَمُدَمِّرِينَ يُدَمِّرُونَكِ. اصعَدِي وَهَاجِمِي يَا عِيلَامُ، حَاصِرِي وَاهجُمِي يَا مَادِي، فَسَأُنهِي كُلَّ الأنِينِ الَّذِي سَبَّبَتهُ هَذِهِ المَدِينَةُ. لِذَلِكَ امتَلأتْ خَاصِرَتِي بِالألَمِ. أمسَكَنِي ألَمٌ كَألَمِ الوِلَادَةِ. أنَا أتَلَوَّى ألَمًا بِسَبَبِ مَا أسمَعُهُ، وَمُرتَعِبٌ بِسَبَبِ مَا أرَاهُ. زَالَتْ شَجَاعَتِي، وَأنَا أرتَجِفُ مِنَ الخَوفِ. لَيلَتِي السَّعِيدَةُ صَارَتْ لَيلَةَ رُعبٍ. فَقَدْ أعَدُّوا المَوَائِدَ، وَزَّعُوا الحُرَّاسَ، أكَلُوا وَشَرِبُوا. فَقُومُوا أيُّهَا القَادَةُ الآنَ، وَنَظِّفُوا تُرُوسَكُمُ. لِأنَّ الرَّبَّ قَالَ لِي: «اذْهَبْ وَضَعْ حَارِسًا لِلمَدِينَةِ. وَلْيُخبِرْ بِمَا يَرَاهُ. عِنْدَمَا يَرَى مَرْكَبَاتٍ وَأزوَاجًا مِنَ الفُرسَانِ، وَجُنُودًا رَاكِبِينَ عَلَى الحَمِيرِ وَالجِمَالِ، فَليُصغِ وَلْيَنْتَبِهْ جَيِّدًا.» ثُمَّ نَادَى الحَارِسُ مُحَذِّرًا: «يَا رَبُّ، أنَا أقِفُ عَلَى بُرجِ المُرَاقَبَةِ كُلَّ يَوْمٍ، أقِفُ فِي مَكَانِ حِرَاسَتِي كُلَّ لَيلَةٍ. وَلَكِنْ هَا أنَا أرَى رَجُلًا يَرْكَبُ مَرْكَبَةً تَجُرُّهَا الخُيُولُ، وَأسمَعُ رَاكِبَ المَرْكَبَةِ يَصْرُخُ: ‹سَقَطَتْ بَابِلُ، سَقَطَتْ، وَأصْنَامُ آلِهَتِهَا حُطِّمَتْ عَلَى الأرْضِ.›» يَا شَعْبِي المَسْحُوقَ المُدُوسَ، هَا قَدْ أخبَرْتُكُمْ بِمَا سَمِعْتُهُ مِنَ اللهِ القَدِيرِ، إلَهِ إسْرَائِيلَ. هَذَا وَحيٌ حَوْلَ دُومَةَ: هُنَاكَ مَنْ يُنَادِينِي مِنْ سَعِيرَ: «يَا حَارِسُ، مَاذَا بَقِيَ مِنَ اللَّيلِ؟ يَا حَارِسُ، مَاذَا بَقِيَ مِنَ اللَّيلِ؟» فَيُجِيبُ الحَارِسُ: «الصَّبَاحُ أتَى، وَاللَّيلُ سَيَأْتِي مِنْ جَدِيدٍ. إنْ أرَدْتُمْ أنْ تَطْلُبُوا، فَاطلُبُوا الآنَ. تُوبُوا وَارْجِعُوا.» هَذَا وَحيٌ حَوْلَ بِلَادِ العَرَبِ: سَتَقْضِينَ اللَّيلَةَ فِي غَابَاتِ بِلَادِ العَرَبِ يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ. أحْضِرُوا مَاءً لِلِقَاءِ العَطْشَانِ، يَا سُكَّانَ تَيمَاءَ، أحْضِرُوا خُبْزًا لِإطعَامِ الهَارِبِينَ. هَرَبُوا مِنَ السُّيُوفِ، مِنَ السُّيُوفِ المَسْلُولَةِ لِلقَتلِ. وَمِنَ الأقوَاسِ المَشدُودَةِ الجَاهِزَةِ لِلإطلَاقِ، وَمِنْ وَجْهِ الحَرْبِ الشَّدِيدَةِ. لِأنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي الرَّبُّ: «فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ – وَفْقًا لِعَدَدِ أيَّامِ سَنَةِ العَامِلِ بِأجرٍ – سَيَزُولُ كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ، أمَّا النَّاجُونَ مِنْ حَمَلَةِ الأقوَاسِ وَمِنْ مُحَارِبِي قِيدَارَ، فَسَيَكُونُونَ قَلِيلِينَ جِدًّا.» سَيَتِمُّ هَذَا لِأنَّ إسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ. هَذَا وَحيٌ حَوْلَ وَادِي الرُّؤيَا: مَاذَا جَرَى لَكِ يَا قُدْسُ، حَتَّى صَعِدَ الجَمِيعُ إلَى سُطُوحِ المَنَازِلِ؟ كُنْتِ مَدِينَةً مَلِيئَةً بِالضَّجَّةِ، وَكُنْتِ سَعِيدَةً وَمَلِيئَةً بِالهُتَافِ. كُلُّ شَعْبِكِ الَّذِي قُتِلَ، لَمْ يُقتَلْ بِالسُّيُوفِ، وَلَا مَاتَ فِي المَعْرَكَةِ. كُلُّ قَادَةِ الجَيْشِ هَرَبُوا مَعًا، لَكِنَّهُمْ أُسِرُوا مِنْ دُونِ أقوَاسٍ. كُلُّ الَّذِينَ أُمسِكُوا، سُجِنُوا مَعًا، مَعَ أنَّهُمْ هَرَبُوا بَعِيدًا. لِذَلِكَ قُلْتُ: «لَا تُحَدِّقُوا بِي، اترُكُونِي وَأنَا أبْكِي بِمَرَارَةٍ، لَا تُسرِعُوا إلَى تَعْزِيَتِي عَلَى دَمَارِ شَعْبِي العَزِيزِ.» لِأنَّ الرَّبَّ الإلَهَ القَدِيرَ قَدْ عَيَّنَ يَوْمَ ضَجَّةٍ وَدَوسٍ وَتَشْوِيشٍ فِي وَادِي الرُّؤيَا. حَدَّدَ يَوْمَ هَدمِ أسوَارٍ، وَيَوْمَ صُرَاخٍ إلَى الجِبَالِ لِطَلَبِ العَونِ. سَيَحْمِلُ جُنُودُ عِيلَامَ جُعَبَ أقوَاسِهِمْ مَعَ المَرْكَبَاتِ وَالفُرسَانِ. وَسَيُجَهِّزُ جُنُودُ قِيرٍ تُرُوسَهُمْ. وَسَتَمْتَلِئُ أفْضَلُ أودِيَتِكِ بِالمَرْكَبَاتِ، وَسَيَقِفُ الفُرسَانُ فِي مَوَاقِعِهِمْ عَلَى البَوَّابَةِ. وَسَيَهْدِمُ عَدُوُّ يَهُوذَا أسوَارَهَا الَّتِي تَحْمِيهَا. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتَرْغَبُونَ فِي الحُصُولِ عَلَى الأسلِحَةِ المَخزُونَةِ فِي قَصرِ الغَابِ. سَتَرَوْنَ شُقُوقًا كَثِيرَةً فِي أسوَارِ مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَسَتَجْمَعُونَ مِيَاهَ البِرْكَةِ السُّفلَى المَخزُونَةِ. سَتُحصُونَ بُيُوتَ مَدِينَةِ القُدْسِ وَتَهْدِمُونَهَا مِنْ أجْلِ تَرْمِيمِ السُّورِ وَتَقْوِيَتِهِ بِحِجَارَتِهَا. سَتَحْفِرُونَ خَندَقًا لِخَزنِ المَاءِ بَيْنَ السُّورَينِ مِنْ أجْلِ تَجَمِيعِ المِيَاهِ المُتَدَفِّقَةِ مِنَ البِركَةِ القَدِيمَةِ. لَكِنَّكُمْ لَنْ تَنْظُرُوا إلَى الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ. وَلَنْ تَرَوْا مَنْ خَطَّطَ لَهُ مُنْذُ القَدِيمِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، دَعَا الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ إلَى البُكَاءِ وَالنُّواحِ، وَحَلقِ الرَّأسِ وَلِبسِ الخَيْشِ. لَكِنَّ النَّاسَ أخَذُوا فِي اللّهوِ وَالِاحْتِفَالِ! ذَبَحُوا عُجُولًا وَغَنَمًا لِيَاكُلُوا لَحْمًا وَيَشْرَبُوا خَمْرًا! وَغَنُّوا فَقَالُوا: «فَلْنَأكُلْ وَنَشرَبْ، لِأنَّنَا غَدًا سَنَمُوتُ.» أعْلَنَ اللهُ القَدِيرُ فِي أُذُنَيَّ فَقَالَ: «لَا يُمْكِنُ أنْ يُغفَرَ هَذَا الإثْمُ لَكُمْ، بَلْ سَتَمُوتُونَ كُلُّكُمْ.» قَالَ هَذَا الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ. هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ: «اذْهَبْ إلَى شَبْنَا، خَادِمِ المَلِكِ المَسؤُولِ عَنِ القَصرِ. وَقُلْ لَهُ: ‹مَاذَا وَمَنْ لَكَ هُنَا حَتَّى إنَّكَ حَفَرْتَ قَبرًا لَكَ هُنَا؟› فَقَدْ حَفَرَ قَبرَهُ فِي مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ وَنَحَتَ مَسكَنًا لَهُ فِي الصَّخرِ. «هَا إنَّ اللهَ سَيَخْلَعُكَ وَيَقْذِفُ بِكَ بَعيدًا أيُّهَا المُتَجَبِّرُ، وَسَيُمسِكُ بِكَ بِقُوَّةٍ. سَيَلُفُّكَ كَالكُرَةِ وَيَرْمِيكَ إلَى أرْضٍ بَعِيدَةٍ. سَتَمُوتُ هُنَاكَ، وَسَتَكُونُ مَرْكَبَاتُكَ الفَاخِرَةُ مُخزِيَةً وَسَطَ مَرْكَبَاتِ سَيِّدِكَ الجَدِيدِ. سَأطرُدُكَ مِنْ مَنصِبِكَ، وَسَتُطرَحُ مِنْ مَرْكَزِكَ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأدعُو عَبدِي ألِيَاقِيمَ بْنَ حِلْقِيَّا، وَسَأُلبِسُهُ ثَوبَكَ، وَسَأضَعُ عَلَيْهِ حِزَامَكَ الرَّسمِيَّ، وَسَأُعْطِيهِ مَرْكَزَكَ. وَسَيَكُونُ كَأبٍ لِسَاكِنِي مَدِينَةِ القُدْسِ وَلِبَنِي يَهُوذَا. وَسَأضَعُ مِفتَاحَ قَصرِ دَاوُدَ كَقِلَادَةٍ حَوْلَ رَقَبَتِهِ. مَا يَفْتَحُهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ أحَدٌ أنْ يُغلِقَهُ، وَمَا يُغلِقُهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ أحَدٌ أنْ يَفَتحَهُ. «سَأُثَبِّتُهُ كَالوَتَدِ فِي حَائِطٍ ثَابِتٍ، فَيَكُونَ عَرشًا مَجِيدًا لِبَيْتِ أبِيهِ. وَسَتُعَلَّقُ عَلَيْهِ كُلُّ الأشْيَاءِ القَيِّمَةِ بِالنِّسبَةِ إلَى بَيْتِ أبِيهِ وَنَسْلِهِ وَنَسْلِ أقَارِبِهِ: كُلُّ الآنِيَةِ الصَّغِيرَةِ، مِنَ الكُؤُوسِ وَحَتَّى الأبَارِيقِ.» وَيَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، يُخلَعُ الوَتَدُ الَّذِي ثُبِّتَ فِي حَائِطٍ ثَابِتٍ، وَيَسْقُطُ كُلُّ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ إلَى الأرْضِ وَيَتَحَطَّمُ. لِأنَّ اللهَ قَدْ تَكَلَّمَ.» هَذَا وَحيٌ حَوْلَ صُورٍ: نُوحِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ، لِأنَّ مِينَاءَ صُورٍ قَدْ تَحَطَّمَ. هَذَا مَا أعلَنَتْهُ السُّفُنُ القَادِمَةُ مِنْ كِتِّيمَ. اصمِتُوا حُزْنًا يَا سَاكِنِي السَّاحِلِ. تُجَّارُ صَيْدُونَ أرسَلُوا بَحَارَتَهُمْ عَبْرَ البِحارِ، فَمَلَأُوا المَدِينَةِ غِنَىً. غَلَّتُهَا مِنْ حُبُوبِ شِيحُورَ، وَمِنْ حَصَادِ النِّيلِ، حَتَّى أصبَحَتْ سُوقًا لِلأُمَمِ. اخجَلِي يَا صَيدُونُ، لِأنَّ البَحْرَ وَحِصنَ البَحْرِ يَقُولَانِ: «لَمْ أتَمَخَّضْ وَلَمْ ألِدْ، وَلَمْ أُنَشِّئْ فِتيَانًا، وَلَمْ أُرَبِّ فَتَيَاتٍ.» عِنْدَمَا وَصَلَتِ الأخْبَارُ إلَى مِصْرٍ، تَألَّمُوا إذْ سَمِعُوا عَنْ صُورٍ. اعبُرُوا إلَى تَرْشِيشَ، نُوحُوا يَا سَاكِنِي السَّاحِلِ. هَلْ هَذِهِ هِيَ مَدِينَتُكُمُ المُبتَهِجَةُ ذَاتُ التَّارِيخِ العَرِيقِ؟ تِلْكَ الَّتِي امتَدَّتْ وَعَاشَ سُكَّانُهَا فِي مُسْتَوْطَنَاتٍ بَعِيدَةٍ. مَنْ حَكَمَ بِهَذَا عَلَى صُورٍ الَّتِي كَانَتْ تُعَيِّنُ المُلُوكَ، وَكَانَ تُجَّارُهَا كَرُؤَسَاءَ، بَلْ أكْثَرَ النَّاسِ اعتِبَارًا فِي الأرْضِ؟ لَكِنَّ اللهَ القَدِيرَ حَكَمَ بِهَذَا: بِأنْ يُدَمِّرَ فَخرَ المُتَكَبِّرِينَ وَجَمَالَهُمْ، وَأنْ يُخزِيَ أُولَئِكَ الأكثَرَ اعتِبَارًا فِي الأرْضِ. ارجِعِي إلَى أرْضَكِ يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ، اعبُرِي البَحْرَ كَنَهْرٍ صَغِيرٍ، فَلَنْ يُعيقَكِ أحَدٌ الآنَ. مَدَّ اللهُ يَدَهُ عَلَى البَحْرِ، وَجَعَلَ المَمَالِكَ تَهْتَزُّ. أمَرَ اللهُ بِأنْ تُدَمَّرَ حُصُونُ كَنْعَانَ. وَقَالَ: «لَنْ تَعُودِي تَفْرَحِينَ يَا ابنَةَ صَيدُونَ، أيَّتُهَا العَذرَاءُ المُحَطَّمَةُ، اذهَبِي إلَى كِتِّيمَ، وَلَنْ تَجِدِي رَاحَةً هُنَاكَ أيْضًا.» أرَأيْتُمْ مَا حَدَثَ لِأرْضِ الكِلدَانِيِّينَ؟ فَشَعْبُ أشُّورَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مِنْ قَبْلُ، يَضَعُ الآنَ أبْرَاجَ حِصَارٍ عَلَى أرْضِ الكِلدَانِيِّينَ. دَمَّرُوا قُصُورَهَا، وَحَوَّلُوهَا إلَى حُطَامٍ. وَجَعَلُوهَا لِحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ. نُوحِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ، لِأنَّ مَلجَأهُمْ خُرِّبَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتُنسَى صُورٌ لِسَبعِينَ سَنَةٍ، أيْ مُدَّةَ حَيَاةِ مَلِكٍ. وَفِي نِهَايَةِ السَّبعِينَ سَنَةٍ سَتَكُونُ صُورٌ أشْبَهَ بِالعَاهِرَةِ فِي هَذِهِ الأُغْنِيَةِ: «خُذِي قِيثَارَةً وَسِيرِي عَبْرَ المَدِينَةِ، أيَّتُهَا العَاهِرَةُ المَنسِيَّةُ. اعزِفِي وَغَنِّي كَثِيرًا، لَعَلَّ أحَدًا يَتَذَكَّرُكِ!» وَفِي نِهَايَةِ السَّبعِينَ سَنَةٍ، سَيُنظَرُ اللهُ فِي مَسألَةِ صُورٍ. سَيَجْعَلُهَا تَسْتَعِيدُ أُجرَةَ زِنَاهَا، لَكِنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ جَدِيدٍ عَاهِرَةً لِكُلِّ أُمَمِ الأرْضِ. أمَّا أربَاحُ تِجَارَتِهَا هَذِهِ فَسَتُؤخَذُ وَتُكَرَّسُ للهِ . لَا لِكَي تُخزَنَ أوْ تُكنَزَ، بَلْ سَتَكُونُ لِتَوْفِيرِ طَعَامٍ كَثِيرٍ وَثِيَابٍ جَمِيلَةٍ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ فِي حَضْرَةِ اللهَ . هَا إنَّ اللهَ سَيُدَمِّرُ هَذِهِ الأرْضَ وَيَتْرُكُهَا فَارِغَةً. سَيَقْلِبُ سَطحَهَا وَيُشَتِّتُ سُكَّانَهَا. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، أنَّهُ كَمَا يَحْدُثُ لِلشَّعْبِ يَحْدُثُ لِلكَاهِنِ، وَكَمَا يَحْدُثُ لِلعَبِيدِ يَحْدُثُ لِلسَّادَةِ، وَكَمَا يَحْدُثُ لِلجَوَارِي يَحْدُثُ لِلسَّيِّدَاتِ، وَكَمَا يَحْدُثُ لِلشَّارِي يَحْدُثُ لِلبَائِعِ، وَكَمَا يَحْدُثُ لِلمُقرِضِ يَحْدُثُ لِلمُسْتَقْرِضِ، وَكَمَا يَحْدُثُ لِلمُدَايِنِ يَحْدُثُ لِلمُسْتَدِينِ. فَسَتُدَمَّرُ كُلُّ الأرْضِ وَتُنهَبُ بِالْكَامِلِ، لِأنَّ اللهَ قَدْ تَكَلَّمَ. سَتَنُوحُ الأرْضُ وَتَذْبُلُ، سَتَضْعُفُ المَسكُونَةُ وَتَذْبُلُ، وَسَيَضْعُفُ قَادَةُ شَعْبِ هَذِهِ الأرْضِ. تَنَجَّسَتِ الأرْضُ بِسَبَبِ سُكَّانِهَا، لِأنَّهُمْ عَصَوْا الشَّرِيعَةَ، وَتَعَدَّوْا عَلَى الأحْكَامِ، وَنَقَضُوا العَهْدَ الأبَدِيَّ. لِذَلِكَ سَتَلْتَهِمُ اللَّعنَةُ الأرْضَ، وَسَيُعَاقَبُ السَّاكِنُونَ فِيهَا بِسَبَبِ إثمِهِمْ. لِذَلِكَ سَيَخْتَفِي سُكَّانُ الأرْضِ، وَلَنْ يَبْقَى سِوَى قَلِيلِينَ. النَّبِيذُ يَفْسُدُ، وَالكَرمَةُ تَذْبُلُ. كُلُّ الَّذِينَ كَانُوا فَرِحِينَ، يَنُوحُونَ الآنَ. فَرَحُ الدُّفُوفِ تَوَقَّفَ، وَضَجِيجُ المَسرُورِينَ انْتَهَى، العَزفُ بِالقِيثَارَةِ تَوَقَّفَ. لَنْ يَشْرَبُوا الخَمْرَ مَعَ الغِنَاءِ فِيمَا بَعْدُ، وَطَعمُ المُسْكِرِ مُرٌّ لِشَارِبِيهِ. مَدِينَةُ التَّشوِيشِ مُحَطَّمَةٌ، وَكُلُّ بَيْتٍ مُغلَقٌ وَلَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ. سَيَبْكِي النَّاسُ فِي الشَّوَارِعِ طَلَبًا لِلخَمرِ! سَيَتَحَوَّلُ كُلُّ فَرَحٍ إلَى ظَلَامٍ، وَسَيَزُولُ فَرَحُ الأرْضِ. تُرِكَتِ المَدِينَةُ خَرِبَةً، وَبَوَّابَتُهَا مُحَطَّمَةً. هَكَذَا سَيَحْدُثُ فِي هَذِهِ الأرْضِ وَبَيْنَ الأُمَمِ: سَيَكُونُ النَّاسُ كَبَقَايَا زَيتُونَةٍ ضُرِبَتْ أغْصَانُهَا، أوْ كَحَبَّاتِ عِنَبٍ تُرِكَتْ بَعْدَ قِطَافِ الكُرُومِ. يَرْفَعُونَ أصوَاتَهُمْ، يَتَرَنَّمُونَ بِعَظَمَةِ اللهِ : «اهتِفُوا مِنَ الغَرْبِ، افرَحُوا فِي الشَّرقِ، مَجِّدُوا اللهَ فِي سَوَاحِلِ البَحْرِ مَجِّدُوا اسْمَ إسْرَائِيلَ.» مِنْ أقَاصِي الأرْضِ سَمِعْنَا تَرْنِيمَةً تَقُولُ: «مَجدًا لِلبَارِّ.» وَلَكِنِّي قُلْتُ: «يَا وَيلِي، يَا وَيلِي، المُخَادِعُونَ يَغْدُرُونَ، يَغْدُرُونَ غَدْرًا مُؤلِمًا.» رُعْبٌ وَحُفرَةٌ وَفَخٌّ بَانْتِظَارِكَ يَا سَاكِنَ الأرْضِ. الَّذِينَ يَهْرُبُونَ مِنْ صَوْتِ الرُّعبِ سَيَقَعُونَ فِي الحُفرَةِ، وَالَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنَ الحُفرَةِ سَيُمسَكُونَ بِالفَخِّ. لِأنَّ نَوَافِذَ السَّمَاءِ سَتَنْفَتِحُ، وَأسَاسَاتُ الأرْضِ سَتَهْتَزُّ. سَتَتَشَقَّقُ الأرْضُ تَشَقُّقًا. وَسَتَتَمَزَّقُ تَمَزُّقًا، وَسَتَهْتَزُّ اهتِزَازًا. سَتَتَرَنَّحُ الأرْضُ كَالسَّكرَانِ، وَسَتَتَمَايَلُ كَكُوخٍ غَيْرِ مَتِينٍ، بِسَبَبِ ثِقَلِ خَطَايَاهَا. سَتَسْقُطُ، وَلَنْ تَقُومَ ثَانِيَةً. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُعَاقِبُ اللهُ قُوَّاتِ السَّمَاءِ فِي الأعْلَى، وَمُلُوكَ الأرْضِ فِي الأسفَلِ. وَسَيُجمَعُونَ كَالأسرَى فِي السِّجْنِ، وَيُغلَقُ عَلَيْهِمْ طَرِيقُ الخُرُوجِ. وَبَعْدَ أيَّامٍ كَثِيرَةٍ سَيُعَاقَبُونَ. وَسَيَخْجَلُ القَمَرُ، وَالشَّمْسُ سَتُخزَى، لِأنَّ اللهَ القَدِيرَ سَيَمْلُكُ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ، فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَسَيَظْهَرُ فِي مَجدٍ أمَامَ شُيُوخِهَا. يَا اللهُ إلَهِي أنْتَ، أرفَعُكَ وَأُسَبِّحُ اسْمَكَ، لِأنَّكَ عَمِلْتَ أُمُورًا مُدهِشَةً، خَطَّطتَ لَهَا مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ وَتَحَقَّقَتْ. لِأنَّكَ جَعَلْتَ المَدِينَةَ كَومَةَ حِجَارَةٍ، وَجَعَلْتَ المَدِينَةَ المُحَصَّنَةَ خَرَابًا. لَنْ يَسْتَمِرَّ قَصرُ الغُرَبَاءِ كَمَدِينَةٍ، وَلَنْ يُبنَى ثَانِيَةً. لِذَلِكَ يُمَجِّدُكَ شَعْبٌ عَظِيمٌ، وَشُعُوبٌ أُخْرَى سَتَخَافُكَ. لِأنَّكَ كُنْتَ حِصنًا لِلمَسَاكِينِ، مَلجأً لِلبَائِسِينَ فِي يَوْمِ الضِّيقِ، وَسِترًا مِنَ العَاصِفَةِ وَظِلًّا مِنَ الحَرِّ. حِينَ كَانَ هُجُومُ القُسَاةِ كَعَاصِفَةِ الشِّتَاءِ، أوْ كَحَرِّ الصَّحْرَاءِ، أنْتَ أسْكَتَّ ضَجِيجَ الغُرَبَاءِ، كَمَا يُطفِئُ ظِلُّ الغُيُومِ حَرَّ الصَّحرَاءِ، هَكَذَا تُسكِتُ أُغنِيَةَ القُسَاةِ. عَلَى هَذَا الجَبَلِ، سَيُعِدُّ اللهُ القَدِيرُ لِلشَّعْبِ وَلِيمَةً مِنْ أفْضَلِ الأطعِمَةِ وَالنَّبِيذِ المُعَتَّقِ، بِاللَّحمِ الطَّرِيِّ وَالنَّبِيذِ المُعَتَّقِ الصَّافِي. وَعَلَى هَذَا الجَبَلِ، سَيُزِيلُ البُرقُعَ الَّذِي يُغَطِّي كُلَّ الشُعُوبِ، وَغِطَاءَ المَوْتِ المَفرُوشَ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. سَيُهزَمُ المَوْتُ إلَى الأبَدِ. وَسَيَمْسَحُ الرَّبُّ الإلَهُ الدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ الوُجُوهِ. وَسَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ الَّذِي يُغَطِّي كُلَّ الأرْضِ. لِأنَّ اللهَ قَدْ تَكَلَّمَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ سَيَقُولُونَ: «هَذَا هُوَ إلَهُنَا، انتَظَرْنَاهُ فَجَاءَ لِخَلَاصِنَا. هَذَا هُوَ اللهُ ، انتَظَرْنَاهُ، لِنَفرَحْ وَنَبتَهِجْ بِخَلَاصِهِ.» لِأنَّ اللهَ سَيَحْمِي هَذَا الجَبَلَ، أمَّا مُوآبُ فَسَتُدَاسُ تَحْتَهُ كَالقَشِّ الَّذِي يُدَاسُ فِي كَومَةِ رَوثٍ. سَيَمُدُّ النَّاسُ أيدِيَهُمْ وَسَطَ مُوآبَ، كَمَا يَمُدُّ الغَرِيقُ يَدَيهِ لِيَنْجُوَ. لَكِنَّ كِبرِيَاءَهُمْ سَينحَدِرُ مَعَ كُلِّ حَرَكَةٍ مِنْ أيدِيهِمْ. مَعَ كُلِّ الأشْيَاءِ الجَمِيلَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا بِأيدِيهِمُ المَاهِرَةِ. سَتَسْقُطُ أسوَارُ حُصُونِكِ المُرْتَفِعَةَ، سَتُذَلُّ وَتُطرَحُ إلَى الأرْضِ، بَلْ إلَى التُّرَابِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُغَنُّونَ هَذِهِ الأُغنِيَةَ فِي أرْضِ يَهُوذَا: لَنَا مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ، لَهَا أسوَارٌ قَوِيَّةٌ، لَكِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُخَلِّصُنَا. افتَحُوا البَوَّابَاتِ، وَدَعُوا الأُمَّةَ الصَّالِحَةَ تَدْخُلْ، الأُمَّةَ الَّتِي تُحَافِظُ عَلَى أمَانَتِهَا. أنْتَ تُعطِي سَلَامًا لِلمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ، لِأنَّهُمْ يَثِقُونَ بِكَ. ثِقُوا بِاللهِ دَائِمًا، لِأنَّ اللهَ يَاه صَخرَةٌ أبَدِيَّةٌ. لِأنَّهُ أذَلَّ السَّاكِنِينَ فِي العُلَى. يُذِلُّ المَدِينَةَ المُرْتَفِعَةَ. يُذِلُّهَا إلَى الأرْضِ، يَطْرَحُهَا إلَى التُّرَابِ. أقْدَامُ الفُقَرَاءِ وَالمَظلُومِينَ سَتَدُوسُهَا. طَرِيقُ الأبْرَارِ مُسْتَقِيمٌ، أيُّهَا الإلَهُ البَارُّ، أنْتَ تُمَهِّدُ طَرِيقَ الأبْرَارِ. نَنتَظِرُ طَرِيقَ عَدلِكَ يَا اللهُ . تَشتَاقُ نُفُوسُنَا أنْ تَذْكُرَ اسْمَكَ وَأنْ تَتَذَكَّرَكَ. فِي اللَّيلِ، نَفْسِي تَشتَاقُ إلَيْكَ، وَفِي الفَجرِ، رُوحِي فِي دَاخِلِي تَطْلُبُكَ. لِأنَّهُ عِنْدَمَا تَأْتِي أحكَامُكَ عَلَى الأرْضِ، سَيَتَعَلَّمُ سُكَّانُ المَسكُونَةِ حَيَاةَ البِرِّ. وَإنْ رُحِمَ الأشرَارُ، فَإنَّهُمْ لَا يَتَعَلَّمُونَ حَيَاةَ البِرِّ. فِي أرْضِ المُسْتَقِيمَاتِ يَكُونُونَ مُلتَوِينَ، وَلَنْ يَرَوْا جَلَالَ اللهِ . يَا اللهُ ، يَدُكَ مَرْفُوعَةٌ لِمُعَاقَبَتِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ. لَيتَهُمْ يَرَوْنَ غَيْرَتَكَ عَلَى شَعْبِكَ وَيَخْجَلُونَ. لِتَأْكُلْهُمُ النَّارُ المُعَدَّةُ لِأعْدَائِكَ. يَا اللهُ ، أنْتَ سَتُعطِينَا سَلَامًا، فَكُلٌّ مَا نَجَحْنَا بِهِ، إنَّمَا أنْتَ صَنَعْتَهُ لَنَا. يَا ، قَدْ حَكَمَنَا أسيَادٌ غَيرُكَ، وَلَكِنَّنَا نَتَذَكَّرُ اسْمَكَ. الأمْوَاتُ لَا يَعِيشُونَ، وَأروَاحُ المَوْتَى لَا تَقُومُ مِنَ المَوْتِ. لِذَلِكَ عَاقِبْهُمْ وَافنِهِمْ، وَامْحُ كُلَّ ذِكرٍ لَهُمْ. نَمَّيتَ شَعْبَكَ يَا اللهُ ، نَمَّيتَ شَعْبَكَ فَتَمَجَّدتَ! وَوَسَّعتَ حُدُودَ الأرْضِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ. يَا اللهُ ، طَلَبنَا مَعُونَتَكَ فِي ضِيقِنَا، وَصَرَخنَا صَرَخَاتٍ مَكتُومَةً عِنْدَمَا أدَّبتَنَا. هَكَذَا صِرنَا بِسَبَبِ تَأْدِيبِكَ يَا اللهُ ، مِثْلَ امْرأةٍ تَلِدُ، تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي ألَمِهَا. حَبِلْنَا وَكُنَّا نَتَلَوَّى، وَوَلَدْنَا الرِّيحَ فَقَطْ. لَمْ نُخَلِّصِ الأرْضَ، وَلَمْ نَلِدْ سُكَّانَ المَسكُونَةِ. يَقُولُ اللهُ: «أمْوَاتُكُمْ سَيَحْيَوْنَ، جُثَثُكُمْ سَتُقُومُ مِنَ المَوْتِ. اسْتَيْقِظُوا وَغَنُّوا بِفَرَحٍ يَا سَاكِنِي التَّرَابِ، لِأنَّ النَّدَى الَّذِي يُغَطِّيكُمْ هُوَ نَدَى الصَّبَاحِ. سَتَرَوْنَ وَقْتًا جَدِيدًا قَادِمًا، حِينَ تُصعِدُ الأرْضُ أرْوَاحَ الأمْوَاتِ الَّتِي فِيهَا.» اذْهَبْ يَا شَعْبِي وَادْخُلْ حُجُرَاتِكَ، وَأغلِقِ الأبْوَابَ خَلفَكَ. اختَبِئْ لِلَحظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الغَضَبُ. لِأنَّ اللهَ سَيَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ سُكَّانَ الأرْضِ عَلَى إثمِهِمْ. وَسَتَكْشِفُ الأرْضُ دَمَ القَتلَى، وَلَنْ تُخفِيَهِ فِيمَا بَعْدُ، حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُ الشَّعْبُ أنَّهُمْ مُجرِمُونَ! فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُعَاقِبُ اللهُ بِسَيفِهِ القَاسِي العَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ: الحَيَّةَ الهَارِبَةَ، لَوِيَاثَانَ الحَيَّةَ المُلتَوِيَةَ. وَسَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي البَحْرِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُغَنِّي النَّاسُ عَنِ الكَرمَةِ الجَمِيلَةِ: أنَا اللهَ حَارِسُهَا الَّذِي أهتَمُّ بِهَا وَدَائِمًا أروِيهَا. أحرُسُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، لِئَلَّا يُؤذِيَهَا أحَدٌ. لَسْتُ غَاضِبًا عَلَيْهَا. بَلْ إنْ بَنَى مُحَارِبٌ حَوْلَهَا سُورًا مِنْ شَوكٍ، سَآتِيهِ مُحَارِبًا وَسَأُحْرِقُهُ. فَإنْ لَجَأ أحَدٌ إلَيَّ لِكَي أحمِيَهُ، وَأرَادَ أنْ يَصْنَعَ مَعِي سَلَامًا، فَسَأصنَعُ مَعَهُ سَلَامًا. سَيَمُدُّ يَعْقُوبُ جُذُورَهُ فِي الأرْضِ، وَبَنو إسْرَائِيلَ سَيُخرِجُونَ بَرَاعِمَ وَأزْهَارًا. وَسَيَملأُونَ الأرْضَ ثَمَرًا. لَمْ يُضرَبْ بَنُو إسْرَائِيلَ كَمَا ضُرِبَ ضَارِبُوهُمْ. وَلَمْ يُقتَلْ مِنْهُمْ كَمَا قُتِلَ مِنْ قَاتِلِيهِمْ. حَسَمَ اللهُ الأمْرَ مَعَهُمْ بِالطَّرْدِ وَالنَّفِي! سَيُخَاطِبُهُمْ بِقَسْوَةٍ كَالرِّيحِ الشَّرقِيَّةِ فِي حَرِّ النَّهَارِ. هَكَذَا سَيُكَفَّرُ عَنْ إثْمِ يَعْقُوبَ، وَتُرْفَعُ آثَارُ خَطِيَّتِهِ: بِتَحْطِيمِ حِجَارَةِ المَذْبَحِ إلَى حَصَى، وَبِإزَالَةِ أعمِدَةِ عِبَادَةِ الأوْثَانِ وَمَذَابِحِ البَخُورِ. وَسَتَكُونُ المَدِينَةُ المُحَصَّنَةُ فَارِغَةً، وَمَسكَنًا مَهجُورًا كَالصَّحرَاءِ. العُجُولُ سَتُسَرَّحُ هُنَاكَ وَتَرْبِضُ وَتَأْكُلُ مِنْ غُصُونِهَا. وَعِنْدَمَا تَجِفُّ غُصُونُهَا سَتَتَكَسَّرُ، وَتَسْتَخْدِمُهَا النِّسَاءُ وَقُودًا لِلنَّارِ. لِأنَّ هَذَا الشَّعْبَ لَا يَفْهَمُ، فَلَنْ يَرْحَمَهُمْ خَالِقُهُمْ، وَلَنْ يَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ جَابِلُهُمْ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَجْمَعُ اللهُ شَعْبَهُ مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ إلَى وَادِي العَرِيشِ فِي مِصْرٍ. سَيَجْمَعُكُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا يَا بَنِي إسْرَائِيلَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُنفَخُ بِبُوقٍ عَظِيمٍ، وَسَيَأْتِي التَّائِهُونَ فِي أرْضِ أشُّورَ، وَأُولَئِكَ الَّذِينَ طُرِدُوا إلَى أرْضِ مِصْرٍ، وَسَيَسْجُدُونَ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، وَيَعْبُدُونَهُ عَلَى الجَبَلِ المُقَدَّسِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. هَا سُكَارَى أفْرَايِمَ يَفْتَخِرُونَ بِكِ جَالِسَةً كَإكلِيلِ رَأسِ التَّلَّةِ المُطِلَّةِ عَلَى الوَادي الخَصِيبِ. لَكِنَّ الخَمْرَ غَلَبَتْهُمْ، وَإكلِيلُكِ قَدْ ذَبُلَتْ زُهُورُهُ. هَا إنَّ الرَّبَّ سَيُرسِلُ رَجُلًا قَوِيًّا جَبَّارًا، كَهُطُولِ البَرَدِ وَالمَطَرِ، كَعَاصِفَةٍ تَسْكُبُ فَيَضَانَاتٍ. هَكَذَا سَيَطْرَحُ بِيَدِهِ إكلِيلَ أفْرَايِمَ إلَى الأرْضِ. إكلِيلُ سُكَارَى أفْرَايِمَ الجَمِيلِ سَيُدَاسُ تَحْتَ الأقدَامِ. وَزَهرُ جَمَالِهِ الذَّابِلِ عَلَى قِمَّةِ الوَادِي الخَصِيبِ، سَيَكُونُ مِثْلَ التِّينِ الَّذِي يَنْضِجُ قَبْلَ الصَّيفِ، فَكُلُّ مَنْ يَرَاهُ يَقْطِفُهُ وَيَأْكُلُهُ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَكُونُ اللهُ القَدِيرُ كَإكلِيلِ جَمَالٍ وَكَتَاجٍ مَجْدُولٍ مِنَ الزُّهُورِ لِلبَاقِينَ مِنْ شَعْبِهِ. وَسَيُعطِي رُوحَ عَدلٍ لِلقُضَاةِ، وَشَجَاعَةً لِلمُدَافِعِينَ عَنْ بَوَّابَاتِ المَدِينَةِ فِي الحَرْبِ. أمَّا أُولَئِكَ فَيَتَرَنَّحُونَ الآنَ مِنَ الخَمْرِ، وَيَتَأرجَحُونَ مِنَ المُسْكِرِ. الكَهَنَةُ وَالأنْبِيَاءُ يَتَرَنَّحُونَ بِالمُسْكِرِ، وَهُمْ مُشَوَّشُونَ مِنَ الخَمْرِ. لِذَا يُخطِئُ الأنْبِيَاءُ عِنْدَمَا يَرَوْنَ رُؤَىً، وَالكَهَنَةُ عِنْدَمَا يُقَرِّرُونَ أحكَامًا. كُلُّ المَوَائِدِ مُغَطَّاةٌ بِالقَيءِ، وَمَا مِنْ مَكَانٍ نَظِيفٍ. وَيُقَالُ: «أيَظُنُّنَا أطْفَالًا لِكَي يُعَلِّمَنَا وَيُفَهِّمُنَا بِهَذِهِ الطَريقَةِ؟ كَانَّنَا فُطِمْنَا وَأُخِذْنَا لِلتَّوِّ عَنْ صُدُورِ أُمَّهَاتِنَا! فَكَلَامُهُ لَنَا: «أمْرٌ بَعْدَ أمْرٍ، أمْرٌ بَعْدَ أمْرٍ حُكْمٌ بَعْدَ حُكْمٍ، حُكْمٌ بَعْدَ حُكْمٍ قَليلٌ هُنَا، قَليلٌ هُنَاكَ!» لِأنَّهُ بِشِفَاهٍ مُتَلَعثِمَةٍ وَبِلُغَاتٍ أجنَبِيَّةٍ سَأُكَلِّمُ هَذَا الشَّعْبَ. تَكَلَّمَ فِي المَاضِي فَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا مَكَانُ الرَّاحَةِ وَالسُّكُونِ. فَلْيَسْتَرِحِ المُتْعَبُونَ.» لَكِنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا. لِذَلِكَ سَيَكُونُ كَلَامُ اللهِ لَهُمْ: «أمْرًا بَعْدَ أمْرٍ، أمْرًا بَعْدَ أمْرٍ حُكْمًا بَعْدَ حُكْمٍ، حُكْمًا بَعْدَ حُكْمٍ قَلِيلًا هُنَا، قَلِيلًا هُنَاكَ!» لَكَي يَسَقُطُوا إلَى الخَلْفِ وَيُكسَرُوا حِينَ يَمْشُونَ. وَلِكَي يُمْسَكُوا بِالفَخِّ وَيُؤسَرُوا. اسمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ أيُّهَا المُتَعَجرِفُونَ الَّذِينَ تَحْكُمُونَ هَذَا الشَّعْبَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. قُلْتُمْ: «قَطَعْنَا عَهْدًا مَعَ المَوْتِ، وَاتِّفَاقًا مَعَ الهَاوِيَةِ. عِنْدَمَا يَأْتِي العِقَابُ الرَّهِيبُ سَيَعْبُرُ عَنَّا وَلَنْ يُؤذِيَنَا، لِأنَّنَا جَعَلْنَا الكَذِبَ مَلجأً لَنَا، وَاختَبَأنَا وَرَاءَ الخِدَاعِ.» لِذَلِكَ يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «هَا إنِّي أضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ أسَاسٍ، حَجَرًا قَوِيًّا، حَجَرَ زَاوِيَةٍ ثَمِينًا، وَأسَاسًا مَتِينًا. وَالَّذِي يَثِقُ بِهِ لَنْ يُخْزَى. سَأجْعَلُ العَدْلَ وَالبِرَّ مِقِيَاسًا. وَسَيُحَطِمُ البَرَدُ مَلجَأهُمُ الَّذِي حَصَلُوا عَلَيْهِ بِالكَذِبِ، وَسَتَغْمُرُ المِيَاهُ مَخبأهُمْ. سَيُلغَى عَهْدُكُمْ مَعَ المَوْتِ، وَاتِّفَاقُكُمْ مَعَ القَبْرِ لَنْ يَسْتَمِرَّ. وَعِنْدَمَا تَأْتِي العُقُوبَةُ الغَامِرَةُ سَتُدَاسُونَ تَحْتَهَا. وَكُلَّمَا مَرَّتْ سَتَأْخُذُكُمْ، لِأنَّهَا سَتَمُرُّ كُلَّ صَبَاحٍ، وَكَذَلِكَ فِي النَّهَارِ وَفِي اللَّيلِ. وَيَكُونُ فَهمُ هَذَا المَثَلِ رُعبًا لَكُمْ: «قَصُرَ الفِرَاشُ عَنِ التَّمَدُّدِ، وَضَاقَ الغِطَاءُ عَنِ الِالتِحَافِ!» لِأنَّ اللهَ سَيَقُومُ وَيُحَارِبُ كَمَا فَعَلَ فِي جَبَلِ فَرَاصِيمَ، وَسَيَثُورُ غَضَبُهُ كَمَا حَدَثَ فِي وَادِي جِبعُونَ، لِكَي يَعْمَلَ عَمَلَهُ المُغَايِرَ، وَيُتَمِّمَ فِعلَهُ الغَرِيبَ. وَالْآنَ، لَا تَسْتَهِينُوا بِهَذِهِ الأُمُورِ، لِئَلَّا تُصْبِحَ الحِبَالُ الَّتِي حَوْلَكُمْ أقوَى. لِأنَّنِي سَمِعْتُ أنَّ القَدِيرَ حَكَمَ بِأنْ يُدَمِّرَ كُلَّ الأرْضِ. أنصِتُوا لِصَوْتِي، وَانتَبِهُوا، وَاسْمَعُوا قَولِي. هَلْ يَحْرُثُ الحَارِثُ أرْضَهُ كُلَّ يَوْمٍ؟ هَلْ يَشُقُّ أرْضَهُ وَيُسَوِّيهَا كُلَّ يَوْمٍ؟ ألَا يُسَوِّي سَطحَهَا، ثُمَّ يَرُشُّ الشِّبِثَ، وَيَبْذُرُ الكَمُّونَ، وَيَزْرَعُ القَمْحَ فِي أتلَامٍ، وَالشَّعِيرَ فِي مَكَانِهِ، وَالعَلَسَ عَلَى أطرَافِ الأرْضِ؟ إلَهُهُ يُعَلِّمُهُ وَيُرشِدُهُ إلَى الطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ. فَالمُزَارِعُ لَا يَدْرُسُ الشِّبِثَ بِلُوحٍ كَبِيرٍ، وَلَا يُدَحرِجُ مِدحَلَةً عَلَى حُبُوبِ الكَمُّونِ، بَلْ يَضْرِبُ الشِّبِثَ وَالكَمُّونَ بِعَصًا صَغِيرَةٍ. لَا بُدَّ مِنْ طَحْنِ القَمْحِ لِعَمَلِ الخُبْزِ. لَكِنَّهُ لَا يُطحَنُ تَمَامًا بِأنْ يُدرَسَ بِاللَّوحِ بِلَا تَوَقٌّفٍ، وَلَا بِمِدْحَلَةٍ تَجُرُّهَا الخَيلُ. هَذِهِ المَعْرِفَةُ مِنَ اللهِ القَدِيرِ، العَجِيبِ فِي مَشُورَتِهِ، وَالعَظِيمِ فِي حِكْمَتِهِ. آهٍ عَلَى أرِيئِيلَ، المَدِينَةِ الَّتِي خَيَّمَ فِيهَا دَاوُدُ. فَلْتَمَضِ سَنَةٌ بَعْدَ سَنَةٍ. وَلِتَسْتَمِرَّ الأعيَادُ فِي دَورَتِهَا. لَكِنِّي سَأجْلِبُ ضِيقًا عَلَى أرِيئِيلَ، فَيَكُونُ فِيهَا نَوحٌ وَبُكَاءٌ. وَسَتَكُونُ مَدِينَةُ القُدْسِ كَأنَّهَا أرِيئِيلُ لِي. سَأحشِدُ الجُيُوشَ حَوْلَكِ، سَأُحَاصِرُكِ بِأبْرَاجٍ. وَأضَعُ حَوْلَكِ حَوَاجِزَ تُرَابِيَّةً لِلهُجُومِ عَلَيْكِ. سَتَهْبِطِينَ إلَى الأسفَلِ، وَتَتَكَلَّمِينَ مِنَ الأرْضِ، وَتُتَمْتِمِينَ بِكَلِمَاتِكِ مِنَ التُّرَابِ. سَيَأْتِي صَوْتُكِ مِنَ الأرْضِ كَصَوْتِ شَبَحٍ، وَمِنَ التُّرَابِ سَتَهْمِسِينَ بِكَلَامِكِ. سَيُصبِحُ أعْدَاؤُكِ الكَثِيرُونَ كَالغُبَارِ النَّاعِمِ. وَشَعْبُكِ القَاسِي الكَبِيرُ سَيَصِيرُ كَالتِّبنِ المُتَطَايِرِ. وَفَجْأةً يَأْتِي اللهُ القَدِيرُ بِرَعدٍ وَزَلزَلَةٍ وَضَجَّةٍ عَالِيَةٍ وَعَاصِفَةٍ وَرِيحٍ عَاصِفَةٍ وَنَارٍ تُحرِقُ وَتُدَمِّرُ. الجَمَاهِيرُ الَّتِي تُحَارِبُ أرِيئِيلَ، وَكُلُّ الَّذِينَ يُحَارِبُونهَا وَيُهَاجِمُونَ قِلَاعَهَا وَيُضَايِقُونَهَا، سَيَكُونُونَ كَحُلمٍ وَكَرُؤْيَا فِي اللَّيلِ. كَمَا يَحْلُمُ الجَائِعُ بِأنْ يَأْكُلَ، وَيَسْتَيْقِظُ فَإذَا بِهِ مَا يَزَالُ جَائِعًا. أوْ كَمَا يَحْلُمُ العَطشَانُ بِأنَّهُ يَشْرَبُ، وَيَسْتَيْقِظُ فَإذَا هُوَ مَا يَزَالُ عَطشَانًا وَذَابِلًا مِنَ الجَفَافِ. هَكَذَا أيْضًا يَحْدُثُ لِلأُمَمِ الكَثِيرَةِ الَّتِي تُحَارِبُ جَبَلَ صِهْيَوْنَ. اندَهِشُوا وَتَفَاجَأُوا، انذَهِلُوا وَتَعَجَّبُوا، اسْكَرُوا، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنَ الخَمْرِ! تَرَنَّحُوا، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنَ المُسْكِرَاتِ! قَدْ سَكَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ رُوحَ نَومٍ، وَأغمَضَ عُيُونَكُمْ – أيْ أنْبِيَاءَكُمْ، وَغَطَّى رُؤُوسَكُمْ – أيْ أصْحَابُ الرُّؤَى بَيْنَكُمْ. صَارَتْ لَكُمْ هَذِهِ الرُّؤيَا كَكَلَامِ كِتَابٍ مُغلَقٍ مَختُومٍ. إذَا أُعْطِيَ هَذَا الكِتَابُ لِمَنْ يَعْرِفُ القِرَاءَةَ، وَقِيلَ لَهُ: «اقرَأ،» فَإنَّهُ سَيَقُولُ: «لَا أسْتَطِيعُ لِأنَّهُ مَختُومٌ.» أوْ إذَا أُعْطِيَ الكِتَابُ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ القِرَاءَةَ، وَقِيلَ لَهُ: «اقرَأ،» فَإنَّهُ سَيَقُولُ: «لَا أعْرِفُ القِرَاءَةَ.» يَقُولُ الرَّبُّ: «هَذَا الشَّعْبُ يَقْتَرِبُ إلَيَّ بِفَمِهِ فَقَطْ. يُمَجِّدُنِي بِالْكَلَامِ فَقَطْ، أمَّا قُلْبُهُ فَبَعِيدٌ عَنِّي. عِبَادَتُهُ لَيْسَتْ سِوَى وَصِيَّةٍ بَشَرِيَّةٍ يَتَعَلَّمُهَا. لِذَلِكَ هَا أنَا أعمَلُ أُمُورًا مُدهِشَةً مَعَ هَذَا الشَّعْبِ، أُمُورًا مُدهِشَةً وَغَيْرَ مُعْتَادَةٍ. فَتَهْلِكُ حِكمَةُ الحُكَمَاءِ، وَيَخْتَفِي ذَكَاءُ الأذكِيَاءِ.» تَنَبَّهُوا يَا مَنْ تُخَبِّئُونَ مُؤَامَرَاتِكُمْ كَأنَّ اللهَ لَا يَرَاهَا! يَا مَنْ تَعْمَلُونَ عَمَلَكُمْ فِي الظُّلمَةِ، وَتَقُولُونَ: «مَنْ يَرَانَا؟ مَنْ يَعْرِفُ مَاذَا نَفعَلُ؟» تَقْلِبُونَ الأُمُورَ، كَمَا لَوْ أنَّ الفَخَّارِيَّ هُوَ الطِّينُ! هَلْ يُقُولُ المَصْنُوعُ عَنْ صَانِعِهِ: «لَمْ يَصْنَعْنِي»؟ أوْ هَلْ يَقُولُ المَجبُولُ عَنْ جَابِلِهِ: «لَا يَفْهَمُ»؟ ألَنْ يَتَحَوَّل لُبنَانُ إلَى بُستَانٍ بَعْدَ فَترَةٍ قَصِيرَةٍ، وَيُصبِحُ البُستَانُ غَابَةً؟ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَسْمَعُ الصُمُّ كَلَامَ الكِتَابِ. وَبَعْدَ العَتمَةِ وَالظَّلمَةِ، سَتُبصِرُ عُيُونُ العُمِي. سَيَفْرَحُ الفُقَرَاءُ بِاللهِ مِنْ جَدِيدٍ، وَيَبْتَهِجُ المَسَاكِينُ فِي أرْضِهِمْ بِقُدُّوسِ إسْرَائِيلَ. لِأنَّ القُسَاةَ سَيَزُولُونَ، وَالمُتَكَبِّرُونَ لَنْ يَكُونُوا فِيمَا بَعْدُ، وَكُلُّ المُتَحَمِّسِينَ لِعَمَلِ الشَّرِّ سَيَفْنَوْنَ. إنَّهُمْ يَتَّهِمُونَ الآخَرِينَ بِالشَّرِّ، وَيَضَعُونَ الفِخَاخَ لِلمُدَافِعِينَ عَنِ العَدْلِ عِنْدَ البَوَّابَةِ. يُنْكِرُونَ حَقَّ البَرِيءِ بِحُجَجٍ فَارِغَةٍ كَاذِبَةٍ. لِذَلِكَ فَإنَّ اللهَ الَّذِي فَدَى إبْرَاهِيمَ يَقُولُ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ: «لَنْ يُخْزَى بَنُو يَعْقُوبَ فِيمَا بَعْدُ، وَوُجُوهُهُمْ لَنْ تَصْفَرَّ مِنَ الخَجَلِ مِنَ اليَوْمِ فَصَاعِدًا. وَعِنْدَمَا يَرَوْنَ أوْلَادَهُمُ – عَمَلَ يَدَيَّ – فِي وَسَطِهِمْ، فَإنَّهُمْ سَيُعلِنُونَ اسْمِي القُدُّوسَ وَسَيُكرِمُونَ قُدُّوسَ إسْرَائِيلَ، وَيَقِفُونَ بِمَهَابَةٍ أمَامَ إلَهِ إسْرَائِيلَ. وَسَيَفْهَمُ الضَّالُّونَ بِأرْوَاحِهِمْ، وَالمُتَمَرِّدُونَ سَيَتَعَلَّمُونَ.» يَقُولُ اللهُ : «تَنَبَّهُوا أيُّهَا الأبْنَاءُ المُتَمَرِّدُونَ! أنْتُمْ تُنَفِّذُونَ خُطَّةً لَيْسَتْ هِيَ خُطَّتِي. وَتَعْقِدُونَ تَحَالُفًا بِخِلَافِ مَشيئَتِي. فَتُضِيفُونَ خَطَايَا عَلَى خَطَايَاكُمْ. وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَنْزِلُونَ إلَى مِصْرٍ مِنْ دُونِ مَشُورَتِي، لِيَطْلُبُوا حِمَايَةَ فِرعَوْنَ، وَمَلجأً فِي ظِلِّ مِصْرٍ. «سَتَكُونُ حِمَايَةُ فِرعَوْنَ لَكُمْ خِزيًا، وَاللُّجُوءُ إلَى مِصْرٍ عَارًا. رُؤَسَاؤُهُ فِي صُوعَنَ، وَرُسُلُهُ فِي حَانِيسَ، إلَّا أنَّ الجَمِيعَ سَيَخْجَلُونَ مِنْ شَعْبٍ لَا يَسْتَطِيعُ مُسَاعَدَتَهُمْ. فَمِصْرٌ لَنْ تُعِينَهُمْ أوْ تَنْفَعَهُمْ، بَلْ سَتَأْتِي بِالخِزيِ وَالعَارِ.» هَذَا وَحيٌّ حَوْلَ حَيَوَانَاتِ أرْضِ النَّقَبِ: فِي أرْضِ ضِيقٍ وَخَطَرٍ، فِي الأرْضِ المَلِيئَةِ بِاللَّبُواتِ وَالأُسُودِ وَالأفَاعِي السَّامَّةِ الخَطِرَةِ، سَيَحْمِلُونَ ثَروَتَهُمْ عَلَى ظُهُورِ الحَمِيرِ، وَكُنُوزَهُمْ عَلَى أسنِمَةِ الجِمَالِ، إلَى شَعْبٍ لَا يَسْتَطِيعُ مُسَاعَدَتَهُمْ. مَعُونَةُ مِصْرٍ لَا قِيمَةَ لَهَا، لِهَذَا سَمَّيتُهَا: «رَهَبُ الَّتِي لَا تَعْمَلُ شَيْئًا.» اذْهَبِ الآنَ وَانحَتْ هَذَا الكَلَامَ عَلَى لَوْحٍ أمَامَهُمْ. اكتُبهُ فِي كِتَابٍ، حَتَّى يَكُونَ شَاهِدًا فِي المُسْتَقْبَلِ وَإلَى الأبَدِ. هَذَا شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ. هُمْ كَالأوْلَادِ الخَدَّاعِينَ الَّذِينَ يَرْفُضُونَ طَاعَةَ تَعْلِيمِ اللهِ يَقُولُونَ لِأصْحَابِ الرُّؤَى: «لَا تَرَوْا رُؤَىً،» وَلِلأنْبِيَاءِ: «لَا تَتَنَبَّأُوا لَنَا بِمَا هُوَ صَحِيحٌ، بَلْ أخْبِرُونَا عَنِ الأُمُورِ النَّاعِمَةِ، وَتَنَبَّأُوا لَنَا بِالأوْهَامِ. ابتَعِدُوا عَنِ الطَّرِيقِ، لَا نُرِيدُ أنْ نَسْمَعَ بِقُدُّوسِ إسْرَائِيلَ فِيمَا بَعْدُ.» يَقُولُ قُدُّوسُ إسْرَائِيلَ: «لِأنَّكُمْ رَفَضتُمْ هَذَا الكَلَامَ وَوَثِقتُمْ بِالظُّلمِ وَالخِدَاعِ وَاتَّكَلْتُمْ عَلَيْهِمَا. لِذَلِكَ سَتَكُونُ هَذِهِ الخَطِيَّةُ لَكُمْ مِثْلَ صَدعٍ فِي سُورٍ مُرْتَفِعٍ عَلَى وَشَكِ السُّقُوطِ. يَتَحَطَّمُ فَجْأةً فِي لَحظَةٍ وَاحِدَةٍ. وَيَكُونُ حُطَامُهُ مِثْلَ وِعَاءٍ مِنْ فَخَّارٍ يَتَحَطَّمُ إلَى شَظَايَا. فَلَا تَجِدُ قِطعَةً كَبِيرَةً بِمَا يَكْفِي لِأخْذِ جَمرَةٍ مِنْ مَوقِدٍ، أوْ لِغَرفِ مَاءٍ مِنْ حَوضٍ.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ قُدُّوسُ إسْرَائِيلَ: «بِالطُّمَأْنِينَةِ وَالرُّجُوعِ إلَيَّ تَخْلُصُونَ، بِالهُدُوءِ وَالثِّقَةِ بِي تُصبِحُونَ أقوِيَاءَ.» وَلَكِنَّكُمْ رَفَضْتُمْ وَقُلْتُمْ: «لَا، بَلْ سَنَهْرُبُ عَلَى الخَيلِ.» لِذَلِكَ سَتَهْرُبُونَ. وَقُلْتُمْ: «سَنَركَبُ عَلَى خَيلٍ سَرِيعَةٍ.» لِذَلِكَ يَكُونُ الَّذِينَ يُطَارِدُونَكُمْ سَرِيعِينَ. ألْفٌ مِنْكُمْ سَيَهْرُبُونَ مِنْ صَرخَةِ وَاحِدٍ، وَكُلُّكُمْ سَتَهْرُبُونَ مِنْ صَرخَةِ خَمْسَةٍ. وَتُترَكُونَ وَحدَكُمْ كَسَارِيَةٍ عَلَى تَلَّةٍ، وَكَأثَرٍ عَلَى رَابِيَةٍ. لِذَلِكَ يَنْتَظِرُ اللهُ الوَقْتَ لِيَتَرَأَفَ عَلَيْكُمْ، وَلِيَقُومَ فَيَرْحَمَكُمْ. لِأنَّ اللهَ إلَهٌ عَادِلٌ، هَنِيئًا لِمُنتَظِرِي عَدلِهِ. يَا شَعْبَ صِهْيَوْنَ السَّاكِنِينَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، لَنْ تَبْكُوا فِيمَا بَعْدُ، فَاللهُ سَيَتَحَنَّنُ عَلَيْكُمْ عِنْدَمَا يَسْمَعُ صَوْتَ صُرَاخِكُمْ. فَعِنْدَ سَمَاعِهِ لِصَرخَتِكُمْ، سَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ سَريعًا. فَمَعَ أنَّ الرَّبَّ يَجْعَلُ لَكُمُ الضِّيقَ طَعَامًا وَالشِّدَّةَ شَرَابًا، إلَّا أنَّ مُعَلِّمَكُمْ لَنْ يَخْتَفِيَ، بَلْ سَتَرَوْنَهُ بِعُيُونِكُمْ. عِنْدَمَا تَتَّجِهُونَ إلَى اليَمِينِ أوِ اليَسَارِ، تَسْمَعُونَ صَوْتًا خَلفَكُمْ يَقُولُ: «هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ، سِيرُوا فِيهِ.» سَتَرَوْنَ نَجَاسَةَ تَمَاثِيلِكُمُ المُغَشَّاةِ بِالفِضَّةِ، وَأصْنَامِكُمُ المُغَشَّاةِ بِصَفَائِحِ الذَّهَبِ. سَتُلقُونَهَا بَعِيدًا كَمَلَابِسَ قَذِرَةٍ. وَسَتَقُولُونَ لَهَا: «ابتَعِدِي عَنَّا.» ثُمَّ يُعْطِي اللهُ مَطَرًا لِحُبُوبِكَ الَّتِي تَبْذُرُهَا فِي الأرْضِ. وَسَتَكُونُ غَلَّةُ الأرْضِ وَافِرَةً. وَسَتَرْعَى قُطعَانُكَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ فِي مَرعَىً وَاسِعٍ. وَسَتَأْكُلُ ثِيرَانُكَ وَحَمِيرُكَ الَّتِي تَحْرُثُ الأرْضَ أفْضَلَ أنْوَاعِ العَلَفِ المُذَرَّى بِالمِذرَاةِ. يَوْمَ يُقْتَلُ كَثِيرُونَ وَتَسْقُطُ الأبرَاجُ، سَتَكُونُ هُنَاكَ جَدَاوِلُ مِيَاهٍ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ عَالٍ، وَعَلَى كُلِّ تَلَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ. سَيَكُونُ نُورُ القَمَرِ كَنُورِ الشَّمْسِ، وَنُورُ الشَّمْسِ سَيَتَضَاعَفُ سَبْعَ مَرَّاتٍ كَمَا لَوْ كَانَ نُورَ سَبْعَةِ أيَّامٍ مَعًا. يَكُونُ ذَلِكَ فِي اليَوْمِ الَّذِي يُضَمِّدُ اللهُ فِيهِ جُرُوحَ شَعْبِهِ، وَيَشْفِي رُضُوضَ الضَّرَبَاتِ الَّتِي تَلَقُّوهَا. هَا إنَّ اسْمَ اللهِ سَيَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ. غَضَبُهُ يَشْتَعِلُ كَنَارٍ تُظَلِّلُهَا سَحَابَةُ دُخَانٍ ثَقِيلَةٌ. شَفَتَاهُ مَملُوءَتَانِ بِالغَضَبِ، وَلِسَانُهُ كَالنَّارِ المُلتَهِمَةِ. نَفخَتُهُ كَالنَّهرِ المُتَدَفِّقِ الَّذِي يَصِلُ إلَى العُنقِ. إلَى أنْ يُغَرْبِلَ الأُمَمَ فِي غِرْبَالِ الدَّمَارِ، وَيُسَيطِرَ عَلَى الشَّعُوبِ بِلِجَامٍ عَلَى أفوَاهِهِمْ. أمَّا أنْتُمْ فَسَتُغَنُّونَ كَأنَّكُمْ فِي لَيلَةِ عِيدٍ! سَتَفْرَحُونَ مِنَ القَلْبِ، كَمَنْ يَمْشِي علَى أنغَامِ النَّايِ وَهُوَ صَاعِدٌ إلَى جَبَلِ اللهِ ، صَخرَةِ إسْرَائِيلَ. وَسَيُسمِعُ اللهُ كُلَّ وَاحِدٍ صَوْتَهُ الجَلِيلَ. سَيُرِيهِمْ يَدَهُ القَوِيَّةَ وَهِيَ تَنْزِلُ بِسَخَطٍ وَلَهِيبِ نَارٍ مُدَمِّرَةٍ مِثْلَ عَاصِفَةٍ مَصحُوبَةٍ بِمَطَرٍ شَدِيدٍ وَبَرَدٍ. لِأنَّ أشُّورَ سَتَرْتَعِبُ مِنْ صَوْتِ اللهَ إذْ يَضْرِبُ بِعَصَاهُ. كُلُّ مَرَّةٍ يُعَاقِبُ بِهَا اللهُ أشُّورَ بِعَصَاهُ، تُضْرَبُ الدُّفُوفُ وَتُعْزَفُ القِيثَارَاتِ. فَاللهُ يُلوِّحُ بَقَبْضَتِهِ ضِدَّ أشُّورَ. لِأنَّ وَادِيَ النَّارِ مُعَدٌّ مُنْذُ مُدَّةٍ لِلإلَهِ مُولَكَ. جُعِلَ عَمِيقًا وَوَاسِعًا، وَامتَلْأ نَارًا وَخَشَبًا. وَنَسمَةُ اللهِ تُشْعِلُهُ كَنَهْرٍ مِنْ كِبرِيتٍ. وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَنْزِلُونَ إلَى مِصْرٍ مِنْ أجْلِ المُسَاعَدَةِ. وَيَتَّكِلُونَ عَلَى الخَيلِ لِتُخَلِّصَهُمْ، وَعَلَى المَرْكَبَاتِ لِأنَّهَا كَثِيرَةٌ، وَعَلَى الفُرسَانِ لِأنَّهُمْ أقوِيَاءُ. وَلَكِنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ إلَى قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ، وَلَا يَطْلُبُونَ اللهَ لِأجْلِ المَعُونَةِ. لَكِنَّهُ حَكِيمٌ، يَأْتِي بِالضِّيقِ وَلَا يَتَرَاجَعُ عَنْ كَلِمَاتِهِ. سَيَقُومُ لِيُحَارِبَ بَيْتَ الأشْرَارِ وَالَّذِينَ يُعِينُونَهُمْ. مِصْرٌ بَشَرٌ وَلَيْسَتِ هِيَ اللهَ ، وَلَيْسَتْ خُيُولُهَا سِوَى أجسَادٍ لَا رُوحَ لَهَا. وَعِنْدَمَا يَمُدُّ اللهُ يَدَهُ لِيُعَاقِبَ النَّاسَ، يَتَعَثَّرُ المُعِينُ وَيَسْقُطُ المُعَانُ، وَكِلَاهُمَا يُدَمَّرَانِ مَعًا. لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ لِي: «عِنْدَمَا يُزَمجِرُ الأسَدُ مَعَ أشبَالِهِ عَلَى فَرِيسَةٍ، وَتُدعَى جَمَاعَةٌ مِنَ الرُّعَاةِ لِرَدعِهِ، فَإنَّهُ لَا يَخَافُ مِنْ صُرَاخِهِمْ، وَمِنْ ضَجَّتِهِمْ لَا يَرْتَعِبُ.» هَكَذَا سَيَأْتِي اللهُ القَدِيرُ لِيُحَارِبَ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَعَلَى تَلَّتِهَا. وَكَمَا تُرَفرِفُ الطُّيُورُ بِأجنِحَتِهَا، هَكَذَا سَيَحْمِي اللهُ القَدِيرُ مَدِينَةَ القُدْسِ. سَيَحْمِيهَا وَيُخَلِّصُهَا. سَيَغْفِرُ لِهَا وَيُنَجِّيهَا. عُودُوا يَا بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى اللهِ الَّذِي خُنْتُمُوهُ. فَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتَرْفُضُونَ جَمِيعًا أوْثَانَ الفِضَّةِ وَأوْثَانَ الذَّهَبِ الَّتِي صَنَعَتْهَا لَكُمْ أيدِيكُمُ الخَاطِئَةُ. سَتُهزَمُ أشُّورُ بِالسَّيْفِ، لَكِنْ لَيْسَ بِسَيفِ إنْسَانٍ. سَيهزِمُهَا السَّيْفُ، لَكِنْ لَيْسَ سَيْفًا بَشَرِيًّا. سَتَهْرُبُ مِنَ السَّيْفِ، وَلَكِنْ سَيُؤسَرُ فِتيَانُهَا وَيُستَعْبَدُونَ. سَتُدَمَّرُ صَخرَتُهُمْ، وَمَلجَأُهُمُ الَّذِي هَرَبُوا إلَيْهِ بِسَبَبِ الرُّعبِ. سَيَرْتَعِبُ رُؤَسَاؤُهُمْ عِنْدَمَا يَرَوْنَ رَايَةَ الحَرْبِ. هَكَذَا يَقُولُ اللهُ الَّذِي نَارُهُ فِي صِهْيَوْنَ، وَفُرنُهُ فِي القُدْسِ. هَا إنَّ مَلِكًا سَيَمْلُكُ بِالحَقِّ، وَرُؤَسَاءَ سَيَحْكُمُونَ بِالعَدْلِ. وَسَيَكُونُ ذَلِكَ المَلِكُ مَخبَأً مِنَ الرِّيحِ، وَمَلجَأً فِي العَاصِفَةِ. سيَكُونُ كَجَدَاوِلِ المِيَاهِ فِي الأمَاكِنِ الجَافَّةِ، وَكَظِلِّ صَخرَةٍ كَبِيرَةٍ فِي أرْضٍ حَارَّةٍ قَاحِلَةٍ. حِينَئِذٍ، لَنْ تُغلَقَ عُيُونُ المُبصِرِينَ، وَآذَانُ السَّامِعِينَ سَتُصغِي بِانتِبَاهٍ. وَأذهَانُ المُتَسَرِّعِينَ سَتَتَعَلَّمُ التَّفكِيرَ، وَذَوُو الألسِنَةِ الثَّقِيلَةِ سَيَتَكَلَّمُونَ بِوُضُوحٍ وَسُرعَةٍ. وَلَنْ يُدْعَى الحَمْقَى فِيمَا بَعْدُ شُرَفَاءَ، وَلَا الأشرَارُ نُبَلَاءَ. لِأنَّ الحَمْقَى يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ غَبِيَّةٍ، وَأذهَانُهُمْ تُخَطِّطُ لِلشَّرِّ. يَصْنَعُونَ أُمُورًا شِرِّيرَةً وَيَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ خَاطِئَةٍ عَنِ اللهِ . يُهْمِلُونَ بُطُونَ الجَائِعِينَ الفَارِغَةِ، وَيَمْنَعُونَ المَاءَ عَنِ العِطَاشِ. أسَالِيبُ الشِّرِيرِ رَديئَةٌ، وَخُطَطُهُ خَبِيثَةٌ، لِيُحَطِّمَ الفُقَرَاءَ بِالكَذِبِ، حَتَّى لَوْ قَدَّمَ المَسَاكِينُ أدِلَّةً تُثْبِتُ حَقَّهُمْ. أمَّا النُّبَلَاءُ فَيُخَطِّطُونَ لِمَا هُوَ نَبِيلٌ، وَيَثْبُتُونَ عَلَى أُمُورٍ نَبِيلَةٍ. أيَّتُهَا النِّسَاءُ المُرتَاحَاتُ، قُمنَ وَاسْمَعنَ صَوْتِي. أيَّتُهَا الفَتَيَاتُ الآمِنَاتُ، اسْتَمِعْنَ لِمَا أقُولُ. بَعْدَ أكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ بِقَلِيلٍ، سَتَرْتَجِفنَ خَوْفًا أيَّتُهَا الآمِنَاتُ. لِأنَّ قِطَافَ العِنَبِ سَيَنْتَهِي، وَقِطَافَ الفَاكِهَةِ لَنْ يَأْتِيَ. ارتَجِفنَ خَوْفًا أيَّتُهَا النِّسَاءُ المُرتَاحَاتُ، وَارتَعِدنَ أيَّتُهَا الآمِنَاتُ. اخلَعْنَ ثِيَابَكُنَّ الجَمِيلَةَ، وَاربِطنَ الخَيْشَ حَوْلَكُنَّ كَحِزَامٍ. اضرِبنَ عَلَى صُدُورِكِنَّ حُزْنًا عَلَى الحُقُولِ الخَصبَةِ وَالكُرُومِ المُثمِرَةِ. لِأنَّ الأشوَاكَ تُغَطِّي أرْضَ شَعْبِي سَتُغَطِّي كُلَّ البُيُوتِ السَّعِيدَةِ وَالمَدِينَةِ الفَرِحَةِ. لِأنَّ القَصرَ سَيُهجَرُ، وَالمَدِينَةَ المُكتَظَّةَ بِالسُّكَّانِ سَتُصبِحُ خَالِيَةً. وَسَتُصبِحُ القَلعَةُ وَالبُرجُ كَهفَينِ تَسْكُنُهمَا الحَيَوَانَاتُ إلَى الأبَدِ. وَسَتُحِبُّ الحَمِيرُ الوَحشِيَّةُ العَيشَ هُنَاكَ، وَالمَاعِزُ سَتَرْعَى هُنَاكَ. إلَى أنْ يُسكَبَ عَلَيْنَا رُوحٌ مِنَ العَلَاءِ، فَتُصبِحَ الصَّحرَاءُ بَسَاتِينَ، وَالبَسَاتِينُ غَابَاتٍ. حِينَئِذٍ، يَسْكُنُ العَدلُ فِي البَرِّيَّةِ، وَالصَّلَاحُ فِي البَسَاتِينِ الخَصبَةِ. وَسَيَأْتِي ذَلِكَ الصَّلَاحُ بِالسَّلَامِ، وَسَيَأْتِي العَدلُ بِالهُدُوءِ وَالأمَانِ إلَى الأبَدِ. وَسَيَسْكُنُ شَعْبِي فِي بُيُوتٍ آمِنَةٍ، فِي أمَاكِنَ أمِينَةٍ، وَفِي أمَاكِنِ رَاحَةٍ وَهُدُوءٍ. وَلَكِنْ قَبْلَ هَذِهِ الأُمُورِ، سَتُدَمَّرُ الغَابَةُ بِالْكَامِلِ، وَالمَدِينَةُ سَتُذَلُّ تَمَامًا. هَنيئًا لَكُمْ أيُّهَا الزَّارِعُونَ عَلَى ضِفَافِ الجَدَاوِلِ، يَا مَنْ تُطلِقُونَ ثِيرَانَكُمْ وَحَمِيرَكُمْ لِتَرْعَى. تَنَبَّهْ أيُّهَا المُخَرِّبُ الَّذِي لَمْ يُهَاجِمْهُ أحَدٌ، وَأيُّهَا الغَادِرُ الَّذِي لَمْ يَغْدُرْ فِيهِ أحَدٌ. عِنْدَمَا تَنْتَهِي مِنَ التَّخرِيبِ سَتُخَرَّبُ، وَعِنْدَمَا تَنْتَهِي مِنَ الغَدْرِ سَتُغدَرُ. وَسَيُقَالُ: «تَحَنَّنْ عَلَيْنَا يَا اللهُ . إيَّاكَ انتَظَرنَا. أعْطِنَا قُوَّةً فِي كُلِّ صَبَاحٍ، وَخَلِّصْنَا فِي وَقْتِ الضِّيقِ.» هَرَبَ الشَّعْبُ مِنْ صَوْتِكَ الهَادِرِ. تَشَتَّتَتِ الأُمَمُ بِسَبَبِ عَظَمَتِكَ. سَتُجمَعُ غَنَائِمُكُمْ كَمَا يَجْمَعُ الجَرَادُ الطَّعَامَ. سَيَقْفِزُ كَثِيرُونَ عَلَيْهَا كَالجَنَادِبِ. اللهُ مُرْتَفِعٌ جِدًّا، وَيَسْكُنُ فِي الأعَالِي. هُوَ يَمْلأُ صِهْيَوْنَ بِالعَدْلِ وَالصَّلَاحِ. هُوَ مَصْدَرُ ثَبَاتِكِ يَا صِهْيَوْنَ. سَتَنْعَمِينَ بِالخَلَاصِ وَالحِكْمَةِ وَالمَعْرِفَةِ، وَتَكُونُ مَخَافَةُ اللهِ كَنْزَكِ. هَا الأبْطَالُ يَصْرُخُونَ فِي الشَّوَارِعِ، وَرُسُلُ السَّلَامِ يَبْكُونَ بِمَرَارَةٍ. الطُّرُقُ الكَبِيرَةُ مَهجُورَةٌ، وَلَا أحَدَ يُسَافِرُ عَلَى الطُّرُقِ الصَّغِيرَةِ. العَهُودُ مَكسُورَةٌ وَالشُّهُودُ مَرفُوضُونَ، وَلَا يَحْتَرِمُونَ أحَدًا. الأرْضُ تَنُوحُ وَتَذْبُلُ. لُبنَانُ خَجِلَ وَذَبُلَ. سَهلُ شَارُونَ يُشْبِهُ الصَّحرَاءَ. وَبَاشَانُ وَالكَرمَلُ يَنْفُضَانِ أورَاقَهُمَا الذَّابِلَةَ وَيَمُوتَانِ. يَقُولُ اللهُ : «الآنَ أقُومُ، الآنَ أنتَصِبُ، الآنَ أُظهِرُ عَظَمَتِي. تَحْبَلُونَ بِالعُشبِ، وَتَلِدُونَ قَشًّا، وَرُوحُكُمْ نَارٌ تَلْتَهِمُكُمْ. سَيَحْتَرِقُ النَّاسُ لِيُصبِحُوا رَمَادًا. سَيَحْتَرِقُونَ بِالنَّارِ كَالشَّوكِ اليَابِسِ. «اسْمَعُوا مَا عَمِلْتُ أيُّهَا البَعِيدُونَ، وَاعرِفُوا قُوَّتِي أيُّهَا القَرِيبُونَ.» الخُطَاةُ فِي صِهْيَوْنَ خَائِفُونَ، وَالأشرَارُ يُمسِكُهُمُ الرُّعبُ وَيَقُولُونَ: «مَنْ مِنَّا يَقْدِرُ أنْ يَعِيشَ مَعَ هَذِهِ النَّارِ المُلتَهِمَةِ؟ مَنْ مِنَّا يَقْدِرُ أنْ يَعِيشَ مَعَ هَذِهِ النَّارِ الأبَدِيَّةِ؟» الَّذِينَ يَعِيشُونَ بِالِاسْتِقَامَةِ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالصِّدقِ، الَّذِينَ يَرْفُضُونَ الرِّبحَ بِظُلْمِ الآخَرِينَ، الَّذِينَ يَمْتَنِعُونَ عَنْ أخْذِ الرِّشوَةِ، الَّذِينَ يَسُدُّونَ آذَانَهُمْ عَنْ سَمَاعِ خُطَطِ القَتلِ، وَيُغلِقُونَ عُيُونَهُمْ عَنِ النَّظَرِ إلَى الشَّرِّ، هَؤُلَاءِ سَيَعِيشُونَ بِأمَانٍ فِي الأعَالِي، وَسَيَكُونُ مَكَانُهُمُ الأمِينُ حُصُونًا فِي الجِبَالِ، حَيْثُ سَيُزَوَّدُونَ بِطَعَامِهِمْ، وَمَاؤُهُمْ لَنْ يَنْفَدَ. سَتَرَى عُيُونُكَ المَلِكَ فِي جَمَالِهِ. وَسَيَنْظُرُونَ إلَى أرْضٍ كَبِيرَةٍ جِدًّا. وَسَتُفَكِّرُ بِالرُّعبِ الَّذِي كَانَ لَدَيكَ سَابِقًا: «أيْنَ الكَاتِبُ؟ أيْنَ الوَازِنُ؟ أيْنَ الَّذِي يُحْصِي الحُصُونَ؟» لَنْ تَرَى فِيمَا بَعْدُ الشَّعْبَ المُتَعَجرِفَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِغَيرِ وُضُوحٍ، وَبِلُغَةٍ لَا تَفْهَمُهَا. انْظُرُوا إلَى صِهْيَوْنَ، مَدِينَةِ أعيَادِنَا. سَتَرَى عُيُونُكُمُ القُدْسَ مَسكَنًا آمِنًا وَخَيْمَةً ثَابِتَةً لَا تُخلَعُ أوتَادُهَا، وَلَا يَنْقَطِعُ حَبلٌ مِنْ حِبَالِهَا. لِأنَّ اللهَ سَيَتَعَظَّمُ هُنَاكَ، مِثْلَ أرْضٍ مَلِيئَةٍ بِالأنهَارِ وَالجَدَاوِلِ العَرِيضَةِ الَّتِي لَا تَسِيرُ عَلَيْهَا قَوُارِبُ التَّجدِيفِ، وَلَا تَعْبُرُهَا سُفُنُ العَدُوِّ الضَّخمَةُ. لِأنَّ اللهَ هُوَ قَاضِينَا، وَهُوَ يُعطِينَا الشَّرِيعَةَ. هُوَ مَلِكُنَا، وَهُوَ يُخَلِّصُنَا. انحَلَّتْ حِبَالُ الأشْرَارِ، وَلَمْ تَعُدْ تُمسِكُ بِقَاعِدَةِ السَّارِيَةِ لِتُثَبِّتَهَا. لَمْ يَعُودُوا يَنْصِبُونَ الأشرِعَةَ. حِينَئِذٍ، سَتُقَسَّمُ غَنِيمَةٌ كَبِيرَةٌ، وَحَتَّى العُرجُ سَيَنَالُونَ نَصِيبًا مِنَ الغَنِيمَةِ. لَنْ يَكُونَ بَيْنَ سَاكِنِيهَا مَنْ يَقُولُ: «أنَا مَرِيضٌ.» وَالشَّعْبُ السَّاكِنُ هُنَاكَ، سَيَكُونُ مَغفُورَ الخَطَايَا. اقتَرِبِي أيَّتُهَا الأُمَمُ لِتَسْمَعِي، وَأصغِي أيَّتُهَا الشُّعُوبُ. لِتَسْمَعِ الأرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهَا، العَالَمُ وَمَا فِيهِ. لِأنَّ اللهَ غَاضِبٌ عَلَى الأُمَمِ وَعَلَى جُيُوشِهِمْ. وَقَدْ سَلَّمَهُمْ لِلهَلَاكِ الكَامِلِ وَالذَّبحِ. قَتلَاهُمْ سَيُرمَوْنَ. سَتَنْبَعِثُ رَائِحَةُ جُثَثِهِمْ، وَتَفِيضُ دِمَاؤُهُمْ عَلَى الجِبَالُ. سَتَذُوبُ جُندُ السَّمَاءِ، وَتَلْتَفُّ السَّمَاوَاتُ كَوَرَقَةٍ. جُندُهَا سَيَذْبُلُونَ، مِثْلَ أورَاقِ الكَرمَةِ، وَمِثْلَ حَبَّاتِ التِّينِ. يَقُولُ اللهُ: «عِنْدَمَا يَرْتَوِي سَيفِي بِمَا يَعْمَلُهُ فِي السَّمَاءِ، سَيَنْزِلُ لِيُعَاقِبَ أدُومَ، الشَّعْبَ الَّذِي كَرَّسْتُهُ لِلدَّينُونَةِ.» للهِ سَيفٌ مُغَطَّىً بِالدِّمَاءِ وَالشَّحمِ، بِدَمِ حِمْلَانٍ وَتُيُوسٍ، وَبِشَحمِ كِلَى كِبَاشٍ. لِأنَّ اللهَ سَيَعْمَلُ ذَبِيحَةً فِي بُصْرَةَ، وَمَذْبَحَةً عَظِيمَةً فِي أرْضِ أدُومَ. وَسَيُذبَحُ مَعَهُمْ بَقَرٌ وَحشِيٌّ وَعُجُولٌ وَثِيرَانٌ. وَسَتَرْتَوِي أرْضُهُمْ بِالدَّمِ، وَتُرَابُهُمْ سَيَتَغَطَّى بِالشَّحمِ. عَيَّنَ اللهُ وَقْتَ عِقَابٍ وَسَنَةَ جَزَاءٍ مِنْ أجْلِ قَضِيَّةِ صِهْيَوْنَ. سَتُصبِحُ أنهَارُ أدُومَ كَالزِّفتِ، وَتُرَابُهَا كَالكِبرِيتِ، وَأرْضُهَا كَالزِّفتِ المُشْتَعِلِ. وَلَنْ تَنْطَفِئَ النَّارُ لَيْلًا أوْ نَهَارًا، وَسَيَصْعَدُ دُخَانُهَا إلَى الأبَدِ. وَسَتَكُونُ خَرِبَةً عَبْرَ الأجيَالِ، وَلَنْ يَجتَازَ فِيهَا أحَدٌ إلَى الأبَدِ. سَتَمْتَلِكُهَا الصُّقُورُ وَالقنَافِذُ، وَتعِيشُ فِيهَا البُومُ وَالغِربَانُ. سَيَجْعَلُهَا اللهُ قَاحِلَةً فَارِغَةً. فَلَا يَبْقَى لَهُمْ مَا يَدْعُونَهُ مَملَكَةً هُنَاكَ. وَكُلُّ رُؤَسَائِهَا يُصبِحُونَ لَا شَيءَ. سَيَنْمُو الشَّوكُ فِي قُصُورِهَا، وَالشُّجَيرَاتُ فِي حُصُونِهَا. سَتُصبِحُ مَسْكَنًا لِلكِلَابِ البَرِّيَّةِ، وَمَكَانَ سَكَنٍ لِلبُومِ. وَسَتَلْتَقِي هُنَاكَ الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ مَعَ الضِّبَاعِ، وَسَيُنَادِي المَاعِزُ البَرِّيُّ بَقِيَّةَ القَطِيعِ. سَتَعِيشُ حَيَوَانَاتُ اللَّيلِ هُنَاكَ وَتَسْتَرِيحُ. سَتَصْنَعُ البُومُ أعشَاشَهَا هُنَاكَ، وَتَرْقُدُ عَلَى بَيضِهَا، وَتُرَبِّي صِغَارَهَا تَحْتَ ظَلِّ جَنَاحَيهَا. وَسَتَجْتَمِعُ هُنَاكَ الصُّقُورُ مَعًا. فَتِّشُوا فِي كِتَابِ اللهِ وَاقرَأُوا، لِأنَّهُ لَنْ يُفَقَدَ أيٌّ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ. جَمِيعُ الحَيَوَانَاتِ المَذكُورَةِ سَتَكُونُ مَعًا. لِأنَّ فَمَ اللهِ أمَرَ، وَرُوحُهُ جَمَعَهَا. ألقَى اللهُ قُرعَةً لِتَحْدِيدِ بُقعَةِ الأرْضِ الَّتِي لَهُمْ. وَقَسَّمَ الأرْضَ بِخَيطِ القِيَاسِ، كَي يَمْتَلِكُوهَا إلَى الأبَدِ، وَيَعِيشُوا هُنَاكَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. سَتَفْرَحُ البَرِّيَّةُ وَالأرْضُ الجَافَّةُ. وَسَتَبْتَهِجُ الصَّحرَاءُ وَتُزهِرُ مِثْلَ النَّرجِسِ. سَتُزهِرُ وَتَفْرَحُ وَتُغَنِّي. سَتُعْطَى مَجْدَ غَابَاتِ لُبْنَانَ، وَجَمَالَ جِبَالِ الكَرمِلِ وَسَهلِ شَارُونَ. فَيَرَوْنَ مَجْدَ اللهِ وَجَلَالَ إلَهِنَا. شَدِّدُوا الأيَادِي المُرتَخِيَةَ، وَثَبِّتُوا الرُّكَبَ الضَّعِيفَةَ. قُولُوا لِلخَائِفِينَ: «تَشَدَّدُوا، لَا تَخَافُوا، فَهَا هُوَ إلَهُكُمْ. سَيَأْتِي بِالعِقَابِ وَالمُجَازَاةِ عَلَى أعْدَائِكُمْ. وَهُوَ سَيَأْتِي وَيُنقِذُكُمْ.» حِينَئِذٍ، سَتُبصِرُ عُيُونُ العُمِي، وَآذَانُ الصُّمِّ سَتَسْمَعُ. حِينَئِذٍ، سَيَقْفِزُ الأعرَجُ كَالغَزَالِ، وَسَيَهْتِفُ الأخْرَسُ فَرِحًا. لِأنَّ مِيَاهًا سَتَتَدَفَّقُ فِي البَرِّيَّةِ، وَجَدَاوِلَ فِي الصَّحرَاءِ. وَسَيُصبِحُ السَّرَابُ بِركَةَ مَاءٍ، وَالأرْضُ العَطشَى سَتُصبِحُ يَنَابِيعَ مَاءٍ، وَفِي مَسكَنِ الكِلَابِ البَرِّيَّةِ وَمَكَانِ رَاحَتِهَا، سَيَنْبِتُ القَصَبُ وَالنَّبَاتَاتُ الطَّوِيلَةُ. وَسَتَكُونُ هُنَاكَ طَرِيقٌ وَاسِعَةٌ تُدعَى «الطَّرِيقَ المُقَدَّسَةَ.» لَنْ يُسَافِرَ عَلَيْهَا النَّجِسُونَ، وَلَنْ يَسِيرَ عَلَيْهَا الحَمْقَى، لَكِنَّهَا لِلمُسْتَقِيمِينَ فَقَطْ. لَا يَكُونُ عَليْهَا أُسُودٌ، وَلَا تَسِيرُ فِيهَا حَيَوَانَاتٌ مُفتَرِسَةٌ، بَلْ يَسِيرُ فِيهَا المَفدِيُّونَ فَقَطْ. وَسَيَرْجِعُ الَّذِينَ فَدَاهُمُ اللهُ ، وَيَدْخُلُونَ صِهْيَوْنَ بِالتَّرنِيمِ، وَسَيُغَطِّيهِمْ فَرَحٌ أبَدِيٌّ. سَيَغْمُرُهُمُ الفَرَحُ وَالبَهجَةُ، وَأمَّا الحُزنُ وَالتَّنَهُّدُ فَسَيَهْرُبَانِ. فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ حَزَقِيَّا، خَرَجَ سِنحَارِيبُ المَلِكُ عَلَى المُدُنِ الحَصِينَةِ فِي يَهُوذَا وَاستَوْلَى عَلَيْهَا. وَأرْسَلَ مَلِكُ أشُّورَ رَئِيسَ السُّقَاةِ مَعَ جَيْشٍ عَظِيمٍ مِنْ لَاخِيشَ إلَى المَلِكِ حَزَقِيَّا فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. فَوَقَفَ القَائِدُ بِجَانِبِ قَنَاةِ البِركَةِ العُليَا عَلَى الطَّرِيقِ المُؤَدِّيَةِ إلَى حَقْلِ مُبَيِّضِ الثِّيَابِ. فَخَرَجَ لِلِقَائِهِ ألِيَاقِيمُ بْنُ حَلْقِيَّا المَسؤُولُ عَنِ بَيْتِ المَلِكِ، وَشَبْنَةُ كَاتِبُ المَلِكِ، وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ حَافِظُ السِّجِلَّاتِ. فَقَالَ لَهُمْ رَئِيسُ السُّقَاةِ: «قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ مَلِكُ أشُّورَ العَظِيمُ: «مَا الَّذِي تَتَّكِلُ عَلَيْهِ؟ أنْتَ تَقُولُ: لَدَيَّ مُسْتَشَارُونَ وَقُوَّةٌ تُعِينُنِي فِي الحَرْبِ، وَكَلَامُكَ هَذَا مُجَرَّدُ هَبَاءٍ! عَلَى مَنْ تَتَّكِلُ فِي تَمَرُّدِكَ عَلَيَّ؟ أنْتَ مُتَّكِئٌ عَلَى عُكَّازٍ مِنْ قَصَبَةٍ مَكْسُورَةٍ. فَهذِهِ هِيَ مِصْرٌ الَّتِي إنِ اتَّكَأ أحَدٌ عَلَيْهَا اختَرَقَتْ يَدَهُ. هَكَذَا هُوَ مَلِكُ مِصْرٍ لِكُلِّ الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ. «وَإنْ قُلْتُمْ: نَتَّكِلُ عَلَى يهوه إلِهِنَا! أمَا أزَالَ حَزَقِيَّا مَذَابِحَهُ وَمُرتَفَعَاتِهِ، وَقَالَ لِأهْلِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ: لَا تَعْبُدُوا إلَّا أمَامَ هَذَا المَذْبَحِ؟ «وَالْآنَ يُرَاهِنُكَ مَوْلَايَ مَلِكُ أشُّورَ عَلَى هَذَا الأمْرِ: إنَّهُ مُسْتَعِدٌّ أنْ يُعطِيَكَ ألفَي حِصَانٍ إنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَجِدَ رِجَالًا يَرْكَبُونَهَا. أنْتَ لَا تَقْدِرُ أنْ تَهْزِمَ حَتَّى أصْغَرَ قَادَةِ مَوْلَايَ، حَتَّى لَوِ اعتَمَدْتَ عَلَى مَرْكِبَاتِ مِصْرٍ وَفُرْسَانِهَا. أتَظُنُّ أنِّي جِئْتُ لِمُهَاجَمَةِ القُدْسِ وَتَدْمِيرِهَا مِنْ دُونِ يهوه؟ بَلْ هُوَ الَّذِي قَالَ لِي: اذْهَبْ إلَى تِلْكَ الأرْضِ وَدَمِّرْهَا!» فَقَالَ ألِيَاقِيمُ وَشَبْنَةُ وَيُوآخُ لرَئِيسِ السُّقَاةِ: «نَرْجُو أنْ تُكِلِّمنَا، نَحْنُ خُدَّامَكَ، بِاللُّغَةِ الأرَامِيَّةِ، فَنَحْنُ نَفهَمُهَا. وَلَا تُكَلِّمْنَا بِلُغَةِ يَهُوذَا لِئَلَّا يَفْهَمَ الشَّعْبُ مَا تَقُولُهُ.» غَيْرَ أنَّ رَئِيسَ السُّقَاةِ قَالَ لَهُمْ: «لَمْ يُرْسِلْنِي سَيِّدِي لِكَي أُكَلِّمَكُمْ أنْتُمْ وَحدَكُمْ وَمَلِكَكُمْ، بَلْ أرْسَلَنِي أيْضًا لِأُكَلِّمَ الجُنُودَ الوَاقِفِينَ عَلَى السُّورِ. هُمْ أيْضًا سَيَأْكُلُونَ فَضَلَاتِهِمْ، وَيَشْرَبُونَ بَولَهُمْ مَعَكُمْ!» ثُمَّ نَادَى رَئِيسُ السُّقَاةِ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ بِالعِبْرِيَّةِ: اسْمَعُوا رِسَالَةَ المَلِكِ العَظِيمِ، مَلِكِ أشُّورَ! يَقُولُ المَلِكُ: لَا تَدَعُوا حَزَقِيَّا يَخْدَعُكُمْ، لِأنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ قُوَّتِي. لَا تَدَعُوا حَزَقِيَّا يُقنِعُكُمْ بِالِاتِّكَالِ عَلَى إلَهِكُمْ بِقَولِهِ: «يهوه سَيُخَلِّصُنَا، وَلَنْ يَدَعَ مَلِكَ أشُّورَ يَسْتَوْلِي عَلَى المَدِينَةِ.» فَلَا تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا. يَقُولُ مَلِكُ أشُّورَ: اعقِدُوا صُلْحًا مَعِي وَاخرُجُوا إلَيَّ. حِينَئِذٍ، سَيَأْكُلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِنْ عِنَبِهِ وَتِينِهِ وَيَشْرَبُ مِنْ بِئْرِهِ. يُمْكِنُكُمْ أنْ تَتَمَتَّعُوا بِخَيرَاتِكُمْ إلَى أنْ آتِيَ وَآخُذَكُمْ إلَى أرْضٍ كَأرْضِكُمْ. هِيَ أرْضُ قَمْحٍ وَنَبِيذٍ، أرْضُ خُبْزٍ وَكُرُومٍ. فَلَا يَغُرُّكُمْ حَزَقِيَّا بِقَولِهِ: يهوه سَيُنقِذُنَا. هَلْ أنقَذَ أيُّ إلَهٍ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الشُّعُوبِ أرْضَهُ مِنْ مَلِكِ أشُّورَ؟ عَجِزَتْ أمَامِي آلِهَةُ حَمَاةَ وَأرفَادَ. عَجِزَتْ آلِهَةُ سَفْرَاوِيمَ. لَمْ تَسْتَطِعْ هَذِهِ الآلِهَةُ كُلُّهَا أنْ تُنقِذَ السَّامِرَةَ مِنِّي. أيُّ إلَهٍ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الأُمَمِ اسْتَطَاعَ أنْ يُنْقِذَ أرْضَهُ مِنِّي؟ فَكَيْفَ تَتَوَقَّعُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يُنْقِذَ يهوه القُدْسَ مِنِّي؟ لَكِنَّ الشَّعْبَ لَزِمَ الصَّمْتَ. فَلَمْ يَرُدُّوا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى رَئِيسِ السُّقَاةِ حَسَبَ أمْرِ المَلِكِ حَزَقِيَّا. فَقَدْ أمَرَهُمْ: «لَا تَرُدُّوا عَلَيْهِ.» فَمَزَّقَ ألِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا المَسْؤولُ عَنْ بَيْتِ المَلِكِ، وَشَبْنَةُ كَاتِبُ المَلِكِ، وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ حَافِظُ السِّجِلَّاتِ ثِيَابَهُمْ حُزْنًا عَلَى مَا سَمِعُوهُ. وَجَاءُوا إلَى حَزَقِيَّا، وَأخبَرُوهُ بِمَا قَالَهُ رَئِيسُ السُّقَاةِ. فَلَمَّا سَمِعَ حَزَقِيَّا هَذَا، مَزَّقَ ثِيَابَهُ، وَلَبِسَ خَيْشًا حُزْنًا بِسَبِبِ مَا سَمِعَ، ثُمَّ دَخَلَ إلَى بَيْتِ اللهِ . وَأرْسَلَ حَزَقِيَّا ألِيَاقِيمَ المَسْؤولَ عَنْ بَيْتِ المَلِكِ، وَشَبْنَةَ كَاتِبَ المَلِكِ، وَرُؤَسَاءَ الكَهَنَةِ إلَى النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، وَهُمْ يَلبَسُونَ الخَيْشَ. فَقَالُوا لِإشَعْيَاءَ: «يَقُولُ حَزَقِيَّا: ‹هَذَا يَوْمُ ضِيقٍ وَتَأْدِيبٍ لَنَا، فَكَأنَّ حَالَنَا هُوَ حَالُ امْرأةٍ حَانَ وَقْتُ وِلَادَتِهَا، غَيْرَ أنَّهُ لَا قُوَّةَ فِيهَا لِلوِلَادَةِ. لَعَلَّ يَسْمَعُ كُلَّ كَلَامِ رَئِيسِ السُّقَاةِ الَّذِي أرْسَلَهُ سَيِّدُهُ مَلِكُ أشُّورَ لِيُهِينَ اللهَ الحَيَّ. وَلَعَلَّهُ يُعَاقِبُهُ عَلَى الكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ. فَصَلِّ مِنْ أجْلِ الأحيَاءِ البَاقِينَ فِي المَدِينَةِ.›» فَجَاءَ مَسْؤُولُو المَلِكِ إلَى إشَعْيَاءَ. فَقَالَ لَهُمْ إشَعْيَاءُ: «بَلِّغُوا حَزَقِيَّا هَذِهِ الرِّسَالَةَ: ‹يَقُولُ اللهُ : لَا تَخَفْ بِسَبَبِ مَا قَالَهُ خُدَّامُ مَلِكِ أشُّورَ وَأهَانُونِي بِهِ. هَا إنِّي وَاضِعٌ فِيهِ رُوحَ خَوْفٍ. سَيَسْمَعُ إشَاعَةً، فَيَعُودُ إلَى بَلَدِهِ. وَهُنَاكَ سَيَمُوتُ بِالسَّيْفِ.›» وَسَمِعَ رَئِيسُ السُّقَاةِ أنَّ مَلِكَ أشُّورَ قَدْ تَرَكَ لَخِيشَ. وَعَادَ فَوَجَدَهُ فِي مَدِينَةِ لِبْنَةَ يُحَارِبُهَا. ثُمَّ سَمِعَ مَلِكُ أشُّورَ إشَاعَةً عَنْ تِرْهَاقَةَ، مَلِكِ الحَبَشَةِ. فَقِيلَ لَهُ: «جَاءَ تِرْهَاقَةُ كَي يُحَارِبَكَ.» فَأرْسَلَ مَلِكُ أشُّورَ مَرَّةً أُخْرَى رُسُلًا إلَى حَزَقِيَّا. وَحَمَّلَهُمْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ إلَيْهِ: «قُولُوا لِمَلِكِ يَهُوذَا: ‹يَخْدَعُكَ إلَهُكَ الَّذِي تَتَّكِلُ عَلَيْهِ حِينَ يَقُولُ: لَنْ يَقْدِرَ مَلِكُ أشُّورَ أنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى القُدْسِ. لَا بُدَّ أنَّكَ سَمِعْتَ بِمَا فَعَلَهُ مُلُوكُ أشُّورَ بِكُلِّ البُلْدَانِ الأُخْرَى، وَكَيْفَ أنَّهُمْ دَمَّرُوهَا تَدْمِيرًا! فَكَيْفَ تَتَوَهَّمُ أنَّكَ سَتَنْجُو؟ لَمْ تَقْدِرْ آلِهَةُ هَذِهِ الشُّعُوبِ أنْ تُنقِذَهَا. فَقَدْ قَضَى آبَائِي عَلَيْهَا. قَضَوْا عَلَى جُوزَانَ وَحَارَانَ وَرَصَفَ وَبَنِي عَدَنَ فِي تَلِّ أسَّارَ. وَأينَ مَلِكُ حَمَاةَ وَمَلِكُ أرْفَادَ وَمَلِكُ مَدِينَةِ سَفْرَاوِيمَ وَمَلِكُ هِينَعَ وَمَلِكُ عِوَّا؟›» فَأخَذَ حَزَقِيَّا الرَّسَائِلَ مِنَ الرُّسُلِ وَقَرَأهَا. ثُمَّ صَعِدَ إلَى بَيْتِ اللهِ وَفَرَدَ الرَّسَائِلَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . وَصَلَّى حَزَقِيَّا فِي حَضْرَةِ اللهِ وَقَالَ: «أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ الجَالِسُ عَلَى مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ، أنْتَ وَحْدَكَ إلَهُ كُلِّ مَمَالِكِ الأرْضِ. أنْتَ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ! فَاسْتَمِعْ إلَيَّ يَا اللهُ . وَافتَحْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ. وَاسْمَعْ كَلَامَ سَنْحَارِيبَ الَّذِي يُهِينُ اللهَ الحَيَّ. صَحِيحٌ يَا اللهُ ، أنَّ مُلُوكَ أشُّورَ دَمَّرُوا الشُّعُوبَ الأُخْرَى وَأرَاضِيهَا. وَصَحِيحٌ أيْضًا أنَّهُمْ ألقَوْا بِآلِهَةِ الأُمَمِ الأُخرَى فِي النَّارِ. لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ آلِهَةً حَقِيقِيَّةً، بَلْ صَنَعهَا أُنَاسٌ بِأيدِيهِمْ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ. لِذَلِكَ تَدَمَّرَتْ! فَخَلِّصْنَا أنْتَ يَا ، خَلِّصْنَا مِنْ يَدِ سَنْحَارِيبَ، حَتَّى تَعْرِفَ جَمِيعُ مَمَالِكِ الأرْضِ أنَّكَ أنْتَ يهوه هُوَ الإلَهُ الوَحِيدُ.» حِينَئِذٍ، أرْسَلَ إشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ بِرِسَالةٍ إلَى حَزَقِيَّا قَالَ فِيهَا: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹سَمِعْتُ صَلَاتَكَ إليَّ بِخُصُوصِ سَنْحَارِيبَ مَلِكِ أشُّورَ.› وَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ بِشَأنِهِ: «احتقرَتْكَ وَاسْتَهْزَأتْ بِكَ العَذْرَاءُ العَزِيزَةُ صِهْيَوْنُ، وَتَهُزُّ العَزيزَةُ القُدْسُ رَأسَهَا عِنْدَ هَرَبِكَ. مَنْ عَيَّرْتَ؟ وَعَلَى مَنْ جَدَّفْتَ؟ وَعَلَى مَنْ رَفَعْتَ صَوْتَكَ، وَرَفَعْتَ عُيونَكَ بِكِبْرِيَاءٍ؟ أعَلى قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ؟ عَيَّرْتَ الرَّبَّ عَلَى فَمِ خُدَّامِكَ. قُلْتَ: ‹بِمَرْكَبَاتِي الكَثِيرَةِ صَعِدْتُ إلَى أعَالِي الجِبَالِ وَإلَى قِمَمِ لُبْنَانَ. قَطَعْتُ أعْلَى أشْجَارِ الأرْزِ، وَأفْضَلَ أشْجَارِ السَّروِ. صَعِدْتُ إلَى أعْلَى قِمَمِهِ، وَإلَى أكثَرِ غَابَاتِهِ كَثَافَةً. حَفَرْتُ آبَارًا، وَشَرِبْتُ مَاءَ الأرَاضِي الأُخْرَى. وَبِبَاطِنِ أقْدَامِي جفَّفْتُ كُلَّ أنْهَارِ مِصْرٍ وَسَوَاقِيهَا.› «لَكِنْ ألَمْ تَسْمَعْ بِمَا خَطَّطتُ لَهُ؟ بِمَا خَطَّطْتُ لَهُ منذُ القديمِ، وَالْآنَ جعلتُهُ يحدثُ؟ فَقَدْ خَطَّطْتُ لِأنْ تُحَوِّلَ المُدُنَ الحَصِينَةَ إلَى تِلَالِ حُطَامٍ، بَيْنَمَا شَعْبُهَا الضُّعِيفُ مُرتَعِبٌ وَمُرتَبِكٌ مِثْلَ أعشَابٍ فِي الحَقْلِ وَمِثْلَ حَشِيشٍ أخضَرَ، مِثْلَ عُشبٍ عَلَى سُطُوحِ المَنَازِلِ، تُحرِقُهُ الرِّيَاحُ الشَّرْقِيَّةُ. أنَا أعْرِفُ مَتى تَقُومُ وَمَتى تَجْلِسُ، وَمَتى تَخْرُجُ وَمَتى تَدْخُلُ، وَأعْرِفُ ثَوَرَانَكَ عَليَّ. لِأنَّكَ ثُرْتَ عَليَّ، وَأنَا سَمِعْتُ كَلَامَك المُتَكَبِّرَ، فَسَأضَعُ الخُطَّافَ فِي أنْفِكَ، وَالرَّسَنَ فِي فَمِكَ، وَسَأجْعَلُكَ تَعُودُ إلَى أرْضِكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ بِهِ.» «وَهَذِهِ هِيَ العَلَامَةُ عَلَى أنِّي سَأُعِينُكَ، يَا حَزَقِيَّا: سَتَأْكُلُ هَذِهِ السَّنَةَ زَرْعًا يَنْمُو وَحْدَهُ. وَفِي السَّنَةِ القَادِمَةِ سَتَأْكُلُ زَرْعًا يَنْمُو مِنْ بُذُورِ المَحْصوُلِ السَّابِقِ. أمَّا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَسَتَحْصُدُونَ مَا تَزْرَعُونَ. وَتَغْرِسُونَ كُرُومًا وَتَأْكُلُونَ مِنْهَا عِنَبًا. أمَّا النَّاجُونَ مِنْ عَشِيرَةِ يَهُوذَا فَسَيَعُودُونَ، وَسَيُعَمِّقُونَ جُذُورَهُمْ فِي الأرْضِ وَيَنْمُونَ. لِأنَّهُ سَتَبْقَى بَقِيَّةٌ وَتَخْرُجُ مِنَ القُدْسِ، مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ. اللهُ القَدِيرُ يَصْنَعُ هَذَا بِسَبَبِ غَيْرَتِهِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنْ مَلِكِ أشُّورَ: «لَنْ يَدْخُلَ هَذِهِ المَدِينَةَ، أوْ يُطلِقَ فِيهَا سَهْمًا وَاحِدًا. لَنْ يَقْتَرِبَ إلَى المَدِينَةِ بِأتْرَاسِهِ، أوْ يَبْنِيَ بُرْجَ حِصَارٍ عَلَيْهَا. فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ سَيَرْجِعُ. لَنْ يَدْخُلَ هَذِهِ المَدِينَةَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ . سَأُدَافِعُ عَنِ هذِهِ المَدِينَةِ وَأُنْقِذُهَا. مِنْ أجْلِ دَاوُدَ، وَمِنْ أجْلِ اسْمِي، سَأفْعَلُ هَذَا.» فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ خَرَجَ مَلَاكُ اللهِ وَقَتَلَ مِئَةً وَخَمْسةً وَثَمَانِينَ ألْفَ جُنْدِيٍّ فِي مُعَسْكَرِ الأشُّورِيِّينَ. وَلَمَّا أفَاقَ الأشُّورِيُّونَ فِي الصَّبَاحِ، رَأوْا كُلَّ جُثَثِ القَتلَى. فَغَادَرَ سَنْحَارِيبُ، مَلِكُ أشُّورَ، ذَلِكَ المَكَانَ عَائِدًا إلَى نِينَوَى حَيْثُ أقَامَ. وَذَاتَ يَوْمٍ، كَانَ يَعْبُدُ فِي هَيْكَلِ إلَهِهِ نَسْرُوخَ. فَقَتَلَهُ ابْنَاهُ أدْرَمَّلَكُ وَشَرآصِرُ بِالسَّيْفِ. ثُمَّ هَرَبَا إلَى أرْضِ أرَارَاطَ. وَخَلَفَهُ فِي الحُكْمِ ابْنُهُ آسَرْحَدُّونَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، مَرِضَ حَزَقِيَّا وَقَارَبَ المَوْتَ. فَذَهَبَ النَّبِيُّ إشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ إلَى حَزَقِيَّا وَقَالَ لَهُ: «يَقُولُ اللهُ لَكَ: ‹رَتِّبْ شُؤُونَ بَيْتِكَ، لِأنَّهُ لَنْ يَطُولَ بِكَ العُمْرُ. بَلْ سَتَمُوتُ قَرِيبًا!›» فَأدَارَ حَزَقِيَّا وَجْهَهُ إلَى الحَائِطِ. وَصَلَّى إلَى اللهِ وَقَالَ: «اذْكُرْ، يَا اللهُ أنِّي خَدَمْتُكَ بِوَفَاءٍ وَمِنْ كُلِّ قَلْبِي. وَفَعَلْتُ مَا يُرْضِيكَ.» ثُمَّ بَكَى حَزَقِيَّا بُكَاءً مُرًّا. فَجَاءَتْ كَلَّمَهُ اللهِ إلَى إشَعْيَاءَ فَقَالَ لَهُ: «اذهَبْ وَكَلِّمْ حَزَقِيَّا وَقُلْ لَهُ: ‹يَقُولُ اللهُ ، إلَهُ جَدِّكَ دَاوُدَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلَاتَكَ وَرَأيْتُ دُمُوعَكَ. وَسَأُضِيفُ إلَى حَيَاتِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَسَأُنْقِذُكَ وَأُنْقِذُ هَذِهِ المَدِينَةَ مِنْ مَلِكِ أشُّورَ. وَسَأحمِي هَذِهِ المَدِينَةَ.›» وَهَذِهِ هِيَ العَلَامَةُ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكَ اللهُ دَليلًا عَلَى أنَّ اللهَ سَيُحَقِّقُ كَلَامَهُ: «سَأجْعَلُ الظِلَّ الَّذِي تَحَرَّكَ مَعَ الشَّمْسِ عَلَى دَرَجَاتِ المَلِكِ آحَازَ لِلوَقْتِ يَتَرَاجَعُ عَشَرَ دَرَجَاتٍ. فَتَرَاجَعَ الظِلُّ عَشَرَ دَرَجَاتٍ بَعْدَ أنْ نَزَلَ.» وَهَذَا مَا كَتَبَهُ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا، بَعْدَ مَرَضِهِ وَشِفَائِهِ مِنَ المَرَضِ: قُلْتُ لِنَفْسِي: «فِي مُنْتَصَفِ حَيَاتِي سَأعبُرُ بَوَّابَاتِ الهَاوِيَةِ. قَدِ امتُحِنْتُ، وَأُخِذَتْ بَقِيَّةُ سَنَوَاتِ حَيَاتِي مِنِّي. قُلْتُ لَنْ أرَى اللهَ يَاه فِي أرْضِ الأحيَاءِ، لَنْ أرَى النَّاسَ، وَلَنْ أعِيشَ مَعَ سُكَّانِ الأرضِ. حَيَاتِي زَالَتْ وَأُخِذَتْ مِنِّي، مِثْلَ خَيْمَةِ الرَّاعِي. قُطِعَتْ حَيَاتِي وَلُفَّتْ، مِثْلَ نَسَّاجٍ يَفْصِلُ البِسَاطَ عَنِ آلَةِ الحِيَاكَةِ، قَدِ انْتَهَتْ فِي فَترَةٍ قَصِيرَةٍ! صَرَختُ طَلَبًا لِلعَونِ طَوَالَ اللَّيلِ. كَالأسَدِ يُهَشِّمُ عِظَامِي. أنهَيتَ حَيَاتِي فِي فَترَةٍ قَصِيرَةٍ. أبكِي كَسُنُونَةٍ، أنُوحُ كَيَمَامَةٍ. تَعِبَتْ عَيْنَايَ مِنَ النَّظَرِ إلَى الأعْلَى. يَا رَبُّ أنَا مُتَضَايِقٌ فَأطلِقْنِي. مَاذَا أسْتَطِيعُ أنْ أقُولَ؟ فَهُوَ تَكَلَّمَ، وَهُوَ نَفْسُهُ سَيَعْمَلُ. سَأتَمَشَّى عَلَى مَهلٍ كُلَّ سِنِي حَيَاتِي، بِسَبَبِ مَرَارَةِ نَفْسِي. يَا سَيِّدِي، بِسَبَبِ أعْمَالِكَ يَحيَا الإنْسَانُ، وَفِي كُلِّ هَذِهِ الأعْمَالِ تَجِدُ رُوحِي حَيَاةً. فَأعْطِنِي صِحَّةً وَحَيَاةً. «فَهُوَذَا المَرَارَةُ الَّتِي فِيَّ تَحَوَّلَتْ لِخَيرِي. وَأنْتَ حَفِظْتَ حَيَاتِي مِنْ حُفرَةِ الفَنَاءِ. لِأنَّكَ ألقَيتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَاي. القَبرُ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَشْكُرَكَ، وَالمَوْتُ لَا يُسَبِّحُكَ، وَأُولَئِكَ النَّازِلُونَ إلَى القَبْرِ لَا يَضَعُونَ رَجَاءَهُمْ فِي أمَانَتِكَ. الأحيَاءُ وَحدَهُمْ يَشْكُرُونَكَ. كَمَا أفْعَلُ أنَا اليَوْمَ. الآبَاءُ يُعَلِّمُونَ الأوْلَادَ عَنْ أمَانَتِكَ. سَيُخَلِّصُنِي اللهُ ، لِذَا سَنَعزِفُ عَلَى آلَاتِنَا المُوسِيقِيَّةِ كُلَّ أيَّامِ حَيَاتِنَا فِي بَيْتِ اللهِ .» وَكَانَ إشَعْيَاءُ قَدْ قَالَ: «لِيَأْخُذُوا ضَمَّادَةً مِنْ تِينٍ مَهرُوسٍ وَيَفْرُكُوا بِهَا البُثُورَ، وَسَيُشفَى حَزَقِيَّا.» وَقَالَ حَزَقِيَّا: «مَا هِيَ العَلَامَةُ بِأنِّي سأُشفَى وَأصعَدُ إلَى بَيْتِ اللهِ ؟» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، أرْسَلَ مَرُودَخُ بَلَاذَانُ بْنُ بَلَاذَانَ، مَلِكُ بَابِلَ، رَسَائِلَ وَهَدِيَّةً إلَى حَزَقِيَّا. وَمَا دَفَعَهُ إلَى عَمَلِ ذَلِكَ هُوَ أنَّهُ سَمِعَ أنَّ حَزَقِيَّا كَانَ مَرِيضًا. فَسمِعَ حَزَقِيَّا عَنْ الوَفدِ القَادِمِ مِنْ بَابِلَ وَرَحَّبَ بِهِ، وَأرَاهُمْ كُلَّ الأشْيَاءِ الثَّمِينَةِ فِي بَيْتِهِ. أرَاهُمُ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ، وَالأطيَابَ، وَالعِطْرَ الثَّمِينَ، وَالأسلِحَةَ، وَكُلَّ شَيءٍ فِي مَخَازِنِهِ. فَلَمْ يَبْقَ شَيءٌ فِي بَيْتِ حَزَقِيَّا لَمْ يُرِهِمْ إيَّاهُ. فَجَاءَ النَّبِيُّ إشَعْيَاءُ إلَى المَلِكِ حَزَقِيَّا وَسَألَهُ: «مَاذَا قَالَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ؟ وَمِنْ أيْنَ جَاءُوا؟» فَأجَابَ حَزَقِيَّا: «جَاءُوا مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ، مِنْ بَابِلَ.» فَقَالَ إشَعْيَاءُ: «وَمَا الَّذِي رَأوْهُ فِي بَيْتِكَ؟» فَأجَابَ حَزَقِيَّا: «لَقَدْ رَأوْا كُلَّ شَيءٍ فِي بَيْتِي. فَلَا يُوجَدُ شَيءٌ فِي مَخَازِنِي لَمْ أُرِهِ لَهُمْ.» فَقَالَ إشَعْيَاءُ لِحَزَقِيَّا: «اسْمَعْ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: ‹سَيَأْتِي وَقْتٌ يُحمَلُ فِيهِ كُلُّ شَيءٍ فِي بَيْتِكَ، وَكُلُّ مَا ادَّخَرَهُ آبَاؤكَ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ، إلَى بَابِلَ. لَنْ يَتَبَقَّى شَيءٌ مِنْهُ. اللهُ هُوَ الَّذِي يَقُولُ هَذَا. وَسَيُؤخَذُ أبْنَاؤكَ أنْتَ لِيَصِيرُوا خُدَّامًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ.›» فَقَالَ حَزَقِيَّا: «حَسَنَةٌ هِيَ رِسَالَةُ اللهِ .» ثُمَّ أضَافَ: «مَا دَامَ السَّلَامُ وَالأمَانُ سَيَسُودَانِ فِي حَيَاتِي!» يَقُولُ إلَهُكُمْ: «عَزُّوا عَزُّوا شَعْبِي. تَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَطِيفٍ إلَى شَعْبِ مَدِينَةِ القُدْسِ، أخبِرُوهُمْ بِأنَّ زَمَنَ خِدمَتِهِمُ القَاسِيَةِ قَدِ اكتَمَلَ، وَبِأنَّ أُجْرَةَ خَطَايَاهُمْ قَدْ دُفِعَتْ، وَأنَّ اللهَ قَدْ جَازَاهُمْ بِيَدِهِ جَزَاءً مُضَاعَفًا عَلَى كُلِّ خَطَايَاهُمْ.» هُنَاكَ صَوْتٌ يُنَادِي: «أعِدُّوا الطَّرِيقَ للهِ ، مَهِّدُوا فِي البّرِّيَّةِ طَريقًا لِإلِهَنِا. يَنْبَغِي أنْ يَرْتَفِعَ كُلُّ وَادٍ، وَيُسَوَّى كُلُّ جَبَلٍ وَتَلَّةٍ بِالأرْضِ. تَسْتَوِي الأرْضُ كَثِيرَةُ التَّعَرُّجَاتِ، وَالأرْضُ الوَعِرَةُ تَصِيرُ مُمَهَّدَةً. حِينَئِذٍ، يُعلَنُ مَجْدُ اللهِ ، وَسَيَرَاهُ كُلُّ النَّاسِ، لِأنَّ فَمَ اللهِ قَدْ تَكَلَّمَ.» قَالَ لِي صَوْتٌ: «نَادِ.» فَقُلْتُ: «بِمَاذَا أُنَادِي؟» فَقَالَ: «البَشَرُ جَمِيعًا كَالعُشْبِ، وَثَبَاتُهُمْ كَثَبَاتِ الزُّهُورِ البَرِّيَّةِ. العُشْبُ يَجِفُّ، وَالزَّهْرُ يَسْقُطُ، عِنْدَمَا تَهُبُّ رِيحُ اللهِ عَلَيْهَا. إنَّمَا النَّاسُ كَالعُشبِ. العُشبُ يَجِفُّ، وَالزُّهُورُ تَذْبُلُ وَتَسْقُطُ، وَأمَّا كَلِمَةُ إلَهِنَا فَتَبْقَى إلَى الأبَدِ.» اصعَدِي عَلَى جَبَلٍ عَالٍ، يَا صِهْيَوْنَ، يَا مُعلِنَةَ البِشَارَةَ. ارفَعِي صَوْتَكِ وَتَكَلَّمِي. يَا قُدْسُ، يَا مُعلِنَةَ البِشَارَةَ، لَا تَخَافِي، ارفَعِي صَوْتَكِ وَاصرُخِي! قُولِي لِمُدُنِ يَهُوذَا: «هَا هُوَ إلَهُكِ.» هُوَذَا الرَّبُّ الإلَهُ سَيَأْتِي بِقُوَّةٍ، وَسَيَحْكُمُ بِقُوَّتِهِ. وَهَا هُوَ يأتِي بِمُكَافَآتِهِ وَبِأعْمَالِهِ العَظِيمَةِ إلَينَا! سَيَعْتَنِي بِشَعْبِهِ كَمَا يَعْتَنِي الرَّاعِي بِقَطِيعِهِ، سَيَجْمَعُ الحِملَانَ بِذِرَاعَيهِ، وَسَيَحْمِلُهَا فِي حِضنِهِ، وَسَيَقُودُ مُرضِعَاتِ القَطِيعِ إلَى جَانِبِهِ. مَنْ قَاسَ مِيَاهَ البَحْرِ بِرَاحَةِ يَدِهِ؟ مَنْ قَاسَ السَّمَاوَاتِ بِشِبرِهِ؟ مَنْ كَالَ كُلَّ تُرَابِ الأرْضِ بِالكَيلِ؟ مَنْ وَزَنَ الجِبَالَ بِالقَبَّانِ، وَالتِّلَالَ بِالمِيزَانِ؟ مَنْ وَجَّهَ رُوحَ اللهِ ، أوْ مَنْ عَلَّمَهُ وَصَارَ مُشِيرًا لَهُ؟ مَنْ أعطَاهُ نَصِيحَةً لِيَتَعَلَّمَ مَاذَا يَفْعَلُ؟ وَمَنْ عَلَّمَهُ كَيْفَ يَكُونُ عَادِلًا؟ مَنْ عَلَّمَهُ المَعْرِفَةَ، وَدَلَّهُ عَلَى طَرِيقِ الفَهمِ؟ هَا إنَّ الأُمَمَ كَنُقطَةٍ مِنْ دَلوٍ، وَيُحسَبُونَ كَذَرَّاتِ الغُبَارِ عَلَى المِيزَانِ. هَا إنَّهُ يَرْفَعُ الجُزُرَ عَلَى المِيَاهِ كَالغُبَارِ النَّاعِمِ. أشْجَارُ لُبْنَانَ غَيْرُ كَافِيَةٍ لِإشْعَالِ نَارِ المَذَابِحِ، وَحَيَوَانَاتُهُ لَا تَكْفِي لِلتَّقدِمَاتِ. كُلُّ الأُمَمِ كَأنَّهَا لَا شَيءَ أمَامَهُ، وَهُوَ يَحْسِبُهُمْ كَعَدَمٍ وَهَبَاءٍ. بِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهُ؟ وَبِمَنْ تُقَارِنُونَهُ؟ أبِصَنَمٍ يَسْبُكُهُ الصَّانِعُ، وَيُغَشِّيهِ بِالذَّهَبِ، وَيَصْنَعُ لَهُ أوتَادًا مِنْ فِضَّةٍ؟ يَختَارُ أفْضَلَ الخَشَبِ لِقَاعِدَةِ الوَثَنِ، يَختَارُ خَشَبًا لَا يَتَعَفَّنُ. ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ صَانِعٍ مَاهِرٍ لِيَصْنَعَ لَهُ وَثَنًا لَا يَتَفَكَّكُ. ألَمْ تَعْرِفُوا؟ ألَمْ تَسْمَعُوا؟ ألَمْ تُخبَرُوا مِنَ البِدَايَةِ؟ ألَمْ تَفْهَمُوا مُنْذُ تَأْسِيسِ العَالَمِ؟ هُوَ الجَالِسُ عَلَى عَرشِهِ فَوْقَ دَائِرَةِ الأرْضِ، الَّتِي فِيهَا النَّاسُ كَالجَنَادِبِ. هُوَ مَنْ نَشَرَ السَّمَاوَاتِ كَحِجَابٍ، وَهُوَ مَنْ بَسَطَهَا كَخَيْمَةٍ لِلعَيشِ فِيهَا. وَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُ حُكَّامَ الأرْضِ وَأُمَرَاءَهَا كَالعَدَمِ. كَنَبْتَاتٍ زُرِعَتْ قَبْلَ فَترَةٍ قَصِيرَةٍ، لَيْسَ لَهَا جُذُورٌ بَعْدُ. فَعِنْدَمَا يَهُبُّ بِرِيحِهِ، يَجِفُّونَ، وَتَحْمِلُهُمُ الرِّيَاحُ العَاصِفَةُ كَالقَشِّ. يَقُولُ القُدُّوسُ: «بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي، وَبِمَنْ تُعَادِلُونَنِي؟» ارفَعُوا عُيُونَكُمْ إلَى الأعْلَى وَانظُرُوا. مَنْ خَلَقَ هَذِهِ الأشْيَاءَ؟ إنَّهُ هُوَ مَنْ يَقُودُ جَيْشَ النُّجُومِ وَاحِدًا فَوَاحِدًا، وَيَدْعُوهَا جَمِيعَهَا بِأسْمَاءٍ. وَبِسَبَبِ قُوَّتِهِ العَظِيمَةِ وَقُدرَتِهِ الشَّدِيدَةِ لَا يُفقَدُ أحَدٌ مِنْهَا. يَا يَعْقُوبُ، لِمَاذَا تَتَذَمَّرُ، وَيَا إسْرَائِيلُ، لِمَاذَا تَقُولُ: «طَرِيقِي مَخفِيٌّ عَنِ اللهِ ، وَ اللهُ لَا يَهْتَمُّ بِحَقِّي؟» ألَمْ تَعْلَمْ؟ ألَمْ تَسْمَعْ؟ اللهُ هُوَ الإلَهُ الأبَدِيُّ، خَالِقُ كُلِّ الأرْضِ. وَلَا يُصَابُ بِالتَّعَبِ أوِ الإنهَاكِ. لَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ فَهمَ حِكمَتِهِ تَمَامًا. يُعْطِي قُوَّةً لِلمُتعَبِ، وَلِعَدِيمِ القُوَّةِ يَمْنَحُ قُدرَةً. الشَّبَابُ يَتْعَبُونَ وَيُنهَكُونَ، وَالفِتيَانُ يَعْيَونَ وَيَسْقُطُونَ، أمَّا الَّذِينَ يَضَعُونَ رَجَاءَهُمْ فِي اللهِ فَسَيُجَدِّدُونَ قُوَّتَهُمْ، سَيُحَلِّقُونَ بِأجنِحَةٍ كَالنُّسُورِ. سَيَرْكُضُونَ وَلَا يُنْهَكُونَ، وَسَيَمْشُونَ وَلَا يَتْعَبُونَ. يَقُولُ اللهُ: «اسكُتِي وَاستَمِعِي إلَيَّ يَا بِلَادَ السَّوَاحِلِ، وَاستَرْجِعِي قُوَّتَكِ أيَّتُهَا الأُمَمُ. لِيَقْتَرِبُوا ثُمَّ لِيَتَكَلَّمُوا. لِنَجتَمِعْ مَعًا لِأجْلِ المُحَاكَمَةِ. مَنْ أيقَظَ الرَّجُلَ القَادِمَ مِنَ الشَّرقِ، الَّذِي يُرَافِقُهُ النَّصرُ أينَمَا ذَهَبَ. سَيُسَلِّمُ اللهُ لَهُ أُمَمًا، وَسَيُخضِعُ لَهُ مُلُوكًا. سَيَجعلُهُمْ بِسَيفِهِ كَالتُّرَابِ، وَبِقَوسِهِ سَيُبَدِّدُهُمْ كَالقَشِّ الَّذِي طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ. يَطَارِدُهُمْ وَلَا يُصَابُ بِأذَىً، وَرِجْلَاهُ لَا تَلْمِسَانِ الأرْضَ. مَنْ عَمِلَ هَذَا؟ وَمَنْ هُوَ المُسَيطِرُ عَلَى التَّارِيخِ مُنْذُ البَدءِ؟ أنَا اللهَ ، كُنْتُ مِنَ البَدءِ، وَسَأكُونُ عِنْدَ نِهَايَةِ كُلِّ شِيءٍ. الجُزُرُ وَالشَّوَاطِئُ رَأتْ مَا عَمِلْتُهُ وَخَافَتْ. الأجزَاءُ البَعِيدَةُ مِنَ الأرْضِ ارتَعَدَتْ. اقْتَرَبَتْ وَوَصَلَتْ. «يُسَاعِدُ أحَدُهُمُ الآخَرَ، وَيَقُولُ لَهُ: ‹تَشَدَّدْ.› النَّحَّاتُ يُشَجِّعُ الصَّائِغَ. وَالَّذِي يَصْقِلُ المَعَادِنَ بِالمِطرَقَةِ، يُشَجِّعُ الضَّارِبَ عَلَى السِّندَانِ، وَيَقُولُ عَنِ الإلحَامِ: ‹عَمَلٌ جَيِّدٌ.› ثُمَّ يُثَبِّتُ الوَثَنَ بِمَسَامِيرَ حَتَّى لَا يَتَفَكَّكَ.» «أمَّا أنْتَ يَا عَبدِي إسْرَائِيلَ، يَا يَعْقُوبَ الَّذِي اختَرْتُهُ، يَا نَسْلَ إبْرَاهِيمَ حَبِيبِي، الَّذِي أخَذْتُهُ مِنْ أبعَدِ مَنَاطِقِ الأرْضِ، الَّذِي دَعَوتُهُ مِنْ أبعَدِ أرْكَانِ الأرْضِ، الَّذِي قُلْتُ لَهُ: ‹أنْتَ عَبدِي، أنَا اختَرْتُكَ وَلَمْ أرفُضْكَ. لَا تَخَفْ لِأنِّي مَعَكَ، لَا تَخَفْ لِأنِّي إلَهُكَ. سَأُقَوِّيكَ وَأُسَاعِدُكَ، وَسَأدْعَمُكَ بِيَمِينِي المُنْتَصِرَةِ. هَا كُلُّ الغَاضِبِينَ عَلَيْكَ سَيَخْجَلُونَ وَيُخْزَوْنَ. وَالَّذِينَ يُقَاوِمُونَكَ سَيَتَلَاشَوْنَ وَيَهْلِكُونَ. سَتَبْحَثُ عَنِ مُعَارِضِيكَ، وَلَنْ تَجِدَهُمْ. الَّذِينَ يُحَارِبُونَكَ سَيَصِيرُونَ كَالعَدَمِ وَيَهْلِكُونَ. لِأنِّي أنَا ، أُمسِكُ بِيَمِينِكَ. أقُولُ لَكَ: لَا تَخَفْ. فَأنَا أُعِينُكَ.› «لَا تَخَفْ يَا يَعْقُوبُ، أيُّهَا الدُّودَةُ الصَّغِيرَةُ، يَا إسْرَائِيلُ، أيُّهَا الشَّرنَقَةُ الضَّعِيفَةُ. ‹أنَا أعَنْتُكَ،› يَقُولُ اللهُ ، وَفَادِيكَ هُوَ قُدُّوسُ إسْرَائِيلَ. سَأجعَلُكَ كَلَوحٍ حَادٍّ لِسَحْقِ الحُبُوبِ، لَوحًا جَدِيدًا ذَا أسنَانٍ كَثِيرَةٍ، فَتَدُوسَ الجِبَالَ وَتَسْحَقَهَا، لِتَصِيرَ التِّلَالُ كَالتِّبنِ. سَتُذَرِّيهِمْ فَتَحْمِلَهُمُ الرِّيحُ بَعِيدًا، وَتُشَتِّتُهُمُ العَاصِفَةُ. حِينَئِذٍ، سَتَفْرَحُ بِاللهِ ، وَسَتَفْتَخِرُ بِقُدُّوسِ إسْرَائِيلَ. «عِنْدَمَا يَبْحَثُ الفُقَرَاءُ وَالمَسَاكِينُ عَنِ المَاءِ وَلَا يَجِدُونَهُ، وَألسِنَتُهُمْ تَجِفُّ مِنَ العَطَشِ. أنَا اللهَ سَأستَجِيبُ لَهُمْ، أنَا إلَهَ إسْرَائِيلَ لَنْ أترُكَهُمْ. سَأفتَحُ أنهَارًا عَلَى الهِضَابِ الجَافَّةِ، وَيَنَابِيعَ فِي وَسَطِ الوِديَانِ. سَأجْعَلُ الصَّحرَاءَ بِركَةَ مَاءٍ، وَالأرْضَ الجَافَّةَ يَنَابِيعَ مَاءٍ. سَأزرَعُ أشْجَارَ الأرْزِ فِي الصَّحرَاءِ، وَكَذَلِكَ أشْجَارَ السَّنطِ وَالآسِ وَالزَّيْتُونِ. سَأزرَعُ فِي البَادِيَةِ السَّروَ وَالسِّندِيَانَ وَالصُّنَوبَرَ مَعًا، حَتَّى يَرَى الجَمِيعُ وَيَعْرِفُوا، وَيُفَكِّرُوا بِهَذَا وَيَفْهَمُوا أنَّ يَدَ اللهِ هِيَ الَّتِي عَمِلَتْ هَذَا، وَأنَّ قُدُّوسَ إسْرَائِيلَ خَلَقَهُ.» يَقُولُ اللهُ «قَدِّمُوا قَضِيَّتَكُمْ.» وَيَقُولُ مَلِكُ يَعْقُوبَ لَهُمْ: «هَاتُوا حُجَجَكُمْ. لِيَقْتَرِبُوا وَيُخبِرُونَا بِمَا سَيَحْدُثُ. لِيُخبِرُونَا عَنِ الأحْدَاثِ المَاضِيَةِ وَأسرَارِهَا، فَنَتَعَلَّمَ مِنْهَا. أخبِرُونَا عَنْ أحْدَاثِ المُسْتَقَبَلِ. أخبِرُونَا بِمَا سَيَحْدُثُ، حَتَّى نَعْرِفَ أنَّكُمْ آلِهَةٌ. اعمَلُوا خَيْرًا أوْ شَرًّا، لِنَخَافَ وَنُكرِمَكُمْ. هَا إنَّكُمْ أقَلُّ مِنَ العَدَمِ، وَعَمَلُكُمْ بَاطِلٌ. وَمَنْ يَختَارُ عِبَادَتَكُمْ فَهُوَ كَريهٌ مِثْلُكُمْ!» «أيقَظْتُ رَجُلًا مِنَ الشِّمَالِ فَأتَى، وَمِنَ الشَّرقِ دَعَوتُهُ بِاسْمِهِ. يَدُوسُ الوُلَاةَ كَالرَّملِ، كَفَخَّارِيِّ يَعْجِنُ الطِينَ. «مَنْ أخبَرَ بِهَذَا مِنَ البِدَايَةِ حَتَّى نَعْرِفَهُ، وَمَنْ عَرَفَهُ قَبْلَ حُدُوثِهِ كَي نَقُولَ: ‹إنَّهُ عَلَى حَقٍّ.› لَمْ يُخبِرْ بِهِ أحَدٌ، وَلَمْ يُعلِنْهُ أحَدٌ، وَلَمْ يَسْتَمِعْ أحَدٌ لِكَلَامِكَ. أنَا أعلَنْتُ هَذِهِ الأُمُورَ لِصِهْيَوْنَ قَبْلَ حُدُوثِهَا، وَأرسَلْتُ مُبَشِّرًا بِهَا لِلقُدْسِ. «وَلَكِنِّي أنظُرُ فَلَا أجِدُ أحَدًا. وَمِنْ بَيْنِ هَذِهِ الآلِهَةِ المُزَيَّفَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَاصِحٍ، أسألُهُ فَيُجِيبَ. إنَّمَا هُمْ لَا شَيءٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ عَمَلَ شَيءٍ. تَمَاثِيلُهُمْ لَا مَنفَعَةَ مِنْهَا. «هَا هُوَ عَبدِي الَّذِي أرفَعُهُ، مُختَارِي الَّذِي فَرِحَتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعتُ رُوحِي عَلَيْهِ، وَهُوَ سَيَأْتِي بِالعَدْلِ لِلأُمَمِ. لَنْ يَصْرُخَ وَلَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ، وَلَنْ يُسمَعَ صَوْتُهُ فِي الشَّوَارِعِ. لَنْ يَكْسِرَ قَصَبَةً مَرضُوضَةً، وَلَنْ يُطفِئَ لَهَبًا ضَعِيفًا. وَسَيَأْتِي بِالعَدْلِ فِعلًا. لَنْ يَضْعُفَ أوْ يَنْكَسِرَ حَتَّى يَأْتِيَ بِالعَدْلِ إلَى الأرْضِ. وَسَتَنْتَظِرُ الجُزُرُ وَالشَّوَاطِئُ تَعْلِيمَهُ.» هَذَا هُوَ كَلَامُ اللهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَنَشَرَهَا، وَالَّذِي بَسَطَ الأرْضَ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، الَّذِي يُعْطِي نَسَمَةَ حَيَاةٍ لِلنَّاسِ عَلَيْهَا، وَرُوحًا لِلَّذِينَ يَسِيرُونَ فِيهَا: «أنَا اللهَ دَعَوتُكَ لِلبِرِّ. أمسَكتُ بِيَدِكَ، وَحَفِظتُكَ، وَجَعَلْتُكَ وَسِيطَ عَهْدٍ مَعَ النَّاسِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ العُمِي، وَتُخرِجَ الأسرَى مِنَ الحَبسِ. لِتُخرِجَ الجَالِسِينَ فِي الظُّلمَةِ مِنَ السِّجْنِ. «أنَا يهوه وَهَذَا هُوَ اسْمِي. لَنْ أُعْطِيَ مَجْدِي لِآخَرَ، وَلَا كَرَامَتِي لِلأوْثَانِ. الأُمُورُ الأُولَى الَّتِي أخبَرتُ بِهَا قَدْ حَدَثَتْ، وَهَا أنَا الآنَ أُخبِرُ بِأُمُورٍ جَدِيدَةٍ. فَقَبلَ حُدُوثِهَا أُخبِرُكُمْ بِهَا.» رَنِّمُوا للهِ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، غَنُّوا بِتَسْبِيحِهِ مِنْ أقَاصِي الأرْضِ. سَبِّحُوهُ يَا مَلَّاحِي البَحْرِ، وَيَا كُلَّ حَيَوَانَاتِ البَحْرِ. سَبِّحِيهِ أيَّتُهَا الجُزُرُ وَالشَّوَاطِئُ، وَيَا كُلَّ السَّاكِنِينَ فِيهَا. لِتَرْفَعِ الصَّحرَاءُ وَمُدُنُهَا أصوَاتَ تَسْبِيحِهِ، وَالسَّاحَاتُ الَّتِي تَسْكُنُهَا عَشِيرَةُ قِيدَارَ. لِيَهْتِفْ سُكَّانُ مَدِينَةِ سَالِعَ بِفَرَحٍ. لِيَهْتِفُوا مِنْ قِمَمِ الجِبَالِ. لِيُعْطُوا اللهَ مَجْدًا. وَلْتُسَبِّحْهُ الجُزُرُ وَالشَّوَاطِئُ. سَيَخْرُجُ اللهُ كَرَجُلٍ قَوِيٍّ لِلحَرْبِ، وَكَمُحَارِبٍ استَيْقَظَ غَضَبُهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ، وَيُظهِرُ قُوَّتَهُ عَلَى أعْدَائِهِ. صَمَتُّ لِزَمَنٍ طَوِيلٍ، سَكَتُّ وَضَبَطتُ نَفْسِي. أمَّا الآنَ فَسَأصِيحُ كَامْرَأةٍ تَلِدُ، سَألهَثُ وَأنفُخُ. سَأُحَطِّمُ الجِبَالَ وَالتِّلَالَ، وَسَأُجَفِّفُ كُلَّ نَبَاتَاتِهَا. سَأُحَوِّلُ الأنهَارَ إلَى أرْضٍ جَافَّةٍ، وَسَأُجَفِّفُ البِرَكَ. سَأقُودُ العُميَانَ فِي طَرِيقٍ لَمْ يَعْرِفُوهُ مِنْ قَبْلُ، وَفِي مَسَالِكَ لَمْ يَعْرِفُوهَا. سَأُحَوِّلُ الظُّلمَةَ أمَامَهُمْ إلَى نُورٍ، وَالأمَاكِنَ الوَعِرَةَ إلَى أرْضٍ سَهلَةٍ. سَأعمَلُ هَذَا وَلَنْ أترُكَهُمْ. أمَّا المُتَّكِلُونَ عَلَى التَّمَاثِيلِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لِلأوْثَانِ: «أنْتِ آلِهَتُنَا،» فَسَيُخذَلُونَ وَسَيَخْجَلُونَ. «اسْتَمِعُوا يَا أيُّهَا الصُّمُّ، وَيَا أيُّهَا العُمِي انْظُرُوا وَأبصِرُوا. هَلْ مِنْ أعْمَى مِثْلَ عَبْدِي؟ هَلْ مِنْ أصَمَّ مِثْلَ رَسُولِي الَّذِي أُرسَلتُهُ؟ هَلْ مِنْ أعْمَى كَحَلِيفي! هَلْ مِنْ أعْمَى كَعَبدِ يهوه؟ رَأيْتَ أُمُورًا كَثِيرَةً، وَلَكِنَّكَ لَمْ تَحْفَظهَا. أُذُنُهُ مَفتُوحَةٌ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْمَعُ.» يُسَرَّ اللهُ بِصَلَاحِ شَعْبِهِ، إذْ يُعَظِّمُ الشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا. لَكِنَّ هَذَا الشَّعْبَ سُرِقَ وَنُهِبَ. كُلُّهُمُ اصطِيدُوا فِي الحُفَرِ، وَوِضِعُوا فِي السُّجُونِ. حُمِلُوا كَغَنَائِمِ الحَرْبِ، وَلَيْسَ مَنْ يُنْقِذُهُمْ. سُلِبَتْ أمْوَالُهُمْ، وَلَيْسَ مَنْ يَقُولُ: «أرْجِعْهَا.» مَنْ مِنْكُمْ سَيَسْتَمِعُ إلَى هَذَا؟ وَمَنْ سَيُصغِي وَيَسْتَمِعُ فِي المُسْتَقْبَلِ؟ مَنِ الَّذِي سَلَّمَ يَعْقُوبَ لِلنَّاهِبِينَ، وَإسْرَائِيلَ لِلُّصُوصِ؟ ألَيْسَ اللهُ مَنْ عَمِلَ هَذَا، إذْ أخْطأُوا إلَيْهِ، وَرَفَضُوا السَّيرَ فِي طُرُقِهِ، وَلَمْ يُطِيعُوا شَرِيعَتَهُ؟ لِذَلِكَ سَكَبَ عَلَيْهِمْ غَضَبَهُ وَحَربًا شَدِيدَةً. وَاشتَعَلَتْ نَارٌ مِنْ حَوْلِهِمْ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا. أحرَقَتْهُمُ النَّارُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّمُوا شَيْئًا. وَالْآنَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ الَّذِي خَلَقَكَ يَا يَعْقُوبُ، وَجَبَلَكَ يَا إسْرَائِيلُ: «لَا تَخَفْ لِأنِّي فَدَيتُكَ، دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ، أنْتَ لِي. عِنْدَمَا تَعْبُرُ المِيَاهَ سَأكُونُ مَعَكَ، وَعِنْدَمَا تَجتَازُ الأنهَارَ لَنْ تَغْمُرَكَ. عِنْدَمَا تَسِيرُ عَبْرَ النَّارِ لَنْ تَلْذَعَكَ، وَاللَّهِيبُ لَنْ يُحْرِقَكَ. لِأنِّي أنَا . أنَا قُدُّوسُ إسْرَائِيلَ مُخَلِّصُكَ. أُقَدِّمُ مِصْرًا فِديَةً عَنْكَ، وَكُوشًا وَسَبَأَ بَدَلًا مِنْكَ. لِأنَّكَ غَالٍ عَلَيَّ وَمُكَرَّمٌ، وَأنَا أُحِبُّكَ. أبذِلُ أُنَاسًا بَدَلًا مِنْكَ، وَشُعُوبًا بَدَلَ حَيَاتِكَ.» «لَا تَخَفْ لِأنِّي مَعَكَ. سَآتِي بِنَسْلِكَ مِنَ الشَّرقِ، وَسَأجمَعُكَ مِنَ الغَرْبِ. سَأقُولُ لِلشَّمَالِ: ‹أطلِقْهُمْ.› وَلِلجَنُوبِ: ‹لَا تَحْجِزْهُمْ.› أحْضِرْ أبْنَائِي مِنَ الأمَاكِنِ البَعِيدَةِ، وَبَنَاتِي مِنْ أقَاصِي الأرْضِ. أحْضِرْ كُلَّ المَدْعُوِّينَ بِاسْمِي، الَّذِينَ خَلَقْتُهُمْ لِأجْلِ مَجْدِي، الَّذِينَ جَبَلْتُهُمْ وَصَنَعْتُهُمْ.» أخرِجِ الشَّعْبَ الأعمَى، مَعَ أنَّ لَهُ عُيُونًا، الأصَمَّ مَعَ أنَّ لَهُ آذَانًا. فَلْتَجْتَمِعْ كُلُّ الأُمَمِ، وَلْتَحْتَشِدْ كُلُّ الشُّعُوبِ. مَنْ مِنْهُمْ أنْبَأَ بِهَذَا، أوْ تَنَبَّأ بِالأُمُورِ المَاضِيَةِ قَبْلَ أنْ تَحْدُثَ؟ لِيَأْتُوا بِشُهُودِهِمْ إنْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ، وَلْيَسْتَمِعِ النَّاسُ وَيَقُولُوا: «هَذَا صَحِيحٌ.» يَقُولُ اللهُ : «أنْتُمْ شُهُودِي مَعَ خَادِمِي الَّذِي اختَرْتُهُ. اختَرْتُكُمْ لِكَي تُسَاعِدُوا الآخَرِينَ لِيُؤمِنُوا بِي. افهَمُوا أنِّي أنَا هُوَ. لَمْ يَكُنْ قَبلِي إلَهٌ، وَبَعدِي لَنْ يَأْتِيَ إلَهٌ. أنَا أنَا اللهُ ، وَمَا مِنْ مُخَلِّصٍ سِوَاي. هَا أنَا أعلَنْتُ وَخَلَّصْتُ وَأخبَرتُ، قَبْلَ أنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ إلَهٌ غَرِيبٌ. أنْتُمْ شُهُودِي،» يَقُولُ اللهُ . «أنَا اللهُ، أنَا هُوَ إلَى الأبَدِ. وَلَا أحَدٌ يُخَلِّصُ مِنْ يَدِي. أنَا أعمَلُ، فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ؟» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ فَادِيكُمْ قُدُّوسُ إسْرَائِيلَ: «لِأجْلِكُمْ سَأُرْسِلُ جَيْشًا إلَى بَابِلَ، وَسَأُحَطِّمُ البَوَّابَاتِ المُغلَقَةَ. سَيُحْمَلُ الكِلدَانِيُّونَ أسْرَى فِي سُفُنِهِمُ الَّتِي يَفْتَخِرُونَ بِهَا. أنَا اللهُ قُدُّوسُكُمْ، مَلِكُكُمْ، خَالِقُ إسْرَائِيلَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ الَّذِي صَنَعَ طَرِيقًا فِي البَحْرِ وَسَبِيلًا فِي المِيَاهِ القَوِيَّةِ، الَّذِي هَزَمَ المَرْكَبَةَ وَالحِصَانَ وَالجَيْشَ وَالمُحَارِبِينَ مَعًا، فَسَقَطُوا وَلَمْ يَقُومُوا، خَمَدُوا وَانطَفَأُوا كَفَتِيلَةٍ: «لَا تَتَذَكَّرُوا مَا حَدَثَ قَدِيمًا، وَلَا تُفَكِّرُوا بِالمَاضِي. هَا إنِّي أُوشِكُ أنْ أصنَعَ أمْرًا جَدِيدًا. هُوَ الآنَ فِي بِدَايَتِهِ. ألَا تَعْرِفُونَهُ؟ سَأصنَعُ طَرِيقًا فِي الصَّحرَاءِ، وَأنهَارًا فِي القِفَارِ. الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ وَبَنَاتُ آوَى وَالنَّعَامُ سَتُظهِرُ مَجْدِي. لِأنِّي سَأُعْطِي مَاءً فِي الصَّحرَاءِ، وَأنهَارًا فِي القِفَارِ، لِأسقِيَ شَعْبِي المُختَارَ، الشَّعْبَ الَّذِي جَبَلْتُهُ لِنَفْسِي، وَالَّذِي سَيُخبِرُ بِتَسْبِيحِي. «لَمْ تَدْعُنِي يَا يَعْقُوبُ، وَتَعِبتَ مِنِّي يَا إسْرَائِيلُ. لَمْ تُحضِرْ لِي شَاةً كَذَبِيحَةٍ، وَلَمْ تُكرِمْنِي بِتَقْدِمَاتِكَ. أنَا لَمْ أُثقِلْ عَلَيْكَ بِالتَّقدِمَاتِ، وَلَمْ أُتعِبْكَ بِطَلَبِ البَخُورِ. لَمْ تَشْتَرِ بَخُورًا طَيِّبًا بِمَالٍ، وَلَمْ تُشبِعنِي بِشَحمِ ذَبَائِحِكَ، لَكِنَّكَ أتعَبْتَنِي بِخَطَايَاكَ، وَأنهَكتَنِي بِآثَامِكَ. «أنَا، أنَا هُوَ المَاحِي خَطَايَاكَ لِأجْلِ نَفْسِي. وَلَنْ أتَذَكَّرَ خَطَايَاكَ. لَكِنْ تذَكَّرْنِي أنْتَ، وَلْنَتَحَاجَجْ. اروِ قِصَّتَكَ وَأثْبِتْ بَرَاءَتَكَ. جَدُّكَ الأوَّلُ أخْطَأ، وَالمُدَافِعُونَ عَنْكَ عَصَوْا عَلَيَّ. لِذَلِكَ نَجَّسْتُ قَادَةَ هَذَا المَكَانِ المُقَدَّسِ، وَسَمَحْتُ بِدَمَارِ يَعْقُوبَ، وَبِشَتمِ إسْرَائِيلَ. «وَالْآنَ اسْمَعْ يَا يَعْقُوبَ خَادِمِي، وَيَا إسْرَائِيلَ الَّذِي اختَرْتُهُ. هَكَذَا يَقُولُ اللهُ الَّذِي صَنَعَكَ، وَالَّذِي شَكَّلَكَ فِي البَطنِ، وَالَّذِي سَيُعِينُكَ: لَا تَخَفْ يَا يَعْقُوبُ خَادِمِي، وَيَا يَشُورُونُ الَّذِي اختَرْتُهُ. لِأنِّي سَأسكُبُ مَاءً عَلَى الأرْضِ العَطشَى، وَسُيُولًا عَلَى الأرْضِ الجَافَّةِ. سَأسكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ، وَبَرَكَتِي عَلَى أوْلَادِكَ. سَيَنْبُتُونَ مِثْلَ شَجَرِ الحُورِ، كَالحُورِ الَّذِي عَلَى جَانِبِ جَدَاوِلِ المِيَاهِ. هَذَا سَيَقُولُ: ‹أنَا للهِ ،› وَذَلِكَ سَيَدْعُو نَفْسَهُ بِاسْمِ يَعْقُوبَ، وَآخَرُ سَيَكْتُبُ عَلَى يَدِهِ: ‹مُلْكٌ للهِ ،› وَسَيَنْسِبُ نَفْسَهُ إلَى إسْرَائِيلَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ مَلِكُ إسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، اللهُ القَدِيرُ: «أنَا الأوَّلُ وَالآخِرُ، وَلَا إلَهَ سِوَايَ. مَنْ هُوَ مِثْلِي؟ فَليَتَكَلَّمْ وَيُعلِنْ ذَلِكَ، وَيُقنِعنِي. مَنْ أعْلَنَ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ عَنِ الأحْدَاثِ الآتِيَةِ؟ فَليُخبِرْنَا بِمَا فِي المُسْتَقْبَلِ. لَا تَخَافُوا وَلَا تَرْهَبُوا. ألَمْ أُخبِرْكُمْ وَأُعلِنْ لَكُمْ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ؟ أنْتُمْ شُهُودِي. فَهَلْ مِنْ إلَهٍ غَيرِي، أوْ مِنْ صَخرَةٍ سِوَايَ؟» كُلُّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ أوْثَانًا هُمْ لَا شَيءٌ، وَالأوْثَانُ الَّتِي يُحِبُّونَهَا لَا مَنفَعَةَ مِنْهَا. عَبَدَةُ الأوْثَانِ هُمْ شُهُودٌ لِأوْثَانِهِمْ. إنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ وَلَا يَفْهَمُونَ، لِذَلِكَ هُمْ لَا يَخْجَلُونَ. لِمَاذَا يَصْنَعُ أحَدُهُمْ إلَهًا أوْ وَثَنًا لَا مَنفَعَةَ مِنْهُ؟ كُلُّ عَابِدِيهَا يُخزَوْنَ. كُلُّ صَانِعِيهَا لَيْسُوا سِوَى بَشَرٍ. فَلْيَجْتَمِعُوا كُلُّهُمْ وَيَقِفُوا أمَامِي، لِكَي يَرْتَعِبُوا وَيَخْجَلُوا. الحَدَّادُ يَقْطَعُ قِطْعَةَ حَدِيدٍ. يُحَمِّيهَا عَلَى الفَحمِ، وَيُشَكِّلُهَا بِالمِطرَقَةِ، وَيَشْتَغِلُ بِهَا بِذِرَاعَيهِ القَوِيَّتَيْنِ. ثُمَّ يَجُوعُ وَيَفْقِدُ قُوَّتَهُ، لَا يَشْرَبُ مَاءً فَيَتْعَبَ. يَمُدُّ النَّجَّارُ خَيطًا، وَيَرْسُمَ خَطًّا بِالقَلَمِ. يَنْحِتُهُ بِأدَوَاتِ النَّحْتِ، وَيُعَلِّمُهُ بِالبِرْكَارِ. يَصْنَعُهُ بِشَكلِ إنْسَانٍ، وَبِجَمَالٍ بَشَرِيٍّ يَصْلُحُ لِلسَّكَنِ فِي بَيْتٍ! يَقْطَعُ النَّحَّاتُ أرْزًا، أوْ يَختَارُ أشْجَارَ سِندِيَانٍ أوْ بَلُّوطٍ وَيترُكُهَا تَنْمُو بَيْنَ أشْجَارِ الغَابَةِ. هُوَ يَغْرِسُ شَجَرَةَ صَنَوبَرَ لَكِنَّ المَطَرَ يُنَمِّيهَا. يَأْخُذُ جُزءًا مِنَ الشَّجَرَةِ وَيُشعِلُ بِهِ النَّارَ لِيَتَدَفَّأَ. وَيَسْتَخْدِمُ جُزءًا لِيَطْبُخَ طَعَامَهُ. ثُمَّ يَصْنَعُ بِمَا تَبَقَّى وَثَنًا مَنحُوتًا وَيَسْجُدُ لَهُ وَيعبُدُهُ! يَسْتَخْدِمُ جُزءًا مِنْهُ كَوَقُودٍ لِلنَّارِ، فَيَطْبُخُ عَلَيْهِ لَحْمَهُ، وَيَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ. كَمَا يَسْتَدْفِئُ بِالنَّارِ وَيَقُولُ: «آه، أشعُرُ بِالدِّفءِ، وَالنَّارُ تُبعَثُ ضَوْءًا مِنْ حَوْلِي.» وَبِبَقِيَّةِ الخَشَبِ يَصْنَعُ إلَهًا، فَيَرْكَعُ لِذَلِكَ التِّمثَالِ وَيُصَلِّي إلَيْهِ وَيَقُولُ: «خَلِّصْنِي لِأنَّكَ إلَهِي!» لَا يَعْرِفُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ، وَكَأنَّ عُيُونَهُمْ مُغمَضَةٌ فَلَا يَرَوْنَ، وَكَأنَّ أذهَانَهُمْ مُغلَقَةٌ فَلَا يَفْهَمُونَ. لَا يَتَمَهَّلُ أحَدٌ مِنْهُمْ لِيُفَكِّرَ أوْ يَفْهَمَ أوْ يُمِيِّزَ. وَيَقُولُ: «أحْرَقتُ نِصفَ الخَشَبِ بِالنَّارِ، وَخَبَزتُ عَلَيْهِ خُبْزًا وَشَوَيتُ لَحْمًا وَأكَلتُهُ. فَهَلْ أصْنَعُ الآنَ بِالبَاقِي شَيْئًا بَغيضًا؟ أأسْجُدُ لِقِطْعَةِ خَشَبٍ؟» فَكَمَنْ يَأْكُلُ الرَّمَادَ، أضَلَّهُ ذِهنُهُ المَخدُوعُ إلَى طَرِيقٍ خَاطِئَةٍ. لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ أوْ أنْ يَقُولَ: «ألَيْسَ هَذَا الَّذِي فِي يَدِي اليُمْنَى إلَهًا زَائِفًا؟» «تَذَكَّرْ هَذِهِ الأُمُورَ يَا يَعْقُوبُ، وَيَا إسْرَائِيلُ لِأنَّكَ خَادِمِي. قَدْ جَبَلْتُكَ لِتَكُونَ لِي خَادِمًا، لَنْ أنْسَاكَ يَا إسْرَائِيلُ. قَدْ مَحَوتُ ذُنُوبَكَ كَغَيْمَةٍ، وَخَطَايَاكَ كَسَحَابَةٍ. ارجِعْ إلَيَّ لِأنِّي فَدَيتُكَ.» رَنِّمِي أيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ، لِأنَّ اللهَ عَمِلَ هَذَا. اهتِفِي يَا أعمَاقَ الأرْضِ، رَنِّمِي بِقُوَّةٍ أيَّتُهَا الجِبَالُ، أيَّتُهَا الغَابَةُ وَكُلُّ شَجَرَةٍ فِيهَا، لِأنَّ اللهَ فَدَى يَعْقُوبَ، وَسَيُظهِرُ مَجْدَهُ مِنْ خِلَالِ إسْرَائِيلَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ فَادِيكَ الَّذِي جَبَلَكَ فِي الرَّحِمِ: «أنَا اللهُ صَانِعُ كُلِّ شَيءٍ، أنَا الَّذِي نَشَرْتُ السَّمَاوَاتِ وَحْدِي، وَبَسَطتُ الأرْضَ وَلَا أحَدَ مَعِي. «أنَا أُظهِرُ كَذِبَ الأنْبِيَاءِ الكَذَبَةِ، وَأكشِفُ حَمَاقَةَ العَرَّافِينَ. أنَا أُربِكُ الحُكَمَاءَ وَأجعَلُ مَعْرِفَتَهُمْ حَمَاقَةً. أنَا المُؤَيِّدُ لِكَلِمَةِ خَادِمِي، وَالمُتَمِّمُ لِخُطَّةِ مُرسِلِيهِ. أنَا القَائِلُ عَنِ القُدْسِ: ‹سَيَسْكُنُ النَّاسُ فِيهَا مِنْ جَدِيدٍ.› وَعَنْ مُدُنِ يَهُوذَا: ‹سَتُبنَى.› وَعَنْ خَرَائِبِهَا: ‹سَأُقِيمُهَا.› أنَا القَائِلُ لِلمُحِيطِ: ‹جِفَّ، وَسَأُجَفِّفُ أنهَارَكَ.› أنَا القَائِلُ عَنْ كُورُشَ: ‹هُوَ الرَّاعِي، وَهُوَ سَيَعْمَلُ كُلَّ مَا أُرِيدُهُ.› سَيَقُولُ عَنِ القُدْسِ: ‹سَتُبنَى ثَانِيَةً،› وَسَيَقُولُ عَنِ الهَيْكَلِ: ‹سَيُعَادُ وَضعُ أسَاسَاتِهِ.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لِمَلِكِهِ المَمسُوحِ كُورُشَ: «أمْسَكتُ بِيَدِهِ اليُمْنَى، لِأُخْضِعَ لَهُ أُمَمًا، وَلِأنزِعَ مُلُوكًا أقوِيَاءَ. سَأفْتَحُ الأبْوَابَ أمَامَهُ، فَلَا تَكُونُ البَوَّابَاتُ مُغلَقَةً. «سَأسِيرُ أمَامَكَ، وَأجعَلُ المَنَاطِقَ المُتَعَرِّجَةَ سَهلَةً. سَأكسِرُ الأبْوَابَ البُرُونْزِيَّةَ، وَأقطَعُ أقْفَالَ الحَدِيدِ. سَأُعْطِيكَ الثَّروَةَ المَخزُونَةَ فِي الظَّلَامِ، وَالكُنُوزَ المُخَبَّأةَ فِي الأمَاكِنِ السِّرِّيَّةِ، لِتَعْرِفَ أنِّي أنَا اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ. مِنْ أجْلِ خَادِمِي يَعْقُوبَ وَإسْرَائِيلَ مُختَارِيَ، دَعَوتُكَ بِاسْمِكَ. أنَا أعْرِفُ مَنْ أنْتَ، مَعَ أنَّكَ لَا تَعْرِفُنِي. أنَا يهوه لَيْسَ سِوَايَ، وَلَا إلهٌ مِثْلِي. قُوَّيتُكَ، لَكِنَّكَ لَمْ تَعْرِفْني! لِيَعْلَمَ الجَمِيعُ مِنَ المَشَارِقِ وَمِنَ المَغَارِبِ أنْ لَا إلَهَ إلَّا أنَا، أنَا يهوه وَلَيْسَ سِوَايَ. أنَا أُبدِعُ النُّورَ وَأخلِقُ الظُّلمَةَ، أصنَعُ السَّلَامَ وَأخلِقُ المَصَائِبَ. أنَا اللهَ أصنَعُ هَذِهِ جَمِيعًا. «لِتُمطِرِ السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوقُ، وَلْتَسْكُبِ الغُيُومُ صَلَاحًا. لِتَنْفَتِحِ الأرْضُ حَتَّى يَنْبُتَ الخَلَاصُ وَيَخْرُجَ الصَّلَاحُ مَعَهُ. أنَا اللهَ خَلَقْتُهُ. «وَيْلٌ لِمَنْ يُخَاصِمُ جَابِلَهُ، وَهُوَ لَيْسَ سِوَى قِطعَةِ فَخَّارٍ مِنْ إنَاءٍ مَكسُورٍ. فَهَلْ يَقُولُ الطِّينُ لِجَابِلِهِ: ‹مَا الَّذِي تَصْنَعُهُ؟› أوْ ‹أنْتَ بِلَا بَرَاعَةٍ.› وَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ لِوَالِدٍ: ‹مَا الَّذِي تَلِدُهُ؟› أوْ لِوَالِدَةٍ: ‹بِمَ تَتَمَخَّضِينَ؟›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، قُدُّوسُ إسْرَائِيلَ وَجَابِلُهُ: «أفَتَسْألُونَنِي عَنْ أوْلَادِي؟ أتُشِيرُونَ عَلَيَّ فِي أعْمَالِ يَدَيَّ؟ «أنَا صَنَعْتُ الأرْضَ، وَخَلَقْتُ الإنْسَانَ عَلَيْهَا. أنَا بَسَطْتُ السَّمَاوَاتِ بِيَدِي، وَأمَرْتُ كُلَّ جُندِهَا. أنَا أيقَظْتُ كُورَشَ لِهَدَفٍ صَالِحٍ، وَسَأجْعَلُ كُلَّ سُبُلِهِ سَهلَةً. لِأنَّهُ سَيُعِيدُ بِنَاءَ مَدِينَتِي، وَسَيُطلِقُ أسْرَى شَعْبِي مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ أوْ رِشْوَةٍ.» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «مَا تُنتِجُهُ مِصْرٌ وَتُجَّارُ كُوشٍ وَالسَّبَئِيُّونَ الأثْرِيَاءُ، كُلُّهُ سَيْأْتِي إلَيْكَ، وَسَيَكُونُ لَكَ. وَهُمْ سَيَتْبَعُونَكَ وَيَأْتُونَ إلَيْكَ فِي سَلَاسِلَ. سَيَنْحَنُونَ لَكَ، وَإيَّاكَ سَيَتَرَجَّوْنَ وَيَقُولُونَ: ‹إنَّمَا اللهُ مَعَكَ، وَلَا إلَهَ غَيْرَهُ.›» إنَّكَ لَسْتَ إلَهًا يُخفِي نَفْسَهُ، يَا إلَهَ إسْرَائِيلَ الَّذِي تَأْتِي بِالنَّصرِ وَالخَلَاصِ. كُلُّهُمْ سَيُخزَوْنَ وَيَخْجَلُونَ، وَسَيَمْضِي صَانِعُو الأوْثَانِ مَعًا فِي عَارٍ. اللهُ يُخلِّصُ إسْرَائِيلُ خَلَاصًا يَدُومُ إلَى الأبَدِ. لَنْ تُخْزَوْا وَلَنْ تَخْجَلُوا إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. خَالِقُ السَّمَاوَاتِ هُوَ اللهُ . هُوَ شَكَّلَ الأرْضَ وَصَنَعَهَا، أسَّسَهَا وَلَمْ يَخْلِقْهَا لِتَكُونَ فَارِغَةً، بَلْ صَنَعَهَا لِتُسكَنَ. وَيَقُولُ: «أنَا اللهُ ، وَلَا إلَهَ آخَرَ غَيرِي. لَمْ أتَكَلَّمْ بِالسِّرِّ، أوْ فِي مَكَانٍ مُظلِمٍ. لَمْ أقُلْ لِنَسْلِ يَعْقُوبَ: ‹اطلُبُونِي وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ.› أنَا اللهُ وَأقُولُ الحَقَّ، وَأُخبِرُ بِمَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ. «يَا مَنْ هَرَبتُمْ مِنَ الأُمَمِ الأُخرَى، تَجَمَعُوا وَتَعَالَوْا. اقتَرِبُوا إلَيَّ مَعًا. إنَّ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ أصْنَامَهُمُ الخَشَبِيَّةَ وَيُصَلُّونَ إلَى إلَهٍ لَا يَقْدِرُ أنْ يُخَلِّصَهُمْ، هُمْ بِلَا فَهمٍ. تَعَالَوْا وَقَدِّمُوا دَعْوَاكُمْ، وَتَشَاوَرُوا. مَنْ أعْلَنَ هَذَا مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ؟ مَنْ تَنَبَّأَ بِهَذَا مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ؟ ألَمْ يَكُنْ أنَا اللهَ ؟ لَا إلَهَ غَيرِي، إلَهًا بَارًّا مُخَلِّصًا، وَلَيْسَ سِوَايَ. «التَفِتُوا إلَيَّ وَاخلُصُوا يَا كُلَّ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لِأنِّي أنَا هُوَ اللهُ، وَلَا إلَهَ غَيرِي. أُقْسِمُ بِذَاتِي – وَهِيَ كَلِمَةٌ خَرَجَتْ مِنْ فَمِي بِالحَقِّ لَنْ تَتَغَيَّرَ – سَتَنْحَنِي أمَامِي كُلُّ رُكبَةٍ، وَسَيَحْلِفُ بِي كُلُّ لِسَانٍ. وَسَيَقُولُونَ: ‹إنَّمَا بِاللهِ العَدلُ وَالقُوَّةُ.›» كُلُّ الغَاضِبِينَ مِنْهُ سَيَأْتُونَ إلَيْهِ وَيَخْزَوْنَ. وَسَيَفْتَخِرُ كُلُّ نَسْلِ إسْرَائِيلَ بِاللهِ ، وَسَيُسَبِّحُونَهُ. يَقُولُ اللهُ: «سَقَطَ الإلَهَانِ المُزَيَّفَانِ بِيلٌ وَنَبُوُ وَانحَطَّا. حُمِلَا عَلَى الحَيَوَانَاتِ وَالدَّوَابِّ. مَا هُمَا إلَّا حِملَانِ ثَقيلَانِ عَلَى حَيَوَانَاتٍ مُنهَكَةٍ! انحَطَّا وَسَقَطَا مَعًا. لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الهرَبِ، بَلْ سَيُحمَلَانِ إلَى السَّبْيِ. «اسْتَمِعُوا إلَيَّ يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، وَيَا كُلَّ البَاقِينَ مِنْ بَيْتِ إسْرَائِيلَ. يَا مَنْ حَمَلْتُكُمْ مُنْذُ وِلَادَتِكُمْ، وَاحتَضَنْتُكُمْ مِنْ رَحِمِ أُمِّكُمْ، حَتَّى كَبُرْتُمْ. حَتَّى عِنْدَمَا يَشِيبُ شَعْرُكُمْ أنَا أحْمِلُكُمْ. أنَا صَنَعْتُكُمْ، وَأنَا سَأحْمِلُكُمْ وَأُخَلِّصُكُمْ. «بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي أوْ تُعَادِلُونَنِي؟ بِمَنْ تُقَارِنُونَنِي حَتَّى نَتَشَابَهَ؟ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ ذَهَبًا مِنْ أكيَاسِهِمْ بِإسْرَافٍ، وَيَزِنُونَ الفِضَّةَ بِالمِيزَانِ، يَسْتَأْجِرُونَ صَائِغًا لِيَصْنَعَ إلَهًا يَسْجُدُونَ لَهُ وَيَعْبُدُونَهُ. يَرْفَعُونَهُ عَلَى أكتَافِهِمْ وَيَحْمِلُونَهُ، وَيَضَعُونَهُ فِي مَكَانِهِ فَيَقِفُ هُنَاكَ وَلَا يَتَحَرَّكُ. إنِ استَنْجَدَ بِهِ أحَدٌ لَا يُجِيبُ، وَلَا يُنْقِذُ أحَدًا مِنْ ضِيقٍ. «تَذَكَّرُوا هَذَا وَكُونُوا رِجَالًا، فَكِّرُوا بِهِ أيُّهَا المُسِيئُونَ. تَذَكَّرُوا الأحْدَاثَ المَاضِيَةَ. لِأنِّي أنَا اللهُ وَلَا أحَدَ غَيرِي. أنَا اللهُ وَلَا أحَدَ يُشْبِهُنِي. أُعلِنُ النِّهَايَةَ مُنْذُ البِدَايَةِ، وَمُنذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ أخبَرْتُ بِمَا لَمْ يَحَدَثْ بَعْدُ. وَأقُولُ: ‹سَتَثْبُتُ خُطَّتِي، وَسَأعْمَلُ كُلَّ مَا أُرِيدُهُ.› أنَا أدعُو طَيرًا جَارِحًا – رَجُلًا مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ لِتَنْفِيذِ خُطَّتِي. أنَا تَكَلَّمْتُ وَسَأُحَقِّقُ كَلَامِي. خَطَّطتُ وَسَأُنَفِّذُ خُطَّتِي. «اسْتَمِعْ إلَيَّ أيُّهَا الشَّعْبُ العَنِيدُ، البَعِيدُ عَنِ العَدلِ. سَأجْعَلُ عَدلِي يَقْتَرِبُ وَلَا يَبْتَعِدُ، وَسَأُعَجِّلُ بِخَلَاصِي. سَأصْنَعُ خَلَاصِي فِي صِهْيَوْنَ، لِبَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ سَيُمَجِّدُونَنِي. «انزِلِي وَاجلِسِي عَلَى التُّرَابِ، يَا بَابِلُ العَذرَاءُ. اجلِسِي عَلَى الأرْضِ بِلَا عَرْشٍ، يَا ابنَةَ الكِلدَانِيِّينَ. لِأنَّكِ لَنْ تُدعَي فِيمَا بَعْدُ ‹الرَّقِيقَةَ المُتَرَفِّهَةَ.› خُذِي حِجَارَةَ الرَّحَى وَاطحَنِي قَمْحًا لِعَمَلِ الدَّقِيقِ، أزِيلِي غِطَاءَ وَجْهِكِ، ارفَعِي أطرَافَ ثَوبِكِ وَاعبُرِي الأنهَارَ. سَتَنْكَشِفُ عَورَتُكِ، وَخِزيُكِ سَيُرَى. سَأُعَاقِبُكِ، وَلَنْ أترُكَ أحَدًا بِلَا عِقَابٍ.» «يَقُولُ شَعْبِي: ‹فَادِينَا، يهوه القَدِيرُ اسْمُهُ، هُوَ قُدُّوسُ إسْرَائِيلَ.› اجلِسِي صَامِتَةً وَاذْهَبِي إلَى الظَّلَامِ، يَا ابنَةَ الكِلدَانِيِّينَ. لِأنَّكِ لَنْ تُدعَي فِيمَا بَعْدُ مَلِكَةَ المَمَالِكِ. «غَضِبتُ عَلَى شَعْبِي، فَدَنَّسْتُ الَّذِينَ هُمْ لِي! ثُمَّ سَلَّمْتُكِ إيَّاهُمْ. فَلَمْ تَرْحَميهِمْ بَلْ وَضَعْتِ قُيُودَكِ حَتَّى عَلَى الكِبَارِ. قُلْتِ: ‹سَأعِيشُ إلَى الأبَدِ مَلِكَةً أبَدِيَّةً.› لَمْ تُفَكِّرِي بِهَذِهِ الأُمُورِ، وَلَمْ تَتَأمَّلِي فِي عَاقِبَتِهَا. لِذَا اسْتَمِعِي أيَّتُهَا المُتَرَفِّهَةُ الجَالِسَةُ فِي طُمَأُنِينَةٍ. أيَّتُهَا القَائِلَةُ لِنَفْسِهَا: ‹أنَا صَاحِبَةُ السُّلطَانِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيرِي. لَنْ أتَرَمَّلَ، وَلَنْ أفقِدَ أوْلَادِي.› بَلْ يُصيبُكِ هَذَانِ مَعًا فَجْأةً وَفِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، تَتَرَمَّلِينَ وَتَفْقِدِينَ أوْلَادَكِ. بِالرُّغْمِ مِنْ كُلِّ سِحرِكِ، وَمِنْ قُوَّةِ تَعَاوِيذِكِ العَظِيمَةِ. شَعَرتِ بِالأمَانِ فِي شَرِّكِ، وَقُلْتِ: ‹لَا أحَدَ يَرَانِي.› أضَلَّتْكِ حِكمَتُكِ وَمَعْرِفَتُكِ. قُلْتِ فِي قَلْبِكِ: ‹أنَا صَاحِبَةُ السُّلطَانِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيرِي.› «لِذَلِكَ سَتَأْتِي المَصَائِبُ عَلَيْكِ، وَلَنْ تَعْرِفِي مَتَى سَتَحْدُثُ. سَيَقَعُ الدَّمَارُ عَلَيْكِ، وَلَنْ تَقْدِرِي أنْ تَصُدِّيهِ. وَسَتَأْتِي الكَارِثَةُ عَلَيْكِ فَجْأةً مِنْ دُونِ أنْ تَعْرِفِي أنَّهَا آتِيَةٌ. اسْتَمِرِّي فِي تَعَاوِيذِكِ وَسِحرِكِ، فَقَدِ انشَغَلتِ بِذَلِكَ مُنْذُ صِبَاكِ. فَلَرُبَّمَا تَنْجَحِينَ! وَرُبَّمَا تُخِيفِينَ أحَدًا. «أنْتِ مُنهَكَةٌ مِنْ كُلِّ اسْتِشَارَاتِكِ. لِيَقِفْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْرُسُونَ الأفلَاكَ وَيُخَلِّصُوكِ. وَلْيَقِفْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُرَاقِبُونَ النُّجُومَ وَأوَائِلِ الشُّهُورِ، وَيُخبِرُوكِ بِمَا سَيَحْدُثُ لَكِ. إنَّهُمْ مِثْلُ القَشِّ الَّذِي تُحرِقُهُ النَّارُ. لَا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يُخَلِّصُوا أنْفُسَهُمْ مِنْ قُوَّةِ اللَّهِيبِ. لَيْسَ هَذَا جَمرًا لِتَسْتَدْفِئِي بِهِ، وَلَا نَارًا لِتَجْلِسِي أمَامَهَا. هَؤلَاءِ هُمُ الَّذِينَ تَعِبتِ عَلَيْهِمْ، شُرَكَاؤُكِ فِي التِّجَارَةِ مُنْذُ صِبَاكِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَلَّ طَرِيقَهُ، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يُخَلِّصُكِ.» «اسْمَعُوا هَذَا يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، المَدعُوِّينَ بِاسْمِ إسْرَائِيلَ، المُتَحَدِّرِينَ مِنْ نَسْلِ يَهُوذَا، الحَالِفِينَ بِاسْمِ يهوه، السَّاعِينَ إلَى إلَهِ إسْرَائِيلَ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِصِدقٍ أوْ إخلَاصٍ. «لِأنَّكُمْ تَدْعُونَ أنْفُسَكُمْ: ‹أبْنَاءَ المَدِينَةِ المُقَدِّسَةِ،› وَتَتَّكِلُونَ عَلَى إلَهِ إسْرَائِيلَ الَّذِي اسْمُهُ ‹يهوه القَدِيرُ.› «قَدْ أعلَنْتُ مَا سَيَحْدُثُ قَبْلَ حُدُوثِهِ، قُلْتُ هَذِهِ الأُمُورَ وَجَعَلْتُهَا مَعرُوفَةً. وَفَجْأةً صَنَعْتُهَا فَحَدَثَتْ. لِأنِّي عَرَفتُ أنَّكَ عَنِيدٌ، وَأنَّ عَضَلَاتِ رَقَبَتِكَ كَالحَدِيدِ، وَجَبهَتَكَ كَالبُرُونْزِ. أعلَنتُ لَكَ هَذِهِ الأُمُورَ مُنْذُ فَترَةٍ طَوِيلَةٍ، وَقَبْلَ حُدُوثِهَا أخبَرتُكَ بِهَا، حَتَّى لَا تَقُولَ: ‹صَنَمِي عَمِلَهَا، وَثَنِي وَتِمثَالِي المَعْدَنِيُّ أمَرَ بِهَا.›» «سَمِعْتَ بِهَذِهِ الأُمُورِ، فَانْظُرْ إلَيْهَا كُلَّهَا. أفَلَنْ تُخبِرُوا بِهَذِهِ الأُمُورِ؟ مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا، سَأُخبِرُكُمْ بِأُمُورٍ جَدِيدَةٍ، أُمُورٍ لَا تَعْرِفُونَهَا. خُلِقَتْ هَذِهِ الأُمُورُ الآنَ، وَلَيْسَ قَبْلَ فَترَةٍ، وَقَبْلَ اليَوْمِ لَمْ تَسْمَعْ بِهَا، وَلِذَلِكَ لَا تَسْتَطِيعَ أنْ تَقُولَ: ‹كُنْتُ أعرِفُهَا.› فَأنْتَ لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ تعرِفْ، وَأُذُنُكَ مُغلَقَةٌ. لِأنِّي عَرَفتُ أنَّكَ غَادِرٌ، وَقَدْ دُعِيتَ عَاصِيًا مُنْذُ وِلَادَتِكَ. «سَأكُونُ صَبُورًا مَعَكَ لِأجْلِ نَفْسِي، وَلِأجْلِ تَسْبِيحِي سَأتَأنَّى حَتَّى لَا أقضِيَ عَلَيْكَ. «نَقَّيتُكَ وَلَكِنْ لَيْسَ بِالنَّارِ كَتَنْقِيَةِ الفِضَّةِ، امتَحَنتُكَ فِي فُرنِ المُعَانَاةِ. لِأجْلِ نَفْسِي، لِأجْلِ نَفْسِي أعمَلُ هَذَا، حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ اسْمِي، وَمَجْدِي لَنْ أُعْطِيَهُ لِآخَرَ. «اسْتَمِعُوا إلَيَّ يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، وَيَا بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ أدعُوهُمْ. أنَا هُوَ، أنَا الأوَّلُ، وَأنَا الآخِرُ. يَدِي وَضَعَتْ أسَاسَ الأرْضِ، وَيُمنَايَ نَشَرَتِ السَّمَاوَاتِ. أدعُوهَا، فَتأتِيَ أمَامِي مَعًا. «اجتَمِعُوا مَعًا كُلُّكُمْ وَاستَمَعُوا. مَنْ مِنْكُمْ أخبَرَ بِهَذِهِ الأُمُورِ؟ اللهُ أحَبَّ كُورَشَ، وَسَيَعْمَلُ مَا يُرِيدُهُ إلَهُهُ بِبَابِلَ وَبِالكِلدَانِيِّينَ. «أنَا نَفْسِي تَكَلَّمْتُ وَدَعَوتُهُ. أنَا أتَيْتُ بِهِ، وَخُطَّتُهُ سَتَنْجَحُ. اقتَرِبُوا إلَيَّ وَاستَمِعُوا إلَى هَذَا. مِنَ البِدَايَةِ لَمْ أكُنْ أتَكَلَّمُ بِالسِّرِّ، وَمِنْ وَقْتِ بِنَاءِ بَابِلَ كُنْتُ هُنَاكَ.» وَالْآنَ الرَّبُّ الإلَهُ أرْسَلَنِي مَعَ رُوحِهِ. فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، فَادِيكَ وَقُدُّوسُ إسْرَائِيلَ: «أنَا ، الَّذِي يُعَلِّمُكَ لِأجْلِ مَنفَعَتِكَ، الَّذِي يَقُودُكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي عَلَيْكَ السَّيرُ فِيهِ. لَوْ أنَّكَ انتَبَهْتَ لِوَصَايَايَ، لَكَانَ سَلَامُكَ كَالنَّهرِ، وَخَيرُكَ كَأموَاجِ البَحْرِ، لَكَانَ نَسْلُكَ كَالتُّرَابِ، وَأوْلَادُكِ كَحَبَّاتِ الرَّملِ. فَلَا يَزُولُ اسْمُهُمْ، وَلَا يَتَلَاشَوْنَ مِنْ أمَامِي.» اخرُجُوا مِنْ بَابِلَ، وَاهرُبُوا مِنْ بَيْنِ الكِلدَانِيِّينَ. أعلِنُوا هَذَا بِهُتَافِ الفَرَحِ. أخبِرُوا بِهِ. أرسِلُوا بِهِ إلَى أقَاصِي الأرْضِ. قُولُوا: «فَدَى اللهُ خَادِمَهُ يَعْقُوبَ.» لَمْ يَعْطَشُوا عِنْدَمَا قَادَهُمْ فِي البَرَارِي. جَعَلَ المَاءَ يَتَدَفَّقُ مِنَ الصَّخرَةِ لِأجْلِهِمْ. شَقَّ الصَّخرَةَ فَفَاضَ المَاءُ. وَلَكِنَّ اللهَ يَقُولُ: «لَا يُوجَدُ سَلَامٌ لِلأشرَارِ.» اسْتَمِعُوا إلَيَّ يَا سُكَّانَ الجُزُرِ، وَأصغِي أيَّتُهَا الأُمَمُ البَعِيدَةُ. قَبْلَ أنْ أُولَدَ دَعَانِي اللهُ لِأخْدِمَهُ، سَمَّانِي وَأنَا بَعْدُ فِي رَحِمِ أُمِّي. جَعَلَ فَمِي كَالسَّيْفِ الحَادِّ. خَبَّأنِي فِي ظِلِّ يَدِهِ. جَعَلَنِي سَهمًا مَصقُولًا، وَخَبَّأنِي فِي كِنَانَتِهِ. قَالَ لِي: «أنْتَ عَبدِي، أنْتَ إسْرَائِيلُ الَّذِي بِهِ سَأُظهِرُ مَجْدِي.» وَلَكِنِّي قُلْتُ: «تَعِبتُ وَاجتَهَدتُ بَاطِلًا، وَأجهَدتُ نَفْسِي دُونَ أنْ أُنجِزَ شَيْئًا. هَا إنَّ أمْرِي مَعَ اللهِ ، وَمُكَافَأتِي عِنْدَهُ.» جَبَلَنِي اللهُ فِي بَطْنِ أُمِّي لِأكُونَ خَادِمًا لَهُ، لِإرجَاعِ شَعْبِ يَعْقُوبَ إلَيْهِ، وَلِجَمعِ إسْرَائِيلَ حَوْلَهُ. لِهَذَا أنَا مُكَرَّمٌ فِي عَينَيِّ اللهِ ، وَقَدْ صَارَ إلَهِي قُوَّتِي. وَقَالَ لِي: «ألَيْسَ كَافِيًا أنْ تَكُونَ عَبدِي، لِقِيَامِ قبَائلِ بَنِي يَعْقُوبَ، وَرَدِّ النَّاجِينَ مِنْ بِنِي إسْرَائِيلَ؟ لَكِنِّي سَأجعَلُكَ نُورًا لِلأُمَمِ، لِكَي يَصِلَ خَبَرُ خَلَاصِي إلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَإلَى أقْصَى الأرْضِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، فَادِي إسْرَائِيلَ وَقُدُّوسُهُ، لِلمُهَانِ وَالمَنبُوذِ مِنَ الأُمَّةِ، وَلِعَبدِ الحُكَّامِ: «سَيَقِفُ المُلُوكُ احتِرَامًا لَكَ، وَسَيَرْكَعُ الرُّؤَسَاءُ أمَامَكَ، بِسَبَبِ اللهِ الأمِينِ قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ الَّذِي اخْتَارَكَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «فِي وَقْتِ القُبُولِ اسْتَجَبتُ لَكَ، وَفِي يَوْمِ الخَلَاصِ جِئْتُ لِمَعُونَتِكَ. حَفِظْتُكَ وَجَعَلْتُكَ وَسِيطَ عَهْدٍ مَعَ الشَّعْبِ، لِإعَادَةِ إصلَاحِ الأرْضِ، وَلِإعَادَةِ تَوْزِيعِ الأرَاضِي الخَرِبَةِ لِأصْحَابِهَا. لِتَقُولَ لِلأسْرَى: ‹اخرُجُوا،› وَلِلَّذِينَ فِي الظُّلمَةِ: ‹أظهِرُوا أنْفُسَكُمْ.› فَسَيَرْعَوْنَ كَالغَنَمِ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِمْ فِي مَرَاعٍ فَوْقَ التِّلَالِ. لَنْ يَجُوعُوا وَلَنْ يَعْطَشُوا، وَلَنْ تُؤذِيَهُمُ الشَّمْسُ وَلَا حَرُّ الصَّحرَاءِ. فَالَّذِي يُعَزِّيهِمْ سَيَقُودُهُمْ، وَسَيَأْخُذُهُمْ إلَى يَنَابِيعِ الميَاهِ. سَأُخْفِضُ التِّلَالَ وَأرفَعُ المُنْخَفَضَاتِ لِتَسْوِيَةِ طَرِيقِي. «هَا شَعْبٌ آتٍ مِنْ بَعِيدٍ. مِنَ الشِّمَالِ وَمِنَ الغَرْبِ، وَمِنْ أرْضِ أسوَانَ.» تَرَنَّمِي أيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ، وَافرَحِي أيَّتُهَا الأرْضُ، وَانطَلِقِي أيَّتُهَا الجِبَالُ بِالتَّسبِيحِ، لِأنَّ اللهَ عَزَّى شَعْبَهُ، وَسَيَرْحَمُ الْمُتألِّمِينَ. وَلَكِنَّ صِهْيَوْنَ قَالَتْ: « اللهُ هَجَرَنِي، وَسَيِّدِي نَسِيَنِي.» وَيَقُولُ اللهُ: «هَلْ تَنْسَى امْرأةٌ طِفْلَهَا الرَّضِيعَ، أوْ تَتَوَانَى عِنْ رَحمَةِ وَلِيدِهَا؟ نَعَمْ، حَتَّى هَؤلَاءِ يَنْسَينَ أوْلَادَهُنَّ، أمَّا أنَا فَلَا أنْسَى. لَقَدْ نَقَشتُكِ عَلَى يَدَيَّ. أسوَارُكِ أمَامَ عَينَيَّ دَائِمًا. أوْلَادُكِ يُسرِعُونَ إلَيكِ، وَالَّذِينَ هَدَمُوكِ وَخَرَّبُوكِ سَيُغَادِرُونَ.» ارفَعِي عَيْنَيْكِ وَانظُرِي حَوْلَكِ، كُلُّهُمْ يَجْتَمِعُونَ وَيَأْتُونَ إلَيكِ. يَقُولُ اللهُ : «أُقْسِمُ بِذَاتِي، إنَّ أوْلَادَكِ سَيَكُونُونَ كَقِلَادَةٍ حَوْلَ عُنقِكِ، وَكَالجَوَاهِرِ الَّتِي تَرْتَدِيهَا العَرُوسُ. «دَمَّرْتُكِ وَخرَّبْتُكِ، وَحَطَّمْتُكِ تَمَامًا. وَلَكِنَّكِ سَتَزْدَحِمِينَ بِالسُّكَّانِ قِرِيبًا، وَالَّذِينَ ابتَلَعُوكِ يَبْتَعِدُونَ. وَالأوْلَادُ الَّذِينَ ظَنَنْتِ أنَّكِ فَقَدتِهِمْ، سَيَقُولُونَ لَكِ يَومًا: ‹هَذَا المَكَانُ ضَيِّقٌ، وَسِّعِيهِ لِنَسكُنَ فِيهِ.› حِينَئِذٍ، سَتَقُولِينَ لِنَفْسِكِ: ‹مَنْ وَلَدَ هَؤُلَاءِ الأوْلَادَ لِي؟ فَقَدْ فَقَدْتُ أوْلَادِي، وَأنَا الآنَ عَاقِرٌ. كُنْتُ مَسبِيَّةً وَبَعِيدَةً، فَمَنْ رَبَّى هَؤلَاءِ الأوْلَادَ؟ هُجِرْتُ وَتُرِكْتُ وَحْدِي، فَمِنْ أيْنَ جَاءُوا؟›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأرفَعُ يَدِي كَإشَارَةٍ لِلأُمَمِ، وَسَأرفَعُ رَايَتِي لِلشُّعُوبِ، فَيَأْتُونَ بِبَنِيكِ عَلَى أيدِيهِمْ، وَيحمِلُونَ بَنَاتَكِ عَلَى أكتَافِهِمْ. سَيَتَعَلَّمُ أوْلَادُكِ عَلَى أيدِي المُلُوكِ، وَسَتَعْتَنِي الأمِيرَاتُ بِهِمْ. سَيَرْكَعُونَ أمَامَكِ وَوُجُوهُهُمْ نَحْوَ الأرْضِ، وَسَيَلْحَسُونَ غُبَارَ أقْدَامِكِ. حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفِينَ أنِّي أنَا اللهُ ، لَا يُخْزَى الَّذِينَ يَضَعُونَ رَجَاءَهُمْ بِي.» هَلْ يُمكِنُكَ أنْ تَأْخُذَ غَنِيمَةَ جُندِيٍّ قَوِيٍّ؟ أوْ أنْ تُحَرِّرَ أسِيرًا مِنْ يَدِ رَجُلٍ قَاسٍ؟ لَكِنْ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَيُؤخَذُ الأسرَى مِنَ الجُنُودِ الأقوِيَاءِ، وَتُسْتَرَدُّ الغَنِيمَةُ مِنَ القَاسِي. أنَا نَفْسِي سَأُحَارِبُ عَنْكِ، وَسَأُخَلِّصُ أوْلَادَكِ. سَأجْعَلُ الَّذِينَ يَظْلِمُونَكِ يَأْكُلُونَ أجْسَادَهُمْ، وَسَيَسْكَرُونَ بِدَمِهِمْ كَسُكرِهِمْ بِالخَمْرِ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُ جَمِيعُ النَّاسِ أنِّي أنَا اللهَ الَّذِي أُخَلِّصُكِ وَأفدِيكِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «أيْنَ شَهَادَةُ طَلَاقِ أُمِّكُمُ الَّتِي طَلَّقْتُهَا بِهَا؟ أوْ لِمَنْ كُنْتُ مَدْيُونًا فِبِعْتُكُمْ لَهُ؟ بَلْ بِسَبَبِ خَطَايَاكُمْ بِعْتُكُمْ، وَبِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ طَلَّقْتُ أُمَّكُمْ. لِمَاذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أحَدٌ عِنْدَمَا جِئتُ؟ وَلِمَاذَا لَمْ يُجِبْ أحَدٌ عِنْدَمَا دَعَوتُ؟ هَلْ يَدِي قَاصِرَةٌ عَنْ أنْ تُخَلِّصَ؟ أمْ لَيْسَ فِيَّ قُوَّةٌ لِإنقَاذِكُمْ؟ أنَا أُنَشِّفُ البَحْرَ بِأمْرٍ مِنِّي. وَأُحَوِّلُ الأنهَارَ إلَى صَحْرَاءَ. يُنْتِنُ سَمَكُهَا بِسَبَبِ الجَفَافِ، يَمُوتُ عَلَى الأرْضِ العَطشَى. أنَا أُلبِسُ السَّمَاوَاتِ بِالظَّلَامِ، وَأُغَطِّيهَا بِثِيَابِ الحِدَادِ.» عَلَّمَنِي الرَّبُّ الإلَهُ كَيْفَ أتَكَلَّمُ، لِأعرِفَ كَيْفَ أُعِينُ المُنهَكَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ فِي كُلِّ صَبَاحٍ أُذُنِي لِأُصغِيَ كَالتَّلَامِيذِ. فَتَحَ الرَّبُّ الإلَهُ أُذُنَيَّ، وَأنَا لَمْ أتَمَرَّدْ وَلَمْ أتَرَاجَعْ. أعْطَيْتُ ظَهرِي لِلَّذِينَ يَضْرِبُونَنِي، وَخَدِّي لِلَّذِينَ يَنْتِفُونَ لِحيَتِي. لَمْ أستُرْ وَجْهِي عَنِ الشَّتمِ وَالبُصَاقِ. الرَّبُّ الإلَهُ يُعِينُنِي، فَلَنْ أُخزَى. لِذَلِكَ ثَبَّتُّ وَجْهِي كَالصَّوَّانِ، لِأنِّي عَرَفتُ أنِّي لَنْ أُخزَى. قَرِيبٌ هُوَ الَّذِي سَيُظهِرُ حَقِّي. فَمَنْ سَيَرْفَعُ قَضِيَّةً ضِدِّي؟ فَلنَتَوَاجَه! وَمَنْ هُوَ المُشتَكِي عَلَيَّ؟ فَلْيَأْتِ إلَيَّ. هَا إنَّ الرَّبَّ الإلَهَ يُعِينُنِي. أمَّا خُصُومِي فَهُمْ زَائِلُونَ مِثْلَ ثَوبٍ بَالٍ أكَلَهُ السُّوسُ. فَمَنْ مِنْكُمْ يَخَافُ اللهَ ، لِيُطِعْ صَوْتَ خَادِمِهِ. ذَاكَ الَّذِي وَإنْ سَلَكَ فِي الظُّلمَةِ وَلَمْ يَرَ نُورًا، يَثِقُ بِاسْمِ اللهِ وَيَتَّكِلُ عَلَى إلَهِهِ. يَا مَنْ تُشعِلُونَ نَارَكُمْ وَتُوقِدُونَ مَشَاعِلَكُمْ، سِيرُوا بِنُورِكُمْ هَذَا. وَهَذَا مَا سَتَنَالُونَهُ مِنْ يَدِي: سَتَسْقُطُونَ وَتَتَعَذَّبُونَ وَسَطَ جَمَرَاتِ نَارِكُمُ الَّتِي أشعَلتُمُوهَا. اسْتَمِعُوا إلَيَّ أيُّهَا السَّاعُونَ نَحْوَ البِرِّ، الَّذِينَ تَطْلُبُونَ اللهَ . انْظُرُوا إلَى الصَّخرَةِ الَّتِي قُطِعتُمْ مِنْهَا، وَإلَى المَحْجَرِ الَّذِي أُخِذتُمْ مِنْهُ. فَكِّرُوا بِإبْرَاهِيمَ جَدِّكُمْ، وَبِسَارَةَ الَّتِي وَلَدَتكُمْ. عِنْدَمَا دَعَوتُهُ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا، فَبَارَكتُهُ وَجَعَلْتُهُ أمَّةً كَبِيرَةً. هَكَذَا سَيُعَزِّي اللهُ صِهْيَوْنَ، سَيَتَحَنَّنُ عَلَى كُلِّ خِرَبِهَا. وَسَيَجْعَلُ بَرِّيَتَهَا كَجَنَّةِ عَدْنٍ، وَصَحْرَاءَهَا كَجَنَّةِ اللهِ . سَيَفْرَحُ سُكَّانُهَا وَيَبْتَهِجُونَ، سَيَشْكُرُونَ وَيُرَنِّمُونَ. «اسْتَمِعْ إلَيَّ يَا شَعْبِي، وَانتَبِهِي إلَيَّ يَا أُمَّتِي. لِأنَّ التَّعلِيمَ سَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِي، وَعَدَالَتِي سَتَكُونُ نُورًا لِلشُّعُوبِ. سَيَقْتَرِبُ عَدلِي، خَلَاصِي آتٍ، وَذِرَاعَايَ سَتَحْكُمَانِ الشُّعُوبَ. الجُزُرُ وَالشَّوَاطِئُ تَنْتَظِرُنِي، وَتَنْتَظِرُ ذِرَاعِي. انْظُرُوا إلَى السَّمَاوَاتِ فِي الأعَالِي، وَإلَى الأرْضِ مِنْ تَحْتُ. لِأنَّ السَّمَاوَاتِ تَزُولُ كَدُخَانٍ، وَالأرْضُ تَبْلَى كَثَوبٍ، وَالَّذِينَ يَعِيشُونَ عَلَيْهَا سَيَمُوتُونَ كَالبَعُوضِ. لَكِنَّ خَلَاصِي سَيَكُونُ إلَى الأبَدِ، وَعَدَالَتِي لَنْ تَنْتَهِيَ. اسْتَمِعُوا إلَيَّ يَا عَارِفِي الحَقِّ، أيُّهَا الشَّعْبُ الَّذِي حَفِظَ تَعْلِيمِي فِي قَلْبِهِ، لَا تَخَافُوا مِنْ تَعْيِيرَاتِ النَّاسِ، وَلَا تَرْتَعِبُوا مِنْ شَتَائِمِهِمْ. لِأنَّ العُثَّ سَيَأْكُلُهُمْ كَالثَوبِ، وَالسُّوسَ سَيَأْكُلُهُمْ كَالصُّوفِ. أمَّا عَدلِي فَسَيَدُومُ إلَى الأبَدِ، وَخَلَاصِي يَبْقَى عَبْرَ الأجْيَالِ.» اسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي، البِسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ اللهِ . اسْتَيْقِظِي كَمَا فَعَلْتِ مُنْذُ زِمَنٍ بَعِيدٍ. ألَسْتِ مَنْ قَطَعَ «رَهَبَ» وَطَعَنَ التِّنِّينَ؟ ألَسْتِ مَنْ نَشَّفَ البَحْرَ، مِيَاهَ المُحِيطِ العَظِيمِ؟ ألَسْتِ مَنْ جَعَلَ أعمَاقَ البَحْرِ طَرِيقًا لِعُبُورِ الشَّعْبِ الَّذِي خَلَّصتِهِ؟ لِذَا سَيَرْجِعُ مَنْ فَدَاهُمُ اللهُ ، وَيَأْتُونَ إلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ بِهُتَافٍ. سَتَكُونُ سَعَادَتُهُمْ تَاجًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ إلَى الأبَدِ، وَسَيَكُونُ فِيهِمْ فَرَحٌ وَابتِهَاجٌ. يَقُولُ اللهُ: «أنَا، أنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. فَلِمَاذَا يَا قُدْسُ تَخَافِينَ مِنْ إنْسَانٍ يَمُوتُ، وَمِنِ ابْنِ آدَمَ الَّذِي يذبُلُ كَالعُشبِ؟ نَسِيتِ اللهَ صَانِعَكِ، الَّذِي بَسَطَ السَّمَاوَاتِ، وَوَضَعَ أسَاسَاتِ الأرضِ. وَتَخَافِينَ كُلَّ اليَوْمِ مِنْ غَضَبِ مُضَايقِيكِ العَازِمِينَ عَلَى تَدْمِيرِكِ؟ فَأينَ غَضَبُ مُضَايقِيكِ الآنَ؟ «سَيُطلَقُ المُنحَنُونَ، وَلَنْ يَمُوتُوا فِي الحُفرَةِ، وَسَيَكُونُ لَدَيْهِمْ طَعَامٌ كَثِيرٌ. «أنَا أُهَيِّجُ البَحْرَ فَتَهْدِرَ أموَاجُهُ. يهوه القَدِيرُ اسْمُهُ. «وَضَعتُ كَلَامِي فِي فَمِكَ، سَتَرْتُكَ فِي ظِلِّ يَدِي. أنَا مَنْ نَشَر السَّمَاءَ وَوَضَعَ أسَاسَ الأرْضِ، وَأنَا مَنْ أقُولُ لِصِهْيَوْنَ: ‹أنْتَ شَعْبِي.›» اسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي، انْهَضِي يَا قُدْسُ. يَا مَنْ شَرِبْتِ مِنْ يَدِ اللهِ كَأسَ غَضِبِهِ. شَرِبتِ كَأسَ التَّرَنُّحِ حَتَّى آخِرِ قَطرَةٍ. لَيْسَ لِلقُدْسِ أحَدٌ مِنْ بَنِيهَا الَّذِينَ وَلَدَتهُمْ لِيَقُودَهَا. لَا أحَدَ مِنْ بَنِيهَا الَّذِينَ رَبَّتْهُمْ لِيُمسِكَ بِيَدِهَا. حَدَثَ لَكِ أمرَانِ: الخَرَابُ وَالدَّمَارُ لِلأرْضِ، وَالجُوعُ وَالقَتلُ لِلنَّاسِ. مَنْ سَيَحْزَنُ عَلَيْكِ؟ مَنْ سَيُعَزِّيكِ؟ أبنَاؤُكِ خَارَتْ قِوَاهُمْ، لِأنَّهُمُ امتَلْأُوا تَمَامًا مِنْ غَضَبِ اللهِ وَتَوْبِيخِهِ. فَهَا هُمْ يَسْتَلْقُونَ فِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ كُلِّهَا، كَطَرَائِدَ وَقَعَتْ فِي الشِبَاكِ. فَاسْتَمِعِي إلَيَّ أيَّتُهَا المِسكِينَةُ، وَالسَّكرَى وَلَكِنْ لَيْسَ مِنَ الخَمْرِ. الرَّبُّ الإلَهُ ، إلَهُكِ الَّذِي يُدَافِعُ عَنْ شَعْبِهِ، يَقُولُ: «هَا قَدْ أخَذتُ مِنْ يَدِكِ كَأسَ غَضَبِي، كَي لَا تَعُودِي تَشْرَبِينَ مِنْهَا. وَسَأضَعُهَا فِي يَدِ الَّذِينَ عَذَّبُوكِ، وَقَالُوا لَكِ: ‹انْحَنِي لِنَمْشِيَ فَوْقَ ظَهرِكِ!› فَجَعَلْتِ ظَهْرَكِ كَالأرْضِ، وَكَالطَّرِيقِ لِيَسِيرُوا عَلَيْهِ.» استَيْقِظِي، استَيْقِظِي، البِسِي قُوَّتَكِ يَا صِهْيَوْنُ. البِسِي ثِيَابَكِ الجَمِيلَةَ، يَا قُدْسُ، أيَّتُهَا المَدِينَةُ المُقَدَّسَةُ. لِأنَّهُ لَنْ يَدْخُلَكِ فِيمَا بَعْدُ لَامَختُونِينَ نَجِسِينَ. انفُضِي الغُبَارَ، قُومِي يَا قُدْسُ المَسبِيَّةُ، حُلِّي السَّلَاسِلَ الَّتِي عَلَى عُنقِكِ، أيَّتُهَا العَزِيزَةُ صِهْيَوْنُ المَسبِيَّةُ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : لَقَدْ تَمَّ بَيعُكُمْ بِلَا مُقَابِلٍ، وَسَتُفَكُّونَ بِلَا مَالٍ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «نَزَلَ شَعْبِي أوَّلًا إلَى مِصْرٍ. عَاشُوا هُنَاكَ كَغُرَبَاءَ، ثُمَّ ظَلَمَهُمْ أشُّورُ بِلَا مُبَرِّرٍ. وَالْآنَ مَاذَا أمْلِكُ هُنَا؟ شَعْبِي أُسِرَ بِلَا سَبَبٍ، وَالَّذِينَ يَحْكُمُونَهُمْ يَتَفَاخَرُونَ.» يَقُولُ اللهُ : «اسْمِي يُهَانُ كُلَّ اليَوْمِ. لِذَلِكَ سَيَعْرِفُ شَعْبِي اسْمِي. وَسَيَعْرِفُونَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ أنِّي أنَا قَدْ تَكَلَّمْتُ.» مَا أجمَلَ مَجِيءَ المُبَشِّرِ عَلَى الجِبَالِ، الَّذِي يُعلِنُ السَّلَامَ وَيَحْمِلُ البُشرَى، الَّذِي يَقُولُ لِصِهْيَوْنَ: «مَلَكَ إلَهُكِ!» حُرَّاسُكِ يَرْفَعُونَ أصوَاتَهُمْ، يَهْتِفُونَ مَعًا بِفَرَحٍ. لِأنَّهُمْ سَيَرَوْنَ اللهَ بِعُيُونِهِمِ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى صِهْيَوْنَ. اهتِفِي بِأُغْنِيَاتِ الفَرَحِ مَعًا، يَا خَرَائِبَ القُدْسِ. لِأنَّ اللهَ عَزَّى شَعْبَهُ، وَخَلَّصَ القُدْسَ. كَشَفَ اللهُ عَنْ يَدِهِ المُقَدَّسَةِ أمَامَ كُلِّ الأُمَمِ. وَسَيَرَى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الأرْضِ خَلَاصَ إلَهِنَا. ارْحَلُوا، ارْحَلُوا، اخرُجُوا مِنْ ذَلِكَ المَكَانِ. لَا تَمَسُّوا أيَّ شَيءٍ نَجِسٍ. اخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهَا، نَقُّوا أنْفُسَكُمْ يَا حَامِلِي آنِيَةِ اللهِ . لِأنَّكُمْ لَنْ تَخْرُجُوا مُسْرِعِينَ، وَلَنْ تَذْهَبُوا كَهَارِبِينَ. لِأنَّ اللهَ سَيَسِيرُ أمَامَكُمْ، وَإلَهَ إسْرَائِيلَ سَيَحْمِي ظُهُورَكُمْ. هَا إنَّ عَبدِي سَيَتَصَرَّفُ بِحِكمَةٍ. سَيَرْتَفِعُ وَيُكَرَّمُ جِدًّا. كُلُّ الَّذِينَ رَأوْهُ اندَهَشُوا، فَقَدْ كَانَ مَنظَرُهُ مُشَوَّهًا بِحَيْثُ لَا يُشْبِهُ مَنظَرَ إنْسَانٍ إلَّا قَلِيلًا. وَشَكلُهُ بِالكَادِ يُشْبِهُ ابْنَ آدَمَ. سَيُحَيِّرُ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَسَيُغلِقُ مُلُوكٌ أفوَاهَهُمْ بِسَبَبِهِ. لِأنَّهُمْ لَنْ يَسْمَعُوا قِصَّةً، بَلْ سَيَرَوْنَ مَا لَمْ يُخبَرُوا عَنْهُ. وَسَيَفْهَمُونَ مَا لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ. مَنْ يُصَدِّقُ مَا سَمِعنَاهُ؟ وَلِمَنْ أُظهِرَتْ قُوَّةُ اللهِ ؟ نَمَا كَنَبتَةٍ صَغِيرَةٍ أمَامَهُ، وَمِثْلَ جَذرٍ فِي أرْضٍ جَافَّةٍ. لَمْ يَكُنْ لَهُ جَمَالٌ أوْ بَهَاءٌ حَتَّى نَنظُرَ إلَيْهِ، وَلَا كَانَ فِي هَيئَتِهِ شَيءٌ جَذَّابٌ حَتَّى نَشْتَهِيَهُ. احْتَقَرَهُ النَّاسُ وَتَرَكُوهُ. هُوَ رَجُلُ آلَامٍ كَثِيرَةٍ، وَخَبِيرٌ بِالمُعَانَاةِ. احتَقَرَهُ النَّاسُ كَمَنْبُوذٍ يُخَبِّئُونَ وَجُوهَهُمْ لِكَي لَا يَرَوْهُ، وَنَحْنُ لَمْ نَهْتَمَّ بِهِ. لَكِنَّهُ رَفَعَ اعتِلَالَاتِنَا، وَحَمَلَ أمرَاضَنَا. وَنَحْنُ ظَنَنَّا أنَّ اللهَ يَضْرِبُهُ وَيُذِلُّهُ. لَكِنَّهُ جُرِحَ بِسَبَبِ مَعَاصِينَا، وَسُحِقَ بِسَبَبِ آثَامِنَا. وَقَعَتْ عَلَيْهِ عُقُوبَتُنَا فَنَعُمْنَا بِالسَّلَامِ. وَشُفِينَا بِسَبِبِ جُرُوحِهِ. كُلُّنَا ضَلَلنَا كَالغَنَمِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ ذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ. لَكِنَّ اللهَ وَضَعَ عَلَيْهِ عِقَابَ آثَامِنَا جَمِيعًا. عُومِلَ بِقَسوَةٍ وَعَانَى، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدَافِعْ عَنْ نَفْسِهِ. مِثْلَ شَاةٍ تُقَادُ إلَى الذَّبحِ، وَمِثْلَ نَعجَةٍ صَامِتَةٍ أمَامَ جَازِّيهَا. أُخِذَ بَالقُوَّةِ وَأُدِينَ ظُلمًا. وَلَا أحَدَ فِي جِيلِهِ اكتَرَثَ بِأنَّهُ قُطِعَ مِنْ أرْضِ الأحيَاءِ، وَعُوقِبَ بِسَبَبِ شَرِّ شَعْبِهِ. جَعَلُوا قَبرَهُ مَعَ الأشْرَارِ، وَمَدفَنَهُ مَعَ غَنِيٍّ. مَعَ أنَّهُ لَمْ يَظْلِمْ أحَدًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ أيُّ كَذِبٍ. وَلَكِنَّ اللهَ رَضِيَ بِسَحقِهِ تَحْتَ الألَمِ. وَبَعْدَ أنْ قَدَّمَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، سَيَرَى نَسْلَهُ وَتَطُولُ أيَّامُهُ، وَسَيَنْجَحُ فِي تَحْقِيقِ إرَادَةِ اللهِ . سَيَرَى ثَمَرَ مُعَانَاتِهِ وَسَيُرْضِيهِ أنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ. «لِأنَّ عَبدِي البَارَّ سَيُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَسَيَحْمِلُ ذُنُوبَهُمْ. لِذَلِكَ سَأُعْطِيهِ نَصِيبًا بَيْنَ العُظَمَاءِ، وَسَيقسِمُ الغَنِيمَةَ مَعَ الأقوِيَاءِ، لِأنَّهُ سَكَبَ نَفْسَهُ لِلمُوتِ وَحُسِبَ مَعَ المُرتَدِّينَ. وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ الكَثِيرِينَ، وَشَفَعَ فِي المُذنِبِينَ.» يَقُولُ اللهُ: «تَرَنَّمِي أيَّتُهَا العَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ، اهتِفِي بِأعلَى صَوْتِكِ يَا مَنْ لَمْ تَعْرِفِي آلَامَ الوِلَادَةِ، لِأنَّ أوْلَادَ المَرْأةِ المَهجُورَةِ سَيَكُونُونَ أكْثَرَ عَدَدًا مِنْ أوْلَادِ المُتُزَوِّجَةِ. «وَسِّعِي خَيْمَتَكِ، وَابسِطِي سَتَائِرَهَا. لَا تَبْقَي كَمَا أنْتِ. أطِيلِي حِبَالَ الخَيْمَةِ، وَاجعَلِي أوتَادَهَا أقوَى. لِأنَّكِ سَتَمْتَدِّينَ إلَى اليَمِينِ وَاليَسَارِ، وَسَيَمْتَلِكُ نَسْلُكِ أرْضَ الأُمَمِ، وَيَسْكُنُ المُدُنَ المَهجُورَةَ الخَرِبَةَ. لَا تَخَافِي لِأنَّكِ لَنْ تُخْزَي. لَا تُحبَطِي لِأنَّكِ لَنْ تَتَعَرَّضِي لِلإذْلَالِ. لِأنَّكِ سَتَنْسِينَ خِزيَ صِبَاكِ، وَلَنْ تَعُودِي تَذْكُرِينَ عَارَ تَرَمُّلَكِ. لِأنَّ رَجُلَكِ هُوَ خَالِقُكِ، وَاسْمُهُ يهوه القَدِيرُ. قُدُّوسُ إسْرَائِيلَ هُوَ فَادِيكِ، وَهُوَ يُدْعَى إلَهَ كُلِّ الأرْضِ. «لِأنَّ اللهَ دَعَاكِ إلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ كَزَوْجَةٍ تَرَكَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُكتَئِبَةٌ فِي رُوحِهَا، كَزَوْجَةٍ رُذِلَتْ فِي شَبَابِهَا، يَقُولُ إلَهُكِ. تَرَكتُكِ لِوَقْتٍ قَصِيرٍ، لَكِنِّي سَأُرجِعُكِ إلَيَّ بِرَحمَةٍ عَظِيمَةٍ. بِفَيَضَانٍ مِنَ الغَضَبِ سَتَرْتُ وَجْهِي عَنْكِ لِلَحظَةٍ، وَلَكِنِّي بِمَحَبَّةٍ أبَدِيَّةٍ سَأرْحَمُكِ. يَقُولُ اللهُ فَادِيكِ. «لِأنَّ هَذَا كَأيَّامِ نُوحٍ بِالنِّسبَةِ لِي. وَكَمَا أقْسَمْتُ بِأنَّ مِيَاهَ طُوفَانِ نُوحٍ لَنْ تَغْمُرَ الأرْضَ فِيمَا بَعْدُ. هَكَذَا أُقْسِمُ ألَّا أغْضَبَ عَلَيْكِ وَأُوَبِّخَكِ ثَانِيَةً. فَمَعْ أنَّ الجِبَالَ قَدْ تَزُولُ، وَالتِّلَالَ تَتَزَحزَحُ، لَكِنَّ إحْسَانِي لَنْ يَزُولَ عَنْكِ، وَعَهْدِي لَكِ بِالسَّلَامِ لَنْ يُكسَرَ. أنَا اللهَ رَاحِمَكِ أُعْطِيكِ هَذَا الوَعدَ. «أيَّتُهَا المِسكِينَةُ، المُحَاطَةُ بِالأعْدَاءِ وَكَأنَّهُمْ عَاصِفَةٌ، مِنْ غَيْرِ أنْ تَتَعَزَّى، إنِّي سَأُثَبِّتُ حِجَارَتَكِ بِطِينٍ ثَمِينٍ، وَسَأجْعَلُ أسَاسَاتِكِ مِنَ اليَاقُوتِ الأزرَقِ. سَأبنِي أبْرَاجَكِ بِاليَاقُوتِ، وَأبوَابَكِ بِالجَوَاهِرِ، وَكُلَّ حُدُودِكِ بِحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ. وَسَيَكُونُ كُلُّ أوْلَادِكِ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ ، وَسَيَكُونُ لَدَيهِمْ سَلَامٌ عَظِيمٌ. سَتُؤَسَّسِينَ بِالعَدْلِ، وَسَتَكُونِينَ بَعِيدَةً عَنِ الظُّلمِ، فَلَا تَخَافِي، وَبَعِيدَةً عَنِ الرُّعْبِ، فَلَا يَقْتَرِبُ إلَيكِ. إنْ هَاجَمَكِ أحَدٌ، فَلَنْ يَكُونَ هَذَا مِنِّي. وَمَنْ يُهَاجِمُكِ يَسْقُطُ عِنْدَكِ. «أنَا خَلَقتُ الحَدَّادَ الَّذِي يَنْفُخُ عَلَى جَمرِ النَّارِ، لِيَصْنَعَ أدَوَاتِهِ الحَدِيدِيَّةَ. كَذَلِكَ أنَا خَلَقتُ المُدَمِّرَ لِيُخَرِّبَ. لَنْ تَنْجَحَ كُلُّ الأسلِحَةِ المُوَجَّهَةِ ضِدَّكِ، وَسَتُبطِلِينَ كُلَّ مَا يُقَالُ ضِدَّكِ فِي المُحَاكَمَةِ. هَذِهِ هِيَ بَرَكَاتُ خُدَّامِ اللهِ . وَنُصرَتُهُمْ مِنْ عِندِي. «تَعَالَوْا إلَى المَاءِ يَا كُلَّ العِطَاشِ، وَيَا مَنْ لَا مَالَ لَهُمْ، تَعَالَوْا كُلُوا وَاشرَبُوا. تَعَالَوْا اشتَرُوا نَبِيذًا وَحَلِيبًا بِلَا مَالٍ وَلَا ثَمَنٍ. لِمَاذَا تُنفِقُونَ مَالَكُمْ فِي مَا لَيْسَ طَعَامًا، وَتُضَيِّعُونَ تَعَبَكُمْ فِي مَا لَا يُشبِعُ؟ اسْتَمِعُوا إلَيَّ جَيِّدًا وَكُلُوا الطَّيِّبَاتِ، وَتَمَتَّعُوا بِالطَّعَامِ الدَّسِمِ. افتَحُوا آذَانَكُمْ وتَعَالَوْا إلَيَّ، اسْتَمِعُوا كَي تَحْيَوْا. سَأقْطَعُ مَعَكُمْ عَهْدًا أبَدِيًّا، كَعَهْدِ إحْسَانَاتِي الأمِينَةِ لِدَاوُدَ. جَعَلْتُهُ شَاهِدًا لِلأُمَمِ، وَرَئِيسًا وَقَائِدًا لِلشُّعُوبِ.» سَتَدْعُو أُمَّةً لَا تَعْرِفُهَا، وَأُمَمٌ لَا تَعْرِفُكَ سَتَرْكُضُ إلَيْكَ، مِنْ أجْلِ ، وَقُدُّوسِ إسْرَائِيلَ لِأنَّهُ جَمَّلَكَ. اطْلُبُوا اللهَ مَا دَامَ يُوجَدُ، ادعُوهُ فَهُوَ قَرِيبٌ. لِيَتَخَلَّ الأشْرَارُ عَنْ أعْمَالِهِمْ، وَالأثَمَةُ عَنْ أفكَارِهِمْ. لِيَتُوبُوا إلَى اللهِ وَهُوَ سَيَرْحَمُهُمْ، وَإلَى إلَهِنَا لِأنَّهُ يَغْفِرُ بِلَا حُدُودٍ. يَقُولُ اللهُ: «لِأنَّ أفكَارِي لَيْسَتْ كَأفكَارِكُمْ، وَطُرُقِي لَيْسَتْ كَطُرُقِكُمْ، يَقُولُ اللهُ . فَكَمَا تَعْلُو السَّمَاوَاتُ عَنِ الأرْضِ، هَكَذَا تَعْلُو طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ، وَأفكَارِي عَنْ أفكَارِكُمْ. «وَكَمَا يَنْزِلُ المَطَرُ وَالثَّلجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلَا يَعُودَانِ إلَى هُنَاكَ إلَّا بَعْدَ أنْ يَرْوِيَا الأرْضَ، وَيَجْعَلَانِهَا تَلِدُ وَتُنبِتُ لِتُعطِيَ بُذُورًا لِلزَّارِعِ وَطَعَامًا لِلآكِلِ، هَكَذَا كَلِمَتِي الَّتِي أقُولُهَا، فَهِيَ لَنْ تَرْجِعَ إلَيَّ بِغَيْرِ نَتِيجَةٍ، لَكِنَّهَا سَتُنجِزُ مَا أُخَطِّطُ لَهُ، وَسَتَنْجَحُ فِي عَمَلِ مَا أرسَلتُهَا لِأجْلِ عَمَلِهِ. «لِأنَّكُمْ سَتَخْرُجُونَ بِفَرَحٍ، وَسَتُقَادُونَ بِسَلَامٍ. الجِبَالُ وَالتِّلَالُ سَتَهْتِفُ أمَامَكُمْ بِالتَّرَنُّمِ، وَكُلُّ أشْجَارِ الحُقُولِ سَتُصَفِّقُ بِأيدِيهَا. سَيَنْمُو السَّروُ مَكَانَ الشَّوكِ، وَنَبَاتُ الآسِ مَكَانَ العَوسَجِ. سَيَكُونُ هَذَا لِلتَّذكِيرِ بِاللهِ ، عَلَامَةً أبَدِيَّةً لَا تَزُولُ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «حَافِظُوا عَلَى العَدَالَةِ، وَاعْمَلُوا الصَّلَاحَ. لِأنَّ خَلَاصِي سَيَأْتِيكُمْ قَرِيبًا، وَعَدلِي سَيُعلَنُ كَذَلِكَ. هَنِيئًا لِلرَّجُلِ الَّذِي يَعْمَلُ الصَّلَاحَ وَيَتَمَسَّكُ بِهِ. يَحْفَظُ السَّبتَ وَلَا يُنَجِّسُهُ، وَيَمْنَعُ يَدَهُ عَنْ عَمَلِ الشَّرِّ.» لَا يَقُلِ الغَرِيبُ الَّذِي يَرْبِطُ نَفْسَهُ بِاللهِ : «سَيَفْصِلُنِي اللهُ عَنْ شَعْبِهِ حَتْمًا.» وَلَا يَقُلِ الخَصِيُّ: «أنَا كَالشَّجَرَةِ النَّاشِفَةِ.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «الخِصيَانُ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَختَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَحْفَظُونَ عَهْدِي، سَأُعْطِيهِمْ فِي هَيْكَلِي، وَدَاخِلَ أسوَارِي، نَصِيبًا وَذِكرَى طَيِّبَةً أفْضَلَ مِنَ الأبْنَاءِ وَالبَنَاتِ. سَأُعْطِيهِمُ اسْمًا أبَدِيًّا لَنْ يُنْسَى. وَالغُرَبَاءُ الَّذِينَ يَلْتَصِقُونَ بِاللهِ لِيَخْدِمُوهُ وَيُحِبُّونَ اسْمَ اللهِ ، الَّذِينَ يَحْفَظُونَ السَّبتَ وَلَا يُنَجِّسُونَهُ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي، سَآتِي بِهِمْ إلَى جَبَلِي المُقَدَّسِ، وَسَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ الصَّلَاةِ الَّذِي لِي. وَسَتَكُونُ ذَبَائِحُهُمْ مَقبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي. لِأنَّ بَيتَي يُدْعَى بَيْتَ صَلَاةٍ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ.» فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ الَّذِي يَجْمَعُ المَطرُودِينَ مِنَ بَنِي إسْرَائِيلَ: «سَأجمَعُ آخَرِينَ إلَيْهِمْ، بِالإضَافَةِ إلَى الَّذِينَ جَمَعتُهُمْ.» يَا كُلَّ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ، وَيَا كُلَّ حَيَوَانَاتِ الغَابَةِ، تَعَالَيْ وَكُلِي. حُرَّاسُ إسْرَائِيلَ عُميَانٌ. كُلُّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا. كُلُّهُمْ كِلَابٌ بُكْمٌ لَا تَسْتَطِيعُ النُّبَاحَ. يَضْطَجِعُونَ وَيَحْلُمُونَ، فَكَمْ يُحِبُّونَ النَّومَ! وَكَالكِلَابِ الشَّرِهَةِ لَا يَشْبَعُونَ أبَدًا. وَكَالرُّعَاةِ الَّذِينَ لَا يَفْهَمُونَ. كُلُّهُمُ التَفَتُوا إلَى طُرُقِهِمْ كُلُّ وَاحِدٍ اهتَمَّ بِرِبحِهِ. يَقُولُونَ: «هَيَّا نَشرَبُ خَمْرًا، تَعَالَوْا نَشرَبُ حَتَى نَسْكَرَ. وَسَيَكُونُ الغَدُ عَظِيمًا كَهَذَا اليَوْمِ، بَلْ أعْظَمَ بِكَثِيرٍ.» الأبْرَارُ يَمُوتُونَ، وَلَا أحَدَ يَهْتَمُّ. لِذَلِكَ سَيُجْمَعُ الأُمَنَاءُ وَلَا أحَدَ يَفْهَمُ لِمَاذَا. إنَّهُمْ يُجْمَعُونَ لِأنَّ الكَارِثَةَ آتِيَةٌ. أمَّا السَّالِكُونَ بِالِاسْتِقَامَةِ، فَيَسْكُنُونَ السَّلَامَ، وَيَسْتَرِيحُونَ عَلَى فِرَاشِهِمْ. يَقُولُ اللهُ: «يَا أوْلَادَ السَّاحِرَاتِ، قِفُوا أمَامِي! يَا نَسْلَ الفَاسِقَةِ وَالزَّانِيَةِ، بِمَنْ تَسْخَرُونَ؟ وَعَلَى مَنْ تَفْتَحُونَ أفْوَاهَكَمْ وَتُخرِجُونَ ألسِنَتَكُمْ؟ ألَسْتُمْ أوْلَادًا عُصَاةً وَنَسْلًا كَاذِبًا؟ أنْتُمْ تَتَحَرَّقُونَ تَوْقًا إلَى أوْثَانِكُمْ تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضرَاءَ. تَذْبَحُونَ أطْفَالًا فِي الأودِيَةِ وَبَيْنَ شُقُوقِ الصُّخُورِ. نَصِيبُكِ هُوَ بَيْنَ حِجَارَةِ الوَادِي المَلسَاءِ، هِيَ حِصَّتُكِ مِنَ الأرْضِ. سَكَبْتِ لَهَا خَمْرًا، وَأحضَرتِ لَهَا تَقْدِمَةً مِنَ الحُبُوبِ. فَهَلْ أُسَرُّ بِكُلِّ هَذِهِ الأشْيَاءِ؟ وَضَعتِ سَرِيرَكِ عَلَى جَبَلٍ مُرْتَفِعٍ شَامِخٍ. وَصَعِدْتِ إلَى هُنَاكَ لِتُقَدِّمِي ذَبَائِحِ. وَرَاءَ البَابِ وَعَلَى قَوَائِمِهِ خَبَّأتِ تَذْكَارَكِ، لِأنَّكِ تَعَرَّيتِ لِغَيرِي، وَوَسَّعتِ سَرِيرَكِ. قَطَعتِ مَعَهُمْ عَهْدًا. أحبَبتِ أسِرَّتَهُمْ، وَنَظَرتِ إلَيْهِمْ وَهُمْ عُرَاةٌ. سَافَرتِ إلَى مُولِكَ بِزَيْتٍ كَثِيرٍ، وَكَثَّرْتِ عُطُورَكِ. أرسَلْتِ رُسُلَكِ إلَى أمَاكِنَ بَعِيدَةٍ لِتَجِدِي مُحِبِّينَ، وَنَزَلتِ حَتَّى إلَى الهَاوِيَةِ.» أنهَكَكِ تُجوَالُكِ الكَثِيرُ. لَكِنَّكِ لَمْ تَقُولِي: «هَذَا عَبَثٌ!» وَتَجَدَّدَتْ قُوَّتُكِ وَلَمْ تَضْعُفِي. مِمَّنْ خِفتِ وَارتَعَبْتِ حَتَّى كَذَبْتِ؟ قَدْ تَجَاهَلْتِنِي وَنَسِيتِنِي، وَأنَا صَمَتُّ وَأغلَقْتُ عَينَيَّ. فَأنْتِ لَا تَخَافِينَ مِنِّي. أنَا لَا أُنكِرُ بِرَّكِ وَأعْمَالَكِ، لَكِنَّهَا لَنْ تَنْفَعَكِ! عِنْدَمَا تَصْرُخِينَ، فَلتُخَلِّصْكِ أوْثَانُكِ الَّتِي جَمَعتِهَا. سَتَحْمِلُهَا الرِّيحُ كُلَّهَا، وَنَفخَةُ هَوَاءٍ سَتُطَيِّرُهَا. أمَّا مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيَّ فَسَيَمْتَلِكُ الأرْضَ، وَيُعْطَى جَبَلِي المُقَدَّسَ. أعِدُّوا، جَهِّزُوا الطَّرِيقَ. أزِيلُوا العَثَرَاتِ مِنْ طَرِيقِ شَعْبِي. لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ العَلِيُّ العَظِيمُ، الحَيُّ إلَى الأبَدِ، وَاسْمُهُ هُوَ القُدُّوسُ: «نَعَمْ أنَا أسكُنُ فِي أعْلَى وَأقدَسِ مَكَانٍ، وَمَعَ المُنسَحِقِينَ وَالمُتَوَاضِعِينَ فِي أروَاحِهِمْ أيْضًا، لِأُعْطِيَ حَيَاةً جَدِيدَةً لِرُوحِ المُتَوَاضِعِينَ وَلِقَلْبِ المُنسَحِقِينَ. لِأنِّي لَنْ أُخَاصِمَكُمْ دَائِمًا، وَلَنْ أغضَبَ إلَى الأبَدِ. لِأنَّ رُوحَ الإنْسَانِ، وَالنُّفُوسَ الَّتِي صَنَعْتُهَا، تَخُورُ أمَامِي. رَأيْتُ طَمَعَهُمْ وَإثمَهُمْ فَغَضِبْتُ، ضَرَبْتُهُمْ وَابْتَعَدْتُ عَنْهُمْ فِي غَضَبِي. لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَرْجِعُونَ إلَى خَطَايَاهُمْ. رَأيْتُ طُرُقَهُمْ، وَسَأشْفِيهِمْ، سَأقُودُهُمْ وَأُعَزِّيهِمْ، وَسَأضَعُ تَسْبِيحِي عَلَى شِفَاهِهِمْ. سَلَامٌ، سَلَامٌ لِلبَعِيدِ وَلِلقَرِيبِ، وَسَأشفِيهِمْ،» يَقُولُ اللهُ . أمَّا الأشرَارُ فَكَالبَحرِ الهَائِجِ الَّذِي لَا يَهْدَأُ، فَمِيَاهُهُ تُحَرِّكُ الطِّينَ فِيهِ. قَالَ إلَهِي: «لَا سَلَامَ لِلأشرَارِ.» نَادِ بِصَوْتٍ عَالٍ، لَا تَتَوَقَّفْ. ارفَعْ صَوْتَكَ كَالبُوقِ، وَأخْبِرْ شَعْبِي بِمَعَاصِيهِمْ، وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِخَطِيَّتِهِمْ. يَأْتُونَ يَومًا بَعْدَ يَوْمٍ لِيَعْبُدُونِي، وَكَأنَّهُمْ يُسَرُّونَ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِي. كَشَعْبٍ يَعْمَلُ الحَقَّ وَلَا يَتْرُكُ حُكمَ إلَهِهِ. يَسألُونَنِي عَنْ أحكَامِ العَدلِ وَيُظهِرُونَ تَوْقًا إلَى الِاقتِرَابِ مِنَ اللهِ. يَقُولُونَ: «لِمَاذَا صُمْنَا، فَلَمْ تَلْتَفِتْ إلَى صَوْمِنَا؟ لِمَاذَا ذَلَّلْنَا أنْفُسَنَا، فَلَمْ تَنْتَبِهْ؟» فَقَالَ اللهُ : «إنَّكُمْ تَعْمَلُونَ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ مَا يَحْلُو لَكُمْ، وَتَقْسُونَ عَلَى العَامِلِينَ لَدَيْكُمْ. تَصُومُونَ فَتَتَشَاجَرُونَ، وَيَضْرِبُ أحَدُكُمُ الآخَرَ بِحِقدٍ! صَومٌ كَهَذَا الَّذِي تَصُومونَهُ اليَوْمَ، لَنْ يَصِلَ بِصَوْتِكُمْ إلَى السَّمَاءِ. هَلْ هَذَا هُوَ الصَّومُ الَّذِي أُرِيدُهُ: أنْ يُذَلِّلَ إنْسَانٌ نَفْسَهُ بِضعَ سَاعَاتٍ؟ أنْ يَحْنِيَ رَأسَهُ كَالعُشْبِ، وَيَلْبَسَ الخَيْشَ وَيَفْتَرِشَ الرَّمَادَ؟ أتَدْعُو هَذَا صَوْمًا، أوْ يَومًا مَقبُولًا عِنْدَ اللهِ ؟ «بَلْ هَذَا هُوَ الصَّومُ الَّذِي أُرِيدُهُ: «أنْ تَفُكَّ قُيُودَ الظُّلمِ، وَتَحُلَّ حِبَالَ الضِّيقِ عَنِ النَّاسِ. أنْ تُحَرِّرَ المَظلُومَ، وَتَكْسِرَ قُيُودَ الِاسْتِعْبَادِ. أنْ تُعطِيَ مِنْ خُبْزِكَ لِلجَائِعِ، وَتَأْوِيَ المَسَاكِينَ المُشَرَّدِينَ فِي بَيْتِكَ. تَرَى عُريَانًا فتَسْتُرَهُ، وَلَا تُهمِلُ حَاجَةَ صَاحِبِكَ. حِينَئِذٍ، يُشرِقُ نُورُكَ كَالفَجْرِ، وَتُشْفَى جُرُوحُكَ سَريعًا. يَظْهَرُ بِرُّكَ أمَامَكَ، وَمَجْدُ اللهِ يَحْمِي ظَهرَكَ. حِينَئِذٍ، سَتَدْعُو، فَيَسْتَجِيبُ لَكَ اللهُ . تَصْرُخُ، فَيَقُولُ هأنَذَا! «إنْ رَفَعَتَ الأثْقَالَ عَنْ شَعْبِكَ، وَالإشَارَةَ بإصْبِعِ الِاتِّهَامِ، وَالحَدِيثَ المَلِيءَ بِالشَّرِّ، إنْ أعْطَيْتَ مِنْ طَعَامِكَ لِلجَائِعِ، وَأشبَعْتَ نَفْسَ المِسْكِينِ، حِينَئِذٍ، سَيُشِعُّ نُورُكَ كَالفَجرِ، وَظُلمَتُكَ تَكُونُ كَالظَّهِيرَةِ. سَيَقُودُكَ اللهُ دَائِمًا، وَسَيَسُدُّ كُلَّ حَاجَاتِكَ فِي الأرَاضِي الجَدبَاءِ. سَيُشَدِّدُ عِظَامَكَ. وَسَتَكُونُ كَحَدِيقَةٍ مَروِيَّةٍ، وَكَنَبعٍ لَا تَجِفُّ مِيَاهُهُ. أنْتَ سَتَبْنِي الخِرَبَ القَدِيمَةَ. سَتَبْنِي مُدُنًا عَلَى الأسَاسَاتِ القَدِيمَةِ. لِذَا سَتُدعَى مُرَمِّمَ الثَّغَرَاتِ، مُصلِحَ الدُّرُوبِ وَالمَسَاكِنِ. «إنْ كُنْتَ لَا تُسَافِرُ فِي السَّبْتِ، وَلَا تَجْرِي وَرَاءَ مَشَاغِلِكَ فِي يَوْمِي المُقَدَّسِ. إنِ اعتَبَرْتَ السَّبْتَ يَوْمَ فَرَحٍ، وَكَرَّمْتَ يَوْمَ اللهِ المُقَدَّسِ. إنِ احتَرَمْتَ السَّبتَ فَلَمْ تَذْهَبْ إلَى هُنَا وَهُنَاكَ، لِتَعْمَلَ مَا يَسُرُّكَ، وَتَتَكَلَّمَ بِغَيرِ حِسَابٍ. حِينَئِذٍ، تَتَمَتَّعُ بِاللهِ . سَأرفَعُ شأنَكَ فَوْقَ الأرْضِ، وَسَأُطعِمُكَ مِيرَاثَ يَعْقُوبَ أبِيكَ. لِأنَّ فَمَ اللهِ قَالَ هَذَا.» لَيْسَتْ يَدُ اللهِ قَاصِرَةً عَنْ أنْ تُخَلِّصَكُمْ! وَلَا هُوَ أصَمُّ، بَلْ يَسْمَعُ. لَكِنَّ آثَامَكُمْ تَفْصِلُكُمْ عَنْ إلَهِكُمْ. خَطَايَاكُمْ جَعَلَتهُ يَسْتُرُ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لَا يَسْمَعَكُمْ. لِأنَّ أيدِيَكُمْ مُلَطَّخَةٌ بِالدَّمِ، وَأصَابِعَكُمْ بِالإثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَتَكَلَّمُ بِالكَذِبِ، وَلِسَانُكُمْ يَنْطِقُ بِالشَّرِّ. لَا أحَدَ يَصْدُقُ عِنْدَ اتِّهَامِهِ لِلآخَرِينَ، وَلَا أحَدَ يُحَاكِمُ بِالعَدْلِ. كُلُّهُمْ يَعْتَمِدُونَ عَلَى الكَلَامِ الفَارِغِ وَالكَذِبِ. يَصْنَعُونَ الألَمَ، وَيُنتِجُونَ الشَّرَّ. يَفْقِسُونَ بَيضَ الأفَاعِي، وَيَنْسِجُونَ شَبَكَةَ عَنْكَبُوتٍ. مَنْ يَأْكُلُ مِنْ بَيضِهِمْ يَمُوتُ، وَالبَيضَةُ الَّتِي تُكسَرُ تَفْقِسُ حَيَّةً سَامَّةً. خُيُوطُهُمْ لَا تَصْلُحُ لِنَسْجِ الثِّيَابِ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَتْرَ أنْفُسِهِمْ بِمَا يَصْنَعُونَ. أعْمَالُهُمْ أعْمَالُ إثمٍ، وَأيدِيهِمْ مَليئَةٌ بِالعُنفِ. يَرْكُضُونَ إلَى عَمَلِ الشَّرِّ، وَيُسرِعُونَ إلَى قَتلِ الأبرِيَاءِ. أفكَارُهُمْ شِرِّيرَةٌ، وَيَتْرُكُونَ وَرَاءَهُمُ الخَرَابَ وَالدَّمَارَ. أمَّا طَرِيقُ السَّلَامِ فَلَا يَعْرِفُونَهُ، وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدلٌ. طُرُقُهُمْ عَوجَاءُ، وَكُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لَنْ يَعْرِفَ السَّلَامَ. لِذَلِكَ تَرَكَنَا العَدلُ، وَالإنصَافُ لَا يَأْتِي إلَينَا. نَرجُو النُّورَ، وَلَوْ شُعَاعَ نُورٍ فِي العَتمَةِ، لَكِنَّ طَرِيقَنَا يَلُفُّهُ الظَّلَامُ. نَتَحَسَّسُ الحَائِطَ كَالعِميَانِ، نَتَلَمَّسُ طَرِيقَنَا كَمَنْ لَا عُيُونَ لَهُمْ. نَتَعَثَّرُ فِي الظَّهِيرَةِ كَمَا لَوْ كُنَّا فِي العَتمَةِ. صِرنَا كَالمَوْتَى مَعَ أنَّنَا بَيْنَ الأحيَاءِ. كُلُّنَا نَخُورُ كَدُبَّةٍ، وَنَنُوحُ نُواحًا كَالحَمَامِ. نَنتَظِرُ العَدْلَ وَلَكِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ، وَنَنتَظِرُ الخَلَاصَ، وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنَّا. لِأنَّ أعْمَالَنَا البَشِعَةَ أمَامَكَ كَثِيرَةٌ، وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا. لِأنَّ أعْمَالَنَا البَشِعَةَ تُرَافِقُنَا، وَنَحْنُ نَعْرِفُ آثَامَنَا. عَصَينَا اللهَ ، وَكُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ نَحوَهُ. ابتَعَدْنَا عَنْ إلَهِنَا. كُنَّا نَتَكَلَّمُ عَنِ الظُّلمِ وَالعِصيَانِ، وَنَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ كَاذِبَةٍ مِنْ قُلُوبِنَا. ابتَعَدَ العَدلُ، وَالحَقُّ وَقَفَ بَعِيدًا. لِأنَّ الحَقَّ يَتَعَثَّرُ فِي السَّاحَاتِ العَامَّةِ، وَالصِّدقَ لَا يَسْتَطِيعُ دُخُولَ المَدِينَةِ. زَالَتِ الأمَانَةُ، وَكُلُّ مَنْ يَبْتَعِدُ عَنِ الشَّرِّ يُسلَبُ. رَأى اللهُ هَذَا وَلَمْ يُسَرَّ، إذْ لَا تُوجَدُ عَدَالَةٌ. رَأى أنَّهُ لَا يُوجَدُ أحَدٌ، وَتَحَيَّرَ لِأنَّهُ مَا مِنْ أحَدٍ يَقِفُ لِيُدَافِعَ عَنِ الشَّعْبِ. فَنَصَرَتْهُ ذِرَاعُهُ، وَأيَّدَهُ بِرُّهُ. لَبِسَ البِرَّ كَدِرعٍ، وَخُوذَةُ الخَلَاصِ عَلَى رَأسِهِ. لَبِسَ الِانْتِقَامَ كَثِيَابٍ، وَاكتَسَى بِالغَيْرَةِ كَعَبَاءَةٍ. سَيُجَازِي أعْدَاءَهُ كَمَا يَسْتَحِقُّونَ: غَضَبًا عَلَى خُصُومِهِ، وَعِقَابًا عَلَى أعْدَائِهِ. سَيُجَازِي الجُزُرَ وَالشَّوَاطِئَ حَسَبَ مَا تَسْتَحِقُّ. سَيَخْشَى الَّذِينَ فِي الغَرْبِ اسْمَ اللهِ ، وَالَّذِينَ فِي الشَّرقِ سَيَخَافُونَ مَجْدَهُ. لِأنَّ العَدُوَّ سَيَأْتِي كَنَهْرٍ، وَلَكِنَّ قُوَّةَ اللهِ تَدْفَعُهُ. فَهُوَ سَيَأْتِي فَادِيًا لِصِهْيَوْنَ لِجَمِيعِ التَّائِبِينَ فِي عَائِلَةِ يَعْقُوبَ، يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ اللهُ : «هَذَا هُوَ عَهْدِي مَعَهُمْ: رُوحِي الَّذِي جَعَلْتُهُ عَلَيْكَ، وَكَلَامِي الَّذِي وَضَعتُهُ فِي فَمِكَ، لَنْ يَبْتَعِدَا عَنْكَ وَلَا عَنْ أوْلَادِكَ وَلَا عَنْ أحفَادِكَ مِنَ الآنَ وَإلَى الأبَدِ.» «قُومِي وَأنِيرِي، لِأنَّ نُورَكِ أتَى، وَمَجْدُ اللهِ أشرَقَ عَلَيْكِ. لِأنَّ الظُّلمَةَ تُغَطِّي الأرْضَ، وَالظَّلَامَ الشَّدِيدَ يُغَطِّي الأُمَمَ. وَلَكِنَّ اللهَ يُشرِقُ عَلَيْكِ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ سَيَظْهَرُ. سَتَأْتِي الأُمَمُ إلَى نُورِكِ، وَالمُلُوكُ إلَى ضِيَاءِ فَجْرِكِ. ارفَعِي عَيْنَيْكِ وَانْظُرِي حَوْلَكِ. إنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ وَيَأْتُونَ إلَيكِ. أبنَاؤُكِ سَيَأْتُونَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، وَبَنَاتُكِ سَيُحْمَلنَ عَلَى الأيْدِي. «حِينَئِذٍ، سَتَرِيْنَ وَتُشْرِقِينَ ابْتِهَاجًا. سَيَسْعَدُ قَلْبُكِ وَيَمْتَلئُ مِنَ الفَرَحِ، لِأنَّ ثَروَةَ البَحْرِ سَتَتَحَوَّلُ إلَيكِ، وَغِنَى الأُمَمِ إلَيكِ سَيَأتِي. قُطعَانُ الجِمَالِ سَتُغَطِّيكِ، الجِمَالُ الفَتِيَّةُ مِنْ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ. كُلُّهَا تَأْتِي مِنْ سَبَأٍ بِالذَّهَبِ وَالبَخُورِ، وَسَتُعلِنُ مَجْدَ اللهِ . سَتُجمَعُ كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ إلَيكِ. كِبَاشُ نَبَايُوتَ سَتَخْدِمُكِ. وَسَتَكُونُ ذَبَائِحًا مَقبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، وَسَأجْعَلُ هَيْكَلِي الجَمِيلَ مَجِيدًا. مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَطِيرُونَ كَسَحَابَةٍ، وَكَالحَمَامِ إلَى أعشَاشِهَا؟ لِأنَّ السَّوَاحِلَ تَنْتَظِرُنِي، وَسُفُنُ تَرْشِيشَ سَتَأْتِي أوَّلًا، لِتَأْتِيَ بِأوْلَادِكِ مِنَ الأرَاضِي البَعِيدَةِ، وَمَعَهُمْ فِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ، لِأجْلِ مَجْدِ ، لِأجْلِ قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ لِأنَّهُ مَجَّدَكِ. وَأوْلَادُ الغُرَبَاءِ سَيَبْنُونَ أسوَارَكِ، وَمُلُوكُهُمْ سَيَخْدِمُونَكِ. «لِأنِّي عَاقَبتُكِ فِي غَضَبِي، وَلَكِنِّي سَأرْحَمُكِ فِي رِضَايَ. سَتَكُونُ بَوَّابَاتُكِ مَفتُوحَةً دَائِمًا، لَنْ تُغلَقَ نَهَارًا وَلَا لَيْلًا، كَي يُؤتَى بِغِنَى الأُمَمِ وَمُلُوكِهِمْ إلَيكِ. لِأنَّ الأُمَّةَ أوِ المَملَكَةَ الَّتِي لَا تَخْدِمُكِ سَتَهْلِكُ، تِلْكَ الأُمَمُ سَتُدَمَّرُ تَمَامًا. مَجْدُ لُبْنَانَ سَيَأْتِي إلَيكِ: أشْجَارُ السَّروِ وَالسِّندِيَانِ وَالشَّربِينِ مَعًا، لِتَجْمِيلِ مَكَانِي المُقَدَّسِ، وَسَأُمَجِّدُ مَوطِئَ قَدَمَيَّ. سَيَأْتِي أوْلَادُ الَّذِينَ ضَايَقُوكِ إلَيكِ رَاكِعِينَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ أسَاءُوا إلَيكِ سَيَنْحَنُونَ عِنْدَ قَدَميكِ. وَسَيَدْعُونَكِ ‹مَدِينَةَ يهوه،› ‹صِهْيَوْنَ قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ.› «أنْتِ مَهجُورَةٌ وَمَترُوكَةٌ، وَلَا أحَدَ يُسَافِرُ عَبْرَ أرَاضِيكِ. لِكِنَّنِي سَأجعَلُكِ سَبَبَ فَخرٍ إلَى الأبَدِ، وَمَصدَرَ فَرَحٍ لِكُلِّ الأجيَالِ. سَتَرْضَعِينَ حَلِيبَ الأُمَمِ، سَتَرْضَعِينَ ثَروَةَ المُلُوكِ. حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفِينَ أنِّي أنَا اللهَ مُخَلِّصُكِ، وَفَادِيكِ مُخَلِّصُ يَعْقُوبَ. «سَأُعْطِيكِ ذَهَبًا عِوَضًا عَنِ البُرُونْزِ، وَفِضَّةً عِوَضًا عَنِ الحَدِيدِ، وَنُحَاسًا عِوَضًا عَنِ الخَشَبِ، وَحَدِيدًا عِوَضًا عَنِ الحِجَارَةِ. سَأجْعَلُ السَّلَامَ يُشرِفُ عَلَيْكِ، وَالعَدْلَ يَحْكُمُكِ. لَنْ يُسمَعَ الظُّلمُ فِي أرْضِكِ فِيمَا بَعْدُ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خَرَابٌ وَدَمَارٌ ضِمنَ حُدُودِكِ. سَتُسَمِّينَ أسوَارَكِ ‹خَلَاصًا،› وَبَوَّابَاتِكِ ‹تَسْبِيحًا.› «لَنْ تَعُودَ الشَّمْسُ مَصدَرَ نُورِكِ فِي النَّهَارِ، وَلَا القَمَرُ لِإضَاءَةِ اللَّيلِ، لِأنَّ اللهَ سَيَكُونُ نُورًا أبَدِيًّا لَكِ، وَإلَهُكِ سَيَكُونُ مَجْدَكِ. لَنْ تَغِيبَ شَمْسُكِ، وَلَنْ يَنْقُصَ قَمَرُكِ فِيمَا بَعْدُ. لِأنَّ اللهَ سَيَكُونُ نُورًا أبَدِيًّا لَكِ، فَتَنْتَهِيَ أيَّامُ حُزنِكِ. «كُلُّ شَعْبِكِ سَيَعْمَلُ مَا هُوَ حَقٌّ، وَسَيَمْتَلِكُونَ الأرْضَ إلَى الأبَدِ. هُمُ الغُصنُ الَّذِي زَرَعتُهُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ لِإظهَارِ مَجْدِي. أقَلُّ العَائِلَاتِ شَأنًا سَتَصِيرُ قَبيلَةً، وَالأصغَرُ سَتَصِيرُ أُمَّةً قَوِيَّةً. أنَا اللهُ . عِنْدَمَا يَحِينُ الوَقْتُ، سَأصْنَعُ هَذَا سَرِيعًا.» رُوحُ الرَّبِّ الإلَهِ عَلَيَّ. لِأنَّ اللهَ مَسَحَنِي لِكَي أُعْلِنَ البِشَارَةَ لِلمَسَاكِينِ، لِأُضَمِّدَ مُنْكَسِرِي القُلُوبِ، وَلِأُعلِنَ الحُرِّيَّةَ لِلمَأْسُورِينَ، وَالإطلَاقَ لِلمَسْجُونِينَ، وَأُعلِنَ أنَّ وَقْتَ اللهِ لِلقُبُولِ قَدْ جَاءَ، وَكَذَلِكَ جَاءَ وَقْتُ انتِقَامِ إلَهِنَا! أرْسَلَنِي لِأُعَزِّيَ كُلَّ الحَزَانَى، وَلِأُعْطِيَ لِلنَّائِحِينَ فِي صِهْيَوْنَ إكلِيلًا عِوَضًا عَنِ الرَّمَادِ، وَزَيْتَ فَرَحٍ عِوَضًا عَنِ الحُزْنِ، وَثَوبَ تَسْبِيحٍ عِوَضًا عَنِ الرُّوحِ الضَّعِيفَةِ. وَسَيُدْعَونَ أشْجَارَ العَدلِ وَزَرعَ اللهِ المَجِيدِ. سَيَبْنُونَ الخِرَبَ القَدِيمَةَ، وَيُرَمِّمُونَ الأمَاكِنَ الَّتِي دُمِّرَتْ قَدِيمًا. سَيُصلِحُونَ المُدُنَ الخَرِبَةَ الَّتِي تُرِكَتْ عَبْرَ الأجيَالِ. سَيَقِفُ الغُرَبَاءُ وَيَرْعُونَ غَنَمَكُمْ، وَأوْلَادُ الغُرَبَاءِ سَيَعْمَلُونَ فِي حُقُولِكُمْ وَكُرُومِكُمْ. أمَّا أنْتُمْ فَسَتُدعَونَ «كَهَنَةَ اللهِ .» وَسَتُسَمَّونَ «خُدَّامَ إلَهِنَا.» سَتَسْتَمْتِعُونَ بِثَروَةِ الأُمَمِ، وَسَتَتَسَلَّطُونَ عَلَى غِنَاهُمْ. عِوَضًا عَنْ خِزيِكُمْ سَتَنَالُونَ ضِعفَينِ. وَعِوَضًا عَنْ عَارِكُمْ سَتَفْرَحُونَ بِنَصِيبِكُمْ. لِذَلِكَ سَيَمْتَلِكُونَ نَصِيبًا مُضَاعَفًا فِي أرْضِهِمْ، وَسَيَدُومُ فَرَحُهُمْ إلَى الأبَدِ. لِأنِّي، أنَا اللهَ ، أُحِبُّ العَدْلَ وَأكرَهُ السَّرِقَةَ وَالظُّلمَ. سَأُعْطِيهِمْ جَزَاءَهُمْ بِأمَانَةٍ، وَسَأقطَعُ مَعَهُمْ عَهْدًا يَدُومُ إلَى الأبَدِ. سَيَكُونُ نَسْلُهُمْ مَعْرُوفًا بَيْنَ الأُمَمِ، وَزَرعُهُمْ وَسَطَ الشُّعُوبِ. كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَهُمْ سَيَعْرِفُونَ أنَّهُمْ نَسْلٌ بَارَكَهُ اللهُ . أفرَحُ فَرَحًا عَظِيمًا بِاللهِ . نَفْسِي تَبْتَهِجُ بِإلَهِي. لِأنَّهُ ألبَسَنِي ثِيَابَ الخَلَاصِ، وَغَطَّانِي بِثَوبِ العَدلِ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَلبَسُ عَلَى رَأسِهِ إكلِيلًا، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِجَوَاهِرِهَا. لِأنَّهُ كَمَا أنَّ الأرْضَ تَجْعَلُ النَّبَاتَاتِ تَنْمُو، وَالحَدِيقَةَ تُنبِتُ بُذُورَهَا، هَكَذَا سَيَجْعَلُ الرَّبُّ الإلَهُ العَدْلَ يَنْمُو، وَالتَّسبِيحَ أمَامَ كُلِّ الأُمَمِ. لِأجْلِ صِهْيَوْنَ لَنْ أبقَى صَامِتًا، وَلِأجْلِ مَدِينَةِ القُدْسِ لَنْ أهدَأ، إلَى أنْ يُشرِقَ نَصرُهَا كَالفَجرِ، وَخَلَاصُهَا كَالمِصبَاحِ المُتَّقِدِ. حِينَئِذٍ، سَتَرَى الأُمَمُ صَلَاحَكِ، وَسَيَرَى المُلُوكُ مَجْدَكِ. وَسَتُدعَينَ بِاسْمٍ جَدِيدٍ يُعطِيهِ لَكِ اللهُ . سَتَكُونِينَ تَاجًا جَمِيلًا بِيَدِ اللهِ ، وَإكليلًا مَلَكِيًّا بِيَدِ إلَهِكِ. لَنْ تُدعَي فِيمَا بَعْدُ «مَهجُورَةً،» وَأرْضُكِ لَنْ تُدعَى «خَرِبَةً.» بَلْ سَتُدعَينَ «مَسَرَّةً،» وَأرْضُكِ سَتُدعَى «عَرُوسًا.» لِأنَّ اللهَ يُسَرُّ بِكِ، وَسَتَكُونُ أرْضُكِ عَرُوسًا. فَكَمَا يَتَزَوَّجُ الشَّابُّ مِنْ فَتَاةٍ، هَكَذَا يَتَزَوَّجُكِ أوْلَادُكِ. وَكَمَا يَفْرَحُ العَرِيسُ بِعَرُوسِهِ، هَكَذَا يَفْرَحُ إلَهُكِ بِكِ. عَلَى أسوَارِكِ يَا قُدْسُ، وَضَعتُ حُرَّاسًا لَا يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيلِ. يَا مُذَكِّرِي اللهَ بِوَعدِهِ لَا تَهْدَأُوا، وَلَا تَدَعُوهُ يَهْدَأُ، حَتَّى يُثَبِّتَ مَدِينَةَ القُدْسِ، وَيَجْعَلَهَا أُغنِيَةً فِي الأرْضِ. أقْسَمَ اللهُ بِيَدِهِ اليُمْنَى وَبِذِرَاعِهِ القَوِيَّةِ فَقَالَ: «لَنْ أُعْطِيَ قَمْحَكِ ثَانِيَةً طَعَامًا لِأعْدَائِكِ. وَالغُرَبَاءُ لَنْ يَشْرَبُوا نَبِيذَكِ الَّذِي تَعِبْتِ فِيهَا. «وَلَكِنَّ الَّذِينَ يَحْصُدُونَهُ هُمْ يَأْكُلُونَهُ، وَيُسَبِّحُونَ اللهَ . وَالَّذِينَ يَجْنُونَ العِنَبَ هُمْ يَشْرَبُونَ النَّبِيذَ فِي سَاحَةِ مَقْدِسِي.» اعبُرُوا، اعبُرُوا الأبْوَابَ، هَيِّئُوا الطَّرِيقَ لِلشَّعْبِ. أزِيلُوا الحِجَارَةَ مِنَ الطَّرِيقِ وَضَعُوهَا فِي أكْوَامٍ. فَاللهُ أعْلَنَ لِكُلِّ الأرْضِ وَقَالَ: «قُولُوا لِلعَزِيزَةِ صِهْيَوْنَ، هَا إنَّ مُخَلِّصَكِ آتٍ إلَيكِ. إنَّهُ يَحْمِلُ جَزَاءَهُ مَعَهُ، وَتَتَقَدَّمُهُ أُجرَتُهُ.» سَيُدْعَى شَعْبُهُ «الشَّعْبَ المُقَدَّسَ،» «الشَّعْبَ الَّذِي فَدَاهُ اللهُ .» وَأنتِ يَا قُدْسُ، سَتُدعَينَ «الَّتِي بَحَثَ اللهُ عَنْهَا،» «المَدِينَةَ غَيْرَ المَترُوكَةِ.» مَنْ هَذَا الآتِي مِنْ أدُومَ، مِنْ مَدِينَةِ بُصْرَى وَثِيَابُهُ مُلَطَّخَةٌ بِاللَّونِ الأحْمَرِ؟ مَنْ ذَاكَ اللَّابِسُ ثِيَابًا جَمِيلَةً، وَيَسِيرُ بِقُوَّتِهِ العَظِيمَةِ؟ «هَذَا أنَا، المُعْلِنُ النَّصْرَ، القَادِرُ عَلَى الخَلَاصِ.» «فَلِمَاذَا ثِيَابُكَ مُلَطَّخَةٌ بِاللَّونِ الأحْمَرِ كَثِيَابِ مَنْ يَدُوسُونَ العِنَبَ فِي المِعْصَرَةِ؟» «دُسْتُ مِعْصَرَةَ الخَمْرِ وَحْدِي، وَلَمْ يُسَاعِدْنِي مِنَ الشُّعُوبِ أحَدٌ. مَشَيْتُ عَلَيْهِمْ فِي غَضَبِي، وَدُسْتُهُمْ فِي سَخَطِي. رُشَّتْ ثِيَابِي بعَصِيرِهِمْ، فَتَلَطَّخَتْ كُلُّ مَلَابِسِي. لِأنَّنِي حَدَّدْتُ يَوْمَ عِقَابٍ لِلأُمَمِ، وَسَنَةُ تَحْرِيرِ شَعْبِي قَدِ جَاءَتْ. نَظَرتُ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُعِينٍ، وَاندَهَشتُ، إذْ لَمْ يَكُنْ مِنْ سَنيدٍ. فَنَصَرَتْنِي ذِرَاعِي، وَسَنَدَنِي غَضَبِي. دُستُ شُعُوبًا فِي غَضَبِي، وَحَطَّمتُهُمْ فِي سَخَطِي، وَسَكَبتُ عَصِيرَهُمْ عَلَى التُّرَابِ.» سَأُخْبِرُ بِإحْسَانَاتِ اللهِ ، بأعْمَالِ اللهِ الَّتِي بِسَبَبِهَا يَسْتَحِقُّ التَّسْبِيحَ، وَلِأجْلِ جَمِيعِ مَا صَنَعَهُ اللهُ لَنَا. لِأجْلِ إحْسَانِهِ الكَثِيرِ لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ، الَّذِي أجْزَلَهُ لَهُمْ بِحَسَبِ رَحْمَتِهِ وَكَثرَةِ مَحَبَّتِهِ. قَالَ: «إنَّمَا هُمْ شَعْبِي، وَأوْلَادِي الَّذِينَ لَنْ يَخُونُونِي.» وَلِذَلِكَ صَارَ مُخَلِّصَهُمْ. فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ لَمْ يَكُنْ رَسُولٌ أوْ مَلَاكٌ لِيُخَلِّصَهُمْ، وَلَكِنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ خَلَّصَهُمْ، وَبِمَحَبَّتِهِ وَرَحْمَتِهِ هُوَ فَدَاهُمْ، وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأيَّامِ المَاضِيَةِ. وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا، وَأحزَنُوا رُوحَهُ القُدُّوسَ. لِذَلِكَ صَارَ عَدُوَّهُمْ، وَحَارَبَهُمْ. حِينَئِذٍ، تَذَكَّرُوا الأيَّامَ المَاضِيَةَ، تَذَكَّرَ شَعْبُهُ مُوسَى. أيْنَ الَّذِي أخرَجَهُمْ مِنَ البَحْرِ، الَّذِي كَانَ يَرْعَى غَنَمَهُ؟ أيْنَ الَّذِي وَضَعَ فِيهِمْ رُوحَهُ القُدُّوسَ؟ أيْنَ الَّذِي وَضَعَ ذِرَاعَهُ المَجِيدَةَ فِي يَمِينِ مُوسَى لِيَقُودَهُ؟ أيْنَ الَّذِي شَقَّ المَاءَ أمَامَهُمْ، لِيَكُونَ اسْمُهُ مَعْرُوفًا إلَى الأبَدِ؟ أيْنَ الَّذِي قَادَهُمْ فِي المِيَاهِ العَمِيقَةِ؟ كَالحِصَانِ فِي البَرِّيَّةِ، فَلَمْ يَتَعَثَّرُوا، وَكَالبَهَائِمِ الَّتِي تَنْزِلُ إلَى الوَادِي؟ فَرُوحُ اللهِ قَادَهُمْ إلَى الرَّاحَةِ. هَكَذَا قُدْتَ شَعْبَكَ حَتَّى تَصْنَعَ لِنَفْسِكَ اسْمًا مَجِيدًا. انْظُرْ مِنَ السَّمَاوَاتِ، مِنْ مَسْكَنِكَ المُقَدَّسِ المَجِيدِ. أيْنَ غَيْرَتُكَ وَقُوَّتُكَ، تَوْقُ قَلْبِكَ وَشَفَقَتُكَ؟ لِمَاذَا تُخفيهَا عَنِّي؟ لِأنَّكَ أنْتَ أبُونَا، حَتَّى لَوْ كَانَ إبْرَاهِيمُ لَا يَعْرِفُنَا، وَإسْرَائِيلُ لَا يَعْلَمُ مَنْ نَحْنُ. أنْتَ، يَا اللهُ ، أبُونَا، وَاسْمُكَ مِنَ القَدِيمِ هُوَ «فَادِينَا.» لِمَاذَا تَرَكتَنَا يَا اللهُ نَضِلُّ عَنْ طُرُقِكَ؟ وَلِمَاذَا تَرَكتَ قُلُوبَنَا لِتَتَقَسَّى فَلَا نَخَافَكَ؟ ارجِعْ لِأجْلِ خُدَّامِكَ، وَلِأجْلِ القَبَائِلِ الَّتِي هِيَ لَكَ. شَعْبُكَ المُقَدَّسُ امتَلَكَ هَيْكَلَكَ لِفَترَةٍ قَصِيرَةٍ، وَلَكِنَّ أعْدَاءَنَا دَاسُوهُ. كُنَّا لِفَترَةٍ طَوِيلَةٍ كَمَنْ لَمْ تَحْكُمْهُمْ، وَكَالَّذِينَ لَمْ يُدْعَوْا بِاسْمِكَ. لَيتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! حِينَئِذٍ، سَتَهْتَزُّ الجِبَالُ أمَامَكَ. كَالنَّارِ الَّتِي تُشعِلُ الشُّجَيرَاتِ الجَافَّةَ، كَالنَّارِ الَّتِي تَجْعَلُ المَاءَ يَغْلِي، انزِلْ لِتَجْعَلَ اسْمَكَ مَعْرُوفًا لَدَى أعْدَائِكَ، وَلْتَرْتَجِفِ الأُمَمُ خَوْفًا عِنْدَ حُضُورِكَ. عِنْدَمَا صَنَعتَ أُمُورًا عَظِيمَةً لَمْ نَتَوَقَّعْهَا، نَزَلْتَ فَاهْتَزَّتِ الجِبَالُ أمَامَكَ. لَمْ يَسْمَعْ أحَدٌ مِنَ القَدِيمِ جِدًّا، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ تَرَ عَينٌ إلَهًا غَيْرَكَ يَعْمَلُ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ. جِئتَ لِلِقَاءِ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِعَمَلِ الصَّلَاحِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَكَ فِي طُرُقِهِمْ. حِينَ كُنْتَ غَاضِبًا بِسَبِبِ خَطَايَانَا، حَتَّى فِي تِلْكَ الأيَّامِ كَانَ مِنَ المُمْكِنِ أنْ نَخلُصَ. صِرنَا كُلُّنَا كَشَيءٍ نَجِسٍ، وَكُلُّ أعْمَالِنَا الصَّالِحَةِ كَثَوبٍ وَسِخٍ. كُلُّنَا ذَبُلْنَا وَسَقَطنَا كَوَرَقَةٍ، وَخَطَايَانَا حَمَلَتْنَا كَالرِّيحِ بَعِيدًا. لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِكَ، أوْ يَتَمَسَّكُ بِكَ. لِأنَّكَ سَتَرْتَ وَجْهَكَ عَنَّا، وَأذَبْتَنَا بِسَبَبِ خَطِيَّتِنَا. لَكِنَّكَ أبُونَا يَا اللهُ ، نَحْنُ الطِّينُ وَأنْتَ الفَخَّارِيُّ، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدِكَ. لَا تَغْضَبْ يَا اللهُ كَثِيرًا، وَلَا تَذْكُرْ إثمَنَا إلَى الأبَدِ. إنَّمَا كُلُّنَا شَعْبُكَ. مُدُنُكَ المُقَدَّسَةُ صَارَتْ بَرِّيَّةً. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً، وَالقُدْسُ مَكَانًا مَهْجُورًا. هَيْكَلُنَا المُقَدَّسُ الجَمِيلُ حَيْثُ سَبَّحَكَ آبَاؤُنَا احْتَرَقَ بِالنَّارِ، وَكُلُّ الأشْيَاءِ الثَّمِينَةِ الَّتِي نَمْتَلِكُهَا خَرِبَتْ. أبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ تَمْتَنِعُ عَنْ مُسَاعَدَتِنَا يَا اللهُ ؟ هَلْ سَتَلْزَمُ الصَّمتَ وَتُعَاقِبُنَا بِقَسوَةٍ؟ «وَصَلَنِي الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا إلَيَّ، وَوَجَدَنِي الَّذِينَ لَمْ يَبْحَثُوا عَنِّي. قُلْتُ: ‹هَأنَذَا› لِأُمَّةٍ لَمْ تَدْعُ بِاسْمِي. بَيْنَمَا مَدَدْتُ يَدِي طَوَالَ النَّهَارِ نَحْوَ شَعْبِي المُتَمَرِّدِ السَّالِكِ فِي طَرِيقٍ شِرِّيرٍ تَابِعًا أهوَاءَهُ! شَعْبِي يُثِيرُ غَضَبِي دَائِمًا، يُقَدِّمُ أمَامَ عَينَيَّ ذَبَائِحَهُ وَبَخُورَهُ فِي حَدَائِقِ الأوْثَانِ، وَعَلَى مَذَابِحَ مِنَ الطُّوبِ. يَنْتَظِرُ عِنْدَ القُبُورِ، وَيَقْضِي اللَّيلَ فِي المَزَارَاتِ. يَأْكُلُ لَحْمَ الخِنزِيرِ، وَفِي أوعِيَتِهِمْ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ. يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ: ‹ابقَ بَعِيدًا، لَا تَقْتَرِبْ مِنِّي، أنَا أقدَسُ مِنْكَ!› هَذَا الشَّعْبُ كَالدُّخَانِ فِي أنفِي، وَكَالنَّارِ تَشْتَعِلُ طَوَالَ اليَوْمِ.» «هَا هُوَ مَكْتُوبٌ أمَامِي: لَنْ أهدَأ، بَلْ سَأُجَازِي. سَأكِيلُ جَزَاءَهُمْ وَأسْكُبُهُ فِي أحْضَانِهِمْ. سَأُجَازِيهِمْ عَلَى خَطَايَاهُمْ وَخَطَايَا آبَائِهِمْ مَعًا، لِأنَّهُمْ أحرَقُوا بَخُورًا عَلَى الجِبَالِ، وَأهَانُونِي عَلَى التِّلَالِ. سَأكِيلُ جَزَاءَهُمْ وَأسكُبُهُ فِي أحضَانِهِمْ،» يَقُولُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «كَمَا يُوجَدُ العَصِيرُ فِي عُنقُودِ العِنَبِ، فَيُقَالُ: ‹لَا تُتلِفْهُ لِأنَّ فِيهِ بَرَكَةً،› هَكَذَا سَأفْعَلُ لِأجْلِ خُدَّامِي فَلَا أُهلِكُهُمْ بِالْكَامِلِ. سَأُعْطِي يَعْقُوبَ نَسْلًا، وَسَأُخرِجُ مِنْ يَهُوذَا مَنْ سَيَرِثُ جِبَالِي. وَسَيَمْتَلِكُ الَّذِينَ اختَرْتُهُمُ الأرْضَ، وَخُدَّامِي سَيَسْكُنُونَ هُنَاكَ. حِينَئِذٍ، يَصِيرُ سَهلُ شَارُونَ مَرعَىً لِلغَنَمِ، وَوَادِي عَخُورَ مَربَضًا لِلبَقَرِ، لِشَعْبِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَنِي. «وَأنْتُمْ يَا تَارِكِي اللهَ ، النَّاسِينَ جَبَلِي المُقَدَّسَ، الَّذِينَ تُهَيِّئُونَ مَائِدَةً لِإلَهِ الحَظِّ، وَتَملأُونَ الأقدَاحَ بِالخَمْرِ لِإلَهِ المَصِيرِ. سَأجْعَلُ مَصِيرَكُمُ المَوْتَ بِالسَّيْفِ. كُلُّكُمْ سَتَنْحَنُونَ لِلذَّبحِ، لِأنِّي دَعَوتُ فَلَمْ تُجِيبُوا. تَكَلَّمْتُ وَلَمْ تَسْتَمِعُوا. فَعَلتُمُ الشَّرَّ أمَامِي، وَاختَرْتُمْ مَا لَا يَسُرُّنِي.» لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ الإلَهُ : «خُدَّامِي سَيَأْكُلُونَ، أمَّا أنْتُمْ فَسَتَكُونُونَ جَوعَى. سَيَكُونُ خُدَّامِي فَرِحِينَ، أمَّا أنْتُمْ فَسَتَحْزَنُونَ. سَيُرَنِّمُ خُدَّامِي لِفَرَحِ قُلُوبِهِمْ، أمَّا أنْتُمْ فَسَتَبْكُونَ لِألَمِ قُلُوبِكُمْ، وَلِانْكِسَارِ أروَاحِكُمْ سَتَنُوحُونَ. سَيَكُونُ اسْمُكُمْ كَشَتِيمَةٍ عِنْدَ مُختَارِيَّ. سَيُمِيتُكُمُ الرَّبُّ الإلَهُ ، وَسَيُعطِي لِخُدَّامِهِ اسْمًا جَدِيدًا. فَكُلُّ مَنْ يُرِيدُ البَرَكَةَ فِي هَذِهِ الأرْضِ، سَيَطْلُبُ مِنَ اللهِ الأمِينِ. وَكُلُّ مَنْ يَتَعَهَّدُ بِنِذْرٍ فِي هَذِهِ الأرْضِ، سَيَحْلِفُ بِاللهِ الأمِينِ. لِأنَّ الضِّيقَاتِ الأُولَى سَتُنسَى، وَسَتَخْتَفِي مِنْ أمَامِي.» «هَا إنِّي سَأخلِقُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأرْضًا جَدِيدَةً، وَالأشيَاءُ الأُولَى لَنْ تُذكَرَ، وَلَنْ تَخْطُرَ عَلَى بَالِ أحَدٍ. لَكِنِ ابتَهِجُوا وَافرَحُوا إلَى الأبَدِ عَلَى مَا سَأخلِقُهُ، لِأنِّي سَأخلِقُ القُدْسَ لِتَكُونَ مَدِينَةَ الفَرَحِ، وَيَكُونُ شَعْبُهَا شَعْبَ السُّرُورِ. وَسَأفرَحُ بِالقُدْسِ، وَسَأكُونُ مَسرُورًا بِشَعْبِي. لَنْ يُسمَعَ صَوْتُ البُكَاءِ فِيهَا فِيمَا بَعْدُ، وَكَذَلِكَ صَرَخَاتُ الضِّيقِ. لَنْ يَعُودَ هُنَاكَ طِفلٌ يَعِيشُ بِضْعَةَ أيَّامٍ ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَا شَيخٌ لَا يُكمِلُ أيَّامَهُ. الَّذِي يَمُوتُ فِي سِنِّ مِئَةٍ سَيُعتَبَرُ صَغِيرًا، وَمَنْ لَا يَبْلُغُ المِئَةَ سَيُعتَبَرُ مَلعُونًا. سَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَسَيَزْرَعُونَ كُرُومًا وَيَأْكُلُونَ ثَمَرَهَا. لَنْ يَبْنُوا بُيُوتًا لِيَسْكُنَهَا آخَرُونَ، وَلَنْ يَزْرَعُوا كُرُومًا لِيأكُلَ ثَمَرَهَا آخَرُونَ. سَيَعِيشُونَ طَوِيلًا كَالأشْجَارِ، وَسَيَتَمَتَّعُ مُختَارِيَّ بِمَا صَنَعَتْهُ إيدِيهِمْ. لَنْ يَتْعَبُوا عَبَثًا، وَلَنْ يُنْجِبُوا أوْلَادًا لِلشَّقَاءِ. لِأنَّهُمْ نَسْلٌ بَارَكَهُ اللهُ ، وَبَارَكَ أوْلَادَهُمْ مَعَهُمْ. سَأُجِيبُهُمْ قَبْلَ أنْ يَدْعُونِي، وَبَيْنَمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ سَأستَجِيبُ لَهُمْ. سَيَرْعَى الذِّئبُ وَالحَمَلُ مَعًا، وَسَيَأْكُلُ الأسَدُ تِبنًا كَالبَقَرِ، أمَّا الحَيَّةُ، فَتَتَعَفَّرُ بِالتُّرَابِ. لَنْ يُؤذِيَ أوْ يُهلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى جَبَلِي المُقَدَّسِ.» يَقُولُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «السَّمَاءُ عَرشٌ لِي، وَالأرْضُ مَدَاسٌ لِقَدَمَيَّ. فَأيُّ بَيْتٍ تُرِيدُونَ أنْ تَبْنُوهُ لِي؟ هَلْ أحتَاجُ إلَى مَكَانٍ لِلرَّاحَةِ؟ يَدِي صَنَعَتْ هَذِهِ الأشْيَاءَ كُلَّهَا، وَلِذَلِكَ هِيَ وُجِدْتْ، يَقُولُ اللهُ . «لَكِنِّي أنظُرُ إلَى المِسكِينِ وَمَكسُورِ الرُّوحِ، الَّذِي يَرْتَعِدُ عِنْدَ سَمَاعِ كَلَامِي. لَيْسَ كَمَنْ يَذْبَحُ لِي ثَوْرًا ثُمَّ يَقْتُلُ إنْسَانًا! أوْ يُضَحِّي لِي بِحَمَلٍ ثُمَّ يَكْسِرُ عُنُقَ كَلبٍ! أوْ يُقَدِّمُ تَقْدِمَةَ قَمْحٍ وَيُرفِقُهَا بِدَمِ خِنزِيرٍ! أوْ يُحْرِقُ بَخُورًا تَقْدِمَةً لِي ثُمَّ يُبَارِكُ وَثَنًا! هُمُ اختَارُوا طُرُقَهُمْ، وَيُسَرُّونَ بِأوْثَانِهِمُ الكَرِيهَةِ. وَأنَا أيْضًا سَأُعَامِلُهُمْ بِقَسوَةٍ، وَسَأجْلِبُ عَلَيْهِمْ مَا يَخَافُونَهُ. لِأنِّي دَعَوتُ، وَلَمْ يُجِبْ أحَدٌ، تَكَلَّمْتُ، وَلَمْ يَسْتَمِعُوا، بَلْ صَنَعُوا الشَّرَّ أمَامِي، وَاختَارُوا مَا لَا يَسُرُّنِي.» اسْتَمِعُوا إلَى كَلِمَةِ اللهِ ، يَا مَنْ تُدرِكُونَ هَيبَتَهَا عِنْدَ سَمَاعِهَا: «أقرِبَاؤُكُمُ الَّذِينَ يَكْرَهُونَكُمْ وَيَرْفُضُونَكُمْ مِنْ أجْلِ اسْمِي يَقُولُونَ: ‹فَلْيُظهِرِ اللهُ مَجْدَهُ وَيُخَلِّصْهُمْ، حَتَّى نَرَى فَرَحَكُمْ.› لَكِنَّهُمْ سَيُخزَوْنَ.» هَا ضَجَّةٌ آتِيَةٌ مِنَ المُدُنِ، وَمِنَ الهَيْكَلِ. إنَّهُ صَوْتُ اللهِ يُعَاقِبُ أعْدَاءَهُ بِحَسَبِ مَا يَسْتَحِقُّونَ. وَلَدَتْ صِهْيَوْنُ قَبْلَ أنْ تَأْتِيَ آلَامُ المَخَاضِ. قَبْلَ أنْ تَشْعَرَ بِألَمِ الوِلَادَةِ، أنْجَبَتْ ذَكَرًا. مَنْ سَمِعَ بِشَيءٍ مِثْلِ هَذَا؟ وَمَنْ رَأى مِثْلَهُ؟ هَلْ تُولَدُ بَلَدٌ فِي يَوْمٍ؟ هَلْ تُولَدُ أُمَّةٌ فِي لَحظَةٍ؟ نَعَمْ، وَلَدَتْ صِهْيَوْنُ بَنِيهَا فِي أوَّلِ المَخَاضِ. يَقُولُ اللهُ : «فَهَلْ أُرسِلُ مَخَاضًا وَأمنَعُ الوِلَادَةَ؟ أنَا سَأُعِينُهَا عَلَى الوِلَادَةِ، فَلِمَاذَا أمنَعُ الإنجَابَ؟» يَقُولُ إلَهُكِ. افْرَحُوا مَعَ القُدْسِ وَابْتَهِجُوا لِأجْلِهَا، يَا جَمِيعَ مُحِبِّيهَا. افْرَحُوا مَعَهَا فَرَحًا، يَا جَمِيعَ النَّائِحِينَ عَلَيْهَا. لِكَي تَرْضَعُوا وَتَشْبَعُوا عَلَى صَدرِهَا المُرِيحِ، وَتَشْرَبُوا بِسُرورٍ فِي حِضنِهَا المَجِيدِ. لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَأُرْسِلُ لَهَا سَلَامًا كَنَهْرٍ، وَثَروَةَ الأُمَمِ كَجَدوَلٍ مُتَدَفِّقٍ. سَتُرضَعُونَ، وَعَلَى الأيدِي تُحمَلُونَ، وَعَلَى الرُّكَبِ تُدَلَّلُونَ. وَكَمَا تُعَزِّي الأُمُّ طِفلَهَا، هَكَذَا سَأُعَزِّيكُمْ. وَسَتَتَعَزَّونَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. سَتَرَونَ، وَقُلُوبُكُمْ سَتَفْرَحُ، وَأجسَادُكُمْ كَالعُشبِ سَتَزْهُو. وَسَتَكُونُ قُوَّةُ اللهِ مَعرُوفَةً بَيْنَ خُدَّامِهِ، وَغَضَبُهُ وَسَطَ أعْدَائِهِ.» هَا إنَّ اللهَ قَادِمٌ بِالنَّارِ، وَمَرْكَبَاتُهُ مِثْلَ العَاصِفَةِ، لِيُعَاقِبَ تِلْكَ الشُّعُوبَ فِي غَضَبِهِ، وَيُوَبِّخَهُمْ بِلُهُبِ النَّارِ. سَيُحَاكِمُ اللهُ جَمِيعَ البَشَرِ، وَسَيُنَفِّذُ حُكمَهُ بِالنَّارِ وَبِسَيفِهِ. كَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ سَيَقْتُلُهُمُ اللهُ . «سَيَهِلِكُ مَعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَغْتَسِلُونَ وَيَتَطَهَّرُونَ لِلذَّهَابِ إلَى مَزَارَاتِ الأوْثَانِ، وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ، وَيَتَوَسَّطُهُمْ قَائِدُهُمْ. سَيَهِلِكُ مَعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لَحْمَ خَنَازِيرَ وَجِرذَانَ وَقَذَارَاتٍ أُخرَى،» يَقُولُ اللهُ . «أعْرِفُ أعْمَالَهُمْ وَأفكَارَهُمْ. أنَا آتٍ لِأجْمَعَ كُلَّ الشُّعُوبِ وَالألسِنَةِ، وَسَيَأْتُونَ وَيَرَوْنَ مَجْدِي. سَأضَعُ فِيهِمْ عَلَامَةً، وَسَأُرْسِلُ النَّاجِينَ مِنْهُمْ إلَى تَرْشِيشَ وَفُولٍ وَلُودٍ – المشهُورَةِ بِرُمَاةِ السِّهَامِ – وَمَاشِكَ وَتُوبَالَ وَيَاوَانَ، وَإلَى الجُزُرِ البَعِيدَةِ الَّتِي لَمْ تَسْمَعْ بِي وَلَمْ تَرَ مَجْدِي، فَيُخبِرُونَ بِمَجْدِي وَسَطَ تِلْكَ الأُمَمِ. وَسَيَأْتُونَ بِكُلِّ إخْوَتِكُمْ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ كَتَقْدِمَةٍ للهِ . سَيَأْتُونَ إلَى جَبَلِي المُقَدَّسِ – مَدِينَةِ القُدْسِ – عَلَى الخَيلِ وَفِي المَرْكَبَاتِ وَالعَرَبَاتِ المُغَطَّاةِ وَعَلَى البِغَالِ وَالجِمَالِ، كَمَا يَأْتِي بَنُو إسْرَائِيلَ بِتَقْدِمَةِ قَمْحٍ فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ إلَى بَيْتِ اللهِ . وَسَأُعَيِّنُ مِنْهُمْ كَهَنَةً وَلَاوِيِّينَ.» يَقُولُ اللهُ . «لِأنَّهُ كَمَا أنَّ السَّمَاوَاتِ الجَدِيدَةَ وَالأرْضَ الجَدِيدَةَ الَّتِي سَأصنَعُ سَتَدُومُ فِي مَحضَرِي، هَكَذَا أيْضًا سَيَدُومُ اسْمُهُمْ وَنَسْلُهُمْ. وَمِنْ شَهرٍ إلَى شَهرٍ، وَمِنْ سَبتٍ إلَى سَبتٍ، سَيَأْتِي كُلُّ البَشَرِ لِيَسْجُدُوا أمَامِي،» يَقُولُ اللهُ . «وَسَيَخْرُجُونَ وَيَرَوْنَ جُثَثَ الَّذِينَ عَصَوْا عَلَيَّ. فَإنَّ دُودَهُمْ لَنْ يَمُوتَ، وَنَارَهُمْ لَنْ تُطفَأ، بَلْ سَيَمْقُتُهُمْ جَمِيعُ البَشَرِ.» هَذَا كَلَامُ إرْمِيَا بْنِ حَلْقِيَّا، أحَدِ الكَهَنَةِ الَّذِينَ عَاشُوا فِي عَنَاثُوثَ فِي أرْضِ بَنْيَامِينَ. الكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ اللهُ ، وَأعلَنَهُ لِإرْمِيَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ يُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا. وَخِلَالَ فَترَةِ حُكْمِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، إلَى الشَّهْرِ الخَامِسِ مِنَ السَنَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ صِدْقِيَّا بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. أيْ إلَى وَقْتِ سَبيِ مَدِينَةِ القُدْسِ. هَذِهِ هِيَ رِسَالَةُ اللهِ الَّتِي أُعلِنَتْ لِي: «قَبْلَ أنْ أُشَكِّلَكَ فِي الرَّحِمِ عَرَفْتُكَ. وَقَبْلَ خُرُوجِكَ مِنْ بَطنِ أُمِّكَ خَصَّصتُكَ لِخِدْمَتِي، وَعَيَّنتُكَ نَبِيًّا لِلشُّعُوبِ.» فَقُلْتُ: «وَلَكِنِّي أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، لَا أُحسِنُ الكَلَامَ كَنَبِيٍّ، لِأنِّي لَسْتُ سِوَى وَلَدٍ صَغِيرٍ.» فَقَالَ اللهُ لِي: «لَا تَقُلْ: ‹لَسْتُ سِوَى وَلَدٍ صَغِيرٍ،› لِأنَّكَ سَتَذْهَبُ إلَى كُلِّ مَكَانٍ سَأُرْسِلُكَ إلَيْهِ. وَسَتَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لَا تَخَفْ مِنَ النَّاسِ، لِأنِّي سَأكُونَ مَعَكَ لِأحمِيَكَ.» هَذَا هُوَ الكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ اللهُ . ثُمَّ مَدَّ اللهُ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي، وَقَالَ لِي: «هَا إنِّي وَضَعْتُ كَلَامِي فِي فَمِكَ. هَا أنَا قَدْ أعْطَيْتُكَ سُلطَانًا عَلَى الشُّعُوبِ وَالمَمَالِكِ. تَقْلَعُهَا وَتُحَطِّمُهَا وَتُهلِكُهَا وَتُدَمِّرُهَا، وَتُعِيدُ بِنَاءَهَا وَزِرَاعَتَهَا.» وَأعلَنَ لِي اللهُ الرِّسَالَةَ التَّالِيَةَ، فَقَالَ: «مَاذَا تَرَى يَا إرْمِيَا؟» فَقُلْتُ: «أرَى غُصْنَ لَوْزٍ.» فَقَالَ اللهُ لِي: «أحْسَنْتَ الرُّؤيَةَ. فَأنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لِأضمَنَ تَحْقِيقَهَا.» وَأعلَنَ لِي اللهُ رِسَالَةً أُخْرَى، فَقَالَ: «مَاذَا تَرَى؟» فَقُلْتُ: «أرَى قِدرًا مَملُوءَةً بِالمَاءِ المَغلِيِّ، وَفُتْحَتُهَا تَتَّجِهُ مِنَ الشِّمَالِ نَحْوَ الجَنُوبِ.» فَقَالَ اللهُ لِي: «مِنَ الشِّمَالِ سَيَنْطَلِقُ الشَّرُّ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ يَهُوذَا. هَا إنِّي سَأدعُو كُلَّ عَشَائِرِ مَمَالِكِ الشِّمَالِ، وَسَيَأْتُونَ. وَسَيَضَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَرْشَهُ عِنْدَ مَدَاخِلِ بَوَّابَاتِ مَدِينَةِ القُدْسِ. سَيُهَاجِمُونَ أسوَارَهَا وَالبَلدَاتِ المُحِيطَةَ بِهَا. يَقُولُ اللهُ . «وَسَأُعلِنُ حُكْمِي عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ شُرُورِهِمْ، الَّتِي تَرَكُونِي لِأجْلِهَا، إذْ أحرَقُوا بَخُورًا لِآلِهَةٍ أُخْرَى، وَانْحَنَوْا لِأشْيَاءَ صَنَعَتْهَا أيدِيهِمْ. «أمَّا أنْتَ، فَاسْتَعِدْ وَانْهَضْ، أخبِرْهُمْ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِأنْ تَقُولَهُ. لَا تَرْتَعِبْ أمَامَهُمْ، وَإلَّا أرعَبْتُكَ أمَامَهُمْ. هَا قَدْ جَعَلْتُكَ اليَوْمَ مَدِينَةً حَصِينَةً، كَعَمُودٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَكَحَائِطٍ مِنْ بُرُونْزٍ أمَامَ كُلِّ الأرْضِ، تَصْمِدُ ضِدَّ مُلُوكِ يَهُوذَا وَرُؤَسَائِهَا وَكَهَنَتِهَا، وَضِدَّ شَعْبِ الأرْضِ. سَيُحَارِبُونَكَ، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَقْدِرُوا أنْ يَهْزِمُوكَ، لِأنِّي سَأكُونُ مَعَكَ لِأحمِيَكَ،» يَقُولُ اللهُ . وَأعطَانِي اللهُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ: «اذْهَبْ وَأعلِنْ لِسُكَّانِ القُدْسِ أنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «‹يَا قُدْسُ، أتَذَكَّرُ وَلَاءَكِ الَّذِي أظْهَرْتِهِ فِي شَبَابِكِ، وَأتَذَكَّرُ مَحَبَّتَكِ لِي كَعَرُوسٍ. وَكَيْفَ مَشَيتِ وَرَائِي فِي الصَّحرَاءِ، فِي أرْضٍ غَيْرِ مَزرُوعَةٍ. إسْرَائِيلُ مُخَصَّصٌ للهِ ، وَهُوَ أوَّلُ حَصَادِهِ. كُلُّ مَنْ يُحَاوِلُ أكْلَهُ سَيُعَاقَبُ، وَسَيَأْتِي عَلَيْهِ الشَّرُّ.›» يَقُولُ اللهُ . اسمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا نَسْلَ يَعْقُوبَ، وَيَا جَمِيعَ عَشَائِرِ بَيْتِ إسْرَائِيلَ. لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «مَا النَّقصُ الَّذِي وَجَدَهُ آبَاؤُكُمْ فِيَّ، حَتَّى إنَّهُمُ ابتَعَدُوا عَنِّي، وَذَهَبُوا وَرَاءَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ، فَخَسِرُوا هُمْ قِيمَتَهُمْ؟ لَمْ يَقُولُوا: ‹أيْنَ اللهُ الَّذِي أخرَجَنَا مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، الَّذِي قَادَنَا فِي البَرِّيَّةِ، فِي أرْضٍ قَاحِلَةٍ وَمَلِيئَةٍ بِالوِديَانِ، فِي أرْضٍ جَافَّةٍ وَخَطِرَةٍ، فِي أرْضٍ مَهْجُورَةٍ، لَا يَعِيشُ فِيهَا أحَدٌ؟› «أتَيْتُ بِكُمْ إلَى أرْضٍ مُثمِرَةٍ، لِتَأْكُلُوا ثَمَرَهَا وَخَيرَاتِهَا. لَكِنَّكُمْ دَخَلتُمْ وَنَجَّستُمْ أرْضِي، وَجَعَلْتُمُوهَا قَبِيحَةً. «لَمْ يَقُلِ الكَهَنَةُ: ‹أيْنَ اللهُ ؟› وَالَّذِينَ يَعْرِفُونَ الشَّرِيعَةَ لَا يَعْرِفُونَنِي. الرُّعَاةُ أخطَأُوا ضِدِّي، وَالأنْبِيَاءُ تَنَبَّأُوا بِاسْمِ البَعْلِ، وَالبَاقُونَ ذَهَبُوا وَرَاءَ أُمُورٍ لَا تَنْفَعُ.» يَقُولُ اللهُ : «لِذَلِكَ سَأُحَاكِمُكُمْ ثَانِيَةً، وَسَأُحَاكِمُ أحفَادَكُمْ. اذْهَبُوا إلَى جُزُرِ كِتِّيمَ لِتَرَوْا، أوْ أرسِلُوا شَخْصًا إلَى أرْضِ قِيدَارَ لِتَعْرِفُوا. وَانظُرُوا إنْ حَدَثَ هُنَاكَ مِثْلُ هَذَا. هَلْ غَيَّرَتْ أُمَّةٌ آلِهَتَهَا مِنْ قَبْلُ؟ مَعَ أنَّهَا لَيْسَتْ آلِهَةً حَقِيقِيَّةً. أمَّا شَعْبِي فَقَدِ استَبْدَلُوا مَجْدِي بِمَا لَيْسَ يَنْفَعُ.» يَقُولُ اللهُ : «أيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ اندَهِشِي! ارتَعِبِي وَتَمَزَّقِي، لِأنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّينِ: تَرَكُوا يُنْبُوعَ المِيَاهِ المُنعِشَةِ، وَحَفَرُوا لِأنفُسِهِمْ آبَارًا. لَكِنَّهَا آبَارٌ مُشَقَّقَةٌ لَا تَحْتَفِظُ بِالمَاءِ. «هَلْ إسْرَائِيلُ عَبدٌ؟ هَلْ هُوَ خَادِمٌ وُلِدَ فِي البَيْتِ؟ فَلِمَاذَا صَارَ غَنِيمَةَ حَرْبٍ؟ الأُسُودُ زَمجَرَتْ عَلَيْهِ. زَمجَرَتْ بِصَوْتٍ عَالٍ. حَوَّلَ الأعْدَاءُ أرْضَهُ إلَى تَلَّةٍ مِنَ الخَرَائِبِ. أحرَقُوا مُدُنَهُ وَلَمْ يَتْرُكُوا فِيهَا أحَدًا. حَتَّى شَعْبُ مَمفِيسَ وَتَحْفَنِيسَ سَحَقُوا تَاجَ رَأسِكِ. صَنَعْتِ هَذَا بِنَفْسِكِ لِأنَّكِ تَرَكتِ ، بَيْنَمَا كَانَ يَقُودُكِ فِي الطَّرِيقِ. وَالْآنَ، لِمَاذَا تُرِيدِينَ السَّيرَ فِي الطَّرِيقِ إلَى مِصْرٍ، ألِتَشْرَبِي مَاءً مِنَ النِّيلِ؟ وَلِمَاذَا تُرِيدِينَ السَّيرَ إلَى أشُّورَ، ألِتَشْرَبِي مَاءً مِنَ الفُرَاتِ؟ فَلتَتأدَّبِي بِسَبِبِ شَرِّكِ، وَلْتَتَعَلَّمِي بِسَبِبِ تَمَرُّدُكِ، لِكَي تَعْرِفِي وَتَرَي أنَّ تَرْكَكِ أمرٌ شِرِّيرٌ وَمُرٌّ. مَهَابَتِي لَيْسَتْ فِيكِ،» يَقُولُ الرَّبُّ القَديرُ. «لِأنَّكِ مُنْذُ القَدِيمِ كَسَرْتِ نِيرَكِ، وَنَزَعْتِ قُيُودَكِ. وَقُلْتِ: ‹لَنْ أعْبَدَهُ!› فَزَنَيتِ عَلَى كُلِّ تَلَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ، وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ مُورِقَةٍ، وَكُنْتُ قَدْ زَرَعتُكِ مِثْلَ كَرْمِ عِنَبٍ أحْمَرَ جَيِّدٍ، مِنْ أحسَنِ بُذُورٍ. فَكَيْفَ تَغَيَّرْتِ وَصِرْتِ رَدِيئَةً، وَكَأنَّكِ كَرمَةٌ بَرِّيَّةٌ؟ فَحَتَّى لَوْ اغتَسَلتِ بِالنَّطرُونِ، أوِ بِالكَثِيرِ مِنَ الصَّابُونِ، فَسَتَبقَى أوْسَاخُ آثَامِكِ أمَامِي،» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «كَيْفَ تَقُولِينَ: ‹لَسْتُ نَجِسَةً، وَلَمْ أذهَبْ وَرَاءَ البَعْلِ؟› انظُرِي إلَى مَا تَعْمَلِينَهُ فِي الوَادِي، وَاعتَرِفِي بِمَا عَمِلْتِ. كُنْتِ مِثْلَ نَاقَةٍ سَرِيعَةٍ مَتَعَثِّرَةِ الخُطَى! مِثْلَ أتَانٍ بَرِّيَّةٍ فِي القَفرِ، فَمَنْ يَسْتَطِيعُ ضَبطَهَا إذْ تَلْتَهِبُ شَهوَتُهَا. لَا يَتْعَبُ البَاحِثُونَ عَنْهَا، بَلْ يَجِدُونَهَا فِي مَوسِمِ التَّزَاوُجِ. قُلْتُ لَكِ لَا تَرْكُضِي إلَى أنْ يَبْلَى حِذَاؤُكِ، أوْ حَتَّى يَجِفَّ حَلقُكِ. فَقُلْتِ: ‹لَا يَهُمُّنِي، قَدْ أحبَبتُ غُرَبَاءَ، وَسَأذْهَبُ وَرَاءَهُمْ.› «فَكَمَا يُخزَى لِصٌّ حِينَ يُمسَكُ، هَكَذَا خَزِيَ بَنُو إسْرَائِيلَ، هُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَكَهَنَتُهُمْ وَأنبِيَاؤُهُمْ. فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لِشَجَرَةٍ: ‹أنْتِ أبِي،› وَيَقُولُونَ لِصَخرَةٍ: ‹أنْتِ أُمِّي.› لِأنَّهُمْ أعطُونِي ظُهُورَهُمْ لَا وُجُوهَهُمْ. وَفِي ضِيقهِمْ يَقُولُونَ: ‹قُمْ وَأنقِذْنَا.› أيْنَ آلِهَتُكَ الَّتِي صَنَعْتَهَا لِنَفْسِكَ؟ لِيَقُومُوا وَيُخَلِّصُوكَ فِي وَقْتِ الضِّيقِ. لِأنَّ عَدَدَ آلِهَتِكَ بِعَدَدِ مُدُنِكَ يَا يَهُوذَا. «لِمَاذَا تُجَادِلُونَنِي؟ كُلُّكُمْ تَمَرَّدْتُمْ عَلَيَّ،» يَقُولُ اللهُ . «ضَرَبتُ أبْنَاءَكُمْ بِلَا فَائِدَةٍ، لِأنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّمُوا مِنْ تَأْدِيبِي. وَكَأسَدٍ مُهتَاجٍ، قَتَلْتُمْ أنْبِيَاءَكُمْ بَسُيُوفِكُمْ.» يَا أبْنَاءَ هَذَا الجِيلِ، انتَبِهُوا إلَى مَا يَقُولُهُ اللهُ لَكُمْ: «هَلْ أنَا كَالصَحرَاءِ بِالنِّسبَةِ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ؟ هَلْ أنَا كَأرْضٍ مُظلِمَةٍ؟ فَلِمَاذَا يَقُولُ شَعْبِي: ‹سَنَجُولُ كَمَا نَشَاءُ، وَلَنْ نَأتِيَ إلَيْكَ ثَانِيَةً›؟ هَلْ تَنْسَى العَذرَاءُ زِينَتَهَا؟ أوِ العَرُوسُ ثِيَابَ الزِّفَافِ؟ وَلَكِنَّ شَعْبِي نَسِيَنِي أيَّامًا كَثِيرَةً! «مَا أمْهَرَكِ فِي اكْتِشَافِ الطَّرِيقِ نَحْوَ مُحِبِّيكِ! بَلْ عَلَّمْتِ الشِّرِّيرَاتِ طُرُقَكِ! عَلَى كَفَّيكِ دَمٌ، إنَّهُ حَيَاةُ المَسَاكِينِ الأبرِيَاءِ. لَمْ تَجِدِيهِمْ يَسْرِقُونَ بَيتَكِ، بَلْ قَتَلْتِهِمْ بِلَا سَبَبٍ. وَقُلْتِ: ‹إنِّي بَرِيئَةٌ!› هَا إنَّنِي سَآتِي بِكِ إلَى المُحَاكَمَةِ. لِأنَّكِ قُلْتِ: ‹لَمْ أُخطِئْ.› تَتَسَكَّعِينَ بِاسْتِخفَافٍ. سَتَخِيبُ آمَالُكِ فِي مِصْرٍ، كَمَا خَابَتْ فِي أشُّورَ. سَتَخْرُجِينَ مِنْ مِصْرٍ وَيَدَاكِ فَوْقَ رَأسِكِ. لِأنَّ اللهَ قَدْ رَفَضَ تِلْكَ الأُمَمَ الَّتِي وَثِقْتِ بِهَا، وَلَنْ تَنْجَحِي حِينَ يُسَاعِدُونَكِ. «إنْ طَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ، فَخَرَجَتْ مِنْ عِندِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا آخَرَ، فَهَلْ يُمْكِنُ أنْ يَعُودَ إلَيْهَا؟ ألَا يُنَجِّسُ هَذَا الأرْضَ تَمَامًا؟ وَأنتِ يَا يَهُوذَا، زَنَيتِ مَعَ مُحِبِّينَ كَثِيرِينَ، وَتَعُودِينَ إلَيَّ،» يَقُولُ اللهُ . «ارفَعِي عَيْنَيْكِ إلَى الهِضَابِ الجَردَاءِ، فَأينَ المَكَانُ الَّذِي لَمْ تَزْنِي فِيهِ؟ تَنْتَظِرِينَ عِنْدَ جَوَانِبِ الطُّرُقِ، كَبَدَوِيٍّ فِي الصَّحرَاءِ. نَجَّسْتِ الأرْضَ بِزِنَاكِ وَشَرِّكِ. وَلِذَلِكَ امتَنَعَتِ الأمطَارُ الغَزِيرَةُ، وَأمطَارُ الرَّبِيعِ لَمْ تَأْتِ. أنْتِ مِثْلُ زَانِيَةٍ لَا يَظْهَرُ الخَجَلُ عَلَى وَجْهِهَا. ألَيْسَ لِفَترَةٍ قَصِيرَةٍ دَعَوتِنِي: ‹أبِي، رَفِيقَ حَيَاتِي›؟ وَقُلْتِ: ‹هَلْ سَيَغْضَبُ اللهُ إلَى الأبَدِ؟ هَلْ سَيَحْفَظُ سَخَطَهُ إلَى النِّهَايَةِ؟› تَقُولِينَ هَذَا، ثُمَّ تَعْمَلِينَ كُلَّ مَا تَسْتَطِيعِينَ مِنَ الشَّرِّ!» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي فِي فَترَةِ حُكْمِ يُوشِيَّا المَلِكِ: «هَلْ رَأيْتَ مَا عَمِلَتْهُ إسْرَائِيلُ المُرتَدَّةُ؟ صَعِدَتْ إلَى كُلِّ تَلَّةٍ عَالِيَةٍ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ مُورِقَةٍ، وَزَنَتْ هُنَاكَ. فَقُلْتُ: ‹بَعْدَ أنْ عَمِلَتْ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ سَتَرْجِعُ إلَيَّ.› وَلَكِنَّهَا لَمْ تَرْجِعْ. وَأُختُهَا الخَائِنَةُ يَهُوذَا رَأتْ ذَلِكَ. وَرَأتْ أنَّهُ بِسَبَبِ الأعْمَالِ النَّجِسَةِ الَّتِي عَمِلَتْهَا إسْرَائِيلُ المُرتَدَّةُ، أنَا طَلَّقْتُهَا. وَلَكِنَّ أُختَهَا الخَائِنَةَ يَهُوذَا لَمْ تَخَفْ، فَذَهَبَتْ هِيَ أيْضًا وَصَارَتْ زَانِيَةً. بَلِ استَهَانَتْ بِزِنَاهَا، حَتَّى نَجَّسَتِ الأرْضَ بِهِ. مَارَسَتِ الزِّنَى مَعَ الصُّخُورِ وَالأشْجَارِ! وَبِالرُّغمِ مِنْ هَذَا، لَمْ تَعُدْ إلَيَّ أُختُهَا الخَائِنَةُ يَهُوذَا بِكُلِّ قَلْبِهَا، وَلَكِنْ بِالكَذِبِ فَقَطْ،» يَقُولُ اللهُ . ثُمَّ قَالَ لِي اللهُ : «إسْرَائِيلُ المُرتَدَّةُ أكْثَرُ بِرًّا مِنَ الخَائِنَةِ يَهُوذَا. اذْهَبْ يَا إرْمِيَا وَنَادِ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ نَحْوَ الشِّمَالِ وَقُلْ: «‹ارجِعِي أيَّتُهَا المُرتَدَّةُ إسْرَائِيلُ.› يَقُولُ اللهُ : ‹لَنْ أنظُرَ إلَيكِ بِعُبُوسٍ، لِأنِّي رَحِيمٌ،› يَقُولُ اللهُ : ‹لَنْ أغضَبَ إلَى الأبَدِ. اعتَرِفِي بِإثمِكِ، اعتَرِفِي بِأنَّكِ تَمَرَّدْتِ عَلَى . تَتَنَقَّلِينَ مِنْ إلَهٍ غَرِيبٍ إلَى إلَهٍ غَرِيبٍ آخَرَ تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ مُورِقَةٍ، وَلَمْ تُطِيعِينِي،›» يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ اللهُ : «ارجِعُوا إلَيَّ أيُّهَا الأبْنَاءُ المُتَمَرِّدُونَ، لِأنِّي أنَا رَبُّكُمْ. سَآخُذُكُمْ وَاحِدًا مِنَ المَدِينَةِ، وَاثنَيْنِ مِنَ العَشِيرَةِ، وَآتِي بِكُمْ إلَى صِهْيَوْنَ. سَأُعْطِيكُمْ رُعَاةً بِحَسَبِ قَلْبِي، وَسَيَرْعَونَكُمْ بِمَعْرِفَةٍ وَمَهَارَةٍ. سَتَتَكَاثَرُونَ، وَسَتَسْكُنُونَ الأرْضَ فِي تِلْكَ الأيَّامِ،» يَقُولُ اللهُ . «لَنْ يَحتَاجَ النَّاسُ إلَى الكَلَامِ عَنْ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ فِيمَا بَعْدُ. لَنْ يُفَكِّرُوا بِهِ، وَلَنْ يَصْنَعُوا مِثْلَهُ ثَانِيَةً. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَدْعُو النَّاسُ مَدِينَةَ القُدْسِ عَرشَ اللهِ . سَتَجْتَمِعُ كُلُّ الأُمَمِ مَعًا فِي القُدْسِ لِأجْلِ اسْمِ اللهِ . وَلَنْ يَعُودُوا يَتْبَعُونَ أفكَارَهُمُ الشِّرِّيرَةَ بِعِنَادٍ. فِي تِلْكَ الأيَّامِ، سَيَأْتِي بَيْتُ يَهُوذَا وَبَيْتُ إسْرَائِيلَ – سَيَأْتُونَ مَعًا مِنْ أرْضِ الشِّمَالِ إلَى الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِآبَائِكُمْ.» «قُلْتُ سَأُعَامِلُكُمْ كَأوْلَادِي. وَسَأُعْطِيكُمْ أرْضًا شَهِيَّةً، وَمِيرَاثًا عَظِيمًا بَيْنَ الأُمَمِ. وَقُلْتُ سَتَدْعُونَنِي ‹يَا أبِي،› وَلَنْ تَتْرُكُونِي. «وَلَكِنْ كَمَا تَخُونُ امْرأةٌ شَرِيكَ حَيَاتِهَا، هَكَذَا خُنتُمُونِي يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ.» يَقُولُ اللهُ . «صَوْتٌ يُسمَعُ عَلَى الهِضَابِ الجَردَاءِ، صَوْتُ بُكَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَصَلَوَاتِهِمْ. لِأنَّهُمْ جَعَلُوا طَرِيقَهُمْ مُنحَرِفًا، وَنَسَوْا .» قَالَ اللهُ : «ارجِعُوا إلَيَّ أيُّهَا الأوْلَادُ المُرتَدُّونَ، وَأنَا سَأشفِي ارتِدَادَكُمْ.» قُولُوا فَقَطْ: «سَنَأتِي إلَيْكَ، لِأنَّكَ أنْتَ . حَقًّا، إنَّ التِّلَالَ لَا تُقَدِّمُ مَعُونَةً، وَالضَّجَّةَ عَلَى الجِبَالِ بِلَا مَنفَعَةٍ. حَقًّا، إنَّ خَلَاصَ إسْرَائِيلَ هُوَ فِي . مُنْذُ أيَّامِ صِبَانَا، تَلْتَهِمُ الآلِهَةُ المُخزِيَةُ كُلَّ تَعَبِ آبَائِنَا، غَنَمَهُمْ وَمَاشِيَتَهُمْ وَبَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ. فَلْنَنَمْ فِي خِزْيِنَا، وَلْيُغَطِّنَا ذُلُّنَا. لِأنَّنَا أخْطَأنَا إلَى ، نَحْنُ وَآبَاؤُنَا، مُنْذُ نُشُوءِ هَذَا الشَّعْبِ إلَى اليَوْمِ. بَلْ لَمْ نُطِعْ .» يَقُولُ اللهُ : «يَا شَعْبَ إسْرَائِيلَ، إنْ رَجِعْتَ إلَيَّ، إنْ أزَلتَ أصْنَامَكَ مِنْ أمَامِي، إنْ كُنْتَ لَا تَذْهَبُ خَلفَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَإنْ حَلَفْتَ بِاللهِ بِصِدقٍ وَعَدلٍ وَأمَانَةٍ، حِينَئِذٍ، سَتَتَبَارَكُ الأُمَمُ بِهِ، وَبِهِ سَيَفْتَخِرُونَ.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ: «احرُثُوا الأرْضَ غَيْرَ المَحرُوثَةِ، وَلَا تَبْذُرُوا البُذُورَ بَيْنَ الأشوَاكِ. يَا رِجَالَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ مَدِينَةِ القُدْسِ، اختِنُوا أنْفُسَكُمْ للهِ ، وَأزِيلُوا غُرْلَةَ قُلُوبِكُمْ. وَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذَا، فَسَيَأْتِي غَضَبِي عَلَيْكُمْ كَالنَّارِ، وَسَيُحْرِقُكُمْ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أحَدٌ لِيُطفِئَ النَّارَ، لِأنَّ أعْمَالَكُمْ شِرِّيرَةٌ جِدًّا.» «أخبِرُوا بِهَذَا الكَلَامِ فِي يَهُوذَا، وَتَكَلَّمُوا بِهِ فِي مَسَامِعِ أهْلِ مَدِينَةِ القُدْسِ. قُولُوا لَهُمْ: ‹انفُخُوا بِالبُوقِ نَادُوا بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ. اجتَمِعُوا مَعًا، وَلْنَذهَبْ إلَى المُدُنِ الحَصِينَةِ.› ارفَعُوا رَايَةً لِتَحْذِيرِ صِهْيَوْنَ مِنَ اقتِرَابِ الضِّيقِ. اركُضُوا لِلِاحتِمَاءِ، وَلَا تُحَاوِلُوا الوُقُوفَ. لِأنِّي سَأجْلِبُ شَرًّا، وَدَمَارًا عَظِيمًا مِنَ الشِّمَالِ.» أسَدٌ قَامَ مِنْ عَرِينِهِ، وَمُهلِكُ الأُمَمِ بَدَأ حَمْلَتَهُ. صَعِدَ مِنْ بَيْتِهِ لِيُدَمِّرَ أرْضَكِ. مُدُنُكِ سَتُصبِحُ أكْوَامَ خَرَائِبَ غَيرَ مَسْكُونَةٍ. فَالبَسِي ثِيَابَ الحُزنِ، نُوحِي وَوَلوِلِي بِحُزنٍ، لِأنَّ اللهَ مَا زَالَ غَاضِبًا عَلَيْنَا. يَقُولُ اللهُ : «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَفْقِدُ المَلِكُ وَقَادَتُهُ شَجَاعَتَهُمْ، وَالكَهَنَةُ سَيُصعَقُونَ، وَالأنْبِيَاءُ سَيَنْدَهِشُونَ.» فَقُلْتُ: «هَذَا أمرٌ رَهِيبٌ أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ . إنَّمَا قَدْ خَدَعتَ هَذَا الشَّعْبَ وَمَدِينَةَ القُدْسِ بِقَولِكَ: ‹سيَكُونُ لَكُمْ خَيْرٌ،› بَيْنَمَا السَّيْفُ عَلَى حَنَاجِرِهِمْ!» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُقَالُ لِذَلِكَ الشَّعْبِ وَلِلقُدْسِ: «رِيحٌ لَافِحَةٌ مِنَ الهِضَابِ الجَرْدَاءِ سَتَأْتِي عَلَى شَعْبِي العَزِيزِ، لَا لِلتَّشتِيتِ وَلَا لِلتَّطهِيرِ. رِيحٌ أشَدُّ مِنَ المُتَوَقَّعِ آتِيَةٌ. وَالْآنَ، أنَا سَأُعلِنُ دَينُونَتَهُمْ.» سَيَرْتَفِعُ العَدُوُّ كَالسَّحَابِ، وَسَتَأْتِي مَرْكَبَاتُهُ كَعَاصِفَةٍ، وَخَيلُهُ أسرَعُ مِنَ النُّسُورِ. وَالشَّعْبُ يَقُولُ: «وَيْلٌ لَنَا! لِأنَّنَا خَرِبنَا!» يَا أهْلَ القُدْسِ، اغسِلُوا قُلُوبَكُمْ مِنَ الشَّرِّ، لِكَي تَخْلُصُوا. إلَى مَتَى سَتَسْكُنُ خُطَطُكُمْ وَأفْكَارُكُمُ الشِّرِّيرَةُ فِي دَاخِلِكُمْ؟ اسمَعُوا هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنْ أرْضِ دَانٍ، تُعلِنُ الدَّمَارَ مِنْ أرْضِ أفْرَايِمَ الجَبَلِيَّةِ: «ذَكِّرُوا الأُمَمَ، وَسَمِّعُوهُمْ هَذَا عَنِ القُدْسِ: المُحَاصِرُونَ آتُونَ مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ، مُزمِعُونَ عَلَى تَدْمِيرِ مُدُنِ يَهُوذَا. حَاصَرُوهَا كَالحَرَسِ الَّذِينَ يَحْرُسُونَ حَقلًا. لِأنَّ مَدِينَةَ القُدْسِ تَمَرَّدَتْ عَلَيَّ،» يَقُولُ اللهُ . «هَذَا جَاءَ عَلَيْكِ بِسَبَبِ عَادَاتِكِ وَأعْمَالِكِ الشِّرِّيرَةِ. هَذَا هُوَ سَبَبُ عِقَابِكِ. وَهُوَ عِقَابٌ مُرٌّ، قَدْ وَصَلَ إلَى أعْمَاقِ قَلْبِكِ.» أشعُرُ بِالمَرَضِ الشَّدِيدِ، إنِّي أتَلَوَّى ألَمًا، قَلْبِي يَنْكَسِرُ، وَهُوَ يَخْفِقُ بِشِدَّةٍ. لَا أسْتَطِيعُ تَهْدِئَتَهُ. فَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ البُوقِ، وَصَيحَةَ الحَرْبِ. كَارِثَةٌ تَعْقُبُ كَارِثَةً، وَالأرْضُ كُلُّهَا مُدَمَّرَةٌ. فَجْأةً سَتَخْرُبُ خِيَامِي، وَفِي لَحظَةٍ سَتَتَحَطَّمُ شُقَقُهَا. إلَى مَتَى أرَى رَايَةَ التَّحذِيرِ؟ إلَى مَتَى سَأسمَعُ صَوْتَ البُوقِ دَاعِيًا إلَى الحَرْبِ؟ وَيَقُولُ اللهُ : «شَعْبِي أحْمَقُ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَنِي. هُمْ بَنُونَ حَمْقَى، وَلَا يَفْهَمُونَ شَيْئًا. هُمْ حُكَمَاءُ وَمَاهِرُونَ فِي عَمَلِ الشَّرِّ، لَكِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ الخَيْرَ.» نَظَرتُ إلَى الأرْضِ، وَإذَا بِهَا فَارِغَةٌ وَلَا حَيَاةَ فِيهَا. وَنَظَرتُ إلَى السَّمَاءِ، فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نُورٌ. نَظَرتُ إلَى الجِبَالِ، فَإذَا بِهَا تَهْتَزُّ، وَكُلُّ التِّلَالِ تَرْتَجِفُ. نَظَرتُ، فَلَمْ أجِدْ إنْسَانًا، وَكُلُّ طُيُورِ السَّمَاءِ كَانَتْ قَدْ هَرَبَتْ. نَظَرتُ، وَإذَا بِالأرْضِ الخَصبَةِ قَدْ صَارَتْ قَاحِلَةً. كُلُّ المُدُنِ قَدْ تَهَدَّمَتْ، بِسَبَبِ حُمُوِّ غَضَبِ اللهِ . لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «كُلُّ الأرْضِ سَتُخرَبُ، وَلَكِنِّي لَنْ أُدَمِّرَهَا تَمَامًا. لِأجْلِ هَذَا، تَبْدُو السَّمَاءُ كَنَائِحٍ يَكْسُوهُ السَّوَادُ. لِأنِّي تَكَلَّمْتُ وَبَيَّنتُ هَدَفِي. لَمْ أتنَازَلْ عَنْهُ وَلَنْ أتَرَاجَعَ.» عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ الخُيُولِ وَرُمَاةِ السِّهَامِ هَرَبَ سُكَّانُ جَمِيعِ المُدُنِ. يَدْخُلُونَ إلَى الغَابَاتِ هَرَبًا مِنْ أعْدَائِهِمْ، وَيَصْعَدُونَ إلَى الصُّخُورِ لِيَخْتَبِئُوا. كُلُّ المُدُنِ مَهجُورَةٌ، وَلَا أحَدَ يَسْكُنُ فِيهَا. أنْتِ خَرِبَةٌ، فَلِمَاذَا تَلْبَسِينَ ثِيَابًا حَمْرَاءَ أنِيقَةً؟ فَأنْتِ تَرْتَدِينَ زِينَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَتَضَعِينَ كُحلًا كَثِيرًا حَوْلَ عَيْنَيْكِ. تُجَمِّلِينَ نَفْسَكِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، لِأنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَشْتَهُونَكِ رَفَضُوكِ، وَهُمُ الآنَ يَطْلُبُونَ حَيَاتَكِ. لِأنِّي سَمِعْتُ صَوْتَ امْرأةٍ تَتَلَوَّى مُتَألِّمَةً، وَأسمَعُ صَوْتَ ألَمٍ شَدِيدٍ، كَامْرَأةٍ تَلِدُ بِكرَهَا. أسمَعُ صَوْتَ العَزيزَةِ صِهْيَوْنَ، تَلْهَثُ طَلَبًا لِلَهَوَاءِ، وَتَمُدُّ يَدَيهَا طَلَبًا لِلعَونِ وَهِيَ تَقُولُ: «وَيْلٌ لِي، لِأنِّي مُتعَبَةٌ جِدًّا وَلَا أقدِرُ أنْ أهرُبَ مِنَ القَتَلَةِ.» «طُوفُوا فِي شَوَارِعِ مَدِينَةِ القُدْسِ، وَتَفَحَّصُوا جَيِّدًا مَا فِيهَا. فَتِّشُوا فِي سَاحَاتِهَا إنْ كَانَ هُنَاكَ شَخْصٌ وَاحِدٌ يَعْمَلُ بِالعَدْلِ وَمَحَلَّ ثِقَةٍ. حِينَئِذٍ، سَأغفِرُ لِلقُدْسِ. وَإنْ حَلَفُوا بِاللهِ ، فَهُمْ يَحْلِفُونَ كَذِبًا.» يَا اللهُ ، أمَا تَبْحَثُ عَينَاكَ عِنِ الحَقِّ؟ ضَرَبْتَهُمْ، فَلَمْ يَتألَّمُوا، التَهَمْتَهُمْ، فَرَفَضُوا تَأْدِيبَكَ. جَعَلُوا وُجُوهَهُمْ أقسَى مِنَ الصَّخرِ، رَفَضُوا التَّوبَةَ. وَأنَا قُلْتُ: «إنَّمَا هُمْ مَسَاكِينُ، إنَّهُمْ حَمقَى، لِأنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَا أمَرَ بِهِ اللهُ ، وَلَا يَعْرِفُونَ تَعْلِيمَ إلَهِهِمْ. سَأذهَبُ إلَى قَادَةِ يَهُوذَا، وَأتَكَلَّمُ مَعَهُمْ، لِأنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مَا أمَرَ بِهِ اللهُ ، وَيَعْرِفُونَ تَعْلِيمَ إلَهِهِمْ.» وَلَكِنَّهُمْ جَمِيعًا كَسَرُوا النِّيرَ، نَزَعُوا عَنْ أنْفُسِهِمُ القُيُودَ. لِذَلِكَ هَجَمَ عَلَيْهِمْ أسَدٌ مِنَ الغَابَةِ، وَذِئبٌ مِنَ الصَّحرَاءِ يُخَرِّبُهُمْ. نَمِرٌ يَتَمَشَّى فِي مُدُنِهِمْ. وَكُلُّ مَنْ يَخْرُجُ يُمَزَّقُ تَمْزِيقًا، لِأنَّهُمُ ارتَكَبُوا جَرَائِمَ كَثِيرَةً، وَهُمْ دَائِمًا يَضِلُّونَ. «كَيْفَ يُمكِنُنِي أنْ أغفِرَ لَكُمْ؟ أبْنَاؤكِ تَرَكُونِي، وَأقسَمُوا بِآلِهَةٍ غَيْرِ مَوجُودَةٍ. أعْطَيْتُهُمْ كُلَّ مَا يَحتَاجُونَ إلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ زَنَوْا مُحتَشِدِينَ أمَامَ بَيْتِ الزَّانِيَةِ. إنَّهُمْ مِثْلُ خُيُولٍ هَائِجَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ يَصْهَلُ عَلَى زَوْجَةِ صَاحِبِهِ. ألَا أُعَاقِبُهُمْ بِسَبَبِ هَذِهِ الأُمُورِ؟ ألَا تَطْلُبُ نَفْسِي الِانْتِقَامَ مِنْ أُمَّةٍ كَهَذِهِ؟» يَقُولُ اللهُ . «اعبُرُوا وَسَطَ صُفُوفِ كُرُومِهَا وَكَسِّرُوهَا، وَلَكِنْ لَيْسَ بِالْكَامِلِ. انزِعُوا أغْصَانَهَا الزَّائِدةَ، لِأنَّهَا لَيْستْ للهِ . لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا خَانُونِي خِيَانَةً.» يَقُولُ اللهُ . «فَقَدْ كَذَبُوا بِكَلَامِهِمْ عَنِ اللهِ ، قَالُوا: ‹لَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا. وَلَنْ يَأْتِيَ الشَّرُّ عَلَيْنَا، وَلَنْ نَرَى الحَرْبَ وَلَا الجُوعَ.› «سَيَصِيرُ الأنْبِيَاءُ رِيحًا، وَكَلِمَةُ اللهِ لَنْ تَكُونَ فِيهِمْ. هَذَا مَا سَأفْعَلُهُ بِهِمْ.» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «لِأنَّكُمْ قُلْتُمْ هَذَا الكَلَامَ، سَأجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِكَ يَا إرْمِيَا كَنَارٍ، وَسَيَكُونُ هَذَا الشَّعْبُ مِثْلَ الشَّجَرِ، وَكَلِمَةُ اللهِ الَّتِي فِي فَمِكَ سَتَلْتَهِمُهُمْ.» يَقُولُ اللهُ : «يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، سَآتِي بِأُمَّةٍ غَرِيبَةٍ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعِيدٍ، أُمَّةٍ قَوِيَّةٍ وَلَهَا تَارِيخٌ قَدِيمٌ، أمَّةٍ لَا تَعْرِفُونَ لُغَتَهَا، فَلَنْ تَفْهَمُوا مَا يَقُولُونَ. كِيسُ سِهَامِهِا كَقَبْرٍ مَفْتُوحٍ، وَكُلُّ جُنُودِهِا أقْوِيَاءُ. سَيَلتَهِمُونَ حَصَادَكُمْ وَطَعَامَكُمْ، وَسَيَأكُلُونَ بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَغَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ، وَعِنَبَكُمْ وَتِينَكُمْ. وَسَيُدَمِّرُونَ مُدُنَكُمُ الحَصِينَةَ، الَّتِي عَلَيْهَا اتَّكَلْتُمْ فِي الحَرْبِ.» يَقُولُ اللهُ : «لَكِنْ حَتَّى فِي تِلْكَ الأيَّامِ، لَنْ أمحُوَكُمْ تَمَامًا. فَإنْ قُلْتُمْ: ‹لِمَاذَا عَمِلَ هَذَا كُلَّهُ بِنَا؟› قُلْ لَهُمْ أنْتَ يَا إرْمِيَا: ‹لِأنَّكُمْ تَرَكتُمُونِي، وَعَبَدْتُمْ ألِهَةً غَرِيبَةً فِي أرْضِكُمْ، سَتَكُونُونَ عَبِيدًا لِغُرَبَاءَ فِي أرْضٍ لَيْسَتْ لَكُمْ.› «أعلِنُوا هَذَا وَسَطَ بَيْتِ يَعْقُوبَ، وَأعلِنُوهُ فِي يَهُوذَا. اسْمَعُوا هَذَا أيُّهَا الشَّعْبُ الأحْمَقُ الَّذِي لَا عَقلَ لَهُ. لَكُمْ عُيُونٌ وَلَكِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ، وَلَكُمْ آذَانٌ وَلَكِنَّكُمْ لَا تَسْمَعُونَ.» يَقُولُ اللهُ : «ألَسْتُمْ خَائِفِينَ مِنِّي؟ ألَا تَرْتَجِفُونَ فِي حَضْرَتِي؟ أنَا مَنْ أجعَلُ الرِّمَالَ حَدًّا لِلمُحِيطِ، حَدًّا أبَدِيًّا لَا يَتَعَدَّاهُ البَحْرُ. تَتَلَاطَمُ الأموَاجُ، وَلَا تَتَجَاوَزُ الرِّمَالَ، تُزَمجِرُ أموَاجُ البَحْرِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَتَجَاوَزُ حَدَّهَا. لِهَذَا الشَّعْبِ قَلْبٌ عَنِيدٌ وَمُتَمَرِّدٌ. ارتَدُّوا عَنِّي وَتَرَكُونِي. لَا يَقُولُونَ لِأنفُسِهِمْ: ‹لِنَخَفْ ، الَّذِي يُعطِينَا مَطَرَ الخَرِيفِ وَمَطَرَ الرَّبِيعِ فِي وَقْتِهِمَا، الَّذِي يَضْمَنُ حَصَادَنَا فِي وَقْتِهِ.› آثَامُكُمْ مَنَعَتْكُمْ مِنَ هَذَا، وَخَطَايَاكُمْ حَرَمَتكُمْ مِنَ الخَيْرِ. لِأنَّهُ وُجِدَ أشرَارٌ وَسَطَ شَعْبِي. يَتَرَصَّدُونَ لِفَرِيسَتِهِمْ بِالخِفْيَةِ، يَضَعُونَ الفِخَاخَ، وَيَصطَادُونَ النَّاسَ. مِثْلَ قَفَصٍ مَلِيءٍ بِالطُّيُورِ، هَكَذَا بُيُوتُهُمْ مَلِيئَةٌ بِالخِدَاعِ، لِذَلِكَ هُمْ عُظَمَاءٌ وَأغنِيَاءٌ. سَمِينُونَ وَنَاعِمُونَ. لَا يَعْرِفُونَ حَدًّا لِشُرُورِهِمْ، وَلَا يَحْكُمُونَ بِالعَدْلِ. لَا يُنْصِفُونَ اليَتِيمَ، وَلَا يُدَافِعُونَ عَنْ حُقُوقِ الفُقَرَاءِ.» يَقُولُ اللهُ : «ألَا أُعَاقِبُهُمْ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ؟ ألَا أنتَقِمُ مِنْ أُمَّةٍ كَهَذِهِ؟ أمرٌ رَهِيبٌ وَمُرَوِّعٌ حَدَثَ فِي الأرْضِ: الأنْبِيَاءُ تَنَبَّأُوا بِالكَذِبِ، وَالكَهَنَةُ لَا يَقُومُونَ بِوَاجِبِهِمْ. وَشَعْبِي يُحِبُّ أنْ تكُونَ الأُمُورُ هَكَذَا! فَمَاذَا سَتَعْمَلُونَ عِنْدَمَا تأتِي النِّهَايَةُ؟ «يَا بَنِي بَنْيَامِينَ، اهرُبُوا مِنَ القُدْسِ إلَى مَكَانٍ آمِنٍ. اضرِبُوا بِالبُوقِ فِي تَقُوعَ، وَارْفَعُوا رَايَةً لِلتَّحذِيرِ فِي بَيْتِ هَكَّارِيمَ. لِأنَّ شَّرًّا وَخَرَابًا عَظِيمًا آتيَانِ مِنَ الشِّمَالِ، عَلَى العَزِيزَةِ صِهْيَوْنَ الجَمِيلَةِ وَالرَّقِيقَةِ. رُعَاةٌ وَقُطعَانُهُمْ سَيأتُونَ عَلَيْهَا. نَصَبُوا خِيَامَهُمْ حَوْلَهَا، كُلُّ وَاحِدٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ.» يَقُولُ العُدُوُّ: «استَعِدُّوا لِشَنِّ مَعرَكَةٍ عَلَيْهَا. قُومُوا، وَسَنُهَاجِمُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ.» فَقَالَ الشَّعْبُ: «وَيْلٌ لَنَا، لِأنَّ نِهَايَةَ هَذَا اليَوْمِ تَقْتَرِبُ، وَلِأنَّ ظِلَالَ المَسَاءِ تَزدَادُ امتِدَادًا.» يَقُولُ العَدُوُّ: «قُومُوا، سَنُهَاجِمُهَا لَيْلًا، وَنُدَمِّرُ تَحْصِينَاتِهَا.» وَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «اقْطَعُوا الأشْجَارَ، أقِيمُوا أبرَاجَ حِصَارٍ عَلَى القُدْسِ. هَذِهِ هِيَ المَدِينَةُ المُعَاقَبَةُ، إنَّهَا مَلِيئَةٌ بِالظُّلمِ. كَمَا تَحْفَظُ البِئرُ مَاءَهَا جَدِيدًا، هَكَذَا تَحْفَظُ هِيَ شَرَّهَا جَدِيدًا. العُنفُ وَالدَّمَارُ يُسمَعَانِ فِيهَا، مَرَضٌ وَضَربٌ أمَامِي دَائِمًا. تَعَلَّمِي دَرسًا يَا قُدْسُ، حَتَّى لَا أهجُرَكِ، وَحَتَّى لَا أُحَوِّلَكِ إلَى أرْضٍ خَرِبَةٍ وَمَهجُورَةً.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «سَيَجْمَعُ الأعْدَاءُ جَمِيعَ البَاقِينَ فِي القُدْسِ، مِثْلَمَا يَجْمَعُ أحَدُهُمْ بَقَايَا العِنَبِ. تَفَحَّصْ كُلَّ غُصنٍ مِنْ جَدِيدٍ، كَمَا يَعْمَلُ قَاطِفُ العِنَبِ.» إلَى مَنْ أتَكَلَّمُ وَمَنْ أُحَذِّرُ؟ وَمَنِ الَّذِينَ سَيَسْمَعُونَ؟ يُغلِقُونَ آذَانَهُمْ، فَلَا يَسْمَعُونَ. صَارَتْ كَلِمَةُ اللهِ مَوضُوعًا لِلسُخرِيَةِ عِنْدَهُمْ، وَلَا يُرِيدُونَ سَمَاعَهَا. أنَا مَملُوءٌ مِنْ غَضَبِ اللهِ ، وَمُتعَبٌ مِنْ حَجزِهِ فِي دَاخِلِي. «اسكُبْ هَذَا الغَضَبَ عَلَى الأطْفَالِ فِي الشَّارِعِ، وَعَلَى الفِتيَانِ المُجَتَمِعِينَ. لِأنَّ الرَّجُلَ سَيُمسَكُ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَالشَّيخَ مَعَ المُسِنِّ. سَتُعطَى خُيُولُهُمْ لِآخَرِينَ، مَعَ حُقُولِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، لِأنِّي سَأُهَاجِمُ سُكَّانَ الأرْضِ،» يَقُولُ اللهُ . «لِأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، مِنْ أفقَرِهِمْ إلَى أغنَاهُمْ، يَمِيلُونَ إلَى الكَسبِ غَيْرِ الشَّرِيفِ. وَمِنَ الأنْبِيَاءِ إلَى الكَهَنَةِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُخَادِعٌ. يُعَالِجُونَ كَسْرَ شَعْبِي بِاسْتِخفَافٍ، يَقُولُونَ: ‹سَلَامٌ لَكُمْ، سَلَامٌ لَكُمْ،› وَمَا مِنْ سَلَامٍ. فَهَلْ خَجِلُوا بِسَبِبِ أعْمَالِهِمُ النَّجِسَةِ؟ لَمْ يَخْجَلُوا وَلَمْ يَعْرِفُوا الحيَاءَ. لِذَلِكَ سَيَسْقُطُونَ مَعَ السَّاقِطِينَ. فِي وَقْتِ عِقَابِي لَهُمْ سَيَتَعَثَّرُونَ،» يَقُولُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «قِفُوا عَلَى الطُّرُقِ، انْظُرُوا وَاسألُوا عَنِ المَسَالِكِ القَدِيمَةِ، حَيْثُ طَرِيقُ الخَيْرِ. ثُمَّ سِيرُوا فِيهَا لِتَجِدُوا رَاحَةً لِأنفُسِكُمْ. لَكِنَّهُمْ قَالُوا: ‹لَنْ نَسِيرَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ.› وَوَضَعْتُ حُرَّاسًا عَلَيْهِمْ لِيَقُولُوا: ‹انتَبِهُوا إلَى صَوْتِ البُوقِ،› فَقَالُوا: ‹لَنْ نَنتَبِهَ!› لِذَلِكَ اسْمَعِي أيَّتُهَا الأُمَمُ، وَاعرِفِي أيَّتُهَا الشُّعُوبُ مَا سَيَحْدُثُ لَهُمْ. يَا أرْضُ، اسْمَعِي هَذَا! هَا أنَا آتِي بِالألَمِ إلَى هَذَا الشَّعْبِ، سَآتِي بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ بِسَبَبِ أفكَارِهِمُ الشِّرِّيرَةِ. لِأنَّهُمْ لَمْ يُصغُوا لِكَلَامِي، كَمَا رَفَضُوا شَرِيعَتِي. «لِمَاذَا أفرَحُ بِالبَخُورِ الَّذِي يَأْتِي مِنْ شَبَا، وَبِالقَصَبِ ذِي الرَّائِحَةِ الجَمِيلَةِ مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ؟ تَقْدِمَاتُكُمْ غَيْرُ مَقبُولَةٍ، وَذَبَائِحُكُمْ لَا تَسُرُّنِي.» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَأضَعُ أمَامَ هَذَا الشَّعْبِ حِجَارَةً تُعثِرُهُمْ. الآبَاءُ وَالأبْنَاءُ مَعًا وَالجَارُ وَالصَّدِيقُ، سَيَهْلِكُونَ جَمِيعًا.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «هَا شَعْبٌ قَادِمٌ مِنْ أرْضِ الشِّمَالِ، وَأُمَّةٌ عَظِيمَةٌ اسْتَيْقَظَتْ مِنْ أقَاصِي الأرْضِ. أمسَكُوا بِالقَوسِ وَبِالرُّمحِ، وَهُمْ قُسَاةٌ وَبِلَا رَحمَةٍ. صَوْتُهُمْ كَالبَحرِ العَظِيمِ، حِينَ يَرْكَبُونَ عَلَى خَيلِهِمْ. هَا هُمْ مُصطَفُّونَ لِمُحَارَبَتِكِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، أيَّتُهَا العَزِيزَةُ صِهْيَوْنُ.» سَمِعْنَا الأخْبَارَ عَنْهَا، فَارتَخَتْ أيدِينَا، وَأمسَكَنَا الضِّيقُ وَالوَجَعُ مِثْلَ امْرأةٍ تَتَمَخَّضُ. لَا تَخْرُجُوا إلَى الحَقْلِ، وَلَا تَسِيرُوا عَلَى الطَّرِيقِ، لِأنَّ العَدُوَّ يُمْسِكُ سَيْفًا، وَالرُّعبَ يُحِيطُ بِنَا. البَسُوا الخَيْشَ يَا شَعْبِي العَزِيزَ، تَمَرَّغُوا بِالرَّمَادِ. نُوحُوا بِمَرَارَةٍ كَمَنْ فَقَدَتِ ابْنَهَا الوَحِيدَ، لِأنَّ المُدَّمِرَ سَيَأْتِي عَلَيْنَا فَجْأةً. «يَا إرْمِيَا، أنَا اللهَ جَعَلْتُكَ فَاحِصًا مُنَقِّيًا وَسَطَ شَعْبِي، لِكَي تَعْرِفَ وَتَمْتَحِنَ سُلُوكَهُمْ. كُلُّهُمْ عُصَاةٌ مُتَمَرِّدُونَ، يَتَكَلَّمُونَ بِالوِشَايَةِ. كُلُّهُمْ مِثْلُ البُرُونْزِ وَالحَدِيدِ، مَلِيئُونَ بِالفَسَادِ وَالشَّوَائِبِ. المِنفَاخُ يَزِيدُ قُوَّةَ النَّارِ، وَالرَّصَاصُ يَخْرُجُ بِفِعلِ النَّارِ. وَلَكِنَّ تَنْقِيَتَهُمْ بِلَا فَائِدَةٍ، لِأنَّ الشَّرَّ لَا يَزُولُ مِنْهُمْ. فَيُدْعَونَ: ‹فِضَّةً مَرفُوضَةً،› لِأنَّ اللهَ رَفَضَهُمْ.» هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ النَّبَوِيَّةُ الَّتِي أتَتْ لِإرْمِيَا مِنَ اللهِ : «قِفْ فِي بَوَّابَةِ بَيْتِ اللهِ ، وَأعلِنْ هُنَاكَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ: «يَا كُلَّ بَنِي يَهُوذَا العَابِرِينَ مِنْ هَذهِ البَوَّابَاتِ لِتَعْبُدُوا اللهَ ، اسْتَمِعُوا إلَى هَذِهِ الرِّسَالَةِ مِنَ اللهِ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ إلَهُ إسْرَائِيلَ: أصلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأعْمَالَكُمْ. فَإنْ فَعَلْتُمْ هَذَا سَأدَعُكُمْ تَسْكُنُونَ فِي هَذَا المَكَانِ. لَا تَتَّكِلُوا عَلَى عِبَارَاتٍ خَادِعَةٍ يُرَدِّدُهَا بَعْضُكُمْ: ‹هَذَا هَيْكَلُ اللهِ ، هَيْكَلُ اللهِ ، هَيْكَلُ اللهِ .› إنْ أصلَحْتُمْ طُرُقَكُمْ وَأعْمَالَكُمْ، وَأنْصَفَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، إنْ كُنْتُمْ لَا تُضَايِقُونَ الغُرَبَاءَ وَاليَتَامَى وَالأرَامِلَ، وَلَا تَقْتُلُونَ الأبرِيَاءَ فِي هَذَا المَكَانِ، وَلَا تَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى لِأجْلِ خَرَابِكُمْ، حِينَئِذٍ، سَأجعَلُكُمْ تَسْكُنُونَ فِي هَذَا المَكَانِ، فِي الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِآبَائِكُمْ لِتَكُونَ لَهُمْ دَائِمًا. «لَكِنَّكُمْ تَثِقُونَ فِي وُعُودٍ فَارِغَةٍ لَا تَنْفَعُ. أتَسْرِقُونَ وَتَقْتُلُونَ وَتَزْنُونَ وَتُقسِمُونَ بِالكَذِبِ وَتُحْرِقُونَ بَخُورًا لِعِبَادَةِ البَعْلِ، وَتَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَكُونُوا تَعْرِفُونَهَا، ثُمَّ تَأْتُونَ وَتَقِفُونَ أمَامَ هَذَا الهَيْكَلِ الَّذِي يَحْمِلُ اسْمِي وَتَقُولُونَ: لَقَدْ أُنقِذْنَا. تَقُولُونَ هَذَا لِكَي تَسْتَمِرُّوا فِي أعْمَالِكُمُ البَشِعَةِ؟ هَلْ صَارَ هَذَا البَيْتُ الَّذِي يَحْمِلُ اسْمِي مَغَارَةَ لُصُوصٍ بِالنِّسبَةِ لَكُمْ؟ أنَا بِنَفْسِي رَأيْتُ أنَّ هَذَا هُوَ مَوقِفُكُمْ،» يَقُولُ اللهُ . «لَكِنِ اذْهَبُوا إلَى مَكَانِي المُقَدَّسِ الَّذِي كَانَ فِي شِيلُوهَ، المَكَانِ الَّذِي كُنْتُ أدعُوهُ ‹بَيْتِي،› وَانظُرُوا مَا فَعَلتُ بِهِ بِسَبَبِ الأُمُورِ الشِّرِّيرَةِ الَّتِي عَمِلَهَا شَعْبِي إسْرَائِيلُ. وَالْآنَ لِأنَّكُمْ فَعَلْتُمْ هَذِهِ الأُمُورَ، يَقُولُ اللهُ ، وَأنَا كَلّمْتُكُمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَلَمْ تَسْتَمِعُوا إلَيَّ، فَسأفَعَلُ بِهَذَا البَيْتِ الَّذِي يَحْمِلُ اسْمِي، وَالَّذِي بِهِ تَثِقُونَ – المَكَانِ الَّذِي أعْطَيْتُهُ لَكُمْ وَلآبَائِكُمْ، مَا عَمِلْتُهُ فِي شِيلُوهَ. سَأُلقِيكُمْ بَعِيدًا عَنْ وَجْهِي، تَمَامًا كَمَا عَمِلْتُ مَعَ إخْوَتِكُمْ جَمِيعِ شَعْبِ أفْرَايِمَ. «أمَّا أنْتَ يَا إرمِيَا، فَلَا تُصَلِّ لِأجْلِ شَعْبِكَ، وَلَا تَصْرُخْ لِأجْلِهِمْ. لَا تَتَضَرَّعْ لِأجْلِهِمْ، لِأنَّ صَلَاتَكَ لَنْ تَصِلَنِي، وَلَنْ أسمَعَكَ. ألَا تَرَى مَا يَعْمَلُونَهُ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ القُدْسِ؟ الأطْفَالُ يَجْمَعُونَ خَشَبًا وَالآبَاءُ يُشعِلُونَ نَارًا وَالنِّسَاءُ يَعْجِنَّ، لِعَمَلِ كَعكٍ لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ. وَيَسْكُبُونَ خَمرًا لِلآلِهَةِ الأُخرَى لِكَي يُغِيظُونِي. فَهَلْ أغَاظُونِي يَقُولُ اللهُ ؟ ألَا يُغِيظُونَ أنْفُسَهُمْ نَائِلِينَ الخِزْيَ وَالعَارَ؟» لِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَيَنْسَكِبُ غَضَبِي وَسَخَطِي عَلَى هَذَا المَكَانِ، عَلَى النَّاسِ وَعَلَى الحَيَوَانَاتِ. عَلَى أشْجَارِ الحَقْلِ وَعَلَى ثَمَرِ الأرْضِ. سَيَشْتَعِلُ غَضَبِي وَلَنْ يَنْطَفِئَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «خُذُوا ذَبَائِحَكُمْ وَأضَاحِيَكُمْ وَكُلُوا لَحْمًا. لِأنَّنِي لَمْ أتَكَلَّمْ مَعَ آبَائِكُمْ، وَلَمْ آمُرْهُمْ عِنْدَمَا أخرَجتُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ بِخُصُوصِ الذَّبَائِحِ وَالأضَاحِي. لَكِنْ هَذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لَكُمْ: ‹أطِيعُونِي فَأكُونَ إلَهَكُمْ وَأنْتُمْ تَكُونُونَ شَعْبِي. وَتَعْمَلُونَ مَا آمُرُكُمْ بِهِ، حَتَّى يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ.› «وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا وَلَمْ يَفَتَحُوا آذَانَهُمْ، وَسَارُوا وَرَاءَ رَغبَاتِهِمُ الشِّرِّيرَةِ، فَابْتَعَدُوا عَنِّي وَلَمْ يَقْتَرِبُوا. مِنْ يَوْمِ خُرُوجِ آبَائِكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ وَحَتَّى الآنَ، أرسَلْتُ إلَيْهِمْ خُدَّامِي الأنْبِيَاءَ وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا إلَيَّ، وَلَمْ يُبَالُوا، بَلْ قَسَّوْا رِقَابَهُمْ، وَكَانُوا أشَرَّ مِنْ آبَائِهِمْ. «يَا إرْمِيَا، أنْتَ سَتَنْقُلُ إلَيْهِمْ كُلَّ رَسَائِلِي، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَمِعُوا. سَتَدْعُوهُمْ، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَجِيبُوا. سَتَقُولُ لَهُمْ: ‹هَذِهِ هِيَ الأُمَّةُ الَّتِي لَمْ تُطِعِ صَوْتَ ، وَلَمْ تَقْبَلْ تَأْدِيبَهُ.› الأمَانَةُ هَلَكَتْ، وَانقَطَعَتْ مِنْ أفوَاهِهِمْ. «قُصِّي شَعرَكِ وَاطرَحِيهِ بَعِيدًا. ضَعِي أُغنِيَةً حَزِينَةً عَلَى شَفَتَيْكِ، لِأنَّ اللهَ قَدْ رَفَضَ وَتَرَكَ هَذَا الجِيلَ الَّذِي أسخَطَهُ. لِأنَّ بَنِي يَهُوذَا صَنَعُوا الشَّرَّ أمَامِي، يَقُولُ اللهُ . وَضَعُوا تَمَاثيلَهُمُ الحَقِيرَةَ فِي البَيْتِ الَّذِي يَحْمِلُ اسْمِي لِيُنَجِّسُوهُ. وَمَا زَالُوا يَبْنُونَ المُرتَفَعَاتِ الَّتِي فِي تُوفَةَ فِي وَادِي ابنِ هِنُّومَ، لِكَي يُحْرِقُوا أبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهُمْ فِي النَّارِ. وَأنَا لَمْ آمُرْ بِهَذَا وَلَمْ أُفَكِّرْ بِهِ. لِذَلِكَ سَتَأْتِي أيَّامٌ، يَقُولُ اللهُ ، عِنْدَمَا لَنْ يَعُودَ يُقَالُ: ‹هَذَا وَادِي تُوفَةَ، وَهَذَا وَادِي ابنِ هِنُّومَ.› بَلْ سَيَقُولُونَ: ‹هَذَا وَادِي القَتلِ.› وَسَيَدْفِنُونَ فِي تُوفَةَ، لِأنَّ هَذَا هُوَ وَادِي الجُثَثِ. سَيَدْفِنُونَ النَّاسَ هُنَاكَ حَتَّى لَا يَعُودَ هُنَاكَ مُتَّسَعٌ. سَتَكُونُ جُثَثُ هَذَا الشَّعْبِ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الأرْضِ. وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يُخِيفُهُمْ. سَأُصمِتُ صَوْتَ الطَّرَبِ وَالبَهجَةِ، وَصَوْتَ العَرُوسِ وَالعَرِيسِ، فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ القُدْسِ، لِأنَّ الأرْضَ سَتَكُونُ خَرِبَةً.» يَقُولُ اللهُ : «فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، سَيُخرِجُونَ عِظَامَ مُلُوكِ يَهُوذَا وَعِظَامَ رُؤَسَائِهِ وَعِظَامَ كَهَنَتِهِ وَعِظَامَ أنبِيَائِهِ وَعِظَامَ سُكَّانِ مَدِينَةِ القُدْسِ مِنْ قُبُورِهِمْ. سَيَنْشُرُونَهَا تَحْتَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ وَنُجُومِ السَّمَاءِ. فَهَذِهِ هِيَ الأجْرَامُ السَّمَاوِيَّةُ الَّتِي يُحِبُّونَهَا وَيَعْبُدُونَهَا وَيَطْلُبُونَهَا وَيَسْجُدُونَ لَهَا. وَلَنْ تُجمَعَ العِظَامُ وَلَنْ تُدفَنَ، لَكِنَّهَا سَتَكُونُ كَالرَّوثِ عَلَى الأرْضِ. «سَأجْعَلُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ يُفَضِّلُ المَوْتَ عَلَى الحَيَاةِ. هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَيَبْقَوْنَ مِنْ هَذِهِ القَبِيلَةِ الشِّرِّيرَةِ سَيَعِيشُونَ فِي الأمَاكِنِ الَّتِي سَأطرُدُهُمْ إلَيْهَا،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «وَأنْتَ يَا إرْمِيَا قُلْ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : عِنْدَمَا يَسْقُطُ أُنَاسٌ، أفَلَا يَقُومُونَ ثَانِيَةً؟ وَإنِ انحَرَفَ شَخْصٌ مَا عَنْ طَرِيقِهِ، أفَلَا يَعُودُ إلَيْهِ؟ فَلِمَاذَا يَسْتَمِرُّ هَذَا الشَّعْبُ فِي الِابتِعَادِ عَنِّي؟ وَلِمَاذَا تَوَاصِلُ القُدْسُ ارتِدَادهَا عَنِّي؟ إنَّهُمْ يَتَمَسَّكُونَ بِالخِدَاعِ، وَيَرْفُضُونَ التَّوبَةَ. أصغَيتُ وَانتَظَرتُ، لَكِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ إلَيَّ أحَدٌ. لَا يُوجَدُ مِنْهُمْ مَنْ يَتُوبُ عَنْ شَرِّهِ وَيَقُولُ: ‹مَاذَا عَمِلْتُ؟› إنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ بِالسَّيرِ فِي طَرِيقِهِمْ، مِثْلَ حِصَانٍ يَتُوقُ إلَى مَعرَكَةٍ. اللَّقلَقُ فِي السَّمَاءِ يَعْرِفُ وَقْتَهُ المُعَيَّنَ، وَاليَمَامَةُ وَالسُّنُونَةُ تَحْفَظَانِ وَقْتَ مَجِيئِهِمَا، أمَّا شَعْبِي فَلَا يَعْرِفُ مَا يُرِيدُهُ اللهُ . «كَيْفَ تَقُولُونَ: ‹نَحْنُ حُكَمَاءُ، وَلَدَيْنَا شَرِيعَةُ اللهِ .› كَذَبَ الكَتَبَةُ بِأقلَامِهِمْ. الحُكَمَاءُ ذُلُّوا وَارتَعَبُوا وَأُسِرُوا. رَفَضُوا تَعْلِيمَ اللهِ ، فَكَيْفَ إذًا يَدَّعُونَ بِأنَّهُمْ حُكَمَاءُ؟ لِذَلِكَ سَأُعْطِي نِسَاءَهُمْ لِرِجَالٍ آخَرِينَ، وَسَأُعْطِي حُقُولَهُمْ لِمَالِكِينَ آخَرِينَ. لِأنَّهُمْ مِنْ أفقَرِهِمْ إلَى أغنَاهُمْ، مَالُوا إلَى الكَسبِ غَيْرِ الشَّرِيفِ. مِنَ الأنْبِيَاءِ إلَى الكَهَنَةِ، كُلُّهُمْ مُخَادِعُونَ. يُعَالِجُونَ كَسرَ شَعْبِي بِاسْتِخفَافٍ، يَقُولُونَ: ‹سَلَامٌ لَكُمْ، سَلَامٌ لَكُمْ،› وَمَا مِنْ سَلَامٍ. فَهَلْ خَجِلُوا بِسَبِبِ أعْمَالِهِمُ النَّجِسَةِ؟ لَمْ يَخْجلُوا وَلَمْ يَعْرِفُوا الحيَاءَ. لِذَلِكَ سَيَسْقُطُونَ مَعَ السَّاقِطِينَ. فِي وَقْتِ عِقَابِي لَهُمْ سَيَتَعَثَّرُونَ،» يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ اللهُ : «أنَا سَأجمَعُ حَصَادَهُمْ، فَلَا يَعُودُ هُنَاكَ عِنَبٌ عَلَى الكَرمَةِ، وَلَا تِينٌ عَلَى التِّينَةِ. سَتَذْبُلُ الأورَاقُ. وَمَا أعْطَيْتُهُمْ إيَّاهُ سَيَزُولُ عَنْهُمْ. «فَيَقُولُونَ: ‹لِمَاذَا نَحْنُ جَالِسُونَ هُنَا؟ لِنَجتَمِعْ وَنَذهَبْ إلَى المُدُنِ المُحَصَّنَةِ، وَلْنَهلِكْ هُنَاكَ، لِأنَّ أصمَتَنَا. جَعَلَنَا نَشرَبُ مَاءً مُرًّا، لِأنَّنَا أخْطَأنَا نَحْوَ اللهِ . نَنتَظِرُ السَّلَامَ، لَكِنْ لَا يُوجَدُ خَيْرٌ. نَشتَاقُ إلَى الشِّفَاءِ، فَإذَا بِالرُّعبِ هُنَاكَ. مِنْ أرْضِ دَانٍ سَمِعْنَا صَهِيلَ خُيُولِ العَدَوِّ. تَهْتَزُّ أرْضُنَا كُلُّهَا مِنْ ضَرَبَاتِ حَوَافِرِهَا القَوِيَّةِ. أتَوْا وَأكَلُوا الأرْضَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، التَهَمُوا المَدِينَةَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا.›» يَقُولُ اللهُ : «لِأنِّي سَأُرْسِلُ حَيَّاتٍ بَيْنَهُمْ، وَأفَاعِيَ لَا تَطْرُدُهَا تَعَاوِيذُ السِّحْرِ. وَسَتَلْدَغُهُمْ!» الحُزنُ يَغْمُرُنِي، قَلْبِي مَرِيضٌ. أسمَعُ صَوْتَ شَعْبِي العَزِيزِ يَسْتَغِيثُ بَاكِيًا مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ: «هَلِ اللهُ فِي صِهْيَوْنَ؟ هَلْ مَلِكُهَا فِيهَا؟» فَقَالَ اللهُ : «لِمَاذَا أغَاظُونِي بِأصْنَامِهِمْ وَبِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ؟» وَالشَّعْبُ يَقُولُ: «زَمَنُ الحَصَادِ انْتَهَى، وَالصَّيفُ انقَضَى، وَلَكِنَّنَا لَمْ نُنقَذْ.» انسَحَقْتُ حُزْنًا بِسَبَبِ انسِحَاقِ شَعْبِي العَزِيزِ. أنَا حَزِينٌ، وَقَدْ تَمَلَّكَنِي اليَأْسُ. ألَا يُوجَدُ بَلَسَانٌ فِي جِلعَادَ؟ ألَا يُوجَدُ فِيهَا طَبِيبٌ؟ فَلِمَاذَا لَمْ يُشْفَ شَعْبِي العَزِيزُ؟ لَيْتَ رَأسِي مَلِيئًا بِالمَاءِ، وَعَينَيَّ نَبعُ دُمُوعٍ. حِينَئِذٍ، كُنْتُ سَأبكِي عَلَى جَرحَى شَعْبِي العَزِيزِ لَيْلًا وَنَهَارًا. لَيْتَ لِي نُزلًا لِلمُتَغَرِّبينَ فِي الصَّحْرَاءِ، لَتَرَكْتُ شَعْبِي وَرَحَلْتُ بَعِيدًا عَنْهُمْ، لِأنَّهُمْ جَمِيعًا زُنَاةٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ المُخَادِعِينَ. يَقُولُ اللهُ : «يَحْنُونَ ألسِنَتَهُمْ كَأقوَاسٍ لِإطلَاقِ سِهَامِ الكَذِبِ، وَأصبَحُوا أقوِيَاءَ فِي الأرْضِ لَيْسَ لِأجْلِ الحَقِّ، لِأنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ مِنْ شَرٍّ إلَى آخَرَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَنِي. «فَليَحْذَرْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا تَثِقُوا بِأقرِبَائِكُمْ. لِأنَّ كُلَّ أخٍ غَشَّاشٌ، وَكُلَّ قَرِيبٍ يَجُولُ مُتَكَلِّمًا بِالنَّمِيمَةِ. يَخْدَعُ النَّاسُ أصْحَابَهُمْ، وَلَا يَتَكَلَّمُ أحَدٌ بِالحَقِّ. يُدَرِّبُونَ لِسَانَهُمْ عَلَى الكَذِبِ. أتعَبتْهُمْ آثَامُهُمْ حَتَّى تَكَاسَلُوا عِنِ التَّوبَةِ. ظُلمٌ بَعْدَ ظُلمٍ، وَخِدَاعٌ فُوقَ خِدَاعٍ! رَفَضُوا أنْ يَعْرِفُونِي،» يَقُولُ اللهُ . لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «سَأُنَقِّيهِمْ وَسَأمتَحِنُهُمْ. لِأنَّهُ مَاذَا أعمَلُ غَيْرَ هَذَا لِأجْلِ شَعْبِي العَزِيزِ؟ لِسَانُهُمْ سَهمٌ مَبرِيٌّ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالخِيَانَةِ بِألسِنَتِهِمْ. كُلُّ وَاحِدٍ يَتَكَلَّمُ بِالسَّلَامِ مَعَ صَاحِبِهِ، وَلَكِنْ فِي دَاخِلِهِ يُفَكِّرُ بِالِانْقِضَاضِ عَلَيْهِ. ألَا يَنْبَغِي أنْ أُعَاقِبَهُمْ لِأجْلِ هَذِهِ الأُمُورِ؟ ألَا يَنْبَغِي أنْ أنْتَقِمَ مِنْ أُمَّةٍ مِثْلِ هَذِهِ؟» يَقُولُ اللهُ : سَأبكِي وَأُوَلوِلُ عَلَى الجِبَالِ، سَأُغَنِّي أُغنِيَةً حَزِينَةً عَلَى مَرَاعِي البَرِّيَّةِ، لِأنَّهَا خَرِبَتْ، وَلَا يَمُرُّ فِيهَا أحَدٌ، وَلَا يُسمَعُ صَوْتُ المَاشِيَةِ فِي الأرْضِ. مِنْ طَيرِ السَّمَاءِ إلَى وَحشِ الأرْضِ، كُلُّهُمْ تَاهُوا وَذَهَبُوا. وَيَقُولُ: «سَأجْعَلُ مَدِينَةَ القُدْسِ كَومَةَ خَرَابٍ وَمَسْكَنًا لِبَنَاتِ آوَى. سَأُحَوِّلُ مُدُنَ يَهُوذَا إلَى خَرَائِبَ، بِلَا سَاكِنِينَ.» مَنْ هُوَ الحَكِيمُ الَّذِي يَفَهمُ هَذَا، وَالَّذِي تَكَلَّمَ فَمُ اللهِ إلَيْهِ؟ فَلِيَشْرَحْ سَبَبَ خَرَابِ الأرْضِ، وَسَبَبَ احتِرَاقِهَا كَالصَّحرَاءِ الَّتِي لَا يَعْبُرُهَا أحَدٌ. وَقَالَ اللهُ : «هَذَا بِسَبَبِ تَرْكِهِمْ لِشَرِيعَتِي الَّتِي وَضَعتُهَا أمَامَهُمْ. لَمْ يَسْتَمِعُوا لِي، وَلَمْ يَعْمَلُوا مَا تَقُولُهُ الشَّرِيعَةُ. بَلْ أصَرُّوا بِعِنَادٍ عَلَى السَّيرِ فِي طَرِيقِهِمْ، وَأصَرُّوا عَلَى السَّيرِ وَرَاءَ البَعْلِ الَّذِي عَلَّمَهُمْ آبَاؤُهُمْ عَنْهُ.» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «سَأجْعَلُ هَذَا الشَّعْبَ يَأْكُلُ المَرَارَةَ، وَسَأسقِيهِمْ مَاءَ العَلقَمِ. سَأُبَدِّدُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ الَّتِي لَمْ يَعْرِفْهَا آبَاؤُهُمْ وَلَا هُمْ عَرَفُوهَا. وَسَأُرْسِلُ السَّيْفَ وَرَاءَهُمْ حَتَّى أُبِيدَهُمْ تَمَامًا.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «فَكِّرُوا بِمَا سَيَحْدُثُ، وَاستَدْعُوا النَّوَاحَاتِ، النِّسَاءِ المَاهِرَاتِ فِي البُكَاءِ. لِيَأْتِينَ سَرِيعًا، وَلْيَرْفَعنَ عَلَيْنَا وَلوَلَةً وَنُواحًا، حَتَّى تَفِيضَ الدُّمُوعُ مِنْ عُيُونِنَا، وَتَتَدَفَّقُ أجفَانُنَا بِالمَاءِ. «صَوْتُ النُّواحِ مَسمُوعٌ مِنْ صِهْيَوْنَ: ‹كَيْفَ خَرِبنَا! نَحْنُ خَجِلُونَ جِدًّا تَرَكْنَا الأرْضَ! هَدَمَ الأعْدَاءُ مَسكَنَنَا.›» أيَّتُهَا النِّسَاءُ، اسْمَعْنَ كَلِمَةَ اللهِ ، وَأصغِينَ إلَى مَا يَقُولُهُ. عَلِّمْنَ بَنَاتِكُنَّ النُّواحَ، وَلْتُعَلِّمِ المَرْأةُ جَارَتَهَا أغنِيَةَ الحُزنِ هَذِهِ: «دَخَلَ المَوْتُ مِنْ نَوَافِذِنَا، وَصَلَ إلَى حُصُونِنَا، لِيَبْتَعِدِ الأطْفَالُ عَنِ الشَّوَارِعِ، وَالشَّبَابُ عَنْ سَاحَاتِ المَدِينَةِ.» «قُلْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : سَتَسْقُطُ الجُثَثُ فِي الحُقُولِ كَرَوْثِ المَاشِيَةِ، وَكَحُزمَةٍ مِنَ القَمْحِ تُرِكَتْ بَعْدَ الحَصَادِ، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يَأْخُذُهَا.›» هَذَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «لَا يَفْتَخِرِ الحَكِيمُ بِحِكمَتِهِ، وَلَا القَوِيُّ بِقُوَّتِهِ، وَلَا الغَنِيُّ بِثَروَتِهِ، لَكِنْ، إنْ أرَادَ أحَدٌ أنْ يَفْتَخِرَ، فَلْيَفْتَخِرْ بِأنَّهُ يَفْهَمُنِي وَيَعْرِفُنِي أنَا اللهَ الرَّحِيمَ العَادِلَ البَارَّ فِي الأرْضِ، وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ يَحْظَوْنَ بِرِضَايَ.» يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ اللهُ : «هَا الأيَّامُ آتِيَةٌ، حِينَ أُعَاقِبُ كُلَّ المَختُونِينَ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ: مِصْرٍ وَيَهُوذَا وَأدُومَ وَالعَمُّونِيِّينَ وَمُوآبَ. وَسَأُعَاقِبُ كُلَّ سُكَّانِ البَرِّيَّةِ الَّذِينَ يَحْلِقُونَ سَوَالِفَهُمْ. وَكَذَلِكَ جَمِيعَ الأُمَمِ اللَّامَختُونِينَ فِي أجسَادِهِمْ، وَجَمِيعَ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ غَيْرُ مَختُونَةٍ.» اسْمَعُوا الرِّسَالَةَ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا اللهُ إلَيكُمْ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «لَا تَتَعَلَّمُوا طُرُقَ الأُمَمِ، وَلَا تَرْتَعِبُوا مِنْ عَلَامَاتِ السَّمَاءِ، كَمَا تَرْتَعِبُ الأُمَمُ مِنْهَا، لِأنَّ عَادَاتِ الأُمَمِ بَاطِلَةٌ. يَقْطَعُ أحَدُهُمْ شَجَرَةً مِنَ الغَابَةِ، وَيَعْمَلُ نَحَّاتٌ فِيهَا بِيَدَيهِ وَأدَوَاتِهِ. يُزَيِّنُهَا بِالفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَيُثَبِّتُهَا بِمَسَامِيرَ وَمَطَارِقَ حَتَّى لَا تَتَفَكَّكَ. الأصْنَامُ خَرسَاءُ كَفَزَّاعَاتٍ فِي حَقْلٍ مِنَ الخُضَارِ. تُحمَلُ لِأنَّهُا لَا تَقْدِرُ عَلَى المَشيِ. لَا تَخَافُوا مِنْهَا، فَهِيَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ.» يَا اللهُ ، لَا مَثِيلَ لَكَ فِي عَظَمَتِكَ، وَلَا اسْمَ كَاسْمِكَ فِي العَظَمَةِ وَالقُوَّةِ. مَنْ لَا يَخَافُكَ، يَا مَلِكَ الأُمَمِ؟ لِأنَّ الخَوفَ يَلِيقُ بِكَ، لِأنَّهُ لَا يُوجَدُ مِثْلُكَ حَتَّى بَيْنَ حُكَمَاءِ الأُمَمِ وَكُلِّ مَمَالِكِهَا. لَكِنَّهُمْ حَمقَى وَأغبِيَاءُ، وَقَدْ تَعَلَّمُوا أُمُورًا لَا مَعنَىً لَهَا، فَمُعَلِّمُهُمْ مِنْ خَشَبٍ! وَالفِضَّةُ المُطرُوقَةُ تُجلَبُ مِنْ تَرْشِيشَ، وَالذَّهَبُ مِنْ أُوفَازَ. آلِهَتُهُمْ عَمَلُ الحِرَفِيِّينَ، عَمَلُ يَدَيِّ الصَّائِغِ. وَثِيَابُهَا مِنْ قُمَاشٍ بَنَفْسَجِيٍّ وَأُرجُوانِيٍّ. كُلُّهَا عَمَلُ حِرَفِيِّينَ مَهَرَةٍ. أمَّا اللهُ فَإلَهٌ حَقِيقِيٌّ، إنَّهُ الإلَهُ الحَيُّ وَالمَلِكُ الأبَدِيُّ. الأرْضُ تَهْتَزُّ عِنْدَمَا يَغْضَبُ، وَالأُمَمُ لَا تَسْتَطِيعُ الصُّمُودَ أمَامَ سَخَطِهِ. هَذَا مَا سَتَقُولُهُ لَهُمْ: «الآلِهَةُ الَّتِي لَمْ تَصْنَعِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ، سَتُبَادُ مِنَ الأرْضِ وَمِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ.» اللهُ هُوَ صَانِعُ الأرْضِ بِقُوَّتِهِ، الَّذِي أسَّسَ العَالَمَ بِحِكمَتِهِ، وَالَّذِي بَسَطَ السَّمَاوَاتِ بِفَهْمِهِ. حِينَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، تَسْمَعُهُ كَهَديرِ المِيَاهِ فِي السَّمَاءِ. يَرْفَعُ السَّحَابَ مِنْ أقْصَى الأرْضِ، وَيُحْدِثُ البَرقَ لِلمَطَرِ، وَيُخرِجُ الرِّيحَ مِنْ مَخَازِنِهِ. الشّعبُ غَبِيٌّ وَجَاهِلٌ. سَيَخْجَلُ كُلَّ صَائِغٍ مِنْ صَنَمِهِ، لِأنَّ كُلَّ تِمثَالٍ كَاذِبٌ وَلَا حَيَاةَ فِيهِ. الأوْثَانُ بَاطِلَةٌ. مَصُوغَاتٌ تَسْتَحِقُّ الِاحْتِقَارَ. وَسَتُبَادُ حِينَ يأتِي عِقَابِي. أمَّا نَصِيبُ يَعْقُوبَ فَلَيْسَ كَهَذِهِ الأصْنَامِ، هُوَ اللهُ صَانِعُ كُلِّ شَيءٍ. اخْتَارَ عَشِيرَةَ إسْرَائِيلَ لِتَكُونَ شَعْبَهُ. يهوه القَدِيرُ اسْمُهُ. يَا سَاكِنَةَ المَدِينَةِ الحَصِينَةِ، اجمَعِي حُزَمَكِ مِنَ الأرْضِ، لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَأقذِفُ بِسُكَّانِ الأرْضِ بَعِيدًا هَذِهِ المَرَّةَ. وَسَأجْلِبُ عَلَيْهِمُ الضِّيقَ وَالألَمَ، حَتَّى يَشْعُرُوا.» وَيْلٌ لِي بِسَبَبِ انسِحَاقِي، جُرحِي مُؤلِمٌ. فَقُلْتُ لِنَفْسِي: «هَذَا ألَمِي وَعَلَيَّ احتِمَالُهُ.» خَيْمَتِي خَرِبَتْ، وَكُلُّ حِبَالِهَا قُطِعَتْ. أوْلَادِي تَرَكُونِي، وَلَا يُوجَدُ أحَدٌ مِنْهُمْ. لَمْ يُترَكْ أحَدٌ لِيَنْصِبَ خَيْمَتِي، أوْ لِيُقِيمَ سَتَائِرَهَا. لِأنَّ رُعَاةَ إسْرَائِيلَ حَمقَى، لَا يَطْلُبُونَ اللهَ . لِهَذَا هُمْ بِلَا حِكْمَةٍ، وَكُلُّ قَطِيعِهِمْ قَدْ تَبَدَّدَ. صَوْتُ ضَجَّةٍ آتٍ. اضطِرَابٌ عَظِيمٌ مِنَ الشِّمَالِ، سَيُحَوِّلُ مُدُنَ يَهُوذَا إلَى خَرَابٍ، وَإلَى مَأوَىً لِبَنَاتِ آوَى. يَا اللهُ ، أنَا أعْرِفُ أنَّ الإنْسَانَ لَا يُسَيطِرُ عِلَى حَيَاتِهِ، وَأنَّ البَشَرَ لَا يَقْدِرُونَ عَلى تَوْجِيهِ خُطَوَاتِهِم. يَا اللهُ ، أدِّبْنَا، لَكِنْ بِعَدلِكَ لَا بِغَضَبِكَ، حَتَّى لَا تَجْعَلَنَا عَدَدًا قَلِيلًا. اسكُبْ غَضَبَكَ عَلَى الأُمَمِ الَّتِي لَا تَعْرِفُكَ، وَاسكُبْهُ عَلَى الشَّعْبِ الَّذِي لَا يُصَلِّي إلَيْكَ، لِأنَّ الأُمَمَ التَهَمَتْ يَعْقُوبَ، التَهَمُوهُ وَأفنَوْهُ، وَدَمَّرُوا أرْضَهُ. هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لِإرْمِيَا: «اسْمَعْ كَلِمَاتِ هَذَا العَهْدِ. وَتَكَلَّمْ إلَى رِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ القُدْسِ. قُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ: مَلْعُونٌ الرَّجُلُ الَّذِي لَا يَسْتَمِعُ إلَى كَلِمَاتِ هَذَا العَهْدِ، الَّتِي أمَرْتُ بِهَا آبَاءَكُمْ عِنْدَمَا أخرْجتُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، مِنْ فُرْنِ صَهْرِ الحَدِيدِ.› قُلْتُ لَهُمْ: ‹أطِيعُونِي وَاعْمَلُوا هَذِهِ الأُمُورَ الَّتِي آمُرُكُمْ بِعَمَلِهَا. حِينَئِذٍ، تَكُونُونَ شَعْبِي وَأنَا أكُونُ إلَهَكُمْ.› هَكَذَا أُتَمِّمُ الوَعدَ الَّذِي أقْسَمْتُ بِحِفظِهِ وَتَحْقِيقِهِ لِآبَائِهِمْ، بِأنْ أعْطِيَهُمْ أرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، كَمَا هُوَ اليَوْمُ.» فَقُلْتُ: «آمِينَ، يَا اللهُ .» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: «نَادِ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ القُدْسِ: ‹اسْمَعُوا كَلِمَاتِ هَذَا العَهْدِ وَاعْمَلُوا بِهَا. لِأنَّنِي حَذَّرْتُ آبَاءَكُمْ يَوْمَ أخرَجْتُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. حَذَّرْتُهُمْ مَرَّةً بَعْدَ مّرَّةٍ إلَى هَذَا اليَوْمِ، لِكَي يُطِيعُونِي، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا وَلَمْ يَفْتَحُوا آذَانَهُمْ، بَلْ سَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي عِنَادِ رَغَبَاتِهِ الشِّرِّيرَةِ. فَأتَيْتُ بِكُلِّ الأُمُورِ المَذكُورَةِ فِي هَذَا العَهْدِ عَلَيْهِمْ، الَّذِي أمَرْتُهُمْ بِحِفظِهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوهُ.›» وَقَالَ اللهُ لِي: «اكتُشِفَتْ مُؤَامَرَةٌ بَيْنَ رِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ مَدِينَةِ القُدْسِ. إنَّهُمْ يُكَرِّرُونَ الشُّرُورَ الَّتِي ارْتَكَبَهَا آبَاؤُكُمْ. رَفَضُوا الِاسْتِمَاعَ إلَى كَلَامِي. تَبِعُوا آلِهَةً أُخْرَى لِيَعْبُدُوهَا. بَنُو إسْرَائِيلَ وَبَنُو يَهُوذَا كَسَرُوا العَهْدَ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ.» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَآتِي بِعِقَابٍ عَلَيْهِمْ لَنْ يَسْتَطِيعُوا الهُرُوبَ مِنْهُ. سَيَصْرُخُونَ إلَيَّ، وَلَكِنِّي لَنْ أستَمِعَ لَهُمْ. حِينَئِذٍ، سَيَذْهَبُ سُكَّانُ مُدُنِ يَهُوذَا وَالسَّاكِنُونَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ وَيَصْرُخُونَ إلَى الآلِهَةِ الَّتِي كَانُوا يُبَخِّرُونَ لَهَا، لَكِنَّهَا لَنْ تُنقِذَهُمْ فِي وَقْتِ مُعَانَاتِهِمْ. «يَا يَهُوذَا، كُلُّ هَذَا بِسَبَبِ وُجُودِ إلَهٍ لِكُلِّ مَدِينَةٍ، وَلِأنَّ لَدَيْكُمْ مَذْبَحًا لِكُلِّ شَارِعٍ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ يُسْتَخْدَمُ لِلأصْنَامِ المُخزِيَةِ وَلإحرَاقِ بَخُورٍ لِلبَعلِ. «أمَّا أنْتَ يَا إرْمِيَا، فَلَا تُصَلِّ لِأجْلِ هَذَا الشَّعْبِ، وَلَا تَرْفَعْ لِأجْلِهِمْ دُعَاءً أوْ صَلَاةً. وَلَنْ أسْمَعَ لَهُمْ عِنْدَمَا يَدْعُونَنَي وَقْتَ ضِيقِهِمْ. «أيُّ حَقٍّ لِمَحبُوبَتِي يَهُوذَا فِي هَيْكَلِي، بَيْنَمَا تَعْمَلُ أعْمَالَهَا الدَّنِيئَةَ؟ هَلْ يُمْكِنُ لِلعُجُولِ المُسَمَّنَةِ وَلَحْمِ الأضَاحِي أنْ تُبعِدَ العِقَابَ عَنْكِ، لِكَي تَفْرَحِي بِمَا أنْتِ فِيهِ؟» قَدْ دَعَاكِ اللهُ يَومًا «شَجَرَةَ زَيْتُونٍ مُورِقَةً، جَمِيلَةً، طَيِّبَةَ الثَّمَرِ.» لَكِنْ بِصَوْتِ ضَجَّةِ عَاصِفَةٍ عَظِيمَةٍ سَيُشعِلُ النَّارَ فِيهَا. وَسَتَحْتَرِقُ أغْصَانُهَا. اللهُ القَدِيرُ الَّذِي غَرَسَكِ، أعْلَنَ مَجِيءَ المُعَانَاةِ عَلَيْكِ، بِسَبَبِ الشَّرِّ الَّذِي عَمِلَهُ بَنُو إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا حِينَ قَالَ: «هُمْ مَنْ أتَوْا بِهَذِهِ المُعَانَاةِ عَلَى أنْفُسِهِمْ، إذْ أسخَطُونِي بِتَقْدِمَاتِهِم لِلبَعلِ.» عَرَّفَنِي اللهُ فَعَرَفتُ، وَجَعَلَنِي أرَى أعْمَالَهُمْ. كُنْتُ كَخَرُوفٍ دَاجِنٍ يُقَادُ إلَى الذَّبحِ، وَلَمْ أكُنْ أعْرِفُ أنَّهُمْ تَآمَرُوا ضِدِّي، قَالُوا: «لِنُهلِكِ الشَّجَرَةَ مَعَ ثَمَرِهَا، وَلنَقطَعْ إرمِيَا مِنْ أرْضِ الأحيَاءِ، حَتَّى لَا يَعُودَ اسْمُهُ يُذكَرُ فِيمَا بَعْدُ.» لَكِنْ أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ القَاضِي العَادِلُ، كَاشِفُ القُلُوبِ وَالأفكَارِ. أرِنِي انتِقَامَكَ مِنْهُمْ. لِأنِّي سَلَّمتُكَ قَضِيَّتِي. لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ فِي رِجَالِ عَنَاثُوثَ: «إنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ قَتْلَكَ وَيَقُولُونَ: ‹إنْ تَوَقَّفْتَ عَنِ التَّنَبُّؤِ بِاسْمِ اللهِ ، لَنْ نَقتُلَكَ.› يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: هَا إنِّي سَأُعَاقِبُهُمْ، فَيُقتَلُ الشَّبَابُ فِي المَعْرَكَةِ، وَيَمُوتُ الأبْنَاءُ وَالبَنَاتُ مِنَ الجُوعِ. لَنْ يَكُونَ لَهُمْ نَاجُونَ، لِأنِّي سَآتِي بِالشَّرِّ عَلَى رِجَالِ عَنَاثُوثَ عِنْدَمَا أُعَاقِبُهُمْ.» يَا اللهُ ، سَتَكُونُ أنْتَ عَلَى حَقٍّ دَائِمًا، لَوْ دَخَلْتُ فِي مُخَاصَمَةٍ ضِدَّكَ. لَكِنِ اسْمَحْ لِي فَأعْرِضَ عَلَيْكَ أسئِلَتِي: لِمَاذَا يَزْدَهِرُ طَرِيقُ الأشْرَارِ؟ لِمَاذَا يَعِيشُ غَيْرُ الصَّادِقِينَ بِرَاحَةٍ؟ زَرَعْتَهُمْ فَصَارَتْ لَهُمْ جُذُورٌ، ازدَهَرُوا وَحَمَلُوا ثَمَرًا. يَتَكَلَّمُونَ عَنْكَ بِشَكلٍ مُسْتَمِرٍّ، لَكِنَّهُمْ لَيْسُوا صَادِقِينَ. لَكِنْ يَا اللهُ ، أنْتَ تَعْرِفُنِي أنْتَ رَأيْتَنِي، وَقَدِ اختَبَرتَ قَلْبِي بِنَفْسِكَ. اسحَبهُمْ كَغَنَمٍ لِلذَّبحِ، أفرِزْهُمْ لِيَوْمِ القَتلِ. إلَى مَتَى سَتَبْقَى الأرْضُ جَافَّةً، وَعُشبُ كُلِّ الحُقُولِ ذَابِلًا؟ بِسَبَبِ شَرِّ سُكَّانِهَا، فَنِيَتِ الحَيَوَانَاتُ وَالطُّيُورُ. أعْرِفُ أنَّهُمْ أشرَارٌ لِأنَّهُمْ يُقُولُونَ: «لَنْ يَرَى مَا سَيَحْدُثُ لَنَا فِي المُسْتَقْبَلِ.» فَقَالَ اللهُ: «إنْ تَسَابَقْتَ مَعَ النَّاسِ فَأنهَكُوكَ، فَكَيْفَ سَتُنَافِسُ الخَيلَ. وَإنْ كُنْتَ تَسْقُطُ فِي الأرْضِ الآمِنَةِ، فَمَاذَا سَتَفْعَلُ فِي الغَابَاتِ المُحِيطَةِ بِنَهْرِ الأُرْدُنِّ. حَتَّى أقرِبَاؤُكَ كَانُوا كَاذِبِينَ مَعَكَ، وَهُمْ أنْفُسُهُمْ صَرَخُوا عَلَيْكَ. لَا تَثِقْ بِهِمْ، حَتَّى وَإنْ قَالُوا لَكَ كَلَامًا جَمِيلًا. «تَرَكتُ بَيْتِي، هَجَرتُ مِيرَاثِي. سَلَّمتُ حَبِيبَةَ قَلْبِي لِيَدِ أعْدَائِهَا. صَارَ مِيرَاثِي لِي كَأسَدٍ فِي الغَابَةِ. رَفَعْتْ عَلَيَّ صَوْتَهَا، فَرَفَضْتُهَا. هَلِ الضَّبعُ جَائِعٌ لِأرْضِي وَشَعْبِي؟ أحَاطَتْ بِهِمُ الطُّيُورُ الجَارِحَةُ. تَعَالَيْ أيَّتُهَا الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ، تَعَالَيْ وَكُلِي. رُعَاةٌ كَثِيرُونَ خَرَّبُوا كَرْمِي، دَاسُوا نَصِيبِي الغَالِي، وَحَوَّلُوهُ إلَى صَحرَاءَ خَرِبَةٍ. حَوَّلُوهَا إلَى خَرَابٍ يَنُوحُ لِي وَهُوَ خَرِبٌ. خَرِبَتْ كُلُّ الأرْضِ، لِأنَّهُ لَا أحَدَ يَهْتَمُّ. لِذَلِكَ أتَى المُخَرِّبُونَ مِنَ الأمَاكِنِ القَاحِلَةِ فِي الصَّحرَاءِ، لِأنَّ سَيفَ اللهِ يَأْكُلُ مِنْ أقْصَى الأرْضِ إلَى أقصَاهَا الآخَرِ. لَا يُوجَدُ أمَانٌ لِأيِّ حَيٍّ فِيهَا. زَرَعُوا قَمْحًا، لَكِنَّهُمْ حَصَدُوا أشوَاكًا. عَمِلُوا بِقُوَّةٍ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْجَحُوا. سَيَخْجَلُونَ مِنْ مَحَاصِيلِهِمْ، بِسَبَبِ غَضَبِ اللهِ عَلَيْهِمْ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «بِالنِّسبَةِ لِلسُّكَّانِ الأشْرَارِ فِي الأرَاضِي المُجَاوِرَةِ لِمِيرَاثِي الَّذِي أعْطَيْتُهُ لِشَعْبِي إسْرَائِيلَ: سَأنزَعُهُمْ مِنْ أرْضِهِمْ، وَسَأنزَعُ بَنِي يَهُوذَا مِنْ وَسَطِهِمْ. وَبَعْدَ نَزعِي لَهُمْ، سَأرْحَمُهُمْ ثَانِيَةً. سَأُرجِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى مِيرَاثِهِ، وَإلَى أرْضِهِ. وَإنْ تَعَلَّمُوا فِعلًا طُرُقَ شَعْبِي، بِأًنْ يَحْلِفُوا بِاسْمِي وَيَقُولُوا: ‹نُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ› حِينَئِذٍ، سَيُثمِرُونَ وَسَطَ شَعْبِي. وَلَكِنْ إنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَإنِّي سَأنزِعُ تِلْكَ الأُمَّةَ وَأُدَمِّرُهَا،» يَقُولُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ لِي: «اذْهَبْ وَاشتَرِ لِنَفْسِكَ حِزَامًا مِنْ كِتَّانٍ، وَضَعْهُ عَلَى وَسَطِكَ، وَلَكِنْ لَا تَغْمِسْهُ فِي المَاءِ.» فَاشتَرَيتُ الحِزَامَ كَمَا قَالَ لِي اللهُ أنْ أفعَلَ، وَوَضَعْتُهُ عَلَى وَسَطِي. ثُمَّ جَاءَتْ كَلِمَةُ اللهُ إلَيَّ ثَانِيَةً: «خُذِ الحِزَامَ الَّذِي اشتَرَيْتَهُ وَوَضَعْتَهُ عَلَى وَسَطِكَ، وَانْهَضْ وَاذْهَبْ إلَى نَهْرِ الفُرَاتِ، وَخَبِّئْهُ فِي شَقِّ صَخرَةٍ.» فَذَهَبْتُ وَخَبَّأتُهُ بِجَانِبِ نَهْرِ الفُرَاتِ كَمَا أمَرَنِي اللهُ . وَبَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، قَالَ لِي اللهُ : «اذهَبِ الآنَ إلَى نَهْرِ الفُرَاتِ، وَخُذِ الحِزَامَ الَّذِي أمَرْتُكَ بِأنْ تُخَبِّئَهُ هُنَاكَ.» فَذَهَبتُ إلَى نَهْرِ الفُرَاتِ، وَحَفَرتُ وَأخَذتُ الحِزَامَ مِنَ المَكَانِ الَّذِي خَبَّأتُهُ فِيهِ. فَكَانَ الحِزَامُ تَالِفًا لَا يَصْلُحُ لِشَيءٍ. حِينَئِذٍ، كَلَّمَنِي اللهُ فَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹هَكَذَا تَمَامًا سَأُتلِفُ مَجْدَ يَهُوذَا وَجَلَالَ مَدِينَةِ القُدْسِ العَظِيمَ. هَذَا الشَّعْبُ الشِّرِّيرُ يَرْفُضُ الِاسْتِمَاعَ إلَى كَلَامِي، وَيُقَاوِمُنِي بِعِنَادٍ. سَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَخْدِمُوهَا وَلِيَسْجُدُوا لَهَا، هَذَا الشَّعْبُ كَهَذَا الحِزَامِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِشَيءٍ. لِأنَّهُ كَمَا يلتَصِقُ الحِزَامُ بِوَسَطِ الرَّجُلِ، هَكَذَا جَعَلْتُ كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكُلَّ بَنِي يَهُوذَا يَلْتَصِقُونَ بِي، يَقُولُ اللهُ . أرَدْتُهُمْ أنْ يَكُونُوا شَعْبِي وَسَبَبًا لِتَسْبِيحِي وَمَجْدِي وَكَرَامَتِي، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا.›» «لِذَا قُلْ لَهُمْ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹يَنْبَغِي أنْ تَمْتَلِئَ كُلُّ جَرَّةٍ خَمْرًا.› وَسَيَقُولُونَ لَكَ: ‹ألَا نَعْرِفُ بِأنَّهُ يَنْبَغِي أنْ تَمْتَلِئَ كُلُّ جَرَّةٍ خَمْرًا؟› فَقُلْ لَهُمْ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹سَأجْعَلُ جَمِيعَ سُكَّانِ هَذِهِ الأرْضِ – المُلُوكَ الجَالِسينَ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ، وَالكَهَنَةَ وَالأنْبِيَاءَ وَجَمِيعَ سُكَّانِ القُدْسِ – مِثْلَ السُّكَارَى. سَأُحَطِّمُهُمُ وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ، الآبَاءَ وَالأبْنَاءَ مَعًا، يَقُولُ اللهُ . لَنْ أُشفِقَ عَلَيْهِمْ وَلَنْ أرحَمَهُمْ، بَلْ سَأُدَمِّرُهُمْ.›» اسْمَعُوا وَانتَبِهُوا، وَلَا تَكُونُوا مُتَكَبِّرِينَ، لِأنَّ اللهَ تَكَلَّمَ. أعطُوا مَجدًا ، قَبْلَ أنْ تَبْدَأ الظُّلمَةُ، وَقَبْلَ أنْ تَتَعَثَّرَ أقْدَامُكُمْ عَلَى التِّلَالِ فِي المَسَاءِ. سَتَنْتَظِرُونَ ظُهُورَ النُّورِ، وَلَكِنَّ المَسَاءَ سَيَتَحَوَّلُ إلَى ظِلَالٍ مُظلِمَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ إلَى عَتْمَةٍ سَودَاءَ. إنْ لَمْ تُصغُوا لِهَذَا، سَأبكِي بِسَبَبِ كِبرِيَائِكُمْ، وَسَأسكُبُ دُمُوعًا مُرَّةً، وَسَتَتَدَفَّقُ الدُّمُوعُ مِنْ عَينَيَّ، لِأنَّ قَطِيعَ اللهِ قَدْ سُبِيَ. قُلْ لِلمَلِكِ وَالمَلِكَةِ الأُمِّ: «انزِلَا عَنْ عُرْشَيكُمَا وَاجلِسَا مَعَ عَامَّةِ النَّاسِ، لِأنَّ تَاجَيكُمَا الجَمِيلَينِ قَدْ سَقَطَا عَنْ رَأسَيكُمَا.» مُدُنُ النَّقَبِ مُغلَقَةٌ، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يَفْتَحُهَا. يَهُوذَا سُبِيَ بِالْكَامِلِ. ارفَعُوا عُيُونَكُمْ وَانظُرُوا الآتِينَ مِنَ الشِّمَالِ. أيْنَ القَطِيعُ الَّذِي أُعْطِيَ لَكِ يَا قُدْسُ؟ أيْنَ غَنَمُكِ الجَمِيلُ؟ مَاذَا سَتَقُولِينَ عِنْدَمَا يَحْكُمُكِ أُولَئِكَ الَّذِينَ عَلَّمتِهِمْ لِيَكُونُوا فِي صَفِّكِ؟ ألَنْ تُمسِكَكِ الآلَامُ كَامْرَأةٍ تَلِدُ؟ وَإنْ كُنْتِ تَسألِينَ فِي قَلْبِكِ: «لِمَاذَا حَدَثَتْ هَذِهِ الأُمُورُ لِي؟» فَإنَّهُ بِسَبَبِ عِظَمِ إثمِكِ قَدْ كُشِفَتْ أطْرَافُ ثَوبِكِ، وَأُسِيئَ إلَيكِ. هَلْ يُمْكِنُ لِرَجُلٍ أسْوَدَ أنْ يُغَيِّرَ لَوْنَ جِلْدِهِ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ لِنَمِرٍ أنْ يُزِيلَ التَّرقِيطَ عَنْ جِلْدِهِ؟ إنِ اسْتَطَاعَا، فَأنْتُمْ تَسْتَطِيعُونَ عَمَلَ مَا هُوَ صَالِحٌ. «لِذَلِكَ سَأُبَدِّدُكُمْ كَالقَشِّ المَحمُولِ عَلَى رِيحِ الصَّحرَاءِ. هَذِهِ قُرعَتُكِ، النَّصِيبُ الَّذِي أعْطَيْتُهُ لَكِ، يَقُولُ اللهُ ، لِأنَّكِ نَسِيتِنِي وَصَدَّقتِ الكَذِبَ. أنَا سَأرفَعُ بِنَفْسِي أطرَافَ ثَوبِكِ عَلَى رَأسِكِ يَا قُدْسُ، فَيُرَى خِزيُكِ. رَأيْتُ أعْمَالَكِ الكَرِيهَةَ! زِنَاكِ وَضَحِكَاتِكِ السَّاخِرَةَ، دَعَارَتَكِ بلَا خَجَلٍ عَلَى التِّلَالِ وَفِي الحُقُولِ، وَيْلٌ لَكِ يَا قُدْسُ! حَتَّى مَتَى تُواصِلِينَ خَطَايَاكِ القَذِرَةَ.» هَذِهِ هِيَ رِسَالَةُ اللهِ الَّتِي جَاءَتْ إلَى إرْمِيَا مِنَ اللهِ بِخُصُوصِ القَحطِ: «يَهُوذَا تَنُوحُ، وَأبوَابُهَا ذَبُلَتْ. وَالأرْضُ يَكْسُوهَا السَّوَادُ، وَالقُدْسُ تَصِيحُ بِحُزنٍ شَدِيدٍ. أشرَافُهُمْ يُرسِلُونَ صِغَارَهُمْ إلَى المَاءِ، يَأْتُونَ إلَى الآبَارِ، لَكِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَاءً. خَزُوا وَذَلُّوا، لِذَلِكَ غَطُّوا رُؤُوسَهُمْ. لِأنَّ الأرْضَ مُشَقَّقَةٌ إذْ لَمْ يَأْتِ مَطَرٌ عَلَى الأرْضِ. خَزِيَ الفَلَّاحُونَ وَغَطُّوا رُؤُوسَهُمْ. حَتَّى الإيَلَةُ تَلِدُ فِي الحَقْلِ، وَمِنْ ثُمَّ تَتْرُكُ صَغِيرَهَا. تَقِفُ الحَمِيرُ الوَحشِيَّةُ عَلَى المُرْتَفَعَاتِ الجَردَاءِ، لِتَسْتَنْشِقَ الهَوَاءَ كَبَنَاتِ آوَى. كَلَّتْ عُيُونُهُمْ إذْ لَا عُشبَ هُنَاكَ.» «يَا اللهُ ، وَإنْ كَانَتْ آثَامُنَا تَشْهَدُ ضِدَّنَا، لَكِنِ اعمَلْ شَيْئًا لِأجْلِ سُمعَتِكَ وَاسْمِكَ. لِأنَّنَا ابتَعَدنَا عَنْكَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، وَأخطَأنَا ضِدَّكَ. يَا رَجَاءَ إسْرَائِيلَ، أنْتَ تُنْقِذُهُمْ فِي وَقْتِ الضِّيقِ. فَلِمَاذَا أنْتَ كَالغَرِيبِ فِي هَذِهِ الأرْضِ، كَمُسَافِرٍ سَيَقْضِي لَيلَتَهُ وَيَذْهَبُ؟ فَلِمَاذَا تَتَصَرَّفُ كَرَجُلٍ مُتَحَيِّرٍ، وَكَمُحَارِبٍ عَاجِزٍ عَنِ الإنقَاذِ؟ يَا اللهُ ، أنْتَ فِي وَسَطِنَا، وَنَحْنُ نُدْعَى بِاسْمِكَ، لِذَا لَا تَتْرُكْنَا.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنْ هَذَا الشَّعْبِ: «أحَبَّتْ أرجُلُهُمُ أنْ تَضِلَّ بَعِيدًا، وَلَمْ يَضْبُطُوا أنْفُسَهُمْ. وَلِهَذَا فَاللهُ غَيْرُ رَاضٍ عَنْهُمْ، وَسَيَتَعَامَلُ مَعَهُمْ بِحَسَبِ آثَامِهِمْ، وَسَيُعَاقِبُ خَطَايَاهُمْ.» ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: «لَا تُصَلِّ لِأجْلِ خَيرِ هَذَا الشَّعْبِ. وَإنْ صَامُوا فَلَنْ أستَمِعَ إلَى تَضَرُّعَاتِهِمْ. وَإنْ قَدَّمُوا ذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتٍ، فَلَنْ أرْضَى عَنْهُمْ. لِأنِّي سَأُبِيدُهُمْ فِي المَعْرَكَةِ وَبِالجُوعِ وَالمَرَضِ.» فَقُلْتُ: «يَا ، الأنْبِيَاءُ يَقُولُونَ لَهُمْ: ‹لَا تَخَافُوا السَّيْفَ وَالمَجَاعَةَ، فَلَنْ تَأْتِيَ عَلَيْكُمْ، لِأنَّكَ سَتُعطِيهِمْ سَلَامًا فِي هَذَا المَكَانِ.›» فَقَالَ اللهُ لِي: «الأنْبِيَاءُ يَتَنَبَّأُونَ بِالكَذِبِ بِاسْمِي. وَأنَا لَمْ أُرسِلْهُمْ وَلَمْ آمُرْهُمْ، وَلَمْ أتَكَلَّمْ إلَيْهِمْ. كَانُوا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِرُؤيَا كَاذِبَةٍ، وَعِرَافَةٍ بَاطِلَةٍ، وَبِأفكَارِهِمُ الخَادِعَةِ. لِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنِ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي، مَعَ أنِّي لَمْ أُرسِلْهُمْ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: ‹لَنْ يَأْتِيَ السَّيْفُ وَالجُوعُ عَلَى هَذِهِ الأرْضِ.› هُمْ سَيُقتَلُونَ بِالسَّيْفِ وَالجُوعِ. حِينَئِذٍ، سَيُطرَحُ الشَّعْبُ الَّذِي كَانُوا يَتَنَبَّأُونَ لَهُ فِي شَوَارِعِ القُدْسِ بِسَبَبِ المَجَاعَةِ وَالسَّيْفِ. وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أحَدٌ لِيَدْفِنَهُمْ. سَأسْكُبُ عَلَى الأنْبِيَاءِ الكَذَبَةِ وَعَلَى نِسَائِهِمْ وَعَلَى أبْنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمُ الشَّرَّ الَّذِي عَمِلُوهُ. «حِينَئِذٍ، سَتُخبِرُهُمْ يَا إرْمِيَا بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ: «‹أذْرِفُ الدُّمُوعَ لَيْلًا وَنَهَارًا بِلَا تَوَقُّفٍ، بِسَبَبِ الخَرَابِ العَظِيمِ الَّذِي أتَى عَلَى شَعْبِي، وَبِسَبَبِ الجُرحِ الألِيمِ الَّذِي يُعَانُونَ مِنْهُ. إنْ ذَهَبتُ إلَى الحَقْلِ، أرَى المَطعُونِينَ فِي المَعْرَكَةِ. وَإنْ دَخَلْتُ إلَى المَدِينَةِ، أرَى المُنهَكِينَ مِنَ الجُوعِ. لِأنَّ الأنْبِيَاءَ وَالكَهَنَةَ يَتْجُولُونَ فِي أرْضٍ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنْهَا.›» هَلْ رَفَضْتَ يَهُوذَا تَمَامًا؟ هَلْ كَرِهْتَ صِهْيَوْنَ؟ لِمَاذَا تَضْرِبُنَا هَكَذَا، فَلَا يَعُودُ لنَا شِفَاءٌ؟ نَنتَظِرُ السَّلَامَ، وَلَكِنْ لَا خَيرَ هُنَاكَ. انتَظَرْنَا وَقْتَ الشِّفَاءِ، فَجَاءَ الرُّعبُ. يَا اللهُ ، نَعْرِفُ خَطَايَانَا، وَنَعْرِفُ إثمَ آبَائِنَا. نَعْرِفُ أنَّنَا أخْطَأنَا ضِدَّكَ. لَا تَرْفُضْنَا، لِكَي تَعْظُمَ سُمعَتُكَ. لَا تُهِنْ عَرشَكَ المَجِيدَ. تَذَكَّرْ عَهْدَكَ مَعَنَا، وَلَا تَنْقُضْهُ. هَلْ بَيْنَ الآلِهَةِ البَاطِلَةِ الَّتِي تَعْبُدُهَا الأُمَمُ إلَهٌ يُرْسِلُ المَطَرَ؟ أمْ هَلْ تُعطِي السَّمَاوَاتُ مَطَرًا مِنْ ذَاتِهَا؟ ألَسْتَ أنْتَ هُوَ ؟ لِذَا نَتَّكِلُ عَلَيْكَ، لِأنَّكَ أنْتَ عَمِلْتَ كُلّ هَذِهِ الأُمُورِ. فَقَالَ اللهُ لِي: «حَتَّى لَوْ وَقَفَ مُوسَى وَصَمُوئِيلُ أمَامِي، فَلَنْ أغفِرَ لِهَذَا الشَّعْبِ. أبعِدْهُمْ مِنْ أمَامِي وَأخْرِجْهُمْ. وَإنْ قَالُوا لَكَ: ‹أيْنَ نَذهَبُ؟› فَحِينَئِذٍ، قُلْ لَهُمْ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «‹مَنْ مَصِيرُهُ المَوْتُ سَيَمُوتُ، وَمَنْ مَصِيرُهُ المَعرَكَةُ فَسَيَسْقُطُ فِي المَعْرَكَةِ، وَمَنْ مَصِيرُهُ المَجَاعَةُ فَسَيَجُوعُ، وَمَنْ مَصِيرُهُ السَّبْيُ، فَسَيَذْهَبُ إلَى السَّبْيِ. سَأُعَاقِبُهُمْ بِأرْبَعِ طُرُقٍ، يَقُولُ اللهُ ، بِالسَّيْفِ القَاتِلِ، وَبِالكِلَابِ الَّتِي سَتَسْحَبُهُمْ، وَبِطُيُورِ السَّمَاءِ وَبِحَيَوَانَاتِ الأرْضِ الَّتِي سَتَأْكُلُهُمْ وَسَتُهلِكُهُمْ. سَأُرعِبُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الأرْضِ، بِسَبَبِ مَنَسَّى بْنِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَكُلِّ الأُمُورِ الَّتِي عَمِلَهَا فِي القُدْسِ.› «مَنْ سَيُشفِقُ عَلَيْكِ يَا قُدْسُ؟ مَنْ سَيَتَحَسَّرُ عَلَيْكِ؟ مَنْ سَيَمُرُّ بِكِ، لِيسألَ عَنْ أحْوَالِكِ؟ «تَرَكتِنِي، يَقُولُ اللهُ ، وَتَرَاجَعْتِ، لِذَلِكَ سَأُهَاجِمُكِ وَأُدَمِّرُكِ. مَلَلْتُ مِنْ إظهَارِ الشَّفَقَةِ لَكِ. سَأُشَتِّتُهُمْ بِالمِذرَاةِ عِنْدَ بَوَّابَاتِ أرْضِهِمْ. سَأحْرِمُهُمْ مِنْ أوْلَادِهِمْ، سَأُهلِكُ شَعْبِي بِسَبَبِ طُرُقِهِمْ الَّتِي لَمْ يَتْرُكُوهَا. سَتَكُونُ أرَامِلُهُمْ أكْثَرَ مِنَ الرَّملِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ، فِي الظَّهِيرَةِ سَآتِي بِدَمَارٍ عَلَى أُمَّهَاتِ الشَّبَابِ. سَأجْلِبُ عَلَيْهِمْ القَلَقَ وَأُمُورًا مُرعِبَةً فَجْأةً. الَّتِي وَلَدَتْ سَبعَةً سَتَذْبُلُ، وَسَتَلْفُظُ أنفَاسَهَا الأخِيرَةَ. لَنْ تُشرِقَ عَلَيْهَا الشَّمْسُ فِيمَا بَعْدُ، سَتُذَلُّ وَتُخزَى. أمَّا بَقِيَّتُهُمْ فَسَيَمُوتُونَ فِي المَعْرَكَةِ أمَامَ أعْدَائِهِمْ،» يَقُولُ اللهُ . يَا أُمِّي، وَيْلٌ لِي لِأنَّكِ وَلَدْتِنِي إنْسَانَ نِزَاعٍ وَفِي خِلَافٍ مَعَ كُلِّ الأرْضِ. لَمْ أُقرِضْ شَيْئًا، وَلَا استَقْرَضْتُ شَيْئًا، وَمَعَ هَذَا فَإنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَلْعَنُنِي. وَقَالَ لِيَ اللهُ : «قَدْ حَفِظْتُ حَيَاتَكَ لِأجْلِ الخَيْرِ، وَحَمَيتُكَ مِنْ أعْدَائِكَ فِي وَقْتِ الضِّيقِ وَالشِّدَّةِ.» «هَلْ يُمْكِنُ كَسْرُ الحَدِيدِ أوْ البُرُونْزِ الآتِي مِنَ الشِّمَالِ؟ سَأُعْطِي ثَروَتَكَ وَكُنُوزَكَ كَغَنِيمَةٍ بِلَا ثَمَنٍ، بِسَبَبِ خَطَايَاكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنْ أرْضِكَ. وَسَأجعَلُكَ تَذْهَبُ مَعَ أعْدَائِكَ إلَى أرْضٍ لَا تَعْرِفُهَا. لِأنَّ غَضَبِي اشْتَعَلَ، وَسَيَلْتَهِمُكُمْ جَمِيعًا.» يَا اللهُ أنْتَ تَعْلَمُ مَا يَحْدُثُ. اذكُرْنِي وَاهتَمَّ بِي، انتَقِمْ لِي مِنَ الَّذِينَ يُطَارِدُونَنِي. لَا تَدَمِّرْنِي بِينَمَا تَصْبِرُ عَلَيْهِمْ. وَانْظُرْ كَيْفَ أهَانُونِي مِنْ أجْلِكَ. وَجَدتُ كَلَامَكَ فَالتَهَمتُهُ، فَجَعَلَنِي كَلَامُكَ سَعِيدًا وَمُبتَهِجًا، لِأنِّي دُعِيْتُ بِاسْمِكَ أيُّهَا القَدِيرُ. لَمْ أجْلِسْ مَعَ جَمَاعَةِ الضَّاحِكِينَ لِأحْتَفِلَ. لِأنَّكَ أنْتَ سَيِّدِي، جَلَسْتُ وَحِيدًا، لِأنَّكَ مَلأتَنِي بِالغَضَبِ عَلَيْهِمْ. لِمَاذَا وَجَعِي بِلَا نِهَايَةٍ؟ لِمَاذَا جُرحِي مُمِيتٌ لَا يُشفَى؟ هَلْ سَتَكُونُ لِي كَالسَّرَابِ، كَميَاهٍ وَهْمِيَّةٍ؟ فَقَالَ اللهُ : «إنْ رَجِعتَ تَائِبًا فَسَأقبَلُكَ، وَسَتَقِفُ أمَامِي. وَإنْ غَيَّرْتَ الكَلَامَ الرَّدِيءَ إلَى كَلَامٍ حَسَنٍ، فَحِينَئِذٍ، سَتَكُونُ المُتَكَلِّمَ عَنِّي وَلأجْلِي. سَيَرْجِعُونَ إلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ لَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِمْ. سَأجعَلُكَ كَسُورٍ مِنْ بُرُونْزٍ مُحَصَّنٍ أمَامَ هَذَا الشَّعْبِ. سَيُحَارِبُونَكَ، وَلَكِنَّهُمْ لَنْ يَهْزِمُوكَ، لِأنِّي مَعَكَ، سَأُخَلِّصُكَ وَأُنقِذُكَ، يَقُولُ اللهُ ، سَأُنقِذُكَ مِنْ يَدِ الأشْرَارِ وَسَأفدِيكَ مِنْ سَيطَرَةِ المُرعِبِينَ.» وَكَلَّمَنِي اللهُ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ: «لَا تَتَزَوَّجْ، وَلَا يَكُنْ لَكَ أبْنَاءٌ وَبَنَاتٌ فِي هَذَا المَكَانِ.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنِ الأبْنَاءِ وَالبَنَاتِ الَّذِينَ يُولَدُونَ فِي هَذَا المَكَانِ، وَعَنْ أُمَّهَاتِهِمُ اللَّوَاتِي يَحْمِلْنَهُمْ فِي بُطُونِهِنَّ، وَعَنْ آبَائِهِمُ الَّذِينَ يَلِدُونَهُمْ فِي هَذِهِ الأرْضِ: «سَيَمُوتُونَ بِأمرَاضٍ كَثِيرَةٍ. وَلَنْ يَنُوحَ عَلَيْهِمْ أوْ يَدْفِنَهُمْ أحَدٌ. سَيَصِيرُونَ كَالرَّوثِ عَلَى سَطْحِ الأرْضِ، وَسَيَمُوتُونَ فِي الحَرْبِ وَالمَجَاعَةِ. سَتَكُونُ أجسَادُهُمْ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ، وَللحَيَوَانَاتِ البَرِّيَةِ.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «لَا تَدْخُلْ بَيْتَ الجَنَازَةِ، وَلَا تَذْهَبْ إلَى بَيْتِ النَّوحِ. لَا تَحْزَنْ لِأجْلِهِمْ، لِأنِّي نَزَعتُ سَلَامِي وَمَحَبَّتِي وَرَحمَتِي مِنْ هَذَا الشَّعْبِ،» يَقُولُ اللهُ . «سَيَمُوتُ العُظَمَاءُ وَالصِّغَارُ فِي هَذِهِ الأرْضِ. لَنْ يُدفَنُوا وَلَنْ يَنُوحَ أحَدٌ عَلَيْهِمْ. لَنْ يُجَرِّحَ أحَدٌ نَفْسَهُ أوْ يَحْلِقَ شَعرَهُ حُزْنًا عَلَيْهِمْ. لَنْ يُشَارِكَ النَّاسُ الطَّعَامَ مَعَهُمْ فِي حُزنِهِمْ لِلتَّعَاطُفِ مَعَهُمْ عَلَى مَنْ مَاتَ، وَلَنْ يُقَدِّمَ النَّاسُ لَهُمْ مَاءً لِيُعَزُّوهُمْ عَنْ مَوْتِ أبِيهِمْ وَأُمِّهِمْ. «لَا تَدْخُلْ يَا إرْمِيَا إلَى مَكَانِ الِاحْتِفَالِ لِتَجْلِسَ مَعَ الَّذِينَ هُنَاكَ لِتَأْكُلَ وَتَشْرَبَ مَعَهُمْ. لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: فِي فَترَةِ حَيَاتِكُمْ، سَأُزِيلُ مِنْ هَذَا المَكَانِ صَوْتَ الغِنَاءِ وَصَوْتَ الِاحْتِفَالَاتِ وَصَوْتَ الفَرَحِ فِي الأعْرَاسِ. «وَعِنْدَمَا تُخبِرُ هَذَا الشَّعْبَ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ سَيَقُولُونَ لَكَ: ‹لِمَاذَا أعْلَنَ اللهُ أنَّ هَذَا الشَّرَّ العَظِيمَ سَيُصِيبَنَا؟ مَا هُوَ إثمُنَا؟ وَمَا هِيَ الخَطِيَّةُ الَّتِي ارتَكَبْنَاهَا تُجَاهَ إلَهِنَا ؟› تَقُولُ لَهُمْ: ‹لِأنَّ آبَاءَكُمْ تَرَكُونِي، يَقُولُ اللهُ . سَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، خَدَمُوهَا وَعَبَدُوهَا، وَتَرَكُونِي، وَلَمْ يَحْفَظُوا شَرِيعَتِي. وَأنْتُمْ عَمِلتُمْ شَرًّا أكْثَرَ مِنْ آبَائِكُمْ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَتْبَعُ قَلْبَهُ الشِّرِّيرَ بِعِنَادٍ بَدَلًا مِنَ الِاسْتِمَاعِ لِي. لِذَلِكَ سَأرمِيكُمْ خَارِجَ هَذِهِ الأرْضِ إلَى أرْضٍ غَريبَةٍ عَلَيْكُمْ وَعَلَى آبَائِكُمْ. وَسَتَخْدِمُونَ آلِهَةً أُخْرَى هُنَاكَ لَيْلًا وَنَهَارًا، لِأنِّي لَنْ أرحَمَكُمْ.›» «لِذَلِكَ سَتَأْتِي أيَّامٌ، يَقُولُ اللهُ ، حِينَ لَا يَعُودُ النَّاسُ يَقُولُونَ: ‹أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ الَّذِي أصعَدَ إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ.› بَلْ سَيَقُولُونَ: ‹أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ الَّذِي أخْرَجَ إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِ الشِّمَالِ، مِنْ كُلِّ الأمَاكِنِ الَّتِي طَرَدَهُمْ إلَيْهَا.› وَسَأُعِيدُهُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِآبَائِهِمْ.» يَقُولُ اللهُ : «سَأُرْسِلُ صَيَّادِينَ كَثِيرِينَ، فَسَيَصطَادُونَهُمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَأُرْسِلُ قَانِصِينَ كَثِيرِينَ وَسَيَصطَادُونَكُمْ عَلَى كُلِّ تَلَّةٍ وَفِي كُلِّ شَقٍّ فِي الصُّخُورِ، لِأنِّي أُرَاقِبُ لِأرَى كَيْفَ يَتَصَرَّفُونَ. طُرُقُهُمْ لَيْسَتْ مَستُورَةً عَنِّي، وَإثمُهُمْ لَيْسَ مَخفِيًّا عَنْ عَينَيَّ. سَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى إثمِهِمْ وَخَطِيَّتِهِمْ عِقَابًا مُضَاعَفًا. فقَدْ نَجَّسُوا أرْضِي بِأصْنَامِهِمُ القَذِرَةِ، وَمَلأُوا مِيرَاثِي بِمَفَاسِدِهِمْ.» يَا اللهُ ، قُوَّتِي وَحِصنِي، وَمَلْجَأي فِي وَقْتِ الضِّيقِ. سَتَأْتِي الأُمَمُ إلَيْكَ مِنْ أقَاصِي الأرْضِ، وَيَقُولُونَ: «آبَاؤُنَا وَرَثُوا هَذِهِ الأوَثَانَ التَّافِهَةَ وَغَيْرَ النَّافِعَةِ.» هَلْ يَصْنَعُ الإنْسَانُ آلِهَةً لِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ آلِهَةً؟ «لِذَلِكَ سَأُعَلِّمُهُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. وَسَأُعلِنُ لَهُمْ عَنْ قُوَّتِي وَقُدرَتِي، وَسَيَعْرِفُونَ أنَّ اسْمِي هُوَ يهوه.» «خَطِيَّةُ يَهُوذَا مَكْتُوبَةٌ بِقَلَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، كُتِبَتْ بِقَلَمٍ مَعدِنِيٍّ عَلَى لَوحِ قُلُوبِهِمْ، وَعَلَى زَوَايَا مَذَابِحِهِمْ. يَتَذَكَّرُ بَنُوهُمْ مَذَابِحَهُمْ وَأنصَابَ عَشْتَرُوتَ، بِجَانِبِ الأشْجَارِ المُورِقَةِ عَلَى التِّلَالِ العَالِيَةِ، وَعَلَى المُرْتَفَعَاتِ وَفِي الحُقُولِ. أمَّا ثَروَتُكَ وَكُنُوزُكَ، فَسَأُعْطِيهَا لِآخَرِينَ مَجَّانًا، بِسَبَبِ الخَطيَّةِ الَّتِي فِي أرْضِكَ. سَتَخْسَرُ مِيرَاثَكَ الَّذِي أعْطَيْتُهُ لَكَ بِسَبِبِ أعْمَالِكَ. وَسَأجعَلُكَ تَخْدِمُ أعْدَاءَكَ فِي أرْضٍ لَا تَعْرِفُهَا. لِأنَّ غَضَبِي كَنَارٍ تَشْتَعِلُ إلَى الأبَدِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «مَلْعُونٌ مَنْ يَثِقُ بِبَشَرٍ، وَيَتَّكِلُ عَلَى النَّاسِ طَلَبًا للقُوَّةِ، وَيَبْتَعِدُ قَلْبُهُ عَنِ اللهِ . سَيَصِيرُ مِثْلَ شُجَيرَةٍ فِي البَرِّيَّةِ، وَلَنْ يَرَى الخَيْرَ عِنْدَمَا يَجِيءُ، وَيَسْكُنُ فِي الأرَاضِي الحَارَّةِ فِي الصَّحرَاءِ، فِي أرْضٍ مَالِحَةٍ وَغَيرِ مَسكُونَةٍ. مُبَارَكٌ الإنْسَانُ الَّذِي يَثِقُ بِاللهِ ، وَيَتَّكِلُ عَلَى اللهِ . سَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغرُوسَةٍ بِجَانِبِ المَاءِ، تُرسِلُ جُذُورَهَا بِجِوَارِ النَّهرِ، وَلَا تَخَافُ مِنَ الحَرِّ عِنْدَمَا يَأتِي، وَهِيَ مُغَطَّاةٌ بِالوَرَقِ الأخضَرِ، وَفِي سَنَةِ القَحطِ لَا تَقْلَقُ، وَلَا تَتَوَقَّفُ عَنْ حَمْلِ الثَّمَرِ. «القَلْبُ أخدَعُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ، وَلَا يُمْكِنُ شِفَاؤُهُ. مَنْ يَسْتَطِيعُ فَهْمَهُ؟ أنَا اللهَ أمتَحِنُ القُلُوبَ، وَأختَبِرُ الرَّغَبَاتِ، كَي أُكَافِئَ الإنْسَانَ بِحَسَبِ طُرُقِهِ وَبِحَسَبِ أعْمَالِهِ. مِثْلُ حَجَلَةٍ تَحْضُنُ بُيُوضًا لَيْسَتْ لَهَا، هَكَذَا الرَّجُلُ الَّذِي يُصْبِحُ غَنِيًّا بِغَيرِ حَقٍّ. سَيَزُولُ غِنَاهُ فِي وَسَطِ حَيَاتِهِ، وَسَيَبْدُو أحْمَقَ فِي النِّهَايَةِ.» عَرشٌ مَجِيدٌ مُرْتَفِعٌ مِنَ البِدَايَةِ هُوَ هَيْكَلُنَا المُقَدَّسُ. اللهُ هُوَ رَجَاءُ إسْرَائِيلَ، وَكُلُّ مَنْ يَتْرُكُهُ سَيُخزَى. الَّذِينَ يَبْتَعِدُونَ عَنِّي فِي الأرْضِ سَتُكتَبُ أسمَاؤُهُمْ عَلَى الرَّملِ. كُلُّ هَذَا لِأنَّهُمْ تَرَكُوا اللهَ يُنْبُوعَ المَاءِ الحَيِّ. اشفِنِي يَا اللهُ ، حِينَئِذٍ، سَأُشفَى. خَلِّصْنِي، حِينَئِذٍ، سَأخلُصُ. هَذَا لِأنَّكَ أنْتَ مَنْ أُسَبِّحُهُ. انْظُرْ كَيْفَ يَقُولُونَ لِي: «أيْنَ كَلِمَةُ اللهِ وَوَعدُهُ؟ لِيَأْتِيَا.» لَكِنِّي لَمْ أتَوَقَّفْ عَنْ أنْ أكُونَ رَاعِيًا عِنْدَكَ، وَلَمْ أرغَبْ فِي مَجِيءِ يَوْمِ الكَارِثَةِ. أنْتَ تَعْرِفُ كُلَّ مَا أقُولُهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ جِدًّا لَكَ. لَا تُرعِبْنِي، أنْتَ مَلْجَأي فِي وَقْتِ الكَارِثَةِ. لِيُخْزَ الَّذِينَ يَتْبَعُونَنِي، أمَّا أنَا، فَلَا تَسْمَحْ بِأنْ أُخزَى. لِيَرْتَعِبُوا، أمَّا أنَا، فَلَا تَسْمَحْ بِأنْ أرتَعِبَ. اجلِبْ عَلَيْهِمْ وَقْتَ مُعَانَاةٍ، وَحَطِّمهُمْ تَحْطِيمًا مُضَاعَفًا. هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ لِي: «اذْهَبْ وَقِفْ فِي بَوَّابَةِ الشَّعْبِ الَّتِي يَدْخُلُ مِنْهَا مُلُوكُ يَهُوذَا وَمِنهَا يَخْرُجُونَ. وَقِفْ فِي كُلِّ بَوَّابَاتِ مَدِينَةِ القُدْسِ.» «وَقُلْ لَهُمْ: اسمَعُوا رِسَالَةَ اللهِ يَا كُلَّ مُلُوكِ يَهُوذَا، وَكُلَّ بَنِي يَهُوذَا، وَكُلَّ سُكَّانِ القُدْسِ، وَيَا كُلَّ الدَّاخِلِينَ عَبْرَ هَذِهِ البَوَّابَاتِ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹احمُوا أنْفُسَكُمْ، وَلَا تَحْمِلُوا شَيْئًا يَوْمَ السَّبْتِ، وَلَا تُدْخِلُوا البَضَائِعَ عَبْرَ بَوَّابَاتِ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَلَا تُخرِجُوا البَضَائِعَ مِنْ بُيُوتِكُمْ يَوْمَ السَّبْتِ، وَلَا تَعْمَلُوا. خَصِّصُوا يَوْمَ السَّبْتِ لِي كَمَا أمَرْتُ آبَاءَكُمْ.› وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَفْتَحُوا آذَانَهُمْ، بَلْ قَسَّوْا رِقَابَهُمْ وَتَجَاهَلُوا وَلَمْ يَصْغُوا لِكَلَامِي. لَكِنْ إنِ استَمَعتُمْ إلِيَّ، يَقُولُ اللهُ ، فَلَمْ تُدخِلُوا البَضَائِعَ عَبْرَ بَوَّابَاتِ هَذِهِ المَدِينَةِ يَوْمَ السَّبْتِ، بَلْ خَصَّصْتُمُ السَّبتَ لِي فَلَمْ تَعْمَلُوا فِيهِ، فَإنَّ مُلُوكًا يَجْلِسُونَ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ سَيَدْخُلُونَ عَبْرَ بَوَّابَاتِ القُدْسِ رَاكِبِينَ عَرَبَاتٍ وَخُيُولًا. سَيَدْخُلُ هَؤُلَاءِ مَعَ رُؤَسَائِهِمْ وَرِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَسَتُسكَنُ هَذِهِ المَدِينَةُ إلَى الأبَدِ. وَسَيَأْتِي أُنَاسٌ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا وَمِنَ المَنَاطِقِ المُحِيطَةِ بِمَدِينَةِ القُدْسِ، وَمِنْ أرْضِ بَنْيَامِينَ وَمِنَ السُّهُولِ الغَربِيَّةِ وَمِنْ مِنطَقَةِ التِّلَالِ وَمِنَ النَّقَبِ إلَى بَيْتِ اللهِ بِذَبَائِحَ وَأضَاحِي وَقَرَابِينَ وَبَخُورٍ وَذَبَائِحِ شُكرٍ. «‹وَلَكِنْ إنْ لَمْ تَسْتَمِعُوا إلَيَّ، بِأنْ تُخَصِّصُوا السَّبْتَ لِي، وَبِأنْ لَا تُدخِلُوا البَضَائِعَ عَبْرَ بَوَّابَاتِ القُدْسِ يَوْمَ السَّبْتِ، فَسَأُشعِلُ نَارًا فِي بَوَّابَاتِهَا، فَتَلْتَهِمَ قِلَاعَ المَدِينَةِ، وَلَنْ تُطفَأ.›» هَذِهِ رِسَالَةٌ نَبَوِيَّةٌ أعْطَاهَا اللهُ لِإرْمِيَا: «قُمْ وَانزِلْ إلَى بَيْتِ الفَخَّارِيِّ، وَبَيْنَمَا أنْتَ هُنَاكَ سَأُخبِرُكَ بِكَلَامِي لِهَذَا الشَّعْبِ.» فَنَزَلتُ إلَى بَيْتِ الفَخَّارِيِّ، بَيْنَمَا كَانَ يَصْنَعُ شَيْئًا عَلَى دُولَابِهِ. فَتَلِفَ الإنَاءُ الَّذِي كَانَ الفَخَّارِيُّ يُشَكِّلُهُ بِيَدَيهِ. فَابْتَدَأ مِنْ جَدِيدٍ، وَصَنَعَ وِعَاءً آخَرَ كَمَا أرَادَهُ الفَخَّارِيُّ أنْ يَكُونَ. هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ لِي. يَقُولُ اللهُ : «يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، ألَا أسْتَطِيعُ أنْ أُفعَلَ بِكُمْ كَمَا فَعَلَ هَذَا الفَخَّارِيُّ؟ كَالفَخَّارِ فِي يَدِ الفَخَّارِيِّ، هَكَذَا أنْتُمْ فِي يَدِي يَا بَنِي إسْرَائِيلَ. قَدْ أُعلِنُ، فِي وَقْتٍ مَا، أنِّي سَأقتَلِعُ أُمَّةً أوْ مَملَكَةً، وَأكسِرُهَا وَأُدَمِّرُهَا. وَلَكِنْ إنْ تَابَتْ تِلْكَ الأُمَّةُ نَفْسُهَا عَنْ شَرِّهَا، فَإنِّي سَأتَرَاجَعُ عَنِ الدَّمَارِ الَّذِي كُنْتُ سَأُنِزِلُهُ بِهَا. وَقَدْ أُعلِنُ، فِي وَقْتٍ آخَرَ، أنِّي سَأبنِي أوْ أغرِسُ أُمَّةً أوْ مَملَكَةً. وَلَكِنْ إنْ صَنَعَتِ الشَّرَّ أمَامِي، وَلَمْ تَسْمَعْ صَوْتِي، فَإنِّي سَأتَرَاجَعُ عَنِ الخَيْرِ الَّذِي كُنْتُ سَأفْعَلُهُ بِهَا. «وَالْآنَ، قُلْ لِبَنِي يَهُوذَا وَلِسُكَّانِ القُدْسِ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : هَا أنَا أُشَكِّلُ الشَّرَّ ضِدَّكُمْ، وَأُخَطِّطُ ضِدَّكُمْ. فَتُوبُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الشِّرِّيرَةِ، وَأصلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأعْمَالَكُمْ.› وَلَكِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ: ‹وَلِمَاذَا نَهتَمُّ بِهَذَا؟ سَنَسِيرُ وَرَاءَ خُطَطِنَا. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيَعْمَلُ الشَّرَّ الَّذِي يُرِيدُهُ بِعِنَادٍ.›» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «اسألُوا بَيْنَ الأُمَمِ: ‹مَنْ سَمِعَ بِشَعْبٍ كَهَذَا؟› العَزِيزَةُ إسْرَائِيلُ عَمِلَتْ شَيْئًا كَرِيهًا جِدًّا. هَلْ يُمْكِنُ لِثَلجِ لُبْنَانَ أنْ يَتْرُكَ قِمَّتَهُ الصَّخرِيَّةَ؟ هَلْ يُمْكِنُ لِلمِيَاهِ البَارِدَةِ المُتَدَفِّقَةِ أنْ تَجِفَّ؟ أمَّا شَعْبِي فَنَسِيَنِي، أحرَقُوا بَخُورًا لِلأوْثَانِ البَاطِلَةِ الَّتِي جَعَلَتْهُمْ يَتَعَثَّرُونَ فِي طُرُقِهِمْ، فِي السُّبُلِ القَدِيمَةِ. سَتَصِيرُ أرْضُهُمْ خَرَابًا وَمَوضِعَ استِهزَاءٍ أبَدِيٍّ. كُلُّ مَنْ يَمُرُّ فِيهَا سَيَرْتَعِبُ، وَسَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ فِي حُزنٍ عَلَيْهَا. مِثْلَ رِيحٍ شَرقِيَّةٍ سَأُبَدِّدُهُمْ أمَامَ عَدُوِّهُمْ. وَسَأبتَعِدُ عَنْهُمْ فِي يَوْمِ ضِيقِهِمْ.» ثُمَّ قَالُوا: «تَعَالَوْا نَتَآمَرْ عَلَى إرْمِيَا، لِأنَّ الكَهَنَةَ سَيَسْتَمِرُّونَ فِي تَعْلِيمِ الشَّرِيعَةِ، وَالحُكَمَاءَ فِي تَقْدِيمِ النَّصِيحَةِ، وَالأنْبِيَاءَ فِي التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ اللهِ. تَعَالَوْا نَسْتَهْزِئْ بِهِ، وَنَسْتَهِنْ بِكُلِّ كَلَامِهِ.» يَا اللهُ ، أصغِ إلَيَّ، وَاسمَعْ صَوْتَ شَكوَايَ. هَلْ يُجَازَى أحَدٌ بِشَرٍّ مُقَابِلَ الخَيْرِ؟ أمَّا خُصُومِي فَقَدْ حَفَرُوا حُفرَةً لِقَتلِي. تَذَكَّرْ كَيْفَ وَقَفْتُ أمَامَكَ لِأُدَافِعَ عَنْهُمْ حَتَّى أُبعِدَ غَضَبَكَ عَنْهُمْ. لِذَلِكَ سَلِّمْ بَنِيهِمْ لِلجُوعِ، وَلْيُقتَلُوا بِالسُّيُوفِ. لِتُحْرَمْ نِسَاؤُهُمْ مِنَ الأبْنَاءِ وَالأزْوَاجِ، وَلْيَقْتُلِ الوبَاءُ رِجَالَهُمْ، وَلْيُضرَبْ شَبَابُهُمْ بِالسُّيُوفِ فِي المَعْرَكَةِ. لِتُسمَعْ صَرخَةُ ضِيقٍ فِي بُيُوتِهِمْ، عِنْدَمَا تَأْتِي جُيُوشٌ عَلَيْهِمْ فَجْأةً، لِأنَّهُمْ حَفَرُوا حُفَرًا لِلإيقَاعِ بِي، وَوَضَعُوا فِخَاخًا لِقَدَمَيَّ. لَكِنَّكَ تَعْرِفُ يَا اللهُ خُطَطَهُمْ لِقَتلِي. فَلَا تَسْتُرْ إثمَهُمْ، وَلَا تَمْحُ خَطِيَّتَهُمْ مِنْ أمَامِ عَيْنَيْكَ. دَعْهُمْ يَتَعَثَّرُوا أمَامَكَ. عَاقِبْهُمْ فِي غَضَبِكَ! هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ : «اذْهَبْ وَاشتَرِ إبرِيقَ فَخَّارٍ مِنَ الفَخَّارِيِّ، وَخُذْ بَعْضَ قَادَةِ الشَّعْبِ وَبَعْضَ قَادَةِ الكَهَنَةِ. وَاخرُجْ إلَى وَادِي ابنِ هِنُّومَ الَّذِي عِنْدَ بَوَّابَةِ الفَخَّارِيِّ، وَأعلِنْ هُنَاكَ الكَلِمَاتِ الَّتِي أقُولُهَا لَكَ. «قُلْ: ‹يَا مُلُوكَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ القُدْسِ، اسْمَعُوا هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنَ اللهِ ، فَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: هَا أنَا آتٍ بِشَرٍّ عَلَى هَذَا المَكَانِ، حَتَّى إنَّ النَّاسَ لَنْ يُصَدِّقُوا مَا يَرَوْنَهُ.› «قَدْ تَرَكُونِي وَنَجَّسُوا هَذَا المَكَانِ. أحرَقُوا بَخُورًا فِيهِ لِآلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ يَعْرِفُوهَا لَا هُمْ وَلَا آبَاؤُهُمْ وَلَا مُلُوكُ يَهُوذَا. وَمَلأُوا هَذَا المَكَانَ بِدَمِ أُنَاسٍ أبرِيَاءَ. وَبَنَوْا مُرتَفَعَاتٍ لِلبَعلِ، حَيْثُ يُحْرِقُونَ أبْنَاءَهُمْ فِي النَّارِ قَرَابِينَ لِلبَعلِ. وَأنَا لَمْ آمُرْ بِهذِهِ القَرَابِينِ، وَلَمْ أتَكَلَّمْ عَنْهَا أوْ حَتَّى فَكَّرْتُ بِهَا. «لِذَلِكَ سَتَأْتِي الأيَامُ، يَقُولُ اللهُ ، عِنْدَمَا لَا يَعُودُ هَذَا المَكَانُ يُدْعَى تُوفَةَ وَوَادِيَ ابنِ هِنُّومَ، وَلَكِنَّهُ سَيُدْعَى وَادِيَ القَتلِ. وَسَأُلغِي مُخَطَّطَاتِ يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ فِي هَذَا المَكَانِ، وَسَأجعَلُهُمْ يَسْقُطُونَ فِي المَعْرَكَةِ أمَامَ أعْدَائِهِمْ وَبِيَدِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ قَتلَهُمْ. وَسَأُعْطِي جُثَثَهُمْ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَلِوُحُوشِ الأرْضِ. وَسَأجْعَلُ هَذِهِ المَدِينَةَ سَبَبَ رُعبٍ وَاستِهزَاءٍ. كُلُّ مَنْ يَعْبُرُ فِيهَا سَيَنْدَهِشُ وَسَيَهْزَأُ بِهَا لِخَرَابِهَا. سَأجعَلُهُمْ يَأْكُلُونَ لَحْمَ أبْنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ. وَسَيَأْكُلُ بَعْضُهُمْ أجسَادَ بَعْضٍ خِلَالِ الحِصَارِ وَالضِّيقِ اللَّذَيْنِ سَيَأْتِي بِهِمَا أعْدَاؤُهُمْ وَمَنْ يُحَاوِلُونَ قَتلَهُمْ. «حِينَئِذٍ، سَتَكْسِرُ الإبرِيقَ أمَامَ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَذْهَبُونَ مَعَكَ. حِينَئِذٍ، سَتَقُولُ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: هَكَذَا سَأُحَطِّمُ هَذَا الشَّعْبَ وَهَذِهِ المَدِينَةَ، كَمَا يُحَطِّمُ شَخْصٌ إنَاءَ فَخَّارٍ تَمَامًا حَتَّى لَا يُمْكِنُ إصلَاحُهُ. وَسَيدفِنُونَ أجسَادَهُمْ فِي تُوفَةَ لِأنَّهُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ مَكَانٌ لِلدَّفنِ. هَكَذَا سَأُعَامِلُ هَذَا المَكَانَ وَسُكَّانَهُ. وَسَأجْعَلُ هَذَا المَكَانَ مِثْلَ تُوفَةَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ . «‹سَتُصبِحُ بُيُوتُ القُدْسِ وَبُيُوتُ مُلُوكِ يَهُوذَا نَجِسَةً مِثْلَ تُوفَةَ، بِسَبَبِ كُلِّ البُيُوتِ الَّتِي أحرَقُوا فِيهَا بَخُورًا لِعِبَادَةِ النُّجُومِ، وَالَّتِي فِيهَا سَكَبُوا قَرَابِينَ سَائِلَةً لِآلِهَةٍ أُخْرَى.›» ثُمَّ جَاءَ إرْمِيَا مِنْ تُوفَةَ – حَيْثُ كَانَ قَدْ أرْسَلَهُ اللهُ لِيَتَنَبَّأ – وَوَقَفَ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ ، وَقَالَ لِكُلِّ الشَّعْبِ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹سَأجْلِبُ عَلَى هَذِهِ المَدِينَةِ وَعَلَى كُلِّ المُدُنِ المُحِيطَةِ بِهَا كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أعلَنتُهُ ضِدَّهَا، لِأنَّهُمْ قَاوَمُونِي بِعِنَادٍ وَلَمْ يَسْتَمِعُوا لِكَلَامِي.›» وَسَمِعَ الكَاهِنُ فَشحُورُ بْنُ إمِّيرَ إرْمِيَا وَهُوَ يَتَنَبَّأُ بِهَذَا الكَلَامِ. وَكَانَ فَشحُورُ هُوَ المَسؤُولَ الأوَّلَ عَنْ بَيْتِ اللهِ . فَضَرَبَ فَشحُورُ إرْمِيَا النَّبِيِّ وَوَضَعَ قَدَمِيهِ بَيْنَ لَوحَينِ خَشَبِيَّينِ كَبِيرَينِ، قُرْبَ بَوَّابَةِ بَنْيَامِينَ العُليَا الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ . وَفِي اليَوْمِ الثَّانِي، أطلَقَ فَشحُورُ إرْمِيَا مِنَ قُيُودِهِ. فَقَالَ لَهُ إرْمِيَا: «لَنْ يَدْعُوَكَ اللهُ فَشحُورَ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ: ‹مَرْعُوبَ.› لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹سَآتِي بِالرُّعبِ عَلَيْكَ وَعَلَى مَنْ تُحِبُّهُمْ. وَسَتُقتَلُونَ فِي المَعْرَكَةِ بِسَيفِ أعْدَائِكُمْ. وَأنْتَ سَتَرَى هَذَا بِعَيْنَيْكَ. سَأُسَلِّمُ كُلَّ بَنِي يَهُوذَا إلَى مَلِكِ بَابِلَ، وَسَأسبِيهِمْ إلَى بَابِلَ، فَيَضْرِبَهُمْ بِالسَّيْفِ. وَسَأُعْطِي لِيَدِ أعْدَائِهِمْ كُلَّ ثَروَةِ المَدِينَةِ، وَكُلَّ إنتَاجِهَا، وَكُلَّ مُمتَلَكَاتِهَا الثَّمِينَةِ، وَجَمِيعَ كُنُوزِ مُلُوكِ يَهُوذَا. فَسَيَسْلِبُهُمُ البَابِلِيُّونَ، وَسَيَأْخُذُونَهُمْ إلَى بَابِلَ. وَأنْتَ يَا فَشحُورُ، وَكُلُّ مَنْ يَعِيشُ فِي بَيْتِكَ سَتَذْهَبُونَ إلَى السَّبْيِ. سَتَذْهَبُ إلَى بَابِلَ، وَهُنَاكَ سَتَمُوتُ وَتُدفَنُ، أنْتَ وَكُلُّ الَّذِينَ تُحِبُّهُمْ، وَتَنَبَّأتَ لَهُمْ بِالكَذِبِ.›» يَا اللهُ ، قَدْ أقْنَعتَنِي فَاقتَنَعْتُ، وَأظْهَرْتَ لِي قُوَّتَكَ فَغَلَبْتَنِي. صِرتُ أُضحُوكَةً طَوَالَ اليَوْمِ، وَالجَمِيعُ استَهْزَأُوا بِي. لِأنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ، عَلَيَّ أنْ أصرُخَ صُرَاخًا وَأقُولُ: «عُنفٌ وَدَمَارٌ!» حَتَّى صَارَتْ كَلِمَةُ اللهِ سَبَبًا لِعَارِي وَالسُّخرِيَةِ بِي طَوَالَ اليَوْمِ. فَقُلْتُ: «لَنْ أذكُرَهُ، وَلَنْ أتَكَلَّمَ ثَانِيَةً بِاسْمِهِ.» فَكَانَتْ كَلِمَتُهُ كَنَارٍ فِي قَلْبِي، تَشْتَعِلُ فِي عِظَامِي. فَتَعِبْتُ مِنْ حَبسِهَا فِي دَاخِلِي. لَا أسْتَطِيعُ ذَلِكَ بَعْدُ. لِأنِّي سَمِعْتُ كَثِيرِينَ يَهْمِسُونَ عَنِّي: «إنَّهُ يَنْشُرُ الرُّعبَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. سَنَشتَكِي عَلَيْهِ. نَعَمْ، سَنَشتَكِي عَلَيْهِ.» كُلُّ أصْحَابِي يُرَاقِبُونَنِي لِيَرَوْا إنْ كُنْتُ سَأتَعَثَّرُ. يَقُولُونَ: «لَعَلَّهُ يَنْخَدِعُ فَنَقدِرَ أنْ نَهزِمَهُ، وَنَنتَقِمَ مِنْهُ.» لَكِنَّ اللهَ مَعِي كَمُحَارِبٍ مُرعِبٍ. لِذَلِكَ يُخزَى الَّذِينَ يُطَارِدُونَنِي، وَلَنْ يَغْلِبُونِي. سَيَخْجَلُونَ لِأنَّهُمْ لَنْ يَنْجَحُوا، وَسَيَحْمِلُونَ خِزيًا أبَدِيًّا لَا يُنْسَى. أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ، يَا مُختَبِرَ الأبْرَارِ، وَالعَارِفُ رَغَبَاتِ الإنْسَانِ وَأفكَارِهِ، أرِنِي انتِقَامَكَ مِنْهُمْ. فَإنِّي أُقَدِّمُ شَكوَايَ لَكَ وَحْدَكَ. رَنِّمُوا للهِ ، سَبِّحُوا اللهَ ، لِأنَّهُ أنقَذَ حَيَاةَ المِسكِينِ مِنْ أيدِي الأشْرَارِ. لِيَكُنِ اليَوْمُ الَّذِي وُلِدتُ فِيهِ مَلعُونًا، وَلْيَكُنِ اليَوْمُ الَّذِي وَلَدَتنِي فِيهِ أُمِّي غَيْرَ مُبَارَكٍ. مَلْعُونٌ الرَّجُلُ الَّذِي بَشَّرَ أبِي وَقَالَ لَهُ: «وُلِدَ لَكَ وَلَدٌ،» مُفَرِّحًا إيَّاهُ فَرَحًا عَظِيمًا. لِيَكُنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ كَالمُدُنِ الَّتِي قَلَبَهَا اللهُ بِلَا شَفَقَةٍ، وَلْيَسْمَعْ صَرخَةَ ضِيقٍ فِي الصَّبَاحِ، وَبُوقَ إنْذَارٍ فِي الظَّهِيرَةِ. لِأنَّهُ لَمْ يَقْتُلنِي عِنْدَمَا وُلِدتُ. لَكَانَتْ أُمِّي هِيَ قَبرِي، فَلَا تُنْجِبُنِي إلَى الأبَدِ. لِمَاذَا خَرَجتُ مِنَ الرَّحِمِ لِأرَى هَذَا الضِّيقَ وَالحُزنَ، وَأُمضِيَ بَقِيَّةَ أيَّامِي فِي خِزيٍ؟ هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لِإرْمِيَا، عِنْدَمَا أرْسَلَ المَلِكُ صِدْقِيَّا إلَيْهِ فَشحُورَ بْنَ مَلْكِيَّا وَالكَاهِنَ صَفَنْيَا بْنَ مَعَسِيَّا حَيْثُ قَالَا لَهُ: «نَرجُوكَ أنْ تسألَ اللهَ بِالنِّيَابَةِ عَنَّا. فَنَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ يُحَارِبُنَا. فَلَعَلَّ اللهَ يَعْمَلُ عَمَلًا عَجِيبًا لِأجْلِنَا، كَمَا عَمِلَ فِي المَاضِي، فَيَتْرُكَنَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ.» حِينَئِذٍ، قَالَ لَهُمَا إرْمِيَا: «هَذَا مَا سَتَقُولانِهِ لِصِدْقِيَّا: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ: هَا أنَا سَأُحَوِّلُ ضِدَّكُمُ هَذِهِ الأسلِحَةَ الَّتِي فِي أيدِيكُمُ. أنْتُمْ تُحَارِبُونَ بِهَا مَلِكَ بَابِلَ وَالكِلدَانِيِّينَ، الَّذِينَ يُحَارِبُونَكَ خَارِجَ سُورِ المَدِينَةِ، لَكِنِّي سَآتِي بِهِمْ إلَى وَسَطِ هَذِهِ المَدِينَةِ. سَأُحَارِبُكُمْ بِنَفْسِي بِيَدٍ مَمدُودَةٍ وَبِذِرَاعٍ قَوِيَّةٍ، بِغَضَبٍ وَسَخَطٍ وَشِدَّةٍ. سَأضرِبُ سُكَّانَ هَذِهِ المَدِينَةِ: النَّاسَ وَالبَهَائِمَ مَعًا. وَسَيَمُوتُونَ بِوَبَاءٍ عَظِيمٍ. بَعْدَ هَذَا، يَقُولُ اللهُ ، سَأُسَلِّمُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا وَخُدَّامَهُ وَالشَّعْبَ، وَالَّذِينَ سَيَبْقُونَ فِي هَذِهِ المَدِينَةِ بَعْدَ الوَبَاءِ وَالحَرْبِ وَالجُوعِ، إلَى يَدِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، مَلِكِ بَابِلَ، وَإلَى يَدِ أعْدَائِهِمْ وَإلَى يَدِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ حَيَاتَهُمْ. وَسَيَضْرِبُهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ. وَلَنْ يُشفِقَ عَلَى أحَدٍ مِنْهُمْ وَلَنْ يُبقِيَ أحَدًا، وَلَنْ يَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ.›» «وَقُلْ لِهَذَا الشَّعْبِ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : سَأضَعُ أمَامَكُمْ طَرِيقَينِ: طَرِيقَ الحَيَاةِ وَطَرِيقَ المَوْتِ. مَنْ يَبْقَى فِي المَدِينَةِ سَيَمُوتُ فِي المَعْرَكَةِ أوْ بِالجُوعِ أوْ بِالوَبَاءِ. وَمَنْ يَخْرُجُ وَيَسْتَسْلِمُ للكِلدَانِيّينَ الَّذِينَ يُحَاصِرُونَ المَدِينَةَ، تَكُونُ لَهُ حَيَاتُهُ غَنِيمَةً مِنَ الحَرْبِ، يَقُولُ اللهُ ، لِأنَّي سَأُواجِهُ هَذِهِ المَدِينَةَ لِلخَرَابِ لَا للمُكَافَأةِ. وَسَتُسَلَّمُ إلَى يَدِ مَلِكِ بَابِلَ الَّذِي سَيُحْرِقُهَا بِالنَّارِ.› «وَقُلْ لِلعَائِلَةِ المَلَكِيَّةِ فِي يَهُوذَا: ‹اسْمَعُوا رِسَالَةَ اللهِ يَا بَيْتَ دَاوُدَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «‹احكُمُوا بِالعَدْلِ كُلَّ صَبَاحٍ، وَخُذُوا المَسرُوقَ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ. حَتَّى لَا يَخْرُجَ غَضَبِي كَنَارٍ تَلْتَهِمُكُمْ وَلَا تَنْطَفِئُ، بِسَبَبِ أعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ.› «أنَا ضِدُّكِ يَا قُدْسُ، أيَّتُهَا السَّاكِنَةُ فِي الوَادِي، مِثْلَ جَبَلٍ فِي وَسَطِ سَهلٍ، يَقُولُ اللهُ ، تَقُولُونَ: ‹مَنْ سَيُرعِبُنَا؟ مَنْ سَيُهَاجِمُ فِي أمَاكِنِ لُجُوئِنَا؟›» يَقُولُ اللهُ : «سَأُعَاقِبُكُمْ بِحَسَبِ مَا تَسْتَحِقُّهُ أعْمَالُكُمْ، وَسَأُشعِلُ نَارًا فِي غَابَتِهَا، فَتَلْتَهِمَ كُلَّ شَيءٍ حَوْلَهَا.» هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ : «انزِلْ يَا إرْمِيَا إلَى بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا، وَتَكَلَّمْ إلَيْهِمْ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ. قُلْ: ‹اسمَعْ كَلِمَةَ اللهِ يَا مَلِكَ يَهُوذَا الجَالِسَ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ، أنْتَ وَخُدَّامُكَ الَّذِينَ يَعْبُرُونَ هَذِهِ الأبْوَابَ.› هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹اعمَلُوا مَا هُوَ عَادِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، وَخُذُوا الَّذِي سُلِبَ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ. لَا تُسِيئُوا مُعَامَلَةَ الغَرِيبِ أوِ اليَتِيمِ أوِ الأرمَلَةِ وَلَا تُؤذُوهُمْ، وَلَا تَسْفُكُوا دَمَ أُنَاسٍ أبرِيَاءَ فِي هَذَا المَكَانِ. فَإنْ عَمِلْتُمُ بَحَسَبِ كَلَامِي هَذَا، سَيَبْقَى فِي يَهُوذَا مُلُوكٌ يَجْلِسُونَ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ، يَرْكَبُونَ مَرْكَبَاتِهِمْ وَخُيُولَهُمْ وَيَعْبُرُونَ هَذِهِ الأبْوابَ مَعَ خُدَّامِهِمْ وَشَعْبِهِمْ. لَكِنْ إنْ لَمْ تَنْتَبِهُوا لِهَذِهِ الكَلِمَاتِ، فَإنِّي أُقْسِمُ بِذَاتِي، يَقُولُ اللهُ ، إنَّ هَذَا البَيْتَ سَيَكُونُ حُطَامًا.›» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنْ بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا: «أنْتَ كَجِلعَادَ، وَكَقِمَّةِ لُبْنَانَ. وَمَعَ هَذَا سَأجعَلُكَ كَالصَّحرَاءِ، وَكَالمُدُنِ غَيْرِ المَأهُولَةِ. وَسَأُعَيِّنُ مُدَمِّرِينَ لَكَ، كُلَّ وَاحِدٍ وَسِلَاحَهُ. سَيَقْطَعُونَ أفْضَلَ أرْزِكَ، وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ. «سَتَمُرُّ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ بِهَذِهِ المَدِينَةِ، وَسَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ‹لِمَاذَا عَمِلَ اللهُ هَذَا الأمْرَ لِهَذِهِ المَدِينَةِ العَظِيمَةِ؟› فَيُجِيبُونَ: ‹لِأنَّهُمْ تَرَكُوا عَهْدَ ، وَسَجَدُوا لِآلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوهَا وَخَدَمُوهَا.›» لَا تَبْكُوا عَلَى الَّذِي مَاتَ، وَلَا تَحْزَنُوا عَلَيْهِ. ابكُوا بِمَرَارَةٍ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنَ المَدِينَةِ. فَهُوَ لَنْ يَعُودَ وَلَنْ يَرَى أرْضَ مِيلَادِهِ ثَانِيَةً أبَدًا. لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنْ يَهُوأحَازَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، الَّذِي يَحْكُمُ مَلِكًا مَكَانَ يُوشِيَّا أبِيهِ، وَالَّذِي خَرَجَ مِنْ هَذَا المَكَانِ وَلَنْ يَعُودَ إلَيْهِ: «سَيَمُوتُ فِي المَكَانِ الَّذِي سُبِيَ إلَيْهِ، وَلَنْ يَعُودَ ثَانِيَةً لِيَرَى هَذِهِ الأرْضَ.» «وَيْلٌ لِمَنْ يَبْنِي بَيْتَهُ بِالظُلمِ، وَلِمَنْ يُضِيفُ طَابِقًا جَدِيدًا بِالغِشِّ. وَيْلٌ لِمَنْ يَجْعَلُ صَدِيقَهُ يَخْدِمُهُ مَجَّانًا، فَلَا يَدْفَعُ أُجْرَتَهُ. «يَا مَنْ تَقُولُ: ‹سَأبنِي لِنَفْسِي بَيْتًا ضَخمًا، وَغُرَفًا وَاسِعَةً فِي طَوَابِقَ مُرْتَفِعَةٍ. سَأفتَحُ نَوَافِذَ، وَسَأُغَشِّي البَيْتَ بِالأرْزِ، وَسَأطلِيهِ بِاللَّونِ القُرمُزِيِّ.›» «أتَظُنُّ أنَّكَ مَلِكٌ لِكَثْرَةِ خَشَبِ الأرْزِ فِي بَيْتِكَ؟ ألَمْ يَكُنْ لَدَى أبِيكَ الكَثِيرُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؟ لَكِنَّهُ كَانَ عَادِلًا وَصَالِحًا، فَعَاشَ بِخَيرٍ. دَافَعَ عَنْ قَضِيَّةِ المِسْكِينِ وَالفَقِيرِ، فَعَاشَ بِخَيرٍ. ألَيْسَ هَذَا مَعنَى أنْ تَعْرِفَنِي؟» يَقُولُ اللهُ . «لَكِنَّ عَيْنَيْكَ وَقَلْبَكَ مُوَجَّهةٌ إلَى الرِّبحِ الفَاسِدِ، بِقَتلِ الأبرِيَاءِ، وَبِظُلمِهِمْ وَالِاحْتِيَالِ عَلَيْهِمْ.» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنْ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا، مَلِكِ يَهُوذَا: «لَنْ يَنُوحَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَيَقُولُوا: ‹آهٍ يَا أخِي، آهٍ يَا أُختِي.› لَنْ يَنُوحُوا عَلَيْهِ وَيَقُولُوا: ‹آهٍ يَا مَوْلَايَ، آهٍ يَا جَلَالَةَ المَلِكِ.› بَلْ سَيُدفَنُ كَمَا يُدفَنُ الحِمَارُ. سَيَسْحَبُونَهُ وَيُلقُونَ بِهِ خَارِجَ بَوَّابَاتِ مَدِينَةِ القُدْسِ.» «اصعَدِي إلَى جِبَالِ لُبْنَانَ يَا يَهُوذَا، وَاصرُخِي فِي يَأْسٍ. ارفَعِي صَوْتَكِ حُزْنًا، فِي جِبَالِ بَاشَانَ. اصرُخِي مِنَ جِبَالِ عَبَارِيمَ ألَمًا، لِأنَّ مُحِبِّيكِ قَدْ سُحِقُوا. «تَكَلَّمْتُ إلَيكِ عِنْدَمَا كُنْتِ تَشْعُرِينَ بِالأمَانِ. إذْ قُلْتِ: ‹لَنْ أسمَعَ.› فَهَكَذَا أنْتِ مُنْذُ أيَّامِ شَبَابِكِ، لِأنَّكِ لَمْ تُطِيعِينِي. سَتَأْخُذُ الرِّيحُ كُلَّ رُعَاتِكِ، وَكُلُّ مُحِبِّيكِ سَيَذْهَبُونَ إلَى السَّبْيِ. لِأنَّكِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ سَتَخْجَلِينَ، وَسَتَخْزَينَ مِنْ كُلِّ شَرِّكِ. «أيَّتُهَا السَّاكِنَةُ فِي لُبْنَانَ، وَقَدْ وَضَعْتِ عُشَّكِ فِي الأرْزِ. كَمْ سَتَئِنِّينَ عِنْدَمَا تَأْتِي الآلَامُ عَلَيْكِ، وَيَأْتِي الوَجَعُ عَلَيْكِ كَامْرَأةٍ تَلِدُ.» يَقُولُ اللهُ : «أُقْسِمُ بِذَاتِي، إنْ كَانَ كُنْيَاهُو بْنُ يَهُويَاقِيمَ مَلِكُ يَهُوذَا خَاتَمًا فِي يَدِي اليُمْنَى، فَمِنْ هُنَاكَ أنزِعُهُ. وَسَأُسَلِّمُكَ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ قَتْلَكَ، وَلِلَّذِينَ تَرْتَعِبُ مِنْهُمْ. إلَى يَدِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ وَلِيَدِ الكِلدَانِيِّينَ. سَأُلقِيكَ أنْتَ وَالَّتِي وَلَدَتْكَ خَارِجًا، إلَى أرْضٍ لَمْ تُولَدْ فِيهَا. وَلَكِنَّكَ هُنَاكَ سَتَمُوتُ. وَإلَى الأرْضِ الَّتِي تَشتَاقُ إلَيْهَا لَنْ تَرْجِعَ.» هَذَا الرَّجُلُ، كُنْيَاهُو، إنَاءٌ فَخَّارِيٌّ مُحتَقَرٌ وَمَكسُورٌ! هَلْ هُوَ إنَاءٌ لَا يَرْغَبُ فِيهِ أحَدٌ؟ إذًا لِمَاذَا يُطرَحُ هُوَ وَنَسْلُهُ إلَى أرْضٍ لَا يَعْرِفُونَهَا؟ يَا أرْضُ، يَا أرْضُ، يَا أرْضَ يَهُوذَا، اسْمَعِي كَلِمَةَ اللهِ ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «صِفُوا هَذَا الرَّجُلَ بِالعُقْمِ. لَا يَنْجَحُ فِي حَيَاتِهِ، لِأنَّهُ لَنْ يَنْجَحَ أحَدٌ مِنْ أبنَائِهِ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ، أوْ فِي حُكْمِ يَهُوذَا.» «وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الرُّعَاةُ الَّذِينَ يُهلِكُونَ وَيُشَتِّتُونَ غَنَمَ مَرعَايَ،» يَقُولُ اللهُ . لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنِ الرُّعَاةِ الَّذِينَ يَرْعُونَ شَعْبِي: «لَقَدْ بَدَّدتُمْ غَنَمِي، وَطَرَدتُمُوهَا وَلَمْ تَهْتَمُّوا بِهَا. لِذَلِكَ سَأُجَازِيكُمْ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي عَمِلْتُمُوهُ،» يَقُولُ اللهُ . «سَأجمَعُ بَقِيَّةَ غَنَمِي مِنْ كُلِّ الأرَاضِي الَّتِي طَرَدتُهُمْ إلَيْهَا، وَسَأُرجِعُهُمْ إلَى مَرعَاهُمْ، فَيُثمِرُونَ وَيَتَضَاعَفُونَ. سَأُقِيمُ رُعَاةً آخَرَينَ. وَسَيَرْعَونَهُمْ وَلَنْ يَخَافُوا ثَانِيَةً. لَنْ يَرْتَعِبُوا أوْ يُفقَدَ مِنْهُمْ أحَدٌ،» يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ اللهُ : «الوَقْتُ آتٍ، عِنْدَمَا سَأُقِيمُ غُصنًا بَارًّا لِدَاوُدَ. سَيَمْلُكُ بِالحِكمَةِ، وَسَيُقِيمُ العَدْلَ وَالبِرَّ فِي أرْضِ يَهُوذَا. وَخِلَالَ مُلكِهِ، سَيَخْلُصُ يَهُوذَا، وَسَيَسْكُنُ إسْرَائِيلُ بِأمَانٍ. وَهَذَا هُوَ الِاسْمُ الَّذِي سَيَدْعُونَهُ بِهِ: ‹يهوه بِرُّنَا.›» يَقُولُ اللهُ : «لِذَلِكَ سَيَأْتِي وَقْتٌ، حِينَ لَا يَعُودُ النَّاسُ يَقُولُونَ: ‹نُقسِمُ بِاللهِ الحَيِّ الَّذِي أخْرَجَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ.› بَلْ: ‹نُقسِمُ بِاللهِ الحَيِّ الَّذِي أخْرَجَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِ الشِّمَالِ، وَمِنْ جَمِيعِ الأرَاضِي الَّتِي طَرَدَهُمْ إلَيْهَا.› وَسَيَسْكُنُونَ فِي أرَاضِيهِمْ.» رِسَالَةٌ عَنِ الأنْبِيَاءِ: قَلْبِي مَكسُورٌ فِي دَاخِلِي، وَكُلُّ عِظَامِي تَرْتَجِفُ. أنَا كَرَجُلٍ مَخمُورٍ، وَكَرَجُلٍ غَلَبَتهُ الخَمْرُ. أشعُرُ بِهَذَا بِسَبَبِ اللهِ ، وَبِسَبَبِ كَلَامِهِ المُقَدَّسِ. الأرْضُ مَلِيئَةٌ بِالزُّنَاةِ. وَبِسَبَبِ اللَّعنَةِ جَفَّتِ الأرْضُ، وَمَرَاعِي البَرِّيَّةِ نَشِفَتْ. طَرِيقُ الأنْبِيَاءِ شِرِّيرٌ، أعْمَالُهُمْ سَيِّئَةٌ وَهُمْ يَسْتَغِلُّونَ قُوَّتَهُمْ لِنَفعِهِمْ. يَقُولُ اللهُ : «الأنْبِيَاءُ وَالكَهَنَةُ نَجَّسُوا الأرْضَ، وَحَتَّى فِي هَيْكَلِي وَجَدتُ شَرَّهُمْ. لِذَلِكَ سَيُصبِحُ طَرِيقُهُمْ زَلِقًا لَهُمْ، وَسَيُطرَحُونَ إلَى ظُلمَةٍ شَدِيدَةٍ، لِأنِّي سَآتِي بِالشَّرِّ عَلَيْهِمْ فِي السَّنَةِ الَّتِي سَأزُورُهُمْ فِيهَا،» يَقُولُ اللهُ . «رَأيْتُ أمْرًا بَغِيضًا فِي أنْبِيَاءِ السَّامِرَةِ: يَتَنَبَّأُونَ بِالبَعلِ، وَلِذَا يُضِلُّونَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ. وَرَأيْتُ فِي أنْبِيَاءِ القُدْسِ أمْرًا كَريهًا: النَّاسُ يَرْتَكِبُونَ الزِّنَى وَيَغِشُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَكِنَّ الأنْبِيَاءَ يُشَدِّدُونَ أيدِي الأشْرَارِ، فَلَا يَتُوبُ أحَدٌ عَنْ شَرِّهِ. كُلُّهُمْ، بِالنِّسبَةِ لِي، كَسَدُومَ، وَسُكَّانُهَا كَعَمُّورَةَ.» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ عَنِ الأنْبِيَاءِ: «سَأجعَلُهُمْ يَأْكُلُونَ طَعَامًا مُرًّا، لِأنَّ النَّجَاسَةَ تَخْرُجُ مِنْ أنْبِيَاءِ القُدْسِ إلَى كُلِّ الأرْضِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «لَا تَسْتَمِعُوا إلَى كَلَامِ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ، فَإنَّهُمْ يَخْدَعُونَكُمْ. يَخْتَرِعُونَ رُؤَاهُمْ. فَهِيَ لَمْ تَأْتِ مِنَ اللهِ . يَقُولُونَ لِلَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي: ‹قَالَ اللهُ سَيَكُونُ لَكُمْ سَلَامٌ.› وَكُلُّ الَّذِينَ يُقَاوِمُونَ إرَادَتِي بِعِنَادٍ يَقُولُونَ: ‹لَنْ يَأْتِيَ الشَّرُّ عَلَيْنَا.› لِأنَّهُ مَنْ وَقَفَ فِي مَجلِسِ اللهِ ؟ وَمَنْ رَأى وَسَمِعَ كَلِمَتَهُ؟ وَمَنِ انتَبَهَ إلَى كَلِمَتِهِ وَاستَمَعَ إلَيْهَا؟ فَهَا هِيَ عَاصِفَةُ اللهِ ، غَضَبُهُ يَخْرُجُ كَإعْصَارٍ يَثُورُ عَلَى رَأسِ الأشْرَارِ. لَنْ يَهْدَأ غَضَبُ اللهِ حَتَّى يُنْهِيَ عَمَلَهُ، وَيُحَقِّقَ مَا فِي فِكْرِهِ. وَفِي أيَّامٍ آتِيَةٍ سَتَفْهَمُونَ هَذِهِ الأشْيَاءَ. لَمْ أُرسِلِ الأنْبِيَاءَ، لَكِنَّهُمْ رَكَضُوا. لَمْ أتَكَلَّمْ إلَيْهِمْ، لَكِنَّهُمْ تَنَبَّأُوا. لَوْ وَقَفُوا فِي مَجلِسِي، وَلَوْ سَمِعُوا كَلَامِي لِهَذَا الشَّعْبِ، لَأرْجَعُوهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمُ الشِّرِّيرَةِ، وَعَنْ شَرِّ أعْمَالِهِمْ.» يَقُولُ اللهُ : «هَلْ أنَا إلَهٌ قَرِيبٌ فَقَطْ، وَلَسْتُ إلَهًا مِنْ بَعِيدٍ؟ إذَا اختَبَأ إنْسَانٌ فِي أمَاكِنَ مُسْتَتِرَةٍ، أفَلَا أسْتَطِيعُ أنْ أرَاهُ؟» يَقُولُ اللهُ : «أمَا أملأُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ؟» يَقُولُ اللهُ . «أنَا أسمَعُ مَا يَقُولُهُ الأنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِالكَذِبِ بِاسْمِي وَيَقُولُونَ: ‹حَلُمْتُ، حَلُمْتُ.› إلَى مَتَى سَيَسْتَمِرُّ هَذَا فِي قُلُوبِ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِالكَذِبِ وَالخِدَاعِ الَّذِي يَخْتَرِعُونَهُ؟ يُخَطِّطُونَ لِكَي يَنسَانِي شَعْبِي بِالأحْلَامِ الَّتِي يَقُصُّهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. كَمَا نَسِيَ أجدَادُهُمُ اسْمِي وَعَبَدُوا البَعْلَ. النَّبِيُّ الَّذِي لَدَيهِ حُلمٌ فَليَرْوِهِ، وَالَّذِي لَدَيهِ كَلِمَتِي فَلْيَتَكَلَّمْ بِهَا بِأمَانَةٍ. لَا يَجْتَمِعُ القَشُّ مَعَ القَمْحِ،» يَقُولُ اللهُ . «ألَيْسَتْ كَلِمَتِي كَالنَّارِ؟ وَكَمِطرَقَةٍ تُحَطِّمُ الصَّخرَ؟» يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ اللهُ : «لِذَلِكَ أنَا ضِدُّ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَسْرِقُونَ كَلَامِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.» وَيَقُولُ اللهُ : «نَعَمْ، أنَا ضِدُّ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَنْسِبُونَ كَلَامَهُمْ إلَى اللهِ .» وَيَقُولُ اللهُ : «أنَا ضِدُّ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِأحْلَامٍ كَاذِبَةٍ. يَقُصُّونَهَا فَيُضِلُّونَ شَعْبِي بِخِدَاعِهِمْ وَتَخَيُّلَاتِهِمْ. وَأنَا لَمْ أُرسِلْهُمْ، وَلَمْ آمُرهُمْ بِأنْ يَتَكَلَّمُوا. وَهُمْ لَمْ يَنْفَعُوا هَذَا الشَّعْبَ بِشَيءٍ،» يَقُولُ اللهُ . «فَإذَا سَألَكَ أحَدُ أفرَادِ الشَّعْبِ أوْ نَبِيٌّ أوْ كَاهِنٌ: ‹مَا هُوَ حِمْلُ اللهِ عَلَيْنَا؟› قُلْ لَهُمْ: ‹أنْتُمُ الحِمْلُ، وَسَأتَخَلَّصُ مِنْكُمْ!›» يَقُولُ اللهُ . «النَّبِيُّ أوِ الكَاهِنُ أوْ أحَدُ أفرَادِ الشَّعْبِ الَّذِي يَقُولُ: ‹هَذَا حِمْلُ اللهِ عَلَيْنَا،› أُعَاقِبُهُ هُوَ وَبَيْتَهُ. فَهَكَذَا يَنْبَغِي أنْ يَسألَ أحَدُكُمُ الآخَرَ: ‹بِمَ أجَابَ اللهُ ؟› أوْ ‹مَا الَّذِي قَالَهُ اللهُ ؟› لَكِنْ لَا تَقُولُوا ‹حِمْلُ اللهِ › فِيمَا بَعْدُ. لِأنَّ كَلَامَ كُلِّ إنْسَانٍ هُوَ حِمْلُهُ. وَأنْتُمْ تُشَوِّهُونَ كَلَامَ إلَهِنَا، الإلَهِ الحَيِّ القَدِيرِ. «فَهَكَذَا يَنْبَغِي أنْ تَسألُوا النَّبِيِّ: ‹بِمَ أجَابَكَ اللهُ ؟› أوْ ‹مَا الَّذِي قَالَهُ اللهُ ؟› لَكِنْ إنْ قُلْتُمْ: ‹مَا هُوَ حِمْلُ اللهِ ؟› فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹لِأنَّكُمُ استَخْدَمتُمْ هَذَا التَّعبِيرَ: حِمْلُ اللهِ . وَلأنِّي أرسَلتُ لَكُمْ وَقُلْتُ: لَا تَسْتَخْدِمُوا هَذَا التَّعبِيرَ! لِذَلِكَ سَأُزِيلُكُمْ مِنْ أمَامِي، أنْتُمْ وَالمَدِينَةَ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لَكُمْ وَلآبَائِكُمْ. وَسَأجْلِبُ عَلَيْكُمْ عَارًا أبَدِيًّا، وَخِزيًا دَائِمًا لَنْ يُنْسَى.›» وَأرَانِي اللهُ سَلَّتَي تِينٍ أمَامَ هَيْكَلِ اللهِ . كَانَ هَذَا بَعْدَ أنْ سَبَى نَبُوخَذْنَاصَّرُ، مَلِكُ بَابِلَ يَهُويَاكِينَ بْنَ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ، مَعَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا وَالحِرَفِيِّينَ وَالحُرَّاسِ، وَأخَذَهُمْ إلَى بَابِلَ. كَانَتْ وَاحِدَةٌ مِنهُمَا تَحْتَوِي عَلَى تِينٍ جَيِّدٍ، أجوَدَ مَا يَكُونُ. أمَّا السَّلَّةُ الأُخرَى فَتَحْتَوِي عَلَى تِينٍ رَدِيءً جِدًّا لَا يُؤكَلُ لِشِدَّةِ رَدَاءَتِهِ. وَقَالَ لِيَ اللهُ : «مَاذَا تَرَى يَا إرْمِيَا؟» فَقُلْتُ: «أرَى تِينًا. التِّينُ الجَيِّدُ جَيِّدٌ جِدًّا، وَالتِّينُ الرَّدِيءُ رَدِيءٌ جِدًّا لَا يُمْكِنُ أكلُهُ لِرَدَاءَتِهِ.» فَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَيَّ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «كَهَذَا التِّينِ الجَيِّدِ، هَكَذَا سَأنظُرُ إلَى مَسبِيِّي يَهُوذَا، الَّذِينَ أرسَلتُهُمْ مِنْ هَذَا المَكَانِ إلَى أرْضِ الكِلدَانِيِّينَ. سَأنظُرُ بِرِضَىً عَلَيْهِمْ، وَسَأُرجِعُهُمْ إلَى هَذِهِ الأرْضِ. سَأبنِيهِمْ وَلَا أهدِمُهُمْ، وَسَأزرَعُهُمْ وَلَا أقلَعُهُمْ. سَأُعْطِيهِمُ القُدرَةَ عَلَى مَعْرِفَتِي، لِيَعْرِفُوا أنِّي أنَا اللهُ . سَيَكُونُونَ شَعْبِي وَأنَا سَأكُونُ إلَهَهُمْ، لِأنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ إلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِهِمْ.» وَيَقُولُ اللهُ : «وَكَالتِّينِ الرَّدِيءِ الَّذِي لَا يُؤكَلُ لِرَدَاءَتِهِ، هَكَذَا سَأتَعَامَلُ مَعَ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا وَرُؤَسَائِهِ وَالَّذِينَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، البَاقِينَ فِي هَذِهِ الأرْضِ وَالَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي أرْضِ مِصْرٍ. «سَأجعَلُهُمْ مِثَالًا مُرعِبًا بَغِيضًا عِنْدَ جَمِيعِ مَمَالِكِ الأرْضِ. سَأجعَلُهُمْ عَارًا وَعِبرَةً وَسُخْرِيَةً وَلَعنَةً فِي كُلِّ الأمَاكِنِ الَّتِي سَأطرُدُهُمْ إلَيْهَا. سَأُرْسِلُ عَلَيْهِمْ حَربًا وَجُوعًا وَوَبأً حَتَّى يُبَادُوا مِنَ الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لَهُمْ وَلآبَائِهِمْ.» هَذِهِ هِيَ الكَلِمَةُ الَّتِي جَاءَتْ إلَى إرْمِيَا بِخُصُوصِ كُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا. فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ حُكْمِ المَلِكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ. وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا إرْمِيَا النَّبِيُّ إلَى كُلِّ بَنِي يَهُوذَا وَإلَى كُلِّ سُكَّانِ مَدِينَةِ القُدْسِ، فَقَالَ: مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ يُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا، وَحَتَّى هَذَا اليَوْمِ – أيْ لِمُدَّةِ ثَلَاثٍ وَعِشرِينَ سَنَةً – جَاءَنِي كَلَامُ اللهِ . وَقَدْ كُنْتُ أتَكَلَّمُ بِكَلِمَتِهِ يُومًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَصْغُوا. وَأرْسَلَ اللهُ إلَيكُمْ جَمِيعَ خُدَّامِهِ الأنْبِيَاءِ وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَصْغُوا وَلَمْ تَفْتَحُوا آذَانَكُمْ. قَالُوا لَكُمْ: «لِيَرْجِعْ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طُرُقِهِ وَأعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ، وَاسكُنُوا الأرْضَ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لَكُمْ وَلآبَائِكُمْ إلَى الأبَدِ. لَا تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِتَخْدِمُوهَا وَتَسْجُدُوا لَهَا. إنْ فَعَلْتُمْ هَذَا فَلَنْ يُسَاءَ إلَيكُمْ.» «لَكِنَّكُمْ لَمْ تَسْتَمِعُوا إلَيَّ، يَقُولُ اللهُ ، بَلْ أغَظتُمُونِي بِتَمَاثِيلَ صَنَعْتُمُوهَا بأيدِيكُمْ، وَهِيَ شَرٌّ لَكُمْ.» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «لِأنَّكُمْ لَمْ تَسْتَمِعُوا إلَى كَلَامِي، سَأستَدْعِي جُيُوشًا مِنْ كُلِّ عَشَائِرِ الشِّمَالِ، يَقُولُ اللهُ ، وَسَأستَدْعِي نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ، خَادِمِي. وَسَآتِي بِهِمْ جَمِيعًا ضِدَّ هَذِهِ الأرْضِ وَسُكَّانِهَا وَكُلِّ الأُمَمِ المُحِيطَةِ بِهَا. سَأُهلِكُهُمْ وَأجعَلُهُمْ سَبَبَ رُعبٍ وَسُخْرِيَةٍ وَتَعْيِّيرٍ إلَى الأبَدِ. وَسَأُزِيلُ مِنْ وَسَطِهِمْ صَوْتَ الفَرَحِ وَالِاحْتِفَالِ، وَأصوَاتَ الأعْرَاسِ، وَأصوَاتَ مَطَاحِنِ الحُبُوبِ، وَنُورَ المَصَابِيحِ. سَتُصبِحُ هَذِهِ الأرْضُ خَرِبَةً مَهجُورَةً. وَسَتَخْدِمُ هَذِهِ الأُمَمُ مَلِكَ بَابِلَ لِمُدَّةِ سَبعِينَ سَنَةٍ.» يَقُولُ اللهُ : «وَعِنْدَمَا تَكْتَمِلُ السَّبعُونَ سَنَةً، سَأُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَكُلَّ تِلْكَ الأُمَّةِ عَلَى إثمِهِمْ. وَسَأُعَاقِبُ أرْضَ الكِلدَانِيِّينَ. وَسَأجعَلُهَا خَرَابًا إلَى الأبَدِ. سَأجْلِبُ عَلَى تِلْكَ الأرْضِ كُلَّ الكَلَامِ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ ضِدَّهَا، كُلَّ شَيءٍ مَكْتُوبٍ فِي هَذَا الكِتَابِ الَّذِي تَنَبَّأ بِهِ إرْمِيَا عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. لِأنَّ أُمَمًا كَثِيرَةً وَمُلُوكًا عُظَمَاءَ سَيَسْتَعْبِدُونَهُمْ. لِذَا سَأُجَازِيهِمْ بِحَسَبِ مَا عَمِلُوا، وَبِحَسَبِ مَا عَمِلُوا بِأيدِيهِمْ.» هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، لِي: «خُذْ هَذِهِ الكَأسَ المَملُوءَةَ بِخَمرِ الغَضَبِ مِنْ يَدِي، وَاسقِهَا لِكُلِّ الأُمَمِ الَّتِي سأُرسَلَكَ إلَيْهَا. سَيَشْرَبُونَهَا وَيَتَرَنَّحُونَ وَيَفْقِدُونَ صَوَابَهُمْ، بِسَبَبِ السَّيْفِ الَّذِي سَأُرْسِلُهُ بَيْنَهُمْ.» فَأخَذتُ الكَأسَ مِنْ يَدِ اللهِ ، وَسَقَيتُهَا لِكُلَّ الأُمَمِ الَّتِي أرْسَلَنِي اللهُ إلَيْهَا. وَهِيَ القُدْسُ وَمُدُنُ يَهُوذَا وَمُلُوكُهَا وَرُؤَسَاؤُهَا، لَتَصِيرَ خَرَابًا بَائِدًا وَمَثَارَ سُخْرِيَةٍ وَلَعْنَةٍ، كَمَا هُوَ الحَالُ اليَوْمَ. كَمَا عَمِلْتُ هَذَا بِفِرعَونَ مَلِكِ مِصْرٍ وَخُدَّامِهِ وَرُؤَسَائِهِ وَكُلِّ شَعْبِهِ، وَكُلِّ السَّاكِنِينَ عَلَى الحُدُودِ، وَكُلِّ مُلُوكِ عُوصٍ، وَكُلِّ مُلُوكِ أرَاضِي الفِلِسْطِيِّينَ: أشقَلُونَ وَغَزَّةَ وَعَقرُونَ وَمَا تَبَقَّى مِنْ أشدُودَ. وَكَذَلِكَ بِأدُومَ وَمُوآبَ وَالعَمُّونِيِّينَ وَكُلِّ مُلُوكِ صُورٍ وَمُلُوكِ صَيدُونَ وَمُلُوكِ الجُزُرِ الَّتِي فِي البَحْرِ، وَدَدَانَ وَتَيمَاءَ وَبُوزٍ وَكُلِّ الَّذِينَ يَحْلِقُونَ سَوَالِفَهُمْ، وَكُلِّ مُلُوكِ العَرَبِ، وَكُلِّ المُلُوكِ السَّاكِنِينَ عَلَى الحُدُودِ فِي البَرِّيَّةِ، وَكُلِّ مُلُوكِ زِمْرِي وَمُلُوكِ عِيلَامَ، وَمُلُوكِ مَادِي، وَمُلُوكِ الشِّمَالِ، القَرِيبِينَ مِنْهُمْ وَالبَعِيدِينَ، وَاحِدٍ وَرَاءَ الآخَرِ، وَبِكُلِّ المَمَالِكِ الَّتِي عَلَى وَجْهِ الأرْضِ. وَمَلِكُ شِيشَكَ سَيَشْرَبُ بَعدَهُمْ. وَقَالَ اللهُ لِي: «سَتَقُولُ لَهُمْ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹اشرَبُوا وَاسكَرُوا وَتَقَيَّأُوا وَاسقُطُوا وَلَا تَقُومُوا أمَامَ السَّيْفِ الَّذِي سَأُرْسِلُهُ فِي وَسَطِكُمْ.› لَكِنْ إنْ رَفَضُوا أنْ يَأْخُذُوا الكَأسَ مِنْ يَدِكَ لِيَشْرَبُوا مِنْهَا، تَقُولُ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: هَا إنِّي أجْلِبُ الكَوَارِثَ عَلَى المَدِينَةِ الَّتِي دُعِيَتْ بِاسْمِي، فَهَلْ يُعقَلُ أنَّكُمْ سَتَنْجُونَ مِنَ العِقَابِ؟ بَلْ سَتُعَاقَبُونَ! لِأنِّي سَأدعُو إلَى حَرْبٍ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ الأرْضِ،›» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «تَنَبَّأ يَا إرمِيَا لَهُمْ بِكُلِّ هَذَا الكَلَامِ وَقُلْ لَهُمْ: يُزَمجِرُ مِنَ العَلَاءِ ضِدَّ مَسكَنِهِ، يَصِيحُ مُنتَصِرًا، يَزأرُ عَلَى مَسكَنِهِ. يَصْرُخُ كَصَرخَةِ دَائِسِي العِنَبِ، ضِدَّ كُلِّ سُكَّانِ الأرْضِ. هُنَاكَ ضَجَّةٌ وَصَلَتْ إلَى أقَاصِي الأرْضِ. لِأنَّ اللهَ يُعِدُّ مُحَاكَمَةً ضِدَّ الأُمَمِ. وَسَيُسَلَّمُ الشِّرِّيرُ لِلسَّيفِ.» يَقُولُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «الشَّرُّ يَخْرُجُ مِنْ أُمَّةٍ إلَى أُمَّةٍ. عَاصِفَةٌ عَظِيمَةٌ تَثُورُ مِنْ أقَاصِي الأرْضِ.» سَتَنْتَشِرُ جُثَثُ الَّذِينَ قَتَلَهُمُ اللهُ مِنْ أقْصَى الأرْضِ إلَى أقْصَاهَا. لَنْ يَنُوحَ عَلَيْهِمْ أحَدٌ. وَلَنْ يُجمَعُوا لِيُدفَنُوا، بَلْ سَيَكُونُوا كَالرَّوثِ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ! هَا رُعَاةُ إسْرَائِيلَ يُوَلْوِلُونَ حُزْنًا وَيَبْكُونَ، قَادَةُ القَطِيعِ يَتَمَرَّغُونَ فِي التُّرَابِ. لِأنَّ الوَقْتَ قَدْ حَانَ لِذَبحِكُمْ. سَتَسْقُطُونَ وَتُحَطَّمُونَ كَالإنَاءِ الجَمِيلِ. لَنْ يَسْتَطِيعَ رُعَاةُ إسْرَائِيلَ الهَرَبَ، وَلَنْ يَقْدِرَ قَادَةُ القَطِيعِ عَلَى الفِرَارِ. أسمَعُ صَوْتَ صِيَاحِ الرُّعَاةِ وَوَلوَلَةَ قَادَةِ القَطِيعِ. لِأنَّ اللهَ يُخَرِّبُ مَرعَاهُمْ. مُرُوجُهُمُ الهَادِئَةُ سَتُخرَبُ بِسَبَبِ غَضَبِ اللهِ الشَّدِيدِ. جَاءَ كَأسَدٍ مِنْ عَرِينِهِ، فَخَرِبَتْ أرْضُهُمْ، بِسَبَبِ غَضَبِهِ المُشْتَعِلِ، وَسَيفِ العَدُوِّ القَاسِي. فِي بِدَايَةِ حُكْمِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، جَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَيَّ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «قِفْ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ ، وَتَكَلَّمْ إلَى سُكَّانِ مُدُنِ يَهُوذَا القَادِمِينَ لِيَسْجُدُوا فِي بَيْتِ اللهِ . تَكَلَّمْ إلَيْهِمْ بِكُلِّ الكَلَامِ الَّذِي أوصَيتُكَ بِأنْ تَقُولَهُ لَهُمْ، وَلَا تُنقِصْ كَلِمَةً مِنْهُ. فَرُبَّمَا يَسْمَعُونَ، وَيَتُوبُونَ عَنْ طَرِيقِهِمُ الشِّرِّيرِ. حينَئِذٍ، سَأتَرَاجَعُ عَنِ الدَّمَارِ الَّذِي كُنْتُ سَأُنِزِلُهُ بِهِمْ بِسَبَبِ شَرِّ أعْمَالِهِمْ. «قُلْ لَهُمْ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹إنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي وَتَسْلُكُوا بِحَسَبِ شَرِيعَتِي الَّتِي وَضَعتُهَا أمَامَكُمْ، لِتَسْتَمِعُوا إلَى كَلَامِ خُدَّامِي الأنْبِيَاءِ، الَّذِينَ أرسَلتُهُمْ إلَيكُمْ بِإلحَاحٍ، فَلَمْ تَسْتَمِعُوا لَهُمْ – فَإنِّي سَأجْعَلُ هَذَا الهَيْكَلَ كَشِيلُوهَ. وَسَأُحَوِّلُ هَذِهِ المَدِينَةَ إلَى لَعنَةٍ لِكُلِّ أُمَمِ الأرْضِ.›» فَسَمِعَ الكَهَنَةُ وَالأنْبِيَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إرمِيَا وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا الكَلَامِ فِي بَيْتِ اللهِ . وَعِنْدَمَا أنهَى إرمِيَا كَلَامَهُ عَنْ كُلِّ شَيءٍ أمَرَهُ اللهُ بِقَولِهِ لِكُلِّ الشَّعْبِ، قَبَضَ الكَهَنَةُ وَالأنْبِيَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ: «يَنْبَغِي أنْ تَمُوتَ. فَلِمَاذَا تَتَنَبَّأُ بِاسْمِ اللهِ وَتَقُولُ: ‹هَذَا البَيْتُ سَيَكُونُ مِثْلَ شِيلُوهَ، وَسُكَّانُ هَذِهِ المَدِينَةِ سَيَفْنُونَ؟›» وَاجتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ حَوْلَ إرمِيَا فِي هَيْكَلِ اللهِ . وَسَمِعَ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا هَذَا الكَلَامَ، فَصَعِدُوا مِنَ القَصرِ إلَى بَيْتِ اللهِ وَجَلَسُوا فِي مَدْخَلِ البَوَّابَةِ الجَدِيدَةِ فِي بَيْتِ اللهِ . فَقَالَ الكَهَنَةُ وَالأنْبِيَاءُ لِلرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الشَّعْبِ: «يَنْبَغِي أنْ يُحكَمَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ بِالمَوْتِ لِأنَّهُ تَنَبَّأ ضِدَّ هَذِهِ المَدِينَةِ كَمَا سَمِعْتُمْ بِآذَانِكُمْ.» فَقَالَ إرمِيَا لِكُلِّ الرُّؤَسَاءِ وَلِكُلِّ الشَّعْبِ: «أرْسَلَنِي اللهُ لِأتَنَبَّأ عَلَى هَذَا البَيْتِ وَعَلَى هَذِهِ المَدِينَةِ بِكُلَّ الكَلَامِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ. وَالْآنَ، أصلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأعْمَالَكُمْ وَأطِيعُوا صَوْتَ . حِينَئِذٍ، يَتَرَاجَعُ اللهُ عَنِ الدَّمَارِ الَّذِي كَانَ سَيُنِزِلُهُ بِكُمْ. أمَّا أنَا فَفِي أيدِيكُمْ. افْعَلُوا بِي مَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَلَكِنْ يَنْبَغِي أنْ تَعْلَمُوا بِأنَّكُمْ إنْ قَتَلْتُمُونِي، فَإنَّكُمْ تَضَعُونَ ذَنبَ دَمٍ بَرِيءٍ عَلَيْكُمْ وَعَلَى هَذِهِ المَدِينَةِ وَعَلَى سُكَّانِهَا. لِأنَّ اللهَ قَدْ أرْسَلَنِي إلَيكُمْ لِأتَكَلَّمَ بِهَذَا الكَلَامِ فِي مَسَامِعِكُمْ.» فَقَالَ الرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ لِلكَهَنَةِ وَالأنْبِيَاءِ: «لَا يَنْبَغِي أنْ يُحكَمَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ بِالمَوْتِ، لِأنَّهُ تَكَلَّمَ إلَينَا بِاسْمِ .» وَوَقَفَ رِجَالٌ مِنْ شُيُوخِ الأرْضِ وَقَالُوا لِكُلِّ جَمَاعَةِ الشَّعْبِ: «كَانَ مِيخَا المُورِشتِيُّ يَتَنَبَّأُ فِي أيَّامِ حَزَقِيَّا، مَلِكِ يَهُوذَا، وَقَالَ لِبَنِي يَهُوذَا: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: ‹سَتَكُونُ صِهْيَوْنُ حَقلًا مَحرُوثًا، وَالقُدْسُ كَومَةَ خَرَابٍ، وَجَبَلُ الهَيْكَلِ تَلَّةً تَنْبُتُ فِيهَا الشُّجَيرَاتُ.› «فَهَلْ قَتَلَهُ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا، أوْ بَنُو يَهُوذَا؟ ألَمْ يَخَفْ حَزَقِيَّا اللهَ وَطَلَبَ رَحمَةَ اللهِ ؟ ألَمْ يَتَرَاجَعِ اللهُ عَنِ الدَّمَارِ الَّذِي كَانَ سَيُنِزِلُهُ بِهِمْ؟ أمَّا نَحْنُ، فَنُوشِكُ أنْ نَأتِيَ بِكَارِثَةٍ عَلَى أنْفُسِنَا.» وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ آخَرُ تَنَبَّأ بِاسْمِ اللهِ ، اسْمُهُ أُورِيَّا بْنُ شِمْعِيَا مِنْ قِرْيَاتِ يَعَارِيمَ. وَقَدْ تَنَبَّأ ضِدَّ هَذِهِ المَدِينَةِ وَهَذِهِ الأرْضِ وَقَالَ مَا قَالَهُ إرْمِيَا. وَقَدْ سَمِعَهُ المَلِكُ يَهُويَاقِيمُ وَكُلُّ جُنُودِهِ وَكُلُّ رُؤَسَائِهِ، وَسَعَى المَلِكُ لِقَتلِهِ. فَسَمِعَ أُورِيَّا هَذَا الأمْرَ، فَخَافَ وَهَرَبَ إلَى مِصْرٍ. فَأرْسَلَ المَلِكُ يَهُويَاقِيمُ ألْنَاثَانَ بْنَ عَكْبُورَ وَمَعَهُ بَعْضُ الرِّجَالِ إلَى مِصْرٍ. فَأحْضَرُوا أُورِّيَا مِنْ مِصْرٍ إلَى المَلِكِ يَهُويَاقِيمَ. فَقَطَعَ رَأسَهُ بِالسَّيْفِ وَطَرَحَ جُثَّتَهُ إلَى مَقبَرَةِ العَامَّةِ. أمَّا أخِيقَامُ بْنُ شَافَانَ فَحَمَا إرْمِيَا، وَحَالَ دُونَ تَسْلِيمِهِ لِقَادَةِ الشَّعْبِ لِيَقْتُلُوهُ. فِي بِدَايَةِ حُكْمِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، جَاءَتْ هَذِهِ الكَلِمَةُ إلَى إرْمِيَا مِنَ اللهِ . هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ لِي: «اصنَعْ لِنَفْسِكَ نِيرًا مِنْ أربِطَةٍ جِلْدِيَّةٍ وَقَضِيبًا مِنْ خَشَبٍ، وَضَعْهُمَا عَلَى كَتِفَيكَ. وَأرسِلْ رَسَائِلَ إلَى مَلِكِ أدُومَ، وَإلَى مَلِكِ مُوآبَ، وَإلَى العَمُّونِيِّينَ، وَإلَى مَلِكِ صُورٍ، وَإلَى مَلِكِ صَيدُونَ، بِيَدِ الرُّسُلِ الَّذِينَ جَاءُوا إلَى صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا فِي القُدْسِ. بَلِّغْهُمْ هَذَا الكَلَامَ لِيُبَلِّغُوا هُمْ سَادَتَهُمْ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، قُولُوا لِسَادَتِكُمْ: ‹أنَا مَنْ صَنَعْتُ الأرْضَ وَالوُحُوشَ الَّتِي عَلَى سَطْحِ الأرْضِ بِقُوَّتِي العَظِيمَةِ وَذِرَاعِي المَمدُودَةِ، وَأنَا أُعْطِيهَا لِمَنْ أشَاءُ. وَقَدْ أعْطَيْتُ كُلَّ هَذِهِ الأرَاضِي لِيَدِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، مَلِكِ بَابِلَ، خَادِمِي. كَمَا أعْطَيْتُهُ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةَ لِتَخْدِمَهُ. وَكُلُّ الأُمَمِ سَتَخْدِمُهُ هُوَ وَابْنَهُ وَحَفِيدَهُ، إلَى أنْ يَأْتِيَ الوَقْتُ حِينَ يَخْضَعُ هُوَ وَأرْضُهُ لِآخَرِينَ. حِينَئِذٍ، سَتَجْعَلُهُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَمُلُوكٌ عِظَامٌ يَخْدِمُهُمْ. «‹وَلَكِنْ إنْ كَانَتْ هُنَاكَ أُمَّةٌ لَا تَخْدِمُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ، أوْ لَا تَخْضَعُ لِمَلِكِ بَابِلَ، فَإنِّي سَأُعَاقِبُ تِلْكَ الأُمَّةَ بِالحَرْبِ وَالجُوعِ وَالوَبَاءِ،› يَقُولُ اللهُ . سَأُعَاقِبُهُمْ حَتَّى أقضِيَ عَلَيْهِمْ تَمَامًا. فَلَا تَسْتَمِعُوا إلَى أنبِيَائِكُمْ وَعَرَّافِيكُمْ وَالَّذِينَ يَتَلَقُّونَ النُّبُوَّاتِ فِي الأحْلَامِ وَمُشَعوِذِيكُمْ وَسَحَرَتِكُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَكُمْ: ‹لَنْ تَخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ. لِأنَّ مَا يَتَنَبَّأُونَ إلَيكُمْ بِهِ إنَّمَا هُوَ كَذِبٌ. وَعَاقِبَتُهُ هِيَ أنَّكُمْ سَتُنفَونَ مِنْ أرْضِكُمْ، وَسَأطرُدُكُمْ فَتَهْلِكُونَ. أمَّا الأُمَّةُ الَّتِي تَخْضَعُ لِمَلِكِ بَابِلَ، فَسَأُعْطِيهَا وَأُعْطِي أرْضَهَا رَاحَةً، يَقُولُ اللهُ . سَتَعْمَلُ تِلْكَ الأُمَّةُ فِي أرْضِهَا، وَتَسْتَقِرُّ فِيهَا.›» ثُمَّ تَكَلَّمْتُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الكَلِمَاتِ إلَى صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: «اخْضَعْ لِمَلِكِ بَابِلَ، وَاخدِمْهُ هُوَ وَشَعْبَهُ فَتَحيَا. لِمَاذَا تَمُوتُ أنْتَ وَشَعْبُكَ بِالسَّيْفِ وَالمَجَاعَةِ وَالوَبَاءِ، بِحَسَبِ مَا قَالَ اللهُ عَنْ أيَّةِ أُمَّةٍ لَا تَخْدِمُ مَلِكَ بَابِلَ. لَا تَسْتَمِعْ إلَى كَلَامِ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَكُمْ: ‹لَنْ تَخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ.› لِأنَّهُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِالكَذِبِ. لِأنِّي لَمْ أُرسِلهُمْ، يَقُولُ اللهُ ، وَهَا هُمْ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي بِالكَذِبِ. لِذَلِكَ أطرُدُكُمْ فَتَهْلِكُونَ، أنْتُمْ وَالأنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ.» وَقُلْتُ لِلكَهَنَةِ وَكُلِّ الشَّعْبِ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «لَا تَسْتَمِعُوا إلَى كَلَامِ أنبِيَائِكُمُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ وَيَقُولُونَ: ‹سَتُعَادُ آنِيَةُ بَيْتِ اللهِ مِنْ بَابِلَ بَعْدَ فَترَةٍ قَصِيرَةٍ.› لِأنَّهُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِالكَذِبِ. لَا تَسْتَمِعُوا إلَيْهِمْ، بَلِ اخدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ لِتَحْيَوْا. لِمَاذَا يُصْبِحُ هَذَا المَكَانُ خَرِبًا؟ فَإنْ كَانُوا أنْبِيَاءَ حَقِيقِيِّينَ وَعِنْدَهُمْ كَلِمَةُ اللهِ ، فَليَتَوَسَّلُوا إلَى اللهِ القَدِيرِ، حَتَّى لَا تَذْهَبَ بَقِيَّةُ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ وَبَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ إلَى بَابِلَ. «لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ عَنِ الأعمِدَةِ وَحَوضِ البُرُونْزِ وَالقَوَاعِدِ وَبَقِيَّةِ الآنِيَةِ الَّتِي فِي المَدِينَةِ، الأشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَأْخُذْهَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنَ القُدْسِ إلَى بَابِلَ، عِنْدَمَا سَبَى يَهُويَاكِينَ بْنَ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا وَكُلَّ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ. فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، بِخُصُوصِ الآنِيَةِ البَاقِيَةِ فِي بَيْتِ اللهِ وَبَيْتِ المَلِكِ وَمَدِينَةِ القُدْسِ، يَقُولُ اللهُ : ‹سَتُحمَلُ الآنِيَةُ إلَى بَابِلَ، وَسَتَبْقَى هُنَاكَ إلَى أنْ أفتَقِدَ شَعْبِي، وَأُرجِعَهُمْ إلَى هَذَا المَكَانِ.›» وَفِي السَّنَةِ نَفْسِهَا، فِي بِدَايَةِ مُلكِ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، فِي الشَّهْرِ الخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، كَلَّمَنِي حَنَنِيَّا بْنُ عَزُورَ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ جِبعُونَ فِي هَيْكَلِ اللهِ بِحُضُورِ الكَهَنَةِ وَكُلِّ الشَّعْبِ فَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹قَدْ كَسَّرتُ نِيرَ بَابِلَ، وَفِي غُضُونِ سَنَتَيْنِ، سَأُرجِعُ آنِيَةَ بَيْتِ اللهِ إلَى هَذَا المَكَانِ، تِلْكَ الآنِيَةَ الَّتِي أخَذَهَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ مِنْ هَذَا المَكَانِ وَحَمَلَهَا إلَى بَابِلَ. وَسَأُرجِعُ إلَى هَذَا المَكَانِ يَهُويَاكِينَ بْنَ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا، وَكُلَّ المَسبِيِّينَ مِنْ يَهُوذَا الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى بَابِلَ، يَقُولُ اللهُ ، وَسَأُكَسِّرُ نِيرَ مَلِكِ بَابِلَ.›» حِينَئِذٍ، تَكَلَّمَ إرْمِيَا إلَى حَنَنِيَّا النَّبِيِّ بِحُضُورِ الكَهَنَةِ وَكُلِّ الشَّعْبِ الَّذِينَ كَانُوا وَاقِفِينَ فِي بَيْتِ اللهِ . فَقَالَ إرْمِيَا النَّبِيُّ: «آمِينَ، لِيَعْمَلِ اللهُ بِحَسَبِ كَلَامِكَ، وَلْيُثَبِّتِ اللهُ الكَلَامَ الَّذِي تَنَبَّأتَ بِهِ، وَلْتَرْجِعْ آنِيَةُ بَيْتِ اللهِ وَكُلُّ المَسبِيِّينَ مِنْ بَابِلَ إلَى هَذَا المَكَانِ. لَكِنِ اسْمَعْ هَذِهِ الكَلِمَةَ الَّتِي سَأقُولُهُا لَكَ وَلِكُلِّ الشَّعْبِ. الأنْبِيَاءُ الَّذِينَ كَانُوا قَبلِي وَقَبلَكَ مُنْذُ القَدِيمِ، تَنَبَّأُوا عَنْ أرَاضٍ كَثِيرَةٍ وَعَنْ مَمَالِكٍ عَظِيمَةٍ، وَقَالُوا سَتأتِي حَربٌ وَمَجَاعَةٌ وَوَبَاءٌ. النَّبِيُّ الَّذِي يَتَنَبَّأُ بِالسَّلَامِ يُعرَفُ بِأنَّهُ نَبِيٌّ أرسَلَهُ اللهُ حَقًّا، عِنْدَمَا تَتَحَقَّقُ كَلِمَةُ هَذَا النَّبِيِّ.» ثُمَّ أخَذَ حَنَنِيَّا النَّبِيُّ النِّيرَ عَنْ عُنقِ إرْمِيَا النَّبِيِّ، وَكَسَّرَهُ. وَقَالَ حَنَنِيَّا بِحُضُورِ كُلِّ الشَّعْبِ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «هَكَذَا سَأُكَسِّرُ نِيرَ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، فِي غُضُونِ سَنَتَيْنِ، عَنْ أعنَاقِ الأُمَمِ،» حِينَئِذٍ، ذَهَبَ إرْمِيَا النَّبِيُّ فِي طَرِيقِهِ. ثُمَّ جَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا بَعْدَ أنْ كَسَّرَ حَنَنِيَّا النَّبِيُّ النِّيرَ عَنْ عُنقِ إرْمِيَا النَّبِيِّ، فَقَالَ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِحَنَنِيَّا، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹أنْتَ كَسَرتَ نِيرَ الخَشَبِ، وَلَكِنَّكَ سَتَضَعُ نِيرَ حَدِيدٍ عِوَضًا عَنْهُ.› لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹وَضَعتُ نِيرَ حَدِيدٍ عَلَى عُنقِ هَذِهِ الأُمَمِ جَمِيعًا، لِأجعَلَهَا تَخْدِمُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، وَسَتَخْدِمُهُ بِالفِعْلِ. كَمَا أعْطَيْتُهُ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةَ أيْضًا.›» ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ إرْمِيَا لِلنَّبِيِّ حَنَنِيَّا: «اسْمَعْ يَا حَنَنِيَّا، لَمْ يُرسِلْكَ اللهُ ، وَقَدْ جَعَلْتَ هَذَا الشَّعْبَ يَتَّكِلُ عَلَى الكَذِبِ. لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹سَأنفِيكَ عَنْ هَذِهِ الأرْضِ، وَسَتَمُوتُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، لِأنَّكَ تَكَلَّمْتَ بِتَمَرُّدٍ ضِدَّ اللهِ .›» وَقَدْ مَاتَ حَنَنِيَّا النَّبِيُّ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ. هَذَا هُوَ نَصُّ الرِّسَالَةِ الَّتِي أرسَلَهَا إرْمِيَا مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ إلَى بَقِيَّةِ شُيُوخِ السَّبْيِ وَالكَهَنَةِ وَالأنْبِيَاءِ وَإلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي سَبَاهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ إلَى بَابِلَ. كَانَ هَذَا بَعْدَ خُرُوجِ يَكُنْيَا مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ مَعَ المَلِكَةِ الأُمِّ وَالعَبِيدِ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ وَالنَّحَّاتِينَ وَالحَدَّادِينَ. وَقَدْ أرْسَلَ إرْمِيَا الرِّسَالَةَ بِيَدِ ألْعَاسَةَ بْنِ شَافَانَ وَجَمَرْيَا بْنِ حَلْقِيَّا، اللَّذَيْنِ أرسَلَهُمَا صِدْقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا إلَى بَابِلَ، إلَى نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، لِكُلِّ المَسبِيِّينَ مِنَ القُدْسِ إلَى بَابِلَ: «ابْنُوا بُيُوتًا وَاسكُنُوا فِيهَا، وَازرَعُوا بَسَاتِينَ وَكُلُوا مَا تُنتِجُهُ. تَزَوَّجُوا وَأنجِبُوا أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. خُذُوا زَوْجَاتٍ لِأبْنَائِكُمْ وَزَوِّجُوا بَنَاتِكُمْ، وَلْيُنجِبُوا أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. تَضَاعَفُوا هُنَاكَ وَلَا تَقِلُّوا. وَاطلُبُوا خَيرَ المَدِينَةِ الَّتِي سُبِيتُمْ إلَيْهَا، وَصَلُّوا إلَى اللهِ لِأجْلِهَا. لِأنَّهُ إنْ كَانَ لَهَا خَيْرٌ، فَأنْتُمْ كَذَلِكَ سَيَكُونُ لَكُمْ خَيْرٌ.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «لَا تَدَعُوا أنْبِيَاءَكُمْ وَعَرَّافِيكُمُ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي وَسَطِكُمْ يَخْدَعُوكُمْ. وَلَا تَسْتَمِعُوا إلَى الأحْلَامِ الَّتِي يَحْلُمُونَهَا. لِأنَّهُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِاسْمِي كَذِبًا. وَأنَا لَمْ أُرسِلْهُمْ، يَقُولُ اللهُ .» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «عِنْدَمَا تَكْتَمِلُ السَّبعُونَ سَنَةً لِبَابِلَ، سَأفتَقِدُكُمْ وَأُتَمِّمُ وَعدِي الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَكُمْ بِأنْ أُعِيدَكُمْ إلَى هَذَا المَكَانِ. لِأنِّي أعْرِفُ الخُطَطَ الَّتِي أُفَكِّرُ بِهَا بِخُصُوصِكُمْ، يَقُولُ اللهُ ، فَهِيَ خُطَطٌ لِخَيرِكُمْ وَلَيْسَتْ لِضَرَرِكُمْ، لِأُعْطِيَكُمْ مُسْتَقْبَلًا وَرَجَاءً. سَتَدْعُونَنِي وَسَتَأْتُونَ لِتُصَلُّوا إلَيَّ، وَأنَا سَأستَمِعُ إلَيكُمْ. سَتَطْلُبُونَنِي وَتَجِدُونَنِي حِينَ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَسَأُوجَدُ لَكُمْ، يَقُولُ اللهُ ، وَسَأُرجِعُ مَا أُخِذَ مِنْكُمْ، وَسَأجمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الأمَاكِنِ الَّتِي طَرَدتُكُمْ إلَيْهَا، يَقُولُ اللهُ ، وَسَأُرجِعُكُمْ مِنَ المَكَانِ الَّذِي سَبَيتُكُمْ إلَيْهِ.» قَدْ تَقُولُونَ: «أقَامَ اللهُ لَنَا أنْبِيَاءَ فِي بَابِلَ.» وَلَكِنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لِلمَلِكِ الجَالِسِ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ، وَلِكُلِّ الشَّعْبِ السَّاكِنِينَ فِي هَذِهِ المَدِينَةِ، إخوَتِكُمُ الَّذِينَ لَمْ يَذْهَبُوا مَعَكُمْ إلَى السَّبْيِ. يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «سَأُرْسِلُ عَلَيْهِمُ الحَرْبَ وَالمَجَاعَةَ وَالوَبَاءَ، وَسَأجعَلُهُمْ كَالتِّينِ العَفِنِ الَّذِي لَا يُؤكَلُ لِرَدَاءَتِهِ. سَأُلَاحِقُهُمْ بِالحَرْبِ وَالمَجَاعَةِ وَالوَبَاءِ. وَسَأجعَلُهُمْ عِبرَةً تُرعِبُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الأرْضِ. سَأجعَلُهُمْ لَعنَةً وَخَرَابًا وَرُعبًا وَمَثَارًا لِلِاسْتِغرَابِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ الَّتِي سَأطرُدُهُمْ إلَيْهَا. لِأنَّهُمْ لَمْ يَنْتَبِهُوا لِكَلَامِي، يَقُولُ اللهُ ، إذْ أرسَلتُ إلَيْهِمْ خُدَّامِي الأنْبِيَاءَ وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ، وَلَمْ يَسْتَمِعُوا إلَيَّ. يَقُولُ اللهُ .» فَاستَمِعُوا إلَى كَلِمَةِ اللهِ يَا كُلَّ المَسبِيِّينَ مِنَ القُدْسِ إلَى بَابِلَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، لِأخآبَ بْنِ قُولَايَا وَلِصِدْقِيَّا بْنِ مَعَسِيَّا، اللَّذَيْنِ يَتَنَبَّآنِ لَكُمْ بِالكَذِبِ: «سَأُسَلِّمُهُمَا لِنَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، وَسَيَقْتُلُهُمَا أمَامَكُمْ. وَسَيُضرَبُ بِهِمَا المَثَلُ كَلَعنَةٍ لِكُلِّ المَسبِيِّينَ مِنْ بَنِي يَهُوذَا فِي بَابِلَ، فَيُقَالُ: ‹لِيَجْعَلْكَ اللهُ كَصِدْقِيَّا وَأخآبَ اللَّذَيْنِ أحرَقَهُمَا مَلِكُ بَابِلَ بِالنَّارِ.› سَيَحْدُثُ هَذَا بِسَبَبِ الأعْمَالِ البَشِعَةِ الَّتِي عَمِلَاهَا فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، إذْ أنَّهُمَا زَنَيَا مَعَ زَوْجَاتِ جِيرَانِهِمَا، وَتَكَلَّمَا بِكَلَامٍ كَاذِبٍ بِاسْمِي لَمْ آمُرْهُمَا بِأنْ يَقُولَاهُ. أعْرِفُ بِهَذَا وَأشهَدُ عَلَيْهِ. يَقُولُ اللهُ .» وَقُلْ لِشِمْعِيَا النَّحِلَامِيِّ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «أرسَلْتَ رَسَائِلَ بِاسْمِكَ إلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، وَلِصَفَنْيَا بْنِ مَعَسِيَّا الكَاهِنِ، وَإلَى كُلِّ الكَهَنَةِ الآخَرِينَ قُلْتَ فِيهَا: ‹قَدْ عَيَّنَكَ اللهُ كَاهِنًا مَكَانَ يَهُويَادَاعَ الكَاهِنِ، لِيَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَهْتَمُّ بِبَيْتِ اللهِ . لِذَلِكَ، سَيُسْجَنُ كُلُّ مَجنُونٍ يَتَنَبَّأُ عَلَيْكَ، وَتُوضَعُ قَدَمَاهُ بَيْنَ لَوحَينِ خَشَبِيَّينِ. فَلِمَاذَا لَمْ تُوَبِّخْ إرْمِيَا الَّذِي مِنْ عَنَاثُوثَ الَّذِي يَتَنَبَّأُ لَكُمْ؟ فَقَدْ أرْسَلَ رِسَالَةً إلَينَا فِي بَابِلَ قَالَ فِيهَا: سَتَعِيشُونَ هُنَاكَ لِزَمَنٍ طَوِيلٍ، فَابْنُوا بُيُوتًا وَاسكُنُوا فِيهَا، وَازرَعُوا بَسَاتِينَ وَكُلُوا ثَمَرَهَا.›» فَقَرَأ صَفَنْيَا الكَاهِنُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ لِلنَّبِيِّ إرْمِيَا. فَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرمِيَا، فَقَالَ اللهُ : «أرْسِلْ رِسَالَةً إلَى كُلِّ المَسبِيِّينَ وَقُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لِشِمْعِيَا النَّحِلَّامِيِّ: لِأنَّ شِمْعِيَا تَنَبَّأ لَكُمْ مَعَ أنِّي لَمْ أُرسِلْهُ، وَقَدْ جَعَلَكُمْ تَضَعُونَ ثِقَتَكُمْ بِالكَذِبِ. لِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : سَأُعَاقِبُ شِمْعِيَا النَّحِلَّامِيَّ وَنَسْلَهُ، وَلَنْ يَبْقَى لَهُ مِنْ نَسْلِهِ أحَدٌ وَسَطَ هَذَا الشَّعْبِ. وَلَنْ يَرَى الخَيْرَ الَّذِي سَأعمَلُهُ لِشَعْبِي، يَقُولُ اللهُ ، لِأنَّهُ تَكَلَّمَ بِخِيَانَةٍ ضِدَّ اللهِ .›» هَذِهِ الكَلِمَةُ جَاءَتْ إلَى إرْمِيَا مِنَ اللهِ : «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹اكتُبْ جَمِيعَ الكَلَامِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ بِهِ عَلَى لَفِيفةٍ. فَسَتَأْتِي أيَّامٌ، يَقُولُ اللهُ ، حِينَ أُرجِعُ فِيهَا مَا سُلِبَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، يَقُولُ اللهُ. وَسَأُرجِعُهُمْ إلَى هَذِهِ الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِآبَائِهِمْ لِكَي يَمْتَلِكُوهَا.›» هَذَا هُوَ الكَلَامُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ اللهُ عَنْ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَمِعْنَا صَوْتَ رُعبٍ، سَمِعْنَا عَنْ خَوفٍ لَا سَلَامٍ. «اسألُوا وَانظُرُوا إنْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَلِدُ! فَلِمَاذَا أرَى كُلَّ الرِّجَالِ الأبطَالِ يَضَعُونَ أيدِيَهُمْ عَلَى بُطُونِهِمْ، كَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَلِدنَ؟ وَلِمَاذَا شَحُبَتْ كُلُّ وُجُوهِهِمْ؟ «وَيْلٌ لَهُمْ، لِأنَّ ذَلِكَ اليَوْمَ عَظِيمٌ، وَلَيْسَ لَهُ مَثِيلٌ. سَيَكُونُ وَقْتَ ضِيقٍ لِيَعْقُوبَ، وَلَكِنَّهُ سَيَخْلُصُ مِنْهُ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، سَأُكَسِّرُ نِيرَ بَابِلَ عَنْ كَتِفِكَ، وَسَأنزَعُ قُيُودَكَ. حِينَئِذٍ، لَنْ يُجبِرَهُمُ الغُرَبَاءُ، فِيمَا بَعْدُ، عَلَى خِدمَتِهِمْ، لَكِنَّهُمْ سَيَخْدِمُونَ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمْ، الَّذِي سَأُعِينُهُ عَلَيْهِمْ. «أمَّا أنْتَ يَا خَادِمِي يَعْقُوبَ، فَلَا تَخَفْ، يَقُولُ اللهُ ، وَأنْتَ يَا إسْرَائِيلُ، لَا تَرْتَعِبْ. لِأنِّي سَأُخَلِّصُكَ مِنْ بَعِيدٍ، وَسَأُنقِذُ نَسْلَكَ مِنْ أرْضِ سَبيِهِمْ. سَيَرْجِعُ يَعْقُوبُ، وَسَيَكُونُ فِي رَاحَةٍ وَأمَانٍ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يُزعِجُهُ. لِأنِّي مَعَكَ، يَقُولُ اللهُ ، لِأُنقِذَكَ، وَلأنِّي سَأُفنِي الأُمَمَ الَّتِي بَدَّدْتُكَ فِي وَسَطِهَا. أمَّا أنْتَ فَلَنْ أُفنِيكَ، لَكِنِّي سَأُؤَدِّبُكَ بِالعَدْلِ، وَلَنْ أدَعَ إثمَكَ بِلَا عِقَابٍ.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «إصَابَتُكَ لَا شِفَاءَ لَهَا، وَجُرحُكَ بَلِيغٌ. لَا يُوجَدُ مَنْ يُدَافِعُ عَنْ قَضِيَّتِكَ. وَمَا مِنْ شِفَاءٍ لِجُرْحِكَ. كُلُّ الَّذِينَ كَانُوا يُحِبُّونَكَ نَسَوْكَ، وَهُمْ لَا يَهْتَمُّونَ بِخَيرِكَ. لِأنَّي ضَرَبْتُكَ ضَربَةً قَاسِيَةً كَعَدُوٍّ، بِسَبَبِ كِبَرِ إثمِكَ، وَكَثرَةِ خَطَايَاكَ. لِمَاذَا تَصْرُخِينَ بِسَبَبِ إصَابَتِكِ؟ جُرحُكِ لَا يُمْكِنُ شِفَاؤُهُ. بِسَبَبِ عَظَمَةِ إثمِكِ، وَبِسَبَبِ كَثرَةِ خَطَايَاكِ، عَمِلْتُ هَذَا بِكِ. لِذَلِكَ، كُلُّ الَّذِينَ التَهَمُوكِ سَيُلتَهَمُونَ، وَكُلُّ خُصُومِكِ سَيَذْهَبُونَ إلَى السَّبْيِ. الَّذِينَ سَلَبُوكِ سَيُسلَبُونَ، وَكُلُّ الَّذِينَ يَنْهَبُونَكِ سَيُنهَبُونَ.» يَقُولُ اللهُ : «سَأُعِيدُ صِحَّتَكِ إلَيكِ، وَسَأشْفِيكِ مِنْ جُرُوحِكِ، لِأنَّ النَّاسَ دَعُوكِ ‹المَنبُوذَةَ.› قَالُوا: ‹هَذِهِ صِهْيَوْنُ الَّتِي لَا يُرِيدُهَا أحَدٌ.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَأُغَيِّرُ مَصِيرَ خِيَامِ يَعْقُوبَ وَسَأرْحَمُ مَسَاكِنَهُ، وَسَتُبنَى المَدِينَةُ عَلَى خَرَائِبِهَا، وَالقَصرُ فِي مَكَانِهِ. سَتَخْرُجُ تَرَانِيمُ الشُّكْرِ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ صَوْتُ الضَّحِكِ. سَأُكَثِّرُهُمْ، فَلَا يَكُونُونَ قَلِيلِينَ، وَسَأُكرِمُهُمْ، فَلَا يَكُونُونَ مُنبُوذِينَ. وَسَيَكُونُ نَسْلُهُمْ كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ، وَسَتَثْبُتُ جَمَاعَتُهُمْ أمَامِي، وَسَأُعَاقِبُ كُلَّ الَّذِينَ يُضَايِقُونَهُمْ. وَسَيَأْتِي قَائِدٌ مِنْ شَعْبِهِ، وَسَيَخْرُجُ حَاكِمُهُ مِنْ وَسَطِهِ. سَأُقَرِّبُهُ فَيَقْتَرِبَ مِنِّي، لِأنَّهُ مَنْ يَجْرُؤُ عَلَى الِاقتِرَابِ مِنِّي،» يَقُولُ اللهُ . «وَسَتَكُونُونَ شَعْبِي، وَسَأكُونُ إلَهَكُمْ.» هَا عَاصِفَةُ اللهِ ! غَضَبُهُ يَخْرُجُ، يَلْتَفُّ فَوْقَ رُؤوسِ الأشْرَارِ كَالإعْصَارِ. لَنْ يَرْتَدَّ غَضَبُ اللهِ الشَّدِيدُ، حَتَّى يُتَمِّمَ مَا يَنْوِي عَمَلَهُ. فِي الأيَّامِ الأخِيرَةِ، سَتَفْهَمُونَ. قَالَ اللهُ : «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأصِيرُ إلَهًا لِكُلِّ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، وَهُمْ سَيَصِيرُونَ شَعْبِي.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «الشَّعْبُ الَّذِي نَجَا مِنَ الحَرْبِ وَجَدَ نِعْمَةً فِي البَرِّيَّةِ. حِينَ ارتَحَلَ إسْرَائِيلُ طَلَبًا للرَّاحَةِ.» ظَهَرَ اللهُ مِنْ بَعِيدٍ وَقَالَ لِأُمَّتِهِ: «أحبَبْتُكِ مَحَبَّةً أبَدِيَّةً، لِذَلِكَ أدَمْتُ لَكِ رَحمَتِي. سَأبنِيكِ ثَانِيَةً فَتَنْبَنِينَ، يَا إسْرَائِيلُ العَذرَاءُ. سَتَضَعِينَ زِينَتَكِ مِنْ جَدِيدٍ، وَسَتَخْرُجِينَ بِدُفُوفِكِ لِتَرْقُصِي مَعَ المُحتَفِلِينَ. سَتَزْرَعِينَ مَرَّةً أُخْرَى كُرُومًا فِي جِبَالِ السَّامِرَةِ وَالَّذِينَ يَزْرَعُونَهَا سَيَتَمَتَّعُونَ بِثَمَرِهَا. فَسَيَكُونُ هُنَاكَ يَومٌ، يُنَادِي فِيهِ الحُرَّاسُ عَلَى جِبَالِ أفْرَايِمَ: ‹قُومُوا، لِنَذهَبْ إلَى صِهْيَوْنَ، إلَى .›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «غَنُّوا لِيَعْقُوبَ بِفَرَحٍ، وَافرَحُوا بِرَئِيسِ الشُّعُوبِ، اهتِفُوا، سَبِّحُوا، وَقُولُوا: ‹خَلِّصْ يَا اللهُ شَعْبَكَ، بَقِيَّةَ إسْرَائِيلَ.› سَآتِي بِهِمْ مِنْ أرْضِ الشِّمَالِ، وَسَأجمَعُهُمْ مِنْ أقَاصِي الأرْضِ. سَيَكُونُ بَيْنَهُمُ الأعمَى وَالأعرَجُ، وَالحُبلَى وَالَّتِي تَتَمَخَّضُ لِتَلِدَ. وَسَيَعُودُونَ كَجَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ. سَآتِي بِهِمْ بَيْنَمَا هُمْ يَبْكُونَ، وَسَأُرجِعُهُمْ بَيْنَمَا هُمْ يَتَضَرَّعُونَ. سَأقُودُهُمْ بِمُحَاذَاةِ جَدَاوِلِ المَاءِ، وَفِي طَرِيقٍ مُسْتَقِيمَةٍ فَلَا يَتَعَثَّرُونَ. وَذَلِكَ لِأنِّي سَأكُونُ أبًا لِإسْرَائِيلَ، وَأفرَايِمُ سَيَكُونُ ابنِي البِكرَ. «أيَّتُهَا الأُمَمُ، اسْمَعُوا كَلِمَةً اللهِ ، وَأعلِنُوهَا بَيْنَ الجُزُرِ البَعِيدَةِ. قُولُوا: ‹الَّذِي بَدَّدَ إسْرَائِيلَ سَيَجْمَعُهُ، وَسَيَحْرُسُهُ كَمَا يَحْرُسُ الرَّاعِي قَطِيعَهُ.› لِأنَّ اللهَ فَدَى يَعْقُوبَ، وَأطلَقَهُ مِنْ يَدِ مَنْ هُوَ أقوَى مِنْهُ. سَيَأْتُونَ وَيُغَنُّونَ عَلَى مُرتَفَعَاتِ صِهْيَوْنَ، سَتُشْرِقُ وُجُوهُهُمْ بِسَبَبِ خَيرَاتِ اللهِ ، القَمْحِ وَالنَّبِيذِ وَالزَّيْتِ وَالغَنَمِ وَالبَقَرِ. سَتَرْتَوِي نُفُوسُهُمْ كَالبُستَانِ المَروِيِّ، وَلَنْ يَهْزَلُوا ثَانِيَةً. حِينَئِذٍ، سَيَحْتَفِلُ الصِّبيَةُ بِالرَّقصِ مَعَ الشُّبَّانِ وَالشُّيُوخِ. سَأُحَوِّلُ نَوحَهُمْ إلَى فَرَحٍ، وَسَأُعَزِّيهِمْ، وَسَأجعَلُهُمْ يَفْرَحُونَ بَدَلًا مِنْ حُزنِهِمْ. وَسَأُشْبِعُ نُفُوسَ الكَهَنَةِ بِالدَّسَمِ، وَسَتَشْبَعُ قُلُوبُهُمْ مِنْ خَيْرِي،» يَقُولُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، صَوْتُ نُواحٍ وَبُكَاءٍ مُرٍّ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أوْلَادِهَا، وَهِيَ تَرْفُضُ أنْ تَتَعَزَّى عَنْهُمْ لِأنَّهُمْ مَوْتَى.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «تَوَقَّفِي عَنِ البُكَاءِ وَذَرفِ الدُّمُوعِ، فَهُنَاكَ مُكَافأةٌ مُقَابِلَ عَمَلِكِ،» يَقُولُ اللهُ ، «فَسَيَعُودُونَ مِنْ أرْضِ أعْدَائِهِمْ. هُنَاكَ رَجَاءٌ لَكِ،» يَقُولُ اللهُ ، «فَسَيَعُودُ نَسْلُكِ لِيَسْكُنُوا فِي أرْضِهِمْ. سَمِعْتُ أفْرَايِمَ يَنُوحُ وَيَقُولُ: ‹أدَّبْتَنِي فَتَأدَّبْتُ، كَعِجلٍ لَمْ يَتَدَرَّبْ. أرْجِعنِي فَأعُودَ إلَيْكَ. لِأنَّكَ أنْتَ . ابتَعَدْتُ عَنْكَ وَتُبْتُ إلَيْكَ، عَرَفْتُ ذَنبِي، فَضَرَبْتُ عَلَى فَخذَي نَدَمًا. خَزِيتُ وَشَعَرتُ بِالذُّلِّ، لِأنِّي حَمَلتُ عَارَ أخطَائِي مُنْذُ صِبَايَ.› ألَيْسَ أفْرَايِمُ ابْنِي الغَالِيَ؟ ألَيْسَ هُوَ ابْنِي المَحبُوبَ؟ نَعَمْ، تَكَلَّمْتُ بِالكَثِيرِ ضِدَّهُ، لَكِنِّي مَا زِلْتُ أذكُرُهُ. أُحِبُّهُ بِكُلِّ أعْمَاقِي، وَسَأرْحَمُهُ بِكُلِّ تَأْكِيدٍ.» يَقُولُ اللهُ . «ضَعِي لِنَفْسِكِ حَجَرًا كَذِكْرَى، ضَعِي لِنَفْسِكِ أنصَابًا. وَهَكَذَا تُمَيِّزِينَ الطَّرِيقَ الَّتِي ذَهَبتِ فِيهَا، عِنْدَمَا تَعُودِينَ يَا إسْرَائِيلُ العَذْرَاءُ، إلَى مَتَى تَسْتَمِرِّينَ فِي الحَيَدَانِ عَنِّي، أيَّتُهَا البِنتُ المُرتَدَّةُ؟ «لِأنَّ اللهَ خَلَقَ أمْرًا جَدِيدًا فِي الأرْضِ: أُنثَى تُحِيطُ بِرَجُلٍ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «عِنْدَمَا أستَرِدُّ لَهُمْ كُنُوزَهُمُ المَسلُوبَةَ، سَيَعُودُ أهْلُ يَهُوذَا وَمُدُنِهَا يقُولُونَ: ‹لِيُبَارِكْكَ اللهُ يَا مَسكَنَ البِرِّ، أيُّهَا الجَبَلُ المُقَدَّسُ.› «سَيَسْكُنُ الشَّعْبُ مَعًا فِي أرْضِ يَهُوذَا وَمُدُنِهَا، الفَلَّاحُونَ وَالبَدْوُ الرُّحَلُ وَقُطعَانَهُمْ. لِأنَّنِي سَأُريحُ المُنهَكِينَ، وَأُشَدِّدُ جَمِيعَ الضُعَفَاءِ.» فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ، استَيْقَظتُ وَنَظَرتُ حَوْلِي، كَمَا كَانَ نَومِي لَذِيذًا لِي. يَقُولُ اللهُ : «سَتَأْتِي أيَّامٌ حِينَ أعُودُ أزرَعُ بَيْتَ إسْرَائِيلَ وَبَيْتَ يَهُوذَا بِأُنَاسٍ وَحَيَوَانَاتٍ أكْثَرَ. وَكَمَا أنِّي سَهِرْتُ عَلَى اقتِلَاعِهِمْ مِنْ جُذُورِهِمْ وَعَلَى هَدمِهِمْ وَإهلَاكِهِمْ وَتَدْمِيرِهِمْ وَجَلْبِ الشَّرِّ عَلَيْهِمْ، هَكَذَا سَأسْهَرُ عَلَى غَرسِهِمْ مِنْ جَدِيدٍ،» يَقُولُ اللهُ . «فِي تِلْكَ الأيَّامِ، لَنْ يَقُولَ النَّاسُ فِيمَا بَعْدُ: ‹الآبَاءُ يأكُلُونَ الحُصرُمَ، وَالأبْنَاءُ يُضرِسُونَ.› بَلْ سَيَمُوتُ كُلُّ وَاحِدٍ بِسَبَبِ خَطِيَّتِهِ، وَكُلُّ إنْسَانٍ يَأْكُلُ الحُصرُمَ سَتُضرِسُ أسنَانُهُ.» «هَا تَأْتِي أيَّامٌ، يَقُولُ اللهُ ، حِينَ أقطَعُ عَهْدًا جَدِيدًا مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَمَعَ بَنِي يَهُوذَا. لَنْ يَكُونَ كَالعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ عِنْدَمَا أمسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لِأُخرِجَهُمْ مِنْ مِصْرٍ. وَلَنْ يَكُونَ كَعَهْدِي الَّذِي نَقَضُوهُ، مَعَ أنِّي كُنْتُ سَيِّدَهُمْ،» يَقُولُ اللهُ . «لَكِنْ وَهَذَا هُوَ العَهْدُ الَّذِي سَأقطَعُهُ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأيَّامِ، يَقُولُ اللهُ : سَأزرَعُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَسَأكتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ. سَأكُونُ إلَهَهُمْ، وَهُمْ سَيَكُونُونَ شَعْبِي. «وَلَنْ تَكُونَ هُنَاكَ حَاجَةٌ فِيمَا بَعْدُ لِأنْ يُعَلِّمَ أحَدٌ قَرِيبَهُ وَيَقولَ لَهُ: ‹اعرِفِ اللهَ .› إذْ سَيَعْرِفُونَنِي جَمِيعًا، مِنْ صَغِيرِهِمْ إلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ اللهُ . لِأنِّي سَأغفِرُ إثمَهُمْ، وَلَنْ أعُودَ أذكُرُ خَطِيَّتَهُمْ.» هُوَ مَنْ أعْطَى الشَّمْسَ لِتُنِيرَ النَّهَارَ، وَجَعَلَ القَمَرَ وَالنُّجُومَ لِإنَارَةِ اللَّيلِ، الَّذِي يُهَيِّجُ البَحْرَ فَتَهْدِرُ أموَاجُهُ، يهوه القَدِيرُ اسْمُهُ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «كَمَا أنَّ سُلطَانِي عَلَى قوَانِينِ الكَونِ لَا يَزُولُ، كَذَلِكَ لَا يَزُولُ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ أنْ يَكُونُوا شَعْبِي إلَى الأبَدِ.» يَقُولُ اللهُ . وَيَقُولُ اللهُ : «إنِ استَطَاعَ أحَدٌ أنْ يَقِيسَ السَّمَاوَاتِ فِي الأعْلَى، أوْ أنْ يَسْتَكْشِفَ أسَاسَاتَ الأرْضِ مِنْ أسفَلُ، فَحِينَئِذٍ، يُمْكِنُ أنْ أرفُضَ كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ، بِسَبَبِ كُلِّ مَا عَمِلُوهُ.» يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ اللهُ : «الأيَّامُ آتِيَةٌ حِينَ يُعَادُ بِنَاءُ القُدْسِ مَعَ بُرجِ حَنَنْئِيلَ إلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ. وَسَيَمْتَدُّ حَبلُ القِيَاسِ مِنْ هُنَاكَ إلَى تَلَّةِ جَارِبَ، ثُمَّ يَدُورُ إلَى الغَورِ. وَسَيَضُمُّ كُلَّ الوَادِي – حَيْثُ الجُثَثُ وَالرَّمَادُ الآنَ – وَكُلَّ الحُقُولِ المُمتَدَّةِ إلَى وَادِي قَدرُونَ وَإلَى زَاوِيَةِ بَابِ الخَيلِ فِي الشَّرقِ. سَتَكُونُ كُلُّ تِلْكَ الأرْضِ مُقَدَّسَةً للهِ . لَنْ تُقلَعَ وَلَنْ تُهدَمَ ثَانِيَةً إلَى الأبَدِ.» هَذِهِ هِيَ الكَلِمَةُ الَّتِي جَاءَتْ مِنَ اللهِ إلَى إرْمِيَا فِي السَّنَةِ العَاشِرَةِ لِمُلكِ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَهِيَ المُوافِقَةُ لِلسَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ مُلكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، كَانَ جَيْشُ مَلِكِ بَابِلَ يُحَاصِرُ مَدِينَةَ القُدْسِ، وَإرْمِيَا النَّبِيُّ مَسجُونًا فِي سَاحَةِ السِّجْنِ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا. وَقَدْ حَدَثَ هَذَا عِنْدَمَا سَجَنَهُ المَلِكُ صِدْقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا وَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَتَنَبَّأُ هَكَذَا؟ فَأنْتَ تَقُولُ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : سَأُسَلِّمُ هَذِهِ المَدِينَةَ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ حَتَّى يَمْتَلِكَهَا، وَلَنْ يَنْجُوَ المَلِكُ صِدْقِيَّا مِنْ يَدِ البَابِلِيِّينَ، لِأنَّهُ سَيُسَلَّمُ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ، وَسَيَتَكَلَّمُ مَعَهُ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَسَيَنْظُرُ إلَيْهِ عَينًا لِعَينٍ. وَسَيأخُذُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ صِدْقِيَّا إلَى بَابِلَ. وَسَيَبْقَى هُنَاكَ حَتَّى يَمُوتَ، يَقُولُ اللهُ . فَإنْ حَارَبتُمُ البَابِلِيِّينَ، لَنْ تَنْتَصِرُوا.›» وَقَالَ إرْمِيَا: «جَاءَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ تَقُولُ: ‹سَيَأْتِي إلَيْكَ ابْنُ عَمِّكَ حَنَمْئِيلُ بْنُ شَلُّومَ وَيَقُولُ: اشتَرِ حَقلِي الَّذِي فِي عَنَاثُوثَ، فَأنْتَ لَكَ حَقُّ شِرَائِهِ وَاسْتِردَادِهِ.›» فَجَاءَ إلَيَّ حَنَمْئِيلُ ابْنُ عَمِّي إلَى سَاحَةِ السِّجْنِ، كَمَا قَالَ اللهُ ، وَقَالَ لِي: «اشتَرِ حَقلِي الَّذِي فِي عَنَاثُوثَ فِي أرْضِ بَنْيَامِينَ. فَأنْتَ لَكَ حَقُّ امتِلَاكِهِ وَاسْتِردَادِهِ. فَاشتَرِهِ لِنَفْسِكَ.» فَعَرَفتُ أنَّ الكَلِمَةَ كَانَتْ مِنَ اللهِ . فَاشْتَرَيتُ الحَقْلَ مِنْ حَنَمْئِيلَ، ابْنِ عَمِّي، الَّذِي كَانَ فِي عَنَاثُوثَ. وَدَفَعْتُ ثَمَنَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ. وَكَتَبْتُ الثَّمَنَ فِي الصَّكِّ وَخَتَمْتُهُ. وَوَقَّعَ شُهُودٌ عَلَى الصَّكِّ، وَدَفَعتُ لَهُ المَالَ. ثُمَّ أخَذتُ صَكَّ البَيعِ، الَّذِي يَشْمَلُ النُّسْخَةَ المَختُومَةَ وَالمُحتَوِيَةَ لِلشُّرُوطِ، وَكَذَلِكَ النُّسخَةُ غَيْرُ المَختُومَةِ، وَأعْطَيْتُهَا لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا بْنِ مَحْسِيَّا أمَامَ حَنَمئِيلَ ابنِ عَمِّي، وَبِحُضُورِ الشُّهُودِ الَّذِينَ وَقَّعُوا عَلَى صَكِّ البَيعِ، وَكُلِّ اليَهُودِ الجَالِسِينَ فِي سَاحَةِ السِّجْنِ. وَأوْصَيتُ بَارُوخَ بِحُضُورِهِمْ فَقُلْتُ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹خُذْ صَكَّ الشِّرَاءِ هَذَا، بِوَثِيقَتَيْهِ المَختُومَةِ وَالمَفتُوحَةِ، وَضَعْهُ فِي وِعَاءٍ مِنْ فَخَّارٍ لِكَي يُحفَظَا لِفَترَةٍ طَوِيلَةٍ.› لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹سَتُشتَرَى البُيُوتُ وَالحُقُولُ وَالكُرُومُ بَعْدُ فِي هَذِهِ الأرْضِ.›» وَصَلَّيتُ إلَى اللهِ بَعْدَ أنْ أعْطَيْتُ صَكَّ الشِّرَاءِ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا، فَقُلْتُ: «أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ . أنْتَ قَدْ صَنَعتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقُوَّتِكَ العَظِيمَةِ وَيَمِينِكَ المَمدُودَةِ. لَا يَصْعُبُ عَلَيْكَ أمْرٌ. تَصْنَعُ الإحسَانَ لِإلُوفِ الأجْيَالِ، لَكِنَّكَ تُجَازِي الأحفَادَ عَلَى إثمِ الآبَاءِ. أنْتَ الإلَهُ العَظِيمُ الجَبَّارُ، وَاسْمُكَ يهوه القَدِيرُ. عَظِيمٌ فِي المَشُورَةِ، وَجَبَّارٌ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُ. أنْتَ بِعَيْنَيْكَ تُرَاقِبُ أعْمَالَ البَشَرِ لِكَي تُعطِي كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ طُرُقِهِ وَأعْمَالِهِ. أنْتَ مَنْ عَمِلَ الآيَاتِ وَالعَجَائِبَ فِي أرْضِ مِصْرٍ الَّتِي لَمْ يَأْتِ مِثْلُهَا حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا، لَا فِي إسْرَائِيلَ وَلَا فِي أيِّ شَعْبٍ آخَرَ. صَنَعْتَ لِنَفْسِكَ اسْمًا يُهَابُ إلَى هَذَا اليَوْمِ. أخرَجتَ شَعْبَكَ إسْرَائِيلَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ، بِيَدٍ قَوِيَّةٍ، وَذِرَاعٍ مَمدُودَةٍ، وَمَهَابَةٍ عَظِيمَةٍ. «وَأعْطَيْتَهُمْ هَذِهِ الأرْضَ الَّتِي أقسَمتَ بِأنَّكَ سَتُعطِيهَا لِآبَائِهِمْ، أرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. وَأتَوْا وَامتَلَكُوهَا. لَكِنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوكَ، وَلَا تَبِعُوا شَرِيعَتَكَ. وَلَمْ يَعْمَلُوا بِكُلِّ مَا أوصَيتَهُمْ. فَجَلَبتَ عَلَيْهِمْ كُلَّ هَذِهِ المُعَانَاةِ. «وَضَعَ البَابِلِيُّونَ حَوَاجِزَ تُرَابِيَّةً لحِصَارِ المَدِينَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا. وَاستَسْلَمَتِ المَدِينَةُ لِيَدِ البَابِلِيِّينَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَهَا، بِسَبَبِ الحَرْبِ وَالمَجَاعَةِ وَالأمْرَاضِ. مَا تَكَلَّمْتَ عَنْهُ قَدْ حَدَثَ، وَهَا أنْتَ تَرَاهُ. «وَأنْتَ، أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، قُلْتَ لِي: ‹اشتَرِ الحَقلَ لِنَفْسِكَ بِفِضَّةٍ أمَامَ شُهُودٍ.› وَمَعَ هَذَا، سَتُسَلَّمُ المَدِينَةُ لِيَدِ البَابِلِيِّينَ.» وَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا: «أنَا اللهُ ، إلَهُ كُلِّ شَيءٍ حَيٍّ. هَلْ هُنَاكَ مَا يَعْسُرُ عَلَيَّ؟» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَأُسَلِّمُ هَذِهِ المَدِينَةَ لِيَدِ البَابِلِيِّينَ وَلِيَدِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ لِيَفْتَحَهَا. سَيَأْتِي البَابِلِيُّونَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ هَذِهِ المَدِينَةَ، وَيُحْرِقُونَ هَذِهِ المَدِينَةَ بِالنَّارِ. سَيُحْرِقُونَهَا وَيُحْرِقُونَ البُيُوتَ الَّتِي بَخَّرَ النَّاسُ عَلَى سُطُوحِهَا لِلبَعلِ، وَقَدَّمُوا تَقْدِمَاتٍ سَائِلَةً لِآلِهَةٍ أُخْرَى، مِمَّا أدَّى إلَى غَضَبِي. لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا كَانُوا يَصْنَعَونَ الشَّرَّ أمَامِي مُنْذُ صِبَاهُمْ. وَلِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانُوا يُغِيظُونَنِي بِمَا يَعْمَلُونَهُ،» يَقُولُ اللهُ . «لِأنِّي غَضِبتُ جِدًّا عَلَى هَذِهِ المَدِينَةِ، مُنْذُ يَوْمِ بِنَائِهَا إلَى هَذَا اليَوْمِ، حَتَّى إنَّنِي سأُزِيلُهَا مِنْ أمَامِي بِسَبَبِ الشَّرِّ الَّذِي عَمِلَهُ بَنُو إسْرَائِيلَ وَبَنُو يَهُوذَا لِيُثِيرُوا غَضَبِي – هُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَأنبِيَاؤُهُمْ وَرِجَالُ يَهُوذَا وَسُكَّانُ القُدْسِ. «أدَارُوا ظُهُورَهُمْ لِي لَا وُجُوهَهُمْ. وَمَعَ أنَّنِي عَلَّمتُهُمْ يَومًا بَعْدَ يَوْمٍ، فَلَمْ يَسْتَمِعُوا إلَيَّ وَلَمْ يَقْبَلُوا تَعْلِيمِي. وَضَعُوا أصْنَامَهُمُ الكَرِيهَةَ فِي البَيْتِ الَّذِي يَحْمِلُ اسْمِي، فَنَجَّسُوهُ. بَنَوْا مُرتَفَعَاتٍ لِلبَعلِ فِي وَادِي ابنِ هِنُّومَ، لِيُقَدِّمُوا أبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهُمْ قَرَابِينَ لِلإلَهِ مُولَكَ. وَأنَا لَمْ آمُرْهُمْ بِهَذَا، وَلَا فَكَّرْتُ بِهِ. وَبِعَمَلِهِمْ هَذَا، جَعَلُوا يَهُوذَا يُخطِئُ.» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، لِهَذِهِ المَدِينَةِ، الَّتِي تَقُولُونَ عَنْهَا بِأنَّهَا أُسلِمَتْ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ بِالحَرْبِ وَالمَجَاعَةِ وَالوَبَاءِ: «سَأجمَعُهُمْ مِنَ الأرَاضِي الَّتِي طَرَدتُهُمْ إلَيْهَا بِغَضَبِي وَسَخَطِي وَغَيظِي الشَّدِيدِ. سَأُرجِعُهُمْ إلَى هَذَا المَكَانِ، وَسَأُسكِنُهُمْ بِأمَانٍ. سَيَكُونُونَ شَعْبِي، وَأنَا سَأكُونُ إلَهَهُمْ. وَسَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا وَطَرِيقًا وَاحِدًا لِكَي يَخَافُونِي دَائِمًا لِأجْلِ خَيرِهِمْ وَخَيرِ نَسْلِهِمْ. «قَطَعْتُ عَهْدًا أبَدِيًّا مَعَهُمْ لَنْ أحِيدَ عَنْهُ أبَدًا: أنْ أعمَلَ خَيْرًا لَهُمْ وَبِأنْ أضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ مَهَابَتِي، حَتَّى لَا يَحِيدُوا عَنِّي. سَأفْرَحُ بِالإحْسَانِ إلَيْهِمْ. وَسَأغرِسُهُمْ فِي هَذِهِ الأرْضِ بِأمَانَةٍ، بِكُلِّ قَلْبِي وَكُلِّ نَفْسِي.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «كَمَا جَلَبتُ هَذِهِ المُعَانَاةَ العَظِيمَةَ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ، هَكَذَا سَأجْلِبُ عَلَيْهِمُ الخَيْرَ الَّذِي وَعَدتُهُمْ بِهِ. حِينَئِذٍ، سَتُشتَرَى الحُقُولُ فِي هَذِهِ الأرْضِ الَّتِي تَقُولُونَ إنَّهَا خَرِبَةٌ وَلَا يَسْكُنُهَا إنْسَانٌ أوْ حَيَوَانٌ، وَقَدْ أُسلِمَتْ لِيَدِ البَابِلِيِّينَ. سَيَشْتَرُونَ الحُقُولَ بِفِضَّةٍ، وَسَيَكْتُبُونَ صُكُوكًا يَخْتِمُونَهَا وَيُشهِدُونَ آخَرِينَ عَلَيْهَا فِي أرْضِ بَنْيَامِينَ وَالمَنَاطِقِ المُحِيطَةِ بِالقُدْسِ وَفِي مُدُنِ يَهُوذَا وَمُدُنِ المَنَاطِقِ الجَبَلِيَّةِ وَفِي مُدُنِ التِّلَالِ الغَربِيَّةِ وَفِي مُدُنِ النَّقَبِ. سَيَحْدُثُ ذَلِكَ لِأنِّي سَأُرجِعُ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ.» يَقُولُ اللهُ . وَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا ثَانِيَةً، بَيْنَمَا كَانَ مَحجُوزًا فِي سَاحَةِ السِّجْنِ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ خَالِقُ الأرْضِ – اللهُ مَنْ شَكَّلَ الأرْضَ وَأسَّسَهَا، وَاسْمُهُ يهوه : ‹ادعُنِي فَأُجِيبَكَ، وَأُخبِرَكَ بِأُمُورٍ عَظِيمَةٍ وَعَمِيقَةٍ لَا تَعْرِفُهَا.› «فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، عَنْ بُيُوتِ هَذِهِ المَدِينَةِ وَقُصُورِ مُلُوكِ يَهُوذَا الَّتِي هُدِمَتْ لِأجْلِ تَحْصِينِ السُّورِ ضِدَّ أبرَاجِ الحِصَارِ وَالسَّيْفِ: ‹سَيَأْتِي البَابِلِيُّونَ لِيُحَارِبُوا هَذِهِ المَدِينَةَ، وَسَيَملأُونَهَا بِجُثَثِ أُولَئِكَ الَّذِينَ سَأضرِبُهُمْ بِغَضَبِي وَسَخَطِي. فَقَدْ حَجَبْتُ حُضُورِي عَنْ هَذِهِ المَدِينَةِ بِسَبَبِ شَرِّ سُكَّانِهَا. «‹لَكِنِّي سَآتِي بِالدَّوَاءِ وَالشِّفَاءِ إلَيْهَا. سَأشْفِيهِمْ وَأُعلِنُ لَهُمْ كَثرَةَ السَّلَامِ وَالأمَانِ. وَسَأُعِيدُ مَا أُخِذَ مِنْ يَهُوذَا وَمِنْ إسْرَائِيلَ. وَسَأبنِيهِمْ ثَانِيَةً كَمَا كَانُوا فِي البِدَايَةِ. سَأُطَهِّرُهُمْ مِنْ ذُنُوبِ خَطَايَاهُمْ ضِدِّي، وَسَأغفِرُ عِصيَانَهُمْ عَلَيَّ وَكُلَّ ذُنُوبِهِم. وَسَتُصبِحُ هَذِهِ المَدِينَةُ مَدِينَةَ فَرَحٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَمجِيدٍ لِي أمَامَ كُلِّ أُمَمِ الأرْضِ الَّتِي سَتَسْمَعُ بِجَمِيعِ إحسَانَاتِي لِشَعْبِي. سَتَخَافُ الأُمَمُ وَتَرْتَعِبُ بِسَبَبِ كُلِّ إحسَانَاتِي وَخَيرَاتِي الَّتِي أُقَدِّمُهَا لِشَعْبِي.› «فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹فِي هَذَا المَكَانِ الَّذِي تَقُولُونَ إنَّهُ مَهجُورٌ بِلَا إنْسَانٍ أوْ حَيَوَانٍ، فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَشَوَارِعِ القُدْسِ المَترُوكَةِ بلَا سَاكِنٍ مِنَ النَّاسِ وَالبَهَائِمِ، سَيُسْمَعُ مِنْ جَدِيدٍ صَوْتُ الغِنَاءِ وَالِاحْتِفَالِ، وَصَوْتُ العَرِيسِ وَالعَرُوسِ، وَصَوْتُ أُنَاسٍ يَقُولُونَ: «‹مَجدًا للهِ القَدِيرِ. سَبِّحُوا اللهَ لِأنَّهُ صَالِحٌ، لِأنَّ رَحْمَتَهُ إلَى الأبَدِ.› «سَيُسمَعُ هَذَا ثَانِيَةً مِنَ أفْوَاهِ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ إلَى بَيْتِ اللهِ شَاكِرِينَ. لِأنِّي سَأُرجِعُ كُلَّ مَا أُخِذَ مِنْ هَذِهِ الأرْضِ لِتَعُودَ إلَى سَابِقِ عَهْدِهَا.» يَقُولُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «فِي هَذَا المَكَانِ الخَرِبِ الَّذِي لَا يَسْكُنُهُ إنْسَانٌ أوْ بَهِيمَةٌ، فِي كُلِّ مُدُنِهِ، سَيَكُونُ هُنَاكَ مَرَّةً أُخْرَى مَرعىً لِلرُّعَاةِ الَّذِينَ يُسَرِّحُونَ غَنَمَهُمْ. فِي مُدُنِ الجَبَلِ وَمُدُنِ التِّلَالِ الغَربِيَّةِ وَمُدُنِ النَّقَبِ، وَفِي أرْضِ بَنْيَامِينَ وَالمَنَاطِقِ المُحِيطَةِ بِمَدِينَةِ القُدْسِ، وَفِي مُدُنِ يَهُوذَا، سَيَكُونُ هُنَاكَ مَرَّةً أُخْرَى خِرَافٌ تَمُرُّ تَحْتَ يَدِ الَّذِي يَعُدُّهَا.» يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ اللهُ : «سَتَأْتِي أيَّامٌ أُتَمِّمُ فِيهَا وَعْدِي الَّذِي قَطَعْتُهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا. فِي تِلْكَ الأيَّامِ وَذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُنبِتُ غُصنًا مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، سَيُحَافِظُ عَلَى العَدلِ وَالبِرِّ فِي الأرْضِ. فِي تِلْكَ الأيَّامِ، سَيَخْلُصُ يَهُوذَا، وَسَتَسْكُنُ القُدْسُ بِأمَانٍ. وَهَذَا هُوَ الِاسْمُ الَّذِي سَيَدْعُونَهَا بِهِ: ‹ اللهُ بِرُّنَا.›» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَيَكُونُ هُنَاكَ دَائِمًا مَنْ يَجْلِسُ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ عَلَى عَرْشِ إسْرَائِيلَ. وَسَيَكُونُ هُنَاكَ دَائِمًا كَهَنَةٌ يَقِفُونَ فِي حَضرَتِي لِيُقَدِّمُوا ذَبَائحَ صَاعِدَةً وَتَقْدِمَاتِ حُبُوبٍ وَذَبَائِحَ أُخرَى مَدى الأيَّامِ.» وَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا فَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹إنِ استَطَعتُمْ إلغَاءَ عَهْدِي مَعَ النَّهَارِ وَعَهْدِي مَعَ اللَّيلِ، حَتَّى لَا يَأْتِيَ النَّهَارُ أوِ اللَّيلُ فِي وَقْتَيْهِمَا، حِينَئِذٍ، يُمْكِنُ لِعَهْدِي مَعَ خَادِمِي دَاوُدَ أنْ يُنْقَضَ، فَلَا يَكُونَ لَهُ ابنٌ لِيَجْلِسَ عَلَى عَرشِهِ، وَكَذَلِكَ عَهْدِي مَعَ اللَّاوِيِّينَ. وَكَمَا أنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحْصَاءُ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُ رَملِ البَحْرِ، هَكَذَا سَأُكَثِّرُ نَسْلَ خَادِمِي دَاوُدَ وَاللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ.›» وَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا فَقَالَ: «هَلْ رَأيْتَ يَا إرمِيَا مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ هَذِهِ الشُّعُوبُ وَتَقُولُ: ‹هَاتَانِ هُمَا العَشِيرَتَانِ اللَّتَانِ اخْتَارَهُمَا اللهُ ، وَقَدْ رَفَضَهُمَا الآنَ.› لَقَدِ احتَقَرُوا شَعْبِي، وَلَمْ يَعُودُوا يَعْتَبِرُونَهُمْ أُمَّةً.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «كَمَا أنَّ عَهْدِي مَعَ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لَا يُكسَرُ، وَسُلطَانِي عَلَى قَوَانِينِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ يَزُولَ، كَذَلِكَ لَا أرفُضُ نَسْلَ يَعْقُوبَ وَلَا نَسْلَ خَادِمِي دَاوُدَ. لَكِنِّي سَأُعَيِّنُ مِنْ نَسْلِهِ مَنْ سَيَمْلُكُ عَلَى نَسْلِ إبْرَاهِيمَ وَإسحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَسَأُرجِعُ إلَيْهِمْ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ، وَسَأرْحَمُهُمْ.» وَجَاءَتْ هَذِهِ الكَلِمَةُ إلَى إرْمِيَا مِنَ اللهِ ، عِنْدَمَا كَانَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ وَجَيْشُهُ وَكُلُّ مَمَالِكِ الأرْضِ الَّتِي سَيطَرَ عَلَيْهَا وَكُلُّ شُعُوبِهِمْ يُحَارِبُونَ مَدِينَةَ القُدْسِ وَمُدُنِهَا. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ: «اذْهَبْ وَتَكَلَّمْ إلَى صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَقُلْ لَهُ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : سَأُسَلِّمُ هَذِهِ المَدِينَةَ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ حَتَّى يُحْرِقَهَا بِالنَّارِ. وَأنْتَ يَا صِدْقِيَّا لَنْ تَنْجُوَ مِنْ يَدِهِ، لِأنَّكَ سَتُمسَكُ وَتُسَلَّمُ لِيَدِهِ. سَتَرَى مَلِكَ بَابِلَ عَينًا لِعَينٍ، وَسَيَتَكَلَّمُ مَعَكَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، ثُمَّ سَتَذْهَبُ إلَى بَابِلَ. لَكِنِ اسْمَعْ كَلِمَةَ اللهِ يَا صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنْكَ: لَنْ تَمُوتَ فِي المَعْرَكَةِ، لَكِنَّكَ سَتَمُوتُ بِسَلَامٍ. وَكَمَا أحرَقُوا بَخُورًا لِإكرَامِ آبَائِكَ، فَسَيُحْرِقُونَ لَكَ وَسَيَنُوحُونَ عَلَيْكَ وَيَقُولُونَ: ‹آهٍ يَا مَوْلَايَ.› فَأنَا قَدْ تَكَلَّمْتُ.» يَقُولُ اللهُ . فَتَكَلَّمَ إرْمِيَا النَّبِيُّ بِكُلِّ هَذَا الكَلَامِ إلَى المَلِكِ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. بَيْنَمَا كَانَ جَيْشُ بَابِلَ يُحَارِبُ مَدِينَةَ القُدْسِ وَمَدِينَتَي يَهُوذَا اللَّتِينِ بَقِيَتَا، أيْ لَخِيشَ وَعَزِيقَةَ – وَهُمَا المَدِينَتَانِ الوَحِيدَتَانِ الحَصِينَتَانِ البَاقِيَتَانِ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا. هَذِهِ هِيَ الكَلِمَةُ الَّتِي جَاءَتْ إلَى إرْمِيَا مِنَ اللهِ ، بَعْدَ أنْ قَطَعَ المَلِكُ صِدْقِيَّا عَهْدًا مَعَ كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي كَانَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ بِأنْ يأمُرَ بِعِتْقِهِمْ. فَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أنْ يُعتِقَ عَبِيدَهُ وَإمَاءَهُ العِبرَانِيِّينَ، حَتَّى لَا يَسْتَعْبِدَ اليَهُودِيُّ أخَاهُ اليَهُودِيَّ. فَأطَاعَ هَذَا القَرَارَ جَمِيعُ الرُّؤَسَاءِ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ. وَتَعَهَّدُوا بِإطلَاقِ العَبِيدِ وَالجَوَارِي، وَبِأنْ لَا يَسْتَعْبِدُوا مِنْهُمْ أحَدًا فِيمَا بَعْدُ. لَكِنَّهُمْ عَادُوا وَاستَعْبَدُوا العَبِيدَ وَالجَوَارِي الَّذِينَ كَانُوا قَدْ أعتَقُوهُمْ، فَجَعَلُوهُمْ تَحْتَ العُبُودِيَّةِ مِنْ جَدِيدٍ. وَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا فَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹قَدْ قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَ آبَائِكَ عِنْدَمَا أخرَجتُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ حَيْثُ كَانُوا عَبِيدًا، وَقُلْتُ لَهُمْ: فِي نِهَايَةِ كُلِّ سَبعِ سِنِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أنْ يُعتِقَ أخَاهُ العِبرَانِيَّ الَّذِي بِيعَ لَهُ. يَنْبَغِي أنْ يَخْدِمَكَ سِتَّ سِنِينَ ثُمَّ يُطلَقُ حُرًّا. وَلَكِنَّ آبَاءَكُمْ لَمْ يُطِيعُونِي وَلَمْ يَفَتَحُوا آذَانَهُمْ لِي. لَكِنَّكُمُ اليَوْمَ تُبْتُمْ وَعَمِلتُمْ مَا هُوَ صَالِحٌ أمَامِي، إذْ أعتَقَ أحَدُكُمُ الآخَرَ. وَقَدْ قَطَعْتُمْ عَهْدًا أمَامِي فِي البَيْتِ الَّذِي يَحْمِلُ اسْمِي. لَكِنَّكُمْ عُدتُمْ وَنَجَّستُمُ اسْمِي، إذْ أرجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَبدَهُ وَأمَتَهُ الَّذِينَ أطلَقُوهُمْ أحرَارًا، لِأنَّ هَذَا مَا رَغِبُوا بِهِ، وَقَدْ أخضَعتُمُوهُمْ لِيَكُونُوا لَكُمْ عَبِيدًا وَجَوَارِيَ.›» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «لَمْ تُطِيعُونِي بإطلَاقِ إبنَاءِ شَعْبِكُمْ، فَأنَا إذَنْ سَأُطلِقُكُمْ،» يَقُولُ اللهُ ، «سَأُطلِقُكُمْ لِلسَّيفِ وَالوَبَاءِ وَالجُوعِ، وَسَأجعَلُكُمْ عِبرَةً تُرْعِبُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الأرْضِ. سَأجْعَلُ الرِّجَالَ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدِي وَلَمْ يُحَافِظُوا عَلَى كَلَامِ العَهْدِ الَّذِي قَطَعُوهُ أمَامِي، كَالبَقَرَةِ الَّتِي قَطَعُوهَا مِنَ الوَسَطِ وَاجتَازُوا بَيْنَ نِصفَيهَا. يَنْطَبِقُ هَذَا عَلَى رُؤَسَاءِ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءِ القُدْسِ وَالخُدَّامِ وَالكَهَنَةِ وَعَلَى كُلِّ شَعْبِ الأرْضِ الَّذِينَ اجتَازُوا بَيْنَ نِصفَيِّ البَقَرَةِ. سَأُسَلِّمُهُمْ إلَى يَدِ أعْدَائِهِمْ وَيَدِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ قَتلَهُمْ. وَسَتَكُونُ جُثَثُهُمْ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الأرْضِ. سَأُسَلِّمُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَهُ إلَى يَدِ أعْدَائِهِمْ وَلِيَدِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ قَتلَهُمْ، وَلِيَدِ جَيْشِ مَلِكِ بَابِلَ الَّذِي انسَحَبَ عَنْكُمْ. سَأُعْطِي أمْرًا، يَقُولُ اللهُ ، فَأُعِيدُهُمْ إلَى هَذِهِ المَدِينَةِ، وَسَيُحَارِبُونَهَا وَيَفْتَحُونَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ. وَسَأُحَوِّلُ مُدُنَ يَهُوذَا إلَى خَرَابٍ بِلَا سَاكِنٍ فِيهَا.» هَذِهِ هِيَ الكَلِمَةُ الَّتِي جَاءَتْ إلَى إرمِيَا مِنَ اللهِ فِي أيَّامِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، فَقَالَ: «اذْهَبْ إلَى عَائِلَةِ الرَكَابِيِّينَ وَتَكلَّمْ مَعَهُمْ، وَأحضِرْهُمْ إلَى وَاحِدَةٍ مِنَ الغُرَفِ فِي بَيْتِ اللهِ ، وَاسقِهِمْ خَمرًا هُنَاكَ.» فَأخَذْتُ يَازَنْيَا بْنَ إرْمِيَا بْنِ حَبْصِينِيَا وَإخوَتَهُ وَأبْنَائِهِ وَكُلَّ عَائِلَةِ الرَّكَابِيِّينَ، وَأحضَرْتُهُمْ إلَى بَيْتِ اللهِ ، إلَى غُرفَةِ أبْنَاءِ حَانَانَ بْنِ يَجْدِلْيَا، رَجُلِ اللهِ، الَّتِي بِجَانِبِ غُرفَةِ الرُّؤَسَاءِ وَفَوقَ غُرفَةِ مَعْسِيَّا بْنِ شِلُّومَ حَارِسِ عَتَبَةِ الهَيْكَلِ. وَوَضَعتُ أمَامَ الرَّكَابِيِّينَ أبَارِيقَ مَلآنَةً بِالخَمْرِ وَأقدَاحًا، وَقُلْتُ لَهُمْ: «اشرَبُوا خَمرًا.» فَقَالُوا: «نَحْنُ لَا نَشرَبُ خَمرًا، لِأنَّ جَدَّنَا يُونَادَابَ بْنَ رَكَابَ أوصَانَا فَقَالَ: ‹لَا تَشْرَبُوا أنْتُمْ وَلَا بَنُوكُمْ خَمرًا أبَدًا. لَا تَبْنُوا بَيْتًا لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلَا تَبْذُرُوا بِذَارًا وَلَا تَزْرَعُوا كَرمًا. لَا تَعْمَلُوا هَذِهِ الأُمُورَ، لَكِنِ اسكُنُوا فِي خِيَامٍ طِيلَةَ حَيَاتِكُمْ حَتَّى تَعِيشُوا زَمَنًا طَوِيلًا فِي الأرْضِ الَّتِي أنْتُمْ مُتَغَرِّبُونَ فِيهَا.› وَقَدْ أطَعنَا كُلَّ مَا أوصَانَا بِهِ يُونَادَابُ بْنُ رَكَابَ جَدُّنَا. وَلَمْ نَشرَبْ نَحْنُ وَلَا نِسَاؤُنَا وَلَا بَنُونَا وَلَا بَنَاتُنَا خَمرًا طِيلَةَ حَيَاتِنَا. وَلَمْ نَبنِ بُيُوتًا لِنَسكُنَ فِيهَا، وَلَيْسَ لَدَيْنَا كُرُومٌ أوْ حُقُولٌ أوْ مَحَاصِيلُ. عِشنَا فِي خِيَامٍ وَأطَعنَا كُلَّ مَا أوصَانَا جَدُّنَا يُونَادَابُ بِهِ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا صَعِدَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى أرْضِ يَهُوذَا، قُلْنَا: ‹لِنَدخُلْ.› وَلِذَا جِئنَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ بِسَبَبِ جَيْشِ البَابِلِيِّينَ وَجَيْشِ الأرَامِيِّينَ. فَسَكَنَّا فِي القُدْسِ.» وَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا فَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: اذْهَبْ وَقُلْ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَلِكُلِّ سُكَّانِ القُدْسِ: ‹ألَا تَقْبَلُونَ التَّعلِيمَ بِالِاسْتِمَاعِ إلَى كَلَامِي؟ يَقُولُ اللهُ . وَلَقَدْ حُفِظَ كَلَامُ يُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ الَّذِي أوْصَى بِهِ إلَى أبْنَائِهِ، وَلِذَا لَمْ يَشْرَبُوا خَمْرًا إلَى هَذَا اليَوْمِ لِأنَّهُمْ أطَاعُوا وَصِيَّةَ جَدِّهِمْ. أمَّا أنَا فَقَدْ تَكَلَّمْتُ إلَيكُمْ يَومًا بَعْدَ يَوْمٍ، فَلَمْ تُطِيعُونِي. أرْسَلتُ إلَيكُمْ خُدَّامِي الأنْبِيَاءَ وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ، وَقُلْتُ ارْجِعُوا جَمِيعًا عَنْ طُرُقِكُمُ الشِّرِّيرَةِ وَأصْلِحُوا أعْمَالَكُمْ، وَلَا تَذْهَبُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِتَخْدِمُوهَا. حِينَئِذٍ، تَسْتَقِرُّونَ فِي الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لَكُمْ وَلآبَائِكُمْ. لَكِنَّكُمْ لَمْ تَفْتَحُوا آذَانَكُمْ وَتُطِيعُونِي. حَفِظَ أبْنَاءُ يُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ الوَصِيَّةَ الَّتِي أعْطَاهَا جَدُّهُمْ لَهُمْ، أمَّا شَعْبِي فَلَمْ يَسْتَمِعُوا إلَيَّ.› «لِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الإلَهُ القَديرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹سَأجْلِبُ عَلَى يَهُوذَا وَعَلَى سُكَّانِ القُدْسِ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ. وَذَلِكَ لِأنَّنِي تَكَلَّمْتُ إلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَمِعُوا. دَعَوتُهُمْ، فَلَمْ يُجِيبُوا.›» وَقَالَ إرْمِيَا لِبَيْتِ الرَّكَابِيِّينَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹لِأنَّكُمْ أطَعتُمْ وَصِيَّةَ يُونَادَابَ جَدِّكُمْ، وَلِأنَّكُمْ حَفِظتُمْ كُلَّ وَصَايَاهُ وَعَمِلتُمْ بِكُلِّ مَا أمَرَ بِهِ، لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: سَيَبْقَى هُنَاكَ دَائِمًا مَنْ يَقِفُ أمَامِي مِنْ عَائِلَةِ يُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ.›» فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، جَاءَتْ هَذِهِ الكَلِمَةُ إلَى إرْمِيَا النَّبِيِّ مِنَ اللهِ : «أحضِرْ لَفِيفَةَ كِتَابٍ، وَاكتُبْ عَلَيْهَا الكَلَامَ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إلَيْكَ عَنْ إسْرَائِيلَ وَعَنِ الأُمَمِ، مِنْ أوَّلِ يَوْمٍ كَلَّمتُكَ فِيهِ – أيْ مِنْ أيَّامِ المَلِكِ يُوشِيَّا – إلَى هَذَا اليَوْمِ. فَلَرُبَّمَا يَسْمَعُ بَنُو يَهُوذَا بِكُلِّ العِقَابِ الَّذِي أنَا مُزمِعٌ أنْ أُنزِلَهُ بِهِمْ، وَيَعُودُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ أعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ، فَأغْفِرَ لَهُمْ آثَامَهُمْ وَخَطَايَاهُمْ.» فَاستَدْعَى إرْمِيَا بَارُوخَ بْنَ نِيرِيَّا. وَكَتَبَ بَارُوخُ عَلَى المَخطُوطَةِ مَا أملَاهُ عَلَيْهِ إرْمِيَا، أيْ جَمِيعَ كَلَامِ اللهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إلَى إرْمِيَا. وَأمَرَ إرْمِيَا بَارُوخَ فَقَالَ: «أنَا مَسجُونٌ هُنَا، وَقَدْ مُنِعْتُ مِنَ الذَّهَابِ إلَى بَيْتِ اللهِ . اذْهَبْ أنْتَ بِالكِتَابِ الَّذِي كَتَبْتَ فِيهِ جَمِيعَ كَلَامِ اللهِ بِحَسَبِ مَا أملَيتُ عَلَيْكَ، وَاقرأْهُ عَلَى مَسَامِعِ النَّاسِ فِي بَيْتِ اللهِ فِي يَوْمِ الصَّومِ. اقرأْهُ أمَامَ جَمِيعِ بَنِي يَهُوذَا الآتِينَ مِنْ مُدُنِهِمْ. فَلَعَلَّ استِرحَامَهُمْ يُرفَعُ أمَامَ اللهِ ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ مُمَارَسَاتِهِ الشِّرِّيرَةِ. لِأنَّ غَضَبَ اللهِ وَسَخَطَهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ عَظِيمٌ.» فَعَمِلَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا بِكُلِّ مَا أوصَاهُ إرْمِيَا النَّبِيُّ، فَقَرَأ كِتَابَ كَلَامِ اللهِ فِي بَيْتِ اللهِ . وَفِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ مِنَ السَّنَةِ الخَامِسَةِ مِنْ مُلكِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، نُودِيَ بِصَومٍ عَلَى سُكَّانِ مَدِينَةِ القُدْسِ، وَكُلِّ الآتِينَ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ إلَى مَحضَرِ اللهِ . فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، قَرَأ بَارُوخُ المَخطُوطَةَ الَّتِي احْتَوَتْ كَلَامَ إرْمِيَا فِي بَيْتِ اللهِ . قَرَأ بَارُوخُ المَخطُوطَةَ فِي مَسَامِعِ كُلِّ الشَّعْبِ مِنْ غُرْفَةِ جَمَرْيَا بِنِ شَافَانَ الكَاتِبِ، فِي السَّاحَةِ العُلْوِيَّةِ عِنْدَ بَوَّابَةِ بَيْتِ اللهِ . وَسَمِعَ مِيخَا بْنُ جَمَرْيَا بْنِ شَافَانَ جَمِيعَ كَلَامِ اللهِ الَّذِي عَلَى المَخطُوطَةِ. وَنَزَلَ إلَى بَيْتِ المَلِكِ إلَى غُرفَةِ الكَاتِبِ، وَكَانَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ جَالِسِينَ هُنَاكَ: ألِيشَامَاعُ الكَاتِبُ وَدَلَايَا بْنُ شِمْعِيَا وَألنَاثَانُ بْنُ عَكبُورَ وَجَمَرْيَا بْنُ شَافَانَ وَصِدْقِيَّا بْنُ حَنَنِيَّا، كُلُّ الرُّؤَسَاءِ. فَأخبَرَهُمْ مِيخَا بِكُلِّ الكَلَامِ الَّذِي سَمِعَهُ عِنْدَمَا قَرَأ بَارُوخُ الكِتَابَ لِلشَّعْبِ. فَأرْسَلَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ يَهُودِيَ بْنَ نَثَنْيَا بْنِ شَلَمْيَا بْنِ كُوشِي إلَى بَارُوخَ يَقُولُ لَهُ: «أحضِرِ اللّفِيفَةَ الَّتِي كُنْتَ تَقْرَأُهُا عَلَى الشَّعْبِ، وَتَعَالَ إلَى هُنَا.» فَأخَذَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا المَخطُوطَةَ وَذَهَبَ إلَيْهِمْ. فَقَالُوا لَهُ: «اجلِسْ وَاقرَأ عَلَيْنَا.» فَقَرَأهَا بَارُوخُ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا سَمِعُوا الكَلَامَ، نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ بِخَوفٍ، وَقَالُوا لِبَارُوخَ: «لَا بُدَّ أنْ نُخبِرَ المَلِكَ بِكُلِّ هَذَا الكَلَامِ.» حِينَئِذٍ، سَألُوا بَارُوخَ: «أخبِرْنَا كَيْفَ كَتَبْتَ هَذَا الكَلَامَ. أكَانَ يُملِيهِ عَلَيْكَ؟» فَقَالَ بَارُوخُ لَهُمْ: «أملَاهُ عَلَيَّ وَأنَا أكتُبُ كُلَّ هَذَا الكَلَامِ عَلَى لَفِيفَةِ الكِتَابِ.» وَقَالَ الرُّؤَسَاءُ لِبَارُوخَ: «اذْهَبْ وَاختَبِئْ أنْتَ وَإرْمِيَا، وَلَا تَدَعَا أحَدًا يَعْرِفْ مَكَانَكُمَا.» بَعْدَ ذَلِكَ، ذَهَبُوا إلَى المَلِكِ فِي قَاعَةِ القَصرِ، وَكَانُوا قَدْ وَضَعُوا الكِتَابَ فِي غُرفَةِ ألِيشَامَاعَ الكَاتِبِ. وَأخبَرُوا المَلِكَ بِكُلِّ الكَلَامِ الَّذِي قِيلَ. فَأرْسَلَ المَلِكُ يَهُودِيَ لِيُحضِرَ الكِتَابَ، فَأخَذَهُ مِنْ غُرفَةِ ألِيشَامَاعَ الكَاتِبِ. وَقَرَأهُ يَهُودِيُ لِلمَلِكِ وَلِكُلِّ الرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ كَانُوا وَاقِفِينَ فِي حَضْرَةِ المَلِكِ. وَقَدْ كَانَ جَالِسًا فِي بَيْتِ الشِّتَاءِ الَّذِي لَهُ، فِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ مِنَ السَّنَةِ، وَكَانَ مَوقِدُ النَّارِ أمَامَهُ مُشتَعِلًا. وَكَانَ كُلَّمَا قَرَأ يَهُودِيُ ثَلَاثَةَ أعمِدَةٍ أوْ أرْبَعَةً مِنَ الكِتَابِ، يَشُقُّ المَلِكُ ذَلِكَ الجُزءَ بِشَفْرَةٍ صَغِيرَةٍ وَيُلْقِيهِ إلَى النَّارِ المُشْتَعِلَةِ الَّتِي فِي المَوقِدِ، حَتَّى احتَرَقَ الكِتَابُ بِأكمَلِهِ فِي المَوقِدِ. وَلَمْ يَخَفِ المَلِكُ وَكُلُّ خُدَّامِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَمِعُونَ إلَى هَذَا الكَلَامِ، وَلَمْ يُمَزِّقُوا ثِيَابَهُمْ. وَمَعَ أنَّ ألْنَاثَانَ وَدَلَايَا وَجَمَرْيَا، تَوَسَّلُوا إلَى المَلِكِ كَي لَا يُحْرِقَ المَخطُوطَةَ، إلَّا أنَّهُ لَمْ يَسْتَمِعْ إلَيْهِمْ. بَلْ أمَرَ المَلِكُ يَرْحَمْئِيلَ ابْنَ المَلِكِ، وَسَرَايَا بْنَ عَزَرْئِيلَ، وَشَلَمْيَا بْنَ عَبدِيئِيلَ بِأنْ يَقْبِضُوا عَلَى بَارُوخَ الكَاتِبِ وَإرمِيَا النَّبِيِّ، وَلَكِنَّ اللهَ خَبَّأهُمَا. وَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا بَعْدَ أنْ أحرَقَ المَلِكُ الكِتَابَ وَالكَلَامَ الَّذِي كَانَ بَارُوخُ قَدْ كَتَبَهُ بِإملَاءِ إرْمِيَا لَهُ، فَقَالَ: «اذْهَبْ وَأحضِرْ لَفِيفَةَ كِتَابٍ أُخْرَى، وَاكتُبْ عَلَيْهَا كُلَّ الكَلَامِ الَّذِي كَتَبْتَهُ فِي المَرَّةِ الأُولَى، وَالَّذِي كَانَ عَلَى المَخطُوطَةِ الأُولَى الَّتِي أحرَقَهَا يَهُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا. «وَقُلْ لِيَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : أنْتَ أحرَقْتَ هَذَا الكِتَابَ وَقُلْتَ: لِمَاذَا كَتَبْتَ عَلَيْهِ أنَّ مَلِكَ بَابِلَ سَيَأْتِي وَيُدَمِّرُ هَذِهِ الأرْضَ، وَيَقْضِي عَلَى النَّاسَ وَالحَيَوَانَاتِ؟ لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ عَنْ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: لَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ نَسْلِهِ مَنْ يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ. سَتُطرَحُ جُثَّتُهُ خَارِجًا، لِلحَرِّ فِي النَّهَارِ وَلِلبَردِ فِي اللَّيلِ. سَأُعَاقِبُهُ هُوَ وَنَسْلَهُ وَخُدَّامَهُ بِسَبَبِ إثمِهِمْ، وَسَأجْلِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى سُكَّانِ القُدْسِ وَرِجَالَ يَهُوذَا كُلَّ المَعَانَاةِ الَّتِي أعلَنْتُهَا عَلَيْهِمْ وَتَجَاهَلُوهَا.›» وَأخَذَ إرْمِيَا لَفِيفَةَ كِتَابِ آخَرَ وَأعْطَاهَا إلَى بَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا الكَاتِبِ الَّذِي كَتَبَ عَلَيْهَا كَمَا أملَى عَلَيْهِ إرْمِيَا، كُلَّ كَلَامِ المَخطُوطَةِ الَّتِي أحرَقَهَا يَهُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا فِي النَّارِ، كَمَا أضَافَ إلَيْهِ كَلَامًا كَثِيرًا مِثْلَهُ. وَمَلَكَ المَلِكُ صِدْقِيَّا بْنُ يُوشِيَّا مَكَانَ كُنْيَاهُو بْنِ يَهُويَاقِيمَ. وَهُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكًا فِي أرْضِ يَهُوذَا. وَلَمْ يَسْتَمِعْ هُوَ وَخُدَّامُهُ وَشَعْبُ الأرْضِ لِكَلَامِ اللهِ الَّذِي قَالَهُ عَلَى فَمِ إرْمِيَا النَّبِيِّ. وَأرْسَلَ المَلِكُ صِدْقِيَّا يَهُوخَلَ بْنَ شَلَمْيَا وَصَفَنْيَا بْنَ مَعَسِيَّا الكَاهِنِ إلَى إرْمِيَا النَّبِيِّ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ: «صَلِّ لِأجْلِنَا إلَى .» وَكَانَ إرْمِيَا يَتَحَرَّكُ بِحُرِّيَّةٍ وَسطَ الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، إذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ وُضِعَ فِي السِّجْنِ بَعْدُ. وَكَانَ جَيْشُ فِرعَوْنَ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِصْرٍ، وَالبَابِلِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا يُحَاصِرُونَ مَدِينَةَ القُدْسِ قَدْ سَمِعُوا بِمَا عَمِلَهُ جَيْشُ فِرعَوْنَ، وَلِذَا تَرَكُوا مَوقِعَهُمْ عِنْدَ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا النَّبِيِّ فَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: هَذَا مَا تَقُولَانِهِ – يَا يَهُوخَلُ وَصَفَنْيَا – إلَى مَلِكِ يَهُوذَا: ‹جَيْشُ فِرعَوْنَ الَّذِي خَرَجَ لِيُسَاعِدَكَ سَيَعُودُ إلَى أرْضِهِ مِصْرٍ. وَالبَابِلِيُّونَ سَيَرْجِعُونَ وَيُحَارِبُونَ هَذِهِ المَدِينَةَ. سَيَسْتَوْلُونَ عَلَيْهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ.› هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹لَا تَخْدَعُوا أنْفُسَكُمْ فَتَقُولُوا: سَيَرْحَلُ البَابِلِيُّونَ بِلَا شَكٍّ، لِأنَّهُمْ لَنْ يَرْحَلُوا. وَحَتَّى لَوْ ضَرَبُوا كُلَّ جَيْشِ البَابِلِيِّينَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَكُمْ، فَلَمْ يَبْقَ سِوَى رِجَالٍ جَرحَى فِي خَيَامِهِمْ، فَإنَّهُمْ سَيَقُومُونَ وَيُحْرِقُونَ هَذِهِ المَدِينَةَ.›» وَعِنْدَمَا تَرَكَ جَيْشُ البَابِلِيِّينَ مَوقِعَهُ عِنْدَ مَدِينَةِ القُدْسِ بِسَبَبِ اقتِرَابِ جَيْشِ فِرعَوْنَ، أرَادَ إرْمِيَا الخُرُوجَ مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ إلَى أرْضِ بَنْيَامِينَ، لِيَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنَ الأرْضِ مَعَ بَاقِي الشَّعْبِ هُنَاكَ. وَعِنْدَمَا جَاءَ إلَى بَوَّابَةِ بَنْيَامِينَ كَانَ هُنَاكَ حَارِسٌ يُدْعَى يَرْئِيَّا بْنَ شَلَمْيَا بْنِ حَنَنِيَّا. قَبَضَ هَذَا عَلَى إرْمِيَا النَّبِيِّ، فَقَالَ: «أنْتَ تُرِيدُ الِانْضِمَامَ إلَى البَابِلِيِّينَ!» فَقَالَ إرْمِيَا لِيَرْئِيَّا: «هَذَا كَذِبٌ، فَأنَا لَنْ أنضَمَّ إلَى البَابِلِيِّينَ.» وَلَكِنَّ يَرْئِيَّا لَمْ يَسْمَعْ لَهُ. وَلِذَا قَبَضَ يَرْئِيَّا عَلَى إرْمِيَا وَأحضَرَهُ إلَى الرُّؤَسَاءِ. فَغَضِبَ الرُّؤَسَاءُ عَلَى إرْمِيَا وَضَرَبُوهُ وَحَبَسُوهُ فِي بَيْتِ يُونَاثَانَ الكَاتِبِ، لِأنَّهُمْ كَانُوا قَدْ حَوَّلُوا بَيْتَهُ إلَى سِجنٍ. وَلَمَّا أتَى إرْمِيَا إلَى الزَّنَازِينِ، بَقِيَ هُنَاكَ أيَّامًا كَثِيرَةً. وَأرْسَلَ المَلِكُ صِدْقِيَّا وَأحضَرَهُ إلَيْهِ، وَاستَجْوَبَهُ المَلِكُ فِي بَيْتِ المَلِكِ سِرًّا، فَقَالَ: «هَلْ هُنَاكَ كَلِمَةٌ مِنَ اللهِ ؟» فَأجَابَ إرْمِيَا: «نَعَمْ، هُنَاكَ كَلِمَةٌ: سَتُسَلَّمُ إلَى يَدِ مَلِكِ بَابِلَ.» ثُمَّ قَالَ إرْمِيَا لِلمَلِكِ صِدْقِيَّا: «بِمَاذَا أخْطَأتُ إلَيْكَ أوْ إلَى خُدَّامِكَ أوْ إلَى هَذَا الشَّعْبِ حَتَّى وَضَعتُمُونِي فِي السِّجْنِ؟ وَأينَ أنبِيَاؤُكُمُ الَّذِينَ تَنَبَّأُوا لَكُمْ وَقَالُوا: ‹لَنْ يَأْتِيَ مَلِكُ بَابِلَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى هَذِهِ الأرْضِ؟› وَالْآنَ يَا سَيِّدِي المَلِكَ، تَكَرَّمْ وَاسمَعْ طَلَبِي. أرْجُوكَ، لَا تُعِدْنِي إلَى بَيْتِ يُونَاثَانَ الكَاتِبِ، فَإنِّي سَأمُوتُ هُنَاكَ.» فَأمَرَ المَلِكُ بِوَضعِ إرْمِيَا فِي سَاحَةِ السِّجْنِ. وَأمَرَ بِأنْ يُعْطَى رَغِيفَ خُبْزٍ يَوْمِيًّا مِنْ شَارِعِ الخَبَّازِينَ، حَتَّى لَمْ يَتَبَقَّ خُبْزٌ فِي المَدِينَةِ. وَمَكَثَ إرْمِيَا فِي سَاحَةِ السِّجْنِ. وَشَفَطْيَا بْنُ مَتَّانَ وَجَدَلْيَا بْنُ فَشحُورَ وَيُوخَلُ بْنُ شَلَمْيَا وَفَشحُورُ بْنُ مَلْكِيَّا سَمِعُوا الكَلَامَ الَّذِي كَانَ إرْمِيَا يَقُولُهُ لِكُلِّ الشَّعْبِ، إذْ قَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹الَّذِي يَبْقَى فِي هَذِهِ المَدِينَةِ سَيَمُوتُ فِي المَعْرَكَةِ أوْ مِنَ الجُوعِ أوِ الوَبَاءِ، وَأمَّا الَّذِي يَخْرُجُ إلَى البَابِلِيِّينَ فَسَيَحيَا، إذْ سَتَكُونُ حَيَاتُهُ لَهُ كَغَنِيمَةٍ، وَسَيَحيَا. فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : هَذِهِ المَدِينَةُ سَتُسَلَّمُ إلَى يَدِ جَيْشِ مَلِكِ بَابِلَ وَسَيَسْتَوْلُونَ عَلَيْهَا.›» ثُمَّ قَالَ الرُّؤَسَاءُ لِلمَلِكِ: «هَذَا الرَّجُلُ يَنْبَغِي أنْ يُعدَمَ، لِأنَّهُ يُثَبِّطُ عَزِيمَةَ الجُنُودِ البَاقِينَ فِي المَدِينَةِ، وَعَزِيمَةَ جَمِيعِ الشَّعْبِ، بِقَولِهِ مِثْلَ هَذِهِ الأُمُورِ لَهُمْ. هَذَا الرَّجُلُ لَا يَسْعَى إلَى سَلَامِ الشَّعْبِ، بَلْ إلَى ضَرَرِهِ.» فَقَالَ المَلِكُ صِدْقِيَّا: «اعمَلُوا بِهِ مَا تُرِيدُونَ، فَالمَلِكُ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَمْنَعَكُمْ.» فَأخَذُوا إرْمِيَا وَألقَوْهُ فِي بِئْرِ مَلْكِيَّا ابنِ المَلِكِ الَّذِي كَانَ فِي سَاحَةِ السِّجْنِ. فَأنزَلُوا إرْمِيَا بِحِبَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي البِئْرِ مَاءٌ، بَلْ وَحلٌ فَقَطْ. فَغَاصَ إرْمِيَا فِي الوَحلِ. وَسَمِعَ عَبدُ مَلِكُ الكُوشِيُّ – وَهُوَ مِنْ عَبِيدِ القَصرِ – بِأنَّ إرْمِيَا قَدْ أُلقِيَ فِي البِئْرِ. وَكَانَ المَلِكُ جَالِسًا عِنْدَ بَوَّابَةِ بَنْيَامِينَ، فَذَهَبَ عَبدُ مَلِكُ مِنَ القَصرِ وَتَكَلَّمَ إلَى المَلِكِ وَقَالَ: «مَوْلَايَ المَلِكُ، هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ صَنَعُوا شَرًّا فِي كُلِّ مَا عَمِلُوهُ بِإرْمِيَا النَّبِيِّ. فَقَدْ أخطَأُوا بِإلقَائِهِ فِي البِئْرِ. سَيَمُوتُ هُنَاكَ لِأنَّهُ لَا يُوجَدُ طَعَامٌ فِي المَدِينَةِ.» فَأمَرَ المَلِكُ عَبْدَ مَلِكَ الكُوشِيَّ: «خُذْ ثَلَاثَةَ رِجَالٍ تَحْتَ إمرَتِكَ، وَأصعِدْ إرْمِيَا النَّبِيَّ قَبْلَ أنْ يَمُوتَ.» فَأخَذَ عَبدُ مَلِكُ الرِّجَالَ تَحْتَ إمرَتِهِ وَجَاءَ إلَى القَصرِ أسفَلَ المَخزَنِ، وَأخَذَ مِنْ هُنَاكَ بَعْضَ الثِّيَابِ الرَّثَّةِ وَالبَالِيَةِ، وَأنزَلَهَا إلَى إرْمِيَا بِالحِبَالِ. وَقَالَ عَبدُ مَلِكُ الكُوشِيُّ لِإرْمِيَا: «ضَعِ الثِّيَابَ الرَّثَّةَ وَالبَالِيَةَ تَحْتَ إبِطَيكَ، بَيْنَ الحِبَالِ وَجِلْدِكَ.» فَفَعَلَ إرْمِيَا كَمَا قَالَ لَهُ. ثُمَّ سَحَبُوا إرْمِيَا بِالحِبَالِ وَأخرَجُوهُ مِنَ البِئْرِ. وَبَقِيَ إرْمِيَا فِي سَاحَةِ السِّجْنِ. وَأرْسَلَ المَلِكُ صِدْقِيَّا فَأحضَرَ إرْمِيَا النَّبِيَّ إلَيْهِ. وَقَابَلَهُ عِنْدَ البَوَّابَةِ الثَّالِثَةِ فِي هَيْكَلِ اللهِ . وَقَالَ المَلِكُ لِإرْمِيَا: «سَأسألُكَ عَنْ أمرٍ، فَلَا تُخفِ عَنِّي شَيْئًا.» فَقَالَ إرْمِيَا لِصِدْقِيَّا: «ألَنْ تَقْتُلَنِي إذَا أخبَرْتُكَ؟ وَإنْ أعْطَيتُكَ نَصِيحَةً فَهَلْ تَسْتَمِعُ إلَيَّ؟» فَأقسَمَ المَلِكُ لِإرْمِيَا بِالسِّرِّ وَقَالَ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ الَّذِي صَنَعَنَا وَأعطَانَا حَيَاةً، لَنْ أقتُلَكَ، وَلَنْ أُسَلِّمَكَ إلَى يَدِ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ إلَى قَتلِكَ.» حِينَئِذٍ، قَالَ إرْمِيَا لِصِدْقِيَّا: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ القَدِيرِ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹إنْ خَرَجْتَ إلَى قَادَةِ مَلِكِ بَابِلَ فَإنَّكَ سَتَحيَا، وَلَنْ تُحرَقَ هَذِهِ المَدِينَةُ بِالنَّارِ، وَسَتَحيَا أنْتَ وَأهْلُ بَيْتِكَ. لَكِنْ إنْ لَمْ تَخْرُجْ إلَى قَادَةِ مَلِكِ بَابِلَ فَإنَّ هَذِهِ المَدِينَةَ سَتُسَلَّمُ إلَى أيَدِي البَابِلِيِّينَ الَّذِينَ سَيُحْرِقُونَهَا، أمَّا أنْتَ فَلَنْ تَنْجُوَ مِنْ يَدِهِمْ.›» فَقَالَ المَلِكُ صِدْقِيَّا لِإرْمِيَا: «أنَا خَائِفٌ مِنَ اليَهُودِ الَّذِينَ هَرَبُوا إلَى البَابِلِيِّينَ. فَهُمْ سَيُسَلِّمُونَنِي إلَيْهِمْ لِيَسْتَهْزِئُوا بِي.» فَقَالَ إرْمِيَا: «لَنْ يَحْدُثَ هَذَا. أطِعْ كَلِمَةَ اللهِ الَّتِي جَاءَتْ إلَيْكَ وَالَّتِي أنَا أتَكَلَّمُ بِهَا إلَيْكَ. حِينَئِذٍ، سَتَكُونُ الأُمُورُ لِخَيرِكَ، وَأنْتَ سَتَحيَا. لَكِنْ إنْ رَفَضْتَ أنْ تَخْرُجَ إلَى البَابِلِيِّينَ فَإنَّ هَذَا مَا أظْهَرَهُ اللهُ لِي: كُلُّ النِّسَاءِ البَاقِيَاتِ فِي بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا سَيُقَدْنَ إلَى قَادَةِ مَلِكِ بَابِلَ، وَسَيَقُلْنَ: ‹حُلَفَاؤُكَ خَانُوكَ وَغَلَبُوكَ. غَاصَتْ رِجلَاكَ فِي الوَحلِ، وَقَدْ تَرَكُوكَ.› «كُلُّ نِسَائِكَ وَأوْلَادِكَ سَيُخرَجُونَ إلَى البَابِلِيِّينَ، وَأنْتَ لَنْ تَنْجُوَ مِنْ يَدِهِمْ، لِأنَّ مَلِكَ بَابِلَ سَيَقْبِضُ عَلَيْكَ، وَهَذِهِ المَدِينَةُ سَتُحرَقُ بِالنَّارِ.» حِينَئِذٍ، قَالَ صِدْقِيَّا لِإرْمِيَا: «إنْ كُنْتَ لَا تُخبِرُ أحَدًا عَنْ هَذَا النِّقَاشِ فَإنَّكَ لَنْ تَمُوتَ. وَإنْ سَمِعَ الرُّؤَسَاءُ بِأنِّي تَكَلَّمْتُ مَعَكَ وَأتَوْا إلَيْكَ وَقَالُوا لَكَ: ‹أخبِرْنَا بِمَا قُلْتَهُ لِلمَلِكِ، وَإنْ كُنْتَ لَا تُخفِي شَيْئًا عَنَّا فَإنَّكَ لَنْ تَمُوتَ. وَمَاذَا قَالَ المَلِكُ لَكَ؟› فَحِينَئِذٍ، قُلْ لَهُمْ: ‹كُنْتُ أتَرَجَّى المَلِكَ بِأنْ لَا يُرجِعَنِي إلَى بَيْتِ يُونَاثَانَ لِأمُوتَ هُنَاكَ.›» وَجَاءَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ إلَى إرْمِيَا وَسَألُوهُ، فَأجَابَهُمْ كَمَا قَالَ لَهُ المَلِكُ. وَلِذَا تَوَقَّفُوا عَنْ مُضَايَقَتِهِ لِأنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا النِّقَاشَ الَّذِي دَارَ بَيْنَهُمَا. وَبَقِيَ إرْمِيَا فِي سَاحَةِ السِّجْنِ إلَى اليَوْمِ الَّذِي استَوْلَى فِيهِ البَابِلِيُّونَ عَلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. فِي الشَّهْرِ العَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ حُكْمِ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، جَاءَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ مَعَ كُلِّ جَيْشِهِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، وَحَاصَرُوهَا. وَفِي اليَوْمِ التَّاسِعِ مِنَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ مِنَ السَّنَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ صِدْقِيَّا، اختَرَقَ العَدُوُّ أسوَارَ المَدِينَةِ. فَأتَى كُلُّ قَادَةِ مَلِكِ بَابِلَ وَجَلَسُوا عِنْدَ البَوَّابَةِ الوُسطَى. مِنْ بَينِهِمْ نَرجِلُ شَرْاصَّرُ حَاكِمُ إقْلِيمِ سَمجَرَ، وَنِبُو سَرْسَخِيمُ – وَكِلَاهُمَا مَسؤولَانِ بَارِزَانِ، وَغَيرُهُمْ مِنْ قَادَةِ مَلِكِ بَابِلَ. فَلَمَّا رَآهُمُ المَلِكُ صِدْقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا وَكُلُّ المُحَارِبِينَ، هَرَبُوا وَخَرَجُوا مِنَ المَدِينَةِ لَيْلًا عَبْرَ بُستَانِ المَلِكِ، فِي مِنْطَقَةِ بَوَّابَةِ المَلِكِ بَيْنَ السُّورَينِ. وَقَدْ خَرَجُوا مِنَ المَدِينَةِ بَاتِّجَاهِ العَرَبَةِ. فَطَارَدَهُمْ جَيْشُ البَابِلِيِّينَ. فَأمسَكُوا صِدْقِيَّا فِي المَنَاطِقِ الجَردَاءِ حَوْلَ أرِيحَا. فَاقتَادُوهُ وَأحضَرُوهُ إلَى نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ فِي رَبلَةَ فِي أرْضِ حَمَاةَ، حَيْثُ أعْلَنَ مَلِكُ بَابِلَ مَا صَدَرَ عَلَى صِدْقِيَّا مِنْ حُكْمٍ. فَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ أبْنَاءَ صِدْقِيَّا فِي رَبلَةَ أمَامَ عَيْنَيْهِ. كَمَا قَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ جَمِيعَ أشرَافِ يَهُوذَا. ثُمَّ فَقَأَ عَينَي صِدْقِيَّا وَقَيَّدَهُ بِسَلَاسِلَ بُرُونزِيَّةٍ، وَأحضَرَهُ إلَى بَابِلَ. ثُمَّ أحرَقَ البَابِلِيُّونَ بَيْتَ المَلِكِ وَكُلَّ البُيُوتِ بِالنَّارِ، وَهَدَمُوا أسوَارَ مَدِينَةِ القُدْسِ. أمَّا بَقِيَّةُ الشَّعْبِ الَّذِي بَقِيَ فِي المَدِينَةِ وَالَّذِينَ هَرَبُوا إلَى البَابِلِيِّينَ وَبَقِيَّةِ الحِرَفِيِّينَ، فَقَدْ سَبَاهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الحَرَسِ، إلَى بَابِلَ. وَتَرَكَ نَبُوزَرَادَانُ بَعْضَ فُقَرَاءِ الشَّعْبِ، الَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا، فِي أرْضِ يَهُوذَا، وَأعْطَاهُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ حُقُولَا وَكُرُومًا. وَأصدَرَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ أمْرًا بِخُصُوصِ إرْمِيَا إلَى نَبُوزَرَادَانَ رَئِيسِ الحَرَسِ فَقَالَ: «خُذْهُ وَاعتَنِ بِهِ، وَلَا تُؤذِهِ أبَدًا. وَمَهمَا طَلَبَ أعْطِهِ.» وَلِذَا أرْسَلَ نَبُوزَرَادَانُ، رَئِيسُ الحَرَسِ، وَنَبُوشَزْبَانُ الضَّابِطُ المُتَقَدِّمُ فِي جَيْشِ بَابِلَ، وَنَرجِلُ شَرَاصَّرُ المَسؤُولُ البَارِزُ، وَكُلُّ قَادَةِ مَلِكِ بَابِلَ، وَأخَذُوا إرْمِيَا مِنْ سَاحَةِ السِّجْنِ وَأسلَمُوهُ لِجَدَلْيَا بْنِ أخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ، الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أنْ يُحضِرَهُ إلَى بَيْتِهِ. فَسَكَنَ إرْمِيَا فِي وَسَطِ الشَّعْبِ. وَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا بَيْنَمَا كَانَ مَسجُونًا فِي سَاحَةِ السِّجْنِ، فَقَالَ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِعَبْدَ مَلِكَ الكُوشِيِّ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹سَآتِي بِخَرَابٍ لَا بِخَيرٍ عَلَى هَذِهِ المَدِينَةِ، كَمَا قُلْتُ، وَسَيَحْدُثُ هَذَا أمَامَ عَيْنَيْكَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. لَكِنِّي سَأحمِيكَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، يَقُولُ اللهُ ، فَلَنْ تُسَلَّمَ إلَى أيدِي مَنْ تَخَافُ مِنْهُمْ. لِأنِّي سَأُنقِذُكَ إنقَاذًا، فَلَنْ تُقتَلَ فِي المَعْرَكَةِ. وَسَتَكُونُ حَيَاتُكَ غَنِيمَةً لَكَ فِي الحَرْبِ، لِأنَّكَ اتَّكَلْتَ عَلَيَّ.›» يَقُولُ اللهُ . جَاءَتْ هَذِهِ الكَلِمَةُ إلَى إرْمِيَا مِنَ اللهِ ، بَعْدَ أنْ أطلَقَهُ نَبُوزَرَادَانُ، رَئِيسُ الحَرَسِ، وَتَرَكَهُ لِيَذْهَبَ مِنَ الرَّامَةِ. عِنْدَمَا وَجَدَهُ، كَانَ مَربُوطًا بِقُيُودٍ وَسَطَ الَّذِينَ سُبُوا مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ وَيَهُوذَا إلَى بَابِلَ. فَأخَذَ رَئِيسُ الحَرَسِ إرْمِيَا وَقَالَ لَهُ: « جَاءَ بِهَذِهِ الكَارِثَةِ عَلَى هَذَا المَكَانِ. صَنَعَ اللهُ هَذَا وَعَمِلَ كَمَا قَالَ، لِأنَّكُمْ أخطَأتُمْ إلَى اللهِ وَلَمْ تُطِيعُوا صَوْتَهُ. فَحَدَثَ هَذَا لَكُمْ. وَالْآنَ قَدْ أطلَقْتُكَ مِنْ قُيُودِكَ الَّتِي عَلَى يَدَيْكَ. فَإنْ أرَدْتَ أنْ تَأْتِيَ مَعِي إلَى بَابِلَ، تَعَالَ، وَأنَا سَأهتَمُّ بِكَ. وَلَكِنْ إنْ لَمْ تَسْتَحْسِنْ أنْ تَأْتِيَ مَعِي إلَى بَابِلَ، فَلَا تَأْتِ. كُلُّ الأرْضِ أمَامَكَ، فَاذهَبْ حَيْثُ تُحِبُّ وَتَسْتَحْسِنُ. وَإنْ أرَدْتَ، فَارْجِعْ إلَى جَدَلْيَا بْنِ أخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ الَّذِي عَيَّنَهُ مَلِكُ بَابِلَ كَمُشرِفٍ عَلَى مُدُنِ يَهُوذَا، وَابقَ هُنَاكَ مَعَهُ وَسَطَ الشَّعْبِ، أوِ اذْهَبْ إلَى أيِّ مَكَانٍ تَرَاهُ مُنَاسِبًا لَكَ.» وَأعْطَاهُ رَئِيسُ الحَرَسِ زَادًا وَهَدِيَّةً وَأرسَلَهُ. وَأتَى إرْمِيَا إلَى جَدَلْيَا بْنِ أخِيقَامَ فِي المِصْفَاةِ، وَبَقِيَ مَعَهُ وَسَطَ الشَّعْبِ الَّذِي بَقِيَ فِي الأرْضِ. وَسَمِعَ كُلُّ قَادَةِ الجُيُوشِ الَّذِينَ كَانُوا فِي الحَقْلِ وَرِجَالُهُمْ أنَّ مَلِكَ بَابِلَ عَيَّنَ جَدَلْيَا بْنَ أخِيقَامَ حَاكِمًا فِي الأرْضِ، وَأنَّهُ جَعَلَهُ مَسؤُولًا عَنِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالأطْفَالِ، مِنْ فُقَرَاءِ الأرْضِ الَّذِينَ لَمْ يُسبَوْا إلَى بَابِلَ. وَأتَى الرِّجَالُ التَّالِيَةُ أسمَاؤُهُمْ إلَى جَدَلْيَا فِي المِصْفَاةِ: إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا وَيُوحَانَانُ وَيُونَاثَانُ ابنَا قَارِيحَ، وَسَرَايَا بْنُ تَنْحُومَثَ، وَأبْنَاءُ عُوفَايَ النَّطُوفَاتِيِّ، وَيَزَنْيَا بْنُ المَعكِيِّ. أتَى هَؤُلَاءِ مَعَ رِجَالِهِمْ إلَى جَدَلْيَا فِي المِصْفَاةِ. وَأقسَمَ جَدَلْيَا بْنُ أخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ لَهُمْ وَلِرِجَالِهِمْ فَقَالَ: «لَا تَخَافُوا مِنْ أنْ تَخْدِمُوا البَابِلِيِّينَ. فَاسكُنُوا وَاخدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ. حِينَئِذٍ، سَتَكُونُونَ بِخَيرٍ. أمَّا أنَا فَسَأبقَى فِي المِصْفَاةِ لِأُمَثِّلَكُمْ أمَامَ البَابِلِيِّينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ إلَينَا. أمَّا أنْتُمْ فَاجمَعُوا نَبِيذَكُمْ وَثِمَارَكُمْ وَزَيْتَكُمْ وَضَعُوهَا فِي آنِيَتِكُمْ. وَاسكُنُوا فِي مُدُنِكُمُ الَّتِي أخَذْتُمُوهَا.» وَسَمِعَ كُلُّ اليَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا فِي مُوآبَ وَوَسَطَ العَمُّونِيِّينَ وَفِي أدُومَ، وَفِي كُلِّ الأمَاكِنِ الأُخرَى، بِأنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدْ أبقَى عَلَى بَعْضِ شَعْبِ يَهُوذَا، وَأنَّهُ قَدْ عَيَّنَ جَدَلْيَا بْنَ أخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ مُشرِفًا عَلَيْهِمْ. فَرَجِعَ كُلُّ اليَهُودِ مِنْ كُلِّ الأمَاكِنِ الَّتِي كَانُوا قَدْ طُرِدُوا إلَيْهَا، وَأتَوْا إلَى أرْضِ يَهُوذَا، إلَى جَدَلْيَا، فِي المِصْفَاةِ. وَجَمَعُوا الكَثِيرَ مِنَ النَّبِيذِ وَالفَاكِهَةِ. وَأتَى يُوحَانَانُ وَكُلُّ قَادَةِ الجُيُوشِ، الَّذِينَ فِي الحُقُولِ، إلَى جَدَلْيَا فِي المصفَاةِ، وَقَالُوا لَهُ: «هَلْ تَعْرِفُ أنَّ بَعلِيسَ مَلِكَ العَمُّونِيِّينَ قَدْ أرْسَلَ إسمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا لِيَقْتُلَكَ؟» وَلَكِنَّ جَدَلْيَا بْنَ أخِيقَامَ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ. ثُمَّ أتَى يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ سِرًّا إلَى جَدَلْيَا فِي المِصْفَاةِ، وَقَالَ لَهُ: «دَعْنِي أذهَبْ فَأقتُلَ إسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا. وَلَنْ يَعْرِفَ أحَدٌ بِهَذَا. فَلِمَاذَا نَتْرُكُهُ فَيَقْتُلَكَ؟ وَإنْ قَتَلَكَ، سَيَتَشَتَّتُ بَنُو يَهُوذَا الَّذِينَ اجتَمَعُوا حَوْلَكَ. وَقَدْ تَهْلِكُ بَقِيَّةُ يَهُوذَا.» وَلَكِنَّ جَدَليَا بْنَ أخِيقَامَ قَالَ لِيُوحَانَانَ بْنَ قَارِيحَ: «لَا تَعْمَلْ هَذَا الأمْرَ، لِأنَّ مَا تَقُولُهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ كَذِبٌ.» فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ أتَى إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا بْنُ ألِيشَامَاعَ إلَى جَدَلْيَا بْنِ أخِيقَامَ فِي المِصْفَاةِ. وَإسْمَاعِيلُ هَذَا مِنَ الأُسرَةِ المَلَكِيَّةِ وَأحَدُ قَادَةِ المَلِكِ. وَقَدْ أتَى مَعَ عَشْرَةِ رِجَالٍ، وَأكَلُوا مَعَ جَدَلْيَا فِي المِصْفَاةِ. ثُمَّ قَامَ إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا وَالرِّجَالُ العَشْرَةُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، وَاغتَالُوا جَدَلْيَا بْنَ أخِيقَامَ، وَهُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ مَلِكُ بَابِلَ مُشرِفًا فِي الأرْضِ. وَقَتَلَ إسْمَاعِيلُ جَمِيعَ اليَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ جَدَلْيَا فِي المِصْفَاةِ، وَكَذَلِكَ الجُنُودَ البَابِلِيِّينَ الَّذِينَ وَجَدَهُمْ هُنَاكَ. فِي اليَوْمِ التَّالِي لَاغتِيَالِ جَدَلْيَا، لَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَعْرِفُ أنَّ هَذَا قَدْ حَدَثَ. وَأتَى بَعْضُ الرِّجَالِ مِنْ شَكِيمَ وَشِيلُوهَ وَالسَّامِرَةِ. كَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا قَدْ حَلَقُوا لِحَاهُمْ وَمَزَّقُوا ثِيَابَهُمْ وَجَرَّحُوا أنْفُسَهُمْ. وَكَانُوا يَحْمِلُونَ تَقْدِمَةَ قَمْحٍ وَبَخُورٍ لِيُقَدِّمُوهَا فِي هَيْكَلِ اللهِ . وَخَرَجَ إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا مِنَ المِصْفَاةِ لِيَلْتَقِيَ بِهِمْ. وَكَانَ يَبْكِي فِي طَريقِهِ إلَيْهِمْ. وَعِنْدَمَا التَقَى بِهِمْ قَالَ: «تَعَالَوْا إلَى جَدَلْيَا بْنِ أخِيقَامَ.» وَعِنْدَمَا جَاءُوا إلَى وَسَطِ المَدِينَةِ، قَتَلَهُمْ إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا وَالرِّجَالُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، وَألقَوْهُمْ فِي بِئْرٍ. لَكِنْ كَانَ هُنَاكَ عَشْرَةُ رِجَالٍ مِنْهُمْ قَالُوا لِإسْمَاعِيلَ: «لَا تَقْتُلْنَا لِأنَّ لَدَيْنَا قَمْحًا وَشَعِيرًا وَزَيْتًا وَعَسَلًا مُخَبَّأةً فِي الحَقْلِ.» فَكَفَّ عَنْ قَتلِهِمْ مَعَ رِفَاقِهِمْ. أمَّا البِئْرُ الَّتِي طَرَحَ فِيهَا جُثَثَ الرِّجَالِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ مُتَظَاهِرًا بِأنَّهُ صَدِيقُ جَدَلْيَا، فَكَانَ هُوَ البِئْرَ الكَبِيرَ الَّذِي حَفَرَهُ المَلِكُ آسَا عِنْدَمَا هَاجَمَهُ بَعْشَا، مَلِكُ إسْرَائِيلَ. فَقَدْ مَلأهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا بِجُثَثِ القَتلَى. وَأسَرَ إسْمَاعِيلُ بَاقِيَ الشَّعْبِ الَّذِي كَانَ فِي المِصْفَاةِ، بَنَاتِ المَلِكِ وَكُلَّ الشَّعْبِ الَّذِي بَقِيَ فِي المِصْفَاةِ. وَكَانَ نَبُوزَرَادَانُ – قَائِدُ حَرَسِ المَلِكِ – قَدْ وَضَعَهُمْ تَحْتَ حِمَايَةِ جَدَلْيَا بْنِ أخِيقَامَ. فَأسَرَهُمْ إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا وَاستَعَدَّ للذَّهَابِ إلَى بِلَادِ العَمُّونِيِّينَ. وَسَمِعَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ قَادَةِ الجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ عَنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي عَمِلَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا. فَأخَذُوا كُلَّ رِجَالِهِمْ وَذَهَبُوا لِيُحَارِبُوا إسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا، وَوَجَدُوهُ عِنْدَ البِركَةِ الكَبِيرَةِ فِي جِبعُونَ. وَعِنْدَمَا رَأى كُلُّ الشَّعْبِ المَسبِيِّ الَّذِي كَانَ مَعَ إسْمَاعِيلَ – يُوحَانَانَ بْنَ قَارِيحَ وَكُلَّ قَادَةِ الجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَرِحُوا. وَعَادَ كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي أسَرَهُ إسْمَاعِيلُ فِي المِصْفَاةِ إلَى يُوحَانَانَ بْنِ قَارِيحَ. أمَّا إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا فَهَرَبَ مَعَ ثَمَانِيةٍ مِنْ رِجَالِهِ مِنْ يُوحَانَانَ، وَذَهَبَ إلَى العَمُّونِيِّينَ. وَأخَذَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ قَادَةِ الجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ كُلَّ بَقِيَّةِ النَّاسِ الَّذِينَ أخَذَهُمْ إسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا مِنَ المِصْفَاةِ، بَعْدَ أنْ قَتَلَ جَدَلْيَا بْنَ أخِيقَامَ. وَكَانَ الَّذِينَ أرجَعَهُمْ يُوحَانَانُ مِنْ جِبعُونَ رِجَالًا وَجُنُودًا وَنِسَاءً وَأطْفَالًا وَخِصيَانًا. وَذَهَبُوا وَأقَامُوا فِي جَيرُوتَ كِمْهَامَ الَّتِي تَقَعُ قُرْبَ بَيْتِ لَحْمٍ، وَفِي نِيَّتِهِمْ أنْ يَذْهَبُوا إلَى مِصْرٍ، لِخَوفِهِمْ مِنَ البَابِلِيِّينَ، لِأنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا كَانَ قَدْ قَتَلَ جَدَلْيَا بْنَ أخِيقَامَ الَّذِي عَيَّنَهُ مَلِكُ بَابِلَ مُشرِفًا فِي الأرْضِ. وَأتَى كُلُّ قَادَةِ الجَيْشِ مَعَ يُوحَانَانَ بْنِ قَارِيحَ وَعَزَرْيَا بْنِ هُوشَعْيَا، وَكُلُّ الشَّعْبِ كِبَارًا وَصِغَارًا، وَقَالُوا لِإرْمِيَا النَّبِيِّ: «لَيتَكَ تَسْمَعُ تَضَرُّعَنَا، وَتُصَلِّي لِأجْلِنَا وَلأجْلِ كُلِّ هَذِهِ البَقِيَّةِ إلَى . فَالبَاقُونَ مِنَّا هُمْ قِلَّةٌ مِنْ كَثرَةٍ كَمَا تَرَى. فَصَلِّ أنْ يُعلِنَ لَنَا الطَّرِيقَ الَّذِي نَسْلُكُهُ. وَمَا عَلَيْنَا عَمَلُهُ.» فَقَالَ لَهُمْ إرْمِيَا: «قَدْ سَمِعْتُكُمْ، وَسَأُصَلِّي إلَى كَمَا طَلَبتُمْ. وَكُلُّ شَيءٍ يُجِيبُنِي اللهُ بِهِ سَأُعلِنُهُ لَكُمْ، وَلَنْ أُخفِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا.» فَقَالُوا لِإرْمِيَا: «لِيَكُنِ اللهُ شَاهِدًا أمِينًا عَلَيْنَا إنْ كُنَّا لَا نَعمَلُ كُلَّ شَيءٍ يُخبِرُنَا بِهِ مِنْ خِلَالِكَ. وَسَوَاءٌ أكَانَتْ وَصِيَّتُهُ مُسِرَّةً أمْ غَيْرَ مُسِرَّةٍ، فَإنَّنَا سَنُطِيعُ الَّذِي أرسَلْنَاكَ إلَيْهِ، حَتَّى يَكُونَ لَنَا خَيْرٌ حِينَ نُطِيعُ .» وَبَعْدَ عَشْرَةِ أيَّامٍ، جَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا. فَدَعَى إرْمِيَا يُوحَانَانَ بْنَ قَارِيحَ وَكُلَّ قَادَةِ الجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، وَكُلَّ الشَّعْبِ كَبِيرًا وَصَغِيرًا. وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ، الَّذِي أرْسَلْتُمُونِي إلَيْهِ لِأُقَدِّمَ تَضَرُّعَكُمْ أمَامَهُ: ‹إنْ بَقِيتُمْ فِي هَذِهِ الأرْضِ فَإنِّي سَأبنِيكُمْ وَلَنْ أهدِمَكُمْ، وَسَأغرِسُكُمْ وَلَنْ أقلَعَكُمْ. فَقَدْ أشفَقْتُ عَلَيْكُمْ بِسَبَبِ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبْتُهُ عَلَيْكُمْ. لَا تَخَافُوا عِنْدَمَا تَقِفُونَ أمَامَ مَلِكِ بَابِلَ، الَّذِي أنْتُمُ الآنَ خَائِفُونَ مِنْهُ. لَا تَخَافُوا مِنْهُ،› يَقُولُ اللهُ ، لِأنِّي مَعَكُمْ لِأُنقِذَكُمْ وَأُنَجِّيَكُمْ مِنْ يَدِهِ. سَأرْحَمُكُمْ وَسَأجْعَلُ مَلِكَ بَابِلَ يَرْحَمُكُمْ، وَيُرجِعُكُمْ إلَى أرْضِكُمْ. «لَكِنْ إنْ قُلْتُمْ: ‹لَنْ نَعِيشَ فِي هَذِهِ الأرْضِ،› فَعَصَيتُمْ . وَقُلْتُمْ: ‹لَا، بَلْ سَنَذهَبُ إلَى أرْضِ مِصْرٍ حَيْثُ لَنْ نَرَى حَربًا، وَلَنْ نَسمَعَ صَوْتَ البُوقِ، وَلَنْ نَجُوعَ، لِذَا سَنَذهَبُ لِنَسكُنَ هُنَاكَ.› فَاسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ أيُّهَا البَاقُونَ مِنْ بَنِي يَهُوذَا. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «إنْ قَرَّرْتُمْ الذَّهَابَ إلَى مِصْرٍ لِتَسْتَقِرُّوا هُنَاكَ، فَإنَّ الحَرْبَ الَّتِي أنْتُمْ خَائِفُونَ مِنْهَا سَتَأْتِي إلَيكُمْ فِي أرْضِ مِصْرٍ. وَالمَجَاعَةُ الَّتِي أنْتُمْ مَذعُورُونَ مِنْهَا، سَتُلَاحِقُكُمْ إلَى مِصْرٍ، وَسَتَمُوتُونَ هُنَاكَ. كُلُّ الرِّجَالِ المُزمِعِينَ عَلَى الذَّهَابِ إلَى مِصْرٍ لِيَسْتَقِرُّوا فِيهَا، سَيَمُوتُونَ فِي الحَرْبِ أوْ مِنَ المَجَاعَةِ أوِ الوَبَاءِ. وَلَنْ يَكُونَ لَهُمْ بَاقُونَ أوْ نَاجُونَ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي سَأجْلِبُهُ عَلَيْهِمْ. «فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: كَمَا انسَكَبَ غَضَبِي وَسَخَطِي عَلَى سُكَّانِ القُدْسِ، هَكَذَا سَيَنْسَكِبُ عَلَيْكُمْ عِنْدَمَا تَذْهَبُونَ إلَى مِصْرٍ. سَتَصِيرُونَ لَعنَةً وَخَرَابًا وَمَذَمَّةً وَسُخرِيَةً. وَلَنْ تَرَوْا هَذَا المَكَانَ ثَانِيَةً.» «تَكَلَّمَ اللهُ إلَيكُمْ يَا بَقِيَّةَ يَهُوذَا، فَقَالَ: ‹لَا تَذْهَبُوا إلَى مِصْرٍ، أنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَقِينًا بِأنِّي حَذَّرْتُكُمُ اليَوْمَ، بِأنَّكُمْ جَعَلْتُمْ نُفُوسَكُمْ تَضِلُّ عَنِ الطَّرِيقِ. لِأنَّكُمْ أرسَلْتُمُونِي إلَى وَقُلْتُمْ صَلِّ لِأجْلِنَا إلَى ، وَأخبِرْنَا بِكُلِّ مَا يَقُولُهُ لَكَ، وَنَحْنُ سَنَعمَلُهُ. وَاليَوْمَ أخبَرْتُكُمْ بِمَا قَالَهُ لِي، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُوا أوْ أيَّ أمرٍ قُلْتُهُ لَكُمْ. وَالْآنَ، اعلَمُوا يَقِينًا أنَّكُمْ سَتَمُوتُونَ إمَّا فِي الحَرْبِ أوْ مِنَ المَجَاعَةِ أوْ مِنَ الوَبَاءِ، فِي المَكَانِ الَّذِي تَرْغَبُونَ فِي الذَّهَابِ إلَيْهِ لِتَسْكُنُوا فِيهِ كَغُرَبَاءَ.›» فَلَمَّا انْتَهَى إرْمِيَا مِنَ الكَلَامِ مَعَ الشَّعْبِ بِكُلِّ كَلَامِ ، الَّذِي أرسَلَهُ إلَيْهِمْ، قَالَ عَزَرْيَا بْنُ هُوشَعْيَا وَيُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ الشَّعْبِ لِإرْمِيَا: «أنْتَ تَتَكَلَّمُ بِالكَذِبِ، لَمْ يُرسِلْكَ إلَينَا لِتَقُولَ: ‹لَا تَذْهَبُوا إلَى مِصْرٍ لِتَسْتَقِرُّوا هُنَاكَ.› بَارُوخَ بْنُ نِيرِيَّا يُحَرِّضُكَ عَلَيْنَا حَتَّى يُسَلِّمَنَا لِلبَابِلِيِّينَ لِيَقْتُلُونَا أوَ يَسْبُونَا إلَى بَابِلَ.» فَلَمْ يُطِعْ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ قَادَةِ الجُيُوشِ وَكُلُّ الشَّعْبِ اللهَ الَّذِي قَالَ لَهُمْ أنْ يَبْقَوْا فِي أرْضِ يَهُوذَا. فَاقتَادَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ قَادَةِ الجُيُوشِ جَمِيعَ بَقِيَّةِ يَهُوذَا الَّذِينَ رَجِعُوا مِنْ كُلِّ الأُمَمِ الَّتِي طُرِدُوا إلَيْهَا، لِيَذْهَبُوا إلَى أرْضِ مِصْرٍ. اقتَادُوا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأطْفَالَ وَبَنَاتِ المَلِكِ وَجَمِيعَ الَّذِينَ تَرَكَهُمْ نَبُوزَرَادَانُ مَعَ جَدَلْيَا بْنِ أخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ. وَكَانَ مِنْ بَيْنَهِمْ إرْمِيَا النَّبِيُّ وَبَارُوخُ بْنُ نيرِيَّا. فَأتَوْا إلَى أرْضِ مِصْرٍ لِأنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا اللهَ . وَأتَوْا إلَى مَدِينَةِ تَحْفَنْحِيسَ. وَجَاءَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى إرْمِيَا فِي تَحْفَنْحِيسَ، قَالَ: «خُذْ حِجَارَةً كَبِيرَةً فِي يَدِكَ، وَاطمُرْهَا – عَلَى مَرأى مِنْ جَمِيعِ رِجَالِ يَهُوذَا – فِي الطَّرِيقِ المَرصُوفِ عِنْدَ مَدْخَلِ بَيْتِ فِرعَوْنَ فِي تَحْفَنْحِيسَ. ثُمَّ قُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ إلَهُ إسْرَائِيلَ: سَأستَدْعِي خَادِمِي نَبُوخَذْنَاصَّرَ ملِكَ بَابِلَ. وَسَأضَعُ عَرشَهُ فَوْقَ هَذِهِ الحِجَارَةِ الَّتِي طَمَرْتُهَا. وَسَأبسِطُ خَيْمَتَهُ المَلَكِيَّةَ عَلَيْهِمْ. فَسَيَأْتِي وَيَضْرِبُ أرْضَ مِصْرٍ. وَكُلُّ مَنْ هُوَ لِلمَوْتِ سَيَمُوتُ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ لِلسَّبيِ سَيُسبَى، وَكُلُّ مَنْ هُوَ لِلمَوْتِ فِي المَعْرَكَةِ، سَيَمُوتُ فِيهَا. وَسَيُشعِلُ النَّارَ فِي مَعَابِدِ آلِهَةِ مِصْرٍ، فَيُحْرِقُهَا وَيَسْبِيهَا. وَسَيُنَظِّفُ مِصْرًا كَمَا يُنَظِّفُ الرَّاعِي القَملَ مِنْ رِدَائِهِ، ثُمَّ يُغَادِرُ بِسَلَامٍ. سَيُحَطِّمُ أنْصَابَ بَيْتَ شَمْسٍ التَّذْكَارِيَّةَ الَّتِي فِي أرْضِ مِصْرٍ، وَسَيُحْرِقُ مَعَابِدَ أوْثَانِ المِصْرِيِّينَ بِالنَّارِ.›» هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي جَاءَتْ إلَى إرْمِيَا لِجَمِيعِ اليَهُودِ السَّاكِنِينَ فِي أرْضِ مِصْرٍ، فِي مَجْدَلَ وَتَحْفَنْحِيسَ وَمَمْفِيسَ وَفِي صَعِيدِ مِصْرٍ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹قَدْ رَأيْتُمُ الشَّرَّ الَّذِي جَلَبتُهُ عَلَى القُدْسِ وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا. فَهَا هِيَ خَرِبَةٌ مَهجُورَةٌ، لَا يَسْكُنُ فِيهَا أحَدٌ. هَذَا بِسَبَبِ الشَّرِّ الَّذِي صَنَعُوهُ. أثَارُوا غضَبِي بِتَقْدِمَاتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ لِآلِهَةٍ أُخرَى لَمْ يَعْرِفُوهَا هُمْ وَلَا آبَاؤُهُمْ. وَأرسَلْتُ إلَيْهُمْ خُدَّامِي الأنْبِيَاءَ وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ، وَقُلْتُ لَهُمْ لَا تَعْمَلُوا هَذِهِ الأُمُورَ الكَرِيهَةَ الَّتِي أبْغَضُهَا. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا إلَيَّ، وَلَمْ يَفْتَحُوا آذَانَهِمْ، لِيَتُوبُوا عَنِ شَرِّهِمْ، وَيَتَوَقَّفُوا عَنْ تَقدِيمِ القَرَابِينِ لِآلِهَةٍ أُخرَى. فَغَضِبْتُ جِدًّا، بَلِ اشتَعَلَ غَضَبِي عَلَى مُدُنِ يَهُوذَا وَشَوَارِعِ القُدْسِ، فَأصبَحَتْ خِربَةً مَهجُورَةً كَمَا هُوَ حَالُهَا اليَوْمَ.› «وَالْآنَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹لِمَاذَا تَجْلِبُونَ هَذَا الشَّرَّ عَلَى أنْفُسِكُمْ؟ وَلِمَاذَا تُفنُونَ كُلَّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالأطْفَالِ وَالرُّضَّعِ مِنْ يَهُوذَا؟ لِمَ لَا تَتْرُكُونَ لَكُمْ نَاجِينَ؟ لِمَاذَا تُثِيرُونَ غَضَبِي بِالأشيَاءِ الَّتِي تَفْعَلُونَهَا؟ لِمَاذَا تُحرِقُونَ بَخُورًا لِآلِهَةٍ أُخْرَى فِي أرْضِ مِصْرٍ حَيْثُ تَسْكُنُونَ؟ سَتُدَمِّرُونَ أنْفُسَكُمْ، وَسَتَشْتِمُكُمْ جَمِيعُ أُمَمِ الأرْضِ وَتَسْخَرُ بِكُمْ. هَلْ نَسِيتُمْ شُرُورَ آبَائِكُمْ وَشُرُورَ مُلُوكِ يَهُوذَا وَشُرُورَ نِسَائِهِمْ وَشُرُورَكُمْ وَشُرُورَ نِسَائِكُمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي أرْضِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ مَدِينَةِ القُدْسِ؟ لَمْ يَتَوَاضَعُوا إلَى هَذَا اليَوْمِ، وَلَمْ يَخَافُونِي، وَلَمْ يَعِيشُوا بِحَسَبِ شَرِيعَتِي وَفَرَائِضِي الَّتِي وَضَعْتُهَا أمَامَهُمْ وَأمَامَ آبَائِهِمْ.› «وَلِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹هَا أنَا عَازِمٌ عَلَى أنْ أُعَاقِبَكَ وَأنْ أُفنِيَ كُلَّ يَهُوذَا. سَآخُذُ الَّذِينَ بَقُوا مِنْ يَهُوذَا وَالَّذِينَ صَمَّمُوا عَلَى الذَّهَابِ إلَى أرْضِ مِصْرٍ لِيَعِيشُوا فِيهَا كَغُرَبَاءَ، وَسَيَمُوتُونَ كُلُّهُمْ فِي أرْضِ مِصْرٍ. سَيَسْقُطُونَ فِي المَعْرَكَةِ أوْ بِسَبَبِ الجُوعِ، وَسَيَنْتَهُونَ مِنْ كَبِيرِهِمْ إلَى صَغِيرِهِمْ. فِي المَعْرَكَةِ أوْ بِسَبَبِ الجُوعِ سَيَمُوتُونَ. وَسَيُشَارُ إلَيْهِمْ فِي اللَّعَنَاتِ كَمِثَالٍ لِلدَّمَارِ الكَامِلِ وَكَمَوضُوعٍ لِلاستِهزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ. سَأُعَاقِبُ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي أرْضِ مِصْرٍ كَمَا عَاقَبْتُ مَدِينَةَ القُدْسِ: بِالمَعَارِكِ وَالمَجَاعَةِ وَالوَبَاءِ. لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ نَاجٍ أوْ بَاقٍ مِنْ بَقِيَّةِ يَهُوذَا الَّذِينَ سَيَعِيشُونَ فِي أرْضِ مِصْرٍ. لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَرْجِعُ إلَى أرْضِ يَهُوذَا مِنَ الَّذِينَ يَتُوقُونَ إلَى العَودَةِ إلَيْهَا لِيَعِيشُوا فِيهَا. لِأنَّهُ لَنْ يَرْجِعَ سِوَى بَعْضُ الفَارِّينَ.›» أمَّا كُلُّ الرِّجَالِ الَّذِينَ عَرَفُوا أنَّ نِسَاءَهُمْ كُنَّ يُحْرِقْنَ بَخُورًا لِآلِهَةٍ أُخْرَى، وَكُلُّ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنَّ وَاقِفَاتٍ فِي الجَمَاعَةِ العَظِيمَةِ، وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ فِي أرْضِ مِصْرٍ وَفِي الصَّعِيدِ، فَقَدْ قَالُوا لِإرْمِيَا: «لَقَدْ تَكَلَّمْتَ ضِدَّنَا بِاسْمِ اللهِ . وَلَكِنَّنَا لَنْ نَسْتَمِعَ إلَيْكَ، بَلْ سَنَعَمَلُ كُلَّ مَا تَعَهَّدنَا بِهِ. سَنُحرِقُ البَخُورَ لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ، وَنَسكُبُ لَهَا تَقْدِمَاتِ الخَمْرِ. سَنَعمَلُ كَمَا عَمِلْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ القُدْسِ. فَقَدْ كَانَ لَدَيْنَا طَعَامٌ وَافِرٌ لِلأكلِ، وَكُنَّا فِي خَيرٍ وَلَمْ نَرَ شَرًّا. وَمُنْذُ تَوَقَّفْنَا عَنْ إحرَاقِ البَخُورِ لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ وَسَكْبِ تَقْدِمَاتِ الخَمْرِ لَهَا، افتَقَرْنَا إلَى كُلِّ شَيءٍ، وَفَنِينَا بِالحَرْبِ وَالجُوعِ.» وَقَالَتِ النِّسَاءُ: «عِنْدَمَا كُنَّا نُحرِقُ بَخُورًا لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ وَنَسْكُبُ لَهَا تَقْدِمَاتٍ سَائِلَةً، هَلْ عَمِلْنَا لَهَا كَعكًا عَلَى شَكلِهَا، أوْ سَكَبْنَا لَهَا تَقْدِمَاتِ الخَمْرِ مِنْ دُونِ مُشَارَكَةِ أزوَاجِنَا؟» حِينَئِذٍ، قَالَ إرْمِيَا لِكُلِّ الشَّعْبِ: الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكُلِّ الشَّعْبِ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ: «أتَظُنُّونَ أنَّ اللهَ لَا يَتَذَكَّرُ قَرَابِينَكُمْ الَّتِي قَدَّمْتُمُوهَا – أنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ وَمُلُوكُكُمْ وَرُؤَسَاؤُكُمْ وَكُلُّ شَعْبِ الأرْضِ – فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ القُدْسِ؟ ألَمْ يُفَكِّرْ بِهَا؟ لَمْ يقْدِرِ اللهُ عَلَى احتِمَالِ أعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ وَالأُمُورِ الكَرِيهَةِ الَّتِي عَمِلْتُمُوهَا. لِهَذَا صَارَتْ أرْضُكُمْ مَوضِعَ استِهزَاءٍ، وَخَرِبَةً وَتَالِفَةً وَغَيْرَ مَسكُونَةٍ، كَمَا هُوَ الحَالُ اليَوْمَ. أحرَقْتُمْ بَخُورًا وَأخطَأتُمْ إلَى اللهِ . لَمْ تُطِيعُوا اللهَ وَلَمْ تَسْلُكُوا بِحَسَبِ شَرِيعَتِهِ وَفَرَائِضِهِ وَشَهَادَاتِهِ. لِذَلِكَ جَاءَ عَلَيْكُمْ هَذَا الشَّرُّ، كَمَا هُوَ الحَالُ اليَوْمَ.» ثُمَّ قَالَ إرْمِيَا لِكُلِّ الشَّعْبِ وَلِكُلِّ النِّسَاءِ: «يَا جَمِيعَ بَنِي يَهُوذَا السَّاكِنِينَ فِي أرْضِ مِصْرٍ، اسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹أنْتُمْ وَنِسَاؤُكُمْ تَكَلَّمْتُمْ بِأفوَاهِكُمْ، وَنَفَّذْتُمْ مَا تَكَلَّمْتُمْ بِهِ بِأيدِيكُمْ، إذْ قُلْتُمْ: إنَّنَا سَنُوفِي بِالنُّذُورِ الَّتِي قَطَعْنَاهَا بِأنْ نُحرِقَ بَخُورًا لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ وَنَسكُبَ لَهَا تَقْدِمَاتِ الخَمْرِ. أتمِمْنَ نُذُورَكُنَّ وَاعْمَلْنَ بِمَا تَكَلَّمْتُنَّ.› لِذَلِكَ، اسْمَعُوا كَلَامَ اللهِ يَا كُلَّ بَنِي يَهُوذَا السَّاكِنِينَ فِي أرْضِ مِصْرٍ. يَقُولُ يهوه : ‹أقْسِمُ بِاسْمِي العَظِيمِ، أنْ لَا يُقْسِمَ أحَدٌ مِنْ بَنِي يَهُوذَا السَّاكِنِينَ فِي مِصْرٍ فِيمَا بَعْدُ بِاسْمِي الحَيِّ. فَهَا أنَا سَأسهَرُ عَلَيْهِمْ لِكَي أجْلِبَ عَلَيْهِمُ الشَّرَّ لَا الخَيْرَ. وَسَيَمُوتُ كُلُّ شَخْصٍ مِنْ يَهُوذَا السَّاكِنِينَ فِي أرْضِ مِصْرٍ فِي المَعْرَكَةِ أوْ مِنَ الجُوعِ، حَتَّى يَفْنَوْا بِالتَّمَامِ. عَدَدٌ قَلِيلٌ مِنْهُمْ فَقَطْ سَيَنْجُو مِنَ القِتَالِ وَيَعُودُ إلَى أرْضِ يَهُوذَا مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، وَبَقِيَّةُ يَهُوذَا الَّذِينَ جَاءُوا إلَى أرْضِ مِصْرٍ لِيَسْكُنُوا كَغُرَبَاءَ فِيهَا سَيَعْرِفُونَ كَلِمَةَ مَنْ مِنَّا هِيَ الَّتِي تَثْبُتُ. وَسَتَكُونُ هَذِهِ عَلَامَةً لَكُمْ،› يَقُولُ اللهُ ، ‹سَأُعَاقِبُكُمْ فِي هَذَا المَكَانِ، حَتَّى تَعْرِفُوا بِأنَّ الكَلَامَ الَّذِي قُلْتُهُ عَنِ الشَّرِّ الآتِي عَلَيْكُمْ سَيَتِمُّ.› «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : ‹سَأُسَلِّمُ فِرعَوْنَ خَفْرَعَ، مَلِكَ مِصْرٍ إلَى يَدِ أعْدَائِهِ وَيَدِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، كَمَا سَلَّمتُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا إلَى يَدِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ عَدُوَّهُ الَّذِي أرَادَ قَتْلَهُ.›» هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا إرْمِيَا النَّبِيُّ إلَى بَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا، عِنْدَمَا كَتَبَ بَارُوخُ هَذَا الكَلَامَ فِي الكِتَابِ حَسَبَ مَا أملَى إرْمِيَا عَلَيْهِ. كَانَ هَذَا فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلكِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، فَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ إلَهُ إسْرَائِيلَ لَكَ يَا بَارُوخَ. أنْتَ تَقُولُ: ‹وَيْلٌ لِي لِأنَّ اللهَ أضَافَ حُزْنًا عَلَى ألَمِي. أنَا مُنهَكٌ مِنَ التَّنَهُّدِ، وَلَسْتُ أجِدُ رَاحَةً.› فَهَذَا مَا تَقُولَهُ لَهُ يَا إرْمِيَا: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : سَأهدِمُ مَا بَنَيتُهُ أنَا، وَسَأقلَعُ مَا زَرَعتُهُ، أيْ كُلَّ أرْضِ يَهُوذَا. بَيْنَمَا أنْتَ تَطْلُبُ لِنَفْسِكَ أُمُورًا عَظِيمَةً. لَا تَطْلُبْ بَعْدُ، لِأنِّي سَأجْلِبُ شَرًّا عَلَى كُلِّ شَيءٍ حَيٍّ، يَقُولُ اللهُ ، وَلَكِنِّي سَأُعْطِيكَ حَيَاتَكَ غَنِيمَةً فِي كُلِّ الأمَاكِنِ الَّتِي سَتَذْهَبُ إلَيْهَا.›» هَذِهِ هِيَ الرَّسَائِلُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا اللهُ إلَى إرْمِيَا النَّبِيِّ عَنِ الأُمَمِ. عَنْ مِصْرٍ، عَنْ جَيْشِ الفِرعَونِ نَخوٍ مَلِكِ مِصْرٍ الَّذِي كَانَ عِنْدَ نَهْرِ الفُرَاتِ فِي كَركَمِيشَ، وَهَزَمَهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلكِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. «جَهِّزُوا أسلِحَتَكُمْ، وَاستَعِدُّوا لِلمَعرَكَةِ. أسرِجُوا الخَيلَ، وَلْيَرْكَبِ الفُرسَانُ عَلَى خَيلِهِمْ. قِفُوا فِي مَوَاقِعِكُمْ وَالخُوَذُ عَلَى رُؤُوسِكُمْ، اصقُلُوا رِمَاحَكُمْ، البَسُوا دُرُوعَكُمْ. لِمَاذَا أرَى هَذِهِ الأُمُورَ؟ أرَى رِجَالًا مُرتَعِبِينَ وَفَارِّينَ. أبطَالُهُمْ هُزِمُوا، فَفَرُّوا جَمِيعُهُمْ بِلَا تَرَدُّدٍ. وَالرُّعبُ حَوْلَهُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.» يَقُولُ اللهُ . «لَكِنَّ السَّرِيعَ مِنْهُمْ لَنْ يَفِرَّ. وَالقَوِيُّ لَنْ يَهْرُبَ. فَفِي الشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الفُرَاتِ، تَعَثَّرُوا وَسَقَطُوا. مَنْ هُوَ ذَاكَ الَّذِي يَرْتَفِعُ كَنَهْرِ النِّيلِ، الَّذِي مِيَاهُهُ تَتَدَفَّقُ كَالأنهَارِ؟ مِصْرٌ تَرْتَفِعُ كَنَهْرِ النِّيلِ، وَمِيَاهُهَا تَتَدَفَّقُ كَالأنهَارِ. قَالَ: ‹سَأصعَدُ، سَأُغَطِّي الأرْضَ. سَأهزِمُ مُدُنًا وَسُكَّانَهَا.› اصعَدِي أيَّتُهَا الخَيلُ، هِيجِي يَا مَرْكَبَاتُ. لِيَخْرُجِ المُحَارِبُونَ. لِيَخْرُجْ رِجَالُ كُوشٍ وَفُوطٍ الَّذِينَ يُمْسِكُونَ الدِّرعَ بِمَهَارَةٍ، وَلْيَخْرُجْ رِجَالُ لُودٍ المَهَرَةُ فِي استِخدَامِ القَوْسِ. «سَيَكُونُ ذَلِكَ اليَوْمُ يَوْمَ انتِقَامٍ لِلرَّبِّ الإلَهِ القَدِيرِ، لِيَنْتَقِمَ لِنَفْسِهِ مِنْ أعْدَائِهِ. سَيَأْكُلُ السَّيْفُ حَتَّى يَشْبَعَ، وَسَيُطفِئُ ظَمَأهُ بِدَمِهِمْ. لِأنَّهُ سَتَكُونُ هُنَاكَ ذَبِيحَةٌ لِلرَّبِّ الإلَهِ القَدِيرِ، فِي أرْضِ الشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الفُرَاتِ. أيَّتُهَا العَذرَاءُ مِصْرٌ، اصعَدِي إلَى جِلعَادَ، وَاحصُلِي عَلَى بَعْضِ البَلسَمِ. جَرَّبِتِ عِلَاجَاتٍ كَثِيرَةً بِلَا فَائِدَةٍ، وَلَا تَقْدِرِينَ أنْ تَشْفِي نَفْسَكِ. سَمِعَتِ الأُمَمُ عَنْ عَارِكِ، وَصَرخَةُ ألَمِكِ قَدْ مَلأتْ كُلَّ الأرْضِ، لِأنَّ مُحَارِبًا تَعَثَّرَ بِآخَرَ، فَسَقَطَ كِلَاهُمَا مَعًا.» هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا اللهُ إلَى إرْمِيَا النَّبِيِّ عَنْ مَجِيءِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ لِيَضْرِبَ أرْضَ مِصْرٍ. «أعلِنُوا فِي مِصْرٍ، أخبِرُوا شَعْبَ مَجْدَلَ، وَأخبِرُوا شَعْبَ مَمْفِيسَ وَتَحْفَنِحِيسَ. قُولُوا: ‹خُذْ مَوقِعَكَ وَجَهِّزْ نَفْسَكَ، لِأنَّ السَّيْفَ قَدِ التَهَمَ مَنْ هُمْ حَوْلَكَ. لِمَاذَا طُرِحَ الأقوِيَاءُ الَّذِينَ تَتَّكِلُ عَلَيْهِمْ؟ لِمَاذَا لَا يَقِفُ؟ لِأنَّ اللهَ قَدْ طَرَحَهُ.› جَعَلَ أُنَاسًا كَثِيرِينَ يَتَعَثَّرُونَ، بَلْ يَسْقُطُونَ أحَدُهُمْ عَلَى الآخَرِ. قَالُوا: ‹لِنَقُمْ وَنَعُدْ إلَى شَعْبِنَا، وَإلَى الأرْضِ الَّتِي وُلِدْنَا فِيهَا، بَعِيدًا عَنِ الهُجُومِ القَاسِي.› استَنْجَدُوا بِمَلِكِ مِصْرٍ فِرعَوْنَ، ‹الضَّجَّةَ الفَارِغَةَ،› فَلَمْ يَسْتَجِبْ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ. حَيٌّ أنَا، يَقُولُ المَلِكُ الَّذِي اسْمُهُ يهوه القَدِيرُ. مَجِيئُهُ سَيَكُونُ مِثْلَ جَبَلِ تَابُورَ بَيْنَ الجِبَالِ، وَمِثْلَ الكَرمَلِ بِجِوَارِ البَحْرِ. أيَّتُهَا الِابْنَةُ مِصْرٌ، احزِمِي لِنَفْسِكِ حُزْمَةَ السَّبْيِ، لِأنَّ مَمْفِيسَ سَتَكُونُ مَكَانًا مَهجُورًا، وَسَتُحرَقُ بِالنَّارِ، وَلَنْ يَكُونَ فِيهَا سَاكِنٌ. «مِصْرٌ بَقَرَةٌ جَمِيلَةٌ، وَقَدْ جَاءَ عَلَيْهَا ذُبَابٌ مِنَ الشِّمَالِ. حَتَّى المُرتَزَقَةُ فِيهَا كَالثِّيرَانِ المُسَمَّنَةِ، هُمْ أيْضًا يَرْجِعُونَ إلَى الخَلفِ وَيَهْرُبُونَ، لَمْ يَقِفُوا مَعًا. هَرَبُوا لِأنَّ يَوْمَ نَكْبَتِهِمْ قَدْ جَاءَ عَلَيْهِمْ، الوَقْتُ الَّذِي فِيهِ سَيُعَاقَبُونَ. صَوْتُهَا كَحَيَّةٍ تَزْحَفُ هَارِبَةً، لِأنَّ أعْدَاءَهَا يَأْتُونَ بِقُوَّةٍ. جَاءُوا إلَيْهَا بِفُؤُوسٍ كَحَطَّابِينَ.» يَقُولُ اللهُ : «قَطَّعُوا غَابَاتِ مِصْرٍ، وَإنْ كَانَتْ أشْجَارُ غَابَاتِهَا لَا تُحصَى، فَهُمْ أكْثَرُ مِنَ الجَرَادِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أنْ يُعَدَّ. الِابْنَةُ مِصْرٌ قَدْ خَزِيَتْ، قَدْ أُسلِمَتْ إلَى يَدِ شَعْبِ الشِّمَالِ.» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «سَأُعَاقِبُ أمُونَ وَفِرْعَونَ وَمِصْرًا وَكُلَّ آلِهَتِهَا وَمُلُوكِهَا. سَأُعَاقِبُ فِرعَوْنَ وَجَمِيعَ المُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ. سَأُسَلِّمُهُمْ إلَى يَدِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُمْ، لِيَدِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ وَلِيَدِ خُدَّامِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَتَعُودُ لِتُسْكَنَ كَمَا كَانَتْ فِي المَاضِي،» يَقُولُ اللهُ . «أمَّا أنْتَ يَا عَبْدِي يَعْقُوبَ، فَلَا تَخَفْ، وَلَا تَرْتَعِبْ يَا إسْرَائِيلُ. لِأنِّي سَأُنقِذُكَ مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ، وَسَأُنقِذُ نَسْلَكَ مِنَ الأرْضِ الَّتِي هُمْ مَسبِيُّونَ فِيهَا. سَيَرْجِعُ يَعْقُوبُ لِيَكُونَ فِي سَكِينَةٍ وَرَاحَةٍ، بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ مَنْ يُخِيفُهُ.» يَقُولُ اللهُ : «يَا عَبْدِي يَعْقُوبَ، لَا تَخَفْ، لِأنِّي أنَا مَعَكَ. لِأنِّي سَأُفنِي كُلَّ الأُمَمِ الَّتِي طُرِدْتَ إلَيْهَا، وَلَكِنِّي لَنْ أُفنِيَكَ، بَلْ سَأُؤَدِّبُكَ كَمَا تَسْتَحِقُّ، وَلَنْ أترُكَكَ بِلَا عِقَابٍ.» أتَتْ هَذِهِ الرِّسَالَةُ مِنَ اللهِ إلَى إرْمِيَا النَّبِيِّ عَنِ الفِلِسْطِيِّينَ قَبْلَ أنْ يُهَاجِمَ فِرْعَوْنُ غَزَّةَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَتَرْتَفِعُ المِيَاهُ مِنَ الشِّمَالِ، وَسَتُصبِحُ سَيلًا جَارِفًا، وَسَتَغْمُرُ الأرْضَ بِمَنْ فِيهَا، وَسَتَغْمُرُ المَدِينَةَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا، النَّاسُ سَيَبْكُونَ، وَكُلُّ سُكَّانِ الأرْضِ سَيُوَلوِلُونَ. عِنْدَ قَرعِ حَوَافِرِ خُيُولِهِ القَوِيَّةِ، وَقَرقَعَةِ مَرْكَبَاتِهِ وَضَجِيجِ عَجَلَاتِهِ، لَا يَلْتَفِتُ الآبَاءُ نَحْوَ أوْلَادِهِمْ، لِأنَّ أيدِيَهُمْ قَدِ ارتَخَتْ مِنَ اليَأْسِ. فَفِي اليَوْمِ الآتِي، سَيُدَمَّرُ كُلُّ الفِلِسْطِيِّينَ، وَسَيُقضَى فِي صُورٍ وَصَيدُونَ عَلَى كُلِّ عَونٍ بَاقٍ. لِأنَّ اللهَ سَيَهْلِكُ الفِلِسْطِيِّينَ، الَّذِينَ هُمْ بَقِيَّةُ جَزِيرَةِ كَفتُورَ. حَلَقَ شَعْبُ غَزَّةَ شَعْرَ رُؤوسِهِمْ، وَصَمَتَ شَعْبُ أشقَلُونَ. يَا بَقِيَّةَ سُكَّانِ الوَادِي، إلَى مَتَى سَتَسْتَمِرُّونَ فِي تَجْرِيحِ أنْفُسِكُمْ؟ «آهٍ يَا سَيفَ اللهِ ، حَتَّى مَتَى لَا تَسْتَرِيحُ؟ ارجِعْ إلَى غِمدِكَ. اهدَأ وَاسكُنْ. كَيْفَ يُمْكِنُ لَهُ أنْ يَسْتَرِيحَ؟ فَقَدْ أعطَاهُ اللهُ أمْرًا بِالهُجُومِ. عَيَّنَ لَهُ وَقْتًا لِيَضْرِبَ أشقَلُونَ وَالسَّاحِلَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، عَنْ مُوآبَ: «وَيْلٌ لِجَبَلِ نَبُو، لِأنَّهُ سَيُدَمَّرُ. قِرْيَنَايِمُ تَعَرَّضَتْ لِلعَارِ وَالسَّبْيِ، القَلعَةُ خَزِيَتْ وَارتَعَبَتْ. لَمْ تَعُدْ هُنَاكَ أغَانٍ عَنْ مُوآبَ. تَآمَرُوا بِالشَّرِّ عَلَيْهَا فِي حَشبُونَ. يَقُولُونَ: ‹تَعَالَوْا لِنُفْنِ هَذِهِ الأُمَّةَ.› وَأنتِ أيْضًا يَا مَدْمِينُ سَتَصْمُتِينَ، وَالمَعرَكَةُ سَتُتعِبُكِ. صَوْتُ صَرخَةٍ سُمِعَ مِنْ حُورُونَايِمَ، هُنَاكَ خَرَابٌ وَكَارِثَةٌ عَظِيمَةٌ. تَحَطَّمَتْ مُوآبُ، وَصِغَارُهَا صَرَخُوا. لِأنَّ شَعْبَ مُوآبَ بِالبُكَاءِ يَصْعَدُونَ فِي طَرِيقِهِمْ إلَى لُوحِيثَ. لِأنَّهُمْ فِي مُنحَدَرِ حُورُونَايِمَ، سَمِعُوا صُرَاخَ الجَرحَى. اهرُبُوا، انجُوا بِحَيَاتِكُمْ، صِيرُوا كَشُجَيرَةِ شَوكٍ فِي الصَّحرَاءِ. «بِسَبَبِ اتِّكَالِكِ عَلَى أعْمَالِكِ وَكُنُوزِكِ. أنْتِ أيْضًا سَتُؤخَذِينَ. وَسَيَذْهَبُ كَمُوشُ إلَى السَّبْيِ مَعَ كَهَنَتِهِ وَرُؤَسَائِهِ. سَيَأْتِي مُدَمِّرٌ إلَى كُلِّ مَدِينَةٍ، وَلَنْ تَنْجُوَ أيَّةُ مَدِينَةٍ. سَيَهْلِكُ الوَادِي، وَالسَّهلُ سَيُدَمَّرُ، تَمَامًا كَمَا قَالَ اللهُ . ضَعُوا مِلحًا عَلَى مُوآبَ لِأنَّهَا سَتَتَحَوَّلُ إلَى خَرَابٍ، سَتُصبِحُ مُدُنُهَا مَهجُورَةً لَا يَسْكُنُ فِيهَا سَاكِنٌ. «مَلْعُونٌ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ اللهِ بِتَرَاخٍ، وَمَلعُونٌ مَنْ يَمْنَعُ سَيفَهُ عَنْ سَفكِ الدَّمِ. «مُوآبُ مُسْتَرِيحٌ مُنْذُ شَبَابِهِ، مُسْتَقِرٌّ كَالخَمْرِ العَتِيقَةِ الَّتِي لَمْ تُسكَبْ مِنْ إنَاءٍ إلَى إنَاءٍ. لَمْ يَذْهَبْ إلَى السَّبْيِ، وَلِهَذَا حَافَظَ عَلَى مَذَاقِهِ، وَرَائِحَتُهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ. لِذَلِكَ، سَتَأْتِي أيَّامٌ، يَقُولُ اللهُ ، عِنْدَمَا سَأُرْسِلُ عَلَيْهِ مَنْ يَقْلِبُ آنِيَتَهُ، فَيَقْلِبُونَهُ وَيُفرِغُونَ آنِيَتَهُ، وَيُحَطِّمُونَ أوعِيَتَهُ.» حِينَئِذٍ، سَيَخْجَلُ مُوآبُ مِنْ إلَهِهِ كَمُوشَ، كَمَا خَجِلَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنِ اتِّكَالِهِمْ عَلَى بَيْتِ إيلٍ. «كَيْفَ تَقُولُونَ: ‹نَحْنُ مُحَارِبُونَ، نَحْنُ جُنُودٌ أقوِيَاءُ؟› الدَّمَارُ صَعِدَ إلَى مُوآبَ وَمُدُنِهَا، وَأفضَلُ شَبَابِهِ قَدْ قُتِلُوا، يَقُولُ المَلِكُ، الَّذِي اسْمُهُ يهوه القَدِيرُ. كَارِثَةُ مُوآبَ وَشِيكَةُ الوُصُولِ، وَالشَّرُّ مُسرِعٌ جِدًّا بَاتِّجَاهِهِ. نُوحُوا لِأجْلِهِ، يَا كُلَّ السَّاكِنِينَ حَوْلَهُ، يَا كُلَّ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ اسْمَهُ. قُولُوا: ‹كَيْفَ انكَسَرَ الرُّمحُ القَوِيُّ! كَيْفَ انكَسَرَ قَضِيبُ الجَلَالِ!› «انزِلِي عَنْ مَجْدِكِ، وَاجلِسِي فِي الأرْضِ القَاحِلَةِ، أيَّتُهَا السَّاكِنَةُ فِي دِيبُونَ. لِأنَّ مُدَمِّرَ مُوآبَ صَعِدَ إلَيكِ، وَسَيُدَمِّرُ حُصُونَكِ. «قِفِي بِجَانِبِ الطَّرِيقِ، وَرَاقِبِي الأرْضَ، يَا سَاكِنَةَ عَرُوعِيرَ. اسألِي الهَارِبَ، وَقُولِي لِلفَارِّ: ‹مَاذَا حَدَثَ؟› «خَزِيَ مُوآبُ، لِأنَّهُ قَدْ دُمِّرَ. وَلْوِلُوا وَاصرُخُوا، وَخَبِّرُوا عَلَى طُولِ نَهْرِ أرنُونَ إنَّ مُوآبَ قَدْ دُمِّرَ. أتَى الحُكْمُ عَلَى سُهُولِ مُوآبَ، وَعَلَى حُولُونَ وَعَلَى يَهْصَةَ وَعَلَى مَيفَعَةَ وَعَلَى دَيبُونَ وَعَلَى نَبُو وَعَلَى بَيْتِ دَبلَتَايِمَ وَعَلَى بَيْتِ جَامُولَ وَعَلَى بَيْتِ مَعُونَ وَعَلَى قَرْيُوتَ وَعَلَى بَيْتِ بُصْرَةَ وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ أرْضِ مُوآبَ البَعِيدَةِ وَالقَرِيبَةِ. قُطِعَ قَرنُ مُوآبَ، وَذِرَاعُهُ اليُمْنَى انكَسَرَتْ.» يَقُولُ اللهُ . «أسْكِرُوهُ، لِأنَّهُ تَعَظَّمَ عَلَى اللهِ . سَيَتَمَرَّغُ مُوآبُ فِي قَيئِهِ، سَيَكُونُ أُضحُوكَةً. «ألَمْ يَكُنْ إسْرَائِيلُ أُضحُوكَةً لَدَيكَ؟ فَقَدْ أُمسِكَ مَعَ اللًّصُوصِ. لِأنَّكَ تَهُزُّ رَأسَكَ عِنْدَمَا تَتَكَلَّمُ عَنْهُ. اهجُرُوا المُدُنَ، وَاسكُنُوا فِي الصُّخُورِ، يَا سُكَّانَ مُوآبَ. صِيرُوا مِثْلَ يَمَامَةٍ تُعَشِّشُ فِي شُقُوقِ الكُهُوفِ. «سَمِعْنَا عَنْ كِبرِيَاءِ مُوآبَ وَتَعَظُّمِهِ. سَمِعْنَا عَنْ تَشَامُخِهِ وَكِبرِيَائِهِ وَعَجرَفَتِهِ وَقَلْبِهِ المُتعَالِي.» يَقُولُ اللهُ : «أنَا أعْرِفُ غَطرَسَتَهُ، يَتَبَاهَى كَذِبًا، وَلَا يَعْمَلُ بِمَا يَقُولُ.» لِهَذَا، سَأنُوحُ عَلَى مُوآبَ، سَأصرُخُ بِألَمٍ عَلَى كُلِّ مُوآبَ. سَأئِنُّ عَلَى رِجَالِ قِيرِ حَارِسَ. بِسَبَبِ بُكَاءِ يَعْزِيرَ، سَأبكِي عَلَيْكِ يَا كَرمَةَ سِبْمَةَ. وَصَلَتْ فُرُوعُكِ إلَى البَحْرِ، امتَدَّتْ إلَى بَحرِ يَعْزِيزَ، وَقَعَ الدَّمَارُ عَلَى ثَمَرِكِ وَعَلَى عِنَبِكِ. السَّعَادَةُ وَالفَرَحُ نُزِعَا مِنَ الكَرمِلِ وَمِنْ أرْضِ مُوآبَ. مَنَعْتُ النَّبِيذَ مِنَ المَعَاصِرِ. لَا أحَدَ يَدُوسُ العِنَبَ بِهُتَافَاتِ الِابتِهَاجِ. غَابَتْ هُتَافَاتُ الفَرَحِ. «يَصْرُخُ النَّاسُ بِألَمٍ مِنْ حَشْبُونَ إلَى ألعَالَةَ إلَى يَاهَصَ، وَمِنْ صُوغَرَ إلَى حُورُونَايِمَ وَعِجلَةَ شَلِيشَةَ. فَحَتَّى مِيَاهُ نِمرِيمَ جَفَّتْ.» يَقُولُ اللهُ : «سَأمْنَعُ شَعْبَ مُوآبَ مِنْ تَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ فِي المُرتَفعَاتِ، وَتَقْدِيمِ القَرَابِينِ لِآلِهَتِهِمْ. «لِذَلِكَ، يَنُوحُ قَلْبِي عَلَى مُوآبَ مِثْلَ نَايٍ. يَنُوحُ قَلْبِي عَلَى رِجَالِ قِيرِ حَارِسَ مِثْلَ نَايٍ لِأنَّ ثَروَةَ مُوآبَ هَلَكَتْ. لِأنَّ كُلَّ رَأسٍ أصلَعُ، وَكُلَّ لِحيَةٍ مَحلُوقَةٌ. الجُرُوحُ عَلَى أيدِيهِمْ، وَالخَيْشُ عَلَى أجْسَامِهِمْ. فِي كُلِّ سَاحَاتِ مُدُنِهَا نَوْحٌ لِأنِّي كَسَرْتُ مُوآبَ مِثْلَ إنَاءٍ لَا يَرْغَبُ فِيهِ أحَدٌ،» يَقُولُ اللهُ . «يُنُوحُ أهْلُ مُوآبَ وَيَقُولُونَ: تَحَطَّمَ شَعْبُ مُوآبَ! أعْطَى ظَهرَهُ بِخِزيٍ! صَارَ أُضحُوكَةً وَعِبرَةً تُرعِبُ جَمِيعَ مَنْ هُمْ حَوْلَهُ.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَيَكُونُ الأمْرُ كَنَسرٍ مُنقَضٍّ وَبَاسِطٍ جَنَاحَيهِ عَلَى مُوآبَ. أُخِذَتِ المُدُنُ، وَهُزِمَتِ الحُصُونُ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، سَتَكُونُ قَلُوبُ أقوِيَاءِ مُوآبَ كَقَلْبِ امْرأةٍ فِي آلَامِ الوِلَادَةِ. لَنْ يَعُودَ مُوآبُ شَعْبًا فِيمَا بَعْدُ، لِأنَّهُ تَعَظَّمَ عَلَى اللهِ .» يَقُولُ اللهُ : «خَوفٌ وَحُفرَةٌ ومِصيَدَةٌ عَلَيْكَ يَا سَاكِنَ مُوآبَ. مَنْ يَهْرُبُ مِنَ الخَوفِ سَيَقَعُ فِي الحُفرَةِ. وَالَّذِي يَصْعَدُ مِنَ الحُفرَةِ، سَيُمسَكُ بِالمِصيَدَةِ. لِأنِّي سَأجْلِبُ هَذَا عَلَى شَعْبِ مُوآبَ فِي سَنَةِ عِقَابِهِمْ.» يَقُولُ اللهُ . «فِي ظِلِّ حَشبُونَ وَقَفَ الهَارِبُونَ بِلَا قُوَّةٍ، لِأنَّ نَارًا خَرَجَتْ مِنْ حَشْبُونَ، وَلَهِيبًا مِنْ بَيْتِ سِيحُونَ، وَسَيَلْتَهِمُ نَوَاصِيَ مُوآبَ، وَرَؤوسَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَحْتَفِلُونَ. وَيْلٌ لَكَ يَا مُوآبُ! شَعْبُ كَمُوشَ قَدْ فَنِيَ. لِأنَّ أبْنَاءَكَ أُخِذُوا إلَى السَّبيِ، وَبَنَاتِكَ إلَى الأسرِ. «لَكِنِّي سَأُعِيدُ مَا أُخِذَ مِنْ مُوآبَ فِي الأيَّامِ الأخِيرَةِ.» يَقُولُ اللهُ . هَذِهِ نِهَايَةُ الحُكْمِ عَلَى مُوآبَ. رِسَالَةٌ عَنِ العَمُّونِيِّينَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «ألَا يُوجَدُ لِإسْرَائِيلَ أبْنَاءٌ؟ ألَا يُوجَدُ لَهُ وَارِثٌ؟ إذًا لِمَاذَا يَمْتَلِكُ عَابِدُو مُولَكَ مُدُنَ جَادٍ، وَلِمَاذَا يَعِيشُ شَعْبُ مُولَكَ فِي مُدُنِ جَادٍ؟» يَقُولُ اللهُ : «لِذَلِكَ سَتَأْتِي أيَّامٌ، حِينَ أُطلِقُ صَوْتَ نِدَاءِ المَعْرَكَةِ عَلَى رَبَّةِ العَمُّونِيِّينَ، سَتَصِيرُ تَلًّا خَرِبًا. كُلُّ القُرَى المُحِيطَةِ بِهَا سَتُحرَقُ بِالنَّارِ. وَسَيَمْتَلِكُ بَنُو إسْرَائِيلَ الَّذِينَ امتَلَكُوهُمْ،» يَقُولُ اللهُ . «وَلْوِلِي يَا حَشبُونُ، لِأنَّ عَايًا، قَدْ خَرِبَتْ. اصرُخنَ يَا بَنَاتِ رَبَّةَ. البَسْنَ الخَيْشَ، وَلْوِلْنَ وَطُفْنَ بَيْنَ حَظَائِرِ الغَنَمِ. اعمَلْنَ هَذَا لِأنَّ مُولَكَ سَيَذْهَبُ إلَى السَّبيِ مَعَ كَهَنَتِهِ وَرُؤَسَائِهِ. لِمَاذَا تَتَفَاخَرِينَ بِقُوَّتِكِ؟ قُوَّتُكِ سَتَنهَارُ أيَّتُهَا البِنتُ الخَائِنَةُ! تَثِقينَ بِثَروَتِكِ وَتَقُولِينَ: ‹مَنْ يَقْدِرُ أنْ يُهَاجِمَنِي؟›» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ القَديرُ: «سَآتِي بِالخَوفِ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ هُمْ حَوْلَكِ. كُلُّكُمْ سَتُطرَدُونَ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ جَمعٌ لِلتَّائِهِينَ.» يَقُولُ اللهُ : «وَبَعْدَ هَذَا، سَأُعِيدُ مَا سُبِيَ مِنَ العَمُّونِيِّينَ.» رِسَالَةٌ عَنْ أدُومَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «ألَمْ تَعُدْ هُنَاكَ حِكمَةٌ فِي تَيمَانَ؟ هَلْ بَادَتِ القُدرَةُ عَلَى إعطَاءِ النَّصِيحَةِ مِنَ الفُهَمَاءِ؟ هَلْ فُقِدَتْ حِكمَتُهُمْ؟ يَا سُكَّانَ دَدَانَ، اهْرُبُوا، ارْجِعُوا وَاخْتَبِئُوا. لِأنِّي سَأجْلِبُ رُعبًا عَلَى عِيسُو، وَقْتَ عِقَابِي لَهُ. «إنْ جَاءَ قَاطِفُو العِنَبِ إلَيْكَ، فَإنَّهُمْ يَتْرُكُونَ بَعْضَ العَنَاقِيدِ. وَإنْ أتَى اللُّصُوصُ فِي اللَّيلِ، فَإنَّهُمْ يَنْهَبُونَ مَا يُرِيدُونَ فَقَطْ. أمَّا أنَا فَقَدْ جَرَّدْتُ عِيسُو تَمَامًا، كَشَفتُ أمَاكِنَهُ المُسْتَتِرَةَ، حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أنْ يَخْتَبِئَ. سَيُقضَى عَلَى نَسْلِهِ وَعَائِلَتِهِ وَأصْحَابِهِ، فَلَا يَعُودُ لَهُ وُجُودٌ فِيمَا بَعْدُ. اترُكْ يَتَامَاكَ، وَأنَا سَأُعْطِيهِمْ حَيَاةً. اترُكْ أرَامِلَكَ، وَسَيَتَّكِلْنَ عَلَيَّ.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «بَعْضُ الَّذِينَ سَيَشْرَبُونَ كَأسَ الغَضَبِ لَمْ يُتَّهَمُوا بِخَطيَّةٍ، أمَّا أنْتَ يَا أدُومُ فَقَدْ أخطَأتَ، وَلِذَا فَإنَّكَ حَتمًا سَتَشْرَبُ مِنْ كَأسِ غَضَبِ اللهِ . فَأنَا قَدْ أقْسَمْتُ بِذَاتِي، يَقُولُ اللهُ ، إنَّكَ سَتَصِيرُ خَرَابًا وَسَبَبَ رُعبٍ وَسُخْرِيَةٍ وَلَعنَةً. سَتَصِيرُ بُصرَةُ وَمُدُنُهَا خَرَابًا أبَدِيًّا.» سَمِعْتُ خَبَرًا مِنَ اللهِ ، وَأرْسَلَ رَسُولًا إلَى الأُمَمِ يَقُولُ: «تَجَمَّعُوا وَتَعَالَوْا عَلَى أدُومَ، وَانْهَضُوا لِلمَعرَكَةِ. هَا إنِّي سَأجَعَلُكَ صَغِيرًا بَيْنَ الأُمَمِ يَا أدُومُ، وَسَتَكُونُ مُحتَقَرًا بَيْنَ النَّاسِ. خُدِعْتَ بِقُدرَتِكَ عَلَى إثَارَةِ الرُّعبِ، وَبِكِبرِيَاءِ قَلْبِكَ. أيُّهَا السَّاكِنُ فِي شُقُوقِ الصَّخرِ، وَالمَالِكُ التَّلَّةَ المُرْتَفِعَةَ. مَعَ أنَّكَ تَجْعَلُ عُشَّكَ مُرْتَفِعًا كَمَا يَعْمَلُ النَّسرُ، لَكِنِّي سَأُنزِلُكَ مِنْ هُنَاكَ.» يَقُولُ اللهُ . «سَتُصبِحُ أدُومُ مَثَارَ رُعبٍ لِغَيرِهَا، وَسَيَذْعَرُ وَيَنْدَهِشُ كُلُّ مَنْ يَمُرُّ فِيهَا. كَمَا انقَلَبَتْ سَدُومُ وَعَمُورَةُ وَسُكَّانُهَا، هَكَذَا لَنْ يَسْكُنَ أحَدٌ هُنَاكَ، وَلَنْ يَرْتَحِلَ فِيهَا أحَدٌ.» يَقُولُ اللهُ . كَمَا يَصْعَدُ أسَدٌ مِنْ أدغَالِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ إلَى مَرعَىً دَائِمٍ، هَكَذَا سَأطرُدُ أدُومَ سَرِيعًا مِنْ هَذِهِ الأرْضِ، وَسَأُعَيِّنُ مَنْ أختَارُهُ. لِأنَّهُ مَنْ مِثْلِي؟ وَمَنْ سَيَدْعُونِي إلَى المَحْكَمَةِ؟ وَمَنْ هُوَ الرَّاعِي الَّذِي يَقِفُ أمَامِي؟ لِذَلِكَ اسْمَعُوا قَضَاءَ اللهِ عَلَى أدُومَ، وَالأحكَامَ الَّتِي قَرَّرَهَا ضِدَّ سُكَّانِ تَيمَانَ. سَيُسْحَبُ الصِّغَارُ كَالغَنَمِ، وَلَنْ يَبْقَى أحَدٌ فِي المَرَاعِي بِسَبِبِ ذَلِكَ. سَتَرْتَجِفُ الأرْضُ مِنْ صَوْتِ سُقُوطِهِمْ. وَسَيُسمَعُ صَوْتُ صُرَاخِهِمْ حَتَّى فِي البَحْرِ الأحْمَرِ. سَأكُونُ كَالنَّسرِ الَّذِي يَرْتَفِعُ وَيَنْطَلِقُ وَيَبْسُطُ جَنَاحَيهِ عَلَى بُصْرَةَ، وَقَلْبُ جَبَابِرَةِ أدُومَ سَيَصِيرُ كَقَلْبِ امْرأةٍ تَتَمَخَّضُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. رِسَالَةُ اللهِ عَنْ دِمَشقَ: «خَزِيَتْ حَمَاةُ وَأرفَادُ، لِأنَّهُمَا سَمِعَتَا خَبَرًا رَدِيئًا. ذَابَ سُكَّانُهُمَا مِنَ الخَوفِ، وَاضطَرَبُوا كَبَحرٍ هَائِجٍ لَا يَهْدَأُ. ضَعُفَتْ دِمَشقُ. التَفَتَتْ لِتَهْرُبَ، لَكِنَّ الرُّعبَ أمسَكَهَا. أمسَكَتْهَا الرَّعدَةُ وَالألَمُ. مِثْلَ امْرأةٍ تَلِدُ. «كَيْفَ لَمْ تُهْجَرِ المَدِينَةُ السَّعِيدَةُ بَعْدُ، مَدِينَةُ المُتْعَةِ؟ لِذَلِكَ، سَيَسْقُطُ شَبَابُهَا فِي سَاحَاتِهَا، وَجُنُودُهَا سَيُقْتَلُونَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «سَأُشعِلُ نَارًا فِي أسْوَارِ دِمَشقَ، وَسَتَلْتَهِمُ قُصُورَ بَنْهَدَدَ.» رِسَالَةٌ بِخُصُوصِ قِيدَارَ وَمَمَالِكِ حَاصُورَ الَّتِي ضَرَبَهَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ، مَلِكُ بَابِلَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «قُومُوا وَاصعَدُوا إلَى قِيدَارَ، وَاضرِبُوا سُكَّانَ المَشْرِقِ. خِيَمُهُمْ وَقُطعَانُهُمْ سَتُؤخَذُ، مَعَ سَتَائِرِ خِيَمِهِمُ الدَّاخِلِيَّةِ وَآنِيَتِهِمْ. سَيَأْخُذُونَ جِمَالَهُمْ، وَيُنَادُونَ إلَيْهِمْ: ‹الرُّعبُ مِنْ حَوْلِكُمْ،› اهرُبُوا! فِرُّوا بَعِيدًا! اختَبِئُوا، يَا سُكَّانَ حَاصُورَ،» يَقُولُ اللهُ ، «لِأنَّ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، مَلِكَ بَابِلَ، قَدْ وَضَعَ عَلَيْكُمْ خُطَطًا، وَتَآمَرَ عَلَيْكُمْ. «قُومُوا! حَارِبُوا أُمَّةً تَسْكُنُ بِاطمِئنَانٍ، أُمَّةً تَشْعُرُ بِالأمَانِ وَالحِمَايَةِ. لَيْسَ لَهَا بَوَّابَاتٌ أوْ عَوَارِضُ، وَتَسْكَنُ وَحدَهَا.» يَقُولُ اللهُ . «سَتَصِيرُ جِمَالُهُمْ غَنِيمَةً، وَمَاشِيَتُهُمُ الكَثِيرَةُ سَلْبًا. وَسَأُبَدِّدُ الشَّعْبَ مَحلُوقَ السَّوَالِفِ إلَى جِهَاتِ الرِّيَاحِ الأرْبَعِ. وَسَأجْلِبُ المَصَائِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ،» يَقُولُ اللهُ . «وَسَتَصِيرُ حَاصُورُ مَسكَنًا لِبَنَاتِ آوَى، وَمَكَانًا خَرِبًا إلَى الأبَدِ. لَنْ يَسْكُنَ هُنَاكَ أحَدٌ، وَلَنْ يَرْتَحِلَ فِيهَا أحَدٌ.» هَذِهِ هِيَ كَلِمَةُ اللهِ الَّتِي أتَتْ إلَى إرْمِيَا النَّبِيِّ بِخُصُوصِ عِيلَامَ فِي بِدَايَةِ مُلكِ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «سَأُكَسِّرُ قُوَّةَ عِيلَامَ العَسكَرِيَّةَ، سَأُكَسِّرُ قُوَّتَهَا العَظِيمَةَ، سَأجْلِبُ عَلَى عِيلَامَ الرِّيَاحَ الأرْبَعَ مِنْ أرْبَعِ زَوَايَا السَّمَاءِ. سَأُبَدِّدُهُمْ إلَى جِهَاتِ الرِّيحِ الأرْبَعِ، وَلَنْ تَكُونَ هُنَاكَ أُمَّةٌ لَنْ يُطرَدَ إلَيْهَا شَعْبُ عِيلَامَ. سَأُحَطِّمُ شَعْبَ عِيلَامَ أمَامَ أعْدَائِهِمْ، وَأمَامَ مَنْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُمْ. وَسَأجْلِبُ عَلَيْهِمْ ألَمًا، لِأُرِيهِمْ غَضَبِي عَلَيْهِمْ، وَسَأطرُدُهُمْ بِالحَرْبِ حَتَّى أُفنِيهِمْ.» يَقُولُ اللهُ . «سَأضَعُ عَرشِي فِي عِيلَامَ، سَأُلَاشِي المَلِكَ وَالرُّؤَسَاءَ مِنْ هُنَاكَ.» يَقُولُ اللهُ . «وَلَكِنْ بَعْدَ تِلْكَ الأيَّامِ، سَأُعِيدُ مَا أُخِذَ مِنْ عِيلَامَ.» يَقُولُ اللهُ . هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا اللهُ عَنْ بَابِلَ وَأرْضِ البَابِلِيِّينَ عَلَى فَمِ إرْمِيَا النَّبِيِّ. «أعلِنُوا لِكُلِّ الأُمَمِ وَخَبِّرُوا، ارفَعُوا رَايَةً، أخبِرُوا. لَا تُخفُوا الأمْرَ، قُولُوا: ‹أُخِذَتْ بَابِلُ، خَزِيَ بِيلٌ، ارتَعَبَ مَرُودَخُ. أصْنَامُهَا خَزِيَتْ، تَمَاثِيلُهَا ارتَعَبَتْ.› لِأنَّ أُمَّةً قَدْ صَعِدَتْ عَلَيْهَا مِنَ الشِّمَالِ، تُريدُ أنْ تَجْعَلَ أرْضَهَا خَرِبَةً. لَنْ يَكُونَ فِيهَا سَاكِنٌ، سَيَهْرُبُ مِنْهَا النَّاسُ وَالحَيَوَانَاتُ. فِي تِلْكَ الأيَّامِ وَذَلِكَ الوَقْتِ،» يَقُولُ اللهُ ، «سَيَأْتِي بَنُو إسْرَائِيلَ وَبَنُو يَهُوذَا مَعًا، سَيَأْتُونَ وَهُمْ يَبْكُونَ، وَسَيَطْلُبُونَ . سَيَسألُونَ عَنْ صِهْيَوْنَ، وَهِيَ سَتَكُونُ مَنَارَتَهُمْ، سَيَأْتُونَ وَيَلْتَصِقُونَ بِاللهِ . فِي عَهْدٍ أبَدِيٍّ لَا يُنْسَى. «صَارَ شَعْبِي خِرَافًا ضَالَّةً، رُعَاتُهُمْ أضَلُّوهُمْ، شَتَّتُوهُمْ عَلَى الجِبَالِ. يَذْهَبُونَ مِنْ جَبَلٍ إلَى تَلَّةٍ. نَسَوْا مَكَانَ رَاحَتِهِمْ. كُلُّ مَنْ وَجَدَهُمْ التَهَمَهُمْ، قَالَ أعْدَاؤُهُمْ: ‹لَسنَا مُذنِبِينَ، لِأنَّ أُولَئِكَ النَّاسَ أخْطَأُوا إلَى اللهِ ، الَّذِي هُوَ مَرعَاهُمُ الرَّائِعُ، اللهُ ، الَّذِي وَضَعَ آبَاؤُهُمْ رَجَاءَهُمْ فِيهِ.› «اهرُبُوا مِنْ وَسَطِ بَابِلَ، مِنْ أرْضِ البَابِلِيِّينَ. اخرُجُوا وَكُونُوا مِثْلَ التُّيُوسِ الَّتِي تَسِيرُ أمَامَ الغَنَمِ. لِأنِّي سَأنهَضُ وَأجْلِبُ عَلَى بَابِلَ جَمَاعَةً مِنْ أُمَمٍ عَظِيمَةٍ، مِنْ أرْضِ الشِّمَالِ. سَيَجْتَمِعُونَ مَعًا ضِدَّهَا، وَسَتُسبَى مِنَ الشِّمَالِ. سَتَكُونُ سِهَامُهُمْ كَالمُحَارِبِينَ المَهَرَةِ، الَّذِينَ لَا يَعُودُونَ فَارِغِي الأيدِي. فَسَيُسلَبُ البَابِلِيُّونَ، وَسَيَشْبَعُ الَّذِي سَيَسْبِيهَا،» يَقُولُ اللهُ . «مَعَ أنَّكُمْ تَحْتَفِلُونَ، وَمَعَ أنَّكُمْ، أيُّهَا السَّالِبُونَ مِيرَاثِي، تَفْرَحُونَ، وَمَعَ أنَّكُمْ تَرْقُصُونَ كَبَقَرَةٍ دَائِسَةٍ، وَتَصْهَلُونَ كَخَيلٍ قَوِيَّةٍ، إلَّا أنَّ أُمَّكُمْ سَتَخْجَلُ، وَالَّتِي حَمَلَتكُمْ سَتُخزَى. فَبَعدَ مَجِيءِ الأُمَمِ وَذَهَابِهَا، لَنْ تَكُونَ بَابِلُ سِوَى بَرِّيَّةٍ وَأرْضٍ قَاحِلَةٍ وَصَحرَاءَ. بِسَبَبِ غَضَبِ اللهِ لَنْ تُسكَنَ، لَكِنَّهَا سَتُخَرَّبُ بِالْكَامِلِ. كُلُّ مَنْ يَمُرُّ فِي بَابِلَ سَيَنْدَهِشُ، وَسَيَصْفُرُونَ استِهزَاءً عَلَى جُرُوحِهَا. «حَاصِرُوا بَابِلَ يَا كُلَّ ضَارِبِي السِّهَامِ، ارمُوا عَلَيْهَا جَمِيعَ سِهَامِكُمْ لِأنَّهَا قَدْ أخطَأتْ إلَى اللهِ . اهتِفُوا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ حَوْلَهَا. إنَّهَا تَطْلُبُ الرَّحمَةَ. أعمِدَتُهَا قَدْ سَقَطَتْ، أسوَارُهَا تَهَدَّمَتْ. لِأنَّ هَذِهِ هِيَ نَقمَةُ اللهِ ، انتَقِمُوا مِنْهَا. اصنَعُوا بِهَا كَمَا صَنَعَتْ بِالآخَرِينَ. اقطَعُوا كُلَّ زَارَعٍ مِنْ بَابِلَ، وَكَلَّ مَنْ يُمْسِكُ بِمِنجَلِهِ وَقْتَ الحَصَادِ. كُلُّ وَاحِدٍ سَيَتْرُكُ المَعرَكَةَ الشَّدِيدَةَ لِيَذْهَبَ إلَى شَعْبِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ سَيَهْرُبُ إلَى أرْضِهِ. «إسْرَائِيلُ قَطِيعٌ مُشَتَّتٌ طَارَدَتْهُ الأُسُودُ. أوَّلُ مَنْ أكَلَهُمْ كَانَ مَلِكَ أشُّورَ، وَآخِرُ مَنْ أكَلَ عِظَامَهُمْ كَانَ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ.» لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «سَأُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَأرْضَهُ، كَمَا عَاقَبتُ مَلِكَ أشُّورَ. «سَآتِي بِإسْرَائِيلَ إلَى مَرعَاهُ. وَسَيَرْعَى فِي الكَرمِلِ وَبَاشَانَ، وَفِي تِلَالِ أفْرَايِمَ وَفِي جِلعَادَ سَيَكُونُ هُنَاكَ طَعَامٌ وَفِيرٌ.» يَقُولُ اللهُ : «فِي تِلْكَ الأيَّامِ، وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَبْحَثُ النَّاسُ عَنْ إثمِ إسْرَائِيلَ، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا شَيْئًا، وَسَيَبْحَثُونَ عَنْ خَطَايَا يَهُوذَا، فَلَنْ يَجِدُوهَا، لِأنِّي سَأغفِرُ لِلبَقِيَّةِ الَّتِي نَجَّيتُهَا.» يَقُولُ اللهُ : «حَارِبُوا أرْضَ مِرَاثَايِمَ، وَحارِبُوا سُكَّانَ فَقُودَ. اقتُلُوهُمْ بِالسَّيْفِ، وَاقْضُوا عَلَيْهِمْ تَمَامًا. اعْمَلُوا مَا أمَرْتُكُمْ بِهِ.» «هُنَاكَ صَوْتُ حَرْبٍ وَدَمَارٍ عَظِيمٍ فِي الأرْضِ. كَيْفَ انكَسَرَتْ مِطرَقَةُ كُلِّ الأرْضِ وَتحَطَّمَتْ! كَيْفَ صَارَتْ بَابِلُ خَرِبَةً بَيْنَ الأُمَمِ! وَضَعْتُ فَخًّا لَكِ، وَقَدْ أُمسِكْتِ يَا بَابِلُ، وَلَمْ تَعْرِفِي ذَلِكَ. وَقَدْ وُجِدْتِ وَأُمسِكْتِ، لِأنَّكِ حَارَبْتِ اللهَ . فَتَحَ اللهُ مَخزَنَ أسلِحَتِهِ، وَسَيُرسِلُ آلَاتِ غَضَبِهِ. لِأنَّ هَذَا مَا يَصْنَعُهُ الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ فِي أرْضِ البَابِلِيِّينَ. «تَعَالَوْا إلَيْهَا مِنْ أقَاصِي الأرْضِ، افتَحُوا مَخَازِنَ قَمْحِهَا. اجعَلُوهَا أكْوَامًا، وَأفنُوهَا بِالكَامِلِ، وَلَا تَتْرُكُوا لَهَا بَقِيَّةً. اقتُلُوا كُلَّ ثِيرَانِهَا بِالسَّيْفِ، قُودُوهُمْ لِلذَّبحِ. وَيْلٌ لَهُمْ، لِأنَّ يَوْمَ عِقَابِهِمْ قَدْ جَاءَ. هُنَاكَ صَوْتُ نَاجِينَ وَفَارِّينَ مِنْ بَابِلَ، سَيُعلِنُونَ فِي صِهْيَوْنَ نَقمَةَ بِسَبَبِ مَا حَدَثَ لِهَيْكَلِهِ. «ادعُوا الضَّارِبِينَ بِالسِّهَامِ إلَى بَابِلَ، ادعُوا كُلَّ الَّذِينَ يَشُدُّونَ القَوسَ. خَيِّمُوا حَوْلَهَا، وَلَا تَسْمَحُوا بِأنْ يَكُونَ هُنَاكَ نَاجٍ وَاحِدٌ. كَافِئُوهَا عَلَى أعْمَالِهَا بِمَا تَسْتَحِقُّ. اصنَعُوا بِهَا كَمَا صَنَعَتْ بِالآخَرِينَ. لِأنَّهَا تَعَجرَفَتْ عَلَى اللهِ ، عَلَى قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ. لِذَلِكَ سَيَسْقُطُ كُلُّ أبْطَالِهَا فِي سَاحَاتِهَا، وَكُلُّ رِجَالِهَا المُحَارِبِينَ سَيَصْمُتُونَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ.» يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ القَدِيرُ: «سَأُقَاوِمُكِ أيَّتُهَا المُتَعَجرِفَةُ. لِأنَّ يَوْمَكِ قَدْ جَاءَ، وَقْتَكِ الَّذِي فِيهِ سَأُعَاقِبُكِ. سَيَتَرَنَّحُ المُتَعَجرِفُ وَيَسْقُطُ، وَلَنْ يَكُونَ لَهُ مَكَانٌ لِيَعِيشَ فِيهِ. سَأُشعِلُ نَارًا فِي مُدُنِهِ، فَتَأْكُلُ كُلَّ مَا حَوْلَهَا.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «كِلَا شَعْبَيَّ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا مَظلُومَانِ، فَكُلُّ الَّذِينَ سَبُوهُمْ أمسَكُوهُمْ، وَهُمْ يَرْفُضُونَ أنْ يُطلِقُوهُمْ. وَلَكِنَّ فَادِيَهُمْ قَوِيٌّ، اسْمُهُ يهوه القَدِيرُ. وَهُوَ مَنْ سَيُدَافِعُ عَنْ قَضِيَّتِهِمْ، لِذَلِكَ سَتَسْتَرِيحُ أرْضُهُمْ، وَلَكِنَّهُ سَيُزعِجُ سُكَّانَ بَابِلَ. هَا سَيفٌ مَرْفُوعٌ عَلَى البَابِلِيِّينَ، يَقُولُ اللهُ . عَلَى جَمِيعِ سُكَّانِ بَابِلَ، وَعَلَى رُؤَسَائِهَا وَحُكَمَائِهَا. هَا سَيفٌ مَرْفُوعٌ عَلَى العَرَّافِينَ، لِكَي تَظْهَرَ حَمَاقَتُهُمْ. هَا سَيفٌ مَرْفُوعٌ عَلَى جَبَابِرَتِهَا، وَسَيَرْتَعِبُونَ. هَا سَيفٌ مَرْفُوعٌ عَلَى خَيلِهَا وَمَرْكَبَاتِهَا وَالجُيُوشِ الغَرِيبَةِ الَّتِي فِيهَا، وَسَيَصِيرُونَ مِثْلَ النِّسَاءِ. هَا سَيفٌ مَرْفُوعٌ عَلَى مَخَازِنِهَا، وَسَتُنهَبُ. هُنَاكَ جَفَافٌ فِي مِيَاهِهَا. لِأنَّهَا أرْضُ أوْثَانٍ. أوْثَانُهُمْ تُفقِدُهُمْ صَوَابَهُمْ. لِذَلِكَ، سَيَسْكُنُ فِيهَا وُحُوشُ الصَّحرَاءِ وَبَنَاتُ آوَى وَالنَّعَامُ. لَنْ تُسكَنَ فِيمَا بَعْدُ، وَلَنْ يَعِيشُوا فِيهَا فِي الأجيَالِ القَادِمَةِ. وَكَمَا قَلَبَ اللهُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالقُرَى المُجَاوِرَةِ،» «فَلَنْ يَسْكُنَ أحَدٌ فِي بَابِلَ، وَلَنْ يُسَافِرَ عَبْرَهَا إنْسَانٌ.» يَقُولُ اللهُ . «هَا شَعْبٌ قَادِمٌ مِنَ الشِّمَالِ مِنْ أُمَّةٍ عَظِيمَةٍ. مُلُوكٌ كَثِيرُونَ اسْتَيْقَظُوا مِنْ أقَاصِي الأرْضِ. يُمْسِكُونَ القَوسَ وَالرُّمحَ. إنَّهُمْ قُسَاةٌ بِلَا رَحمَةٍ. صَوْتُهُمْ كَأمْوَاجِ البَحْرِ حِينَ يَرْكَبُونَ خُيُولَهُمْ. يَصْطَفُّونَ عَلَيْكِ كَرِجَالٍ لِلحَرْبِ، أيَّتُهَا الِابْنَةُ بَابِلُ. سَمِعَ مَلِكُ بَابِلَ نَبَأ اقتِرَابِهِمْ فَارتَخَتْ يَدَاهُ. أمسَكَ بِهِ الضِّيقُ وَالألَمُ كَألَمِ مَنْ تَلِدُ. «مِثْلَ أسَدٍ يَصْعَدُ مِنْ غَابَاتِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ إلَى مَرعَىً دَائِمٍ لِيُطَارِدَ الخِرَافَ، هَكَذَا سَأُرْعِبُهُمْ، وَسَأجعَلُهُمْ يَهْرُبُونَ مِنْ بَابِلَ. وَسَأُعَيِّنُ عَلَيْهِمْ مَنْ أختَارُ. لِأنَّهُ مَنْ مِثْلِي؟ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُعَلِّمَنِي شَيْئًا؟ وَأيُّ رَاعٍ يَسْتَطِيعُ الوُقُوفَ أمَامِي؟» فَاسْمَعُوا قَضَاءَ اللهِ عَلَى بَابِلَ، وَالأحكَامَ الَّتِي قَرَّرَهَا ضِدَّ أرْضِ البَابِلِيِّينَ. «سَيُسْحَبُ الصِّغَارُ كَالغَنَمِ، وَلَنْ يَبْقَى أحَدٌ فِي المَرَاعِي بِسَبِبِ ذَلِكَ. عِنْدَمَا يُخبِرُونَ بِأنَّ بَابِلَ أُمسِكَتْ، سَتَرْتَجِفُ الأرْضُ، وَسَتُسمَعُ صَرخَةُ ألَمٍ وَسَطَ كُلِّ الأُمَمِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَأُثِيرُ عَلَى بَابِلَ وَعَلَى سُكَّانِ لِيبَ قَامَايَ رِيحًا مُدَمِّرَةً. سَأُرْسِلُ غُرَبَاءَ عَلَى بَابِلَ، وَسَيُذَرُّونَهَا وَيُفرِغُونَ أرْضَهَا. لِأنَّهُمْ سَيَأْتُونَ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، عِنْدَمَا يَأْتِي يَوْمُ ضِيقِهَا. لَا تَسْمَحُوا لِحَامِلِ القَوسِ بِأنْ يَشُدَّ قَوْسَهُ، أوْ يَلْبِسَ دِرْعَهُ. لَا تُشفِقُوا عَلَى شُبَّانِهَا، أفنُوا كُلَّ جَيْشِهَا. الجُنُودُ الجَرحَى سَيَسْقُطُونَ فِي أرْضِ بَابِلَ، وَالَّذِينَ طُعِنُوا بِالرُّمحِ سَيُطرَحُونَ فِي شَوَارِعِهَا.» لِأنَّ اللهَ القَدِيرَ لَمْ يَتْرُكْ إسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، مَعَ أنَّ أرْضَهُمَا امتَلأتْ إثمًا أمَامَ قُدُّوسِ إسْرَائِيلَ. اهرُبُوا مِنْ وَسَطِ بَابِلَ. لِيَهْرُبْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَيَاتِهِ. لَا تَهْلِكُوا بِإثمِهَا. لِأنَّ هَذَا هُوَ وَقْتُ نَقمَةِ اللهِ ، وَسَيُجَازِيهَا عَنْ كُلِّ أعْمَالِهَا. بَابِلُ كَأسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ اللهِ ، سَتُسكِرُ كُلَّ الأرْضِ. سَكِرَتِ الأُمَمُ مِنْ خَمرِهَا، فَفَقَدَتْ عَقلَهَا! سَقَطَتْ بَابِلُ فَجْأةً، وَتَحَطَّمَتْ. وَلوِلُوا عَلَيْهَا. خُذُوا بَلَسَانًا لِأجْلِ جُرحِهَا، فَلَرُبَّمَا تُشفَى. حَاوَلْنَا أنْ نَشفِيَ بَابِلَ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تُشفَ. اترُكُوهَا، وَلْيَذْهَبْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إلَى أرْضِهِ. لِأنَّ دَينُونَتَهَا قَدْ بَلَغَتِ السَّمَاءَ، وَارتَفَعَتْ كَارتِفَاعِ السَّحَابِ. أظْهَرَ اللهُ بِرَّنَا، تَعَالَوْا، سَنَروِي فِي صِهْيَوْنَ قِصَّةَ عَمَلِ . سُنُّوا سِهَامَكُمْ، جَهِّزُوا أسلِحَتَكُمْ. قَدْ أنْهَضَ اللهُ رُوحَ مُلُوكِ المَادِيِّينَ، لِأنَّهُ يُرِيدُ تَدْمِيرَ بَابِلَ. هَذَا انْتِقَامُ اللهِ لِهَيْكَلِهِ. ارفَعُوا رَايَةً عَلَى أسوَارِ بَابِلَ. شَدِّدُوا الحَرَسَ. ضَعُوا الحُرَّاسَ فِي مَوَاقِعِهِمْ. انصُبُوا أكمِنَةً. لِأنَّ اللهَ قَضَى وَسَيَعْمَلُ جَمِيعَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ سُكَّانِ بَابِلَ. أيَّتُهَا السَّاكِنَةُ قُرْبَ شَلَّالَاتِ المِيَاهِ، وَالمَالِكَةُ كُنُوزًا كَثِيرَةً، هَا إنَّ نِهَايَتَكِ قَدْ جَاءَتْ، وَانْقَطَعَ حَبلُ حَيَاتِكِ. أقْسَمَ اللهُ القَدِيرُ بِنَفْسِهِ: «ألَمْ أملأْكِ بِأُنَاسٍ كَثِيرِينَ يَحُومُونَ كَالجَرَادِ؟ إلَّا أنَّ عَدُوَّكِ سَيَهْتِفُ عَلَيْكِ هُتَافَ الِانْتِصَارِ!» اللهُ هُوَ صَانِعُ الأرْضِ بِقُوَّتِهِ، الَّذِي أسَّسَ العَالَمَ بِحِكمَتِهِ، وَالَّذِي بَسَطَ السَّمَاوَاتِ بِفَهْمِهِ. عِنْدَ أمْرِهِ يَرْتَفِعُ صَوْتُ المِيَاهِ فِي السَّمَاءِ، وَتَرْتَفِعُ الغُيُومُ مِنْ أقَاصِي الأرْضِ. صَنَعَ بُرُوقًا لِلمَطَرِ، وَالرِّيحُ تَخْرُجُ مِنْ مَخَازِنِهِ. أمَّا كُلُّ إنْسَانٍ فَأحْمَقُ وَقَلِيلُ المَعْرِفَةِ، كُلُّ حِرَفِيٍّ يُخْزَى مِنْ وَثَنِهِ، لِأنَّ تَمَاثِيلَهُ آلِهَةٌ مَزَيَّفَةٌ، وَلَا رُوحَ فِيهَا. هِيَ أُمُورٌ بَاطِلَةٌ، أشيَاءُ سَخِيفَةٌ. حِينَ يُعَاقَبُونَ سَيَهْلِكُونَ. أمَّا نَصِيبُ يَعْقُوبَ فَلَيْسَ مِثْلَهُمْ، لِأنَّهُ صَانِعُ كُلِّ شَيءٍ، وَصَانِعُ عَشِيرَةِ مِيرَاثِهِ، يهوه القَدِيرُ اسْمُهُ. وَيَقُولُ: «أنْتِ يَا بَابِلُ لِي عَصَا الحَرْبِ، وَسِلَاحُ المَعْرَكَةِ. أُحَطِّمُ أُمَمًا بِكِ، وَبِكِ أُدَمِّرُ مَمَالِكَ. أُحَطِّمُ الحِصَانَ وَرَاكِبَهُ بِكِ، وَبِكِ أُحَطِّمُ العَرَبَةَ وَرَاكِبَهَا، أُحَطِّمُ رِجَالًا وَنِسَاءً بِكِ، وَبِكِ أُحَطِّمُ شُيُوخًا وَشَبَابًا، فِتيَانًا وَفَتَيَاتٍ. أُحَطِّمُ رُعَاةً وَقُطْعَانًا بِكِ، وَبِكِ أُحَطِّمُ فَلَّاحِينَ وَثِيرَانَهُمْ. وَبِكِ أُحَطِّمُ حُكَّامًا وَأصَحَابَ نُفُوذٍ. سَأُجَازِي بَابِلَ وَجَمِيعَ سُكَّانِهَا حَسَبَ الأعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي صِهْيَوْنَ أمَامَ عَيْنَيْكِ.» يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ اللهُ : «أنَا ضِدُّكَ يَا جَبَلَ الهَلَاكِ، يَا مُخَرِّبَ كُلِّ الأرْضِ. وَسَأمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ، وَسَأجعَلُكَ تَتَدَحرَجُ مِنْ فَوقِ الصُّخُورِ، وَسَأجعَلُكَ جَبَلًا مَحرُوقًا. لَنْ يَقْدِرُوا أنْ يَأْخُذُوا مِنْكَ حَجَرًا لِلزَّاوِيَةِ، أوْ حَجَرًا لِلأسَاسَاتِ، بَلْ سَتَكُونُ خَرِبًا إلَى الأبَدِ،» يَقُولُ اللهُ . «ارفَعُوا عَلَامَةً تَحْذِيرِيَّةً فِي أرْضِكُمْ، اضرِبُوا بِالبُوقِ بَيْنَ الأُمَمِ. أعِدُّوا الأُمَمَ لِمُحَارَبَةِ بَابِلَ، ادعُوا المَمَالِكَ لِأنْ تَأْتِيَ عَلَيْهَا، ادعُوا أرَارَاطَ وَمِنِّي وَأشكَنَازَ. عَيِّنُوا وَالِيًا عَلَيْهَا، أرسِلُوا الخُيُولَ كَجَرَادٍ هَائِجٍ. أعِدُّوا الأُمَمَ لِمُحَارَبَةِ بَابِلَ، مُلُوكَ مَادِي وَحُكَّامَهَا، وَكُلَّ البِلَادِ الَّتِي يَحْكُمُونَهَا. ارتَجَفَتِ الأرْضُ وَتَلَوَّتْ، لِأنَّ أحكَامَ اللهِ ضِدَّ أرْضِ بَابِلَ تَتَحَقَّقُ. وَهُوَ يُحَوِّلُهَا إلَى صَحرَاءَ مَهجُورَةٍ. جَبَابِرَةُ بَابِلَ تَوَقَّفُوا عَنِ القِتَالِ، وَيَبْقُونَ فِي حُصُونِهِمْ. ذَبُلَتْ قُوَّتُهُمْ. إنَّهُمْ كَالنِّسَاءِ. مَسَاكِنُهَا تَحْتَرِقُ، عَوَارِضُهَا تَحَطَّمَتْ. يَرْكُضُ عَدَّاءٌ وَرَاءَ عَدَّاءٍ، وَمُخَبِّرٌ وَرَاءَ مُخَبِّرٍ لِيُعلِنَ لِمَلِكِ بَابِلَ أنَّ مَدِينَتَهُ قَدْ أُخِذَتْ. مَعَابِرُ الأنهَارِ قَدْ أُمسِكَتْ، نَبَاتَاتُ المُسْتَنْقَعَاتِ أُحرِقَتْ بِالنَّارِ، وَرِجَالُ الحَرْبِ ارتَعَبُوا.» فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: «الِابْنَةُ بَابِلُ كَالبَيْدَرِ فِي وَقْتِ دَرْسِهِ، وَبَعْدَ قَلِيلٍ سَيَأْتِي وَقْتُ حَصَادِهَا.» تَقُولُ القُدْسُ: «نَبُوخَذْنَاصَّرُ، مَلِكُ بَابِلَ، التَهَمَنِي وَأفنَانِي، وَألقَانِي كَإنَاءٍ فَارِغٍ. ابتَلَعَنِي كَأفعَىً، مَلأ بَطنَهُ مِنْ مُشتَهَيَاتِي، ثُمَّ تَقَيَّأنِي. لِيَقُلْ سُكَّانُ صِهْيَوْنَ: ‹لِيَأْتِ الظُّلمُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيَّ وَعَلَى عَائِلَتِي عَلَى بَابِلَ،› وَلْتَقُلِ القُدْسُ: ‹لِيَكُنْ دَمُنَا عَلَى البَابِلِيِّينَ.›» لِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «سَأُدَافِعُ عَنْ قَضِيَّتِكِ، وَسَأنتَقِمُ لَكِ. سَأجْعَلُ بَحرَهَا صَحرَاءَ، وَسَأُجَفِّفُ يَنَابِيعَهَا. وَسَتَصِيرُ بَابِلُ كَومَةً مِنْ حِجَارَةٍ، وَمَسكَنًا لِبَنَاتِ آوَى، وَسَبَبَ رُعبٍ وَتَعْيّيرٍ لِأنَّهَا بِلَا سُكَّانٍ. يُزَمجِرُ سُكَّانُ بَابِلَ مَعًا كَالأُسُودِ، وَيَزأرُونَ كَأشبَالِ الأُسُودِ. عِنْدَمَا يَنْهَضُونَ سَأُهَيِّئُ وَلَائِمَهُمْ، وَسَأُسْكِرُهُمْ فَيَضْحَكُونَ كَثِيرًا. ثُمَّ سَيَنَامُونَ نَومًا أبَدِيًّا، وَلَنْ يَسْتَيْقِظُوا،» يَقُولُ اللهُ . «سَأُنزِلُهُمْ كَغَنَمٍ لِلذَّبحِ، مِثْلَ كِبَاشٍ وَتُيُوسٍ.» «كَيْفَ أُخِذَتْ شِيشَكُ، فَخرُ بِلَادِ الأرْضِ احتُلَّتْ! كَيْفَ صَارَتْ بَابِلُ سَبَبَ رُعبٍ لِلأُمَمِ مِنْ حَوْلِهَا! صَعِدَ البَحرُ عَلَى بَابِلَ، وَأموَاجُهُ الصَّاخِبَةُ غَطَّتهَا. صَارَتْ مُدُنُهَا سَبَبًا لِرُعبِ كُلِّ مَنْ يَسَمَعُ عَنْهَا. فَقَدْ صَارَتْ أرْضًا جَافَّةً وَقَاحِلَةً. لَيْسَ فِيهَا أحَدٌ، وَلَا يُسَافِرُ فِيهَا إنْسَانٌ. سَأُعَاقِبُ الوَثَنَ بِيلًا فِي بَابِلَ، وَسَأجعَلُهُ يَتَقَيَّأُ مَا ابتَلَعَهُ. لَنْ تَتَدَفَّقَ الأُمَمُ إلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ، وَأسوَارُ بَابِلَ سَتَسْقُطُ. اخرُجْ يَا شَعْبِي مِنْ وَسَطِهَا فَلْيَنْجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَيَاتِهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ الشَّدِيدِ. لَا تُصَابُوا بِالإحْبَاطِ، وَلَا تَخَافُوا مِنَ الأخْبَارِ الَّتِي سَتُسْمَعُ فِي الأرْضِ. سَيَأْتِي خَبَرٌ فِي سَنَةٍ، ثُمَّ سَيَأْتِي خَبَرٌ آخَرُ فِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ، خَبَرُ عُنْفٍ فِي الأرْضِ، خَبَرُ حَاكِمٍ يُقَاتِلُ حَاكِمًا. لِذَلِكَ، سَتَأْتِي الأيَّامُ الَّتِي فِيهَا أُعَاقِبُ أصْنَامَ بَابِلَ. حِينَ سَتُخزَى أرْضُهَا، وَسَيَسْقُطُ جَرحَاهَا فِي وَسَطِهَا. حِينَئِذٍ، السَّمَاءُ وَالأرْضُ، وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهِمَا، سَيَهْتِفُونَ فَرَحًا عَلَى بَابِلَ، لِأنَّهُ سَيَأْتِي مِنَ الشِّمَالِ مُخَرِّبُونَ عَلَيْهَا.» يَقُولُ اللهُ . «سَتَسْقُطُ بَابِلَ بِسَبَبِ جَرحَى إسْرَائِيلَ الَّذِينَ سَقَطُوا، وَبِسَبَبِ جَرحَى كُلِّ الأرْضِ الَّذِينَ سَقَطُوا. أيُّهَا النَّاجُونَ مِنَ المَعْرَكَةِ، تَعَالَوْا، لَا تَقِفُوا هُنَاكَ. اذكُرُوا اللهَ مِنْ بَعِيدٍ، وَلْتَخْطُرِ القُدْسُ بِبَالِكُمْ.» يَقُولُ المَسبِيُّونَ: «لَقَدْ خَزِينَا لِأنَّنَا سَمِعْنَا تَعْيِيرًا، غَطَّى الخَجَلُ وُجُوهَنَا، لِأنَّ غُرَبَاءَ صَعِدُوا عَلَى الأمَاكِنِ المُقَدَّسَةِ فِي بَيْتِ اللهِ .» يَقُولُ اللهُ : «لِذَلِكَ سَتَأْتِي أيَّامٌ حِينَ أُعَاقِبُ أصْنَامَهَا، وَيَئِنُّ الجَرحَى فِي كُلِّ أرْضِهَا. حَتَّى لَوِ ارتَفَعَتْ بَابِلُ إلَى السَّمَاءِ، وَلَوْ قَوَّتْ حُصُونَهَا، فَسَيَأْتِي عَلَيْهَا المُخَرِّبُونَ مِنْ عِندِي،» يَقُولُ اللهُ . «هَا صَوْتُ صُرَاخٍ مِنْ بَابِلَ، وَصَوْتُ كَسرٍ هَائِلٍ مِنْ أرْضِ البَابِلِيِّينَ. لِأنَّ اللهَ سَيُدَمِّرُ بَابِلَ، وَسَيُسْكِتُ ضَجِيجَهَا الصَّاخِبَ. سَتَهْدُرُ أموَاجُ الأعْدَاءِ كَشَلَّالَاتِ مِيَاهٍ، وَسَيَرْفَعُونَ أصوَاتَهُمْ بِالغِنَاءِ. لِأنَّ مُدَمِّرًا سَيَأْتِي عَلَى بَابِلَ. سَيُؤسَرُ مُحَارِبُوهَا، وَسَتُحَطَّمُ أقوَاسُهُمْ. لِأنَّ اللهَ هُوَ إلَهُ مُجَازَاةٍ، وَسَيُجَازِي بَابِلَ بِمَا تَسْتَحِقُّهُ. سَأُسكِرُ رُؤَسَاءَهَا وَحُكَمَاءَهَا وَحُكَّامَهَا وَوُلَاتَهَا وَأقوِيَاءَهَا. سَيَنَامُونَ إلَى الأبَدِ، وَلَنْ يَسْتَيْقِظُوا،» يَقُولُ المَلِكُ، الَّذِي اسْمُهُ يهوه القَدِيرُ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «أسوَارُ بَابِلَ سَمِيكَةٌ، وَلَكِنَّهَا سَتَزُولُ بِالتَّمَامِ، وَأبوَابُهَا المُرْتَفِعَةُ سَتُحرَقُ بِالنَّارِ. تَعَبُ الشُّعُوبِ سَيَكُونُ لِلدَّمَارِ، يُرهِقُونَ أنْفُسَهُمْ لِعَمَلِ مَا سَيُحْرَقُ بِالنَّارِ!» هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي أعْطَاهَا إرمِيَا النَّبِيُّ لِسَرَايَا بْنِ نِيرِيَّا بْنِ مَحْسِيَّا، عِنْدَمَا ذَهَبَ مَعَ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا إلَى بَابِلَ، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مُلكِهِ. وَكَانَ سَرَايَا مَسؤُولَ الجِزيَةِ المُقَدَّمَةِ لِمَلِكِ بَابِلَ. فَدَوَّنَ إرْمِيَا فِي مُخطُوطَةٍ جَمِيعَ هَذِهِ الكَوَارِثِ الَّتِي سَتُصِيبُ بَابِلَ، وَجَمِيعَ النُّبُوَّاتِ الَّتِي قِيلَتْ حَوْلَ بَابِلَ. قَالَ إرْمِيَا لِسَرَايَا: «عِنْدَمَا تَأْتِي إلَى بَابِلَ وَتَرَاهَا، أعلِنْ كُلَّ هَذَا الكَلَامَ، وَقُلْ: ‹يَا اللهُ ، أنْتَ قُلْتَ إنَّكَ سَتُدَمِّرُ هَذَا المَكَانَ، وَإنَّهُ لَنْ يَكُونَ فِيهِ سَاكِنٌ، لَا إنْسَانٌ وَلَا حَيَوَانٌ، لِأنَّهُ سَيَكُونُ خَرَابًا إلَى الأبَدِ.› وَعِنْدَمَا تَنْتَهِي مِنْ قِرَاءَةِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ، ارْبِطْهَا بِحَجَرٍ وَألقِ بِهَا فِي نَهْرِ الفُرَاتِ. ثُمَّ قُلْ: ‹هَكَذَا سَتَغْرَقُ بَابِلُ، وَلَنْ تَقُومَ ثَانِيَةً مِنَ الكَارِثَةِ الَّتِي سَأجْلِبُهَا عَلَيْهَا.›» هُنَا يَنْتَهِي كَلَامُ إرْمِيَا. وَكَانَ صِدْقِيَّا فِي الحَادِيَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَوَلَّى الحُكْمَ. وَحَكَمَ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ حَمِيطَلَ بِنْتَ إرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. وَفَعَلَ صِدْقِيَّا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ . وَسَارَ عَلَى نَهْجِ يَهُويَاكِينَ. فَغَضِبَ اللهُ عَلَى القُدْسِ وَيَهُوذَا وَطَرَحَهُمْ بَعِيدًا عَنْهُ. وَتَمَرَّدَ صِدقِيَّا عَلَى مَلِكِ بَابِلَ. فَجَاءَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ، مَلِكُ بَابِلَ، وَكُلُّ جَيْشِهِ لِمُحَارَبَةِ القُدْسِ. وَحَاصَرَهَا وَبَنَى حَوْلَهَا حَوَاجِزَ تُرَابِيَّةً. كَانَ هَذَا فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ العَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِحُكْمِ صِدْقِيَّا. وَظَلَّ جَيْشُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ يُحَاصِرُ القُدْسَ حَتَّى السَّنَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ صِدْقِيَّا. وَفِي اليَوْمِ التَّاسِعِ مِنَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، اشتَدَّتِ المَجَاعَةُ فِي المَدِينَةِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ طَعَامٌ لِلنَّاسِ. وَتَمَّ اختِرَاقُ سُورِ المَدِينَةِ، فَهَرَبَ جَمِيعُ الجُنُودِ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ بِاتِّجَاهِ وَادِي عَرَبَةَ، عَنْ طَرِيقِ بَابٍ سِرِّيٍّ فِي السُّورِ المُزدَوَجِ عَبْرَ بُسْتَانِ المَلِكِ، مَعَ أنَّ جُنُودَ البَابِلِيِّينَ كَانُوا يُحَاصِرُونَ المَدِينَةَ. فَطَارَدَ الجَيْشُ البَابِلِيُّ المَلِكَ صِدْقِيَّا، وَأدرَكُوُهُ بِالقُرْبِ مِنْ سُهُولِ أرِيحَا. أمَّا جُنُودُ صِدْقِيَّا فَتَرَكُوهُ جَمِيعًا وَهَرَبُوا. فَأمسَكَ البَابِلِيُّونَ المَلِكَ صِدْقِيَّا وَاقتَادُوهُ إلَى مَلِكِ بَابِلَ فِي رِبلَةَ فِي أرْضِ حَمَاةَ، حَيْثُ أعْلَنَ مَلِكُ بَابِلَ مَا صَدَرَ عَلَى صِدْقِيَّا مِنْ حُكمٍ. فَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ أبْنَاءَ صِدْقِيَّا أمَامَ عَيْنَيْهِ، كَمَا قَتَلَ جَمِيعَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا فِي رَبلَةَ. ثُمَّ فَقَأ عَينَي صِدْقِيَّا وَقَيَّدَهُ بِسِلسِلَتَيْنِ بُرُونْزيَّتَيْنِ، وَأحضَرَهُ إلَى بَابِلَ، وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ إلَى يَوْمِ مَوْتِهِ. وَجَاءَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِهِ لِبَابِلَ. وَجَاءَ مَعَهُ قَائِدُ الحَرَسِ الخَاصِّ، وَاسْمُهُ نَبُوزَرَادَانُ. فَأحرَقَ نَبُوزَرَادَانُ بَيْتَ اللهِ ، وَبَيْتَ المَلِكِ، وَكُلَّ بُيُوتِ القُدْسِ، كَمَا أحرَقَ بُيُوتَ الأغنِيَاءِ الفَخْمَةِ. ثُمَّ قَامَ الجَيْشُ البَابِلِيُّ تَحْتَ إمْرَةِ نَبُوزَرَادَانَ رَئِيسِ الحَرَسِ بِهَدْمِ السُّورِ المُحِيطِ بِالقُدْسِ. وَسَبَى نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الحَرَسِ إلَى بَابِلَ بَعْضَ الفُقَرَاءِ البَاقِينَ فِي المَدِينَةِ، وَالفَارِّينَ الَّذِينَ سَلَّمُوا أنْفُسَهُمْ لِمَلِكِ بَابِلَ، مَعَ مَنْ تَبَقَّى مِنَ الحِرَفِيِّينَ. وَأبقَى نَبُوزَرَادَانُ فِي المَدِينَةِ بَعْضَ الكَرَّامِينَ وَالفَلَّاحِينَ لِيَهْتَمُّوا بِالأرْضِ. وَحَطَّمَ البَابِلِيُّونَ كُلَّ مَا هُوَ مَصْنُوعٌ مِنْ بُرُونْزٍ فِي بَيْتِ اللهِ . فَكَسَّرُوا الأعمِدَةَ البُرُونْزِيَّةَ، وَالعَرَبَاتِ البُرُونْزِيَّةِ، وَالخَزَّانَ البُرُونْزِيَّ الضَّخْمَ. وَنَهَبُوا القُدُورَ وَالمَجَارِفَ وَالمِقَصَّاتِ وَالمَلَاعِقَ وَكُلَّ الآنِيَةِ البُرُونْزِيَّةِ المُخَصَّصَةِ لِخِدْمَةِ الهَيْكَلِ. وَأخَذَ رَئِيسُ الحَرَسِ الأحوَاضَ وَالمَجَامِرَ وَالأقدَاحَ وَالقُدُورَ، وَالمَنَارَاتِ وَصُحُونِ الذَّبَائِحِ. اسْتَوْلَى عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَصْنُوعٌ مِنْ ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ. وَأخَذَ العَمُودَينِ وَالحَوضَ وَالثِّيرَانَ البُرُونْزِيَّةَ الِاثنَيْ عَشَرَ الَّتِي تَحْتَ قَوَاعِدِ الحَوضِ، وَالعَرَبَاتِ الَّتِي صَنَعَهَا المَلِكُ سُلَيْمَانُ لِبَيْتِ اللهِ . فَكَانَ البُرُونْزُ المَأخُوذُ مِنْ هَذِهِ الأشْيَاءِ أثقَلَ مِنْ أنْ يُوزَنَ. وَكَانَ ارتِفَاعُ كُلِّ عَمُودٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا، وَمُحيطُهُ اثنَتَيْ عَشْرَةَ ذِرَاعًا. كَانَ كُلُّ عَمُودٍ أُسطُوانِيًّا مُجَوَّفًا سَمَاكَتُهُ أرْبَعَةُ أصَابِعَ. وَكَانَ تَاجُ كُلٍّ مِنَ العَمُودَينِ مَصْنُوعًا مِنَ البُرُونْزِ، وَارتِفَاعُهُ خَمْسَ أذْرُعٍ. وَتُحيطُ بِكُلِّ تَاجٍ تَعريشَةٌ وَرُمَّانَاتٌ مَصْنُوعَةٌ مِنَ البُرُونْزِ. فَكَانَتْ هُنَاكَ سِتٌّ وَتِسْعُونَ رُمَّانَةً مُوَزَّعَةٌ عَلَى الجَوَانِبِ. وَمَجْمُوعُهَا مَعَ رُمَّانَاتِ التَّعريشَةِ مِئَةُ رُمَّانَةٍ. وَأخَذَ نَبُوزَرَادَانُ مِنَ الهَيْكَلِ رَئِيسَ الكَهَنَةِ سَرَايَا، وَالكَاهِنَ الثَّانِي صَفَنْيَا، وَحُرَّاسَ المَدخَلِ الثَّلَاثَةَ. وَمِنَ المَدِينَةِ، أخَذَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ قَائِدًا كَانَ مَسْؤُولًا عَنِ الجَيْشِ، وَسَبْعَةً مِنْ مُسْتَشَارِي المَلِكِ لَمْ يَهْرُبُوا مِنَ المَدِينَةِ، وَمَعَاوِنَ قَائِدِ الجَيْشِ – الَّذِي كَانَ يُجَنِّدُ عَامَّةَ الشَّعْبِ – وَسِتِّينَ شَخْصًا مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ حَدَثَ أنْ كَانُوا فِي وَسَطِ المَدِينَةِ. أخَذَ نَبُوزَرَادَانُ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ إلَى مَلِكِ بَابِلَ فِي رَبلَةَ. فَهَاجَمَهُمْ مَلِكُ بَابِلَ وَقَتَلَهُمْ فِي رَبلَةَ فِي مِنْطَقَةِ حَمَاةَ. فَسُبِيَ بَنُو يَهُوذَا مِنْ أرْضِهِمْ. هَذَا هُوَ عَدَدُ الشَّعْبِ الَّذِي سَبَاهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ: فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ مُلكِهِ: ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ يَهُودِيًّا. وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ مُلكِهِ: ثَمَانُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ شَخْصًا مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالعِشرِينَ مِنْ مُلكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، سَبَى نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الحَرَسِ سَبْعَ مِئَةٍ وَخَمْسَةٍ وَأرْبَعِينَ يَهُودِيًّا. فَكَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ أُخِذُوا إلَى السَّبيِ أرْبَعَةَ آلَافٍ وَسِتَّ مِئَةِ شَخْصٍ. وَفِيمَا بَعْدُ، صَارَ أوِيلُ مَرُودَخُ مَلِكًا عَلَى بَابِلَ، وَأطلَقَ سَرَاحَ يَهُويَاكِينَ مِنَ السِّجْنِ. حَدَثَ هَذَا فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ سَبْيِ يَهُويَاكِينَ، فِي اليَوْمِ الخَامِسِ وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ لِتَوَلِّي أوِيلَ مَرُودَخَ حُكْمَهُ. وَأحسَنَ أوِيلُ مَرُودَخُ مُعَامَلَةَ يَهُويَاكِينَ. وَأعْطَاهُ مَكَانَةً أرفَعَ لِلجُلُوسِ مِنَ المُلُوكِ الآخَرِينَ الَّذِينَ مَعَهُ فِي بَابِلَ. فَخَلَعَ يَهُويَاكِينُ ثِيَابَ سِجنِهِ. وَأجلَسَهُ أوِيلُ مَرُودَخُ عَلَى مَائِدَتِهِ. فَكَانَ يَأْكُلُ مَعَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى آخِرِ حَيَاتِهِ. وَهَكَذَا كَانَ أوِيلُ مَرُودَخُ يُوَفِّرُ لِيَهُويَاكِينَ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ يَوْمًا بِيَومٍ، كُلَّ أيَّامَ حَيَاتِهِ البَاقِيَةِ، وَحَتَّى مَمَاتِهِ. مَهجُورَةً تَجْلِسُ المَدِينَةُ، وَكَانَتْ مَلأى بِالنَّاسِ. كَأرمَلَةٍ صَارَتْ، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ عَظِيمَةً بَيْنَ الشُّعُوبِ. أمِيرَةً كَانَتْ بَيْنَ البُلْدَانِ، أمَّا الآنَ، فَقَدْ أُجْبِرَتْ عَلَى العُبُودِيَّةِ. فِي اللَّيلِ تَبْكِي بُكَاءً، وَعَلَى خَدَّيهَا دُمُوعُهَا. لَيْسَ مِنْ بَيْنِ مُحِبِّيهَا مَنْ يُعَزِّيهَا. كُلُّ أصدِقَائِهَا خَانُوهَا، وَانقَلَبُوا أعْدَاءً لَهَا. إلَى الأسْرِ مَضَتْ يَهُوذَا بَعْدَ ذُلٍّ وَاسْتِعبَادٍ كَثِيرٍ. تَسْكُنُ بَيْنَ الشُّعُوبِ، وَلَا تَجِدُ لَهَا مَكَانَ رَاحَةٍ. أدرَكَهَا كُلُّ مُطَارِدِيهَا فِي أمكِنَةٍ ضَيِّقَةٍ. طُرُقَاتُ صِهْيَوْنَ تَبْكِي، إذْ لَيْسَ مَنْ يَأْتِي إلَى العِيدِ. مَهجُورَةٌ بوَّابَاتُهَا. وَكَهَنَتُهَا يَئِنُّونَ حَسْرَةً. عَذَارَاهَا يَتَلَوَّعْنَ، وَهِيَ فِي مَرَارَةٍ. خُصُومُهَا مُسَيطِرُونَ، وَأعْدَاؤُهَا مُسْتَرِيحُونَ. فَقَدْ أذَلَّهَا اللهُ لِكَثْرَةِ تَعَدِّيَاتِهَا. سِيقَ صِغَارُهَا أسْرَى أمَامَ العَدُوِّ. زَالَ عَنِ العَزِيزَةِ صِهْيَوْنَ كُلُّ جَمَالِهَا. أشْرَافُهَا صَارُوا كَغُزلَانٍ، لَا تَجِدُ لَهَا مَرعَى، فَتَرْكُضُ بِلَا قُوَّةٍ أمَامَ صَيَّادِيهَا. وَفِي أيَّامِ بَلْوَاهَا وَتَشَرُّدِ أهْلِهَا تَتَذَكَّرُ القُدْسُ كُلَّ ثَمِينٍ كَانَ لَهَا فِيمَا مَضَى. تَتَذَكَّرُ يَوْمَ سَقَطَ أهْلُهَا بِيَدِ العَدُوِّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُعِينٌ. نَظَرَ إلَيْهَا أعْدَاؤُهَا. وَضَحِكُوا عَلَى نِهَايَتِهَا. أخطَأتِ القُدْسُ خَطِيَّةً عَظِيمَةً. فَصَارَتْ نَجِسَةً. الَّذِينَ كَرَّمُوهَا فِي المَاضِي، يُحَقِّرُونَهَا الآنَ، بَعْدَ أنْ عَاشَرُوهَا وَأذَلُّوهَا. وَهِيَ تَئِنُّ، وَتَرْتَدُّ خَجلَى. عَلَى ثَوْبِهَا نَجَاسَتُهَا. لَمْ تُفَكِّرْ بِمَا سَيَحِلُّ بِهَا. سَقَطَتْ فِي عَارٍ عَجِيبٍ. فَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ يُعَزِّيهَا. تَصْرُخُ: «انْظُرْ، إلَى مَذَلَّتِي يَا اللهُ ، لِأنَّ العَدُوَّ قَدْ تَجَبَّرَ.» مَدَّ العَدُوُّ يَدَهُ إلَى كُلِّ ثَمِينٍ لَدَيهَا. وَرَأتْ أُمَمًا غَرِيبَةً تَدْخُلُ هَيْكَلَهَا. أمَرْتَ أُمَمًا بِشَأنِهَا يَا اللهُ، أنْ لَا يَشْتَرِكُوا فِي اجتِمَاعَاتِكَ. أهْلُهَا جَمِيعًا يَئِنُّونَ، وَيَبْحَثُونَ عَنِ الخُبْزِ. بَادَلُوا كُلَّ ثَمِينٍ لَدَيهِمْ بِالطَّعَامِ، لِيَبْقُوا أحْيَاءً. وَتَقُولُ: «انْظُرْ يَا اللهُ كَمْ صِرْتُ مُحتَقَرَةً. أيُّهَا العَابِرُونَ مِنْ هُنَا تَطَلَّعُوا إلَيَّ وَانْظُرُوا ألَمِي، الألَمَ الَّذِي حَلَّ بِي، الألَمَ الَّذِي أمَرَ بِهِ اللهُ عِنْدَمَا حَمِيَ غَضَبُهُ! مِنْ فَوقُ أرْسَلَ نَارًا، وَجَعَلَهَا تَسْرِي فِي عُمْقِ عِظَامِي. نَشَرَ شَبَكَةً لِيَصْطَادَنِي، وَضَرَبَنِي. أمرَضَنِي طُولَ النَّهَارِ. «ثَبَّتَ حِملَ تَعَدِّيَاتِي عَلَى كَتِفِي. أوقَعَنِي فِي شَرَكٍ، أمسَكَ بِي، مُلتَفًّا حَوْلَ عُنُقِي كَلَولَبٍ، امتَصَّ قُوَّتِي. أسلَمَنِي رَبِّي إلَى أيدِي مَنْ هُمْ أقوَى مِنِّي. رَفَضَ الرَّبُّ جَمِيعَ قَادَتِي الأقوِيَاءِ هُنَا فِي المَدِينَةِ. جَمَعَ شُعُوبًا كَثِيرَةً مَعًا، لِكَي يَسْحَقُوا شُبَّانِي. دَاسَ الرَّبُّ العَزِيزَةَ يَهُوذَا. «عَلَى هَذِهِ أبكِي، تَسْكُبُ عَيْنَايَ مَاءً. فَالمُعَزِّي بَعِيدٌ عَنِّي، وَأبنَائِي بَائِسُونَ. قَوِيَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ.» تَمُدُّ صِهْيَوْنُ يَدَهَا، وَلَكِنْ لَا مُعَزِّيَ لَهَا. أمَرَ اللهُ أعْدَاءَ يَعْقُوبَ بِأنْ يُحَاصِرُوهُ. أصبَحَتِ القُدْسُ نَجَاسَةً فِي وَسَطِهِمْ. وَتَقُولُ: «عَادِلٌ هُوَ اللهُ فِي مُعَاقَبَتِي، فَإنِّي قَدْ عَصَيتُ وَصَايَاهُ. اسْمَعُوا يَا كُلَّ شُعُوبِ الأرْضِ، وَانظُرُوا ألَمِي. فَتَيَاتِي وَشُبَّانِي المُختَارُونَ ذَهَبُوا إلَى الأسْرِ. نَادَيتُ أحِبَّتِي، لَكِنَّهُمْ غَدَرُوا بِي. كَهَنَتِي وَشُيُوخِي مَاتُوا فِي المَدِينَةِ. مَاتُوا وَهُمْ يَسْعَوْنَ إلَى الطَّعَامِ لِأنْفُسِهِمْ، لِكَي يَبْقُوا عَلَى قَيدِ الحَيَاةِ. «انْظُرْ يَا اللهُ ضِيقِي. مَضْطَرِبٌ مَا فِي دَاخِلِي. انقَلَبَ قَلْبِي دَاخِلِي نَدَمًا، لِأنِّي تَمَرَّدْتُ. فِي الخَارِجِ يَفْتِكُ السَّيْفُ بِأبنَائِي. وَفِي الدَّاخِلِ مَا يُشْبِهُ المَوْتِ. «سَمِعَ النَّاسُ عَنْ أنِينِي. سَمِعُوا أنَّهُ لَا مُعَزِّيَ لِي. كُلُّ أعْدَائِي سَمِعُوا بِمُصِيبَتِي. يُغَنُّونَ فَرَحًا لِأنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا بِي. لَيتَكَ تَجْلِبُ عَلَيْهِمُ اليَوْمَ الَّذِي وَعَدْتَ بِهِ، وَلَيْتَ حَالَهُمْ تَصِيرُ كَحَالِي. «لَيتَكَ تَنْظُرُ إلَى كُلِّ شُرُورِهِمْ، وَتَبْطِشُ بِهِمْ. لَيتَكَ تَبْطِشُ بِهِمْ كَمَا فَعَلْتَ بِي مِنْ أجْلِ تَعَدِّيَاتِي. هَا قّدْ كَثُرَ أنِينِي، وَقَلْبِي ضَعِيفٌ جِدًّا!» هَا قَدْ غَطَّى اللهُ العَزِيزَةَ صِهْيَوْنَ فِي سَحَابَةِ غَضَبِهِ! طَرَحَ مَفخَرَةَ إسْرَائِيلَ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ. وَلَمْ يَهْتَمَّ لِمِسْنَدِ قَدَمَيْهِ فِي يَوْمِ غَضَبِهِ. دَمَّرَ رَبِّي كُلَّ شَيءٍ، وَلَمْ يُبْقِ عَلَى مَنَازِلِ يَعْقُوبَ. فِي غَضَبِهِ هَدَمَ حِصْنَ العَزِيزَةِ يَهُوذَا. طَرَحَهَا إلَى الأرْضِ. أذَلَّ المَملَكَةَ وَذَوِي الشأنِ فِيهَا. عِنْدَ اشْتِدَادِ غَضَبِهِ، حَطَّمَ كُلَّ قُوَّةِ إسْرَائِيلَ. رَفَعَ يَمِينَ قُوَّتِهِ عَنْهُمْ وَهَمْ يُواجِهُونَ عَدُوَّهُمْ. بَلِ اشْتَعَلَ غَضَبُهُ كَنَارٍ مُلتَهِمًا كُلَّ أرْضِ إسْرَائِيلَ. سَحَبَ قَوْسَهُ كَعَدُوٍّ، رَفَعَ عَصَا الحَرْبِ فِي يُمْنَاهُ كَخَصْمٍ. وَقَتَلَ كُلَّ فِتيَانِنَا الَّذِينَ نَفَخَرُ بِهِمْ. سَكَبَ غَضَبَهُ كَنَارٍ عَلَى خَيْمَةِ العَزِيزَةِ صِهْيَوْنَ. صَارَ رَبِّي كَعَدُوٍّ لِي. ابْتَلَعَ إسْرَائِيلَ. دَمَّرَ قِلَاعَهَا. دَمَّرَ مُدُنَهَا المُحَصَّنَةَ. ضَاعَفَ النُّواحَ وَالأنِينَ فِي العَزِيزَةِ يَهُوذَا. هَدَمَ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ. كَمَا لَوْ كَانَ يَحْرُثُ بُستَانًا. أبطَلَ اللهُ العِيدَ وَالسَّبْتَ فِي صِهْيَوْنَ. احتَقَرَ المَلِكَ وَالكَاهِنَ عِنْدَمَا اشْتَدَّ غَضَبُهُ. رَفَضَ رَبِّي مَذْبَحَهُ. كَرِهَ مَكَانَهُ المُقَدَّسَ. أسلَمَ أسوَارَ حُصُونِهَا لِيَدِ العَدُوِّ. هَتَفَ الأعْدَاءُ فِي بَيْتِ اللهِ كَمَا فِي يَوْمِ اجتِمَاعٍ. قَرَّرَ اللهُ أنْ يَهْدِمَ أسوَارَ العَزِيزَةِ صِهْيَوْنَ حَدَّدَ مَا سَيُدَمِّرُ، وَلَمْ يَتَرَدَّدْ فِي تَدْمِيرِهِ. رَاحَ يُكَسِّرُ البُرْجَ وَالسُّورَ. مَعًا ضَعُفَا وَسَقَطَا. انغَرَزَتْ بَوَّابَاتُهَا فِي التُّرَابِ. دَمَّرَ وَحَطَّمَ قُضْبَانَ بَوَّابَاتِهَا. مَلِكُهَا وَأُمَرَاؤُهَا تَشَتَّتُوا بَيْنَ الأُمَمِ. وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُعَلِّمُ الشَّعْبَ الشَّرِيعَةَ. حَتَّى أنبِيَاؤُهَا لَا يَتَلَقَّوْنَ رُؤَىً مِنَ اللهِ . وَيَجْلِسُ شُيُوخُ العَزِيزَةِ صِهْيَوْنَ عَلَى الأرْضِ صَامِتِينَ. يَنْثُرُونَ التُّرَابَ عَلَى رَؤَوسِهِمْ، وَيَلبَسُونَ الخَيْشَ. وَعَذَارَى القُدْسِ يَحْنِينَ رُؤُوسَهُنَّ إلَى الأرْضِ. جَفَّتْ مِنْ عَينَيَّ الدُّمُوعُ. وَأحشَائِي تَضْطَرِبُ. يَتَقَطَّعُ كَبِدِي عَلَى دَمَارِ شَعْبِي، إذْ يُغمَى عَلَى الأطْفَالِ وَالرُّضَّعِ فِي سَاحَاتِ المَدِينَةِ. يَقُولُونَ لِأُمَّهَاتِهِمْ: «أيْنَ الخُبْزُ وَالنَّبِيذُ؟» وَهُمْ يَسْقُطُونَ مِثْلَ جَرِيحٍ فِي سَاحَاتِ المَدِينَةِ. يَصْرُخُونَ فِي ضِيقِهِمْ بَيْنَ أذْرُعِ أُمَّهَاتِهِمْ. مَاذَا أقُولُ لَكِ؟ بِمَ أُشَبِّهُكِ أيَّتُهَا العَزِيزَةُ القُدْسُ؟ بِمَ أشَبِّهُكِ فَأُعَزِّيكِ أيَّتُهَا العَذِرَاءُ العَزِيزَةُ صِهْيَوْنُ؟ مُصِيبَتُكِ عَظِيمَةٌ حَقًّا كَالبَحْرِ. فَمَنْ سَيَشْفِيكِ؟ تَنَبَّأ لَكِ أنبِيَاؤُكِ بِرُؤَىً فَارِغَةٍ وَكَاذِبَةٍ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكْشِفُوا إثْمَكِ لِكَي تَتُوبِي وَتُغَيِّرِي مَصِيرَكِ. بَلْ تَنَبَّأُوا لَكِ وَحيًا فَارِغًا وَمُخَادِعًا. يُصَفِّقُ عَلَيْكِ بِيَدَيهِ كُلُّ عَابِرِ طَرِيقٍ. يُصَفِّرُونَ وَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ عَلَى العَزِيزَةِ القُدْسِ. يَقُولُونَ: «أهَذِهِ هِيَ المَدِينَةُ الَّتِي يَقُولُ عَنْهَا النَّاسُ: ‹هِيَ مِثَالُ الجَمَالِ، وَفَرَحُ الأرْضِ كُلِّهَا؟›» يَفْتَحُ أعْدَاؤُكِ كُلُّهُمْ أفوَاهَهُمْ ضِدَّكِ. يُصَفِّرُونَ وَتَصِرُّ أسنَانَهُمْ. يَقُولُونَ: «قَدِ ابتَلَعْنَاهُمْ. انتَظَرْنَا هَذَا اليَوْمَ طَوِيلًا. وَهَا قَدْ جَاءَ فَرَأينَاهُ.» فَعَلَ اللهُ مَا خَطَّطَ لَهُ. نَفَّذَ كُلَّ مَا قَالَ إنَّهُ سَيَعْمَلُهُ. نَفَّذَ مَا وَعَدَ بِهِ مُنْذُ القَدِيمِ. هَدَمَ وَلَمْ يُشْفِقْ. جَعَلَ عَدُوَّكِ يَشْمَتُ بِكِ، وَخُصُومَكِ يَنْتَصِرُونَ عَلَيْكِ. اصْرُخِي مِنْ قَلْبِكِ لِلرَّبِّ نَدَمًا، أيَّتُهَا العَزِيزَةُ صِهْيَوْنُ. لِتَجْرِ دُمُوعُكِ كَسَيلٍ نَهَارًا وَلَيلًا. لَا تُعطِ رَاحَةً لِنَفْسِكِ. وَلَا تَهْدَأْ عَينَاكِ عَنِ البُكَاءِ. انْهَضِي وَاصْرُخَي فِي اللَّيلِ فِي بِدَايَةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنَ اللّيلِ. اطلُبِي الرَّحمَةَ فِي حَضْرَةِ اللهِ. ارفَعِي إلَيْهِ يَدَيكِ مِنْ أجْلِ حَيَاةِ أبنَائِكِ. فَقَدْ أنهَكَهُمُ الجُوعُ عِنْدَ زَاوِيَةِ كُلِّ طَرِيقٍ. انْظُرْ يَا اللهُ وَلَاحِظْ مَنِ الَّذِي عَامَلْتَهُ هَكَذَا. أيَجُوزُ أنْ تَأْكُلَ الأُمُّ أبْنَاءَهَا الَّذِينَ احتَضَنَتْهُمْ؟ أكَانَ يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ الكَهَنَةُ وَالأنْبِيَاءُ فِي مَقْدِسِ رَبِّي؟ الشَّبَابُ وَالشُّيُوخُ انطَرَحُوا أمْوَاتًا فِي الطُرُقَاتِ. عَذَارَايَ وَشَبَابِي سَقَطُوا بِالسَّيْفِ. أنْتَ قَتَلْتَهُمْ يَا رَبُّ فِي يَوْمِ غَضَبِكَ. ذَبَحْتَهُمْ دُونَ رَحمَةٍ. أنْتَ دَعَوْتَ جِيرَانِي كَمَا لَوْ كُنْتَ تَدْعُو النَّاسَ إلَى عِيدٍ. فَلَمْ يَنْجُ أوْ يَبْقَ أحَدٌ عِنْدَمَا أظْهَرَ اللهُ غَضَبَهُ. أفنَى عَدُوِّي أبنَائِي الَّذِينَ حَضَنْتُهُمْ وَرَبَّيتُهُمْ. أنَا هُوَ الرَّجُلُ المُتَألِّمُ! لَمَّا ضَرَبَنِي اللهُ بِعَصَا غَضَبِهِ. سَاقَنِي وَأجبَرَنِي عَلَى المَسِيرِ فِي الظُّلْمَةِ، لَا فِي النُّورِ. لَطَمَنِي بِيَدِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، طَوَالَ اليَوْمِ. أبلَى لَحْمِي وَجِلْدِي، وَكَسَّرَ عِظَامِي. حَشَدَ اللهُ جُيُوشًا ضِدِّي، وَحَاصَرَنِي بِالفَقْرِ وَالتَّعَبِ. أجلَسَنِي فِي ظُلْمَةٍ كَثِيفَةٍ كَمَا المَوْتَى مُنْذُ القِدَمِ. بَنَى جِدَارًا حَوْلِي لِئَلَّا أهرُبَ، وَوَضَعَ عَلَيَّ سَلَاسِلَ ثَقِيلَةً. صَرَخْتُ وَاستَغَثْتُ، لَكِنَّهُ تَجَاهَلَ صَلَاتِي. سَوَّرَ طُرُقِي بِحِجَارَةٍ مَنحُوتَةٍ. عَوَّجَ سُبُلِي. يَتَرَبَّصُ بِي كَدُبٍّ، كَأسَدٍ فِي مَكْمَنِهِ. طَارَدَنِي وَأبعَدَنِي عَنِ الطَّرِيقِ، مَزَّقَنِي إرَبًا. وَتَرَكَنِي خَرَابًا. حَنَى قَوْسَهُ، وَنَصَبَنِي هَدَفًا لِسِهَامِهِ. أصَابَ كُلْيَتَيَّ بِسِهَامٍ سَحَبَهَا مِنْ جُعْبَتِهِ. صِرْتُ أُضحُوكَةً لِكُلِّ شَعْبِي، وَأُغنِيَةً يَتَسَلُّونَ بِهَا طَوَالَ اليَوْمِ. مَلأنِي بِكُلِّ مَرَارَةٍ، وَسَقَانِي أمَرَّ شَرَابٍ. أعطَانِي حَصَىً لِأمضَغَ فَتَفَتَّتَتْ أسنَانِي. سَحَقَنِي فِي التُّرَابِ بِقَدَمَيهِ. مَنَعَ عَنْ نَفْسِي السَّلَامَ. وَنَسِيتُ مَا هُوَ «الخَيْرُ.» قُلْتُ لِنَفْسِي: «ضَاعَ نَصْرِي الَّذِي رَجَوْتُهُ! لَنْ يُنْقِذَنِي اللهُ .» أتَذَكَّرُ ألَمِي وَتَشَرُّدِي، كَسُمٍّ وَمَرَارَةٍ. تَتَذَكَّرُ نَفْسِي حَقًّا كُلَّ مَتَاعِبِي، فَتَكْتَئِبُ. لَكِنِّي أتَذَكَّرُ شَيْئًا آخَرَ، فَيَتَوَّلَّدُ فِيَّ رَجَاءٌ. إحسَانَاتُ اللهِ لَا تَتَوَقَّفُ، وَمَرَاحِمُهُ لَا تَنْتَهِي. فَهِيَ جَدِيدَةٌ مَعَ كُلِّ صَبَاحٍ. عَظِيمَةٌ أمَانَتُكَ. نَفْسي تَقُولُ: « اللهُ قِسْمَتِي.» وَلِهَذَا أنتَظِرُهُ وَأضَعُ رَجَائِي فِيهِ. صَالِحٌ هُوَ اللهُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ. صَالِحٌ لِلَّذِي يَطْلُبُهُ. حَسَنٌ لِلمَرْءِ أنْ يَرْجُوَ بِهُدُوءٍ خَلَاصَ اللهِ . حَسَنٌ لِلرَّجُلِ أنْ يَحْمِلَ المَسؤُولِيَّةَ فِي شَبَابِهِ. أنْ يَجْلِسَ وَحْدَهُ وَيَسْكُتَ، عِنْدَمَا يَضَعُ اللهُ المَسؤُولِيَّةَ عَلَيْهِ. أنْ يَضَعَ فَمَهُ فِي التُّرَابِ مُنكَسِرًا، فَلَعَلَّهُ يَكُونُ لَهُ رَجَاءٌ. أنْ يُعطِيَ خَدَّهُ لِلَّذِي يَضْرِبُهُ، وَيَشْبَعَ مَهَانَةً. لِأنَّ الرَّبَّ لَا يَرْفُضُ البَشَرَ إلَى الأبَدِ. لِأنَّهُ وَلَوْ ابتَلَى يُظهِرُ الرَّحمَةَ أيْضًا، بِحَسَبِ فَيضِ مَحَبَّتِهِ الثَّابِتَةِ. لِأنَّهُ لَا يُؤذِي وَلَا يُحْزِنُ أحَدَا عَنْ طِيبِ خَاطِرٍ. لَا يَفْرَحُ حِينَ يَسْحَقُ وَاحِدًا مِنَّا نَحْنُ البَشَرَ المَحْجُوزِينَ فِي الأرْضِ. وَلَا يَفْرَحُ حِينَ يُعَوِّجُ أحَدُهُمُ العَدَالَةَ وَيَغِشُّ آخَرَ أمَامَ عَيْنَيْهِ. حِينَ يُغْتَصَبُ حَقُّ إنْسَانٍ فِي المَحْكَمَةِ، ألَا يَرَى الرَّبُّ ذَلِكَ؟ مَنِ الَّذِي يَقُولُ فَيَصِيرَ، إلَّا إنْ أمَرَ اللهُ بِحُدُوثِهِ؟ ألَا تَخْرُجُ بِأمْرِ العَلِيِّ الأُمُورُ السَّيِّئَةُ وَالحَسَنَةُ مَعًا؟ لِمَاذَا يَتَذَمَّرُ إنْسَانٌ حَيٌّ مِنْ مُعَاقَبَتِهِ عَلَى خَطَايَاهُ؟ لِنَفْحَصْ سُلُوكَنَا وَنُدَقِّقْ فِيهِ، وَلْنَرْجِعْ إلَى اللهِ . لِنَرْفَعْ قُلُوبَنَا مَعَ أيْدِينَا إلَى اللهِ فِي السَّمَاوَاتِ. تَمَرَّدْنَا وَعَصَينَا. وَأنْتَ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا. غَطَّيتَنَا بِغَضَبِكَ وَطَارَدْتَنَا. قَتَلْتَ بِلَا رَحمَةٍ. تَغَطَّيتَ بِسَحَابَةٍ، مَانِعًا كُلَّ صَلَاةٍ مِنَ الوُصُولِ إلَيْكَ. جَعَلْتَنَا نَبْدُو وَسَخًا وَقُمَامَةً بَيْنَ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ. يَفْتَحُ أعْدَاؤُنَا كُلُّهُمْ أفوَاهَهُمْ عَلَيْنَا مُسْتَهْزِئِينَ. وَقَعَ عَلَيْنَا رُعْبٌ وَخَطَرٌ، دَمَارٌ وَهَلَاكٌ. جَدَاوِلُ مَاءٍ تَجْرِي مِنْ عَيْنَيَّ بِسَبَبِ دَمَارِ ابْنَةِ شَعْبِي. تَسْكُبُ عَيْنِي دُمُوعًا بِلَا انْقِطَاعٍ. سَأبْكِي إلَى أنْ يَنْظُرَ اللهُ مِنَ السَّمَاوَاتِ، وَيَرَى مَا يَجْرِي. أتْعَسَتْ عَيْنِي نَفْسِي بِسَبَبِ بُكَائِي عَلَى مَدِينَتِي. الَّذِينَ عَادُونِي دُونَ دَاعٍ، اصْطَادُونِي كَعُصْفُورٍ. حَاوَلُوا أنْ يُنْهُوا حَيَاتِي بِإلقَائِي فِي هَاوِيَةٍ. وَألْقَوْا عَلَيَّ حِجَارَةً. طَغَتِ المِيَاهُ فَوْقَ رَأسِي، فَقُلْتُ: «انْتَهَى أمْرِي.» بِاسْمِكَ أدْعُو يَا اللهُ مِنْ أعمَقِ حُفرَةٍ. أتَوَسَّلُ إلَيْكَ فَاسْمَعْ. وَلَا تَسُدَّ أُذُنَيكَ عَنْ تَنَهُّدِي وَاسْتِغَاثَتِي! اقتَرِبْ حِينَ أدعُوكَ. قُلْ لِي: «لَا تَخَفْ.» تَوَلَّ قَضِيَّتِي يَا رَبُّ. افْدِ حَيَاتِي! انْظُرْ يَا اللهُ كَيْفَ ظُلِمْتُ. اقْضِ لِي بِالعَدْلِ. انْظُرْ كُلَّ أعْمَالِ انتِقَامِهِمْ، كُلَّ مُؤَامَرَاتِهِمْ عَلَيَّ! اسْمَعْ يَا اللهُ تَعْيِيرَهُمْ، كُلَّ مُؤَامَرَاتِهِمْ عَلَيَّ! طَوَالَ النَّهَارِ يَتَكَلَّمُ أعْدَائِي عَلَيَّ وَيُطلِقُونَ الشَّائِعَاتِ. هَا أنَا قَدْ أصبَحتُ أُغنِيَتَهُمُ الَّتِي يَتَنَدَّرُونَ بِهَا، مِنَ الفَجرِ إلَى الغَسَقِ. لَيتَكَ يَا اللهُ تُجَازِيهِمْ حَسْبَ مَا فَعَلَتْهُ أيَادِيهِمْ. ضَعْ عَذَابًا فِي قُلُوبِهِمْ وَلْتَكُنْ عَلَيْهِمْ لَعنَتُكَ. طَارِدْهُمْ بِغَضَبِكَ، وَافنِهِمْ مِنْ تَحْتِ سَمَاوَاتِ اللهِ . هَا قَدَ فَقَدَ الذَّهَبُ بَرِيقَهُ، أفْضَلُ الذَّهَبِ فَقَدَ لَمَعَانَهُ. تُلقَى الحِجَارَةُ الثَّمِينَةُ المُقَدَّسَةُ هُنَا وَهُنَاكَ فِي زَوَايَا كُلِّ الطُّرُقَاتِ. مَا كَانَ أثْمَنَ أبْنَاءِ صِهْيَوْنَ! يُوزَنُونَ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ. أمَّا الآنَ فَيُحسُبُونَ آنِيَةً رَخِيصَةً، كَأوْعِيَةٍ فَخَّارِيَّةٍ صَنَعَهَا الفَخَّارِيُّ. حَتَّى بَنَاتُ آوَى يُرضِعْنَ صِغَارَهُنَّ. أمَّا ابنَةُ شَعْبِي فَقَدْ تَقَسَّتْ كَثِيِرًا كَالنَّعَامِ فِي البَرِّيَّةِ. يَلْصُقُ لِسَانُ الرَّضِيعِ بِحَنَكِهِ مِنَ العَطَشِ. وَالصِّغَارُ يَطْلُبُونَ خُبْزًا، وَلَا مَنْ يَمُدُّ لَهُمْ يَدًا. وَالَّذِينَ تَعَوَّدُوا أكلَ الأطَايِبِ، هُمْ فِي الطُّرُقَاتِ مُعدَمُونَ. وَالَّذِينَ تَعَوَّدُوا لِبْسَ أغلَى الثِّيَابِ يَعِيشُونَ وَسَطَ المَزَابِلِ. تَجَاوَزَ إثْمُ شَعْبِي خَطِيَّةَ سَدُومَ. وَفِي لَحظَةٍ أُطِيحَ بِسَدُومَ، مِنْ دُونِ يَدِ إنْسَانٍ. كَانَ المُكَرَّسُونَ فِيهَا أنقَى مِنَ الثَّلْجِ وَأشَدَّ بَيَاضًا مِنَ الحَلِيبِ. كَانَتْ أجسَامُهُمْ أكْثَرَ حُمرَةً مِنَ المُرجَانِ، وَمَنظَرُهُمْ كَاليَاقُوتِ الأزرَقِ. وَالْآنَ صَارُوا أشَدَّ سَوَادًا مِنَ السِّخَامِ. فَلَا يُمَيِّزُهُمُ النَّاسُ فِي الطُّرُقَاتِ. التَصَقَ جِلْدُهُمْ بِعَظْمِهِمْ. وَيَبِسَ كَالخَشَبِ. الَّذِينَ قُتِلُوا فِي الحَرْبِ كَانُوا أفْضَلَ حَالًا مِنَ الَّذِينَ مَاتُوا جُوعًا. الَّذِينَ اختَرَقَتْهُمُ السُّيُوفُ كَانُوا أفْضَلَ حَالًا مِنَ الَّذِينَ مَاتُوا مَحرُومِينَ مِنْ ثِمَارِ الحُقُولِ. أكْثَرُ الأُمَّهَاتِ حَنَانًا طَبَخْنَ أوْلَادَهُنَّ بِأيدِيهِنَّ، فَأصبَحُوا طَعَامًا لَهُنَّ عِنْدَمَا سُحِقَ شَعْبِي. أظْهَرَ اللهُ غَيظَهُ. وَسَكَبَ نَارَ غَضَبِهِ. أضْرَمَ فِي صِهْيَوْنَ نَارًا، فَالْتَهَمَتْ أسَاسَاتِهَا. لَمْ يُصَدِّقْ مُلُوكُ الأرْضِ ذَلِكَ، وَلَا أيُّ سَاكِنٍ فِي العَالَمِ. لَمْ يُصَدِّقُوا أنَّ خَصْمًا وَعَدُوًّا يُمْكِنُ أنْ يَدْخُلَا بَوَّابَاتِ القُدْسِ. كَانَ هَذَا بِسَبَبِ خَطَايَا أنبِيَائِهَا وَآثَامِ كَهَنَتِهَا، الَّذِينَ سَفَكُوا فِي وَسَطِهَا دَمَ الأبرِيَاءِ. هَامُوا كَالعِمْيَانِ فِي الطُّرُقَاتِ، مُلَطَّخِينَ بِالدَّمِ. تَنَجَّسَتْ مَلَابِسُهُمْ. لَمَسَتْ مَا لَا يَنْبَغِي أنْ يُلْمَسَ أبَدًا. وَالْآنَ يُنَادِي عَلَيْهِمْ آخَرُونَ: «ابتَعِدُوا! أنْتُمْ نَجِسُونَ! ابتَعِدُوا! ابتَعِدُوا! لَا تَلْمِسُونَا!» الدَّمَارُ حَلَّ بِهِمْ، فَهَامُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ. وَقَالَتِ الشُّعُوبُ: «لَنْ نُسْكِنَهُمْ بَيْنَنَا فِيمَا بَعْدُ.» اللهُ نَفْسُهُ شَتَّتَهُمْ، وَلَا يَرعَاهُمْ بَعْدُ. لَمْ يُكْرِمُوا الكَهَنَةَ، وَلَا أشْفَقُوا عَلَى الشُّيُوخِ. ضَعُفَتْ عُيُونُنَا وَنَحْنُ نَنظُرُ إلَى مَنْ يُعِينُنَا، لَكِنْ دُونَ جَدوَى. رَاقَبْنَا وَرَاقَبْنَا مِنْ بُرْجِنَا مُتَوَقِّعِينَ أمَّةً لَمْ تُخَلِّصْنَا. تَتَبَّعُوا خُطَانَا فَلَمْ نَسْتَطِعْ أنْ نَمشِيَ فِي سَاحَاتِ مَدِينَتِنَا. اقْتَرَبَتْ نِهَايَتُنَا. انْتَهَى وَقْتُنَا. جَاءَتْ نِهَايَتُنَا حَقًّا. كَانَ مُطَارِدُونَا أسرَعَ مِنْ كُلِّ نُسُورِ السَّمَاءِ. عَلَى التِّلَالِ طَارَدُونَا بِضَرَاوَةٍ. وَنَصَبُوا لَنَا فِي البَرِّيَّةِ كَمِينًا. حَتَّى مَلِكُنَا الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ ، الَّذِي هُوَ كَالهَوَاءِ لِحَيَاتِنَا، وَقَعَ فِي فَخِّهِمْ. وَهُوَ الَّذِي قُلْنَا عَنْهُ: «سَنَعِيشُ تَحْتَ ظِلِّهِ بَيْنَ الأُمَمِ.» غَنِّي وَاحتَفِلِي أيَّتُهَا الِابْنَةُ أدُومُ. يَا مَنْ تَسْكُنِينَ أرْضَ عُوصٍ. عَلَيْكِ أيْضًا سَتَمُرُّ الكَأسُ. سَتَسْكَرِينَ وَتَتَعَرَّينَ. سَيَنْتَهِي عِقَابُكِ أيَّتُهَا العَزِيزَةُ صِهْيَوْنُ. وَلَنْ يَطُولَ نَفْيُكِ. لِكِنَّكَ سَتُعَاقَبِينَ عَلَى آثَامِكِ أيَّتُهَا الِابْنَةُ أدُومُ. سَيُعَرِّي خَطَايَاكِ. انْظُرْ يَا اللهُ مَا حَلَّ بِنَا. تَطَلَّعْ وَانْظُرْ إلَى تَعْيِيرِنَا. الأرْضُ الَّتِي وَرِثْنَاهَا صَارَتْ لِلغُرَبَاءِ، وَأُعْطِيَتْ بُيُوتُنَا لِلأجَانِبِ. أيتَامًا صِرْنَا دُونَ آبَاءٍ، وَكَأرَامِلَ أُمَّهَاتُنَا. بِالمَالِ نَشْرَبُ مَاءَنَا، وَنَدفَعُ ثَمَنَ حَطَبِنَا. يُلَاحِقُونَنَا عَنْ كَثَبٍ. تَعِبْنَا، وَلَمْ نَلتَقِطْ أنفَاسَنَا. مَدَدْنَا أيَادِينَا إلَى مِصْرٍ وَأشُّورَ لِيَكُونَ لَنَا طَعَامٌ يَكْفِينَا. أخطَأ آبَاؤُنَا، وَهُمُ الآنَ مَوْتَى، وَنَحْنُ نُعَانِي مِنْ عَوَاقِبِ آثَامِهِمْ. العَبِيدُ يَحْكُمُونَنَا، وَلَيْسَ مَنْ يُحَرِّرُنَا مِنْ قُوَّتِهِمْ. بِحَيَاتِنَا نُخَاطِرُ لِنَجلِبَ طَعَامَنَا، بِسَبَبِ سَيفِ المُطَارِدِ. اسْوَدَّتْ جُلُودُنَا كَفُرْنٍ بِسَبَبِ حُمَّى المَجَاعَةِ. اغتَصَبَ جُنُودُ العَدُوِّ نِسَاءَ صِهْيَوْنَ، العَذَارَى فِي مُدُنِ يَهُوذَا. بِأمْرِهِمْ شُنِقَ الأُمَرَاءُ، وَلَمْ يُوَقَّرِ الشُّيُوخُ. يُدِيرُ شَبَابُنَا المُختَارُونَ حَجَرَ الرَّحَى، وَمِنَ العَمَلِ الشَّاقِّ يَتَعَثَّرُ الفِتيَانُ. كَفَّ الشُّيُوخُ عَنِ الجُلُوسِ عِنْدَ البَوَّابَةِ، وَكَفَّ الشُّبَّانُ عَنْ عَزفِ المُوسِيقَى. تَوَقَّفَتْ قُلُوبُنَا عَنِ الفَرَحِ، وَتَحَوَّلَ رَقْصُنَا إلَى بُكَاءٍ. سَقَطَ التَّاجُ عَنْ رَأسِنَا. يَا وَيلَنَا، لِأنَّنَا أخْطَأنَا! لِهَذَا كُلِّهِ قُلُوبُنَا مُكتَئِبَةٌ. وَبِسَبَبِ هَذِهِ كُلِّهَا، لَا تَرَى رَجَاءً. عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ المَهجُورِ تَسْرَحُ الثَّعَالِبُ. لَكِنَّكَ يَا اللهُ إلَى الأبَدِ تَسُودُ. عَرْشُكَ يَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. لِمَاذَا تَظَلُّ تَتَجَاهَلُنَا؟ لِمَاذَا تَتْرُكُنَا هَكَذَا طَوِيلًا؟ أرْجِعْنَا إلَيْكَ يَا اللهُ فَنَرْجِعَ، وَاجْعَلْ حَيَاتَنَا كَمَا كَانَتْ قَدِيمًا. أمْ لَعَلَّكَ رَفَضِتَنَا رَفْضًا تَامًّا؟ وَغَضِبْتَ كَثِيرًا عَلَيْنَا؟ فِي السَّنَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ عُمْرِي، فِي اليَوْمِ الخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ، كُنْتُ بَيْنَ المَسبِيِّينَ قُرْبَ نَهْرِ خَابُورَ. فَانفَتَحَتِ السَّمَاءُ وَرَأيْتُ رُؤَىً وَمَنَاظِرَ إلَهِيَّةً. فَفِي اليَوْمِ الخَامِسِ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ، فِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ مِنْ سَبيِ المَلِكِ يَهُويَاكِينَ، أتَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَى حِزْقِيَالَ بْنِ بُوزِي فِي أرْضِ البَابِلِيِّينَ قُرْبَ نَهْرِ خَابُورَ، وَحَلَّتْ قُوَّةُ اللهِ عَلَيْهِ هُنَاكَ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أنظُرُ، هَبَّتْ رِيحٌ عَاصِفَةٌ مِنَ الشِّمَالِ: غُيُومٌ كَثِيفَةٌ وَنَارٌ تُبْرِقُ بَرِيقًا مِنْ دَاخِلِهَا، وَشُعَاعُ نُورٍ يُحِيطُ بِهَا. وَكَانَ فِي وَسَطِ النَّارِ مَا يُشْبِهُ الكَهرَمَانَ الَلَّامِعَ المُتَوَهِّجَ. وَرَأيْتُ فِي وَسَطِ الغُيُومِ شِبْهَ أرْبَعَةِ كَائِنَاتٍ تُشبِهُ البَشَرَ. لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أرْبَعَةُ وُجُوهٍ وَأرْبَعَةُ أجنِحَةٍ. أرجُلُهَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَبَاطِنُ أقْدَامِهَا كَبَاطِنِ أقْدَامِ العِجْلِ، وَتَلْمَعُ كَلَمَعَانِ البُرُونْزِ المَصْقُولِ. وَرَأيْتُ تَحْتَ أجنِحَتِهَا أيدٍ بَشَرِيَّةً عَلَى جَوَانِبِهَا الأرْبَعَةِ. فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهَا ذَاتُ العَدَدِ مِنَ الوُجُوهِ وَالأجنِحَةِ. أمَّا أجْنِحَتُهَا فَيَلْمِسُ أحَدُهَا الآخَرَ. وَكَانَ كُلٌّ مِنْهَا يَتَحَرَّكُ بِاسْتِقَامَةٍ إلَى الأمَامِ، وَلَا يَلْتِفِتُ. أمَّا مَنَاظِرُ وُجُوهِهَا، فَلِكُلٍّ مِنْهَا وَجْهُ إنْسَانٍ مِنَ الأمَامِ، وَوَجْهُ أسَدٍ مِنَ اليَمِينِ، وَوَجْهُ ثَورٍ مِنَ اليَسَارِ، وَوَجْهُ نَسرٍ مِنَ الخَلفِ. كَانَتْ أجنِحَتُهَا مَمدُودَةً إلَى الأعْلَى. لِكُلِّ كَائِنٍ جَنَاحَانِ يُلَامِسَانِ جَنَاحَيِ الكَائِنِ المُجَاوِرِ، وَجنَاحَانِ آخَرَانِ يُغَطِّي جِسْمَهُ بِهِمَا. كَانَ كُلُّ كَائِنٍ يَتَحَرَّكُ بِاسْتِقَامَةٍ إلَى الأمَامِ. وَتَتَحَرَّكُ الكَائِنَاتُ مَعًا حَيْثُمَا تَقُودُهَا الرُّوحُ، فَلَا تُغَيِّرُ اتِّجَاهَ نَظَرِهَا وَهِيَ تَتَحَرَّكُ. كَانَتِ الكَائِنَاتُ تَتَوَهَّجُ كَجَمَرَاتٍ مُشتَعِلَةٍ، وَفِي وَسَطِهَا مَا يُشْبِهُ مِصبَاحًا يَتَلألأُ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ وَهَجٌ وَبَرْقٌ. وَكَانَتِ الكَائِنَاتُ تَتَحَرَّكُ إلَى الأمَامِ وَالخَلفِ، مُسرِعَةً تُشبِهُ البَرقَ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُرَاقِبُ هَذِهِ الكَائِنَاتِ، رَأيْتُ أرْبَعَةَ دَوَالِيبَ تَلْمِسُ الأرْضَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي زَاوِيَةٍ بِقُربِ أحَدِ الكَائِنَاتِ. بَدَتِ الدَّوَالِيبُ كَأنَّهَا مَصْنُوعَةٌ مِنْ حِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ صَفرَاءَ. وَبَدَتِ الدَّوَالِيبُ مُتَشَابِهَةً وَمُتَدَاخِلَةً، كُلُّ دُولَابٍ فِي الآخَرِ. وَكُلٌّ مِنْهَا يُمْكِنُ أنْ يَتَحَرَّكُ فِي أيِّ اتِّجَاهٍ، لكنَّهُ لَا يَلتَفُّ أثْنَاءَ السَّيرِ. كَانَتْ ظُهُورُ الكَائِنَاتِ الأرْبَعَةِ مُغَطَّاةً بِالجَوَاهِرِ. كَانَتْ مَهِيبَةً وَجَلِيلَةً جِدًّا. وَحِينَ كَانَتِ الكَائِنَاتُ تَتَحَرَّكُ، كَانَتِ الدَّوَالِيبُ تَتَحَرَّكُ مَعَهَا. وَحِينَ كَانَتِ الكَائِنَاتُ تَرْتَفِعُ عَنِ الأرْضِ، كَانَتِ الدَّوَالِيبُ تَرْتَفِعُ مَعَهَا. فَكَانَتِ الكَائِنَاتُ تَذْهَبُ حَيْثُمَا تَقُودُهَا الرُّوحُ. فَكَانَتِ الدَّوَالِيبُ تَبْقَى مَعَهُمْ حِينَ كَانَتِ الكَائِنَاتُ تَرْتَفِعُ عَنِ الأرْضِ، لِأنَّ رُوحَ الكَائِنَاتِ كَانَتْ فِي الدَّوَالِيبِ. فَحِينَ كَانَتِ الكَائِنَاتُ تَتَحَرَّكُ، كَانَتِ الدَّوَالِيبُ تَتَحَرَّكُ. وَحِينَ كَانَتِ الكَائِنَاتُ تَقِفُ، كَنَتِ الدَّوَالِيبُ تَقِفُ. وَحِينَ كَانَتِ الكَائِنَاتُ تَرْتَفِعُ عَنِ الأرْضِ، كَانَتِ الدَّوَالِيبُ تَرْتَفِعُ مَعَهَا، لِأنَّ رُوحَ الكَائِنَاتِ كَانَتْ فِي الدَّوَالِيبِ. وَكَانَ فَوْقَ رُؤُوسِ الكَائِنَاتِ مَا يُشْبِهُ قُبَّةً تَشِعُّ كَالبِلَّوْرِ، مُعَلَّقَةً فَوْقَ رُؤُوسِهَا. وَامتّدَّتْ تَحْتَ القُبَّةِ أجنِحَةُ الكَائِنَاتِ كُلٌّ مِنْهَا يُلَامِسُ الآخَرَ، وَلِكُلِّ كَائِنٍ جَنَاحَانِ يُغَطِّي بِهِمَا جَسَدَهُ. وَسَمِعْتُ صَوْتَ أجْنِحَتِهَا كَصَوْتِ هَدِيرِ أموَاجِ البَحْرِ، كَصَوْتِ القَدِيرِ. إنْ تَحَرَّكَتْ، يَصْدُرُ صَوْتٌ كَأنَّهُ صَوْتُ جَيْشٍ. وَإنْ وَقَفَتْ، تَخْفِضُ أجْنِحَتَهَا. بَعْدَ ذَلِكَ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ فَوقِ القُبَّةِ الَّتِي فَوْقَ رُؤُوسِهَا. وَوَقَفَتِ الكَائِنَاتُ وَخَفَضَتْ أجنِحَتَهَا. فَرَأيْتُ فَوْقَ القُبَّةِ الَّتِي فَوْقَ رُؤُوسِهَا مَا يُشْبِهُ عَرشًا مِنَ اللَّازُورُدِ. وَرَأيْتُ عَلَى العَرْشِ شِبْهَ إنْسَانٍ. فَبَدَا النِّصفُ العُلوِيُّ مِنْ أجسَادِ هَذِهِ الكَائِنَاتِ كَالكَهرَمَانِ، مَعَ لَمَعَانٍ وَهَّاجٍ حَوْلَهُ. وَبَدَا النِّصفُ السُّفلِيُّ كَالنَّارِ المُحَاطَةِ بِلَمَعَانٍ وَضِيَاءٍ. كَانَ الوَهَجُ يُشْبِهُ قَوسَ قُزَحٍ الَّذِي يَظْهَرُ فِي السَّحَابِ بَعْدَ المَطَرِ. هَذَا مَنظَرُ مَجْدِ اللهِ ! وَحِينَ رَأيْتُهُ، سَقَطتُ عَلَى وَجْهِي عَلَى الأرْضِ، ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا يَتَكَلَّمُ إلَيَّ. قَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، قِفْ عَلَى قَدَمَيْكَ، فَأتَكَلَّمَ مَعَكَ.» وَحِينَ تَكَلَّمَ مَعِي، دَخَلَتْ رُوحٌ فِيَّ، فَأوقَفَنِي عَلَى قَدَمَيَّ لِأستَمِعَ لِلَّذِي يُكَلِّمُنِي. فَقَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، هَا أنَا أُرسِلُكَ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، إلَى شَعْبٍ عَاصٍ تَمَرَّدَ عَلَيَّ. هُمْ وَآبَاؤُهُمُ تَعَدَّوْا شَرِيعَتِي حَتَّى هَذَا اليَوْمِ. نَسْلُهُمْ عَنِيدُونَ وَمُسْتَهْتِرُونَ. فَهَا أنَا أُرسِلُكَ إلَيْهِمْ لِتَقُولَ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ .› وَسَوَاءٌ استَمَعُوا أمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا، لِأنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِدُّ. لَكِنَّهُمْ سَيَعْرِفُونَ أنَّ نَبِيًّا كَانَ فِي وَسَطِهِمْ. «وَأمَّا أنْتَ يَا إنْسَانُ، فَلَا تَخَفْ مِنْهُمْ وَلَا مِنَ كَلَامِهِمْ. مَعَ أنَّهُمْ يُحِيطُونَ بِكَ كَالأشوَاكِ وَالعُلِّيقِ الشَّائِكِ وَالعَقَارِبِ. فَلَا تَخَفْ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَا مِنْ نَظَرَاتِهِمْ، لِأنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِدُّ. أبلِغهُمْ رِسَالَتِي، سَوَاءٌ استَمَعُوا أمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا، لِأنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِدُّ. «أمَّا أنْتَ يَا إنْسَانُ، فَاسْتَمِعْ إلَى مَا أقُولُهُ أنَا لَكَ. لَا تَكُنْ مُتَمَرِّدًا وَعَاصِيًا كَهَذَا الشَّعْبِ المُتَمَرِّدِ وَالعَاصِي. افتَحْ فَمَكَ وَكُلْ مَا أُعْطِيهِ لَكَ.» ثُمَّ رَأيْتُ يَدًا تُمسِكُ بِلَفِيفَةٍ وَتَمْتَدُّ إلَيَّ. فَنَشَرَهَا أمَامِي، وَإذَا بِكَلِمَاتِ نَحِيبٍ وَوَيلَاتٍ عَلَى وَجْهَيهَا مِنَ الدَّاخِلِ وَمِنَ الخَارِجِ! ثُمَّ قَالَ لِي: «كُلْ يَا إنْسَانُ مَا تَرَاهُ. كُلْ هَذِهِ المَخطُوطَةَ وَاذْهَبْ لِتُكَلِّمَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِرِسَالَتِهَا.» فَفَتَحْتُ فَمِي، وَأطعَمَنِي تِلْكَ المَخطُوطَةَ. وَقَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، أطعِمْ مَعِدَتَكَ وَاملأ بَطنَكَ بِهَذِهِ المَخطُوطَةِ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكَ.» فلَمَّا أكَلتُهَا، كَانَ طَعمُهَا فِي فَمِي حُلوًا كَالعَسَلِ. ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، اذْهَبْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَكَلِّمهُمْ بِرِسَالَتِي. لِأنِّي لَسْتُ أُرسِلُكَ إلَى شَعْبٍ غَرِيبِ اللِّسَانِ صَعبِ اللُّغَةِ، بَلْ أُرسِلُكَ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَلَسْتُ أُرسِلُكَ إلَى أُمَمٍ كَثِيرَةٍ غَرِيبَةِ اللِّسَانِ صَعبَةِ اللُّغَةِ، فَلَا تَفَهَمَ لُغَتَهُمْ. وَلَوْ أرسَلتُكَ إلَى شَعْبٍ غَرِيبٍ، لَاستَمَعُوا إلَيْكَ. أمَّا بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَنْ يَسْتَمِعُوا إلَيْكَ، لِأنَّهُمْ لَا يَسْتَمِعُونَ إليَّ أنَا. فَكُلُّ بَيْتِ إسْرَائِيلَ صَلْبُ الرَّأسِ عَنِيدُ القَلْبِ. لَكِنِّي سَأجْعَلُ وَجْهَكَ وَجَبْهَتَكَ أصلَبَ وَأجرَأ مِنْ وُجُوهِهِمْ وَجِبَاهِهِمْ! فَسَأجعَلُ جَبْهَتَكَ كَالمِاسِ، أصلَبَ مِنَ الصَّوَّانِ. فَلَا تَخَفْ مِنْهُمْ، لِأنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِدُّ.» ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، اسْتَمِعْ وَاستَوْعِبْ كُلَّ كَلِمَةٍ أقُولُهَا لَكَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ اذْهَبْ إلَى شَعْبِكَ المَسبِيِّ وَقُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ .› سَوَاءٌ استَمَعُوا أمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا.» ثُمَّ رَفَعَتنِي رُوحٌ إلَى الهَوَاءِ، وَسَمِعْتُ صَوْتًا هَادِرًا خَلفِي يَقُولُ: «مُبَارَكٌ مَجْدُ اللهِ فِي مَكَانِهِ.» إنَّهُ صَوْتُ أجنِحَةِ الكَائِنَاتِ يَضَرْبِ أحَدُهَا الآخَرَ، وَصَوْتُ الدَّوَالِيبِ تَتَحَرَّكُ إلَى جَانِبِهَا. فَكَانَ صَوْتًا هَادِرًا. ثُمَّ رَفَعَتْنِي رُوحٌ وَأخَذَتْنِي بَعِيدًا. فَارتَفَعْتُ وَالِاهْتِيَاجُ وَالمَرَارَةُ يَملآنِ قَلبِي، لَكِنَّ قُوَّةَ اللهِ كَانَتْ عَلَيَّ. وَأتَيْتُ إلَى المَسبِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي تَلِّ أبِيبَ قُرْبَ نَهْرِ خَابُورَ. وَبَقِيتُ صَامِتًا بَيْنَهُمْ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ. وَبَعْدَ سَبْعَةِ أيَّامٍ، جَاءَتْ كِلَمَةُ اللهِ إلَيَّ: «يَا إنْسَانُ، جَعَلْتُكَ حَارِسًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ. تَسْمَعُ مِنِّي رِسَالَةً، وَتُبَلِّغهُمْ بِإنذَارِي. فَإنْ حَكَمْتُ عَلَى شِرِّيرٍ وَقُلْتُ لَهُ: ‹سَتَمُوتُ!› وَأنْتَ لَمْ تُنذِرِ ذَلِكَ الشِّرِّيرَ لَيَتُوبَ عَنْ شَرِّهِ فَيَنْجُو، فَإنَّهُ سَيُدَانُ بِذَنبِهِ، لَكِنَّنِي سَأُحَمِّلُكَ مَسؤُولِيَةَ هَلَاكِهِ. «أمَّا إنْ أنذَرْتَ ذَلِكَ الشِّرِّيرَ، وَلَمْ يَتُبْ عَنْ شَرِّهِ وَلَمْ يَتَرَاجَعْ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، فَإنَّهُ سَيَهْلِكُ بِذَنبِهِ، وَأنْتَ سَتَنْجُو بِنَفْسِكَ. «وَإنْ تَوَقَّفَ إنْسَانٌ عَنْ عَمَلِ الصَّلَاحِ وَبَدَأ يَعْمَلُ الشَّرَّ حِينَ أضَعُ أمَامَهُ مَا يُسقِطَهُ فِي الخَطيَّةِ، فَإنَّهُ سَيَمُوتُ إنْ لَمْ تُحَذِّرهُ. سَيَهْلِكُ بِذَنبِهِ، وَلَنْ تُؤخَذَ أعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ السَّابِقَةُ فِي الِاعتِبَارِ، وَسَأُحَمِّلُكَ مَسؤُولِيَةَ هَلَاكِهِ. وَإنْ حَذَّرْتَ إنْسَانًا صَالِحًا بِأنْ لَا يُخطِئَ، وَاستَمَرَّ بِعَمَلِ الصَّلَاحِ وَلَمْ يُخطِئْ، فَإنَّهُ لَنْ يَفْقِدَ حَيَاتَهُ لِأنَّهُ استَمَعَ لِلتَّحذِيرِ، وَأنْتَ تَكُونُ قَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ.» وَكَانَتْ قُوَّةُ اللهِ عَلَيَّ، وَقَالَ لِي: «انْهَضْ وَاذْهَبْ إلَى السَّهلِ، وَهُنَاكَ سَأتَكَلَّمُ مَعَكَ.» فَنَهَضْتُ وَذَهَبْتُ إلَى السَّهلِ. وَفَجْأةً، وَقَفَ مَجْدُ اللهِ هُنَاكَ، وَكَانَ كَالمَجْدِ الَّذِي رَأيْتُهُ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، فَسَقَطُّتُ وَوَجْهِي إلَى الأرْضِ. وَلَكِنَّ رُوحًا أتَتْ إلَيَّ وَأوقَفَتنِي، وَقَالَ لِي: «سَيَتِمُّ حَجزُكَ فِي بَيْتِكَ. يَا إنْسَانُ، سَيَلُفُّ النَّاسُ حَوْلَكَ حِبَالًا وَيَرْبِطُونَكَ بِهَا، حَتَّى لَا تَتَمَكَّنَ مِنَ الخُرُوجِ لِتَتَكَلَّمَ إلَيْهِمْ. سَأجْعَلُ لِسَانَكَ يَلْتَصِقُ بِفَمِكَ فَلَا تَتَمَكَّنَ مِنَ الكَلَامِ. لَنْ تَكُونَ خَصمًا يُوَبِّخُهُمْ، لِأنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِدُّ. وَلَكِنْ حِينَ أتَكَلَّمُ مَعَكَ، سَأفتَحُ فَمَكَ لِتَسْتَطِيعَ أنْ تُكَلِّمَهُمْ فَتَقُولُ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ .› فَمَنْ يَسْتَمِعْ مِنْهُمْ سَيَسْمَعُ مَا أقُولُهُ، وَمَنْ يَمْتَنِعْ عَنِ الِاسْتِمَاعِ لَنْ يَسْتَمِعَ، لِأنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِدُّ.» «يَا إنْسَانُ، خُذْ لَبِنَةً وَضَعْهَا أمَامَكَ. وَارسُمْ صُورَةَ مَدِينَةٍ تُشْبِهُ القُدْسَ عَلَيْهَا. ثُمَّ أقِمْ حَوَاجِزَ تُرَابِيَّةً حَوْلَهَا، وَأبرَاجَ حِصَارٍ. ضَعْ حَوْلَهَا مُعَسْكَرَاتٍ، وَأحِطْهَا بِقَاذِفَاتِ حِجَارَةٍ. وَخُذْ وِعَاءً مِنْ صَاجٍ وَضَعْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ المَدِينَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَكِّزِ النَّظَرَ إلَيْهَا، فَهِيَ الآنَ تَحْتَ الحِصَارِ، وَأنْتَ الَّذِي تُحَاصِرُهَا. هَذِهِ عَلَامَةُ تَحْذِيرٍ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. «ثًمَّ استَلْقِ عَلَى جَانِبِكَ الأيسَرِ، وَأعلِنْ خَطَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ وَالتُّهَمَ المُوَجَّهَةَ إلَيْهِمْ. احمِلْ ذَنبَهُمْ طَوَالَ الأيَّامِ الَّتِي أنْتَ مُسْتَلقٍ فِيهَا أمَامَ رَسْمِ المَدِينَةِ. سَأُخبِرُكَ بِسِنِيِّ خَطِيَّتِهِمْ وَإثمِهِمْ، فَتَحْمِلَ التُّهَمَ المُوَجَّهَةَ ضِدَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لِثَلَاثِ مِئَةٍ وَتِسْعِينَ يَومًا، كُلَّ يَوْمٍ مُقَابِلَ سَنَةٍ. «بَعْدَ ذَلِكَ، دُرْ فَاستَلْقِ عَلَى جَانِبِكَ الأيمَنِ، لِتَحْمِلَ خَطَايَا بَنِي يَهُوذَا وَالتُّهَمَ المُوَجَّهَةَ ضِدَّهُ لِأرْبَعِينَ يَومًا، كُلَّ يَوْمٍ مُقَابِلَ سَنَةٍ. رَكِّزْ نَظَرَكَ عَلَى حِصَارِ القُدْسِ، وَاكشِفْ ذِرَاعَكَ وَتَنَبّأ ضِدَّهَا. سَأربِطُكَ بِحِبَالٍ فَلَا تَتَمَكَّنَ مِنْ أنْ تَتَقَلَّبَ مِنْ جَنبٍ إلَى آخَرَ حَتَّى يَكْتَمِلَ وَقْتُ حِصَارِكَ دَاخِلَ الدَّائِرَةِ. «خُذْ بَعْضَ القَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالبُقُولِ وَالفَاصُوليَا وَالكِرسَنَّةِ وَالعَلَسِ وَاخلِطْهَا مَعًا فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ. وَاصنَعْ أرغِفَةً بِعَدَدِ الأيَّامِ الَّتِي تَسْتَلْقِي بِهَا عَلَى جَنبِكَ، لِتَأكُلَ رَغِيفًا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الثَّلَاثِ مِئَةٍ وَتِسْعِينَ يَومًا الَّتِي فِيهَا سَتَسْتَلْقِي عَلَى جَنْبِكَ. وَيَكُونُ وَزنُ مَا سَتأكُلُهُ مِنَ الخُبِزِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا كُلَّ يَوْمٍ، تَأْكُلُهَا عَلى وَجَبَاتٍ. كَمَا سَتَشْرَبُ كَمِيَّةً مَحدُودَةً مِنَ المَاءِ كُلَّ يَوْمٍ: سُدْسَ وِعَاءٍ تَشْرَبُهُ عَلَى فَتَرَاتٍ. تَصْنَعُ رَغِيفَ خُبْزٍ كُلَّ يَوْمٍ أمَامَ النَّاسِ عَلَى فَضَلَاتٍ بَشَرِيّةٍ.» ثُمَّ قَالَ اللهُ : «هَكَذَا سَيَأْكُلُ بَنُو إسْرَائِيلَ خُبْزَهُمْ نَجِسًا بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدتُهُمْ إلَيْهِمْ.» فَقُلْتُ: «آهٍ أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، لَمْ يَسْبِقْ لِي أنْ تَنَجَّستُ. لَمْ آكُلْ أيَّ حَيَوَانٍ مَيِّتٍ أوْ قَتَلَهُ حَيَوَانٌ آخَرُ مِنْ صِغَرِي وَحَتَّى الآنَ. لَمْ يَدْخُلْ طَعَامٌ نَجِسٌ فَمِي قَطّ!» فَقَالَ لِي: «فَاستَخْدِمْ رَوَثَ البَقَرِ الجَّافِّ بَدَلًا مِنَ الفَضَلَاتِ البَشَرِيَّةِ كَوَقُودٍ لِتَحْضِيرِ خُبْزِكَ.» حِينَئِذٍ، قَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، سَأُقَلِّلُ مِنْ مَؤُونَةِ الطَعَامِ فِي القُدْسِ، فَيَأْكُلُونَ الخُبْزَ بِمَقَادِيرَ مَحدُودَةٍ، وَيَشْرَبُوا المَاءَ بِمَقَادِيرَ مَحدُودَةٍ، وَبِصَمْتٍ مُحَيِّرٍ تَلُفُّهُ الكَآبَةُ. لِأنَّ الطَعَامَ وَالمَاءَ سَيَكُونَانِ مَحدُودَينِ. وَسَيُصعَقُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَيَذُوبُ بِسَبَبِ الشَّرِّ الَّذِي صَنَعُوهُ.» «يَا إنْسَانُ، خُذْ سَيْفًا حَادًّا وَاسْتَخْدِمْهُ كَشَفرَةِ حِلَاقَةٍ، وَاحلِقْ بِهِ شَعرَ رَأسِكَ وَلِحيَتِكَ. ثُمَّ خُذْ مِيزَانًا وَقَسِّمْ شَعرَكَ بِالمِيزَانِ إلَى ثَلَاثَةِ أقسَامٍ. ألقِ ثُلُثًا مِنْ شَعرِكَ إلَى النَّارِ الَّتِي وَسَطِ المَدِينَةِ حِينَ تَنْتَهِي فَترَةُ الحِصَارِ. وَخُذِ الثُّلُثَ الثَّانِي وَقَطِّعْهُ بِالسَّيْفِ خَارِجَ المَدِينَةِ. أمَّا الثُّلُثُ الثَّالِثُ فَألقِهِ إلَى الهَوَاءِ، وَسَأضرِبُهُ بِسَيفِي. وَخُذْ قَلِيلًا مِنَ الشَّعرِ وَصُرَّهُ فِي طَرَفِ ثَوبِكَ. ثُمَّ خُذْ قَلِيلًا مِنَ الشَّعرِ المَصرُورِ وَألقِهِ إلَى النَّارِ وَأحْرِقْهُ، وَسَتَخْرُجُ مِنْهُ نَارٌ وَتَنْتَشِرُ إلَى كُلِّ بَيْتِ إسْرَائِيلَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «تُمَثِّلُ هَذِهِ اللِّبِنَةُ مَدِينَةَ القُدْسِ الَّتِي وَضَعتُهَا وَسَطَ الأُمَمِ. وَهِيَ الَّتِي عَصَتْ أحكَامِي وَشَرَائِعِي لِتَعْمَلَ شُرُورًا أكْثَرَ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ الأُخرَى، وَخَرَقَتْ شَرَائِعِي أكْثَرَ مِنْ كُلِّ البِلَادِ الَّتِي حَوْلَهَا. رَفَضَ أهْلُهَا أحكَامِي، وَلَمْ يُطِيعُوا شَرَائِعِي.» لِهَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «عَصَيتُمْ أكْثَرَ مِنَ الأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكُمْ. لَمْ تُطِيعُوا شَرَائِعِي وَلَمْ تَحْفَظُوا أحكَامِي، بَلْ سَلَكْتُمْ وَفْقَ أحكَامِ الأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكُمْ. لِذَلِكَ، هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : سَوفَ أقِفُ ضِدَّكَمْ وَسَأُعَاقِبُكُمْ بِأعْمَالٍ عَظِيمَةٍ عَلَى مَرأىً مِنَ الأُمَمُ الأُخرَى. وَبِسَبَبِ كُلِّ الأُمُورِ الكَرِيهَةِ الَّتِي عَمِلتُمُوهَا، سَأعمَلُ بِكُمْ أُمُورًا لَمْ يَسْبِقْ لِي أنْ عَمِلتُهَا، وَلَنْ أعُودَ أعمَلُهَا ثَانِيَةً. وَلِذَلِكَ بِسَبَبِ مَا عَمِلتُمْ، سَيَأْكُلُ الآبَاءُ أوْلَادَهُمْ، وَسَيَأْكُلُ الأوْلَادُ آبَاءَهُمْ. سَأُنَفِّذُ فِيكُمْ حُكْمِي وَدَينُونَتِي، وَأُشَتِّتُ البَاقِينَ مِنْكُمْ مَعَ الرِّيحِ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «أُقْسِمُ بِذَاتِي، إنِّي سَأُعَاقِبُكُمْ بِنَفْسِي! لَنْ أرحَمَكُمْ أوْ أتَرَأفَ بِكُمْ! لِأنَّكُمْ نَجَّستُمْ هَيْكَلِي بِمُمَارَسَاتِكُمُ الكَرِيهَةِ. ثُلثُكُمْ سَيَمُوتُ بِالمَرَضِ وَيَذْبُلُ بِالجُّوعِ، وَثُلثُكُمْ سَيَسْقُطُ بِالسَّيْفِ فِي الحُقُولِ وَالأرَاضِي المُحِيطَةِ بِالمَدِينَةِ، وَثُلثُكُمْ سَأُشَتِّتُهُ مَعَ الرِّيحِ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ، وَسَأُلَاحِقُكُمْ بِالسَّيْفِ. سَأُطلِقُ غَضَبِي، سَأُعَبِّرُ عَنْ غَيظِي عَلَى شَعْبِي. حِينَئِذٍ، يَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ فِي غَيْرَتِي، حِينَ أُطلِقُ عَلَيْهِمْ غَيْظِي.» «سَأُسَلِّمُكِ يَا قُدْسُ لِلخَرَابِ وَأُدَمِّرُكِ، وَأجعَلُكِ عِبرَةً بَيْنَ الأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكِ، وَلِكُلِّ مَنْ يَمُرُّ مُقَابِلَكِ. سَتُصبِحِينَ عَارًا وَمَثَارَ سُخْرِيَةٍ وَدَهشْةً وَعِبرَةً لِلأُمَمِ المُحِيطَةِ بِكِ حِينَ أُوَبِّخُكِ بِشِدَّةٍ وَأُعَاقِبُكِ. أنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ. سَأُطلِقُ سِهَامَ المَجَاعَةِ وَسِهَامَ الدَّمَارِ لِإهلَاكِكُمْ. سَأزِيدُ الجُوعَ أكْثَرَ عَلَيْكُمْ، وَأجعَلُ خُبْزَكُمْ قَلِيلًا. سَأُرْسِلُ عَلَيكُمُ المَجَاعَةَ وَالحَيَوَانَاتِ المُفتَرِسَةَ لِتَقْتُلَ أوْلَادَكُمْ! وَسَأنشُرُ المَوْتَ وَالأمْرَاضَ بَيْنَكُمْ. وَسَآتِي بِالسَّيْفِ عَلَيْكُمْ.» أنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ. وَأتَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَيَّ تَقُولُ: «يَا إنْسَانُ، التَفِتْ إلَى جِبَالِ إسْرَائِيلَ وَتَنَبَّأ ضِدَّهَا وَقُلْ: ‹يَا جِبَالَ إسْرَائِيلَ، استَمِعِي لِكَلِمَةِ الرَّبِّ الإلَهِ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ لِلجِبَالِ وَالتِّلَالِ وَالجَدَاوِلِ وَالأودِيَةِ: سَآتِي بِالسَّيْفِ عَلَى مُرتَفَعَاتِكُمْ. سَتُدَمَّرُ مَذَابِحُكُمْ، وَمَذَابِحُ بَخُورِكُمْ سَتُحَطَّمُ. وَسَأُلقِي جُثَثَكُمْ أمَامَ أصْنَامِكُمُ الكَرِيهَةِ. سَأضَعُ جُثَثَ بَنِي إسْرَائِيلَ المُتَعَفِّنَةَ أمَامَ آلِهَتِهِمُ الكَرِيهَةِ، وَأُبَعثِرُ عِظَامَهُمْ حَوْلَ مَذَابِحِهِمْ. وَحَيْثُمَا تَسْكُنُونَ، سَتَصِيرُ مُدُنُكُمْ خَرِبَةً، وَتُدَمَّرُ مُرتَفَعَاتُكُمْ. سَتُخَرَّبُ مَذَابِحُكُمْ وَتَنْهَدِمُ، وَسَتُحَطِّمُ أوْثَانُكُمُ الكَرِيهَةُ، وَسَتُكَسَّرُ مَذَابِحُ بَخُورِكُمْ، وَتَزُولُ تَمَاثِيلُكُمْ تَمَامًا. سَيَسْقُطُ قَتلَى فِي وَسَطِكُمْ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ .› «وَلَكِنِّي سَأُبْقِي عَلَى عَدَدٍ قَلِيلٍ مِنْكُمْ. فَسَيَنْجُو بَعْضٌ مِنْكُمْ مِنَ السَّيْفِ وَسَطَ أُمَمِ البِلَادِ الغَرِيبَةِ الَّتِي سَأُبَعثِرُكُمْ فِيهَا. حِينَئِذٍ، سَيَتَذَكَّرُنِي النَّاجُونَ وَسَطَ الأُمَمِ الَّتِي يَسْكُنُونَ وَسَطَهَا. سَيَتَذَكَّرُونَ أنَّنِي أذلَلْتُ قَلْبَهُمُ الزَّانِي الَّذِي تَرَكَنِي، وَعُيُونَهُمُ المُلتَفِتَةَ إلَى أصْنَامِكُمُ الكَرِيهَةِ. حِينَئِذٍ، سَيَمْقُتُونَ أنْفُسَهُمْ بِسَبَبِ كُلَّ الشَّرِّ وَالأُمُورِ الكَرِيهَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ ، وَأنَّ كَلَامِي لَيْسَ تَهْدِيدًا فَارِغًا، بَلْ سَأجْلِبُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الكَارِثَةَ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «اضْرِبْ كَفَّيكَ أحَدُهُمَا بِالآخَرِ، وَاضْرِبْ بِقَدَمِكَ الأرْضَ، وَتَأوَّهْ عَلَى كُلِّ الشُّرُورِ الكَرِيهَةِ الَّتِي عَمِلَهَا بَنُو إسْرَائِيلَ، الَّذِينَ سَقَطُوا بِالسَّيْفِ وَالمَجَاعَةِ وَالمَرَضِ. سَيَمُوتُ البَعِيدُونَ بِالمَرَضِ، بَيْنَمَا سَيَمُوتُ القَرِيبُونَ بِالسَّيْفِ، وَأمَّا البَاقُونَ فِي الحِصَارِ فَسَيَمُوتُونَ بِالجُوعِ. حِينَئِذٍ، فَقَطْ سَيَهْدَأُ غَضَبِي عَلَيْهِمْ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ ، حِينَ تُلقَى جُثَثُهُمْ بَيْنَ أصْنَامِهِمُ الرَّدِيَّةِ حَوْلَ مَذَابِحِهِمْ عَلَى كُلِّ تَلَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ، وَعَلَى كُلِّ قِمَّةِ جَبَلٍ، وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضرَاءَ، وَكُلِّ بَلُّوطَةٍ مُورِقَةٍ، فِي الأمَاكِنِ الَّتِي قَدَّمُوا فِيهَا بَخُورًا وَرَوَائِحَ عَطِرَةً لِأصْنَامِهِمُ الرَّدِيئَةِ. سَأُعَاقِبُهُمْ وَأُخَرِّبُ أرْضَهُمْ. وَسَتَكُونُ كُلُّ مَسَاكِنِهِمْ مِنَ الصَّحرَاءِ إلَى مَدِينَةِ دَبلَةَ خَرِبَةً وَمَهجُورَةً. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «هُنَاكَ نِهَايَةٌ لِأرْضِ إسْرَائِيلَ. سَتَأْتِي النِّهَايَةُ عَلَى كُلِّ الأرْضِ. سَتَأْتِي النِّهَايَةُ عَلَيْكِ سَرِيعًا، حِينَ أُرسِلُ غَضَبِي عَلَيْكِ، وَحِينَ أحْكُمُ عَلَيْكِ بِحَسَبِ طُرُقِكِ، وَحِينَ أُجَازِيكِ عَلَى أُمُورِكِ الكَرِيهَةِ، وَلَنْ أرحَمَكِ، لِأنِّي سَأُعَاقِبُكِ عَلَى سُلُوكِكِ بِسَبَبِ الأُمُورِ الكَرِيهَةِ الَّتِي فِي وَسَطِكِ، حِينَئِذٍ، تَعْلَمِينَ أنِّي أنَا اللهُ .» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَتَأْتِي عَلَيْكُمْ كَارِثَةٌ وَرَاءَ أُخْرَى. هُنَاكَ نِهَايَةٌ آتِيَةٌ. النِّهَايَةُ آتِيَةٌ، وَسَتَأْتِي عَلَيْكِ فَجْأةً. هَا إنَّ الكَارِثَةَ تُوشِكُ أنْ تَأْتِيَ. يَا سُكَّانَ الأرْضِ، قَدْ أُطلِقَتِ الإشَارَةُ لِأعْدَائِكُمْ لِيَجِيئُوا. قَدْ أتَى الوَقْتُ. اليَوْمُ قَرِيبٌ جِدًّا. يُمْكِنُ سَمَاعُ ضَجَّةِ المَعْرَكَةِ، لَا ضَجَّةَ الفَرَحِ، فِي الجِبَالِ. سَأُظْهِرُ قَرِيبًا كُلَّ غَضَبِي عَلَيْكِ. سَأُدِينُكِ عَلَى أعْمَالِكِ، وَسَأُعَاقِبُكِ عَلَى كُلِّ خَطَايَاكِ الكَرِيهَةِ. وَلَنْ أرحَمَكِ، وَلَنْ أُشفِقَ عَلَيْكِ. سَأُعَاقِبُكِ عَلَى مَا فَعَلْتِ، بَيْنَمَا مَا تَزَالُ خَطَايَاكِ فِيكِ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا هُوَ اللهُ الَّذِي يَضْرِبُكُمْ. «قَدْ أتَى اليَوْمُ، وَقَدْ أطلَقتُ الإشَارَةَ. قَدْ أفرَخَتِ العَصَا، وَأخْرَجَتِ الكِبْرِيَاءُ بَرَاعِمَهَا. ذَلِكَ المُتَكَبِّرُ القَاسِي مُسْتَعِدٌّ لِمُعَاقَبَةِ الأشْرَارِ. يُوجَدُ كَثِيرُونَ فِي إسْرَائِيلَ، وَلكِنَّهُ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمْ. هُوَ لَيْسَ قَائِدًا مُهِمًّا فِي ذَلِكَ الشَّعْبِ. «قَدْ أتَى الوَقْتُ، وَاقْتَرَبَ اليَوْمُ. لَا يَفْرَحِ الشَّارِي، وَلَا يَنُحِ البَائِعُ، لِأنَّ الغَضَبَ سَيَأْتِي عَلَى جُمهُورٍ عَظِيمٍ. فَمَنْ يَبِيعُ أرْضَهُ لَنْ يَسْتَعِيدَهَا أبَدًا. حَتَّى الَّذِينَ يَنْجُونَ بِحَيَاتِهِمْ، لَنْ يَعُودُوا إلَى الأرْضِ. لِأنَّ هَذِهِ الرُّؤيَا تَتَعَلَّقُ بِالجَمِيعِ. وَلَنْ يَتَقَوَّى أحَدٌ بِالظُّلمِ وَالإثْمِ. «مَعَ أنَّهُمْ يَنْفُخُونَ فِي بُوقِ المَعْرَكَةِ، وَيَسْتَعِدُّونَ لِلحَربِ، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَسِيرُوا إلَى المَعْرَكَةِ، لِأنِّي غَاضِبٌ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. العَدُوُّ خَارِجَ المَدِينَةِ، وَالمَرَضُ وَالمَجَاعَةُ فِي دَاخِلِهَا. الَّذِينَ فِي الحُقُولِ سَيَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ، وَالَّذِينَ فِي المَدِينَةِ سَيَمُوتُونَ بِالمَرَضِ وَالجُوعِ. سَيَهْرُبُ النَّاجُونَ مِنْهُمْ، وَسَيَطِيرُونَ إلَى الجِبَالِ مِثْلَ حَمَائِمِ الوَادِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَهْدِرُ فِي إثمِهِ. سَتَكُونُ أيدِيهِمْ مُنهَكَةً وَرُكَبُهُمْ ضَعِيفَةً. سَيَرْتَدُونَ الخَيْشَ، وَسَيُغَطِّيهِمُ الرُّعْبُ. سَيَكُونُ العَارُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، وَسَيُحلَقُ كُلُّ رَأسٍ. سَيُلقُونَ أصْنَامَهُمُ الفِضِّيَّةَ فِي الشَّوَارِعِ، وَسَيُعَامِلُونَ تَمَاثِيلَهُمُ الذَّهَبِيَّةَ كَمَا لَوْ أنَّهَا نُفَايَةٌ. لَنْ تُخَلِّصَهُمْ أصْنَامُهُمُ الفِضِّيَّةُ حِينَ يُعَبِّرُ اللهُ عَنْ غَضَبِهِ عَلَيْهِمْ. لَنْ تُشْبِعَهُمْ هَذِهِ الأصْنَامُ، وَلَنْ تَمْلأ بُطُونَهُمْ. «صَنَعُوا أوْثَانَهُمُ الكَرِيهَةَ وَأدَوَاتِهِمُ المَقِيتَةَ مِنْ زِينَتِهِمُ الجَمِيلَةِ الَّتِي يَفْتَخِرُونَ بِهَا. لِهَذَا أنزِعُهُمْ عَنِّي كَرِدَاءٍ نَجِسٍ. سَأُسَلِّمُ أرْضَهُمْ لِلغُرَبَاءِ لِيَنْهَبُوهَا، وَلأشْرَارِ الأرْضِ لِيَأْخُذُوهَا غَنِيمَةٍ، فَيُنَجِّسُونَهَا. سَأُبْعِدُ وَجْهِي عَنْهُمْ، فَيَدْخُلَ الغُرَبَاءُ مَقدِسِي وَيُنَجِّسُونَهُ. سَيَدْخُلُ المُجتَاحُونَ وَيُنَجِّسُونَهُ. «اصنَعُوا السَّلَاسِلَ لِلأسْرَى، لِأنَّ الأرْضَ مَلِيئَةٌ بِجَرَائِمِ القَتلِ، وَالمَدِينَةَ مَليئَةٌ بِالعُنفِ. وَلِذَا سَأجْلِبُ أجَانِبَ أشرَارًا، وَسَيَمْتَلِكُونَ بُيُوتَ بَنِي إسْرَائِيلَ. سَأُنهِي مَجْدَ العُظَمَاءِ وَالأقوِيَاءِ، وَسَتَتَنَجَّسُ أمَاكِنُ عِبَادَتِهِمْ. «زَمَنُ رُعبٍ وَدَمَارٍ آتٍ! سَيَبْحَثُونَ عَنِ السَّلَامِ، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوهُ! سَتَأْتِي مَأسَاةٌ بَعْدَ مَأسَاةٍ، وَإشَاعَةٌ بَعْدَ إشَاعَةٍ. سَيَطْلُبُونَ رُؤيَا مِنَ الأنْبِيَاءِ. سَيَفْتَقِرُ الكَهَنَةُ إلَى التَّعلِيمِ، وَالقَادَةُ إلَى النَّصِيحَةِ. سَيَنُوحُ المَلِكُ، وَرَئِيسُ الشَّعْبِ سَيَلبَسُ العَارَ، وَأيدِي القَادَةِ سَتَرْتَجِفُ مِنَ الخَوفِ. سَأحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَحْكُمُونَ بِهِ عَلَى غَيرِهِمْ. حِينَئِذٍ، يَعَلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» فِي اليَوْمِ الخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ السَّادِسِ مِنَ السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِلمَلِكِ يَهُويَاكِينَ، كُنْتُ جَالِسًا فِي بَيْتِي وَشُيُوخُ مَدِينَةِ القُدْسِ يَجْلِسُونَ أمَامِي. فَأتَتْ عَلَيَّ قُوَّةُ الرَّبِّ الإلَهِ . فَبَيْنَمَا كُنْتُ أنظُرُ، ظَهَرَ أمَامِي شِبهُ إنْسَانٍ. نِصفُهُ الأسفَلُ مِنَ النَّارِ، وَنِصفُهُ الأعْلَى كَالمَعدَنِ اللَّامِعِ كَالكَهرَمَانِ. ثُمَّ ظَهَرَ مَا بَدَا كَيَدٍ امتَدَّتْ وَأمسَكَتْنِي بِشَعرِ رَأسِي. وَرَفَعَتْنِي رُوحٌ فِي الهَوَاءِ، وَحَمَلَتْنِي إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ فِي الرُّؤيَا الإلَهِيَّةِ، إلَى الطَرَفِ الدَّاخِلِيِّ لِلبَوَّابَةِ الدَّاخِلِيَّةِ المُقَابِلَةِ لِلشَّرقِ، حَيْثُ كَانَ تِمْثَالُ الغَيْرَةِ الَّذِي يُثِيرُ غَيْرَةَ اللهِ. وَفَجْأةً رَأيْتُ مَجْدَ إلَهِ إسْرَائِيلَ، هُنَاكَ، وَكَانَ يُشْبِهُ الرُّؤيَا الَّتِي رَأيْتُهَا فِي السَّهلِ. وَقَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، انْظُرْ نَحْوَ الشِّمَالِ.» فَنَظَرتُ نَحْوَ الشِّمَالِ، فَكَانَ إلَى الشِّمَالِ مِنْ بَوَّابَةِ المَذْبَحِ التِّمْثَالُ المُثِيرُ لِلغِيرَةِ. فَقَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، أتَرَى الأشْيَاءَ الكَرِيهَةَ الَّتِي يَعْمَلُهَا بَنُو إسْرَائِيلَ هُنَا، فَيُبعِدُونِي عَنْ هَيْكَلِي؟ وَسَتَرَى أُمُورًا أكْثَرَ فَظَاعَةً وَشَرًّا!» وَبَعْدَ ذَلِكَ دَارَ بِي إلَى مَدْخَلِ السَّاحَةِ حَيْثُ رَأيْتُ ثُقبًا فِي الجِدَارِ. حِينَئِذٍ، قَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، احْفُرْ فِي الجِدَارِ.» فَحَفَرتُ فِي الجِدَارِ فَوَجَدْتُ بَابًا. حِينَئِذٍ، قَالَ لِيَ: «ادخُلْ وَانظُرِ الشَّرَّ وَالأُمُورَ الكَرِيهَةَ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا هُنَا!» فَدَخَلتُ وَرَأيْتُ صُوَرًا لِكُلِّ المَخْلُوقَاتِ وَالحَيَوَانَاتِ النَّجِسَةِ وَأصْنَامِ بَنِي إسْرَائِيلَ البَغِيضَةِ مَنقُوشَةً عَلَى كُلِّ الجِدَارِ. وَكَانَ هُنَاكَ سَبعُونَ مِنْ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ وَاقِفِينَ أمَامَ تِلْكَ التَّمَاثِيلِ وَالصُوَرِ، وَكَانَ يَازَنْيَا بْنُ شَافَانَ وَاقِفًا وَسَطَهُمْ. وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْمِلُ مِبخَرَتَهُ، وَكَانَتْ أعمِدَةُ البَخُورِ تَتَصَاعَدُ مِنْهَا. حِينَئِذٍ، قَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، هَلْ تَرَى مَا يَعْمَلُهُ شُيُوخُ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الظُّلمَةِ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي حُجرَةِ صَنَمِهِ. إنَّهُمْ يَعْمَلُونَ هَذَا لِأنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي أنْفُسِهِمْ: ‹إنَّ اللهَ لَا يَرَانَا. اللهُ تَرَكَ هَذِهِ الأرْضَ.›» حِينَئِذٍ، قَالَ لِي: «وَسَتَرَاهُمْ يَعْمَلُونَ أُمُورًا أكْثَرَ فَظَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ.» وَأخَذَنِي بَعْدَ ذَلِكَ إلَى المَدخَلِ الشِّمَالِيِّ لِبَوَّابَةِ بَيْتِ اللهِ . فَرَأيْتُ النِّسَاءَ هُنَاكَ يَبْكِينَ عَلَى الإلَهِ تَمُّوزَ. فَقَالَ لِي: «هَلْ تَرَى هَذَا يَا إنْسَانُ! وَسَتَرَى أُمُورًا أكْثَرَ قبَاحَةً مِنْ هَذَا أيْضًا!» حِينَئِذٍ، أخَذَنِي إلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ لِبَيْتِ اللهِ . وَعِنْدَ مَدْخَلِ هَيْكَلِ اللهِ ، بَيْنَ دِهْلِيزِ الهَيْكَلِ وَالمَذْبَحِ، كَانَ هُنَاكَ خَمْسَةٌ وَعِشرُونَ رَجُلًا ظُهُورُهُمْ إلَى هَيْكَلِ اللهِ ، وَوُجُوهُهُمْ نَحْوَ الشَّرقِ، وَهُمْ سَاجِدُونَ لِلشَّمسِ بِاتِّجَاهِ الشَّرقِ. حِينَئِذٍ، قَالَ لِي: «هَلْ تَرَى هَذَا يَا إنْسَانُ؟ هَلْ تَرَى كَيْفَ يَصْنَعُ بَنُو يَهُوذَا هَذِهِ الأُمُورَ الكَرِيهَةَ هُنَا؟ لِمَاذَا يَملأونَ الأرْضَ بِالظُّلمِ، وَيُثِيرُونَ غَضَبِي أكْثَرَ فَأكْثَرَ؟ هَا إنَّهُمْ يَضَعُونَ أقرَاطًا وَثَنِيَّةً فِي أُنُوفِهِمْ! وَلِذَا فَهَذَا مَا سَأعمَلُهُ أنَا فِي غَضَبِي: لَنْ أرحَمَهُمْ أوْ أتَرَأَفَ عَلَيْهِمْ. وَحَتَّى إنْ صَرَخُوا إلَيَّ طَالِبِينَ العَونَ، فَلَنْ أستَمِعَ إلَيْهِمْ.» ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَصْرُخُ: «أحْضِرْ جَلَّادِي المَدِينَةِ. وَلْيَحْمِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِلَاحَهُ الفَتَّاكَ فِي يَدِهِ.» ثُمَّ رَأيْتُ سِتَّةَ رِجَالٍ آتِينَ مِنَ البَوَّابَةِ العُليَا الَّتِي بِاتِّجَاهِ الشِّمَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِيَدِهِ سِلَاحُهُ الفَتَّاكُ. وَكَانَ أحَدُ هَؤلَاءِ الرِّجَالُ يَلبَسُ ثَوْبًا كِتَّانِيًا، وَيَحْمِلُ أدَوَاتِ الكِتَابَةِ عَلَى جَنبِهِ. فَأتَوْا وَوَقَفُوا بِجِوَارِ المَذْبَحِ البُرُونْزِيِّ. فَصَعِدَ مَجْدُ إلَهِ إسْرَائِيلَ مِنْ عَلَى مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ حَيْثُ كَانَ، وَانتَقَلَ إلَى عَتَبَةِ الهَيْكَلِ. ثُمَّ نَادَى اللهُ الرَّجُلَ اللَّابِسَ الكِتَّانَ وَالحَامِلَ أدَوَاتِ الكِتَابَةِ عَلَى جَنبِهِ، وَقَالَ لَهُ: «تَجَوَّلْ فِي كُلِّ مَدِينَةِ القُدْسِ، وَضَعْ عَلَامَةً عَلَى جَبهَةِ كُلِّ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَنَهَّدُونَ وَيَنُوحُونَ عَلَى كُلِّ الفَظَائِعِ الَّتِي حَدَثَتْ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ.» ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَتَكَلَّمُ إلَى الآخَرِينَ وَيَقُولُ: «جُولُوا فِي المَدِينَةِ وَرَاءَ اللَّابِسِ الكِتَّانَ، وَاضرِبُوا الَّذِينَ لَمْ تُوضَعْ عَلَامَةٌ عَلَى جِبَاهِهِمْ. لَا تَرْحَمُوا وَلَا تَتَرَأَفُوا. اقْتُلُوا الشُّيُوخَ وَالشَّبَابَ وَالبَنَاتِ وَالأطْفَالَ وَالنِّسَاءَ، وَلَكِنْ لَا تَلْمِسُوا كُلَّ مَنْ يَحْمِلُ العَلَامَةَ عَلَى جَبهَتِهِ. وَابدَأُوا هُنَا، مِنْ هَيْكَلِي.» فَبَدَأُوا بِالشُّيُوخِ الَّذِينَ كَانُوا أمَامَ الهَيْكَلِ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لَهُمْ: «نَجِّسُوا هَيْكَلِي بِأنْ تَملأُوا السَّاحَاتِ بِالجُثَثِ. اخرُجُوا!» فَخَرَجُوا إلَى المَدِينَةِ وَقَتَلُوا النَّاسَ الَّذِينَ فِي المَدِينَةِ. وَبَعْدَ أنْ قَتَلُوا النَّاسَ، لَمْ يَبْقَ غَيرِي فِي حَضْرَةِ اللهِ ، فَوَقَعتُ وَوَجْهِي عَلَى الأرْضِ وَقُلْتُ: «آهِ، أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ! هَلْ تَنْوِي أنْ تُهلِكَ جَمِيعَ البَاقِينَ مِنْ إسْرَائِيلَ بِسَكْبِ غَضَبِكَ عَلَى القُدْسِ؟» فَقَالَ: «إنَّ جَرَائِمَ بَيْتِ إسْرَائِيلَ وَبَيْتِ يَهُوذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. الأرْضُ مَملُوءَةٌ بِالقَتَلَةِ، وَالمَدِينَةُ مَملُوءَةٌ بِالظُّلمِ. فَيَعْمَلُونَ الشَّرَّ وَهُمْ يَقُولُونَ: ‹قَدْ تَرَكَ اللهُ الأرْضَ، وَلِذَا فَهُوَ لَا يَرَى مَا نَعمَلُهُ.› وَلِذَلِكَ لَنْ أرحَمَهُمْ أوْ أتَرَأَفَ عَلَيْهِمْ. سَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى مَا عَمِلُوهُ.» حِينَئِذٍ، أجَابَ الرَّجُلُ اللَّابِسُ الكِتَّانَ، وَالَّذِي يَضَعُ أدَوَاتِ الكِتَابَةِ عَلَى جَنبِهِ: «قَدْ عَمِلْتُ كُلَّ مَا أمَرْتَنِي بِهِ.» وَفَجْأةً، رَأيْتُ عَلَى القُبَّةِ الشَّبِيهَةِ بِاللَّازَوَرْدِ الَّتِي فَوْقَ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ مَا يُشْبِهُ العَرْشَ. حِينَئِذٍ، قَالَ لِلرَّجُلِ اللَّابِسِ الكِتَّانَ: «ادخُلْ إلَى مَا بَيْنَ الدَّوَالِيبِ الَّتِي تَحْتَ مَلَائِكَةِ الكرُوبِيمِ، وَاملأْ يَدَيْكَ بِجَمرٍ مِنْ عَلَى المَذْبَحِ الَّذِي يَتَوَسَّطُ مَلَائِكَةَ الكَرُوبِيمِ الأرْبَعَةَ، وَألقِ بِذَلِكَ الجَمرِ عَلَى المَدِينَةِ.» فَدَخَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أمَامَ عَينَيَّ. وَكَانَتْ مَلَائِكَةُ الكَرُوبِيمِ وَاقِفَةً عَنْ يَمِينِ المَذْبَحِ. وَحِينَ دَخَلَ الرَّجُلُ، بَدَأتِ السُّحُبُ تُغَطِّي السَّاحَةَ الدَّاخِلِيَّةَ. ثُمَّ ارتَفَعَ مَجْدُ اللهِ مِنْ عَلَى مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ وَذَهَبَ إلَى عَتَبَةِ الهَيْكَلِ. فَامتَلأ الهَيْكَلُ بِالسُّحُبِ، بَيْنَمَا امتَلأتِ السَّاحَةُ بِنُورِ مَجْدِ اللهِ . وَكَانَ يُمْكِنُ سَمَاعُ صَوْتِ أجنِحَةِ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ حَتَّى فِي السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ، كَصَوْتِ اللهِ الجَبَّارِ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ. وَحِينَ أمَرَ الرَّجُلَ اللَّابِسَ الكِتَّانَ بِأنْ يَأْخُذَ نَارًا مِنْ بَيْنِ الدَّوَالِيبِ، أيْ مِنْ بَيْنِ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ، ذَهَبَ وَوَقَفَ قُرْبَ الدَّوَالِيبِ. فَمَدَّ كَرُوبٌ يَدَهُ إلَى مِنطَقَةِ بَيْنَ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ، إلَى النَّارِ الَّتِي تَتَوَسَّطُ مَلَائِكَةَ الكَرُوبِيمِ. وَأخَذَ جَمْرَةً وَوَضَعَهَا فِي يَدَيِّ اللَّابِسِ الكِتَّانَ، فَأخَذَهَا وَخَرَجَ. وكَانَ لِمَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ مَا بَدَا مِثْلُ أيدٍ بَشَرِيَّةٍ تَحْتَ أجنِحَتِهَا. وَلَاحَظْتُ أرْبَعَةَ دَوَالِيبَ قُرْبَ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ الأرْبَعَةِ، دُولَابًا لِكُلِّ كَرُوبٍ. وَكَانَتِ الدَّوَالِيبُ كَالبَلُّورِ. وَبَدَتِ الدَّوَالِيبُ مُتَشَابِهَةً وَمُتَدَاخِلَةً، كُلُّ دُولَابٍ فِي الآخَرِ. وَكَانَتِ الحَيَوَانَاتُ الأرْبَعَةُ تَتَحَرَّكُ مَعًا. وَكَانَتْ تَسِيرُ عَلَى جَوَانِبِهَا الأرْبَعَةِ، لَكِن لَمْ تَكُنْ تَدُورُ أوْ تَنْعَطِفُ حِينَ كَانَتْ تَتَحَرَّكُ. فَكَانَتْ تَسِيرُ بِالِاتِّجَاهِ الَّذِي يَسِيرُ فِيهِ الرَّأسُ، وَلَمْ تَكُنْ تَلْتَفُّ أوْ تَدُورُ فِي سَيرِهَا. وَكَانَتْ أجسَامُ مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ الأرْبَعَةِ وَظُهُورُهَا وَأيدِيهَا وَأجنِحَتُهَا وَدَوَالِيبُهَا مُغَطَّاةً بِالعُيُونِ. وَدُعِيَتِ الدَّوَالِيبُ أمَامِي بِالدَّوَالِيبِ الدَّوَّارَةِ. وَكَانَ لِكُلِّ كَرُوبٍ أرْبَعَةُ وُجُوهٍ: الأوَّلُ وَجْهُ كَرُوبٍ، وَالثَّانِي وَجْهُ إنْسَانٍ، وَالثَّالِثُ وَجْهُ أسَدٍ، وَالرَّابِعُ وَجْهُ نَسرٍ. ثُمَّ ارتَفَعَتْ مَلَائِكَةُ الكَرُوبِيمِ. هَذِهِ هِيَ الكَائِنَاتُ الَّتِي رَأيْتُهَا فِي الرُّؤيَا عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَحِينَ كَانَتْ مَلَائِكَةُ الكَرُوبِيمِ تَتَحَرَّكُ، كَانَتِ الدَّوَالِيبُ القَرِيبَةُ مِنْهَا تَتَحَرَّكُ مَعَهَا. وَحِينَ كَانَتْ مَلَائِكَةُ الكَرُوبِيمِ تَرْفَعُ أجنِحَتَهَا لِتَرْتَفِعَ عَنِ الأرْضِ، لَمْ تَكُنِ الدَّوَالِيبُ تُغّيِّرُ اتِّجَاهَهَا. فَإذَا تَوَقَّفَت مَلَائِكَةُ الكَرُوبِيمِ، تَوَقَّفَتِ الدَّوَالِيبُ مَعَهَا. وَإذَا ارتَفَعَتْ، ارْتَفَعَتِ الدَّوَالِيبُ مَعَهَا، لِأنَّ رُوحَ الكَائِنَاتِ كَانَتْ فِيهَا. وَتَرَكَ مَجْدُ اللهِ عَتَبَةَ الهَيْكَلِ وَوَقَفَ عَلَى مَلَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ. ثُمَّ رَفَعَتْ مَلَائِكَةُ الكَرُوبِيمِ أجنِحَتَهَا وَارتَفَعَتْ إلَى الهَوَاءِ أمَامَ عَيْنِي. وَحِينَ ارتَفَعَتْ، ارْتَفَعَتِ الدَّوَالِيبُ مَعَهَا. ثُمَّ وَقَفَتْ عِنْدَ مَدْخَلِ البَوَّابَةِ الشَّرقِيَّةِ لِبَيْتِ اللهِ ، وَكَانَ مَجْدُ إلَهِ إسْرَائِيلَ عَلَيْهَا. هَذِهِ هِيَ الكَائِنَاتُ الَّتِي رَأيْتُهَا تَحْتَ إلَهِ إسْرَائِيلَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. فَأدرَكتُ الآنَ أنَّهَا مِنْ ملَائِكَةِ الكَرُوبِيمِ. كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أرْبَعَةُ وُجُوهٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أرْبَعَةُ أجنِحَةٍ. وَتَحْتَ أجنِحَتِهَا مَا يُشْبِهُ الأيدِي البَشَرِيَّةَ. أمَّا الوُجُوهُ الأرْبَعَةُ فَهِيَ الَّتِي رَأيْتُهَا فِي الرُّؤيَا عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَكَانَ كُلُّ كَائِنٍ مِنْهَا يَتَحَرَّكُ بِاسْتِقَامَةٍ إلَى الأمَامِ. ثُمَّ رَفَعَتنِي رُوحٌ وَحَمَلَتنِي إلَى البَوَّابَةِ الشَرقِيَّةِ لِبَيْتِ اللهِ . وَعِنْدَ البَوَّابَةِ، كَانَ هُنَاكَ خَمْسَةٌ وَعِشرُونَ رَجُلًا. وَعَرَفتُ مِنْ هَؤلَاءِ الرِّجَالِ يَازَنْيَا بْنَ عَزُورَ وَفَلَطْيَا بْنَ بَنَايَا، وَهُمَا مِنْ رُؤَسَاءِ الشَّعْبِ. وَقَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، هَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ يُخَطِّطُونَ لِلشَرِّ، وَيُقَدِّمُونَ مَشُورَةً شِرِّيرَةً فِي هَذِهِ المَدِينَةِ. يَقُولُونَ عَنِ القُدْسِ: ‹لَنْ تُبنَى بُيُوتٌ فِي الفَترَةِ القَرِيبَةِ القَادِمَةِ. هِيَ القِدرُ وَنَحْنُ اللَّحمُ.› لِذَلِكَ تَنَبَّأ عَلَيْهِمْ وَضِدَّهُمْ، يَا إنْسَانُ.» حِينَئِذٍ، أتَى رُوحُ اللهِ عَلَيَّ وَقَالَ لِي: «قُلْ هَكَذَا يَقُولُ اللهُ : يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ، إنِّي عَالِمٌ بِأفكَارِكُمْ وَخُطَطِكُمْ. قَدْ زِدتُمْ فِي نَجَاسَتِكُمْ فِي هَذِهِ المَدِينَةِ، وَمَلأتُمُ الشَّوَارِعَ بِجُثَثِ قَتلَاكُمْ. لِهَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : جُثَثُكُمُ الَّتِي وَضَعتُمُوهَا فِي هَذِهِ المَدِينَةِ هِيَ اللَّحمُ، وَالقُدْسُ هِيَ القِدرُ. وَلَكِنَّ اللهَ سَيُخرِجُكُمْ مِنْ تِلْكَ القِدرِ. أنْتُمْ تَخَافُونَ السَّيْفَ، فَسَأجْلِبُ السَّيْفَ ضِدَّكُمْ. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . سَأُخرِجُكُمْ مِنَ المَدِينَةِ، وَأضَعُكُمْ فِي أيدِي غُرَبَاءَ، وَسَأحْكُمُ عَلَيْكُمْ وَأُنَفِّذُ حُكمِي. سَتُقتَلُونَ بِالسَّيْفِ، وَسَأُعَاقِبُكُمْ فِي كُلِّ أرْضِ إسْرَائِيلَ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ . لَنْ تَكُونَ مَدِينَةُ القُدْسِ قِدرًا يَحْمِيكُمْ، وَلَنْ تَكُونُوا اللَّحمَ فِيهَا. سَأحْكُمُ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ أرْضِ إسْرَائِيلَ، حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ الَّذِي لَمْ تُطِيعُوا شَرَائِعَهُ وَلَمْ تَحْفَظُوا أحكَامَهُ، بَلِ اتَّبَعتُمْ عَادَاتِ وَشَرَائِعَ الأُمَمِ المُحِيطَةِ بِكُمْ.» وَبَيْنَمَا كُنْتُ أتَنَبَّأُ، مَاتَ فَلَطْيَا بْنُ بَنَايَا. فَوَقَعتُ وَوَجْهِي عَلَى الأرْضِ وَصَرَختُ: «آهِ! أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ! هَلْ سَتُبِيدُ كُلَّ بَقِيَّةِ إسْرَائِيلَ؟» حِينَئِذٍ، أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، إنَّ الَّذِينَ مَا زَالُوا يَسْكُنُونَ القُدْسَ يَتَكَلَّمُونَ بِشُرُورٍ عَلَى إخْوَتِكَ وَأقرِبَائِكَ وَكُلِّ بَيْتِ إسْرَائِيلَ، فَيَقُولُونَ: ‹قَدِ ابتَعَدُوا كَثِيرًا عَنْ مَحضَرِ اللهِ . لِذَلِكَ فَقَدْ أُعْطِيَتِ الأرْضُ لَنَا.› «فَقُلْ لِلمَسبِيِّينَ: ‹يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : صَحِيحٌ أنِّي طَرَدْتُ شَعْبِي إلَى الأُمَمِ الأُخرَى، وَشَتَّتُّهُمْ فِي البِلَادِ. لَكِنَّنِي سَأكُونُ هَيْكَلَهُمْ لِفَترَةٍ قَصِيرَةٍ فِي البِلَادِ الَّتِي هُمْ فِيهَا الآنَ.› لِذَلِكَ قُلْ لَهُمْ يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹سَأجمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ وَالأرَاضِي الَّتِي شَتَّتُّكُمْ فِيهَا. وَسَأُعْطِيكُمْ أرْضَ إسْرَائِيلَ.› وَحِينَ يَعُودُونَ إلَى أرْضِهِمْ سَيُزِيلُونَ كُلَّ النَّجَاسَاتِ وَالخَطَايَا المَمقُوتَةِ. وَسَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا مُوَحَّدًا، وَأضَعُ رُوحًا جَدِيدَةً فِيهِمْ! وَسَأنزِعُ القَلْبَ الحَجَرِيَّ مِنْهُمْ، وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا لَحْمِيًّا، لِيَتْبَعُوا شَرَائِعِي وَيَحْفَظُوا فَرَائِضِي. حِينَئِذٍ، سَيَكُونُونَ شَعْبِي، وَأنَا سَأكُونُ لَهُمْ إلَهًا. أمَّا الَّذِينَ تَقُودُهُمْ قُلُوبُهُمْ إلَى النَّجَاسَاتِ وَالخَطَايَا الكَرِيهَةِ، فَسَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى أعْمَالِهِمْ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . ثُمَّ رَفَعَتْ مَلَائِكَةُ الكَرُوبِيمِ أجنِحَتَهَا وَارتَفَعَتْ وَدَوَالِيبُهَا بِجَانِبِهَا، وَمَجْدُ إلَهِ إسْرَائِيلَ عَلَيْهِا. فَارتَفَعَ مَجْدُ اللهِ وَتَرَكَ المَدِينَةَ، وَاستَقَرَّ عَلَى الجَبَلِ الوَاقِعِ شَرقَ المَدِينَةِ. حِينَئِذٍ، وَبَيْنَمَا كُنْتُ أرَى الرُّؤيَا الَّتِي أرَاهَا لِي رُوحُ اللهِ، رَفَعَتْنِي رُوحٌ وَحَمَلَتْنِي إلَى المَسبِيِّينَ فِي أرْضِ الكَلْدَانِيِّينَ. وَعِنْدَئِذٍ ارتَفَعَتْ عَنِّي الرُّؤيَا. فَأخبَرتُ المَسبِيِّينَ بِكُلِّ مَا أرَاهُ اللهُ لِي، وَتَكَلَّمَ بِهِ إلَيَّ. بَعْدَ ذَلِكَ، أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، أنْتَ تَسْكُنُ وَسَطَ شَعْبٍ عَاصٍ. لَهُمْ عُيُونٌ تَرَى، لَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ! وَلَهُمْ آذَانٌ تَسْمَعُ، لَكِنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ! لِأنَّهُمْ شَعْبٌ عَاصٍ. يَا إنْسَانُ، جَهِّزْ حَقِيبَةَ سَبْيٍ لِنَفْسِكَ. وَفِي النَّهَارِ أمَامَ عُيُونِهِمْ، اخرُجْ كَالمَسبِيِّ مِنْ مَكَانَكَ إلَى مَكَانٍ آخَرَ. فَلَعَلَّهُمْ يَرَوْنَ وَيُدرِكُونَ، لِأنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِدُّ. اخْرُجْ بِحَقِيبَتِكَ فِي النَّهَارِ أمَامَ عُيُونِهِمْ، كَمَا لَوْ أنَّهَا حَقِيبَةُ مَسبِيٍّ. ثُمَّ اخرُجْ فِي المَسَاءِ أمَامَ عُيُونِهِمْ، كَمَا لَوْ كُنْتَ ذَاهِبًا إلَى السَّبْيِ. اثقُبِ الحَائِطَ أمَامَ عُيُونِهِمْ وَاخرُجْ مِنْهُ. ارفَعِ الحَقِيبَةَ أمَامَ عُيُونِهِمْ عَلَى كَتِفِكَ. وَعِنْدَ حُلُولِ الظَّلَامِ احمِلهَا إلَى الخَارِجِ. غَطِّ وَجْهَكَ كَي لَا تَرَى الأرْضَ الَّتِي حَوْلَكَ، لِأنِّي أستَخْدِمُكَ كَعَلَامَةٍ لِبَنِي إسْرَائِيلَ.» فَعَمِلتُ كَمَا أمَرَنِي. فِي النَّهَارِ أخرَجتُ حَقِيبَتِي، كَمَا لَوْ أنَّهَا حَقِيبَةُ مَسبِيٍّ، وَفِي المَسَاءِ ثَقَبْتُ الحَائِطَ بِيَدَيَّ. وَعِنْدَ حُلُولِ الظَّلَامِ، أخرَجتُ حَقِيبَتِي وَحَمَلتُهَا عَلَى كَتِفِي أمَامَ عُيُونِهِمْ. وَفِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، ألَمْ يَسألْكَ هَؤلَاءِ العُصَاةُ المُتَمَرِّدُونَ عَمَّا كُنْتَ تَفْعَلُهُ؟ قُلْ لَهُمْ: ‹يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : هَذِهِ رِسَالَةٌ إلَى حَاكِمِ القُدْسِ، وَإلَى كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ السَّاكِنينَ فِيهَا. قُلْ لَهُمْ: أنَا رَمزٌ لَكُمْ. فَكَمَا عَمِلْتُ، هَذَا سَيُعمَلُ بِهِمْ. فَسَيُؤخَذُونَ كَأسرَى وَيُقَادُونَ إلَى السَّبيِ. وَفِي الظَّلَامِ سَيَحْمِلُ رَئِيسُكُمْ حَقِيبَتَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُغَادِرُ المَدِينَةَ. سَيَثْقُبُ السُّورَ لِيَهْرُبَ عَبْرَهُ، مُغَطِّيًا وَجْهَهُ حَتَّى لَا يَرَى أرْضَهُ بِعَيْنَيْهِ. وَلَكِنِّي أُلقِي عَلَيْهِ شَبَكَةً، وَسَيُمسَكُ بِفَخِّي. حِينَئِذٍ، سَآخُذُهُ إلَى بَابِلَ، أرْضِ الكَلْدَانِيِّينَ، لَكِنَّهُ لَنْ يَرَاهَا، وَسَيَمُوتُ هُنَاكَ. سَأُبَعْثِرُ جُيُوشَهُ وَمُسْتَشَارِيهِ مَعَ الرِّيحِ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ. وَتُلَاحِقُهُمْ جُيُوشٌ يَهُزُّونَ سُيُوفَهُمْ عَلَيْهِمْ. وَلِذَا حِينَ أُبَدِّدُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ وَأُبَعثِرُهُمْ فِي البِلَادِ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ .›» وَلَنْ أُبْقِيَ مِنْهُمْ نَاجِينَ مِنَ السَّيْفِ وَالمَجَاعَةِ وَالأمْرَاضِ سِوَى عَدَدٍ قَلِيلٍ، لِيَصِفُوا لِلأُمَمِ الَّتِي يَذْهَبُونَ إلَيْهَا كُلَّ الأُمُورِ الكَرِيهَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي يَهُوذَا. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ . ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، كُلْ طَعَامَكَ مُرتَجِفًا، وَاشرَبْ مَاءَكَ مُرتَعِشًا خَائِفًا! ثُمَّ قُلْ لِشَعْبِ الأرْضِ: ‹يَقولُ الرَّبُّ الإلَهُ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ لِلشَّعْبِ السَّاكِنِ فِي القُدْسِ وَفِي بَقِيَّةِ أرْضِ إسْرَائِيلَ: سَتَأْكُلُونَ طَعَامَكُمْ بِخَوفٍ وَتَشْرَبُونَ مَاءَكُمْ بِرُعبٍ. لِأنَّ أرْضَكُمْ سَتُدَمَّرُ، بِسَبِبِ ظُلمِ السَّاكِنِينَ فِيهَا. سَتَتَحَوَّلُ المُدُنُ المَسكُونَةُ إلَى خَرَابٍ، وَسَتُهجَرُ الأريَافُ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ .›» ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، لِمَاذَا يَقُولُ الشَّعْبُ السَّاكِنُ أرْضَ إسْرَائِيلَ هَذَا المَثَلَ: ‹مَرَّتِ الأيَّامُ وَخَابَتِ الرُّؤَى›؟ «لِذَلِكَ قُلْ لَهُمْ يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ إنِّي سَأضَعُ حَدًّا لِهَذَا المَثَلِ، وَلَنْ يَقُولَهُ النَّاسُ فِي إسْرَائِيلَ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ سَيُقَالُ: ‹اقْتَرَبَتِ الأيَّامُ، وَسَتَتِمُّ كُلُّ الرُّؤَى.› «فَلَنْ تَكُونَ هُنَاكَ رُؤَى مُزَيَّفَةٌ أوْ عَرَّافُونَ كَذَبَةٌ فِي إسْرَائِيلَ. فَأنَا اللهَ أتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ، وَسَتَتَحَقَّقُ مِنْ دُونِ تَأْخِيرٍ. فَفِي أيَّامِكُمْ، أيُّهَا البَيْتُ المُتَمَرِّدُ العَاصِي، سَأقُولُ كَلِمَةً وَسَتَتِمُّ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، يَقُولُ بَنُو إسْرَائِيلَ: ‹تَتَعَلَّقُ الرُّؤيَا الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا بِالمُسْتَقْبَلِ البَعِيدِ. هُوَ يَتَنَبَّأُ عَنْ أزمِنَةِ بَعِيدَةٍ فِي المُسْتَقْبَلِ.› لِذَلِكَ قُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : لَنْ يَتَأخَّرَ شَيءٌ مِنْ كَلَامِي، بَلْ سَأقُولُ كَلِمَةً وَسَتَتِمُّ. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ .›» وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، تَنَبَّأ ضِدَّ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبّأُونَ فِي إسْرَائِيلَ. قُلْ لِهَؤُلَاءِ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ وَحيُهُمْ مِنْ ذَوَاتِهِمْ: ‹اسْتَمِعُوا إلَى كَلِمَةِ اللهِ . يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ وَيْلٌ لِأُولَئِكَ الأنْبِيَاءِ الحَمْقَى الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ التَكَلُّمَ بِآرَائِهِمْ وَلَيْسَ بِالرُّؤَى الَّتِي يُرِيهَا اللهُ لَهُمْ.› «يَا إسْرَائِيلُ، الأنْبِيَاءُ كَالثَّعَالِبِ الَّتِي تَجُولُ فِي الخَرَائِبِ. لَمْ تَتَسَلَّقُوا إلَى ثَغَرَاتِ السُّورِ لِتَرْمِيمِهِ، وَلَا بَنَيتُمْ سُورَ حِمَايَةٍ لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ لِيَصْمِدَ فِي الحَرْبِ حِينَ يَسْكُبُ اللهُ غَضَبَهُ. إنَّهُمْ يَرَوْنَ أوْهَامًا وَيَسْتَحْضِرُونَ كَذِبًا بِقَولِهِمْ إنَّهَا رَسَائِلُ مِنَ اللهِ ، مَعَ أنَّ اللهَ لَمْ يُرسِلهُمْ. ثُمَّ يَتَوَقَّعُونَ مِنَ اللهِ أنْ يُتَمِّمَ مَا قَالُوهُ. «أيُّهَا الأنْبِيَاءُ الكَذَبَةُ، ألَيْسَ صَحِيحًا أنَّكُمْ رَأيْتُمْ أوْهَامًا وَتَنَبَّأتُمْ كَذِبًا حِينَ قُلْتُمْ هَذِهِ رَسَائِلُ مِنَ اللهِ ، مَعَ أنَّي لَمْ أتَكَلَّمَ إلَيكُمْ؟» لِهَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأُقَاوِمُكُمْ لِأنَّكُمْ تَنَبَّأتُمْ بِالكَذِبِ وَرَأيْتُمْ ضَلَالًا. وَالْآنَ، اسْمَعُوا هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنَ اللهِ : ‹سَأُعَاقِبُ الأنْبِيَاءَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أوْهَامًا وَيَتَنَبَّأُونَ كَذِبًا. لَنْ يُشمَلُوا فِي عِدَادِ شَعْبِي فِيمَا بَعْدُ. وَلَنْ تَظْهَرَ أسمَاؤُهُمْ فِي سِجِلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَنْ يَعُودُوا إلَى أرْضِ إسْرَائِيلَ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا الرَّبُّ الإلَهُ .› لِأنَّهُمْ أضَلُّوا شَعْبِي بِقَولِهِمْ ‹سَلَامٌ لَكُمْ،› وَلَيْسَ مِنْ سَلَامٍ. كَمَنْ يُرِيدُ أنْ يَبْنِيَ سُورًا، فَيُطَيِّنَهُ الأنْبِيَاءُ الكَذَبَةُ بِطِينٍ ضَعِيفٍ. قُلْ لِمَنْ يُطَيِّنُونَ السُّورُ بِطِينٍ ضَعِيفٍ، إنَّهُ سَيَسْقُطُ. سَتَأْتِي عَوَاصِفُ المَطَرِ، وَحَبَّاتُ البَرَدِ الثَّقِيلَةُ، وَالرِّيحُ الشَّدِيدَةُ، فَيَتَشَقَّقَ السُّورُ. وَحِينَ يَسْقُطُ السُّورُ، سَيَسألُكُمُ النَّاسُ: ‹مَاذَا حَدَثَ للطِّينِ الَّذِي وَضَعتُمُوهُ عَلَى السُّورِ؟›» لِهَذَا، يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأُرْسِلُ فِي غَضَبِي رِيحًا شَدِيدَةً لِتُشَقِّقَ السُّورَ. سَأُرْسِلُ فِي غَضَبِي مَطَرًا شَدِيدًا لِيُسقِطَهُ. سَأُرْسِلُ فِي غَيظِي بَرَدًا ثَقِيلًا لِيُفنِيهِ تَمَامًا. وَهَكَذَا، سَأُدَمِّرُ السُّورَ الَّذِي طَيَنْتُمُوهُ بِطِينٍ ضَعِيفٍ. سَيَسْقُطُ عَلَى الأرْضِ فَتَنْكَشِفَ أسَاسَاتُهُ. وَحِينَ يَسْقُطُ، أنْتُمْ أيْضًا سَتَهْلِكُونَ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ . حِينَئِذٍ، يَهْدَأُ غَضَبِي عَلَى الَّذِينَ طَيَّنُوا السُّورَ بِطِينٍ ضَعِيفٍ. وَأقُولُ لَكُمْ: لَنْ يَعُودَ هُنَاكَ سُورٌ وَلَا مُطَيِّنُونَ – أيْ أنْبِيَاءُ إسْرَائِيلَ الكَذَبَةُ الَّذِينَ تَنَبَّأُوا لِلقُدْسِ وَرَأوْا رُؤَى سَلَامٍ لهَا، وَلَيْسَ مِنْ سَلَامٍ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «أمَّا أنْتَ يَا إنْسَانُ، فَانْظُرْ إلَى نِسَاءِ شَعْبِكَ اللَّوَاتِي يَتَنَبَّأنَ بِتَصَوُّرَاتِ أفكَارِهِنَّ. تَنَبَّأ عَلَيْهِنَّ وَقُلْ: ‹يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ وَيْلٌ لَكُنَّ أيَّتُهَا النِّسَاءُ اللَّوَاتِي تَصْنَعْنَ تَعَاوِيذَ عَلَى شَكْلِ عَصَائِبَ لِأَيدِي النَّاسِ، وَبَرَاقِعَ لِرؤوسِهِمْ. تُرِدْنَ اصطِيَادَ حَيَاةَ النَّاسِ، لَكَي تَعِشْنَ أنتُنَّ. وَبِكَذِبِكُنَّ عَلَى شَعْبِي الَّذِي يَسْتَمِعُ لِلكَذِبِ، تَدْفَعْنَ شَعْبِي لِلِاسِتِهَانَةِ بِي، مُقَابِلَ حِفْنَةٍ مِنَ الشَّعِيرِ وَبِضْعَةِ أرغِفَةٍ. فَتَقْتُلْنَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ المَوْتَ، وَتُحيِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ الحَيَاةَ، بِسَبِبِ أكَاذِيبِكُنَّ الَّتِي يُصْغِي إلَيْهَا شَعْبِي. لِهَذَا، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : سَأُقَاوَمُ تِلْكَ العَصَائِبَ الَّتِي تَصْطَدْنَ بِهَا حَيَاةَ النَّاسِ. سَأُمَزِّقُ هَذِهِ التَّعَاوِيذَ. وَسَأطلقُ النَّاسَ كَمَا تُطلَقُ الطُّيُورُ مِنَ الفِخَاخِ. سَأُمَزِّقُ بَرَاقِعَكُنَّ، وَأُنقِذُ شَعْبِي مِنْ أيدِيكُنَّ. لَنْ يَسْقُطُوا ثَانِيَةً فَريسَةً لَكُنَّ. حِينَئِذٍ، سَتَعْلَمْنَ أنِّي أنَا اللهُ . «‹قَدْ أضْعَفتُنَّ بِخِدَاعِكُنَّ الأبْرَارَ الَّذِينَ لَمْ أنْوِ قَطُّ إيذَاءَهُمْ. وَشَجَعتُنَّ الأشرَارَ عَلَى أنْ لَا يَتُوبُوا عَنْ شُرُورِهِمْ لِيَحْيَوْا. لِذَلِكَ لَنْ تَعُدْنَ تَرَينَ أوْهَامَكُنَّ، وَلَنْ تَعُدْنَ تَسْتَخْدِمنَ السِّحرَ لِلمَعْرِفَةِ، لِأنِّي سَأُنقِذُ شَعْبِي مِنْ أيدِيكُنَّ. حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفْنَ أنِّي أنَا اللهُ .›» وَأتَى بَعْضُ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ إلَيَّ وَجَلَسُوا أمَامِي. حِينَئِذٍ، أتَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَيَّ: «يَا إنْسَانُ، يَحْتَفِظُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ بِالأصْنَامِ القَذِرَةِ فِي قُلُوبِهِمْ. وَضَعُوا تِلْكَ الأشْيَاءَ المُعثِرَةَ أمَامَ وُجُوهِهِمْ! فَلِمَاذَا إذًا أسمَحُ لَهُمْ بِاللُّجُوءِ إلَيَّ؟ لِذَلِكَ، تَكَلَّمْ مَعَهُمْ وَقُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : كُلُّ مَنْ يَحْتَفِظُ بِهَذِهِ الأوْثَانِ القَذِرَةِ فِي قَلْبِهِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَيَضَعُ هَذِهِ الأشْيَاءَ المُعثِرَةَ أمَامَ وَجْهِهِ، ثُمَّ يَلْجَأُ إلَى أحَدِ الأنْبِيَاءِ، فَإنِّي أنَا اللهَ سَأُجِيبُ هَذَا الشَّخصَ وَأقُولُ: اذْهَبْ وَالجأْ إلَى أصْنَامِكَ الكَثِيرَةِ! هَذَا لِأنِّي أُرِيدُ قُلُوبَ بَيْتِ إسْرَائِيلَ، الَّذِينَ صَارُوا غُرَبَاءَ عَنِّي بِسَبَبِ أوْثَانِهِمْ.›» «لِذَلِكَ قُلْ لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ابتَعِدُوا عَنْ أصْنَامِكُمُ القَذِرَةِ وَارفُضُوهَا! تُوبُوا عَنْ كُلِّ الأشْيَاءِ الكَرِيهَةِ الَّتِي عَمِلتُمُوهَا! فَإنْ أتَى إنْسَانٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أوْ غَرِيبٌ سَاكِنٌ فِي إسْرَائِيلَ، كَانَ قَدْ فَصَلَ نَفْسَهُ عَنِّي بِالِاحْتِفَاظِ بِأوْثَانٍ كَرِيهَةٍ فِي قَلْبِهِ، أوْ وَضَعَ شَيْئًا مُعثِرًا أمَامَ وَجْهِهِ، ثُمَّ لَجأ إلَيَّ عَنْ طَرِيقِ أحَدِ أنبِيَائِي، فَسَأُجِيبُهُ، أنَا اللهَ بِنَفْسِي! سَأُواجِهُهُ وَأجْعُلُهُ عِبْرَةً وَمِثَالًا. وَسَأعْزِلُهُ مِنْ وَسَطِ شَعْبِي. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ . وَإنْ خُدِعَ نَبِيٌّ مَا وَتَكَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مَا، فَإنِّي، أنَا اللهَ ، سَأُرِي ذَلِكَ النَبِيَّ مَدَى حَمَاقَتِهِ. سَأرفَعُ يَدَيَّ ضِدَّهُ وَأُهلِكُهُ، وَسَأطْرُدُهُ مِنْ وَسَطِ شَعْبِي إسْرَائِيلَ. فَالنَبِيُّ يَحْمِلُ عِقَابَ الذَّنْبِ نَفْسَهُ الَّذِي يَحْمِلُهُ الخَاطِئُ الَّذِي يَلجأُ إلَيَّ! وَذَلِكَ حَتَّى لَا يَضِلَّ شَعْبِي إسْرَائِيلُ فَيَتْرُكُونَنِي، وَحَتَّى لَا يَتَنَجَّسُوا بِكُلِّ إثمِهِمْ وَذَنبِهِمْ. حِينَئِذٍ، سَيَكُونُونَ شَعْبِي، وَأنَا أكُونُ إلَهَهُمْ.›» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . ثُمَّ أتَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَيَّ: «يَا إنْسَانُ، إنْ أخطَأتْ أُمَّةٌ تُجَاهِي وَتَمَرَّدَتْ عَلَيَّ، فَإنِّي سَأُعَاقِبُ تِلْكَ الأُمَّةَ بِقَطعِ الطَعَامِ عَنْهَا وَإرسَالِ المَجَاعَةِ عَلَيْهَا، فَأُهلِكَ البَشَرَ وَالحَيَوَانَاتِ الَّتِي فِيهَا. حَتَّى وَلَوْ كَانَ نُوحٌ وَدَانِيَالُ وَأيُّوبُ وَسَطَ تِلْكَ الأُمَّةِ، فَلَنْ يُنْقِذُوا بِبِرِّهِمْ إلَّا أنْفُسَهُمْ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «وَقَدْ أُرسِلُ حَيَوَانَاتٍ بَرِّيَّةٍ إلَى أرْضٍ لِإبَادَةِ كُلِّ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِيهَا، وَأُحَوِّلُهَا إلَى خَرَابٍ فَلَا يَمُرُّ أحَدٌ بِهَا بِسَبَبِ الحَيَوَانَاتِ الخَطِيرَةِ. أنَا، الرّبَّ الإلَهَ ، أُقْسِمُ بِذَاتِي إنَّهُ حَتَّى وَإنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الثَّلَاثَةُ يَعِيشُونَ هُنَاكَ، فَإنَّهُمْ لَنْ يُنْقِذُوا ابنًا وَلَا ابنَةً! لَنْ يُنْقِذُوا إلَّا أنْفُسَهُمْ، بَيْنَمَا تَخْرَبُ الأرْضُ. «وَقَدْ أُرسِلُ عَدُوًّا لِتَدْمِيرِ بَلَدٍ مَا، فَيَأْتِي جَيْشُ العَدُوِّ وَيُهلِكُ كُلَّ إنْسَانٍ وَحيَوَانٍ. أنَا الرَّبُّ الإلَهُ أُقْسِمُ بِذَاتِي إنَّهُ حَتَّى وَإنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الثَّلَاثَةُ يَعِيشُونَ هُنَاكَ، فَإنَّهُمْ لَنْ يُنْقِذُوا ابنًا وَلَا ابنَةً! لَنْ يُنْقِذُوا إلَّا أنْفُسَهُمْ. «وَقَدْ أُرسِلُ وَبَاءً عَلَى تِلْكَ الأُمَّةَ، وَأسكُبُ عَلَيْهَا سَخَطِي دَمًا، وَأُهلِكُ الإنْسَانَ وَالحَيَوَانَ. أنَا الرّبَّ الإلَهَ أُقْسِمُ بِذَاتِي إنَّهُ حَتَّى وَلَوْ كَانَ نُوحٌ وَدَانِيَالُ وَأيُّوبُ وَسَطَ تِلْكَ الأُمَّةِ، فَإنَّهُمْ لَنْ يُنْقِذُوا ابنًا وَلَا ابنَةً، لَنْ يُنْقِذُوا بِبِرِّهِمْ إلَّا أنْفُسَهُمْ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأُرْسِلُ أسوَأَ أرْبَعَةِ أنوَاعٍ مِنَ العِقَابِ عَلَى القُدْسِ لِأُهلِكَ الإنْسَانَ وَالحَيَوَانَ فِيهَا – وَهِيَ الجُيُوشُ المُعَادِيَةُ وَالمَجَاعَةُ وَالحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ المُتَوَحِّشَةُ وَالأَوْبِئَةُ – لَكِنْ سَيَكُونُ هُنَاكَ نَاجُونَ مِنَ الأبْنَاءِ وَالبَنَاتِ. انْظُرْ إلَيْهِمْ وَهُمْ يَخْرُجُونَ إلَيْكَ. انْظُرْ إلَى الحَيَاةِ الَّتِي عَاشُوهَا وَالأشيَاءِ السَّيِئَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا. حِينَئِذٍ، سَتَتَعَزَّى عَنِ الكَارِثَةِ الَّتِي جَلَبْتُهَا عَلَى القُدْسِ، وَعَنْ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبتُهُ ضِدَّهَا! سَتَتَعَزَّوْنَ، لِأنَّكُمْ سَتَرَوْنَ حَيَاتَهُمْ وَأعْمَالَهُمْ، وَسَتَعْرِفُونَ أنَّنِي لَمْ أفعَلْ بِالقُدْسِ مَا فَعَلْتُهُ بِلَا سَبَبٍ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، هَلْ خَشَبُ الكَرمَةِ أفْضَلُ مِنْ أيِّ غُصْنٍ مَقطُوعٍ مِنْ أيِّ شَجَرَةٍ فِي الغَابَةِ؟ هَلْ يُسْتَخْدَمُ خَشَبُهَا فِي صُنْعِ شَيءٍ نَافِعٍ؟ هَلْ يُصنَعُ مِنْهُ وَتَدٌ لِتَعْلِيقِ الأشْيَاءِ؟ بَلْ لَا يَصْلُحُ إلَّا وَقُودًا لِلنَّارِ. فَتَبْدَأُ النَّارُ بِأَكْلِ طَرَفَيهِ، حَتَى يَتَفَحَّمَ وَسَطُهُ. فَهَلْ يُمْكِنُ لِلحِرَفِيِّ حِينَئِذٍ، أنْ يَسْتَخْدِمَ ذَلِكَ الخَشَبَ لِعَمَلِ أيِّ شَيءٍ؟ لَمْ يَكُنْ مِنَ المُمْكِنِ لِلحِرَفِيِّ اسْتِخدَامُ خَشَبِ الكَرمَةِ وَهُوَ فِي أفْضَلِ أحوَالِهِ، فَكَيْفَ يَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ أنْ يَحْتَرِقَ؟» لِهَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «كَمَا أنِّي جَعَلْتُ مَصِيرَ خَشَبِ الكَرمَةِ مَاكَلًا لِلنَّارِ أكْثَرَ مِنْ أيِّ خَشَبٍ آخَرَ، هَكَذَا أصَنَعُ بِسُكَّانِ القُدْسِ. سَأُواجِهُهُمْ مَعَ أنَّ بَعْضَهُمْ نَجَا مِنَ النَّارِ الآنِ، لَكِنَّ النَارَ سَتَلْتَهِمُهُمْ لَاحِقًا. وَحِينَ أُواجِهُهُمْ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ . سَأجْعَلُ الدَّمَارَ مَصِيرَ الأرْضِ، لِأنَّ الشَّعْبَ لَمْ يَكُنْ وَفِيًّا لِي.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . ثُمَ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، فَهِّمِ مَدِينَةَ القُدْسِ الفَظَائِعَ الَتِي عَمِلَتهَا. قُلْ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ لِلقُدْسِ: أصْلُكِ وَمَكَانُ وِلَادَتِكِ فِي أرْضِ كَنْعَانَ. أبُوكِ أمُّورِيٌّ وَأُمُّكِ حِثِّيَّةٌ. كَطِفلٍ مَتْرُوكٍ حِينَ وُلِدْتِ، لَمْ يُقْطَعُ حَبلُكِ السُرِّيُّ، لَمْ يَغْسِلْكِ أحَدٌ للتَّطهِيرِ.، لَمْ تُدَلَّكِي بِالمِلحِ، وَلَمْ تُقَمَّطِي. لَمْ يُبْدِ أحَدٌ أيَّ لُطفٍ نَحوَكِ بِعَمَلِ هَذِهِ الأُمُورِ لَكِ. لَمْ يَكُنْ مَنْ يُشفِقُ عَلَيْكِ. وَحِينَ وُلِدْتِ، أُلقِيتِ فِي الحَقْلِ مَرفُوضَةً. «ثُمَّ مَرَرتُ وَرَأيْتُكِ مَطْرُوحَةً تَتَمَرَّغِينَ بِدَمِكِ. فَقُلْتُ لَكِ: عِيشِي بِالرُّغْمِ مِنْ دَمِكِ! عِيشِي بِالرُّغْمِ مِنْ دَمِكِ النَّازِفِ! فَنَمَوْتِ كَنَبتَةٍ فِي الحَقْلِ. وَكَبُرْتِ، وَصِرْتِ جَمِيلَةً جِدًّا. نَمَا صَدْرُكِ وَظَهَرَ شَعْرُكِ، لَكِنَّكِ كُنْتِ بِلَا ثِيَابٍ وَبِلَا زِينَةٍ. تَأمَّلْتُ فَرَأيْتُكِ نَاضِجَةً لِلحُبِّ، فَتَزَوَّجتُكِ وَغَطَّيتُ عُريَكِ بِثَوبِي. وَعَدْتُكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، فَصِرْتِ لِي. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَبُّ الإلهُ . «حِينَئِذٍ، حَمَّمْتُكِ بِالمَاءِ وَغَسَلتُ دِمَاءَكِ، وَدَهَنْتُ جَسَدَكِ بِالزَّيْتِ. ألبَسْتُكِ ثِيَابًا جَمِيلَةً، وَوَضَعتُ حِذَاءً جِلْدِيًّا نَاعِمًا فِي رِجلَيكِ، وَحِزَامًا كِتَّانِيًّا عَلَى خَصْرِكِ، وَبُرقُعًا حَرِيرِيًّا عَلَى رَأسِكِ. وَزَيَّنتُكِ بِالجَوَاهِرِ، فَوَضَعتُ أسَاوِرَ عَلَى يَدَيكِ، وَقِلَادَةً حَوْلَ عُنُقِكِ، وَخَاتَمًا عَلَى أنفِكِ، وَحَلَقًا فِي أُذُنَيكِ، وَإكلِيلًا عَلَى رَأسِكِ. فَصِرتِ أجْمَلَ جِدًّا! مُزَيَّنَةً بِالْكَامِلِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالكِتَّانِ وَالحَرِيرِ وَأجمَلِ الثِّيَّابِ. أكَلتِ حَلوَى الدَّقِيقِ وَالعَسَلِ وَالزَّيْتِ! فَكُنْتِ جَمِيلَةً جِدًّا كَأنَّكِ مَلِكَةٌ. اشتَهَرَ جَمَالُكِ جِدًّا وَسَطَ الأُمَمِ. كَانَ جَمَالُكِ عَظِيمًا جِدًّا بِسَبَبِ مَجْدِي الَّذِي جَعَلْتُهُ عَلَيْكِ. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «وَلَكِنَّكِ اتَّكَلْتِ عَلَى جَمَالِكِ وَسُمْعَتِكِ فَزَنَيْتِ، وَبِعْتِ نَفْسَكِ لِكُلِّ عَابِرِ سَبِيلٍ. أخَذْتِ ثِيَابَكِ وَزَيَّنْتِ بِهَا المَعَابِدَ حَيْثُ تُمَارِسِينَ زِنَاكِ! لَا مَثِيلَ لِذَلِكَ مِنْ قَبْلُ وَلَا مِنْ بَعْدُ! ثُمَّ أخَذْتِ الزِّينَةَ مِنْ ذَهَبِي وَفِضَّتِي، وَصَنَعتِ لِنَفْسِكِ تَمَاثِيلَ ذُكُورٍ وَزَنَيتِ مَعَهُمْ. أخَذْتِ الثِّيَابَ الجَمِيلَةَ وَألْبَسْتِ أصْنَامَكِ، وَوَضَعْتِ زَيْتِي وَبَخُورِي أمَامَهَا. وَأخَذْتِ الطَعَامَ الَّذِي أعْطَيتُكِ، وَالدَّقِيقَ وَالزَّيْتَ وَالعَسَلَ الَّتِي أطْعَمْتُكِ، وَقَدَّمْتِهَا بِالفِعْلِ لِلأصْنَامِ رَائِحَةً مُسِرَّةً! يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «أخَذْتِ الأبْنَاءَ وَالبَنَاتِ الَّذِينَ وَلَدْتِهِمْ لِي، وَقَدَّمْتِهِمْ ذَبَائِحَ لِتِلْكَ الأصْنَامِ. فَكأنَّ شَرَّ عُهْرِكِ لَا يَكْفِي، حَتَّى ذَبَحْتِ أبْنَائِي وَقَدَّمْتِهِمْ قَرَابِينَ لِلأوْثَانِ. وَبَيْنَمَا أنْتِ تَزْنِينَ وَتَعْمَلِينَ كُلَّ تِلْكَ الأُمُورِ الكَرِيهَةِ، لَمْ تَتَذَكَّرِي أيَّامَ صِبَاكِ، حِينَ وَجَدْتُكِ عَارِيَةً تَتَمَرَّغِينَ بِدَمِكِ. «فَبِسَبَبِ كُلِّ شَرِّكِ، سَتَأْتِي عَلَيْكِ شُرُورٌ وَوَيلَاتٌ شَدِيدَةٌ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «بَنيَتِ لِنَفْسِكِ مَعْبَدًا لِلأوْثَانِ، وَنَصَبْتِ بُيُوتَ زِنىً لِنَفْسِكِ فِي كُلِّ شَارِعٍ! بَنَيتِ مُرتَفَعَاتِ فِسْقٍ فِي كُلِّ زَاوِيَةِ شَارِعٍ، وَهُنَاكَ دَنَّسْتِ جَمَالَكِ. كَشَفْتِ نَفْسَكِ لِكُلِّ عَابِرِ سَبِيلٍ، وَزَدْتِ فِي زِنَاكِ. ثُمَّ التَفَتِّ إلَى المِصْرِيِّينَ، جِيرَانِكِ ذَوِي الأعضَاءِ الكَبِيرَةِ، وَزَنَيتِ مَعَهُمْ. وَلِكَي تُغضِبِينِي، زِدْتِ فِي زِنَاكِ. فَعَاقَبْتُكِ، وَأخَذْتُ جُزءًا مِنْ أرْضِكِ، وَسَمَحتُ لِلأعْدَاءِ بِأنْ يَفْعَلُوا لَكِ مَا يُرِيدُونَ. حَتَّى مُدُنُ الفِلِسْطِيِّينَ خَجِلَتْ مِنْ شُرُورِكِ. ثُمَّ ذَهَبْتِ لِتُعَاشِري الأشُّورِيِّينَ، فَلَمْ تَشْبَعِي. زَنَيتِ مَعَهُمْ، وَلَمْ تَشْبَعِي. فَزِدْتِ مِنْ زِنَاكِ بِالذَّهَابِ إلَى أرْضِ بَابِلَ، أرْضِ التُّجَّارِ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ، لَمْ تَشْبَعِي بَعْدُ. «يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : يَا لِقَلْبِكِ المَرِيضِ! فَأنْتِ تَعْمَلِينَ كُلَّ أعْمَالِ الزَّانِيَةِ الوَقِحَةِ. وَفِي قُرَاكِ، بَنَيتِ مَذَابِحَ فِي كُلِّ زَاوِيَةِ شَارِعٍ. وَقَدْ بَنَيتِ مَكَانًا مُرْتَفِعًا فِي كُلِّ سَاحَةٍ عَامَّةٍ. وَلَكِنَّكِ عَلَى عَكسِ الزَّانِيَةِ، رَفَضتِ أيَّةَ أُجرَةٍ. أنْتِ مِثْلُ الزَّانِيَةِ الَّتِي تُفَضِّلُ الغُرَبَاءَ عَلَى زَوْجِهَا. عَادَةً، يَدْفَعُ الرِّجَالُ لِلزَّانِيَةِ، أمَّا أنْتِ فَقَدْ دَفَعْتِ لِكُلِّ عُشَّاقِكِ. أغرَيتِهِمْ بِزِنَاكِ لِيَأْتُوا إلَيكِ مِنْ كُلِّ البِلَادِ المُجَاوِرَةِ. أنْتِ عَلَى العَكسِ مِنَ الزَّوَانِي، فَالرِّجَالُ لَمْ يَأْتُوا إلَيكِ وَهُمْ يَبْحَثُونَ عَنْ زَانِيَةٍ، بَلْ أنْتِ مَنْ ذَهَبتِ إلَيْهِمْ! وَلَمْ تَأْخُذِي أُجرَةً، وَلَكِنَّكِ دَفَعتِ أُجرَةً! نَعَمْ، كُنْتِ عَلَى عَكسِ الزَّوَانِي. «‹وَلِذَا اسْمَعِي أيَّتُهَا الزَّانِيَةُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنَ اللهِ : يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : بِسَبَبِ تَعَرِّيكِ وَكَشْفِكِ عَنْ جَسَدِكِ العَارِي، وَأنتِ تَزْنِينَ مَعَ عُشَّاقِكِ وَأوْثَانِكِ الكَرِيهَةِ، وَبِسَبَبِ دَمِ أوْلَادِكِ الَّذِي قَدَّمْتِهِ لِتِلْكَ الأوْثَانِ، سَأجمَعُ كُلَّ عُشَّاقِكِ مَعًا مِنْ كُلِّ البِلَادِ المُجَاوِرَةِ، كُلَّ الَّذِينَ تَعَلَّقْتِ بِهِمْ، الَّذِينَ عَشِقتِهِمْ وَالَّذِينَ رَفَضْتِهِمْ، وَسَأكشِفُ جَسَدَكِ العَارِيَ لَهُمْ، فَيَرَوْنَ خِزيَكِ. سَأُدِينُكِ كَمَا تُدَانُ امْرَأةٌ زَانِيَةٌ قَاتِلَةٌ، وَسَأحْكُمُ عَلَيْكِ بِالمَوْتِ فِي سَخَطِي وَغَيْرَتِي. سَأُسَلِّمُكِ ليَدِ أعْدَائِكِ، فَيَهْدِمُونَ مُرتَفَعَاتِكِ، وَيُدَمِّرُونَ مَذْبَحَكِ. سَيَخْلَعُونَ عَنْكِ ثِيَابَكِ وَيَأْخُذُونَ جَوَاهِرَكِ، وَيَتْرُكُونَكِ عَارِيَةً وَبِلَا زِينَةٍ. سَيَجْمَعُونَ النَّاسَ حَوْلَكِ، فَيَرْجُمُونَكِ وَيُقَطِّعُونَكِ بِسُيُوفِهِمْ. سَيُحْرِقُونَ بُيُوتَكَ وَيُعَاقِبُونَكِ عَلَنًا أمَامَ نِسَاءٍ كَثِيرَاتٍ. هَكَذَا سَأُوقِفُكِ عَنْ مُمَارَسَةِ زِنَاكِ، فَلَا تَعُودِينَ تَدْفَعِينَ أُجرَةً لِمُحِبِّيكِ. حِينَئِذٍ، سَأُسَكِّنُ غَضَبِي، وَسَأُهَدِّئُ غَيْرَتِي. سَأهدَأُ، وَلَنْ أغضَبَ ثَانِيَةً. لِأنَّكِ لَمْ تَتَذَكَّرِي أيَّامَ صِبَاكِ، وَأثَرْتِ سَخَطِي بِكُلِّ هَذِهِ الأُمُورِ، فَإنِّي سَأُحَاسِبُكِ عَنْ أعْمَالِكِ وَأُعَاقِبُكِ عَلَيْهَا. ألَمْ تَقْتَرِفِي فِسقًا فَاقَ كُلَّ خَطَايَاكِ الكَرِيهَةِ؟ يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «سَيَصِفُكِ الشُّعَرَاءُ بِهَذَا المَثَلِ: ‹البِنتُ كَأُمِّهَا!› أنْتِ حَقًّا بِنْتُ أُمِّكِ. إذْ احتَقَرتِ زَوْجَكِ وَأوْلَادَكِ. وَأنتِ حَقًّا أُختُ أخَوَاتِكِ. فَهُنَّ أيْضًا احتَقَرنَ أزوَاجَهُنَّ وَأوْلَادَهُنَّ. أُمُّكُنَّ حِثِّيَّةٌ وَأبُوكُنَّ أمُورِيٌّ. أُختُكِ الكَبِيرَةُ السَّامِرَةُ وَقُرَاهَا يَسْكُنُونَ إلَى الشِّمَالِ مِنكِ. وَأُختُكِ الصَّغِيرَةُ سَدُومُ وَقُرَاهَا يَسْكُنُونَ إلَى الجَنُوبِ مِنكِ. لَمْ تَكْتَفِي بِتَقلِيدِهِنَّ وَعَمَلِ خَطَايَاهُنَّ الكَرِيهَةِ، بَلْ صِرْتِ – وَفِي وَقْتٍ قَصِيرٍ – أكْثَرَ فَسَادًا مِنهُنَّ فِي كُلِّ أعْمَالِكِ. «يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ أُقْسِمُ بِذَاتِي إنَّهُ وَلَا حَتَّى أُخْتُكِ سَدُومُ وَقُرَاهَا عَمِلْنَ الشُّرُورَ الَّتِي عَمِلْتِهَا أنْتِ وَقُرَاكِ! فَهَذَا مَا أذنَبَتْ بِهِ أُختُكِ سَدُومُ وَقُرَاهَا: كُنَّ مُتَعَجْرِفَاتٍ، لَدَيهُنَّ فَائِضٌ مِنَ الطَّعَامِ وَفَائِضٌ مِنَ الرَّاحَةِ، وَلَمْ يَكُنَّ يُقَدِّمْنَ أيَّ مُسَاعَدَةٍ لِلفَقِيرِ وَالمُحتَاجِ. صِرْنَ مُتَكَبِّرَاتٍ، وَعَمِلنَ أُمُورًا كَرِيهَةً أمَامِي، فَأزَلْتُهُنَّ تَمَامًا حِينَ رَأيْتُ ذَلِكَ. وَلَمْ تُخطِئِ السَّامِرَةُ نِصفَ خَطَايَاكِ. فَقَدْ عَمِلْتِ أعْمَالًا كَرِيهَةً أكْثَرَ مِمَّا عَمِلَتِ السَّامِرَةُ، حَتَّى إنَّ سَدُومَ وَالسَّامِرَةَ بَدَتَا صَالِحَتَيْنِ. وَلَكِنَّكِ سَتَحْمِلِينَ عَارَكِ. لِأنَّكِ دَافَعتِ عَنْ أُختِكِ بِأفْعَالِكِ. فَأعْمَالُكِ وَخَطَايَاكِ الكَرِيهَةُ وَالكَثِيرَةُ جَعَلَتْ أُختَكِ تَبْدُو بِارَّةً! فَيَنْبَغِي أنْ تُذَلِّي وَتَحْمِلِي عَارَكِ، لِأنَّكِ أخطَأتِ كَثِيرًا، حَتَّى جَعلتِ أخَوَاتِكِ يَظْهَرْنَ بَارَّاتٍ. «سَأرُدُّ مَا سُلِبَ مِنْهَا: مَا سُلِبَ مِنْ سَدُومَ وَقُرَاهَا، مَا سُلِبَ مِنَ السَّامِرَةِ وَقُرَاهَا. وَسَأرُدُّ مَا سُلِبَ مِنْكِ أنْتِ أيْضًا، لِكَي تَتَحَمَّلِي عَارَكِ وَتَخْجَلِي مِنْ أعْمَالِكِ السَّابِقَةِ الَّتِي كَانَت عَزَاءً لَهُنَّ. سَتَعُودُ أُختُكِ سَدُومُ وَقُرَاهَا إلَى حَالَتِهَا السَّابِقَةِ. سَتَعُودُ أُختُكِ السَّامِرَةُ وَقُرَاهَا إلَى حَالَتِهَا السَّابِقَةِ. وَكَذلِكِ أنْتِ وَقُرَاكِ سَتَعُدْنَ إلَى حَالَتِكُنَّ السَّابِقَةِ. «ألَمْ تَسْخَرِي بِأُختِكِ سَدُومَ حِينَ كُنْتِ مُتَكَبِّرَةً، قَبْلَ أنْ يَنْكَشِفَ شَرُّكِ؟ وَالْآنَ تَتَعَرَّضِينَ لِتَعْيِيرِ وَاحتِقَارِ قُرَى أرَامَ وَجِيرَانِهَا، وَقُرَى الفِلِسْطِيِّينَ، المُحِيطَةِ بِكِ. فَتَحَمَّلِي نَتَائِجَ فَسَادِكِ، وَالأُمُورِ الكَرِيهَةِ الَّتِي عَمِلْتِهَا. يَقُولُ اللهُ . «فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : سَأُعَامِلُكِ كَمَا عَمِلْتِ مَعِي حِينَ استَهَنْتِ بِوَعْدِكِ، فَنَكَثْتِ عَهْدَكِ. وَلَكِنِّي سَأتَذَكَّرُ العَهْدَ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَكِ فِي صِبَاكِ. فَقَدْ أسَّسْتُ مَعَكَ عَهْدًا أبَدِيًّا. فَحِينَ تَتَسَلَّطِينَ عَلَى أخَوَاتِكِ الأكبَرِ مِنْكِ وَالأصغَرِ، تَتَذَكَّرِينَ مَا عَمِلْتِهِ فِي المَاضِي فَتَخْجَلِينَ. سَأُعْطِيهُنَّ لَكِ لِيَكُنَّ تَابِعَاتٍ لَكِ. وَهُوَ مَا لَمْ أعِدْكِ بِهِ فِي عَهْدِي مَعَكِ. سَأُثَبِّتُ عَهْدِي مَعَكِ، وَسَتَعْلَمِينَ أنِّي أنَا اللهُ . فَتَذَكَّرِي مَا عَمِلْتِ وَاخجَلِي حِينَ أغْفِرُ لَكِ، وَلَا تَفْتَحِي فَمَكِ بِكَلِمَةٍ بِسَبِبِ خَجَلِكِ. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ .» ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، تَكَلَّمْ بِهَذَا اللُّغزِ، وَكَلِّمْ بَنِي إسْرَائِيلَ بِهَذَا اللُّغْزِ وَالمَثَلِ، وَقُلْ هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «أتَى إلَى لُبْنَانَ نَسرٌ ضَخمٌ لَهُ أجنِحَةٌ كَبِيرَةٌ. قَوَادِمُهُ طَوِيلَةٌ وَرِيشُهُ مُتَعَدِّدُ الألوَانِ. فَأخَذَ غُصنًا مِنْ قِمَّةِ شَجَرَةِ أرْزٍ وَكَسَرَ أغْصَانًا صَغِيرَةً طَرِيَّةً مِنْ قِمَّةِ الشَّجَرَةِ، وَأخَذَهَا إلَى أرْضِ التُّجَّارِ وَمَدِينَةِ البَاعَةِ. كَمَا أخَذَ بَعْضَ البُذُورِ مِنْ تِلْكَ الأرْضِ، وَزَرَعَهَا فِي الحُقُولِ المُعَدَّةِ لِلزِّرَاعَةِ. فَزَرَعَهَا قُرْبَ المِيَاهِ الغَزِيرَةِ، وَأقَامَهَا كَشَجَرَةِ صَفْصَافٍ. فَنَمَتِ البُذُورُ وَصَارَتْ كَرمَةً مُمتَدَّةٌ. وَمَعَ أنَّ جِذعَهَا كَانَ قَصِيرًا، لَكِنَّ فُرُوعَهَا بَدَأتْ تَمْتَدُّ وَتَنْمُو، وَكَانَ لَهَا جُذُورٌ طَوِيلَةٌ وَمَتِينَةٌ. وَنَمَتْ حَتَّى أصبَحَتْ كَرمَةً أخْرَجَتْ فُرُوعًا وَأنتَجَتْ ثَمَرًا. «وَكَانَ هُنَاكَ نَسرٌ عَظِيمٌ آخَرُ لَهُ أجْنِحَةٌ كَبِيرَةٌ جِدًّا. قَوَادِمُهُ طَوِيلَةٌ وَمُكتَمِلَةٌ. فَأرسَلَتْ جُذُورَهَا نَحوَهُ، وَمَدَّتْ فُرُوعَهَا بَاتِّجَاهِهِ لِيَسْقِيَهَا. كَانَتِ الكَرمَةُ قَدْ غُرِسَتْ فِي حَقْلٍ جَيِّدٍ، قُرْبَ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، لِتُخرِجَ أغْصَانًا كَثِيرَةً وَثَمَرًا كَثِيرًا، لِتَنْمُوَ وَتَصِيرَ كَرمَةً جَمِيلَةً.» «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : هَلْ سَتَنْجَحُ؟ ألَنْ تُقلَعَ جُذُورُهَا وَيُقطَعُ ثَمَرُهَا؟ ألَنْ يَيْبَسَ وَرَقُهَا وَيَمُوتُ؟ لَنْ يَحتَاجَ قَلعُهَا مِنْ جُذُورِهَا إلَى أيدٍ قَوِيَّةٍ أوْ أُنَاسٍ كَثِيرِينَ. لَكِنْ إنْ نُقِلَتْ إلَى مَكَانٍ آخَرَ، فَهَلْ سَتَنْمُو؟ ألَنْ تَيْبَسَ حِينَ تَهُبُّ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ عَلَى البُستَانِ الَّذِي زُرِعَتْ فِيهِ؟» وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «قُلْ لِلشَّعبِ المُتَمَرِّدِ ألَا تَفْهَمُونَ مَعنَى هَذِهِ الأمْثَالِ؟ هَا إنَّ مَلِكَ بَابِلَ أتَى إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَأسَرَ مَلِكَهَا وَكُلَّ رُؤَسَائِهَا وَأخَذَهُمْ إلَى بَابِلَ. ثُمَّ اخْتَارَ مَلِكُ بَابِلَ وَاحِدًا مِنَ النَّسلِ المَلَكِيِّ وَقَطَعَ مَعَهُ عَهْدًا. وَجَعَلَهُ يُقْسِمُ عَلَى الوَلَاءِ. وَأخَذَ الرِّجَالَ المُقتَدِرِينَ ذَوِي النُّفُوذِ مِنَ الأرْضِ. فَكَانَ العَهْدُ يَقْضِي بِأنْ تَبْقَى المَملَكَةُ خَاضِعَةً فَلَا تَرْتَفِعُ، بَلْ تُحَافِظُ عَلَى هَذَا العَهْدِ مُقَابِلَ سَلَامَتِهَا. وَلَكِنَّ المَلِكَ تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ، وَأرْسَلَ مَبعُوثِينَ إلَى مِصْرٍ لِإحضَارِ خُيُولٍ وَجَيْشٍ عَظِيمٍ. فَهَلْ سَيَنْجَحُ؟ هَلْ سَيَنْجُو مِنَ العِقَابِ؟ هَلْ يَنْجُو مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ؟ هَلْ يَنْجُو مَنْ يَكْسِرُ العَهْدَ؟» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «أُقْسِمُ بِذَاتِي إنَّ ذَلِكَ المَلِكَ سَيَمُوتُ فِي بَابِلَ. عَيَّنَهُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى أرْضِ يَهُوذَا، لَكِنَّهُ نَكَثَ بِقَسَمِهِ، وَكَسَرَ العَهْدَ مَعَ مَلِكِ بَابِلَ. لَنْ تَأْتِي قُوَّاتُ فِرعَوْنَ وَجُيُوشُهُ الضَّخمَةُ لِمُسَاعَدَتِهِ فِي وَقْتِ الحَرْبِ. فَسَتُبنَى حَوَاجِزُ تُرَابِيَّةٌ وَأبرَاجُ حِصَارٍ عِنْدَ الأسوَارِ، لِلقَضَاءِ عَلَى نُفُوسٍ كَثِيرَةٍ. فَلِأنَّهُ احتَقَرَ القَسَمَ وَكَسَرَ العَهْدَ بَعْدَ أنْ رَفَعَ يَدَهُ وَأقسَمَ، لَنْ يَنْجُو.» وَلِهَذَا، يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «أُقْسِمُ بِذَاتِي إنِّي سَأُحَمِّلُهُ نَتِيجَةَ قَسَمِي الَّذِي احتَقَرَهُ وَعَهْدِي الَّذِي كَسَرَهُ! سَأُلقِي بِشَبَكَتِي عَلَيْهِ، وَسَيَعْلَقُ بِفَخِّي. سَأحمِلُهُ إلَى بَابِلَ، وَهُنَاكَ سَأَدِينُهُ عَلَى التَّمَرُّدِ عَلَيَّ وَخِيَانَتِهِ لِي. سَيُحَاوِلُ الكَثِيرُونَ مِنْ جُيُوشِهِ الهَرَبَ، وَلَكِنَّهُمْ سَيُقتَلُونَ بِالسَّيْفِ. وَالَّذِينَ سَيَبْقَوْنَ سَيَتَبَعثَرُونَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَآخُذُ غُصنًا مِنْ أعْلَى شَجَرَةِ الأرْزِ. سَأقطَعُ غُصنًا طَرِيًّا مِنْ قِمَّتِهَا، وَسَأزرَعُهُ بِنَفْسِي عَلَى جَبَلٍ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ. سَأغرِسُهُ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ فِي إسْرَائِيلَ، وَسَيُنْبِتُ أغْصَانًا وَثَمَرًا. سَتُصبِحُ أشَّجَارَ أرزٍ جَمِيلَةً تَسْكُنُ تَحْتَهَا العَصَافِيرُ بِأنوَاعِهَا، وَتُعَشِّشُ فِي ظِلَّ أغْصَانِهَا جَمِيعُ أنْوَاعِ الطُّيُورِ. «حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفُ كُلُّ أشْجَارِ الحَقْلِ أنِّي، أنَا اللهَ ، أخفَضْتُ الشَّجَرَ الطَّوِيلَ وَرَفَعْتُ القَصِيرَ، يَبَّسْتُ الشَّجَرَةَ الخَضْرَاءَ، وَمَلأتُ اليَابِسَةَ بِالبَرَاعِمِ.» ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «مَاذَا تَعنُونَ أيُّهَا النَّاسُ بِهَذَا المَثَلِ عَنْ إسْرَائِيلَ: ‹الآبَاءُ يَأْكُلُونَ الحُصرُمَ، وَأسنَانُ الأبْنَاءِ تَضْرَسُ› »؟ يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «أُقْسِمُ بِذَاتِي إنَّكُمْ لَنْ تَعُودُوا تَقْتَبِسُونَ هَذَا المَثَلَ فِي إسْرَائِيلَ. فَاعلَمُوا أنَّ حَيَاةَ النَّاسِ جَمِيعًا لِي: حَيَاةُ الوَالِدِ وَحَيَاةُ المَوْلُودِ كِلَاهُمَا لِي. الإنْسَانُ الَّذِي يُخطِئُ هُوَ يَمُوتُ. أمَّا البَارُّ فَهُوَ الَّذِي يَصْنَعُ العَدْلَ وَالبِرَّ، وَلَا يَأْكُلُ عَلَى مَزَارَاتِ الجِبَالِ، وَلَا يُقَدِّمُ ذَبَائِحَ لِأصْنَامِ بَنِي إسْرَائِيلَ البَغِيضَةِ، وَلَا يُنَجِّسُ زَوْجَةَ جَارِهِ، أوْ يُعَاشِرُ امْرأةً خِلَالَ حَيْضِهَا. لَا يَسْتَغِلُّ النَّاسَ، بَلْ يَرُدُّ الرَّهنَ لِمَنْ يَقْتَرِضُ مِنْهُ. يُعْطِي طَعَامًا لِلجَائِعِ، وَيُلبِسُ مَنْ لَا ثِيَابَ لَهُ. وَلَا يَأْخُذُ رِبًا أوْ رِبحًا زَائِدًا. يَتَجَنَّبُ الإثْمَ، وَيَحْكُمُ بِالعَدْلِ بَيْنَ المُتَخَاصِمِينَ. يَتْبَعُ شَرَائِعِي وَيَحْفَظُ أحكَامِي لِيَعْمَلَ مَا هُوَ حَقٌّ وَعَدلٌ. فَهَذَا إنْسَانٌ بَارٌّ، وَسَيَحيَا.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «لَكِنْ قَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ الإنْسَانِ ابنٌ قَاتِلٌ مُتَمَرِّدٌ، يَعْمَلُ أُمورًا كَهَذِهِ – مَعَ أنَّ أبَاهُ لَا يَفْعَلُهَا: يَأْكُلُ فِي مَزَارَاتِ الجِبَالِ، يُنَجِّسُ زَوْجَةَ جَارِهِ، يَظْلُمُ الفَقِيرَ وَالعَاجِزَ، يَسْرِقُ وَلَا يَرُدُّ رَهنًا، يَعْبُدُ الأوْثَانَ، يقتَرِفُ خَطَايَا بَغِيضَةً، يأخُذُ رِبًا وَرِبحًا زَائِدًا. أفَيحيَا ذَلِكَ الإنْسَانُ؟ لَا بَلْ يَمُوتُ. فَلِأنَّهُ عَمِلَ كُلَّ هَذِهِ الخَطَايَا الكَرِيهَةِ، يَنْبَغِي أنْ يَمُوتَ. «وَقَدْ يَكُونُ لِهَذَا الإنْسَانِ ابنٌ رَأى كُلَّ الخَطَايَا الَّتِي ارتَكَبَهَا أبُوهُ، فَفَهِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ مَا عَمِلَهُ أبُوهُ. لَمْ يأكُلْ فِي مَزَارَاتِ الجِبَالِ، وَلَمْ يَعْبُدْ أوْثَانَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَمْ يُنَجِّسْ زَوْجَةَ جَارِهِ. لَمْ يَظْلِمْ أحَدًا، وَلَمْ يَحْتَفِظْ بِرَهنٍ أوْ يَسْرِقْ. لَكِنَّهُ يُعْطِي مِنْ طَعَامِهِ لِلجَائِعِ، ويُلبِسُ العُريَانَ ثِيَابَهُ. يَتَجَنَّبُ الإثْمَ، وَلَا يأخُذُ رِبًا أوْ رِبحًا زَائِدًا. يَحْفَظُ أحكَامِي وَيُطِيعُ فَرَائِضِي. فَلَا يَهْلِكُ مِثْلُ هَذَا بِسَبَبِ إثمِ أبِيهِ، بَلْ يَحيَا. فَإنْ كَانَ أبُوهُ ظَلَمَ النَّاسَ، وَسَرَقَ أخَاهُ، وَعَمِلَ شُرُورًا كَثِيرَةً وَسَطَ شَعْبِهِ. فَهَذَا سَيَهْلِكُ بِذَنبِهِ. «فَلِمَاذَا أيُّهَا النَّاسُ تَسألُونَ لِمَاذَا لَا يُعَانِي الِابْنُ بِسَبَبِ مَا فَعَلَهُ أبُوهُ؟ كَانَ الِابْنُ عَادِلًا وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَأطَاعَ شَرَائِعِي وَعَمِلَ بِهَا، وَلِذَا فَهُوَ بَريءٌ وَسَيَحيَا. الإنْسَانُ الَّذِي يُخطِئُ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ. لَا يُعَاقَبُ الِابْنُ بِسَبَبِ خَطَايَا أبيهِ، كَمَا لَا يُعَاقَبُ الأبُ بِسَبَبِ خَطَايَا ابْنِهِ. الإنْسَانُ الصَّالِحُ مَسْؤُولٌ عَنْ صَلَاحِهِ، وَالإنْسَانُ الشِّرِّيرُ مَسْؤُولٌ عَنْ شَرِّهِ. «وَإنْ تَابَ إنْسَانٌ شِرِّيرٌ عَنْ خَطَايَاهُ، وَحَفِظَ شَرَائِعِي وَعَمِلَ مَا هُوَ عَدلٌ وَصَلَاحٌ، فَإنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ. وَلَنْ تُذكَرَ أيُّ خَطيَّةٍ مِنْ خَطَايَاهُ السَّابِقَةِ لِيُحَاسَبَ عَنْهَا. وَبِسَبَبِ الصَّلَاحِ الَّذِي يَعْمَلُهُ فَإنَّهُ سَيَحيَا.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «هَلْ أُسَرُّ بِمُوْتِ الشِّرِّيرِ، أمْ بِأنْ يَتُوبَ عَنْ شَرِّهِ فَيَحيَا؟» «هَلْ يَحيَا البَارُّ، إنْ عَادَ عَنْ بِرِّهِ، وَعَمِلَ شُرُورًا كَرِيهَةً كَالأشرَارِ؟ بَلْ لَنْ يُذكَرَ شَيءٌ مِنْ أعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ القَدِيمَةِ، وَسَيَهْلِكُ بِسَبَبِ خِيَانَتِهِ وَخَطَايَاهُ الَّتِي ارْتَكَبَهَا. «وَلَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ: ‹طَرِيقُ الرَّبِّ لَيْسَتْ مُسْتَقِيمَةً!› أطَرِيقِي أنَا لَيْسَتْ مُسْتَقِيمَةً يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ، أمْ طُرُقُكُمْ أنْتُمْ لَيْسَتْ مُسْتَقِيمَةً؟ فَحِينَ لَا يَعُودُ الصَّالِحُ يَعِيشُ بِالصَّلَاحِ وَيَبْدَأُ بِعَمَلِ الشَّرِّ، فَإنِّي سَأُمِيتُهُ بِسَبَبِ شُرُورِهِ. سَيَمُوتُ بِسَبَبِ أعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ. وَحِينَ لَا يَعُودُ الشِّرِّيرُ يَعْمَلُ الشُّرُورَ، وَيَبْدَأُ بِعَمَلِ مَا هُوَ صَالِحٌ وَعَادِلٌ، فَإنَّهُ بِهَذَا يُنَجِّي نَفْسَهُ. فَإنْ فَهِمَ وَتَابَ عَنْ آثَامِهِ وَخَطَايَاهُ الَّتِي عَمِلَهَا، فَإنَّهُ سَيَحيَا وَلَنْ يَهْلِكَ.» «وَمَعَ هَذَا فَإنَّ بَيْتَ إسْرَائِيلَ يَقُولُونَ: ‹طَرِيقُ الرَّبِّ لَيْسَتْ مُسْتَقِيمَةً!› أطَرِيقِي أنَا لَيْسَتْ مُسْتَقِيمَةً يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ، أمْ طُرُقُكُمْ أنْتُمْ لَيْسَتْ مُسْتَقِيمَةً؟» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «أنَا الَّذِي أحْكُمُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِ سُلُوكِهِ. فَتُوبُوا وَارجِعُوا عَنْ كُلِّ آثَامِكُمْ وَخَطَايَاكُمْ، حَتَّى لَا تُدّمِّرَكُمْ آثَامُكُمْ. تَخَلَّصُوا مِنْ كُلِّ الآثَامِ الَّتِي اقتَرَفتُمُوهَا، وَخُذُوا قَلْبًا جَدِيدًا وَرُوحًا جَدِيدَةً. يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، لِمَاذَا تَمُوتُونَ؟ أنَا لَا أُسَرُّ بِمَوْتِ أحَدٍ، فَعُودُوا إلَيَّ وَاحْيَوْا.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . وَقَالَ لِيَ اللهُ: «أمَّا أنْتَ، فَأنشِدْ نَشِيدَ حُزنٍ عَلَى قَادَةِ إسْرَائِيلَ وَقُلْ: «أُمُّكِ لَبْوَةٌ تَرْبِضُ بَيْنَ الأُسُودِ، وَتُرَبِّي جِرَاءَهَا مَعَ الأشبَالِ. رَبَّتْ شِبلًا لِيَصِيرَ أسَدًا قَوِيًّا. تَعَلَّمَ الِافْتِرَاسَ، وَأكلَ النَّاسَ. «سَمِعَتهُ الأُمَمُ يُزَمجِرُ، فَأمسَكُوهُ بِفَخِّهِمْ. وَضَعُوا كَلَالِيبَ فِي فَمِهِ، وَاقتَادُوهُ إلَى مِصْرٍ. «فَلَمَّا فَقَدَتْ كُلَّ رَجَاءٍ فِي عَودَتِهِ. اخْتَارَتْ وَاحِدًا آخَرَ مِنْ جِرَائِهَا وَجَعَلَتهُ أسَدًا قَوِيًّا. فَبَدَأ يَتَبَاهَى وَسَطَ الأُسُودِ، وَصَارَ قَوِيًّا بَيْنَهَا. وَتَعَلَّمَ الِافْتِرَاسَ، وَأكَلَ النَّاسَ. هَاجَمَ حُصُونَهُمْ، وَدَمَّرَ مُدُنَهُمْ. فَاندَهَشَ كُلُّ سُكَّانِ الأرْضِ مِنْ صَوْتِ زَمجَرَتِهِ. حِينَئِذٍ، هَاجَمَتهُ الشُّعُوبُ المُجَاوِرَةُ، وَألقَوْا شَبَكَتَهُمْ عَلَيْهِ، فَوَقَعَ فِي فَخِّهِمْ. وَضَعُوا كلَالِيبَ فِي فَمِهِ، وَوَضَعُوهُ فِي قَفَصٍ، وَاقتَادُوهُ إلَى مَلِكِ بَابِلَ، ثُمَّ ألقَوْهُ فِي الزِّنزَانَةِ، كَي لَا يَعُودَ صَوْتُهُ يُسمَعُ عَلَى جِبَالِ إسْرَائِيلَ. «أُمُّكَ كَكَرْمَةٍ مَلِيئَةٍ بِالثِّمَارِ لِأنَّهَا مَزرُوعَةٌ قُرْبَ قَنَوَاتِ الرَّيِّ. إنَّهَا مُثمِرَةٌ وَمُغَطَّاةٌ بِأورَاقٍ كَثِيرَةٍ بِسَبَبِ كَثرَةِ المِيَاهِ. صَارَتْ فُرُوعُهَا صَوْلَجَانَاتٍ لِلحُكَّامِ. وَارتَفَعَ أحَدُ فُرُوعِهَا حَتَّى وَسَطِ السَّحَابِ، وَنَمَتْ أغْصَانُهَا الصَّغِيرَةُ بِشَكلٍ كَامِلٍ. وَلَكِنَّهَا اقتُلِعَتْ بِغَضَبٍ وَأُلقِيَتْ عَلَى الأرْضِ، وَجَفَّفَتِ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ ثِمَارَهَا، وَسَقَطَتْ أغْصَانُهَا مِنَ الشَّجَرَةِ فَيَبِسَتْ. أمَّا أغْصَانُهَا القَوِيَّةُ فَقَدِ احتَرَقَتْ بِالنَّارِ. «وَالْآنَ هِيَ مَزرُوعَةٌ فِي الصَّحرَاءِ، فِي أرْضٍ يَابِسَةٍ وَعَطشَانَةٍ. امتَدَّتِ النَّارُ مِنْ أغْصَانِهَا وَالتَهَمَتْ ثَمَرَهَا، وَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ فَرْعٌ قَوِيٌّ يَصْلُحُ صَوْلَجَانًا لِحَاكِمٍ. هَذِهِ قَصِيدَةُ رِثَاءٍ حَزِينَةٌ.» فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الخَامِسِ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، أتَى بَعْضُ شُيُوخِ إسْرَائِيلَ إلَيَّ لِيَطْلُبُوا رِسَالَةً مِنَ اللهِ عَلَى فَمِي. فَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، كَلِّمْ شُيُوخَ إسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : هَلْ أتَيْتُمْ لِتَطْلُبُوا مَشُورَتِي؟ أُقْسِمُ بِذَاتِي إنِّي لَنْ أُشِيرَ عَلَيْكُمْ.›» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «يَا إنْسَانُ، هَلْ سَتُدِينُهُمْ؟ عَرِّفهُمْ بِالأعْمَالِ الكَرِيهَةِ الَّتِي كَانَ آبَاؤُهُمْ يَعْمَلُونَهَا. قُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : حِينَ اختَرْتُ إسْرَائِيلَ، رَفَعتُ يَدِي وَأقْسَمْتُ لِبَنِي يَعْقُوبَ. عَمِلْتُ مَعَهُمْ عَهْدًا فِي أرْضِ مِصْرٍ، حِينَ رَفَعتُ يَدِي وَقُلْتُ لَهُمْ: أنَا . وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ رَفَعتُ يَدِي وَتَعَهَّدْتُ بِأنْ أُخرِجَهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، وَأقُودَهُمْ إلَى أرْضٍ تَفَحَّصْتُهَا لِأجْلِهِمْ – أرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، وَهِيَ الأجمَلُ بَيْنَ البِلَادِ.› «ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: ‹عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ أنْ يُلقِيَ تِلْكَ الأصْنَامَ الكَرِيهَةَ الَّتِي يَضَعُونَهَا أمَامَهُمْ. وَلَا تَتَنَجَّسُوا بِأصْنَامِ مِصْرٍ القَذِرَةِ، لِأنِّي أنَا .› لَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ، وَاختَارُوا أنْ لَا يَسْمَعُوا لِي. لَمْ يَتَخَلَّصْ وَاحِدٌ مِنهُمْ مِنَ الأصْنَامَ البَغِيضَةِ الَّتِي يَضَعُونَهَا أمَامَهُمْ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنهُمْ أصْنَامَ مِصْرٍ القَذِرَةِ. وَفَكَّرتُ بِأنْ أسكُبَ عَلَيْهِمْ كُلَّ غَضَبِي وَهُمْ فِي أرْضِ مِصْرٍ. لَكِنِّي لَمْ أشَأ أنْ أُشَوِّهَ اسْمِي بَيْنَ الأُمَمِ الَّتِي سَكَنُوا فِي وَسَطِهَا، وَالَّتِي أعلَنتُ أمَامَهَا بِأنِّي سَأُخرجُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. وَهَكَذَا قُدْتُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ إلَى الصَّحرَاءِ. وَأعْطَيْتُهُمْ هُنَاكَ فَرَائِضِي وَشَرَائِعِي، وَوَعَدتُهُمْ بِأنَّ مَنْ يُطِيعُ هَذِهِ الشَّرَائِعَ سَيَحيَا بِهَا. كَمَا أعْطَيْتُهُمْ أيَّامَ رَاحَةٍ، كَعَلَامَةِ العَهْدِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لِأُظهِرَ أنِّي أنَا اللهَ الَّذِي أُقَدِّسُهُمْ. «وَلَكِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ فِي الصَّحرَاءِ، وَلَمْ يَتْبَعُوا شَرَائعِي، وَرَفَضُوا فَرَائِضِي الَّتِي مَنْ يَعْمَلُ بِهَا سَيَحيَا بِهَا أيْضًا، وَنَجَّسُوا أيَّامَ الرَّاحَةِ الَّتِي عَيَّنْتُهَا بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ. وَلِذَا فَكَّرتُ بِأنْ أسكُبَ غَضَبِي عَلَيهِمْ، فَأُهلِكَهُمْ فِي البرِّيَّةِ. وَلَكِنْ لِأجْلِ اسْمِي، وَلِكَي لَا يَتَشَوَّهَ بينَ الأُمَمِ الَّذِينَ رَأَوْنِي أُخرِجُ شَعْبِي مِنْ مِصْرٍ، رَفَعتُ يَدِي وَأقْسَمْتُ لَهُمْ فِي الصَّحرَاءِ إنِّي لَنْ أُدخِلَهُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لَهُمْ – إلَى أرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، وَهِيَ الأجمَلِ بَيْنَ البِلَادِ. لِأنَّهُمْ رَفَضُوا فَرَائِضِي وَلَمْ يُطِيعُوا شرَائِعِي، وَنَجَّسُوا أيَّامَ الرَّاحَةِ الَّتِي عَيَّنْتُهَا. فَقَدِ انجَذَبَتْ قُلُوبُهُمْ وَرَاءَ أوثَانِهِمُ القَذِرةِ. وَلَكِنِّي رَحَمتُهُمْ وَلَمْ أُهلِكْهُمْ، وَلَمْ أُبِدْهُمْ تَمَامًا فِي البرِّيَّةِ. وَقُلْتُ لِأبنَائِهِمْ فِي البرِّيَّةِ: ‹لَا تَعِيشُوا كَمَا عَاشَ آبَاؤُكُمْ! لَا تُطِيعُوا الشَّرَائِعَ الَّتِي أطَاعُوهَا، وَلَا تَحْفَظُوا فَرَائِضَهُمْ، وَلَا تَتَنَجَّسُوا بِأوْثَانِهِمُ القَذِرَةِ. أنَا ، أطِيعُوا شَرَائِعِي وَدَقِّقُوا فِي حِفظِ فَرَائِضِي. قَدِّسُوا أيَّامَ الرَّاحَةِ الَّتِي عَيَّنْتُهَا، فَتَكُونَ عَلَامَةً عَلَى العَهْدِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا .› «وَلَكِنَّ الأوْلَادَ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ. لَمْ يُطِيعُوا شَرَائِعِي وَلَمْ يُدَقِّقُوا فِي حِفظِ فَرَائِضِي. لَمْ يَعْمَلُوا الأُمُورَ الَّتِي إنْ عَمِلَهَا إنْسَانٌ يَحيَا بِهَا، وَنَجَّسُوا أيَّامَ الرَّاحَةِ الَّتِي عَيَّنْتُهَا. لِذَا فَكَّرتُ بِأنْ أسكُبَ كُلَّ غَضَبِي عَلَيْهِمْ فَأُهلِكُهُمْ فِي الصَّحرَاءِ تَمَامًا. لَكِنِّي مَنَعْتُ نَفْسِي عَنْ إبَادَتِهِمْ لِأجْلِ السُّمعَةِ الطَّيِّبَةِ لِاسْمِي بَيْنَ الأُمَمِ الَّتِي أخرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرٍ أمَامَهُمْ. لَكِنِّي رَفَعتُ يَدِي لَهُمْ فِي الصَّحرَاءِ وَتَعَهَّدتُ لَهُمْ بِأنْ أُبَعثِرَهُمْ وَسَطَ الأُمَمِ وَفِي كُلِّ البِلَادِ. لِأنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا فَرَائِضِي وَرَفَضُوا شَرَائِعِي، وَاستَخَفُّوا بِأيَّامِ الرَّاحَةِ الَّتِي عَيَّنْتُهَا، وَتعَلَّقُوا بِالأوْثَانِ القَذِرَةِ الَّتِي كَانَتْ لِآبَائِهِمْ. لِذَلِكَ جَعَلْتُهُمْ يَتْبَعُونَ شَرَائِعَ غَيْرَ صَالِحَةٍ، وَفَرَائِضَ لَا يَحْيَونَ بِهَا. تَرَكْتُهُمْ يَتَنَجَّسُونَ بِعَطَايَاهُمْ، حَتَّى قَدَّمُوا أبكَارَهُمْ كَقَرَابِينَ، لِكَي أُدَمِّرَهُمْ. حينَئِذٍ، يَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ ! «وَلِذَا، تَكَلَّمْ يَا إنْسَانُ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : بِالإضَافَةِ إلَى كُلِّ هَذَا، استَمَرَّ آبَاؤُكُمْ يُظهِرُونَ اسْتِخفَافَهُمْ بِي، فِي تَمَرُّدِهِمُ المُسْتَمِرِّ عَلَيَّ. وَمَعَ هَذَا قُدتُهُمْ إلَى الأرْضِ الَّتِي سَبقَ أنْ وَعَدتُهُمْ بِأنْ أُعْطِيَهَا لَهُمْ. وَلَكِنَّهُمْ قَدَّمُوا ذَبَائِحَ لِأوْثَانِهِمْ عَلَى كُلِّ تَلَّةٍ عَالِيَةٍ رَأوْهَا، وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضرَاءَ. قَدَّمُوا تَقْدِمَاتٍ لِإثَارَةِ غَضَبِي، وَبَخَّرُوا وَسَكَبُوا خَمْرًا. «فَسَألتُهُمْ: ‹مَا هَذَا المُرتَفَعُ الَّذِي تَذْهَبُونَ إلَيْهِ›؟ – لِذَلِكَ مَا زَالُوا يَدْعُونَ أمَاكِنَ عِبَادَتِهِمْ ‹بَامَا› إلَى هَذَا اليَوْمِ! «لِذَا قُلْ لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ألَسْتُمْ تَتَنَجَّسُونَ بِالطَّرِيقَةِ ذَاتِهَا الَّتِي تَنَجَّسَ آبَاؤُكُمْ بِهَا؟ ألَسْتُمْ تَزْنُونَ مَعَ أوْثَانِكُمُ القَذِرَةِ؟ أنْتُمْ تَتَنَجَّسُونَ مِثْلَهُمْ بِتَقْدِيمِ تَقْدِمَاتِهِمْ، وَبِحَرقِ أوْلَادِكُمْ كَقِرَابِينَ، وَبِأوْثَانِكُمُ القَذِرَةِ نَفْسِهَا. وَمَعَ هَذَا، تَتَوَّقَّعُونَ مِنِّي أنْ أسمَحَ لَكُمْ بِالمَجِيءِ إلَيَّ وَطَلَبِ كَلِمَةٍ وَنُصْحٍ مِنِّي؟ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، أُقْسِمُ بِذَاتِي، يَقُولُ اللهُ ، إنِّي لَنْ أسمَحَ لَكُمْ بِالمَجِيءِ إلَيَّ وَطَلَبِ النُّصحَ مِنِّي! وَالفِكرَةُ الَّتِي تُفَكِّرُونَ بِهَا لَنْ تَتِّمَّ، إذْ تَقُولُونَ: لِنَكُنْ مِثْلَ الأُمَمِ الأُخرَى وَمِثْلَ عَشَائِرِ الأرَاضِي الأُخرَى، فَنَخدِمَ أصْنَامًا خَشَبِيَّةً وَحَجَرِيَّةً.› هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹أُقْسِمُ بِذَاتِي إنِّي سَأملُكُ عَلَيْكُمْ وَلَوْ تَطَلَّبَ الأمْرُ يَدًا قَوِيَّةً وَذِرَاعًا وَغَضَبًا شَدِيدًا يُسكَبُ عَلَيْكُمْ. سَأُخرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ كُلِّ الأُمَمِ الأُخرَى، وَأجمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الأرَاضِي حَيْثُ أنْتُمْ مَشَتَّتُونَ. سَأُخرِجُكُمْ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَذِرَاعٍ مَمدُودَةٍ وَغَضَبٍ شَدِيدٍ. وَسَآخُذُكُمْ إلَى صَحرَاءَ خَالِيَةٍ مِنَ النَّاسِ، وَأحْكُمُ فِي قَضِيَّتِي مَعَكُمْ وَجْهًا لِوَجْهٍ. وَكَمَا حَسَمْتُ قَضِيَّتِي مَعَ آبَائِكُمْ فِي صَحرَاءِ مِصْرٍ، هَكَذَا سَأحسِمُ قَضِيَّتِي مَعَكُمْ.›» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «وَسَأجعَلُكُمْ تَمُرُّونَ مِنْ تَحْتِ عَصَا الدَّينونَةِ، وَفْقًا لَلْعَهْدِ الَّذِي بَيننَا. ثُمَّ سَأُزِيلُ العُصَاةَ مِنْ وَسَطِكُمْ، وَالَّذِينَ يَسْتَمِرُّونَ فِي التَّمَرُّدِ عَلَيَّ مِنَ الأرْضِ الَّتِي يَسْكُنُونَ فِيهَا كَالغُرَبَاءِ. سَأُزِيلُهُمْ، فَلَا يَدُوسُونَ تُرَابَ إسْرَائِيلَ فِيمَا بَعْدُ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «اذْهَبُوا يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ وَاعبُدُوا أوْثَانَكُمُ القَذِرَةَ. لَكِنْ مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا، لَا تَلْجأُوا إلَيَّ، لِأنِّي لَنْ أسمَحَ بِتَدْنِيسِ اسْمِي القُدُّوسِ بِتَقْدِمَاتِكُمْ وَأوْثَانِكُمُ القَذِرَةِ. لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : سَيَعْبُدُنِي كُلُّ بَيْتِ إسْرَائِيلَ عَلَى جَبَلِي المُقَدَّسِ، فِي جِبَالِ إسْرَائِيلَ العَالِيَةِ. هُنَاكَ سَأقبَلُهُمْ، وَسَأقبَلُ تَقْدِمَاتِهِمْ وَقَرَابِينَهُمْ وَكُلَّ ذَبَائِحِهِمُ المُقَدَّسَةِ. سَأقبَلُكُمْ وَأُسَرُّ بِرَوَائِحِ ذَبَائِحِكُمُ الطَّيِّبَةِ، حِينَ أُخرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ كُلِّ الأُمَمِ الأُخرَى، وَأجمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الأرَاضِي حَيْثُ كُنْتُمْ مَشَتَّتِينَ، وَسَأُظهِرُ قَدَاسَتِي بَيْنَكُمْ أمَامَ الأمَمِ! سَتَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ ، حِينَ أُعِيدُكُمْ إلَى أرْضِ إسْرَائِيلَ، الأرْضِ الَّتِي أقْسَمْتُ لِآبَائِكُمْ بِأنِّي سَأُعْطِيهَا لهُمْ. حِينَئِذٍ، سَتَتَذَكَّرُونَ كَيْفَ عِشتُمْ، وَتَتَذَكَّرُونَ كُلَّ الشُّرُورِ الَّتِي عَمِلتُمُوهَا وَالَّتِي تَنَجَّستُمْ بِهَا، وَسَتَخْجَلُونَ مِنَ الخَطَايَا الشِّرِّيرَةِ الَّتِي عَمِلتُمُوهَا. وَسَتَعْلَمُونَ يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ أنِّي أنَا اللهُ ، حِينَ أُعَامِلَكُمْ إكرَامًا لِاسْمِي، لَا بِحَسَبِ سُلُوكِكُمُ الشِّرِّيرِ، وَأعْمَالِكُمُ الفَاسِدِةِ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، انْظُرْ إلَى الجَنُوبِ نَحْوَ تَيمَانَ، وَتَنَبَّأْ ضِدَّ الجَنُوبِ، ضِدَّ تِلَالِ النَّقبِ ذَاتِ الغَابَاتِ. قُلْ لِغَابَاتِ النَّقبِ: ‹استَمِعِي إلَى كَلِمَةِ اللهِ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : هَا أنَا أُشعِلُ نَارًا فِيكِ، فَتَلْتَهِمَ كُلَّ شَجَرَةٍ خَضرَاءَ وَيَابِسَةٍ، وَلَنْ يُطفِئَ نَارَهَا شَيءٌ. وَسَتَنْتَشِرُ النَّارُ عَلَى كُلِّ الأرْضِ مِنَ الجَنُوبِ إلَى الشِّمَالِ. حِينَئِذٍ، سَيَرَى الجَمِيعُ أنِّي أنَا اللهَ الَّذِي أشعَلَهَا بِالنَّارِ، وَلَنْ يُطفِئَ نَارَهَا شَيءٌ.›» فَقُلْتُ: «آهِ أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، لَنْ يَفْهَمَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ مَا أفْعَلُهُ. إنَّهُمْ يَدْعُونَنِي بِثَرثَارِ الحِكَايَاتِ!» فَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ ثَانِيَةً: «يَا إنْسَانُ، انْظُرْ نَحْوَ مَدِينَةِ القُدْسِ، وَتَكَلَّمْ ضِدّ المَعَابِدِ وَضِدَّ أرْضِ إسْرَائِيلَ. قُلْ لِأرْضِ إسْرَائِيلَ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : هَا أنَا ضِدُّكِ. وَسَيَخْرُجُ سَيفِي مِنْ غِمْدِهِ وَسَأُزِيلُ مِنكِ الأبْرَارَ وَالأشرَارَ. نَعَمْ سَأُبِيدُ الأبْرَارَ وَالأشرَارَ مِنكِ. سَيَمُرُّ سَيفِي عَلَى كُلِّ الأرْضِ فَيُبِيدَ الجَمِيعَ مِنَ الجَنُوبِ إلَى الشِّمَالِ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُ الجَمِيعُ أنَّ اللهَ قَدِ اسْتَلَّ سَيفَهُ، وَلَنْ يُعِيدَهُ إلَى غِمدِهِ.› «تَنَهَّدْ كَمَا لَوْ أنَّ قَلْبَكَ مَكسُورٌ، وَنُحْ أمَامَهُمْ. وَحِينَ يَسألُونَكَ لِمَاذَا تَتَنَهَّدُ وَتَنُوحُ، قُلْ لَهُمْ بِسَبَبِ الرِّسَالَةِ الَّتِي تَلَقَّيتُهَا مِنَ اللهِ. سَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبٍ خَوْفًا، وَسَتَضْعُفُ الأيدِي، وَسَتَخُورُ الأروَاحُ، وَسَتَضْعُفُ كُلُّ رُكبَةٍ وَتَصِيرُ مِثْلَ المَاءِ. سَتَأْتِي هَذِهِ الأُمُورُ وتَحْدُثُ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، تَنَبَّأْ وَقُلْ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ: «هَا سَيْفٌ، سَيْفٌ مُحَدَّدٌ وَمَصقُولٌ، قَدْ سُنَّ لِلذَّبحِ، وَصُقِلَ حَتَّى صَارَ يَلْمَعُ كَالبَرقِ. يَا بُنَيَّ، لَقَدْ هَرَبْتَ مِنْ عَصَا عِقَابِي، رَفَضْتَ العِقَابَ بِتِلْكَ العَصَا الخَشَبِيَّةِ! صُقِلَ لِيُمْسَكَ بِاليَّدِ، سُنَّ حَدُّ السَّيْفِ وَصُقِلَ لِيُعطَى لِلقَاتِلِ. «يَا إنْسَانُ، وَلوِلْ وَاصرُخْ لِأنَّ السَّيْفَ فِي وَسَطِ شَعْبِي وَفِي وَسَطِ قَادَةِ إسْرَائِيلَ. إنَّ حَامِلِي السُّيُوفِ وَسَطَ شَعْبِي، فَعَبِّرْ عَنْ حُزنِكَ الشَّدِيدِ! أفَهَذَا امتِحَانٌ لَكُمْ؟ رَفَضْتُمُ العِقَابَ بِعَصًا مِنْ خَشَبٍ، فَبِمَاذَا أُعَاقِبُكُمْ؟» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ . «أمَّا أنْتَ يَا إنْسَانُ، فَاضرِبْ يَدًا بِيَدٍ، وَقُلْ لِشَعْبِي: يَضْرِبُ السَّيْفُ القَتلَى مَرَّتَيْنِ، بَلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. يَخْتَرِقُ سَيْفُ المَذْبَحَةِ هَذَا جَسدًا وَرَاءَ آخَرَ. حَتَّى يُزِيلَ كُلَّ شَجَاعَةٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَيَزِيدَ مِنْ عَدَدِ القَتلَى السَّاقِطِينَ. قَدْ تَسَبَّبتُ بِمَجزَرَةٍ بِالسَّيْفِ قُرْبَ بَوَّابَاتِ كُلِّ مُدُنِهِمْ. قَدْ جُعِلَ يَلْمَعُ كَالبَرقِ، وَهُوَ مَسْحُوبٌ مِنْ غِمدِهِ لِلقَتلِ. يَا سَيْفُ، ابْقَ حَادًا، اضْرِبْ جِهَةَ اليَمِينِ، اطْعَنْ، وَاضرِبْ جِهَةَ اليَسَارِ، وَاضْرِبْ حَيْثُمَا تَوَجَّهتَ. وَسَأُصَفِّقُ يَدًا بِيَدٍ، وَسَأُشبِعُ غَضَبِي.» أنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ. ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، ارْسُمْ طَرِيقًا يَتَفَرَّعُ أمَامَ السَّيْفِ الآتِي مِنْ مَلِكِ بَابِلَ. وَضَعْ عَلَامَةً تُشِيرُ إلَى طَرِيقِ المَدِينَتَيْنِ. فَضَعْ عَلَامَةً وَاضِحَةً تُشِيرُ إلَى رَبَّةِ العَمُّونِيِّينَ، وَعَلَامَةً وَاضِحَةً تُشِيرُ إلَى القُدْسِ مَدِينَةِ يَهُوذَا الحَصِينَةِ. فَمَلِكُ بَابِلَ يَقِفُ عِنْدَ مُفتَرَقِ الطَّرِيقِ يَهُزُّ سِهَامَهُ وَيَسألُ آلِهَتَهُ وَيَمْتَحِنُ كَبِدَ الحَيَوَانَاتِ ليَختَارَ الطَّرِيقَ. عَلَامَاتُ العِرَافَةِ عَلَى كَفِّهِ، تُشِيرُ عَلَيْهِ بِأنْ يَذْهَبَ إلَى القُدْسِ، وَيُهَاجِمَهَا بِجُذُوعِ الأشْجَارِ. لِيَرَفعَ هُتَافَاتِ الحَرْبِ، وَلِيَضْرِبَ بِالأبوَاقِ لِإحضَارِ جُذُوعِ الأشْجَارِ إلَى البَوَّابَاتِ، وَلِعَمَلِ حَوَاجِزَ تُرَابِيَّةٍ للحِصَارِ، وَلِبِنَاءِ أبرَاجٍ حَوْلَ المَدِينَةِ. وَلَكِنْ هَذَا بَدَا كَالعِرَافَةِ الخَاطِئَةِ لِهَؤُلَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا مُلزَمِينَ بِعَهْدِهِمُ الأعْظَمِ. لَكِنَّهُ ذَكَّرَهُمْ بِأنَّ ذَنبَهُمْ سَيُؤَدِّي إلَى سَبْيِهِمْ.» لِذَلِكَ، يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «حَيْثُ إنَّكُمْ أظْهَرتُمْ ذَنبَكُمْ بِإعلَانِ تَمَرُّدِكُمْ وَإظهَارِ خَطَايَاكُمْ فِي كُلِّ مَا عَمِلتُمْ، فَإنَّكُمْ سَتُسَاقُونَ إلَى السَّبْيِ قَسْرًا. «وَأمَّا أنْتَ يَا رَئِيسَ إسْرَائِيلَ الفَاسِدَ، فَقَدْ ظَهَرْتَ فِي وَقْتِ عِقَابِكَ النِّهَائِيِّ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «أزِلِ العِمَامَةَ! انزَعِ الإكلِيلَ! لَنْ يَبْقَى شَيءٌ كَمَا هُوَ: ارفَعِ الحَقِيرَ وَاخفِضِ المُرْتَفِعَ! سَأجعَلُهُ دَمَارًا! وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَنْ يَحْدُثَ حَتَّى يَأْتِي الَّذِي لَهُ القَضَاءُ، الَّذِي أنَا أُعَيِّنُهُ.» «وَأنْتَ يَا إنْسَانُ، تَنَبَّأ وَقُلْ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ لِلعَمُّونِيِّينَ وَإلَهِهِمُ المُخْزِي: «هَا سَيفٌ، سَيفٌ مَسلُولٌ مِنْ غِمدِهِ لِلقَتلِ، لَامِعٌ وَمَصقُولٍ لِلالتِهَامِ! «تَرَيْنَ لِنَفْسِكِ رُؤىً مُزَيَّفَةً وَعِرَافَةً كَاذِبَةً، وَلِذَا فَسِحْرُكِ لَنْ يَنْفَعَكِ، السَّيْفُ وَصَلَ رِقَابَ الأشْرَارِ، قَرِيبًا لَنْ يَكُونُوا سِوَى جُثَتٍ، قَرِيبًا سَيَنْتَهِي الشَّرِّ. «أعِدِ السَّيْفَ إلَى غِمْدِهِ. أنَا بِنَفْسِي سَأَدِينُكِ فِي المَكَانِ الَّذِي خُلِقْتِ فِيهِ، فِي الأرْضِ الَّتِي يَعُودُ أصلُكِ إلَيْهَا. سَأسْكُبُ غَضَبِي المُشتَعِلَ عَلَيْكِ، وَسَأنفُخُ عَلَيْكِ سَخَطِي المُلتَهِبَ، وَأُسَلِّمُكِ إلَى قُسَاةٍ مُحتَرِفِينَ فِي الدَّمَارِ وَالقَتلِ. سَتَكُونِينَ وَقُودًا لِلنَّار، وَسَيُسفَكُ دَمُكِ فِي كُلِّ الأرْضِ. وَلَكِنَّكِ سَتَتَذَكَّرِينَ أنِّي أنَا اللهَ قَدْ تَكَلَّمْتُ.» ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، هَلْ سَتُصدِرُ حُكْمًا عَلَى هَذِهِ المَدِينَةِ القَاتِلَةِ وَتُخبِرُهَا بِكُلِّ أعْمَالِهَا الكَرِيهَةِ؟ قُلْ لَهُمْ يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ إنَّ القُدْسَ مَدِينَةٌ سَفَكَتْ دَمًا فِي وَسَطِهَا. لِذَلِكَ جَاءَ وَقْتُ عِقَابِهَا. صَنَعَتْ أصْنَامًا لِتُنَجِّسَ نَفْسَهَا بِهِا. سَتُعَاقَبِينَ عَلَى الدَّمِ الَّذِي سَفَكتِهِ، وَسَتَتَنَجَّسِينَ بِالأصْنَامِ القَذِرَةِ الَّتِي صَنَعتِهَا! قَدْ أتَى وَقْتُكِ! قَدْ بَلَغْتِ نِهَايَةَ سِنِيكِ! وَلِذَا فَإنِّي سَأجعَلُكِ أُضْحُوكَةً عِنْدَ كُلِّ الأُمَمِ، وَمَوضُوعَ سُخْرِيَةٍ فِي كُلِّ الأرَاضِي. سَتَسْخَرُ كُلُّ البِلَادِ البَعِيدَةِ وَالقَرِيبَةِ بِكِ. قَدْ نَجَّسْتِ اسْمَكِ. وَهَا أنْتِ تَملأوكِ الفَوضَى. «هَا قَدْ حَمَلَ كُلُّ رُؤَسَاءِ إسْرَائِيلَ مَعَكِ أسلِحَةً لِسَفكِ الدَّمِ. يَا قُدْسُ، فِيكِ يُهَانُ الآبَاءُ وَتُسَاءُ مُعَامَلَةُ الأجَانِبِ وَاليَتَامَى وَالأرَامِلِ. وَلَا تُقَدَّمُ لَهُمْ أيَّةُ مُسَاعَدَةٍ. استَهَنْتِ بِمُقَدَّسَاتِي، وَدَنَّسْتِ أيَّامَ الرَّاحَةِ الَّتِي عَيَّنْتُهَا. يَا قُدْسُ، فِيكِ أُنَاسٌ يَكْذِبُونَ فَيَتَسَبَّبُونَ بِقَتلِ النَّاسِ. يَصْعَدُونَ لِيَأْكُلُوا طَعَامِي عَلَى جِبَالِكِ، وَيَعْمَلُونَ فِيكِ أعْمَالًا قَذِرَةً حَقِيرَةً. فِيكِ رِجَالٌ يُعَاشِرُونَ زَوْجَاتِ آبَائِهِمْ، وَيَغْتَصِبُ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، بَلْ وَيُنَجِّسُونَ أنْفُسَهُمْ حَتَّى مَعَ النِّسَاءِ فِي فَتْرَةِ الحَيضِ. وَيَتَنَجَّسُ الرِّجَالُ بِزَوْجَاتِ جِيرَانِهِمْ وَبِكِنَّاتِهِمْ. بَلْ وَيَغْتَصِبُ الرِّجَالُ فِيكِ أخَوَاتِهِمُ اللَّوَاتِي هُنَّ مِنْ لَحْمِهِمْ وَدَمِهِمْ. يَأْخُذُ القَادَةُ فِيكِ رِشْوَةً لِلصَّمتِ عَنْ سَفكِ الدَّمِ وَالقَتلِ. طَلَبْتِ فَائِدَةً وَرِبًا عَنِ القُرُوضِ المُعطَاةِ لِلفُقَرَاءِ، فَسَلَبْتِ جِيرَانَكِ ظُلمًا، وَنَسِيتِينِي تَمَامًا. هَذَا مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ . «وَلَكِنِّي سَأضرِبُ يَدًا بِيَدٍ بِسَبَبِ مَكَاسِبِكِ الظَّالِمَةِ، وَبِسَبَبِ الدَّمِ البَريءِ الَّذِي سُفِكَ فِي وَسَطِكِ. أتَظُنِّينَ أنَّ شُجَاعَتَكِ سَتَصْمِدُ، أوْ أنَّ يَدَيكِ سَتَثْبُتَانِ يَوْمَ يأتِي وَقْتُ عِقَابِكِ؟ فَأنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ وَسَأفْعَلُ. سَأُبَعثِرُ شَعْبَكِ بَيْنَ الأُمَمِ، وَسَأُشَتِّتُهُ فِي بِلَادٍ غَرِيبَةٍ، وَسَأحُطِّمُ كُلَّ مَا فِيكِ مِنْ نَجَاسَاتٍ، بَعْدَ أنْ نَجَّسْتِ نَفْسَكِ أمَامَ كُلِّ الأُمَمِ. حِينَئِذٍ، سَتَعْلَمِينَ أنِّي أنَا اللهُ .» ثُمَّ أتَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَيَّ: «يَا إنْسَانُ، صَارَ بَيْتُ إسْرَائِيلَ بِالنِّسبَةِ لِي كَنُفَايَةِ المَعَادِنِ. إنَّهُمْ مِثْلُ البُرُونْزِ وَالقَصدِيرِ وَالحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ فِي فُرنِ التَّنقِيَةِ، مَعَ أنَّهُمْ كَانُوا فِضَّةً نَقِيَّةً سَابقًا.» وَلِذَا، يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «لِأنَّكُمْ صِرْتُمْ نُفَايَةَ مَعَادِنٍ، فَإنِّي سَأجمَعُكُمْ جَمِيعًا فِي دَاخِلِ مَدِينَةِ القُدْسِ. سَتَكُونُونَ كَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَقَصدِيرٍ مُلقَاةٍ مَعًا فِي فُرنِ تَنْقِيَةٍ لِنَفخِ النَّارِ عَلَيْهَا وَإذَابَتِهَا. سَتَكُونُونَ مِثْلَهَا، حَيْثُ سَأجمَعُكُمْ فِي غَضَبِي وَسَخَطِي المُشْتَعِلِ، وَأُلقِيكُمْ فِي الفُرنِ وَأُذِيبُكُمْ. سَأجمَعُكُمْ وَأنفُخُ عَلَيْكُمْ نَارَ غَضَبِي، فَتَذُوبُونَ دَاخِلَ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَكَمَا تَذُوبُ الفِضَّةُ دَاخِلَ فُرنِ تَنْقِيَةٍ، هَكَذَا سَتَذُوبُونَ فِيهَا. حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ الَّذِي سَكَبتُ عَلَيْكُمْ غَضَبًا شَدِيدًا.» ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، قُلْ لَهَا أنْتِ أرْضٌ غَيْرُ طَاهِرَةٍ، أرْضٌ لَا يَأْتِي عَلَيْهَا المَطَرُ بِسَبَبِ غَضَبِي. الأنْبِيَاءُ الَّذِينَ فِي دَاخِلِكِ كَالأسَدِ الَّذِي يَزأرُ ويَخْطِفُ فَرِيسَتَهُ وَيُمَزِّقُهَا وَيَلْتَهِمُهَا. فَقَدْ أخَذُوا ثَروَةً وَأشْيَاءَ ثَمِينَةً، وَتَسَبَّبُوا بِزِيَادَةِ عَدَدِ الأرَامِلِ فِي الأرْضِ. خَالَفَ كَهَنَتُهَا شَرِيعَتِي، وَنَجَّسُوا الأشْيَاءَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي لِي. لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ المُقَدَّسِ وَالدَنِسِ، وَلَمْ يُخبِرُوا أحَدًا بِمَا هُوَ نَجِسٌ وَمَا هُوَ طَاهِرٌ. رَفَضُوا أنْ يَحْفَظُوا أيَّامَ الرَّاحَةِ الَّتِي عَيَّنْتُهَا، فَدَنَّسُوا وَصَايَايَ فِي وَسَطِهِمْ! قَادَتُهَا فِي وَسَطِهَا مِثْلُ ذِئَابٍ تُمَزِّقُ فَرَائِسَهَا، فَيَسْفِكُونَ دَمًا وَيُنهُونَ حَيَاةَ أُنَاسٍ لِيُحَقِّقُوا أربَاحًا غَيْرَ شَرعِيَّةٍ. أنبِيَاؤُهَا يُخفُونَ الحَقِيقَةَ، فَيَضَعُونَ الجِبصَ عَلَى الجُدرَانِ المُشَقَّقَةِ، إذْ إنَّهُمْ يُخبِرُونَ بِالكَذِبِ وَيَتَكَلَّمُونَ بِعِرَافَةٍ كَاذِبَةٍ. يَقُولُونَ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ ،› مَعَ أنَّ اللهَ لَمْ يَتَكلَّمْ إلَيْهِمْ. يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْتَزُّونَ المَالَ مِنْهُمْ. يَظْلِمُونَ الفُقَرَاءَ وَالمُحتَاجِينَ، وَيُضَايِقُونَ الغُرَبَاءَ السَّاكِنِينَ فِي إسْرَائِيلَ وَيَسْلِبُونَهُمْ حَقَّهُمْ وَلَا يُنصِفُونَهُمْ. بَحَثتُ عَنْ إنْسَانٍ مِنْهُمْ يُصلِحُ السِّيَاجَ، عَنْ شَخْصٍ يَقِفُ فِي شَقِّ السُّورِ الَّذِي أمَامَ الأرْضِ حَتَّى لَا تُدَمَّرَ، وَلَكِنَّنِي لَمْ أجِدْ وَلَا حَتَّى وَاحِدًا. وَلِذَا فَإنِّي سَأسكُبُ غَضَبِي عَلَيْهِمْ! سَأُفنِيهِمْ بِغَضَبِي المُشْتَعِلِ، وَسَأُحَاسِبُهُمْ عَنْ أعْمَالِهِمْ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، كَانتْ هُنَاكَ امْرَأتَانِ ابنَتَانِ للأُمِّ ذَاتِهَا. عَاشَتَا كَعَاهِرَتَيْنِ فِي مِصْرٍ فِي شَبَابِهِمَا، فَسَمَحَتَا بأِنْ يُنتَهَكَ صَدْرَاهُمَا وَتُدَاعَبَ أثدَاؤُهُمَا. «اسْمُ الكَبِيرَةِ أهُولَةُ أمَّا الصَّغِيرَةُ فَاسْمُهَا أهُولِيبَةُ. وَصَارَتِ المَرأتَانِ زَوْجَتَيْنِ لِي، وَأنْجَبَتَا لِي أبْنَاءً وَبَنَاتٍ. أهُولَةُ هِيَ السَّامِرَةُ، وَأهُولِيبَةُ هِيَ مَدِينَةُ القُدْسِ. فَزَنَتْ أهُولَةُ وَلَمْ تَكُنْ أمِينَةً لِي. اشتَهَتْ عُشَّاقَهَا الأشُّورِيينَ، المُحَاربِينَ الَّذِينَ يَلبَسُونَ الزِّيَّ القُرمُزِّيَّ، وَالحُكَّامَ وَالقَادَةَ. فَكُلُّهُمْ شُبَّانٌ وَسِيمُونَ وَفُرسَانٌ! فَقَدَّمَتْ زِنَاهَا لَهُمْ جَمِيعًا. لِلمُختَارِينَ مِنْ بَنِي أشُّورَ. أعطَتْ نَفْسَهَا لِكُلِّ مَنْ رَغِبَتْ فِيهِ. وَتَنَجَّسَتْ بِأصْنَامِهِمُ القَذِرَةِ! لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنِ الزِّنَى الَّذِي بَدَأتْهُ فِي مِصْرٍ، لِأنَّهُمْ عَاشَرُوهَا فِي شَبَابِهَا، لَمَسُوا صَدرَهَا الغَضَّ، وَصَبُّوا شَهْوَتَهُمْ عَلَيْهَا. لِذَا سَمَحْتُ بِأنْ يَأْخُذَهَا عُشَّاقُهَا الأشُّورِيُّونَ الَّذِينَ اشتَهَتهُمْ. فَاغتَصَبُوهَا وَأخَذُوا أبْنَاءَهَا وَبَنَاتِهَا، وَقَتَلُوهَا بِالسَّيْفِ. نَفَّذُوا بِهَا الحُكْمَ، فَصَارَتْ عِبرَةً لِكُلِّ النِّسَاءِ. «وَرَأتْ أُختُهَا أُهُولِيبَةُ هَذَا، وَمَعَ هَذَا نَجَّسَتْ نَفْسَهَا بِشَهَوَاتِهَا وَزِنَاهَا أكْثَرَ مِنْ أُختِهَا أهُولَةَ! اشتَهَتِ الأشُّورِيينَ، الحُكَّامَ وَالقَادَةَ وَالمُحَاربِينَ بِلبَاسِهِمُ العَسكَرِيِّ. فَكُلُّهُمْ فُرسَانٌ وَشُبَّانٌ وَسِيمُونَ. فَرَأيْتُ أنَّ أُهُولِيبَةَ أيْضًا نَجَّسَتْ نَفْسَهَا. اتَّبَعَتِ الأُخْتَانِ الطَّرِيقَ ذَاتَهَا. «وَاستَمَرَّتْ أهُولِيبَةُ بِزِنَاهَا. ثُمَّ رَأتْ صُوَرَ رِجَالٍ مَحفُورَةً عَلَى الحَائِطِ، صُوَرَ رِجَالٍ كَلدَانِيِّينَ يَرْتَدُونَ ثِيَابًا حَمرَاءَ لَامِعَةً. كَانُوا يَرْتَدُونَ أحزِمَةً عَلَى خُصُورِهِمْ وَعَمَائِمَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ. كَانُوا جَمِيعًا يَبْدُونَ مِثْلَ الرَّاكِبِينَ فِي مَرْكَبَاتٍ، وَهُوَ الأمْرُ النَّمُوذَجِيُّ لِأبْنَاءِ الكَلْدَانِيِّينَ فِي بَابِلَ أرْضِ مِيلَادِهِمْ. اشتَهَتِ الصُّوَرَ الَّتِي رأتْهَا، وَأرسَلَتْ مَبعُوثِينَ إلَى الكَلْدَانِيِّينَ. فَأتَى البَابِلِيُّونَ لِيَزْنُوا مَعَهَا، فَنَجَّسُوهَا بِزِنَاهُمْ. وَبَعْدَ أنْ نَجَّسَتْ نَفْسَهَا بِهِمْ، كَرِهَتهُمْ وَلَمْ تَعُدْ تَرْغَبُ فِيهِمْ. وَبَعْدَ أنْ أظْهَرَتْ كُلَّ زِنَاهَا وَفِسقِهَا وَتَعَرَّتْ، كَرِهْتُهَا وَرَفَضْتُهَا كَمَا رَفَضْتُ أُختَهَا. حِينَئِذٍ، أكثَرَتْ مِنْ زِنَاهَا مُتَذَكِّرَةً شَبَابَهَا حِينَ سَكَنَتْ فِي مِصْرٍ كَزَانِيَةٍ. اشتَهَتْ عُشَّاقَهَا الَّذِينَ أعْضَاؤُهُمْ كَأعْضَاءِ الحَمِيرِ، وَمَاؤُهُمْ كَمَاءِ الخَيلِ. وَهَكَذَا عَاشَتْ فِسقَ شَبَابِهَا، حِينَ انتَهَكَ الرِّجَالُ صَدْرَهَا، وَدَاعَبُوا ثَديَيهَا. «وَلِذَا، يَا أهُولِيبَةُ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹هَا أنَا سَأُهَيِّجُ عُشَّاقَكِ عَلَيْكِ، الرِّجَالَ الَّذِينَ كَرِهْتِهِمْ فَرَفَضْتِهِمْ. سَأُحضِرُهُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَيُهَاجِمُونَكِ. سَأُحضِرُ البَابِلِيِّينَ وَالكَلْدَانِيِّينَ وَفَقُودَ وَشُوعًا وَقُوعًا، وَكُلَّ الأشُّورِيِّينَ، وَالجُنُودَ المُختَارِينَ وَالقَادَةَ وَالحُكَّامَ الَّذِي تَشْتَهِيهِمُ النَّفْسُ، وَكُلُّهُمْ مُختَارُونَ، فُرسَانٌ وَرَاكِبُو مَرْكَبَاتٍ. سَيَأْتُونَ بِكُلِّ قُوَّةِ مَركِبَاتِهِمْ عَلَيْكِ. سَيُحِيطُونَ بِكِ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ مِنْ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، برِمَاحِهِمْ وَأترَاسِهِمْ وَخُوَذِهِمْ. سَأعرِضُ القَضِيَّةَ ضِدَّكِ أمَامَهُمْ، وَهُمْ سَيَحْكُمُونَ عَلَيْكِ وَيُعَاقِبُونَكِ. حِينَئِذٍ، سَأُعَبِّرُ عَنْ غَيْرَتِي نَحوَكِ فَيُظْهِرونَ هُمْ كُلَّ غَضَبِهِمْ عَلَيْكِ. سَيَقْطَعُونَ أُذُنَكِ وَأنْفَكِ، وَفِي النِّهَايَةِ سَتَسْقُطِينَ بِالسَّيْفِ. سَيَأْخُذُونَ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ، وَيُحْرَقُ مَا تَبَقَّى مِنْكِ. سَيُجَرِّدُونَكِ مِنْ ثِيَابِكِ ويَأْخُذُونَ زِينَتَكِ. وَلِذَا سَأُنْهِي فِسقَكِ وَأضَعُ حَدًّا لِزِنَاكِ الَّذِي بَدَأ مُنْذُ كُنْتِ فِي مِصْرٍ. لَنْ تَعُودِي تَنْظُرِينَ إلَيْهِمْ بِعُيُونِكِ المُغْوِيَّةِ.› فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹سَأُسَلِّمُكِ لِلَّذِينَ صِرتِ تَكْرَهِينَهُمْ فَابْتَعدتِ عَنْهُمْ. سَيُعَاملُونَكِ حَسَبَ كُرهِهِمْ لَكِ. ثُمَّ يَأْخُذُونَ كُلَّ كُنُوزِكِ الَّتِي تَعِبْتِ بِهَا، فَيَتْرُكُونَكِ عُريَانَةً بِالْكَامِلِ، كَاشِفِينَ زِنَاكِ وَفِسقَكِ. سَيُعَامِلُونَكِ هَكَذَا بِسَبَبِ زِنَاكِ مَعَ كُلِّ الأُمَمِ الأُخرَى، الَّذِينَ بِآلِهَتِهِمْ نَجَّستِ نَفْسَكِ! اتَّبَعتِ مِثَالَ أُختِكِ، وَلِذَا سَأُعَاقِبُكِ بِالعِقَابِ الَّذِي عَاقَبْتُهَا بِهِ.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَتَشْرَبِينَ مِنْ كَأسِ أُختِكِ، تِلْكَ الكَأسُ عَمِيقَةٌ وَكَبِيرَةٌ، وَتَسَعُ الكَثِيرَ. سَتَشْرَبِينَهَا كَامِلَةً وَتَكُونِينَ مَوضِعَ سُخْرِيَةٍ وَاستِهزَاءٍ. سَتَسْكَرِينَ وَتَتَرَنَّحِينَ بِسَبَبِ كَأسِ الدَّمَارِ وَالخَرَابِ، كَأسِ أُختِكِ السَّامِرَةَ. سَتَشْرَبِينَهَا وَتَمُصِّينَهَا تَمَامًا، وَتَبْتَلِعِينَ كُلَّ سُمِّهَا المُرِّ. حِينَئِذٍ، سَتُمَزِّقِينَ صَدرَكِ. سَيَحْدُثُ هَذَا لِأنَّنِي تَكَلَّمْتُ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . لِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «لِأنَّكِ نَسِيتِنِي وَرَمَيتِنِي وَرَاءَ ظَهرِكِ، لِذَا سَيَأْتِي عَلَيْكِ العِقَابُ. بِسَبَبِ عَدَمِ أمَانَتِكِ.» وَقَالَ اللهُ لِي: «يَا إنْسَانُ، هَلْ تَحْكُمُ عَلَى أهُولَةَ وَأهُولِيبَةَ، وَتُعلِنُ لَهُمَا أعْمَالَهُمَا الكَرِيهَةَ؟ فَقَدِ ارتَكَبَتْ القُدْسُ وَالسَّامِرَةُ زِنَىً، وَأيدِيهِمَا مُلَطَّخَةٌ بِالدَّمِ. زَنَيتَا مَعَ آلِهَتِهِمْا القَذِرَةِ، وَعَبَّرَتَا فِي النَّارِ أوْلَادَهُمَا الَّذِينَ وَلَدَتَاهُمْ لِي. كَمَا نَجَّسَتَا هَيْكَلِي بِكُلِّ هَذِهِ الأُمُورِ، وَنَجَّسَتَا أيَّامَ الرَّاحَةِ الَّتِي عَيَّنْتُهَا. «وَحِينَ كَانَتَا تَذْبَحَانِ أوْلَادَهُمَا لِأوْثَانِهِمَا القَذِرَةِ، ذَهَبَتَا إلَى مَقْدِسِي وَنَجَّسَتَاهُ. هَذَا مَا عَمِلَتَاهُ فِي بَيْتِي. كَمَا أرْسَلتَا فِي طَلَبِ رِجَالٍ مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ. أرْسَلتُمَا إلَيْهِمْ فَأتَوْا إلَيكُمَا، فَوَجَدُوكُمَا قَدِ اغتَسَلْتُمَا وَتَزَيَّنْتُمَا وَارتدَيتُمَا الجَّوَاهرَ لِأجْلِهِمْ. جَلسْتُمَا عَلَى أرِيكَةٍ مُزَيَّنَةٍ وَمُزَخرَفَةٍ، أمَامَ مَائِدَةٍ عَلَيْهَا بَخُورِي وَزُيُوتِي العَطِرَةِ. «سُمِعَتْ حَوْلَ القُدْسِ ضَجَّةُ جُمهُورٍ. فَقَدْ أتَى رِجَالٌ هَمَجِيُّونَ سُكَارَى مِنَ الصَّحرَاءِ إلَى احتِفَالِهَا، مَعَ جُمهُورٍ مِنْ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ. لَبِسَتْ ثِيَابَ الِاحْتِفَالِ، وَوَضَعُوا أسَاوِرَ عَلَى أيدِي النِّسَاءِ وَأكَالِيلَ جَمِيلَةً عَلَى رُؤُوسِهِنَّ. «فَقُلْتُ لِلمَرْأةِ الَّتِي تَلِفَتْ مِنْ كَثرَةِ زِنَاهَا: ‹هَلْ سَتَسْتَمِرُّ فِي زِنَاهَا مَعَهُمْ؟› عَاشَرُوهَا كَعَاهِرَةٍ. وَكَذَلِكَ عَاشَرُوا المُسْتَهْتِرَتَيْنِ أهُولَةَ وَأهُولِيبَةَ. سَيَحْكُمُ الأبْرَارُ عَلَيْهِمَا، فَيُعلِنُونَ أنَّهُمَا ارتَكَبَتَا جَرِيمَتَيِّ الزِّنَا وَالقَتلِ، فَهُمَا زَانِيَتَانِ وَأيَادِيهِمَا مُلطَّخَةٌ بِالدَّمِ.» لِأنَّهُ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ الإلَهُ : «أجمَعُ جَمَاعَةً عَلَيْهِمَا لِإذلَالِهِمَا وَالسُّخْرِيَةِ بِهِمَا. لتَرْجِمْهُمَا الجَمَاعَةُ وَيُقَطِّعُونَهُمَا بِسُيُوفِهِمْ. لِيَقْتُلُوا أبْنَاءَهُمَا وَبَنَاتِهِمَا وَيُحْرِقُوا بُيُوتَهُمَا. هَكَذَا سَأضَعُ حدًّا لِسُلُوكِهِمَا المُخزِي فِي هَذَا البَلَدِ، وَسَتَتَعَلَّمُ النِّسَاءُ الأُخرَيَاتُ دَرْسًا، فَلَا يَتَعَرَّضْنَ لِلخِزيِ بِسَبَبِ مَا عَمِلَتَا. سَيُعَاقَبَانِ عَلَى سُلُوكِهِمَا المُخزِي، وَسَيَحْمِلَانِ ذَنبَ عِبَادَةِ الأوْثَانِ الكَرِيهَةِ. حِينَئِذٍ، سَيَعْلَمَانِ أنِّي أنَا الرَّبُّ الإلَهُ .» وَفِي اليَوْمِ العَاشِرِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ، أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ اكتُبْ تَارِيخَ اليَوْمِ وَدَوِّنْ هَذَا: ‹اليُومُ حَاصَرَ مَلِكُ بَابِلَ مَدِينَةَ القُدْسِ.› كَلِّمْ هَذَا الشَّعْبَ المُتَمَرِّدَ بِمَثَلٍ، وَقُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «‹ضَعِ القِدرَ عَلَى النَّارِ وَاسكُبْ فِيهَا مَاءً! أضِفْ إلَيْهِ كُلَّ قِطَعِ اللَّحمِ الجَيِّدَةِ، الفَخْذَ وَالكَتِفَ. املأْهُ بِأفضَلِ العِظَامِ. استَخْدِمْ أفْضَلَ الغَنَمِ. كَوِّمِ الحَطَبَ تَحْتَهُ، وَاغلِ مَا فِي القِدرِ بِشَكلٍ جَيِّدٍ، حَتَّى تُصبِحَ العِظَامُ طَرِيَّةً. «‹لِذَا، يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : وَيْلٌ لِلقُدْسِ، مَدِينَةِ القَتَلَةِ، القِدْرِ الَّتِي صَدَأُهَا فِيهَا، وَلَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ. أُخِذَتْ مِنْهَا كُلُّ قِطَعِ اللَّحْمِ، لَكِنْ لَا تُعطُوهَا لِأحَدٍ لِيَأْكُلَهَا، لِأنَّ الدَّمَ مَا يَزَالُ فِيهَا. سَكَبُوا الدَّمَ عَلَى حَجَرٍ مُسَطَّحٍ، بَدَلًا مِنْ سَكبِهِ عَلَى الأرْضِ وَتَغْطِيَتِهِ بِالتُّرَابِ كَمَا تَأْمُرُ الشَّرِيعَةُ. وَضَعْتُ دَمَهَا عَلَى صَخرَةٍ مَكشُوفَةٍ كَي لَا يُغَطِّيَهُ شَيءٌ. فَهَكَذَا يُثَارَ الغَضَبُ وَيَتِمُّ الِانْتِقَامُ لِلدَّمِ البَريءِ المَسْفُوكِ. «‹لِهَذَا، يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : وَيْلٌ لِلمَدِينَةِ سَافِكَةِ الدَّمِ! سَأجْمَعُ أنَا بِنَفْسِي الخَشَبَ لِلنَّارِ. كَوِّمِ الخَشَبَ، وَأشعِلِ النَّارَ وَاطبُخْ عَلَيْهَا اللَّحمَ حَتَّى يَنْضُجَ. تَبِّلهُ بِالتَّوَابِلِ، وَأحرَقِ العِظَامَ. ثُمَّ ضَعِ القِدرَ عَلَى الجَمرِ فَارغًا، فَيَحْمَى وَتُزُولُ مِنْهُ نَجَاسَتُهُ وَيُحْرَقُ صَدَأُهُ. «‹عَبَثًا تَتْعَبِينَ. لَا يَخْرُجُ هَذَا الصَّدَأُ إلَّا بِالنَّارِ! أنْتِ نَجِسَةٌ وَقَذِرَةٌ، حَاوَلتُ أنْ أُطَهِّرَكِ وَلَكِنَّكِ لَمْ تَطْهُرِي مِنْ قَذَارَتِكِ. فَإنِّي لَنْ أُطَهِّرَكِ، إلَى أنْ يَكْتَمِلَ غَضَبِي عَلَيْكِ. «‹أنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ، وَقَدْ أتَى الوَقْتُ لِأعمَلَ مَا تَكَلَّمْتُ عَنْهُ. لَنْ أمتَنِعَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَنْ أُشفِقَ، وَلَنْ أرحَمَ. سَيُعَاقِبُونَكِ حَسَبَ سُلُوكِكِ وَأعْمَالِكِ الشِّرِّيرَةِ. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ .›» ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، سَآخُذُ مِنْكَ مُشتَهَى عَيْنَيْكَ بِوَبَاءٍ مُفَاجِئٍ، لَكِنْ لَا تَنُحْ وَلَا تَبْكِ وَلَا تَنْزِلْ دُمُوعُكَ. لِيَكُنْ أنِينُكِ مُنخَفِضًا. وَلَا تُجرِ طُقُوسَ النُّواحَ وَالحِدَادِ. أبقِ عِمَامَتَكَ عَلَى رَأسِكَ وَحِذَاءَكَ فِي قَدَمَيكَ. لَا تُغَطِّ شَارِبَكَ، وَلَا تَأْكُلْ طَعَامَ الحُزنِ وَالحِدَادِ.» وَمَاتَتْ زَوْجَتِي فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ. فَأخبَرْتُ النَّاسَ فِي الصَّبَاحِ، وَعَمِلتُ كَمَا أُمِرْتُ. فَسَألَنِي النَّاسُ: «ألَنْ تُخبِرَنَا بِمَعنَى هَذِهِ الأُمُورِ لَنَا، وَلِمَاذَا تَفْعَلُ أنْتَ مَا تَفْعَلُهُ؟» فَقُلْتُ لَهُمْ: «أتَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَيَّ: ‹قُلْ لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : سَأُدَمِّرُ مَقدِسِي وَأُنَجِّسُهُ. سَأُدَمِّرُ مَا تَفْرَحُونَ بِالغِنَاءِ لَهُ، مَا يُمَثِّلُ مُشَتَهَى عُيُونِكُمْ وَبُغْيَةَ قُلُوبِكُمْ. وَأبنَاؤُكُمْ وَبِنَاتُكُمُ الَّذِينَ تَرَكتُمُوهُمْ وَرَاءَكُمْ، سَيَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ. وَسَتَعْمَلُونَ كَمَا عَمِلْتُ، إذْ لَنْ تُغَطُّوا شَوَارِبَكُمْ، وَلَنْ تَأْكُلُوا طَعَامَ الحُزنِ وَالحِدَادِ. وَسَتَسْتَمِرُّونَ كَالمُعْتَادِ فِي ارتِدَاءِ أعِمَّتِكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ وَأحذِيَتِكُمْ فِي أقْدَامِكُمْ، وَلَنْ تَنُوحُوا أوْ تَبْكُوا. وَلَكِنَّكُمْ سَتَفْنَوْنَ فِي خَطَايَاكُمْ، وَتَئِنُّونَ مَعًا. سَيَكُونُ حَزْقِيَالُ عَلَامَةً لَكُمْ. وَحِينَ يَأْتِي ذَلِكَ الوَقْتُ، سَتَعْمَلُونَ كُلَّ مَا عَمِلَهُ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ .› «أمَّا أنْتَ يَا إنْسَانُ، فَإنِّي فِي اليَوْمِ الَّذِي آخُذُ فِيهِ مِنْهُمْ حِصْنَهُمْ وَفَرَحَهُمُ وَمَجْدَهُمْ وَمُشَتَهَى عُيُونِهِمْ وَحَنَانَ قُلُوبِهِمْ وَأبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ، سَيَأْتِي إلَيْكَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لَاجِئٌ يَنْقُلُ خَبَرًا. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، سَأفتَحُ فَمَكَ فَتَتَكَلَّمَ إلَى ذَلِكَ اللَّاجِئِ، وَلَنْ تَعُودَ صَامِتًا فِيمَا بَعْدُ. حِينَئِذٍ، سَتَكُونُ عَلَامَةً لَهُمْ، وَسَيَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، انْظُرْ نَحْوَ أرْضِ العَمُّونِيِّينَ وَتَكَلَّمْ ضِدَّهُمْ. قُلْ لِلعَمًّونِيِّينَ: ‹اسمَعُوا كَلَامَ الرَّبِّ الإلَهِ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : لِأنَّكُمْ ضَحِكتُمْ عَلَى هَيْكَلِي حِينَ تَعَرَّضَ لِلتَّنجِيسِ، وَعَلَى أرَضِ إسْرَائِيلَ حِينَ تَعَرَّضَتْ لِلخَرَابِ، وَعَلَى بَيْتِ يَهُوذَا حِينَ أُخِذَ إلَى السَّبْيِ، فَإنِّي سَأُسَلِّمُكِ لِبَنِي الشَّرقِ فَيَسْتَوْلُوا عَلَيْكِ. فَسَيُقِيمُونَ مُعَسْكَرَاتِهِمْ فِي أرْضِكِ، وَيَنْصِبُونَ خِيَامَهُمْ فِي وَسَطِ شَعْبِكَ. سَيَأْكُلُونَ ثَمَرَكِ وَيَشْرَبُونَ لَبَنَكَ. وَسَأُحَوِّلُ مدِينَةَ رَبَّةِ عَمُّونَ إلَى حَقْلٍ فَارغٍ تَرْعَى فِيهِ الجِمَالُ وَالخِرَافُ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمِينَ أنِّي أنَا اللهُ .› لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹لِأنَّكَ استَمْتَعْتَ بِالسُّخْرِيَةِ وَالِاسْتِهزَاءِ بِأرْضِ إسْرَائِيلَ. فَأخَذتَ تُصَفِّقُ بِيَدَيكَ وَتَضْرِبُ بِرِجلَيكَ. فَإنِّي سَأمُدُّ يَدَيَّ وَأُعَاقِبُكَ، وَأُسْلِمُكَ غَنِيمَةً لِلأُمَمِ الأُخْرَى! سَأعْزِلُكَ عَنِ الشُّعُوبِ، وَأطْرُدُكَ مِنَ جَمِيعِ البِلَادِ، وَسَأُحَطِّمُكِ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُ أنِّي أنَا اللهُ .›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «قَالَتْ مُوآبُ وَسَعِيرُ: ‹هَا إنَّ بَيْتَ يَهُوذَا مِثْلُ الأُمَمِ الأُخرَى، وَلَا يَخْتَلِفُ عَنْهَا.› لِذَا فَإنِّي سَأُزِيلُ كُلَّ المُدُنِ القَائِمَةِ عَلَى جِبَالِ مُوآبَ، بِمَا فِيهَا المُدُنُ الوَاقِعَةُ عَلَى الحُدُودِ مَعَ أرْضِ إسْرَائِيلَ الجَمِيلَةِ، مِنْ بَيْتِ بَشِمُوتَ وَبَعلِ مَعُونَ وَحَتَّى قِرْيَتَايِمْ. وَسَأُسَلِّمُ مَعَهَا شَعْبَ عَمُّونَ مِلْكًا لِشُعُوبِ الشَّرقِ، فَلَا تَعُودُ عَمُّونُ تُذْكَرُ بَيْنَ الأُمَمِ. وَسَأُنَفِّذَ حُكْمِي عَلَى مُوآبَ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «انتَقَمَتْ أدُومُ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا، وَقَدْ أسَاءَتْ إلَيْهِمْ جِدًّا. لِهَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹سَأُعَاقِبُ أدُومَ، سَأقضِي عَلَى النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ فِيهَا، وَأُحَوِّلُهَا إلَى صَحرَاءَ جَافَّةٍ فَارِغَةٍ. سَيَمُوتُ النَّاسُ بِالسَّيْفِ مِنْ تَيمَانَ وَحَتَّى دَدَانَ. ثُمَّ سَأستَخْدِمُ شَعْبِي إسْرَائِيلَ لِلِانْتِقَامِ مِنْ أدُومَ. فَيَنْتَقِمُونَ مِنْ أدُومَ بِحَسَبِ غَضَبِي وَسَخَطِي، فَيَعْرِفُ الأدُومِيُّونَ انتِقَامِي.›» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «انتَقَمَ الفِلِسْطِيُّونَ. جَعَلَهُمْ كُرهُهُمُ الشَّدِيدُ وَالقَدِيمُ يَنْتَقِمُونَ بِكُلِّ قُوَّةٍ وَإهَانَةٍ مِنْ شَعْبِي. وَلِذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹سَأُعَاقِبُ الفِلِسْطِيِّينَ، وَسَأستَأْصِلُ الكرِيتِيِّينَ، وَأُهلِكُ مَا يَتَبَقَّى مِنْهُمْ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ. وَهَكَذَا فَإنِّي سَأنتَقِمُ مِنْهُمْ بِشِدَّةٍ حِينَ أُعَاقِبُهُمْ بِغَضَبِي، وَحِينَ أنتَقِمُ مِنْهُمْ سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ .›» فِي السَّنَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ السَّبيِ، وَفِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، ضَحِكَتْ صُورٌ عَلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَقَالَتْ: ‹لَقَدْ سَقَطَتِ البَوَّابَاتُ الَّتِي تَحْمِي شَعْبَ مَدِينَةِ القُدْسِ. سَأسلِبُ المَدِينَةَ المُدَمَّرَةَ، وَسَأملأُ نَفْسِي بِثَروَتِهَا.›» لِذَلِكَ يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «يَا صُورُ، هَا أنَا ضِدُّكِ، وَسَأجْلِبُ كَثِيرِينَ ضِدَّكِ كَالبَحرِ الَّذِي يَضْرِبُ بِأموَاجِهِ المُتَعَاقبَةِ. وَسَيُدَمِّرُ هَؤُلَاءِ الأسوَارَ المُحِيطَةَ بِصُورٍ، وَيُدَّمِرُونَ أبْرَاجَهَا. وَسَأُزِيلُ تُرَابَ صُورٍ، فَتُصبِحَ صَخرَةً عَارِيَةً. سَتُصبِحُ صُورٌ أرْضًا مُنبَسِطَةً، وَعِنْدَ البَحْرِ يَبْسِطُ الصَيَّادُونَ شِبَاكَهمْ عَلَيْهَا، لِأنِّي تَكَلَّمْتُ! يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ ، وَسَتُصبِحُ مَوضُوعَ سُخْرِيَةِ الأُمَمِ. سَيَمُوتُ بِالسَّيْفِ سُكَّانُ القُرَى المُحِيطَةِ بِصُورٍ عَلَى اليَابِسَةِ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ !» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «هَا إنِّي سَأُحضِرُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، مَلِكَ بَابِلَ، مِنَ الشِّمَالِ إلَى صُورٍ. فَسَيَأْتِي ذَلِكَ المَلِكُ العَظِيمُ بِخُيُولِهِ وَمَركِبَاتِهِ وَجَيْشٍ عَظِيمٍ مِنْ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ. سَيُقتَلُ سَاكِنُو ضَوَاحِيكِ الَّتِي عَلَى الشَّاطِئِ بِالسَّيْفِ. وَسَيَنْصِبُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ أدَوَاتِ الحِصَارِ عَلَيْكِ، وَسَيَبْنِي حَوَاجِزَ تُرَابِيَّةً حَوْلَكِ، وَيُقِيمُ سُورَ حِصَارٍ يَصِلُ إلَى أعْلَى أسوَارِكِ. سَيَضْرِبُ أسوَارَكِ بِجُذُوعِ الشَّجَرِ القَوِيَّةِ، وَسَيَهْدِمُ أبْرَاجَكِ بِفُؤوسِهِ. سَيُغَطِّيكِ بِالغُبَارِ المُتَطَايِرِ مِنْ حَوَافِرِ خَيلِهِ، وَسَتَهْتَزُّ أسوَارُكِ مِنْ صَوْتِ ضَجِيجِ خُيُولِهِ وَعَجَلَاتِهِ وَمَركِبَاتِهِ حِينَ يَدْخُلُ بَوَّابَاتِكِ، فَيَنْدَفِعُ جُنُودُهُ إلَى المَدِينَةِ المَهدُومَةِ الأسوَارِ. سَيَدُوسُ شَوَارِعَكِ بِحَوَافِرِ خُيُولِهِ، وَسَيَقْتُلُ شَعْبَكِ بِالسَّيْفِ، وَسَيَهْدِمُ الأنصِبَةَ الَّتِي تُذَكِّرُ بِقُوَّتِكِ! سَيَسْلُبُ ثَروَتَكِ وَيَأْخُذُ أمْلَاكَكِ غَنِيمَةً لَهُ، وَسَيَهْدِمُ أسوَارَكِ وَيُحَطِّمُ بُيُوتَكِ الجَمِيلَةِ. وَبَعْدَ كُلِّ ذَلِكَ سَيَرْمِي بِكُلِّ حُطَامِكِ مِنَ الحِجَارةِ وَالخَشَبِ وَالتُّرَابِ إلَى البَحْرِ. وَسَأُوقِفُ ضَجَّةَ أغَانِيكِ، وَلَنْ يَعُودَ صَوْتُ قِيثَارَاتِكِ يُسمَعُ. سَأُحَوِّلُكِ إلَى صَخرَةٍ عَارِيَةٍ، فَتَكُونِينَ مَكَانًا يَبْسِطُ الصَيَّادُونَ شِبَاكَهُمْ عَلَيْهِ. لَنْ تُبنَي ثَانِيَةً يَا صُورُ، لِأنِّي أنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ لِصُورٍ: «ألَنْ تَرْتَجِفَ الشَّوَاطِئُ يَا صُورُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ سُقُوطِكِ، وَعِنْدَ سَمَاعِ أنِينِ المَقْتُولِينَ، وَحِينَ يَبْدَأُ القَتلُ دَاخِلَ أسوَارِكِ؟ حِينَئِذٍ، سَيَنْزِلُ كُلُّ حُكَّامِ وَرُؤَسَاءِ البَحْرِ عَنْ عُرُوشِهِمْ، سَيَخْلَعُونَ عَبَاءَاتِهِمْ وَثِيَابَهُمُ الفَاخِرَةَ وَيَلبَسُونَ ثِيَابَ النُّواحِ وَالحِدَادِ. وَسَيَجْلِسُونَ عَلَى الأرْضِ وَيَنُوحُونَ عَلَيْكِ وَهُمْ مُتَفَاجِئُونَ وَمَصعُوقُونَ مِمَّا حَدَثَ لَكِ. حِينَئِذٍ، سَيُغَنُّونَ عَلَيْكِ أُغنِيَةَ حُزنٍ وَرِثَاءٍ: «كَيْفَ زَالَتْ هَذِهِ المَدِينَةُ الشَّهِيرَةُ الَّتِي كَانَتْ تُقِيمُ عِنْدَ البَحْرِ. كَانَتْ حِصنًا مَنِيعًا وَآمنًا لِسُكَّانِهَا، الَّذِينَ كَانُوا يُثِيرُونَ الخَوفَ فِي كُلِّ المِنْطَقَةِ. سَتَخَافُ الشَّوَاطِئُ مِنْ يَوْمِ دَمَارِكِ، وَسَتَكْتَئِبُ الجُزُرُ مِنْ زَوَالِكِ.» فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأجعَلُكِ مَدِينَةً مُدَمَّرَةً خَرِبَةً، وَكَأنَّهَا لَمْ تُسكَنْ قَطُّ. سَأجْلِبُ أعْدَاءَكِ عَلَيْكِ، كَمَا لَوْ أنَّ البَحْرَ يَفِيضُ بِكُلِّ مِيَاهِهِ عَلَيْكِ. وَسَأُلقِي بِكِ إلَى الشُّعُوبِ الَّتِي هَبَطَتْ إلَى الهَاوِيَةِ قَدِيمًا، فَتَسْكُنِينَ العَالَمَ السُّفلِيِّ، بَيْنَ الخَرَائِبِ القَدِيمَةِ، وَمَعَ الهَابِطِينَ فِي الهَاوِيَةِ. فَلَا يَعُودُ يَسْكُنُكِ أحَدٌ، وَلَا يَعُودُ لَكِ مَكَانٌ فِي أرْضِ الأحيَاءِ. سَأجعَلُكِ مَثَارَ رُعبٍ لِلآخَرِينَ، وَسَتَفْنِينَ. سَيَبْحَثُ النَّاسُ عَنْكِ فَلَا يَجِدُونَكِ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، أنْشِدْ أُغنِيَّةَ حُزنٍ عَلَى مَدِينَةِ صُورٍ. قُلْ لِصُورٍ الَّتِي تَجْلِسُ عِنْدَ بَوَّابَاتِ البَحْرِ كَتَاجِرَةٍ لِلمُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «‹يَا صُورُ، أنْتِ قُلْتِ: أنَا أجمَلُ مَدِينَةٍ. حُدودُكِ تَمْتَدُّ عَبْرَ البَحْرِ، وَبَنَّاؤُوكِ جَعَلُوا جَمَالَكِ كَامِلًا. استَخْدَمَ بَنَّاؤُوكِ خَشَبَ السَّروِ الَّذِي مِنْ جَبَلِ سَنِيرَ لِصُنعِ ألوَاحِكِ، وَأخَذُوا مِنْ أرْزِ لُبْنَانَ لِصُنعِ سَارِيَتِكِ. اسْتَخْدَمُوا بَلُّوطَ بَاشَانَ لِصُنعِ مَجَاذِيفَ، وَصَنَعُوا حُجْرَةَ قِيَادَتِكِ مِنْ سَرْوٍ مِنْ قُبرُصَ، وَزَيَّنُوهَا بِالعَاجِ. استَخْدَمُوا كِتَانًا مُطَرَّزًا مِصْرِيًّا لِصُنعِ أشرِعَتِكِ، وَصَنَعُوا مِظَلَّتَكِ مِنْ أقمِشَةٍ زَرْقَاءَ وَقُرمُزِيَّةٍ مِنْ شَوَاطِئِ ألِيشَةَ. كَانَ سُكَّانُ صِيدُونَ وَإرْوَادَ مَلَّاحِيكِ، وَكَانَ رِجَالُكِ المَاهِرِينَ يَا صُورُ، بَحَّارَتَكِ، الَّذِينَ يَسُدُّونَ ثَغَرَاتِكِ حِرَفِيُّونَ مَهَرَةٌ مِنْ جُبَيلَ. وَكُلُّ سُفُنِ البَحْرِ وَبَحَّارُوهَا كَانُوا فِيكِ يُدِيرُونَ أعْمَالَهُمْ وَيَبِيعُونَ بَضَائِعَكِ. «‹جُنُودٌ مِنْ فَارِسَ، وَإرْوَادَ وَفُوطٍ خَدَمُوا فِي جَيْشِكِ، وَأضَافُوا إلَى جَمَالِكِ بِتَعْلِيقِ تُرُوسِهِمْ وَخُوَذِهِمْ عَلَى أسوَارِكِ! رِجَالٌ مِنْ إرْوَادَ وَجُنُودُكِ يَحْرُسُونَ أسوَارَكِ، وَقَدْ عَلَّقُوا تُرُوسَهُمْ عَلَى أسوَارِكِ حَوْلَ كُلِّ المَدِينَةِ. وَرِجَالٌ مِنْ جَمَدَ وَقَفُوا حُرَّاسًا فِي أبْرَاجِكِ. وَقَدْ أضَافُوا إلَى جَمَالِكِ وَجَلَالِكِ. «‹رِجَالٌ مِنْ تَرْشِيشَ كَانُوا تُجَّارَكِ. وَكَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِكُلِّ بَضَائِعِ ثَروَتِهِمْ: الفِضَّةِ وَالحَدِيدِ وَالقَصدِيرِ وَالرَّصَاصِ. وَكَانَتْ يَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ وُكَلَاءَكِ. وَكَانُوا يُتَاجِرُونَ بِالعَبِيدِ وَالأوعِيَةِ البُرُونْزِيَّةِ. وَكَانَ تُجَّارُ بَيْتِ تُوجَرْمَةَ يُقَايِضُونَكِ بِالِجِيَادِ وَخُيُولِ المَركِبَاتِ وَالبِغَالِ. وَأُنَاسٌ مِنْ رُودُسَ وَشَوَاطِئَ كَثِيرَةٍ كَانُوا وُكَلَاءَكِ. فَكَانُوا يَزِيدُونَ دَخلَكِ بِبَيعِ قُرُونِ العَاجِ وَخَشبِ الآبْنُوسِ. وَتَاجَرَتْ أرَامُ مَعَكِ، آخِذَةً مِنكِ الأشْيَاءَ الَّتِي تَصْنَعِينَهَا مُقَابِلَ الزُمُرُّدِ وَالأقمِشَةِ القُرمُزِيَّةِ وَالمُطَرَّزَةِ وَالكِتَّانِ النَّاعِمِ وَالمَرجَانِ وَاليَاقُوتِ. «‹وَيَهُوذَا وَإسْرَائِيلُ كَانَتَا تَأْخُذُانِ بَضَائِعَكِ مُقَابِلَ القَمْحِ مِنْ مَدِينَةِ مِنِّيثَ وَالزَّبِيبِ وَالعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَالبَلَسَانِ. وَكَانَتْ دِمَشقُ تَأْخُذُ الأشْيَاءَ الَّتِي تَصْنَعِينَهَا مُقَابِلَ خَمرٍ مِنْ حَلْبُونَ وَصُوفٍ أبيَضَ. وَكَانَ أهْلُ دَانٍ وَيَاوَانَ الَّذِينَ مِنْ أوزَالَ مِنْ وُكَلَائِكِ الَّذِينَ أخَذُوا بَضَائِعَكِ وَأعطُوكِ حَدِيدًا مَشغُولًا وَقِرفَةً وَقَصَبًا. وَأعطَاكِ تُجَّارُ دَدَانَ أقمِشَةَ سُرُوجِ الخَيلِ. وسَيطَرْتِ عَلَى تُجَّارِ العَرَبِ وَشُيُوخِ قِيدَارَ الَّذِينَ أعطُوكِ خِرَافًا وَكِبَاشًا وَمَاعِزًا مُقَابِلَ بَضَائِعِكِ. وَتُجَّارُ سَبَأ وَرَعْمَةَ أخَذُوا بَضَائِعَ مِنْكِ مُقَابِلَ أفْضَلِ التَّوَابِلِ وَالحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ وَالذَّهَبِ. كَمَا كَانَ أهْلُ حَرَّانَ وَكِنَّةَ وَعَدَنَ وَأشُّورَ وَكِلْمَدَ مِنْ بَيْنِ وُكَلَائِكِ. عَمِلُوا كَوُكَلَاءٍ لَكِ آخِذِينَ بَضَائِعَكِ مُقَابِلَ الأقمِشَةِ الثَّمِينَةِ وَالأثوَابِ الزَّرقَاءِ وَالثِّيَابِ المُزَخرَفَةِ وَالسِّجَّادِ المُلَوَّنِ وَالحِبَالِ المَجْدُولَةِ. سُفُنُ الشَّحنِ الكَبِيرَةِ تَنْقُلُ كُلَّ بَضَائِعِكِ، «‹وَلِذَا امتَلأتِ بِالبَضَائِعِ وَنِلْتِ كَرَامَةً عَظِيمَةً فِي وَسَطِ البَحْرِ. أخْرَجَ المَلَّاحُونَ سُفُنَكِ إلَى البِحَارِ العَالِيَةِ، وَلَكِنَّ إعصَارًا مِنَ الشَّرقِ حَطَّمَهَا فِي وَسَطِ البَحْرِ. ثَرْوَتُكِ وَسِلَعُكِ وَبَضَائِعُكِ وَبَحَّارُوكِ وَمَلَّاحُوكِ وَنَجَّارُوكِ وَتُجَّارُكِ وَجُنُودُكِ وَكُلُّ مَنْ مَعَكِ سَيَغْرَقُونَ فِي أعْمَاقِ البِحَارِ حِينَ يَأْتِي يَوْمُ دَمَارِكِ. وَحِينَ يَصْرُخُ مَلَّاحُوكِ فِي البَحْرِ سَتَرْتَجِفُ قُرَاكِ الَّتِي عَلَى اليَابِسَةِ. وَلِذَا سَيَتْرُكُ المَلَّاحُونَ السَفَرَ، وَسَيَقِفُ كُلُّ العَامِلِينَ فِي البَحْرِ عَلَى الشَّاطِئِ. وَسَيَبْكُونَ وَيَنُوحونَ عَلَيْكِ. سَيُعَفِّرُونَ رُؤُوسَهُمْ بِالتُّرَابِ، وَيَتَمرَّغُونَ فِي الرَّمَادِ. سَيَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ وَيَلبَسُونَ الخَيْشَ. وَسَيَبْكُونَ وَيَنُوحُونَ بِمَرَارَةٍ عَلَى زَوَالِكِ. سَيَكْتُبُونَ عَنْكِ أغَانيَ حَزِينَةً، وَسَيُرَدِّدُونَ المَرَاثِيَ عَلَيْكِ: «‹لَيْسَ مِثْلَ صُورٍ الجَّالِسَةِ عِنْدَ البَحْرِ! حِينَ كَانَتْ سُفُنُكِ التِّجَارِيَّةُ تَسِيرُ فِي البَحْرِ، كُنْتِ تُشبِعِينَ شُعُوبًا كَثِيرةً. كَثرَةُ بَضَائِعِكِ أغنَتْ مُلُوكًا فِي كُلِّ الأرْضِ. لَكِنْ حِينَ تَتَحَطَّمِينَ فِي عُمقِ البِحَارِ، فَإنَّ كُلَّ بَضَائِعِكِ وَالمُسَافِرِينَ عَلَيْهَا سَيَهْلِكُونَ. صُعِقَ كُلُّ سُكَّانِ الشَّوَاطِئِ لِدَمَارِكِ. وَمُلُوكُهُمْ مَذهُولُونَ وَمُرْتَعِبُونَ. يَتَنَهَّدُ تُجَّارُكِ وَسَطَ الأُمَمِ عَلَيْكِ. صِرتِ دَمَارًا رَهِيبًا، وَلَنْ تَعُودِي إلَى مَا كُنْتِ عَلَيْهِ أبَدًا.›» ثُمَّ أتَتِ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، قُلْ لِرَئِيسِ صُورٍ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «‹لِأنَّكَ تَكَبَّرتَ وَقُلْتَ: أنَا إلَهٌ، وَأنَا مُتَوَّجٌ عَلَى عَرشٍ إلَهِيٍّ فِي قَلْبِ البَحْرِ. مَعَ أنَّكَ إنْسَانٌ وَلَسْتَ إلَهًا، وَأنْتَ تَعْتَبِرُ نَفْسَكَ ذَكِيًّا مِثْلَ ذَكَاءِ الآلِهَةِ، وَتَرَى نَفْسَكَ أحكَمَ مِنْ دَانِيَالَ، فلَا يُحَيِّرُكَ سِرٌّ وَلَا لُغزٌ. بِحِكمَتِكَ وَفَهْمِكَ حَصَلتَ عَلَى قُوَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَجَمَعتَ ذَهبًا وَفِضَّةً وَوَضَعتَهَا فِي خَزْنَتِكَ. بِحِكمَتِكَ العَظِيمَةِ أدَرْتَ أعْمَالَكَ وَتِجَارَتَكَ لِتَزِيدَ مِنْ ثَروَتِكَ وَقُوَّتِكَ. وَالْآنَ صِرتَ مُتَكَبِّرًا بِسَبَبِ ثَروَتِكَ. «‹لِذَا هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : حَيْثُ إنَّكَ تَرَى نَفْسَكَ ذَكِيًّا كَإلَهٍ، فَإنِّي سَأُحضِرُ عَلَيْكَ غُرَبَاءَ، أُمَمًا قَاسِيَةً، فَيَسْتَلُّونَ سُيُوفَهُمْ ضِدَّ حِكمَتِكَ العَظِيمَةِ، وَيُنَجِّسُونَ وَيُفسِدُونَ مَجْدَكَ. سَيُنزِلُونَكَ إلَى حُفرَةِ المَوْتِ، وَسَتَمُوتُ فِي البَحْرِ مِثْلَ الآخَرِيِنَ. فَهَلْ سَتَقُولُ حِينَئِذٍ لِقَاتِلِيكَ: أنَا إلَهٌ؟ سَيُثبِتُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَكَ أنَّكَ إنْسَانٌ وَلَسْتَ إلَهًا! سَتَمُوتُ مِثْلَ مَوْتِ اللَّامَختُونِ، عَلَى يَدِ هَؤُلَاءِ الغُرَبَاءِ. لِأنِّي أنَا أمَرْتُ بِذَلِكَ،›» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، غَنِّ أُغنِيَّةَ رِثَاءٍ عَلَى مَلِكِ صُورٍ. قُلْ لَهُ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «‹أنْتَ صُورَةٌ عنِ الكَمَالِ! مَملُوءٌ بِالحِكْمَةِ، وَفَائِقُ الجَمَالِ. كُنْتَ فِي عَدْنٍ، فِي جَنَّةِ اللهِ. أنْتَ مُزَيَّنٌ بِكُلِّ الأحجَارِ الكَرِيمَةِ: بِالعَقِيقِ الأحْمَرِ وَاليَاقُوتِ الأصفَرِ وَالعَقِيقِ الأبيَضِ وَالزَبَرْجَدِ وَالجَزْعِ وَاليَشْبِ وَاليَاقُوتِ الأزرَقِ وَالبَهرَمَانِ وَالزُّمُرُّدِ وَالذَّهَبِ. أُعِدَّتْ كُلُّ هَذِهِ الحِجَارَةِ لَكَ، يَوْمَ خُلِقْتَ. أنْتَ كَرُوبٌ حَارِسٌ مُختَارٌ، وَضَعْتُكَ عَلَى جَبَلِ اللهِ المُقَدَّسِ. تَجَوَّلْتَ وَسَطَ الحِجَارَةِ البَارِقَةِ كَالنَّارِ. كُنْتَ مُسْتَقِيمًا وَكَامِلًا فِي كُلِّ طُرُقِكَ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي خُلِقْتَ فِيهِ إلَى أنْ أخْطَأتَ. مَلأتْكَ أعْمَالُكَ وَتِجَارَتُكَ بِالظُّلمِ فَأخطَأتَ وَلِذَا طَرَحْتُكَ مِنْ جَبَلِ اللهِ، وَطَرَدتُكَ، أيُّهَا الكَرُوبُ الحَارِسُ، مِنْ بينِ الحِجَارَةِ البَارِقَةِ كَالنَّارِ. جَعَلَكَ جَمَالُكَ مُتَكَبِّرًا، وَفَسَدَتْ حِكمَتُكَ بِسَبَبِ بَهَائِكَ، وَلِذَا طَرَحْتُكَ أمَامَ المُلُوكِ الآخَرِينَ، صِرْتَ مَثَارًا لِلدَّهشَةِ. نَجَّسْتَ مَسْكَنَكَ بِتَعَامُلَاتِكَ التِّجَارِيَّةِ المُنحَرِفَةِ، وَلِذَا أخرَجْتُ نَارًا مِنْكَ، فَالتَهَمتْكَ. وَبِهَذَا حَوَّلتُكَ إلَى تُرَابٍ عَلَى الأرْضِ أمَامَ كُلِّ الَّذِينَ رَأَوْكَ. «‹صُدِمَ كُلُّ أصدِقَائِكَ مَمَّا حَدَثَ لَكَ. صِرتَ مَصدَرَ رُعبٍ. قدِ انتَهَيتَ إلَى الأبَدِ.›» ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، التَفِتْ إلَى صَيدُونَ وَتَنَبَّأْ ضِدَّهَا. قُلْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «‹يَا صَيْدُونُ، أنَا ضِدُّكِ، وَسَأتَمجَّدُ فِي وَسَطِكِ! سَيَعْرِفُ النَّاسُ أنِّي أنَا اللهُ ، حِينَ أُنَفِّذُ حُكْمِي فِيهَا. سَأنشُرُ مَرَضًا وَدَمًا فِي شَوَارِعِهَا، وَسَيَسْقُطُ المَوْتَى دَاخِلَ المَدِينَةِ. سَيُحِيطُ بِهَا جُنُودٌ مُسَلَّحُونَ، وَسَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ !›» «‹وَالأُمَمُ المُحِيطَةُ بِإسْرَائِيلَ وَالَّتِي تَسْتَهْزِئُ بِهَا الآنَ، لَنْ تَعُودَ كَالشَّوكِ وَالعَوسَجِ المُؤلِمِ لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ. حِينَئِذٍ، يَعْلَمُونَ أنِّي أنَا الرَّبُّ الإلَهُ .›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «تَبَعْثَرَ بَيْتُ إسْرَائِيلَ بَيْنَ الأُمَمِ. لَكِنَّنِي سَأجمَعُهُ مِنْ تِلْكَ الأُمَمِ. حِينَ أعمَلُ هَذَا، سَتَرَى الأُمَمُ أنِّي قُدُّوسٌ، وَسَتَسْكُنُ إسْرَائِيلُ فِي الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِعَبدِي يَعْقُوبَ. حِينَئِذٍ، سَيَسْكُنُونَ آمِنِينَ. سَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَزْرَعُونَ كُرُومًا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا آمِنِينَ وَبِسَلَامٍ. فَأنَا سَأَدِينُ الأُمَمَ المُحِيطَةَ بِهِمُ الَّتِي عَامَلَتْهُمْ بَاحتِقَارٍ. حِينَئِذٍ، يَعْلَمُ بَنُو إسْرَائِيلَ أنِّي أنَا .» فِي اليَوْمِ الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ العَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ العَاشِرَةِ مِنَ السَّبْيِ، أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، التَفِتْ إلَى فِرعَوْنَ، مَلِكِ مِصْرٍ، وَتَنَبَّأْ ضِدَّهُ وَضِدَّ كُلِّ مِصْرٍ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «‹يَا فِرْعَوْنُ، يَا مَلِكَ مِصْرٍ، هَا أنَا أُقِفُ ضِدَّكَ، أيُّهَا التِّمسَاحُ الرَّابِضُ فِي النَّهرِ. تَقُولُ: نَهْرُ النِّيلِ لِي. أنَا صَنَعتُهُ. «‹سَأضَعُ صِنَّارَةً فِي فَكِّكَ، وَسَأجْعَلُ السَّمَكَ الَّذِي فِي قَنَوَاتِكَ يَلْتَصِقُ بِحَرَاشِفِكَ، وَسَأسحَبُكَ مِنْ قَنَوَاتِكَ. حِينَئِذٍ، سَأُلقِي بِكَ وَبِسَمَكِ قَنَوَاتِكَ إلَى الصَّحرَاءِ. سَتَسْقُطُ عَلَى الأرْضِ، وَلَنْ تُجمَعَ عِظَامُكَ لِلدَّفنِ. سَأجعلُكَ طَعَامًا لِلحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ وَالنُّسُورِ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُ كُلُّ سُكَّانِ مِصْرٍ أنِّي أنَا اللهُ . «‹لِأنَّكَ كُنْتَ كَالعُكَّازِ الضَّعِيفِ لِإسْرَائِيلَ. حِينَ أمسَكُوكَ بِأيدِيهِمْ، انكَسَرْتَ وَمَزَّقْتَ كَتِفَهُمْ. وَحِينَ تَوَكَأُوا عَلَيْكَ، تَحَطْمَتَ وَالتَوَتْ ظُهُورُهُمْ.›» لِهَذَا، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأرفَعُ سَيْفًا عَلَيْكَ، وَسَأُهلِكُ فِيكَ النَّاسَ وَالحَيَوَانَاتِ! حِينَئِذٍ، سَتُصبِحُ مِصْرٌ أرْضًا مُدَمَّرَةً وَخَرِبَةً، وَسَيَعْرِفُ المَصرِيُّونَ أنِّي أنَا اللهُ ! فَقَدْ قَالَ فِرْعَوْنُ: ‹هَذَا نَهْرِي. أنَا صَنَعتُهُ.› «لِهَذَا أنَا ضِدُّكِ وَضِدُّ نَهْرَكِ. سَأُحَوِّلُ كُلَّ أرْضِ مِصْرٍ، مِنْ مَجْدَلَ إلَى أسْوَانَ وَحَتَّى حُدُودِ كُوشٍ، إلَى سِلسِلَةٍ مِنَ الأمَاكِنِ الخَرِبَةِ. لَنْ يُسَافِرَ فِيهَا إنْسَانٌ أوْ حَيَوَانٌ. سَتَكُونُ بِلَا سُكَّانٍ لِمُدَّةِ أرْبَعِينَ عَامًا. حِينَئِذٍ، سَأجْعَلُ مِصْرًا إحْدَى الأرَاضِي الخَرِبَةَ. وَسَتَكُونُ مُدُنُهَا وَسَطَ المُدُنِ الخَرِبَةِ الكَثِيرَةِ لِمُدَّةِ أرْبَعِينَ عَامًا. سَأُبَعثِرُ المِصْرِيِّينَ وَسَطَ الأُمَمِ فِي الأرَاضِي الأُخرَى!» فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «فِي نهَايَةِ الأرْبَعِينَ سَنَةٍ، سَأجمَعُ المِصْرِيِّينَ ثَانِيَةً مِنْ وَسَطِ الشُّعُوبِ الَّتِي تَبَعثَرُوا وَسَطَهَا، ثُمَّ سَأُعِيدُ المَسبِيِّينَ المِصْرِيِّينَ إلَى فَتْرُوسَ مَوطِنِهِمُ الأصلِيِّ، وَسَيَكُونُونَ أُمَّةً صَغِيرَةً. سَتَكُونُ إحْدَى الدُّوَلِ الصَّغِيرَةِ، وَلَنْ تَقُومَ ثَانِيَةً لِتَحْكُمَ عَلَى الأُمَمِ الأُخرَى. سَأُبْقِيكَ صَغَيرًا حَتَّى لَا تَتَسَلَّطَ عَلَى الأُمَمِ. لَنْ تَعُودَ مِصْرٌ دَولَةً تَعْتَمِدُ إسْرَائِيلُ عَلَيْهَا، وَلَنْ تَعُودَ تُذَكِّرُهُمْ بِخَطَأِهِمْ حِينَ التَفَتُوا إلَيْهَا لِلحُصُولِ عَلَى المَعُونَةِ وَالدَّعمِ.» حِينَئِذٍ، تَعْلَمُ إسْرَائِيلُ أنِّي أنَا الرَّبُّ الإلَهُ . فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ مِنَ السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالعِشرِينَ مِنَ السَّبْيِ، أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، نَبُوخَذْنَاصَّرُ، مَلِكُ بَابِلَ، أجهَدَ قُوَّاتِهِ ضِدَّ صُورٍ. وَمَعَ أنَّ كُلَّ رَأسٍ حُلِقَ وَكُلَّ كَتِفٍ سُلِخَتْ فِي صُورٍ، لَكِنَّ قُوَّاتِهِ لَمْ تَنَلْ أيَّةَ مُكَافأةٍ عَلَى عَمَلِهَا الجَادِّ وَالكَثِيرِ ضِدَّ صُورٍ. لِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹سَأُعْطِي نَبُوخَذْنَاصَّرَ، مَلِكَ بَابِلَ، أرْضَ مِصْرٍ. سَيَأْخُذُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ شَعْبًا كَثِيرًا مِنْ مِصْرٍ، وَسَيَأْخذُ مِنْهَا غَنِيمَةً وَسَلبًا كَثِيرًا، فَتَكُونُ هَذِهِ أُجرَةَ قُوَّاتِهِ. سَأُعْطِيهِ مِصْرًا مُقَابِلَ العَمَلِ الَّذِي عَمِلَهُ لِأجْلِي.› يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، سَأُعْطِي بَنِي إسْرَائِيلَ قُوَّةً. أمَّا أنْتَ يَا حِزْقِيَالُ، سَأُعْطِيكَ فُرصَةً لِتُثبِتَ لَهُمْ صِدْقَ رِسَالَتِكَ. حِينَئِذٍ، يَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، تَنَبَّأْ وَقُلْ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «الوَيْلُ مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ! لِأنَّ اليَوْمَ قَرِيبٌ! يُومُ دَينُونَةٍ مِنَ اللهِ قَرِيبٌ! إنَّهُ يَومٌ مُلَبَّدٌ بِالغُيُومِ الكَئِيبَةِ! سَيَكُونُ يَوْمَ دَينُونَةٍ لِلأُمَمِ! سَيَأْتِي سَيفُ الأُمَمِ ضِدَّ مِصْرٍ، فَيَملأُ الألَمُ كُوشًا، وَسَتَسْقُطُ جُثَثٌ فِي مِصْرٍ، حِينَ يُؤخَذُ شَعْبُ الأرْضِ أسرَى، وَحِينَ تُدَمَّرُ أسَاسَاتُ مِصْرٍ. «سَتَسْقُطُ كُوشٌ وَفُوطٌ وَلُودٌ وَكُلُّ العَرَبِ وَكُوبٌ وَحُلَفَاؤُهَا الآخَرُونَ بِالسَّيْفِ. «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : سَتَسْقُطُ الدُّوَلُ الَّتِي تَدْعَمُ مِصْرًا، وَسَتَأْتِي الحَرْبُ عَلَى كُلِّ مُدُنِهَا القَوِيَّةِ وَالمُتَكَبِّرَةِ، مِنْ مَجْدَلَ إلَى أسْوَانَ يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «سَتَكُونُ هَذِهِ البِلَادُ هِيَ الأكثَرَ خَرَابًا فِي الأرْضِ، وَسَتَكُونُ مُدُنُهَا الأكثَرَ خَرَابًا بَيْنَ المُدُنِ. حِينَئِذٍ، سَأُشعِلُ النَّارَ فِي مِصْرٍ، وَأكسِرُ كُلَّ مُعِينِيهَا، حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَخْرُجُ رُسُلٌ مِنِّي فِي القَوَارِبِ لِإيصَالِ الأخْبَارِ السَيِّئَةِ الَّتِي سَتُرعِبُ كُوشًا وَسَتُفقِدُهَا الأمَانَ. سَيُسَيطِرُ الخَوفُ عَليهِمْ فِي يَوْمِ تَنْفِيذِ الدَّينُونَةِ ضِدَّ مِصْرٍ، لِأنَّ ذَلِكَ الوَقْتَ آتٍ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأستَخْدِمُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، مَلِكَ بَابِلَ، فِي القَضَاءِ عَلَى جُيُوشِ مِصْرٍ. سَأُحضِرُهُ هُوَ وَجَيْشُهُ، أُمَّةً قَاسِيَةً عَنِيفَةً، إلَى مِصْرٍ لِتَدْمِيرِ أرْضِهَا وَتَخْرِيبِهَا. سَيَسْفِكُونَ بِسُيُوفِهِمْ دَمَ مِصْرِيِّينَ كَثِيرِينَ، وَسَيَملأُونَ الأرْضَ بِالجُثَثِ. سَأُجَفِّفُ قَنَوَاتِ مِصْرٍ، وَسَأبِيعُ شَعْبَهُمْ عَبِيدًا لِشَعْبٍ قَاسٍ، وَسَأستَخْدِمُ الغُرَبَاءَ لِتَخْرِيبِ الأرْضِ وَكُلِّ مَا فِيهَا. أنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ بِهَذِهِ الأُمُورِ، وَسَأفْعَلُهَا.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأُزِيلُ أصْنَامَهُمُ القَذِرَةَ، وَسَأمحُو الآلِهَةَ المُزَيَّفَةَ مِنْ نُوفٍ. لَنْ يَعُودَ لِمِصْرٍ قَائِدٌ مِصْرِيٌّ، وَسَأضَعُ الخَوفَ فِي أرْضِ مِصْرٍ. سَأُدَمِّرُ فَتْرُوسَ وَأُشعِلُ النَّارَ فِي صُوعَنَ، وَأُعَاقِبُ نُوَ. سَأسكُبُ غَضَبِي عَلَى سِينٍ، قَلعَةِ مِصْرٍ، وَأُهلِكُ جُيُوشَ نُوَ. سَأشعِلُ النَّارَ فِي مِصْرٍ، فَتَرْتَجِفَ سِينٌ خَوْفًا، وَتُهدَمَ أسوَارُ نُو، أمَّا نُوفٌ فَسَيُهَاجِمُهَا الأعْدَاءُ كُلَّ يَوْمٍ. جُنُودُ أُونٍ وَفِيبِسْتَةَ المُختَارُونَ سَيَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَالنِّسَاءُ سَيُؤخَذْنَ سَبَايَا. وَفِي تَحْفَنْحِيسَ، سَيَحْجُبُ النَّهَارُ نُورَهُ، حِينَ أكسِرُ قُوَّةَ مِصْرٍ. سَتَنْتَهِي قُوَّةُ مِصْرٍ، وَتُغَطِّيهَا غُيُومٌ مُظلِمَةٌ، وَتُسبَى مُدُنُهَا. فَسَأُعَاقِبُ مِصْرًا، حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» فِي اليَوْمِ السَّابِعِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ فِي السَّنَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ لِسَبْيِنَا، أتَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَيَّ: «يَا إنْسَانُ، كَسَرتُ ذِرَاعَ قُوَّةِ فِرعَوْنَ مَلِكِ مِصْرٍ، وَلَمْ تُربَطْ لِتُشفَى. لَمْ يَرْبُطْهَا أحَدٌ بِضَمَّادَاتٍ لِتَقْوِيَتِهَا لِتَسْتَطِيعَ الإمْسَاكَ بِالسَّيْفِ! «لِهَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ أنَا ضِدُّكَ يَا فِرْعَوْنُ، يَا مَلِكَ مِصْرٍ، وَسَأكسِرُ يَدَيْكَ السَّلِيمَةَ وَالمَكسُورَةَ أصلًا. سَأُوقِعُ السَّيْفَ مِنْ يَدِكَ. حِينَئِذٍ، سَأُشتِّتُ سُكَّانَ مِصْرٍ بَيْنَ الأُمَمِ، وَسَأُبَعثِرُهُمْ فِي بِلَادٍ غَرِيبَةٍ. وَسَأُقَوِّي ذِرَاعَ مَلِكِ بَابِلَ، وَسَأضَعُ سَيفِي فِي يَدِهِ. وَسأكسِرُ ذِرَاعَ فِرْعَوْنَ، فَيُطلِقَ أنَّاتِ رَجُلٍ مُحتَضِرٍ. وَسَأُقَوِّي ذِرَاعَ مَلِكِ بَابِلَ، أمَّا ذِرَاعُ فِرْعَوْنَ فَسَتَنهَارُ. «سَأضَعُ سَيفِي فِي يَدِ مَلِكِ بَابِلَ، وَهُوَ سَيَرْفَعُهُ عَلَى أرْضِ مِصْرٍ. حِينَئِذٍ، يَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ . أجَلْ! حِينَ أُبَعثِرُ سُكَّانَ مِصْرٍ وَسَطَ الأُمَمِ، وَأُشَتِّتُهُمْ وَسَطَ البِلَادِ الأُخرَى، حِينَئِذٍ، يَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِنَ السَّنَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ سَبْيِ يَهُويَاكِينَ، أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، قُلْ لِفِرعَوْنَ، مَلِكِ مِصْرٍ، وَلِجُيُوشِهِ: «‹بِمَ أُشَبِّهُ عَظَمَتَكَ؟ إنَّكَ أشْبَهُ بِأرْزَةٍ فِي لُبْنَانَ، أغْصَانُهَا جَمِيلَةٌ وَتُلقِي بِظِلَالٍ عَظِيمَةٍ، وَارتِفَاعُهَا كَبِيرٌ، وَقِمَّتُهَا وَسَطَ الغُيُومِ! نَمَّتْهَا المِيَاهُ الكَثِيرَةُ، وَجَعَلَتْهَا المِيَاهُ العَمِيقَةُ تَرْتَفِعُ كَثِيرًا. تَجْرِي الأنهَارُ حَوْلَهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَقَدْ شَقَّتْ قَنَوَاتٍ صَغِيرَةً لِكُلِّ أشْجَارِ الحُقُولِ. فَصَارَتْ أطوَلَ مِنْ كُلِّ تِلَكَ الأشْجَارِ، وَامتّدَّتْ أغْصَانُهَا. وَبَنَتْ جَمِيعُ الطُّيُورِ أعْشَاشَهَا فِيهَا، وَتَحْتَ أغْصَانِهَا وَلَدَتْ كُلُّ أنْوَاعِ الحَيَوَانَاتِ، وَفِي ظِلِّهَا جَلَسَ أُنَاسٌ مِنْ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ. فَصَارَتْ جَمِيلَةً جِدًّا بِسَبَبِ طُولِهَا البَاسِقِ وَأغْصَانِهَا الطَّوِيلَةِ، لِأنَّ جُذُورَهَا وَصَلَتْ إلَى المِيَاهِ العَمِيقَةِ. لَا تُنَافِسُهَا أشْجَارُ الأرْزِ الَّتِي فِي جَنَّةِ اللهِ، وَلَا فُرُوعُ أشْجَارِ السَّروِ كَفُرُوعِهَا. صَارَتْ أشْجَارُ السُّهُولِ كَلَا شَيءٍ، عِنْدَ مَقَارَنَتِهَا بِأغْصَانِهَا. وَلَيْسَ فِي أشْجَارِ جَنَّةِ اللهِ أجمَلُ مِنْهَا. أنَا جَمَّلْتُهَا بِأغْصَانِهَا الكَثِيفَةِ، فَحَسَدَتْهَا كُلُّ أشْجَارِ عَدْنٍ، المَغرُوسَةِ فِي جَنَّةِ اللهِ.›» لِهَذَا، يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «لِأنَّكَ نَمَوْتَ وَصِرتَ طَوِيلًا جِدًّا، وَصَارَتْ قِمَّتُكَ وَسَطَ الغُيُومِ، وَتَبَاهَيتَ بِارتِفَاعِكَ، فَإنِّي سَأُسَلِّمُكَ إلَى يَدِ قَائِدِ الأُمَمِ، وَهُوَ سَيَتَعَامَلُ مَعَكَ بِحَسَبِ شَرِّكَ، وَسَأُلقِي بِكَ بَعِيدًا! فَقَدْ قَطَعَهَا الغُرَبَاءُ، وَالأُمَمُ البَربَرِيَّةُ طَرَحَتْهَا عَلَى الجِبَالِ. سَقَطَتْ فُرُوعُهَا فِي كُلِّ وَادٍ. انكَسَرَتْ أغْصَانُهَا العَالِيَةُ وَسَقَطَتْ فِي كُلِّ وَادٍ. وَتَوَقَّفَ النَّاسُ عَنِ الجُلُوسِ فِي ظِلِّهَا، وَتَرَكُوهَا وَحِيدَةً. عَلَى جِذْعِهَا السَّاقِطِ تَصْنَعُ طُيُورُ السَّمَاءِ بُيُوتَهَا، وَتَسْكُنُ الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ فِي أغْصَانِهَا. «حَدَثَ هَذَا حَتَّى لَا تَكْبُرَ الأشْجَارُ المَرْوِيَّةُ جِيِدًا لِتَصِلَ إلَى هَذَا الطُّولِ، وَحَتَّى لَا تَصِلَ قِمَّتُهَا إلَى السَّحَابِ، حَتَّى لَا تَتَكَبَّرَ وَلَا تَتَشَامَخَ. لِأنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الأشْجَارِ مَاتَتْ مَعَهَا وَبِسَبَبِهَا، وَنَزَلَتْ إلَى العَالَمِ السُّفلِيِّ وَسَطَ كُلِّ النَّاسِ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ إلَى الحُفرَةِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «فِي اليَوْمِ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ إلَى حُفرَةِ المَوْتِ أُقِيمُ مَنَاحَةً، وَأُغلِقُ بَوَّابَاتِ المِيَاهِ الجَوفِيَّةِ العَمِيقَةِ، وَأُوقِفُ كُلَّ أنهَارِهِ وَقَنَوَاتِهِ عَنِ الجَرَيَانِ، وَأحجِزُ المِيَاهَ الجَارِيَةَ القَوِيَّةَ. غَطَّيتُ لُبْنَانَ بِثِيَابِ الحِدَادِ السَّودَاءَ، فَذَبُلَتْ كُلُّ أشْجَارِ الغَابَةِ حُزْنًا. جَعَلْتُ الأُمَمَ تَرْتَجِفُ خَوْفًا مِنْ صَوْتِ ضَجَّةِ سُقُوطِهِ. وَحِينَ أرسَلتُهُ إلَى الهَاوِيَةِ مَعَ النَّازِلِينَ إلَى حُفرَةِ المَوْتِ، تَعَزَّتْ كُلُّ الأشْجَارِ الجَمِيلَةِ وَكُلُّ أشْجَارِ لُبْنَانَ المَروِيَّةِ فِي العَالَمِ السُّفلِيِّ. وَنَزَلَتِ الأشْجَارُ مَعَهُ إلَى الهَاوِيَةِ حَيْثُ جُثَثُ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ، وَاستَقَرَّتْ تَحْتَ ظِلِّهِ وَسَطَ الأُممِ. «مَا مِنْ شَجَرَةٍ فِي عَدْنٍ لَهَا مِثْلُ جَمَالِكِ وَبَهَائِكِ؟ وَالْآنَ سَتُرسَلُ مَعَ أشْجَارِ عَدْنٍ إلَى العَالمِ السُّفلِيِّ، حَيْثُ تَسْكُنُ وَسَطَ اللَّامَخْتُونِينَ الَّذِينَ سَقَطَتْ جُثَثُهُمْ بِالسَّيْفِ. هَذَا مَا سَيَحْدُثُ مَعَ فِرعَوْنَ وَجُيُوشِهِ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ السَّبيِ، أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، غَنِّ أُغنِيَةَ حُزنٍ عَلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرٍ: «‹شَبَّهْتَ نَفْسَكَ بِأسَدٍ وَسَطَ الأُمَمِ، لَكِنَّكَ تِنِّينُ البِحَارِ. اندَفَعْتَ مِنْ نَهْرِكَ، مُهَيِّجًا المِيَاهَ بِقَدَمَيكَ، دَائِسًا أنهَارَهُمْ وَمُعَكِّرًا مِيَاهَهَا.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأُلقِي شَبَكَتِي عَلَيْكَ، حِينَ أجمَعُ شُعُوبًا كَثِيرَةً عَلَيْكَ، فَيَسْحَبُونَكَ فِي شَبَكَتِي. وَسَأترُكُكَ هُنَاكَ عَلَى الأرْضِ الجَّافَّةِ، وَسَأُلقِيكَ فِي السِّهُولِ المَكشُوفَةِ. وَسَأُنزِلُ طُيُورَ السَّمَاءِ لِتَقتَاتَ عَلَيْكَ، وَسَأُطعِمُ حَيَوَانَاتِ الأرْضِ مِنْكَ حَتَّى يَشْبَعُوا. سَأُلقِي جَسَدَكَ عَلَى الجِبَالِ، وَسَأملأُ الوِديَانَ بِجُثَثِكَ. سَأغْمَرُ الأرْضَ الجَّافَّةَ بِدَمِكَ، وَأملأُ الأودِيَةَ بِهِ حَتَّى قِمَمِ الجِبَالِ. وَحِينَ تَزُولُ، سَأُغَطِّي السَّمَاءَ وَأُسَوِّدُ نُجُومَهَا. سَأُغَطِّي الشَّمْسَ بِالغُيُومِ، وَلَنْ يَظْهَرَ نُورُ القَمَرِ. سَأجْعَلُ كُلَّ الأنوَارِ المُشرِقَةِ سَودَاءَ بِسَبَبِكَ، وَسَأنشُرُ الظُّلمَةَ عَلَى أرْضِكَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ . «سأُثِيرُ غَضَبَ أمَمٍ كَثِيرَةٍ، إذْ سأحمِلُكَ أسِيرًا بَيْنَ الأُمَمُ، إلَى بِلَادٍ لَا تَعْرِفُهَا. سَتَنْدَهِشُ أُمَمٌ كَثِيرَةً مِنْكَ. وَسَيَقِفُ شَعرُ رُؤُوسِ المُلُوكِ خَوْفًا حِينَ أُحرِّكُ سَيفِي أمَامَهُمْ. وَسَيَخَافُ الجَمِيعُ مِنْ فُقدَانِ حَيَاتِهِمْ حِينَ يَسْمَعُونَ بِدَمَارِكَ.» فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَيَأْتِي سَيفُ مَلِكِ بَابِلَ عَلَيْكَ! سَأُبِيدُ جُيُوشَكَ بِسيُوفِ المُحَارِبِينَ الأقوِيَاءِ – كُلُّهُمْ مُرعِبُونَ بَيْنَ الأُمَمِ. سَيَسْلِبُونَ كُلَّ مَا تَفْخَرُ مِصْرٌ بِهِ، وَيُهلِكُونَ كُلَّ جُيُوشِهَا. سَأُزِيلُ مَاشِيَتَهَا عَنِ المِيَاهِ الكَثِيرَةِ، وَلَنْ تَبْقَى رِجلُ إنْسَانٍ أوْ حَافِرُ حَيَوَانٍ تُحَرِّكُ هَذِهِ المِيَاهَ. حِينَئِذٍ، سَأجْعَلُ مِيَاهَهُمْ هَادِئَةً، وَقَنَوَاتِهِمْ تَتَدَفَّقُ بِسَلَاسَةٍ كَمَا لَوْ أنَّهَا زَيْتٌ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «حِينَ أُسَلِّمُ مِصْرًا لِلدَّمَارِ، فَإنَّ غِنَى الأرْضِ سيَزُولُ عَنْهَا، حِينَ أضرِبُ كُلَّ سُكَّانِهَا. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» هَذِهِ أُغنِيَةُ حُزنٍ سَتُغَنِّيهَا نِسَاءُ الأُمَمِ الأُخرَى عَلَى مِصْرٍ وَكُلِّ جُيُوشِهَا وَسُكَّانِهَا. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . فِي اليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ السَّبْيِ، أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، غَنِّ أُغنِيَةَ حُزنٍ عَلَى جُيُوشِ مِصْرٍ. أنزِلْهُمْ إلَى الأسفَلِ مَعَ مِصْرٍ وَمُدَنِ الشُّعُوبِ الجَلِيلَةِ، إلَى العَالَمِ السُّفلِيِّ، مَعَ النَّازِلِينَ إلَى حُفرَةِ المَوْتِ. «هَلْ شَابَهَكَ أحَدٌ فِي الجَمَالِ؟ فَانزِلْ وَاستَلْقِ مَعَ اللَّامَخْتُونِينَ. سَتَسْقُطُ مِصْرٌ بَيْنَ المَقْتُولِينَ بِالسَّيْفِ. قَدْ عُيِّنَتْ مِصْرٌ لِلسَّيفِ. سَبَاهَا العَدُوُّ مَعَ كُلِّ جُيُوشِهَا. سَيَتَكَلَّمُ قَادَةُ الحَرْبِ وَمُعَاوِنُوهُمْ عَنْهُ وَعَنْ مُعَاوِنِيهِ فِي وَسَطِ الهَاوِيَةِ، فَيَقُولُونَ: ‹نَزَلَ غَيْرُ المَختُونِينَ، وَاضطَجَعُوا وَسَطَ المَقْتولِينَ بِالسَّيْفِ.› «أشُّورُ فِي الهَاوِيَةِ مَعَ رِفَاقِهَا وَقُبُورُهُمْ مِنْ حَوْلِهَا. كُلُّهُمْ قَتلَى سَقَطُوا بِالسَّيْفِ. جُعِلَتْ قُبُورُهُمْ فِي أعْمَاقِ حُفرَةِ المَوْتِ. قُبُورُ رِفَاقِهَا حَوْلَ قَبرِهَا. كُلُّهُمْ قَتلَى سَقَطُوا بِالسَّيْفِ، وَكَانُوا سَابِقًا يَنْشُرُونَ الرُّعبَ فِي أرْضِ الأحيَاءِ. «عِيلَامُ فِي الهَاوِيَةِ مَعَ جُمهُورِهَا وَقُبُورُهُمْ مِنْ حَوْلِهَا. كُلُّهُمْ قَتلَى سَقَطُوا بِالسَّيْفِ. نَزَلُوا بِلَا خِتَانٍ إلَى العَالَمِ السَّفلِيِّ، وَكَانُوا سَابِقًا يَنْشُرُونَ الرُّعبَ فِي أرْضِ الأحيَاءِ. لَكِنَّهُمْ حَمَلُوا عَارَهُمْ وَنَزَلُوا مَعَ الَّذِينَ نَزَلُوا إلَى حُفرَةِ المَوْتِ. جَعَلُوا لِعيلَامَ وَجُمهُورِهَا فِرَاشًا بَيْنَ المَذْبُوحِينَ. وَقُبُورُهُمْ مِنْ حَوْلِهَا. كُلُّهُمْ غَيْرُ مَختُونِينَ وَقَتلَى سَقَطُوا بِالسَّيْفِ، نَزَلُوا بِلَا خِتَانٍ إلَى العَالَمِ السَّفلِيِّ، وَكَانُوا سَابِقًا يَنْشُرُونَ الرُّعبَ فِي أرْضِ الأحيَاءِ. لَكِنَّهُمْ حَمَلُوا عَارَهُمْ وَنَزَلُوا مَعَ الَّذِينَ نَزَلُوا إلَى حُفرَةِ المَوْتِ، لَيَكُونُوا وَسَطَ المَذْبُوحِينَ. «مَاشِكُ وَتُوبَالُ فِي الهَاوِيَةِ مَعَ جَيْشِهِمَا وَقُبُورُهُمْ مِنْ حَوْلِهمَا. كُلُّهُمْ قَتلَى سَقَطُوا بِالسَّيْفِ، وَكَانُوا سَابِقًا يَنْشُرُونَ الرُّعبَ فِي أرْضِ الأحيَاءِ. لَنْ يَسْتَلْقُوا مَعَ المُحَارِبِينَ الَّذِينَ سَقَطُوا مِنْ جُيُوشِ غَيْرِ المَختُونِينَ الَّذِينَ نَزَلُوا إلَى مَكَانِ الأمْوَاتِ مَعَ أسلِحَةِ الحربِ الَّتِي تَخُصُّهُمْ، الَّذِينَ وُضِعَتْ سُيُوفُهُمْ تَحْتَ رُؤُوسِهِمْ. سَتَحْمِلُ عِظَامُهُمْ ذُنُوبَهُمْ، لِأنَّهُمْ كَانُوا يَنْشُرُونَ الرُّعبَ فِي أرْضِ الأحيَاءِ. «وَأنْتَ، يَا فِرْعَوْنُ سَتَنْكَسِرُ وَسَطَ غَيْرِ المَختُونِينَ وَتَسْتَلْقِي هُنَاكَ مَعَ المَقْتُولِينَ بِالسَّيْفِ. «أدُومُ فِي الهَاوِيَةِ مَعَ مُلُوكِهَا وَرُؤَسَائِهَا، الَّذِينَ بِالرُّغمِ مِنْ قُوَّتِهِمْ وُضِعُوا هُنَاكَ مَعَ المَقْتُولِينَ بِالسَّيْفِ. يَسْتَلْقُونَ هُنَاكَ مَعَ غَيْرِ المَختُونِينَ، وَمَعَ النَّازِلِينَ إلَى حُفرَةِ المَوْتِ. «قَادَةُ الشِّمَالِ جَمِيعًا فِي الهَاوِيَةِ مَعَ كُلِّ الصِّيدُونِيِّينَ. نَزَلُوا بِعَارِهِمْ مَعَ المَذْبُوحِينَ، بِسَبَبِ الرُّعبِ الَّذِي أثَارُوهُ بِقُوَّتِهِمْ. استَلْقَوْا بِلَا خِتَانٍ مَعَ القَتلَى الَّذِينَ سَقَطُوا بِالسَّيْفِ. حَمَلُوا عَارَهُمْ وَنَزَلُوا مَعَ الَّذِينَ نَزَلُوا إلَى حُفرَةِ المَوْتِ. «سَيَرَاهُمْ فِرْعَوْنُ فَيَتَعَزَّى عَنْ كُلِّ جُيُوشِهِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «لِأنّي زَرَعتُ خَوفَهُ فِي أرْضِ الأحيَاءِ، وَسَيَسْتَلْقِي فِرْعَوْنُ وَكُلُّ جُيُوشِهِ وَسَطَ غَيْرِ المَختُونِينَ المَقْتُولِينَ بِالسَّيْفِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ . وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، تَكَلَّمْ إلَى شَعْبِكَ وَقُلْ لَهُمْ: ‹افتَرِضُوا أنِّي أتَيْتُ بِعَدُوٍّ عَلَى أُمَّةٍ، فَاخْتَارَ الشَّعْبُ أحَدَ المُواطِنِينَ لِيَقِفَ حَارِسًا. وَإذْ رَأى العَدُوَّ قَادِمًا، نَفَخَ فِي البُوقِ لِيُحَذِّرَ الشَّعْبَ. فَإنْ سَمِعَ الإنْسَانُ صَوْتَ البُوقِ وَتَجَاهَلَهُ، فَإنَّهُ مَسؤُولٌ عَنْ مَوْتِهِ حِينَ يَأتِيهِ سَيفُ العَدُوِّ. فَقَدْ سَمِعَ ذَلِكَ الإنْسَانُ صَوْتَ تَحْذِيرِ البُوقِ وَتَجَاهَلَهُ، فَهُوَ يَتَحَمَّلُ مَوْتَهُ. فَلَوِ انتَبَهَ لِلتَّحذِيرِ، لَأَنقَذَ نَفْسَهُ. «‹لَكِنْ إنْ رَأى الحَارِسُ العَدُوَّ، وَلَمْ يَضْرِبْ بِالبُوقِ لِلتَّحذِيرِ حَتَّى يَسْمَعَ النَّاسُ فَيَنْتَبِهُونَ، فَإنَّ العَدُوَّ سَيَأْتِي وَيَأْخُذَ حَيَاتَهُمْ. هَؤُلَاءِ النَّاسُ سَيَمُوتُونَ بِسَبَبِ إثمِهِمْ، وَلَكِنِّي سَأُحَمِّلُ الحَارِسَ مَسؤُولِيَّةَ مَوْتِهِمْ.› «يَا إنْسَانُ، جَعَلْتُكَ حَارِسًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ. تَسْمَعُ مِنِّي رِسَالَةً، وَتُبَلِّغُهُمْ بِإنذَارِي. فَإنْ حَكَمْتُ عَلَى شِرِّيرٍ وَقُلْتُ لَهُ: ‹سَتَمُوتُ!› وَأنْتَ لَمْ تُنذِرِ ذَلِكَ الشِّرِّيرَ لَيَتُوبَ عَنْ شَرِّهِ فَيَنْجُو، فَإنَّهُ سَيَهْلِكُ بِذَنبِهِ، لَكِنَّنِي سَأُحَمِّلُكَ مَسؤُولِيَةَ هَلَاكِهِ. «أمَّا إنْ أنذَرْتَ ذَلِكَ الشِّرِّيرَ، وَلَمْ يَتُبْ عَنْ شَرِّهِ وَلَمْ يَتَرَاجَعْ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، فَإنَّهُ سَيَهْلِكُ بِذَنبِهِ، وَأنْتَ سَتَنْجُو بِنَفْسَكَ. «يَا إنْسَانُ قُلْ لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ: ‹أنْتُمْ تَقُولُونَ: قَدِ ارتَكَبنَا خَطَايَا وَجَرَائِمَ، وَنَحْنُ نَتَعَفَّنُ بِسَبَبِهَا. فَكَيْفَ نَحيَا مِنْ جَدِيدٍ؟ قُلْ لَهُمْ: هَذَا مَا يُعلِنَهُ الرَّبُّ الإلَهُ : أنَا لَا أُسَرُّ بِمُوتَ الشِّرِّيرُ، بَلْ بِأنْ يَتُوبَ عَنْ شَرِّهِ فَيَحيَا. يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، ارجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الشِّرِّيرَةِ كَي لَا تَهْلِكُوا.› «يَا إنْسَانُ، قُلْ لِشَعْبِكَ: بِرُّ الإنْسَانِ البَارِّ لَنْ يُنقِذَهُ حِينَ يَتَرَاجَعُ وَيَعِيشُ فِي الخَطيَّةِ. كَمَا أنَّ شَرَّ الشِّرِّيرِ لَنْ يُسقِطَهُ حِينَ يَتُوبُ عَنْ طُرُقِهِ الشِّرِّيرَةِ. أمَّا البَّارُ فَلَنْ يَنْجُوَ مِنَ العِقَابِ حِينَ يُخطِئُ. «إنْ قُلْتُ لِإنْسَانٍ بَارٍّ: ‹سَتَحيَا!› رُبَّمَا يَظُنُّ أنَّ مَاضِيَهِ الصَّالِحَ سَيُنقِذُهُ، فَيَبْدَأُ بِعَمَلِ شُرُورٍ رَدِيئَةٍ. إنْ حَدَثَ هَذَا، فَإنَّ بِرَّ ذَلِكَ الرَّجُلِ لَنْ يُذكَرَ، وَسَيَهْلِكُ بِسَبَبِ الشُّرُّورِ الَّتِي عَمِلَهَا. «فَإنْ حَكَمْتُ عَلَى شِرِّيرٍ وَقُلْتُ لَهُ: ‹سَتَمُوتُ!› فَتَابَ عَنْ خَطِيَّتِهِ، وَأطَاعَ الوَصَايَا وَعَمِلَ الصَلَاحَ – إنْ أرجَعَ الشِّرِّيرُ مَا أخَذَهُ مِنَ المَسَاكِينِ، وَدَفَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دُيُونٍ، وَتَوَقَّفَ عَنْ عَمَلِ الشُّرُّورِ، وَسَلَكَ حَسَبَ الشَّرَائِعِ الَّتِي تُعطِي حَيَاةً، فَإنَّهُ سَيَنْجُو وَلَنْ يَهْلِكَ. لَنْ تُحسَبَ ضِدَّهُ خَطَايَاهُ. فَحَيْثُ إنَّهُ بَدَأ يَعْمَلُ مَا هُوَ صَالِحٌ وَعَادِلٌ، فَسَينجُو!» «قَدْ يُقُولُ النَّاسُ: ‹طُرُقُ الرَّبِّ لَيْسَتْ مُسْتَقِيمَةً!› بَلْ طُرُقُهُمْ هُمْ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ. فَإنْ تَوَقَّفَ إنْسَانٌ صَالِحٌ عَنِ السُّلُوكِ الصَّحِيحِ، فَبَدَأ يَرْتَكِبُ الشُّرُورَ، فَإنَّهُ سَيَهْلِكُ بِسَبَبِ أعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ. فَإنْ تَابَ عَنِ الشُّرُّورِ الَّتِي عَمِلَهَا، وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ وَعَادِلٌ، فَإنَّهُ سَيَحيَا. وَلَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ إنَّ طُرُقَ اللهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ. يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ، سَأَدِينُ كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أعْمَالِهِ.» وَفِي اليَوْمِ الخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ العَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ السَّبْيِ، أتَى إلَيَّ أحَدُ الَّذِينَ هَرَبُوا مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ، وَقَالَ لِي: «سَقَطَتْ مَدِينَةُ القُدْسِ.» وَفِي اللَّيلَةِ الَّتِي سَبَقَتْ مَجِيءَ اللَّاجِئِ إلَيَّ، جَعَلَتنِي قُوَّةُ اللهِ أتَكَلَّمُ، فَانفَتَحَ فَمِي وَتَكَلَّمْتُ. حَدَثَ هَذَا قَبْلَ أنْ يأتِيَ اللَّاجِئُ إلَيَّ فِي الصَّبَاحِ. وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ ، فَقَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، يَقُولُ الشَّعْبُ السَّاكِنُ وَسَطَ خَرَائِبِ إسْرَائِيلَ: ‹لَمْ يَكُنْ إبْرَاهِيمُ سِوَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ وَرِثَ الأرْضَ كُلَّهَا. أمَّا نَحْنُ فَكَثِيرُونَ، وَلِذَا فَإنَّنَا سَنَحْتَفِظُ بِالأرْضِ مِيرَاثًا لَنَا.› «لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹هَلْ تَأْكُلُونَ الدَّمَ، وَتَعْبُدُونَ الأوْثَانَ القَذِرَةَ، وَتَقْتُلُونَ النَّاسَ، وَمَعَ هَذَا تَحْتَفِظُونَ بِالأرْضِ؟ تَعْتَمِدُونَ عَلَى العُنفِ وَالظُّلمِ، وَتَعْمَلُونَ مَا هُوَ بَشِعٌ، وَيُنَجِّسُ كُلُّ وَاحِدٍ زَوْجَةَ صَاحِبِهِ، وَتُرِيدُونَ الِاحْتِفَاظَ بِالأرْضِ؟› «قُلْ لَهُمْ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹أُقْسِمُ بِذَاتِي إنَّكُمْ سَتَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ فِي تِلْكَ الخَرَائِبِ. وَالَّذِينَ يَمُوتُونَ مِنْكُمْ فِي الحقُولِ فَإنِّي سَأجْعَلُهُمْ طَعَامًا لِلحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ، وَالَّذِينَ يَخْتَبِئُونَ مِنْكُمْ فِي الحُصُونِ وَالكُهُوفِ، سَيَمُوتُونَ مِنَ الوَبَاءِ. سَأجْعَلُ هَذِهِ الأرْضَ خَرَابًا مَهجُورًا، فَلَا يَعُودُ لَهَا مَا تَتَبَاهَى بِهِ. سَتَصِيرُ جِبَالُ إسْرَائِيلَ مُوحِشَةً فَلَا يَعْبُرُهَا أحَدٌ. وَحِينَ أجعَلُ الأرْضَ خَرِبَةً بِسَبَبِ الأُمُورِ الكَرِيهَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا، فَإنَّهُمْ سَيَعَلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ .› «أمَّا أنْتَ يَا إنْسَانُ، فَإنَّ شَعْبَكَ يَتَكَلَّمُ عَلَيْكَ قُرْبَ الأسوَارِ وَعِنْدَ كُلِّ بَابٍ. يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لِنَذهَبْ وَنَسْتَمِعْ إلَى الرِّسَالَةِ الآتِيَةِ مِنَ عِنْدِ اللهِ! فَيَأْتُونَ إلَيْكَ كَجُمهُورٍ كَبِيرٍ، وَيَجْلِسُونَ أمَامَكَ وَيَسْتَمِعُونَ إلَى كَلَامِكَ، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَعَمَلُوا بِهِ. تَسْمَعُ المَدِيحَ عَلَى شِفَاهِهِمْ، أمَّا قُلُوبُهُمْ فَمُولَعَةٌ بِالرِّبحِ. «مَا أنْتَ لَهُمْ سِوَى مُغَنٍّ ذِي صَوْتٍ جَمِيلٍ، يُغَنِّي أغَانِيَ الحُبِّ بِألحَانٍ عَذْبَةٍ. سَيَسْمَعُونَ كَلَامَكَ، وَلَكِنَّهُمْ لَنْ يَعْمَلُوا بِهِ. لَكِنْ حِينَ تأتِي المُصِيبَةُ – وَسَتَأْتِي حَتمًا – فَحِينَئِذٍ، سَيَعْلَمُونَ أنَّ نَبِيًّا كَانَ فِي وَسَطَهِمْ.» وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، تَنَبَّأْ عَلَى رُعَاةِ إسْرَائِيلَ. تَنَبَّأ وَقُلْ لِلرُّعَاةِ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : وَيْلٌ لِرُعَاةِ إسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَرْعَوْنَ أنْفُسَهُمْ. ألَا يَنْبَغِي أنْ يَرْعَى الرُّعَاةُ الغَنَمَ؟ تَأْكُلُونَ الدَّسَمَ وَتَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَتَذْبَحُونَ المُسَمَّنَ، وَلَكِنَّكُمْ لَا تَرْعَوْنَ الغَنَمَ. لَمْ تُقَوُّوا الضَّعِيفَ، وَلَمْ تُدَاوُا المَرِيضَ، وَلَمْ تُضَمِّدُوا الجَريحَ، وَلَمْ تَسْتَرِدُّوا الضَّالَ، وَلَمْ تَبْحَثُوا عَنِ الضَّائِعِ، بَلْ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهَا بِقُوَّةٍ وَعُنفٍ. «فَتَشَتَّتَتْ لِأنَّهَا بِلَا رَاعٍ، وَصَارَتْ فَرِيسَةً لِكُلِّ حَيَوَانٍ بَرِّيٍّ فِي السُّهُولِ. تَشَتَّتَتْ غَنَمِي وَتَاهَتْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ وَعَلَى كُلِّ تَلَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ. تَشَتَّتَتْ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأرْضِ، وَلَمْ يَبْحَثْ عَنْهَا أحَدٌ. «لِذَلِكَ، اسْتَمِعُوا إلَى رِسَالَةِ اللهِ أيُّهَا الرُّعَاةُ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹صَارَتْ غَنَمِي فَرِيسَةً وَطَعَامًا لِلحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ. فَهِيَ بِلَا رَاعٍ، وَرُعَاتِي لَمْ يَبْحَثُوا عَنْهَا. أطَعَمُوا أنفَسَهُمْ وَلَمْ يُطعِمُوا غَنَمِي. لِهَذَا أُقْسِمُ بِذَاتِي إنِّي سَأُعَاقِبُهُمْ.› «اسْتَمِعُوا إلَى رِسَالَةِ اللهِ أيُّهَا الرُّعَاةُ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : سَأُقَاوِمُ الرُّعَاةَ، وَسَأطلُبُ غَنَمِي مِنْهُمْ! سَأعزِلُهُمْ عَنْ رِعَايَةِ غَنَمِي، فَلَا يَعُودُونَ رُعَاةً فِيمَا بَعْدُ. وَسَأُنقِذُ غَنَمِي مِنْ أفوَاهِهِمْ، فَلَا تَعُودَ طَعَامًا لَهُمْ.› «فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹سَأبحَثُ عَنْ غَنَمِي بِنَفْسِي وَأجِدُهَا. كَمَا يَطْلُبُ الرَّاعِي قَطِيعَهُ وَهُوَ يَمْشِي وَسَطَ الأغْنَامِ المُنتَشِرَةِ، هَكَذَا سَأتَفَحَّصُهُمْ، وَسَأُنقِذُهُمْ مِنْ كُلِّ الأمَاكِنِ الَّتِي تَشَتَّتُوا فِيهَا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ المُظلِمِ الغَائِمِ. سَأُعِيدُهُمْ مِنْ وَسَطِ الشُّعُوبِ الأُخرَى، وَسَأجمَعُهُمْ مِنْ كُلِّ الأرَاضِي وَأُعِيدُهُمْ إلَى أرْضِهِمْ. ثُمَّ سَأرعَاهُمْ عَلَى جِبَالِ إسْرَائِيلَ، وَفِي كُلِّ وِديَانِهَا وَجَمِيعِ المَنَاطِقِ السَّكَنِيَّةِ فِي الأرْضِ. سَأرعَاهُمْ فِي مَرَاعٍ خَصبَةٍ، وَسَتَمْتَدُّ مَرَاعِيهِمْ حَتَّى أعْلَى جِبَالِ إسْرَائِيلَ. فَيَرتَاحُونَ فِي الحُقُولِ الخَصبَةِ، وَيأكُلُونَ فِي المَرَاعِي الغَنِيَّةِ فَوْقَ جِبَالِ إسْرَائِيلَ. سَأرعَاهُمْ أنَا بِنَفْسِي وَأُرِيحُهُمْ.› يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «سَأبحَثُ عَنِ الضَّائِعِ وَالضَّالِ، وَسَأُعِيدُ التَّائِهَ، وَأعصِبُ المَكسُورَ وَالمَجرُوحَ، وَأُقَوٍّيَ المَرِيضَ، وَسَأحرُسُ المُسَمَّنَ. سَأرعَاهُمْ بِعَدلٍ وَإنصَافٍ. «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : وَأنْتُمْ يَا غَنَمِي، سَأحْكُمُ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ فِيكُمْ، بَيْنَ الكِبَاشِ وَالتُّيُوسِ. ألَا يَكْفِيكُمْ أنَّكُمْ تَرْعَوْنَ فِي المَرْعَى الجَيِّدِ؟ فَلِمَاذَا تَدُوسُونَ بَاقِي مَرَاعِيَّ بِأرجُلِكُمْ؟ تَشْرَبُونَ المَاءَ، فلِمَاذَا تُعَكِّرُونَ المَاءَ بَعدَمَا تَشْرَبُونَ؟ رَعَى غَنَمِي الأرْضَ الَّتِي دُستُمُوهَا بِأرجُلِكُمْ، وَيَشْرَبُونَ مِنْ بِرْكَةِ المَاءِ الَّتِي عَكَّرتُمُوهَا بِأقْدَامِكُمْ. «لِهَذَا، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : أنَا نَفْسِي سَأقضِي بَيْنَ الخِرَافِ السَّمِينَةِ وَالخِرَافِ النَّحِيلَةِ. فَأنْتُمْ تَضْرِبُونَ بِالجَنبِ وَالكَتِفِ الخِرَافَ الضَّعِيفَةَ، وَتَنْطَحُونَ الضِّعَافَ بِقرُونِكُمْ حَتَّى شَتَّتُّمُوهَا فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ. وَلَكِنِّي سَأُنقِذُ غَنَمِي، فَلَنْ تَعُودَ غَنِيمَةً أوْ فَرِيسَةً فِيمَا بَعْدُ، وَسَأقضِي بَيْنَ الخِرَافِ. وَسَأُعَيِّنُ لَهَا رَاعيًا وَاحِدًا مِنْ نَسْلِ عَبدِي دَاوُدَ فَيَرعَاهَا. وَسَأكُونُ أنَا اللهَ إلَهًا لَهَا، وَيَكُونُ قَائِدُهَا مِنْ نَسْلِ عَبدِي دَاودَ. أنَا اللهَ تَكَلَّمْتُ. «ثُمَّ سَأقطَعُ عَهْدَ سَلَامٍ مَعَ شَعْبِي، وَسَأُزِيلُ الحَيَوَانَاتِ الشَّرِسَةَ مِنَ الأرْضِ، لِيسكُنُوا فِي البَرِّيَّةِ بِأمَانٍ، وَيَنَامُوا فِي الغَابَاتِ بِسَلَامٍ. وَسَأجْعَلُ شَعْبِي بَرَكَةً حَوْلَ جَبَلِي، وَسَأُرْسِلُ الأمطَارَ فِي أوقَاتِهَا. سَتَكُونُ الأمطَارُ بَرَكَةً لَا لَعنَةً. حِينَئِذٍ، تُثمِرُ أشْجَارُ الحَقْلِ، وَتُعطِي الأرْضُ غَلَّتَهَا. حِينَئِذٍ، يَعِيشُونَ عَلَى أرْضِهِمْ بِأمَانٍ وَبِلَا خَوفٍ. وَيَعَلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ ، حِينَ أُكَسِّرُ النِّيرَ عنهُمْ وَأُخَلِّصُهُمْ مِنَ الَّذِينَ استَعْبَدُوهُمْ. «لَنْ يَعُودُوا فَرِيسَةً وَلَا غَنِيمَةً لِلأُمَمِ، وَلَنْ تَفْتَرِسَهُمُ الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ. سَيَسْكُنُونَ بِأمَانٍ، وَلنْ يُخِيفَهُمْ شَيءٌ. وَسَأُقِيمُ لَهُمْ أرْضًا خَصبَةً، فَلَا يَجُوعُونَ. وَلَنْ يَسْمَعُوا تَعْيِيرَاتِ الأُمَمِ فِيمَا بَعْدُ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا مَعَهُمْ، وَبِأنَّهُمْ إسْرَائِيلُ شَعْبِي. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «وَأنْتُمْ غَنَمِي فِي مَرعَايَ، أنْتُمْ شَعْبِي، وَأنَا إلَهُكُمْ. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ .» وَجَاءَتْ إليَّ كَلِمَةُ اللهِ : «انْظُرْ يَا إنْسَانُ نَحْوَ سَعِيرَ وَتنَبَّأ ضِدَّهَا. قُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «‹أنَا ضِدُّكَ يَا جَبَلَ سَعِيرَ، وَقَدْ رَفَعتُ يَدِي لِأضرِبَكَ، لِأُدَمِّرَ أرْضَكَ بِالْكَامِلِ. سَأُحَوِّلُ مُدُنَكَ إلَى خَرَائِبَ، وَأُدَمِّرُهَا بِالْكَامِلِ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُ أنِّي أنَا اللهُ . لِأنَّكَ كَرِهتَ إسْرَائِيلَ، وَجَعَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ عَدُوًّا لَهَا إلَى الأبَدِ، وَأسلَمْتَ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيُقتَلُوا بِالسَّيْفِ فِي يَوْمِ حُلولِ الكَارِثَةِ عَلَيْهِمْ، فِي وَقْتِ عِقَابِهِمُ النِّهَائِيِّ.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «أُقْسِمُ بِذَاتِي إنِّي سَأُعِدُّكَ لِسَفكِ الدَّمِ، فَيُلَاحِقُكَ الدَّمُ أينَمَا ذَهبتَ. أنْتَ لَمْ تَرْفُضْ سَفكَ الدَّمِ، لِذَلِكَ سَيُلَاحِقُكَ سَفكُ الدَّمِ. سَأُحَوِّلُ جَبَلَ سَعِيرَ إلَى خَرَابٍ كَامِلٍ، وَسَأُوقِفُ كُلَّ سَفَرٍ عَبْرَ أرْضِكَ. وَسَأُغَطِّي جِبَالَكَ وَتِلَالَكَ وَوِديَانَكَ وَجَدَاوِلَكَ بِجُثَثِكَ، جُثَثِ رِجَالٍ سَقَطُوا بِالسَّيْفِ هُنَاكَ. سَتَكونَ أرْضُكَ خَرَابًا إلَى الأبَدِ، وَلَنْ تَعُودَ مُدُنُكَ تُسكَنُ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُ أنِّي أنَا اللهُ . «لِأنَّكَ قُلْتَ: ‹سَنَأخُذُ أرْضَ هَذِينِ الشَّعْبَينِ وَهَذَينِ البَلَدَينِ وَممتَلَكَاتِهِمَا.› مَعَ أنَّ اللهَ يَسْكُنُ فِيهِمَا فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : أُقْسِمُ بِذَاتِي، إنِّي سَأتَعَامَلُ مَعَكُمْ بِحَسَبِ غَضَبِكُمْ وَحَسَدِكُمُ اللَّذَيْنِ ظَهَرَا بِسَبِبِ كُرهِكُمْ لِشَعْبِي. سَأَدِينُكُمْ فَيَعْلَمَ شَعْبِي أنَّنِي فِي وَسَطِهِمْ. وَسَتَعْلَمُونَ أنْتُمْ أنِّي أنَا اللهُ . «قَدْ سَمِعْتُ كُلَّ الشَّتَائِمِ الَّتِي تَكَلَّمْتُمْ بِهَا ضِدَّ جِبَالِ إسْرَائِيلَ. قُلْتُمْ: ‹قَدْ هَلَكُوا وَصَارُوا طَعَامًا لَنَا!› تَفَاخَرْتُمْ وَتَكَلَّمْتُمْ عَلَيَّ. تَفَاخَرْتُمْ بِأوْثَانِكُمْ أمَامِي، وَأنَا قَدْ سَمِعْتُ! «لِذَا، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : سَتَفْرَحُ الأرْضُ حِينَ أُدَمِّرُكُمْ. كَمَا فَرِحْتُمْ بِخَرَابِ أرْضِ بَيْتِ إسْرَائِيلَ. فَكَذَلِكَ سَأفْعَلُ بِكُمْ. سَيَخْرَبُ جَبَلُ سَعِيرَ، بَلْ كُلُّ أدُومَ! حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ .» يَا إنْسَانُ، تَنَبَّأْ عَلَى جِبَالِ إسْرَائِيلَ وَقُلِ: «اسْمَعِي يَا جِبَالَ إسْرَائِيلَ كَلَامَ اللهِ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹سَخِرَ العَدُوُّ بِكِ وَقَالَ: قَدْ صَارَتْ هَذِهِ الجِبَالُ وَالمُرتَفَعَاتُ مِلْكًا لَنَا. فَلِأنَّهُمْ قَالُوا هَذَا، تَنَبَّأْ وَقُلْ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : قَدْ دَمَّرَكُمُ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ وَسَحَقُوكُمْ لِإعطَائِكُمْ مِلْكًا لِبَقِيَّةِ الأُمَمِ. فَصِرتُمْ مَوضُوعَ حَدِيثٍ وَنَمِيمَةٍ وَذَوِي سُمعَةٍ سَيِّئَةٍ. وَلِذَا، استَمِعِي يَا جِبَالَ إسْرَائِيلَ إلَى رِسَالَةِ الرَّبِّ الإلَهِ : يَتَكَلَّمُ الرَّبُّ الإلَهُ لِلجِبَالِ وَالتِّلَالِ وَالجَدَاوِلِ وَالأودِيَةِ وَالخرَائِبِ وَالمُدُنِ المَهجُورَةِ الَّتِي تَعَرَّضَتْ لِلنَّهبِ وَالِاسْتِهزَاءِ مِنَ الأُمَمِ المُحِيطَةِ بِكُمْ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : أُقْسِمُ بِغَيْرَتِي ضِدَّ الأُمَمِ المُحِيطَةِ وَعَلَى كُلِّ أدُومَ الَّذِينَ أخَذُوا أرْضِي بِسُخْرِيَةٍ وَاستَهزَاءٍ لِيَسْتَخْدِمُوهَا لِرَعيِ حَيَوَانَاتِهِمْ.› «لِهَذَا تَنَبَّأْ عَلَى أرْضِ إسْرَائِيلَ وَقُلْ لِلجِبَالِ وَالتِّلَالِ وَالجَدَاوِلِ وَالوِديَانِ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : لِإنَّكُمْ تَعَرَّضتُمْ لِهَذَا الإذلَالِ مِنَ الأُمَمِ، فَإنِّي الآنَ أتَكَلَّمُ بِكُلِّ غَيْرَتِي وَغَضَبِي. «يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ أرفَعُ يَدِي وَأُقْسِمُ بِأنَّ الأُمَمَ المُحِيطَةَ بِكُمْ سَتُذَلُّ بِشَكلٍ كَامِلٍ. وَأنْتِ يَا جِبَالَ إسْرَائِيلَ، سَتَزْرَعِينَ أشْجَارًا وَتَحْمِلِينَ ثِمَارًا لِشَعْبِي إسْرَائِيلَ الَّذِي سَيَعُودُ سَرِيعًا. فَأنَا مَعَكُمْ. سَأنتَبِهُ إلَيكُمْ، وَأعتَنِي بِكُمْ، فَتَحْرُثُونَ وَتُزْرَعُونَ. سَأُضَاعِفُ سُكَّانَ بَيْتِ إسْرَائِيلَ. وَسَتُسكَنُ مُدُنُكُمْ مِنْ جَدِيدٍ، وَيُعَادُ بِنَاءُ خَرَائِبِكُمْ! سَأُكَثِّرُ البَشَرَ وَالحَيَوَانَاتِ لَدَيْكُمْ، فَيُثمِرُونَ وَيَكْثُرُونَ. سَتَسْكُنُونَ فِي أرْضِكُمْ، وَسَتَنَالُونَ مِنْ خَيرِي مَا لَمْ تَنَالُوهُ مِنْ قَبْلُ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ . «سَأقُودُ كَثِيرينَ مِنْ شَعْبِي إسْرَائِيلَ إلَيكِ يَا جِبَالَ إسْرَائِيلَ، فَيَمْتَلِكُونَكِ وَتَصِيرِينَ مِيرَاثًا لَهُمْ. وَلَنْ يَعُودُوا يُحْرَمُونَ مِنْ أبنَائِهِمْ. «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : قَالَ العَدُوُّ لَكِ يَا أرْضَ إسْرَائِيلَ: ‹أنْتِ تَلْتَهِمِينَ سُكَّانَكِ، وَقَدْ أفقَدتِ شَعْبَكِ أوْلَادَهُ.› وَلِذَا لَنْ تَعُودِي آكِلَةً لِلبَشَرِ فِيمَا بَعْدُ، وَلَنْ تَعُودِي تَحْرِمِينَ شَعْبَكِ مِنْ أوْلَادِهِمْ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ . «لَنْ تَسْمَعُوا تَعْيِيرَاتِ الأُمَمِ فِيمَا بَعْدُ، وَلَنْ تَحْمِلُوا ذُلَّ الشُّعُوبِ الأُخرَى، وَلَنْ تَعُودُوا تَضَعُونَ العَثرَاتِ أمَامَ أُمَّتِكُمْ. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ .» وَأتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، حِينَ كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يَسْكُنُونَ فِي أرْضِهِمْ، نَجَّسُوهَا بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي عَاشُوا بِهَا وَبِالشُّرُورِ الَّتِي عَمِلُوهَا. عَاشُوا مِثْلَ امْرأةٍ فِي فَترَةِ حَيْضِهَا. فَسَكَبْتُ كُلَّ غَضَبِي عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ الدَّمِ الَّذِي سَفَكُوهُ وَبِسَبَبِ الأصْنَامِ القَذِرَةِ الَّتِي نَجَّسُوا أنْفُسَهُمْ بِهَا. وَلِذَا أدَنتُهُمْ عَلَى سُلُوكِهِمْ وَأعْمَالِهِمْ، فَشَتَّتُّهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفَرَّقْتُهُمْ فِي البِلَادِ. وَحِينَ صَارُوا بَيْنَ الأُمَمِ الأُخرَى، نَجَّسُوا اسْمِي وَقلَّلُوا مِنْ قَدْرِهِ. حَدَثَ هَذَا حِينَ تَكَلَّمَ النَّاسُ عَنْهُمْ فَقَالُوا: ‹هَؤُلَاءِ هُمْ شَعْبُ اللهِ ، فَلِمَاذَا إذًا تَرَكُوا أرْضَهُ؟› فَانْزَعَجْتُ لِأجْلِ اسْمِي الَّذِي نَجَّسَهُ بَنُو إسْرَائِيلَ وَسَطَ الأُمَمِ الَّتِي تَشَتَّتُوا فِي وَسَطِهَا. «لِذَلِكَ قُلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، لَمْ أجعَلْكُمْ أُمَّةً لِأجْلِ أنْفُسِكُمْ، وَلَكِنْ لِأجْلِ اسْمِي المُقَدَّسِ الَّذِي نَجَّستُمُوهُ وَسَطَ الأُمَمِ الَّتِي ذَهَبتُمْ إلَيْهَا. وَلِذَا سَأعُودُ فَأُقَدِّسُ اسْمِي العَظِيمَ الَّذِي تَنَجَّسَ وَسَطَ الأُمَمِ، وَالَّذِي نَجَّستُمُوهُ فِي وَسَطِهِمْ. حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفُ تِلْكَ الأُمَمُ أنِّي أنَا اللهُ ، حِينَ أتَقَدَّسُ فِي وَسَطِكُمْ أمَامَهُمْ.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ . «حِينَئِذٍ، سَآخُذُكُمْ مِنْ وَسَطِ تِلْكَ الأُمَمِ، وَسَأجمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ تِلْكَ الأرَاضِي وَأُحضِرُكُمْ إلَى أرْضِكُمْ. حِينَئِذٍ، سَأرُشُّ عَلَيْكُمْ مَاءً، فَتُطَهَّرُونَ مِنْ كُلِّ نَجَاسَتِكُمْ، وَسَأُطَهِّرُكُمْ مِنْ كُلِّ أصْنَامِكُمُ القَذِرَةِ. وَسَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَسَأضَعُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ. سَأنْزِعُ القَلْبَ الحَجَرِيَّ مِنْ جِسمِكُمْ، وَأضَعُ مَكَانَهُ قلبًا لَحْمِيًّا. سَأضَعُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، لِكَي تَحْيَوْا بِوَصَايَايَ وَتَحْفَظُوا شَرَائِعِي. وَسَتَسْكُنُونَ فِي الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِآبَائِكُمْ. عِنْدَئِذٍ سَتَكُونُونَ شَعْبِي، وسَأكُونُ أنَا إلَهَكُمْ. وسَأُنقِذُكُمْ مِنْ كُلِّ النَّجَاسَاتِ. وَسَأجمَعُ القَمْحَ وَأُكثِّرُهُ، وَلَنْ أعُودَ أجْلِبُ عَلَيْكُمْ مَجَاعَاتٍ. سَأُكَثِّرُ ثَمَرَ الأشْجَارِ وَحَصَادَ الحُقُولِ، فَلَا تَتَعَرَّضُونَ لِخِزيِ المَجَاعَةِ وَسَطَ الأُمَمِ. فَحِينَئِذٍ، تَتَذَكَّرُونَ مَسَالِكَكُمُ الشِّرِّيرَةَ وَأفعَالَكُمُ السَّيِّئَةَ، وَسَتَنْفُرُونَ مِنْ أنْفُسِكُمْ بِسَبَبِ آثَامِكُمْ وَأعْمَالِكُمُ الكَرِيهَةِ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «لَنْ أعمَلَ هَذِهِ الأُمُورَ لِأجْلِكُمْ. يَنْبَغِي أنْ تَخْجَلُوا مِنْ طُرُقِكُمْ، يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «حِينَ أُطَهِّرُكُمْ مِنْ كُلِّ ذُنُوبِكُمْ وَخَطَايَاكُمْ، سَأُعِيدُكُمْ إلَى مُدُنِكُمْ ثَانِيَةً، وَسَتُبنَى الخَرَائِبُ، وَسَتُحرَثُ الأرْضُ المَهجُورَةُ، فَلَا تَعُودُ خَرَابًا أمَامَ جَمِيعِ العَابِرِينَ بِهَا. بَلْ سَيَقُولُ العَابِرُونَ: ‹هَلْ جَنَّةُ عَدْنٍ هَذِهِ؟ أهِيَ الأرْضُ الَّتِي كَانَتْ خَرِبَةً؟ وَهَلْ هَذِهِ الحُصُونُ، هِيَ المُدُنُ الَّتِي كَانَتْ مَهجُورَةً وَمُدَمَّرَةً؟› «حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفُ الأُمَمُ البَاقِيَةُ حَوْلَكُمْ أنِّي أنَا اللهَ قَدْ بَنَيتُ وَزَرَعْتُ هَذِهِ الأرْضَ الخَرِبَةَ.» أنَا اللهَ قَدْ تَكَلَّمْتُ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأجْعَلُ بَنِي إسْرَائِيلَ يَطْلُبُونَ مِنِّي أنْ أُكَثِّرَهُمْ كَالخِرَافِ. سَيَكُونُونَ خِرَافًا مُقَدَّسَةً، كَالخِرَافِ الكَثِيرَةِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ فِي مَوَاسِمِ الأعيَادِ. سَتَمْتَلِئُ المُدُنُ الخَرِبَةُ بِالخِرَافِ البَشَرِيَّةِ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهَ قَدْ صَنَعتُ هَذَا.» وَحَلَّتْ قُوَّةُ اللهِ عَلّيَّ. فَأخَذَنِي رُوحُ اللهِ وَأنزَلَنِي فِي الوَادِي الَّذِي كَانَ مَلِيئًا بِالعِظَامِ البَشَرِيَّةِ. وَقَادَنِي وَسَطَ العِظَامِ. كَانَتْ هُنَاكَ عِظَامٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا تُغَطِّي أرْضَ الوَادِي، وَكَانتِ العِظَامُ يَابِسَةً جِدًّا. حِينَئِذٍ، سَألَنِي: «يَا إنْسَانُ، هَلْ تَحيَا هَذِهِ العِظَامُ؟» فَقُلْتُ لَهُ: «أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، أنْتَ تَعْلَمُ!» فَقَالَ لِي اللهُ : «تَنَبَّأْ بِشَأنِ هَذِهِ العِظَامِ وَقُلْ: ‹أيَّتُهَا العِظَامُ اليَابِسَةُ، اسْمَعِي كلِمَةَ اللهِ ! هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ لِهَذِهِ العِظَامِ: سَأبعَثُ نَسْمَةَ حَيَاةٍ فِيكِ فَتَعُودِينَ إلَى الحَيَاةِ! سَأضَعُ عَلَيْكِ أعْصَابًا وَسَأُغَطِّيكِ بِاللَّحمِ، ثُمَّ أبسِطُ عَلَيْكِ الجِلْدَ. ثُمَّ سَأبعَثُ نَسْمَةَ حَيَاةٍ فِيكِ فَتَعُودِينَ إلَى الحَيَاةِ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمِينَ أنِّي أنَا اللهُ .›» فتَنَبَّأتُ كَمَا أمَرَنِي. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أتَنَبَّأُ، دَوَّتْ ضَجَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَتَقَارَبَتِ العِظَامُ وَاحِدَةً نَحْوَ الأُخرَى. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أنظُرُ، غَطَّتِ الأعْصَابُ العِظَامَ، ثُمَّ غَطَّاهَا اللَّحمُ، وَبُسِطَ الجِلْدُ عَلَيْهَا. وَلَكِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا حَيَاةٌ بَعْدُ. فَقَال اللهُ لِي: «تَنَبَّأْ لِنَسْمَةِ الحَيَاةِ. تَنَبَّأْ يَا إنْسَانُ وَقُلْ لَهَا: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : تَعَالِي يَا نَسْمَةَ الحَيَاةِ مِنْ جِهَاتِ الأرْضِ الأرْبَعِ، وَهُبِّي عَلَى تِلْكَ العِظَامِ المَيِّتَةِ لِتَحيَا.» فَتَنَبأتُ لِنَسْمَةِ الحَيَاةِ كَمَا أمَرَنِي. فَدَخَلَتْ نَسْمَةُ الحَيَاةِ فِيهَا، فَعَادَتْ إلَى الحَيَاةِ. ثُمَّ وَقَفُوا عَلَى أرجُلِهِمْ، فَصَارُوا جَيْشًا عَظِيمًا جِدًّا. ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، تَرْمُزُ هَذِهِ العِظَامُ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَهَذَا مَا يَقُولُونَهُ: ‹يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَزَالَ أمَلُنَا، وَقَدْ فَنِينَا.› لِذَا تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : يَا شَعْبِي، سَأفتَحُ قُبُورَكُمْ وَأُخرِجُكُمْ مِنْهَا، وَسأُعِيدُكُمْ إلَى أرْضِ إسْرَائِيلَ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ ، حِينَ أفتَحُ قُبُورَكُمْ وَأُخرِجُكُمْ مِنْهَا. ثُمَّ أضَعُ رُوحِي فِيكُمْ وَأُقِيمُكُمْ عَلَى أرْضِكُمْ. حِينَئِذٍ، تَعْلَمُونَ أنِّي أنَا اللهُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ وَسَأفْعَلُ.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ . ثُمَّ أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، خُذْ لِنَفْسِكَ عَصًا وَاكتُبْ عَلَيْهَا: ‹لِيَهُوذَا وَلِبَنِي إسْرَائِيلَ المُرتَبِطِينَ بِهِمْ.› وَخُذْ عَصًا أُخْرَى وَاكتُبْ علَيهَا: ‹لِيُوسِفَ وَأفرَايِمَ وَلِبَنِي إسْرَائِيلَ المُرتَبِطِينَ بِهِمْ.› ثُمَّ ضّعِ العَصَوَينَ مَعًا لِتُشَكِّلَا عَصًا وَاحِدَةً فِي يَدِكَ. وَحِينَ يَسألُكَ أبْنَاءُ شَعْبِكَ إسْرَائِيلَ: ‹مَاذَا تَقْصِدُ أنْ تَقولَ لَنَا مِنْ خِلَالِ هَاتَيْنِ العَصَوَينِ؟› فَقُلْ لَهُمْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : سَآخُذُ عَصَا عَشِيرَةِ يُوسُفَ الَّتِي فِي يَدِ أفْرَايِمَ وَالقَبَائِلِ المُرتَبِطَةِ بِهِ، وَسَأضَعُهَا عَلَى عَصَا قَبِيلَةِ يَهُوذَا، فَأجعَلهُمَا عَصًا وَاحِدَةً فِي يَدِي.› أمْسِكْ هَاتَيْنِ العَصَوَينِ اللَّتَيْنِ كَتَبْتَ عَلَيْهِمَا فِي يَدِكَ لِيَرَوْهُمَا. وَقُلْ لَهُمْ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : سَآخُذُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ حَيْثُ ذَهبُوا، فَأجمَعُهُمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَأُعِيدُهُمْ إلَى أرْضِهِمْ. وَسَأجعَلُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً فِي أرْضِهِمْ عَلَى جِبَالِ إسْرَائِيلَ. «وَسيَكُونُ لَهَا مَلِكٌ وَاحِدٌ! وَلَنْ تَكُونَ أُمَّتَيْنِ فِيمَا بَعْدُ. وَلَنْ يَعُودُوا يَتَنَجَّسُونَ بِأصْنَامِهِمُ القَذِرَةِ وِبِكُلِّ جَرَائِمِهِمْ وَخَطَايَاهُمُ الأُخرَى. سَأُنقِذُهُمْ مِنْ كُلِّ خَطَايَاهُمُ الَّتِي أخطَأُوا بِهَا، وَسَأُطَهِّرُهُمْ، فَيَكُونُونَ شَعْبِي وَأنَا أكُونُ إلَهَهُمْ. «وَسَيَكُونُ خَادِمِي دَاوُدُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ. سَيَكُونُ عَلَيْهِمْ رَاعٍ وَاحِدٌ. وَسَيَعِيشُونَ وَفْقَ أحكَامِي، وَيُطِيعُونَ شَرَائِعِي وَيَعْمَلُونَ بِهَا. حِينَئِذٍ، سَيَسْكُنُونَ فِي الأرْضِ الَّتِي أعْطَيْتُهَا لِخَادِمِي يَعْقُوبَ حَيْثُ سَكَنَ أجدَادُهُمْ. حِينَئِذٍ، سَيَسْكُنُونَ هُمْ وَأوْلَادُهُمْ وَأحفَادُهُمْ هُنَاكَ إلَى الأبَدِ، وَسَيَكُونُ خَادِمِي دَاوُدُ قَائِدَهُمْ إلَى الأبَدِ. وَسَأقَطَعُ مَعَهُمْ عَهْدَ سَلَامٍ إلَى الأبَدِ. سَأبَارِكُهُمْ وَأُكَثِّرُهُمْ وَأقِيمُ هَيْكَلِي فِي وَسَطِهِمْ. سَيَكُونَ مَسكَنِي فِي وَسَطِهِمْ. سَأكُونُ إلَهَهُمْ، وَسَيَكُونُونَ شَعْبِي. حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفُ الأُمَمُ أنِّي أنَا اللهُ الَّذِي يُقَدِّسُ إسْرَائِيلَ وَيَجْعَلُهَا أُمَّةً خَاصَّةً، بِإقَامَةِ بَيْتِي المُقَدَّسِ فِي وَسَطِهِمْ إلَى الأبَدِ.» أتَتْ إلَيَّ كَلِمَةُ اللهِ : «يَا إنْسَانُ، التَفِتْ إلَى جُوجٍ الَّذِي مِنْ أرْضِ مَاجُوجَ رَئِيسِ مَاشِكَ وَتُوبَالَ، وَتَنَبَّأ عَنْهُ. قُلْ لَهُ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : يَا جُوجُ، يَا رَئِيسَ مَاشِكَ وَتُوبَالَ، أنَا ضِدُّكَ! سَأُجبِرُكَ عَلَى العَودَةِ إلَى المَكَانِ الَّذِي أتَيْتَ مِنْهُ. سَأضَعُ خَطَاطِيفَ فِي فَمِكَ وَأسحَبُكَ بِهَا. وَسَأسْحَبُ كُلَّ قُوَّاتِكَ وَفُرْسَانِكَ وَسَائِقِي مَركِبَاتِكَ اللَّابِسِينَ ثِيَابًا بَهِيَّةً، وَجَيْشِكَ العَظِيمِ اللَّابِسِينَ دُرُوعًا وَالحَامِلِينَ تُرُوسًا وَسُيُوفًا. وَمَعَهُمْ فَارِسُ وَكُوشٌ وَفُوطٌ اللَّابِسُونَ دُرُوعًا وَخُوَذًا. وَمَعَهُمْ جُومَرُ وَجُيُوشُهَا وَبَيْتُ تُوجَرْمَةَ مِنْ أقْصَى الشِّمَالِ مَعَ كُلِّ جُيُوشِهَا. مَعَكَ يَا جُوجُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا. «فَاستَعِدَّ يَا جُوجُ لِلدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِكَ أنْتَ وَكُلِّ الجُيُوشِ الَّتِي تَجَمَّعَتْ حَوْلَكَ. فَبَعدَ فَترَةٍ طَوِيلَةٍ، سَتُبَلَّغُ بِمَهَمَّتِكَ. وَسَتَأْتِي فِي الوَقْتِ المُحَدَّدِ إلَى الأرْضِ الَّتِي نَجَتْ مِنَ السَّيْفِ، إلَى جِبَالِ إسْرَائِيلَ الَّتِي كَانَتْ فِي حَالَةٍ شَدِيدَةٍ مِنَ الخَرَابِ، وَإلَى شَعْبٍ جُمِعَ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ، وَهُوَ يَسْكُنُ بِأمَانٍ وَسَلَامٍ فِي أرْضِهِ. سَتُهَاجِمُهُمْ، فَتَأْتِيَ عَلَيْهِمْ كَعَاصِفَةٍ شَدِيدَةٍ وَمُخَرِّبَةٍ، وَكَسَحَابَةٍ تَأْتِي أنْتَ وَجُيُوشُكَ وَالأُمَمُ الكَثِيرَةُ الَّتِي مَعَكَ فَتُغَطِّي الأرْضَ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتَخْطُرُ عَلَى بَالِكَ هَذِهِ الأفكَارُ، فَتُخَطِّطُ خُطَطًا شِرِّيرَةً. سَتَقُولُ فِي نَفْسِكَ: سَأهجُمُ عَلَى بَلَدٍ يَمْتَلِئُ بِالقُرَى غَيْرِ المُحَصَّنَةِ. إنَّهَا أرَاضٍ هَادِئَةٌ يَسْكُنُ فِيهَا النَّاسُ بِأمَانٍ وَسَلَامٍ فِي مُدُنٍ بِلَ أسوَارٍ وَلَا بَوَّابَاتٍ مَنِيعَةٍ. سَتَهْجُمُ عَلَى هَذِهِ الأرْضِ لِتَنْهَبَ وَتَسْلِبَ. سَتَضَعُ يَدَكَ عَلَى الخَرَائِبِ الَّتِي أُعِيدَ السَّكَنُ فِيهَا وَعَلَى شَعْبٍ جُمِعَ ثَانِيَةً مِنْ كُلِّ الأُمَمِ، شَعْبٍ يَمْلِكُ مَاشِيَةً وَأمْلَاكًا أُخْرَى وَيَعِيشُ فِي أفْضَلِ حَالٍ.› «تَقُولُ لَكَ سَبَأُ وَدَدَانُ وَتُجَّارُ تَرْشِيشَ وَكُلُّ مُحَارِبِيهَا: ‹هَلْ أتَيْتَ لِأخذِ غَنَائِمِ الحَرْبِ؟ هَلْ جَمَعْتَ جُيُوشَكَ لِأجْلِ النَّهبِ؟ هَلْ جِئتَ لِأخذِ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَمَاشِيَةٍ وَأمْلَاكٍ أُخْرَى؟ هَلْ أتيتَ لِأخذِ غَنَائِمِ حَرْبٍ كَثِيرَةٍ؟› «يَا إنْسَانُ، تَنَبَّأْ عَلَى جُوجٍ وَقُلْ: ‹هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، حِينَ يَكُونُ شَعْبِي مُسْتَقِرًّا بِأمَانٍ، سَتَرْفَعُ نَفْسَكَ. حِينَئِذٍ، سَتَأْتِي مِنْ مَكَانِكَ فِي أقْصَى الشِّمَالِ، وَسَتَكُونُ مَعَكَ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ. سَيُشَكِّلُونَ جُيُوشًا عَظِيمَةً، وَسَيَكُونُونَ جَمِيعًا فُرسَانًا مهَرَةً. ثُمَّ سَتَصْعَدُ عَلَى شَعْبِي كَسَحَابَةٍ تُغَطِّي الأرْضَ. يَا جُوجُ، سَآتِي بِكَ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ إلَى أرْضِي. سَأعمَلُ هَذَا لِتَعْرِفَ الأُمَمُ عَنِّي. سَيَحْدُثُ هَذَا حِينَ أستَخْدِمُكَ لِأُظهِرَ قَدَاسَتِي وَتَمَيُّزِي.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «قَبْلَ سَنَوَاتٍ، وَفِي مَرَّاتٍ سَابِقَةٍ، استَخْدَمتُ خُدَّامِي أنْبِيَاءَ إسْرَائِيلَ لِلحَدِيثِ عَنِ إنْسَانٍ سَآتِي بِهِ لِمُعَاقَبَةِ إسْرَائِيلَ. وَأنْتَ ذَلِكَ الإنْسَانُ! «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، الَّذِي يَأْتِي فِيهِ جُوجٌ إلَى أرْضِ إسْرَائِيلَ، سَتُثَارُ غَيْرَتِي عَلَى إسْرَائِيلَ وَسَأغضَبُ غَضَبًا شَدِيدًا. قَدْ تَكَلَّمْتُ بِغَضَبِي الشَّدِيدِ، وَأقسَمْتُ إنَّهُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ سَتَكُونُ هُنَاكَ هِزَّةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى أرْضِ إسْرَائِيلَ. فَسَيَرْتَجِفُ مِنْ حَضرَتِي سَمَكُ البَحْرِ وَطُيُورُ السَّمَاءِ وَحَيَوَانَاتُ الحُقُولِ وَالزَّوَاحِفُ وَكُلُّ إنْسَانٍ فِي تِلْكَ الأرْضِ. سَتُحَطَّمُ الجِبَالُ، وَتَسْقُطُ المُرتَفَعَاتُ، وَالأسوَارُ سَتُسَوَّى بِالأرْضِ. «حِينَئِذٍ، سَأدعُو المَوْتَ لِيَأْتِيَ عَلَى جِبَالِي ضِدَّهُ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ . وَسَيَرْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ سَيفَهُ فِي وَجْهِ أخِيهِ. حِينَئِذٍ، سَأُعَاقِبُهُ بِالأوبِئَةِ وَالدَّمِ وَالأمْطَارِ وَالعَوَاصِفِ الرَّعدِيَّةِ وَالبَرَدِ. سَأُمْطِرُ نَارًا وَكِبرِيتًا مُشْتَعِلًا عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ جُيُوشِهِ وَعَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي مَعَهُ. حِينَئِذٍ، سَأُظْهِرُ عَظَمَتِي وَقَدَاسَتِي، وَسأُعلِنُ ذَاتِي أمَامَ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ، فَيَعْرِفُونَ أنَّنِي أنَا اللهُ . «وَأنْتَ يَا إنْسَانُ، تَنَبَّأْ عَنْ جُوجٍ وَقُلْ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹أنَا ضِدُّكِ يَا جُوجُ – أيُّهَا الرَّئِيسُ الأعْلَى لِمَاشِكَ وَتُوبَالَ. سَأجعَلُكَ تُغَيِّرُ اتِّجَاهَكَ وَأقُودُكَ مِنْ أقْصَى الشِّمَالِ وَأُحضِرُكَ إلَى جِبَالِ إسْرَائِيلَ. سَأضرِبُ القَوسَ فَيَقَعُ مِنْ يَدِكَ اليُسرَى، وَتَقَعُ السِّهَامُ مِنْ يَدِكَ اليُمْنَى. وَعَلَى جِبَالِ إسْرَائِيلَ، سَتَسْقُطُ أنْتَ وَجَمِيعُ فِرَقِ جَيْشِكَ وَكُلُّ الآخَرِينَ مَعَكَ وَتُقتَلُونَ. وَسَأترُكُكَ لِتَكُونَ طَعَامًا لِكُلِّ أنْوَاعِ الطُّيُورِ الجَارِحَةِ وَلِكُلِّ حَيَوَانَاتِ السُّهُولِ البَرِّيَّةِ. فَسَتَسْقُطُونَ فِي السُّهُولِ المَكشُوفَةِ. لِأنِّي تَكَلَّمْتُ.› يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «سَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى أرْضِ جُوجٍ وَعَلَى سُكَّانِ المَنَاطِقِ السَّاحِلِيَّةِ السَّاكِنَةِ بِأمَانٍ. حِينَئِذٍ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا اللهُ . فَهَكَذَا سَأُقدِّسُ اسْمِي وَأجعَلُهُ مَعْرُوفًا وَسَطَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ، وَلَنْ أسمَحَ بِأنْ يَتَنَجَّسَ اسْمِي ثَانِيَةً. سَتَعْرِفُ كُلُّ الأُمَمِ أنَّنِي أنَا اللهُ ، قُدُّوسُ إسْرَائِيلَ. سَيَأْتِي ذَلِكَ اليَوْمُ! يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . هَذَا هُوَ اليَوْمُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ عَنْهُ. «حِينَئِذٍ، سَيَخْرُجُ سُكَّانُ مُدُنِ إسْرَائِيلَ إلَى سَاحَةِ المَعْرَكَةِ، وَيُوقِدُونَ النَّارَ وَيُحْرِقُونَ الأسْلِحَةَ وَالتُّرُوسَ وَالخَطَاطِيفَ وَالأقْوَاسَ وَالسِّهَامَ وَالعِصِيَّ وَالرِّمَاحَ. وَسَيَقُومُونَ بِحَرْقِهَا مُدَّةَ سَبعِ سَنَوَاتٍ. لَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ أنْ يُحْضِرُوا خَشَبًا مِنَ الحُقُولِ أوِ الغَابَاتِ، أوْ أنْ يَقْطَعُوا أيَّةَ شَجَرَةٍ لِأنَّهُمْ سَيَسْتَخْدِمُونَ الأسْلِحةَ كَوَقُودٍ لِلنَّارِ. سَيَسْلِبُونَ الَّذِينَ أتَوْا لَيَسْلِبُوهُمْ، وَيَنْهَبُونَ الَّذِينَ أتَوْا لِيَنْهَبُوهُمْ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُعَيِّنُ مَكَانَ دَفنٍ لِجُوجٍ فِي إسْرَائِيلَ، وَسَيَكُونُ هَذَا المَكَانُ هُوَ وَادِي المُسَافِرِينَ، إلَى الشَّرقِ مِنَ البَحْرِ . وَسَتُغلِقُ قُبُورُ ذَلِكَ الوَادِي الطَّرِيقَ أمَامَ المُسَافِرِينَ، حَيْثُ سَيَدْفِنُ بَنُو إسْرَائِيلَ جُوجًا وَجُيُوشَهُ الكَبِيرَةَ هُنَاكَ. وَسَيغَيِّرُونَ اسْمَهُ إلَى ‹وَادِي جُيُوشِ جُوجٍ.› سَيَحتَاجُونَ إلَى سَبْعَةِ شُهُورٍ لِدَفنِهِمْ حَتَّى يُطَهِّرُوا الأرْضَ. سَيَدْفِنُهُمْ شَعْبُ الأرْضِ، وَسَيَذِيعُ صِيتُهُمْ فِي اليَوْمِ الَّذِي أجْلِبُ المَجْدَ فِيهِ لِنَفْسِي.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «وَسَتَكُونُ هُنَاكَ مَجمُوعَةٌ لِلبَحْثِ عَنِ القَتلَى الَّذِينَ مَا زَالُوا مُلقَينَ فِي الأرْضِ، حَتَّى يُطَهِّرُوا الأرْضَ. وَفِي نِهَايَةِ السَّبعَةِ شُهُورٍ، سَتَبْدَأُ المَجْمُوعَةُ عَمَلَهَا. وَإنْ رَأى أيُّ عَابِرٍ عَظْمًا بَشَرِيًّا، فَعَلَيْهِ أنْ يَضَعَ عَلَامَةً حَتَّى يَأْتِيَ الفَرِيقُ المَسْؤُولُ عَنِ الدَّفنِ وَيَدْفِنُونَهُ فِي وَادِي المَوْتَى. وَسَيَكُونُ اسْمُ المَقبَرَةِ هَمُونَةُ، وَبِعَمَلِهِمْ ذَلِكَ سَيُطَهِّرُونَ الأرْضَ.» «أمَّا أنْتَ يَا إنْسَانُ، فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹قُلْ لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَالحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ المُختَلِفَةِ: تَعَالَيْ! تَجَمَّعِي مِنْ كُلِّ مَكَانٍ! تَعَالَيْ إلَى الذَّبِيحَةِ الَّتِي ذَبَحتُهَا وَأعدَدتُهَا لَكِ! هُنَاكَ وَلِيمَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى جِبَالِ إسْرَائِيلَ. تَعَالَيْ وَكُلَي لَحْمًا وَاشرَبِي دَمًا. سَتَأْكُلِينَ لَحْمَ مُقَاتِلِينَ، وَتَشْرَبِينَ دَمَ نُبَلَاءٍ! كُلُّهُمْ كَكِبَاشِ المَرَاعِي المُسَمَّنَةِ، وَكَتُيُوسِ وَثِيرَانِ مَرَاعِي بَاشَانَ الخَضْرَاءِ. سَتَأْكُلِينَ شَحمًا حَتَّى تَشْبَعِي، وَسَتَشْرَبِينَ دَمًا حَتَّى تَسْكَرِي مِنَ الذَّبِيحَةِ الَّتِي أعدَدتُهَا لَكِ. سَتَأْكُلِينَ وَتَشْبَعِينَ عَلَى مَائِدَتِي، إذْ سَتَأْكُلِينَ الفُرسَانَ وَسَائِقِي المَرْكَبَاتِ وَالمُقَاتِلِينَ وَكُلَّ رِجَالِ الحَرْبِ.› يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ .» «ثُمَّ سَأُظهِرُ مَجْدِي وَسَطَ كُلِّ الأُمَمِ، وَسَتَرَى كُلُّ الأُمَمِ حُكمِي الَّذِي نَفَّذتُهُ، وَسَيَرَوْنَ قُوَّتِي الَّتِي سَأُظهِرُهَا ضِدَّهُمْ. وَلِذَا، مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ فَصَاعِدًا، سَيَعْرِفُ بَنُو إسْرَائِيلَ أنِّي أنَا . حِينَئِذٍ، سَتَعْرِفُ كُلُّ الأُمَمِ أنِّي أنَا وَرَاءَ سَبْيِ بَنِي إسْرَائِيلَ بِسَبَبِ خَطَايَاهُمْ، وَلِأنَّهُمْ عَصَوْنِي وَتَمَرَّدُوا عَلَيَّ. وَلِذَا ابْتَعَدتُ عَنْهُمْ وَأسلَمتُهُمْ لِأعْدَائِهِمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ بِالسُّيُوفِ. تَعَامَلْتُ مَعَهُمْ بِحَسَبِ جَرَائِمِهِمْ وَأعْمَالِهِمْ البَشِعَةِ، وَابْتَعَدْتَ عَنْهُمْ.» لِهَذَا، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَأُعِيدُ مَجْدَ يَعْقُوبَ وَمَا أُخِذَ مِنْهُ، وَسَأتَعَامَلُ بِمَحَبَّتِي مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَبِغَيْرَتِي عَلَى اسْمِي القُدُّوسِ. وَحِينَ يَعُودُونَ إلَى أمَانِ أرْضِهِمْ، حَيْثُ لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يُخِيفُهُمْ، سَيَزُولُ عَارُهُمْ، وَسَيَنْتَهِي تَمَرُّدُهِمْ عَلَيَّ! سَيَتِمُّ ذَلِكَ حِينَ أُعِيدُهُمْ مِنْ وَسَطِ الأُمَمِ الأجنَبِيَّةِ وَأجمَعُهُمْ مِنْ أرَاضِي أعْدَائِهِمْ وَحِينَ تَرَاهُمُ الأُمَمُ الكَثِيرَةُ وَهُمْ يُقَدِّمُونَ لِي مَا أستَحِقُّهُ مِنَ التَّقدِيسِ وَالِاحتِرَامِ. فَبَعدَ سَبيِي لَهُمْ إلَى وَسَطِ الأُمَمِ، وَإعَادَتِي لَهُمْ جَمِيعًا إلَى أرْضِهِمْ، سَيَعْرِفُونَ أنِّي أنَا ! وَلَنْ أترُكَ أحَدًا مِنْهُمْ هُنَاكَ فِيمَا بَعْدُ. حِينَئِذٍ، لَنْ أبتَعِدَ عَنْهُمْ لِأنِّي سَأكُونُ قَدْ سَكَبْتُ رُوحِي عَلَيْهِمْ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنَ السَّبْيِ، وَهِيَ السَّنَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ لَهَزِيمَةِ القُدْسِ وَخَرَابِهَا، أتَتْ عَلَيَّ يَدُ اللهِ ، فَحَمَلَنِي إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. حَمَلَنِي بِالرُّؤَى الإلَهِيَّةِ إلَى أرْضِ إسْرَائِيلَ، وَوَضَعَنِي عَلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدًّا عَلَى نَاحِيَتِهِ الجَنُوبِيَّةِ أبنِيَةٌ بَدَتْ كَأنَّهَا مَدِينَةٌ. أخَذَنِي نَحْوَ ذَلِكَ المَكَانِ، فَرَأيْتُ رَجُلًا مَنظَرُهُ كَالبُرُونْزِ اللَّامِعِ، وَفِي يَدِهِ خَيْطُ قِيَاسٍ وَعَصَا قِيَاسٍ، يَقِفُ عِنْدَ البَوَّابَةِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: «يَا إنْسَانُ، انْظُرْ بِعَيْنَيْكَ وَاستَمِعْ بِأُذُنَيكَ وَانتَبِه بِذِهْنِكَ إلَى كُلِّ مَا سَأُرِيهِ لَكَ. فَقَدْ أُرْسِلْتُ إلَى هُنَا لِأُرِيكَ هَذِهِ الأُمُورَ، وَلِكَي تُخْبِرَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِكُلِّ مَا تَرَاهُ.» رأيتُ سُورًا يُحِيطُ بِالهَيْكَلِ بِالْكَامِلِ. وَكَانَ فِي يَدِ الرَّجُلِ عَصَا قِيَاسٍ طُولُهَا سِتُّ أذْرُعٍ طَوِيلَةٍ – كُلُّ ذِرَاعٍ طَوِيلَةٍ تُعَادِلُ ذِرَاعًا قَصِيرَةً وَكَفًّا وَاحِدَةً – فَقَاسَ سُمْكَ الدِّهلِيزِ، فَكَانَ سُمْكُهُ عَصَا قِيَاسٍ وَاحِدَةً وَارتِفَاعُهُ عَصَا قِيَاسٍ وَاحِدَةً. وَحِينَ أتَى إلَى البَوَّابَةِ الَّتِي نَحْوَ الشَّرقِ، صَعِدَ دَرَجَاتِهَا. وَقَاسَ عَرْضَ عَتَبَةِ البَوَّابَةِ، فَكَانَ عَصَا قِيَاسٍ وَاحِدَةً، وَقاسَ عَرْضَ العَتَبَةِ الثَّانِيَةِ، فَكانَ عَصَا قِيَاسٍ وَاحِدَةً أيْضًا. وَقَاسَ أبعَادَ الحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ، فَكَانَ طُولُهَا عَصَا قِيَاسٍ وَاحِدَةً، وَعرْضُهَا عَصَا قِيَاسٍ وَاحِدَةً. وَيَجْمَعُ الحُجُرَاتِ جِدَارٌ سُمكُهُ خَمسُ أذْرُعٍ. وَعَرْضُ عَتَبَةِ البَوَّابَةِ الدَّاخِلِيَّةِ الوَاقِعَةِ عِنْدَ دِهْلِيزِ البَوَّابَةِ عَصَا قِيَاسٍ وَاحِدَةٍ. وَقَاسَ مَدخَلَ البَوَّابَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَكَانَ عَرْضُهُ ثَمَانِي أذْرُعٍ، وَجُدرَانُهُ الجَّانِبِيَّةُ ذِرَاعَيْنِ. هَذَا هُوَ دِهلِيزُ البَوَّابَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. أمَّا الحُجُرَاتُ الَّتِي فِي مَمَرِّ البَوَّابَةِ الشَّرقِيَّةِ، فَهِيَ ثَلَاثُ حُجُرَاتٍ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنَ جَانِبَيِّ المَمَرِّ. وَكَانَتْ لِجَمِيعِ الحُجُرَاتِ المَقَايِيسُ نَفْسُهَا، وَلِجُدرَانِهَا الجَّانِبِيَّةِ المَقَايِيسُ نَفْسُهَا فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ. وَقَاسَ مَدخَلَ البَوَّابَةِ، فَكَانَ عَرْضُهُ عَشرَ أذْرُعٍ، وَطُولُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا. وَكَانَ ارتِفَاعُ الجِدَارِ المُنخَفِضِ الَّذِي أمَامَ الحُجُرَاتِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً، وَسُمْكُهُ ذِرَاعًا وَاحِدَةً. أمَّا الحُجُرَاتُ فَكَانَتْ مَرَبَّعَةً: سِتَّ أذْرُعٍ طُولًا وَعَرْضًا. وَقَاسَ مَمَرَّ البَوَّابَةِ مِنْ طَرَفِ سَقْفِ حُجْرَةٍ إلَى طَرَفِ سَقْفِ الحُجْرَةِ المُقَابِلَةِ، فَكَانَ عَرْضُ المَمَرِّ خَمْسًا وَعِشرِينَ ذِرَاعًا. وَالحُجُرَاتُ وَأبوَابُهَا مُتَقَابِلةً. ثُمَّ قَاسَ المَسَافَةَ بَيْنَ عَارِضَةِ البَوَّابَةِ الخَارِجِيَّةِ وَعَارِضَةِ السَّاحَةِ المُحِيطَةِ بِالبَوَّابَةِ، فَكَانَتْ سِتِّينَ ذِرَاعًا. أمَّا المَسَافَةُ مِنْ وَاجِهَةِ البَوَّابَةِ الخَارِجِيَّةِ إلَى وَاجِهَةِ دِهْلِيزِ البَوَّابَةِ الدَّاخِلِيَّةِ فَكانَتْ خَمْسِينَ ذِرَاعًا. وَلِلحُجُرَاتِ وَالجُدرَانِ الجَانِبِيَّةِ نَوَافِذُ وَاسِعَةٌ مِنَ الدَّاخِلِ وَضَيِّقَةٌ مِنَ الخَارِجِ، مِنْ دَاخِلِ مَمَرِّ البَوَّابَةِ. وَهَكَذَا الأمْرُ بِالنِّسبَةِ لِلدِّهلِيزِ، لَهُ نَوَافِذُ وَاسِعَةٌ مِنَ الدَّاخِلِ وَضَيِّقَةٌ مِنَ الخَارِجِ. وَكَانَتِ الجُدْرانُ الجانِبِيَّةُ مُزَيَّنَةً بِنُقُوشِ أشْجَارِ نَخِيلٍ نَافِرَةٍ. ثُمَّ أخَذَنِي إلَى السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ، فَرَأيْتُ ثَلَاثِينَ حُجْرَةً وَرَصِيفًا حَوْلَ كُلِّ السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَكَانَتْ أبوَابُ الحُجُرَاتِ فِي السَّاحَةِ. وَكَانَ عَرْضُ الرِّصِيفِ الأسْفَلِ بِطُولِ البَوَّابَةِ، وَكَانَ يُغَطِّي المِنْطَقَةَ مَا بَيْنَ الحُجُرَاتِ عَلَى طُولِ السُّورِ وَالطَرَفِ الدَّاخِلِيِّ لِلبَوَّابَةِ. ثُمَّ قَاسَ عَرْضَ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ مِنْ طَرَفِ الرَّصِيفِ السُّفلِيِّ وَحَتَّى الطَرَفِ الخَارِجِيِّ لِلسَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَكَانَ مِئَةَ ذِرَاعٍ. وَكَانَتِ الجِّهَةُ الشِّمَالِيَّةُ مِثْلَ الجِّهَةِ الشَّرقِيَّةِ. وَقَاسَ الرَّجُلُ طُولَ البَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ لِلسَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ وَعَرْضَهَا. وَكَانَ لِتِلْكَ السَّاحَةِ ثَلَاثُ حُجُرَاتٍ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَانِبَيهَا، وَمَقَايِيسُ قَاعَتِهَا مِثْلَ مَقَايِيسِ قَاعَةِ البَوَّابَةِ الأُولَى. طُولُ مَمَرِّ البَوَّابَةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا. أمَّا مَقَايِيسُ النَّوَافِذِ وَالأروِقَةِ وَأشْجَارِ النَّخِيلِ، فَمِثْلُ مَقَايِيسِ البَوَّابَةِ الشَّرقِيَّةِ. وَكَانَ يُصْعَدُ إلَى الدِّهلِيزِ الخَارِجِيِّ بَسَبْعِ دَرَجاتٍ. وَمُقَابِلَ البَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ – كَمَا هُوَ الحَالُ فِي الشَّرقِيَّةِ – هَنَاكَ بَوَّابَةٌ تَقُودُ إلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. فَقَاسَ المَسَافَةَ بَيْنَ البَوَّابَتَيْنِ، فَكَانَتْ مِئَةَ ذِرَاعٍ. ثُمَّ أخَذَنِي إلَى الجِّهَةِ الجَنُوبِيَّةِ مِنَ السَّاحَةِ، فَكَانَ هُنَاكَ بَوَّابَةٌ ثَالِثَةٌ. فَقَاسَ الرَّجُلُ الجُدرَانَ الجَانِبِيَّةَ وَالأروِقَةَ، فَكَانَتْ مِثْلَ مَقَايِيسِ البَوَّابَاتِ الأُخرَى. وَكَانَتْ هُنَاكَ نَوَافِذُ وَاسِعَةٌ مِنَ الدَّاخِلِ وَضَيِّقَةٌ مِنَ الخَارِجِ حَوْلَ البَوَّابَةِ وَأروِقَتِهَا، تَمَامًا كَالْبَوَّابَاتِ الأُخْرَى. وَكَانَ طُولُ مَمَرِّ البَوَّابَةِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا. وَكَانَتْ هُنَاكَ سَبْعُ دَرَجَاتٍ لِلصُّعُودِ إلَى الدِّهلِيزِ الخَارِجِيِّ، وَنُقُوشٌ نَافِرَةٌ لِأشْجَارِ نَخِيلٍ عَلَى الجُدْرانِ الدَّاخِلِيَةِ للْبَوَّابَةِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ بَوَّابَةٌ جَنُوبَ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَقَاسَ المَسَافَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ البَوَّابَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَكَانَتْ مِئَةَ ذِرَاعٍ. ثُمَّ أخَذَنِي عَبْرَ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ عَبْرَ البَوَّابَةِ الجَنُوبِيَّةِ. وَقَاسَ الرَّجُلُ البَوَّابَةَ الجَنُوبِيَّةَ، فَكَانَتْ مَقَايِيسُهَا مِثْلَ البَوَّابَاتِ الأُخرَى. وَمَقَايِيسُ حُجُرَاتِهَا وَجُدرَانِهَا الجَّانِبِيَّةِ وَدِهلِيزِهَا كَمَقَايِيسِ البَوَّابَاتِ الأُخرَى. وَكَانَتْ لَها نَوَافِذُ حَوْلَهَا كَالْبَوَّابَاتِ الأُخْرَى. فَكَانَ طُولُهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهَا خَمسًا وَعِشرِينَ ذِرَاعًا. وَكَانَتْ هُنَاكَ قَاعَةٌ عَلَى جَانِبَيِّ البَوَّابَةِ، طُولُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهَا خَمْسُ أذْرُعٍ. وَهِيَ القَاعَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ. وَهُنَاكَ نَقشٌ نَافِرٌ لِأشْجَارِ نَخِيلٍ عَلَى عَوَارِضِ البَوَّابَةِ المُؤدِّيَةِ إلَى القَاعَةِ، وَلِلبَوَّابَةِ ثَمَانِي دَرَجَاتٍ. ثُمَّ أخَذَنِي إلَى البَوَّابَةِ الشَّرقِيَّةِ الَّتِي تَقُودُ إلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَكَانَتْ مَقَايِيسُ تِلْكَ البَوَّابَةِ كَمَقَايِيسِ البَوَّابَاتِ الأُخرَى. وَكَانَتْ مَقَايِيسُ حُجُرَاتِهَا وَجُدرَانِهَا القَصِيرَةِ وَمَمَرَّاتِهَا مِثْلَ البَقِيَّةِ. وَلَهَا نَوَافِذُ وَاسِعَةٌ مِنَ الدَّاخِلِ وَضَيِّقَةٌ مِنَ الخَارِجِ وَمَمَرَّاتٌ. طُولُ مَمَرِّ البَوَّابَاتِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرونَ ذِرَاعًا. كانَتْ قَاعَتُهَا الخَارِجِيَّةُ عِنْدَ الطَّرَفِ الدَّاخِلِيِّ لِلسَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَعَلَى عَارِضَتِيِّ البَوَّابةِ مِنَ الجَانِبَينِ نَقشٌ نَافِرٌ لِأشْجَارِ نَخِيلٍ. وَلِكُلِّ بَوَّابَةٍ ثَمَانِي دَرَجَاتٍ تَقُودُ إلَى القَاعَةِ. ثُمَّ أخَذَنِي إلَى البَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ، فَكَانَتْ مَقَايِيسُهَا مِثْلَ البَوَّابَاتِ الأُخرَى. وَكَانَتْ لَهَا حُجُرَاتٌ وَأروِقَةٌ وَنَوَافِذُ وَاسِعَةٌ مِنَ الدَّاخِلِ وَضَيِّقَةٌ مِنَ الخَارِجِ، كَالبَوَّابَاتِ الأُخرَى. طُولُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِراعًا. وَعَلَى الجُدْرانِ الدَّاخِلِيَّةِ لِلبَوَّابَاتِ المُواجِهَةِ لِلسَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ نُقُوشٌ نَافِرَةٌ لِأشْجَارِ نَخِيلٍ. وَكَانَ يُصعَدُ إلَيْهَا بِثَمَانِي دَرَجَاتٍ. وَكَانَ فِي أروِقَةِ البَوَّابَاتِ مَمَرٌّ يَقُودُ إلَى الحُجُرَاتِ الَّتِي كَانَ الكَهَنَةُ يَغْسِلونَ فِيهَا الذَّبَائِحَ. وَكَانَ فِي دِهْلِيزِ البَوَّابَةِ طَاوِلَتَانِ عَلَى كُلِّ جِهَةٍ مِنَ المَدخَلِ لِلذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَذَبَائِحِ الخَطيَّةِ وَذَبَائِحِ الذَّنْبِ. وَفِي الجِّهَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَفِي نِهَايَةِ الدَّرَجِ المُؤَدِّي إلَى البَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ كَانَتْ هُنَاكَ طَاوِلَتَانِ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنْ دِهْلِيزِ البَّوَّابَةِ. أيْ أرْبَعُ طَاوِلَاتٍ فِي الخَارِجِ وَأرْبَعٌ فِي الدَّاخِلِ بِجَانِبِ مَدْخَلِ الدِّهلِيزِ. وَكَانَتِ الذَّبَائِحُ تُذبَحُ عَلَى تِلْكَ الطَّاوِلَاتِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ أرْبَعُ طَاوِلَاتٍ للذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ مَصْنُوعَةً مِنْ حَجَرٍ مَنحُوتٍ، طُولُهَا ذِرَاعٌ وَنِصفُ الذِّرَاعِ، وَعَرْضُهَا ذِرَاعٌ وَنِصفُ الذِّرَاعِ، وَارتِفَاعُهَا ذِرَاعٌ وَاحِدَةٌ. وَكَانُوا يَضَعُونَ عَلَى هَذِهِ الطَّاوِلَاتِ الأدَوَاتِ المُسْتَخْدَمَةَ فِي ذَبحِ الذَّبَائِحِ المُختَلِفَةِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ خَطَاطِيفُ طُولُهَا شِبرٌ حَوْلَ مُحِيطِ الدِّهلِيزِ، وَلَكِنَّ المَوَائِدَ كَانَتِ لِلَحْمِ التَّقدِمَاتِ وَالقَرَابِينِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ حُجرَتَانِ لِلقَادَةِ عِنْدَ بَوَّابَةِ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، إحْدَاهُمَا مُتَصْلِةٌ بِالبَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ وَتُواجِهُ الجَنُوبَ، وَالثَّانِيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِالبَوَّابَةِ الجَنُوبِيَّةِ، وَتُواجِهُ الشِّمَالَ. فَقَالَ لِيَ الرَّجُلُ: «الحُجْرَةُ الَّتِي بِاتِّجَاهِ الجَنُوبِ هِي لِلكَهَنَةِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ حِرَاسَةُ وَخِدْمَةُ الهَيْكَلِ. أمَّا الحُجرَةُ الَّتِي بِاتِّجَاهِ الشِّمَالِ، فَهِيَ لِلكَهَنَةِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ حِرَاسَةُ وَخِدْمَةُ المَذْبَحِ. هَؤُلَاءِ الكَهَنةُ مِنْ نَسْلِ صَادُوقَ، وَهُمُ الوَحِيدُونَ مِنْ قَبِيلَةِ لَاوِي الَّذِينَ يُسْمَحُ لَهُمُ بِالِاقْتِرَابِ مِنَ حَضْرَةِ اللهِ لِخِدْمَتِهِ.» ثُمَّ قَاسَ السَّاحَةَ الدَّاخِلِيَّةَ، فَكَانَتْ مُرَبَّعَةً، طُولُهَا مِئَةُ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهَا مِئَةُ ذِرَاعٍ. وَكَانَ المَذْبَحُ أمَامَ الهَيْكَلِ مُبَاشَرَةً. ثُمَّ أخَذَنِي إلَى دِهْلِيزِ الهَيْكَلِ. فَقَاسَ الجُدرَانَ الجَانِبِيَّةَ لِلدِهلِيزِ، فَكَانَ عرْضُهَا خَمْسَ أذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَعَرْضُ البَوَّابَةِ ثَلَاثَ أذْرُعٍ مِنَ الجِّهَتَيْنِ. وَكَانَ طُولُ الدِّهلِيزِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ اثنَتَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا. وَكَانَ يُصْعَدُ إلَى الدِّهلِيزِ بِعَشْرِ دَرَجاتٍ. وَعَلَى الجُدْرانِ الجانِبِيَّةِ أعْمِدَةٌ مِنْ هُنَا وَمِنْ هَنَاكَ. ثُمَّ أخَذَنِي الرَّجُلُ إلَى الهَيْكَلِ نَفْسِهِ. وَقَاسَ الجُدرَانَ الجَانِبِيَّةَ، فَكَانَ سُمْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَتَّ أذْرُعٍ. وَكَانَ عَرْضُ المَدخَلِ عَشْرَ أذْرُعٍ. فَكَانَ جَانِبَا المَدخَلِ بِطُولِ خَمسِ أذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَقَاسَ هَذِهِ الحُجرَةَ، فَكَانَ طُولُهَا أرْبَعِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا عِشْرِينَ ذِرَاعًا. وَدَخَلَ إلَى الحُجرَةِ الدَّاخِلِيَّةِ وَقَاسَ الحَائِطَينِ الجَانِبِيَيْنِ، فَكَانَ الوَاحِدُ بِسُمْكِ ذِرَاعَيْنِ، وَبِارتِفَاعِ سِتِّ أذْرُعٍ. أمَّا طُولُ المَدخَلِ نَفْسِهِ فَكَانَ سَبْعَ أذْرُعٍ. وَقَاسَ طُولَ الحُجرَةِ، فَكَانَ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَكَانَ عَرْضُهَا عِند الجِدَارِ الَّذِي يَفْصِلُهَا عَنِ الحُجرَةِ الخَارِجِيَّةِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا. ثُمَّ قَالَ لِي: «هَذَا هُوَ قُدْسُ الأقْدَاسِ.» ثُمَّ قَاسَ سُمْكَ جِدَارِ الهَيْكَلِ، فَكَانَ سِتَّ أذْرُعٍ. وَكَانَتْ هُنَاكَ حُجُرَاتٌ جَانِبِيَّةٌ حَوْلَ الهَيْكَلِ مِنَ الخَارِجِ. وَكَانَ عَرْضُ هَذِهِ الحُجُرَاتِ أرْبَعَ أذْرُعٍ. وَكَانَتْ هَذِهِ الحُجُرَاتُ فِي ثَلَاثَةِ طَوَابِقَ، بِحَيْثُ كَانَ فِي كُلِّ طَابِقٍ ثَلَاثُونَ حُجرَةً. وَكَانَ هُنَاكَ بُرُوزَاتٌ مِنْ جِدَارِ الهَيْكَلِ تَدْعَمُ هَذِهِ الحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةَ. وَكَانَتِ الجُسُورُ الأفُقِيَّةُ لِلحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ تَعْتَمِدُ عَلَى هَذِهِ البُرُوزَاتِ، وَلَمْ تَكُنْ مُرتَبِطَةً بِجِدَارِ الهَيْكَلِ نَفْسِهِ. وَكَانَتِ الحُجُرَاتُ الجَانِبِيَّةُ تَلُفُّ كُلَّ جَوَانِبِ الهَيْكَلِ. لِهَذَا كَانَتِ الغُرَفُ أكْثَرَ عَرْضًا فِي الأعْلَى. وَهُنَاكَ دَرَجٌ يَقُودُ مِنَ الطَّابِقِ السُّفلِيِّ إلَى الأوسَطِ وَمِنْ ثُمَّ إلَى الطَّابِقِ الأعْلَى. وَرَأيْتُ قَاعِدَةً حَوْلَ الهَيْكَلِ كَانَتْ أسَاسَ الحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ، وَكَانَتْ بَارتِفَاعِ عَصَا قِيَاسٍ كَامِلَةٍ. وَكَانَ سُمْكُ الجِدَارِ الخَارِجِيِّ لِلحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ خَمْسَ أذْرُعٍ. وَكَانَتْ هُنَاكِ مِنطَقَةٌ مَفْتُوحَةٌ بَيْنَ حُجُرَاتِ الهَيْكَلِ الجَانِبِيَّةِ وَحُجُرَاتِ الكَهَنَةِ، الَّتِي عَلَى طُولِ جِدَارِ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَكَانَ عَرْضُهَا عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَكَانَتْ تُحِيطُ بِالهَيْكَلِ. وَكَانَ بَابُ الحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ مِنْ جِهَةِ القَاعِدَةِ المُرْتَفِعَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ مَدخَلٌ لِلحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ عَلَى الجِّهَةِ الشِّمَالِيَّةِ وَآخَرُ عَلَى الجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ. وَكَانَتِ القَاعِدَةُ المُرْتَفِعَةُ بِعَرْضِ خَمسِ أذْرُعٍ. وَكَانَ هُنَاكَ مَبنَىً مِنَ النَّاحِيَةِ الغَربِيَّةِ مِنَ الهَيْكَلِ. كَانَ عَرْضُ هَذَا المَبنَى سَبعِينَ ذِرَاعًا، وَطُولُهُ تِسْعِينَ ذِرَاعًا. وَكَانَ سُمْكُ جُدرَانِهِ خَمْسَ أذْرُعٍ تُحِيطُ بِكُلِّ المَبنَى. وَقَاسَ الهَيْكَلَ، فَكَانَ طُولُهُ مِئَةَ ذِرَاعٍ، وَكَانَ طُولُ المَبْنَى الغَرْبِيِّ وَالسَّاحَةِ المَحصُورَةِ مِئَةَ ذِرَاعٍ أيْضًا. وَكَانَ عَرْضُ وَاجِهَةِ الهَيْكَلِ وَالسَّاحَةِ مِنَ النَّاحِيَةِ الشَّرقِيَّةِ مِئَةَ ذِرَاعٍ. ثُمَّ قَاسَ عُمْقَ المَبْنَى فِي المِنْطَقَةِ المُحَرَّمَةِ فِي مُؤَخَّرِ المَبْنَى، فَكَانَ مِئَةَ ذِرَاعٍ مِنَ الجِدَارِ إلَى الجِدَارِ. كَانَ قُدْسُ الأقْدَاسِ وَالقُدْسُ وَأرْوِقَةُ سَاحَةِ الهَيْكَلِ وَالعَتَبَاتُ وَالنَّوَافِذُ الوَاسِعَةُ مِنَ الدَّاخِلِ وَالضَّيِّقَةُ مِنَ الخَارِجِ وَالطَّوَابِقُ الثَّلَاثَةُ مِنَ المَمَرَّاتِ، كُلُّهَا مُغَطَّاةً بِألوَاحٍ خَشَبِيَّةٍ عِنْدَ العَتَبَاتِ وَحَوْلَ كُلِّ الهَيْكَلِ، وَمِنَ الأرْضِيَّةِ وَحَتَّى النَّوَافِذِ. وَكَانَتْ نَوَافِذُ الجُزءِ الأعْلَى مِنَ الجِدَارِ أعْلَى مِنَ المَمَرِّ، وَهِيَ مُغَطَّاةٌ بِألوَاحٍ خَشَبِيَّةٍ أيْضًا. وَعَلَى جَمِيعِ جُدرَانِ قُدْسِ الأقْدَاسِ وَخَارِجِهِ، نُقُوشٌ نَافِرَةٌ لِكَرُوبِيمَ وَأشْجَارِ نَخِيلٍ: شَجَرَةُ نَخِيلٍ بَيْنَ كُلِّ كَرُوبَينِ، وَلِكُلِّ كَرُوبٍ وَجْهَانِ، أحَدُهُمَا وَجْهُ إنْسَانٍ يَنْظُرُ إلَى شَجَرَةِ النَّخِيلِ الَّتِي بِجِوَارِهِ، وَالآخَرُ وَجْهُ أسَدٍ يَنْظُرُ إلَى شَجَرَةِ النَّخِيلِ الَّتِي بِجِوارِه. وَكَانَتْ هَذِهِ الصُّوَرُ مَنقُوشَةً عَلَى الجُدرَانِ حَوْلَ الهَيْكَلِ مِنْ أسفَلِ المَبنَى إلَى مَا فَوْقَ المَدخَلِ. وَكَذَلِكَ عَلَى جُدرَانِ قُدْسِ الأقْدَاسِ. وَكَانَتْ عَوَارِضُ أبوَابِ القُدْسِ مُرَبَّعَةً. وَأمَامَ مَدْخَلِ قُدْسِ الأقْدَاسِ مَا بَدَا كَمَذْبَحٍ مِنَ الخَشَبِ، ارتِفَاعُهُ ثَلَاثُ أذْرُعٍ وَطُولُهُ ذِرَاعَانِ. وَكَانَتْ لَهُ زَوَايَا بَارِزَةٌ. وَقَاعِدَتُهُ وَجُدرَانُهُ مِنْ خَشَبٍ. فقَالَ لِيَ الرَّجُلُ: «هَذِهِ هِيَ المَائِدَةُ القَائِمَةُ فِي حَضْرَةِ اللهِ.» وَكَانَ لِكُلِّ مِنَ القُدْسِ وَقُدْسِ الأقْدَاسِ بَابٌ مُزدَوَجٌ يَتَكَوَّنُ مِنْ جُزأَيْنِ لَهُمَا مَفَاصِلُ يَنْطَوِيَانِ عَلَيْهَا. كَانَ عَلَى الأبوَابِ نَحتٌ لِكَرُوبِيمَ وَأشْجَارِ نَخِيلٍ، تَمَامًا كَمَا هُوَ عَلَى الجُدرَانِ. كَمَا كَانَ هُنَاكَ إطَارٌ عُلوِيٌّ بَارِزٌ عَلَى وَاجِهَةِ الدِّهلِيزِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ نَوَافِذُ تَضِيقُ بِالتَّدْرِيجِ، وَأشْجَارُ نَخِيلٍ مَنقُوشَةٌ عَلَى الجُدرَانِ عَلَى الوَاجِهَتَيْنِ، وَعَلَى جُدرَانِ القَاعَاتِ الجَانِبِيَّةِ. ثُمَّ أخرَجَنِي إلَى السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ مِنْ خِلَالِ البَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ، وَأخَذَنِي إلَى حُجرَةٍ مُقَابِلَ الهَيْكَلِ وَالمِنْطَقَةِ المُسَيَّجَةِ المَحْصُورَةِ فِي الشِّمَالِ. فَكَانَ طُولُ المَبنَى الَّذِي عِنْدَ البَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ مِئَةَ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهُ خَمْسِينَ ذرَاعًا. كَانَ ارْتِفَاعُ المَبْنَى بِقِسمَيهِ ثَلَاثَةَ طَوَابِقَ وَلَهُ شُرُفَاتٍ. القِسمُ الأوَّلُ يُقَابِلُ جُزْءًا مِنَ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ وَعَرْضُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَالقِسمُ الآخَرُ يُقَابِلُ رَصِيفَ السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ. وَأمَامَ المَبنَى ذِي الحُجَرَاتِ الكَثِيرَةِ، كَانَ هُنَاكَ مَمَرٌّ عَرْضُهُ عَشْرُ أذْرُعٍ وَطُولُهُ مِئَةُ ذِرَاعٍ يَقُودُ إلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَكَانَ مَدخَلُ هَذِهِ الحُجُرَاتِ مِنَ الجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ. وَكَانَتْ حُجُرَاتُ الطَّوَابِقِ العُليَا أقَلَّ عَرْضًا مِنْ حُجُرَاتِ الطَّوَابِقِ السُّفلَى، لِأنَّ الشُّرُفَاتِ تَحتَاجُ إلَى مَسَاحَةٍ أكبَرَ. فَكَانَ المَبنَى ذَا ثَلَاثَةِ طَوَابِقَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أعمِدَةٌ كَالأبنِيَةِ الأُخرَى فِي السَّاحَةِ. فَكُلَّمَا ارتَفَعَ البِنَاءُ طَابِقًا، كَانَتِ الحُجُرَاتُ تَضِيقُ بِسَبَبِ المَمَرَّاتِ. وَكَانَ هُنَاكَ جِدَارٌ قَصِيرٌ خَارِجَ الحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ بِاتِّجَاهِ السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ طُولُهُ خَمْسِينَ ذِرَاعًا. أمَّا طُولُ الحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ فِي السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ فَخَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَطُولُ الحُجُرَاتِ المُقَابِلَةِ لِلهَيْكَلِ مِئَةُ ذِرَاعٍ. وَتَحْتَ هَذِهِ الحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ، كَانَ هُنَاكَ المَدخَلُ الشَّرقِيُّ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى هَذِهِ المِنْطَقَةِ مِنَ السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ. وَعَلَى طُولِ الجِدَارِ الجَنُوبِيِّ لِلسَّاحَةِ، عِنْدَ المَمَرِّ المُؤَدِّي إلَى الشَّرقِ، أمَامَ المِنْطَقَةِ وَالمَبنَى المَحصُورَينِ، كَانَتْ هُنَاكَ المَزِيدُ مِنَ الحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ. وَكَانَ هُنَاكَ مَمَرُّ أمَامَهَا، مِثْلُ الحُجُرَاتِ الجَانِبِيَّةِ، الَّتِي تَقَعُ عَلَى المَمَرِّ الشِّمَالِيِّ. كَانَتِ الحُجُرَاتُ مُرَبَّعَةً. وَأمَّا بِالنِّسبَةِ لِلمَخَارِجِ، فَقَدْ عَمِلُوهَا مُشَابِهَةً لِلمَخَارِجِ الشِّمَالِيَّةِ. وَكَانَ المَدْخَلُ إلَى الحُجُرَاتِ السُّفلِيَّةِ فِي الطَّرَفِ الشَّرْقِيِّ لِلمَبْنَى، وَبِهَذَا كَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ مِنَ الطَّرَفِ المَفْتُوحِ المُؤَدِّي إلَى المَمَرِّ بَيْنَ جُزْأَيْ مَبْنَى الحُجُرَاتِ. حِينَئِذٍ، قَالَ لِيَ الرَّجُلُ: «الحُجُرَاتُ الشِّمَالِيَّةُ وَالجَنُوبِيَّةُ الَّتِي بِجِوَارِ المِنْطَقَةِ المَحَرَّمَةِ هِيَ حُجُرَاتُ مُخَصَّصَةٌ لِلكَهَنَةِ الَّذِينَ يُقَرِّبُونَ الذَّبَائِحَ إلَى اللهِ . هُنَاكَ يَضَعُ الكَهَنَةُ التَّقِدِمَاتِ الأعْظَمَ قَدَاسَةً – تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ وَذَبَائِحَ الخَطيَّةِ وَذَبَائحِ الذَّنْبِ، لِأنَّ ذَلِكَ المَكَانَ مُقَدَّسٌ. فَحِينَ يَأْتِي الكَهَنَةُ إلَى هَذِهِ المِنْطَقَةِ، لَا يُسْمَحُ لَهُمْ بِأنْ يَعُودُوا ثَانِيَةً إلَى السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ وَهُمْ يَرْتَدُونَ الثِّيَابَ المُقَدَّسَةَ. عَلَيْهِمْ خَلعُ الثِّيَابِ الَّتِي خَدَمُوا فِيهَا، وَارْتِدَاءُ ثِيَابٍ أُخْرَى. وَتُترَكُ تِلْكَ الثِّيَابُ فِي المِنْطَقَةِ المُقَدَّسَةِ لِأنَّهَا مُقَدَّسَةٌ. حِينَئِذٍ، يُمكِنُهُمْ أنْ يَخْرُجُوا إلَى حَيْثُ يَجْتَمِعُ النَّاسُ.» وَبَعْدَ أنْ أكمَلَ قِيَاسَ الجُزءِ الدَّاخِلِيِّ لِلهَيْكَلِ، أخرَجَنِي عَبْرَ البَوَّابَةِ الشَّرقِيَّة وَقَاسَ تِلْكَ المَنطِقَةِ. وَاستَخْدَمَ الرَّجُلُ عَصَا القِيَاسِ، وَقَاسَ الجِدَارَ الشَّرقِيَّ مِنَ الزَّاوِيَةِ إلَى الزَّاوِيَةِ، فَكَانَ خَمْسَ مِئَةِ ذِرَاعٍ. وَاستَخْدَمَ الرَّجُلُ عَصَا القِيَاسِ، وَقَاسَ الجِدَارَ الشِّمَالِيَّ، فَكَانَ خَمْسَ مِئَةِ ذِرَاعٍ. ثُمَّ قَاسَ الجِدَارَ الجُنُوبِيَّ فَكَانَ خَمْسَ مِئَةِ ذِرَاعٍ. ثُمَّ قَاسَ الجِدَارَ الغَرْبِيَّ فَكَانَ خَمْسَ مِئَةِ ذِرَاعٍ. وَقَاسَ الجِدَارَ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ، فَكَانَ الطُّولُ خَمْسَ مِئَةِ ذِرَاعٍ، وَالعَرْضُ خَمْسَ مِئَةِ ذِرَاعٍ أيْضًا. وَقَدْ بُنِيَ لِلفَصلِ بَيْنَ المِنْطَقَةِ المُقَدَّسَةِ وَالمِنْطَقَةِ العَادِيَّةِ. ثُمَّ أخَذَنِي إلَى البَوَّابَةِ الشَّرقِيَّةِ. فَرَأيْتُ هُنَاكَ مَجْدَ إلَهِ إسْرَائِيلَ آتِيًا مِنَ الشَّرقِ بِصَوْتٍ عَالٍ وَعَظِيمٍ، كَصَوْتِ البَحْرِ الهَائِجِ. وَأضَاءَتِ الأرْضُ مِنْ مَجْدِهِ. وَقَدْ كَانَتْ هَيئَةُ مَجْدِهِ حِينَ أتَى لِيُدَمِّرَ المَدِينَةَ مِثْلَمَا فِي الرُّؤيَا الَّتِي سَبَقَ أنْ رَأيْتُهَا عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَعِنْدَمَا رَأيْتُهُ سَقَطتُ وَوَجْهِي عَلَى الأرْضِ. ثُمَّ دَخَلَ مَجْدُ اللهِ إلَى الهَيْكَلِ عَبْرَ البَوَّابَةِ الشَّرقِيَّةِ. وَحِينَئذٍ رَفَعَنِي الرُّوحُ وَحَمَلَنِي إلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَكَانَ مَجْدُ اللهِ يَملأُ الهَيْكَلَ. وَعِنْدَئِذٍ سَمِعْتُ صَوْتًا يَتَكَلَّمُ إلَيَّ مِنْ دَاخِلِ الهَيْكَلِ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَقِفُ بِجَانِبِي. فَقَالَ لِي صَوْتٌ مِنَ الدَّاخِلِ: «يَا إنْسَانُ، هَذَا مَقَرُّ عَرشِي وَمَوطِئُ قَدَمِي مُنْذُ الآنِ، حَيْثُ سَأسكُنُ هُنَاكَ فِي وَسَطِ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى الأبَدِ. فَلَا يَنْبَغِي أنْ يُدَنِّسَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَلَا مُلُوكُهُمْ اسْمِي القُدُّوسَ بِعَدَمِ أمَانَتِهِمْ وَبِجُثَثِ مُلُوكِهِمِ. فقَدْ نَجَّسُوا اسْمِي القُدُّوسَ حِينَ وَضعُوا عَتَبَاتِ بُيُوتِهِمْ بِجِوَارِ عَتَبَتِي، وَحِينَ جَعَلُوا أُطُرَ أبوَابِهِمْ بِجِوَارِ إطَارِ بَابِي، وَحِينَ لَمْ يَكُنْ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَينَهُمْ سِوَى جِدَارٍ، وَحِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ الأُمُورَ الرَّهِيبَةَ الَّتِي عَمِلُوهَا، فَأغَضبُونِي بِهَا كَثِيرًا حَتَّى أهْلَكتُهُمْ! وَالْآنَ، لِيُزِيلُوا زِنَاهُمْ وَجُثَثَ مُلُوكِهِمْ مِنْ أمَامِي. حِينَئِذٍ، أسكُنُ فِي وَسَطِهِمْ إلَى الأبَدِ!» «يَا إنْسَانُ، كَلِّمْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَنِ الهَيْكَلِ حَتَّى يَخْجَلُوا وَيَتَذَلَّلُوا بِسَبَبِ الأُمُورِ الكَرِيهَةِ القَذِرَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا، فَيَعْمَلُوا مُخَطَّطَاتٍ دَقِيقَةً لَهُ. فَإنْ خَجِلُوا وَتَذَلَّلُوا بِسَبَبِ الأُمُورِ الَّتِي عَمِلُوهَا. حِينَئِذٍ، سَيُمْكِنُكَ أنْ تُخبِرَهُمْ بِشَكلِ الهَيْكَلِ وَمُخَطَّطَاتِهِ وَمَدَاخِلِهِ وَمَخَارِجِهِ وَكُلِّ القَوَاعِدِ وَالأنظِمَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بهِ، وَحِينَ تَكْتُبُ هَذِهِ الأُمُورَ فِي وُجُودِهِمْ، فَإنَّهُمْ سَيَحْفَظُونَ هَذِهِ الخُطَطَ وَالأنظِمَةَ وَيَعْمَلُونَ بِهَا. وَهَذَا هُوَ القَانُونُ المُتَعَلِّقُ بِالهَيْكَلِ: المِنْطَقَةُ المُحِيطَةُ بِالهَيْكَلِ عَلَى رَأسِ الجَبَلِ هِيَ قُدْسُ الأقْدَاسِ. هَذَا هُوَ القَانُونُ المُتَعَلِّقُ بِالهَيْكَلِ!» وَهَذِهِ هِيَ مَقَايِيسُ المَذْبَحِ، بِاسْتِخدَامِ مِقيَاسِ الذِّرَاعِ الطَّوِيلَةِ – كُلُّ ذِرَاعٍ طَويلَةٍ تُعَادِلُ ذِرَاعًا قَصِيرَةً وَكَفًّا وَاحِدِةً. عُمقُ القَنَاةِ المُحِيطَةِ بِالمَذْبَحِ ذِرَاعٌ وَعَرْضُهَا ذِرَاعٌ. وَلَهَا حَاشِيَةٌ عَرْضُهَا كَفُّ وَاحِدَةٌ حَوْلَ حَافَّةِ القَنَاةِ الَّتِي تَقَعُ أعْلَى المَذْبَحِ. وَمِنَ القَنَاةِ الَّتِي عَلَى الأرْضِ إلَى أعْلَى الحَافَّةِ السُّفلَى لِلمَذْبَحِ ذِرَاعَان، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ. وَمِنْ تِلْكَ الحَافَّةِ الصُّغرَى إلَى أعْلَى الحَافَّةِ الكُبرَى أرْبَعُ أذْرُعٍ، بِعَرْضِ ذِرَاعٍ. وَكَانَ المَوقِدُ بَارتِفَاعِ أرْبَعِ أذْرُعٍ. وَتَخْرُجُ مِنَ المَوقِدِ أرْبَعُ زَوَايَا تَتَّجِهُ إلَى الأعْلَى. وَكَانَ المَوقِدُ بِطُولِ اثنَتَيْ عَشْرَةَ ذِرَاعًا وَعَرْضِ اثنَتَيْ عَشْرَةَ ذِرَاعًا. كَانَ مُرَبَّعًا تَمَامًا. وَكَانَتْ حَافَّةُ المَوقِدِ مُرَبَّعَةٌ، بِطُولِ أرْبَعَ عَشْرةَ ذِرَاعًا وَعَرْضِ أرْبَعَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا. عَرْضُ الحَافَّةِ نِصفُ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُ القَنَاةِ المُحِيطَةِ بِالمَذْبَحِ ذِرَاعًا. وَكَانَتْ دَرَجَاتُ المَذْبَحِ تُواجِهُ الشَّرْقَ. حِينَئِذٍ، قَالَ لِيَ المَلَاكُ: «يَا إنْسَانُ، يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹هَذِهِ هِيَ التَّعلِيمَاتُ المُختَصَّةُ بِالمَذْبَحِ عِنْدَ صُنعِهِ لِتَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ وَسَفْكِ الدَّمِ. يُقَدَّمُ ثَورٌ عُمْرُهُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ لِذَبِيحَةِ الخَطِيَّةِ لِلكَهَنَةِ اللَّاوِيِّينَ مِنْ نَسْلِ صَادُوقَ، فَهُمْ مَنْ يُسْمَحُ لَهُمْ بِالِاقْتِرَابِ مِنِّي لِخِدمَتِي. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ .›» «وَهَكَذَا تُطَهِّرُ المَذْبَحَ وَتُكَفِّرُ عَنْهُ: خُذْ مِنْ دَمِ الثَّورِ وَضَعْهُ عَلَى القُرُونِ الأرْبَعَةِ لِلمَذْبَحِ وَعَلَى الزَّوَايَا المَوصُولَةِ بِقَنَاتِهِ وَحَافَّتِهِ. ثُمَّ خُذْ ثَورَ ذَبِيحَةِ الخَطيَّةِ إلَى مَنْطَقَةٍ مَعْرُوفَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِهَذَا الغَرَضِ خَارِجَ مِنطَقَةِ الهَيْكَلِ وَأحْرِقْهُ. «وَقَدِّمْ فِي اليَوْمِ التَّالِي تَيسًا ذَكَرًا لَا عَيْبَ فِيهِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لِتَطْهِيرِ المَذْبَحِ، كَمَا عُمِلَ بِالثَّورِ. وَحِينَ تَنْتَهِي مِنَ التَّطهِيرِ، قَرِّبْ عِجْلًا وَكَبْشًا ذَكَرًا لَا عَيْبَ فِيهِمَا، وَأحْضِرْهُمَا إلَى مَحْضَرِ اللهِ . حِينَئِذٍ، يَضَعُ الكَهَنَةُ مِلحًا عَلَيْهِمَا، وَيُقَدِّمَانِهِمَا ذَبِيحَتَيْنِ للهِ . عَلَيْكَ أنْ تَعْمَلَ هَذَا لِسَبْعَةِ أيَّامٍ، فَيَكُونُ عَلَى الكَهَنَةِ تَقْدِيمُ التَّيسِ ذَبِيحَةً عَنِ الخَطيَّةِ وَالعِجْلِ وَالكَبْشِ الخَالِيَةِ مِنَ العُيُوبِ. فَيَقُومُ الكَهَنَةُ بِتَطْهِيرِ الهَيْكَلِ لِسَبْعَةِ أيَّامٍ فَيُطَهِّرُونَهُ وَيُكَرِّسُونَهُ لِلخِدْمَةِ. وَحِينَ تَكْتَمِلُ تِلْكَ الفَترَةُ، فإنَّهُ مِنَ اليَوْمِ الثَّامِنِ فَصَاعِدًا يُمْكِنُ لِلكَهَنَةِ أنْ يَقَدِّمُوا الذَّبَائِحَ الصَّاعِدَةَ وَذَبَائِحَ السَّلَامِ. حِينَئِذٍ، أرْضَى عَنْكُمْ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . وَأعَادَنِي الرَّجُلُ إلَى بَوَّابَةِ الهَيْكَلِ لِلخُرُوجِ إلَى السَّاحَةِ الَّتِي تَتَّجِهُ إلَى الشَّرقِ. فَكَانَتِ البوَّابَةُ مُغلَقَةً. حِينئِذٍ قَالَ اللهُ لِي: «البَوَّابَةُ مُغلَقَةٌ وَلَا يَنْبَغِي أنْ تُفتَحَ، وَلَا أنْ يَدْخُلَ مِنْهَا أيُّ إنْسَانٍ، لِأنَّ اللهَ إلَهَ إسْرَائِيلَ يَدْخُلُ مِنْ هَذِهِ البَوَّابَةِ. يُمْكِنُ لِلرَّئِيسِ فَقَطْ أنْ يَجْلِسَ فِي مَمَرِّ هَذِهِ البَوَّابَةِ لِيَأْكُلَ فِي حَضْرَةِ اللهِ . يُمْكِنُ للرَّئِيسِ أنْ يَدْخُلَ إلَى دِهْلِيزِ البَوَّابَةِ، وَعَلَيْهِ أنْ يَخْرُجَ مِنْ حَيْثُ دَخَلَ.» ثُمَّ أخَذَنِي فِي الطَّرِيقِ المُؤَدِّيَةِ إلَى البَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ الَّتِي أمَامَ الهَيْكَلِ. فَنَظَرتُ وَرَأيْتُ مَجْدَ اللهِ يَملأُ هَيْكَلَ اللهِ . فَوَقَعتُ وَوَجْهِي عَلَى الأرْضِ، وَلَكِنَّ اللهَ قَالَ لِي: «يَا إنْسَانُ، انتَبِهْ! انْظُرْ بِعَيْنَيْكَ وَاستَمِعْ بِأُذُنَيكَ لِكُلِّ مَا أقُولُهُ لَكَ! اسْمَعْ كُلَّ الأنظِمَةِ وَالتَّعلِيمَاتِ المُتَعَلِّقَةِ بِهَيْكَلِ اللهِ . انتَبِهْ إلَى مَدْخَلِ الهَيْكَلِ وَلِكُلِّ مَخَارِجِ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَقُلْ لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ المُتَمَرِّدِ: يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : ‹يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ، قَدِ اكتَفَيتُ مِنَ الأُمُورِ الكَرِيهَةِ الَّتِي عَمِلتُمُوهَا. أدخَلتُمْ غُرَبَاءَ وَرِجَالًا غَيْرَ مَختُونِي القَلْبِ وَالجَسَدِ إلَى مَقدِسِي لِتَدْنِيسِ هَيْكَلِي. أمَّا خُبْزِي وَشَحمِي وَالدَّمُ الَّذِي يَنْبَغِي أنْ يُقَدَّمَ لِي، فَقَدْ قَدَّمتُمُوهُ لِكُلِّ أوْثَانِكُمُ القَذِرَةِ، نَاقِضِينَ عَهْدِي. لَمْ تَحْرُسُوا مَا يَخُصُّنِي مِنْ مُقَدَّسَاتٍ، وَعَيَّنتُمْ أجَانِبَ لِيَحِلُّوا مَحَلَّكُمْ وَيَحْرُسُوا مَقدِسِي.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «لَنْ يُسمَحَ لِأيِّ غَرِيبٍ غَيْرِ مَختُونِ القَلْبِ أوِ الجَسَدِ، مِنَ السَّاكِنِينَ وَسَطَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ، بِأنْ يَدْخُلَ إلَى مَقدِسِي. فَلَنْ يَدْخُلَ مَقدِسِي إلَّا اللَّاوِيُّونَ، مَعَ أنَّهُمْ مُذنِبُونَ كَبَقِيَّةِ إسْرَائِيلَ لِأنَّهُمْ ضَلُّوا عَنِّي وَتَبِعُوا أوْثَانَهُمُ القَذرَةَ. اللَّاوِيُّونَ هُمُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ مَقدِسِي وَيَحْرُسُونَ بَوَّابَاتِهِ لِحِمَايَةِ قَدَاسَةِ الهَيْكَلِ. وَاللَّاوِيُّونَ هُمْ مَنْ يَذْبَحُونَ الذَّبَائِحَ لِلشَّعبِ، وَسَيَكُونُونَ مَنْ يَقِفُونَ أمَامَ الشَّعْبِ لِيَخْدِمُوهُمْ. هَذَا هُوَ قَضَاءُ الرَّبِّ الإلَهِ بِشَأنِ اللَّاوِيِّينَ: حَيْثُ إنَّهُمْ خَدَمُوا الشَّعْبَ أمَامَ أصْنَامِهِمُ الكَرِيهَةِ، وَكَانُوا سَبَبَ سُقُوطٍ لِبَنِي إسْرَائِيلَ، فَإنِّي سَأُحَاسِبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأُعَاقِبُهُمْ. «لَنْ يَقْتَرِبَ اللَّاوِيُّونَ لِيَخْدِمُونِي كَكَهَنَةٍ، وَلَنْ يَقْتَرِبُوا مِنْ أيِّ شَيءٍ مِنْ مُقَدَّسَاتِي أوْ ذَبَائِحِي المُقَدَّسَةِ، وَبِهَذَا سَيُخزَونَ بِسَبَبِ الأُمُورِ الكَرِيهَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا. وَلَكِنِّي سَأُعَيِّنُهُمْ لِحِرَاسَةِ الهَيْكَلِ وَلِخَدَمَاتِ العِبَادَةِ وَلِكُلِّ مَا يُعمَلُ فِيهِ!» «وَأمَّا الكَهَنَةُ اللَّاوِيُّونَ، الَّذِينَ هُمْ نَسْلُ صَادُوقَ الَّذِينَ بَقُوا يَقُومُونَ بِخِدْمَةِ مَقدِسِي، حَتَّى حِينَ ابتَعَدَ عَنِّي بَنُو إسْرَائِيلَ، فَهُمُ الَّذِينَ سَيَقْتَرِبُونَ إلَيَّ لِيَخْدِمُونِي. سَيَقِفُونَ أمَامِي لِتَقْدِيمِ شَحمِ الذَّبَائِحِ وَدَمِهَا. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . سَيَدْخُلُ الكَهَنَةُ اللَّاوِيُّونَ إلَى مَقدِسِي، وَسَيَقْتَرِبُونَ مِنْ مَائِدَتِي لِيَخْدِمُونِي وَلِيَقُومُوا بِالمَهَامِ المُوكَلَةِ إلَيْهِمْ فِي خِدمَتِي. وَحِينَ يَدْخُلُونَ البَوَّابَاتِ الَّتِي تُؤَدِّي إلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَليَرْتَدُوا الأثوَابَ الكِتَّانِيَّةَ. لَا يَنْبَغِي أنْ يَرْتَدُوا صُوفًا أثْنَاءَ قِيَامِهِمْ بِخِدمَتِي فِي السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ أوِ الهَيْكَلِ. كَمَا يَرْتَدُونَ عِمَامَاتٍ كِتَّانِيَّةٍ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَمَلَابِسَ دَاخِلِيَةً كِتَّانِيَّةً. وَلَا يَرْتَدُونَ ثِيَابًا تُسَبِّبُ لَهُمُ التَّعَرُّقَ. وَحِينَ يَخْرُجُونَ إلَى السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ وَسَطَ النَّاسِ، يَخْلَعُونَ الثِّيَابَ الَّتِي يَرْتَدُونَهَا عِنْدَ القِيَامِ بِأعْمَالِهِمُ الكَهَنُوتِيَّةِ، وَيَتْرُكُونَهَا فِي الغُرَفِ الَّتِي فِي المِنْطَقَةِ المُقَدَّسَةِ، وَيَرْتَدُونَ ثِيَابًا أُخْرَى. يَنَبَغِي أنْ يَفَعَلُوا هَذَا كَي لَا يَلْمِسَ الشَّعْبُ الثِّيَابَ المُقَدَّسَةَ. «وَلَا يَحْلِقُ الكَهَنَةُ رُؤُوسَهُمْ، وَلَا يَقُصُّونَ شَعْرَهُمْ أكثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي. وَيُبقُونَ شَعْرَهُمْ مُرَتَّبًا. وَلَا يُسْمَحُ لِلكَهَنَةِ بِأنْ يَشْرَبُوا النَّبِيذَ عِنْدَ دُخُولِهِمْ إلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَلَا يُسْمَحُ لَهُمْ بِأنْ يَتَزَوَّجُوا أرمَلَةً أوْ مُطَلَّقَةً. يُمِكِنُ لِلكَاهِنِ أنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ عَذَارَى بَنِي إسْرَائِيلَ أوْ مِنْ أرَامِلَ كَهَنَةٍ آخَرِينَ. «وَيُعَلِّمُ الكَهَنَةُ شَعْبِي كَيْفَ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ المُقَدَّسِ وَغَيرِ المُقَدَّسِ. وَيُعَلِّمُونَهُمْ الأحكَامَ المُتَعَلِّقَةَ بِمَا هُوَ طَاهِرٌ وَمَا هُوَ نَجِسٌ. وَيَكُونُ الكَهَنَةُ مَسؤُولِينَ عَنِ القَضَايَا وَالخِلَافَاتِ، فَيَسْتَرْشِدُونَ بِشَرَائِعِي وَأحكَامِي لِإصدَارِ القَرَارَاتِ الشَّرعِيَّةِ القَانُونِيَّةِ. وَلَيَحْفَظُوا تَعْلِيمَاتِي وَشَرَائِعِي المُتَعَلِّقَةَ بِالتَّجَمُّعَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالأعيَادِ، وَيُحَافِظُوا عَلَى قَدَاسَةِ أيَّامِ الرَّاحَةِ الَّتِي عَيَّنْتُهَا. وَحَتَّى لَا يَتَعَرَّضُوا لِلنَّجَاسَةِ، عَلَيْهِمْ أنْ لَا يَقْتَرِبُوا مِنْ جَسَدِ مَيِّتٍ. وَلَا يَجُوزُ لِلكَاهِنِ أنْ يَتَعَرَّضَ لِلنَّجَاسَةِ بِلَمْسِ جَسَدِ مَيِّتٍ إلَّا فِي حَالَةِ وَفَاةِ أبِيهِ أوْ أُمِّهِ أوِ ابنَتِهِ أوْ أخِيهِ أوْ أُختِهِ. وَبَعْدَ أنْ يَتَطَهَّرَ، تَعُدُّونَ لَهُ سَبعَةَ أيَّامٍ. وَحِينَ يَعُودُ لِيَدْخُلَ المِنْطَقَةَ المُقَدَّسَةَ فِي السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ لِيَخْدِمَ فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ، عَلَيْهِ أنْ يُقَدِّمَ ذَبِيحَةَ خَطيَّةٍ عَنْ نَفْسِهِ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «أمَّا مِيرَاثُ الكَهَنَةِ، فَأنَا سَأكُونُ مِيرَاثَهُمْ. لَنْ يَنَالُوا حِصَّةً فِي أرْضِ إسْرَائِيلَ، فَأنَا حِصَّتُهُمْ. وَيَأْكُلُ الكَهَنَةُ تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ وَذَبَائِحَ الخَطيَّةِ وَذَبَائِحَ الذَّنْبِ. كَمَا يُمكِنُهُمْ أنْ يأكُلُوا مَا يُكَرَّسُ مِنْ مَنتُوجَاتِ أرْضِ إسْرَائِيلَ. فَسَيَكُونُ أوَّلُ مَا تُنتِجْهُ الحَيَوَانَاتُ وَالنَّبَاتَاتُ وَالتَّقدِمَاتُ الِاخْتِيَارِيَّةُ لِلكَهَنَةِ. قَدِّمُوا أوَّلَ دَقِيقٍ تَطْحَنُونَهُ لِلكَاهِنِ لِضَمَانِ الحُصُولِ عَلَى بَرَكَةٍ لِبُيُوتِكُمْ. وَعَلَى الكَاهِنِ أنْ لَا يَأْكُلَ جُثَّةَ حَيَوَانٍ افتَرَسَهُ طَيرٌ أوْ حَيَوَانٌ آخَرُ أوْ بَقَايَاهَا.» «وَحِينَ تُقَسِّمُونَ الأرْضَ لِلشَّعْبِ، خَصِّصُوا جُزْءًا مِنَ الأرْضِ عِطِيَّةً للهِ . وَسَيَكُونُ هَذَا الجُزءُ بِطُولِ خَمْسٍ وَعِشرِينَ ألْفَ ذِرَاعٍ. وَسَتَكُونُ الأرْضُ مُقَدَّسَةً. وَفِي دَاخِلِ هَذِهِ المِنْطَقَةِ، سَيَتِمُّ تَخْصِيصُ مِنطَقَةٍ مُرَبَّعَةٍ طُولُهَا خَمْسُ مِئَةِ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهَا خَمسُ مِئَةِ ذِرَاعٍ، لِلهَيْكَلِ المُقَدَّسِ. وَحَولَ هَذِهِ المِنْطَقَةِ سَتَكُونُ هُنَاكَ أرْضُ رَعيٍ بِعَرْضِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا. فَسَتَقِيسُ مِنطَقَةً طُولُهَا خَمْسَةٌ وَعِشروُنَ ألْفَ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهَا عَشْرَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ، وَفِيهَا سَيَكُونُ المَكَانُ المُقَدَّسُ، أيْ أقدَسُ مَكَانٍ عَلَى الأرْضِ. «سَتُخَصَّصُ هَذِهِ المِنْطَقَةُ لِلكَهَنَةِ الَّذِينَ يَبْقَوْنَ قَرِيبِينَ مِنَ اللهِ لِيَخْدِمُوهُ. سَنُخَصِّصُ هَذِهِ المِنْطَقَةَ لِبُيُوتِهِمْ وَلِمِنطَقَةِ الهَيْكَلِ المُقَدَّسَةِ. وَسَتُخَصَّصُ مِنطقَةٌ أُخْرَى طُولُهَا خَمْسَةٌ وَعِشرُونَ ألْفَ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهَا عَشْرَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ كَحِصَّةٍ دَائِمةٍ لِلَّاوِيِّينَ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ فِي الهَيْكَلِ، فَتَكُونُ مُدُنُ سَكَنِهِمْ فِيهَا. «وَسَتَكُونُ هُنَاكَ حِصَّةُ أرْضِ المَدِينَةِ عَرْضُهَا خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَطُولُهَا خَمْسَةٌ وَعِشرُونَ ألْفَ ذِرَاعٍ. فَسَتَكُونُ هَذِهِ المِنْطَقَةُ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَتُخَصَّصُ أرْضٌ للرَّئِيسِ عَلَى جَانِبَيِّ المِنْطَقَةِ المُقَدَّسَةِ وَالمَدِينَةِ، إلَى الشَّرقِ وَالغَربِ مِنْهَا. لَهَا ذَاتُ طُولِ حِصَصِ القَبَائِلِ الأُخرَى، وَتَمْتَدُّ مِنَ الحَدِّ الغَربِيِّ إلَى الحَدِّ الشَّرقِيِّ. هَذِهِ الأرْضُ حِصَّةُ الرَّئِيسِ، حَتَّى لَا يَعُودَ الرُّؤَسَاءُ يُضَايِقُونَ شَعْبِي، بَلْ يَتْرُكُونَ لِشَعْبِي إسْرَائِيلَ أرْضَهُ.» وَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «يَا رُؤَسَاءَ إسْرَائِيلَ، لَمْ أعُدْ أحتَمِلُ عُنفَكُمْ وَظُلمَكُمْ تُجَاهَ شَعْبِي وسَرِقَتَهِ. اعمَلُوا العَدْلَ وَالحَقَّ، وَتَوَقَّفُوا عَنْ طَردِ شَعْبِي مِنْ أرْضِهِ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «احتَفِظُوا بِمَكَايِيلَ عَادِلَةٍ وَدَقِيقَةٍ لِمَوَازِينِكُمْ، وَلِأحْجَامِ المَوَادِّ الجَّافَّةِ وَالسَّائِلَةِ. فَيَنْبَغِي أنْ تَكُونَ القُفَّةُ وَالقِدْرُ حَجْمًا وَاحِدًا. وَيَكُونُ القِدْرُ عُشْرَ الكِيسِ حَجْمًا، وَالقُفَّةُ عُشْرَ الكِيسِ أيْضًا. فَيَكُونُ الكِيسُ وِحْدَةَ القِيَاسِ الأسَاسِيَّةَ. وَيَكُون وَزْنُ المِثْقَالِ عِشْرِينَ قِيرَاطًا. وَبِجَمْعِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَخَمْسَةٍ وَعِشرِينَ مِثْقَالًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا، تَحْصُلُ عَلَى مِقْدَارِ رَطلٍ مِنَ الحُبُوبِ.» «وَهَذِهِ هِيَ التَّقدِمَةُ الَّتِي تُقَدِّمُونهَا: سُدْسُ قُفَةٍ مِنْ كُلِّ كِيسِ قَمْحٍ، وَسُدْسُ قُفَةٍ مِنْ كُلِّ كِيسِ شَعِيرٍ. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِتَقْدِمَةِ الزَّيْتِ، فَعُشْرُ قِدْرٍ مِنْ كُلِّ جَرَّةِ زَيْتٍ – تَذَكَّرُوا أنَّ الجَرَّةَ وَالكِيسَ لَهُمَا حَجْمٌ وَاحِدٌ: أيْ عَشْرُ قُدُورٍ. وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ خَرُوفٍ مِنْ كُلِّ مِئَتَيْنِ مِنَ القَطِيعِ. وَتَكُونُ هُنَاكَ تَقْدِمَاتٌ سَائِلَةٌ مِنْ إسْرَائِيلَ مَعَ تَقْدِمَاتِ القَمْحِ وَالذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَتَقْدِمَاتِ السَّلَامِ لِلتَّكفِيرِ عَنْهُمْ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «فَعَلَى كُلِّ الشَّعْبِ أنْ يُقَدِّمُوا هَذِهِ التَّقدِمَةَ لِرَئِيسِ إسْرَائِيلَ. وَعَلَى الرَّئِيسِ أنْ يُقَدِّمَ الذَّبَائِحَ وَتَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ وَالسَّكَائِبِ فِي الأعيَادِ وَأوَائِلِ الشُّهُورِ وَالسُّبُوتِ وَفِي كُلِّ التَّجَمُّعَاتِ الدِّينِيَّةِ المُقَدَّسَةِ لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ. كَمَا عَلَيْهِ أنْ يُقَدِّمَ ذَبَائِحَ الخَطيَّةِ وَتَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ وَالذَّبَائِحَ الصَّاعِدَةَ وَذَبَائِحَ السَّلَامِ لِلتَّكفِيرِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأوِّلِ، خُذْ ثَوْرًا سَلِيمًا لَا عَيْبَ فِيهِ وَطَهِّرْ بِهِ الهَيْكَلَ. وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ بَعْضًا مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الخَطيَّةِ وَيَضَعُهُ عَلَى أعْمِدَةِ بَوَّابَةِ الهَيْكَلِ وَالزَّوَايَا الأرْبَعَةِ لِجُدرَانِ المَذْبَحِ وَأعمِدَةِ البَوَّابَةِ المُؤَدِّيَةِ لِلسَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. هَكَذَا تَفْعَلُ أيْضًا فِي اليَوْمِ السَّابِعِ مِنَ الشَّهْرِ لِلتَّكفِيرِ عَنِ الهَيْكَلِ، مِنْ أيِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ إنْسَانٌ عَنْ ضَلَالٍ أوْ عَنْ جَهلٍ. «فِي اليَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ، تَحْتَفِلُونَ بِعِيدِ الفِصْحِ. وَلِمُدَّةِ سَبْعَةِ أيَّامٍ، تَأْكُلُونَ خُبْزًا غَيْرَ مُخْتَمِرٍ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُقَدِّمُ الرَّئِيسُ ثَورًا ذَبِيحَةَ خَطيَّةٍ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الشَّعْبِ. يُقَدِّمُ الرَّئِيسُ خِلَالَ سَبْعَةِ أيَّامِ العِيدِ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبعَةَ كِبَاشٍ لَا عَيْبَ فِيهَا ذَبَائِحَ صَاعِدَةً للهِ ، وَتَيسًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الأيَّامِ السَّبعَةِ. وَيُقَدِّمُ تَقْدِمَةَ حُبُوبٍ: قُفَّةً مَعَ كُلِّ ثَورٍ، وَقُفَّةً مَعَ كُلِّ كَبْشٍ، بِالإضَافَةِ إلَى وِعَاءٍ مِنَ الزَّيْتِ لِكُلِّ قُفَّةٍ. وَفِي اليَوْمِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، فِي يَوْمِ العِيدِ، يُقَدِّمُ ذَبَائِحَ خَطيَّةٍ وَذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَتَقْدِمَاتِ حُبُوبٍ وَزَيْتٍ، مِثْلَمَا فَعَلَ فِي عِيدِ الفِصْحِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «ستَبْقَى البَوَّابَةُ الشَّرقِيَّةُ، الَّتِي تَقُودُ إلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، مُغلَقَةً طِيلَةَ سِتَّةِ أيَّامِ العَمَلِ فِي الأُسبُوعِ، لَكِنَّهَا سَتُفتَحُ فِي السُّبُوتِ وَأوَائِلِ الشُّهُورِ. ثُمَّ سَيَدْخُلُ الرَّئِيسُ البَوَّابَةَ مِنَ الخَارِجِ عَبْرَ الدِّهلِيزِ، وَسَيَقِفُ فِي مَدْخَلِ البَوَّابَةِ. وَسَيَقُومُ الكَهَنَةُ بِتَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ الصَّاعِدَةِ وَذَبَائِحِ السَّلَامِ الَّتِي تَخُصُّهُ. حِينَئِذٍ، سَيَرْكَعُ عَلَى عَتَبَةِ البَوَّابَةِ وَيُغَادِرُ، وَلَكِنَّ البَوَّابَةَ لَا تُغلَقُ حَتَّى المَسَاءِ. وَسَيَرْكَعُ الشَّعْبُ فِي حَضْرَةِ اللهِ عِنْدَ هَذِهِ البَوَّابَةِ فِي السُّبُوتِ وَأوَائِلِ الشُّهُورِ. «وَسَيَكُونُ عَلَى الرَّئِيسِ أنْ يُقَدِّمَ أيَّامَ السَّبْتِ سِتَّةَ خِرَافٍ وَكَبْشًا لَا عَيْبَ فِيهَا ذَبِيحَةً صَاعِدَةً للهِ . وَتُقَدَّمُ مَعَ الكَبْشِ قُفَّةٌ مِنَ القَمْحِ. وَأمَّا تَقْدِمَةُ القَمْحِ المُرَافِقَةِ لِلخِرَافِ فَتَكُونُ بِقَدْرِ مَا يُرِيدُ. وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ وِعَاءٍ مِنَ الزَّيْتِ لِكُلِّ قُفَّةٍ مِنَ القَمْحِ. «أمَّا فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ ثَورٍ وَسِتَّةِ خِرَافٍ وَكَبْشٍ لَا عَيْبَ فِيهَا. وَتُقَدَّمُ قُفَّةُ قَمْحٍ لِلثَّورِ وَقُفَّةٌ لِلكَبْشِ، وَقَدْرُ مَا يُرِيدُ الرَّئِيسُ لِلخِرَافِ. يَنْبَغِي تَقْدِيمُ وِعَاءٍ مِنَ الزَّيْتِ لِكُلِّ قُفَّةٍ مِنَ القَمْحِ. «وَيَدْخُلُ الرَّئِيسُ عَبْرَ قَاعَةِ البَوَّابَةِ الشَّرقِيَّةِ، وَسَيَخْرُجُ فِي الطَّرِيقِ ذَاتِهَا. وَحِينَ يَأْتِي النَّاسُ لِلرُّكُوعِ فِي حَضْرَةِ اللهِ فِي التَّجَمُّعَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالأعيَادِ، فَالَّذِينَ يَدْخُلُونَ السَّاحَةَ الخَارِجِيَّةَ مِنَ البَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ عَلَيْهِمْ أنْ يَخْرُجُوا مِنَ البَوَّابَةِ الجَنُوبِيَّةِ. فَلَا يَخْرُجُوا مِنَ البَوَّابَةِ الَّتِي دَخَلُوا مِنْهَا، بَلْ مِنَ البَوَّابَةِ المُقَابِلةِ. وَيَدْخُلُ الرَّئِيسُ مَعَ الشَّعْبِ، وَحِينَ يُغَادِرُونَ يُغَادِرُ مَعَهُمْ. «وَفِي الأعيَادِ، تَقَدَّمُ قُفَّةُ قَمْحٍ مَعَ كُلِّ ثَورٍ، وَقُفَّةُ قَمْحٍ مَعَ كُلِّ كَبْشٍ، وَقَدْرُ مَا يُرِيدُ مَعَ كُلِّ خَرُوفٍ، بِالإضَافَةِ إلَى وِعَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ الزَّيْتِ لِكُلِّ قُفَّةٍ. وَإنْ أرَادَ الرَّئِيسُ تَقْدِيمَ ذَبِيحَةٍ اختِيَارِيَّةٍ أوْ ذَبِيحَةٍ صَاعِدَةٍ أوْ ذَبِيحَةِ سَلَامٍ للهِ ، تُفتَحُ لَهُ البَوَّابَةُ الشَّرقِيَّةُ لِيُقَدِّمَ ذَبِيحَتَهُ وَتَقْدِمَتَهُ، كَمَا يُعمَلُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَتُغلَقُ حِينَ يَنْتَهِي مِنْ تَقْدِيمِ تَقْدِمَتِهِ وَيَخْرُجُ. «وَلِلتَّقدِمَةِ اليَوْمِيَّةِ الصَّبَاحِيَّةِ، قَدِّمْ للهِ خَرُوفًا عُمرُهُ سَنَةٌ لَا عَيْبَ فِيهِ. وَقَدِّمْ فِي كُلِّ صَبَاحٍ تَقْدِمَةَ قَمْحٍ مَعَ الخَرُوفِ: سُدسَ قُفَّةٍ مِنْ دَقِيقِ القَمْحِ مَعَ ثُلُثِ وِعَاءٍ مِنَ الزَّيْتِ لِتَرْطِيبِهِ. هَذِهِ هِيَ تَقْدِمَةُ القَمْحِ للهِ ، بِحَسَبِ قَوَاعِدِ التَّقدِمَاتِ اليَوْمِيَّةِ. وَيُقَدِّمُ الكَهَنَةُ الخَرُوفَ وَتَقْدِمَةَ القَمْحِ وَالزَّيْتِ فِي كُلِّ صَبَاحٍ كَتَقْدِمَةٍ يَوْمِيَّةٍ مُنتَظَمَةٍ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «إنْ أعْطَى الرَّئِيسُ قِطْعَةَ أرْضٍ مِنْ أمْلَاكِهِ عَطِيَّةً لِأحَدِ أبنَائِهِ، فَإنَّ الأرْضَ تَكُونُ لِذَلِكَ الِابنِ مِيرَاثًا وَمِلْكًا دَائِمًا. وَلَكِنْ إنْ أعْطَى الرَّئِيسُ قِطْعَةَ أرْضٍ مِنْ أمْلَاكِهِ لِأحَدِ خُدَّامِهِ، تَكُونُ تِلْكَ الأرْضُ لِهَذَا الخَادِمِ حَتَّى سَنَةِ التَّحرِيرِ. وَتَعُودُ الأرْضُ إلَى الرَّئِيسِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَأمَّا الأرْضُ الَّتِي تُعطَى لِأبنَائِهِ، فَإنَّهَا سَتَكُونُ لِأبنَائِهِ مِلْكًا وَمِيرَاثًا دَائِمًا. وَلَا يَجُوزُ أنْ يَسْتَوْلِيَ الرَّئِيسُ عَلَى أرْضٍ مِنَ الشَّعْبِ، أوْ أنْ يَطْرَدَ أهْلَهَا مِنْهَا. لَكِنَّهُ يَقْسِمُ لِأوْلَادِهِ مِنْ أرْضِهِ هُوَ، فَلَا يُحرَمُ أحَدٌ مِنْ شَعْبِي مِنْ أرْضِهِ.» ثُمَّ أحضَرَنِي الرَّجُلُ عَبْرَ المَدخَلِ الوَاقِعِ إلَى جَانِبِ البَوَّابَةِ إلَى حُجُرَاتِ الكَهَنَةِ المُقَدَّسَةِ الَّتِي فِي الجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ. فَلَاحَظتُ وُجُودَ مَكَانٍ فِي أقْصَى الغَرْبِ فِي مِنطَقَةِ الهَيْكَلِ. فَقَالَ لِي: «هَذَا المَكَانُ الَّذِي يُمْكِنُ لِلكَهَنَةِ أنْ يَطْبُخُوا فِيهِ ذَبَائِحَ الذَّنْبِ وَذَبَائِحَ الخَطيَّةِ، وَأنْ يَخْبِزُوا تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ مِنْ دُونِ الخُرُوجِ إلَى السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ، حَتَّى لَا تَتَعَرَّضَ الأدَوَاتُ لِلتَدْنِيسِ بِسَبَبِ لَمْسِ النَّاسِ لَهَا.» ثُمَّ أخرَجَنِي إلَى السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَأخَذَنِي إلَى أرْبَعِ زَوَايَا السَّاحَةِ الخَارِجِيَّةِ، حَيْثُ تُوجَدُ مِنطَقَةٌ مُغلَقَةٌ عِنْدَ كُلِّ زَاوِيَةٍ. فَفِي كُلِّ زَاويَةٍ، كَانَتْ هُنَاكَ مِنطَقَةٌ مُغلَقَةٌ طُولُهَا أرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى الأرْبَعِ زَوَايَا. وَحَوْلَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ المَنَاطِقِ، كَانَ هُنَاكَ سُورٌ مُنخَفِضٌ، وَفِيهَا أمَاكِنُ لِلطَّبخِ. فَقَالَ لِيَ الرَّجُلُ: «فِي هَذِهِ المَطَابِخِ يَقُومُ اللَّاوِيُّونَ خُدَّامُ الهَيْكَلِ بِإعدَادِ ذَبَائِحِ الشَّعْبِ وَطَبخِهَا.» ثُمَّ أعَادَنِي إلَى مَدْخَلِ الهَيْكَلِ، فَرَأيْتُ مَاءً يَخْرُجُ مِنْ أسفَلِ عَتَبَةِ البَوَّابَةِ الشَّرقِيَّةِ لِلهَيْكَلِ. فَوَاجِهَةُ الهَيْكَلِ إلَى الشَّرقِ، وَالمَاءُ يَتَدَفَّقُ مِنْ أسفَلِ الجَهَةِ الجَنُوبِيَّةِ لِلهَيْكَلِ مِنَ الجَانِبِ الجَنُوبِيِّ لِلمَذْبَحِ. ثُمَّ أخرَجَنِي عَبْرَ البَوَّابَةِ الشِّمَالِيَّةِ، وَسَارَ بِي مِنَ الخَارِجِ إلَى البَوَّابَةِ الخَارِجِيَّةِ الشَّرقِيَّةِ، فَرَأيْتُ المَاءَ يَتَدَفَّقُ مِنَ الجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ. فَأخَذَ الرَّجُلُ يَقِيسُ النَّهرَ وَعَصَا القِيَاسِ بِيَدِهِ، مُتَّجِهًا نَحْوَ الشَّرقِ. فَقَاسَ مَسَافَةَ ألْفِ ذِرَاعٍ، وَعَبَّرَنِي فِي المِياهِ، وَارتِفَاعُهَا إلَى كَعْبِ الرِّجلِ. ثُمَّ قَاسَ ألْفَ ذِرَاعٍ وَعَبَّرَنِي فِي المِياهِ، فَإذِ ارتِفَاعُهُ إلَى الرُّكبَةِ، ثُمَّ قَاسَ ألْفَ ذِرَاعٍ وَعَبَّرَنِي فِي المِياهِ، وَإذِ ارتِفَاعُهُ إلَى الخَصْرِ. ثُمَّ قَاسَ ألْفَ ذِرَاعٍ، فَإذْ بِنَهْرٍ لَمْ أستَطِعْ عُبُورَهُ بِسَبَبِ عُمْقِ المِيَاهِ. إنَّهُ نَهْرٌ لِلسِّبَاحَةِ لَا لِلعُبُورِ بِالأقْدَامِ! وَقَالَ لِي: «هَلْ تَرَى هَذَا يَا إنْسَانُ؟» ثُمَّ أعَادَنِي إلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ. فَلَمَّا رَجَعْتُ، رَأيْتُ أشْجَارًا كَثِيرَةً عَلَى جَانِبَيِّ النَّهْرِ. فَقَالَ لِي: «هَذَا المَاءُ يَتْدَفَّقُ إلَى المِنْطَقَةِ الشَّرقِيَّةِ وَحَتَّى العَربَةِ، وَمِنْ هُنَاكَ إلَى البَحْرِ الرَّاكِدِ حَيْثُ تَصِيرُ مِيَاهُ البَحْرِ عَذْبَةً. وَسَتَعِيشُ الحَيَوَانَاتُ حَيْثُ يَتَدَفَّقُ هَذَا النَّهرُ. وَسَيَكُونُ هُنَاكَ سَمَكٌ كَثِيرٌ جِدًّا! لِأنَّ هَذَا المَاءَ يَشْفِي كُلَّ مَا يَأْتِي إلَيْهِ. وَكُلُّ مَا يَصِلُ إلَيْهِ النَّهرُ يَحيَا. وَسَيَقِفُ الصَيَّادُونَ عَلَى الشَّاطِئِ وَيَبْسِطُونَ شِبَاكَهُمْ مِنْ عَيْنِ جَدْيٍ إلَى عَيْنِ عِجلَايِمَ. وَسَيَكُونُ السَّمَكُ بِكَثْرَتِهِ وَتَنَوُّعِهِ مِثْلَ سَمَكِ البَحْرِ المُتَوَّسِطِ. وَأمَّا المُسْتَنْقَعَاتُ وَبِرَكُ الطِّينِ فَلَنْ تُشفَى، بَلْ سَتُترَكُ لِتَكُونَ مَصَادِرَ لِلمِلحِ. وَسَتَنْمُو كُلُّ أنْوَاعِ أشْجَارِ الفَوَاكِهِ عَلَى جَانِبَيِّ النَّهرِ، وَلَنْ تَذْبُلَ أورَاقُهَا أوْ يَتَوَقَّفَ ثَمَرُهَا. فَسَتُنتِجُ تِلْكَ الأشْجَارُ ثِمَارًا فِي كُلِّ شَهرٍ لِأنَّ المَاءَ يَتَدَفَّقُ مِنَ المَكَانِ المُقَدَّسِ. وَسَيَكُونُ ثَمَرُ تِلْكَ الأشْجَارِ طَعَامًا، وَأمَّا وَرَقُهَا فَسَيَكُونُ لِلشِّفَاءِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «هَذِهِ حُدُودُ الأرْضِ الَّتِي سَتُوَزَّعُ بَيْنَ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ الِاثنَتيْ عَشْرَةَ، وَلِيُوسُفَ حِصَّتَانِ. فَكَمَا أقْسَمْتُ لِآبَائِكُمْ، فَإنَّكُمْ سَتَنَالُونَ الأرْضَ الَّتِي سَتُوَزَّعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِالعَدْلِ. فَسَتَحْصُلُونَ عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مِيرَاثًا وَمِلْكًا لَكُمْ. «وَهَذِهِ هِيَ حُدُودُ الأرْضِ. الحُدُودُ الشِّمَالِيَّةُ مِنَ البَحْرِ الكَبِيرِ عَبْرَ حَثلُونَ وَحَتَّى صَدَدَ، وَحَمَاةَ وَبَيرُوثَةَ وَسِبرَايِمَ الوَاقِعَةِ بَيْنَ حُدُودِ دِمَشقَ وَحُدُودِ حَمَاةَ، وَحَصْرَتِيكُونَ الَّتِي عَلَى حُدُودِ حَوْرَانَ. فَتَمْتَدُّ الحُدُودُ الشِّمَالِيَّةُ مِنَ الغَرْبِ إلَى الشَّرقِ مِنَ البَحْرِ المُتَوّسِّطِ إلَى حَصْرَ عِينَانَ الوَاقِعَةِ عَلَى الحَدِّ الشِّمَالِيِّ لِدِمَشقَ وَحَمَاةَ. هَذِهِ هِيَ الحُدُودُ الشِّمَالِيَّةُ. «أمَّا الحُدُودُ الشَّرقِيَّةُ فَتَمْتَدُّ مِنْ نُقطَةٍ بَيْنَ حُورَانَ وَدِمَشقَ، وَحَتَّى نُقطَةٍ بَيْنَ جَلْعَادَ وَإسْرَائِيلَ، بِمُوازَاةِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ حَتَّى البَحْرِ الشَّرقِيِّ. هَذِهِ هِيَ الحُدُودُ الشَّرقِيَّةُ. أمَّا الحُدُودُ الجَنُوبِيَّةُ فَتَمْتَدُّ مِنْ ثَامَارَ إلَى مِيَاهِ مرِيبُوثَ قَادِشَ، وَحَتَّى نَهْرِ مِصْرٍ، عِنْدَ البَحْرِ المُتَوَسِّطِ. هَذِهِ هِيَ الحُدُودُ الجَنُوبِيَّةُ. أمَّا الحُدُودُ الغَربِيَّةُ فَهِيَ البَحرُ المُتَوَّسِطُ مِنْ أقْصَى الجَنُوبِ وَحَتَّى لَبُو حَمَاةَ. هَذِهِ هِيَ الحُدُودُ الغَربِيَّةُ. «وَسَتُقَسَّمُ الأرْضُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ قَبَائِلِهِمْ، وَلِلغُرَبَاءِ السَّاكِنينَ فِي وَسَطِهِمْ، الَّذِينَ وُلِدُوا أطْفَالًا وَصَارُوا مُواطِنِينَ وَسَطَ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَسَيَتِمُّ ضَمُّ الغُرَبَاءِ إلَى قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ فِي حِصَصِ الأرْضِ. فَسَيَنَالُ الغَرِيبُ حِصَّةً مِنَ القَبِيلَةِ الَّتِي يَسْكُنُ فِي وَسَطِهَا.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ وَحِصَصُهُمْ: حِصَّةُ قَبِيلَةِ دَانٍ، تَبْدَأُ بِالزَّاوِيَةِ الشِّمَالِيَّةِ الغَربِيَّةِ عِنْدَ حَثلُونَ وَلِبُو حَمَاةَ، إلَى حَصْرَ عِينَانَ عَلَى الحُدُودِ بَيْنَ دِمَشْقَ وَحَمَاةَ فِي الشِّمَالِ. فَلَهَا حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ. وَقَبِيلَةُ أشِيرَ، لَهَا حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى حُدُودِ أرضِ دَانٍ مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ. وَقَبِيلَةُ نَفْتَالِي، لَهَا حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى حُدُودِ أرضِ أشِيرَ مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ. وَقَبِيلَةُ مَنَسَّى، لَهَا حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى حُدُودِ أرضِ نَفْتَالِي مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ. وَقَبِيلَةُ أفْرَايِمَ، لَهَا حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى حُدُودِ أرضِ مَنَسَّى مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ. وَقَبِيلَةُ رَأُوبَيْنَ، لَهَا حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى حُدُودِ أرضِ أفْرَايِمَ مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ. وَقَبِيلَةُ يَهُوذَا، لَهَا حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى حُدُودِ أرضِ رَأُوبَيْنَ مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ. «ثُمَّ مِنَ الحُدُودِ الشَّرقِيَّةِ وَحَتَّى الغَرْبِ الحِصَّةُ المُقَدَّسَةُ، عَرْضُهَا مِنَ الشِّمَالِ إلَى الجَنُوبِ خَمْسَةٌ وَعِشرُونَ ألْفَ ذِرَاعٍ. وَطُولُهَا نَفْسُ طُولِ حِصَصِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ. وَسَيَكُونُ الهَيْكَلُ فِي وَسَطِ هَذِهِ الحِصَّةِ. وَسَتَكُونُ المِنْطَقَةُ المُخَصَّصَةُ للهِ بِطُولِ خَمْسٍ وَعِشرِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضِ عَشْرِ أذْرُعٍ. وَيَكُونُ امتِدَادُ الأرْضِ المُخَصَّصَةِ لِلكَهَنَةِ خَمْسَةً وَعِشرِينَ ألْفَ ذِرَاعٍ إلَى الشِّمَالِ، وَعَشْرَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ إلَى الغَرْبِ، وَعَشْرَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ إلَى الشَّرقِ، وَخَمْسَةً وَعِشرينَ ألْفَ ذِرَاعٍ إلَى الجَنُوبِ. وَيَكُونُ هَيكلُ اللهِ فِي وَسَطِ هَذِهِ المِنْطَقَةِ. تَكُونُ تِلْكَ الأرْضُ لِلكَهَنَةِ المُكَرَّسِينَ مِنْ نَسْلِ صَادُوقَ، الَّذِينَ بَقُوا أُمَنَاءً فِي القِيَامِ بِمَا أُوكِلَ إلَيْهِمْ مِنْ أعْمَالٍ، وَلَمْ يَنْحَرِفُوا مَعَ بَقِيَّةِ بَنِي إسْرَائِيلَ حِينَ انحَرَفَ اللَّاوِيُّونَ الآخَرُونَ وَابْتَعَدُوا عَنِّي. فَسَيَنَالُ الكَهنَةُ أقدَسَ حِصَّةٍ مِنَ الأرْضِ، عَلَى الحُدُودِ الشِّمَالِيَّةِ لِحِصَّةِ اللَّاوِيِّينَ. «وَسَتَكُونُ حِصَّةُ اللَّاوِيِّينَ إلَى الجَنُوبِ مِنْ حِصَّةِ الكَهنَةِ، بِطُولِ خَمْسَةٍ وَعِشرِينَ ألْفَ ذِرَاعٍ مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ، وَعَرْضِ عَشْرَةِ آلَافِ ذِرَاعٍ مِنَ الشِّمَالِ إلَى الجَنُوبِ. لَا يُسْمَحُ بِبَيعِ أيِّ شَيءٍ مِنْ هَذِهِ الأرَاضِي أوْ مُبَادَلَتِهَا، لِأنَّهَا مُقَدَّسَةٌ للهِ . «أمَّا المَسَاحَةُ البَاقِيَةُ – خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ عَرْضًا، وَخَمْسَةٌ وَعِشرُونَ ألْفَ ذِرَاعٍ طُولًا – فَسَتَكُونُ لِلِاسْتِخدَامِ العَامِّ. سَتَكُونُ مِنطَقَةَ سَكَنٍ، فِيهَا مَرَاعٍ لِلحَيَوَانَاتِ، وَفِي وَسَطِهَا مَدِينَةٌ. وَهَذِهِ أبعَادُ المَدِينَةِ: أرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمسُ مِئَةِ ذِرَاعٍ مِنَ الشِّمَالِ، أرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمسُ مِئَةِ ذِرَاعٍ مِنَ الجَنُوبِ، أرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمسُ مِئَةِ ذِرَاعٍ مِنَ الشَّرْقِ، أرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمسُ مِئَةِ ذِرَاعٍ مِنَ الغَرْبِ. وَأمَّا المَرعَى الَّذِي حَوْلَ المَدِينَةِ، فَسَيَكُونُ بِعَرْضِ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا مِنَ الأرْبَعِ جِهَاتٍ. «أمَّا الجُزءُ البَاقِي مِنَ المِنْطَقَةِ المُكَرَّسَةِ للهِ، عَلَى جَانِبَيِّ المَدِينَةِ، بِطُولِ عَشْرَةِ آلَافِ ذِرَاعٍ إلَى الشَّرقِ وَعَشْرَةِ آلَافِ ذِرَاعٍ إلَى الغَرْبِ مِنَ المَدِينَةِ، فَسَتَكُونُ مُخَصَّصَةً لِتَزْوِيدِ العَامِلِينَ بِالمَدِينَةِ بِالطَعَامِ. وَسَيَكُونُ العَامِلُونَ فِي المَدِينَةِ مِنْ كُلِّ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ، فَيَأْتُونَ إلَيْهَا وَيَعْمَلُونَ فِيهَا. سَتَكُونُ المِنْطَقَةُ المُقَدَّسَةُ مُرَبَّعَةَ الأبعَادِ، بِطُولِ خَمْسَةٍ وَعِشرِينَ ألْفَ ذِرَاعٍ، وَعَرْضِ خَمْسَةٍ وَعِشرِينَ ألْفَ ذِرَاعٍ. وَتَكُونُ هَذِهِ المِنْطَقَةُ مَعَ المَدِينَةِ مِنْطَقَةً مُقَدَّسَةً. «أمَّا المِنطَقَتَانِ البَاقِيَتَانِ عَلَى جَانِبَيِّ المِنْطَقَةِ المُقَدَّسَةِ وَالمَدِينَةِ. إحدَاهُمَا عَلَى امتِدَادِ خَمْسَةٍ وَعِشرِينَ ألْفَ ذِرَاعٍ مِنَ المِنْطَقَةِ المُقَدَّسَةِ نَحْوَ الشَّرقِ، وَالأُخرَى عَلَى امتِدَادِ خَمْسَةٍ وَعِشرِينَ ألْفَ ذِرَاعٍ نَحْوَ الغَرْبِ، بِمُوازَاةِ حِصَصِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. فتَكُونُ هَاتَانِ لِلرَّئِيسِ. وَتَكُونُ المِنْطَقَةُ المُقَدَّسَةُ وَالهَيْكَلُ بَيْنَهُمَا فِي الوَسَطِ. فَسَيَكُونُ مُلْكُ اللَّاوِيِّينَ وَالكَهَنَةِ وَالمَدِينَةِ وَسَطَ أمْلَاكِ الرَّئِيسِ إلَى الشَّرقِ وَالغَربِ، بِحَيْثُ تَكُونُ حِصَّةُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا فِي الشِّمَالِ وَحِصَّةُ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ فِي الجَنُوبِ. «وَبَقِيَّةُ حِصَصِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ كَمَا يَلِي: مِنَ الحُدُودِ الشَّرقِيَّةِ إلَى الحُدُودِ الغَربِيَّةِ حِصَّةُ بَنْيَامِينَ. وَإلَى الجَنُوبِ مِنْ بَنْيَامِينَ، مِنَ الحُدُودِ الشَّرقِيَّةِ إلَى الحُدُودِ الغَربِيَّةِ حِصَّةُ شِمْعُونَ، وَإلَى الجَنُوبِ مِنْ شِمْعُونَ، مِنَ الحُدُودِ الشَّرقِيَّةِ إلَى الحُدُودِ الغَربِيَّةِ حِصَّةُ يَسَّاكَرَ، وَإلَى الجَنُوبِ مِنْ يَسَّاكَرَ، مِنَ الحُدُودِ الشَّرقِيَّةِ إلَى الحُدُودِ الغَربِيَّةِ حِصَّةُ زَبُولُونَ، وَإلَى الجَنُوبِ مِنْ زَبُولُونَ، مِنَ الحُدُودِ الشَّرقِيَّةِ إلَى الحُدُودِ الغَربِيَّةِ حِصَّةُ جَادٍ. وَحِصَّةُ جَادٍ هِيَ الحُدُودُ الجَنُوبِيَّةُ مِنْ ثَامَارَ عِنْدَ مِيَاهِ مرِيبُوثَ قَادِشَ فِي الشَّرقِ وَإلَى نَهْرِ مِصْرٍ وَالبَحرِ المُتَوَسِّطِ فِي الغَرْبِ. هَذِهِ هِيَ الأرْضُ الَّتِي تُقَسَّمُ وَتُعطَى لِعَشَائِرِ إسْرَائِيلَ بِحَسَبِ حِصَصِهِمْ.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . «وَهَذَا وَصفٌ لِبَوَّابَاتِ المَدِينَةِ. طُولُ سُورِ المَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ أرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمسُ مِئَةِ ذِرَاعٍ، وَتُسَمَّى بَوَّابَاتُ المَدِينَةِ بِأسْمَاءِ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. فَبَوَّابَاتُ الجِهَةِ الشِّمَالِيَّةِ هِيَ رَأُوبَيْنُ وَيَهُوذَا وَلَاوِي. وَطُولُ سُورِ المَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّرقِ أرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمسُ مِئَةِ ذِرَاعٍ، وَبَوَّابَاتُ الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ هِيَ يُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ وَدَانٌ. وَطُولُ سُورِ المَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الجَنُوبِ أرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمسُ مِئَةِ ذِرَاعٍ، وَبَوَّابَاتُ الجِهَةِ الشَّرقِيَّةِ هِيَ شِمْعُونُ وَيَسَّاكِرُ وَزَبُولُونُ. وَطُولُ سُورِ المَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الغَرْبِ أرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمسُ مِئَةِ ذِرَاعٍ، وَبَوَّابَاتُ الجِهَةِ الغَربِيَّةِ هِيَ جَادٌ وَأشيِرُ وَنَفتَالِي، وَمُحِيطُ المَدِينَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ألْفِ ذِرَاعٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ فَصَاعِدًا، سَيَكُونُ اسْمُ المَدِينَةِ ‹يهوه هُنَاكَ.› » فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا، أتَى نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَحَاصَرَهَا بِجَيْشِهِ. وَسَمَحَ الرَّبُّ بِأنْ يَهْزِمَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا. فَسَلَبَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ بَعْضَ الآنِيَةِ مِنْ بَيْتِ اللهِ، وَأحضَرَهَا إلَى هَيْكَلِ آلِهَتِهِ فِي أرْضِ شِنْعَارَ، وَوَضَعَهَا فِي غُرفَةِ الخَزْنَةِ فِي هَيْكَلِ آلِهَتِهِ. ثُمَّ أمَرَ المَلِكُ رَئِيسَ الخُدَّامِ أشْفْنَزَ بِأنْ يَختَارَ بَعْضَ الفِتيَانِ مِنْ أبْنَاءِ العَائِلَةِ المَالِكَةِ وَالطَبَقَةِ العُليَا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عُمُومًا، وَأنْ يَكُونُوا فِتيَانًا بِلَا عَيْبٍ وَحِسَانَ المَنظَرِ، قَادِرِينَ عَلَى تَعَلُّمِ الحِكْمَةِ، وَفُهُمَاءَ فِي العُلُومِ، مُؤَهَّلِينَ لِلخِدْمَةِ فِي قَصرِ المَلِكِ. وَكَانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَتَعَلَّمُوا لُغَةَ الكَلدَانِيِّينَ وَآدَابَهُمْ. وَقَدْ خَصَّصَ المَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ لَهُمْ حِصَّةً يَوْمِيَّةً مِنْ أطعِمَةِ المَلِكِ وَأشرِبَتِهِ الفَاخِرَةِ. فَبَعَدَ أنْ يَتَلَقَّى هَؤلَاءِ الفِتيَانُ تَعلِيمَهُمْ لِمُدَّةِ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، يُعَيَّنُونَ لِلعَمَلِ فِي قَصرِ المَلِكِ. وَكَانَ دَانِيَالُ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلُ وَعَزَرْيَا مِنْ هَؤلَاءِ الفِتيَانِ الَّذِينَ تَمَّ اختِيَارُهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. وَأعْطَاهُمْ أشْفْنَزُ أسْمَاءً أرَامِيَّةً، فَدَعَا دَانِيَالَ بَلْطشَاصَّرَ، وَدَعَا حَنَنْيَا شَدْرَخَ، وَدَعَا مِيشَائِيلَ مِيشَخَ، وَدَعَا عَزَرْيَا عَبْدَنَغُوَ. أمَّا دَانِيَالُ فَقَدْ صَمَّمَ فِي قَلْبِهِ أنْ لَا يَتَنَجَّسَ بِحِصَّةِ المَلِكِ اليَوْمِيَّةِ مِنَ الطَّعَامِ وَالخَمْرِ. وَلِذَا طَلَبَ مِنْ أشْفْنَزَ رَئِيسِ الخُدَّامِ أنْ لَا يُقَدِّمَ لَهُ طَعَامًا يَتَنَجَّسُ بِهِ. وَجَعَلَ اللهُ دَانِيَالَ يَحْظَى بِعَطفِ رَئِيسِ الخُدَّامِ. فَقَالَ رَئِيسُ الخُدَّامِ لِدَانِيَالَ: «أنَا خَائِفٌ مِنْ مَوْلَايَ المَلِكِ الَّذِي حَدَّدَ حِصَّةَ طَعَامِكُمْ، وَأخَافُ أنْ يَرَى أنَّكُمْ فِي حَالَةٍ سَيِّئَةٍ بِالمُقَارَنَةِ بِالفِتيَانِ الآخَرِينَ الَّذِينَ فِي مِثْلِ عُمرِكُمْ. فَحِينَئِذٍ، تَكُونُونَ أنْتُمُ السَّبَبَ فِي قَطعِ رَأسِي.» فَقَالَ دَانِيَالُ لِلمُشرِفِ الَّذِي عَيَّنَهُ رَئِيسُ الخُدَّامِ عَلَى دَانِيَالَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا: «امْتَحِنَّا، نَحْنُ خُدَّامَكَ، لِمُدَّةِ عَشْرَةِ أيَّامٍ، وَلَا تُقَدِّمْ لَنَا سِوَى الخُضْرَوَاتِ وَالمَاءِ. ثُمَّ قَارِنَّا بِالفِتيَانِ الآخَرِينَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِ المَلِكِ الفَاخِرِ وَخَمرِهِ. وَحِينَئِذٍ، افْعَلْ مَا تَرَاهُ مُنَاسِبًا.» فَوَافَقَ المُشرِفُ عَلَى عَمَلِ هَذَا وَامتَحَنَهُمْ لِعَشْرَةِ أيَّامٍ. وَفِي نِهَايَةِ الأيَّامِ العَشرَةِ، بَدَتْ أجسَادُهُمْ أفْضَلَ وَأكثَرَ صِحَّةً مِنْ كُلِّ الفِتيَانِ الَّذِينَ أكَلُوا مِنْ أطعِمَةِ المَلِكِ الفَاخِرَةِ وَخَمرِهِ. فَاستَمَرَّ المُشرِفُ بَتَقْدِيمِ الخُضَارِ لَهُمْ، وَاستِبْعَادِ الطَّعَامِ وَالخَمْرِ المَلَكِيِّ الفَاخِرِ. وَأعْطَى اللهُ هَؤلَاءِ الفِتيَانَ الأرْبَعَةَ مَعْرِفَةً وَفَهْمًا فِي الكِتَابَةِ وَفِي كُلِّ العُلُومِ. وَكَانَ دَانِيَالُ قَادِرًا عَلَى تَفْسِيرِ الرُؤى وَالأحْلَامِ. وَفِي نِهَايَةِ المُدَّةِ الَّتِي حَدَّدَهَا المَلِكُ لِتَرْبِيَتِهِمْ، أتَى رَئِيسُ الخُدَّامِ بِهِمْ إلَى المَلِكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ. فَتَحَدَّثَ المَلِكُ إلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَوَجَدَ أنْ لَا أحَدَ يُقَارَنُ بِدَانِيَالَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا، فَتَمَّ تَعْيِينُهُمْ فِي خِدْمَةِ المَلِكِ. فَمَهمَا كَانَتْ نَوَاحِي العُلُومِ وَالحِكْمَةِ الَّتِي سَألَ المَلِكُ عَنْهَا، وَجَدَ أنَّ فَهْمَهُمْ يَفُوقُ بِعَشَرِ مَرَّاتٍ فَهْمَ أيِّ مُنَجِّمٍ أوْ سَاحِرٍ فِي مَملَكَتِهِ كُلِّهَا. وَاستَمَرَّ دَانِيَالُ فِي خِدْمَةِ المَلِكِ حَتَّى السَّنَةِ الأُولَى لِحُكْمِ المَلِكِ كُورَشَ. وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مُلكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، حَلِمَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ أحْلَامًا سَبَّبَتْ لَهُ انزِعَاجًا فِي رُوحِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَنَامَ. فَأمَرَ المَلِكُ المُنَجِمِّينَ وَالسَّحَرَةَ وَالكَلْدَانِيِّينَ أنْ يُخبِرُوا المَلِكَ بِأحْلَامِهِ، فَأتَوْا وَوَقَفُوا فِي حَضْرَةِ المَلِكِ. فَقَالَ لَهُمُ المَلِكُ: «حَلُمتُ حُلْمًا، وَأنَا مُنْزَعِجٌ! وَأُرِيدُ أنْ تَعْرِفُوا مَا هُوَ الحُلْمُ الَّذِي حَلِمْتُهُ.» فَقَالَ الكِلدَانِيُّونُ لِلمَلِكِ بِالأرَامِيَّةِ: «عِشْ سَالِمًا أيُّهَا المَلِكُ! أخبِرْنَا نَحْنُ خُدَّامَكَ بِحُلْمِكَ، فَنُفَسِّرَهُ لَكَ.» فَأجَابَهُمُ المَلِكُ: «قُلْتُ كَلِمَةً لَنْ أرجِعَ عَنْهَا. فَإنْ لَمْ تُخبِرُونِي مَا هُوَ الحُلْمُ وَمَا هُوَ تَفْسِيرُهُ فَإنَّكُمْ سَتُقَطَّعُونَ تَقْطِيعًا، وَسَتُحَوَّلُ بُيُوتُكُمْ إلَى كَومَةِ حِجَارَةٍ. وَلَكِن إنْ أخبَرتُمُونِي بِالحُلْمِ وَتَفْسِيرِهِ، فَسَتَنَالُونَ هَدَايَا وَإكرَامِيَّاتٍ وَثَروَةً عَظِيمَةً. وَالْآنَ، أخبِرُونِي بِالحُلْمِ وَتَفْسِيرِهِ.» فَأجَابَ الكَلْدَانِيُّونَ وَقُالُوا: «أيُّهَا المَلِكُ أخبِرْنَا، نَحْنُ خُدَّامَكَ، بِالحُلْمِ حَتَّى نُخبِرَكَ بِتَفْسِيرِهِ.» فَأجَابَ المَلِكُ: «أنْتُمْ تُحَاوِلُونَ كَسْبَ الوَقْتِ، لِأنَّكُمْ تَعْرِفُونَ أنِّي أعنِي مَا قُلْتُهُ. إنْ لَمْ تُخبِرُونِي بِالحُلْمِ، سَتَنَالُونَ العِقَابَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ. قَدِ اتَّفَقتُمْ عَلَى أنْ تَكْذِبُوا عَلَيَّ، آمِلِينَ أنْ أنْسَى بِمُرُورِ الوَقْتِ. لِذَلِكَ أطلُبُ مِنْكُمْ أنْ تَكْتَشِفُوا الحُلْمَ نَفْسَهُ، فَأعلَمَ أنَّكُمْ قَادِرُونَ عَلَى تَفْسِيرِهِ.» فَأجَابَ الكَلْدَانِيُّونَ المَلِكَ وَقُالُوا: «لَا يَمْلِكُ إنْسَانٌ قُدرَةً لِلإخبَارِ بِمَا يَطْلُبُهُ المَلِكُ! فَلَمْ يَسْبِقْ لِمَلِكٍ، مَهْمَا كَانَ عَظِيمًا وَقَدِيرًا، أنْ طَلَبَ شَيْئًا كَهَذَا مِنْ مُنَجِّمٍ أوْ سَاحِرٍ أوْ كَلْدَانِيٍّ. هَذَا صَعبٌ جِدًّا! وَلَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يُعلِنَهُ لِلمَلِكِ إلَّا الآلِهَةُ الَّذِينَ لَا يَسْكُنُونَ وَسَطَ البَشَرِ.» حِينَئِذٍ، غَضِبَ المَلِكُ وَاغتَاظَ جِدًّا، وَأمَرَ بِإبَادَةِ جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. فَصَدَرَ المَرسُومُ وَابْتَدَأُوا بِقَتْلِ الحُكَمَاءِ. كَمَا أرَادُوا قَتْلَ دَانِيَالَ وَرِفَاقِهِ. لَكِنَّ دَانِيَالَ أرْسَلَ رِسَالَةً إلَى أرْيُوخَ رَئِيسِ جَلَّادِيِّ المَلِكِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِقَتْلِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. وَقَالَ لَهُ: «إلَى أرْيُوخَ خَادِمِ المَلِكِ. مَا سَبَبُ هَذَا الأمْرِ المُسْتَعْجَلِ مِنَ المَلِكِ؟» فَأرْسَلَ أرْيُوخُ رِسَالةً يَشْرَحُ فِيهَا الأمْرَ. فَقَرَّرَ دَانِيَالُ أنْ يَذْهَبَ إلَى القَصرِ، وَطَلَبَ أنْ يَمْثُلَ أمَامَ المَلِكِ لِيُخبِرَهُ بِالتَّفسِيرِ. ثُمَّ ذَهَبَ دَانِيَالُ إلَى البَيْتِ، وَأخبَرَ رِفَاقَهُ حَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا بِمَا يَحْدُثُ. فَصَلُّوا طَالِبِينَ رَحمَةَ إلَهِ السَّمَاءِ، لِكَي يُعلِنَ لَهُمُ السِّرَّ فَلَا يَهْلِكَ دَانِيَالُ وَرِفَاقُهُ مَعَ بَقِيَّةِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. فَأعلَنَ اللهُ السِّرَّ لِدَانِيَالَ فِي أحْلَامِهِ، فَسَجَدَ دَانِيَالُ لِإلَهِ السَّمَاءِ وَمَجِّدَهُ، فَقَالَ: «لِيَتَبَارَكِ اسْمُ اللهِ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ، لِأنَّ لَهُ وَمِنْهُ الحِكْمَةَ وَالقُوَّةَ! هُوَ يُغَيِّرُ الأوقَاتَ وَالمَوَاسِمَ! يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا آخَرِينَ. يُعْطِي الحِكْمَةَ لِلحُكَمَاءِ، وَالفَهْمَ لِلفُهَمَاءِ، يُعلِنُ الأُمُورَ العَمِيقَةَ وَالأسرَارَ المَخْفِيَّةَ. يَعْرِفُ مَا يَكْمُنُ فِي الظُّلمَةِ، لِأنَّهُ يَسْكُنُ النُّورَ. «يَا إلَهَ آبَائِي، أشكُرُكَ وَأُسَبِّحُكَ، لِأنَّكَ أعْطَيْتَنِي حِكْمَةً وَقُوَّةً، وَلِأنَّكَ أعلَنتَ لِي مَا طَلَبتُهُ مِنْكَ، فَأعلَنتَ لِي مَا يُرِيدُهُ المَلِكُ.» فَذَهَبَ دَانِيَالُ إلَى القَصرِ، وَقَابَلَ أرْيُوخَ الَّذِي أمَرَهُ المَلِكُ بِقَتْلِ الحُكَمَاءِ فِي بَابِلَ، وَقَالَ لَهُ: «لَا تَقْتُلْ حُكَمَاءَ بَابِلَ، بَلْ خُذنِي إلَى المَلِكِ فَأُخبِرَهُ بِتَفْسِيرِ حُلْمِهِ.» فَأخَذَ أرْيُوخُ دَانِيَالَ بِسُرعَةٍ إلَى المَلِكِ. وَقَالَ أريُوخُ لِلمَلِكِ: «وَجَدْتُ رَجُلًا مِنَ المَسبِيِّينَ مِنْ يَهُوذَا، يُمكِنُهُ أنْ يُفَسِّرَ حُلْمَ المَلِكِ!» فَقَالَ المَلِكُ لِدَانِيَالَ – الَّذِي اسْمُهُ بِالأرَامِيَّةِ بَلْطْشَاصَّرُ: «أحَقًّا تَسْتَطِيعُ أنْ تُخبِرَنِي بِالحُلْمِ وَبِتَفْسِيرِهِ؟» فَأجَابَ دَانِيَالُ المَلِكَ: «لَا يَسْتَطِيعُ الحُكَمَاءُ وَالسَّحَرَةُ وَالمُنَجِمُّونَ وَالعَرَّافُونَ أنْ يُعلِنُوا هَذَا السِّرَّ لِلمَلِكِ. وَلَكِنْ هُنَاكَ إلَهٌ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ يَقْدِرُ أنْ يُعلِنَ الأسرَارَ. فَاللهُ قَد أعْلَنَ لَكَ، أيُّهَا المَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ، مَا سَيَحْدُثُ فِي آخِرِ الأيَّامِ. وَهَذَا هُوَ الحُلْمُ وَالرُّؤيَا الَّتِي رَأيْتَهَا وَأنْتَ عَلَى سَرِيرِكَ. تُشِيرُ الأفكَارُ الَّتِي رَاوَدَتْكَ وَأنْتَ نَائِمٌ إلَى مَا سَيَحْدُثُ فِي المُسْتَقْبَلِ. فَمُعلِنُ الأسْرَارِ قَد أخبَرَكَ بِمَا سَيَحْدُثُ. أمَّا بِشَأنِي، فَلَمْ يُعلِنْ لِيَ اللهُ هَذَا لِأنِّي أكْثَرُ حِكْمَةً مِنْ أيِّ مَخْلُوقٍ آخَرَ، بَلْ لِكَي تَعْلَمَ أيُّهَا المَلِكُ تَفْسِيرَ حُلْمِكَ، فَتَفْهَمَ مَا كَانَ فِي ذِهنِكَ. «أيُّهَا المَلِكُ، بَيْنَمَا كُنْتَ تَنْظُرُ، ظَهَرَ تِمثَالٌ عَظِيمٌ جِدًّا وَوَقَفَ أمَامَكَ. كَانَ لَمَعَانُهُ عَظِيمًا جِدًّا، وَمَنظَرُهُ مُخِيفًا وَمُدْهِشًا. كَانَ رَأسُ التِّمثَالِ ذَهَبًا نَقِيًّا، وَكَتِفَاهُ وَذِرَاعَاهُ فِضَّةً، وَبَطنُهُ مِنَ البرُونزِ، وَفَخذَاهُ حَدِيدًا، وَالجُزءُ السُّفلِيُّ مِنْ رِجلَيهِ بَعْضُهُ حَدِيدٌ وَبَعْضُهُ الآخَرُ طِينٌ. وَبَيْنَمَا كُنْتَ تَنْظُرُ، قُطِعَ حَجَرٌ. وَبِدُونِ أنْ يَدْفَعَهُ أحَدٌ، طَارَ الحَجَرُ وَضَرَبَ التِّمثَالَ عَلَى الجُزءِ السُّفلِيِّ مِنْ قَدَمَيهِ المُكَوَّنِ مِنْ خَلِيطِ الحَدِيدِ وَالطِّينِ، فَسَحَقَهُ. فَسُحِقَ كُلُّ الطِّينِ وَالحَدِيدِ وَالبرُونزِ وَالفِّضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَصَارَ غُبَارًا حَمَلَتهُ الرِّيحُ مِثْلَ التِّبنِ وَقْتَ حَصَادِ الصَّيفِ، حَتَّى لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ مَعْرِفَةَ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ. ثُمَّ كَبِرَ الحَجَرُ وَصَارَ جَبَلًا عَظِيمًا مَلأ الأرْضَ. «هَذَا هُوَ الحُلْمُ، وَالْآنَ سَأُخبِرُ المَلِكَ بِتَفْسِيرِهِ. أيُّهَا المَلِكُ، أنْتَ مَلِكٌ عَظِيمٌ اخْتَارَكَ إلَهُ السَّمَاءِ لِتَكُونَ مَلِكًا عَظِيمًا، وَأعطَاكَ قُوَّةً وَغِنَىً. وَجَعَلَكَ مَسؤُولًا عَنْ كُلِّ البَشَرِ أيْنَمَا كَانُوا، وَعَنِ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، إذْ جَعَلَكَ حَاكِمًا عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. فَأنْتَ هُوَ رَأسُ الذَّهَبِ فِي هَذَا التِّمثَالِ. وَلَكِن بَعْدَكَ سَتَأْتِي مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أقَلُّ مِنْكَ قِيمَةً، ثُمَّ مَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ مِنَ البرُونزِ سَتَمْلُكُ عَلَى كُلِّ الأرْضِ. وَالمَملَكَةُ الرَّابِعَةُ سَتَكُونُ بِقُوَّةِ الحَدِيدِ. وَكَمَا يَسْحَقُّ الِحَدِيدُ كُلَّ شَيءٍ، سَتَسْحَقُ هَذِهِ المَملَكَةُ المَمَالِكَ الأُخرَى وَتُحَطِّمُهَا. وَكَمَا رَأيْتَ أنَّ قَدَمَيِّ التِّمثَالِ وَأصَابِعَهُ كَانَتْ خَلِيطًا مِنْ طِينٍ وَحَدِيدٍ، فَسَتَكُونُ هَذِهِ المَمْلَكَةُ مُنقَسِمَةً مَعَ أنَّ لَهَا قُوَّةَ الحَدِيدِ. لَكِنَّهُ مُختَلِطٌ بِالطِّينِ كَمَا رَأيْتَ. وَلِأنَّ الأصَابِعَ كَانَتْ خَلِيطًا مِنْ حَدِيدٍ وَطِينٍ، فَسَتَكُونُ لِلمَمْلَكَةِ جَوَانِبُ ضَعفٍ وَجَوَانِبُ قُوَّةٍ. قَدْ رَأيْتَ اختِلَاطَ الحَدِيدِ وَالطِّينِ. هَكَذَا سَيكُونُ النَّاسُ هُنَاكَ. لَكِنَّ هَذَا الِاخْتِلَاطَ هَشٌّ لَنْ يَصْمِدَ، كَمَا لَا يَصْمِدُ اختِلَاطُ الحَدِيدِ وَالطِّينِ. «وَفِي أيَّامِ أُولَئِكَ المُلُوكِ، سَيُؤَسِّسُ إلَهُ السَّمَاءِ مَملَكَةً أبَدِيَّةً لَا تُدَمَّرُ. وَلَن تُتْرَكَ تِلْكَ المَملَكَةُ لِلغُرَبَاءِ، بَلْ سَتَسْحَقُ تِلْكَ المَملَكَةُ وَتَلْتَهِمُ مَمَالِكَ أُخْرَى، وَهِيَ سَتَثْبُتُ إلَى الأبَدِ. فَهَذَا هُوَ الحَجَرُ الَّذِي قُطِعَ مِنَ الجَبَلِ بِلَا يَدَينِ، فَسَحَقَ الحَدِيدَ وَالبُرُونْزَ وَالطِّينَ وَالفِّضَّةَ وَالذَّهَبَ. فَقَدْ أعْلَنَ اللهُ العَظِيمُ لِلمَلِكِ مَا سَيَحْدُثُ فِي المُسْتَقْبَلِ. هَذَا هُوَ الحُلْمُ، وَتَفْسِيرُهُ صَحِيحٌ.» حِينَئِذٍ، انحَنَى المَلِكُ وَرَأسُهُ إلَى الأرْضِ، ثُمَّ أمَرَ بِتَقْدِيمِ تَقْدِمَاتٍ وَعُطُورٍ جَمِيلَةٍ لِدَانِيَالَ. وَقَالَ المَلِكُ لِدَانِيَالَ: «حَقًّا إنَّ إلَهَكُمْ إلَهٌ عَظِيمٌ. هُوَ مُعلِنُ الأسرَارِ، إذْ قَدْ أعْلَنَ لَكَ هَذَا السِّرَّ.» فَأكرَمَ المَلِكُ دَانِيَالَ وَرَقَّاهُ، وَأعْطَاهُ هَدَايَا ثَمِينَةً وَجَعَلَهُ مَسْؤُولًا عَنْ مُقَاطَعَةِ بَابِلَ. كَمَا جَعَلَهُ رَئِيسًا عَلَى جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. وَطَلَبَ دَانِيَالُ مِنَ المَلِكِ أنْ يُعَيِّنَ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعِبْدَنَغُوَ عَلَى خَدَمَاتِ مُقَاطَعَةِ بَابِلَ. أمَّا دَانِيَالُ فَبَقِيَ فِي البَلَاطِ المَلَكِيِّ. وَصَنَعَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ تِمثَالًا مِنَ الذَّهَبِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ سِتُّ أذْرُعٍ. وَنَصَبَهُ فِي وَادِي دُورَا فِي مُقَاطَعَةِ بَابِلَ. وَأصدَرَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ أمْرًا بِأنْ يَأْتِيَ جَمِيعُ الوُلَاةِ وَكِبَارِ المَسؤُولِينَ وَالحُكَّامِ وَالمُسْتَشَارِينَ وَأُمَنَاءِ الخَزنَةِ وَالقُضَاةِ وَضُبَّاطِ الشُرطَةِ وَجَمِيعُ مُوَظَفِي المُقَاطَعَةِ لِتَدْشِينِ تِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي كَانَ المَلِكُ قَد أمَرَ بِإقَامَتِهِ. فَاجتَمَعَ كُلُّ الوُلَاةِ وَكِبَارِ المَسؤُولِينَ وَالحُكَّامِ وَالمُسْتَشَارِينَ وَأُمَنَاءِ الخَزنَةِ وَالقُضَاةِ وَضُبَّاطِ الشُرطَةِ وَكُلُّ مُوَظَّفِي المُقَاطَعَةِ الآخَرِينَ لِأجْلِ تَدْشِينِ التِّمثَالِ الَّذِي أمَرَ المَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ بِإقَامَتِهِ، وَوَقَفُوا أمَامَ التِّمثَالِ. ثُمَّ أعْلَنَ مُنَادٍ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ وَقَالَ: «أيَّتُهَا الشُّعُوبُ وَالأُمَمُ مِنْ جَمِيعِ اللُّغَاتِ، حِينَ تَسْمَعُونَ أصْوَاتَ البُوقِ وَالنَّايِ وَالقِيثَارَةِ وَالرَّبَابَةِ وَالقَانُونِ وَالقِرْبَةِ وَغَيرِهَا مِنَ الآلَاتِ، تَسْجُدُونَ لِتِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ. وَمَنْ لَا يَسْجُدُ لَهُ، سَيُقبَضُ عَلَيْهِ فَوْرًا وَيُطرَحُ فِي فُرنٍ مُشتَعِلٍ.» وَكَانَ هُنَاكَ أُنَاسٌ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَاللُّغَاتِ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَ البُوقِ وَالنَّايِ وَالقَانُونِ وَالقِيثَارَاتِ الكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالمِزمَارِ وَأصوَاتِ الآلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ الأُخرَى، سَجَدُوا أمَامَ تِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ. فَذَهَبَ رِجَالٌ كَلْدَانِيُّونَ إلَى المَلِكِ وَاشتَكَوْا عَلَى اليَهُودِ. وَقَالُوا لِنَبُوخَذْنَاصَّرَ المَلِكِ: «أيُّهَا المَلِكُ، فَلتَعِشْ إلَى الأبَدِ! أيُّهَا المَلِكُ، أنْتَ أصدَرتَ أمْرًا بِأنَّ كُلَّ مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَ البُوقِ وَالنَّايِ وَالقَانُونِ وَالقِيثَارَاتِ الكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالمِزمَارِ وَالآلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ الأُخرَى، يَنْبَغِي أنْ يَسْجُدَ أمَامَ تِمثَالِ الذَّهَبِ. وَأنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَسْجُدُ سَيُلقَى بِهِ إلَى فُرنٍ مُشتَعِلٍ. لَكِنْ هُنَاكَ رِجَالٌ يَهُودٌ عَيَّنْتَهُمْ فِي مَرَاكِزَ عُلْيَا فِي مُقَاطَعَةِ بَابِلَ، هُمْ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدُنَغُو، وَهُمْ يَتَجَاهَلُونَ أمرَكَ وَلَا يَعْبُدُونَ إلَهَكَ، إذْ لَمْ يَسْجُدُوا لِتِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي أمَرْتُ بِإقَامَتِهِ.» فَاغتَاظَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ عِنْدَمَا سَمِعَ ذَلِكَ وَقَالَ غَاضِبًا: «أحضِرُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ إلَيَّ.» فَأحضَرُوا هَؤلَاءِ الرِّجَالَ أمَامَ المَلِكِ. فَقَالَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ: «يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو، هَلْ صَحِيحٌ أنَّكُمْ لَمْ تُشَارِكُوا فِي العِبَادَةِ وَالسُّجُودِ لِتِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبتُهُ؟ اسْتَعِدُّوا لِلسُّجُودِ لِذَلِكَ التِّمثَالِ فَورَ سَمَاعِ أصْوَاتِ البُوقِ وَالنَّايِ وَالقِيثَارَةِ وَالرَّبَابَةِ وَالقَانُونِ وَالقِرْبَةِ وَغَيرِهَا مِنَ الآلَاتِ. فَإنْ لَمْ تَسْجُدُوا، سَتُلقَوْنَ إلَى الفُرنِ المُشْتَعِلِ! وَمَنْ هُوَ الإلَهُ الَّذِي يَسْتَطِيعُ أنْ يُنقِذَكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟» فَأجَابَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو المَلِكَ وَقَالُوا: «يَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ، لَا نَحتَاجُ أنْ نُجِيبَكَ عَنْ هَذَا الأمْرِ، لِأنَّ الإلَهَ الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أنْ يُنقِذَنَا مِنْكَ أيُّهَا المَلِكُ وَمِنَ الفُرنِ المُشْتَعِلِ. لَكِنْ حَتَّى إنْ لَمْ يُنقِذْنَا، فَليَكُنْ مَعلُومًا لَدَيكَ أيُّهَا المَلِكُ بِأنَّنَا لَنْ نَعْبُدَ آلِهَتَكَ سَاجِدِينَ لِتِمثَالِ الذَّهَبَ الَّذِي نَصَبتَهُ.» فَغَضِبَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ غَضَبًا شَدِيدًا، وَعَبَسَ وَجْهُهُ أمَامَ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، وَأمَرَ بِأنْ يُحَمَّى الفُرْنُ سَبْعَةَ أضعَافٍ. وَأمَرَ بَعْضَ الجُنُودِ فِي جَيْشِهِ بِأنْ يَرْبِطُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ وَيُلقُوهُمْ إلَى الفُرنِ المُشْتَعِلِ. فَرَبَطُوهُمْ وَهُمْ مُرتَدُونَ قُمصَانَهُمْ وَسَرَاوِيلَهُمْ وَعَمَائِمَهُمْ وَثِيَابَهُمْ كَامِلَةً، وَألقَوْا بِهِمْ إلَى الفُرنِ المُشْتَعِلِ. وَلِضَرورَةِ الإسرَاعِ بِتَنْفِيذِ أمْرِ المَلِكِ وَلِأنَّ الفُرنَ حُمِّيَ سَبْعَةَ أضعَافٍ عَنِ المُعتَادِ، فَإنَّ الجُنُودَ الَّذِينَ ألقَوْا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ إلَى الفُرنِ احتَرَقُوا حَتَّى المَوْتِ مِنْ لَهَبِ النَّارِ. وَسَقَطَ الرِّجَالُ الثَّلَاثَةُ – شَدرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو – مُوثَقِينَ فِي الفُرنِ. حِينَئِذٍ، اندَهَشَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ وَقَفَزَ مُسرِعًا وَقَالَ لِمُرَافِقِيهِ: «ألَمْ نُلقِ ثَلَاثَةَ رِجَالٍ مُوثَقِينَ إلَى الفُرنِ؟» فَأجَابُوا: «نَعَمْ، هُوَ كَذَلِكَ أيُّهَا المَلِكُ.» فَقَالَ المَلِكُ: «فَلِمَاذَا أرَى أرْبَعَةَ رِجَالٍ مَحلُولِينَ يَتَمَشُّونَ فِي النَّارِ دُونَ أنْ يُصِيبَهُمْ أذَىً؟ وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ الرَّابِعُ شَبِيهًا بِابنِ الآلِهَةِ.» ثُمَّ تَقَدَّمَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ إلَى بَوَّابَةِ الفُرنِ المُشْتَعِلِ وَقَالَ: «يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو، يَا عَبِيدَ اللهِ العَلِيِّ، اخرُجُوا.» فَخَرَجَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو مِنَ النَّارِ. حِينَئِذٍ، اجتَمَعَ كُلُّ الوُلَاةِ وَكِبَارِ المَسؤُولِينَ وَالحُكَّامِ وَمُرَافِقِي المَلِكِ حَوْلَهُمْ، وَرَأوْا أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلنَّارِ أثَرٌ عَلَى أجسَادِهِمْ، حَتَّى إنَّ شَعْرَ رُؤوسِهِمْ لَمْ يَحْتَرِقْ، وَثِيَابَهُمْ لَمْ تَتَأثَّرْ، بَلْ إنَّ رَائِحَةَ النَّارِ لَمْ تَعْلَقْ بِثِيَابِهِمْ. حِينَئِذٍ، قَالَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ: «مُبَارَكٌ إلَهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ الَّذِي أرْسَلَ مَلَاكَهُ لِيُنقِذَ خُدَّامَهُ الَّذِينَ يَثِقُونَ بِهِ، وَالَّذِينَ هَزِئُوا بِمَرسُومِ المَلِكِ مُخَاطِرِينَ بِحَيَاتِهِمْ لِئَلَّا يَعْبُدُوا أوْ يَسْجُدُوا لِأيِّ إلَهٍ آخَرَ غَيْرِ إلَهِهِمْ. وَالْآنَ أنَا آمُرُ بِأنَّ أيَّ إنْسَانٍ مِنْ أيِّ شَعْبٍ أوْ أُمَّةٍ أوْ لُغَةٍ يَتَكَلَّمُ بِسُوءٍ عَنْ إلَهِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، سَيُمَزَّقُ تَمْزِيقًا، وَسَيُصَادَرُ بَيتُهُ وَيُحَوَّلُ إلَى مَزبَلَةٍ، لِأنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَهٌ آخَرُ يَسْتَطِيعُ أنْ يُنقِذَ شَعْبَهُ هَكَذَا.» وَهَكَذَا رَفَعَ المَلِكُ مِنْ مَقَامِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ فِي مُقَاطَعَةِ بَابِلَ. مِنَ المَلِكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ إلَى كُلِّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَاللُّغَاتِ، السَّاكِنِينَ فِي كُلِّ البُلدَانِ، فَليَكُنْ لَكُمُ الخَيْرُ وَالسَّلَامُ دَائِمًا. أجِدُ سُرُورًا عَظِيمًا فِي أنْ أُخبِرَكُمْ بِالآيَاتِ وَالعَجَائِبِ الَّتِي عَمِلَهَا اللهُ العَلِيُّ لِي. آيَاتُهُ عَظِيمَةٌ! عَجَائِبُهُ قَوِيَّةٌ! مُلْكُهُ مُلْكٌ أبَدِيٌّ، وَسُلطَانُهُ سَيَدُومُ عَبْرَ كُلِّ الأجيَالِ. أنَا، نَبُوخَذْنَاصَّرَ، كُنْتُ أستَرِيحُ مُطمَئِنًا فِي قَصرِي، فَرَأيْتُ حُلْمًا أفزَعَنِي. وَأزعَجَتنِي أفكَارِي وَتَخَيُّلَاتِي وَأنَا عَلَى فِرَاشِي. حِينَئِذٍ، أصدَرتُ أمْرًا بِإحْضَارِ كُلِّ حُكَمَاءِ بَابِلَ كَي يُفَسِّرُوا لِيَ الحُلْمَ. وَحِينَ جَاءَ المُنَجِّمُونَ وَالسَّحَرَةُ وَالكَلْدَانِيُّونَ وَالوُسَطَاءُ، أخْبَرْتُهُمْ عَنْ حُلْمِي، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا تَفْسِيرَهُ. وَأخِيرًا، دَخَلَ دَانِيَالُ أمَامِي، وَهُوَ الَّذِي أُعْطِيَ اسْمَ ‹بَلْطْشَاصَّرُ› إكرَامًا لِإلَهِي. وَكَانَ رُوحُ الآلِهَةِ القِدِّيسِينَ فِيهِ، فَأخبَرتُهُ عَنْ حُلْمِي فَقُلْتُ لَهُ: «يَا بَلْطْشَاصَّرُ، يَا رَئِيسَ المُنَّجِمِينَ، أعْرِفُ أنَّ رُوحَ الآلِهَةِ القِدِّيسِينَ فِيكَ، وَلَا يُوجَدُ سِرٌّ يَصْعُبُ عَلَيْكَ مَعْرِفَتُهُ، فَفَسِّرْ لِيَ الحُلمَ الَّذِي رَأيْتُهُ. كُنْتُ مُسْتَلْقِيًا عَلَى فِرَاشِي حِينَ بَدَأتُ أرَى رُؤَىً فِي ذِهنِي. وَفَجْأةً كَانَتْ هُنَاكَ شَجَرَةٌ طَوِيلَةٌ جِدًّا تَنْمُو فِي الأرْضِ، كَانَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً جِدًّا، وَبَلَغَ ارتِفَاعُهَا إلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ الجَمِيعُ يَرَاهَا. كَانَتْ أورَاقُهَا جَمِيلَةً، وَثَمَرُهَا وَفِيرًا، وَكَانَت تُعطِي طَعَامًا لِلجَمِيعِ، وَكَانَتْ حَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةِ تَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا، وَالطُّيُورُ تَسْكُنُ فِي أغْصَانِهَا، وَكُلُّ الكَائِنَاتِ تَأْكُلُ مِنْهَا. «وَبَيْنَمَا كُنْتُ أرَى هَذَا فِي حُلْمِي وَعَلَى فِرَاشِي، نَزَلَ مُرَاقِبٌ قِدِّيسٌ مِنَ السَّمَاءِ وَصَرَخَ: ‹اقطَعُوا الشَّجَرَةَ! قُصُّوا أغْصَانَهَا! انْزِعُوا أورَاقَهَا! انثُرُوا ثِمَارَهَا! وَلْتَهْرُبِ الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ مِنْ تَحْتِهَا وَالطُّيُورُ مِنْ أغْصَانِهَا. لَكِنِ اترُكُوا جِذْعَهَا وَجُذُورَهَا فِي الأرْضِ. أوْثِقُوا جِذْعَهَا بِحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ فِي وَسَطِ نَبَاتَاتِ الغَابَةِ. اترُكُوهُ لِيَبْتَلَّ مِنْ نَدَى السَّمَاءِ بَيْنَ الحَيَوَانَاتِ فِي الأرَاضِي العُشبِيَّةِ. سَيَفْقِدُ عَقلَهُ البَشَرِيَّ، وَيُفَكِّرُ كَالحَيَوَانَاتِ، إلَى أنْ تَمْضيَ عَلَيْهِ سَبعَةُ مَوَاسِمَ.› «هَذَا الإعلَانُ مَرسُومٌ أمَرَ بِهِ المُرَاقِبُونَ القِدِّيسُونَ لِكَي تَعْرِفَ كُلُّ المَخْلُوقَاتِ أنَّ اللهَ العَلِيَّ يَحْكُمُ مَملَكَةَ البَشَرِ. وَهُوَ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُقِيمُ أوضَعَ النَّاسِ عَلَيْهَا. «هَذَا هُوَ الحُلْمُ الَّذِي رَأيْتُهُ، أنَا المَلِكَ نَبُوخَذْنَاصَّرَ. وَالْآنَ يَا بَلْطْشَاصَّرُ، فَسِّرْ لِيَ الحُلْمَ، لِأنَّهُ لَا أحَدَ مِنَ الحُكَمَاءِ الآخَرِينَ يَسْتَطِيعُ تَفْسِيرَهُ، أمَّا أنْتَ فَتَسْتَطِيعُ لِأنَّ رُوحَ الآلِهَةِ القِدِّيسِينَ فِيكَ.» فَبَقِيَ دَانِيَالُ – وَيُدْعَى أيْضًا بَلْطْشَاصَّرَ – صَامِتًا نَحْوَ سَاعَةٍ كَامِلَةٍ وَهُوَ مُنزَعِجٌ مِنْ أفكَارِهِ. فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: «يَا بَلْطْشَاصَّرُ، لَا تَدَعِ الحُلمَ وَتَفْسِيرَهُ يُزعِجَانِكَ.» فَأجَابَ بَلْطْشَاصَّرُ: «يَا سَيِّدِي، أتَمَنَّى لَوْ أنَّ هَذَا الحُلْمَ عَنْ أعْدَائِكَ! فَالشَّجَرَةُ الكَبِيرَةُ القَوِيَّةُ الَّتِي رَأيْتَهَا، وَوَصَلَ ارتِفَاعُهَا إلَى السَّمَاءِ، حَتَّى كَانَتْ مَرئِيَّةً مِنْ أقَاصِي الأرْضِ – الشَّجَرَةُ ذَاتَ الأورَاقِ الجَّمِيلَةِ وَالثَّمَرِ الكَثِيرِ، وَفِي أغْصَانِهَا طَعَامٌ لِلجَمِيعِ، وَقَدْ سَكَنَتِ الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ تَحْتَهَا وَعَشَّشَتِ الطُّيُورُ فِي أغْصَانِهَا – هِيَ أنْتَ أيُّهَا المَلِكُ! فَقَدْ صِرتَ عَظِيمًا وَقَوِيًّا، وَجَمَعتَ ثَروَةً عَظِيمَةً، وَوَصَلَتْ قُوَّتُكَ إلَى السَّمَاءِ وَسُلطَانُكَ إلَى أقَاصِي الأرْضِ. «أمَّا المُرَاقِبُ القِدِّيسُ الَّذِي رَأيْتَهُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالَّذِي قَالَ: ‹اقطَعُوا الشَّجَرَةَ وَأهْلِكُوهَا تَمَامًا، لَكِنِ اتْرُكُوا جِذعَهَا وَجُذُورَهَا فِي الأرْضِ مُقَيَّدَةً بِقُيُودٍ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَسَطَ الحُقُولِ. فَهُنَاكَ سَتَبْتَلُّ بِنَدَى السَّمَاءِ، وَتَبْقَى بَيْنَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ حَتَّى تَكْتَمِلَ سَبعَةُ مَوَاسِمٍ.› «فَيَا سَيِّدِي المَلِكِ، هَذَا هُوَ تَفْسِيرُ مَا قَالَهُ المُرَاقِبُ فِي الحُلْمِ: هَذَا هُوَ الحُكْمُ الَّذِي أصدَرَهُ اللهُ العَلِيُّ عَلَى سَيِّدِي المَلِكِ: سَيَطْرُدُونَكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَسَتَعِيشُ بَيْنَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ وَسَتَأْكُلُ العُشبَ كَالبَقَرِ، وَسَتَبْتَلُّ بِنَدَى السَّمَاءِ. وَسَتَمُرُّ عَلَيْكَ سَبْعَةُ مَوَاسِمَ قَبْلَ أنْ يَعُودَ إلَيْكَ عَقلُكَ وَتَعْرِفَ أنَّ اللهَ العَلِيَّ يَحْكُمُ عَلَى مَمْلَكَةِ البَشَرِ. وَهُوَ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ. «وَعِنْدَمَا قَالَ المُرَاقِبُ القدِّيسُ: ‹اترُكُوا جِذْعَهَا وَجُذُورَهَا،› فَهَذَا لِتَعْلَمَ أنَّ مَملَكَتَكَ سَتَعُودُ إلَيْكَ، عِنْدَمَا تُدْرِكُ أنَّ السِّيَادَةَ هِيَ لِرَبِّ السَّمَاءِ. لِذَلِكَ أيُّهَا المَلِكُ اسْمَعْ نَصِيحَتِي. كَفِّرْ عَنْ خَطَايَاكَ بِالبِرِّ، وَعَنْ شَرِّكَ بِالإحسَانِ لِلفُقَرَاءِ. فَحِينَئِذٍ، تَكُونُ لَكَ حَيَاةٌ طَوِيلَةٌ هَادِئَةٌ.» وَقَدْ حَدَثَت كُلُّ تِلْكَ الأُمُورِ لِلمَلِكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، فَبَعدَ اثنَيْ عَشَرَ شَهرًا كَانَ المَلِكُ يَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ قَصرِهِ، حِينَ قَالَ: «هَذِهِ هِيَ بَابِلُ المَدِينَةُ العَظِيمَةُ الَّتِي بَنَيتُهَا بِقُوَّتِي لِتَصِيرَ عَاصِمَةَ مَملَكَتِي وَلأُظْهِرَ مَجْدِي!» وَبَيْنَمَا هُوَ لَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ، جَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: «اسمَعْ مَا سَيَحْدُثُ لَكَ أيُّهَا المَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ: سَتُنزَعُ مَملَكَتُكَ مِنْكَ. وَسَتُطرَدُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ لِتَعِيشَ بَيْنَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ، وَسَتَأْكُلُ العُشبَ كَالبَقَرِ، وَسَتَمُرُّ عَلَيْكَ سَبعَةُ مَوَاسِمَ قَبْلَ أنْ تَعُودَ إلَى عَقلِكَ وَتَعْرِفَ أنَّ اللهَ العَلِيَّ يَحْكُمُ عَلَى مَمْلَكَةِ البَشَرِ. وَهُوَ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ.» وَفَورَ انتِهَاءِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ، طُرِدَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَصَارَ مَجنُونًا. وَبَدَأ يَأْكُلُ العُشبَ كَالبَقَرِ، وَابْتَلَّ جَسَدُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ. طَالَ شَعرُهُ وَتَلَبَّدَ حَتَّى صَارَ مِثْلَ رِيشِ النَّسرِ. وَطَالَت أظَافِرُهُ حَتَّى صَارَت كَمَخَالِبِ الطُّيُورِ. وَتَابَعَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ كَلَامَهُ بِقَولِهِ: «وَفِي نِهَايَةِ الوَقْتِ المُعَيَّنِ، رَفَعتُ أنَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ، عَينَيَّ نَحْوَ السَّمَاءِ فَعَادَ إلَيَّ عَقلِي. حِينَئِذٍ، بَارَكتُ اللهَ العَلِيَّ، وَمَجَّدتُ الَّذِي يَحيَا إلَى الأبَدِ وَالَّذِي يَمْلُكُ إلَى الأبَدِ، وَمُلكُهُ يَسْتَمِرُّ عَبْرَ الأجيَالِ. «أمَامَ قُوَّةِ اللهِ، كُلُّ البَشَرِ عَلَى الأرْضِ كَلَا شَيءٍ! هُوَ يَعْمَلُ مَا يُرِيدُ بِجُندِ السَّمَاءِ أوْ بِسُكَّانِ الأرْضِ! لَا يُوجَدُ مَنْ يَسْتَطِيعُ مَنْعَهُ أوْ مَنْ يَسألُهُ مَاذَا تَعْمَلُ؟ «فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، أعَادَ اللهُ إلَيَّ عَقلِي وَمَجْدَ مَملَكَتِي وَكَرَامَتِي. وَعَادَت هَيئَتِي إلَى طَبِيعَتِهَا. وَعَادَ المُسْتَشَارُونَ وَالنُبَلَاءُ يَطْلُبُونَ نَصِيحَتِي مِنْ جَدِيدٍ. وَعُدْتُ إلَى مَركِزِي كَمَلِكٍ عَلَى مَملَكَتِي. وَحَصَلتُ عَلَى ثَروَةٍ أعْظَمَ مِمَّا كَانَ لِي. أنَا نَبُوخَذْنَاصَّرَ أُسَبِّحُ وَأحمَدُ وَأُكرِمُ مَلِكَ السَّمَاءِ الَّذِي كُلُّ أعْمَالِهِ حَقٌّ وَطُرُقُهُ مُسْتَقِيمَةٌ، وَهُوَ يَقْدِرُ أنْ يُذِلَّ المُتَكَبِّرِينَ.» فِي أثنَاءِ حُكْمِ المَلِكِ بِيلْشَاصَّرَ، عَمِلَ المَلِكُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً لِألفٍ مِنْ نُبَلَائِهِ، وَكَانَ يَشْرَبُ خَمرًا أمَامَهُمْ. وَتَحْتَ تَأْثِيرِ الخَمْرِ، أمَرَ بِيلْشَاصَّرُ بِإحْضَارِ الآنِيَةِ الذَّهَبِيَّةِ وَالفِضِّيَّةِ الَّتِي أخَذَهَا أبُوهُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنَ الهَيْكَلِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، كَي يَشْرَبَ المَلِكُ وَرُؤسَاؤُهُ وَنِسَاؤُهُ وَجَوَارِيهِ بِتِلْكَ الآنِيَةِ. وَعِنْدَمَا أحضَرُوا الآنِيَةَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنَ الهَيْكَلِ، مِنْ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، شَرِبَ المَلِكُ وَأشرَافُهُ وَنِسَاؤُهُ وَجَوَارِيهِ بِهَا. فَكَانُوا يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيُسَبِّحُونَ آلِهَةَ الذَّهَبِ وَالفِّضَّةِ وَالبُرُونْزِ وَالحَدِيدِ وَالخَشَبِ وَالحَجَرِ. وَفَجْأةً، ظَهَرَتْ يَدُ إنْسَانٍ، وَكَتَبَتْ عَلَى جِبصِ حَائِطِ القَصرِ مُقَابِلَ المِصبَاحِ. فَرَأى المَلِكُ اليَدَ وَهِيَ تَكْتُبُ. فَشَحَبَ وَجْهُ المَلِكِ مِنَ الخَوفِ، وَارتَعَبَ وَتَحَيَّرَ، وَارتَخَت كُلُّ مَفَاصِلِهِ، وَبَدَأتْ رُكبَتَاهُ تَرْتَجِفَانِ. وَصَرَخَ المَلِكُ لِيُحضِرُوا إلَيْهِ السَّحَرَةَ وَالكَلْدَانِيِّينَ وَالمُنَجِّمِينَ. وَقَالَ المَلِكُ لِحُكَمَاءِ بَابِلَ: «مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَقْرَأَ هَذِهِ الكِتَابَةَ وَيُفَسِّرَهَا سَيَنَالُ مَنصِبًا كَبِيرًا، كَمَا سَيَنَالُ ثِيَابًا مِنْ أُرجُوانٍ وَقِلَادَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَسَيَكُونُ الرَّجُلَ الثَّالِثَ فِي المَمْلَكَةِ.» فَجَاءَ جَمِيعُ الحُكَمَاءِ إلَى المَلِكِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أنْ يَقْرَأُوا الكِتَابَةَ أوْ يُفَسِّرُوهَا لِلمَلِكِ. فَازدَادَ رُعبُ المَلِكِ وَاكتِئَابُهُ، وَأصَابَ القَلَقُ جَمِيعَ مُسْتَشَارِيهِ. وَإذْ سَمِعَتْ أُمُّ المَلِكِ بِمَا حَدَثَ، جَاءَتْ إلَى الِاحْتِفَالِ وَقَالَت لِلمَلِكِ: «فَلتَعِشْ إلَى الأبَدِ، لَا تَقْلَقْ وَلَا تَكْتَئِبْ. هُنَاكَ رَجُلٌ فِي مَملَكَتِكَ فِيهِ رُوحُ الآلِهَةِ القِدِّيسِينَ. وَجَدَ فِيهِ أبُوكَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ فِي فَترَةِ حُكمِهِ استِنَارَةً وَفَهْمًا وَحِكمَةً كَحِكمَةِ الآلِهَةِ، فَعَيَّنَهُ رَئِيسًا عَلَى المُنَجِّمِينَ وَالسَّحَرَةِ وَالكَلْدَانِيِّينَ. فَدَانِيَالُ الَّذِي دَعَاهُ أبُوكَ بَلْطْشَاصَّرَ، فِيهِ رُوحٌ عَظِيمَةٌ وَمَعْرِفَةٌ وَفَهْمٌ لِتَفْسِيرِ الأحْلَامِ وَحَلِّ الألغَازِ وَالمَشَاكِلِ. فَليُستَدْعَ دَانِيَالُ، وَهُوَ سَيَشْرَحُ مَعنَى الكِتَابَةِ.» فَأُحضِرَ دَانِيَالُ أمَامَ المَلِكِ. فَقَالَ المَلِكُ لِدَانِيَالَ: «إذًا أنْتَ دَانِيَالُ الَّذِي أحضَرَهُ أبِي المَلِكُ مِنْ أرْضِ يَهُوذَا! سَمِعْتُ أنَّ فِيكَ رُوحَ الآلِهَةِ، وَأنَّ لَدَيكَ استِنَارَةً وَذَكَاءً وَأنَّكَ حَكِيمٌ جِدًّا. جَاءَ الحُكَمَاءُ وَالسَّحَرَةُ إلَيَّ لِكَي يَقْرَأُوا هَذِهِ الكِتَابَةَ الَّتِي عَلَى الحَائِطِ وَيُفَسِّرُوهَا لِي، لَكِنَّهُمْ عَجِزُوا عَنْ تَفْسِيرِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدْ سَمِعْتُ أنَّكَ تَسْتَطِيعُ أنْ تُفَسِّرَ هَذِهِ الأُمُورَ وَأنْ تَحُلَّ الألغَازَ. فَإنِ استَطَعتَ قِرَاءَةَ هَذِهِ الكِتَابَةِ وَأنْ تُفَسِّرَهَا لِي، فَسَتُعطَى ثِيَابًا أُرجُوانِيَّةً وَقِلَادَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَسَتَكُونُ الرَّجُلَ الثَّالِثَ فِي المَمْلَكَةِ.» فَأجَابَ دَانِيَالُ: «احتَفِظْ بِهَدَايَاكَ لِنَفْسِكَ أيُّهَا المَلِكُ، وَلِتَكُنْ إكرَامَاتُكَ لِغَيرِي. لَكِنِّي سَأقرَأُ الكِتَابَةَ لِلمَلِكِ وَأُفَسِّرُهَا لَهُ. أيُّهَا المَلِكُ، أعْطَى اللهُ العَلِيُّ أبَاكَ نَبُوخَذْنَاصَّرَ هَذِهِ المَملَكَةَ وَأعْطَاهُ قُوَّةً وَمَجدًا وَكَرَامَةً. وَبِسَبَبِ القُوَّةِ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لَهُ، خَافَتهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ بِجَمِيعِ لُغَاتِهَا. وَارتَجَفُوا فِي حَضْرَتِهِ، لِأنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ مَنْ يَشَاءُ وَيَسْتَحْيِي مَنْ يَشَاءُ، وَيَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ. لَكِنْ لَمَّا تَكَبَّرَ قَلْبُهُ وَتَقَسَّتْ رُوحُهُ، خُلِعَ عَنْ عَرْشِهِ المَلَكِيِّ، وَنُزِعَ مِنْهُ مَجْدُهُ. طُرِدَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَصَارَ مَجنُونًا يَتَصَرَّفُ كَالحَيَوَانَاتِ. سَكَنَ مَعَ الحَمِيرِ البَرِّيَّةِ، وَأكَلَ العُشبَ كَالبَقَرِ، وَابْتَلَّ جِسمُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ. حَتَّى عَرَفَ أنَّ اللهَ العَلِيَّ يَحْكُمُ عَلَى مَمْلَكَةِ البَشَرِ، وَأنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهَا مَنْ يَشَاءُ. وَأنْتَ يَا بَيلشَاصَّرُ، ابنَهُ، لَمْ تَتَوَاضَعْ مَعَ أنَّكَ تَعْرِفُ هَذِهِ الأُمُورَ! فَقَدْ تَعَالَيتَ عَلَى إلهِ السَّمَاءِ حِينَ أحضَرْتَ آنِيَةَ هَيْكَلِهِ وَوَضَعتَهَا أمَامَكَ، ثُمَّ بَدَأتَ أنْتَ وَنُبَلَاؤُكَ وَنِسَاؤُكَ وَجَوَارِيكَ بِشُربِ الخَمْرِ بِهَا وَأنْتُمْ تَسَبِّحُونَ آلِهَةَ الفِّضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالبُرُونْزِ وَالحَدِيدِ وَالخَشَبِ وَالحَجَرِ. سَبَّحتَ هَذِهِ الأوْثَانَ الَّتِي لَا تَرَى وَلَا تَسْمَعُ وَلَا تُفَكِّرُ، وَأمَّا الإلَهُ الحَقِيقِيُّ الَّذِي بِيَدِهِ حَيَاتُكَ وَكُلُّ مَا تَعْمَلُهُ فَلَمْ تُكرِمْهُ. لِذَلِكَ أرْسَلَ مِنْ حَضرَتِهِ اليَدَ، فَكَتَبَتْ هَذِهِ الكِتَابَةَ. هَذِهِ هِيَ الكَلِمَاتُ المَكْتُوبَةُ: ‹مَنَا مَنَا تَقَيلْ وَفَرْسِينْ.› «أمَّا تَفْسِيرُهَا: ‹مَنَا›: أحصَى اللهُ أيَّامَ مُلكِكَ، وَأنهَاهَا. ‹تَقَيلْ›: وَزِنْتَ بِالمَوَازِينِ فَوُجِدَتَ نَاقِصًا. ‹فَرْسِينْ›: قُسِّمَتْ مَملَكَتُكَ وَأُعْطِيَتْ لِمَادِي وَفَارِسَ.» فَأمَرَ بِيلْشَاصَّرُ بِأنْ يُعْطَي دَانِيَالُ ثَوْبًا أُرجُوانِيًّا، وَأنْ تُوضَعَ قِلَادَةٌ مِنْ ذَهَبٍ حَوْلَ عُنُقِهِ، وَأنْ يُعلَنَ الرَّجُلَ الثَّالِثَ فِي المَمْلَكَةِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ قُتِلَ بِيلْشَاصَّرُ مَلِكُ البَابِلّيِّينَ. وَصَارَ دَارِيُوسُ المَادِيُّ مَلِكًا وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ وَالسِّتِّينَ مِنْ عُمْرِهِ. وَقَرَّرَ دَارِيُوسُ تَعْيِينَ مِئَةٍ وَعِشرِينَ وَالِيًا لِإدَارَةِ المَمْلَكَةِ. وَاخْتَارَ ثَلَاثَةَ وُزَرَاءٍ مِنْهُمْ دَانِيَالُ، يُقَدِّمُ الوُلَاةُ التَّقَارِيرَ لَهُمْ، كَي لَا يَتَعَرَّضَ المَلِكُ لِأيِّ خَسَارَةٍ. وَلِأنَّهُ كَانَ فِي دَانِيَالَ رُوحٌ يَتَفَوَّقُ بِهِ عَلَى الوُزَرَاءِ وَالوُلَاةِ الآخَرِينَ، فَقَدْ كَانَ المَلِكُ يُفَكِّرُ بِأنْ يَجْعَلَهُ مَسؤُولًا عَنْ كُلِّ المَمْلَكَةِ. وَبَدَأ الوُزَرَاءُ وَالوُلَاةُ يَبْحَثُونَ عَنْ عِلَّةٍ فِي دَانِيَالَ فِي الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِالحُكُومَةِ لِإثبَاتِ عَدَمِ كَفَاءَتِهِ وَأمَانَتِهِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا سَبَبًا لِإدَانَتِهِ، وَلَا فَسَادًا فِيهِ. لِأنَّ دَانِيَالَ كَانَ أمِينًا وَلَا يَأْخُذُ رِشْوَةً وَلَا يُشَارِكُ فِي احتِيَالٍ. فَقَالَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ: «بِمَا أنَّنَا لَنْ نَقدِرَ أنْ نَجِدَ فَسَادًا فِي دَانِيَالَ، فَعَلَينَا أنْ نَبحَثَ عَنْ أمرٍ فِي شَرِيعَةِ إلَهِهِ.» فَجَاءَ هَؤلَاءِ الوُزَرَاءُ وَالوُلَاةُ إلَى المَلِكِ بِهَذَا الِاقْتِرَاحِ: «أيُّهَا المَلِكُ دَارِيُوسُ، فَلتَعِشْ إلَى الأبَدِ! أيُّهَا المَلِكُ، تَشَاوَرَ وُزَرَاءُ المَمْلَكَةِ وَالوُلَاةُ وَكِبَارُ المَسؤُولِينَ وَرُفَقَاؤُهِمْ وَالحُكَّامُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أنْ يُصدِرَ المَلِكُ مَرسُومًا يَمْنَعُ أيَّ شَخْصٍ مِنْ تَقْدِيمِ أيِّ دُعَاءٍ أوْ طَلَبٍ لِأيِّ إلَهٍ أوْ إنْسَانٍ إلَّا لَكَ أيُّهَا المَلِكُ لِمُدَّةِ شَهرٍ كَامِلٍ. وَمَنْ لَا يَمْتَثِلُ لِهَذَا، فَإنَّهُ يُلقَى فِي حُفْرَةِ الأُسُودِ. فَأصدِرْ أيُّهَا المَلِكُ مَرسُومًا وَاختِمْهُ لِيَصِيرَ مِثْلَ شَرِيعَةِ المَادِيِّينَ وَالفُرْسِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ.» وَهَكَذَا أصدَرَ المَلِكُ دَارِيُوسُ المُرسُومَ وَخَتَمَهُ. وَسَمِعَ دَانِيَالُ أنَّ المَلِكَ خَتَمَ مَرسُومًا بِذَلِكَ، فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَفَتَحَ النَّوَافِذَ فِي غُرفَتِهِ العُلوِيَّةِ المَفتُوحَةَ بَاتِّجَاهِ مَدِينَةِ القُدْسِ كَالمُعتَادِ، وَسَجَدَ عَلَى رُكبَتَيْهِ وَسَبَّحَ إلَهَهُ. فَقَدْ اعتَادَ أنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرِّجَالُ إلَى هُنَاكَ، وَوَجَدُوا دَانِيَالَ يُصَلِّي وَيَطْلُبُ الرَّحمَةَ مِنْ إلَهِهِ. فَأسرَعُوا إلَى المَلِكِ وَقَالُوا لَهُ: «أيُّهَا المَلِكُ، ألَمْ تَخْتِمْ مَرسُومًا يَمْنَعُ أيَّ شَخْصٍ مِنَ الصَّلَاةِ أوِ الطَّلَبِ مِنْ أيِّ إلَهٍ أوْ إنْسَانٍ غَيْرَكَ لِمُدَّةِ شَهرٍ كَامِلٍ؟ وَإنْ فَعَلَ أحَدٌ ذَلِكَ ألَا يَنْبَغِي أنْ يُلقَى فِي حُفْرَةِ الأُسُودِ؟» فَأجَابَ المَلِكُ: «نَعَمْ، هَذَا صَحِيحٌ، فَهَذَا مَرسُومٌ مِنْ مَرَاسِيمِ مَادِي وَفَارِسَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهَا.» فَقَالُوا لِلمَلِكِ: «دَانِيَالُ، الَّذِي مِنَ اليَهُودِ المَسبِيِّينَ، لَمْ يَهْتَمَّ بِالمَرسُومِ الَّذِي أنْتَ خَتَمْتَهُ أيُّهَا المَلِكُ! بَلْ إنَّهُ يُصَلِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ يَوْمٍ!» وَحِينَ سَمِعَ المَلِكُ ذَلِكَ انزَعَجَ جِدًّا، وَبَدَأَ عَلَى الفَوْرِ يُفَكِّرُ بِطَرِيقَةٍ لِإنقَاذِ دَانِيَالَ. وَقَدْ حَاوَلَ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ أنْ يَجِدَ طَرِيقَةً لِإنقَاذِهِ. فَجَاءَ أُولَئِكَ الرِّجَالُ إلَى المَلِكِ وَقَالُوا: «أيُّهَا المَلِكُ، أنْتَ تَعْرِفُ أنَّهُ بِحَسَبِ قَانُونِ مَادِي وَفَارِسَ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ أيِّ مَرسُومٍ يُصدِرُهُ المَلِكُ.» فَأمَرَهُمُ المَلِكُ بِإحضَارِ دَانِيَالَ وَإلقَائِهِ فِي حُفْرَةِ الأُسُودِ. وَقَالَ المَلِكُ لِدَانِيَالَ: «لِيُنقِذْكَ اللهُ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِمًا!» ثُمَّ وَضَعُوا حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى فَتْحَةِ الحُفرَةِ وَخَتَمُوهَا بِخَاتَمِ المَلِكِ وَوُزَرَائِهِ، كَي لَا يَسْتَطِيعَ أحَدٌ تَغْيِيرَ الحُكْمِ الَّذِي صَدَرَ عَلَى دَانِيَالَ. وَذَهَبَ المَلِكُ إلَى قَصرِهِ وَقَضَى اللَّيلَ بِلَا طَعَامٍ. وَمَنَعَ أنْ يَأْتِيَ إلَيْهِ مَنْ يُسَلِّيهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعِ النَّومَ. وَعِنْدَ الفَجرِ بَاكِرًا جِدًّا، أسرَعَ إلَى حُفرَةِ الأُسُودِ. فَاقْتَرَبَ مِنَ الحُفرَةِ وَنَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ حَزِينٍ عَلَى دَانِيَالَ: «يَا دَانِيَالُ، يَا عَبدَ اللهِ الحَيِّ، هَلِ استَطَاعَ إلَهُكَ الَّذِي تَخْدِمُهُ وَتَعْبُدُهُ دَائِمًا أنْ يُنقِذَكَ مِنَ الأُسُودِ؟» فَأجَابَ دَانِيَالُ المَلِكَ: «أيُّهَا المَلِكُ، فَلتَعِشْ إلَى الأبَدِ! إلَهِي أرْسَلَ مَلَاكَهُ فَأغلَقَ أفوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تُؤذِنِي، لِأنَّهُ وَجَدَنِي بَرِيئًا. وَحَتَّى أنْتَ أيُّهَا المَلِكُ تَعْلَمُ بِأنِّي لَمْ أعمَلْ شَيْئًا سَيِّئًا.» فَفَرِحَ المَلِكُ كَثِيرًا، وَأمَرَ بِإخرَاجِ دَانِيَالَ مِنَ الحُفْرَةِ. فَخَرَجَ دَانِيَالُ مِنَ الحُفْرَةِ سَالِمًا دُونَ أذَىً، لِأنَّهُ آمَنَ بِإلَهِهِ. ثُمَّ أمَرَ المَلِكُ بِإحضَارِ الَّذِينَ اشْتَكَوْا عَلَى دَانِيَالَ، وَأمَرَ بِطَرحِهِمْ هُمْ وَأوْلَادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ إلَى الحُفْرَةِ. وَمَا أنْ مَسُّوا أرْضَ الحُفْرَةِ، حَتَّى هَجَمَتِ الأُسُودُ عَلَيْهِمْ فَمَزَّقَتْ لَحْمَهُمْ، وَسَحَقَتْ عِظَامَهُمْ. ثُمَّ كَتَبَ المَلِكُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ: «إلَى كُلِّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَاللُّغَاتِ السَّاكِنِينَ فِي الإمبَرَاطُورِيَّةِ، لِيَكُنْ لَكُمْ سَلَامٌ جَزِيلٌ. أنَا دَارِيوسَ أُصدِرُ هَذَا المَرسُومَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ مُقَاطَعَاتِ مَملَكَتِي أنْ يَهَابَ إلَهَ دَانِيَالَ وَيُكرِمَهُ. «‹هُوَ الإلَهُ الحَيُّ الأزَلِيُّ، وَمُلْكُهُ لَنْ يَفْنَى أبَدًا، وَسُلطَانُهُ لَيْسَتْ لَهُ نِهَايَةٌ. هُوَ إلَهٌ يُخَلِّصُ وَيُنقِذُ. هُوَ إلَهٌ يَعْمَلُ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأرْضِ. وَهُوَ الَّذِي أنقَذَ دَانِيَالَ مِنَ الأُسُودِ.›» هَذَا هُوَ دَانِيَالُ الَّذِي نَجَحَ أثْنَاءَ مُلكِ دَارِيوسَ المَادِيِّ وَمُلكِ كُورَشَ الفَارِسِيِّ. فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ حُكْمِ المَلِكِ بِيلْشَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، رَأى دَانِيَالُ حُلْمًا وَهُوَ مُسْتَلقٍ عَلَى فِرَاشِهِ، فَكَتَبَ الحُلْمَ وَوَصَفَ مَلَامِحَهُ الرَّئِيسِيَّةَ. قَالَ دَانِيَالُ: «رَأيْتُ فِي حُلْمِي أنَّ رِيَاحَ السَّمَاءِ الأرْبَعِ جَاءَتْ عَلَى البَحْرِ المُتَوَسِّطِ وَأهَاجَتهُ. حِينَئِذٍ، خَرَجَتْ أرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ ضَخمَةٍ مِنَ البَحْرِ، يَخْتَلِفُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ. كَانَ الحَيَوَانُ الأوَّلُ كَأسَدٍ وَلَهُ أجنِحَةُ نَسرٍ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُرَاقِبُ، نُزِعَتْ أجنِحَتُهُ ثُمَّ رُفِعَ عَنِ الأرْضِ وَوَقَفَ عَلَى رِجلَيهِ اللَّتَيْنِ تُشبِهَانِ رِجلَيِّ إنْسَانٍ. ثُمَّ أُعْطِيَ عَقلَ إنْسَانٍ. «ثُمَّ رَأيْتُ حَيَوَانًا آخَرَ، وَكَانَ يُشْبِهُ الدُّبَّ. فَاستَنَدَ عَلَى جَانِبِهِ، وَكَانَ فِي فَمِهِ ثَلَاثُ أضلَاعٍ يُمْسِكُهَا بِأسنَانِهِ. فَقِيلَ لَهُ: ‹انْهَضْ وَكُلْ لَحْمًا كَثِيرًا.› «وَبَعْدَ ذَلِكَ، وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُرَاقِبُ رَأيْتُ حَيَوَانًا آخَرَ. كَانَ ذَلِكَ الحَيَوَانُ كَالنَّمِرِ، وَلَهُ أرْبَعَةُ أجنِحَةٍ عَلَى ظَهرِهِ وَأرْبَعَةُ رُؤوسٍ. وَأُعْطِيَ لَهُ سُلطَانٌ. «وَبَعْدَ ذَلِكَ، وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُرَاقِبُ فِي حُلْمِي، رَأيْتُ حَيَوَانًا رَابِعًا. كَانَ مُرعِبًا وَقَوِيًّا جِدًّا وَأسنَانُهُ مِنْ حَدَيدٍ. فَالتَهَمَ هَذَا الحَيَوَانُ كَائِنَاتٍ كَثِيرَةً سَاحِقًا عِظَامَهَا وَدَائِسًا مَا تَبَقَّى مِنْهَا تَحْتَ قَدَمَيهِ. كَانَ مُختَلِفًا عَنْ كُلِّ الحَيَوَانَاتِ السَّابِقَةِ، وَكَانَتْ لَهُ عَشرَةُ قُرُونٍ. «وَبَيْنَمَا كُنْتُ أنظُرُ إلَى القُرُونِ خَرَجَ فَجْأةً قَرنٌ آخَرُ صَغِيرٌ مِنْ بَينِهَا طَارِدًا ثَلَاثَةً مِنَ القُرُونِ السَّابِقَةِ. كَانَتْ لِهَذَا القَرنِ عُيُونٌ شِبهُ بَشَرِيَّةٍ وَفَمٌ يَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ عَظِيمَةٍ. «وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُرَاقِبُ، أُقِيمَتْ عُرُوشٌ، وَجَلَسَ قَدِيمُ الأيَّامِ. كَانَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالثَّلجِ، وَشَعرُهُ أبيَضَ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ. كَانَ عَرشُهُ لُهُبًا مِنَ النَّارِ، وَعَجَلَاتُ عَرشِهِ كَالنَّارِ المُلتَهِبَةِ. كَانَ نَهْرُ نَارٍ يَتَدَفَّقُ مِنْ أمَامِهِ. وَأُلُوفٌ وَمَلَايِينُ مِنَ المَلَائِكَةِ يَقِفُونَ أمَامَهُ. فَجَلَسَ قَدِيمُ الأيَّامِ لِلقَضَاءِ، وَفُتِحَتْ أسفَارٌ. «كُنْتُ مَا أزَالُ أُرَاقِبُ لِأنِّي سَمِعْتُ صَوْتَ القَرنِ الصَّغِيرِ يَتَكَلَّمُ بِعَجرَفَةٍ شَدِيدَةٍ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُرَاقِبُ، قُتِلَ الحَيَوَانُ وَأُهلِكَ جَسَدُهُ وَأُلقِيَ لِيُحْرَقَ بِالنَّارِ. وَنُزِعَ سُلطَانُ الحَيَوَانَاتِ الأُخرَى، وَلَكِنْ سُمِحَ لَهَا بِأنْ تَحيَا وَقْتًا قَصِيرًا. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُشَاهِدُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورَ فِي حُلْمِي، فَجْأةً جَاءَ شَخْصٌ عَلَى سُحُبِ السَّمَاءِ، وَكَانَ شَبِيهًا بِالإنْسَانِ. فَجَاءَ إلَى قَدِيمِ الأيَّامِ وَمَثَلَ أمَامَهُ. وَأُعْطِيَ سُلطَانًا وَمَجدًا وَمِلْكًا، فَسَتَخْدِمُهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَاللُّغَاتِ. سُلطَانُهُ سَيَدُومُ إلَى الأبَدِ، وَمُلْكُهُ لَنْ يَنْتَهِيَ وَلَنْ يُدَمَّرَ أبَدًا. «وَاضطَرَبْتْ رُوحِي أنَا دَانِيَالَ فِي دَاخِلِي، وَرُؤَى عَقلِي أرعَبَتنِي. فَاقْتَرَبتُ مِنْ أحَدِ الوَاقِفِينَ أمَامَ قَدِيمِ الأيَّامِ وَسَألتُهُ عَنْ مَعنَى هَذِهِ الأُمُورِ. فَتَكَلَّمَ إلَيَّ وَأخبَرَنِي بِالتَّفسِيرِ. وَقَالَ: ‹هَذِهِ الحَيَوَانَاتُ الأرْبَعَةُ تُمَثِّلُ أرْبَعَةَ مُلُوكٍ سَيَكُونُ لَهُمْ سُلطَانٌ عَلَى الأرْضِ. وَبَعدَهُمْ سَيَأْخُذُ قِدِّيسُو اللهِ العَلِيِّ المُلكَ وَيَمْتَلِكُونَهُ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ.› «حِينَئِذٍ، أرَدْتُ مَعْرِفَةَ مَعنَى رَمزِ الحَيَوَانِ الرَّابِعِ المُختَلِفِ عَنِ الحَيَوَانَاتِ الأُخرَى. كَانَ مُرعِبًا وَقَوِيًّا جِدًّا وَأسنَانُهُ مِنْ حَدِيدٍ وَمَخَالِبُهُ مِنْ بُرُونْزٍ. وَقَدْ أكَلَ مَخْلُوقَاتٍ كَثِيرَةً وَسَحَقَ عِظَامَهَا وَدَاسَ عَلَى مَا تَبَقَّى مِنْهَا تَحْتَ رِجلَيهِ. وَأرَدْتُ أنْ أعرِفَ مَعنَى القُرُونِ العَشرَةِ الَّتِي عَلَى رَأسِهِ وَالقَرنِ الَّذِي ظَهَرَ فِيمَا بَعْدُ فطَرَدَ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ سَابِقَةٍ. وَكَانَت فِيهِ عُيُونٌ وَفَمٌ يَتَكَلَّمُ بِعَجرَفَةٍ شَدِيدَةٍ، وَمَنظَرُهُ أضخَمُ مِنْ مَنظَرِ الحَيَوَانَاتِ الأُخرَى. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُرَاقِبُ، بَدَأ ذَلِكَ القَرنُ يُحَارِبُ القِدِّيسِينَ وَغَلَبَهُمْ. ثُمَّ جَاءَ قَدِيمُ الأيَّامِ وَأنصَفَ قِدِّيسِي اللهِ العَلِيِّ. وَجَاءَ الوَقْتُ لِيَأْخُذَ قِدِّيسُو اللهِ العَلِيِّ المُلْكَ. «وَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ الَّذِي كَانَ يَقِفُ أمَامَ قَدِيمِ الأيَّامِ: ‹الحَيَوَانُ الرَّابِعُ هُوَ مَملَكَةٌ رَابِعَةٌ سَتَكُونُ مُختَلِفَةً عَنِ المَمَالِكِ الأُخرَى، فَسَتَبْتَلِعُ هَذِهِ المَملَكَةُ الأرْضَ كُلَّهَا وَتَدُوسُهَا وَتَسْحَقُهَا. وَتُمَثِّلُ قُرُونُهُ العَشرُ عَشْرَةَ مُلُوكٍ سَيَحْكُمُونَ تِلْكَ المَمْلَكَةِ. وَسَيَقُومُ بَعدَهُمْ مَلِكٌ مُختَلِفٌ عَنِ المُلُوكِ السَّابِقِينَ، وَسَيَخْلَعُ ثَلَاثَةَ مُلُوكٍ. وَسَيَتَكَلَّمُ ضِدَّ اللهِ العَلِيِّ، وَسَيَضْطَهِدُ وَيَظْلِمُ قِدِّيسِي اللهِ العَلِيِّ. وَسَيُحَاوِلُ تَغْيِيرَ التَّقوِيمِ وَالشَّرَائِعِ، وَسَيُسَلَّمُ القِدِّيسُونَ إلَى سُلطَانِهِ لِمُدَّةِ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ وَنِصفٍ. «‹وَلَكِنَّهُ سَيُحَاكَمُ، وَسَيُنزَعُ سُلطَانُهُ وَيَفْنَى مُلْكُهُ تَمَامًا. وَسَتُعْطَى السِّيَادَةُ عَلَى كُلِّ مَمَالِكِ الأرْضِ وَسُلطَانُهَا وَمَجْدُهَا لِقِدِّيسِي اللهِ العَلِيِّ. وَسَتَكُونُ مَملَكَتُهُمْ مَملَكَةً أبَدِيَّةً. وَسَتَخْضَعُ لَهُمْ جَمِيعُ السُّلُطَاتِ وَتَخْدِمُهُمْ وَتُطِيعُهُمْ.› «وَفِي نِهَايَةِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ، كُنْتُ أنَا دَانِيَالَ، مُرتَعِبًا جِدًّا. كَانَتْ أفكَارِي تُزعِجُنِي، وَلَمْ أستَطِعِ التَّوَقُفَ عَنِ التَّفكِيرِ بِهَذِهِ الأُمُورِ.» فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ بِيلْشَاصَّرَ، ظَهَرَتْ لِي، أنَا دَانِيَالَ، رُؤيَا أُخْرَى بَعْدَ تِلْكَ الَّتِي رَأيْتُهَا فِي البِدَايَةِ. رَأيْتُ هَذِهِ الرُؤيَةَ بَيْنَمَا كُنْتُ فِي العَاصِمَةِ شُوشَنَ، عَاصِمَةِ مُقَاطَعَةِ عَيِلَامَ. وَقَدْ رَأيْتُ هَذِهِ الرُّؤيَا قُرْبَ نَهْرِ أُولَايَ. رَفَعتُ عَينَيَّ فَرَأيْتُ كَبْشًا وَاقِفًا قُرْبَ النَّهرِ. وَكَانَ لَهُ قَرنَانِ طَوِيلَانِ، أحَدُهُمَا أطوَلُ مِنَ الآخَرِ. فَظَهَرَ الطَّوِيلُ بَعْدَ ظُهُورِ القَصِيرِ. رَأيْتُ الكَبْشَ مُندَفِعًا نَحْوَ الغَرْبِ وَالشِّمَالِ وَالجَنُوبِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أيُّ حَيَوَانٍ الصُّمُودَ أمَامَهُ وَاستَمَرَّ يَعْمَلُ مَا يُرِيدُ وَيَزدَادُ فِي القُوَّةِ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أنظُرُ، جَاءَ تَيْسٌ مِنَ الغَرْبِ عَابِرًا فَوْقَ سَطْحِ الأرْضِ. لَمْ تَكُنْ قَدَمَاهُ تَلْمِسَانِ الأرْضَ، وَكَانَ لَهُ قَرنٌ بَارِزٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. ثُمَّ رَكَضَ بِكُلِّ قُوَّتِهِ نَحْوَ الكَبْشِ ذِي القَرنَينِ الَّذِي رَأيْتُهُ سَابِقًا يَقِفُ عِنْدَ النَّهرِ. وَرَأيْتُهُ يَضْرِبُ الكَبْشَ بِعُنفٍ شَدِيدٍ. وَحِينَ ضَرَبَ التَّيسُ الكَبْشَ كَسَرَ لَهُ قَرنَيهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعِ الكَبْشُ الصُّمُودَ أمَامَهُ. فَطَرَحَ التَّيسُ الكَبْشَ أرْضًا وَدَاسَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُنقِذُ الكَبْشَ. ثُمَّ استَمَرَّ التَّيسُ يَزدَادُ عَظَمَةً. لَكِن فِي قِمَّةِ قُوَّتِهِ، انكَسَرَ القَرنُ الكَبِيرُ وَخَرَجَتْ مَكَانَهُ أرْبَعَةُ قُرُونٍ بَارِزَةٍ. يَتَّجِهُ كُلٌّ مِنْهَا نَحْوَ جِهَةٍ مِنَ الجِّهَاتِ الأرْبَعِ. وَخَرَجَ قَرنٌ صَغِيرٌ مِنْ هَذِهِ القُرُونِ الأرْبَعَةِ، وَاتَّجَهَ نَحْوَ الجَنُوبِ الشَّرقِيِّ، نَحْوَ الأرْضِ الجَمِيلَةِ. وَارتَفَعَ القَرنُ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَطَرَحَ الكَثِيرَ مِنَ النُّجُومِ وَالكَوَاكِبِ إلَى الأرْضِ وَدَاسَ عَلَيْهَا. وَرَفَعَ نَفْسَهُ مُتَحَدِّيًا رَبَّ جُندِ السَّمَاءِ. وَألغَى الذَّبِيحَةَ اليَوْمِيَّةَ، وَهَدَمَ الهَيْكَلَ. وَبِسَبَبِ المَعْصِيَةِ، تَوَقَّفَ تَقْدِيمُ الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ. فَعَلَ القَرْنُ الصَّغِيرُ هَذَا، وَطرَحَ الحَقَّ إلَى الأرْضِ، وَنَجَحَ فِي مَا عَمِلَ! وَسَمِعْتُ أحَدَ القِدِّيسِينَ يَتَكَلَّمُ. فَقَالَ أحَدُ القِدِّيسِينَ لِلَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ: «كَمْ سَتَدُومُ هَذِهِ الأُمُورُ الَّتِي ظَهَرَت فِي الرُّؤيَا – أيْ تَوَقُّفُ الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ بِسَبَبِ الإثْمِ، وَدَوْسُ المَكَانِ المُقَدَّسِ وَالجُندِ السَّمَاوِيِّ؟» فَقَالَ: «سَيَبْقَى هَذَا ألفَينِ وَثَلَاثَ مِئَةِ نَهَارٍ وَلَيلَةٍ، إلَى أنْ يُستَرَدَّ المَكَانُ المُقَدَّسُ.» حِينَ رَأيْتُ، أنَا دَانِيَالَ، الرُّؤيَا طَلَبتُ مُسَاعَدَةً لِفَهْمِهَا. وَفَجْأةً ظَهَرَ شَخْصٌ أمَامِي، وَكَانَ فِي هَيئَةِ رَجُلٍ. ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا بَشَرِيًّا مِنْ وَسَطِ النَّهرِ يَقولُ: «يَا جِبرَائِيلُ، اشرَحِ الرُّؤيَا لِهَذَا الرَّجُلِ.» فَجَاءَ جِبرَائِيلُ إلَى المَكَانِ الَّذِي كُنْتُ وَاقِفًا فِيهِ، وَإذْ كَانَ يَقْتَرِبُ إلَيَّ ارتَعَبتُ جِدًّا وَسَقطتُ عَلَى وَجْهِي. فَقَالَ لِيَ: «افهَمُ أيُّهَا الإنْسَانُ، فَالرُّؤيَا تَخْتَصُّ بِنِهَايَةِ الزَّمَنِ.» وَحِينَ تَكَلَّمَ إلَيَّ أُغمَيَ عَلَيَّ، لَكِنَّهُ لَمَسَنِي وَأوقَفَنِي عَلَى قَدَمَيَّ. حِينَئِذٍ قَالَ لِي: «هَا أنَا سَأُخبِرُكَ بِمَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ الغَضَبِ، أيْ بَعْدَ انتِهَاءِ الوَقْتِ المُعَيَّنِ. «الكَبْشُ ذُو القَرنَينِ الَّذِي رَأيْتَهُ يُمَثِّلُ مَلِكَ الإمبَرَاطُورِيَّةِ المَادِيَّةِ وَالفَارِسِيَّةِ. وَالتَيْسُ يُمَثِّلُ حُكْمَ اليُونَانِ، وَالقَرنُ الضَّخمُ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ يُمَثِّلُ المُلكَ الأوَّلَ. أمَّا كَسْرُ القَرنِ الأوَّلِ وَخُرُوجُ أرْبَعَةِ قُرُونٍ مِنْهُ، فَيُمَثِّلُ قِيَامَ أرْبَعِ مَمَالِكَ بَعْدَ مَوْتِ المَلِكِ الأوَّلِ، مَعَ أنَّهُمْ لَنْ يَكُونُوا بِقُوَّتِهِ. «وَفِي نِهَايَةِ مُلْكِهِمْ، وَحِينَ تَصِلُ المَعصِيَةُ ذُروَتَهَا، سَيَقُومُ مَلِكٌ عَنِيدٌ وَقَاسٍ يَعْمَلُ بِالمَكْرِ. سَيَكُونُ قَوِيًّا جِدًّا، مَعَ أنَّ قُوَّتَهُ لَنْ تَكُونَ مِثْلَ قُوَّةِ المَلِكِ الأوَّلِ. سَيَكُونُ مُدَمِّرًا بِشَكلٍ مُدهِشٍ وَسَيَتَقَدَّمُ فِي كُلِّ مَا يَعْمَلُهُ. وَسَيُهلِكُ القَادَةَ الأقوِيَاءَ وَالشَّعْبَ المُقَدَّسَ. «سَيَنْجَحُ بِذَكَائِهِ وَخِدَاعِهِ، وَسَيَنْسِبُ العَظَمَةَ إلَى نَفْسِهِ. وَخِلَالَ فَترَةٍ مِنَ السَّلَامِ سَيَقْتُلُ كَثِيرِينَ. حَتَّى إنَّهُ سَيَقِفُ لِيُقَاوِمَ رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ، وَلَكِنَّهُ سَيَتَحَطَّمُ دُونَ أيِّ تَدَخُّلٍ بَشَرِيٍّ. «رُؤيَا المَسَاءِ وَالصَّبَاحِ الَّتِي أُعلِنَت لَكَ صَحِيحَةٌ. أمَّا أنْتَ فَاختِمْ عَلَى الرُّؤيَا، فَهِيَ لَنْ تَتِمَّ إلَّا بَعْدَ فَترَةٍ طَوِيلَةٍ.» أنَا، دَانِيَالَ، مَرِضتُ لِعِدَّةِ أيَّامٍ، ثُمَّ نَهَضتُ وَاستأنَفْتُ عَمَلِي عِنْدَ المَلِكِ. وَكُنْتُ مُندَهِشًا مِنَ الرُّؤيَا الَّتِي مَا زِلْتُ لَا أفهَمُهَا. فِي السَّنَةِ الأُولَى لِحُكْمِ دَارِيُوسَ بْنِ أحْشَوِيرُوشَ الَّذِي يَنْحَدِرُ مِنْ نَسْلِ المَادِيِّينَ وَالَّذِي تُوِّجَ مَلِكًا عَلَى الكَلْدَانِيِّينَ، أنَا دَانِيَالَ، كُنْتُ أتَفَحَّصُ الكُتُبَ المُقَدَّسَةَ وَلَاحَظتُ أنَّ كَلِمَةَ اللهِ إلَى النَبِيِّ إرْمِيَا تَقُولُ إنَّ الهَيْكَلَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ سَيَبْقَى خَرِبًا لِسَبعِينَ سَنَةٍ. فَتَوَجَّهتُ إلَى الرَّبَّ الإلَهِ بِالصَّلَوَاتِ وَالتَضَرُّعَاتِ وَالصَّومِ، وَلَبِسْتُ الخَيْشَ وَجَلَسْتُ عَلَى الرَّمَادِ. صَلَّيتُ إلَى وَاعتَرَفتُ بِخَطَايَايَ، فَقُلْتُ: «يَا رَبُّ، أيُّهَا الإلَهُ العَظِيمُ المُهِيبُ الَّذِي يَحْفَظُ العَهْدَ وَالمَحَبَّةَ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيُطِيعُونَ وَصَايَاهُ، أخْطَأنَا وَضَلَلْنَا وَعَمِلْنَا أُمُورًا شِرِّيرَةً. وَعَصَيْنَا وَابْتَعَدْنَا عَنْ كُلِّ وَصَايَاكَ وَأحكَامِكَ، وَلَمْ نَسمَعْ لِخُدَّامِكَ الأنْبِيَاءِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِكَ لِمُلُوكِنَا وَرُؤَسَائِنَا وَلآبَائِنَا وَلِكُلِّ الشَّعْبِ. «لَكَ البِرُّ، أمَّا نَحْنُ رِجَالَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ مَدِينَةِ القُدْسِ وَكُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ المُشَتَّتِينَ فِي كُلِّ البِلَادِ القَرِيبَةِ وَالبَعِيدَةِ – حَيْثُ شَتَّتَّهُمْ بَعْدَ أنْ تَمَرَّدُوا عَلَيْكَ – فَلَنَا الخِزيُ. نَعَمْ يَا اللهُ ، الخِزيُ لَنَا وَلِمُلُوكِنَا وَرُؤَسَائِنَا وَلآبَائِنَا الَّذِينَ أخطَأُوا إلَيْكَ. «أمَّا أنْتَ أيُّهَا الرَّبُّ إلَهَنَا فَلَكَ الرَّحمَةُ وَالغُفرَانُ لِأنَّنَا تَمَرَّدنَا عَلَيْكَ. فَلَمْ نُطِعِ حِينَ أمَرَنَا بِأنْ نَعِيشَ بِحَسَبِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أعْطَاهَا لَنَا مِنْ خِلَالِ خُدَّامِهِ الأنْبِيَاءِ. كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ تَعَدَّوْا شَرِيعَتَكَ وَضَلُّوا بِعَدَمِ استِمَاعِهِمْ لِصَوْتِكَ. وَقَدْ جَلَبْتَ عَلَيْنَا اللَّعَنَاتِ وَالأقسَامَ المَكْتُوبَةَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى خَادِمِ اللهِ، لِأنَّنَا أخْطَأنَا إلَيْكَ. «وَهَكَذَا تَمَّمَ اللهُ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَهَا ضِدَّنَا وَضِدَّ قَادَتِنَا. فَحَلَّتْ كَارِثَةٌ عَظِيمَةٌ بِمَدِينَةِ القُدْسِ لَا تُشبِهُ أيَّةَ كَارِثَةٍ أُخْرَى تَحْتَ السَّمَاءِ. كُلُّ الضِّيقِ الَّذِي كُتِبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى حَدَثَ لَنَا، تَمَامًا كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ. وَمَعَ هَذَا، لَمْ نَطلُبِ اللهَ أوْ نَتُبْ عَنْ سُلُوكِنَا الخَاطِئِ وَعَنْ عَدَمِ فَهمِنَا لِلحَقِّ. فَأعَدَّ اللهُ هَذَا العِقَابَ ثُمَّ أوقَعَهُ عَلَيْنَا. عَادِلٌ فِي كُلِّ مَا يَعْمَلُ، أمَّا نَحْنُ فَلَمْ نُطِعْ صَوْتَهُ. «وَالْآنَ أيُّهَا الرَّبُّ إلَهُنَا، أنْتَ أخرَجْتَ شَعْبَكَ مِنْ مِصْرٍ بِيَدٍ جَبَّارَةٍ، فَجَعَلْتَ اسْمَكَ مَعْرُوفًا إلَى هَذَا اليَوْمِ. لَكِنَّنَا أخْطَأنَا وَأثِمْنَا. يَا رَبُّ أبْعِدْ غَضَبَكَ عَنْ مَدِينَةِ القُدْسِ، عَنْ جَبَلِكَ المُقَدَّسِ بِحَسَبِ إحْسَانَاتِكَ. فَبِسَبَبِ آثَامِ آبَائِنَا وَخَطَايَانَا صَارَتْ مَدِينَةُ القُدْسِ وَشَعْبُكَ مُحتَقَرِينَ فِي نَظَرِ البِلَادِ المُجَاوِرَةِ. «يَا إلَهَنَا، اسْتَمِعْ إلَى صَلَوَاتِ خَادِمِكَ وَطِلبَاتِهِ لِأجْلِ الرَّحمَةِ. أشرِقْ بِوَجْهِكَ عَلَى هَيْكَلِكَ الخَرِبِ، مِنْ أجْلِكَ أيُّهَا الرَّبُّ. يَا إلَهِي، أمِلْ أُذنَكَ وَاسْمَعْ، افتَحْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ خَرَائِبَنَا وَدَمَارَ المَدِينَةِ المَدعُوَّةِ بِاسْمِكَ. إنَّنَا لَا نَطلُبُ الرَّحمَةَ عَلَى أسَاسِ أعْمَالِنَا الصَّالِحَةِ، بَلْ نَطلُبُهَا بِسَبَبِ رَحمَتِكَ العَظِيمَةِ. يَا رَبُّ اسْمَعنَا. يَا رَبُّ اغفِرْ لَنَا. يَا رَبُّ اسْتَمِعْ وَاستَجِبْ لَنَا. لِأجْلِ نَفْسِكَ لَا تَتَأخَّرْ، لِأنَّ شَعْبَكَ وَمَدِينَتَكَ يُدْعَوْنَ بِاسْمِكَ.» وَبَيْنَمَا كُنْتُ أتَكَلَّمُ وَأُصَلِّي وَأعتَرِفُ بِخَطَايَايَ وَخَطَايَا شَعْبِي بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأُقَدِّمُ طِلبَتِي لِأجْلِ الرَّحمَةِ أمَامَ السَّاكِنِ فِي جَبَلِهِ المُقَدَّسِ – أيْ بَيْنَمَا كُنْتُ أُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ – طَارَ الرَّجُلُ جِبرِيلُ الَّذِي رَأيْتُهُ قَبْلًا فِي الرُّؤيَا مُسرِعًا فَوَصَلَ إلَيَّ فِي وَقْتِ ذَبِيحَةِ المَسَاءِ. وَقَدْ جَاءَ إلَيَّ لِيُسَاعِدَنِي كَي أفهَمَ، فَقَالَ: «يَا دَانِيَالُ، جِئتُ لِلتَوِّ لِأُعَلِّمَكَ وَلِأُسَاعِدَكَ أنْ تَفْهَمَ. مُنْذُ أنْ بَدَأتَ تُصَلِّي طَلَبًا لِلرَّحمَةِ، صَدَرَ إلَيَّ أمرٌ بِأنْ آتِيَ وَأُخبِرَكَ بِأنَّكَ مَحبُوبٌ. فَانتَبِهْ إلَى كَلِمَةِ اللهِ وَافهَمِ الرُّؤيَا. «لَقَد تَمَّ تَعْيّينُ سَبعِينَ أُسبُوعًا لِشَعْبِكَ وَلِمَدِينَتِكَ المُقَدَّسَةِ لِإنهَاءِ الإثْمِ وَالخَطِيَّةِ، وَلِلتَّكفِيرِ عَنِ الذُّنُوبِ، وَلإحضَارِ البِرِّ السَّرمَدِيِّ وَلِخَتْمِ الرُّؤيَا وَالنُبُوَّةِ، وَلِمَسحِ قُدْسِ الأقْدَاسِ. «فَاعلَمْ وَافهَمْ أنَّهُ مِنْ إعطَاءِ الأمْرِ بِرَدِّ الشَّعْبِ وَإعَادَةِ بِنَاءِ مَدِينَةِ القُدْسِ، وَحَتَّى مَجِيءِ المَسِيحِ الرَّئِيسِ، سَيَكُونُ هُنَاكَ سَبعَةُ أسَابِيعَ. وَخِلَالَ اثنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسبُوعًا، سَيُعَادُ بِنَاءُ سَاحَةِ المَدِينَةِ وَخَندَقِ المِيَاهِ حَوْلَهَا. وَسَتَكُونُ هُنَاكَ ضِيقَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي تِلْكَ الأثْنَاءِ. وَفِي نِهَايَةِ الِاثنَيْنِ وَالسِتِّينَ أُسبُوعًا، سَيُقتَلُ المَسِيحُ، وَلَيْسَ لَهُ. وَقَوَّاتُ الرَّئيِسِ القَادِمِ سَتُخَرِّبُ المَدِينَةَ وَالهَيْكَلَ. سَتَكُونُ النِّهَايَةُ كَطُوفَانٍ، وَسَيَكُونُ القِتَالُ وَالتَّدمِيرُ مَحتُومَينِ حَتَّى النِّهَايَةِ. وَسَيَفْرِضُ المُخَرِّبُ مُعَاهَدَةً عَلَى كَثِيرِينَ لِمُدَّةِ أُسبُوعٍ. وَسَيُوقِفُ الذَّبَائِحَ وَالتَّقدِمَاتِ لِمُدَّةِ نِصفِ أُسبُوعٍ. وَيأتِي النَّجِسُ المُخَرِّبُ، إلَى أنْ يَحِلَّ قَضَاءُ اللهِ المَحتُومُ بِتَدْمِيرِ ذَلِكَ المَكَانِ تَمَامًا.» فِي السَّنَةِ الثَّالِثّةِ مِنْ مُلكِ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسِ، أُعلِنَتْ هَذِهِ الرِّسَالَةُ إلَى دَانِيَالَ الَّذِي اسْمُهُ الأرَامِيُّ بَلْطْشَاصَّرُ. وَكَانَتِ الرِّسَالَةُ صَحِيحَةً. وَجَاهَدَ دَانِيَالُ كَثِيرًا لِيَفْهَمَ الرِّسَالَةَ، وَأخِيرًا فَهِمَهَا. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بَكَيتُ، أنَا دَانِيَالَ، لِثَلَاثَةِ أسَابِيعَ كَامِلَةٍ. وَلَمْ آكُلْ طَعَامًا جَيِّدًا أوْ لَحْمًا أوْ نَبِيذًا. وَلَمْ أتَدَهَّنْ بِزَيْتٍ إلَى أنْ اكْتَمَلَتِ الأسَابِيعُ الثَّلَاثَةُ. وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعِ وَالعِشرِينِ مِنَ الشَّهْرِ الأوَّلِ، وَبَيْنَمَا كُنْتُ أقِفُ بِجِوَارِ نَهْرِ دِجلَةَ العَظِيمِ، رَفَعتُ عَينَيَّ وَرَأيْتُ رَجُلًا يَرْتَدِي ثِيَابًا مِنْ كِتَّانٍ، وَعَلَى وَسَطِهِ حِزَامٌ مِنْ ذَهَبٍ. وَكَانَ جِسمُهُ كَالزَّبَرْجَدِ، وَكَانَ وَجْهُهُ يُشِعُّ كَالبَرقِ، وَعَينَاهُ كَمَصَابِيحَ مُشتَعِلَةٍ، وَبَدَتْ رِجلَاهُ وَذِرَاعَاهُ كَالبُرُونْزِ المَصقُولِ، وَصَوْتُهُ كَجُمهُورٍ عَظِيمٍ عِنْدَمَا يَتَكَلَّمُ. وَرَأيْتُ، أنَا دَانِيَالَ، الرُّؤيَا وَحْدِي، فَالَّذِينَ كَانُوا مَعِي لَمْ يَرَوْهَا إذْ خَافُوا جِدًّا وَهَرَبُوا وَاختَبَأُوا، فَبَقِيتُ أنَا وَحْدِي. وَإذْ رَأيْتُ الرُّؤيَا العَظِيمَةَ، لَمْ تَبْقَ فِيَّ قُوَّةٌ، وَتَحَوَّلَت نَضَارَتِي إلَى شُحُوبٍ، وَلَمْ تَبْقَ فِيَّ قُوَّةٌ أبَدًا. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَتَكَلَّمُ، فَلمَّا سِمِعْتُ صَوْتَهُ، دَخلْتُ فِي سُبَاتٍ وَانْطَرَحْتُ وَوَجْهِي إلَى الأرْضِ. ثُمَّ لَمَسَتنِي يَدٌ وَرَفَعَتنِي عَلَى يَدَيَّ وَرِجلَيَّ. ثُمَّ قَالَ لِي: «أيُّهَا المَحبُوبُ دَانِيَالُ، انتَبِهْ إلَى الأُمُورِ الَّتِي سَأُخبِرُكَ بِهَا. قُمْ، لِأنِّي قَد أُرسِلتُ إلَيْكَ.» وَحِينَ قَالَ هَذَا قُمتُ وَأنَا مُرتَعِبٌ. حِينَئِذٍ، قَالَ لِي: «لَا تَخَفْ يَا دَانِيَالُ، فَمِن أوَّلِ يَوْمٍ قَرَّرْتَ فِيهِ أنْ تَنَالَ فَهمًا وَتَتَذَلَّلَ أمَامَ إلَهِكَ، سُمِعَتْ صَلَاتُكَ. وَأنَا أتَيْتُ لِأجْلِ هَذَا. رَئِيسُ فَارِسَ قَاوَمَنِي لِمُدَّةِ وَاحِدٍ وَعِشرِينَ يَومًا، وَلَكِنَّ مِيخَائِيلَ، أحَدَ رُؤَسَاءِ المَلَائِكَةِ، جَاءَ لِمَعُونَتِي. وَلِذَا تَرَكتُهُ هُنَاكَ مَعَ مُلُوكِ فَارِسَ، وَجِئتُ لِأُسَاعِدَكَ لِفَهمِ مَا سَيَحْدُثُ لِشَعْبِكَ فِي الأيَّامِ الأخِيرَةِ، لِأنَّ هَذِهِ الرُّؤيَا هِيَ لِلمُسْتَقْبَلِ البَعِيدِ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ إلَيَّ، كَانَ وَجْهِي نَحْوَ الأرْضِ، وَبَقِيتُ صَامِتًا. حِينَئِذٍ، لَمَسَ شِبهُ إنْسَانٍ شَفَتَيَّ، فَفَتَحْتُ فَمِي وَتَكَلَّمْتُ. قُلْتُ لِلَّذِي كَانَ يَقِفُ أمَامِي: «يَا سَيِّدِي، حِينَ رَأيْتُ الرُّؤيَا، امتَلأتُ بِالألَمِ وَفَقَدتُ كُلَّ قُوَّتِي. فَكَيْفَ أسْتَطِيعُ، أنَا خَادِمَكَ، أنْ أُواصِلَ الحَدِيثَ مَعَكَ يَا سَيِّدِي، وَلَيْسَتْ فِيَّ قُوَّةٌ لِلوُقُوفِ، وَلَا أقدِرُ أنْ أتَنَفَّسَ؟» فَتَقَدَّمَ إلَيَّ شِبهُ الإنْسَانِ وَأمسَكَنِي، وَقَالَ: «لَا تَخَفْ أيُّهَا الرَّجُلُ المَحبُوبُ، اهدَأ وَتَشَجَّعْ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ إلَيَّ، استَعَدتُ قُوَّتِي وَقُلْتُ: «يَا سَيِّدِي، تَسْتَطِيعُ الآنَ أنْ تَتَكَلَّمَ إلَيَّ لِأنَّكَ قَوَّيتَنِي.» حِينَئِذٍ، قَالَ: «هَلْ تَعْرِفُ لِمَاذَا أتَيْتُ إلَيْكَ؟ عَلَيَّ أنْ أرجِعَ لِأُحَارِبَ رَئِيسَ فَارِسَ. وَعِنْدَمَا أُغَادِرُ سَيَأْتِي رَئِيسُ اليُونَانِ. لَكِنِّي سَأُخبِرُكَ بِمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الحَقِّ. لَا يُوجَدُ مَنْ يَقِفُ مَعِي ضِدَّ هَؤلَاءِ سِوَى مِيخَائِيلَ رَئِيسِكُمْ.» وَفِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ مُلكِ دَارِيُوسَ المَادِيِّ، وَقَفْتُ أمَامَهُ لِأُشَجِّعَهُ وَأُقَوِّيَهُ. «وَالْآنَ سَأُخبِرُكَ بِالحَقِيقَةِ. سَيَكُونُ هُنَاكَ ثَلَاثَةُ مُلُوكٍ آخَرِينَ لِفَارِسَ، ثُمَّ سَيَأْتِي مَلِكٌ رَابِعٌ سَيَجْمَعُ ثَروَةً عَظِيمَةً وَسَيَكُونُ أغنَى مِنَ الجَمِيعِ. وَسَتَجْلِبُ لَهُ ثَروَتُهُ قُوَّةً أكْثَرَ حَتَّى يُثِيرَ الكُلَّ ضِدَّ مَمْلَكَةِ اليُونَانِ. ثُمَّ سَيَقُومُ مَلِكٌ يَحْكُمُ إمبَرَطُورِيَّةً قَوِيَّةً جِدًّا وَيَعْمَلُ مَا يُرِيدُ. وَفِي قِمَّةِ قُوَّتِهِ، سَتَنْكَسِرُ مَملَكَتُهُ وَتُقسَّمُ إلَى جِهَاتِ الرِّيحِ الأرْبَعِ، لَكِنَّهَا لَنْ تَكُونَ لِنَسْلِهِ. وَلَنْ تُحكَمَ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي حُكِمَتْ بِهَا أثْنَاءَ مُلْكِهِ، لِأنَّ مَملَكَتَهُ سَتَتَمَزَّقُ وَتَنْتَقِلُ إلَى آخَرِينَ. «وَسَيَزدَادُ مَلِكُ مَمْلَكَةِ الجَنُوبِ قُوَّةً، وَلَكِنَّ أحَدَ قَادَتِهِ سَيَكُونُ أقوَى وَسَيَحْكُمُ عَلَى إمبَرَاطُورِيَّةٍ أعْظَمَ. «وَبَعْدَ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ سَيَتَحَالَفُ الِاثْنَانِ. وَتَتَزَوَّجُ ابْنَةُ مَلِكِ الجَنُوبِ مِنْ مَلِكَ الشِّمَالِ. لَكِنَّهَا لَنْ تَمْلِكَ القُوَّةَ، وَلَنْ يَدُومَ نَسْلُهَا، بَلْ سَتُقتَلُ هِيَ وَابْنُهَا وَالَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا. «ثُمَّ سَيَقُومُ وَاحِدٌ مِنْ عَائِلَتِهَا فَيَسْتَوْلِي عَلَى السُّلطَةِ وَيَأْخُذُ مَكَانَ مَلِكِ الجَنُوبِ. سَيُهَاجِمُ حِصنَ مَلِكِ الشِّمَالِ وَيَأْخُذُهُ. وَسَيَسْبِي الآلِهَةَ وَالأصْنَامَ وَالأوعِيَةَ الذَّهَبِيَّةَ وَالفِضِّيَّةَ الثَّمِينَةَ الَّتِي فِي الحِصنِ إلَى مِصْرٍ، ثُمَّ سَيَتْرُكُ مَلِكَ الشِّمَالِ وَشَأنَهُ لِبِضعِ سَنَوَاتٍ. ثُمَّ سَيُهَاجِمُ ذَلِكَ المَلِكُ مَلِكَ الجَنُوبِ، وَلَكِنَّهُ سَيَرْجِعُ إلَى أرْضِهِ. «وَسَيُثِيرُ أبْنَاءُ مَلِكِ الشِّمَالِ حَربًا، وَسَيَجْمَعُونَ جَيْشًا ضَخمًا. سَيَأْتِي ذَلِكَ الجَيْشُ وَيَجتَاحُ كَطُوفَانٍ، فَيَصِلُ حَتَّى حِصنِ مَلِكِ الجَنُوبِ. وَسَيَغْضَبُ مَلِكُ الجَنُوبِ وَيَخْرُجُ لِيُحَارِبَ مَلِكَ الشِّمَالِ فَيُوقِفَ ذَلِكَ الجَيْشَ العَظِيمَ الَّذِي سَيَسْتَسْلِمُ لَهُ. وَحِينَ يُهزَمُ الجَيْشُ العَظِيمُ، يَتَكَبَّرُ مَلِكُ الجَنُوبِ، وَيَمُوتُ مِئَاتُ الآلَافِ مِنَ النَّاسِ، لَكِنَّ انتِصَارَهُ لَنْ يَدُومَ. بَعْدَ ذَلِكَ سَيَرْجِعُ مَلِكُ الشِّمَالِ بِجَيْشٍ أضخَمَ. وَبَعْدَ عِدَّةِ سِنِينٍ سَيَتَقَدَّمُ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَعِتَادٍ كَثِيرٍ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُقَاوِمُ كَثِيرُونَ مَلِكَ الجَنُوبِ. حَتَّى بَعْضٌ مِنْ رِجَالِ شَعْبِكَ الأشِدَّاءِ سَيَتَجَرَّأونَ عَلَى مَلِكِ الجَنُوبِ. سَيَكُونُ هَذَا إتمَامًا لِلرُّؤيَا، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَنْجَحُوا. وَسَيَتَقَدَّمُ مَلِكُ الشِّمَالِ، وَيَضَعُ حَوَاجِزَ تُرَابِيَّةً لِلحِصَارِ، وَيَفْتَحُ مَدِينَةً مُحَصَّنَةً. لَنْ تَصْمُدَ أمَامَهُ قُوَّاتُ الجَنُوبِ. وَلَا حَتَّى أفْضَلُ الجُّنُودِ يَسْتَطِيعُونَ أنْ يُقَاوِمُوهُ. «وَسَيَفْعَلُ المُهَاجِمُ كَمَا يُرِيدُ، فَلَنْ يَسْتَطِيعَ أحَدٌ أنْ يَقِفَ أمَامَهُ. وَسَيَقِفُ فِي الأرْضِ الجَمِيلَةِ وَسَيَكُونُ لَهُ سُلطَانٌ عَلَيْهَا لِيُدَمِّرَهَا. وَسَيُقَرِّرُ أنْ يَجْعَلَ مَملَكَتَهُ قُوِيَّةً جِدًّا، وَلِذَا سَيَقْطَعُ مَلِكُ الشِّمَالِ عَهْدًا مَعَ مَلِكِ الجَنُوبِ، ثُمَّ سَيُحَاوِلُ تَثْبِيتَ ذَلِكَ العَهْدِ بِأنْ يُزَوِّجَهُ إحْدَى بَنَاتِهِ، بِهَدَفِ سَحْقِ المَمْلَكَةِ الجَنُوبِيَّةِ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَنْ يَنْجَحَ، وَلَنْ يَكُونَ فِي مَصلَحَتِهِ. «بَعْدَ ذَلِكَ سَيُرَكِّزُ مَلِكُ الشِّمَالِ اهتِمَامَهُ عَلَى جُزُرِ البَحْرِ المُتَوَسِّطِ وَسَوَاحِلِهِ، وَسَيَأْخُذُ الكَثِيرَ مِنْهَا. وَلِكِنَّ قَائِدًا سُيُوقِفُهُ وَيَضَعُ حَدًّا لِتَكَبُّرِهِ، وَسَيَرُدُّ تَكَبُّرَهُ عَلَى رَأسِهِ. وَلِذَا سَيَرْجِعُ مَلِكُ الشِّمَالِ إلَى حُصُونِ أرْضِهِ، وَلَكِنَّهُ سَيَتَعَثَّرُ وَيَسْقُطُ وَلَا يَعُودُ يُرَى ثَانِيَةً. «وَسَيَأْتِي مَكَانَهُ مَلِكٌ يُرْسِلُ رَسُولًا لِتَحْصِيلِ جِبَايَةٍ لِأجْلِ مَجْدِ المَمْلَكَةِ، لَكِنَّ قُوَّتَهُ سَتَنْكَسِرُ سَرِيعًا، لَكِنْ لَيْسَ بِثَورَةٍ وَلَا بِمَعرَكَةٍ. وَسَيَأْتِي مَكَانَهُ رَجُلٌ مُحتَقَرٌ لَنْ يُمنَحَ بَهَاءً مَلَكِيًّا. وَهُوَ سَيَأْتِي فِي وَقْتِ سَلَامٍ وَيَأْخُذُ العَرْشَ بِالحِيلَةِ. وَسَيُهَاجِمُ جُيُوشًا عَظِيمَةً وَيَهْزِمُهَا، بِمَن فِيهِمْ رَئِيسُ العَهْدِ. وَبَعْدَ أنْ يَضُمَّ أُنَاسًا أكْثَرَ إلَى جَمَاعَتِهِ سَيَظْهَرُ مَكرُهُ. وَسَيَزدَادُ قُوَّةً بِالرُّغْمِ مِنْ قِلَّةِ الَّذِينَ مَعَهُ. «وَسَيَأْتِي فِي وَقْتِ سَلَامٍ وَأمَانٍ إلَى أغنَى البِلَادِ وَيَسْلِبُ وَيَسْرِقُ وَيَأْخُذَ غَنِيمَةً، وَهُوَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ أحَدٌ مِنْ آبَائِهِ قَطُّ. وَسَيُخَطِّطُ أنْ يُحَاصِرَ مُدُنَهُمُ المُحَصَّنَةَ، وَلَكِنَّ هَذَا سَيَحْدُثُ حَتَّى الوَقْتِ المُعَيَّنِ فَقَطْ. «ثُمَّ سَيُثِيرُ كُلَّ رَغبَتِهِ وَكُلَّ قُوَّتِهِ وَجَيْشِهِ عَلَى مَلِكِ الجَنُوبِ. وَلِذَا سَيَجْمَعُ مَلِكُ الجَنُوبِ جَيْشًا عَظِيمًا وَقَوِيًّا جِدًّا، وَلَكِنَّهُ سَيُخدَعُ وَيَخْسَرُ. فَحُلَفَاؤُهُ الَّذِينَ أطعَمَهُمْ عَلَى مَائِدَتِهِ سَيَهْزِمُونَهُ، وَسَيُهزَمُ جَيْشُهُ، وَسَيَسْقُطُ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الجُنُودِ قَتلَى. وَسَيَكُونُ لِهَذَينِ المَلِكَينِ خُطَطٌ شِرِّيرَةٌ. سَيَكْذِبُ أحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ وَهُمَا جَالِسَانِ إلَى مَائِدَةٍ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَنْ يَنْجَحَ، لِأنَّ هُنَاكَ وَقْتًا مُعَيَّنًا لِلنِّهَايَةِ. وَسَيَرْجِعُ مَلِكُ الشِّمَالِ إلَى أرْضِهِ بِثَروَةٍ عَظِيمَةٍ. وَفِي طَرِيقِهِ لِلعَودَةِ يُفَكِّرُ بِالإسَاءَةِ إلَى العَهْدِ المُقَدَّسِ. وَسَيَعْمَلُ عَمَلَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أرْضِهِ. «وَفِي الوَقْتِ المُعَيَّنِ سَيَجتَاحُ الجَنُوبَ، وَلَكِنَّ هَذِهِ المَرَّةَ لَنْ تَكُونَ كَالمَرَّةِ الأُولَى. سَتَأْتِي سُفُنٌ مِنْ كِتِّيمَ لِتُحَارِبَهُ، فَيَخَافَ وَيَنْسَحِبَ. لَكِنَّ غَضَبَهُ سَيَثُورُ ضِدَّ العَهْدِ المُقَدَّسِ. سَيَرْجِعُ إلَى أرْضِهِ، وَيُسَانِدُ الَّذِينَ تَمَرَّدُوا عَلَى العَهْدَ المُقَدَّسَ. وَسَتُنَجِّسُ بَعْضُ قُوَّاتِهِ الهَيْكَلَ وَالحِصْنَ، وَسَيُوقِفُونَ الذَّبَائِحَ اليَوْمِيَّةَ، وَيُقِيمُونَ النَّجِسَ المُخَرِّبَ. «وَسَيَخْدَعُ بِاللُّطفِ الكَاذِبِ الَّذِينَ تَعَدَّوْا عَلَى العَهْدِ، أمَّا الَّذِينَ يَعْرِفُونَ إلَهَهُمْ فَسَيَكُونُونَ ثَابِتِينَ وَيُطِيعُونَهُ. وَسَيُسَاعِدُ عُقَلَاءُ الشَّعْبِ كَثِيرِينَ لِيَفْهَمُوا، مَعَ أنَّهُمْ قَد يَتَعَرَّضُونَ لِلقَتْلِ بِالسَّيْفِ أوِ النَّارِ، أوْ قَد يَتِمُّ أسرُهُمْ لِبَعْضِ الوَقْتِ. وَحِينَ يَسْقُطُ المُصَابُونَ، سَتُقَدَّمُ لَهُمْ بَعْضُ المُسَاعَدَةِ، وَسَيَشْتَرِكُ فِي مُسَاعَدَتِهِمْ كَثِيرُونَ مِنَ المُرَائِينَ. وَحَتَّى بَعْضُ العُقَلَاءِ سَيَتَعَثَّرُونَ. وَفِي ضِيقِهِمْ تَتِمُّ تَنْقِيَتُهُمْ وَتَطْهِيرُهُمْ وَتَبْيِيضُهُمْ بَانتِظَارِ النِّهَايَةِ. فسَيكُونُ هُنَاكَ وَقْتٌ بَعْدُ حَتَّى المَوْعِدِ المُحَدَّدِ لِلنِّهَايَةِ. «وَسَيَفْعَلُ مَلِكُ الشِّمَالِ مَا يَشَاءُ، فَسَيَرْفَعُ نَفْسَهُ وَيُعَظِّمُهَا أكْثَرَ مِنْ أيِّ إلَهٍ. سَيَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ مُرِيعَةٍ ضِدَّ إلَهِ الآلِهَةِ. وَسَيَنْجَحُ حَتَّى تَتِمَّ جَمِيعُ الشُّرُورِ. ثُمَّ سَيَتِمُّ مَا قَضَى بِهِ اللهُ. لَنْ يَعْتَرِفَ مَلِكُ الشِّمَالِ حَتَّى بِآلِهَةِ آبَائِهِ، وَلَا بِالآلِهَةِ الَّتِي تَشْتَهِيهَا النِّسَاءُ. لِأنَّهُ لَنْ يَعْتَرِفَ بِأيِّ إلَهٍ، بَلْ سَيُعَظِّمُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا جَمِيعًا. لَكِنَّهُ سَيُكرِمُ إلَهَ الحُصُونِ الَّذِي لَمْ يَهْتَمَّ بِهِ آبَاؤُهُ. وَسَيُنفِقُ عَلَيْهِ الكَثِيرَ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ وَغِيرِهَا مِنَ النَّفَائِسِ. «وَسَيُعينُهُ إلَهُهُ الغَرِيبُ لِيَقْتَحِمَ أقوَى الحُصُونِ. وَسَيُكرِمُ كُلَّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِهِ مِنَ الحُكَّامِ، وَيَضَعُ كَثِيرِينَ تَحْتَ سُلطَتِهِمْ، وَيُقَسِّمُ لَهُمُ الأرضَ مُقَابِلَ ضَرَائِبَ يَدْفَعُونَهَا لَهُ. «وَفِي نِهَايَةِ الزَّمَنِ سَيُنَاطِحُهُ مَلِكُ الجَنُوبِ، وَلَكِنَّ مَلِكَ الشِّمَالِ سَيَكْتَسِحُ أرْضَهُ بِالمَرْكَبَاتِ وَالفُرسَانِ وَالسُّفُنِ. فَسَيَجتَاحُ مَلِكُ الشِّمَالِ الأرْضَ كَطُوفَانٍ غَامِرٍ. ثُمَّ سَيَجتَاحُ الأرْضَ الجَمِيلَةَ وَسَيَسْقُطُ كَثِيرُونَ. وَهَؤلَاءِ هُمْ مَنْ سَيَنْجُونَ مِنْ قُوَّتِهِ: أدُومُ وَمُوآبُ وَرُؤَسَاءُ العَمُّونِيِّينَ وَسَيَمُدُّ يَدَهُ طَمَعًا بِبِلَادٍ أُخرَى، وَحَتَّى مِصْرٌ لَنْ تَنْجُو. سَيُسَيطِرُ عَلَى كُنُوزِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالنَّفَائِسِ الأُخرَى الَّتِي تَمْتَلِكُهَا مِصْرٌ، وَسَيَخْضَعُ لَهُ اللِّيبِيُّونَ وَالكُوشِيِّونَ. «وَلَكِنَّ أخْبَارًا مِنَ الشِّمَالِ الشَّرقِيِّ سَتُزعِجُهُ. وَسَيَخْرُجُ بِغَضَبٍ شَدِيدٍ لِيُخَرِّبَ وَيَقْتُلَ أُنَاسًا كَثِيرِينَ. سَيَنْصِبُ خَيْمَتَهُ المَلَكِيَّةَ بَيْنَ البَحْرِ وَالجَبَلِ المُقَدَّسِ الجَمِيلِ. ثُمَّ تَأْتِي نِهَايَتُهُ، وَلَا يَجِدُ مَنْ يُسَاعِدُهُ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَقِفُ الرَّئِيسُ العَظِيمُ مِيخَائِيلُ المَسؤُولُ عَنْ خِدْمَةِ شَعْبِكَ، وَسَيَكُونُ هُنَاكَ وَقْتُ ضِيقٍ لَمْ يَأْتِ مِثْلُهُ مُنْذُ صَارُوا أُمَّةً وَحَتَّى ذَلِكَ الوَقْتِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَنْجُو كُلُّ شَعْبِكَ الَّذِينَ أسمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةٌ فِي الكِتَابِ وَكُلُّ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأرْضِ سَيَقُومُونَ، بَعْضُهُمْ إلَى الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ إلَى العَارِ وَالِازدِرَاءِ الأبَدِيَّينِ. وَالحُكَمَاءُ سَيُشرِقُونَ كَقُبَّةِ السَّمَاءِ اللَّامِعَةِ، وَالَّذِينَ قَادُوا كَثِيرِينَ إلَى البِرِّ سَيَصِيرُونَ كَالنُّجُومِ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. «وَأمَّا أنْتَ يَا دَانِيَالُ، فَأخْفِ هَذَا الكَلَامَ وَاختِمْهُ حَتَّى وَقْتِ النِّهَايَةِ. سَيَجُولُ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ فِي طُولِ الأرْضِ وَعَرْضِهَا، وَالمَعْرِفَةُ تَزدَادُ.» وَبَيْنَمَا كُنْتُ أنظُرُ، وَقَفَ فَجْأةً اثْنَانِ آخَرَانِ هُنَاكَ، وَاحِدٌ عَلَى كُلِّ ضِفَّةٍ. وَسَألَ أحَدُهُمَا الرَّجُلَ اللَّابِسَ الكِتَّانَ الَّذِي كَانَ يَقِفُ فَوْقَ المِيَاهِ وَسَطَ النَّهرِ: «مَتَى تَنْتَهِي هَذِهِ الأُمُورُ البَغِيضَةُ؟» فَرَفعَ الرَّجُلُ اللَّابِسُ الكِتَّانَ الَّذِي كَانَ يَقِفُ فَوْقَ مِيَاهِ النَّهرِ يَدَيهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَأقسَمَ بِاسْمِ الحَيِّ إلَى الأبَدِ وَقَالَ: «سَيَكُونُ ذلِكَ لِثَلَاثَةِ مَوَاسِمَ وَنِصفِ مَوسِمٍ. فَعِنْدَمَا تُكسَرُ قُوَّةُ الشَّعْبِ المُقَدَّسِ، سَتَكْتَمِلُ هَذِهِ الأُمُورُ كُلُّهَا.» فَسَمِعْتُ، وَلَكِنَّنِي لَمْ أفهَمْ، فَقُلْتُ: «يَا سَيِّدِي، مَاذَا سيَحْدُثُ بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ؟» فَقَالَ: «اذهَبْ فِي سَبيلِكَ يَا دَانِيَالُ، لِأنَّ هَذِهِ الكَلِمَاتِ سَتَبْقَى مَخفِيَّةً وَمَختُومَةً حَتَّى النِّهَايَةِ. كَثِيرُونَ سَيَتِمُّ تَطْهِيرُهُمْ وَتَبْيِيضُهُمْ وَتَنْقِيَتُهُمْ، أمَّا الأشرَارُ فَسَيُدَانُونَ. لَنْ يَفْهَمَ أحَدٌ مِنَ الأشْرَارِ هَذِهِ الأُمورَ، وَأمَّا العُقَلَاءُ فَسَيَفْهَمُونَ. «فَمِنْ وَقْتِ إزَالَةِ الذَّبِيحَةِ اليَوْمِيَّةِ وَحَتَّى إقَامَةِ النَّجِسِ المُخَرِّبِ، سَيَكُونُ هُنَاكَ ألْفٌ وَمِئَتَانِ وَتِسْعُونَ يَومًا. هَنِيئًا لِمَنْ يُثَابِرُ وَيَصِلُ إلَى اليَوْمِ الألفِ وَالثَلَاثِ مِئَةٍ وَخَمسٍ وَثَلَاثِينَ. «وَأمَّا أنْتَ يَا دَانِيَالُ، فَاذهَبْ وَعِشْ حَيَاتَكَ حَتَّى النِّهَايَةِ. وَسَتَرْقُدُ وَتَقُومُ فِي نِهَايَةِ الأيَّامِ لِتَأْخُذَ نَصِيبَكَ.» هَذِهِ رِسَالَةُ اللهِ إلَى هُوشَعَ بْنِ بِئِيرِي فِي أيَّامِ حُكْمِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا، مُلُوكِ يَهُوذَا، وَخِلَالَ حُكْمِ يَرُبْعَامَ بْنِ يُوآشَ مَلِكِ إسْرَائِيلَ. هَذَا أوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ اللهُ إلَى هُوشَعَ. قَالَ اللهُ : «اذْهَبْ وَتَزَوَّجْ مِنِ امْرأةٍ زَانِيَةٍ، وَمَعَهَا أوْلَادُ زِنَى. ذَلِكَ لِأنَّ الأرْضَ قَدْ زَنَت مُبتَعِدَةً عَنِ اللهِ .» فَذَهَبَ هُوشَعُ وَتَزَوَّجَ مِنْ جُومَرَ بِنتِ دِبلَايِمَ. فَحَبِلَت وَوَلَدَت ابنًا لِهُوشَعَ. وَقَالَ لَهُ اللهُ : «ادعُ اسْمَهُ يَزْرَعِيلَ، لِأنَّنِي بَعْدَ فَترَةٍ قَصِيرَةٍ سَأُعَاقِبُ عَائِلَةَ يَاهُو عَلَى الدَّمِ المَسْفُوكِ مِنْ يَزْرَعِيلَ، وَسَأُبِيدُ بَيْتَ إسْرَائِيلَ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُحَطِّمُ سِلَاحَ إسْرَائِيلَ وَقُوَّتَهُمْ فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ.» وَحَبِلَت جُومَرُ ثَانِيَةً وَوَلَدَت بِنتًا. فَقَالَ اللهُ لِهُوشَعَ: «ادْعُ اسْمَهَا لُورُحَامَةَ، لِأنِّي لَنْ أعُودَ أرحَمَ بَيْتَ إسْرَائِيلَ، وَلَن أغفِرَ لَهُمْ بَتَاتًا. وَلَكِنِّي سَأرْحَمُ بَنِي يَهُوذَا. سَأُخَلِصُهُمْ بِقُوَّةِ ، وَلَيْسَ بِقَوسٍ أوْ رُمحٍ أوْ خُيُولٍ أوْ فُرسَانٍ.» وَفَطَمَتْ جُومَرُ لُورُحَامَةَ، ثُمَّ حَبِلَتْ وَوَلَدَت وَلَدًا آخَرَ. فَقَالَ اللهُ : «ادعُ اسْمَهُ لُوعَمِّيَّ، لِأنَّكُمْ لَسْتُمْ شَعْبِي، وَأنَا لَسْتُ إلَهَكُمْ.» سَيَكُونُ نَسْلُ بَنِي إسْرَائِيلَ كَثِيرًا كَرَملِ البَحْرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُ. وَفِي المَكَانِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فِيهِ: «لَسْتُمْ شَعْبِي،» سَيُقَالُ لَهُمْ: «أنْتُمْ أبْنَاءُ اللهِ الحَيِّ.» سَيَجْتَمِعُ بَنُو يَهُوذَا وَبَنُو إسْرَائِيلَ مَعًا، وَسَيُعَيِّنُونَ رَئِيسًا وَاحِدًا لَهُمْ. سَيَخْرُجُونَ مِنَ الأرْضِ الَّتِي تَمَّ سَبيُهُمْ إلَيْهَا. لِأنَّ يَوْمَ يَزْرَعِيلَ سَيَكُونُ عَظِيمًا. «قُولُوا لِإخْوَتِكُمْ ‹أنْتُمْ شَعْبِي،› وَقُولُوا لِأخَوَاتِكُمْ ‹سَوفَ تُرْحَمُونَ.›» «قَدِّمُوا قَضِيَّتِي لِأُمِّكُمْ لِأنَّهَا لَيْسَت زَوْجَتِي، وَأنَا لَسْتُ زَوْجَهَا. فَلتَتَوَقَّفْ عَنْ زِنَاهَا وَتُبعِدِ الذِّيِنَ تَزْنِي مَعَهُمْ عَنْ صَدْرِهَا. وَإلَّا فَإنِّي سَأُعَرِّيهَا وَأُوقِفُهَا عَارِيَةً كَمَا وُلِدَتْ. سَأُحَوِّلُهَا إلَى بَرِّيَّةٍ وَسَأجْعَلُهَا أرْضًا نَاشِفَةً، وَسَأقْتُلُهَا بِالعَطَشِ. لَنْ أرْحَمَ أوْلَادَهَا لِأنَّهُمْ أوْلَادُ زِنَىً. لِذَلِكَ حَبِلَتْ بِهِمْ أُمُّهُمُ الزَّانِيَةُ وَعَلَيهَا أنْ تَخْجَلَ مِمَّا عَمِلَتْ. قَالَتْ: ‹سَألحَقُ بِمُحِبِيَّ الَّذِينَ يُعْطُونَنِي طَعَامِي وَمَائِي وَصُوفِي وَكِتَّانِي وَزَيْتِي وَشَرَابِي.› لِذَلكَ سَأُسَيِّجُ طَرِيقَهَا بِالأشوَاكِ، وَسَأبنِي حَائِطًا حَوْلَهَا فَلَا تَسْتَطِيعُ أنْ تَجِدَ طَرِيقَهَا. وَمَعَ أنَّهَا سَتَلْحَقُ بِهِمْ، إلَّا أنَّهَا لَنْ تَصِلَ إلَيْهِمْ. حِينَئِذٍ، سَتَقُولُ: ‹سَأرجِعُ إلَى زَوْجِي الأوَّلِ، لِأنَّ حَالَتِي فِي ذَلِكَ اليَوْمِ كَانَتْ أفْضَلَ مِمَّا هِيَ عَلَيْهِ الآنَ.› لَكِنَّهَا لَمْ تَعْرِفْ أنِّي أنَا مَنْ أعْطَاهَا القَمْحَ وَالنَّبِيذَ وَالزَّيْتَ. أعْطَيْتُهَا الكَثِيرَ مِنَ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَصَنَعَتْ مِنْهَا تِمثَالًا لِلبَعلِ. «لِذَلِكَ سَأعُودُ لِأستَعِيدَ قَمْحِي فِي وَقْتِ حَصَادِهِ، وَنَبِيذِي فِي وَقْتِ عَصْرِهِ. سَأستَعِيدُ صُوفِي وَكِتَّانِي الَّذِي تَسْتَخْدِمهُ لِسَترِ عُريِهَا. سَأكشِفُ أعْمَالَهَا المُخزِيَةَ أمَامَ كُلِّ مُحِبِّيهَا. وَلَن يَسْتَطِيعَ أحَدٌ أنْ يُنقِذَهَا مِنْ يَدَيَّ. وَسَأُوقِفُ احتِفَالَاتِهَا وَأعيَادَهَا أوَائِلَ شُهُورِهَا وَسُبُوتَهَا وَكُلَّ مَوَاسِمِهَا. سَأُخَرِّبُ كُرُومَهَا وَأشْجَارَ التِّينِ الَّتِي قَالَت عَنْهَا: ‹هَذِهِ هَدَايَا أعْطَاهَا لِي مُحِبِيَّ.› وَسَأُحَوِّلُهَا إلَى غَابَةٍ، وَسَتَأْكُلُهَا الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ. سَأُعَاقِبُهَا عَلَى الوَقْتِ الَّذِي أحْرَقَتْ فِيهِ البَخُورَ لِلبَعلِ حِينَ كَانَتْ تَتَزَيَّنُ بِالحُلِيِّ وَالجَوَاهِرِ وَتَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيهَا، وَقَدْ نَسِيَتْنِي، يَقُولُ اللهُ . «لِذَلِكَ سَأفْتِنُهَا وَأقُودُهَا إلَى البَرِّيَّةِ وَأُكَلِّمُ قَلَبَهَا. وَسَأُعْطِيهَا كُرُومَهَا هُنَاكَ، وَسَيَصِيرُ وَادِي عَخُورَ بَابًا للأمَلِ. وَسَتُجِيبُنِي هُنَاكَ كَمَا أجَابَتنِي فِي أيَّامِ شَبَابِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ.» يَقُولُ اللهُ : «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتَدْعِينَنِي ‹رَجُلِي،› وَلَن تَعُودِي تَدْعِينَنِي ‹بَعلِي.› وَسَأنزِعُ أسْمَاءَ البَعْلِ مِنْ فَمِهَا، فلَا تَعُودُ تُذكَرُ فِيمَا بَعْدُ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأقطَعُ عَهْدًا لَهُمْ مَعَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ وَالحَيَوَانَاتِ الزَّاحِفَةِ، وَسَأُزِيلُ القَوسَ وَالسَّيْفَ وَالقِتَالَ مِنَ الأرْضِ، وَسَأجعَلُهُمْ يَنَامُونَ بِأمَانٍ. وَسَآخُذُكِ لِنَفْسِي إلَى الأبَدِ. سَآخُذُكِ لِنَفْسِي وَأُعَامِلُكِ بِالبِرِّ وَالعَدلِ وَالمَحَبَّةِ وَالرَّحمَةِ. سَآخُذُكِ لِنَفْسِي وَأُعَامِلُكِ بِأمَانَةٍ وَسَتَعْرِفِينَ اللهَ . «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأستَجِيبُ. سَأستَجِيبُ لِلسَّمَاوَاتِ، وَالسَّمَاوَاتُ سَتَسْتَجِيبُ لِلأرْضِ. وَسَتَسْتَجِيبُ الأرْضُ بِأن تُعطِيَ قَمْحًا وَنَبِيذًا وَزَيْتًا. وَهَذِهِ كُلُّهَا سَتَسْتَجِيبُ لِيَزْرَعِيلَ. لِأنِّي سَأزرَعُهَا لِنَفْسِي فِي الأرْضِ، وَسَأرْحَمُ لُورُحَامَةَ، وَسَأقُولُ لِلُوعَمِّي: ‹أنْتَ شَعْبِي› وَهُوَ سَيَقُولُ: ‹أنْتَ إلَهِي.›» وَقَالَ اللهُ لِي: «اذْهَبْ وَأحبِبِ امْرأةً زَانِيَةً يُحِبُّهَا رَجُلٌ آخَرُ. أحبِبْهَا كَمَا أحَبَّ اللهُ بَنِي إسْرَائِيلَ، مَعَ أنَّهُمْ يَبْتَعِدُونَ عَنْهُ إلَى آلِهَةٍ أُخْرَى وَيُحِبُّونَ الكَعكَ بِالزَّبِيبِ.» اشتَرَيتُهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ، وَبِكِيسٍ وَنِصْفِ سَلَّةٍ مِنَ الشَّعِيرِ. وَقُلْتُ لَهَا: «سَتَعِيشِينَ مَعِي مُدَّةً طَوِيلَةً مِنْ غَيْرِ زِنَىً، وَلَن تَتَزَوَّجِي شَخْصًا آخَرَ، وَأنَا سَأكُونُ زَوْجَكِ.» وَهَكَذَا سَيَعِيشُ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ غَيْرِ مَلِكٍ وَلَا رَئِيسٍ لِأيَّامٍ كَثِيرَةٍ. مِنْ غَيْرِ ذَبِيحَةٍ وَلَا نَصَبٍ تَذْكَارِيٍّ وَلَا ثَوبٍ كَهَنُوتِيٍّ وَلَا آلِهَةٍ. بَعْدَ هَذَا، سَيَرْجِعُ بَنُو إسْرَائِيلَ، وَسَيَطْلُبُونَ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمْ. وَفِي الأيَّامِ الأخيرَةِ، سَيَهَابُونَ اللهَ مِنْ أجْلِ صَلَاحِهِ. يَا شَعْبَ إسْرَئِيلَ، اسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ ، لِأنَّ للهِ شَأنٌ مَعَ السَّاكِنِينَ فِي أرْضِ إسْرَائِيلَ: «لَا يُوجَدُ صِدقٌ وَلَا رَحمَةٌ وَلَا مَعْرِفَةُ اللهِ فِي أهْلِ هَذِهِ الأرْضِ. بَلْ هُنَاكَ لَعنَةٌ وَخِدَاعٌ وَقَتلٌ وَسَرِقَةٌ وَزِنَىً وَفَوضَى وَسَفكُ دَمٍ لَا يَتَوّقَّفُ. لِذَلِكَ سَتَجِفُّ الأرْضُ، وَسَيَذْبُلُ سُكَّانُهَا. وَسَيُطرَدُ النَّاسُ مَعَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، وَيَتَلَاشَى سَمَكُ البَحْرِ. «فَلَا يُجَادِلْ أوْ يَلُمْ أحَدُكُمُ الآخَرَ، لِأنَّ خِلَافِي هُوَ مَعَكُمْ أيُّهَا الكَهَنَةُ. سَتَتَعَثَّرُونَ فِي النَّهَارِ، وَفِي اللَّيلِ سَيَتَعَثَّرُ الأنْبِيَاءُ مَعَكُمْ، وَسَأُدَمِّرُ أُمَّكُمْ إسْرَائِيلَ. هَلَكَ شَعْبِي لِعَدَمِ المَعْرِفَةِ. لِأنَّكَ رَفَضْتَ المَعْرِفَةَ، فَإنِّي أنَا أيْضًا سَأرفُضُكَ مِنْ أنْ تَكُونَ كَاهِنًا لِي. وَكَمَا نَسِيتَ شَرِيعَةَ إلَهِكَ، سَأنْسَى أنَا أوْلَادَكَ. كُلَّمَا ازدَادُوا عَدَدًا ازدَادُوا فِي خَطِيَّتِهِمْ نَحوِي. وَلِذَلِكَ سَأُحَوِّلُ مَجْدَهُمْ إلَى عَارٍ. «يَأْكُلُ الكَهَنَةُ ذَبَائِحَ خَطَايَا شَعْبِي، وَيَطْمَعُونَ وَيَشْتَهُونَ أنَ يَزِيدَ الشَّعْبُ مِنْ إثمِهِمْ. لَا يَخْتَلِفُ الكَاهِنُ عَنِ الشَّعْبِ. فَسَأُعَاقِبُ كُلَّ وَاحِدٍ كَطُرُقِهِ، وَسَأُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى أعْمَالِهِ. وَسَيَأْكُلُونَ وَلَكِنَّهُمْ لَنْ يَشْبَعُوا، وَسَيَزْنُونَ وَلَكِنَّهُمْ لَنْ يُنجِبُوا أوْلَادًا. لِأنَّهُمْ تَرَكُوا اللهَ لِيُكَرَّسُوا أنْفُسَهُمْ لِلزِّنَى. «تَسْلِبُ الخَمْرُ وَالمُسْكِرُ القُدرَةَ عَلَى التَّفكِيرِ. بَنُو شَعْبِي يَسْتَشِيرُونَ شَجَرَةً، وَيَأْخُذُونَ نَصِيحَتَهُمْ مِنْ عَصًا! لِأنَّ رُوحَ الزِّنَى أضَلَّتْهُمْ، فَلمْ يَعُودُوا مُخْلِصِينَ لِإلَهِهِمْ. عَلَى قِمَمِ الجِبَالِ قَدَّمُوا ذَبَائِحَ، وَعَلَى التِّلَالِ أحرَقُوا بَخُورًا. فَعَلُوا ذَلِكَ تَحْتَ أشْجَارِ البَلُّوطِ وَالحُورِ وَالبُطمِ، لِأنَّهُ كَانَ لَهَا ظِلٌ جَمِيلٌ. وَلِذَلِكَ بَنَاتُكُمْ زَانِيَاتٌ وَكَنَّاتُكُمْ فَاسِقَاتٌ. «لَنْ أُعَاقِبَ بَنَاتِكُمْ لِأنَّهُنَّ زَانِيَاتٌ، وَلَا كِنَّاتِكُمْ لِأنَّهُنَّ فَاسِقَاتٌ. لِأنَّ الرِّجَالَ يَعْتَزِلُونَ مَعَ الزَّوَانِي وَيُقَدِّمُونَ الذَبَائِحَ مَعَ اللَّوَاتِي يَنْذُرْنَ نُذُورَ الزِّنَى فِي المعَابِدِ. الشَّعْبُ الَّذِي لَا يَفْهَمُ سَيَهْلَكُ. «مَعَ أنَّكَ يَا إسْرَائِيلُ زَانٍ، لَكِن لَا تُعَرِّض يَهُوذَا لِلإثمِ. لَا تَدْخُلُوا الجِلجَالَ، وَلَا تَصْعَدُوا إلَى بَيْتِ آوَنَ، وَلَا تَحْلِفُوا بِاسْمِ اللهِ . تَمَرَّدَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِثْلَ بَقَرَةٍ جَامِحَةٍ. وَالْآنَ سَيَرْعَاهُمُ اللهُ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ فِي سَهلٍ فَسِيحٍ. «أفْرَايِمُ مُلتَصِقٌ بِالأصْنَامِ، وَلِذَا اترُكُوهُ وَحْدَهُ. حِينَ يَنْتَهِي سُكرُهُمْ فَإنَّهُمْ يَنْغَمِسُونَ فِي الزِّنَى. لَقَد أحَبُّوا عَارَ وَقَاحَتِهِمْ. سَتَلُفُّهُمُ الرِّيحُ فِي أجنِحَتِهَا وَسَتَأْخُذُهُمْ بَعِيدًا. سَيَخْزَوْنَ بِسَبَبِ الذَّبَائِحِ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا. «اسْمَعُوا هَذَا أيُّهَا الكَهَنَةُ، وَأصغُوا يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ، وَاسمَعُوا يَا أفْرَادَ بَيْتِ المَلِكِ. هَذِهِ الدَّينُونَةُ هِيَ ضِدُّكُمْ، لِأنَّكُمْ صِرتُمْ فَخًّا عَلَى جَبَلِ المِصْفَاةِ وَشَبَكَةً مَبسُوطَةً عَلَى جَبَلِ تَابُورَ. المُتَمَرِّدُونَ لَا يَتَوَقَّفُونَ عَنِ الذَّبحِ، سَأُعَاقِبُهُمْ جَمِيعًا. أنَا أعْرِفُ أفْرَايِمَ، وَإسْرَائِيلُ لَيْسَ مَخفِيًّا عَنِّي. أعْرِفُ يَا أفْرَايِمُ بِأنَّكَ زَانٍ، وَيَا إسْرَائِيلُ بَأنَّكَ نَجِسٌ. أعْمَالُهُمْ تَمَنَعُهُمْ مِنَ الرُّجُوعِ إلَى اللهِ ، لِأنَّهُمْ يَعِيشُونَ لِأجْلِ الزِّنَى وَلَا يَعْرِفُونَ اللهَ . سَتَشْهَدُ كِبرِيَاءُ إسْرَائِيلَ عَلَيْهِ، وَإسْرَائِيلُ وَأفرَايِمُ سَيَسْقُطَانِ فِي إثمِهِمَا، وَيَهُوذَا سَتَسْقُطُ مَعَهُمْا. سَيَذْهَبُ بَنُو إسْرَائِيلَ مَعَ قُطعَانِ غَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ لِيَبْحَثُوا عِنِ اللهِ ، وَلَكِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوهُ، فَقَدِ ابتَعَدَ عَنْهُمْ. خَانُوا اللهَ وَأنجَبُوا أوْلَادًا غُرَبَاءَ، وَالْآنَ سَيُهلِكُهُمُ الغَازِي وَيُخَرِّبُ أرْضَهُمْ. «انفُخُوا بِالقَرنِ فِي جَبعَةَ، اضرِبُوا بِالبُوقِ فِي الرَّامَةِ، اصرُخُوا فِي بَيْتِ آوِنَ، انتَبِه يَا بَنْيَامِينَ. احكُمْ عَلَى أفْرَايِمَ بِالدَّمَارِ، قَد أعلَنتُ هَذَا فِي قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. رُؤَسَاءُ يَهُوذَا كَلُصُوصٍ يُحَرِّكُونَ عَلَامَاتِ حُدُودِ الأرَاضِي عَنْ مَوَاضِعِهَا. سَأسكُبَ عَلَيْهِمْ غَضَبِي كَالمَاءِ. أفْرَايِمُ مَظلُومٌ، وَحَقُّهُ مَسحُوقٌ، لِأنَّهُ رَضِيَ أنْ يَذْهَبَ وَرَاءَ الفَسَادِ. سَأُخَرِّبُ أفْرَايِمَ كَالعُثِّ، وَبَنِي يَهُوذَا كَالصَّدَأِ. رَأى أفْرَايِمُ أنَّهُ كَانَ مَرِيضًا، وَيَهُوذَا أنَّهُ مَجرُوحٌ. وَلَكِنَّ أفْرَايِمَ ذَهَبَ إلَى أشُّورَ طَالِبًا العَونَ، وَأرْسَلَ يَهُوذَا لِيَطْلُبَ مُسَاعَدَةً مِنْ مَلِكِهَا العَظِيمِ. لَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ أنْ يَشْفِيَكُمْ، وَلَن يَسْتَطِيعَ شَفَاءَ جُرحِكُمْ. لِأنِّي سَأُهَاجِمُ أفْرَايِمَ كَأسَدٍ، وَيَهُوذَا كَشِبلِ أسَدٍ. أنَا سَأُمَزِّقُهُمْ، وَسَآتِي وَآخُذُهُمْ إلَى عَرِينِي لِألتَهِمَهُمْ، وَلَن يَسْتَطِيعَ أحَدٌ أنْ يُنقِذَهُمْ مِنِّي. سَأعُودُ إلَى مَكَانِي إلَى أنْ يَخْجَلُوا وَيَعْتَرِفُوا بِذُنُوبِهِمْ وَيَطْلُبُوا حُضُورِي. فِفِي ضِيقِهِمْ، سَيستَجْدُونَ إحسَانِي.» «لِنَرجِعْ إلَى اللهِ ، فَمَعَ أنَّهُ هُوَ مَزَّقَنَا، إلَّا أنَّهُ سَيَشْفِينَا، وَمَعَ أنَّهُ ضَرَبَنَا، إلَّا أنَّهُ سَيُضَمِّدُ جُرُوحَنَا. سَيُعِيدُنَا إلَى الحَيَاةِ بَعْدَ يَوْمَينِ، وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحيَا فِي حَضْرَتِهِ. فَلِنَعْرِفْ مَنْ هُوَ اللهُ ، لِأنَّ إشرَاقَهُ مُؤَكَدٌ كَبُزُوغِ الفَجرِ. سَيَأْتِي إلَينَا كَالمَطَرِ، كَمَطَرِ الرَّبِيعِ الَّذِي يَرْوِي الأرْضَ.» «مَاذَا أفْعَلُ بِكَ يَا أفْرَايِمُ؟ وَمَاذَا أفْعَلُ بِكَ يَا يَهُوذَا؟ أمَانَتُكُمْ للهِ مِثْلُ ضَبَابِ الصَّبَاحِ، وَمِثْلُ نَدَى الفَجرِ، تَزُولُ بِسُرعَةٍ. لِذَلِكَ حَطَّمتُهُمْ بِالأنْبِيَاءِ، وَقَتَلْتُهُمْ بِشَرَائِعِي. وَسَيَظْهَرُ عَدلِي كَالنُّورِ. لِأنَّي أُريدُ رَحْمَةً لِلنَّاسِ، لَا ذَبَائِحَ حَيَوَانِيَّةً، وَأُسَرُّ بِمَعْرِفَتِهِمْ للهِ أكْثَرَ مِنَ ذَبَائِحِهِمِ. وَلَكِنَّ أفْرَايِمَ وَيَهُوذَا نَقَضُوا العَهْدَ كَمَا فَعَلَ آدَمُ، حَيْثُ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ. جَلْعَادُ مَدِينَةُ صَانِعِي الشَرِّ، وَآثَارُ الدَّمِ تُغَطِّيهَا. مِثْلُ قَاطِعِي الطُرُقِ وَالعِصَابَاتِ هَكَذَا جَمَاعَةُ الكَهَنَةِ يَكْمُنُونَ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى شَكِيمَ يُنَفِّذُونَ مُؤَامَرَاتٍ شِرِّيرَةً. رَأيْتُ أمْرًا مُرَوِّعًا فِي بَيْتِ إسْرَائِيلَ: هُنَاكَ زَنَى أفْرَايِمُ، وَتَنَجَّسَ إسْرَائِيلُ. حُدِّدَتْ دَينُونَةُ يَهُوذَا أيْضًا. حِينَ أُرجِعُ مِنَ السَّبيِ شَعْبِي. «حِينَ أشفِي إسْرَائِيلَ، سَيَنْكَشِفُ إثمُ أفْرَايِمَ، وَالشُّرُورُ الَّتِي عُمِلَت فِي السَّامِرَةِ. لِأنَّهُمْ خَدَعُوا النَّاسَ. أتَى السَّارِقُ، وَعِصَابَةٌ تَسْلِبُ فِي الشَّارِعِ. لَا يُفَكِّرُونَ بِالأمْرِ مَلِيًّا، وَلَكِنِّي تَذَكَّرتُ كُلَّ شَرِّهِمْ. وَالْآنَ عَادَت أعْمَالُهُمْ لِتَمْسِكَ بِهِمْ. وَأنَا أرَاهُمْ بِوُضُوحٍ. يُسعِدُونَ المَلِكَ بِشَرِّهِمْ، وَبِكَذِبِهِمْ يُفَرِّحُونَ الرُّؤَسَاءَ. كُلُّهُمْ زُنَاةٌ. إنَّهُمْ مِثْلُ فُرنٍ مُحَمَّىْ، لَا يَحْتَاجُ الخَبَّازُ أنْ يَنْشَغِلَ بِإحمَائِهِ مُنْذُ العَجِينِ وَحَتَّى نُضُوجِ الخُبْزِ. سَبَّبُوا المَرَضَ لِلمَلِكِ خِلَالَ النَّهَارِ، وَلِلرُؤَسَاءِ مِنْ حَرَارَةِ الخَمْرِ. وَالمَلِكُ يَنْضَمُّ إلَى الَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِاللهِ. إنَّهُمْ يَشْتَعِلُونَ كَنَارٍ، قُلُوبُهُمْ تَشْتَعِلُ فِيهِمْ. يَنَامُ غَضَبُهُمْ طَوَالَ اللَّيلِ، لَكِنْ فِي الصَّبَاحِ يَشْتَعِلُ كَالنَّارِ المُلتَهِبَةِ. كُلُّهُمْ حَامُونَ كَالفُرنِ وَيُفسِدُونَ قُضَاتَهُمْ. كُلُّ مُلُوكِهِمْ يَسْقُطُونَ، وَلَا أحَدَ مِنْهُمْ يَدْعُونِي. «أفْرَايِمُ مُختَلِطٌ بِالأُمَمِ. أفْرَايِمُ كَعكَةٌ احْتَرَقَ أحَدُ وَجْهَيهَا لِأنَّهَا لَمْ تُقلَبْ فِي الفُرنِ. يَأْكُلُ الغُرَبَاءُ قُوَّتَهُ دُونَ أنْ يَعْرِفَ. العَفَنُ مَرْشُوشٌ عَلِيهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ. سَيَشْهَدُ كِبرِيَاءُ إسْرَائِيلَ ضِدَّهُ، وَلَكِنَّهُمْ لَنْ يَرْجِعُوا إلَى ، وَلَن يَطْلُبُوهُ حَتَّى حِينَ يَعْرِفُونَ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ. أفْرَايِمُ مِثْلُ حَمَامَةٍ طَائِشَةٍ لَا تُفَكِّرُ. يَدْعُونَ مِصْرًا لِأجْلِ الحُصُولِ عَلَى العَونِ، وَيَذْهَبُونَ إلَى أشُّورَ لِأجْلِ الحُصُولِ عَلَى المُسَاعَدَةِ.» يَقُولُ اللهُ: «حَيْثُمَا ذَهَبُوا سَأبسِطُ شَبَكَةً عَلَيْهِمْ. سَوفَ أُوقِعُهُمْ بِالفَخِّ كَمَا يُوقَعُ بِالطُّيُورِ. سَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى كُلِّ المَرَّاتِ الَّتِي استَعَانُوا فِيهَا بِالأُمَمِ الأُخرَى بَدَلًا مِنِّي. فَليَسْتَعِدُّوا لِلمُعَانَاةِ، لِأنَّهُمْ ضَلُّوا عَنِّي. سَيُعَانُونَ مِنَ الضِّيقِ لِأنَّهُمْ أخطَأُوا إلَيَّ. أنَا أفدِيهِمْ، وَأمَّا هُمْ فَيَتَكَلَّمُونَ بِالكَذِبِ عَنِّي. لَا يَصْرُخُونَ إلَيَّ مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ. سَيَنُوحُونَ عَلَى أسِرَّتِهِمْ. يَذْهَبُونَ إلَى البَعْلِ لِأجْلِ قَمْحِهِمْ وَنَبِيذِهِمُ، وَلَكِنَّهُمْ يَبْتَعِدُونَ عَنِّي. مَعَ أنِّي دَرَّبتُهُمْ، وَقَوَّيتُ أيدِيهِمْ، إلَّا أنَّهُمْ تَآمَرُوا بِالشَّرِّ عَلَيَّ. التَفَتُوا إلَى عِبَادَةِ مَا لَيْسَ إلَهًا. كَانُوا مِثْلَ القَوسِ المُنحَرِفِ. سَقَطَ رُؤَسَاءُهُمْ بِالسَّيْفِ، بِسَبَبِ غَضَبِ الَّذِينَ اسْتَهْزَأُوا بِهِمْ، حِينَ كَانُوا فِي أرْضِ مِصْرٍ. «ضَعِ البُوقَ عَلَى فَمِكَ، وَكُن كَالنَّسرِ فَوْقَ بَيْتِ اللهِ . وَذَلِكَ لِأنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ نَقضُوا عَهْدِي وَتَعَدَّوْا عَلَى شَرِيعَتِي. يَصْرُخُونَ إلَيَّ: ‹يَا إلَهَنَا، إنَّنَا، إسْرَائِيلَ، نَعْرِفُكَ.› رَفَضَ إسْرَائِيلُ الصَّلَاحَ، وَلِهَذَا سَيُطَارِدُهُ العَدُّوُّ. نَصَبُوا رِجَالًا لَمْ أختَرْهُمْ كَمُلُوكٍ، وَعَيَّنُوا رِجَالًا لَمْ أسْتَحْسِنْهُمْ كَرُؤَسَاءَ. صَنَعُوا مِنْ ذَهَبِهِمْ وَفِضَّتِهِمْ أصْنَامًا لِأنفُسِهِمْ. وَلِهَذَا سَيَبِيدُ إسْرَائِيلُ. أيَّتُهَا السَّامِرَةُ، احتَقَرْتُ عَمَلَكِ. أنَا غَاضِبٌ جِدًّا عَلَيْهِمْ. إلَى مَتَى سَيَبْقَوْنَ نَجِسِينَ؟ حِرَفِيٌّ مِنْ إسْرَائِيلَ صَنَعَهُ، وَهُوَ لَيْسَ إلَهًا. سَيَتَحَطَّمُ عِجلُ السَّامِرَةِ وَيَتَفَتَّتُ. سَيَزْرَعُونَ أثْنَاءَ هُبُوبِ الرِّيحِ، وَسَيَحْصُدُونَ حِينَ تَكُونُ هُنَاكَ عَاصِفَةٌ. سَتَكْبُرُ وَلَكِنْ بِلَا غَلَّةٍ فِيهَا، إذْ لَنْ تُنتِجَ قَمْحًا. وَحَتَّى إنْ أنتَجَتْ بَعْضَ القَمْحِ فَإنَّ الغُرَبَاءَ سَيَبْتَلِعُونَهُ. ابتُلِعَ إسْرَائِيلُ، وَالْآنَ هُمْ مَطرُوحُونَ بَيْنَ الأُمَمِ كَإنَاءٍ غَيْرِ مَرغُوبٍ فِيهِ. ذَهَبَ أفْرَايِمُ إلَى مُحِبِّيهِ، إنَّهُمْ مِثْلُ حِمَارٍ بَرِيٍّ، تَاهُوا فِي ذَهَابِهِمْ إلَى أشُّورَ. حَتَّى إنَّهُمْ دَفَعُوا أُجرَةً لِلزَّوَانِي بَيْنَ الأُمَمِ، لَكِنِّي الآنَ سَأجْمَعُهُمْ. لَقَد مَرِضُوا بِسَبَبِ الضَّرَائِبِ الَّتِي كَانُوا يُعطُونَهَا لِمَلِكِ أشُّورَ وَرُؤَسَائِهِ. «وَمَعَ أنَّ أفْرَايِمَ كَثَّرَ المَذَابِحَ لِيَنْزِعَ الخَطِيَّةَ، إلَّا أنَّهَا صَارَت مَذَابِحَ لِارتِكَابِ الخَطِيَّةِ. مَعَ أنِّي كَتَبْتُ لَهُ وَصَايَايَ الكَثِيرَةَ، إلَّا أنَّهُمُ اعتَبَرُوهَا غَرِيبَةً. يَذْبَحُونَ وَيأكُلونَ لَحْمَ الحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا لِي. اللهُ لَيْسَ مَسرُورًا بِهِمْ. إنَّهُ يَتَذَكَّرُ إثمَهُمْ. وَهَذَا هُوَ عِقَابُهُمْ: سَيَرْجِعُونَ إلَى مِصْرٍ، كُلُّ ذلِكَ لِأنَّ إسْرَائِيلَ نَسِيَ الَّذِي صَنَعَهُ. إنَّهُ يَبْنِي قُصُورًا وَقِلَاعًا، وَيَهُوذَا يَبْنِي مُدُنًا حَصِينَةً. لَكِنِّي سَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى مُدُنِهِ، وَسَتَشْتَعِلُ النَّارُ فِي حُصُونِهِ.» يَا أُمَّةَ إسْرَائِيلَ، لَا تَفْرَحِي كَثِيرًا كَالأُمَمِ الأُخرَى، وَذَلِكَ لِأنَّكِ زَنَيتِ مُبتَعِدَةً عِن إلَهِكِ، وَقَدْ استَمْتَعتِ بِإيفَاءِ نُذُورِكِ للآلِهَةِ المُزَيَّفَةِ فِي كُلِّ بَيْدَرِ قَمْحٍ. بَيدَرُ القَمْحِ وَمِعصَرَةُ النَّبِيذِ لَنْ يُعطِيَا طَعَامًا، وَسَيَجْعَلُ الخَمْرَ تَنْفَدُ مِنْ إسْرَائِيلَ. لَنْ يُقِيمُوا فِي أرْضِ اللهِ ، فَسَيَرْجِعُ أفْرَايِمُ إلَى مِصْرٍ، وَسَيَأْكُلُونَ فِي أشُّورَ طَعَامًا نَجِسًا. لَنْ يُقَدِّمُوا سَكيبًا للهِ ، وَلَن يُقَدِّمُوا ذَبَائِحَهُمْ لَهُ. وَسَيَكُونُ ذَلِكَ كَالخُبْزِ المُلَوَّثِ لَهُمْ، يَتَنَجَّسُ كُلُّ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهُ. لَقَد جَعَلُوا خُبْزَهُمْ نَجِسًا، لِذَلِكَ لَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ اللهِ . مَاذَا سَتَفْعَلُونَ فِي يَوْمِ الِاحْتِفَالِ، فِي يَوْمِ عِيدِ اللهِ ؟ سَيَهْرُبُونَ مِنَ الخَرَابِ. حِينَئِذٍ، سَتَجْمَعُهُمْ مِصْرٌ، وَمِمْفِيسُ سَتَدْفِنُهُمْ. سَيَنْمُو الحَسَكُ فَوْقَ كُنُوزِ فِضَّتِهِمْ، وَسَتَكُونُ الأشوَاكُ فِي خِيَمِهِمْ. لِيَعْلَمْ بَنُو إسْرَائِيلَ أنَّ وَقْتَ العِقَابِ قَدْ جَاءَ، وَوَقْتَ سَدَادِ الدُّيُونِ قَدْ جَاءَ. النَّبِيُّ أحْمَقُ، وَالرَّجُلُ الَّذِي فِيهِ رُوحُ اللهِ مَجنُونٌ. إثمُكُمْ كَبيرٌ! لِذَا فَإنَّ حِقدَكُمْ كَبِيرٌ. هُنَاكَ نَبِيٌّ يُرَاقِبُ أفْرَايِمَ مَعَ اللهِ، وَهُنَاكَ فَخٌّ مَنصُوبٌ لَهُ عَلَى كُلِّ الطُّرُقِ. يُبغِضُونَهُ حَتَّى فِي بَيْتِ إلَهِهِ! قَدْ دُمِّرُوا تَدْمِيرًا، كَمَا حَدَثَ فِي وَقْتِ جَبْعَةَ. سَيَتَذَكَّرُ اللهُ إثمَهُمْ وَسَيُعَاقِبُهُمْ عَلَى خَطِيَّتِهِمْ. «وَجَدتُ إسْرَائِيلَ فَكَانُوا كَقُطُوفِ عِنَبٍ فِي البَرِّيَّةِ. رَأيْتُ آبَاءَكُمْ فَكَانُوا كَأفضَلِ ثِمَارِ التِّينِ فِي بِدَايَةِ زَمَنِ الحَصَادِ. لَكِنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى الإلَهِ المُزَيَّفِ بَعْلِ فَغُورَ، وَكَرَّسُوا أنْفُسَهُمْ لِلعَارِ، وَصَارُوا كَرِيهِينَ كَالآلِهَةِ الَّتِي أحَبُّوهَا. «سَيَطِيرُ مَجْدُ أفْرَايِمَ بَعِيدًا. لَنْ تَعُودَ النِّسَاءُ يُنْجِبْنَ أوْ يَحْفَظْنَ جَنِينًا أوْ يَحْبَلَنَ. وَحَتَّى إنْ رَبَّينَ أوْلَادًا، فَإنِّي سَأحرِمُهُنَّ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ. وَالوَيلُ لَهَنُّ حَقًّا، حِينَ أبتَعِدُ عَنهُنَّ. عِنْدَمَا رِأيتُ أفْرَايِمَ، كَانَ كَشَجَرَةٍ مَزرُوعَةٍ فِي مَرْعَىً جَمِيلٍ، لَكِنَّ أفْرَايِمَ سَيَقُودُ الآنَ أوْلَادَهُ إلَى الذَّبْحِ.» فَمَاذَا سَتُعطِيهِمْ يَا اللهُ ؟ أعْطِهِمْ رَحِمًا عَقِيمًا، وَثَدِيَّينِ جَافَّينِ. «بِسَبَبِ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي عَمِلُوهُ فِي الجِلجَالِ، أبغَضُهُمْ. بِسَبَبِ شَرِّ أعْمَالِهِمْ فَإنِّي سَأطرُدُهُمْ مِنْ بَيْتِي. لَنْ أُحِبَّهُمْ ثَانِيَةً. كُلُّ رُؤَسَائِهِمْ مُتَمَرِّدُونَ. ضُرِبَ أفْرَايِمُ، جِذرُهُمْ جَفَّ تَمَامًا، وَهُمْ لَا يَصْنَعُونَ أيَّ ثَمَرٍ. وَحَتَّى إذَا حَبِلْنَ، فَإنِّي سَأقتُلُ مَا تَلِدُهُ أرحَامُهُنَّ.» إلَهِي سَوفَ يَرْفُضُهُمْ، لِأنَّهُمْ لَنْ يَسْتَمِعُوا لَهُ، وَسَيَكُونُونَ كَشَعْبٍ مُتَفَرِّقٍ وَتَائِهٍ بَيْنَ الأُمَمِ. بَنُو إسْرَائِيلَ أشبَهُ بِكَرْمَةٍ وَافِرَةِ الثَّمَرِ، يُنتِجُونَ ثَمَرًا مُمَيَّزًا. وَكُلَّمَا تَكَاثَرَ ثَمَرُهُمْ، تَكَاثَرَتْ مَذَابِحُهُمْ! كُلَّمَا ازدَهَرَتْ أرْضُهُمْ، صَارُوا أكْثَرُ نَشَاطًا فِي إقَامَةِ أنصِبَةِ الآلِهَةِ المُزَيَّفَةِ! كَانَ قَلْبُهُمْ مُخَادِعًا، وَلِهَذَا سَيَحْمِلُونَ ذَنبَهُمْ. سَيُحَطِّمُ اللهُ مَذَابِحَهُمْ، وَسَيَهْدِمُ أنْصَابَهُمُ التَّذْكَارِيَّةَ. كُلُّ ذَلِكَ لِأنَّهُمْ يَقُولُونَ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ، وَلَا نَخَافُ اللهَ ، وَمَاذَا يُمْكِنُ لِلمَلِكِ أنْ يَعْمَلَهُ؟» قَطَعُوا وُعُودًا بِأقسَامٍ كَاذِبَةٍ، دَخَلُوا فِي عَهْدٍ. صَارَتِ العَدَالَةُ المُنْحَرِفَةُ تَنْبُتُ كَالأعْشَابِ الضَّارَّةِ فِي أتلَامِ الحَقْلِ. أهْلُ السَّامِرَةِ يَسْجُدُونَ لِتَمَاثِيلِ العُجُولِ فِي بَيْتَ آوَنَ. سَيَنُوحُونَ! سَيَنُوحُ الكَهَنَةُ عَلَيْهِ لِأنَّ وَثَنَهُمُ الجَمِيلَ ضَاعَ. أُخِذَ إلَى السَّبْيِ. حُمِلَ كَهَدِيَّةٍ لِمَلِكِ أشُّورَ القَوِيِّ الَّذِي سَيحْتَفِظُ بِوَثَنِ أفْرَايِمَ المُخْزِي. نَعَمْ سَتَخْجَلُ إسْرَائِيلُ بِأوْثَانِهَا. سَيَهْلِكُ مَلِكُ السَّامِرَةِ، سَيَكُونُ مِثْلَ غُصْنٍ عَلَى سَطْحِ المَاءِ. وَمُرتَفَعَاتُ آوَنَ – خَطِيَّةُ إسْرَائِيلَ – سَتُدَمَّرُ، سَيَنْمُو الشَّوكُ وَالحَسَكُ عَلَى مَذَابِحِهَا، وَسَيَقُولُونَ لِلجِبَالِ: «غَطِّينَا،» وَلِلتِّلَالِ: «اسْقُطِي عَلَيْنَا.» «مُنْذُ أيَّامِ الحَرْبِ فِي جِبعَةَ وَإسْرَائِيلُ يُخطِئُ. وَهُنَاكَ يَسْتَمِرُّونَ فِي خَطِيَّتِهِمْ. ألَنْ تُدْرِكَهُمُ الحَرْبُ فِي جِبْعَةَ بِسَبَبِ الأشْرَارِ؟ حِينَ سَآتِي سَأُؤَدِّبُهُمْ. وَسَتَجْتَمِعُ الأُمَمُ لِمُحَارَبَتِهِمْ فَيُؤَدَّبُونَ بِسَبَبِ آثَامِهِمُ الكَثِيرَةِ. «أفرَايِمُ مِثلُ بَقَرَةٍ صَغِيرَةٍ مُدَرَّبَةٍ تُحِبُّ أنْ تَدْرُسَ القَمْحَ. سَأضَعُ نِيرًا ثَقِيلًا عَلَى عُنُقِهَا. سَأربِطُ أفرَايِمَ بِالحِبَالِ. يَهُوذَا سَيَحْرُثُ الأرْضَ، وَيَعْقُوبُ سَيُمَهِّدُ التُربَةَ. «ازْرَعُوا لِأنفُسِكُمْ بِرًّا، وَاحْصُدُوا رَحْمَةً. احرُثُوا الأرْضَ وَسَتَحْصُدُونَ مَعَ اللهِ الَّذِي سَيَأْتِي وَيُمْطِرُ البِرَّ عَلَيْكُمْ. حَرَثتُمْ وَزَرَعتُمِ الشَّرَّ فَحَصَدتُّمِ الإثْمَ. أكَلتُمْ ثَمَرَ الغَدرِ. وَذَلِكَ لِأنَّكَ وَثِقتَ بِقُدُرَاتِكَ وَجَيْشِكَ الكَبِيرِ. سَتَسْمَعُ جُيُوشُكَ ضَجَّةَ المَعْرَكَةِ، وَسَتُدَمَّرُ كُلُّ قِلَاعِكَ. كَنَصرِ شَلْمَانَ فِي مَعرَكَةِ بَيْتِ أرَبْئِيلَ. فَهُنَاكَ سُحِقَتِ الأُمَمُ مَعَ أوْلَادِهَا. وَسَتَلْقَينَ المَصِيرَ نَفْسَهُ يَا بَيْتَ إيلَ بِسَبَبِ شَرِّكِ العَظِيمِ. فِي الفَجرِ، سَيَفْنَى مَلِكُ إسْرَائِيلَ فَنَاءً تَامًّا. «حِينَ كَانَ إسْرَائِيلُ صَغِيرًا أحبَبتُهُ، وَمِنْ مِصْرٍ دَعَوتُ ابنِي. كُلَّمَا دَعَوتُهُمُ ابتَعَدُوا عَنِّي. ذَبَحُوا لِلبَعلِ، أحْرَقُوا بَخُورًا فِي عِبَادَتِهِمْ لِلأصْنَامِ. عَلَّمتُ أفْرَايِمَ السَّيرَ مَاسِكًا بِكِلَتَا ذِرَاعَيهِ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا أنِّي أنَا شَفَيتُهُمْ بِضَربِي. قُدتُهُمْ بِحِبَالِ اللُّطفِ، بِرُبُطِ المَحَبَّةِ. عَامَلتُهُمْ كَالشَّخصِ الَّذِي يُزِيلُ النِّيرَ عَنِ الحَيَوَانَاتِ. انحَنَيتُ وَأطعَمتُهُ. «سَيَعُودُونَ إلَى مِصْرٍ، وَسَيَكُونُ مَلِكُ أشُّورَ مَلِكَهُمْ، لِأنَّهُمْ رَفَضُوا أنْ يَعُودُوا إلَيَّ. سَيَرْفَعُ سَيفَهُ عَلَى مُدُنِهِ، وَسَيُفنِي بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَتَفَاخَرُونَ كَثِيرًا. سَيَلْتَهِمُ المُتَآمِرِينَ. شَعْبِي يَنْتَظِرُ عَوْدَتِي. سَوفَ يَدْعُونَ العَلِيَّ، لَكِنَّهُ لَنْ يَسْتَجِيبَ.» «كَيْفَ أتَخَلَّى عَنْكَ يَا أفْرَايِمُ؟ كَيْفَ يُمكِنُنِي أنْ أُسَلِّمَكَ إلَى أعْدَائِكَ يَا إسْرَائِيلُ؟ كَيْفَ أتَخَلَّى عَنْكِ كَأدَمَةَ؟ كَيْفَ أجعَلُكَ كَصَبُوِييمَ؟ اضطَرَبَ قَلْبِي فِي دَاخِلِي، وَمَشَاعِرُ المَحبَّةِ وَالحَنَانِ اشتَعَلَتْ. لَنْ أُطلِقَ غَضَبِي، لَنْ أُخَرِّبَ أفْرَايِمَ ثَانِيَةً. أنَا اللهُ وَلَسْتُ إنْسَانًا. أنَا القُدُّوسُ السَّاكِنُ فِي وَسَطِكَ، وَلَن أعُودَ أغضَبُ عَلَيْكِ. سَيَسِيرُونَ وَرَاءَ اللهِ . أنَا سَأُزَمجِرُ كَالأسَدِ، سَأزأرُ فَيَأْتِي الأوْلَادُ مِنَ الغَرْبِ وَهُمْ مُرتَعِدُونَ، سَيَأْتُونَ مُرتَجِفِينَ كَطَيرٍ مِنْ مِصْرٍ، وَكَحَمَامَةٍ مِنْ أرْضِ أشُّورَ، وَسَأُسْكِنُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ،» يَقُولُ اللهُ . «شَعْبُ أفْرَايِمَ أحَاطَ بِي بِالكَذِبِ، وَبَنو إسْرَائِيلَ أحَاطوني بِالتَّمَرُّدِ. أمَّا يَهُوذَا فَمَا يَزَالُ يَسِيرُ مَعَ اللهِ، وَمَا زَالَ أمِينًا نَحْوَ القِدِّيسِينَ.» يَرْعَى بَنُو أفْرَايِمَ الرِّيحَ، وَيُلَاحِقُونَ الرِّيحَ الشَّرقِيَّةَ طِيلَةَ اليَوْمِ، وَيَزِيدُونَ مِنَ الكَذِبِ وَالدَّمَارِ. قَطَعُوا عَهْدًا مَعَ أشُّورَ وَحَمَلُوا زَيْتَهُمْ إلَى مِصْرٍ. «للهِ قَضِيَّةٌ مَعَ يَهُوذَا، وَسَيُعَاقِبُ يَعْقُوبَ بِحَسَبِ مَا يَسْتَحِقُّ، وَسَيُجَازَى بِحَسَبِ أعْمَالِهِ. فَبَيْنَمَا هُوَ مَا يَزَالُ فِي الرَّحِمِ، خَدَعَ أخَاهُ، وَبِقُوَّتِهِ تَصَارَعَ مَعَ اللهِ. «تَصَارَعَ مَعَ مَلَاكٍ وَغَلَبَهُ. بَكَى وَتَضَرَّعَ إلَيْهِ. وَجَدَ اللهَ فِي بَيْتِ إيلَ، وَهُنَاكَ تَكَلَّمَ مَعَهُ. يهوه الإلَهُ القَدِيرُ، يهوه اسْمُهُ. ارجِعْ إلَى إلَهِكَ كُنْ أمِينًا وَعَادِلًا وَاتِّكِلْ عَلَى إلَهِكَ دَائِمًا. «يَعْقُوبُ مِثْلُ الكَنْعَانِيِّ الَّذِي يَغِشُّ فِي المَوَازِينِ لِأنَّهُمْ يُحِبُّونَ الظُلمَ. يَقُولُ أفْرَايِمُ: ‹صِرتُ غَنِيًّا جِدًّا، وَقَدْ وَجَدتُ ثَرَوَاتٍ لِأجْلِ ذَاتِي. الأشيِاءُ الَّتِي عَمِلتُهَا لَنْ تَكْشِفَنِي، وَلَن تُدرِكَنِي أيَّةُ آثَامٍ ارتَكَبتُهَا.› «أنَا مُنْذُ وُجُودِكَ فِي أرْضِ مِصْرٍ سَتَعِيشُ فِي خِيَامٍ فِي الصَّحرَاءِ، كَمَا كُنْتَ أيَّامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. «أنَا كَلَّمتُ الأنْبِيَاءِ، وَأعَلَنْتُ مَشِيئَتِي بِالرُّؤَى. وَتَكَلَّمْتُ عَلَى فَمِ الأنْبِيَاءِ بِأمثَالٍ. هُنَاكَ إثمٌ فِي جِلْعَادَ، فَإنَّهُمْ كَانُوا أكْثَرَ سُوءًا وَبُطلًا فِي الجِلجَالِ حَيْثُ يَذْبَحُونَ الثِّيرَانَ. مَذَابِحُهُمْ كَثِيرَةٌ كَأكْوَامِ الصُّخُورِ قُرْبَ أتلَامِ الحُقُولِ. هَرَبَ يَعْقُوبُ إلَى حُقُولِ أرَامَ، وَعَمِلَ لِلحُصُولِ عَلَى زَوْجَةٍ، وَحَرَسَ غَنَمًا لِيَتَزَوَّجَ بِامْرَأةٍ أُخْرَى. أخْرَجَ اللهُ إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرٍ بِنَبِيٍّ، وَبِنَبِيٍّ حَفِظَهُ. صَنَعَ أفْرَايِمُ مَرَارَةً وَأسَاءَ كَثِيرًا. لِذَا سَيَرُدُّ رَبُّهُ ذَنبَهُ عَلَيْهِ، وَسَيُجَازِيهِ عَلَى جَرَائِمِهِ.» «حِينَ تَكَلَّمَ أفْرَايِمُ كَانَ هُنَاكَ رُعبٌ. رَفَعَ نَفْسَهُ فِي إسْرَائِيلَ. لَكِنَّهُ عَمِلَ إثمًا بِعِبَادَتِهِ البَعلَ، فَمَاتَ. وَهُمُ الآنَ يَسْتَمِرُّونَ فِي الخَطِيَّةِ. يَصْنَعُونَ لِأنفُسِهِمْ صَنَمًا. سَبَكُوا تَمَاثِيلَ بَكُلِّ مَهَارَةٍ، وَقَدْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَمَلَ حِرَفِيِّينَ مَهَرَةٍ. يَتَكَلَّمُونَ إلَى تِلْكَ التَّمَاثِيلِ. يُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَ لَهَا، وَيُقَبِّلُونَ تِلْكَ العُجُولَ الذَّهَبِيَّةَ. وَلِهَذَا فَهُمْ كَالضَبَابِ فِي الصَّبَاحِ وَالنَّدَى الَّذِي يَزُولُ سَرِيعًا فِي النَّهَارِ. إنَّهُمْ كَالتِّبنِ الَّذِي يَتَطَايَرُ مِنْ بَيْدَرِ الدَّرسِ، وَكَالدُخَانِ الصَّاعِدِ مِنَ المَدخَنَةِ. «أنَا مُنْذُ كُنْتَ فِي مِصْرٍ. لَمْ تَعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى غَيرِي، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ مُخَلِّصٌ آخَرُ سِوَايَ. عَرَفتُكَ فِي الصَّحرَاءِ وَفِي الأرْضِ الجَّافَّةِ. حِينَ كُنْتُ أُطعِمُهُمْ كَانَ لَدَيهِمُ الكَثِيرُ لِيَأْكُلُوهُ، لِذَلِكَ تَكَبَّرُوا وَنَسُونِي. لِذَلِكَ سَأكُونُ لَهُمْ كَأسَدٍ، وَكَنَمِرٍ عَلَى طَرِيقِ أشُّورَ. سَأهجُمُ عَلَيْهِمْ مِثْلَ دُبَّةٍ هَائِجَةٍ فَأشُقُّ صُدُورَهُمْ. سَألتَهِمُهُمْ كَمَا يَلْتَهِمُ الأسَدُ، وَسَأُمَزِّقُهُمْ مِثْلَ حَيَوَانٍ بَرِّيٍّ. «يَا إسْرَائِيلُ، سَأُدَمِّرُكَ، لِأنَّكَ ضِدِّي، ضِدَّ مُعِينِكَ. فَأينَ مَلِكُكَ؟ هَل سَيَأْتِي بِالخَلَاصِ إلَى كُلِّ مُدُنِكَ؟ وَأينَ قُضَاتُكَ الَّذِينَ صَلَّيتَ إلَيَّ بِشَأنِهِمْ وَقُلْتَ: ‹أعْطِنِي مَلِكًا وَرُؤَسَاءَ؟› أعْطَيْتُكَ مَلِكًا وَأنَا غَاضِبٌ، وَأخَذتُهُ حِينَ كُنْتُ سَاخِطًا. «جَرِيمَةُ أفْرَايِمَ مَحفُوظَةٌ فِي صُرَّةٍ، وَخَطِيَّتُهُ مُخَبَأةٌ. آلَامُ الوِلَادَةِ المُنبِئَةُ بَاقتِرَابِ وِلَادَتِهِ أتَتْ. إنَّهُ وَلَدٌ غَيْرُ حَكِيمٍ. فَحِينَ جَاءَ وَقْتُ وِلَادَتِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَطنِ أُمِّهِ. «سَأفتَدِيهِ مِنْ سَيطَرَةِ الهَاوِيَةِ، سَأُخَلِّصُهُ مِنَ المَوْتِ. أيْنَ هَلَاكُكَ يَا مَوْتُ؟ أيْنَ خَرَابُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ لَسْتُ أرَى سَبَبًا وَاحِدًا لِلشَّفَقَةِ عَلَيْهِ! مَعَ أنَّ أفْرَايِمَ أكْثَرُ مِنْ إخْوَتِهِ إثمَارًا، إلَّا أنَّ رِيحَ اللهِ الشَّرقِيَّةَ سَتَأْتِي عَلَيْهِ مِنَ البِرِّيَّةِ. سَتَنْشَفُ بِئرُهُ، وَسَيَجِفُّ نَبعُهُ. وَسَتَسْلِبُ الرِّيحُ كُلَّ ثَمِينٍ عِنْدَهُ. السَّامِرَةُ مُذنِبَةٌ لِأنَّهَا تَمَرَّدَت عَلَى إلَهِهَا. سَيَسْقُطُونَ فِي الحَرْبِ، وَسَيُسحَقُ أطْفَالُهُمْ، وَسَتُشَقُّ نِسَاؤُهُمُ الحَوَامِلُ.» ارجِعْ إلَى يَا إسْرَائِيلُ، لِأنَّ خَطِيَّتَكَ سَبَّبَت لَكَ السُّقُوطَ. فَكِّرُوا بَاعتِذَارٍ جَيِّدٍ وَعُودُوا إلَى اللهِ . قُولُوا لُهُ: «اغفِرْ لَنَا كُلَّ مَا ارتَكبنَاهُ مِنْ خَطَايَا، وَلَا تَقْبَلْ مِنَّا سِوَى الأُمُورِ الصَّالِحَةِ الَّتِي عَمِلنَاهَا. سَنُقَدِّمُ لَكَ كَلِمَاتِ التَّسبِيحِ وَالشُّكرِ. أشُّورُ لَنْ يُخَلِّصَنَا، وَلِذَلِكَ لَنْ نَركَبَ عَلَى حِصَانٍ لِطَلَبِ العَونِ مِنْ أشُّورَ. لَنْ نَقُولَ فِيمَا بَعْدُ لِشَئٍ صَنَعنَاهُ بِأيدِينَا: ‹أنْتَ إلَهُنَا،› لِأنَّكَ أنْتَ، يَا اللهُ، مَنْ يَرْحَمُ اليَتِيمَ.» يَقُولُ اللهُ: «سَأشْفِيهِمْ مِنْ خِيَانَتِهِم لِي، سَأُحِبَّهُمْ بِلَا مُقَابِلٍ. لِأنَّنِي لَمْ أعُدْ غَاضِبًا مِنْهُمْ. سَأكُونُ كَالنَّدَى لِإسْرَائِيلَ، وَسَيَنْبُتُ إسْرَائِيلُ كَزَهرَةِ السَّوسَنِ، وَسَتَكُونُ لَهُ جُذُورٌ عَمِيقَةٌ كَأرْزِ لُبْنَانَ. سَتَكُونُ أغْصَانُهُ مُمتَدَّةً، وَسَيَكُونُ كَشَجَرَةِ الزَّيْتُونِ البَهِيَّةِ، وَسَتَكُونُ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ لُبْنَانَ. وَالَّذِينَ كَانُوا يَعِيشُونَ فِي ظِلِّهِ سَيَرْجِعُونَ. سَوفَ يَنْبُتُونَ كَالقَمْحِ وَيُزهِرُونَ كَكَرمَةٍ. سَيُتَذَكَّرُ إسْرَائِيلُ حَوْلَ العَالَمِ كَخَمرِ لُبْنَانَ. «يَا أفْرَايِمُ، مَا لِي أنَا وَالأوْثَانِ؟ أنَا أُجِيبُكَ وَأُحَافِظُ عَلَيْكَ. أنَا كَشَجَرَةِ سَروٍ خَضرَاءَ بَهِيَّةٍ، وَثَمَرُكَ يَأْتِي مِنِّي.» مَنْ كَانَ حَكِيمًا فَليَفْهَمْ هَذِهِ الأُمُورَ، وَمَن كَانَ فَهِيمًا فَلِيَعْرِفْ أنَّ طُرُقَ اللهِ مُسْتَقِيمَةٌ، وَالأبْرَارُ يَسْلُكُونَ فِيهَا. أمَّا الأشرَارُ فَسَيَعْثُرُونَ وَيَسْقُطُونَ حِينَ يُحَاوِلُونَ السَّيرَ فِيهَا. وَتَكَلَّمَ اللهُ لِيُوئِيلَ بِنِ فَثُوئِيلَ، فَقَالَ: اسْمَعُوا هَذَا أيُّهَا الشُّيُوخُ، وَاسمَعُوا أيُّهَا السَّاكِنُونَ فِي الأرْضِ: هَلْ حَدَثَ كَهَذَا فِي أيَّامِكُمْ، أوْ فِي أيَّامِ آبَائِكُمْ؟ أخبِرُوا أوْلَادَكُمْ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ، وَلِيُخْبِرْ أوْلَادُكُمْ أوْلَادَهُمْ، وَأوْلَادُهُمُ الجِيلَ التَّالِيَ لَهُمْ. مَا تَرَكَهُ الجَرَادُ القَاطِعُ أكَلَتهُ أسرَابُ الجَرَادِ، وَمَا تَرَكَتْهُ أسْرَابُ الجَرَادِ، أكَلَتهُ الجَنَادِبُ، وَمَا تَرَكَتهُ الجَنَادِبُ أكَلَهُ الجَرَادُ المُخَرِّبُ! استَيْقِظُوا أيُّهَا السُّكَارَى وَابكُوا. وَنُوحُوا يَا شَارِبِي الخَمْرِ لِأنَّ الخَمْرَ أُخِذَت مِنْ أفوَاهِكُمْ. لِأنَّ أُمَّةً عَظِيمَةً وَعَدَدُهَا لَا يُحصَى قَدِ اجتَاحَتِ أرْضِي. أسنَانُهَا كَأسنَانِ الأسَدِ، وَلَهَا أنيَابٌ كَأنيَابِ الأسَدِ. حَوَّلُوا كَرمَتِي إلَى خَرَابٍ، وَتِينَتِي إلَى جِذعٍ أجرَدَ. قَشَّرُوا لِحَاءَهَا بِالْكَامِلِ وَألْقَوْهُ بَعِيدًا، وَجَعَلُوا أغْصَانَهَا بِيضًا. نُوحِي كَعَرُوسٍ فِي ثِيَابِ الحُزنِ عَلَى مَوْتِ عَرِيسِهَا الشَّابِّ. انقَطَعَتْ تَقْدِمَاتُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنَ بَيْتِ اللهِ . الكَهَنَةُ، خُدَّامُ اللهِ ، يَنُوحُونَ. الحُقُولُ تَلِفَتْ، وَالأرْضُ تَنُوحُ لِأنَّ الحُبُوبَ تَلِفَتْ، وَالْنَّبِيذُ جَفَّ، وَالزَّيْتُ الجَيِّدُ فَرَغَ. اذبُلُوا أيُّهَا الفَلَّاحُونَ، نُوحُوا أيُّهَا الكَرَّامُونَ عَلَى القَمْحِ وَالشَّعِيرِ، لِأنَّهُ قَدْ تَلِفَ الحَصَادُ فِي الحَقْلِ. جَفَّتِ الكَرْمَةُ، وَالتِّينُ ذَبُلَ. يَبِسَ الرُّمَّانُ، بَلْ وَحَتَّى النَّخِيلُ وَشَجَرُ التُّفَّاحِ. كُلُّ أشْجَارِ الحَقْلِ قَدْ جَفَّتْ. وَجَفَّتِ السَّعَادَةُ فِي النَّاسِ. البِسُوا الخَيْشَ حُزْنًا وَابْكُوا أيُّهَا الكَهَنَةُ، وَنُوحُوا يَا مَنْ تُجَهِّزُونَ الذَّبَائِحَ. ادْخُلُوا يَا خُدَّامَ إلَهِي وَاقضُوا اللَّيلَ بِثِيَابِ الخَيْشِ، لِأنَّ تَقْدِمَاتِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ انْقَطَعَتْ عَنْ هَيْكَلِ إلَهِكُمْ. عَيِّنُوا وَقْتًا لِلصَّومِ. ادعُوا إلَى اجتِمَاعٍ. اجمَعُوا الشُّيُوخَ وكُلَّ سُكَّانِ الأرْضِ إلَى هَيْكَلِ ، وَاصرُخُوا إلَى اللهِ . سَيَكُونُ يَومًا رَدِيئًا، لِأنَّ يَوْمَ اللهِ قَرِيبٌ، وَسَيُؤتَى بِخَرَابٍ عَظِيمٍ مِنَ القَدِيرِ. ألَمْ يَنْقَطِعْ طَعَامُنَا أمَامَ أعْيُنِنَا؟ وَزَالَتِ الأفرَاحُ وَالبَهجَةُ مِنْ هَيْكَلِ إلَهِنَا. جَفَّتِ البُذُورُ فِي التُّرَابِ، خَرِبَتْ مَخَازِنُ القَمْحِ، انهَدَمَتِ المَخَازِنُ لِأنَّ القَمْحَ قَدْ جَفَّ. يَا لِأنِينِ القُطْعَانِ! يَا لِتَيَهَانِ قُطْعَانِ الأبْقَارِ لِأنَّ لَيْسَ لَهَا مَرْعَىً! وَحَتَّى قُطْعَانُ الغَنَمِ هَلَكَتْ. أصرُخُ إلَيْكَ يَا اللهُ ، لِأنَّ النَّارَ التَهَمَتْ مَرَاعِيَ البَرِّيَّةِ، وَلَهِيبًا أشعَلَ كُلَّ أشْجَارِ الحُقُولِ. حَتَّى حَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةِ تَصْرُخُ إلَيْكَ، لِأنَّ الجَدَاوِلَ جَفَّتْ، وَالنَّارُ التَهَمَتْ مَرَاعِيَ البَرِّيَّةِ. انْفُخُوا بِالبُوقِ فِي صِهْيَوْنَ، وَارْفَعُوا صَرخَةَ تَحْذِيِرٍ عَلَى جَبَلِي المُقَدَّسِ. لِيَرْتَعِدْ كُلُّ سُكَّانِ الأرْضِ، لِأنَّ يَوْمَ اللهِ آتٍ، لِأنَّ يَوْمَ اللهِ قَرِيبٌ. إنَّهُ يَوْمُ ظَلَامٍ وَعَتْمَةٍ شَدِّيدَةٍ، يَوْمُ غُيُومٍ سَودَاءَ قَاتِمَةٍ. مِثْلُ الظُّلمَةِ المُنتَشِرَةِ عَلَى الجِبَالِ، هَكَذَا الشَّعْبُ كَثِيرٌ وَقَوِيٌّ. لَمْ يَأْتِ يَومٌ مِثْلُهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَنْ يَأْتِيَ يَومٌ مِثُلُهُ مِنْ بَعْدُ. أمَامَ ذَلِكَ الشَّعْبِ نَارٌ تَلْتَهِمُ، وَخَلْفَهُ لُهُبٌ تَشْتَعِلُ. الأرْضُ أمَامَهُ مِثْلُ جَنَّةِ عَدْنٍ، وَوَرَاءَهُ بَرِّيَّةٌ خَرِبَةٌ، وَلَنْ يَنْجُوَ أحَدٌ! مَظهَرُهُمْ كَمَظهَرِ الخَيلِ وَالفُرسَانِ هَكَذَا يَرْكُضُونَ. يَقْفِزُونَ فَيُحدِثُونَ ضَجَّةً كَضَجَّةِ المَرْكَبَاتِ عَلَى قِمَمِ الجِبَالِ. صَوْتُهُمْ كَصَوْتِ النَّارِ وَهِيَ تَلْتَهِمُ القَشَّ، وَكَصَوْتِ جَيْشٍ عَظِيمٍ يَصْطَفُّ للمَعْرَكَةِ. تَرْتَعِدُ الأُمَمُ أمَامَهُمْ، وَكُلُّ الوُجُوهِ تَصْفَرُّ مِنَ الرُّعبِ. يَرْكُضُوُنَ كَأبطَالٍ، وَيَتَسَلَّقُونَ الأسوَارَ كَمُحَارِبِينَ. كُلٌّ يَسِيرُ فِي مَسْرَبِهِ، وَلَا يَنْحَرِفُونَ عَنْ طُرُقِهِمْ. لَا يَتَزَاحَمُونَ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمْشِي فِي طَرِيقِهِ. وَإنْ سَقَطَ بَعْضُهُمْ بِسَبَبِ ضَربَةِ سَهْمٍ، فَإنَّ الآخَرِينَ لَا يَنْحَرِفُونَ عَنْ طُرُقِهِمْ. يَنْدَفِعُونَ إلَى المَدِينَةِ، وَيَتَرَاكَضُونَ إلَى السُّورِ. يَتَسَلَّقُونَ البُيُوتَ، وَيَدْخُلُونَ عَبْرَ النَّوَافِذِ كَاللُّصُوصِ. تَهْتَزُّ الأرْضُ أمَامَهُمْ، وَالسَّمَاءُ تَرْتَعِشُ، وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ يُظلِمَانِ، وَالنُّجُومُ تَمْنَعُ بَرِيقَهَا. يَرْفَعُ اللهُ صَوْتَهُ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الجَيْشِ الَّذِي أرسَلَهُ، لِأنَّ مُعَسكَرَهُ كَبِيرٌ جِدًا، وَلِأنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُنَفِّذُونَ أمْرَهُ أشِدَّاءُ. حَقًا، إنَّ يَوْمَ اللهِ عَظِيمٌ وَرَهِيبٌ، وَمَن يَسْتَطِيعُ احتِمَالَهُ؟ وَيَقُولُ اللهُ : «ارْجِعُوا إلَيَّ الآنَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ. تَعَالَوْا بِالصَّومِ وَالبُكَاءِ وَالنَّوحِ.» مَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ إذًا لَا ثِيَابَكُمْ، وَارجِعُوا إلَى ، لِأنَّهُ رَحِيمٌ وَرَؤوفٌ، هُوَ صَبُورٌ وَأمِينٌ جِدًّا، وَيَتَرَاجَعُ عَنْ إيقَاعِ العِقَابِ الَّذِي نَوَى إيقَاعَهُ، فَمَنْ يَعْلَمُ؟ فَلَعَلَّهُ يَرْجِعُ عَنْ عِقَابِكُمْ، وَيَتْرُكُ لَكُمْ بَعْضَ الخَيْرِ، فَتُقَدِّمُوا مِنْهُ تَقْدِمَاتِ الحُبُوبِ وَالسَّكِيبِ . انفُخُوا بِالبُوقِ فِي صِهْيَوْنَ، عَيِّنُوا وَقْتًا لِلصَّومِ، ادعُوا إلَى اجتِمَاعٍ، اجْمَعُوا الشَّعْبَ، حَدِّدُوا وَقْتًا لِلاجْتِمَاعِ. اجمَعُوا الشُيُوخَ وَالأطْفَالَ وَالرُّضَّعَ. لِيَخْرُجِ العَرِيسُ مِنْ بَيْتِهِ، وَالعَرُوسُ مِنْ حُجرَتِهَا الخَاصَّةِ. لِيَبْكِ الكَهَنَةُ، خُدَّامُ اللهِ ، بَيْنَ الدِّهلِيزِ وَالمَذْبَحِ. وَلِيَصْرُخُوا: «أشفِقْ عَلَى شَعْبِكَ يَا اللهُ ، لَا تَسْمَحْ بِأنْ يُخزَى الَّذِينَ لَكَ، عِنْدَمَا تَحْكُمُهُمْ أُمَمٌ أُخْرَى. لِمَاذَا تَسْمَحُ بِأن يُقَالَ بَيْنَ تِلْكَ الأُمَمِ: ‹أيْنَ إلَهُهُمْ؟›» حِينَئِذٍ، سَيَغَارُ اللهُ عَلَى أرْضِهِ، وَيَرْحَمُ شَعْبَهُ. حِينَئِذٍ، يُجِيبُ اللهُ وَيَقُولُ لِشَعْبِهِ: «سَأُرْسِلُ لَكُمُ القَمْحَ وَالنَّبِيذَ وَالزَّيْتَ، وَسَتَشْبَعُونَ، وَلَنْ أسمَحَ بِأنْ تَتَعَرَّضُوا لِلعَارِ بَيْنَ الأُمَمِ مَرَّةً ثَانِيَةً. سأُبعِدُ عَنْكُمُ القَادِمِينَ مِنَ الشِّمَالِ. سأطرُدُهُمْ إلَى أرْضٍ جَافَّةٍ وَخَرِبَةٍ. سأدفَعُ مُقَدِّمَةَ جَيْشِهِمْ إلَى البَحْرِ الشَّرْقِيِّ، وَمؤَخِرَتَهُ إلَى البَحْرِ الغَرْبِيِّ. وَسَتَصْعَدُ رَائِحَتُهُ الكَرِيهَةُ، لِأنَّهُمْ سَبَّبُوا أذىً كَثِيرًا.» لَا تَخَافِي أيَّتُهَا الأرْضُ، افرَحِي وَابْتَهِجِي، لِأنَّ اللهَ عَمِلَ أُمُورًا عَظِيمَةً. لَا تَخَافِي أيَّتُهَا الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ، لِأنَّ مَرَاعِيَ البَرِّيَّةِ سَتُصبِحُ خَضرَاءَ، وَلِأنَّ الشَّجَرَ سَيَحْمِلُ ثَمَرًا، وَلِأنَّ شَجَرَةَ التِّينِ وَالكَرمَةَ سَتُعطِيَانِ ثَمَرًا كَثِيرًا. افرَحُوا وَابْتَهِجُوا يَا أبْنَاءَ صِهْيَوْنَ ، لِأنَّهُ سَيُعطِيَكُمْ مَطَرَ الخَرِيفِ بِحَسَبِ صَلَاحِهِ. وَسَيُنْزِلُ عَلَيْكُمُ المَطَرَ، المَطَرَ المُبَكِّرَ وَالمَطَرَ المُتَأخِّرَ، كَمَا فِي السَّابِقِ. سَتَمْتَلِئُ البَيَادِرُ بِالقَمْحِ، وَسَتَفِيضُ المَعَاصِرُ بِالنَّبِيذِ الجَّدِيدِ وَزَيْتِ الزَّيْتُونِ. «سَأُعَوِّضُكُمْ عَنْ سِنِي الحَصَادِ الَّتِي التَهَمَهَا الجَرَادُ القَاطِعُ وَأسْرَابُ الجَرَادِ وَالجَنَادِبُ وَالجَرَادُ المُخَرِّبُ، الَّتِي هِيَ جَيْشِي العَظِيمُ الَّذِي أرْسَلتُهُ عَلَيْكُمْ. سَتَأْكُلُونَ وَتَشْبَعُونَ، وَسَتُسَبِّحُونَ اسْمَ الَّذِي صَنَعَ أُمُورًا عَظِيمَةً لَكُمْ،» يَقُولُ اللهُ: «وَلَنْ يُخْزَى شَعْبِي ثَانِيَةً. وَسَتَعْرِفُونَ أنِّي أسْكُنُ فِي وَسَطِ شَعْبِي بَنِي إسْرَائِيلَ. وَأنِّي أنَا ، وَلَا يُوجَدُ إلَهٌ غَيرِي. وَلَنْ يَتَعَرَّضَ شَعْبِي لِلعَارِ ثَانِيَةً.» «بَعْدَ هَذَا، سَأسكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ النَّاسِ. وَسَيَتَنَبَّأُ أبْنَاؤكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَسَيحلُمُ شُيُوخُكُمْ أحْلَامًا وَسَيَرَى شُبَّانُكُمْ رُؤَىً. فِي تِلْكَ الأيَّامِ، سَأسكُبُ رُوحِي عَلَى عَبِيدِي، رِجَالًا وَنِسَاءً. وَسَأُظهِرُ عَجَائِبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأرْضِ. دَمًا وَنَارًا وَأعمِدَةَ دُخَانٍ. الشَّمْسُ سَتَتَحَوَّلُ إلَى ظُلمَةٍ، وَالقَمَرُ إلَى دَمٍ، قَبْلَ أنْ يَأْتِيَ يَوْمُ اللهِ العَظِيمُ الرَّهِيبُ حينَ يَخْلُصُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ اللهِ ، لِأنَّهُ سَيَكُونُ هُنَاكَ نَاجُونَ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي القُدْسِ، هُمْ مَنْ يَدْعُوهُمُ اللهُ ، كَمَا قَالَ اللهُ . «فِي تِلْكَ الأيَّامِ، فِي الوَقْتِ الَّذِي سَأُعِيدُ فِيهِ حَالَةِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ السَّبْيِ، سَأجْمَعُ كُلَّ الأُمَمِ، وَسَأُنْزِلُهُمْ إلَى وَادِي يَهُوشَافَاطَ. سَأحْكُمُ عَلَيْهِمْ مِنْ أجْلِ شَعْبِي وَمِيرَاثِي بَنِي إسْرَائِيلَ، لِأنَّهُمْ بَدَّدوهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ وَقَسَّمُوا أرْضِي بَيْنَهُمْ. «ألْقَوْا قُرعَةً عَلَى شَعْبِي، وَقَدَّمُوا الأوْلَادَ ثَمَنًا لِلعَاهِرَاتِ، وَبَاعُوا البَنَاتِ مُقَابِلَ الخَمْرِ الَّتِي شَرِبُوهَا. «مَاذَا أنْتُمْ بِالنِّسْبَةِ لِي يَا أهْلَ صُورٍ وَصَيدُونَ وَمَنَاطِقِ الفِلِسْطِيينَ؟ لِمَاذَا تُرِيدُونَ تَغْرِيمِي؟ لِمَاذَا تُحَاوِلُونَ أنْ تُعَاقِبُونِي! سَوفَ أرُدُّ عِقَابَكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ سَرِيعًا. أخَذتُمْ فِضَّتِي وَذَهَبِي، وَأحْضَرتُمْ أمْلَاكِي الثَمِينَةَ إلَى مَعَابِدِكُمْ. بِعتُمْ أهْلَ يَهُوذَا وَالقُدْسِ لِليُونَانِيِّينَ، لِكَي تُبعِدُوهُمْ عَنْ أرْضِهِمْ. لَكِنِي سَأُنهِضُهُمْ لِيَعُودُوا مِنَ الأمَاكِنِ الَّتِي بِعتُوهُمْ إلَيْهَا، وَسَأرُدُّ أعْمَالَ انتِقَامِكُمْ عَلَى رُؤوسِكُمْ. سَأبِيعُ بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ إلَى بَنِي يَهُوذَا الَّذِينَ سَيَبِيعُونَهُمْ إلَى أُمَّةِ سَبَأ البَعِيدَةِ.» هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ . أعلِنُوا هَذَا بَيْنَ الأُمَمِ: جَهِّزُوا أنْفُسَكُمْ لِلحَربِ. أيقِظُوا الجُنُودَ، وَلِيَقْتَرِبْ رِجَالُ الحَرْبِ وَيَدْخُلُوا إلَى المَعْرَكَةِ. حَوِّلُوا سِكَكَ مَحَارِيثِكُمْ إلَى سُيُوفٍ، وَمَنَاجِلَكُمْ إلَى رِمَاحٍ. لِيَقُلِ الضَّعِيفُ: «أنَا قَوِيٌّ.» أسْرِعِي أيَّتُهَا الأُمَمُ المُحِيطَةُ بِيَهُوذَا، اجتَمِعُوا هُنَاكَ. أحْضِرْ جُنُودَكَ يَا اللهُ . لِتَنْهَضْ كَلُّ الأُمَمِ وَلِتَأْتِ إلَى وَادِي يَهُوشَافَاطَ، لِأنَّني هُنَاكَ سَأجْلِسُ لِأُقَاضِيَ كَلَّ الأُمَمِ المُحِيطَةِ بِيَهُوذَا. استَخْدِمُوا مَنَاجِلَكُمْ لِأنَّ الحَصَادَ قَدْ نَضَجَ. تَعَالَوْا وَدُوسُوا، لِأنَّ مِعْصَرَةَ النَّبِيذِ قَدِ امْتَلأتْ، الأحوَاضُ مُمْتَلِئَةٌ، لِأنَّ شَرَّهُمْ عَظِيمٌ. جَمَاهِيرُ عَظِيمَةٌ جِدًّا تتَزَاحَمُ فِي وَادِي القَرَارِ، لِأنَّ يَوْمَ اللهِ قَرِيبٌ فِي وَادِي القَرَارِ. سَتُظلِمُ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَسَتَتَوَقَفُ النُّجُومُ عَنِ اللَّمَعَانِ. سَيُزَمْجِرُ اللهُ مِنْ صِهْيَوْنَ، وَسَيَصْرُخُ مِنَ القُدْسِ، وَتَهْتَزُّ السَّمَاءُ وَالأرْضُ. وَسَيَكُونُ اللهُ مَلجأً لِشَعْبِهِ وَحِصنًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ. «وَسَتَعْرِفُونَ أنِّي أنَا ، السَّاكِنُ فِي جَبَلِي المُقَدَّسِ صِهْيَوْنَ. وَسَتَكُونُ القُدْسُ مُقَدَّسَةً، وَلَنْ يَمُرَّ الغُرَبَاءُ فِيهَا ثَانِيَةً. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتَقْطُرُ الجِبَالُ نَبِيذًا جَدِيدًا، وَسَتَفِيضُ التِّلَالُ بِالحَلِيبِ، وَسَتَتَدَفَّقُ جَمِيعُ جَدَاوِلِ يَهُوذَا بِالمَاءِ. سَيَخْرُجُ يَنْبُوعٌ مِنْ بَيْتِ اللهِ ، وَيَسْقِي وَادِيَ شَجَرِ السِّنْطِ. سَتَصِيرُ مِصْرٌ خَرَابًا، وَسَتُصبِحُ أدُومُ بَرِّيَّةً خَرِبَةً، بِسَبَبِ ظُلمِهِمْ لِبَنِي يَهُوذَا، عِنْدَمَا سَفَكُوا فِيهَا دَمًا بَرِيئًا. أمَّا يَهُوذَا وَالقُدْسُ فَسَيَسْكُنُهَا أهْلُهَا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. سَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى الدَمِ الَّذِي سَفَكُوهُ، وَلَنْ أُبَرِّئَ المُذنِبِينَ.» لِأنَّ اللهَ يَسْكُنُ فِي صِهْيَوْنَ. كَلَامُ عَامُوسَ الَّذِي كَانَ مِنَ الرُّعَاةِ فِي مَدِينَةِ تَقُوعَ. وَقَدْ تَلَقَّى هَذَا الكَلَامَ فِي رُؤَىً عَنْ إسْرَائِيلَ فِي فَترَةِ حُكْمِ المَلِكِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَفَترَةِ حُكْمِ المَلِكِ يَرُبْعَامَ مَلِكِ إسْرَائِيلَ، قَبْلَ الهِزَّةِ الأرْضِيَّةِ بِسَنَتَيْنِ. قَالَ عَامُوسُ: «يَزْأرُ اللهُ مِنْ صِهْيَوْنَ كَأسَدٍ يَسْتَعِدُّ لِلهُجُومِ، وَمِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ يَرْفَعُ صَوْتَهُ. مَرَاعِي الرُّعَاةِ سَتَجِفُّ، وَقِمَّةُ جَبَلِ الكَرْمَلِ سَتَيْبَسُ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «بِسَبَبِ ذُنُوبِ شَعْبِ دِمَشقَ المُتَكَرِّرَةِ وَالمُتَضَاعِفَةِ، سَأُعَاقِبُهُمْ، لِأنَّهُمْ سَحَقُوا شَعْبَ جِلْعَادَ بِدَرَّاسَاتٍ مِنْ حَدِيدٍ. لِذَلِكَ سَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى قَصْرِ المَلِكِ حَزَائِيلَ، لِتَلْتَهِمَ قُصُورَ المَلِكِ بَنْهَدَدَ بِالْكَامِلِ. وَسَأُحَطِّمُ مِزلَاجَ بَوَّابَةِ دِمَشقَ. سَأُهلِكُ الحَاكِمَ فِي وَادِي آوَنَ، وَالَّذِي يُمْسِكُ بِالصَّوْلَجَانِ فِي بَيْتِ عَدْنٍ. وَسَيُسْبَى شَعْبُ أرَامَ إلَى قِيرٍ.» هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «بِسَبَبِ ذُنُوبِ شَعْبِ غَزَّةَ المُتَكَرِّرَةِ وَالمُتَضَاعِفَةِ، سَأُعَاقِبُهُمْ لِأنَّهُمْ أمسَكُوا كَثِيرِينَ لِيَبِيعُوهُمْ كَعَبِيدٍ لِأدُومَ. وَلِذَلِكَ سَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى سُورِ غَزَّةَ، فَتُحْرِقُ قُصُورَهَا بِالْكَامِلِ. وسَأُهلِكُ حُكَّامَ أشدُودَ، وَمَن يُمْسِكُ بِالصَّوْلجَانِ فِي أشقَلُونَ. وَسَأُوَجِّهُ يَدِي ضِدَّ عَقْرُونَ. الفَلَسطِيُّونَ الَّذِينَ يَنْجُونَ سَيَمُوتُونَ.» هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «بِسَبَبِ ذُنُوبِ شَعْبِ صُورٍ المُتَكَرَّرَةِ وَالمُتَضَاعِفَةِ، سَأُعَاقِبُهُمْ، لِأنَّهُمْ أمَسَكُوا كَثِيرِينَ لِيَبِيعُوهُمْ كَعَبِيدٍ لِأدُومَ، وَلَمْ يَحْتَرِمُوا عَهْدَ الأُخُوَّةِ الَّذِي قَطَعُوهُ. وَلِذَلِكَ سَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى سُورِ صُورٍ، لِتَلْتَهِمَ قُصُورَهَا بِالْكَامِلِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «بِسَبَبِ ذُنُوبِ شَعْبِ أدُومَ المُتَكَرِّرَةِ وَالمُتَضَاعِفَةِ، سَأُعَاقِبُهُمْ. طَارَدَ أدُومُ أخَاهُ بِالسَّيْفِ، وَلَمْ يُظهِرْ رَحْمَةً لَهُ. لَمْ يَضَعْ حَدًّا لِغَضَبِهِ كَحَيَوَانٍ يُمَزِّقُ فَرِيسَتَهُ، وَاحْتَفَظَ بِحِقْدِهِ دَائِمًا. لِذَلِكَ سَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى مَدِينَةِ تَيمَانَ، لِتَلْتَهِمَ قُصُورَ بُصْرَةَ بِالْكَامِلِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «بِسَبَبِ ذُنُوبِ شَعْبِ عَمُّونَ المُتَكَرِّرَةِ وَالمُتَضَاعِفَةِ، سَأُعَاقِبُهُمْ، لِأنَّهُمْ فَتَحُوا بُطُونَ الحَوَامِلِ فِي جِلْعَادَ لِيُوَسِّعُوا أرْضَهُمْ. لِذَلِكَ سَأُشعِلُ نَارًا فِي سُورِ مَدِينَةِ رَبَّةَ، لِتَلْتَهِمَ قُصُورَهَا بِالْكَامِلِ. وَذَلِكَ وَسَطَ صَيحَاتِ يَوْمِ المَعْرَكَةِ، كَالرِّيحِ فِي يَوْمِ العَاصِفَةِ. حِينَئِذٍ، سَيُسبَى مَلِكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُ مَعًا.» هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «بِسَبَبِ ذُنُوبِ شَعْبِ مُوآبَ المُتَكَرِّرَةِ وَالمُتَزَايِدَةِ، سَأُعَاقِبُهُمْ، لِأنَّهُمْ أحرَقُوا عِظَامَ مَلِكِ أدُومَ حَتَّى تَفَتَّتْ كَالكِلْسِ. وَلِذَلِكَ سَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى مُوآبَ، لِتَلْتَهِمَ قُصُورَ مَدِينَةِ قَرْيُوتَ. وَسَيَمُوتُ مُوآبُ فِي ضَجِيجِ المَعْرَكَةِ، وَسَطَ الصُّرَاخِ وَأصَوَاتِ البوقِ. وَسَأُزِيلُ الحَاكِمَ مِنْهُ، وَسَأقتُلُ كُلَّ رُؤَسَائِهِ مَعَهُ.» هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «بِسَبَبِ ذُنُوبِ بَنِي يَهُوذَا المُتَكَرِّرَةِ وَالمُتَضَاعِفَةِ، سَأُعَاقِبُهُمْ، لِأنَّهُمْ رَفَضُوا أنْ يُطِيعُوا شَرِيعَةَ اللهِ ، وَلَمْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ. قَدِ انْحَرَفُوا وَرَاءَ الأكَاذِيبِ الَّتِي تَبِعَهَا آبَاؤُهُمْ. وَلِذَلِكَ سَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى يَهُوذَا، فَتَلْتَهِمَ قُصُورَ مَدِينَةِ القُدْسِ بِالْكَامِلِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «بِسَبَبِ ذُنُوبِ بَنِي إسْرَائِيلَ المُتَكَرِّرَةِ وَالمُتَضَاعِفَةِ، سَأُعَاقِبُهُمْ، لِأنَّهُمْ بَاعُوا الأبرِيَاءَ الصَّالِحِينَ كَعَبِيدٍ بِفِضَّةٍ، وَالمَسَاكِينَ بِثَمَنِ حِذَاءٍ. يَدُوسُونَ رُؤُوسَ الضُّعَفَاءِ كَمَا لَوْ كَانُوا يَدُوسُونَ تُرَابَ الأرْضِ، كَمَا يَدْفَعُونَ المَسَاكِينَ إلَى خَارِجِ الطَّرِيقِ. الرَّجُلُ وَأبُوهُ يُعَاشِرَانِ الفَتَاةَ ذَاتَهَا. وَلِذَلِكَ فَإنَّ اسْمِي المُقَدَّسَ يَتَعَرَّضُ لِلتَّدنِيسِ. يَسْتَلْقُونَ بِجَانِبِ كُلِّ مَذْبَحٍ عَلَى ثِيَابٍ سَلَبُوهَا مِنَ الفُقَرَاءِ كَرَهنٍ عَلَى دُيُونِهِمْ. فِي بَيْتِ إلَهِهِمْ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ الَّتِي حَصَلُوا عَلَيْهَا كَغَرَامَةٍ مِنَ الآخَرِينَ. أنَا مَنْ أبَادَ الأمُورِيِّينَ مِنْ أمَامِهِمْ، الَّذِينَ كَانُوا طِوَالًا كَشَجَرِ الأرْزِ وَأقوِيَاءَ كَالبَلُّوطِ. قَدْ أبَدْتُهُمْ بِالْكَامِلِ. أنَا أخْرَجْتُكُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ وَقُدتُكُمْ فِي البَرِّيَّةِ أرْبَعِينَ سَنَةٍ، لِتَمْتَلِكُوا أرْضَ الأمُورِيِّينَ. أنَا مَنِ اخْتَارَ بَعْضَ أبنَائِكُمْ لِيَكُونُوا أنْبِيَاءً، وَبَعْضَ شَبَابِكُم لِيَكُونُوا نَذِيرِينَ. ألَيْسَ كَذَلِكَ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ؟» هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ . «لَكِنَّكُمْ جَعَلْتُمُ النَذِيرِينَ يَشْرَبُونَ خَمْرًا كَاسِرِينَ عُهُودَهُمْ. وَأمرتُمِ الأنْبِيَاءَ وَقُلْتُمْ لَهُمْ: ‹لَا تَتَنَبَّأُوا.› لِذَلِكَ هَا أنَا أُضغَطُ بِسَبَبِكُمْ كَمَا تُضغَطُ عَرَبَةٌ مُحَمَّلَةٌ بِحُزَمِ القَمْحِ! لَنْ يَكُونَ السَّرِيعُ قَادِرًا عَلَى الهَرَبِ، وَلَنْ يَحْتَفِظَ الأقوِيَاءُ بِقُوَّتِهِمْ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ حَتَّى الجُنُودُ أنْ يُنقِذُوا أنْفُسَهمْ. لَنْ يَصْمِدَ حَامِلُو الأقوَاسِ فِي المَعْرَكَةِ، وَلَنْ يَهْرُبَ السَّرِيعُونَ فِي الجَريِ، وَلَنْ يُخَلِّصَ رَاكِبُو الخُيُولِ أنْفُسَهُمْ. وَأشجَعُ المُقَاتِلِينَ سَيَهْرُبُونَ تَارِكِينَ أسلِحَتَهُمْ خَلفَهُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ . اسْمَعُوا الرِّسَالَةَ الَّتِي تَكَلَّمَ اللهُ بِهَا ضِدَّكُمْ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، ضِدَّ كُلِّ القَبَائِلِ الَّتِي أخرَجَهَا مِنْ أرْضِ مِصْرٍ: «اخْتَرْتُكُمْ أنْتُمْ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ أُمَمِ الأرْضِ. لِهَذَا سَأُعَاقِبُكُمْ عَلَى كُلِّ آثَامِكُمْ.» هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ معًا دُونَ أنْ يَتَوَاعَدَا؟ هَلْ يُزْأرُ أسَدٌ فِي الغَابَةِ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَدَيهِ فَرِيسَةٌ؟ أوْ هَلْ يَصْرُخُ شِبلُ الأسَدِ مِنْ بَيْتِهِ لَوْ لَمْ يَصْطَدْ شَيْئًا؟ هَلْ يَسْقُطُ طَّيرُ فِي مِصْيَدَةٍ عَلَى الأرْضِ لَوْ لَمْ يُنْصَبْ لَهُ فَخٌّ؟ أوْ هَلْ تُطبِقُ المِصيَدَةُ وَلَيْسَ فِيهَا صَيدٌ؟ هَلْ يُضْرَبُ بِالبُوقِ فِي مَدِينَةٍ وَلَا يَخَافُ النَّاسُ؟ أوْ تَقَعُ كَارِثَةٌ فِي مَدِينَةٍ وَاللهُ لَمْ يَصْنَعْهَا؟ كَذَلِكَ الرَّبُّ الإلَهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا دُونَ أنْ يُعلِنَ خُطَّتَهُ لِخُدَّامِهِ الأنْبِيَاءِ. زَمْجَرَ الأسَدُ، فَمَن لَا يَخَافُ؟ تكَلَّمَ الرَّبُّ الإلَهُ ، فَمَن يَمَنعُ نَفْسَهُ عَنِ التَنَبُّؤِ؟ أخبِرُوا بِهَذَا النَّاسَ السَّاكِنِينَ فِي القُصُورِ فِي أشدُودَ، وَالسَّاكِنِينَ فِي القُصُورِ فِي أرْضِ مِصْرٍ. قُولُوا: «اجتَمِعُوا مَعًا عَلَى جِبَالِ السَّامِرَةِ، وَانظُرُوا مَا فيهَا مِنْ تَشْوِيشٍ وَهَيَجَانٍ وَظُلْمٍ. إنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ عَمَلَ الصَّلَاحِ، وَيُخَزِّنُونَ فِي قُصُورِهِمْ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ بِالظُّلمِ وَالسَّرِقَةِ،» يَقُولُ الله . لِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَيُحَاصِرُ عَدُوٌّ أرْضَكُمْ. سَيُدَمِّرُ حُصُونَكُمْ، وَيَنْهَبُ قُصُورَكُمْ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «كَمَا يُنقِذُ رَاعٍ سَاقَينِ أوْ قِطْعَةَ أُذُنٍ مِنْ فَمِ الأسَدِ، هَكَذَا سَيُنقَذُ بَنُو إسْرَائِيلَ السَّاكِنُونَ فِي السَّامِرَةِ، سَتُنقَذُ زَاوِيَةٌ مِنْ مِقْعَدٍ، أوْ قِطعَةٌ مِنْ سَاقِ سَرِيرٍ!» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ: «اسْتَمِعُوا وَاشهَدُوا عَلَى عَائِلَةِ يَعْقُوبَ. فِي اليَوْمِ الَّذِي سَأُعَاقِبُ فِيهِ إسْرَائِيلَ عَلَى خَطَايَاهُ، سَأُعَاقِبُ مَذَابِحَ بَيْتِ إيلَ. فَسَتُقطَعُ زَوَايَا المَذْبَحِ وَتَسْقُطُ إلَى الأرْضِ. سَأُدَمِّرُ بُيُوتَ الشِّتَاءِ وَبُيُوتَ الصَّيفِ. سَتَسْقُطُ البُيُوتُ المُزَيَّنَةُ بِالعَاجِ. وَسَتُدَمَّرُ بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ.» هَذِهِ هِيَ رِسَالَةُ اللهِ . اسْتَمِعْنَ إلَى هَذِهِ الرِّسَالَةِ يَا بَقَرَاتِ بَاشَانَ: أنْتُنَّ تَظْلِمْنَ شَعْبِي الذَّلِيلَ وَتَسْحَقْنَ المَسَاكِينَ. تَقُلْنَ لِأسْيَادِكُنَّ: «أحْضِرُوا لَنَا مَا نَشرَبُهُ!» أقْسَمَ الرَّبُّ الإلَهُ بِقَدَاسَتِهِ: «سَيَأْتِي عَلَيكُنَّ وَقْتٌ حِينَ تُؤسَرْنَ بِالكَلَالِيبِ، وَيَؤْخَذُ أطْفَالُكُنَّ بِصَنَانِيرِ السَّمَكِ. سَتَخرُجْنَ مِنَ ثَغَرَاتِ سُورِ المَدِينَةِ، وَسَتُطرَدْنَ إلَى الخَارِجِ بِاتِّجَاهِ حَرمُونَ،» يَقُولُ اللهُ : «اذْهَبُوا إلَى بَيْتِ إيلَ وَأخطِئُوا! اذْهَبُوا إلَى الجِلْجَالِ وَأخطِئُوا أكْثَرَ! أحْضِرُوا ذَبَائِحَكُمْ فِي كُلِّ صَبَاحٍ، وَعُشُورَكُمْ كُلَّ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ. أحْضِرُوا خُبْزًا مُختَمِرًا كَتَقْدِمَةِ شُكرٍ، وَأعلِنُوا تَقْدِمَاتِكُمُ الِاخْتِيَارِيَّةَ بِافْتِخَارٍ، لِأنَّكُمْ تُحِبُّونَ عَمَلَ هَذَا يَا بَنِي إسْرَائِيلَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ . «حَتَّى إنَّنِي أعْطَيْتُكُمْ أسنَانًا نَظِيفَةً بِسَبَبِ الجُوعِ فِي كُلِّ مُدُنِكُمْ، وَقَلَّةِ الطَعَامِ فِي كُلِّ مَنَاطِقِكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَعُودُوا إلَيَّ،» يَقُولُ اللهُ . «حَجَزتُ المَطَرَ عَنْكُمْ، مَعَ أنَّهُ بَقِيَ هُنَاكَ ثَلَاثَةَ شُهُورٍ عَلَى الحَصَادِ. وَكُنْتُ أُرسِلُ مَطَرًا عَلَى مَدِينَةٍ، وَلَا أُرسِلُهُ عَلَى أُخْرَى. كَانَ المَطَرُ يَنْزِلُ عَلَى حَقْلٍ دُونَ آخَرَ فَيَجِفَّ. يَذْهَبُ النَّاسُ مِنْ مَدِينَتَيْنِ أوْ ثَلَاثِ مُدُنٍ إلَى أُخْرَى لِيَشْرَبُوا مَاءً وَلَا يَجِدُونَ كِفَايَتَهُمْ. وَمَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ تَرْجِعُوا إلَيَّ،» يَقُولُ اللهُ . «ضَرَبتُكُمْ بِرِيحِ الصَّحرَاءِ وَبِالعَفَنِ، فَجَفَّتْ حَدَائِقُكُمْ وَكُرُومُكُمْ. أكَلَ الجَرَادُ تِينَكُمْ وَزَيْتُونَكُمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ تَرْجِعُوا إلَيَّ،» يَقُولُ اللهُ . «أرسَلتُ عَلَيْكُمْ وَبَأً كَمَا عَمِلْتُ فِي مِصْرٍ، قَتَلْتُ شَبَابَكُمْ بِالسَّيْفِ، وَخُيُولُكُمْ سُبِيَتْ. أصعَدتُ رَائِحَةَ الجُثَثِ فِي مُخَيَّمَاتِكُمْ إلَى أُنُوفِكُمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ تَرْجِعُوا إلَيَّ،» يَقُولُ اللهُ . «دَمَّرتُكُمْ كَمَا دَمَّرْتُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَكُنْتُمْ كَعِصِيٍّ انتُزِعَتْ مِنَ النَّارِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ تَرْجِعُوا إلَيَّ،» يَقُولُ الله . «وَلِذَلِكَ سَأُعَاقِبُكُمْ يَا إسْرَائِيلُ، فَاسْتَعِدُّوا لِلِقَاءِ إلَهِكُمُ الَّذِي سَيَحْكُمُ عَلَيْكُمْ.» فَهُوَ الَّذِي يَصْنَعُ الجِبَالَ، وَيَخْلِقُ الرِّيحَ، وَيُخبِرُ البَشَرَ عَمَّا يُرِيدُ فِعلَهُ. يُحَوِّلُ الفَجرَ إلَى ظُلمَةٍ، وَيَسِيرُ عَلَى جِبَالِ الأرْضِ. اسْمُهُ يهوه ، الإلَهُ القَدِيرُ. اسْتَمِعُوا إلَى هَذِهِ الرِّسَالَةِ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ الَّتِي أصرُخُ بِهَا عَنْكُمْ كَمَرثَاةٍ: سَقَطَتِ العَزِيزَةُ إسْرَائِيلُ، وَلَنْ تَقُومَ ثَانِيَةً. إنَّهَا مَطرُوحَةٌ وَوَحِيدَةٌ عَلَى أرْضِهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُسَاعِدُهَا عَلَى النُّهُوضِ. لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الإلَهُ : «المَدِينَةُ الَّتِي لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ الَّتِي تُرسِلُ ألْفَ جُندِيٍّ، سَيَتَبَقَّى لَهَا مِئَةٌ مِنْهُمْ، وَالمَدِينَةُ الَّتِي تُرسِلُ مِئَةَ جُندِيٍّ، سَيَتَبَقَّى لَهَا عَشرَةٌ.» لِأنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لِبَيْتِ إسْرَائِيلَ: «تَعَالَوْا إلَيَّ فَتَحْيَوْا. لَا تَذْهَبُوا إلَى بَيْتِ إيلَ. لَا تَدْخُلُوا الجِلْجَالَ، وَلَا تَعْبُرُوا إلَى بِئرِ السَّبعِ. لِأنَّ شَعْبَ الجِلْجَالَ سَيَذْهَبُونَ إلَى السَّبْيِ، وَبَيْتُ إيلَ سَتُدَمَّرُ. تَعَالَوْا إلَى اللهِ فَتَحْيَوْا. وَإلَّا فَإنَّهُ سَيَنْدَفِعُ كَالنَّارِ ضِدَّ عَائِلَةِ يُوسُفَ، وَسَتَلْتَهِمُ نَارُهُ بَيْتَ إيلَ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يُطفِئُهَا. وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الَّذِينَ يُحَوِّلُونَ العَدْلَ إلَى مَرَارَةٍ، الَّذِينَ يَطْرَحُونَ البِرَّ إلَى الأرْضِ! الَّذِي صَنَعَ بُرْجَ الثُرَيَّا وَبُرْجَ الجَبَّارِ، الَّذِي يُحَوِّلُ الظُلمَةَ القَاتِمَةَ إلَى نُورِ الصَّبَاحِ، وَيُحَوِّلُ النَّهَارَ إلَى لَيلٍ، الَّذِي يَدْعُو مِيَاهَ البَحْرِ، وَيَسْكُبُهَا عَلَى سَطْحِ الأرْضِ، يهوه هُوَ اسْمُهُ! هُوَ الَّذِي يَجْلِبُ خَرَابَ الشَّعْبِ القَوِيِّ، فَتَتَحَطَّمُ الحُصُونُ.» أنْتُمْ تَكْرَهُونَ مَنْ يُوَبِّخُ الشّرَّ عَلَنًا، وَتُبغِضُونَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالحَقِّ. وَلِذَلِكَ وَلِأنَّكُمْ تَدُوسُونَ عَلَى المَسَاكِينِ، وَتَأْخُذُونَ مِنْهُمْ حِصَّتَهُمْ مِنَ القَمْحِ، فَإنَّكُمْ سَتَبْنُونَ بُيُوتًا فَخمَةً مَبنِيَّةً مِنْ حِجَارَةٍ مَقطُوعَةٍ، وَلَكِنَّكُمْ لَنْ تَسْكُنُوهَا. وَالكُرُومُ الجِمِيلَةُ الَّتِي زَرَعتُمُوهَا لَنْ تَشْرَبُوا مِنْ خَمرِهَا. لِأنِّي أعْرِفُ كَثرَةَ أعْمَالِكُمُ البَشِعَةِ، وَمَدَى شَنَاعَةِ خَطَايَاكُمْ، يَا مَنْ تَظْلِمُونَ البَّارَّ، وَتَأْخُذُونَ الرِّشوَةَ، وَتَمْنَعُونَ العَدَلَ عَنِ المَسَاكِينَ فِي مَجلِسِ القَضَاءِ. لِذَلِكَ يَصْمِتُ الحَكِيمُ فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَنِ الرَدِيءِ. اطْلُبُوا الخَيْرَ لَا الشَّرَّ لِتَحْيَوْا، وَلِيَكُونَ القَدِيرُ مَعَكُمْ كَمَا قَالَ. أبغِضُوا الشَّرَّ وَأحِبُّوا الخَيْرَ، وَثَبِّتُوا العَدْلَ فِي المَحْكَمَةِ، وَعِنْدَئِذٍ يَتَرَأَفُ القَدِيرُ عَلَى البَاقِينَ مِنْ شَعْبِ يُوسُفَ. لِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ القَدِيرُ: «سَيَكُونُ هُنَاكَ نَحِيبٌ فِي كُلِّ السَّاحَاتِ، وَسَيَصْرُخُونَ فِي كُلِّ الشَّوَارِعِ: ‹آهٍ، آهٍ!› سَيَدْعُونَ الفَلَّاحِينَ لِلنَّوحِ، وَالنَّادِبِينَ لِلنَّحِيبِ. وَسَتَكُونُ هُنَاكَ وَلوَلَةٌ فِي كُلِّ الكُرُومِ، لِأنِّي سَأجتَازُ فِي وَسَطِكُمْ،» يَقُولُ اللهُ . وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا المُتَلَهِّفُونَ لِمَجِيءِ يَوْمِ الله ! بِمَ سَيَنْفَعُكُمْ مَجِيءُ يَوْمِ اللهِ ؟ سَيَكُونُ ظَلَامًا لَا نُورًا. سَيَكونُ كَمَنْ يَهْرُبُ مِنْ أسَدٍ فَيُلَاقِيهِ دُبٌّ. أوْ كَمَنْ يَذْهَبُ إلَى بَيْتِهِ وَيَسْنِدُ يَدَهُ إلَى الحَائِطِ فَتَلْدَغُهُ حَيَّةٌ. ألَيْسَ يَوْمُ اللهِ ظُلمَةً لَا نُورًا، مُعْتِمًا لَا مُشْرِقًا؟ «أنَا أكرَهُ أعيَادَكُمْ وَأرفُضُهَا، وَلَا أُطِيقُ اجتِمَاعَاتِكُمْ. حَتَّى وَإنْ قَدَّمتُمْ لِي ذَبَائِحَ وَحُبُوبًا، فَإنِّي لَنْ أقبَلَهَا. لَنْ أنظُرَ إلَى ذَبَائِحِ السَّلَامِ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا مِنْ ثِيَرَانِكُمُ المُسَمَّنَةِ. أبْعِدْ عَنِّي ضَجِيجَ أغَانِيكَ، فَلَنْ أستَمِعَ إلَى عَزفِ قِيثَارَاتِكَ. لَكِنْ لِيَجْرِ العَدلُ مُتَدَفِّقًا كَالمَاءِ، وَالبِرُّ كَجَدوَلٍ دَائِمِ التَدَفُّقِ وَالجَرَيَانِ. يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ أحضَرتُمْ إلَيَّ ذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتٍ مُدَّةَ أرْبَعِينَ عَامًا فِي البَرِّيَّةِ؟ لَكِنَّكُمْ حَمَلْتُمْ أيْضًا وَثَنَ مَلِكَكُمْ سُكُوتَ، وَتِمثَالَ كِيوَانَ إلَهِ النَّجْمِ، التَّمَاثِيلَ الَّتِي صَنَعتُمُوهَا لِأنفُسِكُمْ. وَلِذَلِكَ سَأدفَعُكُمْ إلَى السَّبْيِ إلَى مَا وَرَاءَ دِمَشْقَ،» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ ، الَّذِي اسْمُهُ الإلَهُ القَدِيرُ. وَيْلٌ لَكمْ أيُّهَا المُسْتَرِيحُونَ فِي صِهْيَوْنَ، المُطمَئِنُّونَ عَلَى جَبَلِ السَّامِرَةِ، يَا أهَمَّ وُجَهَاءِ الأُمَمِ، الَّذِينَ تَأْتِي إلَيْهِمْ عَائِلَةُ إسْرَائِيلَ طَلَبًا لِلعَونِ. اعبُرُوا إلَى كَلْنَةَ وَانظُرُوا، ثُمَّ اذْهَبُوا إلَى مَدِينَةِ حَمَاةَ العَظِيمَةِ، ثُمَّ انْزِلُوا إلَى جَتِّ الفَلَسطِيِّينَ. هَلْ أنْتُمْ أفْضَلُ مِنْ تِلْكَ المَمَالِكِ؟ أمْ إنَّ أمْلَاكَكُمْ أوسَعُ مِنْ أمْلَاكِهِمْ؟ أنْتُمْ تَسْتَبْعِدُونَ يَوْمَ العِقَابِ، تَجْلِسُونَ بِلَا حِرَاكٍ فَتُقَرِّبُونَ أيَّامَ حُكْمِ العُنفِ. وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَنَامُونَ عَلَى أسِرَّةٍ مُزَيَّنَةٍ بِالعَاجِ، وَيَأْكُلُونَ أفْضَلَ الحِمْلَانِ، وَالعُجُولَ المُسَمَّنَةَ. وَيْلٌ لِلَّذِينَ يُغَنُّونَ عَلَى أنغَامِ القِيثَارَةِ، وَكَدَاوُدَ يُؤَلِّفُونَ تَرَانِيمَ لِيُرَنِّمُوهَا عَلَى الآلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ. ويلٌ لِلَّذِينَ يَشْرَبُونَ مِنْ أقدَاحِ الخَمْرِ، وَيَمْسَحُونَ أنْفُسَهُمْ بِأفضَلِ أنوَاع الزَّيْتِ، لَكِنَّهُمْ لَا يَحْزَنُونَ عَلَى خَرَابِ يُوسُفَ. لِذَلِكَ سَيَذْهَبُونَ الآنَ إلَى السَّبْيِ كَأوَّلِ المَسْبِيِّينَ، وَاحتِفَالُ الَّذِينَ كَانُوا مُسْتَلْقِينَ فِي سَلَامٍ سَيَنْتَهِي. أقْسَمَ الرَّبُّ الإلَهُ بِنَفْسِهِ. قَالَ الإلهُ القَدِيرُ: «أبغَضُ كِبرِيَاءَ يَعْقُوبَ، أكرَهُ قُصُورَهُ، وَلِذَلِكَ سَأُسَلِّمُ لِلأعْدَاءِ المَدِينَةَ وَكُلَّ مَا فِيهَا.» إنْ بَقِيَ عَشْرَةُ أحيَاءٍ فِي بَيْتٍ فَإنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ. فَحِينَئِذٍ، سَيَقُومُ أقرَبُ الأقْرِبَاءِ مَعَ فَردٍ آخَرَ مِنَ العَائِلَةِ بِحَمْلِ عِظَامِ المَيِّتِ إلَى خَارِجِ البَيْتِ ثُمَّ يَقُولُ لِلمُخْتَبِئِ فِي البَيْتِ: «هَلْ مَا زَالَ هُنَاكَ أحَدٌ مَعَكَ؟» فَحِينَئِذٍ، يُجِيبُهُ: «لَا …» فَيَقُولُ الأوَّلُ: «اصمِتْ! فَلَا يَنْبَغِي أنْ نَذكُرَ اسْمَ يهوه!» هَا إنَّ اللهَ سَيَأْمُرُ، فَيتَحَطَّمَ البَيْتُ الكَبِيرُ إلَى شَظَايَا، وَالبَيْتُ الصَّغِيرُ يَتَصَدَّعَ. هَلْ تَجْرِي الخُيُولُ عَلَى الصُّخُورِ؟ أمْ هَلْ يُحرَثُ البَحْرُ بِالثِّيرَانِ؟ وَأمَّا أنْتُمْ فَحَوَّلتُمِ العَدْلَ إلَى سُمٍّ، وَثَمَرَ الصَّلَاحِ إلَى نَبَاتٍ مُرٍّ. وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَفْرَحُونَ فِي لُودَبَارَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: «ألَمْ نَأخُذْ قِرنَايِمَ لِأنفُسِنَا بِقُوَّتِنَا؟» لِأنِّي سَأُقِيمُ أُمَّةً غَرِيبَةً ضِدَّكُمْ، يَا بَيْتَ إسْرَائِيلَ، يَقُولُ القَدِيرُ: «سَيُضَايقُونَكُمْ، وَتُعَانُونَ مِنْ لِيبُو حَمَاةَ حَتَّى وَادِي عَرَبَةَ.» هَذَا مَا أرَاهُ الرَّبُّ الإلَهُ لِي: كَانَ يَجْبِلُ سِربًا مِنَ الجَرَادِ حِينَ بَدَأ المَحصُولُ المُتَأخِّرُ يَظْهَرُ – بَعْدَ حَصَادِ المَحصُولِ الأوَّلِ. وَحِينَ انْتَهَى الجَرَادُ مِنِ التِهَامِ عُشبِ الأرْضِ، قُلْتُ: «أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، أرْجُوكَ اغْفِرْ! كَيْفَ لِيَعْقُوبَ أنْ يَحْتَمِلَ هَذَا، فَهُوَ صَغِيرٌ جِدًّا؟» حِينَئِذٍ، عَدَلَ اللهُ عَنْ هَذَا الأمْرِ، وَقَالَ: «لَنْ تَتِمَّ هَذِهِ الرُّؤيَا!» هَذَا مَا أرَاهُ الرَّبُّ الإلَهُ لِي: كَانَ الرَّبُّ الإلَهُ يَدْعُو نَارًا تَنْصَبُّ مِنَ السَّمَاءِ، فَالتَهَمتِ النَّارُ البَحْرَ العَظِيمَ، وَصَارَتْ تَلْتَهِمُ الأرْضَ. حِينَئِذٍ، قُلْتُ: «أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ ، أتَوَسَّلُ إلَيْكَ، أوقِفْ هَذَا! كَيْفَ لِشَعْبِكَ أنْ يَحْتَمِلَ هَذَا، وَهُوَ صَغِيرٌ جِدًّا؟» حِينَئِذٍ، عَدَلَ اللهُ عَنْ هَذَا الأمْرِ، وَقَالَ: «لَنْ تَتِمَّ هَذِهِ الرُّؤيَا!» هَذَا مَا أرَاهُ الرَّبُّ لِي: كَانَ الرَّبُّ يَقِفُ بِجِوَارِ سُورٍ مَبنِيٍّ عَلَى المِيزَانِ، وَكَانَ فِي يَدِهِ مِيزَانٌ. حِينَئِذٍ، قَالَ اللهُ لِي: «يَا عَامُوسُ، مَاذَا تَرَى؟» فَقُلْتُ: «مِيزَانًا.» فَقَالَ لِي: «سَأضَعُ مِيزَانًا وَسَطَ شَعْبِي إسْرَائِيلَ، وَلَنْ أعُودَ أغُضُّ النَّظَرَ عَنْ خَطَايَاهُمْ. سَتُدَمَّرُ مُرْتَفَعَاتُ إسْحَاقَ، وَمُقَدَّسَاتُ إسْرَائِيلَ سَتُخَرَّبُ، وَسَأُهَاجِمُ عَائِلَةَ يَرُبْعَامَ بِالسَّيْفِ وَالحَرْبِ.» وَأرْسَلَ أمَصْيَا، وَهُوَ كَاهِنٌ مِنْ كَهَنَةِ بَيْتِ إيلَ، هَذِهِ الرِّسَالَةَ إلَى المَلِكِ يَرُبْعَامَ مَلِكِ إسْرَائِيلَ: «عَامُوسُ يتَآمَرُ عَلَيْكَ فِي وَسَطِ إسْرَائِيلَ. وَالبَلَدُ لَا يَحْتَمِل كَلَامَهُ. فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ عَامُوسُ: ‹سَيَمُوتُ يَرُبْعَامُ بِالسَّيْفِ، وَسَيُسبَى إسْرَائِيلُ بَعِيدًا عَنْ أرْضِهِ.›» وَقَالَ أمَصْيَا لِعَامُوسَ: «يَا رَائِي، اذْهَبِ اهرُبْ إلَى أرْضِ يَهُوذَا. كُلْ طَعَامَكَ وَتَنَبَّأْ هُنَاكَ. لَكِن لَا تَتَنَبَّأْ ثَانِيَةً فِي بَيْتِ إيلَ لِأنَّ بَيْتَ إيلَ هِيَ مَكَانٌ مُخَصَّصٌ لِلمَلِكِ، وَمَقَرُّ لِلهَيْكَلِ المَلَكِيِّ.» فَأجَابَ عَامُوسُ أمَصْيَا: «لَمْ أكُنْ نَبِيًّا، وَلَا عُضوًا فِي مَجمُوعَةِ أنْبِيَاءٍ. فَقَدْ كُنْتُ رَاعِيًا وَقَاطِفَ جُمَّيزٍ. وَلَكِنَّ اللهَ أخَذَنِي مِنْ وَرَاءِ القَطِيعِ وَقَالَ لِيَ: ‹اذْهَبْ وَتَنَبَّأْ ضِدَّ شَعْبِي إسْرَائِيلَ.› وَالْآنَ اسْتَمِعْ إلَى رِسَالَةِ اللهِ . أنْتَ تَقُولُ: ‹لَا تَتَنَبَّأْ ضِدَّ إسْرَائِيلَ، وَلَا تَتَكَلَّمْ عَلَى بَيْتِ إسْحَاقَ.› «لِذَلِكَ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «‹سَتَصِيرُ زَوْجَتُكَ عَاهِرَةً فِي المَدِينَةِ. وَسَيُقتَلُ أبنَاؤُكَ بِالسَّيْفِ. وَسَيَقِيسُ الآخَرُونَ أرْضَكَ وَيُقَتَسِمُونَهَا. وَأنْتَ سَتَمُوتُ فِي أرْضٍ نَجِسَةٍ، وَسَيُسبَى بَنُو إسْرَائِيلَ بَعِيدًا عَنْ أرْضِهِمْ.›» هَذَا مَا أرَاهُ اللهُ لِي: سَلَّةً مِنْ ثِمَارِ الصَّيفِ النَّاضِجَةِ. وَقَالَ لِي: «يَا عَامُوسُ، مَاذَا تَرَى؟» فَقُلْتُ: «سَلَّةً مِنْ ثِمَارِ الصَّيفِ النَّاضِجَةِ.» حِينَئِذٍ، قَالَ اللهُ لِي: «قَدْ أتَتْ نِهَايَةُ شَعْبِي إسْرَائِيلَ، فَلَنْ أغفِرَ لَهُمْ. وَسَتُصبِحُ الأغَانِي فِي القَصرِ نُواحًا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ . فَسَتَكُونُ الأجسَادُ المَيِّتَةُ كَثِيرَةً. سَوفَ تُلقَونَ إلَى كُلِّ مَكَانٍ بِصَمتٍ.» اسْتَمِعُوا لِهَذَا يَا مَنْ تَدُوسُونَ عَلَى البَائِسِينَ، الَّذِينَ تُدَمِّرُونَ المَسَاكِينَ فِي هَذِهِ الأرْضِ، يَا مَنْ تَقُولُونَ: «مَتَى سَيَنْتَهِي عِيدُ أوَّلِ الشَّهْرِ، كَي نَعُودَ لِبَيعِ القَمْحِ؟ وَمَتَى سَيَنْتَهِي يَوْمُ السَّبْتِ لِنَفتَحَ مَخَازِنَ القَمْحِ لِنبِيعَهُ؟ حِينَئِذٍ، سَنُقَلِّلُ حَجْمَ القُفَّةِ وَنَرفَعُ سِعْرَهَا. وَسَنَسْتَخْدِمُ مَكَاييلَ مَغْشُوشَةً. حِينَئِذٍ، سَنَشتَرِي المَسَاكِينَ بِالفِضَّةِ، وَالمُحتَاجِينَ مُقَابِلَ ثَمَنِ حِذَائَينِ، وَسَنَبِيعُ القَمْحَ الرَّدِيءَ.» أقْسَمَ اللهُ بِاسْمِهِ الَّذِي يَفْخَرُ بِهِ يَعْقُوبُ، وَقَالَ: «لَنْ أنْسَى أبَدًا أيَّ عَمَلٍ مِنْ أعْمَالِهِمُ الشِّرِّيرَةِ. ألَنْ تَهْتَزَّ الأرْضُ بِسَبَبِ هَذَا، وَيَنُوحَ كُلُّ مَنْ يَسْكُنُ فِيهَا، وَتَرْتَفِعَ كُلُّهَا كَنَهْرِ النِّيلِ وَتَتَقَلَّبُ، ثُمَّ تَغُوصَ ثَانِيةً كَنِيلِ مِصْرٍ؟» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ: «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأجْعَلُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ فِي الظَّهِيرَةِ، وَسَأجْعَلُ الأرْضَ مُظلِمَةً كَئِيبَةً، وَسَأُحَوِّلُ أغَانِيكُمْ إلَى أغَانِي نَوحٍ. سَأضَعُ ثِيَابَ حُزنٍ عَلَى أجْسَادِكُمْ، وَسَأجْلِبُ الصَّلَعَ عَلَى كُلِّ رَأسٍ. سَأجْعَلُ نَوحَكُمْ كَنَوحٍ عَلَى ابنٍ وَحِيدٍ، وَأجعَلُ نِهَايَتَهَا يَومًا مُرًّا.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ : «سَيَأْتِي وَقْتٌ حِينَ آتِي بِزَمَنِ جُوعٍ فِي الأرْضِ، لَيْسَ جُوعًا لِلطَّعَامِ، وَلَا عَطَشًا لِلمَاءِ، لَكِنْ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللهِ . سَيَجُولُونَ مِنَ البَحْرِ إلَى البَحْرِ، وَمِنَ الشِّمَالِ إلَى الشَّرقِ. بَحْثًا عَنْ كَلَامِ اللهِ ، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوهُ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَضْعُفُ الفِتيَانُ وَالفَتَيَاتُ الجَمِيلَاتُ مِنَ العَطَشِ. وَالَّذِينَ يُقسِمُونَ بِإثمِ السَّامِرَةِ وَيَقُولُونَ: ‹نُقْسِمُ بإلَهِكَ يَا دَانُ،› وَ ‹نُقْسِمُ بِعِبَادَةِ إلِهِ بِئرِ السَّبعِ،› سَيَسْقُطُونَ وَلَا يَقُومُونَ.» رَأيْتُ الرَّبَّ وَاقِفًا بِجَانِبِ المَذْبَحِ، فَقَالَ: «اضرِبْ رَأسَ الأعمِدَةِ كَي تَهْتَزَّ حَتَّى الأعتَابُ. حَطِّمْهَا عَلَى رُؤُوسِ كُلِّ الشَّعْبِ، وَأمَّا بَقِيَّتُهُمْ فَسَأقتُلُهُمْ بِالسَّيْفِ. لَنْ يُفلِتَ مِنْهُمْ أحَدٌ، لَنْ يَهْرُبَ مِنْهُمْ أحَدٌ. إنْ حَفَرُوا إلَى الهَاوِيَةِ، فَسَتَأْخُذُهُمْ يَدِي مِنْ هُنَاكَ. وَإنْ صَعِدُوا إلَى السَّمَاءِ، فَسَأُنزِلهُمْ مِنْ هُنَاكَ. إنِ اختَبَأُوا عَلَى قِمَّةِ جَبَلِ الكَرْمَلِ، فَسَأجِدُهُمْ وَآخُذُهُمْ مِنْ هُنَاكَ. وَإنِ استَتَرُوا فِي أعْمَاقِ البَحْرِ لِكَي لَا أرَاهُمْ، فَسآمُرُ الحَيَّةَ فَتَلْدَغَهُمْ. وَإنْ سَارُوا فِي السَّبْيِ أمَامَ أعْدَائِهِمْ، فَهُنَاكَ سَآمُرُ السَّيْفَ فَيَقْتُلَهُمْ. وَسَأُثَبِّتُ عَيْنِي عَلَيْهِمْ لِضَرَرِهِمْ لَا لِخَيرِهِمْ.» الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ، هُوَ الَّذِي يَلْمِسُ الأرْضَ فَتَذُوبُ، وَيَنُوحُ كُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا، وَتَرْتَفِعُ كَنَهْرِ النِّيلِ، ثُمَّ تَغُوصُ كَنِيلِ مِصْرٍ، الَّذِي بَنَى عَليَاءَهُ فِي السَّمَاءِ، وَأسَّسَ قُبَّةَ السَّمَاءِ فَوْقَ الأرْضِ. الَّذِي يَدْعُو مِيَاهَ البَحْرِ، وَيَسْكُبُهَا عَلَى وَجْهِ الأرْضِ، يهوه اسْمُهُ. يَقُولُ اللهُ : «هَلْ أنْتُمْ كَالكُوشِيِّينَ بِالنِّسبَةِ لِي، يَا بَنِي إسْرَائِيلَ؟ ألَمْ أُخرِجْ إسْرَائِيلَ مِنَ أرْضِ مِصْرٍ، وَالفِلِسْطِيِّينَ مِنْ كَفتُورَ، وَأرَامَ مِنْ قِيرٍ؟ قَدْ ثَبَّتُّ عَيْنِي، أنَا الرَّبَّ الإلَهَ ، عَلَى المَمْلَكَةِ الخَاطِئَةِ، وَأنَا سَأمْحُوهَا عَنْ وَجْهِ الأرْضِ، لَكِنِّي لَنْ أمْحوَ عَائِلَةَ يَعْقُوبَ بِالْكَامِلِ،» يَقُولُ اللهُ . «لِأنِّي سَأُعْطِي أمْرًا، وَسَأهُزُّ عَائِلَةَ إسْرَائِيلَ بَيْنَ كُلِّ الأُمَمِ، كَمَا تُهَزُّ الحَصَى فِي الغِربَالِ دُونَ أنْ تَقَعَ حَصَاةٌ إلَى الأرْضِ عَبْرَ ثُقُوبِهِ. كُلُّ الخُطَاةِ فِي شَعْبِي سَيَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: ‹لَنْ يَأْتِيَنَا الضَّرَرُ أوْ يَطْرَحَنَا.›» «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُقِيمُ خَيْمَةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ، وَسَأسُدُّ الثَغَرَاتِ فِي أسوَارِهَا. سَأُصلِحُ خَرَائِبَهَا، وَسَأُعِيدُ بِنَاءَهَا كَمَا كَانَتْ قَدِيمًا، كَي يَمْتَلِكُوا مَا بَقِيَ مِنْ أدُومَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا لِي،» يَقُولُ اللهُ الَّذِي سَيَعْمَلُ هَذِهِ الأُمُورَ. يَقُولُ اللهُ : «سَيَأْتِي الوَقْتُ حِينَ سَيَسْتَمِرُّ الحَاصِدُ فِي العَمَلِ حَتَّى وَقْتِ الحِرَاثَةِ، وَالَّذِي يَدُوسُ العِنَبَ سَيَسْتَمِرُّ حَتَّى وَقْتِ بَذرِ البُذُورِ. سَيَسِيلُ النَّبِيذُ مِنَ الجِبَالِ وَسَتَفِيضُ بِهِ التِّلَالُ. وَسَأُعِيدُ مَا سُبِيَ مِنْ ثَرَوَاتِ شَعْبِي، فَيَبْنُونَ مُدُنًا وَيَسْكُنُونَهَا، وَيَزْرَعُونَ كُرُومًا وَيَشْرَبُونَ نَبِيذَهَا، وَيَغْرِسُونَ بَسَاتِينَ وَيَأْكُلُونَ ثِمَارَهَا. وَسَأزرَعُهُمْ عَلَى أرْضِهِمْ، وَلَنْ يَعُودُوا يُقلَعُونَ ثَانِيَةً مِنَ الأرْضِ الَّتِي أُعْطِيهَا لَهُمْ،» يَقُولُ . هَذِهِ هِيَ رُؤيَا عُوَبدْيَا. هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ الرَّبُّ الإلَهُ عَنْ أدُومَ: سَمِعْتُ خَبَرًا مِنَ اللهِ ، وَأرْسَلَ رَسُولًا إلَى الأُمَمِ يَقُولُ: «تَجَمَّعُوا وَتَعَالَوْا عَلَى أدُومَ، وَانْهَضُوا لِلمَعرَكَةِ.» «هَا إنِّي سَأجَعَلُكَ صَغِيرًا بَيْنَ الأُمَمِ يَا أدُومُ، وَسَتَكُونُ مُحتَقَرًا بَيْنَ النَّاسِ. خُدِعْتَ بِقُدرَتِكَ عَلَى إثَارَةِ الرُّعبِ، وَبِكِبرِيَاءِ قَلْبِكَ. أيُّهَا السَّاكِنُ فِي شُقُوقِ الصَّخرِ، وَالمَالِكُ التَّلَّةَ المُرْتَفِعَةَ. مَعَ أنَّكَ تَجْعَلُ عُشَّكَ مُرْتَفِعًا كَمَا يَعْمَلُ النَّسرُ، لَكِنِّي سَأُنزِلُكَ مِنْ هُنَاكَ.» يَقُولُ اللهُ . «إنْ أتَى اللُّصُوصُ فِي اللَّيلِ، كَيْفَ يَكُونُ خَرَابُكَ؟ ألَا يَنْهَبُونَ مَا يُرِيدُونَ فَقَطْ؟ إنْ جَاءَ قَاطِفو العِنَبِ إلَيْكَ، ألَا يَتْرُكُونَ بَعْضَ العَنَاقِيدِ؟ فَكَيْفَ سَيَتِمُّ تَجريدُ عِيسُو، وَكَشْفُ مَخَابِئِهِ؟ «سَيُرسِلُكَ كُلُّ حُلَفَائِكَ إلَى خَارِجِ أرْضِكَ. سَيَحتَالُ عَلَيْكَ شُرَكَاؤُكَ وَيَغْلِبُونَكَ. الَّذِينَ تَأْكُلُ مَعَهُمْ لَحْمًا وَضَعُوا فَخًّا تَحْتَ قَدَمَيكَ مِنْ دُونِ أنْ تَعْرِفَ.» يَقُولُ اللهُ : «ألَنْ أُفنِيَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ الحِكْمَةَ مِنْ أدُومَ وَالفَهمَ مِنْ جَبَلِ عِيسُو؟ حَتَّى رِجَالُكَ الأقوِيَاءُ يَا تَيمَانُ سَيَرْتَعِبُونَ، كَي يُزَالَ كُلُّ الرِّجَالِ مِنْ جَبَلِ عِيسُو بِالقَتلِ. بِسَبَبِ ظُلمِكَ لِأخِيكَ يَعْقُوبَ وَقَسوَتِكَ عَلَيْهِ سَتُغَطَّى بِالعَارِ، وَسَتُبَادُ إلَى الأبَدِ. فِي اليَوْمِ الَّذِي وَقَفْتَ فِيهِ بَعِيدًا، فِي اليَوْمِ الَّذِي سَلَبَ فِيهِ الغُرَبَاءُ ثَروَتَهُ، وَحِينَ أتَى الغُرَبَاءُ إلَى بَوَّابَاتِهِ وَألقَوْا قُرْعَةً عَلَى القُدْسِ لِأخْذِ حِصَصٍ مِمَّا فِيهَا، أنْتَ أيْضًا كُنْتَ مَعَهُمْ. كَانَ لَا يَنْبَغِي أنْ تَنْظُرَ فَرِحًا إلَى وَقْتِ مُصِيبَةِ أخِيكَ، وَأنْ لَا تَفْرَحَ بِدَمَارِ بَنِي يَهُوذَا، وَأنْ لَا تَتَفَاخَرَ فِي يَوْمِ ضِيقِهِمْ. كَانَ عَلَيْكَ أنْ لَا تَدْخُلَ بَوَّابَةَ شَعْبِي فِي يُومِ مُصِيبَتِهِ، وَألَّا تَنْظُرَ بِشَمَاتَةٍ إلَيْهِ فِي يُومِ مُصِيبَتِهِ، وَألَّا تَأْخُذَ ثَرْوَتَهُ فِي يُومِ مُصِيبَتِهِ. بَلْ وَكَانَ عَلَيْكَ أنْ لَا تَقِفَ عِنْدَ تَقَاطُعَاتِ الطُّرُقِ لِتَقْطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الهَارِبِينَ مِنْهُمْ. كَانَ عَلَيْكَ أنْ لَا تَسْجِنَ الفَارِّينَ فِي يَوْمِ الضِّيقِ. لِأنَّ يَوْمَ اللهِ ضِدَّ كُلِّ الأُمَمِ قَرِيبٌ. وَكَمَا فَعَلْتَ يَا أدُومُ، هَكَذَا سَيُفعَلُ لَكَ، فَسَتَرْجِعُ أُعمَالُكَ الشِرِّيرَةُ عَلَى رَأسِكَ. لِأنَّهُ كَمَا أنَّكَ سَكِرْتَ عَلَى جَبَلِي المُقَدَّسِ، هَكَذَا سَتَشْرَبُ كُلُّ الأُمَمِ عَلَيْكَ بَاستِمرَارٍ. وَسَيَشْرَبُونَ وَيَبْتَلِعُونَ، وَسَيُصبِحُونَ وَكَأنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَطُّ. وَأمَّا عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ فَسَيَكُونُ هُنَاكَ مَنْ يَنْجُو، وَسَيَكُونُ جَبَلًا مُقَدَّسًا. وَسَيَمْتَلِكُ سُكَّانُ إسْرَائِيلَ أمْلَاكَهُمْ ثَانِيةً. وَسَيَكُونُ بَيْتُ يَعْقُوبَ نَارًا، وَبَيْتُ يُوسُفَ لَهِيبًا، وَأمَّا بَيْتُ عِيسُو فَسَيَكُونُ تِبنًا، فَيُحْرِقَهُمْ بَنِو إسْرَائِيلَ وَيَلْتَهِمُونَهُمْ. وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ نَاجُونَ مِنْ بَيْتِ عِيسُو.» لِأنَّ اللهَ أمَرَ ذَلِكَ. وَسَيَمْتَلِكُ شَعْبُ النَّقَبِ جَبَلَ عِيسُو، وَشَعْبُ التِّلَالِ الغَربِيَّةِ أرْضَ الفِلِسْطِيِّينَ، وَسَيَمْتَلِكُ بَنُو يَهُوذَا سُهُولَ أفْرَايِمَ وَسُهُولَ السَّامِرَةِ، وَسَيَمْتَلِكُ بَنْيَامِينُ جِلْعَادَ. وَجَيْشُ بَنِي إسْرَائِيلَ هَذَا الَّذِي كَانَ مَسْبِيًّا، سَيَمْتَلِكُونَ أرْضَ الكَنْعَانِيِّينَ حَتَّى مَدِينَةِ صَرْفَةَ، وَالمَسبِيُّونَ مِنَ القُدْسِ السَّاكِنُونَ فِي بِلَادِ صَفَارِدَ سَيَمْتَلِكُونَ مُدُنَ النَّقَبِ. وَسَيَصْعَدُ مُنْقِذُونَ إلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، لِيَدِينُوا جِبَالَ عِيسُو. وَسَيَكُونُ المُلْكُ للهِ . تَكَلَّمَ اللهُ بِكَلِمَتِهِ لِيُونَانَ بْنِ أمِتَّايَ، فَقَالَ: «قُمْ وَاذْهَبْ حَالًا إلَى المَدِينَةِ الكَبيرَةِ نِينَوَى، وَبَلِّغْ أهْلَهَا أنَّنِي أعْلَمُ بِالشُّرُورِ الَّتِي يَصْنَعُونَهَا.» لَكِنَّ يُونَانَ انطَلَقَ لِيَهْرُبَ إلَى تَرْشِيشَ بَعِيدًا عَنْ وَجْهِ اللهِ . فَنَزَلَ إلَى يَافَا، حَيْثُ وَجَدَ سَفِينَةً ذَاهِبَةً إلَى تَرْشِيشَ. فَدَفَعَ أُجرَتَهَا وَرَكِبَ السَّفِينَةَ لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إلَى تَرْشِيشَ بَعِيدًا عَنْ وَجْهِ اللهِ . فَأرْسَلَ اللهُ رِيحًا قَوِيَّةً عَلَى البَحْرِ. فَحَدَثَتْ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ، وَبَدَا أنَّ السَّفِينَةَ سَتَتَحَطَّمُ. فَخَافَ البَّحَارَةُ وَصَلَّى كُلٌّ مِنْهُمْ لِإلَهِهِ طَلَبًا لِلعَونِ. وَألقَوْا بِالبِضَاعَةِ الَّتِي فِي السَّفِينَةِ إلَى البَحْرِ لِتُصبِحَ السَّفِينَةُ أخَفَّ، فَلَا تَغْرَقَ. وَفِي هَذَهِ الأثنَاءِ، نَزَلَ يُونَانُ إلَى دَاخِلِ السَّفِينَةِ، وَاستَلْقَى هُنَاكَ وَنَامَ نَومًا عَمِيقًا. فَجَاءَ القُبطَانُ إلَى يُونَانَ وَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا أنْتَ نَائِمٌ؟ قُمْ وَصَلِّ لِإلَهِكَ، فَقَدْ يَلْتَفِتُ إلَينَا، فَلَا نَمُوتُ.» ثُمَّ قَالَ البَحَّارَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِنُلْقِ قُرعَةً بَيْنَنَا، لِنَعلَمَ مَنْ سَبَّبَ لَنَا هَذِهِ المِحنَةَ.» فَأجرُوا قُرعَةً، وَوَقَعَتِ القُرْعَةُ عَلَى يُونَانَ. فَقَالُوا لَهُ: «أخْبِرنَا مَنْ هُوَ سَبَبُ هَذِهِ المِحنَةِ؟ مَا هُوَ عَمَلُكَ؟ وَمِنْ أيْنَ أتَيْتَ؟ مِنْ أيِّ بَلَدٍ أنْتَ وَمَنْ هُمْ قَومُكَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يُونَانُ: «أنَا عِبرَانِيٌّ، أعبُدُ اللهَ ، إلَهَ السَّمَاءِ، خَالِقَ البَحْرِ وَاليَابِسَةِ.» فَخَافَ الرِّجَالُ خَوْفًا شَدِيدًا وَقَالُوا لَهُ: «مَا الَّذِي فَعَلْتَهُ؟» لِأنَّهُمْ عَلِمُوا أنَّهُ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ اللهِ ، كَمَا أخبَرَهُمْ. ثُمَّ قَالُوا: «مَاذَا نَفعَلُ بِكَ لِيَهْدَأ البَحرُ؟» لِأنَّ البَحْرَ أصْبَحَ أكْثَرَ هَيَجَانًا. فَقَالَ: «ألقُوا بِي إلَى البَحْرِ فَيَهْدَأ، لِأنَّ هَذِهِ العَاصِفَةَ كُلَّهَا بِسَبَبِي.» لَكِنَّ الرِّجَالَ حَاوَلُوا أنْ يُجَدِّفُوا عَائِدِينَ إلَى اليَابِسَةِ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا، لِأنَّ البَحْرَ أصْبَحَ أكْثَرَ هَيَجَانًا. فَصَلُّوا إلَى اللهِ وَقَالُوا: «يَا اللهُ ، لَا تُحَمِّلنَا ثَمَنَ حَيَاةِ هَذَا الرَّجُلِ، وَمَسؤُولِيَّةَ قَتلِ رَجُلٍ بَرِيءٍ، لِأنَّكَ أنْتَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ.» ثُمَّ أمسَكُوا بِيُونَانَ وَألقَوْا بِهِ فِي البَحْرِ، فَهَدَأ البَحرُ حَالًا. وَخَافَ الرِّجَالُ اللهَ خَوْفًا عَظِيمًا، وَذَبَحُوا لَهُ وَقَطَعُوا عُهُودًا. ثُمَّ أرْسَلَ اللهُ سَمَكَةً كَبِيرَةً لِتَبْتَلِعَ يُونَانَ، وَمَكَثَ يُونَانُ فِي بَطنِ السَّمَكَةِ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ. وَمِنْ جَوْفِ السَّمَكَةِ، صَلَّى يُونَانُ ، فَقَالَ: «دَعَوتُ اللهَ مِنْ ضِيقِي فَاسْتَجَابَ لِي! مِنْ أعْمَاقِ الهَاوِيَةِ صَرَختُ، فَسَمِعْتَ صُرَاخِي. «ألقَيتَ بِي فِي البَحْرِ العَمِيقِ، وَفِي قَلْبِ البَحْرِ أحَاطَتْ بِي التَّيَّارَاتُ، وَجَمِيعُ أموَاجِكَ الهَادِرَةِ فَوْقِي. عِنْدَئِذٍ قُلْتُ لِنَفْسِي: ‹هَا إنَّنِي قَدْ طُرِدتُ بَعِيدًا عَنْ عَيْنَيْكَ، لَكِنَّنِي سَأنظُرُ نَحْوَ هَيْكَلِكَ المُقَدَّسِ مِنْ جَدِيدٍ.› «أغلَقَتِ المِيَاهُ عَلَيَّ، وَالبَحرُ العَمِيقُ غَمَرَنِي. عُشبُ البَحْرِ التَفَّ حَوْلَ رَأسِي. نَزَلتُ إلَى أسَاسَاتِ الجِبَالِ، وَانْحَدَرتُ إلَى أعْمَاقِ الأرْضِ، فَظَنَنْتُ أنَّهُ أُغلِقَ وَرَائِي إلَى الأبَدِ. لَكِنَّكَ أقَمتَ حَيَاتِي مِنَ القَبْرِ، يَا . «عِنْدَمَا تَعِبْتُ وَفَقَدْتُ كُلَّ أمَلٍ، تَذَكَرتُ اللهَ ، وَارتَفَعَتْ صَلَاتِي إلَيْكَ فِي هَيْكَلِكَ المُقَدَّسِ. «الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الأصْنَامَ التَّافِهَةَ، يَتَخَلَّوْنَ عَنْ مَحَبَّتِهِمْ لَكَ. أمَّا أنَا فَسَأُسَبِّحُكَ وَأحمَدُكَ وَأذبَحُ لَكَ، وَأُوفِي بِنُذُورِي لَكَ. فَمِنَ اللهِ يَأْتِي خَلَاصِي.» عِنْدَئِذٍ أمَرَ اللهُ السَّمَكَةَ فَألْقَتْهُ إلَى اليَابِسَةِ. وَتَكَلَّمَ اللهُ ثَانِيَةً إلَى يُونَانَ وَقَالَ: «قُمْ وَاذْهَبْ فِي الحَالِ إلَى المَدِينَةِ الكَبِيرَةِ نِينَوَى، وَبَلِّغْ أهْلَهَا رِسَالَتِي الَّتِي أُخبِرُكَ بِهَا.» فَقَامَ يُونَانُ عَلَى الفَوْرِ وَذَهَبَ إلَى نِينَوَى، كَمَا قَالَ اللهُ . وَكَانَتْ نِينَوَى مَدِينَةً كَبِيرَةً وَتَحتَاجُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ لِاجْتِيَازِهَا. فَدَخَلَ يُونَانُ المَدِينَةَ، وَمَشَى مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يُعلِنُ وَيَقُولُ: «بَعْدَ أرْبَعِينَ يَومًا، سَتُدَمَّرُ نِينَوَى.» فَآمَنَ شَعْبُ نِينَوَى بِاللهِ وَأعلَنُوا أنَّهُمْ سَيَصُومُونَ وَيَلبَسُونَ الخَيْشَ. وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ كُلُّهُمْ، مِنْ كَبِيرِهِمْ إلَى صَغِيرِهِمْ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ الخَبَرُ إلَى مَلِكِ نِينَوَى، قَامَ عَنْ عَرشِهِ، وَخَلَعَ ثَوبَهُ وَلَبِسَ خَيْشًا، وَجَلَسَ بَيْنَ الرَّمَادِ. ثُمَّ أصدَرَ الأمْرَ المَلَكِيَّ التَّالِيَ فِي كُلِّ نِينَوَى: بِأمرٍ مِنَ المَلِكِ وَكِبَارِ وُزَرَائِهِ، لَا يَأْكُلْ إنْسَانٌ وَلَا حَيَوَانٌ طَعَامًا، وَلَا يَشْرَبْ مَاءً. وَلِيَلْبَسِ النَّاسُ وَالبَهَائِمُ خَيْشًا، وَلِيُصَلُّوا إلَى اللهِ بِكُلِّ قُوَّتِهُمْ، وَلِيَكُفَّ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ مَسلَكِهِ الشِّرِّيرِ، وَعَنْ ظُلْمِهِ. فَلَعَلَّ اللهَ يَعْدِلُ عَنْ حُكمِهِ، وَيَرْجِعُ عَنْ غَضَبِهِ، فَلَا نَهلِكَ. فَرَأى اللهُ مَا فَعَلُوهُ، وَأنَّهُمْ كَفُّوا عَنْ مَسَالِكِهِمُ الشِرِّيرَةِ، فَعَدَلَ اللهُ عَنْ حُكمِهِ بِخُصُوصِ العِقَابِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ سَيُوقِعُهُ بِهِمْ، وَلَمْ يُنَفِّذْهُ. فَانْزَعَجَ يُونَانُ كَثِيرًا وَغَضِبَ. وَاشتَكَى يُونَانُ إلَى اللهِ وَقَالَ: «آهِ يَا اللهُ ! عَرَفْتُ أنَّ هَذَا سَيَحْدُثُ. فَحِينَ كَلَّمْتَنِي فِي أرْضِي بِأنْ آتِيَ إلَى هُنَا، هَرَبْتُ إلَى تَرْشِيشَ لِأنِّي عَلِمْتُ أنَّكَ إلَهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ وَصَبُورٌ وَمُحِبٌّ، تَعْدِلُ عَنْ العِقَابِ الَّذِي حَكَمْتَ بِهِ. وَالْآنَ يَا اللهُ ، أمِتْنِي، فَأنَا أفَضِّلُ المَوْتَ عَلَى الحَيَاةِ!» قَالَ اللهُ : «أيَحِقُّ لَكَ أنْ تَغْضَبَ لِأنِّي لَمْ أُهلِكْ هَؤُلَاءِ النَّاسَ؟» وَخَرَجَ يُونَانُ مِنَ المَدِينَةِ، وَجَلَسَ شَرقَهَا. وَهُنَاكَ صَنَعَ لِنَفْسِهِ مِظَلَّةً وَجَلَسَ فِي ظِلِّهَا لِيرَى مَا سَيَحْصُلُ لِلمَدِينَةِ. وَأنبَتَ نَبتَةَ يَقْطِينٍ، وَنَمَتْ بِسُرعَةٍ فَوْقَ يُونَانَ لِتُظَلِّلَ رَأسَهُ وَلِتُخَفِّفَ عَلِيهِ انزِعَاجَهُ، فَفَرِحَ يُونَانُ كَثِيرًا بِنَبتَةِ اليَقْطِينِ. لَكِنْ عِنْدَ فَجرِ اليَوْمِ التَّالِي، سَلَّطَ اللهُ دُودَةً عَلَى نَبتَةِ اليَقْطِينِ فَجَفَّتْ. وَعِنْدَمَا ارتَفَعَتِ الشَّمْسُ فِي السَّمَاءِ، سَلَّطَ اللهُ رِيحًا شَرقِيَّةً حَارَّةً، فَاشتَدَّتْ حَرَارَةُ الشَّمْسِ عَلَى رَأسِ يُونَانَ، فَذَبُلَ وَطَلَبَ لِنَفْسِهِ المَوْتَ وَقَالَ: «خَيْرٌ لِي أنْ أموُتَ مِنْ أنْ أحيَا.» فَقَالَ اللهُ لِيُونَانَ: «أيَحِقُّ لَكَ أنْ تَغْضَبَ عَلَى نَبتَةِ اليَقْطِينِ؟» فَقَالَ يُونَانُ: «نَعَمْ، يَحِقُّ لِي أنْ أغضَبَ حَتَّى المَوْتِ!» فَقَالَ اللهُ : «لَقَدِ اهتَمَمتَ لِأمْرِ النَّبتَةِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لَكَ شَأنٌ بِإنبَاتِهَا. لَقَدْ نَمَتْ فِي لَيلَةٍ، وَفِي لَيلَةٍ مَاتَتْ. فَلِمَاذَا لَا أهتَمُّ أنَا لِأمْرِ المَدِينَةِ الكَبِيرَةِ نِينَوَى الَّتِي يَسْكُنُهَا أكْثَرُ مِنْ مِئَةٍ وَعِشرِينَ ألْفَ إنْسَانٍ لَمْ يَكُونُوا يُمَيِّزُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ. وَكَذَلِكَ الكَثِيرُ مِنَ الحَيَوَانَاتِ؟» هَذِهِ هِيَ كَلِمَةُ اللهِ الَّتِي أتَتْ إلَى مِيخَا المُورَشْتِيِّ فِي أيَّامِ يُوثَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا، وَالَّتِي رَآهَا بِشَأنِ السَّامِرَةِ وَمَدِينَةِ القُدْسِ: اسْتَمِعُوا يَا كُلَّ الشَّعُوبِ، وَأصغِي يَا كُلَّ الأرْضِ وَمَنْ فِيهَا، سَيَشْهَدُ الرَّبُّ الإلَهُ عَلَيْكُمْ، الرَّبُّ مِنْ هَيْكَلِهِ المُقَدَّسِ. فَهَا اللهُ سَيَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ، سَيَنْزِلُ وَيَدُوسُ مُرتَفَعَاتِ جِبَالِ الأرْضِ. وَسَتَذُوبُ الجِبَالُ تَحْتَهُ، وَسَتَنْشَقُّ الأودِيَةُ، سَتَذُوبُ الجِبَالُ كَالشَّمعِ قُرْبَ النَّارِ، وَسَتُصبِحُ الأودِيَةُ كَمَاءٍ مُنسَكِبٍ فِي مُنْحَدَرٍ سَحِيقٍ. كُلُّ هَذَا بِسَبَبِ مَعصِيَةِ يَعْقُوبَ، وَخَطِيَّةِ بَيْتِ إسْرَائِيلَ. مَا هِيَ مَعصِيَةُ يَعْقُوبَ؟ ألَيْسَتْ هِيَ السَّامِرَةَ؟ وَأينَ مُرتَفَعَاتُ يَهُوذَا؟ ألَيْسَتْ هِيَ القُدْسُ؟ لِأجْلِ هَذَا سَأجْعَلُ السَّامِرَةَ كَومَةَ حُطَامٍ فِي الحُقُولِ، سَأجعَلُهَا مَكَانًا لِزِرَاعَةِ الكُرُومِ، وَسَأُلقِي بَحِجَارَةِ مَبَانِيهَا إلَى الوَادِي، وَسَأكشِفُ أُسُسَهَا. سَتُكَسَّرُ تَمَاثِيلُهَا، وَسَتُحرَقُ كُلُّ الأمْوَالِ العَائِدَةِ مِنْ أُجُورِ الزِّنَى. سَأُحَطِّمُ كُلَّ أصْنَامِهَا. وَمَا جَمَعَتْهُ مِنْ أجْرِهَا كَزَانِيَةٍ، يَعُودُ فَيُدفَعُ لِلزَّوَانِي. بِسَبَبِ هَذَا، سَأنُوحُ وَأُوَلوِلُ. سَأمشِي حَافِيًا وَعُريَانًا. سَأنُوحُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ كَالكِلَابِ البَرِّيَّةِ، وَسَأصرُخُ كَالنَّعَامِ، لِأنَّ جُرحَهَا لَا شِفَاءَ لَهُ. وَصَلَ جُرْحُهَا إلَى يَهُوذَا، وَحَتَّى إلَى بَوَّابَةِ شَعْبِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. لَا تُخبِرُوا بِالأمْرِ فِي جَتَّ، لَا تَبْكُوا فِي عَكَّا. تَعفَّرُوا فِي التُّرَابِ فِي بَيْتِ عَفْرَةَ. اعبُرْ يَا شَعْبَ شَافِيرَ عُريَانًا وَمَخزِيًّا. لَنْ يَخْرُجَ سُكَّانُ صَانَانَ لِيُحَارِبُوا. وَسَتَنُوحُ بَيْتُ آصَلَ، فَهُمْ يَأْخُذُونَ دَعمَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ مِنْكُمْ. يَنْتَظِرُ سُكَّانُ مَارُوثَ الرَّاحَةَ وَالبُشرَى بِلَهفَةٍ، لِأنَّ اللهَ أرْسَلَ كَارِثَةً إلَى بَوَّابَةِ القُدْسِ. اربِطُوا المَرْكَبَاتِ بِأسرَعِ الخُيُولِ، يَا سُكَّانَ لَاخِيشَ. لِأنَّ مَعَاصِيَ إسْرَائِيلَ وُجِدَتْ فِيكِ، وَقَدْ جَلَبْتِ هَذِهِ الخَطَايَا إلَى العَزِيزَةِ صِهْيَوْنَ. لِذَلِكَ سَتُرسِلِينَ هَدَايَا وَدَاعِيَّةً إلَى مُورشَةَ جَتَّ. سَتُصبِحُ بُيُوتُ أكزِيبَ سَبَبَ خَيبَةِ أمَلٍ لِمُلُوكِ إسْرَائِيلَ. وَسَيَأْتِي المَالِكُ الجَدِيدُ عَلَيْكُمْ يَا سُكَّانَ مَرِيشَةَ. سَيَأْتِي مَجْدُ إسْرَائِيلَ العَظيمُ إلَى عَدُلَّامَ. احلِقِي شَعرَكِ وَكُونِي قَرْعَاءَ، حُزْنًا عَلَى أوْلَادِكِ الغَالِينَ عَلَيْكِ. اجْعَلِي قَرْعَتَكِ وَاضِحَةً كَنَسرٍ، لِأنَّ أوْلَادَكِ سَيُؤخَذُونَ مِنكِ إلَى السَّبْيِ. ضِيقٌ لَكُمْ أيُّهَا المُخَطِّطُونَ لِلشَّرِّ وَأنْتُمْ تَسْتَلْقُونَ عَلَى أسِرَّتِكُمْ، وَعِنْدَ أوَّلِ شُرُوقِ الشَّمْسِ تُنَفِّذُونَهُ، لِأنَّكُمْ تَمْلِكُونَ القُدرَةَ عَلَى ذَلِكَ. تُرِيدُونَ حُقُولَ الآخَرِينَ، فَتَأْخُذُونَهَا. تُرِيدُونَ بُيُوتَ الآخَرِينَ فَتُصَادِرُونَهَا. وَتَظْلِمُونَ إنْسَانًا وَتَأْخُذُونَ بَيْتَهُ، فَتَأْخُذُونَ الرَّجُلَ وَمَا وَرِثَهُ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لَكُمْ: «أنَا أُخَطِّطُ لِكَارِثَةٍ تُصِيبُ هَذِهِ العَائِلَةَ، وَقُيُودٍ لَنْ تَسْتَطِيعُوا تَحْرِيرَ رِقَابِكُمْ مِنْهَا. لَنْ تَسِيرُوا بِفَخرٍ فِيمَا بَعْدُ، لِأنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتَ ضِيقٍ وَشَرٍّ لَكُمْ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُعَيِّرُونَكُمْ بِأُغنِيَةٍ سَاخِرَةٍ، وَبِمَرثَاةٍ مُرَّةٍ: «قَدْ دُمِّرْنَا تَدْمِيرًا! أرْضُنَا أُعْطِيَتْ لِغَيرِنَا. كَيْفَ أخَذَهَا مِنَّا؟ قَسَّمَ حُقُولَنَا عَلَى أعْدَائِنَا! «لِذَلِكَ لَنْ يَكُونَ لَدَيكَ فِيمَا بَعْدُ مَنْ يُقَسِّمُ الأرْضَ بِالقُرعَةِ بَيْنَ شَعْبِ اللهِ .» يَقُولُ الشَّعْبُ لِميخَا: «لَا تُلْقِ عَلَيْنَا الخُطَبَ! لَا تَتَحَدَّثْ بِهَذِهِ الأُمُورِ. فَلَنْ يَأْتيَ عَلَيْنَا ذُلٌّ وَلَا خِزْيٌّ!» فَقَالَ مِيخَا: «يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، أمَا نَفَدَ صَبرُ اللهِ عَلَيْكُمْ؟ أليسَ هُوَ غَاضِبًا عَلَى أعْمَالِكُمْ؟ لَوْ عِشْتُمْ بِاسْتِقَامَةٍ، لَكَلَّمْتُكُمْ حَسَنًا. لَكِنَّكُمْ عَادَيتُمْ شَعْبِي. أنْتُمْ تَسْلِبُونَ حَتَّى أردِيَةَ العَابِرِينَ بِأمَانٍ، العَائِدِينَ مِنَ الحَرْب. وَتَطْرُدُونَ نِسَاءَ شَعْبِي مِنْ بُيُوتِهِنَّ المُرِيحَةِ، وَتَنْزِعُونَ مِنَ الأطْفَالِ إلَى الأبَدِ المَجْدَ الَّذِي أعْطَيْتُهُ لَهُمْ. قُومُوا وَاذْهَبُوا مِنْ هُنَا، لِأنَّكُمْ لَنْ تَرْتَاحُوا هُنَا. بِسَبَبِ نَجَاسَتِكُمْ سَتُدَمَّرُونَ، وَسَيَكُونُ دَمَارُكُمْ شَدِيدًا. إنْ أتَى شَخْصٌ فِيهِ رُوحُ كَذِبٍ، وَقَالَ: ‹سَتَأتي أيَّامٌ فِيهَا الكَثِيرُ مِنَ النَّبِيذِ وَالمُسْكِرِ!› يَكُونُ هُوَ المُعَلِّمَ المُفَضَّلَ لِمِثْلِ هَذَا الشَّعْبِ! «سَأجْمَعُكُمْ جَمِيعًا يَا بَنِي يَعْقُوبَ، سَأجْمَعُ النَّاجِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. سَأجْمَعُهُمْ كَخِرَافٍ فِي حَظِيرَةٍ، كَقَطِيعٍ فِي وَسَطِ مَرْعَاهُ المُسَيَّجِ. سَيَكُونُ هُنَاكَ ضَجِيجٌ مِنْ كَثرَةِ النَّاسِ. الَّذِي سَيَخْتَرِقُ السِّيَاجَ سَيَسِيرُ أمَامَهُمْ. وَهُمْ سَيَتَقَدَّمُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنَ البَوَّابَةِ. يَسِيرُ مَلِكُهُمْ أمَامَهُمْ، وَيَكُونُ اللهُ قَائِدًا لَهُمْ.» وَقُلْتُ: «اسْتَمِعُوا يَا رُؤَسَاءَ يَعْقُوبَ، وَيَا قَادَةَ بَيْتِ إسْرَائِيلَ. أمَا يَنْبَغِي أنْ تَعْرِفُوا العَدْلَ؟ لَكِنَّكُمْ تَكْرَهُونَ الصَّلَاحَ وَتُحِبُّونَ الشَّرَّ. تَسْلَخُونَ جِلْدَ النَّاسِ، وَتَنْزِعُونَ لَحْمَهُمْ عَنْ عِظَامِهِمْ. تَأْكُلُونَ لَحْمَ شَعْبِي، وَتَنْزِعُونَ جِلْدَهُمْ عَنْهُمْ. تَكْسِرُونَ عِظَامَهُمْ، تُقَطِّعُونَهَا كَاللَّحمِ الَّذِي فِي قِدرٍ. كَاللَّحمِ فِي وِعَاءِ الطَّبخِ. وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَصْرُخُونَ إلَى اللهِ ، لَكِنَّهُ لَنْ يَسْتَجِيبَ لَهُمْ. سَيَسْتُرُ وَجْهَهُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، بِسَبَبِ الأعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ لِلأنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُضِلُّونَ شَعْبِي: «الَّذِينَ يُعلِنُونَ السَّلَامَ إنْ كَانَ لَدَيهِمْ طَعَامٌ كَثِيرٌ، لَكِنَّهُمْ يُعلِنُونَ الحَرْبَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُعطُونَهُمْ مَا يَطْلُبُونَ. «لِذَلِكَ سَيَكُونُ لَكُمْ لَيلٌ بَدَلًا مِنَ الرُّؤْيَا، وَظُلْمَةٌ بَدَلًا مِنَ العِرَافَةِ. وَسَتَغْرُبُ الشَّمْسُ عَنِ الأنْبِيَاءِ، وَسَيَتَحَوَّلُ نَهَارُهُمْ إلَى ظُلْمَةٍ. وَالَّذِينَ يَرَوْنَ رُؤَىً سَيَخْزَوْنَ، وَالعَرَّافُونَ سَيَخْجَلُونَ. يَتَلَثَّمُونَ لِيُغَطُّوا شَوَارِبَهُمْ، لِأنَّهُمْ لَنْ يَحْصُلُوا عَلَى جَوَابٍ مِنَ اللهِ.» وَأمَّا أنَا فَمَملُوءٌ مِنَ القُوَّةِ، مِنْ قُوَّةِ رُوحِ اللهِ ، وَمَملُوءٌ بِالعَدْلِ وَالقُوَّةِ لِأُعلِنَ لِيَعْقُوبَ مَعصِيَتَهُ، وَلإسْرَائِيلَ خَطِيَّتَهُ. اسْمَعُوا هَذَا يَا رُؤَسَاءَ شَعْبِ يَعْقُوبَ، وَيَا قَادَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ، الَّذِينَ تَكْرَهُونَ العَدْلَ، وَتُحَرِّفُونَ المُسْتَقِيمَ. تَبْنُونَ صِهْيَوْنَ بِدَمِ الأبرِيَاءِ، تَبْنُونَ مَدِينَةَ القُدْسِ بِالظُّلْمِ. رُؤَسَاؤُهَا يُصْدِرُونَ أحكَامًا بِالرِّشوَةِ، وَكَهَنَتُهَا يُعَلِّمُونَ مُقَابِلَ أجرٍ، وَأنبِيَاؤُهَا يَتَنَبَّأُونَ عَنِ المُسْتَقْبَلِ بِالمَالِ. وَمَعَ هَذَا يَدَّعُونَ اتِّكَالَهُمْ عَلَى اللهِ وَيَقُولُونَ: «ألَيْسَ اللهُ بَيْنَنَا؟ إذًا لَنْ يُصِيبَنَا أذَىً.» وَلِذَا سَتُحْرَثُ صِهْيَوْنُ كَحَقلٍ بِسَبَبِكُمْ، وَسَتُصبِحُ مَدِينَةُ القُدْسِ كَومَةَ خَرَابٍ، وَسَيُصبِحُ جَبَلُ الهَيْكَلِ تَلَّةً تُغَطِّيهَا غَابَةٌ. وَفِي الأيَّامِ الأخِيرَةِ، سَيَكُونُ جَبَلُ بَيْتِ اللهِ رَاسِخًا كَأعَلَى الجِبَالِ. سَيُرفَعُ فَوْقَ التِّلَالِ، وَتَتَدَفَّقُ الشُّعُوبُ إلَيْهِ. سَتَصْعَدُ إلَيْهِ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ، وَسَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدُ إلَى جَبَلِ اللهِ ، إلَى بَيْتِ إلَهِ يَعْقُوبَ، حَيْثُ نَتَعَلَّمُ أنْ نَحيَا وَفْقَ مَشِيئَتِهِ، وَنَسْلَكَ حَسَبَ تَعْلِيمِهِ.» لِأنَّ الشَّرِيعَةَ سَتَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ، وَكَلِمَةَ اللهِ مِنَ القُدْسِ. سَيَحْكُمُ بَيْنَ الأُمَمِ، وَيَفْصِلُ فِي نِزَاعَاتِ الشُّعُوبِ. تُحَوِّلُ الأُمَمُ السُّيُوفَ إلَى مَحَارِيثَ، وَالرِّمَاحَ إلَى أدَوَاتٍ لِتَقْلِيمِ النَّبَاتَاتِ. لَنْ تَتَحَارَبَ الأُمَمُ، وَلَنْ يَتَعَلَّمُوا الحَرْبَ مِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ فَصَاعِدًا. وَسَيَجْلِسُ كُلُّ رَجُلٍ تَحْتَ كَرمَتِهِ وَتِينَتِهِ. وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يُخِيفُ الشَّعْبَ، لِأنَّ اللهَ القَديرَ قَالَ هَذَا. كُلُّ الأُمّمِ تَسيرُ بِاسْمِ آلِهَتِهَا، أمَّا نَحْنُ فَنَسيرُ بِاسْمِ يهوه إلَهِنَا، وَنُطِيعُهُ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. يَقُولُ اللهُ : «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأجْمَعُ شَعْبَ القُدْسِ العُرْجَ، وَسَأضُمُّ المَطرُودِينَ وَالمَضْرُوبِينَ. «سَأُنَجِّي العُرْجَ، وَأجعَلَ مِنَ المَطرُودِينَ شَعْبًا قَوِيًّا لِي.» سَيَمْلُكُ اللهُ عَلَيْهِمْ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ مِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ وَإلَى الأبَدِ. وَأمَّا أنْتِ يَا مِنطَقَةَ بُرْجِ القَطِيعِ، وَيَا مِنطَقَةَ تَلَّةِ قَصرِ التَّابِعَتينِ لِصِهْيَوْنَ، فَإنَّ الحُكْمَ الأوَّلَ الَّذِي كَانَ لَكُمَا سَيَعُودُ. وَيَعُودُ المُلْكُ لِمَدِينَةِ القُدْسِ. وَالْآنَ، لِمَاذَا تَصْرُخِينَ بِشِدَّةٍ؟ ألَيْسَ فِيكِ مَلِكٌ؟ هَلْ هَلَكَ مُشِيرُكِ؟ لِأنَّ آلَامَكِ كَآلَامِ امْرأةٍ تَلِدُ. تَلَوِّي ألَمًا، وَاصرُخِي أيَّتُهَا العَزِيزَةُ صِهْيَوْنُ كَامْرَأةٍ تَلِدُ. لِأنَّكِ سَتَخْرُجِينَ مِنَ المَدِينَةِ، وَسَتَسْكُنِينَ فِي السُّهُولِ وَفِي الأرَاضِي المَكشُوفَةِ، وَسَتَذْهَبِينَ إلَى بَابِلَ، وَهُنَاكَ سَتُنقَذِينَ. سَيَفْدِيكِ اللهُ هُنَاكَ مِنْ يَدِ أعْدَائِكِ. هَا أُمَمٌ كَثِيرَةٌ اجتَمَعَتْ ضِدَّكِ. يَقُولُونَ: «لِتَتَنَجَّسْ! وَلْتَتَفَرَّسْ عُيُونُنَا بِصِهْيَوْنَ.» لَكِنَّ هَذِهِ الأُمَمَ لَا تَفْهَمُ أفكَارَ اللهِ . وَلَا تُدرِكُ مَقصَدَهُ. إنَّمَا جَمَعَهُمْ كَالحُزَمِ فِي البَيدَرِ. يَقُولُ اللهُ: «قُومِي وَاسْحَقِيهِمْ يَا صِهْيَوْنُ العَزِيزَةُ. لِأنِّي سَأجْعَلُ قَرنَيكِ مِنَ الحَدِيدِ، وَحَوَافِرَكِ مِنَ البُرُونْزِ. وَسَتَسْحَقِينَ شُعُوبًا كَثِيرَةً. وَسَتُكَرِّسِينَ للهِ مَا كَسِبُوهُ هُمْ بِالظُلْمِ. وَسَتُخَصِّصِينَ ثَروَتَهُمْ لِرَبِّ الأرْضِ كُلِّهَا.» استَدْعِي جُيوشَكِ مَعًا، يَا صَاحِبَةَ الجُيُوشِ الكَثِيرَةِ. قَدْ وُضِعَ عَلَيْنَا حِصَارٌ. سَيَضْرِبُونَ بِعَصَاهُمْ عَلَى خَدِّ قَاضِي إسْرَائِيلَ. أمَّا أنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ الَّتِي فِي أفرَاتَةَ، مَعَ أنَّكِ قَلِيلَةُ الأهَمِّيَّةِ بَيْنَ مُدُنِ يَهُوذَا، لَكِنْ مِنْكِ سَيَخْرُجُ لِي مَنْ يَرْعَى شَعْبِي بَنِي إسْرَائِيلَ، وَتَعُودُ جُذُورُهُ إلَى الأيَّامِ البَعِيدَةِ فِي المَاضِي. لِذَا سَيَتْرُكُهُمُ اللهُ حَتَّى تَلِدَ المَرْأةُ الَّتِي هِيَ الآنَ فِي آلَامِ الوِلَادَةِ. حِينَئِذٍ، تَعُودُ بَقِيَّةُ إخْوَتِهِ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَيَقِفُ وَيَرْعَى إسْرَائِيلَ بِقُوَّةِ اللهِ ، وَبِجَلَالِ اسْمِ . فَيَسْكُنُونَ بِأمَانٍ لِأنَّ عَظَمَتَهُ سَتَصِلُ إلَى أقَاصِي الأرْضَ. وَهُوَ الَّذِي سَيَأْتِي بِالسَّلَامِ. إنْ أتَى أشُّورُ إلَى بَلَدِنَا، وَإنْ دَاسَ أرَاضِينَا، فَسَنُعَيِّنُ سَبْعَةَ رُعَاةٍ ضِدَّهُ، وَثَمَانِيَةَ رُؤَسَاءٍ. فَيَحْكُمُونَ أرْضَ أشُّورَ، أرْضَ نِمرُودَ بِالسُّيُوفِ المُشْرَعَةِ. وَسَيُنقِذُنَا حَاكِمُ إسْرَائِيلَ مِنْ أشُّورَ، حِينَ يَأْتِي أشُّورُ إلَى أرْضِنَا، أوْ يَدُوسُ عَابِرًا حُدُودَنَا. حِينَئِذٍ، سَيَكُونُ النَّاجُونَ مِنْ بَنِي يَعْقُوبَ، المُنتَشِرُونَ وَسَطَ جَمِيعِ الأُمَمِ، كَقَطَرَاتِ نَدَىً مِنَ اللهِ ، وَحَبَّاتِ مَطَرٍ عَلَى العُشبِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّعُ إنْسَانًا، وَلَا يَنْتَظِرُ بَشَرًا. وَالنَّاجُونَ مِنْ يَعْقُوبَ وَسَطَ الأُمَمِ، بَيْنَ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ، سَيَكُونُونَ كَأسَدٍ وَسَطَ حَيَوَانَاتِ الغَابَةِ، وَكَشِبلٍ وَسَطَ قُطعَانِ الأغْنَامِ. فَلَا مَهَرَبَ مِنْهُ حِينَ يَهْجُمُ وَيُمسِكُ وَيَشُقُّ. سَتَرْفَعُ يَدَكَ لِتُحَارِبَ خُصُومَكَ، فَيُهزَمَ كُلُّ أعْدَائِكَ. يَقُولُ اللهُ : «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُزِيلُ خُيُولَكَ مِنْ وَسَطِكَ، وَسَأُحَطِّمُ مَرْكَبَاتِكَ. سَأُزيلُ المُدُنَ مِنْ أرْضِكَ، سَأُدَمِّرُ حُصُونَكَ. سَأُزِيلُ السِّحرَ مِنْ أرْضِكَ، وَلَنْ يَبْقَى هُنَاكَ مَنْ يُمَارِسُ العِرَافَةَ. سَأُزِيلُ الأصْنَامَ وَالأنْصَابَ التَّذْكَارِيَّةَ مِنْ وَسَطِكَ، فَلَا تَعُودَ تَعْبُدُ مَا صَنَعَتْهُ يَدَاكَ. سَأخلَعُ أعْمِدَةَ عَشْتَرُوتَ مِنْ وَسَطِكَ، وَسَأُحَطِّمُ أصْنَامَكَ. وَسَأنتَقِمُ بِغَضَبٍ وَسَخَطٍ مِنَ الأُمَمِ الَّتِي لَمْ تُطِعْنِي.» اسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ اللهُ : «قُمْ يَا مِيخَا وَارْفَعْ دَعْوَايَ أمَامَ الجِبَالِ، وَلْتَسْمَعِ التِّلَالُ صَوْتَكَ. «أيَّتُهَا الجِبَالُ، استَمِعِي إلَى شَكوَى اللهِ ، أيَّتُهَا البَاقِيَةُ إلَى الأبَدِ، يَا أسَاسَاتِ الأرْضِ. لِأنَّ للهِ شَكوَى عَلَى شَعْبِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ أنْ يُقِيمَ دَعْوَاهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، فَيِقُولُ: ‹يَا شَعْبِي، مَاذَا فَعلْتُ بِكَ؟ هَلْ أثقَلْتُ عَلَيْكَ أحمَالِي؟ أجِبْنِي! أخرَجْتُكَ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ، وَحَرَّرْتُكَ مِنَ العُبُودِيَّةِ، وَأرسَلْتُ مُوسَى وَهَارُونَ وَمَريَمَ أمَامَكَ. تَذَكَّرْ يَا شَعْبِي مَا خَطَّطَهُ بَالَاقُ مَلِكُ مُوآبَ، وَكَيْفَ أجَابَهُ بَلْعَامُ بْنُ بَعُورَ. تَذَكَّرْ عُبُورَكَ مِنْ شِطِّيمَ إلَى الجِلجَالِ، كَي تُقَدِّرَ أعْمَالَ اللهِ البَارَّةَ.›» بِمَاذَا أقتَرِبُ إلَى اللهِ ، وَأنحَنِي فِي حَضْرَةِ اللهِ العَلِيِّ؟ أأقْتَرِبُ بِذَبَائِحَ صَاعِدَةٍ، بِعُجُولٍ أبْنَاءِ سَنَةٍ؟ هَلْ يُسَرُّ اللهُ بِأُلُوفِ الكِبَاشِ، وَبِعَشَرَاتِ أُلُوفِ أنهَارِ الزَّيْتِ؟ هَلْ أُقَدِّمُ ابنِي البِكرَ ثَمَرَ جَسَدِي ذَبِيحَةً عَنْ إثمِي وَعَنْ خَطِيَّتِي؟ قَدْ أخبَرَكَ اللهُ مَا هُوَ صَالِحٌ وَمَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ: أنْ تَعْمَلَ بِحَسَبِ العَدلِ وَالمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَأنْ تَحيَا بِتَوَاضُعٍ مَعَ إلَهِكَ. صَوْتُ اللهِ يُنَادِي المَدِينَةَ، وَالحَكيمُ يَخَافُ اسْمَهُ: «فَاسْتَمِعُوا إلَى صَوْتِ عَصَا العِقَابِ وَحَامِلِهَا، أمَا زَالَتْ هُنَاكَ كُنُوزٌ جُمِعَتْ ظُلْمًا فِي بَيْتِ الشِّرِّيرِ؟ أمَا زَالَوا يَكِيلُونَ بِقُفَفٍ صَغِيرَةٍ؟ هَلْ أتَغَاضَى عَنِ المَكَاييلِ المَغشُوشَةِ، وَالأوزَانِ المُزَيَّفَةِ؟ أغنِيَاءُ هَذِهِ المَدِينَةِ قُسَاةٌ وَظَالِمُونَ دَائِمًا، وَلَا يَعْرِفُونَ كَيْفَ يَتَكَلَّمُونَ بِالصِّدقِ، وَسُكَّانُهَا كَذَّابُونُ، وَألسِنَتُهُمْ مُخَادِعَةٌ. سَأضرِبُكُمْ قَرِيبًا، وَسَأُهلِكُكُمْ بِسَبَبِ خَطَايَاكُمْ. سَتَأْكُلُ، وَلَكِنَّكَ لَنْ تَشْبَعَ، وَسَيَضْرِبُ مَرَضٌ أمعَاءَكَ. سَتَخْزِنُ أشْيَاءَ، وَلَكِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ أنْ تُحَافِظَ عَلَيْهَا. وَكُلُّ مَا تَخْزِنُهُ سَأُرْسِلُ أعْدَاءَكَ لِيُخَرِّبُوهُ. سَتَزْرَعُ، وَلَكِنَّكَ لَنْ تَحْصُدَ. سَتَدُوسُ الزَّيْتُونَ لِتَعْصُرَهُ، وَلَكِنْ لَنْ يَكُونَ لَدَيكَ مَا يَكْفِي مِنَ الزَّيْتِ لِتَتَدَهَّنَ بِهِ. سَتَعْصُرُ عِنَبًا، وَلَكِنَّكَ لَنْ تَشْرَبَ نَبِيذًا. حَفِظْتُمْ فَرَائِضَ عُمْرِي بِحِرصٍ، وَاتَّبَعْتُمْ مُمَارَسَاتِ بَيْتِ أخآبَ وَمَشُورَاتِهِمْ. لِذَلِكَ سَأجعَلُكُمْ خَرَابًا. سَيَنْدَهِشُ النَّاسُ مِنْ مَا أصَابَ سَكَّانَ هَذِهِ المَدِينَةِ. فَاحمِلُوا عِبءَ استِهزَاءِ الشُّعُوبِ بِكُمْ.» وَيْلٌ لِي! فَأنَا كَمَنْ يَجْمَعُ ثَمَرَ الصَّيفِ بَعْدَ أنْ جُمِعَتِ الغَلَّةُ. نَفَدَتْ قُطُوفُ العِنَبِ، وَنَفسِي تَشْتَهِي تِلْكَ الثِّمَارَ النَّاضِجَةَ، زَالَ الأتقِيَاءُ مِنَ الأرْضِ، وَلَمْ يَبْقَ مُسْتَقيمٌ وَاحِدٌ. جَمِيعُهُمْ يُخَطِّطُونَ لِلكَمَائِنِ وَالقَتلِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يُرِيدُ اصطِيَادَ أخِيهِ. أيدِيهِمْ نَاجِحَةٌ فِي عَمَلِ الشَّرِّ. الرُّؤسَاءُ وَالقُضَاةُ يَطْلُبُونَ رِشْوَةً، وَيُحَرِّفُونَ العَدْلَ. وَأصْحَابُ النُّفُوذِ يَفْرِضُونَ رَغَبَاتِهِمْ. وَيُنَفِّذُهَا لَهُمْ آخَرُونَ! أفضَلُهُمْ كَالعَوسَجِ، وَأكثَرُهُمُ استِقَامَةً أسوَأُ مِنَ سِيَاجِ الشَّوكِ. يَقْتَرِبُ يَوْمُ دَينُونَتِكَ اليَوْمُ الَّذِي تَنِبَّأ عَنْهُ رُقَبَاؤُكَ لِعِقَابِهِمْ، وَسَتَدُبُّ بِهِمُ الفَوضَى. حينَئِذٍ، لَا تَثِقْ بِصَاحِبٍ، وَلَا تَتَّكِلْ عَلَى صَدِيقٍ. وَاحفَظْ أسرَارَكَ حَتَّى أمَامَ المَرْأةِ الَّتِي تَعِيشُ مَعَكَ. فَالِابْنُ يَحْتَقِرُ أبَاهُ، وَالِابنَةُ تَتَمَرَّدُ عَلَى أُمِّهَا، وَالكَنَّةُ تَقُومُ عَلَى حَمَاتِهَا، وَأعْدَاءِ الإنْسَانِ هُمْ أهْلُ بَيْتِهِ. سَأتَرَّقَبُ مَجِيءَ اللهِ بِشَوقٍ، وَسَأنتَظِرُ اللهَ مُخَلِّصِي بِرَجَاءٍ. سَيَسْمَعُنِي إلَهِي حِينَ أطلُبُ عَونَهُ. لَا تَشْمَتْ بِي يَا عَدُوِّي، مَعَ أنَّنِي سَقَطْتُ، إلَّا أنَّنِي سَأقُومُ. مَعَ أنَّنِي الآنَ أجْلِسُ فِي الظُّلمَةِ، إلَّا أنَّ اللهَ سَيُعطِينِي نُورًا. عَلَيَّ أنْ أحتَمِلَ غَضَبَ اللهِ ، لِأنِّي أخْطَأتُ إلَيْهِ، إلَى أنْ يُقِيمَ دَعوَايَ وَيُنصِفَنِي. سَيُخرِجُنِي إلَى النُّورِ، وَسَأرَاهُ يَعْمَلُ مَا هُوَ حَقٌّ وَعَدلٌ. سَيَرَى أعْدَائِي ذَلِكَ، وَسَيُغَطِّيهِمُ الخِزيُ. سَأتَفَرَّسُ بِالَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لِي: «أيْنَ ؟» وَالْآنَ، سَيَدُوسُهُمُ النَّاسُ كَالطِّينِ فِي الشَّوَارِعِ. يَوْمُ إعَادَةِ بِنَاءِ أسوَارِكِ قَادِمٌ. سَيَكُونُ ذَلِكَ اليَوْمُ يَومًا تَمْتَدُّ فِيهِ حُدُودُكِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَأْتِي شَعْبُكِ إلَيكِ مَنْ كُلِّ مَكَانٍ. مِنْ أشُّورَ إلَى مِصْرٍ، وَمِنْ مِصْرٍ إلَى نَهْرِ الفُرَاتِ. مِنَ البَحْرِ إلَى البَحْرِ، وَمِنَ الجَبَلِ إلَى الجَبَلِ. وَلَكِنَّ الأرْضَ الَّتِي خَارِجَكِ سَتَخْرُبُ، بِسَبَبِ سُكَّانِهَا، بِسَبَبِ الأُمُورِ الَّتِي عَمِلُوهَا. يَا اللهُ، ارْعَ شَعْبَكَ بِعَصَاكَ، فَهُمْ غَنَمُكَ. يَسْكُنُونَ وَحدَهُمْ فِي الغَابَاتِ، وَسَطَ أرْضٍ خَصبَةٍ. فَاجعَلْهُمْ يَرْعَوْنَ فِي بَاشَانَ وَجِلْعَادَ، كَمَا كَانُوا فِي المَاضِي. أرِنَا عَجَائِبَ يَا اللهُ، كَمَا فَعَلْتَ حِينَ خَرَجنَا مِنْ مِصْرٍ. فَلتَنْظُرِ الأُمَمُ إلَى تِلْكَ العَجَائِبَ، وَلْيَخْجَلُوا مِنْ قُوَّتِهِمْ. لِيَضَعُوا أيدِيَهُمْ عَلَى أفوَاهِهِمْ، وَلْتُصْبِحْ آذَانُهُمْ صَمَّاءَ. لِيَلْحَسُوا التُّرَابَ كَالثُّعْبَانِ، وَكَزَوَاحِفِ الأرْضِ. لِيَأْتُوا مُرتَجِفِينَ مِنْ حُصُونِهِمْ إلَى . لِيَرْتَعِبُوا وَيَخَافُوا مِنْكَ. مَنْ هُوَ إلَهٌ مِثْلُكَ؟ أنْتَ تَغْفِرُ الشُّرُورَ. أنْتَ تَعْفُو عَنْ مَعصِيَةِ النَّاجِينَ مِنْ شَعْبِكَ. لِأنَّ اللهَ لَنْ يَظَلَّ غَاضِبًا إلَى الأبَدِ، بَلْ يُرِيدُ أنْ يَرْحَمَ. سَيَعُودُ وَيَرْحَمُنَا. وَيَدُوسُ آثَامَنَا، وَيُلقِي فِي أعْمَاقِ البَحْرِ جَمِيعَ خَطَايَانَا. سَتُظهِرُ أمَانَتَكَ لِيَعْقُوبَ، وَرَحمَتَكَ لِإبْرَاهِيمَ، كَمَا أقسَمْتَ لِآبَائِنَا مُنْذُ القَدِيمِ. هَذَا إعلَانٌ نَبَوِيٌّ عَنْ نِينَوَى. كِتَابُ رُؤْيَا نَاحُومَ الَّذِي مِنْ مَدِينَةِ ألْقُوشَ. اللهُ إلَهٌ غَيُورٌ يَنْتَقِمُ. اللهُ يَنْتَقِمُ وَيَسْخَطُ. اللهُ يَنْتَقِمُ مِنْ مُقَاوِمِيهِ، وَيَغْضَبُ مِنْ أعْدَائِهِ. اللهُ صَبُورٌ وَلَكِنَّهُ قَوِيٌّ جِدًّا. وَلَا يُبَرِّئُ المُخطِئِينَ. حِينَ يَتَحَرَّكُ، فَالزَّوَابِعُ وَالعَوَاصِفُ تَتْبَعُهُ فِي سَيرِهِ، وَالغُيُومُ هِيَ الغُبَارُ الَّذِي تُثِيرُهُ قَدَمَاهُ. يَنْتَهِرُ البَحْرَ فَيَجِفُّ، وَيُجَفِّفُ كُلَّ الأنهَارِ. أرَاضِي بَاشَانَ وَالكَرْمَلِ الخَصْبَةُ تَجِفُّ، وَنَبَاتَاتُ لُبْنَانَ تَذْبُلُ. الجِبَالُ تَرْتَجِفُ خَوْفًا مِنْهُ، وَالتِّلَالُ تَذُوبُ. تَرْتَجِفُ الأرْضُ بِخَوفٍ أمَامَهُ، المَسكُونَةُ وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا. مَنْ يُمكِنُهُ الوُقُوفُ أمَامَهُ حِينَ يَغَضَبُ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ احتِمَالَ غَضَبِهِ الشَّدِيدِ؟ يَنْسَكِبُ غَضَبُهُ كَنَارٍ، فَتَتَشَقَّقَ مِنْهُ الصُّخُورُ. اللهُ صَالِحٌ، وَهُوَ مَلجَأٌ فِي وَقْتِ الضِّيقِ. وَيَهْتَمُّ بِالَّذِينَ يَلْجَأُونَ إلَيْهِ. لَكِنَّهُ بِطُوفَانٍ عَظِيمٍ يَقْضِي عَلَى مُقَاوِمِيهِ. يُطَارِدُ أعْدَاءَهُ إلَى الظُّلمَةِ. بِمَاذَا تُخَطِّطُونَ ضِدَّ اللهِ ؟ سَيَقْضِي عَلَيْهِمْ، وَلَنْ يَقُومَ الضِّيقُ ثَانِيَةً. مَعَ أنَّهُمْ مِثْلُ شَوكٍ مُتَشَابِكٍ، وَمِثْلُ سُكَارى بِالخَمْرِ، فَسَتَلْتَهِمُهُمُ النَّارُ كَقَشٍّ يَابِسٍ. سَيَخْرُجُ مِنْكِ مَنْ يُخَطَّطُ بِالشَّرِّ عَلَى اللهِ . إنَّهُ لَمُشيرٌ دَنِيءٌ! هَكَذَا يَقُولُ اللهُ : «حَتَّى وَإنْ كَانُوا أقوِيَاءَ وَكَثِيرِينَ، سَيَسْقُطُونَ وَيَزُولُونَ. مَعَ أنَّنِي أذلَلْتُكِ، لَكِنِّي لَنْ أُذِلَّكِ ثَانِيَةً. وَالْآنَ، سَأكسِرُ نِيرَكِ عَنْكِ، وَسَأنزِعُ سَلَاسِلَكِ.» أصدَرَ اللهُ أمْرًا ضِدَّكَ يَا مَلِكَ أشُّورَ: «لَنْ يَكُونَ لَكَ نَسْلٌ بَعْدُ. سَأُزِيلُ كُلَّ صَنَمٍ وَتِمثَالٍ مَسْبُوكٍ مِنْ هَيْكَلِكَ، وَسَأُجَهِّزُ قَبرَكَ، لِأنَّكَ حَقِيرٌ وَقَلِيلُ القِيمَةِ.» هُنَاكَ رَسُولٌ عَلَى الجِبَالِ يَحْمِلُ بِشَارَةً، يُعلِنُ السَّلَامَ. احتَفِلِي بِأعيَادِكِ يَا يَهُوذَا. أوْفِي النُّذُورَ الَّتِي تَعَهَّدْتِ بِهَا إلَى اللهِ. لَنْ يجتَاحَكِ الدَّنِيءُ مَرَّةً أُخْرَى، بَلْ سَيُهزَمُ تَمَامًا. قَدْ خَرَجَ مُبَدِّدُ الشُّعُوبِ لِيُهَاجِمَكَ يَا مَلِكَ أشُّورَ. فَاحْرُسِ الأمَاكِنَ المُحَصَّنَةَ، رَاقِبِ الطَّرِيقَ. أعِدَّ تَجْهِيزَاتِ المَعْرَكَةِ، جَهِّزْ نَفْسَكَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ. لِأنَّ اللهَ سَيَرُدُّ مَجْدَ يَعْقُوبَ، لِيَكُونَ كَمَجْدِ إسْرَائِيلَ. فَقَدْ أخرَبَهُمُ المُخَرِّبُونَ، وَقَدْ أتلَفُوا كُرُومَ إسْرَائِيلَ. تُرُوسُ محَارِبِيهِ حَمْرَاءُ، وَثِيَابُ جُنُودِهِ قُرمُزِيَّةٌ. مَعدِنُ المَرْكَبةِ يَلْمَعُ كَالنَّارِ، فِي يَوْمِ استِعدَادِهِ لِلمَعرَكَةِ، وَالرِّمَاحُ مُهتَزَّةٌ. تَنْدَفِعُ المَرْكَبَاتُ بِعُنْفٍ فِي الشَّوَارِعِ، تَتَسَابَقُ مَعًا فِي السَّاحَاتِ. يَبْدُونَ مِثْلَ مَشَاعِلَ. يَنْدَفِعُونَ كَالبَرقِ. يُعْطِي المُبَدِّدُ أوَامِرَ لِقَادَتِهِ، فَيَتَعَثَّرُونَ إذْ يَتَقَدَّمُونَ. يُسرِعُونَ إلَى السُّورِ، وَيَنْصِبُونَ بُرُوجَ الحِصَارِ. انفَتَحَتْ أبوَابُ الفَيَضَانِ، وَانْهَارَ قَصْرُ المَلِكِ. تُجَرَّدُ المَلِكَةُ وَتُسْبَى، وَتُؤْخَذُ جَوَارِيهَا بَعِيدًا. يَقْرَعْنَ عَلَى صُدُورِهِنَّ، وَيَتَنَهَّدْنَ تَنَهُّدًا كَهَدِيلِ الحَمَامِ. نِينَوَى مِثْلُ بِرْكَةِ مَاءٍ يَرْشَحُ مَاؤُهَا مِنْهَا بِسُرعَةٍ. يَقُولُ قَادَتُهَا: «تَوَقَّفْ! تَوَقَّفْ!» وَلَكِنْ لَا يَلْتَفِتُ أحَدٌ. انهَبُوا الفِضَّةَ! انهَبُوا الذَّهَبِ! لَا نِهَايَةَ لِلكُنُوزِ مِنْ كَثرَتِهَا، وَفِيهَا الكَثِيرُ مِنَ الأشْيَاءِ النَّفِيسَةِ. فَرَاغٌ وَدَمَارٌ وَخَرَابٌ! ذَابَتْ قُلُوبٌ وَارتَعَشَتْ أرجُلٌ مِنَ الخَوفِ. اهتّزَّتِ الأبدَانُ وَشَحَبَتِ الوُجُوهُ جَمِيعًا. وَقَدِ ابيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ مِنَ الخَوفِ. أيْنَ مَسْكَنُ الأُسُودِ، وَعَرِينُ الأشبَالِ؟ أيْنَ المَكَانُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الأسَدُ وَاللَّبُؤَةُ، حَيْثُ لَا يَخْشَى جَرْوُ الأسَدِ أذَىً؟ يَجِدُ الأسَدُ طَعَامًا كَثِيرًا لِجِرَائِهِ، وَيَذْبَحُ لِلَبُؤَاتِهِ. يَملأُ مَغَارَتَهُ بِالفَرَائِسِ، وَكُهُوفَهُ بِاللَّحْمِ المُمَزَّقِ. يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «أنَا ضِدُّكِ. سَأُحرِقُ مركبَاتِكِ حَتَّى لَا يَبْقَى سِوَى الدُّخَانِ، وَسَيُقتَلُ أشبَالُكِ فِي المَعْرَكَةِ. سَأُخرِجُ فَرَائِسَكِ مِنَ الأرْضِ، وَصَوْتُ رُسُلِكِ لَنْ يُسْمَعَ ثَانِيةً.» وَيْلٌ لَكِ يَا مَدِينَةَ القَتَلَةِ، المَلِيئِةَ بِالكَذِبِ، المَلِيئِةَ بِالغَنَائِمِ، الَّتِي لَا تَخْلُو مِنَ الفَرَائِسِ. صَوْتُ ضَربَاتِ سَوطٍ، وَضَجِيجُ دَوَالِيبَ، وَصَوْتُ خُيُولٍ تَجْرِي وَمَرْكَبَاتٍ تَتَقَافَزُ. الجَيَادُ مُندَفِعَةٌ، وَالسَّيْفُ يَلْمَعُ، الرُّمحُ يُبرِقُ. أكْوَامٌ مِنَ القُتلَى، أكْدَاسٌ مِنَ الجُثَثِ بِلَا حُدُودٍ. إنَّهُمْ يَتَعَثَّرُونَ بِالجُثَثِ! بِسَبَبِ الزِّنَى الكَثِيرِ لِلزَّانِيَةِ، السَّاحِرَةِ الجَمِيلَةِ الفَاتِنَةِ، الَّتِي تَسْتَعْبِدُ أُمَمًا كَامِلَةً بِطُرُقِهَا الخَادِعَةِ، وَعَشَائِرَ كَامِلَةً بِأسحَارِهَا، فَإنَّ اللهَ القَدِيرَ يَقُولُ: «أنَا ضِدُّكِ، وَسَأرفَعُ أطرَافَ ثَوبِكِ إلَى وَجْهِكِ، وَسَأُرِي الأُمَمَ جَسَدَكِ عَارِيًا، وَأُرِي المَمَالِكَ خِزْيَكِ. سَأرْمِيكِ بِالنِّفَايَاتِ، وَسَأُعَامِلُكِ بِاحْتِقَارٍ، وَسَأُشَهِّرُ بِكِ أمَامَ الجَمِيعِ. حِينَئِذٍ سَيَهْرُبُ مِنكِ كُلُّ مَنْ يَرَاكِ، وَسَيَقُولُ الجَمِيعُ: ‹نِينَوَى خَرِبَةٌ، فَمَنْ سَيَحْزَنُ عَلَيْهَا؟› لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يُشفِقُ عَلَيْكِ.» هَلْ أنْتِ أفْضَلُ مِنْ طِيبَةَ القَائِمَةِ بَيْنَ جَدَاوِلِ نَهْرِ النِّيلِ، المُحَاطَةِ بِالمَاءِ؟ قَدْ كَانَ البَحْرُ لَهَا حِصْنًا، وَالمَاءُ سُورًا مِنْ حَوْلِهَا. كُوشٌ وَمِصْرٌ أعْطَيَاهَا قُوَّةً عَظِيمَةً. كَانَتِ فُوطٌ وَلِيبيَا مِنْ حُلَفَائِهَا وَدَاعِمِيهَا. وَمَعَ هَذَا نُفِيَتْ وَسُبِيَتْ. حَتَّى أطْفَالُهَا حُطِّمُوا فِي زَاوِيَةِ كُلِّ شَارِعٍ. أُلقِيَتِ القُرعَةُ عَلَى أشْرَافِهَا، وَكُلُّ وُجَهَائِهَا قُيِّدُوا بِالسَّلَاسِلِ. حَتَّى أنْتِ سَتُصبِحِينَ كَسَكْرَى، وَسَتُحَاوِلِينَ الِاختِبَاءَ. حَتَّى أنْتِ سَتَبْحَثِينَ عَنْ مَلَاذٍ مِنَ العَدُوِّ. سَتَكُونُ كُلُّ حُصُونِكِ كَأشْجَارِ تِينٍ مُحَمَّلَةٍ بِأفضَلِ ثِمَارٍ، إنْ هُزَّتْ يَتَسَاقَطُ ثَمَرُهَا فِي فَمِ الآكِلِ. يَا نِينَوَى، سَيَبْدُو شَعْبُكِ فِيكِ كَالنِّسَاءِ! أبوَابُ أرْضِكِ مَفتُوحَةٌ تَمَامًا لِأعْدَائِكِ. النَّارُ التَهَمَتْ أقفَالَهَا. اجمَعِي مَاءً مِنْ أجْلِ أيَّامِ الحِصَارِ. قَوِّي تَحْصِينَاتِكِ. أجبِلِي الطِّينَ وَالرَّملَ، وَجَهِّزِي قَوَالِبَ اللِّبْنِ. سَتَلْتَهِمُكِ النَّارُ، وَسَيَقْطَعُكِ السَّيْفُ. سَتَأْكُلُكِ النَّارُ كَالجَرَادِ. تَكَاثَرِي كَالجَرَادِ، وَازدَادَي كَالجَنَادِبِ! كَثِّرِي تُجَّارَكِ كَنُجُومِ السَّمَاءِ. إنَّهُمْ كَالجَرَادِ الَّذِي يَلْتَهِمُ كُلَّ مَا هُوَ أمَامَهُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَطِيرُ. حُرَّاسُكِ كَالجَرَادِ، وقَادتُكِ كَأسْرَابِ الجَرَادِ الَّتِي تَسْكُنُ فِي الجُدرَانِ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ. لَكِنْ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ، فَإنَّهَا تَطِيرُ، وَلَا يَعْرِفُ أحَدٌ إلَى أيْنَ تَذْهَبُ. يَا مَلِكَ أشُّورَ، رُعَاتُكَ نَعِسُوا وَنَامُوا! قَادَتُكَ استَلْقُوا لِقَضَاءِ اللَّيلِ. شَعْبُكَ مُشَتَّتٌ عَلَى التِّلَالِ، وَلَيْسَ مَنْ يَجْمَعُهُ. لَيْسَ عِلَاجٌ لِكَسرِكَ، وَجُرحُكَ لَا شِفَاءَ لَهُ. كُلُّ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ هَذَا الخَبَرَ عَنْكَ، سَيُصَفِّقُونَ بِأيدِيهِمْ فَرَحًا. لِأنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَانِ مِنْ شُرُورِكِ المُتَوَاصِلَةِ؟ هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي أتَتْ إلَى حَبَقُّوقَ النَّبِيِّ. يَا اللهُ ، إلَى مَتَى أصرُخُ إلَيْكَ فَلَا تَسْتَجِيبُ؟ إلَى مَتَى أصْرُخُ إلَيْكَ وَأقُولُ: «هُنَاكَ ظُلْمٌ!» وَأنْتَ لَا تُنقِذُ وَلَا تُرِيحُ؟ لِمَاذَا تُرِينِي شَرًّا وَضِيقًا؟ الخَرَابُ وَالظُّلْمُ أمَامْي، وَخِصَامٌ وَمُشَاجَرَاتٌ تَثُورُ. لِذَا فَالشَّرِيعَةُ مُهمَلَةٌ، وَالعَدلُ لَا يَسُودُ. وَالأحكَامُ تَصْدُرُ مُلتَوِيَةً، لِأنَّ الشِّرِّيرَ يُحِيطُ بِالبَارِّ. «انْظُرُوا بَيْنَ الأُمَمِ وَتَعَجَّبُوا! لِأنَّهُ سَيُعمَلُ عَمَلًا فِي أيَّامِكُمْ لَنْ تُصَدِّقُوهُ حَتَّى لَوْ أخبَرَكُمْ أحَدٌ! لِأنَّنِي أُنْهِضُ البَابِلِيِّينَ الأُمَّةَ اللَّئِيمَةَ المُندَفِعَةَ الَّتِي تَسِيرُ إلَى أطرَافِ الأرْضِ لِتَمْتَلِكَ مَسَاكِنَ لَيْسَتْ لَهَا. إنَّهَا مُخِيفَةٌ وَمُرعِبَةٌ. وَمِقيَاسُ عَدَالَتِهَا وَشَرَفِهَا يَتَغيَّرُ وَفْقًا لِمَصلَحَتِهَا. خَيلُهَا أسرَعُ مِنَ النُّمُورِ وَأشرَسُ مِنْ ذِئَابِ البَرِّيَّةِ، تَرْفَعُ حَوَافِرَهَا حِينَ تَقْفِزُ. تَأْتِي مِنْ أرْضٍ بَعِيدَةٍ، وَتَطِيرُ كَالنُّسُورِ المُسرِعَةِ إلَى الأكلِ. جَاءَتْ جَمِيعًا لِلعُنفِ. وَوُجُوهُهَا مُثَبَّتَةٌ نَحْوَ هَدَفِهَا، لِتَجْمَعَ أسْرَى بِعَدَدِ الرَّملِ.» تَسْتَهْزِئُ بَابِلُ بِالمُلُوكِ، وَتَسْخَرُ بِالقَادَةِ. تَسْتَهِينُ بِكُلِّ مَدِينَةٍ مُحَصَّنَةٍ. وَتُحَاصِرُهَا بِحَوَاجِزَ مِنَ التُّرَابِ. ثُمَّ يَتَغَيَّرُ اتِّجَاهُهَا كَمَا يَتَغَيَّرُ اتِّجَاهُ الرِّيحِ، وَتُغَادِرُ. فَقُلْتُ فِي دَهشَتِي: «بَابِلُ تَعْتَبِرُ قُوَّتَهَا إلَهًا لَهَا!» ألَسْتَ مَوجُودًا مُنْذُ الأزَلِ؟ القُدُّوسُ، أنْتَ لَا تَمُوتُ. يَا اللهُ ، هَلِ اختَرْتَ بَابِلَ لِتَحْقِيقِ عَدَالَتِكَ؟ يَا صَخرَتِي، هَلْ أسَّسْتَهَا لِتَأْدِيبِ بَنِي إسْرَائِيلَ؟ عَينَاكَ أطهَرُ مِنْ أنْ تَنْظُرَا إلَى الشَّرِّ، وَأنْتَ لَا تَرْغَبُ فِي رُؤيَةِ الضِّيقِ. فَلِمَاذَا تَتَسَامَحُ مَعَ المُخَادِعِينَ؟ لِمَاذَا تَكُونُ صَامِتًا حِينَ يَبْتَلِعُ الشِّرِّيرُ مَنْ هُوَ أبَرُّ مِنْهُ؟ جَعَلْتَ النَّاسَ كَسَمَكِ البَحْرِ، كَالمَخْلُوقَاتِ البَحرِيَّةِ الَّتِي لَا قَائِدَ لَهَا. تُمسِكُ بَابِلُ الجَمِيعَ بِصِنَّارَةِ السَّمَكِ. وَتَسْحَبُهُمْ بِشَبَكَتِهَا، وَتَجْمَعُهُمْ إلَى مِصْيَدَتِهَا، وَتَفْرَحُ بِذَلِكَ فَرَحًا كَبِيرًا. لِذَلِكَ، تُقَدِّمُ ذَبِيحَةً لِشَبَكَتِهَا، وَتُحرِقُ بَخُورًا لِمِصيَدَتِهَا. لِأنَّ الفَضلَ يَعُودُ إلَى شِبَاكِهَا فِي نَصِيبِهَا الكَبِيرِ وَطَعَامِهَا الدَّسِمِ. فَهَلْ سَتَسْتَمِرُّ فِي إفرَاغِ شَبَكَتِهَا وَفِي قَتلِ الأُمَمِ بِلَا شَفَقَةٍ؟ سَأقِفُ عَلَى بُرجِ المُرَاقَبَةِ، وَسَأنْتَصِبُ فِي مَكَانِي عَلَى السُّورِ. سَأنْظُرُ لِأرَى مَا سَيَقُولُهُ اللهُ لِي، وَكَيْفَ سَيَسْتَجِيبُ لِشَكوَايَ. فَأجَابَنِي اللهُ : «اكتُبْ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِوُضُوحٍ عَلَى ألوَاحٍ، لِيَرْكُضَ كُلُّ مَنْ يَقْرَأُهَا وَيُبَلِّغَهَا. لِأنَّ الرُّؤْيَا دَلِيلٌ عَلَى أنَّ الوَقْتَ قَدْ تَحَدَّدَ، وَأنَّ وَقْتَ النِّهَايَةِ قَدْ تَثَبَّتَ. إنْ بَدَا أنَّهَا تَتَحَقَّقُ بِبُطءٍ فَانتَظِرْهَا، لِأنَّهَا سَتَأْتِي وَلَنْ تَتَأخَّرَ. الَّذِي تَتَكَبَّرُ نَفْسُهُ لَنْ يَسْلُكَ بَاستِقَامَةٍ، أمَّا البَّارُّ فَبِالإيمَانِ يَحيَا. الثَّروَةُ كَالخَمْرِ الغَادِرَةِ، تَخْدَعُ الرَّجُلَ المُتَكَبِّرَ، وَالطَّمَّاعُ كَالهَاوِيَةِ لَنْ يَنْجَحَ. إنَّهُ كَالمَوْتِ الَّذِي لَا يَشْبَعُ بَتَاتًا. يَجْمَعُ الأُمَمَ إلَيْهِ، وَيُحضِرُ كُلَّ الشُّعُوبِ إلَى نَفْسِهِ. ألَنْ يَسْتَهْزِئَ كُلُّ هَؤُلَاءِ بِهِ، وَيَسْخَرُونَ بِهزِيمَتِهِ؟ سَيَقُولُونَ: ‹يَا لِحَسْرَتِكَ يَا مَنْ تُكَوِّمُ ثَروَةً لَيْسَتْ لَكَ! حَتَّى مَتَى سَتُغنِيكَ بَضَائِعُكَ المَرْهُونَةُ؟› ألَنْ يَقُومَ مُقرِضُوكَ فَجْأةً؟ ألَنْ يَسْتَيْقِظَ مُرعِبُوكَ؟ حِينَئِذٍ سَيَفْتَرِسُونَكَ. لِأنَّكَ سَلَبْتَ أُمَمًا كَثِيرَةً، فَإنَّ بَقِيَّةَ الأُمَمِ سَتَسْلِبُكَ، بِسَبَبِ الدَّمِ الَّذِي سُفِكَ وَالظُّلمِ الَّذِي أتَى عَلَى الأرْضِ، عَلَى المَدينةِ وَعلَى سَاكِنِيهَا. وَيْلٌ لَكَ يَا مَنْ تَبْنِي بُيُوتَكَ بِالظُّلْمِ! تَضَعُ عُشِّكَ عَالِيًا لِتَحْمِيَ نَفْسَكَ مِنَ الأذَى. لَقَدْ خَطَّطْتَ لِذُلِّ وَمَهَانَةِ بَيْتِكَ، إذْ أفنَيتَ شُعُوبًا كَثِيرَةً. أخطأتَ فِي حَقِّ نَفسِكَ. لِأنَّ حَجَرًا مِنْ جِدَارِ بَيْتِكَ سَيَصْرُخُ ضِدَّكَ، وَعَارِضَةً خَشَبِيَّةً سَتُرَدِّدُ الصَّدَى. وَيْلٌ لَكَ يَا مَنْ تَبْنِي مَدِينَةً بِدِمَاءِ الأبرِيَاءِ، يَا مَنْ تُؤَسِّسُ قَريَةً بِالشَّرِّ وَالأذَى! لَكِنَّ اللهَ القَدِيرَ يُرْسِلُ نَارًا، فَتَأْكُلَ تَعَبَ الشُّعُوبِ، وَيَكُوُنُ كُلُّ عَنَائِهِمْ هَبَاءً. لِأنَّ الأرْضَ سَتَمْتَلِئُ مِنْ مَجْدِ اللهِ ، كَمَا تُغَطِّي المِيَاهُ البَحْرَ. وَيْلٌ لَكَ يَا مَنْ تُسكِرُ صَاحِبَكَ. يَا مَنْ تَسْكُبُ غَضَبَكَ، وَتُسكِرُهُ بِهِ لِتَنْظُرَ إلَى عُرْيِهِ. شَبِعْتَ إهَانَةً بَدَلَ الكَرَامَةِ. أنْتَ أيْضًا سَتَشْرَبُ وَتَكْشِفُ نَفْسَكَ. كَأسُ الغَضَبِ الَّذِي فِي يَمِينِ اللهِ لَكَ، وَسَيَحِلُّ بِكَ الخِزْيُ مَكَانَ المَجْدِ. لِأنَّ الظُّلمَ الَّذِي حَلَّ بِلُبنَانَ سَيُغَطَّيكَ، وَهَلَاكُ حَيَوَانَاتِهِ سَيُرْعِبُكَ. بِسَبَبِ الدَّمِ وَالعُنفِ اللَّذِينِ أتَيَا عَلَى الأرْضِ، عَلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَسَاكِنِيهَا.» مَا الفَائِدَةُ مِنْ وَثَنٍ يَنْحَتُهُ النَّحَّاتُ؟ هُوَ لَيْسَ سِوَى شَكلٍ مَسْبُوكٍ يَكْذِبُ صَانِعُهُ عَلَى نَفْسِهِ! لِأنَّهُ يَتَكِلُّ عَلَى تِمثَالٍ أخرَسَ. وَيْلٌ لَكَ يَا مَنْ تَقُولُ لِخَشَبَةٍ: «استَيْقِظِي!» أوْ تَقُولُ «قُومِي!» لِصَخرَةٍ صَمَّاءَ. هَلْ يُعَلِّمُكَ التِّمْثَالُ؟ هَا إنَّهُ مَطلِيٌّ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلِيسَ فِيهِ نَفَسٌ. لَكِنَّ اللهَ فِي هَيْكَلِهِ المُقَدَّسِ، فَاصْمُتِي أمَامَهُ يَا كُلَّ الأرْضِ. هَذِهِ صَلَاةُ حَبَقُّوقَ النَّبِيِّ بِحَسَبِ الرؤيَا الَّتِي رآهَا: يَا اللهُ ، سَمِعْتُ عَنْ مَا عَمِلْتَهُ، وَامْتَلأْتُ خَوْفًا مِمَّا عَمِلْتَهُ عَبْرَ السِّنِينَ. أحْيِي عَمَلَكَ ذَاكَ. عَرِّفْ بِعَمَلِكَ فِي وَسَطِ السِّنِينَ. وَأظْهِرْ رَحْمَتَكَ حَتَّى فِي غَضَبِكَ. اللهُ يَأْتِي مِنْ تَيْمَانَ، القُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. مَجْدُهُ يُغَطِّي السَّمَاءَ، وَالأرْضُ مُمتَلِئَةٌ بِتَرَانِيمِ التَّسبِيحِ لَهُ. يَأْتِي اللَّمَعَانُ كَالبَرْقِ، وَمَعَهُ شُعَاعُ بَرْقٍ فِي يَدِهِ لَهُ شُعْبَتَانِ. يُخفِي قُوَّتَهُ. يَسِيرُ الوَبَاءُ أمَامَهُ، وَالحُمَّى تَخْرُجُ عِنْدَ قَدَمَيهِ. وَقَفَ وَهَزَّ الأرْضَ، نَظَرَ فَاهتَزَّتِ الأُمَمُ مُرتَعِبَةً. تَحَطَّمَتِ الجِبَالُ القَدِيمَةُ، وَالتِّلَالُ العَتِيقَةُ هَبَطَتْ. يَسْلُكُ السُّبُلَ الَّتِي سَلَكَهَا قَدِيمًا. بَدَلًا مِنَ الظُّلمِ الَّذِي رَأيْتُهُ، تَرْتَجِفُ خِيَامُ كُوشَانَ، وَسَتَائِرُ خِيَامِ أرضِ مِدْيَانَ كَذَلِكَ. يَا اللهُ ، هَلِ اشتَعَلَ غَضَبُكَ عَلَى الأنهَارِ؟ هَلْ حَمِيَ غَضَبُكَ عَلَى الأنهَارِ، وَسَخَطُكَ عَلَى البَحْرِ؟ ألِهَذَا تَرْكَبُ عَلَى خُيُولٍ وَمَرْكَبَاتٍ لِأجْلِ الِانْتِصَارِ؟ تُخرِجُ قَوسَكَ مِنْ كِنَانَتِهِ، وَتَملأُهُ بِسِهَامٍ لَا تُحْصَى. تَشُقُّ الأرْضَ بِالأودِيَةِ. رَأتْكَ الجِبَالُ فَتَلَوَّتْ مِنَ الألَمِ. سَكَبَتِ الغُيُومُ الثَّقِيلَةُ مِيَاهَهَا، وَأعمَاقُ المُحِيطَاتِ زَمْجَرَتْ حِينَ رَفَعَتْ أيدِيهَا لِلإحَاطَةِ بِاليَابِسَةِ. الشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَقَفَا فِي مَسكَنِهِمَا المُرْتَفِعِ. النُّورُ الوَحِيدُ هُوَ نُورُ سِهَامِكَ الطَّائِرَةِ، بَرِيقُ رُمحِكَ يُنِيرُ السَّمَاءَ. تَدُوسُ الأرْضَ بِسَخَطٍ، وَتَسْحَقُ الأُمَمَ بِغَضَبٍ. خَرَجْتَ لِتُنقِذَ شَعْبَكَ، لِتُنقِذَ المَلِكَ الَّذِي مَسَحْتَهُ. ضَرَبْتَ قَائِدَ الأشْرَارِ، وَنَزَعْتَ جِلْدَهُ مِنْ أسفَلِ ظَهرِهِ إلَى عُنُقِهِ. طَعَنْتَ بِسِهَامِهِ قَائِدَ جُنُودِهِ الَّذِينَ هَجَمُوا عَلَيْنَا كَعَاصِفَةٍ لِيُبَدِّدُونَا. احتَفَلُوا كَمَنْ يَفْرَحُ بِالتِهَامِ مِسكِينٍ فِي الخَفَاءِ. دُسْتَ عَلَى البَحْرِ بِخَيلِكَ فَهَيَّجْتَ المِيَاهَ العَظِيمَةَ. سَمِعْتُ هَذَا، فَارتَعَبَتْ أحشَائِي. ارتَجَفَتْ شَفَتَايَ عِنْدَ سَمَاعِ الصَّوتِ. شَعَرْتُ كَأنَّ النَّخْرَ يَدْخُلُ إلَى عِظَامِي، ارتَجَفَتْ رِجلَايَ تَحْتِي. سَأنتَظِرُ بِصَبْرٍ مَجِيءَ وَقْتِ الضِّيقِ عَلَى الَّذِينَ يُهَاجِمُونَنَا. فِإنْ كَانَ شَجَرُ التِّينِ لَا يُزْهِرُ، وَلَا تُنتِجُ الكُرُومُ عِنَبًا، وَإنْ ذَبُلَ شَجَرُ الزَّيْتُونِ، وَلَمْ تُعطِ الحُقُولُ طَعَامًا، وَإنْ فَرَغَتْ حَظِيرةُ الغَنَمِ، وَلَمْ يَكُنْ بَقَرٌ فِي الزَّرَائِبِ، فَإنَّنِي سَأفرَحُ بِاللهِ ، وَأبْتَهِجُ بِاللهِ الَّذِي يُخَلِّصُنِي. اللهُ رَبِّي هُوَ قُوَّتِي. يَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَقَدَمَي غَزَالٍ، فَأمشِيَ عَلَى المُرْتَفَعَاتِ. لِقَائِدِ التَّسبِيحِ، عَلَى الآلَاتِ الوَتَرِيَّةِ. هَذِهِ هِيَ كَلِمَةُ اللهِ الَّتِي أتَتْ إلَى صَفَنْيَا بْنِ كُوشِي بْنِ جَدَلْيَا بْنِ أمَرِيَا بْنِ حَزَقِيَّا خِلَالَ فَتْرَةِ حُكْمِ يُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا. يَقُولُ اللهُ : «سَأُبِيدُ كُلَّ شَيءٍ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ. سَأُبِيدُ الإنْسَانَ وَالحَيَوَانَ، وَسَأُبِيدُ طُيُورَ السَّمَاءِ وَسَمَكَ البَحْرِ، وَسَأُبِيدُ الأشْرَارَ وَالأشْيَاءَ الَّتِي تَقُودُهُمْ إلَى الشَّرِّ. سَأطرُدُ البَشَرَ مِنَ الأرْضِ.» يَقُولُ اللهُ . «سَأمُدُّ يَدَيَّ علَى يَهُوذَا وَكُلَّ سُكَّانِ القُدْسِ، وَسَأُزِيلُ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِعِبَادَةِ البَعْلِ، فَلَا يَعُودُوا يَذْكُرُونَ أسْمَاءَ الكَهَنَةِ الكَنعَانِيِّينَ مَعَ كَهَنَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. سَأطرُدُ الَّذِينَ يَسْجُدُونَ عَلَى سُطُوحِ مَنَازِلِهِمْ لِلأجْرَامِ السَّمَاويةِ، وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ للهِ وَيُقْسِمُونَ بِهِ ثًمَّ يُقسِمُونَ بِالإلهِ مَلْكُومَ. وَسَأطْرُدُ الَّذِينَ يَتَرَاجَعُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ ، الَّذِينَ لَا يَبْحَثُونَ عَنِ اللهِ وَلَا يَطْلُبُونَ مَشُورَتَهُ.» اصْمُتْ أمَامَ الرَّبِ الإلَهِ لِأنَّ يَوْمَ اللهِ قَرِيبٌ. لِأنَّ اللهَ أعَدَّ ذَبِيحَةً وَكَرَّسَ المَدعُوِّينَ. يَقُولُ اللهُ : «فِي يَوْمِ ذَبِيحَةِ اللهِ ، سَأُعَاقِبُ القَادَةَ وَأبْنَاءَ المَلِكِ وَالَّذِينَ يَرْتَدُونَ ثِيَابًا غَرِيبَةً. وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُعَاقِبُ مَنْ يَقْفِزُونَ مِنْ فَوْقِ العَتَبَةِ، وَالَّذِينَ يَملأونَ بَيْتَ سَيِّدِهِمْ بِالعُنفِ وَالخِدَاعِ.» يَقُولُ اللهُ : «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتُسمَعُ صَرخَةُ استِغَاثَةٍ مِنْ بَوَّابَةِ السَّمَكِ، وَنُواحٌ مِنَ جَانِبِ المَدِينَةِ الآخَرِ، وَصَوْتُ حُطَامٍ عَظِيمٍ مِنَ التِّلَالِ. نُوحُوا يَا سُكَّانَ المِنْطَقَةِ المُنخَفِضَةِ، لِأنَّ كُلَّ التُّجَّارِ قَدْ هَلِكُوا، وَطُرِدَ صَيَارِفَةُ الفِضَّةِ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُفَتِّشُ فِي كُلِّ مَدِينَةِ القُدْسِ عَلَى ضَوْءِ مِصبَاحٍ، وَسَأُعَاقِبُ المُسْتَقِرِّينَ كَبَقَايَا خَمْرٍ فِي بِرْميلٍ. يَقُولُونَ لِأنْفُسِهِمْ: ‹لَنْ يعملَ اللهُ خَيْرًا وَلَا شَرًّا.› فَسَتُصْبِحُ ثَروَتُهُمْ غَنِيمَةً، وَبُيُوتُهُمْ سَتُدَمَّرُ. سَيَبْنُونَ بُيُوتًا، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَسْكُنُوا فِيهَا، وَسَيَزْرَعُونَ كُرُومًا، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَشْرَبُوا نَبِيذَهَا.» يَوْمُ اللهِ العَظِيمُ قَرِيبٌ، وَيَقْتَرِبُ سَرِيعًا. صَوْتُ يَوْمِ اللهِ مُرٌّ، فِيهِ يَصْرُخُ المُحَارِبُونَ. ذَلِكَ اليَوْمُ يَوْمُ غَضَبٍ، يَوْمُ ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، يَوْمُ خَرَابٍ وَتَدْمِيرٍ، يَوْمُ ظُلمَةٍ وَقَتَامٍ، يَوْمُ سُحُبٍ مُظلِمَةٍ كَثِيفَةٍ، يَوْمُ صَوْتِ البُوقِ وَصَرَخَاتِ الحَرْبِ عَلَى المُدُنِ الحَصِينَةِ وَعَلَى الأبْرَاجِ العَالِيَةِ. يَقُولُ اللهُ: «سَأجْلِبُ الضِّيقَ عَلَيْهِمْ فَيَسْهَرُونَ كَالعُمْيِ. لِأنَّ بَنِي يَهُوذَا أخطَأُوا إلَى اللهِ ، سَيُسكَبُ دَمُهُمْ كَالتُّرَابِ، وَسَيُلْقَى بِأجسَادِهِمْ كَالفَضَلَاتِ. كُلُّ مَالِهِمْ لَنْ يُخَلِّصَهُمْ. سَتُؤْكَلُ كُلُّ الأرْضِ فِي يَوْمِ غَضَبِ اللهِ ، فِي نَارِ غَيْرَتِهِ. فَاللهُ سَيُبِيدُ جَمِيعَ سُكَّانِ الأرْضِ تَمَامًا.» اجْتَمِعُوا اجْتَمِعُوا يَا شَعْبَ الأُمَّةِ الَّتِي لَا تَعْرِفُ الخَجَلَ، قَبْلَ أنْ تُطرَدُوا كَالقَشِّ الَّذِي يَخْتَفِي فِي يَوْمٍ، وَقَبْلَ أنْ يَأْتِيَ يومُ غَضَبِ اللهِ الشَّدِيدِ عَلَيْكُمْ. اطْلُبُوا اللهَ أيُّهَا المُتَوَاضِعُونَ فِي الأرْضِ، يَا مَنْ تُطِيعُونَ وَصَايَاهُ. اطْلُبُوا البِرَّ، اطْلُبُوا التَّوَاضُعَ. فَلَعَلَّكُمْ تُسْتَرُونَ فِي يَوْمِ غَضَبِ اللهِ . فَغَزَّةُ سَتُهجَرُ، وَأشْقَلُونُ سَتُخَرَّبُ، وَأشْدُودُ سَيُطرَدُ أهْلُهَا فِي مُنْتَصَفِ النَّهَارِ، وَعِقْرُونُ سَتُستَأْصَلُ. يَا مَنْ تَسْكُنِينَ بِجَانِبِ البَحْرِ، يَا أُمَّةَ الكِرِيتِيِّينَ، اللهُ يُنبِئُ بِدَمَارِكِ يَا كَنْعَانُ، يَا أرْضَ الفِلِسْطِيِّينَ. يَقُولُ اللهُ: «سَأقْضِي عَلَيْكُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى أحَدٌ مِنْكُمْ.» حِينَئِذٍ سَيُصبِحُ سَاحِلُ البَحْرِ مَرَاعيَ وَآبَارًا لِلرُّعَاةِ وَحَظَائِرَ لِلغَنَمِ. سَيَكُونُ سَاحِلُ البَحْرِ لِمَنْ يَنْجُو مِنْ بَنِي يَهُوذَا. سَيَرْعَوْنَ غَنَمَهُمْ هُنَاكَ. وَسَيَنَامُ بَنُو يَهُوذَا فِي المَسَاءِ فِي بُيُوتِ أشْقَلُونَ، لِأنَّ سَيَهْتَمُّ بِهِمْ، وَيَرُدُّهُمْ مِنَ السَّبْيِ. يَقُولُ اللهُ: «سَمِعْتُ تَعْيِيرَ مُوآبَ وَسُخْرِيَةَ وَاسْتِهزَاءَ العَمُّونِيِّينَ الَّتِي بِهَا أهَانُوا شَعْبِي، وَرَأيْتُ كَيْفَ أنَّهُمْ نَظَرُوا بِطَمَعٍ إلَى حُدُودِ يَهُوذَا. لِذَلِكَ أُقْسِمُ بِذَاتِي، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ، إنَّ مُوآبَ سَتَصِيرُ مِثْلَ سَدُومَ، وَإنَّ عَمُّونَ سَتَصِيرُ مِثْلَ عَمُورَةَ. سَتَمْتَلِئُ أرْضُهُمْ بِالزَّوَانِ وَالشَّوْكِ، وَتَصِيرُ كَحُفرَةِ مِلْحٍ، وَكَأرْضٍ خَرِبَةٍ مَهجُورَةٍ إلَى الأبَدِ. أمَّا النَّاجُونَ مِنْ شَعْبِي فَسَيَسْلِبُونَ أرْضَهُمْ كَغَنِيمةِ حَرْبٍ وَيَمْتَلِكُونَهَا.» هَذَا نَصِيبُ مُوآبَ وَعَمُّونَ بِسَبَبِ كِبرِيَائِهِمْ، لِأنَّهُمْ أهَانُوا شَعْبَ اللهِ القَدِيرِ، وَاستَهَانُوا بِهِ. سَيُرعِبُهُمُ اللهُ ، وَسَيَجْعَلُ كُلَّ آلِهَةِ الأرْضِ هَزِيلَةً. سَيَسْجُدُ النَّاسُ لَهُ عَابِدِينَ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتِهِ، وَفِي كُلِّ سَاحِلٍ بَعِيدٍ. وَحَتَّى أنْتُمْ أيُّهَا الكُوشِّيونَ سَتُقْتَلونَ بِسَيفِ الرَّبِّ. سَيَمُدُّ يَدَهُ عَلَى الشِّمَالِ وَيُدَمِّرُ أشُّورَ. سَيَجْعَلُ نِينَوَى خَرِبَةً جَافَّةً كَالصَّحرَاءِ. وَكُلُّ قُطعَانِ الحَيَوَانَاتِ وَكُلُّ أنْوَاعِ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ سَتَسْكُنُ فِيهَا. البُومُ وَالقَنَافِذُ سَتَبِيتُ فِي أعمِدَتِهَا المُدَمَّرَةِ. سَتُغَرِّدُ الطُّيُورُ دَائِمًا عَلَى نَوَافِذِهَا، وَتَصِيحُ الغِرْبَانُ عَلَى عَتَبَاتِهَا، لِأنَّ اللهَ قَشَّرَ الخَشَبَ عَنْهَا. أهَذِهِ هِيَ المَدِينَةُ الفَرِحَةُ المُبتَهِجَةُ الآمِنَةُ الَّتِي كَانَتْ تَقُولُ لِنَفْسِهَا: «أنَا المَدِينَةُ الفَرِيدَةُ!» كَيْفَ صَارَتْ خَرِبَةً؟ كَيْفَ صَارَتْ مَكَانًا لِلحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ؟ كُلُّ مَنْ يَمُرُّ بِهَا سَيُصَفِّرُ وَيَهُزُّ قَبْضَتَهُ مُندَهِشًا! وَيْلٌ لَكِ أيَّتُهَا المَدِينَةُ المُتَمَرِّدَةُ الفَاسِدَةُ الظَّالِمَةُ! الَّتِي لَمْ تُنصِتْ وَلَمْ تَقْبَلِ التَّأدِيبَ، الَّتِي لَمْ تَثِقْ بِاللهِ ، وَلَمْ تَتَقَرَّبْ إلَيْهِ بِالتَّقْدِمَاتِ. قَادَتُهَا كَالأُسُودِ المُزَمجِرَةِ. قُضَاتُهَا كَذِئَابِ المَسَاءِ الَّتِي لَا تَتْرُكُ شَيْئًا لِلصَّبَاحِ. أنبِيَاؤُهَا جَشِعُونَ خَائِنُونَ. كَهَنَتُهَا يُنَجِّسُونَ مَا هُوَ مُقَدَّسٌ، وَيُخَالِفُونَ الشَّرِيعَةَ وَيَتَعَدُّونَهَا. لَكِنَّ اللهَ ، الَّذِي هُوَ فِيهَا، بَارٌّ، وَهُوَ لَا يَعْمَلُ شَرًّا. صَبَاحًا وَرَاءَ صَبَاحٍ يَعْمَلُ مَا هُوَ عَادِلٌ، وَفِي المَسَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَنْ عَمَلِ العَدلِ. وَلَكِنَّ الشِّرِّيرَ لَا يَخْجَلُ. يَقُولُ اللهُ: «أفْنَيتُ أُمَمًا، وَهَدَّمْتُ أبرَاجَهُمْ. أخرَبْتُ شَوَارِعَهُمْ فَلَا تَعُودُ تُعْبَرُ. صَارَتْ مُدُنُهُمْ خَرَابًا بِلَا سَاكِنٍ. قُلْتُ: لَا بُدَّ أنَّكِ سَتَخَافِينَ مِنِّي، وَتَقْبَلِينَ تأدِيبِي. فَلَا يَزُولَ بَيتُكِ.» لَكِنَّ شَعْبَكِ كَانُوا أكْثَرَ حَمَاسًا لِلعَمَلِ بِحَسَبِ طُرُقِهِمُ الفَاسِدَةِ. يَقُولُ اللهُ : «انتَظِرُونِي إلَى اليَوْمِ الَّذِي أقُومُ فِيهِ لِأشْهَدَ. لِأنِّي قَرَّرْتُ أنْ أجمَعَ الأُمَمَ وَالمَمَالِكَ، لِأسْكُبَ عَلَيْهِمْ غَضَبِي وَسَخَطِي. فَفِي نَارِ غَيْرَتِي سَتُحرَقُ كُلُّ الأرْضِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُطَهِّرُ كَلَامَ النَّاسِ كَي يَدْعُوا جَمِيعُهُمْ بِاسْمِ اللهِ فَيَخْدِمُونَهُ مَعًا. مِنْ وَرَاءِ أنْهَارِ كُوشٍ، شَعْبِي المُشَتَّتُ الَّذِي يَعْبُدُنِي، سَيَأْتِي بِتَقْدِمَةٍ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، لَنْ تَخْزَي بِسَبَبِ كُلِّ الجَرَائِمِ الَّتِي ارْتَكَبْتِهَا بِحَقِّي. فَأنَا، فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُزِيلُ مِنْ وَسَطِكِ كُلَّ المُتَفَاخِرِينَ، وَلَنْ تَعُودِي تَتَصَرَّفِينَ بِعَجرَفَةٍ وَكِبْرِيَاءٍ عَلَى جَبَلِي المُقَدَّسِ. لَكِنِّي سَأُبْقِي فِيكِ شَعْبًا مُتَوَاضِعًا يَتَّكِلُ عَلَى اسْمِ اللهِ . أمَّا النَّاجُونَ مِنْ إسْرَائِيلَ فَلَنْ يَعْمَلُوا شَرًّا وَلَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالكَذِبِ، وَلَنْ يُوجَدَ فِي أفوَاهِهِم خِدَاعٌ. لِأنَّهُمْ سَيَرْعَوْنَ وَيَرْبِضُونَ بِلَا خَوْفٍ مِنْ سَالِبِيهِمْ.» يَا صِهْيَوْنُ العَزِيزَةُ، غَنِّي! يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، اهتِفُوا بِفَرَحٍ! أيَّتُهَا القُدْسُ العَزِيزَةُ، ابتَهِجِي وَافرَحِي بِكُلِّ قَلْبِكِ! رَفَع اللهُ الحُكْمَ عَنْكِ. وَرَدَّ أعْدَاءَكِ الَّذِينَ أرسَلَهُمْ. اللهُ هُوَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ، وَهُوَ فِي وَسَطِكِ، فَلَا تَخْشَي مِنَ العِقَابِ فِيمَا بَعْدُ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَقُولُ النَّاسُ لِمَدِينَةِ القُدْسِ: «يَا صِهْيَوْنُ، لَا تَخَافِي وَلَا تَسْتَسْلِمِي. فِي وَسَطِكِ. إنَّهُ جَبَّارٌ يُنقِذُكِ. يَتَغَنَّى فَرَحًا بِكِ وَيُجَدِّدُ مَحَبَّتَهُ لَكِ. سَيَفْرَحُ بِكِ بِابتِهَاجٍ، وَكَمَا يُصنَعُ فِي يَوْمٍ مُقَدَّسٍ، سَأرفَعُ العَارَ عَنْكِ، فَلَا يَسْخَرُ بِكِ أحَدٌ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سأُعَاقِبُ ظَالِمِيكِ. سَأُنقِذُ الأعْرَجَ، وَسَأُعِيدُ المَطرُودِينَ وَأجمَعُهُمْ. سَأُعْطِيهِمْ مَدِيحًا وَسُمعَةً حَسَنَةً فِي كُلِّ أرْضٍ تَعَرَّضُوا فِيهَا لِلخِزْيِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُعِيدُكُمْ. حِينَ أُعِيدُكُمْ وَأجمَعُكُمْ، سَأُعْطِيكُمْ سُمعَةً حَسَنَةً وَتَسْبِيحًا وَسَطَ كُلِّ شُعُوبِ الأرْضِ، حِينَ أُعِيدُ ثَرَوَاتِكُمُ الَّتِي سَتَرَوْنَهَا بِعُيونِكُمْ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ . فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِحُكْمِ المَلِكِ دَاريَوْسَ، فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ، فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، تَكَلَّمَ اللهُ عَلَى فَمِ النَّبِيِّ حَجَّي إلَى زَرُبَّابِلَ بِنِ شَألَتْئِيلَ وَالِي يَهُوذَا، وَإلَى يَشُوعَ بِنِ يَهُوصَادَاقَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ، فَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ القَدِيرُ: ‹يَقُولُ هَؤُلَاءِ النَّاسُ: لَمْ يَحِنِ الوَقْتُ بَعْدُ لِإعَادَةِ بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ !›» لِذَلِكَ تَكَلَّمَ اللهُ عَلَى فمِ النَّبيِّ حَجَّي فَقَالَ: «هَلْ أتَى الوَقْتُ لِتَسْكُنُوا فِي بُيُوتٍ مَكسُوَّةٍ بِأثمَنِ الخَشَبِ، بَيْنَمَا هَذَا الهَيْكَلُ خَرَابٌ؟ وَالْآنَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: ‹انْظُرُوا مَا حَدَثَ مَعَكُمْ! زَرَعْتُمْ كَثِيرًا وَحَصَدْتُمُ قَلِيلًا. تَأْكُلُونَ وَلَا تَشْبَعُونَ، وَتَشْرَبُونَ وَلَا تَرْتَوُونَ، وَتَلْبَسُونَ وَلَا تَدْفَأُونَ. وَمَنْ يَكْسِبُ مَالًا يَضَعُهُ فِي مِحفَظَةٍ مَثْقُوبَةٍ.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «انْظُرُوا مَا حَدَثَ مَعَكُمْ. اصْعَدُوا إلَى الجِبَالِ وَأحضِرُوا بَعْضَ الخَشَبِ لِإعَادَةِ بِنَاءِ الهَيْكَلِ. حِينَئِذٍ سَأكُونُ مَسْرُورًا بِهِ، وَسَأتَمَجَّدُ فِيهِ،» يَقُولُ اللهُ . يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «كُنْتُمْ تَنْتَظِرُونَ حَصَادًا عَظِيمًا، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَى القَلِيلِ. وَأحضَرْتُمْ ذَلِكَ القَلِيلَ إلَى بُيُوتِكُمْ، فَنَفَخْتُ عَلَيْهِ وَحَمَلْتُهُ بَعِيدًا. هَذَا لِأنَّ بَيْتِي خَرِبٌ، بَيْنَمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنكُم مَشْغُولٌ بِشُؤُونِ بَيْتِهِ. لِذَلِكَ مَنَعَتِ السَّمَاءُ مَطَرَهَا وَنَدَاهَا، وَمَنَعَتِ الأرْضُ غَلَّتَهَا عَنْكُمْ. وَأنَا دَعَوْتُ جَفَافًا عَلَى الأرْضِ وَالجِبَالِ وَالتِّلَالِ وَالحُبُوبِ وَالنَّبِيذِ وَالزَّيْتِ، وَعَلَى كُلِّ مَا تُخرِجُهُ الأرْضُ، وَعَلَى النَّاسِ وَالحَيَوَانَاتِ، وَعَلَى كُلِّ مَا تَصْنَعُهُ الأيدِي.» فَأطَاعَ زَرُبَّابِلُ بْنُ شَألْتَئِيلَ، وَيَشُوعُ بْنُ يَهُوصَادَاقَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ، وَبَقِيَّةُ الشَّعْبِ أمْرَ فِي الرِّسَالَةِ الَّتِي أرسَلَهَا عَلَى فَمِ النَّبِيِّ حَجَّي. وَكَانَتْ مَهَابَةُ اللهِ فِي جَمِيعِ الشَّعْبِ. حِينَئِذٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ حَجَّي لِلشَّعْبِ مِنْ أجْلِ إيصَالِ الرِّسِالَةِ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ إلَيْهِ: «‹أنَا مَعَكُمْ،› يَقُولُ اللهُ .» حِينَئِذٍ شَجَّعَ اللهُ زَرُبَّابِلَ بْنَ شَألَتَئِيلَ، وَالِيَ يَهُوذَا، وَشَجَّعَ يَشُوعَ بْنَ يَهُوصَادَاقَ رَئِيسَ الكَهَنَةِ، وَشَجَّعَ جَمِيعَ الشَّعْبِ البَاقِينَ، فَأتَوْا وَأنجَزُوا العَمَلَ فِي بَيْتِ القَدِيرِ. حَدَثَ هَذَا فِي اليَوْمِ الرَّابِعِ وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّادِسِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حُكْمِ دَاريُوسَ. وَفِي اليَوْمِ الحَادِي وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حُكْمِ المَلِكِ دَارْيُوسَ، تَكَلَّمَ اللهُ عَلَى فَمِ حَجَّي النَّبِيِّ فَقَالَ: «قُلْ لِزَرُبَّابِلَ بْنِ شَألْتَئِيلَ، وَالِي يَهُوذَا، وَلِيَشُوعَ بْنِ يَهُوصَادَاقَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ، وَلِبَقِيَّةِ الشَّعْبِ: ‹مَنْ مِنْكُمْ أيَّهَا النَّاجُونَ رَأى هَذَا الهَيْكَلَ فِي مَجْدِهِ الأوَّلِ؟ وَكَيْفَ تَرَوْنَهُ الآنَ؟ ألَا يَبْدُو كَلَا شَيءٍ بِالنِّسْبَةِ لَكُمْ؟ لَكِنْ تَشَدَّدْ يَا زَرُبَّابِلُ، يَقُولُ اللهُ . تَقَوَّ يَا رَئِيسَ الكَهَنَةِ يَشُوعَ بْنَ يَهُوصَادَاقَ، وَتَقَوُّوا يَا بَقِيَّةَ سُكَّانِ الأرْضِ، يَقُولُ اللهُ ، وَاعْمَلُوا لِأنِّي مَعَكُمْ جَمِيعًا،› يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «‹هَذَا هُوَ العَهْدُ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَكُمْ حِينَ خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرٍ: رُوحِي سَيَبْقَى دَائِمًا فِي وَسَطِكُمْ. فَلَا تَخَافُوا. فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: بَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ سَأُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَالبَحْرَ وَاليَابِسَةَ ثَانِيَةً. وَسَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ، وَسَتَأْتِي كُنُوزُ كُلِّ الأُمَمِ، وَسَأملأُ بَيْتِي هَذَا بِالمَجْدِ، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. الفِضَّةُ وَالذَّهَبُ لِي، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. وَمَجْدُ البَيْتِ الثَّانِي سَيَكُونُ أعْظَمَ مِنْ مَجْدِ البَيْتِ الأوَّلِ، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. وَفِي هَذَا المَكَانِ سَأمْنَحُ السَّلَامَ، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ.›» وَفِي اليَوْمِ الرَّابِعِ وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِحُكْمِ المَلِكِ دَاريُوسَ، تَكَلَّمَ اللهُ إلَى حَجَّي النَّبِيِّ قَائلًا: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: ‹اسْألِ الكَهَنَةَ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَقُلْ لَهُمْ: إنْ حَمَلَ إنْسَانٌ لَحْمًا مُقَدَّسًا فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ، وَلَمَسَ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ خُبْزًا أوْ طَبِيخًا أوْ نَبِيذًا أوْ زَيْتَ زَيْتُونٍ أوْ أيَّ نَوْعٍ مِنَ الطَّعَامِ، فَهَلْ هَذَا العَمَلُ يُقَدِّسُ هَذِهِ الأشْيَاءَ؟›» فَأجَابَ الكَهَنَةُ: «لَا.» ثُمَّ قَالَ حَجَّي: «إنْ لَمَسَ إنْسَانٌ نَجِسٌ، شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأشْيَاءِ، فَهَلْ تَتَنَجَّسُ؟» فَأجَابَ الكَهَنَةُ: «نَعَمْ تَتَنَجَّسُ.» فَقَالَ حَجَّي: «‹هَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ وَعَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي أمَامِي،› يَقُولُ اللهُ ‹وَكَذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَا يَعْمَلُونَهُ وَيُنتِجُونَهُ، وَكُلُّ مَا يُقَرِّبُونَهُ إلَيَّ نَجِسٌ. «‹وَالْآنَ تَأمَّلُوا مِنْ هَذَا اليَوْمِ فَصَاعِدًا: قَبْلَ أنْ يُوضَعَ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ فِي هَيْكَلِ اللهِ ، كَيْفَ كَانَ حَالُكُمْ؟ كَانَ أحَدُكُمْ يَأْتِي إلَى كَوْمَةٍ مِنَ الحُبوبِ مُتَوَقِّعًا عِشْرِينَ مِكيَالًا، فَلَا يَجِدُ سِوَى عَشْرَةٍ. أوْ يَأْتِي إلَى حَوْضِ مِعْصَرَةِ النَّبِيذِ لِيَغْرِفَ خَمْسِينَ إبْرِيقًا، فَلَا يَجِدُ سِوَى عِشْرِينَ. ضَرَبْتُكُمْ وَضَرَبْتُ كُلَّ مَا عَمِلْتُمُوهُ بِالأوبِئَةِ وَالعَفَنِ وَالبَرَدِ. لَكِنَّكُمْ لَمْ تَلْتَفِتُوا إلَيَّ،› يَقُولُ اللهُ . «تَأمَّلُوا بِهَذَا مِنَ اليَوْمِ فَصَاعِدًا. مِنَ اليَوْمِ الرَّابِعِ وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ، مِنَ اليَوْمِ الَّذِي وُضِعَ فِيهِ أسَاسُ بَيْتِ اللهِ ! أمَا تَزَالُ هُنَاكَ بُذُورٌ فِي المَخَازِنِ؟ أمَا تَزَالُ الكُرُومُ وَأشْجَارُ التِّينِ وَالرُّمَّانِ وَالزَّيْتُونِ جَرْدَاءَ بِلَا ثَمَرٍ؟ لَكِنِّي مِنْ هَذَا اليَوْمِ فَصَاعِدًا، سَأُبَارِكُكُمْ.» وَتَكَلَّمَ اللهُ ثَانِيَةً إلَى حَجَّي فِي اليَوْمِ الرَّابِعِ وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، فَقَالَ: «تَكَلَّمْ إلَى زَرُبَّابِلَ، وَالِي يَهُوذَا، فَقُلْ: ‹سَأُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ. سَأقلِبُ الحُكُومَاتِ وَأُدَمِّرُ قُوَّةَ المَمَالِكِ الأجنَبِيَّةِ. سَأقلِبُ المَرْكَبَاتِ وَرَاكِبِيهَا، وَالخُيُولَ وَفُرسَانَهَا. سَيَسْقُطُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِسَيفِ رَفِيقِهِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ،› يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، ‹سَآخُذُكَ يَا خَادِمِي زَرُبَّابِلَ بْنَ شَألْتَئِيلَ وَسَأجعَلُكَ كَخَاتَمٍ فِي إصبِعِي. لِأنِّي اختَرْتُكَ،›» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. فِي الشَّهْرِ الثَّامِنِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِحُكْمِ دَارْيُوسَ، مَلِكِ فَارِسَ، أتَتْ رِسَالَةٌ مِنَ اللهِ إلَى زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا بْنِ عِدُّو النَّبِيِّ. تَقُولُ الرِّسَالَةُ: غَضِبَ اللهُ جِدًّا عَلَى آبَائِكُمْ. وَلِذَا عَلَيْكَ أنْ تَقُولَ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: ‹ارجِعُوا إلَيَّ، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، فَأرجِعَ إلَيكُمْ، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ.› «لَا تَكُونُوا كَآبَائِكُمُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ الأنْبِيَاءُ قَدِيمًا: ‹يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ ارجِعُوا عَنْ مُمَارَسَاتِكُمُ الشِّرِّيرَةِ وَأعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ.› وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا وَلَمْ يُصْغُوا إلَيَّ،» يَقُولُ اللهُ . «أيْنَ آبَاؤكُمُ الآنَ؟ وَهَلْ يَحيَا الأنْبِيَاءُ إلَى الأبَدِ؟ كَلَامِي وَفَرَائِضْي الَّتِي أمَرْتُ خُدَّامِي الأنْبِيَاءَ بِإعلَانِهَا، ألَمْ تَكُنْ قَدْ وَصَلَتْ آبَاءَكُمْ؟ لَكِنَّهُمْ رَجِعُوا إلِيَّ وَقَالُوا: ‹لَقَدْ صَنَعَ اللهُ القَدِيرُ بِنَا بِحَسَبِ كَلَامِهِ، فَعَاقَبَنَا عَلَى أعْمَالِنَا وَسُلُوكِنَا.›» فِي اليَوْمِ الرَّابِعِ وَالعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الحَادِي عَشَرَ – أيْ شَهْرِ شُبَاطَ – فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حُكْمِ دَارْيُوسَ، أتَتْ رِسَالَةٌ مِنَ اللهِ إلَى زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا بْنِ عِدُّو النَّبِيِّ كَمَا يَلِي: رَأيْتُ فِي رُؤى اللَّيلِ فَارِسًا يَرْكَبُ فَرَسًا أحمَرَ، وَيَقِفُ وَسَطَ شَجَرِ الآسِ فِي الوَادِي. وَرَأيْتُ خَلْفَهُ ثَلَاثَةَ فُرْسَانٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أفرَاسٍ: أحمَرَ وَأشقَرَ وَأبَيْضَ. فَقُلْتُ: «مَنْ هَؤلَاءِ يَا سَيِّدِي؟» فَقَالَ لِيَ المَلَاكُ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي: «سَأُرِيكَ مَنْ هَؤلَاءِ.» حِينَئِذٍ قَالَ الوَاقِفُ بَيْنَ شَجَرِ الآسِ: «هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أرسَلَهُمُ اللهُ لِلتَّجَوُّلِ فِي الأرْضِ.» ثُمَّ قَالُوا هُمْ لِمَلَاكِ اللهِ الوَاقِفِ وَسَطَ الآسِ: «كُنَّا نَتَجَوَّلُ فِي الأرْضِ، وَإذَا الأرْضُ كُلُّهَا تَحيَا فِي هُدُوءٍ وَسَلَامٍ.» فَقَالَ مَلَاكُ اللهِ : «أيُّهَا الإلَهُ القَدِيرُ، إلَى مَتَى لَا تَرْحَمُ مَدِينَةَ القُدْسِ وَمُدُنَ يَهُوذَا الَّتِي غَضِبْتَ عَلَيْهَا مُدَّةَ السَّبْعِينَ سَنَةً الأخِيرَةَ؟» فَكَلَّمَ اللهُ المَلَاكَ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي، وَقَالَ لَهُ كَلَامًا طَيِّبًا وَمُعَزِّيًا. ثُمَّ طَلَبَ مِنِّي المَلَاكُ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي أنْ أُعْلِنَ مَا يَلِي: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «غِرْتُ عَلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَصِهْيَوْنَ كَثِيرًا. غَضِبْتُ جِدًّا عَلَى الأُمَمِ المُسْتَرِيحَةِ المُطمَئِنَّةِ. غَضِبْتُ قَلِيلًا عَلَى شَعْبِي، وَلَكِنَّهُمْ جَعَلُوا مُعَانَاةَ شَعْبِي أشَدَّ.» لِذَلِكَ، هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «رَجِعْتُ إلَى القُدْسِ بِالرَّحْمَةِ. سَيُعَادُ بِنَاءُ بَيْتِي فِيهَا،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «سَيُمَدُّ خَيطُ البِنَاءِ عَلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِتَحْدِيدِ أسْوَارِهَا.» وَقَالَ المَلَاكُ أيْضًا: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: ‹سَتَفِيضُ مُدُنِي بِالخَيْرِ ثَانِيَةً، وَسَيُعَزِّي اللهُ صِهْيَوْنَ مِنْ جَدِيدٍ، وَمَرَّةً أُخْرَى سَيَدْعُو مَدِينَةَ القُدْسِ مَدِينَتَهُ الخَاصَّةَ.›» ثُمَّ رَفَعْتُ عَينَيَّ وَرَأيْتُ أرْبَعَةَ قُرُونٍ. فَقُلْتُ لِلمَلَاكِ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي: «مَا هَذِهِ القُرُونُ؟» فَقَالَ لِي: «هَذِهِ هِيَ القُرُونُ الَّتِي شَتَّتَتْ يَهُوذَا وَإسْرَائِيلَ وَالقُدْسَ.» ثُمَّ أرَانِي اللهُ أرْبَعَةَ صُنَّاعٍ. فَقُلْتُ: «مَا العَمَلُ الَّذِي أتَى لِأجْلِهِ هَؤُلَاءِ الصُّنَّاعُ؟» فَقَالَ لِيَ: «القُرُونُ هِيَ الأُمَمُ الَّتِي شَتَّتَتْ يَهُوذَا كَي لَا يَتَمَكَّنَ أحَدٌ مِنْهُمْ أنْ يَرْفَعَ رَأسَهُ. وَقَدْ أتَى هَؤُلَاءِ الصُّنَّاعُ لِيُرْعِبُوا وَيَطْرُدُوا قُرُونَ الأُمَمِ الَّتِي رَفَعَتْ ذَاتَهَا عَلَى أرْضِ إسْرَائِيلَ لِكَي تُشَتِّتَ شَعْبَهَا.» ثُمَّ رَفَعْتُ عَينَيَّ وَنَظَرْتُ فَرَأيْتُ رَجُلًا يَحْمِلُ خَيطَ قِيَاسٍ. فَسألْتُهُ: «إلَى أيْنَ أنْتَ ذَاهِبٌ؟» فَقَالَ لِي: «أنَا ذَاهِبٌ لِأقِيسَ مَدِينَةَ القُدْسِ، لِأعرِفَ كَمْ عَرْضُهَا وَكَمْ طُولُهَا.» ثُمَّ مضَى المَلَاكُ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي، وَخَرَجَ مَلَاكٌ آخَرُ لِلِقَائِهِ. فَقَالَ المَلَاكُ الأوَّلُ لِلثَّانِي: «اركُضْ وَقُلْ لِهَذَا الشَّابِّ: ‹سَتُسْكَنُ مَدِينَةُ القُدْسِ لَكِنْ بِلَا أسْوَارٍ لِأنَّهُ سَيَكُونُ فِيهَا أُنَاسٌ وَحَيَوَانَاتٌ كَثِيرَةٌ.› يَقُولُ اللهُ : ‹وَسَأكُونُ أنَا سُورًا مِنْ نَارٍ حَوْلَهَا، وَسَأكُونُ مَجدًا فِي وَسَطِهَا.›» يَقُولُ اللهُ : «أسْرِعُوا! اهرُبُوا مِنْ أرْضِ الشِّمَالِ. لِأنِّي شَتَّتُّكُمْ كَالرِّيحِ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ،» يَقُولُ اللهُ . «يَا أهَلَ صِهْيَوْنَ السَّاكِنينَ فِي بَابِلَ، اهرُبُوا مِنْهَا!» أكرَمَنِي اللهُ القَدِيرُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي إلَى الأُمَمِ الَّتِي نَهَبَتْكُمْ وَقَالَ عَنْكُمْ: «مَنْ يُؤذِيَكُمْ يُؤذِي عَيْنِي!» وَقَالَ: «سَأرفَعُ يَدَيَّ ضِدَّ تِلْكَ الأُمَمِ، حَتَّى إنَّ عَبِيدَهُمْ سَيَسْلِبُونَهُمْ.» حِينَئِذٍ سَتَعْرِفُونَ أنَّ اللهَ القَدِيرَ أرْسَلَنِي. يَقُولُ اللهُ : «تَرَنَّمِي وَاحتَفِلِي أيَّتُهَا الِابْنَةُ صِهْيَوْنُ، لِأنِّي سَآتِي لِأسْكُنَ فِيكِ، سَتَنْضَمُّ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ للهِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. فَسَيَصِيرُونَ شَعْبًا لِي، وَأنَا سَأسكُنُ فِي وَسْطِكِ يَا صِهْيَوْنُ.» حِينَئِذٍ سَتَعْرِفِينَ أنَّ اللهَ القَدِيرَ أرْسَلَنِي إلَيكِ. سَيتَّخِذُ اللهُ يَهُوذَا مِلْكًا لَهُ فِي الأرْضِ المُقَدَّسَةِ، وَسَيَختَارُ القُدْسَ ثَانِيَةً، لِتَكُونَ مَكَانًا مُقَدَّسًا لَهُ. اصْمُتُوا يَا كُلَّ البَشَرِ فِي حَضْرَةِ اللهِ ، فَهَا هُوَ يَنْهَضُ مِنْ مَكَانِ سُكنَاهُ المُقَدَّسِ. ثُمَّ أرَانِي المَلَاكُ يَشُوعَ رَئِيسَ الكَهَنَةِ وَاقِفًا أمَامَ مَلَاكِ اللهِ . وَكَانَ المُشتَكِي يَقِفُ عَنْ يَمِينِ يَشُوعَ لِيَشْتَكِيَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَلَاكُ اللهِ لِلشَّيطَانِ: «لِيَنْتَهِرْكَ اللهُ يَا شَيطَانُ. لِيَنْتَهِرْكَ اللهُ الَّذِي اخْتَارَ مَدينَتَهُ القُدْسَ. ألَيْسَ يَشْوعُ هَذَا كقِطعَةِ خَشَبٍ انتُشِلِتْ مِنَ النَّارِ؟» كَانَ يَشُوعُ وَاقِفًا أمَامَ المَلَاكِ وَهُوَ يَرْتَدِي ثِيَابًا قَذِرَةً. فَقَالَ المَلَاكُ لِلوَاقِفِينَ أمَامَهُ: «اخلَعُوا عَنْهُ ثِيَابَهُ القَذِرَةَ.» وَقَالَ المَلَاكُ لِيَشُوعَ: «هَا إنِّي قَدْ أزَلْتُ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ، وَسَأُلبِسُكَ ثِيَابًا كَهَنُوتِيَّةً.» ثُمَّ قَالَ: «ألبِسُوهُ عِمَامَةً طَاهِرَةً عَلَى رَأسِهِ.» فَوَضَعُوا عِمَامَةً طَاهِرَةً عَلَى رَأسِهِ، وَألبَسُوهُ ثِيَابًا جَدِيدَةً، بَيْنَمَا مَلَاكُ اللهِ كَانَ يَقِفُ هُنَاكَ. ثُمَّ شَهِدَ مَلَاكُ اللهِ لِيَشُوعَ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «إنْ تَبِعتَنِي وَأطَعْتَ وَصَايَايَ، فَإنَّكَ سَتُشْرِفُ عَلَى هَيْكَلي، وَتَكُونُ مَسؤُولًا عَنْ سَاحَاتِي. وَسَأُعْطِيكَ حَقَّ الوُقُوفِ وَسَطَ هَؤُلَاءِ المَلَائِكَةِ الوَاقِفِينَ هُنَا. اسمَعْ يَا يَشُوعُ، يَا رَئِيسَ الكَهَنَةِ، أنْتَ وَشُرَكَاؤُكَ الجَالِسُونَ أمَامِي، لِأنَّكُمْ رُمُوزٌ لِإظهَارِ مَا سَيَحْدُثُ حِينَ سَآتِي بِخَادِمِي ‹الغُصْنِ.› فَهَا هُوَ الحَجَرُ الكَريمُ الَّذِي وَضَعْتُهُ أمَامَ يَشُوعَ. وَلِهَذَا الحَجَرِ سَبْعَةُ جَوَانِبَ، وَسَأنقُشُ عَلَيْهِ نَقْشًا، يُقُولُ إنِّي سَأُزِيلُ شَرَّ تِلْكَ الأرْضِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَدْعُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ صَاحِبَهُ لِيَجْلِسَ تَحْتَ دَوَالِي العِنَبِ، وَتَحْتَ أشْجَارِ التِّينِ.» وَعَادَ المَلَاكُ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي وَأيقَظَنِي، كَمَا يُوقَظُ النَائِمُ. وَقَالَ لِي: «مَاذَا تَرَى؟» فَقُلْتُ: «أرَى مَنَارَةً مَسْبُوكَةً مِنَ الذَّهَبِ. وَأرَى إنَاءً فَوْقَهَا. وَلِلمَنَارَةِ سَبْعَةُ سُرُجٍ. وَيَخْرُجُ أُنبُوبٌ مِنْ كُلِّ سِرَاجٍ مِنَ السُّرُجِ الَّتِي فِي أعْلَى المَنَارَةِ. وَرأيتُ شَجَرَتَي زَيْتُونٍ، وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِ الإنَاءِ، وَوَاحِدَةً عَنْ يَسَارِهِ. فَقُلْتُ لِلمَلَاكِ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي: ‹يَا سَيِّدُ، مَا هَذِهِ؟› «فَأجَابَ المَلَاكُ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي: ‹ألَا تَعْرِفُ مَا هَذِهِ؟› «فَقُلْتُ: ‹لَا يَا سَيِّدِي.› «فَقَالَ المَلَاكُ: ‹هَذِهِ هِيَ رِسَالَةُ اللهِ إلَى زَرُبَّابِلَ: لَا بِالقُوَّةِ وَلَا بِالقُدْرَةِ، بَلْ بِرُوحِي، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. مَا أنْتَ أيُّهَا الجَبَلُ العَظِيمُ؟ أمَامَ زَرُبَّابِلَ سَتَصِيرُ سَهلًا. سَيُخرَجُ الحَجَرُ الأعْلَى فِي الهَيْكَلِ عَلَى صَوْتِ الهُتَافِ: مَرحَى! مَرحَى!›» ثُمَّ تَلَقَّيتُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنَ اللهِ : «يَدَا زَرُبَّابِلَ وَضَعَتَا أسَاسَ هَذَا الهَيْكَلِ، وَيَدَاهُ سَتُكمِلَانِهِ. وَحِينَ يَحْدُثُ هَذَا سَتَعْرِفُ أنَّ اللهَ القَدِيرَ أرْسَلَنِي إلَيكُمْ. لَنْ يَسْتَهينَ أحَدٌ بِالبِدَايَاتِ الصَّغِيرَةِ، بَلْ سَيَفْرَحُ الجَمِيعُ إذْ يَرَوْنَ خَيطَ القِيَاسِ فِي يَدِ زَرُبَّابِلَ. أمَّا هَذِهِ السُّرُجُ السَّبْعَةُ، فَهِيَ عُيُونُ اللهِ الَّتِي تَجُولُ فِي كُلِّ الأرْضِ.» ثُمَّ سَألْتُ المَلَاكَ: «وَمَا شَجَرَتَا الزَّيْتُونِ اللَّتَانِ عَنْ يَمِينِ المَنَارَةِ وَعَنْ يَسَارِهَا؟ وَمَا غُصنَا الزَّيْتُونِ اللَّذَانِ يَقْطُرَانِ زَيْتًا مِنْ خِلَالِ أنَابِيبِ الذَّهَبِ؟» فَقَالَ لِي: «ألَا تَعْرِفُ مَا هَذِهِ؟» فَقُلْتُ: «لَا يَا سَيِّدِي.» فَقَالَ: «هَذَانِ الغُصْنَانِ هُمَا الرَّجُلَانِ المَمْسُوحَانِ الوَاقِفَانِ أمَامَ رَبِّ الأرْضِ كُلِّهَا.» وَرَفَعْتُ عَينَيَّ ثَانِيَةً، فَرَأيْتُ مَخطُوطَةَ كِتَابٍ تَطِيرُ. فَقَالَ لِيَ المَلَاكُ: «مَاذَا تَرَى؟» فَقُلْتُ: «أرَى مَخطُوطَةَ كِتَابٍ تَطيرُ فِي الهَوَاءِ، طُولُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهَا عَشْرَةُ أذْرُعٍ.» فَقَالَ لِيَ: «اللَّعنَةُ المُعلَنَةُ ضِدَّ كُلِّ الأرْضِ مَكْتُوبَةٌ عَلَى هَذِهِ المَخطُوطَةِ! لَعنَةٌ ضِدَّ اللُّصُوصِ عَلَى وَجْهُهَا الأوَّلُ، وَضِدَّ الحَالِفينَ بِاسْمِي كَذِبًا عَلَى وَجْهِهَا الثَّانِي. وَيَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: ‹أرسَلْتُ هَذَا العِقَابَ لِيَدْخُلَ بَيْتَ اللِّصِّ وَالحَالِفِ بِاسْمِي كَذِبًا. سَيَسْكُنُ العِقَابُ فِي بَيْتِهِ وَيُدَمِّرُهُ تَدْمِيرًا، بِخَشَبِهِ وَحِجَارَتِهِ.›» ثُمَّ خَرَجَ المَلَاكُ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي وَقَالَ لِيَ: «ارفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مَا هَذَا الآتِي نَحوَنَا.» فَقُلْتُ: «مَا هُوَ؟» فَقَالَ: «هَذَا إنَاءٌ لِلكَيلِ. إنَّهُ لِكَيلِ ذَنُوبِ الأرْضِ كُلِّهَا.» ثُمَّ رُفِعَ غِطَاءُ الإنَاءِ المُسْتَدِيرُ المَصْنُوعُ مِنَ الرَّصَاصِ، فَرأيتُ امْرأةً جَالِسَةً فِي وَسَطِ الإنَاءِ! وَقَالَ المَلَاكُ: «هَذَا نِتَاجُ الشَّرَّ.» ثُمَّ دَفَعَهَا ثَانِيَةً إلَى دَاخِلِ الإنَاءِ، وَوَضَعَ غِطَاءَ الرَّصَاصِ عَلَى فَتْحَةِ الإنَاءِ. ثُمَّ نَظَرْتُ إلَى الأعْلَى وَرَأيْتُ امْرَأتَيْنِ مُقبِلَتَيْنِ لَهُمَا أجنِحَةٌ كَأجنِحَةِ لَقلَقٍ مَفرُودَةٍ لِلطَّيَرَانِ. فَرَفَعَتَا الإنَاءَ فِي الهَوَاءِ. فَقُلْتُ لِلمَلَاكِ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي: «إلَى أيْنَ تَأْخُذُ المَرأتَانِ الإنَاءَ؟» فَقَالَ لِي: «إنَّهُمَا ذَاهِبَتَانِ لِبِنَاءِ بَيْتٍ لِلإنَاءِ فِي أرْضِ شِنعَارَ. وَحِينَ يُصْبِحُ البَيْتُ جَاهِزًا، سَيُوضَعُ الإنَاءُ عَلَى قَاعِدَتِهِ.» ثُمَّ رَفَعْتُ عَينَيَّ ثَانِيَةً فَنَظَرْتُ، وَإذَا هُنَاكَ أرْبَعُ مَرْكَبَاتٍ خَارِجَةٌ مِنْ بَيْنِ جَبَلَينِ نُحَاسِيَّينِ. كَانَتْ خُيُولٌ حَمرَاءُ تَجُرُّ المَرْكَبَةَ الأُولَى، وَخُيُولٌ سَوْدَاءُ تَجُرُّ المَرْكَبَةَ الثَّانِيَةَ، وَخُيُولٌ بَيْضَاءُ تَجُرُّ المَرْكَبَةَ الثَّالِثَةَ، وَخُيُولٌ مُرَقَّطَةٌ تَجُرُّ المَرْكَبَةَ الرَّابِعَةَ. فَسَألْتُ المَلَاكَ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي: «مَا هَذِهِ يَا سَيِّدِي؟» فَأجَابَ المَلَاكُ: «هَذِهِ رِيَاحُ السَّمَاءِ الأرْبَعُ الآتِيَةُ مِنَ حَضْرَةِ رَبِّ الأرْضِ كُلِّهَا. الخُيُولُ السَّوْدَاءُ خَارِجَةٌ إلَى الشِّمَالِ، وَالخُيُولُ البَيْضَاءُ إلَى الغَرْبِ، وَالخُيُولُ المُرَقَّطَةُ إلَى الجَنُوبِ.» فَخَرَجَتْ هَذِهِ الخُيُولُ لِلذَّهَابِ وَالتَّجَوُّلِ فِي كُلِّ الأرْضِ. فَقَالَ اللهُ: «اذهَبِي! تَجَوَّلِي فِي الأرْضِ!» فَتَجَوَّلَتْ فِي الأرْضِ. حِينَئِذٍ دَعَانِي اللهُ وَقَالَ لِي: «هَا الخُيُولُ الذَّاهِبَةُ إلَى أرْضِ الشِّمَالِ. قَدْ هَدَّأتْ غَضَبَ رُوحِي.» ثُمَّ تَلَقَّيتُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنَ اللهِ : «خُذِ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّبْيِ، مِنْ حَلْدَايَ وَطُوبِيَّا وَيَدَعْيَا الَّذِينَ أتَوْا مِنْ بَابِلَ، وَادخُلْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بَيْتَ يُوشِيَّا بْنِ صَفَنْيَا. خُذِ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَاصنَعْ تِيجَانًا تَضَعُهَا عَلَى رَأسِ يَشُوعَ بْنِ يَهُوصَادَاقَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ. وَقُلْ لَهُ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: ‹انْظُرْ إلَى الرَّجُلِ الَّذِي اسْمُهُ الغُصْنُ، وَسَيَنْبُتُ حَيْثُ هُوَ وَيَبْنِي هَيْكَلَ اللهِ . هَذَا هُوَ الَّذِي سَيَبْنِي هَيْكَلَ اللهِ . سَيَكُونُ مُكَرَّمًا، وَسَيَجْلِسُ عَلَى عَرْشِهِ وَيَحْكُمُ. وَسَيَقِفُ إلَى جَانِبِ عَرْشِهِ كَاهِنٌ. فَيَعْمَلَانِ مَعًا فِي سَلَامٍ.› «سَيُحْفَظُ التَّاجُ تَذْكَارًا فِي هَيْكَلِ اللهِ لِحَلْدَايَ وَيَدَعْيَا وَيُوشِيَّا بْنِ صَفَنْيَا.» سَيَأْتِي الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي أمَاكِنَ بَعِيدَةٍ وَيُسَاعِدُونَ فِي بِنَاءِ هَيْكَلِ اللهِ . حِينَئِذٍ سَتَعْرِفُونَ أنَّ اللهَ القَدِيرَ أرْسَلَنِي إلَيكُمْ. سَيَحْدُثُ هَذَا إنْ أطَعْتُمُ كَلِمَةَ بِاجتِهَادٍ. فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ حُكْمِ دَاريُوسَ مَلِكِ فَارِسَ، فِي اليَوْمِ الرَّابِعِ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ – شَهْرِ كِسلُو، تَلَقَّى زَكَرِيَّا كَلِمَةَ اللهِ . أرسَلَتْ مَدِينَةُ بَيْتِ إيلَ رِسَالَةً إلَى شَرَاصَرَ وَإلَى رَجَمَ مَلِكَ وَرِجَالَهِمَا لِيَسْألُوا اللهَ بِشَأنِ مَسألَةٍ مَا. وَقَالُوا لِلكَهَنَةِ فِي بَيْتِ اللهِ القَدِيرِ وَلِلأنْبِيَاءِ: «هَلْ ينبَغِي أنْ نَنُوحَ وَنَصُومَ خِلَالَ الشَّهْرِ الخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ كَمَا عَمِلْنَا سَنَوَاتٍ كَثِيرَةً؟» حِينَئِذٍ تَلَقَّيتُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنَ اللهِ القَدِيرِ: «قُلْ لِشَعْبِ الأرْضِ وَلِلكَهَنَةِ: ‹حِينَ صُمْتُمْ وَنُحتُمْ فِي الشَّهْرِ الخَامِسِ وَالشَّهْرِ السَّابِعِ طَوَالَ هَذِهِ السَّبْعِينَ سَنَةً، فَهَلْ كُنْتُمْ تَصُومُونَ لِي حَقًّا وَبِإخلَاصٍ؟ وَحِينَ تَأْكُلُونَ وَحِينَ تَشْرَبُونَ، أفَلَسْتُمْ تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ لِأجْلِ أنْفُسِكُمْ؟ ألَيْسَ هَذَا ذَاتَ الكَلَامِ الَّذِي أعلَنَهُ اللهُ مِنْ خِلَالِ الأنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ، حِينَ كَانَتِ القُدْسُ مَأهُولَةً وَآمِنَةً مَعَ المُدُنْ الَّتِي حَوْلَهَا، وَحِينَ كَانَتْ مِنطَقَةُ النَّقَبِ وَالأغوَارُ الغَربِيَّةِ مَأهُولَةً بِالسُّكَّانِ؟›» وَتَلَقَّى زَكَرِيَّا هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنَ اللهِ : «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: ‹أنصِفُوا المَظلُومِينَ، أظهِرُوا لُطفًا وَرَأفَةً بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ. لَا تَظْلِمُوا الأرَامِلَ وَلَا اليَتَامَى وَلَا الغُرَبَاءَ وَلَا الفُقَرَاءَ. وَلَا تُخَطِّطُوا لِلشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أخِيهِ.›» لَكِنَّهُمْ رَفَضُوا أنْ يَسْتَمِعُوا، بَلْ أدَارُوا ظُهُورَهُمْ لِي بِتَمَرُّدٍ وَعِصيَانٍ، وَسَدُّوا آذَانَهُمْ عَنْ الِاسْتِمَاعِ. قَسَّوْا قُلُوبَهُمْ كَي لَا يَسْمَعُوا الشَّرِيعَةَ وَالتَّعلِيمَ الَّذِي أرسَلَهُ اللهُ القَدِيرُ مِنْ خِلَالِ أنْبِيَاءٍ سَابِقِينَ، فَغَضِبَ اللهُ القَدِيرُ غَضَبًا شَدِيدًا. لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «كَمَا أنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِعُوا إلَيَّ حِينَ دَعَوْتُهُمْ، كَذَلِكَ حِينَ يَدْعُونَنِي لَنْ أُصغِيَ. وَسَأنفُخُ عَلَيْهِمْ وَأُشَتِّتُهُمْ فِي كُلِّ الأُمَمِ الَّتِي لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَهَا. صَارَتِ الأرْضُ خَرِبَةً بَعْدَهُمْ لَمْ يَعُدْ أحَدٌ يَأْتِي أوْ يَذْهَبُ. حَوَّلُوا هَذِهِ الأرْضَ الجَمِيلَةَ إلَى خَرَابٍ.» أتَتْ هَذِهِ الرِّسَالَةُ مِنَ اللهِ القَدِيرِ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «لَدَيَّ غَيْرَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى صِهْيَوْنَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ : «عُدْتُ إلَى صِهْيَوْنَ وَسَأسْكُنُ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. سَتُدْعَى مَدِينَةُ القُدْسِ ‹المَدِينَةَ الأمِينَةَ،› وَسَيُدْعَى جَبَلُ اللهِ القَدِيرِ ‹الجَبَلَ المُقَدَّسَ.›» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «سَيَعُودُ المُسِنُّونَ وَالمُسِنَّاتُ إلَى الجُلُوسِ فِي سَاحَاتِ القُدْسِ. سَيَكُونُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَصًا يَتَكِئُ عَلَيْهَا فِي شَيخُوخَتِهِ. سَتَمْتَلِئُ سَاحَاتُ المَدِينَةِ بِالأوْلَادِ وَالبنَاتِ الضَّاحِكِينَ اللَّاعِبِينَ هُنَاكَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «قَدْ يَبْدُو هَذَا مُسْتَحِيلًا فِي أعْيُنِ النَّاجِينَ مِنْ هَذَا الشَّعْبِ فِي هَذِهِ الأيَّامِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحِيلًا فِي عَينَيَّ؟» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «سَأُخَلِّصُ شَعْبِي مِنَ البِلَادِ الشَّرقِيَّةِ وَالبِلَادِ الغَربِيَّةِ. سَأُحضِرُهُمْ لِيَسْتَقِرُّوا فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. سَيَكُونُونَ شَعْبِي، وَأنَا سَأكُونُ إلَهَهُمُ البَّارَّ الأمِينَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «تَشَجَّعُوا! يَا مَنْ سَمِعْتُمْ هَذَا الكَلَامَ مِنْ أفوَاهِ الأنْبِيَاءِ. هَؤُلَاءِ هُمُ الأنْبِيَاءُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا يَوْمَ وَضْعِ أسَاسِ بَيْتِ اللهِ تَمْهِيدًا لِبِنَاءِ الهَيْكَلِ. وَقَبْلَ تِلْكَ الأيَّامِ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَالٌ لِدَفْعِ أُجرَةِ عَامِلٍ وَاحِدٍ، أوْ لِاسْتِئْجَارِ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ لِلعَمَلِ. لَمْ يَكُنْ أيُّ مُسَافِرٍ فِي أمَانٍ مِنَ جِيرَانِهِ، لِأنِّي أثَرْتُ كُلَّ وَاحِدٍ ضِدَّ الآخَرِ. لَكِنِّي الآنَ لَا أُعَامِلُ مَنْ بَقِيَ مِنْ هَذَا الشَّعْبِ كَمَا عَمِلْتُ سَابِقًا،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «كُلُّ مَا يَزْرَعُونَهُ سَيَنْجَحُ. سَتُعْطِي الكَرمَةُ ثَمَرَهَا، وَسَتُعطِي الأرْضُ غَلَّتَهَا، وَسَتُعطِي السَّمَاءُ مَطَرَهَا. وَأنَا سأُعْطِي بَقِيَّةَ الشَّعْبِ هَذِهِ البَرَكَاتِ. كُنْتُمْ يَا بَنِي يَهُوذَا وَيَا بَنِي إسْرَائِيلَ مِثَالًا لِلَّعْنَةِ، لَكِنَّنِي سَأُنقِذُكُمْ، وَسَتَصِيرُونَ مِثَالًا لِلبَرَكَةِ. لَا تَخَافُوا! وَلْتَتَشَدَّدْ أيَادِيكُمْ!» فَهَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «كَمَا خَطَّطْتُ لِجَلْبِ الضِّيقِ عَلَيْكُمْ، حِينَ أغضَبَنِي آبَاؤُكُمْ، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، وَلَمْ أتَرَاجَعْ، هَكَذَا خَطَّطْتُ فِي هَذِهِ الأيَّامِ لِعَمَلِ الخَيْرِ لِمَدِينَةِ القُدْسِ وَبَنِي يَهُوذَا. لَا تَخَافُوا! لَكِنْ لِيَتَعَامَلْ كُلٌّ مِنْكُمْ مَعَ الآخَرِ بِالصِّدْقِ وَبِالإنْصَافِ، بِالأحْكَامِ المَبنِيَّةِ عَلَى الحَقِّ، الهَادِفَةِ إلَى السَّلَامِ. لَا يُخَطِّطْ أحَدُكُمْ لِضَرَرِ أخِيهِ، وَلَا تُحِبُّوا الأقسَامَ الكَاذِبَةَ. فَأنَا أكرَهُ هَذَا كُلَّهُ،» يَقُولُ اللهُ . تَلَقَّيتُ هَذِهِ النُّبُوَّةَ مِنَ اللهِ القَدِيرِ: هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «أيَّامُ صِيَامِ الشَّهْرِ الرَّابِعِ، وَأيَّامُ صِيَامِ الشَّهْرِ الخَامسِ، وَأيَّامُ صِيَامِ الشَّهْرِ السَّابِعِ، وَأيَّامُ صِيَامِ الشَّهْرِ التَّاسِعِ، سَتَصِيرُ أوقَاتًا لِلفَرَحِ وَالِاحْتِفَالِ وَأعيَادًا سَعِيدَةً لِبَنِي يَهُوذَا. فَأحِبُّوا الحَقَّ وَالسَّلَامَ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «فِي المُسْتَقْبَلِ سَتَأْتِي شُعُوبٌ وَسُكَّانُ مُدُنٍ كَثِيرَةٍ إلَى القُدْسِ. سَيَذْهَبُ سُكَّانُ مَدِينَةٍ إلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى وَيَقُولُونَ: ‹لِنَذْهَبْ لِنُصَلِّي إلَى اللهِ ، وَلْنَعْبُدِ اللهَ القَدِيرَ.› وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ: ‹أنَا سَأذْهَبُ.›» فَسَتَأْتِي شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَأُمَمٌ عَظِيمَةٌ لِتَعْبُدَ اللهَ القَدِيرَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ وَلِتُصَلِّيَ إلَى اللهِ . هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «سيُمسِكُ فِي تِلْكَ الأيَّامِ عَشْرَةُ غُرَبَاءَ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ بِثَوْبِ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ وَيَقُولُونَ: ‹دَعُونَا نَذْهَبُ مَعَكُمْ لِأنَّنَا سَمِعْنَا أنَّ اللهَ مَعَكُمْ.›» هَذَا وَحيُ اللهِ ضِدَّ أرْضِ حَدْرَاخَ، وَضِدَّ دِمَشْقَ – لِأنَّ اللهَ يَرَى مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي دِمَشْقَ، كَمَا يَرَى جَمِيعَ قَبَائِلِ إسْرَائِيلَ. وَضِدَّ حَمَاةَ القَرِيبَةِ مِنْهَا، وَضِدَّ صُورٍ وَصَيدُونَ، مَعَ أنَّ أهْلَ هَاتَيْنِ المَدِينَتَيْنِ حُكَمَاءٌ. بَنَتْ صُورٌ لِنَفْسَهَا قَلعَةً. كَوَّمَتِ الفِضَّةَ كَالتُّرَابِ، وَالذَّهَبَ كَطِينِ الشَّوَارِعِ. سَيُجَرِّدُهَا الرَّبُّ مِنْ أمْلَاكِهَا، وَسَيُهَاجِمُ قِلَاعَهَا الَّتِي عَلَى شَاطِئِ البَحِرِ، وَسَتُؤْكَلُ صُورٌ بِالنَّارِ. سَتَرَى أشْقَلُونُ كُلَّ هَذَا يَحْدُثُ لِصُورٍ وَتَخَافُ. وَسَتَرَاهُ غَزَّةُ وَتَتَلَوَّى بِألَمٍ شَدِيدٍ. وَسَتَتَألَّمُ عِقْرُونُ لِأنَّ رَجَاءَهَا قَدْ خَابَ. لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُلُوكٌ فِي غَزَّةَ فِيمَا بَعْدُ، وَلَنْ يَبْقَى سَاكِنٌ فِي أشْقَلُونَ. «لَنْ يَعْرِفَ سُكَّانُ أشْدُودَ آبَاءَهُمْ وَأُصُولَهُمْ! وَسَأنزِعُ الفَخْرَ مِنَ الفِلِسْطِيِّينَ. سَأسْحَبُ مِنْ أفوَاهِهِمُ اللُّحُومَ الَّتِي يَأكُلُونَهَا بِدَمِهَا، وَسَأنزِعُ بَقَايَا طَعَامِ الأوْثَانِ مِنْ بَيْنِ أسْنَانِهِمْ. وَكُلُّ مَنْ يَتَبَقَّى مِنْهُمْ، سَيُكَرَّسُ لِإلهِنَا. سَيَصِيرُونَ كَإحْدَى عَشَائِرِ يَهُوذَا، وَسَتَصِيرُ عِقْرُونُ كَاليَبُوسِيِّينَ. سَأُخَيِّمُ بِجَانِبِ بَيْتِي كَحَارِسٍ ضِدَّ كُلِّ مَنْ يَأْتِي أوْ يَذْهَبُ. لَنْ يَعُودَ المُضَايِقُ يَأْتِي عَلَى شَعْبِي، لِأنِّي رَأيْتُ ضِيقَهُمْ بِعَينَيَّ.» افرَحِي أيَّتُهَا العَزِيزَةُ صِهْيَوْنُ. ابْتَهِجِي أيَّتُهَا القُدْسُ العَزِيزَةُ. هَا إنَّ مَلِكَكِ آتٍ إلَيكِ، إنَّهُ بَارٌّ وَمُنتَصِرٌ. يَأْتِي مُتَوَاضِعًا وَرَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ، حِمَارٍ صَغِيرٍ ابنِ دَابَّةٍ أُعِدَّتْ لِلعَمَلِ. سَأُزِيلُ المَرْكَبَاتِ مِنْ أفْرَايِمَ، وَالخُيُولَ مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ. سَتَخْتَفِي الأسلِحَةُ، وَسَيُعلِنُ المَلِكُ السَّلَامَ لِلأُمَمِ. سَيَحْكُمُ مِنَ البَحْرِ إلَى البَحْرِ، وَمِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ إلَى أقَاصِي الأرْضِ. وَأمَّا أنْتِ يَا مَدِينَةَ القُدْسِ، فَعَهْدِي مَعَكِ مَختُومٌ بِالدَّمِ. لِذَلِكَ سَأُطلِقُ مِنَ البِئْرِ الجَافِّ الَّذِينَ سُجِنُوا مِنْكِ. عُودُوا إلَى حِصْنِكُمْ، أيُّهَا السّجَنَاءُ الَّذِينَ لَدَيهِمُ الآنَ أمرٌ يَرْجُونَهُ. اليَوْمَ أيْضًا أُعلِنُ لِلمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: سَأعُودُ إلَيكِ. فَأنَا سَأشُدُّ يَهُوذَا كَالقَوْسِ، وَسَأجْعَلُ أفْرَايِمَ سَهْمَهُ. يَا صِهْيَوْنُ، سأُنْهِضُ أبْنَاءَكِ ضِدَّ اليُونَانِيِّينَ، وَسَأستَخْدِمُكِ كَسَيفِ مُحَارِبٍ جَبَّارٍ. سَيُرَى اللهُ فَوْقَهُمْ، وَسَيَلْمَعُ سَهمُهُ كَالبَرقِ. الرَّبُّ الإلَهُ سَيَنْفُخُ بِالبُوقِ، وَسَيَتَقَدَّمُ فِي عَوَاصِفِ الجَنُوبِ الرَّملِيَّةِ. سَيُدَافِعُ اللهُ القَدِيرُ عَنْهُمْ، سَيَأْكُلُونَ، وَيُخضِعُونَ أعْدَاءَهُمْ بِالمَقَالِيعِ. سَيَشْرَبُونَ الدَّمَ كَالخَمْرِ، وَسَيَمْتَلِئُونَ كَكُوبٍ، كَمَذْبَحٍ مُمتَلِئٍ إلَى الحَافَّةِ. سَيُنَجِّيهِمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. سَيَكُونُ شَعْبُهُ كَالغَنَمِ، لِأنَّهُمْ سَيَلْمَعُونَ فِي أرْضِهِ كَالحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ عَلَى تَاجٍ. كُلُّ شَيءٍ سَيكُونُ صَالِحًا وَجَمِيلًا. وَسَيُنَمِّي القَمْحُ وَالنَّبِيذُ الفِتيَانَ وَالفَتَيَاتِ. اطْلُبُوا مِنَ اللهِ مَطَرَ الرَّبِيعِ. اللهُ هُوَ صَانِعُ البَرْقِ وَالأمطَارِ. إنَّهُ يَسْتَخْدِمُهَا لِإنضَاجِ مَحَاصِيلِ البَشَرِ. لِأنَّ الأوْثَانَ خَرْسَاءُ لَا تَتَكّلَمُ حَقًّا، وَالعَرَّافِينَ يَدَّعُونَ رُؤىً كَاذِبَةً، وَالحَالِمِينَ يُؤلِّفُونَ أحْلَامَهُمْ وَيُقَدِّمُونَ مَشُورَاتٍ بَاطِلَةً. لِذَلِكَ ضَلَّ شَعْبِي كَغَنَمٍ لَا رَاعِيَ لَهَا. يَقُولُ اللهُ : «قَدِ اشتَعَلَ غَضَبِي عَلَى الرُّعَاةِ، وَسَأُعَاقِبُ القَادَةَ.» لِأنَّ اللهَ القَدِيرَ يَهْتَمُّ بِبَنِي يَهُوذَا. وَهُمْ لَهُ كَفَرَسِ الحَرْبِ البَهِيَّةِ. فَمِنهُمْ سَيَأْتِي حَجَرُ الزَّاوِيَةِ وَوَتَدُ الخَيْمَةِ وَقَوْسُ الحَرْبِ وَكُلُّ الجُنُودِ. سَيَكُونُونَ جَمِيعًا مُحَارِبِينَ يَدُوسُونَ العَدُوَّ كَطِينِ الشَّوَارِعِ فِي زَمَنِ الحَرْبِ. سَيُحَارِبُونَ لِأنَّ اللهَ مَعَهُمْ، وَسَيُذِلُّونَ رَاكِبِي الخَيلِ. سَأُقَوِّي بَنِي يَهُوذَا، وَسَأُنقِذُ شَعْبَ يُوسُفَ، وَسَأُعِيدُهُمْ لِأنَّنِي أُشفِقُ عَلَيْهِمْ وَأهتَمُّ بِهِمْ. سَأُعَامِلُهُمْ كَمَا لَوْ أنِّي لَمْ أرفُضْهُمْ قَطُّ، لِأنَّنِي أنَا . وَسَأستَجِيبُ لِصُرَاخِهِمْ. سَيَكُونُ شَعْبُ أفْرَايِمَ كَالمُحَارِبِينَ، وَسَيَنْتَشُونَ بِالسَّعَادَةِ كَمَنْ يَسْكَرُ مِنَ الخَمْرِ. سَيَرَى أوْلَادُهُمْ مَا حَدَثَ وَيَحْتَفِلُونَ، وَسَيَفْرَحُونَ كَثِيرًا بِمَا عَمِلَهُ اللهُ لَهُمْ. «سَأدعُوهُمْ لِيَجْتَمِعُوا مَعًا لِأنِّي فَدَيتُهُمْ، وَسَيَصِيرُونَ كَثِيرِينَ كَمَا كَانُوا مِنْ قَبْلُ. قَدْ شَتَّتُّهُمْ وَسَطَ الشُّعُوبِ، لَكِنَّهُمْ سَيَتَذَكَّرُونَنِي حَتَّى فِي الأمَاكِنِ البَعِيدَةِ. سَيُرَبُّونَ أوْلَادَهُمْ وَيَعُودُونَ. سَأُعِيدُهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. وَسَأجمَعُهُمْ مِنْ أشُّورَ. سَأُحضِرُهُمْ إلَى أرْضِ جِلْعَادَ وَلُبْنَانَ، حَتَّى لَا يَبْقَى مُتَّسَعٌ. سَأضرِبُ أمْوَاجَ البَحْرِ كَمَا فَعَلْتُ مِنْ قَبْلُ، وَسَيجتَازُ الشَّعْبُ بَحرَ الضِّيقِ. سَأُجَفِّفُ مِيَاهُ نَهْرِ النِّيلِ. سَأكسِرُ كِبْرِيَاءَ أشُّورَ، وَأنزِعُ عَصَا مِصْرٍ. سَأُقَوِّيهِمْ بِاللهِ ، وَسَيَسِيرُونَ بِاسْمِهِ،» يَقُولُ اللهُ . افتَحْ أبوَابَكَ يَا لُبنَانُ كَي تَأْكُلَ النَّارُ أشْجَارَ الأرْزِ. نُحْ يَا شَجَرَ السَّرْوِ، لِأنَّ الأرْزَ سَقَطَ، لِأنَّ الأشْجَارَ العَظِيمَةَ خَرُبَتْ. نُوحِي يَا أشْجَارَ بَلُّوطِ بَاشَانَ، لِأنَّ الغَابَةَ الكَثِيفَةَ سَقَطَتْ. اسمَعُوا صَوْتِ نُواحِ الرُّعَاةِ، لِأنَّ مَجْدَهُمْ قَدْ خَرُبَ. اسمَعُوا زَمجَرَةَ الأُسُودِ، لِأنَّ غَابَةَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ قَدْ خَرُبَتْ. هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ : «ارْعَ القَطِيعَ المُعَيَّنَ لِلذَّبْحِ. الَّذِينَ يَشْتَرُونَهُمْ يَذْبَحُونَهُمْ وَلَا يُعَاقَبُونَ. وَالَّذِينَ يَبِيعُونَهُمْ يَقُولُونَ: ‹صِرْتُ غَنِيًّا! لِذَا، لِيَكُنِ اللهُ مُبَارَكًا› وَرُعَاتُهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِأيَّةِ شَفَقَةٍ نَحوَهُمْ. لِذَلِكَ لَنْ أعُودَ أرحَمُ سَاكِنِي يَهُوذَا،» يَقُولُ اللهُ . «سَأضَعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَحْتَ سُلْطَانِ جَارِهِ وَمَلِكِهِ. سَيُخَرِّبُونَ الأرْضَ وَلَنْ أُنقِذَ أحَدًا مِنْ يَدِهِمْ وَسُلْطَانِهِمْ.» وَلِذَا رَعَيتُ الغَنَمَ الَّذِي يُرَبَّى بِقَصْدِ الذَّبْحِ. ثُمَّ أخَذْتُ لِنَفْسِي عَصَوَينِ. دَعَوْتُ إحدَاهُمَا «نِعْمَةً،» وَدَعَوْتُ الأُخرَى «وِحْدَةً،» وَرَعَيتُ الغَنَمَ بِالعَصَوَينِ. تَخَلَّصْتُ مِنْ ثَلَاثَةِ رُعَاةٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، إذْ فَرَغَ صَبْرِي عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أيْضًا أبغَضُونِي. وَقُلْتُ: «لَنْ أرعَاكُمْ ثَانِيَةً. فَلْيَمُتِ المُحتَضِرُ، وَلْيَهْلِكِ الهَالِكُ، وَلْيَأْكُلِ البَاقُونَ بَعْضُهُمْ لَحْمَ بَعْضٍ.» وَأخَذْتُ عَصَايَ المُسَمَّاةَ «نِعْمَةً» وَكَسَرْتُهَا لِأُظْهِرَ أنِّي أكسِرُ عَهْدِي الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ كُلِّ الشُّعُوبِ. فَانكَسَرَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. وَعَرَفَ تُجَّارُ الغَنَمِ الَّذِينَ كَانُوا يُرَاقِبُونَنِي أنَّ هَذِهِ كَانَتْ نُبُوَّةً مِنَ اللهِ . وَقُلْتُ لَهُمْ: «إنْ حَسُنَ الأمْرُ فِي عُيُونِكُمْ فَادفَعُوا لِي أُجرَتِي. لَكِنْ إنْ لَمْ يَحْسُنِ الأمْرُ فِي عُيُونِكُمْ فَلَا تَدْفَعُوا لِي.» فَدَفَعُوا إلَيَّ ثَلَاثِينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ كَأجرٍ لِي. وَقَالَ لِيَ اللهُ أنْ أُلقيَ فِي خَزِينَةِ الهَيْكَلِ ذَلِكَ المَبلَغَ العَظِيمَ الَّذِي كَافَأُونِي بِه! فَألقَيتُ الثَّلَاثِينَ مِثْقَالًا مِنَ الفِضَّةِ إلَى الخَزِينَةِ فِي بَيْتِ اللهِ . ثُمَّ قَطَعْتُ عَصَايَ الثَّانِيَةَ المُسَمَّاةَ «وِحدَةً» مُبطِلًا عَلَاقَةَ الأُخُوَّةِ بَيْنَ يَهُوذَا وَإسْرَائِيلَ. وَقَالَ اللهُ لِي: «خُذْ ثَانِيَةً أدَوَاتِ رَاعٍ لَا يَسْتَخْدِمُهَا سِوَى رَاعٍ أحْمَقَ، لِأنِّي سَأُعَيِّنُ فِي الأرْضِ رَاعِيًا لَا يَهْتَمُّ بِالخَرُوفِ التَّائِهِ، وَلَا يَبْحَثُ عَنِ الرَّضِيعِ. لَا يُضَمِّدُ الجَرِيحَ، وَلَا يَسْنِدُ الخِرَافَ الضَّعِيفَةَ. يَأْكُلُ لَحْمَ الخِرَافِ السَّمِينَةِ، فَلَا يُبقِي سِوَى حَوَافِرِهَا.» يَا رَاعِيَّ الأحْمَقُ الَّذِي يَتْرُكُ القَطِيعَ! لِيَضْرِبْ سَيفٌ ذِرَاعَهُ وَعَينَهُ اليُمْنَى! لِيَذْبُلْ ذِرَاعُهُ الأيمَنُ تَمَامًا، وَلْتَعْمَ عَينُهُ اليُمْنَى تَمَامًا! وَحيٌ مِنَ اللهِ بِشَأنِ إسْرَائِيلَ. يَقُولُ اللهُ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاوَاتِ وَأسَّسَ الأرْضَ وَجَبَلَ رُوحَ الإنْسَانِ فِي دَاخِلِهِ: «هَا إنِّي سَأُحَوِّلُ القُدْسَ إلَى كَأسٍ تَتَرَنَّحُ الشُّعُوبُ المُجَاوِرَةُ بِهِ. سَتُحَاصَرُ يَهُوذَا كُلُّهَا حِينَ تُحَاصَرُ القُدْسِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأُحَوِّلُ مَدِينَةَ القُدْسِ إلَى صَخْرَةٍ ثَقِيلَةٍ لِكُلِّ الشُّعُوبِ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَيُحَاوِلُونَ حَمْلَهَا سَيَتَأذَّوْنَ جِدًّا. وَسَتَجْتَمِعُ كُلُّ أُمَمُ الأرْضِ ضِدَّهَا.» يَقُولُ اللهُ : «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأجْلِبُ الِاضْطِرَابَ عَلَى كُلِّ حِصَانٍ، وَسَأُسَبِّبُ الجُنُونَ لِكُلِّ فَارِسٍ. سَأفْتَحُ عُيُونَ بَنِي يَهُوذَا، لَكِنِّي سَأعمِي أحْصِنةَ الشُّعُوبِ. وَسَيَقُولُ القَادَةُ المَحَلِّيُّونَ فِي يَهُوذَا فِي أنْفُسِهِمْ: ‹سُكَّانُ مَدِينَةِ القُدْسِ أقوِيَاءُ بِسَبَبِ القَدِيرِ.› فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأجْعَلُ قَادَةَ يَهُوذَا كَمَوقِدٍ وَسَطَ كَوْمَةٍ مِنَ الخَشَبِ، وَكَمِشْعَلٍ فِي حُزْمَةٍ مِنَ القَمْحٍ. سَيَأْكُلُونَ كُلَّ الشُّعُوبِ السَّاكِنَةِ حَوْلَهُمْ، فِي الجَنُوبِ وَالشِّمَالِ. وَسَيَعُودُ سُكَّانُ القُدْسِ إلَى السَّكَنِ فِيهَا.» سَيُنقِذُ اللهُ خِيَامَ يَهُوذَا فِي البِدَايَةِ، لِئَلَّا يَزيدَ مَجْدُ عَائِلَةِ دَاوُدَ وَسُكَّانَ مَدِينَةِ القُدْسِ عَنْ مَجْدِ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَكُونُ اللهُ تُرْسًا لِسُكَّانِ القُدْسِ. فَمَنْ كَانَ ضَعِيفًا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ سَيَصِيرُ قَوِيًّا كَدَاوُدَ. وَعَائِلَةُ دَاوُدَ سَتَصِيرُ كَاللهِ، كَمَلَاكِ اللهِ أمَامَهُمْ. يَقُولُ اللهُ: «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأعمَلُ علَى تَدْمِيرِ كُلِّ الأُمَمِ الآتِيَةِ ضِدَّ مَدِينَةِ القُدْسِ. سَأسكُبُ عَلَى عَائِلَةِ دَاوُدَ وَسُكَّانِ مَدِينَةِ القُدْسِ رُوحَ إحْسَانٍ وَرَحْمَةٍ. وَسَيَنْظُرُ النَّاسُ إلَى ذَاكَ الَّذِي طَعَنُوهُ، وَسَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أنَّهُمْ يَنُوحُونَ عَلَى مَوْتِ ابْنٍ وَحِيدٍ، وَسَتَكُونُ أروَاحُهُمْ مُرَّةً كَمَنْ فَقَدُوا ابنَهُمُ البِكرَ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَكُونُ نُواحُ مَدِينَةِ القُدْسِ عَظِيمًا، كَالنُّواحِ الَّذِي حَدَثَ لِهَدَدْ رَمُّونَ فِي وَادِي مَجِدُّو. سَتَنُوحُ أرْضُ يَهُوذَا كُلُّ عَائِلَةٍ وَحدَهَا: رِجَالُ عَائِلَةِ دَاوُدَ سَيَنُوحَونَ وَحدَهُمْ، وَنِسَاؤُهُمْ وَحدَهُنَّ. رِجَالُ عَائِلَةِ نَاثَانَ سَيَنُوحَونَ وَحدَهُمْ، وَنِسَاؤُهُمْ وَحدَهُنَّ. رِجَالُ عَائِلَةِ لَاوِي وَحدَهُمْ، وَنِسَاؤُهُمْ وَحدَهُنَّ، وَرِجَالُ عَائِلَةِ شِمْعَى وَحدَهُمْ، وَنِسَاؤُهُمْ وَحدَهُنَّ. وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ العَائِلَاتِ البَاقِيَةِ، سَيَنُوحُ الرِّجَالُ وَحْدَهُمْ، وَنِسَاؤُهُمْ وَحدَهُنَّ.» لَكِنْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَنْفَتِحُ نَبْعٌ لِعَائِلَةِ دَاوُدَ وَلِسُكَّانِ مَدِينَةِ القُدْسِ، نَبْعٌ لِلتَّطهِيرِ مِنَ الخَطِيَّةِ وَالنَّجَاسَةِ. يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَأقطَعُ ذِكْرَ الأوْثَانِ مِنْ هَذِهِ الأرْضِ، فَلَا يَعُودُ أحَدٌ يَذْكُرُهُمْ. وَسَأطْرُدُ الأنْبِيَاءَ الكَذَبَةَ وَرُوحَهُمُ النَّجِسَةَ. وَإنْ رَفَضَ أحَدٌ التَّوَقُّفَ عَنِ التَّنَبُّؤِ بِالكَذِبِ، فَإنَّ أبَاهُ وَأُمَّهُ اللَّذَيْنِ وَلَدَاهُ سَيَقُولَانِ: ‹لَا يَنْبَغِي أنْ تَعِيشَ، لِأنَّكَ تَنَبأتَ بِاسْمِ اللهِ فَكَذَبْتَ.› فَحِينَ يَتَنَبَّأُ، سَيَطْعَنُهُ أبُوهُ وَأُمُّهُ اللَّذَانِ وَلَدَاهُ حِينَ يَتَنَبَّأُ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَخْجَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الأنْبِيَاءِ مِنْ أنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ مَا رَآهُ فِي رُؤْيَا. وَلَنْ يَعُودُوا يَرْتَدُونَ ثِيَابَ نَبِيٍّ مَصْنُوعَةً مِنَ الشَّعْرِ لِخِدَاعِ النَّاسِ. وَسَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: ‹لَسْتُ نَبِيًّا، أنَا مُزَارِعٌ. لِأنِّي عَمِلْتُ لَدَى صَاحِبِ أرْضٍ مُنْذُ صِغَرِي.› وَإنْ قَالَ أحَدُهُمْ لَهُ: ‹كَيْفَ أُصِبْتَ بِهَذِهِ الجُرُوحِ عَلَى يَدَيْكَ؟› فَسَيَقُولُ: ‹جُرِحْتُ فِي بَيْتِ أصدِقَاءٍ لِي.›» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «ارتَفِعْ يَا سَيفُ وَاضرِبِ الرَاعِيَ الَّذِي عَيَّنْتُهُ، وَالرَّفِيقَ الَّذِي اختَرْتُهُ. اضْرِبِ الرَّاعيَ فَتَتَشَتَّتُ الخِرَافُ. وَأنَا سَأتَعَامَلُ مَعَ صِغَارِي. وَفِي كُلِّ الأرْضِ سَيُبَادُ ثُلُثَا البَشَرِ، يَقُولُ اللهُ ، سَيَمُوتُونَ، وَلَنْ يَبْقَى فِيهَا سِوَى ثُلُثٍ. وَسَآتِي بِالثُّلُثِ البَاقِي إلَى النَّارِ. سَأُطَهِّرُهُمْ كَمَا تُطَهَّرُ الفِضَّةُ، وَسَأمتَحِنُهُمْ كَمَا يُمتَحَنُ الذَّهَبُ. سَيَدْعُونَنِي فَأستَجِيبَ لَهُمْ. سَأقُولُ: ‹إنَّهُمْ شَعْبِي،› وَهُمْ سَيَقُولُونَ: ‹ اللهُ هُوَ إلَهُنَا.›» سَيَأْتِي يَوْمُ اللهِ حِينَ يُقتَسَمُ مَا سُلِبَ مِنْكُمْ أمَامَ عُيُونِكُمْ. «سَأجمَعُ كُلَّ الأُمَمِ مَعًا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِإعلَانِ حَرْبٍ عَلَيْهَا.» سَتُفتَحُ المَدِينَةُ، وَالبُيُوتُ سَتُسلَبُ، وَالنِّسَاءُ سَتُغتَصَبُ. سَيَذْهَبُ نِصْفُ المَدِينَةِ إلَى السَّبْيِ، وَلَكِنَّ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ لَنْ تُؤْخَذَ مِنَ المَدِينَةِ. حِينَئِذٍ سَيَخْرُجُ اللهُ وَيُحَارِبُ تِلْكَ الأُمَمَ كَمَا حَارَبَ فِي مَعَارِكَ سَابِقَةٍ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، سَيَقِفُ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ الَّذِي يَقَعُ إلَى الشَّرقِ مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَسَيَنْشَقُّ جَبَلُ الزَّيْتُونِ إلَى نِصفَينِ مِنَ الشَّرقِ إلَى الغَرْبِ، وَينشأُ وَادٍ بَيْنَ النٍّصفَينِ. سَيَمِيلُ نِصفُ الجَبَلِ إلَى الشِّمَالِ، وَنِصفُهُ إلَى الجَنُوبِ. سَتَهْرُبُونَ مِنَ وَادِي جَبَلِ اللهِ . فَالوَادِي سَيَمْتَدُّ وَسَطَ الجِبَالِ إلَى مَنطِقَةِ آصَلَ. سَتَهْرُبُونَ كَمَا هَرَبْتُمْ مِنَ الهِزَّةِ الأرْضِيَّةِ خِلَالَ حُكْمِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. حِينَئِذٍ، سَيَأْتِي وَمَعَهُ كُلُّ مَلَائِكَتِهِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، تَنْقَبِضُ أنوَارُ السَّمَاءِ، وَيَبْقَى النّهَارُ مُضِيئًا – اللهُ وَحْدَهُ يَعَلَمُ كَيْفَ سَيَحْدُثُ هَذَا! وَلَنْ يَتَعَاقَبَ نَهَارٌ وَلَيلٌ، بَلْ سَيَبْقَى النُّورُ حَتَّى فِي وَقْتِ المَسَاءِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتَخْرُجُ مِيَاهٌ حَيَّةٌ مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ. سَيَذْهَبُ نِصْفُهَا إلَى البَحْرِ الشَّرْقِيِّ، وَالنِّصْفُ الآخَرُ إلَى البَحْرِ الغَرْبِيِّ وَسَيَحْدُثُ هَذَا فِي الصَّيفِ وَفِي الشَّتَاءِ. وَسَيَكُونُ اللهُ مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأرْضِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَكُونُ يهوه هُوَ الإلَهَ الوَحِيدَ المَعبُودَ. وَسَتَتَحَوَّلُ كُلُّ الأرْضِ لِتُصْبِحَ كَأرْضِ وَادِي عَرَبَةَ، كُلُّ الأرْضِ مِنْ جَبَعَ إلَى رِمُّونَ جَنُوبَ مَدِينَةِ القُدْسِ. سَتَرْتَفِعُ مَدِينَةُ القُدْسِ وَسَتَبْقَى فِي مَكَانِهَا مِنْ بَوَّابَةِ بَنْيَامِينَ إلَى مَوْقِعِ البَوَّابَةِ الأُولَى، أيْ بَوَّابَةِ الزَّاوِيَةِ، وَمِنْ بُرجِ حَنَنْئِيلَ إلَى مِعصَرَةِ النَّبِيذِ المَلَكِيَّةِ. سَيَسْكُنُ النَّاسُ مَدِينَةَ القُدْسِ، وَلَنْ يَأْتِيَ الخَرَابُ عَلَيْهَا فِيمَا بَعْدُ، بَلْ سَتَكُونُ آمِنَةً. هَذِهِ هِيَ الضَّرْبَةُ الَّتِي سَيُوقِعُهَا اللهُ عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي حَارَبَتِ القُدْسَ: سَيَجْعَلُ جَسَدَ العَدُوِّ يَتَعَفَّنُ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى قَدَمَيهِ. سَتَذُوبُ عَينَاهُ فِي تَجْوِيفِهِمَا، وَسَيَتَعَفَّنُ لِسَانُهُ فِي فَمِهِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيُسَبِّبُ اللهُ تَشْوِيشًا عَظِيمًا بَيْنَهُمْ. سَيَتَصَارَعُونَ مَعًا وَسَيُحَاوِلُ الوَاحِدُ قَتْلَ الآخَرِ. وَسَيَحَارِبُ بَنُو يَهُوذَا فِي القُدْسِ. وَسَتُجمَعُ ثَرْوَةُ جَمِيعِ الأُمَمِ المُحِيطَةِ بِالقُدْسِ، الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ وَالثِّيَابُ. وَهَكَذَا سَتَكُونُ الضَّرْبَةُ الَّتِي سَتَأْتِي عَلَى الحِصَانِ وَالبَغلِ وَالحَمَلِ وَالحِمَارِ فِي تِلْكَ المُعَسكَرَاتِ. أمَّا جَمِيعُ النَّاجِينَ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ الَّتِي أتَتْ عَلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، فَسَيَذْهَبُونَ كُلَّ سَنَةٍ لِعِبَادَةِ المَلِكِ، اللهِ القَدِيرِ، وَالِاحْتِفَالِ بِعِيدِ السَّقَائِفِ. وَالعَائِلَةُ الَّتِي لَا تَذْهَبُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِعِبَادَةِ المَلِكِ، اللهِ القَدِيرِ، لَنْ تَنَالَ مَطَرًا. وَإنْ لَمْ تَذْهَبْ عَشَائرُ مِصْرٍ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، فَسَتَأتِي عَلَى مِصْرٍ تِلْكَ الضَّرْبَةُ الَّتِي يُصِيبُ بِهَا اللهُ الأُمَمَ الَّتِي لَا تَأْتِي لِلاحْتِفَالِ بِعِيدِ السَّقَائِفِ. سَيَكُونُ هَذَا عِقَابَ مِصْرٍ وَكُلِّ الأُمَمِ الَّتِي لَا تَأْتِي لِلاحْتِفَالِ بِعِيدِ السَّقَائِفِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتُنقَشُ الكَلِمَاتُ «مُخَصَّصٌ لِيهوه» عَلَى أجرَاسِ الخُيُولِ. وَسَتُعتَبَرُ القُدُورُ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ مُقَدَّسَةً كَالأقدَاحِ الَّتِي تُوضَعُ أمَامَ المَذْبَحِ. سَيُنقَشُ عَلَى كُلِّ قِدْرٍ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ وَيَهُوذَا الكَلِمَاتُ «مُخَصَّصٌ لِيهوه القَدِيرِ.» وَكُلُّ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً سَيَأْتُونَ إلَى الهَيْكَلِ، وَسَيَأْخُذُونَ مِنْهُمُ الذَّبِيحَةَ وَيَطْبُخُونَهَا فِي القُدُورِ. وَلَنْ يُرَى تَاجِرٌ فِي بَيْتِ اللهِ القَدِيرِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. هَذِهِ رِسَالَةٌ نَبَوِيَّةٌ مِنَ اللهِ إلَى إسْرَائِيلَ أتَتْ إلَى مَلَاخِي. يَقُولُ اللهُ : «أُحِبُّكُمْ.» فَتَقُولُونَ: «كَيْفَ أظْهَرْتَ مَحَبَّتَكَ لَنَا؟» وَيَقُولُ اللهُ : «ألَيْسَ عِيسُو أخَا يَعْقُوبَ؟ وَمَعَ هَذَا، فَقَدْ فَضَّلْتُ يَعْقُوبَ عَلَى عِيسُو. حَوَّلْتُ جِبَالَ عِيسُو إلَى خَرَابٍ، وَأعْطَيْتُ مِيرَاثَهُ لِذِئَابِ الصَّحْرَاءِ.» قَدْ يَقُولُ شَعْبُ أدُومَ: «قَدْ سُحِقْنَا، وَلَكِنَّنَا سَنَعُودُ وَنَبنِي الخَرَائِبَ.» وَلَكِنْ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ: «قَدْ يُعِيدُونَ بِنَاءَ خَرَائِبِهِمْ، وَلَكِنِّي سَأهدِمُهَا ثَانِيَةً. سَيَدْعُوهُمُ النَّاسُ ‹الحُدُودَ الشِّرِّيرَةَ› وَ ‹الشَّعْبَ المَغضُوبَ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ إلَى الأبَدِ.›» «سَتَرَى عُيُونُكُمْ هَذَا وَسَتَقُولُونَ: ‹ اللهُ عَظِيمٌ، حَتَّى وَرَاءَ حُدُودِ إسْرَائِيلَ!›» «الِابْنُ يُكرِمُ أبَاهُ، وَالخَادِمُ يُقَدِّرُ سَيِّدَهُ. فَإنْ كُنْتُ أبًا، فَأينَ كَرَامَتِي؟ وَإنْ كُنْتُ سَيِّدًا، فَأينَ تَقدِيرِي؟ أنَا، اللهَ القَدِيرَ، أتَكَلَّمُ إلَيكُمْ أيُّهَا الكَهَنَةُ الَّذِينَ تَحْتَقِرُونَ اسْمِي. وَلَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ: ‹كَيْفَ نَحتَقِرُ اسْمَكَ؟› بِتَقْدِيمِ طَعَامٍ نَجِسٍ عَلَى مَذْبَحِي. وَمَعَ هَذَا تَقُولُونَ: ‹كَيْفَ نَجَّسْنَاهُ؟› تُنَجِّسُونَهُ بِقَولِكُمْ: ‹مَائِدَةُ اللهِ مُحتَقَرَةٌ.› حِينَ تُقَدِّمُونَ حَيَوَانًا أعْمَى كَذَبِيحَةٍ! أفَلَيْسَ هَذَا عَمَلًا شِرِّيرًا؟ حِينَ تُحضِرُونَ حَيَوَانًا أعرَجَ أوْ مَرِيضًا، أفَلَيْسَ هَذَا عَمَلًا شِرِّيرًا؟ قَدِّمْهُ لِحَاكِمِكَ، هَلْ سَيَكُونُ مَسْرُورًا مِنْكَ؟ هَلْ سَيَرْضَى عَنْكَ؟» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. وَالْآنَ اطْلُبُوا نِعْمَةَ اللهِ وَرَحمَتَهُ نَحوَكُمْ. أنْتُمْ سَبَبُ حُدُوثِ هَذِهِ الأُمُورِ. هَلْ سَيُسَرُّ بِأيِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ؟ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ القَدِيرُ. «لَيْتَ أحَدَكُمْ يُغلِقُ أبوَابَ الهَيْكَلِ، فَلَا تَعُودُونَ تُشْعِلُونَ نَارَ الذَّبَائِحِ عَبَثًا. لَسْتُ مَسْرُورًا مِنْكُمْ وَلَا رَاضِيًا عَنْكُمْ، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، وَلَنْ أقبَلَ أيَّةَ تَقْدِمَاتٍ مِنْ أيدِيكُمْ. لِأنَّ اسْمِي مُكَرَّمٌ مِنَ الشَّرْقِ إلَى الغَرْبِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ تُقَدَّمُ لِي تَقْدِمَةُ بَخُورٍ مَعَ تَقْدِمَةٍ طَاهِرَةٍ إكرَامًا لِي، لِأنَّ اسْمِي مُكَرَّمٌ بينَ الأُمَمِ،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «تَسْتَهينُونَ بِي وَتَقُولُونَ: ‹مَائِدَةُ الرَّبِّ مُلَوَّثَةٌ، وَالطّعَامُ الَّذِي عَلَيْهَا لَا قِيمَةَ لَهُ!› تَتَذَمَّرُونَ عَلَيَّ وَتَقُولُونَ: ‹يَا لِلتَّعَبِ وَيَا لِلمَشَقَّةِ!›» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، «تُقَدِّمُونَ لِي حَيَوَانًا مَسرُوقًا أوْ أعرَجَ أوْ مَرِيضًا! هَلْ سَأرْضَى عَنْ هَذَا وَأقبَلُهُ مِنْ إيدِيكُمْ؟» «مَلْعُونٌ هُوَ المَاكِرُ الَّذِي يَمْلِكُ حَيَوَانًا ذَكَرًا سَلِيمًا فِي قَطِيعِهِ، وَيَنْذِرُ لِلرَّبِّ، ثُمَّ يُقَدِّمُ حَيَوَانًا فِيهِ عَيبٌ ذَبِيحَةً لِلرَّبِّ. فَأنَا مَلِكٌ عَظِيمٌ،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، «يَنْبَغِي أنْ يُخَافَ اسْمِي بَيْنَ الأُمَمِ.» «وَالْآنَ أيُّهَا الكَهَنَةُ، إلَيكُمْ هَذَا الأمْرَ: إنْ لَمْ تُطِيعُونِي وَلَمْ تَضَعُوا فِي قُلُوبِكُمْ أنْ تُمَجِّدُوا اسْمِي، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، فَإنِّي سَأُرْسِلُ عَلَيْكُمْ لَعْنَةً. سَأُحَوِّلُ البَرَكَاتِ الَّتِي تَقُولُونَهَا إلَى لَعْنَاتٍ، بَلْ لَعَنْتُكُمْ لِأنَّكُمْ لَمْ تَضَعُوا هَذَا فِي قُلُوبِكُمْ.» «سَأُعَاقِبُ نَسْلَكُمْ. وَسَأُلقِي فَضَلَاتِ ذَبَائِحِكُمْ عَلَى وُجُوهِكُمْ، وَسَتُطرَحُونَ بَعِيدًا مِنْ حَضْرَتِي. وَسَتَعْرِفُونَ أنِّي أرسَلْتُ لَكُمْ هَذِهِ الوَصيَّةَ إذْ قَطَعْتُ عَهْدِي مَعَ لَاوِي، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. كَانَ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدَ حَيَاةٍ وَسَلَامٍ، وَقَدْ أعْطَيْتُهُ حَيَاةً وَسَلَامًا. فَقَدْ أكرَمَنِي وَخَافَ اسْمِي العَظِيمَ. تَمَسَّكَ بِالأمَانَةِ لِلشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يَتَهَاوَنْ مَعَ الشَّرِّ. عَاشَ حَيَاةً مُسَالِمَةً وَكَامِلَةً وَمُسْتَقِيمَةً أمَامِي، وَقَدْ رَدَّ كَثِيرِينَ عَنْ عَمَلِ الشَّرِّ. فَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَى الكَاهِنِ حِينَ يُرِيدُونَ المَعْرِفَةِ، وَيَذْهَبُونَ إلَيْهِ لِيُعَلِّمَهُمْ شَرَائِعَ اللهِ ، لِأنَّهُ رَسُولُ اللهِ القَدِيرِ. «ولَكِنَّكُمْ حِدْتُمْ عَنْ طَرِيقِ اللهِ ، وَنَفَّرْتُمْ كَثِيرِينَ مِنَ الشَّرِيعَةِ. أفسَدْتُمُ العَهْدَ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ لَاوِي، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. أنَا جَعَلْتُكُمْ مُحتَقَرِينَ وَمَذلُولِينَ أمَامَ جَمِيعِ النَّاسِ، لِأنَّكُمْ لَمْ تَحْفَظُوا وَصَايَايَ، بَلْ مَيَّزْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ فِي تَطبِيقِ شَرِيعَتِي.» ألَيْسَ لَنَا أبٌ وَاحِدٌ؟ ألَمْ يَخْلِقْنَا إلَهٌ وَاحِدٌ؟ فَلِمَاذَا يَغْدُرُ الوَاحِدُ بِأخِيهِ، فَيُنَجِّسُ عَهْدَ آبَائِنَا. ارتَكَبَ شَعْبُ يَهُوذَا أعْمَالَ غَدْرٍ وَخِيَانَةٍ كَثِيرَةً نَحْوَ إسْرَائِيلَ وَمَدِينَةِ القُدْسِ. فَشَعْبُ يَهُوذَا نَجَّسَ مَكَانَ اللهِ المُقَدَّسِ الَّذِي أحَبَّهُ، وَارتَبَطَ بِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ. لَيْتَ اللهَ يُبِيدُ مِنْ قَبَائِلِ يَعْقُوبَ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ هَذَا أيًّا كَانَ، حَتَّى لَوْ جَاءَ يُقَدِّمُ ذَبِيحَةً إلَى اللهِ القَدِيرِ. وَأنْتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا ثَانِيَةً، إذْ تُغَطُّونَ مَذْبَحَ اللهِ بِالدُّمُوعِ نَائِحِينَ وَمُوَلْوِلِينَ، لِأنَّهُ لَمْ يَعُدْ يَقْبَلُهَا كَتَقْدِمَةٍ مُرضِيَةٍ مِنْ أيدِيكُمْ. وَتَقُولُونَ: «مَا سَبَبُ هَذَا؟» لِأنَّ اللهَ رَأى مَا حَدَثَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ المَرْأةِ الَّتِي تَزَوَّجْتَهَا فِي شَبَابِكَ، الَّتِي خُنْتَهَا مَعَ أنَّهَا كَانَتْ رَفِيقًا أمِينًا لَكَ، وَقَدْ دَخَلْتَ فِي عَهْدٍ مَعَهَا. لَا أحَدَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَهُ بَقِيَّةُ عَقلٍ! لِمَاذَا يَحْفَظُ العَاقِلُ عَهْدَهُ؟ لِأنَّهُ يَطْلُبُ نَسْلًا صَالِحًا مِنَ اللهِ. لِذَا يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ حَذِرًا وَلَا تَغْدُرْ بِالمَرْأةِ الَّتِي تَزَوَّجْتَهَا فِي شَبَابِكَ. «أنَا أبغَضُ الطَّلَاقَ،» يَقُولُ اللهُ ، إلَهُ إسْرَائِيلَ. «وَأبغَضُ الزَّوجَ الَّذِي يَسْتُرُ نَفْسَهُ بِالعُنْفِ تُجَاهَ زَوْجَتِهِ،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «فَاحذَرُوا وَلَا يَغْدُرْ أحَدُكُمَا بِالآخَرِ.» أتعَبْتُمُ اللهَ بِكَلَامِكُمْ. وَلَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ: «كَيْفَ أتعَبْنَاهُ؟» أتعَبْتُمُوهُ بِقَولِكُمْ: «كُلُّ مَنْ يَعْمَلُ الشَّرَّ هُوَ صَالِحٌ فِي عَينَيِّ اللهِ ، وَهُوَ رَاضٍ عَنْهُمْ.» أوْ بِقَولِكُمْ: «هَلْ سَبَقَ أنْ رَأيْتَ اللهَ يُعَاقِبُ أحَدًا؟» «سَأُرْسِلُ رَسُولِي الَّذِي يُمَهِّدُ الطَّرِيقَ أمَامِي. سَيَأْتِي السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ إلَى هَيْكَلِهِ فَجْأةً. وَسَيَأْتِي رَسُولُ العَهْدِ الَّذِي تُحِبُّونَهُ كَثِيرًا.» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «وَلَكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ الصُّمُودَ حِينَ يَأْتِي؟ وَمَنْ سَيَسْتَطِيعُ أنْ يَقِفَ حِينَ يَظْهَرُ؟ فَهُوَ مِثْلُ نَارِ صَاهِرِ المَعَادِنِ، وَمِثْلُ صَابُونِ مُبَيِّضِ الثِّيَابِ. سَيَجْلِسُ كَمَنْ يُطَهِّرُ الفِضَّةَ، لِيُطَهِّرَ اللَّاوِيِّينَ. سَيُنَقِّيهِمْ كَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَسَيَصِيرُونَ كَهَنَةَ اللهِ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ التَّقدِمَاتِ وَالذَّبَائِحَ الصَّاعِدَةَ كَمَا يَنْبَغِي. حِينَئِذٍ سَتَكُونُ تَقْدِمَةُ يَهُوذَا وَمَدِينَةِ القُدْسِ للهِ كَمَا يَنْبَغِي، كَمَا كَانَتْ فِي القَدِيمِ. وَسَأقتَرِبُ إلَيكُمْ لِلحُكْمِ، وَسَأشهَدُ سَرِيعًا ضِدَّ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ السِّحْر، وَالَّذِينَ يَزْنُونَ، وَيَحْلِفُونَ بِالكَذِبِ، وَيَبْتَزُّونَ المَالَ مِنَ العُمَّالِ وَمِنَ الأرَامِلِ وَاليَتَامَى، وَيَطْرُدُونَ المُشَرَّدِينَ، ضِدَّ كُلِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَهَابُونَنِي،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «لِأنِّي أنَا اللهَ لَا أتَغَيَّرُ، وَلِذَلِكَ أنْتُمْ يَا نَسْلَ يَعْقُوبَ لَمْ تَفْنَوْا. مُنْذُ أيَّامِ آبَائِكُمْ وَأنْتُمْ تَضِلُّونَ عَنْ أحكَامِي، وَلَمْ تَحْفَظُوهَا. ارْجِعُوا إلَيَّ فَأرْجِعَ إلَيكُمْ، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «وَتَقُولُونَ: ‹كَيْفَ نَرجِعُ؟› «هَلْ يُمْكِنُ لِلإنْسَانِ أنْ يَسْلِبَ اللهَ؟ لِأنَّكُمْ سَلَبْتُمُونِي! وَلَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ: ‹كَيْفَ سَلَبْنَاكَ؟› سَلَبْتُمْ عُشُورِي وَتَقْدِمَاتِي. إنَّكُمْ مَلْعُونُونَ، وَأنْتُمْ كُلُّكُمْ، سَارِقُونَ. «أحضِرُوا العُشُورَ كَامِلَةً إلَى الخَزْنَةِ، لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ. اختَبِرُونِي بِهَذَا، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ، لِتَرَوْا إنْ كُنْتُ لَا أفَتَحُ لَكُمْ نَوَافِذَ السَّمَاءِ، وَأسكُبُ بَرَكَةً عَلَيْكُمْ حَتَّى الفَيضِ. وَسَآمُرُ الأوبِئَةَ بِالبَقَاءِ بَعِيدَةً عَنْ حُقُولِكُمْ، فَلَا تُتلِفُ إنتَاجَ أرْضِكُمْ. وَلَنْ تَكُونَ لَكُمْ كَرْمَةٌ لَا ثَمَرَ فِيهَا،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «سَتَمْدَحُكُمْ كُلُّ الأُمَمِ، بِسَبَبِ أرْضِكُمُ الخَصبَةِ،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. يَقُولُ اللهُ : «تَكَلَّمْتُمْ بِقَسْوَةٍ عَلَيَّ. وَأنْتُمْ تَقُولُونَ: ‹مَاذَا قُلْنَا عَلَيْكَ؟› قُلْتُمْ: ‹لَا فَائِدَةَ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ . لَا مَنفَعَةَ مِنْ ذَلِكَ. فَنَحْنُ، الكَهَنَةَ، نَحرِصُ عَلَى خِدْمَتِهِ كَمَا أمَرَنَا. وَقَدْ نُحْنَا فِي حَضْرَةِ اللهِ القَدِيرِ بِلَا فَائِدةٍ! وَنَحْنُ الآنَ نَظُنُّ أنَّ المُتَكَبِّرِينَ هُمُ السُّعَدَاءَ. وَلَا يَنْجَحُ الأشرَارُ فَحَسْبُ، بَلْ يَتَحَدَّوْنَ اللهَ وَيَنْجُونَ!›» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، تَحَدَّثَ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللهَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأصغَى اللهُ لَهُمْ. وَكُتِبَ سِجِلٌّ أمَامَهُ بِأسْمَاءِ الَّذِينَ يَهَابُونَ اللهَ وَيُكْرِمُونَ اسْمَهُ. يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ: «سَيَكُونُونَ خَاصَّتِي فِي الوَقْتِ الَّذِي أُعلِنُ فِيهِ مُلْكِي. سَأرْحَمُهُمْ كَمَا يَرْحَمُ الرَّجُلُ ابْنَهُ الَّذِي يَخْدِمُهُ. لَكِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ ثَانِيَةً الفَرْقَ بَيْنَ البَارِّ وَالشِّرِّيرِ، بَيْنَ الَّذِي يَخْدِمُ اللهَ وَالَّذِي لَا يَخْدِمُهُ.» «لِأنَّ اليَوْمَ سَيَأْتِي مُشْتَعِلًا كَفُرْنٍ، حِينَ سَيَصِيرُ كُلُّ المُتَكَبِّرِينَ وَعَامِلِي الشُّرُورِ كَالقَشِّ. الزَّمَنُ الآتِي سَيُحْرِقُهُمْ، يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. لَنْ يَتْرُكَ لَهُمْ جَذْرًا وَلَا غُصْنًا صَغِيرًا. وَأمَّا أنتُمْ أيُّهَا الخَائِفُونَ اسْمِي، فَسَتُشْرِقُ شَمْسٌ تَشِعُّ بِالبِرِّ، وَتَحْمِلُ لَكُمُ الشِّفَاءِ. وَسَتَخْرُجُونَ وَتَضْرِبُونَ بِأرجُلِكُمْ كَعُجُولٍ سَمِينَةٍ. سَتَدُوسُونَ الأشْرَارَ كَالرَّمَادِ تَحْتَ أرجُلِكُمْ حِينَ آمُرُ بِذَلِكَ،» يَقُولُ اللهُ القَدِيرُ. «تَذَكَّرُوا شَرِيعَةَ خَادِمِي مُوسَى، الَّتِي أعطَيتُهَا لَهُ فِي جَبَلِ حُورِيبَ. كَانَتْ تِلْكَ الشَّرِيعَةُ تَحْوِي أحْكَامًا وَفَرَائِضَ لِإسْرَائِيلَ.» «هَا أنَا أُرْسِلُ إلَيكُمْ إيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ أنْ يأتِيَ يَوْمُ انتِصَارِ اللهِ – اليَوْمُ العَظِيمُ المُخِيفُ. فَيَرُدُّ إيلِيَّا قُلُوبَ الآبَاءِ إلَى أبنَائِهِمْ، وَقُلُوبَ الأبنَاءِ إلَى آبَائِهِمْ، لِئَلَّا آتِيَ وَأضْرِبَ الأرْضَ بِاللَّعنةِ.» هَذَا سِجِلُّ عَائِلَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ: جَاءَ يَسُوعُ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، وَدَاوُدُ مِنْ نَسْلِ إبْرَاهِيمَ. إبْرَاهِيمُ هُوَ أبُو إسْحَاقَ. إسْحَاقُ أبُو يَعْقُوبَ. يَعْقُوبُ أبُوَ يَهُوذَا وَإخوَتِهِ. يَهُوذَا أبُو فَارِصَ وَزَارَحَ، اللَّذَيْنِ أُمُّهُمَا ثَامَارُ. فَارِصُ أبُو حَصْرُونَ. حَصْرُونُ أبُو أرَامَ. أرَامُ أبُو عَمِّينَادَابَ. عَمِّينَادَابُ أبُو نَحْشُونَ. نَحْشُونُ أبُو سَلْمُونَ. سَلْمُونُ أبُو بُوعَزَ، الَّذِي أُمُّهُ رَاحَابُ. بُوعَزُ أبُو عُوبِيدَ، الَّذِي أُمُّهُ رَاعُوثَ. عُوبِيدُ أبُو يَسَّى. يَسَّى أبُو دَاوُدَ المَلِكِ. دَاوُدُ أبُو سُلَيْمَانَ، الَّذِي كَانَتْ أُمُّهُ زَوْجَةَ أُورِيَّا. سُلَيْمَانُ أبُو رَحُبْعَامَ. رَحُبْعَامُ أبُو أبِيَّا. أبِيَّا أبُو آسَا. آسَا أبُو يَهُوشَافَاطَ. يَهُوشَافَاطُ أبُو يُورَامَ. يُورَامُ أبُو عُزِّيَّا. عُزِّيَّا أبُو يُوثَامَ. يُوثَامُ أبُو أحَازَ. أحَازُ أبُو حِزْقِيَّا. حِزْقِيَّا أبُو مَنَسَّى. مَنَسَّى أبُو آمُونَ. آمُونُ أبُو يُوشِيَّا. يُوشِيَّا أبُو يَكُنْيَا وَإخوَتِهِ. هَذَا إلَى وَقْتِ سَبْيِ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى بَابِلَ. بَعْدَ السَّبْيِ إلَى بَابِلَ: يَكُنْيَا أبُو شَألْتِئِيلَ. شَألْتِئِيلُ أبُو زَرُبَّابِلَ. زَرُبَّابِلُ أبُو أبِيهُودَ. أبِيهُودُ أبُو ألِيَاقِيمَ. ألِيَاقِيمُ أبُو عَازُورَ. عَازُورُ أبُو صَادُوقَ. صَادُوقُ أبُو أخِيمَ. أخِيمُ أبُو ألِيُودَ. ألِيُودُ أبُو ألِعَازَرَ. ألِعَازَرُ أبُو مَتَّانَ. مَتَّانُ أبُو يَعْقُوبَ. يَعْقُوبُ أبُو يُوسُفَ، زَوْجِ مَرْيَمَ. وَمَرْيَمُ هِيَ أُمُّ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى «المَسِيحَ.» فَهُنَاكَ أرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا مِنْ إبْرَاهِيمَ إلَى دَاوُدَ. وَأرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا مِنْ دَاوُدَ إلَى وَقْتِ السَّبْيِ، وَأرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا مِنْ وَقْتِ السَّبْيِ إلَى المَسِيحِ. أمَّا وِلَادَةُ يَسُوعَ المَسِيحِ فَقَدْ تَمَّتْ كَمَا يَلِي: كَانَتْ أُمُّهُ مَرْيَمُ مَخْطُوبَةً لِرَجُلٍ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَلَكِنْ قَبْلَ أنْ يَتَزَوَّجَا، عَلِمَتْ أنَّهَا حُبلَى بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ. وَلَكِنَّ يُوسُفَ رَجُلَهَا كَانَ صَالِحًا، وَلَمْ يَشَأ أنْ يَكْشِفَ أمْرَهَا، فَقَرَّرَ أنْ يَتْرُكَهَا بِهُدُوءٍ. وَبَيْنَمَا كَانَ يُوسُفُ يُفَكِّرُ بِهَذَا، ظَهَرَ لَهُ مَلَاكٌ فِي حُلْمٍ وَقَالَ لَهُ: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لَا تَخَفْ أنْ تَقْبَلَ مَرْيَمَ امْرأةً لَكَ، لِأنَّ الطِّفْلَ الَّذِي هِيَ حُبلَى بِهِ هُوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. وَسَتَلِدُ ابْنًا، وَأنْتَ سَتُسَمِّيهِ يَسُوعَ، لِأنَّهُ سَيُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ.» حَدَثَ هَذَا لِكَي يَتِمَّ مَا قَالَهُ الرَّبُّ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ: «هَا إنَّ العَذْرَاءَ سَتَحْبَلُ وَسَتَلِدُ ابْنًا، وَسَيُدْعَى اسْمُهُ ‹عِمَّانُوئِيلَ› الَّذِي مَعْنَاهُ: ‹اللهُ مَعَنَا.›» وَعِنْدَمَا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنْ نَومِهِ، عَمِلَ بِكُلِّ مَا أمَرَهُ بِهِ مَلَاكُ الرَّبِّ، فَأخَذَ امْرَأتَهُ إلَى بَيْتِهِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ الطِّفْلَ الَّذِي سَمَّاهُ «يَسُوعَ.» وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ فِي إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ فِي أيَّامِ حُكْمِ المَلِكِ هِيرُودُسَ، جَاءَ بَعْضُ الحُكَمَاءِ مِنَ الشَّرْقِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، وَسَألُوا: «أيْنَ هُوَ الطِّفلُ الَّذِي وُلِدَ حَدِيثًا، وَالَّذِي سَيَكُونُ مَلِكَ اليَهُودِ؟ لِأنَّنَا رَأينَا نَجْمَهُ فِي الشَّرْقِ، وَقَدْ أتَينَا لِنَسْجُدَ لَهُ.» فَانزَعَجَ المَلِكُ هِيرُودُسُ عِنْدَمَا سَمِعَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ سُكَّانِ مَدِينَةِ القُدْسِ. فَجَمَعَ هِيرُودُسُ كُلَّ كِبَارِ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ، وَسَألَهُمْ عَنْ مَكَانِ وِلَادَةِ المَسِيحِ. فَقَالُوا لَهُ: «فِي مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ فِي إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ، لِأنَّ هَذَا هُوَ المَكْتُوبُ بِيَدِ النَّبِيِّ: ‹أنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ الوَاقِعَةَ فِي أرْضِ اليَهُودِيَّةِ، لَسْتِ قَلِيلَةَ الأهَمِّيَّةِ بَيْنَ حُكَّامِ يَهُوذَا، لِأنَّهُ مِنْكِ سَيَخْرُجُ حَاكِمٌ، يَرْعَى شَعْبِي بَنِي إسْرَائِيلَ.›» فَدَعَا هِيرُودُسُ الحُكَمَاءَ وَالْتَقَى بِهِمْ سِرًّا، وَعَرَفَ مِنْهُمُ الوَقْتَ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ النَّجْمُ بِشَكلٍ دَقِيقٍ، ثُمَّ أرْسَلَهُمْ إلَى مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: «اذْهَبُوا وَابحَثُوا عَنِ الطِّفلِ. وَعِنْدَمَا تَجِدُونَهُ أخبِرُونِي، حَتَّى آتِيَ أنَا أيْضًا وَأسجُدَ لَهُ.» فَاسْتَمَعَ الرِّجَالُ الحُكَمَاءُ إلَى المَلِكِ ثُمَّ ذَهَبُوا. وَإذَا بِالنَّجمِ الَّذِي رَأوْهُ فِي الشَّرْقِ يَسيرُ أمَامَهُمْ، حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقَ المَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الطِّفلُ. فَفَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا عِنْدَمَا رَأوْا النَّجْمَ. فَدَخَلُوا المَنزِلَ وَرَأوْا الطِّفْلَ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ، فَرَكَعُوا عَلَى الأرْضِ سَاجِدِينَ لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا صَنَادِيقَ كُنُوزِهِمْ، وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَبَخُورًا وَمُرًّا. ثُمَّ حَذَّرَهُمُ اللهُ فِي حُلْمٍ مِنَ العَودَةِ إلَى هِيرُودُسَ، فَسَافَرُوا إلَى بِلَادِهِمْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ. وَبَعْدَ أنْ سَافَرَ الرِّجَالُ الحُكَمَاءُ، ظَهَرَ مَلَاكُ الرَّبِّ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ وَقَالَ لَهُ: «قُمْ خُذِ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ وَاهرُبْ إلَى مِصْرَ، وَابْقَ هُنَاكَ حَتَّى أُخبِرَكَ، لِأنَّ هِيرُودُسَ سَيَبْحَثُ عَنِ الطِّفلِ لِيَقْتُلَهُ.» فَقَامَ يُوسُفُ وَأخَذَ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَذَهَبَ إلَى مِصْرَ. وَبَقِيَ هُنَاكَ حَتَّى مَوْتِ هِيرُودُسَ. حَدَثَ هَذَا لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ الرَّبُّ عَلَىْ لِسَانِ النَّبِيِّ: «مِنْ مِصْرَ دَعَوتُ ابْنِي.» وَعِنْدَمَا عَرَفَ هِيرُودُسُ أنَّ الرِّجَالَ الحُكَمَاءَ خَدَعُوهُ، غَضِبَ جِدًّا، وَأمَرَ بِقَتلِ جَمِيعِ الصِّبْيَانِ فِي مَدِينَةِ بَيْتِ لَحْمٍ وَكُلِّ المِنْطَقَةِ المُجَاوِرَةِ، مِنْ عُمرِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونَ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الوَقْتِ الَّذِي أكَّدَهُ لَهُ الرِّجَالُ الحُكَمَاءُ. حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ عَلَىْ لِسَانِ النَّبِيِّ إرمِيَا: «صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، صَوْتُ بُكَاءٍ وَنَوحٍ عَظِيمٍ. إنَّهُ صَوْتُ رَاحِيلَ تَبْكِي عَلَى أوْلَادِهَا، وَهِيَ تَرْفُضُ أنْ تَتَعَزَّى لِأنَّهُمْ مَوْتَى.» بَعْدَ مَوْتِ هِيرُودُسَ، ظَهَرَ مَلَاكُ الرَّبِّ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ. وَقَالَ لَهُ: «قُمْ خُذِ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ وَارْجِعْ إلَى أرْضِ إسْرَائِيلَ، لِأنَّ الَّذِينَ كَانُوا يُحَاوِلُونَ قَتْلَ الطِّفلِ مَاتُوا.» فَقَامَ يُوسُفُ وَأخَذَ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ وَذَهَبَ إلَى أرْضِ إسْرَائِيلَ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا سَمِعَ أنَّ أرْخِيلَاوُسَ صَارَ هُوَ المَلِكَ فِي إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ مَكَانَ أبِيهِ هِيرُودُسَ، خَافَ أنْ يَذْهَبَ إلَى هُنَاكَ. وَبَعْدَ أنْ حَذَّرَهُ اللهُ فِي حلْمٍ، ذَهَبَ إلَى إقْلِيمِ الجَلِيلِ، وَسَكَنَ فِي بَلْدَةٍ اسْمُهَا النَّاصِرَةُ. حَدَثَ هَذَا لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ الأنْبِيَاءُ بِأنَّ المَسِيحَ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا. فِي تِلْكَ الأيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا المَعمَدَانُ لِيَعِظَ فِي بَرِّيَّةِ اليَهُودِيَّةِ، وَكَانَ يَقُولُ: «تُوبُوا لِأنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قَرِيبٌ.» وَيُوحَنَّا هَذَا هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ عَنْهُ النَّبِيُّ إشَعْيَاءُ عِنْدَمَا قَالَ: «صَوْتُ إنْسَانٍ يُنَادِي فِي البَرِّيَّةِ وَيَقُولُ: ‹أعِدُّوا الطَّرِيقَ لِلرَّبِّ. اجعَلُوا السُّبُلَ مُسْتَقِيمَةً مِنْ أجْلِهِ.›» كَانَ يُوحَنَّا يَلْبِسُ ثِيَابًا مِنْ وَبَرِ الجِمَالِ، وَعَلَى وَسْطِهِ حِزَامٌ مِنْ جِلْدٍ، وَيَأْكُلُ جَرَادًا وَعَسَلًا بَرِّيًّا. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، بَدَأ كُلُّ النَّاسِ يَأتُونَ مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ وَمِنْ إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ كُلِّهِ، وَمِنَ المِنْطَقَةِ المُحِيطَةِ بِنَهْرِ الأُرْدُنِّ لِيَسْمَعُوهُ. وَكَانَ يُعَمِّدُهُمْ فِي نَهْرِ الأُرْدُنِّ بَعْدَ أنْ يَعْتَرِفُوا بِخَطَايَاهُمْ. وَعِنْدَمَا رَأى يُوحَنَّا أنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الفِرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُوقِيِّينَ يَأْتُونَ لِكَي يُعَمِّدَهُمْ، قَالَ لَهُمْ: «يَا نَسْلَ الأفَاعِي، مَنِ الَّذِي نَبَّهَكُمْ إلَى الهُرُوبِ مِنَ الغَضَبِ القَادِمِ؟ اصنَعُوا ثَمَرًا يُبَرهِنُ تَوْبَتَكُمْ، وَلَا تَتَفَاخَرُوا بِقَولِكُمْ: ‹إبرَاهِيمُ هُوَ أبُونَا.› فَإنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يَخْلِقَ مِنْ هَذِهِ الصُّخُورِ أوْلَادًا لإبْرَاهِيمَ. هَا هِيَ الفَأسُ مَوضُوعَةٌ عَلَى أُصُولِ سِيقَانِ الأشْجَارِ. وَسَتُقطَعُ كُلُّ شَجَرَةٍ لَا تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا، وَسَيُلقَى بِهَا فِي النَّارِ. «أنَا أُعَمِّدُكُمْ فِي مَاءٍ لإعلَانِ تَوْبَتِكُمْ، أمَّا الَّذِي يَأتِي بَعدِي فَهُوَ أعْظَمُ مِنِّي، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا أنْ أخلَعَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ فِي الرُّوحِ القُدُسِ وَنَارٍ. سَيَحْمِلُ مِذْرَاتَهُ فِي يَدِهِ وَسَيُنَقِّي بَيدَرَهُ، فَيَجْمَعَ حُبوبَهُ فِي المَخْزَنِ، وَيُحْرِقَ التِّبْنَ بِنَارٍ لَا تُطفَأُ.» ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ مِنْ إقْلِيمِ الجَلِيلِ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ، لِأنَّهُ أرَادَ أنْ يُعَمِّدَهُ يُوحَنَّا. وَلَكِنَّ يُوحَنَّا حَاوَلَ مَنْعَهُ وَقَالَ: «أنَا أحتَاجُ أنْ تُعَمِّدَنِي، فَلِمَاذَا تَأْتِي إلَيَّ؟» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «اسْمَحْ بِذَلِكَ الآنَ، لِأنَّهُ مِنَ اللَّائِقِ أنْ نُتَمِّمَ كُلَّ مَا يَطْلُبُهُ اللهُ.» حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ يُوحَنَّا بِأنْ يَتَعَمَّدَ. فَتَعَمَّدَ يَسُوعُ فِي المَاءِ. وَحَالَ صُعُودِهِ مِنَ المَاءِ، انفَتَحَتِ السَّمَاءُ، وَرَأى رُوحَ اللهِ يَنْزِلُ عَلَى هَيئَةِ حَمَامَةٍ وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ. وَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: «أنْتَ هُوَ ابنِي المَحبُوبُ. أنَا رَاضٍ عَنْكَ كُلَّ الرِّضَا.» وَقَادَ الرُّوحُ يَسُوعَ إلَى البَرِّيَّةِ، لِيُجَرَّبَ مِنْ إبْلِيسَ. فَبَعْدَ أنِ امتَنَعَ يَسُوعُ عَنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ أرْبَعِينَ نَهَارًا وَأرْبَعينَ لَيلَةً، جَاعَ. فَجَاءَ إلَيْهِ المُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: «إنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهَذِهِ الحِجَارَةِ أنْ تَصِيرَ أرْغِفَةَ خُبْزٍ.» لَكِنَّ يَسُوعُ أجَابَهُ: «يَقُولُ الكِتَابُ: ‹لَا يَعِيشُ الإنْسَانُ عَلَى الخُبْزِ وَحْدَهُ. بَلْ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ.›» ثُمَّ أخَذَهُ إبْلِيسُ إلَى المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ، وَأوقَفَهُ عَلَى قِمَّةِ الهَيْكَلِ. وَقَالَ لَهُ: «إنْ كُنْتَ حَقًّا ابْنَ اللهِ، فَارْمِ بِنَفْسِكَ مِنْ هُنَا. فَالكِتَابُ يَقُولُ: ‹يُوصِي اللهُ مَلَائِكَتَهُ بِكَ.› «وَبِأنَّهُمْ: ‹سَيَحْمِلُونَكَ عَلَى أيَادِيهِمْ، لِئَلَّا تَرْتَطِمَ قَدَمُكَ بِحَجَرٍ.›» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «يَقُولُ الكِتَابُ أيْضًا: ‹لَا تَمْتَحِنِ الرَّبَّ إلَهَكَ.›» ثُمَّ أخَذَهُ إبْلِيسُ إلَى جَبَلٍ عَالٍ، وَعَرَضَ أمَامَ عَيْنَيْهِ كُلَّ مَمَالِكِ العَالَمِ وَعَظَمَتِهَا. ثُمَّ قَالَ لَهُ: «سَأُعْطِيكَ هَذِهِ كُلَّهَا إنْ سَجَدْتَ لِي.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ابتَعِدْ يَا شَيطَانُ، فَالكِتَابُ يَقُولُ: ‹يَنْبَغِي أنْ تَعْبُدَ الرَّبَّ إلَهَكَ، وَأنْ تَسْجُدَ لَهُ وَحْدَهُ.›» حَينَئِذٍ تَرَكَهُ إبْلِيسُ، وَجَاءَتِ المَلَائِكَةُ لِتَخْدِمَهُ. وَعِنْدَمَا سَمِعَ يَسُوعُ أنَّ يُوحَنَّا قَدِ اعتُقِلَ، رَجِعَ إلَى الجَلِيلِ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمْكُثْ فِي النَّاصِرَةِ، بَلْ ذَهَبَ وَسَكَنَ فِي مَدِينَةِ كَفْرِنَاحُومَ قُرْبَ بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ فِي مِنطَقَتَي زَبُولُونَ وَنَفْتَالِي. حَدَثَ هَذَا لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ إشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: «أرْضُ زَبُولُونَ وَنَفتَالِي، طَرِيقُ البَحْرِ المُتَوَسِّطِ، عَبْرَ النَّهرِ، أرْضُ الجَلِيلِ، حَيْثُ تَعِيشُ الأُمَمُ الغَرِيبَةُ. الشَّعْبُ السَّاكِنُ فِي الظُّلْمَةِ رَأى نُورًا عَظِيمًا، الجَالِسُونَ فِي أرْضِ ظِلَالِ المَوْتِ أشرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ.» مِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ، ابتَدَأ يَسُوعُ يَعِظُ وَيَقُولُ: «تُوبُوا، لِأنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قَدِ اقْتَرَبَ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يَسِيرُ عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ، رَأى أخَوَينِ هُمَا سِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى بُطْرُسَ أيْضًا، وَأخُوهُ أنْدَرَاوُسُ يُلقِيَانِ الشَّبَكَةَ فِي البُحَيرَةِ، فَقَدْ كَانَا صَيَّادَي سَمَكٍ. فَقَالَ لَهُمَا: «اتبَعَانِي فَأجعَلَكُمَا صَيَّادَينِ لِلنَّاسِ.» فَتَرَكَا شِبَاكَهُمَا حَالًا وَتَبِعَاهُ. ثُمَّ انتَقَلَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ، فَرَأى أخَوَينِ آخَرَينِ، هُمَا يَعْقُوبُ ابْنُ زَبَدِي وَأخُوهُ يُوحَنَّا. رَآهُمَا فِي القَارِبِ مَعَ أبيهِمَا زَبَدِي يُصلِحُونَ شِبَاكَ الصَّيدِ، فَدَعَاهُمَا. فَتَرَكَا القَارِبَ وَأبَاهُمَا حَالًا وَتَبِعَاهُ. وَكَانَ يَسُوعُ يُسَافِرُ فِي كُلِّ إقْلِيمِ الجَلِيلِ، يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي مَجَامِعِهِمْ مُعلِنًا بِشَارَةَ مَلَكوتِ اللهِ. وَكَانَ يَشْفِي كُلَّ الأمْرَاضِ وَالأسْقَامِ الَّتِي فِي النَّاسِ. وَانتَشَرَتِ الأخْبَارُ عَنْهُ فِي كُلِّ بِلَادِ سُورِيَّةَ، فأحضَرُوا إلَيْهِ كُلَّ المَرْضَى المُصَابِينَ بِأمْرَاضٍ وَآلَامٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالمَسْكُونِينَ بَأرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ، وَالمُصَابِينَ بِالصَّرَعِ وَالمَشلُولِينَ، فَشَفَاهُمْ يَسُوعُ. وَتَبِعَتْهُ جَمَاهِيرٌ كَبِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ أتَوْا مِنَ إقْلِيمِ الجَلِيلِ، وَمِنَ المُدُنِ العَشْرِ وَمِنَ القُدْسِ، وَمِنْ إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ، وَمِنَ الجَانِبِ الشَّرقيِّ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَعِنْدَمَا رَأى يَسُوعُ الجُمُوعَ، صَعِدَ إلَى تَلَّةٍ وَجَلَسَ. فَجَاءَ إلَيْهِ تَلَامِيذُهُ، وَابْتَدَأ يَتَكَلَّمُ وَيُعَلِّمُهُمْ وَيَقُولُ: «هَنِيئًا لِلمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لِأنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قَدْ أُعْطِيَ لَهُمْ. هَنِيئًا لِلبَاكِينَ، لِأنَّ اللهَ سَيُعَزِّيهِمْ. هَنِيئًا لِلمُتَوَاضِعِينَ، لِأنَّهُمْ سَيَرِثُونَ الأرْضَ. هَنِيئًا لِلجِيَاعِ وَالعِطَاشِ لِعَمَلِ مَشِيئَةِ اللهِ، لِأنَّ اللهَ سَيُشبِعُهُمْ. هَنِيئًا لِلرُّحَمَاءِ، لِأنَّ اللهَ سَيَرْحَمُهُمْ. هَنِيئًا لِذَوِي القُلُوبِ النَّقِيَّةِ، لِأنَّهُمْ سَيَرَوْنَ اللهَ. هَنِيئًا لِلعَامِلِينَ عَلَى إحلَالِ السَّلَامِ، لِأنَّهُمْ سَيُدْعَونَ أبْنَاءَ اللهِ. هَنِيئًا لِلمُضطَهَدِينَ لِأجْلِ البِرِّ، لِأنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قَدْ أُعْطِيَ لَهُمْ. «هَنِيئًا لَكُمْ عِنْدَمَا يُهِينُكُمُ النَّاسُ وَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَيَتَّهِمُونَكُمْ كَذِبًا بِعَمَلِ الشَّرِّ، لِأنَّكُمْ تَلَامِيذِي. افرَحُوا وَابْتَهِجُوا، لِأنَّ مُكَافَأتَكُمْ سَتَكُونُ عَظِيمَةً فِي السَّمَاءِ. لأنَّهُمْ هَكَذَا كَانُوا يَضْطَهِدُونَ الأنْبِيَاءَ الَّذِينَ عَاشُوا قَبلَكُمْ أيْضًا. «أنْتُمْ مِلْحٌ لِلنَّاسِ جَمِيعًا. لَكِنْ إذَا فَقَدَ المِلحُ مَذَاقَهُ، فَبِمَاذَا نُعَالِجُهُ لِيَعُودَ صَالِحًا؟ لَا يَصْلُحُ فِيمَا بَعْدُ لِشَيءٍ، إلَّا لِأنْ يُلقَى إلَى خَارِجِ البيتِ، لِتَدُوسَهُ الأقْدَامُ. «أنْتُمْ نُورُ العَالَمْ. لَا يُمْكِنُ إخفَاءُ مَدِينَةٍ مَبنِيَّةٍ عَلَى جَبَلٍ، وَلَا يُشعِلُ النَّاسُ مِصبَاحًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ إنَاءٍ! بَلْ يَضَعُونَهُ عَلَى حَمَّالَةٍ مُرْتَفِعَةٍ لِكَي يُضيئَ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ فِي المَنزِلِ. هَكَذَا أيْضًا، اجعَلُوا نُورَكُمْ يُضِيءُ أمَامَ النَّاسِ، لِكَي يَرَوْا أعْمَالَكُمُ الصَّالِحَةَ، وَيُمَجِّدُوا أبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ.» «لَا تَظُنُّوا أنِّي جِئْتُ لِكَي أُلغِيَ شَرِيعَةَ مُوسَى أوْ تَعلِيمَ الأنْبِيَاءِ. لَمْ آتِ لِكَي أُلغِيَهَا، بَلْ لِأُعْطِيَهَا مَعنَاهَا الكَامِلَ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إلَى أنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ، لَنْ يَزُولَ أصغَرُ حَرفٍ أوْ نُقطَةٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ، حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا. «لِذَلِكَ مَنْ يَكْسِرُ أصغَرَ هَذِهِ الوَصَايَا وَيُعَلِّمُ النَّاسَ أنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهُ، سَيُعتَبَرُ الأصغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. أمَّا مَنْ يُطِيعُ هَذِهِ الوَصَايَا وَيُعَلِّمُ الآخَرِينَ أنْ يُطِيعُوهَا، فَسَيُعتَبَرُ الأعْظَمَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. لِأنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّهُ مَا لَمْ تَزِدْ طَاعَتُكُمْ للهِ عَلَىْ طَاعَةِ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ وَالفِرِّيسِيِّينَ، فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. «تَعْرِفُونَ أنَّهُ قِيلَ لِآبَائِكُمْ: ‹لَا تَقْتُلْ. وَكُلُّ مَنْ يَقْتُلْ يَسْتَحِقُّ المُحَاكَمَةَ.› أمَّا أنَا فَأقُولُ لَكُمْ إنَّ مَنْ يَغْضَبُ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ فَإنَّهُ يَسْتَحِقُّ المُحَاكَمَةَ، وَمَنْ يَشْتِمُ شَخْصًا آخَرَ يَنْبَغِي أنْ يَقِفَ أمَامَ مَجلِسِ القَضَاءِ. وَكُلُّ مَنْ يَقُولُ لِشَخْصٍ آخَرَ: ‹أيُّهَا الغَبِيُّ› يَسْتَحِقُّ الجَحِيمَ. «لِذَلِكَ إنْ كُنْتَ تُقَدِّمُ تَقْدِمَةً عَلَى المَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أنَّ شَخْصًا آخَرَ لَهُ شَيءٌ عَلَيْكَ، فَاترُكْ تَقْدِمَتَكَ هُنَاكَ أمَامَ المَذْبَحِ، وَاذْهَبْ وَاصْطَلِحْ مَعَ ذَلِكَ الشَّخصِ أوَّلًا، ثُمَّ ارجِعْ وَقَدِّمْ تَقْدِمَتَكَ. «سَالِمْ خَصمَكَ سَرِيعًا، بَيْنَمَا تَمْشِي مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ إلَى المَحْكَمَةِ. وَإلَّا فَإنَّهُ سَيُسَلِّمُكَ إلَى القَاضِي، وَالقَاضِي سَيُسَلِّمُكَ إلَى السَّجَّانِ فَيُلقِيَ بِكَ إلَى السِّجْنِ. أقُولُ الحَقَّ لَكَ، إنَّكَ لَنْ تَخْرُجَ مِنْ هُنَاكَ إلَىْ أنْ تَسُدَّ آخِرَ فِلْسٍ عَلَيْكَ. «سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ: ‹لَا تَزْنِ.› أمَّا أنَا فَأقُولُ لَكُمْ: إنَّ كُلَّ مَنْ نَظَرَ إلَى امْرأةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. لِذَلِكَ إنْ كَانَتْ عَينُكَ اليُمْنَى تَدْفَعُكَ إلَى الخَطِيَّةِ، فَاقلَعْهَا وَألقِهَا بَعِيدًا عَنْكَ. فَالأفضَلُ أنْ تَفْقِدَ عُضْوًا وَاحِدًا مِنْ جِسْمِكَ، مِنْ أنْ يُطرَحَ جِسْمُكَ كُلُّهُ إلَى جَهَنَّمَ. وَإنْ كَانَتْ يَدُكَ اليُمْنَى تَدْفَعُكَ إلَى الخَطِيَّةِ، فَاقطَعْهَا وَألقِهَا بَعِيدًا عَنْكَ. فَالأفضَلُ أنْ تَفْقِدَ عُضْوًا وَاحِدًا مِنْ جِسْمِكَ، مِنْ أنْ يُطرَحَ جِسْمُكَ كُلُّهُ إلَى جَهَنَّمَ. «قِيلَ أيْضًا: ‹إذَا طَلَّقَ أحَدٌ زَوْجَتَهُ، فَليُعطِهَا وَثِيقَةً تُثبِتُ ذَلِكَ.› أمَّا أنَا فَأقُولُ لَكُمْ إنَّ كُلَّ مَنْ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ، إلَّا بِسَبَبِ الزِّنَى، فَإنَّهُ يُعَرِّضُهَا لَارْتِكَابِ الزِّنَى. وَمَنْ يَتَزَوَّجُ امْرأةً مُطَلَّقَةً، فَإنَّهُ يَزْنِي. «سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ أيْضًا لِآبَائِكُمْ: ‹لَا تَحْلِفْ بِالكَذِبِ، بَلْ أوْفِ بِمَا أقسَمْتَ بِأنْ تَفْعَلَهُ لِلرَّبِّ .› أمَّا أنَا فَأقُولُ لَكُمْ: لَا تَحْلِفُوا مُطلَقًا. لَا تَحْلِفُوا لَا بِالسَّمَاءِ لِأنَّهَا عَرشُ اللهِ، وَلَا بِالأرْضِ لِأنَّهَا مَسنَدُ قَدَمَيهِ، وَلَا بِمَدِينَةِ القُدْسِ لِأنَّهَا مَدِينَةُ المَلِكِ العَظِيمِ. لَا تَحْلِفْ بِرَأسِكَ، لِأنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أنْ تَجْعَلَ شَعرَةً مِنْهُ سَودَاءَ أوْ بَيْضَاءَ. فَإنْ أرَدْتُمْ أنْ تَقُولُوا ‹نَعَمْ،› فَقُولُوا ‹نَعَمْ.› وَإنْ أرَدْتُمْ أنْ تَقُولُوا ‹لَا،› فَقُولُوا ‹لَا.› وَكُلُّ مَا يَزِيدُ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ. «سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ: ‹العَينُ بِالعَيْنِ، وَالسِّنُّ بِالسِّنِّ.› أمَّا أنَا فَأقُولُ: لَا تُقَاوِمُوا الشَّرَّ. بَلْ إنْ لَطَمَكَ أحَدٌ عَلَى خَدِّكَ الأيمَنِ، فَقَدِّمْ لَهُ الخَدَّ الآخَرَ أيْضًا. وَإنْ أرَادَ أحَدٌ أنْ يُحَاكِمَكَ لِيَأْخُذَ قَمِيصَكَ، فَدَعْهُ يَأْخُذُ مِعطَفَكَ أيْضًا. وَإنْ أجبَرَكَ أحَدٌ عَلَى السَّيرِ مَعَهُ مِيلًا وَاحِدًا، فَامشِ مَعَهُ مِيلَينِ. وَإنْ طَلَبَ مِنْكَ أحَدٌ شَيْئًا، فَأعْطِهِ إيَّاهُ. وَلَا تَرْفُضْ إقرَاضَ مَنْ يَطْلُبُ الاقتِرَاضَ مِنْكَ. «سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ: ‹أحبِبْ صَاحِبَكَ، وَأبغِضْ عَدُوَّكَ.› أمَّا أنَا فَأقُولُ لَكُمْ: أحِبُّوا أعْدَاءَكُمْ، وَصَلُّوا مِنْ أجْلِ الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ، فَتَكُونُوا بِذَلِكَ أبْنَاءَ أبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. لِأنَّ اللهَ يَجْعَلُ الشَّمْسَ تُشْرِقُ عَلَى الخُطَاةِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُرسِلُ المَطَرَ إلَى الأبْرَارِ وَالأشْرَارِ. فَإنْ أحبَبْتُمْ مَنْ يُحِبُّونَكُمْ فَقَطْ، فَأيَّةَ مُكَافَئَةٍ تَسْتَحِقُّونَ؟ أفَلَا يَفْعَلُ جَامِعُو الضَّرَائِبِ ذَلِكَ أيْضًا؟ وَإنْ كُنْتُمْ تُحَيُّونَ إخْوَتَكُمْ فَقَطْ، فَمَا الَّذِي يُمَيِّزُكُمْ عَنِ الآخَرِينَ؟ أفَلَا يَفْعَلُ حَتَّى عَابِدُو الأوْثَانِ ذَلِكَ أيْضًا؟ لِذَلِكَ كُونُوا كَامِلِينَ كَمَا أنَّ أبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ كَامِلٌ. «احذَرُوا مِنْ تَقْديمِ صَدَقَاتِكُمْ أمَامَ النَّاسِ بِهَدَفِ أنْ يَرَوْكُمْ، وَإلَّا فَلَنْ يُكَافِئَكُمْ أبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. فَعِنْدَمَا تُعطِي المُحتَاجَ، لَا تُعلِنْ ذَلِكَ وَكَأنَّكَ تَنْفُخُ فِي بُوقٍ كَمَا يَفْعَلُ المُرَاؤُونَ فِي المَجَامِعِ وَالشَّوَارِعِ طَلَبًا لِمَديحِ النَّاسِ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّهُمْ نَالُوا بِذَلِكَ مُكَافَأتَهُمْ كَامِلَةً. وَلَكِنْ عِنْدَمَا تُعطِي المُحتَاجَ، لَا تَدَعْ يَدَكَ اليُسْرَى تَعْلَمُ مَا تَعْمَلُهُ يَدُكَ اليُمْنَى، حَتَّى يَكُونَ عَطَاؤُكَ فِي السِّرِّ. وَأبُوكَ الَّذِي يَرَى مَا يَحْدُثُ فِي السِّرِّ، سَيُكَافِئُكَ. «وَعِنْدَمَا تُصَلِّي، لَا تَكُنْ كَالمُرَائِينَ، لِأنَّهُمْ يُحِبُّونَ أنْ يُصَلُّوا فِي المَجَامِعِ وَزَوَايَا الشَّوَارِعِ لِكَي يَرَاهُمُ النَّاسُ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّهُمْ نَالُوا بِذَلِكَ مُكَافَأتَهُمْ كَامِلَةً. لَكِنْ عِنْدَمَا تُصَلِّي، ادخُلْ إلَى غُرفَتِكَ وَأغلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إلَى أبِيكَ فِي السِّرِّ. وَأبُوكَ الَّذِي يَرَى مَا يَحْدُثُ فِي السِّرِّ، سَيُكَافِئُكَ. «وَعِنْدَمَا تُصَلُّونَ، لَا تَنْطُقُوا بِكَلِمَاتٍ بِغَيرِ فَهْمٍ كَمَا يَفْعَلُ عَابِدُو الأوْثَانِ، فَهُمْ يَظُنُّونَ أنَّ صَلَوَاتِهِمْ سَتُستَجَابُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ كَلَامِهِمْ. لِذَلِكَ لَا تَكُونُوا مِثْلَهُمْ، لِأنَّ أبَاكُمْ يَعْرِفُ مَا تَحتَاجُونَ إلَيْهِ حَتَّى قَبْلَ أنْ تَطْلُبُوهُ مِنْهُ. لِذَلِكَ صَلُّوا كَمَا يَلِي: ‹أبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، فَتَكُونَ مَشِيئِتُكَ، هُنَا عَلَى الأرْضِ كَمَا هِيَ فِي السَّمَاءِ. أعْطِنَا اليَوْمَ خُبْزَنَا كَفَافَ يَوْمِنَا، وَاغفِرْ لَنَا خَطَايَانَا، كَمَا غَفَرْنَا نَحْنُ أيْضًا لِلَّذِينَ يُسِيئُونَ إلَينَا. وَلَا تُدْخِلنَا فِي تَجْرِبَةٍ، بَلْ أنقِذْنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لِأنَّ لَكَ المُلْكَ وَالقُدرَةَ وَالمَجْدَ، إلَى أبَدِ الآبِدينَ. آمِينَ.› لِأنَّكُمْ إنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ أيْضًا. لَكِنْ إنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلآخَرِينَ زَلَّاتِهِمْ، فَلَنْ يَغْفِرَ لَكُمْ أبُوكُمْ زَلَّاتِكُمْ. «وَعِنْدَمَا تَصُومُونَ، لَا تَكُونُوا كَالمُرَائِينَ الَّذِينَ يُظهِرُونَ الحُزْنَ عَلى وُجُوهِهِمْ. لِأنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ شَكلَ وُجُوهِهِمْ، لِكَي يَرَى النَّاسُ بِوُضُوحٍ أنَّهُمْ صَائِمُونَ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّهُمْ نَالُوا مُكَافَأتَهُمْ كَامِلَةً. لَكِنْ عِنْدَمَا تَصُومُ، ضَعْ زَيْتًا عَلَى رَأسِكَ، وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، حَتَّى لَا يُلَاحِظَ النَّاسُ أنَّكَ صَائِمٌ. فَأبُوكَ الَّذِي لَا تَرَاهُ يَرَى ذَلِكَ. حِينَئِذٍ أبُوكَ الَّذِي يَرَى مَا يَحْدُثُ فِي السِّرِّ، سَيُكَافِئُكَ. «لَا تَخْزِنُوا لِأنفُسِكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأرْضِ، حَيْثُ يُتلِفُهَا العَفَنُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يُمْكِنُ لِلُّصُوصِ أنْ يَقْتَحِمُوا بُيُوتَكُمْ وَيَسْرِقُوهَا. لَكِنِ اخزِنُوا لِأنفُسِكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لَا يُتلِفُهَا عَفَنٌ أوْ صَّدَأٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُ اللُّصُوصُ أنْ يَدْخُلُوا وَيَسْرِقُوهَا. لِأنَّ قَلْبَكَ سَيَكُونُ حَيْثُ يَكُونُ كَنزُكَ. «سِرَاجُ الجَسَدِ هُوَ العَينُ. فَإنْ كَانَتْ عَينَاكَ صَالِحَتَيْنِ، فَإنَّ جَسَدَكَ كُلَّهُ سَيَمْتَلِئُ نُورًا. لَكِنْ إنْ كَانَتْ عَينُكَ شِرِّيرَةً، فَإنَّ جَسَدَكَ أيْضًا سَيَمْتَلِئُ بِالظُّلمَةِ. فَإنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلَامًا فِي حَقِيقَتِهِ، فَكَيْفَ سَيَكُونُ الظَّلَامُ الَّذِي فِيكَ؟ «لَا يُمْكِنُ لأحَدٍ أنْ يَخْدِمَ سَيِّدَينِ. فَإمَّا أنْ يَكْرَهَ أحَدَهُمَا وَيُحِبَّ الآخَرَ، وَإمَّا أنْ يُخلِصَ لِأحَدِهِمَا وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لَا يُمكِنُكُمْ أنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالغِنَى. «لِهَذَا أقُولُ لَكُمْ، لَا تَقْلَقُوا مِنْ جِهَةِ مَعِيشَتِكُمْ، أيْ بِشَأنِ مَا سَتَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ. وَلَا تَقْلَقُوا مِنْ جِهَةِ جَسَدِكُمْ، أيْ بِشَأنِ مَا سَتَلْبَسُونَ. لِأنَّ الحَيَاةَ أكْثَرُ أهَمِّيَّةً مِنَ الطَّعَامِ، وَالجَسَدَ أكْثَرُ أهَمِيَّةً مِنَ اللِّبَاسِ. انْظُرُوا طُيُورَ السَّمَاءِ، فَهِيَ لَا تَبْذُرُ وَلَا تَحْصُدُ، وَلَا تَجْمَعُ القَمْحَ فِي مَخَازِنَ، وَأبُوكُمُ السَمَاويُّ يُطعِمُهَا. ألَسْتُمْ أثْمَنَ عِنْدَ اللهِ مِنَ الطُّيورِ؟ مَنْ مِنْكُمْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُضِيفَ إلَى عُمرِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً عِنْدَمَا يَقْلَقُ؟ «وَلِمَاذَا تَقْلَقُونَ بِخُصُوصِ مَا سَتَلْبَسُونَ؟ انْظُرُوا كَيْفَ تَنْمُو زَّنَابِقُ الحُقُولِ. إنَّهَا لَا تَتْعَبُ وَلَا تَغْزِلُ. لَكِنِّي أقُولُ لَكُمْ، إنَّهُ لَمْ يُكسَ أحَدٌ مِثْلَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَلَا حَتَّى سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ. فَإنْ كَانَ اللهُ يُلبِسُ عُشبَ الحُقُولِ الَّذِي تَرَاهُ هُنَا اليَوْمَ، وَفِي الغَدِ يُلقَى بِهِ فِي الفُرنِ، أفَلَا يَهْتَمُّ بِكُمْ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَا قَلِيلِي الإيمَانِ؟ «لِذَلِكَ لَا تَقْلَقُوا وَلَا تَسألُوا أنْفُسَكُمْ: ‹مَاذَا سَنَأكُلُ؟› أوْ ‹مَاذَا سَنَشْرَبُ؟› أوْ ‹مَاذَا سَنَلبِسُ؟› فَهَذِهِ أُمُورٌ يَسْعَى إلَيْهَا أهْلُ العَالَمِ الآخَرُونَ، وَأبُوكُمُ السَمَاويُّ يَعْرِفُ أنَّكُمْ تَحتَاجُونَ إلَيْهَا كُلِّهَا. لَكِنِ اهتَمُّوا أوَّلًا بِمَلَكُوتِ اللهِ وَبِرِّهِ، وَسَتُعطَى لَكُمْ جَمِيعُ هَذِهِ الأُمُورُ أيْضًا. لَا تَقْلَقُوا بِشأنِ الغَدِ، فَلِكُلِّ يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِ مِنَ الهُمُومِ، وَسَيَكُونُ لِلغَدِ هُمُومُهُ. «لَا تَحْكُمُوا عَلَى الآخَرِينَ، كَي لَا يَحْكُمَ اللهُ عَلَيْكُمْ. لِأنَّهُ سَيَحْكُمُ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي تَحْكُمُونَ بِهَا عَلَى الآخَرِينَ. وَبِالكَيلِ الَّذِي تَكِيلُونَ بِهِ لِلآخَرِينَ سَيُكَالُ لَكُمْ. «لِمَاذَا تَرَى القَشَّةَ فِي عَيْنِ أخِيكَ لَكِنَّكَ لَا تُلَاحِظُ الخَشَبَةَ الكَبِيرَةَ فِي عَيْنِكَ أنْتَ؟ وَكَيْفَ يُمكِنُكَ أنْ تَقُولَ لِأخِيكَ: دَعنِي أُخرِجُ القَشَّةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَهُنَاكَ خَشَبَةٌ كَبيرَةٌ فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُنَافِقُ! أخرِجْ أوَّلًا الخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ سَتَرَى بِوُضُوحٍ لإخرَاجِ القَشَّةِ مِنْ عَيْنِ أخِيكَ. «لَا تُعطُوا مَا هُوَ مُقَدَّسٌ لِلكِلَابِ، وَلَا تَرْمُوا جَوَاهِرَكُمْ أمَامَ الخَنَازِيرِ! فَالخَنَازِيرُ تَدُوسُهَا بِأرجُلِهَا، وَتَلْتَفِتُ الكِلَابُ إلَيكُمْ فَتُقَطِّعُكُمْ. «اطْلُبُوا تُعْطَوْا، اسْعَوْا تَجِدُوا، اقرَعُوا يُفتَحْ لَكُمْ. لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَطْلُبُ يَنَالُ، وَكُلَّ مَنْ يَسْعَى يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفتَحُ لَهُ. فَمَنْ مِنْكُمْ إنْ طَلَبَ ابْنُهُ رَغِيفَ خُبْزٍ، يُعطِيهِ حَجَرًا؟ أوْ إنْ طَلَبَ سَمَكَةً، يُعطِيهِ حَيَّةً؟ أنْتُمْ، رُغْمَ شَرِّكُمْ، تَعْرِفُونَ كَيْفَ تُعطُونَ أبْنَاءَكُمْ عَطَايَا حَسَنَةً. أفَلَيْسَ الآبُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ أجدَرَ بِكَثِيرٍ بِأنْ يُعطِيَ عَطَايَا صَالِحَةً لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ؟ «فَبِالكَيفيَّةِ الَّتِي تُحِبُّ أنْ يُعَامِلَكَ الآخَرُونَ بِهَا، هَكَذَا عَلَيْكَ أنْ تُعَامِلَهُمْ. هَذِهِ هِيَ خُلَاصَةُ شَرِيعَةِ مُوسَى وَتَعْلِيمِ الأنْبِيَاءِ. «ادخُلُوا مِنَ البَابِ الضَّيِّقِ، الَّذِي يُؤَدِّي إلَى السَّمَاءِ. لِأنَّ البَابَ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى الهَلَاكِ وَاسِعٌ، وَالطَّرِيقَ إلَيْهِ سَهلٌ، وَكَثِيرُونَ يَدْخُلُونَهُ. أمَّا البَابُ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى الحَيَاةِ فَضَيِّقٌ جِدًّا، وَالطَّرِيقُ إلَيْهِ مَلِيءٌ بِالصُّعُوبَاتِ، وَقَلِيلُونَ فَقَطْ هُمْ مَنْ يَجِدُونَ هَذَا الطَّرِيقَ. «احذَرُوا مِنَ الأنْبِيَاءِ الكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَ إلَيكُمْ فِي صُورَةِ خِرَافٍ وَدِيعَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ فِي الدَّاخِلِ ذِئَابٌ مُفتَرِسَةٌ. سَتَعْرِفُونَهُمْ مِنْ أعْمَالِهِمْ. فَلَا يَجْنِي النَّاسُ العِنَبَ مِنْ شُجَيرَاتِ الشَّوكِ، وَلَا التِّينَ مِنَ العُلِّيقِ! كَذَلِكَ فَإنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ صَالِحَةٍ تُعطِي ثَمَرًا صَالِحًا، وَكُلَّ شَجَرَةٍ رَدِيئَةٍ تُعطِي ثَمَرًا رَدِيئًا. لَا تَسْتَطِيعُ شَجَرَةٌ صَالِحَةٌ أنْ تُنتِجَ ثَمَرًا رَدِيئًا، وَلَا شَجَرَةٌ رَدِيئَةٌ أنْ تُنتِجَ ثَمَرًا صَالِحًا. وَكُلُّ شَجَرَةٍ لَا تُنتِجُ ثَمَرًا صَالِحًا تُقطَعُ وَتُلقَى فِي النَّارِ. لِذَلِكَ سَتَعْرِفُونَ الأنْبِيَاءَ الكَذَبَةَ مِنْ ثَمَرِهمْ. «ليسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: ‹يَا رَبُّ، يَا رَبُّ،› يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ، بَلْ مَنْ يَعْمَلُ مَشِيئَةَ أبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ اليَوْمِ الأخِيرِ: ‹يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، ألَمْ نَتَنَبَّأ بِاسْمِكَ؟ ألَمْ نَطرُدِ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِاسْمِكَ؟ ألَمْ نَعمَلْ عَجَائِبَ كَثِيرَةً بِاسْمِكَ؟› حِينَئِذٍ سَأقُولُ لَهُمْ بِوُضُوحٍ: لَمْ يَسْبِقْ لِي أنْ عَرَفْتُكُمْ. ابتَعِدُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الشَّرِّ. «كُلُّ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَى تَعَالِيمِي هَذَهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أشْبَهُ بِرَجُلٍ ذَكِيٍّ بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. فَسَقَطَ المَطَرُ، وَارْتَفَعَتْ مِيَاهُ السُّيُولِ، وَهَبَّتِ الرِّيحُ وَضَرَبَتْ ذَلِكَ البَيْتَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ، لِأنَّ أسَاسَهُ كَانَ عَلَى الصَّخْرِ. وَكُلُّ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَى كَلَامِي هَذَا وَلَا يَعْمَلُ بِهِ، فَهُوَ أشْبَهُ بِرَجُلٍ غَبِيٍّ بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّملِ. فَنَزَلَ المَطَرُ، وَارتَفَعَتْ مِيَاهُ السُّيُولِ، وَهَبَّتِ الرِّيحُ وَضَرَبَتْ ذَلِكَ البَيْتَ، فَسَقَطَ سُقوطًا هَائِلًا!» وَعِنْدَمَا أنهَى يَسُوعُ حَدِيثَهُ هَذَا، ذُهِلَ النَّاسُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، لِأنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ بِسُلطَانٍ وَلَيْسَ كَمُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ. ثُمَّ نَزَلَ يَسُوعُ مِنْ مَنْطِقَةِ الجِبَالِ، وَتَبِعَهُ كَثِيرُونَ. وَأتَى إلَيْهِ رَجُلٌ أبرَصُ وَسَجَدَ أمَامَهُ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، أنْتَ قَادِرٌ أنْ تَجْعَلَنِي طَاهِرًا، إنْ أرَدْتَ.» فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ: «نَعَمْ أُرِيدُ، فَاطْهُرْ.» فَفِي الحَالِ طَهُرَ بَرَصُهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إيَّاكَ أنْ تُخبِرَ أحَدًا بِمَا حَدَثَ مَعَكَ، بَلِ اذْهَبْ وَأرِ نَفْسَكَ لِلكَاهِنِ، وَقَدِّمْ التَّقْدِمَةَ الَّتِي أمَرَ بِهَا مُوسَى، فَيَعْلَمَ النَّاسُ أنَّكَ شُفِيتَ.» وَدَخَلَ يَسُوعُ مَدِينَةَ كَفْرِنَاحُومَ، فَجَاءَ إلَيْهِ ضَابِطٌ رُومَانِيٌّ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، خَادِمِي مَرِيضٌ جِدًّا، وَطَرِيحُ الفِرَاشِ فِي البَيْتِ. إنَّهُ بِلَا حِرَاكٍ وَيُعَانِي مِنْ ألَمٍ شَدِيدٍ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «سَأذهَبُ وَأشفِيهِ.» فَأجَابَهُ الضَّابِطُ: «يَا سَيِّدُ، أنَا لَا أستَحِقُّ أنْ تَدْخُلَ بَيْتِي، مَا عَلَيْكَ إلَّا أنْ تَقُولَ كَلِمَةً فَيُشفَى خَادِمِي. فَأنَا نَفْسِي رَجُلٌ تَحْتَ سُلطَةٍ، وَلِي جُنُودٌ يَأْتَمِرُونَ بِأمْرِي. أقُولُ لِهَذَا الجُندِيِّ: ‹اذْهَبْ!› فَيَذْهَبُ. وَأقُولُ لِآخَرَ: ‹تَعَالَ!› فَيَأْتِي. وَأقُولُ لِخَادِمِي: ‹افْعَلْ كَذَا!› فَيَفْعَلُهُ.» فَلَمَّا سَمِعهُ يَسُوعُ، انْدَهَشَ وَقَالَ لِلَّذِينَ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنِّي لَمْ أجِدْ مِثْلَ هَذَا الإيمَانِ حَتَّى بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ. أقُولُ لَكُمْ إنَّهُ سَيَأْتِي كَثِيرُونَ مِنَ الشَّرقِ وَالغَربِ، وَسَيَأْخُذُونَ أمَاكِنَكُمْ فِي الوَلِيمَةِ مَعَ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. أمَّا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانَ يَنْبَغِي أنْ يَرِثُوا المَلَكُوتَ، فَسَيُلْقَونَ إلَى الظُّلمَةِ فِي الخَارِجِ. هُنَاكَ سَيَبْكِي النَّاسُ، وَيَصِرُّونَ عَلَى أسنَانِهِمْ!» ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِلضَّابِطِ: «اذْهَبْ، وَلْيَكُنْ مَا آمَنْتَ بِهِ.» فَشُفِيَ خَادِمُ ذَلِكَ الضَّابِطِ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ نَفْسِهَا. وَعِنْدَمَا جَاءَ يَسُوعُ إلَى بَيْتِ بُطْرُسَ، رَأى حَمَاةَ بُطْرُسَ مُسْتَلْقِيَةً فِي السَّرِيرِ، وَحَرَارَتُهَا مُرْتَفِعَةٌ جِدًّا. فَلَمَسَ يَسُوعُ يَدَهَا، فَتَرَكَتْهَا الحُمَّىْ، فَقَامَتْ وَابْتَدَأتْ تَخْدِمُهُ. وَفِي ذَلِكَ المَسَاءِ، أحْضَرَ إلَيْهِ النَّاسُ أشخَاصًا كَثِيرِينَ مَسكُونِينَ بِأروَاحٍ شِرِّيرَةٍ، فَطَرَدَ الأروَاحَ بِأمرٍ مِنْ فَمِهِ، وَشَفَى جَمِيعَ المَرْضَى. حَدَثَ هَذَا لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ: «هُوَ أخَذَ اعتِلَالَاتِنَا، وَحَمَلَ أمرَاضَنَا.» وَإذْ رَأى يَسُوعُ أُنَاسًا كَثِيرِينَ حَوْلَهُ، أمَرَ تَلَامِيذَهُ بِالذَّهَابِ إلَى الجِهَةِ المُقَابِلَةِ مِنَ البُحَيرَةِ. فَجَاءَ إلَيْهِ أحَدُ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، سَأتبَعُكَ أينَمَا ذَهَبْتَ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ جُحُورٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أعشَاشٌ، أمَّا ابْنُ الإنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ مَكَانٌ يَسْنِدُ عَلَيْهِ رَأسَهُ.» وَقَالَ لَهُ تِلْمِيذٌ آخَرُ مِنْ تَلَامِيذِهِ: «يَا رَبُّ، اسْمَحْ لِي أنْ أنْتَظِرَ إلَى أنْ أدفِنَ أبِي.» وَلَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: «اتبَعنِي، وَدَعِ الأمْوَاتَ يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ.» وَرَكِبَ يَسُوعُ القَارِبَ، وَتَبِعَهُ تَلَامِيذُهُ. ثُمَّ هَاجَتْ فِي البُحَيرَةِ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ، حَتَّىْ إنَّ القَارِبَ تَغَطَّى بِالأموَاجِ. أمَّا يَسُوعُ فَكَانَ نَائِمًا. فَاقْتَرَبُوا مِنْهُ وَأيقَظُوهُ وَقَالُوا: «يَا سَيِّدُ، خَلِّصْنَا، فَإنَّنَا نَغْرَقُ.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِمَاذَا أنْتُمْ خَائِفُونَ، يَا قَلِيلِي الإيمَانِ؟» ثُمَّ قَامَ وَانتَهَرَ الرِّيَاحَ وَالبُحَيرَةَ، فَسَادَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. أمَّا هُمْ فَدُهِشُوا وَقَالُوا: «أيُّ رَجُلٍ هَذَا، حَتَّىْ إنَّ الرِّيَاحَ وَالبَحْرَ يُطِيعَانِهِ؟» ثُمَّ وَصَلَ يَسُوعُ إلَى مَنْطِقَةِ الجَدرِيِّينَ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ البُحَيرَةِ، فَجَاءَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ بَيْنِ القُبُورِ مَسكُونَانِ بِأروَاحٍ شِرِّيرَةٍ. وَكَانَ الرَّجُلَانْ خَطِرَينِ، لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَجْرُؤُ عَلَى السَّفَرِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ. فَصَرَخَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ: «مَاذَا تُرِيدُ مِنَّا يَا ابْنَ اللهِ؟ هَلْ أتَيْتَ هُنَا لِتُعَذِّبَنَا قَبْلَ الوَقْتِ المُحَدَّدِ؟» وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الخَنَازِيرِ يَرْعَى عَلَى مَسَافَةٍ مِنْهُمْ. فَتَوَسَّلَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ إلَيْهِ وَقَالَتْ: «إنْ أخَرَجْتَنَا، أرسِلْنَا إلَى قَطِيعِ الخَنَازِيرِ.» فَقَالَ يَسُوعُ: «اذْهَبُوا.» فَخَرَجَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنَ الرَّجُلَينِ، وَدَخَلَتْ فِي الخَنَازِيرِ. حِينَئِذٍ اندَفَعَ كُلُّ القَطِيعِ مِنْ أعْلَى حَافَّةِ الجَبَلِ إلَى البُحَيرَةِ، وَغَرِقَتِ الخَنَازِيرُ فِي المَاءِ. فَهَرَبَ الرُّعَاةُ إلَى البَلْدَةِ، وَأخبَرُوا النَّاسَ بِمَا حَدَثَ لِلمَسكُونَينِ بِأرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ. فَخَرَجَ جَمِيعُ أهْلِ البَلْدَةِ لِيَرَوْا يَسُوعَ. وَعِنْدَمَا رَأوْهُ، رَجَوْهُ أنْ يُغَادِرَ مِنطَقَتَهُمْ. فَرَكِبَ يَسُوعُ فِي قَارِبٍ لِيَعْبُرَ إلَى الجِهَةِ الأُخرَى مِنَ البُحَيرَةِ، وَوَصَلَ إلَى بَلْدَتِهِ. فَأحضَرَ إلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ مَشلُولًا مُسْتَلْقِيًا عَلَى فِرَاشِهِ. فَلَمَّا رَأى يَسُوعُ إيمَانَهُمْ، قَالَ لِلمَشلُولِ: «تَشَجَّعْ يَا بُنَيَّ، خَطَايَاكَ مَغفُورَةٌ.» فَأخَذَ بَعْضُ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ يَقُولُونَ: «هَذَا الرَّجُلُ يُهِينُ اللهَ بِكَلَامِهِ.» فَعَرَفَ يَسُوعُ مَا كَانُوا يُفَكِّرُونَ بِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِأفكَارٍ شِرِّيرَةٍ فِي قُلُوبِكُمْ؟ أيُّ الأمْرَينِ أسهَلُ: أنْ يُقَالَ: ‹خَطَايَاكَ مَغفُورَةٌ› أمْ أنْ يُقَالَ: ‹انْهَضْ وَامشِ؟› لَكِنِّي سَأُرِيكُمْ أنَّ ابْنَ الإنْسَانِ يَمْلِكُ سُلطَانًا عَلَى الأرْضِ لِمَغفِرَةِ الخَطَايَا.» وَقَالَ لِلرَّجُلِ المَشلُولِ: «انْهَضْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إلَى بَيْتِكَ!» فَنَهَضَ وَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ. وَإذْ رَأى النَّاسُ هَذَا، امتَلأُوا رَهْبَةً، وَمَجَّدُوا اللهَ لِأنَّهُ أعْطَى مِثْلَ هَذَا السُّلْطَانِ للنَّاسِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ مُجتَازًا، رَأى رَجُلًا اسْمُهُ مَتَّى جَالِسًا عِنْدَ مَكَانِ جَمعِ الضَّرَائِبِ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اتبَعنِي!» فَقَامَ وَتَبِعَهُ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَأْكُلُ فِي بَيْتِ مَتَّى، جَاءَ جَامِعُو ضَرَائِبَ وَخُطَاةٌ كَثِيرُونَ وَأكَلُوا مَعَ يَسُوعَ وَتَلَامِيذِهِ. فَلَمَّا رَأى الفِرِّيسِيُّونَ ذَلِكَ، قَالُوا لِتَلَامِيذِهِ: «لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ جَامِعِي الضَّرَائِبِ وَالخُطَاةِ؟» فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ذَلِكَ، قَالَ: «لَا يَحتَاجُ الأصِحَّاءُ إلَى طَبِيبٍ، بَلِ المَرْضَى. فَاذهَبُوا وَافْهَمُوا مَا يَعْنِيهِ الكِتَابُ عِنْدَمَا يَقُولُ: ‹أُريدُ رَحْمَةً لِلنَّاسِ، لَا ذَبَائِحَ حَيَوَانِيَّةً.› «أنَا لَمْ آتِ لِكَي أدعُوَ الصَّالِحِينَ، لَكِنِّي جِئتُ لِأدعُوَ الخُطَاةَ.» ثُمَّ اقْتَرَبَ إلَيْهِ تَلَامِيذُ يُوحَنَّا، وَسَألُوهُ: «لِمَاذَا نَصُومُ نَحْنُ وَالفِرِّيسِيُّونَ كَثِيرًا، أمَّا تَلَامِيذُكَ فَلَا يَصُومُونَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أيَنُوحُ ضُيوفُ العَرِيسِ وَالعَرِيسُ بَيْنَهُمْ؟ لَكِنْ سَيَأْتِي يَومٌ يُؤخَذُ فِيهِ العِرِيسُ مِنْهُمْ، فَحينَئِذٍ سَيَصُومُونَ. «فَلَا أحَدَ يُرَقِّعُ ثَوْبًا قَدِيمًا بِقِطعَةِ قُمَاشٍ جَدِيدَةٍ، لِأنَّ قِطْعَةَ القُمَاشِ الجَدِيدَةَ سَتَنْكَمِشُ وَتُمَزِّقُ الثَّوبَ العَتِيقَ، فَيُصبِحَ الثُّقبُ أسوَأ. وَلَا يَضَعُ النَّاسُ نَبِيذًا جَدِيدًا فِي أوعِيَةٍ جِلدِيَّةٍ قَدِيمَةٍ. فَإنْ فَعَلُوا، تَتَمَزَّقُ الأوعِيَةُ، وَيُرَاقُ النَّبِيذُ، وَيَتْلَفُ الجِلْدُ. لَذَلِكَ يُوضَعُ النَّبِيذُ الجَديدُ فِي أوعَيةٍ جِلْدِيَةٍ جَديدَةٍ، فَيُحفَظَ النَّبِيذُ وَالأوعِيَةُ جَمِيعًا.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ رَئِيسُ مَجمَعٍ إلَيْهِ وَانحَنَى أمَامَهُ وَقَالَ: «ابنَتِي مَاتَتِ الآنَ، لَكِنْ تَعَالَ وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهَا فَتَعيشَ.» فَقَامَ يَسُوعُ وَذَهَبَ مَعَ رَئِيسِ المَجْمَعِ، وَتَبِعَهُ تَلَامِيذُهُ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرأةٌ عَانَتْ مِنْ نَزيفٍ حَادٍّ مُنْذُ اثنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً. فَجَاءَتْ مِنْ وَرَاءِ يَسُوعَ، وَلَمَسَتْ طَرَفَ عَبَاءَتِهِ. فَقَدْ قَالَتْ فِي قَلْبِهَا: «فَقَطْ إنْ لَمَسْتُ عَبَاءَتَهُ فَسَأُشفَى.» فَالتَفَتَ يَسُوعُ حَوْلَهُ، فَرَآهَا وَقَالَ لَهَا: «تَشَجَّعِي يَا ابنَتِي، إيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ.» فَشُفِيَتِ المَرْأةُ تَمَامًا فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ يَسُوعُ إلَى بَيْتِ رَئِيسِ المَجْمَعِ، رَأى الَّذِينَ يَعْزِفُونَ ألحَانَ الجَنَازَاتِ، وَكَانَ النَّاسُ فِي فَوضَىْ. فَقَالَ: «اخرُجُوا خَارِجًا. الصَّبِيَّةُ لَمْ تَمُتْ، لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ.» فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. وَعِنْدَمَا أُخرِجَ النَّاسُ مِنَ البَيْتِ، دَخَلَ يَسُوعُ غُرفَةَ الصَّبِيَّةِ وَأمسَكَ بِيَدِهَا فَقَامَتْ. وَانتَشَرَتِ الأخْبَارُ عَنْ يَسُوعَ فِي تِلْكَ المِنْطَقَةِ كُلِّهَا. وَبَعْدَ أنْ تَرَكَ يَسُوعُ ذَلِكَ المَكَانَ، تَبِعَهُ أعمَيَانِ، وَهُمَا يَصْرُخَانِ: «يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارحَمْنَا.» وَعِنْدَمَا دَخَلَ يَسُوعُ البَيْتَ جَاءَ إلَيْهِ الأعمَيَانِ، فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمَا: «أتُؤْمِنَانِ أنَّنِي أسْتَطِيعُ شِفَاءَكُمَا؟» فَأجَابَاهُ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ.» حِينَئِذٍ لَمَسَ أعيُنَهُمَا وَقَالَ: «لِيَكُنْ لَكُمَا كَمَا آمَنتُمَا.» فَاسْتَعَادَ الأعمَيَانِ البَصَرَ. ثُمَّ حَذَّرَهُمَا يَسُوعُ بِشِدَّةٍ وَقَالَ: «لَا تَدَعَا أحَدًا يَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا حَدَثَ مَعَكُمَا.» لَكِنَّهُمَا ذَهَبَا وَنَشَرَا الخَبَرَ فِي كُلِّ تِلْكَ المِنْطَقَةِ. وَبَيْنَمَا كَانَا ذَاهِبَينِ، أحْضَرَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى يَسُوعَ رَجُلًا أخرَسَ، لِأنَّهُ كَانَ مَسكُونًا بِأروَاحٍ شِرِّيرَةٍ. فَأخرَجَ يَسُوعُ الرُّوحَ الشِّرِّيرَ، فَابْتَدَأ الأخرَسُ بِالْكَلَامِ. فَدُهِشَ النَّاسُ وَقَالُوا: «لَمْ يُرَ شَيءٌ مِثْلُ هَذَا فِي إسْرَائِيلَ مِنْ قَبْلُ.» وَلَكِنَّ الفِرِّيسِيِّينَ ابْتَدَأُوا يَقُولُونَ: «إنَّهُ يَطْرُدُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِقُوَّةِ بَعلَزَبُولَ، رَئِيسِ تِلْكَ الأرْوَاحِ.» وَكَانَ يَسُوعُ يَنْتَقِلُ فِي كُلِّ المُدُنِ وَالقُرَى، وَيُعَلِّمُ النَّاسَ فِي مَجَامِعِهِمْ، وَيُعلِنُ بِشَارَةَ المَلَكُوتِ. كَانَ يَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ عِلَّةٍ فِي النَّاسِ. وَعِنْدَمَا رَأى يَسوعُ جُمُوعَ النَّاسِ، تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، لِأنَّهُمْ كَانُوا مُتَضَايِقِينَ وَبِلَا مُعِينٍ، كَخِرَافٍ لَا رَاعِيَ لَهَا. فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: «الحَصَادُ كَثِيرٌ، لَكِنَّ الحَاصِدِينَ قَلِيلُونَ. فَصَلُّوا لِرَبِّ الحَصَادِ أنْ يُرسِلَ حَصَّادِينَ إلَى الحَصَادِ.» وَدَعَا يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ الِاثنَيْ عَشَرَ، وَأعْطَاهُمْ سُلطَانًا عَلَىْ الأرْوَاحِ النَّجِسَةِ، لِطَردِهَا وَشِفَاءِ جَمِيعِ الأمْرَاضِ وَالعِلَلِ. وَهَذِهِ هِيَ أسْمَاءُ الِاثنَيْ عَشَرَ رَسُولًا: أوَّلًا سِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى أيْضًا بُطْرُسَ، وَأخُوهُ أندرَاوُسُ، يَعْقُوبُ بْنُ زَبَدِي وَأخُوهُ يُوحَنَّا، فِيلِبُّسُ وَبَرْثِلْمَاوُسُ، تُومَا وَمَتَّى جَامِعُ الضَّرَائِبِ، يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَتَدَّاوُسَ، سِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى أيْضًا «الغَيُّورَ،» وَيَهُوذَا الإسْخَريُوطِيُّ الَّذِي خَانَ يَسُوعَ. وَقَدْ أرْسَلَ يَسُوعُ هَؤُلَاءِ الِاثنَيْ عَشَرَ وَأعْطَاهُمُ التَّعلِيمَاتِ التَّالِيَةَ: «لَا تَذْهَبُوا إلَى مَنْطِقَةٍ غَيْرِ يَهُودِيَّةٍ، وَلَا تَدْخُلُوا مَدِينَةً سَامِرِيَّةً، بَلِ اذْهَبُوا إلَى خِرَافِ بَنِي إسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ، وَأعلِنُوا أنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قَرِيبٌ. اشفُوا المَرْضَى، أقِيمُوا المَوْتَى، اشفُوا البُرصَ، أخرِجُوا الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ. أخَذْتُمُ السُّلطَانَ لِعَمَلِ ذَلِكَ مَجَّانًا، فَأعطُوا الآخَرِينَ مَجَّانًا أيْضًا. لَا تَحْمِلُوا فِي أحزِمَتِكُمْ نُقُودًا مِنَ الذَّهَبِ أوْ الفِضَّةِ أوْ النُّحَاسِ، وَلَا تَحْمِلُوا حَقِيبَةً وَلَا ثَوْبًا إضَافِيًا أوْ حِذَاءً إضَافِيًا أوْ عُكَّازًا. فَالعَامِلُ يَسْتَحِقُّ طَعَامَهُ. «وَعِنْدَمَا تَدْخُلُونَ أيَّةَ مَدِينَةٍ أوْ قَريَةٍ، ابْحَثُوا عَنْ شَخْصٍ يَسْتَحِقُّ أنْ يَسْتَقْبِلَكُمْ، وَامْكُثُوا عِنْدَهُ حَتَّى تُغَادِرُوا المَدِينَةَ. وَعِنْدَمَا تَدْخُلُونَ بَيْتًا سَلِّمُوا عَلَى أهْلِهِ. فَإنْ كَانَ أهْلُ البَيْتِ مُسْتَحِقِّينَ، فَإنَّ سَلَامَكُمْ سَيَأْتِي عَلَيْهِمْ. وَإنْ كَانُوا غَيْرَ مُسْتَحِقِّينَ، فَإنَّ سَلَامَكُمْ سَيَرْجِعُ إلَيكُمْ. إنْ كَانَ أحَدٌ لَا يُرَحِبُّ بِكُمْ فِي بَيْتٍ أوْ فِي مَدِينَةٍ، وَلَا يَسْتَمِعُ إلَى رِسَالَتِكُمْ، فَاخرُجُوا مِنْ ذَلِكَ البَيْتِ أوْ تِلْكَ المَدِينَةِ، وَانفُضُوا الغُبَارَ الَّذِي عَلِقَ بِأقْدَامِكُمْ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، فِي يَوْمِ الدَّينُونَةِ، سَيَكُونُ لأهْلِ سَدُومَ وَعَمُّورَةَ حَالٌ أكْثَرَ احتِمَالًا مِمَّا لِتِلْكَ المَدِينَةِ. «هَا أنَا أُرسِلُكُمْ كَالغَنَمِ بَيْنَ الذِّئَابِ. فَكُونُوا أذكِيَاءَ كَالحَيَّاتِ، وَأبرِيَاءَ كَالحَمَامِ. احذَرُوا مِنَ النَّاسِ، لِأنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ لِلمُحَاكَمَةِ فِي مَحَاكِمِهِمْ، وَسَيجلِدُونَكُمْ فِي مَجَامِعِهِمْ. وَسَيُسَلِّمُونَكُمْ إلَى حُكَّامٍ وَمُلُوكٍ لِأنَّكُمْ تَلَامِيذِي. سَتَكُونُ هَذِهِ فُرصَتَكُمْ لِتَشْهَدُوا عَنِّي لليَهودِ وَلِغَيرِ اليَهُودِ. وَعِنْدَمَا يَقْبِضُونَ عَلَيْكُمْ، لَا تَقْلَقُوا بِخُصُوصِ مَا سَتَقُولُونَهُ، لأنَّكُمْ سَتُعْطَونَ الكَلَامَ المُنَاسِبَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَذَكَّرُوا أنَّهُ لَيْسَ أنْتُمُ الَّذِينَ سَتَتَكَلَّمُونَ، بَلْ رُوحُ أبِيكُمْ هُوَ الَّذِي سَيَتَكَلَّمُ فِيكُمْ. «سَيُسَلِّمُ الأخُ أخَاهُ لِلقَتلِ، وَسَيُسَلِّمُ الأبُ وَلَدَهُ. وَسَيَنْقَلِبُ الأوْلَادُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. وَسَيُبغُضُكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ بِسَبَبِ اسْمِي، وَلَكِنِ الَّذِي يَبْقَى أمِينًا إلَى النِّهَايَةِ، فَهَذَا سَيَخْلُصُ. وَعِنْدَمَا يَضْطَهِدُونَكُمْ فِي إحْدَى المُدُنِ، اهرُبُوا إلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، لَنْ تَنْتَهُوا مِنَ الذَّهَابِ إلَى كُلِّ مُدُنِ إسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ابْنُ الإنْسَانِ ثَانِيَةً. «مَا مِنْ تِلْمِيذٍ أفْضَلُ مِنْ مُعَلِّمِهِ، وَلَا عَبدٍ أعْظَمُ مِنْ سَيِّدِهِ. فَلْيَكْتَفِ التِّلمِيذُ بِأنْ يَصِيرَ كَمُعَلِّمِهِ، وَلْيَكْتَفِ العَبْدُ بِأنْ يَصِيرَ كَسَيِّدِهِ. فَإنْ لَقَّبُوا رَأسَ البَيْتِ «بَعلَزَبُولَ، » فَمَاذَا سَيُلَقِّبُونَ بَقيَّةَ أعضَاءِ البَيْتِ؟ «فَلَا تَخَافُوا مِنهُمِ، فَمَا مِنْ مَخفِيٍّ إلَّا وَسَيُكشَفُ، وَمَا مِنْ مَستُورٍ إلَّا وَسَيُعلَنُ. فَكُلُّ مَا أقُولُهُ لَكُمْ فِي الظُّلمَةِ، قُولُوهُ فِي النُّورِ، وَكُلُّ مَا هُمِسَ بِهِ فِي الآذَانِ، أذيعُوهُ مِنْ فَوقِ سُطُوحِ البُيُوتِ. «لَا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الجَسَدَ، لَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ قَتْلَ النَّفْسِ، بَلْ خَافُوا مِنْ ذَلِكَ الَّذِي يَسْتَطِيعُ إهلَاكَ الجَسَدِ وَالنَّفْسِ كِلَيهِمَا فِي جَهَنَّمَ. «ألَا يُبَاعُ عُصفُورَانِ بِفِلْسٍ وَاحِدٍ؟ وَمَعَ ذَلِكَ، لَا يَسْقُطُ أحَدُهُمَا عَلَىْ الأرْضِ إلَّا بِإذْنِ أبِيكُمْ. أمَّا أنْتُمْ فَحَتَّى شَعرُ رَأسِكُمْ كُلُّهُ مَعدُودٌ. إذًا لَا تَخَافُوا، فَأنْتُمْ أثمَنُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ. «كُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي أمَامَ الآخَرِينَ، فَسَأعتَرِفُ بِهِ أمَامَ أبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ. وَمَنْ يُنكِرُنِي أمَامَ النَّاسِ، سَأُنكِرُهُ أمَامَ أبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ. «لَا تَظُنُّوا أنِّي جِئتُ لِكَي أُرَسِّخَ سَلَامًا عَلَى الأرْضِ. لَمْ آتِ لِأُعْطِيَ سَلَامًا بَلْ سَيْفًا! أتَيْتُ: ‹لِيَنْقَسِمَ الرَّجُلُ عَلَىْ أبِيهِ، وَالبِنتُ عَلَىْ أُمِّهَا، وَالكَنَّةُ عَلَىْ حَمَاتِهَا. فَيَكُونَ أعْدَاءُ الإنْسَانِ هُمْ أهْلُ بَيْتِهِ!› «لِأنَّ مَنْ يُحِبُّ أبَاهُ وَأُمَّهُ أكْثَرَ مِنِّي، لَا يَسْتَحِقُّ أنْ يَكُونَ مِنْ خَاصَّتِي. مَنْ يُحِبُّ ابْنًا أوْ ابنَةً أكْثَرَ مِنِّي، لَا يَسْتَحِقُّ أنْ يَكُونَ مِنْ خَاصَّتِي. وَمَنْ لَا يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّني. مَنْ يُحَاوِلُ أنْ يَرْبَحَ حَيَاتَهُ سَيَخْسَرُهَا، أمَّا مَنْ يَخْسَرُ حَيَاتَهُ لِأجْلِي فَسَيَرْبَحُهَا. «مَنْ يُرَحِّبُ بِكُمْ، فَإنَّهُ يُرَحِّبُ بِي. وَمَنْ يُرَحِّبُ بِي، فَإنَّهُ يُرَحِّبُ بِالَّذِي أرْسَلَنِي. فَالَّذِي يُرَحِّبُ بِنَبِيِّ لِأنَّهُ نَبِيٌّ، سَيَنَالُ مُكَافَأةَ نَبِيٍّ. وَالَّذِي يُرَحِّبُ بِبَارٍّ، لِأنَّهُ بَارٌّ سَيَنَالُ مُكَافَأةَ بَارٍّ. وَمَنْ يُعْطِي وَلَوْ كَأسَ مَاءٍ بَارِدٍ لِأحَدِ تَلَامِيذِي المُتَوَاضِعِينَ، لِأنَّهُ تِلْمِيذِي، فَالحَقَّ أقُولُ لَكُمْ إنَّهُ لَنْ يُحرَمَ مِنْ مُكَافَأتِهِ.» وَعِنْدَمَا انْتَهَى يَسُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ لِتَلَامِيذِهِ الِاثنَيْ عَشَرَ، غَادَرَ ذَلِكَ المَكَانَ، وَذَهَبَ لِيُعَلِّمَ وَيُعلِنَ رِسَالَتَهُ فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يُوحَنَّا المَعمَدَانُ فِي السِّجْنِ، سَمِعَ عَنْ كُلِّ مَا كَانَ المَسِيحُ يَعْمَلُهُ، فَأرْسَلَ رِسَالَةً مَعَ بَعْضِ تَلَامِيذِهِ وَسَألَهُ: «هَلْ أنْتَ الَّذِي نَنْتَظِرُهُ، أمْ يَنْبَغِي أنْ نَنتَظِرَ آخَرَ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «اذهَبُوا وَأخْبِرُوا يُوحَنَّا بِمَا سَمِعْتُمْ وَشَاهَدْتُمْ: هَا هُمُ العُميُ يُبصِرُونَ، وَالمُقعَدُونَ يَمْشُونَ، وَالبُرْصُ يَطْهُرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالمَوْتَى يَحْيَونَ، وَالمَسَاكِينُ يَسْمَعُونَ البِشَارَةَ. وَهَنِيئًا لِمَنْ لَا يَتَرَدَّدُ فِي الإيمَانِ بِي.» وَإذْ غَادَرَ تَلَامِيذُ يُوحَنَّا المَكَانَ، بَدَأ يَسُوعُ يَتَحَدَّثُ إلَى النَّاسِ عَنْ يُوحَنَّا فَقَالَ: «مَا الَّذِي خَرَجتُمْ إلَى البَرِّيَّةِ لِتَرَوهُ؟ قَصَبَةً تُؤَرجِحُهَا الرِّيحُ؟ لِمَاذَا خَرَجتُمْ إذًا؟ لِتَرَوْا رَجُلًا يَلْبَسُ ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ إنَّ الَّذِينَ يَرْتَدُونَ الثِّيَابَ النَّاعِمَةَ يَعِيشُونَ فِي قُصُورِ المُلُوكِ. فَلِمَاذَا خَرَجْتُمْ إذًا؟ لِتَرَوْا نَبِيًّا؟ هُوَ كَذَلِكَ. بَلْ إنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّكُمْ رَأيْتُمْ مَنْ هُوَ أعْظَمُ مِنْ نَبِيٍّ! فَهَذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: ‹هَا أنَا أُرسِلُ رَسُولِي قُدَّامَكَ. لِيُعِدَّ الطَّرِيقَ أمَامَكَ.› «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَ الَّذِينَ وَلَدَتهُمُ النِّسَاءُ مَنْ هُوَ أعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا المَعْمَدَانِ. غَيْرَ أنَّ أقَلَّ شَخْصٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أعْظَمُ مِنْهُ. فَمِنْ وَقْتِ يُوحَنَّا المَعْمَدَانِ إلَى الآنَ، وَالمَلَكُوتُ يُواجِهُ هُجُومَاتٍ عَنِيفَةً، وَالعُنَفَاءُ يُحَاوِلُونَ أخذَهُ بِالقُوَّةِ. لِأنَّ شَرِيعَةَ مُوسَى وَكُلَّ الأنْبِيَاءِ تَنَبَّأُوا حَتَّى وَقْتِ يُوحَنَّا. فَإنْ أرَدْتُمْ قُبُولَ مَا يَقُولُهُ الأنْبِيَاءُ وَالشَّرِيعَةُ، فَيُوحَنَّا هُوَ إيلِيَّا الَّذِي تَنَبَّأُوا عَنْ مَجِيئِهِ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ.» «بِمَاذَا أُشَبِّهُ هَذَا الجِيلَ؟ إنَّهُ أشبَهُ بِأطْفَالٍ يَجْلِسُونَ فِي الأسوَاقِ، يُنَادُونَ رِفَاقَهُمْ وَيَقُولُونَ: ‹زَمَّرْنَا لَكُمْ، فَلَمْ تَرْقُصُوا. وَغَنَّينَا لَكُمْ أغَانِيَ الجَنَازَاتِ، فَلَمْ تَنُوحُوا!› فَقَدْ جَاءَ يُوحَنَّا، الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ كَالآخَرِينَ وَلَمْ يَكُنْ يَشْرَبُ نَبِيذًا كَالآخَرِينَ، فَقَالَ عَنْهُ النَّاسُ: ‹فِيهِ رُوحٌ شِرِّيرٌ.› ثُمَّ جَاءَ ابْنُ الإنْسَانِ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ نَبِيذًا كَالآخَرِينَ، فَقَالَ عَنْهُ النَّاسُ: ‹انْظُرُوا إلَى هَذَا الإنْسَانِ، فَهُوَ شَرِهٌ وَسِكِّيرٌ، وَهُوَ صَدِيقٌ لِجَامِعِي الضَّرَائِبِ وَالخُطَاةِ!› لكِنَّ ثِمَارَ الحِكْمَةِ هِيَ الَّتِي تُثبِتُ أنَّهَا حِكْمَةٌ صَحِيحَةٌ.» ثُمَّ ابتَدَأ يَسُوعُ يُوَبِّخُ المُدُنَ الَّتِي عَمِلَ فِيهَا مُعظَمَ مُعجِزَاتِهِ، لِأنَّ سُكَّانَهَا لَمْ يَتُوبُوا عَنْ خَطَايَاهُمْ. فَقَالَ: «الوَيْلُ لَكِ يَا كُورْزِينُ! الوَيْلُ لَكِ يَا بَيْتَ صَيدَا! لِأنَّهُ لَوْ جَرَتِ المُعجِزَاتُ الَّتِي جَرَتْ فِيكُمَا فِي صُورَ وَصَيدَاءَ، لَتَابَتَا مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ، وَلَارتَدَى أهْلُهَا الخَيْشَ، وَجَلَسُوا عَلَى الرَّمَادِ. وَلَكِنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّ حَالَ أهْلِ صُورَ وَصَيدَاءَ سَيَكُونُ أهوَنَ مِنْ حَالِكُمَا يَوْمَ الدَّينُونَةِ. «وَأنتِ يَا كَفْرَنَاحُومَ، هَلْ تَتَوَهَّمِينَ أنَّكِ سَتُرفَعِينَ إلَى السَّمَاءِ؟ لَا، بَلْ سَتَهْبِطِينَ إلَى الهَاوِيَةِ! فَلَو أنَّ المُعجِزَاتِ الَّتِي جَرَتْ فِيكِ، جَرَتْ فِي سَدُومَ، لَبَقِيَتْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَلَكِنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّ حَالَ أهْلِ سَدُومَ، سَيَكُونُ أكْثَرَ احتِمَالًا مِنْ حَالِ أهْلِكِ فِي يَوْمِ الدَّينُونَةِ.» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، تَكَلَّمَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أشكُرُكَ أيُّهَا الآبُ، رَبَّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ. فَقَدْ أخفَيتَ هَذِهِ الأُمُورَ عَنِ الحُكَمَاءِ وَالأذكِيَاءِ، وَكَشَفْتَهَا لِلبُسَطَاءِ كَالأطْفَالِ. نَعَمْ يَا أبِي، لِأنَّكَ سُرِرْتَ بِعَمَلِ هَذَا.» «لَقَدْ سَلَّمَنِي الآبُ كُلَّ شَيءٍ. فَلَا أحَدَ يَعْرِفُ الاِبْنَ إلَّا الآبُ، وَلَا أحَدَ يَعْرِفُ الآبَ إلَّا الاِبْنُ وَكُلُّ مَنْ يَشَاءُ الاِبْنُ أنْ يَكْشِفَ لَهُ.» «تَعَالَوْا إلَيَّ أيُّهَا المُتْعَبُونَ وَيَا مَنْ تَحْمِلُونَ أحمَالًا ثَقِيلَةً، وَأنَا سَأُعْطِيكُمُ الرَّاحَةَ. احْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ، وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لِأنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ القَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لِأنَّ النِّيرَ الَّذِي أنَا أُعْطِيهِ سَهْلٌ، وَالحِمْلُ الَّذِي أضَعُهُ عَلَيْكُمْ خَفِيفٌ.» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، ذَهَبَ يَسُوعُ لِيَتَمَشَّى فِي الحُقُولِ فِي يَوْمٍ مِنْ أيَّامِ السَّبْتِ. فَجَاعَ تَلَامِيذُهُ وَابْتَدَأُوا يَلْتَقِطُونَ سَنَابِلَ القَمْحِ وَيَأْكُلُونَهَا. وَلَكِنْ عِنْدَمَا رَأى الفِرِّيسِيُّونَ ذَلِكَ قَالُوا لَهُ: «هَا إنَّ تَلَامِيذَكَ يَعْمَلُونَ مَا لَا يَجُوزُ فِعلُهُ فِي السَّبْتِ.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ألَمْ تَقْرَأُوا فِي الكِتَابِ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ عِنْدَمَا جَاعَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ؟ لَقَدْ دَخَلَ إلَى بَيْتِ اللهِ وَأكَلَ مِنْ أرغِفَةِ الخُبْزِ المُقَدَّمَةِ إلَى اللهِ، مَعَ أنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِمَنْ مَعَهُ أنْ يَأْكُلَ ذَلِكَ الخُبْزَ، بَلْ يُسمَحُ ذَلِكَ لِلكَهَنَةِ وَحدَهُمْ. ألَمْ تَقْرَأُوا أيْضًا فِي شَرِيعَةِ مُوسَى كَيْفَ أنَّ الكَهَنَةَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ لَا يَحْفَظُونَ الشَّرِيعَةَ المُتَعَلِّقَةَ بِالسَّبْتِ؟ وَمَعَ هَذَا لَا يُحَاسَبُونَ عَلَى عَمَلِهِمْ هَذَا، لَكِنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّ هُنَاكَ مَا هُوَ أعْظَمُ مِنَ الهَيْكَلِ هُنَا. وَلَوْ عَرَفْتُمْ مَا يَعْنِيهِ الكِتَابُ حِينَ يَقُولُ: ‹أُريدُ رَحْمَةً لِلنَّاسِ، لَا ذَبَائِحَ حَيَوَانِيَّةً.› لِمَا حَكَمْتُمْ عَلَى أُولَئِكَ الأبرِيَاءِ. لِأنَّ ابْنَ الإنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ.» ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ المَكَانَ، وَذَهَبَ إلَى مَجمَعِهِمْ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ مَشلُولَةٌ. فَسَألَ النَّاسُ يَسُوعَ: «هَلْ تَسْمَحُ الشَّرِيعَةُ بِشِفَاءِ يَدِ هَذَا الرَّجُلِ يَوْمَ السَّبْتِ؟» سَألُوهُ ذَلِكَ، لِكَي يَكُونَ لَدَيهِمْ دَلِيلٌ يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُمْ: «افتَرِضُوا أنَّ أحَدَكُمْ لَهُ خَرُوفٌ وَقَعَ فِي حُفرَةٍ يَوْمَ السَّبْتِ، ألَا تُمسِكُونَهُ وَتُخرِجُونَهُ؟ وَالإنْسَانُ أكْثَرُ أهَمِّيَّةً مِنَ الخَرُوفِ. إذًا فَعَمَلُ الخَيْرِ يَوْمَ السَّبْتِ، يَتَوَافَقُ مَعَ الشَّرِيعَةِ.» ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِلَّذِي يَدُهُ مَشلُولَةٌ: «ابسُطْ يَدَكَ.» فَبَسَطَهَا فَعَادَتْ سَلِيمَةً تَمَامًا كَيَدِهِ الأُخرَى. فَخَرَجَ الفِرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يَتَآمَرُونَ لِيَعْرِفُوا كَيْفَ يَقْتُلُونَ يَسُوعَ. فَعَرَفَ يَسُوعُ مُخَطَّطَهُمْ، وَتَرَكَ ذَلِكَ المَكَانَ. فَتَبِعَتْهُ جَمَاهِيرُ كَبِيرَةٌ، فَشَفَاهُمْ جَمِيعًا، وَأمَرَهُمْ أنْ لَا يَكْشِفُوا مَنْ هُوَ. حَدَثَ هَذَا لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ اللهُ عَلَىْ لِسَانِ النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ: «هُوَذَا خَادِمِي الَّذِي اختَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرِرْتُ بِهِ. سَأضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ، فَيُعلِنَ العَدْلَ لِلأُمَمِ. لَنْ يُخَاصِمَ أحَدًا وَلَنْ يَصْرُخَ، وَلَنْ يُسمِعَ أحَدًا صَوْتَهُ فِي شَوَارِعِهِمْ. لَنْ يَكْسِرَ حَتَّى القَصَبَةَ المُنحَنِيَةَ، وَلَنْ يُطفِئَ حَتَّى الفَتِيلَةَ المُدَخِّنَةَ. وَسَيَسْتَمِرُّ إلَى أنْ يَجْعَلَ العَدْلَ يَنْتَصِرُ. وَكُلُّ الأُمَمِ سَتَضَعُ رَجَاءَهَا فِيهِ.» ثُمَّ أحضَرُوا إلَيْهِ رَجُلًا أعْمَى وَأخرَسَ لِأنَّهُ كَانَ مَسكُونًا بِروحٍ شِرِّيرٍ، فَشَفَاهُ. فَصَارَ الأخرَسُ يَتَكَلَّمُ وَيَرَى. فَانْدَهَشَ النَّاسُ وَقَالُوا: «هَلْ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ ابْنَ دَاوُدَ؟» فَعِنْدَمَا سَمِعَ الفِرِّيسِيُّونَ هَذَا، قَالُوا: «هَذَا الرَّجُلُ يُخرِجُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِقُوَّةِ بَعلَزَبُولَ رَئِيسِ الأرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ.» وَإذْ عَرَفَ يَسُوعُ أفكَارَهُمْ، قَالَ لَهُمْ: «إنَّ مَصِيرَ كُلِّ مَملَكَةٍ يَنْقَسِمُ أهْلُهَا وَيَتَحَارَبُونَ هُوَ الخَرَابُ. وَكُلُّ مَدِينَةٍ أوْ بَيْتٍ يَتَحَارَبُ أهْلُهُ لَا يَدُومُ. فَإذَا كَانَ الشَّيْطَانُ يَطْرُدُ الأروَاحَ وَيُحَارِبُ ذَاتَهُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ تَصْمُدَ مَملَكَتُهُ؟ فَإنْ كُنْتُ أنَا أطرُدُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِقُوَّةِ بَعلَزَبُولَ، فَبِمَاذَا يَطْرُدُهَا تَلَامِيذُكُمْ؟ فَهُمُ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ عَلَيْكُمْ. لَكِنْ إنْ كُنْتُ أطرُدُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِرُوحِ اللهِ، فَقَدْ صَارَ وَاضِحًا أنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ جَاءَ إلَيكُمْ. كَيْفَ يُمْكِنُ لأحَدٍ أنْ يَدْخُلَ بَيْتَ رَجُلٍ قَوِيٍّ وَيَنْهَبَ أمْلَاكَهُ، إلَّا إذَا رَبَطَ الرَّجُلَ القَوِيَّ أوَّلًا؟ حِينَئِذٍ يُصْبِحُ قَادِرًا عَلَى نَهبِ بَيْتِهِ. «مَنْ لَيْسَ مَعْي فَهُوَ ضِدِّي. وَمَنْ لَا يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُبَعثِرُ.» لِذَلِكَ أقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَإهَانَةٍ يُمْكِنُ أنْ تُغفَرَ لِلنَّاسِ، أمَّا إهَانَةُ الرُّوحِ القُدُسِ فَلَنْ تُغفَرَ. مَنْ يَتَكَلَّمُ بِشَيءٍ ضِدَّ ابْنِ الإنْسَانِ يُغفَرُ لَهُ، وَأمَّا مَنْ يَتَكَلَّمُ بِشَيءٍ ضِدَّ الرُّوحِ القُدُسِ فَلَا يُمْكِنُ أنْ يُغفَرَ لَهُ، لَا فِي هَذَا العَالَمِ وَلَا فِي العَالَمِ الآتِي. «لِكَي تَنَالَ ثَمَرًا جَيِّدًا، ازرَعْ شَجَرَةً جَيِّدَةً. أمَّا الشَجَرَةُ الرَّديئَةُ، فَتُعْطِيكَ ثَمَرًا رَدِيئًا. لِأنَّ الشَّجَرَةَ تُعرَفُ بِثَمَرِهَا. يَا أوْلَادَ الأفَاعِي، كَيْفَ يُمكِنُكُمْ أنْ تَتَكَلَّمُوا بِالأُمُورِ الصَّالِحَةِ وَأنْتُمْ أشرَارٌ؟ لِأنَّ الفَمَ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَمْتَلِئُ بِهِ القَلْبُ. فَالإنْسَانُ الصَّالِحُ يُخرِجُ مَا هُوَ صَالِحٌ مِنَ كَنزِهِ الصَّالِحِ، وَالإنْسَانُ الشِّرِّيرُ يُخرِجُ مَا هُوَ شِرِّيرٌ مِنَ الشَّرِّ المَخزُونِ لَدَيهِ. وَلَكِنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّهُ فِي يَوْمِ الدَّينُونَةِ، سَيُسْألُ النَّاسُ عَنْ كُلِّ كَلِمَةٍ قَالُوهَا. وَكَلَامُكَ سَيُقَرِّرُ بَرَاءَتَكَ أوْ إدَانَتَكَ.» ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ بَعْضُ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ وَقَالُوا: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أنْ نَرَى مَنْكَ بُرهَانًا مُعْجِزيًّا.» فَأجَابَهُمْ: «هَذَا الجِيلُ الشِّرِّيرُ الفَاسِقُ يَبْحَثُ عَنْ بُرهَانٍ لِكَي يُؤمِنَ. وَلَنْ يُعْطَى إلَّا بُرْهَانَ النَّبِيِّ يُونَانَ. فَكَمَا أنَّ يُونَانَ بَقِيَ فِي بَطنِ السَّمَكَةِ الكَبِيرَةِ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ، هَكَذَا سَيَبْقَى ابْنُ الإنْسَانِ فِي جَوفِ الأرْضِ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ. سَيَقِفُ أهْلُ نِينَوَى يَوْمَ الدَّينُونَةِ ضِدَّ هَذَا الجِيلِ، وَسَيَدِينُونَهُ لأنَّهُمْ تَابُوا إذْ سَمِعُوا تَحْذِيرَ يُونَانَ. وَالْآنَ هُنَا أمَامَكُمْ مَنْ هُوَ أعْظَمُ مِنْ يُونَانَ. «وَسَتَقِفُ مَلِكَةُ الجَنُوبِ يَوْمَ الدَّينُونَةِ ضِدَّ هَذَا الجِيلِ وَسَتُدِينُهُ. فَقَدْ جَاءَتْ مِنْ أقَاصِي الأرْضِ لِكَي تَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ. وَالْآنَ هُنَا أمَامَكُمْ مَنْ هُوَ أعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ. «عِنْدَمَا يَخْرُجُ رُوحٌ نَجِسٌ مِنْ إنْسَانٍ، فَإنَّهُ يَجتَازُ أمَاكِنَ جَافَّةً سَاعِيًا إلَى مَكَانِ رَاحَةٍ، فَلَا يَجِدُ، حينَئِذٍ يَقُولُ: ‹سَأعُودُ إلَى بَيْتِي الَّذِي جِئتُ مِنْهُ.› فَيَذْهَبُ وَيَجِدُ البَيْتَ فَارِغًا وَمُكَنَّسًا وَمُرَتَّبًا. حينَئِذٍ يَذْهَبُ وَيُحْضِرُ مَعَهُ سَبْعَةَ أروَاحٍ أُخَرَ تَفُوقُهُ شَرًّا، فَتَدْخُلُ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ. وَهَكَذَا تَكُونُ حَالَةُ ذَلِكَ الإنْسَانِ الأخِيرَةُ أسوَأَ مِنْ حَالَتِهِ الأُولَى. هَكَذَا سَيَحْدُثُ مَعَ هَذَا الجِيلِ الحَاضِرِ الشِّرِّيرِ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يَتَكَلَّمُ إلَى جُمُوعِ النَّاسِ، أتَتْ أُمُّهُ وَإخوَتُهُ وَوَقَفُوا فِي الخَارِجِ، وَطَلَبُوا أنْ يَتَحَدَّثُوا إلَيْهِ. فَقَالَ أحَدُ الأشخَاصِ لِيَسُوعَ: «أُمُّكَ وَإخوَتُكَ يَقِفُونَ فِي الخَارِجِ وَيُرِيدُونَ التَّحَدُّثَ إلَيْكَ.» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «مَنْ هِيَ أُمِّي، وَمَنْ هُمْ إخْوَتِي؟» ثُمَّ أشَارَ بِيَدِهِ إلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ: «هَؤُلَاءِ هُمْ أُمِّي وَإخوَتِي، لِأنَّ الَّذِي يَعْمَلُ مَشِيئَةَ أبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ هُوَ أخِي وَأُختِي وَأُمِّي.» فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، تَرَكَ يَسُوعُ البَيْتَ وَجَلَسَ عَلَى شَاطِئِ البُحَيرَةِ. فَاجتَمَعَتْ حَوْلَهُ جَمَاهِيرُ كَثِيرَةٌ. فصَعِدَ إلَى قَارِبٍ وَجَلَسَ فِيهِ، بَيْنَمَا وَقَفَ النَّاسُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَقَالَ لَهُمْ أشْيَاءَ كَثِيرَةً بِأمثَالٍ. فَقَالَ لَهُمْ: «خَرَجَ فَلَّاحٌ لِيَبْذُرَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَبْذُرُ، وَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ إلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُيُورُ وَأكَلَتهُ. وَوَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ عَلَى أرْضٍ صَخرِيَّةٍ، حَيْثُ لَا تُوجَدُ تُربَةٌ كَافِيَةٌ، فَنَمَتِ الحُبُوبُ بِسُرعَةٍ لِأنَّ التُّربَةَ لَمْ تَكُنْ عَميقَةً. لَكِنْ عِنْدَمَا أشرَقَتِ الشَّمْسُ احتَرَقَتْ، وَلِأنَّهَا كَانَتْ بِلَا جُذورٍ ذَبُلَتْ. وَوَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ عَلَىْ الأشوَاكِ. فَنَمَتِ الأشوَاكُ وَعَطَّلَتْ نُمُوَّهُ. وَوَقَعَتْ بُذُورٌ أُخْرَى عَلَى الأرْضِ الصَّالِحَةِ فَأثْمَرَ بَعْضُهَا مِئَةَ ضِعفٍ، وَبَعْضُهَا سِتِّينَ ضِعفًا، وَبَعْضُهَا ثَلَاثِينَ ضِعفًا. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ.» وَجَاءَ إلَيْهِ التَّلَامِيذُ وَسَألُوهُ: «لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ إلَيْهِمْ بِاسْتِخدَامِ الأمثلةِ الرَمزيَّةِ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «لَقَدْ أعطَاكُمُ اللهُ امتِيَازَ مَعْرِفَةِ سِرِّ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ لَهُمْ. لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَمْلِكُ سَيُزَادُ لَهُ، وَيَفِيضُ عَنْهُ، أمَّا الَّذِي لَا يَمْلِكُ، فَسَيُنتَزَعُ مِنْهُ مَا لَهُ. لِهَذَا أتَكَلَّمُ إلَيْهِمْ بِأمثَالٍ، فَمَعْ أنَّهُمْ يَرَوْنَ، إلَّا أنَّهُمْ لَا يُدرِكُونَ. وَمَعَ أنَّهُمْ يَسْمَعُونَ، إلَّا أنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ. وَبِهَذَا تَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ نُبُوَّةُ إشَعْيَاءَ: ‹سَتَسْمَعُونَ وَتَسْمَعُونَ، لَكِنَّكُمْ لَنْ تَفْهَمُوا. وَسَتَنْظُرُونَ وَتَنْظُرُونَ، لَكِنَّكُمْ لَنْ تُبْصِرُوا. فَقَدْ صَارَ ذِهْنُ هَذَا الشَّعْبِ بَلِيدًا، وَصَارَ سَمَعُهُمْ ثَقيلًا. أغمَضُوا عُيُونَهُمْ، فَلَا يَقْدِرُونَ أنْ يُلَاحِظُوا بِعُيُونِهِمْ، وَلَا أنْ يَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ، وَلَا أنْ يَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ، لِكَيْ لَا يَرْجِعُوا إلَيَّ فَأَشْفِيَهُمْ.› أمَّا أنْتُمْ فَهَنِيئًا لِعُيُونِكُمْ لِأنَّهَا تَرَى، وَآذَانِكُمْ لِأنَّهَا تَسْمَعُ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّ مُلُوكًا وَأبْرَارًا كَثِيرِينَ اشْتَاقُوا أنْ يَرَوْا مَا تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَاشْتَهَوْا أنْ يَسْمَعُوا مَا تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا. «فَاسْتَمِعُوا إلَى شَرْحِ مَثَلِ البِذَارِ: عِنْدَمَا يَسْمَعُ شَخْصٌ رِسَالَةَ المَلَكُوتِ وَلَا يَفْهَمُهَا، يَأتِي الشِّرِّيرُ وَيَأْخُذُ البُذُورَ الَّتِي زُرِعَتْ فِي قَلْبِهِ. هَذَا هُوَ مَعنَى البُذُورِ الَّتِي سَقَطَتْ إلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ. «أمَّا الَّتِي سَقَطَتْ عَلَى الأرْضِ الصَّخرِيَّةِ، فَتُشْبِهُ مَنْ يَسْمَعُ الكَلِمَةَ فَيَقْبَلُهَا حَالًا بِفَرَحٍ، لَكِنْ لِأنَّهُ بِلَا جُذُورٍ فِي نَفْسِهِ، فَإنَّهُ يَصْمُدُ لِوَقْتٍ قَصِيرٍ، وَعِنْدَمَا يَأتِي الضِّيقُ وَالاضْطِهَادُ بِسَبَبِ الكَلِمَةِ الَّتِي قَبِلَهَا، يَفْقِدُ إيمَانَهُ سَرِيعًا. «أمَّا الَّتِي سَقَطَتْ بَيْنَ الأشوَاكِ، فَتُشبِهُ مَنْ يَسْمَعُ الكَلِمَةَ، لَكِّنَّ هُمُومَ الحَيَاةِ، وَإغرَاءاتِ المَالِ تَخْنُقُ الكَلِمَةَ، فَلَا تُثمِرُ. «أمَّا الَّذِي زُرِعَ عَلَى الأرْضِ الصَّالِحَةِ، فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الكَلِمَةَ وَيَفْهَمُهَا فَيُثمِرَ بِالفِعِلِ. فَيَحْصُدَ مَرَّةً مِئَةَ ضِعفٍ، وَمَرَّةً سِتِّينَ ضِعفًا، وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ ضِعفًا.» وَقَالَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ رَجُلًا زَرَعَ بُذُورًا جَيِّدَةً فِي حَقلِهِ. وَلَكِنْ بَيْنَمَا كَانَ النَّاسُ نَائِمِينَ، جَاءَ عَدُوُّ الرَّجُلِ وَبَذَرَ أعشَابًا ضَارَّةً بَيْنَ القَمْحِ ثُمَّ ذَهَبَ. وَعِنْدَمَا نَبَتَ القَمْحُ وَشَكَّلَ سَنَابِلَ، نَبَتَتِ الأعشَابُ الضَّارَّةُ كَذَلِكَ. فَجَاءَ إلَيْهِ عَبِيدُهُ وَقَالُوا لَهُ: ‹يَا سَيِّدُ، ألَمْ تَزْرَعْ بُذُورًا جَيِدَةً فِي حَقلِكَ؟ فَمِنْ أيْنَ إذًا جَاءَتْ هَذِهِ الأعشَابُ الضَّارَّةُ؟› «فَأجَابَهُمُ الرَّجُلُ: ‹عَدُوِّي فَعَلَ ذَلِكَ.› فَسَألَهُ عَبِيدُهُ: ‹هَلْ تُرِيدُنَا أنْ نَذهَبَ وَنَقتَلِعَهَا؟› «فَأجَابَ الرَّجُلُ: ‹لَا، لِأنَّكُمْ عِنْدَمَا تَقْتَلِعُونَ الأعشَابَ الضَّارَّةَ، قَدْ تَقْتَلِعُونَ القَمْحَ مَعَهَا. دَعُوهُمَا يَنْمُوانِ مَعًا حَتَّى وَقْتِ الحَصَادِ، حِينَئِذٍ سَأقُولُ لِلحَصَّادِينَ: اجمَعُوا الأعشَابَ الضَّارَّةَ أوَّلًا، وَاحزِمُوهَا فِي حُزَمٍ لِلحَرِيقِ. أمَّا القَمْحُ فَاجمَعُوهُ وَضَعُوهُ فِي مِخزَنِي.›» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ مَثَلًا آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ بِذرَةَ خَردَلٍ أخَذَهَا إنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقلِهِ. إنَّهَا أصغَرُ البُذُورِ. لَكِنْ عِنْدَمَا تَنْمُو، فَإنَّهَا تَكُونُ أكبَرَ نَبَاتَاتِ البَسَاتِينِ، إذْ تُصبِحُ شَجَرَةً كَبِيرَةً، حَتَّىْ إنَّ طُيورَ السَّمَاءِ تَأْتِي إلَيْهَا، وَتَصْنَعُ أعشَاشَهَا فِي أغْصَانِهَا.» وَقَالَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أخَذَتْهَا امْرأةٌ وَخَلَطَتْهَا فِي ثَلَاثَةِ مَقَادِيرَ مِنَ الطَّحِينِ حَتَّى اختَمَرَ العَجِينُ كُلُّهُ.» قَالَ يَسُوعُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ مُسْتَخْدِمًا الأمثَالَ. وَلَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُ النَّاسَ إلَّا بِأمثَالٍ. فَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ عَلَىْ لِسَانِ النَّبِيِّ: «سَأفتَحُ فَمِي بِأمثَالٍ، وَسَأنطِقُ بِأُمُورٍ مَخفِيَّةٍ مُنْذُ أنْ خُلِقَ العَالَمُ.» حِينَئِذٍ صَرَفَ يَسُوعُ الجُمُوعَ، وَدَخَلَ إلَى البَيْتِ. فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ تَلَامِيذُهُ وَقَالُوا: «اشْرَحْ لَنَا مَثَلَ الأعشَابِ الضَّارَّةِ فِي الحَقْلِ.» فَقَالَ لَهُمْ: «الَّذِي زَرَعَ البُذُورَ الجَيِّدَةَ هُوَ ابْنُ الإنْسَانِ، وَالحَقلُ هُوَ العَالَمُ، وَالبُذُورُ الجَيِّدَةُ هُمُ الَّذِينَ لَهُمُ المَلَكُوتُ. أمَّا الأعشَابُ الضَّارَّةُ فَهُمُ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَى الشِّرِّيرِ. وَالعَدُوُّ الَّذِي بَذَرَهُمْ هُوَ إبْلِيسُ. وَالحَصَادُ هُوَ نِهَايَةُ العَالَمِ. وَالحَصَّادُونَ هُمُ المَلَائِكَةُ. «وَكَمَا أنَّ الأعشَابَ الضَّارَّةَ تُجمَعُ وَتُحرَقُ بِالنَّارِ، هَكَذَا سَتَكُونُ نِهَايَةُ العَالَمِ. إذْ سَيُرسِلُ ابْنُ الإنْسَانِ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ سَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ كُلَّ المُفسِدِينَ وَالأشرَارِ، ثُمَّ يَطْرَحُونَهُمْ فِي الفُرنِ المُشْتَعِلِ. هُنَاكَ يَبْكِي النَّاسُ وَيَصِرُّونَ عَلَى أسنَانِهِمْ. حِينَئِذٍ سَيَسْطَعُ الأبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ. «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ كَنْزًا مَدْفُونًا فِي حَقْلٍ. وَجَدَهُ شَخْصٌ فَدَفَنَهُ ثَانِيَةً. وَلِشِدَّةِ فَرَحِهِ، ذَهَبَ وَبَاعَ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ وَاشتَرَى ذَلِكَ الحَقلَ. «وَيُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ تَاجِرًا يَبْحَثُ عَنْ لآلِئَ جَمِيلَةٍ. وَعِنْدَمَا وَجَدَ لُؤلُؤَةً ثَمِينَةً جِدًّا، ذَهَبَ وَبَاعَ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ وَاشْتَرَاهَا. «وَيُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ شَبَكَةً أُلقِيَتْ إلَى البُحَيرَةِ، وَأمسَكَتْ سَمَكًا مِنْ أنوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَعِنْدَمَا امتَلأتِ الشَّبَكَةُ، سَحَبَهَا الصَّيَّادُونَ إلَى الشَّاطِئِ. ثُمَّ جَلَسُوا وَأخَذُوا يَختَارُونَ السَّمَكَ الجَيِّدَ وَيَضَعُونَهُ فِي سِلَالٍ، أمَّا السَّمَكُ الرَّدِيءُ فَألقَوْهُ خَارِجًا. هَذَا مَا سَيَحْدُثُ فِي نِهَايَةِ العَالَمِ، إذْ سَتَأْتِي المَلَائِكَةُ وَسَتَفْصِلُ الأشرَارَ عَنِ الأبْرَارِ، ثُمَّ تُلقِي الأشرَارَ إلَى الفُرنِ المُشْتَعِلِ. هُنَاكَ يَبْكِي النَّاسُ وَيَصِرُّونَ عَلَى أسنَانِهِمْ.» وَسَألَ يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ: «هَلْ تَفْهَمُونَ جَمِيعَ هَذِهِ الأُمُورِ؟» فَأجَابُوا: «نَعَمْ.» فَقَالَ لَهُمْ: «لِذَلِكَ كُلُّ مُعَلِّمٍ لِلشَّرِيعَةِ يَتَعَلَّمُ عَنْ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، هُوَ مِثْلُ رَبِّ بَيْتٍ يُخرِجُ مِنْ مَخزَنِ البَيْتِ أشْيَاءَ جَدِيدَةً وَأشْيَاءَ عَتِيقَةً.» وَلَمَّا انْتَهَى يَسُوعُ مِنَ سَرْدِ تِلْكَ الأمثَالِ، تَرَكَ ذَلِكَ المَكَانَ. وَلَمَّا ذَهَبَ إلَى بَلدَتِهِ، ابتَدَأ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجمَعِهِمْ. فَاندَهَشَ الجَمِيعُ وَقَالُوا: «مِنْ أيْنَ جَاءَ هَذَا الرَّجُلُ بِهَذِهِ الحِكْمَةِ وَهَذِهِ المُعجِزَاتِ؟ ألَيْسَ هُوَ ابْنَ النَّجَّارِ؟ ألَيْسَتْ أُمُّهُ مَرْيَمَ؟ ألَيْسَ إخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ وَسِمعَانَ وَيَهُوذَا؟ ألَا تُقيمُ جَمِيعُ أخَوَاتِهِ بَيْنَنَا؟ فَمِنْ أيْنَ حَصَلَ عَلَى كُلِّ مَا لَدَيهِ؟» فَكَانَ ذَلِكَ عَائِقًا يَمْنَعُهُمْ مِنْ قُبُولِهِ. أمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ: «لَا يَكُونُ نَبِيٌّ بِلَا كَرَامَةٍ إلَّا فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ!» فَلَمْ يَعْمَلْ مُعجِزَاتٍ كَثِيرَةً هُنَاكَ، بِسَبَبِ عَدَمِ إيمَانِهِمْ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَمِعَ هِيرُودُسُ وَالِي الجَلِيلِ عَنْ يَسُوعَ. فَقَالَ لِخُدَّامِهِ: «إنَّهُ يُوحَنَّا المَعْمَدَانُ، قَامَ مِنَ المَوْتِ، وَلِهَذَا تُجرَى المُعجِزَاتُ بِوَاسِطَتِهِ!» فَهِيرُودُسُ هُوَ الَّذِي قَبَضَ عَلَى يُوحَنَّا وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ، وَهَذَا بِسَبَبِ هِيرُودِيَّا زَوْجَةِ أخِيهِ فِيلِبُّسَ، لِأنَّ يُوحَنَّا قَالَ لِهِيرُودُسَ: «لَا يَحِقُّ لَكَ أنْ تَأْخُذَ زَوْجَةَ أخِيكَ.» لِهَذَا كَانَ هِيرُودُسُ يُرِيدُ قَتلَهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَخَافُ مِنَ النَّاسِ، لِأنَّهُمِ كَانُوا يَعْتَبِرُونَ يُوحَنَّا نَبِيًّا. لَكِنْ لَمَّا جَاءَ يَوْمُ عِيدِ مِيلَادِ هِيرُودُسَ، رَقَصَتِ ابنَةُ هِيرُودِيَّا أمَامَهُ وَأمَامَ ضُيُوفِهِ، فَأسعَدَتْ هِيرُودُسَ جِدًّا، حَتَّى إنَّهُ وَعَدَ وَأقسَمَ بِأنْ يُعطِيَهَا مَا تَطْلُبُهُ مَهْمَا كَانَ. لَكِنَّ أُمَّهَا كَانَتْ قَدْ لَقَّنَتْهَا مَا تَطْلُبُ، فَقَالَتْ: «أعْطِنِي رَأسَ يُوحَنَّا المَعْمَدَانِ هُنَا عَلَى طَبَقٍ.» فَحَزِنَ المَلِكُ، لَكِنَّهُ أمَرَ بِتَلْبِيَةِ طَلَبِهَا بِسَبَبِ قَسَمِهِ، وَاحْتِرَامًا لِضُيُوفِهِ. فَأرْسَلَ مَنْ يَقْطَعُ رَأسَ يُوحَنَّا فِي السِّجْنِ. ثُمَّ أُحضِرَ رَأسُهُ عَلَى طَبَقٍ وَأُعْطِيَ لَهَا، فَأعطَتْهُ لِأُمِّهَا. حِينَئِذٍ أتَى تَلَامِيذُ يُوحَنَّا وَأخَذُوا جَسَدَهُ وَدَفَنُوهُ. ثُمَّ ذَهَبُوا وَأخبَرُوا يَسُوعَ بِمَا حَدَثَ. وَعِنْدَمَا سَمِعَ يَسُوعُ بِهَذَا، رَكِبَ قَارِبًا وَذَهَبَ إلَى مَكَانٍ مُنعَزِلٍ. فَعَرَفَتِ الجُمُوعُ ذَلِكَ، وَخَرَجُوا مِنْ مُدُنِهِمْ مَشْيًا عَلَى الأقْدَامِ وَتَبِعُوهُ. وَعِنْدَ نُزُولِهِ إلَى الشَّاطِئِ، رَأى جَمْعًا كَبِيرًا، فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، وَشَفَى المَرْضَى مِنْهُمْ. وَفِي المَسَاءِ، جَاءَ تَلَامِيذُهُ وَقَالُوا لَهُ: «هَذَا المَكَانُ مَعزُولٌ وَالوَقْتُ مُتَأخِّرٌ جِدًّا، فَاصرِفِ النَّاسَ لِيَذْهَبُوا إلَى القُرَى وَيَشْتَرُوا طَعَامًا لَهُمْ.» لَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُمْ: «لَا دَاعيَ لِذَهَابِهِمْ، أعطُوهُمْ أنْتُمْ شَيْئًا لِيَأْكُلُوا.» فَقَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: «لَيْسَ لَدَيْنَا شَيءٌ هُنَا سِوَى خَمْسَةِ أرغِفَةٍ مِنَ الخُبْزِ وَسَمَكَتِينِ.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أحضِرُوهَا إلَيَّ.» وَأمَرَ النَّاسَ بِالجُلُوسِ عَلَى العُشْبِ. ثُمَّ أخَذَ يَسُوعُ أرغِفَةَ الخُبْزِ الخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتِينِ، وَشَكَرَ اللهَ رَافِعًا عَيْنَيْهِ إلَى السَّمَاءِ. ثُمَّ قَسَّمَهَا وَأعْطَى الأرغِفَةَ لِتَلَامِيذِهِ فَوَزَّعُوهَا عَلَى النَّاسِ. فَأكَلُوا وَشَبِعُوا جَمِيعًا. وَرَفَعُوا مَا تَبَقَّى مِنَ الطَّعَامِ، فَكَانَ اثنَتي عَشْرَةَ سَلَّةً مَملوءَةً بِالكِسَرِ. وَقَدْ كَانَ عَدَدُ الَّذِينَ أكَلُوا خَمْسَةَ آلَافِ رَجُلٍ، مَا عَدَا النِّسَاءِ وَالأطْفَالِ. ثُمَّ طَلَبَ يَسُوعُ مِنْ تَلَامِيذِهُ أنْ يَرْكَبُوا القَارِبَ وَيَسْبِقُوهُ إلَى الضِّفَّةِ الأُخرَى، بَيْنَمَا يَصْرِفُ هُوَ الجَمْعَ. وَبَعدَمَا صَرَفَهُمْ، صَعِدَ إلَى الجَبَلِ وَحْدَهُ لِيُصَلِّي. وَعِنْدَمَا جَاءَ المَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحِيدًا. وَكَانَ القَارِبُ قَدْ صَارَ فِي مَنتَصَفِ البُحَيرَةِ، وَالأموَاجُ تَصْطَدِمُ بِهِ بِشِدَّةٍ، لِأنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُعَاكِسَةً لَاتِّجَاهِ القَارِبِ. وَقَبْلَ الفَجرِ بِقَلِيلٍ، جَاءَ يَسُوعُ إلَيْهِمْ مَاشِيًا عَلَى البُحَيرَةِ. فَلَمَّا رَآهُ تَلَامِيذُهُ مَاشِيًا عَلَى البُحَيرَةِ ارتَعَبُوا مِنَ الخَوفِ، وَقَالُوا «إنَّهُ شَبَحٌ،» وَمِنْ خَوفِهِمْ صَرَخُوا. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ عَلَى الفَوْرِ: «تَشَجَّعُوا، إنَّهُ أنَا، لَا تَخَافُوا.» فَأجَابَهُ بُطرُسُ: «يَا رَبُّ إنْ كَانَ هَذَا أنْتَ حَقًّا، فَمُرنِي أنْ آتِيَ إلَيْكَ مَاشِيًا عَلَى المَاءِ.» فَقَالَ لَهُ: «تَعَالَ.» فَنَزَلَ بُطرُسُ مِنَ القَارِبِ وَمَشَى عَلَى المَاءِ بَاتِّجَاهِ يَسُوعَ. لَكِنْ عِنْدَمَا انتَبَهَ بُطرُسُ إلَى الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ، خَافَ وَابْتَدَأ يَغْرَقُ، وَصَرَخَ: «يَا رَبُّ أنقِذنِي.» فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ عَلَى الفَوْرِ وَأمسَكَ بِهِ، وَقَالَ لَهُ: «يَا قَلِيلَ الإيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟» وَعِنْدَمَا صَعِدَ يَسُوعُ وَبُطرُسُ إلَى القَارِبِ، تَوَقَّفَتِ الرِّيحُ. وَالَّذِينَ كَانُوا فِي القَارِبِ سَجَدُوا لِيَسُوعَ وَقَالُوا: «أنْتَ ابْنُ اللهِ حَقًّا.» وَلَمَّا عَبَرُوا البُحَيرَةَ، وَصَلُوا إلَى مَنْطِقَةِ جَنِّيسَارَتَ. وَإذْ عَرَفَ سُكَّانُ تِلْكَ المِنْطَقَةِ يَسُوعَ، أعلَنُوا فِي كُلِّ المِنْطَقَةِ المُحِيطَةِ عَنْ مَجِيئِهِ، فَأحضَرُوا إلَيْهِ جَمِيعَ المَرْضَى، وَتَوَسَّلُوا إلَيْهِ بِأنْ يَسْمَحَ لَهُمْ بِلَمْسِ طَرَفِ ثَوبِهِ فَقَطْ. وَكُلُّ الَّذِينَ لَمَسُوهُ نَالُوا الشِّفَاءَ. حِينَئِذٍ جَاءَ بَعْضُ الفِرِّيسِيِّينَ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ إلَى يَسُوعَ، وَسَألُوهُ: «لِمَاذَا يَكْسِرُ تَلَامِيذُكَ التَّقَالِيدَ الَّتِي أخَذْنَاهَا عَنْ أجدَادِنَا؟ فَهُمْ لَا يَغْسِلُونَ أيدِيَهُمْ قَبْلَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ.» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «وَلِمَاذَا تَكْسِرُونَ أنْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَبِ تَقَالِيدِكُمْ؟ فَاللهُ أوصَىْ وَقَالَ: ‹أكرِمْ أبَاكَ وَأُمَّكَ،› وَقَالَ: ‹مَنْ يَشْتُمُ أبَاهُ أوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ.› لَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ: ‹مَنْ قَالَ لِأبِيهِ أوْ أُمِّهِ: لَا أسْتَطِيعُ مُسَاعَدَتَكُمَا، لِأنَّ كُلَّ مَا أمتَلِكُهُ قَدْ قَدَّمْتُهُ لِلرَّبِّ. فَهُوَ غَيْرُ مُلزَمٍ بِإكرَامِ أبِيهِ أوْ أُمِّهِ.› وَبِهَذَا تَجَاهَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَبِ تَقَالِيدِكُمْ. أيُّهَا المُنَافِقُونَ، صَدَقَ إشَعْيَاءُ حِينَ تَنَبَّأ عَنْكُمْ فَقَالَ: ‹هَذَا الشَّعْبُ يُمَجِّدُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأمَّا قَلْبُهُ فَبَعِيدٌ عَنِّي. عِبَادَتُهُمْ بِلَا فَائِدَةٍ، لِأنَّهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ لَيْسَتْ سِوَى وَصَايَا بَشَرِيَّةٍ.›» وَدَعَا يَسُوعُ النَّاسَ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: «اسْتَمِعُوا لِي وَافهَمُوا مَا أقُولُ: لَيْسَ مَا يَدْخُلُ فَمَ الإنْسَانِ يُنَجِّسُهُ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، فَهَذَا يُنَجِّسُهُ.» حِينَئِذٍ جَاءَ إلَيْهِ التَّلَامِيذُ وَقَالُوا: «أتَعْلَمُ أنَّ الفِرِّيسِيِّينَ انزَعَجُوا عِنْدَمَا سَمِعُوا كَلَامَكَ؟» فَأجَابَ يَسُوعُ: «كُلُّ نَبتَةٍ لَمْ يَزْرَعْهَا أبِي سَتُقلَعُ مِنْ جُذُورِهَا. اترُكُوهُمْ، فَهُمْ عُمْيٌ يَقُودُونَ عُمْيًا. وَإنْ قَادَ أعمَىً آخَرَ أعمَىً، فَإنَّ كِلَيهِمَا سَيَقَعَانِ فِي الحُفرَةِ.» فَأجَابَ بُطرُسُ: «اشرَحْ لَنَا مَعنَى هَذَا التَّشبِيهِ.» فَقَالَ يَسُوعُ: «ألَمْ تَفْهَمُوا بَعْدُ؟» «ألَا تَفْهَمُونَ أنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ فَمَ الإنْسَانِ يَدْخُلُ المَعِدَةَ، وَمِنْ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الخَارِجِ؟ لَكِنْ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الإنْسَانِ، يَصْدُرُ عَنِ القَلْبِ. وَهَذَا مَا يُنَجَّسُ الإنْسَانَ. لِأنَّهُ مِنَ القَلْبِ، تَأْتِي الأفكَارُ الشِّرِّيرَةُ، وَالقَتلُ، وَالفِسْقُ، وَالزِّنَى، وَالسَّرِقَةُ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَالإهَانَةُ. هَذِهِ هِيَ الأشْيَاءُ الَّتِي تُنَجِّسُ الإنْسَانَ، أمَّا الأكلُ بِأيدٍ غَيْرِ مَغسُولَةٍ فَلَا يَجْعَلُ الإنْسَانَ نَجِسًا.» وَتَرَكَ يَسُوعُ ذَلِكَ المَكَانَ وَذَهَبَ إلَى مَنْطِقَةِ صُورَ وَصَيدَا. وَجَاءَتْ إلَيْهِ امْرأةٌ كَنعَانِيَّةٌ كَانَتْ تَعِيشُ فِي تِلْكَ المِنْطَقَةِ، وَبَدَأتْ تَصْرُخُ: «ارحَمْنِي يَا رَبُّ، يَا ابْنَ دَاوُدَ. فَابْنَتِي مَسكُونَةٌ بِرُوحٍ شِرِّيرٍ، وَهِيَ تَتَألَّمُ جِدًّا.» فَلَمْ يُجِبْهَا يَسُوعُ بِأيَّةِ كَلِمَةٍ. فَجَاءَ إلَيْهِ تَلَامِيذُهُ وَطَلَبُوا مِنْهُ وَقَالُوا: «اطرُدْهَا مِنْ هُنَا، لِأنَّهَا تَتْبَعُنَا وَتَصْرُخُ.» فَقَالَ: «لَمْ أُرسَلْ إلَّا إلَى خِرَافِ بَنِي إسْرَائِيلَ الضَّائِعَةِ.» لَكِنَّ المَرْأةَ اقْتَرَبَتْ إلَيْهِ وَسَجَدَتْ أمَامَهُ وَقَالَتْ: «يَا رَبُّ، سَاعِدنِي.» فَأجَابَهَا يَسُوعُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أنْ نَأْخُذَ طَعَامَ الأبْنَاءِ، وَنُلقِيهِ لِلكِلَابِ.» فَقَالَتْ: «صَحِيحٌ يَا سَيِّدُ، وَلَكِنْ حَتَّى الكِلَابُ تَأْكُلُ مِمَّا يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أصْحَابِهَا.» حِينَئِذٍ أجَابَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرأةُ، إيمَانُكِ عَظِيمٌ جِدًّا. لِيَكُنْ لَكِ مَا تُرِيدِينَهُ.» وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، شُفِيَتِ ابنَتُهَا. وَتَرَكَ يَسُوعُ ذَلِكَ المَكَانَ وَذَهَبَ إلَى مَنْطِقَةٍ قُرْبَ بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ. وَصَعِدَ إلَى تَلَّةٍ وَجَلَسَ هُنَاكَ. فَجَاءَتْ إلَيْهِ جُمُوعٌ كَبِيرَةٌ، وَكَانَ مَعَهُمْ عُرجٌ وَعُمْيٌ وَمَشلُولُونَ وَصُمٌّ بُكْمٌ وَمَرضَى آخَرُونَ كَثِيرُونَ. فَوَضَعُوهُمْ عِنْدَ أقْدَامِ يَسُوعَ، فَشَفَاهُمْ. فَاندَهَشَتْ جُمُوعُ النَّاسِ عِنْدَمَا رَأوْا الصُّمَّ البُكْمَ يَتَكَلُّمُونَ، وَالعُرْجَ يَصِحُّونَ، وَالمَشلُولِينَ يَمْشُونَ، وَالعُمْيَ يُبصِرُونَ، فَمَجَّدُوا إلَهَ إسْرَائِيلَ. فَاسْتَدْعَى يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ وَقَالَ: «إنَّنِي أُشفِقُ عَلَى هَؤُلَاءِ النَّاسِ، فَهُمْ مَعِي مُنْذُ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ وَلَا شَيءَ مَعَهُمْ لِيَأْكُلُوا. وَلَا أُريدُ أنْ أصرِفَهُمْ جَوْعَى، لِئَلَّا يُغْمَىْ عَلَيْهِمْ فِي الطَّرِيقِ.» فَقَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: «مِنْ أيْنَ سَنَحصُلُ عَلَى خُبْزٍ يَكْفِي لِهَذَا الجَمعِ فِي مِثْلِ هَذَا المَكَانِ المَعزُولِ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كَمْ رَغِيفًا لَدَيْكُمْ؟» فَقَالُوا لَهُ: «سَبعَةُ أرغِفَةٍ وَبَعْضُ السَّمَكِ الصَّغِيرِ.» فَأمَرَ يَسُوعُ النَّاسَ بِالجُلُوسِ عَلَى الأرْضِ. وَأخَذَ الأرغِفَةَ السَّبعَةَ وَالسَّمَكَ، وَشَكَرَ، وَقَسَّمَ الأرغِفَةَ وَأعْطَاهَا لِلتَّلَامِيذِ الَّذِينَ وَزَّعُوهَا عَلَى الجَمِيعِ. فَأكَلَ الجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ جَمَعُوا مَا زَادَ مِنَ الكِسَرِ، فَكَانَتْ سَبْعَ سِلَالٍ مُمتَلِئَةً. وَكَانَ عَدَدُ الآكِلِينَ أرْبَعَةَ آلَافِ رَجُلٍ، عَدَا النِّسَاءِ وَالأطْفَالِ. وَعِنْدَمَا صَرَفَ يَسُوعُ جُمُوعَ النَّاسِ، صَعِدَ إلَى قَارِبٍ وَذَهَبَ إلَى مَنْطِقَةِ مَجْدَلَ. وَجَاءَ الفِرِّيسِيُّونَ وَالصَّدُوقِيُّونَ إلَى يَسُوعَ لِيَمْتَحِنُوهُ، فَطَلَبُوا إلَيْهِ أنْ يُعطيَهُمْ بُرْهَانًا عَلَىْ تَأْيِيدِ اللهِ لَهُ. فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ تَقُولُونَ: ‹سَيَكُونُ الطَّقْسُ جَمِيلًا، لِأنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ.› وَفِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ، تَقُولُونَ: ‹سَيَكُونُ اليَوْمُ عَاصِفًا، لِأنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ وَمُتَجَهِّمَةٌ.› أنْتُمْ تُحْسِنُونَ تَفْسِيرَ عَلَامَاتِ المُنَاخِ، لكِنَّكُمْ لَا تُحْسِنونَ فَهْمَ الأزمِنَةِ الَّتِي تَعِيشُونَ فِيهَا! هَذَا الجِيلُ الشِّرِّيرُ الفَاسِقُ يَبْحَثُ عَنْ بُرْهَانٍ لِكَي يُؤمِنَ. وَلَنْ يُعْطَى إلَّا بُرْهَانَ يُونَانَ.» ثُمَّ تَرَكَهُمْ يَسُوعُ وَابْتَعَدَ عَنْهُمْ. وَعَبَرَ تَلَامِيذَ يَسُوعَ إلَى الجِهَةِ الأُخْرَى مِنَ البُحَيرَةِ، لَكِنَّهُمْ نَسَوْا أنْ يُحْضِرُوا خُبْزًا. وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «احْذَرُوا وَاحْتَرِسُوا مِنْ خَمِيرَةِ الفِرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُوقِيِّينَ.» فَابْتَدَأ التَّلَامِيذُ يَتَحَدَّثُونَ وَيَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «لَكِنَّنَا لَمْ نُحْضِرْ خُبْزًا!» فَعَرَفَ يَسُوعُ مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: «يَا قَلِيلِي الإيمَانِ، لِمَاذَا تَتَجَادَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ حَوْلَ عَدَمِ وُجودِ خُبْزٍ؟ ألَمْ تُدْرِكُوا بَعْدُ؟ ألَا تَذْكُرُونَ الأرْغِفَةَ الخَمْسَةَ لِلخَمْسَةِ آلَافٍ، وَكَمْ سَلَّةً جَمَعْتُمْ مِنَ الكِسَرِ؟ ألَا تَذْكُرُونَ الأرْغِفَةَ السَّبعَةَ لِلأرْبَعَةِ آلَافٍ، وَكَمْ سَلَّةً جَمَعْتُمْ مِنَ الكِسَرِ؟ لِمَاذَا لَا تَفْهَمُونَ أنَّنِي لَمْ أكُنْ أتَكَلَّمُ مَعَكُمْ عَنِ الخُبْزِ العَادِيِّ؟ بَلْ كُنْتُ أُحَذِّرُكُمْ لِكَي تَحْفَظُوا أنْفُسَكُمْ مِنْ خَمِيرَةِ الفِرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُوقِيِّينَ.» حِينَئِذٍ فَهِمَ تَلَامِيذُهُ أنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أنْ يُحَذِّرَهُمْ مِنْ خَمِيرَةِ الخُبْزِ، بَلْ مِنْ تَعْلِيمِ الفِرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُوقِيِّينَ. وَعِنْدَمَا أتَى يَسُوعُ إلَى إقْلِيمِ قَيصَرِيَّةِ فِيلِبُّسَ، سَألَ تَلَامِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إنِّي أنَا، ابْنَ الإنْسَانِ؟» فَأجَابَ تَلَامِيذُهُ: «بَعْضُهُمْ يَقُولُ إنَّكَ يُوحَنَّا المَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ إنَّكَ إيلِيَّا، وَآخَرُونَ إنَّكَ إرمِيَا، أوْ نَبِيٌّ كَبَاقِي الأنْبِيَاءِ.» فَقَالَ لَهُمْ: «وَأنْتُمْ، مَنْ أنَا فِي رَأيِكُمْ؟» فَأجَابَ سِمْعَانُ بُطرُسُ: «أنْتَ هُوَ المَسِيحُ، ابْنُ اللهِ الحَيِّ.» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «هَنِيئًا لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، لِأنَّ مَنْ أعْلَنَ لَكَ ذَلِكَ لَيْسَ إنْسَانٌ، بَلْ هُوَ أبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ. وَأقُولُ لَكَ إنَّكَ بُطرُسُ، وَعَلَى هَذِهِ الصَّخرَةِ أبنِي كَنِيسَتِي، وَأبوَابُ الهَاوِيَةِ لَنْ تَقْدِرَ أنْ تَهْزِمَهَا. وَسَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأرْضِ فَإنَّ اللهَ سَيَرْبِطُهُ فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأرْضِ، فَإنَّ اللهَ سَيَحُلُّهُ فِي السَّمَاءِ.» ثُمَّ نَبَّهَ تَلَامِيذَهُ بِشِدَّةٍ أنْ لَا يُخبِرُوا أحَدًا إنَّهُ هُوَ المَسِيحُ. مِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ فَصَاعِدًا، ابتَدَأ يَسُوعُ يَشْرَحُ لِتَلَامِيذِهِ أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يَذْهَبَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، وَأنْ يُعَانِيَ أشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنَ الشُّيُوخِ وَكِبَارِ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمِي الشَّريعَةِ. كَمَا يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ وَيُقَامَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ. أمَّا بُطرُسُ فَقَدْ أخَذَ يَسُوعَ جَانِبًا وَابْتَدَأ يُوَبِّخُهُ وَيَقُولُ: «لَا سَمَحَ اللهُ بِذَلِكَ يَا سَيِّدُ! لَنْ يَحْدُثَ لَكَ هَذَا أبَدًا!» فَالتَفَتَ يَسُوعُ وَقَالَ لِبُطرُسَ: «ابتَعِدْ عَنِّي يَا شَيطَانُ! أنْتَ عَائقٌ أمَامِي لأنَّكَ لَا تَهْتَمُّ لِأُمُورِ اللهِ، بَلْ لِأُمُورِ البَشَرِ.» ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: «إذَا أرَادَ أحَدٌ أنْ يَأْتِيَ مَعِي، فَلَا بُدَّ أنْ يُنكِرَ نَفْسَهُ، وَأنْ يَرْفَعَ الصَّلِيبَ المُعطَى لَهُ وَيَتْبَعَنِي. فَمَنْ يُرِيدُ أنْ يُخَلِّصَ حَيَاتَهُ، سَيَخْسَرُهَا. أمَّا مَنْ يَخْسَرُ حَيَاتَهُ مِنْ أجْلِي، فَسَيُجِدُهَا. مَاذَا يَنْتَفِعُ الإنْسَانُ لَوْ رَبِحَ العَالَمَ كُلَّهُ، وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أوْ مَاذَا يَسْتَطِيعُ الإنْسَانُ أنْ يَدْفَعَ لِيَسْتَرِدَّ حَيَاتَهُ؟ لِأنَّ ابْنَ الإنْسَانِ سَيَأْتِي فِي مَجْدِ أبِيهِ مَعَ مَلَائِكَتِهِ، وَسَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أعْمَالِهِ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّ مِنْ بَيْنِ الوَاقِفِينَ هُنَا أشخَاصًا لَنْ يَذُوقُوا المَوْتَ قَبْلَ أنْ يَرَوْا ابْنَ الإنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ.» بَعْدَ سِتَّةِ أيَّامٍ، أخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَأخَاهُ يُوحَنَّا، وَقَادَهُمْ إلَى جَبَلٍ عَالٍ لِيَكُونُوا وَحدَهُمْ. وَبَيْنَمَا كَانُوا هُنَاكَ، تَغَيَّرَ مَظهَرُ يَسُوعَ وَصَارَ يَلْمَعُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. وَفَجْأةً ظَهَرَ مُوسَى وَإيلِيَّا أمَامَ التَّلَامِيذِ، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ يَسُوعَ. فَقَالَ بُطرُسُ لِيَسُوعَ: «يَا سَيِّدُ، مَا أجمَلَ أنْ نَكُونَ هُنَا! فَإنْ شِئتَ أنصِبُ ثَلَاثَ خَيمَاتٍ هُنَا، وَاحِدَةً لَكَ، وَوَاحِدَةً لِمُوسَى، وَوَاحِدَةً لإيلِيَّا.» وَبَيْنَمَا كَانَ بُطرُسُ يَتَكَلَّمُ، ظَلَّلَتْهُمْ غَيمَةٌ لَامِعَةٌ، وَخَرَجَ مِنْهَا صَوْتٌ يَقُولُ: «هَذَا هُوَ ابنِي حَبِيبِي الَّذِي سُرُورِي بِهِ عَظِيمٌ. فَأصْغُوا إلَيْهِ.» فَعِنْدَمَا سَمِعَ التَّلَامِيذُ ذَلِكَ، ارتَعَبُوا وَسَقَطُوا عَلَى الأرْضِ عَلَى وُجُوهِهِمْ. فَاقْتَرَبَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «انْهَضوَا، لَا تَخَافُوا.» وَعِنْدَمَا نَظَرُوا حَولَهُمْ، لَمْ يَرَوْا أحَدًا سِوَى يَسُوعَ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَنْزِلُونَ مِنَ الجَبَلِ، أوصَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «لَا تُخبِرُوا أحَدًا بِمَا رَأيْتُمْ إلَى أنْ يُقَامَ ابْنُ الإنْسَانِ مِنَ المَوْتِ.» وَسَألَهُ تَلَامِيذُهُ: «لِمَاذَا يَقُولُ مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ إنَّ إيلِيَّا يَنْبَغِي أنْ يَأْتِيَ أوَّلًا؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «نَعَمْ، يَأتِي إيلِيَّا لِيَرُدَّ كُلَّ شَيءٍ إلَى أصلِهِ. لَكِنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّ إيلِيَّا قَدْ أتَى، وَالنَّاسُ لَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَامَلُوهُ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي يُرِيدُونَهَا. وَابْنُ الإنْسَانِ أيْضًا سَيَلْقَى تِلْكَ المُعَامَلَةَ مِنْهَمْ.» حِينَئِذٍ فَهِمَ تَلَامِيذُهُ أنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْ يُوحَنَّا المَعمَدَانِ. وَعِنْدَمَا عَادُوا إلَى الجَمعِ، جَاءَ رَجُلٌ إلَى يَسُوعَ وَسَجَدَ أمَامَهُ وَقَالَ: «ارحَمِ ابنِي، يَا رَبُّ، فَهُوَ مُصَابٌ بِالصَّرَعِ وَيَتَألَّمُ بِشِدَّةٍ. وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي النَّارِ أوْ المَاءِ. وَقَدْ أحضَرْتُهُ إلَى تَلَامِيذِكَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَشْفُوهُ.» فَقَالَ يَسُوعُ: «أيُّهَا الجِيلُ غَيْرُ المُؤمِنِ وَالمُنحَرِفُ، إلَى مَتَى أكُونُ مَعَكُمْ، إلَى مَتَى أحتَمِلُكُمْ؟» ثُمَّ قَالَ للرَجُلِ: «أحضِرِ ابنَكَ إلَيَّ هُنَا.» فَأمَرَ يَسُوعُ الرُّوحَ الشِّرِّيرَ بِأنْ يَخْرُجَ مِنْهُ، فَشُفِيَ الصَبيُّ فِي الحَالِ. ثُمَّ أتَى إلَيْهِ تَلَامِيذُهُ عَلَى انفِرَادٍ وَسَألُوهُ: «لِمَاذَا لَمْ نَسْتَطِعْ نَحْنُ إخرَاجَهُ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «بِسَبَبِ قِلَّةِ إيمَانِكُمْ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، لَوْ كَانَ إيمَانُكُمْ فِي حَجمِ بِذْرَةِ الخَردَلِ، فَإنَّكُمْ تَسْتَطِيعُونَ أنْ تَقُولُوا لِهَذَا الجَبَلِ: انتَقِلْ مِنْ هُنَا إلَى هُنَاكَ، فَسَيَنْتَقِلُ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ شَيءٌ مُسْتَحِيلٌ عَليكُمْ. لَكِنَّ هَذَا النَّوعَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالصَلَاةِ وَالصَّومِ.» وَبَيْنَمَا كَانُوا يَتَنَقَّلُونَ فِي الجَلِيلِ مَعًا، قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «يُوشِكُ ابْنُ الإنْسَانِ أنْ يُوضَعَ تَحْتَ سُلطَانِ البَشَرِ. وَسَيَقْتُلُونَهُ. وَلَكِنَّهُ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ سَيَقُومُ مِنَ المَوْتِ.» فَحَزِنَ التَّلَامِيذُ جِدًّا. وَعِنْدَمَا دَخَلَ يَسُوعُ إلَى كَفْرِنَاحُومَ، جَاءَ إلَى بُطْرُسَ الَّذِينَ يَجْمَعُونَ ضَرِيبَةَ الدِّرهَمَينِ لِلهَيكَلِ، وَسَألُوهُ: «ألَا يَدْفَعُ مُعَلِّمُكُمْ ضَرِيبَةَ الدِّرهَمَينِ؟» فَأجَابَهُمْ بُطرُسُ: «بَلَى، يَفْعَلُ.» ثُمَّ ذَهَبَ بُطرُسُ إلَى البَيْتِ. فَبَادَرَهُ يَسُوعُ بِالْكَلَامِ وَقَالَ: «أخبِرْنِي يَا سِمْعَانُ، مِمَّنْ يَجْمَعُ المُلُوكُ الجِزْيَةَ وَالضَّرَائِبَ؟ هَلْ يَجْمَعُونَهَا مِنْ أبْنَاءِ شَعْبِهِمْ، أمْ مِنَ الشُّعُوبِ الأُخرَى؟» فَأجَابَ بُطرُسُ: «إنَّهُمْ يَجْمَعُونَهَا مِنَ الشُّعُوبِ الأُخرَى.» فَقَالَ يَسُوعُ: «إذًا فَالأبْنَاءُ مُعْفَونَ مِنْهَا. وَلَكِنْ لِئَلَّا نُسَبِّبَ لَهُمْ مُشْكِلَةً، اذْهَبْ إلَى البحَيرَةِ، وَألقِ صِنَّارَةَ الصَّيدِ. ثُمَّ خُذْ أوَّلَ سَمَكَةٍ تَصطَادُهَا، وَافتَحْ فَمَهَا. فَسَتَجِدُ فِيهَا قِطعَةً نَقدِيَّةً قيمَتُهَا أرْبَعَةُ دَرَاهِمَ. خُذْهَا وَأعْطِهَا لَهُمْ عَنِّي وَعَنْكَ.» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، أتَى التَّلَامِيذُ إلَى يَسُوعَ وَسَألوهُ: «مَنْ هُوَ الأعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟» حِينَئِذٍ دَعَا يَسُوعُ طِفْلًا إلَيْهِ، وَأوقَفَهُ فِي وَسَطِهِمْ، وَقَالَ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، مَا لَمْ تَتَغَيَّرُوا وَتَصِيرُوا كَأطْفَالٍ، فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. لِذَلِكَ مَنْ يَتَوَاضَعُ كَهَذَا الطِّفلِ الصَّغِيرِ فَإنَّهُ يَكُونُ الأعْظَمَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَمَنْ يَقْبَلُ طِفْلًا كَهَذَا بِاسْمِي فَإنَّمَا يَقْبَلُنِي.» «أمَّا مَنْ يُعثِرُ أحَدَ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ المُؤْمِنِينَ بِي، فَسَيَكُونُ أفْضَلَ لَهُ لَوْ أنَّ حَجَرَ الرَّحَى وُضِعَ حَوْلَ رَقَبَتِهِ، وَأُلقِيَ بِهِ فِي البَحْرِ فَغَرِقَ! وَيْلٌ لِلعَالَمِ مِنْ هَذِهِ العَثَرَاتِ الَّتِي لَا بُدَّ أنْ تأتِيَ، لَكِنْ وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَتَسَبَّبُونَ بِهَا! «لِذَلِكَ إنْ كَانَتْ يَدُكَ أوْ رِجلُكَ تَدْفَعُكَ إلَى الخَطِيَّةِ، فَاقطَعْهَا وَألقِهَا بَعِيدًا عَنْكَ! مِنَ الأفضَلِ أنْ تَدْخُلَ الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ مَقطُوعَ اليَدِ أوْ الرِّجلِ، مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ يَدَانِ أوْ رِجلَانِ اثْنَتَانِ وَتُلْقَى إلَى النَّارِ الأبَدِيَّةِ. وَإنْ كَانَتْ عَينُكَ تَدْفَعُكَ إلَى الخَطِيَّةِ، فَاقلَعْهَا وَألقِهَا بَعِيدًا عَنْكَ! فَإنَّهُ مِنَ الأفضَلِ أنْ تَدْخُلَ الحَيَاةَ بِعَينٍ وَاحِدَةٍ، مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ عَينَانِ اثْنَتَانِ وَتُلْقَى إلَى نَارِ جَهَنَّمَ.» وَقَالَ يَسُوعُ: «احذَرُوا مِنْ أنْ تَسْتَخِّفُوا بِأحَدِ تَلَامِيذِي البُسَطَاءِ. لِأنِّي أُخبِرُكُمْ أنَّ المَلَائِكَةَ المُوكَلَةَ بِحِمَايَتِهِمْ يَرَوْنَ وَجْهَ أبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ دَائِمًا. لِأنَّ ابْنَ الإنْسَانِ جَاءَ لِكَي يُخَلِّصَ الضَّائِعِينَ. «فَمَاذَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ لَهُ مِئَةُ خَرُوفٍ، فَضَلَّ مِنْهَا وَاحِدٌ، ألَا يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ خَرُوفًا عَلَى الجَبَلِ لِيَذْهَبَ وَيَجِدَ الخَرُوفَ الَّذِي ضَلَّ؟ أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّهُ عِنْدَمَا يَجِدُهُ، سَيَكُونُ أكْثَرَ سَعَادَةً بِهِ مِنْ سَعَادَتِهِ بِالتِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ خَرُوفًا الَّتِي لَمْ تَضِلّْ. هَكَذَا أيْضًا لَا يُرِيدُ أبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ أنْ يَهْلِكَ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِي البُسَطَاءِ هَؤُلَاءِ. «إذَا أخطَأ أخُوكَ إلَيْكَ، فَاذْهَبْ إلَيْهِ وَتَحَدَّثْ مَعْهُ عَلَى انفِرَادٍ. فَإنِ استَمَعَ إلَيْكَ، تَكُونُ قَدْ رَبِحْتَ أخَاكَ. وَلَكِنْ إنْ لَمْ يَسْتَمِعْ إلَيْكَ، خُذْ وَاحِدًا أوْ اثْنَيْنِ مَعَكَ، حَتَّى يَكُونَ الكَلَامُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَينِ أوْ ثَلَاثَةٍ. فَإنْ رَفَضَ الاسْتِمَاعَ إلَيْهِمَا، أخبِرِ الكَنِيسَةَ. فَإنْ رَفَضَ الاسْتِمَاعَ إلَى الكَنِيسَةِ، حِينَئِذٍ عَلَيْكَ أنْ تُعَامِلَهُ كَمَا تُعَامِلُ عَابِدَ الأوْثَانِ وَجَامِعَ الضَّرَائِبِ. «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّ كُلَّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأرْضِ يَكُونُ مَربُوطًا فِي السَّمَاءِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأرْضِ يَكُونُ مَحلُولَا فِي السَّمَاءِ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى أيِّ أمْرٍ تُصَلُّونَ لِأجْلِهِ، فَإنَّ أبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَيُحَقِّقُهُ لَهُمَا. لِأنَّهُ إنِ اجتَمَعَ اثْنَانِ أوْ ثَلَاثَةٌ بِاسْمِي، فَأنَا أكُونُ بَيْنَهُمْ.» ثُمَّ جَاءَ بُطرُسُ إلَى يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «يَا رَبُّ كَمْ مَرَّةً أسمَحُ لِأخِي بِأنْ يُخطِئَ إلَيَّ، وَمَعَ هَذَا أُسَامِحُهُ؟ أأُسَامِحُهُ إلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ إلَى سَبْعِ مِرَّاتٍ فَقَطْ، بَلْ حَتَّى إلَى سَبعِينَ مَرَّةٍ، وَفي كُلِّ مَرَّةٍ سَبْعُ مَرَّاتٍ!» «لِذَلِكَ يُمْكِنُ تَشْبِيهُ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ بِمَلِكٍ قَرَّرَ تَصْفِيَةَ حِسَابَاتِهِ مَعَ عَبِيدِهِ. وَلَمَّا بَدَأ بِتَصْفِيَةِ حِسَابَاتِهِ، أُحضِرَ إلَيْهِ رَجُلٌ مَديُونٌ لَهُ بِمَبلَغٍ ضَخْمٍ جِدًّا. وَإذْ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ مَا يَسُدُّ بِهِ الدَّينَ، قَرَّرَ السَّيِّدُ أنْ يُبَاعَ المَديُونُ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأطْفَالِهِ وَكُلِّ مَا يَمْلِكُهُ، وَأنْ يُستَخْدَمَ الثَّمَنُ لِسَدَادِ الدَّينِ. «حِينَئِذٍ سَجَدَ العَبْدُ عَلَى رُكبَتَيْهِ أمَامَ المَلِكِ، وَتَوَسَّلَ إلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: ‹تَمَهَّلْ عَلَيَّ، وَسَأدفَعُ لَكَ كُلَّ الدَّينِ.› فَأشفَقَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ، وَألغَى عَنْهُ الدَّينَ كَامِلًا وَتَرَكَهُ يَذْهَبُ. «وَبَيْنَمَا هُوَ ذَاهِبٌ، وَجَدَ أحَدَ رِفَاقِهِ العَبِيدِ، وَكَانَ مَديُونًا لَهُ بِمَبلَغٍ زَهِيدٍ. فَأمسَكَ بِعُنُقِهِ وَابْتَدَأ يَخْنُقُهُ وَيَقُولُ لَهُ: ‹سُدَّ مَا عَلَيْكَ مِنْ دَينٍ لِي.› فَسَجَدَ العَبْدُ عَلَى رُكبَتَيْهِ أمَامَهُ، وَتَوَسَّلَ إلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: ‹تَمَهَّلْ عَلَيَّ، وَسَأدفَعُ مَا عَلَيَّ.› «وَلَكِنَّهُ رَفَضَ ذَلِكَ، بَلْ أخَذَهُ وَألقَاهُ فِي السِّجْنِ حَتَّىْ يَدْفَعَ كُلَّ دَينِهِ. وَعِنْدَمَا رَأى العَبِيدُ الآخَرُونَ مَا حَدَثَ حَزِنُوا جِدًّا، وَذَهَبُوا لِيُخبِرُوا سَيِّدَهُمْ بِكُلِّ مَا حَدَثَ. «فَدَعَاهُ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: ‹أيُّهَا العَبْدُ الشِّرِّيرُ، أمَا سَامَحْتُكَ بِكُلِّ الدَّينِ الَّذِي عَلَيْكَ لِأنَّكَ تَوَسَّلْتَ إلَيَّ. أمَا كَانَ عَلَيْكَ أنْ تَرْحَمَ العَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحَمْتُكَ أنَا أيْضًا؟› وَغَضِبَ سَيِّدُهُ جَدًّا، وَسَلَّمَهُ لِيُعَاقَبَ حَتَّى يَدْفَعَ كُلَّ دَينِهِ. «هَكَذَا سَيُعَامِلُكُمْ أبِي السَّمَاوِيُّ أيْضًا، مَا لَمْ يُسَامِحْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أخَاهُ مِنْ قَلْبِهِ.» وَبَعْدَ أنْ أنهَى يَسُوعُ حَدِيثَهُ حَوْلَ هَذِهِ الأُمُورِ، تَرَكَ إقْلِيمَ الجَلِيلِ وَذَهَبَ إلَى إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ وَرَاءَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَبِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ فَشَفَاهُمْ هُنَاكَ. وَجَاءَ بَعْضُ الفِرِّيسِيِّينَ إلَى يَسُوعَ يُحَاوِلُونَ امتِحَانَهُ، فَقَالُوا: «هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ لِأيِّ سَبَبٍ؟» فَأجَابَ يَسُوعُ: «ألَمْ تَقْرَأُوا فِي الكِتَابِ أنَّ اللهَ مُنْذُ البِدَايَةِ ‹خَلَقَ النَّاسَ ذَكَرًا وَأُنثَى؟› ثُمَّ قَالَ: ‹لِهَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أبَاهُ وَأُمَّهُ، وَيَتَّحِدُّ بِزَوْجَتِهِ، فَيَصِيرَ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.› وَبِهَذَا لَا يَكُونَانِ فِيمَا بَعْدُ اثْنَيْنِ، بَلْ وَاحِدًا. فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَفْصِلَ أحَدٌ بَيْنَ مَنْ جَمَعَهُمَا اللهُ.» فَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا إذًا أمَرَ مُوسَى بِأنْ تُعطَىْ الزَوْجَةُ وَثِيقَةَ طَلَاقٍ، فَتُطَلَّقَ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «سَمَحَ مُوسَى بِذَلِكَ بِسَبَبِ قُلُوبِكُمُ القَاسِيَةِ، إلَّا أنَّ الأمْرَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي البِدَايَةِ. لِذَلِكَ أقُولُ لَكُمْ إنَّهُ كُلُّ مَنْ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ، إلَّا إذَا زَنَتْ، وَيَتَزَوَّجُ بِأُخرَى يَرْتَكِبُ الزِّنَى.» فَقَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: «إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَالُ بَيْنَ الزَّوجِ وَزَوْجَتِهِ، فَإنَّهُ مِنَ الأفضَلِ عَدَمُ الزَّوَاجِ!» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَا يَسْتَطِيعُ الجَمِيعُ قُبُولَ هَذَا التَّعلِيمِ إلَّا الَّذِينَ يُعطِيهُمُ اللهُ القُدرَةَ عَلَى ذَلِكَ. هُنَاكَ رِجَالٌ لَا يَسْتَطِيعُونَ الزَّوَاجَ لِأنَّهُمْ وُلِدُوا بِلَا قُدرَةٍ عَلَى الزَّوَاجِ. وَهُنَاكَ رِجَالٌ لَا يَسْتَطِيعُونَ الزَّوَاجَ لِأنَّ النَّاسَ أفقَدَوهُمُ القُدرَةَ عَلَى الزَّوَاجِ. وَهُنَاكَ رِجَالٌ اختَارُوا أنْ لَا يَتَزَوَّجُوا مِنْ أجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنْ يَسْتَطِيعُ قُبُولَ هَذَا التَّعلِيمِ فَلْيَقْبَلْهُ.» حِينَئِذٍ أحضَرُوا إلَيْهِ أطْفَالًا لِكَي يَضَعَ يَدَيهِ عَلَيْهِمْ وَيُصَلِّي، وَلَكِنَّ تَلَامِيذَهُ وَبَّخُوهُمْ. حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ: «دَعُوا الأطْفَالَ يَأْتُونَ إلَيَّ، وَلَا تَمْنَعُوهُمْ عَنِّي، لِأنَّ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.» ثُمَّ وَضَعَ يَسُوعُ يَدَيهِ عَلَيْهِمْ، وَتَرَكَ ذَلِكَ المَكَانَ. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى يَسُوعَ وَسَألَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَا هُوَ العَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي يَنْبَغِي أنْ أعمَلَه حَتَّى أنَالَ الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ؟» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَسألُنِي عَمَّا هُوَ صَالِحٌ؟ أتَعْرِفُ أنَّهُ لَا صَالِحَ إلَّا اللهُ؟ وَلَكِنْ إنْ أرَدْتَ الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ، فَعَلَيكَ العَمَلُ بِالوَصَايَا.» فَقَالَ الرَّجُلُ: «أيَّةُ وَصَايَا؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «‹لَا تَقْتُلْ، لَا تَزْنِ، لَا تَسْرِقْ. لَا تَشْهَدْ زُورًا، أكْرِمْ أبَاكَ وَأُمَّكَ.› وَ ‹تُحِبُّ صَاحِبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.› » فَقَالَ لَهُ الشَّابُّ: «أنَا أُطِيعُ كُلَّ هَذِهِ الوَصَايَا، فَمَاذَا يَنْقُصُنِي بَعْدُ؟» فَقَالَ يَسُوعُ لَهُ: «إنْ كُنْتَ تَرِيدُ أنْ تَكُونَ كَامِلًا، اذْهَبْ وَبِعْ كُلَّ مَا تَمْلُكُ وَأعْطِ الفُقَرَاءَ. بِهَذَا تَمْلُكُ كَنزًا فِي السَّمَاءِ. ثُمَّ تَعَالَ وَاتبَعْنِي.» فَلَّمَا سَمِعَ الشَّابُّ ذَلِكَ، ذَهَبَ حَزِينًا لِأنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا. حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، مِنَ الصَّعْبِ عَلَى الغَنِيِّ دُخُولُ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. أقُولُ لَكُمْ ثَانِيَةً إنَّ مُرُورَ جَمَلٍ مِنْ ثُقبِ إبرَةٍ، أيسَرُ مِنْ أنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ مَلَكُوتَ اللهِ.» فَلَّمَا سَمِعَ تَلَامِيذُهُ هَذَا، دُهِشُوا وَقَالُوا: «فَمَنْ يُمْكِنُ أنْ يَخْلُصَ إذًا؟» فَنَظَرَ يَسُوعُ إلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا مُسْتَحِيلٌ عِنْدَ النَّاسِ، أمَّا عِنْدَ اللهِ فَكُلُّ الأشْيَاءِ مُمْكِنَةٌ.» حَينَئِذٍ قَالَ لَهُ بُطرُسُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيءٍ لِكَي نَتبَعَكَ! فَمَاذَا سَيَكُونُ لَنَا؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، عِنْدَمَا يَجْلِسُ ابْنُ الإنْسَانِ عَلَى عَرشِهِ المَجِيدِ فِي العَصْرِ الجَدِيدِ، سَتَجْلِسُونَ أنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي عَلَى اثْنَي عَشَرَ عَرْشًا، لِتَحْكُمُوا عَلَى قَبَائِلِ بَنِي إسْرَائِيلَ الاثنَتَي عَشْرَةَ. وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أوْ إخْوَةً أوْ أخَوَاتٍ أوْ أبًا أوْ أُمًّا أوْ أبْنَاءً أوْ حُقُولًا مِنْ أجْلِي، فَإنَّهُ سَيَنَالُ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَسَيَرِثُ الحَيَاةَ الآتِيَةَ مَعَ اللهِ إلَى الأبَدِ.» فكَثِيرُونَ هُمْ أوَّلُ النَّاسِ الَّذِينَ سَيَصِيرُونَ آخِرَ النَّاسِ، وَكَثِيرُونَ هُمْ آخِرُ النَّاسِ الَّذِينَ سَيَصِيرُونَ أوَّلَ النَّاسِ. «وَيُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ رَجُلًا صَاحِبَ أرْضٍ، خَرَجَ فِي الصَّبَاحِ بَاكِرًا لِيَسْتَأْجِرَ عُمَّالًا لِكَرْمِهِ. وَاتَّفَقَ مَعَ العُمَّالِ أنْ يَدْفَعَ لَهُمْ دِينَارًا وَاحِدًا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، ثُمَّ أرسَلَهُمْ لِلعَمَلِ فِي كَرْمِهِ. «وَخَرَجَ صَاحِبُ الكَرْمِ نَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ، فَرَأى بَعْضَ الرِّجَالِ يَقِفُونَ فِي مَنْطِقَةِ السُّوقِ لَا يَعْمَلُونَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهُمْ: ‹اذْهَبُوا أنْتُمْ أيْضًا لِلعَمَلِ فِي كَرْمِي وَسَأُعْطِيكُمُ الأجْرَ الَّذِي تَسْتَحِقُّونَهُ.› فَذَهَبُوا لِلعَمَلِ فِي الكَرْمِ. «وَخَرَجَ ثَانِيَةً نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ وَكَذَلِكَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، وَاستَأْجَرَ عُمَّالًا آخَرِينَ. وَنَحوَ السَّاعَةِ الخَامِسَةِ خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى، وَوَجَدَ آخَرِينَ يَقِفُونَ فِي مَنْطِقَةِ السُّوقِ، فَسَألَهُمْ: ‹لِمَاذَا وَقَفْتُمُ اليَوْمَ كُلَّهُ مِنْ دُونِ عَمَلٍ؟› «فَقَالُوا لَهُ: ‹لَمْ يَستأجِرْنَا أحَدٌ.› فَقَالَ لَهُمْ: ‹اذْهَبُوا أنْتُمْ أيْضًا لِلعَمَلِ فِي كَرْمِي.› «وَفِي نِهَايَةِ اليَوْمِ، قَالَ صَاحِبُ الكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ‹ادْعُ العُمَّالَ وَادفَعْ لَهُمْ أُجُورَهُمْ، مُبتَدِئًا بِمَنْ جَاءَ آخِرَ الكُلِّ، وَمُنتَهِيًا بِمَنْ جَاءَ فِي البِدَايَةِ.› «فَجَاءَ الَّذِينَ استُئْجِرُوا السَّاعَةَ الخَامِسَةَ، وَأخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِينَارًا. ثُمَّ جَاءَ الَّذِينَ اسْتُئجِرُوا أوَّلًا، فَظَنُّوا أنَّهُمْ سَيَأْخُذُونَ أكْثَرَ، فَأخَذَ كُلٌّ مِنْهُمْ دِينَارًا أيْضًا. فَأخَذُوهَا، وَابْتَدَأُوا يَتَذَمَّرُونَ عَلَى صَاحِبِ الكَرْمِ. وَيَقُولُونَ: ‹الَّذِينَ استُئجِرُوا آخِرَ الكُلِّ، عَمِلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً فَقَطْ، وَقَدْ دَفَعْتَ لَهُمْ بِقَدْرِ مَا دَفَعْتَ لَنَا، مَعَ أنَّنَا عَمِلْنَا كُلَّ النَّهَارِ فِي حَرِّ الشَّمْسِ!› «فَقَالَ صَاحِبُ الكَرْمِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: ‹لَمْ أظلِمْكَ يَاَ صَديقِي! ألَمْ تَتَّفِقْ مَعِي عَلَى العَمَلِ مُقَابِلَ دِينَارٍ وَاحِدٍ؟ فَخُذُ أجْرَكَ وَاذْهَبْ. فَأنَا أُرِيدُ أنْ أُعْطِيَ الَّذِي استَأْجَرْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ، الأجرَ نَفْسَهُ الَّذِي أعْطَيْتُهُ لَكَ. ألَيْسَ لِيَ الحَقُّ أنْ أفعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَا أمْلُكُ؟ أمْ أنَّكَ غِرْتَ لِأنِّي صَالِحٌ مَعَ غَيرِكَ؟› «هَكَذَا يَصِيرُ أوَّلُ النَّاسِ آخِرَ النَّاسِ، ويَصِيرُ آخِرُ النَّاسِ أوَّلَ النَّاسِ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ فِي طَرِيقِهِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، أخَذَ الِاثنَيْ عَشْرَ عَلَى انفِرَادٍ وَقَالَ لَهُمْ: «هَا نَحْنُ ذَاهِبُونَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ حَيْثُ سَيُسَلَّمُ ابْنُ الإنْسَانِ إلَى كِبَارِ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إلَى غَيْرِ المُؤمِنِينِ لِيَسْتَهْزِئُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ. وَلَكِنَّهُ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ سَيَقُومُ مِنَ المَوْتِ.» ثُمَّ جَاءَتْ إلَيْهِ أُمُّ ابْنَي زَبَدِي مَعَ ابْنَيهَا، فَسَجَدَتْ لَهُ لِتَطْلُبَ مِنْهُ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَاذَا تُرِيدِينَ؟» فَقَالَتْ لَهُ: «عِدْنِي أنْ يَجْلِسَ ابنَايَ هَذَانِ فِي مَلَكُوتِكَ، وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ.» فَقَالَ يَسُوعُ: «أنْتُمَا لَا تَعْرِفَانِ مَا تَطْلُبَانِ. هَلْ تَسْتَطِيعَانِ أنْ تَشْرَبَا الكَأسَ الَّتِي سَأشرَبُهَا؟» فَقَالَا لَهُ: «نَعَمْ نَسْتَطِيعُ.» فَقَالَ لَهُمَا: «أمَّا كَأسِي فَسَتَشْرَبَانِهَا، أمَّا الجُلوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي، فَلَا أستَطِيعُ أنْ أُعْطِيَهُ إلَّا لِمَنْ أعَدَّهُ الآبُ لَهُمْ.» فَلَمَّا سَمِعَ العَشْرَةُ البَاقُونَ هَذَا الطَّلَبَ، اغْتَاظُوا جِدًّا مِنَ الأخَوَينِ. حِينَئِذٍ دَعَاهُمْ يَسُوعُ إلَيْهِ وَقَالَ: «تَعْرِفُونَ أنَّ حُكَّامَ الأُمَمِ يُمَارِسُونَ حُكْمًا مُطْلَقًا عَلَى شُعُوبِهِمْ، وَقَادَتُهُمْ يُمَارِسُونَ سُلُطَاتِهِمْ عَلَيْهِمْ. لَكِنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ، بَلْ مَنْ أرَادَ أنْ يَكُونَ عَظِيمًا بَيْنَكُمْ، فَعَلَيْهِ أنْ يَكُونَ خَادِمَكُمْ. وَمَنْ أرَادَ أنْ يَكُونَ الأوَّلَ بَيْنَكُمْ، فَعَلَيْهِ أنْ يَكُونَ عَبْدًا لَكُمْ. كَذَلِكَ ابْنُ الإنْسَانِ الَّذِي لَمْ يَأْتِ لِيُخدَمَ، بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيُقَدِّمَ حَيَاتَهُ فِديَةٍ لِتَحْرِيرِ كَثِيرِينَ.» وَبَيْنَمَا كَانُوا يُغَادِرُونَ مَدِينَةَ أرِيحَا، تَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ. وَكَانَ هُنَاكَ أعمَيَانِ جَالِسَانِ عَلَى جَانِبِ الطِّرِيقِ. وَعِنْدَمَا سَمِعَا أنَّ يَسُوعَ كَانَ مَارًّا فِي الطَّرِيقِ، صَرَخَا: «يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارحَمْنَا.» فَوَبَّخَهُمَا النَّاسُ وَأمَرُوهُمَا بِأنْ يَسْكُتَا، لَكِنَّهُمَا رَفَعَا صَوْتَهُمَا أكْثَرَ: «يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارحَمْنَا.» فَتَوَقَّفَ يَسُوعُ وَدَعَاهُمَا وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدَانِ أنْ أفعَلَ لَكُمَا؟» فَقَالَا: «يَا سَيِّدُ، افتَحْ أعْيُنَنَا.» فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ عَلَيْهِمَا، وَلَمَسَ أعْيُنَهُمَا، فَأبصَرَا حَالًا وَتَبِعَاهُ. وَإذِ اقْتَرَبُوا مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ، وَجَاءُوا إلَى بَلْدَةِ بَيْتِ فَاجِي قُرْبَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، أرْسَلَ يَسُوعُ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَقَالَ لَهُمَا: «اذهَبَا إلَى القَرْيَةِ الَّتِي أمَامَكُمَا. وَسَتَجِدَانِ حِمَارًا صَغيرًا إلَى جَانِبِ أُمِّهِ مَرْبُوطَينِ، فَحُلَّاهُمَا وَأتِيَانِي بِهِمَا. وَإنْ قَالَ أحَدٌ لَكُمَا شَيْئًا، قُولَا لَهُ: ‹الرَّبُّ يَحتَاجُ إلَيْهِمَا، وَسَيُعيدُهُمَا قَرِيبًا.›» حَدَثَ هَذَا لِكَي يَتِمَّ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ: «قُولُوا لِلمَدِينَةِ العَزِيزَةِ صِهْيَوْنَ: ‹هَا إنَّ مَلِكَكِ آتٍ إلَيكِ، مُتَوَاضِعًا وَرَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ، حِمَارٍ صَغيرٍ ابنِ دَابَّةٍ أُعِدَّتْ لِلعَمَلِ.›» فَذَهَبَ التِّلمِيذَانِ وَعَمِلَا كَمَا قَالَ يَسُوعَ. فَأتَيَا بِالحِمَارِ الصَّغيرِ وَأُمِّهِ وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا، فَجَلَسَ يَسُوعُ عَلَى الثِّيَابِ. وَكَانَ مُعظَمُ النَّاسِ يَفْرِشُونَ أردِيَتَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ. وَلَكِنَّ آخَرِينَ قَطَعُوا أغْصَانًا مِنَ الأشْجَارِ وَفَرَشُوهَا عَلَى الطَّرِيقِ. وَجُمُوعُ النَّاسِ الَّذِينَ كَانُوا يَسِيرُونَ أمَامَهُ وَخَلْفَهُ كَانُوا يَهْتِفُونَ: «يَعِيشُ المَلِكُ! يَعِيشُ ابْنُ دَاوُدَ. ‹مُبَارَكٌ هُوَ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ.› يَعِيشُ المَلِكُ فِي عُلَاهُ.» وَعِنْدَمَا دَخَلَ يَسُوعُ مَدِينَةَ القُدْسِ، اهتَزَّتِ المَدِينَةُ كُلُّهَا. وَكَانَ النَّاسُ يَسألُونَ: «مَنْ هُوَ هَذَا الرَّجُلُ؟» وَكَانَتِ الجُمُوعُ الَّتِي تَتْبَعُهُ تَقُولُ: «هَذَا هُوَ النَّبِيُّ يَسُوعُ، الَّذِي مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ، مِنْ إقْلِيمِ الجَلِيلِ.» ثُمَّ دَخَلَ يَسُوعُ سَاحَةَ الهَيْكَلِ، وَطَرَدَ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ. وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّرَّافينَ وَمَقَاعِدَ بَاعَةِ الحَمَامِ. وَقَالَ لَهُمْ: «مَكتوبٌ ‹بَيْتِي يُدْعَى بَيْتَ صَلَاةٍ› لَكِنَّكُمْ تُحَوِّلُونَهُ إلَى ‹وَكْرِ لُصُوصٍ!› » وَجَاءَ إلَيْهِ بَعْضُ العُمْيِ وَالعُرجِ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ فَشَفَاهُمْ. وَرَأى كِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ العَجَائِبَ الَّتِي عَمِلَهَا، وَرَأوْا الأطْفَالَ يَهْتِفُونَ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ: «يَعِيشُ المَلِكُ! يَعِيشُ ابْنُ دَاوُدَ،» فَغَضِبُوا جِدًّا وَقَالُوا لَهُ: «ألَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الأطْفَالُ؟» فَأجَابَ يَسُوعُ: «بَلَى، وَلَكِنْ أمَا قَرَأتُمْ فِي الكِتَابِ: ‹مِنْ أفوَاهِ الأطْفَالِ وَالرُّضَّعِ، صَنَعْتَ تَسْبِيحًا›»؟ ثُمَّ تَرَكَهُمْ يَسُوعُ وَخَرَجَ مِنَ المَدِينَةِ إلَى بَلْدَةِ بَيْتِ عَنْيَا، وَأمضَى اللَّيلَةَ هُنَاكَ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ ذَاهِبًا فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ إلَى المَدِينَةِ، جَاعَ. وَرَأى شَجَرَةَ تِينٍ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهَا سِوَى الأورَاقِ، فَقَالَ لَهَا: «لَنْ تُنتِجِي ثِمَارًا فِيمَا بَعْدُ.» فَجَفَّتْ شَجَرَةُ التِّينِ فِي الحَالِ. فَلَمَّا رَأى التَّلَامِيذُ هَذَا تَعَجَّبُوا وَسَألُوهُ: «كَيْفَ جَفَّتْ شَجَرَةُ التِّينِ هَكَذَا؟» فَأجَابَهُمْ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنْ كَانَ لَدَيْكُمْ إيمَانٌ وَلَا تَشُكُّونَ، فَلَنْ تَكُونُوا قَادِرِينَ فَقَطْ عَلَى عَمَلِ مَا عَمِلْتُهُ أنَا بِشَجَرَةِ التِّينِ، بَلْ إنْ قُلْتُمْ لِهَذَا الجَبَلِ ‹لِتُقلَعْ مِنْ مَكَانِكَ وَتُلْقَ فِي البَحْرِ،› فَإنَّ كَلَامَكُم سَيَتَحَقَّقُ. وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ وَأنْتُمْ تُصَلُّونَ، فَإنَّكُمْ سَتَنَالُونَهُ إنْ آمَنْتُمْ.» وَذَهَبَ يَسُوعُ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ، وَجَاءَ إلَيْهِ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ بَيْنَمَا كَانَ يُعَلِّمُ، وَقَالُوا لَهُ: «أخبِرنَا بِأيِّ سُلطَانٍ تَفْعَلُ هَذِهِ الأشْيَاءَ، وَمَنِ الَّذِي أعطَاكَ هَذَا السُّلطَانَ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «وَسَأسألُكُمْ أنَا أيْضًا، فَأجِيبُونِي أُخبِرْكُمْ بِأيِّ سُلطَانٍ أعمَلُ هَذِهِ الأُمُورَ: مِنْ أيْنَ جَاءَتْ مَعمُودِيَّةُ يُوحَنَّا؟ مِنَ اللهِ أمْ مِنَ النَّاسِ؟» فَابْتَدَأُوا يُنَاقِشُونَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَقُولُونَ: «إنْ قُلْنَا إنَّهَا مِنَ اللهِ فَسَيَسْألُنَا: ‹لِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟› وَإنْ قُلْنَا إنَّهَا مِنَ النَّاسِ، فَإنَّنَا نَخَافُ مِنَ النَّاسِ، لِأنَّهُمْ جَمِيعًا يَعْتَبِرُونَ يُوحَنَّا نَبِيًّا.» لِذَلِكَ أجَابُوا يَسُوعَ وَقَالُوا: «لَا نَعْلَمُ.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «وَلَا أنَا أُخبِرُكُمْ بِأيِّ سُلطَانٍ أفْعَلُ هَذِهِ الأُمُورَ.» وَقَالَ يَسُوعُ: «مَاذَا تَقُولُونَ فِي القِصَّةِ التَّالِيَةِ: كَانَ لِرَجُلٍ ابنَانِ. فَذَهَبَ إلَى الأوَّلِ وَقَالَ لَهُ: ‹يَا بُنَيَّ، اذْهَبِ اليَوْمَ وَاعْمَلْ فِي كَرْمِي.› «فَأجَابَ الابْنُ: ‹لَا أُرِيدُ الذَّهَابَ.› وَلَكِنَّهُ غَيَّرَ مَوقِفَهُ وَذَهَبَ. «ثُمَّ ذَهَبَ الأبُ إلَى ابْنِهِ الآخَرِ وَطَلَبَ مِنْهُ الأمْرَ ذَاتَهُ. فَأجَابَ الابْنُ: ‹نَعَمْ يَا سَيِّدُ، سَأذهَبُ.› وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ. فَأيُّ الابْنَينِ عَمِلَ مَا أرَادَهُ الأبُ؟» فَقَالُوا: «الأوَّلُ.» فَقَالَ لَهُمْ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّ جَامِعِي الضَّرَائِبِ وَالزَّوَانِي سَيَسْبِقُونَكُمْ إلَى مَلَكُوتِ اللهِ. لِأنَّ يُوحَنَّا المَعْمَدَانَ جَاءَ لِيُرِيَكُمْ طَريقَ الحَقِّ، وَأنْتُمْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ، أمَّا جَامِعُو الضَّرَائِبِ وَالزَّوَانِي فَآمَنُوا بِهِ. وَحَتَّى عِنْدَمَا رَأيْتُمْ مَا عَمِلُوهُ، لَمْ تَتُوبُوا وَتُؤْمِنُوا بِهِ. «وَاسْتَمِعُوا إلَى مَثَلٍ آخَرَ: كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ صَاحِبُ أرْضٍ، فَغَرَسَ كَرْمًا وَأحَاطَهُ بِسِيَاجٍ وَحَفَرَ فِيهِ مِعصَرَةً لِلعِنَبِ، وَبَنَى بُرجًا لِلحِرَاسَةِ. ثُمَّ أجَّرَهُ لِبَعْضِ الفَلَّاحِينَ وَسَافَرَ بَعِيدًا. وَعِنْدَمَا جَاءَ وَقْتُ قَطفِ العِنَبِ، أرْسَلَ عَبِيدَهُ إلَى الفَلَّاحِينَ لِلحُصُولِ عَلَى نَصِيبِهِ مِنَ العِنَبِ. «وَلَكِنَّ الفَلَّاحِينَ أمسَكُوا بِعَبِيدِهِ، وَضَرَبُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَقَتَلُوا آخَرَ، وَرَجَمُوا آخَرَ. فَأرْسَلَ المَالِكُ عَبِيدًا أكْثَرَ مِمَّا أرْسَلَ فِي المَرَّةِ الأُولَى. فَعَامَلَهُمُ الفَلَّاحُونَ بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا. وَأخِيرًا أرْسَلَ ابْنَهُ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: ‹سَيَحْتَرِمُونَ ابْنِي.› «وَلَكِنْ عِنْدَمَا رَأى الفَلَّاحُونَ أنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ المَالِكِ، تَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: ‹هَذَا هُوَ الوَرِيثُ، فَلنَقتُلْهُ لِكَي نَسْتَوْلِيَ عَلَى مِيرَاثِهِ.› فَقَبَضَوا عَلَيْهِ وَألقَوهُ خَارِجَ الكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. «فَمَاذَا تَظُنُّونَ أنَّ صَاحِبَ الكَرْمِ سَيَصْنَعُ بِأولَئِكَ الفَلَّاحينَ عِنْدَمَا يَعُودُ؟» فَقَالُوا لَهُ: «سَيَقْضِي عَلَيْهِمْ بِطَرِيقَةٍ رَهِيبَةٍ لِأنَّهُمْ أشرَارٌ، ثُمَّ يُعْطِي الكَرْمَ لِفَلَّاحِينَ آخَرِينَ يُعطُونَهُ الثَّمَرَ فِي مَوسِمِ الثَّمَرِ.» وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ألَمْ تَقْرَأُوا المَكتُوبَ: ‹الحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ البَنَّاؤُونَ، هُوَ الَّذِي صَارَ حَجَرَ الأسَاسِ. الرَّبُّ صَنَعَ هَذَا، وَهُوَ أمْرٌ عَظِيمٌ فِي عُيُونِنَا›؟ «لِذَلِكَ أقُولُ لَكُمْ: إنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُؤخَذُ مِنْكُمْ، وَيُعطَى لِأُمَّةٍ تُنتِجُ ثَمَرًا يُنَاسِبُ المَلَكُوتَ. فَكُلُّ مَنْ يَسْقُطُ عَلَى هَذَا الحَجَرِ يَتَكَسَّرُ، وَكُلُّ مَنْ وَقَعَ الحَجَرُ عَلَيْهِ يُسحَقُ!» وَعِنْدَمَا سَمِعَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ أمثَالَ يَسُوعَ، عَرَفُوا أنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْهُمْ. لِذَلِكَ حَاوَلُوا القَبْضَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْتَبِرُونَ يَسُوعَ نَبِيًّا. وَكَلَّمَهُمْ يَسُوعُ مَرَّةً أُخْرَى بِأمثَالٍ رَمْزيَّةٍ فَقَالَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ مَلِكًا عَمِلَ وَلِيمَةَ عُرْسٍ لابْنِهِ. وَأرْسَلَ المَلِكُ عَبِيدَهُ لاسْتِدعَاءِ المَدعُوِّينَ إلَى وَلِيمَةِ العُرْسِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا المَجِيءَ. «فَأرْسَلَ المَلِكُ عَبِيدًا آخَرِينَ وَقَالَ لَهُمْ: ‹قُولُوا لِأُولَئِكَ المَدعُوِّينَ إنَّ الوَلِيمَةَ جَاهِزَةٌ. فَثِيرَانِي وَعُجُولِي المُسَمَّنَةُ قَدْ ذُبِحَتْ. وَكُلُّ شَيءٍ جَاهِزٌ. فتَعَالَوْا إلَى وَلِيمَةِ العُرْسِ.› «وَلَكِنَّ المَدعُوِّينَ لَمْ يَهْتَمُّوا بِالأمْرِ، وَمَضَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي طَرِيقِهِ. فَذَهَبَ وَاحِدٌ لِلعَمَلِ فِي حَقلِهِ، وَآخَرُ إلَى تِجَارَتِهِ. أمَّا البَاقُونَ فَأمسَكُوا بِعَبِيدِ المَلِكِ وَضَرَبُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. حِينَئِذٍ غَضِبَ المَلِكُ وَأرْسَلَ جَيْشَهُ فَقَتَلُوا أُولَئِكَ القَتَلَةَ، وَأحرَقُوا مَدِينَتَهُمْ. «ثُمَّ قَالَ المَلِكُ لِعَبِيدِهِ: ‹وَلِيمَةُ العُرسِ جَاهِزَةٌ، وَلَكِنْ أُولَئِكَ المَدعُوِّينَ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَحِقُّونَهَا. لِذَلِكَ اذْهَبُوا إلَى زَوَايَا الشَّوَارِعِ، وَادعُوا كُلَّ الَّذِينَ تَجِدُونَهُمْ لِحُضُورِ وَلِيمَةِ العُرْسِ.› فَخَرَجُوا إلَى الشَّوَارِعِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ، أشرَارًا كَانُوا أمْ صَالِحِينَ، حَتَّى امتَلأتْ قَاعَةُ الوَلِيمَةِ بِالضُّيُوفِ. «وَلَمَّا دَخَلَ المَلِكُ لِيَرَىْ الضُّيُوفَ، رَأى رَجُلًا هُنَاكَ لَمْ يَكُنْ يَلْبَسُ ثِيَابَ العُرْسِ. فَقَالَ المَلِكُ لَهُ: ‹يَا صَدِيقُ، كَيْفَ دَخَلْتَ إلَى هُنَا وَأنْتَ لَا تَلْبِسُ ثِيَابَ العُرْسِ؟› وَلَكِنَّ الرَّجُلَ بَقِيَ صَامِتًا. فَقَالَ المَلِكُ لِخُدَّامِهِ: ‹اربِطُوا رِجلَيهِ وَيَدَيهِ، وَألقُوهُ خَارِجًا إلَى الظُّلْمَةِ، حَيْثُ يَبْكِي النَّاسُ وَيَصُرُّونَ عَلَى أسنَانِهِمْ.› لِأنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَونَ، وَلَكِنْ قَلِيلِينَ فَقَطْ يُختَارُونَ.» فَذَهَبَ الفِرِّيسِيُّونَ، وَاجتَمَعُوا لِيَتَشَاوَرُوا كَيْفَ يُمكِنُهُمُ أنْ يَصْطَادُوا يَسُوعَ بِشَيءٍ يَقُولُهُ. فَأرسَلُوا تَلَامِيذَهُمْ إلَيْهِ مَعَ أشخَاصٍ مِنْ جَمَاعَةِ هِيرُودُسَ، وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِكُلِّ صِدقٍ. وَأنَّكَ لَا تُجَامِلُ أحَدًا، لأنَّكَ لَا تَنْظُرُ إلَى مَقَامَاتِ النَّاسِ. فَأخبِرْنَا بِرأيكَ، أيَجُوزُ أنْ تُدفَعَ الضَّرَائِبُ لِلقَيصَرِ أمْ لَا؟» لَكِنَّ يَسُوعَ عَرَفَ قَصْدَهُمُ الشِّرِّيرَ، فَقَالَ لَهُمْ: «أيُّهَا المُرَاءُونَ، لِمَاذَا تُحَاوِلُونَ اصْطِيَادِي؟ أرُونِي العُملَةَ الَّتِي تَسْتَخْدِمُونَهَا.» فَأحضَرُوا إلَيْهِ دِينَارًا. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هَذَا الرَّسمُ وَهَذَا الاسْمُ المَنقوشَينِ عَلَى الدِّينَارِ؟» فَقَالُوا لَهُ: «إنَّهُمَا لِلقَيصَرِ.» فَقَالَ لَهُمْ: «إذًا أعطُوا القَيصَرَ مَا يَخُصُّهُ، وَأعطُوا اللهَ مَا يَخُصُّهُ.» فَلَمَّا سَمِعُوا جَوَابَهُ هَذَا، اندَهَشُوا جِدًّا، وَتَرَكُوهُ وَذَهَبُوا فِي طَرِيقِهِمْ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ، جَاءَ إلَيْهِ بَعْضُ الصَّدُوقِيِّينَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ لَا تُوجَدُ قِيَامَةٌ، وَسَألُوهُ: «يَا مُعَلِّمُ، قَالَ مُوسَى إنَّهُ إنْ مَاتَ رَجُلٌ وَلَمْ يَتْرُكْ أبْنَاءً، فَعَلَى أخِيهِ أنْ يَتَزَوَّجَ أرمَلَتَهُ، وَأنْ يُنجِبَ وَلَدًا يُنْسَبُ لِأخِيهِ. فَكَانَ بَيْنَنَا سَبْعَةُ إخْوَةٍ، فَتَزَوَّجَ الأوَّلُ وَمَاتَ. وَلِأنَّهُ لَمْ يُنجِبْ أبْنَاءً، تَزَوَّجَ أخُوهُ أرمَلَتَهُ. وَحَدَثَ ذَلِكَ لِلأخِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَحَتَّى السَّابِعِ. وَبَعْدَ أنْ مَاتُوا جَمِيعًا، مَاتَتِ المَرْأةُ أيْضًا. فَلِمَنْ مِنَ السَّبْعَةِ سَتَكُونُ زَوْجَةً يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَدْ تَزَوَجُوهَا جَمِيعًا.» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أنْتُمْ فِي ضَلَالٍ لِأنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ الكِتَابَ، وَلَا تَعْرِفُونَ قُوَّةَ اللهِ. فَافْهَمُوا أنَّهُ فِي الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ بَعْدَ قِيَامَةِ الأمْوَاتِ، النَّاسُ لَا يَتَزَوَّجُونَ وَلَا يُزَوِّجُونَ بَنَاتِهِمْ، بَلْ يَكُونُونَ كَالمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ. أمَّا بِخُصُوصِ قِيَامَةِ الأمْوَاتِ، أفَلَمْ تَقْرَأُوا مَا قَالَهُ اللهُ؟ ‹أنَا إلَهُ إبْرَاهِيمَ وَإلَهُ إسْحَاقَ وَإلَهُ يَعْقُوبَ.› وَلَيْسَ اللهُ إلَهَ أمْوَاتٍ، بَلْ إلَهُ أحْيَاءٍ.» فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ هَذَا الكَلَامَ اندَهَشُوا جِدًّا مِنْ تَعْلِيمِهِ. وَعِنْدَمَا سَمِعَ الفِرِّيسِيُّونَ أنَّ يَسُوعَ جَاوَبَ الصَّدُوقِيِّينَ فَأسكَتَهُمْ، اجتَمَعُوا مَعًا. وَسَألَهُ خَبِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ مُحَاوِلًا الإيقَاعَ بِهِ فَقَالَ: «يَا مُعَلِّمُ، مَا هِيَ أعْظَمُ وَصِيَّةٍ فِي الشَّرِيعَةِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «‹تُحِبُّ الرَّبَّ إلَهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَبِكُلِّ نَفْسِكَ، وَبِكُلِّ عَقلِكَ،› هَذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ الأُولَى وَالعُظمَى، أمَّا الوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ كَالأُولَى: ‹تُحِبُّ صَاحِبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.› الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا وَكُتُبُ الأنْبِيَاءِ تَتَعَلَّقُ بِهَاتَيْنِ الوَصِيَّتَيْنِ.» وَفِيمَا كَانَ الفِرِّيسِيُّونَ مُجتَمِعِينَ حَوْلَهُ، سَألَهُمْ يَسُوعُ: «مَاذَا تَعْتَقِدُونَ حَوْلَ المَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟» فَأجَابَهُ الفِرِّيسِيُّونَ: «هُوَ ابْنُ دَاوُدَ.» فَقَالَ لَهُمْ: «إذًا كَيْفَ دَعَاهُ دَاوُدُ ‹سَيِّدًا› عِنْدَمَا قَالَ وَهُوَ مُقَادٌ بِالرُّوحِ: ‹قَالَ الرَّبُّ لِسَيِّدِي: اجلِسْ عَنْ يَمِينِي إلَى أنْ أجعَلَ أعْدَاءَكَ تَحْتَ قَدَمَيكَ›؟ فَإنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُو المَسيحَ سَيِّدًا، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟» فَلَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يُجِيبَهُ بِشَيءٍ، وَلَمْ يَجْرُؤْ أحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يَسألَهُ مَزِيدًا مِنَ الأسئِلَةِ. ثُمَّ تَكَلَّمَ يَسُوعُ إلَى جُمُوعِ النَّاسِ وَإلَى تَلَامِيذِهِ فَقَالَ: «مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ خَلَفُوا مُوسَى فِي تَفْسِيرِ الشَّرِيعَةِ. فَاحفَظُوا وَمَارِسُوا كُلَّ مَا يَقُولُونَهُ لَكُمْ، وَلَكِنْ لَا تَعْمَلُوا أعْمَالَهُمْ. لِأنَّهُمْ يَقُولُونَ، وَلَا يَعْمَلُونَ وَفْقَ مَا يَقُولُونَ. يُرهِقُونَ النَّاسَ بِأعبَاءٍ صَعبَةِ الحَمْلِ، أمَّا هُمْ فَلَا يَرْغَبُونَ فِي بَذْلِ أيِّ جَهْدٍ لَاتِّبَاعِهَا. «كُلُّ الأعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا إنَّمَا يَعْمَلُونَهَا لِيَرَاهُمُ النَّاسُ. وَيُظهِرُونَ تَقوَاهُمْ، فَيَزِيدُونَ حَجْمَ عَصَائِبِهِمْ ، وَيُطَوِّلُونَ أهدَابَ أثوَابِهِمْ. يُحِبُّونَ الجُلُوسَ عَلَى أفْضَلِ المَقَاعِدِ فِي الوَلَائِمِ، وَعَلَى المَقَاعِدِ الأمَامِيَّةِ فِي المَجَامِعِ. وَيُحِبُّونَ أنْ يُحَيِّيَهُمُ النَّاسُ بِتَحِيَّاتٍ خَاصَّةٍ فِي الأسوَاقِ، وَأنْ يَدْعُوهُمْ: ‹يَا مُعَلِّمُ.› «أمَّا أنْتُمْ فَلَا تَدَعُوا النَّاسَ يُنَادُونَكُمْ: ‹يَا مُعَلِّمُ.› لِأنَّ لَكُمْ مُعَلِّمًا وَاحِدًا، كَمَا أنَّكُمْ جَمِيعًا إخْوَةٌ. وَلَا تَدَعُوا أحَدًا عَلَى الأرْضِ يُنَادِيكُمْ ‹يَا أبِي،› لِأنَّ لَكُمْ أبًا وَاحِدًا هُوَ الآبُ السَّمَاوِيُّ. وَلَا تَدَعُوا النَّاسَ يُنَادُونَكُمْ ‹يَا سَيِّدِي،› لِأنَّ لَكُمْ سَيِّدًا وَاحِدًا هُوَ المَسِيحُ. عَلَى الأعْظَمِ فِيكُمْ أنْ يَكُونَ خَادِمًا لَكُمْ. فَكُلُّ مَنْ يَرْفَعُ مِنْ قَدْرِ نَفْسِهِ يَضَعُهُ اللهُ، وَكُلُّ مَنْ يَتَوَاضَعُ يَرْفَعُ اللهُ قَدْرَهُ. «وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمو الشَّرِيعَةِ المُرَاءُونَ! فَأنْتُمْ تُغلِقُونَ أبوَابَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أمَامَ النَّاسِ، فَلَا أنْتُمْ تَدْخُلُونَ، وَلَا تَسْمَحُونَ لِلَّذِينَ يُحَاوِلُونَ الدُّخُولَ بِأنْ يَدْخُلُوا. «وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمو الشَّرِيعَةِ المُرَاءُونَ! لِأنَّكُمْ تَحتَالُونَ عَلَى الأرَامِلِ وَتَسْرِقُونَ بُيُوتَهُنَّ. وَتُصَلُّونَ صَلَوَاتٍ طَوِيلَةً مِنْ أجْلِ لَفتِ الأنظَارِ، لِذَلِكَ سَتَنَالُونَ عِقَابًا أشَدَّ. «وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمو الشَّرِيعَةِ المُرَاءُونَ! لِأنَّكُمْ تُسَافِرُونَ عَبْرَ البَحْرِ وَالبَرِّ لِتَكْسِبُوا تَابِعًا وَاحِدًا لَكُمْ. وَعِنْدَمَا يُصْبِحُ كَذَلِكَ، تَجْعَلُونَهُ يَسْتَحِقُّ جَهَنَّمَ ضِعفَ مَا تَسْتَحِقُّونَ أنْتُمْ. «وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا المُرشِدُونَ العُمْيُ، يَا مَنْ تَقُولُونَ: ‹إنْ حَلَفَ أحَدٌ بِالهَيكَلِ فَلَا يَكُونُ مُلزَمًا بِأنْ يَحْفَظَ قَسَمَهُ، أمَّا إنْ حَلَفَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الهَيْكَلِ، فَيَكُونُ مُلزَمًا أنْ يَحْفَظَهُ!› أيُّهَا الحَمْقَى العُمْيُ! أيُّهُمَا أعْظَمُ: الذَّهَبُ الَّذِي فِي الهَيْكَلِ، أمِ الهَيكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ «وَتَقُولُونَ: ‹إنْ حَلَفَ بِالمَذْبَحِ، لَا يَكُونُ مُلزَمًا بِحِفظِ قَسَمِهِ، وَلَكِنْ إنْ حَلَفَ أحَدٌ بِالتَّقدِمَةِ الَّتِي عَلَى المَذْبَحِ، فَإنَّهُ يَكُونُ مُلزَمًا بِحِفظِهِ!› أيُّهَا العُمْيُ! أيُّهُمَا أعْظَمُ: التَّقدِمَةُ الَّتِي عَلَى المَذْبَحِ، أمِ المَذْبَحُ الَّذِي يَجْعَلُ التَّقدِمَةَ مُقَدَّسَةً؟ لِأنَّهُ إنْ كَانَ أحَدٌ يُقسِمُ بِالمَذْبَحِ، فَإنَّهُ يُقسِمُ بِهِ وَبِكُلِّ مَاَ عَلَيْهِ. وَإنْ أقْسَمَ أحَدٌ بِالهَيكَلِ فَإنَّهُ يُقسِمُ بِهِ وَبِالَّذِي يَسْكُنُ فِيهِ. وَإنْ أقْسَمَ أحَدٌ بِالسَّمَاءِ، فَإنَّهُ يُقسِمُ بِعَرْشِ اللهِ وَبِالجَالِسِ عَلَيْهِ. «وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمو الشَّرِيعَةِ المُرَاءُونَ! فَأنْتُمْ تَدْفَعُونَ للهَيكَلِ عُشْرَ كُلِّ شَيءٍ، حَتَّى النَعنَعِ وَالشِّبِثِ وَالكَمُّونِ. لَكِنَّكُمْ تَغَافَلْتُمْ عَنِ الإنصَافِ وَالرَحْمَةِ وَالأمَانَةِ. كَانَ عَلَيْكُمْ أنْ تَفْعَلُوا هَذِهِ الأُمُورَ، مِنْ دُونِ أنْ تُهمِلُوا غَيْرَهَا. أيُّهَا المُرشِدُونَ العُمْيُ، إنَّكُمْ تَرْفَعُونَ البَعُوضَةَ مِنْ كَأسِكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ تَبْلَعُونَ الجَمَلَ! «وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمو الشَّرِيعَةِ المُرَاءُونَ! فَأنْتُمْ تُنَظِّفُونَ خَارِجَ الكَأسِ أوِ الطَّبَقِ، بَيْنَمَا يَملأُ الجَشَعُ وَالخُبثُ دَوَاخِلَكُمْ. أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ العُمْيُ، اغسِلُوا أوَّلًا دَاخِلَ الكَأسِ، حَتَّى يُصبِحَ الخَارِجُ أيْضًا نَظِيفًا. «وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمو الشَّرِيعَةِ المُرَاءُونَ! فَأنْتُمْ مِثْلُ القُبُورِ المَطلِيَّةِ بِالبَيَاضِ. فَهِيَ تَبْدُو جَمِيلَةً مِنَ الخَارِجِ، أمَّا فِي الدَّاخِلِ فَهِيَ مَلِيئَةٌ بِالعِظَامِ وَبِكُلِّ أنْوَاعِ النَّجَاسَةِ. هَكَذَا أنْتُمْ أيْضًا، تَظْهَرُونَ أبْرَارًا فِي الظَاهِرِ، أمَّا دَاخِلُكُمْ فَمَملُوءٌ بِالرِّيَاءِ وَالشَّرِّ. «وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ المُرَاءُونَ! لِأنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورًا لِلأنْبِيَاءِ، وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنًا للأبْرَارِ. وَتَقُولُونَ: ‹لَوْ عِشْنَا فِي أيَّامِ أجدَادِنَا، لَمَا شَارَكْنَا فِي قَتلِ الأنْبِيَاءِ.› وَبِهَذَا تُؤَكِّدُونَ أنَّكُمْ نَسْلُ الَّذِينَ قَتَلُوا الأنْبِيَاءَ، فَأكمِلُوا مَا ابتَدَأ بِهِ أجدَادُكُمْ. «أيُّهَا الحَيَّاتُ وَأوْلَادُ الأفَاعِي! كَيْفَ يُمكِنُكُمُ الهَرَبُ مِنْ دَينُونَةِ جَهَنَّمَ؟ لِذَلِكَ أُخبِرُكُمْ بِأنِّي سَأُرْسِلُ إلَيكُمْ أنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَمُعَلِّمِينَ. وَسَتَقْتُلُونَ بَعْضَهُمْ، وَسَتَصْلِبُونَ بَعْضَهُمْ، وَسَتَجْلِدُونَ آخَرِينَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتُطَارِدُونَهُمْ مِنْ مَدِينَةٍ إلَى أُخْرَى. لِذَلِكَ سَتُحَاسَبُونَ عَلَى دَمِ كُلِّ بَرِيءٍ قُتِلَ عَلَى الأرْضِ: مِنْ دَمِ هَابِيلَ البَرِيءِ إلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا، الَّذِي قُتِلَ مَا بَيْنَ الهَيْكَلِ وَالمَذْبَحِ. «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّ عِقَابَ كُلِّ هَذِهِ الجَرَائِمِ سَيَقَعُ عَلَى هَذَا الجِيلِ. «يَا قُدْسُ، يَا قُدْسُ، يَا مَنْ تَقْتُلِينَ الأنْبِيَاءَ وَتَرْجُمِينَ رُسُلَ اللهِ إلَيكِ! كَثِيرًا مَا اشتَقْتُ أنْ أجمَعَ أبْنَاءَكِ مَعًا كَدَجَاجَةٍ تَجْمَعُ صِغَارَهَا تَحْتَ جَنَاحَيهَا! لَكِنَّكُمْ رَفَضْتُمْ. هَا إنَّ بَيتَكُمْ سَيُترَكُ لَكُمْ فَارِغًا مَهْجُورًا! لأنَّي أقُولُ لَكُمْ، لَنْ تَرَوْنِي مَرَّةً أُخْرَى إلَى أنْ تَقُولُوا: ‹مُبَارَكٌ هُوَ الَّذِي يَأتِي بِاسْمِ الرَّبِّ.› » وَتَرَكَ يَسُوعُ سَاحَةَ الهَيْكَلِ. وَبَيْنَمَا كَانَ مَاشِيًا، جَاءَ إلَيْهِ تَلَامِيذُهُ، لِأنَّهُمْ أرَادُوا أنْ يُرُوهُ أبنِيَةَ الهَيْكَلِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أتَرَوْنَ كُلَّ هَذِهِ الأبنِيَةِ؟ أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، لَا يَبْقَى فِيهَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ، إذْ سَتُهدَمُ كُلُّهَا!» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ جَالِسًا عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، جَاءَ إلَيْهِ تَلَامِيذُهُ عَلَى انفِرَادٍ، وَقَالُوا لَهُ: «أخبِرْنَا مَتَى سَتَحْدُثُ هَذِهِ الأُمُورُ؟ وَمَا هِيَ عَلَامَةُ عَودَتِكَ وَنِهَايَةِ الزَّمَنِ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «انتَبِهُوا لِئَلَّا تَنْخَدِعُوا. سَيَأْتِي كَثِيرُونَ وَيَنْتَحِلُونَ اسْمِي، فَيَقُولُونَ: ‹أنَا هُوَ المَسيحْ› وَسَيَخْدَعُونَ كَثِيرِينَ. سَتَسْمَعُونَ بِأخْبَارِ الحُرُوبِ وَالثَّورَاتِ، فَيَنْبَغِي ألَّا تَخَافُوا. فَلَا بُدَّ أنْ تَحْدُثَ هَذِهِ الأشْيَاءُ، لَكِنَّهَا لَنْ تَكُونَ نِهَايَةَ العَالَمِ بَعْدُ. لِأنَّهُ سَتَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَملَكَةٌ عَلَى مَملَكَةٍ. سَتَحْدُثُ زَلَازِلُ وَمَجَاعَاتٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا سَتَكُونُ أوَّلَ آلَامِ المَخَاضِ. «فَسَيُسَلِّمُونَكُمْ لِلعِقَابِ، وَسَيَقْتُلُونَ بَعْضًا مِنْكُمْ. وَسَتُبغِضُكُمُ جَمِيعُ الأُمَمِ مِنْ أجْلِ اسْمِي. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَتْرُكُ كَثِيرُونَ الإيمَانَ، وَسَيُسَلِّمُ أحَدُهُمُ الآخَرَ إلَى السُّلْطَاتِ، وَسَيُبغِضُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَسَيَظْهَرُ أنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيَخْدَعُونَ كَثِيرِينَ. وَبِسَبَبِ زِيَادَةِ الشَّرِّ، سَتَبْرُدُ مَحَبَّةُ كَثِيرِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ، وَلَكِنِ الَّذِي يَبْقَى أمِينًا إلَى النِّهَايَةِ، فَهَذَا سَيَخْلُصُ. وَسَتُعلَنُ بِشَارَةُ مَلَكُوتِ اللهِ فِي كُلِّ العَالَمِ كَشَهَادَةٍ لِغَيرِ اليَهُودِ، ثُمَّ تَأْتِي النِّهَايَةُ. «فَعِنْدَمَا تَرَوْنَ ‹النَّجِسَ المُخَرِّبَ› الَّذِي أشَارَ إليهِ دَانيَالُ النَّبِيُّ، قَائِمًا فِي المَكَانِ المُقَدَّسِ – لِيَفْهَمِ القَارِئُ هَذَا الكَلَامَ – فَليَهْرُبْ حينَئِذٍ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ إلَى الجِبَالِ، وَلَا يَنْزِلِ الَّذِي عَلَى السَّطْحِ لِيَأْخُذَ مُمتَلَكَاتِهِ مِنَ البَيْتِ. وَلَا يَعُدِ العَامِلُ فِي الحَقْلِ إلَى بيتِهِ لِيَأْخُذَ رِدَاءَهُ. «وَمَا أعسَرَ أحوَالَ الحَوَامِلِ وَالمُرضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأيَّامِ! لَكِنْ صَلُّوا أنْ لَا يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي الشِّتَاءِ أوْ فِي يَوْمِ سَبْتٍ. لِأنَّهُ سَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ بِدَايَةِ العَالَمِ، وَلَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ. وَلَوْ لَمْ يُقَرِّرِ اللهُ تَقْصِيرَ تِلْكَ الأيَّامِ، لَمَا بَقِيَ أحَدٌ حَيًّا. وَلَكِنْ لِأجْلِ شَعْبِهِ المُختَارِ، سَيُقَصِّرُ اللهُ تِلْكَ الأيَّامَ. فَإنْ قَالَ لَكُمْ أحَدٌ: ‹هَا إنَّ المَسِيحَ هُنَا،› أوْ ‹هَا هُوَ هُنَاكَ!› فَلَا تُصَدِّقُوا كَلَامَهُ. لِأنَّ أكْثَرَ مِنْ مَسِيحٍ مُزَيَّفٍ سَيَظْهَرُ، وَأكثَرَ مِنْ نَبِيٍّ كَاذِبٍ. وَسَيَصْنَعُونَ مُعجِزَاتٍ وَعَجَائِبَ لِيَخْدَعُوا الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ لَوِ استَطَاعُوا. هَا أنَا أخبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيءٍ قَبْلَ حُدُوثِهِ.» «قَدْ يَقُولُ أحَدُهُمْ: ‹هَا إنَّ المَسِيحَ فِي البَرِّيَّةِ،› فَلَا تَذْهَبُوا إلَى هُنَاكَ. أوْ يَقُولُ: ‹هَا إنَّهُ فِي إحْدَى الغُرَفِ،› فَلَا تُصَدِّقُوهُ. لِأنَّهُ كَمَا يَأتِي البَرْقُ مِنَ الشَّرْقِ، وَيَلْمَعُ فِي السَّمَاءِ إلَى الغَرْبِ، هَكَذَا سَيَظْهَرُ ابْنُ الإنْسَانِ. وَحَيْثُمَا تَجِدُونَ الجُثَّةَ تَجِدُونَ النُّسُورَ أيْضًا. وَفَورًا بَعْدَ الضِّيقِ الَّذِي سَيَحْدُثُ فِي تِلْكَ الأيَّامِ، «سَتُظلِمُ الشَّمْسُ، وَالقَمَرُ لَنْ يُعطِيَ نُورَهُ. سَتَسْقُطُ النُّجُومُ مِنَ السَّمَاءِ، وَتُزَعزَعُ الأجرَامُ السَّمَاوِيَّةُ. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَتَظْهَرُ عَلَامَةُ ابْنِ الإنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَسَتَنُوحُ قَبَائِلُ الأرْضِ، وَسَيَرَوْنَ ابْنَ الإنْسَانِ قَادِمًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجدٍ عَظِيمٍ. وَسَيُرسِلُ مَلَائِكَتَهُ بِمُصَاحَبَةِ صَوْتِ بُوقٍ مُرْتَفِعٍ، فَيَجْمَعُونَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مِنَ الجِهَاتِ الأرْبَعِ، مِنْ أقْصَى السَّمَاءِ إلَى أقصَاهَا. «تَعَلَّمُوا مِنْ شَجَرَةِ التِّينِ. فَحَالَمَا تُصبِحُ أغْصَانُهَا طَرِيَّةً، وَتَظْهَرُ أورَاقُهَا، تَعْرِفُونَ أنَّ الصَّيفَ قَرِيبٌ. هَكَذَا أيْضًا عِنْدَمَا تَرَوْنَ جَمِيعَ هَذِهِ الأشْيَاءَ، سَتَعْرِفُونَ أنَّ الوَقْتَ قَرِيبٌ عَلَى الأبوَابِ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: لَنْ يَنْقَضِيَ هَذَا الجِيلُ إلَى أنْ تَحْدُثَ كُلُّ هَذِهِ الأشْيَاءِ. تَزُولُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ، أمَّا كَلَامِيَ فَلَنْ يَزُولَ أبَدًا.» «لَكِنْ لَا يَعْرِفُ أحَدٌ مَتَى يَكُونَ ذَلِكَ اليَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ، وَلَا مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ يَعْرِفُونَ، وَلَا الابْنُ، لَكِنِ الآبُ وَحْدَهُ يَعْلَمُ. «وَكَمَا كَانَ الحَالُ فِي أيَّامِ نُوحٍ، هَكَذَا سَيَكُونُ الحَالُ عِنْدَمَا يَأتِي ابْنُ الإنْسَانِ. فَفِي الأيَّامِ الَّتِي سَبَقَتِ الطَّوَفَانَ، كَانَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ بَنَاتِهِمْ حَتَّى ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ السَّفِينَةَ. فَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مَا سَيَحْدُثُ، حَتَّى جَاءَ الطَّوَفَانُ وَأخَذَهُمْ. هَكَذَا سَيَكُونُ أيْضًا فِي مَجِيءِ ابْنِ الإنْسَانِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، يَكُونُ رَجُلَانِ يَعْمَلَانِ فِي حَقْلٍ، فَيُؤخَذُ وَاحِدٌ وَيُترَكُ الآخَرُ. وَتَكُونُ امْرَأتَانِ تَطْحَنَانِ الحُبُوبَ عَلَى حَجَرِ الرَّحَى، فَتُؤخَذُ وَاحِدَةٌ وَتُترَكُ الأُخرَى. «فَتَيَقَّظُوا إذًا، لِأنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ مَتَى يَأتِي رَبُّكُمْ. تأكَّدُوا أنَّهُ لَوْ عَلِمَ صَاحِبُ البَيْتِ فِي أيَّةِ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ يَنْوِي اللِّصُّ أنْ يَأْتِيَ، لَاستَيْقَظَ وَمَا تَرَكَهُ يَسْطُو عَلَى بَيْتِهِ. لِذَلِكَ كُونُوا أنْتُمْ أيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لِأنَّ ابْنَ الإنْسَانِ سَيَأْتِي فِي لَحظَةٍ لَا تَتَوَقَّعُونَهَا.» «فَمَنْ هُوَ الخَادِمُ الأمِينُ الفَطِنُ الَّذِي يُعَيِّنُهُ السَّيِّدُ مَسؤُولًا عَنْ عَبيدِهِ، لِيُعطِيَهُمْ طَعَامَهُمْ فِي وَقْتِهِ؟ هَنِيئًا لِذَلِكَ الخَادِمِ الَّذِي حِينَ يَأتِي سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَقُومُ بِوَاجِبِهِ. أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنَّهُ سَيُوكِلُهُ عَلَى جَمِيعِ أمْلَاكِهِ. «أمَّا الخَادِمُ الشِّرِّيرُ فَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ: ‹سَيِّدِي سَيَتَأخَّرُ.› فَيَبْدَأُ بِضَرْبِ رِفَاقِهِ الخُدَّامِ، وَيَبْدَأُ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَعَ السُّكَارَىْ. فَيَأْتِي سَيِّدُ ذَلِكَ الخَادِمِ فِي يَوْمٍ لَا يَتَوَقَّعُهُ، وَفِي سَاعَةٍ لَا يَعْرِفُهَا. فَيُعَاقِبُهُ وَيَضَعُهُ مَعَ المُنَافِقينَ حَيْثُ يَبْكِي النَّاسُ وَيَصِرُّونَ عَلَى أسنَانِهِمْ. «حينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ فَتَيَاتٍ أخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ العَرِيسِ. خَمْسَةٌ مِنْهُنَّ غَبِيَّاتٌ، وَخَمْسَةٌ ذَكِيَّاتٌ. فَأخَذَتِ الغَبِيَّاتُ مَصَابِيحَهُنَّ، لَكِنْ لَمْ يَأْخُذْنَ زَيْتًا إضَافِيًّا مَعَهُنَّ. أمَّا الذَّكِيَّاتُ فَأخَذْنَ زَيْتًا إضَافِيًّا فِي أبَارِيقِهِنَّ مَعَ المَصَابِيحِ. فَتَأخَّرَ العَرِيسُ، فَنَعِسَتِ الفَتَيَاتُ جَمِيعًا وَنِمْنَ. «لَكِنْ فِي مُنْتَصَفِ اللَّيلِ صَرَخَ أحَدُهُمْ: ‹العَرِيسُ قَادِمٌ، فَاخرُجنَ لِلِقَائِهِ.› «حِينَئِذٍ استَيْقَظَتِ الفَتَيَاتُ وَأعدَدْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. وَقَالَتِ الغَبِيَّاتُ لِلذَّكِيَّاتِ: ‹أَعْطِينَنَا شَيْئًا مِنْ زَيْتِكُنَّ، فَمَصَابِيحُنَا تَكَادُ تَنْطَفِئُ.› «فَأجَابَتِ الذَّكِيَّاتُ: ‹لَا نَسْتَطِيعُ، فَهوَ لَا يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ. فَاذْهَبْنَ إلَى البَاعَةِ لِشِرَاءِ زَيْتٍ بِأنفُسِكُنَّ.› «وَبَيْنَمَا كُنَّ ذَاهِبَاتٍ لِشِرَاءِ الزَّيْتِ، وَصَلَ العَرِيسُ. وَكَانَتِ الذَّكِيَّاتُ مُسْتَعِدَّاتٍ، فَدَخَلْنَ مَعَهُ إلَى وَلِيمَةِ العُرْسِ. ثُمَّ أُغلِقَ البَابُ. «وَأخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الفَتَيَاتِ وَقُلْنَ: ‹يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افتَحْ لَنَا البَابَ.› «وَلَكِنَّهُ قَالَ: ‹أقُولُ لَكُنَّ الحَقَّ، إنَّنِي لَا أعرِفُكُنَّ!› لِذَلِكُ تَيَقَّظُوا، لِأنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ اليَوْمَ وَلَا السَّاعَةَ الَّتِي سَيَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإنْسَانِ. «كَذَلِكَ يُشْبِهُ مَلَكوتُ السَّمَاوَاتِ رَجُلًا كَانَ سَيُسَافِرُ. فَدَعَا عَبِيدَهُ وَوَكَّلَهُمْ عَلَى كُلِّ مُمتَلَكَاتِهِ. فَأعطَى وَاحِدًا مِنْهُمْ خَمْسَةَ أكيَاسٍ مِنَ النُّقُودِ، وَأعْطَى الثَّانِيَ كِيسَينِ، وَالثَّالِثَ كِيسًا وَاحِدًا. أعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ. ثُمَّ سَافَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الفَوْرِ. فَابْتَدَأ الَّذِي أخَذَ الأكيَاسَ الخَمْسَةَ بِاستِثمَارِهَا فَوْرًا فِي التِّجَارَةِ، فَكَسِبَ خَمْسَةَ أكيَاسٍ أُخْرَى. وَعَمِلَ الَّذِي أخَذَ الكِيسَينِ مِثْلَ الأوَّلِ، وَكَسِبَ كِيسَينِ آخَرَينِ. أمَّا الَّذِي أخَذَ كِيسًا وَاحِدًا، فَقَدْ ذَهَبَ وَحَفَرَ حُفرَةً فِي الأرْضِ، وَخَبَّأ فِيهَا مَالَ سَيِّدِهِ. «وَبَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ، رَجِعَ سَيِّدُ هَؤُلَاءِ العَبِيدِ، وَابْتَدَأ يُحَاسِبُهُمْ. فَجَاءَ الَّذِي أخَذَ الأكيَاسَ الخَمْسَةَ، وَكَسِبَ خَمْسَةَ أكيَاسٍ أُخْرَى، وَقَالَ: ‹يَا سَيِّدِي، أعْطَيْتَنِي خَمْسَةَ أكيَاسٍ، وَهَذِهِ خَمْسَةُ أكيَاسٍ أُخْرَى كَسِبْتُهَا.› فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: ‹أحسَنتَ أيُّهَا العَبْدُ الصَّالِحُ وَالأمِينُ. كُنْتَ أمِينًا فِي القَلَيلِ، لِذَلِكَ سَأُوكِلُكَ عَلَى الكَثِيرِ. ادخُلْ وَشَارِكْ فِي فَرَحِ سَيِّدِكَ.› «ثُمَّ جَاءَ الَّذِي أخَذَ الكِيسَينِ، وَقَالَ: ‹يَا سَيِّدِي، أعْطَيْتَنِي كِيسَينِ، وَهَذَانِ كِيسَانِ آخَرَانِ كَسِبْتُهُمَا.› فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: ‹أحسَنتَ أيُّهَا العَبْدُ الصَّالِحُ وَالأمِينُ. كُنْتَ أمِينًا فِي القَلَيلِ، لِذَلِكَ سَأُوكِلُكَ عَلَى الكَثِيرِ. ادخُلْ وَشَارِكْ فِي فَرَحِ سَيِّدِكَ.› «ثُمَّ جَاءَ الَّذِي أخَذَ كِيسًا وَاحِدًا، وَقَالَ: ‹يَا سَيِّدُ، أعْرِفُ أنَّكَ رَجُلٌ قَاسٍ، فَإنَّكَ تَحْصُدُ مِنْ مَحصُولٍ لَمْ تَزْرَعْهُ، وَتَجْنِي مِنْ حُقُولٍ لَمْ تَبْذُرْهَا. وَقَدْ كُنْتُ خَائِفًا مِنْكَ، فَذَهَبْتُ وَخَبَّأتُ كِيسَكَ فِي الأرْضِ. فَخُذْ مَالَكَ.› «فَأجَابَهُ سَيِّدُهُ: ‹أنْتَ عَبْدٌ شِرِّيرٌ وَكَسُولٌ. فَمَا دُمْتَ تَعْرِفُ أنِّي أحصُدُ مِنْ مَحصُولٍ لَمْ أزرَعْهُ، وَأجنِي مِنْ حُقُولٍ لَمْ أبذُرْهَا، فَلِمَاذَا لَمْ تُودِعْ مَالِي فِي المَصْرِفِ، وَعِنْدَ رُجُوعِي كُنْتُ آخُذُ مَالِي مَعَ فَائِدَةٍ؟› «لِذَلِكَ خُذُوا الكِيسَ مِنْهُ، وَأعطُوهُ لِصَاحِبِ الأكيَاسِ العَشرِ. لِأنَّهُ سَيُعطَى المَزِيدُ لِمَنْ يَمْلِكُ، بَلْ وَسَيَفِيضُ عَنْهُ، أمَّا الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، فَسَيُنتَزَعُ مِنْهُ حَتَّى مَا يَمْلِكُهُ. أمَّا ذَلِكَ العَبْدُ غَيْرُ النَّافِعِ لِشَيءٍ، فَألقُوهُ فِي الخَارِجِ، إلَى الظَّلَامِ، حَيْثُ يَبْكِي النَّاسُ وَيَصِرُّونَ عَلَى أسنَانِهِمْ. «وَعِنْدَمَا يَأتِي ابْنُ الإنْسَانِ فِي مَجْدِهِ مَعَ كُلِّ مَلَائِكَتِهِ، سَيَجْلِسُ عَلَى عَرشِهِ المَجِيدِ. ثُمَّ تُجمَعُ كُلُّ الأُمَمِ أمَامَهُ. وَهُوَ سَيَفْرِزُ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ، كَمَا يَفْرِزُ الرَّاعِي الخِرَافَ عَنِ الجِدَاءِ فِي قَطِيعِهِ. فَسَيَضَعُ الخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ، وَالجِدَاءَ عَنْ يَسَارِهِ. «ثُمٍّ سَيَقُولُ المَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: ‹تَعَالَوْا يَا مَنْ بَارَكَهُمْ أبِي. خُذُوا المَلَكُوتَ الَّذِي أُعِدَّ لَكُمْ مُنْذُ خَلْقِ العَالَمِ. لِأنِّي كُنْتُ جَائِعًا فَأطعَمْتُمُونِي. كُنْتُ عَطشَانًا فَسَقَيتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيتُمُونِي. كُنْتُ عُريَانًا فَألبَسْتُمُونِي. كُنْتُ مَرِيضًا فَاعتَنَيتُمْ بِي. كُنْتُ مَسجُونًا فَزُرتُمُونِي.› «فَيُجيبُهُ الأبْرَارُ: ‹يَا رَبُّ مَتَى رَأينَاكَ جَائِعًا فَأطعَمْنَاكَ، أوْ عَطشَانًا فَسَقَينَاكَ؟ وَمَتَى رَأينَاكَ غَرِيبًا فَآوَينَاكَ، أوْ عُريَانًا فَألبَسْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأينَاكَ مَرِيضًا أوْ مَسجُونًا فَزُرْنَاكَ.› فَيَقُولُ المَلِكُ: ‹أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، كُلُّ شَيءٍ عَمِلْتُمُوهُ لِأحَدِ إخْوَتِي الضُّعَفَاءِ فَإنَّمَا قَدْ عَمِلْتُمُوهُ لِي.› «ثُمَّ يَقُولُ المَلِكُ لِلَّذِينَ يَقِفُونَ عَنْ يَسَارِهِ: ‹ابتَعِدُوا عَنِّي أيُّهَا المَلعُونُونَ، وَاذْهَبُوا إلَى النَّارِ الأبَدِيَّةِ المُعَدَّةِ لإبلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ. لِأنِّي كُنْتُ جَائِعًا فَلَمْ تُطْعِمُونِي. كُنْتُ عَطشَانًا فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. وَكُنْتُ عُريَانًا فَلَمْ تُلبِسُونِي. وَكُنْتُ مَرِيضًا وَمَسجُونًا فَلَمْ تَزُورُونِي.› «فَيُجِيبُهُ الأشْرَارُ: ‹يَا رَبُّ، مَتَى رَأينَاكَ جَائِعًا أوْ عَطشَانًا أوْ غَرِيبًا أوْ عُريَانًا أوْ مَرِيضًا أوْ مَسجُونًا، وَلَمْ نُقَدِّمْ لَكَ مَا تَحتَاجُ؟› «فَيَقُولُ المَلِكُ: ‹أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، عِنْدَمَا أهمَلْتُمْ عَمَلَ ذَلِكَ لِأحَدِ إخْوَتِي الضُّعَفَاءِ، فَإنَّكُمْ إنَّمَا أهمَلْتُمْ عَمَلَهُ لِي أنَا.› «وَهَكَذَا يَذْهَبُ الأشْرَارُ إلَى عِقَابٍ أبَدِيٍّ، أمَّا الأبْرَارُ فَيَذْهَبُونَ إلَى حَيَاةٍ أبَدِيَّةٍ.» بَعْدَ أنْ أنهَى يَسُوعُ هَذَا الكَلَامَ قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: «تَعْرِفُونَ أنَّ عِيدَ الفِصْحِ بَعْدَ غَدٍ، وَابْنُ الإنْسَانِ سَيُسَلَّمُ لِأيدِي أعْدَائِهِ لِيُصلَبَ.» وَكَانَ قَدِ اجتَمَعَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ فِي قَصْرِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ قِيَافَا. وَخَطَّطُوا لِلقَبْضِ عَلَى يَسُوعَ بِالخِدَاعِ وَقَتلِهِ. وَكَانُوا يَقُولُونَ: «لَا يَنْبَغِي أنْ نَفعَلَ هَذَا خِلَالَ العِيدِ، لِنَتَجَنَّبَ الشَّغَبَ بَيْنَ النَّاسِ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَلْدَةِ بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأبْرَصِ، جَاءَتِ امْرأةٌ إلَيْهِ، وَكَانَ مَعَهَا عِطْرٌ ثَمِينٌ فِي زُجَاجَةٍ مِنْ مَرمَرٍ، فَسَكَبَتْهَا عَلَى رَأسِهِ بَيْنَمَا كَانَ يَأْكُلُ. وَعِنْدَمَا رَأى تَلَامِيذُهُ ذَلِكَ غَضِبُوا وَقَالُوا: «لِمَ هَذَا الإسْرَافُ؟ كَانَ مُمْكِنًا أنْ يُبَاعَ هَذَا العِطْرُ بِمَبلَغٍ كَبِيرٍ مِنَ المَالِ يُعْطَى لِلفُقَرَاءِ.» فَعَرَفَ يَسُوعُ مَا كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُزعِجُونَ هَذِهِ المَرْأةَ؟ فَقَدْ عَمِلَتْ عَمَلًا رَائِعًا لِي. الفُقَرَاءُ سَيَكُونُونَ عِنْدَكُمْ دَائِمًا، أمَّا أنَا فَلَنْ أكُونَ دَائِمًا مَعَكُمْ. لَقَدْ سَكَبَتِ العِطْرَ عَلَى جَسَدِي لِتُعِدَّهُ لِلدَفْنِ. أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ: حَيْثُمَا أُعلِنَتْ هَذِهِ البِشَارَةُ فِي العَالَمِ، سَيُحَدَّثُ أيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ المَرْأةُ، لِيَتَذَكَّرَهَا الجَمِيعُ.» حِينَئِذٍ ذَهَبَ أحَدُ الِاثنَيْ عَشْرَ، وَاسْمُهُ يَهُوذَا الإسْخَريُوطِيُّ، إلَى كِبَارِ الكَهَنَةِ، وَقَالَ لَهُمْ: «مَاذَا تُعطُونَنِي إنْ سَلَّمْتُ يَسُوعَ إلَيكُمْ؟» فَقَدَّمُوا إلَيْهِ ثَلَاثِينَ قِطعَةً مِنَ الفِضَّةِ. وَمِنْ تِلْكَ اللَّحْظَةِ ابتَدَأ يَهُوذَا يَبْحَثُ عَنْ فُرصَةٍ مُنَاسِبَةٍ لِتَسْلِيمِ يَسُوعَ إلَيْهِمْ. وَفِي أوَّلِ أيَّامِ عِيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ، جَاءَ إلَيْهِ التَّلَامِيذُ وَقَالُوا لَهُ: «أيْنَ تُرِيدُنَا أنْ نُعِدَّ لَكَ طَعَامَ الفِصْحِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «اذْهَبُوا إلَى فُلَانٍ فِي القَريَةِ، وَقُولُوا لَهُ: ‹المُعَلِّمُ يَقُولُ: وَقْتِي المُعَيَّنُ قَدِ اقْتَرَبَ، وَسَأحتَفِلُ بِالفِصْحِ مَعَ تَلَامِيذِي فِي بَيْتِكَ.›» فَفَعَلَ التَّلَامِيذُ كَمَا أخبَرَهُمْ يَسُوعُ، وَأعَدُّوا عَشَاءَ الفِصْحِ. وَعِنْدَمَا جَاءَ المَسَاءُ، كَانَ يَسُوعُ مُتَّكِئًا أمَامَ المَائِدَةِ مَعَ تَلَامِيذِهِ الِاثنَيْ عَشْرَ. وَبَيْنَمَا كَانُوا يَأْكُلُونَ قَالَ لَهُمْ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: سَيَخُونُنِي وَاحِدٌ مِنْكُمْ.» فَحَزِنُوا وَابْتَدَأُوا يَسَألُونَهُ وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ: «أهُوَ أنَا يَاَ رَبُّ؟» فَأجَابَ يَسُوعُ: «الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الطَّبَقِ، هُوَ مَنْ يُسَلِّمُنِي. إنَّ ابْنَ الإنْسَانِ مَاضٍ وَفْقًا لِمَا هُوَ مَكتوبٌ عَنْهُ، لَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَخُونُ ابْنَ الإنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لَهُ لَوْ أنَّهُ لَمْ يُولَدْ قَطُّ!» فَسَألَهُ يَهُوذَا الَّذِي كَانَ سَيَخُونُهُ: «أهُوَ أنَا يَا مُعَلِّمُ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أنْتَ هُوَ كَمَا قُلْتَ!» وَبَيْنَمَا كَانُوا يَأْكُلُونَ، أخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ اللهَ، وَقَسَّمَهُ وَأعْطَى التَّلَامِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا، فَهَذَا هُوَ جَسَدِي.» ثُمَّ أخَذَ كَأسَ نَبِيذٍ، وَشَكَرَ، وَأعْطَاهَا لَهُمْ وَقَالَ: «اشْرَبُوا مِنْ هَذَهِ كُلُّكُمْ. لِأنَّ هَذَا هُوَ دَمِي، دَمُ العَهْدِ الَّذِي يُسفَكُ مِنْ أجْلِ كَثِيرِينَ، لِمَغفِرَةِ خَطَايَاهُمْ. وَأقُولُ لَكُمْ إنِّي لَنْ أشرَبَ هَذَا النَّبِيذَ حَتَّى ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي فِيهِ أشرَبُهُ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أبِي.» بَعْدَ ذَلِكَ، رَتَّلُوا بَعْضَ التَرَاتيلِ، وَخَرَجُوا إلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كُلُّكُمْ سَتَفْقِدُونَ إيمَانَكُمْ بِي اللَّيلَةَ. لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ: ‹سَأضْرِبُ الرَّاعِي، فَتَتَشَتَّتُ خِرَافُ القَطِيعِ.› وَلَكِنْ بَعْدَ أنْ أقُومَ مِنَ المَوْتِ، فَإنِّي سَأسبِقُكُمْ إلَى الجَلِيلِ.» فَأجَابَهُ بُطرُسُ: «حَتَّى لَوْ فَقَدَ الجَمِيعُ إيمَانَهُمْ بِكَ، فَأنَا لَا يُمْكِنُ أنْ أفقِدَ إيمَانِيَ بِكَ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الحَقَّ أقُولُ لَكَ، فِي هَذِهِ اللَيلَةِ، وَقَبْلَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ، سَتُنكِرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.» فَقَالَ لَهُ بُطرُسُ: «حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيَّ أنْ أمُوتَ مَعَكَ، فَإنِّي لَنْ أُنكِرَكَ!» وَقَالَ جَمِيعُ التَّلَامِيذِ مِثْلَ هَذَا الكَلَامِ. حِينَئِذٍ ذَهَبَ يَسُوعُ مَعَهُمْ إلَى مَكَانٍ يُدْعَى جَثْسَيمَانِي، وَقَالَ لِلتَّلَامِيذِ: «اجلِسُوا هُنَا بَيْنَمَا أذْهَبُ إلَى هُنَاكَ لِأُصَلِّيَ.» وَأخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَي زَبَدِي، وَابْتَدَأ يَشْعُرُ بِالحُزنِ وَالانْزِعَاجِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «حُزنِي شَدِيدٌ جِدًّا حَتَّى إنَّهُ يَكَادُ يَقْتُلُنِي! ابقُوا هُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي.» وَابْتَعَدَ يَسُوعُ عَنْهُمْ قَلِيلًا، وَسَجَدَ وَوَجْهُهُ إلَى الأرْضِ وَبَدَأ يُصَلِّي: «يَا أبِي، إنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَلتَتَجَاوَزْنِي هَذِهِ الكَأسُ . لَكِنْ لَيْسَ كَمَاَ أُريدُ أنَا، بَلْ كَمَا تُرِيدُ أنْتَ.» وَجَاءَ إلَى تَلَامِيذِهِ، فَوَجَدَهُمْ نَائِمِينَ، فَقَالَ لِبُطرُسَ: «أهَكَذَا لَمْ تَقْدِرُوا أنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اسْهَرُوا وَصَلُّوا لِكَي لَا تُجَرَّبُوا. رُوحُكُمْ تَسْعَى إلَى ذَلِكَ، أمَّا جَسَدُكُمْ فَضَعِيفٌ.» وَابْتَعَدَ ثَانِيَةً لِيُصَلِّيَ، فُقَالَ: «يَا أبِي، إنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ المُمْكِنِ عُبُورُ هَذِهِ الكَأسِ عَنِّي، بَلْ يَنْبَغِي أنْ أشرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ.» ثُمَّ عَادَ ثَانِيَةً فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، لِأنَّ النُّعَاسَ أثقَلَ عُيُونَهُمْ. فَتَرَكَهُمْ وَذَهَبَ مَرَّةً ثَالِثَةً لِيُصَلِّيَ، فَقَالَ الكَلِمَاتِ نَفْسَهَا الَّتِي قَالَهَا أوَّلًا. ثُمَّ عَادَ إلَى التَّلَامِيذِ وَقَالَ لَهُمْ: «أمَا زِلْتُمْ نَائِمينَ وَمُسْتَرِيحِينَ؟ هَا إنَّ الوَقْتَ قَدْ حَانَ، وَسَيُسَلَّمُ ابْنُ الإنْسَانِ لِأيدِي الخُطَاةِ. قُومُوا وَلنَذهَبْ. هَا قَدِ اقْتَرَبَ الرَّجُلُ الَّذِي خَانَنِي.» وَبَيْنَمَا كَانَ مَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ، ظَهَرَ يَهُوذَا أحَدُ الِاثنَيْ عَشْرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَبيرٌ يَحْمِلُونَ سُيُوفًا وَهَرَاوَاتٍ، قَدْ أرسَلَهُمْ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ. وَكَانَ الخَائِنُ قَدْ أعطَاهُمْ عَلَامَةً وَقَالَ: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ الرَّجُلُ المَطلُوبُ، فَاقبِضُوا عَلَيْهِ.» فَاقْتَرَبَ حَالًا مِنْ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «أُحَيّيكَ يَا مُعَلِّمُ!» وَقَبَّلَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا صَدِيقُ، اعمَلْ مَا جِئْتَ لِأجْلِهِ.» حِينَئِذٍ اقْتَرَبُوا وَأمسَكُوا بِيَسُوعَ وَقَبَضُوا عَلَيْهِ. فَمَدَّ أحَدُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ يَسُوعَ يَدَهُ، وَاسْتَلَّ سَيفَهُ، وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذُنَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أرجِعْ سَيفَكَ إلَى مَكَانِهِ. فَكُلُّ مَنْ يَقْتُلُ بِالسَّيفِ، بِالسَّيفِ سَيُقتَلُ. ألَا تُدرِكُونَ أنَّنِي أسْتَطِيعُ أنْ أدعُوَ الآبَ، وَهُوَ سَيُرسِلُ لِي أكْثَرَ مِنِ اثنَتي عَشْرَةَ فِرقَةً مِنَ المَلَائِكَةِ حَالًا؟ لَكِنْ، إنْ فَعلْتُ، كَيْفَ سَتَتَحَقَّقُ الكُتُبُ الَّتِي أعَلَنَتْ أنَّ هَذِهِ الأُمورَ سَتَحْدُثُ هَكَذَا.» وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ قَالَ يَسُوعُ لِلجُمُوعِ: «هَلْ خَرَجتُمْ عَلَيَّ بِالسُّيُوفِ وَالهَرَاوَاتِ كَمَا تَخْرُجُونَ عَلَى مُجرِمٍ؟ كُنْتُ أجْلِسُ كُلَّ يَوْمٍ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ لِأُعَلِّمَ، وَلَمْ تَقْبِضُوا عَلَيَّ! وَلَكِنَّ هَذَا حَدَثَ لِيَتِمَّ مَا كَتَبَهُ الأنْبِيَاءُ.» ثُمَّ تَخَلَّى عَنْهُ جَمِيعُ التَّلَامِيذِ وَهَرَبُوا! بَعْدَ ذَلِكَ، اقْتَادَهُ الَّذِينَ قَبَضُوا عَلَيْهِ إلَى بَيْتِ قِيَافَا رَئِيسِ الكَهَنَةِ، حَيْثُ اجتَمَعَ مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالشُّيُوخُ. أمَّا بُطرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَدَخَلَ إلَى سَاحَةِ بَيْتِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ. فَدَخَلَ وَجَلَسَ مَعَ الحُرَّاسِ لِيَرَى مَاذَا سَيَحْدُثُ فِي النِّهَايَةِ. وَكَانَ كِبَارُ الكَهَنَةِ، وَجَمِيعُ أعضَاءِ مَجلِسِ اليَهُودِ يَبْحَثُونَ عَنْ شَهَادَةِ زُورٍ ضِدَّ يَسُوعَ لِكَي يَقْتُلُوهُ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا، مَعَ أنَّهُ تَقَدَّمَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ وَقَالُوا عَنْهُ أكَاذِيبَ. وَأخِيرًا تَقَدَّمَ رَجُلَانِ، وَقَالَا: «هَذَا الرَّجُلُ قَالَ: ‹أسْتَطِيعُ أنْ أهدِمَ هَيكَلَ اللهِ وَأبنِيَهُ فِي ثَلَاثَةِ أيَّامٍ.›» فَوَقَفَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ وَقَالَ: «ألَنْ تُدَافِعَ عَنْ كُلِّ الاتِّهَامَاتِ الَّتِي يَتَّهِمُكَ بِهَا هَذَانِ الرَّجُلَانِ؟» أمَّا يَسُوعُ فَبَقِيَ صَامِتًا. فَقَالَ لَهُ رَئِيسُ الكَهَنَةِ: «أُنَاشِدُكَ بِاسْمِ اللهِ الحَيِّ أنْ تُخبِرَنَا إنْ كُنْتَ أنْتَ المَسِيحَ ابْنَ اللهِ.» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «نَعَمْ أنَا هُوَ كَمَا قُلْتَ. وَأقُولُ لَكُمْ: مِنَ اليَوْمِ فَصَاعِدًا، سَتَرَوْنَ ابْنَ الإنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ عَرْشِ اللهِ، وَآتِيًا عَلَى سُحُبِ السَّمَاءِ.» حِينَئِذٍ مَزَّقَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «لَقَدْ أهَنْتَ اللهَ، فَمَا الحَاجَةُ بَعْدُ إلَى شُهُودٍ؟ فَقَدْ سَمِعْتُمُ الآنَ إهَانَتَهُ للهِ. فَبِمَاذَا تَحْكُمُونَ؟» فَأجَابُوهُ: «إنَّهُ يَسْتَحِقُّ المَوْتَ.» حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ، وَضَرَبُوهُ بِقَبْضَاتِهِمْ وَلَطَمُوهُ. وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: «تَنَبَّأ لَنَا أيُّهَا المَسِيحُ، مَنِ الَّذِي ضَرَبَكَ؟» فِي هَذِهِ الأثنَاءِ، كَانَ بُطرُسُ جَالِسًا فِي السَّاحَةِ فِي الخَارِجِ. فَجَاءَتْ إلَيْهِ خَادِمَةُ رَئِيسِ الكَهَنَةِ وَقَالَتْ: «أنْتَ أيْضًا كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ الجَلِيلِيِّ.» لَكِنَّ بُطْرُسَ أنكَرَ هَذَا أمَامَ الجَمِيعِ وَقَالَ: «لَا أفهَمُ مَا تَقُولِينَ!» ثُمَّ خَرَجَ إلَى بَوَّابَةِ السَّاحَةِ، فَقَالَتْ خَادِمَةٌ أُخْرَى لِمَنْ كَانُوا هُنَاكَ: «هَذَا الرَّجُلُ كَانَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ.» فَأنكَرَ بُطرُسُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، وَأقسَمَ وَقَالَ: «إنِّي لَا أعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ.» وَبَعْدَ قَلِيلٍ، جَاءَ إلَيْهِ الوَاقِفِونَ هُنَاكَ وَقَالُوا لَهُ: «أنْتَ فِعلًا وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَلَهجَتُكَ تَكْشِفُ أنَّكَ جَلِيلِيٌّ.» حِينَئِذٍ ابتَدَأ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ وَيَقُولُ: «إِنِّي لَا أعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ.» وَفِي الحَالِ صَاحَ الدِّيكُ. حِينَئِذٍ تَذَكَّرَ بُطرُسُ الكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ لَهُ: «سَتُنكِرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ،» فَخَرَجَ وَبَكَى بِمَرَارَةٍ شَدِيدَةٍ. وَفِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، اجتَمَعَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ، وَتَشَاوَرُوا لِكَي يَقْتُلُوا يَسُوعَ. فَقَيَّدُوهُ وَاقتَادُوهُ وَسَلَّمُوهُ إلَى الوَالي بِيلَاطُسَ. فَلَمَّا رَأى يَهُوذَا الَّذِي خَانَ يَسُوعَ، أنَّهُمْ قَرَّرُوا الحُكْمَ عَلَى يَسُوعَ بِالمَوْتِ، نَدِمَ عَلَى مَاَ فَعَلَهُ. فَأعَادَ الثَّلَاثِينَ قِطعَةً مِنَ الفِضَّةِ إلَى كِبَارِ الكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ، وَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أخْطَأتُ بِتَسْلِيمِي شَخْصًا بَرِيئًا لِيُقتَلَ.» فَقَالُوا لَهُ: «مَا عَلَاقَةُ هَذَا بِنَا؟ تَدَبَّرْ هَذَا الأمْرَ بِنَفْسِكَ.» فَألقَى يَهُوذَا قِطَعَ النَّقْدِ فِي الهَيْكَلِ ثُمَّ غَادَرَ، وَذَهَبَ وَشَنَقَ نَفْسَهُ. فَأخَذَ كِبَارُ الكَهَنَةِ قِطَعَ النَّقْدِ وَقَالُوا: «لَيْسَ مَسْمُوحًا بِأنْ نَضَعَ هَذَا المَالَ فِي خَزِينَةِ الهَيْكَلِ لِأنَّهُ ثَمَنُ حَيَاةِ إنْسَانٍ.» فَقَرَّرُوا أنْ يَشْتَرُوا بِهِ حَقلَ الفَخَّارِيِّ لِيَكُونَ مَقبَرَةً لِلغُرَبَاءِ. وَلِهَذَا يُعرَفُ الحَقلُ بِاسْمِ «حَقْلِ الدَّمِ» إلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَبِهَذَا تَمَّ مَا قَالَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ إرمِيَا النَّبِيِّ: «أخَذُوا الثَّلَاثِينَ قِطعَةً مِنَ الفِضَّةِ، وَهُوَ الثَّمَنُ الَّذِي اتَّفَقَ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى دَفعِهِ. وَاشتَرَوْا بِهِ حَقْلِ الفَخَّارِيِّ، كَمَا أمَرَنِي الرَّبُّ.» وَوَقَفَ يَسُوعُ أمَامَ الوَالِي، فَسَألَهُ: «هَلْ أنْتَ مَلِكُ اليَهُودِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «هُوَ كَمَا قُلْتَ بِنَفْسِكَ.» وَعِنْدَمَا كَانَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْطِقْ بِشَيءٍ. ثُمَّ سَألَهُ بِيلَاطُسُ: «ألَا تَسْمَعُ هَذِهِ التُّهَمَ الكَثِيرَةَ الَّتِي يَتَّهِمُونَكَ بِهَا؟» وَلَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يُعطِ بيلَاطُسَ رَدًّا علَى أيِّ كَلَامٍ اتَّهَموهُ بِهِ. فَكَانَ بِيلَاطُسُ يَتَعَجَّبُ مِنْ صَمتِهِ. وَكَانَ الوَالِي مُعتَادًا فِي عِيدِ الفِصْحِ أنْ يُطلِقَ للنَّاسِ سَجِينًا يَختَارُونَهُ. وَكَانَ هُنَاكَ سَجِينٌ مَشهُورٌ بِشَرِّهِ، اسْمُهُ بَارَابَاسُ. فعِنْدَمَا اجتَمَعَ النَّاسُ، قَالَ بِيلَاطُسُ لَهُمْ: «مَنْ تُرِيدُونَ أنْ أُطلِقَ لَكُمْ: يَسُوعَ المَدعُوَّ المَسِيحَ، أمْ بَارَابَاسَ؟» فَقَدْ عَرَفَ بِيلَاطُسُ أنَّهُمْ سَلَّمُوا يَسُوعَ إلَيْهِ بِسَبَبِ حَسَدِهِمْ. وَبَيْنَمَا كَانَ بِيلَاطُسُ جَالِسًا عَلَى كُرسِيِّ القَضَاءِ، أرسَلَتْ زَوْجَتُهُ إلَيْهِ رِسَالَةً تَقُولُ: «لَا تَفْعَلْ شَرًّا بِهَذَا الرَّجُلِ البَرِيءِ، لِأنِّي كُنْتُ مُنزَعِجَةً طَوَالَ اللَّيلِ بِسَبَبِ حُلْمٍ يَخُصُّهُ.» وَلَكِنَّ كِبَارَ الكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ أقنَعُوا جُمُوعَ النَّاسِ بِأنْ يَطْلُبُوا إطلَاقَ سَرَاحِ بَارَابَاسَ، وَقَتْلَ يَسُوعَ. فَقَالَ الوَالِي: «أيُّ الِاثنَيْنِ تُرِيدُونَ أنْ أُطلِقَ لَكُمْ؟» فَقَالُوا: «بَارَابَاسَ.» فَسَألَهُمْ بِيلَاطُسُ: «فَمَاذَا أصنَعُ بِيَسُوعَ المَدعُوِّ المَسِيحِ؟» فَأجَابُوا جَمِيعًا: «فَلْيُصلَبْ.» فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «لِمَاذَا؟ مَا جَريمَتُهُ؟» لَكِنَّهُمْ صَرَخُوا أكْثَرَ: «لِيُصلَبْ.» وَلَمَّا رَأى بِيلَاطُسُ أنْ لَا فَائِدَةَ مِنْ مُحَاوَلَتِهِ، بَلْ إنَّ الفَوضَى قَدْ بَدَأتْ، أخَذَ بَعْضَ المَاءِ وَغَسَلَ بِهِ يَدَيهِ أمَامَ الجَمْعِ وَقَالَ: «أنَا غَيْرُ مَسؤُولٍ عَنْ مَوْتِ هَذَا الرَّجُلِ، إنَّهَا مَسؤُولِيَّتُكُمْ أنْتُمْ.» فَقَالَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أوْلَادِنَا.» حِينَئِذٍ أطلَقَ بِيلَاطُسُ بَارَابَاسَ لَهُمْ، وَأمَرَ بِأنْ يُجلَدَ يَسُوعُ، وَأسلَمَهُ لِيُصلَبَ. ثُمَّ اقْتَادَ جُنُودُ الوَالِي يَسُوعَ إلَى قَصْرِ الوِلَايَةِ، وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كَتيبَةَ الحُرَّاسِ، فَنَزَعُوا ثِيَابَهُ ثُمَّ ألبَسُوهُ رِدَاءً قِرمِزيَ اللَّونِ. وَجَدَلُوا لَهُ تَاجًا مِنْ أغْصَانٍ شَائِكَةٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأسِهِ، وَوَضَعُوا قَصَبَةً فِي يَدِهِ اليُمْنَى، وَسَجَدُوا أمَامَهُ مُسْتَهْزِئينَ وَهُمْ يَقُولُونَ: «يَعِيشُ مَلِكُ اليَهُودِ!» ثُمَّ بَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأخَذُوا القَصَبَةَ مِنْ يَدِهِ، وَبَدأُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأسِهِ. وَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ السُّخرِيَةِ بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الثَّوبَ، وَألبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَخَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. فَلَمَّا خَرَجُوا، وَجَدُوا رَجُلًا مِنْ مَدِينَةِ قِيرِينَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، فَأجبَرُوهُ عَلَى حَمْلِ الصَّلِيبِ. وَعِنْدَمَا وَصَلُوا إلَى مَكَانٍ يُعرَفُ بِاسْمِ «الجُلْجُثَةَ،» أيْ «مَكَانَ الجُمْجُمَةِ،» أعطُوا يَسُوعَ نَبِيذًا مَمْزُوجًا بِمَادَةٍ مُرَّةٍ لِيَشْرَبَهُ. فَلَمَّا ذَاقَهُ، رَفَضَ أنْ يَشْرَبَ. وَلَمَّا صَلَبُوا يَسُوعَ، قَسَّمُوا ثِيَابَهُ عَلَيْهِمْ، وَألقَوْا قُرعَةً بَيْنَهُمْ. ثُمَّ جَلَسُوا هُنَاكَ يَحْرُسُونَهُ. وَعَلَّقُوا فَوْقَ رَأسِهِ لَافِتَةً كُتِبَ عَلَيْهَا: «هَذَا يَسُوعُ، مَلِكُ اليَهُودِ،» بِاعتِبَارِهَا تُهمَتَهُ. وَصُلِبَ مَعَ يَسُوعَ مُجرِمَانِ، وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ. وَكَانَ المَارُّونَ يَشْتِمُونَهُ، وَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ: «أنْتَ يَا مَنْ سَتَهْدِمُ الهَيْكَلَ وَتَبْنِيهِ فِي ثَلَاثَةِ أيَّامٍ، إنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ، وَانزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» وَكَذَلِكَ سَخِرَ بِهِ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالشُّيُوخُ وَقَالُوا: «خَلَّصَ غَيْرَهُ، لَكِنَّهُ لَا يَسْتِطِيعُ أنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ! هُوَ مَلِكُ بَنِي إسْرَائِيلَ! فَلْيَنْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ الآنَ فَنُؤْمِنَ بِهِ! وَضَعَ ثِقَتَهُ بِاللهِ، فَلْيُنقِذْهُ اللهُ الآنَ إنْ أرَادَهُ فِعلًا. أفَلَمْ يَقُلْ: ‹أنَا ابْنُ اللهِ›؟» وَكَذَلِكَ المُجرِمَانِ المَصلُوبَانِ مَعْهُ كَانَا يَشْتِمَانِهِ بِكَلَامٍ مُشَابِهٍ. وَمِنَ السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ ظُهْرًا، خَيَّمَ الظَّلَامُ عَلَى كُلِّ الأرْضِ حَتَّى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهرِ. وَنَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ: «إيلِي، إيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟» أيْ: «إلَهي، إلَهي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» وَلَمَّا سَمِعَهُ بَعْضُ الوَاقِفِينَ هُنَاكَ، قَالُوا: «إنَّهُ يُنَادِي إيلِيَّا!» ثُمَّ أسرَعَ أحَدُ الوَاقِفِينَ هُنَاكَ، وَأخَذَ إسْفَنجَةً وَغَمَسَهَا بِالخَلِّ، وَوَضَعَهَا عَلَى قَصَبَةٍ طَويلَةٍ، وَقَدَّمَهَا لَهُ لِيَشْرَبَ. أمَّا البَاقُونَ فَكَانُوا يَقُولُونَ: «لِنَنتَظِرْ وَنَرَ إنْ كَانَ إيلِيَّا سَيَأْتِي لِيُنقِذَهُ!» ثُمَّ صَرَخَ يَسُوعُ ثَانِيَةً بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ، وَأسلَمَ الرُّوحَ. فَانشَقَّتْ سِتَارَةُ الهَيْكَلِ إلَى نِصْفَينِ مِنْ فَوقٍ إلَى أسفَلِ، وَاهتَزَّتِ الأرْضُ، وَتَشَقَّقَتِ الصُّخُورُ، وَانفَتَحَتِ القُبُورُ، وَقَامَتْ أجسَادُ كَثِيرِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ مَاتُوا. وَبَعْدَ أنْ قَامَ يَسُوعُ، خَرَجَتْ تِلْكَ الأجسَادُ مِنْ قُبُورِهَا، وَدَخَلَتْ إلَى المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ، وَظَهَرَتْ لِكَثِيرِينَ. أمَّا الضَّابِطُ الرُّومَانِيُّ، وَالحُرَّاسُ الَّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ جَسَدَ يَسُوعَ، فَلَمَّا رَأوْا الزَّلْزَلَةَ وَالأحْدَاثَ الأُخرَى، ارتَعَبُوا جِدًّا وَقَالُوا: «كَانَ هَذَا حَقًّا ابْنَ اللهِ!» وَكَانَتْ هُنَاكَ نِسَاءٌ يَقِفْنَ وَيَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، وَكُنَّ قَدْ تَبِعْنَ يَسُوعَ مِنَ الجَلِيلِ لِيَخْدِمْنَهُ. فَمِنْهُنَّ مَريَمُ المَجْدَلِيَّةُ، وَمَريَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ، وَكَذَلِكَ أُمُّ ابْنَي زَبَدِيّ. وَعِنْدَمَا جَاءَ المَسَاءُ، جَاءَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ رَجُلٌ غَنِيٌّ اسْمُهُ يُوسُفُ، وَهُوَ مِنْ بَلْدَةِ الرَّامَةِ. وَقَدْ كَانَ هُوَ أيْضًا تِلْمِيذًا لِيَسُوعَ. فَذَهَبَ إلَى بِيلَاطُسَ وَطَلَبَ مِنْهُ جَسَدَ يَسُوعَ. فَأمَرَ بِيلَاطُسُ بِإعطَائِهِ الجَسَدَ. فَأخَذَ يُوسُفُ الجَسَدَ وَلَفَّهُ بِقُمَاشٍ جَدِيدٍ مِنَ الكَتَّانِ، ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ الجَدِيدِ الَّذِي كَانَ قَدْ حَفَرَهُ فِي الصَّخْرِ، ثُمَّ دَحرَجَ حَجَرًا ضَخْمًا عَلَى مَدْخَلِ القَبْرِ وَذَهَبَ. وَكَانَتْ مَريَمُ المَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ الأُخرَى جَالِسَتَيْنِ مُقَابِلَ القَبْرِ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، بَعْدَ أنِ انْتَهَى يَوْمُ الجُمُعَةِ، اجتَمَعَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ مَعَ بِيلَاطُسَ، وَقَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ، نَتَذَكَّرُ أنَّ هَذَا المُضِلَّ قَالَ قَبْلَ أنْ يَموتَ: ‹سَأقُومُ مِنَ المَوْتِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ.› فَأصدِرْ أمْرًا بِحِرَاسَةِ القَبْرِ حَتَّى اليَوْمِ الثَّالِثِ، حَتَّى لَا يَأْتِيَ تَلَامِيذُهُ وَيَسْرِقُوا الجَسَدَ ثُمَّ يَقُولُوا للنَّاسِ: ‹لَقَدْ قَامَ مِنَ المَوْتِ.› فَيَكُونَ هَذَا الضَّلَالُ أسوَأَ مِنَ الضَّلَالِ الأوَّلِ.» فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «خُذُوا حُرَّاسًا مِنَ الجُنْدِ، وَاذْهَبُوا وَتَأكَّدُوا مِنْ كُلَّ شَيءٍ بِمَعْرِفَتِكُمْ.» فَذَهَبُوا وَضَبَطُوا القَبْرِ. وَوَضَعُوا خَتْمًا عَلَى الحَجَرِ، كَمَا أقَامُوا حُرَّاسًا مِنَ الجُنْدِ عَلَيْهِ. وَبَعْدَ انتِهَاءِ يَوْمِ السَّبْتِ، فِي أوَّلِ يَوْمٍ فِي الأُسبُوعِ، جَاءَتْ مَريَمُ المَجْدَلِيَّةُ، وَمَريَمُ الأُخرَى إلَى القَبْرِ. فَحَدَثَتْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ هِزَّةٌ أرْضِيَّةٌ قَوِيَّةٌ، لِأنَّ مَلَاكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَذَهَبَ إلَى القَبْرِ وَدَحرَجَ الحَجَرَ عَنِ البَابِ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنظَرُهُ لَامِعًا كَالبَرقِ، وَثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالثَّلْجِ. فَخَافَ الحُرَّاسُ مِنْهُ جِدًّا وَصَارُوا كَأمْوَاتٍ. وَقَالَ المَلَاكُ لِلمَرأتَيْنِ: «لَا تَخَافَا، أعْرِفُ أنَّكُمَا تَبْحَثَانِ عَنْ يَسُوعَ الَّذِي صُلِبَ. إنَّهُ لَيْسَ مَوجُودًا هُنَا، فَقَدْ قَامَ مِنَ المَوْتِ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ. تَعَالَيَا وَانظُرَا المَكَانَ الَّذِي كَانَ فِيهِ، ثُمَّ اذهَبَا سَرِيعًا إلَى تَلَامِيذِهِ وَقُولَا لَهُمْ: قَدْ قَامَ مِنَ المَوْتِ، وَسَيَسْبِقُكُمْ إلَى الجَلِيلِ، وَسَتَرَوْنَهُ هُنَاكَ. هَا أنَا قَدْ أخبَرْتُكُمَا.» حِينَئِذٍ غَادَرَتِ المَرأتَانِ القَبْرَ سَرِيعًا وَقَدِ اخْتَلَطَ خَوفُهُمَا بِفَرَحٍ كَبيرٍ، وَرَكَضَتَا لِتُخبِرَا تَلَامِيذَ يَسُوعَ بِمَا حَدَثَ. وَفَجْأةً التَقَاهُمَا يَسُوعُ، وَقَالَ: «سَلَامٌ.» فَاقْتَرَبَتَا إلَيْهِ، وَأمسَكَتَا بِقَدَميهِ، وَسَجَدَتَا لَهُ. فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لَا تَخَافَا، اذهَبَا وَأخبِرَا إخْوَتِي بِأنْ يَذْهَبُوا إلَى الجَلِيلِ، فَسَيَروْنَنِي هُنَاكَ.» وَبَيْنَمَا كَانَتِ المَرأتَانِ فِي طَرِيقِهِمَا، ذَهَبَ بَعْضُ الحُرَّاسِ إلَى المَدِينَةِ، وَأخبَرُوا كِبَارَ الكَهَنَةِ بِكُلِّ مَاَ حَدَثَ. فَاجتَمَعَ كِبَارُ الكَهَنَةِ بِالشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أعطُوا الجُندَ مَالًا كَثِيرًا، وَقَالُوا لَهُمْ: «أشِيعُوا بَيْنَ النَّاسِ أنَّ تَلَامِيذَ يَسُوعَ جَاءُوا فِي اللَّيلِ وَسَرَقُوا جَسَدَهُ بَيْنَمَا أنْتُمْ نِيَامٌ. وَإنْ وَصَلَ هَذَا الخَبَرُ إلَى الوَالِي، فَإنَّنَا سَنُقنِعُهُ، وَنُبقِيكُمْ آمِنينَ.» فَأخَذَ الجُنُودُ المَالَ، وَعَمِلُوا كَمَا قِيلَ لَهُمْ. وَهَكَذَا انتَشَرَتْ هَذِهِ القِصَّةُ بَيْنَ اليَهُودِ إلَى هَذَا اليَوْمِ. وَذَهَبَ الأحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذًا إلَى الجَلِيلِ، إلَى الجَبَلِ الَّذِي أخبَرَهُمْ يَسُوعُ أنْ يَذْهَبُوا إلَيْهِ. وَعِنْدَمَا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ، مَعَ أنَّهُ كَانَتْ لَدَى بَعْضِهِمْ شُكُوكٌ. فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ إلَيْهِمْ وَقَالَ: «أُعْطِيَ لِي كُلُّ سُلطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأرْضِ. فَاذهَبُوا، وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ أُمَمِ الأرْضِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ القُدُسِ، وَعَلِّمُوهُمْ أنْ يُطِيعُوا كُلَّ مَا أوصَيتُكُمْ بِهِ. وَتَذَكَّرُوا أنِّي سَأكُونُ مَعَكُمْ دَائِمًا، وَإلَى نِهَايَةِ الدَّهْرِ.» هَذِهِ بِدَايَةُ البِشَارَةِ عَنْ يَسُوعَ المَسِيحِ ابْنِ اللهِ. فَكَمَا هُوَ مَكتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ: «هَا أنَا أُرسِلُ رَسُولِي قُدَّامَكَ. لِيُعِدَّ الطَّرِيقَ.» «صَوْتُ إنْسَانٍ يُنَادِي فِي البَرِّيَّةِ وَيَقُولُ: ‹أعِدُّوا الطَّرِيقَ للرَّبِّ. اجعَلُوا السُّبُلَ مُسْتَقِيمَةً مِنْ أجْلِهِ.›» جَاءَ يُوحَنَّا المَعْمَدَانُ يُعَمِّدُ فِي البَرِّيَّةِ، وَيُطَالِبُ النَّاسَ بِأنْ يَتَعَمَّدُوا كَدَلِيلٍ عَلَى تَوْبَتِهِمْ لِغُفرَانِ الخَطَايَا. وَخَرَجَ إلَيْهِ جَمِيعُ سُكَّانِ قُرَى إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ، وَمَدينَةِ القُدْسِ. وَكَانَ يُعَمِّدُهُمْ فِي نَهْرِ الأُرْدُنِّ بَعْدَ أنْ يَعْتَرِفُوا بِخَطَايَاهُمْ. كَانَتْ ثِيَابُهُ مِنْ وَبَرِ الجِمَالِ، وَعَلَى وَسْطِهِ حِزَامٌ مِنْ جِلْدٍ، وَيَأْكُلُ الجَرَادَ وَالعَسَلَ البَرِّيَّ. وَكَانَ يُعلِنُ وَيَقُولُ: «سَيَأْتِي بَعدِي رَجُلٌ أعْظَمُ مِنِّي، وَأنَا لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أنْ أنحَنِيَ وَأحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ. أنَا عَمَّدُتُكُمْ فِي المَاءِ، أمَّا هُوَ فَسَيُعَمِّدُكُمْ فِي الرُّوحِ القُدُسِ.» وَفِي تِلْكَ الأيَّامِ، جَاءَ يَسُوعُ مِنْ بَلْدَةِ النَّاصِرَةِ الَّتِي فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ، وَتَعَمَّدَ عَلَى يَدِ يُوحَنَّا فِي نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَفِي لَحظَةِ خُرُوجِهِ مِنَ المَاءِ، رَأى السَّمَاءَ مَفتُوحَةً، وَرَأى الرُّوحَ القُدُسَ نَازِلًا عَلَيْهِ عَلَى هَيئَةِ حَمَامَةٍ. وَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: «هَذَا هُوَ ابنِي المَحبُوبُ الَّذِي أنَا رَاضٍ عَنْهُ كُلَّ الرِّضَا.» وَاقتَادَ الرُّوحُ يَسُوعَ إلَى البَرِّيَّةِ وَحْدَهُ. وَبَقِيَ هُنَاكَ أرْبَعِينَ يَومًا فِي مُواجَهَةِ تَجَارِبِ الشَّيطَانِ. كَانَ هُنَاكَ مَعَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ، وَكَانَتِ المَلَائِكَةُ تَخْدِمُهُ. وَبَعْدَ أنِ اعْتُقِلَ يُوحَنَّا، جَاءَ يَسُوعُ إلَى إقْلِيمِ الجَلِيلِ، وَابْتَدَأ يُعلِنُ بِشَارَةَ اللهِ وَيَقُولُ: «قَدْ حَانَ الوَقْتُ، وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِهَذِهِ البِشَارَةِ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَمْشِي عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ، رَأى سِمْعَانَ وَأخَاهُ أندْرَاوُسَ يُلقِيَانِ الشَّبَكَةَ فِي البُحَيرَةِ، فَقَدْ كَانَا صَيَّادَي سَمَكٍ. فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «اتبَعَانِي فَأجعَلَكُمَا تَصِيرَانِ صَيَّادَينِ لِلنَّاسِ.» فَتَرَكَا شِبَاكَهُمَا حَالًا وَتَبِعَاهُ. ثُمَّ سَارَ قَلِيلًا، فَرَأى يَعْقُوبَ بْنَ زَبَدِيّ وَأخَاهُ يُوحَنَّا وَهُمَا فِي قَارِبِهِمَا يُجَهِّزَانِ الشِّبَاكَ. فدَعَاهُمَا يَسُوعُ، فَتَرَكَا أبَاهُمَا زَبَدِي فِي القَارِبِ مَعَ العُمَّالِ وَتَبِعَاهُ. ثُمَّ ذَهَبُوا إلَى كَفْرِنَاحُومَ، وَدَخَلَ يَسُوعُ إلَى المَجْمَعِ يَوْمَ السَّبْتِ وَابْتَدَأ يُعَلِّمُ. فَذُهِلُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لِأنَّهُ عَلَّمَهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ، وَلَيْسَ كَمُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ. وَكَانَ فِي المَجْمَعِ رَجُلٌ فِيهِ رُوحٌ نَجِسٌ. فَصَرَخَ الرُّوحُ: «مَاذَا تُرِيدُ مِنَّا يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ هَلْ جِئْتَ لِكَي تُهلِكَنَا؟ أنَا أعْرِفُ مَنْ تَكُونُ، أنْتَ قُدُّوسُ اللهِ.» فَوَبَّخَهُ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «اخرَسْ وَاخرُجْ مِنْهُ!» فَأدخَلَ الرُّوحُ النَّجِسُ الرَّجُلَ فِي نَوبَةٍ مِنَ التَّشَنُّجَاتِ، ثُمَّ صَرَخَ صَرْخَةً عَالِيَةً وَخَرَجَ مِنْهُ. فَاندَهَشَ الجَمِيعُ، وَبَدَأُوا يَقُولُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَا هَذَا التَّعلِيمُ الجَدِيدُ؟ فَهُوَ يَأْمُرُ الأروَاحَ النَّجِسَةَ بِسُلطَانٍ فَتُطِيعُهُ.» وَانتَشَرَتِ الأخْبَارُ عَنْهُ بِسُرعَةٍ فِي كُلِّ أنْحَاءِ إقْلِيمِ الجَلِيلِ. ثُمَّ غَادَرُوا المَجمَعَ، وَذَهَبُوا مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا إلَى بَيْتِ سِمْعَانَ وَأندَرَاوُسَ. وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ فِي الفِرَاشِ مُصَابَةً بِالحُمَّى. فَأخبَرُوا يَسُوعَ عَنْهَا، فَاقْتَرَبَ مِنْهَا، وَأمسَكَ يَدَهَا وَأجلَسَهَا. فَتَرَكَتْهَا الحُمَّى، وَابْتَدَأتْ تَخْدِمُهُمْ. وَفِي ذَلِكَ المَسَاءِ، عِنْدَ غُروبِ الشَّمْسِ، أحضَرُوا إلَيْهِ الكَثِيرَ مِنَ المَرْضَى وَالَّذِينَ فِيهِمْ أروَاحٌ شِرِّيرَةٌ. فَاجتَمَعَ سُكَّانُ المَدِينَةِ كُلِّهَا عِنْدَ بَابِ البَيْتِ. فَشَفَى يَسُوعُ كَثِيرِينَ مِمَّنْ كَانُوا مُصَابِينَ بِأمرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَطَرَدَ كَثِيرًا مِنَ الأرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ. وَلَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَسْمَحْ للأروَاحِ بِأنْ تَتَكَلَّمَ لِأنَّهَا عَرَفَتْ مَنْ يَكُونُ. وَفِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ قَبْلَ شُروقِ الشَّمْسِ، خَرَجَ يَسوعُ وَحْدَهُ، وَذَهَبَ إلَى مَكَانٍ مُنعَزِلٍ لِيُصَلِّيَ. فَخَرَجَ سِمْعَانُ وَمَنْ كَانُوا مَعَهُ لِيَبْحَثُوا عَنْهُ. وَعِنْدَمَا وَجَدُوهُ قَالُوا لَهُ: «الجَمِيعُ يَبْحَثُونَ عَنْكَ!» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «لِنَذْهَبْ إلَى القُرَى المُجَاوِرَةِ حَتَّى أُبَشِّرَ هُنَاكَ أيْضًا، لِأنِّي مِنْ أجْلِ هَذَا جِئْتُ.» فَذَهَبَ إلَى كُلِّ أنْحَاءِ إقْلِيمِ الجَلِيلِ يُبَشِّرُ فِي مَجَامِعِ اليَهودِ، وَيَطْرُدُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ. وَجَاءَ رَجُلٌ أبْرَصُ إلَى يَسُوعَ، وَسَجَدَ عَلَى رُكبَتَيْهِ وَأخَذَ يَتَوَسَّلُ إلَيْهِ وَيَقُولُ: «أنْتَ قَادِرٌ أنْ تَجْعَلَنِي طَاهِرًا، إنْ أرَدْتَ.» فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ، وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ: «نَعَمْ أُرِيدُ، فَاطْهُرْ.» فَزَالَ البَرَصُ عَنِ الرَّجُلِ، وَأصبَحَ طَاهِرًا. ثُمَّ حَذَّرَهُ يَسُوعُ بِشِدَّةٍ قَبْلَ أنْ يَصْرِفَهُ وَقَالَ لَهُ: «إيَّاكَ أنْ تُخبِرَ أحَدًا بِمَا حَدَثَ مَعَكَ، بَلِ اذْهَبْ وَأرِ نَفْسَكَ لِلكَاهِنِ، وَقَدِّمْ تَقْدِمَةً شَهَادَةً لِتَطَهُّرِكَ مَا أمَرَ بهِ مُوسَى، فَيَعْلَمَ النَّاسُ أنَّكَ شُفِيتَ.» لَكِنَّ الرَّجُلَ انطَلَقَ وَابْتَدَأ يَنْشُرُ أخْبَارَ شِفَائِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَصَارَ يَصْعُبُ عَلَى يَسُوعَ أنْ يَدْخُلَ عَلَنًا إلَى أيَّةِ مَدِينَةٍ، بَلْ كَانَ يُقيمُ فِي أمَاكِنَ نَائِيَةٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ. وَبَعْدَ عِدَّةِ أيَّامٍ، عَادَ يَسُوعُ إلَى كَفْرِنَاحُومَ، وَانتَشَرَتْ أخْبَارُ عَودَتِهِ. فَاجتَمَعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ مُتَّسَعٌ لأحَدٍ، وَلَا حَتَّى خَارِجَ البَابِ. وَكَانَ يَسُوعُ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِكَلِمَةِ اللهِ. فَجَاءُوا إلَيْهِ بِمَشلُولٍ يَحْمِلُهُ أرْبَعَةُ رِجَالٍ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إدخَالِهِ إلَى يَسُوعَ بِسَبَبِ الازْدِحَامِ. فَكَشَفُوا السَّقْفَ فَوْقَ المَكَانِ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ فِيهِ، وَفَتَحُوا السَّقفَ، وَأنزَلُوا الفِرَاشَ الَّذِي كَانَ المَشلُولُ رَاقِدًا عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَأى يَسُوعُ إيمَانَهُمْ، قَالَ لِلمَشلُولِ: «يَا بُنَيَّ، مَغفُورَةٌ خَطَايَاكَ.» وَكَانَ بَعْضُ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ يَجْلِسُونَ هُنَاكَ، فَأخَذُوا يُفَكِّرُونَ فِي دَاخِلِهِمْ: «لِمَاذَا يَتَحَدَّثُ هَذَا الرَّجُلُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟ إنَّهُ يُهِينُ اللهَ بِكَلَامِهِ! فَمَنْ غَيْرُ اللهِ يَسْتَطِيعُ أنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا؟» فَعَرَفَ يَسُوعُ أفكَارَ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهَذِا فِي قُلُوبِكُمْ؟ فَأيُّ الأمْرَينِ أسهَلُ: أنْ يُقَالَ لِلمَشْلُولِ: ‹خَطَايَاكَ مَغفُورَةٌ› أمْ أنْ يُقَالَ: ‹انْهَضْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَامشِ؟› لَكِنِّي سَأُرِيكُمْ أنَّ ابْنَ الإنْسَانِ يَمْلِكُ سُلطَانًا عَلَى الأرْضِ لِمَغفِرَةِ الخَطَايَا.» وَقَالَ لِلرَّجُلِ المَشلُولِ: «أنَا أقُولُ لَكَ، انْهَضْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إلَى بَيْتِكَ!» فَنَهَضَ وَحَمَلَ فِرَاشَهُ فَوْرًا وَمَشَى عَلَى مَرأىً مِنَ الجَمِيعِ، فَاندَهَشَ الجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللهَ وَقَالُوا: «لَمْ نَرَ شَيْئًا كَهَذَا مِنْ قَبْلُ!» وَعَادَ يَسُوعُ مُجَدَّدًا إلَى البُحَيرَةِ. وَكَانَ يُعَلِّمُ الجُمُوعَ الَّتِي تَبِعَتهُ إلَى هُنَاكَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَمشِي، رَأَى لَاوِيَ بنَ حَلْفَى جَالِسًا عِنْدَ مَكَانِ جَمعِ الضَّرَائِبِ. فَقَالَ لَهُ: «اتبَعنِي!» فَقَامَ وَتَبِعَهُ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ جَالِسًا فِي بَيْتِ لَاوِيَ يَتَنَاوَلُ العَشَاءَ، كَانَ هُنَاكَ كَثِيرُونَ مِنْ جَامِعي الضَّرَائِبِ وَالخُطَاةِ يَأْكُلُونَ مَعَهُ وَمَعَ تَلَامِيذِهِ. إذْ أنَّ كَثِيرِينَ كَانُوا هُنَاكَ عِنْدَمَا دَعَا يَسُوعُ لَاوِيَ، فَلَحِقُوا بِيَسُوعَ. فلَمَّا رَآهُ الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمِو الشَّرِيعَةِ يَأْكُلُ مَعَ جَامِعِي الضَّرَائِبِ وَالخُطَاةِ، سَألُوا تَلَامِيذَهُ: «لِمَاذَا يَأْكُلُ مَعَ جَامِعِي الضَّرَائِبِ وَالخُطَاةِ؟» فَلَمَّا سَمِعَهُمْ يَسُوعُ، قَالَ لَهُمْ: «لَا يَحتَاجُ الأصِحَّاءُ إلَى طَبِيبٍ، بَلِ المَرْضَى. أنَا لَمْ آتِ لِكَي أدعُوَ الصَّالِحِينَ بَلِ الخُطَاةَ.» وَكَانَ وَقْتُ الصِّيَامِ عِنْدَ تَلَامِيذِ يُوحَنَّا وَالفِرِّيسِيِّينَ، فَجَاءَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى يَسُوعَ وَسَألُوهُ: «لِمَاذَا يَصُومُ تَلَامِيذُ يُوحَنَّا وَالفِرِّيسِيُّونَ، وَلَا يَصُومُ تَلَامِيذُكَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أيَصُومُ ضُيوفُ العَرِيسِ وَالعَرِيسُ بَيْنَهُمْ؟ فَمَا دَامَ العَرِيسُ بُينَهُمْ، لَنْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَصُومُوا. وَلَكِنْ سَيَأْتِي الوَقْتُ الَّذِي سَيُؤخَذُ فِيهِ العَرِيسُ مِنْهُمْ، فَحينَئِذٍ سَيَصُومُونَ. «فَلَا أحَدَ يُرَقِّعُ ثَوْبًا قَدِيمًا بِقِطعَةِ قُمَاشٍ جَدِيدَةٍ، لِأنَّ قِطْعَةَ القُمَاشِ الجَدِيدَةَ سَتَنْكَمِشُ وَتُمَزِّقُ الثَّوبَ العَتِيقَ، فَيُصبِحَ الثُّقبُ أسوَأَ. وَلَا أحَدَ يَضَعُ نَبِيذًا جَدِيدًا فِي أوعِيَةٍ جِلْدِيَّةٍ قَدِيمَةٍ، لِأنَّ النَّبِيذَ سَيُمَزِّقُ الأوعِيَةَ الجِلْدِيَّةَ، فَيُرَاقَ النَّبِيذُ وَتَتَلَفَ الأوعِيَةُ. لَذَلِكَ يُوضَعُ النَّبِيذُ الجَدِيدُ فِي أوعَيةٍ جِلْدِيَةٍ جَدِيدَةٍ.» وَفِي أحَدِ أيَّامِ السَّبْتِ كَانَ يَسُوعُ مَارًّا فِي بَعْضِ الحُقُولِ، فَبَدَأ تَلَامِيذُهُ يَقْطِفُونَ السَّنَابِلَ وَهُمْ يَسِيرُونَ مَعَهُ. فَقَالَ الفِرِّيسِيُّونَ لِيَسُوعَ: «انْظُرْ! إنَّ تَلَامِيذَكَ يَفْعَلُونَ مَا لَا يَجُوزُ فِعلُهُ فِي السَّبْتِ!» فَقَالَ لَهُمْ: «ألَمْ تَقْرَأُوا فِي الكِتَابِ قَطُّ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ عِنْدَمَا احتَاجَ وَجَاعَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ؟ لَقَدْ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ فِي زَمَنِ الكَاهِنِ أبِيَاثَارَ، وَأكَلَ مِنْ أرغِفَةِ الخُبْزِ المُقَدَّمَةِ إلَى اللهِ، وَأعْطَى أيْضًا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ. مَعَ أنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأحَدٍ أنْ يَأْكُلَ ذَلِكَ الخُبْزَ سِوَى الكَهَنَةِ.» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَقَدْ جُعِلَ السَّبْتُ لِفَائِدَةِ الإنْسَانِ، وَلَمْ يُجعَلِ الإنْسَانُ لِخِدْمَةِ السَّبْتِ. وَهَكَذَا فَإنَّ ابْنَ الإنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أيْضًا.» وَذَهَبَ يَسُوعُ مُجَدَّدًا إلَى المَجْمَعِ، وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ مَشلُولَةٌ. وَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يُرَاقِبُونَهُ عَنْ قُرْبٍ، لِيَرَوْا إنْ كَانَ سَيَشْفِيهِ يَوْمَ السَّبْتِ، لِيَجِدُوا سَبَبًا لَاتِّهَامِهِ. فَقَالَ لِلرَّجُلِ ذِي اليَدِ المَشلُولَةِ: «انْهَضْ وَتَعَالَ!» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ يَجُوزُ فِعلُ الخَيْرِ أمِ الأذَى يَوْمَ السَّبْتِ؟ أيَجُوزُ إنقَاذُ حَيَاةِ إنْسَانٍ أمْ قَتْلُهُ؟» فَسَكَتُوا. فَنَظَرَ يَسُوعُ مِنْ حَولِهِ إلَيْهِمْ بَغَضَبٍ، وَحَزِنَ لِقَسَاوَةِ قُلُوبِهِمْ. ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: «ابسُطْ يَدَكَ،» فَبَسَطَهَا، فَعَادَتْ سَلِيمَةً. فَخَرَجَ الفِرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يَتَآمَرُونَ مَعَ أتبَاعِ هِيرُودُسَ لِيَعْرِفُوا كَيْفَ يَقْتُلُونَ يَسُوعَ. وَتَوَجَّهَ يَسُوعُ مَعَ تَلَامِيذِهِ إلَى بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ، وَتَبِعَهُمْ جَمْعٌ كَبِيرٌ مِنَ الجَلِيلِ وَمِنَ اليَهُودِيَّةِ أيْضًا. وَمِنَ القُدْسِ وَأدُومِيَّةَ وَشَرْقِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَالمَنَاطِقِ المُحيطَةِ بِصُورٍ وَصَيدَاءَ، فَكَانُوا جَمْعًا كَبِيرًا. وَقَدْ جَاءُوا جَمِيعًا إلَيْهِ بِسَبَبِ مَا سَمِعُوهُ عَنْ أعْمَالِهِ. فَطَلَبَ يَسُوعُ مِنْ تَلَامِيذِهِ أنْ يُجَهِّزُوا لَهُ قَارِبًا حَتَّى لَا تَزْحَمَهُ الجُمُوعُ. إذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ شَفَى كَثِيرِينَ، فَكَانَ كُلُّ مَنْ يُعَانِي مِنْ مَرَضٍ يُحَاوِلُ أنْ يَصِلَ إلَيْهِ لِيَلْمِسَهُ. وَكَانَتِ الأروَاحُ النَّجِسَةُ تَرْتَمِي أمَامَهُ وَتَصْرُخُ: «أنْتَ هُوَ ابْنُ اللهِ!» فَيُحَذِّرَهُا بِشِدَّةٍ مِنْ أنْ تَكْشِفَ مَنْ هُوَ. ثُمَّ صَعِدَ يَسُوعُ إلَى الجَبَلِ، وَدَعَا إلَيْهِ الَّذِينَ أرَادَهُمْ، فَذَهَبُوا مَعَهُ. وَاخْتَارَ يَسُوعُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَسَمَّاهُمْ رُسُلًا، لِيَكُونُوا مَعَهُ، وَلِكَي يُرسِلَهُمْ إلَى أمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ، وَيُعطِيَهُمْ سُلْطَانًا لِيَطْرُدُوا الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ. وَهُمْ: سِمْعَانُ، الَّذِي سَمَّاهُ بُطْرُسَ، يَعْقُوبُ بْنُ زَبَدِي وَأخَوهُ يُوحَنَّا، وَقَدْ سَمَّاهُمَا يَسُوعُ «بُوانَرْجِسَ» أيْ «ابْنَا الرَّعدِ،» أندَرَاوُسُ، فِيلُّبُّسُ، بَرثُولَمَاوُسُ، مَتَّىْ، تُومَا، يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَىْ، تَدَّاوُسُ، سِمْعَانُ القَانُونِيُّ، وَيَهُوذَا الإسْخَريُوطِيُّ الَّذِي خَانَهُ. وَرَجِعَ يَسُوعُ إلَى البَيْتِ. وَاجتَمَعَ النَّاسُ ثَانِيَةً حَوْلَهُ وَحَوْلَ تَلَامِيذِهِ حَتَّى إنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا وَقْتًا لِيَأْكُلُوا. وَلَمَّا سَمِعَتْ عَائِلَةُ يَسُوعَ عَنْ مَجِيئِهِ، جَاءُوا لِيَأْخُذُوهُ مَعَهُمْ، لِأنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ إنَّهُ مَجنُونٌ! أمَّا مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ الَّذِينَ جَاءُوا مِنَ القُدْسِ فَكَانُوا يَقُولُونَ: «إنَّ فِيهِ بَعلَزَبُولَ، وَهَوَ يُخرِجُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِقُوَّةِ رَئِيسِ الأرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ.» فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَأخَذَ يُكَلِّمُهُمْ بِأمثَالٍ فَقَالَ: «كَيْفَ يُمْكِنُ لِلشَّيطَانِ أنْ يَطْرُدَ رُوحًا شِرِّيرًا؟ لِأنَّهُ إذَا انقَسَمَتْ مَملَكَةٌ وَتَحَارَبَ أهْلُهَا، فَلَنْ تَدُومَ. وَإذَا انقَسَمَ بَيتٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَنْ يَدُومَ. وَهَكَذَا إذَا حَارَبَ الشَّيْطَانُ نَفْسَهُ وَانقَسَمَ، فَلَنْ يَصْمُدَ أبَدًا، بَلْ يَنْتَهِي أمرُهُ. «لَا يُمْكِنُ لأحَدٍ أنْ يَدْخُلَ بَيْتَ رَجُلٍ قَوِيٍّ وَيَنْهَبَ أمْلَاكَهُ، إلَّا إذَا رَبَطَ الرَّجُلَ القَوِيَّ أوَّلًا. حِينَئِذٍ يُصْبِحُ قَادِرًا عَلَى نَهبِ بَيْتِهِ. «أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، جَمِيعُ الخَطَايَا تُغفَرُ لِلنَّاسِ، وَحَتَّى الإهَانَاتِ الَّتِي يَقُولُونَهَا، أمَّا مَنْ يُهِينُ الرُّوحَ القُدُسَ، فَلَنْ يُغفَرَ لَهُ أبَدًا، بَلْ سَيَكُونُ مُذْنِبًا إلَى الأبَدِ.» قَالَ هَذَا لِأنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقُولُ إنَّ فِيهِ رُوحًا نَجِسًا. وَجَاءَتْ أُمُّهُ وَإخوَتُهُ، فَأرسَلُوا مَنْ يَسْتَدْعِيهِ، بَيْنَمَا وَقَفُوا هُمْ خَارِجًا. وَكَانَ النَّاسُ يَجْلِسُونَ حَوْلَهُ، فَقَالُوا لَهُ: «هَا أُمُّكَ وَإخوَتُكَ فِي الخَارِجِ وَيُرِيدُونَ رُؤْيَتَكَ.» فَأجَابَهُمْ: «مَنْ هُمْ أُمِّي وَإخوَتِي؟» ثُمَّ نَظَرَ إلَى الجَالِسِينَ حَوْلَهُ، وَقَالَ: «هَؤُلَاءِ هُمْ أُمِّي وَإخْوَتِي! لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ إرَادَةَ اللهِ هُوَ أخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي.» وَابْتَدَأ يَسُوعُ يُعَلِّمُ مُجَدَّدًا عِنْدَ البُحَيرَةِ. وَاجتَمَعَ حَوْلَهُ جَمْعٌ كَبِيرٌ. فَصَعِدَ إلَى القَارِبِ فَوْقَ المَاءِ، بَيْنَمَا كَانَ جَمِيعُ النَّاسِ عَلَى الشَاطِئِ. وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ أُمُورًا كَثِيرَةً بِأمثَالٍ، فَقَالَ لَهُمْ: «اسْمَعُوا! خَرَجَ فَلَّاحٌ لِيَبْذُرَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَبْذُرُ، وَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ إلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُيُورُ وَأكَلَتهُ. وَوَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ عَلَى أرْضٍ صَخرِيَّةٍ، حَيْثُ لَا تُوجَدُ تُربَةٌ كَافِيَةٌ، فَنَمَتِ الحُبُوبُ بِسُرعَةٍ لِأنَّ التُّربَةَ لَمْ تَكُنْ عَمِيقَةً. وَعِنْدَمَا أشرَقَتِ الشَّمْسُ احتَرَقَتْ، وَلِأنَّهَا كَانَتْ بِلَا جُذُورٍ ذَبُلَتْ. وَوَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ بَيْنَ الأشوَاكِ، فَنَمَتِ الأشوَاكُ وَعَطَّلَتْ نُمُوَّهُ فَلَمْ يُنْتِجْ ثَمَرًا. وَوَقَعَتْ بُذُورٌ أُخْرَى عَلَى الأرْضِ الصَّالِحَةِ فَأنْتَجَتْ وَنَمَتْ وَأعطَتْ ثَمَرًا: ثَلَاثِينَ ضِعفًا، وَسِتِّينَ ضِعفًا، وَمِئَةَ ضِعفٍ.» ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ.» وَعِنْدَمَا كَانَ وَحْدَهُ، سَألَهُ مَنْ كَانُوا مَعَهُ مَعَ الِاثنَيْ عَشَرَ عَنِ الأمثَالِ، فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أنْ تَعْرِفُوا أسْرَارَ مَلَكوتِ اللهِ، لَكِنْ لِلَّذِينَ هُمْ فِي الخَارِجِ، فَكُلُّ شَيءٍ يُعْطَى بِالأمثَالِ. وَهَكَذَا: ‹يَنْظُرُونَ وَلَا يُبصِرُونَ، وَيَسْمَعُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ، لِئَلَّا يَتُوبُوا فَيُغفَرَ لَهُمْ.›» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «ألَمْ تَفْهَمُوا هَذَا المَثَلَ؟ فَكَيْفَ إذًا سَتَفْهَمُونَ الأمثَالَ الأُخرَى؟ الفَلَّاحُ يَبْذُرُ كَلِمَةَ اللهِ. وَبَعْضُ النَّاسِ كَالبُذُورِ الَّتِي سَقَطَتْ عَلَى الطَّرِيقِ. يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ، ثُمَّ يَأتِي الشَّيْطَانُ حَالًا وَيَخْطِفُ الكَلِمَةَ المَزرُوعَةَ فِيهِمْ. «وَبَعْضُهُمْ كَالبُذُورِ الَّتِي سَقَطَتْ عَلَى الأرْضِ الصَّخرِيَّةِ. يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ فَيَقْبَلُونَهَا حَالًا بِفَرَحٍ، لَكِنْ لأنَّهُمْ بِلَا جُذُورٍ فِي نُفُوسِهِمْ، فَإنَّهُمْ يَصْمِدُونَ لِوَقْتٍ قَصِيرٍ، وَعِنْدَمَا يَأتِي الضِّيقُ وَالاضطِهَادُ بِسَبَبِ الكَلِمَةِ الَّتِي قَبِلُوهَا، يَفْقِدُونَ إيمَانَهُمْ سَرِيعًا. «وَبَعْضُهُمْ كَالبُذُورِ الَّتِي سَقَطَتْ بَيْنَ الأشوَاكِ. يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ، لَكِنَّ هُمُومَ الحَيَاةِ، وَإغرَاءتِ المَالِ وَالشَّهوَاتِ المُخْتَلِفَةَ، تَأْتِي وَتَخْنُقُ الكَلِمَةَ، فَلَا تُثمِرُ. «وَأمَّا الَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى الأرْضِ الصَّالِحَةِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا فَيُثمِرُونَ ثَلَاثِينَ ضِعفًا، وَسِتِّينَ ضِعفًا، وَمِئَةَ ضِعفٍ.» وَقَالَ: «هَلْ يُوضَعُ المِصبَاحُ تَحْتَ إنَاءٍ أوْ سَرِيرٍ؟ ألَا يُوضَعُ عَلَى حَمَّالَةٍ مُرْتَفِعَةٍ؟ لِأنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيءٌ مَكتُومٌ إلَّا وَسَيُعلَنُ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ. فَانتَبِهُوا جَيِّدًا لِمَا تَسْمَعُونَهُ. فَبِالكَيلِ الَّذِي تَكِيلُونَ بِهِ لِلآخَرِينَ سَيُكَالُ لَكُمْ، بَلْ وَسَيُزَادُ لَكُمْ أكْثَرَ. لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَمْلِكُ سَيُزَادُ لَهُ، أمَّا الَّذِي لَا يَمْلِكُ، فَسَيُنتَزَعُ مِنْهُ مَا لَهُ.» وَقَالَ لَهُمْ: «يَشْبِهُ مَلَكوتُ اللهِ رَجُلًا يُلقِي بُذُورًا عَلَى الأرْضِ. ثُمَّ يَنَامُ لَيْلًا وَيَسْتَيْقِظُ نَهَارًا لِيَجِدَ أنَّ البُذُورَ نَبَتَتْ وَنَمَتْ، أمَّا هُوَ فَلَا يَعْرِفُ كَيْفَ يَحْدُثُ هَذَا. لِأنَّ الأرْضَ تُعطِي ثَمَرَهَا بِنَفْسِهَا، فَتُعطِي السَّاقَ أوَّلًا، ثُمَّ السُّنبُلَةَ، ثُمَّ يَملأُ القَمْحُ السُّنبُلَةَ. وَحَالَمَا يَنْضِجُ القَمْحُ، يَكُونُ وَقْتُ الحَصَادِ قَدْ حَانَ، فَيَأْتِي الرَّجُلُ بِالمِنجَلِ لِيَحْصُدَهُ.» وَقَالَ: «بِمَاذَا نُشَبِّهُ مَلَكوتَ اللهِ؟ أوْ بِمَاذَا نُمَثِّلُهُ؟ إنَّهُ يُشْبِهُ بِذرَةَ خَردَلٍ تُوضَعُ فِي التُّرَابِ، وَهِيَ أصغَرُ البُذُورِ الَّتِي عَلَى الأرْضِ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا تُزرَعُ، فَإنَّهَا تَنْمُو لِتُصبِحَ أضخَمَ جَمِيعِ نَبَاتَاتِ البَسَاتِينِ، وَتَصِيرُ أغْصَانُهَا كَبِيرَةً جِدًّا، حَتَّى إنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصْنَعَ أعشَاشَهَا فِي ظِلِّهَا.» وَبِالعَدِيدِ مِنْ هَذِهِ الأمثَالِ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ الكَلِمَةَ، بِقَدْرِ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يَفْهَمُوا. وَلَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ بِغَيرِ الأمثَالِ. لَكِنَّهُ كَانَ يُفَسِّرُ كُلَّ الأمثَالِ لِتَلَامِيذِهِ عِنْدَمَا يَنْفَرِدُ بِهِمْ. وَفِي مَسَاءِ ذَلِكَ اليَوْمِ قَالَ لَهُمْ: «لِنَعبُرْ إلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ البُحَيرَةِ.» فَتَرَكُوا الجُمُوعَ وَأبحَرُوا مَعَهُ فِي القَارِبِ الَّذِي يَرْكَبُهُ، وَكَانَتْ مَعَهُمْ قَوَارِبُ أُخْرَى. فَهَبَّتْ رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ، وَكَانَتِ الأموَاجُ تَرْتَطِمُ فِي القَارِبِ حَتَّى أوشَكَ أنْ يَمْتَلِئَ بِالمَاءِ. أمَّا يَسُوعُ فَكَانَ نَائِمًا عَلَى وِسَادَةٍ فِي مُؤَخَّرَةِ القَارِبِ، فَأيقَظَهُ التَّلَامِيذُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، إنَّنَا نَغرَقُ، ألَا يَهُمُّكَ ذَلِكَ؟» فَقَامَ يَسُوعُ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ، وَأمَرَ المِيَاهَ فَقَالَ: «اصمُتِي، اهدَأي!» فَسَكَنَتِ الرِّيَاحُ، وَسَادَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ! ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا أنْتُمْ خَائِفُونَ؟ ألَيْسَ لَدَيْكُمْ إيمَانٌ؟» وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ جِدًّا، وَأخَذُوا يَقُولُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أيُّ رَجُلٍ هَذَا، حَتَّى إنَّ الرِّيحَ وَالبَحْرَ يُطِيعَانِهِ؟» وَجَاءُوا إلَى مَنْطِقَةِ الجَدَرِيِّينَ عَلَىْ الشَاطئِ الآخَرِ مِنَ البُحَيرَةِ. وَحَالَمَا خَرَجَ يَسُوعُ مِنَ القَارِبِ، جَاءَ إلَيْهِ مِنْ بَيْنِ القُبُورِ رَجُلٌ فِيهِ رُوحٌ نَجِسٌ. كَانَ الرَّجُلُ يَعِيشُ بَيْنَ القُبُورِ، وَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَسْتَطِيعُ أنْ يُقَيِّدَهُ وَلَا حَتَّى بِالسَّلَاسِلِ. فَقَدْ كَانَ يُحَطِّمُ القُيُودَ، وَيُقَطِّعُ السَّلَاسِلَ الَّتِي كَثِيرًا مَا قَيَّدَهُ النَّاسُ بِهَا. فَلَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يُسَيطِرَ عَلَيْهِ. وَكَانَ لَيْلًا وَنَهَارًا بَيْنَ القُبُورِ وَفِي التِّلَالِ، يُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالحِجَارَةِ وَيَصْرُخُ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا رَأى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ، رَكَضَ نَحوَهُ وَسَجَدَ أمَامَهُ، وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدُ مِنِّي يَا يَسُوعُ يَا ابْنَ اللهِ العَلِيِّ؟ أُنَاشِدُكَ بِاللهِ ألَّا تُعَذِّبَنِي!» قَالَ هَذَا لِأنَّ يَسُوعَ كَانَ قَدْ أمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ بِأنْ يَخْرُجَ. فَسَألَهُ يَسُوعُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَأجَابَهُ: «اسْمِي جَيْشٌ لِأنَّ عَدَدَنَا كَبِيرٌ.» وَتَوَسَّلَ إلَيْهِ بِإلحَاحٍ كَي لَا يُرسِلَهُمْ خَارِجَ المِنْطَقَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الخَنَازِيرِ يَرْعَى قُرْبَ حَافَّةِ الجَبَلِ فِي تِلْكَ المِنْطَقَةِ. فَتَوَسَّلَتِ الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ إلَيْهِ وَقَالَتْ: «أرسِلْنَا إلَى هَذِهِ الخَنَازِيرِ لِنَدخُلَ فِيهَا.» فَسَمَحَ لَهُمْ بَذَلِكَ، فَخَرَجَتِ الأروَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الخَنَازِيرِ. فَاندَفَعَ القَطِيعُ مِنْ حَافَّةِ الجَبَلِ إلَى البُحَيرَةِ وَغَرِقَ فِيهَا، وَكَانَ عَدَدُ الخَنَازيرِ نَحْوَ ألفَينِ. أمَّا الرُّعَاةُ فَهَرَبُوا، وَأبلَغُوا النَّاسَ فِي البَلدَةِ وَفِي الرِّيفِ بِمَا حَصَلَ. فَجَاءَ النَّاسُ جَمِيعًا لِيَرَوْا مَا الَّذِي حَدَثَ. فَأتَوْا إلَى يَسُوعَ وَرَأوْا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَسْكُونًا بِالأرْوَاحِ النَّجِسَةِ جَالِسًا وَهُوَ لَابِسٌ وَفِي كَامِلِ عَقلِهِ، فَخَافُوا. وَأخبَرَهُمُ الَّذِينَ رَأوْا عَنْ مَا حَدَثَ مَعَ الرَّجُلِ المَسكُونِ بِالأرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ، وَعَنِ الخَنَازِيرِ. فَأخَذَ النَّاسُ يَرْجُونَ يَسُوعَ أنْ يَرْحَلَ عَنْ مِنْطَقَتِهِمْ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يَصْعَدُ إلَى القَارِبِ، جَاءَ إلَيْهِ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَسْكُونًا بِأروَاحٍ شِرِّيرَةٍ يَرْجُوهُ أنْ يَسْمَحَ لَهُ بِمُرَافَقتِهِ. لَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ بِذَلِكَ، بَلْ قَالَ لَهُ: «عُدْ إلَى بَيْتِكَ، وَأخبِرْ بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ الرَّبُّ مِنْ أجْلِكَ، وَكَيْفَ رَحَمَكَ.» فذَهَبَ وَابْتَدَأ يُذيعُ فِي المُدُنِ العَشْرِ مَا فَعَلَهُ يَسُوعُ مِنْ أجْلِهِ. فَكَانَ جَمِيعُ النَّاسِ يَتَعَجَّبُونَ. وَعِنْدَمَا عَبَرَ يَسُوعُ فِي القَارِبِ إلَى النَّاحِيَةِ الأُخرَى مِنَ البُحَيرَةِ، اجتَمَعَ حَوْلَهُ جَمْعٌ كَبِيرٌ وَهُوَ عِنْدَ الشَّاطِئِ. فَجَاءَ أحَدُ المَسْؤولِينَ عَنِ المَجْمَعِ وَاسْمُهُ يَايرُسَ. وَلَمَّا رَأى يَسُوعَ ارتَمَى عِنْدَ قَدَمَيهِ، وَتَوَسَّلَ إلَيْهِ بِشِدَّةٍ وَقَالَ: «ابنَتِي الصَّغِيرَةُ قَارَبَتْ عَلَى المَوْتِ، فَلَعَلَّكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا، فَتُشفَى وَتَعِيشَ.» فَذَهَبَ مَعَهُ. وَكَانَ جَمْعٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتَزَاحَمُونَ حَوْلَهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرأةٌ تَنْزِفُ مُنْذُ اثنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَدْ عَانَتْ كَثِيرًا مَعَ العَدِيدِ مِنَ الأطِبَّاءِ، وَأنفَقَتْ كُلَّ مَا تَمْلُكُ مِنْ نُقُودٍ. وَلَمْ يَنْفَعْهَا أحَدٌ، بَلِ ازدَادَتْ حَالَتُهَا سُوءًا. وَلَمَّا سَمِعَتْ عَنْ يَسُوعَ، جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ، وَلَمَسَتْ عَبَاءَتَهِ. لِأنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: «إنِ اسْتَطَعْتُ أنْ ألمَسَ وَلَوْ عَبَاءَتَهُ، فَسَأُشْفَى.» فَشُفِيَتْ مِنْ نَزِيفِهَا فَوْرًا، وَأحَسَّتْ فِي جِسْمِهَا بِأنَّهَا شُفِيَتْ. فَشَعَرَ يَسُوعُ أنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ. فَالتَفَتَ وَسَألَ: «مَنْ لَمَسَ عَبَاءَتِي؟» فَقَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: «أنْتَ تَرَى أنَّ الجَمِيعَ يَزْحَمُونَكَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَتَسألُ مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟» أمَّا هُوَ فَنَظَرَ حَوْلَهُ لِيَرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. فَأدرَكَتِ المَرْأةُ مَا حَدَثَ لَهَا. فَجَاءَتْ مُرتَعِشَةً وَارتَمَتْ أمَامَهُ، وَأخبَرَتْهُ بِالحَقِيقَةِ كُلِّهَا. فَقَالَ لَهَا: «يَا ابنَتِي، لَقَدْ خَلَّصَكِ إيمَانُكِ، فَاذْهَبِي بِسَلَامٍ. وَتَعَافَي مِنْ مَرَضَكِ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ وَاحِدٌ مِنْ بَيْتِ المَسؤُولِ عَنِ المَجْمَعِ وَقَالَ: «ابنَتُكَ مَاتَتْ، فَلِمَاذَا تُزعِجُ المُعَلِّمَ بَعْدُ.» فَلَمْ يَلْتَفِتْ يَسُوعُ إلَىْ هَذَا الكَلَامِ، بَلْ قَالَ للمَسؤولِ عَنِ المَجْمَعِ: «لَا تَخَفْ. مَا عَلَيْكَ إلَّا أنْ تُؤمِنَ.» وَلَمْ يَسْمَحْ لأحَدٍ بِأنْ يُرَافِقَهُ سِوَىْ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أخي يَعْقُوبَ. فَجَاءُوا جَمِيعًا إلَىْ بَيْتِ المَسؤولِ عَنِ المَجْمَعِ. فَرَأى يَسْوعُ الفَوْضَى، وَالنَّاسَ يَرْفَعُونَ أصوَاتَهُمْ بِالبُكَاءِ وَالنُّواحِ. فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا هَذِهِ الفَوضَىْ وَالنُّواحُ؟ فَالطِّفْلَةُ لَمْ تَمُتْ لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ.» فَضَحِكُوا عَلَيْهِ! أمَّا هُوَ فَأخْرَجَهُمْ جَمِيعًا وَأدْخَلَ مَعَهُ أبَا الطِّفْلَةِ وَأُمَّهَا وَمَنْ كَانُوا بِرِفْقَتِهِ إلَى حَيْثُ الفَتَاةُ. وَأمْسَكَ بِيَدِهَا وَقَالَ لَهَا: «طَالِيثَا قُومِي.» أيْ «يَا صَبِيَّةُ، أقُولُ لَكِ قُومِي.» وَفِي الحَالِ نَهَضَتِ الفَتَاةُ وَأخَذَتْ تَمْشِي، حَيْثُ إنَّ عُمْرَهَا كَانَ اثنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً. أمَّا الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ فَقَدْ تَمَلَّكَهُمُ الذُّهُولُ! وَأمَرَهُمْ يَسُوعُ بِشِدَّةٍ أنْ لَا يُخبِرُوا أحَدًا بِمَا حَدَثَ. ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُمْ أنْ يُعْطُوهَا شَيْئًا لِتَأْكُلَهُ. ثُمَّ غَادَرَ يَسُوعُ ذَلِكَ المَكَانَ وَعَادَ إلَى بَلْدَتِهِ وَتَبِعَهُ تَلَامِيذُهُ. وَلَمَّا جَاءَ يَوْمُ السَّبْتِ ابتَدَأ يُعَلِّمُ فِي المَجْمَعِ. فَانْدَهَشَ كَثِيرُونَ عِنْدَمَا سَمِعُوهُ، وَقَالُوا: «مِنْ أيْنَ جَاءَ هَذَا الرَّجُلُ بِكُلِّ هَذَا؟ وَمَا هَذِهِ الحِكْمَةُ المُعطَاةُ لَهُ، وَمَا هَذِهِ المُعجِزَاتُ الَّتِي يَصْنَعُهَا؟ ألَيْسَ هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَريَمَ؟ وَأخَا يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ؟ ألَا تُقيمُ أخَوَاتُهُ بَيْنَنَا؟» فَكَانَ ذَلِكَ عَائِقًا يَمْنَعُهُمْ مِنْ قُبُولِهِ. أمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ: «لَا يَكُونُ نَبِيٌّ بِلَا كَرَامَةٍ إلَّا فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أقَارِبِهِ وَفِي بَيْتِهِ!» وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أنْ يَصْنَعَ أيَّةَ مُعجِزَةٍ هَنَاكَ. لَكِنَّهُ وَضَعَ يَدَيهِ عَلَى بَعْضِ المَرْضَى فَشَفَاهُمْ. وَتَعَجَّبَ مِنْ عَدَمِ إيمَانِهِمْ. ثُمَّ ذَهَبَ يَتَجَوَّلُ فِي القُرَى المُحِيطَةِ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ. وَاسْتَدْعَى يَسُوعُ الِاثنَيْ عَشَرَ، وَابْتَدَأ يُرسِلُهُمْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ بَعْدَ أنْ أعطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى الأرْوَاحِ النَّجِسَةِ. وَأوصَاهُمْ بِأنْ لَا يَحْمِلُوا مَعَهُمْ شَيْئًا لِلطَّرِيقِ، لَا خُبْزًا وَلَا حَقيبَةً وَلَا نُقُودًا فِي أحزِمَتِهِمْ، بَلْ أنْ يَحْمِلُوا عُكَّازًا فَقَطْ. فَكَانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَنْتَعِلُوا أحْذِيَتَهُمْ وَأنْ يَكْتَفُوا بِالثِّيَابِ الَّتِي يَلْبَسُونَهَا. وَقَالَ لَهُمْ: «إنْ دَخَلْتُمْ إلَى بَيْتٍ، فَأقِيمُوا فِيهِ إلَىْ أنْ تُغَادِرُوا المَدِينَةَ. وَإنْ جِئْتُمْ إلَى مَدِينَةٍ وَلَمْ تُرَحِّبْ بِكُمْ، وَلَمْ تَسْمَعْ رِسَالَتَكُمْ، فَانفُضُوا، عِنْدَ خُرُوجِكُمْ، الغُبَارَ الَّذِي عَلِقَ بِأقْدَامِكُمْ كَشَهَادَةٍ ضِدَّ تِلْكَ المَدِينَةِ.» فَخَرَجُوا يُبَشِّرُونَ النَّاسَ وَيَدْعُونَهُمْ إلَى التَّوبَةِ. وَأخرَجُوا الكَثِيرَ مِنَ الأرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ. وَمَسَحُوا بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ كَثِيرِينَ مِنَ المَرْضَى فَشَفَوهُمْ. وَسَمِعَ المَلِكُ هِيرُودُسُ عَنْ يَسُوعَ، لِأنَّ اسْمَهُ صَارَ مَعْرُوفًا. وَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ إنَّ يُوحَنَّا المَعمَدَانَ قَامَ مِنَ المَوْتِ، وَلِهَذَا تُجرَى المُعجِزَاتُ بِوَاسِطَتِهِ! وَآخَرُونَ كَانُوا يَقُولُونَ إنَّهُ إيلِيَّا، وَغَيرُهُمْ قَالُوا إنَّهُ نَبِيٌّ كَالأنْبِيَاءِ القُدَامَى. وَلَكِنْ عِنْدَمَا سَمِعَ هِيرُودُسُ قَالَ: «إنَّهُ يُوحَنَّا الَّذِي قَطَعْتُ رَأسَهُ، وَقَدْ قَامَ مِنَ المَوْتِ!» فَهِيرُودُسُ هُوَ الَّذِي أمَرَ بِالقَبْضِ عَلَى يُوحَنَّا وَتَقييدِهِ فِي السِّجْنِ. وَهَذَا بِسَبَبِ هِيرُودِيَّا زَوْجَةِ أخِيهِ فِيلِبُّسَ، الَّتِي تَزَوَّجَهَا هُوَ. لِأنَّ يُوحَنَّا قَالَ لِهِيرُودُسَ: «لَا يَحِقُّ لَكَ أنْ تَأْخُذَ زَوْجَةَ أخِيكَ.» وَكَانَتْ هِيرُودِيَّا تُبْغِضُ يُوحَنَّا، وَأرَادَتْ أنْ تَقْتُلَهُ، لَكِنَّهَا لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، لِأنَّ هِيرُودُسَ كَانَ يَخَافُ مِنْ يُوحَنَّا. وَقَدْ حَمَاهُ مِنَ المَوْتِ لِأنَّهُ يَعْرِفُ أنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمُقَدَّسٌ. وَمَعَ أنّهُ كَانَ يَنْزَعِجُ مِنْ كَلَامِ يُوحَنَّا، إلَّا أنَّهُ أحَبَّ الاسْتِمَاعَ إلَيْهِ. وَجَاءَتْ فُرصَةُ هِيرُودِيَّا. فَفِي عِيدِ مِيلَادِ هِيرُودُسَ، دَعَا إلَى حَفلَتِهِ أبرَزَ رِجَالِهِ وَقَادَةَ جَيْشِهِ وَرُؤَسَاءَ الشَّعْبِ فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ. فَرَقَصَتِ ابْنَةُ هِيرُودِيَّا فِي الحَفلَةِ، وَأسعَدَتْ هِيرُودُسَ وَضُيُوفَهُ. فَقَالَ المَلِكُ لِلفَتَاةِ: «اطلُبِي أيَّ شَيءٍ تُرِيدِينَهُ، وَسَيَكُونُ لَكِ.» وَأقسَمَ لَهَا فَقَالَ: «سَأُعْطِيكِ أيَّ شَيءٍ، حَتَّى لَوْ طَلَبْتِ نِصْفَ مَملَكَتِي.» فَذَهَبَتِ الفَتَاةُ إلَى أُمِّهَا وَسَألَتْهَا: «مَاذَا أطلُبُ؟» فَقَالَتْ لَهَا أُمُّهَا: «اطلُبِي رَأسَ يُوحَنَّا المَعمَدَانِ.» فَجَاءَتِ الفَتَاةُ إلَى المَلِكِ وَقَالَتْ لَهُ: «أُرِيدُ أنْ تُعطِيَنِي الآنَ رَأسَ يُوحَنَّا المَعمَدَانِ عَلَى طَبَقٍ.» فَحَزِنَ المَلِكُ جِدًّا، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَرْفُضَ طَلَبَهَا بِسَبَبِ قَسَمِهِ، وَاحْتِرَامًا لِضُيُوفِهِ. فَأرْسَلَ أحَدَ الحُرَّاسِ فِي الحَالِ، وَأمَرَهُ بِأنْ يَعُودَ بِرَأسِ يُوحَنَّا. فَذَهَبَ الحَارِسُ إلَى السِّجْنِ، وَقَطَعَ رَأسَ يُوحَنَّا، وَأحضَرَ الرَأسَ عَلَى طَبَقٍ أعطَاهُ لِلفَتَاةِ، فَأعطَتْهُ لِأُمِّهَا. وَلَمَّا عَرَفَ تَلَامِيذُهُ بِالأمْرِ، جَاءُوا وَأخَذُوا جَسَدَهُ وَدَفَنُوهُ. وَاجتَمَعَ الرُّسُلُ حَوْلَ يَسُوعَ وَأخبَرُوهُ عَنْ كُلِّ مَا عَمِلُوهُ وَعَلَّمُوهُ. فَقَالَ لَهُمْ: «تَعَالَوْا لِنَذْهَبَ وَحدَنَا إلَى مَكَانٍ مُنْعَزِلٍ، وَنَسْتَرِيحَ قَلِيلًا.» هَذَا لِأنَّ كَثِيرِينَ كَانُوا يَأْتُونَ وَيَذْهَبُونَ، فَلَمْ تَسْنَحْ لَهُمْ فُرصَةٌ حَتَّى لِلأكلِ. فَذَهَبُوا فِي القَارِبِ إلَى مَكَانٍ مُنْعَزِلٍ وَحْدَهُمْ. وَلَكِنَّ النَّاسَ رَأَوْهُمْ يُغَادِرُونَ المَكَانَ وَعَرَفُوا وُجهَتَهُمْ، فَسَبَقُوهُمْ إلَى هُنَاكَ مَشْيًا عَلَى الأقْدَامِ مِنْ كُلِّ القُرَى. وَعِنْدَ نُزُولِهِ إلَى الشَّاطِئِ، رَأى يَسُوعُ جَمْعًا كَبِيرًا، فَتَحَنَّنَ عَلَيهِمْ لِأنَّهُمْ كَانُوا كَخِرَافٍ لَا رَاعِيَ لَهَا. فَابْتَدَأ يُعَلِّمُهُمْ أُمُورًا كَثِيرَةً. وَبَعْدَ وَقْتٍ طَويلٍ، جَاءَ إلَيْهِ تَلَامِيذُهُ وَقَالُوا: «هَذَا مَكَانٌ مُقفِرٌ، وَقَدْ تَأخَّرَ الوَقْتُ. اصْرِفِ النَّاسَ لِكَي يَذْهَبُوا إلَى القُرَى وَالمَزَارِعِ المُجَاوِرَةِ وَيَشْتَرُوا شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ.» فَأجَابَهُمْ: «أعطُوهُمْ أنْتُمْ شَيْئًا لِيَأْكُلُوا.» فَقَالُوا لَهُ: «أنَذهَبُ وَنَشتَرِي خُبْزًا بِأجْرِ سَنَةٍ مِنَ العَمَلِ وَنُعطِيهِمْ؟» فَقَالَ: «اذْهَبُوا وَانظُرُوا كَمْ رَغِيفًا لَدَيْكُمْ؟» فَلَمَّا عَرَفُوا قَالُوا: «لَدَيْنَا خَمْسَةُ أرغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ.» فَأمَرَهُمْ يَسُوعُ أنْ يُجلِسُوا الجَمِيعَ فِي مَجمُوعَاتٍ عَلَى العُشْبِ الأخضَرِ. فَجَلَسُوا فِي مَجمُوعَاتٍ بَعْضُهَا مِنْ مِئَةِ شَخْصٍ وَبَعْضُهَا مِنْ خَمْسِينَ شَخْصًا. فَأخَذَ يَسُوعُ أرغِفَةَ الخُبْزِ الخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتِينِ، وَشَكَرَ اللهَ رَافِعًا عَيْنَيْهِ إلَى السَّمَاءِ. ثُمَّ قَسَّمَ الأرغِفَةَ وَأعْطَاهَا لِتَلَامِيذِهِ لِيُوَزِّعُوهَا عَلَى النَّاسِ. كَمَا قَسَّمَ السَّمَكَتَيْنِ لِلجَمِيعِ. فَأكَلُوا وَشَبِعُوا جَمِيعًا. وَرَفَعُوا اثنَتي عَشْرَةَ سَلَّةً مَملوءَةً بِكِسَرِ الخُبْزِ وَبَقَايَا السَّمَكِ. وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ أكَلُوا خَمَسَةَ آلَافٍ. بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبَ يَسُوعُ مِنْ تَلَامِيذِهِ أنْ يَرْكَبُوا القَارِبَ وَيَسْبِقُوهُ إلَى بَيْتِ صَيدَا عَلَىْ الضِّفَّةِ الأُخرَى، بَيْنَمَا يَصْرِفُ هُوَ الجَمْعَ. وَبَعْدَ أنْ وَدَّعَ النَّاسَ، ذَهَبَ إلَى الجَبَلِ لِيُصَلِّي. وَعِنْدَمَا حَلَّ المَسَاءُ، كَانَ القَارِبُ فِي وَسَطِ البُحَيرَةِ، وَكَانَ يَسُوعُ عَلَى البَرِّ وَحْدَهُ. فَرَآهُمْ يَسُوعُ يُواجِهُونَ صُعُوبَةً فِي التَّجدِيفِ لِأنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُعَاكِسَةً لَاتِّجَاهِ القَارِبِ. وَقَبْلَ الفَجرِ بِقَلِيلٍ، جَاءَ يَسُوعُ إلَيْهِمْ مَاشِيًا عَلَى البُحَيرَةِ. وَأرَادَ أنْ يَتَجَاوَزَهُمْ. فَلَمَّا رَأَوْهُ مَاشِيًا عَلَى المِيَاهِ ظَنُّوا أنَّهُ شَبَحٌ، فَصَرَخُوا، لِأنَّهُمْ جَمِيعًا رَأَوْهُ وَخَافُوا. لَكِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «تَشَجَّعُوا، إنَّهُ أنَا، لَا تَخَافُوا.» ثُمَّ صَعِدَ مَعَهُمْ فِي القَارِبِ، فَهَدَأتِ الرِّيحُ، وَكَانُوا مُندَهِشِينَ تَمَامًا، لِأنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ خِلَالِ مُعجِزَةِ الأرغِفَةِ، لِأنَّ قُلُوبَهُمْ كَانَتْ قَاسِيَةً. وَلَمَّا عَبَرُوا البُحَيرَةَ، وَصَلُوا إلَى مَنْطِقَةِ جَنِّيسَارَتَ، وَرَبَطُوا قَارِبَهُمْ. وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ القَارِبِ، عَرَفَ النَّاسُ يَسُوعَ. فَانْتَشَرُوا فِي تِلْكَ المِنْطَقَةِ كُلِّهَا، وَكَانُوا يَحْمِلُونَ المَرْضَى عَلَى أسِرَّةٍ إلَى كُلِّ مَكَانٍ يَسْمَعُونَ أنَّ يَسُوعَ فِيهِ. وَحَيْثُمَا كَانَ يَذْهَبُ: إلَى القُرَى وَالبَلْدَاتِ وَالمَزَارِعِ، كَانَ النَّاسُ يَضَعُونَ مَرضَاهُمْ فِي الأمَاكِنِ العَامَّةِ، وَيَتَوَسَّلُونَ إلَيْهِ أنْ يَسْمَحَ لَهُمْ بِأنْ يَلْمِسُوا وَلَوْ حَتَّى طَرَفَ ثَوبِهِ. وَكُلُّ الَّذِينَ لَمَسُوهُ نَالُوا الشِّفَاءَ. وَاجتَمَعَ حَوْلَهُ بَعْضُ الفِرِّيسِيِّينَ وَمُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ الَّذِينَ جَاءُوا مِنَ القُدْسِ. فَرَأوْا بَعْضَ تَلَامِيذِهِ يَأْكُلُونَ بِأيدٍ نَجِسَةٍ، أيْ غَيْرِ مَغسُولَةٍ. فَقَدْ كَانَ الفِرِّيسِيُّونَ وَجَمِيعُ اليَهُودِ لَا يَأْكُلُونَ حَتَّى يَغْسِلُوا أيدِيَهُمْ وَفْقًا لِلتَّقَاليدِ. وَإذَا عَادُوا مِنَ السُّوقِ، لَمْ يَكُونُوا يَأْكُلُونَ شَيْئًا حَتَّى يَغْتَسِلُوا جَيِّدًا. وَلَهُمْ عَادَاتٌ أُخْرَى يَتْبَعُونَهَا مِثْلَ غَسلِ الكُؤُوسِ وَالأبَارِيقِ وَالأوعِيَةِ النُّحَاسِيَّةِ وَالصُّحُونِ. فَسَألَهُ الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ: «لِمَاذَا لَا يَقْتَدِي تَلَامِيذُكَ بَتَقَالِيدِ القُدَمَاءِ؟ لِمَاذَا يَأْكُلُونَ بِأيدٍ نَجِسَةٍ؟» فَأجَابَهُمْ: «صَدَقَ إشَعْيَاءُ حِينَ تَنَبَّأ عَنْكُمْ أنْتُمُ المُنَافِقُينَ، فَقَالَ: ‹هَذَا الشَّعْبُ يُمَجِّدُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأمَّا قَلْبُهُ فَبَعِيدٌ عَنِّي. عِبَادَتُهُمْ بِلَا فَائِدَةٍ، لِأنَّهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ لَيْسَتْ سِوَى وَصَايَا بَشَرِيَّةٍ.› لَقَدْ أهمَلْتُمْ وَصَايَا اللهِ، وَتَتْبَعُونَ الآنَ تَقَالِيدَ البَشَر!» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «أنْتُمْ تُجِيدُونَ رَفْضَ وَصَايَا اللهِ لِتُحَافِظُوا عَلَى تَقَالِيدِكُمْ! فَقَدْ قَالَ مُوسَى: ‹أكرِمْ أبَاكَ وَأُمَّكَ،› وَقَالَ: ‹مَنْ يَشْتُمُ أبَاهُ أوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ.› لَكِنَّكُمْ تَسْمَحُونَ بِأنْ يَقُولَ شَخْصٌ لأبِيهِ أوْ لِأُمِّهِ: ‹لَا أسْتَطِيعُ مُسَاعَدَتَكُمَا، لِأنَّ كُلَّ مَا أمتَلِكُهُ هُوَ قُربَانٌ لِلرَّبِّ!› فَتُشَجِّعُونَهُ عَلَى عَدَمِ مُسَاعَدَةِ أبِيهِ وَأُمِّهِ. وَتَتَجَاهَلُونَ كَلِمَةَ اللهِ لِأجْلِ تَقَالِيدِكُمْ الَّتِي تَتَّبِعُونَهَا. وَتَفْعَلُونَ أُمَورًا كَثِيرَةً مِثْلَ هَذَهِ.» وَدَعَا يَسُوعُ الجُمُوعَ إلَيْهِ ثَانِيَةً وَقَالَ لَهُمْ: «اسْتَمِعُوا إلَيَّ جَمِيعُكُمْ وَافهَمُوا. مَا يَدْخُلُ مَعِدَةَ الإنْسَانِ مِنَ الخَارِجِ لَا يَقْدِرُ أنْ يُنَجِّسَ الإنْسَانَ، أمَّا مَا يَأتِي مِنْ دَاخِلِ الإنْسَانِ فَهُوَ مَا يُنَجِّسُهُ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ.» وَلَمَّا تَرَكَ النَّاسَ وَدَخَلَ إلَى البَيْتِ، سَألَهُ تَلَامِيذُهُ عَنْ مَعنَى هَذَا التَشبِيهِ. فَقَالَ لَهُمْ: «أأنْتُمْ أيْضًا لَمْ تَفْهَمُوا؟ ألَمْ تَفْهَمُوا إنَّهُ لَا شَيءَ يَدْخُلُ الإنْسَانَ مِنَ الخَارِجِ يَقْدِرُ أنْ يُنَجِّسَهُ؟ لِأنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَى قَلْبِهِ، بَلْ إلَى مَعِدَتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ خَارِجًا.» فَبَيَّنَ يَسُوعُ بِهَذَا الكَلَامِ أنَّ جَمِيعَ الأطعِمَةِ طَاهِرَةٌ. ثُمَّ قَالَ: «إنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ دَاخِلِ الإنْسَانِ هُوَ مَا يُنَجِّسُهُ. لِأنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قَلْبِ الإنْسَانِ، تَأْتِي الأفكَارُ الشِّرِّيرَةُ، وَالفِسْقُ، وَالسَّرِقَةُ، وَالقَتلُ، وَالزِّنَى، وَالجَشَعُ، وَالخُبْثُ، وَالخِدَاعُ، وَالعَهَارَةُ، وَالحَسَدُ، وَالإهَانَةُ، وَالكِبْرِيَاءُ، وَالحَمَاقَةُ. هَذِهِ الأفعَالُ الشِّرِّيرَةُ جَمِيعُهَا تَأْتِي مِنْ دَاخِلِ الإنْسَانِ، وَهِيَ مَا يُنَجِّسُهُ.» ثُمَّ غَادَرَ يَسُوعُ تِلْكَ المِنْطَقَةَ، وَاتَّجَهَ إلَى المَنَاطِقِ المُحِيطَةِ بِصُورَ. وَهُنَاكَ دَخَلَ بَيْتًا، وَلَمْ يَكُنْ يُرِيدُ لِأحَدٍ أنْ يَعْرِفَ أنَّهُ هُنَاكَ. لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُخْفِيَ نَفْسَهُ، إذْ إنَّ امْرأةً لَدَيهَا ابْنَةٌ فِيهَا رُوحٌ نَجِسٌ، سَمِعَتْ بِوُصُولِهِ، فَجَاءَتْ عَلَىْ الفَوْرِ وَارْتَمَتْ عِنْدَ قَدَمَيهِ. لَمْ تَكُنِ المَرْأةُ يَهودِيَّةً، بَلْ فينِيقِيَّةً مِنْ سُورِيَّا. وَتَوَسَّلَتْ إلَيْهِ لِيُخرِجَ الرُّوحَ الشِّرِّيرَ مِنَ ابْنَتِهَا. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مِنَ الأولَى أنْ يَشْبَعَ أبْنَاءُ البَيْتِ أوَّلًا. فَلَيْسَ جَيِّدًا أنْ نَأخُذَ طَعَامَهُم وَنُلقِيَهُ لِلكِلَابِ.» فَأجَابَتْهُ: «صَحِيحٌ يَا سَيِّدِي، وَلَكِنْ حَتَّى الكِلَابُ الَّتِي تَحْتَ المَائِدَةِ، تَأْكُلُ فُتَاتَ الطَعَامِ الَّذِي يُسْقِطُهُ الأبْنَاءُ.» فَقَالَ لَهَا: «مِنْ أجْلِ كَلَامِكِ هَذَا، اذهَبِي إلَى بَيْتِكِ، لِأنَّ الرُّوحَ الشِّرِّيرَ قَدْ خَرَجَ مِنَ ابْنَتِكِ.» فَرَجِعَتْ إلَى بَيْتِهَا، وَوَجَدَتِ ابْنَتَهَا مُسْتَلْقِيَةً عَلَى السَّرِيرِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا الرُّوحُ الشِّرِّيرُ. ثُمَّ تَرَكَ يَسُوعُ مَنْطِقَةَ صُورَ، وَعَبَرَ صَيدَاءَ بَاتِّجَاهِ بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ، مُرُورًا بِالمُدُنِ العَشْرِ. وَبَيْنَمَا هُوَ هُنَاكَ، أحضَرُوا إلَيْهِ رَجُلًا أصَمَّ وَأخْرَسَ، وَتَوَسَّلُوا إلَيْهِ أنْ يَضَعَ يَدَيهِ عَلَيْهِ. أمَّا يَسُوعُ فَأخَذَهُ جَانِبًا، بَعِيدًا عَنِ الجَمْعِ، وَوَضَعَ أصَابِعَهُ فِي أُذُنَيهِ ثُمَّ تَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ. وَنَظَرَ يَسُوعُ إلَى السَّمَاءِ وَتَنَهَّدَ بِعُمْقٍ وَقَالَ: «إفْثَا.» أيْ «انْفَتِحي.» فَانفَتَحَتْ أُذُنَاهُ، وَانْحَلَّ لِسَانُهُ، وَابْتَدَأ يَتَكَلَّمُ بِوُضُوحٍ. وَأوصَاهُمْ يَسُوعُ بِأنْ لَا يُخبِرُوا أحَدًا. لَكِنَّهُمْ كَانُوا يُخْبِرُونَ أكْثَرَ كُلَّمَا أوصَاهُمْ بِذَلِكَ أكْثَرَ. وَانْدَهَشَ النَّاسُ تَمَامًا وَقَالُوا: «قَدْ فَعَلَ كُلَّ شَيءٍ بِشَكلٍ رَائِعٍ، حَتَّى إنَّهُ جَعَلَ الصُّمَّ يَسْمَعُونَ، وَالخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ.» وَفِي تِلْكَ الأيَّامِ اجتَمَعَ حَشْدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ ثَانِيَةً، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيءٌ لِيَأْكُلُوهُ. فَاسْتَدْعَى يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: «إنَّنِي أُشفِقُ عَلَى هَؤُلَاءِ النَّاسِ، فَهُمْ مَعِي مُنْذُ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ وَلَا شَيءَ مَعَهُمْ لِيَأْكُلُوا وَإنْ أرسَلْتُهُمْ إلَى بُيُوتِهِمْ جَوعَى، فَسَيُغْمَىْ عَلَيْهِمْ فِي الطَّرِيقِ. لِأنَّ بَعْضَهُمْ جَاءَ مِنْ أمكِنَةٍ بَعِيدَةٍ.» فَأجَابَهُ تَلَامِيذُهُ: «وَأينَ نَسْتَطِيعُ أنْ نَجِدَ طَعَامًا كَافِيًا لِكُلِّ هَؤُلَاءِ فِي هَذَا المَكَانِ المُقفِرِ.» فَسَألَهُمْ: «كَمْ رَغِيفًا لَدَيْكُمْ؟» فَقَالُوا: «سَبعَةُ أرغِفَةٍ.» فَأمَرَ يَسُوعُ النَّاسَ بِالجُلُوسِ عَلَى الأرْضِ، وَأخَذَ الأرغِفَةَ السَّبْعَةَ، وَشَكَرَ، وَقَسَّمَ الأرغِفَةَ وَأعْطَى تَلَامِيذَهُ لِيُوَزِّعُوهَا عَلَى النَّاسِ، فَوَزَّعُوهَا عَلَى الجَمِيعِ. وَكَانَ مَعَهُمْ بَعْضُ السَّمَكِ الصَّغِيرِ أيْضًا، فَشَكَرَ، وَأمَرَ تَلَامِيذَهُ بِأنْ يُوَزِّعُوهَا. فَأكَلَ الجَمِيعُ وَشَبِعُوا، ثُمَّ جَمَعُوا سَبْعَ سِلَالٍ مِنْ كِسَرِ الطَّعَامِ. وَقَدْ كَانَ عَدَدُ الَّذِينَ أكَلُوا نَحْوَ أرْبَعَةِ آلَافِ شَخْصٍ. ثُمَّ صَرَفَهُمْ يَسُوعُ، وَصَعِدَ إلَى القَارِبِ مَعَ تَلَامِيذِهِ وَجَاءَ إلَى مَنْطِقَةِ دَلْمَانُوثَةَ. وَجَاءَ الفِرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ. وَطَلَبُوا مِنْهُ بُرهَانًا مِنَ السَّمَاءِ لِيَمْتَحِنُوهُ. فَتَنَهَّدَ يَسُوعُ بِعُمْقٍ، وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا يَطْلُبُ هَذَا الجِيلُ بُرهَانًا لِكَي يؤمِنَ؟ أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، لَنْ يُعْطَى بُرهَانٌ لِهَذَا الجِيلِ.» ثُمَّ تَرَكَهُمْ يَسُوعُ وَصَعِدَ فِي القَارِبِ، وَاتَّجَهَ إلَى الضِفَّةِ الأُخرَى مِنَ البُحَيرَةِ. وَنَسِيَ التَّلَامِيذُ أنْ يُحضِرُوا خُبْزًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي القَارِبِ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ. وَكَانَ يَسُوعُ يُحَذِّرُهُمْ فَيَقُولُ: «احذَرُوا وَاحتَرِسُوا مِنْ خَمِيرَةِ الفِرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرَةِ هِيرُودُسَ.» فَابْتَدَأ التَّلَامِيذُ يَقُولُ أحَدُهُمْ لِلآخَرِ: «لَكِنْ لَيْسَ لَدَيْنَا خُبْزٌ!» فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تَتَحَدَّثُونَ حَوْلَ عَدَمِ وُجودِ خُبْزٍ؟ ألَمْ تُدرِكُوا وَتَفْهَمُوا بَعْدُ؟ أمْ أنَّ قُلُوبَكُمْ قَدْ تَقَسَّتْ؟ ألَيْسَ لَكُمْ عُيُونٌ؟ فَلِمَاذَا لَا تُبصِرُونَ؟ ألَيْسَ لَكُمْ آذَانٌ؟ فَلِمَاذَا لَا تَسْمَعُونَ وَلَا تَتَذكَّرُونَ؟ عِنْدَمَا قَسَّمْتُ الأرغِفَةَ الخَمْسَةَ لِلخَمْسَةِ آلَافِ رَجُلٍ، كَمْ مِنَ السِّلَالِ مَلأتُمْ مِنْ بَوَاقِي الطَّعَامِ؟» قَالُوا: «اثْنَتَي عَشْرَةَ سَلَّةً.» «وَكَمْ سَلَّةً مَلأتُمْ مِنَ البَوَاقِي عِنْدَمَا قَسَّمْتُ الأرغِفَةَ السَّبْعَةَ لِلأرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ؟» قَالُوا: «سَبْعُ سِلَالٍ.» فَقَالَ لَهُمْ: «إذًا لِمَاذَا لَمْ تَفْهَمُوا بَعْدُ؟» ثُمَّ جَاءَ إلَى بَيْتِ صَيدَا، فَأحضَرَ إلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ رَجُلًا أعمَى، وَتَوَسَّلُوا إلَيْهِ أنْ يَضَعَ يَدَيهِ عَلَيْهِ. فَأمْسَكَ يَسُوعُ بِيَدِ الأعمَى، وَأخَذَهُ إلَى خَارِجِ البَلدَةِ. ثُمَّ تَفَلَ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيهِ عَلَيْهِ، وَسَألَهُ: «هَلْ تَرَى شَيْئًا الآنَ؟» فَنَظَرَ الرَّجُلُ وَقَالَ: «أرَى النَّاسَ كَأشْجَارٍ تَمْشِي.» فَوَضَعَ يَسُوعُ يَدَيهِ عَلَى عَينَي الرَّجُلِ ثَانِيَةً، فَفَتَحَ الرَّجُلُ عَينيهِ تَمَامًا، فَشُفِيَ وَأبصَرَ كَلَّ شَيءٍ بِوضُوحٍ. فأرسَلَهُ يَسُوعُ إلَى بَيْتِهِ وَقَالَ لَهُ: «لَا تَدْخُلْ إلَى البَلْدَةِ.» وَاتَّجَهَ يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ إلَى القُرَى الَّتِي حَوْلَ قَيصَرِيَّةِ فِيلِبُّسَ، وَفِي الطَّرِيقِ سَألَهُمْ: «مَنْ يقُولُ النَّاسُ إنِّي أنَا؟» فَأجَابُوهُ: «يَقُولُ بَعْضُهُمْ إنَّكَ يُوحَنَّا المَعمَدَانُ، وَآخَرُونَ إنَّكَ إيلِيَّا، وَآخَرُونَ إنَّكَ نَبِيٌ كَبَاقي الأنْبِيَاءِ.» فَسَألَهُمْ: «وَأنْتُمْ، مَنْ أنَا فِي رَأيِكُمْ؟» فَأجَابَهُ بُطرُسُ: «أنْتَ هُوَ المَسِيحُ.» أمَّا يَسُوعُ فَقَدْ حَذَّرَهُمْ مِنْ أنْ يُخبِرُوا أحَدًا عَنْ هَويَّتِهِ. وَابْتَدَأ يَسُوعُ يُعَلِّمُهُمْ أنَّ ابْنَ الإنْسَانِ يَنْبَغِي أنْ يُعَانِيَ أشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَأنْ يَرْفُضَهُ الشُّيُوخُ وَكِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّريعَةِ. كَمَا يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ وَيُقَامَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ. أخبَرَهُمْ هَذَا بِكُلِّ صَرَاحَةٍ. أمَّا بُطرُسُ فَقَدْ أخَذَ يَسُوعَ جَانِبًا وَابْتَدَأ يُوَبِّخُهُ! فَالتَفَّتَ يَسُوعُ إلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ مُوَبِّخًا بُطْرُسَ: «ابتَعِدْ عَنِّي يَا شَيطَانُ! فَأنْتَ لَا تَهْتَمُّ لِأُمُورِ اللهِ، بَلْ لِأُمُورِ البَشَرِ.» ثُمَّ دَعَا إلَيْهِ الجَمْعَ مَعَ تَلَامِيذِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: «إنْ أرَادَ أحَدٌ أنْ يَأْتِيَ مَعِي، فَلَا بُدَّ أنْ يُنكِرَ نَفْسَهُ، وَأنْ يَرْفَعَ الصَّلِيبَ المُعطَى لَهُ وَيَتْبَعَنِي. فَمَنْ يُرِيدُ أنْ يُخَلِّصَ حَيَاتَهُ، سَيَخْسَرُهَا. أمَّا مَنْ يَخْسَرُ حَيَاتَهُ مِنْ أجْلِي وَمِنْ أجْلِ البِشَارَةِ، فَسَيُخَلِّصُهَا. فَمَاذَا يَنْتَفِعُ الإنْسَانُ لَوْ رَبِحَ العَالَمَ كُلَّهُ، وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ وَمَاذَا يَسْتَطِيعُ الإنْسَانُ أنْ يُقَدِّمَ لِيَسْتَرِدَّ حَيَاتَهُ؟ لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَخْجَلُ بِي وَبِكَلَامِي فِي هَذَا الجِيلِ الفَاسِقِ الخَاطِئِ، سَيَخْجَلُ بِهِ ابْنُ الإنْسَانِ حِينَ يَأتِي فِي مَجْدِ أبيهِ مَعَ مَلَائِكَتِهِ المُقَدَّسِينَ.» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ: إنَّ مِنْ بَيْنِ الوَاقِفِينَ هُنَا أشخَاصًا لَنْ يَذُوقُوا المَوْتَ قَبْلَ أنْ يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ آتِيًا بِقُوَّةٍ.» وَبَعْدَ سِتَّةِ أيَّامٍ، أخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا إلَى جَبَلٍ مُرْتَفِعٍ وَحْدَهُمْ، وَغَيَّرَ هَيئَتَهُ أمَامَهُمْ. فَصَارَتْ ثِيَابُهُ مُشِعَّةً، وَنَاصِعَةَ البَيَاضِ. حَتَّىْ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ لأيِّ قَصَّارٍ عَلَى الأرْضِ أنْ يُبَيِّضَ هَكَذَا! وَظَهَرَ لَهُمْ إيلِيَّا مَعَ مُوسَى، وَكَانَا يَتَحَدَّثَانِ مَعَ يَسُوعَ. فَقَالَ بُطرُسُ لِيَسُوعَ: «يَا مُعَلِّمُ، مَا أجمَلَ أنْ نَكُونَ هُنَا! فَلنَنصُبْ ثَلَاثَ خَيمَاتٍ، وَاحِدَةً لَكَ، وَوَاحِدَةً لِمُوسَى، وَوَاحِدَةً لإيلِيَّا.» وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَا الَّذِي يَقُولُهُ، فَقَدْ كَانُوا خَائِفِينَ. ثُمَّ جَاءَتْ غَيمَةٌ وَغَطَّتْهُمْ، وَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ الغَيمَةِ يَقُولُ: «هَذَا هُوَ ابْنِي حَبِيبِي، فَأصغُوا إلَيْهِ.» وَفَجْأةً، نَظَرُوا حَولَهُمْ، فَلَمْ يَرَوْا مَعَهُمْ إلَّا يَسُوعَ وَحْدَهُ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَنْزِلُونَ مِنَ الجَبَلِ، أمَرَهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «لَا تُخبِرُوا أحَدًا بِهَذِهِ الرُؤيَا، إلَى أنْ يُقَامَ ابْنُ الإنْسَانِ مِنَ المَوْتِ.» فَحَفِظُوا الأمْرَ بَيْنَهُمْ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ مَعنَى القِيَامَةِ مِنَ المَوْتِ. فَسَألُوهُ: «لِمَاذَا يَقُولُ مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ إنَّ إيلِيَّا يَنْبَغِي أنْ يَأْتِيَ أوَّلًا؟» فَقَالَ لَهُمْ: «هُمْ مُصِيبُونَ بِقَولِهِمْ إنَّ إيلِيَّا يَنْبَغِي أنْ يَأتيَ أوَّلًا، فَهوَ يَرُدُّ كُلَّ شَيءٍ إلَى أصلِهِ. وَلَكِنْ كُتِبَ أيْضًا عَنِ ابْنِ الإنْسَانِ أنَّهُ سَيَتَألَّمُ كَثِيرًا وَيُرفَضُ. أقُولُ لَكُمْ إنَّ إيلِيَّا قَدْ جَاءَ، وَعَامَلُوهُ كَمَا يُرِيدُونَ، تَمَامًا كَمَا كُتِبَ عَنْهُ.» وَعِنْدَمَا وَصَلُوا إلَى بَقِيَّةِ التَّلَامِيذِ، شَاهَدُوا جَمْعًا كَبِيرًا مِنَ النَّاسِ حَولَهُمْ، وَكَانَ مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ يُجَادِلُونَهُمْ. وَحَالَمَا رَآهُ النَّاسُ امتَلأُوا دَهشَةً وَأسْرَعُوا لِيُسَلِّمُوا عَلَيْهِ. فَسَألَهُمْ يَسُوعُ: «مَا الَّذِي تَتَجَادَلُونَ فِيهِ مَعَهُمْ؟» فَأجَابَهُ رَجُلٌ كَانَ هُنَاكَ: «يَا مُعَلِّمُ، لَقَدْ أحضَرْتُ ابْنِي إلَيْكَ، لِأنَّهُ مَسكُونٌ بِرُوحٍ شِرِّيرٍ يُخرِسُهُ. وَحينَ يُسَيطِرُ عَلَيْهِ، يُلْقِيهِ أرْضًا، ثُمَّ يَزبِدُ وَيَصُرُّ عَلَى أسنَانِهِ وَيَتَشَنَّجُ. وَقَدْ طَلَبْتُ مِنْ تَلَامِيذِكَ أنْ يُخرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا.» فَقَالَ يَسُوعُ: «أيُّهَا الجِيلُ غَيْرُ المُؤمِنِ، إلَى مَتَى أكُونُ مَعَكُمْ، إلَى مَتَى أحتَمِلُكُمْ؟» ثُمَّ قَالَ للرَجُلِ: «أحضِرِ ابنَكَ إلَيَّ.» فَأحْضَرُوا الصَّبِيِّ إلَيْهِ. فَلَمَّا رَأى الرُّوحُ الشِّرِّيرُ يَسُوعَ، أدخَلَ الصَّبِيَّ فِي نَوبَةِ تَشَنُّجَاتٍ، وَألقَاهُ أرْضًا. فَكَانَ الصَّبِيُّ يَتَقَلَّبُ وَيُزْبِدُ. فَسَألَ يَسُوعُ وَالِدَ الصَّبِيِّ: «مُنْذُ مَتَى وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الحَالِ؟» فَأجَابَ: «مُنْذُ طُفُولَتِهِ. وَكَثِيرًا مَا كَانَ هَذَا الرُّوحُ يُلقِيهِ فِي النَّارِ أوْ فِي المَاءِ لِيَقْتُلَهُ. فَإنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أنْ تَفْعَلَ شَيْئًا، فَارحَمْ حَالَنَا وَسَاعِدْنَا.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَقُولُ: ‹إنْ كُنْتُ أستَطِيعُ›؟ فَكُلُّ شَيءٍ مُسْتَطَاعٌ لِمَنْ يُؤمِنُ.» فَصَرَخَ وَالِدُ الصَّبِيِّ وَقَالَ: «أنَا أُومِنُ، فَسَاعِدْنِي لِكَي يَقَوَى إيمَانِيَ الضَّعيفُ.» وَلَمَّا رَأى يَسُوعُ أنَّ أعدَادَ النَّاسِ تَتَكَاثَرُ، انتَهَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ، وَقَالَ لَهُ: «يَا أيُّهَا الرُّوحُ الَّذِي أخرَسَتَ هَذَا الصَّبِيَّ وَأغلَقْتَ أُذُنَيهِ، أنَا آمُرُكَ بِأنْ تَخْرُجَ مِنْهُ، وَلَا تَرْجِعَ إلَيْهِ ثَانِيَةً.» فَصَرَخَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ وَأدخَلَ الصَّبِيَّ فِي نَوبَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ. فَصَارَ الصَّبِيُّ كَأنَّهُ مَيِّتٌ، حَتَّى إنَّ كَثِيرِينَ قَالُوا إنَّهُ مَاتَ. أمَّا يَسُوعُ فَأمسَكَ بِيَدِهِ وَأنهَضَهُ، فَوَقَفَ الصَّبِيُّ. وَبَعْدَ أنْ دَخَلَ يَسُوعُ إلَى البَيْتِ، سَألَهُ تَلَامِيذُهُ عَلَى انفِرَادٍ: «لِمَاذَا لَمْ نَسْتَطِعْ نَحْنُ إخرَاجَهُ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا النَّوعُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.» وَانطَلَقُوا مِنْ هُنَاكَ وَابْتَدَأُوا رِحلَتَهُمْ عَبْرَ إقْلِيمِ الجَلِيلِ. وَلَمْ يُرِدْ يَسُوعُ أنْ يَعْرِفَ أحَدٌ مَكَانَهُ، بَلْ أرَادَ أنْ يَكُونَ مَعَ تَلَامِيذَهُ لِيُعَلِّمَهُمْ. فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: «سَيُوضَعُ ابْنُ الإنْسَانِ تَحْتَ سُلطَانِ البَشَرِ. وَسَيَقْتُلُونَهُ. وَلَكِنَّهُ، بَعْدَ أنْ يُقتَلَ، سَيَقُومُ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ مِنَ المَوْتِ.» لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا كَلَامَهُ. وَخَافُوا أنْ يَسألُوهُ عَنْ مَعنَاهُ. وَبَعْدَ هَذَا جَاءُوا إلَى كَفْرِنَاحُومَ. فَلَمَّا اجتَمَعُوا فِي البَيْتِ، سَألَهُمْ يَسُوعُ: «عَمَّا كُنْتُمْ تَتَجَادَلُونَ فِي الطَّرِيقِ.» فَلَمْ يُجِبْهُ التَّلَامِيذُ بِشَيءٍ، لِأنَّهُمْ كَانُوا يَتَجَادَلُونَ حَوْلَ مَنْ هُوَ الأعْظَمُ بَيْنَهُمْ. فَجَلَسَ يَسُوعُ، وَدَعَا الِاثنَيْ عَشَرَ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ أرَادَ مِنْكُمْ أنْ يَكُونَ الأوَّلَ، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ آخِرَ الكُلِّ، وَخَادِمَ الكُلِّ.» ثُمَّ دَعَا يَسُوعُ طِفْلًا، وَأوقَفَهُ أمَامَهُمْ وَاحتَضَنَهُ وَقَالَ: «مَنْ يَقْبَلُ طِفْلًا كَهَذَا بِاسْمِي فَإنَّمَا يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُنِي فَإنَّمَا يَقْبَلُ الَّذِي أرْسَلَنِي أيْضًا.» وَقَالَ لَهُ يُوحَنَّا: «يَا مُعَلِّمُ، رَأينَا رَجُلًا يَطْرُدُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِاسْمِكَ، فَحَاوَلْنَا أنْ نَمنَعَهُ لِأنَّهُ لَيْسَ مِنَّا.» فَقَالَ يَسُوعَ: «لَا تَمْنَعوهُ. فَمَنْ يَصْنَعُ مُعجِزَةً بِاسْمِي، لَا يُمْكِنُهُ أنْ يُسيئَ إلَيَّ بِهَذِهِ السُّرعَةِ. لِأنَّ الَّذِي لَيْسَ ضِدَّنَا هُوَ مَعَنَا. أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنَّ مَنْ يَسْقِيكُمْ كَأسَ مَاءٍ لِأنَّكُمْ لِلمَسِيحِ، فَلَنْ يُحرَمَ مِنْ مُكَافَأتِهِ.» «أمَّا مَنْ يُعثِرُ أحَدَ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ المُؤْمِنِينَ بِي، فَسَيَكُونُ أفْضَلَ لَهُ لَوْ أنَّ حَجَرَ رَحَىً وُضِعَ حَوْلَ رَقَبَتِهِ، وَأُلقِيَ بِهِ فِي البَحْرِ. فَإنْ كَانَتْ يَدُكَ تَدْفَعُكَ إلَى الخَطِيَّةِ، اقْطَعْهَا. لِأنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أنْ تَدْخُلَ الحَيَاةَ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، مِنْ أنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ اثْنَتَانِ، وَتَدْخُلَ جَهَنَّمَ، حَيْثُ لَا تُطْفَأُ النَّارُ. بَلْ حَيْثُ الدُّودُ لَا يَمُوتُ، وَالنَّارُ لَا تُطفَأُ. وَإنْ كَانَتْ قَدَمُكَ تَدْفَعُكَ إلَى الخَطِيَّةِ، اقطَعْهَا. لِأنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أنْ تَدْخُلَ الحَيَاةَ بِقَدَمٍ وَاحِدَةٍ، مِنْ أنْ تَكُونَ لَكَ قَدَمَانِ اثْنَتَانِ، وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ، حَيْثُ الدُّودُ لَا يَمُوتُ، وَالنَّارُ لَا تُطفَأُ. وَإنْ كَانَتْ عَينُكَ تَدْفَعُكَ إلَى الخَطِيَّةِ، فَاقلَعْهَا. لِأنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ بِعَينٍ وَاحِدَةٍ، مِنْ أنْ تَكُونَ لَكَ عَينَانِ اثْنَتَانِ، وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ، حَيْثُ الدُّودُ لَا يَمُوتُ، وَالنَّارُ لَا تُطفَأُ. «لِأنَّ كُلَّ إنْسَانٍ سَيُمَلَّحُ بِالنَّارِ. لِأنَّ المِلْحَ جَيِّدٌ. فَإنْ فَقَدَ المِلْحُ مُلُوحَتَهُ، بِمَاذَا تُصلِحُونَهُ؟ فَلْيَكُنْ لَكُمْ فِي نُفوسِكُمْ مِلْحٌ، وَعِيشُوا فِي سَلَامٍ بَعْضُكُمْ مَعَ بَعْضٍ.» ثُمَّ غَادَرَ يَسُوعُ ذَلِكَ المَكَانَ، وَجَاءَ إلَى إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ، وَمَنَاطِقِ مَا وَرَاءَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَاجتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ مِنْ جَديدٍ، فَأخَذَ يُعَلِّمُهُمْ كَعَادَتِهِ. وَجَاءَ إلَيْهِ بَعْضُ الفِرِّيسِيِّينَ وَسَألُوهُ: «أيَجوزُ أنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ؟» سَألُوهُ هَذَا لِكَي يَصْطَادُوهُ فِي أيِّ خَطَأٍ. فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «مَا الَّذِي أمَرَكُمْ بِهِ مُوسَى؟» فَقَالُوا: «مُوسَى سَمَحَ لَلرَّجُلِ بِأنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ أنْ يُعطِيَهَا وَثيقَةَ طَلَاقٍ.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كَتَبَ مُوسَىْ هَذَهِ الوَصِيَّةَ بِسَبَبِ قُلُوبِكُمُ القَاسِيَةِ! وَلَكِنَّ اللهَ مُنْذُ بِدَايَةِ الخَليقَةِ ‹خَلَقَ النَّاسَ ذَكَرًا وَأُنثَى؟› ثُمَّ قَالَ: ‹لِهَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أبَاهُ وَأُمَّهُ، وَيَتَّحِدُّ بِزَوْجَتِهِ، فَيَصِيرَ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.› وَبِهَذَا لَا يَكُونَانِ فِيمَا بَعْدُ اثْنَيْنِ، بَلْ وَاحِدًا. فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَفْصِلَ أحَدٌ بَيْنَ مَنْ جَمَعَهُمَا اللهُ.» وَعِنْدَمَا كَانُوا فِي البَيْتِ، سَألَهُ تَلَامِيذُهُ عَنْ هَذَا الأمْرِ مُجَدَّدًا. فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «كُلُّ مَنْ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَيَتَزَوَّجُ بِأُخرَى، يَرْتَكِبُ الزِّنَى ضِدَّ زَوْجَتِهِ. وَإنْ طَلَّقَتْ هِيَ رَجُلَهَا، وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، فَإنَّهَا تَزْنِي.» وَكَانَ النَّاسُ يُحضِرُونَ إلَيْهِ الأطْفَالَ لِيَلْمِسَهُمْ، وَأمَّا التَّلَامِيذُ فَكَانُوا يُوَبِّخُونَهُمْ. وَعِنْدَمَا رَأى يَسُوعُ ذَلِكَ، غَضِبَ، وَقَالَ لَهُمْ: «دَعُوا الأطْفَالَ يَأْتُونَ إلَيَّ، وَلَا تَمْنَعُوهُمْ عَنِّي، لِأنَّ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ مَلَكُوتَ اللهِ. أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنَّ مَنْ لَا يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ كَطِفلٍ، لَنْ يَدْخُلَهُ.» وَدَعَا يَسُوعُ الأطْفَالَ وَضَمَّهُمْ إلَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيهِ عَلَيْهِمْ، وَبَارَكَهُمْ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ فِي إحْدَى جَولَاتِهِ، أسرَعَ إلَيْهِ رَجُلٌ وَسَجَدَ أمَامَهُ وَسَألَهُ: «أيُّهَا المُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا يَنْبَغِي أنْ أفعَلَ لِكَي أنَالَ الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ أتَعْرِفُ أنَّهُ لَا صَالِحَ إلَّا اللهُ؟ أنْتَ تَعْرِفُ الوَصَايَا: ‹لَا تَقْتُلْ، لَا تَزْنِ، لَا تَسْرِقْ، لَا تَشْهَدْ زورًا، لَا تَحْتَلْ عَلَى أحَدٍ، أكْرِمْ أبَاكَ وَأُمَّكَ.›» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: «يَا مُعَلِّمُ، أنَا أُطِيعُ كُلَّ هَذِهِ مُنْذُ صِبَايَ.» أمَّا يَسُوعُ فَنَظَرَ إلَيْهِ بِحُبٍّ وَقَالَ: «يَنْقُصُكَ شَيءٌ وَاحِدٌ فَقَطْ: اذْهَبْ وَبِعْ كُلِّ مَا تَمْلُكُ وَأعْطِ الفُقَرَاءَ. بِهَذَا تَمْلُكُ كَنزًا فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَعَالَ اتبَعْنِي.» فَبَدَتْ خَيبَةُ الأمَلِ عَلَى الرَّجُلِ بَعْدَ أنْ سَمِعَ هَذَا، وَذَهَبَ حَزِينًا لِأنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا. فَنَظَرَ يَسُوعُ إلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَا أصعَبَ أنْ يَدْخُلَ أصْحَابُ الأموَالِ مَلَكُوتَ اللهِ!» فَاندَهَشَ التَّلَامِيذُ مِنْ كَلَامِهِ. لَكِنَّهُ تَابَعَ وَقَالَ: «يَا أبنَائِي، مَا أصَعْبَ دُخُولَ مَلَكُوتِ اللهِ! أنْ يَمُرَّ جَمَلٌ مِنْ ثُقبِ إبرَةٍ، أيسَرُ مِنْ أنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ مَلَكُوتَ اللهِ.» فَازْدَادَ التَّلَامِيذُ دَهْشَةً وَكَانُوا يَقُولُونَ: «فَمَنْ يُمْكِنُ أنْ يَخْلُصَ إذًا؟» فَنَظَرَ يَسُوعُ إلَيْهِمْ وَقَالَ: «هَذَا مُسْتَحِيلٌ عِنْدَ النَّاسِ، لِكَنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ، لِأنَّ كُلَّ الأشْيَاءِ مُمْكِنَةٌ عِنْدَ اللهِ.» فَأخَذَ بُطرُسُ يَقُولُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكنَا كُلَّ شَيءٍ لِكَي نَتبَعَكَ!» فَقَالَ يَسُوعُ: «أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، مَنْ تَرَكَ بَيْتًا أوْ إخْوَةً أوْ أخَوَاتٍ أوْ أُمًّا أوْ أبًا أوْ أبْنَاءً مِنْ أجلي وَمِنْ أجلِ إعلَانِ البِشَارَةِ، سَيَنَالُ مِئَةَ ضِعفٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ: بُيُوتًا وَإخوَةً وَأخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأبْنَاءً وَحُقُولًا، حَتَّى فِي وَسَطِ الاضْطِّهَادِ. وَسَيَحيَا فِي الحَيَاةِ الآتِيَةِ مَعَ اللهِ إلَى الأبَدِ. فَكَثِيرُونَ هُمْ أوَّلُ النَّاسِ الَّذِينَ سَيَصِيرُونَ آخِرَ النَّاسِ، وَكَثِيرُونَ هُمْ آخِرُ النَّاسِ الَّذِينَ سَيَصِيرُونَ أوَّلَ النَّاسِ.» وَكَانُوا مُنطَلِقينَ فِي طَرِيقِهِمْ إلَى القُدْسِ، وَيَسُوعُ يَقُودُهُمْ. وَكَانَ الَّذِينَ يَتْبَعُونَهُ خَائِفينَ، أمَّا الاثْنَا عَشَرَ فَكَانُوا مُندَهِشينَ جِدًّا. فَأخَذَ يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ جَانِبًا وَابْتَدَأ يُخبِرُهُمْ مُجَدَّدًا عَنْ مَا سَيَحْدُثُ لَهُ، فَقَالَ: «هَا نَحْنُ ذَاهِبُونَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ حَيْثُ سَيُسَلَّمُ ابْنُ الإنْسَانِ إلَى كِبَارِ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إلَى غَيْرِ المُؤمِنِينَ، فَيَسْخَرُونَ بِهِ، وَيَبْصِقُونَ عَلَيْهِ، ويجلِدُونَهُ، ثُمَّ يَقْتُلُونَهُ. أمَّا هُوَ فَسَيَقُومُ مِنَ المَوْتِ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ.» وَجَاءَ إلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبَدِي وَقَالَا: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ مِنْكَ أنْ تُحَقِّقَ لَنَا مَا سَنَطلُبُهُ مِنْكَ.» فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «مَاذَا تُرِيدَانِ مِنِّي أنْ أفعَلَ لَكُمَا؟» فَقَالَا لَهُ: «أعْطِنَا امتِيَازَ الجُلُوسِ مَعَكَ فِي مَجْدِكَ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرَ عَنْ يَسَارِكَ.» فَقَالَ لَهُمَا: «أنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ مَا الَّذِي تَطْلُبَانِهِ. هَلْ تَسْتَطِيعَانِ أنْ تَشْرَبَا الكَأسَ الَّتِي سَأشرَبُهَا؟ وَأنْ تَتَعَمَّدَا المَعمُودِيَّةَ الَّتِي سَأتَعَمَّدُهَا؟» فَأجَابَاهُ: «نَسْتَطِيعُ.» فَقَالَ لَهُمَا: «سَتَشْرَبَانِ الكَأسَ الَّذِي سَأشرَبُهُ، وَسَتَتَعَمَّدَانِ المَعمُودِيَّةَ الَّتِي سَأتَعَمَّدُهَا، أمَّا الجُلوسُ عَنْ يَمِينِي أوْ عَنْ يَسَارِي، فَلَا أستَطِيعُ أنْ أُعْطِيَهُ إلَّا لِمَنْ أُعِدَّ لَهُمْ.» فَلَمَّا سَمِعَ العَشْرَةُ البَاقُونَ هَذَا الطَّلَبَ، ابْتَدَأُوا يَغْتَاظُونَ جِدًّا مِنْ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا. فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: «تَعْرِفُونَ أنَّ مَنْ يُعتَبَرُونَ حُكَّامًا عَلَى الأُمَمِ يُمَارِسُونَ حُكمًا مُطلَقًا عَلَى شُعُوبِهِمْ، وَقَادَتُهُمْ يُمَارِسُونَ سُلُطَاتِهِمْ عَلَيْهِمْ. لَكِنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ! مَنْ أرَادَ أنْ يَكُونَ عَظِيمًا بَيْنَكُمْ، فَعَلَيْهِ أنْ يَكُونَ خَادِمَكُمْ. وَمَنْ أرَادَ أنْ يَكُونَ الأوَّلَ بَيْنَكُمْ، فَعَلَيْهِ أنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلجَمِيعِ. لِأنَّ ابْنَ الإنْسَانِ أيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخدَمَ، بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيُقَدِّمَ حَيَاتَهُ فِديَةً لِتَحْرِيرِ كَثِيرِينَ.» ثُمَّ جَاءُوا إلَى أرِيحَا، وَبَيْنَمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أرِيحَا مَعَ تَلَامِيذِهِ وَمَعَ جَمْعٍ كَبِيرٍ مِنَ النَّاسِ، كَانَ ابْنُ تِيمَاوُسَ: بَارتِيمَاوُسُ الأعمَى، جَالِسًا عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ يَتَسَوَّلُ. فَلَمَّا سَمِعَ أنَّ المَارَّ مِنْ هُنَاكَ هُوَ يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ، ابتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ: «يَا يَسُوعُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارحَمْنِي.» فَوَبَّخَهُ كَثِيرُونَ وَأمَرُوهُ بِأنْ يَسْكُتَ، لَكِنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ أكْثَرَ: «يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارحَمنِي!» فَتَوَقَّفَ يَسُوعُ وَقَالَ: «ادعُوهُ إلَى هُنَا.» فَفَعَلُوا، وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: «تَشَجَّعْ، انْهَضْ، هَا إنَّ يَسُوعَ يَدْعُوكَ.» فَقَفَزَ وَطَرَحَ رِدَاءَهُ وَتَوَجَّهَ إلَى يَسُوعَ. فَسَألَهُ يَسُوعُ: «مَاذَا تُرِيدُ مِنِّي أنْ أفعَلَ مِنْ أجْلِكَ؟» فَأجَابَهُ: «يَا مُعَلِّمِي العَظِيمَ، أُرِيدُ أنْ أرَىْ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَقَدْ شَفَاكَ إيمَانُكَ.» فَاسْتَعَادَ الرَّجُلُ بَصَرَهُ فَوْرًا، وَتَبِعَ يَسُوعَ فِي الطَّرِيقِ. وَإذِ اقْتَرَبُوا مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ، عِنْدَ بَلْدَةِ بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا قُرْبَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، أرْسَلَ يَسُوعُ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَقَالَ لَهُمَا: «اذهَبَا إلَى القَريَةِ الَّتِي أمَامَكُمَا. وَعِنْدَمَا تَدْخُلَانِهَا، سَتَجِدَانِ حِمَارًا صَغِيرًا مَربُوطًا لَمْ يَرْكَبْهُ أحَدٌ مِنْ قَبْلُ، فَحُلَّاهُ وَأحضِرَاهُ. فَإذَا سَألَكُمَا أحَدٌ لِمَاذَا تَفْعَلَانِ ذَلكَ، قُولَا: ‹الرَّبُّ يَحتَاجُ إلَيْهِ. وَسَيُعِيدُهُ قَرِيبًا.›» فَذَهَبَ التِّلميذَانِ وَوَجَدَا الحِمَارَ مَربُوطًا عِنْدَ أحَدِ الأبوَابِ فِي الطَّرِيقِ، فَحَلَّاهُ. وَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَقِفُونَ هُنَاكَ فَقَالُوا لَهُمَا: «لِمَاذَا تَحُلَّانِ الحِمَارَ؟» فَقَالَا لَهُمْ كَمَا أوصَاهُمَا يَسوعُ، فَسَمَحُوا لَهُمَا. وَأحضَرَ التِّلمِيذَانِ الحِمَارَ الصَّغِيرَ إلَى يَسُوعَ، وَوَضَعَا ثِيَابَهُمَا عَلَىْ الحِمَارِ، فَجَلَسَ يَسوعُ عَلَيْهِ. وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ النَّاسِ يَفْرِشُونَ أردِيَتَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ فَرَشُوا أغْصَانًا قَطَعُوهَا مِنَ الحُقُولِ. وَكَانَ النَّاسُ مَنْ أمَامِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَهْتِفُونَ: «يَعِيشُ المَلِكُ! مُبَارَكٌ هُوَ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ.» «مُبَارَكَةٌ مَملَكَةُ أبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ، يَعِيشُ المَلكُ فِي عُلَاه.» ثُمَّ دَخَلَ يَسُوعُ إلَى القُدْسِ وَاتَّجَهَ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ، وَكَانَ المَسَاءُ قَدْ حَلَّ، فألقَى يَسوعُ نَظْرَةً عَلَىْ كُلِّ شَيءٍ حَوْلَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ مَعَ الِاثنَيْ عَشَرَ إلَى بَيْتِ عَنْيَا. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، بَيْنَمَا هُمْ يُغَادِرُونَ بَيْتَ عَنْيَا، جَاعَ يَسُوعُ، وَشَاهَدَ مِنْ بَعيدٍ شَجَرَةَ تِينٍ مُورِقَةً. فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا بَعْضَ الثِّمَارِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ سِوَى الأورَاقِ، وَذَلِكَ لِأنَّ المَوسِمَ لَمْ يَكُنْ مَوسِمَ إثمَارِ التِّينِ. فَقَالَ يَسُوعُ لِلشَّجَرَةِ: «لَا يَأْكُلْ مِنْكِ أحَدٌ بَعْدَ الآنَ!» وَسَمِعَ تَلَامِيذُهُ مَا قَالَهُ. ثُمَّ دَخَلُوا إلَى القُدْسِ. فَلَمَّا دَخَلُوا سَاحَةَ الهَيْكَلِ، طَرَدَ يَسُوعُ تُجَّارًا كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ هُنَاكَ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَرَّافينَ، وَمَقَاعِدَ بَاعَةِ الحَمَامِ. وَلَمْ يَسْمَحْ لِأحَدٍ بِعُبورِ السَّاحَةِ وَهُوَ يَحْمِلُ أيَّ غَرَضٍ. وَابْتَدَأ يُعَلِّمُ النَّاسَ وَيَقُولُ: «ألَيْسَ مَكْتُوبًا: ‹بَيْتِي يُدْعَى بَيْتَ صَلَاةٍ لِجَمِيعِ الأُمَمِ›؟ لَكِنَّكُمْ حَوَّلتُمُوهُ إلَى ‹وَكْرِ لُصُوصٍ!› » وَسَمِعَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ بِمَا حَدَثَ، فَبَدَأُوا يَبْحَثُونَ عَنْ طَرِيقَةٍ يَقْتُلُونَهُ بِهَا. لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْهُ لِأنَّ تَعْلِيمَهُ كَانَ يُدهِشُ الجَمِيعَ. وَلَمَّا حَلَّ المَسَاءُ، خَرَجَ يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ مِنَ المَدِينَةِ. وَفِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، وَبَيْنَمَا هُمْ سَائِرُونَ، رَأوْا شَجَرَةَ التِّينِ وَقَدْ يَبِسَتْ مِنْ جُذُورِهَا. فَتَذَكَّرَ بُطرُسُ الأمْرَ وَقَالَ لِيَسُوعَ: «انْظُرْ يَا مُعَلِّمُ! الشَّجَرَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبُسَتْ.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «آمِنُوا بِاللهِ، فَأقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، مَنْ قَالَ لِهَذَا الجَبَلِ: ‹لِتُقلَعْ مِنْ مَكَانِكَ وَتُلْقَ فِي البَحْرِ،› وَلَا يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤمِنُ بِأنَّ مَا يَقُولُهُ سَيَحْدُثُ، فَإنَّ كَلَامَهُ سَيَتَحَقَّقُ لَهُ. لِهَذَا أقُولُ لَكُمْ، كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ وَأنْتُمْ تُصَلُّونَ، آمِنُوا بِأنَّهُ لَكُمْ، فَيَكُونَ لَكُمْ. وَإذَا هَمَمْتُمْ بِالصَلَاةِ، فَاغْفِرُوا أوَّلًا إنْ كَانَ فيكُمْ أيُّ شَيءٍ ضِدَّ شَخْصٍ آخَرِ، حَتَّى يَغْفِرَ أبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ زَلَّاتِكُمْ. فَإنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلآخَرِينَ، لَا يَغْفِرُ لَكُمْ أبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ زَلَّاتِكُمْ.» بَعْدَ ذَلِكَ، عَادُوا إلَى القُدْسِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يَسِيرُ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ، جَاءَ إلَيْهِ كِبَارُ الكَهَنَةِ، وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالشُّيُوخُ. وَسَألَوهُ: «أخبِرنَا بِأيِّ سُلطَانٍ تَفْعَلُ هَذِهِ الأشْيَاءَ، وَمَنِ الَّذِي أعطَاكَ هَذَا السُّلطَانَ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «وَسَأسألُكُمْ أنَا أيْضًا، فَأجِيبُونِي أُخبِرْكُمْ بِأيِّ سُلطَانٍ أفْعَلُ هَذِاَ: هَلْ كَانَتْ مَعمُودِيَّةُ يُوحَنَّا مِنَ اللهِ أمْ مِنَ النَّاسِ؟ أجِيبُونِي.» فَتَشَاورُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: «إنْ قُلْنَا إنَّهَا مِنَ اللهِ، فَسَيَقُولُ لَنَا: ‹لِمَاذَا إذًا لَمْ تَقْبَلُوهَا؟› وَإنْ قُلْنَا إنَّهَا مِنَ النَّاسِ، فَإنَّ الشَّعْبَ سَيَثورُ عَلَيْنَا.» وَكَانَ القَادَةُ يَخَافُونَ مِنَ الشَّعْبِ، لِأنَّ الجَمِيعَ كَانُوا يَعْتَبِرُونَ يُوحَنَّا نَبِيًّا بِالفِعِلِ. فَأجَابُوا يَسُوعَ وَقَالُوا: «لَا نَعْلَمُ.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «وَلَا أنَا أُخبِرُكُمْ بِأيِّ سُلطَانٍ أفْعَلُ هَذِهِ الأُمُورَ.» وَابْتَدَأ يَسُوعُ يَتَحَدَّثُ إلَيْهِمْ بِأمثَالٍ فَقَالَ: «غَرَسَ رَجُلٌ كَرْمًا، وَأحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ حُفْرَةً لِتَكُونَ مِعصَرَةً لِلعِنَبِ، وَبَنَى بُرجًا لِلحِرَاسَةِ. ثُمَّ أجَّرَهُ لِبَعْضِ الفَلَّاحِينَ وَسَافَرَ بَعِيدًا. «وَجَاءَ وَقْتُ الحَصَادِ. فَأرْسَلَ خَادِمًا إلَى الفَلَّاحِينَ لِكَي يَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ نَتَاجِ الكَرْمِ. فَأمسَكُوهُ وَضَرَبُوهُ، وَصَرَفُوهُ فَارِغَ اليَدَيْنِ. فَأرْسَلَ صَاحِبُ الكَرْمِ خَادِمًا آخَرَ إلَيْهِمْ، فَجَرَحُوا رَأسَهُ، وَأهَانُوهُ. فَأرْسَلَ صَاحِبُ الكَرْمِ كَثِيرِينَ غَيْرَهُ، فَضَرَبُوا بَعْضَهُمْ، وَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ. «فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ سِوَى ابْنِهِ الَّذِي يُحِبُّهُ. فَأرسَلَهُ إلَيْهِمْ أخِيرًا وَهُوَ يَقُولُ: ‹سَيَحْتَرِمُونَ ابنِي!› «وَلَكِنَّ الفَلَّاحينَ تَشَاوَرُوا فِيمَاَ بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: ‹هَذَا هُوَ الوَرِيثُ، فَلنَقتُلْهُ فَيُصْبِحَ الميرَاثُ لَنَا.› فَقَبَضُوا عَلَيْهِ وَقَتَلُوهُ، وَألقَوهُ خَارِجَ الكَرْمِ. «فَمَاذَا سَيَفْعَلُ صَاحِبُ الكَرْمِ بِهِمْ؟ سَيَأْتِي وَيَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الفَلَّاحِينَ، وَيُعطِي الكَرْمَ لِغَيرِهِمْ. ألَمْ تَقْرَأُوا المَكْتُوبَ: ‹الحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ البَنَّاؤُونَ، هُوَ الَّذِي صَارَ حَجَرَ الأسَاسِ. الرَّبُّ صَنَعَ هَذَا الأمْرَ، وَهُوَ أمْرٌ عَظِيمٌ فِي عُيُونِنَا›»؟ وَبَدَأُوا يَبْحَثُونَ عَنْ طَرِيقَةٍ لِلإيقَاعِ بِيَسُوعَ، لِأنَّهُمْ عَرَفُوا أنَّهُ كَانَ يَقْصِدُهُمْ بِالمَثَلِ الَّذِي رَوَاهُ. لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ مِنَ النَّاسِ، فَتَرَكُوهُ وَذَهَبُوا. وَأرسَلُوا إلَيْهِ بَعْضَ الفِرِّيسِيِّينَ وَأتبَاعِ هيرُودُسَ لِيُوقِعُوا بِهِ فِي شَيءٍ يَقُولُهُ. فَأتَوا إلَيْهِ وَسَألُوهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّكَ صَادِقٌ وَلَا تُجَامِلُ أحَدًا، لأنَّكَ لَا تَنْظُرُ إلَى مَقَامَاتِ النَّاسِ، بَلْ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِكُلِّ صِدقٍ. فَقُلْ لَنَا أيَجُوزُ أنْ تُدفَعَ الضَّرَائِبُ لِلقَيصَرِ أمْ لَا؟ أنَدفَعُهَا أمْ لَا؟» فَرَأى يَسُوعُ نِفَاقَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُحَاوِلُونَ الإيقَاعَ بِي؟ أرُونِي دِينَارًا.» فَأعْطَوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هَذَا الرَّسْمُ وَهَذَا الاسْمُ المَنقوشَانِ عَلَى الدِّينَارِ؟» فَقَالُوا: «للِقَيصَرِ.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أعطُوا القَيصَرَ مَا يَخُصُّهُ، وَأعطُوا اللهَ مَا يَخُصُّهُ.» فَاندَهَشُوا مِنْهُ. وَجَاءَ إلَيْهِ بَعْضُ الصَّدُّوقِيِّينَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ لَا تُوجَدُ قِيَامَةٌ، وَسَألُوهُ: «يَا مُعَلِّمُ، كَتَبَ مُوسَى لَنَا: ‹إنْ كَانَ لِأحَدٍ أخٌ مُتَزَوِّجٌ، وَمَاتَ ذَلِكَ الأخُ وَلَمْ يُنجِبْ أبْنَاءً، فَإنَّ عَلَى أخِيهِ أنْ يَتَزَوَّجَ أرمَلَتَهُ وَيُنجِبَ ابْنًا يُنسَبُ لِأخِيهِ.› فَكَانَ هُنَاكَ سَبعَةُ إخْوَةٍ. تَزَوَّجَ الأوَّلُ امْرأةً وَمَاتَ مِنْ دُونِ أنْ يُنجِبَ. فَتَزَوَّجَهَا الثَّانِي، وَمَاتَ أيْضًا مِنْ دُونِ أنْ يُنجِبْ. ثُمَّ الثَّالِثُ. وَكَذَلِكَ الأمْرُ مَعَ الإخوَةِ السَّبعَةِ، إذْ مَاتُوا وَلَمْ يُنجِبُوا أبْنَاءً. ثُمَّ مَاتَتِ المَرْأةُ. فَلِمَنْ تَكونُ زَوْجَةً عِنْدَمَا يَقُومُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَدْ تَزَوَّجَ السَّبْعَةُ مِنْهَا.» فَقَالَ يَسُوعُ: «ألَيْسَ السَّبَبُ فِي ضَلَالِكُمْ هُوَ أنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ الكُتُبَ، وَلَا تَعْرِفُونَ قُوَّةَ اللهِ؟ فَعِنْدَمَا يَقُومُ النَّاسُ مِنَ المَوْتِ، لَا يَتَزَوَّجُونَ وَلَا يُزَوِّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَالمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ. أمَّا عَنْ حَقِيقَةِ قِيَامَةِ الأمْوَاتِ، أفَلَمْ تَقْرَأُوا فِي كِتَابِ مُوسَى، حَادِثَةَ الشُّجَيرَةِ المُشتَعِلَةِ؟ حَيْثُ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ‹أنَا إلَهُ إبرَاهِيمَ وَإلَهُ إسْحَاقَ وَإلَهُ يَعْقُوبَ.› وَلَيْسَ اللهُ إلَهَ أمْوَاتٍ، بَلْ إلَهُ أحْيَاءٍ. وَأنْتُمْ فِي ضَلَالٍ عَظِيمٍ.» وَسَمِعَ أحَدُ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ هَذَا الحِوَارَ. فَلَمَّا رَأى كَيْفَ أحسَنَ يَسُوعُ فِي إجَابَتِهِ لِلصَّدُّوقِيِّينَ، تَقَدَّمَ وَسَألَهُ: «مَا هِيَ أعْظَمُ وَصِيَّةٍ؟» أجَابَهُ يَسُوعُ: «الأعْظَمُ هِيَ هَذِهِ: ‹اسْمَعْ يَا إسْرَائِيلُ، الرَّبُّ إلَهُنَا هُوَ الرَّبُّ الوَحِيدُ، وَ تُحِبُّ الرَّبَّ إلَهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَبِكُلِّ نَفْسِكَ، وَبِكُلِّ عَقلِكَ، وَبِكُلِّ قُوَّتِكَ،› وَالوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ: ‹تُحِبُّ صَاحِبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.› لَا تُوجَدُ وَصِيَّةٌ أعْظَمُ مِنْ هَاتَيْنِ الوَصِيَّتينِ.» فَقَالَ لَهُ مُعَلِّمُ الشَّرِيعَةِ: «أحسَنتَ القَولَ يَا مُعَلِّمُ، إنَّهُ اللهُ وَحْدَهُ، وَلَا أحَدَ سِوَاهُ. وَأنْ تُحِبَّهُ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَبِكُلِّ فَهْمِكَ، وَبِكُلِّ قُوَّتِكَ، وَأنْ تُحِبَّ صَاحِبَكَ كَنَفْسِكَ هِيَ أعْظَمُ مِنْ كُلِّ الذَّبَائِحِ وَالتَّقدِمَاتِ.» فَلَمَّا رَأى يَسُوعُ أنَّ الرَّجُلَ أجَابَ بِحِكمَةٍ قَالَ لَهُ: «أنْتَ لَسْتَ بَعِيدًا عَنْ مَلَكُوتِ اللهِ.» وَلَمْ يَجْرُؤْ أحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يَسألَهُ مَزِيدًا مِنَ الأسئِلَةِ. وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي المَجْمَعِ، فَقَالَ: «كَيْفَ يَقُولُ مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ إنَّ المَسِيحَ هُوَ ابْنُ دَاوُدَ؟ لِأنَّ دَاوُدَ نَفْسَهُ قَالَ بِالرُّوحِ القُدُسِ: ‹قَالَ الرَّبُّ لِسَيِّدِي: اجلِسْ عَنْ يَمِينِي إلَى أنْ أضَعَ أعْدَاءَكَ تَحْتَ قَدَمَيكَ.› فَإنْ كَانَ دَاوُدُ نَفْسُهُ يَدْعُو المَسِيحَ سَيِّدًا، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ ابْنَهُ؟» وَكَانَ الجَمعُ الكَبِيرُ يَسْتَمِعُ لَهُ بِسُرُورٍ. وَقَالَ لَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِ: «احذَرُوا مِنْ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ، فَهُمْ يُحِبُّونَ أنْ يَتَجَوَّلُوا بِثِيَابِهِمُ الطَّوِيلَةِ، وَأنْ يُحَيِّيَهُمُ النَّاسُ فِي الأمَاكِنِ العَامَّةِ. يُحِبُّونَ المَقَاعِدَ الأُولَى فِي المَجَامِعِ، وَأنْ يَكُونُوا مُتَصَدِّرِينَ فِي الوَلَائِمِ. يَحتَالُونَ عَلَى الأرَامِلِ وَيَسْرِقُونَ بُيُوتَهُنَّ. وَيُصَلُّونَ صَلَوَاتٍ طَوِيلَةً مِنْ أجْلِ لَفتِ الأنظَارِ. لِذَلِكَ سَيَنَالُونَ عِقَابًا أشَدَّ.» وَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ مُقَابِلَ صُنْدُوقِ التَّبَرُّعَاتِ فِي الهَيْكَلِ، كَانَ يُشَاهِدُ كَيْفَ يَضَعُ النَّاسُ النُّقُودَ فِي الصُّندُوقِ. وَكَثِيرٌ مِنَ الأغنِيَاءِ وَضَعُوا كَثِيرًا مِنَ المَالِ. وَجَاءَتْ أرمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَوَضَعَتْ فِلسَينِ قِيمَتُهُمُا قَلِيلَةٌ جِدًّا. فَدَعَا يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: «أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنَّ هَذِهِ الأرمَلَةَ الفَقِيرَةَ وَضَعَتْ فِي الصُّندُوقِ أكْثَرَ مِنْ كُلِّ الآخَرِينَ الَّذِينَ وَضَعُوا فِي الصُّنْدوقِ. فَكُلُّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ قَدَّمُوا مِمَّا يَسْتَطِيعُونَ الاسْتِغنَاءَ عَنْهُ، أمَّا هِيَ فَقَدْ قَدَّمَتْ مَا تَحتَاجُ إليهِ، كُلَّ مَا لَدَيهَا، كُلَّ مَا تَمْلُكُهُ لِتَعِيشَ بِهِ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يُغَادِرُ سَاحَةَ الهَيْكَلِ، قَالَ لَهُ أحَدُ التَّلَامِيذِ: «يَا مُعَلِّمُ، انْظُرْ إلَى هَذِهِ الحِجَارَةِ الضَّخمَةِ، وَالبِنَاءِ الرَّائِعِ!» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أتَرَى هَذِهِ المَبَانِي العَظِيمَةَ؟ لَا يَبْقَى فِيهَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ، بَلْ سَتُهدَمُ كُلُّهَا!» وَكَانَ يَسُوعُ جَالِسًا عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ مُقَابِلًا لِلهَيكَلِ، فَسَألَهُ بُطرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأندَرَاوُسُ عَلَى انفِرَادٍ: «أخبِرْنَا، مَتَى سَتَحْدُثُ هَذِهِ الأُمُورُ؟ وَمَا هِيَ العَلَامَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى اقتِرَابِ حُدُوثِهَا؟» فَابْتَدَأ يَسُوعُ يَقُولُ لَهُمْ: «انتَبِهُوا لِئَلَّا تَنْخَدِعُوا. سَيَأْتِي كَثِيرُونَ وَيَنْتَحِلُونَ اسْمِي، فَيَقُولُونَ: ‹أنَا هُوَ.› وَسَيَخْدَعُونَ كَثِيرِينَ. وَعِنْدَمَا تَسْمَعُونَ بِأخْبَارِ الحُرُوبِ وَالثَّورَاتِ، لَا تَخَافُوا. فَلَا بُدَّ أنْ تَحْدُثَ هَذِهِ الأشْيَاءُ، لَكِنَّهَا لَنْ تَكُونَ نِهَايَةَ العَالَمِ بَعْدُ. وَذَلِكَ لِأنَّهُ سَتَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَملَكَةٌ عَلَى مَملَكَةٍ. سَتَحْدُثُ زَلَازِلُ وَمَجَاعَاتٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا سَتَكُونُ أوَّلَ آلَامِ المَخَاضِ. «انتَبِهُوا لِأنفُسِكُمْ، فَسَتُسَلَّمُونَ إلَى المَحَاكِمِ، وَسَتُضرَبُونَ فِي المَجَامِعِ، وَسَتَقِفُونَ أمَامَ الحُكَّامِ وَالمُلُوكِ مِنْ أجْلِي لِتَشْهَدُوا لَدَيهِمْ. فَيَنْبَغِي أنْ تُعلَنَ البِشَارَةُ لِلعَالَمِ كُلِّهِ. وَعِنْدَمَا يَقْبِضُونَ عَلَيْكُمْ وَيُسَلِّمُونَكُمْ إلَى المَحَاكِمِ، لَا تَقْلَقُوا بِشَأنِ مَا سَتَقُولُونَهُ، بَلْ قُولُوا مَا يُعْطَىْ لَكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، لِأنَّكُمْ لَسْتُمْ أنْتُمُ المُتَكَلِّمِينَ، بَلِ الرُّوحُ القُدُسُ. «سَيُسَلِّمُ الأخُ أخَاهُ لِلقَتلِ، وَسَيُسَلِّمُ الأبُ وَلَدَهُ. وَسَيَنْقَلِبُ الأوْلَادُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. وَسَيُبغِضُكُمُ الجَمِيعُ مِنْ أجْلِ اسْمِي، وَلَكِنِ الَّذِي يَبْقَى أمِينًا إلَى النِّهَايَةِ، فَهَذَا سَيَخْلُصُ. «لَكِنْ عِنْدَمَا تَرَوْنَ ‹النَّجِسَ المُخَرِّبَ› الَّذِي أشَارَ إليهِ دَانيَالُ النَّبِيُّ قَائِمًا حَيْثُ لَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ – لِيَفْهَمِ القَارِئُ هَذَا الكَلَامَ – فَليَهْرُبْ حينَئِذٍ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ إلَى الجِبَالِ. وَمَنْ كَانَ عَلَى سَطْحِ مَنزِلِهِ فَلَا يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ أيَّ شَيءٍ. وَلَا يَعُدِ العَامِلُ فِي الحَقْلِ إلَى بيتِهِ لِيَأْخُذَ رِدَاءَهُ. «وَمَا أعسَرَ أحوَالَ الحَوَامِلِ وَالمُرضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأيَّامِ! لَكِنْ صَلُّوا أنْ لَا يَحْدُثَ ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ، لِأنَّهُ سَيَكُونُ فِي تِلْكَ الأيَّامِ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ مُنْذُ أنْ خَلَقَ اللهُ العَالَمَ إلَى الآنَ، وَلَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ. وَلَولَا أنَّ الرَّبَّ قَدْ قَصَّرَ تِلْكَ الأيَّامَ، لَمَا بَقِيَ أحَدٌ حَيًّا. وَلَكِنَّهُ قَصَّرَهَا مِنْ أجْلِ شَعْبِهِ الخَاصِّ الَّذِي اخْتَارَهُ. «فَإنْ قَالَ لَكُمْ أحَدٌ: ‹هَا إنَّ المَسِيحَ هُنَا،› أوْ ‹هَا هُوَ هُنَاكَ!› فَلَا تُصَدِّقُوا كَلَامَهُ. فَسَيَظْهَرُ أكْثَرُ مِنْ مَسِيحٍ مُزَيَّفٍ، وَأكثَرُ مِنْ نَبِيٍّ كَاذِبٍ. وَسَيَصْنَعُونَ مُعجِزَاتٍ وَعَجَائِبَ غَيْرَ عَادِيَّةٍ، لِيَخْدَعُوا حَتَّى الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ لَوِ استَطَاعُوا. فَاحذَرُوا، لِأنِّي قَدْ أخبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيءٍ قَبْلَ حُدُوثِهِ. «وَلَكِنْ فِي تِلْكَ الأيَّامِ، وَبَعْدَ هَذِهِ الضِّيقَاتِ، ‹سَتُظلِمُ الشَّمْسُ، وَالقَمَرُ لَنْ يُعطِيَ نُورَهُ. سَتَسْقُطُ النُّجُومُ مِنَ السَّمَاءِ، وَتُزَعزَعُ الأجرَامُ السَّمَاوِيَّةُ.› «حينَئِذٍ سَيَرَوْنَ ابْنَ الإنْسَانِ قَادِمًا فِي السَّحَابِ بِقُوَّةٍ وَمَجدٍ عَظِيمَينِ. وَسَيُرسِلُ ابْنُ الإنْسَانِ مَلَائِكَتَهُ لِتَجْمَعَ النَّاسَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مِنَ الجِهَاتِ الأرْبَعِ، مِنْ أقْصَى الأرْضِ إلَى أقْصَى السَّمَاءِ.» «تَعَلَّمُوا مِنْ شَجَرَةِ التِّينِ. فَحَالَمَا تُصبِحُ أغْصَانُهَا طَرِيَّةً، وَتَظْهَرُ أورَاقُهَا، تَعْرِفُونَ أنَّ الصَّيفَ قَرِيبٌ. هَكَذَا أيْضًا عِنْدَمَا تَرَوْنَ هَذِهِ الأشْيَاءَ، سَتَعْرِفُونَ أنَّ الوَقْتَ قَرِيبٌ عَلَى الأبوَابِ. أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ: لَنْ يَنْقَضِيَ هَذَا الجِيلُ قَبْلَ أنْ تَحْدُثَ كُلُّ هَذِهِ الأشْيَاءِ. تَزُولُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ، أمَّا كَلَامِي فَلَنْ يَزُولَ أبَدًا.» «لَكِنْ لَا يَعْرِفُ أحَدٌ مَتَى يَكُونَ ذَلِكَ اليَوْمُ أوْ تِلْكَ السَّاعَةُ، وَلَا مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ يَعْرِفُونَ، وَلَا الابْنُ، لَكِنَّ الآبَ وَحْدَهُ يَعْلَمُ.» «احذَرُوا وَتَيَقَّظُوا، لِأنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ مَتَى يَأتِي الوَقْتُ. فَالأمْرُ يُشْبِهُ رَجُلًا تَرَكَ بَيْتَهُ وَسَافَرَ وَحَدَّدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ عَبيدِهِ مَسؤولِيَّتَهُ، وَأمَرَ حَارِسَ البَابِ بِأنْ يَتَيَقَّظَ. فَتَيَقَّظُوا إذًا، لِأنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ مَتَى يَأتِي سَيِّدُ البَيْتِ: أفِي المَسَاءِ، أمْ فِي مُنْتَصَفِ اللَّيلِ، أمْ عِنْدَ صِيَاحِ الدِّيكِ، أمْ فِي الصَّبَاحِ. لِئَلَّا يَأتِيَ فَجْأةً فَيَجِدَكُمْ نَائِمِينَ! وَمَا أقُولُهُ لَكُمْ، أقُولُهُ لِلجَمِيعِ: ‹تَيَقَّظُوا.›» وَقَبْلَ يَوْمِينِ مِنْ عِيدِ الفِصْحِ وَعِيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ، كَانَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ يَبْحَثُونَ عَنْ طَرِيقَةٍ سِرِّيَّةٍ لِيُمسِكُوا بِيَسُوعَ وَيَقْتُلُوهُ. لِأنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: «لَا يَنْبَغِي أنْ نَفعَلَ هَذَا خِلَالَ العِيدِ، لِنَتَجَنَّبَ شَغَبَ النَّاسِ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَلْدَةِ بَيْتِ عَنْيَا، يَجْلِسُ فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأبرَصِ، جَاءَتِ امْرأةٌ وَمَعَهَا زُجَاجَةُ عِطْرٍ غَالِي الثَّمَنِ، مَصْنُوعٍ مِنَ النَّاردِينِ الخَالِصِ. فَكَسَرَتِ المَرْأةُ زُجَاجَةَ العِطْرِ، وَسَكَبَتهُ عَلَى رَأسِ يَسُوعَ. فَغَضِبَ بَعْضُ الجَالِسِينَ هُنَاكَ وَابْتَدَأُوا يَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «لِمَاذَا أُهدِرَ هَذَا العِطْرُ؟ فَقَدْ كَانَ مُمْكِنًا أنْ يُبَاعَ بِمَبلَغٍ كَبِيرٍ مِنَ المَالِ وَيُعْطَى لِلفُقَرَاءِ.» وَأخَذُوا يُوَبِّخُونَ المَرْأةَ. أمَّا يَسُوعَ فَقَالَ: «دَعُوهَا وَشَأنَهَا. لِمَاذَا تُزعِجُونَهَا؟ لَقَدْ فَعَلَتْ شَيْئًا حَسَنًا لِي. الفُقَرَاءُ سَيَكُونُونَ عِنْدَكُمْ دَائِمًا، وَتَسْتَطِيعُونَ أنْ تُسَاعِدُوهُمْ فِي أيِّ وَقْتٍ تُرِيدُونَ، وَلَكِنِّي لَنْ أكُونَ مَعَكُمْ دَائِمًا. هِيَ فَعَلَتْ كُلَّ مَا تَسْتَطِيعُ، لَقَدْ سَكَبَتِ العِطْرَ عَلَى جَسَدِي لِتُعِدَّهُ مُسْبَقًا لِلدَفْنِ. الحَقَّ أقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا تُعلَنُ هَذِهِ البِشَارَةُ فِي العَالَمِ، سَيُحَدَّثُ أيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ المَرْأةُ، لِيَتَذَكَّرَهَا الجَمِيعُ.» بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ يَهُوذَا الإسْخَريُوطِيُّ، أحَدُ الِاثنَيْ عَشَرَ، إلَى قَادَةِ الكَهَنَةِ لِيَرَىْ كَيْفَ سَيُسَلِّمُ إلَيْهِمْ يَسُوعَ. فَفَرِحُوا جِدًّا لِسَمَاعِ هَذَا وَوَعَدُوهُ بِمُكَافَأةٍ نَقْديَةٍ. وَهَكَذَا بَدَأ يَهُوذَا يَبْحَثُ عَنْ فُرصَةٍ لِخِيَانَةِ يَسُوعَ. وَفِي أوَّلِ يَوْمٍ مِنْ عِيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ، وَهُوَ اليَوْمُ الَّذِي يُذبَحُ فِيهِ حَمَلُ الفِصْحِ، قَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: «أيْنَ تُرِيدُ أنْ نُعِدَّ لَكَ عَشَاءَ الفِصْحِ؟» فَأرْسَلَ يَسُوعُ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا: «اذهَبَا إلَى المَدِينَةِ حَيْثُ سَتَلْقَيَانِ رَجُلًا يَحْمِلُ إبرِيقَ مَاءٍ، فَاتبَعَاهُ. وَحَيْثُ يَدْخُلُ ادخُلَا، وَقُولَا لِصَاحِبِ البَيْتِ: ‹يَقُولُ المُعَلِّمُ: أيْنَ هِيَ غُرفَةُ الضُّيُوفِ الَّتِي لِي، حَيْثُ سَأتَنَاوَلُ عَشَاءَ الفِصْحِ مَعَ تَلَامِيذِي؟› فَسَيُرِيكُمَا ذَلِكَ الرَّجُلُ غُرفَةً عُلوِيَّةً وَاسِعَةً مَفرُوشَةً وَمُعَدَّةً، فَأعِدَّا الفِصحَ لَنَا هُنَاكَ.» فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ إلَى المَدِينَةِ، وَوَجَدَا كُلَّ شَيءٍ كَمَا أخبَرَهُمَا يَسُوعُ، فَأعَدَّا عَشَاءَ الفِصْحِ. وَعِنْدَمَا جَاءَ المَسَاءُ، جَاءَ يَسُوعُ مَعَ الِاثنَيْ عَشَرَ. وَبَيْنَمَا هُمْ جَالِسُونَ عَلَى المَائِدَةِ قَالَ يَسُوعُ: «أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ: سَيَخُونُنِي وَاحِدٌ مِنْكُمْ، يَأْكُلُ مَعِي الآنَ.» فَابْتَدَأُوا يَحْزَنُونَ، وَيَسَألُونَهُ وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ: «أهُوَ أنَا يَاَ رَبُّ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الِاثنَيْ عَشَرَ، وَهُوَ يَغْمِسُ مَعِي فِي الطَّبَقِ! إنَّ ابْنَ الإنْسَانِ مَاضٍ وَفْقًا لِمَا هُوَ مَكتوبٌ عَنْهُ، لَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَخُونُ ابْنَ الإنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لَهُ لَوْ أنَّهُ لَمْ يُولَدْ قَطُّ!» وَبَيْنَمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ اللهَ، وَقَسَّمَهُ وَأعْطَاهُمْ إيَّاهُ وَقَالَ: «خُذُوا، فَهَذَا هُوَ جَسَدِي.» ثُمَّ أخَذَ كَأسَ نَبِيذٍ، وَشَكَرَ، وَأعْطَاهَا لِلتَّلَامِيذِ فَشَرِبُوا مِنْهَا جَمِيعًا. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ دَمِي، دَمُ العَهْدِ الَّذِي يُسفَكُ مِنْ أجْلِ كَثِيرِينَ. الحَقَّ أقُولُ لَكُمْ، لَنْ أشرَبَ هَذَا النَّبِيذَ حَتَّى ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي فِيهِ أشرَبُهُ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ اللهِ.» بَعْدَ ذَلِكَ، رَتَّلُوا بَعْضَ التَرَاتيلِ، وَخَرَجُوا إلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «كُلُّكُمْ سَتَفْقِدُونَ إيمَانَكُمُ اللَّيْلَةَ لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ: ‹سَأضْرِبُ الرَّاعِي، فَتَتَشَتَّتُ الخِرَافُ.› وَلَكِنْ بَعْدَ أنْ أقُومَ مِنَ المَوْتِ، فَإنِّي سَأسبِقُكُمْ إلَى الجَلِيلِ.» فَقَالَ لَهُ بُطرُسُ: «حَتَّى وَلَوْ فَقَدَ الجَمِيعُ إيمَانَهُمْ، فَأنَا لَنْ أفقِدَهُ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الحَقَّ أقُولُ لَكَ، فِي هَذِهِ اللَيلَةِ، وَقَبْلَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتِينِ، سَتُنكِرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.» وَلَكِنَّ بُطْرُسَ قَالَ بِإصرَارٍ: «حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيَّ أنْ أمُوتَ مَعَكَ، فَإنِّي لَنْ أُنكِرَكَ!» وَقَالَ الجَمِيعُ مِثْلَ هَذَا الكَلَامِ. ثُمَّ جَاءُوا إلَى مَكَانٍ يُسَمَّى جَثْسَيمَانِي، وَقَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: «اجلِسُوا هُنَا بَيْنَمَا أُصَلِّي.» وَاصطَحَبَ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا. وَبَدَأ يَشْعُرُ بِضيقٍ شَديدٍ وَانْزِعَاجٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «حُزنِي شَدِيدٌ جِدًّا حَتَّى إنَّهُ يَكَادُ يَقْتُلُنِي! ابقُوا هُنَا وَاسْهَرُوا.» وَابْتَعَدَ يَسُوعُ عَنْهُمْ قَلِيلًا، وَجَثَا عَلَى الأرْضِ وَصَلَّى أنْ تَتَجَاوَزَهُ سَاعَةُ الألَمِ هَذِهِ إنْ كَانَ مُمْكِنًا. وَصَلَّى فَقَالَ: «آبَا، يَا أبِي، كُلُّ شَيءٍ مُسْتَطَاعٌ لَدَيكَ، فَأبعِدْ عَنِّي هَذِهِ الكَأسَ. وَلَكِنْ لِيَكُنْ مَا تُرِيدُهُ أنْتَ لَا مَا أُرِيدُهُ أنَا.» وَجَاءَ إلَى تَلَامِيذِهِ، فَوَجَدَهُمْ نَائِمِينَ، فَقَالَ لِبُطرُسَ: «يَا سِمْعَانُ، هَلْ أنْتَ نَائِمٌ؟ أهَكَذَا لَمْ تَقْدِرْ أنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اسهَرُوا وَصَلُّوا لِكَي لَا تُجَرَّبُوا. رُوحُكُمْ تَسْعَى إلَى ذَلِكَ، أمَّا جَسَدُكُمْ فَضَعِيفٌ.» وَابْتَعَدَ ثَانِيَةً لِيُصَلِّيَ الكَلَامَ نَفْسَهُ. ثُمَّ عَادَ ثَانِيَةً فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، لِأنَّ النُّعَاسَ أثقَلَ عُيُونَهُمْ جِدًّا، فَلَمْ يَعْرِفُوا مَاذَا يَقُولُونَ لَهُ. وَرَجِعَ مَرَّةً ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُمْ: «أمَا زِلْتُمْ نَائِمينَ وَمُسْتَرِيحِينَ؟ يَكْفِي! قَدْ حَانَ الوَقْتُ لِكَي يُسَلَّمَ ابْنُ الإنْسَانِ لِأيدِي الخُطَاةِ. قُومُوا وَلنَذهَبْ. هَا قَدِ اقْتَرَبَ الرَّجُلُ الَّذِي خَانَنِي.» وَبَيْنَمَا كَانَ مَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ، ظَهَرَ يَهُوذَا أحَدُ الِاثنَيْ عَشَرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ يَحْمِلُونَ سُيُوفًا وَهَرَاوَاتٍ، قَدْ أرسَلَهُمْ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالشَّيُوخُ. وَكَانَ الخَائِنُ قَدْ أعطَاهُمْ عَلَامَةً وَقَالَ: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ الرَّجُلُ المَطلُوبُ، فَاقبِضُوا عَلَيْهِ، وَخُذُوهُ تَحْتَ الحِرَاسَةِ.» فَلَمَّا جَاءَ يَهُوذَا، اقْتَرَبَ حَالًا مِنْ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ!» وَقَبَّلَهُ. فَأمْسَكُوا بِيَسُوعَ وَقَبَضُوا عَلَيْهِ. فَاسْتَلَّ أحَدُ الوَاقِفِينَ هُنَاكَ سَيفَهُ وَضَرَبَ خَادِمَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذُنَهُ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ خَرَجتُمْ عَلَيَّ بِالسُّيُوفِ وَالهَرَاوَاتِ كَمَا تَخْرُجُونَ عَلَى مُجرِمٍ؟ لَقَدْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ وَلَمْ تَقْبِضُوا عَلَيَّ! وَلَكِنْ يَنْبَغِي أنْ يَتِمَّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ.» ثُمَّ تَخَلَّى عَنْهُ الجَمِيعُ وَهَرَبُوا! وَكَانَ هُنَاكَ شَابٌّ يَتْبَعُهُ. وَلَمْ يَكُنْ يَرْتَدِي عَلَىْ جَسَدِهِ شَيْئًا سِوَى رِدَاءٍ. فَحَاوَلُوا أنْ يُمسِكُوهُ، فَهَرَبَ عَارِيًا تَارِكًا رِدَاءَهُ فِي أيدِيهِمْ! ثُمَّ اقْتَادُوا يَسُوعَ إلَى رَئِيسِ الكَهَنَةِ. فَاجتَمَعَ كُلُّ كِبَارِ الكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ. أمَّا بُطرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ كُلَّ الطَّرِيقِ إلَى دَاخِلِ سَاحَةِ دَارِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ، وَجَلَسَ مَعَ الحُرَّاسِ يَتَدَفَّأُ. وَكَانَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَجَمِيعُ أعضَاءِ مَجلِسِ اليَهودِ يَسْعَوْنَ إلَى شَهَادَةِ زُورٍ ضِدَّ يَسُوعَ لِيَقْتُلُوهُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا دَليلًا. حَيْثُ شَهِدَ عَلَيْهِ كَثِيرُونَ زُورًا، وَلَكِنَّ شَهَادَاتِهِمْ تَنَاقَضَتْ. ثُمَّ وَقَفَ رِجَالٌ آخَرُونَ وَشَهِدُوا زُورًا ضِدَّهُ فَقَالُوا: «قَدْ سَمِعْنَا هَذَا الرَّجُلَ يَقُولُ: ‹أنَا أهدِمُ هَذَا الهَيْكَلَ المَبنِيَّ بِالأيدِي. وَفِي ثَلَاثَةِ أيَّامٍ، أبنِي هَيكَلًا آخَرَ لَمْ تَصْنَعْهُ الأيدِي.›» وَلَكِنَّ شَهَادَاتِهِمْ لَمْ تَتَّفِقْ أيْضًا. فَوَقَفَ أمَامَهُمْ رَئِيسُ الكَهَنَةِ، وَسَألَ يَسُوعَ: «ألَنْ تُدَافِعَ عَنْ كُلِّ الاتِّهَامَاتِ الَّتِي يَتَّهِمُكَ بِهَا هَؤُلَاءِ النَّاسُ؟» أمَّا يَسُوعُ فَبَقِيَ صَامِتًا، وَلَمْ يُجِبْ بِشَيءٍ. فَسَألَهُ رَئِيسُ الكَهَنَةِ ثَانِيَةً: «هَلْ أنْتَ المَسِيحُ، ابْنُ المُبَارَكِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «أنَا هُوَ. وَسَتَرَوْنَ ابْنَ الإنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ عَرْشِ اللهِ، وَآتِيًا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ.» فَمَزَّقَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «مَا حَاجَتُنَا إلَى شُهُودٍ بَعْدَ الَّذِي سَمِعنَاهُ. سَمِعْتُمْ إهَانَتَهُ للهِ، فَمَا هُوَ رَأيُكُمْ؟» فَأدَانُوهُ جَمِيعًا وَقَالُوا إنَّهُ يَسْتَحِقُّ المَوْتَ. وَابْتَدَأ بَعْضُهُمْ يَبْصِقُ عَلَيْهِ. وَكَانُوا يُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَضْرِبُونَهُ، ثُمَّ يَقُولُونَ: «أخبِرْنَا يَا نَبِيُّ، مَنْ ضَرَبَكَ؟» وَأخَذَهُ الحُرَّاسُ وَضَرَبُوهُ. وَبَيْنَمَا بُطرُسُ فِي سَاحَةِ الدَّارِ، جَاءَتْ فَتَاةٌ مِنْ خَادِمَاتِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ، وَرَأتْ بُطْرُسَ يَتَدَفَّأُ، فَنَظَرَتْ إلَيْهِ بِتَمَعُّنٍ، وَقَالَتْ: «أنْتَ أيْضًا كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ.» لَكِنَّهُ أنكَرَ وَقَالَ: «لَا أعْرِفُ وَلَا أفهَمُ مَا الَّذِي تَقُولِينَهُ!» وَخَرَجَ إلَى سَاحَةِ الدَّارِ، وَعِنْدَهَا صَاحَ الدِّيكُ. فَرَأتْهُ الفَتَاةُ الخَادِمَةُ وَقَالَتْ لِلوَاقِفِينَ هُنَاكَ: «هَذَا الرَّجُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِلَا شَكٍّ.» فَأنكَرَ بُطرُسُ ذَلِكَ ثَانِيَةً. وَبَعْدَ وَقْتٍ قَصِيرٍ، قَالَ الوَاقِفُونَ مَرَّةً أُخْرَى لِبُطرُسَ: «بِالتَّأكِيدِ أنْتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، لِأنَّكَ جَلِيلِيٌّ.» أمَّا هُوَ فَبَدَأ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ وَيَقُولُ: «لَا أعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَتَكَلَّمُونَ عَنْهُ!» وَفِي الحَالِ صَاحَ الدِّيكُ لِلمَرَّةِ الثَّانِيَةِ. فَتَذَكَّرَ بُطرُسُ كَلِمَاتِ يَسُوعَ: «سَتُنكِرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتينِ،» فَانهَارَ وَأخَذَ يَبْكِي. وَفِي الصَّبَاحِ، تَشَاوَرَ جَمِيعُ كِبَارِ الكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَمُعَلِّمِو الشَّرِيعَةِ وَجَمِيعُ أعضَاءِ مَجلِسِ اليَهودِ، فَقَيَّدُوا يَسُوعَ، وَاقتَادُوهُ وَسَلَّمُوهُ إلَى بِيلَاطُسَ. فَسَألَهُ بِيلَاطُسُ: «هَلْ أنْتَ مَلِكُ اليَهُودِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «هُوَ كَمَا قُلْتَ بِنَفْسِكَ.» وَاتَّهَمَهُ كِبَارُ الكَهَنَةِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ. فَسَألَهُ بِيلَاطُسُ مَرَّةً أُخْرَى: «ألَنْ تُدَافِعَ عَنْ نَفْسِكَ؟ ألَا تَسْمَعُ اتِّهَامَاتِهِمُ الكَثيرَةَ ضِدَّكَ؟» وَلَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَدَافِعْ بِكَلِمَةٍ، فُدُهِشَ بِيلَاطُسُ. وَكَانَ بِيلَاطُسُ يُطلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عيدٍ سَجِينًا وَاحِدًا، هُمْ يَختَارُونَهُ. وَكَانَ فِي السِّجْنِ رَجُلٌ اسْمُهُ بَارَبَاسُ مَعَ رِفَاقِهِ الَّذِينَ ارتَكَبُوا جَرَائِمَ قَتلٍ أثْنَاءَ الثَّورَةِ. فَجَاءَ النَّاسُ إلَى بِيلَاطُسَ يَسألُونَهُ أنْ يَفْعَلَ مَا اعتَادَ أنْ يَفْعَلَهُ لَهُمْ. فَسَألَهُمْ بِيلَاطُسُ: «هَلْ تُرِيدُونَ أنْ أُطلِقَ لَكُمْ مَلِكَ اليَهُودِ؟» قَالَ هَذَا لِأنَّهُ أدرَكَ أنَّ كِبَارَ الكَهَنَةِ قَدْ سَلَّمُوا يَسُوعَ إلَيْهِ بِسَبَبِ حَسَدِهِمْ. لَكِنَّ كِبَارَ الكَهَنَةِ حَرَّضُوا النَّاسَ لِيَخْتَارُوا أنْ يُطلِقَ بَارَبَاسَ. فَكَلَّمَهُمْ بِيلَاطُسُ ثَانِيَةً وَقَالَ: «فَمَاذَا تُرِيدُونَ أنْ أفعَلَ بِالَّذِي تُسَمُّونَهُ مَلِكَ اليَهُودِ؟» فَصَرَخُوا مِنْ جَديدٍ: «اصلِبْهُ.» فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «لِمَاذَا؟ مَا جَريمَتُهُ؟» لَكِنَّهُمْ صَرَخُوا أكْثَرَ: «اصلِبْهُ!» وَإذْ أرَادَ بِيلَاطُسُ أنْ يُرضِيَ النَّاسَ، أطلَقَ لَهُمْ بَارَبَاسَ، وَأمَرَ بِأنْ يُجلَدَ يَسُوعُ، وَأسلَمَهُ لِيُصلَبَ. فَاقتَادَ الجُنُودُ يَسُوعَ إلَى دَاخِلِ القَصْرِ، أيْ قَصْرِ الوَالي، وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كَتيبَةَ الحُرَّاسِ كُلَّهَا. فَألبَسُوهُ رِدَاءً أُرجُوانِيَّ اللَّونِ، وَجَدَّلُوا إكلِيلًا مِنَ الشَّوكِ وَوَضَعُوهُ عَلَىْ رَأسِهِ. وَابْتَدَأُوا يُحَيُّونَهُ وَيَقُولُونَ: «يَعِيشُ مَلِكُ اليَهُودِ!» وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَسَجَدُوا عَلَى رُكَبِهِمْ أمَامَهُ. وَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ السُّخرِيَةِ بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الثَّوبَ الأُرجُوانِيَّ، وَألبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَخَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. وَقَابَلُوا فِي الطَّرِيقِ رَجُلًا اسْمُهُ سِمْعَانُ القَيرِينيُّ، كَانَ قَادِمًا مِنَ الحَقُولِ. وَهُوَ أبُو ألَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ. فَأجبَرَهُ الجُنُودُ عَلَى أنْ يَحْمِلَ الصَّلِيبَ. وَأحضَرُوا يَسُوعَ إلَى المَكَانِ المَعرُوفِ بِاسْمِ «الجُلْجُثَةِ،» أيْ «مَكَانِ الجُمْجُمَةِ،» وَأعطُوهُ نَبِيذًا مَمْزُوجًا بِمُرٍّ، فَرَفَضَ أنْ يَشْرَبَ. ثُمَّ صَلَبُوهُ وَقَسَّمُوا ثِيَابَهُ بَيْنَهُمْ، وَألقَوْا قُرعَةً لِيُقَرِّرُوا نَصيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَكَانَتِ السَّاعَةُ التَّاسِعَةَ صَبَاحًا عِنْدَمَا صَلَبُوهُ. وَعَلَّقُوا عَلَى الصَّلِيبِ لَافِتَةً كُتِبَتْ عَلَيْهَا تُهمَتُهُ: «مَلِكُ اليَهُودِ.» وَصَلَبُوا مَعَهُ مُجرِمَينِ اثْنَيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. وَهَكَذَا تَمَّ المَكْتُوبُ: «حُسِبَ مَعَ المُجرِمِينَ.» وَكَانَ المَارُّونَ يَشْتِمُونَهُ، وَيَهُزُّونَ رُؤوسَهُمْ وَيَقُولُونَ: «أنْتَ يَا مَنْ سَتَهْدِمُ الهَيْكَلَ وَتَبْنِيهِ فِي ثَلَاثَةِ أيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ، وَانزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» وَكَذَلِكَ سَخِرَ بِهِ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ، وَكَانَ أحَدُهُمْ يَقُولُ لِلآخَرِ: «خَلَّصَ غَيْرَهُ، لَكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ! فَليَنْزَلْ هَذَا المَسِيحُ، مَلِكُ بَنِي إسْرَائِيلَ، الآنَ عَنِ الصَّلِيبِ، فَنَرَى وَنُؤْمِنَ.» وَكَذَلِكَ المَصلُوبَانِ مَعْهُ كَانَا يَشْتِمَانِهِ. وَنَحْوَ السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ ظُهرًا، خَيَّمَ الظَّلَامُ عَلَى كُلِّ الأرْضِ حَتَّى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهرِ. وَفِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ: «إلُوِي، إلُوِي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟» أيْ «إلَهِي، إلَهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» وَلَمَّا سَمِعَهُ بَعْضُ الوَاقِفِينَ هُنَاكَ، قَالُوا: «هَا إنَّهُ يُنَادِي إيلِيَّا!» وَأسْرَعَ أحَدُهُمْ، وَغَمَسَ إسفِنْجَةً بِالخَلِّ وَوَضَعَهَا عَلَى قَصَبَةٍ طَويلَةٍ، وَقَدَّمَهَا لَهُ لِيَشْرَبَ. وَقَالَ: «لِنَنتَظِرْ وَنَرَى إنْ كَانَ إيلِيَّا سَيَأْتِي لِيُنقِذَهُ!» وَصَرَخَ يَسُوعُ عَالِيًا وَأسلَمَ الرُّوحَ. فَانشَقَّتْ سِتَارَةُ الهَيْكَلِ إلَى نِصْفَينِ مِنْ فَوقٍ إلَى أسفَلِ. فَسَمِعَ صَرخَتَهُ ضَابِطٌ رُومَانِيٌّ كَانَ وَاقِفًا مُقَابِلَهُ، وَرَأى كَيْفَ مَاتَ، فَقَالَ: «هَذَا الرَّجُلُ كَانَ حَقًّا ابْنَ اللهِ!» وَكَانَتْ هُنَاكَ بَعْضُ النِّسَاءِ يُرَاقِبْنَ مِنْ بَعِيدٍ، مِنهُنَّ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ. هَؤلَاءِ كُنَّ يَتْبَعْنَهُ وَيَخْدِمنَهُ عِنْدَمَا كَانَ فِي الجَلِيلِ. وَنِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ كُنَّ هُنَاكَ، وَقَدْ جِئْنَ مَعَهُ إلَى القُدْسِ. وَكَانَ الوَقْتُ مَسَاءً، وَاليُومُ هُوَ يَوْمُ الاسْتِعدَادِ لِلسَّبْتِ. فَجَاءَ يُوسُفُ الرَّامِيُّ، وَهُوَ عُضْوٌ بَارِزٌ فِي مَجلِسِ اليَهودِ، وَكَانَ يَنْتَظِرُ سِيَادَةَ مَلْكُوتِ اللهِ، وَذَهَبَ إلَى بِيلَاطُسَ وَطَلَبَ مِنْهُ جَسَدَ يَسُوعَ. وَاندَهَشَ بِيلَاطُسُ مِنْ أنَّ يَسُوعَ قَدْ مَاتَ بِهَذِهِ السُّرعَةِ. فَاسْتَدْعَى الضَّابِطَ الرُّومَانِيَّ المَسؤولَ، وَسَألَهُ إنْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ فُترَةٍ طَويلَةٍ. فَلَمَّا سَمِعَ تَقْرِيرَ الضَّابِطِ، أمَرَ بِأنْ يُعْطَى الجَسَدُ لِيَوْسُفَ. فَاشْتَرَى يُوسُفُ قُمَاشًا مِنَ الكِتَّانِ، وَأنزَلَه وَكَفَّنَهُ بِالكِتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ مَنحوتٍ فِي الصَّخْرِ. ثُمَّ دَحرَجَ حَجَرًا عَلَى مَدْخَلِ القَبْرِ. وَرَأتْ مَريَمُ المَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي، أيْنَ دُفِنَ يَسُوعُ. وَلَمَّا مَرَّ السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَريَمُ المَجْدَلِيَّةُ وَمَريَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ طُيُوبًا لِيَذْهَبْنَ وَيَدْهَنَّ جَسَدَ يَسُوعَ. وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أوَّلِ الأُسْبُوعِ، ذَهَبْنَ إلَى القَبْرِ مَعَ شُرُوقِ الشَّمِسِ. وَكُنَّ يَتَسَاءَلْنَ: «مَنْ سَيُحَرِّكُ لَنَا الحَجَرَ عَنْ مَدْخَلِ القَبْرِ؟» وَذَلِكَ لِأنَّ الحَجَرَ كَانَ كَبِيرًا جِدًّا. ثُمَّ نَظَرْنَ، وَإذَا بِالحَجَرِ قَدْ دُحْرِجَ عَنْ مَدْخَلِ القَبْرِ. فَدَخَلْنَ القَبْرَ، فَرَأينَ شَابًّا يَجْلِسُ عَلَى الجَانِبِ الأيمَنِ، لَابِسًا ثَوْبًا أبيَضَ، فَفَزِعْنَ. فَقَالَ لَهُنَّ: «لَا تَفْزَعْنَ، أنتُنَّ تَبْحَثْنَ عَنْ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ الَّذِي كَانَ مَصلُوبًا. لَقَدْ قَامَ مِنَ المَوْتِ! هُوَ لَيْسَ هُنَا. انْظُرْنَ المَكَانَ الَّذِي كَانَ مَوضُوعًا فِيهِ. وَلَكِنِ اذْهَبْنَ وَأخبِرْنَ تَلَامِيذَهُ وَبُطْرُسَ أنَّهُ سَيَسْبِقُهُمْ إلَى الجَلِيلِ، وَسَيَرَوْنَهُ هُنَاكَ، كَمَا أخبَرَهُمْ مِنْ قَبْلُ.» فَخَرَجْنَ رَاكِضَاتٍ مِنَ القَبْرِ، وَقَدِ امتَلأنَ خَوْفًا وَدَهشَةً. وَلَمْ يُخبِرْنَ أحَدًا بِشَيءٍ آنَذَاكَ، لِأنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ. وَبَعْدَ قِيَامَتِهِ مِنَ المَوْتِ، فِي أوَّلِ الأُسبُوعِ، ظَهَرَ يَسُوعُ لِمَرْيَمَ المَجْدَلِيَّةِ أوَّلًا. وَهِيَ الَّتِي كَانَ قَدْ أخرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ أروَاحٍ شِرِّيرَةٍ. فَذَهَبَتْ وَأخبَرَتْ تَلَامِيذَهُ الَّذِينَ كَانُوا يَبْكُونَ حِدَادًا عَلَيْهِ. فَلَمَّا سَمِعُوا أنَّهُ حَيٌّ وَأنَّهَا رَأتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا! بَعْدَ هَذَا ظَهَرَ يَسُوعُ بِهَيئَةٍ مُخْتَلِفَةٍ لَاثْنَينِ مِنْهُمْ، بَيْنَمَا هُمَا فِي طَرِيقِهِمَا إلَى الرِّيفِ. فَعَادَا وَأخبَرَا بَقِيَّةَ التَّلَامِيذِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوهُمَا أيْضًا. أخِيرًا، ظَهَرَ يَسُوعُ لِلأحَدَ عَشَرَ رَسُولَا بَيْنَمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، وَوَبَّخَهُمْ لِقِلَّةِ إيمَانِهِمْ، وَقَسَاوَةِ قُلُوبِهِمْ، لِأنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ شَهِدُوا أنَّهُمْ رَأَوْهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ. وَقَالَ لَهُمْ: «اذْهَبُوا إلَى العَالَمِ أجْمَعَ، وَبَشِّرُوا جَمِيعَ النَّاسِ. فَمَنْ يُؤمِنُ وَيَعْتَمِدُ سَيَخْلُصُ، وَمَنْ لَا يُؤمِنُ سَيُدَانُ. وَهَذِهِ البَرَاهينُ المُعجِزيَّةُ تُرَافِقُ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ: يُخرِجُونَ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِاسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ جَدِيدَةٍ لَمْ يَتَعَلَّمُوهَا. يُمْسِكُونَ الحَيَّاتِ بِأيدِيهِمْ. وَإنْ شَرِبُوا شَيْئًا سَامًّا لَا يَضُرُّهُمْ. وَيَضَعُونَ أيدِيَهُمْ عَلَى المَرْضَى فَيُشْفَونَ.» وَبَعْدَ أنْ كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ، رُفِعَ إلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ. وَخَرَجَ الرُّسُلُ وَبَشَّرُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ، وَيُؤَيِّدُ كَلَامَهُمْ بِالبَرَاهينِ المُعجِزِيَّةِ الَّتِي تُرَافِقُهُ. إذْ حَاوَلَ كَثِيرُونَ أنْ يُؤَرِّخُوا لِلأحْدَاثِ الَّتِي حَصَلَتْ فيمَا بَيْنَنَا. وَهِيَ الأحْدَاثُ الَّتِي نَقَلَهَا إلَينَا الأشْخَاصُ الَّذِينَ كَانُوا شُهُودَ عَيَانٍ لَهَا مُنْذُ البِدَايَةِ، وَخُدَّامًا يُعلِنُونَ رِسَالَةَ اللهِ لِلنَّاسِ. وَحَيْثُ إنِّي قَدْ تَحَقَّقتُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ بِدِقَّةٍ، رَأيْتُ أنَا أيْضًا أنْ أكتُبَ إلَيْكَ، يَا صَاحِبَ السَّعَادَةِ ثَاوْفِيلُسَ، وَصْفًا مُتَسَلسِلًا لِتِلْكَ الأحْدَاثِ مُنْذُ البِدَايَةِ، لِكَي تَتَيَقَّنَ مِنْ أنَّ مَا تَعَلَّمتَهُ صَحِيحٌ. كَانَ فِي أيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ، كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا، وَهُوَ مِنْ مَجمُوعَةِ أبِيَّا الكَهنُوتِيَّةِ، وَزَوْجَتُهُ ألِيصَابَاتُ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ. وَكَانَا كِلَاهُمَا بَارَّينِ وَبِلَا عَيْبٍ فِي حِفظِهِمَا لِوَصَايَا الرَّبِّ وَفَرَائِضِهِ. لَكِنَّهُمَا كَانَا بِلَا أبْنَاءٍ، فَقَدْ كَانَتْ ألِيصَابَاتُ عَاقِرًا، وَكَانَ الاثْنَانِ كَبِيرَينِ فِي السِّنِّ. وَكَانَ زَكَرِيَّا يَخْدِمُ كَكَاهِنٍ للهِ فِي الهَيْكَلِ فِي نَوبَةِ مَجمُوعَتِهِ الكَهنُوتِيَّةِ، فَتَمَّ اختِيَارُهُ بِالقُرعَةِ، حَسَبَ العَادَةِ المُتَّبَعَةِ لَدَى الكَهَنَةِ، لِلدُّخُولِ إلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ وَتَقْدِيمِ البَخُورِ. وَحِينَ جَاءَ وَقْتُ تَقْدِيمِ البَخُورِ، كَانَ كُلُّ الشَّعْبِ مُجتَمِعِينَ خَارِجًا يُصَلُّونَ. فَظَهَرَ لَهُ مَلَاكٌ مِنْ عِندِ الرَّبِّ وَاقِفًا عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ البَخُورِ. فَلَمَّا رَأى زَكَرِيَّا المَلَاكَ، اضطَرَبَ وَخَافَ خَوْفًا شَدِيدًا. فَقَالَ لَهُ المَلَاكُ: «لَا تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا. لَقَدْ سَمِعَ اللهُ صَلَاتَكَ. وَسَتَلِدُ لَكَ زَوْجَتُكَ ألِيصَابَاتُ ابنًا، فَسَمِّهِ يُوحَنَّا. سَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابتِهَاجٌ، وَسَيَفْرَحُ كَثِيرُونَ أيْضًا بِمَولِدِهِ. سَيَكُونُ عَظِيمًا فِي نَظَرِ الرَّبِّ. لَنْ يَشْرَبَ نَبِيذًا وَلَا شَرَابًا مُسْكِرًا، وَسَيَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ حَتَّىْ قَبْلَ وِلَادَتِهِ! «سَيَجْعَلُ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ يَرْجِعُونَ إلَى الرَّبِّ إلَهِهِمْ. وَسَيَأْتِي قَبْلَ الرَّبِّ بِرُوحِ إيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِكَي يَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ لِأبنَائِهِمْ، وَيَرُدَّ أفْكَارَ العُصَاةِ إلَى الطَّريقِ الصَّحيحِ، فَيُهَيئَ شَعْبًا مُسْتَعِدًا لِلرَّبِّ.» فَقَالَ زَكَرِيَّا لِلمَلَاكِ: «كَيْفَ لِي أنْ أتَيَقَّنَ مِنْ هَذَا الكَلَامِ؟ فَأنَا عَجُوزٌ، وَزَوْجَتِي فِي شَيخُوخَتِهَا!» فَأجَابَهُ المَلَاكُ: «أنَا جِبْرَائِيلُ الَّذِي أقِفُ فِي حَضْرَةِ اللهِ. لَقَدْ أُرسِلتُ لِأُكَلِّمَكَ، وَأنقُلَ إلَيْكَ هَذِهِ البُشرَى. لَكِنِ انتَبِه لِهَذَا: سَتَكُونُ صَامِتًا، وَلَنْ تَقْدِرَ عَلَى الكَلَامِ إلَى أنْ يَتَحَقَّقَ كُلُّ هَذَا، لِأنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلَامِي الَّذِي سَيَتَحَقَّقُ فِي وَقْتِهِ.» وَكَانَ النَّاسُ خَارِجًا فِي انتِظَارِ زَكَرِيَّا وَهَمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ سَبَبِ تَأخُّرِهِ فِي الهَيْكَلِ. وَحِينَ خَرَجَ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى التَّحَدُّثِ إلَيْهِمْ، فَأدرَكُوا أنَّهُ رَأى رُؤْيَا فِي الهَيْكَلِ. وَكَانَ يُكَلِّمُهُمْ بِالإشَارَاتِ، وَبَقِيَ أخرَسَ. وَحِينَ انْتَهَتْ فَترَةُ خِدمَتِهِ عَادَ إلَى بَيْتِهِ. وَبَعْدَ زَمَنٍ حَبِلَتْ زَوْجَتُهُ ألِيصَابَاتُ، فَعَزَلَتْ نَفْسَهَا عَنِ النَّاسِ خَمْسَةَ أشهُرٍ، وَقَالَتْ: «هَا قَدْ أعَانَنِي الرَّبُّ أخِيرًا. اهتَمَّ بِي، وَأزَالَ عَارَ عُقمِي مِنْ بَيْنِ النَّاسِ.» وَحِينَ كَانَتْ ألِيصَابَاتُ فِي شَهرِهَا السَّادِسِ، أرْسَلَ اللهُ المَلَاكَ جِبْرَائِيلَ إلَى بَلدَةٍ فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ تُدعَى النَّاصِرَةُ، إلَى فَتَاةٍ عَذرَاءَ اسْمُهَا مَريَمُ، مَخطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. فَجَاءَ إلَيْهَا جِبْرَائِيلُ وَقَالَ لَهَا: «السَّلَامُ عَلَيْكِ أيَّتُهَا المُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعكِ.» فَاضطَرَبَتْ مِنْ رِسَالَتِهِ هَذِهِ، وَتَعَجَّبَتْ مَا عَسَى أنْ يَكُونَ مَعنَى هَذِهِ التَّحِيَّةِ! فَقَالَ المَلَاكُ لَهَا: «لَا تَخَافِي يَا مَريَمُ، فَقَدْ نِلتِ نِعْمَةً مِنَ اللهِ. وَهَا أنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابنًا، وَتُسَمينَهُ يَسُوعَ. سَيَكُونُ عَظِيمًا، وَسَيُدْعَى ابْنَ اللهِ العَلِيِّ. وَسَيُعطِيهِ الرَّبُّ الإلَهُ عَرشَ أبِيهِ دَاوُدَ. وَسَيَحْكُمُ بَيْتَ يَعْقُوبَ إلَى الأبَدِ، وَلَنْ يَنْتَهِيَ مُلكُهُ أبَدًا.» فَقَالَتْ مَريَمُ لِلمَلَاكِ: «كَيْفَ سَيَحْدُثُ هَذَا؟ فَأنَا لَمْ يَلْمِسْنِي رَجُلٌ قَطُّ!» فَأجَابَهَا المَلَاكُ: «الرُّوحُ القُدُسُ سَيَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ العَلِيِّ سَتُغَطِّيكِ. لِهَذَا فَإنَّ القُدُّوسَ الَّذِي سَيُولَدُ مِنكِ سَيُدْعَى ابْنَ اللهِ. وَاعلَمِي هَذَا: هَا هِيَ قَرِيبَتُكِ ألِيصَابَاتُ حُبلَى بَابنٍ رُغْمَ شَيخُوخَتِهَا. فَالمَرْأةُ الَّتِي يَدْعُونَهَا عَاقِرًا هِيَ فِي شَهرِهَا السَّادِسِ! إذْ لَيْسَ هُنَاكَ مُسْتَحِيلٌ عِنْدَ اللهِ.» فَقَالَتْ مَريَمُ: «أنَا خَادِمَةُ الرَّبِّ، فَليَحْدُثْ لِي كَمَا قُلْتَ.» فَتَرَكَهَا المَلَاكُ. وَفِي أثنَاءِ تِلْكَ الفَترَةِ، استَعَدَّتْ مَريَمُ وَأسرَعَتْ إلَى بَلدَةٍ فِي إقْلِيمِ يَهُوذَا الجَبَلِيِّ. وَتَوَجَّهَتْ إلَى بَيْتِ زَكَرِيَّا، وَحَيَّتْ ألِيصَابَاتَ. فَمَا إنْ سَمِعَتْ ألِيصَابَاتُ تَحِيَّتَهَا حَتَّى تَحَرَّكَ الطِّفلُ فِي بَطنِهَا. فَامتَلأتْ ألِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَقَالَتْ: «لَقَدْ بَارَكَكِ اللهُ أكْثَرَ مِنْ كُلِّ النِّسَاءِ، وَمُبَارَكٌ أيْضًا الطِّفلُ الَّذِي سَتَلِدِينَهُ. لَكِنْ مَا هَذَا الشَّرَفُ العَظِيمُ الَّذِي حَظِيتُ بِهِ حَتَّى تَأْتِيَ أُمُّ سَيِّدِي إلَيَّ؟ لِأنَّهُ مَا إنْ وَصَلَ صَوْتُ تَحِيَّتِكِ إلَى أُذُنَيَّ، حَتَّى وَثَبَ الطِّفلُ بِفَرَحٍ فِي بَطنِي. فَمُبَارَكَةٌ أنْتِ لِأنَّكِ صَدَّقْتِ أنَّ مَا وَعَدَكِ بِهِ الرَّبُّ سَيَتَحَقَّقُ.» فَقَالَتْ مَريَمُ: «تُمَجِّدُ نَفْسِي الرَّبَّ. وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لِأنَّهُ نَظَرَ إلَى خَادِمَتِهِ المُتَوَاضِعَةِ. فَمُنذُ الآنَ، يَدْعُونِي جَمِيعُ النَّاسِ ‹مُبَارَكَةً› لِأنَّ اللهَ القَوِيَّ صَنَعَ لِي أشْيَاءَ مَجِيدَةً. وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ. هُوَ يُعْطِي رَحْمَةً مِنْ جِيلٍ إلَى جِيلٍ لِلَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ. أظْهَرَ قُوَّةَ ذِرَاعِهِ، وَشَتَّتَ المُتَكَبِّرِينَ بِأفكَارِهِمُ المُتَبَجِّحَةِ. أنزَلَ الحُكَّامَ عَنْ عُرُوشِهِمْ، وَرَفَعَ مَنزِلَةَ المُتَوَاضِعِينَ. أشبَعَ الجِيَاعَ بِعَطَايَاهُ الصَّالِحَةَ، وَصَرَفَ الأغنِيَاءَ فَارِغِي الأيدِي. جَاءَ لِيُعِينَ خَادِمَهُ يَعْقُوبَ. تَذَكَّرَ فَأظْهَرَ رَحْمَتَهُ كَمَا وَعَدَ آبَاءَنَا، لإبرَاهِيمَ وَأبنَائِهِ إلَى الأبَدِ.» وَأقَامَتْ مَريَمُ عِنْدَ ألِيصَابَاتَ نَحْوَ ثَلَاثَةِ شُهورٍ، ثُمَّ رَجِعَتْ إلَى بَيْتِهَا. وَحَانَ الوَقْتُ لِتَضَعَ ألِيصَابَاتُ طِفلَهَا، فَأنْجَبَتْ صَبِيًّا. فَسَمِعَ جِيرَانُهَا وَأقَارِبُهَا أنَّ اللهَ قَدْ أظْهَرَ لَهَا رَحْمَةً عَظِيمَةً، فَابْتَهَجُوا مَعَهَا. وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ جَاءُوا لِيَخْتِنُوا الطِّفْلَ، وَأرَادُوا أنْ يُسَمُّوهُ زَكَرِيَّا عَلَى اسْمِ أبيهِ. لَكِنَّ أُمَّهُ قَالَتْ: «لَا، بَلْ سَيُدْعَى يُوحَنَّا.» فَقَالُوا لَهَا: «لَيْسَ بَيْنَ أقَارِبِكِ مَنْ يَحْمِلُ هَذَا الاسْمَ.» فَأشَارُوا بِأيدِيهِمْ إلَى أبِيهِ يَسألُونَهُ أيَّ اسْمٍ يُرِيدُ أنْ يُسَمِّيَهُ! فَطَلَبَ لَوحًا وَكَتَبَ عَلَيْهِ: «اسْمُهُ يُوحَنَّا،» فَدُهِشُوا جَمِيعًا! وَفي الْحَالِ انفَتَحَ فَمُ زَكَرِيَّا وَانحَلَّ لِسَانُهُ، وَبَدَأ يَتَكَلَّمُ وَيُسَبِّحُ اللهَ. فَتَمَلَّكَ الخَوفُ الجِيرَانَ كُلَّهُمْ. وَرَاحَ النَّاسُ فِي كُلِّ أنْحَاءِ المِنْطَقَةِ الجَبَلِيَّةِ مِنَ الجَلِيلِ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ. فَتَعَجَّبَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: «تُرَى مَاذَا سَيُصبِحُ هَذَا الطِّفلُ؟» لِأنَّ قُوَّةَ الرَّبِّ كَانَتْ مَعَهُ. ثُمَّ امتَلأ أبُوهُ زَكَرِيَّا بِالرُّوحِ القُدُسِ وَتَنَبَّأ فَقَالَ: «مُبَارَكٌ هُوَ الرَّبُّ إلَهُ إسْرَائِيلَ، لِأنَّهُ جَاءَ لِيُعِينَ شَعْبَهُ وَيُحَرِّرَهُمْ. قَدَّمَ لَنَا مُخَلِّصًا قَوِيًّا مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ خَادِمِهِ. هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ بِهِ مُنْذُ القَدِيمِ. وَعَدَنَا بِالخَلَاصِ مِنْ أعْدَائِنَا وَمِنْ أيدِي جَمِيعِ مُبغِضِينَا. وَعَدَ بِأنْ يُظهِرَ رَحْمَةً لآبَائِنَا وَيَتَذَكَّرَ عَهْدَهُ المُقَدَّسَ مَعَهُمْ. وَحَفِظَ الوَعدَ الَّذِي أقْسَمَ بِهِ لِأبِينَا إبْرَاهِيمَ. وَعَدَ بِأنْ يُنقِذَنَا مِنْ أيدِي أعْدَائِنَا، لِكَي نَخدِمَهُ دُونَ خَوفٍ، وَنَحيَا بِالقَدَاسَةِ وَالبِرِّ جَمِيعَ أيَّامِ حَيَاتِنَا. أمَّا أنْتَ، يَا ابنِي، فَسَتُدعَى نَبِيًّا لِلعَلِيِّ. فَأنْتَ سَتَتَقَدَّمُ الرَّبَّ لِتُعِدَّ لَهُ الطَّرِيقَ. سَتَتَقَدَّمُهُ لِتُخْبِرَ شَعْبَهُ بِأنَّهُم سَيُخَلَّصُونَ، وَسَتُغْفَرُ خَطَايَاهُمْ. هَذَا بِفَضْلِ رَحمَةِ إلَهِنَا المُحِبَّةِ، فَسَيُشْرِقُ نُورٌ عَلَيْنَا مِنَ السَّمَاءِ. وَسَيُضِيءُ عَلَى الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي ظِلِّ المَوْتِ المُظلِمِ. وَسَيَهْدِي خُطُوَاتِنَا فِي طَرِيقِ السَّلَامِ.» فَنَمَا الصَّبِيُّ، وَكَانَ يَتَقَوَّى دَائِمًا فِي الرُّوحِ. وَعَاشَ فِي البَرِّيَّةِ إلَى حِينِ ظُهُورِهِ عَلَنًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ. فِي تِلْكَ الأيَّامِ، أصدَرَ أُغُسطُسُ قَيصَرُ مَرسُومًا بِأنْ يَجْرِي تَسْجِيلُ أسْمَاءِ كُلِّ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي العَالَمِ الرُّومَانِيِّ. وَكَانَ هَذَا أوَّلَ إحصَاءٍ رَسمِيٍّ لِلسُّكَّانِ. حَدَثَ عِنْدَمَا كَانَ كِيرِينيُوسُ وَالِيًا عَلَى سُورِيَّا. وَهَكَذَا ذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَلدَتِهِ الأصلِيَّةِ لِكَي يُسَجَّلَ اسْمُهُ. فَذَهَبَ يُوسُفُ أيْضًا مِنْ بَلْدَةِ النَّاصِرَةِ فِي الجَلِيلِ، إلَى بَلْدَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ – فَقَدْ كَانَ مِنْ عَائِلَةِ دَاوُدَ وَنَسْلِهِ. فَذَهَبَ لِيُسَجَّلَ اسْمُهُ مَعَ مَريَمَ خَطِيبَتِهِ الَّتِي كَانَتْ حُبْلَى. وَبَيْنَمَا كَانَا هُنَاكَ حَانَ وَقْتُ وِلَادَتِهْاَ. فَوَلَدَتِ ابْنَهَا البِكْرَ، وَقَمَّطَتْهُ وَوَضَعَتْهُ فِي مِعْلَفٍ لِلدَّوَابِ، إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَكَانٌ دَاخِلَ الخَانِ. وَكَانَ فِي تِلْكَ المِنْطَقَةِ بَعْضُ الرُّعَاةِ سَاهِرِينَ فِي الحُقُولِ يَحْرُسُونَ قُطعَانَهُمْ أثْنَاءَ اللَّيلِ. فَظَهَرَ لَهُمْ مَلَاكٌ مِنْ عِندِ الرِّبِّ، وَأضَاءَ مَجْدُ الرَّبِّ حَولَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا. فَقَالَ المَلَاكُ لَهُمْ: «لَا تَخَافُوا، فَأنَا أُعلِنُ لَكُمْ بُشْرَى فَرَحٍ عَظِيمٍ لِكُلِّ الشَّعْبِ: لَقَدْ وُلِدَ مِنْ أجْلِكُمُ اليَوْمَ فِي بَلْدَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ المَسِيحُ الرَّبُّ. سَتُمَيِّزُونَهُ هَكَذَا: سَتَجِدُونَ طِفْلًا مُقَمَّطًا مَوضُوعًا فِي مِعلَفٍ لِلدَّوَابِّ.» وَفَجْأةً ظَهَرَ مَعَ المَلَاكِ جَمْعٌ مِنْ جَيْشِ السَّمَاءِ يُسَبِّحُونَ اللهَ وَيَقُولُونَ: «المَجْدُ للهِ فِي الأعَالِي، وَعَلَى الأرْضِ السَّلَامُ، لِلنَّاسِ الَّذِينَ يُسَرُّ بِهِمُ اللهُ.» ثُمَّ تَرَكَتْهُمُ المَلَائِكَةُ وَعَادَتْ إلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «فَلْنَذهَبْ إلَى بَيْتِ لَحْمٍ لِكَي نَرَى هَذَا الأمْرَ الَّذِي حَدَثَ، وَقَدْ أعلَنَهُ لَنَا الرَّبُّ.» فَانطَلَقُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَريَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفلَ مَوضُوعًا فِي مِعلَفِ الدَّوَابِّ. وَعِنْدَمَا رَآهُ الرُّعَاةُ، أخبَرُوا الجَمِيعَ بِالرِّسَالَةِ الَّتِي أعلَنَهَا لَهُمُ المَلَاكُ عَنْ هَذَا الطِّفلِ. فَدُهِشَ كُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا الأُمُورَ الَّتِي أخبَرَهُمْ بِهَا الرُّعَاةُ. أمَّا مَريَمُ، فَكَانَتْ تُخَبِّئُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورَ فِي قَلْبِهَا، وَظَلَّتْ تَتَأمَّلُهَا عَلَى الدَّوَامِ. وَعَادَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأوْهُ. فَقَدْ حَدَثَ كُلُّ شَيءٍ كَمَا قِيلَ لَهُمْ تَمَامًا. وَجَاءَ اليَوْمُ الثَّامِنُ، مَوعِدُ خِتَانِ الطِّفلِ، فَسَمَّوهُ يَسُوعَ. وَهُوَ الاسْمُ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ المَلَاكُ قَبْلَ أنْ تَحْبَلَ بِهِ مَريَمُ. وَعِنْدَمَا حَانَ وَقْتُ التَّطْهيرِ حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، أخَذَا يَسُوعَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِكَي يُقَدِّمَاهُ لِلرَّبِّ وَفْقًا لِمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ: «يَنْبَغِي أنْ يُخَصَّصَ كُلُّ ذَكَرٍ بِكرٍ لِلرَّبِّ . » وَذَهَبَا لِيُقَدِّمَا ذَبِيحَةً حَسَبَ مَا تَقُولُهُ شَرِيعَةُ الرَّبِّ: «قَدِّمُوا يَمَامَتَيْنِ أوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ.» وَكَانَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِمْعَانُ. وَهُوَ رَجُلٌ بَارٌّ تَقِيٌّ يَنْتَظِرُ وَقْتَ تَعْزِيَةِ اللهِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ. وَالرُّوحُ القُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. وَقَدْ أعْلَنَ لَهُ الرُّوحُ القُدُسُ أنَّهُ لَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أنْ يَرَى ذَاكَ الَّذِي مَسَحَهُ الرَّبُّ. فَقَادَهُ الرُّوحُ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا أدخَلَ الأبَوَانِ الطِّفْلَ يَسُوعَ لِيُتَمِّمَا مَا تَنُصُّ عَلَيْهِ الشَّرِيعَةُ، أخَذَهُ سِمْعَانُ بَيْنَ ذِرَاعَيهِ، وَسَبَّحَ اللهَ وَقَالَ: «وَالْآنَ يَا رَبُّ، أطلِقْنِي أنَا عَبدَكَ فَأموتَ بِسَلَامٍ كَمَا وَعَدْتَ. فَقَدْ رَأتْ عَيْنَايَ خَلَاصَكَ الَّذِي هَيَّأتَهُ أمَامَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. هُوَ نُورٌ لإعلَانِ طَرِيقِكَ لِلأُمَمِ، وَهُوَ مَجدٌ لِشَعْبِكَ بَنِي إسْرَائِيلَ.» وَدُهِشَ أبُوهُ وَأُمُّهُ مِنَ الكَلِمَاتِ الَّتِي قِيلَتْ فِيهِ. ثُمَّ بَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَريَمَ أُمِّ يَسُوعَ: «جُعِلَ هَذَا الطِّفلُ لِيُسقِطَ وَلِيُقِيمَ كَثِيرِينَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلِيَكُونَ بُرْهَانًا ضِدَّ المُقَاوِمِينَ! وَسَتُكشَفُ أفكَارُ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ. أمَّا أنْتِ يَا مَريَمُ، فَسَيَخْتَرِقُ نَفْسَكِ أيْضًا سَيفٌ بِسَبَبِ مَا سَيَحْدُثُ.» وَكَانَتْ هُنَاكَ نَبِيَّةٌ اسْمُهَا حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ قَبِيلَةِ أشِيرَ. كَانَتْ طَاعِنَةً فِي السِّنِّ، وَقَدْ عَاشَتْ مَعَ زَوْجِهَا سَبْعَ سَنَوَاتٍ بَعْدَ زَوَاجِهَا مِنْهُ، ثُمَّ بَقِيَتْ أرمَلَةً حَتَّى سِنِّ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ، وَلَمْ تَتْرُكْ سَاحَةَ الهَيْكَلِ قَطُّ. كَانَتْ تَعْبُدُ اللهَ لَيلَ نَهَارٍ بِالصَّومِ وَالصَّلَاةِ. فَتَقَدَّمَتْ إلَيْهِمْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ وَشَكَرَتِ اللهَ. ثُمَّ تَحَدَّثَتْ عَنِ الطِّفلِ لِكُلِّ الَّذِينَ كَانُوا يَتَلَهَّفُونَ عَلَى تَحْريرِ القُدْسِ. وَبَعْدَ أنْ أكمَلُوا كُلَّ مَا تَنُصُّ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ الرَّبِّ، عَادُوا إلَى بَلدَتِهِمُ النَّاصِرَةَ. وَاستَمَرَّ الطِّفلُ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى مُمتَلِئًا بِالحِكْمَةِ، وكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ. وَكَانَ أبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ عَامٍ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِلَاحتِفَالِ بِعِيدِ الفِصْحِ. وَعِنْدَمَا كَانَ يَسوعُ فِي الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ مِنْ عُمرِهِ، ذَهَبُوا إلَى العِيدِ كَعَادَتِهِمْ. وَعِنْدَمَا انْتَهَى العِيدُ، هَمَّا بِالعَودَةِ إلَى بَلدَتِهِمَا. أمَّا الصَّبِيُّ يَسُوعَ، فَبَقِيَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ دُونَ أنْ يَعْلَمَ أبَوَاهُ بِذَلِكَ. فَارتَحَلَا مُدَّةَ يَوْمٍ ظَانِّينِ أنَّهُ مَعَ مَجمُوعَةِ المُسَافِرِينَ. ثُمَّ رَاحَا يُفَتِّشَانِ عَنْهُ بَيْنَ الأقَارِبِ وَالأصْحَابِ. وَلَمَّا لَمْ يَعْثُرَا عَلَيْهِ، عَادَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ بَحْثًا عَنْهُ. وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ جَالِسًا بَيْنَ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ يُصغِي إلَيْهِمْ وَيَسْألُهُمْ. وقَدْ دُهِشَ جَمِيعُ الَّذِينَ سَمِعُوهُ مِنْ فَهمِهِ وَمِنْ أجوِبَتِهِ. وَعِنْدَمَا رَآهُ أبَوَاهُ دُهِشَا، وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «لِمَاذَا فَعَلْتَ هَذَا بِنَا يَا بُنَيَّ؟ كُنَّا أنَا وَأبُوكَ قَلِقَينِ جِدًّا وَنَحْنُ نَبحَثُ عَنْكَ.» فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَبْحَثَانِ عَنِّي؟ ألَمْ تَعْلَمَا أنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيَّ أنْ أنشَغِلَ بِعَمَلِ أبِي؟» لَكِنَّهُمَا لَمْ يَفْهَمَا جَوَابَهُ هَذَا. ثُمَّ رَجِعَ مَعَهُمَا إلَى النَّاصِرَةِ، وَعَاشَ تَحْتَ سُلطَتِهِمَا. وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ كُلَّ هَذِهِ الأشْيَاءِ فِي قَلْبِهَا. وَنَمَا يَسُوعُ فِي الحِكْمَةِ وَالجِسمِ وَالنِّعمَةِ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ. وَفِي السَّنَةِ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ القَيصَرِ طِيبَاريُوسَ، كَانَ بُنطيُوسُ بِيلَاطُسُ وَالِيًا عَلَى إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ، وَهِيرُودُسُ وَالِيًا عَلَى إقْلِيمِ الجَلِيلِ، وَفِيلِبُّسُ أخُو هِيرُودُسَ وَالِيًا عَلَى إيطوريَّةَ وَعَلَى إقْلِيمِ ترَاخُونتِيسَ، وَلِيسَاينُوسُ وَالِيًا عَلَى الأبلِيَّةِ. وَكَانَ حَنَّانُ وَقِيَافَا رَئِيسَي كَهَنَةٍ خِلَالَ ذَلِكَ الوَقْتِ. فَجَاءَتْ رِسَالَةُ اللهِ إلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا وَهُوَ فِي البَرِّيَّةِ. فَمَرَّ يُوحَنَّا بِكُلِّ المِنْطَقَةِ المُحِيطَةِ بِنَهْرِ الأُرْدُنِّ، مُطَالِبًا النَّاسَ بِأنْ يَتَعَمَّدُوا كَدَلِيلٍ عَلَى تَوْبَتِهِمْ لِغُفرَانِ الخَطَايَا. وَذَلِكَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ إشَعْيَاء: «صَوْتُ إنْسَانٍ يُنَادِي فِي البَرِّيَّةِ وَيَقُولُ: ‹أعِدُّوا الطَّرِيقَ للرَّبِّ. اجعَلُوا السُّبُلَ مُسْتَقِيمَةً مِنْ أجْلِهِ. سَيَمْتَلِئُ كُلُّ وَادٍ، وَيُسَوَّى كُلُّ جَبَلٍ وَتَلَّةٍ بِالأرْضِ، وَتَسْتَقِيمُ كُلُّ الأمَاكِنِ المُعَوَّجَةِ، وَتَصِيرُ الطُّرُقَاتُ الوَعِرَةُ مُمَهَّدَةً. وَسَيَرَى كُلُّ النَّاسِ خَلَاصَ اللهِ.›» وَقَالَ يُوحَنَّا لِجُمُوعِ النَّاسِ الَّذِينَ خَرَجُوا لِكَي يُعَمِّدَهُمْ فِي المَاءِ: «يَا نَسْلَ الأفَاعِي، مَنِ الَّذِي نَبَّهَكُمْ إلَى الهُرُوبِ مِنَ الغَضَبِ القَادِمِ؟ اصنَعُوا ثَمَرًا يُبَرهِنُ تَوْبَتَكُمْ، وَلَا تَتَفَاخَرُوا بِقَولِكُمْ: ‹إبرَاهِيمُ هُوَ أبُونَا.› فَإنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يَخْلِقَ مِنْ هَذِهِ الصُّخُورِ أوْلَادًا لإبْرَاهِيمَ. هَا هِيَ الفَأسُ مَوضُوعَةٌ عَلَى أُصُولِ سِيقَانِ الأشْجَارِ. وَسَتُقطَعُ كُلُّ شَجَرَةٍ لَا تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا، وَسَيُلقَى بِهَا فِي النَّارِ.» فَسَألَتهُ جُمُوعُ النَّاسِ: «فَمَاذَا يُفتَرَضُ أنْ نَفعَلَ؟» فَقَالَ: «مَنْ لَدَيهِ سُترَتَانِ، فَلْيُعطِ مَنْ لَا سُترَةَ لَدَيهِ. وَمَنْ لَدَيهِ طَعَامٌ، فَلْيَفْعَلْ كَذَلِكَ أيْضًا.» وَجَاءَ إلَيْهِ بَعْضُ جُبَاةِ الضَّرَائِبِ أيْضًا لِيَتَعَمَّدُوا، وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، وَمَاذَا نَفعَلُ نَحْنُ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «لَا تَجْمَعُوا ضَرَائِبَ أكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي.» وَسَألَهُ أيْضًا بَعْضُ الجُنُودِ: «وَمَاذَا عَلَيْنَا نَحْنُ أنْ نَفعَلَ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «لَا تَأْخُذُوا مَالَ أحَدٍ بِالقُوَّةِ، وَلَا تَتَّهِمُوا أحَدًا زُورًا، وَارضُوا بِأُجُورِكُمْ.» وَكَانَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ مُتَلَهِّفِينَ، وَيَتَسَاءَلُونَ فِي قُلُوبِهِمْ عَنْ يُوحَنَّا ظَانِّينَ أنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ المَسِيحَ. لَكِنَّ يُوحَنَّا قَالَ لَهُمْ: «أنَا أُعَمِّدُكُمْ فِي المَاءِ، لَكِنْ سَيأتِي مَنْ هُوَ أقوَى مِنِّي، وَأنَا لَا أستَحِقُّ أنْ أحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ فِي الرُّوحِ القُدُسِ وَالنَّارِ. سَيَحْمِلُ مِذْرَاتَهُ فِي يَدِهِ لِيُنَقِّيَ بَيدَرَهُ، فَيَجْمَعَ الحُبُوبَ فِي مِخزَنِهِ، وَيُحْرِقَ التِّبْنَ بِنَارٍ لَا تُطفَأُ.» وَهَكَذَا كَانَ يُوحَنَّا يُحَذِّرُ النَّاسَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ آخَرَ، وَيَنْقُلُ لَهُمُ البُشْرَى. وَفِيمَا بَعْدُ، وَبَّخَ يُوحَنَّا الوَالِيَ هِيرُودُسَ بِسَبَبِ عَلَاقَتِهِ بِهِيرُودِيَّا زَوْجَةِ أخِيهِ، وَبِسَبَبِ الشُّرُورِ الأُخرَى الَّتِي كَانَ هِيرُودُسُ قَدِ ارْتَكَبَهَا. فَأضَافَ هِيرُودُسُ إلَى شُرُورِهِ الكَثِيرَةِ جَرِيمَةً أُخْرَى وَسَجَنَ يُوحَنَّا. وَحِينَ تَعَمَّدَ الجَمِيعُ، تَعَمَّدَ يَسُوعُ أيْضًا. وَبَيْنَمَا كَانَ يُصَلِّي، انفَتَحَتِ السَّمَاءُ. وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ عَلَى صُورَةٍ مَادِّيَّةٍ مِثْلَ حَمَامَةٍ. وَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: «أنْتَ هُوَ ابنِي المَحبُوبُ. أنَا رَاضٍ عَنْكَ كُلَّ الرِّضَا.» كَانَ يَسُوعُ فِي نَحْوِ الثَّلَاثِينَ مِنْ عُمرِهِ عِنْدَمَا ابتَدَأ خِدمَتَهُ. وَكَانَ النَّاسُ يَظُنُّونَ أنَّهُ ابْنُ يُوسُفَ. وَيُوسُفُ هُوَ ابْنُ هَالِي. هَالِي ابْنُ مَتْثَاتَ. مَتثَاتُ ابْنُ لَاوِي. لَاوِي ابْنُ مَلْكِي. مَلكِي ابْنُ يَنَّا. يَنَّا ابْنُ يُوسُفَ. يُوسُفُ ابْنُ مَتَّاثِيَّا. مَتَّاثِيَّا ابْنُ عَامُوصَ. عَامُوصُ ابْنُ نَاحُومَ. نَاحُومُ ابْنُ حَسلِي. حَسلِي ابْنُ نَجَّايَ. نَجَّايُ ابْنُ مَآثَ. مَآثُ ابْنُ مَتَّاثِيَّا. مَتَّاثِيَّا ابْنُ شَمْعَى. شَمْعَى ابْنُ يُوسُفَ. يُوسُفُ ابْنُ يَهُوذَا. يَهُوذَا ابْنُ يُوحَنَّا. يُوحَنَّا ابْنُ رِيسَا. رِيسَا ابْنُ زَرُبَّابِلَ. زَرُبَّابِلُ ابْنُ شَألْتِئِيلَ. شَألْتِئِيلُ ابْنُ نِيرِي. نِيرِي ابْنُ مِلْكِي. مِلْكِي ابْنُ أدِّي. أدِّي ابْنُ قُصَمَ. قُصَمُ ابْنُ ألْمُودَامَ. ألمُودَامُ ابْنُ عِيرَ. عِيرٌ ابْنُ يُوسِي. يُوسِي ابْنُ ألِيعَازَرَ. ألِيعَازَرُ ابْنُ يُورِيمَ. يُورِيمُ ابْنُ مَتْثَاتَ. مَتْثَاتُ ابْنُ لَاوِي. لَاوِي ابْنُ شِمْعُونَ. شِمْعُونُ ابْنُ يَهُوذَا. يَهُوذَا ابْنُ يُوسُفَ. يُوسُفُ ابْنُ يُونَانَ. يُونَانُ ابْنُ ألْيَاقِيمَ. أليَاقِيمُ ابْنُ مَلَيَا. مَلَيَا ابْنُ مِينَانَ. مِينَانُ ابْنُ مَتَّاثَا. مَتَّاثَا ابْنُ نَاثَانَ. نَاثَانُ ابْنُ دَاوُدَ. دَاوُدُ ابْنُ يَسَّى. يَسَّى ابْنُ عُوبِيدَ. عُوبِيدُ ابْنُ بُوعَزَ. بُوعَزُ ابْنُ سَلْمُونَ. سَلْمُونُ ابْنُ نَحشُونَ. نَحشُونُ ابْنُ عَمِّينَادَابَ. عَمِّينَادَابُ ابْنُ أرَامَ. أرَامُ ابْنُ حَصْرُونَ. حَصْرُونُ ابْنُ فَارِصَ. فَارِصُ ابْنُ يَهُوذَا. يَهُوذَا ابْنُ يَعْقُوبَ. يَعْقُوبُ ابْنُ إسْحَاقَ. إسْحَاقُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ. إبرَاهِيمُ ابْنُ تَارَحَ. تَارَحُ ابْنُ نَاحُورَ. نَاحُورُ ابْنُ سَرُوجَ. سَرُوجُ ابْنُ رَعُو. رَعُو ابْنُ فَالَجَ. فَالَجُ ابْنُ عَابِرَ. عَابِرُ ابْنُ شَالَحَ. شَالَحُ ابْنُ قِينَانَ. قِينَانُ ابْنُ أرْفَكْشَادَ. أرفَكْشَادُ ابْنُ سَامٍ. سَامٌ ابْنُ نُوحٍ. نُوحٌ ابْنُ لَامَكَ. لَامَكُ ابْنُ مَتُوشَالَحُ. مَتُوشَالَحُ ابْنُ أخنُوخَ. أخنُوخُ ابْنُ يَارِدَ. يَارِدُ ابْنُ مَهلَلْئِيلَ. مَهلَلْئِيلُ ابْنُ قِينَانَ. قِينَانُ ابْنُ أنُوشَ. أنُوشُ ابْنُ شِيتٍ. شِيتٌ ابْنُ آدَمَ. وَآدَمُ ابنٌ للهِ. وَعَادَ يَسُوعُ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ مَملُوءًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وَقَادَهُ الرُّوحُ القُدُسُ إلَى البَرِّيَّةِ. وَهُنَاكَ كَانَ إبْلِيسُ يُغرِيهِ بِالخَطِيَّةِ أرْبَعِينَ يَومًا، وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا أثْنَاءَ تِلْكَ الفَترَةِ، لَكِنَّهُ جَاعَ فِي نِهَايَتِهَا. فَقَالَ لَهُ إبْلِيسُ: «إنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَمُرْ هَذَا الحَجَرَ بِأنْ يُصبِحَ خُبْزًا.» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «يَقُولُ الكِتَابُ: ‹لَا يَعِيشُ الإنْسَانُ عَلَى الخُبْزِ وَحْدَهُ.›» ثُمَّ قَادَهُ إبْلِيسُ إلَى مَكَانٍ عَالٍ، وَعَرَضَ أمَامَ عَيْنَيْهِ كُلَّ مَمَالِكِ العَالَمِ فِي لَحظَةٍ مِنَ الزَّمَنِ. وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ السُّلطَانَ عَلَى هَذِهِ المَمَالِكِ كُلِّهَا وَمَا فِيهَا مِنْ مَجدٍ. فَقَدْ أُعْطِيَتْ لِي، وَفِي مَقدُورِي أنْ أُعْطِيَهَا لِمَنْ أشَاءُ. فَإنْ سَجَدْتَ لِي، سَتَكُونُ لَكَ كُلُّهَا.» أجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «مَكْتُوبٌ: ‹يَنْبَغِي أنْ تَعْبُدَ الرَّبَّ إلَهَكَ، وَأنْ تَسْجُدَ لَهُ وَحْدَهُ.›» ثُمَّ أخَذَهُ إبْلِيسُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَأوقَفَهُ عَلَى قِمَّةِ الهَيْكَلِ. وَقَالَ لَهُ: «إنْ كُنْتَ حَقًّا ابْنَ اللهِ، فَارْمِ بِنَفْسِكَ مِنْ هُنَا إلَى أسفَلَ، لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ: ‹يُوصِي اللهُ مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِكَي يَحْرُسُوكَ.› وَإنَّهُمْ: ‹سَيَحْمِلُونَكَ عَلَى أيَادِيهِمْ، لِئَلَّا تَرْتَطِمَ قَدَمُكَ بِحَجَرٍ.›» فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «مَكْتوبٌ أيْضًا: ‹لَا تَمْتَحِنِ الرَّبَّ إلَهَكَ.›» وَلَمَّا اسْتَنْفَدَ إبْلِيسُ كُلَّ مُحَاوَلَةٍ لإغْرَاءِ يَسُوعَ، تَرَكَهَ إلَى أنْ تَحِينَ فُرْصَةٌ ثَانِيَةٌ. وَعَادَ يَسُوعُ إلَى إقْلِيمِ الجَلِيلِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ. وَانتَشَرَتْ أخْبَارُهُ عَبْرَ مَنَاطِقِ الأريَافِ كُلِّهَا. فَعَلَّمَ فِي مِجَامِعِهِمْ، وَكَانَ الجَمِيعُ يَمْدَحُونَهُ. ثُمَّ ذَهَبَ يَسُوعُ إلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ نَشَأ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ ذَهَبَ إلَى المَجْمَعِ كَعَادَتِهِ، وَوَقَفَ لِيَقْرَأ. فَأعطُوهُ كِتَابَ النَّبِيِّ إشَعْيَاء. فَبَسَطَ المَخطُوطَةَ وَوَجَدَ المَكَانَ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لِأنَّهُ مَسَحَنِي لِكَي أُعْلِنَ البِشَارَةَ لِلفُقَرَاءِ. أرْسَلَنِي لِأُنَادِيَ لِلأسرَى بِالحُرِّيَّةِ، وَبِالبَصَرِ لِلعِميَانِ، وَلِأُحَرِّرَ المَسحُوقِينَ مِنَ الأسْرِ، وَأُعلِنَ أنَّ وَقْتَ الرَّبِّ لِلقُبُولِ قَدْ جَاءَ.» ثُمَّ طَوَى الكِتَابَ وَأعَادَهُ إلَى الخَادِمِ وَجَلَسَ. وَكَانَتْ عُيُونُ كُلِّ الَّذِينَ فِي المَجْمَعِ مُثَبَّتَةً عَلَيْهِ. فَبَدَأ يَقُولُ لَهُمْ: «لَقَدْ تَحَقَّقَ اليَوْمُ هَذَا الكَلَامُ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ.» وَكَانَ الجَمِيعُ يَمْدَحُونَهُ، مُندَهِشِينَ مِنَ الكَلِمَاتِ الجَمِيلَةِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، غَيْرَ أنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: «ألَيْسَ هَذَا ابْنَ يُوسُفَ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «بِالطَّبْعِ سَتَسْتَشْهِدُونَ بِالقَولِ المَأثُورِ: ‹أيُّهَا الطَّبِيبُ، اشْفِ نَفْسَكَ أوَّلًا.› فَافْعَلْ هُنَا فِي بَلدَتِكَ كُلَّ الأشْيَاءِ الَّتِي سَمِعْنَا أنَّكَ فَعَلْتَهَا فِي كَفْرِنَاحُومَ.» فَقَالَ لَهُمْ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: لَا يُقبَلُ نَبِيٌّ فِي وَطَنِهِ. «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: إنَّهُ كَانَتْ هُنَاكَ أرَامِلُ كَثِيرَاتٌ فِي إسْرَائِيلَ فِي زَمَنِ إيلِيَّا. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، انحَبَسَتِ الأمطَارُ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَأصَابَتِ المِنْطَقَةَ كُلَّهَا مَجَاعَةٌ عَظِيمَةٌ. وَلَمْ يُرسَلْ إيلِيَّا إلَى أيٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ الأرَامِلِ، بَلْ أرسَلَهُ اللهُ إلَى أرمَلَةٍ فِي بَلْدَةِ صِرْفَةَ فِي مَنْطِقَةِ صَيدَاءَ. «كَمَا كَانَ هُنَاكَ بُرْصٌ كَثِيرُونَ فِي إسْرَائِيلَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ألِيشَعَ. وَلَمْ يُطَهَّرْ أحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا نُعمَانُ السِّرْيَانِيُّ.» فَامْتَلأ كُلُّ الَّذِينَ فِي المَجْمَعِ غَضَبًا عِنْدَمَا سَمِعُوا هَذَا، فَقَامُوا وَألقَوْا بِهِ خَارِجَ المَدِينَةِ. وَأخَذُوهُ إلَى حَافَّةِ التَّلَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَلدَتُهُمْ مَبنِيَّةً عَلَيْهَا، لِكَي يَطْرَحُوهُ مِنْ فَوقِ الهَاوِيَةِ إلَى أسْفَلَ. لَكِنَّهُ عَبَرَ مِنْ وَسَطِهِمْ، وَمَضَى فِي طَرِيقِهِ. ثُمَّ ذَهَبَ إلَى كَفْرِنَاحُومَ فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ، وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ يَوْمَ السَّبْتِ. فَذُهِلُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لِأنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِسُلطَانٍ. وَكَانَ فِي المَجْمَعِ رَجُلٌ يَسْكُنُهُ رُوحٌ شِرِّيرٌ نَجِسٌ، فَصَرَخَ الرُّوحُ بِصَوْتٍ عَالٍ: «مَهلًا، مَاذَا تُرِيدُ مِنَّا يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ هَلْ جِئْتَ لِكَي تُهلِكَنَا؟ أنَا أعْرِفُ مَنْ تَكُونُ، أنْتَ قُدُّوسُ اللهِ.» فَوَبَّخَهُ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «اخرَسْ وَاخرُجْ مِنْهُ!» فَطَرَحَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ الرَّجُلَ أرْضًا أمَامَ النَّاسِ، وَخَرَجَ مِنْهُ دُونَ أنْ يُؤذِيَهُ. فَاندَهَشَ الجَمِيعُ وَبَدَأُوا يَقُولُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أيُّ تَعْلِيمٍ هَذَا؟ فَهُوَ يَأْمُرُ الأروَاحَ النَّجِسَةَ بِسُلطَانٍ وَقُوَّةٍ فَتَخْرُجُ!» وَانتَشَرَتْ أخْبَارُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي تِلْكَ المِنْطَقَةِ. ثُمَّ تَرَكَ يَسُوعُ المَجمَعَ وَذَهَبَ إلَى بَيْتِ سِمعَانَ. وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمعَانَ تُعَانِي مِنْ حُمَّى شَدِيدَةٍ. فَطَلَبُوا مِنْ يَسُوعَ أنْ يُعِينَهَا. فَوَقَفَ يَسُوعُ قُربَهَا، وَانتَهَرَ الحُمَّى، فَتَرَكَتْهَا. فَقَامَتْ فِي الحَالِ وَبَدَأتْ تَخْدِمُهُمْ. وَبَيْنَمَا كَانَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، جَاءَ جَمِيعُ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ مَرضَى يُعَانُونَ مِنْ أمرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأحضَرُوا مَرضَاهُمْ إلَيْهِ، فَشَفَاهُمْ وَاضِعًا يَدَيهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَخَرَجَتْ أيْضًا أروَاحٌ شِرِّيرَةٌ مِنْ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ، وَهِيَ تَصْرُخُ وَتَقُولُ: «أنْتَ ابْنُ اللهِ.» لَكِنَّهُ انتَهَرَهَا، وَلَمْ يَسْمَحْ لَهَا بِأنْ تَتَكَلَّمَ، لِأنَّهَا كَانَتْ تَعْلَمُ أنَّهُ هُوَ المَسِيحُ. وَلَمَّا طَلَعَ النَّهَارُ، تَرَكَ ذَلِكَ المَكَانَ وَمَضَى إلَى مَكَانٍ مُنعَزِلٍ. لَكِنَّ جُمُوعَ النَّاسِ كَانُوا يُفَتِّشُونَ عَنْهُ، وَجَاءُوا إلَيْهِ وَحَاوَلُوا أنْ يَمْنَعُوهُ مِنَ الابْتِعَادِ عَنْهُمْ. لَكِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «يَنْبَغِي أنْ أُبَشِّرَ بِمَلَكُوتِ اللهِ فِي المُدُنِ الأُخرَى أيْضًا، لِأنِّي أُرسِلْتُ لِهَذَا الغَرَضِ.» فَتَابَعَ تَبْشِيرَهُ فِي مَجَامِعِ إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ. كَانَ يَسُوعُ وَاقِفًا عِنْدَ بُحَيْرَةِ جَنِيسَارَتَ، وَالنَّاسُ يَتَجَمهَرُونَ حَوْلَهُ وَيَسْتَمِعُونَ إلَى كَلِمَةِ اللهِ. فَرَأى قَارِبَينِ عِنْدَ البَحْرِ. وَكَانَ الصَّيَّادُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنهُمَا وَرَاحُوا يَغْسِلُونَ شِبَاكَهُمْ. فَدَخَلَ يَسُوعُ أحَدَ القَارِبَينِ، وهُوَ لِرَجُلٍ اسْمُهُ سِمْعَانُ. فَطَلَبَ إليهِ أنْ يُبعِدَ القَارِبَ قَلِيلًا عَنِ البَرِّ، ثُمَّ جَلَسَ وَعَلَّمَ الجُمهُورَ مِنَ القَارِبِ. وَلَمَّا أنهَى كَلَامَهُ، قَالَ لِسِمْعَانَ: «أبحِرْ إلَى المِيَاهِ العَمِيقَةِ، وَارْمِ شِبَاكَكَ لِلصَّيدِ.» فَأجَابَ سِمْعَانُ: «يَا مُعَلِّمُ، لَقَدْ أنهَكَنَا العَمَلُ طَوَالَ اللَّيلِ وَلَمْ نُمسِكْ شَيْئًا، لَكِنِّي سَأرمِي الشِّبَاكَ لِأنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ.» وَلَمَّا فَعَلَ، أمسَكُوا بِعَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ الأسمَاكِ حَتَّى إنَّ شِبَاكَهُمْ بَدَأتْ تَتَمَزَّقُ. فَأشَارُوا إلَى شُرَكَائِهِمْ فِي القَارِبِ الآخَرِ لِكَي يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَجَاءُوا وَمَلأُوا القَارِبَينِ حَتَّى أوشَكَا عَلَى الغَرَقِ. فَلَمَّا رَأى سِمْعَانُ بُطرُسُ هَذَا، ارتَمَى عِنْدَ رُكبَتَي يَسُوعَ وَقَالَ: «ابْتَعِدْ عَنِّي يَا رَبُّ، فَأنَا رَجُلٌ خَاطِئٌ!» فَقَدْ ذُهِلَ وَكُلُّ الَّذِينَ مَعَهُ مِنْ كَثْرةِ السَّمَكِ الَّذِي حَصَلُوا عَلَيْهِ. وَذُهِلَ أيْضًا يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابنَا زَبَدِي شَرِيكَا سِمْعَانَ. ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِسِمعَانَ: «لَا تَخَفْ. أنْتَ مِنَ الآنِ فَصَاعِدًا صَيَّادٌ لِلنَّاسِ!» فَجَاءُوا بِالقَارِبَينِ إلَى البَرِّ، وَتَرَكُوا كُلَّ شَيءٍ وَتَبِعُوهُ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ فِي إحْدَى المُدُنِ، كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يُغَطِّي جِسمَهُ البَرَصُ. فَعِنْدَمَا رَأى يَسُوعَ، ارتَمَى عَلَى وَجْهِهِ وَتَوَسَّلَ إلَيْهِ قَائلًا: «يَا سَيِّدُ، أنْتَ قَادِرٌ أنْ تَجْعَلَنِي طَاهِرًا، إنْ أرَدْتَ.» فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ: «نَعَمْ أُرِيدُ، فَاطْهُرْ.» فَفِي الحَالِ زَالَ البَرَصُ عَنْهُ. ثُمَّ أمَرَهُ يَسُوعُ ألَّا يُخبِرَ أحَدًا، بَلْ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ وَأرِ نَفْسَكَ لِلكَاهِنِ، وَقَدِّمْ تَقْدِمَةً عَنْ تَطَهُّرِكَ كَمَا أمَرَ مُوسَى، فَيَعْلَمَ النَّاسُ أنَّكَ شُفِيتَ.» لَكِنَّ أخْبَارَ يَسُوعَ كَانَتْ تَزدَادُ انتِشَارًا. وَكَانَتْ جَمَاهِيرُ كَثِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ تَأْتِي مَعًا لِتَسْمَعَهُ وَتُشْفَى مِنْ أمرَاضِهَا. أمَّا هُوَ فَكَثِيرًا مَا كَانَ يَذْهَبُ بَعِيدًا عَنِ النَّاسِ حَيْثُ يَخْلُو إلَى نَفْسِهِ وَيُصَلِّي. وَكَانَ يَسُوعُ يُعَلِّمُ ذَاتَ يَوْمٍ، وَبَيْنَ الجَالِسينَ فِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلشَّرِيعَةِ جَاءُوا مِنْ كُلِّ بَلدَةٍ فِي الجَلِيلِ وَاليَهُودِيَّةِ وَمِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَكَانَتْ قُوَّةُ الرَّبِّ للِشِّفَاءِ بَيْنَ يَدَيِّ يَسُوعَ. فَجَاءَ بَعْضُ الرِّجَالِ يَحْمِلُونَ رَجُلًا مَشلُولًا عَلَى فِرَاشٍ، وَحَاوَلُوا أنْ يُدخِلُوهُ وَيَضَعُوهُ أمَامَ يَسُوعَ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا طَرِيقَةً لإدخَالِهِ بِسَبَبِ الازْدِحَامِ، فَصَعِدُوا إلَى سَطْحِ البَيْتِ، وَأنزَلُوهُ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ فُتْحَةٍ فِي السَّقفِ إلَى وَسَطِ النَّاسِ وَأمَامَ يَسُوعَ. فَلَمَّا رَأى يَسُوعُ إيمَانَهُمْ قَالَ: «يَا رَجُلُ، خَطَايَاكَ مَغفُورَةٌ!» فَبَدَأ مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ يُفَكِّرُونَ وَيَقُولُونَ: «مَنْ هُوَ هَذَا الَّذِي يُهِينُ اللهَ بِكَلَامِهِ؟ فَمَنْ غَيْرُ اللهِ وَحْدَهُ يَسْتَطِيعُ أنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا؟» فَعَرَفَ يَسُوعُ أفكَارَهُمْ، وَأجَابَهُمْ فَقَالَ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ هَكَذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أيُّ الأمْرَينِ أسهَلُ: أنْ يُقَالَ: ‹خَطَايَاكَ مَغفُورَةٌ› أمْ أنْ يُقَالَ: ‹انْهَضْ وَامشِ؟› لَكِنِّي سَأُرِيكُمْ أنَّ ابْنَ الإنْسَانِ يَمْلِكُ سُلطَانًا عَلَى الأرْضِ لِمَغفِرَةِ الخَطَايَا.» وَقَالَ لِلرَّجُلِ المَشلُولِ: «أنَا أقُولُ لَكَ، انْهَضْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إلَى بَيْتِكَ!» فَوَقَفَ الرَّجُلُ فَوْرًا، وَحَمَلَ فِرَاشَهُ، وَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَهُوَ يُمَجِّدُ اللهَ. فَذُهِلَ الجَمِيعُ، وَأخَذُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ. وَامتَلْأُوا رَهبَةً وَقَالُوا: «لَقَدْ رَأينَا اليَوْمَ أُمُورًا مُذهِلَةً!» وَبَعْدَ هَذَا خَرَجَ يَسُوعُ وَرَأى جَامِعَ ضَرَائِبَ اسْمُهُ لَاوِي جَالِسًا عِنْدَ مَكَانِ جَمعِ الضَّرَائِبِ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اتبَعنِي!» فَقَامَ وَتَرَكَ كُلَّ شَيءٍ وَتَبِعَهُ. وَأقَامَ لَاوِي مَأدُبَةً فِي بَيْتِهِ لِيَسُوعَ. وَكَانَ جَمعٌ كَبِيرٌ مِنْ جَامِعِي الضَّرَائِبِ وَغَيرِهِمْ يَأْكُلُونَ مَعَهُمْ. فَتَذَمَّرَ الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَقَالُوا لِتَلَامِيذِهِ: «لِمَاذَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مَعَ جَامِعِي الضَّرَائِبِ وَالخُطَاةِ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «لَا يَحتَاجُ الأصِحَّاءُ إلَى طَبِيبٍ، بَلِ المَرْضَى. أنَا لَمْ آتِ لِكَي أدعُوَ الصَّالِحِينَ، لَكِنِّي جِئتُ لِأدعُوَ الخُطَاةَ إلَى التَّوبَةِ.» وَقَالُوا لَهُ: «إنَّ تَلَامِيذَ يُوحَنَّا يَصُومُونَ كَثِيرًا وَيُصَلُّونَ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ تَلَامِيذُ الفِرِّيسِيِّينَ، أمَّا تَلَامِيذُكَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ دَائِمًا!» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أيُمكِنُكُمْ أنْ تُجبِرُوا ضُيُوفَ العَرِيسِ عَلَى الصَّومِ وَالعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ لَكِنْ سَيَأْتِي يَومٌ يُؤخَذُ فِيهِ العِرِيسُ مِنْهُمْ، فَحينَئِذٍ سَيَصُومُونَ.» وَرَوَى لَهُمْ أيْضًا مَثَلًا فَقَالَ: «مَا مِنْ أحَدٍ يَنْتَزِعُ رُقعَةً مِنْ ثَوبٍ جَدِيدٍ لِيَرْقَعَ بِهَا ثَوْبًا قَدِيمًا، لِأنَّهُ سَيُتلِفُ الثَّوبَ الجَدِيدَ، وَلَنْ تُلَائِمَ الرُّقعَةُ الثَّوبَ القَدِيمَ. وَمَا مِنْ أحَدٍ يَضَعُ نَبِيذًا جَدِيدًا فِي أوعِيَةٍ جِلدِيَّةٍ قَدِيمَةٍ، لِأنَّ النَّبِيذَ الجَدِيدَ سَيُمَزِّقُ الأوعِيَةَ الجِلدِيَّةَ، فَيُرَاقَ النَّبِيذُ وَتَتْلَفَ الأوعِيَةُ. لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ يُوضَعَ النَّبِيذُ الجَدِيدُ فِي أوعِيَةٍ جِلدِيَّةٍ جَدِيدَةٍ. وَمَا مِنْ أحَدٍ يَشْرَبُ النَّبِيذَ القَدِيمَ ثُمَّ يَرْغَبُ فِي الجَدِيدِ. لِأنَّهُ يَقُولُ: ‹القَدِيمُ أفْضَلُ.›» وَفِي أحَدِ أيَّامِ السَّبْتِ كَانَ يَسُوعُ مَارًّا فِي بَعْضِ الحُقُولِ. وَكَانَ تَلَامِيذُهُ يَقْطِفُونَ السَّنَابِلَ، ثُمَّ يَفْرُكُونَهَا بِأيدِيهِمْ وَيَأْكُلُونَهَا. فَقَالَ بَعْضُ الفِرِّيسِيِّينَ: «لِمَاذَا تَفْعَلُونَ مَا لَا يَجُوزُ فِعلُهُ فِي السَّبْتِ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «ألَمْ تَقْرَأُوا فِي الكِتَابِ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ عِنْدَمَا جَاعَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ؟ لَقَدْ دَخَلَ إلَى بَيْتِ اللهِ، وَأخَذَ أرغِفَةَ الخُبْزِ المُقَدَّمَةَ إلَى اللهِ، وَأكَلَ مِنْهَا وَأعْطَى أيْضًا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ. وَلَا يَجُوزُ لِأحَدٍ أنْ يَأْكُلَ ذَلِكَ الخُبْزَ سِوَى الكَهَنَةِ.» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «ابْنُ الإنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ.» وَفِي سَبْتٍ آخَرَ، دَخَلَ يَسُوعُ المَجمَعَ لِيُعَلِّمَ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ اليُمْنَى مَشلُولَةٌ. أمَّا مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ فَكَانُوا يُرَاقِبُونَ يَسُوعَ لِيَرَوْا إنْ كَانَ سَيَشْفِي أحَدًا فِي السَّبْتِ، وَذَلِكَ لِيَجِدُوا مُبَرِّرًا لِتَوْجِيهِ تُهمَةٍ إلَيْهِ. فَعَرَفَ يَسُوعُ أفكَارَهُمْ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ ذِي اليَدِ المَشلُولَةِ: «انْهَضْ وَقِفْ أمَامَ الجَمِيعِ!» فَنَهَضَ الرَّجُلُ وَوَقَفَ أمَامَ الجَمِيعِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أُرِيدُ أنْ أسألَكُمْ: هَلْ يَجُوزُ فِعلُ الخَيْرِ أمْ فِعلُ الأذَى فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟ أيَجُوزُ إنقَاذُ حَيَاةِ إنْسَانٍ أمْ إهلَاكُهَا؟» وَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: «مُدَّ يَدَكَ،» فَمَدَّهَا، فَشُفِيَتْ! لَكِنَّهُمُ امتَلْأُوا غَضَبًا شَدِيدًا، وَأخَذُوا يَتَشَاوَرُونَ حَوْلَ مَا يُمكِنُهُمْ أنْ يَفْعَلُوهُ لِيَسُوعَ. وَفِي تِلْكَ الأيَّامِ، خَرَجَ يَسُوعُ إلَى جَبَلٍ لِيُصَلِّيَ، وَأمضَى اللَّيلَةَ فِي الصَّلَاةِ. وَلَمَّا جَاءَ النَّهَارُ، دَعَا تَلَامِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْ بَينِهِمْ اثْنَيْ عَشَرَ سَمَّاهُمْ رُسُلًا. وَهُمْ: سِمْعَانُ الَّذِي سَمَّاهُ أيْضًا بُطْرُسَ، أنْدَرَاوُسُ أخُو بُطْرُسَ، يَعْقُوبُ، يُوحَنَّا، فِيلِيبُّسُ، بَرثُولَمَاوُسُ، مَتَّى، تُومَا، يَعْقُوبُ بْنُ حَلفَى، سِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى أيْضًا «الغَيُورُ،» يَهُوذَا بنُ يَعْقُوبَ، يَهُوذَا الإسْخَريُوطِّيُّ الَّذِي أصبَحَ خَائِنًا. ثُمَّ نَزَلَ يَسُوعُ عَنِ الجَبَلِ وَوَقَفَ عَلَى أرْضٍ مُنبَسِطَةٍ، وَكَانَ هُنَاكَ جَمعٌ عَظِيمٌ مِنْ أتبَاعِهِ، وَعَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ جَمِيعِ أنْحَاءِ مَنْطِقَةِ اليَهُودِيَّةِ وَمِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ وَمِنْ سَاحِلِ صُورَ وَصَيدَاءَ. كَانَ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُوا لِيَسْتَمِعُوا إلَيْهِ، وَلِيُشفَوْا مِنْ أمرَاضِهِمْ. وَشُفِيَ أيْضًا المُتَضَايِقُونَ مِنْ أروَاحٍ شِرِّيرَةٍ. وَكَانَ الجُمهُورُ يَسْعَى إلَى لَمْسِهِ. فَقَدْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْهُ قُوَّةٌ وَتَشْفِيهِمْ جَمِيعًا. ثُمَّ رَفَعَ يَسُوعُ نَظَرَهُ إلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ: «هَنِيئًا لَكُمْ أيُّهَا المَسَاكِينُ، لِأنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ. هَنِيئًا لَكُمْ يَا مَنْ أنْتُمْ جِيَاعٌ الآنَ، لِأنَّكُمْ سَتُشبَعُونَ. هَنِيئًا لَكُمْ يَا مَنْ تَبْكُونَ الآنَ، لِأنَّكُمْ سَتَضْحَكُونَ. هَنِيئًا لَكُمْ عِنْدَمَا يُبغِضُكُمُ النَّاسُ وَيَرفُضُونَكُمْ بِحِجَّةِ أنَّكُمْ أشرَارٌ، فَقَطْ لِأنَّكُمْ تَتْبَعُونَ ابْنَ الإنْسَانِ. ابتَهِجُوا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ وَافرَحُوا فَرَحًا عَظِيمًا. فَهَا هِيَ مُكَافَأتُكُمْ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ! فَآبَاؤهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ الأنْبِيَاءِ. «الوَيْلُ لَكُمْ أيُّهَا الأغنِيَاءُ، لِأنَّكُمْ قَدْ نِلتُمْ نَصِيبَكُمْ مِنَ الرَّاحَةِ. الوَيْلُ لَكُمْ يَا مَنْ شَبِعتُمُ الآنَ، لِأنَّكُمْ سَتَجُوعُونَ. الوَيْلُ لَكُمْ يَا مَنْ تَضْحَكُونَ الآنَ، لِأنَّكُمْ سَتَنُوحُونَ وَتَبْكُونَ. الوَيْلُ لَكُمْ عِنْدَمَا يَمْدَحُكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ، فَآبَاؤهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ الأنْبِيَاءِ المُزَيَّفِينَ. «أمَّا أنْتُمْ أيُّهَا السَّامِعُونَ، فَأقُولُ لَكُمْ: أحِبُّوا أعْدَاءَكُمْ، اصنَعُوا خَيْرًا مَعَ مَنْ يُبغِضُونَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ مُعَامَلَتَكُمْ. إذَا لَطَمَكَ أحَدٌ عَلَى خَدِّكَ، فَقَدِّمْ لَهُ الخَدَّ الآخَرَ أيْضًا. وَإذَا أخَذَ أحَدُهُمْ مِعطَفَكَ، فَدَعهُ يَأْخُذُ قَمِيصَكَ أيْضًا. أعْطِ كُلَّ مَنْ يَطْلُبُ مِنْكَ. وَإذَا أخَذَ أحَدُهُمْ مَالَكَ، فَلَا تُطَالِبْ بِاسْتِرجَاعِهِ. وَكَمَا تُحِبُّ أنْ يُعَامِلَكَ الآخَرُونَ، هَكَذَا عَلَيْكَ أنْ تُعَامِلَهُمْ. «إنْ أحبَبْتُمْ مَنْ يُحِبُّونَكُمْ فَقَطْ، فَأيَّ مَدِيحٍ تَسْتَحِقُّونَ؟ فَحَتَّى الخُطَاةُ يُحِبُّونَ مَنْ يُحِبُّونَهُمْ. وَإنْ صَنَعتُمْ خَيْرًا لِمَنْ يَصْنَعُونَ الخَيْرَ لَكُمْ، فَأيَّ مَدِيحٍ تَسْتَحِقُّونَ؟ فَحَتَّى الخُطَاةُ يَفْعَلُونَ هَذَا. وَإنْ أقرَضْتُمُ الَّذِينَ تَأْمَلُونَ أنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ مَالَكُمْ، فَأيَّ مَدِيحٍ تَسْتَحِقُّونَ؟ فَحَتَّى الخُطَاةُ يُقرِضُونَ الخُطَاةَ، لِيَسْتَرِدُّوا مَالَهُمْ كَامِلًا. «لَكِنْ أحِبُّوا أعْدَاءَكُمْ، وَاصنَعُوا الخَيْرَ لَهُمْ. أقرِضُوا وَلَا تَنْتَظِرُوا أنْ تَسْتَرِدُّوا شَيْئًا، فَتَكُونَ مُكَافَأتُكُمْ عَظِيمَةً، وَتَكُونُونَ أبْنَاءَ اللهِ العَلِيِّ. فَهوَ كَرِيمٌ حَتَّى نَحْوَ النَّاكِرِينَ لِلجَمِيلِ وَلِلأشرَارِ. كُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أنَّ أبَاكُمْ رَحِيمٌ. «لَا تَحْكُمُوا عَلَى الآخَرِينَ، فَلَا يُحكَمَ عَلَيْكُمْ. لَا تَدِينُوا الآخَرِينَ، فَلَا تُدَانُوا. سَامِحُوا الآخَرِينَ فَتُسَامَحُوا. أعطُوا الآخَرِينَ فَتُعطَوْا. فَسَيَضَعُونَ فِي أحضَانِكُمْ كَيْلًا كَبِيرًا مُلبَّدًا مَهزُوزًا فَائِضًا. فَبِالكَيلِ الَّذِي تَكِيلُونَ بِهِ لِلآخَرِينَ سَيُكَالُ لَكُمْ.» وَقَالَ لَهُمْ أيْضًا هَذَا المَثَلَ: «هَلْ يَسْتَطِيعُ أعْمَى أنْ يَقُودَ أعْمَى؟ أفَلَا يَقَعُ الاثْنَانِ فِي حُفرَةٍ؟ فَمَا مِنْ تِلْمِيذٍ أفْضَلُ مِنْ مُعَلِّمِهِ. بَلْ مَتَى تَدَرَّبَ إنْسَانٌ تَدْرِيبًا كَامِلًا، صَارَ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ. «لِمَاذَا تَرَى القَشَّةَ فِي عَيْنِ أخِيكَ لَكِنَّكَ لَا تُلَاحِظُ الخَشَبَةَ الكَبِيرَةَ فِي عَيْنِكَ أنْتَ؟ وَكَيْفَ يُمكِنُكَ أنْ تَقُولَ لِأخِيكَ: يَا أخِي، دَعنِي أُخرِجُ القَشَّةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَأنْتَ لَا تَرَى الخَشَبَةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُنَافِقُ! أخرِجْ أوَّلًا الخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ سَتَرَى بِوُضُوحٍ لإخرَاجِ القَشَّةِ مِنْ عَيْنِ أخِيكَ. «الشَّجَرَةُ الجَيِّدَةُ لَا تَحْمِلُ ثَمَرًا رَدِيئًا، وَالشَّجَرَةُ الرَّدِيئَةُ لَا تَحْمِلُ ثَمَرًا جَيِّدًا. فَكُلُّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. لَا يَجني النَّاسُ التِّينَ مِنَ الأشوَاكِ، وَلَا يَقْطِفُونَ العِنَبَ عَنْ شُجَيرَةِ العُلَّيقِ! فَالإنْسَانُ الصَّالِحُ يُخرِجُ مَا هُوَ صَالِحٌ مِنَ الصَّلَاحِ المَخزُونِ فِي قَلْبِهِ، وَالإنْسَانُ الشِّرِّيرُ يُخرِجُ مَا هُوَ شِرِّيرٌ مِنَ الشَّرِّ المَخزُونِ فِي قَلْبِهِ. لِأنَّ الفَمَ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَمْتَلِئُ بِهِ القَلْبُ. «لِمَاذَا تَدْعُونَنِي: ‹يَا رَبُّ، يَا رَبُّ،› وَلَا تَفْعَلُونَ مَا أقُولُ؟ دَعُونِي أُشَبِّهُ لَكُمْ كُلَّ مَنْ يَأتِي إلَيَّ، وَيَسْمَعُ تَعَالِيمِي وَيُطِيعُهَا. إنَّهُ أَشْبَهُ بِرَجُلٍ يَبْنِي بَيْتًا، فَحَفَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَمِيقًا، وَوَضَعَ الأسَاسَ عَلَى الصَّخرِ. وَعِنْدَمَا جَاءَ الفَيَضَانُ، ارتَطَمَ النَّهرُ بِذَلِكَ البَيْتِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ أنْ يَهُزَّهُ لِأنَّهُ كَانَ حَسَنَ البِنَاءِ. «أمَّا الشَّخصُ الَّذِي يَسْمَعُ تَعَالِيمِي وَلَا يُطِيعُهَا، فَهُوَ أَشْبَهُ بِرَجُلٍ بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الأرْضِ دُونَ أسَاسٍ قَوِيٍّ. فَارتَطَمَ بِهِ النَّهرُ، فَسَقَطَ فَوْرًا. وَدُمِّرَ البَيتُ تَدْمِيرًا كَامِلًا.» وَعِنْدَمَا أنهَى يَسُوعُ مَا أرَادَ أنْ يَقُولَهُ لِلنَّاسِ، ذَهَبَ إلَى كَفرِنَاحُومَ. وَكَانَ هُنَاكَ ضَابِطٌ رُومَانِيٌّ لَهُ خَادِمٌ مَرِيضٌ مُوشِكٌ عَلَى المَوْتِ. وَكَانَ هَذَا الخَادِمُ عَزيزًا عِنْدَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ الضَّابِطُ عَنْ يَسُوعَ، أرْسَلَ إلَيْهِ بَعْضَ شُيُوخِ اليَهُودِ، طَالِبًا إلَيْهِ أنْ يَأْتِيَ وَيُنقِذَ حَيَاةَ خَادِمِهِ. فَلَمَّا جَاءُوا إلَى يَسُوعَ تَوَسَّلُوا إلَيْهِ بِإلحَاحٍ وَقَالُوا: «إنَّهُ يَسْتَحِقُّ أنْ تَفْعَلَ لَهُ هَذَا. فَهُوَ يُحِبُّ شَعْبَنَا، وَهُوَ الَّذِي بَنَى لَنَا مَجمَعَنَا.» فَذَهَبَ يَسُوعُ مَعَهُمْ. وَلَمَّا صَارَ يَسُوعُ قَرِيبًا مِنَ البَيْتِ، أرْسَلَ إلَيْهِ الضَّابِطُ الرُّومَانِيُّ بَعْضَ الأصْدِقَاءِ يَقُولُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، لَا تُحَمِّلْ نَفْسَكَ عَنَاءَ المَجِيءِ، فَأنَا لَا أستَحِقُّ أنْ تَدْخُلَ بَيْتِي. لِهَذَا لَمْ أتَجَرَّأْ عَلَى المَجِيءِ إلَيْكَ. وَمَا عَلَيْكَ إلَّا أنْ تَقُولَ كَلِمَةً فَيُشفَى خَادِمِي. فَأنَا نَفْسِي رَجُلٌ تَحْتَ سُلطَةٍ، وَلِي جُنُودٌ يَأْتَمِرُونَ بِأمْرِي. أقُولُ لِهَذَا الجُندِيِّ: ‹اذْهَبْ!› فَيَذْهَبُ. وَأقُولُ لِآخَرَ: ‹تَعَالَ!› فَيَأْتِي. وَأقُولُ لِخَادِمِي: ‹افْعَلْ كَذَا!› فَيَفْعَلُهُ.» فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ هَذَا اندَهَشَ. ثُمَّ التَفَتَ إلَى النَّاسِ الَّذِينَ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ وَقَالَ: «أقُولُ لَكُمْ إنِّي لَمْ أجِدْ مِثْلَ هَذَا الإيمَانِ حَتَّى بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ.» فَلَمَّا عَادَ الَّذِينَ أرسَلَهُمُ الضَّابِطُ إلَى البَيْتِ، وَجَدُوا الخَادِمَ قَدْ تَعَافَى. بَعْدَ ذَلِكَ، ذَهَبَ يَسُوعُ إلَى بَلدَةٍ تُدعَى نَايِينَ يُرَافِقُهُ تَلَامِيذُهُ وَجَمعٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ. وَعِنْدَ اقتِرَابِهِ مِنْ بَوَّابَةِ البَلدَةِ، رَأىْ شَابًا مَيِّتًا يُحمَلُ إلَى خَارِجِ البَلدَةِ، وَقَدْ كَانَ وَحِيدَ أُمِّهِ الأرمَلَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ جَمعٌ كَبِيرٌ مِنَ رِجَالِ المَدِينَةِ. فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: «لَا تَبْكِي.» وَاقْتَرَبَ وَلَمَسَ التَّابُوتَ، فَتَوَقَّفَ حَامِلُوهُ. ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ: «أيُّهَا الشَّابُّ، أنَا أقُولُ لَكَ انْهَضْ!» فَجَلَسَ المَيِّتُ مُعتَدِلًا، وَبَدَأ يَتَكَلَّمُ. فَرَدَّهُ يَسُوعُ إلَى أُمِّهِ. فَامتَلأ الجَمِيعُ رَهبَةً، وَمَجَّدُوا اللهَ، وَقَالُوا: «لَقَدْ ظَهَرَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ!» وَقَالُوا: «لَقَدْ جَاءَ اللهُ لَيُعِينَ شَعْبَهُ!» وَانتَشَرَتْ أخْبَارُ يَسُوعَ عَبْرَ إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ وَكُلِّ المَنَاطِقِ الرِّيفِيَّةِ المُجَاوِرَةِ. فَذَهَبَ تَلَامِيذُ يُوحَنَّا المَعْمَدَانِ وَأخبَرُوهُ بِكُلِّ هَذِهِ الأشْيَاءِ. فَدَعَا يُوحَنَّا اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَأرسَلَهُمَا إلَى الرَّبِّ لِيَسألَاهُ: «هَلْ أنْتَ الَّذِي نَنْتَظِرُهُ، أمْ يَنْبَغِي أنْ نَنتَظِرَ آخَرَ؟» فَجَاءَ الرَّجُلَانِ إلَيْهِ وَقَالَا: «لَقَدْ أرسَلَنَا يُوحَنَّا المَعْمَدَانُ لِنَسألَكَ هَلْ أنْتَ الَّذِي نَنْتَظِرُهُ، أمْ يَنْبَغِي أنْ نَنتَظِرَ آخَرَ؟» فَشَفَى يَسُوعُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ أشخَاصًا كَثِيرِينَ مِنْ أمرَاضِهِمُ المُختَلِفَةِ، وَطَرَدَ أروَاحًا شِرِّيرَةً، وَأعْطَى بَصَرًا للكَثِيرِينَ مِنَ العُمْيَانِ. ثُمَّ أجَابَ تِلْمِيذَي يُوحَنَّا فَقَالَ: «اذهَبَا وَأخبِرَا يُوحَنَّا بِمَا شَاهَدْتُمَا وَسَمِعتُمَا: هَا هُمُ العُميُ يُبصِرُونَ، وَالمُقعَدُونَ يَمْشُونَ، وَالبُرْصُ يَطْهُرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالمَوْتَى يَحْيَونَ، وَالمَسَاكِينُ يَسْمَعُونَ البِشَارَةَ. وَهَنِيئًا لِمَنْ لَا يَتَرَدَّدُ فِي الإيمَانِ بِي.» وَبَعْدَ أنِ انطَلَقَ رَسُولَا يُوحَنَّا، بَدَأ يَسُوعُ يَتَحَدَّثُ إلَى النَّاسِ عَنْ يُوحَنَّا فَقَالَ: «مَا الَّذِي خَرَجتُمْ إلَى البَرِّيَّةِ لِتَرَوهُ؟ قَصَبَةً تُؤَرجِحُهَا الرِّيحُ؟ إذًا مَا الَّذِي خَرَجتُمْ لِتَرَوهُ؟ رَجُلًا يَلْبَسُ ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ إنَّ الَّذِينَ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ النَّاعِمَةَ وَيَعِيشُونَ عِيشَةَ التَّرَفِ هُمْ فِي قُصُورِ المُلُوكِ. إذًا مَا الَّذِي خَرَجتُمْ لِتَرَوهُ؟ نَبِيًّا؟ هُوَ كَذَلِكَ. بَلْ إنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّكُمْ رَأيْتُمْ مَنْ هُوَ أعْظَمُ مِنْ نَبِيٍّ! فَهَذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: ‹هَا أنَا أُرسِلُ رَسُولِي قُدَّامَكَ. لِيُعِدَّ الطَّرِيقَ أمَامَكَ.› لَيْسَ بَيْنَ الَّذِينَ وَلَدَتهُمُ النِّسَاءُ مَنْ هُوَ أعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، غَيْرَ أنَّ أقَلَّ شَخْصٍ فِي مَلَكُوتِ اللهِ أعْظَمُ مِنْهُ.» فَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا هَذَا، حَتَّى جَامِعُو الضَّرَائِبِ، أقَرُّوا بِصِدقِ رِسَالَةِ اللهِ، وَتَعَمَّدُوا بِمَعمُودِيَّةِ يُوحَنَّا. أمَّا الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمو الشَّرِيعَةِ فَقَدْ رَفَضُوا الخُضُوعَ لِخُطَّةِ اللهِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدُوا عَلَى يَدَي يُوحَنَّا. وَقَالَ يَسُوعُ: «بِمَاذَا أُشَبِّهُ النَّاسَ فِي هَذَا الجِيلِ؟ وَكَيْفَ أصِفُهُمْ؟ إنَّهُمْ كَأطْفَالٍ يَجْلِسُونَ فِي السُّوقِ. فَتُنَادِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أُخْرَى فَتَقُولُ: ‹زَمَّرْنَا لَكُمْ، فَلَمْ تَرْقُصُوا. وَغَنَّينَا لَكُمْ أغَانِيَ الجَنَازَاتِ، فَلَمْ تَبْكُوا!› فَقَدْ جَاءَ يُوحَنَّا المَعْمَدَانُ لَا يَأْكُلُ كَالآخَرِينَ وَلَا يَشْرَبُ نَبِيذًا كَالآخَرِينَ. فَقُلْتُمْ: ‹فِيهِ رُوحٌ شِرِّيرٌ.› ثُمَّ جَاءَ ابْنُ الإنْسَانِ يَأْكُلُ كَالآخَرِينَ وَيَشْرَبُ النَّبِيذَ. فَقُلْتُمْ: ‹إنَّهُ شَرِهٌ وَسِكِّيرٌ، وَصَدِيقٌ لِجَامِعِي الضَّرَائِبِ وَالخُطَاةِ!› لَكِنَّ ثِمَارَ الحِكْمَةِ هِيَ الَّتِي تُثبِتُ أنَّهَا حِكْمَةٌ صَحِيحَةٌ.» وَدَعَا أحَدُ الفِرِّيسِيِّينَ يَسُوعَ لِيَأْكُلَ مَعَهُ، فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ، وَجَلَسَ إلَى المَائِدَةِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرأةٌ خَاطِئَةٌ فِي المَدِينَةِ. فَلَمَّا عَلِمَتْ أنَّ يَسُوعَ يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ فِي بَيْتِ الفِرِّيسِيِّ، أحضَرَتْ قَارُورَةً مِنَ المَرمَرِ مَلِيئَةً بِالعِطْرِ، وَوَقَفَتْ خَلفَ يَسُوعَ عِنْدَ قَدَمَيهِ، وَهِيَ تَنُوحُ وَتُبَلِّلُ قَدَمَيهِ بِدُمُوعِهَا. ثُمَّ مَسَحَتْهُمَا بِشَعرِهَا. وَقَبَّلَتْ قَدَمَيهِ وَسَكَبَتِ العِطْرَ عَلَيْهِمَا. فَرَأى الفِرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ مَا حَدَثَ وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: «لَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ نَبِيًّا، لَعَرَفَ مَنْ هِيَ هَذِهِ المَرْأةُ الَّتِي تَلْمٍسُهُ، وَأيَّ نَوعٍ مِنَ النِّسَاءِ هِيَ. وَلَعَرَفَ أنَّهَا خَاطِئَةٌ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَدَيَّ مَا أقُولُهُ لَكَ يَا سِمْعَانُ.» فَرَدَّ سِمْعَانُ: «قُلْ يَا مُعَلِّمُ.» فَقَالَ يَسُوعُ: «كَانَ هُنَاكَ رَجُلَانِ مَديُونَانِ لِرَجُلٍ مُرَابي. أحَدُهُمَا بِخَمسِ مِئَةِ دِينَارٍ، وَالآخَرُ بِخَمْسِينَ. وَإذْ كَانَا عَاجِزَينِ عَنِ السَّدَادِ، تَكَرَّمَ الرَّجُلُ فَشَطَبَ دَينَهُمَا. فَمَنْ مِنهُمَا يَكُونُ أكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟» أجَابَ سِمْعَانُ: «أظُنُّ أنَّهُ الَّذِي شَطَبَ لَهُ الدَّينَ الأكبَرَ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أصَبْتَ فِي حُكمِكَ.» وَقَالَ لِسِمعَانَ مُلتَفِتًا إلَى المَرْأةِ: «هَلْ تَرَى هَذِهِ المَرْأةَ؟ لَقَدْ جِئتُ إلَى بَيْتِكَ فَلَمْ تُعطِنِي مَاءً لِأغسِلَ رِجلَيَّ، أمَّا هِيَ فَقَدْ بَلَّلَتْ قَدَمَيَّ بِدُمُوعِهَا، وَمَسَحَتهُمَا بِشَعرِهَا. أنْتَ لَمْ تُقَبِّلنِي قُبلَةَ تَرْحِيبٍ. أمَّا هِيَ فَلَمْ تَتَوَقَّفْ عَنْ تَقْبِيلِ قَدَمَيَّ مُنْذُ دَخَلتُ. أنْتَ لَمْ تَدْهَنْ رَأسِي بِزَيْتٍ، أمَّا هِيَ فَدَهَنَتْ قَدَمَيَّ بِالعِطْرِ. لِهَذَا أقُولُ لَكَ إنَّ خَطَايَاهَا الكَثِيرَةَ قَدْ غُفِرَتْ، بِدَليلِ أنَّهَا أظْهَرَتْ حُبًّا كَثِيرًا. أمَّا الَّذِي تُغفَرُ لَهُ خَطَايَا قَليلَةٌ، فَإنَّهُ يُحِبُّ قَليلًا.» ثُمَّ قَالَ لَهَا: «خَطَايَاكِ قَدْ غُفِرَتْ.» فَبَدَأ الجَالِسُونَ إلَى المَائِدَةِ مَعَهُ يَقُولُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هَذَا الَّذِي يَقْدِرُ حَتَّى أنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا؟» أمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لِلمَرْأةِ: «لَقَدْ خَلَّصَكِ إيمَانُكِ، فَاذهَبِي بِسَلَامٍ.» بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَسُوعُ يَمُرُّ مِنْ مَدِينَةٍ إلَى أُخْرَى، وَمِنْ قَريَةٍ إلَى أُخْرَى، يَعِظُ وَيُعلِنُ بِشَارَةَ مَلَكُوتِ اللهِ لِلنَّاسِ. وَكَانَ الرُّسُلُ الاثْنَا عَشَرَ مَعَهُ. كَمَا رَافَقَتهُ بَعْضُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي شَفَاهُنَّ مِنْ أروَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأمرَاضٍ. وَهُنَّ: مَريَمُ الَّتِي تُدعَى المَجْدَلِيَّةَ الَّتِي أخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ أروَاحٍ شِرِّيرَةٍ، وَيُوَنَّا زَوْجَةُ خُوزِي، الَّذِي كَانَ مَسؤُولًا عَنْ بَيْتِ هِيرُودُسَ، وَسُوسَنَّةُ، وَنِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ غَيرُهُنَّ. وَكُنَّ يُنفِقنَ عَلَى يَسُوعَ وَتَلَامِيذِهِ مِنْ أموَالِهِنَّ. وَكَانَ جَمعٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ تَجَمَّعَ حَوْلَ يَسُوعَ، إذْ كَانُوا يَأْتُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ المُدُنِ. فَقَالَ لَهُمْ هَذَا المَثَلَ: «خَرَجَ فَلَّاحٌ لِيَبْذُرَ بِذَارَهُ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَبْذُرُ، وَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ إلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَدَاسَتهُ أقْدَامُ النَّاسِ، وَأكَلَتهُ طُيُورُ السَّمَاءِ. وَوَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ عَلَى طَبَقَةٍ صَخرِيَّةٍ. وَعِنْدَمَا نَمَا، ذَبُلَ إذْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ رُطُوبَةٌ. وَوَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ بَيْنَ الأشوَاكِ، فَنَمَتِ الأشوَاكُ مَعَهُ وَعَطَّلَتْ نُمُوَّهُ. وَوَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ عَلَى الأرْضِ الصَّالِحَةِ، فَنَمَا وَأثمَرَ مِئَةَ ضِعفٍ.» وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ هَذِهِ الأشْيَاءَ نَادَى وَقَالَ: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ.» وَسَألَهُ تَلَامِيذُهُ عَنْ مَغزَى هَذَا المَثَلِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُعْطِيتُمُ امتِيَازَ مَعْرِفَةِ أسرَارِ مَلَكُوتِ اللهِ. أمَّا لِلبَقِيَّةِ فَتُعطَى أسرَارُ المَلَكُوتِ بِأمثَالٍ … «‹فَلَا يُبصِرُونَ حِينَ يَنْظُرُونَ، وَلَا يَفْهَمُونَ حِينَ يَسْمَعُونَ.›» «إلَيكُمْ مَعنَى المَثَلِ: البِذَارُ هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. فَالبِذَارُ الَّذِي وَقَعَ إلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، يُمَثِّلُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ، ثُمَّ يَأتِي إبْلِيسُ وَيَنْزِعُ الكَلِمَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ. وَبِهَذَا لَا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يُؤمِنُوا وَيُخَلَّصُوا. أمَّا الَّذِي وَقَعَ عَلَى الصَّخرِ، فَيُمَثِّلُ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ الكَلِمَةَ بِفَرَحٍ حِينَ يَسْمَعُونَهَا، لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ جُذُورٌ، فَيُؤمِنُونَ لِفَترَةٍ، لَكِنَّهُمْ يَتَرَاجَعُونَ فِي وَقْتِ الامْتِحَانِ. «أمَّا الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الأشوَاكِ، فَيُمَثِّلُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ، وَيَمْضُونَ فِي طَرِيقِهِمْ. لَكِنَّهُمْ يَسْمَحُونَ لِهُمُومِ الحَيَاةِ وَغِنَاهَا وَمُتَعِهَا بِأنْ تَأْتِيَ وَتَخْنُقَهُمْ، فَلَا يُثْمِرُونَ ثَمَرًا نَاضِجًا. أمَّا الَّذِي وَقَعَ عَلَى الأرْضِ الصَّالِحَةِ، فَيُمَثِّلُ ذَوِي القُلُوبِ الصَّالِحَةِ الصَّادِقَةِ. يَسْمَعُ هَؤُلَاءِ كَلِمَةَ اللهِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِهَا، وَبِصَبرِهِمْ يُثمِرُونَ.» وَقَالَ: «لَا يُضِيءُ أحَدٌ مِصبَاحًا وَيُغَطِّيهِ بِإنَاءٍ أوْ يُخْفِيهِ تَحْتَ سَرِيرٍ! بَلْ يَضَعُهُ عَلَى حَمَّالَةٍ مُرْتَفِعَةٍ، لِكَي يَسْتَطِيعَ الدَاخِلُونَ أنْ يَرَوْا النُّورَ. لِأنَّهُ مَا مِنْ مَخفِيٍّ إلَّا وَسَيُظهَرُ، وَمَا مِنْ سِرٍّ إلَّا وَسَيَنْكَشِفُ وَيَأْتِي إلَى النُّورِ. فَانتَبِهُوا كَيْفَ تَسْمَعُونَ، لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَمْلِكُ سَيُزَادُ لَهُ، أمَّا الَّذِي لَا يَمْلِكُ، فَسَيُنتَزَعُ مِنْهُ مَا يَبْدُو أنَّهُ لَهُ.» وَجَاءَتْ أُمُّ يَسُوعَ وَإخوَتُهُ إلَيْهِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ الوُصُولِ إلَيْهِ بِسَبَبِ الازْدِحَامِ. فَقِيلَ لَهُ: «أُمُّكَ وَإخوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجًا، وَهُمْ يُرِيدُونَ أنْ يَرَوكَ.» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أُمِّي وَإخوَتِي هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ وَيُطِيعُونَهُ.» وَذَاتَ يَوْمٍ رَكِبَ يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ قَارِبًا، وَقَالَ لَهُمْ: «لِنَعبُرْ إلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ البُحَيرَةِ.» فَأبحَرُوا. وَبَيْنَمَا كَانُوا مُبحِرِينَ، نَامَ يَسُوعُ، وَثَارَتْ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ عَلَى البُحَيرَةِ. وَبَدَأ القَارِبُ يَمْتَلِئُ بِالمَاءِ، وَصَارُوا فِي خَطَرٍ. فَجَاءُوا إلَيْهِ وَأيقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، إنَّنَا نَغرَقُ!» حينَئِذٍ قَامَ وَانتَهَرَ الرِّيحَ وَالأموَاجَ، فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وَهَدَأتِ البُحيرَةُ. فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمْ: «أيْنَ إيمَانُكُمْ؟» لَكِنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ وَمَذهُولِينَ، وَهُمْ يَقُولُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أيُّ رَجُلٍ هَذَا الَّذِي يَأْمُرُ الرِّيحَ وَالميَاهَ، فَيُطِيعَانِهِ؟» وَهَكَذَا أبحَرُوا إلَى مَنْطِقَةِ الجَدرِيِّينَ المُقَابِلَةِ لإقْلِيمِ الجَلِيلِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ يَسُوعُ إلَى الشَّاطِئِ، لَاقَاهُ رَجُلٌ مِنَ البَلدَةِ فِيهِ أروَاحٌ شِرِّيرَةٌ. وَلَمْ يَكُنْ قَدِ ارتَدَى ثِيَابًا أوْ سَكَنَ بَيْتًا مُنْذُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، بَلْ كَانَ يَعِيشُ بَيْنَ القُبُورِ. فَلَمَّا رَأى يَسُوعَ صَرَخَ وَارتَمَى أمَامَهُ، وَقَالَ لَهُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: «مَاذَا تُرِيدُ مِنِّي يَا يَسُوعُ يَا ابْنَ اللهِ العَلِيِّ؟ أتَوَسَّلُ إلَيْكَ ألَّا تُعَذِّبَنِي.» قَالَ هَذَا لِأنَّ يَسُوعَ كَانَ قَدْ أمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ بِأنْ يَخْرُجَ. وَقَدْ تَمَلَّكَهُ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، فَكَانُوا يَرْبُطُونَهُ بِسَلَاسِلَ وَقُيُودٍ، وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الحِرَاسَةِ. لَكِنَّهُ كَانَ يَكْسِرُ القُيُودَ، وَيَقتَادُهُ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ إلَى البَرِّيَّةِ. فَسَألَهُ يَسُوعُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «اسْمِي جَيْشٌ.» إذْ كَانَتْ أروَاحٌ شِرِّيرَةٌ كَثِيرَةٌ قَدْ دَخَلَتهُ. وَتَوَسَّلَتِ الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ إلَى يَسُوعَ ألَّا يَأْمُرَهَا بِالذَّهَابِ إلَى الهَاوِيَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ مِنَ الخَنَازِيرِ يَرْعَى عَلَى جَانِبِ التَّلَّةِ، فَتَوَسَّلَتِ الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ إلَيْهِ لِيَسْمَحَ لَهَا بِالدُّخُولِ فِي الخَنَازِيرِ، فَسَمَحَ لَهَا بِذَلِكَ. فَخَرَجَتِ الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنَ الرَّجُلِ وَدَخَلَتْ فِي الخَنَازِيرِ، فَاندَفَعَ القَطِيعُ مِنْ فَوقِ المُنحَدَرِ وَهَوَى فِي البُحَيرَةِ وَغَرِقَ. وَلَمَّا رَأى الرُّعَاةُ مَا حَدَثَ هَرَبُوا، وَأبلَغُوا النَّاسَ فِي البَلدَةِ وَفِي الرِّيفِ بِمَا حَصَلَ. فَخَرَجَ النَّاسُ لِيَرَوْا مَا حَدَثَ، وَجَاءُوا إلَى يَسُوعَ، وَوَجَدُوا الرَّجُلَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ جَالِسًا عِنْدَ قَدَمَيِّ يَسُوعَ، وَهُوَ لَابِسٌ وَفِي كَامِلِ عَقلِهِ، فَخَافُوا. وَأخبَرَهُمُ الَّذِينَ رَأوْا مَا حَدَثَ وَكَيْفَ شُفِيَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ. فَطَلَبَ كُلُّ سُكَّانِ مَنْطِقَةِ الجَدرِيِّينَ إلَى يَسُوعَ أنْ يَتْرُكَهُمْ، فَقَدْ خَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا. فَرَكِبَ يَسُوعُ القَارِبَ لَيَعُودَ، لَكِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ رَجَاهُ أنْ يَذْهَبَ مَعَهُ، فَصَرَفَهُ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «عُدْ إلَى بَيْتِكَ، وَأخبِرْ بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ اللهُ مِنْ أجْلِكَ.» فَانصَرَفَ الرَّجُلُ، وَأذَاعَ فِي كُلِّ أنْحَاءِ البَلدَةِ مَا فَعَلَهُ يَسُوعُ مِنْ أجْلِهِ. وَعِنْدَمَا عَادَ يَسُوعُ رَحَّبَتْ بِهِ جُمُوعُ النَّاسِ، فَقَدْ كَانُوا كُلُّهُمْ فِي انتِظَارِهِ. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، جَاءَ رَجُلٌ اسْمُهُ يَايرُسُ، وَكَانَ يَايرُسُ هَذَا مَسؤُولًا عَنِ المَجْمَعِ، فَارتَمَى عِنْدَ قَدَمَي يَسُوعَ، وَرَجَاهُ أنْ يُرَافِقَهُ إلَى بَيْتِهِ. فَقَدْ كَانَتْ لَهُ ابنَةٌ وَحِيدَةٌ فِي الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ مِنْ عُمرِهَا عَلَى وَشَكِ المَوْتِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ سَائِرًا نَحْوَ بَيْتِهِ، كَانَتِ الحُشُودُ تَدْفَعُهُ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرأةٌ تَنْزِفُ مُنْذُ اثنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ أنفَقَتْ كُلَّ مَا لَدَيهَا عَلَى الأطِبَّاءِ، وَعَجِزُوا عَنْ شِفَائِهَا. فَجَاءَتْ مِنْ وَرَاءِ يَسُوعَ، وَلَمَسَتْ طَرَفَ عَبَاءَتِهِ. فَانقَطَعَ النَّزِيفُ فَوْرًا. فَقَالَ يَسُوعُ: «مَنْ لَمَسَنِي؟» وَبَيْنَمَا كَانُوا كُلُّهُمْ يُنكِرُونَ ذَلِكَ، قَالَ بُطرُسُ: «يَا سَيِّدُ، النَّاسُ كُلُّهُمْ يَدْفَعُونَكَ وَيَضَغَطُونَ عَلَيْكَ.» فَقَالَ يَسُوعُ: «أحَدُهُمْ لَمَسَنِي، فَقَدْ شَعَرتُ بِقُوَّةٍ خَرَجَتْ مِنِّي.» فَأدرَكَتِ المَرْأةُ أنَّهُ لَاحَظَهَا. فَجَاءَتْ مُرتَعِشَةً وَارتَمَتْ أمَامَهُ، وَأخبَرَتهُ أمَامَ كُلِّ النَّاسِ لِمَاذَا لَمَسَتُهُ، وَكَيْفَ شُفِيَتْ فَوْرًا. فَقَالَ لَهَا: «يَا ابنَتِي، لَقَدْ خَلَّصَكِ إيمَانُكِ، فَاذْهَبِي بِسَلَامٍ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ وَاحِدٌ مِنْ بَيْتِ المَسؤُولِ عَنِ المَجْمَعِ وَقَالَ: «ابنَتُكَ مَاتَتْ، فَلَا تُزعِجِ المُعَلِّمَ.» فَسَمِعَ يَسُوعُ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ: «لَا تَخَفْ، مَا عَلَيْكَ إلَّا أنْ تُؤمِنَ، وَسَتُشفَى ابنَتُكَ.» وَعِنْدَمَا وَصَلَ يَسُوعُ إلَى البَيْتِ، لَمْ يَدَعْ أحَدًا يَدْخُلُ مَعَهُ سِوَىْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَأبَي الصَّبيَّةِ وَأُمِّهَا. وَبَيْنَمَا كَانَ جَمِيعُ النَّاسِ يَبْكُونَ وَيَنُوحُونَ عَلَيْهَا، قَالَ يَسُوعُ: «كُفُّوا عَنِ البُكَاءِ، فَهِيَ لَمْ تَمُتْ، لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ.» فَضَحِكُوا عَلَيْهِ لِعِلْمِهِمْ بَأنَّهَا مَاتَتْ. وَلَكِنَّهُ أمسَكَ بِيَدِهَا وَنَادَى: «يَا صَبِيَّةُ، انْهَضِي!» فَعَادَتْ رُوحُهَا إلَيْهَا، وَوَقَفَتْ فَوْرًا. فَأمَرَ يَسُوعُ بِأنْ يُقَدَّمَ لَهَا طَعَامٌ لِتَأْكُلَ. وَذُهِلَ وَالِدَاهَا، لَكِنَّهُ أمَرَهُمَا بِأنْ لَا يُخبِرَا أحَدًا بِمَا حَصَلَ. وَدَعَا يَسُوعُ «الِاثنَيْ عَشَرَ» إلَيْهِ، وَأعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلطَانًا عَلَى كُلِّ الأرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ، وَعَلَى شِفَاءِ الأمْرَاضِ. ثُمَّ أرسَلَهُمْ لِيُبَشِّرُوا بِمَلَكُوتِ اللهِ وَلِيَشْفُوا المَرْضَى. وَقَالَ لَهُمْ: «لَا تَأْخُذُوا شَيْئًا لِرِحلَتِكُمْ. لَا تَأْخُذُوا عُكَّازًا وَلَا حَقِيبَةً وَلَا خُبْزًا وَلَا فِضَّةً. وَلَا تَحْمِلُوا مَعَكُمْ ثَوْبًا إضَافِيًّا. وَأقِيمُوا فِي أيِّ بَيْتٍ تَدْخُلُونَهُ، وَلَا تُقِيمُوا فِي بَيْتٍ آخَرَ إلَى أنْ تَتْرُكُوا المَدِينَةَ. سَتَرْفُضُ بَعْضُ المُدُنِ أنْ تُرَحِّبَ بِكُمْ. فَحِينَ تَخْرُجُونَ مِنْ إحدَاهَا، انفُضُوا الغُبَارَ عَنْ أقْدَامِكُمْ كَشَهَادَةٍ ضِدَّهُمْ.» فَذَهَبُوا وَكَانُوا يَتَنَقَّلُونَ مِنْ قَريَةٍ إلَى قَريَةٍ يُبَشِّرُونَ وَيَشْفُونَ النَّاسَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَسَمِعَ الوَالِي هِيرُودُسُ بِكُلِّ مَا كَانَ يَجْرِي، فَاحْتَاْرَ لِأنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقُولُ إنَّ يُوحَنَّا قَدْ أُقِيمَ مِنَ المَوْتِ. وَقَالَ آخَرُونَ إنَّ إيلِيَّا قَدْ ظَهَرَ. وَقَالَ غَيرُهُمْ إنَّ أحَدَ الأنْبِيَاءِ القُدَمَاءِ قَدْ قَامَ مِنَ المَوْتِ. لَكِنَّ هِيرُودُسَ قَالَ: «لَقَدْ قَطَعْتُ رَأسَ يُوحَنَّا. لَكِنْ مَنْ هُوَ هَذَا الَّذِي أسمَعُ عَنْهُ كُلَّ هَذِهِ الأشْيَاءِ؟» وَحَاوَلَ هِيرُودُسُ أنْ يَرَى يَسُوعَ. وَلَمَّا عَادَ الرُّسُلُ، قَالُوا لِيَسُوعَ كُلَّ شَيءٍ فَعَلُوهُ. ثُمَّ انسَحَبَ يَسُوعُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ وَذَهَبَ إلَى مَدِينَةٍ تُدعَى بَيْتَ صَيدَا، وَأخَذَ مَعَهُ الرُّسُلَ وَحدَهُمْ. لَكِنَّ جُمُوعَ النَّاسِ عَلِمَتْ بِذَلِكَ فَتَبِعُوهُ. فَرَحَّبَ بِهِمْ وَتَحَدَّثَ إلَيْهِمْ عَنْ مَلَكُوتِ اللهِ. وَشَفَى المُحتَاجِينَ إلَى شِفَاءٍ. وَبَدَأتِ الشَّمْسُ بِالمَغيبِ، فَجَاءَ الاثْنَا عَشَرَ إلَى يَسُوعَ وَقَالُوا لَهُ: «اصرِفِ النَّاسَ لِكَي يَذْهَبُوا إلَى القُرَى وَالمَزَارِعِ المُجَاوِرَةِ، فَيَجِدُوا لَهُمْ طَعَامًا وَمَكَانًا يَبِيتُونَ فِيهِ. فَنَحْنُ فِي مَكَانٍ مُنعَزِلٍ.» لَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُمْ: «أعطُوهُمْ أنْتُمْ شَيْئًا لِيَأْكُلُوا.» فَقَالُوا: «كُلُّ مَا لَدَيْنَا هُوَ خَمْسَةُ أرغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ، وَهَذَا لَا يَكْفِي إلَّا إذَا ذَهَبْنَا لِنَشتَرِيَ طَعَامًا لِكُلِّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ!» وَكَانَ هُنَاكَ نَحْوَ خَمْسَةِ آلَافِ رَجُلٍ، فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: «قُولُوا لِلنَّاسِ أنْ يَجْلِسُوا فِي مَجمُوعَاتٍ خَمْسِينَ خَمْسِينَ.» فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَأجلَسُوا الجَمِيعَ. فَأخَذَ يَسُوعُ أرغِفَةَ الخُبْزِ الخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتِينِ، وَشَكَرَ اللهَ رَافِعًا عَيْنَيْهِ إلَى السَّمَاءِ. ثُمَّ قَسَّمَهَا وَأعْطَاهَا لِتَلَامِيذِهِ لِيُوَزِّعُوهَا عَلَى النَّاسِ. فَأكَلُوا وَشَبِعُوا جَمِيعًا. وَرَفَعُوا مَا تَبَقَّى مِنَ الطَّعَامِ، فَكَانَ اثنَتي عَشْرَةَ سَلَّةً مَملوءَةً بِالكِسَرِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يُصَلِّي وَحْدَهُ، جَاءَ إلَيْهِ تَلَامِيذُهُ. فَسَألَهُمْ: «مَنْ أنَا حَسَبَ مَا تَقُولُ حُشُودُ النَّاسِ؟» فَأجَابُوا: «يَقُولُ بَعْضُهُمْ إنَّكَ يُوحَنَّا المَعْمَدَانُ، وَيَقُولُ آخَرُونَ إنَّكَ إيلِيَّا، وآخَرُونَ إنَّكَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ القُدَمَاءِ عَادَ إلَى الحَيَاةِ.» فَقَالَ لَهُمْ: «وَأنْتُمْ، مَنْ أنَا فِي رَأيِكُمْ؟» أجَابَ بُطرُسُ: «أنْتَ مَسِيحُ اللهِ.» فَنَبَّهَهُمْ ألَّا يُخبِرُوا أحَدًا بِذَلِكَ. وَقَالَ لَهُمْ: «يَنْبَغِي أنْ يُعَانِيَ ابْنُ الإنْسَانِ أشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَأنْ يَرْفُضَهُ الشُّيُوخُ وَكِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو النَّاسِ. كَمَا يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ وَيُقَامَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ.» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ جَمِيعًا: «إذَا أرَادَ أحَدٌ أنْ يَأْتِيَ مَعِي، فَلَا بُدَّ أنْ يُنكِرَ نَفْسَهُ، وَأنْ يَرْفَعَ الصَّلِيبَ المُعطَى لَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَتْبَعَنِي. فَمَنْ يُرِيدُ أنْ يُخَلِّصَ حَيَاتَهُ، سَيَخْسَرُهَا. أمَّا مَنْ يَخْسَرُ حَيَاتَهُ مِنْ أجْلِي، فَسَيُخَلِّصُهَا. مَاذَا يَنْتَفِعُ الإنْسَانُ لَوْ رَبِحَ العَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ وَبَدَّدَهَا؟ لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَخْجَلُ بِي وَبِكَلَامِي، فَسَأخجَلُ بِهِ أنَا ابْنَ الإنْسَانِ حِينَ آتِي فِي مَجْدِي، وَفِي مَجْدِ الآبِ، وَمَجْدِ المَلَائِكَةِ المُقَدَّسِينَ. لَكِنِّي أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: إنَّ مِنْ بَيْنِ الوَاقِفِينَ هُنَا أشخَاصًا لَنْ يَذُوقُوا المَوْتَ قَبْلَ أنْ يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ يَسُوعُ ذَلِكَ بِنَحوِ ثَمَانِيَةِ أيَّامٍ، أخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ، وَصَعِدَ إلَى الجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي، اختَلَفَتْ هَيئَةُ وَجْهِهِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ نَاصِعَةَ البَيَاضِ. وَفَجْأةً ظَهَرَ رَجُلَانِ يَتَحَدَّثَانِ إلَيْهِ هُمَا مُوسَى وَإيلِيَّا. ظَهَرَا فِي مَجدٍ، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ عَنْ مَوْتِهِ الَّذِي يُوشِكُ أنْ يَحْدُثَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَكَانَ النَّومُ قَدْ غَلَبَ بُطْرُسَ وَالَّذِينَ مَعَهُ. فَلَمَّا أفَاقُوا، رَأوْا مَجْدَ يَسُوعَ، وَرَأوْا الرَّجُلَينِ الوَاقِفَينِ مَعَهُ. وَبَيْنَمَا كَانَ الرَّجُلَانِ يَبْتَعِدَانِ عَنْهُ، قَالَ بُطرُسُ لِيَسُوعَ: «يَا مُعَلِّمُ، مَا أجمَلَ أنْ نَكُونَ هُنَا! فَلنَنصُبْ ثَلَاثَ خَيمَاتٍ، وَاحِدَةً لَكَ، وَوَاحِدَةً لِمُوسَى، وَوَاحِدَةً لإيلِيَّا.» وَلَمْ يَكُنْ بُطرُسُ يَعِي مَا يَقُولُهُ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَقُولُ ذَلِكَ، جَاءَتْ غَيمَةٌ وَغَطَّتْهُمْ بِظِلِّهَا، فَخَافُوا عِنْدَمَا غَطَّتْهُمْ. وَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ الغَيمَةِ يَقُولُ: «هَذَا هُوَ ابنِي الَّذِي اختَرْتُهُ، فأصْغُوا إلَيْهِ.» وَعِنْدَمَا تَكَلَّمَ الصَّوْتُ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا يَسُوعُ وَحْدَهُ. وَلَزِمُوا الصَّمْتَ حَوْلَ هَذَا الأمْرِ، وَلَمْ يُخبِرُوا أحَدًا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ بِشَيءٍ مِمَّا رَأَوْهُ. وَعِنْدَمَا نَزَلُوا مِنَ الجَبَلِ فِي اليَوْمِ التَّالِي، لَاقَاهُ جَمعٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ. فَصَرَخَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِ جُمُوعِ النَّاسِ: «يَا مُعَلِّمُ، أرْجُوكَ أنْ تَنْظُرَ إلَى ابنِي وَحِيدِي. فَهنَاكَ رُوحٌ يُسَيطِرُ عَلَيْهِ فَجْأةً، فَيَصْرُخُ. ثُمَّ يَطْرَحُهُ وَيُصِيبُهُ بِنَوبَاتٍ تَجْعَلُهُ يُزبِدُ. وَلَا يَكَادُ يُفَارِقُهُ، بَلْ يَسْتَمِرُّ فِي إيذَائِهِ. وَقَدْ رَجَوتُ تَلَامِيذَكَ أنْ يَطْرُدُوهُ مِنْهُ، لَكِنَّهُمْ عَجِزُوا.» فَقَالَ يَسُوعُ: «أيُّهَا الجِيلُ غَيْرُ المُؤمِنِ وَالمُنحَرِفُ، إلَى مَتَى أكُونُ مَعَكُمْ، إلَى مَتَى أحتَمِلُكُمْ؟» ثُمَّ قَالَ للرَجُلِ: «أحضِرِ ابنَكَ إلَى هُنَا.» وَبَيْنَمَا كَانَ الصَبِيُّ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ، طَرَحَهُ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ أرْضًا، وَأصَابَهُ بِتَشَنُّجَاتٍ. فَانتَهَرَ يَسُوعُ الرُّوحَ النَّجِسَ وَشَفَى الصَّبِيَّ، وَأعَادَهُ إلَى أبِيهِ. فَذُهِلَ النَّاسُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ. وَبَيْنَمَا كَانَ النَّاسُ مَذهُولِينَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَهُ يَسُوعُ، وَجَّهَ يَسُوعُ حَدِيثَهُ إلَى تَلَامِيذِهِ فَقَالَ: «اسْمَعُوا جَيِّدًا مَا سَأقُولُهُ الآنَ لَكُمْ: يُوشِكُ ابْنُ الإنْسَانِ أنْ يُوضَعَ تَحْتَ سُلطَانِ البَشَرِ.» لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا كَلَامَهُ، إذْ كَانَ مَخفِيًّا عَنْهُمْ لِئَلَّا يَسْتَوْعِبُوهُ. وَخَافُوا أنْ يَسألُوهُ عَنْ مَعنَى هَذَا الكَلَامِ. وَحَدَثَ خِلَافٌ بَيْنَ تَلَامِيذِهِ حَوْلَ أيُّهُمْ أعْظَمُ مِنَ الآخَرِ. فَعَرَفَ يَسُوعُ أفكَارَ قُلُوبِهِمْ، فَأخَذَ طِفْلًا وَأوقَفَهُ إلَى جَانِبِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ يَقْبَلُ هَذَا الطِّفْلَ بِاسْمِي فَإنَّمَا يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُنِي فَإنَّمَا يَقْبَلُ الَّذِي أرْسَلَنِي. فَالأقَلُّ بَيْنَكُمْ جَمِيعًا هُوَ الأعْظَمُ.» وَقَالَ يُوحَنَّا: «يَا رَبُّ، رَأينَا وَاحِدًا يَطْرُدُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِاسْمِكَ، فَحَاوَلْنَا أنْ نَمنَعَهُ لِأنَّهُ لَيْسَ مِنَّا.» لَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: «لَا تَمْنَعُوهُ، لِأنَّ الَّذِي لَيْسَ ضِدَّكُمْ هُوَ مَعَكُمْ.» وَعِنْدَمَا اقْتَرَبَ وَقْتُ رَفعِهِ إلَى السَّمَاءِ، ثَبَّتَ يَسُوعُ نَظَرَهُ بِعَزمٍ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَأرْسَلَ رُسُلًا أمَامَهُ. فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَريَةً سَامِرِيَّةً لِيُعِدُّوا لَهُ مَكَانًا. غَيْرَ أنَّ السَّامِرِيِّينَ رَفَضُوا أنْ يَسْتَضِيفُوهُ، لِأنَّهُ كَانَ مُتَّجِهًا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَلَمَّا رَأى يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا هَذَا قَالَا: «يَا رَبُّ، أتُرِيدُنَا أنْ نَأمُرَ بِأنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَتُدَمِّرَهُمْ؟» فَالتَفَتَ يَسُوعُ إلَيْهِمَا وَوَبَّخَهُمَا ثُمَّ ذَهَبُوا إلَى قَريَةٍ أُخْرَى. وَبَيْنَمَا كَانُوا يَسِيرُونَ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ أحَدُهُمْ لِيَسُوعَ: «سَأتبَعُكَ أينَمَا ذَهَبْتَ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ جُحُورٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أعشَاشٌ، أمَّا ابْنُ الإنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ مَكَانٌ يَسْنِدُ عَلَيْهِ رَأسَهُ.» وَقَالَ لِشَخْصٍ آخَرَ: «اتبَعْنِي.» فَقَالَ: «اسْمَحْ لِي أنْ أنتَظِرَ إلَى أنْ أدفِنَ أبِي.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعَ: «دَعِ الأمْوَاتَ يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، أمَّا أنْتَ فَاذهَبْ وَأعلِنْ مَلَكُوتَ اللهِ.» وَقَالَ لَهُ شَخْصٌ آخَرُ: «سَأتبَعُكَ يَا سَيِّدُ، لَكِنِ اسْمَحْ لِي أوَّلًا أنْ أُوَدِّعَ أهْلِي فِي البَيْتِ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى المِحرَاثِ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الخَلفِ، غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَلَكُوتِ اللهِ.» بَعْدَ هَذِهِ الأحْدَاثِ، عَيَّنَ الرَّبُّ اثْنَيْنِ وَسَبعِينَ آخَرِينَ. وَأرسَلَهُمْ أمَامَهُ إلَى كُلِّ بَلدَةٍ وَمَكَانٍ يَنْوِي الذَّهَابَ إلَيْهِ. وَقَالَ لَهُمْ: «الحَصَادُ كَثِيرٌ، لَكِنَّ الحَصَّادِينَ قَلِيلُونَ. فَصَلُّوا لِرَبِّ الحَصَادِ أنْ يُرسِلَ حَصَّادِينَ إلَى الحَصَادِ. «اذْهَبُوا! وَتَذَكَّرُوا أنِّي أُرسِلُكُمْ كَحِملَانٍ بَيْنَ ذِئَابٍ. لَا تَحْمِلُوا مَعَكُمْ مِحفَظَةً أوْ حَقِيبَةً أوْ حِذَاءً، وَلَا تُحَيُّوا أحَدًا فِي الطَّرِيقِ. وَعِنْدَمَا تَدْخُلُونَ أيَّ بَيْتٍ، قُولُوا أوَّلًا: ‹لِيَحِلَّ السَّلَامُ عَلَى هَذَا البَيْتِ.› فَإنْ كَانَ فِيهِ مُحِبٌّ لِلسَّلَامِ، فَسَيَحِلُّ سَلَامُكُمْ عَلَيْهِ. وَإلَّا، فَإنَّ سَلَامَكُمْ سَيَرْجِعُ إلَيكُمْ. وَأقِيمُوا فِي ذَلِكَ البَيْتِ، وَكُلُوا وَاشرَبُوا مِنْ كُلِّ مَا يُقَدِّمُونَهُ لَكُمْ، فَالعَامِلُ يَسْتَحِقُّ أُجرَتَهُ. وَلَا تَمْكُثُوا فِي بُيُوتٍ مُخْتَلِفَةٍ أثْنَاءَ إقَامَتِكُمْ فِي مَدِينَةٍ. «وَمَتَى دَخَلْتُمْ مَدِينَةً وَلَقِيتُمْ تَرْحِيبًا مِنْ أهْلِهَا، فَكُلُوا مَا يُوضَعُ أمَامَكُمْ. وَاشفُوا المَرْضَى فِي تِلْكَ المَدِينَةِ، وَقُولُوا لِأهْلِهَا: ‹لَقَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ!› «فَإذَا دَخَلْتُمْ مَدِينَةً، وَلَمْ يُرَحِّبْ بِكُمْ أهْلُهَا، اخرُجُوا إلَى شَوَارِعِهَا وَقُولُوا: ‹حَتَّى غُبَارُ مَدِينَتِكُمُ الَّذِي عَلِقَ بِأقْدَامِنَا نَنفُضُهُ عَلَيْكُمْ! وَلَكِنِ اعلَمُوا أنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَدِ اقْتَرَبَ!› أقُولُ لَكُمْ إنَّ حَالَ أهْلِ سَدُومَ فِي يَوْمِ الدَّينُونَةِ سَيَكُونُ أهوَنَ مِنْ حَالِ تِلْكَ المَدِينَةِ.» «الوَيْلُ لَكِ يَا كُورْزِينُ! الوَيْلُ لَكِ يَا بَيْتَ صَيدَا! لِأنَّهُ لَوْ جَرَتِ المُعجِزَاتُ الَّتِي جَرَتْ فِيكُمَا فِي صُورَ وَصَيدَاءَ، لَتَابَتَا مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ، وَلَارتَدَى أهْلُهَا الخَيْشَ، وَجَلَسُوا عَلَى الرَّمَادِ. لِهَذَا سَيَكُونُ حَالُ أهْلِ صُورَ وَصَيدَاءَ أهوَنَ مِنْ حَالِكُمَا يَوْمَ الدَّينُونَةِ. وَأنتِ يَا كَفْرَنَاحُومَ، هَلْ تَتَوَهَّمِينَ أنَّكِ سَتُرفَعِينَ إلَى السَّمَاءِ؟ لَا، بَلْ سَتَهْبِطِينَ إلَى الهَاوِيَةِ! «مَنْ يُطِيعُكُمْ يَا تَلَامِيذِي يُطِيعُنِي، وَمَنْ يَرْفُضُكُمْ يَرْفُضُنِي، وَمَنْ يَرْفُضُنِي يَرْفُضُ ذَاكَ الَّذِي أرْسَلَنِي.» وَعَادَ الاثْنَانِ وَالسَّبعُونَ بِفَرَحٍ وَقَالُوا: «يَا رَبُّ، حَتَّى الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ تَخْضَعُ لَنَا عِنْدَمَا نَأمُرُهَا بِاسْمِكَ!» فَقَالَ لَهُمْ: «لَقَدْ رَأيْتُ الشَّيطَانَ سَاقِطًا كَبَرْقٍ مِنَ السَّمَاءِ! هَا قَدْ أعْطَيْتُكُمْ سُلطَانًا لِكَي تَدُوسُوا الأفَاعِيَ وَالعَقَارِبَ، وَسُلطَانًا عَلَى كُلِّ قُوَّةِ العَدُوِّ، وَلَنْ يُؤذِيَكُمْ شَيءٌ. لَكِنْ لَا تَفْرَحُوا لِأنَّ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افرَحُوا لِأنَّ أسْمَاءَكُمْ مَكْتُوبَةٌ فِي السَّمَاءِ.» وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ امتَلأ يَسُوعُ فَرَحًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وَقَالَ: «أشكُرُكَ أيُّهَا الآبُ، رَبَّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ. فَقَدْ أخْفَيْتَ هَذِهِ الأُمُورَ عَنِ الحُكَمَاءِ وَالأذكِيَاءِ، وَكَشَفْتَهَا لِلبُسَطَاءِ كَالأطْفَالِ. نَعَمْ يَا أبِي، لِأنَّكَ سُرِرْتَ بِعَمَلِ هَذَا. «لَقَدْ سَلَّمَنِي الآبُ كُلَّ شَيءٍ. فَلَا أحَدَ يَعْرِفُ الاِبْنَ إلَّا الآبُ، وَلَا أحَدَ يَعْرِفُ الآبَ إلَّا الاِبْنُ وَكُلُّ مَنْ يَشَاءُ الاِبْنُ أنْ يَكْشِفَ لَهُ.» بَعْدَ ذَلِكَ، انْفَرَدَ يَسوعُ بِتَلَامِيذِهِ، وَالتَفَتَ إلَيْهِمْ وَقَالَ: «هَنِيئًا لِلعُيُونِ الَّتِي تَرَى مَا أنْتُمْ تَرَوْنَهُ الآنَ لِأنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّ مُلُوكًا وَأنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ اشتَهَوْا أنْ يَرَوْا مَا تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَاشْتَهَوْا أنْ يَسْمَعُوا مَا تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا.» ثُمَّ وَقَفَ وَاحِدٌ مِنْ خُبَرَاءِ الشَّرِيعَةِ لِيَمْتَحِنَ يَسُوعَ، فَسَألَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا يَنْبَغِي أنْ أفعَلَ لِكَي أنَالَ الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا المَكْتُوبُ فِي الشَّرِيعَةِ؟ وَكَيْفَ تَفْهَمُهُ؟» فَأجَابَ: «مَكْتُوبٌ: ‹تُحِبُّ الرَّبَّ إلَهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَبِكُلِّ نَفْسِكَ، وَبِكُلِّ قُوَّتِكَ، وَبِكُلِّ عَقلِكَ،› وَمَكْتُوبٌ أيْضًا: ‹تُحِبُّ صَاحِبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.› » فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «هَذَا صَحِيحٌ، افْعَلْ هَذَا وَسَتَحيَا.» لَكِنَّ الرَّجُلَ أرَادَ أنْ يُبَرِّرَ سُؤَالَهُ، فَقَالَ لِيَسُوعَ: «وَمَنْ هُوَ صَاحِبِي؟» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «كَانَ رَجُلٌ نَازِلًا مِنَ القُدْسِ إلَى أرِيحَا، فَوَقَعَ فِي أيدِي لُصُوصٍ. فَجَرَّدُوهُ مِنْ مَلَابِسِهِ وَضَرَبُوهُ، ثُمَّ مَضَوْا وَتَرَكُوهُ بَيْنَ الحَيَاةِ وَالمَوْتِ. «فَمَرَّ بِهِ كَاهِنٌ كَانَ نَازِلًا مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ. فَلَمَّا رَآهُ، ذَهَبَ إلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الطَّرِيقِ دُونَ أنْ يَلْتَفِتَ إلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَرَّ لَاوِيٌّ مِنْ ذَلِكَ المَكَانِ وَرَأى الرَّجُلَ المَضْرُوبَ، فَذَهَبَ إلَى الجَانِبِ الآخَرِ أيْضًا. «لَكِنَّ سَامِرِيًّا مُسَافِرًا مَرَّ بِهِ أيْضًا. وَحِينَ رَآهُ تَحَنَّنَ عَلَيْهِ. فَاقْتَرَبَ مِنْهُ وَضَمَّدَ جِرَاحَهُ بَعْدَ أنْ سَكَبَ عَلَيْهَا زَيْتَ زَيْتُونٍ وَنَبِيذًا. ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأخَذَهُ إلَى فُندُقٍ وَاعتَنَى بِهِ هُنَاكَ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي أخْرَجَ دِينَارَينِ مِنَ الفِضَّةِ وَأعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ الفَندُقِ، وَقَالَ لَهُ: ‹اعتَنِ بِهِ، وَمَهمَا زَادَ مَا تَصْرُفُهُ فَإنِّي سَأُعَوِّضُكَ حِينَ أعُودُ.› «فَمَنْ مِنَ الثَّلَاثَةِ تَصَرَّفَ كَصَاحِبٍ حَقِيقِيٍّ لِلرَّجُلِ الَّذِي وَقَعَ فِي أيدِي اللُّصُوصِ فِي اعتِقَادِكَ؟» قَالَ الخَبِيرُ فِي الشَّرِيعَةِ: «الرَّجُلُ الَّذِي أظْهَرَ لَهُ رَحْمَةً.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «فَاذْهَبْ وَافْعَلْ كَمَا فَعَلَ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ سَائِرِينَ، دَخَلُوا بَلدَةً، حَيْثُ اسْتَضَافَتْ يَسُوعَ امْرأةٌ اسْمُهَا مَرثَا فِي بَيْتِهَا. وَكَانَتْ لَهَا أختٌ اسْمُهَا مَريَمُ. فَجَلَسَتْ مَريَمُ عِنْدَ قَدَمَي الرَّبِّ تُصغِي إلَى مَا يَقُولُهُ. أمَّا مَرْثَا فَقَدِ انْشَغَلَتْ بِالإعْدَادَاتِ الكَثِيرَةِ. فَجَاءَتْ إلَى يَسُوعَ وَقَالَتْ: «ألَا يَهُمُّكَ أنَّ أُخْتِي تَرَكَتْنِي لِأقُومَ بِالعَمَلِ كُلِّهِ وَحْدِي؟ فَقُلْ لَهَا أنْ تُسَاعِدَنِي.» فَأجَابَهَا الرَّبُّ: «يَا مَرْثَا، يَا مَرْثَا، أنْتِ تَسْمَحِينَ لأُمُورٍ كَثِيرَةٍ بِأنْ تُزْعِجَكِ، بَيْنَمَا الضَّرُورَةُ هِيَ لأمْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ. فَهَا مَريَمُ قَدِ اخْتَارَتْ لِنَفْسِهَا الحِصَّةَ الفُضْلَى الَّتِي لَنْ تُؤخَذَ مِنْهَا.» وَكَانَ يَسُوعُ يُصَلِّي فِي مَكَانٍ مَا. وَلَمَّا انْتَهَى مِنَ الصَّلَاةِ، قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ: «عَلِّمْنَا أنْ نُصَلِّيَ يَا رَبُّ، كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا المَعْمَدَانُ تَلَامِيذَهُ.» فَقَالَ لَهُمْ: «حِينَ تُصَلُّونَ قُولُوا: ‹يَا أبَانَا، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. أعْطِنَا خُبْزَنَا كَفَافَ يَوْمِنَا، وَاغفِرْ لَنَا خَطَايَانَا، كَمَا نَغفِرُ نَحْنُ أيْضًا لِلَّذِينَ يُسِيئُونَ إلَينَا. وَلَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ.›» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «لِنَفرِضْ أنَّهُ كَانَ لِأحَدِكُمْ صَدِيقٌ، فَذَهَبَ إلَيْهِ فِي مُنْتَصَفِ اللَّيلِ وَقَالَ لَهُ: ‹يَا صَدِيقِي، أقرِضْنِي ثَلَاثَةَ أرغِفَةٍ، فَقَدْ جَاءَ إلَيَّ ضَيفٌ مُسَافِرٌ، وَلَيْسَ لَدَيَّ شَيءٌ أضَعُهُ أمَامَهُ.› فَأجَابَهُ الرَّجُلُ مِنَ الدَّاخِلِ: ‹لَا تُزعِجْنِي! فَالبَابُ مُقفَلٌ، وَأبنَائِي فِي الفِرَاشِ. فَلَا يُمكِنُنِي أنْ أنهَضَ لِأُعْطِيَكَ.› أقُولُ لَكُمْ، إنَّهُ سَيَنْهَضُ وَيُعطِيهِ قَدْرَ مَا يَحتَاجُ. رُبَّمَا لَنْ يُعطِيَهُ بِسَبَبِ صَدَاقَتِهِمَا، لَكِنَّهُ سَيُعطِيهِ بِسَبَبِ إلحَاحِهِ الشَّدِيدِ. «لِهَذَا أقُولُ لَكُمْ: اطْلُبُوا تُعْطَوْا، اسْعَوْا تَجِدُوا، اقْرَعُوا يُفتَحْ لَكُمْ. لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَطْلُبُ يَنَالُ، وَكُلَّ مَنْ يَسْعَى يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفتَحُ لَهُ. أيُّ أبٍ بَيْنَكُمْ يُعْطِي ابنَهُ حَيَّةً حِينَ يَطْلُبُ مِنْهُ سَمَكَةً؟ أوْ يُعطِيهِ عَقرَبًا حِينَ يَطْلُبُ مِنْهُ بَيضَةً؟ أنْتُمْ، رُغْمَ شَرِّكُمْ، تَعْرِفُونَ كَيْفَ تُعطُونَ أبْنَاءَكُمْ عَطَايَا حَسَنَةً. أفَلَيْسَ الآبُ السَّمَاوِيُّ أجدَرَ بِكَثِيرٍ بِأنْ يُعطِيَ الرُّوحَ القُدُسَ لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ؟» وَكَانَ يَسُوعُ يَطْرُدُ رُوحًا شِرِّيرًا أخرَسَ مِنْ رَجُلٍ. فَلَمَّا خَرَجَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ، بَدَأ الأخرَسُ يَتَكَلَّمُ. فَذُهِلَتِ جُمُوعُ النَّاسِ. لَكِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: «إنَّ يَسُوعَ يَطْرُدُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِقُوَّةِ بَعلَزَبُولَ، رَئِيسِ تِلْكَ الأرْوَاحِ.» لَكِنَّ آخَرِينَ طَلَبُوا مِنْهُ بُرهَانًا مِنَ السَّمَاءِ بِقَصْدِ امتِحَانِهِ. فَعَرَفَ مَا فِي أذهَانِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: «إنَّ مَصِيرَ كُلِّ مَملَكَةٍ يَنْقَسِمُ أهْلُهَا وَيَتَحَارَبُونَ هُوَ الخَرَابُ. وَمَصِيرُ كُلِّ بَيْتٍ يَنْقَسِمُ أهْلُهُ وَيَتَحَارَبُونَ هُوَ السُّقُوطُ. فَإذَا كَانَ الشَّيْطَانُ مُنقَسِمًا وَيُحَارِبُ ذَاتَهُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ تَصْمُدَ مَملَكَتُهُ؟ لِأنَّكُمْ تَقُولُونَ إنِّي أطرُدُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِقُوَّةِ بَعلَزَبُولَ. إنْ كُنْتُ أنَا أطرُدُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِقُوَّةِ بَعلَزَبُولَ، فَبِمَاذَا يَطْرُدُهَا تَلَامِيذُكُمْ؟ فَهُمُ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ عَلَيْكُمْ. لَكِنْ إنْ كُنْتُ أطرُدُ الأروَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِقُوَّةِ اللهِ، فَقَدْ صَارَ وَاضِحًا أنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ جَاءَ إلَيكُمْ. «حِينَ يَكُونُ رَجُلٌ قَوِيٌّ مُسَلَّحًا تَسْلِيحًا كَامِلًا وَيَحْرُسُ بَيْتَهُ، تَكُونُ مُقتَنَيَاتُهُ آمِنَةً. لَكِنْ حِينَ يَأتِي مَنْ هُوَ أقوَى مِنْهُ وَيُهَاجِمُهُ وَيَهْزِمُهُ، فَإنَّهُ يَأْخُذُ كُلَّ أسلِحَتِهِ الَّتِي كَانَ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَقْتَسِمُ الغَنَائِمَ مَعَ آخَرِينَ. مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ ضِدِّي. وَمَنْ لَا يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُبَعثِرُ.» وَقَالَ: «عِنْدَمَا يَخْرُجُ رُوحٌ نَجِسٌ مِنْ إنْسَانٍ، فَإنَّهُ يَجتَازُ أمَاكِنَ جَافَّةً سَاعِيًا إلَى مَكَانِ رَاحَةٍ. وَحينَ لَا يَجِدُ مَكَانَ رَاحَةٍ، يَقُولُ: ‹سَأعُودُ إلَى بَيْتِي الَّذِي جِئتُ مِنْهُ.› فَيَذْهَبُ وَيَجِدُ البَيْتَ مُكَنَّسًا وَمُرَتَّبًا. حينَئِذٍ يَذْهَبُ وَيُحضِرُ سَبْعَةَ أروَاحٍ أُخَرَ تَفُوقُهُ شَرًّا، فَتَدْخُلُ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ. وَهَكَذَا تَكُونُ حَالَةُ ذَلِكَ الإنْسَانِ الأخِيرَةِ أسوَأَ مِنْ حَالَتِهِ الأُولَى.» وَلَمَّا قَالَ يَسُوعُ هَذِهِ الأشْيَاءَ، رَفَعَتِ امْرأةٌ بَيْنَ النَّاسِ صَوْتَهَا وَقَالَتْ: «هَنِيئًا لِلبَطنِ الَّذِي حَمَلَكَ، وَلِلثَّديَيْنِ اللَّذَيْنِ أرْضَعَاكَ!» فَقَالَ: «بَلْ هَنِيئًا لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ وَيُطِيعُونَهُ!» وَبَيْنَمَا كَانَتْ جُمُوعُ النَّاسِ تَتَزَايَدُ، قَالَ يَسُوعُ: «هَذَا الجِيلُ شِرِّيرٌ. يَبْحَثُ عَنْ بُرهَانٍ لِكَي يُؤمِنَ. وَلَنْ يُعْطَى إلَّا بُرْهَانَ يُونَانَ. لِأنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ بُرهَانًا لِأهْلِ نِينَوَى، سَيَكُونُ ابْنُ الإنْسَانِ بُرهَانًا لِهَذَا الجِيلِ. «سَتَقِفُ مَلِكَةُ الجَنُوبِ يَوْمَ الدَّينُونَةِ ضِدَّ هَذَا الجِيلِ، وَسَتُبَيِّنُ أنَّهُمْ مُخطِئُونَ. فَقَدْ جَاءَتْ مِنْ أقَاصِي الأرْضِ لِكَي تَسْمَعَ حِكمَةَ سُلَيْمَانَ. وَالْآنَ هُنَا أمَامَكُمْ مَنْ هُوَ أعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ. «كَذَلِكَ سَيَقِفُ أهْلُ نِينَوَى يَوْمَ الدَّينُونَةِ ضِدَّ هَذَا الجِيلِ، وَسَيَدِينُونَهُ لأنَّهُمْ تَابُوا إذْ سَمِعُوا تَحْذِيرَ يُونَانَ. وَالْآنَ هُنَا أمَامَكُمْ مَنْ هُوَ أعْظَمُ مِنْ يُونَانَ.» وَقَالَ يَسُوعُ: «مَا مِنْ أحَدٍ يُشعِلُ مِصبَاحًا وَيَضَعُهُ فِي مَخبَأٍ أوْ تَحْتَ إنَاءٍ، بَلْ يَضَعُهُ عَلَى حَمَّالَةٍ لِلمَصَابِيحِ لِكَي يَسْتَطِيعَ الدَّاخِلُونَ أنْ يَرَوْا النُّورَ. وَسِرَاجُ جَسَدِكَ هُوَ عَينُكَ. فَإنْ كَانَتْ عَينَاكَ صَالِحَتَيْنِ، فَإنَّ جَسَدَكَ كُلَّهُ سَيَمْتَلِئُ نُورًا. لَكِنْ إنْ كَانَتَا غَيْرَ صَالِحَتَيْنِ، فَإنَّ جَسَدَكَ أيْضًا سَيَمْتَلِئُ بِالظُّلمَةِ. فَاحذَرْ مِنْ أنْ يَكُونَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظُلمَةً فِي حَقِيقَتِهِ! فَإنْ كَانَ جَسَدُكَ كُلُّهُ مَلِيئًا بِالنُّورِ، وَلَيْسَ فِيهِ جَانِبٌ مُظلِمٌ، فَسَيَكُونُ كُلُّهُ مُضَاءً كَمَا لَوْ أنَّ مِصبَاحًا مُنِيرًا قَدْ أشرَقَ عَلَيْكَ.» وَبَعْدَ أنْ أنهَى يَسُوعُ حَدِيثَهُ، دَعَاهُ فِرِّيسِيٌّ لِتَنَاوُلِ الطَّعَامِ فِي بَيْتِهِ. فَدَخَلَ يَسُوعُ وَجَلَسَ إلَى المَائِدَةِ. فَلَاحَظَ الفِرِّيسِيُّ مُندَهِشًا أنَّ يَسُوعَ لَمْ يَغْسِلْ يَدَيْهِ أوَّلًا قَبْلَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ. فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «أنْتُمِ الفِرِّيسِيِّينَ تُنَظِّفُونَ خَارِجَ الكَأسِ أوِ الطَّبَقِ، بَيْنَمَا يَملأُ الجَشَعُ وَالخُبثُ دَوَاخِلَكُمْ. أيُّهَا الحَمْقَى! ألَيْسَ الَّذِي صَنَعَ القِسمَ الخَارِجِيَّ قَدْ صَنَعَ القِسمَ الدَّاخِلِيَّ أيْضًا؟» فَاصنَعُوا رَحْمَةً لِلآخَرِينَ مِنْ دَوَاخِلِكُمْ، وَهَكَذَا يُصْبِحُ كُلُّ شَيءٍ نَظِيفًا لَكُمْ. «لَكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ، فَأنْتُمْ تُقَدِّمُونَ عُشْرًا مِنْ كُلِّ شَيءٍ، حَتَّى مِنَ النَّعنَاعِ وَالسَّذَابِ وَكُلِّ النَّبَاتَاتِ الأُخرَى، لَكِنَّكُمْ تَتَغَافَلُونَ عَنِ الإنصَافِ وَعَنْ مَحَبَّةِ اللهِ. كَانَ عَلَيْكُمْ أنْ تَفْعَلُوا هَذِهِ الأُمُورَ، مِنْ دُونِ أنْ تُهمِلُوا غَيْرَهَا. وَيْلٌ لَكُمْ أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ، لِأنَّكُمْ تُحِبُّونَ الجُلُوسَ عَلَى أفْضَلِ المَقَاعِدِ فِي المَجَامِعِ، وَتَلَقِّي تَحِيَّاتِ الاحْتِرَامِ فِي الأسوَاقِ. الوَيْلُ لَكُمْ لِأنَّكُمْ تُشبِهُونَ قُبورًا بِلَا عَلَامَةٍ، يَمْشِي النَّاسُ عَلَيْهَا وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أنَّهَا تَحْتَهُمْ!» فَقَالَ لَهُ أحَدُ خُبَرَاءِ الشَّرِيعَةِ: «يَا مُعَلِّمُ، حِينَ تَقُولُ هَذِهِ الأشْيَاءَ، فَإنَّكَ تُهِينُنَا نَحْنُ أيْضًا.» فَقَالَ يَسُوعُ: «وَيْلٌ لَكُمْ أنْتُمْ أيْضًا يَا خُبَرَاءَ الشَّرِيعَةِ، فَأنْتُمْ تُرهِقُونَ النَّاسَ بِأعبَاءٍ صَعبَةِ الحَمْلِ، لَكِنَّكُمْ لَا تَلْمِسُونَ تِلْكَ الأعبَاءَ بِإحْدَى أصَابِعِكُمْ. وَيْلٌ لَكُمْ لِأنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورًا لِلأنْبِيَاءِ، وَآبَاؤُكُمْ هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ. فَأنْتُمْ تَرَوْنَ أفعَالَ آبَائِكُمْ وَتُوافِقُونَ عَلَيْهَا، لِأنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ، وَأنْتُمْ تَبْنُونَ قُبُورَهُمْ. لِهَذَا قَالَ حِكْمَةُ اللهِ: ‹سَأُرْسِلُ لَهُمْ أنْبِيَاءً وَرُسُلًا، فَيَقْتُلُونَ مِنْهُمْ بَعْضًا وَيَضْطَهِدُونَ بَعْضًا.› «فَسَيُحَاسَبُ هَذَا الجِيلُ عَلَى دَمِ كُلِّ الأنْبِيَاءِ الَّذِي سُفِكَ مُنْذُ بِدَايَةِ العَالَمِ: مِنْ دَمِ هَابِيلَ إلَى دَمِ زَكَرِيَّا الَّذِي قُتِلَ بَيْنَ المَذْبَحِ وَالهَيكَلِ. نَعَمْ، أقُولُ لَكُمْ إنَّ هَذَا الجِيلَ سَيَدْفَعُ ثَمَنَ ذَلِكَ الدَّمِ. وَيْلٌ لَكُمْ يَا خُبَرَاءَ الشَّرِيعَةِ، لِأنَّكُمْ أخفَيتُمْ مِفتَاحَ المَعْرِفَةِ، فَلَا دَخَلتُمْ أنْتُمْ، وَلَا سَمَحتُمْ بِالدُّخُولِ لِمَنْ يُرِيدُ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يُغَادِرُ ذَلِكَ المَكَانَ، اغتَاظَ مِنْهُ مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ كَثِيرًا، وَبَدَأُوا يَسْتَفْهِمُونَ مِنْهُ بِحِدَّةٍ عَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. مُتَرَصِّدِينَ لَهُ، لَعَلَّهُمْ يُمْسِكُونَ عَلَيْهِ مَمسَكًا فِي شَيءٍ يَقُولُهُ. وَتَجَمَّعَ عِدَّةُ آلَافٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى كَادَ يَدُوسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَبَدَأ يَسُوعُ يَتَحَدَّثُ أوَّلًا لِتَلَامِيذِهِ: «احتَرِسُوا مِنْ خَمِيرَةِ الفِرِّيسِيِّينَ، أيْ مِنْ رِيَائِهِمْ. فَمَا مِنْ مَخفِيٍّ إلَّا وَسَيُكشَفُ، وَمَا مِنْ مَستُورٍ إلَّا وَسَيُعلَنُ. فَكُلُّ مَا تَقُولُونَهُ فِي الظُّلمَةِ سَيُسْمَعُ فِي النُّورِ، وَكُلُّ مَا هَمَستُمْ بِهِ فِي الآذَانِ فِي الغُرَفِ المُغلَقَةِ سَيُذَاعُ مِنْ فَوقِ سُطُوحِ البُيُوتِ.» «أقُولُ لَكُمْ يَا أحِبَائي، لَا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الجَسَدَ، ثُمَّ لَا يَقْدِرُونَ أنْ يَفْعَلُوا مَا هُوَ أكْثَرَ. سَأقُولُ لَكُمْ مِمَّنْ يَنْبَغِي أنْ تَخَافُوا: خَافُوا مِنْ ذَلِكَ الَّذِي لَهُ السُّلطَانُ أنْ يُلقِيَ فِي جَهَنَّمَ بَعْدَ أنْ يَقْتُلَ. نَعَمْ، أقُولُ لَكُمْ خَافُوا مِنْهُ. «أمَا تُبَاعُ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ بِقِرشَينِ؟ وَمَعَ ذَلِكَ، فَإنَّ اللهَ لَا يَنْسَى وَاحِدًا مِنْهَا. أمَّا أنْتُمْ فَحَتَّى شَعرُ رَأسِكُمْ كُلُّهُ مَعدُودٌ. فَلَا تَخَافُوا، فَأنْتُمْ أثمَنُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ. «وَأقُولُ لَكُمْ إنَّ كُلَّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي أمَامَ الآخَرِينَ، فَسَأعتَرِفُ أنَا ابْنَ الإنْسَانِ بِهِ أمَامَ مَلَائِكَةِ اللهِ. وَمَنْ يُنكِرُنِي أمَامَ الآخَرِينَ، فَسَأنكِرُهُ أمَامَ مَلَائِكَةِ اللهِ. «كُلُّ مَنْ يُهِينُ ابْنَ الإنْسَانِ يُمْكِنُ أنْ يُغفَرَ لَهُ، أمَّا الَّذِي يُهِينُ الرُّوحَ القُدُسَ فَلَنْ يُغفَرَ لَهُ. «وَعِنْدَمَا يُحضِرُونَكُمْ أمَامَ المَجَامِعِ وَالحُكَّامِ وَالسُّلُطَاتِ، لَا تَقْلَقُوا كَيْفَ سَتُدَافِعُونَ عَنْ أنْفُسِكُمْ أوْ مَاذَا سَتَقُولُونَ، لِأنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَيُعَلِّمُكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مَاذَا يَنْبَغِي أنْ تَقُولُوا.» ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِ جُمُوعِ النَّاسِ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لِأخِي بِأنْ يُقَاسِمَنِي المِيرَاثَ الَّذِي تَرَكَهُ أبِي!» لَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: «يَا رَجُلُ، مَنِ الَّذِي عَيَّنَنِي قَاضِيًا عَلَيكُمَا أوْ مُقَسِّمًا؟» وَقَالَ لَهُمْ: «احتَرِسُوا وَاحفَظُوا أنْفُسَكُمْ مِنْ كُلِّ طَمَعٍ. فَحَتَّى إذَا كَانَ لإنْسَانٍ مَا يَزِيدُ عَنْ حَاجَتِهِ، فَإنَّ حَيَاتَهُ لَا تَعْتَمِدُ عَلَى مُقتَنَيَاتِهِ.» ثُمَّ رَوَى لَهُمْ هَذِهِ القِصَّةَ: «كَانَ لِرَجُلٍ غَنِيٍّ أرْضٌ أنتَجَتْ مَحصُولًا وَفِيرًا، فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ: ‹مَاذَا أفْعَلُ يَا تُرَى؟ إذْ لَيْسَ عِندِي مَكَانٌ أَخْزِنُ فِيهِ مَحَاصِيلِي؟› «فَقَالَ: ‹هَذَا مَا سَأفْعَلُهُ: سَأهدِمُ مَخَازِنِي وَأبنِي مَخَازِنَ أكبَرَ مِنْهَا، وَسَأَخْزِنُ كُلَّ حُبُوبِي وَخَيرَاتِي فِيهَا وَأقُولُ: لَكِ يَا نَفْسِي خَيرَاتٌ وَفِيرَةٌ، سَتَدُومُ سَنَوَاتٍ كَثِيرَةً، فَاطْمَئِنِّي وَتَمَتَّعِي!› «فَقَالَ لَهُ اللهُ: ‹أيُّهَا الأحمَقُ! سَتَنْتَهِي حَيَاتُكَ فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ، فَلِمَنْ تَصِيرُ الأشْيَاءُ الَّتِي أعدَدْتَهَا؟› «هَكَذَا تَكُونُ حَالُ مَنْ يَخْزِنُ كُنُوزًا لِنَفْسِهِ، دُونَ أنْ يَكُونَ غَنِيًّا بِاللهِ.» ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: «لِهَذَا أقُولُ لَكُمْ، لَا تَقْلَقُوا مِنْ جِهَةِ مَعِيشَتِكُمْ، أيْ بِشَأنِ مَا سَتَأْكُلُونَ. وَلَا تَقْلَقُوا مِنْ جِهَةِ جَسَدِكُمْ، أيْ بِشَأنِ مَا سَتَلْبَسُونَ. لِأنَّ الحَيَاةَ أكْثَرُ أهَمِّيَّةً مِنَ الطَّعَامِ، وَالجَسَدَ أكْثَرُ أهَمِيَّةً مِنَ اللِّبَاسِ. انْظُرُوا إلَى الغِربَانِ وَتَعَلَّمُوا: إنَّهَا لَا تَبْذُرُ وَلَا تَحْصُدُ، وَلَا مَخزَنَ لَهَا لِتَخْزِنَ، لَكِنَّ اللهَ يُطعِمُهَا. وَكَمْ أنْتُمْ أثمَنُ عِنْدَ اللهِ مِنَ الطُّيُورِ! مَنْ مِنْكُمْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُضِيفَ إلَى عُمرِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً عِنْدَمَا يَقْلَقُ؟ فَمَا دُمتُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أنْ تَفْعَلُوا حَتَّى هَذَا الشَّيءَ الصَّغِيرَ، فَلِمَاذَا تَقْلَقُونَ مِنْ جِهَةِ بَقِيَّةِ الأُمُورِ؟ «انْظُرُوا كَيْفَ تَنْمُو الزَّنَابِقُ. إنَّهَا لَا تَتْعَبُ وَلَا تَغْزِلُ. لَكِنِّي أقُولُ لَكُمْ، إنَّهُ لَمْ يُكسَ أحَدٌ مِثْلَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَلَا حَتَّى سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ. فَإنْ كَانَ اللهُ يُلبِسُ عُشبَ الحُقُولِ الَّذِي تَرَاهُ هُنَا اليَوْمَ، وَفِي الغَدِ يُلقَى بِهِ فِي الفُرنِ، أفَلَا يَهْتَمُّ بِكُمْ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَا قَلِيلِي الإيمَانِ! «فَلَا تُشغِلُوا عُقُولَكُمْ بِمَا سَتَأْكُلُونَ أوْ بِمَا سَتَشْرَبُونَ، وَلَا تَقْلَقُوا بِشَأنِهَا. فَهَذِهِ أُمُورٌ يَسْعَى إلَيْهَا أهْلُ العَالَمِ الآخَرُونَ، وَأبُوكُمْ يَعْرِفُ أنَّكُمْ تَحتَاجُونَ إلَيْهَا. فَاهتَمُّوا أوَّلًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَسَتُعطَى لَكُمْ هَذِهِ الأُمُورُ أيْضًا. «لَا تَخَفْ أيُّهَا القَطِيعُ الصَّغِيرُ، فَاللهُ مَسرُورٌ بِإعطَائِكُمُ المَلَكُوتَ. بِيعُوا مُقتَنَيَاتِكُمْ، وَأعطُوا المَالَ لِلفُقَرَاءِ. اقتَنُوا مَحَافِظَ لَا تَبْلَى مَعَ الزَّمَنِ، أيْ كُنُوزًا لَا تَفْنَى فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لَا يَصِلُ اللُّصُوصُ إلَيْهَا، وَلَا يُصِيبُهَا العَفَنُ. لِأنَّ قَلْبَكَ سَيَكُونُ حَيْثُ يَكُونُ كَنزُكَ.» وَقَالَ: «شُدُّوا أحْزِمَتَكُمْ مُتَأهِّبينَ لِلعَمَلِ، وَحَافِظُوا عَلَى مَصَابِيحِكُمْ مُشتَعِلَةً دَائِمًا. كُونُوا كَأشخَاصٍ يَنْتَظِرُونَ عَودَةَ سَيِّدِهِمْ مِنْ حَفلَةِ عُرسٍ. فَمَتَى جَاءَ وَقَرَعَ البَابَ، يَفْتَحُونَ لَهُ فَوْرًا. هَنِيئًا لِهَؤُلَاءِ الخُدَّامِ الَّذِينَ يَجِدُهُمْ سَيِّدُهُمْ صَاحِينَ وَمُسْتَعِدِّينَ عِنْدَ عَودَتِهِ. أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنَّهُ سَيَشُدُّ حِزَامَهُ، وَيُجلِسُهُمْ عَلَى مَائِدَتِهِ وَيَخْدِمُهُمْ. هَنِيئًا لَهُمْ إذَا وَجَدَهُمْ مُسْتَعِدِّينَ هَكَذَا، سَوَاءٌ أجَاءَ فِي مُنْتَصَفِ اللَّيلِ أمْ قُبَيلَ الفَجرِ. «تَأكَّدُوا أنَّهُ لَوْ عَلِمَ صَاحِبُ البَيْتِ فِي أيَّةِ سَاعَةٍ يَنْوِي اللِّصُّ أنْ يَأْتِيَ، لَمَا تَرَكَهُ يَسْطُو عَلَى بَيْتِهِ. فَكُونُوا أنْتُمْ أيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لِأنَّ ابْنَ الإنْسَانِ سَيَأْتِي فِي لَحظَةٍ لَا تَتَوَقَّعُونَهَا.» حينَئِذٍ قَالَ بُطرُسُ: «يَا رَبُّ، هَلْ تَرْوِي هَذَا المَثَلَ لَنَا أمْ لِلجَمِيعِ أيْضًا؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «فَمَنْ هُوَ إذًا الوَكِيلُ الأمِينُ الفَطِنُ الَّذِي يُعَيِّنُهُ السَّيِّدُ مَسؤُولًا عَنْ خُدَّامِهِ، لِيُعطِيَهُمْ حِصَّتَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ فِي وَقْتِهَا المُنَاسِبِ؟ هَنِيئًا لِذَلِكَ الخَادِمِ الَّذِي حِينَ يَأتِي سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَقُومُ بِوَاجِبِهِ. أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنَّهُ سَيُوكِلُهُ عَلَى جَمِيعِ أمْلَاكِهِ. «لَكِنْ قَدْ يَقُولُ هَذَا الخَادِمُ فِي نَفْسِهِ: ‹يَبْدُو أنَّ سَيِّدِي سَيَتَأخَّرُ فِي مَجِيئِهِ.› فَيَبْدَأُ بِضَربِ الخُدَّامِ وَالخَادِمَاتِ، وَيَبْدَأُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَرُ. فَيَأْتِي سَيِّدُ ذَلِكَ الخَادِمِ فِي يَوْمٍ لَا يَتَوَقَّعُهُ، وَفِي سَاعَةٍ لَا يَعْرِفُهَا، فَيُعَاقِبُهُ كَمَا يُعَاقَبُ الخَائِنُ. «فَمِثْلُ هَذَا الخَادِمِ الَّذِي يَعْرِفُ إرَادَةَ سَيِّدِهِ، لَكِنَّهُ لَا يَسْتَعِدُّ وَلَا يَعْمَلُ بِهَا، فَسَيُعَاقَبُ عِقَابًا شَدِيدًا. أمَّا الخَادِمُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ إرَادَةَ سَيِّدِهِ، وَفَعَلَ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ العِقَابَ، فَسَيُعَاقَبُ عِقَابًا أخَفَّ. فَمَنْ يُعْطَى كَثِيرًا يُطلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُؤتَمَنُ عَلَى كَثِيرٍ سَيُطَالَبُ بِالكَثِيرِ.» «لَقَدْ جِئتُ لِأُشعِلَ نَارًا عَلَى الأرْضِ. وَكَمْ أتَمَنَّى لَوْ أنَّهَا أُشعِلَتْ بِالفِعْلِ! لِي مَعمُودِيَّةٌ لَا بُدَّ أنْ أتَعَمَّدَ بِهَا، وَلَنْ تَهْدَأَ نَفْسِي حَتَّى تَتِمَّ. هَلْ تَظُنُّونَ أنِّي جِئتُ لِكَي أُرَسِّخَ سَلَامًا عَلَى الأرْضِ؟ لَا، بَلْ أقُولُ لَكُمْ إنِّي جِئتُ لِأُرَسِّخَ الانْقِسَامَ! أقُولُ هَذَا لِأنَّهُ مُنْذُ الآنَ فَصَاعِدًا، يَكُونُ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنقَسِمِينَ ثَلَاثَةً عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثنينِ عَلَى ثَلَاثَةٍ. «الأبُ عَلَى ابنِهِ، وَالابْنُ عَلَى أبِيهِ. الأُمُّ عَلَى ابنَتِهَا، وَالبِنتُ عَلَى أُمِّهَا. الحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا.» وَقَالَ يَسُوعُ لِجُمُوعِ النَّاسِ: «تَرَوْنَ غَيمَةً تَظْهَرُ فِي الغَرْبِ، فَتَقُولُونَ: ‹المَطَرُ قَادِمٌ،› وَتُمطِرُ السَّمَاءُ بِالفِعْلِ. وَتَهُبُّ رِيحٌ جَنُوبِيَّةٌ فَتَقُولُونَ: ‹سَيَكُونُ الجَوُّ حَارًّا.› وَيَكُونُ كَذَلِكَ بِالفِعْلِ. أيُّهَا المُنَافِقُونَ، أنْتُمْ تُحسِنُونَ تَفْسِيرَ عَلَامَاتِ المُنَاخِ، فَكَيْفَ لَا تُحسِنُونَ فَهْمَ هَذَا العَصْرِ؟» «وَلِمَاذَا لَا تَحْكُمُونَ بِأنفُسِكُمْ مَا هُوَ الصَّوَابُ؟ فَبَيْنَمَا أنْتَ ذَاهِبٌ مَعَ خَصمِكَ إلَى الحَاكِمِ، ابذُلْ مَا فِي وُسْعِكَ لِتُسَوِّيَ خِلَافَكَ مَعَهُ عَلَى الطَّرِيقِ. وَإلَّا فَإنَّهُ قَدْ يَجُرُّكَ إلَى القَاضِي، وَيُسَلِّمُكَ القَاضِي إلَى الضَّابِطِ، وَيَزُجُّ بِكَ الضَّابِطُ فِي السِّجْنِ. أقُولُ لَكَ إنَّكَ لَنْ تَخْرُجَ مِنْ هُنَاكَ إلَى أنْ تَسُدَّ آخِرَ فِلسٍ عَلَيْكَ.» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، أخبَرَهُ أشخَاصٌ حَاضِرُونَ عَنِ الجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ بِيلَاطُسُ حَتَّىْ إنَّ دِمَائَهُمُ اخْتَلَطَتْ بِدَمِ ذَبَائِحَهُمْ! فَأجَابَهُمْ: «أتَظُنُّونَ أنَّ هَؤُلَاءِ الجَلِيلِيِّينَ كَانُوا أكْثَرَ شَرًّا مِنْ بَقيَّةِ أهْلِ الجَلِيلِ، لِأنَّ هَذَا حَصَلَ لَهُمْ؟ أقُولُ لَكُمْ إنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ إنْ لَمْ تَتُوبُوا، فَسَتَمُوتُونَ جَمِيعًا كَمَا مَاتُوا. أوْ مَاذَا تَقُولُونَ فِي الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ شَخْصًا الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ البُرجُ فِي سِلوَامَ فَقَتَلَهُمْ؟ أتَظُنُّونَ أنَّهُمْ كَانُوا أكْثَرَ شَرًّا مِنْ بَقيَّةِ أهْلِ القُدْسِ؟ أقُولُ لَكُمْ إنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ إنْ لَمْ تَتُوبُوا، فَسَتَمُوتُونَ جَمِيعًا كَمَا مَاتُوا.» ثُمَّ رَوَى لَهُمْ هَذَا المَثَلَ: «كَانَ لِرَجُلٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَزرُوعَةٌ فِي بُستَانِهِ. فَجَاءَ مُتَوَقِّعًا أنْ يَرَى ثِمَارًا عَلَيْهَا، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا. فَقَالَ لِلبُستَانِيِّ: ‹هَا قَدْ مَضَتْ ثَلَاثُ سَنَوَاتٍ وَأنَا آتِي مُتَوَقِّعًا ثَمَرًا مِنْ شَجَرَةِ التِّينِ هَذِهِ، لَكِنِّي لَا أجِدُ شَيْئًا. اقطَعْهَا، فَلِمَاذَا أترُكُهَا تُضَيِّعُ مَسَاحَةً مِنَ الأرْضِ؟› فَأجَابَهُ البُستَانِيُّ: ‹يَا سَيِّدُ، اترُكْهَا هَذِهِ السَّنَةَ فَقَطْ. فَسَأحفِرُ حَوْلَهَا وَأُسَمِّدُهَا، لَعَلَّهَا تُثمِرُ. فإنْ لَمْ تُثمِرِ اقْطَعْهَا.›» وَكَانَ يَسُوعُ يُعَلِّمُ فِي مَجمَعٍ يَوْمَ سَبْتٍ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرأةٌ فِيهَا رُوحُ ضَعفٍ مُنْذُ ثَمَانِيَ عَشرَةَ سَنَةً، حَتَّى إنَّ ظَهرَهَا كَانَ مَحنِيًّا فَلَا تَقْدِرُ أنْ تَسْتَقِيمَ. وَحِينَ رَآهَا يَسُوعُ، نَادَاهَا وَقَالَ لَهَا: «أيَّتُهَا المَرْأةُ، أنْتِ حُرَّةٌ مِنْ مَرَضِكِ!» ثُمَّ وَضَعَ يَدَيهِ عَلَيْهَا، فَاسْتَقَامَ ظَهرُهَا فَوْرًا، وَشَكَرَتِ اللهَ. فَغَضِبَ رَئِيسُ المَجْمَعِ كَثِيرًا لِأنَّ يَسُوعَ شَفَى يَوْمَ السَّبْتِ. فَقَالَ لِلنَّاسِ: «فِي الأُسبُوعِ سِتَّةُ أيَّامٍ يُمْكِنُ لِلنَّاسِ أنْ يَعْمَلُوا فِيهَا، فَتَعَالَوا فِي تِلْكَ الأيَّامِ وَاستَشْفُوا، لَكِنْ لَا تَأْتُوا لِتَسْتَشْفُوا فِي يَوْمِ السَّبْتِ.» فَأجَابَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: «أيُّهَا المُنَافِقُونَ، ألَا يُخرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ثَورَهُ أوْ حِمَارَهُ مِنَ الحَظِيرَةِ فِي السَّبْتِ وَيَقُودُهُ لِيَسْقِيَهُ؟ وَالْآنَ هَذِهِ المَرْأةُ هِيَ مِنْ نَسْلِ إبرَاهِيمَ، وَقَدْ رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشرَةَ سَنَةً. أفَلَا يَجوزُ أنْ تَتَحَرَّرَ فِي السَّبْتِ مِمَّا رَبَطَهَا؟» فَلَمَّا قَالَ هَذَا، أخزَى الَّذِينَ كَانُوا يُعَارِضُونَهُ. وَكَانَ النَّاسُ مُبتَهِجِينَ بِسَبَبِ كُلِّ الأعْمَالِ العَجِيبَةِ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ. وَقَالَ أيْضًا: «كَيْفَ أصِفُ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللهِ؟ وَبِمَاذَا أُشَبِّهُهُ؟ إنَّهُ يُشْبِهُ بِذرَةَ خَردَلٍ أخَذَهَا إنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي بُستَانِهِ، فَنَمَتْ وَصَارَتْ شَجَرَةً. وَصَنَعَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ أعشَاشَهَا فِي أغْصَانِهَا.» ثُمَّ قَالَ: «أوْ بِمَاذَا أُشَبِّهُ مَلَكُوتَ اللهِ؟ إنَّهُ يُشْبِهُ خَمِيرَةً أخَذَتْهَا امْرأةٌ وَخَلَطَتْهَا فِي ثَلَاثَةِ مَقَادِيرَ مِنَ الطَّحِينِ حَتَّى اختَمَرَ العَجِينُ كُلُّهُ.» وَكَانَ يَسُوعُ يَمُرُّ عَبْرَ المُدُنِ وَالقُرَى، يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي طَرِيقِهِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. فَقَالَ لَهُ أحَدُهُمْ: «يَا سَيِّدُ، هَلِ الَّذِينَ سَيَخْلُصُونَ قَلِيلُونَ؟» فَقَالَ لَهُ: «اجتَهِدْ لِلدُّخُولِ مِنَ البَابِ الضَّيِّقِ. لِأنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّ كَثِيرِينَ سَيُحَاوِلُونَ الدُّخُولَ، لَكِنَّهُمْ لَنْ يَقْدِرُوا. فَبَعدَ أنْ يَقُومَ رَبُّ البَيْتِ وَيُغلِقَ البَابَ، سَتَقِفُونَ خَارِجًا وَسَتَقْرَعُونَ عَلَى البَابِ وَتَقُولُونَ: ‹افْتَحْ لَنَا يَا رَبُّ!› لَكِنَّهُ سَيُجِيبُكُمْ: ‹لَا أعرِفُكُمْ وَلَا أعْرِفُ مِنْ أيْنَ أنْتُمْ.› حِينَئِذٍ سَتَقُولُونَ: ‹لَقَدْ أكَلْنَا مَعَكَ، وَشَرِبْنَا مَعَكَ، وَقَدْ عَلَّمْتَ فِي شَوَارِعِنَا.› فَيُجِيبُكُمْ: ‹لَا أعرِفُكُمْ، وَلَا أعْرِفُ مِنْ أيْنَ أنْتُمْ. فَاغرُبُوا عَنْ وَجْهِي كُلُّكُمْ يَا فَاعِلِي الشَّرِّ.› «وَسَتَبْكُونَ وَتَصِرُّونَ بِأسنَانِكُمْ حِينَ تَرَوْنَ إبرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلَّ الأنْبِيَاءِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ، بَيْنَمَا أنْتُمْ مَطرُودُونَ خَارِجًا. وَسَيَأْتِي النَّاسُ مِنَ الشَّرقِ وَالغَربِ وَالشِّمَالِ وَالجَنُوبِ لِيَأْخُذُوا أمَاكِنَهُمْ حَوْلَ المَائِدَةِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ. فَآخِرُ النَّاسِ الآنَ سَيَكُونُونَ حِينَئِذٍ أوَّلَ النَّاسِ، وَأوَّلُ النَّاسِ الآنَ سَيَكُونُونَ حِينَئِذٍ آخِرَ النَّاسِ!» فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، جَاءَ بَعْضُ الفِرِّيسِيِّينَ إلَى يَسُوعَ وَقَالُوا لَهُ: «اترُكْ هَذَا المَكَانَ وَاذْهَبْ إلَى مَكَانٍ آخَرَ. فَهِيرُودُسُ يَسْعَى إلَى قَتْلِكَ.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «اذْهَبُوا وَقُولُوا لِذَلِكَ الثَّعلَبِ ‹هَا إنَّنِي أطرُدُ أروَاحًا شِرِّيرَةً مِنَ النَّاسِ، وَأشفِيهِمُ اليَوْمَ وَغَدًا. وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ سَأُكمِلُ عَمَلِي.› غَيْرَ أنَّهُ يَنْبَغِيُ عَلَيَّ أنْ أمضِيَ فِي طَرِيقِي اليَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ. لِأنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِنَبِيٍّ أنْ يَمُوتَ خَارِجَ مَدِينَةِ القُدْسِ. «يَا قُدْسُ، يَا قُدْسُ، يَا مَنْ تَقْتُلِينَ الأنْبِيَاءَ وَتَرْجُمِينَ رُسُلَ اللهِ إلَيكِ! كَثِيرًا مَا اشتَقْتُ أنْ أجمَعَ أبْنَاءَكِ مَعًا كَدَجَاجَةٍ تَجْمَعُ صِغَارَهَا تَحْتَ جَنَاحَيهَا! لَكِنَّكُمْ رَفَضْتُمْ. هَا إنَّ بَيتَكُمْ سَيُترَكُ لَكُمْ فَارِغًا! وَأقُولُ لَكُمْ، لَنْ تَرَوْنِي مَرَّةً أُخْرَى إلَى أنْ تَقُولُوا: ‹مُبَارَكٌ هُوَ الَّذِي يَأتِي بِاسْمِ الرَّبِّ.› » وَفِي أحَدِ أيَّامِ السَّبْتِ، ذَهَبَ يَسُوعُ إلَى بَيْتِ أحَدِ قَادَةِ الفِرِّيسِيِّينَ لِيَتَنَاوَلَ الطَّعَامَ. وَكَانَ الحَاضِرُونَ هُنَاكَ يُرَاقِبُونَ يَسُوعَ عَنْ قُربٍ. وَرَأى يَسوعُ رَجُلًا مُصَابًا بِمَرَضِ الاسْتِسقَاءِ. فَوَجَّهَ يُسَوعُ حَدِيثَهُ إلَى خُبَرَاءِ الشَّرِيعَةِ وَالفِرِّيسِيِّينَ وَقَالَ: «أيَجُوزُ الشِّفَاءُ يَوْمَ السَّبْتِ أمْ لَا؟» فَلَمْ يُجيبُوهُ، فَأمسَكَ يَسُوعُ بِالرَّجُلِ المَرِيضِ وَشَفَاهُ، ثُمَّ صَرَفَهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «لَوْ سَقَطَ ابْنُ أحَدِكُمْ أوْ ثَورُهُ فِي بِئْرٍ، أَفَلَا يَسْحَبُهُ وَيُخرِجُهُ فَوْرًا حَتَّى وَإنْ حَدَثَ ذَلِكَ يَوْمَ سَبْتٍ؟» فَلَمْ يَقْدِرُوا أنْ يُجِيبُوهُ! وَلَاحَظَ يَسُوعُ أنَّ الضُّيُوفَ كَانُوا يَختَارُونَ لِأنْفُسِهِمْ أفْضَلَ الأمَاكنِ للِجُلوسِ، فَرَوَى لَهُمْ هَذَا المَثَلَ: «عِنْدَمَا يَدْعُوكَ شَخْصٌ إلَى حَفلَةِ عُرسٍ، فَلَا تَجْلِسْ فِي أفْضَلِ مَكَانٍ. فَلَرُبَّمَا دُعِيَ مَنْ يُعتَبَرُ أكْثَرَ أهَمِّيَّةً مِنْكَ. حينَئِذٍ سَيَأْتِي الَّذِي دَعَاكُمَا لِيَقُولَ لَكَ: ‹أعْطِ هَذَا الرَّجُلَ مَكَانَكَ.› فَتَضْطَرُّ مُحرَجًا أنْ تَنْتَقِلَ إلَى مَكَانٍ أدنَى. «لَكِنْ حِينَ تُدعَى، اذْهَبْ وَاجلِسْ فِي أدنَى مَكَانٍ. وَحِينَ يَأتِي مُضِيفُكَ، سَيَقُولُ لَكَ: ‹انتَقِلْ إلَى مَكَانٍ أفْضَلَ أيُّهَا الصَّدِيقُ.› حينَئِذٍ تَحْصُلُ عَلَى كَرَامَةٍ أمَامَ كُلِّ الجَالِسيِنَ. فَمَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ سَيُذَلُّ، وَمَنْ يَتَوَاضَعُ سَيُرفَعُ.» ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي دَعَاهُ: «عِنْدَمَا تُقِيمُ غَدَاءً أوْ عَشَاءً، لَا تَدْعُ جِيرَانَكَ الأغنِيَاءَ وَأصدِقَاءَكَ وَإخوَتَكَ وَأقْرِبَاءَكَ، فَهُمْ بِدَورِهِمْ سَيَدْعُونَكَ وَيُعَوِّضُونَكَ. لَكِنْ حِينَ تُقِيمُ مَأدُبَةً، ادْعُ الفُقَرَاءَ وَالمُعَوَّقِينَ وَالعُرجَ وَالعُميَ. وَهَكَذَا تَتَبَارَكُ، لِأنَّ لَيْسَ لَدَيهِمْ مَا يُعَوِّضُونَكَ بِهِ، بَلْ سَتُعَوَّضُ عِنْدَ قِيَامَةِ الأبْرَارِ.» فَسَمِعَ أحَدُ الجَالِسِينَ عَلَى المَائِدَةِ هَذَا الكَلَامَ، فَقَالَ لِيَسُوعَ: «هَنِيئًا لِكُلِّ مَنْ يَتَعَشَّى فِي مَلَكُوتِ اللهِ!» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «كَانَ رَجُلٌ يُعِدُّ لِوَلِيمَةٍ عَظِيمَةٍ، وَدَعَا أشخَاصًا كَثِيرِينَ. وَفِي وَقْتِ الوَلِيمَةِ أرْسَلَ خَادِمَهُ لِيَقُولَ لِلمَدعُوِّينَ: ‹تَعَالَوْا لِأنَّ العَشَاءَ جَاهِزٌ!› فَابْتَدَأُوا جَمِيعًا يَخْتَلِقُونَ الأعذَارَ. قَالَ الأوَّلُ: ‹لَقَدِ اشتَرَيتُ حَقلًا، وَعَلَيَّ أنْ أخرُجَ وَأرَاهُ، فَاعذُرنِي مِنْ فَضْلِكَ.› وَقَالَ آخَرُ أيْضًا: ‹لَقَدِ اشتَرَيتُ لِلتَّوِّ عَشْرَةَ ثِيرَانٍ وَأنَا الآنَ ذَاهِبٌ لِأُجَرِّبَهَا، فَاعذُرْنِي مِنْ فَضْلِكَ.› وَقَالَ آخَرُ أيْضًا: ‹لَقَدْ تَزَوَّجتُ مُنْذُ فَترَةٍ قَصِيرَةٍ، وَلَا أسْتَطِيعُ أنْ آتِيَ.› «وَلَمَّا عَادَ الخَادِمُ أخبَرَ سَيِّدَهُ بِكُلِّ هَذِهِ الأُمُورِ. فَغَضِبَ سَيِّدُ البَيْتِ وَقَالَ لِخَادِمِهِ: ‹اخرُجْ بِسُرعَةٍ إلَى شَوَارِعِ المَدِينَةِ وَأزِقَّتِهَا، وَأحضِرِ الفُقَرَاءَ وَالمُعَوَّقِينَ وَالعُرجَ إلَى هُنَا!› «فَعَادَ الخَادِمُ وَقَالَ لَهُ: ‹يَا سَيِّدُ، مَا أمَرتَ بِهِ قَدْ تَمَّ. وَمَا يَزَالُ هُنَاكَ مُتَّسَعٌ.› فَقَالَ السَّيِّدُ لِلخَادِمِ: ‹اخرُجْ إلَى الطُّرُقَاتِ الرِّيفِيَّةِ وَإلَى أسيِجَةِ الحُقُولِ وَألزِمِ النَّاسَ بِالمَجِيءِ لِكَي يَمْتَلِئَ بَيْتِي. فَإنِّي أقُولُ لَكُمْ، إنَّهُ لَنْ يَذُوقَ وَلِيمَتِي أحَدٌ مِنَ أُولَئِكَ الَّذِينَ دَعَوتُهُمْ أوَّلًا!›» وَكَانَتْ جَمَاهِيرُ غَفِيرَةٌ تَمْشِي مَعَهُ، فَالتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: «عَلَى مَنْ يَأتِي إلَيَّ أنْ يُحِبَّنِي أكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ أبَاهُ وَأُمَّهُ وَزَوْجَتَهُ وَأبْنَاءَهُ وَإخوَتَهُ وَأخَوَاتِهِ وَحَتَّى حَيَاتَهِ، وَإلَّا فَإنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَكُونَ تِلْمِيذًا لِي. وَمَنْ لَا يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. «إذَا أرَادَ أحَدُكُمْ أنْ يَبْنِيَ بُرجًا، أفَلَا يَجْلِسُ أوَّلًا لِيَحْسِبَ التَّكلِفَةَ؟ ألَا يَحْسِبُهَا لِيَرَى إنْ كَانَ لَدَيهِ كُلُّ مَا يَلْزَمُ لإكمَالِهِ؟ وَإلَّا فَإنَّهُ قَدْ يَضَعُ الأسَاسَ وَيَعْجَزُ عَنْ إتمَامِهِ. حينَئِذٍ، سَيَهْزَأُ بِهِ كُلُّ مَنْ يَرَى مَا حَدَثَ. وَسَيَقُولُ النَّاسُ: ‹بَدَأ هَذَا الرَّجُلُ يَبْنِي بُرجًا، لَكِنَّهُ عَجِزَ عَنْ إتمَامِهِ.› «وَإذَا أرَادَ مَلِكٌ أنْ يُحَارِبَ مَلِكًا آخَرَ، أفَلَا يَجْلِسُ أوَّلًا مَعَ مُسْتَشَارِيهِ لِيَرَى إنْ كَانَ قَادِرًا بِعَشْرَةِ آلَافِ جُندِيٍّ عَلَى مُواجَهَةِ المَلِكِ الآخَرِ الَّذِي يُهَاجِمُهُ بِعِشرِينَ ألْفِ جُندِيٍّ؟ فَإذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ، سَيُرسِلُ إلَى عَدُوِّهِ وَفدًا وَهُوَ مَا يَزَالُ بَعِيدًا، لِيُنَاقِشَ مَعَهُ شُرُوطَ الصُّلحِ. فَمَنْ لَا يَتَخَلَّى مِنْكُمْ عَنْ كُلِّ شَيءٍ، لَا يَقْدِرُ أنْ يَكُونَ تِلْمِيذًا لِي. «المِلحُ جَيِّدٌ، لَكِنْ إذَا فَقَدَ مَذَاقَهُ، فَبِمَاذَا نُعَالِجُهُ لِيَعُودَ صَالِحًا؟ إنَّهُ بِلَا فَائِدَةٍ حَتَّىْ لِلتُّربَةِ أوِ الزِّبلِ، بَلْ يَرْمِيهِ النَّاسُ خَارِجًا. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ.» وَكَانَ كُلُّ جَامِعِي الضَّرَائِبِ وَالخُطَاةِ مُعتَادِينَ عَلَى التَّجَمُّعِ حَوْلَ يَسُوعَ لِيَسْمَعُوهُ. فَبَدَأ الفِرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ يَتَذَمَّرُونَ وَيَقُولُونَ: «هَذَا الرَّجُلُ يُرَحِّبُ بِالخُطَاةِ وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ!» فَرَوَى لَهُمْ يَسُوعُ هَذَا المَثَلَ: «لِنَفتَرِضْ أنَّهُ كَانَ لِأحَدِكُمْ مِئَةُ خَرُوفٍ فَأضَاعَ وَاحِدًا مِنْهَا، أفَلَا يَتْرُكُ التِّسعَةَ وَالتِّسعِينَ البَاقِيَةَ فِي الحُقُولِ وَيَذْهَبُ وَرَاءَ الخَرُوفِ الضَّائِعِ حَتَّى يَجِدَهُ؟ وَعِنْدَمَا يَجِدُهُ، فَإنَّهُ يَضَعُهُ عَلَى كَتِفَيهِ فَرِحًا. وَعِنْدَمَا يَأتِي إلَى البَيْتِ، يَدْعُو الأصْحَابَ وَالجِيرَانَ مَعًا، وَيَقُولُ لَهُمْ: ‹ابتَهِجُوا مَعِي. فَقَدْ وَجَدتُ خَرُوفِيَ الضَّائِعَ!› أقُولُ لَكُمْ، هَكَذَا تَفْرَحُ السَّمَاءُ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أكْثَرَ مِمَّا تَفْرَحُ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لَا يَحتَاجُونَ إلَى التَّوبَةِ.» «أوْ لِنَفتَرِضْ أنَّ لِامْرَأةٍ عَشْرَةَ دَنَانيرَ، فَأضَاعَتْ دِينَارًا وَاحِدًا مِنْهَا. أفَلَا تُشعِلُ مِصبَاحًا وَتُكَنِّسُ البَيْتَ وَتَبْحَثُ عَنْهُ بِتَدْقِيقٍ حَتَّى تَجِدَهُ؟ وَعِنْدَمَا تَجِدُهُ، فَإنَّهَا تَدْعُو صَدِيقَاتِهَا وَجَارَاتِهَا مَعًا، وَتَقُولُ لَهُنَّ: ‹ابتَهِجْنَ مَعِي، فَقَدْ وَجَدتُ الدِّينَارَ الَّذِي أضَعتُهُ!› أقُولُ لَكُمْ إنَّهُ هَكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ أمَامَ مَلَائِكَةِ اللهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ.» ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ: «كَانَ لِرَجُلٍ ابنَانِ، فَقَالَ أصغَرُهُمَا لِأبِيهِ: ‹يَا أبِي، أعْطِنِي نَصِيبِي مِنْ أمْلَاكِكَ.› فَقَسَّمَ الأبُ ثَروَتَهُ بَيْنَ ابنَيهِ. «وَلَمْ تَمْضِ أيَّامٌ كَثِيرَةٌ حَتَّى جَمَعَ الاِبْنُ الأصغَرُ كُلَّ مَا يَخُصُّهُ وَسَافَرَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ. وَهُنَاكَ بَدَّدَ كُلَّ مَالِهِ فِي حَيَاةٍ مُسْتَهْتِرَةٍ. وَبَعْدَ أنْ صَرَفَ كُلَّ مَا مَعَهُ، أصَابَتْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ ذَلِكَ البَلَدَ فَابْتَدَأ يَحتَاجُ. فَذَهَبَ وَعَمِلَ لَدَى وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ ذَلِكَ البَلَدِ، فَأرسَلَهُ إلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى الخَنَازِيرَ. وَكَانَ يَتَمَنَّى لَوْ أنَّهُ يَسْتَطِيعُ أنْ يُشبِعَ نَفْسَهُ مِنْ نَبَاتِ الخَرُّوبِ الَّذِي كَانَتِ الخَنَازِيرُ تَأْكُلُ مِنْهُ، لَكِنَّ أحَدًا لَمْ يُعطِهِ شَيْئًا. «فَعَادَ إلَى رُشدِهِ وَقَالَ: ‹كَمْ مِنْ أجِيرٍ عِنْدَ أبِي يَشْبَعُ وَيَفْضُلُ عَنْهُ الطَّعَامُ، أمَّا أنَا فَأتَضَوَّرُ جُوعًا هُنَا! سَأقُومُ وَاذْهَبُ إلَى أبِي وَأقُولُ لَهُ: يَا أبِي، لَقَدْ أخْطَأتُ إلَى اللهِ وَإلَيكَ، وَلَمْ أعُدْ جَدِيرًا بِأنْ أُدعَى ابنًا لَكَ، فَاجعَلْنِي كَوَاحِدٍ مِنَ العَامِلِينَ لَدَيكَ.› ثُمَّ قَامَ وَذَهَبَ إلَى أبِيهِ. «وَبَيْنَمَا كَانَ مَا يَزَالُ بَعِيدًا، رَآهُ أبُوهُ، فَامتَلأ حَنَانًا، وَرَكَضَ إلَيْهِ، وَضَمَّهُ بِذِرَاعَيهِ، وَقَبَّلَهُ. فَقَالَ الاِبْنُ: ‹يَا أبِي، أخْطَأتُ إلَى اللهِ وَإلَيكَ. وَأنَا لَمْ أعُدْ جَدِيرًا بِأنْ أُدعَى ابنًا لَكَ.› «غَيْرَ أنَّ الأبَ قَالَ لِعَبِيدِهِ: ‹هَيَّا! أحضِرُوا أفْضَلَ ثَوبٍ وَألبِسُوهُ إيَّاهُ، وَضَعُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ وَحِذَاءً فِي قَدَمَيهِ. وَأحضِرُوا العِجلَ المُسَمَّنَ، وَاذْبَحُوهُ ودَعُونَا نَأكُلُ وَنَحتَفِلُ! لِأنَّ ابنِي هَذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَادَ إلَى الحَيَاةِ، وَكَانَ ضَالًّا فَوَجَدتُهُ.› فَبَدَأُوا يَبْتَهِجُونَ وَيَحْتَفِلُونَ. «أمَّا الاِبْنُ الأكبَرُ فَكَانَ فِي الحَقْلِ. وَعِنْدَمَا جَاءَ وَاقْتَرَبَ مِنَ البَيْتِ سَمِعَ صَوْتَ مُوسِيقَى وَرَقصٍ. فَدَعَى وَاحِدًا مِنَ الخُدَّامِ وَسَألَهُ عَمَّا يَجْرِي. فَقَالَ لَهُ الخَادِمُ: ‹رَجِعَ أخُوكَ، فَذَبَحَ أبُوكَ العِجلَ المُسَمَّنَ لِأنَّهُ عَادَ سَلِيمًا مُعَافَىً.› «فَغَضِبَ الاِبْنُ الأكبَرُ وَلَمْ يَقْبَلْ أنْ يَدْخُلَ. فَخَرجَ أبُوهُ يَطْلُبُ إلَيْهِ الدُّخُولَ. فَقَالَ لِأبِيهِ: ‹لَقَدْ عَمِلْتُ بِجِدٍّ عِنْدَكَ كُلَّ هَذِهِ السَّنَوَاتِ، وَلَمْ أعْصِ لَكَ أمْرًا. لَكِنَّكَ لَمْ تُعطِنِي حَتَّى جَديًا لِكَي أحتَفِلَ مَعَ أصدِقَائِي! وَعِنْدَمَا جَاءَ ابْنُكَ هَذَا، الَّذِي بَدَّدَ أموَالَكَ عَلَى السَّاقِطَاتِ، ذَبَحتَ العِجلَ المُسَمَّنَ مِنْ أجْلِهِ!› «فَقَالَ لَهُ الأبُ: ‹يَا بُنَيَّ، أنْتَ دَائِمًا مَعِي، وَكُلُّ مَا أملُكُهُ هُوَ لَكَ. لَكِنْ كَانَ لَا بُدَّ أنْ نَحتَفِلَ وَنَفرَحَ، لِأنَّ أخَاكَ هَذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَادَ إلَى الحَيَاةِ، وَكَانَ ضَالًّا فَوُجِدَ.›» وَقَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: «كَانَ لِرَجُلٍ ثَرِيٍّ وَكِيلٌ عَلَى أمْلَاكِهِ. فَاتَّهَمَ بَعْضُ النَّاسِ الوَكِيلَ بِأنَّهُ يُبَدِّدُ أمْلَاكَ سَيِّدِهِ. فَاسْتَدعَاهُ وَقَالَ لَهُ: ‹مَا هَذَا الَّذِي أسمَعُهُ عَنْكَ؟ قَدِّمْ لِي كَشفَ حِسَابٍ بِمَا تُدِيرُهُ، وَاعلَمْ أنَّكَ لَنْ تَكُونَ وَكِيلِي فِيمَا بَعْدُ.› «فَفَكَّرَ الوَكِيلُ فِي نَفْسِهِ: ‹مَاذَا سَأفْعَلُ؟ سَيِّدِي يَنْوِي أنْ يُجَرِّدَنِي مِنْ وَظِيفَتِي، وَأنَا لَسْتُ قَوِيًّا لِأقُومَ بِأعْمَالِ الفِلَاحَةِ، وَأستَحِي أنْ أتَسَوَّلَ. لَقَدْ خَطَرَتْ بِبَالِي فِكرَةٌ مُمتَازَةٌ! سَأفْعَلُ شَيْئًا يَجْعَلُ النَّاسَ يَقْبَلُونَنِي فِي بُيُوتِهِمْ عِنْدَمَا يَعْزِلُنِي سَيِّدِي عَنْ وَظِيفَتِي.› «فَاسْتَدْعَى الوَكِيلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ المَديُونِينَ لِسَيِّدِهِ. وَقَالَ لِلأوَّلِ: ‹بِكَمْ أنْتَ مَديُونٌ لِسَيِّدِي؟› قَالَ: ‹بِمِئَةِ بَرمِيلٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ.› فَقَالَ لَهُ: ‹خُذْ فَاتُورَتَكَ وَاجعَلْهَا خَمْسِينَ.› «وَقَالَ لآخَرَ: ‹وَأنْتَ، كَمْ دَينُكَ؟› فَقَالَ: ‹مِئَةُ كِيسٍ مِنَ القَمْحِ.› فَقَالَ لَهُ: ‹خُذْ فَاتُورَتَكَ وَاجعَلْهَا ثَمَانِينَ.› «فَأثنَى السَّيِّدُ عَلَى الوَكِيلِ غَيْرِ الأمِينِ لِأنَّهُ تَصَرَّفَ بِدَهَاءٍ.» وَأضَافَ يَسُوعُ: «إنَّ أهْلَ هَذَا العَالَمِ أكْثَرُ حِكْمَةً مِنْ أهْلِ النُّورِ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ. «أقُولُ لَكُمْ: اكسَبُوا أصدِقَاءَ لَكُمْ بِثَروَتِكُمْ الدُّنيَوِيَّةِ، فَعِنْدَمَا تَنْفَدُ ثَروَتُكُمْ، يُرَحِّبُونَ بِكُمْ فِي المَنَازِلِ الأبَدِيَّةِ. الأمِينُ فِي القَلِيلِ، أمِينٌ فِي الكَثِيرِ أيْضًا، وَمَنْ يَخُونُ الأمَانَةَ فِي القَلِيلِ يَخُونُهَا فِي الكَثِيرِ. فإنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ عَلَى الثَّروَةِ الدُّنيَوِيَّةِ، فَمَنِ الَّذِي سَيَأْتَمِنُكُمْ عَلَى الحَقِيقِيَّةِ؟ وَإنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَا يَخُصُّ غَيْرَكُمْ، فَمَنِ الَّذِي سَيُعطِيكُمْ مَا يَخُصُّكُمْ؟ «لَا يُمْكِنُ لِخَادِمٍ أنْ يَخْدِمَ سَيِّدَينِ. فَإمَّا أنْ يَكْرَهَ أحَدَهُمَا وَيُحِبَّ الآخَرَ، وَإمَّا أنْ يُخلِصَ لِأحَدِهِمَا وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لَا يُمكِنُكُمْ أنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالغِنَى.» وَلَمَّا سَمِعَ الفِرِّيسِيُّونَ هَذَا كُلَّهُ، استَهْزَأُوا بِهِ لِأنَّهُمْ كَانُوا يُحِبُّونَ المَالَ. فَقَالَ لَهُمْ: «أنْتُمْ تُحَاوِلُونَ أنْ تَظْهَرُوا صَالِحِينَ أمَامَ النَّاسِ، لَكِنَّ اللهَ يَعْرِفُ قُلُوبَكُمْ. وَمَا يَظُنُّهُ النَّاسُ ثَمِينًا جِدًّا، هُوَ بَغِيضٌ عِنْدَ اللهِ.» وَقَالَ أيْضًا: «كَانَتِ الشَّرِيعَةُ وَتَعَالِيمُ الأنْبِيَاءِ هِيَ المُتَاحَةُ إلَى أنْ جَاءَ يُوحَنَّا، وَمُنذُ ذَلِكَ الوَقْتِ، تُذَاعُ بِشَارَةُ مَلَكُوتِ اللهِ، وَالجَمِيعُ يَجْتَهِدُونَ مُتَلَهِّفِينَ عَلَى دُخُولِهِ. غَيْرَ أنَّ زَوَالَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أسهَلُ مِنْ أنْ تُلغَى نُقطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ شَريعَةِ اللهِ. «كُلُّ مَنْ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَيَتَزَوَّجُ بِأُخرَى يَرْتَكِبُ الزِّنَى. وَمَنْ يَتَزَوَّجُ بِامْرَأةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا يَرْتَكِبُ الزِّنَى أيْضًا.» وَقَالَ أيْضًا: «كَانَ فِيمَا مَضَى رَجُلٌ غَنِيٌّ يُحِبُّ أنْ يَلْبَسَ ثِيَابَ الأُرجُوانِ وَالكِتَّانِ الفَاخِرِ، وَيُمَتِّعُ نَفْسَهُ بِحَيَاةِ التَّرَفِ كُلَّ يَوْمٍ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ فَقِيرٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ يَتَمَدَّدُ عِنْدَ بَوَّابَتِهِ، وَقَدْ غَطَّتِ القُرُوحُ جَسَدَهُ. وَكَمِ اشتَهَى أنْ يَشْبَعَ مِنْ فُتَاتِ الطَّعَامِ السَّاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الرَّجُلِ الغَنِيِّ، حَتَّى إنَّ الكِلَابَ كَانَتْ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. «ثُمَّ مَاتَ الفَقِيرُ، فَحَمَلَتْهُ المَلَائِكَةُ وَوَضَعَتْهُ إلَى جَانِبِ إبرَاهِيمَ. وَمَاتَ الغَنِيُّ أيْضًا وَدُفِنَ. فَرَفَعَ الغَنِيُّ بَصَرَهُ وَهُوَ يَتَعَذَّبُ فِي الهَاوِيَةِ، وَرَأى إبرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ، وَلِعَازَرَ إلَى جَانِبِهِ. فَصَرَخَ وَقَالَ: ‹يَا أبِي إبرَاهِيمَ، أشفِقْ عَلَيَّ وَأرسِلْ لِعَازَرَ لِيَضَعَ طَرَفَ إصبِعِهِ فِي المَاءِ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي. فَأنَا مُتَألِّمٌ فِي هَذِهِ النَّارِ!› «فَقَالَ إبرَاهِيمُ: ‹يَا ابنِي، تَذَكَّرْ أنَّكَ أثْنَاءَ حَيَاتِكَ عَلَى الأرْضِ نِلتَ نَصِيبَكَ مِنَ الخَيْرَاتِ، وَأنَّ لِعَازَرَ نَالَ نَصِيبَهُ مِنَ الشَّدَائِدِ. لَكِنَّهُ الآنَ يَتَعَزَّى وَأنْتَ تَتَألَّمُ. وَقَدْ ثُبِّتَتْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. فَحَتَّى الَّذِينَ يَرْغَبُونَ فِي العُبُورِ مِنْ هُنَا إلَيكُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ. كَمَا لَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَعْبُرَ إلَينَا مِنْ هُنَاكَ.› «فَقَالَ الغَنِيُّ: ‹إذًا أرْجُوكَ يَا أبِي أنْ تُرسِلَ لِعَازَرَ إلَى أهْلِي. فَلِي خَمْسَةُ إخْوَةٍ هُنَاكَ. دَعهُ يُنذِرْهُمْ لِكَيْ لَا يَأْتُوا إلَى مَكَانِ العَذَابِ هَذَا.› «فَقَالَ لَهُ إبرَاهِيمُ: ‹لَدَيهِمْ كُتُبُ مُوسَى وَالأنْبِيَاءِ، فَلْيَسْتَمِعُوا إلَيْهِمْ.› «فَقَالَ الرَّجُلُ الغَنِيُّ: ‹لَا يَكْفِي ذَلِكَ يَا أبِي إبرَاهِيمَ، لَكِنْ إذَا ذَهَبَ إلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الأمْوَاتِ فَسَيَتُوبُونَ.› «فَقَالَ لَهُ إبرَاهِيمُ: ‹إنْ لَمْ يَسْتَمِعُوا إلَى مُوسَى وَالأنْبِيَاءِ، فَلَنْ يَقْتَنِعُوا حَتَّى وَلَوْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ المَوْتِ!›» وَقَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: «لَا مَفَرَّ مِنْ حُدُوثِ العَثَرَاتِ، لَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الإنْسَانِ الَّذِي تَأْتِي العَثَرَاتُ بِسَبَبِهِ! سَيَكُونُ أفْضَلَ لَهُ لَوْ أنَّ حَجَرَ الرَّحَى وُضِعَ حَوْلَ رَقَبَتِهِ، وَأُلقِيَ بِهِ فِي البَحْرِ، مِنْ أنْ يُوقِعَ أحَدَ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ فِي الخَطِيَّةِ. فَانتَبِهُوا لِأنفُسِكُمْ! «إذَا أسَاءَ أخُوكَ، فَوَبِّخْهُ، وَإذَا اعتَذَرَ سَامِحْهُ. وَإذَا أخطَأ إلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَعَادَ إلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ مُعتَذِرًا، فَسَامِحْهُ.» وَقَالَ الرُّسُلُ للِرَّبِّ: «قَوِّ إيمَانَنَا.» فَقَالَ الرَّبُّ: «لَوْ كَانَ إيمَانُكُمْ فِي حَجمِ بِذْرَةِ الخَردَلِ، لأمكَنَكُمْ أنْ تَأْمُرُوا شَجَرَةَ التُّوتِ هَذِهِ فَتَقُولُوا لَهَا: ‹انقَلِعِي وَانزَرِعِي فِي البَحْرِ،› فَتُطِيعَكُمْ.» وَقَالَ: «لِنَفتَرِضْ أنَّ لِوَاحِدٍ مِنْكُمْ عَبْدًا يَحْرُثُ أوْ يَرْعَى الخِرَافَ، فَهَلْ يَقُولُ لِهَذَا العَبدِ حِينَ يَأتِي مِنَ الحَقْلِ: ‹تَعَالَ بِسُرعَةٍ وَاجلِسْ لِتَأْكُلَ›؟ ألَا يَقُولُ لَهُ بِالأحْرَى: ‹جَهِّزْ لِي عَشَائِي، وَالبِسْ ثِيَابَ الخِدْمَةِ وَاخْدِمْنِي بَيْنَمَا آكُلُ وَأشرَبُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُكَ أنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ›؟ وَهَلْ يَكُونُ مَدِينًا لِخَادِمِهِ بِالشُّكْرِ عَلَى تَنْفِيذِ أوَامِرِهِ؟ فَهَكَذَا أنْتُمْ أيْضًا، بَعْدَ أنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، قُولُوا: ‹نَحْنُ خُدَّامٌ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ، لِأنَّنَا لَمْ نَفعَلْ غَيْرَ وَاجِبِنَا.›» وَمَرَّ يَسُوعُ فِي طَرِيقِهِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ بِمِنطَقَةٍ مُحَاذِيَةٍ لِلسَّامِرَةِ وَالجَلِيلِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَدْخُلُ إحْدَى القُرَى، لَاقَاهُ عَشْرَةُ رِجَالٍ مُصَابِينَ بِالبَرَصِ. فَوَقَفُوا بَعِيدًا. وَنَادُوا بِصَوْتٍ عَالٍ: «يَا يَسُوعُ، يَا سَيِّدُ، أشفِقْ عَلَيْنَا!» فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ لَهُمْ: «اذْهَبُوا وَأرُوا أنْفُسَكُمْ لِلكَهَنَةِ.» وَفِيمَا كَانُوا ذَاهِبِينَ تَطَهَّرُوا مِنَ البَرَصِ. فَرَجِعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عِنْدَمَا رَأى أنَّهُ شُفِيَ، وَحَمَدَ اللهَ بِصَوْتٍ مَسمُوعٍ. وَارتَمَى عَلَى الأرْضِ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ قَدَمَيِّ يَسُوعَ وَشَكَرَهُ. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ سَامِرِيًّا. فَقَالَ يَسُوعُ: «ألَمْ يُشفَ العَشْرَةُ كُلُّهُمْ؟ فَأينَ هُمُ التِّسعَةُ البَاقُونَ؟ ألَمْ يَرْجِعْ أحَدٌ مِنْهُمْ لِيَحْمِدَ اللهَ سِوَى هَذَا الغَرِيبِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمْ وَاذْهَبْ. إيمَانُكَ قَدْ طَهَّرَكَ.» وَسَألَهُ الفِرِّيسِيُّونَ: «مَتَى سَيَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ؟» فَأجَابَهُمْ: «لَا يَأتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِطَرِيقَةٍ مَنظُورَةٍ. فَلَا يُقَالُ إنَّهُ هُنَا أوْ هُنَاكَ! لِأنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يَكُونُ فِيكُمْ.» ثُمَّ قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: «سَيَأْتِي وَقْتٌ تَشتَاقُونَ فِيهِ أنْ تَرَوْا وَلَوْ يَومًا مِنْ أيَّامِ ابنِ الإنْسَانِ حِينَ يَأتِي فِي مَجْدِهِ، لَكِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا. وَسَيَقُولُ النَّاسُ لَكُمْ: ‹انْظُرُوا هُنَاكَ!› أوْ: ‹انْظُرُوا هُنَا!› فَلَا تَذْهَبُوا وَلَا تَتْبَعُوهُمْ.» «لِأنَّهُ كَمَا يُومِضُ البَرْقُ وَيُضِيءُ السَّمَاءَ مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ، هَكَذَا سَيَكُونُ ابْنُ الإنْسَانِ فِي يَوْمِهِ. لَكِنْ لَا بُدَّ أوَّلًا أنْ يَتَألَّمَ كَثِيرًا، وَلَا بُدَّ أنْ يَرْفُضَهُ أهْلُ هَذَا الجِيلِ. «وَكَمَا كَانَ الحَالُ فِي أيَّامِ نُوحٍ، هَكَذَا سَيَكُونُ الحَالُ عِنْدَمَا يَأتِي ابْنُ الإنْسَانِ، إذْ كَانَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجونَ بَنَاتِهِمْ حَتَّى ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ السَّفِينَةَ، ثُمَّ جَاءَ الفَيَضَانُ وَأهْلَكَهُمْ جَمِيعًا. «وَسَيَكُونُ الحَالُ أيْضًا كَمَا كَانَ فِي أيَّامِ لُوطٍ، إذْ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ وَيَبْنُونَ. لَكِنْ يَوْمَ خَرَجَ لُوطٌ مِنَ المَدِينَةِ، أمطَرَتِ السَّمَاءُ نَارًا وَكِبرِيتًا وَأهْلَكَتْهُمْ جَمِيعًا. هَكَذَا سَيَكُونُ الحَالُ عِنْدَمَا يُظهَرُ ابْنُ الإنْسَانِ. «فَإنْ كَانَ أحَدٌ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَى سَطْحِ بَيْتِهِ، فَلَا يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ أمتِعَتَهُ. وَإنْ كَانَ أحَدٌ فِي الحَقْلِ، فَلَا يَرْجِعْ إلَى قَريَتِهِ. تَذَكَّرُوا زَوْجَةَ لُوطٍ. كُلُّ مَنْ يُحَاوِلُ أنْ يَحْفَظَ حَيَاتَهُ سَيَخْسَرُهَا، وَكُلُّ مَنْ يَخْسَرُ حَيَاتَهُ يَحْفَظُهَا. «أقُولُ لَكُمْ: إنَّهُ سَيَكُونُ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ اثْنَانِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ، فَيُؤخَذُ وَاحِدٌ وَيُترَكُ الآخَرُ. وَتَكُونُ امْرَأتَانِ تَطْحَنَانِ الحُبُوبَ مَعًا، فَتُؤخَذُ وَاحِدَةٌ وَتُترَكُ الأُخرَى. وَيَكُونُ رَجُلَانِ فِي حَقْلٍ وَاحِدٍ، فَيؤخَذُ أحَدُهُمَا وَيُتْرَكُ الآخَرُ.» فَسَألَهُ تَلَامِيذُهُ: «أيْنَ سَيَحْدُثُ هَذَا يَا رَبُّ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «حَيْثُمَا تَجِدُونَ الجُثَّةَ تَجِدُونَ النُّسُورَ أيْضًا.» وَرَوَى لَهُمْ مَثَلًا لِيُعَلِّمَهُمْ كَيْفَ يَنْبَغِي أنْ يُصَلُّوا دَائِمًا وَلَا يَتَوَقَّفُوا عَنِ الصَّلَاةِ. قَالَ: «كَانَ فِي مَدِينَةٍ مَا قَاضٍ لَا يَخَافُ اللهَ وَلَا يُقِيمُ اعتِبَارًا لِلنَّاسِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ أرمَلَةٌ فِي تِلْكَ المَدِينَةِ، ظَلَّتْ تَأْتِي إلَيْهِ وَتَقُولُ: ‹خُذْ لِي حَقِّي مِنْ خَصمِي!› وَلَمْ يَرْضَ أنْ يَفْعَلَ هَذَا لِفَترَةٍ مِنَ الزَّمَنِ. غَيْرَ أنَّهُ قَالَ لِنَفْسِهِ فِي نِهَايَةِ الأمْرِ: ‹صَحِيحٌ أنِّي لَا أخَافُ اللهَ وَلَا أُقِيمُ اعتِبَارًا لِلنَّاسِ. لَكِنَّ هَذِهِ الأرمَلَةَ تُزعِجُنِي دَائِمًا، لِذَلِكَ سَأحَلُّ مُشكِلَتَهَا لِئَلَّا تأتِيَ إلَيَّ وَتُرهِقَنِي.›» ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ: «لَاحِظُوا مَا قَالَهُ القَاضِي الشِّرِّيرُ. أفَلَا يَعْمَلُ اللهُ عَلَى إنصَافِ النَّاسِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، وَالَّذِينَ يَسْتَنْجِدُونَ بِهِ لَيلَ نَهَارَ؟ أوْ هَلْ يَتَأخَّرُ عَنْ عَونِهِم؟ أقُولُ لَكُمْ إنَّهُ سَيُنصِفُهُمْ سَرِيعًا. لَكِنْ حِينَ يَأتِي ابْنُ الإنْسَانِ، ألَعَلَّهُ سَيَجِدُ إيمَانًا عَلَى الأرْضِ؟» كَمَا رَوَى يَسُوعُ المَثَلَ التَّالِيَ لِلَّذِينَ كَانُوا مُقتَنِعينَ بِأنَّهُمْ صَالِحُونَ وَيَحْتَقِرُونَ الآخَرِينَ: «ذَهَبَ اثْنَانِ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ لِكَي يُصَلِّيَا. كَانَ أحَدُهُمَا فِرِّيسِيًّا، وَالآخَرُ جَامِعَ ضَرَائِبَ. فَوَقَفَ الفِرِّيسِيُّ وَصَلَّى عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ: ‹أشكُرُكَ يَا اللهُ لِأنِّي لَسْتُ مِثْلَ الآخَرِينَ، اللُّصُوصِ وَالغَشَّاشِينَ وَالزُّنَاةِ، وَلَا مِثْلَ جَامِعِ الضَّرَائِبِ هَذَا. فَأنَا أصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسبُوعِ، وَأُعْطِي عُشرًا مِنْ كُلِّ مَا أكسِبُهُ.› «أمَّا جَامِعُ الضَّرَائِبِ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، وَلَمْ يَجْرُؤْ عَلَى أنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ إلَى السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدرِهِ وَقَالَ: ‹ارحَمنِي يَا اللهُ، فَأنَا إنْسَانٌ خَاطِئٌ!› أقُولُ لَكُمْ، إنَّ جَامِعَ الضَّرَائِبِ هَذَا، قَدْ عَادَ إلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا أمَامَ اللهِ، أمَّا الفِرِّيسِيُّ فَذَهَبَ كَمَا أتَى. لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يُذَلُّ، وَكُلُّ مَنْ يَتَوَاضَعُ يُرفَعُ.» وَأحضَرَ النَّاسُ أطْفَالَهُمْ إلَى يَسُوعَ لِكَي يَلْمِسَهُمْ. وَحِينَمَا رَأى تَلَامِيذُهُ ذَلِكَ، وَبَّخُوا أُولَئِكَ النَّاسَ! أمَّا يَسُوعُ فَدَعَا الأطْفَالَ إلَيْهِ وَقَالَ: «دَعُوا الأطْفَالَ يَأْتُونَ إلَيَّ، وَلَا تَمْنَعُوهُمْ عَنِّي، لِأنَّ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ مَلَكُوتَ اللهِ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّ مَنْ لَا يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ كَطِفلٍ، لَنْ يَدْخُلَهُ.» وَسَألَهُ أحَدُ قَادَةِ اليَهُودِ: «أيُّهَا المُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا يَنْبَغِي عَلَيَّ أنْ أفعَلَ لِكَي أنَالَ الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ أتَعْرِفُ أنَّهُ لَا صَالِحَ إلَّا اللهُ؟ أنْتَ تَعْرِفُ الوَصَايَا: ‹لَا تَزْنِ، لَا تَقْتُلْ، لَا تَسْرِقْ، لَا تَشْهَدْ زورًا، أكْرِمْ أبَاكَ وَأُمَّكَ.›» فَقَالَ لَهُ: «أنَا أُطِيعُ كُلَّ هَذِهِ مُنْذُ صِبَايَ.» فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ هَذَا قَالَ لَهُ: «يَنْقُصُكَ شَيءٌ وَاحِدٌ بَعْدُ، بِعْ كُلَّ مَا تَمْلُكُ وَوَزِّعِ المَالَ عَلَى الفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنزٌ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَعَالَ وَاتبَعْنِي.» فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا حَزِنَ كَثِيرًا، لِأنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا. فَلَمَّا رَأى يَسُوعُ أنَّهُ ذَهَبَ حَزِينًا قَالَ: «مَا أصعَبَ أنْ يَدْخُلَ أصْحَابُ الأموَالِ مَلَكُوتَ اللهِ! أنْ يَمُرَّ جَمَلٌ مِنْ ثُقبِ إبرَةٍ، أيسَرُ مِنْ أنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ مَلَكُوتَ اللهِ.» فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ هَذَا قَالُوا: «فَمَنْ يُمْكِنُ أنْ يَخْلُصَ إذًا؟» قَالَ يَسُوعُ: «مَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عِنْدَ النَّاسِ مُمْكِنٌ عِنْدَ اللهِ.» ثُمَّ قَالَ بُطرُسُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكنَا كُلَّ مَا كَانَ لَنَا لِكَي نَتبَعَكَ!» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، مَنْ تَرَكَ بَيْتًا أوْ زَوْجَةً أوْ إخْوَةً أوْ أبَوَينِ أوْ أبْنَاءً مِنْ أجْلِ مَلَكُوتِ اللهِ، سَيُعَوَّضُ بِأضعَافٍ كَثِيرَةٍ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ. وَسَيَحيَا فِي الحَيَاةِ الآتِيَةِ مَعَ اللهِ إلَى الأبَدِ.» وَاخْتَلَى يَسُوعُ بِالِاثنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: «هَا نَحْنُ ذَاهِبُونَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، وَسَيَتَحَقَّقُ كُلُّ مَا كَتَبَهُ الأنْبِيَاءُ عَنِ ابْنِ الإنْسَانِ. سَيُسَلَّمُ إلَى غَيْرِ المُؤمِنِينَ، فَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، وَيُسِيئُونَ إلَيْهِ، وَيَبْصِقُونَ عَلَيْهِ. سَيَجْلِدُونَهُ وَيَقْتُلُونَهُ، لَكِنَّهُ سَيَقُومُ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ مِنَ المَوْتِ.» لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا، إذْ كَانَ مَعنَى مَا قَالَهُ مُخفَىً عَنْهُمْ، فَلَمْ يَعْرِفُوا عَمَّا كَانَ يَتَكَلَّمُ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يَقْتَرِبُ مِنْ أرِيحَا، كَانَ رَجُلٌ أعْمَى يَجْلِسُ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ يَسْتَجْدِي. فَلَمَّا سَمِعَ الأعمَى صَوْتَ الجُمهُورِ المَارِّ، سَألَ عَمَّا كَانَ يَجْرِي. فَأخبَرُوهُ أنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ مَارٌّ مِنْ هُنَاكَ. فَصَرَخَ: «يَا يَسُوعُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارحَمنِي!» فَوَبَّخَهُ النَّاسُ الَّذِينَ كَانُوا فِي مُقَدِّمَةِ الجَمعِ وَأمَرُوهُ بِأنْ يَسْكُتَ، لَكِنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ أكْثَرَ: «يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارحَمنِي!» فَتَوَقَّفَ يَسُوعُ وَأمَرَ بِإحضَارِ الرَّجُلِ إلَيْهِ. فَلَمَّا اقْتَرَبَ الرَّجُلُ، سَألَهُ يَسُوعُ: «مَاذَا تُرِيدُنِي أنْ أفعَلَ مِنْ أجْلِكَ؟» فَأجَابَ: «يَا سَيِّدُ، أُرِيدُ أنْ أرَى.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «استَرْجِعْ بَصَرَكَ. لَقَدْ شَفَاكَ إيمَانُكَ.» فَاسْتَعَادَ الرَّجُلُ بَصَرَهُ فَوْرًا، وَتَبِعَ يَسُوعَ مُمَجِّدًا اللهَ. وَرَأى كُلُّ النَّاسِ مَا حَدَثَ، فَسَبَّحُوا اللهَ. وَدَخَلَ يَسُوعُ أرِيحَا وَرَاحَ يَمْشِي فِيهَا. فَجَاءَ رَجُلٌ اسْمُهُ زَكَّا، وهُوَ رَجُلٌ غَنيٌّ مِنْ كِبَارِ جَامِعِي الضَّرَائِبِ، وَأرَادَ أنْ يَرَى مَنْ يَكُونُ يَسُوعُ. لَكِنَّهُ عَجِزَ عَنْ رُؤيَتِهِ بِسَبَبِ الحَشدِ، لِأنَّهُ قَصِيرُ القَامَةِ. فَرَكَضَ وَسَبَقَ الجَمِيعَ، وَتَسَلَّقَ شَجَرَةَ جُمِّيزٍ رَاجِيًا أنْ يَرَى يَسُوعَ الَّذِي كَانَ سَيَمُرُّ مِنْ ذَلِكَ المَكَانِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ يَسُوعُ إلَى المَكَانِ، رَفَعَ بَصَرَهُ وَقَالَ لَهُ: «يَا زَكَّا، عَجِّلْ بِالنُّزُولِ، لِأنَّهُ لَا بُدَّ أنْ أمْكُثَ اليَوْمَ فِي بَيْتِكَ.» فَنَزَلَ بِسُرعَةٍ وَاستَضَافَهُ فِي بَيْتِهِ فَرِحًا. فَلَمَّا رَأى النَّاسُ ذَلِكَ، بَدَأُوا يَتَذَمَّرُونَ وَيَقُولُونَ: «لَقَدْ ذَهَبَ لِيَحِلَّ ضَيفًا عَلَى إنْسَانٍ خَاطِئٍ.» أمَّا زَكَّا فَقَدْ وَقَفَ وَقَالَ لِلرَّبِّ: «يَا رَبُّ! هَا أنَا سَأُعْطِي نِصفَ مَا أمْلُكُهُ لِلفُقَرَاءِ. وَإنْ كُنْتُ قَدِ ظَلَمْتُ أحَدًا، فَإنِّي سَأُعَوِّضُهُ بِأرْبَعَةِ أضعَافٍ.» فَقَالَ يَسُوعُ: «اليَوْمَ جَاءَ الخَلَاصُ إلَى هَذَا البَيْتِ. فَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ أيْضًا ابنٌ لإبرَاهِيمَ. لِأنَّ ابْنَ الإنْسَانِ جَاءَ لِكَي يَجِدَ الضَّائِعِينَ فَيُخَلِّصَهُمْ.» وَبَيْنَمَا كَانَ النَّاسُ يَسْتَمِعُونَ إلَى هَذِهِ الأُمُورِ، رَوَى لَهُمْ يَسوعُ مَثَلًا لِأنَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ، وَظَنَّ النَّاسُ أنَّهُ سَيُعلِنُ قِيَامَ مَلَكُوتِ اللهِ عَلَى الفورِ! فَقَالَ لَهُمْ: «ذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ أصلٍ كَرِيمٍ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ لِكَي يُتَوَّجَ مَلِكًا ثُمَّ يَعُودُ. فَدَعَا خُدَّامَهُ العَشْرَةَ وَأعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِطعَةً ذَهَبِيَّةً وَقَالَ لَهُمْ: ‹تَاجِرُوا بِهَا إلَى أنْ أعُودَ.› لَكِنَّ أهْلَ بِلَادِهِ كَانُوا يُبغِضُونَهُ، فَأرسَلُوا وَفدًا بَعْدَهُ لِيَقُولَ: ‹لَا نُرِيدُ أنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا عَلَيْنَا!› «إلَّا أنَّهُ تُوِّجَ مَلِكًا وَعَادَ إلَى وَطَنِهِ. ثُمَّ استَدْعَى خُدَّامَهُ الَّذِينَ أعطَاهُمُ المَالَ لِيَعْرِفَ مِقدَارَ الرِّبحِ الَّذِي حَقَّقُوهُ. فَجَاءَ الأوَّلُ وَقَالَ: ‹يَا سَيِّدُ، لَقَدْ رَبِحَتْ قِطعَتُكَ الذَّهَبِيَّةُ عَشْرَ قِطَعٍ أُخْرَى.› فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: ‹أحسَنتَ أيُّهَا العَبدُ الصَّالِحُ. كُنْتَ أمِينًا فِي أمرٍ صَغِيرٍ، لِهَذَا سَأُعَيِّنُكَ وَالِيًا عَلَى عَشْرِ مُدُنٍ.› «ثُمَّ جَاءَ الخَادِمُ الثَّانِي وَقَالَ: ‹يَا سَيِّدُ، لَقَدْ رَبِحَتْ قِطعَتُكَ الذَّهَبِيَّةُ خَمْسَ قِطَعٍ أُخْرَى.› فَقَالَ لِهَذَا الخَادِمِ: ‹سَأُعَيِّنُكَ وَالِيًا عَلَى خَمسِ مُدُنٍ.› «ثُمَّ جَاءَ خَادِمٌ آخَرُ وَقَالَ: ‹يَا سَيِّدُ، خُذْ قِطعَتَكَ الذَّهَبِيَّةَ. لَقَدْ حَفِظتُهَا فِي مِندِيلٍ. فَأنَا كُنْتُ أخشَاكَ، لِأنَّكَ إنْسَانٌ قَاسٍ، تَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَكَ، وَتَحْصُدُ مَا لَمْ تَبْذُرْ.› «فَقَالَ السَّيِّدُ لَهُ: ‹بِكَلَامِكَ سَأحْكُمُ عَلَيْكَ أيُّهَا الخَادِمُ الشِّرِّيرُ. أنْتَ تَقُولُ إنَّكَ عَرَفْتَ أنِّي إنْسَانٌ قَاسٍ، آخُذُ مَا لَيْسَ لِي، وَأحصُدُ مَا لَمْ أبذُرْ. فَلِمَاذَا لَمْ تَضَعْ مَالِي فِي المَصرِفِ، فَأسْتَرِدَّهُ مَعَ الفَائِدَةِ مَتَى عُدْتُ؟› وَقَالَ لِلوَاقِفِينَ عَلَى مَقرُبَةٍ مِنْهُ: ‹خُذُوا قِطعَتَهُ الذَّهَبِيَّةَ مِنْهُ، وَأعْطُوهَا لِصَاحِبِ القِطَعِ الذَّهَبِيَّةِ العَشرَةِ.› «فَقَالُوا لَهُ: ‹يَا سَيِّدُ، لَدَيهِ عَشرُ قِطَعٍ ذَهَبِيَّةٍ.› «فَأجَابَ السَّيِّدُ: ‹أقُولُ لَكُمْ، سَيُعطَى المَزِيدُ لِمَنْ يَمْلِكُ، أمَّا الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، فَسَيُنتَزَعُ مِنْهُ حَتَّى مَا يَمْلِكُهُ. أمَّا أعْدَائِي الَّذِينَ لَمْ يَرْضَوْا بِأنْ أكُونَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، فَأحضِرُوهُمْ إلَى هُنَا، وَاذبَحُوهُمْ أمَامِي.›» وَبَعْدَ أنْ قَالَ يَسُوعُ هَذَا الكَلَامَ تَابَعَ طَرِيقَهُ مُتَوَجِّهًا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَاقْتَرَبَ مِنْ بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنيَا عِنْدَ التَّلَّةِ الَّتِي تُدعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ. فَأرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا: «اذهَبَا إلَى القَريَةِ الَّتِي أمَامَكُمَا. وَعِنْدَمَا تَدْخُلَانِهَا، سَتَجِدَانِ حِمَارًا صَغِيرًا مَربُوطًا لَمْ يَرْكَبْهُ أحَدٌ مِنْ قَبْلُ، فَحُلَّاهُ وَأحضِرَاهُ إلَى هُنَا. وَإذَا سَألَكُمْ أحَدٌ: ‹لِمَاذَا تَحُلَّانِهِ؟› قُولَا: ‹الرَّبُّ يَحتَاجُ إلَيْهِ.›» فَذَهَبَ التِّلمِيذَانِ وَوَجَدَا كُلَّ شَيءٍ كَمَا قَالَ لَهُمَا يَسُوعُ. وَفيمَا هُمَا يَحُلَّانِ الحِمَارَ، سَألَهُمَا أصْحَابُهُ: «لِمَاذَا تَحُلَّانِهِ؟» فَقَالَا: «الرَّبُّ يَحتَاجُ إلَيْهِ.» فَجَاءَا بِهِ إلَى يَسُوعَ، وَوَضَعَا رِدَاءَيهِمَا عَلَيْهِ، وَأركَبَا يَسُوعَ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ مُجتَازًا، أخَذَ النَّاسُ يَفْرِشُونَ أردِيَتَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ. وَاقْتَرَبَ مِنْ مُنحَدَرِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ. حينَئِذٍ ابْتَدَأتْ حُشُودُ أتبَاعِهِ كُلِّهِمْ يُسَبِّحُونَ اللهَ بِفَرَحٍ بِأصوَاتٍ عَالِيَةٍ مِنْ أجْلِ كُلِّ المُعجِزَاتِ الَّتِي رَأَوْهَا. فَسَبَّحُوا وَقَالُوا: «‹مُبَارَكٌ المَلِكُ الَّذِي يَأتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!› «فِي السَّمَاءِ سَلَامٌ، وَالمَجْدُ للهِ فِي الأعَالِي!» فَقَالَ بَعْضُ الفِرِّيسِيِّينَ الَّذِينَ فِي جُمُوعِ النَّاسِ لِيَسُوعَ: «يَا مُعَلِّمُ، وَبِّخْ تَلَامِيذَكَ!» فَأجَابَ: «أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنْ سَكَتُوا هُمْ، فَسَتَصْرُخُ الحِجَارَةُ!» وَعِنْدَمَا اقْتَرَبَ يَسُوعُ، رَأى المَدِينَةَ فَبَكَى عَلَيْهَا. وَقَالَ: «لَيتَكِ اليَوْمَ تَعْرِفِينَ مَصدَرَ سَلَامِكِ، لَكِنَّ ذَلِكَ مَخفِيٌّ عَنْ عَيْنَيْكِ الآنَ. سَتَأْتِي عَلَيْكِ أيَّامٌ، يَبْنِي فِيهَا أعْدَاؤُكِ الحَوَاجِزَ حَولَكِ. سَيُحَاصِرُونَكِ وَيَضْغَطُونَ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ. سَيُدَمِّرُونَكِ أنْتِ وَأهْلَكِ، وَلَنْ يَتْرُكُوا حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ دَاخِلَ أسوَارِكِ، لِأنَّكِ لَمْ تُدرِكِي وَقْتَ مَجِيءِ اللهِ إلَيكِ لِكَي يُخَلِّصَكِ.» وَدَخَلَ يَسُوعُ سَاحَةَ الهَيْكَلِ، وَبَدَأ يَطْرُدُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ هُنَاكَ. وَقَالَ: «مَكْتُوبٌ: ‹بَيْتِي بَيْتُ صَلَاةٍ،› لَكِنَّكُمْ حَوَّلتُمُوهُ إلَى ‹وَكْرِ لُصُوصٍ!›» وَكَانَ يَسُوعُ يُعَلِّمُ كُلَّ يَوْمٍ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ، فيمَا كَانَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَقَادَةُ الشَّعْبِ يَبْحَثُونَ عَنْ طَرِيقَةٍ يَقْتُلُونَهُ بِهَا. غَيْرَ أنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، فَقَدْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ مُتَعَلِّقِينَ بِكَلَامِهِ. وَكَانَ يَسُوعُ يُعَلِّمُ النَّاسَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ وَيُعلِنُ بِشَارَتَهُ. فَاجتَمَعَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ مَعَ الشُّيُوخِ وَجَاءُوا إلَيْهِ، وَقَالُوا: «أخبِرنَا بِأيِّ سُلطَانٍ تَفْعَلُ هَذِهِ الأشْيَاءَ، وَمَنِ الَّذِي أعطَاكَ هَذَا السُّلطَانَ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «وَسَأسألُكُمْ أنَا أيْضًا فَأجِيبُونِي: هَلْ كَانَتْ مَعمُودِيَّةُ يُوحَنَّا بِسُلطَانٍ مِنَ اللهِ، أمْ بِسُلطُانٍ مِنَ النَّاسِ؟» فَنَاقَشُوا الأمْرَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «إنْ قُلنَا مِنَ السَّمَاءِ سَيَقُولُ: ‹فَلِمَاذَا لَمْ تُصَدِّقُوهُ؟› وَإنْ قُلْنَا مِنَ النَّاسِ، فَسَيَرْجُمُنَا كُلُّ النَّاسِ لِأنَّهُمْ مُقتَنِعُونَ بِأنَّ يُوحَنَّا كَانَ نَبِيًّا.» فَقَالُوا إنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَصدَرَ مَعمُودِيَّةِ يُوحَنَّا. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «وَلَا أنَا أُخبِرُكُمْ بِأيِّ سُلطَانٍ أفْعَلُ هَذِهِ الأُمُورَ.» ثُمَّ رَاحَ يَسُوعُ يَرْوِي لِلنَّاسِ هَذَا المَثَلَ: «غَرَسَ رَجُلٌ كَرْمًا. ثُمَّ أجَّرَهُ لِبَعْضِ الفَلَّاحِينَ وَسَافَرَ بَعِيدًا مُدَّةً طَوِيلَةً. وَجَاءَ وَقْتُ الحَصَادِ. فَأرْسَلَ خَادِمًا إلَى الفَلَّاحِينَ لِكَي يُعطُوهُ شَيْئًا مِنْ نَتَاجِ الكَرْمِ. لَكِنَّ الفَلَّاحِينَ ضَرَبُوهُ وَصَرَفُوهُ فَارِغَ اليَدَينِ. فَأرْسَلَ أيْضًا خَادِمًا آخَرَ، لَكِنَّهُمْ ضَرَبُوا هَذَا أيْضًا، وَعَامَلُوهُ مُعَامَلةً مُخزِيَةً، وَصَرَفُوهُ فَارِغَ اليَدَينِ. فَأرْسَلَ أيْضًا خَادِمًا ثَالِثًا، لَكِنَّهُمْ جَرَّحُوا هَذَا أيْضًا وَطَرَدُوهُ خَارِجًا. «فَقَالَ صَاحِبُ الكَرْمِ: ‹مَاذَا عَسَايَ أفْعَلُ؟ سَأُرْسِلُ ابنِي حَبِيبِي نَفْسَهُ. فَرُبَّمَا يَحْتَرِمُونَهُ.› لَكِنْ عِنْدَمَا رَأى الفَلَّاحُونَ الابْنَ، تَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: ‹هَذَا هُوَ الوَرِيثُ، فَلنَقتُلْهُ لِكَي نَسْتوليَ عَلَى المِيرَاثِ.› فَألقَوْهُ خَارِجَ الكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. فَمَاذَا تَظُنُّونَ أنَّ صَاحِبَ الكَرْمِ سَيَفْعَلُ بِهِمْ؟ سَيَأْتِي وَيَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الفَلَّاحِينَ، وَيُعطِي الكَرْمَ لِغَيرِهِمْ.» فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا قَالُوا: «حَاشَا! لَا يَكُونُ هَذَا أبَدًا!» لَكِنَّ يَسُوعَ نَظَرَ إلَيْهِمْ وَقَالَ: «إذًا مَا مَعنَى هَذَا القَولِ المَكْتُوبِ: ‹الحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ البَنَّاؤُونَ، هُوَ الَّذِي صَارَ حَجَرَ الأسَاسِ›؟ فَكُلُّ مَنْ يَسْقُطُ عَلَى هَذَا الحَجَرِ يَنْكَسِرُ، وَكُلُّ مَنْ وَقَعَ الحَجَرُ عَلَيْهِ يُسحَقُ!» وَكَانَ مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَكِبَارُ الكَهَنَةِ يَبْحَثُونَ عَنْ طَرِيقَةٍ يَقْبِضُونَ عَلَيْهِ بِهَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، لِأنَّهُمْ عَرَفُوا أنَّهُ كَانَ يَقْصِدُهُمْ بِالمَثَلِ الَّذِي رَوَاهُ، لَكِنَّهُمْ خَافُوا مِنَ النَّاسِ. فَأخَذُوا يُرَاقِبُونَهُ مُرَاقَبَةً دَقِيقَةً. وَأرسَلُوا إلَيْهِ جَوَاسِيسَ يَتَظَاهَرُونَ بِأنَّهُمْ أتقِيَاءُ، بَيْنَمَا كَانُوا يُخَطِّطُونَ لَاصطِيَادِهِ فِي شَيءٍ يَقُولُهُ، لِكَي يَتَمَكَّنُوا مِنْ إخضَاعِهِ لِسُلطَةِ الوَالِي فَيُحَاكِمَهُ. فَسَألَهُ الجَوَاسِيسُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّكَ تَقُولُ وَتُعَلِّمُ الحَقَّ، وَأنَّكَ لَا تَتَحَيَّزُ لِأحَدٍ، بَلْ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِكُلِّ صِدقٍ. فَقُلْ لَنَا، هَلْ يَتَوَافَقُ مَعَ الشَّرِيعَةِ أنْ نَدْفَعَ ضَرِيبَةً للِقَيصَرِ أمْ لَا؟» فَأدرَكَ يَسُوعُ نَوَايَاهُمُ الشِّرِيرَةَ وَقَالَ: «أرُونِي دِينَارًا. مَنْ صَاحِبُ الرَسْمِ وَالاسْمِ المَنقُوشَينِ عَلَى هَذَا الدِّينَارِ؟» قَالُوا: «القَيصَرُ.» فَقَالَ لَهُمْ: «إذًا أعطُوا القَيصَرَ مَا يَخُصُّهُ، وَأعطُوا اللهَ مَا يَخُصُّهُ.» فَعَجِزُوا عَنِ اصطِيَادِهِ فِي كَلَامِهِ أمَامَ النَّاسِ، وَذُهِلُوا مِنْ رَدِّهِ، وَسَكَتُوا. وَجَاءَ بَعْضُ الصَّدُّوقِيِّينَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ لَا تُوجَدُ قِيَامَةٌ، وَسَألُوهُ: «يَا مُعَلِّمُ، كَتَبَ مُوسَى لَنَا: ‹إنْ كَانَ لِأحَدٍ أخٌ مُتَزَوِّجٌ، وَمَاتَ ذَلِكَ الأخُ وَلَمْ يُنجِبْ أبْنَاءً، فَإنَّ عَلَى أخِيهِ أنْ يَتَزَوَّجَ أرمَلَتَهُ وَيُنجِبَ وَلَدًا يُنسَبُ لِأخِيهِ.› فَكَانَ هُنَاكَ سَبعَةُ إخْوَةٍ. تَزَوَّجَ الأوَّلُ امْرأةً وَمَاتَ مِنْ دُونِ أنْ يُنجِبَ. فَتَزَوَّجَهَا الأخُ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثُ. وَكَذَلِكَ الأمْرُ مَعَ الإخوَةِ السَّبعَةِ، إذْ مَاتُوا وَلَمْ يُنجِبُوا أبْنَاءً. ثُمَّ مَاتَتِ المَرْأةُ أيْضًا. فَلِمَنْ مِنَ الإخوَةِ السَّبعَةِ تَكُونُ هَذِهِ المَرْأةُ زَوْجَةً يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَدْ تَزَوَّجَ السَّبْعَةُ مِنْهَا.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «النَّاسُ فِي هَذَا العَالَمِ يَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ بَنَاتِهِمْ، أمَّا الَّذِينَ يَعْتَبِرُهُمُ اللهُ جَدِيرِينَ بِأنْ يَشْتَرِكُوا فِي العَالَمِ الآتِي وَفِي القِيَامَةِ مِنَ المَوْتِ، فَلَا يَتَزَوَّجُونَ وَلَا يُزَوِّجُونَ. وَكَالمَلَائِكَةِ، لَا يُمْكِنُ أنْ يَمُوتُوا فِيمَا بَعْدُ، بَلْ يَكُونُونَ أبْنَاءَ اللهِ، لِأنَّهُمْ قَامُوا مِنَ المَوْتِ. وَقَدْ بَيَّنَ مُوسَى فِي حَادِثَةِ الشُّجَيرَةِ المُشتَعِلَةِ أنَّ اللهَ يُقِيمُ مِنَ المَوْتِ. فَقَدْ دُعِيَ الرَّبُّ ‹إلَهَ إبرَاهِيمَ وَإلَهَ إسْحَاقَ وَإلَهَ يَعْقُوبَ.› وَلَيْسَ اللهُ إلَهَ أمْوَاتٍ، بَلْ إلَهُ أحْيَاءٍ، وَمِنهُ يَنَالُ الجَمِيعُ حَيَاةً.» فَقَالَ بَعْضُ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ: «أحسَنتَ الرَّدَّ يَا مُعَلِّمُ!» وَلَمْ يَجْرُؤْ أحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يَسألَهُ مَزِيدًا مِنَ الأسئِلَةِ. وَقَالَ لَهُمْ أيْضًا: «كَيْفَ يَقُولُونَ إنَّ المَسِيحَ هُوَ ابْنُ دَاوُدَ؟ فَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَقُولُ فِي كِتَابِ المَزَامِيرِ: ‹قَالَ الرَّبُّ لِسَيِّدِي: اجلِسْ عَنْ يَمِينِي إلَى أنْ أجعَلَ أعْدَاءَكَ مِسنَدًا لِقَدَمَيكَ.› وَهَكَذَا فَإنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُو المَسِيحَ سَيِّدًا، فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلمَسِيحِ أنْ يَكُونَ ابنَهُ؟» وَبَيْنَمَا كَانَ كُلُّ الشَّعْبِ يَسْمَعُونَ، وَجَّهَ يَسُوعُ حَدِيثَهُ إلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ: «احذَرُوا مِنْ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ. فَهُمْ يُحِبُّونَ أنْ يَتَجَوَّلُوا وَهُمْ يَلْبَسُونَ ثِيَابًا فَاخِرَةً. يُحِبُّونَ أنْ يُحَيِّيَهُمُ النَّاسُ فِي الأسوَاقِ تَحِيَّةَ الاحْتِرَامِ. وَيُحِبُّونَ المَقَاعِدَ الأُولَى فِي المَجَامِعِ، وَيَجْلِسُونَ فِي أفْضَلِ الأمَاكِنِ فِي الوَلَائِمِ. يَحتَالُونَ عَلَى الأرَامِلِ وَيَسْرِقُونَ بُيُوتَهُنَّ. وَيُصَلُّونَ صَلَوَاتٍ طَوِيلَةً مِنْ أجْلِ لَفتِ الأنظَارِ، لِذَلِكَ سَيَنَالُونَ عِقَابًا أشَدَّ.» وَنَظَرَ يَسُوعُ فَرَأى الأغنِيَاءَ يَضَعُونَ عَطَايَاهُمْ فِي صُندُوقِ التَّبَرُّعَاتِ فِي الهَيْكَلِ، وَرَأى أرمَلَةً فَقِيرَةً تَضَعُ فِلْسَينِ فِي الصُّندُوقِ. فَقَالَ: «أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنَّ هَذِهِ الأرمَلَةَ الفَقِيرَةَ وَضَعَتْ فِي الصُّندُوقِ أكْثَرَ مِنْ كُلِّ الآخَرِينَ. فَكُلُّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ قَدَّمُوا مِمَّا يَسْتَطِيعُونَ الاسْتِغنَاءَ عَنْهُ، أمَّا هِيَ فَقَدْ قَدَّمَتْ مَا تَحتَاجُ إليهِ، بَلْ كُلَّ مَا تَعتَاشُ عَلَيْهِ.» وَكَانَ بَعْضُ تَلَامِيذِهِ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ أبنِيَةِ الهَيْكَلِ، وَكَيْفَ هِيَ مُزَيَّنَةٌ بِحِجَارَةٍ جَمِيلَةٍ وَتَقْدِمَاتٍ للهِ. فَقَالَ يَسُوعُ: «سَيَأْتِي وَقْتٌ لَا يَبْقَى فِيهِ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ مِنْ هَذِهِ الَّتِي تَرَوْنَهَا، إذْ سَتُهدَمُ كُلُّهَا.» فَسَألُوهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَتَى سَتَحْدُثُ هَذِهِ الأُمُورُ؟ وَمَا هِيَ العَلَامَةُ الَّتِي سَتَدُلُّ عَلَى قُربِ حُدُوثِهَا؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «انتَبِهُوا لِئَلَّا تَنْخَدِعُوا. سَيَأْتِي كَثِيرُونَ وَيَنْتَحِلُونَ اسْمِي، فَيَقُولُونَ: ‹أنَا هُوَ.› وَيَقُولُونَ: ‹إنَّ الوَقْتَ قَرِيبٌ.› فَلَا تَتْبَعُوهُمْ! وَعِنْدَمَا تَسْمَعُونَ بِأخْبَارِ الحُرُوبِ وَالثَّورَاتِ، لَا تَخَافُوا. فَلَا بُدَّ أنْ تَحْدُثَ هَذِهِ الأشْيَاءُ أوَّلًا، لَكِنَّ نِهَايَةَ العَالَمِ لَنْ تَتْبَعَهَا فَوْرًا.» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «سَتَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَملَكَةٌ عَلَى مَملَكَةٍ. سَتَحْدُثُ زَلَازِلُ مُدَمِّرَةٌ وَمَجَاعَاتٌ وَأوبِئَةٌ فِي أمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ. وَسَتَقَعُ أحْدَاثٌ مُخِيفَةٌ، وَتَظْهَرُ عَلَامَاتٌ عَظِيمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ. «لَكِنَّهُمْ سَيَقْبِضُونَ عَلَيْكُمْ وَيَضْطَهِدُونَكُمْ قَبْلَ هَذِهِ الأحْدَاثِ كُلِّهَا. وَسَيُسَلِّمُونَكُمْ إلَى المَجَامِعِ لِتُحَاكَمُوا وَإلَى السُّجُونِ. وَسَيَجُرُّونَكُمْ أمَامَ مُلُوكٍ وَحُكَّامٍ بِسَبَبِ اسْمِي، فَتَكُونُ لَكُمْ فُرصَةٌ لِتَشْهَدُوا عَنِّي. فَضَعُوا فِي قُلُوبِكُمْ أنْ لَا تَهْتَمُّوا مُسْبَقًا كَيْفَ سَتُدَافِعُونَ عَنْ أنْفُسِكُمْ، فَأنَا سَأُعْطِيكُمْ كَلَامَ حِكمَةٍ يَعْجَزُ خُصُومُكُمْ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ. وَسَيَخُونُكُمْ وَالِدُوكُمْ وَإخوَتُكُمْ وَأقَارِبُكُمْ وَأصْحَابُكُمْ، وَسَيَقْتُلُونَ بَعْضًا مِنْكُمْ. وَسَيُبغِضُكُمُ الجَمِيعُ مِنْ أجْلِ اسْمِي. لَكِنْ لَنْ تَضِيعَ شَعرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ رُؤُسِكُمْ. وَبِثَبَاتِكُمْ تَحْفَظُونَ نُفُوسَكُمْ.» «وَعِنْدَمَا تَرَوْنَ مَدِينَةَ القُدْسِ مُحَاطَةً بِالجُيُوشِ، اعلَمُوا أنَّ دَمَارَهَا قَرِيبٌ. حينَئِذٍ يَنْبَغِي أنْ يَهْرُبَ الَّذِينَ فِي إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ إلَى الجِبَالِ. وَلْيَخْرُجْ مِنَ المَدِينَةِ مَنْ فِيهَا، وَلَا يَدْخُلُ أهْلُ الرِّيفِ إلَى المَدِينَةِ. لِأنَّ تِلْكَ الأيَّامَ سَتَكُونُ أيَّامَ عِقَابٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ. وَمَا أعسَرَ أحوَالَ الحَوَامِلِ وَالمُرضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأيَّامِ، لِأنَّهُ سَيَكُونُ ضِيقٌ هَائِلٌ فِي الأرْضِ! سَيَنْزِلُ غَضَبُ اللهِ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. سَيَسْقُطُونَ بِحَدِّ السَّيفِ، وَسَيُسَاقُونَ أسرَى إلَى كُلِّ البِلَادِ. وَسَتَدُوسُ الأُمَمُ الغَريبَةُ مَدِينَةَ القُدْسِ، إلَى أنْ تَكْتَمِلَ الأزمِنَةُ المُحَدَّدَةُ لَهُمْ.» «سَتَظْهَرُ عَلَامَاتٌ غَرِيبَةٌ فِي الشَّمْسِ وَالقَمَرِ وَالنُّجُومِ. وَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى الأرْضِ يَائِسِينَ مُحتَارِينَ مِنْ ضَجِيجِ البَحْرِ وَهَيَجَانِهِ. وَسَيُغمَى عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ خَوفِهِمْ وَتَوَقُّعِهِمْ لِمَا سَيُصِيبُ العَالَمَ، لِأنَّ الأجرَامَ السَّمَاوِيَّةَ سَتُزَعزَعُ. حينَئِذٍ سَيَرَوْنَ ابْنَ الإنْسَانِ قَادِمًا فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجدٍ عَظِيمٍ. فَمَتَى بَدَأتْ هَذِهِ الأحْدَاثُ، قِفُوا وَارْفَعُوا رُؤوسَكُمْ، لِأنَّ وَقْتَ فِدَائِكُمْ يَقْتَرِبُ.» وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ هَذَا المَثَلَ: «انْظُرُوا إلَى شَجَرَةِ التِّينِ وَكُلِّ الأشْجَارِ الأُخرَى. فَعِنْدَمَا تَبْدَأُ أورَاقُهَا بِالظُّهُورِ، تُلَاحِظُونَ ذَلِكَ وَتَعْرِفُونَ أنَّ الصَّيفَ قَدِ اقْتَرَبَ. هَكَذَا أيْضًا عِنْدَمَا تَرَوْنَ هَذِهِ الأشْيَاءَ، سَتَعْرِفُونَ أنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَرِيبٌ. «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: لَنْ يَنْقَضِيَ هَذَا الجِيلُ إلَى أنْ تَحْدُثَ كُلُّ هَذِهِ الأشْيَاءِ. تَزُولُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ، أمَّا كَلَامِي فَلَنْ يَزُولَ أبَدًا.» «فَانتَبِهُوا لِأنفُسِكُمْ لِئَلَّا تَتَبَلَّدَ أذهَانُكُمْ بِسَبَبِ سَهَرَاتِ الخَمْرِ وبِسَبَبِ السُّكْرِ وَهُمُومِ الحَيَاةِ. انتَبِهُوا لِئَلَّا يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ اليَوْمُ فَجْأةً كَفَخٍّ. وَهُوَ سَيَأْتِي فِعلًا كَفَخٍّ عَلَى كُلِّ السَّاكِنِينَ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ. فَكُونُوا مُتَيَقِّظِينَ عَلَى الدَّوَامِ، وَصَلُّوا لِتَقْدِرُوا أنْ تَنْجُوا مِنْ كُلِّ هَذِهِ الأحْدَاثِ القَادِمَةِ، وَلِكَي تَقِفُوا أمَامَ ابنِ الإنْسَانِ.» وَكَانَ يَسُوعُ يُعَلِّمُ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ فِي النَّهَارِ، أمَّا فِي المَسَاءِ فَكَانَ يَخْرُجُ لِيَقْضِيَ اللَّيلَةَ عَلَى التَّلَّةِ الَّتِي تُدعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ. وَكَانَ كُلُّ النَّاسِ يَنْهَضُونَ بَاكِرًا فِي الصَّبَاحِ لِيَذْهَبُوا إلَيْهِ وَيَسْمَعُوهُ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ. وَكَانَ قَدِ اقْتَرَبَ عِيدُ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ الَّذِي يُطلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ عِيدِ الفِصْحِ أيْضًا. وَكَانَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ يَبْحَثُونَ عَنْ طَرِيقَةٍ غَيْرِ عَلَنِيَّةٍ لِقَتْلِ يَسُوعَ، لِأنَّهُمْ كَانُوا يَخْشَونَ النَّاسَ. أمَّا يَهُوذَا الإسْخَريُوطِيُّ، الَّذِي كَانَ وَاحِدًا مِنَ «الِاثنَيْ عَشَرَ،» فَقَدْ دَخَلَ فِيهِ الشَّيْطَانُ. فَذَهَبَ وَتَحَدَّثَ إلَى كِبَارِ الكَهَنَةِ وَحُرَّاسِ الهَيْكَلِ عَنْ كَيفِيَّةِ تَسْلِيمِ يَسُوعَ إلَيْهِمْ. فَسُرُّوا كَثِيرًا، وَوَافَقُوا عَلَى أنْ يُعطُوهُ مَالًا. فَقَبِلَ وَبَدَأ يَنْتَظِرُ الفُرصَةَ المُنَاسِبَةَ لِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِمْ بَعيدًا عَنْ أنظَارِ النَّاسِ. وَجَاءَ عِيدُ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ الَّذِي يُضَحَّى فِيهِ بِحِملَانِ الفِصْحِ. فَأرْسَلَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَقَالَ لَهُمَا: «اذهَبَا وَأعِدَّا عَشَاءَ الفِصْحِ لَنَا لِكَي نَأكُلَ.» فَسَألَاهُ: «أيْنَ نُعِدُّهُ؟» فَقَالَ لَهُمَا: «عِنْدَمَا تَدْخُلَانِ المَدِينَةَ، سَتَلْقَيَانِ رَجُلًا يَحْمِلُ إبرِيقَ مَاءٍ، فَاتبَعَاهُ إلَى البَيْتِ الَّذِي يَدْخُلُهُ. وَقُولَا لِصَاحِبِ البَيْتِ: ‹يَقُولُ لَكَ المُعَلِّمُ: أيْنَ هِيَ غُرفَةُ الضُّيُوفِ الَّتِي سَأتَنَاوَلُ فِيهَا عَشَاءَ الفِصْحِ مَعَ تَلَامِيذِي؟› فَسَيُرِيكُمَا ذَلِكَ الرَّجُلُ غُرفَةً عُلوِيَّةً وَاسِعَةً مَفرُوشَةً، فَأعِدَّا الفِصحَ هُنَاكَ.» فَذَهَبَا وَوَجَدَا كُلَّ شَيءٍ كَمَا سَبَقَ أنْ أخبَرَهُمَا يَسُوعُ، فَأعَدَّا عَشَاءَ الفِصْحِ. وَلَمَّا حَانَ الوَقْتُ، أخَذَ يَسُوعُ مَكَانَهُ إلَى المَائِدَةِ وَمَعَهُ الرُّسُلُ. وَقَالَ لَهُمْ: «كَمِ اشتَهَيتُ أنْ أتَنَاوَلَ عَشَاءَ الفِصْحِ مَعَكُمْ قَبْلَ أنْ أمُوتَ. لِأنِّي أقُولُ لَكُمْ إنِّي لَنْ أتَنَاوَلَهُ ثَانِيَةً إلَى أنْ يَكْتَمِلَ مَعْنَاهُ فِي مَلَكُوتِ اللهِ.» ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأسَ نَبِيذٍ وَشَكَرَ اللهَ، وَقَالَ: «خُذُوا هَذِهِ الكَأسَ وَاشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ. فَأنَا أقُولُ لَكُمْ لَنْ أشرَبَ هَذَا النَّبِيذَ إلَى أنْ يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ.» ثُمَّ أخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ اللهَ، وَقَسَّمَهُ وَأعْطَاهُمْ إيَّاهُ وَقَالَ: «هَذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبذَلُ مِنْ أجْلِكُمْ. اعمَلُوا هَذَا تَذكَارًا لِي.» وَعَادَ فَتَنَاوَلَ كَأسَ النَّبِيذِ بَعدَمَا تَعَشَّوْا وَقَالَ: «هَذِهِ الكَأسُ هِيَ كَأسُ العَهْدِ الجَدِيدِ الَّذِي يُقْطَعُ بِدَمِي الَّذِي سَيُسفَكُ مِنْ أجْلِكُمْ. «لَكِنْ هَا هُوَ الَّذِي يَخُونُنِي يَأْكُلُ مَعِي عَلَى المَائِدَةِ نَفْسِهَا. فَإنَّ ابْنَ الإنْسَانِ مَاضٍ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي أعَدَّهُ اللهُ، لَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَخُونُهُ.» وَرَاحُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «مَنْ سَيَفْعَلُ هَذَا يَا تُرَىْ؟» كَمَا ثَارَ بَيْنَهُمْ جِدَالٌ حَوْلَ أيُّهُمْ يُعتَبَرُ الأعْظَمَ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «إنَّ مُلُوكَ الأُمَمِ يَتَسَيَّدُونَ عَلَى شُعُوبِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ يُدْعَونَ ‹مُحْسِنِينَ!› أمَّا أنْتُمْ فَلَا يَنْبَغِي أنْ تَكُونُوا كَذَلِكَ، بَلْ لِيَكُنِ الأعْظَمُ فِيكُمُ الأصغَرَ، وَلْيَكُنِ القَائِدُ بَيْنَكُمْ خَادِمًا. فَمَنْ أعْظَمُ: مَنْ يَجْلِسُ إلَى المَائِدَةِ أمْ مَنْ يَخْدِمُ؟ ألَيْسَ مَنْ يَجْلِسُ إلَى المَائِدَةِ؟ غَيْرَ أنِّي بَيْنَكُمْ كَمَنْ يَخْدِمُ. «لَكِنَّكُمْ أنْتُمْ وَقَفتُمْ مَعِي فِي تَجَارِبِي. لِهَذَا سَأُعْطِيكُمْ سُلطَانَ المُلُوكِ كَمَا أعطَانِي أبِي. وَبِهَذَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي، وَتَجْلِسُونَ عَلَى عُرُوشٍ لِتَحْكُمُوا عَلَى قَبَائِلِ بَنِي إسْرَائِيلَ الاثنَتَي عَشْرَةَ.» «يَا سِمْعَانُ يَا سِمْعَانُ، لَقَدِ اسْتَأْذَنَ الشَّيْطَانُ بِأنْ يُغَربِلَكُمْ كَمَا تُغَربَلُ الحُبُوبُ. لَكِنَّنِي صَلَّيتُ مِنْ أجْلِكَ لِكَيْ لَا تَفْقِدَ إيمَانَكَ، فبَعدَ أنْ تَعُودَ إلَيَّ، قَوِّ إخْوَتَكَ.» لَكِنَّ بُطْرُسَ قَالَ لَهُ: «يَا رَبُّ، أنَا مُسْتَعِدُّ أنْ أذهَبَ مَعَكَ حَتَّى إلَى السِّجْنِ وَإلَى المَوْتِ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا بُطرُسُ، لَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ اليَوْمَ قَبْلَ أنْ تُنكِرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أنَّكَ تَعْرِفُنِي.» وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: «تَذَكَّرُوا أنِّي أرسَلتُكُمْ دُونَ مِحفَظَةٍ أوْ حَقِيبَةٍ أوْ حِذَاءٍ، فَهَلْ نَقَصَ عَلَيْكُمْ شَيءٌ؟» فَقَالُوا: «لَا.» قَالَ لَهُمْ: أمَّا الآنَ، فَمَنْ يَمْلِكُ مِحفَظَةً فَلْيَحْمِلْهَا، وَيَحْمِلْ مَعَهَا حَقِيبَةً أيْضًا، وَمَنْ لَا يَمْلِكُ سَيْفًا فَلْيَبِعْ رِدَاءَهُ وَليَشْتَرِ سَيْفًا. لِأنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّ الكَلِمَةَ القَائِلَةَ: ‹وَحُسِبَ مَعَ المُجْرِمِينَ،› لَا بُدَّ أنْ تَتَحَقَّقَ. نَعَمْ، إنَّ هَذَا الكَلَامَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِي، يَتِمُّ الآنَ.» فَقَالُوا: «انْظُرْ يَا سَيِّدُ، لَدَيْنَا سَيفَانِ،» فَقَالَ لَهُمْ: «يَكْفِي!» ثُمَّ انطَلَقَ وَذَهَبَ كَالمُعتَادِ إلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَتَبِعَهُ تَلَامِيذُهُ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ إلَى المَكَانِ قَالَ لَهُمْ: «صَلُّوا لِكَي لَا تُجَرَّبُوا.» وَابْتَعَدَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَميَةِ حَجَرٍ، ثُمَّ ركَعَ وَصَلَّى: «يَا أبِي، إنْ أرَدْتَ، أبعِدْ هَذِهِ الكَأسَ عَنِّي، لَكِنْ لِيَكُنْ مَا تُرِيدُهُ أنْتَ، لَا مَا أُرِيدُهُ أنَا.» ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَلَاكٌ مِنَ السَّمَاءِ وَكَانَ يُقَوِّيهِ. وَإذْ كَانَ فِي ألَمٍ عَمِيقٍ، صَلَّى بِإلحَاحٍ أكبَرَ. وَبَدَأ عَرَقُهُ يَتَصَبَّبُ عَلَى الأرْضِ كَقَطَرَاتِ دَمٍ. وَنَهَضَ مِنْ صَلَاتِهِ وَجَاءَ إلَى تَلَامِيذِهِ، فَوَجَدَهُمْ نَائِمِينَ بَعْدَ أنْ أنهَكَهُمُ الحُزنُ. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا أنْتُمْ نَائِمُونَ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِكَي لَا تُجَرَّبُوا.» وَبَيْنَمَا كَانَ مَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ ظَهَرَ جَمعٌ مِنَ النَّاسِ يَقُودُهُمْ يَهُوذَا، وَهُوَ أحَدُ «الِاثنَيْ عَشَرَ.» فَاقْتَرَبَ يَهُوذَا مِنْ يَسُوعَ لِكَي يُقَبِّلَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا يَهُوذَا، أتَخُونُ ابْنَ الإنْسَانِ بِقُبلَةٍ؟» وَلَمَّا رَأى الَّذِينَ حَوْلَهُ مَا كَانَ يُوشِكُ أنْ يَحْصُلَ، قَالُوا: «يَا رَبُّ، أنُهَاجِمُهُمْ بِسُيُوفِنَا؟» وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبدَ رَئيسِ الكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذُنَهُ اليُمْنَى. فَقَالَ يَسُوعُ: «تَوَقَّفْ! كَفَى!» وَلَمَسَ أُذُنَ الخَادِمِ فَشَفَاهَا. ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِكِبَارِ الكَهَنَةِ وَحُرَّاسِ الهَيْكَلِ وَالشُّيُوخِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَيْهِ: «هَلْ خَرَجتُمْ عَلَيَّ بِالسُّيُوفِ وَالهَرَاوَاتِ كَمَا تَخْرُجُونَ عَلَى مُجرِمٍ؟ لَقَدْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ، وَلَمْ تُمسِكُونِي. لَكِنْ هَذِهِ هِيَ سَاعَتُكُمْ. هَذَا هُوَ الوَقْتُ الَّذِي تَمْلُكُ فِيهِ الظُّلمَةُ.» وَقَبَضُوا عَلَيْهِ وَأخَذُوهُ وَجَاءُوا بِهِ إلَى بَيْتِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ. أمَّا بُطرُسُ فَتَبِعَهُمْ مِنْ بَعِيدٍ. وَأشعَلَ الحُرَّاسُ نَارًا فِي وَسَطِ السَّاحَةِ وَجَلَسُوا مَعًا، فَجَلَسَ بُطرُسُ بَيْنَهُمْ. فَرَأتهُ فَتَاةٌ خَادِمَةٌ جَالِسًا هُنَاكَ فِي ضَوْءِ النَّارِ، فَقَالَتْ: «لَقَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَعَهُ أيْضًا.» لَكِنَّ بُطْرُسَ أنكَرَ وَقَالَ: «أنَا لَا أعرِفُهُ يَا امْرأةُ!» وَبَعْدَ قَلِيلٍ رَآهُ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: «أنْتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ.» فَقَالَ بُطرُسُ: «لَسْتُ كَذَلِكَ يَا رَجُلُ!» وَبَعْدَ سَاعَةٍ تَقْرِيبًا، أصَرَّ رَجُلٌ آخَرُ مُؤَكِّدًا: «لَا شَكَّ أنَّ هَذَا كَانَ مَعَهُ أيْضًا، فَهُوَ جَلِيلِيٌّ.» لَكِنَّ بُطْرُسَ قَالَ: «أنَا لَا أدرِي عَمَّ تَتَحَدَّثُ يَا رَجُلُ!» وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، وَبَيْنَمَا كَانَ مَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ، صَاحَ الدِّيكُ، فَالتَفَتَ الرَّبُّ وَنَظَرَ إلَى بُطْرُسَ. فَتَذَكَّرَ بُطرُسُ حينَئِذٍ قَولَ الرَّبِّ لَهُ: «سَتُنكِرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ اليَوْمَ.» فَخَرَجَ وَبَكَى بِمَرَارَةٍ شَدِيدَةٍ. وَبَدَأ الرِّجَالُ الَّذِينَ يَحْرُسُونَ يَسُوعَ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَيَضْرِبُونَهُ. وَغَطَّوْا عَيْنَيْهِ وَبَدَأُوا يَسألُونَهُ: «مَا دُمتَ نَبِيًّا، اعْرِفْ مَنِ الَّذِي ضَرَبَكَ؟» وَقَالُوا أشْيَاءَ أُخْرَى كَثِيرَةً لإهَانَتِهِ. وَعِنْدَمَا جَاءَ النَّهَارُ، اجتَمَعَ شُيُوخُ الشَّعْبِ وَكِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمِو الشَّرِيعَةِ، وَاستَدْعَوْا يَسُوعَ إلَى اجتِمَاعِهِمْ وَقَالُوا لَهُ: «إنْ كُنْتَ المَسِيحَ، فَأخبِرنَا.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «إذَا أخبَرْتُكُمْ، فَإنَّكُمْ تَرْفُضُونَ أنْ تُصَدِّقُونِي. وَإذَا سَألتُكُمْ فَإنَّكُمْ تَرْفُضُونَ أنْ تُجِيبُونِي. لَكِنْ مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا سَيَكُونُ ابْنُ الإنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ عَرْشِ اللهِ.» فَقَالُوا لَهُ جَمِيعًا: «فَهَلْ أنْتَ ابْنُ اللهِ إذًا؟» فَأجَابَهُمْ: «لَقَدْ قُلْتُمُوهَا بِأنفُسِكُمْ، إنِّي كَذَلِكَ.» فَقَالُوا: «هَلْ نَحتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى مَزِيدٍ مِنَ الشُّهُودِ؟ لَقَدْ سَمِعْنَا بِأنفُسِنَا مِنْ فَمِهِ.» فَقَامَتِ الجَمَاعَةُ كُلُّهَا، وَأخَذُوهُ إلَى بِيلَاطُسَ. وَبَدَأُوا يُوَجِّهُونَ إلَيْهِ الاتِّهَامَاتِ وَيَقُولُونَ: «أمسَكْنَا بِهِ وَهُوَ يُضَلِّلُ شَعْبَنَا. إنَّهُ يُعَارِضُ دَفْعَ الضَّرَائِبِ إلَى قَيصَرَ، وَيَقُولُ إنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ المَسِيحُ المَلِكُ.» فَسَألَهُ بِيلَاطُسُ: «هَلْ أنْتَ مَلِكُ اليَهُودِ؟» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «هُوَ كَمَا قُلْتَ بِنَفْسِكَ.» فَقَالَ بِيلَاطُسُ لِكِبَارِ الكَهَنَةِ وَجُمُوعِ النَّاسِ: «لَا أجِدُ أسَاسًا لِأيَّةِ إدَانَةٍ لِهَذَا الرَّجُلِ.» لَكِنَّهُمْ أكَّدُوا وَقَالُوا: «إنَّهُ يُهَيِّجُ النَّاسَ فِي كُلِّ إقلِيمِ اليَهُودِيَّةِ بِتَعَالِيمِهِ. لَقَدْ بَدَأ فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ، وَهَا قَدْ وَصَلَ إلَى هُنَا.» فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هَذَا، سَألَ إنْ كَانَ الرَّجُلُ جَلِيلِيًّا. وَعِنْدَمَا عَلِمَ أنَّهُ تَحْتَ نِطَاقِ سُلطَةِ هِيرُودُسَ، أرسَلَهُ إلَى هِيرُودُسَ الَّذِي كَانَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. وَعِنْدَمَا رَأى هِيرُودُسُ يَسُوعَ سُرَّ كَثِيرًا، فَقَدْ سَمِعَ عَنْهُ الكَثِيرَ، وَكَانَ يُرِيدُ أنْ يَرَاهُ مُنْذُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَيَأْمَلُ أنْ يُظْهِرَ أمَامَهُ بُرْهَانًا مُعجِزِيًّا. فَطَرَحَ هِيرُودُسُ عَلَى يَسُوعَ أسئِلَةً كَثِيرَةً، أمَّا يَسُوعَ فَلَمْ يُعطِهِ أيَّ جَوَابٍ. وَكَانَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَاقِفِينَ هُنَاكَ، وَهُمْ يَتَّهِمُونَهُ مَملُوئِينَ غَيظًا. كَمَا عَامَلَ هِيرُودُسُ وَجُنُودُهُ يَسُوعَ بَاحتِقَارٍ، وَسَخِرُوا بِهِ. ثُمَّ وَضَعُوا عَلَيْهِ رِدَاءً فَاخِرًا، وَأرسَلُوهُ ثَانِيَةً إلَى بِيلَاطُسَ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ تَصَالَحَ هِيرُودُسُ وَبِيلَاطُسُ، وَكَانَا قَبْلَ ذَلِكَ عَدُوَّينِ. وَدَعَا بِيلَاطُسُ كِبَارَ الكَهَنَةِ وَالقَادَةَ وَالشَّعْبَ، وَقَالَ لَهُمْ: «لَقَدْ أحضَرتُمْ هَذَا الرَّجُلَ لِأنَّهُ يُحَرِّضُ الشَّعْبَ عَلَى القَادَةِ. وَقَدِ استَجْوَبتُهُ أمَامَكُمْ، فَلَمْ أجِدْ أسَاسًا لِلتُّهَمِ الَّتِي وَجَّهتُمُوهَا إلَيْهِ. وَلَا وَجَدَ هِيرُودُسُ شَيْئًا مِنْ هَذَا أيْضًا لِأنَّهُ أعَادَهُ إلَينَا. وَهُوَ، كَمَا تَرَوْنَ، لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ عُقُوبَةَ المَوْتِ. لِهَذَا سَآمُرُ بِجَلدِهِ ثُمَّ أُطلِقُ سَرَاحَهُ.» إذْ كَانَ يَنْبَغِي أنْ يُطلِقَ بِيلَاطُسُ للنَّاسِ سَجِينًا فِي كُلِّ فِصْحٍ. لَكِنَّهُمْ صَرَخُوا جَمِيعًا مَعًا: «اقتُلْهُ! وَأطلِقْ لَنَا بَارَابَاسَ!» وَكَانَ بَارَابَاسُ قَدْ أُلقِيَ فِي السِّجْنِ بِسَبَبِ تَمَرُّدٍ تَسَبَّبَ فِيهِ فِي المَدِينَةِ، وَلِأنَّهُ قَاتِلٌ. وَتَحَدَّثَ إلَيْهِمْ بِيلَاطُسُ مَرَّةً أُخْرَى، لِأنَّهُ أرَادَ أنْ يُطلِقَ سَرَاحَ يَسُوعَ. لَكِنَّهُمْ وَاصَلُوا الصُّرَاخَ: «اصلِبْهُ! اصلِبْهُ!» فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ مَرَّةً ثَالِثَةً: «لَكِنْ أيَّةَ جَرِيمَةٍ قَدِ ارتَكَبَ هَذَا الرَّجُلُ؟ فَأنَا لَمْ أجِدْ شَيْئًا ضِدَّهُ يَسْتَحِقُّ عُقُوبَةَ المَوْتِ. وَلِهَذَا سَآمُرُ بجَلدِهِ ثُمَّ أُطلِقُ سَرَاحَهُ.» غَيْرَ أنَّهُمْ وَاصَلُوا الصُّرَاخَ بِصَوْتٍ عَالٍ مُطَالِبينَ بِصَلبِهِ. وَانتَصَرَتْ صَرَخَاتُهُمْ فِي نِهَايَةِ الأمْرِ. فَقَرَّرَ بِيلَاطُسُ المُوافَقَةَ عَلَى طَلَبِهِمْ. وَأطلَقَ سَرَاحَ الرَّجُلِ المَسْجُونِ بِسَبَبِ التَّمَرُّدِ المُسَلَّحِ وَالقَتلِ. وَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي اختَارُوهُ. وَسَلَّمَ بِيلَاطُسُ يَسُوعَ لَهُمْ لِكَي يَفْعَلُوا بِهِ مَا يُرِيدُونَ. وَبيَنَمَا كَانُوا مَاضِينَ بِهِ، أمسَكُوا رَجُلًا اسْمُهُ سِمْعَانُ القَيرِينيُّ، وَهُوَ قَادِمٌ مِنَ الحَقُولِ. فَوَضَعُوا الصَّلِيبَ عَلَيْهِ، وَجَعَلُوهُ يَحْمِلُهُ خَلْفَ يسُوعَ. وَكَانَ جَمعٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُهُ، بِمَنْ فِيهِمْ بَعْضُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنَّ يَنُحنَ وَيُوَلوِلنَ عَلَيْهِ. فَالتَفَتَ يَسوعُ إلَيْهِنَّ وَقَالَ: «يَا بَنَاتِ مَدِينَةِ القُدْسِ، لَا تَبْكِينَ عَلَيَّ، بَلِ ابكِينَ عَلَى أنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أبنَائِكُنَّ. إذْ سَتَأْتِي أيَّامٌ يَقُولُ فِيهَا النَّاسُ: ‹هَنِيئًا لِلنِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَا يَحْمِلنَ وَلَمْ يُنْجِبْنَ وَلَمْ يُرْضِعْنَ.› حِينَئِذٍ سَيَقُولُونَ لِلجِبَالِ: ‹اسقُطِي عَلَيْنَا!› وَسَيَقُولُونَ لِلتِّلَالِ: ‹غَطِّينَا.› فَإنْ كَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَ هَكَذَا فِي أيَّامِ الخَيْرِ، فَمَاذَا يَكُونُ الحَالُ فِي الأيَّامِ الصَّعبَةِ؟» وَاقتِيدَ رَجُلَانِ آخَرَانِ مَعَ يَسُوعَ لِيُعدَمَا، وَكَانَا مُجرِمَينِ. وَلَمَّا وَصَلُوا إلَى المَكَانِ الَّذِي يُدْعَى «الجُمجُمَةَ» صَلَبُوهُ مَعَ المُجرِمَينِ، فَصُلِبَ أحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ. ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ: «يَا أبِي، سَامِحْهُمْ لِأنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا يَفْعَلُونَ.» وَاقتَسَمُوا مَلَابِسَهُ بِإلقَاءِ القُرعَةِ. وَوَقَفَ النَّاسُ هُنَاكَ يَتَفَرَّجُونَ. وَسَخِرَ بِهِ القَادَةُ وَقَالُوا: «لَقَدْ خَلَّصَ غَيْرَهُ، فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إنْ كَانَ هُوَ حَقًّا المَسِيحَ مُختَارَ اللهِ.» كَمَا تَقَدَّمَ الجُنُودُ أيْضًا وَاستَهْزَأُوا بِهِ، وَقَدَّمُوا لَهُ خَلَّا مَمْزُوجًا بِخَمرٍ، وَقَالُوا: «إنْ كُنْتَ مَلِكَ اليَهُودِ، خَلِّصْ نَفْسَكَ!» وَكَانَتْ فَوقَهُ لَافِتَةٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: «هَذَا هُوَ مَلِكُ اليَهُودِ.» وَأخَذَ أحَدُ المُجرِمَينِ المُعَلَّقَينِ إلَى جِوَارِهِ يُهِينُهُ وَيَقُولُ: «ألَسْتَ المَسِيحَ؟ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَخَلِّصْنَا مَعَكَ!» لَكِنَّ الآخَرَ وَبَّخَهُ وَقَالَ: «ألَا تَتَّقِي اللهَ؟ فَأنْتَ تَحْتَ العُقُوبَةِ نَفسِهَا، أمَّا عُقُوبَتُنَا فَلَهَا مَا يُبَرِّرُهَا، إذْ أنَّنَا نَنَالُ مَا نَسْتَحِقُّهُ جَزَاءَ مَا فَعَلنَاهُ. أمَّا هَذَا الرَّجُلُ، فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا خَاطِئًا.» ثُمَّ قَالَ: «يَا يَسُوعُ، اذكُرنِي حِينَ تَبْدَأُ مُلكَكَ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكَ، اليَوْمَ سَتَكُونُ مَعِي فِي الفِردَوسِ.» وَكَانَتِ السَّاعَةُ نَحْوَ الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ ظُهرًا. وَخَيَّمَ الظَّلَامُ عَلَى كُلِّ الأرْضِ حَتَّى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهرِ. فَلَمْ تُرسِلِ الشَّمْسُ ضَوْءَهَا طَوَالَ ذَلِكَ الوَقْتِ. وَانشَقَّتْ سِتَارَةُ الهَيْكَلِ إلَى نِصفَينِ. وَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَالٍ: «يَا أبِي، ‹أستَوْدِعُ رُوحِي بَيْنَ يَدَيْكَ.›» وَلَمَّا قَالَ هَذَا أسلَمَ الرُّوحَ. وَرَأى الضَّابِطُ الرُّومَانِيُّ مَا حَدَثَ، فَسَبَّحَ اللهَ، وَقَالَ: «لَا رَيبَ فِي أنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ بَرِيئًا.» وَرَأى كُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ تَجَمهَرُوا الأشْيَاءَ الَّتِي حَصَلَتْ، فَمَضُوا وَهُمْ يَقْرَعُونَ عَلَى صُدُورِهِمْ. أمَّا كُلُّ الَّذِينَ عَرَفُوهُ، فَقَدْ وَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ يُرَاقِبُونَ كُلَّ مَا يَحْدُثُ. وَكَانَ مِنْ بَينِهِمُ النِّسَاءُ اللَّوَاتِي تَبِعنَهُ مِنَ الجَلِيلِ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ اسْمُهُ يُوسُفُ، وَهُوَ عُضوٌ فِي المَجلِسِ اليَهُودِيِّ، إلَّا أنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَّفِقُ مَعَهُمْ فِي مَا قَرَّرُوهُ وَفَعَلُوهُ. كَانَ يُوسُفُ مِنْ بَلْدَةِ الرَّامَةِ الَّتِي فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ، وَكَانَ يَتَشَوَّقُ إلَى أنْ يَبْدَأ مُلْكُ اللهِ. فَذَهَبَ إلَى بِيلَاطُسَ وَطَلَبَ مِنْهُ جَسَدَ يَسُوعَ. فَأنزَلَهُ عَنِ الصَّلِيبِ وَلَفَّهُ بِكِتَّانٍ، ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبرٍ مَنحُوتٍ فِي الصَّخرِ، لَمْ يَكُنْ قَدْ وُضِعَ أحَدٌ فِيهِ مِنْ قَبْلُ. حَدَثَ ذَلِكَ يَوْمَ الاسْتِعدَادِ للسَّبتِ الَّذِي كَانَ وَشِيكًا. أمَّا النَّسَاءُ اللَّوَاتِي كُنَّ قَدْ أتَيْنَ مَعَ يَسُوعَ مِنَ الجَلِيلِ، فَقَدْ تَبِعْنَ يُوسُفَ، وَرَأينَ القَبرَ، وَكَيْفَ وُضِعَ الجَسَدُ فِيهِ. ثُمَّ عُدنَ وَأعدَدْنَ عُطُورًا وَزُيُوتًا خَاصَّةً لِجَسَدِ المَسِيحِ. وَفِي السَّبْتِ استَرَحنَ حَسَبَ وَصِيَّةِ الشَّرِيعَةِ. وَفِي أوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أيَّامِ الأُسبُوعِ، جَاءَتِ النِّسَاءُ مُبَكِّرَاتٍ جِدًّا إلَى القَبْرِ، وَحَمَلْنَ مَعَهُنَّ العُطُورَ وَالزُّيُوتَ الَّتِي أعدَدْنَهَا. فَوَجَدنَ أنَّ الحَجَرَ قَدْ دُحرِجَ عَنْ بَابِ القَبْرِ. فَدَخَلْنَ، لَكِنَّهُنَّ لَمْ يَجِدنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَبَيْنَمَا كُنَّ مُتَحَيِّرَاتٍ جِدًّا فِي مَا حَدَثَ، ظَهَرَ فَجْأةً رَجُلَانِ فِي ثِيَابٍ لَامِعَةٍ وَوَقَفَا أمَامَهُنَّ. فَتَمَلَّكَهُنَّ الخَوفُ وَحَنَينَ رُؤُوسَهُنَّ. فَقَالَ لَهُنَّ الرَّجُلَانِ: «لِمَاذَا تَبْحَثنَ عَنِ الحَيِّ بَيْنَ الأمْوَاتِ؟ لَيْسَ هُوَ هُنَا، بَلْ قَامَ! اذْكُرْنَ مَا قَالَهُ لَكُنَّ عِنْدَمَا كَانَ فِي الجَلِيلِ. قَالَ إنَّهُ لَا بُدَّ أنْ يُوضَعَ ابْنُ الإنْسَانِ تَحْتَ سَيطَرَةِ الخُطَاةِ، ثُمَّ يُصلَبَ وَيَقومَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ.» حينَئِذٍ، تَذَكَّرَتِ النِّسَاءُ كَلَامَ يَسُوعَ. فَعُدنَ مِنَ القَبْرِ، وَأخبَرنَ الأحَدَ عَشَرَ رَسُولًا وَكُلَّ الآخَرِينَ بِمَا حَدَثَ. وَالنِّسَاءُ هُنَّ مَريَمُ المَجْدَلِيَّةُ وَيُوَنَّا وَمَريَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ. فَذَهَبْنَ مَعَ النِّسَاءِ الأُخرَيَاتِ، وَأخبَرنَ الرُّسُلَ بِهَذِهِ الأُمُورِ. فَبَدَا كَلَامَهُنَّ لَهُمْ تَخْرِيفًا، فَلَمْ يُصَدِّقُوهُنَّ! لَكِنَّ بُطْرُسَ نَهَضَ وَرَكَضَ إلَى القَبْرِ. وَلَمَّا وَصَلَ، انحَنَى، لَكِنَّهُ لَمْ يَرَ غَيْرَ الأكفَانِ. ثُمَّ مَضَى مُتَفَكِّرًا فِي مَا حَدَثَ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ نَفْسِهِ، كَانَ اثْنَانِ مِنْ تَلَامِيذِ يَسُوعَ ذَاهِبَينِ إلَى قَريَةٍ تَبْعُدُ نَحْوَ سَبْعَةِ أمْيَالٍ عَنْ مَدِينَةِ القُدْسِ، اسْمُهَا عِموَاسُ. وَكَانَا يَتَحَادَثَانِ عَنْ كُلِّ الأُمُورِ الَّتِي حَدَثَتْ. وَبَيْنَمَا كَانَا يَتَكَلَّمَانِ وَيُنَاقِشَانِ هَذِهِ الأُمُورَ، اقْتَرَبَ يَسُوعُ نَفْسُهُ مِنهُمَا وَسَارَ مَعَهُمَا، لَكِنَّ أعيُنَهُمَا مُنِعَتَا مِنَ التَّعَرُّفِ إلَيْهِ. فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هِيَ هَذِهِ الأُمُورُ الَّتِي تَتَنَاقَشَانِ فِيهَا وَأنْتُمَا سَائِرَانِ؟» فَتَوَقَّفَا، وَعَبَسَ وَجْهَاهُمَا. وَقَالَ لَهُ أحَدُهُمَا وَاسْمُهُ كِلْيُوبَاسُ: «لَا بُدَّ أنَّكَ الشَّخصُ الوَحِيدُ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ الَّذِي لَا يَدْرِي بِالأُمُورِ الَّتِي حَدَثَتْ فِي الأيَّامِ القَلِيلَةِ المَاضِيَةِ!» فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «أيَّةُ أُمُورٍ؟» فَقَالَا لَهُ: «الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيَّ. لَقَدْ كَانَ رَجُلًا بَيَّنَ أنَّهُ نَبِيٌّ عَظِيمٌ أمَامَ اللهِ وَالنَّاسِ فِي أعْمَالِهِ وَأقْوَالِهِ. وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ كَيْفَ أنَّ كِبَارَ كَهَنَتِنَا وَحُكَّامِنَا أسلَمُوهُ لِيُحكَمَ عَلَيْهِ بِالمَوْتِ، ثُمَّ صَلَبُوهُ. وَقَدْ كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَأمَلُ أنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي سَيُحَرِّرُ بَنِي إسْرَائِيلَ. «وَالْآنَ هَا قَدْ مَضَى عَلَى حُدُوثِ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أيَّامٍ. وَقَدْ أذهَلَتْنَا بَعْضُ النِّسَاءِ فِي جَمَاعَتِنَا بِمَا قُلْنَهُ. فَقَدْ ذَهَبنَ إلَى القَبْرِ فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ مِنَ الصَّبَاحِ، لَكِنَّهُنَّ لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ، وَجِئْنَ وَأخبَرْنَنَا أنَّهُنَّ رَأينَ مَا يُشْبِهُ مَلَائِكَةً أخبَرُوهُنَّ بِأنَّهُ حَيٌّ. فَذَهَبَ بَعْضٌ مِنْ جَمَاعَتِنَا إلَى القَبْرِ، وَوَجَدُوهُ فَارِغًا كَمَا قَالَتِ النِّسَاءُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ هُوَ.» فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «أنْتُمَا غَبِيَّانِ وَبَطِيئَانِ فِي الإيمَانِ بِكُلِّ مَا قَالَهُ الأنْبِيَاءُ. ألَمْ يَكُنْ ضَرُورِيًّا أنْ يَحْتَمِلَ المَسِيحُ هَذِهِ الأشْيَاءَ فَيَدْخُلَ إلَى مَجْدِهِ؟» وَفَسَّرَ لَهُمَا مَا قِيلَ عَنْهُ فِي جَمِيعِ كُتُبِ مُوسَىْ وَالأنْبِيَاءِ. وَاقْتَرَبُوا مِنَ القَريَةِ الَّتِي كَانَا مُتَوَجِّهَينِ إلَيْهَا، فَتَظَاهَرَ يَسُوعُ بِأنَّهُ يُرِيدُ أنْ يُواصِلَ المَسِيرَ. لَكِنَّهُمَا ألَحَّا عَلَيْهِ بِشِدَّةٍ وَقَالُوا لَهُ: «ابقَ عِنْدَنَا، فَقَدِ اقْتَرَبَ المَسَاءُ، وَأوشَكَتِ الشَّمْسُ عَلى المَغِيبِ،» فَدَخَلَ. وَعِنْدَمَا جَلَسَ إلَى المَائِدَةِ مَعَهُمَا، أخَذَ الخُبْزَ وَشَكَرَ اللهَ، ثُمَّ قَسَّمَهُ وَنَاوَلَهُمَا. فَفُتِحَتْ أعيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ، لَكِنَّهُ اختَفَى عَنهُمَا. فَقَالَ أحَدُهُمَا لِلآخَرِ: «ألَمْ يَكُنْ قَلْبَانَا يَتَّقِدَانِ فِينَا وَهُوَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ، وَيَشْرَحُ لَنَا الكُتُبَ؟» وَقَامَا فَوْرًا وَرَجِعَا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، وَوَجَدَا الأحَدَ عَشَرَ رَسُولًا وَالآخَرِينَ مُجتَمِعِينَ مَعًا. وَكَانُوا يَقُولُونَ: «لَقَدْ قَامَ الرَّبُّ حَقًّا! وَقَدْ ظَهَرَ لِسِمعَانَ.» ثُمَّ شَرَحَ التِّلمِيذَانِ مَا حَدَثَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَكَيْفَ تَعَرَّفَا إلَيْهِ عِنْدَمَا قَسَمَ الخُبْزَ. وَيَبْنَمَا كَانَا مَا زَالَا يُحَدِّثَانِهِمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ، وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «لِيَكُنِ السَّلَامُ مَعَكُمْ.» فَاندَهَشُوا وَتَمَلَّكَهُمُ الخَوفُ، وَظَنُّوا أنَّهُمْ يَرَوْنَ شَبَحًا. لَكِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا أنْتُمْ مُنزَعِجُونَ هَكَذَا؟ وَلِمَاذَا تَدُورُ الشُّكُوكُ فِي عُقُولِكُمْ؟ انْظُرُوا إلَى يَدَيَّ وَقَدَمَيَّ. أنْتُمْ تَقْدِرُونَ أنْ تُميِّزُوا أنَّهُ أنَا نَفْسِي. المَسُونِي وَتَأكَّدُوا، فَلَيْسَ لِلشَّبَحِ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ هَذَا، أرَاهُمْ يَدَيهِ وَقَدَمَيهِ. وَمِنْ فَرحَتِهِمْ، كَانُوا مَا يَزَالُونَ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ وَمَذهُولِينَ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ لَدَيْكُمْ مَا يُؤكَلُ هُنَا؟» فَقَدَّمُوا لَهُ قِطعَةً مِنْ سَمَكٍ مَطبُوخٍ، فَأخَذَهَا وَأكَلَهَا أمَامَهُمْ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَذِهِ هِيَ الأُمُورُ الَّتِي حَدَّثتُكُمْ بِهَا عِنْدَمَا كُنْتُ بَعْدُ مَعَكُمْ. فَقَدْ قُلْتُ لَكُمْ إنَّهُ لَا بُدَّ أنْ يَتَحَقَّقَ كُلُّ مَا كُتِبَ عَنِّي فِي شَرِيعَةِ مُوسَى وَفِي كُتُبِ الأنْبِيَاءِ وَفِي المَزَامِيرِ.» ثُمَّ فَتَحَ أذهَانَهُمْ لِيَفْهَمُوا الكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ: «نَعَمْ، مَكْتُوبٌ أنَّ المَسِيحَ لَا بُدَّ أنْ يَتَألَّمَ وَيَقُومَ مِنَ المَوْتِ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ. وَلَا بُدَّ أنْ يُبَشَّرَ بِالتَّوبَةِ وَمَغفِرَةِ الخَطَايَا بِاسْمِهِ لِجَمِيعِ الأُمَمِ ابتِدَاءً مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ. وَأنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى تِلْكَ الأُمُورِ. وَالْآنَ سَأُرْسِلُ لَكُمْ مَا وَعَدَ بِهِ أبِي، لَكِنِ امكُثُوا فِي مَدِينَةِ القُدْسِ إلَى أنْ يُلبِسَكُمُ اللهُ قُوَّةً مِنَ الأعَالِي.» ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ إلَى بَيْتِ عَنيَا، وَرَفَعَ يَدَيهِ وَبَارَكَهُمْ. وَبَيْنَمَا كَانَ يُبَارِكُهُمْ، ابتَعَدَ عَنْهُمْ وَرُفِعَ إلَى السَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ، وَعَادُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ. وَكَانُوا يَقْضُونَ وَقْتَهُمْ كُلَّهُ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ اللهَ. فِي البَدْءِ كَانَ الكَلِمَةُ مَوْجُودًا، وَكَانَ الكَلِمَةُ مَعَ اللهِ، وَكَانَ الكَلِمَةُ هُوَ اللهَ. كَانَ الكَلِمَةُ مَعَ اللهِ فِي البَدْءِ. بِهِ خُلِقَ كُلُّ شيءٍ، وَبِدُونِهِ لَمْ يُخلَقْ شَيءٌ مِمَّا خُلِقَ. فِيهِ كَانَتِ الحَيَاةُ. وَهَذِهِ الحَيَاةُ هِيَ الَّتِي جَاءَتْ بِالنُّورِ لِلبَشَرِ. يَسْطَعُ النُّورُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تَهْزِمْهُ. جَاءَ رَجُلٌ مُرسَلًا مِنَ اللهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. جَاءَ لِيَشْهَدَ عَنِ النُّورِ، لِكَي يُؤمِنَ بِوَاسِطَتِهِ جَمِيعُ النَّاسِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ. لَكِنَّهُ جَاءَ لِيَشْهَدَ عَنِ النُّورِ. أمَّا النُّورُ الحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ حَيَاةَ كُلِّ إنْسَانٍ، فَكَانَ آتِيًا إلَى العَالَمِ. كَانَ فِي العَالَمِ، وَبِهِ خُلِقَ العَالَمُ، لَكِنَّ العَالَمَ لَمْ يَعْرِفْهُ. جَاءَ إلَى العَالَمِ الَّذِي لَهُ، لَكِنَّ شَعْبَهُ لَمْ يُرَحِّبْ بِهِ. أمَّا الَّذِينَ قَبِلُوهُ، أيِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاسْمِهِ، فَقَدْ أعطَاهُمُ الحَقَّ فِي أنْ يَصِيرُوا أوْلَادَ اللهِ. فَهُمْ قَدْ وُلِدُوا مِنَ اللهِ، خِلَافًا لِلوِلَادَةِ الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ دَمٍ وَلَحْمٍ وَمِنْ إرَادَةِ رَجُلٍ. وَصَارَ الكَلِمَةُ إنْسَانًا، وَعَاشَ بَيْنَنَا. وَنَحْنُ رَأينَا مَجْدَهُ، ذَلِكَ المَجْدَ الَّذِي نَالَهُ مِنَ الآبِ بَاعتِبَارِهِ ابْنَهُ الوَحِيدَ مَملُوءًا مِنَ النِّعمَةِ وَالحَقِّ. شَهِدَ لَهُ يُوحَنَّا وَأعلَنَ: «هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كُنْتُ أعْنِيهِ حِينَ قُلْتُ: ‹الآتِي بَعْدِي أعْظَمُ مِنِّي، لِأنَّهُ كَانَ قَبْلِي.›» وَمِنْ ذَلِكَ المِلءِ أخَذْنَا كُلُّنَا نِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ. فَالشَّرِيعَةُ أُعْطِيَتْ بِوَاسِطَةِ مُوسَى، أمَّا النِّعْمَةُ وَالحَقُّ فَجَاءَا بِيَسُوعَ المَسِيحِ. مَا مِنْ أحَدٍ رَأى اللهَ قَطُّ، لَكِنَّ الابْنَ الوَحِيدَ الَّذِي هُوَ اللهُ المُتِّحِدُ بِالآبِ، عَرَّفَنَا بِهِ. وَهَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا عِنْدَمَا أرْسَلَ يَهُودُ مَدِينَةِ القُدْسِ كَهَنَةً وَلَاوِيِّينَ لِيَسْألُوهُ: «مَنْ أنْتَ؟» فَتَكَلَّمَ بِصَرَاحَةٍ وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنِ الإجَابَةِ، بَلِ اعتَرَفَ وَقَالَ: «لَسْتُ أنَا المَسِيحَ.» فَسَألُوهُ: «فَمَنْ أنْتَ إذًا؟ أأنْتَ إيلِيَّا؟» قَالَ: «لَا.» فَسَألُوهُ: «أأنْتَ النَّبِيُّ؟» فَقَالَ: «لَا.» فَقَالُوا لَهُ: «مَنْ أنْتَ إذًا؟ قُلْ لَنَا لِكَي نُقَدِّمَ جَوَابًا لِلَّذِينَ أرْسَلُونَا. مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟» فَقَالَ يُوحَنَّا مُسْتَخْدِمًا كَلِمَاتِ النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ: «أنَا ‹صَوْتُ إنْسَانٍ يُنَادِي فِي البَرِّيَّةِ: اصْنَعُوا طَرِيقًا مُسْتَقِيمًا لِلرَّبِّ.›» وَكَانَ الفِرِّيسِيُّونَ هُمُ الَّذِينَ أرْسَلُوا هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ. فَاسْتَفْسَرُوا مِنْهُ وَقَالُوا: «إنْ لَمْ تَكُنْ أنْتَ المَسِيحَ، وَلَا إيلِيَّا، وَلَا النَّبِيَّ، فَلِمَاذَا تُعَمِّدُ؟» فَأجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: «أنَا أُعَمِّدُ فِي المَاءِ، لَكِنْ يَقِفُ بَيْنَكُمْ مَنْ لَا تَعْرِفُونَهُ. هُوَ الَّذِي يَأتِي بَعْدِي، وَيَكُونُ أعْظَمَ مِنِّي، فَلَا أسْتَحِقُّ حَتَّىْ أنْ أحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ.» كَانَ ذَلِكَ فِي قَرْيَةِ بَيْتِ عَنْيَا عَلَى الضِّفَّةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. فَقَدْ كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ هُنَاكَ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، رَأى يُوحَنَّا يَسُوعَ آتِيًا نَحْوَهُ فَقَالَ: «هَذَا هُوَ حَمَلُ اللهِ الَّذِي يُزِيلُ خَطِيَّةَ العَالَمِ. هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: ‹يَأتِي بَعْدِي رَجُلٌ أعْظَمُ مِنِّي، لِأنَّهُ كَانَ قَبْلِي.› وَأنَا لَمْ أكُنْ أعرِفُهُ، لَكِنِّي جِئْتُ أُعَمِّدُ فِي المَاءِ لِكَي يَصِيرَ هُوَ مَعْرُوفًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ.» ثُمَّ شَهِدَ يُوحَنَّا فَقَالَ: «رَأيْتُ الرُّوحَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِثْلَ حَمَامَةٍ وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ. أنَا نَفْسِي لَمْ أكُنْ أعرِفْهُ. لَكِنَّ الَّذِي أرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ فِي المَاءِ قَالَ لِي: ‹مَنْ تَرَى الرُّوحَ نَازِلًا وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، هُوَ الَّذِي سَيُعَمِّدُ فِي الرُّوحِ القُدُسِ.› وَقَدْ رَأيْتُ ذَلِكَ، وَأشْهَدُ أنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللهِ.» وَفِي اليَوْمِ التَّالِي كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفًا مَعَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ. فَرَأى يَسُوعَ مَارًّا فَقَالَ: «هَا هُوَ حَمَلُ اللهِ.» فَلَمَّا سَمِعَ التِّلْمِيذَانِ مَا قَالَهُ، تَبِعَا يَسُوعَ. فَالْتَفَتَ يَسُوعُ فَرَآهُمَا يَتْبَعَانِهِ، فَسَألَهُمَا: «مَاذَا تُرِيدَانِ؟» فَقَالَا لَهُ: «رَابِي – أيْ يَا مُعَلِّمُ – أيْنَ تُقِيمُ؟» فَقَالَ لَهُمَا: «تَعَالَيَا وَانظُرَا.» فَذَهَبَا وَرَأيَا أيْنَ كَانَ يُقِيمُ، وَبَقِيَا عِنْدَهُ ذَلِكَ اليَوْمَ. وَكَانَتِ السَّاعَةُ نَحْوَ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ. وَكَانَ أنْدَرَاوُسُ أخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ أحَدَ التِّلْمِيذَينِ اللَّذَيْنِ سَمِعَا مَا قَالَهُ يُوحَنَّا وَتَبِعَا يَسُوعَ. فَوَجَدَ أخَاهُ سِمْعَانَ وَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ وَجَدْنَا مَشِيحَا!» أيِ المَسِيحَ. وَأتَى أنْدَرَاوُسُ بِأخِيهِ إلَى يَسُوعَ. فَنَظَرَ إلَيْهِ يَسُوعُ وَقَالَ: «أنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُونَا، وَسَتُدْعَى كِيفَا.» وَمَعْنَى هَذَا الاسْمِ «صَخْرٌ.» وَفِي اليَوْمِ التَّالِي قَرَّرَ يَسُوعُ الذَّهَابَ إلَى إقْلِيمِ الجَلِيلِ. فَوَجَدَ رَجُلًا اسْمُهُ فِيلِبُّسُ وَقَالَ لَهُ: «اتبَعْنِي.» وَكَانَ فِيلِبُّسُ مِنْ بَلْدَةِ بَيْتِ صَيدَا، بَلْدَةِ أنْدَرَاوُسَ وَبُطْرُسَ. وَوَجَدَ فِيلِبُّسُ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ وَجَدْنَا الرَّجُلَ الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي كُتُبِ الشَّرِيعَةِ، وَالَّذِي كَتَبَ عَنْهُ الأنْبِيَاءُ! هُوَ يَسُوعُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ.» فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «أيُمْكِنُ أنْ يَخْرُجَ شَيءٌ صَالِحٌ مِنَ النَّاصِرَةِ؟» فَقَالَ فِيلِبُّسُ: «تَعَالَ وَانْظُرْ بِنَفْسِكَ.» وَرَأى يَسُوعُ نَثَنَائِيلَ آتِيًا نَحْوَهُ، فَقَالَ عَنْهُ: «هَذَا إسْرَائِيلِيٌّ أصِيلٌ لَا خِدَاعَ فِيهِ!» فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «كَيْفَ عَرَفْتَنِي؟» فَأجَابَ يَسُوعُ: «رَأيْتُكَ عِنْدَمَا كُنْتَ تَحْتَ شَجَرَةِ التِّينِ، قَبْلَ أنْ يَدْعُوكَ فِيلِبُّسُ.» فَقَالَ نَثَنَائِيلُ: «يَا مُعَلِّمُ، أنْتَ ابْنُ اللهِ! أنْتَ مَلِكُ إسْرَائِيلَ!» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «أتُؤْمِنُ بِي لِأنِّي قُلْتُ إنِّي رَأيْتُكَ تَحْتَ شَجَرَةِ التِّينِ؟ سَتَرَى أعْظَمَ مِنْ هَذَا.» ثُمَّ قَالَ لَهُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، سَتَرَوْنَ السَّمَاءَ تَنْفَتِحُ وَ ‹مَلَائِكَةَ اللهِ يَصْعَدُونَ وَينزِلُونَ› عَلَى ابْنِ الإنْسَانِ.» وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، أُقِيمَ عُرْسٌ فِي بَلْدَةِ قَانَا فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ. وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. وَقَدْ دُعِيَ أيْضًا يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ إلَى العُرْسِ. وَعِنْدَمَا نَفِدَ النَّبِيذُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَمْ يَعُدْ عِنْدَهُمْ نَبِيذٌ.» فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَأْتِينَ إلَيَّ يَا أُمِّي؟ لَمْ يَحِنِ الوَقْتُ لِأبْدَأ عَمَلِي بَعْدُ!» أمَّا أُمُّهُ فَقَالَتْ لِلخُدَّامِ: «افْعَلُوا كُلَّ مَا يَقُولُهُ لَكُمْ.» وَكَانَتْ هُنَاكَ سِتَّةُ أحوَاضٍ حَجَرِيَّةٍ لِلمَاءِ، يَسْتَخْدِمُهَا اليَهُودُ لِلاغتِسَالِ وَفْقًا لِطُقُوسِهِمْ. وَكَانَ كُلُّ حَوْضٍ مِنْهَا يَتَّسِعُ لِثَمَانِينَ أوْ لِمِئَةٍ وَعِشْرِينَ لِتْرًا. فَقَالَ يَسُوعُ لِلخُدَّامِ: «املأُوا الأحوَاضَ بِالمَاءِ.» فَمَلأُوهَا إلَى حَافَّتِهَا. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «وَالْآنَ اغرِفُوا مِنْهَا، وَقَدِّمُوا لِرَئِيسِ الحَفلِ.» فَفَعَلُوا ذَلِكَ. فَذَاقَ رَئِيسُ الحَفلِ المَاءَ الَّذِي تَحَوَّلَ إلَى نَبِيذٍ. وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أيْنَ جَاءَ النَّبِيذُ، لَكِنَّ الخُدَّامَ الَّذِينَ غَرَفُوا المَاءَ كَانُوا يَعْلَمُونَ. فَاسْتَدْعَى العَرِيسَ وَقَالَ لَهُ: «فِي العَادَةِ يُقَدِّمُ النَّاسُ النَّبِيذَ الجَيِّدَ أوَّلًا، وَبَعْدَ أنْ يَسْكَرَ الضُّيُوفُ، يُقَدِّمُونَ النَّبِيذَ الأقَلَّ جُودَةً، لَكِنَّكَ أبقَيتَ النَّبِيذَ الجَيِّدَ إلَى الآنِ!» كَانَتْ هَذِهِ أُولَى المُعجِزَاتِ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ، وَقَدْ صَنَعَهَا فِي بَلْدَةِ قَانَا فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ. فَأظْهَرَ يَسُوعُ مَجْدَهُ، وَآمَنَ بِهِ تَلَامِيذُهُ. بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ إلَى مَدِينَةِ كَفْرِنَاحُومَ مَعَ أُمِّهِ وَإخْوَتِهِ وَتَلَامِيذِهِ. وَأقَامُوا هُنَاكَ بِضْعَةَ أيَّامٍ. وَكَانَ عِيدُ الفِصْحِ اليَهُودِيُّ وَشِيكًا، فَذَهَبَ يَسُوعُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَوَجَدَ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ أشْخَاصًا يَبِيعُونَ ثِيرَانًا وَغَنَمًا وَحَمَامًا. وَوَجَدَ صَرَّافِينَ جَالِسِينَ إلَى مَوَائِدِهِمْ. فَصَنَعَ سَوْطًا مِنَ الحِبَالِ وَطَرَدَهُمْ جَمِيعًا مِنْ سَاحَةِ الهَيْكَلِ مَعَ الغَنَمِ وَالثِّيرَانِ. وَبَعْثَرَ نُقُودَ الصَّرَّافِينَ، وَقَلَبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَائِعِي الحَمَامِ: «أخرِجُوا هَذِهِ مِنْ هُنَا! وَلَا تَجْعَلُوا مِنْ بَيْتِ أبِي سُوقًا لِلتِّجَارَةِ!» فَتَذَكَّرَ تَلَامِيذُهُ أنَّهُ مَكْتُوبٌ: «أكَلَتْنِي الغَيْرَةُ عَلَى بَيْتِكَ.» فَقَالَ لَهُ بَعْضُ اليَهُودِ: «أيَّةَ مُعجِزَةٍ سَتُرِينَا لِتُثْبِتَ حَقَّكَ فِي أنْ تَفْعَلَ مَا فَعَلْتَ؟» فَرَدَّ عَلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «اهدِمُوا هَذَا الهَيْكَلَ، وَأنَا سَأبْنِيهِ ثَانِيَةً فِي ثَلَاثَةِ أيَّامٍ.» فَقَالَ أُولَئِكَ اليَهُودُ: «لَقَدِ اسْتَغْرَقَ بِنَاءُ هَذَا الهَيْكَلِ سِتًّا وَأرْبَعِينَ سَنَةً، وَأنْتَ سَتَبْنِيهِ فِي ثَلَاثَةِ أيَّامٍ؟» لَكِنَّ الهَيْكَلَ الَّذِي عَنَاهُ يَسُوعُ هُوَ جَسَدُهُ. فَلَمَّا قَامَ يَسُوعُ مِنَ المَوْتِ، تَذَكَّرَ تَلَامِيذُهُ أنَّهُ قَالَ هَذَا، فَآمَنُوا بِالكُتُبِ وَبِكَلَامِ يَسُوعَ. وَعِنْدَمَا كَانَ يَسُوعُ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ أثْنَاءَ عِيدِ الفِصْحِ، آمَنَ كَثِيرُونَ بِاسْمِهِ لِأنَّهُمْ رَأوْا المُعجِزَاتِ الَّتِي كَانَ يَصْنَعُهَا. لَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ يَأْتَمِنُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَدْ كَانَ يَعْرِفُهُمْ جَمِيعًا. وَلَمْ يَكُنْ يَحتَاجُ أنْ يُخبِرَهُ أحَدٌ عَنِ النَّاسِ، لِأنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مَا فِي دَاخِلِ النَّاسِ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ مِنَ الفِرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، كَانَ مِنْ قَادَةِ اليَهُودِ. فَجَاءَ إلَى يَسُوعَ لَيْلًا وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّكَ مُعَلِّمٌ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لِأنَّهُ مَا مِنْ أحَدٍ يَسْتَطِيعُ أنْ يَصْنَعَ المُعجِزَاتِ الَّتِي تَصْنَعُهَا أنْتَ إنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ.» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكَ: لَنْ يَرَى أحَدٌ مَلَكُوتَ اللهِ مَا لَمْ يُولَدْ ثَانِيَةً.» فَقَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «وَكَيْفَ يُمْكِنُ لِأحَدٍ أنْ يُولَدَ ثَانِيَةً وَهُوَ عَجُوزٌ؟ أيُمكِنُهُ أنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟» فَأجَابَ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكَ: يَنْبَغِي أنْ يُولَدَ الإنْسَانُ مِنَ المَاءِ وَالرُّوحِ، وَإلَّا فَلَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. فَمَا يُولَدُ مِنَ البَشَرِ هُوَ بَشَرِيٌّ، وَمَا يُولَدُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحِيٌّ. لَا تَسْتَغْرِبْ أنِّي قُلْتُ لَكَ يَنْبَغِي أنْ تُولَدُوا ثَانِيَةً. تَهُبُّ الرِّيحُ حَيْثُ تُحِبُّ. فَأنْتَ تَسْمَعُ صَوْتَهَا، لَكِنَّكَ لَا تَعْرِفُ مِنْ أيْنَ تَأْتِي وَلَا إلَى أيْنَ تَذْهَبُ. هَكَذَا هُوَ الأمْرُ مَعَ كُلِّ مَنْ يُولَدُ مِنَ الرُّوحِ.» فَقَالَ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ هَذَا؟» فَأجَابَ يَسُوعُ: «كَيْفَ لَا تَعْلَمُ هَذَا وَأنْتَ مِنْ مُعَلِّمِي بَنِي إسْرَائِيلَ؟ أقُولُ الحَقَّ لَكَ: إنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَمَّا نَعْرِفُ، وَنُخبِرُ بِمَا رَأينَا، لَكِنَّكُمْ تَرْفُضُونَ مَا نَقُولُ. حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الأُمُورِ الأرْضِيَّةِ وَلَا تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ سَتُؤْمِنُونَ إنْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الأُمُورِ السَّمَاوِيَّةِ؟ وَلَمْ يَصْعَدْ أحَدٌ إلَى السَّمَاءِ، إلَّا الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. وَهُوَ ابْنُ الإنْسَانِ. «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الحَيَّةَ فِي البَرِّيَّةِ، يَنْبَغِي أنْ يُرفَعَ ابْنُ الإنْسَانِ، لِكَي يَنَالَ كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ بِهِ الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ. «فَقَدْ أحَبَّ اللهُ العَالَمَ كَثِيرًا، حَتَّى إنَّهُ قَدَّمَ ابْنَهُ الوَحِيدَ، لِكَي لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأبَدِيَّةُ. فَاللهُ لَمْ يُرْسِلِ ابْنَهُ إلَى العَالَمِ لِكَي يَدِينَ العَالَمَ، لَكِنَّهُ أرسَلَهُ لِكَي يُخَلِّصَ بِهِ العَالَمَ. مَنْ يُؤمِنُ بِهِ لَا يُدَانُ، أمَّا الَّذِي لَا يُؤمِنُ فَهُوَ مُدَانٌ لِأنَّهُ لَمْ يُؤمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الوَحِيدِ. وَهَذَا هُوَ أسَاسُ الدَّينُونَةِ: أنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إلَى العَالَمِ، لَكِنَّ النَّاسَ فَضَّلُوا الظُّلْمَةَ عَلَى النُّورِ لِأنَّ أعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. فَمَنْ يَفْعَلُ الشُّرُورَ يَكْرَهُ النُّورَ. وَهُوَ لَا يَأتِي إلَى النُّورِ خَوْفًا مِنْ أنْ تَنْكَشِفَ أعْمَالُهُ. أمَّا الَّذِي يُطِيعُ الحَقَّ، فَيَأْتِي إلَى النُّورِ لِكَي يَتَّضِحَ أنَّهُ يَعْمَلُ أعْمَالَهُ بِقُوَّةِ اللهِ.» بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ إلَى إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ. فَأقَامَ هُنَاكَ مَعَهُمْ، وَكَانَ يُعَمِّدُ النَّاسَ. وَكَانَ يُوحَنَّا أيْضًا يُعَمِّدُ فِي مَنْطِقَةِ عَيْنِ نُونٍ قُرْبَ قَرْيَةِ سَالِيمَ. فَقَدْ كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ وَيَتَعَمَّدُونَ هُنَاكَ، إذْ لَمْ يَكُنْ يُوحَنَّا قَدْ سُجِنَ بَعْدُ. وَحَدَثَتْ مُجَادَلَةٌ بَيْنَ بَعْضِ تَلَامِيذِ يُوحَنَّا وَبَيْنَ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ حَوْلَ مَسْألَةِ الاغْتِسَالِ الطَّقْسِيِّ. فَجَاءُوا إلَى يُوحَنَّا وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، لَقَدْ شَهِدْتَ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مَعَكَ عَلَى الضِّفَّةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَهَا هُوَ أيْضًا يُعَمِّدُ النَّاسَ، وَالجَمِيعُ يَذْهَبُونَ إلَيْهِ!» فَقَالَ لَهُمْ يُوحَنَّا: «لَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَا لَمْ يُعْطَ لَهُ مِنَ السَّمَاءِ. وَأنْتُمْ أنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ عَلى أنِّي قُلْتُ: أنَا لَسْتُ المَسِيحَ، لَكِنَّ اللهَ أرْسَلَنِي قَبْلَهُ. العَرُوسُ لِلعَرِيسِ، أمَّا إشْبِينُ العَرِيسِ فَيَقِفُ مُنتَظِرًا أنْ يَسْمَعَ صَوْتَهُ. وَيَفْرَحُ كَثِيرًا حِينَ يَسْمَعُ صَوْتَ العَرِيسِ. وَقَدِ اكتَمَلَ الآنَ فَرَحِي هَذَا بِمَجِيئِهِ. يَنْبَغِي أنْ تَزْدَادَ أهَمِّيَتُهُ، وَأنْ تَنْقُصَ أهَمِّيَّتِي.» وَتَابَعَ يُوحَنَّا فَقَالَ: «الَّذِي يَأتِي مِنْ فَوْقُ يَكُونُ فَوْقَ الجَمِيعِ. أمَّا الَّذِي مِنَ الأرْضِ، فَإلَى الأرْضِ يَنْتَمِي، وَيَتَكَلَّمُ كَلَامًا أرْضِيًّا. فَمَنْ يَأتِي مِنَ السَّمَاءِ يَسْمُو عَلَى الجَمِيعِ. فَهُوَ يَشْهَدُ بِمَا رَأى وَسَمِعَ. وَمَا مِنْ أحَدٍ مِنْكُمْ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ. أمَّا مَنْ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فَهُوَ يُقِرُّ بِأنَّ اللهَ صَادِقٌ. لِأنَّ الَّذِي أرسَلَهُ اللهُ، يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ اللهِ. فَاللهُ يُعْطِي الرُّوحَ لِلابْنِ بِلَا حَدٍّ. الآبُ يُحِبُّ الابْنَ، وَقَدْ وَضَعَ كُلَّ شَيءٍ فِي يَدِهِ. فَالَّذِي يُؤمِنُ بِالِابْنِ يَمْلِكُ حَيَاةً أبَدِيَّةً، أمَّا الَّذِي لَا يُؤمِنُ بِالِابْنِ فَلَنْ يَرَى تِلْكَ الحَيَاةَ، وَلَنْ يُرْفَعَ عَنْهُ غَضَبُ اللهِ.» وَعَلِمَ يَسُوعُ أنَّ الفِرِّيسِيِّينَ سَمِعُوا أنَّهُ كَانَ يُتَلْمِذُ وَيُعَمِّدُ أشْخَاصًا أكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا، مَعَ أنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُعَمِّدُ، بَلْ تَلَامِيذُهُ. فَغَادَرَ يَسُوعُ إقْلِيمَ اليَهُودِيَّةِ وَعَادَ ثَانِيَةً إلَى إقْلِيمِ الجَلِيلِ. وَكَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ أنْ يَمُرَّ عَبْرَ إقْلِيمِ السَّامِرَةِ. فَوَصَلَ إلَى بَلْدَةٍ سَامِرِيَّةٍ تُدْعَى سُوخَارَ. وَهِيَ قُرْبَ الأرْضِ الَّتِي أعْطَاهَا يَعْقُوبُ لَابْنِهِ يُوسُفَ. وَكَانَتْ بِئْرُ يَعْقُوبَ هُنَاكَ. فَجَلَسَ يَسُوعُ عِنْدَ البِئْرِ لِأنَّهُ كَانَ مُتْعَبًا مِنَ المَسِيرِ. وَكَانَ الوَقْتُ نَحْوَ الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ ظُهْرًا. فَجَاءَتِ امْرأةٌ سَامِرِيَّةٌ لِتَأْخُذَ مَاءً مِنَ البِئْرِ. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أعْطِينِي لِأشْرَبَ.» وَكَانَ التَّلَامِيذُ قَدْ ذَهَبُوا إلَى المَدِينَةِ لِيَشْتَرُوا طَعَامًا. فَقَالَتْ لَهُ المَرْأةُ السَّامِرِيَّةُ: «أنْتَ يَهُودِيٌّ، وَأنَا امْرأةٌ سَامِرِيَّةٌ. فَكَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي أنْ أُعْطِيَكَ لِتَشْرَبَ؟» قَالَتِ المَرْأةُ هَذَا لِأنَّ اليَهُودَ يَرْفُضُونَ أنْ يَخْتَلِطُوا بِالسَّامِرِيِّينَ. فَأجَابَهَا يَسُوعُ: «أنْتِ لَا تَعْرِفِينَ مَا يُعْطِيهِ اللهُ، وَلَا تَعْرِفِينَ مَنِ الَّذِي يَقُولُ لَكِ: أعْطِينِي لِأشْرَبَ. فَلَو عَرَفتِ، لَطَلَبتِ أنْتِ مِنْهُ، وَلأعطَاكِ مَاءً مُحْييًا.» فَقَالَت لَهُ المَرْأةُ: «لَيْسَ لَديكَ دَلوٌ يَا سَيِّدُ، وَالبِئرُ عَمِيقَةٌ. فَكَيْفَ سَتَحْصُلُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ المَاءِ؟ لَا أظُنُّكَ أعْظَمَ مِنْ أبِينَا يَعْقُوبَ! فَهُوَ الَّذِي أعطَانَا هَذِهِ البِئْرَ، وَقَدْ شَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَأبْنَاؤُهُ وَمَوَاشِيهِ.» فَأجَابَهَا يَسُوعُ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا المَاءِ سَيَعْطَشُ ثَانِيَةً، أمَّا مَنْ يَشْرَبُ مِنَ المَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ إيَّاهُ أنَا، فَلَنْ يَعْطَشَ أبَدًا، بَلْ يَصِيرُ المَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ نَبْعًا فِي دَاخِلِهِ، وَيَتَدَفَّقُ مُعطِيًا حَيَاةً أبَدِيَّةً.» فَقَالَتْ لَهُ المَرْأةُ: «أعْطِنِي هَذَا المَاءَ يَا سَيِّدُ، فَلَا أعطَشُ أبَدًا وَلَا أعُودُ إلَى هُنَا طَلَبًا لِلمَاءِ.» فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «اذْهَبِي وَنَادِي زَوْجَكِ وَتَعَالَا إلَى هُنَا.» فَقَالَتِ المَرْأةُ: «لَا زَوْجَ لِي!» فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أصَبْتِ بِقَولِكِ: ‹لَا زَوْجَ لِي.› فَقَدْ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أزوَاجٍ، أمَّا الرَّجُلُ الَّذِي تَعِيشِينَ مَعَهُ الآنَ، فَلَيْسَ زَوْجَكِ! فَقَدْ صَدَقْتِ.» قَالَتِ المَرْأةُ: «يَا سَيِّدُ، لَا بُدَّ أنَّكَ نَبِيٌّ! لَقَدْ عَبَدَ آبَاؤُنَا السَّامِرِيُّونَ اللهَ عَلَى هَذَا الجَبَلِ، أمَّا أنْتُمُ اليَهُودَ فَتَقُولُونَ إنَّهُ يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أنْ يَعْبُدُوا اللهَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ!» فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرأةُ، صَدِّقِينِي أنَّهُ سَيَأْتِي الوَقْتُ حِينَ سَتَعْبُدُونَ الآبَ لَا عَلَى هَذَا الجَبَلِ وَلَا فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. أنْتُمُ السَّامِرِيِّينَ تَعْبُدُونَ مَا لَا تَعْرِفُونَ، أمَّا نَحْنُ اليَهُودَ فَنَعْرِفُ مَا نَعْبُدُ، لِأنَّ الخَلَاصَ يَأتِي مِنَ اليَهُودِ. وَلَكِنْ سَيَأْتِي وَقْتٌ، بَلْ أتَى الآنَ، حِينَ يَعْبُدُ العَابِدُونَ الحَقِيقِيُّونَ الآبَ عِبَادَةً رُوحِيَّةً وَحَقِيقِيَّةً. فَهَكَذَا يُرِيدُ الآبُ أنْ يَكُونَ عَابِدُوهُ. اللهُ رُوحٌ، وَالَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ يَنْبَغِي أنْ يَعْبُدُوهُ بِالرُّوحِ وَالحَقِّ.» فَقَالَتْ: «أنَا أعْرِفُ أنَّ مَشِيحَا – أيِ المَسِيحَ – سَيَأْتِي. وَحِينَ يَأتِي سَيُخبِرُنَا بِكُلِّ شَيءٍ.» قَالَ يَسُوعُ: «أنَا هُوَ الَّذِي أُكَلِّمُكِ.» وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ وَصَلَ تَلَامِيذُهُ، وَدُهِشُوا جِدًّا لِأنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعَ امْرأةٍ. لَكِنْ لَمْ يَسْألْهُ أحَدٌ مِنْهُمْ: «مَا الَّذِي تُرِيدُهُ مِنْهَا؟» أوْ «لِمَاذَا تُكَلِّمُهَا؟» أمَّا المَرْأةُ فَقَدْ تَرَكَتْ جَرَّتَهَا، وَعَادَتْ إلَى البَلْدَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ: «تَعَالَوْا لِتَرَوْا إنْسَانًا أخبَرَنِي بِكُلِّ مَا فَعَلْتُ فِي حَيَاتِي! أيُمْكِنُ أنْ يَكُونَ هُوَ المَسِيحَ؟» فَتَرَكُوا بَلْدَتَهُمْ وَذَهَبُوا إلَيْهِ. وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، كَانَ تَلَامِيذُهُ يَحُثُّونَهُ وَيَقُولُونَ: «يَا مُعَلِّمُ، كُلْ شَيْئًا!» لَكِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «عِندِي طَعَامٌ لِآكُلَهُ لَا تَعْرِفُونَ عَنْهُ شَيْئًا.» فَأخَذَ تَلَامِيذُهُ يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «أيُمْكِنُ أنْ يَكُونَ أحَدٌ قَدْ أحْضَرَ إلَيْهِ طَعَامًا؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي هُوَ تَنْفِيذُ إرَادَةِ ذَاكَ الَّذِي أرْسَلَنِي، وَإتمَامُ العَمَلِ الَّذِي كَلَّفَنِي بِعَمَلِهِ. أنْتُمْ تَقُولُونَ حِينَ تَزْرَعُونَ: ‹سَيَأْتِي الحَصَادُ بَعْدَ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ.› وَأنَا أقُولُ لَكُمْ: افْتَحُوا عُيُونَكُمْ وَانظُرُوا إلَى الحُقُولِ. إنَّهَا الآنَ نَاضِجَةٌ لِلحَصَادِ. وَالحَاصِدُ يَأْخُذُ أَجْرَهُ وَيَجْمَعُ مَحصُولًا لِلحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ. وَهَكَذَا يَفْرَحُ الزَّارِعُ وَالحَاصِدُ مَعًا. وَيَصْدُقُ المَثَلُ القَائِلُ: ‹وَاحِدٌ يَزْرَعُ وَآخَرُ يَحْصُدُ.› وَأنَا أرسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَحصُولًا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. فَقَدْ تَعِبَ فِيهِ آخَرُونَ، وَانتَفَعْتُمْ أنْتُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ.» فَآمَنَ بِهِ سَامِرِيُّونَ كَثِيرُونَ مِنْ تِلْكَ البَلْدَةِ بِسَبَبِ مَا قَالَتْهُ المَرْأةُ فِي شَهَادَتِهَا: «أخبَرَنِي بِكُلِّ مَا فَعَلْتُ فِي حَيَاتِي!» وَعِنْدَمَا جَاءَ إلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ، طَلَبُوا إليهِ أنْ يَبْقَى مَعَهُمْ، فَأقَامَ هُنَاكَ يَوْمَينِ. فَتَكَاثَرَ جِدًّا عَدَدُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ بِسَبَبِ كَلَامِهِ. وَقَالُوا لِلمَرْأةِ: «لَمْ نَعُدْ نُؤْمِنُ بِنَاءً عَلَى كَلَامِكِ، لِأنَّنَا سَمِعْنَاهُ بِأنفُسِنَا. وَنَحْنُ نَعْلَمُ الآنَ أنَّ هَذَا الإنْسَانَ هُوَ حَقًّا مُخَلِّصُ العَالَمِ.» وَلَمَّا انقَضَى اليَوْمَانِ، غَادَرَ يَسُوعُ إقْلِيمَ السَّامِرَةِ وَذَهَبَ إلَى إقْلِيمِ الجَلِيلِ. وَكَانَ يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدْ أقَرَّ بِأنَّهُ لَا كَرَامَةَ لِنَبِيٍّ فِي وَطَنِهِ. لَكِنَّ أهْلَ الجَلِيلِ كَانُوا قَدْ ذَهَبُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَرَأوْا كُلَّ مَا فَعَلَهُ يَسُوعُ فِي عِيدِ الفِصْحِ. لِذَلِكَ فَقَدْ رَحَّبُوا بِهِ عِنْدَمَا جَاءَ إلَى الجَلِيلِ. وَمَرَّةً أُخْرَى ذَهَبَ يَسُوعُ إلَى بَلْدَةِ قَانَا فِي الجَلِيلِ حَيْثُ كَانَ قَدْ حَوَّلَ المَاءَ إلَى نَبِيذٍ. وَكَانَ فِي مَدِينَةِ كَفْرِنَاحُومَ رَجُلٌ مِنْ حَاشِيَةِ المَلِكِ، وَكَانَ ابْنُهُ مَرِيضًا. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أنَّ يَسُوعَ قَدْ أتَى إلَى الجَلِيلِ مِنَ اليَهُودِيَّةِ، جَاءَ إلَيْهِ يَرْجُوهُ أنْ يَذْهَبَ إلَى كَفْرِنَاحُومَ وَيَشْفِي ابْنَهُ الَّذِي أوشَكَ أنْ يَمُوتَ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أنْتُمْ لَا تُؤْمِنُونَ مَا لَمْ تَرَوْا بُرْهَانَ المُعجِزَاتِ وَالعَجَائِبِ!» فَقَالَ الرَّجُلُ لِيَسُوعَ: «أرْجُوكَ تَعَالَ يَا سَيِّدُ قَبْلَ أنْ يَمُوتَ وَلَدِي!» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ إلَى بَيْتِكَ. ابْنُكَ سَيَعِيشُ.» فَآمَنَ الرَّجُلُ بِمَا قَالَهُ لَهُ يَسُوعُ وَذَهَبَ. وَبَيْنَمَا كَانَ عَائِدًا إلَى بَيْتِهِ، لَاقَاهُ خُدَّامُهُ وَقَالُوا لَهُ إنَّ ابْنَهُ مُعَافَى. فَاسْتَفْسَرَ مِنْهُمْ عَنِ الوَقْتِ الَّذِي بَدَأ فِيهِ ابْنُهُ يَتَعَافَى، فَقَالُوا: «زَالَتْ حَرَارَتُهُ فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ مِنْ بَعْدِ ظُهْرِ الأمْسِ.» فَأدرَكَ أبُو الطِّفلِ أنَّ ذَلِكَ هُوَ الوَقْتُ نَفْسُهُ الَّذِي قَالَ لَهُ فِيهِ يَسُوعَ: «ابْنُكَ سَيَعِيشُ.» فَآمَنَ هُوَ وَعَائِلَتُهُ كُلُّهَا. كَانَتْ هَذِهِ المُعجِزَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنَ اليَهُودِيَّةِ إلَى الجَلِيلِ. بَعْدَ ذَلِكَ، ذَهَبَ يَسُوعُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ فِي أحَدِ الأعيَادِ اليَهُودِيَّةِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ بِرْكَةٌ قُرْبَ بَابِ الضَّأنِ تُدْعَى بِالعِبْرِيَّةِ «بَيْتَ حِسْدَا،» وَحَولَهَا خَمْسَةُ مَمَرَّاتٍ مَسْقُوفَةٍ، يَرْقُدُ فِيهَا جَمْعٌ مِنَ المَرْضَى العُمِي وَالعُرْجِ وَالمَشلُولِينَ يَنْتَظِرُونَ تَحرِيكَ المَاءِ. وَكَانَ مَلَاكٌ يَنْزِلُ بَيْنَ الحِينِ وَالآخَرِ إلَى البِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ المَاءَ. فَكَانَ أوَّلُ مَنْ يَنْزِلُ إلَى البِرْكَةِ بَعْدَ تَحْريكِ المَاءِ، يُشْفَى مِنْ أيِّ مَرَضٍ فِيهِ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ مَرِيضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. فَرَآهُ يَسُوعُ رَاقِدًا، وَعَرَفَ أنَّهُ مَرِيضٌ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ، فَقَالَ لَهُ: «أتُرِيدُ أنْ تُشْفَى؟» فَأجَابَ المَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي أحَدٌ يُنزِلُنِي إلَى البِرْكَةِ عِنْدَمَا يُحَرَّكُ المَاءُ. وَحِينَ أُحَاوِلُ النُّزُولَ، يَنْزِلُ شَخْصٌ آخَرُ قَبلِي.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَامْشِ.» فَشُفِيَ الرَّجُلُ فَوْرًا، وَحَمَلَ فِرَاشَهُ وَبَدَأ يَمْشِي. وَكَانَ هَذَا يَوْمَ سَبْتٍ. فَقَالَ بَعْضُ اليَهُودِ لِلرَّجُلِ الَّذِي شُفِيَ: «اليَوْمُ هُوَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَمِنَ المُخَالِفِ لِشَرِيعَتِنَا أنْ تَحْمِلَ فِرَاشَكَ!» فَقَالَ لَهُمْ: «الَّذِي شَفَانِي هُوَ قَالَ لِي: ‹احمِلْ فِرَاشَكَ وَامشِ.›» فَسَألُوهُ: «مَنْ هُوَ الَّذِي قَالَ لَكَ: ‹احمِلْ فِرَاشَكَ وَامْشِ›؟» لَكِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي شُفِيَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الَّذِي شَفَاهُ، فَقَدْ كَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ المَكَانِ، وَكَانَ يَسُوعُ قَدِ انسَحَبَ مِنْ بَينِهِمْ. وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، وَجَدَ يَسُوعُ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ فَقَالَ لَهُ: «هَا إنَّكَ قَدْ شُفِيتَ، فَكُفَّ عَنِ الخَطِيَّةِ حَتَّى لَا يُصِيبَكَ مَا هُوَ أسْوَأُ.» فَذَهَبَ الرَّجُلُ وَأخبَرَ أُولَئِكَ اليَهُودَ أنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي شَفَاهُ. فَبَدَأ اليَهُودُ يُلَاحِقُونَ يَسُوعَ لِأنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أبِي يَعْمَلُ عَلَى الدَّوَامِ، وَلِهَذَا يَنْبَغِي أنْ أعمَلَ أنَا أيْضًا.» فَازدَادَ اليَهُودُ إصْرَارًا عَلَى قَتلِهِ. لَيْسَ لِأنَّهُ خَالَفَ شَرِيعَةَ السَّبْتِ فَقَطْ، بَلْ أيْضًا لِأنَّهُ قَالَ إنَّ اللهَ أبُوهُ، مُسَاوِيًا نَفْسَهُ بِاللهِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الحَقَّ أقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ فِي وُسْعِ الاِبْنِ أنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مُسْتَقِلًا عَنِ الآبِ، لَكِنَّهُ يَعْمَلُ مَا يَرَى الآبَ يَعْمَلُهُ. وَمَهْمَا عَمِلَ الآبُ، فَإنَّ الاِبْنَ يَعْمَلُهُ أيْضًا. الآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ، وَيُرِيهِ كُلَّ شَيءٍ يَعْمَلُهُ، بَلْ سَيُرِيهِ أعْمَالًا أعْظَمَ مِنْ هَذِهِ، وَسَتَتَعَجَّبُونَ. لِأنَّهُ مِثْلَمَا يُقِيمُ الآبُ الأمْوَاتَ وَيُحيِيهِمْ، فَإنَّ الاِبْنَ أيْضًا يُحيِي مَنْ يَشَاءُ. «الآبُ لَا يُحَاكِمُ أحَدًا، لَكِنَّهُ سَلَّمَ كُلَّ القَضَاءِ لِلاِبْنِ، وَذَلِكَ لِكَي يُكْرِمَ كُلُّ النَّاسِ الاِبْنَ، كَمَا يُكرِمُونَ الآبَ. فَالَّذِي لَا يُكْرِمُ الاِبْنَ، لَا يُكْرِمُ بِذَلِكَ الآبَ الَّذِي أرسَلَهُ أيْضًا. «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: إنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي وَيُؤمِنُ بِمَنْ أرْسَلَنِي، يَنَالُ حَيَاةً إلَى الأبَدِ. وَلَا يَكُونُ تَحْتَ حُكْمِ الدَّينُونَةِ، بَلْ قَدْ عَبَرَ مِنَ المَوْتِ إلَى الحَيَاةِ. الحَقَّ أقُولُ لَكُمْ: يَأتِي وَقْتٌ، وَهَا قَدْ أتَى بِالفِعْلِ، حِينَ يَسْمَعُ الأمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَمَنْ يَسْمَعُهُ يَحْيَا. الآبُ هُوَ مَصْدَرُ الحَيَاةِ، وَقَدْ أعْطَى الاِبْنَ أنْ يَكُونَ مَصْدَرَ الحَيَاةِ أيْضًا. وَأعْطَاهُ سُلْطَانًا لِيُحَاكِمَ النَّاسَ لِأنَّهُ ابْنُ الإنْسَانِ. «لَا تَسْتَغْرِبُوا هَذَا: فَالوَقْتُ آتٍ حِينَ سَيَسْمَعُ كُلُّ الَّذِينَ فِي قُبُورِهِمْ صَوْتَهُ. فَيَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَيَقُومُ الَّذِينَ عَمِلُوا مَا هُوَ صَالِحٌ لِكَي يَنَالُوا الحَيَاةَ، أمَّا الَّذِينَ عَمِلُوا مَا هُوَ شِرِّيرٌ فَسَيَقُومُونَ لِكَي يُواجِهُوا الدَّينُونَةَ. «لَيْسَ فِي وُسْعِي أنْ أعمَلَ شَيْئًا مُسْتَقِلًا عَنِ الآبِ. فَأنَا أحْكُمُ حَسَبَ مَا أسْمَعُ مِنَ الآبِ. وَحُكْمِي عَادِلٌ، لِأنِّي لَا أسْعَى إلَى عَمَلِ مَا أُرِيدُ، لَكِنِّي أعمَلُ إرَادَةَ الَّذِي أرْسَلَنِي. «لَوْ كُنْتُ أنَا فَقَطْ أشْهَدُ لِنَفْسِي، فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ مَقْبُولَةً. لَكِنْ غَيرِي يَشْهَدُ لِي، وَأنَا أعْرِفُ أنَّ شَهَادَتَهُ لِي مَقْبُولَةٌ. «لَقَدْ أرْسَلْتُمْ أُنَاسًا إلَى يُوحَنَّا، فَشَهِدَ لِلحَقِّ. وَأنَا لَا أعتَمِدُ عَلَى شَهَادَةٍ مِنْ بَشَرٍ، لَكِنِّي أقُولُ هَذَا لِتَنَالُوا أنْتُمُ الخَلَاصَ. كَانَ يُوحَنَّا مِصْبَاحًا يَشْتَعِلُ وَيُعْطِي نُورًا. وَأنْتُمْ رَضِيتُمْ بِأنْ تَتَمَتَّعُوا بِنُورِهِ بَعْضَ الوَقْتِ. «لَكِنْ لِي شَهَادَةٌ أعْظَمُ مِنْ شَهَادَةِ يُوحَنَّا. فَقَدْ كَلَّفَنِي الآبُ بِأعْمَالٍ كَي أُنجِزَهَا، وَهِيَ أعْمَالِي الَّتِي أعمَلُهَا الآنَ. وَهَذِهِ الأعْمَالُ تَشْهَدُ لِي وَتُبَيِّنُ أنَّ الآبَ قَدْ أرْسَلَنِي. «حَتَّى الآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أرْسَلَنِي شَهِدَ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلَا رَأيْتُمْ هَيئَتَهُ. وَلَسْتُمْ تَحْفَظُونَ كَلِمَتَهُ فِي دَاخِلِكُمْ، لِأنَّكُمْ تَرْفُضُونَ أنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذِي أرْسَلَهُ. أنْتُمْ تَجْتَهِدُونَ فِي دِرَاسَةِ الكُتُبِ لِأنَّكُمْ تَعْتَقِدُونَ أنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِيهَا حَيَاةً أبَدِيَّةً، وَهِيَ نَفْسُهَا تَشْهَدُ لِي. لَكِنَّكُمْ لَا تُرِيدُونَ أنْ تَأْتُوا إلَيَّ وَتَنَالُوا هَذِهِ الحَيَاةَ. «أنَا لَا أسْعَى إلَى مَدِيحٍ مِنْ بَشَرٍ. لَكِنِّي أعرِفُكُمْ وَأعرِفُ أنَّ مَحَبَّةَ اللهِ لَيْسَتْ فِي دَاخِلِكُمْ. لَقَدْ جِئْتُ بِاسْمِ أبِي، لَكِنَّكُمْ تَرْفُضُونَ أنْ تَقْبَلُونِي. لَكِنْ إنْ جَاءَكُمْ شَخْصٌ آخَرُ بِاسْمِهِ الخَاصِّ، فَإنَّكُمْ تَقْبَلُونَهُ. فَكَيْفَ سَتُؤْمِنُونَ بِي، وَأنْتُمْ تُحِبُّونَ أنْ يَمْدَحَكُمُ الآخَرُونَ، أمَّا المَدِيحُ الَّذِي يَأتِي مِنَ اللهِ الوَاحِدِ فَلَا تَهْتَمُّونَ بِهِ؟ «لَا تَظُنُّوا أنِّي أنَا سَأشْكُوكُمْ أمَامَ الآبِ، فَالَّذِي سَيَشْكُوكُمْ هُوَ مُوسَى الَّذِي بَنَيتُمْ عَلَيْهِ آمَالَكُمْ. فَلَوْ أنَّكُمْ صَدَّقْتُمْ مُوسَى حَقًّا، لَصَدَّقْتُمُونِي أنَا أيْضًا، لِأنَّ مُوسَى كَتَبَ عَنِّي. لَكِنْ بِمَا أنَّكُمْ لَا تُصَدِّقُونَ مَا كَتَبَهُ، فَكَيْفَ سَتُصَدِّقُونَ كَلَامِي؟» بَعْدَ هَذَا، عَبَرَ يَسُوعُ بُحَيرَةَ الجَلِيلِ المَعْرُوفَةَ أيْضًا بِاسْمِ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ. وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ لِأنَّهُمْ رَأوْا مُعْجِزَاتِهِ فِي شِفَاءِ المَرْضَى. لَكِنَّ يَسُوعَ صَعِدَ إلَى جَانِبِ الجَبَلِ وَجَلَسَ هُنَاكَ مَعَ تَلَامِيذِهِ. وَكَانَ عِيدُ الفِصْحِ اليَهُودِيُّ قَرِيبًا. وَنَظَرَ يَسُوعُ، فَرَأى جُمْهُورًا كَبِيرًا مِنَ النَّاسِ آتِيًا إلَيْهِ. فَقَالَ لِفِيلِبُّسَ: «مِنْ أيْنَ يُمْكِنُنَا أنْ نَشْتَرِيَ خُبْزًا كَافِيًا لِنُطْعِمَ كُلَّ هَؤُلَاءِ؟» قَالَ يَسُوعُ هَذَا لِيَمْتَحِنَهُ، لِأنَّ يَسُوعَ كَانَ يَعْرِفُ مَا سَيَفْعَلُهُ. فَأجَابَهُ فِيلِبُّسُ: «حَتَّى لَوِ اشْتَرَينَا خُبْزًا بِأجْرِ سَنَةٍ مِنَ العَمَلِ، فَلَنْ يَكْفِيَ ذَلِكَ لَيَأْكُلَ كُلُّ وَاحِدٍ قِطْعَةً صَغِيرَةً!» وَقَالَ لَهُ أندَرَاوُسُ أخُو سِمْعَانَ، وَهُوَ تِلْمِيذٌ آخَرُ مِنْ تَلَامِيذِهِ: «هُنَا وَلَدٌ صَغِيرٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أرغِفَةٍ مِنَ الشَّعِيرِ وَسَمَكَتَانِ. وَلَكِنْ مَا نَفْعُ هَذَهِ لِكُلِّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «أجْلِسُوا النَّاسَ.» وَكَانَ هُنَاكَ عُشْبٌ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ المَكَانِ، فَجَلَسَ الرِّجَالُ، وَكَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلَافِ رَجُلٍ. ثُمَّ تَنَاوَلَ يَسُوعُ الأرغِفَةَ وَشَكَرَ اللهَ، ثُمَّ وَزَّعَهَا عَلَى الجَالِسِينَ. وَكَذَلِكَ وَزَّعَ مِنَ السَّمَكِ قَدْرَ مَا طَلَبُوا. وَلَمَّا شَبِعُوا قَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: «اجمَعُوا كِسَرَ الخُبْزِ الَّتِي زَادَتْ لِكَي لَا يَضِيعَ مِنْهَا شَيءٌ.» فَجَمَعُوهَا وَمَلأُوا اثْنَتَي عَشْرَةَ سَلَّةً مِنْ كِسَرِ أرغِفَةِ الشَّعِيرِ الخَمْسَةِ الَّتِي فَضَلَتْ عَنِ الَّذِينَ أكَلُوا. وَلَمَّا رَأى النَّاسُ هَذِهِ المُعْجِزَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ، بَدَأُوا يَقُولُونَ: «مِنَ المُؤَكَّدِ أنَّ هَذَا هُوَ النَّبِيُّ الآتِي إلَى العَالَمِ!» وَعَرَفَ يَسُوعُ أنَّهُمْ يُرِيدُونَ إجبَارَهُ عَلَى أنْ يَصِيرَ مَلِكًا، فَذَهَبَ ثَانِيَةً إلَى الجَبَلِ وَحْدَهُ. وَلَمَّا جَاءَ المَسَاءُ، نَزَلَ تَلَامِيذُهُ إلَى البُحَيرَةِ. وَرَكِبُوا قَارِبًا وَاتَّجَهُوا نَحْوَ مَدِينَةِ كَفْرِنَاحُومَ عَلَى الضِّفَّةِ المُقَابِلَةِ. وَكَانَ الظَّلَامُ قَدْ حَلَّ، وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ أتَى إلَيْهِمْ بَعْدُ. وَكَانَتْ أموَاجُ البُحَيرَةِ تَتَعَاظَمُ بِسَبَبِ هُبُوبِ رِيحٍ قَوِيَّةٍ. وَبَعْدَ أنْ قَطَعُوا نَحْوَ ثَلَاثَةَ أوْ أرْبَعَةَ أميَالٍ، رَأوْا يَسُوعَ مَاشِيًا عَلَى مِيَاهِ البُحَيرَةِ. وَكَانَ يَقْتَرِبُ مِنَ القَارِبِ، فَخَافُوا! لَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُمْ: «هَذَا أنَا! فَلَا تَخَافُوا.» فَصَارُوا رَاغِبِينَ بِأنْ يُدْخِلُوهُ إلَى القَارِبِ. وَوَصَلَ القَارِبُ فَوْرًا إلَى المَكَانِ الَّذِي كَانُوا مُتَّجِهِينَ إلَيْهِ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، انتَبَهَ النَّاسُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ البُحَيرَةِ إلَى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا قَارِبٌ وَاحِدٌ، وَأنَّ يَسُوعَ لَمْ يَرْكَبْهُ مَعَ تَلَامِيذِهِ، بَلْ إنَّ تَلَامِيذَهُ ذَهَبُوا وَحْدَهُمْ. لَكِنَّ بَعْضَ القَوَارِبِ مِنْ طَبَرِيَّةَ رَسَتْ قُرْبَ المَكَانِ الَّذِي أكَلُوا فِيهِ الخُبْزَ، بَعْدَ أنْ شَكَرَ الرَّبُّ يَسُوعُ اللهَ عَلَيْهِ. وَعِنْدَمَا أدرَكَ النَّاسُ أنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَا تَلَامِيذُهُ، رَكِبُوا تِلْكَ القَوَارِبَ وَذَهَبُوا إلَى مَدِينَةِ كَفْرِنَاحُومَ بَاحِثِينَ عَنْ يَسُوعَ. فَوَجَدُوا يَسُوعَ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ البُحَيرَةِ، فَسَألُوهُ: «مَتَى وَصَلْتَ إلَى هُنَا يَا مُعَلِّمُ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: أنْتُمْ لَا تَبْحَثُونَ عَنِّي لِأنَّكُمْ رَأيْتُمُ المُعجِزَاتِ، بَلْ لِأنَّكُمْ أكَلْتُمْ مِنَ الخُبْزِ وَشَبِعْتُمْ. لَا تَعْمَلُوا مِنْ أجْلِ الطَّعَامِ الَّذِي يَفْسَدُ، بَلْ مِنْ أجْلِ الطَّعَامِ الَّذِي يَدُومُ وَيُعْطِي حَيَاةً أبَدِيَّةً. وَابْنُ الإنْسَانِ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ أنْ يُعْطِيَكُمْ هَذَا الطَّعَامَ، لِأنَّ اللهَ الآبَ قَدْ وَضَعَ عَلَى ابْنِ الإنْسَانِ خَتْمَ مُوافَقَتِهِ.» فَسَألُوهُ: «فَمَاذَا نَفْعَلُ لِكَي نَعْمَلَ الأعْمَالَ الَّتِي يَطْلُبُهَا اللهُ؟» أجَابَهُمْ يَسُوعُ: «العَمَلُ الَّذِي يَطْلُبُهُ اللهُ هُوَ أنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذِي أرسَلَهُ.» فَسَألُوهُ: «فَمَا المُعجِزَةُ الَّتِي تُبَرْهِنُ بِهَا كَلَامَكَ فَنَرَاهَا وَنُؤْمِنُ بِكَ؟ مَاذَا تَسْتَطِيعُ أنْ تَعْمَلَ؟ فَقَدْ أكَلَ آبَاؤُنَا المَنَّ فِي البَرِّيَّةِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: ‹أعطَاهُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ لِيَأْكُلُوا.› » فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكمْ: لَيْسَ مُوسَى هُوَ الَّذِي أعطَاكُمُ الخُبْزَ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ إنَّ أبِي هُوَ الَّذِي يُعْطِيكُمُ الخُبْزَ الحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ. فَالخُبْزُ الَّذِي يُعْطِيهِ اللهُ هُوَ ذَاكَ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَهُوَ يُعْطِي حَيَاةً لِلعَالَمِ.» فَقَالُوا لَهُ: «أعْطِنَا يَا سَيِّدُ مِنْ ذَلِكَ الخُبْزِ دَائِمًا.» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أنَا هُوَ الخُبْزُ المُحْيِي. فَالَّذِي يَأتِي إلَيَّ لَنْ يَجُوعَ أبَدًا، وَالَّذِي يُؤمِنُ بِي لَنْ يَعْطَشَ أبَدًا. لَكِنِّي قُلْتُ لَكُمْ إنَّكُمْ رَأيْتُمُونِي وَمَا زِلْتُمْ لَا تُؤْمِنُونَ. وَلَكِنْ سَيَأْتِي إلَيَّ كُلُّ مَنْ وَهَبَهُ لِيَ الآبُ، وَأنَا لَا أرفُضُ مَنْ يَأتِي إلَيَّ. لَمْ أنزِلْ مِنَ السَّمَاءِ لِأعْمَلَ إرَادَتِي، بَلْ لِأعْمَلَ إرَادَةَ الَّذِي أرْسَلَنِي. وَإرَادَةُ الَّذِي أرْسَلَنِي هِيَ أنْ لَا أفْقِدَ أحَدًا مِنَ الَّذِينَ وَهَبَهُم لِي، بَلْ أنْ أُقِيمَهُمْ جَمِيعًا لِلحَيَاةِ فِي اليَوْمِ الأخِيرِ. فَهَذِهِ هِيَ إرَادَةُ أبِي: أنْ يَنَالَ كُلُّ مَنْ يَرَى الاِبْنَ وَيُؤمِنُ بِهِ حَيَاةً إلَى الأبَدِ. وَأنَا سَأُقِيمُهُ لِلحَيَاةِ فِي اليَوْمِ الأخِيرِ.» فَبَدَأ اليَهُودُ يَتَذَمَّرُونَ مِنْهُ لِأنَّهُ قَالَ: «أنَا هُوَ الخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ.» وَقَالُوا: «ألَيْسَ هَذَا يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ؟ ألَا نَعْرِفُ أبَاهُ وَأُمَّهُ؟ فَكَيْفَ يَقُولُ الآنَ إنَّهُ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «كَفَى تَذَمُّرًا فِيمَا بَيْنَكُمْ. لَا يُمْكِنُ لِأحَدٍ أنْ يَأْتِيَ إلَيَّ إنْ لَمْ يَجْذِبْهُ إلَيَّ الآبُ الَّذِي أرْسَلَنِي. وَفِي اليَوْمِ الأخِيرِ، أنَا سَأُقِيمُهُ. فَقَدْ كَتَبَ الأنْبِيَاءُ: ‹وَسَيَكُونُونَ جَمِيعًا مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ.› فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ لِلآبِ وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ يَأتِي إلَيَّ. لَا يَعْنِي هَذَا أنَّ أحَدًا قَدْ رَأى الآبَ. فَالوَحِيدُ الَّذِي رَأى الآبَ هُوَ الَّذِي جَاءَ مِنَ اللهِ. «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: مَنْ يُؤمِنُ فَلَهُ حَيَاةٌ أبَدِيَّةٌ. أنَا هُوَ الخُبْزُ المُحْيِي. أكَلَ آبَاؤُكُمُ المَنَّ فِي البَرِّيَّةِ، غَيْرَ أنَّهُمْ مَاتُوا. أمَّا مَنْ يَأْكُلُ هَذَا الخُبْزَ النَّازِلَ مِنَ السَّمَاءِ فَلَنْ يَمُوتَ أبَدًا. أنَا هُوَ الخُبْزُ الحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إنْ أكَلَ أحَدٌ هَذَا الخُبْزَ فَسَيَحْيَا إلَى الأبَدِ. وَالخُبْزُ الَّذِي سَأُعْطِيهِ هُوَ جَسَدِي مِنْ أجْلِ أنْ يَحْيَا العَالَمُ.» فَبَدَأ اليَهُودُ يَتَجَادَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَقُولُونَ: «كَيْفَ يُمْكِنُهُ أنْ يُعْطِيَنَا جَسَدَهُ لِنَأكُلَهُ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: يَنْبَغِي أنْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، وَإلَّا فَلَنْ تَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِي دَاخِلِكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي لَهُ حَيَاةٌ أبَدِيَّةٌ، وَأنَا سَأُقِيمُهُ فِي اليَوْمِ الأخِيرِ. جَسَدِي طَعَامٌ حَقِيقِيٌّ، وَدَمِي شَرَابٌ حَقِيقِيٌّ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي يَسْكُنُ فِيَّ، وَأنَا أسْكُنُ فِيهِ. «الآبُ الحَيُّ أرْسَلَنِي، وَأنَا أحيَا بِالآبِ. هَكَذَا أيْضًا، مَنْ يَأْكُلُنِي فَسَيَحْيَا بِي. هَذَا هُوَ الخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. وَهُوَ يَخْتَلِفُ عَنِ المَنِّ الَّذِي أكَلَهُ آبَاؤُكُمْ وَمَعَ ذَلِكَ مَاتُوا، فَمَنْ يَأْكُلُ هَذَا الخُبْزَ سَيَحْيَا إلَى الأبَدِ.» قَالَ يَسُوعُ هَذِهِ الأُمُورَ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي مَجْمَعِ مَدِينَةِ كَفْرِنَاحُومَ. وَإذْ سَمِعَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلَامِيذِهِ هَذَا الكَلَامَ، قَالُوا: «هَذَا تَعْلِيمٌ صَعْبٌ! مَنْ يَسْتَطِيعُ احتِمَالَ الاسْتِمَاعِ إلَيْهِ؟» فَعَرَفَ يَسُوعُ فِي دَاخِلِهِ أنَّهُمْ يَتَذَمَّرُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: «هَلْ يَصْدُمُكُمْ هَذَا الكَلَامُ؟ فَمَاذَا لَوْ أنَّكُمْ رَأيْتُمُ ابْنَ الإنٍسَانِ صَاعِدًا إلَى حَيْثُ كَانَ مِنْ قَبْلُ؟ لَا يَقْدِرُ الجَسَدُ أنْ يُعْطِيَ الحَيَاةَ، بَلِ الرُّوحُ. وَالكَلَامُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ، لِذَلِكَ هُوَ يُعْطِي الحَيَاةَ. لَكِنَّ بَعْضًا مِنْكُمْ لَا يُؤمِنُ.» قَالَ يَسُوعُ هَذَا لِأنَّهُ عَرَفَ مُنْذُ البِدَايَةِ مَنْ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤمِنُوا بِهِ، وَعَرَفَ مَنِ الَّذِي سَيَخُونُهُ. وَتَابَعَ يَسُوعُ كَلَامَهُ فَقَالَ: «لِهَذَا قُلْتُ لَكُمْ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأحَدٍ أنْ يَأْتِيَ إلَيَّ مَا لَمْ يُعْطِهِ الآبُ إمْكَانِيَّةَ ذَلِكَ.» وَمِنْ هَذَا الوَقْتِ تَرَاجَعَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَلَمْ يَعُودُوا يَتْبَعُونَهُ. فَقَالَ يَسُوعُ لِلاثْنَي عَشَرَ تِلْمِيذًا: «أتُرِيدُونَ أنْتُمْ أيْضًا أنْ تَذْهَبُوا؟» فَأجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «إلَى مَنْ يُمْكِنُ أنْ نَذْهَبَ يَا رَبُّ، فَالكَلَامُ الَّذِي يَقُودُ إلَى الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ عِنْدَكَ؟ وَنَحْنُ نُؤْمِنُ وَنَعْرِفُ أنَّكَ قُدُّوسُ اللهِ.» فَقَالَ يَسُوعُ: «أنْتُمُ الِاثنَيْ عَشْرَ، ألَمْ أخْتَرْكُمْ أنَا؟ غَيْرَ أنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ إبْلِيسُ!» وَكَانَ يَقْصِدُ يَهُوذَا بْنَ سِمْعَانَ الإسْخَرْيُوطّيِّ الَّذِي كَانَ وَاحِدًا مِنَ الِاثنَيْ عَشَرَ تِلْمَيذًا، وَهُوَ الَّذِي سَيَخُونُ يَسُوعَ. بَعْدَ ذَلِكَ بَدَأ يَسُوعُ يَتَنَقَّلُ فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ. وَلَمْ يَشَأ أنْ يَتَنَقَّلَ فِي إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ. فَقَدْ كَانَ اليَهُودُ يَسْعَوْنَ إلَى قَتلِهِ. وَكَانَ عِيدُ السَّقَائِفِ اليَهُودِيُّ قَرِيبًا. فَقَالَ إخْوَةُ يَسُوعَ لَهُ: «اتْرُكْ هَذَا المَكَانَ، وَاذْهَبْ إلَى اليَهُودِيَّةِ لِكَي يَتَمَكَّنَ أتبَاعُكَ مِنْ أنْ يَرَوْا الأعْمَالَ الَّتِي تَعْمَلُهَا. إنْ كَانَ أحَدٌ يَسْعَى إلَى الشُّهْرَةِ، فَإنَّهُ لَا يَعْمَلُ مَا يَعْمَلُهُ فِي السِّرِّ. فَإنْ كُنْتَ تَصْنَعُ هَذِهِ المُعجِزَاتِ حَقًّا، أظهِرْ نَفْسَكَ لِلعَالَمِ.» إذْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى إخْوَتُهُ يُؤمِنُونَ بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسوْعُ: «لَمْ يَحِنِ الوَقْتُ المُلَائِمُ لِي بَعْدُ، بَيْنَمَا الوَقْتُ مُلَائِمٌ لَكُمْ دَائِمًا. لَا يَسْتَطِيعُ العَالَمُ أنْ يُبْغِضَكُمْ، لَكِنَّهُ يُبْغِضُنِي لِأنِّي أقُولُ إنَّ أعْمَالَهُ شِرِّيرَةٌ. اذْهَبُوا أنْتُمْ إلَى العِيدِ، أمَّا أنَا فَلَنْ أذهَبَ إلَى هَذَا العِيدِ الآنَ، لِأنَّ وَقْتِي لِمْ يَحِنْ بَعْدُ.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ هَذَا بَقِيَ فِي الجَلِيلِ. وَعِنْدَمَا ذَهَبَ إخْوَتُهُ إلَى العِيدِ، ذَهَبَ هُوَ أيْضًا. غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ عَلَنًا بَلْ فِي الخَفَاءِ. فَكَانَ اليَهُودُ يَبْحَثُونَ عَنْهُ فِي العِيدِ وَيَسْألُونَ: «أيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلُ؟» وَكَانَ هُنَاكَ هَمْسٌ كَثِيرٌ عَنْهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: «هُوَ إنْسَانٌ صَالِحٌ.» بَيْنَمَا قَالَ آخَرُونَ: «لَا بَلْ هُوَ يَخْدَعُ النَّاسَ.» غَيْرَ أنَّ أحَدًا لَمْ يَتَحَدَّثْ عَنْهُ عَلَنًا. فَقَدْ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ قَادَةِ اليَهُودِ. وَلَمَّا كَانَ مُنْتَصَفُ العِيدِ تَقْرِيبًا، ذَهَبَ يَسُوعُ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ وَبَدَأ يُعَلِّمُ. فَدُهِشَ اليَهُودُ وَقَالُوا: «كَيْفَ لِهَذَا الرَّجُلِ أنْ يَعْرِفَ كُلَّ هَذِهِ المَعْرِفَةِ دُونَ أنْ يَتَعَلَّمَ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «مَا أُعَلِّمُهُ لَيْسَ مِنِّي، بَلْ مِنَ الَّذِي أرْسَلَنِي. فَإنْ أرَادَ أحَدٌ مِنْكُمْ أنْ يَفْعَلَ مَا يُرِيدُهُ اللهُ، فَسَيَعْرِفُ إنْ كَانَ تَعْلِيمِي مِنَ اللهِ أمْ مِنْ ذَاتِي. مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ ذَاتِهِ يَسْعَى إلَى تَمْجِيدِ ذَاتِهِ، أمَّا الَّذِي يَسْعَى إلَى تَمْجِيدِ مَنْ أرْسَلَهُ فَهُوَ صَادِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ زِيفٌ. ألَمْ يُعْطِكُمْ مُوسَى الشَّرِيعَةَ؟ لَكِنْ لَا أحَدَ مِنْكُمْ يُطَبِّقُ تِلْكَ الشَّرِيعَةَ. لِمَاذَا تَسْعَوْنَ إلَى قَتلِي؟» فَأجَابَ النَّاسُ: «فِيكَ رُوحٌ شِرِّيرٌ! فَمَنِ الَّذِي يَسْعَى إلَى قَتلِكَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «صَنَعْتُ مُعْجِزَةً وَاحِدَةً يَوْمَ السَّبْتِ فَانْدَهَشْتُمْ جَمِيعًا! لَكِنَّ مُوسَى أعطَاكُمْ وَصِيَّةَ الخِتَانِ، مَعَ أنَّ الخِتَانَ جَاءَ مِنْ آبَائِكُمْ لَا مِنْ مُوسَى. وَهَا أنْتُمْ تَخْتِنُونَ الأطْفَالَ حَتَّى فِي يَوْمِ السَّبْتِ! إذًا يُمْكِنُ لِلإنْسَانِ أنْ يُخْتَنَ يَوْمَ السَّبْتِ لِئَلَّا تُكْسَرَ شَرِيعَةُ مُوسَى. فَلِمَاذَا تَغْضَبُونَ مِنِّي لِأنِّي شَفَيتُ إنْسَانًا بِكَامِلِهِ يَوْمَ السَّبْتِ؟ كُفُّوا عَنِ الحُكْمِ حَسَبَ المَظَاهِرِ، وَاحْكُمُوا حَسَبَ مَا هُوَ صَوَابٌ حَقًّا.» فَقَالَ بَعْضُ أهْلِ القُدْسِ: «ألَيْسَ هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَسْعَوْنَ إلَى قَتلِهِ؟ لَكِنْ هَا هُوَ يَتَحَدَّثُ عَلَنًا، وَهُمْ لَا يَعْمَلُونَ شَيْئًا لَهُ! ألَعَلَّ القَادَةَ اقْتَنَعُوا بِأنَّهُ هُوَ المَسِيحُ؟ لَكِنَّنَا نَعْرِفُ أصْلَ هَذَا الإنْسَانِ، أمَّا حِينَ يَأتِي المَسِيحُ الحَقِيقِيُّ، فَلَنْ يَعْرِفَ أحَدٌ مِنْ أيْنَ يَأتِي.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يُعَلِّمُ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ، رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ: «أنْتُمْ تَعْرِفُونَنِي وَتَعْرِفُونَ مِنْ أيْنَ أنَا. فَأنَا لَمْ آتِ مِنْ نَفْسِي، لَكِنَّ الَّذِي أرْسَلَنِي هُوَ الحَقُّ وَأنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَهُ. أمَّا أنَا فَأعْرِفُهُ لِأنِّي مِنْهُ أتَيْتُ، وَهُوَ الَّذِي أرْسَلَنِي.» حِينَئِذٍ حَاوَلُوا أنْ يَقْبِضُوا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يُمْسِكَهُ لِأنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَانَ بَعْدُ. فَآمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ وَقَالُوا: «عِنْدَمَا يَأتِي المَسِيحُ، لَا يُمْكِنُ أنْ يَصْنَعَ مُعْجِزَاتٍ أكْثَرَ مِمَّا صَنَعَ هَذَا الرَّجُلُ.» وَسَمِعَ الفِرِّيسِيُّونَ مَا كَانَ يَتَهَامَسُ بِهِ النَّاسُ عَنْ يَسُوعَ، فَأرْسَلَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ حُرَّاسًا لِلقَبْضِ عَلَيْهِ. فَقَالَ يَسُوعُ: «سَأبْقَى مَعَكُمْ أيُّهَا النَّاسُ وَقْتًا قَلِيلًا بَعْدُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ سَأعُودُ إلَى الَّذِي أرْسَلَنِي. سَتَبْحَثُونَ عَنِّي، وَلَكِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُونِي لِأنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ أنْ تَذْهَبُوا إلَى حَيْثُ سَأكُونُ.» فَقَالَ قَادَةُ اليَهُودِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «إلَى أيْنَ يَنْوِي الذَّهَابَ فَلَا نَقْدِرَ أنْ نَجِدَهُ؟ ألَعَلَّهُ ذَاهِبٌ لِيُعَلِّمَ المُشَتَّتِينَ مِنْ شَعْبِنَا فِي المُدُنِ اليُونَانِيَّةِ، وَلِيُعَلِّمَ اليُونَانِيِّينَ مِنْ أهْلِ تِلْكَ المَدُنِ؟ فَمَا مَعْنَى قَولُهُ هَذَا: ‹سَتَبْحَثُونَ عَنِّي، لَكِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُونِي لِأنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ أنْ تَذْهَبُوا إلَى حَيْثُ سَأكُونُ›؟» وَفِي اليَوْمِ الأخِيرِ وَالأهَمِّ مِنَ العِيدِ، وَقَفَ يَسُوعُ وَقَالَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: «إنْ عَطِشَ أحَدٌ مِنْكُمْ، فَلْيَأْتِ إلَيَّ وَيَشْرَبْ. وَمَنْ آمَنَ بِي، سَتَفِيضُ مِنْ أعمَاقِهِ أنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ، كَمَا يَقُولُ الكِتَابُ. » قَالَ يَسُوعُ هَذَا عَنِ الرُّوحِ القُدُسِ الَّذِي سَيَنَالُهُ المُؤْمِنُونَ بِهِ. لَكِنْ لِأنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَمَجَّدَ بَعْدُ، فَإنَّ الرُّوحَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُرْسِلَ بَعْدُ. فَلَمَّا سَمِعَ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا الكَلَامَ بَدَأُوا يَقُولُونَ: «هَذَا الرَّجُلُ هُوَ النَّبِيُّ حَقًّا.» وَكَانَ آخَرُونَ يَقُولُونَ: «هَذَا الرَّجُلُ هُوَ المَسِيحُ.» غَيْرَ أنَّ آخَرِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: «أيُعْقَلُ أنْ يَأْتِيَ المَسِيحُ مِنَ الجَلِيلِ؟ ألَا يَقُولُ الكِتَابُ إنَّ المَسِيحَ سَيَكُونُ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، وَإنَّهُ يَأتِي مِنْ بَلْدَةِ بَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ عَاشَ دَاوُدُ؟» فَحَدَثَ انقِسَامٌ بَيْنَ النَّاسِ بِسَبَبِهِ. وَأرَادَ بَعْضُهُمْ أنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يُمْسِكَهُ. فَرَجِعَ حُرَّاسُ الهَيْكَلِ إلَى الفِرِّيسِيِّينَ وَكِبَارِ الكَهَنَةِ. فَسَألَ هَؤُلَاءِ الحُرَّاسَ: «لِمَاذَا لَمْ تُحْضِرُوهُ؟» فَأجَابَ الحُرَّاسُ: «لَمْ يَتَحَدَّثْ إنْسَانٌ بِمِثْلِ هَذَا الكَلَامِ قَطُّ!» فَقَالَ الفِرِّيسِيُّونَ: «هَلْ خُدِعْتُمْ أنْتُمْ أيْضًا؟ هَلْ تَعْرِفُونَ أحَدًا مِنَ القَادَةِ أوِ الفِرِّيسِيِّينَ آمَنَ بِهِ؟ لَكِنَّ أُولَئِكَ النَّاسَ فِي الخَارِجِ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنِ الشَّرِيعَةِ، وَهُمْ تَحْتَ لَعْنَةِ اللهِ!» وَكَانَ نِيقُودِيمُوسُ وَاحِدًا مِنَ الفِرِّيسِيِّينَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ ذَهَبَ إلَى يَسُوعَ سَابِقًا. فَسَألَهُمْ: «هَلْ تَحْكُمُ شَرِيعَتُنَا عَلَى أحَدٍ قَبْلَ الاسْتِمَاعِ إلَيْهِ أوَّلَا وَمَعْرِفَةِ مَا فَعَلَهُ؟» فَأجَابُوهُ: «يَبْدُو أنَّكَ أنْتَ أيْضًا مِنْ أهْلِ الجَلِيلِ؟ ابْحَثْ فِي الكُتُبِ وَلَنْ تَجِدَ شَيْئًا عَنْ نَبِيٍّ يَأتِي مِنَ الجَلِيلِ.» فَذَهَبُوا جَمِيعًا كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَيْتِهِ. أمَّا يَسُوعُ فَذَهَبَ إلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. وَفِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ ذَهَبَ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ ثَانِيَةً حَيْثُ جَاءَ إلَيْهِ الجَمِيعُ، فَجَلَسَ وَبَدَأ يُعَلِّمُهُمْ. وَأحضَرَ مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ امْرأةً أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي. وَجَعَلُوهَا تَقِفُ وَسَطَ النَّاسِ. ثُمَّ قَالُوا لِيَسُوعَ: «يَا مُعَلِّمُ، أُمْسِكَتْ هَذِهِ المَرْأةُ مُتَلَبِّسَةً بِجَرِيمَةِ الزِّنَا. وَقَدْ أوْصَانَا مُوسَى فِي الشَّرِيعَةِ بِأنْ نَرْجُمَ مِثْلَ هَذِهِ المَرْأةِ، فَمَاذَا تَقُولُ أنْتَ؟» قَالُوا هَذَا لِيَمْتَحِنُوهُ، فَيَكُونَ لَهُمْ مَا يَتَّهِمُونَهُ بِهِ. لَكِنَّ يَسُوعَ انْحَنَى وَبَدَأ يَكْتُبُ عَلَى الأرْضِ بِإصْبِعِهِ. وَلَمَّا ألَحُّوا فِي السُّؤَالِ، وَقَفَ وَقَالَ لَهُمْ: «حَسَنًا! مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلَا خَطِيَّةٍ، فَلْيَكُنِ البَادِئَ بِرَمْيِهَا بِحَجَرٍ.» وَانحَنَى مَرَّةً أُخْرَى وَأخَذَ يَكْتُبُ عَلَى الأرْضِ. فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا، بَدَأُوا يُغَادِرُونَ المَكَانَ وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ بَدْءًا بِالأكْبَرِ سِنًّا. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ مَعَ المَرْأةِ الوَاقِفَةِ أمَامَهُ. فَوَقَفَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «أيْنَ هُمْ؟ ألَمْ يَحْكُمْ عَلَيْكِ أحَدٌ؟» قَالَتْ: «لَا أحَدَ يَا سَيِّدُ.» فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلَا أنَا أحْكُمُ عَلَيْكِ. فَاذْهَبِي وَلَا تَعُودِي إلَى الخَطِيَّةِ فِيمَا بَعْدُ.» ثُمَّ وَاصَلَ يَسُوعُ كَلَامَهُ لِلنَّاسِ فَقَالَ: «أنَا هُوَ النُّورُ لِلعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعُنِي لَا يَمْشِي أبَدًا فِي الظُّلْمَةِ، بَلْ يَكُونُ مَعَهُ النُّورُ الَّذِي يَقُودُ إلَى الحَيَاةِ.» فَقَالَ لَهُ الفِرِّيسِيُّونَ: «أنْتَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ، لِذَلِكَ فَإنَّ شَهَادَتَكَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ.» أجَابَهُمْ يَسُوعُ: «مَعَ أنَّنِي أشْهَدُ لِنَفْسِي، فَشَهَادَتِي مَقْبُولَةٌ. لِأنِّي أعْرِفُ مِنْ أيْنَ أتَيْتُ وَإلَى أيْنَ أنَا ذَاهِبٌ، أمَّا أنْتُمْ فَلَا تَعْرِفُونَ مِنْ أيْنَ أتَيْتُ وَلَا إلَى أيْنَ أنَا ذَاهِبٌ. لِذَلِكَ أنْتُمْ تَحْكُمُونَ حَسَبَ مَقَايِيسِ البَشَرِ، لكِنَّنِي لَا أحْكُمُ عَلَى أحَدٍ. وَحَتَّى إنْ حَكَمْتُ، فَإنَّ حُكْمِي صَحِيحٌ. فَأنَا لَا أحْكُمُ وَحْدِي، لَكِنَّ الآبَ الَّذِي أرْسَلَنِي هُوَ مَعِي. مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَتِكُمْ إنَّ شَهَادَةَ شَخْصَينِ مَقْبُولَةٌ. وَأنَا أشْهَدُ لِنَفْسِي وَأبِي الَّذِي أرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي أيْضًا.» فَسَألُوهُ: «وَأينَ أبُوكَ؟» أجَابَ يَسُوعُ: «أنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَنِي وَلَا تَعْرِفُونَ أبِي. وَلَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أبِي أيْضًا.» قَالَ هَذَا الكَلَامَ وَهُوَ قُرْبَ صُنْدُوقِ التَّقْدِمَاتِ بَيْنَمَا كَانَ يُعَلِّمُ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ. وَلَمْ يَقْبِضْ عَلَيْهِ أحَدٌ، لِأنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَانَ بَعْدُ. وَقَالَ لَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى: «أنَا سَأذْهَبُ وَسَتَبْحَثُونَ عَنِّي، لَكِنَّكُمْ سَتَمُوتُونَ وَعَلَيكُمْ ذَنْبُ خَطَايَاكُمْ. وَلَا تَقْدِرُونَ أنْ تَأْتُوا إلَى حَيْثُ أنَا ذَاهِبٌ.» فَبَدَأ قَادَةُ اليَهُودِ يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «أيُعْقَلُ أنَّهُ سَيَقْتُلُ نَفْسَهُ؟ لِأنَّهُ يَقُولُ: ‹لَا تَقْدِرُونَ أنْ تَأْتُوا إلَى حَيْثُ أنَا ذَاهِبٌ.›» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أنْتُمْ مِنْ أسْفَلُ، وَأنَا مِنْ فَوْقُ. أنْتُمْ تَنْتَمُونَ إلَى هَذَا العَالَمِ، وَأنَا لَا أنتَمِي إلَى هَذَا العَالَمِ. لِهَذَا قُلْتُ لَكُمْ إنَّكُمْ سَتَمُوتُونَ وَعَلَيكُمْ ذَنْبُ خَطَايَاكُمْ. إنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أنِّي أنَا هُوَ، فَسَتَمُوتُونَ وَعَلَيكُمْ ذَنْبُ خَطَايَاكُمْ.» فَسَألُوهُ: «مَنْ أنْتَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أخبَرْتُكُمْ مَنْ أنَا مُنْذُ البِدَايَةِ. عِنْدِي أشْيَاءُ كَثِيرَةٌ أقُولُهَا عَنْكُمْ، وَأحْكُمُ بِهَا عَلَيْكُمْ. لَكِنَّ الَّذِي أرْسَلَنِي صَادِقٌ، وَأنَا أُكَلِّمُ النَّاسَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْهُ.» وَلَمْ يُدْرِكُوا أنَّ يَسُوعَ كَانَ يَتَحَدَّثُ إلَيْهِمْ عَنِ الآبِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «عِنْدَمَا تَرْفَعُونَ ابْنَ الإنْسَانِ، سَتَعْرِفُونَ حِينَئِذٍ أنِّي أنَا هُوَ. أنَا لَا أفْعَلُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِي، لَكِنِّي أتَكَلَّمُ تَمَامًا كَمَا عَلَّمَنِي الآبُ. وَالَّذِي أرْسَلَنِي هُوَ مَعِي. لَمْ يَتْرُكْنِي وَحْدِي، لِأنِّي أعمَلُ دَائِمًا مَا يَسُرُّهُ.» وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الأُمُورِ، آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ. فَبَدَأ يَسُوعُ يَقُولُ لِليَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: «إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِتَعْلِيمِي، فَأنْتُمْ تَلَامِيذِي حَقًّا. وَسَتَعْرِفُونَ الحَقَّ، وَالحَقُّ سَيُحَرِّرُكُمْ.» فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: «نَحْنُ أوْلَادُ إبْرَاهِيمَ، وَلَمْ نَكُنْ عَبِيدًا لِأحَدٍ قَطُّ! فَكَيْفَ تَقُولُ إنَّنَا سَنُحَرَّرُ؟» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ يَسْتَمِرُّ فِي عَمَلِ الخَطِيَّةِ هُوَ عَبْدٌ لِلخَطِيَّةِ. وَالعَبْدُ لَا يَبْقَى مَعَ عَائِلَةٍ إلَى الأبَدِ، أمَّا الاِبْنُ فَيَنْتَمِي إلَى عَائِلَتِهِ إلَى الأبَدِ. «فَإنْ حَرَّرَكُمُ الاِبْنُ، تَكُونُونَ حَقًّا أحرَارًا. أنَا أعْرِفُ أنَّكُمْ مِنْ نَسْلِ إبْرَاهِيمَ، لَكِنَّكُمْ تَسْعَوْنَ إلَى قَتلِي لِأنَّهُ لَا مَكَانَ لِتَعْلِيمِي فِيكُمْ. «أنَا أتَحَدَّثُ بِمَا رَأيْتُ مِنْ أبِي، وَأنْتُمْ تَفْعَلُونَ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنْ أبِيكُمْ.» فَقَالُوا لَهُ: «إبْرَاهِيمُ هُوَ أبُونَا!» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ أوْلَادَ إبْرَاهِيمَ لَعَمِلْتُمِ الأشْيَاءَ الَّتِي عَمِلَهَا إبْرَاهِيمُ. لَكِنَّكُمْ تَسْعَوْنَ إلَى قَتلِي، وَأنَا إنْسَانٌ أخبَرَكُم بِالحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ. وَإبْرَاهِيمُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا كَهَذَا. أمَّا أنْتُمْ فَتَعْمَلُونَ أعْمَالَ أبِيكُمْ.» فَقَالُوا لَهُ: «لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا! لَنَا أبٌ وَاحِدٌ هُوَ اللهُ!» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كَانَ اللهُ أبَاكُمْ حَقًّا لأحبَبْتُمُونِي، لِأنِّي جِئْتُ مِنَ اللهِ، وَهَا أنَا هُنَا. لَمْ آتِ مِنْ نَفْسِي، لَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي أرْسَلَنِي. «لِمَاذَا لَا تَفْهَمُونَ مَا أقُولُ؟ ذَلِكَ لِأنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ أنْ تَقْبَلُوا تَعْلِيمِي. أنْتُمْ مِنْ أبِيكُمْ إبْلِيسَ، وَتُرِيدُونَ أنْ تَعْمَلُوا شَهَوَاتِ أبِيكُمْ. لَقَدْ كَانَ قَاتِلًا مُنْذُ البِدَايَةِ. لَمْ يَتَمَسَّكْ بِالحَقِّ، إذْ لَا يُوجَدُ أيُّ حَقٍّ فِيهِ. وَحِينَ يَكْذِبُ، فَإنَّهُ يُعَبِّرُ عَنْ طَبِيعَتِهِ، لِأنَّهُ كَذَّابُ وَأبُو الكَذِبِ. «لَكِنَّكُمْ تَرْفُضُونَ أنْ تُصَدِّقُونِي لِأنِّي أقُولُ الصِّدْقَ. مَنْ مِنْكُمْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُثْبِتَ عَلَيَّ خَطِيَّةً وَاحِدَةً؟ فَمَا دُمْتُ أقُولُ الصِّدْقَ، لِمَاذَا تَرْفُضُونَ أنْ تُصَدِّقُونِي؟ مَنْ كَانَ مِنَ اللهِ فَهَذَا يُصْغِي إلَى كَلَامِ اللهِ. وَأنْتُمْ لَا تُصْغُونَ، لِأنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ اللهِ.» فَأجَابَهُ قَادَةُ اليَهُودِ: «ألَسْنَا مُحِقِّينَ فِي قَولِنَا إنَّكَ سَامِرِيٌّ وَفِيكَ رُوحٌ شِرِّيرٌ؟» أجَابَ يَسُوعُ: «لَيْسَ فِيَّ رُوحٌ شِرِّيرٌ، بَلْ أنَا أُمَجِّدُ أبِي وَأنْتُمْ تُهِينُونَنِي! أنَا لَا أسْعَى إلَى تَمْجِيدِ نَفْسِي، فَهُنَاكَ مَنْ يَطْلُبُ ذَلِكَ لِي وَهُوَ الَّذِي سَيُحَاكِمُ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: إنْ أطَاعَ أحَدٌ تَعْلِيمِي فَلَنْ يَمُوتَ أبَدًا.» فَقَالَ لَهُ قَادَةُ اليَهُودِ: «الآنَ تَأكَّدْنَا أنَّ فِيكَ رُوحًا شِرِّيرًا! فَحَتَّى إبْرَاهِيمُ وَالأنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ مَاتُوا، وَأنْتَ تَقُولَ: ‹إنْ أطَاعَ أحَدٌ تَعْلِيمِي فَلَنْ يَمُوتَ أبَدًا.› فَهَلْ تَزْعُمُ أنَّكَ أعْظَمُ مِنْ أبِينَا إبْرَاهِيمَ؟ فَقَدْ مَاتَ هُوَ، وَمَاتَ الأنْبِيَاءُ أيْضًا. فَمَنْ تَحْسِبُ نَفْسَكَ؟» أجَابَ يَسُوعُ: «إنْ كُنْتُ أُمَجِّدُ نَفْسِي، فَذَلِكَ المَجْدُ لَا يُسَاوِي شَيْئًا. لَكِنَّ الَّذِي يُمَجَّدُنِي هُوَ أبِي الَّذِي تَقُولُونَ إنَّهُ إلَهُكُمْ، بَيْنَمَا أنْتُمْ لَمْ تَعْرِفُوهُ قَطُّ، وَأنَا أعرِفُهُ. وَلَوْ قُلْتُ إنِّي لَا أعرِفُهُ، لَكُنْتُ كَاذِبًا مِثْلَكُمْ. لَكِنِّي أعرِفُهُ بِالفِعْلِ وَأُطِيعُ كَلَامَهُ. أبُوكُمْ إبْرَاهِيمُ ابْتَهَجَ مُتَشَوِّقًا لِأنْ يَرَى يَوْمِي، وَقَدْ رَآهُ وَفَرِحَ.» فَقَالَ لَهُ قَادَةُ اليَهُودِ: «لَمْ تَبْلُغِ الخَمْسِينَ بَعْدُ، وَقَدْ رَأيْتَ إبْرَاهِيمَ؟» قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: قَبْلَ أنْ يَكُونَ إبْرَاهِيمُ، أنَا كَائِنٌ.» عِنْدَ هَذَا التَقَطُوا حِجَارَةً لِيَرْمُوهُ بِهَا، لَكِنَّ يَسُوعَ تَوَارَى عَنْهُمْ وَغَادَرَ سَاحَةَ الهَيْكَلِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ مَاشِيًا، رَأى رَجُلًا أعْمَى مُنْذُ مَولِدِهِ. فَسَألَهُ تَلَامِيذُهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَنِ الَّذِي أخطَأ حَتَّى وُلِدَ هَذَا الرَّجُلُ أعْمَى، أهُوَ أمْ وَالِدَاهُ؟» فَأجَابَ يَسُوعُ: «لَمْ يُولَدْ أعْمَى بِسَبَبِ خَطِيَّتِهِ أوْ خَطِيَّةِ وَالِدَيهِ، بَلْ وُلِدَ أعْمَى لِكَي تَظْهَرَ قُوَّةُ اللهِ فِي شِفَائِهِ. يَنْبَغِي أنْ نَعْمَلَ أعْمَالَ الَّذِي أرْسَلَنِي مَا دَامَ الوَقْتُ نَهَارًا. فَعِنْدَمَا يَأتِي اللَّيْلُ، لَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَعْمَلَ. أنَا النُّورُ لِلعَالَمِ مَا دُمْتُ فِي العَالَمِ.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ هَذَا بَصَقَ عَلَى التُّرَابِ وَصَنَعَ مِنْهُ طِينًا. ثُمَّ وَضَعَ الطِّينَ عَلَى عَينَيِّ الأعمَى وَقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ وَاغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ.» وَمَعْنَى هَذِهِ الكَلِمَةِ «مُرْسَلٌ.» فَذَهَبَ الرَّجُلُ وَاغْتَسَلَ، وَعَادَ مُبْصِرًا. فَرَآهُ جِيرَانُهُ وَالَّذِينَ اعتَادُوا رُؤْيَتَهُ وَهُوَ يَسْتَعْطِي فَقَالُوا: «ألَيْسَ هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟» فَقَالَ بَعْضُهُمْ: «إنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ!» وَقَالَ آخَرُونَ: «لَا، لَيْسَ هُوَ، بَلْ يُشْبِهُهُ.» أمَّا هُوَ فَقَالَ: «أنَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أعْمَى.» حِينَئِذٍ قَالُوا لَهُ: «فَكَيْفَ أبْصَرْتَ؟» فَأجَابَ: «صَنَعَ رَجُلٌ اسْمُهُ يَسُوعُ طِينًا، وَوَضَعَهُ عَلَى عَينَيَّ، وَقَالَ لِي: ‹اذْهَبْ إلَى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وَاغْتَسِلْ.› فَذَهَبْتُ وَاغْتَسَلْتُ فَأبْصَرْتُ.» فَقَالُوا لَهُ: «وَأينَ هُوَ الآنَ؟» قَالَ: «لَا أدْرِي.» فَأخَذُوا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ أعْمَى إلَى الفِرِّيسِيِّينَ. وَكَانَ يَسُوعُ قَدْ صَنَعَ الطِّينَ وَفَتَحَ عَينَيِّ الرَّجُلِ يَوْمَ السَّبْتِ. فَبَدَأ الفِرِّيسِيُّونَ أيْضًا يَسْألُونَهُ كَيْفَ نَالَ بَصَرَهُ. فَقَالَ لَهُمْ: «وَضَعَ يَسُوعُ طِينًا عَلَى عَينَيَّ ثُمَّ اغتَسَلْتُ، وَأنَا الآنَ أُبْصِرُ.» فَقَالَ بَعْضُهُمْ: «لَيْسَ هَذَا الرَّجُلُ مِنَ اللهِ، فَهُوَ لَا يُرَاعِي السَّبْتَ.» وَقَالَ آخَرُونَ: «كَيْفَ يُمْكِنُ لإنْسَانٍ خَاطِئٍ أنْ يَصْنَعَ مُعْجِزَاتٍ كَهَذِهِ؟» فَحَدَثَ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ. فَعَادُوا يَسْألُونَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ أعْمَى: «الآنَ وَقَدْ فَتَحَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَيْنَيْكَ، مَا رَأيُكَ فِيهِ؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: «هُوَ نَبِيٌّ!» وَلَمْ يَشَأ قَادَةُ اليَهُودِ أنْ يُصَدِّقُوا أنَّهُ كَانَ أعْمَى وَأبْصَرَ. فَاسْتَدْعُوا وَالِدَيِّ الرَّجُلِ الَّذِي نَالَ بَصَرَهُ وَسَألُوهُمَا: «أهَذَا ابْنُكُمَا الَّذِي تَقُولَانِ إنَّهُ وُلِدَ أعْمَى؟ فَكَيْفَ يَقْدِرُ أنْ يُبْصِرَ الآنَ؟» فَأجَابَ وَالِدَاهُ: «نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ هَذَا هُوَ ابْنُنَا، وَأنَّهُ وُلِدَ أعْمَى. أمَّا كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُبْصِرَ الآنَ، أوْ مَنِ الَّذِي جَعَلَهُ يُبْصِرُ، فَلَا نَعْلَمُ! اسْألُوهُ فَهُوَ رَجُلٌ بَالِغٌ، وَيُمْكِنُهُ أنْ يَتَحَدَّثَ عَنْ نَفْسِهِ.» قَالَ وَالِدَاهُ ذَلِكَ لِأنَّهُمَا كَانَا يَخْشَيَانِ قَادَةَ اليَهُودِ، إذْ كَانُوا قَدْ قَرَّرُوا أنَّ كُلَّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِأنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ يُحْرَمُ مِنْ دُخُولِ المَجْمَعِ. لِذَلِكَ قَالَا: «هُوَ رَجُلٌ بَالِغٌ فَاسْألُوهُ!» فَاسْتَدْعَى قَادَةُ اليَهُودِ ثَانِيَةً الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ أعْمَى وَقَالُوا لَهُ: «مَجِّدِ اللهَ بِصِدْقِكَ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ الإنْسَانَ خَاطِئٌ.» فَأجَابَهُمْ: «لَا أدرِي إنْ كَانَ خَاطِئًا أمْ لَا، لَكِنِّي أعْلَمُ شَيْئًا وَاحِدًا: كُنْتُ أعْمَى وَأنَا الآنَ أُبْصِرُ!» فَسَألُوهُ: «مَاذَا فَعَلَ بِكَ؟ كَيْفَ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» أجَابَهُمْ: «لَقَدْ سَبَقَ أنْ أخبَرْتُكُمْ، لَكِنَّكُمْ رَفَضْتُمْ أنْ تَسْمَعُونِي! فَلِمَاذَا تُرِيدُونَ أنْ تَسْمَعُوا الآنَ؟ أتُرِيدُونَ أنْ تُصْبِحُوا أتبَاعًا لَهُ؟» فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا: «أنْتَ تَابِعٌ لَهُ! أمَّا نَحْنُ فَأتبَاعُ مُوسَى. نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ اللهَ كَلَّمَ مُوسَى، لَكِنَّنَا لَا نَعْلَمُ مِنْ أيْنَ هَذَا الرَّجُلُ.» فَأجَابَهُمْ: «مَا أغرَبَ هَذَا! فَأنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مِنْ أيْنَ هُوَ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ فَتَحَ عَينَيَّ! وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ اللهَ لَا يَسْتَمِعُ لِلخُطَاةِ، بَلْ يَسْتَمِعُ لِمَنْ يَتَّقِيهِ وَيَعْمَلُ إرَادَتَهُ. وَلَمْ يَسْمَعْ أحَدٌ مِنْ قَبْلُ أنَّ شَخْصًا أعْطَى بَصَرًا لإنْسَانٍ وُلِدَ أعْمَى. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الرَّجُلُ مِنَ اللهِ، لَمَا أمكَنَهُ أنْ يَفْعَلَ شَيْئًا.» فَقَالُوا لَهُ: «أنْتَ كُلُّكَ مَولُودٌ فِي الخَطَايَا، وَرُغْمَ ذَلِكَ تُعَلِّمُنَا؟» وَطَرَدُوهُ خَارِجًا. وَسَمِعَ يَسُوعُ أنَّهُمْ طَرَدُوا الرَّجُلَ، فَوَجَدَهُ وَقَالَ لَهُ: «أتُؤْمِنُ بَابْنِ الإنْسَانِ؟» فَأجَابَهُ الرَّجُلُ: «مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لِكَي أُومِنَ بِهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَقَدْ رَأيْتَهُ بِالفِعْلِ، فَهُوَ الَّذِي تُكَلِّمُهُ الآنَ.» فَقَالَ الرَّجُلُ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ.» وَسَجَدَ لَهُ. وَقَالَ يَسُوعُ: «لَقَدْ جِئْتُ إلَى هَذَا العَالَمِ لِلقَضَاءِ. جِئْتُ لِكَي يَرَى الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ، وَيَعْمَى الَّذِينَ يَرَوْنَ.» فَسَمِعَهُ بَعْضُ الفِرِّيسِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعْهُ، فَقَالُوا لَهُ: «أيَعْنِي هَذَا أنَّنَا نَحْنُ أيْضًا عُمْيَانٌ؟» قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَانًا لَمَا كُنْتُمْ مُذْنِبِينَ، لَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ: ‹إنَّنَا مُبْصِرُونَ.› لِهَذَا فَإنَّ ذَنْبَ خَطَايَاكُمْ بَاقٍ عَلَيْكُمْ.» وَقَالَ يَسُوعُ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: مَنْ لَا يَدْخُلُ حَظِيرَةَ الخِرَافِ مِنَ البَابِ فَهُوَ سَارِقٌ وَخَاطِفٌ. فَهُوَ يَتَسَلَّقُ وَيَدْخُلُ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ. أمَّا الَّذِي يَدْخُلُ مِنَ البَابِ فَهُوَ رَاعِي القَطِيعِ. لَهُ يَفْتَحُ الحَارِسُ، وَتُصْغِي الخِرَافُ إلَى صَوْتِهِ. وَهُوَ يُنَادِي الخِرَافَ الَّتِي لَهُ بِأسْمَائِهَا وَيَقُودُهَا إلَى المَرْعَى. وَبَعْدَ أنْ يُخرِجَهَا كُلَّهَا، يَمْشِي أمَامَهَا، وَهِيَ تَتْبَعُهُ لِأنَّهَا تُمَيِّزُ صَوْتَهُ. لَكِنَّهَا لَا تَتْبَعُ الغَرِيبَ أبَدًا، بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لِأنَّهَا لَا تَعْرِفُ صَوْتَ الغُرَبَاءِ.» رَوَى لَهُمْ يَسُوعُ هَذَا المَثَلَ الرَّمْزِيَّ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مَا قَالَهُ. فَأضَافَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: أنَا هُوَ بَابُ الخِرَافِ. كُلُّ الَّذِينَ جَاءُوا قَبلِي كَانُوا سَرَّاقينَ وَخَاطِفِينَ، وَالخِرَافُ لَمْ تُصْغِ إلَيْهِمْ. أنَا هُوَ البَابُ. فَإنْ دَخَلَ أحَدٌ مِنْ خِلَالِي، يَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعَى. لَا يَأتِي السَّارِقُ إلَّا لِيَسْرِقَ وَيقتُلَ وَيُدَمِّرَ. أمَّا أنَا فَقَدْ جِئْتُ لِكَي تَكُونَ لِلنَّاسِ حَيَاةٌ، وَتَكُونَ لَهُمْ هَذِهِ الحَيَاةُ بِكُلِّ فَيضِهَا. «أنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يُضَحِّي بِحَيَاتِهِ مِنْ أجْلِ الخِرَافِ. أمَّا الأجِيرُ فَلَيْسَ كَالرَّاعِي، وَالخِرَافُ لَيْسَتْ لَهُ. لِهَذَا يَتْرُكُ الخِرَافَ وَيَهْرُبُ حِينَ يَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلًا. فَيَهْجُمُ الذِّئْبُ عَلَى الخِرَافِ وَيُشَتِّتُهَا. وَيَهْرُبُ الأجِيرُ لِأنَّهُ أجِيرٌ وَلَا تَهُمُّهُ الخِرَافُ. «أمَّا أنَا فَإنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ. أعْرِفُ الَّذِينَ لِي، وَالَّذِينَ لِي يَعْرِفُونَنِي، تَمَامًا كَمَا يَعْرِفُنِي الآبُ وَأعرِفُهُ. وَأنَا أُضَحِّي بِحَيَاتِي مِنْ أجْلِ الخِرَافِ. وَعِنْدِي خِرَافٌ أُخْرَى لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أنْ أُحضِرَهَا أيْضًا. وَهِيَ سَتُصْغِي إلَى صَوْتِي، وَيَكُونُ الجَمِيعُ قَطِيعًا وَاحِدًا لَهُ رَاعٍ وَاحِدٌ. لِهَذَا يُحِبُّنِي الآبُ: لِأنَّنِي أُقَدِّمُ حَيَاتِي، لِكَي أسْتَرِدَّهَا ثَانِيَةً. لَا يَأْخُذُهَا أحَدٌ مِنِّي، بَلْ أُقَدِّمُهَا طَوْعًا. لِيَ الحَقُّ فِي أنْ أُقَدِّمَهَا، وَلِيَ الحَقُّ فِي أنْ أسْتَرِدَّهَا. فَقَدْ تَلَقَّيتُ هَذِهِ الوَصِيَّةَ مِنْ أبِي.» وَمَرَّةً أُخْرَى حَدَثَ انقِسَامٌ بَيْنَ اليَهُودِ بِسَبَبِ هَذَا الكَلَامِ. فَقَدْ قَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ: «فِيهِ رُوحٌ شِرِّيرٌ، وَهُوَ مَجْنُونٌ! لِمَاذَا تَسْتَمِعُونَ إلَيْهِ؟» لَكِنَّ آخَرِينَ قَالُوا: «مَا هَذَا بِكَلَامِ شَخْصٍ فِيهِ رُوحٌ شِرِّيرٌ. فَهَلْ يَسْتَطِيعُ رُوحٌ شِرِّيرٌ أنْ يُعْطِيَ بَصَرًا لِلعُمِيَانِ؟» وَبَدَأ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ عِيدُ تَجْدِيدِ الهَيْكَلِ فِي فَصلِ الشِّتَاءِ. وَكَانَ يَسُوعُ مَاشِيًا فِي قَاعَةِ سُلَيْمَانَ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ، فَأحَاطَ بِهِ اليَهُودُ وَقَالُوا لَهُ: «حَتَّى مَتَى سَتُبْقِينَا مُعَلَّقِينَ؟ إنْ كُنْتَ أنْتَ المَسِيحَ، فَقُلْ لَنَا صَرَاحَةً.» أجَابَهُمْ يَسُوعُ: «لَقَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَأنْتُمْ تَرْفُضُونَ أنْ تُصَدِّقُوا. الأعْمَالُ الَّتِي أعمَلُهَا بِاسْمِ أبِي تَشْهَدُ لِي. لَكِنَّكُمْ تَرْفُضُونَ أنْ تُصَدِّقُوا لِأنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي. فَخِرَافِي تُصغِي إلَى صَوْتِي، وَأنَا أعرِفُهَا وَهِيَ تَتْبَعُنِي. وَأنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ أبَدًا، وَلَنْ يَنْتَزِعَهَا أحَدٌ مِنْ يَدِي. الآبُ وَهَبَهَا لِي، وَهُوَ أعْظَمُ مِنَ الجَمِيعِ. وَلَا أحَدَ يَسْتَطِيعُ أنْ يَنْتَزِعَ شَيْئًا مِنْ يَدِ الآبِ. أنَا وَالآبُ وَاحِدٌ.» وَمَرَّةً أُخْرَى التَقَطَ بَعْضُ اليَهُودِ حِجَارَةً لِكَي يَرْجُمُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أرَيتُكُمْ أعْمَالًا صَالِحَةً كَثِيرَةً مِنَ الآبِ، فَعَلَى أيٍّ مِنْ هَذِهِ الأعْمَالِ تُرِيدُونَ أنْ تَرْجُمُونِي؟» أجَابَهُ اليَهُودُ: «لَا نُرِيدُ أنْ نَرْجُمَكَ مِنْ أجْلِ عَمَلٍ صَالِحٍ، بَلْ لِأنَّكَ أهَنْتَ اللهَ. فَمَعْ أنَّكَ إنْسَانٌ، تَجْعَلُ نَفْسَكَ اللهَ!» أجَابَهُمْ يَسُوعُ: «ألَيْسَ مَكْتُوبًا فِي شَرِيعَتِكَمْ: ‹أنَا قُلْتُ إنَّكُمْ آلِهَةٌ›؟ إذَا كَانَ الكِتَابُ قَدْ دَعَا الَّذِينَ تَلَقَّوْا رِسَالَةَ اللهِ آلِهَةً، وَلَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يُشَكِّكَ فِي المَكْتُوبِ، فَهَلْ تَقُولُونَ لِي: ‹أنْتَ تُهِينُ اللهَ،› لِأنِّي قُلْتُ: ‹أنَا ابْنُ اللهِ›؟ لَكِنِّي بِالفِعْلِ ذَاكَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ وَأرْسَلَهُ إلَى العَالَمِ. إنْ لَمْ أكُنْ أعمَلُ أعْمَالَ أبِي، فَلَا تُصَدِّقُونِي. لَكِنِّي أعمَلُهَا. فَإنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي أنَا، صَدِّقُوا الأعْمَالَ. عِنْدَ ذَلِكَ سَتُدْرِكُونَ وَتَعْرِفُونَ أنَّ الآبَ فِيَّ وَأنِّي أنَا فِي الآبِ.» فَحَاوَلُوا مَرَّةً أُخْرَى أنْ يُمْسِكُوهُ، لَكِنَّهُ أفلَتَ مِنْ أيدِيهِمْ. وَرَجِعَ يَسُوعُ إلَى المَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِيهِ مِنْ قَبْلُ، عَلَى الضِّفَّةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَأقَامَ هُنَاكَ. وَجَاءَ إلَيْهِ أشْخَاصٌ كَثِيرُونَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: «لَمْ يَصْنَعْ يُوحَنَّا مُعْجِزَةً وَاحِدَةً، لَكِنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هَذَا الإنْسَانِ صَحِيحٌ!» فَآمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ هُنَاكَ. وَمَرِضَ رَجُلٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ مِنْ قَرْيَةِ بَيْتِ عَنْيَا، وَهِيَ القَرْيَةُ الَّتِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِيهَا مَرْيَمُ وَأُخْتُهَا مَرْثَا. وَمَرْيَمُ هِيَ أُختُ لِعَازَرَ المَرِيضِ، وَهِيَ المَرْأةُ الَّتِي مَسَحَتْ قَدَمَيِّ الرَّبِّ بِالعِطْرِ وَنَشَّفَتْهُمَا بِشَعْرِهَا. فَأرْسَلَتِ الأُختَانِ إلَى يَسُوعَ شَخْصًا يَقُولُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، هَا إنَّ الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ.» فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ذَلِكَ قَالَ: «لَنْ يَنْتَهِيَ هَذَا المَرَضُ بِالمَوْتِ، لَكِنَّهُ لِمَجْدِ اللهِ، وَلِكَي يَتَمَجَّدَ ابْنُ اللهِ بِوَاسِطَتِهِ.» وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُختَهَا وَلِعَازَرَ. فَلَمَّا سَمِعَ أنَّ لِعَازَرَ مَرِيضٌ، مَكَثَ يَوْمَينِ آخَرَينِ حَيْثُ كَانَ. بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: «لِنَرْجِعْ إلَى اليَهُودِيَّةِ.» فَقَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: «يَا مُعَلِّمُ، لَقَدْ حَاوَلَ اليَهُودُ أنْ يَرْجُمُوكَ فِي ذَلِكَ المَكَانِ مُنْذُ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، فَكَيْفَ تَرْجِعُ إلَى هُنَاكَ؟» أجَابَ يَسُوعُ: «ألَيْسَتْ سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَي عَشْرَةَ؟ فَإنْ سَارَ أحَدٌ فِي النَّهَارِ، فَإنَّهُ لَا يَتَعَثَّرُ لِأنَّهُ يَرَى نُورَ هَذَا العَالَمِ. أمَّا إنْ سَارَ أحَدٌ لَيْلًا، فَإنَّهُ يَتَعَثَّرُ لِأنَّهُ بِلَا نُورٍ.» ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «لَقَدْ نَامَ صَدِيقُنَا لِعَازَرُ، لَكِنِّي سَأذْهَبُ لِكَي أُوقِظَهُ.» فَقَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: «يَا رَبُّ، إنِ اسْتَطَاعَ أنْ يَنَامَ، فَسَيَتَعَافَى.» وَكَانَ يَسُوعُ يَتَحَدَّثُ عَنْ مَوْتِ لِعَازَرَ، لَكِنَّهُمْ ظَنُّوا أنَّهُ كَانَ يَتَحَدَّثُ عَنِ النَّوْمِ الطَّبِيعِيِّ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ بِوُضُوحٍ: «مَاتَ لِعَازَرُ. وَأنَا سَعِيدٌ لِأنِّي لَمْ أكُنْ هُنَاكَ، وَذَلِكَ لِكَي تُؤْمِنُوا أنْتُمْ. فَلْنَذْهَبِ الآنَ إلَيْهِ.» فَقَالَ تُومَا، وَيَعْنِي اسْمُهُ «التَّوْأمَ،» لِبَقِيَّةِ التَّلَامِيذِ: «دَعُونَا نَذْهَبُ نَحْنُ أيْضًا لِكَي نَمُوتَ مَعَ السَّيِّدِ.» فَذَهَبَ يَسُوعُ وَوَجَدَ أنَّهُ قَدْ مَضَتْ عَلَى لِعَازَرَ أرْبَعَةُ أيَّامٍ فِي القَبْرِ. وَلَمْ تَكُنْ قَرْيَةُ بَيْتِ عَنْيَا تَبْعُدُ عَنْ مَدِينَةِ القُدْسِ إلَّا نَحْوَ مِيلَينِ. فَجَاءَ كَثِيرٌ مِنَ اليَهُودِ إلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أخِيهِمَا. فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أنَّ يَسُوعَ قَدْ جَاءَ، ذَهَبَتْ لَاسْتِقْبَالِهِ. أمَّا مَرْيَمُ فَبَقِيَتْ فِي البَيْتِ. فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ: «لَوْ كُنْتَ هَنُا يَا سَيِّدُ لَمَا مَاتَ أخِي، لَكِنِّي أعْرِفُ الآنَ أيْضًا أنَّ اللهَ يُعطِيكَ كُلَّ مَا تَطْلُبُهُ مِنْهُ.» فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «سَيَقُومُ أخُوكِ مِنَ المَوْتِ.» فَقَالَتْ لَهُ مَرْثَا: «أنَا أعْرِفُ أنَّهُ سَيَقُومُ مِنَ المَوْتِ فِي القِيَامَةِ، فِي اليَوْمِ الأخِيرِ.» فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أنَا هُوَ القِيَامَةُ وَالحَيَاةُ. مَنْ يُؤمِنُ بِي، وَإنْ مَاتَ، فَسَيَحيَا ثَانِيَةً. وَكُلُّ مَنْ يَحيَا مُؤْمِنًا بِي، فَلَنْ يَمُوتَ أبَدًا. أتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟» قَالَتْ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ، أُومِنُ بِأنَّكَ المَسِيحُ ابْنُ اللهِ الآتِي إلَى هَذَا العَالَمِ.» وَبَعْدَ أنْ قَالَتْ هَذَا، ذَهَبَتْ وَنَادَتْ أُختَهَا مَرْيَمَ وَقَالَتْ لَهَا سِرًّا: «المُعَلِّمُ هُنَا، وَهُوَ يَسْألُ عَنْكِ.» فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْيَمُ هَذَا، قَامَتْ مُسْرِعَةً وَذَهَبَتْ إلَيْهِ. وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ دَخَلَ القَرْيَةَ بَعْدُ، بَلْ كَانَ مَا يَزَالُ فِي المَكَانِ الَّذِي لَاقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا. وَكَانَ بَعْضُ اليَهُودِ مَعَ مَرْيَمَ فِي البَيْتِ يُعَزُّونَهَا. فَلَمَّا رَأوْا أنَّهَا قَامَتْ وَخَرَجَتْ مِنَ البَيْتِ مُسْرِعَةً، لَحِقُوا بِهَا. فَقَدْ ظَنُّوا أنَّهَا ذَاهِبَةٌ إلَى القَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ. وَحِينَ وَصَلَتْ مَرْيَمُ إلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأتْهُ، وَقَعَتْ عِنْدَ قَدَمَيهِ وَقَالَتْ لَهُ: «لَوْ كُنْتَ هُنَا يَا سَيِّدُ لَمَا مَاتَ أخِي.» فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي هِيَ وَاليَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا، تَأثَّرَ فِي رُوحِهِ وَتَضَايَقَ. ثُمَّ قَالَ: «أيْنَ دَفَنْتُمُوهُ؟» فَقَالُوا لَهُ: «تَعَالَ وَانْظُرْ يَا سَيِّدُ.» فَبَكَى يَسُوعُ. فَقَالَ بَعْضُ اليَهُودِ: «انْظُرُوا كَمْ كَانَ يُحِبُّهُ!» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «أمَا كَانَ بِإمْكَانِ الَّذِي أعْطَى الأعمَى بَصَرًا أنْ يَحْفَظَ لِعَازَرَ مِنَ المَوْتِ؟» فَتَأثَّرَ يَسُوعُ فِي نَفْسِهِ ثَانِيَةً. ثُمَّ اقْتَرَبَ مِنَ القَبْرِ، وَكَانَ القَبْرُ مَغَارَةً تَسُدُّ بَابَهَا صَخْرَةٌ. فَقَالَ يَسُوعُ: «أزِيحُوا هَذِهِ الصَّخْرَةَ.» فَقَالَتْ مَرْثَا أُختُ المَيِّتِ: «سَتَكُونُ رَائِحَتُهُ كَرِيهَةً يَا سَيِّدُ، فَقَدْ مَضَتْ عَلَيْهِ أرْبَعَةُ أيَّامٍ.» فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «ألَمْ أقُلْ لَكِ إنْ آمَنْتِ فَسَتَرَينَ مَجْدَ اللهِ؟» ثُمَّ أزَاحُوا الصَّخْرَةَ، فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: «أيُّهَا الآبُ، أشْكُرُكَ لِأنَّكَ سَمِعْتَ لِي. وَأنَا أعْرِفُ أنَّكَ دَائِمًا تَسْمَعُ لِي، لَكِنِّي تَكَلَّمْتُ مِنْ أجْلِ هَؤُلَاءِ النَّاسِ لِكَي يُؤمِنُوا بِأنَّكَ أنْتَ أرْسَلْتَنِي.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ هَذَا، نَادَى بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: «يَا لِعَازَرُ، اخرُجْ!» فَخَرَجَ المَيِّتُ وَقَدْ رُبِطَتْ يَدَاهُ وَرِجلَاهُ بِقُمَاشِ الأكفَانِ، وَكَانَ وَجْهُهُ مَلْفُوفًا بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ يَسُوعُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ.» فَآمَنَ بِيَسُوعَ كَثِيرُونَ مِنَ اليَهُودِ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ مَرْيَمَ وَرَأوْا مَا فَعَلَ. لَكِنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ ذَهَبُوا إلَى الفِرِّيسِيِّينَ وَأخبَرُوهُمْ بِمَا فَعَلَ يَسُوعُ. فَدَعَا كِبَارُ الكَهَنَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ إلَى عَقْدِ المَجلِسِ اليَهُودِيِّ، وَقَالُوا: «مَاذَا سَنَفْعَلُ؟ فَهَذَا الرَّجُلُ يَصْنَعُ مُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةً! فَإذَا تَرَكْنَاهُ، سَيُؤمِنُ بِهِ الجَمِيعُ. وَسَيَأْتِي الرُّومَانُ وَيُدَمِّرُونَ هَيكَلَنَا وَشَعْبَنَا.» وَكَانَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ هُوَ قِيَافَا، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ: «أنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَ شَيْئًا! وَلَا تُدْرِكُونَ أنَّهُ لِمَصلَحَتِنَا أنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ. فَهَذَا أفْضَلُ مِنْ أنْ تَمُوتَ الأُمَّةُ بِكَامِلِهَا.» وَكَانَتْ هَذِهِ نُبُوَّةً بِأنَّ يَسُوعَ سَيَمُوتُ عَنِ الأُمَّةِ. وَلَمْ يَكُنْ قِيَافَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ تنَبَّأ بِذَلِكَ لِأنَّهُ كَانَ رَئِيسَ الكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَلَيْسَ أنَّ يَسُوعَ سَيَمُوتُ عَنِ اليَهُودِ فَحَسْبُ، بَلْ أيْضًا لِيَجْمَعَ كُلَّ أوْلَادِ اللهِ المُتَفَرِّقِينَ فِي شَعْبٍ وَاحِدٍ. وَمُنْذُ ذَلِكَ اليَوْمِ، بَدَأُوا يُخَطِّطُونَ لِقَتلِهِ. فَلَمْ يَعُدْ يَسُوعُ يَتَنَقَّلُ بَيْنَ اليَهُودِ عَلَانِيَةً، لَكِنَّهُ ذَهَبَ إلَى بَلْدَةٍ قَرِيبَةٍ مِنَ البَرِّيَّةِ تُدْعَى أفْرَايِمُ، وَأقَامَ هُنَاكَ مَعَ تَلَامِيذِهِ. وَكَانَ عِيدُ الفِصْحِ اليَهُودِيُّ قَدِ اقْتَرَبَ، فَذَهَبَ كَثِيرُونَ مِنَ الرِّيفِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ قَبْلَ الفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أنْفُسَهُمْ. وَكَانُوا يَبْحَثُونَ عَنْ يَسُوعَ. وَبَيْنَمَا هُمْ وَاقِفُونَ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ، أخَذُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «مَاذَا تَظُنُّونَ؟ ألَنْ يَأْتِيَ إلَى العِيدِ؟» وَكَانَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ قَدْ أصْدَرُوا أوَامِرَهُمْ بِأنَّ عَلَى كُلِّ مَنْ يَعْرِفُ مَكَانَ يَسُوعَ أنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ، لِكَي يَقْبِضُوا عَلَيْهِ. وَقَبْلَ سِتَّةِ أيَّامٍ مِنْ عِيدِ الفِصْحِ، ذَهَبَ يَسُوعُ إلَى بَيْتِ عَنْيَا. وَهِيَ بَلْدَةُ لِعَازَرَ الَّذِي أقَامَهُ يَسُوعُ مِنَ المَوْتِ. وَهُنَاكَ أعَدُّوا لَهُ عَشَاءً، وَكَانَتْ مَرْثَا تُجَهِّزُ الطَّعَامَ. وَكَانَ لِعَازَرُ أحَدَ المُتَّكِئِينَ مَعَ يَسُوعَ. أمَّا مَرْيَمُ فَقَدْ أخَذَتْ قَارُورَةً مِنَ العِطْرِ الثَّمِينِ المَصْنُوعِ مِنْ زَيْتِ نَبَاتِ النَّارِدِينِ النَّقِيِّ وَسَكَبَتْهُ عَلَى قَدَمَي يَسُوعَ، ثُمَّ نَشَّفَتْهُمَا بِشَعْرِهَا. فَامتَلأ البَيتُ كُلُّهُ بِعَبِيرِ العِطْرِ. فَقَالَ أحَدُ تَلَامِيذِ يَسُوعَ – وَهُوَ يَهُوذَا الإسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي سَيَخُونُهُ: «لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هَذَا العِطْرُ بِمَبلَغٍ كَبِيرٍ مِنَ المَالِ يُعْطَى لِلفُقَرَاءِ؟» وَلَمْ يَقُلْ يَهُوذَا ذَلِكَ اهتِمَامًا مِنْهُ بِالفُقَرَاءِ، بَلْ لِأنَّهُ كَانَ سَارِقًا. كَانَ هُوَ الَّذِي يَحْتَفِظُ بِصُنْدُوقِ المَالِ، وَكَانَ يَخْتَلِسُ مِمَّا يُوضَعُ فِيهِ. فَقَالَ يَسُوعُ: «دَعُوهَا وَشَأنَهَا! فَمِنَ الحَسَنِ أنَّهَا احتَفَظَتْ بِهَذَا العِطْرِ لِهَذَا اليَوْمِ، يَوْمِ الإعدَادِ لِدَفْنِي. الفُقَرَاءُ سَيَكُونُونَ عِنْدَكُمْ دَائِمًا، أمَّا أنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ دَائِمًا.» وَعَلِمَ جَمْعٌ كَبِيرٌ مِنَ اليَهُودِ الَّذِينَ جَاءُوا لِلَاحتِفَالِ بِالفِصْحِ أنَّ يَسُوعَ فِي بَيْتِ عَنْيَا. فَجَاءُوا لَا مِنْ أجْلِ يَسُوعَ فَقَطْ، بَلْ أيْضًا لِكَي يَرَوْا لِعَازَرَ الَّذِي أقَامَهُ يَسُوعُ مِنَ المَوْتِ. وَلِهَذَا بَدَأ كِبَارُ الكَهَنَةِ يُخَطِّطُونَ لِقَتلِ لِعَازَرَ أيْضًا. فَبِسَبَبِهِ كَانَ كَثِيرُونَ مِنَ اليَهُودِ يَتْرُكُونَ قَادَتَهُمْ وَيُؤمِنُونَ بِيَسُوعَ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي سَمِعَ الجَمْعُ الكَبِيرُ الَّذِي جَاءَ إلَى عِيدِ الفِصْحِ أنَّ يَسُوعَ قَادِمٌ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. فَحَمَلُوا أغْصَانًا مِنْ شَجَرِ النَّخلِ، وَخَرَجُوا لَاسْتِقْبَالِهِ. وَبَدَأُوا يَهْتِفُونَ: «يَعِيشُ المَلِكُ! مُبَارَكٌ هُوَ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ . مُبَارَكٌ مَلِكُ بَنِي إسْرَائِيلَ!» وَوَجَدَ يَسُوعُ حِمَارًا فَرَكِبَهُ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لَا تَخَافِي أيَّتُهَا العَزِيزَةُ صِهْيَوْنُ، هَا إنَّ مَلِكَكِ آتٍ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ صَغِيرٍ.» وَلَمْ يَفْهَمِ التَّلَامِيذُ أوَّلَ الأمْرِ مَا يَحْدُثُ، لَكِنَّهُمْ تَذَكَّرُوا بَعْدَ أنْ تَمَجَّدَ يَسُوعُ أنَّ هَذِهِ الأُمُورَ مَكْتُوبَةٌ عَنْهُ، وَأنَّهُمْ تَمَّمُوهَا لَهُ. وَكَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ مِنَ النَّاسِ عِنْدَمَا نَادَى يَسُوعُ لِعَازَرَ مِنَ القَبْرِ وَأقَامَهُ مِنَ المَوْتِ. فَكَانُوا يُخبِرُونَ الجَمِيعَ بِمَا حَدَثَ. لِذَلِكَ خَرَجَتْ جُمُوعُ النَّاسِ لِلِقَائِهِ، فَقَدْ سَمِعُوا أنَّهُ هُوَ الَّذِي صَنَعَ تِلْكَ المُعجِزَةَ. فَقَالَ الفِرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «انْظُرُوا! إنَّ خِطَتَنَا لَا تُحَقِّقُ شَيْئًا، فَهَا هُوَ العَالَمُ كُلُّهُ يَتْبَعُهُ!» وَكَانَ بَعْضُ اليُونَانِيِّينَ قَدْ ذَهَبُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِلعِبَادَةِ فِي عِيدِ الفِصْحِ أيْضًا. فَذَهَبُوا إلَى فِيلِبُّسَ، وَهُوَ مِنْ بَلْدَةِ بَيْتِ صَيدَا فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ، وَرَجَوْهُ فَقَالُوا: «يَا سَيِّدُ، نُرِيدُ أنْ نَرَى يَسُوعَ.» فَجَاءَ فِيلِبُّسُ وَأخبَرَ أَنْدَرَاوُسَ. ثُمَّ جَاءَ أندَرَاوُسُ وَفِيلِبُّسُ وَأخبَرَا يَسُوعَ. فَقَالَ يَسُوعُ: «آنَ الأوَانُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإنْسَانِ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: يَنْبَغِي أنْ تَقَعَ حَبَّةُ القَمْحِ عَلَى الأرْضِ وَتَمُوتَ، وَإلَّا فَإنَّهَا تَظَلُّ حَبَّةً وَحِيدَةً. لَكِنَّهَا إنْ وَقَعَتْ عَلَى الأرْضِ وَمَاتَتْ، فَإنَّهَا تُنتِجُ ثَمَرًا كَثِيرًا. مَنْ يَتَعَلَّقُ بِحَيَاتِهِ يَخْسَرُهَا، أمَّا الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِحَيَاتِهِ فِي هَذَا العَالَمِ فَسَيَحْفَظُهَا لِلحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ. فَلْيَتْبَعْنِي مَنْ يُرِيدُ أنْ يَخْدِمَنِي. وَحَيْثُ أكُونُ أنَا، سَيَكُونُ خَادِمِي أيْضًا. إنْ كَانَ أحَدٌ يَخْدِمُنِي، فَسَيُكْرِمُهُ الآبُ.» «الآنَ تَتَضَايَقُ نَفْسِي، فَمَاذَا أقُولُ؟ أأقُولُ نَجِّنِي أيُّهَا الآبُ مِنْ سَاعَةِ الألَمِ هَذِهِ؟ لَكِنِّي جِئْتُ مِنْ أجْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ. فَمَجِّدِ اسْمَكَ أيُّهَا الآبُ.» فَجَاءَ مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ يَقُولُ: «لَقَدْ مَجَّدْتُهُ، وَسَأُمَجِّدُهُ أيْضًا.» وَكَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ مِنَ النَّاسِ، فَسَمِعُوا الصَّوْتَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «هَذَا صَوْتُ الرَّعْدِ.» وَقَالَ آخَرُونَ: «بَلْ كَلَّمَهُ مَلَاكٌ!» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «لَمْ يَأْتِ هَذَا الصَّوْتُ مِنْ أجْلِي أنَا، بَلْ مِنْ أجْلِكُمْ أنْتُمْ. الآنَ هُوَ وَقْتُ الحُكْمِ عَلَى هَذَا العَالَمِ. الآنَ سَيُطْرَدُ حَاكِمُ هَذَا العَالَمِ خَارِجًا. وَإذَا رُفِعْتُ عَنِ الأرْضِ، سَأجذِبُ الجَمِيعَ إلَيَّ.» قَالَ هَذَا مُشِيرًا إلَى المِيتَةِ الَّتِي سَيَمُوتُهَا. فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: «لَقَدْ سَمِعْنَا مِنَ الشَّرِيعَةِ أنَّ المَسِيحَ سَيَبْقَى إلَى الأبَدِ، فَكَيْفَ تَقُولُ إنَّهُ يَنْبَغِي لابْنِ الإنْسَانِ أنْ يُرْفَعَ؟ إذًا أيُّ ابْنِ إنْسَانٍ هَذَا؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «سَيَبْقَى النُّورُ مَعْكُمْ زَمَانًا قَصِيرًا بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ النُّورُ مَعْكُمْ، وَقَبْلَ أنْ تُدرِكَكُمُ الظُّلْمَةُ. لِأنَّ السَّائِرَ فِي الظُّلمَةِ لَا يَعْلَمُ إلَى أيْنَ يَتَّجِهُ. آمِنُوا بِالنُّورِ مَا دَامَ مَعَكُمْ، فَتَصِيرُوا أوْلَادَ النُّورِ.» قَالَ يَسُوعُ هَذَا وَمَضَى وَتَوَارَىْ عَنْهُمْ. صَنَعَ يَسُوعُ كُلَّ هَذِهِ المُعجِزَاتِ أمَامَهُمْ. لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَرْفُضُونَ أنْ يُؤمِنُوا بِهِ. فَصَحَّ فِيهِمْ قَولُ النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ: «يَا رَبُّ، مَنِ الَّذِي صَدَّقَ رِسَالَتَنَا، وَلِمَنْ أُظهِرَتْ قُوَّةُ الرَّبِّ ؟» وَلَمْ يَكُنْ بِإمكَانِهِمْ أنْ يُؤمِنُوا، فَإشَعْيَاءُ قَالَ أيْضًا: «قَدْ أعْمَى اللهُ عُيُونَهُمْ، وَقَسَّى قُلُوبَهُمْ. فَلَا يَقْدِرُونَ أنْ يُبصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَلَا أنْ يَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ، لِكَيْ لَا يَرْجِعُوا إلَيَّ فَأَشْفِيَهُمْ.» قَالَ إشَعْيَاءُ هَذَا لِأنَّهُ رَأى مَجْدَ يَسُوعَ وَتَحَدَّثَ عَنْهُ. وَمَعَ ذَلِكَ، كَانَ هُنَاكَ كَثِيرُونَ قَدْ آمَنُوا بِهِ مِنْ قَادَةِ اليَهُودِ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يُجَاهِرُوا بِإيمَانِهِمْ خَوْفًا مِنَ الفِرِّيسِيِّينَ، لِأنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ أنْ يُحرَمُوا مِنْ دُخُولِ المَجْمَعِ. فَقَدْ كَانُوا يُحِبُّونَ إكرَامَ النَّاسِ لَهُمْ أكْثَرَ مِنْ إكرَامِ اللهِ. وَقَالَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: «مَنْ يُؤمِنُ بِي، فَإنَّهُ لَا يُؤمِنُ بِي أنَا، بَلْ يُؤمِنُ بِذَاكَ الَّذِي أرْسَلَنِي. وَمَنْ يَرَانِي يَرَى ذَاكَ الَّذِي أرْسَلَنِي. لَقَدْ جِئْتُ نُورًا لِلعَالَمِ، فَكُلُّ مَنْ يُؤمِنُ بِي لَا يَبْقَى فِي الظُّلْمَةِ. «إنْ سَمِعَ أحَدٌ كَلَامِي وَلَمْ يُطِعْهُ، فَإنِّي لَا أحْكُمُ عَلَيْهِ. فَأنَا لَمْ آتِ لِكَي أحْكُمَ عَلَى العَالَمِ، بَلْ جِئْتُ لِأُخَلِّصَ العَالَمَ. وَمَنْ يَرْفُضُنِي وَيَرْفُضُ أنْ يَقْبَلَ كَلَامِي، فَهُنَاكَ مَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ: الرِّسَالَةُ الَّتِي عَلَّمْتُهَا هِيَ الَّتِي سَتَحْكُمُ عَلَيْهِ فِي اليَوْمِ الأخِيرِ. فَأنَا لَمْ أتَكَلَّمْ مِنْ عِندِي، بَلِ الآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أرْسَلَنِي هُوَ الَّذِي أوصَانِي بِمَا أقُولُ وَبِمَا أتَكَلَّمُ. وَأنَا أعْلَمُ أنَّ وَصِيَّتَهُ تُؤَدِّي إلَى الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ. فَمَا أتَكَلَّمُ بِهِ الآنَ، إنَّمَا أتَكَلَّمُ بِهِ كَمَا تَكَلَّمَ بِهِ الآبُ إلَيَّ.» كَانَ عِيدُ الفِصْحِ قَرِيبًا. وَكَانَ يَسُوعُ يَعْرِفُ أنَّ الوَقْتَ قَدْ حَانَ لِيُغَادِرَ هَذَا العَالَمَ وَيَذْهَبَ إلَى الآبِ. وَإذْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ مَحَبَّتَهُ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا لَهُ فِي العَالَمِ، أرَادَ الآنَ أنْ يُظهِرَهَا فِي أقصَاهَا. كَانُوا يَتَعَشَّوْنَ، وَكَانَ إبْلِيسُ قَدْ وَضَعَ فِي ذِهنِ يَهُوذَا بْنِ سِمعَانَ الإسْخَريُوطِيِّ أنْ يَخُونَ يَسُوعَ. وَمَعَ أنَّ يَسُوعَ كَانَ يَعْلَمُ أنَّ الآبَ قَدْ أعطَاهُ سُلطَانًا عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَأنَّهُ جَاءَ مِنَ اللهِ وَأنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْهِ، قَامَ عَنِ العَشَاءِ، وَخَلَعَ رِدَاءَهُ. ثُمَّ أخَذَ مِنشَفَةً وَرَبَطَهَا حَوْلَ خَصْرِهِ. ثُمَّ سَكَبَ مَاءً فِي وِعَاءٍ لِلَاغتِسَالِ. وَبَدَأ يَغْسِلُ أقْدَامَ التَّلَامِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالمِنشَفَةِ المَربُوطَةِ حَوْلَ خَصْرِهِ. وَعِنْدَمَا جَاءَ إلَى سِمعَانَ بُطْرُسَ، قَالَ بُطرُسُ لِيَسُوعَ: «هَلْ سَتَغْسِلُ أنْتَ يَا رَبُّ قَدَمَيَّ؟» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «أنْتَ لَا تَفْهَمُ الآنَ مَا أفْعَلُ، لَكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ.» فَقَالَ بُطرُسُ: «لَنْ تَغْسِلَ قَدَمَيَّ أبَدًا!» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «إنْ لَمْ أغسِلْكَ، فَلَا مَكَانَ لَكَ مَعِي.» قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطرُسُ: «إذًا لَا تَغْسِلْ قَدَمَيَّ فَقَطْ يَا رَبُّ، بَلْ يَدَيَّ وَرَأسِي أيْضًا!» فَقَالَ يَسُوعُ: «مَنِ استَحَمَّ فَهُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ، وَلَا يَحتَاجُ أنْ يَغْسِلَ إلَّا قَدَمَيهِ. وَأنْتُمْ طَاهِرُونَ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ.» فَلِأنَّهُ عَرَفَ الَّذِي سَيَخُونُهُ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ.» وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ غَسلِ أقْدَامِهِمْ، لَبِسَ رِدَاءَهُ، وَاتَّكَأ ثَانِيَةً وَقَالَ لَهُمْ: «هَلْ تَفْهَمُونَ مَا فَعَلْتُهُ لَكُمْ؟ أنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَأنْتُمْ مُصِيبُونَ لِأنَّنِي كَذَلِكَ. فَمَا دُمتُ وَأنَا المُعَلِّمُ وَالسَّيِّدُ قَدْ غَسَلْتُ أقْدَامَكُمْ، فَعَلَيكُمْ أنْ تَغْسِلُوا بَعْضُكُمْ أقْدَامَ بَعْضٍ. لَقَدْ أرَيتُكُمْ مِثَالًا لِكَي تَفْعَلُوا لِلآخَرِينَ مَا فَعَلْتُهُ لَكُمْ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: مَا مِنْ عَبدٍ أعْظَمُ مِنْ سَيِّدِهِ، وَمَا مِنْ رَسُولٍ أعْظَمُ مِنَ الَّذِي أرسَلَهُ. فَمَا دُمتُمْ تَعْرِفُونَ هَذِهِ الأشْيَاءَ، فَهَنِيئًا لَكُمْ إذَا مَا عَمِلْتُمْ بِهَا.» «أنَا لَا أقصِدُكُمْ جَمِيعًا بِحَدِيثِي هَذَا، فَأنَا أعْرِفُ الَّذِينَ اختَرْتُهُمْ. لَكِنْ لَا بُدَّ أنْ يَتَحَقَّقَ مَا قَالَهُ الكِتَابُ: ‹الَّذِي أكَلَ خُبْزِي انقَلَبَ ضِدِّي. › «هَا أنَا أُخبِرُكُمْ بِهَذَا الآنَ قَبْلَ أنْ يَحْدُثَ. وَذَلِكَ لِكَي تُؤمِنُوا حِينَ يَحْدُثُ أنِّي أنَا هُوَ. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: مَنْ يُرَحِّبُ بِمَنْ أُرسِلُهُ، فَإنَّهُ يُرَحِّبُ بِي. وَمَنْ يُرَحِّبُ بِي، فَإنَّهُ يُرَحِّبُ بِالَّذِي أرْسَلَنِي.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ يَسُوعُ هَذَا، شَعَرَ بِضِيقٍ شَدِيدٍ وَقَالَ بِوُضُوحٍ: «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: سَيَخُونُنِي وَاحِدٌ مِنْكُمْ.» فَأخَذَ تَلَامِيذُهُ يَتَبَادَلُونَ النَّظَرَاتِ مُتَحَيِّرِينَ فِي مَنْ قَصَدَهُ بِكَلَامِهِ. وَكَانَ أحَدُ تَلَامِيذِ يَسُوعَ مُتَّكِئًا قُربَهُ، وَهُوَ التِّلمِيذُ الَّذِي يُحِبُّهُ يَسُوعُ. فَأشَارَ إلَيْهِ سِمْعَانُ بُطرُسُ لِيَسألَ يَسُوعَ عَنِ المَقصُودِ بِكَلَامِهِ. فَمَالَ ذَلِكَ التِّلمِيذُ عَلَى صَدرِ يَسُوعَ وَسَألَهُ: «مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ؟» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «هُوَ الَّذِي أُعْطِيهِ قِطْعَةَ الخُبْزِ الَّتِي أغْمِسُهَا.» فَغَمَسَ يَسُوعُ قِطْعَةَ الخُبْزِ فِي الطَّبَقِ، وَأخَذَهَا وَأعْطَاهَا لِيَهُوذَا بْنِ سِمعَانَ الإسْخَريُوطِيِّ. وَبَعْدَ أنْ أكَلَ يَهُوذَا قِطْعَةَ الخُبْزِ، دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ يَسُوعُ لِيَهُوذَا: «أسرِعْ فَافْعَلْ مَا سَتَفْعَلُهُ.» وَلَمْ يَفْهَمْ أحَدٌ مِنَ المُتَّكِئِينَ لِمَاذَا قَالَ يَسُوعُ هَذَا لَهُ. فَقَدْ كَانَ صُندُوقُ المَالِ مَعَ يَهُوذَا، فَظَنَّ بَعْضُهُمْ أنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: «اشْتَرِ مَا نَحتَاجُ إلَيْهِ لِلعِيدِ.» أوْ ظَنُّوا أنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ أنْ يُعطِيَ شَيْئًا لِلفُقَرَاءِ. وَهَكَذَا أكَلَ يَهُوذَا قِطْعَةَ الخُبْزِ وَخَرَجَ فَوْرًا. وَكَانَ الوَقْتُ لَيْلًا. وَبَعْدَ أنْ غَادَرَ يَهُوذَا، قَالَ يَسُوعُ: «الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإنْسَانِ، وَتَمَجَّدَ اللهُ فِيهِ. وَمَا دَامَ اللهُ قَدْ تَمَجَّدَ فِيهِ، فَسَيُمَجِّدُهُ اللهُ فِي ذَاتِهِ، وَسَيَفْعَلُ ذَلِكَ سَرِيعًا. «يَا أبنَائِي، سَأبقَى مَعَكُمْ فَترَةً قَصِيرَةً بَعْدُ، وَسَتَبْحَثُونَ عَنِّي. وَمَا قُلْتُهُ لِليَهُودِ أقُولُهُ الآنَ لَكُمْ: لَا تَسْتَطِيعُونَ أنْ تَأْتُوا إلَى حَيْثُ أنَا ذَاهِبٌ. لِهَذَا هَا أنَا أُعْطِيكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، وَهِيَ أنْ تُحِبُّوا بَعْضَكُمْ بَعْضًا كَمَا أحبَبْتُكُمْ أنَا. أظهِرُوا مَحَبَّةً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ. فَبِهَذَا سَيَعْرِفُ الجَمِيعُ أنَّكُمْ تَلَامِيِّذِي.» فَقَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «إلَى أيْنَ أنْتَ ذَاهِبٌ يَا ربُّ؟» فأجَابَهُ يَسُوعُ: «لَا تَقْدِرُ أنْ تَتْبَعَنِي الآنَ إلَى حيثُ أنَا ذَاهِبٌ، لكنَّكَ ستَتْبَعُنِي فِيمَا بَعْدُ.» فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لمِاذَا لَا أقدِرُ أنْ أتبَعَكَ الآنَ يَا رَبُّ؟ فأنَا مُسْتَعِدٌ أنْ أُضَحِّيَ بِحيَاتِي مِنْ أجْلِكَ!» أجَابَ يَسوعُ: «هلْ أنْتَ مُسْتَعِدٌ حَقًّا أنْ تُضَحِّيَ بِحيَاتِكَ مِنْ أجْلِي؟ أقُولُ لكَ الحَقَّ: قَبْلَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ، سَتَكُونُ قدْ أنكَرتَنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ!» «لَا يَنْبَغِي أنْ تَضْطَرِبَ قُلُوبُكُمْ. آمِنُوا بِاللهِ دَائِمًا وَآمِنُوا بِي. فِي بَيْتِ أبِي غُرَفٌ كَثِيرَةٌ. وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الأمْرُ كَذَلِكَ، لأخبَرْتُكُمْ. أنَا ذَاهِبٌ إلَى هُنَاكَ لِأُهَيِّئَ مَكَانًا لَكُمْ. وَبَعْدَ أنْ أذْهَبَ وَأُهَيِّئَ لَكُمُ المَكَانَ، سَآتِي ثَانِيَةً وَآخُذُكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا مَعِي حَيْثُ أكُونُ. أنْتُمْ تَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ إلَى حَيْثُ أنَا ذَاهِبٌ.» فَقَالَ لَهُ تُومَا: «نَحْنُ لَا نَعْرِفُ إلَى أيْنَ أنْتَ ذَاهِبٌ يَا رَبُّ! فَكَيْفَ يُمكِنُنَا أنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أنَا هُوَ الطَّرِيِقُ وَالحَقُّ وَالحَيَاةُ. لَا أحَدَ يَأتِي إلَى الآبِ إلَّا بِي. لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفتُمْ أبِي أيْضًا. وَمُنذُ الآنَ أنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأيْتُمُوهُ.» فَقَالَ لَهُ فِيلِبُّسُ: «يَا رَبُّ، أرِنَا الآبَ، وَهَذَا يَكْفِينَا.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أمضَيتُ مَعكُمْ كُلَّ هَذِهِ المُدَّةِ الطَّوِيلَةِ، وَمَا زِلتَ لَا تَعْرِفُنِي يَا فِيلِبُّسُ؟ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الآبَ أيْضًا، فَكَيْفَ تَقُولُ: ‹أرِنَا الآبَ›؟ ألَا تُؤمِنُ أنِّي أنَا فِي الآبِ وَأنَّ الآبَ فِيَّ؟ مَا أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَا أتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ عِندِي، فَالآبُ الَّذِي يَحيَا فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ أعْمَالَهُ. صَدِّقُونِي حِينَ أقُولُ إنِّي أنَا فِي الآبِ وَإنَّ الآبَ فِيَّ، وَإلَّا فَصَدِّقُونِي بِنَاءً عَلَى الأعْمَالِ نَفْسِهَا. «أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: مَنْ يُؤمِنُ بِي، سَيَعْمَلُ أيْضًا الأعْمَالَ الَّتِي أعمَلُهَا أنَا، بَلْ وَسَيَعْمَلُ أعْظَمَ مِنْهَا لِأنِّي ذَاهِبٌ إلَى الآبِ. وَسَأفْعَلُ لَكُمْ كُلَّ مَا تَطْلُبُونَهُ بِاسْمِي، لِكَي يَتَمَجَّدَ الآبُ بِالِابْنِ. إنْ طَلَبتُمْ مِنِّي شَيْئًا بِاسْمِي، فَإنِّي سَأفْعَلُهُ. «إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَسَتُطِيعُونَ وَصَايَايَ. وَسَأطلُبُ مِنَ الآبِ، وَسَيُعطِيكُمْ مُعِينًا آخَرَ لِيَظَلَّ مَعَكُمْ إلَى الأبَدِ. هُوَ رُوحُ الحَقِّ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ العَالَمُ أنْ يَقْبَلَهُ، لِأنَّهُ لَا يَرَاهُ وَلَا يَعْرِفُهُ. أمَّا أنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لِأنَّهُ يَحيَا مَعكُمْ وَسَيَكُونُ فِيكُمْ. «لَنْ أترُكَكُمْ مِثْلَ اليَتَامَى، فَأنَا آتٍ إلَيكُمْ. بَعْدَ قَلِيلٍ لَنْ يَعُودَ العَالَمُ يَرَانِي، أمَّا أنْتُمْ فَسَتَرَوْنَنِي وَسَتَحْيَونَ لِأنِّي أنَا أحَيَا. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، سَتَعْرِفُونَ أنِّي أنَا فِي الآبِ، وَأنَّكُمْ أنْتُمْ فِيَّ، وَأنِّي أنَا فِيكُمْ. مَنْ يَقْبَلُ وَصَايَايَ وَيُطِيعُهَا، فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي. وَمَنْ يُحِبُّنِي سَيُحِبُّهُ أبِي، وَأنَا أيْضًا سَأُحِبُّهُ وَسَأُعلِنُ لَهُ ذَاتِي.» فَقَالَ لَهُ يَهُوذَا، وَهُوَ غَيْرُ يَهُوذَا الإسْخَريُوطِيِّ: «يَا رَبُّ، لِمَاذَا تَنْوِي أنْ تُظهِرَ نَفْسَكَ لَنَا نَحْنُ وَلَيْسَ لِلعَالَمِ؟» أجَابَهُ يَسُوعُ: «إنْ أحَبَّنِي أحَدٌ، فَسَيَحْفَظُ كَلَامِي، وَسَيُحِبُّهُ أبِي، وَسَنَأتِي إلَيْهِ، وَنَسكُنُ مَعَهُ. مَنْ لَا يُحِبُّنِي، لَا يُطِيعُ كَلَامِي. الكَلَامُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ مِنِّي، لَكِنَّهُ مِنَ الآبِ الَّذِي أرْسَلَنِي. «حَدَّثْتُكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ وَأنَا بَعْدُ مَعَكُمْ. لَكِنَّ المُعِينَ، الرُّوحَ القُدُسَ الَّذِي سَيُرسِلُهُ الآبُ إلَيكُمْ بِاسْمِي، هُوَ سَيُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيءٍ، وَسَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. «أتْرُكُ لَكُمْ سَلَامًا. أُعْطِيكُمْ سَلَامِي أنَا. لَا أُعْطِيكُمْ سَلَامًا كَالَّذِي يُعطِيهِ العَالَمُ. فَلَا تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ أوْ تَجْبُنْ. سَمِعْتُمُونِي أقُولُ لَكُمْ إنِّي ذَاهِبٌ ثُمَّ إنِّي آتٍ إلَيكُمْ ثَانِيَةً. إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي افرَحُوا لِأنِّي ذَاهِبٌ إلَى الآبِ، فَالآبُ أعْظَمُ مِنِّي. هَا أنَا قَدْ أخبَرْتُكُمُ الآنَ قَبْلَ أنْ يَحْدُثَ هَذَا، وَذَلِكَ لِكَي تُؤمِنُوا حِينَ يَحْدُثُ. «لَنْ أُطِيلَ الكَلَامَ مَعَكُمُ الآنَ، لِأنَّ الَّذِي يَسُودُ عَلَى هَذَا العَالَمِ آتٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ عَلَيَّ. لَكِنَّ هَذِهِ الأُمُورَ تَحْدُثُ لِكَي يَعْرِفَ العَالَمُ أنِّي أُحِبُّ الآبَ، وَأنِّي أفْعَلُ تَمَامًا كَمَا أوصَانِي. انْهَضُوا الآنَ وَلْنَنطَلِقْ مِنْ هُنَا.» وَقَالَ يَسُوعُ: «أنَا الكَرمَةُ الحَقِيقِيَّةُ وَأبِي الكَرَّامُ. وَهُوَ يَقْطَعُ كُلَّ غُصْنٍ فِيَّ لَا يُنتِجُ ثَمَرًا، وَيُنَقِّي كُلَّ غُصْنٍ مُثْمِرٍ لِكَي يُنتِجَ ثَمَرًا أكْثَرَ. أنْتُمُ الآنَ أنقِيَاءُ بِسَبَبِ التَّعلِيمِ الَّذِي أعْطَيْتُهُ لَكُمْ. اثبُتُوا فِيَّ وَأنَا سَأثْبُتُ فِيكُمْ. لَا يَسْتَطِيعُ الغُصْنُ أنْ يُنتِجَ ثَمَرًا وَحْدَهُ، إلَّا إذَا ثَبَتَ فِي سَاقِ الكَرمَةِ. كَذَلِكَ أنْتُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أنْ تُنتِجُوا ثَمَرًا إلَّا إذَا ثَبَتُّمْ فِيَّ. «أنَا الكَرمَةُ، وَأنْتُمُ الأغْصَانُ. فَمَنْ يَثْبُتُ فِيَّ وَأثبُتُ أنَا فِيهِ، يُنتِجُ ثَمَرًا كَثِيرًا. فَأنْتُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا بِدُونِي. وَمَنْ لَا يَثْبُتُ فِيَّ، فَإنَّهُ يُرمَى كَالغُصْنِ وَيَيْبَسُ. ثُمَّ تُجمَعُ الأغْصَانُ اليَابِسَةُ وَتُلقَى فِي النَّارِ وَتَحْتَرِقُ. «اثْبُتُوا فِيَّ، وَلْيَثْبُتْ كَلَامِي فِيكُمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ، اطْلُبُوا مَا تُرِيدُونَ وَسَتَنَالُونَهُ. أنتِجُوا ثَمَرًا كَثِيرًا مُبَرهِنِينَ أنَّكُمْ تَلَامِيذِي. فَبِهَذَا يَتَمَجَّدُ أبِي. كَمَا أحَبَّنِي الآبُ أحبَبْتُكُمْ أنَا أيْضًا، فَاثْبُتُوا فِي محَبَّتِي. إنْ أطَعْتُمْ وَصَايَايَ سَتَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي. فَأنَا أيْضًا أُطِيعُ وَصَايَا الآبِ وَأثبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ. أقُولُ لَكُمْ هَذِهِ الأُمُورَ لِكَي يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ، وَلِكَي يَكُونَ فَرَحُكُمْ تَامًّا. «وَهَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي لَكُمْ: أحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أحبَبْتُكُمْ أنَا. أعْظَمُ مَحَبَّةٍ هِيَ مَحَبَّةُ مَنْ يَضَحِّي بِنَفْسِهِ مِنْ أجْلِ أحِبَّائِهِ. وَأنْتُمْ أحِبَّائِي إنْ أطَعْتُمْ مَا أُوْصِيكُمْ بِهِ. لَا أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا الآنَ، فَالعَبْدُ لَا يَعْرِفُ مَا الَّذِي يَفْعَلُهُ سَيِّدُهُ. بَلْ أُسَمِّيكُمْ أحِبَّاءً، لِأنَّنِي قَدْ أخبَرْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أبِي. «لَسْتُمْ أنْتُمُ الَّذِينَ اختَرْتُمُونِي، بَلْ أنَا اختَرْتُكُمْ وَعَيَّنْتُكُمْ لِكَي تَذْهَبُوا وَتُنتِجُوا ثَمَرًا، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ. حِينَئِذٍ يُعطِيكُمُ الآبُ أيَّ شَيءٍ تَطْلُبُونَهُ بِاسْمِي. هَذَا هُوَ مَا أُوْصِيكُمْ بِهِ: أنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا.» وَقَالَ يَسُوعُ: «إنْ أبْغَضَكُمِ العَالَمُ، فَتَذَكَّرُوا أنَّهُ أبْغَضَني قَبْلَكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ تَنْتَمُونَ إلَى العَالَمِ، لَكَانَ العَالَمُ يُحِبُّكُمْ كَمَا يُحِبُّ أهْلَهُ. أمَّا أنْتُمْ فَلَا تَنْتَمُونَ إلَى العَالَمِ، فَأنَا اختَرْتُكُمْ مِنَ العَالَمِ، لِهَذَا يُبْغِضُكُمِ العَالَمُ. «تَذَكَّرُوا مَا قُلْتُهُ لَكُمْ: ‹مَا مِنْ عَبدٍ أعْظَمُ مِنْ سَيِّدِهِ.› إنْ أسَاءَ النَّاسُ إلَيَّ، فَسَيُسِيئُونَ إلَيكُمْ أيْضًا. وَإنْ أطَاعُوا تَعْلِيمِي فَسَيُطِيعُونَ تَعْلِيمَكُمْ أيْضًا. سَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِسَبَبِ اسْمِي، لِأنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ ذَاكَ الَّذِي أرْسَلَنِي. وَلَوْ لَمْ آتِ وَأُكَلِّمْهُمْ، لَمَا كَانُوا مُذْنِبِينَ. أمَّا الآنَ فَلَا عُذْرَ لَهُمْ عَلَى خَطِيَّتِهِمْ. «مَنْ يُبْغِضُني فَهُوَ يُبْغِضُ أبِي أيْضًا. وَلَوْ لَمْ أعمَلْ بَيْنَهُمْ أعْمَالًا لَمْ يَعْمَلْهَا أحَدٌ قَبلِي، لَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ ذَنبٌ. لَكِنْ هَذَا حَدَثَ لِكَي يَتَحَقَّقَ مَا كُتِبَ فِي شَرِيعَتِهِمْ: ‹أبغَضُونِي بِلَا سَبَبٍ.›» وَعِنْدَمَا يَأتِي المُعِينُ الَّذِي سَأُرْسِلُهُ مِنْ عِندِ الآبِ، رُوحُ الحَقِّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الآبِ، فَهُوَ سَيَشْهَدُ لِي. وَأنْتُمْ أيْضًا سَتَشْهَدُونَ لِي، لِأنَّكُمْ كُنْتُمْ مَعِي مُنْذُ البِدَايَةِ. «هَا أنَا أُخبِرُكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ لِئِلَّا يَهْتَزَّ إيمَانُكُمْ. سَيَحْرِمُونَكُمْ مِنْ دُخُولِ المَجَامِعِ. بَلْ سَيَأْتِي وَقْتٌ يَظُنُّ فِيهِ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُ وَاحِدًا مِنْكُمْ أنَّهُ يُقَدِّمُ عِبَادَةً للهِ. سَيَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ الأشْيَاءِ بِكُمْ لِأنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الآبَ وَلَا يَعْرِفُونَنِي. لَكِنِّي أُخبِرُكُمْ بِهَذَا حَتَّى تَتَذَكَّرُوا حِينَ يَأتِي وَقْتُهُمْ أنَّنِي حَدَّثْتُكُمْ عَنْهُمْ. «لَمْ أُخبِرْكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ فِي البِدَايَةِ لِأنِّي كُنْتُ مَعْكُمْ. أمَّا الآنَ فَإنِّي ذَاهِبٌ إلَى الَّذِي أرْسَلَنِي. وَلَمْ يَسْألْنِي أحَدٌ مِنكُمُ الآنَ: ‹إلَى أيْنَ أنْتَ ذَاهِبٌ؟› بَلْ يَملأُ الحُزنُ قُلُوبَكُمْ لِأنِّي أخبَرْتُكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ. لَكِنِّي أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: إنَّ ذَهَابِي سَيَكُونُ لِخَيرِكُمْ. لِأنَّ المُعِينَ لَنْ يَأْتِيَكُمْ مَا لَمْ أذْهَبْ. أمَّا إذَا ذَهَبْتُ، فَسَأُرْسِلُهُ إلَيكُمْ. «وَحِينَ يَأتِي فَإنَّهُ سَيُقنِعُ العَالَمَ بِحَقِيقَةِ الخَطِيَّةِ وَالبِرِّ وَالدَّينُونَةِ. سَيُقنِعُ العَالَمَ بِخَطِيَّتِهِمْ، لِأنَّهُمْ لَا يُؤمِنُونَ بِي. وَسَيُقْنِعُ العَالَمَ بِبِرِّي، لِأنِّي ذَاهِبٌ إلَى الآبِ، وَلَنْ تَعُودُوا تَرَوْنَنِي. وَسَيُقنِعُ العَالَمَ بِالدَّينُونَةِ، لِأنَّ الشَّيطَانَ الَّذِي يَحْكُمُ هَذَا العَالَمَ قَدْ أُدِينَ بِالفِعْلِ. «مَا يَزَالُ عِندِي كَثِيرٌ لِأقُولَهُ لَكُمْ، لَكِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ أنْ تَحْتَمِلُوا سَمَاعَهُ الآنَ. لَكِنْ حِينَ يَأتِي رُوحُ الحَقِّ فَسَيَقُودُكُمْ إلَى كُلِّ الحَقِّ. لِأنَّهُ لَنْ يَتَكَلَّمَ مِنْ عِندِهِ، بَلْ سَيَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ، وَسَيُعلِنُ لَكُمْ مَا هُوَ آتٍ. وَسَيُمَجِّدُنِي، لِأنَّهُ سَيُعلِنُ لَكُمْ كُلَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنِّي. كُلُّ مَا يَمْلِكُهُ الآبُ هُوَ لِي. لِهَذَا قُلْتُ إنَّهُ سَيُعلِنُ لَكُمْ كُلَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنِّي.» ثُمَّ قَالَ: «بَعْدَ قَلِيلٍ لَنْ تَعُودُوا تَرَوْنَنِي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ سَتَرَوْنَنِي ثَانِيَةً!» فَقَالَ بَعْضُ تَلَامِيذِهِ أحَدُهُمْ لِلآخَرِ: «مَا مَعنَى هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ لَنَا: ‹بَعْدَ قَلِيلٍ لَنْ تَعُودُوا تَرَوْنَنِي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ سَتَرَوْنَنِي ثَانِيَةً›؟ وَمَاذَا يَقْصِدُ بِقَولِهِ: ‹لِأنِّي ذَاهِبٌ إلَى الآبِ›؟» وَقَالُوا: «وَمَا هُوَ هَذَا الوَقْتُ القَلِيلُ الَّذِي يَتَحَدَّثُ عَنْهُ؟» فَعَرَفَ يَسُوعُ أنَّ لَدَيهِمْ أسئِلَةً يُرِيدُونَ طَرْحَهَا، فَقَالَ لَهُمْ: «هَلْ تَتَسَاءَلُونَ عَنْ مَعنَى قَولِي: ‹بَعْدَ قَلِيلٍ لَنْ تَعُودُوا تَرَوْنَنِي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ سَتَرَوْنَنِي ثَانِيَةً›؟ أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: أنْتُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ، أمَّا العَالَمُ فَسَيَبْتَهِجُ. أنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، غَيْرَ أنَّ حُزنَكُمْ سَيَتَحَوَّلُ إلَى فَرَحٍ. «تَكُونُ المَرْأةُ حَزِينَةً وَهِيَ تَلِدُ، لِأنَّ وَقْتَ ألَمِهَا قَدْ حَانَ. لَكِنْ حِينَ يُولَدُ الطِّفلُ، فَإنَّهَا تَنْسَى الألَمَ بِسَبَبِ فَرَحِهَا، لِأنَّ طِفْلًا وُلِدَ فِي هَذَا العَالَمِ. وَهَذَا هُوَ حَالُكُمُ الآنَ. فَأنْتُمْ حَزَانَى، لَكِنِّي سَأرَاكُمْ ثَانِيَةً، وَسَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ. وَلَنْ يَقْدِرَ أحَدٌ أنْ يَسْلِبُ مِنْكُمْ فَرَحَكُمْ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، لَنْ تَسألُونِي أيَّةَ أسئِلَةٍ أُخْرَى. أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: مَهْمَا طَلَبتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي، فَإنَّهُ سَيُعطِيكُمْ. إلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اطْلُبُوا وَسَتَنَالُونَ، لِكَي يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا. «كَلَّمْتُكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ مُسْتَخْدِمًا أمثِلَةً رَمزِيَّةً. وَلَكِنْ يَأتِي وَقْتٌ لَا أعُودُ فِيهِ أستَخْدِمُ أمثِلَةً فِي كَلَامِي مَعَكُمْ، بَلْ سَأتَحَدَّثُ إلَيكُمْ عَنِ الآبِ بِكَلَامٍ وَاضِحٍ. فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سَتَطْلُبُونَ مِنَ الآبِ بِاسْمِي، وَلَا أقُولُ إنِّي سَأطلُبُ مِنَ الآبِ لَكُمْ. فَالآبُ نَفْسُهُ يُحِبُّكُمْ، لِأنَّكُمْ قَدْ أحبَبْتُمُونِي وَآمَنتُمْ بِأنِّي جِئتُ مِنَ اللهِ. جِئتُ مِنَ الآبِ، وَأتَيْتُ إلَى هَذَا العَالَمِ. وَالْآنَ أُغَادِرُ العَالَمَ ذَاهِبًا إلَى الآبِ.» فَقَالَ تَلَامِيذُهُ: «هَا أنْتَ تَتَكَلَّمُ بِوُضُوحٍ وَلَا تَسْتَخْدِمُ أمثِلَةً. وَنَحْنُ نَعْرِفُ الآنَ أنَّكَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيءٍ، وَأنَّكَ تُجِيبُ عَنْ سُؤَالِ أيِّ إنْسَانٍ حَتَّى قَبْلَ أنْ يَسألَ، لِهَذَا نُؤمِنُ أنَّكَ جِئْتَ مِنَ اللهِ.» فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ آمَنتُمْ أخِيرًا؟ اسْمَعُوا إذًا، يَأتِي وَقْتٌ، وَهَا قَدْ أتَى بِالفِعْلِ، حِينَ تَتَفَرَّقُونَ وَيَعُودُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إلَى بَيْتِهِ وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. لَكِنِّي لَا أكُونُ أبَدًا وَحْدِي، لِأنَّ الآبَ مَعِي. «أخبَرتُكُمْ بِهَذَا لِكَي يَكُونَ لَكُمْ سَلَامٌ مِنْ خِلَالِي. سَتُواجِهُونَ ضِيقًا فِي العَالَمِ، لَكِنْ تَشَجَّعُوا فَأنَا قَدِ انتَصَرتُ عَلَى العَالَمِ.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ يَسُوعُ هَذَا، رَفَعَ عَيْنَيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «أيُّهَا الآبُ، قَدْ آنَ الأوَانُ. مَجِّدِ ابنَكَ فَيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أيْضًا. فَقَدْ أعْطَيْتَ الابْنَ سُلطَانًا عَلَى كُلِّ البَشَرِ، لِيُعطِيَ الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ لِكُلِّ إنْسَانٍ وَهَبتَهُ لَهُ. وَالحَيَاةُ الأبَدِيَّةُ هِيَ أنْ يَعْرِفُوكَ أنْتَ اللهُ الحَقِيقِيُّ وَحْدَكَ، وَأنْ يَعْرِفُوا يَسُوعَ المَسِيحَ الَّذِي أرسَلْتَهُ. أنَا مَجَّدتُكَ عَلَى الأرْضِ، فَقَدْ أنجَزتُ العَمَلَ الَّذِي كَلَّفْتَنِي بِهِ. فَمَجِّدْنِي عِنْدَكَ أيُّهَا الآبُ بِالمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي مَعَكَ قَبْلَ وُجُودِ العَالَمِ. «أنَا جَعَلْتُ اسْمَكَ مَعْرُوفًا لِأُولَئِكَ الَّذِينَ وَهَبتَهُمْ لِي مِنَ العَالَمِ. كَانُوا لَكَ، فَوَهَبتَهُمْ لِي. وَهُمْ يُطِيعُونَ تَعْلِيمَكَ. وَالْآنَ هُمْ يَعْلَمُونَ أنَّ كُلَّ مَا وَهَبتَنِي إيَّاهُ هُوَ مِنْكَ. فَأنَا كَلَّمتُهُمْ بِالْكَلَامِ الَّذِي أعْطَيْتَهُ لِي، فَقَبِلُوهُ وَأدرَكُوا أنَّنِي جِئْتُ حَقًّا مِنْ عِندِكَ، وَآمَنُوا أنَّكَ أنْتَ أرسَلْتَنِي. «وَأنَا أُصَلِّي مِنْ أجْلِهِمْ هُمْ. لَا أُصَلِّي مِنْ أجْلِ العَالَمِ، بَلْ مِنْ أجْلِ الَّذِينَ وَهَبتَهُمْ لِي، لِأنَّهُمْ لَكَ. كُلُّ مَا لِي هُوَ لَكَ، وَكُلُّ مَا لَكَ هُوَ لِي. وَأنَا تَمَجَّدْتُ مِنْ خِلَالِهِمْ. لَنْ أبقَى أنَا بَعْدُ فِي العَالَمِ، فَأنَا عَائِدٌ إلَيْكَ، بَيْنَمَا هُمْ فِي العَالَمِ. أيُّهَا الآبُ القُدُّوسُ، احفَظْهُمْ بِقُوَّةِ اسْمِكَ الَّذِي أعْطَيْتَهُ لِي، لِكَي يَكُونُوا وَاحِدًا، كَمَا أنْتَ وَأنَا وَاحِدٌ. «حِينَ كُنْتُ أنَا مَعَهُمْ، حَفِظتُهُمْ بِقُوَّةِ اسْمِكَ الَّذِي أعْطَيْتَهُ لِي. وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أحَدٌ سِوَى ابْنُ الهَلَاكِ، لِكَي يَتَحَقَّقَ المَكْتُوبُ. وَالْآنَ هَا أنَا رَاجِعٌ إلَيْكَ. لَكِنِّي أطلُبُ هَذَا وَأنَا بَعْدُ فِي العَالَمِ، لِكَي يَخْتَبِرُوا كَامِلَ فَرَحِي فِي قُلُوبِهِمْ. أنَا أعْطَيْتُهُمْ رِسَالَتَكَ، لَكِنَّ العَالَمَ أبْغَضَهُمْ لِأنَّهُمْ لَا يَنْتَمُونَ إلَى العَالَمِ، كَمَا أنِّي أنَا لَا أنتَمِي إلَى العَالَمِ أيْضًا. «لَا أطلُبُ أنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ العَالَمِ، بَلْ أنْ تَحْفَظَهُمْ سَالِمِينَ مِنَ الشِّرِّيرِ. هُمْ لَا يَنْتَمُونَ إلَى العَالَمِ، كَمَا أنِّي أنَا لَا أنتَمِي إلَى العَالَمِ. خَصِّصْهُمْ لَكَ مِنْ خِلَالِ الحَقِّ. تَعْلِيمُكَ هُوَ الحَقُّ. وَكَمَا أرسَلْتَنِي إلَى العَالَمِ، فَإنَّنِي أُرسِلُهُمْ إلَى العَالَمِ. وَأنَا أُخَصِّصُ نَفْسِي لَكَ مِنْ أجْلِهِمْ، لِكَي يَكُونُوا هُمْ أيْضًا مُخَصَّصِينَ لَكَ. «لَكِنِّي لَا أُصَلِّي مِنْ أجْلِهِمْ هُمْ فَقَطْ، بَلْ أيْضًا مِنْ أجْلِ الَّذِينَ سَيُؤمِنُونَ بِي بِسَبَبِ تَعْلِيمِهِمْ. أطلُبُ أنْ يَكُونُوا وَاحِدًا، كَمَا أنَّكَ أنْتَ أيُّهَا الآبُ فيَّ وَأنَا فِيكَ، فَلْيَكُونُوا هُمْ أيْضًا فِينَا، لِكَي يُؤمِنَ العَالَمُ بأنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. فَأنَا أعْطَيْتُهُمُ المَجْدَ الَّذِي أعْطَيْتَهُ لِي، ليَكُونُوا وَاحِدًا، كَمَا أنْتَ وَأنَا وَاحِدٌ. وسَأكُونُ أنَا فِيهِمْ وَأنْتَ فيَّ، لِكَي تَبْلُغَ وِحدَتُهُمْ كَمَالَهَا. وَبِهَذَا سَيَعْرِفُ العَالَمُ أنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأنَّكَ أحبَبتَهُمْ تَمَامًا كَمَا أحبَبتَنِي. «أيُّهَا الآبُ، أُريدُ أنْ يَكُونَ هؤلَاءِ الَّذِينَ وَهَبتَهُمْ لِي مَعِي حيثُ أَكُونُ. لِأنِّي أُريدُهُمْ أنْ يَرَوْا مَجْدِي، المَجْدَ الَّذِي أعْطَيْتَنِي إيَاهُ لأنَّكَ أحبَبْتَنِي قَبْلَ أنْ يُخلَقَ العَالَمُ. أيُّهَا الآبُ البَارُّ، هَذَا العَالَمُ لَا يَعْرِفُكَ، أمَّا أنَا فأعرِفُكَ. وَأتبَاعِي هؤلَاءِ يَعْرِفُونَ أنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. أنَا عرَّفتُهُمْ بِاسمِكَ، وسأُعَرِّفُهُمْ بهِ دَائِمًا، لِكَي تَكُونَ فِيهِمْ المَحَبَّةُ الَّتِي بِهَا تُحِبُّنِي، وَأَكُونَ أنَا فِيهِمْ أيْضًا.» بَعْدَ أنْ قَالَ يَسُوعُ هَذَا، خَرَجَ هُوَ وتَلَامِيذُهُ وعَبَرَ وَادِي قَدْرُونَ. وكَانَ هُنَاكَ حَقلُ زَيْتُونٍ، فَدَخَلَهُ هُوَ وتلَامِيذُهُ. وَكَانَ يَهُوذَا الَّذِي خَانَهُ يَعْرِفُ المَكَانَ أيْضًا، فقد كَانَ يَسُوعَ يَجْتَمِعُ كَثِيرًا معَ تَلَامِيذِهِ هُنَاكَ. فَأخَذَ يَهُوذَا إلَى ذلكَ المَكَانِ عَدَدًا مِنَ الجُنودِ الرُّومَانِ وحُرَّاسِ الهَيْكَلِ، كَانَ قدْ أرسلَهُمْ كِبَارُ الكَهَنةِ وَالفِرِّيسِيُّونَ. وكَانُوا يَحْمِلُونَ مَصَابِيحَ ومَشَاعِلَ وَأسلِحَةً. وكَانَ يَسوعُ يَعْلَمُ كُلَّ مَا سَيَحْدُثُ لَهُ. فَتَقَدَّمَ وقَالَ لَهُمْ: «عَمَّنْ تَبْحَثُونَ؟» أجَابُوهُ: «عنْ يَسُوعَ النَّاصِريِّ.» فَقَالَ لهُمْ: «أنَا هُوَ!» وكَانَ يَهوذَا الَّذِي خَانَ يَسُوعَ وَاقِفًا هُنَاكَ مَعَهُمْ. فلمَّا قَالَ يَسوعُ: «أنَا هُوَ،» تَرَاجَعُوا وسَقَطُوا عَلَى الأرْضِ. فَسألَهُمْ يَسوعُ ثَانِيَةً: «عَمَّنْ تَبْحَثُونَ؟» فَقَالُوا: «عنْ يَسُوعَ النَاصِرِيِّ.» فَأجَابَ يَسوعُ: «قُلْتُ لَكُمْ إنِّي هُوَ. فَمَا دُمتُمْ تُرِيدُونَنِي أنَا، دَعُوا هؤلَاءِ الرِّجَالَ وَشأنَهُمْ.» قَالَ هَذَا لِكَي يَتَحَقَّقَ مَا سَبَقَ أنْ قَالَهُ: «لَمْ أفقِدْ أحَدًا مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ وهَبْتَهُمْ لِي.» وكَانَ معَ سِمعَانَ بُطْرُسَ سَيفٌ، فَاسْتَلَّهُ وضَرَبَ بهِ خَادِمَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذُنَهُ اليُمنى. وكَانَ اسْمُ الخَادِمِ مَلْخُسَ. فَقَالَ يَسوعُ لِبُطْرُسَ: «أرْجِعْ سَيفَكَ إلَى غِمْدِهِ. أَتُريدُنِي أنْ لَا أشرَبَ كَأسَ الآلَامِ الَّتِي أعْطَاهَا الآبُ لِي؟» ثُمَّ قَبَضَ الجُنُودُ وَقَائِدُهُمْ وَحُرَّاسُ الهَيْكَلِ عَلَى يَسُوعَ وَقَيَّدُوهُ، وَأخَذُوهُ إلَى حَنَّانَ أوَّلًا. لِأنَّ حَنَّانَ هُوَ حَمُو قَيَافَا رَئِيسِ الكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَقَيَافَا هُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ نَصَحَ قَادَةَ اليَهُودِ بأنَّهُ مِنَ الأفضَلِ أنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ. وَكَانَ سِمْعَانُ بُطرُسُ وَتِلْمِيذٌ آخَرُ يَتْبَعَانِ يَسُوعَ. وَكَانَ هَذَا التِّلمِيذُ الآخَرُ مَعْرُوفًا لَدَىْ رَئِيسِ الكَهَنَةِ فَدَخَلَ مَعَ يَسُوعَ إلَى فِنَاءِ دَارِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ. أمَّا بُطرُسُ فَبَقِيَ خَارِجًا قُرْبَ البَوَّابَةِ. فَخَرَجَ التِّلمِيذُ الآخَرُ المَعرُوفُ لَدَى رَئِيسِ الكَهَنَةِ وَكَلَّمَ الفَتَاةَ المَسؤُولَةَ عَنِ البَوَّابَةِ، وَأدخَلَ بُطْرُسَ مَعَهُ. فَقَالَتِ الفَتَاةُ لِبُطرُسَ: «ألَسْتَ أنْتَ أيْضًا مِنْ أتبَاعِ هَذَا الرَّجُلِ؟» فَقَالَ بُطرُسُ: «لَا، لَسْتُ كَذَلِكَ!» وَكَانَ الخُدَّامُ وَالحُرَّاسُ قَدْ أشعَلُوا نَارًا وَوَقَفُوا حَوْلَهَا يَتَدَفَّأُونَ، لِأنَّ الطَّقسَ كَانَ بَارِدًا. وَكَانَ بُطرُسُ وَاقِفَاَ يَتَدَفَّأُ مَعَهُمْ. فَسَألَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلَامِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ. فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «كُنْتُ أُكَلِّمُ الجَمِيعَ عَلَنًا، وَعَلَّمتُ دَائِمًا فِي المَجَامِعِ وَفِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ كُلُّ اليَهُودِ. وَلَمْ أقُلْ شَيْئًا فِي الخَفَاءِ. فَلِمَاذَا تَسألُنِي؟ اسألِ الَّذِينَ سَمِعُوا مَا قُلْتُهُ لَهُمْ، فَهُمْ يَعْرِفُونَ بِالتَّأكِيدِ مَا كُنْتُ أقُولُهُ!» فَلَمَّا قَالَ هَذَا، صَفَعَهُ وَاحِدٌ مِنَ الحُرَّاسِ الوَاقِفِينَ هُنَاكَ وَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ تَجْرُؤُ عَلَى مُخَاطَبَةِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟» فَأجَابَهُ يَسُوعُ: «إنْ كُنْتُ قَدْ أخْطَأتُ فِي شَيءٍ قُلْتُهُ، فَبَيِّنِ الخَطَأ أمَامَ الجَمِيعِ. أمَّا إنْ أصَبْتُ، فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟» بَعْدَ ذَلِكَ، أرسَلَهُ حَنَّانُ مُقَيَّدًا إلَى قَيَافَا رَئِيسِ الكَهَنَةِ الحَالِيِّ. وَكَانَ سِمْعَانُ بُطرُسُ مَا يَزَالُ وَاقِفًا يَتَدَفَّأُ، فَسَألَهُ الوَاقِفُونَ مَعَهُ: «ألَسْتَ أنْتَ أيْضًا مِنْ أتبَاعِهِ؟» لَكِنَّهُ أنكَرَ وَقَالَ: «لَا، لَسْتُ كَذَلِكَ!» وَكَانَتْ هُنَاكَ إحْدَى خَادِمَاتِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ، وَهِيَ مِنْ أقَارِبِ الرَّجُلِ الَّذِي قَطَعَ بُطرُسُ أُذُنَهُ، فَقَالَتْ لِبُطرُسَ: «ألَمْ أرَكَ مَعَهُ فِي الحَقْلِ؟» فَأنكَرَ بُطرُسُ مَرَّةً أُخْرَى، وَصَاحَ الدِّيكُ بَعْدَ ذَلِكَ فَوْرًا. وَفِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ سَاقُوا يَسُوعَ مِنْ بَيْتِ قَيَافَا إلَى قَصْرِ الوَالِي. لَكِنَّ اليَهُودَ لَمْ يَشَاءُوا أنْ يَدْخُلُوا دَارَ الوَالِي، لِأنَّهُمْ إنْ دَخَلُوا سَيَتَنَجَّسُونَ وَلَنْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَأْكُلُوا طَعَامَ الفِصْحِ. فَخَرَجَ بِيلَاطُسُ إلَيْهِمْ وَقَالَ: «بمِاذَا تَتَّهِمُونَ هَذَا الإنْسَانَ؟» فأجَابُوهُ: «لو لَمْ يَكُنْ هَذَا مُجرِمًا، لمَا سلَّمْنَاهُ إلَيْكَ!» فَقَالَ لهم بيلَاطُسُ: «خُذُوهُ أنْتُمْ، وَاحكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ شَرِيعَتِكُمْ.» فَقَالَ لَهُ اليَهُودُ: «غَيْرُ مَسمُوحٍ لَنَا بَأنْ نَقتُلَ أحَدًا.» حَدَثَ هَذَا لِكَي يَتَحَقَّقَ قَولُ يَسُوعَ حِينَ أشَارَ إلَى المِيتَةِ الَّتِي سَيَمُوتُهَا. فَرَجِعَ بِيلَاطُسُ إلَى دَاخِلِ قَصْرِهِ. ثُمَّ استَدْعَى يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «أأنْتَ مَلِكُ اليَهُودِ؟» أجَابَ يَسُوعُ: «أمِنْ عِندِكَ تَقُولُ هَذَا، أمْ أنَّ آخَرِينَ أخبَرُوكَ عَنِّي؟» أجَابَ بِيلَاطُسُ: «أتَحْسَبُنِي يَهُودِيًّا؟ شَعْبُكَ وَكِبَارُ الكَهَنَةِ هُمُ الَّذِينَ سَلَّمُوكَ إلِيَّ، فَمَاذَا فَعَلْتَ؟» أجَابَ يَسُوعُ: «مَملَكَتِي لَا تَنْتَمِي إلَى هَذَا العَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَملَكتِي تَنْتَمِي إلَى هَذَا العَالَمِ، لَكَانَ أتبَاعِي يُحَارِبُونَ لِيَمْنَعُوا تَسْلِيمِي إلَى اليَهُودِ. لَكِنَّ مَملَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هُنَا.» فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: «فَأنْتَ مَلِكٌ إذَنْ؟» فَأجَابَ يَسُوعُ: «أنْتَ تَقُولُ إنِّي مَلِكٌ. لَقَدْ وُلِدتُ مِنْ أجْلِ هَدَفٍ، وَجِئْتُ إلَى هَذَا العَالَمِ مِنْ أجْلِ هَدَفٍ هُوَ أنْ أشهَدَ لِلحَقِّ. فَكُلُّ مَنْ هُوَ إلَى جَانِبِ الحَقِّ، يُصغِي إلَى صَوْتِي.» فَسَألَهُ بِيلَاطُسُ: «وَمَا هُوَ الحَقُّ؟» وَلَمَّا قَالَ هَذَا، خَرَجَ ثَانِيَةً إلَى اليَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: «لَا أجِدُ مَا أتَّهِمُهُ بِهِ! وَلَقَدِ اعتَدْتُمْ أنْ أُخلِيَ لَكُمْ سَبِيلَ أحَدِ السُّجَنَاءِ فِي عِيدِ الفِصْحِ. فَهَلْ تُرِيدُونَ أنْ أُخلِيَ سَبِيلَ مَلِكِ اليَهُودِ؟» فَصَرَخُوا ثَانِيَةً: «لَا لَيْسَ هَذَا! بَلْ أخلِ سَبِيلَ بَارَابَاسَ!» وَكَانَ بَارَابَاسُ مُجرِمًا! فَأمَرَ بِيلَاطُسُ بِأنْ يُؤخَذَ يَسُوعُ وَيُجلَدَ. فَصَنَعَ الجُنُودُ تَاجًا مِنَ الشَّوكِ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأسِهِ، ثُمَّ ألبَسُوهُ رِدَاءً أُرجُوانِيَّ اللَّونِ. وَكَانُوا يَأْتُونَ إلَيْهِ وَيَقُولُونَ: «نُحَيِّيكَ يَا مَلِكَ اليَهُودِ!» وَكَانُوا يَصْفَعُونَهُ. ثُمَّ خَرَجَ بِيلَاطُسُ ثَانِيَةً وَقَالَ لَهمْ: «هَا أنَا أُخرِجُهُ إلَيكُمْ لِكَي تَعْلَمُوا أنِّي لَا أجِدُ مَا أتَّهِمُهُ بِهِ.» فَخَرَجَ يَسُوعُ لَابِسًا تَاجَ الشَّوكِ وَالرِّدَاءَ الأُرجُوانِيَّ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «هَا هُوَ الرَّجُلُ!» فَلَمَّا رَآهُ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَحُرَّاسُ الهَيْكَلِ، صَرَخُوا: «اصلِبْهُ! اصلِبْهُ!» فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «أنْتُمْ خُذُوهُ وَاصلِبُوهُ! فَأنَا لَا أجِدُ مَا أتَّهِمُهُ بِهِ.» فَأجَابَهُ اليَهُودُ: «لَدَيْنَا شَرِيعَةٌ، وَوَفقَ شَرِيعَتِنَا يَنْبَغِي أنْ يَمُوتَ هَذَا، لِأنَّهُ ادَّعَى أنَّهُ ابْنُ اللهِ!» فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هَذَا خَافَ كَثِيرًا. فَدَخَلَ إلَى قَصْرِ الوَالِي ثَانِيَةً وَقَالَ لِيَسُوعَ: «مِنْ أيْنَ أنْتَ؟» لَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يُجِبْهُ. فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: «أتَرْفُضُ أنْ تُكَلِّمَنِي؟ ألَا تَعْلَمُ أنَّنِي أملُكُ سُلطَةً لإخلَاءِ سَبِيلِكَ، وَسُلطَةً لِصَلْبِكَ؟» أجَابَهُ يَسُوعُ: «مَا كُنْتَ لِتَمْلُكَ أيَّةَ سُلطَةٍ عَلَيَّ لَوْ لَمْ يُعطِكَ إيَّاهَا اللهُ. لِذَلِكَ فَإنَّ خَطِيَّةَ الرَّجُلِ الَّذِي سَلَّمَنِي إلَيْكَ أعْظَمُ مِنْ خَطِيَّتِكَ.» بَعْدَ ذَلِكَ بَدَأ بِيلَاطُسُ يُحَاوِلُ أنْ يَجِدَ طَرِيقَةً لإطلَاقِ يَسُوعَ. لَكِنَّ اليَهُودَ صَرَخُوا: «إنْ أطلَقْتَهُ، فَلَسْتَ مُوالِيًا لِلقَيصَرِ! فَكُلُّ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ مَلِكٌ هُوَ عَدُوٌّ لِلقَيصَرِ.» فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هَذَا الكَلَامَ، أخْرَجَ يَسُوعَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى كُرسِيِّ القَضَاءِ فِي مَكَانٍ يُدْعَى «البَلَاطَ» وَبِالآرَامِيَّةِ «جَبَّاتَا.» وَكَانَ ذَلِكَ ظُهْرَ يَوْمِ الجُمْعَةِ، يَوْمَ الاسْتِعدَادِ لِلفِصْحِ. فَقَالَ بِيلَاطُسُ لِليَهُودِ: «هَا هُوَ مَلِكُكُمْ!» فَصَرَخُوا: «أبعِدْهُ عَنَّا! أبعِدْهُ! اصلِبْهُ!» فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «هَلْ أصلِبُ مَلِكَكُمْ؟» فَأجَابَهُ كِبَارُ الكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ سِوَى القَيصَرِ!» حِينَئِذٍ سَلَّمَهُ بِيلَاطُسُ إلَيْهِمْ لِكَي يُصلَبَ. فَأخَذَ الجُنُودُ يَسُوعَ. فَمَضَى حَامِلًا صَلِيبَهُ إلَى مَكَانٍ يُدْعَى «مَكَانَ الجُمجُمَةِ،» وَبِالآرَامِيَّةِ «جُلجُثَةَ.» فَصَلَبُوهُ هُنَاكَ، وَصَلَبُوا مَعْهُ رَجُلَينِ آخَرَينِ. فَكَانَ أحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، وَيَسُوعُ فِي الوَسَطِ. وَكَتَبَ بِيلَاطُسُ لَافِتَةً تَقُولُ: «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ، مَلِكُ اليَهُودِ.» وَعَلَّقَهَا عَلَى الصَّلِيبِ. فَقَرَأهَا كَثِيرُونَ مِنَ اليَهُودِ، لِأنَّ المَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قُرْبَ المَدِينَةِ. وَكَانَتِ اللَّافِتَةُ مَكْتُوبَةً بِالعِبرِيَّةِ وَاللَّاتِينِيَّةِ وَاليُونَانِيَّةِ. فَقَالَ كِبَارُ كَهَنَةِ اليَهُودِ لِبِيلَاطُسَ: «لَا تَكْتُبْ ‹مَلِكَ اليَهُودِ،› بَلِ اكتُبْ: ‹قَالَ هَذَا الرَّجُلُ: أنَا مَلِكُ اليَهُودِ.›» فَأجَابَ بِيلَاطُسُ: «فَاتَ الأوَانُ، فَقَدْ كَتَبْتُ مَا كَتَبْتُ.» وَكَانَ الجُنُودُ، بَعْدَ أنْ صَلَبُوا يَسُوعَ، قَدْ أخَذُوا ثِيَابَهُ وَقَسَّمُوهَا إلَى أرْبَعَةِ أقسَامٍ. وَأخَذَ كُلُّ جُندِيٍّ قِسْمًا مِنْهَا. وَأخَذُوا أيْضًا قَمِيصَهُ الطَّوِيلَ، لَكِنَّ القَمِيصَ كَانَ قِطعَةً وَاحِدَةً مَنسُوجَةً بِغَيرِ خِيَاطَةٍ مِنَ الأعْلَى إلَى الأسفَلِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَا نُمَزِّقُ هَذَا القَمِيصَ، بَلْ نُجرِي عَلَيْهِ قُرعَةً لِنَرَى لِمَنْ يَكُونُ.» حَدَثَ هَذَا لِكَي يَتَحَقَّقَ قَولُ الكِتَابِ: «اقتَسَمُوا ثِيَابِي فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَعَلَى قَمِيصِي ألقَوْا قُرعَةً.» وَهَذَا مَا فَعَلَهُ الجُنُودُ. وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ وَأُختُهَا، وَمَريَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَريَمُ المَجْدَلِيَّةُ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ الصَّلِيبِ. فَرَأى يَسُوعُ أُمَّهُ وَالتِّلمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفَينِ هُنَاكَ. فَقَالَ لِأُمِّهِ: «يَا سَيِّدَةُ، هَا هُوَ ابْنُكِ.» ثُمَّ قَالَ لِلتِّلمِيذِ: «هَا هِيَ أُمُّكَ.» فَأخَذَهَا ذَلِكَ التِّلمِيذُ لِتَعِيشَ فِي بَيْتِهِ مُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ. وَإذْ رَأى يَسُوعُ أنَّ كُلَّ شَيءٍ قَدْ تَمَّ، قَالَ: «أنَا عَطشَانُ،» لِكَي يَتَحَقَّقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ. وَكَانَ هُنَاكَ إنَاءٌ مَملُوءٌ بِالخَلِّ. فَغَمَسُوا إسْفِنجَةً فِي الخَلِّ وَرَفَعُوهَا عَلَى سَاقِ نَبتَةِ زُوفَا، وَوَضَعُوهَا عَلَى فَمِ يَسُوعَ. فَلَمَّا ذَاقَ يَسُوعُ الخَلَّ، قَالَ: «قَدْ تَمَّ.» ثُمَّ حَنَى رَأسَهُ وَمَاتَ. حَدَثَ ذَلِكَ يَوْمَ الاسْتِعدَادِ لِلسَّبْتِ، فَطَلَبَ اليَهُودُ مِنْ بِيلَاطُسَ أنْ يَأْمُرَ بِكَسْرِ سِيقَانِ المَصلُوبِينَ وَإنزَالِ أجسَادِهِمْ عَنِ الصُّلبَانِ، لِكَي لَا تَبْقَى الأجسَادُ عَلَى الصُّلبَانِ يَوْمَ السَّبْتِ. فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ السَّبْتُ يَومًا مُهِمًّا جِدًّا. فَجَاءَ الجُنُودُ وَكَسَرُوا سَاقَي الرَّجُلَينِ المَصلُوبَينِ مَعَ يَسُوعَ. أمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيهِ، لِأنَّهُمْ لَمَّا جَاءُوا إلَيْهِ وَجَدُوا أنَّهُ قَدْ مَاتَ. لَكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الجُنُودِ طَعَنَ جَنبَهُ بِرُمحِهِ، فَتَدَفَّقَ مِنْهُ عَلَى الفَوْرِ دَمٌ وَمَاءٌ. وَمَنْ رَأى ذَلِكَ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ صَادِقَةٌ، وَهُوَ يَعْرِفُ أنَّهُ يَقُولُ الصِّدْقَ، لِكَي تُؤمِنُوا أنْتُمْ أيْضًا. وَقَدْ حَدَثَ هَذَا لِكَي يَتَحَقَّقَ قَولُ الكِتَابِ: «لَا يُكسَرُ عَظمٌ وَاحِدٌ مِنْ عِظَامِهِ.» وَقَولُهُ فِي مَوضِعٍ آخَرَ: «سَيَنْظُرُ النَّاسُ إلَى ذَاكَ الَّذِي طَعَنُوهُ.» بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ اسْمُهُ يُوسُفُ الرَّامِيُّ، وَطَلَبَ إذْنًا مِنْ بِيلَاطُسَ كَي يُنزِلَ جَسَدَ يَسُوعَ عَنِ الصَّلِيبِ وَيَأْخُذَهُ. وَكَانَ يُوسُفُ مِنْ أتبَاعِ يَسُوعَ فِي الخَفَاءِ، فَقَدْ كَانَ يَخْشَى اليَهُودَ! فَأذِنَ لَهُ بِيلَاطُسُ بِذَلِكَ. فَجَاءَ يُوسُفُ وَأنزَلَ الجَسَدَ عَنِ الصَّلِيبِ. كَمَا جَاءَ أيْضًا نِيقُودِيمُوسُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ جَاءَ إلَى يَسُوعَ لَيْلًا، وَكَانَ يَحْمِلُ خَلِيطًا مِنْ خُلَاصَةِ نَبَاتَيِّ المُرِّ وَالصَّبْرِ يَزِنُ نَحْوَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ كِيلُو غَرَامًا. فَأخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ وَلَفَّاهُ بِالأكفَانِ مَعَ الأطيَابِ، حَسَبَ عَادَاتِ الدَّفْنِ اليَهُودِيَّةِ. وَكَانَ هُنَاكَ بُستَانٌ فِي المَكَانِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ. وَكَانَ فِي البُستَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُدفَنْ فِيهِ أحَدٌ مِنْ قَبْلُ. فَوَضَعَا يَسُوعَ هُنَاكَ لِأنَّهُ كَانَ يَوْمَ استِعدَادِ اليَهُودِ لِلسَّبْتِ، وَلِأنَّ القَبْرَ كَانَ قَرِيبًا. وَفِي صَبَاحِ يَوْمِ الأحَدِ، أوَّلِ أيَّامِ الأُسبُوعِ، ذَهَبَتْ مَريَمُ المَجْدَلِيَّةُ إلَى القَبْرِ. وَكَانَ الظَّلَامُ مَا زَالَ مُخَيِّمًا. فَرَأتْ أنَّ الصَّخرَةَ قَدْ أُزِيحَتْ عَنْ بَابِ القَبْرِ. فَذَهَبَتْ مُسرِعَةً إلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَالتِّلمِيذِ الآخَرِ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ، وَقَالَتْ لَهُمَا: «لَقَدْ أخَذُوا السَّيِّدَ مِنَ القَبْرِ، وَلَا نَدرِي أيْنَ وَضَعُوهُ!» فَانطَلَقَ بُطرُسُ وَالتِّلمِيذُ الآخَرُ إلَى القَبْرِ. كَانَا يَرْكُضَانِ مَعًا، لَكِنَّ التِّلمِيذَ الآخَرَ كَانَ أسْرَعَ مِنْ بُطْرُسَ، فَوَصَلَ إلَى القَبْرِ أوَّلًا. فَانحَنَى لِيَنْظُرَ، فَرَأى الأكفَانَ مَوضُوعَةً هُنَاكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. ثُمَّ وَصَلَ سِمْعَانُ بُطرُسُ الَّذِي كَانَ وَرَاءَهُ، وَدَخَلَ إلَى القَبْرِ. فَرَأى الأكفَانَ مَوضُوعَةً هُنَاكَ، وَرَأى أنَّ المِندِيلَ الَّذِي كَانَ قَدْ وُضِعَ عَلَى رَأسِ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ مَعَ الأكفَانِ، بَلْ كَانَ مَطوِيًّا فِي مَكَانٍ مُنفَصِلٍ. ثُمَّ دَخَلَ التِّلمِيذُ الآخَرُ الَّذِي وَصَلَ إلَى القَبْرِ أوَّلًا، فَرَأى وَآمَنَ. فَالتَّلَامِيذُ لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ قَدْ فَهِمُوا قَولَ الكِتَابِ عَنْ أنَّ يَسُوعَ لَا بُدَّ أنْ يَقُومَ مِنَ المَوْتِ. ثُمَّ عَادَ التِّلمِيذَانِ إلَى حَيْثُ يُقِيمَانِ. وَكَانَتْ مَريَمُ المَجْدَلِيَّةُ مَا زَالَتْ وَاقِفَةً خَارِجَ القَبْرِ تَبْكِي. وَفِيمَا هِيَ تَبْكِي انحَنَتْ لِتَنْظُرَ دَاخِلَ القَبْرِ. فَرَأتْ مَلَاكَينِ فِي ثِيَابٍ بَيْضَاءَ جَالِسَينِ حَيْثُ كَانَ جَسَدُ يَسُوعَ مَوضُوعًا. أحَدُهُمَا عِنْدَ مَوضِعِ الرَّأسِ وَالآخَرُ عِنْدَ مَوضِعِ القَدَمَينِ. فَقَالَا لَهَا: «لِمَاذَا تَبْكِينَ يَا امْرأةُ؟» فَقَالَتْ لَهُمَا: «لَقَدْ أخَذُوا سَيِّدِي، وَلَا أدرِي أيْنَ وَضَعُوهُ!» وَعِنْدَمَا قَالَتْ هَذَا، نَظَرَتْ خَلفَهَا فَرَأتْ يَسُوعَ وَاقِفًا. غَيْرَ أنَّهَا لَمْ تُدرِكْ أنَّهُ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَبْكِينَ يَا امْرأةُ؟ عَمَّنْ تَبْحَثِينَ؟» فَظَنَّتْهُ البُستَانِيَّ، فَقَالَتْ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، إنْ كُنْتَ أنْتَ مَنْ أخَذَهُ، فَقُلْ لِي أيْنَ وَضَعتَهُ فَأذْهَبَ وَآخُذَهُ.» فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَريَمُ!» فَاسْتَدَارَتْ وَقَالَتْ لَهُ بِاللُّغَةِ الأرَامِيَّةِ: «رَابونِي!» أيْ «يَا مُعَلِّمِي العَظِيمُ!» فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لَا تَتَمَسَّكِي بِي، فَأنَا لَمْ أصْعَدْ بَعْدُ إلَى الآبِ. لَكِنِ اذْهَبِي إلَى إخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: ‹إنِّي سَأصْعَدُ إلَى أبِي وَأبِيكُمْ، وَإلَى إلَهِي وَإلَهِكُمْ.›» فَذَهَبَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ وَقَالَتْ لِلتَّلَامِيذِ: «قَدْ رَأيْتُ الرَّبَّ!» وَأخبَرَتْهُمْ بِمَا قَالَهُ لَهَا. وَفِي مَسَاءِ ذَلِكَ اليَوْمِ، أوَّلِ أيَّامِ الأُسْبُوعِ، كَانَ التَّلَامِيذُ قَدِ اختَبَأُوا فِي مَكَانٍ مُغلَقِ الأبوَابِ خَوْفًا مِنَ اليَهُودِ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ أمَامَهُمْ وَقَالَ: «السَّلَامُ مَعَكُمْ.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ هَذَا، أرَاهُمْ يَدَيهِ وَجَنْبَهُ. فَفَرِحَ التَّلَامِيذُ حِينَ رَأوْا الرَّبَّ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ ثَانِيَةً: «السَّلَامُ مَعَكُمْ. كَمَا أرْسَلَنِي الآبُ، فَإنِّي أنَا أُرسِلُكُمُ الآنَ.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ هَذَا، نَفَخَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: «اقبَلُوا الرُّوحَ القُدُسَ. إنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَا النَّاسِ، تُغفَرُ لَهُمْ. وَإنْ لَمْ تَغْفِرُوا خَطَايَاهُمْ، تَبْقَى غَيْرَ مَغفُورَةٍ.» لَكِنَّ تُومَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. وَتُومَا هُوَ وَاحِدٌ مِنَ التَّلَامِيذِ الِاثنَيْ عَشَرَ وَيَعْنِي اسْمُهُ «التَّوْأمَ.» فَكَانَ التَّلَامِيذُ الآخَرُونَ يَقُولُونَ لَهُ: «لَقَدْ رَأينَا الرَّبَّ!» لَكِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «لَا أُصَدِّقُ ذَلِكَ إلَّا إذَا رَأيْتُ آثَارَ المَسَامِيرِ فِي يَدَيهِ، وَوَضَعتُ إصْبِعِي فِي آثَارِ المِسَامِيرِ، وَيَدِي فِي جَنْبِهِ!» وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أيَّامٍ، كَانَ تَلَامِيذُ يَسُوعَ مُجتَمِعِينَ مَعًا مَرَّةً أُخْرَى فِي الدَّاخِلِ، وَكَانَ تُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ مَعَ أنَّ الأبْوَابَ كَانَتْ مُغلَقَةً. فَوَقَفَ أمَامَهُمْ وَقَالَ: «السَّلَامُ مَعَكُمْ.» ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «تَعَالَ وَضَعْ إصبَعَكَ هُنَا وَانْظُرْ إلَى يَدَيَّ، وَضَعْ يَدَكَ فِي جَنْبِي. كَفَاكَ شَكًّا وَآمِنْ.» فَقَالَ تُومَا: «رَبِّي وَإلَهِي!» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «هَلْ تُؤْمِنُ يَا تُومَا لِأنَّكَ رَأيْتَنِي؟ هَنِيئًا لِلَّذِينَ يُؤمِنُونَ دُونَ أنْ يَرَوْا.» كَمَا صَنَعَ يَسُوعُ مُعجِزَاتٍ أُخْرَى كَثِيرَةً أمَامَ تَلَامِيذِهِ. لَكِنَّهَا لَمْ تُدَوَّنْ فِي هَذَا الكِتَابِ. أمَّا هَذِهِ المُعجِزَاتُ فَقَدْ دُوِّنَتْ لِكَي تُؤْمِنُوا بِأنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ اللهِ، فَتَنَالُوا بِالإيمَانِ حَيَاةً بِاسْمِهِ. بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ يَسُوعُ لِلتَّلَامِيذِ عِنْدَ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ. وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا النَّحوِ: كَانَ سِمْعَانُ بُطرسُ وَتُومَا الَّذِي يَعْنِي اسْمُهُ «التَّوأمَ،» وَنَثَنَائِيلُ الَّذِي مِنْ بَلْدَةِ قَانَا فِي إقْلِيمِ الجَلِيلِ، وَابْنَا زَبَدِي وَتِلْمِيذَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلَامِيذِ يَسُوعَ مَعًا. فَقَالَ لَهُمْ سِمْعَانُ بُطرُسُ: «أنَا ذَاهِبٌ لَاصْطِيَادِ السَّمَكِ.» فَقَالُوا لَهُ: «وَنَحْنُ ذَاهِبُونَ مَعَكَ.» فَخَرَجُوا وَرَكِبُوا القَارِبَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَصْطَادُوا شَيْئًا فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ. وَفِي الصَّبَاحِ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى الشَّاطِئِ. غَيْرَ أنَّ التَّلَامِيذَ لَمْ يَعْرِفُوا أنَّهُ يَسُوعُ. فَسَألَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ لَدَيْكُمْ طَعَامٌ يَا فِتْيَةُ؟» فَأجَابُوهُ: «لَا.» فَقَالَ لَهُمْ: «ألقُوا الشَّبَكَةَ إلَى الجَانِبِ الأيمَنِ مِنَ القَارِبِ تَجِدُوا سَمَكًا.» فَألقَوْهَا، لَكِنَّهُمْ عَجِزُوا عَنْ جَذْبِهَا لِكَثْرَةِ السَّمَكِ فِيهَا. فَقَالَ التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطرُسَ: «إنَّهُ الرَّبُّ!» وَكَانَ سِمْعَانُ قَدْ خَلَعَ بَعْضَ ثِيَابِهِ لِلعَمَلِ، فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أنَّهُ الرَّبُّ، شَدَّ ثَوْبَهُ حَوْلَهُ فَوْرًا وَقَفَزَ إلَى المَاءِ. أمَّا التَّلَامِيذُ الآخَرُونَ فَجَاءُوا إلَى الشَّاطِئِ فِي القَارِبِ وَهُمْ يَجُرُّونَ الشَّبَكَةَ المَملوءَةَ بِالسَّمَكِ، إذْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ البَرِّ أكْثَرَ مِنْ مِئَتِي ذِرَاعٍ. وَعِنْدَمَا وَصَلُوا إلَى الشَّاطِئِ، رَأوْا هُنَاكَ جَمرًا وَسَمَكَةً تُشْوَى عَلَى الجَمْرِ وَخُبْزًا أيْضًا. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أحضِرُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي اصطَدْتُمُوه.» فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطرُسُ إلَى القَارِبِ وَجَذَبَ الشَّبَكَةَ إلَى الشَّاطِئِ. وَكَانَتِ الشَّبَكَةُ مَملوءَةً بِالسَّمَكِ الكَبِيرِ، حَتَّى إنَّ عَدَدَ الأسمَاكِ كَانَ مِئَةً وَثَلَاثًا وَخَمْسِينَ سَمَكَةً. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإنَّ الشَّبَكَةَ لَمْ تَتَمَزَّقْ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «تَعَالَوْا وَأفطِرُوا!» لَكِنْ لَمْ يَجْرُؤْ أحَدٌ مِنَ التَّلَامِيذِ أنْ يَسألَهُ: مَنْ أنْتَ؟ فَقَدْ كَانُوا مُتَيَقِّنِينَ مِنْ أنَّهُ الرَّبُّ. ثُمَّ قَامَ يَسُوعُ وَأخَذَ مِنَ الخُبْزِ وَأعْطَاهُمْ، وَكَذَلِكَ مِنَ السَّمَكَةِ. كَانَتْ هَذِهِ هِيَ المَرَّةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ بَعْدَ أنْ قَامَ مِنَ المَوْتِ. وَبَعدَمَا أكَلُوا، قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: «قُلْ لِي يَا سِمْعَانُ بْنُ يُونَا، أتُحِبُّنِي أكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّنِي هَؤُلَاءِ؟» فَقَالَ لَهُ بُطرُسُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ، أنْتَ تَعْلَمُ أنِّي أُحِبُّكَ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ارعَ خِرَافِي.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ مَرَّةً ثَانِيَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنُ يُونَا، أتُحِبُّنِي؟» فَقَالَ لَهُ بُطرُسُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ، أنْتَ تَعْلَمُ أنِّي أُحِبُّكَ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ارعَ غَنَمِي.» ثُمَّ قَالَ لَهُ مَرَّةً ثَالِثَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنُ يُونَا، أتُحِبُّنِي؟» فَحَزِنَ بُطرُسُ لِأنَّ يَسُوعَ سَألَهُ: «أتُحِبُّنِي؟» مَرَّةً ثَالِثَةً. فَقَالَ بُطرُسُ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ، أنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيءٍ، وَتَعْلَمُ أنِّي أُحِبُّكَ.» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ارعَ غَنَمِي.» «أقُولُ الحَقَّ لَكَ: عِنْدَمَا كُنْتَ أصغَرَ سِنًّا، كُنْتَ تَلْبِسُ ثِيَابَكَ بِنَفْسِكَ وَتَذْهَبُ إلَى حَيْثُ تُرِيدُ، لَكِنْ حِينَ تَشِيخُ، فَإنَّكَ سَتَمُدُّ يَدَكَ، وَآخَرُونَ سَيُلبِسُونَكَ وَيَأْخُذُونَكَ إلَى حَيْثُ لَا تُرِيدُ.» قَالَ هَذَا مُشِيرًا إلَى المِيتَةِ الَّتِي سَيَمُوتُهَا بُطرُسُ وَيُمَجِّدُ بِهَا اللهَ. ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِبُطرُسَ: «اتبَعْنِي.» فَالتَفَتَ بُطرُسُ وَرَأى التِّلمِيذَ الَّذِي يُحِبُّهُ يَسُوعُ يَتْبَعُهُمَا. وَهُوَ التِّلمِيذُ الَّذِي كَانَ قَدْ مَالَ عَلَى صَدرِ يَسُوعَ أثْنَاءَ عَشَاءِ الفِصْحِ وَسَألَهُ: «مَنِ الَّذِي سَيَخُونُكَ يَا سَيِّدُ؟» فَلَمَّا رَآهُ بُطرُسُ، قَالَ لِيَسُوعَ: «وَهَذَا، مَاذَا سَيَحْدُثُ لَهُ؟» فَقَالَ يَسُوعُ لِبُطرُسَ: «افتَرِضْ أنِّي أُرِيدُهُ أنْ يَبْقَى حَيًّا إلَى أنْ آتِي، فَمَا شَأنُكَ؟ اتبَعْنِي أنْتَ!» وَهَكَذَا انتَشَرَ الخَبَرُ بَيْنَ الإخوَةِ أنَّ ذَلِكَ التِّلمِيذَ لَنْ يَمُوتَ! لَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ لَنْ يَمُوتَ، بَلْ قَالَ: «افتَرِضْ أنِّي أُرِيدُهُ أنْ يَبْقَى حَيًّا إلَى أنْ آتِيَ، فَمَا شَأنُكَ؟» هَذَا هُوَ التِّلمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهَذِهِ الأُمُورِ، وَهُوَ الَّذِي دَوَّنَهَا. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ شَهَادَتَهُ صَحِيحَةٌ. وَهُنَاكَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ فَعَلَهَا يَسُوعُ. فَلَو دُوِّنَتْ كُلُّهَا بِالتَّفْصِيلِ، لَا أظُنَّ أنَّ العَالَمَ كُلَّهُ سَيَتَّسِعُ لِلكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ سَتُكتَبُ! كَتَبْتُ إلَيْكَ يَا ثَاوفِيلُسُ فِي كِتَابِي الأوَّلِ عَنْ كُلِّ مَا عَمِلَهُ يَسُوعُ وَعَلَّمَهُ. وَذَلِكَ مِنَ البِدَايَةِ حَتَّى الوَقْتِ الَّذِي رُفِعَ فِيهِ إلَى السَّمَاءِ، بَعْدَ أنْ أعْطَى مِنْ خِلَالِ الرُّوحِ القُدُسِ تَعْلِيمَاتٍ لِلرُّسُلِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ. وَكَانَ يَسُوعُ قَد أظْهَرَ نَفْسَهُ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ مُقنِعًا إيَّاهُمْ بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ قَاطِعَةٍ بِأنَّهُ كَانَ حَيًّا. وَظَهَرَ لَهُمْ خِلَالَ فَترَةِ أرْبَعِينَ يَومًا، وَتَحَدَّثَ إلَيْهِمْ عَنْ مَلَكُوتِ اللهِ. وَذَاتَ مَرَّةٍ، وَبَيْنَمَا كَانَ يَأْكُلُ مَعَهُمْ، أمَرَهُمْ وَقَالَ: «لَا تُغَادِرُوا مَدِينَةَ القُدْسِ، لَكِنِ انتَظِرُوا مَا وَعَدَ بِهِ الآبُ، وَهُوَ الوَعدُ الَّذِي كَلَّمتُكُمْ عَنْهُ. فَقَدْ عَمَّدَ يُوحَنَّا النَّاسَ فِي المَاءِ، وَأمَّا أنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ فِي الرُّوحِ القُدُسِ بَعْدَ أيَّامٍ قَلِيلَةٍ.» وَبَعْدَ أنِ اجتَمَعُوا، سَألُوهُ: «يَا رَبُّ، هَلْ سَتُعِيدُ المُلكَ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ الآنَ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «هَذِهِ المَعلُومَةُ عَنِ الأوقَاتِ وَالتَّوَارِيخِ لَيْسَتْ مِنْ شَأنِكُمْ، فَالآبُ قَدْ وَضَعَهَا ضِمْنَ سُلطَانِهِ الخَاصِّ. لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً عِنْدَمَا يَحِلُّ الرُّوحُ القُدُسُ عَلَيْكُمْ. وَسَتَكُونُونَ شُهُودًا لِي فِي القُدْسِ وَفِي كُلِّ اليَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ، وَإلَى أبْعَدِ الأمَاكِنِ عَلَىْ الأرْضِ.» وَبَعْدَ أنْ أنهَى قَولَهُ هَذَا، رُفِعَ إلَى السَّمَاءِ وَهُمْ يُرَاقِبُونَ. وَأخفَتهُ سَحَابَةٌ عَنْ أنظَارِهِمْ. وَبَيْنَمَا كَانُوا يُحَدِّقُونَ فِيهِ وَهُوَ يَصْعَدُ، وَقَفَ فَجْأةً إلَى جَانِبِهِمْ رَجُلَانِ يَرْتَدِيَانِ ثِيَابًا بَيْضَاءَ. فَقَالَا: «أيُّهَا الرِّجَالُ الجَلِيلِيُّونَ، لِمَاذَا تَقِفُونَ هَكَذَا نَاظِرِينَ إلَى السَّمَاءِ؟ إنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي رُفِعَ عَنْكُمْ إلَى السَّمَاءِ، سَيَأْتِي ثَانِيَةً بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا الَّتِي رَأيْتُمُوهُ يَصْعَدُ بِهَا إلَى السَّمَاءِ.» ثُمَّ عَادُوا إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ مِنَ التَّلَّةِ الَّتِي تُدعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ، وَهِيَ تَبْعُدُ نَحْوَ مَسِيرَةِ سَبْتٍ عَنِ القُدْسِ. وَعِنْدَمَا وَصَلُوا، ذَهَبُوا إلَى غُرفَةٍ فِي الطَّابِقِ العُلوِيِّ حَيْثُ كَانُوا يُقِيمُونَ. وَهُمْ بُطرُسُ، وَيُوحَنَّا، وَيَعْقُوبُ، وَأنْدَرَاوُسُ، وَفِيلِبُّسُ، وَتُومَا، وَبَرثُولَمَاوُسُ، وَمَتَّى، وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلفَى، وَسِمْعَانُ الغَيُورُ ، وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ. كَانَ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا مُنشَغِلِينَ بِالصَّلَاةِ مَعًا. وَكَانَ مَعَهُمْ بَعْضُ النِّسَاءِ وَمَريَمُ أُمُّ يَسُوعَ وَإخوَتُهُ. وَفِي تِلْكَ الأيَّامِ، وَقَفَ بُطرُسُ بَيْنَ الإخوَةِ وَكَانُوا نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ شَخْصًا وَقَالَ: «أيُّهَا الإخْوَةُ، كَانَ لَا بُدَّ أنْ يَتَحَقَّقَ قَولُ الكِتَابِ الَّذِي قَالَهُ الرُّوحُ القُدُسُ قَدِيمًا عَلَى فَمِ دَاوُدَ عَنْ يَهُوذَا. وَنَحْنُ نَعْرِفُ أنَّ يَهُوذَا صَارَ دَلِيلًا لِلَّذِينَ ألقَوْا القَبضَ عَلَى يَسُوعَ. كَانَ وَاحِدًا مِنْ جَمَاعَتِنَا، وَشَرِيكًا مَعَنَا فِي هَذِهِ الخِدْمَةِ. «وَقَدِ اشتَرَى حَقلًا بِالمَالِ الَّذِي حَصَلَ عَلَيْهِ مُقَابِلَ عَمَلِهِ الآثِمِ، لَكِنَّهُ وَقَعَ عَلَى رَأسِهِ أوَّلًا وَانشَقَّ مِنَ الوَسَطِ، فَخَرَجَتْ أمعَاؤُهُ كُلُّهَا. وَذَاعَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ بَيْنَ كُلِّ سُكَّانِ القُدْسِ، فَصَارَ ذَلِكَ الحَقلُ يُدْعَى فِي لُغَتِهِمْ ‹حَقْلَ دَمَا› وَيَعْنِي ‹حَقْلَ دَمٍ.›» وَتَابَعَ بُطرُسُ فَقَالَ: «مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ المَزَامِيرِ: ‹لِيُهجَرْ بَيتُهُ، فَلَا يَسْكُنُ فِيهِ أحَدٌ.› ومَكْتوبٌ أيْضًا: ‹لْيُشغِلْ وَظِيفَتَهُ شَخْصٌ آخَرُ.› «لِذَلِكَ عَلَيْنَا أنْ نَختَارَ أحَدَ الرِّجَالِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَنَا طَوَالَ مُدَّةِ بَقَاءِ الرَّبِّ يَسُوعَ بَيْنَنَا، أيْ مِنَ الوَقْتِ الَّذِي عَمَّدَهُ فِيهِ يُوحَنَّا المَعْمَدَانُ، إلَى الوَقْتِ الَّذِي رُفِعَ فِيهِ يَسُوعُ عَنَّا. إذْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ شَاهِدًا مَعَنَا عَلَى قِيَامَتِهِ.» فَرَشَّحُوا رَجُلَينِ: الأوَّلُ هُوَ يُوسُفُ الَّذِي كَانَ يُدْعَى بَارْسَابَا، وَيُعْرَفُ أيْضًا بِاسْمِ يُوسْتُسَ، وَالثَّانِي هُوَ مَتِيَّاسُ. ثُمَّ صَلُّوا وَقَالُوا: «يَا رَبُّ، أنْتَ تَعْرِفُ قُلُوبَ الجَمِيعِ، فَأرِنَا أيًّا مِنْ هَذَينِ الِاثنَيْنِ قَدِ اختَرْتَ لِيَكُونَ خَادِمًا وَرَسُولًا مَعَنَا فِي المَكَانِ الَّذِي تَرَكَهُ يَهُوذَا لِيَذْهَبَ إلَى المَكَانِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ.» ثُمَّ أجرَوْا القُرعَةَ بَيْنَ الرَّجُلَينِ، فَوَقَعَتِ القُرعَةُ عَلَى مَتِيَّاسَ، فَأُضِيفَ إلَى الأحَدَ عَشَرَ رَسُولًا. وَعِنْدَمَا جَاءَ عِيدُ يُومِ الخَمْسِينَ، كَانُوا كُلُّهُمْ مُجتَمِعِينَ مَعًا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ. فَإذَا بِصَوْتٍ مِنَ السَّمَاءِ يُشْبِهُ هُبُوبَ رِيحٍ عَنِيفَةٍ، مَلأ جَمِيعَ أرجَاءِ البَيْتِ الَّذِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهِ. وَإذَا بِألسِنَةٍ شَبِيهَةٍ بِنَارٍ تَظْهَرُ لَهُمْ، وَتَتَوَزَّعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. فَامْتَلْأُوا جَمِيعًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وَبَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ أُخْرَى، كَمَا مَكَّنَهُمُ الرُّوحُ مِنْ أنْ يَتَكَلَّمُوا. وَكَانَ هُنَاكَ يَهُودٌ أتقِيَاءٌ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ عَلَى الأرْضِ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الصَّوْتُ، تَجَمهَرَ جَمعٌ كَبِيرٌ مِنْهُمْ. وَكَانُوا مُرتَبِكِينَ لِأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ الخَاصَّةِ. فَكَانُوا مَذهُولِينَ وَقَالُوا مُتَعَجِّبِينَ: «ألَيْسَ كُلُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ هُمْ مِنَ الجَلِيلِ؟ فَكَيْفَ يَسْمَعُهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا؟» فَقَدْ لَاحَظُوا أنَّهُمْ فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ وَعِيلَامِيُّونَ، وَمِنْ أهْلِ مَا بَيْنَ النَّهرَينِ وَاليَهُودِيَّةِ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَبُنطُسَ وَأسِيَّا وَفَرِيجِيَّةَ وَبَمفِيلِيَّةَ وَمِصْرَ وَالمَنَاطِقِ اللِّيبِيَّةِ القَرِيبَةِ مِنْ مَدِينَةِ قِيرِينِ وَرُومَا. وَلَاحَظُوا أنَّ بَعْضَهُمْ مِنْ أصلٍ يَهُودِيٍّ وَبَعْضَهُمْ قَدْ تَحَوَلُوا إلَى اليَهُودِيَّةِ، وَأنَّ بَيْنَهُمْ كرِيتِيِّينَ وَعَرَباً. فَقَالُوا: «هَا نَحْنُ نَسمَعُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ الجَلِيلِيِّينَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ أعْمَالِ اللهِ العَجِيبَةِ فِي لُغَاتِنَا نَحْنُ!» فَكَانُوا جَمِيعًا مَذهُولِينَ وَمُتَحَيِّرِينَ، يَقُولُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَا الَّذِي يَعْنِيهِ هَذَا؟» لَكِنَّ آخَرِينَ سَخِرُوا بِهِمْ وَقَالُوا: «لَقَدْ أسرَفَ هَؤلَاءِ فِي شُربِ النَّبِيذِ!» ثُمَّ وَقَفَ بُطرُسُ مَعَ الأحَدَ عَشَرَ رَسُولًا، وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَخَاطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «أيُّهَا الإخْوَةُ اليَهُودُ، وَيَا كُلَّ المُقِيمِينَ فِي القُدْسِ، اعلَمُوا هَذَا الَّذِي سَأُخْبِرُكُمْ بِهِ، وَأصغُوا إلَى كَلَامِي جَيِّدًا. مَا هَؤُلَاءِ بِسُكَارَى كَمَا تَعْتَقِدونَ، فَالوَقْتُ لَا يَتَجَاوَزُ التَّاسِعَةَ صَبَاحًا. لَكِنْ هَذَا هُوَ مَا تَحَدَّثَ عَنْهُ النَّبِيُّ يُوئِيلُ: ‹يَقُولُ اللهُ: فِي الأيَّامِ الأخِيرَةِ سَأسكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ النَّاسِ. وَسَيَتَنَبَّأُ أبْنَاؤكُمْ وَبَنَاتُكُمْ. وَسَيَرَى شُبَّانُكُمْ رُؤَىً. وَسَيحلُمُ شُيُوخُكُمْ أحْلَامًا. فِي تِلْكَ الأيَّامِ، سَأسكُبُ رُوحِي عَلَى عَبِيدِي، رِجَالًا وَنِسَاءً، وَسَيَتَنَبَّأُونَ. وَسَأُظهِرُ عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوقُ، وَآيَاتٍ تَحْتُ عَلَى الأرْضِ، دَمًا وَنَارًا وَسُحُبًا كَثِيفَةً مِنَ الدُّخَانِ، الشَّمْسُ سَتَتَحَوَّلُ إلَى ظُلمَةٍ، وَالقَمَرُ إلَى دَمٍ، قَبْلَ أنْ يَأْتِيَ يَوْمُ الرَّبِّ العَظِيمُ المَجِيدُ، حينَ يَخْلُصُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ .› «يَا رِجَالَ إسْرَائِيلَ! أصغُوا إلَى كَلَامِي. يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ هُوَ رَجُلٌ شَهِدَ لَهُ اللهُ بِالمُعجِزَاتِ وَالعَجَائِبِ وَالبَرَاهينِ الَّتِي أجرَاهَا اللهُ بِوَاسِطَتِهِ بَيْنَكُمْ كَمَا تَعْلَمُونَ. لَقَدْ سُلِّمَ هَذَا الرَّجُلُ إلَيكُمْ وَفْقَ خُطَّةِ اللهِ وَسَابِقِ مَعْرِفَتِهِ. وَأنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ إذْ سَمَّرتُمُوهُ إلَى صَلِيبٍ بِمَعُونَةِ أشخَاصٍ أشرَارٍ. لَكِنَّ اللهَ أقَامَهُ مِنَ المَوْتِ، مُحَرِّرًا إيَّاهُ مِنْ آلَامِ المَوْتِ. إذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا لِلمَوْتِ أنْ يَحْجِزَهُ. فَدَاوُدُ يَقُولُ عَنْهُ: ‹رَأيْتُ الرَّبَّ أمَامِي دَائِمًا. هُوَ عَنْ يَمِينِي فَلَنْ أضطَرِبَ. لِهَذَا فَرِحَ قَلْبِي، وَابْتَهَجَ لِسَانِي، فَجَسَدِي أيْضًا سَيَحيَا بِالرَّجَاءِ. لِأنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ جَسَدَ قُدُّوسِكَ يَتَعَفَّنُ. عَرَّفتَنِي طُرُقَ الحَيَاةِ، وَسَتَملأُنِي فَرَحًا بِحُضُورِكَ.› «أيُّهَا الإخْوَةُ، يُمكِنُنِي أنْ أقُولَ لَكُمْ بِكُلِّ ثِقَةٍ عَنْ أبِينَا دَاوُدَ، بِأنَّهُ قَدْ مَاتَ وَدُفِنَ، وَقَبرُهُ مَوجُودٌ هُنَا عِنْدَنَا إلَى هَذَا اليَوْمِ. لَكِنَّهُ كَانَ نَبِيًّا، وَقَدْ عَرَفَ أنَّ اللهَ قَطَعَ لَهُ وَعدًا مَصحُوبًا بِقَسَمٍ بِأنَّهُ سَيُجلِسُ وَاحِدًا مِنْ نَسْلِهِ عَلَى عَرشِهِ. لَقَدْ رَأى قِيَامَةَ المَسِيحِ قَبْلَ حُدُوثِهَا فَقَالَ: ‹لَنْ يُترَكَ فِي الهَاوِيَةِ، وَلَنْ يَتَعَفَّنَ جَسَدُهُ.› لَقَدْ أقَامَ اللهُ يَسُوعَ هَذَا مِنَ المَوْتِ، وَنَحْنُ كُلُّنَا شُهُودٌ لِتِلْكَ الحَقِيقَةِ. وَبَعْدَ أنْ رُفِعَ إلَى يَمِينِ اللهِ، وَتَلَقَّى الرُّوحَ القُدُسَ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الآبُ، سَكَبَ هَذَا الرُّوحَ الَّذِي تَرَونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ الآنَ. أمَّا دَاوُدُ فَلَمْ يَصْعَدْ إلَى السَّمَاءِ. وَهُوَ نَفْسُهُ قَالَ: ‹قَالَ الرَّبُّ لِسَيِّدي: اجلِسْ عَنْ يَمِينِي، إلَى أنْ أجعَلَ أعْدَاءَكَ مَدَاسًا لِرِجلَيكَ.› «وَلِهَذَا، فَليَعْلَمْ كُلُّ بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّ اللهَ أعْلَنَ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي صَلَبتُمُوهُ، رَبًّا وَمَسِيحًا.» فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ هَذَا الكَلَامَ، تَمَزَّقَتْ قُلُوبُهُمْ، وَسَألُوا بُطْرُسَ وَالرُّسُلَ الآخَرِينَ: «أيُّهَا الإخْوَةُ، مَاذَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أنْ نَفعَلَ؟» فَقَالَ لَهُمْ بُطرُسُ: «تُوبُوا، وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ المَسِيحِ لِمَغفِرَةِ خَطَايَاكُمْ، فَتَنَالُونَ عَطِيَّةَ الرَّوحِ القُدُسِ. فَالوَعدُ هُوَ لَكُمْ وَلِأبنَائِكُمْ وَلِكُلِّ الأُمَمِ البَعِيدِينَ، أيْ كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إلَهُنَا.» وَشَهِدَ لَهُمْ بُطْرُسُ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ غَيْرِ هَذَا. وَكَانَ يُنَاشِدُهُمْ فَيَقُولُ: «خَلِّصُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ العِقَابِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ هَذَا الجِيلُ المُنحَرِفُ!» فَتَعَمَّدَ كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوا رِسَالَتَهُ، وَانضَمَّ إلَى جَمَاعَةِ المُؤمِنِينَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ثَلَاثَةُ آلَافِ شَخْصٍ. وَكَانُوا مُنْشَغِلينَ بِتَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ. وَتَمَلَّكَ الجَمِيعَ إحسَاسٌ بِالرَّهبَةِ، لِأنَّ الرُّسُلَ كَانُوا يُجرُونَ عَجَائِبَ وَمُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةً. وَكَانَ كُلُّ المُؤمِنِينَ يَجْتَمِعُونَ مَعًا وَيَتَشَارَكُونَ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُونَهُ. بَاعُوا أمْلَاكَهُمْ وَمُقتَنَيَاتِهِمْ، وَوَزَّعُوا ثَمَنَهَا عَلَى الجَمِيعِ، كُلِّ وَاحِدٍ حَسَبَ احتِيَاجِهِ. كَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى الاجْتِمَاعِ كُلَّ يَوْمٍ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ، وَيَشْتَرِكُونَ فِي كَسْرِ الخُبْزِ مِنْ بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ، وَيَأْكُلُونَ مَعًا بِقُلُوبٍ فَرِحَةٍ مُخْلِصَةٍ وَهُمْ يُسَبِّحونَ اللهَ، وَيَحْظَوْنَ بِاستِحسَانِ جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرَّبُّ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُضِيفُ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ إلَى جَمَاعَةِ المُؤمِنِينَ. وَكَانَ بُطرُسُ وَيُوحَنَّا ذَاهِبَينِ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَهَوَ وَقْتُ الصَّلَاةِ. وَكَانَ هُنَاكَ أشخَاصٌ يَحْمِلُونَ رَجُلًا مَشْلُولًا مُنْذُ وِلَادَتِهِ، وَيَضَعُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ قُرْبَ بَوَّابَةِ الهَيْكَلِ الَّتِي تُدعَى «البَوَّابَةَ الجَمِيلَةَ،» لِيَسْتَعْطِيَ مَالًا مِنَ الدَّاخِلِينَ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ. فَلَمَّا رَأى هَذَا الرَّجُلُ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا يُوشِكَانِ عَلَى الدُّخُولِ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ، طَلَبَ مِنهُمَا مَالًا. فَثَبَّتَ بُطرُسُ وَيُوحَنَّا أعيُنَهُمَا عَلَيْهِ وَقَالَا لَهُ: «انْظُرْ إلَينَا!» فَنَظَرَ إلَيْهِمَا مُتَوَقِّعًا أنْ يَحْصُلَ عَلَى شَيءٍ مِنهُمَا. لَكِنَّ بُطْرُسَ قَالَ لَهُ: «لَا أملُكُ فِضَّةً وَلَا ذَهَبًا، لَكِنِّي أُعْطِيكَ مَا لَدَيَّ: بِاسْمِ يَسُوعَ المَسِيحِ النَّاصِرِيِّ انْهَضْ وَامشِ!» وَأنهَضَهُ مُمسِكًا إيَّاهُ مِنْ يَدِهِ اليُمْنَى. فَتَقَوَّتْ قَدَمَاهُ وَكَاحِلَاهُ حَالًا. فَقَفَزَ عَلَى قَدَمَيهِ وَبَدَأ يَمْشِي. وَدَخَلَ مَعَهُمَا إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ يَمْشِي وَيَقْفِزُ وَيُسَبِّحُ اللهَ. وَرَآهُ كُلُّ النَّاسِ يَمْشِي وَيُسَبِّحُ اللهَ. فَعَرَفُوا أنَّهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ مُسْتَعْطِيًا عِنْدَ البَوَّابَةِ الجَمِيلَةِ. فَتَمَلَّكَهُمُ العَجَبُ وَالذُّهُولُ مِمَّا حَدَثَ لَهُ. وَبَيْنَمَا كَانَ الرَّجُلُ مُتَعَلِّقًا بِبُطرُسَ وَيُوحَنَّا، ذُهِلَ كُلُّ النَّاسِ وَتَرَاكَضُوا نَحوَهُمْ إلَى بُقعَةٍ تُدعَى «قَاعَةَ سُلَيْمَانَ.» فَلَمَّا رَأى بُطرُسُ هَذَا، قَالَ لِلنَّاسِ: «يَا رِجَالَ إسْرَائِيلَ، لِمَاذَا يُدهِشُكُمْ هَذَا؟ وَلِمَاذَا تُحَدِّقُونَ بِنَا وَكَأنَّنَا بِقُوَّتِنَا الخَاصَّةِ أوْ تَقوَانَا جَعَلنَا هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي؟ لَقَدْ مَجَّدَ إلَهُ آبَائِنَا إبرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، خَادِمَهُ يَسُوعَ. وَأنْتُمْ أسلَمتُمُوهُ لِلقَتلِ، وَتَبَرَّأتُمْ مِنْهُ أمَامَ بِيلَاطُسَ بَعْدَ أنْ قَرَّرَ إطلَاقَ سَرَاحِهِ. تَبَرَّأتُمْ مِنَ القُدُّوسِ وَالبَارِّ، وَطَلَبتُمْ أنْ يُخلَى لَكُمْ سَبِيلُ رَجُلٍ قَاتِلٍ. قَتَلْتُمْ مَانِحَ الحَيَاةِ، لَكِنَّ اللهَ أقَامَهُ مِنَ المَوْتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِهَذَا. «وَاسْمُ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي وَهَبَ قُوَّةً لِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي تَرَونَهُ وَتَعْرِفُونَهُ، إذْ آمَنَّا بِاسْمِهِ. فَالإيمَانُ الَّذِي يَأتِي مِنْ خِلَالِهِ هُوَ الَّذِي أعْطَى شِفَاءً تَامًّا لِهَذَا الرَّجُلِ أمَامَكُمْ جَمِيعًا. «وَالْآنَ أيُّهَا الإخْوَةُ، أعْرِفُ أنَّكُمْ تَصَرَّفتُمْ عَنْ جَهلٍ، كَمَا فَعَلَ قَادَتُكُمْ أيْضًا. لَكِنْ هَكَذَا تَحَقَّقَ مَا سَبَقَ أنْ أعلَنَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ جَمِيعِ أنبِيَائِهِ مِنْ أنَّ مَسِيحَهُ لَا بُدَّ أنْ يَتَألَّمَ. فَتُوبُوا وَعُودُوا إلَى اللهِ لِتُمحَى خَطَايَاكُمْ. تُوبُوا إلَى اللهِ عَسَى أنْ تَأْتِيَ أوقَاتُ الرَّاحَةِ مِنْ عِندِ الرَّبِّ، وَعَسَى أنْ يُرسِلَ المَسِيحَ، أيْ يَسُوعَ الَّذِي سَبَقَ أنِ اخْتَارَهُ لَكُمْ. «إذْ كَانَ يَنْبَغِي أنْ يَبْقَى المَسِيحُ فِي السَّمَاءِ، حَتَّى يَأْتِيَ الوَقْتُ المُنَاسِبُ لاستِردَادِ كُلِّ الأشْيَاءِ الَّتِي تَحَدَّثَ اللهُ عَنْهَا قَدِيمًا عَلَى لِسَانِ أنبِيَائِهِ المُقَدَّسِينَ. فَقَدْ قَالَ مُوسَى: ‹سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إلَهُكُمْ نَبِيًّا مِثْلِي مِنْ بَيْنِ شَعْبِكُمْ. فَيَنْبَغِي أنْ تُطِيعُوهُ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ لَكُمْ … وَكُلُّ مَنْ لَا يُطِيعُهُ، سَيُقطَعُ مِنَ الشَّعْبِ.› «وَكُلُّ الأنْبِيَاءِ، ابْتِدَاءً بِصَمُوئِيلَ وَكُلِّ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَهُ، تَنَبَّأُوا عَنْ هَذِهِ الأيَّامِ ذَاتِهَا. وَأنْتُمْ أبْنَاءُ الأنْبِيَاءِ وَأبْنَاءُ العَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ اللهُ لآبَائِكُمْ. فَقَدْ قَالَ لإبرَاهِيمَ: ‹سَتَتَبَارَكُ كُلُّ عَشَائِرِ الأرْضِ بِنَسْلِكَ.› وَعِنْدَمَا أقَامَ اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ، أرسَلَهُ إلَيكُمْ أنْتُمْ أوَّلًا، لِكَي يُبَارِكَكُمْ بِأنْ يَرُدَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ طُرُقِهِ الشِّرِّيرَةِ.» وَبَيْنَمَا بُطرُسُ وَيُوحَنَّا يَتَحَدَّثَانِ إلَى النَّاسِ، تَقَدَّمَ إلَيْهِمَا الكَهَنَةُ وَرَئِيسُ حَرَسِ الهَيْكَلِ وَالصَّدُوقِيُّونَ. فَقَدِ انزَعَجُوا لِأنَّ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا كَانَا يُعَلِّمَانِ وَيُنَادِيَانِ بِأنَّ هُنَاكَ قِيَامَةً مِنَ المَوْتِ مِنْ خِلَالِ يَسُوعَ. فَقَبَضُوا عَلَيْهِمَا وَحَجَزُوهُمَا حَتَّى اليَوْمِ التَّالِي، لِأنَّ المَسَاءَ كَانَ قَدْ حَلَّ. غَيْرَ أنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا الرِّسَالَةَ آمَنُوا، فَوَصَلَ عَدَدُ الرِّجَالِ الْمُؤمِنِينَ إلَى خَمْسَةِ آلَافٍ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي اجتَمَعَ قَادَةُ اليَهودِ وَشُيُوخُهُمْ وَمُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. كَمَا كَانَ هُنَاكَ حَنَّانُ رَئيسُ الكَهَنَةِ وَقَيَافَا وَيُوحَنَّا وَالإسكَندَرُ، وَكُلُّ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَى عَائِلَةِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ. فَأحْضَرُوا الرَّسُولَينِ أمَامَهُمَا وَبَدَأُوا يَسْتَجْوِبُونَهُمَا: «بِأيَّةِ قُوَّةٍ وَبِأيِّ سُلْطَانٍ فَعَلْتُمْ هَذَا؟» فَقَالَ لَهُمْ بُطرُسُ وَهُوَ مُمتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ: «يَا قَادَةَ الشَّعْبِ وَالشُّيُوخِ، هَلْ تُحَقِّقُونَ مَعَنَا اليَوْمَ بِشَأنِ عَمَلٍ صَالِحٍ قُمنَا بِهِ نَحْوَ إنْسَانٍ مُقعَدٍ، وَتَسألُونَنَا كَيْفَ شُفِيَ؟ إذًا فَلتَعْلَمُوا جَمِيعُكُمْ وَجَمِيعُ بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّنَا فَعَلنَا ذَلِكَ بِاسْمِ يَسُوعَ المَسِيحِ النَّاصِرِيِّ الَّذِي صَلَبتُمُوهُ أنْتُمْ، وَقَدْ أقَامَهُ اللهُ مِنَ المَوْتِ. فَبِاسْمِهِ يَقِفُ هَذَا الرَّجُلُ أمَامَكُمْ مُعَافَىً تَمَامًا. فَهُوَ ‹الحَجَرُ الَّذِي رَفَضْتُمُوهُ أيُّهَا البَنَّاؤُونَ، وَالَّذِي صَارَ حَجَرَ الأسَاسِ.› وَمَا مِنْ خَلَاصٍ بِأحَدٍ غَيرِهِ. فَمَا مِنِ اسْمٍ تَحْتَ السَّمَاءِ أعْطَاهُ اللهُ لَنَا لِكَي نَخلُصَ بِهِ سِوَى اسْمِ يَسُوعَ.» فَلَمَّا رَأوْا جَسَارَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَأدرَكُوا أنَّهُمَا غَيْرُ مُتَعَلِّمَيْنِ وَمِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ، ذُهِلُوا. ثُمَّ أدرَكُوا أنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ. وَبِمَا أنَّهُمْ رَأوْا الرَّجُلَ الَّذِي شُفِيَ وَاقِفًا هُنَاكَ مَعَهُمَا، لَمْ يَكُنْ لَدَيهِمْ شَيءٌ يَقُولُونَهُ ضِدَّهُمَا. فَأمَرُوهُمَا بِأنْ يُغَادِرَا المَجمَعَ. ثُمَّ تَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: «مَاذَا سَنَفعَلُ بِهَذَينِ الرَّجُلَينِ؟ فَإنَّهُ وَاضِحٌ لِكُلِّ شَخْصٍ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ أنَّ مُعجِزَةً قَدْ جَرَتْ بِوَاسِطَتِهِمَا، وَلَا يُمكِنُنَا أنْ نُنكِرَ ذَلِكَ. لَكِنَّنَا نُرِيدُ أنْ نَمنَعَ هَذَا الخَبَرَ مِنَ الانْتِشَارِ أكْثَرَ بَيْنَ النَّاسِ. وَلِهَذَا فَلنُحَذِّرْهُمَا ألَّا يُكَلِّمَا أحَدًا فِيمَا بَعْدُ بِهَذَا الاسْمِ.» فَاسْتَدْعُوهُمَا وَأمَرُوهُمَا بِأنْ لَا يَقُولَا أوْ يُعَلِّمَا شَيْئًا عَنِ اسْمِ يَسُوعَ. لَكِنَّ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَالَا: «احكُمُوا أنْتُمْ إنْ كَانَ صَوَابًا لَدَى اللهِ أنْ نَسمَعَ لَكُمْ بَدَلًا مِنْ أنْ نَسمَعَ للهِ. أمَّا نَحْنُ فَلَا نَسْتَطِيعُ إلَّا أنْ نَتَكَلَّمَ بِمَا رَأينَاهُ وَسَمِعنَاهُ.» وَبَعْدَ مَزِيدٍ مِنَ التَّهدِيدِ أخلَوْا سَبِيلَهُمَا. وَلَمْ يَجِدُوا سَبِيلًا لِمُعَاقَبَتِهِمَا، لِأنَّ كُلَّ النَّاسِ كَانُوا يُسَبِّحُونَ اللهَ عَلَى مَا حَدَثَ. فَقَدْ جَاوَزَ الرَّجُلُ الَّذِي جَرَتْ لَهُ المُعجِزَةُ الأرْبَعِينَ عَامًا. وَعِنْدَمَا أُطلِقَ سَرَاحُهُمَا، جَاءَا إلَى جَمَاعَتِهِمَا، وَأخبَرَاهُمْ بِكُلِّ مَا قَالَهُ لَهُمَا كِبَارُ الكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ. فَلَمَّا سَمِعَ المُؤمِنُونَ هَذَا، رَفَعُوا كُلُّهُمْ مَعًا أصوَاتَهُمْ إلَى اللهِ وَقَالُوا: «أيُّهَا السَّيِّدُ، أنْتَ صَنَعتَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَالبَحْرَ وَكُلَّ شَيءٍ فِيهَا. «وَأنْتَ قُلْتَ بِالرُّوحِ القُدُسِ عَلَى لِسَانِ أبِينَا دَاوُدَ: «‹لِمَاذَا اشتَعَلَ غَضَبُ الأُمَمِ، وَلِمَاذَا تَتَآمَرُ الشُّعُوبُ عَبَثًا؟ أعَدَّ مُلُوكُ الأرْضِ أنْفُسَهُمْ لِلمَعرَكَةِ. وَاجتَمَعَ الحُكَّامُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ.›» وَقَدِ اجتَمَعَ بِالفِعْلِ هِيرُودُسُ وَبُنطيُوسُ بِيلَاطُسُ مَعًا فِي هَذِهِ المَدِينَةِ مَعَ اليَهودِ وَغَيرِهِمْ مِنَ الأُمَمِ عَلَى فَتَاكَ القُدُّوسِ يَسُوعَ الَّذِي مَسَحتَهُ، لِكَي يُتَمِّمُوا كُلَّ مَا سَبَقَ أنْ قَضَيتَ بِهِ بِقُوَّتِكَ وَإرَادَتِكَ. وَالْآنَ يَا رَبُّ، انْظُرْ إلَى تَهْدِيدَاتِهِمْ، وَمَكِّنْ عَبِيدَكَ مِنَ التَّكَلُّمِ بِرِسَالَتِكَ بِكُلِّ شَجَاعَةٍ. وَفِي أثْنَاءِ ذَلِكَ، مُدَّ يَدَكَ لِلشِّفَاءِ، وَاصْنَعْ مُعْجِزَاتٍ وَعَجَائِبَ بِاسْمِ فَتَاكَ القُدُّوسِ يَسُوعَ.» وَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الصَّلَاةِ، تَزَلزَلَ المَكَانُ الَّذِي كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، وَامتَلْأُوا جَمِيعًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وَاستَمَرُّوا يَتَكَلَّمونَ بِرِسَالَةِ اللهِ بِجُرْأةٍ. وَكَانَ المُؤمِنُونَ جَمِيعًا مُتَّحِدِينَ فِي القَلْبِ وَالنَّفْسِ. وَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَقُولُ إنَّ شَيْئًا مِنْ مُمتَلَكَاتِهِ لَهُ، بَلْ كَانُوا يَتَشَارَكُونَ فِي كُلِّ شَيءٍ يَمْلِكُونَهُ. وَكَانَ الرُّسُلُ يَشْهَدُونَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ عَنْ قِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَكَانَتْ بَرَكَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ اللهِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. وَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ مِنْهُمْ مُحتَاجًا. فَكُلُّ الَّذِينَ كَانَ لَدَيهِمْ حُقُولٌ أوْ بُيُوتٌ، كَانُوا يَبِيعُونَهَا، وَيُسَلِّمُونَ ثَمَنَهَا إلَى الرُّسُلِ، فَيُوَزَّعَ المَالُ عَلَى الجَمِيعِ حَسَبَ احتِيَاجِ كُلِّ وَاحِدٍ. فَمَثَلًا يُوسُفُ الَّذِي كَانَ الرُّسُلُ يَدْعُونَهُ بَرنَابَا، وَيَعْني اسْمُهُ ابْنَ التَّشجِيعِ، وَكَانَ لَاوِيًّا مَولُودًا فِي قُبرُصَ، بَاعَ حَقلًا، وَأحضَرَ المَالَ وَسَلَّمَهُ إلَى الرُّسُلِ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا وَاسْمُ زَوْجَتِهِ سَفِّيرَةُ. بَاعَ هَذَا الرَّجُلُ أرْضًا مِنْ أمْلَاكِهِ. وَبِمَعْرِفَةِ زَوْجَتِهِ احتَفَظَ بِجُزءٍ مِنْ ثَمَنِهَا، وَأحضَرَ البَاقِيَ وَسَلَّمَهُ إلَى الرُّسُلِ. فَقَالَ لَهُ بُطرُسُ: «يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا سَمَحتَ للشَّيطَانِ بِأنْ يَملأَ قَلْبَكَ، حَتَّى إنَّكَ كَذَبتَ عَلَى الرُّوحِ القُدُسِ، وَاحْتَفَظْتَ بِجُزءٍ مِنَ المَالِ الَّذِي بِعتَ بِهِ الأرْضَ؟ أفَلَمْ تَكُنِ الأرْضُ لَكَ قَبْلَ أنْ تَبِيعَهَا؟ وَبَعْدَ أنْ بِعتَهَا، أمَا كُنْتَ حُرًّا فِي طَرِيقَةِ تَصَرُّفِكَ بِمَالِكَ؟ فَلِمَاذَا نَوَيتَ هَذَا الشِّيءَ فِي قَلْبِكَ؟ أنْتَ كَذَبتَ عَلَى اللهِ، لَا عَلَى البَشَرِ!» فَمَا أنْ سَمِعَ حَنَانِيَّا هَذَا الكَلَامَ، حَتَّى وَقَعَ عَلَى الأرْضِ وَمَاتَ. فَخَافَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ هَذَا خَوْفًا عَظِيمًا. وَقَامَ بَعْضُ الشُّبَّانِ وَلَفُّوهُ، ثُمَّ حَمَلُوهُ إلَى الخَارِجِ وَدَفَنُوهُ. وَبَعْدَ نَحوِ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ، دَخَلَتْ زَوْجَتُهُ دُونَ أنْ يَكُونَ لَهَا عِلمٌ بِمَا حَصَلَ، فَقَالَ لَهَا بُطرُسُ: «قُولِي لِي، هَلْ بِعتُمَا حَقلَكُمَا بِكَذَا؟» فَأجَابَتْ: «نَعَمْ، بِذَلِكَ المَبلَغِ.» فَقَالَ لَهَا بُطرُسُ: «لِمَاذَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى أنْ تَمْتَحِنَا رُوحَ الرَّبِّ؟ هَا هِيَ أقْدَامُ الَّذِينَ دَفَنُوا زَوْجَكِ عَلَى البَابِ، وَسَيَحْمِلُونَكِ أنْتِ أيْضًا خَارِجًا.» وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ وَقَعَتْ عِنْدَ قَدَمَيهِ وَمَاتَتْ. فَدَخَلَ الشُّبَّانُ وَوَجَدُوهَا مَيِّتَةً، فَحَمَلُوهَا إلَى الخَارِجِ وَدَفَنُوهَا إلَى جَانِبِ زَوْجِهَا. فَسَادَ خَوفٌ عَظِيمٌ عَلَى الكَنِيسَةِ كُلِّهَا وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ بِهَذِهِ الأُمُورِ. وَجَرَتْ مُعْجِزَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ بَيْنَ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ الرُّسُلِ، وَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ مَعًا فِي قَاعَةِ سُلَيْمَانَ. وَلَمْ يَجْرُؤْ أحَدٌ مِنَ الآخَرِينَ أنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِمْ. غَيْرَ أنَّ النَّاسَ كَانُوا يَمْدَحُونَهُمْ. وَكَانَ الذِّينَ يُؤمِنُونَ بِالرَّبِّ، رِجَالًا وَنِسَاءً، يَتَزَايَدُونَ كَثِيرًا. حَتَّى إنَّ النَّاسَ كَانُوا يَأتُونَ بِمَرضَاهُمْ إلَى الشَّوَارِعِ، وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى أسِرَّةٍ وَحَصَائِرَ، حَتَّى إذَا مَرَّ بُطرُسُ، يَأتِي وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى بَعْضِهِمْ. كَمَا جَاءَتْ جُمُوعٌ مِنَ البَلدَاتِ المُجَاوِرَةِ إلَى القُدْسِ، جَالِبِينَ مَعَهُمُ المَرْضَىْ وَالمُعَذَّبِينَ مِنْ أروَاحٍ نَجِسَةٍ، فَنَالُوا الشِّفَاءَ جَمِيعًا. فَثَارَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ وَكُلُّ جَمَاعَتِهِ، أيْ حِزبِ الصَّدُوقِيِّينَ، وَمَلأهُمُ الحَسَدُ. فَألقَوْا القَبضَ عَلَى الرُّسُلِ، وَوَضَعُوهُمْ فِي السِّجْنِ العَامِّ. لَكِنْ جَاءَ مَلَاكٌ مِنْ عِندِ الرَّبِّ لَيْلًا وَفَتَحَ أبوَابَ السِّجْنِ، ثُمَّ قَادَهُمْ خَارِجَهُ وَقَالَ: «اذْهَبُوا وَقِفُوا فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ وَكَلِّمُوا النَّاسَ بِجَمِيعِ كَلَامِ هَذِهِ الحَيَاةِ الجَدِيدَةِ.» فَلَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ هَذَا، دَخَلُوا سَاحَةَ الهَيْكَلِ عِنْدَ الفَجرِ وَبَدَأُوا يُعَلِّمُونَ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ رَئيسُ الكَهَنَةِ وَجَمَاعَتُهُ، دَعُوا المَجلِسَ اليَهُودِيَّ وَكُلَّ شُيُوخِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعًا إلَى الاجْتِمَاعِ. ثُمَّ أرسَلُوا حُرَّاسًا إلَى السِّجْنِ لإحضَارِ الرُّسُلِ. لَكِنْ لَمَّا وَصَلَ الحُرَّاسُ إلَى السِّجْنِ، لَمْ يَجِدُوا الرُّسُلَ فِي الدَّاخِلِ. فَعَادُوا وَخَبَّرُوا وَقَالُوا: «وَجَدنَا السِّجْنَ مُقفَلًا بِإحكَامٍ. وَوَجَدنَا الحَرَسَ وَاقِفِينَ عَلَى الأبوَابِ. لَكِنْ حِينَ فَتَحنَاهَا لَمْ نَجِدْ أحَدًا فِي الدَّاخِلِ.» فَلَمَّا سَمِعَ قَائِدُ حَرَسِ الهَيْكَلِ وَكِبَارُ الكَهَنَةِ هَذَا الكَلَامَ، تَحَيَّرُوا وَتَسَاءَلُوا مَا عَسَى أنْ يَحْدُثَ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ وَقَالَ لَهُمْ: «إنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ وَضَعتُمُوهُمْ فِي السِّجْنِ وَاقِفُونَ فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ!» فَانطَلَقَ رَئِيسُ الحُرَّاسِ مَعَ حُرَّاسِهِ وَأحضَرُوا الرُّسُلَ مِنْ دُونِ عُنفٍ، لِأنَّهُمْ خَافُوا أنْ يَرْجُمَهُمُ النَّاسُ. فَأدخَلُوا الرُّسُلَ وَأوقَفُوهُمْ أمَامَ المَجْمَعِ. ثُمَّ استَجْوَبَهُمْ رَئيسُ الكَهَنَةِ فَقَالَ: «أعطَينَاكُمْ أوَامِرَ مُشَدَّدَةً ألَّا تُعَلِّمُوا عَنْ هَذَا الاسْمِ، لَكِنَّكُمْ مَلأتُمْ مَدِينَةَ القُدْسِ كُلِّهَا بِتَعْلِيمِكُمْ. وَأنْتُمْ تُرِيدُونَ أنْ تُحَمِّلُونَا ذَنبَ مَوْتِ هَذَا الرَّجُلِ!» فَأجَابَ بُطرُسُ وَالرُّسُلُ: «عَلَيْنَا أنْ نُطِيعَ اللهَ لَا النَّاسَ. إنَّ إلَهَ آبَائِنَا أقَامَ مِنَ المَوْتِ يَسُوعَ الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بِأنْ عَلَّقتُمُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ. وَقَدْ مَجَّدَهُ اللهُ وَأجلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ قَائِدًا وَمُخَلِّصًا، لِكَي يُعطِيَ بَنِي إسْرَائِيلَ التَّوبَةَ وَمَغفِرَةَ الخَطَايَا. وَنَحْنُ شُهُودٌ لِهَذِهِ الأُمُورِ، وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ الرُّوحُ القُدُسُ الَّذِي أعطَاهُ اللهُ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ.» فَلَمَّا سَمِعَ أعضَاءُ المَجْمَعِ هَذَا، اشتَعَلَ غَضَبُهُمْ، وَأرَادُوا أنْ يَقْتُلُوهُمْ. لَكِنَّ وَاحِدًا مِنْ أعضَاءِ المَجْمَعِ يَحْتَرِمُهُ كُلُّ النَّاسِ وَقَفَ وَأمَرَ بِإخرَاجِ الرُّسُلِ بَعْضَ الوَقْتِ. وَكَانَ اسْمُهُ غَمَالَائِيلَ، وَهُوَ فِرِّيسِيٌّ، وَمُعَلِّمٌ لِلشَّرِيعَةِ. وَقَالَ لَهُمْ: «يَا رِجَالَ إسْرَائِيلَ، انتَبِهُوا إلَىْ مَا تُوشِكُونَ أنْ تَفْعَلُوهُ بِهَؤُلَاءِ الرِّجَالِ. فَقَبْلَ مُدَّةٍ ظَهَرَ ثِوُدَاسُ، مُدَّعِيًا بِأنَّهُ رَجُلٌ عَظِيمٌ. فَانضَمَّ إلَيْهِ نَحْوَ أرْبَعِ مِئَةِ رَجُلٍ. لَكِنَّهُ قُتِلَ وَتَشَتَّتَ أتبَاعُهُ. وَلَمْ تُسفِرْ حَرَكَتُهُمْ عَنْ شَيءٍ، وَبَعدَهُ ظَهَرَ يَهُوذَا الجَلِيلِيُّ أثْنَاءَ وَقْتِ إحصَاءِ السُّكَّانِ. وَجَذَبَ وَرَاءَهُ بَعْضَ الأتبَاعِ. لَكِنَّهُ أيْضًا قُتِلَ، وَتَشَتَّتَ كُلُّ أتبَاعِهِ. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِلقَضِيَّةِ الحَالِيَّةِ، فَإنِّي أنصَحُكُمْ بِأنْ تَبْتَعِدُوا عَنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ. دَعُوهُمْ وَشَأنَهُمْ. فَإنْ كَانَتْ خُطَّتُهُمْ أوْ عَمَلُهُمْ هَذَا صَادِرًا عَنْ بَشَرٍ، فَسَيَنْتَهِي إلَى الفَشَلِ. أمَّا إذَا كَانَ مِنَ اللهِ، فَلَنْ تَقْدِرُوا أنْ تُوقِفُوهُمْ. وَرُبَّمَا تَجِدُونَ أنْفُسَكُمْ تُحَارِبُونَ اللهَ!» فَاقتَنَعُوا بِكَلَامِهِ، وَنَادَوْا عَلَى الرُّسُلِ لِلدُّخُولِ وَأمَرُوا بِجَلدِهِمْ. وَأمَرُوهُمْ ألَّا يَتَكَلَّمُوا عَنِ اسْمِ يَسُوعَ، ثُمَّ أخلَوْا سَبِيلَهُمْ. فَانطَلَقَ الرُّسُلُ مِنْ أمَامِ المَجْمَعِ وَهُمْ مُبتَهِجُونَ، لِأنَّهُمُ اعتُبِرُوا جَدِيرِينَ بِتَلَقِّي الإهَانَةِ مِنْ أجْلِ اسْمِ يَسُوعَ. وَلَمْ يَتَوَقَّفُوا قَطُّ عَنِ التَّعلِيمِ وَالتَبشيرِ بِأنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ. كَانُوا يَفْعَلُونَ هَذَا فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ، وَيَنْتَقِلُونَ مِنْ بَيْتٍ إلَى آخَرَ. فِي تِلْكَ الأيَّامِ كَانَ عَدَدُ التَّلَامِيذِ يَتَزَايَدُ. فَتَذَمَّرَ اليَهُودُ النَّاطِقُونَ بِاليُونَانِيَّةِ مِنَ اليَهُودِ النَّاطِقِينَ بِالأرَامِيَّةِ، لِأنَّهُ كَانَ يَتِمُّ تَجَاهُلُ أرَامِلِهِمْ فِي التَّوزِيعِ اليَوْمِيِّ. فَدَعَا الاثْنَا عَشَرَ كُلَّ جَمَاعَةِ التَّلَامِيذِ مَعًا وَقَالُوا: «لَا يَصِحُّ لَنَا أنْ نُهمِلَ التَّعلِيمَ بِكَلِمَةِ اللهِ لِنَخدِمَ فِي إعدَادِ مَوَائِدِ الطَّعَامِ. فَاختَارُوا أيُّهَا الإخْوَةُ مِنْ بَينِكُمْ سَبْعَةَ رِجَالٍ لَهُمْ سُمْعَةٌ حَسَنَةٌ وَمُمتَلِئِينَ مِنَ الرُّوحِ وَالحِكْمَةِ فَنوكِلَ إلَيْهِمْ هَذِهِ الخِدْمَةَ. أمَّا نَحْنُ فَسَنُكَرِّسُ أنْفُسَنَا لِلصَّلَاةِ وَخِدْمَةِ الكَلِمَةِ.» فَاسْتَحْسَنَ الجَمِيعُ هَذَا الاقتِرَاحَ، وَاختَارُوا إستِفَانُوسَ، وَهُوَ رَجُلٌ مَملُوءٌ مِنَ الإيمَانِ وَمِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. وَاختَارُوا أيْضًا فِيلِبُّسَ وَبُرُوخُورُسَ وَنِيكَانُورَ وَتِيمُونَ وَبَرْمِينَاسَ وَنِيقُولَاوُسَ الأنطَاكِيَّ، وَهُوَ رَجُلٌ كَانَ قَدْ دَخَلَ اليَهُودِيَّةَ. وَقَدَّمُوا هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ إلَى الرُّسُلِ، فَصَلَّى الرُّسُلُ وَوَضَعُوا عَلَيْهِمُ الأيَادِي. وَانتَشَرَتْ رِسَالَةُ اللهِ، وَتَكَاثَرَ عَدَدُ التَّلَامِيذِ فِي القُدْسِ بِشَكلٍ كَبيرٍ، وَأطَاعَ الإيمَانَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الكَهَنَةِ. وَكَانَ إستِفَانُوسُ مَملُوءًا نِعْمَةً وَقُوَّةً. فَأجرَى عَجَائِبَ وَمُعْجِزَاتٍ عَظيمَةً بَيْنَ النَّاسِ. فَتَصَدَّى لَهُ بَعْضُ أعضَاءِ مَجمَعِ «المُتَحَرِّرونَ،» كَمَا كَانَ يُدْعَى. وَكَانَ هَؤُلَاءِ يَهُودًا مِنَ قِيرِينَ وَالإسكَندَرِيَّةِ، وَمِنْ كِيلِيكِيَّا وَأسِيَّا، فَرَاحُوا يُجَادِلُونَ إستِفَانُوسَ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الصُّمُودَ أمَامَ الحِكْمَةِ وَالرُّوحِ اللَّذَيْنِ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِمَا. فَقَدَّمُوا رِشْوَةً لِبَعْضِ الرِّجَالِ لِيَقُولُوا: «سَمِعنَاهُ يَتَكَلَّمُ كَلَامًا يُهِينُ بِهِ مُوسَى وَاللهَ.» وَهَكَذَا أهَاجُوا عَلَيْهِ النَّاسَ وَالشُّيُوخَ وَمُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ. فَجَاءُوا وَأمسَكُوا بِهِ، وَأحضَرُوهُ أمَامَ مَجلِسِ اليَهُودِ. وَقَدَّمُوا شُهُودَ زُورٍ قَالُوا: «لَا يَتَوَقَّفُ هَذَا الرَّجُلُ أبَدًا عَنْ سَبِّ الهَيْكَلِ وَالشَّرِيعَةِ. فَنَحْنُ سَمِعنَاهُ يَقُولُ إنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ سَيُدَمِّرُ الهَيْكَلَ وَيُبَدِّلُ العَادَاتِ الَّتِي سَلَّمَنَا إيَّاهَا مُوسَى.» فَوَجَّهَ جَمِيعُ الجَالِسِينَ فِي المَجلِسِ أنظَارَهُمْ إلَيْهِ، وَرَأوْا أنَّ وَجْهَهُ بَدَا كَوَجْهِ مَلَاكٍ. ثُمَّ قَالَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ لإستِفَانُوسَ: «هَلْ مَا يَتَّهِمُونَكَ بِهِ صَحِيحٌ؟» فَأجَابَ: «أيُّهَا الإخْوَةُ وَالآبَاءُ، أصغُوا إلَيَّ! لَقَدْ ظَهَرَ إلَهُ المَجْدِ لِأبِينَا إبرَاهِيمَ حِينَ كَانَ مَا يَزَالُ فِي أرْضِ مَا بَيْنَ النَّهرَينِ، قَبْلَ أنْ يَسْكُنَ فِي حَارَانَ. وَقَالَ لَهُ: ‹اترُكْ بَلَدَكَ وَشَعْبَكَ. وَاذْهَبْ إلَى الأرْضِ الَّتِي سَأُرِيهَا أنَا لَكَ،› فَغَادَرَ أرْضَ الكِلدَانِيِّينَ وَاستَقَرَّ فِي حَارَانَ. «وَبَعْدَ أنْ مَاتَ أبُوهُ، أرسَلَهُ اللهُ مِنْ هُنَاكَ إلَى هَذِهِ الأرْضِ حَيْثُ أنْتُمْ تَسْكُنُونَ الآنَ. وَلَمْ يُعطِهِ أيَّ مِيرَاثٍ هُنَا، وَلَا حَتَّى شِبرًا وَاحِدًا. لَكِنَّهُ وَعَدَ أنْ يُعطِيَهَا لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعدِهِ مُلْكًا، رُغْمَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَدَيهِ ابنٌ. «وَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ لَهُ: ‹سَيَكُونُ نَسْلُكَ غَرِيبًا فِي أرْضٍ غَرِيبَةٍ، وَسَيُستَعْبَدُونَ لِأهْلِهَا الَّذِينَ سَيَقْسُونَ عَلَيْهِمْ مُدَّةَ أرْبَعِ مِئَةِ عَامٍ. لَكِنِّي سَأُعَاقِبُ الأُمَّةَ الَّتِي تَسْتَعْبِدُهُمْ.› وَقَالَ اللهُ: ‹وَبَعْدَ ذَلِكَ سَيَخْرُجُونَ مِنْ تِلْكَ الأرْضِ، وَسَيَعْبُدُونَنِي فِي هَذَا المَكَانِ.› «وَأعطَىْ اللهُ إبْرَاهيمَ عَهْدًا عَلَامَتُهُ الخِتَانُ. ثُمَّ أنْجَبَ إسْحَاقَ وَخَتَنَهُ فِي اليَوْمِ الثَّامِنِ لِمَولِدِهِ. وَأنْجَبَ إسْحَاقُ يَعْقُوبَ، وَأنْجَبَ يَعْقُوبُ الآبَاءَ الِاثنَيْ عَشَرَ. «وَغَارَ الآبَاءُ مِنْ يُوسُفَ وَبَاعُوهُ لِيَكُونَ عَبْدًا فِي مِصْرَ. لَكِنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ، وَأنقَذَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقَاتِهِ. وَأعْطَاهُ الحِكْمَةَ، وَمَكَّنَهُ مِنْ أنْ يَكْسِبَ رِضَى فِرعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ. فَجَعَلَهُ وَالِيًا عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُلِّ شُؤونِ قَصرِهِ. ثُمَّ أتَتْ مَجَاعَةٌ عَلَى كُلِّ مِصْرَ وَكَنعَانَ. فَكَانَ هُنَاكَ ضِيقٌ شَدِيدٌ، وَلَمْ يَجِدْ آبَاؤُنَا طَعَامًا. «فَلَمَّا سَمِعَ يَعْقُوبُ أنَّهُ يُوجَدُ فِي مِصْرَ قَمْحٌ، أرْسَلَ آبَاءَنَا إلَى هُنَاكَ. فَكَانَتْ هَذِهِ أوَّلَ زِيَارَةٍ لَهُمْ لِمِصْرَ. «وَفِي زِيَارَتِهِمُ الثَّانِيَةِ لِمِصْرَ، عَرَّفَ يُوسُفُ إخْوَتَهُ بِنَفْسِهِ. فَأصبَحَتْ عَائِلَةُ يُوسُفَ مَعرُوفةً لِفِرعَونَ. فَأرْسَلَ يُوسُفُ رَجُلًا وَدَعَا أبَاهُ يَعْقُوبَ وَكُلَّ عَائِلَتِهِ، فَكَانُوا خَمْسَةً وَسَبعِينَ شَخْصًا. ثُمَّ نَزَلَ يَعْقُوبُ إلَى مِصْرَ، وَهُنَاكَ مَاتَ هُوَ وَآبَاؤُنَا. وَحُمِلَتْ أجسَادُهُمْ إلَى شَكِيمَ ثَانِيَةً، وَوُضِعَتْ فِي القَبْرِ الَّذِي كَانَ إبرَاهِيمُ قَدِ اشتَرَاهُ مِنْ أبْنَاءِ حَامُورَ فِي شَكِيمَ بِمَبلَغٍ مِنَ المَالِ. «وَمَعَ اقتِرَابِ مَوعِدِ تَحَقُّقِ الوَعدِ الَّذِي قَطَعَهُ اللهُ لإبرَاهِيمَ، ازدَادَ شَعْبُنَا فِي مِصْرَ وَتَكَاثَرَ، إلَى أنْ جَاءَ مَلِكٌ آخَرُ لِيَحْكُمَ مِصْرَ. وَلَمْ يَكُنْ هَذَا المَلِكُ قَدْ عَرَفَ يُوسُفَ. فَاسْتَغَلَّ شَعْبَنَا بِدَهَائِهِ، وَقَسَى عَلَى آبَائِنَا مُجبِرًا إيَّاهُمْ عَلَى أنْ يَتَخَلَّوْا عَنْ أطْفَالِهِمْ لِكَي يَمُوتُوا. «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، وُلِدَ مُوسَى، وَكَانَ طِفْلًا جَمِيلًا جِدًّا. نَشَأ فِي بَيْتِ أبِيهِ لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أشهُرٍ. وَلَمَّا وُضِعَ خَارِجًا، أخَذَتْهُ ابنَةُ فِرعَوْنَ وَرَبَّتْهُ كَابْنٍ لَهَا. فَتَثَقَّفَ مُوسَى بِكُلِّ حِكمَةِ المِصْرِيِّينَ. وَكَانَ قَوِيًّا فِي كُلِّ مَا قَالَهُ وَفَعَلَهُ. «وَعِنْدَمَا صَارَ فِي الأرْبَعِينَ مِنْ عُمرِهِ، قَرَّرَ أنْ يَزُورَ إخْوَتَهُ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَلَمَّا رَأى وَاحِدًا مِنْهُمْ يَتَعَرَّضُ لِسُوءِ مُعَامَلَةٍ، دَافَعَ عَنْهُ. وَانتَقَمَ لِلمَظلُومِ بِأنْ قَتَلَ الرَّجُلَ المِصرِيَّ. ظَنَّ أنَّ إخْوَتَهُ سَيَفْهَمُونَ بِذَلِكَ أنَّ اللهَ سَيُحَرِّرُهُمْ عَلَى يَدِهِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا هَذَا. «وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، رَأى بَعْضًا مِنْ بَنِي جِنسِهِ يَتَقَاتَلُونَ. فَحَاوَلَ أنْ يُصلِحَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: ‹أيُّهَا الرِّجَالُ، أنْتُمْ إخْوَةٌ. فَلِمَاذَا تُسِيئُونَ أحَدُكُمْ إلَى الآخَرِ؟› لَكِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يُسِيئُ إلَى جَارِهِ دَفَعَ مُوسَى بَعِيدًا وَهُوَ يَقُولُ: ‹مَنْ نَصَّبَكَ حَاكِمًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ المِصْرِيَّ يَوْمَ أمسِ؟› فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى هَذَا، هَرَبَ وَتَغَرَّبَ فِي أرْضِ مِديَانَ، حَيْثُ أنْجَبَ وَلَدَيْنِ. «وَبَعْدَ مُرُورِ أرْبَعِينَ عَامًا، ظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ فِي لَهِيبِ شُجَيرَةٍ مُحتَرِقَةٍ فِي البَرِّيَّةِ، قُرْبَ جَبَلِ سِينَاءَ. فَلَمَّا رَأى مُوسَى هَذَا، ذُهِلَ مِنَ المَنظَرِ. وَعِنْدَ اقتِرَابِهِ مِنْهَا لِيُمعِنَ النَّظَرَ، سَمِعَ صَوْتَ الرَّبِّ يَقُولُ: ‹أنَا إلَهُ آبَائِكَ، إلَهُ إبرَاهِيمَ وَإلَهُ إسْحَاَقَ وَإلَهُ يَعْقُوبَ.› فَلَمْ يَجْرُؤْ مُوسَى أنْ يَنْظُرَ مُرتَجِفًا مِنَ الخَوفِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّبُّ : ‹اخلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ قَدَمَيكَ، فَالمَكَانُ الَّذِي تَقِفُ عَلَيْهِ أرْضٌ مُقَدَّسَةٌ. لَقَدْ تَطَلَّعتُ وَرَأيْتُ سُوءَ مُعَامَلَةِ شَعْبِي الَّذِينَ فِي مِصْرَ، وَسَمِعتُ أنِينَهُمْ، وَنَزَلتُ لِكَي أُحَرِّرَهُمْ. فَالآنَ هَيَّا لِأُرسِلَكَ إلَى مِصْرَ.› «هَذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي سَبَقَ أنْ رَفَضُوهُ وَقَالُوا: ‹مَنْ نَصَّبَكَ حَاكِمًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟› هُوَ الَّذِي أرسَلَهُ اللهُ، مِنْ خِلَالِ المَلَاكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الشُّجَيرَةِ، لِيَكُونَ قَائِدًا وَمُخَلِّصًا. فَقَادَهُمْ خَارِجَ مِصْرَ بَعْدَ أنْ أجرَى عَجَائِبَ وَمُعْجِزَاتٍ فِي أرْضِ مِصْرَ وَفِي البَحْرِ الأحْمَرِ وَفِي البَرِّيَّةِ مُدَّةَ أرْبَعِينَ عَامًا. «هَذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: ‹سَيُقِيمُ لَكُمُ اللهُ نَبِيًّا مِثْلِي مِنْ بَيْنِ شَعْبِكُمْ.› وَهُوَ الَّذِي كَانَ مَعَ الجَمَاعَةِ فِي البَرِّيَّةِ، مَعَ آبَائِنَا وَمَعَ المَلَاكِ الَّذِي كَلَّمَهُ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ حَيْثُ أخَذَ مِنَ اللهِ كَلِمَاتٍ مُحيِيَةً لِيُعطِيَهَا لَنَا. «لَكِنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَشَاءُوا أنْ يُطِيعُوهُ، بَلْ إنَّهُمْ رَفَضُوهُ، وَحَنَّتْ قُلُوبُهُمْ إلَى العَودَةِ إلَى مِصْرَ. وَقَالُوا لِهَارُونَ: ‹اصنَعْ لَنَا آلِهَةً لِتَقُودَنَا فِي الطَّرِيقِ. فَنَحْنُ لَا نَدرِي مَا الَّذِي حَلَّ بِمُوسَى هَذَا الَّذِي أخرَجَنَا مِنْ أرْضِ مِصْرَ.› وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الوَقْتُ الَّذِي صَنَعُوا فِيهِ تِمثَالًا لِعِجلٍ. فَقَدَّمُوا الذَّبَائِحَ لِلصَّنَمِ، وَاحتَفَلُوا بِمَا صَنَعُوهُ بِأيدِيهِمْ. لَكِنَّ اللهَ تَحَوَّلَ عَنْهُمْ، وَتَرَكَهُمْ يَعْبُدُونَ نُجُومَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الأنْبِيَاءِ: «‹يَقولُ اللهُ: يَا بَنِي إسْرَائِيلَ، لَمْ يَكُنْ أنَا مَنْ قَدَّمتُمْ لَهُ ذَبَائِحَ وَقَرَابِينَ مُدَّةَ أرْبَعِينَ عَامًا فِي البَرِّيَّةِ، بَلْ حَمَلتُمْ خَيْمَةَ عِبَادَةِ إلَهِكُمْ مُولُوكَ، وَنَجْمَ إلَهِكُمْ رَمْفَانَ. وَهِيَ الأوْثَانُ الَّتِي صَنَعتُمُوهَا لِتَعْبُدُوهَا. لِهَذَا سَأنفِيكُمْ إلَى مَا وَرَاءَ بَابِلَ.› «وَكَانَتْ خَيْمَةُ الشَّهَادَةِ مَعَ آبَائِنَا فِي الصَّحرَاءِ، وَقَدْ صُنِعَتْ كَمَا أمَرَ اللهُ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى إيَّاهُ أنْ يَصْنَعَهَا، حَسَبَ النَّمُوذَجِ الَّذِي رَآهُ. وَأدخَلَهَا آبَاؤُنَا عِنْدَمَا دَخَلُوا الأرْضَ مَعَ يَشُوعَ، مُخرِجِينَ الأُمَمَ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ أمَامِهِمْ. وَبَقِيَتِ الخَيْمَةُ هُنَاكَ حَتَّى زَمَنِ دَاوُدَ. وَحَازَ دَاوُدُ عَلَى رِضَى اللهِ. وَاستَأْذَنَ بِأنْ يَبْنِيَ بَيْتًا لإلَهِ يَعْقُوبَ، لَكِنَّ سُلَيْمَانَ هُوَ الَّذِي بَنَى الهَيْكَلَ. غَيْرَ أنَّ العَلِيَّ لَا يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ تُصْنَعُ بِالأيْدِي. فَكَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ: «‹يَقُولُ الرَّبُّ: السَّمَاءُ عَرشٌ لِي، وَالأرْضُ مَدَاسٌ لِقَدَمَيَّ. فَأيُّ بَيْتٍ تُرِيدُونَ أنْ تَبْنُوهُ لِي؟ أوْ هَلْ أحتَاجُ إلَى مَكَانٍ لِلرَّاحَةِ؟ ألَمْ تَصْنَعْ يَدَيَّ هَذِهِ الأشْيَاءَ كُلَّهَا؟› «أيُّهَا الشَّعْبُ العَنِيدُ، وَيَا ذَوِي القُلُوبِ وَالآذَانِ غَيْرِ المَختُونَةِ! أنْتُمْ تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ القُدُسَ دَائِمًا. تَمَامًا كَمَا فَعَلَ آبَاؤُكُمْ. فَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ؟ فَقَدْ قَتَلُوا الَّذِينَ سَبَقُوا أنْ تَنَبَّأُوا عَنْ مَجِيءِ البَارِّ. وَأنْتُمُ الآنَ قَدْ غَدَرتُمْ بِهِ وَقَتَلْتُمُوهُ. فَأنْتُمُ الَّذِينَ تَسَلَّمْتُمُ الشَّرِيعَةَ بِوَاسِطَةِ المَلَائِكَةِ، لَكِنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُوهَا.» فَلَمَّا سَمِعَ اليَهُودُ هَذَا، اشتَعَلُوا غَيظًا، وَصَرُّوا أسنَانَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الغَضَبِ. لَكِنَّهُ نَظَرَ إلَى السَّمَاءِ مُمتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. وَرَأى مَجْدَ اللهِ وَيَسُوعَ وَاقِفًا عَلَى يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: «هَا أنَا أرَى السَّمَاءَ مَفتُوحَةً وَابْنَ الإنْسَانِ وَاقِفًا عَنْ يَمِينِ اللهِ.» عِنْدَ هَذَا بَدَأُوا يَصْرُخُونَ وَغَطُّوا آذَانَهُمْ. ثُمَّ اندَفَعُوا جَمِيعًا نَحوَهُ، وَجَرُّوهُ خَارِجَ المَدِينَةِ، وَبَدَأُوا يَرْجُمُونَهُ. وَتَرَكَ الشُّهُودُ عَبَاءَاتِهِمْ عِنْدَ قَدَمَي شَابٍّ اسْمُهُ شَاوُلُ. وَفِيمَا هُمْ مُسْتَمِرُّونَ فِي رَجمِ إستِفَانُوسَ، كَانَ هُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ، تَقَبَّلْ رُوحِي.» ثُمَّ رَكَعَ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا رَبُّ، لَا تَحْسِبْ هَذِهِ الخَطِيَّةَ ضِدَّهُمْ.» وَلَمَّا قَالَ هَذَا مَاتَ. وَكَانَ شَاوُلُ مُوافِقًا عَلَى قَتلِهِ. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ بَدَأ اضطِهَادٌ شَدِيدٌ عَلَى الكَنِيسَةِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. فَتَفَرَّقَ الجَمِيعُ فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ اليَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ بِاسْتِثنَاءِ الرُّسُلِ. وَدَفَنَ بَعْضُ الرِّجَالِ الأتقِيَاءِ إستِفَانُوسَ، وَنَاحُوا عَلَيْهِ نُواحًا شَدِيدًا. وَكَانَ شَاوُلُ يُحَاوِلُ تَدْمِيرَ الكَنِيسَةِ، فَكَانَ يَدْخُلُ مِنْ بَيْتٍ إلَى آخَرَ، وَيَجُرُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَيَزُجُّ بِهِمْ فِي السِّجْنِ. أمَّا الَّذِينَ تَشَتَّتُوا مِنَ الكَنِيسَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَأخَذُوا يَنْشُرُونَ البِشَارَةَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَذَهَبَ فِيلِبُّسُ إلَى مَدِينَةِ السَّامِرَةِ مُبَشِّرًا بِالمَسِيحِ. فَلَمَّا سَمِعَهُ النَّاسُ وَرَأوْا المُعْجِزَاتِ الَّتِي كَانَ يُجرِيهَا، انتَبَهُوا انتِبَاهًا خَاصًّا إلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ. فَقَدْ كَانَتِ الأروَاحُ النَّجِسَةُ تَخْرُجُ بِصَرْخَاتٍ عَالِيَةٍ مِنْ أشخَاصٍ كَثِيرِينَ مَسكُونِينَ بِهَا، كَمَا شُفِيَ مَشلُولُونَ وَعُرجٌ كَثِيرُونَ. فَكَانَ هُنَاكَ فَرَحٌ عَظِيمٌ فِي تِلْكَ المَدِينَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ، مَارَسَ السِّحرَ فِي تِلْكَ المَدِينَةِ مُنْذُ زَمَنٍ. وَكَانَ يُثِيرُ دَهشَةَ أهْلِ السَّامِرَةِ بِسِحرِهِ مُدَّعِيًا أنَّهُ شَخْصٌ عَظِيمٌ. وَكَانَ كُلُّ النَّاسِ، مِنْ صَغِيرِهِمْ إلَى كَبِيرِهِمْ، يَهْتَمُّونَ بِهِ اهتِمَامًا كَبِيرًا، فَكَانُوا يَقُولُونَ: «هَذَا الرَّجُلُ هُوَ قُوَّةُ اللهِ الَّتِي تُدعَى ‹القُوَّةَ العَظِيمَةَ.›» كَانُوا مُهتَمِّينَ بِهِ لِأنَّهُ كَانَ قَدْ أدهَشَهُمْ بِسِحرِهِ مُنْذُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. لَكِنَّهُمْ صَدَّقُوا فِيلِبُّسَ عِنْدَمَا أعْلَنَ لَهُمْ بِشَارَةَ مَلَكُوتِ اللهِ وَاسْمَ يَسُوعَ المَسِيحِ، وَتَعَمَّدُوا رِجَالًا وَنِسَاءً. وَآمَنَ سِيمُونُ نَفْسُهُ. وَبَعْدَ أنْ تَعَمَّدَ بَقِيَ قَرِيبًا مِنْ فِيلِبُّسَ. وَذُهِلَ لَمَّا رَأى الْعَجَائِبَ وَالمُعجِزَاتِ العَظِيمَةَ الَّتِي كَانَتْ تُجرَى. فَلَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ المَوجُودُونَ فِي القُدْسِ بِأنَّ أهْلَ السَّامِرَةِ قَبِلُوا رِسَالَةَ اللهِ، أرسَلُوا بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا إلَيْهِمْ. وَعِنْدَ وُصُولِهِمَا، صَلَّيَا مِنْ أجْلِ المُؤمِنِينَ السَّامِرِيِّينَ لِكَي يَقْبَلُوا الرُّوحَ القُدُسَ. ذَلِكَ لِأنَّ الرُّوحَ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ قَدْ حَلَّ عَلَى أيٍّ مِنْهُمْ، إلَّا أنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَعَمَّدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ. ثُمَّ وَضَعَا أيدِيَهُمَا عَلَيْهِمْ، فَقَبِلُوا الرُّوحَ القُدُسَ. فَلَمَّا رَأى سِيمُونُ أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يُعْطَى بِوَضْعِ أيدِي الرَّسُولَينِ، عَرَضَ عَلَيْهِمَا مَالًا. وَقَالَ: «أعْطِيَانِي أيْضًا هَذِهِ المَقدِرَةَ، حَتَّى يَقْبَلَ الرُّوحَ القُدُسَ كُلُّ مَنْ أضَعُ يَدَيَّ عَلَيْهِ.» فَقَالَ بُطرُسُ: «لِتَهْلِكْ أنْتَ وَمَالُكَ إلَى الأبَدِ، لِأنَّكَ اعتَقَدتَ أنَّكَ تَسْتَطِيعُ شِرَاءَ عَطِيَّةِ اللهِ بِمَالٍ. وَلَيْسَ لَكَ حِصَّةٌ أوْ نَصِيبٌ فِي هَذَا الأمْرِ، لِأنَّ قَلْبَكَ لَيْسَ سَلِيمًا أمَامَ اللهِ. فَتُبْ عَنْ شَرِّكَ هَذَا وَصَلِّ إلَى الرَّبِّ، لَعَلَّهُ يُسَامِحُكَ عَلَى الفِكرَةِ الآثِمَةِ الَّتِي فِي قَلْبِكَ. فَأنَا أرَاكَ مُمتَلِئًا مَرَارَةً وَعَبدًا لِلخَطِيَّةِ.» فَأجَابَ سِيمُونُ: «صَلِّيَا أنْتُمَا إلَى الرَّبِّ مِنْ أجْلِي حَتَّى لَا يُصِيبَنِي شَيءٌ مِمَّا ذَكَرتُمَا.» وَبَعْدَ أنْ قَدَّمَ الرَّسُولَانِ شَهَادَتَهُمَا وَتَكَلَّمَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ، عَادَا إلَى القُدْسِ. وَكَانَا فِي طَرِيقِ عَودَتِهِمَا يُبَشِّرَانِ قُرَىً سَامِرِيَّةً كَثِيرَةً. وَكَلَّمَ مَلَاكٌ مِنْ عِندِ الرَّبِّ فِيلِبُّسَ فَقَالَ: «قُمْ وَاذْهَبْ جَنُوبًا إلَى الطَّرِيقِ الصَّحرَاوِيَّةِ النَّازِلَةِ مِنَ القُدْسِ إلَى غَزَّةَ.» فَاسْتَعَدَّ وَذَهَبَ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ حَبَشِيٌّ هُوَ أحَدُ الخِصْيَانِ المَسؤُولِينَ لَدَى المَلِكَةِ كَندَاكَةَ مَلِكَةِ الحَبَشَةِ. كَانَ مَسؤُولًا عَنْ خَزنَتِهَا كُلِّهَا، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى القُدْسِ لِيَعْبُدَ اللهَ. وَكَانَ فِي طَرِيقِ عَودَتِهِ جَالِسًا فِي عَرَبَتِهِ يَقْرَأُ كِتَابَ النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ. فَقَالَ الرُّوحُ لِفِيلِبُّسَ: «اذْهَبْ إلَى تِلْكَ العَرَبَةِ وَلَازِمْهَا.» وَعِنْدَمَا رَكَضَ فِيلِبُّسُ إلَى العَرَبَةِ، سَمِعَ الرَّجُلَ يَقْرَأُ كِتَابَ النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ. فَقَالَ لَهُ فِيلِبُّسُ: «أتَفْهَمُ مَا تَقْرَأُهُ؟» فَقَالَ: «وَكَيْفَ يُمكِنُنِي أنْ أفهَمَ إنْ لَمْ يُفَسِّرْهُ لِي أحَدٌ؟» وَدَعَا فِيلِبُّسَ أنْ يَصْعَدَ وَيَجْلِسَ مَعَهُ. وَأمَّا الفَقَرَةُ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُهَا فَكَانَتْ: «كَخَرُوفٍ يُسَاقُ إلَى الذَّبْحِ، وَكَحَمَلٍ صَامِتٍ أمَامَ الَّذِينَ يَجُزُّونَ صُوفَهُ، فَلَا يَفْتَحُ فَمَهُ. تَذَلَّلَ وَسُلِبَتْ حُقُوقُهُ. وَلَنْ يَذْكُرَ لَهُ أحَدٌ نَسْلًا، لِأنَّ حَيَاتَهُ انتُزِعَتْ مِنَ الأرْضِ.» فَقَالَ الرَّجُلُ لِفِيلِبُّسَ: «قُلْ لِي، أرْجُوكَ، عَمَّنْ يَتَحَدَّثُ النَّبِيُّ هُنَا؟ هَلْ يَتَحَدَّثُ عَنْ نَفْسِهِ أمْ عَنْ شَخْصٍ آخَرَ؟» فَبَدَأ فِيلِبُّسُ يَتَحَدَّثُ، وَبَشَّرَهُ بِيَسُوعَ، مُبتَدِئًا مِنْ تِلْكَ الفَقْرَةِ. وَبَيْنَمَا كَانَا نَازِلَينِ فِي الطَّرِيقِ، وَصَلَا إلَى بُقعَةٍ فِيهَا مَاءٌ. فَقَالَ الرَّجُلُ: «انْظُرْ! يُوجَدُ مَاءٌ هُنَا! فَهَلْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ أنْ أتَعَمَّدَ؟» فَأجَابَ فِيلِبُّسُ: «إنْ كُنْتَ قَدْ آمَنْتَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، يُمْكِنُ أنْ تَتَعَمَّدَ.» فَقَالَ الرَّجُلُ: «أنَا أومِنُ بِأنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ.» وَأمَرَ أنْ تَقِفَ العَرَبَةُ. فَنَزَلَ فِيلِبُّسُ وَالرَّجُلُ مَعًا إلَى المَاءِ، وَعَمَّدَهُ فِيلِبُّسُ. وَعِنْدَمَا خَرَجَا مِنَ المَاءِ، نَقَلَ رُوحُ الرَّبِّ فِيلِبُّسَ بَعِيدًا، فَلَمْ يَعُدِ الرَّجُلُ يَرَاهُ، لَكِنَّهُ تَابَعَ طَرِيقَهُ مُبتَهِجًا. وَأمَّا فِيلِبُّسُ، فَوَجَدَ نَفْسَهُ فِي مَدِينَةِ أشدُودَ. وَارتَحَلَ عَبْرَ كُلِّ البَلدَاتِ مُبَشِّرًا، حَتَّى وَصَلَ إلَى مَدِينَةِ قَيصَرِيَّةَ. فِي أثنَاءِ ذَلِكَ، كَانَ شَاوُلُ مَا يَزَالُ غَاضِبًا يُهَدِّدُ بِقَتلِ تَلَامِيذِ الرَّبِّ. فَذَهَبَ إلَى رَئِيسِ الكَهَنَةِ، وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إلَى المَجَامِعِ فِي دِمَشقَ، حَتَّى تُعِينَهُ عَلَى القَبضِ عَلَى أيٍّ مِنْ أتبَاعِ «الطَّرِيقِ،» رِجَالًا كَانُوا أمْ نِسَاءً، ثُمَّ إعَادَتِهِمْ إلَى القُدْسِ. وَبَيْنَمَا كَانَ مُسَافِرًا، اقْتَرَبَ مِنْ دِمَشقَ. وَفَجْأةً وَمَضَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ. فَسَقَطَ عَلَى الأرْضِ. وَسَمِعَ صَوْتًا يَقُولُ لَهُ: «شَاوُلُ، شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» فَقَالَ: «مَنْ أنْتَ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ: «أنَا يَسُوعُ الَّذِي تَضْطَهِدُهُ. لَكِنِ انْهَضْ، وَادخُلِ المَدِينَةَ، وَسَيُقَالُ لَكَ هُنَاكَ مَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَلَهُ.» أمَّا الرِّجَالُ المُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا وَقَدِ انعَقَدَتْ ألسِنَتُهُمْ. فَقَدْ سَمِعُوا الصَّوتَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا أحَدًا. فَنَهَضَ شَاوُلُ عَنِ الأرْضِ، وَعِنْدَمَا فَتَحَ عَيْنَيْهِ، لَمْ يَقْدِرْ أنْ يَرَى شَيْئًا. فَأمسَكُوهُ بِيَدِهِ وَاقتَادُوهُ دَاخِلَ دِمَشقَ. وَلمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ لَمْ يَقْدِرْ أنْ يُبصِرَ، وَلَمْ يَأْكُلْ أوْ يَشْرَبْ شَيْئًا. وَكَانَ فِي دِمَشقَ تِلْمِيذٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا، فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ فِي رُؤيَا: «يَا حَنَانِيَّا.» فَقَالَ: «نَعَمْ يَا رَبُّ.» فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «انْهَضْ وَاذْهَبْ إلَى الطَّرِيقِ المُسَمَّى الزِّقَاقَ المُسْتَقِيمَ، وَاسألْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا عَنْ رَجُلٍ مِنْ طَرسُوسَ اسْمُهُ شَاوُلُ، فَهُوَ هُنَاكَ يُصَلِّي. وَقَدْ رَأى فِي رُؤيَا رَجُلًا اسْمُهُ حَنَانِيَّا دَاخِلًا وَوَاضِعًا عَلَيْهِ يَدَيهِ، لِكَي يَرَى ثَانِيَةً.» فَأجَابَ حَنَانِيَّا: «يَا رَبُّ، سَمِعْتُ مِنْ أشخَاصٍ كَثِيرِينَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعتُ عَنْ كُلِّ الفَظَائِعِ الَّتِي فَعَلَهَا بِمُؤْمِنِيكَ المُقَدَّسِينَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. وَقَدْ جَاءَ إلَى هُنَا وَمَعَهُ تَفْوِيضٌ مِنْ كِبَارِ الكَهَنَةِ لاعتِقَالِ كُلِّ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِاسْمِكَ.» لَكِنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ! فَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ أدَاتِي المُختَارَةُ لِيَحْمِلَ اسْمِي أمَامَ جَمِيعِ الأُمَمِ، وَأمَامَ المُلُوكِ، وَأمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَأنَا سَأُرِيهِ كُلَّ مَا يَنْبَغِي أنْ يُعَانِيَهُ مِنْ أجْلِ اسْمِي.» فَذَهَبَ حَنَانِيَّا وَدَخَلَ البَيْتَ وَوَضَعَ يَدَيهِ عَلَيْهِ وَقَالَ: «أيُّهَا الأخُ شَاوُلُ، أرْسَلَنِي إلَيْكَ الرَّبُّ يَسُوعُ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي طَرِيقِكَ إلَى هُنَا. أرْسَلَنِي لِكَي تَرَى ثَانِيَةً وَتَمْتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ.» فَسَقَطَتْ فَوْرًا مِنْ عَيْنَيْهِ أشيَاءُ كَأنَّهَا قُشُورٌ يَابِسَةٌ، فَاسْتَرْجَعَ بَصَرَهُ، وَقَامَ وَاعتَمَدَ. وَبَعْدَ أنْ تَنَاوَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ، استَعَادَ قُوَّتَهُ. وَبَقِيَ شَاوُلُ بَعْضَ الوَقْتِ مَعَ التَّلَامِيذِ فِي دِمَشقَ. ثُمَّ ذَهَبَ فَوْرًا إلَى المَجَامِعِ وَبَدَأ يُبَشِّرُ بِيَسُوعَ وَهُوَ يَشْهَدُ وَيَقُولُ: «إنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللهِ.» فَذُهِلَ كُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ وَقَالُوا: «ألَيْسَ هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي حَاوَلَ أنْ يُهلِكَ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِهَذَا الاسْمِ فِي القُدْسِ؟ ألَمْ يَأْتِ إلَى هُنَا لِيَقْبِضَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذَهُمْ إلَى كِبَارِ الكَهَنَةِ؟» لَكِنَّ شَاوُلَ كَانَ يَزدَادُ قُوَّةً، وَكَانَ يُحَيِّرُ اليَهُودَ السَّاكِنِينَ فِي دِمَشقَ مُبَرهِنًا أنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ حَقًّا. وَبَعْدَ مُرُورِ أيَّامٍ كَثِيرَةٍ، تَآمَرَ اليَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ. غَيْرَ أنَّ شَاوُلَ عَرَفَ بِخُطَّتِهِمْ. فَكَانُوا يُرَاقِبُونَ بَوَّابَاتِ المَدِينَةِ لَيلَ نَهَارٍ لِكَي يَقْتُلُوهُ، لَكِنَّ تَلَامِيذَهُ أخَذُوهُ لَيْلًا، وَوَضَعُوهُ فِي سَلَّةٍ، وَأنزَلُوهُ عَبْرَ فُتْحَةٍ فِي سُورِ المَدِينَةِ. وَعِنْدَمَا جَاءَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، حَاوَلَ أنْ يَنْضَمَّ إلَى التَّلَامِيذِ. لَكِنَّهُمْ كَانُوا كُلُّهُمْ خَائِفِينَ مِنْهُ، غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أنَّهُ مِنْ تَلَامِيذِ يَسُوعَ. غَيْرَ أنَّ بَرنَابَا أخَذَهُ وَأتَى بِهِ إلَى الرُّسُلِ. وَشَرَحَ لَهُمْ كَيْفَ أنَّ شَاوُلَ قَدْ رَأى الرَّبَّ فِي الطَّرِيقِ وَأنَّهُ كَلَّمَهُ. وَشَرَحَ كَيْفَ أنَّهُ تَحَدَّثَ فِي دِمَشقَ بِاسْمِ يَسُوعَ بِشَجَاعَةٍ. وَبَقِيَ شَاوُلُ مَعَهُمْ يَتَنَقَّلُ بِحُرِّيَّةٍ فِي القُدْسِ، وَيَتَحَدَّثُ بِشَجَاعَةٍ بِاسْمِ الرَّبِّ. وَكَانَ يُحَادِثُ اليَهُودَ النَّاطِقِينَ بِاليُونَانِيَّةِ وَيُحَاجِجُهُمْ. لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَسْعَوْنَ إلَى قَتلِهِ. فَلَمَّا عَلِمَ الإخْوَةُ بِهَذَا، أنزَلُوهُ إلَى مَدِينَةِ قَيصَرِيَّةَ، وَأرسَلُوهُ إلَى مَدِينَةِ طَرسُوسَ. فَصَارَتِ الكَنِيسَةُ فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ اليَهُودِيَّةِ وَالجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ تَتَمَتَّعُ بِفَترَةٍ مِنَ السَّلَامِ، وَكَانَتْ تَتَقَوَّى. وَبَيْنَمَا كَانَتِ الكَنِيسَةُ تَحيَا فِي خَوفِ الرَّبِّ وَتَتَشَجَّعُ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، كَانَ عَدَدُ أعضَائِهَا يَتَضَاعَفُ. وَبَيْنَمَا كَانَ بُطرُسُ يَطُوفُ بِكُلِّ المُدُنِ، جَاءَ لِزِيَارَةِ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ فِي بَلْدَةِ اللُّدِّ. وَوَجَدَ هُنَاكَ رَجُلًا اسْمُهُ إينِيَاسُ، كَانَ مَشلُولًا طَرِيحَ الفِرَاشِ مُدَّةَ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ. فَقَالَ لَهُ بُطرُسُ: «يَا إينيَاسُ، يَشْفِيكَ يَسُوعُ المِسِيحُ. فَانْهَضْ وَرَتِّبْ فِرَاشَكَ بِنَفْسِكَ.» فَنَهَضَ عَلَى الفَوْرِ، فَرَآهُ كُلُّ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ فِي اللُّدِّ وَشَارُونَ فَآمَنُوا بِالرَّبِّ. وَكَانَتْ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ اسْمُهَا طَابِيثَا، أيْ «غَزَالَةُ.» وَكَانَتْ تَقُومُ دَائِمًا بِأعْمَالٍ حَسَنَةٍ وَتَتَصَدَّقُ عَلَى الفُقَرَاءِ. وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، مَرِضَتْ وَمَاتَتْ. فَغَسَلُوا جَسَدَهَا وَوَضَعُوهُ فِي غُرفَةٍ فِي الطَّابِقِ العُلوِيِّ. وَكَانَتْ بَلْدَةُ اللُّدِّ قَرِيبَةً مِنْ بَلْدَةِ يَافَا. فَلَمَّا سَمِعَ التَّلَامِيذُ أنَّ بُطْرُسَ كَانَ فِي اللُّدِّ، أرسَلُوا رَجُلَينِ يَرْجُوانِهِ: «تَعَالَ إلَينَا دُونَ تَأْخِيرٍ مِنْ فَضْلِكَ.» فَاسْتَعَدَّ بُطرُسُ وَذَهَبَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا وَصَلَ أخَذُوهُ إلَى الغُرفَةِ العُلوِيَّةِ. فَوَقَفَتْ كُلُّ الأرَامِلِ حَوْلَهُ وَهُنَّ يَبْكِينَ وَيُرِينَ بُطْرُسَ الأثوَابَ وَالمَلَابِسَ الأُخرَى الَّتِي كَانَتْ تَصْنَعُهَا غَزَالَةُ وَهِيَ حَيَّةٌ. فَأخرَجَ الجَمِيعَ مِنَ الغُرفَةِ، وَسَجَدَ وَصَلَّى. ثُمَّ قَالَ مُلتَفِتًا إلَى الجَسَدِ: «يَا طَابِيثَا، انْهَضِي.» فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. وَلَمَّا رَأتْ بُطْرُسَ، جَلَسَتْ مُعتَدِلَةً. فَمَدَّ إلَيْهَا يَدَهُ وَأنهَضَهَا. ثُمَّ دَعَا المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ وَالأرَامِلَ وَقَدَّمَهَا لَهُمْ حَيَّةً. وَانتَشَرَ هَذَا الخَبَرُ فِي كُلِّ أنْحَاءِ يَافَا، فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِالرَّبِّ. وَبَقِيَ بُطرُسُ فِي يَافَا أيَّامًا كَثِيرَةً لَدَى شَخْصٍ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهُوَ دَبَّاغُ جُلُودٍ. وَكَانَ فِي مَدِينَةِ قَيصَرِيَّةَ رَجُلٌ اسْمُهُ كَرنِيليُوسُ، وَهُوَ ضَابِطٌ رومَانِيٌّ فِي كَتِيبَةٍ يُطلَقُ عَلَيْهَا الكَتِيبَةَ الإيطَالِيَّةَ. كَانَ كَرنِيليُوسُ تَقِيًّا يَخَافُ اللهَ هُوَ وَعَائِلَتُهُ كُلُّهَا، وَكَانَ يَتَصَدَّقُ بِسَخَاءٍ عَلَى الفُقَرَاءِ، وَيُصَلِّي إلَى اللهِ دَائِمًا. وَنَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ بَعدِ الظُّهرِ، رَأى كَرنِيليُوسُ فِي رُؤيَا مَلَاكًا مِنْ عِندِ اللهِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَهُ: «يَا كَرنِيليُوسُ!» فَحَدَّقَ كَرنِيليُوسُ فِيهِ بِخَوفٍ وَقَالَ: «مَا الأمْرُ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ لَهُ المَلَاكُ: «صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ لَيْسَتْ خَافِيَةً عَنِ اللهِ. وَالْآنَ أرسِلْ رِجَالًا إلَى بَلْدَةِ يَافَا وَاسْتَدْعِ رَجُلًا اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَيُدْعَى أيْضًا بُطْرُسَ. إنَّهُ ضَيفٌ عَلَى دَبَّاغٍ اسْمُهُ سِمْعَانُ، بَيتُهُ عِنْدَ البَحْرِ.» فَلَمَّا مَضَى المَلَاكُ الَّذِي كَلَّمَهُ، استَدْعَى اثْنَيْنِ مِنْ خُدَّامِهِ وَجُندِيًّا تَقِيًّا مِنْ مُرَافِقِيهِ، وَشَرَحَ لَهُمْ كُلَّ مَا حَصَلَ، وَأرسَلَهُمَا إلَى يَافَا. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، وَبَيْنَمَا كَانُوا يَقْتَرِبُونَ مِنَ البَلدَةِ، صَعِدَ بُطرُسُ إلَى السَّطحِ عِنْدَ الظُّهرِ تَقْرِيبًا لِيُصَلِّيَ. فَأحَسَّ بِالجُوعِ وَأرَادَ أنْ يَأْكُلَ. وَبَيْنَمَا كَانُوا يُعِدُّونَ الطَّعَامَ، رَاحَ فِي حَالَةِ سُبَاتٍ. وَرَأى السَّمَاءَ مَفتُوحَةً، وَرَأى شَيْئًا يُشْبِهُ قِطْعَةَ قُمَاشٍ كَبِيرَةً مُدَلَّاةً مِنْ أطرَافِهَا الأرْبَعَةِ إلَى الأرْضِ. وَكَانَ فِيهَا كُلُّ أنْوَاعِ بَهَائِمِ الأرْضِ وَزَوَاحِفِهَا وَطُيُورِ السَّمَاءِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ صَوْتٌ: «هَيَّا يَا بُطرُسُ، اذبَحْ وَكُلْ!» فَقَالَ بُطرُسُ: «لَنْ أفعَلَ هَذَا يَا رَبُّ! فَأنَا لَمْ آكُلْ يَومًا شَيْئًا مُحَرَّمًا أوْ نَجِسًا.» فَقَالَ لَهُ الصَّوْتُ مَرَّةً ثَانِيَةً: «مَا طّهَّرَهُ اللهُ، لَا تُحَرِّمْهُ أنْتَ!» وَحَدَثَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَفِي الحَالِ رُفِعَ ذَلِكَ الشِّيءُ إلَى السَّمَاءِ. فَرَاحَ بُطرُسُ يُفَكِّرُ تَفْكِيرًا عَمِيقًا فِي مَعنَى الرُّؤيَا الَّتِي رَآهَا. وَفِي هَذِهِ الأثنَاءِ، كَانَ الرِّجَالُ الَّذِينَ أرسَلَهُمْ كَرنِيليُوسُ يَسألُونَ عَنْ بِيتِ سِمعَانَ، وَصَارُوا وَاقِفِينَ بِالبَابِ. فَنَادُوا يَسألُونَ إنْ كَانَ سِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَىْ بُطْرُسَ ضَيفًا هُنَاكَ. وَبَيْنَمَا كَانَ بُطرُسُ مَا يَزَالُ يُفَكِّرُ فِي الرُّؤيَا، قَالَ لَهُ الرُّوحُ: «هَا إنَّ ثَلَاثَةَ رِجَالٍ يَبْحَثُونَ عَنْكَ، فَانْهَضْ وَانزِلْ إلَى الطَّابِقِ السُّفلِيِّ، وَاذْهَبْ مَعَهُم دُونَ أيِّ تَرَدُّدٍ، لِأنِّي أنَا أرسَلْتُهُمْ.» فَنَزَلَ بُطرُسُ وَقَالَ لِلرِّجَالِ: «أنَا الرَّجُلُ الَّذِي تَبْحَثُونَ عَنْهُ. فَلِمَاذَا جِئتُمْ؟» قَالُوا: «أرسَلَنَا الضَّابِطُ كَرنِيليُوسُ. وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ يَخَافُ اللهَ، وَيَحْتَرِمُهُ كُلُّ اليَهُودِ. وَقَدْ أمَرَهُ مَلَاكٌ مُقَدَّسٌ أنْ يَدْعُوَكَ إلَى بَيْتِهِ، وَيَسْمَعَ مَا لَدَيكَ مِنْ كَلَامٍ.» فَدَعَاهُمْ بُطرُسُ لِلدُّخُولِ وَاسْتَضَافَهُمْ فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي استَعَدَّ وَذَهَبَ مَعَهُمْ. وَذَهَبَ مَعَهُ بَعْضُ الإخوَةِ مِنْ بَلْدَةِ يَافَا. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، وَصَلَ إلَى مَدِينَةِ قَيصَرِيَّةَ. وَكَانَ كَرنِيليُوسُ فِي انتِظَارِهِمْ وَقَدْ جَمَعَ أقَارِبَهُ وَأصدِقَاءَهُ المُقَرَّبِينَ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بُطرُسُ، استَقْبَلَهُ كَرنِيليُوسُ وَألقَى بِنَفْسِهِ عِنْدَ قَدَمَيهِ وَسَجَدَ لَهُ. لَكِنَّ بُطْرُسَ أقَامَهُ وَقَالَ لَهُ: «انْهَضْ! مَا أنَا إلَّا بَشَرٌ!» وَدَخَلَ بُطرُسُ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ إلَيْهِ، فَوَجَدَ أشخَاصًا كَثِيرِينَ مُجتَمِعِينَ. فَقَالَ لَهُمْ بُطرُسُ: «أنْتُمْ تَعْرِفُونَ أنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى اليَهُودِيِّ أنْ يُخَالِطَ أوْ يَزُورَ أحَدًا غَيْرَ يَهُودِيٍّ. لَكِنَّ اللهَ أرَانِي أنَّهُ لَا يَنْبَغِي أنْ أعتَبِرَ أيَّ إنْسَانٍ نَجِسًا. فَلَمَّا دَعَوتُمُونِي، جِئتُ دُونَ أيِّ اعتِرَاضٍ. وَلِهَذَا فَإنِّي أسألُكُمْ، لِمَاذَا أرْسَلْتُمْ فِي طَلَبِي؟» فَقَالَ كَرنِيليُوسُ: «قَبْلَ أرْبَعَةِ أيَّامٍ كُنْتُ فِي بَيْتِي أُصَلِّي فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ، أيِ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ. وَفَجْأةً وَقَفَ رَجُلٌ أمَامِي بِمَلَابِسَ بَرَّاقَةٍ، وَقَالَ: ‹يَا كَرنِيليُوسُ، سَمِعَ اللهُ صَلَاتَكَ، وَلَمْ تَخْفَ عَنْهُ صَدَقَاتُكَ. فَأرسِلْ رِجَالًا إلَى بَلْدَةِ يَافَا، وَادعُ سِمعَانَ الَّذِي يُدْعَى بُطْرُسَ لِلمَجِيءِ إلَى هُنَا. فَهُوَ نَازِلٌ فِي بَيْتِ سِمعَانَ الدَّبَّاغِ قُرْبَ البَحْرِ.› فَأرسَلْتُ فَوْرًا فِي طَلَبِكَ. وَأنْتَ تَلَطَّفتَ بِالمَجِيءِ. فَهَا نَحْنُ جَمِيعًا فِي حَضْرَةِ اللهِ لِنَسمَعَ مَا أمَرَكَ بِهِ الرَّبُّ بِأنْ تَقُولَهُ.» ثُمَّ بَدَأ بُطرُسُ يَتَحَدَّثُ فَقَالَ لَهُمْ: «لَقَدْ فَهِمتُ الآنَ تَمَامًا أنَّ اللهَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ النَّاسِ، بَلْ إنَّهُ يَقْبَلُ كُلَّ مَنْ يَتَّقِيهِ وَيَفْعَلُ الصَّوَابَ مِنْ أيِّ شَعْبٍ كَانَ. وَهَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي أرسَلَهَا لِبَنِي إسْرَائِيلَ، مُنَادِيًا بِبِشَارَةِ السَّلَامِ مِنْ خِلَالِ يَسُوعَ المَسِيحِ، الَّذِي هُوَ رَبُّ كُلِّ البَشَرِ. «فَأنْتُمْ تَعْرِفُونَ مَا حَدَثَ فِي كُلِّ اليَهُودِيَّةِ، بَدءًا مِنَ الجَلِيلِ بَعْدَ المَعمُودِيَّةِ الَّتِي نَادَى بِهَا يُوحَنَّا. وَقَدْ سَمِعْتُمْ عَنْ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ وَكَيْفَ أنَّ اللهَ مَسَحَهُ بِالرُّوحِ القُدُسِ وَبِقُوَّةٍ. وَتَعْرِفُونَ كَيْفَ أنَّهُ كَانَ يَتَجَوَّلُ فَاعِلًا الخَيْرَ وَشَافِيًا كُلَّ الَّذِينَ تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ، لِأنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ. «وَنَحْنُ شُهُودٌ لِكُلِّ مَا فَعَلَهُ فِي دِيَارِ اليَهُودِ وَفِي القُدْسِ. وَقَدْ قَتَلُوهُ بِأنْ عَلَّقُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ. لَكِنَّ اللهَ أقَامَهُ وَأظْهَرَهُ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ. وَهُوَ لَمْ يَظْهَرْ لِلْجَمِيعِ، بَلْ ظَهَرَ لِشُهُودٍ اخْتَارَهُمُ اللهُ مُسْبَقًا. فَقَدْ ظَهَرَ لَنَا نَحْنُ الَّذِينَ أكَلنَا وَشَرِبنَا مَعَهُ بَعْدَ أنْ قَامَ مِنَ المَوْتِ. «وَأمَرَنَا بِأنْ نُبَشِّرَ النَّاسَ وَنَشهَدَ أنَّهُ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ اللهُ لِكَي يَدِينَ الأحيَاءَ وَالأمْوَاتَ. وَكُلُّ الأنْبِيَاءِ يَشْهَدُونَ بِإنَّ كُلَّ مَنْ يُؤمِنُ بِهِ يَنَالُ غُفرَانَ الخَطَايَا بِاسْمِهِ.» وَبَيْنَمَا كَانَ بُطرُسُ مَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الأُمُورِ، حَلَّ الرُّوحُ القُدُسُ عَلَى كُلِّ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الرِّسَالَةَ. فَدُهِشَ المُؤمِنُونَ اليَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ بُطْرُسَ، لِأنَّ عَطِيَّةَ الرُّوحِ القُدُسِ قَدِ انسَكَبَتْ عَلَى غَيْرِ اليَهُودِ أيْضًا. فَقَدْ سَمِعُوهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَيُسَبِّحُونَ اللهَ. حينَئِذٍ قَالَ بُطرُسُ: «أيَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَمْنَعَ المَاءَ عَنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ لِكَي يَتَعَمَّدُوا؟ فَهُمْ قَدْ قَبِلُوا الرُّوحَ القُدُسَ مِثْلَنَا.» فَأمَرَهُمْ بِأنْ يَتَعَمَّدُوا بِاسْمِ يَسُوعَ المَسِيحِ، ثُمَّ طَلَبُوا مِنْهُ أنْ يَبْقَى مَعَهُمْ عِدَّةَ أيَّامٍ. وَسَمِعَ الرُّسُلُ وَالإخْوَةُ فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ إقْليمِ اليَهُودِيَّةِ أنَّ غَيْرَ اليَهُودِ قَدْ تَلَقَّوْا أيْضًا كَلِمَةَ الرَّبِّ. فَلَمَّا صَعِدَ بُطرُسُ إلَى القُدْسِ، انتَقَدَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ إلَى الخِتَانِ. وَقَالُوا لَهُ: «لَقَدْ دَخَلتَ بُيُوتَ أشخَاصٍ غَيْرِ مَختُونِينَ وَأكَلتَ مَعَهُمْ!» فَبَدَأ بُطرُسُ يَشْرَحُ لَهُمْ مَا حَدَثَ تَمَامًا. قَالَ: «كُنْتُ فِي بَلْدَةِ يَافَا أُصَلِّي، فَوَقَعَ عَلَيَّ سُبَاتٌ وَرَأيْتُ رُؤيَا. رَأيْتُ شَيْئًا يَشْبِهُ قِطْعَةَ قُمَاشٍ كَبِيرَةً مُعَلَّقَةً مِنْ أطرَافِهَا الأرْبَعَةِ وَمُدَلَّاةً مِنَ السَّمَاءِ، وَنَزَلَتْ عَلَيَّ. فَدَقَّقْتُ النَّظَرَ فِيهَا، فَرَأيْتُ بَهَائِمَ وَحَيَوَانَاتٍ مُتَوَحِّشَةً وَزَوَاحِفَ وَطُيُورًا. ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا يَقُولُ لِي: ‹انْهَضْ يَا بُطرُسُ. اذبَحْ وَكُلْ.› «لَكِنِّي قُلْتُ: ‹لَنْ أفعَلَ هَذَا يَا رَبُّ! لَمْ يَدْخُلْ فَمِي طَعَامٌ مُحَرَّمٌ أوْ نَجِسٌ مِنْ قَبْلُ!› «فَأجَابَنِي الصَّوْتُ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ: ‹مَا طّهَّرَهُ اللهُ، لَا تُحَرِّمْهُ أنْتَ!› «وَقَدْ حَدَثَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ ارتَفَعَ كُلُّ شَيءٍ إلَى السَّمَاءِ. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، وَصَلَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ إلَى البَيْتِ الَّذِي كُنَّا نَنزِلُ فِيهِ. وَكَانُوا قَدْ أُرسَلُوا إلَيَّ مِنْ مَدِينَةِ قَيصَرِيَّةَ. فَأمَرَنِي الرُّوحُ بِأنْ أذهَبَ مَعَهُمْ دُونَ تَرَدُّدٍ. كَمَا ذَهَبَ مَعِي هَؤُلَاءِ الإخْوَةُ السِّتَّةُ، وَدَخَلنَا بَيْتَ الرَّجُلِ. فَأخبَرَنَا كَيْفَ أنَّهُ رَأى مَلَاكًا وَاقِفًا فِي بَيْتِهِ يَقُولُ لَهُ: ‹أرسِلْ رِجَالًا إلَى بَلْدَةِ يَافَا وَاسْتَدْعِ سِمعَانَ الَّذِي يُدْعَى بُطْرُسَ. وَهُوَ سَيُخبِرُكَ كَلَامًا بِهِ يَكُونُ خَلَاصُكَ وَخَلَاصُ كُلِّ عَائِلَتِكَ.› «فَلَمَّا بَدَأتُ أتَكَلَّمُ، حَلَّ الرُّوحُ القُدُسُ عَلَيْهِمْ، تَمَامًا كَمَا حَلَّ عَلَيْنَا نَحْنُ فِي البِدَايَةِ. ثُمَّ تَذَكَّرتُ مَا سَبَقَ أنْ قَالَهُ الرَّبُّ: ‹كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِي المَاءِ، أمَّا أنْتُمْ فَسَتُعَمِّدُونَ فِي الرُّوحِ القُدُسِ.› فَإنْ كَانَ اللهُ قَدْ أعطَاهُمُ العَطِيَّةَ نَفْسَهَا الَّتِي أعْطَاهَا لَنَا عِنْدَمَا آمَنَّا بِالرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ، فَمَنْ أنَا لِأُقَاوِمَ اللهَ؟» فَلَمَّا سَمِعَ المُؤمِنُونَ هَذَا، تَوَقَّفُوا عَنِ الجَدَلِ، وَمَجَّدُوا اللهَ وَقَالُوا: «إذًا، فَقَدْ أعْطَى اللهُ حَتَّى غَيْرَ اليَهُودِ فُرصَةَ التَّوبَةِ الَّتِي تَقُودُ إلَى الحَيَاةِ!» أمَّا الَّذِينَ شَتَّتَهُمُ الاضْطِهَادُ الَّذِي حَدَثَ فِي زَمَنِ إستِفَانُوسَ، فَوَصَلُوا إلَى فِينِيقِيَّةَ وَقُبرُصَ وَأنطَاكِيَّةَ. وَكَانُوا لَا يُبَشِّرُونَ أحَدًا غَيْرَ اليَهُودِ. وَكَانَ بَيْنَهُمْ بَعْضُ الرِّجَالِ مِنْ قُبرُصَ وَقِيرِينَ. فَلَمَّا جَاءُوا إلَى أنطَاكِيَّةَ، بَدَأُوا يَتَحَدَّثُونَ أيْضًا مَعَ اليُونَانِيِّينَ، وَيُبَشِّرُونَهُمْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ. وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُمْ. فَآمَنَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ وآمَنُوا بِالرَّبِّ. وَوَصَلَتْ هَذِهِ الأخْبَارُ إلَى الكَنِيسَةِ فِي القُدْسِ، فَأرسَلُوا بَرنَابَا إلَى أنطَاكِيَّةَ. فَلَمَّا وَصَلَ وَرَأى نِعْمَةَ اللهِ تَعْمَلُ هُنَاكَ، فَرِحَ كَثِيرًا، وَشَجَّعَهُمْ جَمِيعًا عَلَى أنْ يَظَلُّوا مُخْلِصِينَ لِلرَّبِّ مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ. فَقَدْ كَانَ بَرنَابَا رَجُلًا صَالِحًا، مَملُوءًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ وَالإيمَانِ. فَجَاءَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ إلَى الرَّبِّ. ثُمَّ تَوَجَّهَ بَرنَابَا إلَى طَرسُوسَ بَحْثًا عَنْ شَاوُلَ. فَلَمَّا وَجَدَهُ، أحضَرَهُ إلَى أنطَاكِيَّةَ. وَاجتَمَعَا مَعَ الكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً، وَعَلَّمَا عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ النَّاسِ. وَدُعِيَ التَّلَامِيذُ مَسِيحِيِّينَ لِأوَّلِ مَرَّةٍ فِي أنطَاكِيَّةَ. وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، جَاءَ بَعْضُ الأنْبِيَاءِ مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ إلَى أنطَاكِيَّةَ. وَوَقَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، اسْمُهُ أغَابُوسُ، وَتَنَبَّأ بِالرُّوحِ بِأنَّ مَجَاعَةً شَدِيدَةً سَتَعُمُّ العَالَمَ كُلَّهُ. حَدَثَ هَذَا أثْنَاءَ حُكْمِ كلُوديُوسَ. فَقَرَّرَ التَّلَامِيذُ أنْ يُرسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ مَا يَسْتَطِيعُ، لِمُسَاعَدَةِ الإخوَةِ السَّاكِنِينَ فِي اليَهُودِيَّةِ. وَهَذَا مَا فَعَلُوهُ، حَيْثُ أرسَلُوا تَبَرُّعَاتِهِمْ لِلشُّيُوخِ عَنْ طَرِيقِ بَرنَابَا وَشَاوُلَ. وَفِي نَحوِ ذَلِكَ الوَقْتِ، بَدَأ المَلِكُ هِيرُودُسُ يَضْطَهِدُ أعضَاءَ الكَنِيسَةِ. فَأمَرَ بِقَتلِ يَعْقُوبَ أخِي يُوحَنَّا بِالسَّيفِ. وَلَمَّا رَأى أنَّ هَذَا أرْضَى اليَهُودَ، قَبَضَ عَلَى بُطْرُسَ أيْضًا أثْنَاءَ عِيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ. وَبَعْدَ أنْ قَبَضَ عَلَيْهِ، وَضَعَهُ فِي السِّجْنِ. وَسَلَّمَهُ إلَى وِحدَةٍ عَسكَرِيَّةٍ تَتَألَّفُ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ جُندِيًّا لِحِرَاسَتِهِ. وَكَانَ فِي نِيَّتِهِ أنْ يُحَاكِمَهُ أمَامَ النَّاسِ بَعْدَ عِيدِ الفِصْحِ. فَكَانَ بُطرُسُ مُحتَجَزًا فِي السِّجْنِ. أمَّا الكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَرْفَعُ إلَى اللهِ صَلَوَاتٍ حَارَّةً مِنْ أجْلِهِ. وَكَانَ هِيرُودُسُ يُرِيدُ أنْ يُحَاكِمَ بُطْرُسَ عَلَنًا فِي اليَوْمِ التَّالِي. فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ كَانَ بُطرُسُ نَائِمًا بَيْنَ جُندِيَّينِ، مُقَيَّدًا بِسِلسِلَتَيْنِ. وَكَانَ هُنَاكَ حُرَّاسٌ عِنْدَ البَوَّابَةِ يُرَاقِبُونَ السِّجْنَ. وَفَجْأةً، وَقَفَ مَلَاكٌ مِنْ عِندِ الرَّبِّ هُنَاكَ. وَلَمَعَ نُورٌ فِي الزِّنزَانَةِ. فَضَرَبَ المَلَاكُ بُطْرُسَ ضَربَةً خَفِيفَةً عَلَى جَنبِهِ، وَأيقَظَهُ وَقَالَ لَهُ: «قُمْ بِسُرعَةٍ!» فَسَقَطَتِ السِّلسِلَتَانِ عَنْ يَدَيهِ. ثُمَّ قَالَ المَلَاكُ لِبُطرُسَ: «البَسْ حِزَامَكَ وَحِذَاءَكَ.» فَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ المَلَاكُ لَهُ: «البَسْ رِدَاءَكَ وَاتبَعْنِي.» فَتَبِعَهُ إلَى الخَارِجِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْرِي أنَّ مَا يَفْعَلُهُ المَلَاكُ كَانَ حَقِيقِيًّا، فَقَدْ ظَنَّ أنَّهُ يَرَى رُؤيَا. وَبَعْدَ أنْ مَرَّا بِالمَجمُوعَتَيْنِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ مِنَ الحُرَّاسِ، وَصَلَا إلَى البَوَّابَةِ الحَدِيدِيَّةِ المُؤَدِّيَةِ إلَى المَدِينَةِ. فَانفَتَحَتْ مِنْ ذَاتِهَا، فَخَرَجَا مِنْهَا. وَتَابَعَا سَيرَهُمَا مَسَافَةَ شَارِعٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ تَرَكَهُ المَلَاكُ فَجْأةً. فأدرَكَ بُطرُسُ أنَّهُ لَا يَحْلُمُ، وَقَالَ: «الآنَ أعْرِفُ أنَّ هَذَا صَحِيحٌ فِعلًا: أرْسَلَ الرَّبُّ مَلَاكَهُ، وَأنقَذَنِي مِنْ يَدَي هِيرُودُسَ، وَمِنْ كُلِّ مَا كَانَ اليَهُودُ يَنْتَظِرُونَ أنْ يَحْدُثَ لِي.» فَلَمَّا أدرَكَ هَذَا، ذَهَبَ إلَى بَيْتِ مَريَمَ، أُمِّ يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى أيْضًا مَرقُسَ. وَكَانَ قَدْ تَجَمَّعَ هُنَاكَ أشخَاصٌ كثِيرُونَ يُصَلُّونَ. فَقَرَعَ بُطرُسُ البَابَ الخَارِجِيَّ. فَجَاءَتْ خَادِمَةٌ اسْمُهَا رُودَا لِكَي تَرُدَّ. فَلَمَّا مَيَّزَتْ صَوْتَ بُطْرُسَ، رَكَضَتْ مِنْ فَرحَتِهَا إلَى الدَّاخِلِ دُونَ أنْ تَفْتَحَ لَهُ البَابَ. وَقَالَتْ: «بُطرُسُ وَاقِفٌ بِالبَابِ.» فَقَالُوا لَهَا: «أنْتِ مَجنُونَةٌ!» لَكِنَّهَا ظَلَّتْ تُصِرُّ عَلَى أنَّهُ هُوَ. فَقَالُوا: «إنَّهُ مَلَاكُهُ.» غَيْرَ أنَّ بُطْرُسَ وَاصَلَ قَرْعَ البَابِ. فَلَمَّا فَتَحُوا البَابَ وَرَأَوْهُ، ذُهِلُوا. فَأشَارَ لَهُمْ بِيَدِهِ أنْ يَهْدَأُوا، وَشَرَحَ لَهُمْ كَيْفَ أنَّ الرَّبَّ أخرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ. وَقَالَ لَهُمْ: «أخبِرُوا يَعْقُوبَ وَالإخوَةَ بِهَذَا.» ثُمَّ غَادَرَ وَذَهَبَ إلَى مَكَانٍ آخَرَ. وَعِنْدَمَا طَلَعَ النَّهَارُ، حَدَثَ ارتِبَاكٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الحُرَّاسِ. وَكَانُوا يَتَسَاءَلُونَ: «مَاذَا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ قَدْ حَدَثَ لِبُطرُسَ؟» وَبَحَثَ هِيرُودُسُ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْهُ. وَبَعْدَ هَذَا أجرَى تَحْقِيقًا مَعَ الحُرَّاسِ وَأمَرَ بِإعدَامِهِمْ. ثُمَّ نَزَلَ هِيرُودُسُ مِنَ اليَهُودِيَّةِ إلَى قَيصَرِيَّةَ وَأمضَى بَعْضَ الوَقْتِ هُنَاكَ. وَكَانَ غَاضِبًا جِدًّا مِنْ أهْلِ صُورَ وَصَيدَاءَ. فَجَاءُوا فِي وَفدٍ إلَيْهِ. فَبَعدَ أنْ ضَمِنُوا دَعمَ حَاجِبِ المَلِكِ بلَاسْتُسَ، طَلَبُوا أنْ يَتَصَالَحُوا مَعَ هِيرُودُسَ، لِأنَّ مِنطَقَتَهُمْ كَانَتْ تَحْصُلُ عَلَى الطَّعَامِ مِنْ مَنْطِقَةِ المَلِكِ. وَفِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ، لَبِسَ هِيرُودُسُ ثِيَابَهُ المَلَكِيَّةَ وَجَلَسَ عَلَى عَرشِهِ، وَألقَى خِطَابًا فِي النَّاسِ. فَهَتَفَ النَّاسُ: «هَذَا صَوْتُ إلَهٍ، لَا صَوْتُ بَشَرٍ!» وَفَجْأةً ضَرَبَهُ مَلَاكٌ مِنْ عِندِ الرَّبِّ، لِأنَّهُ لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ. وَأخَذَ الدُّودُ يَأْكُلُ جَسَدَهُ إلَى أنْ مَاتَ. أمَّا كَلِمَةُ اللهِ، فَكَانَتْ تَنْتَشِرُ وَتَتَّسِعُ. وَأنهَى بَرنَابَا وَشَاوُلُ مَهَمَّتَهُمَا فِي مَدِينَةِ القُدْسِ وَعَادَا إلَى أنطَاكِيَّةَ مُصطَحِبينَ يُوحَنَّا الَّذِي يُسَمَّى مَرْقُسَ. وَكَانَ فِي كَنِيسَةِ أنطَاكِيَّةَ بَعْضُ الأنْبِيَاءِ وَالمُعَلِّمِينَ. فَكَانَ هُنَاكَ بَرنَابَا، وَسِمعَانُ الَّذِي كَانَ يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكيُوسُ القَيرِينِيُّ، وَمَنَايِنُ الَّذِي كَانَ قَدْ نَشَأ مَعَ الوَالِي هِيرُودُسَ، وَشَاوُلُ. وَبَيْنَمَا كَانُوا يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ القُدُسُ: «خَصِّصُوا لِي بَرنَابَا وَشَاوُلَ لِكَي يَقُومَا بِالعَمَلِ الَّذِي سَبَقَ أنْ دَعَوتُهُمَا إلَيْهِ.» فَبَعدَ أنْ صَامُوا وَصَلُّوا، وَضَعُوا أيدِيَهُمْ عَلَى بَرنَابَا وَشَاوُلَ، وَأرسَلُوهُمَا. وَبَعْدَ أنْ أرسَلَهُمَا الرُّوحُ القُدُسُ، ذَهَبَا إلَى سَلُوكِيَّةَ. وَمِنْ هُنَاكَ أبحَرَا إلَى قُبرُصَ. وَعِنْدَمَا وَصَلَا إلَى سَلَامِيسَ، بَشَّرَا بِرِسَالَةِ الرَّبِّ فِي مَجَامِعِ اليَهُودِ، وَكَانَ يُوحَنَّا مَعَهُمَا يُسَاعِدُهُمَا. فَاجتَازَا فِي الجَزِيرَةِ كُلِّهَا حَتَّى مَدِينَةِ بَافُوسَ. فَوَجَدَا هُنَاكَ سَاحِرًا وَنَبِيًّا كَاذِبًا، وَهُوَ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ بَارْيَشُوعُ. وَكَانَ مُرَافِقًا لِحَاكِمِ الجَزِيرَةِ سَرجِيُوسَ بُولُسَ، وَهُوَ رَجُلٌ حَكِيمٌ. فَأرْسَلَ فِي طَلَبِ بَرنَابَا وَشَاوُلَ وَطَلَبَ أنْ يَسْمَعَ رِسَالَةً مِنَ اللهِ. فَقَاوَمَهُمَا السَّاحِرُ عَلِيمُ، كَمَا يُتَرْجَمُ اسْمُهُ. وَحَاوَلَ أنْ يُبْعِدَ الحَاكِمَ عَنِ الإيمَانِ. فَامتَلأ شَاوُلُ، الَّذِي كَانَ يُدْعَى بُولُسُ، مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وَوَجَّهَ نَظَرَهُ إلَى عَلِيمَ، وَقَالَ لَهُ: «أنْتَ مُمتَلِئٌ بِكُلِّ أنْوَاعِ الغِشِّ وَالحِيَلِ الشِّرِّيرَةِ! أنْتَ ابنٌ لإبلِيسَ، عَدُوٌّ لِكُلِّ مَا هُوَ حَقٌّ! ألَنْ تَتَوَقَّفَ أبَدًا عَنْ تَشْوِيهِ طُرُقِ الرَّبِّ المُسْتَقِيمَةِ؟ فَالآنَ هَا هِيَ يَدُ الرَّبِّ تَضْرِبُكَ، فَتَكُونَ أعمَىً لَا تَرَى الشَّمْسَ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ.» فَغَمَرَتهُ عَلَى الفَوْرِ ظُلمَةٌ شَدِيدَةٌ، وَرَاحَ يَبْحَثُ عَمَّنْ يَقُودُهُ بِيَدِهِ. فَلَمَّا رَأى الحَاكِمُ مَا حَدَثَ، آمَنَ إذْ ذُهِلَ مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ. ثُمَّ أبحَرَ بُولُسُ وَرِفِيقَاهُ مِنْ بَافُوسَ، وَوَصَلُوا إلَى مَدِينَةِ بَرْجَةَ فِي بَمْفِيليَةَ. لَكِنَّ يُوحَنَّا تَرَكَهُمَا وَرَجِعَ إلَى القُدْسِ. فَتَابَعَا رِحلَتَهُمَا مِنْ بَرجَةَ فَوَصَلَا إلَى أنطَاكِيَةَ الَّتِي فِي بِيسِيدِيَةَ. وَفِي السَّبْتِ ذَهَبَا إلَى المَجْمَعِ وَجَلَسَا. وَهُنَاكَ قُرِئَتِ الشَّرِيعَةُ وَكِتَابَاتُ الأنْبِيَاءِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أرْسَلَ إلَيْهِمَا المَسؤُولُونَ عَنِ المَجْمَعِ رِسَالَةً تَقُولُ: «أيُّهَا الأخَوَانِ، إنْ كَانَتْ لَدَيْكُمْ رِسَالَةُ تَشْجِيعٍ لِلشَّعْبِ، فَتَكَلَّمَا.» فَوَقَفَ بُولُسُ وَأشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «يَا رِجَالَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأنْتُمْ يَا غَيْرَ اليَهُودِ الَّذِينَ تَخَافُونَ اللهَ، أصغُوا إلَيَّ. إنَّ إلَهَ بَنِي إسْرَائِيلَ قَدِ اخْتَارَ آبَاءَنَا، وَرَفَعَ مِنْ شَأنِ شَعْبِنَا أثْنَاءَ إقَامَتِهِمْ فِي أرْضِ مِصْرَ، ثُمَّ أخرَجَهُمْ بِقُوَّتِهِ العَظِيمَةِ مِنْ تِلْكَ الأرْضِ. وَاحتَمَلَهُمْ نَحْوَ أرْبَعِينَ عَامًا فِي البَرِّيَّةِ. ثُمَّ حَطَّمَ سَبْعَةَ شُعُوبٍ فِي أرْضِ كَنعَانَ، وَأعْطَى الأرْضَ لَهُمْ مِيرَاثًا لِمُدَّةِ أرْبَعِ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا. وَبَعْدَ هَذَا وَلَّى عَلَيْهِمْ قُضَاةً حَتَّى زَمَنِ النَّبِيِّ صَمُوئِيلَ. «ثُمَّ طَلَبُوا مَلِكًا، فَأعطَاهُمُ اللهُ شَاوُلَ بْنَ قَيسٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. فَحَكَمَهُمْ أرْبَعِينَ عَامًا. وَبَعْدَ أنْ أزَاحَهُ اللهُ، نَصَّبَ دَاوُدَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، وَشَهِدَ لِدَاوُدَ فَقَالَ: ‹لَقَدْ وَجَدتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى كَمَا يُرِيدُهُ قَلْبِي. وَهُوَ سَيَفْعَلُ كُلَّ مَا أُرِيدُهُ.› «وَمِنْ نَسْلِ هَذَا الرَّجُلِ، أعْطَى اللهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ مُخَلِّصًا حَسَبَ وَعدِهِ، هُوَ يَسُوعَ. وَقَبْلَ مَجِيئِهِ، نَادَى يُوحَنَّا لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ بِمَعمُودِيَّةٍ مَبنِيَّةٍ عَلَى التَّوبَةِ. وَقَدْ قَالَ يُوحَنَّا وَهُوَ يُكمِلُ مَهَمَّتَهُ: ‹مَنْ تَظُنُّونَنِي؟ أنَا لَسْتُ هُوَ، لَكِنْ هُنَاكَ شَخْصٌ سَيَأْتِي بَعدِي لَا أستَحِقُّ أنْ أحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ.› «أيُّهَا الإخْوَةُ، يَا أبْنَاءَ إبرَاهِيمَ، وَأنْتُمْ يَا غَيْرَ اليَهُودِ الَّذِينَ تَخَافُونَ اللهَ، لَقَدْ أُرسِلَتْ إلَينَا نَحْنُ رِسَالَةُ الخَلَاصِ هَذِهِ، أمَّا اليَهودُ وَقَادَتُهُمُ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ مَدِينَةَ القُدْسِ، فَلَمْ يَعْرِفُوا يَسُوعَ، بَلْ أدَانُوهُ مُتَمِّمِينَ بِذَلِكَ نُبُوَّاتِ الأنْبِيَاءِ الَّتِي يَقْرَأُونَهَا كُلَّ سَبتٍ. وَرُغْمَ أنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا أيَّ أسَاسٍ لِلحُكمِ عَلَيْهِ بِالمَوْتِ، إلَّا أنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْ بِيلَاطُسَ أنْ يَأْمُرَ بِقَتلِهِ. «وَلَمَّا تَمَّمُوا كُلَّ الأُمُورِ المَكْتُوبَةِ عَنه، أنزَلُوهُ عَنْ خَشَبَةِ الصَّلِيبِ، وَدَفَنُوهُ فِي قَبرٍ. لَكِنَّ اللهَ أقَامَهُ مِنَ المَوْتِ. وَظَهَرَ أيَّامًّا كَثِيرَةً لِلَّذِينَ رَافَقُوهُ مِنَ الجَلِيلِ إلَى القُدْسِ. وَهُمُ الآنَ شُهُودٌ لَهُ أمَامَ النَّاسِ. وَنَحْنُ نُبَشِّرُكُمْ بِذَلِكَ. لَقَدْ أعْطَى اللهُ لآبَائِنَا وَعدًا، وَقَدْ حَقَّقَ هَذَا الوَعدَ لَنَا نَحْنُ أبْنَاءَهُمْ، بِأنْ أقَامَ يَسُوعَ مِنَ المَوْتِ. فَكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي المَزمُورِ الثَّانِي: ‹أنْتَ ابنِي، وَأنَا الَيَوْمَ وَلَدْتُكَ.› وَلِيُبَيِّنَ اللهُ أنَّهُ أقَامَهُ مِنَ المَوْتِ، وَأنَّهُ لَنْ يَعُودَ إلَى فَسَادٍ قَالَ: ‹سَأُعْطِيكُمُ البَرَكَاتِ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا دَاوُدُ.› لِهَذَا يَقُولُ فِي مَزْمورٍ آخَرَ: ‹لَنْ تَدَعَ جَسَدَ قُدُّوسِكَ يَتَعَفَّنُ.› فَلَقَدْ مَاتَ دَاوُدُ بَعْدَ أنْ حَقَّقَ قَصْدَ اللهِ فِي جِيلِهِ. وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ، وَتَعَفَّنَ جَسَدُهُ، أمَّا الَّذِي أقَامَهُ اللهُ مِنَ المَوْتِ فَلَمْ يَتَعَفَّنْ. فَاعلَمُوا أيُّهَا الإخْوَةُ أنَّنَا نُنَادِي لَكُمْ بِغُفرَانِ الخَطَايَا مِنْ خِلَالِ يَسُوعَ. لَقَدْ عَجِزَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى أنْ تُحَرِّرَكُمْ مِنْ خَطَايَاكُمْ، أمَّا كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ بِيَسُوعَ فَإنَّهُ يَتَحَرَّرُ مِنْهَا. فَاحذَرُوا مِنْ أنْ يُصِيبَكُمْ مَا قَالَهُ الأنْبِيَاءُ: ‹احذَرُوا أيُّهَا المُسْتَهْزِئُونَ، وَتَعَجَّبُوا وَاهلِكُوا. فَأنَا سَأعمَلُ عَمَلًا فِي أيَّامِكُمْ، عَمَلًا لَنْ تُصَدِّقُوهُ أبَدًا، حَتَّى لَوْ أخبَرَكُمْ أحَدٌ!›» وَبَيْنَمَا كَانَا مُنصَرِفَينِ، طَلَبُوا مِنهُمَا أنْ يُكَلِّمَاهُمْ بِهَذَا الكَلَامِ نَفْسِهِ فِي السَّبْتِ التَّالِي. فَلَمَّا انْتَهَى الاجْتِمَاعُ، تَبِعَ كَثِيرُونَ مِنَ اليَهُودِ وَالأتقِيَاءِ المُتَهَوِّدِينَ بُولُسَ وَبَرنَابَا، فَتَحَدَّثَاَ إلَيْهِمْ وَحَثَّاهُم عَلَى أنْ يَسْتَمِرُّوا فِي نِعْمَةِ اللهِ. وَفِي السَّبْتِ التَّالِي، اجتَمَعَ سُكَّانُ البَلدَةِ كُلُّهُمْ تَقْرِيبًا لِسَمَاعِ رِسَالَةِ الرَّبِّ. فَلَمَّا رَأى اليَهُودُ جُمُوعَ النَّاسِ، مَلأهُمُ الحَسَدُ، وَقَاوَمُوا مَا كَانَ بُولُسُ يَقُولُهُ. وَكَانُوا يَشْتِمُونَهُ. لَكِنَّ بُولُسَ وَبَرنَابَا تَكَلَّمَا بِجُرأةٍ. وَقَالَا: «كَانَ ضَرُورِيًّا أنْ نُوصِلَ رِسَالَةَ اللهِ إلَيكُمْ أنْتُمْ أوَّلًا. لَكِنَّكُمْ رَفَضْتُمُوهَا، فَحَكَمتُمْ عَلَى أنْفُسِكُمْ بِأنَّكُمْ لَا تَسْتَحِقُّونَ الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ. فَهَا نَحْنُ الآنَ نَتَوَجَّهُ بِالبِشَارَةِ إلَى غَيْرِ اليَهُودِ، فَقَدْ أوصَانَا الرَّبُّ وَقَالَ: ‹أقمْتُكُمْ لِتَكُونُوا نُورًا لِبَقِيَّةِ الأُمَمِ، مُظهِرينَ طَريقَ الخَلَاصِ للعَالَمِ كُلِّهِ.›» فَلَمَّا سَمِعَ غَيْرُ اليَهُودِ هَذَا، فَرِحُوا كَثِيرًا، وَامتَدَحُوا رِسَالَةَ الرَّبِّ. وَآمَنَ كُلُّ الَّذِينَ عَيَّنَهُمُ اللهُ لِلحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ. وَانتَشَرَتْ رِسَالَةُ الرَّبِّ فِي المِنْطَقَةِ كُلِّهَا. فَهَيَّجَ اليَهُودُ النِّسَاءَ المُتَدَيِّنَاتِ البَارِزَاتِ فِي المُجْتَمَعِ، وَكِبَارَ رِجَالِ المَدِينَةِ. فَبَدَأُوا حَملَةَ اضطِهَادٍ ضِدَّ بُولُسَ وَبَرنَابَا، وَأخرَجُوهُمَا بِالقُوَّةِ مِنْ مِنطَقَتِهِمْ. فَنَفَضَا التُّرَابَ عَنْ قَدَمَيهِمَا، ثُمَّ ذَهَبَا إلَى مَدِينَةِ إيقُونِيَةَ. وَأمَّا التَّلَامِيذُ، فَكَانُوا مُمتَلِئينَ مِنَ الفَرَحِ وَمِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. وَحَدَثَ الأمْرُ نَفْسُهُ فِي مَدِينَةِ إيقُونِيَةَ أيْضًا، حَيْثُ دَخَلَ بُولُسُ وَبَرنَابَا إلَى المَجْمَعِ اليَهُودِيِّ وَتَكَلَّمَا، فَآمَنَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ اليَهُودِ وَاليُونَانِيِّينَ. أمَّا اليَهُودُ الَّذِينَ رَفَضُوا أنْ يُؤمِنُوا فَقَدْ هَيَّجُوا غَيْرَ اليَهُودِ وَحَرَّضُوهُمْ عَلَى الإخوَةِ. وَبَقِيَ بُولُسُ وَبَرنَابَا هُنَاكَ فَترَةً طَوِيلَةً. وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بِشَجَاعَةٍ عَنِ الرَّبِّ. وَأيَّدَ الرَّبُّ رِسَالَةَ نِعْمَتِهِ بِأنْ سَمَحَ بِأنْ تَجْرِيَ مُعجِزَاتٌ وَعَجَائِبُ عَلَى أيدِيهِمَا. وَانقَسَمَ أهْلُ المَدِينَةِ مَا بَيْنَ مُؤَيِّدٍ لِليَهُودِ وَمَا بَيْنَ مُؤَيِّدٍ لِلرَّسُولَينِ. وَتَحَرَّكَ غَيْرُ اليَهُودِ وَاليَهُودُ جَمِيعًا مَعَ قَادَتِهِمْ لِلإسَاءَةِ إلَيْهِمَا وَرَجمِهِمَا. غَيْرَ أنَّهُمَا عَلِمَا بِهَذَا، وَهَرَبَا إلَى مَدِينَتَي لِستَرَةَ وَدَرْبَةَ فِي مُقَاطَعَةِ لِيكَأُونِيَّةَ وَالمِنْطَقَةِ المُحِيطَةِ. وَهُنَاكَ استَمَرَّا يُبَشِّرَانِ. وَكَانَ يَجْلِسُ فِي لِستَرَةَ رَجُلٌ عَاجِزُ القَدَمَينِ. لَمْ يَكُنْ قَدْ مَشَىْ عَلَىْ قَدَميهِ قَطُّ لِأنَّهُ وُلِدَ كَسِيحًا. سَمِعَ هَذَا الرَّجُلُ بُولُسَ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ. فَوَجَّهَ بُولُسُ نَظَرَهُ إلَيْهِ، وَرَأى أنَّ لَدَيهِ إيمَانًا لِكَي يُشفَى. وَقَالَ بُولُسُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: «قِفْ مُنتَصِبًا عَلَى قَدَمَيكَ!» فَقَفَزَ وَأخَذَ يَمْشِي. فَلَمَّا رَأى الجَمعُ مَا فَعَلَهُ بُولُسُ، رَفَعُوا أصوَاتَهُمْ بِلُغَةِ مُقَاطَعَةِ لِيكَأُونِيَّةَ وَقَالُوا: «أصبَحَ الآلِهَةُ كَالنَّاسِ وَنَزَلُوا إلَينَا!» وَسَمَّوْا بَرنَابَا «زَفْسَ،» أمَّا بُولُسُ فَسَمَّوْهُ «هَرْمَسَ» لِأنَّهُ كَانَ المُبَادِرَ فِي الكَلَامِ. وَأحضَرَ كَاهِنُ زَفْسَ، الَّذِي كَانَ مَعبَدُهُ عِنْدَ مَدْخَلِ المَدِينَةِ، ثِيرَانًا وَأكَالِيلَ إلَى بَوَّابَاتِ المَدِينَةِ. فَقَدْ أرَادَ هُوَ وَالجَمعُ أنْ يُقَدِّمُوا ذَبَائِحَ لَهُمَا. لَكِنْ لَمَّا سَمِعَ الرَّسُولَانِ بَرنَابَا وَبُولُسُ بِهَذَا، مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا، وَاندَفَعَا إلَى الجَمعِ وَهُمَا يَصْرُخَانِ: «أيُّهَا الرِّجَالُ، لِمَاذَا تَفْعَلُونَ هَذَا؟ إنَّنَا نَحْنُ أيْضًا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. وَنَحْنُ هُنَا لِكَي نَنْقِلَ لَكُمُ البُشْرَى، وَنُبعِدَكُمْ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ التَّافِهَةِ إلَى الإلَهِ الحَيِّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَالبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا. «لَقَدْ سَمَحَ لِلشُّعُوبِ فِي الأزمِنَةِ الغَابِرَةِ بِأنْ يَعِيشُوا كَمَا يَحْلُو لَهُمْ. لَكِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْكُمْ دُونَ أدِلَّةٍ تَشْهَدُ لَهُ، لِأنَّهُ يَصْنَعُ لَكُمْ خَيرَاتٍ كَثِيرَةً. فَهُوَ يُعطِيكُمْ أمطَارًا مِنَ السَّمَاءِ وَمَحَاصِيلَ فِي أوقَاتِهَا. وَهُوَ يُزَوِّدُكُمْ بِالطَّعَامِ وَيَملأُ قُلُوبَكُمْ بِالفَرَحِ.» وَرُغْمَ كَلَامِهِمَا هَذَا، فَإنَّهُمَا لَمْ يَسْتَطِيعَا مَنْعَ النَّاسِ مِنْ تَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ إلَّا بَعْدَ جَهدٍ كَبِيرٍ. ثُمَّ جَاءَ بَعْضُ اليَهُودِ مِنْ مَدِينَتَي أنطَاكِيَةَ وَإيقُونِيَةَ، وَاستَمَالُوا الجُمُوعَ إلَى جَانِبِهِمْ. فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ إلَى خَارِجِ المَدِينَةِ ظَانِّينَ أنَّهُ مَيِّتٌ. وَعِنْدَمَا تَجَمَّعَ التَّلَاميذُ حَوْلَهُ، نَهَضَ بُولُسُ وَدَخَلَ المَدِينَةَ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي ذَهَبَ مَعَ بَرنَابَا إلَى مَدِينَةِ دَرْبَةَ. وَبَشَّرَا فِي تِلْكَ المَدِينَةِ وَتَلْمَذَا كَثِيرِينَ، ثُمَّ عَادَا إلَى لِستَرَةَ وَإيقُونِيَةَ وَأنطَاكِيَةَ. وَكَانَا يُقَوِّيَانِ نُفُوسَ التَّلَامِيذِ وَيُشَجِّعَانِهِمْ عَلَى أنْ يَسْتَمِرُّوا فِي الإيمَانِ. وَقَالَا لَهُمْ: «يَنْبَغِي أنْ نَدخُلَ فِي مُلكِ اللهِ بِمُعَانَاةٍ كَثِيرَةٍ.» ثُمَّ عَيَّنَا شُيُوخًا فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ، وَصَلَّيَا وَصَامَا لِكَي يَحْفَظَهُمُ الرَّبُّ الَّذِي آمَنُوا بِهِ. وَبَعْدَ أنِ اجتَازَا بِيسِيدِيَّةَ، وَصَلَا إلَى بَمفِيلِيَّةَ. ثُمَّ تَكَلَّمَا بِالرِّسَالَةِ فِي بَرجَةَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ نَزَلَا إلَى أتَّالِيَةَ. وَمِنْ هُنَاكَ أبحَرَا إلَى أنطَاكِيَةَ، وَهِيَ المَدينَةُ الَّتِي كَانَ الإخْوَةُ قَدْ أرسَلَاهُمَا مِنْهَا بِنِعْمَةِ اللهِ لإنجَازِ الخِدْمَةِ المُوكَلَةِ لَهُمَا، وَقَدْ أنجَزَاهَا الآنَ بِالفِعْلِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَا، جَمَعَا شَعْبَ الكَنِيسَةِ، وَأخبَرَاهُمْ بِمَا عَمِلَ اللهُ مَعَهُمْ. وَقَالَا لَهُمْ إنَّ اللهَ قَدْ فَتَحَ بَابَ الإيمَانِ لِغَيرِ اليَهُودِ. وَأقَامَا مَعَ التَّلَامِيذِ مُدَّةً غَيْرَ قَصِيرَةٍ. وَجَاءَ بَعْضُ الرِّجَالِ مِنْ إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ، وَكَانُوا يُعَلِّمُونَ المُؤمِنِينَ مَا يَلِي: «إنْ لَمْ تُختَتَنُوا حَسَبَ تَقْلِيدِ مُوسَى، فَلَا خَلَاصَ لَكُمْ.» فَاختَلَفَ بَرنَابَا وشَاوُلُ مَعَهُمْ، وَحَدَثَ بَيْنَهُمْ جَدَلٌ كَبِيرٌ. فَوَقَعَ الاخْتِيَارُ عَلَى بُولُسَ وَبَرنَابَا وَبَعْضِ المُؤمِنِينَ لِلذَّهَابِ إلَى الرُّسُلِ وَالشُّيُوخِ فِي القُدْسِ لِبَحثِ هَذِهِ المَسألَةِ. وَبَعْدَ أنْ وَدَّعَتْهُمُ الكَنِيسَةُ، انطَلَقُوا وَاجتَازُوا فِي فِينِيقِيَّةَ وَالسَّامِرَةِ، مُخبِرِينَ عَنِ اهتِدَاءِ غَيْرِ اليَهُودِ إلَى الإيمَانِ. وَكَانَ ذَلِكَ يُسَبِّبُ فَرَحًا عَظِيمًا لِكُلِّ الإخوَةِ. وَعِنْدَمَا وَصَلُوا إلَى القُدْسِ، رَحَّبَتْ بِهِمُ الكَنِيسَةُ وَالرُّسُلُ وَالشُّيُوخُ. فَأخبَرُوهُمْ بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ اللهُ مَعَهُمْ. فَوَقَفَ بَعْضُ المُؤمِنِينَ المُنتَمِينَ إلَى جَمَاعَةِ الفِرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا: «يَنْبَغِي أنْ يُختَتَنَ غَيْرُ اليَهُودِ وَيُؤمَرُوا بِاتِّبَاعِ شَرِيعَةِ مُوسَى.» فَاجتَمَعَ الرُّسُلُ وَالشُّيُوخُ لِدِرَاسَةِ هَذِهِ المَسألَةِ. وَبَعْدَ مُبَاحَثَةٍ طَوِيلَةٍ، وَقَفَ بُطرُسُ وَقَالَ لَهُمْ: «أيُّهَا الإخْوَةُ، أنْتُمْ تَعْرِفُونَ أنَّ اللهَ قَدِ اخْتَارَنِي مِنْ بَينِكُمْ مُنْذُ الأيَّامِ الأُولَى، لِكَي يَسْمَعَ غَيْرُ اليَهُودِ رِسَالَةَ البِشَارَةِ عَلَى فَمِي وَيُؤمِنُوا. فَاللهُ الَّذِي يَعْرِفُ مَا فِي القُلُوبِ، أظْهَرَ قُبُولَهُ لَهُمْ بِأنْ أعطَاهُمُ الرُّوحَ القُدُسَ كَمَا فَعَلَ مَعَنَا نَحْنُ. فَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، بَلْ طَهَّرَ بِالإيمَانِ قُلُوبَهُمْ. فَلِمَاذَا تُحَاوِلونَ أنْ تُغْضِبُوا اللهَ بِوَضْعِ أثْقَالٍ عَلَى المُؤمِنِينَ لَمْ نَسْتَطِعْ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا أنْ نَحمِلَهَا؟ لَكِنَّنَا نُؤمِنُ أنَّنَا نَخلُصُ بِنِعْمَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنُؤمِنُ أنَّهُمْ سَيَخْلُصُونَ هَكَذَا أيْضًا.» فَصَمَتُوا جَمِيعًا، ثُمَّ استَمَعُوا إلَى بَرنَابَا وَشَاوُلَ وَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ عَنْ كُلِّ المُعجِزَاتِ وَالعَجَائِبِ الَّتِي صَنَعَهَا اللهُ بِوَاسِطَتِهِمَا بَيْنَ غَيْرِ اليَهُودِ. وَبَعْدَ أنِ انتَهَيَا مِنَ الحَدِيثِ، قَالَ يَعْقُوبُ: «أيُّهَا الإخْوَةُ، اسْمَعُونِي. لَقَدْ تَحَدَّثَ سِمْعَانُ فَقَالَ كَيْفَ أظْهَرَ اللهُ أوَّلًا نِعْمَةً لِغَيرِ اليَهُودِ بِأنِ اخْتَارَ مِنْهُمْ شَعْبًا لَهُ. وَكَلَامُ الأنْبِيَاءِ يُوافِقُ كَلَامَهُ. فَكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: ‹بَعْدَ هَذَا سَأعُودُ، وَسَأُعِيدُ بِنَاءَ بَيْتِ دَاوُدَ الَّذِي سَقَطَ. سَأُعَيدُ بِنَاءَ خَرَائِبِهِ، وَسَأُقِيمُهُ. لِكَي يَسْعَى إلَى الرَّبِّ بَقِيَّةُ البَشَرِ وَجَمِيعُ الأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ. يَقولُ الرَّبُّ الَّذِي سَيُحَقِّقُ هَذَا كُلَّهُ.› ‹وَالرَّبُّ يَعْرِفُ هَذَا مُنْذُ الأزَلِ.› لِهَذَا فَإنِّي أرَى أنَّنَا لَا يَنْبَغِي أنْ نُزعِجَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَلْتَفِتُونَ إلَى اللهِ مِنْ غَيْرِ اليَهُودِ. بَلْ يَنْبَغِي أنْ نَكتُبَ إلَيْهِمْ طَالِبِينَ مِنْهُمْ أنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ الَّذِي تُنُجِّسَ بِتَقْديمِهِ لِلأصْنَامِ، وَعَنِ الزِّنَا، وَعَنْ أكلِ لَحْمِ الحَيَوَانَاتِ المَخنُوقَةِ وَالدَّمِ. فَلِمُوسَى جَمَاعَتُهُ الَّتِي تَعِظُ بِشَرِيعَتِهِ فِي كُلِّ بَلدَةٍ مُنْذُ القَدِيمِ، وَشَريعَتُهُ تُقرَأُ فِي المَجَامِعِ كُلَّ سَبْتٍ.» فَقَرَّرَ الرُّسُلُ وَالشُّيُوخُ مَعَ كُلِّ الكَنِيسَةِ أنْ يَختَارُوا بَعْضَ الرِّجَالِ مِنْ بَينِهِمْ، وَأنْ يُرسِلُوهُمْ إلَى أنطَاكِيَةَ مَعَ بُولُسَ وَبَرنَابَا. فَاختَارُوا يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى بَرْسَابَا، وَسِيلَا. وَهُمَا مِنَ القَادَةِ بَيْنَ الإخوَةِ. وَأرسَلُوا الرِّسَالَةَ التَّالِيَةَ مَعَهُمْ: تَحِيَّةٌ مِنَّا نَحْنُ الرُّسُلَ وَالشُّيُوخَ إخْوَتَكُمْ، وَتَحِيَّاتُنَا إلَى الإخوَةِ مِنْ غَيْرِ اليَهُودِ فِي أنطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ. لَقَدْ سَمِعْنَا أنَّ بَعْضًا مِنَ المُؤمِنِينَ جَاءُوا مِنْ عِندِنَا إلَيكُمْ دُونَ أيِّ تَفْوِيضٍ مِنَّا. وَسَمِعنَا أنَّهُمْ أزعَجُوكُمْ بِكَلَامِهِمْ وَبَلبَلُوا عُقُولَكُمْ. وَلِهَذَا اتَّفَقنَا جَمِيعًا وَقَرَّرْنَا أنْ نَختَارَ بَعْضَ الرِّجَالِ وَنُرسِلَهُمْ إلَيكُمْ مَعَ أخَوَينَا الحَبِيبَينِ بَرنَابَا وَبُولُسَ، اللَّذينِ خَاطَرَا بِحَيَاتِهِمَا مِنْ أجْلِ اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. فَهَا نَحْنُ نُرسِلُ يَهُوذَا وَسِيلَا اللَّذَيْنِ سَيَقُولَانِ لَكُمْ مُحتَوَىْ هَذِهِ الرِّسَالَةِ نَفْسِهَا. فَقَدِ استَحْسَنَ الرُّوحُ القُدُسُ وَنَحْنُ أنْ لَا نُثقِلَ عَلَيْكُمْ بِمَا هُوَ أكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ: لَا يَنْبَغِي أنْ تَتَنَاوَلُوا الطَّعَامَ المُقَدَّمَ لِلأوْثَانِ، وَالحَيَوَانَاتِ المَخنُوقَةَ وَالدَّمَ، وَأنْ تَبْتَعِدُوا عَنِ الزِّنَا. فَإذَا حَفِظتُمْ أنْفُسَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ، تُحسِنُونَ صُنْعًا. عَافَاكُمُ اللهُ. وَهَكَذَا انطَلَقَ بَرنَابَا وَبُولُسُ وَيَهُوذَا وَسِيلَا وَذَهَبُوا إلَى أنطَاكِيَةَ. وَجَمَعُوا جَمَاعَةَ المُؤمِنِينَ هُنَاكَ، وَسَلَّمُوا الرِّسَالَةَ. فَلَمَّا قَرَأهَا المُؤمِنُونَ هُنَاكَ، ابتَهَجُوا كَثِيرًا بِالتَّشجِيعِ الَّذِي فِيهَا. وَكَانَ يَهُوذَا وَسِيلَا نَبِيَّينِ، فَتَحَدَّثَا إلَى الإخوَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً يُشَجِّعَانِهِمْ وَيُقَوِّيَانِهِمْ. وَبَعْدَ أنْ أمضَيَا بَعْضَ الوَقْتِ هُنَاكَ، تَمَنَّى لَهُمَا الإخْوَةُ السَّلَامَ فِي عَودَتِهِمَا إلَى الَّذِينَ أرسَلُوهُمَا. إلَّا أنَّ سِيلَا قَرَّرَ أنْ يَبْقَى هُنَاكَ. أمَّا بُولُسُ وَبَرنَابَا فَأمضَيَا بَعْضَ الوَقْتِ فِي أنطَاكِيَةَ. وَكَانَا، هُمَا وَكَثيرونَ مَعَهُمَا، يُعَلِّمَانِ كَلِمَةَ الرَّبِّ وَيُبَشِّرَانِ بِهَا. وَبَعْدَ بِضعَةِ أيَّامٍ قَالَ بُولُسُ لِبَرنَابَا: «لِنَذهَبْ وَنَزُرِ الإخوَةَ فِي كُلِّ المُدُنِ الَّتِي أذَعْنَا فِيهَا كَلِمَةَ الرَّبِّ، وَلْنَرَ أحوَالَهُمْ.» فَأرَادَ بَرنَابَا أنْ يُرَافِقَهُمَا يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى مَرقُسَ. لَكِنَّ بُولُسَ فَضَّلَ ألَّا يَأْخُذَا مَعَهُمَا مَنْ تَخَلَّى عَنهُمَا فِي بَمفِيلِيَّةَ وَلَمْ يُرَافِقْهُمَا فِي العَمَلِ. فَحَدَثَ خِلَافٌ حَادٌّ بَيْنَهُمَا، فَافتَرَقَا. فَأخَذَ بَرنَابَا مَرقُسَ وَأبحَرَا إلَى قُبرُصَ. بَيْنَمَا اخْتَارَ بُولُسُ سِيلَا وَغَادَرَا، بَعْدَ أنِ استَوْدَعَهُ الإخْوَةُ فِي عِنَايَةِ الرَّبِّ. فَاجتَازَ بُولُسُ فِي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكْيَةَ، مُقَوِّيًا الكَنَائِسَ الَّتِي هُنَاكَ. وَجَاءَ بُولُسُ أيْضًا إلَى دَرْبَةَ وَلِسْتَرَةَ. وَكَانَ هُنَاكَ تِلْمِيذٌ اسْمُهُ تِيمُوثَاوُسُ، أُمُّهُ امْرأةٌ يَهُودِيَّةٌ آمَنَتْ بِالمَسيحِ، وَأبوهُ يُونَانِيٌّ. وَكَانَ الإخْوَةُ فِي لِسْتَرَةَ وَإيقُونِيَةَ يَمْدَحُونَهُ. فَأرَادَ بُولُسُ أنْ يَصْطَحِبَ تِيمُوثَاوُسَ فِي السَّفَرِ. فَأخَذَهُ وَخَتَنَهُ بِسَبَبِ اليَهُودِ المَوجُودِينَ فِي تِلْكَ المَنَاطِقِ. فَقَدْ كَانُوا جَمِيعًا يَعْرِفُونَ أنَّ أبَاهُ يُونَانِيٌّ. وَأثنَاءَ مُرُورِهِمَا بِالمُدُنِ، كَانَا يُسَلِّمَانِ الأحكَامَ الَّتِي قَرَّرَهَا الرُّسُلُ وَالشُّيُوخُ فِي القُدْسِ لِلمُؤمِنِينَ. فَتَقَوَّتِ الكَنَائِسُ فِي الإيمَانِ، وَكَانَتْ تَنْمُو فِي العَدَدِ كُلَّ يَوْمٍ. وَاجتَازَا فِي فَرِيجِيَّةَ وَغَلَاطِيَّةَ بَعْدَ أنْ مَنَعَهُمَا الرُّوحُ القُدُسُ مِنَ التَّكَلُّمِ بِالرِّسَالَةِ فِي مُقَاطَعَةِ أسِيَّا. وَلَمَّا وَصَلَا إلَى حُدُودِ مِيسِيَّا، حَاوَلَا الذَّهَابَ إلَى بِيثِينِيَّةَ، لَكِنَّ رُوحَ يَسُوعَ لَمْ يَدَعْهُمَا. فَمَرَّا عَلَى مِيسِيَّا وَجَاءَا إلَى تَرُوَاسَ. وَأثنَاءَ اللَّيلِ رَأى بُولُسُ فِي رُؤْيَا رَجُلًا مَكدُونِيًّا وَاقِفًا يَرْجُوهُ وَيَقُولُ: «تَعَالَ إلَى مَكدُونِيَّةَ وَسَاعِدنَا.» فَبَعدَ أنْ رَأى بُولُسُ الرُّؤْيَا، بَدَأنَا عَلَى الفَوْرِ نَسعَى لِلعُبُورِ إلَى مَكدُونِيَّةَ، فَقَدْ تَيَقَّنَّا أنَّ اللهَ قَدْ دَعَانَا لِكي نُبَشِّرَهُمْ. فَأبحَرْنَا مِنْ تَرُوَاسَ مُبَاشَرَةً إلَى سَامُوثرَاكِي. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي أبحَرْنَا إلَى نِيَابُولِيسَ. وَمِنْ هُنَاكَ ذَهَبْنَا إلَى فِيلِبِّي، وَهِيَ أهَمُّ مَدِينَةٍ فِي ذَلِكَ الجُزءِ مِنْ مُقَاطَعَةِ مَكدُونِيَّةَ، وَهِيَ مُسْتَوْطَنَةٌ رُومَانِيَّةٌ. فَأمضَينَا عِدَّةَ أيَّامٍ فِيهَا. وَفِي السَّبْتِ خَرَجنَا خَارِجَ بَوَّابَةِ المَدِينَةِ إلَى النَّهرِ، حَيْثُ تَوَقَّعْنَا أنْ نَجِدَ مَكَانًا لِلصَّلَاةِ. فَجَلَسْنَا وَبَدَأنَا نُحَدِّثُ النِّسَاءَ اللَّوَاتِي اجتَمَعْنَ هُنَاكَ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرأةٌ مُتَعَبِّدَةٌ للهِ اسْمُهَا لِيدِيَّةُ مِنْ مَدِينَةِ ثَيَاتِيرَا تَعْمَلُ فِي بَيعِ الأقْمِشَةِ. فَبَيْنَمَا هِيَ تُصغِي إلَينَا، فَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتَنْتَبِهَ إلَى كَلَامِ بُولُسَ. وَبَعْدَ أنْ تَعَمَّدَتْ هِيَ وَأهْلُ بَيْتِهَا رَجَتنَا وَقَالَتْ: «إذَا كُنْتُمْ تَعْتَبِرُونَنِي مُؤمِنَةً حَقًّا بِالرَّبِّ، فتَعَالَوْا وَأقِيمُوا فِي بَيْتِي.» فَأقنَعَتنَا بِالإقَامَةِ فِي بَيْتِهَا. وَبَيْنَمَا كُنَّا ذَاتَ يَوْمٍ ذَاهِبِينِ إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ، قَابَلَتْنَا جَاريَةٌ فِيهَا رُوحُ تَبْصِيرٍ، كَانَتْ تُدِرُّ رِبحًا وَفِيرًا عَلَى أصْحَابِهَا بِقِرَاءَةِ البَختِ. فَتَبِعَتْنَا نَحْنُ وَبُولُسَ وَهِيَ تَصْرُخُ: «هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ هُمْ عَبيدُ اللهِ العَلِيِّ! وَهُمْ يُعلِنُونَ لَكُمْ طَرِيقَ الخَلَاصِ!» وَفَعَلَتْ هَذَا أيَّامًا كَثِيرَةً. لَكِنَّ بُولُسَ انزَعَجَ كَثِيرًا، فَالتَفَتَ وَقَالَ لِلرُّوحِ: «أنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ المَسِيحِ أنْ تَخْرُجَ مِنْهَا،» فَخَرَجَ مِنْهَا فَوْرًا. فَلَمَّا رَأى أصْحَابُهَا أنَّ مَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِي كَسبِ المَالِ قَدْ ضَاعَ، أمسَكُوا بِبُولُسَ وَسِيلَا وَجَرُّوهُمَا إلَى السُّوقِ أمَامَ السُّلُطَاتِ. وَعِنْدَمَا أحضَرُوهُمَا أمَامَ القُضَاةِ قَالُوا: «هَذَانِ الرَّجُلَانِ يَهُودِيَّانِ، وَهُمَا يُثِيرَانِ البَلبَلَةَ فِي مَدِينَتِنَا، وَيَدْعُوانِ إلَى عَادَاتٍ لَا يَجُوزُ لَنَا كَرُومَانِيِّينَ أنْ نَقبَلَهَا أوْ أنْ نُمَارِسَهَا.» وَانضَمَّ إلَيْهِمُ النَّاسُ فِي الهُجُومِ عَلَيْهِمَا. فَمَزَّقَ القُضَاةُ ثِيَابَ بُولُسَ وَسِيلَا، وَأمَرُوا بِضَرْبِهِمَا بِالعِصِيِّ. وَبَعْدَ أنْ ضَرَبُوهُمَا كَثِيرًا، ألقَوْا بِهِمَا فِي السِّجْنِ، وَأمَرُوا السَّجَانَ بِأنْ يُرَاقِبَهُمَا جَيِّدًا. وَبَعْدَ أنْ تَلَقَّى السَّجَانُ هَذَا الأمْرَ الصَّارِمَ، ألقَى بِهِمَا فِي الزِّنزَانَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَثَبَّتَ أقْدَامَهُمَا بَيْنَ لَوحَينِ خَشَبِيَّينِ كَبِيرَينِ. وَنَحْوَ مُنْتَصَفِ اللَّيلِ، كَانَ بُولُسُ وَسِيلَا يُصَلِّيَانِ وَيُرَنِّمَانِ للهِ. وَكَانَ المَسَاجِينُ يَسْتَمِعُونَ إلَيْهِمَا. وَفَجْأةً حَدَثَ زِلزَالٌ كَبِيرٌ جِدًّا هَزَّ أسَاسَاتِ السِّجْنِ، فَانفَتَحَتِ الأبوَابُ كُلُّهَا عَلَى الفَوْرِ، وَانحَلَّتْ سَلَاسِلُ الجَمِيعِ. فَاسْتَيْقَظَ السَّجَانُ. وَلَمَّا رَأى أبوَابَ السِّجْنِ مَفتُوحَةً، ظَنَّ بِأنَّ المَسَاجِينَ قَدْ هَرَبُوا. فَاسْتَلَّ سَيفَهُ لِكَي يَقْتُلَ نَفْسَهُ. لَكِنَّ بُولُسَ صَرَخَ وَقَالَ لَهُ: «لَا تُؤذِ نَفْسَكَ! فَنَحْنُ جَمِيعًا هُنَا.» فَطَلَبَ السَّجَّانُ مَشَاعِلَ، وَاندَفَعَ إلَى الدَّاخِلِ. وَوَقَعَ عَلَى الأرْضِ أمَامَ بُولُسَ وَسِيلَا وَهُوَ يَرْتَجِفُ خَوْفًا. ثُمَّ قَادَهُمَا إلَى الخَارِجِ وَسَألَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مَاذَا يَنْبَغِي أنْ أفعَلَ لِكَي أحصُلَ عَلَى الخَلَاصِ؟» فَأجَابَاهُ: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَسَتَخْلُصُ أنْتَ وَعَائِلَتُكَ.» وَكَلَّمَاهُ مَعَ كُلِّ الَّذِينَ فِي بَيْتِهِ بِرِسَالَةِ الرَّبِّ. وَأخَذَهُمَا السَّجَّانُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيلِ وَغَسَلَ جُرُوحَهُمَا، ثُمَّ تَعَمَّدَ هُوَ وَجَمِيعُ أفرَادِ عَائِلَتِهِ. وَاستَضَافَهُمَا السَّجَّانُ فِي بَيْتِهِ، وَقَدَّمَ لَهُمَا الطَّعَامَ، وَابْتَهَجَ مَعَ جَمِيعِ أفرَادِ عَائِلَتِهِ، لِأنَّهُ قَدْ آمَنَ بِاللهِ. وَلَمَّا حَلَّ الصَّبَاحُ، أرْسَلَ القُضَاةُ جُنُودًا يَقُولُونَ لِلسَّجَّانِ: «أطلِقْ سَرَاحَ هَذَينِ الرَّجُلَينِ.» فَقَالَ السَّجَّانُ لِبُولُسَ: «لَقَدْ أرْسَلَ القُضَاةُ أمْرًا بِإطلَاقِ سَرَاحِكُمَا، فَاخرُجَا الآنَ وَاذْهَبَا بِسَلَامٍ.» لَكِنَّ بُولُسَ قَالَ لِلجُنُودِ: «ضَرَبُونَا عَلَى مَرأىً مِنَ النَّاسِ دُونَ أنْ يُثبِتُوا عَلَيْنَا ذَنبًا، مَعَ أنَّنَا مُواطِنَانِ رُومَانِيِّانِ، ثُمَّ ألقَوْا بِنَا فِي السِّجْنِ. وَهَا هُمُ الآنَ يُرِيدُونَ أنْ يَصْرِفُونَا سِرًّا؟ وَهَذَا لَنْ يَكُونَ! عَلَيْهِمْ أنْ يَأْتُوا بِأنفُسِهِمْ وَيُخرِجُونَا.» فَأبلَغَ الجُنُودُ القُضَاةَ بِهَذَا الكَلَامِ. فَلَمَّا سَمِعُوا أنَّ بُولُسَ وَسِيلَا مُواطِنَانِ رُومَانِيَّانِ، خَافُوا. فَجَاءُوا وَاعتَذَرُوا، ثُمَّ أخرَجُوهُمَا، وَرَجَوهُمَا أنْ يُغَادِرَا المَدِينَةَ. فَلَمَّا خَرَجَا مِنَ السِّجْنِ، ذَهَبَا إلَى بَيْتِ لِيدِّيةَ. وَعِنْدَمَا رَأيَا الإخوَةَ هُنَاكَ، شَجَّعَاهُمْ ثُمَّ انصَرَفَا. وَبَعْدَ أنْ سَافَرَا عَبْرَ مَدِينَتَي أمْفِيبُولِيسَ وَأبُولُونِيَّةَ، وَصَلَا إلَى مَدِينَةِ تَسَالُونِيكِي، حَيْثُ يُوجَدُ مَجمَعٌ لِليَهُودِ. فَدَخَلَ بُولُسُ إلَى المَجْمَعِ كَعَادَتِهِ. وَنَاقَشَهُمْ فِي الكِتَابِ ثَلَاثَةَ سُبُوتٍ. وَشَرَحَ لَهُمْ مُثبِتًا أنَّهُ كَانَ مِنَ اللَّازِمِ أنْ يَتَألَّمَ المَسِيحُ وَأنْ يَقُومَ مِنَ المَوْتِ. وَقَالَ بُولُسُ: «إنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي أُنَادِي بِهِ لَكُمْ هُوَ المَسِيحُ.» فَاقْتَنَعَ بَعْضُهُمْ، وَانضَمُّوا إلَى بُولُسَ وَسِيلَا. كَمَا انضَمَّ إلَيْهِمْ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ اليُونَانِيِّينَ الأتقِيَاءِ، بِالإضَافَةِ إلَى عَدَدٍ لَيْسَ بِقَلِيلٍ مِنَ النِّسَاءِ البَارِزَاتِ فِي المُجْتَمَعِ. أمَّا اليَهُودُ فَأكَلَهُمُ الحَسَدُ. فَجَمَعُوا بَعْضَ الرِّجَالِ الأشْرَارِ مِنَ السُّوقِ، وَشَكَّلُوا عِصَابَةً، وَأثَارُوا شَغَبًا فِي المَدِينَةِ وَهَاجَمُوا بَيْتَ يَاسُونَ. وَحَاوَلُوا أنْ يَجِدُوا بُولُسَ وَسِيلَا لِكَي يُخرِجُوهُمَا إلَى الشَّعْبِ. فَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهُمَا، جَرُّوا يَاسُونَ وَبَعْضَ الإخوَةِ أمَامَ سُلطَاتِ المَدِينَةِ، وَصَرَخُوا وَقَالُوا: «هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أثَارُوا الفِتَنَ فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ العَالَمِ. وَقَدْ وَصَلُوا إلَى هُنَا، فَاسْتَضَافَهُمْ يَاسُونُ فِي بَيْتِهِ. وَهُمْ يَفْعَلُونَ أُمُورًا تُخَالِفُ أحكَامَ القَيصَرِ، وَيَدَّعُونَ أنَّ هُنَاكَ مَلِكًا آخَرَ هُوَ رَجُلٌ اسْمُهُ يَسُوعُ.» فَتَضَايَقَ النَّاسُ وَسُلُطَاتُ المَدِينَةِ لِسَمَاعِ هَذَا، ثُمَّ أخَذُوا كَفَالَةً مِنْ يَاسُونَ وَالبَقِيَّةِ وَأخلَوْا سَبِيلَهُمْ. فَقَامَ الإخْوَةُ عَلَى الفَوْرِ بِتَرْحِيلِ بُولُسَ وَسِيلَا لَيْلًا إلَى مَدِينَةِ بِيرِيَّةَ. وَعِنْدَمَا وَصَلَا إلَى هُنَاكَ، دَخَلَا إلَى المَجْمَعِ اليَهُودِيِّ. وَكَانَ المَوجُودُونَ هُنَاكَ أنبَلَ مِنَ الَّذِينَ فِي مَدِينَةِ تَسَالُونِيكِي، فَتَجَاوَبُوا مَعَ الرِّسَالَةِ بَاهتِمَامٍ بَالِغٍ. وَكَانُوا يَدْرُسُونَ الكِتَابَ كُلَّ يَوْمٍ لِيَرَوْا إنْ كَانَتِ الأُمُورُ الَّتِي قَالَهَا بُولُسُ صَحِيحَةً. وَنَتِيجَةً لِذَلِكَ آمَنَ يَهُودٌ كَثِيرُونَ. كَمَا آمَنَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النِّسَاءِ اليُونَانِيَّاتِ البَارِزَاتِ، وَمِنَ الرِّجَالِ اليُونَانِيِّينَ. فَلَمَّا عَلِمَ اليَهُودُ فِي مَدِينَةِ تَسَالُونِيكِي أنَّ بُولُسَ يُنَادِي بِرِسَالَةِ اللهِ أيْضًا فِي مَدِينَةِ بِيرِيَّةَ، ذَهَبُوا إلَى هُنَاكَ أيْضًا، وَبَدَأُوا يُهَيِّجُونَ النَّاسَ وَيُحَرِّضُونَهُمْ. فَأرْسَلَ الإخْوَةُ بُولُسَ إلَى سَاحِلِ البَحْرِ. لَكِنَّ سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسَ بَقِيَا هُنَاكَ. أمَّا الَّذِينَ رَافَقُوا بُولُسَ فَأخَذُوهُ إلَى مَدِينَةِ أثِينَا. وَقَدْ تَلَقَّوْا تَعْلِيمَاتٍ مِنْ بُولُسَ إلَى سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسَ لِكَي يَلْحَقُا بِهِ فِي أسرَعِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ، ثُمَّ مَضَوْا. وَبَيْنَمَا كَانَ بُولُسُ يَنْتَظِرُهُمَا، انزَعَجَ فِي أعْمَاقِ نَفْسِهِ عِنْدَمَا لَاحَظَ إلَى أيِّ حَدٍّ تَمْتَلِئُ المَدِينَةُ بِالأصْنَامِ. فَرَاحَ يُكَلِّمُ اليَهُودَ وَاليُونَانِيِّينَ الأتقِيَاءَ فِي المَجْمَعِ، وَالنَّاسَ الَّذِينَ يَجِدُهُمْ فِي السُّوقِ كُلَّ يَوْمٍ. فَبَدَأ بَعْضُ الفَلَاسِفَةِ الأبِيقُورِيِّينَ وَالرِّوَاقِيِّينَ يُجَادِلُونَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «مَا الَّذِي يُرِيدُ أنْ يَقُولَهُ هَذَا الثَّرْثَارُ؟» وَقَالَ آخَرُونَ: «يَبْدُو أنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ آلِهَةٍ غَرِيبَةٍ.» قَالُوا هَذَا لِأنَّهُ كَانَ يُبَشِّرُ بِيَسُوعَ وَبِالقِيَامَةِ. فَأخَذُوهُ وَأحضَرُوهُ إلَى مَجلِسِ أرِيُوسَ بَاغُوسَ وَقَالُوا: «هَلْ تَسْمَحُ بِأنْ تُخبِرَنَا مَا هُوَ هَذَا التَّعلِيمُ الجَدِيدُ الَّذِي تَعْرِضُهُ عَلَى النَّاسِ؟ فَأنْتَ تَتَحَدَّثُ عَنْ أُمُورٍ غَرِيبَةٍ عَنَّا، وَنُرِيدُ أنْ نَفهَمَ مَا تَعْنِيهِ هَذِهِ الأُمُورُ.» وَكَانَ الأثِينِيُّونَ وَالأجَانِبُ السَّاكِنُونَ هُنَاكَ يَقْضُونَ كُلَّ وَقْتِهِمْ لَا يَفْعَلُونَ شَيْئًا غَيْرَ الحَدِيثِ عَنْ شَيءٍ جَدِيدٍ، أوْ الاسْتِمَاعِ إلَى شَيءٍ جَدِيدٍ. حينَئِذٍ، وَقَفَ بُولُسُ أمَامَ أريُوسَ بَاغُوسَ وَقَالَ: «يَا رِجَالَ أثِينَا، لَاحَظتُ أنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ جِدًّا فِي كُلِّ شَيءٍ. فَقَدْ تَجَوَّلْتُ فِي المَدِينَةِ وَرَأيْتُ مَعبُودَاتِكُمْ، فَوَجَدْتُ مَذْبَحًا كُتِبَ عَلَيْهِ: ‹هَذَا المَذْبَحُ لإلَهٍ مَجهُولٍ.› فَأنَا أُنَادِي لَكُمْ إذًا بِمَنْ تَعْبُدُونَهُ وَأنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ. «وَهُوَ الإلَهُ الَّذِي خَلَقَ العَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ. وَبِمَا أنَّهُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ، فَإنَّهُ لَا يَسْكُنُ فِي مَعَابِدَ مِنْ صُنْعِ النَّاسِ، وَلَا يُخدَمُ بِأيدِي النَّاسِ كَمَا لَوْ كَانَ مُحتَاجًا إلَى شَيءٍ. وَهُوَ الَّذِي يُعْطِي الجَمِيعَ الحَيَاةَ وَالنَّفْسَ وَكُلَّ شَيءٍ آخَرَ. خَلَقَ كُلَّ أجنَاسِ البَشَرِ مِنْ إنْسَانٍ وَاحِدٍ، لِكَي يَسْكُنُوا الأرْضَ كُلَّهَا. وَحَدَّدَ الأوقَاتَ وَالحُدُودَ الَّتِي سَيَعِيشُ فِيهَا كُلُّ شَعْبٍ. «خَلَقَهُمْ لِكَي يَسْعَوْا إلَى اللهِ، فَلَعَلَّهُمْ يُفَتِّشُونَ عَنْهُ فَيَجِدُوهُ. غَيْرَ أنَّهُ لَيْسَ بَعيدًا عَنْ أيِّ وَاحِدٍ مِنَّا. «إذْ فِيهِ نَحيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. «وَكَمَا قَالَ أيْضًا بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ: «إنَّنَا أبنَاؤُهُ. «فَبِمَا أنَّنَا أبْنَاءُ اللهِ، لَا يَنْبَغِي عَلينَا أنْ نَظُنَّ أنَّ جَوهَرَ اللهِ كَالذَّهَبِ أوِ الفِضَّةِ أوِ الحَجَرِ، أوْ أيِّ شَيءٍ يُشَكِّلُهُ الإنْسَانُ بِمَهَارَتِهِ وَخَيَالِهِ. لَقَدْ تَغَاضَى اللهُ فِيمَا مَضَى عَنْ أوقَاتِ الجَهْلِ، أمَّا الآنَ فَإنَّهُ يَأْمُرُ النَّاسَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِأنْ يَتُوبُوا. فَقَدْ حَدَّدَ يَومًا سَيَدِينُ فِيهِ العَالَمَ بِالعَدْلِ بِوَاسِطَةِ إنْسَانٍ اخْتَارَهُ. وَقَدَّمَ بُرهَانًا عَلَى هَذَا لِلجَمِيعِ إذ أقَامَهُ مِنَ المَوْتِ.» فَلَمَّا سَمِعُوا عَنِ القِيَامَةِ مِنَ المَوْتِ، سَخِرَ بَعْضُهُمْ، لَكِنَّ آخَرِينَ قَالُوا: «حَدِّثْنَا بِالمَزِيدِ عَنْ هَذَا فِيمَا بَعْدُ!» فَتَرَكَهُمْ بُولُسُ. لَكِنَّ بَعْضًا مِنهُمُ انضَمَّ إلَيْهِ وَآمَنَ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ دِيُونِيسْيُوسُ، وَهُوَ أحَدُ أعضَاءِ مَجلِسِ أرِيُوسَ بَاغُوسَ، وَامْرَأةٌ اسْمُهَا دَامَرِسَ، وَآخَرُونَ مَعَهُمَا. بَعْدَ هَذَا، غَادَرَ بُولُسُ مَدِينَةَ أثِينَا، وَذَهَبَ إلَى مَدِينَةِ كُورِنثُوسَ. وَقَابَلَ هُنَاكَ يَهُودِيًّا اسْمُهُ أكِيلَا، وَهُوَ مِنْ بُنطُسَ. وَكَانَ قَدْ جَاءَ مُؤَخَّرًا مِنْ إيطَاليَا مَعَ زَوْجَتِهِ بِرِيسْكِلَّا. وَسَبَبُ رَحِيلِهِمَا عَنْ إيطَاليَا هُوَ أنَّ كُلُودِيُوسَ أمَرَ بِأنْ يُغَادِرَ كُلُّ اليَهُودِ رُومَا. فَذَهَبَ بُولُسُ لِرُؤيَتِهِمَا. وَلِأنَّ حِرفَتَهُ وَحِرفَتَهُمَا وَاحِدَةٌ، فَقَدْ بَقِيَ وَعَمِلَ مَعَهُمَا، إذْ كَانَا صَانِعَي خِيَامٍ. وَكَانَ فِي كُلِّ سَبتٍ يُنَاقِشُ النَّاسَ فِي المَجْمَعِ، مُحَاوِلًا أنْ يُقنِعَ اليَهُودَ وَاليُونَانِيِّينَ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ مِنْ مَكدُونِيَّةَ، كَرَّسَ بُولُسُ كُلَّ وَقْتِهِ للتَّبشِيرِ بِكَلِمَةِ اللهِ مُبَيِّنًا لِليَهُودِ أنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ. فَلَمَّا عَارَضُوهُ وَشَتَمُوهُ، نَفَضَ مَلَابِسَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: «دَمُكُمْ عَلَيْكُمْ وَحدَكُمْ! وَأنَا لَسْتُ مَلُومًا. وَمِنَ الآنَ فَصَاعِدًا سَأتَوَجَّهُ إلَى غَيْرِ اليَهُودِ.» وَتَرَكَ بُولُسُ المَكَانَ، وَذَهَبَ إلَى بَيْتِ رَجُلٍ اسْمُهُ تِيتيُوسُ يُوسْتُوسُ. وَكَانَ هَذَا رَجُلًا مُتَعَبِّدًا للهِ، وَبَيتُهُ بِجِوَارِ المَجْمَعِ. فَآمَنَ كْرِيسبُسُ قَائِدُ المَجْمَعِ مَعَ كُلِّ عَائِلَتِهِ بِالرَّبِّ. كَمَا آمَنَ كَثِيرُونَ مِنَ الكُورِنثِيِّينَ الَّذِينَ سَمِعُوا بُولُسَ وَتَعَمَّدُوا جَمِيعًا. وَذَاتَ لَيلَةٍ قَالَ الرَّبُّ لِبُولُسَ فِي رُؤيَا: «لَا تَخَفْ. بَلْ تَكَلَّمْ، وَلَا تَصْمُتْ. فَأنَا مَعَكَ. وَلَنْ يُهَاجِمَكَ أحَدٌ فَيُؤذِيَكَ، لِأنَّ لِي فِي هَذِهِ المَدِينَةِ أشخَاصًا كَثِيرِينَ.» فَبَقِيَ بُولُسُ سَنَةً وَنِصفَ السَّنَةِ، وَهُوَ يُعَلِّمُ كَلِمَةَ اللهِ بَيْنَهُمْ. عِنْدَمَا كَانَ غَالِيُونُ حَاكِمًا عَلَى مُقَاطَعَةِ أخَائِيَّةَ، وَحَّدَ اليَهُودُ جُهُودَهُمْ فِي الهُجُومِ عَلَى بُولُسَ. وَأخَذُوهُ إلَى المَحْكَمَةِ. وَقَالُوا: «إنَّ هَذَا الرَّجُلَ يُقنِعُ النَّاسَ بِأنْ يَعْبُدُوا اللهَ بِطَرِيقَةٍ تُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ.» وَكَانَ بُولُسُ عَلَى وَشْكِ أنْ يَتَكَلَّمَ عِنْدَمَا قَالَ غَالِيُونُ لِليَهُودِ: «لَوْ كَانَتْ هَذِهِ مَسألَةَ مُخَالَفَةٍ مَا أوْ جَرِيمَةٍ خَطِرَةٍ، لَكَانَ مَعقُولًا أنْ أسمَعَ لَكُمْ أيُّهَا اليَهُودُ. لَكِنْ بِمَا أنَّهَا مَسألَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمُصْطَلَحَاتٍ وَأسْمَاءَ وَبشَرِيعَتِكُمْ أنْتُمْ، فَعَالِجُوهَا بِأنفُسِكُمْ. أمَّا أنَا فَلَا أُرِيدُ أنْ أقضِيَ فِي مِثْلِ هَذِهِ المَسَائِلِ.» وَطَرَدَهُمْ مِنَ المَحْكَمَةِ. فَأمسَكَ الجَمِيعُ بِسُوستَانِيسَ رَئِيسِ المَجْمَعِ، وَرَاحُوا يَضْرِبُونَهُ أمَامَ المَحْكَمَةِ. أمَّا غَالِيُونُ فَلَمْ يُبدِ أيَّ اهتِمَامٍ بِذَلِكَ. وَبَقِيَ بُولُسُ هُنَاكَ أيَّامًا كَثِيرَةً. ثُمَّ استَأْذَنَ الإخوَةَ، وَأبحَرَ إلَى سُورِيَّةَ بِصُحبَةِ بِريِسْكِلَّا وَأكِيلَا. وَكَانَ بُولُسُ قَدْ حَلَقَ شَعرَهُ فِي مَدِينَةِ كَنخَرْيَا، لِأنَّهُ كَانَ قَدْ نَذَرَ نَذْرًا. فَوَصَلُوا إلَى مَدِينَةِ أفَسُسَ، وَتَرَكَهُمَا هُنَاكَ. ثُمَّ دَخَلَ إلَى المَجْمَعِ لِيُنَاقِشَ اليَهُودَ. وَعِنْدَمَا طَلَبُوا مِنْهُ أنْ يُمَدِّدَ إقَامَتَهُ هُنَاكَ مَعَهُمْ، لَمْ يَقْبَلْ. لَكِنَّهُ قَالَ وَهُوَ يُغَادِرُ: «إنْ شَاءَ اللهُ سَأعُودُ إلَيكُمْ.» ثُمَّ أبحَرَ مِنْ مَدِينَةِ أفَسُسَ. وَلَمَّا وَصَلَ إلَى مَدِينَةِ قَيصَرِيَّةَ، ذَهَبَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ وَسَلَّمَ عَلَى الكَنِيسَةِ، ثُمَّ إلَى مَدِينَةِ أنطَاكِيَّةَ. وَبَعْدَ أنْ أمضَى وَقْتًا هُنَاكَ غَادَرَ، وَسَافَرَ مِنْ مَكَانٍ إلَى آخَرَ فِي مُقَاطَعَتَي غَلَاطِيَّةَ وَفَرِيجِيَّةَ، مُقَوِّيًا كُلَّ أتبَاعِ المَسِيحِ. وَجَاءَ إلَى مَدِينَةِ أفَسُسَ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ أبُلُّوسُ، وَهُوَ رَجُلٌ مُثَقَّفٌ مِنَ الإسكَندَرِيَّةِ لَهُ مَعْرِفَةٌ عَمِيقَةٌ بِالكُتُبِ، وَقَدْ تَلَقَّى تَعليمًا فِي طَرِيقِ الرَّبِّ. كَانَ أبُلُّوسُ يَتَحَدَّثُ بِحَمَاسٍ وَيُعَلِّمُ عَنْ يَسُوعَ تَعلِيمًا سَلِيمًا، مَعَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ إلَّا مَعمُودِيَّةَ يُوحَنَّا. وَكَانَ يَتَحَدَّثُ بِجُرْأةٍ فِي المَجْمَعِ. فَلَمَّا سَمِعَهُ أكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا أخَذَاهُ جَانِبًا، وَشَرَحَا لَهُ طَرِيقَ اللهِ بِشَكلٍ أدَقَّ. وَلَمَّا عَبَّرَ عَنْ رَغبَتِهِ فِي الذَّهَابِ إلَى مُقَاطَعَةِ أخَائِيَّةَ، شَجَّعَهُ الإخْوَةُ، وَكَتَبُوا إلَى التَّلَامِيذِ هُنَاكَ يُوصُونَهُمْ أنْ يُرَحِّبُوا بِهِ. فَلَمَّا وَصَلَ، كَانَ عَونًا كَبِيرًا لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ خِلَالِ النِّعمَةِ، إذْ كَانَ يَهْزِمُ اليَهُودَ فِي المُنَاظَرَاتِ العَلَنِيَّةِ مُبَرهِنًا مِنَ الكُتُبِ أنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ. وَبَيْنَمَا كَانَ أبُلُّوسُ فِي مَدِينَةِ كُورِنثُوسَ، ارتَحَلَ بُولُسُ فِي المَنَاطِقِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَجَاءَ إلَى مَدِينَةِ أفَسُسَ. فَوَجَدَ هُنَاكَ بَعْضَ التَّلَامِيذِ، فَقَالَ لَهُمْ: «هَلْ قَبِلْتُمِ الرُّوحَ القُدُسَ لَمَّا آمَنتُمْ؟» فَقَالُوا لَهُ: «وَلَا حَتَّى سَمِعْنَا بِأنَّهُ يُوجَدُ رُوحٌ قُدُسٌ!» فَقَالَ: «فَبِأيِّ مَعمُودِيَّةٍ تَعَمَّدْتُمْ إذًا؟» قَالُوا: «بِمَعمُودِيَّةِ يُوحَنَّا.» قَالَ بُولُسُ: «كَانَتْ مَعمُودِيَّةُ يُوحَنَّا مَبنِيَّةً عَلَى التَّوبَةِ. وَقَدْ دَعَا النَّاسَ أنْ يُؤمِنُوا بِالآتِي بَعْدَهُ، أيْ بِيَسُوعَ.» فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا، تَعَمَّدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيهِ عَلَيْهِمْ، حَلَّ الرُّوحُ القُدُسُ عَلَيِهِمْ، وَبَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ أُخْرَى وَيَتَنَبَّأُونَ. وَكَانُوا نَحْوَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. وَدَخَلَ بُولُسُ المَجمَعَ، وَتَكَلَّمَ بِجُرْأةٍ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أشْهُرٍ، مُجَادِلًا وَمُقنِعًا اليَهُودَ بِمَلَكُوتِ اللهِ. لَكِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ عَنِيدًا، فَرَفَضُوا أنْ يُؤمِنُوا شَاتِمينَ «الطَّرِيقَ» أمَامَ النَّاسِ. فَتَرَكَهُمْ بُولُسُ، وَأخَذَ أتبَاعَ يَسُوعَ مَعَهُ. وَكَانَتْ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُنَاقَشَاتٌ فِي مَدرَسَةِ تِيرَانُّسَ. وَاستَمَرَّ ذَلِكَ نَحْوَ عَامَينِ، حَتَّى إنَّ كُلَّ السَّاكِنِينَ فِي أسِيَّا، يَهُودًا وَغَيْرَ يَهُودٍ، سَمِعُوا رِسَالَةَ الرَّبِّ. وَصَنَعَ اللهُ مُعجِزَاتٍ غَيْرَ عَادِيَّةٍ عَلَى يَدِ بُولُسَ. فَكَانَتْ حَتَّى المَنَادِيلُ وَقِطَعُ القُمَاشِ الَّتِي تَلْمِسُهُ، تُوضَعُ عَلَى المَرْضَى فَيُشفَونَ مِنْ أمرَاضِهِمْ، وَتَخْرُجُ الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ. فَحَاوَلَ بَعْضُ اليَهُودِ الَّذِينَ يَتَجَوَّلُونَ وَيَطْرُدُونَ الأروَاحَ أنْ يَسْتَخْدِمُوا اسْمَ الرَّبِّ يَسُوعَ مَعَ المَسكُونِينَ بِأروَاحٍ شِرِّيرَةٍ. فَكَانُوا يَقُولُونَ: «أنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الَّذِي يُنَادِي بِهِ بُولُسُ.» وَكَانَ سَبعَةُ أبْنَاءٍ لِرَئيسِ كَهَنَةٍ يَهُودِيٍّ اسْمُهُ سَكَاوَا قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُمُ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ: «أنَا أعْلَمُ مَنْ هُوَ يَسُوعُ، وَأعرِفُ بُولُسَ، لَكِنْ مَنْ أنْتُمْ؟» وَهَجَمَ عَلَيْهِمُ الرَّجُلُ المَسكُونُ بِرُوحٍ شِرِّيرٍ، فَقَدِرَ عَلَيْهِمْ وَغَلَبَهُمْ جَمِيعًا، حَتَّى إنَّهُمْ هَرَبُوا مِنْ ذَلِكَ البَيْتِ عُرَاةً ومُجَرَّحِينَ. وَانتَشَرَ هَذَا الخَبَرُ بَيْنَ كُلِّ اليَهُودِ وَاليُونَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي مَدِينَةِ أفَسُسَ، فَتَمَلَّكَهُمُ الخَوفُ، وَتَمَجَّدَ اسْمُ يَسُوعَ بَيْنَ النَّاسِ. وَجَاءَ كَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا مُعتَرِفِينَ عَلَنًا بِالأُمُورِ الشِّرِّيرَةِ الَّتِي كَانُوا يَقْتَرِفُونَهَا. وَجَمَعَ كَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يُمَارِسُونَ السِّحرَ كُتُبَهُمْ، وَأحرَقُوهَا أمَامَ الجَمِيعِ. وَعِنْدَمَا حُسِبَتْ قِيمَةُ الكُتُبِ، وَجَدُوا أنَّهَا تُسَاوِي خَمْسِينَ ألْفَ قِطعَةٍ فِضِّيَّةٍ. وَهَكَذَا انتَشَرَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ، وَاشْتَدَّ تَأْثِيرُهَا. بَعْدَ ذَلِكَ، قَرَّرَ بُولُسُ أنْ يَمُرَّ فِي مُقَاطَعَتَي مَكدُونِيَّةَ وَأخَائِيَّةَ فِي طَرِيقِهِ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. وَقَالَ: «بَعْدَ ذَهَابِي إلَى هُنَاكَ، يَنْبَغِي أنْ أذْهَبَ إلَى رُومَا أيْضًا.» فَأرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ مُعَاوِنِيهِ إلَى مُقَاطَعَةِ مَكدُونِيَّةَ، وَهُمَا تِيمُوثَاوُسُ وَأرَسْطُوسُ. أمَّا هُوَ فَمَدَّدَ إقَامَتَهُ فِي أسِيَّا. وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ، حَدَثَ شَغَبٌ كَبِيرٌ بِسَبَبِ «الطَّرِيقِ.» إذْ كَانَ هُنَاكَ صَائِغُ فِضَّةٍ اسْمُهُ دِيمِترِيُوسُ يَصْنَعُ نَمَاذِجَ فِضِّيَّةً صَغِيرَةً لِمَعبَدِ أرطَامِيسَ. فَكَانَ هَذَا يُدِرُّ رِبحًا كَبِيرًا عَلَى الحِرَفِيِّينَ. فَجَمَعَهُمْ مَعَ عُمَّالٍ يَعْمَلُونَ فِي حِرَفٍ مُرتَبِطَةٍ بِحِرفَتِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: «أيُّهَا الرِّجَالُ، أنْتُمْ تَعْرِفُونَ أنَّهُ يَأْتِينَا دَخلٌ مُمتَازٌ مِنْ هَذَا العَمَلِ. وَأمَّا الآنَ فَأنْتُمْ تَرَوْنَ وَتَسْمَعُونَ أنَّ بُولُسَ قَدْ أقنَعَ أشخَاصًا كَثِيرِينَ، وَأبعَدَهُمْ عَنْ شِرَاءِ بِضَاعَتِنَا. وَقَدْ فَعَلَ هَذَا، لَيْسَ فِي أفَسُسَ فَحَسْبُ، بَلْ أيْضًا فِي مُقَاطَعَةِ أسِيَّا كُلِّهَا. فَهُوَ يَقُولُ إنَّ الآلِهَةَ الَّتِي تَصْنَعُهَا أيدِي البَشَرِ لَيْسَتْ آلِهَةً حَقًّا. فَهُنَاكَ خَطَرٌ مُزدَوَجٌ: أنْ تَسُوءَ سُمعَةُ حِرفَتِنَا، وَأنْ يَفْقِدَ مَعبَدُ الإلَهَةِ العَظِيمَةِ أرطَامِيسَ أهَمِّيَتَهُ. وَمِنْ شَأنِ هَذَا أنْ يُزِيلَ العَظَمَةَ عَنِ الإلَهَةِ الَّتِي يَعْبُدُهَا النَّاسُ فِي كُلِّ أسِيَّا وَالعَالَمِ.» فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا، امتَلْأُوا غَضَبًا، وَصَرَخُوا: «المَجْدُ لِأرطَامِيسَ، إلَهَةِ أهْلِ أفَسُس!» وَعَمَّ الاضطِرَابُ المَدِينَةَ كُلَّهَا، وَاندَفَعُوا إلَى سَاحَةِ المَسرَحِ. وَهُنَاكَ جَرُّوا مَعَهُمْ غَايُوسَ وَأرِسْتَرْخُسَ، وَهُمَا مَكدُونِيَّانِ يُرَافِقَانِ بُولُسَ فِي سَفَرِهِ. وَأرَادَ بُولُسُ أنْ يُواجِهَ الجُمهُورَ، لَكِنَّ المُؤمِنِينَ لَمْ يَدَعُوهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ. حَتَّى إنَّ أصدِقَاءَهُ مِنَ المَسؤُولِينَ فِي مقَاطَعَةِ أسِيَّا أرسَلُوا إلَيْهِ رِسَالَةً يَرْجُونَهُ فِيهَا ألَّا يُخَاطِرَ بِدُخُولِ المَسرَحِ. وَكَانَ بَعْضُ الجُمهُورِ يَصْرُخُونَ بِشَيءٍ، وَبَعْضُهُمْ يَصْرُخُونَ بِشَيءٍ آخَرَ. إذْ كَانَ النَّاسُ فِي حَالَةِ فَوضَى، حَتَّى إنَّ أغلَبَهُمْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ لِمَاذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ! وَكَانَ بَعْضُ اليَهودِ قَدْ دَفَعُوا إلَى الأمَامِ رَجُلًا اسْمُهُ إسكَندَرَ لِكَي يُمَثِّلَهُمْ، فَكَانُوا يَحُثُّونَهُ مِنْ وَسَطِ النَّاسِ. فَلَمَّا أشَارَ إسْكَنْدَرُ بِيَدِهِ لِكَي يَتَكَلَّمَ، أدرَكُوا أنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَصَرَخُوا جَمِيعًا مَعًا مُدَّةَ سَاعَتَيْنِ تَقْرِيبًا وَهُمْ يَقُولُونَ: «المَجْدُ لِأرطَامِيسَ إلَهَةِ أهْلِ أفَسُسَ!» فَوَقَفَ كَاتِبُ المَدِينَةِ وَهَدَّأ الجُمهُورَ وَقَالَ: «يَا أهْلَ أفَسُسَ، هَلْ يُوجَدُ فِي العَالَمِ مَنْ لَا يَعْلَمُ أنَّ مَدِينَةَ أفَسُسَ هِيَ حَارِسَةٌ لِمَعبَدِ أرطَامِيسَ العَظِيمَةِ وَلِلحَجَرِ المُقَدَّسِ الَّذِي سَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ؟ فَبِمَا أنَّهُ لَا مَجَالَ لإنكَارِ هَذِهِ الأُمُورِ، اهدَأُوا وَلَا تَتَصَرَّفُوا تَصَرُّفًا طَائِشًا. «فَقَدْ جِئتُمْ بِهَذَينِ الرَّجُلَينِ إلَى هُنَا رُغْمَ أنَّهُمَا لَمْ يَسْطُوا عَلَى مَعَابِدِنَا وَلَا شَتَمَا إلَهَتَنَا. فَإذَا كَانَ لِدِيمِيترِيُوسَ وَالحِرَفِيِّينَ الَّذِينَ مَعَهُ شَكوَى عَلَى أحَدٍ، فَهُنَاكَ مَحَاكِمُ تَفْتَحُ أبوَابَهَا للقَضَاءِ. وَهُنَاكَ وُلَاةٌ، فَلْيَرْفَعُوا شَكْوَاهُمْ هُنَاكَ. «وَإذَا كَانَتْ لَدَيْكُمْ مَسألَةٌ أُخْرَى تُرِيدُونَ إثَارَتَهَا، فَنَاقِشُوهَا فِي الاجتِمَاعِ العَامِ لِأهْلِ المَدِينَةِ. أمَّا بِأُسلُوبِكُمْ هَذَا، فَإنَّكُمْ تُعَرِّضُونَنَا لِتُهمَةِ إثَارَةِ الشَّغبِ بِسَبَبِ مَا حَدَثَ اليَوْمَ. وَلَا يُوجَدُ لَدَيْنَا سَبَبٌ نُقَدِّمُهُ لِتَبْرِيرِ هَذَا الهِيَاجِ.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ هَذَا، صَرَفَ الجُمهُورَ. وَلَمَّا تَوَقَّفَ الهِيَاجُ، أرْسَلَ بُولُسُ فِي طَلَبِ المُؤمِنِينَ. وَبَعْدَ أنْ شَجَّعَهُمْ، وَدَّعَهُمْ وَذَهَبَ إلَى مُقَاطَعَةِ مَكدُونِيَّةَ. وَسَافَرَ عَبْرَ تِلْكَ المُقَاطَعَةِ، وَشَجَّعَ المُؤمِنِينَ هُنَاكَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ، ثُمَّ وَصَلَ إلَى اليُونَانِ. وَبَقِيَ هُنَاكَ ثَلَاثَةَ شُهُورٍ. وَكَانَ بُولُسُ يُجَهِّزُ نَفْسَهُ لِلسَّفَرِ إلَى سُورِيَّا بَحرًا، لَكِنْ لِأنَّ اليَهُودَ كَانُوا يُخَطِّطُونَ لِشَيءٍ ضِدَّهُ، قَرَّرَ أنْ يَعُودَ عَبْرَ مُقَاطَعَةِ مَكدُونِيَّةَ. وَرَافَقَهُ سُوبَاتْرِسُ بْنُ بِرُّسَ مِنْ مَدِينَةِ بِيرِيَّةَ. كَمَا رَافَقَهُ أرَسْتَرْخُسُ وَسَكُونْدُسُ مِنْ تَسَالُونِيكِي، وَغَايُوسُ مِنْ مَدِينَةِ دَربَةَ، وَتِيمُوثَاوُسُ وَتِيخِيكُسُ وَتْرُوفِيمُوسُ مِنْ مُقَاطَعَةِ أسِيَّا. سَبَقَنَا هَؤُلَاءِ وَانتَظَرُونَا فِي مَدِينَةِ ترُواسَ. فَأبحَرْنَا مِنْ فِيلِبِّي بَعْدَ أيَّامِ عِيدِ الخُبْزِ غَيْرِ المُخْتَمِرِ. وَبَعْدَ خَمْسَةِ أيَّامٍ، انضَمَمْنَا إلَيْهِمْ فِي مَدِينَةِ تَرُوَاسَ، حَيْثُ بَقِينَا سَبْعَةَ أيَّامٍ. وَفِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الأُسبُوعِ، كُنَّا مُجتَمِعِينَ مَعًا لِكَسْرِ الخُبْزِ، فَتَحَدَّثَ بُولُسُ مَعَهُمْ. وَلِأنَّهُ كَانَ يَنْوِي السَّفَرَ فِي اليَوْمِ التَّالِي، ظَلَّ يَتَحَدَّثُ حَتَّى مُنْتَصَفِ اللَّيلِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ مَصَابِيحُ كَثِيرَةٌ فِي الغُرفَةِ العُلوِيَّةِ حَيْثُ كُنَّا مُجتَمِعِينَ. وَكَانَ شَابٌّ اسْمُهُ أفْتِيخُوسُ جَالِسًا فِي النَّافِذَةِ. فَبَدَأ يَغُطُّ فِي نَومٍ عَمِيقٍ أثْنَاءَ مُواصَلَةِ بُولُسَ حَدِيثَهِ. وَلِأنَّ النَّومَ قَدْ غَلَبَهُ تَمَامًا، فَقَدْ وَقَعَ مِنَ الطَّابِقِ الثَّالِثِ. وَلَمَّا رَفَعُوهُ وَجَدُوهُ مَيِّتًا. فَنَزَلَ بُولُسُ وَانحَنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ وَهُوَ يَحْتَضِنُهُ: «لَا تَخَافُوا، فَمَا زَالَتْ حَيَاتُهُ فِيهِ.» ثُمَّ صَعِدَ بُولُسُ، وَكَسَرَ خُبْزًا وَأكَلَ، وَتَحَدَّثَ إلَيْهِمْ فَترَةً طَوِيلَةً حَتَّى الفَجرِ ثُمَّ غَادَرَ. وَأخَذُوا الشَّابَّ إلَى بَيْتِهِ حَيًّا، فَتَعَزَّوْا كَثِيرًا. أمَّا نَحْنُ فَتَابَعْنَا السَّفَرَ وَسَبَقنَا بُولُسَ. فَأبحَرْنَا إلَى مَدِينَةِ أسُّوسَ. كُنَّا مُتَّجِهِينَ إلَى هُنَاكَ لِكَي نَأخُذَهُ مَعَنَا عَلَى ظَهرِ السَّفِينَةِ، فَقَدْ رَتَّبَ هُوَ ذَلِكَ لِأنَّهُ أرَادَ أنْ يَذْهَبَ بِنَفْسِهِ إلَى أسُّوسَ مَاشِيًا. وَعِنْدَمَا قَابَلَنَا فِي أسُّوسَ، أركَبْنَاهُ السَّفِينَةَ وَذَهَبْنَا إلَى مِيتِيلِينِي. وَأبحَرْنَا مِنْ هُنَاكَ فِي اليَوْمِ التَّالِي، وَوَصَلْنَا إلَى نُقطَةٍ مُقَابِلَ خَيُوسَ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي عَبَرنَا إلَى سَامُوسَ. وَفِي اليَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ وَصَلْنَا إلَى مِيلِيتُسَ. فَقَدْ قَرَّرَ بُولُسُ ألَّا يَتَوَقَّفَ فِي أفَسُسَ لِئَلَّا يُضطَرَّ لِقَضَاءِ وَقْتٍ فِي أسِيَّا. إذْ كَانَ يُرِيدُ الوُصُولَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ قَبْلَ عيدِ يَوْمِ الخَمْسِينَ إنْ أمَكَنَ. وَمِنْ مِيلِيتُسَ، أرْسَلَ بُولُسُ إلَى شُيُوخِ الكَنِيسَةِ فِي أفَسُسَ طَالِبًا إلَيْهِمْ أنْ يُلَاقُوهُ هُنَاكَ. فَلَمَّا وَصَلُوا قَالَ لَهُمْ: «أنْتُمْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ عِشتُ مَعَكُمْ طَوَالَ الوَقْتِ، مِنْ أوَّلِ يَوْمٍ وَصَلتُ فِيهِ إلَى أسِيَّا. وَقَدْ خَدَمتُ الرَّبَّ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَدُمُوعٍ. خَدَمتُهُ عَبْرَ التَّجَارِبِ الكَثِيرَةِ الَّتِي أصَابَتنِي بِسَبَبِ مُؤَامَرَاتِ اليَهُودِ. وَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّنِي لَمْ أتَرَدَّدْ فِي عَمَلِ أيِّ شَيءٍ لِمَنفَعَتِكُمْ. وَلَمْ أتَرَدَّدْ فِي إعلَانِ هَذِهِ الأُمُورِ وَتَعْلِيمِكُمْ إيَّاهَا عَلَنًا، وَمِنْ بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ. وَشَهِدتُ لِليَهُودِ وَاليُونَانِيِّينَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ دَاعِيًا إيَّاهُمْ إلَى التَّوبَةِ إلَى اللهِ، وَالإيمَانِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ. «وَهَا أنَا الآنَ ذَاهِبٌ إلَى القُدْسِ مَدفُوعًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، دُونَ أنْ أدرِيَ مَا سَيَحْدُثُ لِي هُنَاكَ. إلَّا أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يُحَذِّرُنِي فِي كُلِّ مَدِينَةٍ فَيَقولُ إنَّ الحَبسَ وَالصُّعُوبَاتِ فِي انتِظَارِي. لَكِنْ لَيْسَ مَا سَيَحْدُثُ لِي هُوَ المُهِّمُ، بَلِ المُهِمُّ أنْ أُكمِلَ السِّبَاقَ وَالمَهَمَّةَ الَّتِي أعطَانِي إيَّاهَا الرَّبُّ يَسُوعَ، وَهِيَ أنْ أشهَدَ عَنْ بِشَارَةِ نِعْمَةِ اللهِ.» وَقَالَ: «وَأنَا الآنَ أعْلَمُ أنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا وَجْهِي ثَانِيَةً، أنْتُمُ الَّذِينَ تَجَوَّلْتُ أُبَشِّرُكُمْ بِمَلَكوتِ اللهِ. وَلِهَذَا فَإنِّي أُعلِنُ لَكُمْ هَذَا اليَوْمَ أنِّي غَيْرُ مَسؤُولٍ عَنْ عَدَمِ خَلَاصِ أيِّ وَاحِدٍ فِيكُمْ. فَأنَا لَمْ أتَرَدَّدْ فِي إخبَارِكُمْ بِكُلِّ مَشِيئَةِ اللهِ. فَاحرُسُوا أنْفُسَكُمْ وَكُلَّ الرَّعِيَّةِ الَّتِي جَعَلَكُمِ الرُّوحُ القُدُسُ مُشْرِفِينَ عَلَيْهَا، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اشتَرَاهَا بِدَمِهِ. وَأنَا أعْرِفُ أنَّهُ بَعْدَ رَحِيلِي سَتَتَسَلَّلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ شَرِسَةٌ لَا تَرْحَمُ القَطِيعَ. وَسَيَظْهَرُ رِجَالٌ حَتَّى مِنْ بَينِكُمْ أنْتُمْ يَقُولُونَ أشْيَاءَ مُشَوَّهَةً لِيُضِلُّوا المُؤمِنِينَ. فَكُونُوا مُتَيَقِّظِينَ! وَتَذَكَّرُوا أنِّي لَمْ أتَوَقَّفْ مُدَّةَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ عَنْ تَحْذِيرِكُمْ بِدُمُوعٍ لَيلَ نَهَارٍ. أمَّا الآنَ فَإنِّي أترُكُكُمْ فِي رِعَايَةِ الله وَكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ القَادِرَةِ عَلَى أنْ تَبْنِيَكُمْ وَأنْ تُعطِيَكُمْ مِيرَاثًا بَيْنَ كُلِّ المُقَدَّسِينَ. «أنَا لَمْ أشتَهِ فِضَّةَ أحَدٍ مِنْكُمْ أوْ ذَهَبَهُ أوْ ثِيَابَهُ. وَأنْتُمْ أنْفُسُكُمْ تَعْلَمُونَ أنَّنِي سَدَدْتُ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ الَّذِينَ مَعِي مِنْ تَعَبِ يَدَيَّ. وَقَدْ أرَيتُكُمْ فِي كُلِّ شَيءٍ عَمِلتُهُ مِثَالًا عَلَى العَمَلِ الجَادِّ الَّذِي يَنْبَغِي أنْ نَخدِمَ بِهِ الضُّعَفَاءَ. وَعَلَينَا أنْ نَتَذَكَّرَ كَلَامَ الرَّبِّ يَسُوعَ نَفْسِهُ الَّذِي قَالَ: «‹فِي العَطَاءِ بَرَكَةٌ أكْثَرُ مِمَّا فِي الأخْذِ.›» وَبَعْدَ أنْ قَالَ بُولُسُ هَذَا، رَكَعَ مَعَهُمْ جَمِيعًا وَصَلَّى. وَبَكَى الجَمِيعُ كَثِيرًا، وَعَانَقُوهُ وَقَبَّلُوهُ. وَكَانَ أكْثَرَ مَا أحزَنَهُمْ قَولُهُ إنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا وَجْهَهُ ثَانِيَةً. ثُمَّ رَافَقُوهُ إلَى السَّفِينَةِ. وَبَعْدَ أنْ تَرَكنَاهُمْ، أبحَرْنَا فِي اتِّجَاهٍ مُسْتَقِيمٍ، فَوَصَلْنَا إلَى جَزيرَةِ كُوسَ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي وَصَلْنَا إلَى جَزِيرَةِ رُودُسَ، وَمِنْ هُنَاكَ ذَهَبنَا إلَى بَاتَرَا. فَوَجَدْنَا سَفِينَةً مُسَافِرَةً إلَى فِينِيقِيَّةَ، فَرَكِبنَاهَا وَأبحَرنَا. وَرَأينَا قُبرُصَ، فَوَاصَلنَا سَيرَنَا عَنْ يَسَارِهَا. وَأبحَرْنَا إلَى سُورِيَّةَ، وَرَسَونَا فِي صُورَ، لِأنَّهُ كَانَ عَلَى السَّفِينَةِ أنْ تُفرِغَ حُمُولَتَهَا هُنَاكَ. فَعَثَرنَا عَلَى بَعْضِ تَلَاميذِ يَسُوعَ هُنَاكَ، وَبَقِينَا مَعَهُمْ سَبْعَةَ أيَّامٍ. وَقَدْ قَالُوا لِبُولُسَ أنْ لَا يَذْهَبَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، بِنَاءً عَلَىْ مَا أعلَنَهُ لَهُمُ الرُّوحُ القُدُسُ. وَلَمَّا انْتَهَتْ مُدَّةُ إقَامَتِنَا، غَادَرْنَا وَتَابَعْنَا رِحلَتَنَا. فَرَافَقُونَا جَمِيعًا مَعَ زَوْجَاتِهِمْ وَأبنَائِهِمْ إلَى خَارِجِ المَدِينَةِ. وَهُنَاكَ رَكَعنَا عَلَى الشَّاطِئِ وَصَلَّينَا. ثُمَّ وَدَّعَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَرَكِبنَا السَّفِينَةَ. فَعَادُوا هُمْ إلَى بُيُوتِهِمْ. أمَّا نَحْنُ فَتَابَعْنَا رِحلَتَنَا مِنْ صُورَ، وَرَسَونَا فِي بُتُولِمَايِسَ. وَسَلَّمْنَا عَلَى الإخوَةِ هُنَاكَ، وَبَقِينَا مَعَهُمْ يَومًا وَاحِدًا. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي غَادَرْنَا، وَوَصَلْنَا إلَى قَيصَرِيَّةَ. وَدَخَلْنَا بَيْتَ فِيلِبُّسَ المُبَشِّرِ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الخُدَّامِ السَّبعَةِ المُختَارِينَ وَبَقِينَا مَعَهُ. وَكَانَتْ عِنْدَهُ أرْبَعُ بَنَاتٍ عَازِبَاتٍ يَتَنَبَّأنَ. وَأثنَاءَ إقَامَتِنَا هُنَاكَ عِدَّةَ أيَّامٍ، نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ اليَهُودِيَّةِ اسْمُهُ أغَابُوسَ. وَلَمَّا أقبَلَ عَلَيْنَا، أخَذَ حِزَامَ بُولُسَ وَرَبَطَ بِهِ قَدَمَيهِ وَيَدَيهِ وَقَالَ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ القُدُسُ: ‹هَكَذَا سَيَرْبِطُ اليَهُودُ فِي القُدْسِ صَاحِبَ هَذَا الحِزَامِ، وَسَيُسَلِّمُونَهُ إلَى غَيْرِ المُؤمِنِينَ.›» فَلَمَّا سَمِعْنَا هَذَا، رَجَونَاهُ نَحْنُ وَالآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ ألَّا يَذْهَبَ إلَى القُدْسِ. فَأجَابَ بُولُسُ: «لِمَاذَا تَبْكُونَ وَتَكْسِرُونَ قَلْبِي؟ إنَّنِي عَلَى استِعدَادٍ لَا لِأنْ أُربَطَ فَحَسْبُ، بَلْ أنْ أمُوتَ أيْضًا فِي القُدْسِ مِنْ أجْلِ اسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ.» وَلَمَّا رَفَضَ أنْ يَقْتَنِعَ، تَوَقَّفنَا عَنِ التَّوَسُّلِ إلَيْهِ. وَقُلنَا: «لِتَكُنْ مَشِيئَةُ الرَّبِّ.» وَبَعْدَ تِلْكَ الأيَّامِ قُمنَا بِالإعْدَادَاتِ وَذَهَبْنَا إلَى القُدْسِ. وَذَهَبَ مَعَنَا أيْضًا بَعْضُ المُؤمِنِينَ مِنْ قَيصَرِيَّةَ، وَأخَذُونَا إلَى بَيْتِ مَنَاسُونَ الَّذِي كُنَّا سَنُقِيمُ عِنْدَهُ. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ القُبرُصِيُّ مِنْ أوَائِلِ المُؤمِنِينَ. وَلَمَّا وَصَلْنَا إلَى القُدْسِ، استَقْبَلَنَا الإخْوَةُ استِقبَالًا دَافِئًا. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي ذَهَبَ بُولُسُ مَعَنَا لِرُؤيَةِ يَعْقُوبَ. وَكَانَ كُلُّ الشُّيُوخِ الآخَرِينَ حَاضِرِينَ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ بُولُسُ، وَحَدَّثَهُمْ بِالتَّفصِيلِ بِكُلِّ الأشْيَاءِ الَّتِي فَعَلَهَا اللهُ بَيْنَ غَيْرِ اليَهُودِ مِنْ خِلَالِ خِدمَتِهِ. فَلَمَّا سَمِعُوا مَا قَالَهُ، سَبَّحُوا اللهَ وَقَالُوا لِبُولُسَ: «أيُّهَا الأخُ، أنْتَ تَرَى أنَّ هُنَاكَ آلَافًا كَثِيرَةً مِنَ اليَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَهُمْ جَمِيعًا مُتَحَمِّسُونَ لِلشَّرِيعَةِ. وَقَدْ سَمِعُوا أنَّكَ تُعَلِّمُ كُلَّ اليَهُودِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ بَيْنَ غَيْرِ اليَهُودِ أنْ يَهْجُرُوا تَعْلِيمَ مُوسَى. وَأنَّكَ تَطْلُبُ مِنْهُمْ ألَّا يَخْتِنُوا أبْنَاءَهُمْ أوْ يَتَّبِعُوا عَادَاتِنَا. «فَمَا العَمَلُ؟ فَمِنَ المُؤَكَّدِ أنَّهُمْ سَيَسْمَعُونَ بِقُدُومِكَ. فَافْعَلْ بِمَا نَنصَحُكَ بِهِ: بَيْنَنَا أرْبَعَةُ رِجَالٍ نَذَرُوا نُذُورًا، فَخُذْهُمْ وَاشتَرِكْ مَعَهُمْ فِي طُقوسِ التَّطهِيرِ وَادفَعِ الأجرَ المَطلوبَ لِكَي يَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ. حينَئِذٍ سَيَعْلَمُ الجَمِيعُ أنَّ مَا سَمِعُوهُ عَنْكَ لَيْسَ صَحِيحًا، وَسَيَعْلَمُونَ أنَّكَ أنْتَ نَفْسَكَ تُطِيعُ الشَّرِيعَةَ. «أمَّا بِالنِّسبَةِ لِلمُؤمِنِينَ غَيْرِ اليَهُودِ، فَقَدْ أرسَلْنَا إلَيْهِمْ، وَأشَرنَا عَلَيْهِمْ بِأنْ يَمْتَنِعُوا عَنِ الطَّعَامِ المُقَدَّمِ لِلأصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ وَالحَيَوَانَاتِ المَخنُوقَةِ، وَالزِّنى.» فَأخَذَ بُولُسُ الرِّجَالَ الأرْبَعَةَ مَعَهُ. وَفِي اليَوْمِ التَّالي، طَهَّرَ نَفْسَهُ مَعَهُمْ، ثُمَّ دَخَلَ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ. وَأعلَنَ مَوعِدَ انتِهَاءِ أيَّامِ التَّطهِيرِ وَمَوعِدَ تَقْديمِ التَّقدِمَاتِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَلَمَّا قَارَبَتِ الأيَّامُ السَّبْعَةُ عَلَى الانتِهَاءِ، جَاءَ بَعْضُ اليَهُودِ مِنْ مُقَاطَعَةِ أسِيَّا وَدَخَلُوا سَاحَةَ الهَيْكَلِ. فَلَمَّا رَأوْا بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ، هَيَّجُوا النَّاسَ كُلَّهُمْ وَأمسَكُوا بِهِ. وَصَرَخُوا وَقَالُوا: «يَا رِجَالَ إسْرَائِيلَ، أنجِدُونَا! هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يُعَلِّمُ الجَمِيعَ فِي كُلِّ مَكَانٍ أُمُورًا ضِدَّ شَعْبِنَا وَشَرِيعَتِنَا وَضِدَّ هَذَا المَكَانِ. بَلْ إنَّهُ أحْضَرَ أشخَاصًا غَيْرَ يَهُودٍ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ، فَنَجَّسَ هَذَا المَكَانَ المُقَدَّسَ.» قَالُوا هَذَا لِأنَّهُ سَبَقَ لَهُمْ أنْ رَأوْا تْرُوفِيمُسَ الأفَسُسِيِّ فِي المَدِينَةِ مَعَهُ، وَافتَرَضُوا أنَّ بُولُسَ أدخَلَهُ إلَى سَاحَةِ الهَيْكَلِ. فَثَارَتِ المَدِينَةُ كُلُّهَا، وَرَكَضَ النَّاسُ مَعًا وَأمسَكُوا بِبُولُسَ، وَجَرُّوهُ خَارِجَ سَاحَةِ الهَيْكَلِ. وَأُغلِقَتِ الأبوَابُ فَوْرًا. وَبَيْنَمَا كَانُوا يُحَاوِلُونَ قَتْلَهُ، بَلَغَ الخَبَرُ إلَى آمِرِ الكَتِيبَةِ الرُّومَانِيَّةِ بِأنَّ القُدْسَ كُلُّهَا فِي حَالَةِ فَوضَى. فَأخَذَ بَعْضَ الجُنُودِ وَالضُّبَّاطِ وَنَزَلَ عَلَى الفَوْرِ مُسْرِعًا إلَيْهِمْ. فَلَمَّا رَأى اليَهُودُ الآمِرَ وَالجُنُودَ، تَوَقَّفُوا عَنْ ضَربِ بُولُسَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ الآمِرُ مِنْهُ، وَقَبَضَ عَلَيْهِ، وَأمَرَ بِأنْ يُربَطَ بِسِلسِلَتَيْنِ. ثُمَّ سَألَ مَنْ يَكُونُ بُولُسُ وَمَاذَا فَعَلَ. فَأخَذَ بَعْضُ الجُمهُورِ يُجِيبُونَ صَارِخِينَ بِكَلَامٍ، وَبَعْضُهُمْ بِكَلَامٍ آخَرَ. وَلَمَّا عَجِزَ الآمِرُ عَنِ استِخلَاصِ الحَقِيقَةِ بِسَبَبِ الفَوضَى، أمَرَ بِأنْ يُؤخَذَ بُولُسُ إلَى الثُّكْنَةِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ بُولُسُ إلَى الدَّرَجِ، اضطُّرَ الجُنُودُ إلَى حَمْلِهِ بِسَبَبِ عُنفِ الجُمهُورِ. إذْ كَانَ عَامَّةُ النَّاسِ يَتْبَعُونَهُ صَارِخِينَ: «اقتُلُوهُ!» وَلَمَّا أوشَكَ بُولُسُ أنْ يُدخَلَ إلَى الثُّكْنَةِ، قَالَ بُولُسُ لِلآمِرِ: «أتَأْذَنُ لِي بِأنْ أقُولَ لَكَ شَيْئًا؟» فَقَالَ الآمِرُ: «هَلْ تَتَكَلَّمُ اليُونَانِيَّةَ؟ إذًا فَلَسْتَ ذَلِكَ المِصْرِيَّ الَّذِي أشْعَلَ ثَورَةً قَبْلَ مُدَّةٍ، وَقَادَ أرْبَعَةَ آلَافِ إرهَابِيٍّ إلَى الصَّحرَاءِ؟» فَقَالَ بُولُسُ: «أنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ مِنْ مَدِينَةِ طَرسُوسَ فِي كِيلِيكِيَّةَ. فَأنَا لَسْتُ مِنْ مَدِينَةٍ قَلِيلَةِ الأهَمِّيَّةِ، وَأطلُبُ مِنْكَ أنْ تَأْذَنَ لِي بِالحَدِيثِ إلَى النَّاسِ.» فَلَمَّا أذِنَ لَهُ الآمِرُ، وَقَفَ بُولُسُ عَلَى الدَّرَجِ، وَأشَارَ بِيَدِهِ إلَى النَّاسِ لِيَسْكُتُوا، فَسَادَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ، وَبَدَأ يَتَكَلَّمُ بِالأرَامِيَّةِ. قَالَ بُولُسُ: «أيُّهَا الإخْوَةُ وَالآبَاءُ، اسْتَمِعُوا إلَى دِفَاعِي عَنْ نَفْسِي أمَامَكُمْ.» فَلَمَّا سَمِعُوهُ يَتَكَلَّمُ بِاللُّغَةِ الأرَامِيَّةِ صَارُوا أكْثَرَ هُدُوءًا. حينَئِذٍ قَالَ بُولُسُ: «أنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ. وُلِدتُ فِي مَدِينَةِ طَرسُوسَ الَّتِي فِي كِيلِيكِيَّةَ. لَكِنِّي نَشَأتُ هُنَا فِي هَذِهِ المَدِينَةِ. وَدَرَّبَنِي غَمَالَائِيلُ تَدْرِيبًا صَارِمًا حَسَبَ شَرِيعَةِ آبَائِنَا. كُنْتُ جَادًّا فِي خِدمَتِي للهِ، مِثْلَكُمْ جَمِيعًا اليَوْمَ. فَاضطَهَدتُ ‹الطَّرِيقَ› حَتَّى المَوْتِ. وَقَبَضتُ عَلَى رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَسَجَنتُهُمْ. وَيُمكِنُ أنْ يَشْهَدَ عَلَى صِحَّةِ كَلَامِي رَئيسُ الكَهَنَةِ وَجَمِيعُ أعضَاءِ مَجلِسِ الشُّيُوخِ. فَقَدْ أخَذتُ مِنْهُمْ رَسَائِلَ إلَى أهْلِنَا فِي دِمَشقَ. وَذَهَبتُ لِأقبِضَ عَلَى أتْبَاعِ يَسُوعَ هُنَاكَ، وَأُحضِرَهُمْ إلَى القُدْسِ مُقَيَّدِينَ لِكَي يَلْقَوْا عِقَابَهُمْ. «وَبَيْنَمَا كُنْتُ مُسَافِرًا أقتَرِبُ مِنْ مَدِينَةِ دِمَشقَ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ، وَمَضَ فَجْأةً حَولِي نُورٌ عَظِيمٌ مِنَ السَّمَاءِ. فَسَقَطتُ أرْضًا. وَسَمِعتُ صَوْتًا يَقُولُ لِي: ‹يَا شَاوُلُ، يَا شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟› «فَأجَبتُ: ‹مَنْ أنْتَ يَا سَيِّدُ؟› قَالَ لِي: ‹أنَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ الَّذِي أنْتَ تَضْطَهِدُهُ.› أمَّا الَّذِينَ كَانُوا مَعِي فَرَأوْا النُّورَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُميِّزُوا الصَّوتَ الَّذِي كَلَّمَنِي. «فَقُلْتُ: ‹مَاذَا أفْعَلُ يَا سَيِّدُ؟› فَقَالَ لِي: ‹انْهَضْ، وَادخُلْ دِمَشقَ. وَهُنَاكَ تَعْرِفُ جَمِيعَ الأُمورِ الَّتِي عَيَّنتُكَ لِعَمَلِهَا.› «لَمْ أكُنْ أقدِرُ أنْ أرَى بِسَبَبِ سُطُوعِ النُّورِ، فَأمسَكَ بِي رُفَقَائِي مِنْ يَدَيَّ وَأدخَلُونِي إلَى دِمَشقَ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ تَقِيٌّ اسْمُهُ حَنَانِيَّا يَحْفَظُ الشَّرِيعَةَ، وَيَمْدَحُهُ كُلُّ اليَهُودِ السَّاكِنِينَ هُنَاكَ. جَاءَ هَذَا إلَيَّ، وَوَقَفَ إلَى جَانِبِي وَقَالَ: ‹أيُّهَا الأخُ شَاوُلُ، استَرْجِعْ بَصَرَكَ!› فَاسْتَرْجَعتُ بَصَرِي فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ. «وَقَالَ لِي: ‹لَقَدِ اخْتَارَكَ إلَهُ آبَائِنَا لِكَي تَعْرِفَ إرَادَتَهُ، وَتَرَى البَارَّ يَسُوعَ وَتَسْمَعَ صَوْتَهُ. فَأنْتَ سَتَكُونُ شَاهِدًا لَهُ أمَامَ كُلِّ النَّاسِ بِمَا رَأيْتَ وَسَمِعتَ. وَالْآنَ، مَاذَا تَنْتَظِرُ؟ انْهَضْ وَتَعَمَّدْ، وَاغْسِلْ خَطَايَاكَ مؤمِنًا بِاسْمِهِ.› «وَعِنْدَمَا عُدْتُ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ، وَقَعَ عَلَيَّ سُبَاتٌ بَيْنَمَا كُنْتُ أُصَلِّي فِي الهَيْكَلِ. وَرَأيْتُ يَسُوعَ يَقُولُ لِي: ‹عَجِّلْ بِالخُرُوجِ مِنَ مَدِينَةِ القُدْسِ عَلَى الفَوْرِ، لِأنَّهُمْ لَنْ يَقْبَلُوا شَهَادَتَكَ عَنِّي.› «فَقُلْتُ: ‹يَا رَبُّ، يَعْرِفُ هَؤُلَاءِ النَّاسُ أنِّي كُنْتُ أذهَبُ إلَى المَجَامِعِ لِأعتَقِلَ وَأضرِبَ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِكَ. وَعِنْدَمَا سُفِكَ دَمُ إستِفَانُوسَ شَاهِدِكَ، كُنْتُ وَاقِفًا هُنَاكَ، وَمُوافِقًا عَلَى ذَلِكَ. وَكُنْتُ أحرُسُ ثِيَابَ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتُلُونَهُ.› فَقَالَ لِي: ‹اذْهَبْ! فَسَأُرسَلُكَ بَعِيدًا إلَى غَيْرِ اليَهُودِ.›» وَظَلَّ اليَهُودُ يُصغُونَ إلَى بُولُسَ إلَى أنْ قَالَ هَذَا. حينَئِذٍ رَفَعُوا أصوَاتَهُمْ وَقَالُوا: «خَلِّصُوا الأرْضَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ! فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةَ!» وَرَاحُوا يَصْرُخُونَ وَيُلقُونَ بِثِيَابِهِمْ، وَيَنْثُرُونَ التُّرَابَ فِي الهَوَاءِ غَضَبًا. فَأمَرَ الآمِرُ بِإدخَالِ بُولُسَ إلَى الحِصنِ. وَأمَرَ بِأنْ يَتِمَّ استِجوَابُهُ بِالجَلْدِ لِمَعْرِفَةِ سَبَبِ صِيَاحِهِمْ عَلَيْهِ هَكَذَا. لَكِنْ عِنْدَمَا هَيَّئُوهُ لِلجَلْدِ، قَالَ بُولُسُ لِلضَّابِطِ الوَاقِفِ هُنَاكَ: «هَلْ يُجِيزُ لَكُمُ القَانُونُ أنْ تَجْلِدُوا مُواطِنًا رُومَانِيًّا لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ تُهمَةٌ؟» فَلَمَّا سَمِعَ الضَّابِطُ هَذَا، ذَهَبَ إلَى الآمِرِ وَقَالَ: «انْتَبِهْ إلَى مَا تَنوِي أنْ تَفْعَلَهُ بِهذَا الرَّجُلِ، فَهُوَ مُواطِنٌ رُومَانِيٌّ!» فَجَاءَ الآمِرُ إلَى بُولُسَ وَقَالَ لَهُ: «قُلْ لِي، هَلْ أنتُ مُواطِنٌ رُومَانِيٌّ؟» قَالَ بُولُسُ: «نَعَمْ.» فَأجَابَ الضَّابِطُ: «لَقَدْ كَلَّفَنِي اكتِسَابُ الجِنسِيَّةِ الرُّومَانِيَّةِ مَبلَغًا كَبِيرًا مِنَ المَالِ.» فَقَالَ بُولُسُ: «أمَّا أنَا فَقَدْ وُلِدتُ رُومَانِيًّا.» وَعَلَى الفَوْرِ تَرَاجَعَ الَّذِينَ كَانُوا يُوشِكُونَ أنْ يَسْتَجْوِبُوهُ. وَخَافَ الآمِرُ عِنْدَمَا أدرَكَ أنَّ بُولُسَ مُواطِنٌ رُومَانِيٌّ، وَأنَّهُ قَيَّدَهُ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، قَرَّرَ الآمِرُ أنْ يَعْرِفَ سَبَبَ شَكوَى اليَهُودِ عَلَى بُولُسَ. فَفَكَّ قُيودَ بُولُسَ وَأمَرَ بِأنْ يَجْتَمِعَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَكُلُّ أعضَاءِ المَجلِسِ الأعْلَى. ثُمَّ أنزَلَ بُولُسَ وَأحضَرَهُ وَأوقَفَهُ أمَامَهُمْ. فَتَفَرَّسَ بُولُسُ فِي وُجُوهِ أعضَاءِ المَجلِسِ وَقَالَ: «يَا إخْوَتِي، لَقَدْ عِشتُ حَيَاتِي أمَامَ اللهِ بِرَاحَةِ ضَمِيرٍ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ.» فَأمَرَ حَنَانِيَّا رَئِيسُ الكَهَنَةِ الوَاقِفِينَ إلَى جَانِبِ بُولُسَ بِضَربِهِ عَلَى فَمِهِ. فَقَالَ بُولُسُ لِحَنَانِيَّا: «سَيَضْرِبُكَ اللهُ أيُّهَا المُرَائِي! أتَجْلِسُ هُنَاكَ وَتَحْكُمُ عَلَيَّ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ، وَأنْتَ تَأْمُرُ بِضَربِي مُخَالِفًا لِلشَّرِيعَةِ؟» فَقَالَ الوَاقِفُونَ إلَى جَانِبِ بُولُسَ: «أتَجْرُؤُ عَلَى إهَانَةِ رَئيسِ الكَهَنَةِ؟» فَقَالَ بُولُسُ: «يَا إخْوَتِي، لَمْ أكُنْ أعْرِفُ أنَّهُ رَئيسُ الكَهَنَةِ. مَكْتُوبٌ: ‹لَا تَتَكَلَّمْ بِالسُّوءِ عَلَى قَائِدٍ لِشَعْبِكَ.›» وَعِنْدَمَا أدرَكَ بُولُسُ أنَّ بَعْضَ أعْضَاءِ المَجلِسِ مِنَ الصَّدُوقِيِّينَ وَبَعْضَهُمْ مِنَ الفِرِّيسِيِّينَ، صَرَخَ وَقَالَ: «يَا إخْوَتِي، أنَا فِرِّيسِيُّ وَابْنُ فِرِّيسِيٍّ! وَأنَا أُحَاكَمُ هُنَا لِأنَّ قِيَامَةَ الأمْوَاتِ هِيَ رَجَائِي.» فَلَمَّا قَالَ هَذَا، قَامَ نِزَاعٌ بَيْنَ الفِرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُوقِيِّينَ. وَانقَسَمَ المُجتَمِعُونَ. إذْ يَقُولُ الصَّدُوقِيُّونَ إنَّهُ لَا تُوجَدُ قِيَامَةٌ وَلَا مَلَائِكَةٌ وَلَا أروَاحٌ. أمَّا الفِرِّيسِيُّونَ فَيُؤمِنُونَ بِهَذِهِ الأُمُورِ كُلِّهَا. فَحَدَثَ اضطِرَابٌ شَدِيدٌ. وَوَقَفَ بَعْضُ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَى جَمَاعَةِ الفِرِّيسِيِّينَ، وَجَادَلُوا بِقُوَّةٍ فَقَالُوا: «لَا نَجِدُ عَيبًا فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَرُبَّمَا كَلَّمَهُ رُوحٌ أوْ مَلَاكٌ.» وَصَارَ النِّزَاعُ عَنِيفًا جِدًّا. فَخَشِيَ الآمِرُ أنْ يُمَزِّقُوا بُولُسَ تَمْزِيقًا، فَأمَرَ الجُنُودَ بِأنْ يَأْتُوا وَيَأْخُذُوهُ بِالقُوَّةِ إلَى الثُّكْنَةِ. وَفِي اللَّيلَةِ التَّالِيَةِ، وَقَفَ الرَّبُّ إلَى جَانِبِ بُولُسَ وَقَالَ لَهُ: «تَشَجَّعْ، فَكَمَا شَهِدْتَ عَنِّي فِي القُدْسِ، سَتَشْهَدُ فِي رُومَا أيْضًا.» وَعِنْدَمَا طَلَعَ النَّهَارُ، تَآمَرَ بَعْضُ اليَهُودِ وَألزَمُوا أنْفُسَهُمْ بِقَسَمٍ أنَّهُمْ لَنْ يَأْكُلُوا وَلَنْ يَشْرَبُوا إلَّا بَعْدَ أنْ يَقْتُلُوا بُولُسَ. وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ شَارَكُوا فِي المُؤَامَرَةِ يَزِيدُ عَلَى أرْبَعِينَ. وَذَهَبُوا إلَى كِبَارِ الكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ وَقَالُوا: «لَقَدْ ألزَمْنَا أنْفُسَنَا بِقَسَمٍ أنْ لَا نَأكُلَ شَيْئًا إلَى أنْ نَقتُلَ بُولُسَ. فَالآنَ، قَدِّمُوا أنْتُمْ وَالمَجلِسُ التِمَاسًا لِلآمِرِ بِأنْ يُنزِلَ بُولُسَ إلَيكُمْ. وَتَظَاهَرُوا بِأنَّكُمْ تُرِيدُونَ أنْ تَدْرُسُوا قَضِيَّتَهُ بِدِقَّةٍ أكبَرَ. وَسَنَكُونُ مُسْتَعِدِّينَ لِقَتلِهِ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلَى هُنَا.» لَكِنَّ ابْنَ أُختِ بُولُسَ، سَمِعَ بِالمُؤَامَرَةِ، فَذَهَبَ وَدَخَلَ الثُّكْنَةَ، وَأخبَرَ بُولُسَ بِهَا. فَدَعَا بُولُسُ أحَدَ الضُّبَّاطِ وَقَالَ لَهُ: «خُذْ هَذَا الشَّابَّ إلَى الآمِرِ، فَلَدَيهِ شَيءٌ يُرِيدُ أنْ يُخبِرَهُ بِهِ.» فَأخَذَهُ الضَّابِطُ وَجَاءَ بِهِ إلَى الآمِرِ وَقَالَ لَهُ: «استَدعَانِي السَّجِينُ بُولُسُ، وَطَلَبَ مِنِّي أنْ أُحضِرَ هَذَا الشَّابَّ إلَيْكَ، لِأنَّ لَدَيهِ شَيْئًا يُرِيدُ أنْ يَقُولَهُ لَكَ.» فَأمسَكَ بِهِ الآمِرُ مِنْ يَدِهِ، وَأخَذَهُ جَانِبًا، وَسَألَهُ: «مَا الَّذِي تُرِيدُ أنْ تُخبِرَنِي بِهِ؟» فَقَالَ: «اتَّفَقَ اليَهُودُ عَلَى أنْ يَطْلُبُوا مِنْكَ أنْ تُحضِرَ بُولُسَ إلَى المَجلِسِ غَدًا، مُتَظَاهِرِينَ بِأنَّهُمْ سَيُحَقِّقُونَ مَعَهُ بِشَكلٍ أكْثَرَ تَفْصِيلًا. فَلَا تُوافِقْهُمْ عَلَى طَلَبِهِمْ، لِأنَّ هُنَاكَ أكْثَرَ مِنْ أرْبَعِينَ رَجُلًا يُعِدُّونَ لَهُ كَمِينًا. وَقَدْ ألزَمُوا أنْفُسَهُمْ بِقَسَمٍ أنْ لَا يَأْكُلُوا أوْ يَشْرَبُوا إلَى أنْ يَقْتُلُوهُ. وَهَا هُمُ الآنَ مُسْتَعِدُّونَ وَيَنْتَظِرُونَ مُوافَقَتَكَ.» فَأمَرَ الآمِرُ الشَّابَّ بِقَولِهِ: «لَا تُخبِرْ أحَدًا بِأنَّكَ أعلَمْتَنِي بِهَذَا.» ثُمَّ صَرَفَهُ. ثُمَّ استَدْعَى الآمِرُ اثْنَيْنِ مِنْ ضُبَّاطِهِ وَقَالَ لَهُمَا: «جَهِّزَا مِئَتَي جُندِيٍّ وَسَبعِينَ فَارِسًا وَمِئَتَي حَامِلِ رُمحٍ لِلذَّهَابِ إلَى مَدِينَةِ قَيصَرِيَّةَ. وَاستَعِدُّوا لِلَانطِلَاقِ فِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ لَيْلًا. وَأعْطُوا بُولُسَ مَا يَرْكَبُهُ، وَأوصِلُوهُ سَالِمًا إلَى الوَالِي فِيلِكسَ.» وَكَتَبَ رِسَالَةً هَذَا مَضمُونُهَا: مِنْ كلُوديُوسَ لِيسيَاسَ، إلَى صَاحِبِ السَّعَادَةِ الوَالِي فِيلِيكسَ، تَحِيَّاتِي، أمسَكَ اليَهُودُ بِهَذَا الرَّجُلِ، وَكَانُوا عَلَى وَشَكِ أنْ يَقْتُلُوهُ. لَكِنِّي جِئتُ وَجُنُودِي وَأنقَذْتُهُ، بَعْدَ أنْ عَلِمْتُ أنَّهُ مُواطِنٌ رُومَانِيٌّ. وَبِمَا أنِّي أرَدْتُ أنْ أعرِفَ مَا يَتَّهِمُونَهُ بِهِ، أخَذْتُهُ إلَى مَجلِسِهِمْ. وَوَجَدْتُ أنَّهُمْ يَتَّهِمُونَهُ بِمَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِشَرِيعَتِهِمْ. لَكِنَّهُ لَمْ يُتَّهَمْ بِأيِّ شَيءٍ يَسْتَحِقُّ المَوْتَ أوِ الحَبسَ. وَلَمَّا أُعلِمْتُ أنَّ هُنَاكَ مُؤَامَرَةً ضِدَّ هَذَا الرَّجُلِ، أرسَلتُهُ فَوْرًا إلَيْكَ. وَأمَرْتُ المُشتَكِينَ عَلَيْهِ بِأنْ يَرْفَعُوا قَضِيَّتَهُمْ عَلَيْهِ أمَامَكَ. فَنَفَّذَ الجُنُودُ الأوَامِرَ وَأخَذُوا بُولُسَ وَأحضَرُوهُ لَيْلًا إلَى أنْتِيَاتْرِيسَ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي تَرَكُوا الفُرسَانَ يُواصِلُونَ السَّفَرَ مَعَهُ، أمَّا هُمْ فَعَادُوا إلَى المُعَسْكَرِ. وَعِنْدَمَا وَصَلُوا إلَى قَيصَرِيَّةَ، سَلَّمُوا الرِّسَالَةَ إلَى الوَالِي، وَسَلَّمُوهُ بُولُسَ أيْضًا. فَقَرَأ الوَالِي الرِّسَالَةَ، وَسَألَ عَنِ المُقَاطَعَةِ الَّتِي يَنْتَمِي إلَيْهَا بُولُسُ، فَأخبَرُوهُ أنَّهُ مِنْ كِيلِيكِيَّةَ. حينَئِذٍ قَالَ: «سَأسمَعُ مِنْكَ حِينَ يَصِلُ المُشتَكُونَ عَلَيْكَ.» وَأمَرَ بِأنْ يَظَلَّ بُولُسُ تَحْتَ الحِرَاسَةِ فِي قَصرِ هِيرُودُسَ. وَبَعْدَ خَمْسَةِ أيَّامٍ نَزَلَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ حَنَانِيَّا إلَى قَيصَرِيَّةَ مَعَ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَمُحَامٍ اسْمُهُ تَرْتُلُّسَ. فَعَرَضُوا تُهَمَهُمْ ضِدَّ بُولُسَ أمَامَ الوَالِي. وَعِنْدَمَا استُدعِيَ بُولُسُ، بَدَأ تَرْتُلُّسُ يُقَدِّمُ التُّهَمَ أمَامَ فِيلِكْسَ فَقَالَ: «إنَّنَا نَتَمَتَّعُ بِقِسطٍ وَافِرٍ مِنَ السَّلَامِ بِسَبَبِكَ، وَالإصلَاحَاتُ الَّتِي أُدخِلَتْ مِنْ أجْلِ هَذَا الشَّعْبِ كَانَتْ بِفَضْلِ بُعدِ نَظَرِكَ. نَحْنُ نُرَحِّبُ بِهَذَا يَا صَاحِبَ السَّعَادَةِ فِيلِكسَ، بِكُلِّ طَرِيقَةٍ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ، وَكُلِّ امتِنَانٍ. لَكِنْ لِئَلَّا أُثقِلَ عَلَيْكَ أكْثَرَ، فَإنِّي أرْجُو أنْ تَتَلَطَّفَ بِالاسْتِمَاعِ إلَى كَلِمَتِي المُوجَزَةَ. فَقَدْ وَجَدنَا هَذَا الرَّجُلَ مَصْدَرَ إزعَاجٍ. وَهُوَ يُثِيرُ الشَّغَبَ بَيْنَ اليَهُودِ فِي كُلِّ أنْحَاءِ العَالَمِ. وَهُوَ مِنْ قَادَةِ مَذهَبِ النَّاصِرِيِّينَ. كَمَا أنَّهُ حَاوَلَ أنْ يُنَجِّسَ الهَيْكَلَ، لَكِنَّنَا أمْسَكنَا بِهِ، وَأرَدْنَا أنْ نُحَاكِمَهُ بِحَسَبِ شَريعَتِنَا. لَكِنَّ الآمِرَ لِيسيَاسَ جَاءَ وَانْتَزَعَهُ مِنْ أيدِينَا بِقُوَّةٍ، وَأمَرَ المُشتَكِينَ عَليهِ بَأنْ يَأتُوا إليكَ. فَحِينَ تُحَقِّقُ مَعَهُ بِنَفْسِكَ، سَتَعْلَمُ مِنْهُ كُلَّ الأُمُورِ الَّتِي نَتَّهِمُهُ بِهَا.» وَانْضَمَّ إلَيْهِ اليَهُودُ فِي تَوْجِيهِ الاتِّهَامَاتِ، مُؤَكِّدِينَ أنَّ كُلَّ هَذِهِ الاتِّهَامَاتِ صَحِيحَةٌ. فَلَمَّا أشَارَ الوَالِي لِبُولُسَ أنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ: «أنَا أعْرِفُ أنَّكَ قَاضٍ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مُنْذُ سَنَوَاتٍ كَثِيرَةٍ، لِذَلِكَ يَسُرُّنِي أنْ أُدَافِعَ عَنْ نَفْسِي أمَامَكَ. وَيُمكِنُكَ أنْ تَتَحَقَّقَ مِنْ صِحَّةِ مَا أقُولُ. لَمْ يَمْضِ عَلَى ذَهَابِي إلَى القُدْسِ لِلعِبَادَةِ أكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ يَومًا. وَلَمْ يَجِدُونِي أُجَادِلُ أحَدًا فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ. وَلَا وَجَدُونِي أُهَيِّجُ النَّاسَ لَا فِي المَجَامِعِ وَلَا فِي أيِّ مَكَانٍ آخَرَ مِنَ المَدِينَةِ. وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أنْ يُثبِتُوا لَكَ صِحَّةَ الاتِّهَامَاتِ الَّتِي يُوَجِّهُونَهَا ضِدِّي. «غَيْرَ أنِّي أعتَرِفُ لَكَ بِأنِّي أعبُدُ إلَهَ آبَائِنَا حَسَبَ ‹الطَّرِيقِ› الَّذِي يَعْتَبِرُونَهُ هَرطَقَةً. وَأنَا أُومِنُ بِكُلِّ مَا تَقُولُهُ الشَّرِيعَةُ وَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كُتُبِ الأنْبِيَاءِ. وَأنَا أشتَرِكُ مَعَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ أنْفُسِهِمْ فِي الرَّجَاءِ بِاللهِ. وَهَذَا الرَّجَاءُ هُوَ أنَّهُ سَتَكُونُ هُنَاكَ قِيَامَةٌ لِلصَّالِحِينَ وَالأشرَارِ مَعًا. وَلِهَذَا فَإنِّي أُدَرِّبُ نَفْسِي دَائِمًا لِيَكُونَ ضَمِيرِي بِلَا لَومٍ أمَامَ اللهِ وَالنَّاسِ. «فَبَعْدَ غِيَابِ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ، رَجِعتُ إلَى القُدْسِ لِأُحضِرَ تَبَرُّعَاتٍ لِلفُقَرَاءَ مِنْ جَمَاعَتِي، وَلِأُقَدِّمَ تَقْدِمَاتٍ للهِ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أفْعَلُ هَذَا، وَجَدُونِي فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ أُكمِلُ طَقسَ التَّطهِيرِ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ جَمعٌ وَلَا حَدَثَ شَغَبٌ. بَلْ كَانَ بَعْضُ اليَهُودِ مِنْ أسِيَّا مَوجُودِينَ هُنَاكَ. أُولَئِكَ يَنْبَغِي أنْ يَأْتُوا إلَيْكَ، وَيُقَدِّمُوا اتِّهَامَهُمْ، إنْ كَانَ لَدَيهِمْ شَيءٌ ضِدِّي. أوْ لِيَتَحَدَّثْ هَؤُلَاءِ الحَاضِرُونَ هُنَا عَنْ أيَّةِ جَرِيمَةٍ أثبَتُوهَا عَلَيَّ عِنْدَمَا وَقَفتُ أمَامَ المَجلِسِ اليَهُودِيِّ. رُبَّمَا اعتَبَرُونِي مُذْنِبًا بِسَبَبِ الجُملَةِ الوَحِيدَةِ الَّتِي قُلْتُهَا هُنَاكَ عَلَى مَسمَعٍ مِنْهُمْ. فَقَدْ قُلْتُ: ‹أنْتُمْ تُحَاكِمُونَنِي اليَوْمَ عَلَى أسَاسِ إيمَانِي بِقِيَامَةِ الأمْوَاتِ.›» ثُمَّ قَرَّرَ فِيلِكسُ الَّذِي كَانَ مُطَّلِعًا اطِّلَاعًا جَيِّدًا عَلَى «الطَّرِيقِ،» أنْ يُؤَجِّلَ الجَلسَةَ، وَقَالَ: «حِينَ يَأتِي الآمِرُ لِيسْيَاسُ، سَأبِتُّ فِي قَضِيَّتِكَ.» وَأمَرَ الضَّابِطَ بِأنْ يُبقِيَهُ تَحْتَ الحِرَاسَةِ مَعَ مَنحِهِ بَعْضَ الحُرِّيَّةِ. كَمَا أمَرَهُ بِأنْ لَا يُمنَعَ أصدِقَاءُ بُولُسَ مِنَ الاهْتِمَامِ بِحَاجَاتِهِ. وَبَعْدَ عِدَّةِ أيَّامٍ جَاءَ فِيلِكسُ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ دُرُوسِّلَا. وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ يَهُودِيَّةً. فَاسْتُدْعِيَ بُولُسُ، وَاستَمَعَ فِيلِكسُ إلَيْهِ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ إيمَانِهِ بِالمَسِيحِ يَسُوعَ. لَكِنْ بَيْنَمَا كَانَ بُولُسُ يَتَحَدَّثُ عَنِ البِرِّ وَضَبْطِ النَّفسِ وَالدَّينُونَةِ الآتِيَةِ، خَافَ فِيلِكسُ وَقَالَ لِبُولُسَ: «انصَرِفِ الآنَ، وَحِينَ تُتَاحُ لِي فُرصَةٌ سَأستَدْعِيكَ.» وَكَانَ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ يَأْمَلُ أنْ يُعطِيَهُ بُولُسُ رِشْوَةً مَالِيَّةً. فَكَانَ يَسْتَدْعِيهِ كَثِيرًا وَيَتَحَدَّثُ إلَيْهِ. وَبَعْدَ مُرُورِ عَامَينِ، خَلَفَهُ بُورْكيُوسَ فِسْتُوسَ وَالِيًا. وَتَرَكَ فِيلِكسُ بُولُسَ مَسجُونًا، لِأنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أنْ يُرضِيَ اليَهُودَ. وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِنْ وُصُولِ فِستُوسَ إلَى الوِلَايَةِ، جَاءَ مِنْ مَدِينَةِ قَيصَرِيَّةَ إلَى القُدْسِ. وَعَرَضَ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَقَادَةُ اليَهُودِ أمَامَ فِستُوسَ اتِّهَامَاتِهِمْ ضِدَّ بُولُسَ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أنْ يَصْنَعَ مَعَهُمْ مَعْرُوفًا بِأنْ يُرسِلَ بُولُسَ إلَى القُدْسِ. إذْ كَانُوا يَتَآمَرُونَ لِقَتلِهِ فِي الطَّرِيقِ. فَأجَابَ فِسْتُوسُ بِأنَّ بُولُسَ مُحتَجَزٌ فِي قَيصَرِيَّةَ. وَقَالَ إنَّهُ سَيَذْهَبُ هُوَ نَفْسُهُ إلَى قَيصَرِيَّةَ قَرِيبًا. وَقَالَ: «لِيَأْتِ بَعْضُ قَادَتِكُمْ مَعِي، وَلْيَعْرِضُوا تُهَمَهُمْ ضِدَّ بُولُسَ إنْ كَانَ قَدْ أسَاءَ.» وَبَعْدَ أنْ قَضَى فِستُوسُ ثَمَانِيَةَ أوْ عَشْرَةَ أيَّامٍ مَعَهُمْ، عَادَ إلَى قَيصَرِيَّةَ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي جَلَسَ عَلَى كُرسِيِّهِ فِي المَحْكَمَةِ، وَأمَرَ بِإحضَارِ بُولُسَ. فَلَمَّا جَاءَ بُولُسُ، وَقَفَ حَوْلَهُ اليَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مِنَ القُدْسِ، وَاشتَكَوا عَلَيْهِ بِتُهَمٍ كَثِيرَةٍ خَطِيرَةٍ عَجِزُوا عَنْ إثبَاتِهَا. أمَّا بُولُسُ فَدَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ: «مَا أسَأتُ بِشَيءٍ إلَى شَرِيعَةِ اليَهُودِ أوِ الهَيْكَلِ أوِ القَيصَرِ.» لَكِنَّ فِستُوسَ أرَادَ أنْ يُرضِيَ اليَهودَ، فَقَالَ لِبُولُسَ: «أتُرِيدُ أنْ تَذْهَبَ إلَى القُدْسِ لِتُحَاكَمَ عَلَى هَذِهِ التُّهَمِ هُنَاكَ أمَامِي؟» فَقَالَ بُولُسُ: «يَنْبَغِي أنْ أمثُلَ أمَامَ مَحكَمَةِ القَيصَرِ، فَهُنَاكَ يَنْبَغِي أنْ أُحَاكَمَ. وَأنَا لَمْ أُسِئْ إلَى اليَهُودِ بِشَيءٍ، كَمَا تَعْرِفُ أنْتَ جَيِّدًا. فَإنْ كُنْتُ مُذْنِبًا وَأستَحِقُّ عُقُوبَةَ المَوْتِ، فَإنِّي لَا أسعَى إلَى الهُروبِ مِنَ المَوْتِ. لَكِنْ إنْ لَمْ تَكُنِ التُّهَمُ الَّتِي يُوَجِّهُهَا إلَيَّ هَؤُلَاءِ صَحِيحَةً، فَلَا يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يُسَلِّمَنِي إلَيْهِمْ. فَأنَا أرفَعُ قَضِيَّتِي إلَى القَيصَرِ.» وبَعدَ أنْ شَاوَرَ فِسْتوسُ مَجلِسَهُ، قَالَ: «رَفَعْتَ قَضِّيَتَكَ إلَى القَيصَرِ، فَإلَى القَيصَرِ تَذْهَبُ.» وَبَعْدَ مُرُورِ عِدَّةِ أيَّامٍ وَصَلَ المَلِكُ أغرِيبَاسُ وَبَرْنِيكِي إلَى قَيصَرِيَّةَ لِلتَّرحِيبِ بِفِستُوسَ. وَبَعْدَ أنْ قَضَيَا هُنَاكَ عِدَّةَ أيَّامٍ، شَرَحَ فِسْتُوسُ قَضِيَّةَ بُولُسَ لِلمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: «هُنَا رَجُلٌ تَرَكَهُ فِيلِكسُ سَجِينًا. وَعِنْدَمَا كُنْتُ فِي القُدْسِ، عَرَضَ عَلَيَّ كِبَارُ الكَهَنَةِ وَشُيُوخُ اليَهُودِ دَعوَاهُمْ عَلَيْهِ. وَطَلَبُوا مِنِّي أنْ أُدِينَهُ. فَقُلْتُ لَهُمْ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الرُّومَانِ أنْ يُسَلِّمُوا شَخْصًا قَبْلَ أنْ تَتِمَّ المُواجَهَةُ بَيْنَ المُشتَكَى عَلَيْهِ وَالمُشتَكِينَ. وَيَنْبَغِي أنْ يُعْطَى المُشتَكَى عَلَيْهِ فُرصَةً لِلدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ ضِدَّ التُّهمَةِ المُوَجَّهَةِ إلَيْهِ. «فَلَمَّا جَاءُوا هُنَا مَعِي، لَمْ أتَأخَّرْ فِي النَّظَرِ فِي القَضِيَّةِ. بَلْ جَلَسْتُ فِي اليَوْمِ التَّالِي عَلَى كُرسِيِّ القَضَاءِ، وَأمَرتُ بِإحضَارِ الرَّجُلِ. «وَلَمَّا وَقَفَ الَّذِينَ اتَّهَمُوهُ لِيَتَحَدَّثُوا ضِدَّهُ، لَمْ يَتَّهِمُوهُ بِأيٍّ مِنَ الجَرَائِمِ الَّتِي تَوَقَّعتُهَا. بَلْ تَجَادَلُوا مَعَهُ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِدِيَانَتِهِمْ، وَتَتَعَلَّقُ بِشَخْصٍ مَا اسْمُهُ يَسُوعُ. وَيَسُوعُ هَذَا مَاتَ، لَكِنَّ بُولُسَ يَزْعُمُ أنَّهُ حَيٌّ. فَاحْتَرْتُ فِي كَيفِيَّةِ التَّحقِيقِ فِي هَذِهِ الأُمُورِ. فَسَألتُهُ إنْ كَانَ يَوَدُّ أنْ يَذْهَبَ إلَى القُدْسِ وَيُحَاكَمَ هُنَاكَ عَلَى هَذِهِ التُّهَمِ. لَكِنْ عِنْدَمَا طَلَبَ بُولُسُ أنْ يَبْقَى مَحجُوزًا فِي قَيصَرِيَّةَ فِي انتِظَارِ قَرَارِ الإمبرَاطُورِ، أمَرتُ بِأنْ يَبْقَى مَحجُوزًا إلَى أنْ أتَمَكَّنَ مِنْ إرسَالِهِ إلَى القَيصَرِ.» فَقَالَ أغرِيبَاسُ لِفِستُوسَ: «أوَدُّ أنْ أستَمِعَ إلَى هَذَا الرَّجُلِ بِنَفْسِي.» فَقَالَ فِستُوسُ: «سَتَسْتَمِعُ إلَيْهِ غَدًا.» وَهَكَذَا جَاءَ أغرِيبَاسُ وَبَرنِيكِي فِي اليَوْمِ التَّالِي فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَدَخَلَا إلَى قَاعَةِ المُقَابَلَاتِ مَعَ قَادَةِ الجَيْشِ وَوُجَهَاءِ المَدِينَةِ. وَأصدَرَ فِستُوسُ أمرَهُ، فَأُحضِرَ بُولُسُ. ثُمَّ قَالَ فِستُوسُ: «أيُّهَا المَلِكُ أغرِيبَاسُ، وَيَا كُلَّ الحَاضِرِينَ مَعَنَا، أنْتُمْ تَرَوْنَ هَذَا الرَّجُلَ. لَقَدْ قَدَّمَ إلَيَّ كُلُّ اليَهُودِ فِي القُدْسِ وَهُنَا أيْضًا طَلَبًا بِشَأنِهِ. وَهُمْ يَصْرُخُونَ وَيَقُولُونَ إنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يَمُوتَ. لَكِنِّي وَجَدتُ أنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ المَوْتَ. وَبِمَا أنَّهُ رَفَعَ قَضِيَّتَهُ إلَى القَيصَرِ، فَقَدْ قَرَّرتُ أنْ أُرسِلَهُ إلَيْهِ. لَكِنْ لَا يُوجَدُ عِندِي شَيءٌ مُحَدَّدٌ أكتُبُهُ لِلإمبرَاطُورِ بِشَأنِهِ. وَلِهَذَا أحضَرتُهُ أمَامَكُمْ، وَأمَامَكَ أنْتَ أيُّهَا المَلِكُ أغرِيبَاسُ بِشَكلٍ خَاصٍّ. وَأنَا آمُلُ أنْ يَكُونَ لَدَيَّ بَعْدَ هَذَا التَّحقِيقِ مَا أكتُبُهُ. إذْ لَا يَبْدُو لِي أمْرًا مَعقُولًا أنْ أُرسِلَ سَجِينًا دُونَ تَحْدِيدِ التُّهَمِ المُوَجَّهَةِ إلَيْهِ.» فَقَالَ أغرِيبَاسُ لِبُولُسَ: «آذَنُ لَكَ بِأنْ تَتَحَدَّثَ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِكَ.» فَمَدَّ بُولُسُ يَدَهُ وَبَدَأ دِفَاعَهُ فَقَالَ: «أيُّهَا المَلِكُ أغرِيبَاسُ، أنَا مَسرُورٌ لِأنِّي سَأُقَدِّمُ أمَامَكَ أنْتَ اليَوْمَ دِفَاعِي ضِدَّ كُلِّ الأُمُورِ الَّتِي يَتَّهِمُنِي بِهَا اليَهُودُ. فَأنْتَ مُطَّلِعٌ اطِّلَاعًا وَاسِعًا عَلَى كُلِّ التَّقَالِيدِ وَالمُجَادَلَاتِ اليَهُودِيَّةِ. وَلِهَذَا فَإنِّي أرْجُو أنْ تَسْتَمِعَ إلَيَّ بِصَبرٍ. «يَعْرِفُ كُلُّ اليَهُودِ كَيْفَ عِشتُ مُنْذُ أوَّلِ شَبَابِي فِي بَلَدِي وَفِي القُدْسِ أيْضًا. فَهُمْ يَعْرِفُونَنِي مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَيَسْتَطِيعُونَ أنْ يَشْهَدُوا، إذَا أرَادُوا، أنِّي عِشتُ فِرِّيسِيًّا، وَأنِّي كُنْتُ مُلْتَزِمًا بِأكثَرِ مَذَاهِبِ دِينِنَا صَرَامَةً. وَأنَا أقِفُ هُنَا الآنَ لِلمُحَاكَمَةِ لِأنَّ عِندِي رَجَاءٌ فِي الوَعدِ الَّذِي قَطَعَهُ اللهُ لآبَائِنَا. إنَّهُ الوَعدُ الَّذِي تَرْجُو قَبَائِلُنَا الاثْنَتَا عَشَرةَ أنْ تَنَالَهُ، وَهِيَ تَخْدِمُ اللهَ لَيلَ نَهَارٍ. وَبِسَبَبِ رَجَائِي هَذَا، أيُّهَا المَلِكُ، يُوَجِّهُ إلَيَّ اليَهُودُ التُّهَمَ. فَلِمَاذَا يَعْتَبِرُ أيٌّ مِنْكُمْ إقَامَةَ اللهِ لِلأمْوَاتِ أمْرًا لَا يُصَدَّقُ؟ «وَقَدِ اعتَقَدتُ أنَا أيْضًا فِي المَاضِي أنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيَّ أنْ أفعَلَ كُلَّ مَا يُمكِنُنِي ضِدَّ اسْمِ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ. وَهَذَا هُوَ مَا فَعَلتُهُ فِي القُدْسِ. إذْ وَضَعتُ كَثِيرِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ فِي السِّجْنِ، بَعْدَ أنْ أخَذتُ تَفْوِيضًا بِذَلِكَ مِنْ كِبَارِ الكَهَنَةِ. وَحِينَ كَانَ يُحكَمُ عَلَيْهِمْ بِالمَوْتِ كُنْتُ أُصَوِّتُ ضِدَّهُمْ. وَكَثِيرًا مَا كُنْتُ أُعَاقِبُهُمْ فِي المَجَامِعِ. كَمَا حَاوَلتُ أنْ أُجبِرَهُمْ عَلَى شَتمِ يَسُوعَ. كُنْتُ نَاقِمًا عَلَيْهِمْ إلَى حَدٍّ كَبيرٍ حَتَّى إنِّي ذَهَبتُ إلَى مُدُنٍ أجنَبِيَّةٍ لَاضطِهَادِهِمْ. «وَأثنَاءَ أحَدِ أسفَارِي هَذِهِ، كُنْتُ ذَاهِبًا إلَى دِمَشقَ، بِسُلطَةٍ وَتَفْوِيضٍ مِنْ كِبَارِ الكَهَنَةِ. وَعِنْدَ الظُّهرِ، وَبَيْنَمَا كُنْتُ عَلَى الطَّرِيقِ، رَأيْتُ أيُّهَا المَلِكُ نُورًا مِنَ السَّمَاءِ. وَكَانَ النُّورُ أكْثَرَ سُطُوعًا مِنَ الشَّمْسِ يُضِيءُ حَولِي وَحَولَ الَّذِينَ كَانُوا مَعِي. فَوَقَعنَا جَمِيعًا عَلَى الأرْضِ. وَسَمِعتُ صَوْتًا يَقُولُ بِاللُّغَةِ الأرَامِيَّةِ: ‹يَا شَاوُلُ، يَا شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ أنْتَ تُؤذِي نَفْسَكَ إذْ تُحَاوِلُ أنْ تُؤذِيَنِي.› «فَقُلْتُ: ‹مَنْ أنْتَ يَا سَيِّدُ؟› فَقَالَ لِي: ‹أنَا يَسُوعُ الَّذِي أنْتَ تَضْطَهِدُهُ. لَكِنِ انْهَضْ وَقِفْ عَلَى قَدَمَيكَ. فَقَدْ ظَهَرتُ لَكَ لِكَي أُعَيِّنَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا لِمَا رَأيْتَ مِنِّي وَلِمَا سَأُرِيكَ. وَسَأُنقِذُكَ مِنَ اليَهُودِ وَمِنْ غَيْرِ اليَهُودِ الَّذِينَ سَأُرْسِلُكَ إلَيْهِمْ. سَأُرْسِلُكَ إلَيْهِمْ لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ وَتَرُدَّهُمْ مِنَ الظُّلمَةِ إلَى النُّورِ، وَمِنْ سُلطَانِ إبْلِيسَ إلَى اللهِ. فَأنَا أُرِيدُهُمْ أنْ يَنَالُوا غُفرَانًا لِخَطَايَاهُمْ وَمَكَانًا بَيْنَ الَّذِينَ تَقَدَّسُوا بِالإيمَانِ بِي.› «وَأنَا لَمْ أعْصِ هَذِهِ الرُّؤيَا السَّمَاوِيَّةَ، أيُّهَا المَلِكُ أغرِيبَاسُ، بَلْ بَشَّرتُ أوَّلًا فِي دِمَشقَ، ثُمَّ فِي القُدْسِ وَفِي جَمِيعِ أنْحَاءِ اليَهُودِيَّةِ. كَمَا بَشَّرتُ غَيْرَ اليَهُودِ وَحَثَثْتُهُمْ عَلَى أنْ يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إلَى اللهِ وَيَعْمَلُوا أعْمَالًا تَدُلُّ عَلَى تَوْبَتِهِمْ. «وَلِهَذَا السَّبَبِ، أمسَكَ بِي اليَهُودُ وَأنَا فِي سَاحَةِ الهَيْكَلِ، وَحَاوَلُوا أنْ يَقْتُلُونِي. لَكِنَّ اللهَ أعَانَنِي حَتَّى هَذَا اليَوْمِ. وَهَكَذَا فَإنِّي أقِفُ هُنَا لِأشهَدَ لِلنَّاسِ جَمِيعًا، صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ. وَلَا أقُولُ سِوَى مَا سَبَقَ وَأنْ تَنَبَّأ بِهِ الأنْبِيَاءُ وَمُوسَى: أنَّ المَسِيحَ سَيَتَألَّمُ، وَسَيَكُونُ أوَّلَ مَنْ يَقُومُ مِنَ المَوْتِ، وَأنَّهُ سَيُعلِنُ النُّورَ لِليَهُودِ وَلِغَيرِ اليَهُودِ.» وَبَيْنَمَا كَانَ بُولُسُ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ بِهَذِهِ الأقْوَالِ، قَالَ فِستُوسُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: «يَا بُولُسُ، أنْتَ مَجنُونٌ! الكُتُبُ الَّتِي تَقْرَأُهَا تَسُوقُكَ إلَى الجُنُونِ!» فَأجَابَ بُولُسُ: «لَسْتُ مَجنُونًا يَا صَاحِبَ السَّعَادَةِ، بَلْ إنَّ الأشْيَاءَ الَّتِي أقُولُهَا صَحِيحَةٌ وَمَعقُولَةٌ. وَالمَلِكُ عَارِفٌ بِهَذِهِ الأُمُورِ. لِهَذَا يُمكِنُنِي أنْ أتَحَدَّثَ إلَيْهِ بِحُرِّيَّةٍ. وَأنَا وَاثِقٌ مِنْ أنَّهُ يَعْرِفُ هَذِهِ الأُمُورَ كُلَّهَا، لِأنَّ مَا حَدَثَ لَمْ يَحْدُثْ فِي مَكَانٍ مُنعَزِلٍ. أيُّهَا المَلِكُ أغرِيبَاسُ، أتُؤمِنُ بِمَا كَتَبَهُ الأنْبِيَاءُ؟ أنَا أعْلَمُ أنَّكَ تُؤمِنُ.» فَقَالَ أغرِيبَاسُ لِبُولُسَ: «أتَظُنُّ أنَّكَ تَسْتَطِيعُ أنْ تُقنِعَنِي بِأنْ أكُونَ مَسِيحِيًّا فِي هَذِهِ المُدَّةِ القَصِيرَةِ؟» فَأجَابَ بُولُسُ: «سَوَاءٌ أفِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ أمْ طَوِيلَةٍ، فَإنِّي أُصَلِّي أنْ تُصبِحَ مِثْلِي. لَا أنْتَ فَقَطْ، بَلْ كُلُّ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ إلَيَّ اليَوْمَ. أُصَلِّي أنْ تُصبِحُوا مِثْلِي فِي كُلِّ شَيءٍ مَا عَدَا هَذِهِ السَّلَاسِلِ.» فَقَامَ المَلِكُ وَالوَالِي وَبَرنِيكِي وَكُلُّ الجَالِسِينَ مَعَهُمْ. وَبَعْدَ أنْ غَادَرُوا القَاعَةَ، كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَقُولُونَ: «لَمْ يَفْعَلْ هَذَا الرَّجُلُ مَا يَسْتَحِقُّ عُقُوبَةَ المَوْتِ أوِ الحَبسِ.» وَقَالَ أغرِيبَاسُ لِفِستُوسَ: «كَانَ يُمْكِنُ إطلَاقُ سَرَاحِ هَذَا الرَّجُلِ، لَولَا أنَّهُ رَفَعَ قَضِيَّتَهُ إلَى القَيصَرِ.» ثُمَّ تَقَرَّرَ أنْ نُبحِرَ إلَى إيطَاليَا. حينَئِذٍ تَمَّ تَسْلِيمُ بُولُسَ وَبَعْضِ السُّجَنَاءِ الآخَرِينَ إلَى ضَابِطٍ رومَانيٍّ اسْمُهُ يُوليُوسُ، مِنْ فِرقَةٍ عَسْكَريَّةٍ تَابِعِةٍ للإمبرَاطُورِ. فَرَكِبنَا سَفِينَةً قَادِمَةً مِنْ مَدِينَةِ أدرَامِيتَ تُوشِكُ عَلَى الإبحَارِ إلَى المَوَانِئِ الَّتِي عَلَى امْتِدَادِ سَاحِلِ أسِيَّا. وَانطَلَقنَا، وَكَانَ مَعَنَا أرِستَرْخُسُ، وَهُوَ مَكدُونِيٌّ مِنْ تَسَالُونِيكِي. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، رَسَونَا فِي صَيدَا. وَكَانَ يُوليُوسُ لَطِيفًا فِي مُعَامَلَتِهِ لِبُولُسَ، وَسَمَحَ لَهُ بِأنْ يَذْهَبَ إلَى أصدِقَائِهِ لِكَي يَهْتَمُّوا بِحَاجَاتِهِ. وَمِنْ هُنَاكَ انطَلَقنَا وَأبحَرْنَا مُحتَمِينَ بِشَوَاطِئِ قُبرُصَ، لِأنَّ الرِّيَاحَ كَانَتْ ضِدَّنَا. وَأبحَرْنَا مُقَابِلَ كِيلِيكِيَّةَ وَبَمفِيلِيَةَ، وَوَصَلنَا إلَى مِيرَا فِي لِيكِيَّةَ. وَهُنَاكَ وَجَدَ الضَّابِطُ سَفِينَةً إسكَندَرِيَّةً مُبحِرَةً إلَى إيطَاليَا، فَوَضَعَنَا عَلَى ظَهرِهَا. وَأبحَرْنَا بِبُطءٍ عِدَّةَ أيَّامٍ. وَوَصَلنَا بِصُعُوبَةٍ إلَى مُقَابِلِ كِنِيدُسَ. لَكِنَّ الرِّيحَ لَمْ تَسْمَحْ لَنَا بِالمُحَافَظَةِ عَلَى مَسَارِنَا إلَى كِنِيدَسَ، فَأبحَرْنَا مُحتَمِينَ بِجَزِيرَةِ كرِيتَ مُقَابِلَ سَلمُونِي. وَأبحَرْنَا بِصُعُوبَةٍ عَلَى طُولِ سَاحِلِهَا، حَتَّى وَصَلنَا إلَى مَكَانٍ يُدْعَى «المَرَافِئَ الآمِنَةَ» قُرْبَ بَلْدَةِ لَسَائِيَّةَ. وَكَانَ وَقْتٌ كَثِيرٌ قَدْ ضَاعَ. فَقَدْ مَضَى عِيدُ الصَّومِ وَكَانَ الإبحَارُ قَدْ أصبَحَ خَطِرًا، فَحَذَّرَهُمْ بُولُسُ وَقَالَ: «أيُّهَا الرِّجَالُ، أرَى كَارِثَةً فِي انتِظَارِ رِحلَتِنَا، وَأنَّنَا سَنَخسَرُ الكَثِيرَ، لَا فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالحُمُولَةِ وَالسَّفِينَةِ فَحَسْبُ، بَلْ حَيَاتِنَا أيْضًا.» لَكِنَّ الضَّابِطَ اقتَنَعَ بِكَلَامِ قُبطَانِ السَّفِينَةِ وَصَاحِبِهَا، وَلَمْ يُصغِ إلَى مَا قَالَهُ بُولُسُ. وَبِمَا أنَّ المِينَاءَ لَمْ يَكُنْ مُنَاسِبًا لِقَضَاءِ الشِّتَاءِ، قَرَّرَ أغلَبُهُمْ أنْ يَنْطَلِقُوا إلَى البَحْرِ مِنْ هُنَاكَ. فَقَدْ كَانُوا يُرِيدُونَ أنْ يُحَاوِلُوا الوُصُولَ إلَى فِينِكسَ إنْ أمكَنَ، لِيَقْضوا الشِّتَاءَ هُنَاكَ. وَفِينِكسُ هِيَ مِينَاءٌ فِي جَزِيرَةِ كرِيتَ يُواجِهُ الجَنُوبَ الغَربِيَّ وَالشِّمَالَ الغَربِيَّ. وَعِنْدَمَا بَدَأتْ تَهُبُّ رِيحٌ جَنُوبِيَّةٌ لَطِيفَةٌ، اعتَقَدُوا أنَّهُمْ نَالُوا مُرَادَهُمْ. فَرَفَعُوا مِرسَاةَ السَّفِينَةِ، وَأبحَرُوا عَلَى طُولِ سَاحِلِ كرِيتَ. لَكِنْ لَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى اجتَاحَتهُمْ مِنَ الجَزِيرَةِ رِيحٌ أشبَهُ بِالإعْصَارِ تُسَمَّى «الشِّمَالِيَّةَ الشَّرقِيَّةَ.» فَعَلِقَتِ السَّفِينَةُ فِي هَذَا الإعْصَارِ. وَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنَ التَّقَدُّمِ بِاتِّجَاهِ الرِّيحِ، فَاسْتَسْلَمنَا لَهَا، فَصَارَتْ تَقُودُنَا. وَبَيْنَمَا كُنَّا نُبحِرُ مُحتَمِينَ بِجَزِيرَةٍ صَغِيرَةٍ اسْمُهَا كَلَوْدِي، تَمَكَّنَّا بِصُعُوبَةٍ مِنْ تَأْمِينِ قَارِبِ النَّجَاةِ. فَلَمَّا رَفَعُوهُ، استَخْدَمُوا حِبَالًا لِتَثْبِيتِ السَّفِينَةِ. وَلِأنَّهُمْ خَافُوا أنْ يُصدَمُوا بِرِمَالِ سِيترِسَ، أنزَلُوا المِرسَاةَ. وَتَرَكُوا السَّفِينَةَ لِلأموَاجِ تَسُوقُهَا كَيفَمَا تَشَاءُ. وَلِأنَّ العَاصِفَةَ كَانَتْ تَضْرِبُنَا بِعُنفٍ شَدِيدٍ، بَدَأُوا فِي اليَوْمِ التَّالِي بِإلقَاءِ الحُمُولَةِ مِنْ عَلَى ظَهرِ السَّفِينَةِ. وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ رَمَوْا عُدَّةَ السَّفِينَةِ إلَى البَحْرِ بِأيدِيهِمْ. وَلَمْ تَظْهَرِ الشَّمْسُ وَلَا النُّجُومُ أيَّامًا كَثِيرَةً. وَكَانَتِ العَاصِفَةُ تُواجِهُنَا بِشِدَّةٍ. وَأخِيرًا فَقَدنَا كُلَّ أمَلٍ بِإمكَانِيَّةِ النَّجَاةِ. وَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ قَدْ أكَلَ شَيْئًا مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ. فَوَقَفَ بُولُسُ أمَامَهُمْ وَقَالَ: «أيُّهَا الرِّجَالُ، كَانَ عَلَيْكُمْ أنْ تَأْخُذُوا بِنَصِيحَتِي بِعَدَمِ الإبحَارِ مِنْ كرِيتَ، فَلَو أنَّكُمْ فَعَلْتُمْ هَذَا لَتَجَنَّبتُمْ هَذَا الضَّرَرَ وَهَذِهِ الخَسَارَةَ. لَكِنِّي الآنَ أحُثُّكُمْ عَلَى أنْ تَتَشَجَّعُوا لِأنَّهُ مَا مِنْ أحَدٍ مِنْكُمْ سَيَفْقِدُ حَيَاتَهُ، وَلَنْ نَفْقِدَ إلَّا السَّفِينَةَ. فَفِي اللَّيلَةِ المَاضِيَةِ وَقَفَ إلَى جَانِبِي مَلَاكٌ مِنْ عِندِ اللهِ الَّذِي أنتَمِي إلَيْهِ وَأخدِمُهُ، وَقَالَ لِي: ‹لَا تَخَفْ يَا بُولُسُ، إذْ يَنْبَغِي أنْ تَقِفَ أمَامَ القَيصَرِ. وَاللهُ يَعِدُكَ بِأنْ يَحْفَظَ حَيَاةَ جَمِيعِ الَّذِينَ مَعَكَ.› فَتَشَجَّعُوا أيُّهَا الرِّجَالُ فَلِي إيمَانٌ بِاللهِ بِأنَّ الأُمُورَ سَتَحْدُثُ تَمَامًا كَمَا قِيلَ لِي. لَكِنْ لَا بُدَّ أنْ نَرسُوَ عَلَى جَزِيرَةٍ مَا.» وَلَمَّا جَاءَتِ اللَّيلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، كَانَتِ الرِّيَاحُ تَدْفَعُنَا هُنَا وَهُنَاكَ فِي بَحرِ أدرِيَا. وَنَحْوَ مُنْتَصَفِ اللَّيلِ أحَسَّ البَحَّارَةُ أنَّ اليَابِسَةَ كَانَتْ قَرِيبَةً. فَأخَذُوا قِيَاسَ عُمقِ المَاءِ فَوَجَدُوا أنَّهُ نَحْوَ عِشْرِينَ قَامَةً، وَبَعْدَ فَترَةٍ قَصِيرَةٍ قَاسُوهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَوَجَدُوهُ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ قَامَةً. وَإذْ كَانُوا يَخْشَونَ أنْ نَصطَدِمَ بِسَاحِلٍ صَخْريٍّ، ألقَوْا أرْبَعَ مَرَاسٍ مِنْ خَلفِ السَّفِينَةِ، وَصَلُّوا أنْ يَطْلَعَ النَّهَارُ عَلَيْهِمْ. وَحَاوَلَ البَحَّارَةُ أنْ يهرُبُوا مِنَ السَّفِينَةِ. فَأنزَلُوا قَارِبَ النَّجَاةِ إلَى البَحْرِ، مُتَظَاهِرِينَ بِأنَّهُمْ سَيُنزِلُونَ بَعْضَ المَرَاسِي مِنَ الجِهَةِ الأمَامِيَّةِ لِلسَّفِينَةِ. لَكِنَّ بُولُسَ قَالَ لِلضَّابِطِ وَلِلجُنُودِ: «إذَا لَمْ يَبْقَ هَؤُلَاءِ عَلَى ظَهرِ السَّفِينَةِ، فَلَنْ تَتَمَكَّنُوا أنْتُمْ مِنَ النَّجَاةِ.» فَقَطَعَ الجُنُودُ حِبَالَ قَارِبِ النَّجَاةِ وَتَرَكُوهُ يَسْقُطُ. وَقَبْلَ طُلُوعِ النَّهَارِ، حَثَّهُمْ بُولُسُ جَمِيعًا عَلَى أنْ يَتَنَاوَلُوا بَعْضَ الطَّعَامِ فَقَالَ: «هَذَا هُوَ اليَوْمُ الرَّابِعَ عَشَرَ الَّذِي انتَظَرتُمْ فِيهِ فِي قَلَقٍ دُونَ طَعَامٍ، وَلَمْ تَأْكُلُوا شَيْئًا. أمَّا الآنَ، فَإنِّي أحُثُّكُمْ عَلَى تَنَاوُلِ بَعْضِ الطَّعَامِ لِأنَّكُمْ تَحتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أجْلِ نَجَاتِكُمْ. فَلَنْ تَسْقُطَ شَعرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ رَأسِ وَاحِدٍ مِنْكُمْ.» وَبَعْدَ أنْ قَالَ هَذَا، أخَذَ بَعْضَ الخُبْزِ، وَشَكَرَ اللهَ أمَامَهُمْ جَمِيعًا، ثُمَّ قَسَمَهُ وَبَدَأ يَأْكُلُ. فَتَشَجَّعُوا كُلُّهُمْ، وَتَنَاوَلُوا هُمْ أنْفُسُهُمْ بَعْضَ الطَّعَامِ. وَكَانَ مَجْمُوعُنَا فِي السَّفِينَةِ مِئَتَيْنِ وَسِتَّةً وَسَبعِينَ شَخْصًا. وَبَعْدَ أنْ تَنَاوَلُوا مَا يَكْفِي مِنَ الطَّعَامِ، خَفَّفُوا حِملَ السَّفِينَةِ بِأنْ ألقَوْا الحُبُوبَ فِي البَحْرِ. وَلَمَّا طَلَعَ النَّهَارُ، لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يُمَيِّزُوا الأرْضَ الَّتِي اقْتَرَبُوا مِنْهَا، لَكِنَّهُمْ لَاحَظُوا خَلِيجًا لَهُ شَاطِئٌ، فَقَرَّرُوا أنْ يُحَاوِلُوا تَوجِيهَ السَّفِينَةِ إليهِ. فَحَلُّوا المَرَاسِيَ وَتَرَكُوهَا تَسْقُطُ فِي البَحْرِ، وَحَلُّوا الحِبَالَ الَّتِي تُمسِكُ بِدَفَّتَي السَّفِينَةِ. ثُمَّ رَفَعُوا الشِّرَاعَ الأمَامِيَّ فِي وَجْهِ الرِّيحِ لِكَي تَدْفَعَهُمْ إلَى الشَّاطِئِ. لَكِنَّهُم ارتَطَمُوا بِمُرتَفَعٍ رَملِيٍّ، فَغَرَزَتِ السَّفِينَةُ فِيهِ، فَعَلِقَتْ مُقَدَّمَتُهَا وَوَقَفَتْ دُونَ حِرَاكٍ. وَكَانَ الجُزءُ الخَلفِيُّ مِنَ السَّفِينَةِ يَتَكَسَّرُ تَحْتَ قُوَّةِ الأموَاجِ. فَخَطَّطَ الجُنُودُ لِقَتلِ السُّجَنَاءِ لِئَلَّا يَسْبَحُوا بَعِيدًا وَيَهْرُبُوا. لَكِنَّ الضَّابِطَ أرَادَ أنْ يُنقِذَ بُولُسَ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ تَنْفِيذِ خُطَّتِهِمْ. فَأمَرَ القَادِرِينَ عَلَى السِّبَاحَةِ بِأنْ يَقْفِزُوا مِنْ فَوقِ السَّفِينَةِ أوَّلًا وَيَتَّجِهُوا إلَى البَرِّ. أمَّا البَقِيَّةُ فَكَانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَصِلُوا إلَى البَرِّ عَلَى ألوَاحٍ خَشَبِيَّةٍ أوْ عَلَى قِطَعٍ مِنَ السَّفِينَةِ. وَهَكَذَا وَصَلَ الجَمِيعُ إلَى البَرِّ سَالِمِينَ. وَبَعْدَ أنْ خَرَجنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ سَالِمِينَ، عَلِمنَا أنَّ الجَزِيرَةَ تُدعَى مَالْطَةَ. وَقَدْ أظْهَرَ لَنَا أهْلُ الجَزِيرَةِ لُطْفًا غَيْرَ عَادِيٍّ. فَرَحَّبُوا بِنَا جَمِيعًا، وَأشعَلُوا لَنَا نَارًا لِأنَّ السَّمَاءَ بَدَأتْ تُمطِرُ وَكَانَ الجَوُّ بَارِدًا. وَجَمَعَ بُولُسُ كَومَةً مِنَ العِصِيِّ، وَرَاحَ يَضَعُهَا عَلَى النَّارِ. فَخَرَجَتْ أفعَى سَامَّةٌ بِسَبَبِ الحَرِّ، وَالتَفَّتْ عَلَى يَدِهِ. فَلَمَّا رَأى سُكَّانُ الجَزِيرَةِ الأفعَى مُدَلَّاةً مِنْ يَدِهِ، قَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَا بُدَّ أنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَاتِلٌ، فَمَعْ أنَّهُ نَجَا مِنَ البَحْرِ، إلَّا أنَّ ‹العَدْلَ› لَنْ يَسْمَحَ لَهُ بِأنْ يَعِيشَ.» أمَّا بُولُسُ فَنَفَضَ الأفعَى مِنْ يَدِهِ إلَى النَّارِ، وَلَمْ يُصِبهُ أيُّ أذَىً. فَتَوَقَّعُوا أنْ يَتَوَرَّمَ أوْ أنْ يَسْقُطَ مَيِّتًا، لَكِنَّهُمْ بَعْدَ انتِظَارٍ طَوِيلٍ لَمْ يَرَوْا شَيْئًا غَيْرَ عَادِيٍّ يَحْدُثُ لَهُ. فَغَيَّرُوا رَأيَهُمْ وَقَالُوا إنَّهُ إلَهٌ! وَكَانَتْ قُرْبَ ذَلِكَ المَكَانِ حُقُولٌ لِرَجُلٍ اسْمُهُ بُوبلِيُوسَ، وَهُوَ أحَدُ وُجَهَاءِ تِلْكَ المِنْطَقَةِ. فَرَحَّبَ بِنَا فِي بَيْتِهِ، وَاستَضَافَنَا بِكُلِّ كَرَمٍ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ. وَكَانَ وَالِدُ بُوبلِيُوسَ طَرِيحَ الفِرَاشِ، مُصَابًا بِحُمَّى وَإسْهَالٍ دَامٍ. فَدَخَلَ بُولُسُ لِيَزُورَهُ. وَبَعْدَ أنْ صَلَّى، وَضَعَ يَدَيهِ عَلَيْهِ وَشَفَاهُ. فَلَمَّا حَدَثَ هَذَا، جَاءَ بِقِيَّةُ المَرْضَى فِي الجَزِيرَةِ وَشُفُوا. وَأكرَمُونَا بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ. وَلَمَّا أبحَرْنَا زَوَّدُونَا بِمَا نَحتَاجُ. وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أشهُرٍ، أبْحَرْنَا فِي سَفِينَةٍ إسكَندَرِيَّةٍ كَانَتْ قَدْ قَضَتِ الشِّتَاءَ فِي الجَزِيرَةِ. وَكَانَ فِي مُقَدِّمَتِهَا عَلَامَةُ الْجَوزَاءِ: «الإلَهَانِ التَّوأمَانِ.» فَوَصَلْنَا إلَى سِرَاكُوستَا وَمَكَثنَا هُنَاكَ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ. وَمِنْ هُنَاكَ أبحَرْنَا وَوَصَلْنَا إلَى رِيغُونَ. وَبَعْدَ يَوْمٍ وَاحِدٍ هَبَّتْ رِيحٌ جَنُوبِيَّةٌ، وَفِي اليَوْمِ التَّالِي وَصَلْنَا إلَى بُوطِيُولِي. وَهُنَاكَ عَثَرنَا عَلَى بَعْضِ الإخوَةِ، فَطَلَبُوا إلَينَا أنْ نَبقَى مَعَهُمْ سَبْعَةَ أيَّامٍ. وَهَكَذَا وَصَلنَا إلَى رُومَا. وَكَانَ الإخْوَةُ هُنَاكَ قَدْ سَمِعُوا أخْبَارَنَا، وَجَاءُوا إلَى سُوقِ أبِيُّوسَ وَمِنطَقَةِ الحَانَاتِ الثَّلَاثِ لاستِقبَالِنَا. فَلَمَّا رَآهُمْ بُولُسُ، شَكَرَ اللهَ وَتَشَجَّعَ. وَلَمَّا وَصَلْنَا إلَى رُومَا، سُمِحَ لِبُولُسَ بِأنْ يُقِيمَ وَحْدَهُ مَعَ جُندِيٍّ يَحْرُسُهُ. وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ دَعَا بُولُسُ قَادَةَ اليَهُودِ لِلَاجتِمَاعِ. فَلَمَّا اجتَمَعُوا، قَالَ لَهُمْ: «أيُّهَا الإخْوَةُ، رُغْمَ أنِّي لَمْ أفعَلْ شَيْئًا ضِدَّ شَعْبِنَا أوْ ضِدَّ عَادَاتِ آبَائِنَا، إلَّا أنِّي أُسلِمتُ لِلرُّومَانِ كَسَجِينٍ فِي القُدْسِ. فَاسْتَجْوَبُونِي وَأرَادُوا إخلَاءَ سَبِيلِي، لِأنِّي لَمْ أرتَكِبْ جُرمًا يَسْتَحِقُّ عُقُوبَةُ المَوْتِ. لَكِنْ عِنْدَمَا اعتَرَضَ اليَهُودُ، اضطُرِرتُ لِرَفعِ قَضِيَّتِي إلَى القَيصَرِ. فَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِأنَّنِي أُرِيدُ أنْ أشتَكِيَ عَلَى شَعْبِي. وَهَذَا هُوَ مَا دَعَانِي إلَى أنْ أطلُبَ رُؤيَتَكُمْ وَالتَّحَدُّثَ إلَيكُمْ. فَأنَا مُقَيَّدٌ بِهَذِهِ السِّلسِلَةِ لِأنِّي أُومِنُ بِرَجَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ.» فَقَالُوا لَهُ: «لَمْ نَتَلَقَّ أيَّةَ رَسَائِلَ مِنْ إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ عَنْكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أوْ يَقُلْ لَنَا أيٌّ مِنَ الإخوَةِ الَّذِينَ وَصَلُوا مِنْ هُنَاكَ شَيْئًا سَيِّئًا عَنْكَ. لَكِنَّنَا نَوَدُّ أنْ نَسمَعَ مِنْكَ لِنَعْرِفَ مَا تَعْتَقِدُهُ. فَنَحْنُ نَعْرِفُ أنَّ هَذَا المَذهَبَ يُنتَقَدُ فِي كُلِّ مَكَانٍ.» فَحَدَّدُوا يَومًا آخَرَ لِلِقَائِهِ. وَجَاءُوا إلَيْهِ فِي مَكَانِ إقَامَتِهِ بِأعدَادٍ كَبِيرَةٍ. فَشَرَحَ لَهُمْ وَشَهِدَ لَهُمْ عَنْ مَلَكُوتِ اللهِ. وَحَاوَلَ أنْ يُقنِعَهُمْ بِحَقِيقَةِ يَسُوعَ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى وَمِنْ كُتُبِ الأنْبِيَاءِ. وَظَلَّ يَتَحَدَّثُ مِنَ الصَّبَاحِ إلَى المَسَاءِ. فَاقتَنَعَ بَعْضُهُمْ بِمَا قَالَهُ، أمَّا الآخَرُونَ فَرَفَضُوا أنْ يُؤمِنُوا. وَلَمَّا اختَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، بَدَأُوا يُغَادِرُونَ بَعْدَ أنْ قَالَ بُولُسُ كَلِمَةً أخِيرَةً: «مَا أحسَنَ مَا قَالَهُ الرُّوحُ القُدُسُ حِينَ قَالَ لآبَائِكُمْ مِنْ خِلَالِ النَّبِيِّ إشَعْيَاءَ: ‹اذْهَبُوا إلَى هَذَا الشَّعْبِ وَقُولُوا: سَتَسْمَعُونَ وَتَسْمَعُونَ، لَكِنَّكُمْ لَنْ تَفْهَمُوا. وَسَتَنْظُرُونَ وَتَنْظُرُونَ، لَكِنَّكُمْ لَنْ تُبْصِرُوا. فَقَدْ صَارَ تَفْكِيرُ هَذَا الشَّعْبِ بَلِيدًا، وَصَارَ سَمَعُهُمْ ثَقِيلًا. أغمَضُوا عُيُونَهُمْ، فَهُمْ لَا يُرِيدُونَ أنْ يَرَوْا بِعُيُونِهِمْ، وَلَا يُرِيدُونَ أنْ يَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ، أوْ أنْ يَفْهَمُوا بِعُقُولِهِمْ، لِئَلَّا يَأْتُوا إلَيَّ فَأُشفِيهِمْ.› «فَاعلَمُوا أنَّ خَلَاصَ اللهِ قَدْ أُرسِلَ إلَى غَيْرِ اليَهُودِ، وَهُمْ سَيَسْمَعُونَ.» فَلَمَّا قَالَ بُولُسُ هَذَا، انْسَحَبَ اليَهودُ، وَكَانُوا يَتَجَادَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِشِدَّةٍ. وَأقَامَ بُولُسُ فِي مَنزِلِهِ الَّذِي استَأْجَرَهُ سَنَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ. وَكَانَ يُرَحِّبُ بِكُلِّ الَّذِينَ يَأْتُونَ إلَيْهِ. وَكَانَ يُنَادِي بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَيُعَلِّمُ عَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ بِكُلِّ جَسَارَةٍ، وَلَمْ يَسْمَحْ لِشَيءٍ بِأنْ يُعَطِّلَهُ. مِنْ بُولُسَ عَبْدِ المَسِيحِ يَسُوعَ، المَدْعُوِّ لأكُونَ رَسُولًا، وَلأُنَادِيَ بِبِشَارَةِ اللهِ الَّتِي سَبَقَ أنْ وَعَدَنَا اللهُ بِهَا مِنْ خِلَالِ الأنْبِيَاءِ فِي الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ. وَهِيَ البِشَارَةُ المُختَصَّةُ بِابنِهِ الَّذِي يَعُودُ نَسَبُهُ مِنْ حَيْثُ بَشَرِيَّتِهِ إلَى دَاوُدَ. وَبِالرُّوحِ القُدُسِ، أُقِيمَ مِنَ المَوْتِ، فَتَبَرهَنَ بِقُوَّةٍ أنَّهُ هُوَ ابْنُ اللهِ، الَّذِي فِيهِ نِلتُ أنَا نِعْمَةَ أنْ أكُونَ رَسولًا لِغَيرِ اليَهُودِ، لِكَي يَأتُوا إلَى طَاعَةِ اللهِ بِالإيمَانِ، مِنْ أجْلِ اسْمِهِ. وَأنْتُمْ أيْضًا مَدعُوُّونَ مِنَ اللهِ لِلَانتِمَاءِ إلَى يَسُوعَ المَسِيحِ. إلَيكُمْ جَمِيعًا، أنْتُمِ المَوجُودِينَ فِي رُومَا. أنْتُمْ مَحبُوبُونَ مِنَ اللهِ الَّذِي دَعَاكُمْ لِتَكُونُوا مُقَدَّسِينَ لَهُ. لِتَكُنْ لَكُمْ نِعْمَةٌ وَسَلَامٌ مِنَ اللهِ أبِينَا، وَمِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ. أوَّلًا أنَا أشكُرُ اللهَ بِيَسُوعَ المَسِيحِ مِنْ أجْلِكُمْ جَمِيعًا، لِأنَّ إيمَانَكُمْ هُوَ حَدِيثُ العَالَمِ كُلِّهِ. وَيَشْهَدُ اللهُ الَّذِي أخدِمُهُ بِكُلِّ قَلْبِي وَأُنَادِي بِبِشَارَةِ ابنِهِ، أنِّي أذكُرُكُمْ فِي صَلَوَاتِي دَائِمًا. وَأنَا أُصَلِّي إلَى اللهِ دَائِمًا أنْ يُتِيحَ لِي فُرصَةَ زِيَارَتِكُمْ، إنْ كَانَتْ تِلْكَ مَشِيئَتُهُ. فَأنَا فِي أشَدِّ الشَّوقِ إلَى رُؤيَتِكُمْ، لِكَي أُشَارِكَكُمْ فِي عَطِيَّةٍ رُوحِيَّةٍ، فَتَتَقَوَّوْا، وَنَتَشَجَّعَ مَعًا، حِينَ أكُونُ بَيْنَكُمْ، بِالإيمَانِ الَّذِي فِينَا. فَأتَشَجَّعَ بِإيمَانِكُمْ وَتَتَشَجَّعُوا بِإيمَانِي. أيُّهَا الإخْوَةُ، أُرِيدُكُمْ أنْ تَعْرِفُوا أنَّنِي كَثِيرًا مَا نَوَيتُ أنْ أزُورَكُمْ، كَمَا فِي بَقِيَّةِ الأُمَمِ غَيْرِ اليَهُودِيةِ، لَكِنِّي أُعِقْتُ حَتَّى الآنَ. أنَا مَدِينٌ لِليُونَانِيِّينَ وَغَيرِ اليُونَانِيِّينَ، لَلمُتَعَلِّمِينَ وَلِغَيرِ المُتَعَلِّمِينَ. لِهَذَا أنَا مُسْتَعِدٌّ أنْ أُعْلِنَ لَكُمْ أنْتُمِ المَوجُودِينَ فِي رُومَا هَذِهِ البِشَارَةَ. فَأنَا لَا أخجَلُ مِنَ البِشَارَةِ بِالمَسِيحِ، فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ لِخَلَاصِ كُلِّ مَنْ يُؤمِنُ. أوَّلًا لِليَهُودِ، وَالْآنَ لِغَيرِ اليَهُودِ أيْضًا. فَفِي البِشَارَةِ، يُعلَنُ أنَّ اللهَ يُبَرِّرُ بِالإيمَانِ مِنَ البِدَايَةِ إلَى النِّهَايَةِ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «البَارُّ بِالإيمَانِ يَحيَا.» إنَّ غَضَبَ اللهِ مُعلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى كُلِّ شَرِّ وَإثْمِ النَّاسِ الَّذِينَ يُخْفُونَ الحَقَّ بِإثمِهِمْ. هَذَا لِأنَّ المَعْرِفَةَ عَنِ اللهِ وَاضِحَةٌ لَهُمْ، لِأنَّ اللهَ جَعَلَهَا وَاضِحَةً لَهُمْ. فَمُنذُ أنْ خُلِقَ العَالَمُ، يَسْتَطِيعُ الإنْسَانُ أنْ يَفْهَمَ وَأنْ يُدرِكَ صِفَاتِ اللهِ غَيْرَ المَرئِيَّةِ، كَقُوَّتِهِ السَّرمَدِيَّةِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، لِأنَّ إدرَاكَهَا مُمْكِنٌ مِنْ خِلَالِ الأشْيَاءِ الَّتِي خَلَقَهَا. وَلِهَذَا فَإنَّ النَّاسَ بِلَا عُذرٍ. فَقَدْ عَرَفُوا اللهُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُعطُوهُ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ إكرَامٍ أوْ يَشْكُرُوهُ، بَلْ أظلَمَتْ أفكَارُهُمُ الغَبِيَّةُ. ادَّعَوْا الحِكْمَةَ، إلَّا أنَّهُمْ صَارُوا أغبِيَاءَ. وَاستَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لَا يَفْنَى، بِصُوَرٍ تُشبِهُ الإنْسَانَ وَالطُّيُورَ وَالدَّوَابَ وَالزَّوَاحِفَ الفَانِيةَ. كَانَتْ شَهَوَاتُ قُلُوبِهِمْ شِرِّيرَةً، فَتَرَكَهُمُ اللهُ يُمَارِسُونَ النَّجَاسَةَ الجِنسِيَّةَ، وَسَمَحَ لَهُمْ بِأنْ يُدَنِّسُوا أجسَادَهُمْ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ. استَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالكَذِبِ، وَأكرَمُوا المَخْلُوقَ وَعَبَدُوه دُونَ الخَالِقِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ التَّسبِيحَ وَالكَرَامَةَ إلَى الأبَدِ. لِهَذَا تَرَكَهُمُ اللهُ لِرَغَبَاتِهِمُ المُخزِيَةَ. فَاسْتَبْدَلَتْ نِسَاؤهُمُ العَلَاقَاتِ الطَّبِيعِيَّةَ بِعَلَاقَاتٍ مُخَالِفَةٍ للطَّبِيعَةِ. وَكَذَلِكَ تَرَكَ الرِّجَالُ العَلَاقَاتِ الطَّبِيعِيَّةَ مَعَ النِّسَاءِ، وَالتَهَبُوا شَهوَةً بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. فَصَارَ الذُّكُورُ يُمَارِسُونَ أُمُورًا فَاحِشَةً مَعَ الذُّكُورِ، وَحَمَلُوا فِي أنْفُسِهِمُ العِقَابَ الَّذِي استَحَقُّوهُ عَلَى انحِرَافِهِمْ. وَبِمَا أنَّهُمْ رَفَضُوا الاعْتِرَافَ بِاللهِ، فَقَدْ تَرَكَهُمُ اللهُ لِعُقُولِهِمُ الفَاسِدَةِ. وَسَمَحَ لَهُمْ بِأنْ يَفْعَلُوا مَا لَا يَلِيقُ. إنَّهُمْ مُمتَلِئُونَ مِنْ كُلِّ إثمٍ وَشَرٍّ وَأنَانِيَّةٍ وَخُبْثٍ. وَهُمْ مُمتَلِئُونَ حَسَدًا وَقَتلًا وَخِصَامًا وَخِدَاعًا وَحِقدًا. مُحِبُّونَ لِلنَّمِيمَةِ، مُفتَرُونَ عَلَى الآخَرِينَ، كَارِهُونَ للهِ، وَقِحُونَ، مَغرُورُونَ، مُتَبَاهُونَ، مُختَرِعُونَ شُرُورًا، لَا يُطِيعُونَ وَالِدِيهِمْ، حَمقَى، لَا يَحْفَظُونَ وُعُودَهُمْ، خَالُونَ مِنَ الحَنَانِ وَالرَّحمَةِ، يَعْرِفُونَ حُكمَ اللهِ العَادِلِ عَلَى الَّذِينَ يُمَارِسُونَ مِثْلَ هَذِهِ الأُمُورِ، وَهُوَ أنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلمَوْتِ! وَمَعَ ذَلِكَ فَهُمْ لَا يَكْتَفُونَ بِمُمَارَسَتِهَا، بَلْ يُعلِنُونَ أيْضًا استِحسَانَهُمْ لِلَّذِينَ يُمَارِسُونَهَا! إذًا لَيْسَ لَكَ أيُّ عُذْرٍ، أيُّهَا الإنْسَانُ، يَا مَنْ تَحْكُمُ عَلَى الآخَرِينَ. فَأنْتَ بِحُكمِكَ عَلَى الآخَرِينَ إنَّمَا تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ، لِأنَّكَ تَفْعَلُ الأُمُورَ نَفْسَهَا الَّتِي تَدِينُهَا! وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ حُكمَ اللهَ عَلَى الَّذِينَ يُمَارِسُونَ مِثْلَ هَذِهِ الأُمُورِ مُنصِفٌ. لَكِنْ، أتَظُنُّ أنَّكَ سَتَنْجُو مِنْ حُكْمِ اللهِ، يَا مَنْ تَحْكُمُ عَلَى الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الأشْيَاءَ وَأنْتَ نَفْسُكَ تَفْعَلُهَا؟ أتَسْتَهِينُ بِلُطفِهِ العَظِيمِ وَتَسَامُحِهِ وَصَبرِهِ، غَيْرَ مُدرِكٍ أنَّ لُطفَهُ إنَّمَا يَهْدِفُ إلَى أنْ يَقُودَكَ إلَى التَّوبَةِ؟ لَكِنَّكَ عَنِيدٌ وَقَلْبُكَ غَيْرُ تَائِبٍ، وَلِهَذَا فَإنَّكَ تَخْزِنُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا سَيَأْتِيكَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي سَيُعلَنُ فِيهِ حُكمُ اللهِ المُنصِفُ. وَهُوَ سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ مَا فَعَلَه. سَيُجَازِي بِالحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ إلَى المَجْدِ وَالكَرَامَةِ وَالخُلُودِ بِمُثَابَرَتِهِمْ وَعَمَلِهِمُ الصَّالِحِ، وَسَيُجَازِي بِغَضَبٍ وَسَخَطٍ الَّذِينَ يَعْصَوْنَ الحَقَّ، وَيَتْبَعُونَ الإثمَ، لِأنَّهُمْ لَا يُفَكِّرُونَ إلَّا فِي إرضَاءِ ذَوَاتِهِمْ. وَسَتَأْتِي أوقَاتٌ صَعبَةٌ وَضِيقٌ شَدِيدٌ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ يَفْعَلُ الشَّرَّ، عَلَى اليَهُودِيِّ أوَّلًا ثُمَّ عَلَى غَيْرِ اليَهُودِيِّ. لَكِنْ سَيَكُونُ هُنَاكَ مَجدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلَامٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْعَلُ مَا هُوَ صَالِحٌ، لِليَهُودِيِّ أوَّلًا ثُمَّ لِغَيرِ اليَهُودِيِّ. فَلَيْسَ عِنْدَ اللهِ أيُّ تَحَيُّزٍ. فَكُلُّ الَّذِينَ أخطَأُوا بِدُونِ شَرِيعَةِ مُوسَى سَيُدَانُونَ بِدُونِ شَرِيعَةِ مُوسَى. وَكُلُّ الَّذِينَ أخطَأُوا تَحْتَ الشَّرِيعَةِ، سَيُحكَمُ عَلَيْهِمْ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ. فَلَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الشَّرِيعَةَ هُمُ الأبْرَارُ عِنْدَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ كُلَّ مَا تَأْمُرُ بِهِ الشَّرِيعَةُ هُمُ الَّذِينَ يُبَرَّرُونَ. لَيْسَ لَدَى بَقِيَّةِ الأُمَمِ شَرِيعَةُ اللهِ، لَكِنَّهُمْ حِينَ يَفْعَلُونَ بِطَبِيعَتِهِمْ مَا تَأْمُرُ بِهِ الشَّرِيعَةُ، فَإنَّهُمْ يَكُونُونَ شَرِيعَةً لِأنْفُسِهِمْ وَإنْ لَمْ تَكُنْ لَدَيْهِمُ الشَّرِيعَةُ. وَهُمْ بِهَذَا يُبَيِّنُونَ أنَّهُمْ يَعْرِفُونَ فِي قَرَارَةِ نُفُوسِهِمْ مُتَطَلَّبَاتِ الشَّرِيعَةِ. كَمَا أنَّ ضَمِيرَهُمْ شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ. وَتَتَصَارَعُ أفكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا، فَإمَّا أنْ تَدِينَهُمْ أوْ أنْ تُؤيِّدَهُمْ. سَيَحْدُثُ هَذَا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَحْكُمُ اللهُ، بِيَسُوعَ المَسِيحِ، عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بِحَسَبِ البِشَارَةِ الَّتِي أُبَشِّرُ بِهَا. أنْتَ تَدْعُو نَفْسَكَ يَهُودِيًّا، وَتَتَّكِلُ عَلَى اتِّبَاعِ الشَّرِيعَةِ، وَتَتَفَاخَرُ بِأنَّ اللهَ هُوَ إلَهُكَ، وَتَعْرِفُ إرَادَتَهُ، وَتُمَيِّزُ الصَّوَابَ مِنَ الخَطَأِ، لِأنَّكَ دَرَستَ الشَّرِيعَةَ. أنْتَ مُقتَنِعٌ بِأنَّكَ قَائِدٌ لِلعُمِي، وَنُورٌ لِمَنْ هُمْ فِي الظُّلمَةِ، وَبِأنَّكَ مُرشِدٌ لِلجُهَّالِ وَمُعَلِّمٌ لِلأطْفَالِ، لِأنَّ الشَّرِيعَةَ تُعَلِّمُكَ كُلَّ مَا يَنْبَغِي أنْ تَعْرِفَهُ عَنْ حَقِّ اللهِ. فَلِمَاذَا يَا مَنْ تُعَلِّمُ الآخَرِينَ، لَا تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ أنْتَ يَا مَنْ تَنْهَى النَّاسَ عَنِ السَّرِقَةِ، لِمَاذَا تَسْرِقُ؟ وَيَا مَنْ تَنْهَى عَنِ ارتِكَابِ الزِّنَىْ، لِمَاذَا تَزْنِي؟ وَيَا مَنْ تَقُولُ إنَّكَ تُبْغِضُ الأوْثَانَ، لِمَاذَا تَسْرِقُ مِنَ الهَيَاكِلِ مَا يَخُصُّ الأوْثَانَ؟ وَيَا مَنْ تَتَبَاهَى بِأنَّ لدَيكَ الشَّرِيعَةَ، لِمَاذَا تُهِينُ اللهَ بِكَسرِكَ لِلشَّرِيعَةِ؟ فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «بِسَبَبِ سُلُوكِكُمْ تُهِينُ الأُمَمُ الأُخرَىْ اسْمَ اللهِ.» لِلخِتَانِ قِيمَةٌ إنْ كُنْتَ تَعْمَلُ بِالشَّرِيعَةِ. لَكِنْ إنْ كُنْتَ لَا تَفْعَلُ مَا تَطْلُبُهُ الشَّرِيعَةُ، يَكُونُ خِتَانُكَ بِلَا مَعنَىً. إذَا عَمِلَ رَجُلٌ غَيْرُ مَختُونٍ بِمَا تَطْلُبُهُ الشَّرِيعَةُ، أفَلَا يُعتَبَرُ كَالمَختُونِ؟ فَهَذَا الَّذِي يَفِي بِمُتَطَلَّبَاتِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَختُونٍ، سَيَدِينُكَ أنْتَ المَختُونَ وَلَدَيكَ الشَّرِيعَةُ، وَمَعَ ذَلِكَ تَتَعَدَّاهَا. فَاليَهُودِيُّ بَحَسَبِ الظَاهِرِ لَيْسَ يَهُودِيًّا حَقِيقِيًّا، وَلَا الخِتَانُ الظَاهِرُ فِي الجَسَدِ خِتَانًا حَقِيقِيًّا. اليَهُودِيُّ الحَقِيقِيُّ هُوَ ذَاكَ اليَهُودِيُّ مِنَ الدَّاخِلِ، وَالخِتَانُ الحَقِيقِيُّ هُوَ تَغييرُ القَلْبِ الَّذِي يُجرِيهِ الرُّوحُ القُدُسُ، لَا الشَّرِيعَةُ المَكْتُوبَةُ. وَيَنَالُ هَذَا الإنْسَانُ مَدِيحًا مِنَ اللهِ لَا مِنَ النَّاسِ. مَا مِيزَةُ اليَهُودِيِّ إذًا؟ أوْ مَا قِيمَةُ الخِتَانِ؟ إنَّ لِليَهُودِ مِيزَاتٍ كَثِيرَةً مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ: أوَّلًا، استَأْمَنَهُمُ اللهُ عَلَى كَلِمَتِهِ. لَكِنْ مَاذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَيْرَ أُمَنَاءَ؟ ألَعَلَّ عَدَمَ أمَانَتِهِمْ يُلغِي أمَانَةَ اللهِ؟ بِالطَبعِ لَا! بَلْ إنَّ اللهَ صَادِقٌ، حَتَّى لَوْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ كَاذِبِينَ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «لِكَي يَثْبُتَ أنَّكَ عَلَى صَوَابٍ فِيمَا تَقُولُ، وَتَرْبَحَ قَضِيَّتَكَ حِينَ تُحَاكِمُنِي.» فَإنْ كَانَ إثمُنَا يُبَيِّنُ أنَّ اللهَ عَادِلٌ وَبَارٌّ، فَمَاذَا نَقُولُ؟ ألَعَلَّ اللهَ يَكُونُ ظَالِمًا إذَا غَضِبَ وَعَاقَبَنَا؟ أنَا أتَكَلَّمُ مِنْ مَنظُورٍ بَشَرِيٍّ. بِالطَّبْعِ لَا! لِأنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ عَادِلًا، فَكَيْفَ يُمكِنُهُ أنْ يَحْكُمَ عَلَى العَالَمِ؟ لَكِنَّكَ تَقُولُ: «لَقَدْ تَعَزَّزَ صِدقُ اللهِ بِسَبَبِ عَدَمِ صِدقِي، وَقَدْ تَمَجَّدَ بِسَبَبِ ذَلِكَ. فَلِمَاذَا أظَلُّ مُدَانًا كَخَاطِئٍ؟» وَهَذَا أشبَهُ بِقَولِكَ: «هَيَّا بِنَا نَفعَلُ الشَّرَّ، لِكَي يَأتيَ الخَيْرُ!» وَهُوَ الكَلَامُ الَّذِي يَفْتَرِي فِيهِ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ حِينَ يَزْعَمُونَ إنَّنِي أقُولُهُ. فَهُمْ يَنَالُونَ الدَّينُونَةَ الَّتِي يَسْتَحِقُّونَهَا. فَمَاذَا يَعْنِي هَذَا؟ هَلْ نَحْنُ اليَهُودَ أفْضَلُ حَالًا مِنْ غَيْرِ اليَهُودِ؟ مُطْلَقًا! فَقَدْ سَبَقَ أنْ أكَّدْتُ أنَّ اليَهُودَ وَغَيْرَ اليَهُودِ وَاقِعُونَ تَحْتَ قُوَّةِ الخَطِيَّةِ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «لَيْسَ هُنَاكَ وَلَا حَتَّى إنْسَانٌ وَاحِدٌ بَارٌّ! لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَفْهَمُ، وَلَا مَنْ يَسْعَى إلَى اللهِ. ابتَعَدُوا جَمِيعًا عَنِ اللهِ. الجَمِيعُ أخطَأُوا وَصَارُوا بِلَا جَدوَى، وَلَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، وَلَا وَاحِدٌ!» «أفوَاهُهُمْ أشْبَهُ بِقُبُورٍ مَفتُوحَةٍ. يَخْدَعُونَ النَّاسَ بِألسِنَتِهِمْ.» «سُمُّ الأفَاعِي عَلَى شِفَاهِهِمْ.» «أفوَاهُهُمْ مَملوءَةٌ بِاللَّعَنَاتِ وَالمَرَارَةِ.» «يُسرِعُونَ إلَى القَتلِ. وَيَتْرُكُونَ وَرَاءَهُمُ الخَرَابَ وَالتَّعَاسَةَ. أمَّا طَرِيقُ السَّلَامِ فَلَا يَعْرِفُونَهُ،» «وَلَا يَضَعُونَ مَهَابَةَ اللهِ أمَامَ عُيُونِهِمْ.» وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ كُلَّ مَا تَقُولُهُ الشَّرِيعَةُ، فَإنَّمَا هُوَ مُوَجَّهٌ إلَى مَنْ هُمْ تَحْتَ الشَّرِيعَةِ، لِكَي لَا يَعُودَ هُنَاكَ مَجَالٌ لِأعذَارِ البَشَرِ، وَلِكَي يُصبِحَ الكُلُّ مَسؤُولًا أمَامَ اللهِ. فَلَنْ يَتَبَرَّرَ أحَدٌ أمَامَ اللهِ بِأعْمَالِ الشَّرِيعَةِ، بَلْ تُبَيِّنُ الشَّرِيعَةُ لِلإنْسَانِ أنَّهُ خَاطِئٌ. أمَّا الآنَ، فَقَدْ أعْلَنَ اللهُ كَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإنْسَانُ مِنْ دُونِ الشَّرِيعَةِ. وَتَشْهَدُ الشَّرِيعَةُ وَكُتُبُ الأنْبِيَاءِ بِذَلِكَ. فَاللهُ يُبَرِّرُ بِالإيمَانِ بِيَسُوعَ المَسِيحِ. وَهَذَا يَشْمَلُ جَمِيعَ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ. لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ. حَيْثُ إنَّ الجَمِيعَ أخطَأُوا، وَهُمْ عَاجِزونَ عَنْ بُلُوغِ مِقيَاسِ مَجْدِ اللهِ. لَكِنَّهُمْ يَتَبَرَّرُونَ مَجَّانًا بِنِعْمَةِ اللهِ، بِالمَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي اشتَرَاهُمْ وَحَرَّرَهُمْ. فَاللهُ قَدَّمَ يَسُوعَ كَفَّارَةً بِدَمِهِ لِخَطَايَا كُلِّ مَنْ يُؤمِنُ. وَهَذَا يُؤَكِّدُ أنَّ اللهَ بَارٌّ، حَيْثُ تَرَكَ الخَطَايَا الَّتِي ارتُكِبَتْ فِي المَاضِي دُونَ عِقَابٍ، بِسَبَبِ إمهَالِهِ. وَهُوَ بَارٌّ فِي الحَاضِرِ أيْضًا. وَهَكَذَا هُوَ بَارٌّ، وَهُوَ يُبَرِّرُ أيْضًا الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِيَسُوعَ. فَهَلْ هُنَاكَ مَجَالٌ لِلتَّبَاهِي؟ لَا مَجَالَ لِذَلِكَ، لِأنَّنَا نَعتَمِدُ عَلَى أسَاسِ الإيمَانِ لَا عَلَى أعْمَالِنَا. رَأينَا إذًا أنَّ الإنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإيمَانِ، لَا بِأعْمَالِ الشَّريعَةِ. أمْ لَعَلَّ اللهَ لِليَهُودِ فَقَطْ؟ أفَلَيْسَ اللهُ لِغَيرِ اليَهُودِ أيْضًا؟ بَلَى، هُوَ لِغَيرِ اليَهُودِ أيْضًا. فَاللهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ يُبَرِّرُ اليَهُودَ وَغَيْرَ اليَهُودِ بِالإيمَانِ. فَهَلْ نُلغِي الشَّرِيعَةَ بِقَولِنَا: «التَّبريرُ بِالإيمَانِ؟» بِالطَّبعِ لَا! بَلْ إنَّنَا نُحَافِظُ عَلَى الشَّرِيعَةِ. فَمَاذَا نَقُولُ عَنْ إبرَاهِيمَ الَّذِي هُوَ أبُونَا بِحَسَبِ النَّسَبِ البَشَرِيِّ؟ مَا الَّذِي اكتَشَفَهُ؟ لِأنَّهُ إنْ كَانَ إبرَاهِيمُ قَدْ تَبَرَّرَ بِأعْمَالِهِ، فَلَهُ الحَقُّ بِالتَّبَاهِي. لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَدَيهِ مَا يَتَبَاهَى بِهِ أمَامَ اللهِ! لِأنَّ الكِتَابَ يَقُولُ: «آمَنَ إبْرَاهِيمُ بِاللهِ، فَاعتَبَرَهُ اللهُ بَارًّا بِسَبَبِ إيمَانِهِ.» فَالأُجرَةُ الَّتِي تُعطَى مُقَابِلَ العَمَلِ، لَا تُعتَبَرُ هِبَةً مَجَّانِيَّةً، بَلْ هِيَ دَينٌ يَسْتَحِقُّ الدَّفعَ. أمَّا الَّذِي لَا يَتَّكِلُ عَلَى أعْمَالِهِ، بَلْ يُؤمِنُ بِاللهِ الَّذِي يُبَرِّرُ العَاصِيَ، فَإنَّ اللهَ يَحْسِبُ لَهُ إيمَانَهُ بِرًّا. كَذَلِكَ يَتَحَدَّثُ دَاوُدُ مُهَنِّئًا الإنْسَانَ الَّذِي يَحْسِبُ لَهُ اللهُ البِرَّ بِدونِ أعْمَالٍ، فَيَقُولُ: «هَنِيئًا لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. هَنِيئًا لِلإنْسَانِ الَّذِي لَا يَحْسِبُ الرَّبُّ خَطِيَّتَهُ.» فَهَلْ تَنْطَبِقُ هَذِهِ التَّهنِئَةُ عَلَى المَختُونِينَ فَقَطْ، أمْ عَلَى غَيْرِ المَختُونِينَ أيْضًا؟ إنَّهَا تَنْطَبِقُ عَلَى غَيْرِ المَختُونِينَ أيْضًا. فَقَدْ سَبَقَ أنْ قُلْنَا: «آمَنَ إبرَاهِيمُ بِاللهِ، فَاعتَبَرَ اللهُ إيمَانَهُ بِرًّا لَهُ.» فَمَتَى اعتَبَرَ اللهُ إبرَاهِيمَ بَارًّا بِنَاءً عَلَى إيمَانِهِ؟ فَهَلْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ مَختُونٌ أمْ قَبْلَ خِتَانِهِ؟ بَلْ قَبْلَ خِتَانِهِ. وَقَدْ قَبِلَ إبرَاهِيمُ الخِتَانَ كَعَلَامَةٍ وَخَتمٍ لِلبِرِّ الَّذِي كَانَ بِنَاءً عَلَى إيمَانِهِ، قَبْلَ أنْ يُختَنَ. فَهُوَ إذًا أبٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ وَهُمْ غَيْرُ مَختُونِينَ، وَيَحْسِبُ اللهُ البِرَّ لَهُمْ أيْضًا. وَهُوَ أيْضًا أبٌ لِجَمِيعِ المَختُونِينَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ خُطَى أبِينَا إبرَاهِيمَ فِي الإيمَانِ الَّذِي أظْهَرَهُ قَبْلَ أنْ يُختَنَ. فَالوَعْدُ المَقطُوعُ لإبرَاهِيمَ وَنَسْلِهِ، بِأنَّهُ سَيَكُونُ وَارِثًا لِلعَالَمِ، لَمْ يَأْتِ مِنْ خِلَالِ الشَّرِيعَةِ، لَكِنَّهُ جَاءَ مِنْ خِلَالِ البِرِّ النَّاتِجِ عَنِ الإيمَانِ. لِأنَّهُ إنْ كَانَ النَّاسُ يَنَالُونَ الوَعْدَ بِاتِّبَاعِهِمُ الشَّرِيعَةَ، فَقَدْ أصبَحَ الإيمَانُ بِلَا مَعنَىً، وَصَارَ الوَعْدُ بَاطِلًا. لِأنَّ الشَّرِيعَةَ تَأتي بِغَضَبِ اللهِ بِسَبَبِ عِصيَانِ النَّاسِ. فَحَيْثُ لَا تُوجَدُ شَرِيعَةٌ، لَا يُوجَدُ أيْضًا كَسرٌ لَهَا. وَلِهَذَا فَإنَّ نَوَالَ الوَعْدِ هُوَ نَتِيجَةٌ لِلإيمَانِ، لِيَكُونَ الوَعْدُ بِالنِّعمَةِ، وَيَبْقَى مَضْمُونًا لِكُلِّ أوْلَادِ إبرَاهِيمَ. لَيْسَ فَقَطْ لِلَذينَ تَلَقَّوْا الشَّرِيعَةَ، بَلْ أيْضًا لِلَّذِينَ يُؤمِنُونَ كَإيمَانِ إبرَاهِيمَ، فَهُوَ أبٌ لَنَا جَمِيعًا. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «جَعَلْتُكَ أبًا لِشُعُوبٍ كَثِيرَةٍ.» فَهُوَ أبُونَا أمَامَ اللهِ الَّذِي آمَنَ بِهِ، اللهِ الَّذِي يُحْيِي المَوْتَى، وَيَتَحَدَّثُ عَنْ أشْيَاءَ غَيْرِ مَوجُودَةٍ بَعْدُ، وَكَأنَّهَا مَوجُودَةٌ! لَقَدْ آمَنَ إبرَاهِيمُ وَفِي قَلْبِهِ رَجَاءٌ مُخَالِفٌ لِكُلِّ مَنطِقٍ بَشَرِيٍّ. وَهَكَذَا أصبَحَ أبًا لِشُعُوبٍ كَثِيرَةٍ كَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «سَيَكُونُ نَسْلُكَ كَثِيرًا جِدًّا.» وَلَمْ يَضْعُفْ إيمَانُهُ، مَعَ أنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أنَّ جَسَدَهُ قَريبٌ مِنَ المَوْتِ – فَعُمرُهُ كَانَ نَحْوَ مِئَةِ عَامٍ – وكَانَ يَعْلَمُ أنَّ رَحِمَ سَارَةَ زَوْجَتِهِ مَيِّتٌ أيْضًا. فَمَا شَكَّ بِوَعْدِ اللهِ أوْ تَخَلَّى عَنِ الإيمَانِ، بَلِ ازْدَادَ إيمَانُهُ قُوَّةً، فَمَجَّدَ اللهَ. كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ بِهِ. لِهَذَا «اعتَبَرَهُ اللهُ بَارًّا بِسَبَبِ إيمَانِهِ.» وَلَمْ يُكتَبْ هَذَا مِنْ أجْلِهِ فَقَطْ، بَلْ مِنْ أجْلِنَا نَحْنُ أيْضًا الَّذِينَ يَحْسُبُ اللهُ إيمَانَنَا بِرًّا لَنَا، نَحْنُ الَّذِينَ نُؤمِنُ بِالَّذِي أقَامَ رَبَّنَا يَسُوعَ مِنَ المَوْتِ. وَهُوَ قَدْ سُلِّمَ لِلمَوْتِ وَأُقِيمَ مِنَ المَوْتِ، مِنْ أجْلِ غُفرَانِ خَطَايَانَا وَمِنْ أجْلِ تَبْرِيرِنَا. فَبِمَا أنَّنَا قَدْ تَبَرَّرنَا بِالإيمَانِ، فَقَدْ صَارَ لَنَا سَلَامٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. كَمَا صَارَ لَنَا امتِيَازُ الدُّخُولِ بِالإيمَانِ إلَى هَذِهِ النِّعمَةِ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا الآنَ. وَنَحْنُ مُبتَهِجُونَ لِأنَّنَا نَتَوَقَّعُ المُشَارَكَةَ فِي مَجْدِ اللهِ. وَلَيْسَ هَذَا فَقَطْ، بَلْ إنَّنَا نَبتَهِجُ حَتَّى فِي ضِيقَاتِنَا. لِأنَّنَا نَعْرِفُ أنَّ الضِّيقَ يُنتِجُ صَبرًا، وَالصَّبرُ بُرْهَانُ القُوَّةِ. وَهَذَا البُرْهَانُ يُنتِجُ رَجَاءً. وَالرَّجَاءُ لَنْ يَخْذِلَنَا، لِأنَّ اللهَ قَدْ سَكَبَ مَحَبَّتَهُ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ القُدُسِ الَّذِي أُعْطِيَ لَنَا. فَحِينَ كُنَّا عَاجِزِينَ عَنْ تَخْلِيصِ أنْفُسِنَا، مَاتَ المَسِيحُ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ مِنْ أجْلِنَا نَحْنُ الأشرَارَ. يَصْعُبُ أنْ يُضَحِّيَ إنْسَانٌ بِحَيَاتِهِ حَتَّىْ مِنْ أجْلِ إنْسَانٍ صَالِحٍ، وَرُبَّمَا يَتَجَرَّأُ وَيَمُوتُ مِنْ أجْلِ إنْسَانٍ صَالِحٍ. لَكِنَّ اللهَ أظْهَرَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، إذْ مَاتَ المَسِيحُ مِنْ أجلِنَا وَنَحْنُ بَعْدُ فِي خَطَايَانَا. فَبِمَا أنَّنَا تَبَرَّرنَا بِدَمِ يَسُوعَ، نَكُونُ أكْثَرَ يَقِينًا الآنَ بِأنَّنَا سَنَنجُو مِنْ غَضَبِ اللهِ. فَإنْ كُنَّا، وَنَحْنُ أعْدَاءٌ للهِ، قَدْ تَصَالَحنَا مَعَهُ بِمَوْتِ ابنِهِ، فَمَا أعْظَمَ الخَلَاصَ الَّذِي سَنَتَمَتَّعُ بِهِ الآنَ بِحَيَاةِ ابنِهِ، وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ! بَلْ وَنَبتَهِجُ أيْضًا بِاللهِ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، الَّذِي حَصَلنَا عَلَى المُصَالَحَةِ مِنْ خِلَالِهِ. لَقَدْ دَخَلَتِ الخَطِيَّةُ إلَى العَالَمِ مِنْ خِلَالِ إنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَبِالخَطِيَّةِ دَخَلَ المَوْتُ. وَهَكَذَا سَادَ المَوْتُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِأنَّ الجَمِيعَ قَدْ أخطَأُوا. كَانَتِ الخَطِيَّةُ فِي العَالَمِ قَبْلَ إعلَانِ الشَّرِيعَةِ. لَكِنَّ الخَطِيَّةَ لَا تُحسَبُ إنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ شَرِيعَةٌ. إلَّا أنَّ المَوْتَ قَدْ سَادَ عَلَى النَّاسِ مُنْذُ زَمَنِ آدَمَ إلَى زَمَنِ مُوسَى. وَقَدْ سَادَ المَوْتُ حَتَّى عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخطِئُوا عَلَى طَرِيقَةِ آدَمَ الَّذِي خَالَفَ وَصِيَّةَ اللهِ. وَآدَمُ صُورَةٌ لِلمَسِيحِ الآتِي. وَلَكِنَّ عَطِيَّةَ اللهِ المَجَّانِيَّةَ لَمْ تَكُنْ كَخَطِيَّةِ آدَمَ. لِأنَّهُ إنْ مَاتَ جَمِيعُ النَّاسِ بِسَبَبِ خَطِيَّةِ ذَلِكَ الوَاحِدِ، فَالأَوْلَى أنْ تَفِيضَ نِعْمَةُ اللهِ، وَالعَطِيَّةُ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بِنِعْمَةِ الوَاحِدِ يَسُوعَ. فَنَتِيجَةُ عَطِيَّةِ اللهِ لَيْسَتْ كَنَتِيجَةِ خَطِيَّةِ ذَلِكَ الإنْسَانِ الوَاحِدِ. فَقَدْ جَاءَ الحُكْمُ المُؤَدِّي إلَى الدَّينُونَةِ بَعْدَ خَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ. أمَّا العَطِيَّةُ المُؤَدِّيَةُ إلَى البِرِّ فَجَاءَتْ بَعْدَ خَطَايَا كَثِيرَةٍ. فَبِمَا أنَّ المَوْتَ قَدْ مَلَكَ عَلَى النَّاسِ مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ الوَاحِدِ: آدَمَ، وَبِسَبَبِ مَعصِيَتِهِ الوَاحِدَةِ، فَالأَوْلَى أنَّ الَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِفَيضِ النِّعمَةِ وَعَطِيَّةِ البِرِّ سَيَمْلِكونَ فِي الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ مِنْ خِلَالِ الوَاحِدِ: يَسُوعَ المَسِيحِ. لَقَدْ جَاءَتِ الدَّينُونَةُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بِمَعصِيَةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَذَلِكَ جَاءَ البِرُّ المُؤَدِّي إلَى الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ لِجَمِيعِ النَّاسِ بِعَمَلٍ بَارٍّ وَاحِدٍ. فَكَمَا صَارَ الكَثِيرُونَ خُطَاةً بِمَعصِيَةِ إنْسَانٍ وَاحِدٍ، سَيُجعَلُ الكَثِيرُونَ أبْرَارًا بِطَاعَةِ الوَاحِدِ. وَأمَّا الشَّرِيعَةُ فَقَدْ جَاءَتْ لِكَي يَزدَادَ التَّعَدِّي عَلَى الشَّرِيعَةِ! لَكِنْ حَيْثُ تَزدَادُ الخَطِيَّةُ، تَزدَادُ نِعْمَةُ اللهِ أكْثَرَ. فَكَمَا مَلَكَتِ الخَطِيَّةُ مِنْ خِلَالِ المَوْتِ، كَذَلِكَ قَدَّمَ اللهُ نِعْمَتَهُ لِكَي تَمْلُكَ بِتَبْرِيرِنَا، فَتُؤَدِّيَ إلَى الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ بِيَسُوعَ المَسِيحِ رَبِّنَا. فَمَاذَا نَقُولُ؟ أنَبقَى فِي الخَطِيَّةِ لِكَي تَزدَادَ نِعْمَةُ اللهِ؟ بِالطَّبعِ لَا! نَحْنُ الَّذِينَ مُتنَا بِالنِّسبَةِ لِلخَطِيَّةِ، كَيْفَ نُواصِلُ العَيشَ فِيهَا؟ أمْ أنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ أنَّنَا نَحْنُ الَّذِينَ تَعَمَّدنَا مُتَّحِدينَ بِالمَسِيحِ يَسُوعَ، قَدْ تَعَمَّدنَا لِنَشتَرِكَ مَعَهُ فِي مَوْتِهِ؟ فَقَدْ دُفِنَّا مَعَهُ مِنْ خِلَالِ مَعمُودِيَّتِنَا لِنَشتَرِكَ مَعَهُ فِي مَوْتِهِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ المَسِيحُ مِنَ المَوْتِ بِقُوَّةِ الآبِ المَجِيدَةِ، نَسْلُكُ نَحْنُ أيْضًا فِي حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ. فَبِمَا أنَّنَا اتَّحَدْنَا مَعَهُ فِي مَوْتٍ يُشْبِهُ مَوْتَهُ، فَسَنَتَّحِدُ مَعَهُ أيْضًا فِي قِيَامَةٍ تُشبِهُ قِيَامَتَهُ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ ذَاتَنَا العَتِيقَةَ قَدْ صُلِبَتْ مَعَ المَسِيحِ لِكَي لَا نَخضَعَ فِيمَا بَعْدُ لِذَوَاتِنَا الأثِيمَةِ، فَلَا نَعُودَ عَبِيدًا لِلخَطِيَّةِ. لِأنَّ الَّذِي يَمُوتُ، يَتَحَرَّرُ مِنْ قُوَّةِ الخَطِيَّةِ. وَبِمَا أنَّنَا مُتنَا مَعَ المَسِيحِ، فَإنَّنَا نُؤمِنُ بِأنَّنَا سَنَحيَا أيْضًا مَعَهُ. فَنَحْنُ نَعْرِفُ أنَّ المَسِيحَ الَّذِي أُقِيمَ مِنَ المَوْتِ، لَا يَمُوتُ ثَانِيَةً، وَلَنْ يَسُودَ عَلَيْهِ المَوْتُ ثَانِيَةً. فَالمَوْتُ الَّذِي اختَبَرَهُ المَسِيحُ، كَانَ لِكَي يَهْزِمَ الخَطِيَّةَ مَرَّةً وَاحِدَةً نِهَائِيَّةً. أمَّا الحَيَاةُ الَّتِي يَحيَاهَا، فَيَحيَاهَا للهِ. فَاعتَبِرُوا أنْتُمْ أنْفُسَكُمْ أمْوَاتًا بِالنِّسبَةِ لِلخَطِيَّةِ، وَلَكِنْ أحيَاءً بِالنِّسبَةِ للهِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. إذًا لَا يَنْبَغِي أنْ تَسْمَحُوا لِلخَطِيَّةِ بِأنْ تَتَحَكَّمَ بِأجسَامِكُمُ الفَانِيَةِ، فَتَجْعَلَكُمْ تُطِيعُونَ رَغَبَاتِهَا الشِّرِّيرَةَ. وَلَا تُقَدِّمُوا أعضَاءَ أجسَامِكُمْ لِلخَطِيَّةِ كَأدَوَاتٍ فِي خِدْمَةِ الإثمِ، بَلْ قَدِّمُوا أنْفُسَكُمْ كَمَا يَلِيقُ بِمَنْ نَالُوا حَيَاةً بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَأُقِيمُوا مِنَ المَوْتِ. وَقَدِّمُوا أعضَاءَ أجسَامِكُمْ للهِ كَأدَوَاتٍ لِلبِرِّ، وَفِي خِدْمَةِ البِرِّ. وَلَنْ تَسُودَ الخَطِيَّةُ عَلَيْكُمْ، لِأنَّكُمْ لَا تَحْيَونَ تَحْتَ الشَّرِيعَةِ، بَلْ تَحْتَ نِعْمَةِ اللهِ. فَمَاذَا نَفعَلُ؟ أيَجُوزُ لَنَا أنْ نُخطِئَ لِأنَّنَا لَا نَحيَا تَحْتَ الشَّرِيعَةِ، بَلْ تَحْتَ نِعْمَةِ اللهِ؟ بِالطَّبعِ لَا! ألَا تَعْرِفُونَ أنَّكُمْ حِينَ تَضَعُونَ أنْفُسَكُمْ تَحْتَ تَصَرُّفِ شَخْصٍ لِتُطِيعُوهُ، فَإنَّكُمْ تَكُونُونَ عَبِيدًا لِمَنْ تُطِيعُونَ؟ فَالعُبُودِيَّةُ لِلخَطِيَّةِ تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ، وَالعُبُودِيَّةُ لِطَاعَةِ اللهِ تُؤَدِّي إلَى البِرِّ. لَكِنْ شُكرًا للهِ لِأنَّكُمْ، رُغْمَ أنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلخَطِيَّةِ، أطَعتُمْ مِنْ كُلِّ القَلْبِ التَّعلِيمَ الَّذِي سُلِّمَ إلَيكُمْ. فَتَحَرَّرتُمْ مِنَ الخَطِيَّةِ، وَأصبَحتُمْ عَبِيدًا لِلبِرِّ. أنَا أستَخْدِمُ تَشبيهَاتٍ بَشَرِيَّةً بِسَبَبِ ضَعفِكُمْ. لَقَدْ قَدَّمتُمْ فِيمَا مَضَى أعضَاءَ أجسَامِكُمْ لِلنَّجَاسَةِ وَالإثمِ، فَكُنْتُمْ عَبِيدًا لَهَا. وَكَانَ الإثمُ هُوَ الثَّمَرُ. فَالآنَ يَنْبَغِي أنْ تُقَدِّمُوا أعضَاءَ أجسَامِكُمْ لِحَيَاةِ البِرِّ، لِتَكُونُوا عَبِيدًا لِلبِرِّ، وَتَكُونَ القَدَاسَةُ هِيَ الثَّمَرُ. فَحِينَ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ غَيْرَ خَاضِعِينَ لِلبِرِّ. فَأيُّ نَوعٍ مِنَ الثَّمَرِ كَانَ لَكُمْ آنَذَاكَ؟ كَانَ ثَمَرًا تَخْجَلُونَ مِنْهُ الآنَ، وَنَتيجَتُهُ النِّهَائِيَّةُ هِيَ المَوْتُ. أمَّا الآنَ وَقَدْ تَحَرَّرتُمْ مِنَ الخَطِيَّةِ وَصِرتُمْ عَبِيدًا للهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُ القَدَاسَةِ، وَالنَتيجَةُ هِيَ الحَيَاةُ الأبَدِيَّةُ. لِأنَّ الأجرَ الَّذِي يُدفَعُ مُقَابِلَ الخَطِيَّةِ هُوَ المَوْتُ، أمَّا عَطِيَةُ اللهِ المَجَّانِيَّةُ، فَهِيَ حَيَاةٌ أبَدِيَّةٌ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. وَأسألُكُمْ أنْتُمُ الإخْوَةَ العَارِفِينَ بِالشَّرِيعَةِ: ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ لِلشَّرِيعَةِ سُلطَانًا عَلَى النَّاسِ مَا دَامُوا أحيَاءً؟ تَرْبِطُ الشَّرِيعَةُ المَرْأةَ المُتَزَوِّجَةَ بِزَوْجِهَا مَا دَامَ حَيًّا. لَكِنْ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا، فَإنَّهَا تَتَحَرَّرُ مِنْ شَرِيعَةِ الزَّوَاج. وَإنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا آخَرَ أثْنَاءَ حَيَاةِ زَوْجِهَا، فَإنَّهَا تَكُونُ زَانِيَةً. لَكِنْ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا، فَإنَّهَا حُرَّةٌ مِنْ شَرِيعَةِ الزَّوَاجِ، فَلَا تَكُونُ زَانِيَةً إذَا تَزَوَّجَتْ آخَرَ. هَكَذَا أيُّهَا الإخْوَةُ قَدْ مِتُّمْ أنْتُمْ أيْضًا، فَتَحَرَّرتُمْ مِنَ الشَّرِيعَةِ بِجَسَدِ المَسِيحِ، لِكَي يُمكِنَكُمْ أنْ تَكُونُوا لآخَرَ، أيْ لِذَاكَ الَّذِي أُقِيمَ مِنَ المَوْتِ، لِكَي تُنتِجُوا ثَمَرًا صَالِحًا للهِ. فَعِنْدَمَا كُنَّا نَعِيشُ حَسَبَ طَبِيعَتِنَا الجَسَدِيَّةِ، كَانَتْ مُيُولُنَا الآثِمَةُ الَّتِي أنتَجَتهَا الشَّرِيعَةُ تَعْمَلُ فِي أعضَاءِ أجسَادِنَا، فَنُنتِجَ ثَمَرًا يُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. أمَّا الآنَ، فَقَدْ تَحَرَّرنَا مِنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي كَانَتْ تَسْجِنُنَا. وَذَلِكَ لِكَي نَخدِمَ اللهَ بَطَريقَةٍ جَدِيدَةٍ، هِيَ طَريقَةُ الرُّوحِ القُدُسِ، لَا الطَّريقَةُ القَدِيمَةُ المَبنِيَّةُ عَلَى حَرفِيَّةِ الشَّرِيعَةِ. فَمَاذَا نَعنِي؟ أنَعنِي أنَّ الشَّرِيعَةَ خَطِيَّةٌ؟ بِالطَّبعِ لَا! فَأنَا لَمْ أعرِفْ مَا هِيَ الخَطِيَّةُ لَولَا الشَّرِيعَةُ. مَا كُنْتُ لِأعرِفَ خَطِيَّةَ اشتِهَاءِ مَا لِلغَيرِ، لَوْ لَمْ تَقُلِ الشَّرِيعَةُ: «لَا تَشْتَهِ مَا لِغَيرِكَ.» لَكِنَّ الخَطِيَّةَ استَغَلَّتِ الوَصِيَّةَ، وَجَعَلَتنِي أشتَهِي كُلَّ شَيءٍ. فَالخَطِيَّةُ بِدُونِ الشَّرِيعَةِ مَيِّتَةٌ. وَأنَا كُنْتُ ذَاتَ يَوْمٍ حَيًّا بِدُونِ الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ جَاءَتِ الوَصِيَّةُ فَعَاشَتِ الخَطِيَّةُ، وَمِتُّ أنَا! وَهَكَذَا فَإنَّ الوَصِيَّةَ الهَادِفَةَ إلَى الحَيَاةِ، هِيَ نَفْسُهَا أدَّتْ إلَى المَوْتِ. فَقَدِ انتَهَزَتِ الخَطِيَّةُ فُرصَتَهَا وَخَدَعَتنِي، وَبِتِلْكَ الوَصِيَّةِ أيْضًا قَتَلَتْنِي. فَالشَّرِيعَةُ إذًا مُقَدَّسَةٌ، وَالوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَةٌ. هَلْ يَعْنِي هَذَا أنَّ مَا هُوَ صَالِحٌ قَدْ جَاءَ بِالمَوْتِ إليَّ؟ بِالطَّبعِ لَا! لَكِنَّ الخَطِيَّةَ استَغَلَّتْ مَا هُوَ صَالِحٌ لِتأتيَ إلَيَّ بِالمَوْتِ، فَظَهَرَتِ الخَطيَةُ عَلَى حَقيقَتِهَا. فَبِاستِغلَالِهَا لِلوَصِيَّةِ، ظَهَرَتِ الخَطِيَةُ فِي أسوَأِ صُوَرِهَا. فَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ الشَّرِيعَةَ رُوحِيَّةٌ، أمَّا أنَا فَطَبِيعَتِي جَسَدِيَّةٌ. فَأنَا مُبَاعٌ كَعَبدٍ، لِأعِيشَ خَاضِعًا لِلخَطِيَّةِ. وَلَسْتُ أعْلَمُ مَا الَّذِي يَحْدُثُ لِي، لِأنِّي لَا أفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ أفْعَلُ الأشْيَاءَ الَّتِي أُبغِضُهَا! فَإنْ كُنْتُ لَا أُرِيدُ أنْ أفعَلَ مَا أفْعَلُهُ، فَإنِّي أُوافِقُ الشَّرِيعَةَ عَلَى أنَّهَا صَالِحَةٌ. لَكِنِّي لَسْتُ أنَا مَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الأُمُورَ فِيمَا بَعْدُ، بَلِ الخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. نَعَمْ، أنَا أُدرِكُ أنَّ مَا هُوَ صَالِحٌ لَا يَسْكُنُ فِيَّ، أيْ فِي طَبِيعَتِي الجَسَديَّةِ. فَأنَا أُريدُ أنْ أفعَلَ مَا هُوَ صَالِحٌ، لَكِنَّني لَا أستَطِيعُ! فَأنَا لَا أفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلْ أفْعَلُ الشَّرَّ الَّذِي لَا أُرِيدُهُ! وَبِمَا أنِّي أفْعَلُ الأُمُورَ الَّتِي لَا أُرِيدُ فِعلَهَا، فَإنِّي لَسْتُ أنَا مَنْ يَفْعَلُهَا بَلِ الخَطِيَّةُ الَّتِي تَسْكُنُ فِيَّ هِيَ الَّتِي تَفْعَلُهَا. وَهَكَذَا، تَعَلَّمْتُ هَذِهِ القَاعِدةَ: عِنْدَمَا أُريدُ أنْ أفعَلَ شَيْئًا صَالِحًا، أجِدُ أنَّ الشَّرَّ دَائِمًا عِندِي! فَأنَا أُسَرُّ فِي أعْمَاقِ كَيَانِي بِشَرِيعَةِ اللهِ، لَكِنِّي أرَى قَانُونًا آخَرَ يَعْمَلُ فِي جِسْمِي، وَهِوَ يُحَارِبُ المَبدَأَ الَّذِي يَسُودُ فِي عَقلِي، وَيَجْعَلُنِي أسِيرًا لقَانُونِ الخَطِيَّةِ الَّذِي يَعْمَلُ فِي جِسْمِي. فَمَا أتعَسَنِي مِنْ إنْسَانٍ! مَنْ سَيُنقِذُنِي مِنْ هَذَا الجِسْمِ الخَاضِعِ لِلمَوْتِ؟ الشُّكرُ للهِ فِي رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ! وَهَكَذَا فَإنِّي أنَا نَفْسِي عَبدٌ لِشَرِيعَةِ اللهِ بِعَقلِي، وَعَبدٌ لِمَبدَأِ الخَطِيَّةِ فِي طَبِيعَتِي الجَسَديَّةِ. إذًا لَا دَينُونَةَ الآنَ عَلَى مَنْ هُمْ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. فَفِي المَسِيحِ يَسُوعَ، حَرَّرَتكَ شَريعَةُ الرُّوحِ المُحْيِي مِنْ شَرِيعَةِ الخَطِيَّةِ الَّتِي تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. فَقَدْ حَقَّقَ اللهُ مَا عَجِزَتِ الشَّرِيعَةُ عَنْ تَحْقِيقِهِ. حَيْثُ إنَّ الطَّبِيعَةَ الجَسَدِيَّةَ جَعَلَتِ الشَّرِيعَةَ عَاجِزَةً. وَهَكَذَا أرْسَلَ اللهُ ابنَهُ فِي جَسَدٍ كَجَسَدِنَا، إلَّا أنَّهُ لَمْ يُخطِئْ. فَكَانَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَأدَانَ اللهُ الخَطِيَّةَ فِي جَسَدٍ بَشَرِيٍّ! هَكَذَا تَتَحَقَّقُ مَطَالِبُ الشَّرِيعَةِ العَادِلَةُ فِينَا نَحْنُ الَّذِينَ نَسْلُكُ حَسَبَ الرُّوحِ، لَا حَسَبَ طَبِيعَتِنَا الجَسَدِيَّةِ. فَالَّذِينَ يَعِيشُونَ حَسَبَ طَبِيعَتِهِمُ الجَسَدِيَّةِ، تَتَرَكَّزُ أفكَارُهُمْ عَلَى رَغَبَاتِ تِلْكَ الطَّبِيعَةِ. أمَّا الَّذِينَ يَحْيَونَ حَسَبَ الرُّوحِ القُدُسِ، فَتَتَرَكَّزُ أفكَارُهُمْ عَلَى مَا يَرْغَبُ الرُّوحُ فِيهِ. فَالتَّفكِيرُ الخَاضِعُ لِلطَّبِيعَةِ الجَسَدِيَّةِ يُنتِجُ مَوْتًا، أمَّا التَّفكِيرُ الخَاضِعُ لِلرُّوحِ فَيُنتِجُ حَيَاةً وَسَلَامًا. فَالتَّفكِيرُ الخَاضِعُ لِلطَّبِيعَةِ الجَسَدِيَّةِ مُعَادٍ للهِ، لِأنَّهُ لَا يَخْضَعُ لِشَرِيعَةِ اللهِ، بَلْ وَلَا يُمكِنُهُ أنْ يَخْضَعَ! كَمَا لَا يُمْكِنُ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ حَسَبَ طَبِيعَتِهِمُ الجَسَديَّةِ أنْ يُرضُوا اللهَ. أمَّا أنْتُمْ فَلَسْتُمْ خَاضِعِينَ لِلطَّبِيعَةِ الجَسَدِيَّةِ، بَلْ لِلرُّوحِ، إنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ. لَكِنْ إنْ كَانَ أحَدٌ لَيْسَ فِيهِ رُوحُ المَسِيحِ، فَهوَ لَا يَنْتَمِي لِلمَسِيحِ. إنَّ أجسَادَكُمْ مَيِّتَةٌ بِسَبَبِ الخَطِيَّةِ، لَكِنْ إنْ كَانَ المَسيحُ فِيكُمْ، فَالرُّوحُ حَيَاةٌ لَكُمْ، لأنَّكُمْ قَدْ تَبَرَّرتُمْ. وَإنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أقَامَ المَسِيحَ مِنَ المَوْتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَإنَّ الَّذِي أقَامَهُ مِنَ المَوْتِ سَيُعطِي أيْضًا حَيَاةً لِأجسَامِكُمُ الفَانِيَةِ بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ. لِذَلِكَ فَإنَّنَا لَسْنَا مُلتَزِمِينَ، أيُّهَا الإخْوَةُ، نَحْوَ طَبِيعَتِنَا الجَسَديَّةِ لِنَعِيشَ حَسَبَهَا. لِأنَّكُمْ إنْ عِشتُمْ حَسَبَ طَبِيعَتِكُمُ الجَسَديَّةِ، فَسَتَمُوتُونَ. لَكِنْ إذَا أمَتُّمْ أعْمَالَ تِلْكَ الطَّبِيعَةِ بِالرُّوحِ، فَسَتَحْيَونَ. فَالَّذِينَ يَتْبَعُونَ قِيَادَةَ رُوحِ اللهِ هُمْ أبْنَاءُ اللهِ. لِأنَّ الرُّوحَ الَّذِي أخَذتُمُوهُ، لَا يَجْعَلُكُمْ عَبِيدًا لِتَعُودُوا إلَى الخَوفِ بَلْ يَجْعَلُكُمْ أبْنَاءً للهِ بِالتَّبَنِّي. وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِهَذَا الرُّوحِ مُنَادِينَ الآبَ: «يَا بَابَا!» وَالرُّوحُ نَفْسُهُ يَشْهَدُ مَعَ أروَاحِنَا أنَّنَا أبْنَاءُ اللهِ. وَبِمَا أنَّنَا أبْنَاءُ اللهِ، فَإنَّنَا وَرَثَتُهُ أيْضًا، وَنَحْنُ شُرَكَاءُ فِي الإرثِ مَعَ المَسِيحِ. فَإنْ كُنَّا نُشَارِكُهُ الألَمَ، فَسَنُشَارِكُهُ المَجْدَ أيْضًا. فَأنَا أعتَبِرُ آلَامَنَا فِي هَذِهِ الحَيَاةِ لَا شَيءَ بِالقِيَاسِ مَعَ مَجْدِ المُسْتَقْبَلِ الَّذِي سَيَكْشِفُهُ اللهُ لَنَا. فَإنَّ العَالَمَ المَخْلُوقَ يَنْتَظِرُ بِاشتِيَاقٍ ذَلِكَ الوَقْتَ الَّذِي فِيهِ سَيُعلِنُ اللهُ أبْنَاءَهُ. فَقَدْ أُخضِعَ هَذَا العَالَمُ المَخْلُوقُ لِحَالَةٍ فَقَدَ فِيهَا قِيمَتَهُ! لَا بِاختِيَارِهِ، بَلْ بِمَشِيئَةِ اللهِ نَفْسِهِ. لَكِنْ هُنَاكَ رَجَاءٌ، وَهُوَ أنْ يَتَحَرَّرَ هَذَا العَالَمُ المَخْلُوقُ أيْضًا مِنْ عُبُودِيَّتِهِ لِلفَسَادِ، وَيَتَمَتَّعَ بِالحُرِّيَّةِ المَجِيدَةِ الَّتِي لِأبْنَاءِ اللهِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّهُ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ، يَئِنُّ العَالَمُ المَخْلُوقُ كُلُّهُ مَعًا كَامْرَأةٍ فِي آلَامِ الوِلَادَةِ. وَلَيْسَ العَالَمُ المَخْلُوقُ وَحْدَهُ، بَلْ نَحْنُ أيْضًا نَئِنُّ فِي أعمَاقِنَا، نَحْنُ الَّذِينَ أخَذنَا الرُّوحَ القُدُسَ كَأوَّلِ حَصَادِ بَرَكَاتِ اللهِ. وَنَحْنُ أيْضًا نَنتَظِرُ بِشَوقٍ أنْ يَتَبَنَّانَا اللهُ بِشَكلٍ كَامِلٍ، حِينَ يُحَرِّرُ أجسَامَنَا. لَقَدْ خَلُصْنَا، وَلِهَذَا فَإنَّ قُلُوبَنَا مَملُوءَةٌ بِهَذَا الرَّجَاءِ. وَلَوْ أمكَنَنَا أنْ نَرَى مَا نَرجُوهُ، فَإنَّ الرَجَاءَ لَا يَعُودُ رَجَاءً. فَلَا يُمْكِنُ لأحَدٍ أنْ يَرْجُوَ مَا يَمْلِكُهُ بِالفِعْلِ. وَلَكِنْ بِمَا أنَّنَا نَرجُو مَا لَا نَملُكُهُ، فَإنَّنَا نَتَشَوَّقُ إلَيْهِ بِصَبْرٍ. كَذَلِكَ يُعِينُنَا الرُّوحُ القُدُسُ أيْضًا فِي ضَعفِنَا، فَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ كَيْفَ نُصَلِّي كَمَا يَنْبَغِي، لَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يُصَلِّي مِنْ أجْلِنَا بِأنَّاتٍ لَا يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْكَلَامِ. وَاللهُ الَّذِي يَفْحَصُ القُلُوبَ يَعْرِفُ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ، لِأنَّ الرُّوحَ يُصَلِّي مِنْ أجْلِ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ بِمَا يُوافِقُ إرَادَةَ اللهِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ اللهَ يَجْعَلُ كُلَّ الأشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِخَيرِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ، المَدعُوِّينَ حَسَبَ إرَادَتِهِ. اخْتَارَهُمُ اللهُ مُسْبَقًا، وَقَدَّسَهُمْ لَهُ مُسْبَقَا، لِيَكُونُوا عَلَى صُورَةِ ابنِهِ، وَذَلِكَ لِيَكُونَ ابْنُهُ بِكْرًا بَيْنَ إخْوَةٍ كَثِيرِينَ. ثُمَّ دَعَا الَّذِينَ قَدَّسَهُمْ، ثُمَّ بَرَّرَ الَّذِينَ دَعَاهُمْ، ثُمَّ مَجَّدَ الَّذِينَ بَرَّرَهُمْ. فَمَاذَا نَقُولُ فِي ضَوْءِ هَذَا كُلِّهِ؟ إنْ كَانَ اللهُ إلَى جَانِبِنَا، فَمَنْ يَصْمُدُ ضِدَّنَا؟ وَإنْ كَانَ اللهُ لَمْ يَمْنَعْ عَنَّا ابنَهُ الوَحِيدَ، بَلْ أسلَمَهُ لِلمَوْتِ مِنْ أجْلِنَا جَمِيعًا، أفَلَا يَكُونُ مُسْتَعِدًّا لإعطَائِنَا كُلَّ شَيءٍ مَعَهُ؟ مَنِ الَّذِي سَيَشْتَكي عَلَىْ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ؟ فَاللهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّئُهُمْ. وَمَنِ الَّذِي سَيَدِينُهُمْ؟ فَالمَسِيحُ يَسُوعُ هُوَ الَّذِي مَاتَ وَقَامَ، وَهُوَ أيْضًا الَّذِي يَجْلِسُ عَنْ يَمِينِ اللهِ يُحَامِي عَنَّا. فَمَنْ يَقْدِرُ أنْ يَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ المَسِيحِ؟ أتَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ الضِّيقَاتُ، أمِ المَشَقَّاتُ، أمْ الاضطِهَادَاتُ، أمِ الجُوعُ، أمِ العُريُ، أمِ الأخطَارُ، أمِ المَوْتُ بِالسَّيفِ؟ فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «إنَّنَا مِنْ أجْلِكَ نُواجِهُ خَطَرَ المَوْتِ طَوَالَ النَّهَارِ. وَنَحْنُ مَحسُوبُونَ كَغَنَمٍ لِلذَّبحِ.» غَيْرَ أنَّنَا فِي كُلِّ هَذِهِ الشَّدَائِدِ، مُنتَصِرُونَ انتِصَارًا مَجِيدًا جِدًّا مِنْ خِلَالِ ذَاكَ الَّذِي أحَبَّنَا. فَأنَا مُقتَنِعٌ بِأنَّهُ مَا مِنْ شَيءٍ يَقْدِرُ أنْ يَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. فَلَا مَوْتَ وَلَا حَيَاةَ، وَلَا مَلَائِكَةَ وَلَا أروَاحَ مُتَسَلِّطَةً، وَلَا شَيءَ فِي الحَاضِرِ، وَلَا شَيءَ فِي المُسْتَقْبَلِ، وَلَا قُوَىً رُوحِيَّةً، وَلَا شَيءَ مِمَّا فَوقَنَا، وَلَا شَيءَ مِمَّا تَحْتَنَا، وَلَا أيَّ شَيءٍ آخَرَ مَخْلُوقٍ يُمْكِنُ أنْ يَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي لَنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. أقُولُ الصِّدقَ مُؤمِنًا بِالمَسِيحِ، وَلَا أكذِبُ. وَضَمِيرِي يَشْهَدُ بِالرُّوحِ القُدُسِ عَلَى كَلَامِي. فَفِي قَلْبِي حُزنٌ عَظِيمٌ وَألَمٌ مُتَوَاصِلٌ. أكَادُ أتَمَنَّى لَوْ أنِّي كُنْتُ أنَا تَحْتَ لَعنَةٍ وَمَفصُولًا عَنِ المَسِيحِ، إنْ كَانَ هَذَا يُفِيدُ إخْوَتِي وَأخَوَاتِي حَسَبَ النَّسَبِ البَشَرِيِّ. إنَّهُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِثْلِي، وَلَهُمُ امتِيَازَاتٌ كَثِيرةٌ. فَقَدْ تَبَنَّاهُمُ اللهُ، وَقَدْ رَأوْا مَجْدَ اللهِ، وَأعْطَاهُمُ اللهُ العُهُودَ وَالشَّرِيعَةَ وَالعِبَادَةَ فِي خَيْمَةِ الاجتِمَاعِ وَالوُعُودَ. هُمْ نَسْلُ الآبَاءِ، وَيَنْتَسِبُ إلَيْهِمُ المَسِيحُ حَسَبَ النَّسَبِ البَشَرِيِّ. وَهُوَ اللهُ الكَائِنُ عَلَى الجَمِيعِ. لِيَتَبَارَكْ إلَى الأبَدِ! آمِين. لَكِنِّي لَا أقصِدُ أنَّ اللهَ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى الوُعُودِ الَّتِي قَطَعَهَا لَهُمْ. لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الَّذِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ هُمْ شَعْبُ اللهِ حَقًّا. وَكَوْنُهُمْ مِنْ نَسْلِ إبرَاهِيمَ، لَا يَعْنِي أنَّهُمْ كُلُّهُمْ أبنَاؤُهُ. لَكِنْ كَمَا قَالَ اللهُ لإبرَاهِيمَ: «سَيَكُونُ لَكَ نَسْلٌ بِوَاسِطَةِ إسْحَاقَ.» وَهَذَا يَعْنِي أنَّ أبْنَاءَ اللهِ، لَيْسَ هُمُ الأبْنَاءَ المَولُودِينَ بِالطَّرِيقَةِ الطَّبِيعِيَّةِ، بَلِ الأبْنَاءَ المُرتَبِطِينَ بِوَعْدِ اللهِ. وَقَدْ كَانَ الوَعْدُ كَمَا يَلِي: «فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ سَأعُودُ، وَسَيَكُونُ لِسَارَةَ وَلَدٌ.» وَهُنَاكَ مِثَالٌ آخَرُ: رِفقَةُ أيْضًا حَبَلَتْ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، هُوَ أبُونَا إسْحَاقُ. وَلَمْ يَكُنْ وَلَدَاهَا التَّوأمَانِ قَدْ وُلِدَا بَعْدُ، وَلَمْ يَكُونَا قَدْ عَمِلَا بَعْدُ عَمَلًا صَالِحًا أوْ سَيِّئًا. فَأرَادَ اللهُ أنْ يُؤكِّدَ عَلَى مَشيئَتِهِ الَّتِي تَتَحَقَّقُ بِاختِيَارِ أحَدِهِمَا. فَلَيْسَت مَشيئَتُهُ مَبنِيَّةً عَلَى أعْمَالِ الإنْسَانِ، بَلْ عَلَى اللهِ الَّذِي يَدْعُو الإنْسَانَ. وَلِهَذَا قَالَ اللهُ لِرِفقَةَ: إنَّ «أكبَرَهُمَا سَيَخْدِمُ أصغَرَهُمَا.» لِذَلِكَ قَالَ الكِتَابُ: «فَضَّلْتُ يَعْقُوبَ عَلَى عِيسُو.» فَمَاذَا نَقُولُ؟ أيُعقَلُ أنْ يَكُونَ اللهُ غَيْرَ عَادِلٍ؟ بِالطَبعِ لَا! فَقَدْ قَالَ لِمُوسَى: «سَأرْحَمُ مَنْ أشَاءُ، وَسأُشفِقُ عَلَى مَنْ أشَاءُ.» فَلَا يَعْتَمِدُ الأمْرُ عَلَى رَغبَةِ الإنْسَانِ أوْ جُهُودِهِ، بَلْ عَلَى اللهِ الرَّحِيمِ. فَفِي الكِتَابِ، قَالَ اللهُ لِفِرعَونَ: «لَقَدْ أقَمتُكَ مَلِكًا لِهَذَا الغَرَضِ بِذَاتِهِ: أنْ أُظهِرَ قُوَّتِي فِيكَ، وَلِكَي أجْعَلَ اسْمِي مَعْرُوفًا فِي كُلِّ الأرْضِ.» فَاللهُ يَرْحَمُ مَنْ يَختَارُ أنْ يَرْحَمَهُ، وَيُقَسِّي مَنْ يَختَارُ أنْ يُقَسِّيَ قَلْبَهُ. وَرُبَّمَا تَقُولُ لِي: «فَلِمَاذَا يَلُومُنَا اللهُ، لِأنَّهُ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُقَاوِمَ مَشِيئَتَهُ؟» بَلْ مَنْ أنْتَ، أيُّهَا الإنْسَانُ المَخْلُوقُ لِكَي تَحْتَجَّ عَلَى اللهِ؟ أيَسألُ الفُخَّارُ صَانِعَهُ مُعتَرِضًا: «لِمَاذَا شَكَّلْتَنِي هَكَذَا؟» ألَا يَمْلِكُ الخَزَّافُ سُلطَةً عَلَى الطِّينِ لِيَجْعَلَ مِنْ كُتلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُ إنَاءً مُمَيَّزًا أوْ إنَاءً عَادِيًّا؟ وَهَكَذَا مَعَ اللهِ. فَقَدْ أرَادَ اللهُ أنْ يُظهِرَ غَضَبَهُ، وَيُعَرِّفَ النَّاسَ بِقُوَّتِهِ، فَاحْتَمَلَ بِصَبرٍ عَظِيمٍ الآنِيَةَ البَشَرِيَّةَ الَّتِي سَيَنْصَبُّ عَلَيْهَا غَضَبُهُ، وَالَّتِي مَصِيرُهَا الهَلَاكُ. احتَمَلَهَا اللهُ لِكَي يُظهِرَ غِنَى رَحمَتِهِ المَجِيدَ عَلَى آنِيَةٍ بَشَرِيَّةٍ قَصَدَ أنْ يَرْحَمَهَا. وَهِيَ آنَيَةٌ أعَدَّهَا لِتَنَالَ المَجْدَ. هَذِهِ الآنِيَةُ البَشَرِيَّةُ هِيَ نَحْنُ الَّذِينَ دَعَانَا، لَا مِنْ بَيْنِ اليَهُودِ فَقَطْ، بَلْ مِنْ بَيْنِ غَيْرِ اليَهُودِ أيْضًا. فَكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ هُوشَعَ: «أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا مِنْ شَعْبِي، سَأجعَلُهُمْ شَعْبًا لِي. وَالمَرْأةُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَحبُوبَةً، سَأدعُوهَا مَحبُوبَتِي.» وَكَذَلِكَ … «فِي المَكَانِ الَّذِي قِيلَ فِيهِ: ‹لَسْتُمْ شَعْبِي،› سَيُدْعَونَ ‹أبْنَاءَ اللهِ الحَيِّ.›» وَيَصْرُخُ إشَعْيَاءُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِبَنِي إسْرَائِيلَ فَيَقُولُ: «حَتَّى لَوْ كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِعَدَدِ رِمَالِ البَحْرِ، فَلَنْ يَخْلُصَ مِنْهُمْ إلَّا عَدَدٌ قَلِيلٌ. فَالرَّبُّ سَيُنَفِّذُ حُكْمَهُ عَلَى الأرْضِ بِسُرعَةٍ وَبِحَسْمٍ!» كَمَا تَنَبَّأ إشَعْيَاءُ وَقَالَ: «لَوْ لَمْ يُبقِ لَنَا الرَّبُّ القَدِيرُ نَسْلًا، لَكُنَّا مِثْلَ سَدُومَ، وَلأصبَحنَا مِثْلَ عَمُورَةَ.» فَمَاذَا يَعْنِي ذَلِكَ؟ يَعْنِي أنَّ غَيْرَ اليَهُودِ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا إلَى البِرِّ، نَالُوا البِرَّ الَّذِي يَأتِي بِالإيمَانِ. أمَّا بَنُو إسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْعَوْنَ إلَى البِرِّ مِنْ خِلَالِ الشَّرِيعَةِ، فَلَمْ يَنْجَحُوا فِي ذَلِكَ! لِمَاذَا؟ لِأنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَسْعَوْنَ إلَى البِرِّ عَنْ طَرِيقِ الإيمَانِ، بَلْ سَعَوْا إلَيْهِ بِأعْمَالِهِمْ، فَتَعَثَّرُوا بِحَجَرِ العَثَرَةِ. فَمَاذَا يَقُولُ الكِتَابُ: «هَا إنِّي أضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرًا يُعثِرُ النَّاسَ، وَصَخرَةً تُسْقِطُهُمْ. أمَّا الَّذِي يُؤمِنُ بِهِ، فَلَنْ يَخِيبَ لَهُ رَجَاءٌ.» أيُّهَا الإخْوَةُ، كَمْ أشتَاقُ وَأُصَلِّي أنْ يَنَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ الخَلَاصَ! فَأنَا أشهَدُ أنَّ لَهُمْ حَمَاسًا للهِ، لَكِنَّهُ حَمَاسٌ غَيْرُ مَبنِيٍّ عَلَى المَعْرِفَةِ. فَلِأنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا البِرَّ الَّذِي مِنَ اللهِ، كَانُوا يُحَاوِلُونَ أنْ يَتَبَرَّرُوا بِطَرِيقَتِهِمُ الخَاصَّةِ، فَلَمْ يَخْضَعُوا لِطَرِيقَةِ اللهِ! فَبِالنِّسبَةِ لِكُلِّ مَنْ يُؤمِنُ، المَسِيحُ هُوَ تَحْقِيقُ هَدَفِ الشَّرِيعَةِ، أيِ البِرِّ. أمَّا عَنِ البِرِّ الَّذِي يَأتِي مِنَ الشَّرِيعَةِ، فَيَقُولُ مُوسَى: «مَنْ يَعْمَلُ هَذِهِ الأُمُورَ سَيَحيَا بِهَا.» أمَّا عَنِ البِرِّ الَّذِي بِالإيمَانِ، فَيَقُولُ: «لَا تَقُلْ فِي قَلْبِكَ: ‹مَنْ سَيَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ؟›» أيْ لِيُنزِلَ المَسِيحَ إلَى الأرْضِ. «وَلَا تَقُلْ: ‹مَنْ سَيَنْزِلُ إلَى الهَاوِيَةِ؟›» أيْ لِيُصْعِدَ المَسِيحَ مِنَ المَوْتِ. لِأنَّهُ يَقُولُ أيْضًا: «الكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ. هِيَ عَلَى شَفَتَيْكَ وَفِي قَلْبِكَ.» وَهَذِهِ هِيَ كَلِمَةُ الإيمَانِ الَّتِي نُبَشِّرُ بِهَا: إنْ أعلَنتَ بِشَفَتَيْكَ، وَآمَنتَ بِقَلْبِكَ، أنَّ يَسُوعَ رَبٌّ وَأنَّ اللهَ أقَامَهُ مِنَ المَوْتِ، خَلُصْتَ. فَبِالقَلْبِ، يُؤمِنُ الإنْسَانُ لِيَنَالَ البِرَّ. وَبِالشَّفَتَيْنِ، يُعلِنُ إيمَانَهُ لِيَنَالَ الخَلَاصَ. فَالكِتَابُ يَقُولُ: «الَّذِي يُؤمِنُ بِهِ لَا يَخِيبُ لَهُ رَجَاءٌ.» فَلَا فَرقَ بَيْنَ يَهُودِيٍّ وَغَيرِ يَهُودِيٍّ. لِأنَّ الرَّبَّ هُوَ نَفْسُهُ رَبٌّ عَلَى الكُلِّ. وَهُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحمَةِ لِلَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ. لِأنَّ الكِتَابَ يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ سَيَخْلُصُ.» وَلَكِنْ كَيْفَ يُمكِنُهُمْ أنْ يَتَّكِلُوا عَلَى مَنْ لَمْ يُؤمِنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُمكِنُهُمْ أنْ يُؤمِنُوا بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُمكِنُهُمْ أنْ يَسْمَعُوا دُونَ مُبَشِّرٍ؟ وَكَيْفَ يُبَشِّرُونَ مَا لَمْ يُرسِلْهُمْ أحَدٌ؟ فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «مَا أجمَلَ مَجِيءَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ البِشَارَةَ!» لَكِنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا البِشَارَةَ جَمِيعًا. فَإشَعْيَاءُ يَقُولُ: «يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ رِسَالَتَنَا؟» فَالإيمَانُ يَأتِي نَتِيجَةً لِسَمَاعِ الرِّسَالَةِ، وَتُسمَعُ الرِّسَالَةُ حِينَ يُبَشِّرُ أحَدُهُمْ بِالمَسِيحِ. لَكِنِّي أسألُ: «ألَمْ يَسْمَعُوا رِسَالَتَنَا؟» بَلْ سَمِعُوهَا، إذْ يَقُولُ الكِتَابُ: «‹وَصَلَتْ أصوَاتُهُمْ إلَى جَمِيعِ أنْحَاءِ الأرْضِ. وَانتَقَلَتْ كَلِمَاتُهُمْ إلَى أقَاصِي العَالَمِ.› » وَأسألُ أيْضًا: «ألَمْ يَفْهَمْ بَنُو إسْرَائِيلَ؟» أوَّلًا، يَقُولُ مُوسَى نَقلًا عَنِ اللهِ: «سَأجعَلُكُمْ تَغَارُونَ، لِأنِّي سَأستَخْدِمُ شَعْبًا بِلَا هَوِيَّةٍ. وَسَأُغيظُكُمْ، لِأنِّي سَأستَخْدِمُ أُمَّةً جَاهِلَةً!» ثُمَّ يَتَجَاسَرُ إشَعْيَاءُ فَيَقُولُ نَقلًا عَنِ اللهِ: «وَجَدَنِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَبْحَثُوا عَنِّي. وَأعلَنتُ ذَاتِي لِلَّذِينَ لَمْ يَسألُوا عَنِّي.» أمَّا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَيَقُولُ اللهُ: «مَدَدْتُ يَدَيَّ طَوَالَ النَّهَارِ نَحْوَ شَعْبٍ عَاصٍ وَعَنِيدٍ!» وَأسألُ: أيُعقَلُ أنَّ اللهَ رَفَضَ شَعْبَهُ؟ بِالطَّبعِ لَا! فَأنَا أيْضًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، مِنْ أبْنَاءِ إبرَاهِيمَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. فَاللهُ لَمْ يَرْفُضْ شَعْبَهُ الَّذِي اخْتَارَهُ مُسْبَقًا. أمْ أنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا يَقُولُهُ الكِتَابُ عَنْ إيلِيَّا عِنْدَمَا تَذَمَّرَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي صَلَاتِهِ إلَى اللهِ؟ قَالَ إيلِيَّا: «يَا رَبُّ، قَدْ قَتَلُوا أنْبِيَاءَكَ، وَهَدَمُوا مَذَابِحَكَ. وَأنَا النَّبِيُّ الوَحِيدُ النَّاجِي مِنْ بَيْنِ أنبِيَائِكَ. وَهُمْ يَسْعَونَ إلَى قَتلِي أيْضًا.» لَكِنْ بِمَاذَا أجَابَهُ اللهُ؟ قَالَ اللهُ: «لَقَدْ أبقَيتُ لِنَفْسِي سَبْعَةَ آلَافِ رَجُلٍ لَمْ يَنْحَنُوا لِبَعلَ.» وَكَذَلِكَ فِي الزَّمَنِ الحَاضِرِ، هُنَاكَ أيْضًا بَقِيَّةٌ مِنَ الشَّعْبِ اخْتَارَهَا اللهُ بِالنِّعمَةِ. فَإنْ كَانَ ذَلِكَ بِنِعْمَةِ اللهِ، فَهُوَ لَيْسَ مَبنِيًّا عَلَى الأعْمَالِ. وَإلَّا لَا تَكُونُ نِعْمَةُ اللهِ نِعْمَةً بَعْدُ. فَمَاذَا أقُولُ إذًا؟ لَمْ يُحَقِّقْ بَنُو إسْرَائِيلَ مَا كَانُوا يَسْعَوْنَ إلَيْهِ. لَكِنَّ البَقِيَّةَ المُختَارَةَ حَقَّقَتْهُ، بَيْنَمَا تَقَسَّى الآخَرُونَ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «أوقَعَ اللهُ عَلَيْهِمْ رُوحَ سُبَاتٍ، فَأعطَاهُمْ عُيُونًا لَا تُبصِرُ، وَآذَانًا لَا تَسْمَعُ، حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا.» وَيَقُولُ دَاوُدُ: «لِتَكُنْ مَوَائِدُهُمْ مَصَائِدَ لَهُمْ. لَيتَهُمْ يَسْقُطُونَ، فَيَنَالُوا عِقَابَهُمْ. لَيْتَ عُيُونَهُمْ تُظلِمُ كَي لَا يُبصِرُوا، وَلَيتَكَ تَحْنِي ظُهُورَهُمْ تَحْتَ المَتَاعِبِ إلَى الأبَدِ.» لِهَذَا أقُولُ ألَعَلَّ اليَهُودَ سَقَطُوا تَمَامًا عِنْدَمَا تَعَثَّرُوا؟ بِالطَبعِ لَا! بَلْ وَصَلَ الخَلَاصُ إلَى بَقيَّةِ الأُمَمِ بِسَبَبِ زَلَّتِهِمْ، لِكَي يَغَارُوا. فَإنْ كَانَتْ زَلَّتُهُمْ غِنَىً لِلعَالَمِ، وَخَسَارَتُهُمْ غِنَىً لِبَقِيَّةِ الأُمَمِ، فَمَاذَا سَيُنتِجُ رُجوعُهُمُ الكَامِلُ إلَى اللهِ؟ أنَا الآنَ أتَحَدَّثُ إلَيكُمْ أنْتُمْ يَا غَيْرَ اليَهُودِ. وَلِأنِّي رَسُولٌ لِغَيرِ اليَهُودِ، فَإنِّي أبْذُلُ كُلَّ جَهْدٍ لِتَحْقِيقِ مَهَمَّتِي. وَأرْجُو أنْ يَغَارَ أقرِبَائِي بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَأقُودَ بَعْضًا مِنْهُمْ إلَى الخَلَاصِ. فَإنْ كَانَ رَفْضُ اللهِ لَهُمْ قَدْ أدَّى إلَى المُصَالَحَةِ مَعَ العَالَمِ، فَلَنْ يَكونَ قُبُولُ اللهِ لَهُمْ غَيْرَ قِيَامَةٍ مِنَ المَوْتِ! فَإنْ كَانَتْ أوَّلُ قِطعَةٍ مِنَ العَجِينِ تَقْدِمَةً مُقَدَّسَةً للهِ، يَكُونُ العَجِينُ كُلُّهُ مُقَدَّسًا أيْضًا. فَإنْ كَانَ الجَذرُ مُقَدَّسًا، فَالأغْصَانُ كَذَلِكَ. لَكِنْ إنْ كُسِرَتْ بَعْضُ الأغْصَانِ، وَأنْتَ يَا غُصنَ الزَّيْتُونِ البَرِّيِّ، قَدْ طُعِّمتَ فِي الشَّجَرَةِ، وَصِرْتَ شَرِيكًا فِي الغِذَاءِ الَّذِي فِي جَذرِ شَجَرَةِ الزَّيْتُونِ الجَيِّدَةِ. فَلَا تَتَبَاهَ عَلَى الأغْصَانِ المَكسُورَةِ. وَإنْ تَبَاهَيتَ، فَتَذَكَّرْ أنَّكَ لَسْتَ أنْتَ مَنْ يُغَذِّي الجَذرَ، بَلْ إنَّ الجَذرَ هُوَ الَّذِي يُغَذِّيكَ. وَرُبَّمَا تَقُولُ: «لَكِنَّ الأغْصَانَ قُطِعَتْ لِكَي أُطَعَّمَ أنَا فِي الشَّجَرَةِ.» نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا قُطِعَتْ لِعَدَمِ إيمَانِهَا، أمَّا أنْتَ فَتَثْبُتُ بِسَبَبِ إيمَانِكَ. فَلَا يُصِبْكَ الغُرُورُ، بَلْ كُنْ حَذِرًا! فَإنْ كَانَ اللهُ لَمْ يَعْفُ عَنِ الأغْصَانِ الطَّبِيعِيَّةِ، فَلَنْ يَعْفُوَ عَنْكَ أنْتَ أيْضًا إنْ لَمْ تُؤمِنْ! فَهَا أنْتَ تَرَى لُطفَ اللهِ وَحَزْمَهُ أيْضًا. تَرَى صَرَامَتَهُ عَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا، وَتَرَى لُطْفَهُ نَحوَكَ أنْتَ إنْ ثَبَتَّ فِي لُطْفِهِ. وَإلَّا فَسَتُقطَعُ أنْتَ أيْضًا مِنَ الشَّجَرَةِ. فَإنْ تَرَاجَعَ اليَهُودُ عَنْ عَدَمِ إيمَانِهِمْ، فَسَيُطَعَّمُونَ ثَانِيَةً. وَاللهُ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُطَعِّمَهُمْ ثَانِيَةً. فَإنْ كُنْتَ قَدْ قُطِعتَ مِنْ زَيْتونَةٍ بَرِّيَّةٍ فِي طَبيعَتِهَا، وَعَلَى خِلَافِ الطَّبِيعَةِ، طُعِّمتَ فِي زَيْتُونَةٍ جَيِّدَةٍ، أفَلَا يَكُونُ مِنَ الأسهَلِ أنْ تُطَعَّمَ الأغْصَانُ الطَّبِيعِيَّةُ فِي الشَّجَرَةِ الأصلِيَّةِ؟ أيُّهَا الإخْوَةُ، لَا أُرِيدُكُمْ أنْ تَجْهَلُوا هَذِهِ الحَقِيقَةَ العَمِيقَةَ، لِئَلَّا تَتَوَهَّمُوا أنَّكُمْ تَعْرِفونَ كُلَّ شَيءٍ: لَقَدْ تَقَسَّى بَعْضُ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَسَيَسْتَمِرُّ هَذَا الحَالُ إلَى أنْ يَدْخُلَ العَدَدُ الكَامِلُ مِنْ بَقيَّةِ الأُمَمِ فِي عَائِلَةِ اللهِ. حِينَئِذٍ، سَيَخْلُصُ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ. وَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ مُنقِذٌ، وَسَيُزِيلُ مِنْ عَائِلَةِ يَعْقُوبَ كُلَّ عِصيَانٍ. وَهَذَا هُوَ عَهْدِي مَعَهُمْ عِنْدَمَا أُزِيلُ خَطَايَاهُمْ.» فَمِنْ نَاحِيَةِ البِشَارَةِ الَّتِي يَرْفُضُونَهَا هُمْ أعْدَاءٌ للهِ. وَهَذَا لِمَصلَحَتِكُمْ. أمَّا مِنْ نَاحِيَةِ اختِيَارِ اللهِ لَهُمْ، فَإنَّهُمْ مَحبُوبُونَ بَسَبَبِ وُعُودِ اللهِ لِلآبَاءِ. لِأنَّ اللهَ لَا يَتَرَاجَعُ عَنْ عَطَايَاهُ وَدَعوَتِهِ. وَحَالُكُمْ شَبِيهٌ بِحَالِهِمْ. فَقَدْ كُنْتُمْ فِيمَا مَضَى عَاصِينَ للهِ، لَكِنَّكُمْ رُحِمْتُمْ بِسَبَبِ عِصيَانِهِمْ. وَهَكَذَا عَصَوْا هُمْ أيْضًا اللهَ بِسَبَبِ رَحمَةِ اللهِ لَكُمْ، لِكَي يُرحَمُوا هُمْ أيْضًا. فَقَدْ حَجَزَ اللهُ البَشَرَ جَمِيعًا فِي سِجنِ العِصيَانِ، لِكَي يَرْحَمَ الجَمِيعُ. فَمَا أغنَى اللهَ فِي الرَّحمَةِ! وَمَا أعمَقَ حِكمَتَهُ وَمَعْرِفَتَهُ! مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعُ أنْ يَتَخَيَّلَ عُمْقَ أحكَامِهِ، أوْ أنْ يَسْتَوْعِبَ طُرُقَهُ؟ فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «مَنْ ذَا الَّذِي يَعْرِفُ فِكرَ الرَّبِّ، أمْ مَنْ ذَا الَّذِي يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لَهُ مُشِيرًا؟» «وَمَنْ ذَا الَّذِي أعطَىْ اللهَ شَيْئًا، حَتَّى يَرُدَّ لَهُ اللهُ دَينَهُ؟» فَكُلُّ الأشْيَاءِ هِيَ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ. لَهُ المَجْدُ إلَى الأبَدِ! آمِين. وَلِهَذَا فَإنِّي أرْجُوكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ، فِي ضَوْءِ رَحمَةِ اللهِ، أنْ تُقَدِّمُوا حَيَاتَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مُرضِيَةً للهِ. فَهَذِهِ هِيَ عِبَادَتُكُمُ الرُّوحِيَّةُ اللَّائِقَةُ بِهِ. فَلَا تَتَشَبَّهُوا فِيمَا بَعْدُ بِأهْلِ هَذِهِ الدُّنيَا. بَلْ لِيُغَيِّرْكُمُ اللهُ فَيُجَدِّدَ فِكرَكُمْ، لِكَي تَكْتَشِفُوا مَا هِيَ إرَادَةُ اللهِ، أيْ مَا هُوَ صَالِحٌ وَمُرْضٍ وَكَامِلٌ. وَأنَا أقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي ضَوْءِ عَطِيَّةِ اللهِ الكَرِيمَةِ لِي: لَا تُبَالِغُوا فِي تَقْدِيرِ ذَوَاتِكُمْ، بَلْ قَدِّرُوهَا بِتَعَقُّلٍ وَفْقًا لِمِقيَاسِ الإيمَانِ الَّذِي أعطَاهُ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ. فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا جَسَدٌ وَاحِدٌ يَتَألَّفُ مِنْ أعضَاءٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا تَقُومُ جَمِيعُ الأعضَاءِ بِالوَظِيفَةِ نَفْسِهَا. هَكَذَا نَحْنُ أيْضًا أعضَاءٌ كَثِيرُونَ، وَنُشَكِّلُ جَسَدًا وَاحِدًا فِي المَسِيحِ. وَكُلُّ عُضوٍ يَنْتَمِي إلَى بَاقِي الأعضَاءِ. فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا مَوهِبَةٌ مُختَلِفَةٌ مُعطَاةٌ لَنَا بِسبَبِ نِعْمَةِ اللهِ. فَإنْ كَانَتْ لِشَخْصٍ مَوهِبَةُ النُّبُوَّةِ، فَلْيَسْتَخْدِمْهَا وَفْقًا لِلإيمَانِ. وَمَنْ لَهُ مَوهِبَةُ الخِدْمَةِ، فَلْيُكَرِّسْ نَفْسَهُ لِلخِدْمَةِ. وَمَنْ لَهُ مَوهِبَةُ التَّعلِيمِ، فَلْيُكَرِّسْ نَفْسَهُ لِلتَّعلِيمِ. وَمَنْ لَهُ مَوهِبَةُ التَّشجِيعِ، فَلْيُكَرِّسْ نَفْسَهُ لِلتَّشجِيعِ. وَمَنْ لَهُ مَوهِبَةُ العَطَاءِ، فَلْيُعطِ بِسَخَاءٍ. وَمَنْ لَهُ عَطِيَّةُ التَّدبِيرِ، فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ بِاجتِهَادٍ. وَمَنْ لَهُ مَوهِبَةُ القِيَامِ بِأعْمَالِ الرَّحمَةِ، فَلْيَقُمْ بِهَا بِابتِهَاجٍ. لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بِلَا نِفَاقٍ. أبغِضُوا مَا هُوَ شِرِّيرٌ، وَتَعَلَّقُوا بِمَا هُوَ صَالِحٌ. لِيُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا مَحَبَّةً أخَويَّةً، وَليُكرِمْ كُلُّ وَاحِدٍ الآخَرَ أكْثَرَ مِنْ نَفْسِهِ. لَا تَدَعُوا حَمَاسَتَكُمْ تَبْرُدُ. تَوَهَّجُوا بِالرُّوحِ. اخدِمُوا الرَّبَّ. افرَحُوا فِي رَجَائِكُمْ. اصبِرُوا فِي وَسَطِ الضِّيقِ. ثَابِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ. شَارِكُوا فِي احتِيَاجَاتِ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ. وَابذُلُوا جَهْدَكُمْ فِي استِضَافَةِ النَّاسِ فِي بُيُوتِكُمْ. اطْلُبُوا بَرَكَةَ اللهِ لِمَنْ يَضْطَهِدُكُمْ. اطْلُبُوا لَهُمُ البَرَكَةَ لَا اللَّعنَةَ. افرَحُوا مَعَ الفَرِحِينَ، وَاحزَنُوا مَعَ الحَزَانَى. عِيشُوا فِي انسِجَامٍ بَعْضُكُمْ مَعَ بَعْضٍ. وَلَا تَتَكَبَّرُوا، بَلْ عَاشِرُوا البُسَطَاءَ، وَلَا تَغْتَرُّوا وَكَأنَّكُمْ أذكَى مِنَ الآخَرِينَ! لَا تُجَازُوا أحَدًا عَنِ الشَّرِّ بِشَرٍّ، بَلِ اهتَمُّوا بِعَمَلِ مَا هُوَ صَالِحٌ أمَامَ جَمِيعِ النَّاسِ. سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِكُمْ، إنْ أمكَنَ ذَلِكَ. لَا تَنْتَقِمُوا لِأنفُسِكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ، بَلِ أفْسِحُوا مَجَالًا لِغَضَبِ اللهِ، لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ: «يَقُولُ الرَّبُّ: ‹لِيَ الانْتِقَامُ، وَأنَا الَّذِي سَيُجَازِي.›» بَلْ … «إنْ جَاعَ عَدُوُّكَ، فَأطعِمْهُ. وَإنْ عَطِشَ، فَأعْطِهِ لِيَشْرَبَ. فَكَأنَّكَ بِهَذَا تَضَعُ جَمرًا مُلتَهِبًا عَلَى رَأسِهِ!» فَلَا تَدَعِ الشَّرَّ يَهْزِمُكَ، بَلِ اهزِمِ الشَّرَّ بِالخَيْرِ. يَنْبَغِي أنْ يَخْضَعَ كُلُّ شَخْصٍ لِلسُّلُطَاتِ الحَاكِمَةِ، فَمَا مِنْ سُلطَةٍ إلَّا وَثَبَّتَهَا اللهُ. وَالحُكَّامُ المَوجُودُونَ مُعَيَّنُونَ مِنَ اللهِ. إذًا مَنْ يُعَادِي السُّلُطَاتِ، فَإنَّهُ يُعَادِي مَا رَتَّبَهُ اللهُ. وَمَنْ يُعَادِي مَا رَتَّبَهُ اللهُ، فَإنَّهُ يأتي بِدَينُونَةٍ عَلَى نَفْسِهِ. فَالحَاكِمُ لَا يُشَكِّلُ تَهْدِيدًا لِمَنْ يَفْعَلُ الخَيْرَ، بَلْ لِمَنْ يَفْعَلُ الشَّرَّ. فَإذَا أرَدْتَ ألَّا تَخَافَ مِنَهُ، افْعَلْ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَسَتَنَالُ مِنْهُ المَدِيحَ. فَهوَ خَادِمُ اللهِ العَامِلُ لِمَصلَحَتِكَ. لَكِنْ إذَا فَعَلْتَ الشَّرَّ، فَمِنَ الطَّبِيعِيِّ أنْ تَخَافَ، لِأنَّهُ لَا يَحْمِلُ سَيفَ السُلطَةِ عَبَثًا! فَهوَ خَادِمُ اللهِ الَّذِي يُعَاقِبُ فَاعِلي الشَّرِّ نَتيجَةً لِغَضَبِ اللهِ عَليهِمْ. لِذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يُخضَعَ لَهُمْ، لَا خَوْفًا مِنْ غَضَبِ اللهِ وَعِقَابِهِ فَحَسْبُ، بَلْ مِنْ أجْلِ رَاحَةِ ضَمِيرِكَ أيْضًا. وَهَذَا مَا يَدْعُوكُمْ إلَى دَفعِ الضَّرَائِبِ. فَالحُكَّامُ هُمْ خُدَّامُ اللهِ، وَهُمْ مُنشَغِلُونَ بِتَنْفِيذِ هَذِهِ الأُمُورِ. أعطُوا كُلَّ صَاحِبِ حَقٍّ حَقَّهُ. ادفَعُوا الضَّرَائِبَ لِمَنْ يَجْمَعُونَ الضَّرَائِبَ، وَالرُّسُومَ لِمَنْ يَسْتَوْفُونَ الرُّسُومَ، وَقَدِّمُوا المَهَابَةَ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا. وَأظهِرُوا الإكرَامَ لِمَنْ يَلِيقُ بِهِ. لَا تَكُونُوا تَحْتَ دَينٍ لِأيِّ إنْسَانٍ، إلَّا بِأنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. مَنْ يُحِبُّ الآخَرِينَ، فَقَدْ أتَمَّ كُلَّ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ. لِأنَّ الوَصَايَا تَقُولُ: «لَا تَزْنِ، لَا تَقْتُلْ، لَا تَسْرِقْ، وَلَا تَشْتَهِ مَا لِغَيرِكَ.» فَهَذِهِ الوَصَايَا وَجَمِيعُ الوَصَايَا الأُخرَىْ، تَجْتَمِعُ فِي هَذِهِ الوَصِيَّةِ: «تُحِبُّ صَاحِبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.» فَالمَحَبَّةُ تَمْنَعُكَ مِنَ الإسَاءَةِ لِصَاحِبِكَ. المَحَبَّةُ هِيَ تَتميمٌ لِلشَّرِيعَةِ. أقُولُ هَذَا لِأنَّكُمْ تَعْرِفُونَ أيَّ زَمَنٍ نَحْنُ فِيهِ، وَأنَّ الوَقْتَ قَدْ حَانَ لِكَي نَسْتَيْقِظَ. لِأنَّ خَلَاصَنَا هُوَ أقرَبُ لَنَا الآنَ مِمَّا كَانَ عِنْدَمَا آمَنَّا. اقْتَرَبَ اللَّيلُ مِنْ نِهَايَتِهِ، وَأوشَكَ النَّهَارُ عَلَى الطُّلُوعِ. فَلِنَترُكْ أعْمَالَ الظُّلمَةِ، وَلْنَلبَسْ أسلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ كَمَا يَلِيقُ بِمَنْ يَمْشِي فِي النَّهَارِ: لَا بِاللَّهْوِ المُنحَرِفِ وَالسُّكرِ وَالزِّنَىْ وَالفِسْقِ وَالشَّجَارِ وَالحَسَدِ. بَلِ البَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ المَسِيحَ، وَلَا تَنْشَغِلُوا بِإشْبَاعِ طَبِيعَتِكُمُ الجَسَدِيَّةِ بِشَهَوَاتِهَا. لَا تَرْفُضُوا الضُّعَفَاءَ فِي بَعْضِ مُعْتَقَدَاتِهِمْ، وَلَا تُجَادِلُوهُمْ حَوْلَ تِلْكَ الآرَاءِ المُختَلِفَةِ. فَهُنَاكَ مَنْ يُؤمِنُ بِأنَّهُ مَسمُوحٌ لَهُ بِأنْ يَأْكُلَ أيَّ شَيءٍ، أمَّا مَنْ لَا يُؤمِنُ بِذَلِكَ فَلَا يَأْكُلُ إلَّا الخَضرَاوَاتِ. فَلَا يَنْبَغِي عَلَى مَنْ يَأْكُلُ جَمِيعَ أنْوَاعِ الطَّعَامِ أنْ يُقَلِّلَ مِنْ شَأنِ مَنْ لَا يَأْكُلُ أطعِمَةً مُعَيَّنَةً. كَمَا لَا يَنْبَغِي عَلَى مَنْ لَا يَأْكُلُ أطْعِمَةً مُعَيَّنَةً، أنْ يَدِينَ مَنْ يَأْكُلُ جَمِيعَ الأنْوَاعِ، لِأنَّ اللهَ قَدْ قَبِلَهُ. فَمَنْ أنْتَ لِكَي تَدِينَ عَبدَ غَيرِكَ؟ فَسَيِّدُهُ يَحْكُمُ فِي أمْرِ نَجَاحِهِ أوْ فَشَلِهِ. وَسَيَنْجَحُ، لِأنَّ الرَّبَّ قَادِرٌ أنْ يُنجِحَهُ. وَهُنَاكَ أيْضًا مَنْ يُفَضِّلُ يَومًا عَلَى يَوْمٍ، وَهُنَاكَ مَنْ يَعْتَبِرُ الأيَّامَ كُلَّهَا سَوَاءً. لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أنْ يَكُونَ مُقتَنِعًا بِمَوقِفِهِ فِي نَفْسِهِ. فَمَنْ يُرَاعِي يَومًا أكْثَرَ مِنْ غَيرِهِ، فَليُرَاعِهِ مِنْ أجْلِ الرَّبِّ. وَمَنْ يَأْكُلُ أيَّ طَعَامٍ، فَلْيَأْكُلْهُ لِيُكرِمَ الرَّبَّ، شَاكِرًا اللهَ. وَالَّذِي يَمْتَنِعُ عَنْ تَنَاوُلِ بَعْضِ الأطعِمَةِ، لِيُكرِمِ الرَّبَّ أيْضًا وَيَشْكُرِ اللهَ. فَمَا مِنْ أحَدٍ مِنَّا يَعِيشُ لِنَفْسِهِ، وَمَا مِنْ أحَدٍ يَمُوتُ لِنَفْسِهِ. فَإنْ عِشنَا فَإنَّنَا نَعِيشُ وَنَحْنُ لِلرَّبِّ. وَإنْ مُتنَا، فَإنَّنَا نَمُوتُ وَنَحْنُ لِلرَّبِّ. فَسَوَاءٌ عِشنَا أوْ مُتنَا، فَإنَّمَا لِلرَّبِّ نَحْنُ. وَلِهَذَا مَاتَ المَسِيحُ وَقَامَ: لِيَكُونَ رَبًّا عَلَى مَنْ هُمْ أمْوَاتٌ وَعَلَى مَنْ هُمْ أحيَاءٌ. فَلِمَاذَا تَدِينُ أخَاكَ؟ أوْ لِمَاذَا تَسْتَخِفُّ بِأخِيكَ؟ لِأنَّنَا كُلُّنَا سَنَقِفُ أمَامَ كُرسِيِّ قَضَاءِ اللهِ. لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كَمَا هُوَ اليَقينُ بِأنِّي حَيٌّ، يَقُولُ الرَّبُّ، هَكَذَا سَتَنْحَنِي أمَامِي كُلُّ رُكبَةٍ، وَسَيَعْتَرِفُ بِي كُلُّ لِسَانٍ.» إذًا سَيُقَدِّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا حِسَابًا عَنْ نَفْسِهِ أمَامَ اللهِ. إذًا لَا يَحْكُمْ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فِيمَا بَعْدُ، لَكِنْ لِنُقَرِّرْ أنْ لَا نَضَعَ عَقَبَةً أوْ إغرَاءً أمَامَ الإخوَةِ. ولِأنَّنِي فِي الرَّبِّ يَسُوعَ، فَإنِّي أعْلَمُ يَقِينًا أنَّهُ مَا مِنْ طَعَامٍ نَجِسٌ فِي ذَاتِهِ، إلَّا لِمَنْ يَعْتَبِرُهُ نَجِسًا، فَيَكُونُ لَهُ نَجِسًا حَقًّا. فَإنِ تَأذَّىْ أخُوكَ بِسَبَبِ طَعَامٍ تَأْكُلُهُ، فَإنَّكَ لَا تَسْلُكُ بِحَسَبِ المَحَبَّةِ. فَلَا تَدَعْ طَعَامَكَ يُهلِكُ ذَاكَ الَّذِي مَاتَ المَسِيحُ مِنْ أجْلِهِ. وَلَا تَسْمَحْ لِمَا تَرَاهُ صَالِحًا لَكَ، أنْ يَكُونَ مَوضُوعًا لِلَانتِقَادِ. فَمَلَكوتُ اللهِ لَا يَقومُ عَلَىْ الطَعَامِ وَالشَّرَابِ، بَلْ عَلَىْ البِرِّ وَالسَّلَامِ وَالفَرَحِ فِي الرُّوحِ القُدُسِ. وَمَنْ يَخْدِمُ المَسِيحَ عَلَى هَذَا النَّحوِ، يَحْظَى بِرِضَى اللهِ وَيَمْدَحُهُ النَّاسُ. فَلْنَسعَ إذًا إلَىْ مَا يُؤَدِّي إلَى السَّلَامِ، وَمَا يُسهِمُ فِي أنْ يَبنِيَ أحَدُنَا الآخَرَ. لَا تَهْدِمْ عَمَلَ اللهِ بِسَبَبِ طَعَامٍ تَأْكُلُهُ. كُلُّ الأطعِمَةِ طَاهِرَةٌ، لَكِنْ لَا يَصِحُّ أنْ يَأْكُلَ إنْسَانٌ شَيْئًا يُعثِرُ الآخَرِينَ. بَلْ مِنَ الأفضَلِ أنْ تَمْتَنِعَ عَنْ أكلِ اللَّحمِ وَشُربِ الخَمْرِ، أوْ أيِّ شَيءٍ يُمْكِنُ أنْ يَجْعَلَ أخَاكَ يُخطِئُ. احتَفِظْ بِمُعتَقَدَاتِكَ فِي هَذَا الأمْرِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ. وَهَنِيئًا لِمَنْ لَا يَدِينُ نَفْسَهُ بِسَبَبِ مَا يَرَاهُ حَسَنًا. وَأمَّا مَنْ يَشُكُّ بِمَا يَفْعَلُهُ، فَهُوَ مُخطِئٌ لِأنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ بِحَسَبِ مَا يُؤمِنُ بِهِ. لِأنَّ مَا تَعْمَلُهُ مُخَالِفًا لإيمَانِكَ، هُوَ خَطِيَّةٌ بِالنِّسبَةِ لَكَ! فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا نَحْنُ الأقوِيَاءَ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ المُعْتَقَدَاتِ، أنْ نَحتَمِلَ الضُّعَفَاءَ، وَلَا نَسعَى إلَى مَا يُرضِينَا فَقَطْ. فَيَنْبَغِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أنْ يُرضِيَ الآخَرِينَ مِنْ أجْلِ خَيرِهِمْ، وَبِهَدَفِ بِنَائِهِمْ. فَحَتَّى المَسِيحُ لَمْ يُرضِ نَفْسَهُ، بَلْ كَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «إهَانَاتُ الَّذِينَ أهَانُوكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ.» وَلْنَتَذَكَّرْ أنَّ كُلَّ مَا كُتِبَ فِي المَاضِي كُتِبَ حَتَّى نَتَعَلَّمَ مِنْهُ، فَيَكُونَ لَنَا رَجَاءٌ مِنَ الصَّبرِ وَالتَّشجِيعِ اللَّذَيْنِ نَجِدُهُمَا فِي الكُتُبِ. وَلْيُسَاعِدْكُمُ اللهُ، مَصْدَرُ كُلِّ صَبْرٍ وَتَشْجِيعٍ، عَلَى أنْ تَعِيشُوا فِي انسِجَامٍ أحَدُكُمْ مَعَ الآخَرِ، مُتَّبِعِينَ مِثَالَ المَسِيحِ يَسُوعَ. فَتَتَّحِدَ أصوَاتُكُمْ وَقُلُوبُكُمْ فِي تَمْجِيدِ إلَهِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ وَأبِيهِ. لِهَذَا فَليَقْبَلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَمَا قَبِلَكُمُ المَسِيحُ. افْعَلُوا هَذَا لِمَجْدِ اللهِ. وَأقُولُ لَكُمْ إنَّ المَسِيحَ صَارَ خَادِمًا لِليَهُودِ مِنْ أجْلِ صِدقِ اللهِ، أيْ لِيُثَبِّتَ الوُعُودَ الَّتِي قَطَعَهَا لِلآبَاءِ. كَمَا فَعَلَ المَسِيحُ هَذَا لِكَي تُمَجِّدَ بَقِيَّةُ الأُمَمِ اللهَ عَلَى رَحمَتِهِ لَهُمْ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «لِهَذَا سَأعتَرِفُ بِكَ بَيْنَ بَقيّةِ الأُمَمِ، وَسَأُنشِدُ تَسْبِيحًا لاسْمِكَ.» وَيَقُولُ أيْضًا: «افرَحِي أيَّتُهَا الأُمَمُ الأُخرَىْ مَعَ شَعْبِ اللهِ.» كَمَا يَقُولُ: «سَبِّحِي الرَّبَّ يَا بَقِيَّةَ الأُمَمِ، وَلْتُسَبِّحْهُ كُلُّ الشُّعُوبِ.» وَيَقُولُ إشَعْيَاءُ: «سَيَظْهَرُ مِنْ نَسْلِ يَسَّى مَنْ يَقُومُ لِيَحْكُمَ جَمِيعَ الأُمَمِ، فَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهِ رَجَاءَهُمْ.» فَلْيَملأكُمُ اللهُ، مَصدَرُ كُلِّ رَجَاءٍ، بِكُلِّ الفَرَحِ وَالسَّلَامِ بَيْنَمَا تَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ، حَتَّى تَفِيضُوا بِالرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ. أيُّهَا الإخْوَةُ، كُلِّي ثِقَةٌ بِكُمْ. فَأنَا أثِقُ بِأنَّكُمْ مَملُؤُونَ صَلَاحًا وَكُلَّ مَعْرِفَةٍ، وَأنَّكُمْ قَادِرُونَ أيْضًا عَلَى أنْ يَنْصَحَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. لَكِنِّي كَتَبْتُ إلَيكُمْ بِصَرَاحَةٍ شَدِيدَةٍ حَوْلَ بَعْضِ المَسَائِلِ لِتَذْكِيرِكُمْ بِهَا أيُّهَا الإخْوَةُ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ العَطِيَّةِ الخَاصَّةِ الَّتِي أعطَانِي إيَّاهَا اللهُ. وَهِيَ أنْ أكُونَ خَادِمًا لِلمَسِيحِ يَسُوعَ لِغَيرِ اليَهُودِ، مُعلِنًا لَهُمْ بِشَارَةَ اللهِ. وَكَكَاهِنٍ، أُقَدِّمُ غَيْرَ اليَهُودِ تَقْدِمَةً مَقبُولَةً لَدَى اللهِ، وَمُقَدَّسَةً بِالرُّوحِ القُدُسِ. فَأنَا أفتَخِرُ بِخِدمَتِي للمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ أجْلِ اللهِ. وَلَا أتَجَرَّأُ عَلَى الحَدِيثِ إلَّا عَنْ مَا فَعَلَهُ المَسِيحُ مِنْ خِلَالِي فِي اقتِيَادِ غَيْرِ اليَهُودِ إلَى طَاعَةِ اللهِ. أكَانَ ذَلِكَ بِأقْوَالِي أمْ بِسُلُوكِي أمْ بِقُوَّةِ المُعجِزَاتِ وَالعَجَائِبِ الَّتِي بِقُوَّةِ رُوحِ اللهِ. فَقَدْ أكمَلتُ إعلَانَ البِشَارَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، مِنَ القُدْسِ وُصُولًا إلَى مُقَاطَعَةِ إليرِكُونَ. وَقَدْ كُنْتُ أطمَحُ دَائِمًا أنْ أُعْلِنَ البِشَارَةَ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يُعرَفُ فِيهِ اسْمُ المَسِيحِ. وَلَيْسَ هَدَفِي أنْ أبنِيَ عَلَى أسَاسٍ وَضَعَهُ شَخْصٌ آخَرُ. لَكِنْ، كَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «الَّذِينَ لَمْ يُخبَرُوا عَنْهُ سَيَرَوْنَ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ سَيَفْهَمُونَ.» فَهَذَا مَا أعَاقَنِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةً عَنْ زِيَارَتِكُمْ. أمَّا الآنَ، فَقَدِ انْتَهَيتُ مِنْ عَمَلِي فِي تِلْكَ المَنَاطِقِ، وَلَدَيَّ مُنْذُ سَنَوَاتٍ رَغْبَةٌ فِي زِيَارَتِكُمْ. فَسَأمُرُّ بِكُمْ فِي طَريقِي إلىْ إسبَانيَا. وَبَعْدَ أنْ أستَمْتِعَ بِرِفقَتِكُمْ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ، آمَلُ أيْضًا أنْ تُعِينُونِي عَلَى سَفَرِي إلَى هُنَاكَ. لَكِنِّي ذَاهِبٌ الآنَ إلَى القُدْسِ لِمُسَاعَدَةِ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ هُنَاكَ. فَقَدْ قَرَّرَتِ الكَنَائِسُ فِي مُقَاطَعَتَي مَكدُونِيَّةَ وَأخَائِيَّةَ أنْ تَتَبَرَّعَ لِلمُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ الفُقَرَاءِ فِي القُدْسِ. قَرَّرُوا ذَلِكَ لِأنَّهُمْ مَدْيُونُونَ لَهُمْ. فَبِمَا أنَّ الأُمَمَ الأُخرَى قَدِ اشتَرَكَتْ فِي بَرَكَاتِ اليَهُودِ الرُّوحِيَّةِ، فَيَنْبَغِي أنْ تَخْدِمَهُمْ تَلْكَ الأُمَمُ فِي البَرَكَاتِ المَادِّيَّةِ. إذًا، بَعْدَ أنْ أحْمِلَ هَذَا المَالَ بِأمَانٍ إلَيْهِمْ، وَأفرَغَ مِنْ هَذِهِ المَهَمَّةِ، سَأُبحِرُ إلَى إسبَانيَا وَأزُورُكُمْ فِي طَرِيقِي إلَيْهَا. وَأنَا أعْلَمُ أنَّنِي حِينَ أزُورُكُمْ، سَآتِي بِبَرَكَةِ المَسِيحِ الكَامِلَةِ لَكُمْ. أيُّهَا الإخْوَةُ، أُنَاشِدُكُمْ بِرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، وَبِالمَحَبَّةِ النَّابِعِةِ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، أنْ تُشَارِكُونِي جِهَادِي فِي الخِدْمَةِ، فَتُصَلُّوا إلَى اللهِ مِنْ أجْلِي، لِكَي يُنَجِّيَنِي مِنْ غَيْرِ المُؤمِنِينَ فِي إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ، وَأنْ تَكُونَ خِدمَتِي مَقبُولَةً لَدَى المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ. فَهَكَذَا أستَطِيعُ بِمَشِيئَةِ اللهِ أنْ أزُورَكُمْ بِفَرَحٍ، لِنَسْتَريحَ مَعًا. لِيَكُنِ اللهُ مَصدَرُ كُلِّ سَلَامٍ، مَعَكُمْ جَمِيعًا. آمِين. أُوْصِيكُمْ خَيْرًا بِأُختِنَا فِيبِي، وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فِي خِدْمَةٍ خَاصَّةٍ فِي كَنِيسَةِ كَنْخَرِيَا. أُوْصِيكُمْ أنْ تُرَحِّبُوا بِهَا فِي الرَّبِّ بِطَرِيقَةٍ تَلِيقُ بِكُمْ كَمُؤمِنِينَ مُقَدَّسِينَ، وَأنْ تُسَاعِدُوهَا فِي أيِّ شَيءٍ قَدْ تَحتَاجُ إلَيْهِ. فَقَدْ كَانَتْ هِيَ نَفْسُهَا عَونًا لِكَثِيرِينَ وَلِي أنَا أيْضًا. سَلِّمُوا عَلَى بِرِيسْكِلَّا وَأكِيلَا شَرِيكَيَّ فِي الخِدْمَةِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ، اللَّذينِ خَاطَرَا بِحَيَاتِهِمَا مِنْ أجْلِي. وَأنَا لَسْتُ وَحْدِي الَّذِي يَشْكُرُهُمَا، بَلْ أيْضًا كُلُّ الكَنَائِسِ فِي الأُمَمِ الأُخرَىْ. سَلِّمُوا أيْضًا عَلَى أعضَاءِ الكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِهِمَا. سَلِّمُوا عَلَى أبَينِتُوسَ حَبِيبِي الَّذِي كَانَ أوَّلَ المُهتَدِينَ إلَى المَسِيحِ فِي أسِيَّا. سَلِّمُوا عَلَى مَريَمَ الَّتِي تَعِبَتْ كَثِيرًا مِنْ أجْلِكُمْ. سَلِّمُوا عَلَى أنْدَرُونِكُوسَ وَيُونِيَاسَ قَريبَيَّ، وَرَفِيقَيَّ فِي السِّجْنِ. وَهُمَا خَادِمَانِ بَارِزَانِ بَيْنَ الرُّسُلِ، وَقَدْ آمَنَا بِالمَسِيحِ قَبْلِي. سَلِّمُوا عَلَى أمْبِلِيَاسَ حَبِيبِي فِي الرَّبِّ. سَلِّمُوا عَلَى أُورْبَانُوسَ شَرِيكِنَا فِي خِدْمَةِ المَسِيحِ، وَعَلَى إسْتَاخِيسَ حَبِيبِي. سَلِّمُوا عَلَى أبَلِّسَ الَّذِي بَرهَنَ عَلَى أصَالَةِ إيمَانِهِ فِي المَسِيحِ. سَلِّمُوا عَلَى الَّذِينَ مِنْ عَائِلَةِ أرِسْتُوبُولُوسَ. سَلِّمُوا عَلَى هِيرُودِيُونَ قَرِيبِي. سَلِّمُوا عَلَى الَّذِينَ مِنْ عَائِلَةِ نَرْكِسُّوسَ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَى الرَّبِّ. سَلِّمُوا عَلَى تَرِيفَينَا وَتَرِيفُوسَا العَامِلَتَيْنِ بِجِدٍّ لِلرَّبِّ. سَلِّمُوا عَلَى بَرْسِيسَ المَحْبُوبَةِ، الَّتِي تَعِبَتْ كَثِيرًا لِلرَّبِّ. سَلِّمُوا عَلَى رُوفُسَ، ذَلِكَ المُؤمِنِ المُتَمَيِّزِ، وَعَلَى أُمِّهِ الَّتِي هِيَ بِمَثَابَةِ أُمٍّ لِي أنَا أيْضًا. سَلِّمُوا عَلَى أسِينْكِرِيتُسَ وَفلِيغُونَ وَهَرْمَاسَ وَبَتْرُوبَاسَ وَهَرْمِيسَ وَالإخوَةِ الَّذِينَ مَعَهُمْ. سَلِّمُوا عَلَى فِيلُولُوغُسَ وَجُوليَا وَنِيرِيُوسَ وَأُختِهِ، وَأُولُمْبَاسَ، وعَلَىْ جَمِيعِ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ الَّذِينَ مَعَهُمْ. سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ جَمِيعُ كَنَائِسِ المَسِيحِ. وَأحُثُّكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ عَلَى أنْ تَكُونُوا حَذِرِينَ مِنَ الَّذِينَ يُسَبِّبُونَ الانْقِسَامَاتِ وَيَضَعُونَ فِي طَرِيقِ النَّاسِ مَعَاثِرَ، عَلَى عَكسِ التَّعلِيمِ الَّذِي أخَذتُمُوهُ. فَتَجَنَّبُوا هَؤُلَاءِ. إنَّهُمْ لَا يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ المَسِيحَ، بَلْ يَخْدِمُونَ شَهَوَاتِهِمْ. وَهُمْ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ البُسَطَاءِ بِكَلَامِهِمُ المَعسُولِ وَتَمَلُّقِهِمْ. لَقَدْ وَصَلَ خَبَرُ طَاعَتِكُمْ إلَى الجَمِيعِ. لِهَذَا أنَا مَسرُورٌ جِدًّا مِنْكُمْ. لَكِنِّي أُرِيدُكُمْ أنْ تَكُونُوا حُكَمَاءَ فِي عَمَلِ الخَيْرِ، وَأبرِيَاءَ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرِّ. وَاللهُ الَّذِي هُوَ مَصدَرُ كُلِّ سَلَامٍ سَيَسْحَقُ إبْلِيسَ قَرِيبًا تَحْتَ أقْدَامِكُمْ. لِتَكُنْ مَعَكُمْ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسُ شَرِيكِي فِي العَمَلِ. كَمَا يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ لُوكِيُوسُ وَيَاسُونُ، وَسُوسِيبَابْرُسُ أقرِبَائِي. وَأنَا تَرْتِيُوسُ مُدَوِّنُ هَذِهِ الرِّسَالَةِ، أُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ غَايُسُ مُضِيفِي وَمُضِيفُ الكَنِيسَةِ كُلِّهَا هُنَا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أمِينُ صُندُوقِ المَدِينَةِ أرَاستُسُ، وَأخُونَا كَوَارْتُسُ. لِتَكُنْ نِعْمَةُ رَبَّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ مَعَكُمْ جَمِيعًا. آمينَ. المَجْدُ للهِ القَادِرِ أنْ يُقَوِّيَكُمْ فِي الإيمَانِ بِحَسَبِ بِشَارَتِي الَّتِي أُبَشِّرُ بِهَا عَنْ يَسُوعَ المَسِيحِ، حَسَبَ إعلَانِ اللهِ لِلسِّرِّ الَّذِي ظَلَّ مَخْفيًّا أجيَالًا طَوِيلَةً، ثُمَّ أُعْلِنَ لَنَا الآنَ بِوَاسِطَةِ كِتَابَاتِ الأنْبِيَاءِ، بِحَسَبِ أمْرِ اللهِ السَّرمَدِيِّ. وَهَكَذَا صَارَ السِّرُّ مَعلُومًا، لِكَي تَأْتِيَ جَمِيعُ الشُّعُوبِ إلَى طَاعَةِ اللهِ بِالإيمَانِ. لِيَتَمَجَّدِ الإلَهُ الوَحِيدُ الحَكِيمُ فِي يَسُوعَ المَسِيحِ إلَى الأبَدِ. آمِينَ. مِنْ بُولُسَ الَّذِي شَاءَ اللهُ فَدَعَاهُ لِيَكُونَ رَسُولًا لِلمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمِنْ أخِينَا سُسْتَانِيسَ إلَى أعضَاءِ كَنِيسَةِ اللهِ فِي مَدِينَةِ كُورِنثُوسَ المُقَدَّسِينَ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ، وَالمَدعُوِّينَ مِنَ اللهِ لِيَكُونُوا شَعْبَهُ المُقَدَّسَ، وَإلَى كُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، رَبِّهِمْ وَرَبِّنَا، أينَمَا كَانُوا. لِتَكُنْ لَكُمْ نِعْمَةٌ وَسَلَامٌ مِنَ اللهِ أبِينَا وَمِنْ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. أشكُرُ إلَهِي دَائِمًا مِنْ أجْلِكُمْ، بِسَبَبِ نِعْمَةِ اللهِ المَوهُوبَةِ لَكُمْ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. فَأنْتُمْ صِرتُمْ فِي المَسِيحِ أغنِيَاءَ فِي كُلِّ شَيءٍ: فِي كُلِّ كَلَامٍ وَفِي كُلِّ مَعْرِفَةٍ. وَهَذَا يَعْنِي أنَّ شَهَادَتَنَا لَكُمْ عَنِ المَسِيحِ قَدْ تَثَبَّتَتْ بَيْنَكُمْ. لِذَلِكَ لَا تَنْقُصُكُمْ أيَّةُ مَوهِبَةٍ رُوحِيَّةٍ، وَأنْتُمْ تَنْتَظُرُونَ أنْ يُعلَنَ رَبُّنَا يَسُوعُ المَسِيحُ فِي مَجِيئِهِ. وَهُوَ الَّذِي سَيُثَبِّتُكُمْ أيْضًا حَتَّى النِّهَايَةِ غَيْرَ مَلُومِينَ فِي يَوْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. فَأمِينٌ هُوَ اللهُ الَّذِي دَعَاكُمْ إلَى الشَّرِكَةِ مَعَ ابنِهِ يَسُوعَ المِسِيحِ رَبِّنَا. لَكِنِّي أرْجُوكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ أنْ تَتَّفِقُوا جَمِيعًا فِي الرَّأيِ، فَلَا يَكُونَ لِلَانقِسَامَاتِ مَكَانٌ بَيْنَكُمْ، بَلْ أنْ تَتَّحِدُوا فِي فِكرٍ وَاحِدٍ وَهَدَفٍ وَاحِدٍ. فَقَدْ وَصَلَتنِي يَا إخْوَتِي أخْبَارٌ عَنْكُمْ عَنْ طَرِيقِ عَائِلَةِ خُلُوِي، تَقُولُ إنَّ بَيْنَكُمْ مُشَاجَرَاتٍ. وَمَا أعنِيهِ هُوَ أنَّ أحَدَكُمْ يَقُولُ: «أنَا أتْبَعُ بُولُسَ.» وَيَقُولُ آخَرُ: «أنَا أتْبَعُ أبُلُّوسَ،» وَآخَرُ: «أنَا أتْبَعُ بُطْرُسَ،» بَيْنَمَا يَقُولُ آخَرُونَ: «أمَّا أنَا فَأتْبَعُ المَسِيحَ.» فَهَلِ المَسِيحُ مُنقَسِمٌ؟ ألَعَلَّ بُولُسَ هُوَ الَّذِي صُلِبَ لِأجْلِكُمْ؟ أمْ تَعَمَّدتُمْ بِاسْمِ بُولُسَ؟ أشكُرُ اللهَ لِأنِّي لَمْ أُعَمِّدْ مِنْكُمْ إلَّا كِرِيسْبُوسَ وَغَايِسَ، لِئَلَّا يَقُولُ أحَدُكُمْ إنَّكُمْ تَعَمَّدْتُمْ بِاسْمِي! وَقَدْ عَمَّدتُ بَيْتَ استِفَانَاسَ أيْضًا. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِبَقِيَّتِكُمْ، فَلَا أذكُرُ إنْ كُنْتُ قَدْ عَمَّدتُ أحَدًا آخَرَ مِنْكُمْ. إذْ لَمْ يُرسِلْنِي المَسِيحُ لِأُعَمِّدَ، بَلْ لِأُعلِنَ البِشَارَةَ. غَيْرَ مُعتَمِدٍ فِي ذَلِكَ عَلَى بَرَاعَةٍ فِي الكَلَامِ. لِأنِّي لَوِ اعتَمَدْتُ عَلَى ذَلِكَ، سَيُفرَغُ صَلِيبُ المِسِيحِ مِنْ قُوَّتِهِ. فَبِشَارَةُ الصَّلِيبِ حَمَاقَةٌ فِي نَظَرِ الهَالِكِينَ، لَكِنَّهَا قُوَّةُ اللهِ فِي نَظَرِ الَّذِينَ يُخَلَّصُونَ. فَالكِتَابُ يَقُولُ: «سَأقضِي عَلَى حِكمَةِ الحُكَمَاءِ، وَأُبْطِلُ ذَكَاءَ الأذكِيَاءِ.» فَأينَ هُوَ الحَكِيمُ؟ أيْنَ هُوَ العَالِمُ البَاحِثُ؟ أيْنَ هُوَ المُجَادِلُ فِي هَذَا العَصرِ الزَّائِلِ؟ ألَمْ يَجْعَلِ اللهُ حِكمَةَ العَالَمِ حَمَاقَةً؟ فَقَدْ شَاءَتْ حِكمَةُ اللهِ أنْ يَفْشَلَ العَالَمُ بِحِكمَتِهِ فِي أنْ يَعْرِفَ اللهَ، فَاخْتَارَ اللهُ أنْ يُخَلِّصَ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالبِشَارَةِ الَّتِي هِيَ حَمَاقَةٌ فِي نَظَرِ العَالَمِ. فَاليَهُودُ يَطْلُبُونَ مُعجِزَاتٍ، وَاليُونَانِيُّونَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، أمَّا نَحْنُ فَنُبَشِّرُ بِالمَسِيحِ مَصلُوبًا، فَيَرَى اليَهُودُ فِي ذَلِكَ إسَاءَةً لَهُمْ، وَيَرَى فِيهِ اليُونَانِيُّونَ حَمَاقَةً. أمَّا بِالنِّسبَةِ إلَى الَّذِينَ دَعَاهُمُ اللهُ، يَهُودًا وَيونَانِيِّنَ، فَإنَّنَا نُبَشِّرُ بِالمَسِيحِ الَّذِي هُوَ قُوَّةُ اللهِ وَحِكمَتُهُ. فَمَا يَعْتَبِرُهُ أُولَئِكَ حَمَاقَةَ اللهِ، هُوَ أحكَمُ مِنْ حِكمَةِ النَّاسِ! وَمَا يَعْتَبِرُونَهُ ضَعفَ اللهِ، هُوَ أقوَى مِنْ قُوَّةِ النَّاسِ! أيُّهَا الإخْوَةُ، انتَبِهُوا إلَى الوَقْتِ الَّذِي دَعَاكُمُ اللهُ فِيهِ، حِينَ لَمْ يَكُنِ كَثِيرُونَ مِنْكُمْ حُكَمَاءَ حَسَبَ المَقَايِيسِ البَشَرِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ كَثِيرُونَ مِنْكُمْ أقوِيَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ كَثِيرُونَ مِنْكُمْ شُرَفَاءَ الأصلِ. بَلْ إنَّ اللهَ اخْتَارَ مَا هُوَ أحمَقُ فِي العَالَمِ، لِكَي يُخزِيَ الحُكَمَاءَ، وَاخْتَارَ مَا هُوَ ضَعِيفٌ لِكَي يُخزِيَ مَا هُوَ قَوِيٌّ. اخْتَارَ اللهُ مَا هُوَ وَضِيعٌ وَمُحتَقَرٌ فِي العَالَمِ، وَاخْتَارَ «اللَّاشَيءَ» لِكَي يَقْضِيَ عَلَى مَا هُوَ «شَيءٌ.» وَذَلِكَ لِكَي لَا يَفْتَخِرَ أحَدٌ أمَامَ اللهِ. فَهُوَ مَصدَرُ حَيَاتِكُمْ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِي صَارَ لَنَا مِنَ اللهِ حِكْمَةً وَبِرًّا وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «إنْ أرَادَ أحَدٌ أنْ يَفْتَخِرَ، فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ.» فَحِينَ جِئتُكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ، لَمْ آتِ مُذِيعًا عَلَيْكُمْ سِرَّ اللهِ بِكَلَامِ البَلَاغَةِ أوْ بِالحِكْمَةِ البَشَرِيَّةِ. فَإنَّنِي صَمَّمتُ ألَّا أعرِفَ شَيْئًا وَأنَا بَيْنَكُمْ إلَّا يَسُوعَ المَسِيحَ وَمَوْتَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. فَجِئتُكُمْ فِي ضَعفٍ وَخَوفٍ وَارتِعَابٍ شَدِيدٍ. وَلَمْ أُقَدِّمْ كَلَامِي وَرِسَالَتِي بِكَلِمَاتٍ مُقنِعَةٍ مِنَ الحِكْمَةِ البَشَرِيَّةِ، بَلْ بِبُرهَانِ الرُّوحِ وَقُوَّتِهِ. وَذَلِكَ لِكَي لَا يَعْتَمِدَ إيمَانُكُمْ عَلَى حِكْمَةِ البَشَرِ، بَلْ عَلَى قُوَّةِ اللهِ. يُعلِنُ كلَامُنَا حِكْمَةً بَيْنَ النَّاضِجِينَ، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ حِكمَةَ هَذَا العَالَمِ، وَلَا هِيَ مِنْ حُكَّامِ هَذَا العَالَمِ الزَّائِلِينَ. لَكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ عَنْ سِرِّ حِكمَةِ اللهِ الَّتِي كَانَتْ مَخفِيَّةً عَنِ النَّاسِ، لَكِنَّ اللهَ حَدَّدَهَا مُسْبَقًا قَبْلَ بَدءِ الزَّمَانِ مِنْ أجْلِ مَجْدِنَا. وَهِيَ حِكمَةٌ لَمْ يَعْرِفْهَا أيٌّ مِنْ حُكَّامِ هَذَا العَالَمِ. فَلَو عَرَفُوهَا، لَمَا صَلَبُوا الرَّبَّ المَجِيدَ. لَكِنْ كَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «مَا لَمْ تُبصِرْهُ عَينٌ، وَلَا سَمِعَتْ بِهِ أُذُنٌ، وَلَا تَخَيَّلَهُ فِكرُ بَشَرٍ، مَا أعَدَّهُ اللهُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَهُ.» لَكِنَّ اللهَ أعلَنَهُ لَنَا بِالرَّوحِ القُدُسِ. فَالرُّوحُ يَكْشِفُ كُلَّ شَيءٍ، حَتَّى أعمَاقَ اللهِ. فَلَا أحَدَ يَعْرِفُ أفكَارَ الإنْسَانِ إلَّا رُوحُ الإنْسَانِ الَّتِي فِيهِ، كَذَلِكَ لَا أحَدَ يَعْرِفُ أفكَارَ اللهِ إلَّا رُوحُ اللهِ. لَكِنَّنَا لَمْ نَنَلْ رُوحَ العَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي يَأتِي مِنَ اللهِ، لِكَي نَعْرِفَ الأشْيَاءَ الَّتِي وَهَبَنَا إيَّاهَا اللهُ. وَهِيَ الأشْيَاءُ الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا وَلَمْ نَتَعَلَّمْهَا مِنْ بَشَرٍ، وَإنَّمَا هِيَ كَلِمَاتٌ يُعَلِّمُهَا لَنَا الرُّوحُ القُدُسُ، فَنُفَسِّرُ الحَقَائِقَ الرُّوحِيَّةَ بِكَلِمَاتٍ رُوحِيَّةٍ. فَالشَّخصُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رُوحُ اللهِ لَا يَقْبَلُ الحَقَائِقَ الَّتِي يُعلِنُهَا رُوحُ اللهِ، لِأنَّهُ يَعْتَبِرُهَا حَمَاقَةً، وَلَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَفْهَمَهَا، لِأنَّهَا تُقَاسُ بِمِقيَاسٍ رُوحِيٍّ. أمَّا الشَّخصُ الرُّوحِيُّ فَيَسْتَطِيعُ أنْ يَقِيسَ كُلَّ الأُمُورِ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ لِلآخَرِينَ أنْ يَقِيسُوهُ. فَكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَنْ ذَا الَّذِي يَعْرِفُ فِكرَ الرَّبِّ، مَنْ يَسْتَطيعُ أنْ يُعَلِّمَ الرَّبَّ؟» أمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكرُ المَسِيحِ. غَيْرَ أنِّي، أيُّهَا الإخْوَةُ، لَمْ أكُنْ قَادِرًا عَلَى أنْ أُخَاطِبَكُمْ كَأُنَاسٍ رُوحِيِّينَ، بَلِ اضطُرَرْتُ إلَى أنْ أُخَاطِبَكُمْ كَأُنَاسٍ دُنيَوِيِّينَ، كَأطْفَالٍ فِي المَسِيحِ. فَسَقَيتُكُمْ حَلِيبًا، لَا طَعَامًا حَقِيقِيًّا. إذْ لَمْ تَكُونُوا قَادِرِينَ بَعْدُ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ أنْتُمْ غَيْرُ قَادِرِينَ عَلَيْهِ الآنَ. لِأنَّكُمْ مَا تَزَالُونَ دُنيَوِيِّينَ. فَحِينَ يُوجَدُ حَسَدٌ وَنِزَاعٌ بَيْنَكُمْ، أفَلَا تَكُونُونَ دُنيَوِيِّينَ سَالِكِينَ كَمَا يَسْلُكُ أهْلُ العَالَمِ؟ فَحِينَ يَقُولُ أحَدُكُمْ: «أنَا أتْبَعُ بُولُسَ،» وَيَقُولُ آخَرُ: «أنَا أتْبَعُ أبُلُّوسَ،» أفَلَا تَكُونُونَ دُنيَوِيِّينَ؟ فَمَنْ هُوَ أبُلُّوسُ، وَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ مَا نَحْنُ إلَّا خَادِمَانِ آمَنتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا. عَمِلَ كُلٌّ مِنَّا عَمَلَهُ كَمَا حَدَّدَهُ لَهُ الرَّبُّ. فَزَرَعتُ أنَا البِذرَةَ، وَأبُلُّوسُ سَقَاهَا، لَكِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي نَمَّاهَا. فَمَا لِزَارِعِ البِذرَةِ أهَمِّيَّةٌ، وَلَا لِسَاقِيهَا، بَلْ للهِ الَّذِي يُنَمِّي. لِلزَّارِعِ وَالسَّاقِي هَدَفٌ وَاحِدٌ. وَسَيَنَالُ كُلٌّ مِنهُمَا مُكَافَأتَهُ حَسَبَ ثَمَرِ عَمَلِهِ. فَنَحْنُ عَامِلَانِ وَشَرِيكَانِ فِي خِدْمَةِ اللهِ، وَأنْتُمْ حَقلُ اللهِ وَبِنَاؤُهُ. وَكَبَانٍ حَكِيمٍ، وَضَعتُ الأسَاسَ حَسَبَ المَوهِبَةِ الَّتِي أعطَانِي إيَّاهَا اللهُ. غَيْرَ أنَّ هُنَاكَ أشخَاصًا آخَرِينَ يَبْنُونَ عَلَى هَذَا الأسَاسِ. فَلْيَنْتَبِهْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ. إذْ لَا يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَضَعَ أسَاسًا آخَرَ غَيْرَ ذَاكَ الَّذِي وُضِعَ أصلًا، أيْ يَسُوعَ المَسِيحَ. فَإنْ كَانَ أحَدٌ يَبْنِي عَلَى ذَلِكَ الأسَاسِ مُسْتَخْدِمًا ذَهَبًا أوْ فِضَّةً أوْ حِجَارَةً كَرِيمَةً أوْ خَشَبًا أوْ تِبنًا أوْ قَشًّا، فَلَا بُدَّ أنْ يَظْهَرَ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا بَعْدُ، لِأنَّ يَوْمَ مَجِيءِ المَسِيحِ سَيُظهِرُهُ. فَسَيَظْهَرُ ذَلِكَ اليَوْمُ بِالنَّارِ، وَسَتُبَيِّنُ النَّارُ قِيمَةَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ. فَإذَا صَمَدَ مَا بَنَاهُ الإنْسَانُ، يُكَافَأُ. وَإذَا احتَرَقَ عَمَلُهُ، يَخْسَرُ. أمَّا هُوَ نَفْسُهُ فَسَيَخْلُصُ، لَكِنَّهُ سَيَكُونُ كَمَنْ هَرَبَ مِنْ نَارٍ! ألَا تَعْلَمُونَ أنَّكُمْ هَيكَلُ اللهِ، وَأنَّ رُوحَ اللهِ سَاكِنٌ فِيكُمْ؟ فَإذَا خَرَّبَ أحَدُهُمْ هَيكَلَ اللهِ، سَيُخَرِّبُهُ اللهُ، لِأنَّ هَيكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ، وَهُوَ أنْتُمْ. فَلَا تَخْدَعُوا أنْفُسَكُمْ. إنْ كَانَ بَيْنَكُمْ مَنْ يَظُنُّ أنَّهُ حَكِيمٌ حَسَبَ مَقَايِيسِ هَذَا العَالَمِ، فَلْيَصِرْ «أحمَقَ» لِكَي يَكُونَ حَكِيمًا حَقًّا! فَحِكمَةُ هَذَا العَالَمِ حَمَاقَةٌ فِي نَظَرِ اللهِ. يَقُولُ الكِتَابُ: «يَصطَادُ اللهُ الحُكَمَاءَ بِذَكَائِهِمْ.» وَيَقُولُ أيْضًا: «الرَّبُّ يَعْلَمُ أنَّ أفكَارَ الحُكَمَاءِ بَاطِلَةٌ.» فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَتَبَاهَى أحَدٌ بِبَشَرٍ، لِأنَّ كُلَّ الأشْيَاءِ هِيَ لَكُمْ: بُولُسُ وَأبُلُّوسُ وَبُطرُسُ وَالعَالَمُ وَالحَيَاةُ وَالمَوْتُ، مَا فِي الحَاضِرِ وَمَا فِي المُسْتَقْبَلِ. كُلُّ الأشْيَاءِ هِيَ لَكُمْ. وَأنْتُمْ لِلمَسِيحِ، وَالمَسِيحُ للهِ. انْظُرُوا إلَينَا كَخُدَّامٍ لِلمَسِيحِ مُؤتَمَنِينَ عَلَى أسرَارِ اللهِ. وَيُفتَرَضُ أنْ يَكُونَ المُؤتَمَنُونَ عَلَى مَسؤُولِيَّةٍ، جَدِيرِينَ بِالثِّقَةِ. لَكِنِّي لَا أهتَمُّ أدنَى اهتِمَامٍ إنْ كُنْتُمْ تَحْكُمُونَ أنْتُمْ أوْ أيَّةُ مَحكَمَةٍ بَشَرِيَّةٍ عَلَيَّ، بَلْ إنِّي لَا أحْكُمُ عَلَى نَفْسِي أيْضًا. فَضَمِيرِي مُرتَاحٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا هُوَ مَا يُبَرِّرُنِي، بَلِ الرَّبُّ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيَّ. فَلَا تَحْكُمُوا فِي أيَّةِ مَسألَةٍ قَبْلَ الأوَانِ، أيْ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ الأشْيَاءَ الَّتِي تَسْتُرُهَا الظُّلمَةُ، وَسَيَكْشِفُ دَوَافِعَ القُلُوبِ. فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَكُونُ المَدحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ نَفْسِهِ. أيُّهَا الإخْوَةُ، لَقَدْ قُلْتُ هَذِهِ الأُمُورَ عَنْ أبُلُّوسَ وَعَنِّي لِفَائِدَتِكُمْ، لِكَي تَتَعَلَّمُوا مِنْ مِثَالِنَا مَعنَى القَولِ: «لَا تَتَجَاوَزُوا مَا هُوَ مَكْتُوبٌ.» فَلَا تَنْتَفِخُوا بِالكِبرِيَاءِ، مُتَحَيِّزِينَ وَمُتَحَزِّبِينَ أحَدُكُمْ ضِدَّ الآخَرِ. فَمَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ إنَّكَ أفْضَلُ مِنَ الآخَرِينَ؟ وَمَا الَّذِي تَمْلُكُهُ وَلَمْ يُعطَ لَكَ؟ وَمَا دَامَ كُلُّ شَيءٍ تَمْلُكُهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكَ، فَلِمَاذَا تَتَبَاهَى وَكَأنَّهُ لَمْ يُعطَ لَكَ؟ أنْتُمْ تَظُنُّونَ أنَّ لَدَيْكُمُ الآنَ كُلَّ مَا يَلْزَمُكُمْ. تَظُنُّونَ أنَّكُمْ صِرتُمْ أغنِيَاءَ، وَأنَّكُمْ صِرتُمْ مُلُوكًا مِنْ دُونِنَا. وَيَا لَيتَكُمْ كُنْتُمْ مُلُوكًا حَقًّا، لِكَي نَكُونَ مُلُوكًا مَعَكُمْ! لَكِنْ يَبْدُو لِي أنَّ اللهَ يَضَعُنَا نَحْنُ الرُّسُلَ فِي آخِرِ الصَّفِّ، كَمَا يُوضَعُ المَحكُومُونَ بِالمَوْتِ، حَتَّى إنَّنَا أصبَحنَا فُرجَةً لِلعَالَمِ كُلِّهِ، لِلنَّاسِ وَالمَلَائِكَةِ. فَنَحْنُ حَمقَى مِنْ أجْلِ المَسِيحِ، أمَّا أنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي المَسِيحِ! نَحْنُ ضُعَفَاءُ، أمَّا أنْتُمْ فَأقوِيَاءُ! نَحْنُ مُحتَقَرُونَ، أمَّا أنْتُمْ فَمُكَرَّمُونَ! وَنَحْنُ حَتَّى هَذِهِ اللَّحْظَةِ نَجُوعُ وَنَعطَشُ وَنَعرَى، وَنُعَامَلُ بِخُشُونَةٍ، وَلَا نَجِدُ بَيْتًا نَسْتَقِرُّ فِيهِ. نَتعَبُ عَامِلِينَ بِأيدِينَا. يُعَيِّرُنَا النَّاسُ فَنُبَارِكُهُمْ، وَيُسِيئُونَ إلَينَا فَنَحتَمِلُهُمْ، وَيَذِمُّونَنَا فَنُجَاوِبُهُمْ بِلُطفٍ. صِرنَا نِفَايَةَ العَالَمِ، حُثَالَةَ الأرْضِ حَتَّى هَذِهِ اللَّحْظَةِ. وَأنَا لَا أقُولُ هَذَا بِغَرَضِ تَخْجِيلِكُمْ. بَلْ أقُولُ عَلَى سَبِيلِ النَّصِيحَةِ لَكُمْ، يَا أبنَائِي الأحِبَّاءَ. فَحَتَّى لَوْ كَانَ لَكُمْ آلَافُ الأوْصِيَاءِ فِي المَسِيحِ، فَلَيْسَ لَكُمْ آبَاءٌ كَثِيرُونَ فِي الإيمَانِ. فَقَدْ صِرتُ أبًا لَكُمْ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ بِوَاسِطَةِ البِشَارَةِ. فَأطلُبُ إلَيكُمْ أنْ تَتَمَثَّلُوا بِي. وَهَذَا هُوَ مَا دَعَانِي إلَى إرسَالِ تِيمُوثَاوُسَ إلَيكُمْ، وَهُوَ ابنِي العَزِيزُ وَالوَفِيُّ فِي الرَّبِّ. وَهُوَ سَيُذَكِّرُكُمْ بِالمَبَادِئِ الَّتِي أسِيرُ عَلَيْهَا فِي حَيَاةِ الإيمَانِ بِالمَسِيحِ يَسُوعَ. وَهِيَ المَبَادِئُ الَّتِي أُعَلِّمُهَا لِكُلِّ الكَنَائِسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. لَكِنَّ أُنَاسًا مِنْكُمْ قَدِ انتَفَخُوا بِالكِبرِيَاءِ ظَانِّينَ أنِّي لَنْ آتِيَ إلَيكُمْ. غَيْرَ أنِّي سَآتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ الرَّبُّ. وَعِنْدَئِذٍ سَأتَحَقَّقُ، لَا مِنْ كَلَامِ المُنتَفِخِينَ بِالكِبرِيَاءِ، بَلْ مِنْ قُوَّتِهِمُ المَزعُومَةِ. فَمَلَكُوتُ اللهِ لَيْسَ مَلَكُوتَ كَلَامٍ بَلِيغٍ بَلْ قُوَّةٍ. فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ أتُرِيدُونَ أنْ آتِيَكُمْ بِعَصَا التَّأدِيبِ، أمْ بِالمَحَبَّةِ وَرُوحِ اللُّطفِ؟ وَأنَا أسمَعُ أنَّ بَيْنَكُمْ زِنَىً يَفُوقُ مَا هُوَ مَعرُوفٌ حَتَّى بَيْنَ غَيْرِ المُؤمِنِينَ! أقْصِدُ بِهَذَا ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي يُعَاشِرُ زَوْجَةَ أبِيهِ! وَمَعَ هَذَا فَأنْتُمْ مُنتَفِخُونَ بِالكِبرِيَاءِ! أمَا كَانَ يَجْدُرُ بِكُمْ أنْ تَحْزَنُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ؟ كَانَ عَلَيْكُمْ أنْ تَطْرُدُوا مَنْ يُقُومُ بِذَلِكَ مِنْ بَينِكُمْ. صَحِيحٌ أنِّي غَائِبٌ عَنْكُمْ فِي الجَسَدِ، لَكِنِّي حَاضِرٌ بِالرُّوحِ. وَقَدْ أصدَرتُ بِالفِعْلِ حُكْمًا عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الفِعْلَةِ، كَمَا لَوْ كُنْتُ حَاضِرًا بَيْنَكُمْ. فَحِينَ تَجْتَمِعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، سَأكُونُ مَعَكُمْ بِرُوحِي، وَسَتَكُونُ قُوَّةُ رَبِّنَا بَيْنَكُمْ أيْضًا. عِنْدَئِذٍ سَلِّمُوا مِثْلَ هَذَا الرَّجُلِ للشَّيطَانِ لِهَلَاكِ طَبِيعَتِهِ الجَسَدِيَّةِ، لِكَي تَخْلُصَ رُوحُهُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ. لَا يَجُوزُ لَكُمْ أنْ تَتَبَاهَوْا. ألَا تَعْلَمُونَ أنَّ مِقدَارًا قَلِيلًا مِنَ الخَمِيرَةِ يَجْعَلُ العَجِينَ كُلَّهُ يَخْتَمِرُ؟ فَتَخَلَّصُوا مِنَ الخَمِيرَةِ القَدِيمَةِ لِكَي تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا. فَأنْتُمْ كَمُؤمِنِينَ بِالمَسِيحِ أرغِفَةُ خُبْزٍ بِلَا خَمِيرَةٍ، لِأنَّ المَسِيحَ هُوَ خَرُوفُ فِصحِنَا الَّذِي ذُبِحَ مِنْ أجْلِنَا. فَلْنُواصِلِ احْتِفَالَنَا، لَكِنْ لَيْسَ بِالخَمِيرَةِ العَتِيقَةِ، خَمِيرَةِ الخَطِيَّةِ وَالشَّرِّ، بَلْ بِأرْغِفَةٍ بِلَا خَمِيرَةٍ، أرْغِفَةِ الإخْلَاصِ وَالحَقِّ. كَتَبْتُ إلَيْكُمْ فِي رِسَالَتِي السَّابِقَةِ ألَّا تُخَالِطُوا الزُّنَاةَ. لَمْ أكُنْ أقْصِدُ بِذَلِكَ أنْ لَا تُخَالِطُوا أهْلَ هَذَا العَالَمِ الزُّنَاةَ أوِ الفَاسِقِينَ أوِ المُحْتَالِينَ أوْ عَبَدَةَ الأوْثَانِ، وَإلَّا فَإنَّكُمْ سَتَضْطَرُّونَ إلَى الخُرُوجِ مِنْ هَذَا العَالَمِ. لَكِنِّي الآنَ أكتُبُ إلَيكُمْ أنْ لَا تُخَالِطُوا مَنْ يَزْعُمُ أنَّهُ مُؤمِنٌ وَهُوَ زَانٍ أوْ فَاسِقٌ أوْ عَابِدُ أوْثَانٍ أوْ مُفتَرٍ أوْ سِكِّيرٌ أوْ مُحْتَالٌ. فَلَا يَنْبَغِي حَتَّى أنْ تَأْكُلُوا مَعَ مِثْلِ هَذَا الإنْسَانِ! فَمَا شَأنِي لِأحْكُمَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَنْتَمُونَ إلَى الكَنِيسَةِ؟ أَلَيْسَ عَلَيْكُمْ أنْتُمْ أنْ تَحْكُمُوا عَلى المُنْتَمِينَ إلَى الكَنِيسَةِ؟ أمَّا غَيْرُ المُنْتَمِينَ إلَيْهَا فَاللهُ يَحْكُمُ فِي أمْرِهِمْ. يَقُولُ الكِتَابُ: «أخْرِجُوا الشِّرِّيرَ مِنْ بَيْنِكُمْ.» حِينَ يَكُونُ بَيْنَ أحَدِكُمْ وَبَيْنَ أخِيهِ نِزَاعٌ، كَيْفَ يَجْرُؤُ عَلَى مُقَاضَاتِهِ أمَامَ غِيرِ المُؤمِنِينَ؟ لِمَاذَا لَا يَرْفَعُ الأمْرَ إلَى شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ؟ أمْ أنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ أنَّ شَعْبَ اللهِ المُقَدَّسَ سَيَحْكُمُ عَلَى العَالَمِ؟ وَمَا دُمتُمْ سَتَحْكُمُونَ عَلَى العَالَمِ، أفَلَسْتُمْ مُؤَهَّلِينَ لِلحُكمِ فِي مَسَائِلَ بَسِيطَةٍ؟ ألَا تَعْلَمُونَ أنَّنَا سَنَحكُمُ عَلَى مَلَائِكَةٍ؟ فَبِالأوْلَى إذًا أنْ نَحكُمَ فِي أُمُورِ هَذِهِ الحَيَاةِ! فَإنْ كَانَتْ لَدَيْكُمْ قَضَايَا يَوْمِيَّةٌ، لِمَاذَا تَحْتَكِمُونَ إلَى قُضَاةٍ لَيْسُوا مِنَ الكَنِيسَةِ؟ أقُولُ هَذَا لِتَخْجِيلِكُمْ: ألَا يُوجَدُ بَيْنَكُمْ حَكِيمٌ قَادِرٌ عَلَى حَلِّ الخِلَافَاتِ بَيْنَ إخْوَتِهِ؟ لَكِنَّ الحَالَ عِنْدَكُمْ هُوَ أنَّ الأخَ يُقَاضِي أخَاهُ أمَامَ غَيْرِ المُؤمِنِينَ! فَالدَّعَاوَى القَضَائِيَّةُ بَيْنَكُمْ دَلِيلٌ عَلَى خَسَارَتِكُمْ! لِمَاذَا لَا تَحْتَمِلُونَ الإسَاءَةَ وَالسَّلبَ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ؟ بَلْ إنَّكُمْ أنْتُمُ الَّذِينَ تُسِيئُونَ إلَى إخْوَتِكُمْ وَتَسْلِبُونَهُمْ! ألَا تَعْلَمُونَ أنَّ الأشرَارَ لَنْ يَرِثُوا مَلَكُوتَ اللهِ؟ لَا تَخْدَعُوا أنْفُسَكُمْ! فَلَنْ يَرِثَ مَلَكُوتَ اللهِ المُنحَلُّونَ جِنسِيًّا وَعَبَدَةُ الأوْثَانِ وَالزُّنَاةُ وَالشَّاذُّونَ: مُخَنَّثِينَ وَلُوطِيِّينَ، وَلَا السَّارِقُونَ وَالفَاسِقُونَ وَالسِّكِّيرُونَ وَالمُفتَرُونَ وَالمُحتَالُونَ. وَهَكَذَا كَانَ بَعْضٌ مِنْكُمْ، لَكِنَّكُمْ تَغَسَّلْتُمْ وَتَقَدَّسْتُمْ وَتَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ وَبِرُوحِ إلَهِنَا. صَحِيحٌ أنَّنِي حُرٌّ فِي أنْ أفعَلَ أيَّ شَيءٍ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيءٍ نَافِعًا. وَصَحِيحٌ أنَّنِي حُرٌّ فِي أنْ أفعَلَ أيَّ شَيءٍ، لَكِنِّي لَنْ أسمَحَ لِشَيءٍ بِأنْ يَتَحَكَّمَ فِيَّ. صَحِيحٌ أنَّ الطَّعَامَ مَوجُودٌ مِنْ أجْلِ المَعِدَةِ، وَالمَعِدَةُ مِنْ أجْلِ الطَّعَامِ. لَكِنَّ اللهَ سَيَقْضِي عَلَيْهِمَا مَعًا. وَهُوَ لَمْ يَخْلِقْ أجسَادَنَا للزِّنَىْ، بَلْ لِخِدْمَةِ الرَّبِّ. وَالرَّبُّ هُوَ الَّذِي يَسُدُّ احتِيَاجَاتِ أجسَادِنَا. وَكَمَا أقَامَ اللهُ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ المَوْتِ، سَيُقِيمُ أجسَادَنَا نَحْنُ أيْضًا بِقُوَّتِهِ. ألَا تَعْلَمُونَ أنَّ أجسَادَكُمْ هِيَ أعضَاءٌ فِي جَسَدِ المَسِيحِ؟ فَهَلْ آخُذُ أعْضَاءَ جَسَدِ المَسِيحِ، وَأجعَلُهَا تَرْتَبِطُ بِامْرَأةٍ سَاقِطَةٍ؟ بِالطَّبعِ لَا! ألَا تَعْلَمُونَ أنَّ مَنْ يَتَّحِدُ بِامْرَأةٍ سَاقِطَةٍ يَصِيرُ وَاحِدًا مَعَهَا فِي الجَسَدِ؟ إذْ يَقُولُ الكِتَابُ: «سَيَصِيرُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.» لَكِنْ مَنْ يَتَّحِدُ بِالرَّبِّ يَكُونُ وَاحِدًا مَعَهُ فِي الرُّوحِ. فَتَجَنَّبُوا الزِّنَىْ. فَكُلُّ خَطِيَّةٍ أُخْرَى يُمْكِنُ أنْ يَرْتَكِبَهَا المُؤمِنُ هِيَ خَارِجُ جَسَدِهِ، أمَّا الزَّانِي فَيُخطِئُ ضِدَّ جَسَدِهِ هُوَ. أمْ أنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ أنَّ أجسَادَكُمْ هِيَ هَيَاكِلُ لِلرُّوحِ القُدُسِ السَّاكِنِ فِيكُمْ، وَالَّذِي قَبِلتُمُوهُ مِنَ اللهِ. ألَا تَعْلَمُونَ أنَّكُمْ لَا تَخُصُّونَ أنْفُسَكُمْ؟ فَقَدِ اشتَرَاكُمُ اللهُ بِثَمَنٍ، فَمَجِّدُوا اللهَ بِاستِخدَامِ أجسَادِكُمْ. أمَّا الآنَ فَسَأُجِيبُكُمْ عَنِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ تَسألُونَنِي عَنْهَا. فَمِنهَا سُؤَالُكُمْ إنْ كَانَ مِنَ الأفضَلِ لِلرَّجُلِ ألَّا يَتَزَوَّجَ. لَكِنْ هُنَاكَ خَطَرُ الزِّنَى. لِهَذَا لِتَكُنْ لِكُلِّ رَجُلٍ زَوْجَتُهُ، وَلِكُلِّ امْرأةٍ زَوْجُهَا. وَلْيُعطِ الزَّوجُ زَوْجَتَهُ كُلَّ حُقُوقِهَا، وَلْتُعطِ الزَّوجَةُ زَوْجَهَا كُلَّ حُقُوقِهِ. لَا سِيَادَةَ لِلزَّوجَةِ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ للِزَّوجِ. وَلَا سِيَادَةَ لِلزَّوجِ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلزَّوجَةِ. فَلَا يَحْرِمْ أحَدُكُمَا الآخَرَ مِنَ الجِنسِ، إلَّا إذَا اتَّفَقتُمَا عَلَى ذَلِكَ لمُدَّةٍ مَحدُودَةٍ، بِهَدَفِ تَكْرِيسِ نَفْسَيكُمَا لِلصَّلَاةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ عُودَا لِمُمَارَسَةِ حَيَاتِكُمَا الطَّبِيعِيَّةِ. وَهَذَا ضَرُورِيٌّ لِئَلَّا يُغرِيكُمَا الشَّيْطَانُ بِارتِكَابِ خَطِيَّةٍ، بِسَبَبِ عَدَمِ القُدرَةِ عَلَى ضَبطِ النَّفْسِ. أقُولُ هَذَا سَامِحًا بِانفِصَالِكُمَا لِفَترَةٍ مُحَدَّدَةٍ، لَا آمِرًا بِذَلِكَ. أتَمَنَّى أحْيَانًا لَوْ كَانَ جَمِيعُكُمْ مِثْلِي! لَكِنْ لِكُلِّ شَخْصٍ مَا وَهَبَهُ لَهُ اللهُ، فَاللهُ يُعْطِي وَاحِدًا أنْ يَبْقَى عَازِبًا، وَيُعطِي آخَرَ أنْ يَتَزَوَّجَ. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِغَيرِ المُتَزَوِّجِينَ وَالأرَامِلِ، فَأقُولُ لَهُمْ إنَّهُ مِنَ الأفْضَلِ لَهُمْ أنْ يَبْقَوْا بِلَا زَوَاجٍ مِثْلِي. لَكِنْ إذَا لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَضْبُطُوا أنْفُسَهُمْ، فَلْيَتَزَوَّجُوا، لِأنَّ الزَّوَاجَ أفْضَلُ مِنَ التَّحَرُّقِ بِالشَّهوَةِ. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِلمُتَزَوِّجِينَ، فَإنِّي آمُرُ، لَا أنَا بَلْ كَمَا عَلَّمَنَا الرَّبُّ، بِأنَّ عَلَى المَرْأةِ ألَّا تَسْعَى إلَى الطَّلَاقِ مِنْ زَوْجِهَا. لَكِنَّهَا إذَا انفَصَلَتْ عَنْهُ، فَعَلَيهَا أنْ تَبْقَى غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أوْ أنْ تَسْعَى إلَى التَّصَالُحِ مَعَ زَوْجِهَا. وَعَلَى الرَّجُلِ ألَّا يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِلبَقِيَّةِ فَأقُولُ أنَا، إذْ إنَّ الرَّبَّ لَمْ يُشِرْ إلَى ذَلِكَ، إنْ كَانَ أخٌ مُؤمِنٌ مُتَزَوِّجًا مِنِ امْرأةٍ غَيْرِ مُؤمِنَةٍ تُوافِقُ عَلَى العَيشِ مَعَهُ، فَلَا يُطَلِّقْهَا. وَإذَا كَانَتْ أُختٌ مُؤمِنَةٌ مُتَزَوِّجَةً مِنْ رَجُلٍ غَيْرِ مُؤمِنٍ يُوافِقُ عَلَى العَيشِ مَعَهَا، فَلَا تُطَلِّقْهُ. فَالزَّوجُ غَيْرُ المُؤمِنِ مُقَدَّسٌ بِاتِّحَادِهِ بِزَوْجَتِهِ المُؤمِنَةِ. وَالزَّوجَةُ غَيْرُ المُؤمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ بِاتِّحَادِهَا بِزَوْجِهَا المُؤمِنِ. وَإلَّا كَانَ أبنَاؤُكُمْ غَيْرَ طَاهِرِينَ. إلَّا أنَّهُمْ مُقَدَّسُونَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ. لَكِنْ إذَا رَغِبَ الطَّرَفُ غَيْرُ المُؤمِنِ فِي الطَّلَاقِ، فَلْيُطَلِّقْ. وَفِي هَذِهِ الحَالَةِ يَكُونُ الطَّرَفُ المُؤمِنُ حُرًّا فِي أنْ يُطَلَّقَ. فَقَدْ دَعَاكُمُ اللهُ إلَى العَيشِ فِي سَلَامٍ. فَكَيْفَ تَعْرِفِونَ المَستَقْبَلَ؟ أيَّتُهَا الزَّوجَةُ، رُبَّمَا سَتَكُونِينَ سَبَبًا فِي خَلَاصِ زَوْجِكِ. وَأنْتَ أيُّهَا الزَّوجُ، رُبَّمَا سَتَكُونُ سَبَبًا فِي خَلَاصِ زَوْجَتِكَ. فَلْيَسْلُكْ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ الحَالَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا لَهُ الرَّبُّ، وَكَمَا كَانَ عِندمَا دَعَاهُ اللهُ. هَذَا هُوَ مَا آمُرُ بِهِ فِي كُلِّ الكَنَائِسِ. فَهَلْ بَيْنَكُمْ مَنْ كَانَ مَختُونًا عِنْدَمَا دَعَاهُ اللهُ؟ فَلَا يَنْبَغِي عَلَى مِثْلِ هَذَا أنْ يُخفِيَ أمْرَ اختِتَانِهِ. وَهَلْ بَيْنَكُمْ مَنْ دَعَاهُ اللهُ وَهُوَ غَيْرُ مَختُونٍ؟ فَلَا يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أنْ يُختَتَنَ. فَلَا يَهُمُّ أنْ يَكُونَ المُؤمِنُ مَختُونًا أوْ غَيْرَ مَختُونٍ، بَلْ مَا يَهُمُّ هُوَ أنْ يُطِيعَ وَصَايَا اللهِ. فَلْيَبْقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الحَالِ الَّتِي دَعَاهُ اللهُ فِيهَا. فَهَلْ كُنْتَ عَبْدًا حِينَ دُعِيتَ؟ فَلَا تَنْزَعِجْ لِذَلِكَ. لَكِنْ إنْ كَانَ فِي إمكَانِكَ أنْ تَتَحَرَّرَ، فَانتَهِزِ الفُرصَةَ وَتَحَرَّرْ. فَمَنْ هُوَ فِي الرَّبِّ الآنَ، لَكِنَّهُ كَانَ عَبْدًا عِنْدَمَا دَعَاهُ الرَّبُّ، فَقَدْ صَارَ عَبْدًا لِلمَسِيحِ. لَقَدِ اشتَرَاكُمُ المَسِيحُ بِثَمَنٍ، فَلَا تَعِيشُوا تَحْتَ عُبُودِيَّةِ بَشَرٍ. إذًا، فَليَبْقَ كُلُّ وَاحِدٍ أيُّهَا الإخْوَةُ عَلَى الحَالِ الَّتِي دَعَاهُ اللهُ فِيهَا. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِغَيرِ المُتَزَوِّجَاتِ، فَلَيْسَ لَدَيْنَا أمرٌ مِنَ الرَّبِّ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ. لَكِنِّي أُقَدِّمُ رَأيِي كَشَخْصٍ جَدِيرٍ بِالثِّقَةِ، لِأنَّ الرَّبَّ رَحَمَنِي. وَأنَا أرَى مَا يَلِي: بِسَبَبِ الضِّيقِ الحَالِيِّ، فَإنَّهُ أفْضَلُ لِلإنْسَانِ أنْ يَبْقَى بِلَا زَوَاجٍ مِثْلِي. هَلْ أنْتَ مُرتَبِطٌ بِزَوْجَةٍ؟ فَلَا تَسْعَ إلَى التَّحَرُّرِ مِنْهَا. هَلْ أنْتَ بِلَا زَوْجَةٍ؟ فَلَا تَبْحَثْ عَنْ زَوْجَةٍ. لَكِنْ إذَا تَزَوَّجتَ، فَإنَّكَ لَا تَرْتَكِبُ بِذَلِكَ خَطِيَّةً. وَإذَا تَزَوَّجَتْ فَتَاةٌ عَذرَاءُ، فَإنَّهَا لَا تَرْتَكِبُ بِذَلِكَ خَطِيَّةً. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ النَّاسَ سَيَمُرُّونَ بِمَتَاعِبَ جَسَدِيَّةٍ، وَأنَا أُحَاوِلُ أنْ أُجَنِّبَكُمْ هَذِهِ المَتَاعِبَ. وَمَا أُحَاوِلُ أنْ أقُولَهُ أيُّهَا الإخْوَةُ هُوَ أنَّ الوَقْتَ بَدَأ يَنْفَدُ. فَمِنَ الآنَ فَصَاعِدًا، عَلَى مَنْ لَهُمْ زَوْجَاتٌ أنْ يَعِيشُوا وَكَأنَّهُمْ بِلَا زَوْجَاتٍ. وَعَلَى الَّذِينَ يَنُوحُونَ أنْ يَعِيشُوا وَكَأنَّهُمْ لَا يَنُوحُونَ. وَعَلَى المَسرُورِينَ أنْ يَعِيشُوا وَكَأنَّهُمْ غَيْرُ مَسرُورِينَ. وَعَلَى مَنْ يَشْتَرُونَ أنْ يَعِيشُوا وَكَأنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا. وَعَلَى الَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ مَا يُقَدِّمُهُ العَالَمُ أنْ يَعِيشُوا وَكَأنَّهُمْ لَا يَسْتَفِيدُونَ مِنْهُ شَيْئًا، فَهَذَا العَالَمُ فِي شَكلِهِ الحَالِيِّ زَائِلٌ. فَأنَا أُرِيدُكُمْ أنْ تَكُونُوا خَالِينَ مِنْ كُلِّ هَمٍّ. فَالرَّجُلُ غَيْرُ المُتَزَوِّجِ مُهتَمٌّ بِأُمُورِ الرَّبِّ، وَكَيفِيَّةِ إرضَائِهِ. أمَّا الرَّجُلُ المُتَزَوِّجُ فَهُوَ مُهتَمٌّ بِأُمُورِ الدُّنيَا وَكَيفِيَّةِ إرضَاءِ زَوْجَتِهِ. وَلِهَذَا فَإنَّ اهتِمَامَهُ مُوَزَّعٌ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ. وَالفَتَاةُ غَيْرُ المُتَزَوِّجَةِ أوِ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ قَطُّ، تَهْتَمُّ بِأُمُورِ الرَّبِّ، وَهِيَ تَحْرِصُ عَلَى أنْ تَكُونَ مُقَدَّسَةً جَسَدًا وَرُوحًا. أمَّا المَرْأةُ المُتَزَوِّجَةُ، فَمُهتَمَّةٌ بِأُمُورِ الدُّنيَا وَكَيفِيَّةِ إرضَاءِ زَوْجِهَا. وَأنَا أقُولُ هَذَا لِمَصلَحَتِكُمْ، لَا لِكَي أضَعَ عَلَيْكُمْ قُيُودًا، بَلْ لِتُرَتِّبُوا حَيَاتَكُمْ تَرْتِيبًا حَسَنًا وَتُكَرِّسُوا أنْفُسَكُمْ لِخِدْمَةِ الرَّبِّ دُونَ أنْ يُلهِيَكُمْ شَيءٌ عَنْ ذَلِكَ. قَدْ يَرَى أحَدُكُمْ أنَّهُ لَا يَتَّخِذُ القَرَارَ المُنَاسِبَ تُجَاهَ خَطيبَتِهِ، وَهِيَ قَدْ تَجَاوَزَتِ السِّنَّ المُنَاسِبَ للزَّوَاجِ. فَلْيَتَزَوَجَا، فَذَلِكَ ليسَ خَطِيَّةً. أمَّا مَنْ لَا يَرَى حَاجَةً إلَى ذَلِكَ، فَهُوَ حُرٌّ فِي أنْ يَفْعَلَ مَا يُرِيدُ. فَإنْ عَزَمَ فِي قَلْبِهِ أنْ لَا يَتَزَوَّجَ خَطِيبَتَهُ، فَحَسَنًا يَفْعَلُ. فَمَنْ يَتَزَوَّجُ خَطِيبَتَهُ يُحسِنُ صُنعًا، وَمَنْ لَا يَتَزَوَّجُ، يَفْعَلُ أحسَنَ. وَالمَرْأةُ مُرتَبِطَةٌ بِزَوْجِهَا مَا دَامَ حَيًّا، لَكِنْ إنْ مَاتَ زَوْجُهَا، فَإنَّهَا حُرَّةٌ فِي أنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ تَشَاءُ، عَلَى أنْ تَختَارَ شَخْصًا يَنْتَمِي إلَى الرَّبِّ. أمَّا رَأيِي فَهُوَ أنَّهَا سَتَكُونُ أسعَدَ حَالًا إذَا بَقِيَتْ كَمَا هِيَ، وَأنَا أعتَقِدُ أيْضًا أنَّ رُوحَ اللهِ فِيَّ. أمَّا فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّبَائِحِ المُقَدَّمَةِ لِلأوْثَانِ، فَصَحِيحٌ قُولُكُمْ: «كُلُّنَا نَعْرِفُ!» لَكِنَّ المَعْرِفَةَ تَنْفُخُ النَّاسَ بِالكِبرِيَاءِ، أمَّا المَحَبَّةُ فَتَبْنِيهِمْ. فَإنْ ظَنَّ أحَدُهُمْ أنَّهُ يَعْرِفُ، فَإنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَمَا يَنْبَغِي. لَكِنْ مَنْ يُحِبُّ اللهَ، فَإنَّهُ يَكُونُ مَعْرُوفًا مِنَ اللهِ. فَفِي مَا يَتَعَلَّقُ بِأكلِ لَحْمِ الذَّبَائِحِ المُقَدَّمَةِ لِلأوْثَانِ، نَعْرِفُ أنَّهُ لَا يُوجَدُ وَثَنٌ حَقِيقِيٌّ فِي العَالَمِ، وَأنَّهُ لَا إلَهَ آخَرَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ. نَعْرِفُ أنَّ هُنَاكَ مَا يُسَمَّى «آلِهَةً،» سَوَاءٌ أفِي السَّمَاءِ أمْ عَلَى الأرْضِ، وَأنَّ هُنَاكَ «آلِهَةً» كَثِيرِينَ وَ «أربَابًا» كَثِيرِينَ. أمَّا بِالنِّسبَةِ لَنَا، فَلَا يُوجَدُ إلَّا إلَهٌ وَاحِدٌ هُوَ الآبُ، الَّذِي مِنْهُ تَأْتِي كُلُّ الأشْيَاءِ وَلَهُ نَحيَا. وَلَا يُوجَدُ إلَّا رَبٌّ وَاحِدٌ، هُوَ يَسُوعُ المَسِيحُ الَّذِي بِهِ تُوجَدُ كُلُّ الأشْيَاءِ وَبِهِ نَحيَا. لَكِنْ لَا يعرِفُ الجَمِيعُ هَذِهِ الحَقِيقَةَ. فَبَعْضُ النَّاسِ كَانُوا قَدِ اعْتَادُوا عَلَى عِبَادَةِ الأوْثَانِ، فَعِنْدَمَا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ اللَّحمِ مُعتَقِدِينَ أنَّهُ ذُبِحَ لِوَثَنٍ، يَشْعُرُونَ بِالذَّنبِ لِأنَّ ضَمِيرَهُمْ ضَعِيفٌ. غَيْرَ أنَّ الطَّعَامَ لَا يُقَرِّبُنَا مِنَ اللهِ. فَنَحْنُ لَا نَصِيرُ أسوَأَ إنْ لَمْ نَأكُلَ، وَلَا نَكُونُ أفضَلَ إنْ أكَلْنَا. لَكِنِ انتَبِهُوا لِئَلَّا يَصِيرَ حَقُّكُمْ فِي تَنَاوُلِ مِثْلِ هَذِهِ الأطعِمَةِ سَبَبًا فِي تَعَثُّرِ الضُّعَفَاءِ. فَيَا صَاحِبَ المَعْرِفَةِ، مَاذَا لَوْ رَآكَ أحَدٌ ذُو ضَمِيرٍ ضَعِيفٍ تَجْلِسُ وَتَأْكُلُ فِي مَعبَدٍ لِلأوْثَانِ، ألَا يَتَشَجَّعُ ضَمِيرُهُ فَيَأْكُلَ مِنَ الأطعِمَةِ المُقَدَّمَةِ لِلأوْثَانِ؟ وَهَكَذَا تُؤدِّي مَعْرِفَتُكَ إلَى تَدْمِيرِ هَذَا المُؤمِنِ، وَهُوَ أخُوكَ الَّذِي مَاتَ المَسِيحُ مِنْ أجْلِهِ! وَإذْ تُخْطِئُونَ فِي حَقِّ إخْوَتِكُمْ وَتَجْرَحُونَ ضَمِيرَهُمُ الضَّعِيفَ، فإنَّكُمْ تُخْطِئُونَ إلَى المَسِيحِ نَفْسِهِ. فَإنْ كَانَ الطَّعَامُ يَتَسَبَّبُ فِي أنْ يُخطِئَ أخِي، فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا مَرَّةً أُخْرَى لِئلَّا يُخطِئَ أخِي. ألَسْتُ أنَا حُرًّا؟ ألَسْتُ أنَا رَسُولًا؟ ألَمْ أرَ يَسُوعَ رَبَّنَا؟ ألَسْتُمْ أنْتُمْ ثَمَرِي فِي الرَّبِّ؟ وَإنْ كَانَ آخَرُونَ لَا يَعْتَبِرُونَنِي رَسُولًا، فَإنَّكُمْ تَعْتَبِرونني رَسولًا. فَأنْتُمُ الخَتمُ الَّذِي يُصَادِقُ عَلَى رَسُولِيَّتِي فِي الرَّبِّ. وَدِفَاعِي لَدَى الَّذِينَ يَسْتَجْوِبُونَنِي هُوَ هَذَا: ألَيْسَ لِي الحَقُّ فِي أنْ آكُلَ وَأشرَبَ؟ ألَيْسَ لِي الحَقُّ فِي أنْ أصطَحِبَ مَعِي زَوْجَةً مُؤمِنَةً كَالرُّسُلِ الآخَرِينَ وَإخوَةِ الرَّبِّ وَبُطرُسَ؟ أمْ أنَّنَا، بَرنَابَا وَأنَا، الوَحِيدَانِ اللَّذَانِ لَيْسَ لَنَا حَقٌّ فِي الامْتِنَاعِ عَنِ العَمَلِ لِنَكسِبَ قُوتَنَا؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَتَجَنَّدُ عَلَى نَفَقَتِهِ الخَاصَّةِ؟ وَمَنْ ذَا الَّذِي يَزْرَعُ كَرْمًا وَلَا يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِهِ؟ وَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْعَى قَطِيعًا مِنَ الأغْنَامِ وَلَا يَشْرَبُ مِنْ حَلِيبِ القَطِيعِ؟ ألَعَلِّي أتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الأُمُورِ حَسَبَ تَفْكِيرِ النَّاسِ فَقَطْ؟ أفَلَا تَقُولُ الشَّرِيعَةُ هَذَا أيْضًا؟ إذْ تَقُولُ شَرِيعَةُ مُوسَى: «لَا تُكَمِّمْ ثَوْرًا وَهُوَ يَدْرُسُ القَمْحَ.» ألَعَلَّ اللهَ يَقُولُ ذَلِكَ اهتِمَامًا مِنْهُ بِالثِّيرَانِ؟ ألَا يَقُولُ هَذَا بِكُلِّ تَأْكِيدٍ مِنْ أجْلِنَا نَحْنُ. فَالَّذِي يَحْرُثُ إنَّمَا يَحْرُثُ عَلَى رَجَاءِ الحُصُولِ عَلَى شَيءٍ، وَالَّذِي يَدْرُسُ المَحصُولَ يَدْرُسُ رَاجِيًا نَصِيبَهُ مِنْهُ. وَنَحْنُ زَرَعْنَا بِذَارًا رُوحِيًّا مِنْ أجْلِكُمْ، فَهَلْ تَسْتَكْثِرُون أنْ نَحصُدَ أشْيَاءَ مَادِّيَّةً مِنْكُمْ؟ فَإنْ كَانَ آخَرُونَ يُشَارِكُونَ فِي هَذَا الحَقِّ، أفَلَا نَكُونُ نَحْنُ أحَقَّ مِنْهُمْ؟ لَكِنَّنَا لَمْ نَسْتَخْدِمْ حَقَّنَا هَذَا. بَلْ إنَّنَا نَحتَمِلُ كُلَّ شَيءٍ لِئَلَّا نَضَعَ عَائِقًا فِي طَرِيقِ البِشَارَةِ عَنِ المَسِيحِ. ألَا تَعْلَمُونَ أنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الهَيْكَلِ يَحْصُلُونَ عَلَى طَعَامِهِمْ مِنَ الهَيْكَلِ؟ ألَا تَعْلَمُونَ أيْضًا أنَّ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ بِانتِظَامٍ عِنْدَ المَذْبَحِ يَشْتَرِكُونَ مَعًا فِي مَا يُقَدَّمُ عَلَى المَذْبَحِ؟ وَبِالمِثْلِ، فَإنَّ الرَّبَّ قَدْ أمَرَ بِأنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَ بِالبِشَارَةِ، يَعِيشُونَ مِنْهَا. غَيْرَ أنِّي لَمْ أستَفِدْ مِنْ أيٍّ مِنْ هَذِهِ الحُقُوقِ. وَلَمْ أكتُبْ هَذَا أمَلًا فِي أنْ يَتَحَقَّقَ لِي هَذَا، لِأنِّي أُفَضِّلُ المَوْتَ عَلَى أنْ يَنْتَزِعَ أحَدٌ مِنِّي سَبَبَ افتِخَارِي. فَإنْ كُنْتُ أُعلِنُ بِشَارَةَ المَسِيحِ، فَلَيْسَ لِي فَضلٌ، لِأنَّ هَذَا هُوَ وَاجِبِي. فَوَيلٌ لِي إنْ كُنْتُ لَا أُبَشِّرُ! فَلَو كُنْتُ أنَا الَّذِي اختَرْتُ هَذِهِ الخِدْمَةَ بِنَفْسِي، لَكُنْتُ أستَحِقُّ مُكَافَأةً. لَكِنْ لَيْسَ لِي خَيَارٌ، فَأنَا أقُومُ بِمَهَمَّةٍ كَلَّفَنِي بِهَا اللهُ. إذًا مَا هِيَ مُكَافَأتِي مُقَابِلَ ذَلِكَ؟ إنَّهَا إعلَانُ البِشَارَةِ مَجَّانًا، لِئَلَّا أستَخْدِمَ حَقِّي فِي الحُصُولِ عَلَى أجرٍ مِنَ التَّبشِيرِ. صَحِيحٌ أنَّنِي حُرٌّ وَلَسْتُ تَحْتَ سُلطَةِ أحَدٍ، إلَّا أنَّنِي جَعَلْتُ نَفْسِي خَادِمًا لِجَمِيعِ النَّاسِ لِكَي أربَحَ أكبَرَ عَدَدٍ مُمْكِنٍ. فَقَدْ صِرتُ لِليَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لِكَي أربَحَ اليَهُودَ. صِرتُ لِلَّذِينَ تَحْتَ الشَّرِيعَةِ كَمَنْ هُوَ تَحْتَ الشَّرِيعَةِ، رُغْمَ أنِّي لَسْتُ تَحْتَ الشَّرِيعَةِ. وَهَدَفِي هُوَ أنْ أربَحَ الَّذِينَ تَحْتَ الشَّرِيعَةِ. وَصِرتُ لِلَّذِينَ بِلَا شَرِيعَةٍ كَمَنْ هُوَ بِلَا شَرِيعَةٍ، رُغْمَ أنِّي لَسْتُ بِلَا شَرِيعَةِ اللهِ، لِأنِّي خَاضِعٌ لِشَرِيعَةِ المَسِيحِ. وَهَدَفِي هُوَ أنْ أربَحَ الَّذِينَ بِلَا شَرِيعَةٍ. صِرتُ لِلضُّعَفَاءِ ضَعِيفًا لِكَي أربَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرتُ كُلَّ شَيءٍ لِكُلِّ إنْسَانٍ، لِكَي أربَحَ بَعْضَ النَّاسَ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ مُمْكِنَةٍ. وَأنَا مُسْتَعِدٌّ أنْ أفعَلَ كُلَّ شَيءٍ مِنْ أجْلِ بِشَارَةِ المَسِيحِ، لِكَي أشتَرِكَ فِي بَرَكَاتِهِا. ألَا تَعْرِفُونَ أنَّ العَدَّائِينَ فِي المَيدَانِ يُشَارِكُونَ كُلُّهُمْ فِي السِّبَاقِ، وَوَاحِدٌ فَقَطْ هُوَ الَّذِي يَفُوزُ بِالجَائِزَةِ. فَاركُضُوا أنْتُمْ لِكَي تَفُوزُوا. وَتَذكَّرُوا أنَّ كُلَّ مُتَنَافِسٍ يُخضِعُ نَفْسَهُ لِلتَّدرِيبِ الصَّارِمِ. وَهُمْ إنَّمَا يَفْعَلُونَ هَذَا لِكَي يَفُوزُوا بِإكلِيلٍ فَانٍ، أمَّا نَحْنُ فَسَنَفُوزُ بِإكلِيلٍ لَا يَفْنَى. هَكَذَا إذًا أنَا أركُضُ كَمُتَسَابِقٍ لَدَيهِ هَدَفٌ. وَهَكَذَا أُلَاكِمُ، لَا كَمَنْ يُسَدِّدُ ضَرَبَاتٍ فِي الهَوَاءِ، بَلْ أقسُو عَلَى جَسَدِي وَأُخْضِعُهُ، لِئَلَّا أصِيرَ أنَا نَفْسِي، بَعْدَ أنْ بَشَّرْتُ الآخَرِينَ، غَيْرَ مُؤهَّلٍ لِنَوَالِ الجَائِزَةِ! أيُّهَا الإخْوَةُ، أُرِيدُ أنْ أُذَكِّرَكُمْ بِأنَّ آبَاءَنَا كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ. وَعَبَرُوا جَمِيعًا البَحْرَ الأحْمَرَ. وَتَعَمَّدُوا جَمِيعًا فِي السَّحَابَةِ وَفِي البَحْرِ خَاضِعِينَ لِمُوسَى. وَأكَلُوا جَمِيعًا الطَّعَامَ الرُّوحِيَّ نَفْسَهُ. وَشَرِبُوا جَمِيعًا الشَّرَابَ الرُّوحِيَّ نَفْسَهُ. فَقَدْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنَ الصَّخرَةِ الرُّوحِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَتْبَعُهُمْ، وَكَانَتْ تِلْكَ الصَّخرَةُ هِيَ المَسِيحَ. لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَرْضَ عَنْ أكثَرِهِمْ، فَقُتِلُوا فِي البَرِّيَّةِ. وَقَدْ حَدَثَتْ هَذِهِ الأُمُورُ مِثَالًا لَنَا، لِئَلَّا نَكُونَ مِمَّنْ يَشْتَهُونَ أُمُورًا شِرِّيرَةً مِثْلَهُمْ. فَلَا تَكُونُوا عَبَدَةَ أوْثَانٍ كَمَا كَانَ بَعْضٌ مِنْهُمْ. كَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «جَلَسَ الشَّعْبُ لِيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا، وَنَهَضُوا لِيُرَفِّهُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ.» وَلَا يَنْبَغِي أنْ نَزنِيَ كَمَا فَعَلَ بَعْضٌ مِنْهُمْ، فَسَقَطَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَعِشرُونَ ألْفًا أمْوَاتًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ! وَأنْ لَا نُجَرِّبَ المَسِيحَ، كَمَا فَعَلَ بَعْضٌ مِنْهُمْ، فَقَتَلَتهُمُ الحَيَّاتُ. وَلَا تَتَذَمَّرُوا، كَمَا فَعَلَ بَعْضٌ مِنْهُمْ، فَأمَاتَهُمُ المَلَاكُ المُهلِكُ. حَدَثَتْ لَهُمْ هَذِهِ مِثَالًا لَنَا، وَكُتِبَتْ مِنْ أجْلِ تَحْذِيرِنَا، نَحْنُ الَّذِينَ أدرَكَتْنَا نِهَايَةُ العُصُورِ. فَليَحْذَرْ مَنْ يَظُنُّ أنَّهُ ثَابِتٌ لِئَلَّا يَسْقُطَ. لَمْ تُصِبكُمْ تَجْرِبَةٌ لَا تَأْتِي عَلَى غَيرِكُمْ مِنَ البَشَرِ، لَكِنْ يُمكِنُكُمْ أنْ تَثِقُوا بِاللهِ الَّذِي لَا يَسْمَحُ بِأنْ تُجَرَّبُوا فَوْقَ طَاقَتِكُمْ، بَلْ يُوفِّرُ مَعَ التَّجرِبَةِ مَنفَذًا، لِكَي تَقْدِرُوا أنْ تَحْتَمِلُوا. وَخُلَاصَةُ الحَدِيثِ، أيُّهَا الإخْوَةُ الأحِبَّاءُ، اهرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأوْثَانِ. أنَا أُحَدِّثُكُمْ كَعُقَلَاءَ، فَاحكُمُوا بِأنفُسِكُمْ عَلَى مَا أقُولُ. ألَيْسَتْ كَأسُ البَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُ اللهَ مِنْ أجْلِهَا، هِيَ أنْ نَشتَرِكَ مَعًا فِي دَمِ المَسِيحِ؟ ألَيْسَ الخُبْزُ الَّذِي نَكسِرُهُ، هُوَ أنْ نَشتَرِكَ فِي جَسَدِ المَسِيحِ؟ فَالرَّغِيفُ الوَاحِدُ مِنَ الخُبْزِ يَعْنِي أنَّنَا نَحْنُ الكَثِيرِينَ نُؤَلِّفُ جَسَدًا وَاحِدًا، لِأنَّ لَنَا جَمِيعًا نَصِيبًا فِي الرَّغِيفِ. تَأمَّلُوا مَا يَفْعَلُهُ بَنُو إسْرَائِيلَ. ألَيْسَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الذَّبَائِحَ، هُمْ مُشَارِكُونَ فِي المَذْبَحِ؟ فَمَاذَا أعنِي بِهَذَا؟ هَلْ أعنِي أنَّ لِلطَّعَامِ المَذْبُوحِ لِلأوْثَانِ قِيمَةً، أوْ أنَّ لِلوَثَنِ قِيمَةً؟ لَا، بَلْ مَا أعنِيهِ هُوَ أنَّ مَا يُضَحِّي بِهِ هَؤُلَاءِ النَّاسُ فَإنَّمَا يُضَحُّونَ بِهِ لِلأروَاحِ الشِّرِّيرَةِ، لَا للهِ! وَأنَا لَا أُرِيدُكُمْ أنْ تَكُونُوا شُرَكَاءَ الأرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ. فَلَا يُمكِنُكُمْ أنْ تَشْرَبُوا كَأسَ الرَّبِّ وَكَأسَ الأرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ أيْضًا. وَلَا يُمكِنُكُمْ أنْ تَشْتَرِكُوا فِي مِائِدَةِ الرَّبِّ وَمَائِدَةِ الأرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ أيْضًا. أمْ لَعَلَّنَا نُحَاوِلُ أنْ نُثِيرَ غَيْرَةَ الرَّبِّ؟ ألَعَلَّنَا أقوَى مِنْهُ؟ فَاسْتَخْدِمُوا حُرِّيَتَكُمْ لِمَجْدِ اللهِ. لِي الحَقُّ فِي أنْ أفعَلَ أيَّ شَيءٍ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيءٍ نَافِعًا. لِي الحَقُّ فِي أنْ أفعَلَ أيَّ شَيءٍ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيءٍ يَبْنِي. فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أنْ لَا يَنْظُرَ إلَى مَصَالِحِهِ الشَّخصِيَّةِ، بَلْ إلَى مَصَالِحِ الآخَرِينَ. كُلُوا كُلَّ مَا يُبَاعُ فِي المَلحَمَةِ دُونَ استِفسَارٍ عَنْ أصلِهِ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «الأرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهَا مُلكٌ لِلرَّبِّ .» وَإذَا دَعَاكَ شَخْصٌ غَيْرُ مُؤمِنٍ إلَى طَعَامٍ، وَقَبِلْتَ الدَّعوَةَ، فَكُلْ أيَّ شَيءٍ يُوضَعُ أمَامَكَ. وَلَا تَطْرَحْ أسئِلَةً عَنِ اللَّحمِ تَتَعَلَّقُ بِالضَّمِيرِ. لَكِنْ إذَا قَالَ لَكَ أحَدُهُمْ: «هَذَا لَحْمٌ قُدِّمَ ذَبِيحَةً لِلأوْثَانِ،» فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ، مِنْ أجْلِ الشَّخصِ الَّذِي أخبَرَكَ، وَمِنْ أجْلِ الضَّمِيرِ. لَا ضَمِيرِكَ أنْتَ، بَلْ ضَمِيرِ الشَّخصِ الآخَرِ. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الوَحِيدُ، إذْ لَا يَنْبَغِي أنْ يُقَيِّدَ حُرِّيَّتِي ضَمِيرُ شَخْصٍ آخَرَ. وَبِمَا أنِّي آكُلُ شَاكِرًا، فَلِمَاذَا يُوَجَّهُ إلَيَّ الانْتِقَادُ بِسَبَبِ شَيءٍ أشكُرُ اللهَ عَلَيْهِ؟ فَإنْ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أوْ تَشْرَبُونَ، أوْ مَهْمَا فَعَلْتُمْ، فَافْعَلُوهُ مِنْ أجْلِ مَجْدِ اللهِ. وَلَا تَضَعُوا عَقَبَاتٍ أمَامَ اليَهُودِ وَلَا أمَامَ غَيْرِ اليَهُودِ أوْ أمَامَ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَى كَنِيسَةِ اللهِ. وَأنَا أفْعَلُ هَذَا لإرضَاءِ الجَمِيعِ بِكُلِّ طَرِيقَةٍ مُمْكِنَةٍ، غَيْرَ سَاعٍ إلَى مَا فِيهِ مَصلَحَتِي بَلْ مَصلَحَةِ الجَمِيعِ، رَاجِيًا أنْ يَخْلُصُوا. تَمَثَّلُوا بِي كَمَا أتَمَثَّلُ أنَا أيْضًا بِالمَسِيحِ. وَإنِّي أمدَحُكُمْ، لِأنَّكُمْ تَتَذَكَّرُونَنِي عَلَى الدَّوَامِ، وَلِأنَّكُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِالتَّقَالِيدِ كَمَا سَلَّمتُهَا إلَيكُمْ. لَكِنِّي أُرِيدُكُمْ أنْ تَعْلَمُوا أنَّ المَسِيحَ هُوَ رَأسُ كُلِّ رَجُلٍ، وَأنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأسُ المَرْأةِ، وَأنَّ اللهَ هُوَ رَأسُ المَسِيحِ. فَكُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أوْ يَتَنَبَّأُ أمَامَ الكَنِيسَةِ وَهُوَ مُغَطَّى الرَّأسِ يُهِينُ رَأسَهُ، أيِ المَسِيحَ. وَكُلُّ امْرأةٍ تُصَلِّي أوْ تَتَنَبَّأُ أمَامَ الكَنِيسَةِ وَهِيَ مَكشُوفَةُ الرَّأسِ تُهِينُ رَأسَهَا، وَهِيَ أشبَهُ تَمَامًا بِامْرأةٍ مَحلُوقَةِ الرَّأسِ. فَإذَا لَمْ تُغَطِّ المَرْأةُ رَأسَهَا، فَإنَّهَا تَكونُ كَمَنْ قَصَّتْ شَعرَهَا كُلَّهُ! لَكِنْ مَا دَامَ أمْرًا مُعِيبًا أنْ تَحْلِقَ المَرْأةُ أوْ أنْ تَقُصَّ شَعرَ رَأسِهَا كُلَّهُ، فَإنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيْهَا أنْ تُغَطِّيَ رَأسَهَا. أمَّا الرَّجُلُ فَلَا يَنْبَغِي أنْ يُغَطِّيَ رَأسَهُ، لِأنَّهُ يَعْكِسُ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ، وَالمَرْأةُ تَعْكِسُ صُورَةَ الرَّجُلِ. أقُولُ هَذَا لِأنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَأْتِ مِنَ المَرْأةِ، بَلِ المَرْأةُ هِيَ الَّتِي جَاءَتْ مِنَ الرَّجُلِ. كَمَا أنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخلَقْ مِنْ أجْلِ المَرْأةِ، بَلِ المَرْأةُ خُلِقَتْ مِنْ أجْلِ الرَّجُلِ. لِذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ تُغَطِّيَ المَرْأةُ رَأسَهَا كَعَلَامَةٍ تُبَيِّنُ أنَّهَا تَحْتَ سُلطَانٍ، وَلِأجْلِ المَلَائِكَةِ أيْضًا. غَيْرَ أنَّهُ فِي الرَّبِّ، لَا المَرْأةُ مُسْتَقِلَّةٌ عَنِ الرَّجُلِ، وَلَا الرَّجُلُ مُسْتَقِلٌّ عَنِ المَرْأةِ. فَكَمَا أنَّ المَرْأةَ جَاءَتْ مِنَ الرَّجُلِ، فَإنَّ الرَّجُلَ أيْضًا يُولَدُ مِنَ المَرْأةِ. لَكِنْ كُلُّ الأشْيَاءِ تَأْتِي مِنَ اللهِ. فَاحكُمُوا أنْتُمْ فِي هَذَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أنْفُسِكُمْ: أيَلِيقُ أنْ تُصَلِّيَ المَرْأةُ للهِ عَلَنًا وَهِيَ مَكشُوفَةُ الرَّأسِ؟ ألَا تُعَلِّمُكُمُ الطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا أنَّهُ عَارٌ عَلَى الرَّجُلِ أنْ يُطِيلَ شَعرَهُ؟ أمَّا الشَّعرُ الطَّوِيلُ فَمَجدٌ لِلمَرْأةِ، لِأنَّهُ أُعْطِيَ لَهَا كَغِطَاءٍ طَبِيعِيٍّ. لَكِنْ يَبْدُو أنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ أنْ يُجَادِلَ، أمَّا نَحْنُ وَجَمِيعُ كَنَائِسِ اللهِ فَلَيْسَتْ لَنَا هَذِهِ العَادَةُ. أمَّا بِخُصُوصِ المَسألَةِ التَّالِيَةِ، فَلَا أمدَحُكُمْ! لِأنَّ اجتِمَاعَاتِكُمْ تَضُرُّكُمْ أكْثَرَ مِمَّا تَنْفَعُكُمْ! أوَّلًا، أسمَعُ أنَّهُ كُلَّمَا اجتَمَعتُمْ كَكَنِيسَةٍ، تَحْصُلُ بَيْنَكُمُ انقِسَامَاتٌ، وَأنَا أُصَدِّقُ بَعْضَ مَا أسمَعُ. إذْ لَا بُدَّ أنْ تَكُونَ بَيْنَكُمْ شِقَاقَاتٌ، لِكَي يَظْهَرَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ الصَّوَابَ! فَحِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعًا، فَإنَّكُمْ لَا تَأْكُلُونَ حَقًّا العَشَاءَ الرَّبَّانِيِّ. لأنَّكُمْ حِينَ تَأْكُلُونَ، يُسَارِعُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى تَنَاوُلِ عَشَائِهِ الَّذِي أحْضَرَهُ لِنَفْسِهِ، فَيَجُوعُ وَاحِدٌ وَيَسْكَرُ آخَرُ! ألَيْسَتْ لَكُمْ بُيُوتٌ تَأْكُلُونَ فِيهَا؟ أمْ أنَّكُمْ تَحْتَقِرُونَ كَنِيسَةَ اللهِ وَتُحرِجُونَ الفُقَرَاءَ؟ فَمَاذَا أقُولُ لَكُمْ؟ هَلْ أمدَحُكُمْ؟ لَيْسَ هُنَاكَ مَا أمدَحُكُمْ بِهِ فِي هَذِهِ المَسألَةِ. فَقَدْ تَسَلَّمتُ مِنَ الرَّبِّ التَّعلِيمَ نَفْسَهُ الَّذِي سَلَّمتُكُمْ إيَّاهُ، وَهُوَ أنَّهُ فِي اللَّيلَةِ الَّتِي تَعَرَّضَ فِيهَا الرَّبُّ يَسُوعُ لِلخِيَانَةِ، أخَذَ خُبْزًا، وَشَكَرَ اللهَ ثُمَّ قَسَّمَهُ وَقَالَ: «هَذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي أُعْطِيهِ لَكُمْ. اعمَلُوا هَذَا تَذكَارًا لِي.» وَعَادَ فَتَنَاوَلَ كَأسَ النَّبِيذِ بَعدَمَا تَعَشَّوْا وَقَالَ: «هَذِهِ الكَأسُ هِيَ كَأسُ العَهْدِ الجَدِيدِ الَّذِي يُقْطَعُ بِدَمِي. فَكُلَّمَا شَرِبتُمْ هَذَا الشَّرَابَ، اشْرَبُوهُ تَذكَارًا لِي.» فَكُلَّمَا أكَلتُمْ مِنْ هَذَا الخُبْزِ وَشَرِبتُمْ مِنْ هَذِهِ الكَأسِ، فَإنَّكُمْ تُذِيعُونَ مَوْتَ الرَّبِّ إلَى أنْ يَجِيءَ ثَانِيَةً. فَكُلُّ مَنْ يَأْكُلُ الخُبْزَ وَيَشْرَبُ كَأسَ الرَّبِّ، بِأُسلُوبٍ غَيْرِ لَائِقٍ، يَكُونُ مُخطِئًا ضِدَّ جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. لَكِنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أنْ يَفْحَصَ نَفْسَهُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُمكِنُهُ أنْ يَأْكُلَ مِنَ الخُبْزِ وَيَشْرَبَ الكَأسَ. فَمَنْ يَأْكُلُ الخُبْزَ وَيَشْرَبُ الكَأسَ دُونَ أنْ يَهْتَمَّ بِأُولَئِكَ الَّذِينَ هُمْ جَسَدُ الرَّبِّ، فَإنَّهُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَينُونَةً عَليهِ. لِذَلِكَ بَيْنَكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرضَى، وَكَثِيرُونَ مَاتُوا. لَكِنْ إنْ حَكَمنَا عَلَىْ أنْفُسِنَا، فَلَنْ يُحكَمَ عَلَيْنَا. وَعِنْدَمَا يَحْكُمُ الرَّبُّ عَلَيْنَا فَإنَّهُ يُؤَدِّبُنَا، لِكَيْ لَا نُدَانَ مَعَ الآخَرِينَ فِي العَالَمِ. إذًا، أيُّهَا الإخْوَةُ، عِنْدَمَا تَجْتَمِعُونَ مَعًا لِلأكلِ، لِيَنْتَظِرْ أحَدُكُمُ الآخَرَ. فَإنْ كَانَ أحَدُكُمْ جَائِعًا حَقًّا، فَليَأْكُلْ فِي بَيْتِهِ، لِئَلَّا تَتَعَرَّضُوا إلَى دَينُونَةٍ نَتِيجَةً لاجتِمَاعَاتِكُمْ هَذِهِ. أمَّا الأُمُورُ الأُخرَى فَسَأقُومُ بِتَصْوِيبِهَا حِينَ آتِي. وَالْآنَ، أيُّهَا الإخْوَةُ، لَا أُرِيدُكُمْ أنْ تَبْقَوْا فِي جَهلٍ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ. أنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ غَيْرَ مُؤمِنِينَ، كُنْتُمْ مُضَلَّلِينَ وَمُنسَاقِينَ وَرَاءَ أوْثَانٍ خَرسَاءَ. لِذَلِكَ أقُولُ لَكُمْ إنَّهُ مَا مِنْ أحَدٍ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ يُمْكِنُ أنْ يَلْعَنَ يَسُوعَ! وَلَا يُمْكِنُ لِأحَدٍ أنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ،» إلَّا بِالرُّوحِ القُدُسِ. هُنَاكَ أنوَاعٌ مِنَ المَوَاهِبِ لَكِنَّهَا مِنَ الرُّوحِ نَفْسِهِ. وَهُنَاكَ أنوَاعٌ مِنَ الخِدمَاتِ، وَلَكِنَّنَا نَخدِمُ الرَّبَّ نَفْسَهُ. وَهُنَاكَ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ يَعْمَلُ فِيهَا اللهُ، لَكِنَّ اللهَ نَفْسَهُ هُوَ العَامِلُ فِينَا جَمِيعًا لِعَمَلِ كُلِّ شَيءٍ. وَتُعطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مَوهِبَةٌ لإظهَارِ الرُّوحِ لِلمَنفَعَةِ. فَيُعطَى لِوَاحِدٍ بِالرُّوحِ أنْ يَتَكَلَّمَ بِحِكمَةٍ، وَيُعطَى لِآخَرَ أنْ يَتَكَلَّمَ بِمَعْرِفَةٍ بِالرُّوحِ نَفْسِهِ. وَيُعطَى لآخَرَ إيمَانٌ مِنَ الرُّوحِ نَفْسِهِ، وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ مِنَ الرُّوحِ الوَاحِدِ. وَلآخَرَ قُوَّاتٌ مُعجِزِيَّةٌ، وَلآخَرَ التَّنَبُّؤُ، وَلآخَرَ القُدرَةُ عَلَى تَمْيِيزِ الأرْوَاحِ، وَلآخَرَ التَّكَلُّمُ بِأنوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ اللُّغَاتِ، وَلآخَرَ تَفْسِيرُ هَذِهِ اللُّغَاتِ. لَكِنَّ الرُّوحَ الوَاحِدَ نَفْسَهُ هُوَ الَّذِي يُحَقِّقُ كُلَّ هَذِهِ الأشْيَاءِ، مُخَصِّصًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ المَوَاهِبِ مَا يَشَاءُ. لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَلِلجَسَدِ أعضَاءٌ كَثِيرَةٌ. وَرُغْمَ كَثرَةِ الأعضَاءِ، فَهِيَ تُشَكِّلُ جَسَدًا وَاحِدًا. وَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى جَسَدِ المَسِيحِ أيْضًا. فَقَدْ تَعَمَّدنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ لِكَي نَصِيرَ جُزءًا مِنَ الجَسَدِ الوَاحِدِ، يَهُودًا كُنَّا أمْ غَيْرَ يَهُودٍ، عَبِيدًا أمْ أحرَارًا. كَمَا سُقِينَا جَمِيعًا رُوحًا وَاحِدًا. وَجَسَدُ الإنْسَانِ لَا يَتَألَّفُ مِنْ عُضوٍ وَاحِدٍ، بَلْ مِنْ أعضَاءٍ كَثِيرَةٍ. لِنَفرِضْ أنَّ القَدَمَ قَالَتْ: «أنَا لَسْتُ يَدًا. لِذَلِكَ لَا أنتَمِي إلَى الجَسَدِ.» أيُفْقِدُهَا هَذَا انتِمَاءَهَا إلَى الجَسَدِ؟ وَلْنَفرِضْ أنَّ الأُذُنَ قَالَتْ: «أنَا لَسْتُ عَينًا. لِذَلِكَ لَا أنتَمِي إلَى الجَسَدِ.» أيُفْقِدُهَا هَذَا انتِمَاءَهَا إلَى الجَسَدِ؟ فَلَو كَانَ كُلُّ الجَسَدِ عُيُونًا، أيْنَ هِيَ حَاسَّةُ السَّمعِ؟ وَلَوْ كَانَ كُلُّ الجَسَدِ آذَانًا، أيْنَ هِيَ حَاسَّةُ الشَّمِّ؟ أمَّا الآنَ، فَقَدْ وَضَعَ اللهُ كُلَّ عُضوٍ مِنَ الأعضَاءِ فِي الجَسَدِ حَسَبَ مَا رَأى مُنَاسِبًا. فَلَو كَانَتْ كُلُّ أعضَاءِ الجَسَدِ عُضوًا وَاحِدًا، فَأينَ الجَسَدُ؟ لَكِنْ هُنَاكَ أعضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَهُنَاكَ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَلَا تَسْتَطِيعُ العَينُ أنْ تَقُولَ لِليَدِ: «أنَا لَا أحتَاجُ إلَيكِ،» وَلَا يَسْتَطِيعُ الرَّأسُ أنْ يَقُولُ لِلقَدَمَينِ: «أنَا لَا أحتَاجُ إلَيكُمَا.» بَلْ إنَّ الأعضَاءَ الَّتِي نَعتَبِرُهَا أضعَفَ مِنْ غَيرِهَا، ضَرُورِيَّةٌ جِدًّا. وَالأعضَاءُ الَّتِي نَعتَبِرُهَا الأقَلِّ مَنزِلَةً، هِيَ الَّتِي نُعَامِلُهَا بِعِنَايَةٍ أكبَرَ. وَأعضَاؤُنَا الَّتِي لَا نُرِيدُ إبرَازَهَا، هِيَ الَّتِي نُولِيهَا اهتِمَامًا أعْظَمَ. أمَّا أعضَاؤُنَا الأكثَرُ اعتِبَارًا فَلَا تَحتَاجُ إلَى مُعَامَلَةٍ كَهَذِهِ. فَقَدْ شَكَّلَ اللهُ أعضَاءَ الجِسمِ مَعًا بِطَرِيقَةٍ تُضفِي كَرَامَةً أكبَرَ عَلَى العُضوِ الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَى الكَرَامَةِ. وَذَلِكَ لِكَي لَا تَكُونَ هُنَاكَ أيَّةُ انشِقَاقَاتٍ فِي الجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأعضَاءُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ اهتِمَامًا وَاحِدًا. فَإنْ كَانَ أحَدُ الأعضَاءِ يَتَألَّمُ، فَكُلُّ الأعضَاءِ تَتَألَّمُ مَعَهُ. وَإنْ كَانَ أحَدُ الأعضَاءِ مُكَرَّمًا، فَكُلُّ الأعضَاءِ تُكَرَّمُ مَعَهُ. وَهَكَذَا أنْتُمْ، جَسَدُ المَسِيحِ الوَاحِدِ، وَأعضَاؤُهُ فَردًا فَردًا. فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الرُّسُلَ فِي الكَنِيسَةِ أوَّلًا، وَالأنْبِيَاءَ ثَانِيًا، وَالمُعَلِّمِينَ ثَالِثًا، ثُمَّ الَّذِينَ يُجرُونَ المُعجِزَاتِ، ثُمَّ الَّذِينَ لَهُمْ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ، ثُمَّ مُسَاعَدَةُ المُحتَاجِينَ، ثُمَّ مَوَاهِبُ القِيَادَةِ، ثُمَّ التَّكَلُّمُ بِأنوَاعِ لُغَاتٍ. ألَعَلَّ الجَمِيعَ رُسُلٌ؟ ألَعَلَّ الجَمِيعَ أنْبِيَاءٌ، ألَعَلَّ الجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ ألَعَلَّ الجَمِيعَ يُجرُونَ المُعجِزَاتِ؟ ألَعَلَّ الجَمِيعَ لَهُمْ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ؟ ألَعَلَّ الجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ أُخْرَى؟ ألَعَلَّ الجَمِيعَ يَتَمَتَّعُونَ بِالقُدرَةِ عَلَى تَفْسِيرِ تِلْكَ اللُّغَاتِ؟ لَكِنِ اسْعَوْا إلَى مَوَاهِبِ الرُّوحِ العُظمَى. وَالْآنَ سَأُريكُمْ أفْضَلَ طَريقٍ: إنْ كُنْتُ أتَكَلَّمُ بِلُغَاتِ البَشَرِ وَالمَلَائِكَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَيَّ مَحَبَّةٌ، أكُونُ مِثْلَ جَرَسٍ مُزعِجٍ أوْ صَنجٍ مُنَفِّرٍ. وَإنْ كَانَتْ لِي مَوهِبَةُ النُّبُوَّةِ، وَكُنْتُ أعْرِفُ كُلَّ الأسرَارِ وَكُلَّ مَعْرِفَةٍ، وَكَانَ لِي الإيمَانُ الكَافِي لِأُحَرِّكَ الجِبَالَ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَيَّ مَحَبَّةٌ، فَأنَا لَا شَيءَ. وَإنْ كُنْتُ أتَصَدَّقُ بِكُلِّ مَا أملُكُ لإطعَامِ المُحتَاجِينَ، وَإنْ ضَحَّيتُ بِجَسَدِي إلَىْ حَدِّ الافْتِخَارِ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَيَّ مَحَبَّةٌ، فَلَا أستَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. المَحَبَّةُ تَصْبِرُ. المَحَبَّةُ تُشفِقُ. المَحَبَّةُ لَا تَحْسِدُ. المَحَبَّةُ لَا تَتَبَاهَى. المَحَبَّةُ لَا تَنْتَفِخُ بِالكِبرِيَاءِ، وَلَا تَتَصَرَّفُ دُونَ لَيَاقَةٍ. المَحَبَّةُ لَا تَسْعَى إلَى تَحْقِيقِ غَايَاتِهَا الشَّخصِيَّةِ. المَحَبَّةُ لَيْسَتْ سَرِيعَةَ الاهْتِيَاجِ، وَلَا تَحْفَظُ سِجِلًّا لِلإسَاءَاتِ. المَحَبَّةُ لَا تَفْرَحُ بِالشَّرِّ، بَلْ تَفْرَحُ بِالحَقِّ. المَحَبَّةُ تَحْمِي دَائِمًا، وَتُصَدِّقُ دَائِمًا، وَتَرْجُو دَائِمًا، وَتَحْتَمِلُ دَائِمًا. المَحَبَّةُ لَا تَمُوتُ. أمَّا مَوَاهِبُ النُّبُوَّةِ، فَسَتُوضَعُ جَانِبًا، وَمَوَاهِبُ التَّكَلُّمِ بِلُغَاتٍ أُخْرَى، سَتَتَوَقَّفُ. وَمَوهِبَةُ المَعْرِفَةِ سَتُوضَعُ جَانِبًا. فَمَعْرِفَتُنَا الآنَ جُزئِيَّةٌ، وَنُبُوَّاتُنَا جُزئِيَّةٌ. لَكِنْ حِينَ يَأتِي الكَامِلُ، سَيُلغَى مَا هُوَ جُزئِيٌّ. عِنْدَمَا كُنْتُ طِفْلًا، كُنْتُ أتَكَلَّمُ كَطِفلٍ، وَأُفَكِّرُ كَطِفلٍ، وَأفهَمُ كَطِفلٍ. أمَّا الآنَ، وَقَدْ صِرتُ رَجُلًا نَاضِجًا، فَقَدِ انتَهَيتُ مِنْ طُرُقِ الطُّفُولَةِ. فَنَحْنُ الآنَ نَرَى انعِكَاسًا بَاهِتًا فِي مِرآةٍ، لَكِنْ عِنْدَمَا يَأتِي الكَامِلُ، سَنَرَى وَجْهًا لِوَجْهٍ. الآنَ مَعْرِفَتِي جُزئِيَّةٌ، لَكِنْ حِينَئِذٍ سَأعرِفُ كَمَا يَعْرِفُنِي اللهُ. أمَّا الآنَ، فَلتَثْبُتْ هَذِهِ الأُمُورُ الثَّلَاثَةُ: الإيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالمَحَبَّةُ، لَكِنَّ أعْظَمَهَا المَحَبَّةُ. اسْعَوْا وَرَاءَ المَحَبَّةِ، وَتَشَوَّقُوا لِلمُوُاهِبِ الرُّوحِيَّةِ بِإخْلَاصٍ، ولَاسِيَّمَا مَوهِبَةُ التَّنَبُّؤِ. فَمَنْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةٍ أُخْرَى، لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ، بَلِ اللهَ، لِأنَّهُ مَا مِنْ أحَدٍ يَفْهَمُ مَا يَقُولُهُ. فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِأسرَارٍ بِالرُّوحِ. أمَّا الَّذِي يَتَنَبَّأُ، فَيَتَكَلَّمُ بِأشْيَاءَ تَبْنِي وَتُشَجِّعُ وَتُعَزِّي الآخَرِينَ. مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةٍ أُخْرَى يَبْنِي نَفْسَهُ، أمَّا الَّذِي يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الكَنِيسَةَ كُلَّهَا. وَأنَا أوَدُّ أنْ تَكُونَ لَكُمْ جَمِيعًا مَوهِبَةُ التَّكَلُّمِ بِلُغَاتٍ، لَكِنِّي أوَدُّ أكْثَرَ أنْ تَتَنَبَّأُوا. فَمَنْ يَتَنَبَّأُ أكْثَرُ فَائِدَةً مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَاتٍ أُخْرَى، إلَّا إذَا كَانَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَاتٍ أُخْرَى لَهُ مَوهِبَةُ تَفْسِيرِ مَا يَقُولُهُ، فَبِهَذَا تُبنَى الكَنِيسَةُ كُلُّهَا. أيُّهَا الإخْوَةُ، إنْ أتَيْتُكُمْ مُتَكَلِّمًا بِلُغَاتٍ أُخْرَى، فَكَيْفَ سَأُفِيدُكُمْ إلَّا إذَا تَكَلَّمْتُ بِإعلَانٍ أوْ مَعْرِفَةٍ أوْ نُبُوَّةٍ أوْ تَعْلِيمٍ؟ كَذَلِكَ الآلَاتُ المُوسِيقِيَّةُ الخَالِيَةُ مِنَ الحَيَاةِ. فَإنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَمْيِيزٌ وَاضِحٌ بَيْنَ النَّغَمَاتِ الَّتِي تُطلِقُهَا، كَيْفَ يُمْكِنُ لأحَدٍ أنْ يُمَيِّزَ اللَحْنَ الَّذِي يُعزَفُ عَلَى النَّايِ أوِ القِيثَارِ؟ وَإذَا أصدَرَ البُوقُ صَوْتًا غَيْرَ وَاضِحٍ، فَمَنِ الَّذِي سَيُهَيِّئُ نَفْسَهُ لِلمَعرَكَةِ؟ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يُصدِرْ لِسَانُكُمْ كَلَامًا مَفهُومًا، فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِأيِّ أحَدٍ أنْ يَفْهَمَ مَا قُلْتُمُوهُ؟ لِأنَّكُمْ عِنْدَئِذٍ تَتَكَلَّمُونَ فِي الهَوَاءِ. لَا شَكَّ أنَّ هُنَاكَ لُغَاتٍ كَثِيرَةً فِي العَالَمِ، وَجَمِيعُهَا لَهَا مَعنَى. فَإنْ لَمْ أكُنْ أعْرِفُ مَعنَى اللُّغَةِ، سَأكُونُ مِثْلَ الأجنَبِيِّ عِنْدَ المُتَكَلِّمِ، وَسَيَكُونُ المُتَكَلِّمُ أجنَبِيًّا عِندِي أيْضًا. وَهَكَذَا أنْتُمْ. فَبِمَا أنَّكُمْ مُتَشَوِّقُونَ لَامتِلَاكِ المَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، اجتَهِدُوا أنْ تَتَفَوَّقُوا فِيهَا مِنْ أجْلِ بِنَاءِ الكَنِيسَةِ. فَعَلَى مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةٍ أُخْرَى، أنْ يُصَلِّيَ طَالِبًا مَوهِبَةَ تَفْسِيرِ اللُغَةِ أيْضًا. فَإنْ صَلَّيتُ بِلُغَةٍ أُخْرَى، فَإنَّ رُوحِي هِيَ الَّتِي تُصَلِّي، وَأمَّا عَقلِي فَيَكُونُ خَامِلًا. فَمَا العَمَلُ إذًا؟ سَأُصَلِّي بِرُوحِي، وَسَأُصَلِّي بِعَقلِي أيْضًا. سَأُرَنِّمُ بِرُوحِي، وَسَأُرَنِّمُ بِعَقلِي أيْضًا. فَإنْ حَمَدتَ اللهَ بِرُوحِكَ فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ كَلَامَكَ أنْ يَقُولَ: «آمِين»؟ وَهُوَ لَمْ يَفْهَمْ مَا قُلْتَهُ. رُبَّمَا تَشْكُرُ اللهَ بِطَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ، لَكِنَّ الشَّخصَ الآخَرَ لَا يُبنَى. أنَا أشكُرُ اللهَ عَلَى أنِّي أتَكَلَّمُ بِلُغَاتٍ أُخْرَى أكْثَرَ مِنْكُمْ جَمِيعًا. لَكِنِّي أُفَضِّلُ عِنْدَ اجتِمَاعِ الكَنِيسَةِ أنْ أتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ مُسْتَخْدِمًا عَقلِي لِأُعَلِّمَ الآخَرِينَ، عَلَى أنْ أتَكَلَّمَ عَشْرَةَ آلَافِ كَلِمَةٍ بِلُغَةٍ أُخْرَى! أيُّهَا الإخْوَةُ، لَا تَكُونُوا أطْفَالًا فِي تَفْكِيرِكُمْ، بَلْ كُونُوا أبرِيَاءَ كَالأطْفَالِ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرِّ. أمَّا فِي تَفْكِيرِكُمْ، فَكُونُوا نَاضِجِينَ. تَقُولُ الشَّرِيعَةُ: «بِأُنَاسٍ يَتَكَلَّمُونَ لُغَاتٍ أُخْرَى، وَبِشِفَاهِ أجَانِبَ، سَأُكَلِّمُ هَذَا الشَّعْبَ. لَكِنَّهُمْ لَنْ يُصغُوا إلَيَّ.» هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ. وَهَذَا يَعْني أنَّ التَّكَلُّمَ بِلُغَاتٍ أُخْرَى هُوَ عَلَامَةُ دَينونَةٍ ضَدَّ غَيْرِ المُؤمِنِينَ، لَا ضَدَّ المُؤمِنِينَ. أمَّا التَّنَبُّؤُ فَعَلَامَةُ بَرَكَةٍ لِلمُؤمِنينَ، لَا لِغَيرِ المُؤمِنِينَ. فَلْنَفرِضْ أنَّ الكَنِيسَةَ كُلَّهَا اجتَمَعَتْ مَعًا، وَكَانَ الجَمِيعُ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ أُخْرَى، ثُمَّ دَخَلَ غُرَبَاءٌ أوْ غَيْرُ مُؤمِنِينَ، أفَلَنْ يَقُولُوا إنَّكُمْ مَجَانِينُ؟ لَكِنْ إنْ كَانَ الجَمِيعُ يَتَنَبَّأُونَ عِنْدَ دُخُولِ شَخْصٍ غَيْرِ مُؤمِنٍ أوْ غَرِيبٍ، فَإنَّهُ سَيُوَبَّخُ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ وَسَتَدِينُهُ أقْوَالُهُمْ. سَتُكشَفُ أسرَارُ قَلْبِهِ، فَيَجْثُو وَيَعْبُدُ اللهَ وَيَقُولُ: «حَقًّا إنَّ اللهَ مَوجُودٌ بَيْنَكُمْ!» فَمَا العَمَلُ أيُّهَا الإخْوَةُ؟ عِنْدَمَا تَجْتَمِعُونَ، لِيَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْكُمْ مَزْمُورٌ، وَلِآخَرَ تَعْلِيمٌ، وَلِآخَرَ إعْلَانٌ، وَليَتَكَلَّمْ آخَرُ بِلُغَةٍ أُخْرَى، وَيُفَسِّرْ آخَرُ تِلْكَ اللُّغَةَ. فَيَنْبَغِي أنْ يَجْرِيَ كُلُّ شَيءٍ لِبُنيَانِ الكَنِيسَةِ. فَعِنْدَمَا تَتَكَلَّمونَ بِلُغَاتٍ أُخْرَى فِي الكَنِيسَةِ، ليَتَكَلَّمِ اثْنَانِ أوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى الأكثَرِ. وَلْيَتَكَلَّمُوا وَاحِدًا بَعْدَ الآخَرِ. وَلْيُتَرْجِمْ وَاحِدٌ مَا يُقَالُ. وَإنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُتَرْجِمُ، فَلْيَصْمِتِ المُتَكَلِّمُ بِلُغَةٍ أُخْرَى فِي الاجْتِمَاعِ، وَلْيُصَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ. وَلْيَتَكَلَّمْ نَبِيَّانِ أوْ ثَلَاثَةٌ، وَلْيَمْتَحِنِ الآخَرُونَ مَا يَقُولُونَهُ. وَإذَا تَلَقَّى شَخْصٌ آخَرُ جَالِسٌ إعلَانًا مِنَ اللهِ، فَلْيَصْمِتْ مَنْ كَانَ يَتَنَبَّأُ. إذْ يُمكِنُكُمْ جَمِيعًا أنْ تَتَنَبَّأُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِدَورِهِ. وَبِهَذَا تَتَعَلَّمُونَ جَمِيعًا وَتَتَشَجَّعُونَ جَمِيعًا. فَأروَاحُ الأنْبِيَاءِ خَاضِعَةٌ لِلأنبَيَاءِ. وَاللهُ لَا يَصْنَعُ الفَوضَى بَلِ السَّلَامَ. وَكَمَا هُوَ الحَالُ فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ، يَنْبَغِي أنْ تَصْمُتَ النِّسَاءُ فِي الاجْتِمَاعَاتِ. إذْ لَيْسَ مَسمُوحًا لَهُنَّ بِأنْ يَتَكَلَّمنَ، بَلْ لِيُظهِرنَ خُضُوعًا، كَمَا تَقُولُ الشَّرِيعَةُ أيْضًا. وَإذَا أرَدنَ أنْ يَتَعَلَّمنَ شَيْئًا، فَعَلَيْهِنَّ أنْ يَنْتَظِرنَ حَتَّى يَصِلْنَ إلَى البَيْتِ وَيَسألنَ أزوَاجَهُنَّ. أقُولُ هَذَا لِأنَّهُ عَيبٌ أنْ تَتَكَلَّمَ المَرْأةُ فِي الاجْتِمَاعِ. فَهَلْ أنْتُمْ مَصدَرُ كَلِمَةِ اللهِ؟ أمْ وَصَلَتْ كَلِمَةُ اللهِ إلَيكُمْ وَحدَكُمْ؟ فَإنْ كَانَ أحَدٌ يَعْتَبِرُ نَفْسَهُ نَبِيًّا، أوْ لَدَيهِ مَوهِبَةٌ رُوحِيَّةٌ، فَلَا بُدَّ أنْ يُدرِكَ أنَّ مَا أكتُبُهُ إلَيكُمْ هُوَ أمرٌ مِنَ الرَّبِّ. وَإنْ كَانَ يَتَجَاهَلُ هَذَا، فَاللهُ يَتَجَاهَلُهُ! إذًا أيُّهَا الإخْوَةُ، تَشَوَّقُوا لِلتَّنَبُّؤِ، وَلَا تَمْنَعُوا أحَدًا مِنَ التَّكَلُّمِ بِلُغَاتٍ. لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ يَتِمَّ كُلُّ شَيءٍ بِلَيَاقَةٍ وَبِنِظَامٍ. وَالْآنَ أوَدُّ أنْ أُذَكِّرَكُمْ، أيُّهَا الإخْوَةُ، بِالبِشَارَةِ الَّتِي بَشَّرتُكُمْ بِهَا، وَتَلَقَّيتُمُوهَا، وَأنْتُمْ مُسْتَمِرُّونَ فِيهَا بِقُوَّةٍ. وَهِيَ البِشَارَةُ الَّتِي بِوَاسِطَتِهَا أنْتُمْ مُخَلَّصُونَ أيْضًا، مَا دُمتُمْ مُتَمَسِّكِينَ بِالرِّسَالَةِ الَّتِي بَشَّرتُكُمْ بِهَا. وَإلَّا فَإنَّكُمْ تَكُونُونَ قَدْ آمَنتُمْ بِلَا فَائِدَةٍ. فَقَدْ سَلَّمتُ إلَيكُمْ، أوَّلَ كُلِّ شَيءٍ، الإعلَانَ الَّذِي تَلَقَّيتُهُ مِنَ الرَّبِّ: وَهُوَ أنَّ المَسِيحَ مَاتَ مِنْ أجْلِ خَطَايَانَا، كَمَا جَاءَ فِي الكُتُبِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ دُفِنَ وَأُقِيمَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، كَمَا جَاءَ فِي الكُتُبِ. وَظَهَرَ لِبُطرُسَ، ثُمَّ لِمَجمُوعَةِ «الِاثنَيْ عَشَرَ.» ثُمَّ ظَهَرَ لِأكثَرَ مِنْ خَمسِ مِئَةِ أخٍ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَمُعظَمُ هَؤُلَاءِ مَا زَالُوا أحيَاءً إلَى الآنَ. ثُمَّ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِجَمِيعِ الرُّسُلِ. ثُمَّ ظَهَرَ لِي أنَا آخِرَ الكُلِّ كَمَا لِلمَولُودِ قَبْلَ وَقْتِهِ! فَأنَا أقَلُّ الرُّسُلِ، بَلْ إنِّي غَيْرُ جَدِيرٍ بِلَقَبِ رَسُولٍ، لِأنِّي اضطَهَدتُ كَنِيسَةَ اللهِ. لَكِنْ مَا أنَا عَليهِ الآنَ، هُوَ بِفَضْلِ نِعْمَةِ اللهِ. وَلَمْ أتَلَقَّ نِعْمَةَ اللهِ بِلَا فَائِدَةٍ، بَلْ عَمِلْتُ أكْثَرَ مِنْ بَاقِي الرُّسُلِ جَمِيعًا، رُغْمَ أنِّي لَمْ أكُنْ أنَا العَامِلُ، بَلْ نِعْمَةُ اللهِ عَمِلَتْ فِيَّ. فَسَوَاءٌ أنَا الَّذِي بَشَّرتُكُمْ أمْ هُمْ، فَهَذَا هُوَ مَا نُبَشِّرُ بِهِ كُلُّنَا، وَهَذَا مَا آمَنتُمْ بِهِ. لَكِنْ مَا دُمنَا نُبَشِّرُ بِأنَّ المَسِيحَ أُقِيمَ مِنَ المَوْتِ، فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْضٌ مِنَ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ إنَّهُ لَا تُوجَدُ قِيَامَةٌ لِلأمْوَاتِ؟ فَإنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ قِيَامَةٌ لِلأمْوَاتِ، فَمَعنَى هَذَا أنَّ المَسِيحَ لَمْ يُقَمْ مِنَ المَوْتِ. وَإنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَإنَّ رِسَالَتَنَا فَارِغَةٌ، وَإيمَانُكُمْ فَارِغٌ. وَنَكُونُ بِهَذَا شهُودًا كَاذِبِينَ عَنِ اللهِ، لِأنَّنَا نَشهَدُ عَنِ اللهِ أنَّهُ أقَامَ المَسِيحَ مِنَ المَوْتِ! فَإنْ كَانَ الأمْوَاتُ لَا يَقُومُونَ حَقًّا، فَإنَّ المَسِيحَ لَمْ يَقُمْ مِنَ المَوْتِ! وَإنْ لَمْ يَكُنِ المَسِيحُ قَدْ قَامَ مِنَ المَوْتِ، يَكُونُ إيمَانُكُمْ بَاطِلًا، وَخَطَايَاكُمْ لَمْ تُغفَرْ بَعْدُ، وَيَكُونُ الَّذِينَ مَاتُوا فِي المَسِيحِ قَدْ هَلَكُوا. وَإنْ كَانَ رَجَاؤُنَا فِي المَسِيحِ مُرتَبِطًا بِهَذِهِ الحَيَاةِ فَقَطْ، فَنَحْنُ أكْثَرُ النَّاسِ استِحقَاقًا لِلشَّفَقَةِ. لَكِنِ الحَقِيقَةُ هِيَ أنَّ المَسِيحَ قَدْ قَامَ بِالفِعْلِ مِنَ المَوْتِ، وَهُوَ أوَّلُ حَصَادِ الَّذِينَ مَاتُوا. فَبِمَا أنَّ المَوْتَ جَاءَ بِإنْسَانٍ، كَذَلِكَ جَاءَتْ قِيَامَةُ الأمْوَاتِ بِإنْسَانٍ. الجَمِيعُ يَمُوتُونَ بِسَبَبِ مَا فَعَلَهُ آدَمُ، وَكَذَلِكَ يَحيَا الجَمِيعُ بِسَبَبِ مَا فَعَلَهُ المَسِيحُ. لَكِنْ يُقَامُ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ تَرْتِيبِهِ الخَاصِّ: المَسِيحُ الَّذِي هُوَ أوَّلُ الحَصَادِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَى المَسِيحِ حِينَ يَأتِي ثَانِيَةً. ثُمَّ تَأْتِي النِّهَايَةُ، حِينَ يُسَلِّمُ المَسِيحُ المَلَكُوتَ للهِ الآبِ، بَعْدَ أنْ يَقْضِيَ عَلَى كُلِّ رِئَاسَةٍ وَسُلطَةٍ وَقُوَّةٍ تُقَاوِمُ اللهَ. إذْ يَنْبَغِي أنْ يَمْلُكَ المَسِيحُ إلَى أنْ يَضَعَ اللهُ أعْدَاءَهُ تَحْتَ قَدَمَيهِ. وَسَيَكُونُ المَوْتُ آخِرَ عَدُوٍّ يُقضَى عَلَيْهِ. إذْ يَقُولُ الكِتَابُ إنَّ: «كُلَّ الأشْيَاءِ أُخضِعَتْ تَحْتَ قَدَمَيهِ.» وَحِينَ يَقُولُ الكِتَابُ إنَّ «كُلَّ الأشْيَاءِ أُخضِعَتْ،» فَمِنَ الوَاضِحِ أنَّ هَذِهِ الأشْيَاءَ لَا تَشْمَلُ اللهَ الَّذِي أخضَعَ كُلَّ الأشْيَاءِ لِلمَسِيحِ. وَبَعْدَ أنْ تُخضَعَ كُلُّ الأشْيَاءِ، فَسَيَخْضَعُ الاِبْنُ نَفْسُهُ للهِ الَّذِي أخضَعَ لَهُ كُلَّ الأشْيَاءِ، لِكَي يَكُونَ اللهُ كُلَّ شَيءٍ بَيْنَ الجَمِيعِ. وَإلَّا، فَمَا الَّذِي يَفْعَلُهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَعَمَّدُونَ عَنِ الأمْوَاتِ؟ فَإنْ كَانَ المَوْتَى لَا يُقَامُونَ مِنَ المَوْتِ، فَلِمَاذَا يَتَعَمَّدُونَ عَنْهُمْ؟ وَمَا الَّذِي يَدْفَعُنَا نَحْنُ إلَى مُواجَهَةِ الخَطَرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ؟ إنِّي أُواجِهُ المَوْتَ كُلَّ يَوْمٍ أيُّهَا الإخْوَةُ الَّذِينَ أفتَخِرُ بِكُمْ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. فَإنْ كُنْتُ قَدْ حَارَبتُ وُحُوشًا فِي أفَسُسَ مِنْ أجْلِ أسبَابٍ بَشَرِيَّةٍ، فَمَا الَّذِي كَسِبتُهُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ؟ وَإنْ لَمْ يَكُنِ المَوْتَى يُقَامُونَ، إذًا «فَلْنَأكُلْ وَنَشرَبْ لِأنَّنَا غَدًا سَنَمُوتُ!» لَا تَسْمَحُوا بِأنْ يُضِلَّكُمْ أحَدٌ: «فَرِفَاقُ السُّوءِ يُفسِدُونَ الأخلَاقَ الصَّالِحَةَ.» عُودُوا إلَى عَقلِكُمْ وَكُفُّوا عَنِ الخَطِيَّةِ، إذْ إنَّ بَعْضًا مِنْكُمْ مَا يَزَالُ يَجْهَلُ اللهَ. أقُولُ هَذَا لِكَي تَخْجَلُوا! لَكِنْ رُبَّمَا يَسألُ أحَدُكُمْ: «كَيْفَ يُقَامُ الأمْوَاتُ؟ وَمَا نَوعُ الجَسَدِ الَّذِي سَيَكُونُ لَهُمْ؟» يَا جَاهِلُ، إنَّ مَا تَزْرَعُهُ لَا يَحيَا إنْ لَمْ يَمُتْ أوَّلًا. فَعِنْدَمَا تَزْرَعُ، أنْتَ لَا تَزْرَعُ نَبتَةً نَاضِجَةً، بَلْ مُجَرَّدَ حَبَّةٍ عَارِيَةٍ. سَوَاءٌ أكَانَتْ حَبَّةَ قَمْحٍ أمْ أيَّ نَوعٍ آخَرَ مِنَ الحُبُوبِ. ثُمَّ يُعْطِيهَا اللهُ شَكلًا كَمَا يَشَاءُ. فَيُعْطِي لِكُلِّ بِذرَةٍ شَكلَهَا. وَلَيْسَتْ كُلُّ الأجسَامِ مُتَمَاثِلَةً. فَللبَشَرِ جِسْمٌ، وَللحَيَوَانَاتِ جِسْمٌ، وَلِلطُّيُورِ جِسمٌ، وَلِلأسمَاكِ جِسمٌ. وَهُنَاكَ أجسَامٌ سَمَاوِيَّةٌ وَأجسَامٌ أرْضِيَّةٌ. لِلأجسَامِ السَّمَاوِيَّةِ بَهَاءٌ، وَلِلأجسَامِ الأرْضِيَّةِ بَهَاءٌ آخَرُ، لِلشَّمسِ بَهَاءٌ، وَلِلقَمَرِ بَهَاءٌ، وَلِلنُّجُومِ بَهَاءٌ. وَيَخْتَلِفُ نَجمٌ عَنْ نَجمٍ آخَرَ فِي البَهَاءِ. هَكَذَا أيْضًا عِنْدَمَا يُقَامُ الأمْوَاتُ. فَالجَسَدُ الَّذِي يُدفَنُ فِي الأرْضِ يَتَعَفَّنُ، أمَّا الجَسَدُ الَّذِي يُقَامُ فَلَا يَمُوتُ. الجَسَدُ الَّذِي يُدفَنُ هُوَ دُونَ كَرَامَةٍ، أمَّا الجَسَدُ المُقَامُ فَمَجِيدٌ. الجَسَدُ الَّذِي يُدفَنُ ضَعِيفٌ، أمَّا الجَسَدُ المُقَامُ فَقَوِيٌّ. مَا يُدفَنُ فِي الأرْضِ جَسَدٌ مَادِّيٌّ، وَمَا يُقَامُ جَسَدٌ رُوحِيٌّ. وَبِمَا أنَّ هُنَاكَ أجسَادًا مَادِّيَّةً، فَهُنَاكَ أيْضًا أجسَادٌ رُوحِيَّةٌ. يَقُولُ الكِتَابُ: «صَارَ الإنْسَانُ الأوَّلُ، آدَمُ، نَفْسًا حَيَّةً.» أمَّا المَسِيحُ، آدَمُ الأخِيرُ، فَهوَ رُوحٌ مُحْيٍ. لَمْ يَأْتِ الرُّوحِيُّ أوَّلًا، بَلِ الطَّبِيعِيُّ هُوَ الَّذِي أتَى أوَّلًا، ثُمَّ الرُّوحِيُّ. أتَى الإنْسَانُ الأوَّلُ مِنَ الأرْضِ وَخُلِقَ مِنَ التُّرَابِ، أمَّا الثَّانِي فَقَدْ أتَى مِنَ السَّمَاءِ. وَالنَّاسُ مَخْلُوقُونَ مِنْ تُرَابٍ، مِثْلَ ذَلِكَ المَخْلُوقِ مِنَ التُّرَابِ. أمَّا الشَّعْبُ السَّمَاوِيُّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ السَّمَاوِيِّ. وَكَمَا حَمَلْنَا صُورَةَ ذَلِكَ التُّرَابيِّ، سَنَحمِلُ أيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ. وَأنَا أقُولُ لَكُمْ، أيُّهَا الإخْوَةُ إنَّ أجسَادَنَا الأرْضِيَّةَ لَا تَقْدِرُ أنْ تَرِثَ مَلَكُوتَ اللهِ. كَذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُ مَا هُوَ قَابِلٌ لِلمَوْتِ أنْ يَرِثَ مَا لَيْسَ قَابِلًا لِلمَوْتِ. سَأُخبِرُكُمْ بِهَذِهِ الحَقِيقَةِ الخَفِيَّةِ: لَنْ نَرْقُدَ كُلُّنَا رُقودَ المَوْتِ، لَكِنَّ اللهَ سَيُغَيِّرُنَا كُلَّنَا فِي لَحظَةٍ، بَلْ فِي طَرفَةِ عَينٍ، عِنْدَمَا يُسمَعُ صَوْتُ البُوقِ الأخِيرِ. إذْ سَيُصَوِّتُ البُوقُ، وَسَيُقَامُ الأمْوَاتُ غَيْرَ قَابِلِينَ لِلمَوْتِ فِيمَا بَعْدُ. وَنَحْنُ البَاقِينَ أحيَاءً سَنُغَيَّرُ. إذْ يَنْبَغِي أنْ يَلْبَسَ هَذَا الجَسَدُ الفَاسِدُ مَا لَيْسَ فَاسِدًا، وَأنْ يَلْبَسَ هَذَا الجَسَدُ القَابِلُ لِلمَوْتِ مَا لَيْسَ قَابِلًا لِلمَوْتِ. وَحِينَ يَلْبَسُ هَذَا الجَسَدُ القَابِلُ لِلمَوْتِ مَا لَيْسَ قَابِلًا لِلمَوْتِ، وَيَلْبَسُ الجَسَدُ الفَانِي مَا لَا يَفْنَى، يَتَحَقَّقُ المَكْتُوبُ: «هُزِمَ المَوْتُ.» «أيْنَ يَا مَوْتُ انتِصَارُكَ؟ وَأينَ يَا قَبْرُ لَدغَتُكَ؟» فَالخَطِيَّةُ تُعطِي المَوْتَ قُدرَتَهُ عَلَى اللَّدغِ! وَقُوَّةُ الخَطِيَّةِ نَابِعَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ. لَكِنْ كُلُّ الشُّكْرِ للهِ الَّذِي يُعطِينَا النَّصرَ فِي رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. إذًا اثبُتُوا، أيُّهَا الإخْوَةُ، وَلَا تَسْمَحُوا لِشَيءٍ بِأنْ يُزَحزِحَكُمْ. وَكَرِّسُوا أنْفُسَكُمْ لِعَمَلِ الرَّبِّ بِشَكلٍ كَامِلٍ، لِأنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ عَمَلَكُمْ فِي الرَّبِّ لَا يَضِيعُ. أمَّا بِشَأنِ جَمعِ المُسَاعَدَاتِ لِشَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ، فَاعمَلُوا كَمَا قُلْتُ لِلكَنَائِسِ فِي غَلَاطِيَّةَ: فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنْ كُلِّ أُسبُوعٍ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أنْ يَضَعَ جَانِبًا شَيْئًا مِمَّا يَكْسِبُهُ، فَيَتِمُّ خَزْنُهُ لِكَي لَا يَكُونَ هُنَاكَ جَمعُ مَالٍ عِنْدَ حُضُورِي. وَعِنْدَمَا أحضُرُ، سَأُرْسِلُ مَنْ تَختَارُونَ، مَعَ رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ، لِيَحْمِلُوا عَطَايَاكُمْ إلَى القُدْسِ. وَإذَا بَدَا مُفِيدًا أنْ أذْهَبَ أنَا أيْضًا، فَسَيَذْهَبُونَ مَعِي. سَآتِي إلَيكُمْ بَعْدَ أنْ أمُرَّ عَبْرَ مَكدُونِيَّةَ، فَأنَا أُخَطِّطُ لِلمُرُورِ عَبرَهَا. رُبَّمَا بَقِيتُ مَعَكُمْ فَترَةً مِنَ الزَّمَنِ، بَلْ رُبَّمَا أقضِي الشِّتَاءَ عِنْدَكُمْ، لِكَي تَتَمَكَّنُوا مِنْ إعَانَتِي عَلَى السَّفَرِ مَهْمَا كَانَتْ وُجهَتِي. وَأنَا لَا أُرِيدُ أنْ أزُورَكُمْ زِيَارَةً عَابِرَةً. إذْ أرْجُو أنْ أقضِيَ مَعَكُمْ بَعْضَ الوَقْتِ، إنْ سَمَحَ الرَّبُّ بِذَلِكَ. وَسَأبقَى فِي أفَسُسَ حَتَّى عِيدِ الخَمْسِينَ. فَقَدِ انفَتَحَ لِيَ بَابٌ وَاسِعٌ لِلخِدْمَةِ الفَعَّالَةِ، وَهُنَاكَ كَثِيرُونَ يُقَاوِمُونَنِي. وَعِنْدَمَا يَصِلُ تِيمُوثَاوُسُ إلَيكُمْ، فَاحْرِصُوا عَلَى أنْ يَشْعُرَ بِالرَّاحَةِ بَيْنَكُمْ. فَهُوَ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ مِثْلِي. فَلَا يُعَامِلْهُ أحَدٌ بِاسْتِهَانَةٍ، بَلْ أرسِلُوهُ فِي طَرِيقِهِ بِسَلَامٍ لِكَي يَأْتِيَ إلَيَّ. فَأنَا وَبَاقِي الإخوَةِ فِي انتِظَارِهِ. أمَّا أخونَا أبُلُّوسُ، فَقَدْ شَجَّعتُهُ بِقُوَّةٍ عَلَى زِيَارَتِكُمْ مَعَ الإخوَةِ. لَكِنْ لَمْ تَكُنْ مَشِيئَةُ اللهِ أنْ يَأْتِيَ إلَيكُمُ الآنَ، وَسَيَأْتِي إلَيكُمْ مَتَى وَجَدَ فُرصَةً. كُونُوا مُتَيَقِّظِينَ، اثبُتُوا فِي إيمَانِكُمْ. كُونُوا شُجعَانًا. كُونُوا أقوِيَاءَ. وَاعْمَلُوا كُلَّ مَا تَعْمَلُونَهُ بِمَحَبَّةٍ. أنْتُمْ تَعْرِفُونَ بَيْتَ استِيفَانُوسَ، وَتَعْرِفُونَ أنَّهُمْ أوَّلُ ثَمَرِ خِدمَتِي فِي أخَائِيَّةَ، وَأنَّهُمْ أخَذُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ مَسؤُولِيَّةَ خِدْمَةِ شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ. لِهَذَا أطلُبُ إلَيكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ، أنْ تَخْضَعُوا لِقِيَادَةِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ النَّاسِ، وَلِكُلِّ مَنْ يَنْضَمُّ إلَى العَمَلِ وَالخِدْمَةِ مِنْ أجْلِ الرَّبِّ. أنَا مَسرُورٌ لِوُجُودِ استِيفَانُوسَ وَفُرْتُونَاتُوسَ وَأخَائِيكُوسَ، لِأنَّهُمْ سَدُّوا مَكَانَكُمْ فِي غِيَابِكُمْ. وَقَدْ أنعَشُوا رُوحِي وَأروَاحَكُمْ أيْضًا. فَقَدِّرُوا مِثْلَ هَؤُلَاءِ. تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ كَنَائِسُ مُقَاطَعَةِ أسِيَّا. أكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا وَالكَنِيسَةُ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِي بَيْتِهِمَا، يُسَلِّمُونَ عَلَيْكُمْ سَلَامًا حَارًّا فِي الرَّبِّ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ كُلُّ الإخوَةِ. لَيُسَلِّمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. وَهَذِهِ تَحِيَّةٌ مِنِّي أنَا بُولُسَ أكتُبُهَا بِخَطِّ يَدِي: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لَا يُحِبُّ الرَّبَّ! مَارَان آثَا. لِتَكُنْ مَعَكُمْ نِعْمَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ. مَحَبَّتِي إلَيكُمْ جَمِيعًا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. مِنْ بُولُسَ، رَسُولِ المَسِيحِ يَسُوعَ حَسَبَ مَشِيئَةِ اللهِ، وَمِنْ أخِينَا تِيمُوثَاوُسَ، إلَى كَنِيسَةِ اللهِ فِي كُورِنثُوسَ، مَعَ كُلِّ شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ فِي مُقَاطَعَةِ أخَائِيَّةَ كُلِّهَا. لِتَكُنْ لَكُمْ نِعْمَةٌ وَسَلَامٌ مِنَ اللهِ أبِينَا وَمِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ. تبَارَكَ إلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ وَأبُوهُ، أبُو المَرَاحِمِ، وَالإلَهُ الَّذِي هُوَ مَصدَرُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ. فَهُوَ يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَةٍ نُواجِهُهَا، لِكَي نَتَمَكَّنَ نَحْنُ مِنْ تَعْزِيَةِ المُتَضَايِقِينَ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ، بِالتَّعزِيَةِ نَفْسِهَا الَّتِي يُعَزِّينَا بِهَا اللهُ. فَكَمَا نَشتَرِكُ فِي آلَامِ المَسِيحِ الكَثِيرَةِ، كَذَلِكَ تَشْتَرِكُونَ، فِي المَسِيحِ، بِتَعْزِيَاتِنَا الكَثِيرَةِ لَكُمْ. فَإنْ كُنَّا نُواجِهُ ضِيقَاتٍ، فَذَلِكَ مِنْ أجْلِ تَعْزِيَتِكُمْ وَخَلَاصِكُمْ. وَإنْ كُنَّا نَتَعَزَّى، فَمِنْ أجْلِ تَعْزِيَتِكُمْ. فَتَعْزِيَتُنَا لَكُمْ تُقَوِّيكُمْ فِي الصَّبْرِ عَلَى نَفْسِ الآلَامِ الَّتِي نَحتَمِلُهَا نَحْنُ أيْضًا. إنَّ رَجَاءَنَا مِنْ أجْلِكُمْ رَجَاءٌ رَاسِخٌ، لِأنَّنَا نَعْلَمُ أنَّهُ كَمَا تَشْتَرِكُونَ فِي آلَامِنَا، فَإنَّكُمْ تَشْتَرِكُونَ أيْضًا فِي تَعْزِيَتِنَا. أيُّهَا الإخْوَةُ، نُرِيدُ أنْ تَعْرِفُوا بِالضِّيقَةِ الَّتِي مَرَرنَا بِهَا فِي مُقَاطَعَةِ أسِيَّا، فَقَدْ كَانَتْ ثَقِيلَةً جِدًّا عَلَيْنَا وَفَوقَ طَاقَتِنَا، حَتَّى فَقَدْنَا كُلَّ أمَلٍ فِي البَقَاءِ أحيَاءً. وَقَدْ شَعَرنَا فِي قُلُوبِنَا بِأنَّهُ مَحكُومٌ عَلَيْنَا بِالمَوْتِ. وَذَلِكَ لِكَي نَتَعَلَّمَ ألَّا نَتَّكِلَ عَلَى أنْفُسِنَا، بَلْ عَلَى اللهِ الَّذِي يُقِيمُ الأمْوَاتَ إلَى الحَيَاةِ. لَقَدْ أنقَذَنَا اللهُ مِنْ خَطَرِ مَوْتٍ شَدِيدٍ، وَسَيُواصِلُ إنقَاذَنَا. فَقَدْ وَضَعْنَا رَجَاءَنَا فِيهِ بِأنَّهُ سَيُنقِذُنَا دَائِمًا. نَرجُو أنْ تَدْعَمُونَا بِصَلَوَاتِكُمْ مِنْ أجْلِنَا. حِينَئِذٍ سَيَكُونُ لِكَثِيرِينَ مَا يَشْكُرُونَ اللهَ عَلَيْهِ مِنْ أجْلِنَا، بِسَبَبِ مَا يُنعِمُ بِهِ اللهُ عَلَيْنَا بِفَضْلِ صَلَوَاتِ الكَثِيرِينَ. فَإنْ كَانَ لَنَا أنْ نَفخَرَ، فَإنَّنَا نَفخَرُ بِأنَّ ضَمِيرَنَا يَشْهَدُ بِأنَّنَا تَصَرَّفنَا تُجَاهَ كُلِّ النَّاسِ، وَخَاصَّةً أنْتُمْ، بِبَسَاطَةٍ وَإخلَاصٍ نِلنَاهُمَا مِنَ اللهِ. وَلَمْ نَتَصَرَّفْ بِحِكمَةٍ دُنيَوِيَّةٍ، بَلْ بِنِعْمَةِ اللهِ. وَنَحْنُ لَا نَكتُبُ إلَيكُمْ إلَّا مَا تَسْتَطِيعُونَ أنْ تَقْرَؤُوهُ وَأنْ تَفْهَمُوهُ حَقًّا. وَأنَا وَاثِقٌ أنَّكُمْ سَتَفْهَمُونَنَا حَقَّ الفَهمِ. فَبِالقَلِيلِ الَّذِي تَعْرِفُونَهُ عَنَّا تُدرِكُونَ أنَّهُ يُمكِنُكُمْ أنْ تَفْخَرُوا بِنَا، وَسَنَفتَخِرُ نَحْنُ أيْضًا بِكُمْ فِي يَوْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ. وَلِأنِّي وَاثِقٌ مِنْ هَذَا، قَرَّرْتُ أنْ أزُورَكُمْ أوَّلًا، لِكَي تَكُونَ لَكُمْ فَائِدَةٌ مُزدَوَجَةٌ. وَكُنْتُ أُخَطِّطُ لِزِيَارتِكُمْ فِي طَرِيقِي إلَى مَكدُونِيَّةَ، وَمَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ عَودَتِي مِنْ مَكدُونِيَّةَ لِكَي أُسَافِرَ إلَى إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ بِمُسَاعَدَتِكُمْ. أتَظُنُّونَ أنِّي كُنْتُ سَطحِيًّا فِي تَخْطِيطِي هَذَا؟ أمْ تَظُنُّونَ أنَّنِي أُخَطِّطُ كَمَا يُخَطِّطُ العَالَمُ، فَاختَلَطَتْ عِندِي «النَّعَمْ» بِـ «اللَّا»؟ يَشْهَدُ اللهُ الأمِينُ بِأنَّنَا لَا نَقُولُ لَكُمْ «نَعَمْ» وَ «لَا» فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. فَابْنُ اللهِ يَسُوعُ المَسِيحُ، الَّذِي بَشَّرنَاكُمْ بِهِ أنَا وَسِلوَانِسُ وَتِيمُوثَاوُسُ، لَمْ يَكُنْ «نَعَمْ» وَ «لَا» مَعًا، بَلْ فِيهِ «نَعَمْ» حَاسِمَةٌ. فَمَهمَا كَانَتْ كَثْرَةُ الوُعُودِ الَّتِي قَطَعَهَا اللهُ، فَهُوَ دَائِمًا «نَعَمْ» لَهَا كُلِّهَا. وَلِهَذَا فَإنَّنَا نَقُولُ: «آمِينْ» لِمَجْدِ اللهِ. إنَّ الَّذِي يَضْمَنُ انتِمَاءَنَا وَإيَّاكُمْ إلَى المَسِيحِ هُوَ اللهُ الَّذِي مَسَحَنَا أيْضًا. فَهُوَ الَّذِي خَتَمَنَا بِخَتمِ مُلكِيَّتِهِ، وَأعطَانَا الرُّوحَ القُدُسَ فِي قُلُوبِنَا عُربُونًا لِمَا سَيأتِي. يَشْهَدُ اللهُ عَلَى أنَّ عَدَمَ مَجِيئِي إلَى كُورِنْثُوسَ كَانَ لِتَجْنِيبِكُمْ قَسوَتِي عَلَيْكُمْ. وَلَا يَعْنِي هَذَا أنَّنَا نُحَاوِلُ التَّحَكُّمَ بِإيمَانِكُمْ، فَأنْتُمْ ثَابِتُونَ فِي الإيمَانِ، لَكِنَّنَا نَعمَلُ مَعَكُمْ مِنْ أجْلِ فَرَحِكُمْ. لِهَذَا قَرَّرتُ ألَّا أزُورَكُمْ زِيَارَةً أُخْرَى قَدْ تَأتِي لَكُمُ بِالألَمِ. فَإنْ سَبَّبتُ لَكُمُ الحُزنَ، فَمَنْ سَيُفرِحُنِي غَيرُكُمْ أنْتُمُ الَّذِينَ أحزَنتُكُمْ أنَا؟ وَلَقَدْ كَتَبْتُ إلَيكُمْ مَا كَتَبْتُهُ، لِئَلَّا يُحزِنَنِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَنْبَغِي أنْ يُفرِحُونِي. فَأنَا وَاثِقٌ أنَّكُمْ تُسَرُّونَ بِسُرُورِي. لَقَدْ كَتَبْتُ إلَيكُمْ بِقَلْبٍ مَلِيءٍ بِالِانْزِعَاجِ وَالعَذَابِ، وَبِدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ، لَا لِكَي أُحزِنَكُمْ، بَلْ لِتَعْرِفُوا عِظَمَ مَحَبَّتِي لَكُمْ. لَكِنْ إنْ أحزَنَنِي أحَدٌ، فَإنَّهُ لَمْ يُحزِنِّي وَحْدِي، بَلْ لَا بُدَّ أنَّهُ أحزَنَكُمْ جَمِيعًا بَعْضَ الشَّيءِ، لِئَلَّا أُبَالِغَ. أمَّا مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الشَّخصِ الَّذِي أخْطَأَ، فَيَكْفِيهِ العِقَابُ الَّذِي أوقَعَتْهُ عَلَيْهِ غَالِبِيَّتُكُمْ. فَيَنْبَغِي الآنَ أنْ تُسَامِحُوهُ وَتُشَجِّعُوهُ، لِئَلَّا يَتَمَلَّكَهُ الحُزنُ الشَّدِيدُ. لِهَذَا فَإنِّي أرْجُوكُمْ أنْ تُؤَكِّدُوا لَهُ مَحَبَّتَكُمْ. وَهَذَا هُوَ مَا دَفَعَنِي إلَى الكِتَابَةِ إلَيكُمْ: لِكَي أرَى إنْ كُنْتُمْ سَتَصْمُدُونَ أمَامَ الامْتِحَانِ، وَإنْ كُنْتُمْ مُطِيعِينَ لِي فِي كُلِّ شَيءٍ. فَإنْ سَامَحتُمْ أحَدًا بِشَيءٍ، فَإنِّي أُسَامِحُهُ أنَا أيْضًا. وَإنْ كُنْتُ قَدْ سَامَحتُ بِشَيءٍ مَهْمَا كَانَ، فَقَدْ سَامَحتُ بِهِ مِنْ أجْلِكُمْ. وَالمَسِيحُ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ. لِنَفعَلْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَسْتَغِلَّنَا إبْلِيسُ، لِأنَّنَا نَعْرِفُ أفكَارَهُ. لَقَدْ جِئتُ إلَى تْرُواسَ لِأُعلِنَ بِشَارَةَ المَسِيحِ. وَفَتَحَ لِي الرَّبُّ بَابًا هُنَاكَ. إلَّا أنَّنِي لَمْ أجِدْ رَاحَةً لِأنِّي لَمْ أجِدْ أخِي تِيطُسَ هُنَاكَ. فَوَدَّعتُهُمْ وَاتَّجَهتُ إلَى مَكدُونِيَّةَ. لَكِنْ شُكرًا للهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوكِبِ انتِصَارِهِ بِالمَسِيحِ. فَهُوَ الَّذِي يَنْشُرُ شَذَى مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِوَاسِطَتِنَا. فَنَحْنُ بَخُورُ المَسِيحِ العَطِرُ المُقَدَّمُ للهِ. وَيَنْتَشِرُ هَذَا الشَّذَى بَيْنَ الَّذِينَ هُمْ فِي طَرِيقِ الخَلَاصِ، وَالَّذِينَ هُمْ فِي طَرِيقِ الهَلَاكِ. أمَّا للَّذِينَ فِي طَرِيقِ الهَلَاكِ فَهُوَ رَائِحَةٌ نَتِنَةٌ، المَوْتُ مَصدَرُهَا وَالمَوْتُ مَصِيرُهَا. وَأمَّا لِلَّذِينَ هُمْ فِي طَرِيقِ الخَلَاصِ، فَهُوَ شَذَىً مَصدَرُهُ الحَيَاةُ وَيُؤَدِّي إلَى الحَيَاةِ. فَمَنْ هُوَ المُؤَهَّلُ لِمِثْلِ هَذِهِ المَهَمَّةِ؟ فَلَسنَا بَاعَةً مُتَجَوِّلِينَ نُتَاجِرُ بِكَلِمَةِ اللهِ مِنْ أجْلِ رِبحٍ خَسِيسٍ، كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ الصِّدقَ فِي المَسِيحِ أمَامَ اللهِ كَرِجَالٍ مُرسَلِينَ مِنْهُ. أيَبْدُو هَذَا مُبَاهَاةً مِنَّا بِأنفُسِنَا؟ أمْ لَعَلَّنَا نَحتَاجُ إلَى رَسَائِلِ تَوْصِيَةٍ إلَيكُمْ أوْ مِنْكُمْ، كَمَا يَحتَاجُ بَعْضُهُمْ؟ إنَّمَا أنْتُمْ رِسَالَةُ تَوْصِيَتِنَا، مَكْتُوبَةٌ فِي قُلُوبِنَا، مَعرُوفَةٌ وَمَقرُوءَةٌ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ. وَأنْتُمْ تُظهِرُونَ أنَّكُمْ رِسَالَةٌ كَتَبَهَا المَسِيحُ كَثَمَرٍ لِخِدمَتِنَا. أنْتُمْ رِسَالَةٌ مَكْتُوبَةٌ لَا بِحِبرٍ، بَلْ بِرُوحِ اللهِ الحَيِّ. أنْتُمْ رِسَالَةٌ مَكْتُوبَةٌ لَا عَلَى ألوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ، بَلْ عَلَى ألوَاحٍ مِنْ قُلُوبٍ بَشَرِيَّةٍ. وَلَنَا ثِقَةٌ بِأنْ نَقُولَ هَذَا أمَامَ اللهِ لأنَّنَا فِي المَسِيحِ. وَلَا يَعْنِي هَذَا أنَّنَا نَدَّعِي أنَّنَا قَادِرُونَ بِأنفُسِنَا عَلَى عَمَلِ أيِّ شَيءٍ صَالِحٍ، بَلْ إنَّ كَفَاءَتَنَا هِيَ مِنَ اللهِ. فَهُوَ الَّذِي أهَّلَنَا أيْضًا لِنَكونَ خُدَّامَ هَذَا العَهْدِ الجَديدِ، لَا بِالحَرفِ بَلْ بِالرُّوحِ. فَالشَّرِيعَةُ المَكْتُوبَةُ تَقْتُلُ، أمَّا الرُّوحُ فَيُعطِي حَيَاةً. لَكِنْ حَتَّى الخِدْمَةُ الَّتِي كَانَتْ مَقرُونَةً بِالمَوْتِ، كَانَ لَهَا بَهَاءٌ. وَهِيَ خِدْمَةُ الشَّرِيعَةِ المَنقُوشَةِ بِحُرُوفٍ عَلَى حِجَارَةٍ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ بَنُو إسْرَائِيلَ أنْ يَنْظُرُوا فِي وَجْهِ مُوسَى بِسَبَبِ ذَلِكَ البَهَاءِ، مَعَ أنَّهُ كَانَ بَهَاءً زَائِلًا. أفَلَا يَكُونُ لِلخِدْمَةِ المَقرُونَةِ بِالرُّوحِ بَهَاءٌ أعْظَمُ؟ وَإنْ كَانَ لِلخِدْمَةِ المَقرُونَةِ بِالدَّينُونَةِ بَهَاؤُهَا، أفَلَا يَكُونُ لِلخِدْمَةِ المَقرُونَةِ بِالبِرِّ بَهَاءٌ أعْظَمُ؟ فَمَا بَدَا فِي السَّابِقِ ذَا بَهَاءٍ، فَقَدَ كُلَّ بَهَاءٍ بِالمُقَارَنَةِ مَعَ هَذَا البَهَاءِ الفَائِقِ. فَإنْ كَانَتْ تِلْكَ الخِدْمَةُ المَحكُومَةُ بِالزَّوَالِ مَصحُوبَةً بِالبَهَاءِ، أفَلَا يَكُونُ لِتِلْكَ الخِدْمَةِ البَاقِيَةِ إلَى الأبَدِ بَهَاءٌ أعْظَمُ؟ فَلِأنَّ لَنَا هَذَا الرَّجَاءَ، نَتَكَلَّمُ بِجُرأةٍ أعْظَمَ. وَنَحْنُ لَسنَا كَمُوسَى الَّذِي كَانَ يُغَطِّي وَجْهَهُ بِلِثَامٍ لِئَلَّا يَرَى بَنُو إسْرَائِيلَ زَوَالَ البَهَاءِ. لَكِنَّ أذهَانَهُمْ عَمِيَتْ. إذْ مَا يَزَالُ اللِّثَامُ نَفْسُهُ مَوضُوعًا إلَى يَوْمِنَا هَذَا عِنْدَمَا يَقْرَأُونَ مَا كَتَبَهُ مُوسَى. لَمْ يُرفَعْ هَذَا اللِّثَامُ بَعْدُ، لِأنَّهُ لَا يُرفَعُ إلَّا بِالمَسِيحِ. لَكِنْ مَا يَزَالُ هُنَاكَ لِثَامٌ فَوْقَ أذهَانِهِمْ إلَى هَذَا اليَوْمِ كُلَّمَا قُرِئَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى. وَكُلَّمَا رَجِعَ أحَدُهُمْ إلَى الرَّبِّ، يُرفَعُ اللِّثَامُ. وَالرَّبُّ هُوَ الرُّوحُ. وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ، هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ. فَنَحْنُ جَمِيعًا نَعكِسُ بَهَاءَ الرَّبِّ بِوُجُوهٍ مَكشُوفَةٍ، فَنَتَغَيَّرَ بِاستِمرَارٍ وَنُصبِحَ مِثْلَهُ، آخِذِينَ بَهَاءً مُتَزَايِدًا. وَهَذَا التَغييرُ مِنَ الرَّبِّ، أيِ الرُّوحِ. لَقَدْ أعطَانَا اللهُ هَذِهِ الخِدْمَةَ بِسَبَبِ رَحمَتِهِ، وَلِهَذَا لَا نَسْتَسْلِمُ أبَدًا. بَلْ تَخَلَّينَا عَنْ كُلِّ مَا يُخفِيهِ الآخَرُونَ بِسَبَبِ الخَجَلِ. وَنَحْنُ لَا نَخدَعُ أحَدًا وَلَا نُشَوِّهُ رِسَالَةَ اللهِ. لَكِنَّنَا نُقَدِّمُ الحَقَّ صَرِيحًا مُظهِرِينَ إخلَاصَنَا أمَامَ اللهِ، وَأمَامَ ضَمِيرِ كُلِّ إنْسَانٍ. وَإذَا كَانَتِ البِشَارَةُ الَّتِي نُذِيعُهَا مَخفِيَّةً، فَإنَّمَا هِيَ كَذَلِكَ لِلَّذِينَ هُمْ فِي طَرِيقِ الهَلَاكِ. فَقَدْ أعْمَى إلَهُ هَذَا العَالَمِ أذهَانَ غَيْرِ المُؤمِنِينَ لِئَلَّا يَرَوْا نُورَ هَذِهِ البِشَارَةِ عَنْ مَجْدِ المَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ. فَنَحْنُ لَا نُبَشِّرُ بِأنفُسِنَا، بَلْ بِالمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا. أمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ إنَّنَا خُدَّامٌ لَكُمْ مِنْ أجْلِ يَسُوعَ. لِأنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ: «سَيُشرِقُ نُورٌ مِنَ الظُّلمَةِ.» هُوَ الَّذِي أشرَقَ فِي قُلُوبِنَا بِنُورِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ الظَّاهِرِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ المَسِيحِ. لَكِنَّنَا نَحتَفِظُ بِهَذَا الكَنزِ فِي أوَانٍ مِنْ فَخَّارٍ، لِكَي يَتَّضِحَ أنَّ تِلْكَ القُوَّةَ غَيْرَ العَادِيَّةِ لَيْسَتْ مِنَّا، بَلْ مِنَ اللهِ. فَنَحْنُ نَتَعَرَّضُ لِلضَّغطِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، دُونَ أنْ نُسحَقَ. نَتَحَيَّرُ دُونَ أنْ نَيأسَ. نُضطَهَدُ، دُونَ أنْ نُتْرَكَ. نُطرَحُ أرْضًا، دُونَ أنْ نُقتَلَ. وَهَكَذَا نَحْنُ نَختَبِرُ فِي أجسَادِنَا بِاستِمرَارٍ مَوْتَ يَسُوعَ، لِكَي تَظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أيْضًا فِي أجسَادِنَا. فَنَحْنُ الأحيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِمًا إلَى المَوْتِ مِنْ أجْلِ يَسُوعَ، لِكَي تَظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ فِي أجسَادِنَا الفَانِيَةِ. وَهَكَذَا يَعْمَلُ المَوْتُ فِينَا، لَكِنَّ الحَيَاةَ تَعْمَلُ فِيكُمْ. لَكِنَّنَا نُطَبِّقُ مَفهُومَ الإيمَانِ نَفْسَهُ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ الكِتَابُ: «آمَنْتُ، وَلِهَذَا تَكَلَّمْتُ.» فَإنَّنَا نَحْنُ أيْضًا نُؤمِنُ، وَلِهَذَا نَتَكَلَّمُ. فَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ الَّذِي أقَامَ الرَّبَّ يَسُوعَ مِنَ المَوْتِ، سَيُقِيمُنَا نَحْنُ أيْضًا كَمَا أقَامَهُ. وَسَيَجْعَلُنَا نَقِفُ مَعًا، نَحْنُ وَأنْتُمْ، فِي حَضرَتِهِ. فَكُلُّ هَذِهِ الأشْيَاءِ تَتِمُّ مِنْ أجْلِكُمْ، لِكَي تَصِلَ نِعْمَةُ اللهِ إلَى المَزيدِ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى يَفِيضَ الشُّكرُ وَيَتَمَجَّدَ اللهُ. لِذَلِكَ نَحْنُ لَا نَسْتَسْلِمُ. بَلْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أجْسَادُنَا المَادِّيَّةُ تَقْتَرِبُ مِنْ فَنَائِهَا، إلَّا أنَّ كَيَانَنَا الدَّاخِلِيَّ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ. فَضِيقَتُنَا المُؤَقَّتَةُ الخَفِيفَةُ تُنتِجُ لَنَا مَجْدًا أبَدِيًّا يَفُوقُ تِلْكَ الضِّيقَةَ بِشَكلٍ كَبِيرٍ. وَنَحْنُ لَا نُرَكِّزُ عَلَى مَا يُرَى، بَلْ عَلَى مَا لَا يُرَى. فَمَا يُرَى مُؤَقَّتٌ، أمَّا مَا لَا يُرَى فَأبَدِيٌّ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّهُ عِنْدَمَا تَنْهَدِمُ خَيْمَتُنَا الأرْضِيَّةُ، فَإنَّ لَنَا بِنَاءً مِنَ اللهِ، بَيْتًا أبَدِيًّا فِي السَّمَاءِ. وَهُوَ بَيتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِأيدِي النَّاسِ. لِذَلِكَ نَئنُّ وَنَحْنُ فِي هَذَا المَسكَنِ مُشتَاقِينَ أنْ نَلبَسَ مَسكَنَنَا السَّمَاوِيَّ. فَإنْ لَبِسنَاهُ، لَا نَكُونُ عُرَاةً فِيمَا بَعْدُ. فَنَحْنُ الَّذِينَ نَئِنُّ فِي هَذَا المَسكَنِ تَحْتَ حِملٍ ثَقِيلٍ، لَا نَشتَاقُ إلَى أنْ نَتَخَلَّصَ مِنْ جَسَدِنَا الأرْضِيِّ الحَالِيِّ، بَلْ نَشتَاقُ إلَى أنْ نَلبَسَ الجَسَدَ السَّمَاوِيَّ فَوقَهُ، فَتَتَغَلَّبُ الحَيَاةُ عَلَى المَوْتِ. فَالَّذِي أعَدَّنَا لِهَذَا الهَدَفِ هُوَ اللهُ، وَهُوَ الَّذِي أعطَانَا الرُّوحَ القُدُسَ عُربُونًا يَضْمَنُ أنَّهُ سَيُعطِينَا مَا وَعَدَنَا بِهِ. وَنَحْنُ عَلَى ثِقَةٍ دَائِمَةٍ بِهَذَا، لِأنَّنَا نَعْرِفُ أنَّنَا مَا دُمنَا نَعِيشُ فِي جَسَدِنَا، نَكُونُ مُتَغَرِّبِينَ عَنِ الرَّبِّ. أقُولُ هَذَا لِأنَّنَا نَسْلُكُ عَلَى أسَاسِ الإيمَانِ، لَا عَلَى أسَاسِ مَا يُمكِنُنَا رُؤيَتَهُ. وَإنَّنَا لَوَاثِقُونَ مِنْ هَذَا، وَنُفَضِّلُ أنْ نُغَادِرَ أجسَادَنَا وَنَذهَبَ لِنَسْتَقِرَّ عِنْدَ الرَّبِّ. وَلِهَذَا فَإنَّ طُمُوحَنَا، سَوَاءٌ كُنَّا حَاضِرِينَ عِنْدَهُ أوْ مُتَغَرِّبِينَ عَنْهُ، هُوَ أنْ نُرضِيَهُ. إذْ يَنْبَغِي أنْ نَقِفَ جَمِيعًا أمَامَ كُرسِيِّ قَضَاءِ المَسِيحِ، لِكَي يَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ جَزَاءَ مَا فَعَلَهُ وَهُوَ فِي هَذَا الجَسَدِ، خَيْرًا كَانَ أمْ شَرًّا. وَلِهَذَا، بِمَا أنَّنَا نَعْرِفُ مَا تَعْنِيهِ مَهَابَةُ الرَّبِّ، نُقنِعُ النَّاسَ بِقُبُولِ الحَقِّ. اللهُ يَعْرِفُنَا جَيِّدًا، وَأرْجُو أنْ نَكُونَ مَعرُوفِينَ جَيِّدًا لَدَيْكُمْ أيْضًا. وَنَحْنُ بِهَذَا لَا نَمدَحُ أنْفُسَنَا، بَلْ نُعطِيكُمْ فُرصَةً لِلِافتِخَارِ بِنَا، لِكَي تَرُدُّوا عَلَى الَّذِينَ يَفْتَخِرُونَ بِالمَظهَرِ لَا بِالقَلْبِ. فَإنْ كُنَّا نَتَصَرَّفُ كَمَجَانِينَ، فَنَحْنُ مَجَانِينُ للهِ! وَإنْ كُنَّا عَاقِلِينَ، فَنَحْنُ عَاقِلُونَ مِنْ أجْلِكُمْ. فَمَحَبَّةُ المَسِيحِ تَدْفَعُنَا، لِأنَّنَا نُؤمِنُ بِهَذَا: إنْ مَاتَ إنْسَانٌ مِنْ أجْلِ جَمِيعِ البَشَرِ، فَالجَمِيعُ إذًا قَدْ مَاتُوا. وَقَدْ مَاتَ المَسِيحُ مِنْ أجْلِ جَمِيعِ البَشَرِ، لِكَيْ لَا يَعِيشَ الأحيَاءُ لِأنْفُسِهِمْ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ وَأُقِيمَ مِنَ المَوْتِ مِنْ أجْلِهِمْ. وَلِهَذَا فَإنَّنَا، مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا، لَا نَنظُرُ إلَى أحَدٍ مِنْ وُجهَةِ نَظَرٍ أرْضِيَّةٍ. وَرُغْمَ أنَّنَا كُنَّا نَنظُرُ هَكَذَا إلَى المَسِيحِ، إلَّا أنَّنَا لَا نَنظُرُ بَعْدُ إلَيْهِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. إذًا إنْ كَانَ أحَدٌ فِي المَسِيحِ، فَهُوَ الآنَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. النِّظَامُ القَدِيمُ قَدِ انْتَهَى، وَهَا كُلُّ شَيءٍ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ اللهِ الَّذِي صَالَحَنَا مَعَ نَفْسِهِ فِي المَسِيحِ، وَأعطَانَا أنْ نَحمِلَ رِسَالَةَ المُصَالَحَةِ. فَرِسَالَتُنَا هِيَ أنَّ اللهَ فِي المَسِيحِ قَدْ صَالَحَ العَالَمَ مَعَ نَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ. وَقَدْ أعطَانَا رِسَالَةَ المُصَالَحَةِ. فَنَحْنُ نَعمَلُ كَسُفَرَاءَ لِلمَسِيحِ، وَكَأنَّ اللهَ يَدْعُوكُمْ بِوَاسِطَتِنَا. لِذَلِكَ نَطلُبُ إلَيكُمْ نِيَابَةً عَنِ المَسِيحِ: «تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ.» لِأنَّ اللهَ جَعَلَ المَسِيحَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً مِنْ أجْلِنَا، لِكَي يَصِيرَ لَنَا فِيهِ بِرُّ اللهِ. وَبِمَا أنَّنَا نَعمَلُ مَعًا مَعَ اللهِ، نَحُثُّكُمْ عَلَى أنْ لَا تُبَدِّدُوا نِعْمَةَ اللهِ الَّتِي نِلتُمُوهَا. فَاللهُ يَقُولُ: «فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ الخَلَاصِ جِئتُ لِمَعُونَتِكَ.» فَهَا هُوَ الآنَ الوَقْتُ المُنَاسِبُ، وَالْآنَ هُوَ يَوْمُ الخَلَاصِ. إنَّنَا لَا نَضَعُ عَقَبَةً أمَامَ أحَدٍ، لِئَلَّا تُلَامَ خِدمَتُنَا. بَلْ نُظهِرُ أنْفُسَنَا بِلَا مَلَامَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا يَلِيقُ بِخُدَّامِ اللهِ: بِاحتِمَالٍ كَبيرٍ فِي المِحَنِ وَالمَصَائِبِ وَالصُّعُوبَاتِ. فَقَدْ تَعَرَّضنَا لِلضَّربِ الكَثِيرِ وَالحَبسِ المُتَكَرِّرِ، فِي حَمَلَاتٍ غَاضِبَةٍ ضِدَّنَا وَمَشَقَّاتٍ كَثيرَةٍ، فِي السَّهَرِ وَالجُوعِ. نُظهِرُ أنَّنَا خُدَّامُ اللهِ بِنَقَائِنَا وَمَعْرِفَتِنَا، بِصَبرِنَا وَلُطفِنَا، بِمَوَاهِبِ الرُّوحِ القُدُسِ، وَبِمَحَبَّتِنَا الأصِيلَةِ، وَبِرِسَالَةِ الحَقِّ الَّتِي نَحمِلُهَا، وَبِقُوَّةِ اللهِ. نَتَسَلَّحُ بِالصَّلَاحِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لِلدِّفَاعِ وَالهُجُومِ مَعًا. نُظهِرُ أنْفُسَنَا عِنْدَمَا يُكرِمُنَا النَّاسُ وَيُهِينُونَنَا، بِصِيتٍ حَسَنٍ أوْ بِصِيتٍ سَيِّئٍ. نُعتَبَرُ مُخَادِعِينَ مَعَ أنَّنَا صَادِقُونَ. نُعتَبَرُ مَجهُولِينَ مَعَ أنَّنَا مَعرُوفُونَ. نَبْدو قَرِيبِينَ مِنَ المَوْتِ، لَكِنْ هَا نَحْنُ أحيَاءٌ! نُعَاقَبُ وَلَكِنَّنَا لَا نُقتَلُ. كَأنَّنَا حَزَانَى، مَعَ أنَّنَا فِي ابتِهَاجٍ دَائِمٍ. كَفُقَرَاءَ، مَعَ أنَّنَا نُغنِي كَثِيرِينَ. كَأنَّنَا لَا نَمْلُكُ شَيْئًا، مَعَ أنَّنَا نَمْلُكُ كُلَّ شَيءٍ. أيُّهَا الكُورِنْثِيُّونَ، تَحَدَّثنَا إلَيكُمْ بِحُرِّيَّةٍ كَامِلَةٍ. وَقُلُوبُنَا مَفتُوحَةٌ لَكُمْ. نَحْنُ لَا نَبخَلُ عَلَيْكُمْ بِمَحَبَّتِنَا، أمَّا أنْتُمْ فَتَبْخَلُونَ بِمَا فِي دَاخِلِكُمْ. أنَا أتَحَدَّثُ إلَيكُمْ كَأبنَائِي وَأقُولُ: افتَحُوا أنْتُمْ أيْضًا قُلُوبَكُمْ لَنَا كَمَا نَحْنُ لَكُمْ. لَا تَكُونُوا شُرَكَاءَ مَعَ غَيْرِ المُؤمِنِينَ. فَمَا الَّذِي يَجْمَعُ مَا بَيْنَ الصَّلَاحِ وَالإثمِ؟ أوْ أيَّةُ مُشَارَكَةٍ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلمَةِ؟ وَأيُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ المَسِيحِ وَالشَّيطَانِ؟ أوْ أيُّ نَصِيبٍ لِلمُؤمِنِ مَعَ غَيْرِ المُؤمِنِ؟ وَأيُّ اتِّحَادٍ بَيْنَ هَيْكَلِ اللهِ وَالأوْثَانِ؟ فَنَحْنُ هَيكَلُ اللهِ الحَيِّ. فَكَمَا قَالَ اللهُ: «سَأسكُنُ بَيْنَهُمْ، وَأسِيرُ بَيْنَهُمْ. سَأكُونُ إلَهَهُمْ، وَسَيَكُونُونَ شَعْبِي.» وَيَقُولُ الرَّبُّ: «فَاخرُجُوا مِنْ وَسَطِهِمْ، وَانفَصِلُوا عَنْهُمْ. وَلَا تَلْمِسُوا فِيمَا بَعْدُ شَيْئًا نَجِسًا. حِينَئِذٍ سَأقبَلُكُمْ، وَسَأكُونُ أبًا لَكُمْ، وَتَكُونُونَ أبنَائِي وَبَنَاتِي، يَقُولُ الرَّبُّ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ.» أيُّهَا الأحِبَّاءُ، هَذِهِ الوُعُودُ لَنَا. فَلنُطَهِّرْ نُفُوسَنَا مِنْ كُلِّ مَا يُلَوِّثُ الجَسَدَ وَالرُّوحَ، مُتَمِّمِينَ قَدَاسَتَنَا إكرَامًا للهِ. أفسِحُوا مَكَانًا لَنَا فِي قُلُوبِكُمْ، فَنَحْنُ لَمْ نُسِئْ إلَى أحَدٍ مِنْكُمْ. لَمْ نُفسِدْ أحَدًا مِنْكُمْ وَلَمْ نَسْتَغِلَّ أحَدًا مِنْكُمْ. وَأنَا لَا أقُولُ هَذَا إدَانَةً لَكُمْ. فَقَدْ سَبَقَ أنْ قُلْتُ لَكُمْ إنَّكُمْ فِي قُلُوبِنَا، وَنَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ أنْ نَمُوتَ وَأنْ نَعِيشَ مَعَكُمْ. وَلِي ثِقَةٌ كَبِيرَةٌ بِكُمْ. بَلْ أنَا فَخُورٌ بِكُمْ. شَجَّعتُمُونِي كَثِيرًا. لِهَذَا أفرَحُ فَرَحًا كَبِيرًا حَتَّى فِي أوقَاتِ الضِّيقِ هَذِهِ. فَحَتَّى لَمَّا وَصَلنَا إلَى مَكدُونِيَّةَ، لَمْ نَعْرِفْ طَعمَ الرَّاحَةِ. بَلْ تَضَايَقنَا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، بِسَبَبِ صِرَاعَاتٍ مِنَ الخَارِجِ وَمَخَاوِفَ مِنَ الدَّاخِلِ. لَكِنَّ اللهَ الَّذِي يُعَزِّي المُتَضَايِقِينَ عَزَّانَا بِوُصُولِ تِيطُسَ. وَلَمْ يُعَزِّنَا بِوُصُولِهِ فَحَسْبُ، بَلْ أيْضًا بِالتَّعزِيَةِ الَّتِي كُنْتُمْ قَدْ عَزَّيتُمُوهُ بِهَا. وَقَدْ أخبَرَنَا عَنْ شَوقِكُمْ إلَى رُؤيَتِنَا، وَنَدَمِكُمْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ، وَاهتِمَامِكُمُ العَمِيقِ بِي، فَزَادَنِي هَذَا فَرَحًا. فَرُغْمَ أنِّي أحزَنتُكُمْ بِرِسَالَتِي السَّابِقَةِ، إلَّا أنِّي غَيْرُ حَزينٍ الآنَ عَلَى كِتَابَتِهَا. مَعَ أنِّي حَزِنْتُ حِينَهَا، لِأنِّي أدرَكتُ أنَّ تِلْكَ الرِّسَالَةَ أحزَنَتكُمْ، وَلَوْ لِفَترَةٍ قَصِيرَةٍ. لَكِنِّي الآنَ مَسرُورٌ، لَا لِأنَّكُمْ حَزِنتُمْ، بَلْ لِأنَّ حُزنَكُمْ أدَّى بِكُمْ إلَى التَّوبَةِ. فَقَدْ حَزِنتُمْ كَمَا يُرِيدُ اللهُ، وَهَكَذَا لَمْ نُؤذِكُمْ نَحْنُ فِي شَيءٍ. فَالحُزنُ بِحَسَبِ مَشيئَةِ اللهِ، يُؤَدِّي إلَى التَّوبَةِ. وَالتَّوبَةُ تَقُودُ إلَى الخَلَاصِ الَّذِي لَا نَدَمَ عَلَيْهِ. أمَّا الحُزنُ الَّذِي فِي العَالَمِ، فَيُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. وَلِأنَّكُمْ حَزِنتُمْ بِحَسَبِ مَشيئةِ اللهِ، لَاحِظُوا مَا أنتَجَهُ فِيكُمْ: جَعَلَكُمْ جَادِّينَ. جَعَلَكُمْ تُدَافِعونَ عَنْ بَرَاءَتِكُمْ. جَعَلَكُمْ تَغْضَبُونَ مِنَ الشَّخصِ المُذنِبِ. جَعَلَكُمْ تَخَافُونَ. جَعَلَكُمْ تَشتَاقُونَ إلَى رُؤيَتِنَا. وَجَعَلَكُمْ غَيُورِينَ فِي مَسألَةِ مُعَاقَبَةِ الرَّجُلِ الَّذِي أخْطَأَ. لَقَدْ أظْهَرتُمْ فِي كُلِّ شَيءٍ أنَّكُمْ بِلَا لَومٍ فِي هَذِهِ المَسألَةِ. إنْ كُنْتُ قَدْ كَتَبْتُ تِلْكَ الرِّسَالَةَ، فَإنِّي لَمْ أكتُبْهَا بِسَبَبِ الشَّخصِ الَّذِي أخْطَأَ، وَلَا بِسَبَبِ الشَّخصِ الَّذِي أُسِيئَ إلَيْهِ. إنَّمَا كَتَبْتُهَا لِكَي أُبَيِّنَ لَكُمْ، أمَامَ اللهِ، مَدَى اهتِمَامِكُمْ بِنَا. وَهَذَا هُوَ مَا شَجَّعَنَا. وَعَلَاوَةً عَلَى هَذَا التَّشجِيعِ، زَادَنَا تِيطُسُ فَرَحًا بِفَرَحِهِ، لِأنَّكُمْ جَمِيعًا أنعَشتُمْ رُوحَهُ. فَلَمْ أخجَلْ بِسَبَبِ افتِخَارِنَا بِكُمْ أمَامَهُ. بَلْ كَمَا صَدَقَ كُلُّ مَا كَلَّمنَاكُمْ بِهِ، هَكَذَا صَدَقَ أيْضًا افتِخَارُنَا بِكُمْ أمَامَ تِيطُسَ. وَكُلَّمَا تَذَكَّرَ تِيطُسُ لَهفَتَكُمْ جَمِيعًا لِلطَّاعَةِ، وَتَرْحِيبَكُمْ بِهِ بِاحتِرَامٍ وَمَهَابَةٍ، فَاضَتْ عَوَاطِفُهُ نَحوَكُمْ بِقُوَّةٍ أكبَرَ. وَإنَّهُ لَيَسُرُّنِي أنْ أستَطِيعَ أنْ أثِقَ بِكُمْ ثِقَةً كَامِلَةً. وَالْآنَ أيُّهَا الإخْوَةُ، نُرِيدُ أنْ نُطلِعَكُمْ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِلكَنَائِسِ فِي مُقَاطَعَةِ مَكدُونِيَّةَ. فَرُغْمَ الضِّيقَاتِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي امتُحِنُوا بِهَا، إلَّا أنَّ فَيضَ سَعَادَتِهِمْ وَشِدَّةَ فَقرِهِمْ فَاضَا فِي كَرَمِهِمُ الوَافِرِ. وَيُمكِنُنِي أنْ أشهَدَ أنَّهُمْ أعطَوْا عَلَى قَدَرِ استِطَاعَتِهِمْ، بَلْ وَفَوقَ استِطَاعَتِهِمْ. وَقَدْ فَعَلُوا هَذَا بِمُبَادَرَةٍ مِنْهُمْ. وَظَلُّوا يَرْجُونَنَا بِإلحَاحٍ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ النِّعمَةِ، لِكَي يُشَارِكُوا فِي هَذِهِ الخِدْمَةِ لِشَعْبِ اللهِ. وَلَمْ يُعطُوا كَمَا تَوَقَّعنَا، بَلْ أعْطَوْا أنْفُسَهُمْ أوَّلًا لِلرَّبِّ، ثُمَّ لَنَا انسِجَامًا مَعَ مَشِيئَةِ اللهِ. وَقَدْ طَلَبْنَا مِنْ تِيطُسَ أنْ يُكمِلَ مِنْ أجْلِكُمْ عَمَلَ النِّعمَةِ الَّذِي ابتَدَأهُ. فَأنْتُمْ أغنِيَاءٌ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ: فِي الإيمَانِ، وَفِي الكَلَامِ، وَفِي المَعْرِفَةِ، وَفِي الحَمَاسَةِ لِتَقْدِيمِ العَونِ بِكُلِّ طَرِيقَةٍ، وَفِي المَحَبَّةِ الَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا مِنَّا. لِهَذَا يَنْبَغِي أنْ تَكُونُوا أغنِيَاءً فِي نِعْمَةِ العَطَاءِ أيْضًا. وَأنَا لَا أقُولُ هَذَا آمِرًا إيَّاكُمْ، لَكِنِّي بِحَدِيثِي عَنْ حَمَاسَةِ الآخَرِينَ، أمتَحِنُ أصَالَةَ مَحَبَّتِكُمْ. فَأنْتُمْ تَعْرِفُونَ النِّعمَةَ الَّتِي أظْهَرَهَا رَبُّنَا يَسُوعُ المَسِيحُ. فَمَعَ أنَّهُ كَانَ غَنِيًّا، صَارَ فَقِيرًا مِنْ أجْلِكُمْ، لِكَي تَصِيرُوا أغنِيَاءَ بِفَقرِهِ. وَأُقَدِّمُ رَأيًا فِي هَذِهِ المَسألَةِ أيْضًا لِفَائِدَتِكُمْ. فَقَدْ كُنْتُمْ فِي السَّنَةِ المَاضِيَةِ أوَّلَ مَنْ رَغِبَ فِي العَطَاءِ، وَأوَّلَ مَنْ أعْطَى. فَالآنَ، أتِمُّوا العَطَاءَ أيْضًا. فَكَمَا كَانَ لَدَيْكُمْ الاستِعدَادُ لِلعَطَاءِ وَالرَّغبَةُ فِيهِ سَابِقًا، لِيَكُنْ لَدَيْكُمْ أيْضًا الاستِعدَادُ الآنَ لإتمَامِ هَذِهِ المَهَمَّةِ حَسَبَ مَا لَدَيْكُمْ. فَإنْ كَانَ الاستِعدَادُ لِلعَطَاءِ مَوجُودًا، فَسَتَكُونُ العَطِيَّةُ مَقبُولَةً عَلَى أسَاسِ مَا يَمْلِكُهُ المَرءُ، لَا عَلَى أسَاسِ مَا لَا يَمْلِكُهُ. فَلَيْسَ القَصدُ مِنْ عَطَائِكُمْ أنْ تَتَيَسَّرَ أُمُورُ غَيرِكُمْ وَتَتَعَسَّرَ أُمُورُكُمْ. بَلْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَوَازُنٌ. فَلَدَيْكُمُ الآنَ وَفرَةٌ تَسُدُّ حَاجَتَهُمْ، حَتَّى إذَا صَارَتْ لَدَيهِمْ وَفرَةٌ يَسُدُّونَ حَاجَتَكُمْ، فَيَتَحَقَّقُ التَّوَازُنُ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «الَّذِي جَمَعَ كَثِيرًا لَمْ يَفِضْ عَنْ حَاجَتِهِ، وَالَّذِي جَمَعَ قَلِيلًا لَمْ يَنْقُصْهُ شَيءٌ.» أشكُرُ اللهَ الَّذِي وَضَعَ فِي قَلْبِ تِيطُسَ لَهفَةً كَلَهفَتِنَا إلَى مُسَاعَدَتِكُمْ. فَقَدْ رَحَّبَ بِطَلَبِنَا. وَإذْ كَانَ مُتَلَهِّفًا جِدًّا، جَاءَ لِزِيَارَتِكُمْ بِمِلءِ إرَادتِهِ. وَهَا نَحْنُ نُرسِلُهُ إلَيكُمْ مَعَ الأخِ الَّذِي تَمْدَحُهُ كُلُّ الكَنَائِسِ بِسَبَبِ نَشَاطِهِ فِي إعلَانِ البِشَارَةِ. فَقَدْ عَيَّنَتهُ الكَنَائِسُ رَفِيقَ سَفَرٍ لَنَا عِنْدَمَا نَحمِلُ هَذِهِ العَطِيَّةَ. وَهُوَ العَمَلُ الَّذِي نَقُومُ بِهِ لِنُكرِمَ الرَّبَّ نَفْسَهُ، وَلِنُبَيِّنَ استِعدَادَنَا لِتَقْدِيمِ العَونِ. وَنَحْنُ حَرِيصُونَ عَلَى أنْ لَا يَنْتَقِدَنَا أحَدٌ بِسَبَبِ هَذَا العَطَاءِ الكَبِيرِ الَّذِي نَتَوَلَّى أمْرَهُ. إذْ يَهُمُّنَا أنْ تَكُونَ لَنَا سُمعَةٌ طَيِّبَةٌ لَا عِنْدَ الرَّبِّ فَحَسْبُ، بَلْ عِنْدَ النَّاسِ أيْضًا. وَسَنُرسِلُ مَعَهُمَا أخَانَا الَّذِي أثبَتَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ وَمُنَاسَبَاتٍ عَدِيدَةٍ أنَّ لَدَيهِ حَمَاسَةٌ لِتَقْدِيمِ العَونِ. وَهُوَ الآنَ أكْثَرُ حَمَاسَةً نَظَرًا لِثِقَتِهِ العَظِيمَةِ بِكُمْ. وَإنْ كَانَ لَدَيْكُمْ أيُّ سُؤَالٍ حَوْلَ تِيطُسَ، فَإنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّهُ شَرِيكِي وَعَامِلٌ مَعِي فِي خِدمَتِكُمْ. وَأمَّا بِالنِّسبَةِ لِأخَوَينَا اللَّذَينِ يُرَافِقَانِهِ، فَأقُولَ إنَّهُمَا مُمَثِّلَانِ لِلكَنَائِسِ وَيَخْدِمَانِ لِمَجْدِ المَسِيحِ. فَبَيِّنُوا لَهُمْ بُرهَانَ مَحَبَّتِكُمْ وَسَبَبَ افتِخَارِنَا بِكُمْ، فَتَرَى كُلُّ الكَنَائِسِ ذَلِكَ. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِمُسَاعَدَةِ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ الَّذِينَ فِي القُدْسِ، فَإنَّهُ مِنْ غَيْرِ الضَّرُورِيِّ أنْ أكتُبَ إلَيكُمْ حَوْلَ هَذِهِ المَسألَةِ. أنَا أعْلَمُ مَدَى استِعدَادِكُمْ لِتَقْدِيمِ العَونِ، وَأفتَخِرُ بِكُمْ دَائِمًا أمَامَ المَكدُونِيِّينَ، فَأقُولُ لَهُمْ إنَّ الكَنَائِسَ فِي مُقَاطَعَةِ أخَائِيَّةَ مُسْتَعِدَّةٌ مُنْذُ السَّنَةِ المَاضِيَةِ. وَحَمَاسُكُمْ هَذَا هُوَ الَّذِي شَجَّعَ مُعظَمَهُمْ عَلَى العَطَاءِ. لَكِنِّي أُرسِلُ الإخوَةَ إلَيكُمْ لِكَي يَتَبَيَّنَ أنَّ افتِخَارَنَا بِكُمْ فِي هَذِهِ المَسألَةِ لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلِكَي تَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ كَمَا قُلْتُ عَنْكُمْ. وَإلَّا فَإنَّهُ إذَا جَاءَ مَعِي بَعْضُ المَكدُونِيِّينَ وَوَجَدنَاكُمْ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ، فَسَنُحرَجُ، وَأنْتُمْ أيْضًا سَتُحرَجُون! لِهَذَا رَأيْتُ أنَّ مِنَ الضَّرُورِيِّ أنْ أطلُبَ مِنَ الإخوَةِ أنْ يَسْبِقُونَا إلَى زِيَارَتِكُمْ، وَأنْ يُعِدُّوا مُسْبَقًا عَطِيَّتَكُمُ السَّخِيَّةَ الَّتِي سَبَقَ أنْ وَعَدتُمْ بِهَا، فَتَكُونَ عَطِيَّتُكُمْ مُعَدَّةً كَبَرَكَةٍ لَا كَبُخلٍ. وَتَذَكَّرُوا أنَّ «مَنْ يَزْرَعُ القَلِيلَ يَحْصُدُ القَلِيلَ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِوَفرَةٍ يَحْصُدُ بِوَفرَةٍ.» وَيَنْبَغِي أنْ يُعطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا نَوَى فِي قَلْبِهِ، لَا بِتَرَدُّدٍ أوْ عَنْ إكرَاهٍ. فَاللهُ يُحِبُّ المُعطِيَ المُبتَهِجَ. وَهُوَ قَادِرٌ أنْ يَغْمُرَكُمْ بِكُلِّ العَطَايَا الصَّالِحَةِ، لِكَي يَكُونَ عِنْدَكُمْ كُلُّ مَا تَحتَاجُونَ إلَيْهِ فِي كُلِّ أمرٍ وفِي كُلِّ وَقْتٍ، بَلْ مَا يَزِيدُ عَنِ الحَاجَةِ مِنْ أجْلِ القِيَامِ بِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «هُوَ يُوَزِّعُ بِسَخَاءٍ، وَيُعطِي المَسَاكِينَ. بِرُّهُ إلَى الأبَدِ يَبْقَى.» فَاللهُ الَّذِي يُوَفِّرُ بِذَارًا لِلزَّرْعِ وَخُبْزًا لِلأكْلِ، سَيُزَوِّدُكُمْ بِالبِذَارِ وَيُكَثِّرُهُ، وَسَيَزِيدُ الحَصَادَ النَّاتِجَ عَنْ صَلَاحِكُمْ. وَسَيُغنِيكُمْ بِكُلِّ طَرِيقَةٍ، لِكَي تَكُونُوا كُرَمَاءَ فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَسَيُؤَدِّي كَرَمُكُمْ عَنْ طَرِيقِنَا إلَى الشُّكْرِ للهِ. فَهَذِهِ الخِدْمَةُ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا لَنْ تُؤَدِّيَ إلَى سَدِّ حَاجَاتِ شَعْبِ اللهِ فَحَسْبُ، لَكِنْ سَتُؤَدِّي أيْضًا إلَى شُكرٍ كَثِيرٍ للهِ. فَلِأنَّ هَذِهِ الخِدْمَةَ بُرهَانٌ لإيمَانِكُمْ، سَيَشْكُرُونَ اللهَ عَلَى إيمَانِكُمُ النَّابِعِ مِنْ طَاعَتِكُمْ لِبِشَارَةِ المَسِيحِ الَّتِي تُجَاهِرُونَ بِإيمَانِكُمْ بِهَا، وَسَيَشْكُرُونَ اللهَ بِسَبَبِ كَرَمِكُمْ فِي مُسَاعَدَتِهِمْ وَمُسَاعَدَةِ الجَمِيعِ. وَحِينَ يُصَلُّونَ مِنْ أجْلِكُمْ سَيَشتَاقُون إلَى رُؤيَتِكُمْ، بِسَبَبِ نِعْمَةِ اللهِ الفَائِقَةِ نَحوَكُمْ. فَشُكْرًا للهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي تَفُوقُ الوَصْفَ! هَا أنَا بُولُسَ، الَّذِي يَقولُ بَعْضُكُمْ إنِّي ضَعيفٌ وَأنَا بَيْنَكُمْ، وَجَرِيءٌ بَعِيدًا عَنْكُمْ، ألْتَمِسُ مِنْكُمْ بِوَدَاعَةِ المَسِيحِ وَلُطفِهِ، ألَّا تُجبِرُونِي عَلَى اللُّجُوءِ إلَى هَذِهِ الجُرأةِ مَعَكُمْ عِنْدَ حُضُورِي. فَأنَا أنوِي أنْ أستَخْدِمَ هَذِهِ الجُرأةَ مَعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّنَا نَسْلُكُ بِأُسلُوبٍ دُنيَوِيٍّ. فَعَلَى الرُّغْمِ مِنْ أنَّنَا نَعِيشُ فِي هَذِهِ الدُّنيَا، إلَّا أنَّنَا لَا نُحَارِبُ بِأُسلُوبٍ دُنيَوِيٍّ. فَالأسلِحَةُ الَّتِي نُحَارِبُ بِهَا لَيْسَتْ دُنيَوِيَّةً، بَلْ لَهَا قُوَّةُ اللهِ عَلَى هَدمِ الحُصُونِ. فَبِهَا نَهدِمُ أوْهَامَ النَّاسِ، وَكُلَّ تَفَاخُرٍ يَتَعَالَى وَيَمْنَعُ مَعْرِفَةَ اللهِ. وَنَأسُرُ كُلَّ فِكرٍ لِيُطِيعَ المَسِيحَ. وَنَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ لِمُعَاقَبَةِ كُلِّ عِصيَانٍ بَيْنَكُمْ، لَكِنْ بَعْدَ أنْ تَكْتَمِلَ طَاعَتُكُمْ أنْتُمْ أوَّلًا. انْظُرُوا إلَى حَقَائِقِ الأُمُورِ الَّتِي أمَامَكُمْ! إنْ كَانَ أحَدٌ مُقتَنِعًا بِأنَّهُ يَنْتَمِي إلَى المَسِيحِ، فَلْيَعْلَمْ أنَّنَا نَنتَمِي إلَى المَسِيحِ قَدْرَ انتِمَائِهِ. صَحِيحٌ أنَّني أعتَزُّ أكْثَرَ بِالسُّلطَانِ الَّذِي لَنَا، وَلَا أجِدُ حَرَجًا فِي ذَلِكَ. لِأنَّ الرَّبَّ أعطَانَا هَذَا السُّلطَانَ لِكَي نَبنِيَكُمْ، لَا لِكَي نَهدِمَكُمْ. أقُولُ هَذَا حَتَّى لَا يَبْدُو وَكَأنِّي أُحَاوِلُ أنْ أُخِيفَكُمْ بِرِسَائِلِي إذْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: «رَسَائِلُهُ قَاسِيَةٌ وَقَوِيَّةٌ، أمَّا مَظهَرُهُ فَضَعِيفٌ وَكَلَامُهُ تَافِهٌ!» لَكِنْ لِيَتَذَكَّرْ مَنْ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا الكَلَامَ، أنَّ مَا نَكتُبُهُ فِي رَسَائِلِنَا وَنَحْنُ غَائِبُونَ لَنْ يَخْتَلِفَ عَنْ تَصَرُّفَاتِنَا حينَ نَأتِي إلَيكُمْ. فَنَحْنُ لَا نَجرُؤُ أنْ نُصَنِّفَ أنْفُسَنَا مَعَ الَّذِينَ يَمْتَدِحُونَ أنْفُسَهُمْ، أوْ أنْ نُقَارِنَ أنْفُسَنَا بِهِمْ. فَهُمْ يَجْعَلُونَ أنْفُسَهُمْ مِقيَاسًا يَقِيسُونَ بِهِ أنْفُسَهُمْ، ثُمَّ يُقَارِنُونَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، مُظهِرِينَ بِذَلِكَ أنَّهُمْ بِلَا فَهمٍ! غَيْرَ أنَّنَا لَنْ نَفتَخِرَ بِمَا هُوَ خَارِجَ خِدمَتِنَا، بَلْ سَنَفتَخِرُ ضِمنَ حُدودِ الخِدْمَةِ الَّتِي أوكَلَهَا اللهُ إلَينَا، وَهَذَا يَشْمُلُكُمْ أنْتُمْ أيْضًا. فَنَحْنُ لَا نَتَجَاوَزُ حُدُودَنَا بِهَذَا الافْتِخَارِ. يَكونُ ذَلِكَ لَوْ أنَّنَا لَمْ نَأتِ إلَيكُمْ أصلًا، لَكِنَّنَا جِئنَا وَأعلَنَّا لَكُمْ بِشَارَةَ المَسِيحِ. فَنَحْنُ لَا نَتَجَاوَزُ حُدُودَنَا بِالِافْتِخَارِ فِي عَمَلِ الآخَرِينَ، بَلْ نَرجُو أنْ يَنْمُوَ إيمَانُكُمْ، فَتَتَّسِعَ حُدُودُ خِدمَتِنَا بِمُسَاعَدَتِكُمْ. وَهَكَذَا نَسْتَطِيعُ أنْ نُنَادِيَ بِالبِشَارَةِ إلَى أبعَدَ مِنْ مَدِينَتِكُمْ، فَيَكُونَ افتِخَارُنَا بِمَا نَعمَلُهُ نَحْنُ لَا بِمَا يَعْمَلُهُ الآخَرُونَ. وَ «إنْ أرَادَ أحَدٌ أنْ يَفْتَخِرَ، فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ.» فَلَيْسَ الَّذِي يَمْدَحُ نَفْسَهِ هُوَ المَقبُولُ، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ الرَّبُّ. لَيتَكُمْ تَحْتَمِلُونَ شَيْئًا مِنْ حُمقِي! وَأنَا أعْرِفُ أنَّكُمْ تَحْتَمِلُونَنِي! فَإنِّي غَيُّورٌ عَلَيْكُمْ غَيْرَةً إلَهِيَّةً، لِأنِّي خَطَبتُكُمْ لِزَوْجٍ وَاحِدٍ هُوَ المَسِيحُ، لِكَي أُقَدِّمَكُمْ إلَيْهِ كَعَروسٍ طَاهِرَةٍ. لَكِنِّي أخشَى أنْ يَعْبَثَ بَعْضُهُمْ بِعُقُولِكُمْ، كَمَا خَدَعَتِ الحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، فَتَتَرَاجَعُوا عَنِ الوَلَاءِ الأصِيلِ لِلمَسِيحِ. إذْ يَبدُو أنَّكُمْ مُسْتَعِدُّونَ لِقُبُولِ مَنْ يَأتِي إلَيكُمْ مُبَشِّرًا بِيَسُوعَ آخَرَ لَمْ نُبَشِّر بِهِ، وَرُوحٍ آخَرَ لَمْ تَقْبَلُوهُ مِنَّا! وَأنَا لَا أظُنُّ أنِّي أقَلُّ شَأنًا فِي شَيءٍ مِنْ هَؤُلَاءِ «الرُّسُلِ العِظَامِ» الَّذِينَ يَأْتُونَ إلَيكُمْ. رُبَّمَا أكُونُ مَحدُودَ القُدرَةِ فِي الكَلَامِ، غَيْرَ أنِّي لَسْتُ مَحدُودًا فِي المَعْرِفَةِ! وَقَدْ بَرهَنَّا لَكُمْ هَذَا بِوُضُوحٍ بِكُلِّ طَرِيقَةٍ وَفِي كُلِّ أمرٍ. أمْ لَعَلِّي ارتَكَبتُ خَطِيَّةً بِإنزَالِ مَقَامِي، إذْ بَشَّرتُكُمْ دُونَ مُقَابِلٍ، لِكَي يَرْتَفِعَ مَقَامُكُمْ؟ فَقَدْ أثقَلتُ عَلَى كَنَائِسَ أُخْرَى مَادِّيًا، لِكَي أتَمَكَّنَ مِنْ خِدمَتِكُمْ. وَلَمَّا كُنْتُ أحتَاجُ إلَى شَيءٍ وَأنَا مَعَكُمْ، لَمْ أُثقِلْ عَلَى أحَدٍ مِنْكُمْ. بَلْ إنَّ الإخوَةَ الَّذِينَ وَصَلُوا مِنْ مَكدُونِيَّةَ هُمُ الَّذِينَ سَدُّوا حَاجَتِي. وَفِي كُلِّ شَيءٍ لَمْ أسمَحْ لِنَفْسِي، وَلَنْ أسمَحَ لَهَا، بِأنْ تَكُونَ عِبئًا عَلَيْكُمْ. وَمَا دَامَ حَقُّ المَسِيحِ فِي دَاخِلي، لَنْ يَمْنَعَنِي أحَدٌ مِنَ الافتِخَارِ بِهَذَا فِي كُلِّ مُقَاطَعَةِ أخَائِيَّةَ. لِمَاذَا؟ ألِأنِّي لَا أُحِبُّكُمْ؟ يَعْلَمُ اللهُ كَمْ أُحِبُّكُمْ! لَكِنِّي سَأُواصِلُ مَا أعمَلُهُ، لِكَي لَا أترُكَ مَجَالًا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْتَخِرُونَ بِأنَّ عَمَلَهُمْ مُسَاوٍ لِعَمَلِنَا. فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ هُمْ رُسُلٌ زَائِفُونَ، عُمَّالٌ مُخَادِعُونَ، يَتَنَكَّرُونَ فِي صُورَةِ رُسُلٍ لِلمَسِيحِ. وَلَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ، فَالشَّيطَانُ نَفْسُهُ يَتَنَكَّرُ فِي صُورَةِ مَلَاكِ نُورٍ! فَلَيْسَ صَعبًا أنْ يَتَنَكَّرَ خُدَّامُهُ فِي صُورَةِ خُدَّامٍ لِلبِرِّ، لَكِنَّهُمْ سَيَنَالُونَ فِي النِّهَايَةِ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ جَزَاءَ مَا فَعَلُوا. وَهَا أنَا أقُولُ مِنْ جَدِيدٍ: لَا يَظُنَّ أحَدٌ أنِّي أحمَقُ! لَكِنْ إنْ ظَنَنتُمْ هَذَا، فَاقبَلُونِي عَلَى أنِّي أحمَقُ، لِكَي أتَمَكَّنَ مِنَ الافتِخَارِ قَلِيلًا. وَأنَا لَا أقُولُ مَا أقُولُهُ الآنَ كَمَا لَوْ أنَّ الرَّبَّ يُرِيدُنِي أنْ أقُولَ ذَلِكَ، بَلْ كَأحمَقَ يَجرؤُ عَلَى الافتِخَارِ! يَفْتَخِرُ كَثِيرُونَ بِنَجَاحِهِمُ الدُّنيَوِيِّ، فَسَأفتَخِرُ أنَا أيْضًا! فَأنْتُمُ العُقَلَاءُ تَحْتَمِلُونَ الحَمْقَى بِسُرُورٍ. تَحْتَمِلُونَ أنْ يَسْتَعْبِدَكُمْ أحَدٌ، أوْ أنْ يَسْتَغِلَّكُمْ أحَدٌ، أوْ أنْ يَنْتَفِخَ عَلَيْكُمْ أحَدٌ، أوْ أنْ يَصْفَعَكُمْ أحَدٌ عَلَى وُجُوهِكُمْ! فَيَا لِلخَجَلِ! كَمْ كُنَّا ضُعَفَاءَ مَعَكُمْ! لَكِنْ حَيْثُ إنِّي أتَكَلَّمُ بِحُمقٍ، إنْ كَانَ أحَدٌ يَجْرُؤُ عَلَى الافتِخَارِ، فَسَأفتَخِرُ أنَا أيْضًا. هَلْ هُمْ عِبرَانِيُّونَ؟ فَأنَا عِبرَانِيٌّ كَذَلِكَ. هَلْ هُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ؟ فَأنَا كَذَلِكَ. هَلْ هُمْ مِنْ أوْلَادِ إبرَاهِيمَ؟ فَأنَا كَذَلِكَ. هَلْ هُمْ خُدَّامُ المَسِيحِ؟ أقُولُ كَمُختَلِّ العَقلِ، إنِّي أفُوقُهُمْ فِي ذَلِكَ! فَقَدْ جَاهَدتُ أكْثَرَ، وَسُجِنتُ أكْثَرَ، وَتَعَرَّضتُ لِلضَّربِ الشَّدِيدِ، وَوَاجَهتُ خَطَرَ المَوْتِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً. جَلَدَنِي اليَهُودُ خَمْسَ مَرَّاتٍ، تِسعًا وَثَلَاثِينَ جَلدَةً فِي كُلِّ مَرَّةٍ. وَضُرِبتُ بِالعِصِيِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَرُجِمتُ مَرَّةً، وَتَحَطَّمَتْ بِي السَّفِينَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأمضَيتُ نَهَارًا وَلَيلَةً فِي مِيَاهِ البَحْرِ. سَافَرتُ بَرًّا أسفَارًا كَثِيرَةً. وَتَعَرَّضتُ لِمَخَاطِرِ السُّيُولِ، وَمَخَاطِرِ اللُّصُوصِ، وَمَخَاطِرَ مِنَ اليَهُودِ وَمِنْ غَيْرِ اليَهُودِ، وَمَخَاطِرَ فِي المَدِينَةِ، وَمَخَاطِرَ فِي الرِّيفِ، وَمَخَاطِرَ فِي البَحْرِ، وَمَخَاطِرَ مِنَ الإخوَةِ الزَّائِفِينَ. عِشتُ وَسَطَ الكَدِّ وَالتَّعَبِ. وَفِي لَيَالٍ كَثِيرَةٍ لَمْ أعرِف طَعمَ النَّومِ. جُعتُ وَعَطِشتُ. وَبَقِيتُ دُونَ طَعَامٍ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، وَقَاسَيتُ البَردَ دُونَ مَلَابِسَ. وَفَضلًا عَنْ هَذِهِ المَشَاكِلِ كُلِّهَا، عَلَيَّ ضُغُوطٌ يَوْمِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالِاهْتِمَامِ بِأُمُورِ كُلِّ الكَنَائِسِ. فَمَنْ يَضْعُفُ وَلَا أُشَارِكُهُ ضَعفَهُ؟ وَمَنْ يَسْقُطُ فِي خَطِيَّةٍ وَلَا ألتَهِبُ؟ فَإنْ كَانَ لَا بُدَّ لِي أنْ أفتَخِرَ، فَسَأفتَخِرُ بِمَا يُظْهِرُ ضَعفِي. وَيَعْلَمُ إلَهُ الرَّبِّ يَسُوعَ وَأبُوهُ المُبَارَكُ إلَى الأبَدِ، أنِّي لَا أكذِبُ. فَعِنْدَمَا كُنْتُ فِي دِمَشقَ، أمَرَ الوَالِي الَّذِي يَعْمَلُ تَحْتَ سُلطَةِ المَلِكِ الحَارِثِ بِحِرَاسَةِ المَدِينَةِ لِكَي يَقْبِضَ عَلَيَّ. لَكِنَّ الإخوَةَ أنزَلُونِي فِي سَلِّةٍ مِنْ نَافِذَةٍ فِي سُورِ المَدِينَةِ، فَنَجَوتُ مِنْ يَدِهِ. أجِدُ أنِّي مُضطَرٌّ لِمُواصَلَةِ الافْتِخَارِ رُغْمَ أنَّهُ بِلَا فَائِدَةٍ! لَكِنِّي سَآتِي الآنَ عَلَى ذِكْرِ الرُّؤَى وَالإعلَانَاتِ الَّتِي مِنَ الرَّبِّ: أعْرِفُ إنْسَانًا فِي المَسِيحِ، أُصْعِدَ قَبْلَ أرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً إلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. أأُصْعِدَ فِي جَسَدِهِ أمْ خَارِجَ جَسَدِهِ؟ لَا أعْلَمُ! اللهُ وَحْدَهُ يَعْلَمُ. أنَا أعْرِفُ ذَلِكَ الشَّخصَ، لَكِنْ لَا أعْرِفُ هَلْ كَانَ فِي جَسَدِهِ أمْ خَارِجَ جَسَدِهِ، اللهُ وَحْدَهُ يَعْلَمُ. لَكِنَّهُ أُصْعِدَ إلَى الفِردَوسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لَا يُمْكِنُ التَّعبيرُ عَنْهَا، وَلَا يُسمَحُ لإنْسَانٍ بِأنْ يُحَدِّثَ بِهَا. سَأفتَخِرُ بِمِثْلِ هَذَا الإنْسَانِ، لَكِنِّي لَنْ أفتَخِرَ بِذَاتِي إلَّا بِنِقَاطِ ضَعفِي. لَكِنْ حَتَّى لَوْ أرَدْتُ أنْ أفتَخِرَ، فَلَنْ أبدُوَ كَالأحْمَقِ، لِأنَّنِي سَأقُولُ الحَقِيقَةَ. لَكِنِّي أُحَاوِلُ أنْ أُجَنِّبَكُمْ سَمَاعَ المَزِيدِ مِنَ الافتِخَارِ، لِئَلَّا يَظُنَّ فِيَّ أحَدٌ أكْثَرَ مِمَّا يَرَاهُ وَيَسْمَعُهُ مِنِّي. وَلِئَلَّا أعتَزَّ بِنَفْسِي كَثِيرًا بِسَبَبِ الإعلَانَاتِ العَظيمَةِ الَّتِي كَشَفَهَا الرَّبُّ لِي، أُعْطِيتُ مُشكِلَةً مُؤلِمَةً فِي جَسَدِي، فَهِيَ رَسُولٌ مِنَ الشَّيطَانِ لِيَضْرِبَنِي، لِئَلَّا أعتَزَّ بِنَفْسِي كَثِيرًا. وَقَدْ رَجَوتُ الرَّبَّ حَوْلَ هَذِهِ المُشكِلَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِيُخَلِّصَنِي مِنْهَا. لَكِنَّهُ قَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، فَكَمَالُ قُوَّتِي يَظْهَرُ فِي الضَّعفِ!» لِهَذَا فَإنِّي أفتَخِرُ بِسُرُورٍ كَبِيرٍ بِنِقَاطِ ضَعفِي، لِكَي تَسْكُنَ فِيَّ قُوَّةُ المَسِيحِ. لِذَلِكَ أفتَخِرُ بِضَعَفَاتِي، وَبِالإهَانَاتِ، وَبِالمَشَقَّاتِ، وَبِالِاضْطِهَادَاتِ، وَبِالصُّعُوبَاتِ مِنْ أجْلِ المَسِيحِ. فَعِنْدَمَا أكُونُ ضَعِيفًا، حِينَئِذٍ أكُونُ قَوِيًّا حَقًّا! تَكَلَّمْتُ كَأحمَقَ. لَكِنَّكُمْ أجبَرتُمُونِي عَلَى ذَلِكَ. فَأتَوَقَّعُ أنْ تَمْدَحُونِي لِأنِّي لَسْتُ أقَلَّ شَأنًا فِي شَيءٍ مِنْ أُولَئِكَ «الرُّسُلِ العِظَامِ،» مَعَ أنِّي لَسْتُ شَيْئًا. فَأنَا عَلَى الأقَلِّ أرَيتُكُمْ بِصَبرٍ عَظِيمٍ عَلَامَاتٍ تُؤكِّدُ أنَّنِي رَسُولٌ، مُؤَيِّدًا بِبَرَاهِينِ المُعجِزَاتِ وَالعَجَائِبِ. فَمِنْ أيَّةِ نَاحِيَةٍ إذًا أنْتُمْ أقَلُّ مِنَ الكَنَائِسِ الأُخرَى، إلَّا فِي أنَّنِي لَمْ أكُنْ أنَا نَفْسِي عِبئًا عَلَيْكُمْ؟ فَسَامِحُونِي عَلَى هَذِهِ «الإسَاءَةِ!» وَهَا أنَا مُسْتَعِدٌّ لِزِيَارَتِكُمْ لِلمَرَّةِ الثَّالِثَةِ. وَلَنْ أكُونَ عِبئًا عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ المَرَّةِ أيْضًا. فَأنَا لَسْتُ مُهتَمًّا بِمُقتَنَيَاتِكُمْ، بَلْ بِكُمْ أنْتُمْ. فَلَيْسَ الأبْنَاءُ هُمُ المَسؤولِينَ عَنِ تَوفيرِ المَعيشَةِ لِوَالِدِيهِمْ، بَلِ الوَالِدُونَ لأبنَائِهِمْ. أمَّا مِنْ جِهَتِي، فَإنِّي مُسْتَعِدٌّ بِكُلِّ سُرُورٍ أنْ أُنفِقَ مَالِي وَنَفْسِي مِنْ أجْلِكُمْ. فَهَلْ تَقِلُّ مَحَبَّتُكُمْ لِي بَيْنَمَا تَزِيدُ مَحَبَّتِي لَكُمْ؟ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ! أنَا لَمْ أُثقِلْ عَلَيْكُمْ. لَكِنْ رُبَّمَا لِأنَّنِي «مُحتَالٌ،» اصطَدتُكُمْ بِمَكرِي! ألَعَلِّي قُمتُ بِاستِغلَالِكُمْ مِنْ خِلَالِ أيٍّ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ أرسَلتُهُمْ إلَيكُمْ؟ لَقَدْ طَلَبتُ مِنْ تِيطُسَ أنْ يَزُورَكُمْ، وَأرسَلتُ أخَانَا مَعَهُ. أفَلَعَلَّ تِيطُسَ استَغَلَّكُمْ؟ ألَمْ نَتَصَرَّفْ بَيْنَكُمْ بِنَفْسِ الرُّوحِ؟ ألَمْ نَسْلُكْ سُلُوكًا وَاحِدًا؟ أتَظُنُّونَ أنَّنَا نُدَافِعُ عَنْ أنْفُسِنَا أمَامَكُمْ طَوَالَ هَذَا الوَقْتِ؟ لَا! بَلْ نَحْنُ نَتَكَلَّمُ أمَامَ اللهِ لِأنَّنَا فِي المَسِيحِ. وَكُلُّ مَا نَفعَلُهُ، أيُّهَا الإخْوَةُ الأحِبَّاءُ، إنَّمَا نَفعَلُهُ لِأجْلِ بُنيَانِكُمْ. فَأنَا أخشَى حِينَ آتِي، أنْ أجِدَكُمْ عَلَى غَيْرِ مَا أحِبُّ، وَأخشَى أنْ تَجِدُونِي عَلَى غَيْرِ مَا تُحِبُّونَ. إذْ أخشَى أنْ أجِدَ بَيْنَكُمُ الخِصَامَ وَالحَسَدَ وَالغَضَبَ وَالمُنَافَسَاتِ الشَّخصِيَّةَ وَالشَّتَائِمَ وَالنَّمِيمَةَ وَالانتِفَاخَ وَالفَوضَى. أخشَى حِينَ آتِي لِزِيَارَتِكُمْ مَرَّةً أُخْرَى، أنْ يُذِلَّنِي إلَهِي أمَامَكُمْ، فَأبكِي عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أخطَأُوا فِي المَاضِي، وَلَمْ يَتُوبُوا عَنِ القَذَارَةِ وَالزِّنَا وَالأعْمَالِ المُخزِيَةِ الَّتِي ارتَكَبُوهَا. هَذِهِ هِيَ المَرَّةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي سَآتِي فِيهَا لِزِيَارَتِكُمْ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «تَتَثَبَّتُ كُلُّ مَسألَةٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَينِ أوْ ثَلَاثَةٍ.» فَحِينَ زُرتُكُمْ لِلمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أنذَرتُكُمْ، وَهَا أنَا أُنذِرُكُمْ ثَانِيَةً وَأنَا بَعِيدٌ عَنْكُمْ. فَأقُولُ لِلَّذِينَ أخطَأُوا مِنْ قَبْلُ وَلِكُلِّ مَنْ يُخطِئُ إنَّنِي إنْ جِئتُ ثَانِيَةً، لَنْ أُشفِقَ عَلَيْهِمْ. لِأنَّكُمْ تَبْحَثُونَ عَنْ بُرهَانٍ أنَّ المَسِيحَ يَتَكَلَّمُ فِعلًا بِوَاسِطَتِي، مَعَ أنَّ المَسِيحَ لَيْسَ ضَعِيفًا لَكُمْ، بَلْ هُوَ قَوِيٌّ بَيْنَكُمْ. صَحِيحٌ أنَّهُ مَاتَ ضَعِيفًا عَلَى الصَّلِيبِ، لَكِنَّهُ الآنَ حَيٌّ بِقُوَّةِ اللهِ. وَصَحِيحٌ أيْضًا أنَّنَا ضُعَفَاءُ فِيهِ، لَكِنَّنَا سَنَحيَا مَعَهُ الآنَ بِقُوَّةِ اللهِ عِنْدَمَا نَتَعَامَلُ مَعَكُمْ. فَافْحَصُوا أنْفُسَكُمْ لِتَعْرِفُوا إنْ كُنْتُمْ تَحْيَونَ بِالإيمَانِ. امتَحِنُوا أنْفُسَكُمْ. أمْ لَعَلَّكُمْ لَا تُدرِكُونَ أنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ فِيكُمْ؟ إلَّا إنْ كُنْتُمْ قَدْ فَشِلتُمْ فِي الامتِحَانِ! غَيْرَ أنِّي أرْجُو أنْ تُدرِكُوا أنَّنَا لَمْ نَفشَلْ. وَنَحْنُ نَدعُو اللهَ ألَّا تُخطِئُوا! لَا لِكَي نَظهَرَ نَحْنُ كَنَاجِحِينَ، بَلْ لِكَي تَفْعَلُوا أنْتُمْ مَا هُوَ صَوَابٌ، حَتَّى لَوْ عَنَى ذَلِكَ أنْ نَظهَرَ نَحْنُ كَأنَّنَا فَشِلنَا. فَنَحْنُ لَا نَسْتَطِيعُ أنْ نَفعَلَ شَيْئًا مُنَافِيًا لِلحَقِّ، بَلْ مِنْ أجْلِ الحَقِّ. وَإنَّهُ لَيُسعِدُنَا أنْ نَكُونَ نَحْنُ ضُعَفَاءَ وَأنْتُمْ أقوِيَاءَ! لَكِنَّنَا نُصَلِّي أنْ يُصلَحَ حَالُكُمْ. لِهَذَا أكتُبُ هَذهِ الأشْيَاءَ وَأنَا بَعِيدٌ عَنْكُمْ، لِئَلَّا أُضطَرَّ عِنْدَمَا آتِي إلَى التَّعَامُلِ مَعكُمْ بِشِدَّةٍ. لِأنَّ السُّلطَانَ الَّذِي مَنَحَهُ الرَّبُّ لِي هُوَ مِنْ أجْلِ بُنيَانِكُمْ، لَا مِنْ أجْلِ هَدمِكُمْ. أخِيرًا أيُّهَا الإخْوَةُ، تَحِيَّةً لَكُمْ. اسْعَوْا إلَى الكَمَالِ. اقبَلُوا مَا قُلنَاهُ لَكُمْ. وَهُوَ أنْ تَكُونُوا مُتَّحِدينَ فِي الرَّأيِ. عِيشُوا فِي سَلَامٍ. وَسَيَكُونُ مَعَكُمُ اللهُ الَّذِي هُوَ مَصدَرُ المَحَبَّةِ وَالسَّلَامِ. لِيُحَيِّي بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِقُبلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ جَمِيعُ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ. لِتَكُنْ نِعْمَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ القُدُسِ مَعَكُمْ جَمِيعًا. آمِين. مِنْ بُولُسَ الَّذِي هُوَ رَسُولٌ لَا مِنَ النَّاسِ، وَلَا تَعَيَّنَ بِوَاسِطَةِ إنْسَانٍ، بَلْ مِنْ يَسُوعَ المَسِيحِ، وَمِنَ اللهِ الآبِ الَّذِي أقَامَهُ مِنَ المَوْتِ. وَمِنْ كُلِّ الإخوَةِ الَّذِينَ مَعِي، إلَى الكَنَائِسِ الَّتِي فِي مُقَاطَعَةِ غَلَاطِيَّةَ. لِتَكُنْ لَكُمْ نِعْمَةٌ وَسَلَامٌ مِنَ اللهِ أبِينَا، وَمِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ. فَهُوَ الَّذِي قَدَّمَ نَفْسَهُ لِكَي يَرْفَعَ عَنَّا خَطَايَانَا، وَيُحَرِّرَنَا مِنْ هَذَا العَالَمِ الشِّرِّيرِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ. وَذَلِكَ بِحَسَبِ إرَادَةِ اللهِ أبِينَا. لَهُ المَجْدُ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. آمِينْ. إنِّي مُندَهِشٌ لِأنَّكُمْ تَتَخَلَّوْنَ سَرِيعًا عَنِ اللهِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ المَسِيحِ، وَتَتَحَوَّلُونَ إلَى بِشَارَةٍ أُخْرَى. مَعَ أنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ بِشَارَةٌ أُخْرَى، لَكِنْ هُنَاكَ أشخَاصٌ يُربِكُونَكُمْ، وَيُحَاوِلُونَ أنْ يُشَوِّهُوا بِشَارَةَ المَسِيحِ. وَلَكِنْ حَتَّى إنْ جِئْنَا نَحْنُ، أوْ مَلَاكٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَبَشَّرْنَاكُمْ بِبِشَارَةٍ أُخْرَى تَخْتَلِفُ عَنِ البِشَارَةِ الَّتِي بَشَّرْنَاكُمْ بِهَا، فَلْيَكُنْ مَنْ بَشَّرَكُمْ مَلعُونًا. وَكَمَا قُلْنَا سَابِقًا، أقُولُ لَكُمُ الآنَ ثَانِيَةً: إنْ بَشَّرَكُمْ أحَدٌ بِبِشَارَةٍ تَخْتَلِفُ عَنِ الَّتِي قَبِلْتُمُوهَا، فَلْيَكُنْ مَلعُونًا. أتَظُنُّونَ أنَّنِي أُحَاوِلُ بِكَلَامِي هَذَا أنْ أربَحَ تَأْيِيدَ النَّاسِ أمْ تَأْيِيدَ اللهِ؟ أوْ هَلْ أُرِيدُ أنْ أُرضِيَ النَّاسَ؟ لَوْ كُنْتُ أُرِيدُ أنْ أُرضِيَ النَّاسَ، لَمَا كُنْتُ خَادِمًا لِلمَسِيحِ. أيُّهَا الإخْوَةُ، أُرِيدُكُمْ أنْ تَعْرِفُوا أنَّ البِشَارَةَ الَّتِي بَشَّرْتُكُمْ بِهَا لَيْسَتْ مِنْ مَصْدَرٍ بَشَرِيٍّ. فَأنَا لَمْ آخُذْهَا مِنْ إنْسَانٍ، وَلَمْ يُعَلِّمْنِي إيَّاهَا إنْسَانٌ، وَلَكِنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ كَشَفَهَا لِي. قَدْ سَمِعْتُمْ عَنْ سِيرَةِ حَيَاتِي السَّابِقَةِ عِنْدَمَا كُنْتُ يَهُودِيًّا. وَتَعْلَمُونَ بِأنِّي أسَأتُ إلَى كَنِيسَةِ اللهِ بِقَسْوَةٍ، وَحَاوَلْتُ أنْ أُدَمِّرَهَا. وَقَدْ كُنْتُ مُتَفَوِّقًا عَلَى كُلِّ مَنْ كَانُوا فِي مِثْلِ عُمْرِي مِنَ اليَهُودِ، لِأنِّي كُنْتُ أكْثَرَ إخلَاصًا مِنْهُمْ لِتَقَالِيدِ الآبَاءِ. لَكِنَّ اللهَ اخْتَارَنِي قَبْلَ أنْ أُولَدَ، وَدَعَانِي بِالنِّعمَةِ إلَى خِدْمَتِهِ. وَلَمَّا قَرَّرَ أنْ يُعلِنَ لِي ابْنَهُ، لِكَي أُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ غَيْرِ اليَهُودِ، لَمْ أستَشِرْ إنْسَانًا، وَلَمْ أذهَبْ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ لِأُقَابِلَ الرُّسُلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي، بَلْ ذَهَبْتُ فَوْرًا إلَى أرْضِ العَرَبِ، ثُمَّ عُدْتُ إلَى دِمَشْقَ. وَبَعْدَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، ذَهَبْتُ إلَى القُدْسِ لِأتَعَرَّفَ بِبُطرُسَ، وَأقَمْتُ عِنْدَهُ أُسبُوعَيْنِ. وَلَمْ أرَ رَسُولًا آخَرَ سِوَى يَعْقُوبَ أخِي الرَّبِّ. يَشْهَدُ اللهُ عَلَى أنِّي لَا أكذِبُ فِيمَا أكتُبُهُ. بَعْدَ ذَلِكَ جِئْتُ إلَى بِلَادِ سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ. وَلَمْ أكُنْ مَعْرُوفًا لَدَى كَنَائِسِ المَسِيحِ الوَاقِعَةِ فِي إقْليمِ اليَهُودِيَّةِ. لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ النَّاسَ يَقُولُونَ: «إنَّ الَّذِي كَانَ يُسِيئُ إلَينَا سَابِقًا، يُبَشِّرُ الآنَ بِالإيمَانِ الَّذِي حَاوَلَ أنْ يُدَمِّرَهُ!» فَكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ بِسَبَبِي. بَعْدَ أرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةٍ، عُدْتُ إلَى القُدْسِ ثَانِيَةً وَمَعِي بَرْنَابَا، وَكَذَلِكَ اصْطَحَبْتُ تِيطُسَ. عُدْتُ بِنَاءً عَلَى إعلَانٍ مِنَ اللهِ. وَفِي لِقَاءٍ خَاصٍّ، شَرَحْتُ للقَادَةِ البَارِزِينَ هُنَاكَ مَضْمُونَ البِشَارَةِ الَّتِي أُبَشِّرُ بِهَا بَيْنَ غَيْرِ اليَهُودِ، حَتَّى لَا تَكُونَ جُهُودِي فِي المَاضِي أوَ الحَاضِرِ بِلَا فَائِدَةٍ. وَحَتَّى تِيطُسُ الَّذِي كَانَ مَعِي، وَهُوَ يُونَانِيٌّ، لَمْ يُجبِرْهُ أحَدٌ عَلَى أنْ يُختَنَ. وَقَدْ أُثِيرَ هَذَا المَوضُوعُ بِسَبَبِ أشخَاصٍ يَدَّعُونَ أنَّهُمْ إخْوَةٌ، تَسَلَّلُوا بَيْنَنَا لِيَتَجَسَّسُوا عَلَيْنَا، وَيَحْرِمونَا مِنَ الحُرِّيَّةِ الَّتِي لَنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ، فَيَتَمَكَّنُوا مِنِ استِعبَادِنَا. لَكِنَّنَا لَمْ نَخضَعْ لَهُمْ وَلَا لِلَحظَةٍ وَاحِدَةٍ، لِكَي نُحَافِظَ لَكُمْ عَلَى ثَبَاتِ البِشَارَةِ الحَقِيقِيَّةِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ أشخَاصٌ يُعتَبَرُونَ بَارِزِينَ! لَكِنْ لَا فَرْقَ عِندِي، لِأنَّ كُلَّ النَّاسِ مُتَسَاوُونَ أمَامَ اللهِ، فَلَمْ يَزِدْ أُولَئِكَ شَيْئًا عَلَى رِسَالَتِي. بَلْ عَلَى العَكْسِ، فَقَدْ رَأوْا أنِّي مُؤْتَمَنٌ عَلَى البِشَارَةِ لِأنشُرَهَا بَيْنَ غَيْرِ اليَهُودِ، كَمَا أنَّ بُطْرُسَ مُؤْتَمَنٌ عَلَى نَشْرِهَا بَيْنَ اليَهُودِ. فَاللهُ الَّذِي جَعَلَ بُطْرُسَ رَسُولًا لِليَهُودِ، هُوَ جَعَلَنِي رَسُولًا لِغَيرِ اليَهُودِ. وَبَعْدَ أنْ أدرَكَ أعْمِدَةُ الكَنيسَةِ البَارِزِينَ: يَعْقُوبُ وَبُطرُسُ وَيُوحَنَّا، النِّعمَةَ الَّتِي أعطَانِي إيَّاهَا اللهُ، وَضَعُوا أيدِيَهُمْ عَلَيَّ وَعَلَى بَرْنَابَا لِكَي نَذْهَبَ إلَى غَيْرِ اليَهُودِ، بَيْنَمَا يَذْهَبُونَ هُمْ إلَى اليَهُودِ عَلَى أنْ نَتَذَكَّرَ فُقَرَاءَهُمْ. وَقَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا جَاءَ بُطرُسُ إلَى أنْطَاكِيَةَ، وَاجَهْتُهُ مُبَاشَرَةً لِأنَّهُ كَانَ مُخطِئًا. فَقَبْلَ وُصُولِ بَعْضِ الرِّجَالِ مِنْ طَرَفِ يَعْقُوبَ، كَانَ بُطرُسُ يَأْكُلُ مَعَ غَيْرِ اليَهُودِ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا وَصَلُوا، انسَحَبَ وَعَزَلَ نَفْسَهُ، لِأنَّهُ كَانَ خَائِفًا مِنَ اليَهُودِ. وَانضَمَّ إلَيْهِ بَقِيَّةُ اليَهُودِ أيْضًا فِي رِيَائِهِ، حَتَّى إنَّ بَرْنَابَا انقَادَ إلَى رِيَائِهِمْ. وَعِنْدَمَا رَأيْتُ أنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَسْلُكُونَ كَمَا يَليقُ بِالبِشَارَةِ الحَقِيقِيَّةِ، قُلْتُ لِبُطرُسَ أمَامَ الجَمِيعِ: «إنْ كُنْتَ، وَأنْتَ يَهُودِيُّ الأصلَ، تَعِيشُ كَغَيرِ اليَهُودِ، فَكَيْفَ تُجبِرُ غَيْرَ اليَهُودِ عَلَى أنْ يَتَّبِعُوا التَّقَالِيدَ اليَهُودِيَّةَ؟» نَحْنُ وُلِدْنَا يَهُودًا، وَلَسْنَا مِنَ الأُمَمِ الأُخرَى الخَاطِئَةِ. وَلَكِنَّنَا نَعْلَمُ أنَّ الإنْسَانَ لَا يَتَبَرَّرُ أمَامَ اللهِ بِحِفظِهِ للشَّرِيعَةِ، بَلْ بِالإيمَانِ بِيَسُوعَ المَسِيحِ. وَلِهَذَا آمَنَّا بِالمَسِيحِ يَسُوعَ لِكَي نَتَبَرَّرَ أمَامَ اللهِ بِالإيمَانِ فِي المَسِيحِ وَلَيْسَ بِسَبَبِ حِفْظِنَا لِلشَّرِيعَةِ. لِأنَّهُ لَا أحَدَ يَتَبَرَّرُ بِحِفظِ الشَّرِيعَةِ. فَبِمَا أنَّنَا نَطلُبُ أنْ نَتَبَرَّرَ فِي المَسِيحِ، يَتَبَيَّنُ أنَّنَا نَحْنُ اليَهُودَ خُطَاةٌ أيْضًا كَبَقِيَّةِ الأُمَمِ. فَهَلْ يَعْنِي هَذَا أنَّ المَسَيحَ قَادَنَا إلَى الخَطِيَّةِ؟ بِالطَّبْعِ لَا! لَكِنْ إنْ أعَدْتُ بِنَاءَ التَّعلِيمِ الَّذِي هَدَمْتُهُ سَابِقًا، أكُونُ حِينَئِذٍ مُخْطِئًا. لأنَّنِي، بِحَسَبِ الشَّرِيعَةُ، قَدْ مِتُّ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّرِيعَةِ، لِأحيَا للهِ. مَعَ المَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأحيَا بَعْدَ ذَلِكَ، لَا أنَا، بَلِ المَسِيحُ يَحيَا فِيَّ. فَالحَيَاةُ الَّتِي أعِيشُهَا الآنَ فِي جِسْمِي هَذَا، أعِيشُهَا بِالإيمَانِ بِابْنِ اللهِ الَّذِي أحَبَّنِي وَقَدَّمَ نَفْسَهُ بَدَلًا مِنِّي. وَأنَا لَا أرفُضُ نِعْمَةَ اللهِ هَذِهِ، لِأنَّهُ إنْ كَانَ التَّبرِيرُ مُمْكِنًا بِالشَّرِيعَةِ، فَإنَّ مَوْتَ المَسِيحِ بِلَا فَائِدَةٍ! أيُّهَا الغَلَاطِيُّونَ الأغبِيَاءُ، مَنِ الَّذِي سَحَرَكُمْ لِكَي تَتَوَقَّفُوا عَنْ طَاعَةِ الحَقِّ؟ أنْتُمْ يَا مَنِ ارتَسَمَ يَسُوعُ المَسِيحُ فِي أذْهَانِكُمْ كَمَا لَوْ أنَّهُ مَصلُوبٌ أمَامَ أعيُنِكُمْ! أرِيدُ أنْ أعرِفَ مِنْكُمْ شَيْئًا وَاحِدًا فَقَطْ: هَلْ أخَذْتُمِ الرُّوحَ بِسَبَبِ التَّقَيُّدِ بِالشَّرِيعَةِ أمْ بِسَبَبِ سَمَاعِ البِشَارَةِ وَالإيمَانِ بِهَا؟ ألِهَذَا الحَدِّ أنْتُمْ أغبِيَاءُ؟ أبَعدَمَا ابْتَدَأتُمْ بِالرُّوحِ، تُكَمِّلُونَ الآنَ بِجُهُودِكُمُ البَشَرِيَّةِ؟ فَهَلِ اختَبَرْتُمْ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ دُونَ فَائِدَةٍ؟ أرْجُو أنْ لَا يَكُونَ الأمْرُ كَذَلِكَ. فَهَلْ يُعطِيكُمُ اللهُ الرُّوحَ، وَيَصْنَعُ المُعجِزَاتِ بَيْنَكُمْ بِسَبَبِ الشَّرِيعَةِ، أمْ لِأنَّكُمْ سَمِعْتُمُ البِشَارَةَ وَآمَنْتُمْ بِهَا؟ فَكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ: «آمَنَ إبْرَاهِيمُ بِاللهِ، فَاعتَبَرَهُ اللهُ بَارًّا بِسَبَبِ إيمَانِهِ.» كَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ تَعْلَمُوا أنَّ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ هُمْ فِعلًا أبْنَاءُ إبْرَاهِيمَ. فَالكِتَابُ تَنَبَّأ بِأنَّ اللهَ سَيُبَرِّرُ النَّاسَ مِنْ كُلَّ الأُمَمِ بِسَبَبِ إيمَانِهِمْ، وَقَدْ أعْلَنَ هَذِهِ البِشَارَةَ لإبْرَاهِيمَ مُسْبَقًا عِنْدَمَا قَالَ لَهُ: «بِكَ سَتَتَبَارَكُ كُلُّ الأُمَمِ.» فَهُؤُلَاءِ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ هُمْ مُبَارَكُونَ مَعَ إبْرَاهِيمَ الَّذِي آمَنَ. أمَّا الَّذِينَ يَتَكِلُونَ عَلَى أعْمَالِ الشَّرِيعَةِ فَهُمْ تَحْتَ اللَّعْنَةِ، لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لَا يَلْتَزِمُ بِالعَمَلِ بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ.» فَمِنَ الوَاضِحِ أنَّ لَا أحَدَ يَتَبَرَّرُ أمَامَ اللهِ مِنْ خِلَالِ الشَّرِيعَةِ، لِأنَّ «البَارَّ بِالإيمَانِ يَحْيَا.» أمَّا الشَّرِيعَةُ فَلَمْ تُبنَ عَلَى أسَاسِ الإيمَانِ، بَلْ فَقَطْ «مَنْ يَعْمَلُ كُلَّ أعْمَالِ الشَّرِيعَةِ سَيَحْيَا بِهَا.» لَقَدْ حَرَّرَنَا المَسِيحُ مِنْ لَعنَةِ الشَّرِيعَةِ بِأنْ وَضَعَ نَفْسَهُ تَحْتَ اللَّعْنَةِ بَدَلًا مِنَّا. فَكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ مَنْ يُعَلَّقُ عَلَى خَشَبَةٍ.» وَهَكَذَا فَإنَّ البَرَكَةَ الَّتِي أعْطَاهَا اللهُ لإبْرَاهِيمَ، سَتُنقَلُ إلَى بَقِيَّةِ الأُمَمِ مِنْ خِلَالِ المَسِيحِ يَسُوعَ، فَيَقْبَلُونَ بِالإيمَانِ الرُّوحَ الَّذِي وَعَدَنَا بِهِ اللهُ. أيُّهَا الإخْوَةُ، سَأضْرِبُ مِثَالًا مِنْ حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّةِ: لَا أحَدَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُلغِيَ عَقْدًا اتَّفَقَ عَلَيْهِ البَشَرُ أوْ أنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ. كَانَتِ الوُعُودُ لإبْرَاهِيمَ وَلِنَسْلِهِ. لَاحِظْ أنَّهُ لَمْ يَقُلْ «لأنْسَالِكَ» بِصِيغَةِ الجَمْعِ، كَمَا لَوْ أنَّهُ يُشِيرُ إلَى جَمَاعَةٍ كَبِيرَةٍ، بَلْ قَالَ «لِنَسْلِكَ» بِصِيغَةِ المُفرَدِ الَّذِي هُوَ المَسِيحُ. مَا أقصِدُهُ هُوَ أنَّ العَهْدَ الَّذِي أقَرَّهُ اللهُ مُسْبَقًا، لَا تُلغِيهِ الشَّرِيعَةُ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأرْبَعِ مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَهَكَذَا لَا يَتِمُّ إبطَالُ الوَعْدِ أيْضًا. فَإذَا كَانَ المِيرَاثُ سَيَتِمُّ بِنَاءً عَلَى الشَّرِيعَةِ، فَلَنْ يَتِمَّ إذًا بِنَاءً عَلَى الوَعْدِ. لَكِنَّ المَعْرُوفَ هُوَ أنَّ اللهَ أعْطَى المِيرَاثَ لإبرَاهِيمَ بِمُقتَضَى الوَعْدِ. إذًا لِمَاذَا أُعْطِيَتِ الشَّرِيعَةُ؟ لَقَدْ أُضِيفَتِ الشَّرِيعَةُ إلَى الوَعْدِ لإظهَارِ حَقِيقَةِ الخَطِيَّةِ. وَأُعْطِيَتْ مِنْ خِلَالِ المَلَائِكَةِ عَلَى يَدِ وَسِيطٍ، إلَى أنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ النَّسلُ الَّذِي يَخُصُّهُ ذَلِكَ الوَعْدُ. لَكِنْ لَا حَاجَةَ لِوَسِيطٍ لِلْوَعْدِ، حَيْثُ لَا يَكونُ سِوَى طَرَفٍ وَاحِدٍ، الَّذِي هُوَ اللهُ الوَاحِدُ. فَهَلْ يَعْنِي هَذَا أنَّ الشَّرِيعَةَ تُنَاقِضُ وُعُودَ اللهِ؟ بِالطَّبْعِ لَا! لِأنَّهُ لَوْ أُعْطِيَتْ شَرِيعَةٌ قَادِرَةٌ عَلَى أنْ تَمْنَحَ الحَيَاةَ، فَإنَّ البِرَّ يَتَحَقَّقُ بِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ بِالفِعْلِ. وَلَكِنَّ الكِتَابَ أعْلَنَ أنَّ العَالَمَ كُلَّهُ سَجينٌ للخَطِيَّةِ، وَذَلِكَ لِكَي يُعْطِيَ اللهُ الوَعْدَ بِالإيمَانِ. وَقَدْ أعْطَى اللهُ الوَعْدَ لِلَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِيَسُوعَ المَسِيحِ. وَقَبْلَ أنْ يَأْتِيَ هَذَا الإيمَانُ، كُنَّا تَحْتَ وِصَايَةِ الشَّرِيعَةِ. كُنَّا سُجَنَاءَ إلَى أنْ كُشِفَ الإيمَانُ لَنَا. كُنَّا تَحْتَ وِصَايَةِ الشَّرِيعَةِ، إلَى أنْ يَأتِيَ المَسِيحُ، فَنَتَبَرَّرَ بِالإيمَانِ. وَبَعْدَ أنْ جَاءَ الإيمَانُ، لَمْ نَعُدْ فِيمَا بَعْدُ تَحْتَ وِصَايَةِ الشَّرِيعَةِ. أنْتُمْ جَمِيعًا أوْلَادُ اللهِ بِالإيمَانِ بِالمَسِيحِ يَسُوعَ. فَأنْتُمْ جَمِيعًا الَّذِينَ تَعَمَّدْتُمْ فِي المَسِيحِ، قَدْ لَبِسْتُمُ المَسِيحَ. لَا فَرْقَ بَيْنَ اليَهُودِيِّ وَاليُونَانِيِّ، وَلَا بَيْنَ العَبْدِ وَالحُرِّ، وَلَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنثَى، لِأنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. فَإنْ كُنْتُمْ لِلمَسِيحِ، فَأنْتُمْ إذًا نَسْلُ إبْرَاهِيمَ، وَهَكَذَا تَرِثُونَ مَا وَعَدَهُ اللهُ بِهِ. وَلَكِنِّي أقُولُ: مَا دَامَ الوَارِثُ طِفْلًا، فَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ عَنِ العَبْدِ، رُغْمَ أنَّهُ يَمْلِكُ كُلَّ شَيءٍ. فَهُوَ خَاضِعٌ لِلأوْصِيَاءِ وَالوُكَلَاءِ، حَتَّى الوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ أبُوهُ. وَهَكَذَا نَحْنُ أيْضًا، عِنْدَمَا كُنَّا أطْفَالًا، كُنَّا عَبِيدًا لِقَوَانِينِ هَذَا العَالَمِ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا جَاءَ الوَقْتُ المُنَاسِبُ، أرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ الَّذِي وُلِدَ مِنَ امْرأةٍ وَعَاشَ خَاضِعًا لِلشَّرِيعَةِ. وَذَلِكَ لِكَي يُحَرِّرَ مَنْ هُمْ تَحْتَ الشَّرِيعَةِ، فَنَصِيرَ أوْلَادًا للهِ بِالتَّبَنِّي. وَلِأنَّكُمْ أوْلَادُ اللهِ، أرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إلَى قُلُوبِنَا مُنَادِيًا: «بَابَا،» أيْ «أيُّهَا الآبُ.» إذًا أنْتَ لَسْتَ عَبْدًا بَعْدَ الآنَ، وَلَكِنَّكَ ابْنٌ. وَلِأنَّكَ ابْنٌ، فَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ وَارِثًا. فِي المَاضِي، عِنْدَمَا كُنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَ اللهَ، كُنْتُمْ عَبِيدًا لِآلِهَةٍ مُزَيَّفَةٍ. أمَّا الآنَ فَأنْتُمْ تَعْرِفُونَ اللهَ الحَقِيقِيَّ، أوْ بِالأصَحِّ، أصبَحْتُمْ مَعرُوفِينَ مِنَ اللهِ. فَكَيْفَ تَعُودُونَ إلَى مِثْلِ تِلْكَ المَبَادِئِ الضَّعِيفَةِ وَعَدِيمَةِ الفَائِدَةِ الَّتِي تُرِيدُونَ أنْ تُسْتَعْبَدُوا لَهَا مُجَدَّدًا؟ تَحْتَفِلُونَ بِأيَّامٍ وَشُهُورٍ وَمَوَاسِمَ وَسِنِينَ. أخَافُ عَلَيْكُمْ! أخَافُ أنَّ تَعَبِي عَلَيْكُمْ كَانَ بِلَا فَائِدَةٍ! أتَوَسَّلُ إلَيكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ أنْ تَكُونُوا مِثْلِي، كَمَا أنِّي مِثْلُكُمْ. أنْتُمْ لَمْ تُسِيئُوا إلَيَّ بِشَيءٍ. عَلِمْتُمْ أنَّنِي كُنْتُ مَرِيضًا عِنْدَمَا زُرْتُكُمْ مُبَشِّرًا فِي زِيَارَتِي الأُولَى. وَمَعَ أنَّ حَالَتِي الصِّحِّيَّةَ كَانَتْ مِحنَةً بِالنِّسْبَةِ لَكُمْ، إلَّا أنَّكُمْ لَمْ تَحْتَقِرُونِي أوْ تَرْفُضُونِي، بَلْ قَبِلْتُمُونِي كَمَا لَوْ كُنْتُ مَلَاكَ اللهِ، وَكَأنِّي المَسِيحُ يَسُوعُ! فَأينَ ذَهَبَ مَدْحُكُمْ لِي؟ فَإنِّي أشهَدُ عَنْكُمْ بِأنَّكُمْ، لَوْ استَطَعْتُمْ، لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَقَدَّمْتُمُوهَا لِي. فَهَلْ صِرْتُ عَدُوًّا لَكُمْ لِأنِّي أخبَرْتُكُمْ بِالحَقِّ؟ إنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَكُمْ أنْ تَخْضَعُوا لِلشَّرِيعَةِ مُتَحَمِّسُونَ لِهَدَفٍ سَيِّئٍ، وَهُوَ أنْ يَفْصِلُوكُمْ عَنَّا، حَتَّى تَتَحَمَّسُوا لَهُمْ. وَلَكِنْ مِنَ الجَيِّدِ لِلإنْسَانِ أنْ يَتَحَمَّسَ فِي الأُمُورِ الجَيِّدَةِ دَائِمًا، وَلَيْسَ فَقَطْ عِنْدَمَا أكُونُ حَاضِرًا مَعَكُمْ. يَا أوْلَادِي، هَا أنَا أتَألَّمُ الآنَ لأجْلِكُمْ ثَانِيَةً، كَمَا تَتَألَّمُ المَرْأةُ عِنْدَ الوِلَادَةِ، إلَى أنْ تُصبِحُوا مُشَابِهِينَ لِصُورَةِ المَسِيحِ. أوَدُّ لَوْ أنِّي مَعَكُمُ الآنَ لِأتَحَدَّثَ إلَيكُمْ بِطَرِيقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، لِأنَّنِي مُحتَارٌ فِي كَيفيةِ التَّعَامُلِ مَعَكُمْ. أخبِرُونِي أنْتُمْ يَا مَنْ تُرِيدُونَ أنْ تَكُونُوا تَحْتَ الشَّرِيعَةِ، ألَا تَسْمَعُونَ مَا تَقُولُهُ الشَّرِيعَةُ؟ فَإنَّهُ مَكْتُوبٌ أنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ لَهُ ابْنَانِ: وَاحِدٌ مِنَ الجَارِيَةِ، وَالآخَرُ مِنَ الحُرَّةِ. فَالَّذِي أنْجَبَتْهُ الجَارِيَةُ وُلِدَ بِطَرِيقَةٍ طَبِيعِيَّةٍ، أمَّا الَّذِي أنْجَبَتْهُ الحُرَّةُ فَقَدْ وُلِدَ بِوَعْدٍ مِنَ اللهِ. وَلِذَلِكَ مَعنَىً رَمزِيٌّ. فَهَاتَانِ المَرأتَانِ تَرْمُزَانِ إلَى عَهْدَينِ: الأوَّلِ مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ، وَيَكُونُ المَولُودُ فِيهِ تَحْتَ العُبُودِيَّةِ، وَهُوَ مَا تُمَثِّلُهُ هَاجَرُ. وَهَاجَرُ تُمَثِّلُ جَبَلَ سِينَاءَ فِي أرْضِ العَرَبِ. وَهِيَ صُورَةٌ عَنِ القُدْسِ الحَالِيَّةِ، لِأنَّهَا تَحْتَ عُبُودِيَّةِ الشَّرِيعَةِ هِيَ وَأوْلَادَهَا. أمَّا العَهْدُ الثَّانِي فَمِنَ القُدْسِ السَّمَاوِيَّةِ الحُرَّةِ، وَهِيَ أُمُّنَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «افرَحِي أيَّتُهَا العَاقِرُ الَّتِي لَا تَلِدُ، اهتِفِي بِأعلَى صَوْتِكِ يَا مَنْ لَمْ تَعْرِفِي آلَامَ الوِلَادَةِ. لِأنَّ أوْلَادَ المَرْأةِ المَهجُورَةِ سَيَكُونُونَ أكْثَرَ عَدَدًا مِنْ أوْلَادِ المُتُزَوِّجَةِ.» وَالْآنَ أيُّهَا الإخْوَةُ، أنْتُمْ أوْلَادُ الوَعْدِ كَإسْحَاقَ. وَلَكِنْ كَمَا كَانَ فِي تِلْكَ الأيَّامِ، فَإنَّ المَولُودَ بِطَرِيقَةٍ طَبِيعِيَّةٍ، أسَاءَ إلَى المَولُودِ بِحَسَبِ الرُّوحِ، وَهَذَا مَا يَحْدُثُ الآنَ. وَلَكِنْ مَاذَا يَقُولُ الكِتَابُ؟ يَقُولُ: «اطْرُدِ الجَارِيَةَ وَابْنَهَا بَعِيدًا، لِأنَّ ابْنَ الجَارِيَةِ لَنْ يَرِثَ مَعَ ابْنِ الحُرَّةِ.» لِهَذَا أيُّهَا الإخْوَةُ، نَحْنُ لَسْنَا أوْلَادَ الجَارِيَةِ، بَلْ أوْلَادَ الحُرَّةِ. قَدْ أطْلَقَنَا المَسِيحُ إلَى حَيَاةِ الحُرِّيَّةِ، فَحَافِظُوا عَلَى ثَبَاتِكُمْ، وَلَا تَعُودُوا ثَانِيَةً إلَى قُيُودِ العُبُودِيَّةِ. هَا أنَا بُولُسُ أقُولُ لَكُمْ إنِ اخْتَتَنْتُمْ مُتَّكِلِينَ عَلَى الشَّرِيعَةِ، فَلَنْ يَنْفَعْكُمِ المَسِيحُ. وَمَرَّةً أُخْرَى أُعْلِنُ لِكُلِّ شَخْصٍ سَمَحَ لِنَفْسِهِ بِأنْ يُختَنَ، بِأنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى الالْتِزَامِ بِالشَّرِيعَةِ كُلِّهَا. وَإنْ كُنْتُمْ تُحَاوِلُونَ أنْ تَكُونُوا أبْرَارًا بِالشَّرِيعَةِ، فَقَدْ قَطَعْتُمْ أنْفُسَكُمْ عَنِ المَسِيحِ، وَأنْتُمُ الآنَ خَارِجَ النِّعمَةِ. أمَّا نَحْنُ فَلَنَا رَجَاءٌ نَابِعٌ مِنَ البِرِّ الَّذِي بِالإيمَانِ، وَنَحْنُ نَنتَظِرُ ذَلِكَ الرَّجَاءَ بِالرُّوحِ. فَفِي المَسِيحِ يَسُوعَ، لَا فَائِدَةَ لِلخِتَانِ أوْ لِعَدَمِ الخِتَانِ، وَلَكِنْ لِلإيمَانِ الَّذِي يَعْمَلُ بِالمَحَبَّةِ. قَدْ كُنْتُمْ تَرْكُضُونَ بِشَكلٍ جَيِّدٍ فِي سِبَاقِ الإيمَانِ، فَمَنْ ذَا الَّذِي أعَاقَكُمْ عَنِ الخُضُوعِ لِلحَقِّ؟ أيًّا كَانَ ذَلِكَ الشَّيءُ، فَهُوَ لَيْسَ مِنَ اللهِ الَّذِي دَعَاكُمْ. إنَّ «خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ العَجِينَ كُلَّهُ.» وَلِي ثِقَةٌ بِالرَّبِّ أنَّكُمْ سَتَقْتَنِعُونَ بِمَا قُلْتُهُ لَكُمْ، لَا بِأيِّ شَيءٍ آخَرَ. وَلَكِنَّ الَّذِي يُرْبِكُكُمْ سَيَدْفَعُ الثَّمَنَ كَائِنًا مَنْ كَانَ. أيُّهَا الإخْوَةُ، لَوْ كُنْتُ لَا أزَالُ أُعَلِّمُ بِضَرورَةِ الخِتَانِ، لَمَا كُنْتُ مُضْطَّهَدًا، ولَمَا عَادَ الصَّلِيبُ يُعْتَبَرُ عَائِقًا أمَامَ أحَدٍ. فَلَيْتَ الَّذِينَ يُزعِجُونَكُمْ بِهَذِهِ المَسْألَةِ يَقْطَعُونَ إلَى التَّمَامِ! أمَّا أنْتُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ، فَقَدْ دُعِيتُمْ إلَى حَيَاةِ الحُرِّيَّةِ. وَلَكِنْ لَا تَجْعَلُوا حُرِّيَتَكُمْ حُجَّةً لإرْضَاءِ رَغَبَاتِكُمُ الأنَانِيَّةِ، بَلْ لِيَخْدِمْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالمَحَبَّةِ. لِأنَّ كُلَّ الشَّرِيعَةِ جُمِعَتْ فِي وَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ: «تُحِبُّ صَاحِبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.» وَلَكِنْ إنْ كَانَ يَنْهَشُ ويَفْتَرِسُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَاحذَرُوا مِنْ أنْ يُفنِيَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَلَكِنِّي أقُولُ اسْلُكُوا تَحْتَ قِيَادَةِ الرُّوحِ، وَهَكَذَا لَنْ تُشبِعُوا شَهَوَاتِ الطَّبِيعَةِ الجَسَديَّةِ. فَالطَّبِيعَةُ الجَسَدِيَّةُ تَشْتَهِي ضِدَّ رَغَبَاتِ الرُّوحِ، وَالرُّوحُ تَشْتَهِي ضِدَّ رَغَبَاتِ الطَّبِيعَةِ الجَسَدِيِّةِ. فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَشْتَهِي بِعَكْسِ الآخَرِ. وَهَكَذَا لَا تَسْتَطِيعُونَ أنْ تَفْعَلُوا مَا تُرِيدُونَ. وَلَكِنْ، إنْ كُنْتُمْ تَنقَادُونَ بِالرُّوحِ، فَلَسْتُمْ تَحْتَ الشَّرِيعَةِ. إنَّ أعْمَالَ الطَّبِيعَةِ البَشَرِيَّةِ وَاضِحَةٌ: وَهِيَ الزِّنَى، النَّجَاسَةُ، الدَّعَارَةُ، عِبَادَةُ الأصْنَامِ، السِّحْرُ، مَشَاعِرُ العَدَاءِ، المُنَازَعَاتُ، الغَيْرَةُ، الغَضَبُ، التَّحَزُّبُ، الانقِسَامُ، الحَسَدُ، السُّكْرُ، اللَّهوُ المُنحَرِفُ، وَكُلُّ الأُمُورِ الَّتِي تُشبِهُ هَذِهِ. هَذِهِ هِيَ الأُمُورُ الَّتِي حَذَّرْتُكُمْ مِنْهَا، وَكُنْتُ قَدْ حَذَّرْتُكُمْ سَابِقًا مِنْ أنَّ الَّذِينَ يُمَارِسُونَهَا لَنْ يَرِثُوا مَلَكُوتَ اللهِ. أمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: المَحَبَّةُ، الفَرَحُ، السَّلَامُ، الصَّبْرُ، اللُّطْفُ، الصَّلَاحُ، الأمَانَةُ، الوَدَاعَةُ، ضَبْطُ النَّفْسِ. وَلَا تُوجَدُ شَرِيعَةٌ تَمْنَعُ هَذِهِ الأُمُورَ. فَالَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَى المَسِيحِ يَسُوعَ، قَدْ صَلَبُوا الجَسَدَ مَعَ الأهوَاءِ وَالرَّغَبَاتِ الشِّرِّيرَةِ. فَإنْ كُنَّا نَحيَا بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أيْضًا كَمَا يَقُودُنَا الرُّوحُ. لَا تَكُونُوا مَغرُورِينَ، يَحْسِدُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَيَغْضَبُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ. أيُّهَا الإخْوَةُ، إنْ أُمسِكَ شَخْصٌ فِي خَطِيَّةٍ، فَسَاعِدُوهُ أنْتُمْ أيُّهَا الرُّوحِيُّونَ بِرُوحِ الوَدَاعَةِ. وَانتَبِهُوا لِأنفُسِكُمْ أنْتُمْ أيْضًا لِكَي لَا تَقَعُوا فِي التَّجرِبَةِ. احمِلُوا بَعْضُكُمْ أثقَالَ بَعْضٍ، وَهَكَذَا تُطِيعُونَ شَرِيعَةَ المَسِيحِ. أمَّا إنْ كَانَ أحَدُكُمْ يَظُنُّ أنَّهُ أفْضَلُ، فَهوَ يَخْدَعُ نَفْسَهُ. فَلْيَفْحَصْ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ الخَاصَّ. حِينَئِذٍ سَيَفْتَخِرُ بِإنجَازِهِ هُوَ، دُونَ مُقَارَنَتِهِ بِغَيرِهِ. لِأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَحْمِلُ حِملَهُ الخَاصَّ. كُلُّ مَنْ يَتَعَلَّمُ كَلِمَةَ اللهِ، فَلْيُشَارِكْ مُعَلِّمَهُ فِي كُلِّ مَا لَدَيهِ مِنْ أشْيَاءَ حَسَنَةٍ. لَا تَخْدَعُوا أنْفُسَكُمْ، فَلَا يُمْكِنُ لأحَدٍ أنْ يَغِشَّ اللهَ. لِأنَّ مَا يَزْرَعُهُ الإنْسَانُ هُوَ مَا سَيَحْصُدُهُ. فَالَّذِي يَزْرَعُ لِرَغَبَاتِهِ الأنَانِيَّةِ، سَيَحْصُدُ فَسَادًا. أمَّا الَّذِي يَزْرَعُ لِلرُّوحِ، فَسَيَحْصُدُ حَيَاةً أبَدِيَّةً مِنَ الرُّوحِ. فَعَلَينَا أنْ لَا نَتْعَبَ مِنْ عَمَلِ الخَيْرِ، لِأنَّنَا سَنَحصُدُ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ، بِشَرْطِ أنْ لَا نَسْتَسْلِمَ. إذًا فَلْنَصنَعِ الخَيْرَ لِلجَمِيعِ مَا دُمْنَا نَمتَلِكُ الفُرصَةَ، وَلَا سِيَّمَا تُجَاهَ إخْوَتِنَا فِي الإيمَانِ. انْظُرُوا إلَى هَذِهِ الحُرُوفِ الكَبِيرَةِ الَّتِي كَتَبْتُهَا إلَيكُمْ بِيَدِي: كُلُّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْفَعُونَكُمْ إلَى أنْ تَخْتَتِنُوا، إنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إرضَاءً لِلآخَرِينَ، مُتَجَنِّبِينَ الاضطِهَادَ المُرتَبِطَ بِصَلِيبِ المِسِيحِ. فَحَتَّى أُولَئِكَ الَّذِينَ خَتَنُوا أنْفُسَهُمْ لَا يَحْفَظُونَ الشَّرِيعَةَ، وَلَكِنَّهُمْ يُرِيدُونَكُمْ أنْ تَخْتَتِنُوا حَتَّى يَفْتَخِرُوا بِخِتَانِكُمْ. وَأمَّا أنَا فَأرْجُو أنْ لَا أفتَخِرَ إلَّا بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. فَفِيهِ صُلِبَ العَالَمُ بِالنِّسْبَةِ لِي، وَأنَا صُلِبْتُ بِالنِّسبَةِ لِلعَالَمِ. فَلَيْسَ الخِتَانُ هُوَ مَا يَهُمُّ وَلَا عَدَمُ الخِتَانِ، لَكِنْ مَا يَهُمُّ هُوَ أنْ نَنتَمِيَ إلَى الخَلِيقَةِ الجَدِيدَةِ. سَلَامٌ وَرَحمَةٌ عَلَى كُلِّ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ هَذَا المَبدَأ، الَّذِينَ هُمْ شَعْبُ اللهِ الحَقِيقِيُّ. وَخِتَامًا، أرْجُو أنْ لَا يُسَبِّبَ لِي أحَدٌ المَزِيدَ مِنَ المَشَاكِلِ، لِأنِّي أحمِلُ جُرُوحَ يَسُوعَ فِي جَسَدِي. أيُّهَا الإخْوَةُ، لِتَكُنْ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ مَعَ أروَاحِكُمْ. آمِين. مِنْ بُولُسَ رَسُولِ المَسِيحِ يَسُوعَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ، إلَى شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ فِي مَدِينَةِ أفَسُسَ، وَالمُؤمِنِينَ الَّذِينَ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. لِتَكُنْ لَكُمُ النِّعمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أبِينَا وَمِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ. تَبَارَكَ إلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ وَأبُوهُ. فَقَدْ أنعَمَ عَلَيْنَا فِي المَسِيحِ بِكُلِّ البَرَكَاتِ الرُّوحِيَّةِ الَّتِي فِي العَالَمِ السَّمَاوِيِّ. فَفِي المَسِيحِ، اخْتَارَنَا اللهُ قَبْلَ خَلْقِ العَالَمِ، لِنَكُونَ مُقَدَّسِينَ وَطَاهِرِينَ أمَامَهُ. وَبِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ لَنَا، أرَادَ لَنَا أنْ نَكُونَ أبْنَاءَهُ بِالتَّبَنِّي بِيَسُوعَ المَسِيحِ، وَذَلِكَ وَفْقَ مَشِيئَتِهِ الَّتِي سُرَّ بِهَا، وَلِكَي يُحمَدَ عَلَى نِعْمَتِهِ المَجِيدَةِ الَّتِي مَيَّزَنَا بِهَا فِي ابنِهِ المَحبُوبِ. فَفِي المَسِيحِ تَمَّ فِدَاؤُنَا، وَبِدَمِهِ غُفِرَتْ خَطَايَانَا بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ الغَنِيَّةِ الَّتِي أفَاضَهَا عَلَيْنَا، فَكَانَتْ لَنَا حِكْمَةٌ كَامِلَةٌ وَفَهمٌ عَمِيقٌ. فَقَدْ عَرَّفَنَا اللهُ بِمَشِيئَتِهِ الَّتِي كَانَتْ سِرًّا فِيمَا مَضَى. وَهَذَا يَتَوَافَقُ مَعَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَ أنْ يُظهِرَهَا لَنَا فِي المَسِيحِ. فَهَذَا هُوَ المُخَطَّطُ الَّذِي يَتِمُّ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ، حَيْثُ يُجمَعُ كُلُّ شَيءٍ مَعًا فِي المَسِيحِ: مَا فِي السَّمَاءِ وَمَا عَلَى الأرْضِ. وَفِي المَسِيحِ اخْتَارَنَا اللهُ لِنَكونَ فِي شَعْبِهِ حَسَبَ قَصدِهِ السَّابِقِ، فَهوَ يُنجِزُ كُلَّ شَيءٍ حَسَبَ مَشِيئَتِهِ الحَكِيمَةِ. وَهَذَا يُشَجِّعُنَا نَحْنُ الَّذِينَ، كَيَهُودٍ، سَبَقَ أنْ وَضَعْنَا رَجَاءَنَا فِي المَسِيحِ عَلَى أنْ نَحيَا حَيَاةً تُؤَدِّي إلَى مَدحِ مَجْدِهِ. وَأنْتُمْ أيْضًا عِنْدَمَا سَمِعْتُمْ رِسَالَةَ اللهِ الحَقِيقِيَّةَ الَّتِي هِيَ بِشَارَةُ خَلَاصِكُمْ، وَآمَنتُمْ بِالمَسِيحِ، خَتَمَكُمُ اللهُ فِي المَسِيحِ بِخَتمِ الرُّوحِ القُدُسِ المَوعُودِ. فَالرُّوحُ القُدُسُ هُوَ العُرْبُونُ الَّذِي يَضْمَنُ حُصُولَنَا عَلَى كُلِّ مَا لَنَا عِنْدَ اللهِ، إلَى أنْ يَفْتَدِيَنَا اللهُ كُلِّيًّا، نَحْنُ شَعْبَهُ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى مَدحِ مَجْدِهِ. لَقَدْ سَمِعْتُ عَنْ إيمَانِكُمْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَعَنْ مَحَبَّتِكُمْ لِكُلِّ المُؤمِنِينَ. لِهَذَا لَمْ أتَوَقَّفْ عَنْ تَقْدِيمِ الشُّكْرِ للهِ مِنْ أجْلِكُمْ عِنْدَمَا أذكُرُكُمْ فِي صَلَوَاتِي. وَأنَا أُصَلِّي أنْ يُعطِيَكُمْ إلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، الآبُ المَجِيدُ، رُوحَ الحِكْمَةِ وَالإعلَانِ فِي مَعْرِفَتِهِ أكْثَرَ فَأكثَرَ. وَأُصَلِّي أنْ تَنْفَتِحَ أذهَانُكُمْ وَتَسْتَنِيرَ لِكَي تَعْرِفُوا الرَّجَاءَ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إلَيْهِ، وَمَدَى غِنَى المِيرَاثِ المَجِيدِ الَّذِي سَيُعطِيهِ لِكُلِّ شَعْبِهِ. كَمَا أُصَلِّي أنْ تُدرِكُوا مَدَى عَظَمَةِ قُوَّتِهِ الَّتِي لَا مَثِيلَ لَهَا، وَالَّتِي تَعْمَلُ مِنْ أجْلِنَا نَحْنُ المُؤمِنِينَ. وَهِيَ نَفْسُ القُوَّةِ الفَائِقَةِ الَّتِي أظْهَرَهَا عِنْدَمَا أقَامَ المَسِيحَ مِنَ المَوْتِ، وَأجلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاءِ. لَقَدْ تُوِّجَ يَسُوعُ فَوْقَ كُلِّ حَاكِمٍ وَسُلطَةٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ وَكُلِّ اسْمٍ يَحْمِلُ نُفُوذًا، لَا فِي العَصرِ الحَاضِرِ فَحَسْبُ، بَلْ فِي العَصرِ الآتِي أيْضًا. وَوَضَعَ اللهُ كُلَّ شَيءٍ تَحْتَ سُلطَانِ المَسِيحِ، وَجَعَلَهُ رَأسَ كُلِّ شَيءٍ لِأجْلِ الكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ المَملُوءُ بِهِ. وَهُوَ يَملأُ كُلَّ نَقصٍ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ. لَقَدْ كُنْتُمْ أمْوَاتًا بِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ وَخَطَايَاكُمْ الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا فِي المَاضِي حينَ كُنْتُمْ تَتَّبِعُونَ طُرُقَ العَالَمِ الشِّرِّيرَةِ، وَرَئِيسَ القُوَّاتِ الرُّوحِيَّةِ فِي الهَوَاءِ، الرُّوحَ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ أنْ يُطِيعُوا اللهَ. فَفِي المَاضِي، لَمْ تَكُنْ حَيَاتُنَا مُختَلِفَةً عَنْ حَيَاتِهِمْ. إذْ كُنَّا نُشبِعُ شَهَوَاتِ طَبِيعَتِنَا الجَسَدِيَّةِ، تَابِعِينَ رَغَبَاتِ طَبِيعَتِنَا وَأذهَانِنَا. وَكُنَّا نَسْتَحِقُّ عِقَابَ اللهِ كَالآخَرِينَ. لَكِنَّ اللهَ الغَنِيَّ فِي رَحمَتِهِ، وَبِدَافِعٍ مِنْ مَحَبَّتِهِ العَظِيمَةِ الَّتِي أحَبَّنَا بِهَا، وَبَيْنَمَا كُنَّا أمْوَاتًا بِسَبَبِ خَطَايَانَا، أعطَانَا اللهُ حَيَاةً مَعَ المَسِيحِ. فَبِالنِّعمَةِ أنْتُمْ مُخَلَّصُونَ. ثُمَّ أقَامَنَا مَعَ المَسِيحِ، وَأجلَسَنَا مَعَهُ فِي العَالَمِ السَّمَاوِيِّ، لِأنَّنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. وَذَلِكَ لِكَي يُظهِرَ فِي كُلِّ العُصُورِ القَادِمَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الَّذِي لَا مَثِيلَ لَهُ، النِّعمَةِ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. فَبِالنِّعمَةِ أنْتُمْ مُخَلَّصُونَ، لِأنَّكُمْ آمَنتُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَيْكُمْ، بَلْ هُوَ عَطيَّةٌ مِنَ اللهِ. لَيْسَ مُقَابِلَ الأعْمَالِ لِئَلَّا يَكُونَ هُنَاكَ مَجَالٌ لِلَافتِخَارِ. فَنَحْنُ عَمَلُ يَدَيِّ اللهِ الَّذِي خَلَقَنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ لِلسُّلُوكِ فِي أعْمَالٍ صَالِحَةٍ أعَدَّهَا لَنَا مُقَدَّمًا. فَاذكُرُوا أنَّكُمْ وُلِدْتُمْ مِنْ أصلٍ غَيْرِ يَهُودِيٍّ، فَكَانَ اليَهُودُ المَدعُوُّونَ «أهْلَ الخِتَانِ،» وَهُوَ خِتَانٌ مَصْنُوعٌ بِاليَدِ فِي الجَسَدِ، يُسَمُّونَكُمْ: «اللَّامَخْتُونِينَ!» اذكُرُوا أنَّكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ لَمْ تَكُونُوا لِلمَسِيحِ. كُنْتُمْ غَيْرَ مَعدُودِينَ مِنْ شَعْبِ اللهِ، بَلْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ عَنِ العُهُودِ الَّتِي تَتَضْمَّنُ وَعْدَ اللهِ. عِشتُمْ فِي هَذَا العَالَمِ مِنْ دُونِ رَجَاءٍ وَمِنْ دُونِ اللهِ. أنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ بَعِيدِينَ عَنِ اللهِ فِيمَا مَضَى، صِرتُمُ الآنَ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ، قَرِيبِينَ بِدَمِهِ. فَهُوَ سَلَامُنَا، الَّذِي وَحَّدَ اليَهُودَ وَغَيْرَ اليَهُودِ، بَعْدَ أنْ هَدَمَ بِجَسَدِهِ الحَاجِزَ الفَاصِلَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ حَاجِزُ العَدَاوَةِ. مُبْطِلًا الشَّرِيعَةَ بِقَوَانِينِهَا وَأنظِمَتِهَا، لِكَي يُحَقِّقَ سَلَامًا فَيَخْلِقَ فِي نَفْسِهِ شَعْبًا وَاحِدًا جَدِيدًا مِنَ الطَرَفَينِ، وَيُصَالِحَهُمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَيُصَالِحَهُمَا مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ الَّذِي قَتَلَ بِهِ العَدَاوَةَ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِبِشَارَةِ السَّلَامِ، أنْتُمُ البَعِيدِينَ عَنِ اللهِ وَأُولَئِكَ القَرِيبِينَ. فَفِي المَسِيحِ نَقدِرُ كِلَانَا أنْ نَقتَرِبَ مِنَ الآبِ بِالرُّوحِ الوَاحِدِ. فَلَمْ تَعُودُوا غُرَبَاءَ وَبَعِيدِينَ، بَلْ أنْتُمْ مُواطِنُونَ مَعَ شَعْبِ اللهِ فِي مَلَكُوتِهِ وَأعضَاءِ عَائِلَتِهِ. وَأنْتُمْ بِنَاءٌ مَبنِيٌّ عَلَى أسَاسِ الرُّسُلِ وَالأنْبِيَاءِ. أمَّا حَجَرُ الزَّاوِيَةِ فَهُوَ المَسِيحُ يَسُوعُ نَفْسُهُ. وَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُ البِنَاءَ مُتَمَاسِكًا مَعًا، لِيَرْتَفِعَ وَيُصبِحَ هَيكَلًا مُقَدَّسًا لِلرَّبِّ. وَفِي المَسِيحِ، أنْتُمْ مَبنِيُّونَ مَعَ الآخَرِينَ مَسْكَنًا يَسْكُنُ فِيهِ اللهُ بِالرُّوحِ. بِسَبَبِ هَذَا، فَإنِّي أنَا بُولُسُ سَجِينُ خِدْمَةِ المَسِيحِ يَسُوعَ لِمَنفَعَتِكُمْ أنْتُمْ غَيْرَ اليَهُودِ. وَلَا بُدَّ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ عَنِ الخِدْمَةِ الَّتِي أوْكَلَهَا اللهُ فِي نِعْمَتِهِ إلَيَّ مِنْ أجْلِ مَنفَعَتِكُمْ. وَتَعْرِفُونَ أيْضًا أنَّ اللهَ أعْلَنَ لِي سِرَّ مَشِيئَتِهِ، كَمَا كَتَبْتُ إلَيكُمْ سَابِقًا بِاخْتِصَارٍ. فَإذَا قَرَأتُمْ مَا كَتَبْتُ، سَتُدرِكُونَ مَدَى مَعْرِفَتِي المُتَبَصِّرَةِ بِسِرِّ المَسِيحِ. وَهُوَ سِرٌّ لَمْ يُعلَنْ لِبَشَرٍ فِي الأجيَالِ السَّابِقَةِ، بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي أعلَنَهُ اللهُ بِهَا الآنَ بِالرُّوحِ لِرُسُلِهِ وَأنبِيَائِهِ القِدِّيسِينَ. وَهُوَ أنَّ غَيْرَ اليَهُودِ هُمْ شُرَكَاءٌ فِي المِيرَاثِ مَعَ اليَهُودِ، وَأعضَاءٌ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَشُرَكَاءٌ فِي نَوَالِ الوَعدِ الَّذِي فِي بِشَارَةِ المَسِيحِ، الَّتِي صِرتُ أنَا مَسؤُولًا عَنْ إعلَانِهَا. وَهَذَا كُلُّهُ بِفَضْلِ عَطِيَّةِ نِعْمَةِ اللهِ الَّتِي أعطَانِي إيَّاهَا بِعَمَلِ قُوَّتِهِ. فَمَعَ أنَّنِي أقَلُّ المُؤمِنِينَ، إلَّا أنَّ اللهَ أعطَانِي هَذِهِ النِّعمَةَ لِأُبَشِّرَ غَيْرَ اليَهُودِ بِغِنَى المَسِيحِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَخَيُّلُهُ. وَقَدْ أوكَلَ إلَيَّ أنْ أُوَضِّحَ لِلجَمِيعِ سِرَّهُ الَّذِي كَانَ مَكتُومًا مُنْذُ بَدءِ الزَّمَنِ فِي اللهِ خَالِقِ كُلِّ الأشْيَاءِ. أمَّا الآنَ، فَاللهُ يُرِيدُ لِلكَنِيسَةِ أنْ تَكُونَ إعلَانًا لِلرُّؤَسَاءِ وَالقُوَّاتِ فِي العَالَمِ السَّمَاوِيِّ عَنْ حِكمَةِ اللهِ مُتَعَدِّدَةِ الوُجُوهِ، وَفْقًا لِقَصْدِهِ الأزَلِيِّ الَّذِي حَقَّقَهُ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. فَفِي المَسِيحِ، وَبِالإيمَانِ بِهِ، لَنَا امتِيَازُ الدُّخُولِ إلَى حَضْرَةِ اللهِ بِجُرأةٍ وَثِقَةٍ. لِهَذَا أُصَلِّي ألَّا تَجْعَلُوا المِحَنَ الَّتِي أمُرُّ بِهَا مِنْ أجْلِكُمْ تُثَبِّطُ عَزَائِمَكُمْ، فَهِيَ مَصْدَرُ إكْرَامٍ لَكُمْ! لِذَلِكَ أرْكَعُ عَلَى رُكبَتَيَّ لِلآبِ، الَّذِي تَنْتَمِي إلَيْهِ كُلُّ أُمَّةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ. وَأسْألُهُ، حَسَبَ غِنَاهُ المَجِيدِ، أنْ يُقَوِّيَكُمْ بِشِدَّةٍ مِنَ الدَّاخِلِ بِرُوحِهِ. وَأنْ يَسْكُنَ المَسِيحُ فِي قُلُوبِكُمْ بِالإيمَانِ بَيْنَمَا تَتَرَسَّخُ جُذُورُكُمْ وَأُسُسُكُمْ فِي المَحَبَّةِ. لِكَي تَكُونَ لَكُمْ وَلِكُلِّ المُؤمِنِينَ القُدرَةُ عَلَى استِيعَابِ مَحَبَّةِ المَسِيحِ فِي كُلِّ أبْعَادِهَا: عَرْضًا وَطُولًا وَعُلُوًّا وَعُمْقًا. وَأصَلِّي أنْ تَعْرِفُوا قَدْرَ مَا يُمكِنُكُمْ مِنْ مَحَبَّةِ المَسِيحِ الَّتِي تَفُوقُ كُلَّ مَعْرِفَةٍ، لِكَي تَمْتَلِئُوا بِاللهِ فِي كُلِّ مِلئِهِ. وَاللهُ قَادِرٌ أنْ يَفْعَلَ أكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطلُبُ أوْ نَتَخَيَّلُ، حَسَبَ شِدَّةِ قُوَّتِهِ العَامِلَةِ فِينَا. لَهُ المَجْدُ فِي الكَنِيسَةِ وَفِي المَسِيحِ يَسُوعَ إلَى كُلِّ الأجيَالِ، وَإلَى أبَدِ الآبِدِينَ. آمِين. فِي ضَوْءِ هَذَا، أحُثُّكُمْ أنَا الأسِيرُ مِنْ أجْلِ الرَّبِّ، أنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَلِيقُ بِالدَّعوَةِ الَّتِي تَلَقَّيتُمُوهَا مِنَ اللهِ. أظهِرُوا فِي كُلِّ ظَرفٍ تَوَاضُعًا وَوَدَاعَةً وَصَبرًا، مُحتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي المَحَبَّةِ. لَا تَبْخَلُوا بِأيِّ جَهْدٍ لِلمُحَافَظَةِ عَلَى الوِحدَةِ الَّتِي يَصْنَعُهَا الرُّوحُ بِالسَّلَامِ الَّذِي يَرْبِطُكُمْ مَعًا. إذْ يُوجَدُ جَسَدٌ وَاحِدٌ وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أيْضًا فِي رَجَاءٍ وَاحِدٍ عِنْدَمَا دُعِيتُمْ. يُوجَدُ رَبٌّ وَاحِدٌ، وَإيمَانٌ وَاحِدٌ، وَمَعمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ. يُوجَدُ إلَهٌ وَاحِدٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلكُلِّ، وَهُوَ سَيِّدُ الكُلِّ، وَيستَخْدِمُ الكُلَّ، وَهُوَ فِي الكُلِّ. وَقَدْ أُعْطِيَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا مَوهِبَةٌ بِالمِقيَاسِ الَّذِي يَشَاؤُهُ المَسِيحُ. لِهَذَا يَقُولُ الكِتَابُ: «عِنْدَمَا صَعِدَ إلَى الأعَالِي، سَبَى غَنِيمَةً، وَأعْطَى النَّاسَ عَطَايَا.» فَمَا الَّذِي يَعْنِيهِ الكِتَابُ بِقَولِهِ «صَعِدَ»؟ ألَا يَعْنِي هَذَا أيْضًا أنَّهُ نَزَلَ إلَى المَنَاطِقِ الأرْضِيَّةِ السُّفلَى؟ فَالَّذِي نَزَلَ هُوَ ذَاتُهُ الَّذِي صَعِدَ أعْلَى مِنْ كُلِّ السَّمَاوَاتِ، لِكَي يَمْلأَ كُلَّ شَيءٍ. وَهُوَ نَفْسُهُ أعْطَى بَعْضَ المُؤمِنينَ أنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَآخَرِينَ أنْبِيَاءَ، وَآخَرِينَ مُبَشِّرِينَ، وَآخَرِينَ رُعَاةً مُعَلِّمِينَ. وَقَدْ أعْطَى هَذِهِ المَوَاهِبَ لِكَي يُعِدَّ المُؤمِنِينَ لِعَمَلِ الخِدْمَةِ مِنْ أجْلِ بِنَاءِ جَسَدِ المَسِيحِ، إلَى أنْ نَتَوَحَّدَ جَمِيعًا فِي إيمَانِنَا وَفِي مَعْرِفَتِنَا بِابْنِ اللهِ، وَنَنضُجَ فِي كُلِّ شَيءٍ إلَى أنْ نَصِلَ إلَى شِبهِ المَسِيحِ الكَامِلِ. وَإنَّنِي لأرْجُو أنْ لَا نَكُونَ فِيمَا بَعْدُ أطْفَالًا نَنجَرِفُ مَعَ كُلِّ نَوعٍ مِنَ التَّعَالِيمِ الَّتِي يَأتِي بِهَا أُنَاسٌ مَاكِرُونَ، وَنَقَعُ فَرِيسَةً لِمَصَائِدِهِمُ المُخَادِعَةِ. بَلْ يَنْبَغِي أنْ نَتَكَلَّمَ بِالحَقِّ فِي المَحَبَّةِ، وَنَنمُو لِنَكُونَ مِثْلَ المَسِيحِ فِي كُلِّ شَيءٍ. فَالمَسِيحُ هُوَ الرَّأسُ. وَالجَسَدُ كُلُّهُ مُعتَمِدٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَمُتَمَاسِكٌ بِمَفَاصِلَ. وَحِينَ يَقُومُ كُلُّ جُزءٍ بِوَظِيفَتِهِ، فَإنَّ الجَسَدَ كُلَّهُ يَنْمُو، وَيَبْنِي نَفْسَهُ فِي المَحَبَّةِ. أقُولُ لَكُمْ هَذَا بِسُلطَانِ اسْمِ الرَّبِّ: لَا تَسْلُكُوا كَمَا يَسْلُكُ غَيْرُ المُؤمِنِينَ بِأفكَارِهِمُ العَقِيمَةِ. فَأفكَارُهُمْ مُظلِمَةٌ، وَهُمْ مُنفَصِلُونَ عَنِ الحَيَاةِ النَّابِعَةِ مِنَ اللهِ بِسَبَبِ جَهلِهِمْ وَعَدَمِ تَجَاوُبِهِمْ مَعَ صَوْتِهِ. فَقَدُوا إحْسَاسَهُمْ بِالخَجَلِ، وَانْجَرَفُوا بِإرَادَتِهِمْ وَرَاءَ الشَّهَوَاتِ الحِسِّيَّةِ وَمُمَارَسَةِ كُلِّ نَجَاسَةٍ دُونَ تَحَفُّظٍ. أمَّا أنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا المَسِيحَ هَكَذَا. لَقَدْ سَمِعْتُمْ عَنْهُ وَتَعَلَّمتُمُ الحَقَّ فِيهِ، كَمَا هُوَ فِي يَسُوعَ. أمَّا بِالنِّسبَةِ لأُسلُوبِ حَيَاتِكُمُ القَدِيمِ، فَقَدْ عُلِّمتُمْ أنْ تَتَخَلَّصُوا مِنَ الذَّاتِ القَدِيمَةِ الَّتِي تُفسِدُهَا الرَّغَبَاتُ الخَادِعَةُ. وَكَمَا تَعَلَّمْتُمْ، تَتَجَدَّدُوا فِكرًا وَرُوحًا. وَأُوصِيتُمْ بِأنْ تَلْبَسُوا الذَّاتَ الجَدِيدَةَ المَخْلُوقَةَ عَلَى شَبَهِ اللهِ فِي حُبِّهَا لِلبِرِّ وَالقَدَاسَةِ، النَّابِعَيْنِ مِنَ الحَقِّ. فَتَخَلَّصُوا مِنْ لِسَانِ الكَذِبِ! فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أنْ يَكُونَ صَادِقًا مَعَ الآخَرِينَ، لِأنَّنَا كُلَّنَا أعضَاءٌ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ. لَا تَجْعَلُوا غَضَبَكُمْ يَجُرُّكُمْ إلَى الخَطِيَّةِ. وَلَا تَنَامُوا غَاضِبِينَ. لَا تُعطُوا إبْلِيسَ مَجَالًا. لِيَكُفَّ مَنْ يَسْرِقُ عَنِ السَّرِقَةِ، بَلْ لِيَتْعَبْ وَيَعْمَلْ عَمَلًا نَافِعًا بِيَدَيهِ، لِكَي يَكُونَ لَديهِ مَا يُعطِيهِ للآخَرِينَ. لَا تَخْرُجْ كَلِمَاتٌ غَيْرُ لَائِقَةٍ مِنْ أفوَاهِكُمْ، بَلْ فَقَطْ مَا يَصْلُحُ لِبِنَاءِ الآخَرِينَ، حَسَبَ الحَاجَةِ، وَلِفَائِدَةِ السَّامِعِينَ. وَلَا تُواصِلُوا إحزَانَ رُوحِ اللهِ القُدُّوسِ، فَهُوَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ مَملُوكِينَ للهِ حَتَّى يَوْمِ الفِدَاءِ النِّهَائِيِّ. انزَعُوا مِنْ دَاخِلِكُمْ كُلَّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَإهَانَةٍ وَكُلَّ خُبْثٍ. كُونُوا لُطَفَاءَ وَشَفُوقِينَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، مُسْتَعِدِّينَ لِمُسَامَحَةِ الآخَرِينَ، كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أيْضًا فِي المَسِيحِ. بِمَا أنَّكُمْ أبْنَاءُ اللهِ المَحبُوبُونَ، تَمَثَّلُوا بِهِ. وَاسْلُكُوا بِالمَحَبَّةِ كَمَا أحَبَّنَا المَسِيحُ وَبَذَلَ نَفْسَهُ مِنْ أجْلِنَا تَقْدِمَةً وَذَبِيحَةً مُرضِيَةً للهِ. وَلَا يُذكَرُ بَيْنَكُمُ الزِّنَا وَكُلُّ أشكَالِ النَّجَاسَةِ وَالفِسقِ، كَمَا يَلِيقُ بِالمُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ. وَكَذَلِكَ الكَلَامُ القَبِيحُ وَالسَّفِيهُ وَالنُّكَاتُ القَذِرَةُ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِكُمْ، بَلْ كُونُوا شَاكِرِينَ. فَاعلَمُوا يَقِينًا أنَّهُ مَا مِنْ زَانٍ أوْ نَجِسٍ، أوْ فَاسِقٍ – وَالفِسقُ عِبَادَةُ أوْثَانٍ – يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لَهُ نَصِيبٌ فِي مَلَكُوتِ المَسِيحِ وَاللهِ. فَلَا تَسْمَحُوا لِأحَدٍ بِأنْ يَخْدَعَكُمْ بِكَلَامٍ فَارِغٍ. فَبِسَبَبِ هَذِهِ الأُمُورِ سَيَنْصَبُّ غَضَبُ اللهِ عَلَى الَّذِينَ يَحْيَونَ حَيَاةَ العِصيَانِ. فَلَا تَشْتَرِكُوا مَعَهُمْ فِي خَطَايَاهُمْ هَذِهِ. كَانَتْ حَيَاتُكُمْ ذَاتَ يَوْمٍ مَملوءَةً بِالظُّلمَةِ، أمَّا الآنَ فَحَيَاتُكُمْ مَملوءَةٌ بِالنُّورِ كَمَا يَلِيقُ بِأتبَاعٍ لِلرَّبِّ. فَاسْلُكُوا كَمَا يَلِيقُ بِأوْلَادِ النُّورِ. فَالنُّورُ لَا يُنتِجُ إلَّا الصَّلَاحَ وَالبِرَّ وَالحَقَّ. فَاسْعَوْا عَلَى الدَّوَامِ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يُرضِي اللهَ، وَلَا تَشْتَرِكُوا فِي أعْمَالِ الظُّلمَةِ غَيْرِ البَنَّاءَةِ، بَلْ يَجْدُرُ بِكُمْ أنْ تَكْشِفُوهَا. إنَّ مُجَرَّدَ الحَدِيثِ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي تُمَارَسُ فِي الخَفَاءِ هُوَ أمرٌ مُخجِلٌ، لَكِنَّ كُلَّ شَيءٍ يَصِيرُ مَنظُورًا حِينَ يُعَرَّضُ لِلنُّورِ. وَكُلُّ مَا يَصِيرُ مَنظُورًا يُمْكِنُ أيْضًا أنْ يَصِيرَ نُورًا. وَلِهَذَا تَقُولُ التَّرنِيمَةُ: «استَيْقِظْ أيُّهَا النَّائِمُ، وَقُمْ مِنَ المَوْتِ، وَسَيُشرِقُ المَسِيحُ عَلَيْكَ.» فَانتَبِهُوا لِسُلُوكِكُمْ، وَلَا تَكُونُوا كَالجُهَّالِ، بَلْ كَالحُكَمَاءِ الَّذِينَ يَنْتَهِزُونَ كُلَّ فُرصَةٍ لِعَمَلِ الخَيْرِ، عَالِمينَ أنَّ الأيَّامَ مَملوءَةٌ بِالشَّرِّ. فَلَا تَكُونُوا حَمقَى، بَلِ افهَمُوا مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ. وَلَا تَسْكَرُوا بِالخَمْرِ الَّتِي تُؤَدِّي إلَى الانْحِلَالِ، بَلِ امتَلِئُوا مِنَ الرُّوحِ. رَنِّمُوا مَزَامِيرَ وتَرَانِيمَ وَأغَانِيَ رُوحِيَّةً فِيمَا بَيْنَكُمْ، رَنِّمُوا وَأطلِقُوا الألحَانَ مِنْ قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ، شَاكِرِينَ اللهَ الآبَ دَائِمًا وَفِي كُلِّ شَيءٍ، بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. اخضَعُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ إكرَامًا للمَسِيحِ. أيَّتُهَا الزَّوجَاتُ، اخضَعْنَ لِأزوَاجِكُنَّ كَمَا تَخْضَعْنَ لِلرَّبِّ. فَالزَّوجُ هُوَ الرَّأسُ عَلَى زَوْجَتِهِ، كَمَا أنَّ المَسِيحَ هُوَ الرَّأسُ عَلَى الكَنِيسَةِ. وَهُوَ نَفْسُهُ مُخَلِّصُ الجَسَدِ، أيِ الكَنِيسَةِ. لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ تَخْضَعَ الزّوجَاتُ لِأزوَاجِهِنَّ فِي كُلِّ شَيءٍ، كَمَا تَخْضَعُ الكَنِيسَةُ لِلمَسِيحِ. أمَّا أنْتُمْ أيُّهَا الأزوَاجُ، فَعَامِلُوا زَوْجَاتِكُمْ بِكُلِّ مَحَبَّةٍ، كَمَا أحَبَّ المَسِيحُ كَنِيسَتَهُ وَبَذَلَ نَفْسَهُ مِنْ أجْلِهَا، لِكَي يُقَدِّسَهَا بَعْدَ أنْ طَهَّرَهَا بِغَسلِهَا بِالمَاءِ، بِالكَلِمَةِ. وَذَلِكَ لِكَي يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ عَرُوسًا مُتَألِّقَةً، بِلَا شَائِبَةٍ أوْ تَجَعُّدٍ، أوْ أيِّ عَيْبٍ آخَرِ. فَهُوَ يَبْتَغِيهَا نَقِيَّةً وَبِلَا لَومٍ. هَكَذَا يَنْبَغِي أنْ يُحِبَّ الأزوَاجُ زَوْجَاتِهِمْ، كَمَا يُحِبُّونَ أجسَادَهُمْ. وَمَنْ يُحِبُّ زَوْجَتَهُ، يُحِبُّ بِذَلِكَ نَفْسَهُ. فَمَا مِنْ أحَدٍ يُبغِضُ جَسَدَهُ، بَلْ يُغَذِّيهِ وَيَهْتَمُّ بِهِ، تَمَامًا كَمَا يَفْعَلُ المَسِيحُ مَعَ الكَنِيسَةِ، لِأنَّنَا نَحْنُ أعضَاءُ جَسَدِهِ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «لِهَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أبَاهُ وَأُمَّهُ، وَيَتَّحِدُ بِزَوْجَتِهِ. وَيَصِيرُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.» هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ! وَأنَا أقُولُ إنَّ هَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى المَسِيحِ وَالكَنِيسَةِ. فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ زَوْجَتَهُ كَمَا يُحِبُّ نَفْسَهُ. وَلْتُعَامِلِ الزَّوجَةُ زَوْجَهَا بِاحتِرَامٍ شَدِيدٍ. أيُّهَا الأبْنَاءُ، أطِيعُوا آبَاءَكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمُ انسِجَامًا مَعَ طَاعَتِكُمْ لِلرَّبِّ. فَهَذَا أمرٌ لَائِقٌ بِكُمْ. «أكرِمْ أبَاكَ وَأُمَّكَ.» وَهَذِهِ أوَّلُ وَصِيَّةٍ مَصحُوبَةٍ بِوَعْدٍ. وَالوَعْدُ هُوَ: «لِكَي تَكُونَ مُوَفَّقًا فِي حَيَاتِكَ، وَيَطُولَ عُمرُكَ عَلَى الأرْضِ.» أيُّهَا الآبَاءُ، لَا تُغِيظُوا أبْنَاءَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِالتَّدرِيبِ وَالإرشَادِ اللَّذَينِ يَتَوَافَقَانِ وَإرَادَةِ الرَّبِّ. أيُّهَا العَبيدُ، أطِيعُوا سَادَتَكُمُ الأرْضِيِّيِنَ بِاحتِرَامٍ وَهَيبَةٍ، وَاخدِمُوهُمْ بِإخْلَاصٍ مِنْ قُلُوبِكُمْ، كَأنَّكُمْ تَخْدِمُونَ المَسِيحَ. وَلَا تَعْمَلُوا فَقَطْ حِينَ تَكُونُونَ تَحْتَ مُرَاقَبَةِ أسيَادِكُمْ لِكَي تُرضُوهُمْ، بَلِ كَمَا يَلِيقُ بِخُدَّامِ المَسِيحِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ. فَاعمَلُوا بِفَرَحٍ حَاسِبِينَ أنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ، لَا النَّاسَ. وَتَذَكَّرُوا أنَّ الرَّبَّ سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى الخَيْرِ الَّذِي يَصْنَعُهُ، سَوَاءٌ أكَانَ عَبْدًا أمْ حُرًّا. أمَّا أنْتُمْ أيُّهَا الأسيَادُ، فَعَامِلُوا عَبِيدَكُمْ بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا، فَلَا تَلْجَأُوا إلَى تَهْدِيدِهِمْ، مُتَذَكِّرِينَ أنَّ سَيِّدَكُمْ وَسَيِّدَهُمْ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَوجُودٌ فِي السَّمَاءِ، وَلَا يَتَحَيَّزُ لِأحَدٍ. وَفِي الخِتَامِ أقُولُ لَكُمْ: تَحَصَّنُوا بِالرَّبِّ وَبِقُوَّتِهِ الهَائِلَةِ. البَسُوا سِلَاحَ اللهِ بِكَامِلِهِ، لِكَي تَقْدِرُوا عَلَى الصُّمُودِ أمَامَ مَكَائِدِ إبْلِيسَ. فَكِفَاحُنَا لَيْسَ ضِدَّ بَشَرٍ، بَلْ ضِدَّ الحُكَّامِ وَالسُّلُطَاتِ وَالقُوَى الكَونِيَّةِ فِي ظُلْمَةِ هَذَا العَالَمِ، وَضِدَّ القُوَّاتِ الرُّوحِيَّةِ الشَّرِّيرَةِ فِي العَالَمِ السَّمَاوِيِّ. لِذَلِكَ تَقَلَّدُوا سِلَاحَ اللهِ بِكَامِلِهِ، وَهَكَذَا تَكُونُونَ قَادِرِينَ عَلَى المُقَاوَمَةِ عِنْدَ مَجِيءِ اليَوْمِ الشِّرِّيرِ. وَبَعْدَ أنْ تُحَارِبُوا إلَى النِّهَايَةِ، كُونُوا صَامِدِينَ. فَاصمِدُوا مُتَحَزِّمِينَ بِالحَقَّ، لَابِسِينَ البِرَّ دِرْعًا، جَاعِلينَ مِنَ استِعدَادِكُمْ لإعلَانِ بِشَارَةِ السَّلَامِ حِذَاءً لِأرجُلِكُمْ. وَفَوقَ هَذَا كُلِّهِ، احمِلُوا الإيمَانَ تُرسًا تَنْطَفِئُ عَلَيْهِ كُلُّ سِهَامِ الشِّرِّيرِ المُلتَهِبَةِ. وَاضِعِينَ الخَلَاصَ خُوذَةً، وَمُشْهِرِينَ كَلِمَةَ اللهِ سَيْفًا لِلرُّوحِ، مُصَلَّينَ بِمَعُونَةِ الرُّوحِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَفِي كُلِّ أمرٍ. انتَبِهُوا لِأهَمِّيَّةِ الصَّلَاةِ، مُثَابِرِينَ عَلَيْهَا دَائِمًا مِنْ أجْلِ كُلِّ المُؤمِنِينَ، وَمِنْ أجْلِي أنَا أيْضًا، لِكَي يُعطِيَنِي اللهُ رِسَالَةً مُنَاسِبَةً كُلَّمَا أُتِيحَتْ لِي فُرصَةُ الكَلَامِ، لِكَي أُعَلِّمَ النَّاسَ بِجُرأةٍ بِسِرِّ البِشَارَةِ، الَّتِي أنَا سَفِيرٌ لَهَا مُقَيَّدٌ فِي سَلَاسِلَ، لِكَي أتَمَكَّنَ مِنْ إيصَالِهَا بِشَجَاعَةٍ، وَكَمَا يَنْبَغِي. سَيُخبِرُكُمْ تِيخِيكُسُ كُلَّ شَيءٍ عَنْ أحوَالِي وَعَمَّا أفْعَلُ، لِأنِّي أُرِيدُكُمْ أنْ تَطْمَئِنُّوا عَلَيَّ. وَتِيخِيكُسُ أخٌ مَحبُوبٌ خَادِمٌ أمينٌ فِي عَمَلِ الرَّبِّ. وَهَا أنَا أُرسِلُهُ إلَيكُمْ لِكَي تَعْرِفُوا مِنْهُ أحوَالَنَا، وَلِكَي يُشَجِّعَكُمْ. لِيُمَتِّعْكُمُ اللهُ الآبُ وَالرَّبُّ يَسُوعُ المَسِيحُ بِالسَّلَامِ وَالمَحَبَّةِ وَالإيمَانِ. وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ اللهِ مَعَ كُلِّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ مَحَبَّةً لَا تَزُولُ. مِنْ بُولُسَ وَتِيمُوثَاوُسَ، خَادِمَيِّ المَسِيحِ يَسُوعَ، إلَى جَمِيعِ المؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ، السَّاكِنِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ المُشرِفِينَ وَالخُدَّامِ المُعَيَّنِينَ لِخَدَمَاتٍ خَاصَّةٍ. لِتَحِلَّ عَلَيْكُمْ نِعْمَةٌ وَسَلَامٌ مِنَ اللهِ أبِينَا، وَمِنْ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. إنَّنِي أشكُرُ اللهَ كُلَّمَا تَذَكَّرتُكُمْ. فَأنَا أذكُرُكُمْ فِي كُلِّ صَلَوَاتِي بِفَرَحٍ، لِأنَّكُمْ شَارَكتُمْ فِي نَشرِ البِشَارَةِ مِنْ أوَّلِ يَوْمٍ قَبِلتُمُوهَا فِيهِ وَإلَى الآنَ. وَأنَا مُتَيَقِّنٌ مِنْ هَذِهِ الحَقِيقَةِ: أنَّ اللهَ الَّذِي بَدَأ مَعَكُمْ هَذَا العَمَلَ الصَّالِحَ، سَيُتَمِّمُهُ حَتَّى عَودَةِ المَسِيحِ يَسُوعَ. يَصِحُّ لِي أنْ أُفَكِّرَ فِيكُمْ عَلَى هَذَا النَّحوِ، لِأنَّنِي أسكَنتُكُمْ فِي قَلْبِي. فَأنْتُمْ شُرَكَائِي فِي هَذِهِ النِّعمَةِ، الآنَ وَأنَا فِي السِّجْنِ، وَكَذَلِكَ وَأنَا أُدَافِعُ عَنِ البِشَارَةِ وَأُبَرهِنُهَا. وَاللهُ يَشْهَدُ أنِّي أحِنُّ إلَيكُمْ حَنِينًا نَابِعًا مِنْ قَلْبِ المَسِيحِ يَسُوعَ. وَهَذِهِ هِيَ صَلَاتِي: أنْ تَنْمُوَ مَحَبَّتُكُمْ أكْثَرَ فَأكثَرَ، مَصْحُوبَةً بِالمَعْرِفَةِ وَالفَهْمِ العَمِيقِ. فَتَتَمَكَّنُوا مِنْ تَمْيِيزِ مَا هُوَ أفْضَلُ، وَتَكُونُوا طَاهِرِينَ وَبِلَا عَيْبٍ عِنْدَ عَودَةِ المَسِيحِ، وَمَمْلوئِينَ بِثِمَارِ البِرِّ الَّذِي فِي يَسُوعَ المَسِيحِ لِمَجْدِ اللهِ وَتَسْبِيحِهِ. أيُّهَا الإخْوَةُ، أرِيدُ أنْ تَعْلَمُوا أنَّ مَا حَدَثَ مَعِي أدَّى إلَى مَزِيدٍ مِنَ انتِشَارِ البِشَارَةِ. فَقَدْ أصبَحَ مَعْرُوفًا بَيْنَ جَمِيعِ حُرَّاسِ القَصْرِ وَالجَمِيعِ هُنَا أنِّي مَسجُونٌ لِأجْلِ المَسِيحِ. وَفَضلًا عَنْ ذَلِكَ، فَقَدْ تَشَجَّعَ مُعظَمُ الإخوَةِ فِي الرَّبِّ بِسَبَبِ كَونِي فِي السِّجْنِ. وَهَا هُمْ أكْثَرُ جَسَارَةً فِي المُجَاهَرَةِ بِالكَلِمَةِ. صَحِيحٌ أنَّ بَعْضَهُمْ يُبَشِّرُ بِالمَسِيحِ بِدَافِعِ لَفْتِ الانتِبَاهِ وَالمُنَافَسَةِ. غَيْرَ أنَّ آخَرِينَ يُبَشِّرُونَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ. يُبَشِّرُ هَؤُلَاءِ بِدَافِعِ المَحَبَّةِ، لِأنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أنَّ اللهَ أقَامَنِي لِلدِّفَاعِ عَنِ البِشَارَةِ. أمَّا الآخَرُونَ فَيُبَشِّرُونَ بِالمَسِيحِ بِدَافِعٍ أنَانِيٍّ، لَا بِإخْلَاصٍ. فَهُمْ إنَّمَا يَظُنُّونَ أنَّهُمْ بِهَذَا يَزِيدُونَ مَتَاعِبِي وَأنَا فِي السِّجْنِ. فَمَاذَا يَهُمُّ؟ مَا يَهُمُّ هُوَ أنَّ التَّبشِيرَ بِالمَسِيحِ يَتِمُّ بِطَرِيقَةٍ أوْ بِأُخرَى، بِدَافِعٍ سَيِّئٍ أوْ مُخْلِصٍ. وَبِهَذَا أنَا أفرَحُ، وَسَأفرَحُ أيْضًا. فَأنَا عَالِمٌ أنَّ هَذَا سَيُؤَدِّي إلَى انتِصَارِي مِنْ خِلَالِ صَلَوَاتِكُمْ، وَمُسَانَدَةِ رُوحِ يَسُوعَ المَسِيحِ. وَسَيَكُونُ هَذَا مُتَوَافِقًا مَعَ تَوَقُّعِي وَرَجَائِي بِأنَّنِي لَنْ أفْشَلَ فِي شَيءٍ. لَكِنِ الآنَ، وَكَمَا هُوَ الأمْرُ دَائِمًا، سَيَتَعَظَّمُ المَسِيحُ فِي جَسَدِي سَوَاءٌ أعِشتُ أمْ مِتُّ. وَذَلِكَ بِسَبَبِ مُجَاهَرَتِي بِالبِشَارَةِ. لِأنَّ المَسِيحَ هُوَ حَيَاتِي، وَالمَوْتُ رِبحٌ! فَإذَا وَاصَلتُ حَيَاتِي فِي الجَسَدِ، سَأرَى ثِمَارَ تَعَبِي. فَلَا أدرِي أيُّهُمَا أختَارُ. فَأنَا مُحتَارٌ بَيْنَ البَدِيلَينِ: لِيَ اشتِهَاءٌ أنْ أترُكَ هَذِهِ الحَيَاةَ وَأكُونَ مَعَ المَسِيحِ، فَذَلِكَ أفْضَلُ جِدًّا لِي. لَكِنَّ بَقَائِي هُنَا فِي الجَسَدِ هُوَ أكْثَرُ نَفْعًا لَكُمْ. وَبِمَا أنِّي مُتَأكِّدٌ مِنْ هَذَا، فَإنِّي عَلَى يَقِينٍ أنِّي سَأبقَى هُنَا مَعَكُمْ وَأُواصِلُ العَمَلَ مَعَكُمْ جَمِيعًا مِنْ أجْلِ تَقَدُّمِكُمْ وَفَرَحِكُمُ النَّابِعِ مِنَ الإيمَانِ. وَبِهَذَا يَزدَادُ افتِخَارُكُمْ بِي فِي المَسِيحِ يَسُوعَ عِنْدَمَا أكُونُ بَيْنَكُمْ مِنْ جَدِيدٍ. فَعِيشُوا بِطَرِيقَةٍ تَلِيقُ بِبِشَارَةِ المَسِيحِ. حَتَّى إذَا جِئتُ وَرَأيْتُكُمْ، وَجَدْتُكُم ثَابِتِينَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، وَمُنَاضِلِينَ مَعًا مِنْ أجْلِ الإيمَانِ الَّذِي تُنَادِي بِهِ البِشَارَةُ. وَفِي غِيَابِي عَنْكُمْ، أُرِيدُ أنْ أسمَعَ هَذَا عَنْكُمْ أيْضًا. لَا أُرِيدُ أنْ أسمَعَ أنَّ خُصُومَكُمْ نَجَحُوا فِي تَخويفِكُمْ، بَلْ لِتَكُنْ شَجَاعَتُكُمْ بُرهَانًا عَلَى هَلَاكِهِمْ وَعَلَى خَلَاصِكُمْ. وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ اللهِ. لِأنَّهُ مِنْ أجْلِ المَسِيحِ، أعطَاكُمُ اللهُ، لَا امتِيَازَ الإيمَانِ بِالمَسِيحِ فَحَسْبُ، بَلِ امتِيَازَ التَّألُّمِ مِنْ أجْلِهِ أيْضًا. فَالمَعرَكَةُ الَّتِي تَخُوضُونَهَا هِيَ الَّتِي رَأيْتُمُونِي أخُوضُهَا فِيمَا مَضَى، وَتَسْمَعُونَ أنَّنِي أخُوضُهَا الآنَ أيْضًا. فَإنْ كَانَ لَكُمْ تَشْجِيعُ المَسِيحِ، وَتَعْزِيَةُ مَحَبَّتِهِ، وَشَرِكَةُ رُوحِهِ، وَحَنَانُهُ وَرَحمَتُهُ، فَتَمِّمُوا فَرَحِي بِأنْ تَكُونُوا أيْضًا مُتَّحِدِينَ فِي فِكرٍ وَاحِدٍ وَمَحَبَّةٍ وَاحِدَةٍ، بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَقَصدٍ وَاحِدٍ. وَلَا تَفْعَلُوا شَيْئًا بِدَافِعِ الغَيْرَةِ أوِ الغُرُورِ، بَلْ تَوَاضَعُوا. وَلْيَعْتَبِرْ كَلُّ وَاحِدٍ أخَاهُ أفْضَلَ مِنْ نَفْسِهِ. فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَهْتَمَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَصَالِحِهِ الخَاصَّةِ فَقَطْ، بَلْ يَنْبَغِي أنْ يُرَاعِيَ مَصَالِحَ الآخَرِينَ أيْضًا. يَنْبَغِي أنْ تَتَبَنُّوا فِكرَ المَسِيحِ يَسُوعَ نَفْسَهُ. فَمَعْ أنَّ جَوهَرَهُ هُوَ جَوهَرُ اللهِ، لَمْ يَعْتَبِرْ مُسَاوَاتَهُ للهِ امتِيَازًا يَغْتَنِمُهُ لِنَفْسِهِ. بَلْ جَرَّدَ نَفْسَهُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ، آخِذًا طَبِيعَةَ عَبدٍ، فَصَارَ إنْسَانًا كَالبَشَرِ. وَإذْ صَارَ فِي هَيئَةِ البَشَرِ، تَوَاضَعَ، وَأطَاعَ اللهَ حَتَّى إلَى المَوْتِ، المَوْتِ عَلَى الصَّلِيبِ. مِنْ أجْلِ ذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ إلَى أعْلَى مَرتِبَةٍ، وَأعْطَاهُ ذَلِكَ الاسْمَ الَّذِي هُوَ فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ. لِكَي تَسْجُدَ إكرَامًا لِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ الكَائِنَاتِ، سَوَاءٌ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، أمْ عَلَى الأرْضِ، أمْ تَحْتَ الأرْضِ. وَلِكَي يُقِرَّ كُلُّ فَمٍ أنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ هُوَ الرَّبُّ، فَيَتَمَجَّدَ اللهُ الآبُ. إذًا أيُّهَا الأحِبَّاءُ، كَمَا كُنْتُمْ تُطِيعُونَنِي عِنْدَمَا كُنْتُ مَعَكُمْ، أُرِيدُكُمْ أنْ تُطِيعُوا أكْثَرَ وَأنَا بَعِيدٌ عَنْكُمْ. فَضَاعِفُوا جُهُودَكُمْ بِتَوْقِيرٍ وَخَوفٍ، لِلوُصُولِ بِخَلَاصِكُمْ إلَى غَايَتِهِ. فَاللهُ هُوَ الَّذِي يَضَعُ فِيكُمُ الإرَادَةَ لِعَمَلِ مَا يُرضِيهِ، وَيُعطِيكُمُ القُوَّةَ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ. أنْجِزُوا وَاجِبَاتِكُمْ بِلَا تَذَمُّرٍ أوْ مُجَادَلَةٍ. فَبِهَذَا تَظْهَرُونَ أبرِيَاءَ وَأنقِيَاءَ، وَتَكُونُونَ أبْنَاءً للهِ بِلَا عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيلٍ مُلتَوٍ وَمُنحَرِفٍ، فَتُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَنُجُومٍ فِي عَالَمٍ مُظلِمٍ. كُونُوا كَذَلِكَ وَأنْتُمْ تُقَدِّمُونَ لَهُمْ رِسَالَةَ الحَيَاةِ، فَأفتَخِرَ بِكُمْ عِنْدَ عَودَةِ المَسِيحِ، إذْ أرَى أنَّ سَعيِي وَتَعَبِي قَدْ أثمَرَا. وَإنْ كُنْتُ أنسَكِبُ بِالفِعْلِ كَتَقْدِمَةٍ مَعَ ذَبِيحَتِكُمْ للهِ الَّتِي هِيَ إيمَانُكُمْ، فَإنِّي أفرَحُ وَأُسَرُّ مَعَكُمْ. وَهَذَا مَا أتَوَقَّعُهُ مِنْكُمْ أيْضًا: أنْ تَفْرَحُوا وَتُسَرُّوا مَعِي. لَكِنِّي أرْجُو، إنْ شَاءَ الرَّبُّ يَسُوعَ، أنْ أُرسِلَ تِيمُوثَاوُسَ إلَيكُمْ سَرِيعًا، حَتَّى أتَشَجَّعَ بِأخْبَارِكُمْ. فَهوَ الوَحِيدُ الَّذِي يُشَارِكُنِي مَشَاعِرِي تُجَاهَكُمْ، وَيَهْتَمُّ بِخَيرِكُمْ بِإخْلَاصٍ. فَكُلُّ الآخَرِينَ يَهْتَمُّونَ بِمَصَالِحِهِمُ الخَاصَّةِ، لَا بِمَا يَخُصُّ يَسُوعَ المَسِيحِ. وَأنْتُمْ تَعْرِفُونَ أنَّهُ أثبَتَ جَدَارَتَهُ، فَخَدَمَ مَعِي فِي نَشرِ البِشَارَةِ كَمَا يَخْدِمُ الاِبْنُ مَعَ أبِيهِ. فَأنَا أرْجُو أنْ أُرسِلَهُ إلَيكُمْ حَالَمَا أعْرِفُ كَيْفَ تَسِيرُ أُمُورِي. وَأنَا وَاثِقٌ أنِّي أنَا أيْضًا، بِعَونِ الرَّبِّ سَأزُورُكُمْ سَرِيعًا. وَقَدْ رَأيْتُ أنَّ مِنَ الضَّرُورِيِّ أنْ أُرسِلَ إلَيكُمْ أبِفرُودِتسَ ثَانِيَةً، فَهُوَ أخِي وَرَفِيقِي وَجُندِيٌّ مَعِي فِي خِدْمَةِ الرَّبِّ. وَهُوَ الَّذِي أرسَلتُمُوهُ إلَيَّ لِمُسَاعَدَتِي. قَرَّرتُ أنْ أُرسِلَهُ إلَيكُمْ لِأنَّهُ كَانَ دَائِمَ الاشتِيَاقِ إلَيكُمْ. وَقَدْ تَضَايَقَ جِدًّا لِأنَّكُمْ سَمِعْتُمْ أنَّهُ كَانَ مَرِيضًا. وَقَدْ كَانَ مَرِيضًا حَقًّا، حَتَّى إنَّهُ قَارَبَ المَوْتَ. لَكِنَّ اللهَ رَحَمَهُ، بَلْ وَرَحَمَنِي أنَا أيْضًا، حَتَّى لَا ازدَادَ حُزْنًا عَلَى حُزنٍ. وَهَذَا مَا جَعَلَنِي أكْثَرَ رَغبَةً فِي إرسَالِهِ، حَتَّى إذَا رَأيْتُمُوهُ تَفْرَحُونَ ثَانِيَةً، وَيَزولُ حُزنِي. فَرَحِّبُوا بِهِ فِي الرَّبِّ بِسُرُورٍ كَثِيرٍ، وَأكرِمُوا مَنْ هُمْ مِثْلُهُ. فَقَدْ أوشَكَ أنْ يَمُوتَ مِنْ أجْلِ عَمَلِ المَسِيحِ. وَخَاطَرَ بِحَيَاتِهِ لِكَي يُتَمِّمَ مَا لَمْ يَكُنْ بِإمكَانِكُمْ أنْ تُتَمِّمُوهُ مِنْ خِدْمَةٍ لِي. وَفِي الخِتَامِ أقُولُ لَكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ، افرَحُوا فِي الرَّبِّ. وَاعلَمُوا أنَّهُ لَا يُزعِجُنِي أنْ أُكَرِّرَ مَا سَبَقَ أنْ كَتَبْتُهُ لَكُمْ. فَهَذَا يَضْمَنُ الأمَانَ لَكُمْ. احتَرِسُوا مِنَ «الكِلَابِ!» احتَرِسُوا مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ! احتَرِسُوا مِنَ المُطَالِبِينَ بِالقَطْعِ! فَنَحْنُ أهْلُ الخِتَانِ الحَقِيقِيِّ، لِأنَّنَا نَعبُدُ اللهَ بِرُوحِهِ. وَنَحْنُ نَفتَخِرُ بِالمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلَا نَتَّكِلُ عَلَى الأُمُورِ الخَارِجِيَّةِ. مَعَ أنَّهُ لَدَيَّ أسبَابًا كَثِيرَةً لَوْ أرَدْتُ الاتِّكَالَ عَلَى الأُمُورِ الخَارِجِيَّةِ. فَإن ظَنَّ أحَدٌ أنَّ لَدَيهِ أسَبَابًا لِلَاتِّكَالِ عَلَى مَا هُوَ خَارِجِيٌّ، فَلْيَعْلَمْ أنَّ لَدَيَّ أكْثَرَ! خُتِنْتُ فِي اليَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ عُمرِي. وَأنَا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. عِبرَانِيٌّ مِنْ وَالِدَينِ عِبرَانِيَّينِ. أمَّا نَهجِي فِي الشَّرِيعَةِ، فَقَدْ كُنْتُ فِرِّيسِيًّا. اضطَهَدتُ الكَنِيسَةَ بِسَبَبِ غَيْرَتِي! وَكُنْتُ بِلَا مَلَامَةٍ، حَسَبَ مَقَايِيسِ الشَّرِيعَةِ. لَكِنْ مَا كَانَ يُعْتَبَرُ رِبْحًا لِي، أعتَبِرُهُ الآنَ خَسَارةً مِنْ أجْلِ المَسِيحِ. بَلْ إنِّي أعتَبِرُ كلَّ شَيءٍ خَسَارَةً بِالمقَارِنةِ مَعَ الامْتِيَازِ الفَائِقِ لِمَعْرِفَةِ المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي. لِهذَا تَخلَّيتُ عَنْ كُلِّ شَيءٍ مِنْ أجْلِهِ، وَأعتَبِرُ كُلَّ شَيءٍ نِفَايَةً لِكَي أربَحَ المَسِيحَ، وَأكونَ فِيهِ، دُونَ أنْ يَكُونَ لِي بِرِّي الخَاصُّ المَبنِيُّ عَلَى الشَّرِيعَةِ، بَلِ البِرُّ النَّاتِجُ عَنِ الإيمَانِ بِالمَسِيحِ، البِرُّ الَّذِي مَصدَرُهُ اللهُ، وَأسَاسُهُ الإيمَانُ. فَأنَا أُرِيدُ أنْ أعرِفَ المَسِيحَ وَأختَبِرَ قُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَأشتَرِكَ فِي آلَامِهِ، مَاضِيًا فِي طَرِيقِهِ، حَتَّى إلَى المَوْتِ، عَلَى رَجَاءِ القِيَامَةِ مِنَ المَوْتِ. أنَا لَا أقُولُ إنِّي حَقَّقتُ كُلَّ شَيءٍ، أوْ أنِّي وَصَلتُ إلَى الكَمَالِ. لَكِنِّي أسْعَى لِلوُصُولِ إلَى الهَدَفِ الَّذِي اخْتَارَنِي المَسيحُ يَسوعُ مِنْ أجْلِهِ. وَأنَا لَا أعتَبِرُ، أيُّهَا الإخْوَةُ أنِّي قَدْ وَصَلْتُ بَعْدُ، لَكِنِّي أُصِرُّ عَلَى شَيءٍ وَاحِدٍ: أنْ أضَعَ المَاضِيَ وَرَائِي، وَأتَقَدَّمَ إلَى الأمَامِ. أسْعَى إلَى خَطِّ النِّهَايَةِ، لِكَي أربَحَ الجَائِزَةَ الَّتِي دَعَانِي اللهُ إليهَا دَعْوَةً سَامِيَةً فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. فَليَتَبَنَّ النَّاضِجُونَ مِنَّا هَذَا المَوقِفَ. وَإنْ كَانَ لَكُمْ مَوقِفٌ مُختَلِفٌ، فَسَيَكْشِفُ اللهُ لَكُمْ حَقيقَةَ هَذَا الأمْرِ أيْضًا. إنَّمَا يَنْبَغِي أنْ نُواصِلَ اتِّبَاعَ ذَلِكَ الحَقِّ الَّذِي أدرَكنَاهُ. أيُّهَا الإخْوَةُ، اقتَدُوا بِي كَمَا يَفْعَلُ الآخَرُونَ. وَانتَبِهُوا إلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ وَفْقَ القُدوَةِ الَّتِي لَكُمْ فِينَا. لَقَدْ سَبَقَ أنْ أخبَرتُكُمْ مِرَارًا كَثِيرَةً، وَهَا أنَا أُخبِرُكُمْ مَرَّةً أُخْرَى بَاكِيًا، عَنْ أعْدَاءٍ كَثِيرِينَ لِلصَّلِيبِ. وَمَصِيرُ هَؤُلَاءِ هُوَ الهَلَاكُ. فَشَهَوَاتُهُمْ هِيَ إلَهُهُمْ، وَهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِمَا يَنْبَغِي أنْ يَخْجَلُوا مِنْهُ، وَلَا يُفَكِّرُونَ إلَّا فِي الأرْضِيَّاتِ. أمَّا نَحْنُ، فَلَنَا جِنسيَّةٌ سَمَاويَّةٌ، وَنَحْنُ نَنتَظِرُ أيْضًا أنْ يَأْتِيَنَا مِنَ السَّمَاءِ مُخَلِّصٌ، هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ المَسِيحُ. وَحِينَ يَأتِي، سَيُغَيِّرُ أجسَادَنَا المُتَوَاضِعَةَ لِتَكُونَ مِثْلَ جَسَدِهِ المَجِيدِ. وَذَلِكَ بِقُوَّتِهِ الَّتِي يَسْتَطِيعُ بِهَا أنْ يُخضِعَ كُلَّ شَيءٍ لَهُ. فَيَا إخْوَتِي الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ وَأشتَاقُ إلَيْهِمْ، أنْتُمْ سَعَادَتِي وَمَصدَرُ فَخرِي. اثبُتُوا فِي الرَّبِّ أيُّهَا الأحِبَّاءُ كَمَا تَفْعَلُونَ الآنَ بِالفِعْلِ. أنَا أحُثُّ أفُودِيَّةَ وَسَنتِيخِي أنْ تَكُونَا عَلَى اتِّفَاقٍ كَأُختَيْنِ فِي الرَّبِّ. كَمَا أطلُبُ مِنْكَ يَا شَرِيكِي الوَفِيَّ أنْ تُسَاعِدَ هَاتَيْنِ المَرأتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَاهَدَتَا مَعِي فِي نَشرِ البِشَارَةِ مَعَ أكلِيمَنْدُسَ وَبَاقِي شُرَكَائِي المَكْتُوبَةُ أسمَاؤُهُمْ فِي كِتَابِ الحَيَاةِ. افْرَحُواَ فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأقُولُهُا ثَانِيَةً: افرَحُوا! أُرِيدُ أنْ يَشْهَدَ كُلُّ النَّاسِ عَنْ لُطفِكُمْ. تَذَكَّرُوا أنَّ الرَّبَّ قَرِيبٌ. فَلَا تَقْلَقُوا، بَلْ فِي كُلِّ ظَرفٍ، أعلِنُوا للهِ طِلبَاتِكُمْ، بِالصَّلَاةِ وَالتَّضَرُّعِ مَعَ الشُّكْرِ. فَسَلَامُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقلٍ، سَيَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَعُقُولَكُمْ فِي يَسُوعَ المَسِيحِ. وَفِي الخِتَامِ أيُّهَا الأحِبَّاءُ، املأُوا عُقُولَكُمْ بِكُلِّ مَا هُوَ حَقٌّ، وَكُلِّ مَا هُوَ نَبِيلٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ قَوِيمٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ جَمِيلٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ جَدِيرٌ بِالمَديحِ، وَكُلِّ مَا هُوَ فَاضِلٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ مَمدُوحٌ. وَاعْمَلُوا دَائِمًا بِكُلِّ مَا تَعَلَّمتُمُوهُ، وَتَسَلَّمتُمُوهُ وَسَمِعتُمُوهُ وَرَأيْتُمُوهُ فِيَّ. وَاللهُ الَّذِي هُوَ مَصدَرُ السَّلَامِ يَكُونُ مَعَكُمْ. كَمْ سَعِدتُ فِي الرَّبِّ لِأنَّكُمْ أخِيرًا جَدَّدتُمُ اهتِمَامَكُمْ بِي، وَأنَا أعْرِفُ أنَّكُمْ كُنْتُمْ مُهتَمِّينَ بِي عَلَى الدَّوَامِ، لَكِنْ لَمْ تَسْنَحْ لَكُمْ فُرصَةٌ لإظهَارِ ذَلِكَ. وَأنَا لَا أقُولُ هَذَا عَنْ حَاجَةٍ، فَقَدْ تَعَلَّمتُ أنْ أكُونَ مُكتَفِيًا بِمَا عِندِي. فَأنَا أعْرِفُ كَيْفَ أعِيشُ وَقْتَ الحَاجَةِ، وَوَقْتَ الوَفرَةِ. فَفِي كُلِّ وَقْتٍ، وَفِي كُلِّ ظَرفٍ، تَدَرَّبتُ أنْ أرْضَى فِي الشَّبَعِ وَالجُوعِ. أسْتَطِيعُ أنْ أُواجِهَ كُلَّ الظُّرُوفِ بِالمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي. غَيْرَ أنَّكُمْ أحسَنتُمْ صُنعًا حِينَ سَانَدتُمُونِي فِي وَقْتِ ضِيقِي. وَأنْتُمْ تَعْرِفُونَ أيُّهَا الفِلِبِّيُّونَ أنَّكُمُ الوَحِيدُونَ مِنْ بَيْنِ الكَنَائِسِ الَّذِينَ اشتَرَكتُمْ مَعِي فِي مَسألَةِ العَطَاءِ وَالأخذِ. وَقَدْ بَدَأ هَذَا مُنْذُ الأيَّامِ الأُولَى لإعلَانِ البِشَارَةِ عِنْدَمَا غَادَرتُ مَكدُونِيَّةَ. فَحَتَّى عِنْدَمَا كُنْتُ فِي تَسَالُونِيكِي، أرسَلتُمْ إلَيَّ عِدَّةَ مَرَّاتٍ مَا يُعِينُنِي عَلَى سَدَادِ حَاجَتِي. لَا أقُولُ هَذَا لِأنِّي أهتَمُّ بِالعَطَايَا، بَلْ بِالرِّبحِ المُضَافِ إلَى حِسَابِكُمْ نَتِيجَةَ عَطَائِكُمْ. أمَّا الآنَ فَقَدْ سَدَدتُمُ احتِيَاجَاتِي كَامِلَةً وَأكثَرَ. إذْ لَدَيَّ أكْثَرُ مِمَّا أحتَاجُ، حَيْثُ إنِّي استَلَمتُ مِنْ أبَفرُودِتْسَ العَطَايَا الَّتِي أرسَلتُمُوهَا لِي. وَهِيَ قُربَانٌ، ذَبِيحَةٌ مَقبُولَةٌ، مَرضِيَّةٌ للهِ. وَسَيَسُدُّ إلَهِي كُلَّ احتِيَاجَاتِكُمْ حَسَبَ غِنَاهُ المَجِيدِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. المَجْدُ لإلَهِنَا وَأبِينَا إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. آمِين. سَلِّمُوا عَلَى كُلِّ مُؤمِنٍ مُقَدَّسٍ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. يُسَلِّمُ عَلَيكُمُ الإخْوَةُ الَّذِينَ مَعِي. وَكُلُّ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ هُنَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْكُمْ، خَاصَّةً الَّذِينَ مِنْ بَيْتِ القَيصَرِ. لِتَكُنْ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ. مِنْ بُولُسَ رَسُولِ المَسِيحِ يَسُوعَ وَمِنَ الأخِ تِيمُوثَاوُسَ، إلَى المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ فِي كُولُوسِي، الإخوَةِ الأُمَنَاءِ فِي المَسِيحِ. نِعْمَةُ اللهِ أبِينَا عَلَيْكُمْ، وَسَلَامُهُ مَعَكُمْ. إنَّنَا نَشْكُرُ اللهَ أبَا رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ مِنْ أجْلِكُمْ كُلَّمَا صَلَّينَا. نَشكُرُهُ عَلَى مَا سَمِعنَاهُ عَنْ إيمَانِكُمْ بِالمَسِيحِ يَسُوعَ، وَالمَحَبَّةِ الَّتِي تُظهِرُونَهَا لِكُلِّ المُؤمِنِينَ. وَأنْتُمْ لَا تَتَرَاخُونَ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الرَّجَاءِ المَحفُوظِ لَكُمْ فِي السَّمَاءِ. وَقَدْ سَمِعْتُمْ عَنْ هَذَا الرَّجَاءِ فِي البِدَايَةِ فِي رِسَالَةِ الحَقِّ الَّتِي فِي البِشَارَةِ الَّتِي وَصَلَتْ إلَيكُمْ كَمَا وَصَلَتْ إلَى العَالَمِ كُلِّهِ. وَهيَ تُثمِرُ فِي العَالَمِ كَمَا أثمَرَت فيكُمْ مُنْذُ أنْ سَمِعْتُمْ عَنْ نِعْمَةِ اللهِ وَفَهِمتُمُوهَا. لَقَدْ تَعَلَّمتُمْ تِلْكَ الرِّسَالَةَ مِنْ أبَفرَاسَ، الخَادِمِ المَحبُوبِ العَامِلِ مَعَنَا، وَالشَّرِيكِ الأمِينِ فِي خِدْمَةِ المَسِيحِ مِنْ أجْلِكُمْ. وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْ مَحَبَّتِكُمُ النَّابِعَةِ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. وَمُنذُ أنْ سَمِعْنَا ذَلِكَ عَنْكُمْ، لَمْ نَكُفَّ عَنِ الصَّلَاةِ مِنْ أجْلِكُمْ: أنْ يَكْشِفَ لَكُمُ اللهُ كُلَّ شَيءٍ عَنْ إرَادَتِهِ، وَأنْ يُعطِيَكُمْ كُلَّ حِكمَةٍ وَفَهمٍ رُوحِيٍّ، لِكَي تَسْلُكُوا كَمَا يَلِيقُ بِالرَّبِّ، وَتُرضُوهُ فِي كُلِّ شَيءٍ. أنْ تُثمِرُوا فِي كُلِّ أنْوَاعِ الأعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأنْ تَنمُوا فِي مَعْرِفَةِ اللهِ دَائِمًا. أنْ تَتَقَوَّوْا بِكُلِّ قُوَّةٍ نَابِعَةٍ مِنْ قُوَّتِهِ المَجِيدَةِ، فَتَصَبِرُوا وَتَتَحَمَّلُوا المَشَقَّاتِ بِفَرَحٍ. فَاشْكُرُوا الآبَ الَّذِي جَعَلَكُمْ مُؤَهَّلِينَ لِلمُشَارَكَةِ فِي مِيرَاثِ المُقَدَّسِينَ الَّذِينَ يَحْيَونَ فِي النُّورِ، الآبَ الَّذِي أنقَذَنَا مِنْ سُلْطَةِ الظُّلمَةِ، وَنَقَلَنَا إلَى مُلكِ ابنِهِ الحَبِيبِ الذَّي فَدَانَا، وَفِيهِ غُفْرَانُ خَطَايَانَا. وَالابْنُ هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ المَنظُورِ، وَهُوَ السَّائِدُ عَلَى كُلِّ الخَلِيقَةِ. بِهِ خُلِقَ كُلُّ مَا فِي السَّمَاءِ وَمَا عَلَى الأرْضِ: مَا هُوَ مَرئِيٌّ وَمَا هُوَ غَيْرُ مَرئِيٍّ، سَوَاءٌ أكَانَ عُرُوشًا أمْ رُؤَسَاءَ أمْ حُكَّامًا أمْ سُلُطَاتٍ. كُلُّ مَا خُلِقَ، خُلِقَ بِهِ وَمِنْ أجْلِهِ. كَانَ قَبْلَ كُلِّ الأشْيَاءِ، وَكُلُّ الأشْيَاءِ بِقُوَّتِهِ تَسْتَمِرُّ. هُوَ رَأسُ الجَسَدِ، أيِ الكَنِيسَةِ. هُوَ البِدَايَةُ، المُتَقَدِّمُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ سَيَقُومُونَ مِنَ المَوْتِ، لِكَي يَكُونَ لَهُ المَقَامُ الأوَّلُ فِي كُلِّ شَيءٍ. فَقَدْ شَاءَ اللهُ أنْ يَحِلَّ بِكُلِّ مِلئِهِ فِي المَسِيحِ. وَاخْتَارَ أنْ يُصَالِحَ كُلَّ الأشْيَاءِ ثَانِيَةً لِنَفْسِهِ بِالمَسِيحِ، سَوَاءٌ عَلَى الأرْضِ أمْ فِي السَّمَاءِ. صَنَعَ اللهُ الصُّلحَ بِدَمِ يَسُوعَ المَسْفوكِ عَلَى صَلِيبِهِ. فَقَدْ كُنْتُمْ ذَاتَ يَوْمٍ مُنْفَصِلينَ عَنِ اللهِ، وَكَانَتْ أفْكَارُكُمْ مُعَادِيَةً للهِ، لِأنَّ أعْمَالَكُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. أمَّا الآنَ، فَقَدْ صَالَحَكُمُ المَسِيحُ بِجِسمِهِ البَشَرِيِّ، بِمَوْتِهِ، لِكَي يُقَدِّمَكُمْ أمَامَ اللهِ مُقَدَّسِينَ، وَطَاهِرِينَ، وَبِلَا شَائِبَةٍ. وَذَلِكَ إنْ ثَبَتُّمْ فِي الإيمَانِ، وَلَمْ تَتَخَلَّوْا عَنِ الرَّجَاءِ الَّذِي صَارَ لَكُمْ عِنْدَمَا سَمِعْتُمُ البِشَارَةَ الَّتِي أُعلِنَتْ لِكُلِّ الخَلِيقَةِ تَحْتَ السَّمَاءِ، وَالَّتِي صِرتُ أنَا بُولُسَ خَادِمًا لَهَا. أمَّا الآنَ، فَأنَا أفرَحُ فِي مَا أُعَانِيهِ مِنْ أجْلِكُمْ، وَبِهَذَا أُتَمِّمُ حِصَّتِي مِنْ آلَامِ المَسِيحِ فِي جَسَدِي، مِنْ أجْلِ جَسَدِهِ، أيِ الكَنِيسَةِ. وَقَدْ صِرتُ خَادِمًا مِنْ خُدَّامِهَا بِتَكْلِيفٍ مِنَ اللهِ مِنْ أجْلِ مَنفَعَتِكُمْ، لِكَي أُذِيعَ رِسَالَةَ اللهِ كَامِلَةً. تِلْكَ الرِّسَالَةَ الَّتِي كَانَتْ سِرًّا خَافِيًا لِعُصُورٍ وَأجيَالٍ، لَكِنَّ اللهَ أعلَنَهَا الآنَ لِشَعْبِهِ المُقَدَّسِ. إذْ أرَادَ أنْ يُعَرِّفَهُمْ بِأنَّ الغِنَى المَجِيدَ لِهَذَا السِّرِّ هُوَ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ، وَهُوَ أنَّ المَسِيحَ فِيكُمْ هُوَ الرَّجَاءُ لِلمُشَارَكَةِ فِي مَجْدِ اللهِ. فَنَحْنُ نُنَادِي بِالمَسِيحِ وَنُرشِدُ وَنُعَلِّمُ كُلَّ شَخْصٍ بِكُلِّ حِكمَةٍ، لِكَي نُقَدِّمَ كُلَّ إنْسَانٍ للهِ نَاضِجًا فِي المَسِيحِ. وَأنَا أتعَبُ مِنْ أجْلِ هَذَا الهَدَفِ، مُكَافِحًا بِقُوَّةِ المَسِيحِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ. فَأنَا أُرِيدُكُمْ أنْ تَعْلَمُوا أنِّي أُكَافِحُ مِنْ أجْلِكُمْ، وَمِنْ أجْلِ المُؤمِنِينَ فِي لَاوُدِكِيَّةَ، وَحَتَّى مِنْ أجْلِ جَمِيعِ الَّذِينَ لَمْ يُقَابِلُونِي. أقُولُ هَذَا حَتَّى يَتَشَجَّعُوا وَيَتَّحِدُوا مَعًا فِي المَحَبَّةِ. عِنْدَئِذٍ سَتَكُونُ عُقُولُهُمْ وَاثِقَةً بِفَضْلِ فَهمِهَا الكَامِلِ لِلمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ سِرُّ اللهِ العَمِيقِ. فَكُلُّ كُنُوزِ الحِكْمَةِ وَالمَعْرِفَةِ مَخزُونَةٌ فِي المَسِيحِ. أقُولُ هَذَا لِئَلَّا يَخْدَعَكُمْ أحَدٌ بِحُجَجٍ زَائِفَةٍ تَبدُو مَقبُولَةً فِي ظَاهِرِهَا. فَمَعَ أنِّي غَائِبٌ عَنْكُمْ فِي الجَسَدِ، إلَّا أنِّي حَاضِرٌ بَيْنَكُمْ بِرُوحِي. وَأفرَحُ إذْ أرَى التَّرتِيبَ فِي حَيَاتِكُمْ، وَصَلَابَةَ إيمَانِكُمْ بِالمَسِيحِ. فَمَا دُمتُمْ قَبِلْتُمُ المَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ، عِيشُوا حَيَاتَكُمْ فِيهِ. فَثَبِّتُوا فِيهِ جُذُورَكُمْ، وَاجعَلُوهُ أسَاسَ حَيَاتِكُمْ، وَتَقَوُّوا فِي إيمَانِكُمْ فِيهِ كَمَا تَعَلَّمتُمْ، وَلْتَفِضْ حَيَاتُكُمْ بِالشُّكرِ للهِ. انتَبِهُوا لِئَلَّا يُضَلِّلَكُمْ أحَدٌ بِالفَلسَفَةِ وَبِتَعَالِيمَ خَادِعَةٍ فَارِغَةٍ هِيَ مِنْ تَقَالِيدِ النَّاسِ، وَمِنَ القُوَى المُسَيطِرَةِ عَلَى هَذَا العَالَمِ. فَهَذَا لَا يَتَّفِقُ مَعَ المَسِيحِ وَتَعَالِيمِهِ. فَفِي المَسِيحِ يَحِلُّ اللهُ بِكُلِّ أُلوهِيَّتِهِ. وَأنْتُمْ صِرتُمْ كَامِلِينَ فِي المَسِيحِ الَّذِي هُوَ فَوْقَ كُلِّ قُوَّةٍ وَسُلطَانٍ. لَقَدْ خُتِنْتُمْ فِي المَسِيحِ خِتَانًا غَيْرَ جَسَدِيٍّ عِنْدَمَا حَرَّرَكُمْ مِنْ قُوَّةِ الطَّبِيعَةِ الجَسَدِيَّةِ، فَهَذَا هُوَ الخِتَانُ الَّذِي يُجرِيهِ المَسِيحُ. فَقَدْ دُفِنتُمْ مَعَهُ فِي المَعمُودِيَّةِ، وَقُمتُمْ أيْضًا مَعَهُ، إذْ آمَنتُمْ بِقُدرَةِ اللهِ الَّذِي أقَامَ المَسِيحَ مِنَ المَوْتِ. كُنْتُمْ فِيمَا مَضَى أمْوَاتًا فِي خَطَايَاكُمْ، وَلَمْ تَكُونُوا قَدْ تَطَهَّرْتُمْ بَعْدُ، لَكِنَّهُ أحيَاكُمْ مَعَ المَسِيحِ. فَقَدْ غَفَرَ لَنَا جَمِيعَ خَطَايَانَا، وَألغَى وَثِيقَةَ الدَّينِ الَّتِي كَانَتْ ضِدَّنَا، فَأزَالَهَا مِنْ طَرِيقِنَا بِتَسْمِيرِهَا عَلَى الصَّلِيبِ، إذْ جَرَّدَ ذَوِي القُوَّةِ وَالسُلطَةِ فِي العَالَمِ الرُّوحِيِّ مِنْ أسلِحَتِهِمْ، وَأظْهَرَ هَزيمَتَهُمْ أمَامَ العَالَمِ، مُنتَصِرًا عَلَيْهِمْ بِالصَّلِيبِ. فَلَا تَسْمَحُوا لِأحَدٍ بِأنْ يُجبِرَكُمْ عَلَى شَيءٍ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِطَعَامٍ أوْ شَرَابٍ أوْ عِيدٍ أوْ هِلَالٍ أوْ سَبْتٍ. فَمَا كَانَتْ هَذِهِ إلَّا ظِلًّا لِمَا سَيَأْتِي، أمَّا الأصلُ فَهُوَ المَسِيحُ. فَلَا تَسْمَحُوا لأحَدٍ بِحِرمَانِكُمْ مِنَ مُكَافَأتِكُمْ، بِسَبَبِ رَغْبَتِهِ بِالتَّذَلُّلِ وعِبَادَةِ المَلَائِكَةِ. يَتَحَدَّثُّ عَنْ رُؤَىً رَآهَا، بَيْنَمَا يَنْتَفِخُ بِغَبَاءٍ بِأفكَارِهِ الجَسَدِيَّةِ، غَيْرَ مُتَمَسِّكٍ بِالمَسِيحِ الَّذِي هُوَ الرَّأسُ الَّذِي بِهِ يَتَدَعَّمُ الجَسَدُ وَيَتَمَاسَكُ بِالمَفَاصِلِ وَالأوْصَالِ، وَيَنْمُو نُمُوًّا مِنَ اللهِ. لَقَدْ مِتُّمْ مَعَ المَسِيحِ، وَتَحَرَّرْتُمْ مِنَ القُوَى المُسَيطِرَةِ عَلَى هَذَا العَالَمِ. فَلِمَاذَا تَتَصَرَّفُونَ كَأنَّكُمْ مَا زِلتُمْ تَنْتَمُونَ إلَى العَالَمِ؟ فَأنْتُمْ تَخْضَعُونَ لِفَرَائِضَ مِثْلِ: «لَا تُمسِكْ بِهَذَا!» أوْ «لَا تَذُقْ ذَاكَ!» أوْ «لَا تَلْمِسْ ذَاكَ!» وَهِيَ أشيَاءُ سَتَفْسُدُ جَمِيعًا بِالِاسْتِعْمَالِ. وَأنْتُمْ تَخْضَعُونَ بِذَلِكَ لِقَوَانِينَ وَتَعَالِيمَ بَشَرِيَّةٍ، لَهَا مَظهَرُ الحِكْمَةِ كَالتَّدَيُّنِ وَإذلَالِ النَّفْسِ وَتَعْذِيبِ الجَسَدِ. لَكِنَّ هَذِهِ الأشْيَاءَ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي مُواجَهَةِ مَلَذَّاتِ الطَّبِيعَةِ الجَسَدِيَّةِ. فَبِمَا أنَّكُمْ أُقِمتُمْ مَعَ المَسِيحِ مِنَ المَوْتِ، اسْعَوْا دَائِمًا إلَى الأُمُورِ السَّمَاوِيَّةِ. فَهُنَاكَ المَسِيحُ مُتَوَّجٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. رَكِّزُوا تَفْكِيرَكُمْ عَلَى الأُمُورِ السَّمَاوِيَّةِ، لَا عَلَى الأُمُورِ الأرْضِيَّةِ. فَالذَّاتُ القَدِيمَةُ فِيكُمْ قَدْ مَاتَتْ، وَحَيَاتُكُمُ الجَدِيدَةُ مَستُورَةٌ فِي المَسِيحِ فِي اللهِ. وَحِينَ يُظهَرُ المَسِيحُ، الَّذِي هُوَ حَيَاتُكُمْ، سَتُظْهَرُونَ أنْتُمْ أيْضًا مَعَهُ فِي المَجْدِ. فَأمِيتُوا فِيكُمْ كُلَّ مَا يَنْتَمِي إلَى هَذِهِ الأرْضِ: الزِّنَا، وَالنَّجَاسَةَ، وَالشَّهوَةَ، وَالرَّغَبَاتِ الشِّرِّيرَةَ، وَالفِسقَ – الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ أوْثَانٍ. فَبِسَبَبِ هَذِهِ الأُمُورِ، يَأتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أبْنَاءِ المَعصِيَةِ. وَقَدْ كُنْتُمْ فِيمَا مَضَى تَعِيشُونَ مِثْلَ هَذِهِ الحَيَاةِ حِينَ مَارَسْتُمْ هَذِهِ الأُمُورَ. فَلتَتَخَلَّصُوا مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ كُلِّهَا. تَخَلَّصُوا أيْضًا مِنَ الغَضَبِ، وَالسَّخَطِ، وَالإسَاءَةِ وَالذَّمِّ وَالألفَاظِ القَبِيحَةِ. لَا تَكْذِبُوا أحَدُكُمْ عَلَى الآخَرِ، حَيْثُ إنَّكُمْ خَلَعتُمْ ذَاتَكُمُ العَتِيقَةَ بِأعْمَالِهَا، وَلَبِستُمُ الذَّاتَ الجَدِيدَةَ الَّتِي تَتَجَدَّدُ عَلَى الدَّوَامِ عَلَى صُورَةِ خَالِقِهَا إلَى أنْ تَصِلَ إلَى مَعْرِفَةٍ كَامِلَةٍ بِهِ. لِذَلِكَ، لَا يُوجَدُ فَرقٌ بَيْنَ يَهُودِيٍّ وَيُونَانِيٍّ، مَختُونٍ وَغَيرِ مَختُونٍ، بَرْبَرِيٍّ وَسِكِّيثِيٍّ، أوْ عَبدٍ وَحُرٍّ. فَمَا يَهُمُّ هُوَ المَسِيحُ، وَهُوَ مَوجُودٌ فِي كُلِّ هَؤُلَاءِ المُؤمِنِينَ. فَالبَسُوا ثَوْبًا يَلِيقُ بِأبْنَاءٍ مُختَارِينَ وَمُقَدَّسِينَ وَمَحبُوبِينَ مِنَ اللهِ: ثَوبَ الشَّفَقَةِ، وَاللُّطفِ، وَالتَّوَاضُعِ، وَالوَدَاعَةِ، وَالصَّبْرِ. فَلْيَحْتَمِلْ أحَدُكُمُ الآخَرَ، وَليُسَامِحْ أحَدُكُمُ الآخَرَ حِينَ يَكُونُ لِأحَدٍ شَكوَى عَلَى آخَرَ. فَكَمَا سَامَحَكُمُ الرَّبُّ بِسَخَاءٍ، لِيُسَامِحْ أحَدُكُمُ الآخَرَ. وَفَوقَ كُلِّ هَذَا البَسُوا المَحَبَّةَ الَّتِي تَجْعَلُكُمْ مُتَمَاسِكِينَ وَتَامِّينَ. وَلْيَمْلُكْ عَلَى قُلُوبِكُمُ السَّلَامُ الَّذِي يُعطِيهِ المَسِيحُ، السَّلَامُ الَّذِي دُعِيتُمْ إلَيْهِ كَأعضَاءٍ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ. وَاشْكُرُوا اللهَ دَائِمًا. لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ المَسِيحِ بِكُلِّ غِنَىً بَينمَا يُعَلِّمُ وَيُرشِدُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِكُلِّ حِكمَةٍ، مُرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ تَرَانِيمَ وَأغَانِيَ رُوحِيَّةً حَمْدًا للهِ. وَمَهمَا فَعَلْتُمْ أوْ قُلْتُمْ، فَلْيَكُنْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرينَ اللهَ الآبَ بِوَاسِطَتِهِ. أيَّتُهَا الزَّوجَاتُ، اخضَعْنَ لِأزوَاجِكُنَّ، كَمَا يَلِيقُ بِمَنْ هُمْ فِي الرَّبِّ. أيُّهَا الأزوَاجُ، أحِبُّوا زَوْجَاتِكُمْ، وَلَا تُعَامِلُوهُنَّ بِخُشُونَةٍ. أيُّهَا الأبْنَاءُ، أطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي كُلِّ شَيءٍ لِأنَّ هَذَا يُرضِي الرَّبَّ. أيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ، لَا تُغِيظُوا أبْنَاءَكُمْ لِئَلَّا يُحبَطُوا. أيُّهَا العَبِيدُ، أطِيعُوا سَادَتَكُمُ الَّذِينَ عَلَى الأرْضِ فِي كُلِّ شَيءٍ. لَيْسَ فَقَطْ أمَامَ أعيُنِهِمْ كَمَا لَوْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ رِضَاهُمْ، بَلْ أطِيعُوهُمْ مِنْ قَلْبٍ مُخْلِصٍ بِدَافِعٍ مِنْ مَخَافَةِ الرَّبِّ. وَمَهمَا عَمِلْتُمْ، فَاعمَلُوهُ مِنْ كُلِّ القَلْبِ، كَأنَّكُمْ تَعْمَلُونَهُ لِلرَّبِّ نَفْسِهِ، لَا لِبَشَرٍ. وَتَذَكَّرُوا أنَّ الرَّبَّ سَيُكَافِئُكُمْ بِمِيرَاثٍ سَمَاوِيٍّ. فَاخدِمُوا الرَّبَّ المَسِيحَ. أمَّا الَّذِي يَعْمَلُ الشَّرَّ فَسَيَنَالُ جَزَاءَ شَرِّهِ بِلَا تَحَيُّزٍ. أيُّهَا السَّادَةُ، عَامِلُوا عَبِيدَكُمْ بِالعَدْلِ وَالإنصَافِ. وَتَذَكَّرُوا أنَّ لَكُمْ أنْتُمْ أيْضًا سَيِّدًا فِي السَّمَاءِ. وَاظِبُوا عَلَى الصَّلَاةِ بِيَقَظَةٍ وَشُكْرٍ. وَصَلُّوا مِنْ أجْلِنَا نَحْنُ أيْضًا كَي يَفْتَحَ اللهُ لَنَا بَابًا لِلكَلَامِ، لِكَي نُعلِنَ سِرَّ المَسِيحِ الَّذِي أنَا سَجِينٌ بِسَبَبِ المُنَادَاةِ بِهِ. فَصَلُّوا أنْ أتَمَكَّنَ مِنْ إعلَانِ هَذَا السِّرِّ بِوضوحٍ كَمَا يَنْبَغِي. اسْلُكُوا بِحِكمَةٍ مَعَ غَيْرِ المُؤمِنِينَ، مُسْتَغِلِّينَ الوَقْتَ. كُونُوا لَبِقِينَ فِي حَدِيثِكُمْ، حَتَّىْ يَجِدَهُ الآخَرُونَ مُسْتَسَاغًا. فَبِهَذَا تَعْرِفُونَ كَيْفَ تُجَاوِبُونَ كُلَّ شَخْصٍ. سَيَحْكِي لَكُمْ تِيخِيكُسُ كُلَّ أخْبَارِي. إنَّهُ أخٌ مَحبُوبٌ، وَخَادِمٌ أمِينٌ، وَعَبْدٌ مَعِي فِي خِدْمَةِ الرَّبِّ. وَهَا أنَا أُرسِلُهُ إلَيكُمْ لِهَذَا الغَرَضِ: أنْ تَعْرِفُوا آخِرَ أخْبَارِي، وَأنْ يُشَجِّعَ قُلُوبَكُمْ. وَسَأُرْسِلُ مَعَهُ أُنسِيمُسَ، أخَانَا الأمِينَ المَحبُوبَ، الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ، وَسَيُخبِرَانِكُمْ بِمَا يَجْرِي هُنَا. يُهدِيكُمُ التَّحِيَّةَ رَفِيقِي فِي السِّجْنِ، أرَسْتَرْخُسُ، وَأيْضًا مَرقُسُ ابْنُ أُختِ بَرنَابَا. وَقَدْ سَبَقَ أنْ أعْطَيْتُكُمْ تَعْلِيمَاتٍ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. فَإذَا وَصَلَ إلَيكُمْ، رَحِّبُوا بِهِ جَيِّدًا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ يَشُوعُ الَّذِي يُدْعَى أيْضًا يُسْطُسَ، فَهَؤُلَاءِ هُمُ الوَحِيدُونَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مَعِي فِي نَشرِ مَلَكُوتِ اللهِ مِنْ بَيْنِ المُؤمِنِينَ بِالمَسِيحِ مِنْ أصلٍ يَهُودِيٍّ. فَكَانُوا مَصدَرَ عَزَاءٍ عَظِيمٍ لِي. كَمَا يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أبَفرَاسُ الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ وَخَادِمٌ لِلمَسِيحِ يَسُوعَ. وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى الدَّوَامِ بِحَرَارَةٍ مِنْ أجْلِكُمْ لِكَي يُنَمِّيَكُمُ اللهُ وَيُؤَكِّدَ لَكُمْ مَشِيئَتَهُ. وَأنَا أشهَدُ أنَّهُ يَتْعَبُ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ أجْلِكُمْ، وَمِنْ أجْلِ الَّذِينَ فِي لَاوُدِكِيَّةَ، وَالَّذِينَ فِي هِيرَابُولِيسَ. كَمَا يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ لُوقَا الطَّبِيبُ الحَبِيبُ، وَدِيمَاسُ. حَيُّوا الإخوَةَ السَّاكِنِينَ فِي لَاوُدِكِيَّةَ، سَلِّمُوا عَلَى نِمفَاسَ وَالكَنِيسَةَ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِي بَيْتِهِ. وَبَعْدَ أنْ تُقرَأَ هَذِهِ الرِّسَالَةُ عَلَيْكُمْ، فَلتُقرَأْ أيْضًا عَلَى الكَنِيسَةِ المَوجُودَةِ فِي لَاوُدِكِيَّةَ. وَاقرَأُوا أنْتُمْ أيْضًا رِسَالَتِي الَّتِي سَتَصِلُكُمْ مِنْ لَاوُدِكِيَّةَ. وَقُولُوا لِأرخِبُّسَ: «احرِصْ عَلَى أنْ تُتَمِّمَ المَهَمَّةَ الَّتِي استَأْمَنَكَ الرَّبُّ عَلَيْهَا.» وَفِي الخَتَامِ، أكتُبُ لَكُمْ أنَا بُولُسَ، هَذِهِ التَّحِيَّةَ بِخَطِّ يَدِي: تَذَكَّرُوا أنّنِي مَسجُونٌ. لِتَكُنْ مَعَكُمْ نِعْمَةُ اللهِ. مِنْ بُولُسَ وَسِيلَا وَتِيمُوثَاوُسَ، إلَى كَنِيسَةِ تَسَالُونِيكِي الَّتِي فِي اللهِ الآبِ، وَفِي الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ. لِتَكُنْ مَعَكُمُ النِّعمَةُ وَالسَّلَامُ. نَحْنُ نَشكُرُ اللهَ دَائِمًا مِنْ أجْلِكُمْ وَنَذكُرُكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا. وَلَا نَنسَى أبَدًا أنْ نَذكُرَ أمَامَ اللهِ وَأبِينَا عَمَلَكُمُ النَّابِعَ مِنَ إيمَانِكُمْ، وَجُهُودَكُمُ النَّابِعَةَ مِنْ مَحَبَّتِكُمْ، وَصَبرَكُمُ النَّابِعَ مِنَ الرَّجَاءِ الَّذِي لَكُمْ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ. كَمَا نَشكُرُ اللهَ أيُّهَا الإخْوَةُ المَحبُوبُونَ مِنَ اللهِ، لِأنَّنَا نَعْلَمُ أنَّهُ اخْتَارَكُمْ لِتَكُونُوا لَهُ. فَنَحْنُ أعلَنَّا لَكُمُ البِشَارَةَ، لَا بِالْكَلَامِ فَقَطْ، بَلْ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ وَبُرهَانِهِ المُقنِعِ. وَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَتَصَرَّفُ حينَ كُنَّا مَعَكُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ لِفَائِدَتِكُمْ. فَقَدْ صِرتُمْ حَرِيصِينَ عَلَى الاقْتِدَاءِ بِنَا وَبِالرَّبِّ. وَقَبِلتُمُ الرِّسَالَةَ وَسَطَ مُعَانَاةٍ كَثِيرَةٍ، بِفَرَحٍ نَابِعٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. وَصِرتُمْ بِذَلِكَ قُدوَةً لِكُلِّ المُؤمِنِينَ فِي مُقَاطَعَةِ مَكدُونِيَّةَ وَفِي مُقَاطَعَةِ أخَائِيَّةَ. فَقَدِ انتَشَرَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ مِنْ عِنْدِكُمْ حَتَّى خَارِجَ مَكدُونِيَّةَ وَأخَائِيَّةَ. وَفِي كُلِّ مَكَانٍ، يَتَحَدَّثُ النَّاسُ عَنْ إيمَانِكُمْ بِاللهِ، فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى أنْ نَقُولَ شَيْئًا عَنْ ذَلِكَ. فَهُمْ أنْفُسُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ كَيفِيَّةِ استِقبَالِكُمْ لَنَا. وَيَتَحَدَّثُونَ أيْضًا كَيْفَ أنَّكُمْ تَرَكتُمُ الأوْثَانَ وَرَجِعتُمْ إلَى اللهِ، لِتَخْدِمُوا الإلَهَ الحَيَّ الحَقِيقِيَّ، وَأنَّكُمْ تَنْتَظِرُونَ مَجِيءَ ابنِهِ مِنَ السَّمَاءِ، الابْنِ الَّذِي أقَامَهُ مِنَ المَوْتِ، أيْ يَسُوعَ الَّذِي سَيُخَلِّصُنَا مِنْ غَضَبِ اللهِ الآتِي. أيُّهَا الإخْوَةُ، أنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ زِيَارَتَنَا لَكُمْ لَمْ تَكُنْ عَبَثًا. لَكِنَّنَا، كَمَا تَعْلَمُونَ، سَبَقَ أنْ عَانَينَا وَأُسِيئَتْ مُعَامَلَتُنَا فِي فِيلِبِّي. غَيْرَ أنَّ اللهَ بَعْدَ ذَلِكَ أمَدَّنَا بِشَجَاعَةٍ لِنُكَلِّمَكُمْ بِبِشَارَةِ اللهِ، رُغْمَ المُقَاوَمَةِ الشَّدِيدَةِ. فَتَبْشِيرُنَا إيَّاكُمْ لَا يَصْدُرُ عَنْ خَلَلٍ فِينَا، أوْ عَنْ دَوَافِعَ غَيْرِ نَقِيَّةٍ، أوْ عَنْ رَغبَةٍ فِي خِدَاعِ أحَدٍ. لَكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِثِقَةٍ لِأنَّ اللهَ اختَبَرَنَا وَأئْتَمَنَنَا عَلَى البِشَارَةِ. فَنَحْنُ لَا نُحَاوِلُ أنْ نُرضِيَ أحَدًا مِنَ النَّاسِ، بَلْ نُرِيدُ أنْ نُرضِيَ اللهَ الَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا. نَحْنُ لَمْ نَأتِ إلَيكُمْ بِكَلَامٍ مَعسُولٍ كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلَا كُنَّا نُخفِي طَمَعًا فِي دَاخِلِنَا، وَاللهُ هُوَ شَاهِدُنَا عَلَى ذَلِكَ! وَلَا كُنَّا نَسعَى إلَى مَديحٍ مِنْ أحَدٍ، لَا مِنْكُمْ وَلَا مِنْ غَيرِكُمْ. مَعَ العِلمِ أنَّهُ كَانَ بِإمكَانِنَا، لَوْ أرَدْنَا، أنْ نَسْتَخْدِمَ سُلْطَانَنَا عَلَيْكُمْ كَرُسُلٍ لِلمَسِيحِ. لَكِنَّنَا كُنَّا لُطَفَاءَ بَيْنَكُمْ، كَأُمٍّ تَحْنُو عَلَى أطْفَالِهَا وَتُرضِعُهُمْ. وَلِأنَّنَا أحبَبنَاكُمْ كُلَّ هَذِهِ المَحَبَّةِ، كُنَّا رَاضِينَ أنْ نُقَدِّمَ لَكُمْ، لَا البِشَارَةَ فَقَطْ، بَلْ أنْفُسَنَا أيْضًا، لِأنَّنَا نُحِبُّكُمْ جِدًّا. أيُّهَا الإخْوَةُ، أنْتُمْ تَذْكُرُونَ تَعَبَنَا وَجَهدَنَا، إذْ كُنَّا نَعمَلُ لَيلَ نَهَارَ، حَتَّى لَا نَكُونَ عِبئًا عَلَى أحَدٍ مِنْكُمْ وَنَحْنُ نُعلِنُ لَكُمُ البِشَارَةَ. أنْتُمْ تَشْهَدُونَ، وَاللهُ يَشْهَدُ، كَيْفَ أنَّنَا سَلَكنَا بَيْنَكُمْ أنْتُمُ المُؤمِنِينَ بِكُلِّ طَهَارَةٍ وَبِرٍّ وَدُونَ مَلَامَةٍ. وَأنْتُمْ تَعْرِفُونَ تَمَامًا كَيْفَ أنَّنَا عَامَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَمَا يُعَامِلُ الأبُ ابنَهُ. وَهَكَذَا شَجَّعنَاكُمْ، وَأعدَدْنَاكُمْ لِمُواجَهَةِ الصِّعَابِ. وَنَحُثُّكُمْ عَلَى أنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَلِيقُ بِاللهِ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إلَى مُلكِهِ المَجِيدِ. وَنَحْنُ نَشكُرُ اللهَ دَائِمًا، لِأنَّكُمْ مُنْذُ أنْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا رِسَالَةَ اللهِ، قَبِلتُمُوهَا لَا كَرِسَالَةٍ مِنْ بَشَرٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالفِعْلِ: كَرِسَالَةِ اللهِ الَّتِي مَا زَالَتْ تَعْمَلُ فِيكُمْ أنْتُمُ المُؤمِنِينَ. فَقَدْ صِرتُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ، مِثْلَ كَنَائِسِ اللهِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ فِي إقْلِيمِ اليَهُودِيَّةِ. فَقَدِ اضطَهَدَكُمْ أبْنَاءُ أُمَّتِكُمْ كَمَا اضطَهَدَهُمْ أبْنَاءُ أُمَّتِهِمْ مِنَ اليَهُودِ. وَهُمُ اليَهُودُ أنْفُسُهُمُ الَّذِينَ قَتَلُوا الرَّبَّ يَسُوعَ وَالأنْبِيَاءَ، وَاضطَهَدُونَا. فَهُمْ لَا يُرضُونَ اللهَ، وَيُعَادُونَ كُلَّ النَّاسِ. يُحَاوِلُونَ مَنْعَنَا مِنَ التَّكَلُّمِ مَعَ غَيْرِ اليَهُودِ، لِئَلَّا يَخْلُصُوا. وَبِسَبَبِ هَذِهِ الخَطَايَا الَّتِي يُدَاوِمُونَ عَلَيْهَا، فَإنَّ مِكيَالَ خَطَايَاهُمْ يَفِيضُ! وَالْآنَ، جَاءَ عَلَيْهِمْ أخِيرًا غَضَبُ اللهِ. أمَّا نَحْنُ أيُّهَا الإخْوَةُ، فَقَدِ انفَصَلْنَا عَنْكُمْ زَمَانًا قَلِيلًا بِالجِسمِ لَا بِالفِكرِ. وَسَرعَانَ مَا ازدَادَتْ لَهفَتُنَا، وَتَعَاظَمَ شَوقُنَا إلَى رُؤيَتِكُمْ. فَأرَدْنَا أنْ نَأتِيَ لِزِيَارَتِكُمْ. حَاوَلْتُ، أنَا بُولُسَ، مَرَّةً تِلْوَ الأُخرَى أنْ آتِيَ إلَيكُمْ، لَكِنَّ الشَّيطَانَ أعَاقَنِي فِي كُلِّ مَرَّةٍ. فَمَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَتَاجُ فَخرِنَا عِنْدَمَا نَقِفُ أمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ عِنْدَ مَجِيئِهِ، إنْ لَمْ تَكُونُوا أنْتُمْ؟ نَعَمْ، أنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا! وَعِنْدَمَا لَمْ نَعُدْ نَقوَى عَلَى الاحْتِمَالِ، قَرَّرْنَا أنْ نَبقَى وَحْدَنَا فِي أثِينَا. وَأرسَلْنَا إلَيكُمْ تِيمُوثَاوُسَ أخَانَا وَشَريكَنَا فِي خِدْمَةِ اللهِ وَفِي إعلَانِ البِشَارَةِ، لِكَي يُقَوِّيَكُمْ وَيُشَجِّعَ إيمَانَكُمْ. فَأنَا لَا أُرِيدُ أنْ تَتَزَعزَعُوا أمَامَ هَذِهِ الضِّيقَاتِ، لِأنَّكُمْ تَعْرِفُونَ أنَّ مُواجَهَةَ الضِّيقَاتِ أمرٌ لَا مَفَرَّ مِنْهُ. لَعَلَّكُمْ تَذْكُرُونَ أنَّنَا حِينَ كُنَّا مَعَكُمْ، حَذَّرْنَاكُمْ مُسْبَقًا مِنْ أنَّنَا مُقبِلُونَ عَلَى ضِيقَاتٍ. وَهَذَا هُوَ مَا حَدَثَ بِالضَّبطِ، كَمَا تَعْلَمُونَ. فَبِمَا أنِّي لَمْ أعُدْ أقوَى عَلَى الاحْتِمَالِ، أرسَلتُ تِيمُوثَاوُسَ لِكَي يَعْرِفَ حَالَةَ إيمَانِكُمْ. فَقَدْ كُنْتُ أخشَى أنْ يَكُونَ المُجَرِّبُ قَدْ أغوَاكُمْ وَغَلَبَكُمْ. عِنْدَئِذٍ، سَيَكُونُ تَعَبِي قَدْ ضَاعَ سُدَىً. لَكِنْ هَا قَدْ عَادَ تِيمُوثَاوُسُ مِنْ عِندِكُمْ، وَأخبَرَنَا أخْبَارًا مُفرِحَةً عَنْ إيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ. وَقَدْ أخبَرَنَا بِأنَّكُمْ دَائِمًا تَذْكُرُونَنَا بِالخَيْرِ، وَأنَّكُمْ مُشتَاقُونَ إلَى رُؤيَتِنَا، كَمَا نَحْنُ إلَى رُؤيَتِكُمْ. وَهَكَذَا أيُّهَا الإخْوَةُ، رُغْمَ كُلِّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضِيقٍ، تَشَجَّعْنَا بِأخْبَارِ إيمَانِكُمْ. فَالآنَ نَحْنُ مُنْتَعِشُونَ، لِأنَّكُمْ ثَابِتُونَ فِي الرَّبِّ! وَمَهمَا شَكَرْنَا اللهَ، لَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَافِيًا بِالمُقَارَنَةِ مَعَ كُلِّ هَذَا الفَرَحِ الَّذِي يَغْمُرُنَا فِي حَضْرَةِ إلَهِنَا بِسَبَبِكُمْ. وَنَحْنُ نُصَلِّي لَيْلًا وَنَهَارًا بِإلحَاحٍ أنْ يُمَكِّنَنَا اللهُ مِنْ رُؤيَتِكُمْ وَجْهًا لِوَجْهٍ. فَنَحْنُ نَشتَاقُ إلَى أنْ نَسُدَّ أيَّةَ ثَغرَةٍ فِي إيمَانِكُمْ. لِذَلِكَ أطلُبُ مِنْ إلَهِنَا الَّذِي هُوَ أبُونَا، وَمِنْ رَبِّنَا يَسُوعَ أنْ يُوَجِّهَ طَرِيقَنَا إلَيكُمْ. وَأطلُبُ مِنَ الرَّبِّ أنْ تَزدَادُوا فِي المَحَبَّةِ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلجَمِيعِ حَتَّى الفَيضِ، كَمَا تَفِيضُ مَحَبَّتُنَا لَكُمْ. فَهَذَا يُقَوِّي قُلُوبَكُمْ وَيَجْعَلُهَا طَاهِرَةً وَمُقَدَّسَةً أمَامَ إلَهِنَا وَأبِينَا عِنْدَ عَودَةِ رَبِّنَا مَعَ شَعْبِهِ المُقَدَّسِ. وَبَعدُ، فَإنَّنَا نَطلُبُ مِنْكُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ أنْ تَحْيَوْا حَيَاةً مُرضِيَةً للهِ، فَهَذَا مَا تَعَلَّمتُمُوهُ مِنَّا وَتُمَارِسُونَهُ بِالفِعْلِ. غَيْرَ أنَّنَا نُرِيدُكُمْ أنْ تَتَقَدَّمُوا أكْثَرَ فِي ذَلِكَ. فَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ أيَّةَ وَصَايَا أعطَينَاكُمْ بِسُلطَانِ الرِّبِّ يَسُوعَ. وَهَذَا هُوَ مَا يُرِيدُهُ اللهُ، أنْ تَكُونُوا مُكَرَّسِينَ لَهُ، وَأنْ تَبْتَعِدُوا عَنِ الانْحِلَالِ الجِنسِيِّ. يُرِيدُ اللهُ أنْ يَتَعَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَيْفَ يَضْبُطُ جَسَدَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ، لَا بِأنْ يَتْرُكَ أحَدٌ نَفْسَهُ لِشَهَوَاتِهِ، كَمَا يَفْعَلُ الوَثَنِيُّونَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ. وَهُوَ لَا يُرِيدُ أنْ يُسِيئَ أحَدٌ إلَى أخِيهِ أوْ يَسْتَغِلَّهُ فِي هَذَا الأمْرِ. فَالرَّبُّ سَيُجَازِي النَّاسَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الخَطَايَا، كَمَا سَبَقَ أنْ حَذَّرْنَاكُمْ. فَاللهُ لَمْ يَدْعُنَا إلَى حَيَاةِ النَّجَاسَةِ، بَلْ إلَى حَيَاةِ القَدَاسَةِ. إذًا مَنْ يَرْفُضُ هَذَا التَّعلِيمَ لَا يَرْفُضُ بَشَرًا، بَلْ يَرْفُضُ اللهَ الَّذِي أيْضًا يُعطِينَا رُوحَهُ القُدُّوسَ. أمَّا فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَحَبَّتِكُمْ لِأخوَتِكُمْ فِي المَسِيحِ، فَلَا دَاعيَ لِأنْ أكتُبَ إلَيكُمْ شَيْئًا. فَقَدْ تَعَلَّمتُمْ أنْتُمْ أنْفُسُكُمْ مِنَ اللهِ أنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَهَذَا هُوَ مَا تَفْعَلُونَهُ مَعَ جَمِيعِ الإخوَةِ فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ مُقَاطَعَةِ مَكدُونِيَّةَ. غَيْرَ أنَّنَا نَحُثُّكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ عَلَى أنْ تَزِيدُوا مَحَبَّتَكُمْ بِاسْتِمْرَارٍ. اطمَحُوا إلَى حَيَاةٍ هَادِئَةٍ، وَاهتَمُّوا بِشُؤُونِكُمُ الخَاصَّةِ، وَاعْمَلُوا بِأيدِيكُمْ كَمَا أوصَينَاكُمْ. فَبِهَذَا يَحْتَرِمُ الَّذِينَ هُمْ خَارِجَ الكَنِيسَةِ سُلوكَكُمْ، وَلَا تَكُونُونَ مُحتَاجِينَ إلَى أحَدٍ. أيُّهَا الإخْوَةُ أُرِيدُكُمْ أنْ تَعْرِفُوا عَنْ أمْرِ الَّذِينَ رَقَدُوا مُؤمِنِينَ بِالمَسِيحِ، وَذَلِكَ لِكَي لَا تَحْزَنُوا كَبَاقِي النَّاسِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ رَجَاءٌ. نَحْنُ نُؤمِنُ أنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ مِنَ المَوْتِ، لِذَلِكَ نُؤمِنُ أيْضًا بِأنَّ اللهَ سَيُحضِرُ مَعَ يَسُوعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ رَقَدُوا مُؤمِنِينَ بِيَسُوعَ. وَمَا نَقُولُهُ لَكُمُ الآنَ هُوَ رِسَالَةٌ مِنَ الرَّبِّ نَفْسِهِ: إنَّنَا نَحْنُ الأحيَاءَ البَاقِينَ حَتَّى عَودَةِ الرَّبِّ، لَنْ نَسبِقَ الَّذِينَ مَاتُوا. إذْ إنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَيَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَسَيَصْدُرُ أمْرٌ مُدَوٍّ بِصَوْتِ رَئِيسِ المَلَائِكَةِ وَصَوْتِ بُوقِ اللهِ. حينَئِذٍ، يَقُومُ أوَّلًا مِنَ المَوْتِ أُولَئِكَ الَّذِينَ رَقَدُوا مُؤمِنِينَ بِالمَسِيحِ، ثُمَّ نُرفَعُ نَحْنُ الأحيَاءَ البَاقِينَ إلَى السُّحُبِ مَعَهُمْ لِنُلَاقِيَ الرَّبَّ فِي الهَوَاءِ. وَهَكَذَا سَنَكُونُ مَعَ الرَّبِّ إلَى الأبَدِ. فَليُشَجِّعْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهَذَا الكَلَامِ. أيُّهَا الإخْوَةُ، لَا حَاجَةَ لِي أنْ أكتُبَ إلَيكُمْ حَوْلَ تَوَارِيخِ حُدُوثِ هَذِهِ الأُمُورِ وَمَوَاعِيدِهَا، فَأنْتُمْ أنْفُسُكُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ يَوْمَ عَودَةِ الرَّبِّ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيلِ. فَحِينَ يَقُولُ النَّاسُ: «اقْتَرَبَ السَّلَامُ وَالأمَانُ،» يُفَاجِئُهُمُ الهَلَاكُ كَمَا تُفَاجَأُ المَرْأةُ الحُبلَى بِآلَامِ الوِلَادَةِ، فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الهَرَبِ. أمَّا أنْتُمْ، أيُّهَا الإخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي الظُّلمَةِ حَتَّى يُفَاجِئَكُمْ ذَلِكَ اليَوْمُ كَلِصٍّ. فَأنْتُمْ جَمِيعًا أبْنَاءُ نُورٍ وَأبْنَاءُ نَهَارٍ، وَلَسنَا نَنتَمِي إلَى لَيلٍ أوْ ظَلَامٍ. فَلَا يَنْبَغِي لَنَا أنْ نَنَامَ كَمَا يَنَامُ الآخَرُونَ، بَلْ لِنَسْتَيْقِظْ وَنَصحُ. فَالَّذِينَ يَنَامُونَ فَإنَّمَا يَنَامُونَ فِي اللَّيلِ، وَالَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَإنَّمَا يَسْكَرُونَ فِي اللَّيلِ. أمَّا نَحْنُ الَّذِينَ نَنتَمِي إلَى النَّهَارِ، فَلْنَصْحُ وَنَلبَسِ الإيمَانَ وَالمَحَبَّةَ دِرعًا، وَلْنَتَّخِذْ رَجَاءَ الخَلَاصِ خُوذَةً. فَاللهُ لَمْ يَخْتَرْنَا لِلغَضَبِ، بَلْ لِلخَلَاصِ الَّذِي بِيَسُوعَ المَسِيحِ رَبِّنَا. فَهُوَ الَّذِي مَاتَ مِنْ أجْلِنَا، لِكَي نَحيَا جَمِيعًا مَعَهُ، سَوَاءٌ أكُنَّا مَا نَزَالُ أحيَاءً عِنْدَ عَودَتِهِ أمْ رَاقِدِينَ. لِذَلِكَ فَليُشَجِّعْ بَعْضَكُمْ بَعْضًا، وَليَبْنِ أحَدُكُمُ الآخَرَ، كَمَا تَفْعَلُونَ الآنَ. ثُمَّ نَطلُبُ مِنْكُمْ، أيُّهَا الإخْوَةُ، أنْ تُقَدِّرُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ مِنْ أجْلِكُمْ وَيُرشِدُونَكُمْ فِي طَرِيقِ الرَّبِّ وَيُعَلِّمُونَكُمْ. نَسألُكُمْ أنْ تُكرِمُوهُمْ كَثِيرًا بِالمَحَبَّةِ لِأنَّهُمْ يَخْدِمُونَكُمْ. عِيشُوا فِي سَلَامٍ بَعْضُكُمْ مَعَ بَعْضٍ. كَمَا نُشَجِّعُكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ عَلَى أنْ تُنذِرُوا الكَسَالَى، وَأنْ تُشَجِّعُوا الخَائِفِينَ. اسنِدُوا الضُّعَفَاءَ، وَتَعَامَلُوا مَعَ الجَمِيعِ بِصَبرٍ. وَاحذَرُوا مِنْ أنْ يُجَازِيَ أحَدٌ الشَّرَّ بِمِثْلِهِ، بَلِ اسْعَوْا دَائِمًا كُلُّ وَاحِدٍ إلَى خَيرِ أخِيهِ وَخَيرِ كُلِّ النَّاسِ. افْرَحُوا فِي كُلِّ حِينٍ. صَلُّوا عَلَى الدَّوَامِ. اشكُرُوا اللهَ كُلَّ حِينٍ، فَهَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ لَكُمْ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. لَا تُطفِئُوا عَمَلَ الرُّوحِ القُدُسِ فِيكُمْ. لَا تَتَجَاهَلُوا النُّبُوَّاتِ. لَكِنِ امتَحِنُوا كُلَّ شَيءٍ ثُمَّ تَمَسَّكُوا بِمَا هُوَ صَالِحٌ. تَجَنَّبُوا كُلَّ شَرٍّ. وَلْيَجْعَلْكُمُ اللهُ نَفْسُهُ، الَّذِي هُوَ مَصدَرُ كُلِّ سَلَامٍ، مُقَدَّسِينَ لَهُ بِالْكَامِلِ. وَلْيَحْفَظْ أيْضًا كُلَّ كَيَانِكُمْ، رُوحًا وَنَفْسًا وَجَسَدًا، بِلَا مَلَامَةٍ عِنْدَ عَودَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. وَاللهُ الَّذِي دَعَاكُمْ أمِينٌ لِدَعوَتِهِ، وَسَيُتَمِّمُهَا. أيُّهَا الإخْوَةُ صَلُّوا مِنْ أجْلِنَا. حَيُّوا جَمِيعَ المُؤمِنِينَ بِقُبلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. أنَاشِدُكُمْ بِالرَّبِّ أنْ تُقرَأَ هَذِهِ الرِّسَالَةُ عَلَى جَمِيعِ الإخوَةِ. وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ مَعَكُمْ. مِنْ بُولُسَ وَسِلْوَانُسَ وَتِيمُوثَاوُسَ، إلَى كَنِيسَةِ تَسَالُونِيكِي الَّتِي تَنْتَمِي إلَى اللهِ أبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ. لِتَكُنْ لَكُمُ النِّعمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أبِينَا، وَمِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ. يَنْبَغِي عَلَيْنَا دَائِمًا أنْ نَشكُرَ اللهَ مِنْ أجْلِكُمْ، أيُّهَا الإخْوَةُ. لِأنَّ إيمَانَكُمْ يَنْمُو نُمُوًّا عَظِيمًا، وَمَحَبَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لِلآخَرِينَ تَتَزَايَدُ. وَنَحْنُ نَفتَخِرُ بِكُمْ بَيْنَ كَنَائِسِ اللهِ بِسَبَبِ صَبرِكُمْ وَإيمَانِكُمْ فِي وَسَطِ كُلِّ الإسَاءَاتِ وَالضِّيقَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أنَّ اللهَ عَادِلٌ فِي حُكمِهِ، إذْ أنَّهُ يُرِيدُ لَكُمْ أنْ تُحسَبُوا مُسْتَحِقِّينَ دُخُولَ مَلَكُوتِ اللهِ الَّذِي تَتَألَّمُونَ مِنْ أجْلِهِ. وَاللهُ يَرَى أنَّهُ مِنَ العَدلِ أنْ يُجَازِيَ الَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ بِالضِّيقِ، وَأنْ يُكَافِئَكُمْ أنْتُمُ الَّذِينَ تَتَعَرَّضُونَ لِلضِّيقِ بِالرَّاحَةِ، كَمَا سَيُكَافِئُنَا نَحْنُ أيْضًا عِنْدَ ظُهُورِ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ السَّمَاءِ. إذْ سَيَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلَائِكَتِهِ الجَبَّارِينَ، وَسَطَ نَارٍ مُلتَهِبَةٍ، وَسَيُجَازي كُلَّ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ يَرْفُضُونَ أنْ يُطِيعُوا البِشَارَةَ المُتَعَلِّقَةَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ. فَسَيَكُونُ جَزَاؤُهُمْ دَمَارًا أبَدِيًّا. وَسَيُبعَدُونَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَمِنْ قُوَّتِهِ المَجِيدَةِ يَوْمَ يَأتِي لِيَتَمَجَّدَ بَيْنَ شَعْبِهِ المُقَدَّسِ، وَسَيُبهَرُ كُلُّ المُؤمِنِينَ بِمَنْ فِيهِمْ أنْتُمْ، لِأنَّكُمْ آمَنتُمْ بِشَهَادَتِنَا عَنْهُ. مِنْ أجْلِ هَذَا نُصَلِّي لأجْلِكُمْ دَائِمًا، طَالِبِينَ مِنْ إلَهِنَا أنْ يَجْعَلَكُمْ مُسْتَحِقِّينَ لِلحَيَاةِ الَّتِي دَعَاكُمْ إلَيْهَا، وَأنَّ يُحَقِّقَ بِقُدرَتِهِ كُلَّ نَوَايَاكُمِ الصَّالِحَةِ وَكُلِّ عَمَلٍ نَابِعٍ مِنْ إيمَانِكُمْ. وَبِهَذَا يَتَمَجَّدُ اسْمُ رَبِّنَا يَسُوعَ فِيكُمْ، وَتَتَمَجَّدُونَ أنْتُمْ فِيهِ، حَسَبَ نِعْمَةِ إلَهِنَا وَرَبِّنَا، يَسُوعَ المَسِيحِ. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِعَودَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ وَالتِقَائِنَا مَعًا بِهِ، فَنَرجُو مِنْكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ أنْ لَا تَفْقِدُوا فَجْأةً إدرَاكَكُمُ السَّلِيمَ حَوْلَ هَذَا الأمْرِ، أوْ تَنْزَعِجُوا بِسَبَبِ نُبُوَّةٍ أوْ تَعْلِيمٍ أوْ رِسَالَةٍ تُنسَبُ إلَينَا، وَتَدَّعِي أنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَدْ جَاءَ بِالفِعْلِ. احتَرِسُوا مِنْ أنْ يَخْدَعَكُمْ أحَدٌ بِأيَّةِ طَرِيقَةٍ كَانَتْ. أقُولُ هَذَا لِأنَّ يَوْمَ الرَّبِّ لَنْ يَأْتِيَ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَ التَّمَرُّدُ الكَبِيرُ أوَّلًا، وَيَظْهَرَ «رَجُلُ المَعصِيَةِ،» الَّذِي سَيُقَاوِمُ كُلَّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ عَلَى أنَّهُ «إلَهٌ» أوْ «مَعبُودٌ،» وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ فَوقَهَا كُلِّهَا. بَلْ إنَّهُ سَيَدْخُلُ إلَى هَيْكَلِ اللهِ وَيَجْلِسُ هُنَاكَ مُدَّعِيًا أنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ اللهُ! ألَا تَذْكُرُونَ أنِّي كُنْتُ أقُولُ لَكُمْ هَذَا وَأنَا بَعْدُ مَعَكُمْ؟ وَهَكَذَا فَإنَّكُمْ تَعْرِفُونَ مَا الَّذِي يَمْنَعُهُ الآنَ مِنَ الظُّهُورِ، حَيْثُ سَيَظْهَرُ فِي الوَقْتِ المُعَيَّنِ. لِأنَّ القُوَّةَ الخَفِيَّةَ للمَعصِيَةِ تَعْمَلُ بِالفِعْلِ، لَكِنِ الَّذِي يَمْنَعُهُ الآنَ سَيُواصِلُ مَنْعَهُ إلَى أنْ يُرفَعَ هَذَا المَانِعُ. حِينَئِذٍ، سَيَظْهَرُ ذَلِكَ العَاصِي، وَسَيُبِيدُهُ الرَّبُّ يَسُوعُ بِنَفخَةٍ مِنْ فَمِهِ، وَيُدَمِّرُهُ عِنْدَمَا يَعُودُ فِي ظُهُورِهِ المَجِيدِ. وَسَيَكُونُ مَجِيئُهُ بِقُوَّةِ إبْلِيسَ، مَصحُوبًا بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَبِبَرَاهِينَ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ. سَيَسْتَخْدِمُ كُلَّ أشكَالِ الشَّرِّ المُخَادِعِ، لِيَخْدَعَ السَّائِرِينَ عَلَى طَرِيقِ الهَلَاكِ. وَسَيَهْلِكُونَ لِأنَّهُمْ رَفَضُوا أنْ يُحِبُّوا الحَقَّ الَّذِي يُخَلِّصُهُمْ. وَلِهَذَا السَّبَبِ، يُرْسِلُ اللهُ إلَيْهِمْ قُوَّةَ الضَّلَالِ لِتَعْمَلَ فِيهِمْ، لِكَي يُصَدِّقُوا الخِدَاعَ. وَسَيَدِينُ اللهُ كُلَّ الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ الحَقَّ بَلْ يَتَلَذَّذُونَ بِالإثمِ. وَأمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي أنْ نَشكُرَ اللهَ دَائِمًا مِنْ أجْلِكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ المَحبُوبُونَ مِنَ الرَّبِّ. يَنْبَغِي أنْ نَشكُرَ اللهَ لِأنَّهُ اخْتَارَكُمْ مِنَ البَدءِ لِكَي تَخْلُصُوا، وَذَلِكَ بِعَمَلِ الرُّوحِ القُدُسِ الَّذِي يُقَدِّسُكُمْ، وَبِإيمَانِكُمْ أنْتُمْ بِالحَقِّ. دَعَاكُمُ اللهُ إلَى هَذَا الخَلَاصِ بِوَاسِطَةِ البِشَارَةِ الَّتِي بَشَّرنَاكُمْ بِهَا، لِكَي تَحْصُلُوا عَلَى المَجْدِ الَّذِي يَخُصُّ رَبَّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. فَاثبُتُوا أيُّهَا الإخْوَةُ، وَتَمَسَّكُوا بِالتَّقَالِيدِ الَّتِي تَسَلَّمتُمُوهَا مِنَّا، سَوَاءٌ بِالْكَلَامِ أمْ بِرِسَالَتِنَا. فَلَيتَ الرَّبَّ يَسُوعَ المَسِيحَ نَفْسَهُ، وَاللهَ أبَانَا الَّذِي أظْهَرَ لَنَا مَحَبَّتَهُ، وَأعطَانَا بِنِعْمَتِهِ عَزَاءً أبَدِيًّا وَرَجَاءً رَاسِخًا، أنْ يُعَزِّيَكُمْ وَيُقَوِّيَكُمْ فِي كُلِّ شَيءٍ صَالِحٍ تَعْمَلُونَهُ وَتَقُولُونَهُ. أخِيرًا أيُّهَا الإخْوَةُ، نَطلُبُ مِنْكُمْ أنْ تُصَلُّوا مِنْ أجْلِنَا، لِكَي تَنْتَشِرَ رِسَالَةُ الرَّبِّ بِسُرعَةٍ وَتَتَمَجَّدَ، كَمَا حَدَثَ عِنْدَكُمْ. وَصَلُّوا أنْ يُنقِذَنَا الرَّبُّ مِنَ المُنحَرِفِينَ الأشْرَارِ. فَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يُؤمِنُونَ بِالرَّبِّ، لَكِنَّ الرَّبَّ أمِينٌ دَائِمًا، وَهُوَ سَيُقَوِّيكُمْ وَيَحْرُسُكُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ. نَحْنُ وَاثِقُونَ بِالرَّبِّ بِشَأنِكُمْ، وَمُتَأكِّدُونَ أنَّكُمْ تَعْمَلُونَ وَسَتَعْمَلُونَ بِمَا أوصَينَاكُمْ. فَلَيتَ الرَّبَّ يُوَجِّهُ قُلُوبَكُمْ إلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَإلَى صَبرِ المَسِيحِ. وَالْآنَ نُوصِيكُمْ، أيُّهَا الإخْوَةُ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ أنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أخٍ يَحيَا حَيَاةَ الكَسَلِ، وَلَيْسَ حَسَبَ التَّقلِيدِ الَّذِي أخَذَهُ عَنَّا. أقُولُ هَذَا لِأنَّكُمْ تَعْرِفُونَ كَيْفَ يَنْبَغِي أنْ تَقْتَدُوا بِنَا. فَحِينَ عِشنَا بَيْنَكُمْ لَمْ نَكُنْ كَسَالَى. لَمْ نَأكُلْ طَعَامًا مِنْ عِندِ أحَدٍ دُونَ مُقَابِلٍ، بَلْ عَمِلنَا وَتَعِبنَا لَيْلًا وَنَهَارًا لِئَلَّا نَكُونَ عِبْئًا عَلَى أحَدٍ مِنْكُمْ. وَهَذَا لَا يَعْنِي أنَّهُ لَا حَقَّ لَنَا فِي طَلَبِ دَعمٍ مِنْكُمْ، لَكِنَّنَا عَمِلْنَا بِأيدِينَا لِكَي نَضرِبَ لَكُمْ مِثَالًا فَتَقْتَدُوا بِنَا. فَلَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ، وَضَعْنَا لَكُمُ القَاعِدَةَ التَّالِيَةَ: «إنْ كَانَ أحَدٌ يَرْفُضُ أنْ يَعْمَلَ، فَلَا يَحِقُّ لَهُ أنْ يَأْكُلَ.» نَقُولُ هَذَا لِأنَّنَا نَسمَعُ أنَّ بَعْضًا مِنْكُمْ يَعِيشُونَ حَيَاةَ الكَسَلِ وَلَا يَنْشَغِلُونَ بِأعْمَالِهِمْ، بَلْ يَجْرُونَ هُنَا وَهُنَاكَ بِلَا هَدَفٍ. فَنَحْنُ نَأمُرُ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الأشْخَاصِ وَنَحُثُّهُمْ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ أنْ يَشْتَغِلُوا بِهُدُوءٍ، وَأنْ يَكْسِبُوا خُبْزَهُمْ بِتَعَبِهِمْ. أمَّا أنْتُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ، فَلَا تَمَلُّوا مِنْ عَمَلِ الخَيْرِ. وَإذَا كَانَ أحَدٌ لَا يُطِيعُ تَعْلِيمَنَا الوَارِدَ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ، فَلْيَكُنْ مَعْرُوفًا لَدَيْكُمْ. وَلَا تُخَالِطُوهُ، لِكَي يَخْجَلَ مِنْ نَفْسِهِ. لَكِنْ لَا تُعَامِلُوهُ كَعَدُوٍّ، بَلِ انصَحُوهُ كَأخٍ. وَالْآنَ، لِيُعطِكُمْ رَبُّ السَّلَامِ نَفْسُهُ سَلَامًا كُلَّ حِينٍ، وَمِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. وَلْيَكُنِ الرَّبُّ مَعَكُمْ جَمِيعًا. وَهَا أنَا بُولُسَ، أكتُبُ هَذِهِ التَّحِيَّةَ بِخَطِّ يَدِي. هَكَذَا أكتُبُ وَأُوَقِّعُ كُلَّ رِسَالَةٍ: لِتَكُنْ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ مَعَكُمْ جَمِيعًا. مِنْ بُولُسَ الَّذِي هُوَ رَسُولٌ لِلمَسِيحِ يَسُوعَ بِأمْرِ اللهِ مُخَلِّصِنَا، وَأمْرِ المَسِيحِ يَسُوعَ رَجَائِنَا. إلَى تِيمُوثَاوُسَ ابنِي الأصِيلِ فِي الإيمَانِ: لِيَكُنْ لَكَ نِعْمَةٌ وَرَحمَةٌ وَسَلَامٌ مِنَ اللهِ الآبِ، وَمِنَ المَسِيحِ يَسُوعَ، رَبِّنَا. أرِيدُكَ أنْ تَبْقَى فِي أفَسُسَ، كَمَا سَبَقَ أنْ طَلَبتُ مِنْكَ حِينَ كُنْتَ مُتَوَجِّهًا إلَى مَكدُونِيَّةَ. فَأنَا أُرِيدُكَ أنْ تَأْمُرَ أُنَاسًا مُعَيَّنِينَ أنْ يَتَوَقَّفُوا عَنْ نَشرِ عَقَائِدَ خَاطِئَةٍ. وَمُرْهُمْ بِأنْ لَا يَنْتَبِهُوا لِخُرَافَاتٍ وَسَلَاسِلِ نَسَبٍ لَا تَنْتَهِي. فَهَذِهِ أُمُورٌ تُعَزِّزُ المُشَاجَرَاتِ، لَا خُطَطَ اللهِ الَّتِي تَتَحَقَّقُ بِالإيمَانِ. وَهَدَفُ هَذِهِ الوَصِيَّةِ هُوَ التَّشجِيعُ عَلَى المَحَبَّةِ النَّابِعَةِ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإيمَانٍ مُخْلِصٍ. فَقَدِ انحَرَفَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ الأسَاسِيَّةِ، وَالتَفَتُوا إلَى الأحَادِيثِ الفَارِغَةِ. وَهُمْ يُرِيدُونَ أنْ يَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِلشَّرِيعَةِ دُونَ أنْ يَفْهَمُوا مَا يَقُولُونَهُ أوْ مَا يُؤَكِّدُونَهُ بِثِقَةٍ! أمَّا نَحْنُ فَنَعْرِفُ أنَّ الشَّرِيعَةَ صَالِحَةٌ إنْ كَانَ أحَدٌ يُطَبِّقُهَا بِطَرِيقَةٍ صَحِيحَةٍ، عَالِمًا أنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تَسْتَهْدِفُ الصَّالِحِينَ، بَلِ العُصَاةَ وَالمُتَمَرِّدِينَ وَغَيْرَ الأتقِيَاءِ وَالخُطَاةَ، وَالنَّجِسِينَ وَالدُّنيَوِيِّينَ، وَقَتَلَةَ آبَائِهِمْ وَقَتَلَةَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَجَمِيعَ القَتَلَةِ، وَالمُنحَلِّينَ جِنسِيًّا، وَالشَّاذِّينَ جِنسِيًّا، وَتُجَّارَ العَبِيدِ، وَالكَذَّابِينَ وَشَاهِدي الزُّورِ، وَكُلَّ مَنْ يُقَاوِمُ التَّعلِيمَ الصَّحِيحَ الَّذِي يَنْسَجِمُ مَعَ البِشَارَةِ المَجِيدَةِ الآتِيَةِ مِنَ اللهِ المُبَارَكِ، وَالَّتِي استَأْمَنَنِي اللهُ عَلَيْهَا. وَأنَا أشكُرُ المَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا، الَّذِي قَوَّانِي، لِأنَّهُ اعتَبَرَنِي أمِينًا وَعَيَّنَنِي لِخِدمَتِهِ. أكرَمَنِي بِهَذَا مَعَ أنَّنِي كُنْتُ فِيمَا مَضَى أنتَقِصُ مِنْ قَدرِ اللهِ. كُنْتُ مُجَدِّفًا وَمُضطَهِدًا وَعَنِيفًا. غَيْرَ أنِّي رُحِمتُ، حَيْثُ أنِّي فَعَلْتُ مَا فَعَلْتُ عَنْ عَدَمِ إيمَانٍ وَعَنْ جَهلٍ. لَكِنَّ نِعْمَةَ رَبِّنَا فَاضَتْ مَعَ الإيمَانِ وَالمَحَبَّةِ اللَّذَيْنِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. هَذَا قَولٌ جَدِيرٌ بِالثِّقَةِ وَيَسْتَحِقُّ قُبُولًا كَامِلًا: لَقَدْ دَخَلَ المَسِيحُ يَسُوعُ عَالَمَنَا لِيُخَلِّصَ الخُطَاةَ، وَأنَا أسوَأُهُمْ! لَكِنَّنِي رُحِمتُ لِهَذَا السَّبَبِ: لِكَي يُبَيِّنَ المَسِيحُ يَسُوعُ، بِاستِخدَامِهِ لِي أنَا أسوَإِ الخُطَاةِ، كَامِلَ صَبرِهِ. وَهُوَ يَضْرِبُ بِي مَثَلًا لِلَّذِينَ سَيُؤمِنُونَ بِهِ مُسْتَقْبَلًا لِيَنَالُوا الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ. فَلِلمَلِكِ السَّرمَدِيِّ الخَالِدِ وَغَيرِ المَنظُورِ، لِلإلَهِ الوَحِيدِ الكَرَامَةُ وَالمَجْدُ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. آمِين. إنِّي أستَوْدِعُكَ هَذِهِ الوَصِيَّةَ، يَا ابنِي تِيمُوثَاوُسَ. وَهِيَ تَنْسَجِمُ مَعَ الرَّسَائِلِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي قِيلَتْ سَابِقًا. أستَوْدِعُكَ إيَّاهَا لِكَي تُحَارِبَ بِهَا المُحَارَبَةَ الحَسَنَةَ، بِالإيمَانِ وَالضَّمِيرِ الصَّالِحِ. فَهُنَاكَ مَنْ تَخَلَّوْا عَنِ الضَّمِيرِ الصَّالِحِ، فَتَحَطَّمَتْ سَفِينَةُ إيمَانِهِمْ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ هِمِنَايُسُ وَإسكَندَرُ اللَّذَانِ أسلَمتُهُمَا لِلشَّيطَانِ، لِكَي يَتَعَلَّمَا دَرسًا فِي عَدَمِ إهَانَةِ اللهِ. أوَّلًا وَقَبْلَ كُلِّ شَيءٍ، أحُثُّكُمْ عَلَى أنْ تُقَدِّمُوا للهِ أدعِيَةً وَصَلَوَاتٍ وَطِلْبَاتٍ مَعَ الشُّكْرِ مِنْ أجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ. وَاذكُرُوا عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ الحُكَّامَ وَأصْحَابَ السُّلطَةِ. صَلُّوا أنْ نَحيَا حَيَاةَ هُدُوءٍ وَسَلَامٍ، مَملوءَةً بِعِبَادَةِ اللهِ وَإكرَامِهِ. فَهَذَا صَالِحٌ وَمُرضٍ للهِ مُخَلِّصِنَا، الَّذِي يُريدُ أنْ يَأْتِيَ جَمِيعُ النَّاسِ إلَى الخَلَاصِ، وَأنْ يَتَوَصَّلُوا إلَى مَعْرِفَةِ الحَقِّ. اللهُ وَاحِدٌ، وَالوَسِيطُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ وَاحِدٌ هُوَ الإنْسَانُ يَسُوعُ المَسِيحُ. وَقَدْ بَذَلَ نَفْسَهُ فِديَةً لِأجْلِ خَطَايَا جَمِيعِ النَّاسِ، مُقَدِّمًا شَهَادَةً عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ. وَقَدْ عُيِّنتُ مُبَشِّرًا وَرَسُولًا مِنْ أجْلِ نَشرِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ. كَلَامِي هَذَا صَادِقٌ وَلَا كَذِبَ فِيهِ. كَمَا عُيِّنتُ مُعَلِّمًا لِلإيمَانِ وَالحَقِّ لِغَيرِ اليَهُودِ. فَأنَا أُرِيدُ أنْ يُصَلِّيَ الرِّجَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، رَافِعِينَ أيَادِي طَاهِرَةً للهِ، دُونَ غَضَبٍ أوْ جِدَالٍ. كَذَلِكَ أُرِيدُ أنْ تَتَزَيَّنَ النِّسَاءُ بِثِيَابٍ لَائِقَةٍ، بِتَوَاضُعٍ وَضَبطِ نَفْسٍ. وَلَا يَنْبَغِي أنْ يَنْشَغِلْنَ بِتَصْفِيفِ الشَّعرِ المُبَالَغِ فِيهِ، وَالذَّهَبِ، أوِ اللَّآلِئِ أوِ المَلَابِسِ الغَالِيَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أنْ يَتَزَيَّنَّ بِالأعْمَالِ الصَّالِحَةِ، كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ يُجَاهِرْنَ بِمَهَابَةِ اللهِ. فعَلَى المَرْأةِ أنْ تَتَعَلَّمَ بِهُدُوءٍ وَفِي خُضُوعٍ تَامٍّ. لَا أسمَحُ لِلمَرْأةِ بِأنْ تُعَلِّمَ الرَّجُلَ أوْ أنْ تَكُونَ صَاحِبَةَ السُّلطَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ هَادِئَةً. أقُولُ هَذَا لِأنَّ آدَمَ شُكِّلَ أوَّلًا، وَشُكِّلَتْ حَوَّاءُ بَعْدَهُ. وَلَمْ يَكُنْ آدَمُ هُوَ الَّذِي احتِيلَ عَلَيْهِ، بَلِ المَرْأةُ هِيَ الَّتِي احتِيلَ عَلَيْهَا فَوَقَعَتْ فِي الخَطِيَّةِ. لَكِنَّ المَرْأةَ سَتَخْلُصُ بِوِلَادَةِ الأطْفَالِ، وَذَلِكَ إنْ ثَبَتنَ فِي الإيمَانِ وَالمَحَبَّةِ وَالقَدَاسَةِ مَعَ العَقلِ المُتَّزِنِ. هَذَا قَولٌ جَدِيرٌ بِالثِّقَةِ: إنْ كَانَ أحَدٌ يَرْغَبُ بِأنْ يَكُونَ مُشرِفًا، فَإنَّ رَغبَتَهُ هَذِهِ نَبِيلَةٌ. لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ يَحيَا الشَّيخُ حَيَاةً لَا تُعطِي مَجَالًا لِلِانتِقَادِ، وَأنْ لَا يَكُونَ مُتَزَوِّجًا مِنْ أكْثَرِ مِنِ امْرأةٍ وَاحِدَةٍ، مُعتَدِلًا مُتَعَقِّلًا وَقُورًا وَمِضيَافًا. وَلَا بُدَّ أنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا قَدِيرًا. وَلَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مُولَعًا بِالخَمْرِ أوْ مَيَّالًا إلَى العُنفِ، بَلْ لَطِيفًا وَمُسَالِمًا وَغَيْرَ مُحِبٍّ لِلمَالِ. وَيَنْبَغِي أنْ يُدِيرَ شُؤونَ بَيْتِهِ حَسَنًا، وَأنْ يَكُونَ أبنَاؤُهُ خَاضِعِينَ لَهُ فِي احتِرَامٍ كَامِلٍ. فَإنْ كَانَ أحَدٌ يَجْهَلُ كَيْفَ يُدِيرُ بَيْتَهُ، كَيْفَ نَتَوَقَّعُ مِنْهُ أنْ يَرْعَى كَنِيسَةَ اللهِ؟ كَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ حَدِيثًا فِي الإيمَانِ، لِئَلَّا يَنْتَفِخَ بِالكِبرِيَاءِ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الحُكْمُ الَّذِي وَقَعَ عَلَى إبْلِيسَ. كَمَا يَنْبَغِي أنْ يَتَمَتَّعَ بِسُمعَةٍ حَسَنَةٍ عِنْدَ غَيْرِ المُؤمِنِينَ، لِئَلَّا يَجْلِبَ الانْتِقَادَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَقَعَ فِي فَخِّ إبْلِيسَ. كَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ الخُدَّامُ المُعَيَّنُونَ فِي خِدْمَاتٍ خَاصَّةٍ جَدِيرِينَ بِالِاحتِرَامِ، وَكَلِمَتُهُمْ جَدِيرَةً بِالثِّقَةِ، غَيْرَ مَيَّالِينَ إلَى الإفرَاطِ فِي الشُّربِ، أوْ مُولَعِينَ بِالمَكَاسِبِ غَيْرِ الشَّرِيفَةِ، مُتَمَسِّكِينَ بِحَقَائِقِ إيمَانِنَا العَمِيقَةِ بِضَمِيرٍ نَقِيٍّ. كَمَا يَنْبَغِي أنْ يَتِمَّ اختِبَارُ هَؤُلَاءِ أوَّلًا، كَمَا هُوَ الحَالُ مَعَ المُشرِفِينَ. فَإذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَأخَذٌ عَلَيْهِمْ، فَلْيَخْدِمُوا فِي خِدْمَاتِهِمُ الخَاصَّةِ. كَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ النِّسَاءُ جَدِيرَاتٍ بِالِاحْتِرَامِ. فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَكُنَّ نَمَّامَاتٍ وَمُفتَرِيَاتٍ، بَلْ مُعتَدِلَاتٍ وَجَدِيرَاتٍ بِالثِّقَةِ فِي كُلِّ شَيءٍ. أمَّا أُولَئِكَ الخُدَّامُ فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونُوا مُخْلِصِينَ لِزَوْجَاتِهِمْ، وَقَادِرِينَ عَلَى الاهتِمَامِ بِالأطْفَالِ وَبِأهْلِ بَيْتِهِمْ. فَالَّذِينَ يَخْدِمُونَ خِدْمَةً حَسَنَةً مِنْ هَذَا النَّوعِ يَنَالُونَ مَنزِلَةً حَسَنَةً، وَثِقَةً فِي إيمَانِهِمْ بِالمَسِيحِ يَسُوعَ. أكتُبُ إلَيْكَ هَذِهِ الأُمُورَ رُغْمَ أنِّي آمُلُ أنْ آتِيَ لِرُؤيَتِكَ سَرِيعًا. لَكِنْ إذَا تَأخَّرتُ فِي مَجِيئِي، سَتُعلِمُكَ هَذِهِ الرِّسَالَةُ كَيْفَ يَنْبَغِي أنْ يَتَصَرَّفَ المُؤمِنُ فِي بَيْتِ اللهِ، أيْ كَنِيسَةِ اللهِ الحَيِّ، دَعَامَةِ الحَقِّ وَقَاعِدَتِهِ. وَبِلَا شَكٍّ، فَإنَّ سِرَّ حَيَاتِنَا فِي عِبَادَةِ اللهِ سِرٌّ عَظِيمٌ: اللهُ ظَهَرَ فِي جَسَدٍ بَشَرِيٍّ، شَهِدَ الرُّوحُ لِبِرِّهِ، رَأتْهُ مَلَائِكَةٌ، بُشِّرَ بِهِ بَيْنَ الشُّعُوبِ، آمَنَ العَالَمُ بِهِ، وَرُفِعَ إلَى السَّمَاءِ فِي مَجدٍ. يَقُولُ الرُّوحُ القُدُسُ بِوُضُوحٍ إنَّهُ فِي أوَاخِرِ الأزمِنَةِ سَيَتَخَلَّى قَومٌ عَنِ الإيمَانِ، وَسَيَتْبَعُونَ أروَاحًا مُضَلِّلَةً، وَتَعَالِيمَ مَصدَرُهَا أروَاحٌ شِرِّيرَةٌ، يَنْشُرُهَا أشخَاصٌ كَذَبَةٌ مُنَافِقُونَ، وَكَأنَّ ضَمَائِرَهُمْ قَدِ احتَرَقَتْ! سَيُحَرِّمُونَ الزَّوَاجَ عَلَى أتبَاعِهِمْ، وَيَأْمُرُونَهُمْ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ أطْعِمَةٍ خَلَقَهَا اللهُ لِكَي يَتَنَاوَلَهَا المُؤمِنُونَ وَعَارِفُو الحَقِّ شَاكِرِينَ. فَكُلُّ مَا خَلَقَهُ اللهُ صَالِحٌ، وَلَا يَنْبَغِي أنْ يُرفَضَ مِنْهُ شَيءٌ، بَلْ أنْ يُقبَلَ مَعَ الشُّكْرِ. لِأنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَبِالصَّلَاةِ. فَإنْ بَيَّنتَ هَذِهِ الأُمُورَ لِلإخوَةِ، تَكُونُ خَادِمًا صَالِحًا لِلمَسِيحِ يَسُوعَ. وَسَتُثبِتُ أيْضًا أنَّكَ حَقًّا اتَّبَعتَ حَقَائِقَ الإيمَانِ وَالتَّعَالِيمِ الصَّالِحَةِ الَّتِي نَشَأتَ عَلَيْهَا. لَكِنِ ارفُضِ الخُرَافَاتِ الدُّنيَوِيَّةَ الَّتِي تُشبِهُ قِصَصَ العَجَائِزِ، وَتَدَرَّبْ دَائِمًا عَلَى عِبَادَةِ اللهِ. فَلِلتَّدرِيبِ الجَسَدِيِّ قِيمَةٌ مَحدُودَةٌ، أمَّا عِبَادَةُ اللهِ فَلَهَا قِيمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِأنَّهَا تَعِدُ بِبَرَكَاتٍ فِي الحَيَاةِ الحَاضِرَةِ وَالمُسْتَقْبَلَةِ أيْضًا. وَهَذَا قَولٌ جَدِيرٌ بِالثِّقَةِ وَمُسْتَحِقٌّ قُبُولًا كَامِلًا: إنَّنَا نَتعَبُ وَنُنَاضِلُ لِأنَّنَا وَضَعْنَا رَجَاءَنَا فِي اللهِ الحَيِّ، مُخَلِّصِ جَمِيعِ النَّاسِ، وَخَاصَّةً المُؤمِنِينَ. أوْصِ بِهَذَا وَعَلِّمْ بِهِ. لَا يَسْتَهِنْ بِكَ أحَدٌ بِسَبَبِ كَونِكَ شَابًّا، بَلْ كُنْ قُدوَةً لِلمُؤمِنِينَ بِكَلَامِكَ وَسُلُوكِكَ وَمَحَبَّتِكَ وَإيمَانِكَ وَنَقَاءِ حَيَاتِكَ. وَإلَى أنْ آتِيَ، وَاصِلْ قِرَاءَةَ كَلِمَةِ اللهِ، مِنْ أجْلِ تَشْجِيعِ المُؤمِنِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ. وَلَا تُهمِلْ مَوهِبَتَكَ الرُّوحِيَّةَ الَّتِي وُهِبَتْ لَكَ بِرِسَالَةٍ نَبَوِيَّةٍ عِنْدَمَا وَضَعَ شُيُوخُ الكَنِيسَةِ أيدِيَهُمْ عَلَيْكَ. أعْطِ اهتِمَامًا كَامِلًا لِهَذِهِ الأُمُورِ، وَانهَمِكْ فِيهَا تَمَامًا، لِكَي يَكُونَ تَقَدُّمُكَ بَادِيًا لِجَمِيعِ النَّاسِ. انتَبِه لِحَيَاتِكَ وَتَعْلِيمِكَ. وَدَاوِمْ عَلَى ذَلِكَ، لِأنَّكَ بِهَذَا تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ. لَا تُوَبِّخْ شَيخًا، بَلِ انصَحهُ كَأبٍ. وَعَامِلِ الشَّبَابَ كَإخوَةٍ. أمَّا العَجَائِزُ فَعَامِلْهُنَّ كَأُمَّهَاتٍ، وَالشَّابَّاتِ كَأخَوَاتٍ بِكُلِّ طَهَارَةٍ. رَاعِ الأرَامِلَ المَحرُومَاتِ بِالفِعْلِ. لَكِنْ إنْ كَانَ لِأرمَلَةٍ أبْنَاءٌ وَأحْفَادٌ، فَعَلَى هَؤُلَاءِ أنْ يَتَعَلَّمُوا أوَّلًا مُمَارَسَةَ إيمَانِهِمْ بِالِاهْتِمَامِ بِعَائِلَاتِهِمْ. فَهُمْ بِهَذَا يَرُدُّونَ فَضْلَ وَالِدِيهِمْ أوْ أجْدَادِهِمُ الَّذِينَ رَبَّوهُمْ. وَهَذَا مُرْضٍ للهِ. فَالأرْمَلَةُ الحَقِيقِيَّةُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَنْ يَعْتَنِي بِهَا، تَضَعُ رَجَاءَهَا فِي الرَّبِّ، وَتُواظِبُ عَلَى الأدْعِيَةِ وَالصَّلَوَاتِ لَيلَ نَهَارَ. أمَّا الأرْمَلَةُ الَّتِي تَحيَا لِمَلَذَّاتِهَا، فَهِيَ فِي الحَقيقَةِ مَيِّتَةٌ مَعَ أنَّهَا حَيَّةٌ! فَأوْصِ بِهَذِهِ الأُمُورِ لِكَي لَا يَجِدَ أحَدٌ مَا يَنْتَقِدُهُنَّ عَلَيْهِ. لَكِنْ إنْ كَانَ أحَدٌ لَا يَعُولُ أقْرِبَاءَهُ، خَاصَّةً عَائِلَتَهُ، فَقَدْ تَنَكَّرَ لِلإيمَانِ. وَمِثْلُ هَذَا أسوَأُ مِنْ غَيْرِ المُؤمِنِ! لَا تُدرِجِ امْرأةً فِي قَائِمَةِ الأرَامِلِ إنْ كَانَ عُمرُهَا أقَلَّ مِنْ سِتِّينَ عَامًا، أوَ إنْ كَانَتْ قَدْ تَطَلَّقَتْ يَومًا وَتَزَوَّجَتْ رَجُلًا آخَرَ. كَمَا يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ مَعرُوفَةً بِأعْمَالِهَا الصَّالِحَةِ، بِمَا فِيهَا تَرْبِيَةُ أبنَائِهَا، وَحُسنُ الضِّيَافَةِ، وَغَسلُ أقْدَامِ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ، وَمُسَاعَدَةُ الَّذِينَ فِي ضِيقٍ، وَتَكْرِيسُ نَفْسِهَا لِكُلِّ أنْوَاعِ الأعْمَالِ الصَّالِحَةِ. فَارفُضْ إدرَاجَ الأرَامِلِ الشَّابَّاتِ، لِأنَّهُ مَتَى غَلَبَتْ شَهَوَاتُهُنَّ تَكْرِيسَهُنَّ لِلمَسِيحِ، سَيُفَضِّلْنَ الزَّوَاجَ ثَانِيَةً عَلَى خِدْمَةِ المَسِيحِ. وَسَيَكُنَّ عُرضَةً لِلإدَانَةِ لِأنَّهُنَّ كَسَرنَ عَهْدَهُنَّ الأوَّلَ. وَفَضلًا عَنْ ذَلِكَ، فَإنَّهُنَّ يَكْتَسِبنَ عَادَةَ الكَسَلِ وَالتَّسَكُّعَ مِنْ بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ. وَلَنْ يُصبِحنَ كَسُولَاتٍ فَحَسْبُ، بَلْ سَيَبْدَأنَ أيْضًا بِالنَّمِيمَةِ وَالتَّدَخُّلِ فِي أُمُورِ الآخَرِينَ، وَالكَلَامِ الفَارِغِ! لِهَذَا أُرِيدُ لِلأرَامِلِ الشَّابَّاتِ أنْ يَتَزَوَّجنَ، وَأنْ يُرَبِّينَ أبْنَاءً، وَأنْ يُدَبِّرنَ بُيُوتَهُنَّ، فَلَا يَكُونُ لِمَنْ يُقَاوِمُونَنَا عُذرٌ فِي انتِقَادِنَا. أقُولُ هَذَا لِأنَّ بَعْضَ الأرَامِلِ قَدِ انحَرَفنَ لِيَتْبَعنَ إبْلِيسَ. فَإذَا كَانَتْ لِمُؤمِنَةٍ أرَامِلُ فِي عَائِلَتِهَا، عَلَيْهَا أنْ تُسَاعِدَهُنَّ، فَلَا يَكُنَّ عِبئًا عَلَى الكَنِيسَةِ. حينّئِذٍ تَسْتَطِيعُ الكَنِيسَةُ أنْ تُسَاعِدَ الأرَامِلَ الحَقِيقِيَّاتِ. أمَّا الشُّيُوخُ الَّذِينَ يَقُودُونَ الكَنِيسَةَ بِشَكلٍ حَسَنٍ، فَهُمْ جَدِيرُونَ بِالحُصُولِ عَلَى مُكَافَأةٍ مُضَاعَفَةٍ، خَاصَّةً المُنشَغِلِينَ فِي الوَعظِ وَالتَّعلِيمِ. فَالكِتَابُ يَقُولُ: «لَا تُكَمِّمْ ثَوْرًا وَهُوَ يَدْرُسُ القَمْحَ.» وَيَقُولُ أيْضًا: «أُجرَةُ العَامِلِ حَقٌ لَهُ.» لَا تَقْبَلِ اتِّهَامًا ضِدَّ أحَدِ الشُّيوخِ مَا لَمْ يُدعَمْ بِشَاهِدَينِ أوْ ثَلَاثَةٍ. أمَّا الَّذِينَ يُمَارِسونَ الخَطِيَّةَ بِاستِمرَارٍ، فَوَبِّخْهُمْ أمَامَ الكَنِيسَةِ كُلِّهَا، لِكَي يَخَافَ البَقِيَّةُ. أُنَاشِدُكَ أمَامَ اللهِ وَالمَسِيحِ يَسُوعَ وَالمَلَائِكَةِ المُختَارِينَ أنْ تُرَاعِيَ هَذِهِ التَّعلِيمَاتِ دُونَ أنْ تُصدِرَ أحكَامًا مُسْبَقَةً عَلَى أحَدٍ، وَمِنْ دُونِ تَمييزٍ بَيْنَ شَخْصٍ وَآخَرَ. احرِصْ عَلَى أنْ لَا تَتَسَرَّعَ فِي وَضْعِ يَدِكَ عَلَى أحَدٍ لإطلَاقِهِ فِي خِدْمَةِ الرَّبِّ. وَلَا تَشْتَرِكْ فِي خَطَايَا الآخَرِينَ، بَلِ احفَظْ نَفْسَكَ نَقِيًّا دَائِمًا. لَا تَكْتَفِ بِشُربِ المَاءِ وَحْدَهُ فِيمَا بَعْدُ، بَلِ استَخْدِمْ بَعْضَ النَّبيذِ مِنْ أجْلِ مَعِدَتِكَ وَاعْتِلَالَاتِكَ المُتَكَرِّرَةِ. خَطَايَا بَعْضُ النَّاسِ وَاضِحَةٌ تَمَامًا، وَهِيَ تَسْبِقُهُمْ إلَى المُحَاكَمَةِ. وَأمَّا بَعْضُهُمْ فَخَطَايَاهُمْ تَلْحَقُ بِهِمْ! وَالأعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَاضِحَةٌ تَمَامًا أيْضًا، لَكِنْ حَتَّى غَيْرُ الوَاضِحَةِ لَنْ تَخْفَى إلَى الأبَدِ. عَلَى العَبِيدِ تَحْتَ سُلطَةِ غَيْرِ المؤمِنِينَ أنْ يُعَامِلُوا أسيَادَهُمْ بِكُلِّ احتِرَامٍ. وَهَكَذَا يُجَنِّبُونَ اسْمَ اللهِ وَتَعْلِيمَنَا أيَّ انتِقَادٍ. أمَّا العَبِيدُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ لَدَى أسيَادٍ مُؤمِنِينَ، فَلَا يَنْبَغِي أنْ يُظهِرُوا لَهُمُ احتِرَامًا أقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَهُمْ إخْوَتُهُمْ. بَلْ يَنْبَغِي أنْ يَخْدِمُوهُمْ عَلَى نَحوٍ أفْضَلَ، لِأنَّ فَائِدَةَ عَمَلِهِمْ تَعُودُ عَلَى مُؤمِنِينَ مَحبُوبِينَ مِنْهُمْ. عَلِّمِ المُؤمِنِينَ وَشَجِّعهُمْ عَلَى عَمَلِ هَذِهِ الأُمُورِ. أمَّا إنْ كَانَ أحَدٌ يُعَلِّمُ شَيْئًا خِلَافَ ذَلِكَ، فَإنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالتَّعَالِيمِ القَوِيمَةِ لِرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، وَبِالتَّعلِيمِ المُنسَجِمِ مَعَ تَقْوَى اللهِ. بَلْ هُوَ مُنتَفِخٌ بِالكِبرِيَاءِ وَلَا يَفْقَهُ شَيْئًا، وَهُوَ مُصَابٌ بِمَرَضِ المُجَادَلَاتِ وَالمُشَاجَرَاتِ الكَلَامِيَّةِ، الَّتِي مِنْهَا يَبْرُزُ الحَسَدُ وَالخِصَامُ وَالافْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيئَةُ. وهَكَذَا تَنْشَأُ مُنَازَعَاتٌ يُثِيرُهَا أشخَاصٌ فَاسِدُو الذِّهنِ وَخَالُونَ مِنَ الحَقِّ. يَظُنُّونَ أنَّ خِدْمَةَ اللهِ وَسِيلَةٌ لِلثَّرَاءِ. أمَّا خِدْمَةُ اللهِ مَصحُوبَةً بِالقَنَاعَةِ، فَإنَّهَا ثَروَةٌ عَظِيمَةٌ. فَحِينَ دَخَلْنَا إلَى الحَيَاةِ، لَمْ يَكُنْ مَعَنَا أيُّ شَيءٍ، لِهَذَا نُدرِكُ أنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ أنْ نَخرُجَ مِنْهَا بِشَيءٍ أيْضًا. فَإنْ تَوَفَّرَ لَنَا الطَّعَامُ وَالمَلبَسُ، لِنَكُنْ قَانِعِينَ بِذَلِكَ. أمَّا الَّذِينَ يَرْغَبُونَ فِي الثَّرَاءِ فَيَقَعُونَ فِي إغوَاءٍ وَفَخٍّ وَكَثِيرٍ مِنَ الشَّهَوَاتِ الغَبِيَّةِ الضَّارَّةِ. وَمِنْ شَأنِ هَذِهِ أنْ تَقْذِفَ بِالنَّاسِ إلَى الخَرَابِ وَالهَلَاكِ. فَمَحَبَّةُ المَالِ هِيَ جَذرُ كُلِّ أنْوَاعِ الشَّرِّ. فَفِي لَهفَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى المَالِ، انسَاقُوا بَعِيدًا عَنِ الإيمَانِ، وَجَلَبُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ مَصَائِبَ كَثِيرَةً. أمَّا أنْتَ يَا رَجُلَ اللهِ، فَتَجَنَّبْ هَذَا كُلَّهُ، وَاسْعَ إلَى البِرِّ وَخِدْمَةِ اللهِ وَالإيمَانِ وَالمَحَبَّةِ وَالصَّبرِ وَاللُّطفِ. وَاصِلْ نِضَالَكَ فِي المُبَارَاةِ النَّبِيلَةِ الَّتِي يَتَطَلَّبُهَا الإيمَانُ، وَفُزْ بِالحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ الَّتِي دُعِيتَ إلَيْهَا عِنْدَمَا اعتَرَفتَ بِإيمَانِكَ اعتِرَافًا نَبِيلًا أمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ. أوصِيكَ أمَامَ اللهِ الَّذِي هُوَ مَصدَرُ الحَيَاةِ لِكُلِّ حَيٍّ، وَأمَامَ المَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي اعتَرَفَ اعتِرَافًا حَسَنًا أمَامَ بُنطيُوسَ بِيلَاطُسَ، بِأنْ تُطِيعَ مَا أوصَيتُكَ بِه، فَتَبْقَى بِلَا عَيْبٍ أوْ مَلَامَةٍ حَتَّى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، الَّذِي سَيُبَيِّنُهُ اللهُ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ. وَهُوَ السَّيِّدُ المُبَارَكُ وَالوَحِيدُ، المَلِكُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَمْلُكُ، وَالَرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَنْ يَسُودُ. لَهُ وَحْدَهُ عَدَمُ الفَنَاءِ. وَهُوَ السَّاكِنُ فِي نُورٍ لَا يُدنَى مِنْهُ. لَمْ يَرَهُ أوْ يَقْدِرْ أنْ يَرَاهُ بَشَرٌ. لَهُ الكَرَامَةُ وَالقُوَّةُ الأبَدِيَّةُ. آمِين. أوْصِ الأغنِيَاءَ بِحَسَبِ مَقَايِيسِ هَذَا العَالَمِ، أنْ لَا يَتَكَبَّرُوا. وَانصَحهُمْ بِأنْ لَا يُعَلِّقُوا رَجَاءَهُمْ بِالمَالِ. إذْ لَا يُمْكِنُ الوُثُوقُ بِهِ، بَلْ أنْ يَضَعُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى اللهِ الَّذِي يُزَوِّدُنَا بِكُلِّ شَيءٍ بِسَخَاءٍ مِنْ أجْلِ تَمَتُّعِنَا. أوْصِهِمْ أنْ يَكُونُوا صَالِحِينَ، أغنِيَاءَ فِي الأعْمَالِ الصَّالِحَةِ، كُرَمَاءَ، مُسْتَعِدِّينَ أنْ يُقَاسِمُوا الآخَرِينَ مَا لَدَيهِمْ. فَهُمْ بِهَذَا يَدَّخِرُونَ لِأنْفُسِهِمْ كَنزًا سَمَاوِيًّا يَصْلُحُ أسَاسًا مَتِينًا لِلمُسْتَقْبَلِ، لِكَي يَنَالُوا الحَيَاةَ الحَقِيقِيَّةَ. يَا تِيمُوثَاوُسُ، احرُسِ الوَدِيعَةَ الَّتِي ائتُمِنتَ عَلَيْهَا، وَتَجَنَّبِ الكَلَامَ الدُّنيَوِيَّ التَّافِهَ، وَالمُعتَقَدَاتِ المُعَارِضَةِ الَّتِي يُسَمِّيهَا بَعْضُهُمْ «مَعْرِفَةً» وَهِيَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَقَدِ ادَّعَى قَومٌ هَذِهِ المَعْرِفَةَ، فَتَاهُوا عَنْ طَرِيقِ الإيمَانِ. لِتَكُنْ نِعْمَةُ اللهِ مَعَكُمْ. مِنْ بُولُسَ الَّذِي هُوَ رَسُولٌ لِلمَسِيحِ يَسُوعَ بِإرَادَةِ اللهِ، وَبِهَدَفِ إعلَانِ وَعْدِ الحُصُولِ عَلَى الحَيَاةِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ، إلَى ابنِي الحَبِيبِ تِيمُوثَاوُسَ. لِتَكُنْ لَكَ نِعْمَةٌ وَرَحمَةٌ وَسَلَامٌ مِنَ اللهِ الآبِ، وَمِنَ المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. أنَا أشكُرُ اللهَ الَّذِي أعبُدُهُ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ، كَمَا فَعَلَ أجدَادِي. أشكُرُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، كُلَّمَا ذَكَرتُكَ فِي صَلَوَاتِي. أتَذَكَّرُ دُمُوعَكَ، فَأشتَاقُ إلَى لِقَائِكَ لِكَي أمتَلِئَ بِالفَرَحِ. وَأتَذَكَّرُ إيمَانَكَ المُخْلِصَ الَّذِي كَانَ أوَّلًا فِي جَدَّتِكَ لُوئِيسَ وَأُمِّكَ أفْنِيكِي. وَأنَا مُتَيَقِّنٌ أنَّهُ فِيكَ أيْضًا. وَبِسَبَبِ هَذَا، أُذَكِّرُكَ بِأنْ تُبقِيَ نَارَ مَوهِبَةِ اللهِ دَائِمَةَ الاتِّقَادِ، تِلْكَ المَوهِبَةِ الَّتِي نِلتَهَا عِنْدَمَا وَضَعتُ يَدَيَّ عَلَيْكَ. فَالرُّوحُ الَّذِي أعطَانَا إيَّاهُ اللهُ لَا يَبْعَثُ فِينَا الجُبْنَ، بَلْ يَمُدُّنَا بِالقُوَّةِ وَالمَحَبَّةِ وَضَبطِ النَّفْسِ. فَلَا تَسْتَحِ بِالشَّهَادَةِ لِرَبِّنَا، أوْ بِي أنَا أسِيرِهِ، بَلْ شَارِكنِي فِي احتِمَالِ المَشَقَّاتِ مِنْ أجْلِ البِشَارَةِ، مُسْتَمِدًّا القُوَّةَ مِنَ اللهِ. فَهُوَ الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا إلَى حَيَاةٍ مُكَرَّسَةٍ لَهُ. وَلَمْ يَكُنْ هَذَا بِفَضْلِ أيِّ عَمَلٍ قُمنَا بِهِ، بَلْ بِنَاءً عَلَى قَصدِهِ وَنِعْمَتِهِ الَّتِي وَهَبَنَا إيَّاهَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ بَدءِ الزَّمَنِ. لَكِنَّ نِعْمَتَهُ هَذِهِ أُظهِرَتْ لَنَا مَعَ مَجِيءِ المَسِيحِ يَسُوعَ، مُخَلِّصِنَا. فَالمَسِيحُ هُوَ الَّذِي أبْطَلَ المَوْتَ، وَكَشَفَ الحَيَاةَ وَالخُلُودَ بِبِشَارَتِهِ المُفْرِحَةِ الَّتِي صِرتُ وَاعِظًا وَرَسُولًا وَمُعَلِّمًا مِنْ أجْلِ نَشْرِهَا، وَمِنْ أجْلِهَا أُعَانِي مَا أُعَانِي. غَيْرَ أنِّي لَسْتُ خَجِلًا، لِأنِّي أعْرِفُ مَنْ آمَنتُ بِهِ، وَأنَا مُتَيَقِّنٌ أنَّهُ قَادِرٌ أنْ يَحْفَظَ مَا استَوْدَعَنِي إيَّاهُ، حَتَّى يَحِينَ ذَلِكَ اليَوْمُ. فَتَمَسَّكْ بِخَطِّ التَّعلِيمِ السَّلِيمِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي. وَلْيَكُنْ ذَلِكَ مَصْحُوبًا بِالإيمَانِ وَالمَحَبَّةِ اللَّذَيْنِ لَنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. احرُسِ الوَدِيعَةَ الثَّمِينَةَ بِالرُّوحِ القُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا. فَأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ مِنْ مُقَاطَعَةِ أسِيَّا هَجَرُونِي، بِمَنْ فِيهِمْ فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ. أمَّا أُونسِيفُورَسُ، فَإنِّي أطلُبُ أنْ يُعطِيَ الرَّبُّ رَحْمَةً لِعَائِلَتِهِ، لِأنَّهُ كَانَ مَصدَرَ عَزَاءٍ لِي فِي أوقَاتٍ كَثِيرَةٍ. كَمَا أنَّهُ لَمْ يَخْجَلْ مِنِّي لِكَونِي فِي السِّجْنِ. بَلْ عَلَى العَكسِ مِنْ ذَلِكَ، فَحِينَ وَصَلَ إلَى رُومَا، فَتَّشَ عَنِّي بِكُلِّ جِدٍّ حَتَّى وَجَدَنِي. لِهَذَا أسألُ الرَّبَّ أنْ يُعطِيَهُ رَحْمَةً فِي ذَلِكَ اليَوْمِ! فَأنْتَ تَعْرِفُ كَيْفَ كَانَ يَخْدِمُنِي عِنْدَمَا كُنْتُ فِي أفَسُسَ. أمَّا أنْتَ يَا بُنَيَّ، فَتَقَوَّى بِالنِّعمَةِ الَّتِي لَنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. أمَّا التَّعَالِيمُ الَّتِي سَمِعْتَهَا مِنِّي بِحُضُورِ شُهُودٍ كَثِيرِينَ، فَأَوْدِعْهَا لِآخَرِينَ جَدِيرِينَ بِالثِّقَةِ، قَادِرِينَ عَلَى تَعْلِيمِ آخَرِينَ أيْضًا. وَاشتَرِكْ مَعِي كَجُندِيٍّ صَالِحٍ مِنْ جُنُودِ المَسِيحِ فِي احتِمَالِ المَشَقَّاتِ. فَمَا مِنْ أحَدٍ يَنْخَرِطُ فِي الجُندِيَّةِ يُوَرِّطُ نَفْسَهُ بِأُمُورِ الحَيَاةِ المَدَنِيَّةِ، لِأنَّهُ يُحَاوِلُ أنْ يُرْضِيَ قَائِدَهُ. وَإذَا اشتَرَكَ أحَدٌ فِي مُسَابَقَةٍ رِيَاضِيَّةٍ فَإنَّهُ لَا يَفُوزُ بِالجَائِزَةِ إلَّا إذَا نَافَسَ وَفْقَ القَوَانِينِ. وَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ الفَلَّاحُ المُجِدُّ أوَّلَ مَنْ يَحْصُلُ عَلَى نَصِيبٍ مِنَ الحَصَادِ. فَكِّرْ بِمَا أقُولُهُ، وَسَيُعطِيكَ الرَّبُّ القُدرَةَ عَلَى فَهمِ هَذِهِ الأُمُورِ كُلِّهَا. تَذَكَّرْ دَائِمًا يَسُوعَ المَسِيحَ الَّذِي قَامَ مِنَ المَوْتِ، وَالَّذِي هُوَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ. فَهَذَا هُوَ جَوهَرُ البِشَارَةِ الَّتِي أُبَشِّرُ بِهَا. وَهِيَ البِشَارَةُ الَّتِي أُعَانِي مِنْ أجْلِهَا إلَى دَرَجَةِ أنْ أُقَيَّدَ بِالسَّلَاسِلِ، لَكِنَّ رِسَالَةَ اللهِ لَا تُقَيَّدُ. لِذَلِكَ فَإنِّي أحتَمِلُ كُلَّ شَيءٍ مِنْ أجْلِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ. فَقَدِ اخْتَارَهُمْ لِيَحْصُلُوا هُمْ أيْضًا عَلَى الخَلَاصِ الَّذِي لَنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ، مَعَ مَجدٍ أبَدِيٍّ. وَهَذَا قَولٌ جَدِيرٌ بِالثِّقَةِ: إنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ، فَسَنَحيَا أيْضًا مَعَهُ. وَإنْ كُنَّا نَصبِرُ، فَسَنَملُكُ أيْضًا مَعَهُ. إنْ أنكَرْنَاهُ، فَإنَّهُ سَيُنكِرُنَا. وَإنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءٍ، فَسَيَبْقَى أمِينًا لِأنَّهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ أنْ يُنكِرَ نَفْسَهُ. ذَكِّرِ المُؤمِنِينَ عَلَى الدَّوَامِ بِهَذِهِ الأُمُورِ. وَحَذِّرْهُمْ أمَامَ اللهِ أنْ لَا يَدْخُلُوا فِي مُجَادَلَاتٍ كَلَامِيَّةٍ. فَمِثْلُ هَذَا لَا نَفْعَ مِنْهُ، بَلْ إنَّهُ يَهْدِمُ السَّامِعِينَ. اجتَهِدْ أنْ تُقَدِّمَ نَفْسَكَ للهِ، فَتَنَالَ رِضَاهُ كَخَادِمٍ لَا يُخزِيهِ شَيءٌ، يُفَسِّرُ كَلِمَةَ الحَقِّ عَلَى نَحوٍ صَحِيحٍ. أمَّا الأحَادِيثُ الفَارِغَةُ الدُّنيَوِيَّةُ فَتَجَنَّبْهَا، لِأنَّهَا لَا تَعْمَلُ إلَّا عَلَى إبعَادِ النَّاسِ أكْثَرَ عَنِ اللهِ. وَتَعَالِيمُ الَّذِينَ يُرَوِّجُونَ لِهَذِهِ الأحَادِيثِ تَنْتَشِرُ كَالسَّرَطَانِ. وَمِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ هِيمِينَايُسُ وَفِيلِيتُسُ. فَهَذَانِ انحَرَفَا عَنِ الحَقِّ. يَقُولَانِ إنَّ قِيَامَةَ كُلِّ النَّاسِ مِنَ المَوْتِ قَدْ حَصَلَتْ بِالفِعْلِ، وَقَدْ أفسَدَا بِكَلَامِهِمَا هَذَا إيمَانَ بَعْضِهِمْ. غَيْرَ أنَّ الأسَاسَ المَتِينَ الَّذِي وَضَعَهُ اللهُ رَاسِخٌ، وَهُوَ يَحْمِلُ دَائِمًا هَذَا النَّقشَ: « الرَّبُّ يَعْرِفُ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَيْهِ.» وَكَذَلِكَ «لِيَبْتَعِدْ عَنِ الإثمِ كُلُّ مَنْ يَنْتَمِي إلَى الرَّبِّ .» لَا يَحْتَوِي البَيتُ الكَبِيرُ عَلَى أوَانٍ ذَهَبِيَّةٍ وَفِضِّيَّةٍ فَقَطْ، بَلْ عَلَى أوَانٍ خَشَبِيَّةٍ وَخَزَفِيَّةٍ أيْضًا. بَعْضُهَا لِلِاستِخدَامِ الكَرِيمِ، وَبَعْضُهَا لِلِاستِخدَامِ الحَقِيرِ. فَإذَا طَهَّرَ إنْسَانٌ نَفْسَهُ مِنْ هَذِهِ الشَّوَائِبِ، يَكُونُ إنَاءً لِلِاستِخدَامِ الكَرِيمِ، وَيَكُونُ مُكَرَّسًا وَمُفِيدًا لِلسَّيِّدِ، جَاهِزًا عَلَى الدَّوَامِ لِأيِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. أمَّا الشَّهَوَاتُ الَّتِي تَسْتَهْوِي الشَّبَابَ فَاهرُبْ مِنْهَا، وَاسْعَ إلَى حَيَاةِ الاسْتِقَامَةِ، وَالإيمَانِ، وَالمَحَبَّةِ، وَالسَّلَامِ، مُنضَمًّا بِهَذَا إلَى كُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ بِقَلْبٍ نَظِيفٍ. وَابْتَعِدْ دَائِمًا عَنِ المُجَادَلَاتِ السَّخِيفَةِ الغَبِيَّةِ، لِأنَّكَ تَعْرِفُ أنَّهَا تُوَلِّدُ المُشَاجَرَاتِ. فَلَا يَنْبَغِي لِخَادِمِ الرَّبِّ أنْ يَتَشَاجَرَ، بَلْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ لَطِيفًا مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، وَبَارِعًا فِي التَّعلِيمِ، وَصَبُورًا. كَمَا يَنْبَغِي أنْ يُرشِدَ مُعَارِضِيهِ بِلُطفٍ، آمِلًا أنْ يُتَوِّبَ اللهُ قُلُوبَهُمْ، وَيُعطِيَهُمْ مَعْرِفَةَ الحَقِّ. فَلَعَلَّ اللهَ يُعِيدُهُمْ إلَى صَوَابِهِمْ، فَيَهْرُبُونَ مِنْ فَخِّ إبْلِيسَ الَّذِي أخضَعَهُمْ لإرَادَتِهِ. وَاذكُرْ أنَّهُ سَتَأْتِي عَلَيْنَا فِي أوَاخِرِ الأيَّامِ أوقَاتٌ عَصِيبَةٌ. إذْ سَيَكُونُ النَّاسُ أنَانِيِّينَ، جَشِعِينَ، مُتَبَجِّحِينَ، مُتَكَبِّرِينَ، شَتَّامِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، نَجِسِينَ، خَالِينَ مِنَ المَحَبَّةِ، غَيْرَ مُتَسَامِحِينَ، مُفتَرِينَ، غَيْرَ ضَابِطِينَ لِأنْفُسِهِمْ، مُتَوَحِّشِينَ، مُعَادِينَ لِكُلِّ مَا هُوَ صَالِحٌ. غَادِرينَ، مُتَهوِّرِينَ، مُنتَفخِينَ بِالكِبريَاءِ، يُفَضِّلُونَ اللَّذَّةَ عَلَى اللهِ. يَلْبَسُونَ قِنَاعًا مِنَ التَّقوَى، رَافِضِينَ أنْ تَعْمَلَ قُوَّتُهَا الحَقيقِيَّةُ فِي حَيَاتِهِمْ. فَابْتَعِدْ عَنْ هَؤُلَاءِ. لِأنَّ بَعْضَهُمْ يَتَسَلَّلُ إلَى البُيُوتِ، وَيُسَيطِرُ عَلَى النِّسَاءِ ضَعِيفَاتِ الإرَادَةِ، المَملوءَاتِ بِالخَطَايَا، المُنقَادَاتِ وَرَاءَ كُلِّ أنْوَاعِ الشَّهَوَاتِ. فَهُنَّ يُظهِرْنَ دَائِمًا رَغبَةً فِي التَّعَلُّمِ، لَكِنَّهُنَّ لَا يَقْبَلْنَ أبَدًا مَعْرِفَةَ الحَقِّ الكَامِلَةِ. فَكَمَا قَاوَمَ يَنِّيسُ وَيَمبرِيسُ مُوسَى، يُقَاوِمُ أُولَئِكَ النَّاسُ الحَقَّ. إنَّهُمْ فَاسِدُو العُقُولِ، وَفَاشِلُونَ فِي اتِّبَاعِ الإيمَانِ. لَكِنَّهُمْ لَنْ يَقْطَعُوا شَوطًا بَعِيدًا، لِأنَّ حَمَاقَتَهُمْ سَتَظْهَرُ لِكُلِّ النَّاسِ، تَمَامًا كَمَا ظَهَرَتْ حَمَاقَةُ يَنِّيسَ وَيَمبرِيسَ. أمَّا أنْتَ فَقَدْ تَابَعتَ تَعْلِيمِي وَسُلُوكِي وَقَصدِي فِي الحَيَاةِ وَإيمَانِي وَصَبرِي وَمَحَبَّتِي وَاحتِمَالِي. كَمَا عَرَفْتَ عَنِ اضْطِهَادِي، وَمُعَانَاتِي، وَكُلِّ مَا جَرَى لِي فِي أنطَاكِيَةَ وَإيقُونِيَّةَ وَلِستَرَةَ. وَاطَّلَعتَ عَلَى الاضْطِهَادَاتِ الفَظِيعَةِ الَّتِي احتَمَلتُهَا. لَكِنَّ الرَّبَّ نَجَّانِي مِنْهَا جَمِيعًا. فَكُلُّ مَنْ يُصَمِّمُ عَلَى حَيَاةِ التَّقوَى فِي المَسِيحِ يَسُوعَ، سَيُضطَهَدُ. أمَّا الأشرَارُ وَالمُحتَالُونَ فَسَيَنْتَقِلُونَ مِنْ سَيِّئٍ إلَى أسْوَأَ. إذْ يَبْدَأُونَ بِخِدَاعِ الآخَرِينَ، فَيَنْتَهِي بِهِمُ الأمْرُ إلَى خِدَاعِ أنْفُسِهِمْ. وَأمَّا أنْتَ فَتَمَسَّكْ بِالأُمُورِ الَّتِي تَعَلَّمْتَهَا وَاقتَنَعْتَ بِهَا. فَأنْتَ تَعْرِفُ الَّذِينَ تَعَلَّمْتَ مِنْهُمْ وَتَثِقُ بِهِمْ، وَتَعْرِفُ مُنْذُ طُفُولَتِكَ الكُتُبَ المُقَدَّسَةَ القَادِرَةَ أنْ تُعْطِيَكَ الحِكْمَةَ، فتَقُودَكَ إلَى الخَلَاصِ بِالإيمَانِ بِالمَسِيحِ يَسُوعَ. فَكُلُّ الكِتَابِ قَدْ أوْحَى بِهِ اللهُ، وَهُوَ مُفِيدٌ لِتَعْلِيمِ الحَقِّ، وَتَوْبِيخِ الخُطَاةِ، وَتَصْحِيحِ الأخْطَاءِ، وَإرشَادِ النَّاسِ إلَى حَيَاةِ البِرِّ. وَذَلِكَ لِكَي يَكُونَ رَجُلُ اللهِ مُؤَهَّلًا تَمَامًا لِلقِيَامِ بِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. أُوصِيكَ أمَامَ اللهِ وَأمَامَ المَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي سَيَدِينُ الأحيَاءَ وَالأمْوَاتَ عِنْدَ مَجِيئِهِ فِي مَلَكُوتِهِ، بِأنْ تَنْشُرَ الرِّسَالَةَ. كُنْ مُسْتَعِدًّا فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيرِ مُنَاسِبٍ. أقنِعِ النَّاسَ، وَوَبِّخهُمْ، وَشَجِّعْ مَنْ يَحتَاجُ إلَى تَشْجِيعٍ. وَافْعَلْ ذَلِكَ بِتَعْلِيمِهِمْ بِصَبرٍ، لِأنَّهُ سَيَأْتِي وَقْتٌ لَنْ يَحْتَمِلَ فِيهِ النَّاسُ سَمَاعَ التَّعلِيمِ السَّلِيمِ، بَلْ سَيَختَارُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ لِيُحَدِّثُوهُمْ بِمَا يُدَغْدِغُ آذَانَهُمْ. أمَّا الحَقُّ فَيُبعِدُونَ آذَانَهُمْ عَنْهُ، وَيَلْتَفِتُونَ إلَى الخُرَافَاتِ. فَاضبِطْ أنْتَ نَفْسَكَ فِي كُلِّ الظُّرُوفِ. وَاحتَمِلِ المَشَقَّاتِ. بَشِّرْ وَتَمِّمْ خِدمَتَكَ. أمَّا أنَا فَإنِّي أنسَكِبُ كَانسِكَابِ الذَّبِيحَةِ. وَهَا قَدْ حَانَ وَقْتُ رَحِيلِي عَنْ هَذِهِ الحَيَاةِ. نَاضَلْتُ فِي المُبَارَاةِ النَّبِيلَةِ. أنهَيتُ السِّبَاقَ. حَافَظتُ عَلَى الإيمَانِ. وَالْآنَ يَنْتَظِرُنِي إكلِيلُ البِرِّ الَّذِي سَيُنعِمُ عَلَيَّ بِهِ الرَبُّ القَاضِي العَادِلُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، مَعَ كُلِّ الَّذِينَ يَتُوقُونَ إلَى ظُهُورِ الرَّبِّ. افْعَلْ مَا فِي وُسْعِكَ لِلقُدُومِ لِزِيَارَتِي فِي أسرَعِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ. دِيمَاسُ تَرَكَنِي لِأنَّهُ أحَبَّ هَذِهِ الحَيَاةَ الحَاضِرةَ، وَمَضَى إلَى تَسَالُونِيكِي. أمَّا كرِيسكِيسُ فَذَهَبَ إلَى غَلَاطِيَّةَ. وَذَهَبَ تِيطُسُ إلَى دَلْمَاطِيَّةَ. لُوقَا هُوَ الوَحِيدُ الَّذِي مَا يَزَالُ مَعِي. أحضِرْ مَعَكَ مَرقُسَ، فَهُوَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُعِينَنِي كَثِيرًا فِي خِدمَتِي هُنَا. لَقَدْ أرسَلْتُ تِيخِيكُسَ إلَى أفَسُسَ. عِنْدَمَا تَأْتِي أحضِرْ مِعطَفِي الَّذِي تَرَكتُهُ فِي بَيْتِ كَارْبُسَ فِي تْرُواسَ، وَأحْضِرْ أيْضًا كُتُبِي، خَاصَّةً المَخطُوطَاتِ الجِلدِيَّةَ. لَقَدْ سَبَّبَ لِي إسكَندَرُ الحَدَّادُ أذَىً كَثِيرًا. وَالرَّبُّ سَيُجَازِيهِ عَلَى كُلِّ أعْمَالِهِ. فَاحْتَرِسْ مِنْهُ أنْتَ أيْضًا، فَقَدْ قَاوَمَ رِسَالَتَنَا مُقَاوَمَةً شَدِيدَةً. فِي المَرَّةِ الأُولَى الَّتِي دَافَعَتُ فِيهَا عَنْ نَفْسِي فِي المَحْكَمَةِ، لَمْ يَأْتِ أحَدٌ لِيَقَفَ إلَى جَانِبِي، بَلْ تَرَكَنِي الجَمِيعُ. لَيْتَ اللهَ لَا يَحْسِبُ هَذَا عَلَيْهِمْ. لَكِنَّ الرَّبَّ وَقَفَ إلَى جَانِبِي وَقَوَّانِي لِكَي أُنَادِيَ بِالرِّسَالَةِ كَامِلَةً. وَهَكَذَا سَمِعَتْهَا الأُمَمُ جَمِيعًا. وَأُنقِذتُ مِنْ فَمِ الأسَدِ. وَسَيُنقِذُنِي الرَّبُّ مِنْ كُلِّ هُجُومٍ شِرِّيرٍ، وَسَيَأْتِي بِي سَالِمًا إلَى مَلَكُوتِهِ السَّمَاوِيِّ. لَهُ المَجْدُ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. آمِين. سَلِّمْ عَلَى فِرِسْكَا وَأكِيلَا وَعَلَى بَيْتِ أُنيسِيفُورُسَ. بَقِيَ أرَاستُسُ فِي كُورِنثُوسَ، أمَّا تْرُوفِيمُوسُ فَتَرَكتُهُ فِي مِيلِيتُسَ لِأنَّهُ كَانَ مَرِيضًا. افْعَلْ مَا فِي وُسْعِكَ لِلقُدُومِ قَبْلَ الشِّتَاءِ. يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أفْبُولُسُ وَبُودِيسُ وَلِينُسُ وَكَلَافِدِيَّةُ وَجَمِيعُ الإخوَةِ. لِيَكُنِ الرَّبُّ يَسُوعُ مَعَكَ. لِتَكُنْ نِعْمَةُ اللهِ مَعَكُمْ. مِنْ بُولُسَ خَادِمِ اللهِ وَرَسُولِ يَسُوعَ المَسِيحِ. أرْسَلَنِي لِأُشَجِّعَ إيمَانَ أوْلَادِ اللهِ المُختَارِينَ، وَأُنَمِّي فِيهِمُ المَعْرِفَةَ الكَامِلَةَ، لِكَي يَعِيشُوا حَيَاةَ التَّقْوَى، وَلَهُمُ الرَّجَاءُ بِالحَيَاةِ إلَى الأبَدِ، الحَيَاةِ الَّتِي وَعَدَ بِهَا اللهُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ، قَبْلَ بَدءِ الزَّمَنِ. وَفِي الوَقْتِ المُلَائِمِ، أعْلَنَ اللهُ رِسَالَتَهُ بِوَاسِطَةِ البِشَارَةِ الَّتِي ائتَمَنَنِي عَلَيْهَا بِأمْرِ اللهِ مُخَلِّصِنَا. إلَى تِيطُسَ، ابْنِي الحَقِيقِيِّ فِي الإيمَانِ المُشتَرَكِ بَيْنَنَا. لِتَكُنْ لَكَ نِعْمَةٌ وَسَلَامٌ مِنَ اللهِ الآبِ، وَمِنَ المَسِيحِ يَسُوعَ مُخَلِّصِنَا. لَقَدْ تَرَكتُكَ فِي جَزِيرَةِ كِرِيتَ لِكَي تُكمِلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ الَّتِي لَمْ تَكْتَمِلْ بَعْدُ، وَلِكَي تُعَيِّنَ شُيُوخًا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ كَمَا أوصَيتُكَ. أمَّا الشَّيخُ فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بِلَا شَائِبَةٍ، زَوْجَ امْرأةٍ وَاحِدَةٍ، وَأوْلَادُهُ مُؤمِنُونَ غَيْرُ مُتَّهَمِينَ بِسُلُوكٍ غَيْرِ أخلَاقِيٍّ أوْ تَمَرُّدٍ. يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ المُشرِفُ بِلَا شَائِبَةٍ، لِأنَّهُ مُوكَلٌ عَلَى عَمَلِ اللهِ. كَمَا لَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مُتَكَبِّرًا، أوْ سَرِيعَ الغَضَبِ، أوْ مُدمِنًا عَلَى الخَمْرِ، أوْ مَيَّالًا إلَى العُنفِ، أوْ مُحِبًّا لِلمَكسَبِ الدَّنِيءِ، بَلْ مُضِيفًا لِلغُرَبَاءِ، مُحِبًّا لِلخَيرِ، حَكِيمًا، عَادِلًا، مُقَدَّسًا وَقَادِرًا عَلَى ضَبطِ نَفْسِهِ، مُتَمَسِّكًا بِالرِّسَالَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي تَسَلَّمنَاهَا. وَهَكَذَا يَسْتَطِيعُ أنْ يُشَجِّعَ النَّاسَ بِالتَّعلِيمِ الصَّحِيحِ، وَأنْ يَرُدَّ عَلَى المُقَاوِمِينَ. فَهُنَاكَ الكَثِيرُ مِنَ المُتَمَرِّدِينَ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ بَاطِلَةً، وَيَخْدَعُونَ الآخَرِينَ. وَأنَا أقصِدُ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُنَادُونَ بِضَرورَةِ الخِتَانِ. فَيَنْبَغِي أنْ تُسَدَّ أفوَاهُهُمْ، لِأنَّهُمْ يُدَمِّرُونَ عَائِلَاتٍ بِأكمَلِهَا بِتَعْلِيمِ أُمُورٍ خَاطِئَةٍ، مِنْ أجْلِ مَكَاسِبَ دَنِيئَةٍ. حَتَّى إنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ، يَعْتَبِرُونَهُ نَبِيًّا لَهُمْ، قَالَ: «أهْلُ كِرِيتَ كَذَّابُونَ دَائِمًا، وُحُوشٌ شِرِّيرَةٌ، شَرِهُونَ وَكُسَالَى!» وَهَذِهِ شَهَادَةٌ صَادِقَةٌ. لِذَلِكَ وَبِّخْهُمْ بِشِدَّةٍ لِكَي يَتْبَعُوا الإيمَانَ الحَقِيقِيَّ. فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَنْشَغِلُوا فِيمَا بَعْدُ بِخُرَافَاتٍ يَهُودِيَّةٍ، أوْ بِوَصَايَا بَشَرِيَّةٍ يَضَعُهَا رَافِضُو الحَقِّ. فَكُلُّ شَيءٍ طَاهِرٌ بِالنِّسبَةِ لِلطَّاهِرِينَ. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِلنَّجِسِينَ، فَمَا مِنْ شَيءٍ طَاهِرٍ، بَلْ إنَّ عُقُولَهُمْ وَضَمَائِرَهُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ أيْضًا. يُؤَكِّدُونَ أنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللهَ، لَكِنَّهُمْ يُنكِرُونَ ذَلِكَ بِأعْمَالِهِمْ. فَهُمْ رَدِيئُونَ غَيْرُ مُطِيعِينَ، وَعَاجِزِونَ عَنْ عَمَلِ أيِّ شَيءٍ صَالِحٍ. أمَّا أنْتَ يَا تِيطُسُ، فَتَكَلَّمْ دَائِمًا بِمَا يُوافِقُ التَّعلِيمَ الصَّحِيحَ. وَعَلِّمِ الرِّجَالَ الكِبَارَ أنْ يَتَحَلَّوْا بِضَبطِ النَّفْسِ وَالجِدِّيَّةِ وَالحِكْمَةِ. عَلِّمْهُمْ أنْ يَتَمَسَّكُوا بِالإيمَانِ الحَقِيقِيِّ، وَأنْ يَكُونُوا أقوِيَاءَ فِي المَحَبَّةِ وَالصَّبرِ. كَذَلِكَ عَلِّمِ العَجَائِزَ أنْ يَسْلُكنَ سُلُوكًا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُقَدَّسَاتٍ، فَيَبْتَعِدنَ عَنِ النَّمِيمَةِ وَعَنِ الإكثَارِ مِنْ شُربِ الخَمْرِ، وَيُعَلِّمْنَ الأُخرَيَاتِ تَعْلِيمًا صَالِحًا، وَذَلِكَ لِكَي يُدَرِّبنَ الشَّابَّاتِ عَلَى أنْ يَكُنَّ مُحِبَّاتٍ لِأزوَاجِهِنَّ وَأوْلَادِهِنَّ، مُتَعَقِّلَاتٍ، طَاهِرَاتٍ، مُهتَمَّاتٍ بِبُيُوتِهِنَّ، صَالِحَاتٍ، مُطِيعَاتٍ لِأزوَاجِهِنَّ، لِئَلَّا يَنْتَقِدَ أحَدٌ رِسَالَةَ اللهِ. كَذَلِكْ شَجِّعِ الشَّبَابَ عَلَى أنْ يَكُونُوا مُتَعَقِّلِينَ. وَكُنْ أنْتَ نَفْسُكَ قُدوَةً لَهُمْ فِي كُلِّ جَوَانِبِ السُّلُوكِ. لِيَكُنْ تَعْلِيمُكَ نَقِيًّا وَجَادًّا. فَتَكَلَّمْ كَلَامًا صَحِيحًا لَا يُمْكِنُ لِأحَدٍ أنْ يَنْتَقِدَهُ. وَهَكَذَا يَخْجَلُ المُقَاوِمُونَ، لِأنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا مَا يَقُولُونَهُ ضِدَّنَا. وَعَلِّمِ العَبِيدَ أنْ يَخْضَعُوا لِسَادَتِهِمْ فِي كُلِّ شَيءٍ، وَأنْ يُرضُوهُمْ وَلَا يُجَاوِبُوهُمْ بِعَدَمِ احتِرَامٍ، أوْ يَسْرِقُوا شَيْئًا مِنْهُمْ، بَلْ أنْ يُظهِرُوا أمَانَتَهُمْ، وَهَكَذَا يُظهِرُونَ جَمَالَ تَعْلِيمِ اللهِ مُخَلِّصِنَا. فَقَدْ ظَهَرَتْ لِجَمِيعِ النَّاسِ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي تَجْلِبُ الخَلَاصَ. تُعَلِّمُنَا هَذِهِ النِّعمَةُ أنْ نَتَوَقَّفَ عَنْ مُقَاوَمَةِ اللهِ، وَعَنِ الشَّهَوَاتِ الَّتِي يَسْعَى العَالَمُ إلَيْهَا، وَأنْ نَعِيشَ فِي هَذَا العَالَمِ الحَاضِرِ بِحِكمَةٍ بَيْنَمَا نَخدِمُ اللهَ، وَأنْ نَنتَظِرَ ذَلِكَ اليَوْمَ المُبَارَكَ الَّذِي نَتَوَقَّعُهُ بِرَجَاءٍ، يَوْمَ الظُّهُورِ المَجِيدِ لإلَهِنَا وَمُخَلِّصِنَا العَظِيمِ يَسُوعَ المَسِيحِ الَّذِي ضَحَّى بنَفْسِهِ لِكَي يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَيُطَهِّرَنَا لِنَكُونَ شَعْبًا مُقَدَّسًا لَهُ وَحْدَهُ بِالْكَامِلِ، مُتَحَمِّسِينَ لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. تَكَلَّمْ بِهَذَا التَّعلِيمِ دَائِمًا مُشَجِّعًا وَمُوَبِّخًا بِسُلطَانٍ كَامِلٍ. لَا يَسْتَهِنْ بِكَ أحَدٌ. ذَكِّرِ النَّاسَ دَائِمًا بِأنْ يَخْضَعُوا لِلحُكَّامِ وَالسُّلُطَاتِ فَيُطِيعُوهُمْ، وَأنْ يَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. وَأنْ لَا يُشَوِّهُوا سُمعَةَ أحَدٍ، بَلْ يَكُونُوا مُسَالِمِينَ لُطَفَاءَ، مُظهِرِينَ كُلَّ أدَبٍ أمَامَ جَمِيعِ النَّاسِ. أقُولُ هَذَا لِأنَّنَا نَحْنُ أيْضًا كُنَّا ذَاتَ يَوْمٍ أغبِيَاءَ غَيْرَ طَائِعِينَ وَمَخدُوعِينَ. كُنَّا عَبِيدًا لِشَهَوَاتٍ وَمَلَذَّاتٍ مِنْ كُلِّ نَوعٍ. عِشنَا فِي الخُبثِ وَالحَسَدِ. الآخَرُونَ أبغَضُونَا، وَنَحْنُ أبغَضَ بَعْضُنَا بَعْضًا. لَكِنْ عِنْدَمَا أُعْلِنَ لُطفُ اللهِ مُخَلِّصِنَا وَمَحَبَّتُهُ للبَشَرِ، خَلَّصَنَا اللهُ، لَا بِسَبَبِ أعْمَالٍ بَارَّةٍ عَمِلنَاهَا، بَلْ بِرَحمَتِهِ. لَقَدْ خَلَّصَنَا بِوَاسِطَةِ الغُسلِ الَّذِي نُولَدُ بِهِ ثَانِيَةً، وَجَدَّدَنَا بِالرُّوحِ القُدُسِ الَّذِي سَكَبَهُ اللهُ عَلَيْنَا بِغِنَىً فِي يَسُوعَ المَسِيحِ مُخَلِّصِنَا. وَمَنَحَنَا الرَّجَاءَ بِأنْ نَكُونَ وَرَثَةً لِلحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ، بَعْدَ أنْ حُسِبنَا أبْرَارًا بِسَبَبِ نِعْمَةِ اللهِ. هَذَا كَلَامٌ جَدِيرٌ بِالثِّقَةِ. وَأُرِيدُ مِنْكَ أنْ تُؤَكِّدَ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ لِكَي يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ بأِنْ يُمَارِسُوا أعْمَالًا صَالِحَةً. فَهَذِهِ هِيَ الأعْمَالُ النَّافِعَةُ وَالمُفِيدَةُ لِلنَّاسِ. لَكِنْ تَجَنَّبِ المُجَادَلَاتِ الغَبِيَّةَ حَوْلَ سُلَالَاتِ النَّسَبِ، وَالمُنَازَعَاتِ وَالشِّجَارَاتِ حَوْلَ مَسَائِلِ شَرِيعَةِ مُوسَى، لِأنَّهَا أُمُورٌ غَيْرُ نَافِعَةٍ وَتَافِهَةٌ. ابتَعِدْ عَنِ الَّذِي يُسَبِّبُ الانقِسَامَ بَعْدَ أنْ تُنذِرَهُ مَرَّتَيْنِ عَلَى الأقَلِّ. فَأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الشَّخصِ قَدِ انحَرَفَ، وَأنَّهُ مُسْتَمِرٌّ فِي ارتِكَابِ الخَطِيَّةِ، فَحَكَمَ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. عِنْدَمَا أُرسِلُ إلَيْكَ أرتِيمَاسَ أوْ تِيخِيكُسَ، ابذُلْ مَا فِي وُسْعِكَ لِلقُدُومِ إلَى مَدِينَةِ نِيكُوبُولِيسَ لِمُقَابَلَتِي، فَقَدْ قَرَّرتُ أنْ أقضِيَ الشِّتَاءَ هُنَاكَ. اعمَلْ مَا فِي وُسْعِكَ لِمُسَاعَدَةِ المُحَامِي زِينَاسَ وَأبُلُّوسَ فِي كُلِّ مَا يَحتَاجَانِ إلَيْهِ لِلسَّفَرِ، لِكَي لَا يَنْقُصَهُمَا شَيءٌ. عَلَى المُؤمِنِينَ أنْ يَتَعَلَّمُوا الاهْتِمَامَ بِمُمَارَسَةِ الأعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِكَي يَسُدُّوا الحَاجَاتِ العَاجِلَةَ لِلنَّاسِ فَيَكُونُوا مُثْمِرينَ. جَمِيعُ الَّذِينَ مَعِي يُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ. سَلِّمْ عَلَى الَّذِينَ يُحِبُّونَنَا فِي الإيمَانِ. وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ اللهِ مَعَكُمْ جَمِيعًا. مِنْ بُولُسَ المَسجُونِ لِأجْلِ يَسُوعَ المَسِيحِ، وَمِنْ أخِينَا تِيمُوثَاوُسَ، إلَى فِلِيمُونَ صَدِيقِنَا المَحبُوبِ وَالعَامِلِ مَعَنَا. وَإلَى الأُختِ المَحبُوبَةِ أبْفِيَّةَ، وَأرخِبُّسَ المُجَاهِدِ مَعَنَا، وَإلَى الكَنِيسَةِ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِي بَيْتِكَ. لِتَكُنْ لَكُمْ نِعْمَةٌ وَسَلَامٌ مِنَ اللهِ أبِينَا وَمِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ. أنَا أشكُرُ اللهَ مِنْ أجْلِكَ دَائِمًا كُلَّمَا ذَكَرْتُكَ فِي صَلَوَاتِي، لِأنَّنِي أسمَعُ بِمَحَبَّتِكَ وَإيمَانِكَ: إيمَانِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتِكَ لِجَمِيعِ شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ. وَأُصَلِّي أنْ يَقُودَكَ إيمَانُكَ الَّذِي نَشتَرِكُ فِيهِ مَعًا، إلَى أنْ تَفْهَمَ كُلَّ الأشْيَاءِ الصَّالِحَةِ الَّتِي نَمتَلِكُهَا فِي المَسِيحِ. لَقَدْ شَعَرْتُ بِفَرَحٍ وَتَشْجِيعٍ عَظِيمَينِ بِسَبَبِ مَحَبَّتِكَ، لِأنَّ قُلُوبَ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ قَدِ انتَعَشَتْ بِكَ أيُّهَا الأخُ. لِذَلِكَ، وَمَعَ أنَّنِي أمتَلِكُ الجُرأةَ الكَامِلَةَ فِي المَسِيحِ لِكَي آمُرَكَ بِأنْ تَفْعَلَ مَا هُوَ مُنَاسِبٌ، إلَّا أنَّنِي أُفَضِّلُ أنْ أطلُبَ مِنْكَ بِرِفْقٍ عَلَى أسَاسِ المَحَبَّةِ. فَهَا أنَا بُولُسُ الرَّجُلُ الكَبِيرُ فِي السِّنِّ، وَسَجِينُ خِدْمَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ، أكتُبُ إلَيْكَ بِخُصُوصِ ابْنِي أُنِسِيمُسَ الَّذِي وَلَدْتُهُ وَأنَا فِي السِّجْنِ. فَهوَ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ نَافِعًا لَكَ، أمَّا الآنَ فَهُوَ نَافِعٌ لَيْسَ لَكَ فَقَطْ، بَلْ لِي أيْضًا. وَهَا أنَا أُرسِلُهُ إلَيْكَ ثَانِيَةً وَمَعَهُ أُرسِلُ قَلْبِي إلَيْكَ. أنَا أوَدُّ أنْ أُبقِيَهُ هُنَا مَعِي لِكَي يُسَاعِدَنِي وَأنَا مُقَيَّدٌ بِسَبَبِ نَشْرِ البِشَارَةِ. لَكِنِّي لَمْ أرغَبْ أنْ أفعَلَ شَيْئًا مِنْ دُونِ مُوافَقَتِكَ، وَهَكَذَا لَا تَكُونُ مُضطَرًّا لِعَمَلِ مَا هُوَ صَوَابٌ، بَلْ تَعْمَلُهُ بِإرَادَتِكَ الحُرَّةِ. رُبَّمَا تَرَكَكَ أُنِسِيمُسُ لِوَقْتٍ قَصِيرٍ، لِكَي تَسْتَرِدَّهُ الآنَ إلَى الأبَدِ. لَكِنْ لَيْسَ بِاعتِبَارِهِ عَبْدًا فِيمَا بَعْدُ، بَلْ أفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ، أيْ أخًا مَحبُوبًا. أنَا أُحِبُّهُ كَثِيرًا، لَكِنَّكَ تُحِبُّهُ أكْثَرَ جِدًّا، لَا كَإنْسَانٍ فَقَطْ بَلْ كَأخٍ فِي الرَّبِّ. فَإنْ كُنْتَ تَعْتَبِرُنِي شَرِيكًا لَكَ حَقًّا، أرْجُو أنْ تُرَحِّبَ بِهِ كَمَا لَوْ كُنْتَ سَتُرَحِّبُ بِي. وَإنْ كَانَ أخطَأَ إلَيْكَ، أوْ كَانَ مَديُونًا لَكَ بِشَيءٍ، فَاحْسِبْ دَينَهُ عَلَيَّ أنَا. أنَا بُولُسُ، أكتُبُ إلَيْكَ هَذَا بِخَطِّ يَدِي: أنَا سَأُوفِي دَينَهُ. وَلَا دَاعِيَ لِأنْ أُذَكِّرَكَ بِأنَّكَ أنْتَ مَديُونٌ لِي بِنَفْسِكَ! نَعَمْ يَا أخِي، أُرِيدُكَ أنْ تَكُونَ نَافِعًا لِي فِي الرَّبِّ. أنعِشْ قَلْبِي فِي المَسِيحِ. وَبِمَا أنَّنِي أثِقُ بِأنَّكَ سَتُطِيعُنِي، أكتُبُ إلَيْكَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ، وَأنَا أعْرِفُ بِأنَّكَ سَتَفْعَلُ أكْثَرَ مِمَّا أطلُبُهُ مِنْكَ. كَمَا أرْجُو أنْ تُعِدَّ لِي مَكَانًا لِلإقَامَةِ، لِأنَّنِي أرْجُو أنْ أتَمَكَّنَ مِنَ المَجِيءِ إلَيكُمُ استِجَابَةً لِصَلَوَاتِكُمْ. يسَلِّمُ عَلَيْكَ أبَفْرَاسُ المَسجُونُ مَعِي لِأجْلِ المَسِيحِ يَسُوعَ. وَكَذَلِكَ مَرْقُسُ وَأرِسْتَرْخُسُ وَدِيمَاسُ وَلُوقَا الَّذِينَ يَخْدِمُونَ مَعِي. لِتَكُنْ نِعْمَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ مَعَ رُوحِكُمْ. فِيمَا مَضَى كَلَّمَ اللهُ آبَاءَنَا بِوَاسِطَةِ الأنْبِيَاءِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَبِطُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ. أمَّا فِي هَذِهِ الأيَّامِ الأخِيرَةِ فَقَدْ كَلَّمَنَا فِي ابنِهِ الَّذِي عَيَّنَهُ وَارِثًا لِكُلِّ الأشْيَاءِ، وَبِهِ خَلَقَ الكَونَ. فَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِ اللهِ، وَالتَّعْبِيرُ الدَّقِيقُ عَنْ جَوهَرِهِ، وَالَّذِي يُحَافِظُ عَلَى كُلِّ الأشْيَاءِ بِكَلِمَتِهِ القَدِيرَةِ. وَبَعْدَ أنْ تَمَّمَ تَطْهِيرَ خَطَايَا البَشَرِ، جَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ العَظِيمِ فِي السَّمَاءِ. فَصَارَ أرفَعَ مَنزِلَةً مِنَ المَلَائِكَةِ، بِمِقدَارِ ارتِفَاعِ الاسْمِ الَّذِي أخَذَهُ عَنْ أسمَائِهِمْ. فَلِأيٍّ مِنَ المَلَائِكَةِ قَالَ اللهُ يَومًا: «أنْتَ ابْنِي، وَأنَا الَيَوْمَ وَلَدْتُكَ؟» أوْ لِأيٍّ مِنْهَا قَالَ اللهُ: «سَأكُونُ أبَاهُ، وَهُوَ سَيَكُونُ ابنِي؟» وَمَرَّةً أُخْرَى، حِينَ أدْخَلَ اللهُ ابنَهُ البِكرَ إلَى العَالَمِ، قَالَ: «لِتَعْبُدْهُ كُلُّ مَلَائِكَةِ اللهِ.» فَاللهُ يَقُولُ عَنِ المَلَائِكَةِ: «هُوَ يَجْعَلُ مَلَائِكَتَهُ رِيَاحًا، وَيَجْعَلُ خُدَّامَهُ ألسِنَةَ نَارٍ.» أمَّا عَنْ الاِبْنِ فَيَقُولُ: «عَرشُكَ يَا اللهُ بَاقٍ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ، بِصَولَجَانِ الاسْتِقَامَةِ سَتَحْكُمُ مَملَكَتَكَ. عَلَى الدَّوَامِ أحبَبْتَ البِرَّ وَكَرِهتَ الإثمَ. لِهَذَا مَسَحَكَ اللهُ إلَهُكَ بِزَيْتِ الابْتِهَاجِ أكْثَرَ مِنْ كُلِّ رِفَاقِكَ.» وَقَالَ اللهُ أيْضًا: «وَأنْتَ يَا رَبُّ وَضَعْتَ أسَاسَاتِ الأرْضِ فِي البَدْءِ. وَيَدَاكَ هُمَا اللَّتَانِ صَنَعَتَا السَّمَاوَاتِ. لَكِنَّهَا كُلَّهَا سَتَفْنَى، أمَّا أنْتَ فَتَبْقَى. هِيَ سَتَبْلَى كَمَا يَبْلَى الثَّوبُ. كَرِدَاءٍ سَتَطْوِيهَا، وَتُغَيِّرُهَا كَمَا تَتَغَيَّرُ المَلَابِسُ. أمَّا أنْتَ فَلَا تَتَغَيَّرُ أبَدًا، وَلَا نِهَايَةَ لِسَنَوَاتِ حَيَاتِكَ.» وَلِمَنْ مِنَ المَلَائِكَةِ قَالَ اللهُ: «اجلِسْ عَنْ يَمِينِي إلَى أنْ أجعَلَ أعْدَاءَكَ مِسْنَدًا لِقَدَمَيكَ؟» ألَيْسَتِ المَلَائِكَةُ كُلُّهَا أروَاحًا تَعْمَلُ فِي خِدْمَةِ اللهِ؟ ألَيْسَتْ هِيَ مُرسَلَةٌ لِخِدْمَةِ الَّذِينَ سَيَرِثُونَ الخَلَاصَ؟ مِنْ أجْلِ هَذَا يَنْبَغِي أنْ نُولِيَ هَذِهِ الحَقَائِقَ الَّتِي سَمِعْنَاهَا اهتِمَامًا أكبَرَ، لِئَلَّا نَنجَرِفَ بَعِيدًا. فَإنْ كَانَتِ الكَلِمَةُ الَّتِي أعَلَنَتهَا مَلَائِكَةٌ قَدْ ثَبَتَتْ صِحَّتُهَا، وَكَانَ لِكُلِّ خَرقٍ وَعِصْيَانٍ عِقَابٌ عَادِلٌ. فَكَيْفَ سَنَنجُو نَحْنُ مِنَ العِقَابِ إنْ أهمَلْنَا مِثْلَ هَذَا الخَلَاصِ العَظِيمِ الَّذِي أعلَنَهُ الرَّبُّ نَفْسُهُ أوَّلًا، ثُمَّ أكَّدَهُ لَنَا الَّذِينَ سَمِعُوا الرَّبَّ؟ كَمَا صَادَقَ اللهُ عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِمْ بِالبَرَاهِينِ وَالعَجَائِبِ وَالمُعجِزَاتِ المُتَنَوِّعَةِ، وَبِمَوَاهِبِ الرُّوحِ القُدُسِ حَسَبَ مَشِيئَتِهِ. فَاللهُ لَمْ يُخضِعِ العَالَمَ الآتِيَ الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ لِمَلَائِكَةٍ! لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي مَوضِعٍ مِنَ الكِتَابِ: «مَا هِيَ أهَمِّيَّةُ الإنْسَانِ حَتَّى تُفَكِّرَ بِهِ، وَمَا أهَمِّيَّةُ ابنِ الإنْسَانِ حَتَّى تَهْتَمَّ بِهِ؟ جَعَلْتَهُ لِوَقْتٍ قَلِيلٍ أدنَى مِنَ المَلَائِكَةِ. تَوَّجتَهُ بِالمَجْدِ وَالكَرَامَةِ. أخضَعْتَ كُلَّ شَيءٍ تَحْتَ قَدَمَيهِ.» فَمَعَنَى أنَّ اللهَ أخضَعَ كُلَّ شَيءٍ لَهُ، أنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا غَيْرَ خَاضِعٍ لَهُ. مَعَ أنَّنَا الآنَ لَا نَرَى كُلَّ شَيءٍ مُخضَعًا لَهُ بَعْدُ، لَكِنَّنَا نَرَى يَسُوعَ، الَّذِي جُعِلَ لِوَقْتٍ قَلِيلٍ أدنَى مِنَ المَلَائِكَةِ، مُتَوَّجًا بِالمَجْدِ وَالكَرَامَةِ بِسَبَبِ المَوْتِ الَّذِي عَانَاهُ. فَبِسَبَبِ نِعْمَةِ اللهِ، ذَاقَ يَسُوعُ المَوْتَ مِنْ أجْلِ كُلِّ إنْسَانٍ. فَاللهُ الَّذِي لَهُ كُلُّ شَيءٍ وَخَالِقُ كُلِّ شَيءٍ، إذْ أرَادَ أنْ يُحضِرَ أبْنَاءً كَثِيرِينَ لِيَشْتَرِكُوا فِي مَجْدِهِ، كَانَ لَائِقًا بِهِ أنْ يَجْعَلَ مُنشِئَ خَلَاصِهِمْ كَامِلًا مِنْ خِلَالِ الآلَامِ. فيَسُوعُ الَّذِي يُقَدِّسُ، وَالمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يُقَدَّسُونَ، لَهُمْ جَمِيعًا أبٌ وَاحِدٌ. لِذَلِكَ لَا يَخْجَلُ يَسُوعُ أنْ يَدْعُوَهُمْ إخْوَةً. إذْ يَقُولُ: «سَأُعلِنُ اسْمَكَ لإخوَتِي، وَسَأُسَبِحُكَ وَسَطَ جَمَاعَةِ شَعْبِكَ.» وَيَقُولُ: «سَأضَعُ فِي اللهِ ثِقَتِي.» وَيَقُولُ أيْضًا: «هَا أنَا، وَمَعِي الأبْنَاءُ الَّذِينَ وَهَبَهُمُ اللهُ لِي.» فَبِمَا أنَّ الأبْنَاءَ بَشَرٌ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ، فَقَدِ اشتَرَكَ هُوَ مَعَهُمْ فِي اللَّحمِ وَالدَّمِ أيْضًا، لِكَي يُبِيدَ بِمَوْتِهِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلطَانُ المَوْتِ، أيْ إبْلِيسَ. وَلِكَي يُحَرِّرَ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا طَوَالَ حَيَاتِهِمْ مُسْتَعْبَدِينَ لِخَوفِهِمْ مِنَ المَوْتِ. فَمِنَ الوَاضِحِ أنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِمَعُونَةِ المَلَائِكَةِ، بَلْ لِمَعُونَةِ نَسْلِ إبرَاهِيمَ. لِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ أنْ يَصِيرَ مِثْلَ إخْوَتِهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، لِيَكُونَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ رَحِيمًا وَأمِينًا فِي خِدْمَةِ اللهِ، فَيُقَدِّمَ كَفَّارَةً مِنْ أجْلِ مَغفِرَةِ خَطَايَا الشَّعْبِ. فَبِمَا أنَّهُ جُرِّبَ وَتَألَّمَ، يَقْدِرُ أيْضًا أنْ يُعِينَ الَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ لِلتَّجرِبَةِ. فَيَا أيُّهَا الإخْوَةُ المُقَدَّسُونَ الَّذِينَ اشْتَرَكْتُمْ جَمِيعًا بِدَعوَةِ اللهِ لَكُمْ، تَأمَّلُوا يَسُوعَ الَّذِي أرسَلَهُ اللهُ لِيَكُونَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلإيمَانِ الَّذِي نَعتَرِفُ بِهِ. فَقَدْ كَانَ أمِينًا للهِ الَّذِي عَيَّنَهُ، كَمَا كَانَ مُوسَى أمِينًا فِي خِدْمَةِ كُلِّ بَيْتِ اللهِ. أمَّا يَسُوعُ فَقَدْ وُجِدَ أكْثَرَ استِحقَاقًا لِلكَرَامَةِ مِنْ مُوسَى، حَيْثُ إنَّ بَانِيَ البَيْتِ لَهُ كَرَامَةٌ أكْثَرَ مِنَ البَيْتِ نَفْسِهِ. فَكُلُّ البُيُوتِ يَبْنِيهَا البَشَرُ، لَكِنَّ اللهَ بَنَى كُلَّ شَيءٍ. وَمُوسَى كَانَ أمِينًا فِي الاهْتِمَامِ بِأهْلِ بَيْتِ اللهِ بِاعْتِبَارِهِ خَادِمًا. وَقَدْ شَهِدَ عنْ مَا سَيَقُولُهُ اللهُ مُسْتَقْبَلًا. أمَّا المَسِيحُ فَأمِينٌ بِاعْتِبَارِهِ ابْنًا مَسؤُولًا عَنْ بَيْتِ اللهِ. وَنَحْنُ أهْلُ بَيْتِ اللهِ، إنْ تَمَسَّكْنَا بِالجُرأةِ وَالَافْتِخَارِ فِي الرَّجَاءِ الَّذِي عِنْدَنَا. لِهَذَا يَقُولُ الرُّوحُ القُدُسُ: «اليَوْمَ، إنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَ اللهِ، لَا تُقَسُّوا قُلوبَكُمْ كَمَا حَدَثَ فِي المَاضِي، يَوْمَ تَمَرَّدْتُمْ، يَوْمَ جَرَّبَهُ شَعْبُهُ فِي البَرِّيَّةِ. هُنَاكَ امتَحَنَنِي آبَاؤُكُمْ وَجَرَّبُونِي، مَعَ أنَّهُمْ رَأوْا أعْمَالِي العَظِيمَةَ أرْبَعِينَ عَامًا! لِذَلِكَ غَضِبتُ مِنْ ذَلِكَ الجِيلِ وَقُلْتُ: ‹إنَّ أفكَارَهُمْ تَضِلُّ دَائِمًا عَنِ الصَّوَابِ، لَمْ يَعْرِفُوا طُرُقِي.› وَلِهَذَا أقْسَمْتُ غَاضِبًا: ‹لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي.›» فَاحْتَرِسُوا أيُّهَا الإخْوَةُ مِنْ أنْ يَكُونَ لِأيٍّ مِنْكُمْ قَلْبٌ شِرِّيرٌ غَيْرُ مُؤمِنٍ يَبْتَعِدُ عَنِ اللهِ الحَيِّ، بَلْ لِيُشَجِّعْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا كُلَّ يَوْمٍ مَا دَامَ الوَقْتُ يُدْعَى «اليَوْمَ،» لِئَلَّا تَحتَالَ عَلَيكُمُ الخَطِيَّةُ فَتَتَقَسَّى قُلُوبُكُمْ. فَنَحْنُ جَمِيعًا شُرَكَاءٌ مَعَ المَسِيحِ، بِشَرطِ أنْ نَتَمَسَّكَ بِثَبَاتٍ حَتَّى النِّهَايَةِ بِالثِّقَةِ الَّتِي كَانَتْ لَدَيْنَا فِي البِدَايَةِ. فَكَمَا قَالَ الكِتَابُ: «اليَوْمَ، إنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَ اللهِ، لَا تُقَسُّوا قُلوبَكُمْ كَمَا حَدَثَ فِي المَاضِي، يَوْمَ تَمَرَّدْتُمْ.» فَمَنْ هُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ سَمِعُوا صَوْتَهُ وَتَمَرَّدُوا عَلَيْهِ؟ ألَيْسُوا هُمُ الَّذِينَ أخرَجَهُمْ مُوسَى مِنْ مِصْرَ؟ وَمِمَّنْ غَضِبَ اللهُ أرْبَعِينَ عَامًا؟ ألِيسَ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ أخطَأُوا، فَسَقَطُوا جُثَثًا فِي الْبَرِّيَّةِ؟ وَمَنْ هُمُ الَّذِينَ أقْسَمَ اللهُ بِأنْ لَا يُدخِلَهُمْ رَاحَتَهُ المَوعُودَةَ أبَدًا؟ ألَيْسُوا هُمُ الَّذِينَ عَصَوْا؟ فَنَحْنُ نَرَى أنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَقْدِرُوا أنْ يَدْخُلُوا رَاحَةَ اللهِ بِسَبَبِ عَدَمِ إيمَانِهِمْ. فَمَا زَالَ الوَعْدُ بِالدُّخُولِ إلَى رَاحَةِ اللهِ قَائِمًا. فَلْنَحرِصْ عَلَى ألَّا يَفْشَلَ أحَدٌ بَيْنَكُمْ فِي الحُصُولِ عَلَى هَذَا الوَعْدِ. فَنَحْنُ قَدْ بُشِّرْنَا كَمَا قَدْ بُشِّرَ بَنُو إسْرَائِيلَ، لَكِنَّ الرِّسَالَةَ الَّتِي سَمِعُوهَا لَمْ تَنْفَعْهُمْ، لِأنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوهَا، لَمْ يَقْبَلُوهَا بِالإيمَانِ. أمَّا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا، فَنَدخُلُ تِلْكَ الرَّاحَةَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ عَنْهَا الكِتَابُ، فَكَمَا قَالَ اللهُ: «أقْسَمْتُ غَاضِبًا: لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي.» قَالَ هَذَا مَعَ أنَّهُ انْتَهَى مِنْ عَمَلِهِ مُنْذُ خَلْقِ العَالَمِ. إذْ تَحَدَّثَ فِي مَوضِعٍ مِنَ الكِتَابِ عَنِ اليَوْمِ السَّابِعِ فَقَالَ: «وَفِي اليَوْمِ السَّابِعِ استَرَاحَ اللهُ مِنْ كُلِّ أعْمَالِهِ.» لَكِنَّهُ يَقولُ أيْضًا: «لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي.» إذًا بَقِيَتْ هُنَاكَ رَاحَةٌ سَيَدْخُلُهَا بَعْضُهُمْ. أمَّا الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ أنْ سَمِعُوا البِشَارَةَ، فَلَمْ يَدْخُلُوا رَاحَتَهُ بِسَبَبِ عَدَمِ إيمَانِهِمْ. لِهَذَا يُحَدِّدُ اللهُ يَومًا يَدْعُوهُ «اليَوْمَ.» وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْهُ بَعْدَ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ كَمَا سَبَقَ أنْ ذَكَرْنَا: «اليَوْمَ، إنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَ اللهِ، لَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ.» فَلَوْ كَانَ يَشُوعُ قَدْ قَادَهُمْ إلَى رَاحَةِ اللهِ المَوعُودَةِ، لَمَا تَكَلَّمَ اللهُ فِيمَا بَعْدُ عَنْ يَوْمٍ آخَرَ. إذًا مَا يَزَالُ هُنَاكَ يَوْمُ رَاحَةٍ آتٍ لِشَعْبِ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ رَاحَةَ اللهِ يَسْتَرِيحُ مِنْ عَمَلِهِ، كَمَا أنَّ اللهَ استَرَاحَ مِنْ عَمَلِهِ. فَلْنَجْتَهِدْ لِلدُّخُولِ إلَى تِلْكَ الرَّاحَةِ، فَلَا يَسْقُطُ أحَدٌ تَابِعًا مِثَالَ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي العِصيَانِ. فَكَلِمَةُ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ. إنَّهَا أمضَى مِنْ أيِّ سَيفٍ ذِي حَدَّينِ، فَتَخْتَرِقَ الحُدُودَ الفَاصِلَةَ بَيْنَ النَّفْسِ وَالرُّوحِ، وَبَيْنَ المَفَاصِلِ وَالنُّخَاعِ. وَهِيَ تَحْكُمُ عَلَىْ أفكَارِ القَلْبِ وَمَشَاعِرِهِ. وَمَا مِنْ شَيءٍ مَخْلُوقٍ خَافٍ عَنْ نَظَرِ اللهِ، بَلْ كُلُّ شَيءٍ عُريَانٌ وَمَكشُوفٌ أمَامَ عَينَيِّ اللهِ الَّذِي سَنُقَدِّمُ لَهُ حِسَابًا. إنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَظِيمًا دَخَلَ السَّمَاوَاتِ، هُوَ يَسُوعُ ابْنُ اللهِ. لِهَذَا لِنَتَمَسَّكْ بِالإيمَانِ الَّذِي نَعْتَرِفُ بِهِ. فَرَئِيسُ الكَهَنَةِ الَّذِي لَنَا لَيْسَ عَاجِزًا عَنِ التَّعَاطُفِ مَعَ أوْجُهِ ضَعْفِنَا، لِأنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ جُرِّبَ فِي كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنَا، لَكِنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ خَطِيَّةً. إذًا فَلْنَتَقَدَّمْ بِجُرأةٍ إلَى عَرْشِ نِعْمَةِ اللهِ، لِكَي نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً تُعِينُنَا وَقْتَ الحَاجَةِ. فَكُلُّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ يَتِمُّ اختِيَارُهُ مِنَ بَيْنِ النَّاسِ، يُعَيَّنُ لِكَي يُعِينَ النَّاسَ فِي أُمُورِ اللهِ. فَهُوَ يُقَدِّمُ للهِ تَقْدِمَاتٍ وَذَبَائِحَ عَنِ الخَطَايَا. وَهُوَ قَادِرٌ أنْ يَتَرَفَّقَ بِالجُهَّالِ وَالضَّالِّينَ لِأنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ مُحَاطٌ بِالضَّعْفِ أيْضًا. وَبِسَبَبِ ضَعفِهِ هَذَا كَانَ عَلَيْهِ أنْ يُقَدِّمَ ذَبِيحَةً عَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ وَعَنْ خَطَايَاهُ هُوَ نَفْسِهِ أيْضًا. وَمَا مِنْ أحَدٍ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الوَظِيفَةِ الشَّرِيفَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مَدعُوًّا مِنَ اللهِ، كَمَا كَانَ هَارُونُ. وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْفَعِ المَسِيحُ نَفْسَهُ إلَى مَرْكَزِ رَئِيسِ كَهَنَةٍ، لَكِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ: «أنْتَ ابنِي، وَأنَا اليَوْمَ وَلَدْتُكَ.» كَمَا يَقُولُ لَهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ مِنَ الكِتَابِ: «أنْتَ كَاهِنٌ إلَى الأبَدِ عَلَىْ رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ.» وَأثنَاءَ حَيَاةِ يَسُوعَ عَلَى الأرْضِ، قَدَّمَ تَضَرُّعَاتٍ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ للهِ القَادِرِ أنْ يُنقِذَهُ مِنَ المَوْتِ، وَسُمِعَتْ صَلَاتُهُ بِسَبَبِ تَقوَاهُ. وَرُغْمَ أنَّهُ كَانَ ابنًا، فَقَدْ تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِنْ خِلَالِ الآلَامِ الَّتِي عَانَاهَا. وَبَعْدَ أنْ كُمِّلَ بِالآلَامِ، صَارَ مَصْدَرَ خَلَاصٍ أبَدِيٍّ لِكُلِّ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ. وَقَدْ أعلَنَهُ اللهُ رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَلَىْ رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ. لَدَيْنَا الكَثِيرُ لِنَقُولَهُ لَكُمْ حَوْلَ هَذَا المَوضُوعِ. لَكِنْ يَصْعُبُ عَلَيْنَا إفْهَامُكُمْ، لِأنَّكُمْ صِرْتُمْ بَطِيئِي الفَهْمِ. فَمَعَ أنَّهُ يُفتَرَضُ أنْ تَكُونُوا قَدْ أصبَحتُمُ الآنَ مُعَلِّمِينَ، فَمَا زِلْتُمْ تَحتَاجُونَ مَنْ يُعَلِّمُكُمْ مِنْ جَديدٍ أسَاسِيَّاتِ تَعَالِيمِ اللهِ. أنْتُمْ كَالأطْفَالِ تَحتَاجُونَ إلَى الحَلِيبِ، لَا إلَى طَعَامٍ حَقِيقِيٍّ صَلْبٍ! فَالمُبتَدِئُونَ غَيْرُ المُتَمَرِّسِينَ فِي التَّعلِيمِ الصَّحِيحِ هُمْ كَالأطْفَالِ الَّذِينَ يَحتَاجُونَ إلَى الحَلِيبِ. أمَّا الطَّعَامُ الحَقِيقِيُّ فَلِلنَّاضِجِينَ الَّذِينَ تَدَرَّبَتْ قُدُرَاتُهُمْ بِالخِبرَةِ عَلَى التَّمِيِيزِ بَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ. لِهَذَا لِنَترُكْ وَرَاءَنَا التَّعَالِيمَ الابْتِدَائِيَّةَ عَنِ المَسِيحِ، وَلْنَتَقَدَّمْ عَلَى طَرِيقِ الكَمَالِ، فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى الحَدِيثِ ثَانِيَةً عَنِ التَّوبَةِ عَنِ الأعْمَالِ الَّتِي تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ وَعَنِ الإيمَانِ بِاللهِ. وَتَعْلِيمِ المَعمُودِيَّاتِ، وَوَضْعِ الأيدِي، وَقِيَامَةِ الأمْوَاتِ، وَالدَّينُونَةِ الأبَدِيَّةِ. وَسَنَتَقَدَّمُ بِالفِعْلِ بِإذْنِ اللهِ. فَالَّذِينَ استَنَارُوا يَوْمًا، وَاختَبَرُوا المَوهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ، وَصَارتْ لَهُمْ شَرَكَةٌ فِي الرُّوحِ القُدُسِ، وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ وَاختَبَرُوا قُوَّاتِ العَصْرِ الآتِي، ثُمَّ ارْتَدُّوا، لَا يُمْكِنُ أنْ تُجَدِّدَهُمْ ثَانِيَةً وَتَرُدَّهُمْ إلَى التَّوبَةِ، لِأنَّهُمْ بِذَلِكَ يَصْلِبُونَ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً لِضَرَرِهِمْ، وَيُعَرِّضُونَهُ لِلعَارِ عَلَى المَلَأِ. فَحِينَ تَشْرَبُ الأرْضُ المَطَرَ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَيْهَا وَتُعطِي مَحصُولًا نَافِعًا لِلَّذِينَ يَفْلَحُونَهَا، فَإنَّ اللهَ يُبَارِكُهَا. أمَّا إذَا أنبَتَتْ شَوكًا وَحَسَكًا فَلَا قِيمَةَ لَهَا، وَسَيَلْعَنُهَا اللهُ، وَتكُونُ النَّارُ مَصِيرَهَا! لَكِنَّنَا أيُّهَا الأحِبَّاءُ نَتَوَقَّعُ مِنكَمْ أُمُورًا أفْضَلَ مِنْ جِهَةِ خَلَاصِكُمْ. فَاللهُ لَيْسَ ظَالِمًا حَتَّى يَنْسَى جُهُودَكُمْ، وَالمَحَبَّةَ الَّتِي أظْهَرْتُمُوهَا لَهُ بِمَا خَدَمْتُمْ وَتَخْدِمُونَ شَعْبَهُ المُقَدَّسَ. لَكِنْ مَا نَتَمَنَّاهُ هُوَ أنْ يُظهِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ هَذَا الاجْتِهَادَ نَفْسَهُ حَتَّى النِّهَايَةِ، لِكَي يَتَحَقَّقَ الرَّجَاءُ. لَا نُرِيدُكُمْ أنْ تَكُونُوا كَسَالَى، بَلْ نُرِيدُكُمْ أنْ تَقْتَدُوا بِالَّذِينَ يَرِثُونَ وُعُودَ اللهِ بِالإيمَانِ وَالمُثَابِرَةِ. لَمَّا قَطَعَ اللهُ وَعْدًا لإبرَاهِيمَ أقْسَمَ بِنَفْسِهِ، إذْ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أعْظَمُ مِنْهُ فَيُقسِمَ بِهِ. قَالَ اللهُ لإبْرَاهيمَ: «سَأُبَارِكُكَ بِكُلِّ بَرَكَةٍ. وَسَأُعْطِيكَ نَسْلًا كَثِيرًا جِدًّا.» وَإذِ انتَظَرَ إبرَاهِيمُ بِصَبْرٍ، نَالَ مَا وَعَدَهُ بِهِ اللهُ. فَالنَّاسُ يُقسِمُونَ بِمَنْ هُوَ أعْظَمُ مِنْهُمْ. وَالقَسَمُ يُثَبِّتُ مَا يَقُولُونَهُ مُنهِيًا كُلَّ جَدَلٍ. لِذَلِكَ عِنْدَمَا أرَادَ اللهُ أنْ يُوضِحَ لِكُلِّ وَرَثَةِ الوَعْدِ أنَّ نَوَايَاهُ لَا تَتَغَيَّرُ أبَدًا، ثَبَّتَ وَعْدَهُ بِقَسَمٍ. استَخْدَمَ اللهُ أمرَينِ لَا يَتَغَيَّرَانِ وَلَا يُمْكِنُ أنْ يُكذَبَ فِيهِمَا، وَهُمَا وَعْدُهُ وَقَسَمُهُ. وَذَلِكَ لِكَي يُشَجِّعَنَا، نَحْنُ الَّذِينَ أسرَعْنَا إلَى التَّمَسُّكِ بِالرَّجَاءِ المُقَدَّمِ لَنَا. وَهَذَا الرَّجَاءُ مِرسَاةٌ ثَابِتَةٌ وَآمِنَةٌ لِحَيَاتِنَا، يَصِلُ بِنَا إلَى خَلفِ السِّتَارَةِ، إلَى مَقدِسِ اللهِ الدَّاخِلِيِّ، حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ مِنْ أجْلِنَا كَرَائِدٍ لَنَا. وَقَدْ صَارَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ إلَى الأبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ. كَانَ مَلْكِيصَادَقُ مَلِكًا عَلَى سَالِيمَ، وَكَاهِنًا للهِ العَلِيِّ. وَذَاتَ يَوْمٍ، قَابَلَ مَلْكِيصَادَقُ إبرَاهِيمَ وَهُوَ عَائِدٌ مِنَ المَعْرَكَةِ الَّتِي هَزَمَ فِيهَا المُلُوكَ. فَبَارَكَ مَلْكِيصَادَقُ إبْرَاهِيمَ. وَأعْطَاهُ إبْرَاهِيمُ عُشْرًا مِنْ كُلِّ مَا غَنِمَهُ مِنَ الحَرْبِ. وَاسْمُهُ يَعْنِي «مَلِكَ البِرِّ،» وَهُوَ أيْضًا «مَلِكُ سَالِيمَ» أيْ «مَلِكُ السَّلَامِ.» وَلَا ذِكْرَ لِأبِيهِ أوْ أُمِّهِ أوْ أصلِهِ، وَلَا ذِكْرَ لِبِدَايَةِ حَيَاتِهِ أوْ نِهَايَتِهَا. وَهُوَ، مِثْلُ ابْنِ اللهِ، يَبْقَى كَاهِنًا إلَى الأبَدِ. فَأنْتُمْ تَرَوْنَ إذًا عَظَمَةَ هَذَا الرَّجُلِ! فَحَتَّى أبُونَا إبرَاهِيمُ قَدَّمَ لَهُ عُشْرًا مِمَّا غَنِمَهُ. وَتَأْمُرُ شَرِيعَةُ مُوسَى نَسْلَ لَاوِي الكَهَنَةَ أنْ يَجْمَعُوا عُشْرًا مِنَ الشَّعْبِ، أيْ مِنْ إخْوَتِهِمْ، مَعَ أنَّ إخْوَتَهُمْ هُمْ أيْضًا مِنْ نَسْلِ إبرَاهِيمَ. وَمَلْكِيصَادَقُ لَمْ يَأْتِ مِنْ نَسْلِ لَاوِي. وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أخَذَ العُشْرَ مِنْ إبرَاهِيمَ نَفْسِهِ. وَبَارَكَ مَلْكِيصَادَقُ إبرَاهِيمَ الَّذِي أعْطَاهُ اللهُ الوُعُودَ. وَلَا شَكَّ فِي أنَّ الأعْلَى هُوَ الَّذِي يُبَارِكُ الأدْنَى. فَفِي حَالَةِ اللَّاوِيِّينَ، يَجْمَعُ العُشْرَ كَهَنَةٌ فَانُونَ. أمَّا مَلْكِيصَادَقُ فَقَدْ شُهِدَ بِأنَّهُ حَيٌّ. كَمَا نَسْتَطِيعُ أنْ نَقُولَ إنَّ لَاوِي الَّذِي يَجْمَعُ العُشُورَ قَدْ دَفَعَ هُوَ نَفْسُهُ العُشْرَ مِنْ خِلَالِ إبرَاهِيمَ، لِأنَّهُ كَانَ مَا يَزَالُ فِي جِسْمِ جَدِّهِ إبرَاهِيمَ لَمَّا قَابَلَهُ مَلْكِيصَادَقُ. فَمِنَ الوَاضِحِ أنَّ الكَهَنُوتَ اللَّاوِيَّ، الَّذِي أُعْطِيَتِ الشَّرِيعَةُ عَلَى أسَاسِهِ إلَى الشَّعْبِ، عَاجِزٌ عَنْ إيصَالِ النَّاسِ إلَى الكَمَالِ. وَإلَّا فَلِمَاذَا كَانَتْ هُنَاكَ بَعْدُ حَاجَةٌ إلَى ظُهُورِ كَاهِنٍ آخَرَ عَلَىْ رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ، وَلَيْسَ عَلَى رُتْبَةِ هَارُونَ؟ فَحِينَ يَكُونُ هُنَاكَ تَغْيِيرٌ لِلكَهَنُوتِ، فَلَا بُدَّ أنْ يَتْبَعَ هَذَا تَغْيِيرٌ لِلشَّرِيعَةِ. فَالمَسِيحُ الَّذِي تُقَالُ فِيهِ هَذِهِ الأُمُورُ جَاءَ مِنْ عَشِيرَةٍ أُخْرَى غَيْرِ قَبِيلَةِ لَاوِي. وَهِيَ عَشِيرَةٌ لَمْ يَخْدِمْ أحَدٌ مِنْهَا كَكَاهِنٍ عِنْدَ المَذْبَحِ. فَمِنَ الْمَعْرُوفِ أنَّ رَبَّنَا أتَى مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا الَّتِي لَمْ يَذْكُرْ مُوسَى أيَّ ارتِبَاطٍ لَهَا بِالكَهَنُوتِ. وَتُصبِحُ المَسألَةُ أكْثَرَ وُضُوحًا مَعَ ظُهُورِ هَذَا الكَاهِنِ الآخَرِ الَّذِي يُشْبِهُ مَلْكِيصَادَقَ. وَقَدْ جُعِلَ كَاهِنًا، لَا عَلَى أسَاسِ شَرِيعَةٍ تَتَضَمَّنُ تَرْتِيبًا بَشَرِيًّا، بَلْ عَلَى أسَاسِ قُوَّةِ حَيَاةٍ لَا تَفْنَى. إذْ يُقَالُ عَنْهُ فِي الكِتَابِ: «أنْتَ كَاهِنٌ إلَى الأبَدِ عَلَىْ رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ.» وَالْآنَ يُوضَعُ النِّظَامُ القَدِيمُ جَانِبًا، لِأنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا وَعَدِيمَ الفَائِدَةِ. فَشَرِيعَةُ مُوسَى لَمْ تَجْعَلْ شَيْئًا كَامِلًا، أمَّا الآنَ فَقَدْ صَارَ لَنَا رَجَاءٌ أفْضَلُ، بِهِ نَسْتَطِيعُ أنْ نَقتَرِبَ مِنَ اللهِ. وَمَا يَهُمُّ أيْضًا أنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ يَسُوعَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِنْ دُونَ قَسَمٍ. فَالآخَرُونَ صَارُوا كَهَنَةً مِنْ دُونِ قَسَمٍ، أمَّا هُوَ فَصَارَ كَاهِنًا بِقَسَمٍ إذْ قَالَ اللهُ لَهُ: «أقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَتَرَاجَعَ: ‹أنْتَ كَاهِنٌ إلَى الأبَدِ.›» وَهَذَا يَجْعَلُ يَسُوعَ ضَمَانَتَنَا لِعَهْدٍ أفْضَلَ. كَانَ فِي العَهْدِ القَدِيمِ رُؤَسَاءُ كَهَنَةٍ كَثِيرُونَ. وَكُلَّمَا مَاتَ أحَدُهُمْ، كَانَ لَا بُدَّ مِنَ استِبدَالِهِ. أمَّا يَسُوعُ فَهُوَ حَيٌّ إلَى الأبَدِ، لِذَلِكَ فَإنَّ كَهَنُوتَهُ كَهَنُوتٌ دَائِمٌ. وَلِذَلِكَ يَقْدِرُ أنْ يُعطِيَ خَلَاصًا أبَدِيًّا لِلَّذِينَ يَأْتُونَ إلَى اللهِ بِوَاسِطَتِهِ، لِأنَّهُ حَيٌّ عَلَى الدَّوَامِ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ عِنْدَ اللهِ. فَيَسُوعُ هُوَ رَئيسُ كَهَنَةٍ يُنَاسِبُ احتِيَاجَاتِنَا. وَهُوَ قُدُّوسٌ بِلَا خَطِيَّةٍ وَطَاهِرٌ، وَلَا يَتَأثَّرُ بِالخُطَاةِ. وَهُوَ مُمَجَّدٌ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. وَلَا يَحْتَاجُ كَأيِّ رَئيسِ كَهَنَةٍ آخَرَ، إلَى تَقْدِيمِ ذَبَائِحَ يَوْمِيَّةٍ عَنْ خَطَايَاهُ أوَّلًا، ثُمَّ عَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ. فَقَدْ قَدَّمَ يَسُوعُ ذَبِيحَةً عَنْ خَطَايَا النَّاسِ مَرَّةً وَاحِدَةً نِهَائِيَّةً حَاسِمَةً، عِنْدَمَا قَدَّمَ نَفْسَهُ. فَالشَّرِيعَةُ تُعَيِّنُ رُؤَسَاءَ كَهَنَةٍ مِنَ البَشَرِ الضُّعَفَاءِ. لَكِنَّ اللهَ أعْطَى فِيمَا بَعْدُ وَعْدًا مَصحُوبًا بِقَسَمٍ. وَبِحَسَبِ هَذَا الوَعْدِ، فَإنَّ الاِبْنَ المُكَمَّلَ إلَى الأبَدِ هُوَ الَّذِي عُيِّنَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ. وَخُلَاصَةُ الكَلَامِ، هُوَ أنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ بِهَذِهِ الميزَاتِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ عَرْشِ الجَلَالَةِ فِي السَّمَاوَاتِ. وَهُوَ يَخْدِمُ كَرَئِيسِ كَهَنَةٍ فِي أقْدَسِ مَكَانٍ، أيْ فِي خَيْمَةِ العِبَادَةِ الحَقِيقِيَّةِ. وَهِيَ خَيْمَةٌ لَمْ يَبْنِهَا إنْسَانٌ، بَلِ الرَّبُّ نَفْسُهُ. وَيُعَيَّنُ كُلُّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ بِقَصْدِ تَقْدِيمِ تَقْدِمَاتٍ وَذَبَائِحَ. وَلِهَذَا كَانَ ضَرُورِيًّا أنْ يَكُونَ لِرَئِيسِ كَهَنَتِنَا مَا يُقَدِّمُهُ أيْضًا. وَلَوْ كَانَ هُنَا عَلَى الأرْضِ الآنَ لَمَا صَلُحَ أنْ يَكُونَ كَاهِنًا، فَهُنَاكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ التَّقدِمَاتِ الَّتِي تَنُصُّ عَلَيْهَا الشَّرِيعَةُ! وَمَا الخِدْمَةُ الَّتِي يُؤَدُّونَهَا إلَّا نُسخَةٌ وَظِلٌّ لِمَا يَجْرِي فِي السَّمَاءِ. وَلِهَذَا نَبَّهَ اللهُ مُوسَى عِنْدَمَا كَانَ عَلَى وَشَكِ أنْ يَنْصُبَ خَيْمَةَ العِبَادَةِ الأرْضِيَّةِ وَقَالَ لَهُ: «احرِصْ عَلَى أنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيءٍ حَسَبَ النَّمُوذَجِ الَّذِي أرَيتُكَ إيَّاهُ عَلَى الجَبَلِ.» لَكِنَّ يَسُوعَ قَدْ أُعْطِيَ خِدْمَةً أعْظَمَ جِدًّا مِنْ خِدْمَةِ أُولَئِكَ الكَهَنَةِ، وَذَلِكَ بِمِقدَارِ تَفَوُّقِ العَهْدِ الجَدِيدِ الَّذِي وَسِيطُهُ يَسُوعُ عَلَى العَهْدِ القَدِيمِ. وَهَذَا العَهْدُ الجَدِيدُ مُؤَسَّسٌ عَلَى وُعُودٍ أفْضَلَ. فَلَو كَانَ العَهْدُ الأوَّلُ بِلَا عَيْبٍ لَمَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى عَهْدٍ آخَرَ يَحِلُّ مَحَلَّهُ. لَكِنَّ اللهَ وَجَدَهُمْ مَلُومِينَ فَقَالَ: «هَا تَأْتِي أيَّامٌ، يَقُولُ الرَّبُّ ، حِينَ أقطَعُ عَهْدًا جَدِيدًا مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَمَعَ بَنِي يَهُوذَا. لَنْ يَكُونَ كَالعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ عِنْدَمَا أمسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لِأُخرِجَهُمْ مِنْ مِصْرَ. فَهُمْ لَمْ يَظَلُّوا مُخْلِصِينَ لِعَهْدِي، فَابْتَعَدْتُ عَنْهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ . «وَهَذَا هُوَ العَهْدُ الَّذِي سَأقطَعُهُ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: «سَأزرَعُ شَرَائِعِي فِي عُقُولِهِمْ، وَسَأكتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ. سَأكُونُ إلَهَهُمْ، وَهُمْ سَيَكُونُونَ شَعْبِي. وَلَنْ تَكُونَ هُنَاكَ حَاجَةٌ لأنْ يُعَلِّمَ أحَدٌ قَرِيبَهُ وَيَقُولَ لَهُ: ‹اعْرِفِ الرَّبَّ.› إذْ سَيَعْرِفُونَنِي جَمِيعًا، مِنْ صَغِيرِهِمْ إلَى كَبِيرِهِمْ. فَأنَا سَأغْفِرُ آثَامَهُمْ، وَلَنْ أعُودَ أذْكُرُ خَطَايَاهُمْ.» فَحِينَ يَدْعُو اللهُ هَذَا العَهْدَ «جَدِيدًا،» فَإنَّهُ يَجْعَلُ الأوَّلَ «قَدِيمًا.» وَمَا هُوَ قَدِيمٌ وَبِلَا نَفْعٍ، يَزُولُ سَرِيعًا. تَضَمَّنَ العَهْدُ الأوَّلُ تَوْجِيهَاتٍ لِلعِبَادَةِ وَمَكَانًا مُقَدَّسًا بَشَرِيَّ الصُّنْعِ. إذْ نُصِبَ الْقِسْمُ الأوَّلُ مِنَ الْخَيْمَةِ حَيْثُ وُضِعَتِ المَنَارَةُ وَالمَائِدَةُ وَعَلَيهَا الخُبْزُ المُقَدَّمُ للهِ. وَيُدْعَىْ ذَلِكَ الْقِسْمُ: «المَكَانَ المُقَدَّسَ.» وَخَلْفَ السِّتَارَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ هُنَاكَ الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي يُدْعَىْ: «قُدْسَ الأقْدَاسِ،» حَيْثُ يُوجَدُ مَذْبَحٌ ذَهَبِيٌّ لِلبَخُورِ، وَصُندُوقُ العَهْدِ المُغَشَّىْ بِالذَّهَبِ. وَفِيهِ جَرَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ تَحْتَوِي عَلَى المَنِّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أورَقَتْ، وَلَوحَا العَهْدِ الحَجَرِيَّانِ. وَفَوقَهُ تِمثَالَانِ لِكَرُوبَيْنِ يُظهِرَانِ مَجْدَ اللهِ وَيُظَلِّلَانِ عَرْشَ الرَّحمَةِ. وَلَا مَجَالَ لِلدُّخُولِ فِي تَفَاصِيلِ هَذِهِ الأُمُورِ الآنَ. وَبَعْدَ أنْ تُرَتَّبَ هَذِهِ الأشْيَاءُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، كَانَ الكَهَنَةُ يَدْخُلُونَ إلَى الْقِسْمِ الأوَّلِ مِنَ الخَيْمَةِ بِانتِظَامٍ، لِيُؤَدُّوا فُرُوضَ العِبَادَةِ. أمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُهُ إلَّا رَئِيسُ الكَهَنَةِ وَحْدَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي السَّنَةِ. وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ هُنَاكَ دُونَ أنْ يَأْخُذَ مَعَهُ دَمًا يُقَدِّمُهُ عَنْ خَطَايَاهُ، وَعَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ الَّتِي ارتَكَبُوهَا فِي جَهلِهِمْ. وَبِهَذَا يُظهِرُ الرُّوحُ القُدُسُ أنَّ الدُّخُولَ إلَى قُدسِ الأقْدَاسِ غَيْرُ مُمْكِنٍ مَا دَامَ الْقِسْمُ الأوَّلُ مِنَ الْخَيْمَةِ قَائِمًا. وَهَذَا كُلُّهُ رَمزٌ لِلزَّمَنِ الحَالِيِّ. وَهُوَ يَعْنِي أنَّ التَّقدِمَاتِ وَالذَّبَائِحَ المُقَدَّمَةَ للهِ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنْ جَعلِ ضَمِيرِ العَابِدِ صَالِحًا تَمَامًا. لِأنَّهَا قَائِمَةٌ عَلَى أطعِمَةٍ وَأشرِبَةٍ وَغُسُولَاتٍ طَقْسيَّةٍ مُتَنَوِّعَةٍ. وَمَا هَذِهِ إلَّا فَرَائِضُ خَارِجِيَّةٌ تَسْرِي إلَى وَقْتِ النِّظَامِ الجَدِيدِ. أمَّا الآنَ فَقَدْ جَاءَ المَسِيحُ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلخَيرَاتِ المَوعُودَةِ. وَدَخَلَ خَيْمَةً أعْظَمَ وَأكمَلَ غَيْرَ مَصْنُوعَةٍ بِأيدٍ بَشَرِيَّةٍ، أيْ خَيْمَةً لَيْسَتْ جُزءًا مِنْ هَذَا العَالَمِ المَخْلُوقِ. وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَاسِمَةً إلَى قُدْسِ الأقْدَاسِ بِدَمِ نَفْسِهِ، فَضَمِنَ لَنَا فِدَاءً أبَدِيًّا. فَإنْ كَانَ دَمُ التُّيُوسِ وَالثِّيرَانِ وَالعُجُولِ المَرشُوشُ عَلَى النَّجِسِينَ قَادِرًا أنْ يُقَدِّسَهُمْ فَيَصِيرُوا طَاهِرِينَ خَارِجِيًّا، ألَا يَكُونُ دَمُ المَسِيحِ أعْظَمَ؟ فَقَدْ قَدَّمَ نَفْسَهُ بِرُوحٍ أزَلِيٍّ، ذَبِيحَةً كَامِلَةً للهِ، لِكَي يُطَهِّرَ ضَمَائِرَنَا مِنْ أعْمَالٍ تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ، وَهَكَذَا نَسْتَطِيعُ الآنَ أنْ نَعبُدَ اللهَ الحَيَّ. لِذَلِكَ فَإنَّ المَسِيحَ هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ. فَالآنَ، وَقَدْ مَاتَ المَسِيحُ لِفِدَاءِ البَشَرِ مِنَ الخَطَايَا المُرتَكَبَةِ تَحْتَ العَهْدِ الأوَّلِ، يُمْكِنُ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ دَعَاهُمُ اللهُ أنْ يَنَالُوا المِيرَاثَ الأبَدِيَّ المَوعُودَ. وَحَيْثُ تُوجَدُ وَصِيَّةٌ، يَنْبَغِي إثبَاتُ مَوْتِ صَاحِبِ الوَصِيَّةِ. فَالوَصِيَّةَ لَا تُصبِحُ سَارِيَةَ المَفعُولِ إلَّا عِنْدَ المَوْتِ، حَيْثُ إنَّهَا لَا تَكُونُ نَافِذَةَ المَفعُولِ فِي حَيَاةِ المُوصِي. لِذَلِكَ حَتَّى العَهْدُ الأوَّلُ يَتِمُّ تَدْشِينُهُ أيْضًا بِالدَّمِ. فَبَعدَ أنْ قَرَأ مُوسَى كُلَّ وَصَايَا الشَّرِيعَةِ عَلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ، أخَذَ دَمَ عُجُولٍ وُتُيُوسٍ مَعَ مَاءٍ وَصُوفٍ قُرمُزِيٍّ وَنَبَاتِ زُوفَا، ثُمَّ رَشَّ عَلَى كِتَابِ الشَّرِيعَةِ نَفْسِهِ، وَعَلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ وَقَالَ: «هَذَا هُوَ دَمُ العَهْدِ الَّذِي أوصَاكُمُ اللهُ أنْ تُطِيعُوهُ.» وَكَذَلِكَ رَشَّ خَيْمَةَ العِبَادَةِ، وَجَمِيعَ الأدَوَاتِ المُسْتَخْدَمَةِ فِي العِبَادَةِ. وَتَشْتَرِطُ الشَّرِيعَةُ أنْ يَتَطَهَّرَ كُلُّ شَيءٍ تَقْرِيبًا بِالدَّمِ، وَبِغَيرِ سَفكِ دَمٍ لَا يُوجَدُ غُفرَانٌ. إذًا كَانَ ضَرُورِيًّا أنْ تُطَهَّرَ بِهَذِهِ الذَّبَائِحِ النُّسَخُ الأرْضِيَّةُ لِلأشيَاءِ الحَقِيقِيَّةِ فِي السَّمَاءِ، أمَّا الأشْيَاءُ السَّمَاوِيَّةُ نَفْسُهَا فَيَنْبَغِي أنْ تُطَهَّرَ بِذَبَائِحَ أفْضَلَ مِنْ هَذِهِ. فَالمَسِيحُ لَمْ يَدْخُلْ قُدْسَ أقدَاسٍ صَنَعَتْهُ أيدٍ بَشَرِيَّةٌ نُسخَةً عَنِ قُدْسِ الأقْدَاسِ الحَقِيقِيِّ، بَلْ دَخَلَ السَّمَاءَ عَينَهَا، لِكَي يَقِفَ الآنَ أمَامَ حَضْرَةِ اللهِ لأجْلِنَا. وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مَرَّةً تِلْوَ الأُخرَى كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ الكَهَنَةِ قُدْسَ الأقْدَاسِ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمٍ غَيْرِ دَمِهِ. وَلَوْ كَانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، لَكَانَ عَلَيْهِ أنْ يَتَألَّمَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً جِدًّا مُنْذُ خَلقِ العَالَمِ. لَكِنَّهُ ظَهَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ اقْتِرَابِ نِهَايَةِ التَّارِيخِ لِكَي يُزِيلَ الخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ. وَكَمَا أنَّ النَّاسَ يَمُوتُونَ مَرَّةً، ثُمَّ يُواجِهُونَ الدَّينُونَةَ، فَقَدْ قُدِّمَ المَسِيحُ ذَبِيحَةً مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ لِكَي يَنْزِعَ خَطَايَا كَثِيرِينَ. وَسَيَظْهَرُ مَرَّةً ثَانِيَةً، لَا مِنْ أجْلِ الخَطِيَّةِ، وَإنَّمَا لِيُخَلِّصَ الَّذِينَ يَتَرَقَّبُونَ قُدُومَهُ. فَلَيْسَ لَدَى الشَّرِيعَةِ إلَّا ظِلُّ الخَيْرَاتِ الآتِيَةِ. فَهِيَ لَا تَحْمِلُ نَفْسَ جَوهَرِ الأشْيَاءِ الحَقِيقِيَّةِ. فَالشَّرِيعَةُ لَا تَقْدِرُ أبَدًا، بِنَفْسِ الذَّبَائِحِ الَّتِي تُقَدَّمُ سَنَةً بَعْدَ أُخْرَى، أنْ تُكَمِّلَ الَّذِينَ يَقْتَرِبُونَ مِنَ اللهِ فِي العِبَادَةِ. وَلَوْ كَانَ فِي مَقدُورِهَا أنْ تُكَمِّلَهُمْ، أفَمَا كَانُوا يَتَوَقَّفُونَ عَنْ تَقْدِيمِهَا؟ فَلَو تَطَهَّرُوا بِشَكلٍ نِهَائِيٍّ مِنْ خَطَايَاهُمْ، لَمَا شَعَرُوا بِذَنبِ خَطَايَاهُمْ! لَكِنَّ الذَّبَائِحَ هِيَ تَذكَارٌ لِخَطَايَاهُمْ كُلَّ سَنَةٍ. فَلَا يُمْكِنُ لِدَمِ الثِّيرَانِ وَالتُّيُوسِ أنْ يَنْزِعَ الخَطَايَا. لِهَذَا عِنْدَمَا جَاءَ المَسِيحُ إلَى العَالَمِ قَالَ للهِ: «أنْتَ لَمْ تُرِدْ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، لَكِنَّكَ أعدَدْتَ لِي جَسَدًا. لَمْ تَسُرَّكَ الذَّبَائِحُ الصَّاعِدَةُ وَقَرَابِينُ الخَطِيَّةِ. ثُمَّ قُلْتُ: ‹فَكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي مَخطُوطَةِ الكِتَابِ: هَا أنَا قَدْ جِئْتُ لأفعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا اللهُ.›» قَالَ أوَّلًا: «أنْتَ لَا تُرِيدُ ذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتٍ، ذَبَائِحَ صَاعِدَةً وَقَرَابِينَ خَطِيَّةٍ، وَلَا تُسَرُّ بِهَا،» مَعَ أنَّ الشَّرِيعَةَ كَانَتْ تَطْلُبُ تَقْدِيمَ هَذِهِ الذَّبَائِحِ. ثُمَّ قَالَ: «هَأنَذَا قَدْ جِئْتُ لِأفعَلَ مَشِيئَتَكَ.» وَهُوَ بِهَذَا يَضَعُ النِّظَامَ الأوَّلَ جَانِبًا لِكَي يُؤَسِّسَ الثَّانِيَ. فَبِهَذِهِ المَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ، بِذَبِيحَةِ جَسَدِ يَسُوعَ المَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً إلَى الأبَدِ. فَكُلُّ كَاهِنٍ يَهُودِيٍّ يَقِفُ لِيُؤَدِّيَ وَاجِبَاتِهِ الدِّينِيَّةَ كُلَّ يَوْمٍ، فَيُقَدِّمَ مَرَّةً تِلْوَ المَرَّةِ نَفْسَ الذَّبَائِحِ الَّتِي لَا تَقْدِرُ أنْ تَنْزِعَ الخَطَايَا. أمَّا المَسيحُ، فَبَعْدَ أنْ قَدَّمَ ذَبِيحَةً مُفْرَدَةً عَنِ الخَطَايَا مَرَّةً وَاحِدَةً إلَى الأبَدِ، جَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ. وَهُوَ الآنَ يَنْتَظِرُ أنْ يُجْعَلَ أعْدَاؤُهُ مِسْنَدًا لِقَدَمَيهِ. فَبِذَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ جَعَلَ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ كَامِلِينَ إلَى الأبَدِ. وَيَشْهَدُ لَنَا الرُّوحُ القُدُسُ عَنْ هَذِهِ الحَقيقَةِ أيْضًا فَيَقُولُ أوَّلًا: «هَذَا هُوَ العَهْدُ الَّذِي سَأقْطَعُهُ مَعَهُمْ بَعْدَ تِلْكَ الأيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: سَأضَعُ شَرَائِعِي فِي قُلُوبِهِمْ، وَأكْتُبُهَا فِي عُقُولِهِمْ.» ثُمَّ يَقُولُ: «وَلَنْ أعُودَ أذكُرُ خَطَايَاهُمْ وَآثَامَهُمْ.» فَعِنْدَمَا تَكُونُ هُنَاكَ مَغفِرَةٌ لِهَذِهِ الخَطَايَا وَالآثَامِ، لَا تَعُودُ هُنَاكَ حَاجَةٌ لِقُربَانٍ عَنِ الخَطَايَا. لِهَذَا أيُّهَا الإخْوَةُ، لَنَا جُرأةٌ لِلدُّخُولِ إلَى قُدْسِ الأقْدَاسِ بِدَمِ يَسُوعَ. فَنَحْنُ نَدخُلُ طَرِيقًا جَدِيدًا حَيًّا فَتَحَهُ يَسُوعُ أمَامَنَا عَبْرَ السِّتَارَةِ، أيْ جَسَدِهِ. إذْ لَنَا كَاهِنٌ عَظِيمٌ يَتَوَلَّى مَسؤُولِيَّةَ بَيْتِ اللهِ، فَلْنَدخُلْ إذًا مَحضَرَ اللهِ بِقَلْبٍ مُخْلِصٍ، وَبِيَقِينٍ نَابِعٍ مِنَ الإيمَانِ. إذْ إنَّ قُلُوبَنَا قَدْ رُشَّتْ فَتَطَهَّرَتْ مِنَ الضَّميرِ الشِّرِّيرِ، وَأجْسَادَنَا غُسِلَتْ بِمَاءٍ نَقِيٍّ. فَلِنَتَمَسَّكْ إذًا بِقُوَّةٍ بِالرَّجَاءِ الَّذِي نَعْتَرِفُ بِهِ، لِأنَّ مَنْ وَعَدَنَاَ أمِينٌ. فَلْيَنْتَبِهْ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى الآخَرِ مُحَرِّضًا إيَّاهُ عَلَى المَزِيدِ مِنَ المَحَبَّةِ وَالأعْمَالِ الصَّالِحَةِ. فَلَا يَنْبَغِي أنْ نَتَوَقَّفَ عَنْ الاجتِمَاعِ مَعًا، كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُهُمْ. بَلْ لِنَجتَمِعْ لِكَي يُشَجِّعَ أحَدُنَا الآخَرَ أكْثَرَ فَأكثَرَ، خَاصَّةً أنَّ يَوْمَ الرَّبِّ يَقْتَرِبُ! فَإنَّهُ إنْ تَعَمَّدْنَا الاسْتِمَرَارَ فِي الخَطِيَّةِ، بَعْدَ أنْ تَلَقَّينَا مَعْرِفَةَ الحَقِّ، فَلَنْ تُقْبَلَ ذَبيحَةٌ أُخْرَى عَنْ خَطَايَانَا، بَلْ يَبْقَىْ أنْ نَتَوَقَّعَ دَينُونَةً وَنَارًا هَائِجَةً سَتَلْتَهِمُ الَّذِينَ يُعَادُونَ اللهَ! مَنْ كَانَ يُخَالِفُ شَرِيعَةَ مُوسَى، كَانَ يُنَفَّذُ فِيهِ حُكْمُ المَوْتِ بِلَا رَأفَةٍ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَينِ أوْ ثَلَاثَةِ شُهُودٍ. فَتَصَوَّرُوا مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ عِقَابٍ أشَدَّ مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَاحتَقَرَ دَمَ العَهْدِ الَّذِي قَدَّسَهُ، وَأهَانَ رُوحَ النِّعمَةِ! فَنَحْنُ نَعْرِفُ اللهَ الَّذِي قَالَ: «لِيَ الانْتِقَامُ، وَأنَا الَّذِي سَيُجَازِي.» وَنَعْرِفُ مَنْ قَالَ أيْضًا: «الرَّبُّ سَيَحْكُمُ عَلَى شَعْبِهِ.» فَمَا أفظَعَ الوُقُوعَ بَيْنَ يَدَيِّ اللهِ الحَيِّ! تَذَكَّرُوا تِلْكَ الأيَّامَ الأُولَى لإيمَانِكُمْ، عِنْدَمَا استُنِرْتُمْ بِنُورِ البِشَارَةِ، فَصَبَرْتُمْ عَلَى الآلَامِ الكَثيرَةِ. تَعَرَّضْتُمْ أحْيَانًا لِلإهَانَاتِ وَالمُضَايَقَاتِ العَلَنِيَّةِ، وَكُنْتُمْ تَتَعَاطَفُونَ أحْيَانًا أُخْرَى مَعَ الَّذِينَ عُومِلُوا بِهَذِهِ الطَّريقَةِ. وَأنْتُمْ لَمْ تَتَألَّمُوا بِسَبَبِ الَّذِينَ سُجِنُوا فَحَسْبُ، لَكِنَّكُمْ قَبِلتُمْ بِفَرَحٍ مُصَادَرَةَ مُمتَلَكَاتِكُمْ أيْضًا، لِأنَّكُمْ عَرَفْتُمْ أنَّ لَكُمْ شَيْئًا أفْضَلَ، شَيْئًا سَيَدُومُ. فَلَا تَخْسَرُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي سَتَعُودُ عَلَيْكُمْ بِمُكَافَأةٍ عَظِيمَةٍ. لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ الصَّبْرِ حَتَّى تَنَالُوا مَا وَعَدَ اللهُ بِهِ، بَعْدَ أنْ تَكُونُوا قَدْ أطَعتُمُوهُ. لَمْ يَبْقَ الآنَ إلَّا القَلِيلُ مِنَ الوَقْتِ، «وَسَيَأْتِي مَنْ وَعَدَ بِالمَجِيءِ. وَلَنْ يَتَأخَّرَ. البَارُّ بِالإيمَانِ يَحْيَا. وَإنِ ارْتَدَّ فَلَنْ أُسَرَّ بِهِ.» لَكِنَّنَا لَسنَا مِنْ بَيْنِ الَّذِينَ يَرْتَدُّونَ فَيَهْلِكُونَ، بَلْ مِنَ الَّذِينَ لَهُمُ الإيمَانُ فَيَخْلُصُونَ. وَالإيمَانُ هُوَ التَّيَقُّنُ مِمَّا نَرجُو، أيِ الْبُرهَانُ لَنَا عَلَى وُجُودِ مَا لَا يُرَى. وَبِسَبَبِ هَذَا الإيمَانِ، أظْهَرَ اللهُ رِضَاهُ عَلَى القُدَمَاءِ. بِالإيمَانِ نَفهَمُ أنَّ الكَونُ خُلِقَ بِأمْرِ اللهِ، حَتَّى إنَّ مَا يُرَى كُوِّنَ مِمَّا لَا يُرَى. بِالإيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ ذَبِيحَةً للهِ أفْضَلَ مِمَّا قَدَّمَ قَايِينُ. وَهَكَذَا صَادَقَ اللهُ عَلَى أنَّهُ بَارٌّ، إذْ قَبِلَ تَقْدِمَاتِهِ. وَبِإيمَانِهِ مَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ مَعَ أنَّهُ مَيِّتٌ. بِالإيمَانِ رُفِعَ أخنُوخُ إلَى اللهِ حَيًّا، فَلَمْ يَذُقِ المَوْتَ. وَمَا كَانَ مُمْكِنًا أنْ يَجِدَهُ أحَدٌ عَلَى الأرْضِ لِأنَّ اللهَ رَفَعَهُ إلَيْهِ. فَقَبْلَ أنْ يُرفَعَ، امتُدِحَ لِأنَّهُ أرْضَى اللهَ. وَبِغَيرِ إيمَانٍ، لَا يَمْكِنُ إرضَاءُ اللهِ. فَعَلَى مَنْ يَأتِي إلَى اللهِ أنْ يُؤمِنَ بِأنَّهُ مَوجُودٌ، وَبِأنَّهُ يُكَافِئُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ. بِالإيمَانِ بَنَى نُوحٌ سَفِينَةً لِيُخَلِّصَ نَفْسَهُ وَعَائِلَتَهُ، إذْ حَذَّرَهُ اللهُ مِنْ أُمُورٍ لَمْ تَحْدُثْ بَعْدُ، فَامتَلأ رَهبَةً. وَبِإيمَانِهِ هَذَا أدَانَ العَالَمَ، وَصَارَ وَرِيثًا لِلبِرِّ الَّذِي يَأتِي بِالإيمَانِ. بِالإيمَانِ أطَاعَ إبْرَاهِيمُ اللهَ لَمَّا دَعَاهُ، وَخَرَجَ إلَى مَكَانٍ سَيَصِيرُ مِيرَاثًا لَهُ. خَرَجَ حَتَّى دُونَ أنْ يَعْرِفَ إلَى أيْنَ. بِالإيمَانِ عَاشَ إبْرَاهِيمُ فِي الأرْضِ المَوعُودَةِ كَغَرِيبٍ فِي أرْضٍ غَرِيبَةٍ. سَكَنَ الخِيَامَ كَمَا فَعَلَ إسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ اللَّذَانِ كَانَا وَرِيثَينِ لِنَفْسِ الوَعْدِ مَعَهُ. فَعَلَ هَذَا لِأنَّهُ كَانَ يَتَطَلَّعُ إلَى المَدِينَةِ ذَاتِ الأسَاسَاتِ الأبَدِيَّةِ، المَدِينَةِ الَّتِي مُهَندِسُهَا وَبَانِيهَا هُوَ اللهُ. بِالإيمَانِ نَالَ إبْرَاهِيمُ قُدرَةً عَلَى أنْ يُنجِبَ ابنًا مَعَ أنَّ سَارَةَ كَانَتْ عَاقِرًا. وَمَعَ أنَّهُ تَعَدَّى سِنَّ الإنجَابِ، إلَّا أنَّهُ عَلِمَ أنَّ اللهَ الَّذِي وَعَدَهُ أمِينٌ. وَمِنْ هَذَا الرَّجُلِ الوَاحِدِ الَّذِي كَانَ فِي حُكْمِ الأمْوَاتِ، جَاءَ نَسْلٌ كَثِيرٌ بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَبِعَدَدِ حَبَّاتِ الرَّملِ عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ. مَاتَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ وَهُمْ مُؤمِنُونَ. مَاتُوا دُونَ أنْ يَنَالُوا الوُعُودَ، لَكِنَّهُمْ حَيُّوهَا بِفَرَحٍ مِنْ بَعِيدٍ مُقِرِّينَ بِأنَّهُمْ غُرَبَاءُ عَابِرُونَ هَذِهِ الأرْضَ. وَمَنْ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا، يُظهِرُونَ أنَّهُمْ يَبْحَثُونَ عَنْ وَطَنٍ. فَلَو كَانُوا يُفَكِّرُونَ بِالوَطَنِ الَّذِي تَرَكُوهُ، لَكَانَتْ لَهُمْ فُرصَةُ العَودَةِ إلَيْهِ. لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَحِنُّونَ إلَى وَطَنٍ أفْضَلَ، وَطَنٍ سَمَاوِيٍّ. وَلِهَذَا فَإنَّ اللهَ لَا يَسْتَحِي بِأنْ يُدْعَى إلَهَهُمْ، فَقَدْ أعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً. بِالإيمَانِ قَدَّمَ إبْرَاهِيمُ ابنَهُ إسْحَاقَ ذَبِيحَةً عِنْدَمَا امتَحَنَهُ اللهُ. نَعَمْ، فَالَّذِي تَلَقَّىْ وُعُودَ اللهِ، كَانَ مُسْتَعِدًّا أنْ يُقَدِّمَ ابنَهُ الوَحِيدَ. إذْ قَالَ لَهُ اللهُ: «سَيَكُونُ لَكَ نَسْلٌ بِوَاسِطَةِ إسْحَاقَ.» فَآمَنَ إبْرَاهِيمُ بِاللهِ القَادِرِ عَلَى إقَامَةِ الأمْوَاتِ. وَيُمكِنُ القَولُ رَمزِيًّا إنَّ إبرَاهِيمَ استَرَدَّ إسْحَاقَ مِنَ المَوْتِ. بِالإيمَانِ بَارَكَ إسْحَاقُ وَلَدَيْهِ يَعْقُوبَ وَعِيسُو بَرَكَاتٍ تَتَعَلَّقُ بِالمُسْتَقْبَلِ. بِالإيمَانِ بَارَكَ يَعْقُوبُ وَلَدَي يُوسُفَ كِلَيهِمَا وَهُوَ يُحتَضَرُ، وَسَجَدَ للهِ مُتَّكِئًا عَلَى عَصَاهُ. بِالإيمَانِ تَحَدَّثَ يُوسُفُ فِي نِهَايَةِ حَيَاتِهِ عَنْ خُرُوجِ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَأوصَاهُمْ بِمَا يُريدُ مِنْهُمْ أنْ يَفْعَلُوا بِعِظَامِهِ. بِالإيمَانِ، وَالِدَا مُوسَىْ أخْفَيَاهُ ثَلَاثَةَ أشهُرٍ بَعْدَ وِلَادَتِهِ. لَقَدْ رَأيَا أنَّهُ طِفلٌ جَمِيلٌ، وَلَمْ يَخْشَيَا أوَامِرَ المَلِكِ. بِالإيمَانِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى رَفَضَ أنْ يُدْعَى ابنًا لابنَةِ فِرعَوْنَ. وَاخْتَارَ سُوءَ المُعَامَلَةِ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى التَّمَتُّعِ بِمَلَذَّاتِ الخَطِيَّةِ المُؤَقَّتَةِ. وَاعتَبَرَ احتِمَالَ الخِزيِ مِنْ أجْلِ المَسِيحِ أثمَنَ مِنْ كُنُوزِ مِصْرَ كُلِّهَا، لِأنَّهُ كَانَ يَتَطَلَّعُ إلَى مُكَافَأتِهِ. بِالإيمَانِ تَرَكَ مُوسَىْ مِصْرَ غَيْرَ عَابِئٍ بِغَضَبِ المَلِكِ. وَكَانَ ثَابِتَ العَزمِ كَأنَّهُ يَرَى اللهَ الَّذِي لَا يُرَى. بِالإيمَانِ احتَفَلَ بِالفِصحِ، وَرَشَّ الدَّمَ لِكَيْ لَا يَمَسَّ المَلَاكُ المُهلِكُ أيَّ بِكرٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. بِالإيمَانِ عَبَرَ بَنُو إسرَائِيلَ البَحْرَ الأحْمَرَ كَأنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَى أرْضٍ يَابِسَةٍ، لَكِنْ حِينَ حَاوَلَ المِصْرِيُّونَ أنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، غَرِقُوا. بِالإيمَانِ سَقَطَتْ أسوَارُ أرِيحَا، بَعْدَ أنْ دَارَ الشَّعْبُ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أيَّامٍ. بِالإيمَانِ لَمْ تُقتَلْ رَاحَابُ السَّاقِطَةُ مَعَ الَّذِينَ عَصَوْا، لِأنَّهَا رَحَّبَتْ بِالجَاسُوسَينِ. وَمَاذَا أقُولُ أيْضًا؟ إذْ لَا وَقْتَ لِلحَدِيثِ عَنْ جَدعُونَ وَبَارَاقَ وَشَمشُونَ وَيَفتَاحَ وَدَاوُدَ وَصَمُوئِيلَ وَالأنْبِيَاءِ. بِالإيمَانِ فَتَحَ هَؤُلَاءِ مَمَالِكَ، وَرَسَّخُوا العَدْلَ، وَنَالُوا وُعُودًا مِنَ اللهِ. سَدُّوا أفوَاهَ أُسُودٍ. أطفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ، وَنَجَوْا مِنَ المَوْتِ بِالسَّيفِ. اكتَسَبُوا قُوَّةً وَهُمْ ضُعَفَاءُ. صَارُوا أشِدَّاءَ فِي المَعَارِكِ، وَهَزَمُوا جُيُوشًا غَرِيبَةً. استَرَدَّتْ نِسَاءٌ أشْخَاصًا مَاتُوا ثُمَّ قَامُوَا مِنَ الموتِ. تَعَرَّضَ آخَرُونَ لِلتَّعذِيبِ، وَرَفَضُوا أنْ يُطلَقَ سَرَاحُهُمْ، لِكَي يَنَالُوا قِيَامَةً أفْضَلَ. وَاجَهَ بَعْضُهُمُ الاستِهزَاءَ وَالجَلْدَ، وَوَاجَهَ آخَرُونَ السَّلَاسِلَ وَالسُّجُونَ. رُجِمَ بَعْضُهُمْ، وَنُشِرَ بَعْضُهُمْ. قُتِلَ بَعْضُهُمْ بِالسَّيفِ، وَتَجَوَّلَ بَعْضُهُمْ فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَمَاعِزٍ. افتَقَرُوا وَاضطُهِدُوا وَأُسِيئَتْ مُعَامَلَتُهُمْ. لَمْ يَكُنِ العَالَمُ جَدِيرًا بِهِمْ. هَامُوا فِي الصَّحَارَى وَالجِبَالِ، وَعَاشُوا فِي كُهُوفٍ وَمَغَايِرَ فِي الأرْضِ. امتَدَحَ اللهُ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا عَلَى إيمَانِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا الوَعْدَ العَظِيمَ. فَقَدْ أعَدَّ اللهُ لَنَا شَيْئًا أفْضَلَ مِمَّا نَالُوا هُمْ، وَأرَادَ أنْ يُحَقِّقَ الكَمَالَ لَنَا وَلَهُمْ مَعًا. فَهَا أنْتُمْ تَرَوْنَ أنَّ هُنَاكَ شُهُودًا كَثِيرِينَ لِلإيمَانِ يُحِيطُونَ بِنَا كَسَحَابَةٍ. لِهَذَا فَلْنَتَخَلَّصْ مِنْ كُلِّ حِملٍ مِنَ الخَطِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ أنْ تُعِيقَنَا بِسُهُولَةٍ. وَلْنَجرِ بِصَبرٍ فِي السِّبَاقِ المَرسُومِ لَنَا. وَلْنُثَبِّتْ عُيُونَنَا عَلَى يَسُوعَ، قَائِدِ إيمَانِنَا وَمُكَمِّلِهِ. فَمِنْ أجْلِ الفَرَحِ الَّذِي كَانَ فِي انتِظَارِهِ، احتَمَلَ الصَّلِيبَ، مُسْتَهِينًا بِالعَارِ. وَقَدْ أخَذَ الآنَ مَكَانَهُ عَنْ يَمِينِ عَرْشِ الله. تَأمَّلُوا هَذَا الَّذِي احتَمَلَ مِثْلَ هَذِهِ العَدَاوَةِ الشَّدِيدَةِ مِنْ أُنَاسٍ خُطَاةٍ، حَتَّى لَا تَفْشَلُوا وَلَا تَسْتَسْلِمُوا. حَتَّى الآنَ، لَمْ تُجَاهِدُوا فِي حَربِكُمْ ضِدَّ الخَطِيَّةِ حَتَّى المَوْتِ. وَرُبَّمَا نَسِيتُمْ رِسَالَةَ التَّشجِيعِ الَّتِي يُوَجِّهُهَا اللهُ لَكُمْ كَأوْلَادٍ لَهُ عِنْدَمَا يَقُولُ: «لَا تَسْتَخِفَّ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ ، وَلَا تَفْشَلْ حِينَ يُوَبِّخُكَ. فَالرَّبُّ يُؤَدِّبُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ، وَهُوَ يَجْلِدُ كُلَّ مَنْ يَقْبَلُهُ ابْنًا لَهُ.» فَاحْتَمِلُوا المَشَقَّةَ كَتَأْدِيبٍ، لِأنَّهَا تُبَيِّنُ أنَّ اللهَ يُعَامِلُكُمْ كَأبْنَاءٍ. فَأيُّ ابنٍ لَا يُؤَدِّبُهُ أبُوهُ؟ فَإذَا لَمْ تُؤَدَّبُوا، كَمَا يُؤَدَّبُ كُلُّ الأبْنَاءِ، تَكُونُونَ كَالأبْنَاءِ غَيْرِ الشَّرعِيِّينَ، لَا أبْنَاءً حَقِيقِيِّينَ. وَفَضلًا عَنْ هَذَا، فَقَدْ كَانَ لَنَا جَمِيعًا آبَاءٌ بَشَرِيُّونَ يُؤَدِّبُونَنَا، وَكُنَّا نَحتَرِمُهُمْ. فَكَمْ يَجْدُرُ بِنَا أنْ نَخضَعَ لِتَأْدِيبِ اللهِ، أبِي أروَاحِنَا، فَنَحيَا؟ أدَّبَنَا هَؤُلَاءِ لِفَترَةٍ قَلِيلَةٍ حَسَبَ مَا رَأوْا مُنَاسِبًا، أمَّا اللهُ فَيُؤَدِّبُنَا لِخَيرِنَا، لِكَي نَشتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ. وَمَا مِنِ ابنٍ يَرَى التَّأدِيبَ مُفرِحًا فِي وَقْتِهِ، بَلْ يَرَاهُ مُحزِنًا. لَكِنَّ الَّذِينَ تَدَرَّبُوا بِالتَّأدِيبِ يَرَوْنَ فِيمَا بَعْدُ أنَّ التَّأدِيبَ قَدْ أنتَجَ فِي حَيَاتِهِمُ السَّلَامَ النَّابِعَ مِنْ حَيَاةِ البِرِّ. فَارفَعُوا أيَادِيَكُمُ الرَّخوَةَ، وَشَدِّدُوا الرُّكَبَ الضَّعِيفَةَ! مَهِّدُوا الطَّرِيقَ أمَامَ أقْدَامِكُمْ، لِئَلَّا تَتَخَلَّعَ القَدَمُ العَرجَاءُ، بَلْ تُشفَى! اسْعَوْا إلَى السَّلَامِ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، وَعِيشُوا حَيَاةً مُقَدَّسَةً. فَبِغَيرِ القَدَاسَةِ لَا يُمْكِنُ أنْ يَرَى أحَدٌ الرَّبَّ. احْرِصُوا عَلَى أنْ لَا يُفَوِّتَ أحَدُكُمْ نِعْمَةَ اللهِ، لِئَلَّا يَنْبُتَ فِي قُلُوبِكُمْ جَذرُ مَرَارَةٍ وَيُسَمِّمَ كَثِيرِينَ! وَاحْرِصُوا عَلَى أنْ لَا يَكُونَ أحَدُكُمْ غَيْرَ أمِينٍ أوْ آثِمًا كَمَا كَانَ عِيسُو الَّذِي بَاعَ حُقُوقَهُ كَبِكرٍ مُقَابِلَ بَعْضِ الطَّعَامِ! وَأنْتُمْ تَعْرِفُونَ أنَّهُ لَمَّا أرَادَ أنْ يَرِثَ البَرَكَةَ فِيمَا بَعْدُ لَمْ يُستَمَعْ لَهُ. إذْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقَةً يُغَيِّرُ فِيهَا مَا حَدَثَ، مَعَ أنَّهُ طَلَبَ البَرَكَةَ مِنْ أبِيهِ بِدُمُوعٍ. وَأنْتُمْ لَمْ تَأْتُوا إلَى جَبَلٍ يُلمَسُ وَيَشْتَعِلُ بِالنَّارِ. لَمْ تَأْتُوا إلَى مَكَانِ ظُلمَةٍ وَعَتْمَةٍ وَزَوَابِعَ. لَمْ تَأْتُوا إلَى نَفْخِ بُوقٍ أوْ إلَى صَوْتٍ نَاطِقٍ، جَعَلَ الَّذِينَ سَمِعُوهُ يَلْتَمِسُونَ أنْ يَتَوَقَّفَ الكَلَامُ المُوَجَّهُ إلَيْهِمْ. إذْ لَمْ يَحْتَمِلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ: «حَتَّى لَوْ لَمَسَ الجَبَلَ حَيَوَانٌ، يَنْبَغِي رَجمُهُ.» وَكَانَ المَنظَرُ مُخِيفًا جِدًّا حَتَّى إنَّ مُوسَى قَالَ: «أنَا أرتَجِفُ خَوْفًا.» لَكِنَّكُمْ جِئتُمْ إلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، إلَى مَدِينَةِ اللهِ الحَيِّ، القُدْسِ السَّمَاوِيَّةِ. جِئتُمْ إلَى عَشَرَاتِ الآلَافِ مِنَ المَلَائِكَةِ المُجتَمِعِينَ فِي احتِفَالٍ بَهِيجٍ. جِئتُمْ إلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الأبكَارِ الَّذِينَ أسمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةٌ فِي السَّمَاءِ. جِئتُمْ إلَى اللهِ، قَاضِي كُلِّ البَشَرِ. جِئتُمْ إلَى أرْوَاحِ أبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ. جِئتُمْ إلَى يَسُوعَ، وَسِيطِ عَهْدٍ جَدِيدٍ، وَإلَى دَمٍ مَرشُوشٍ يُكَلِّمُنَا بِأُمُورٍ أفْضَلَ مِنْ مَا كَلَّمَنَا بِهِ دَمُ هَابِيلَ. فَاحْرِصُوا عَلَى أنْ لَا تَرْفُضُوا سَمَاعَ مَنْ يُكَلِّمُكُمْ. رَفَضَ هَؤُلَاءِ أنْ يَسْتَمِعُوا إلَى مَنْ حَذَّرَهُمْ عَلَى الأرْضِ، فَلَمْ يَنْجُوا مِنَ العِقَابِ. فَكَيْفَ يَسَعُنَا أنْ نَنجُوَ إذَا ابتَعَدنَا عَنِ الَّذِي يُحَذِّرُنَا مِنَ السَّمَاءِ؟ هَزَّ الأرْضَ صَوْتُهُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، أمَّا الآنَ فَقَدْ قَطَعَ هَذَا الوَعْدَ فَقَالَ: «مَرَّةً أُخْرَى، سَأُزَلزِلُ لَا الأرْضَ وَحدَهَا، بَلِ السَّمَاءَ أيْضًا.» فَقَولُهُ: «مَرَّةً أُخْرَى،» يَدُلُّ عَلَى أنَّ الأشْيَاءَ غَيْرَ الثَّاَبِتَةِ سَتُزَالُ. إذْ هِيَ أشيَاءُ مَخْلُوقَةٌ. وَهَذَا يَعْنِي أنَّ الأشْيَاءَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ أنْ تُزَلزَلَ سَتَبْقَى. وَالمَلَكُوتُ الَّذِي نَنَالُهُ هُوَ مَلَكُوتٌ غَيْرُ قَابِلٍ لِلزَّلزَلَةِ. لِهَذَا فَلْنُظهِرِ امتِنَانَنَا لَهُ، ولنَعبُدِ اللهَ عِبَادَةً مَقبُولَةً بِتَوْقِيرٍ وَمَهَابَةٍ. فَإلَهُنَا نَارٌ مُلتَهِمَةٌ! استَمِرُّوا فِي مَحَبَّتِكُمُ الأخَوِيَّةِ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ. وَلَا تَنْسَوْا استِضَافَةَ الغُرَبَاءِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنِ اسْتَضَافُوا مَلَائِكَةً فِي بُيوتِهِمْ دُونَ أنْ يَدرُوا. تَذَكَّرُوا المَسجُونِينَ كَأنَّكُمْ مَسجُونُونَ مَعَهُمْ. وَتَذَكَّرُوا ضَحَايَا سُوءِ المُعَامَلَةِ، كَأنَّكُمْ أنْتُمُ الَّذِينَ تُعَانُونَ. يَنْبَغِي أنْ يُكرِمَ الجَمِيعُ الزَّوَاجَ، فَابْتَعِدُوا عَنِ الخِيَانَةِ الزَّوجِيَّةِ. وَتَذَكَّرُوا أنَّ اللهَ سَيَدِينُ المُنحَلِّينَ جِنسِيًّا وَالزُّنَاةَ. احفَظُوا حَيَاتَكُمْ مِنْ مَحَبَّةِ المَالِ، وَاقنَعُوا بِمَا لَدَيْكُمْ. وَاذكُرُوا أنَّ اللهَ قَالَ: «أنَا لَنْ أترُكَكَ، وَلَنْ أتَخَلَّى عَنْكَ.» لِهَذَا يُمكِنُنَا أنْ نَقُولَ بِكُلِّ ثِقَةٍ: « الرَّبُّ مُعِينِي فَلَا أخَافُ. فَمَا الَّذِي يُمْكِنُ لِبَشَرٍ أنْ يَصْنَعَهُ بِي؟» اذكُرُوا قَادَتَكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلَامِ اللهِ. تَأمَّلُوا حَصِيلَةَ حَيَاتِهِمْ وَاقتَدُوا بِإيمَانِهِمْ. إنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ لَا يَتَغَيَّرُ. فَهُوَ كَمَا هُوَ، أمسًا وَاليَوْمَ وَإلَى الأبَدِ، فَلَا تَسْمَحُوا لِأحَدٍ بِأنْ يَجُرَّكُمْ وَرَاءَ أنوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ التَّعَالِيمِ الغَرِيبَةِ عَنْ يَسُوعَ. فَالأفضَلُ هُوَ أنْ تَتَقَوَّى قُلُوبُكُمْ بِالنِّعمَةِ، لَا بِأنْظِمَةِ الطَّعَامِ الَّتِي لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهَا الَّذِينَ رَاعُوهَا. وَلَدَيْنَا ذَبِيحَةٌ لَا يَقْدِرُ أنْ يَأْكُلَ مِنْهَا أُولَئِكَ الكَهَنَةُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ فِي خَيْمَةٍ أرْضِيَّةٍ. يَدْخُلُ رَئيسُ الكَهَنَةِ فِي ذَلِكَ النِّظَامِ القَدِيمِ إلَى قُدْسِ الأقْدَاسِ بِدِمَاءِ الحَيَوَانَاتِ قُربَانًا عَنِ الخَطَايَا، أمَّا أجْسَادُ الحَيَوَانَاتِ نَفْسُهَا فَتُحرَقُ خَارِجَ المُخَيَّمِ. وَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى يَسُوعَ الَّذِي تَألَّمَ أيْضًا خَارِجَ بَابِ المَدِينَةِ لِيَجْعَلَ شَعْبَهُ مُقَدَّسًا بِدَمِهِ. لِهَذَا، لِنَخرُجْ إلَيْهِ خَارِجَ المُخَيَّمِ وَنَشتَرِكْ فِي عَارِهِ. إذْ لَيْسَتْ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ لِنَتَمَسَّكَ بِهَا، بَلْ نَحْنُ نَتَطَلَّعُ إلَى تِلْكَ المَدِينَةِ الآتِيَةِ. فَلْنُقَدِّمْ بِيَسُوعَ ذَبَائِحَ التَّسبِيحِ الدَّائِمِ للهِ، أيِ التَّعبِيرَ الشَّفَوِيَّ عَنِ اعتِرَافِنَا بِالإيمَانِ بِاسْمِهِ. وَلَا تَنْسَوْا فِعلَ الخَيْرِ وَالاشتِرَاكَ فِي سَدِّ حَاجَاتِ الآخَرِينَ. فَهَذِهِ هِيَ الذَّبَائِحُ الَّتِي تَسُرُّ اللهَ حَقًّا. أطِيعُوا قَادَتَكُمُ الرُّوحِيِّينَ وَاخضَعُوا لِسُلطَتِهِمْ. فَهُمْ يَسْهَرُونَ عَلَى رِعَايَتِكُمْ عَالِمِينَ أنَّهُمْ مَسؤُولُونَ أمَامَ اللهِ عَنْ ذَلِكَ. فَأطِيعُوهُمْ لِكَي يُؤَدُّوا خِدمَتَهُمْ بِفَرَحٍ لَا بِمَشَقَّةٍ، لِأنَّ مَشَقَّتَهُمْ لَيْسَتْ لِفَائِدَتِكُمْ. صَلُّوا لِأجْلِنَا. نَحْنُ مُرتَاحُو الضَّمِيرِ تَمَامًا فِي حَيَاتِنَا وَخِدمَتِنَا، لِأنَّنَا نَشتَهِي دَائِمًا أنْ نَفعَلَ الصَّوَابَ فِي كُلِّ شَيءٍ. وَأرْجُو مِنْكُمْ أنْ تُصَلُّوا عَلَى نَحوٍ خَاصٍّ مِنْ أجْلِ عَودَتِي إلَيكُمْ سَرِيعًا. لَيْتَ إلَهَ السَّلَامِ الَّذِي أقَامَ مِنَ المَوْتِ رَبَّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، رَاعِيَ الخِرَافِ العَظِيمِ الَّذِي سَفَكَ دَمَهُ صَانِعًا العَهْدَ الجَدِيدَ الأبَدِيَّ، يُسَلِّحُكُمْ بِكُلِّ شَيءٍ صَالِحٍ تَحتَاجُونَ إليهِ لِتَعْمَلُوا إرَادَتَهُ. فَلَيتَهُ يَعْمَلُ فِينَا مَا يُرضِيهِ فِي يَسُوعَ المَسِيحِ الَّذِي لَهُ المَجْدُ إلَى الأبَدِ. آمِين. أيُّهَا الإخْوَةُ، أُصَلِّي أنْ تَقْبَلُوا رِسَالَةَ التَّشجِيعِ هَذِهِ، وَقَدْ جَعَلْتُهَا مُختَصَرَةً قَدرَ الإمكَانِ. أوَدُّ أنْ أُحِيطَكُمْ عِلمًا بِأنَّهُ قَدْ أُطلِقَ سَرَاحُ أخِينَا تِيمُوثَاوُسَ مِنَ السِّجْنِ. فَإذَا وَصَلَ إلَيَّ قَرِيبًا، سَأصحَبُهُ مَعِي حِينَ آتِي لِرُؤيَتِكُمْ. بَلِّغُوا تَحِيَّاتِنَا إلَى قَادَتِكُمْ جَمِيعًا وَإلَى جَمِيعِ شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ. يُبَلِّغُكُمْ كُلُّ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ إيطَاليَا تَحِيَّاتِهِمْ. لِتَكُنْ نِعْمَةُ اللهِ مَعَكُمْ جَمِيعًا. آمِين. مِنْ يَعْقُوبَ عَبْدِ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ، إلَى شَعْبِ اللهِ المُشَتَّتِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. أيُّهَا الإخْوَةُ، عِنْدَمَا تُواجِهُونَ أنوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ التَّجَارِبِ، اعتَبِرُوا ذَلِكَ دَافِعًا إلَى أنْ تَفْرَحُوا كُلَّ الفَرَحِ. وَذَلِكَ لِأنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ امتِحَانَ إيمَانِكُمْ يُوَلِّدُ فِيكُمُ الصَّبرَ. فَحَافِظُوا عَلَى هَذَا الصَّبرِ إلَى النِّهَايَةِ، لِكَي يُنْتِجَ عَمَلَهُ الكَامِلَ فِيكُمْ، فَتَصِيرُوا نَاضِجِينَ وَكَامِلِينَ، لَا يَنْقُصُكُمْ شَيءٌ. وَإنْ كَانَ أحَدُكُمْ تَنْقُصُهُ الحِكْمَةُ، فَلْيَطْلُبْهَا مِنَ اللهِ فَتُعْطَى لَهُ. فَاللهُ يُعْطِي جَمِيعَ النَّاسِ بِسَخَاءٍ وَلَا يُعَيِّرُهُمْ. لَكِنْ عَلَيْهِ أنْ يَطْلُبَ بِإيمَانٍ وَأنْ لَا يَشُكَّ، لِأنَّ الَّذِي يَشُكُّ يُشْبِهُ مَوجَ البَحْرِ الَّذِي تَتَلَاعَبُ بِهِ الرِّيحُ وَتَقْذِفُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ. فَلَا يَظُنَّ مِثْلُ ذَلِكَ الإنْسَانِ أنَّهُ سَيَنَالُ شَيْئًا مِنَ الرَّبِّ. فَهُوَ إنْسَانٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى أيِّ رَأيٍ، وَجَمِيعُ شُؤُونِ حَيَاتِهِ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ. عَلَى المُؤمِنِ الفَقِيرِ أنْ يَفْتَخِرَ بِالمَكَانَةِ الَّتِي رَفَعَهُ اللهُ إلَيْهَا. وَعَلَى المُؤمِنِ الغَنِيِّ أنْ يَفْتَخِرَ بِالتَّوَاضُعِ الَّذِي مَنَحَهُ اللهُ إيَّاهُ، لِأنَّ حَيَاتَهُ سَتَنْتَهِي كَمَا تَذْبُلُ أزهَارُ الحُقُولِ. تُشرِقُ الشَّمْسُ بِحَرَارَتِهَا المُلتَهِبَةِ، فَتُحرِقُ الأعشَابَ وَتُسقِطُ أزهَارَهَا، وَيَتَلَاشَى جَمَالُهَا. هَكَذَا يَذْبُلُ الإنْسَانُ الغَنِيُّ وَهُوَ مُنشَغِلٌ فِي أعْمَالِهِ. هَنِيئًا لِلإنْسَانِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجرِبَةَ، لِأنَّهُ سَيَنَالُ إكلِيلَ الحَيَاةِ عِنْدَمَا يَجتَازُ التَّجرِبَةَ بِنَجَاحٍ، الإكلِيلَ الَّذِي وَعَدَ بِهِ اللهُ جَمِيعَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. وَإذَا تَعَرَّضَ أحَدٌ لِلتَّجرِبَةِ، لَا يَنْبَغِي أنْ يَقُولَ: «هَذِهِ تَجْرِبَةٌ مِنَ اللهِ.» لِأنَّ اللهَ لَا تُغرِيهِ الشُّرُورُ، وَهُوَ لَا يُغرِي بِهَا أحَدًا. لَكِنَّ الإنْسَانَ يُجَرَّبُ بِسَبَبِ شَهوَتِهِ الَّتِي تَجْذِبُهُ وَتُغرِيهِ. وَعِنْدَمَا تَحْبَلُ الشَّهوَةُ، تَلِدُ خَطِيَّةً. وَعِنْدَمَا يَكْتَمِلُ نُمُوُّ الخَطِيَّةِ، فَإنَّهَا تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. أيُّهَا الإخْوَةُ الأحِبَّاءُ، لَا تَنْخَدِعُوا، فَكُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوهِبَةٍ كَامِلَةٍ، تَأْتِي مِنْ فَوقُ، أيْ مِنْ عِندِ الآبِ الَّذِي خَلَقَ أنوَارَ السَّمَاءِ. وَعَلَى خِلَافِ تِلْكَ الأنوَارِ، هُوَ لَا يَتَغَيَّرُ كَظِلَالِهَا المُتَقَلِّبَةِ. وَهُوَ قَدِ اخْتَارَ أنْ يَجْعَلَنَا أوْلَادًا لَهُ بِكَلِمَةِ الحَقِّ، لِنَكُونَ أهَمَّ خَلَائِقِهِ. أيُّهَا الإخْوَةُ الأحِبَّاءُ، تَذَكَّرُوا مَا يَلِي: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أنْ يَكُونَ مُسرِعًا فِي الاستِمَاعِ، مُبطِئًا فِي الكَلَامِ، وَمُبطِئًا فِي الغَضَبِ. لِأنَّ غَضَبَ الإنْسَانِ لَا يُؤَدِّي إلَى الحَيَاةِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يَطْلُبُهَا اللهُ. لِذَلِكَ تَخَلَّصُوا مِنْ كُلِّ خُبْثٍ، وَمِنْ كُلِّ شَرٍّ يُحِيطُ بِكُمْ، وَاقبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الكَلِمَةَ الَّتِي يَغْرِسُهَا اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ، وَالقَادِرُةَ عَلَى تَخْلِيصِكُمْ. اعمَلُوا دَائِمًا بِمَا يَقُولُهُ اللهُ، وَلَا تَكْتَفُوا بِسَمَاعِ كَلَامِهِ، فَتَخْدَعُوا بِذَلِكَ أنْفُسَكُمْ. لِأنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامَ اللهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ، يُشْبِهُ شَخْصًا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ فِي مِرآةٍ. فَرَأىْ نَفْسَهُ وَلَمْ يُغَيِّرْ بِهَا شَيْئًا، ثُمَّ ذَهَبَ وَنَسِيَ مَا رَآهُ! أمَّا مَنْ يَتَمَعَنُّ فِي شَرِيعَةِ اللهِ الكَامِلَةِ الَّتِي تُحَرِّرُنَا، وَيُدَاوِمُ عَلَى ذَلِكَ دُونَ أنْ يَنْسَى مَا يَسْمَعُ، بَلْ يَعْمَلُ بِكَلَامِ اللهِ، فَإنَّهُ يَكُونُ مُبَارَكًا بِسَبَبِ ذَلِكَ. إنْ ظَنَّ أحَدٌ أنَّهُ مُتَدَيِّنٌ، لَكِنَّهُ لَا يُسَيطِرُ عَلَى لِسَانِهِ، فَهُوَ يَخْدَعُ نَفْسَهُ، وَدِيَانَتُهُ بِلَا فَائِدَةٍ! فَالدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ فِي نَظَرِ اللهِ أبِينَا تَتَضَمَّنُ مَا يَلِي: أنْ يَعَتَنِيَ المؤمِنُ بِالأيتَامِ وَالأرَامِلِ فِي ظُرُوفِهِمُ القَاسِيَةِ، وَأنْ يَحْفَظَ نَفْسَهُ مِنَ التَّلَوُّثِ الَّذِي فِي العَالَمِ. أيُّهَا الإخْوَةُ، أنْتُمْ تُؤمِنُونَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، فَلَا يَجُوزُ لَكُمْ أنْ تُمَيِّزُوا بَيْنَ النَّاسِ. فَلنَفتَرِضْ أنَّ رَجُلَينِ دَخَلَا إلَى مَكَانِ اجتِمَاعِكُمْ: أحَدُهُمَا يَلْبَسُ ثِيَابًا ثَمِينَةً وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَالآخَرُ فَقِيرٌ يَلْبَسُ ثِيَابًا قَذِرَةً بَالِيَةً. وَلْنَقُلْ إنَّكُمْ أظْهَرتُمُ اهتِمَامًا خَاصًّا بِالَّذِي يَلْبَسُ ثِيَابًا ثَمِينَةً، فَقُلْتُمْ لَهُ: «تَفَضَّلِ اجلِسْ هُنَا فِي أفْضَلِ مَكَانٍ.» بَيْنَمَا قُلْتُمْ لِلفَقِيرِ: «قِفْ هُنَاكَ!» أوِ «اجلِسْ عَلَى الأرْضِ عِنْدَ أقْدَامِنَا!» ألَا تَضَعُونَ بِذَلِكَ حَوَاجِزَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَتُصبِحُونَ قُضَاةً ذَوي أفكَارٍ شِرِّيرَةٍ؟ اسْمَعُوا يَا إخْوَتِي الأحِبَّاءُ، ألَمْ يَخْتَرِ اللهُ الفُقَرَاءَ فِي نَظَرِ النَّاسِ، لِيَكُونُوا أغنِيَاءَ فِي الإيمَانِ، وَوَرَثَةً لِلمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟ أمَّا أنْتُمْ فَقَدْ أهَنتُمُ الفَقِيرَ! لَكِنْ ألَيْسَ الأغنِيَاءُ هُمُ الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ وَيَسُوقُونَكُمْ إلَى المَحَاكِمِ؟ ألَيْسُوا هُمُ الَّذِينَ يُهِينُونَ الاسْمَ الجَمِيلَ الَّذِي تُنسَبُونَ إلَيْهِ؟ أنْتُمْ تَعْمَلُونَ الصَّوَابَ إنْ كُنْتُمْ تُطِيعُونَ الوَصِيَّةَ المُلُوكِيَّةَ الوَارِدَةَ فِي الكَلِمَةِ المَكْتُوبَةِ: «تُحِبُّ صَاحِبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.» أمَّا إذَا مَيَّزتُمْ بَيْنَ النَّاسِ، فَأنْتُمْ تَكْسِرُونَ شَرِيعَةَ اللهِ. أقُولُ هَذَا لِأنَّ مَنْ يُطَبِّقُ الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا، وَلَكِنَّهُ يَكْسِرُ وَصِيَّةً وَاحِدَةً، يَكُونُ مُذْنِبًا بِكَسرِ الوَصَايَا كُلِّهَا! فَالَّذِي قَالَ: «لَا تَزْنِ.» قَالَ أيْضًا: «لَا تَقْتُلْ.» فَإنْ كُنْتَ لَا تَزْنِي، لَكِنَّكَ تَقْتُلُ، فَقَدْ كَسَرتَ الشَّرِيعَةَ. فَتَكَلَّمُوا وَاعْمَلُوا كَأُنَاسٍ سَيُحَاكَمُونَ بِحَسَبِ الشَّرِيعَةِ بِحُرِّيَّةٍ. لِأنَّ دَينُونَةَ اللهِ سَتَكُونُ بِلَا رَحمَةٍ تُجَاهَ عَدِيمِي الرَّحمَةِ، أمَّا الرَّحْمَةُ، فَإنَّهَا تَنْتَصِرُ عَلَى الدَّينُونَةِ! مَا الفَائِدَةُ يَا إخْوَتِي، إنْ قَالَ أحَدٌ إنَّهُ يُؤمِنُ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أعْمَالٌ؟ فَذَلِكَ الإيمَانُ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يُخَلِّصَهُ. فَلَوِ احتَاجَ أحَدُ الإخوَةِ أوِ الأخَوَاتِ إلَى ثِيَابٍ أوْ طَعَامٍ، فَقَالَ أحَدُكُمْ لَهُمَا: «يُبَارِكُكُمَا اللهُ. استَدْفِئَا وَكُلَا حَتَّى الشَّبَعِ!» لَكِنَّكُمْ لَمْ تُعطُوهُمَا مَا يَحتَاجُ إلَيْهِ الجَسَدُ مِنْ ثِيَابٍ وَطَعَامٍ، فَمَا الفَائِدَةُ؟ هَكَذَا الإيمَانُ أيْضًا: إنْ لَمْ تُرَافِقْهُ أعْمَالٌ، فَهُوَ إيمَانٌ مَيِّتٌ. وَقَدْ يَقُولُ أحَدُهُمْ: «هُنَاكَ مَنْ لَهُ إيمَانٌ، وَهُنَاكَ مَنْ لَهُ أعْمَالٌ!» فَأقُولُ إنَّكَ لَا تَسْتَطيعُ أنْ تُظْهِرَ إيمَانَكَ مِنْ دُونِ أعْمَالٍ، أمَّا أنَا فَأُظْهِرُ إيمَانِي مِنْ خِلَالِ أعْمَالِي. أتُؤمِنُ أنَّ اللهَ وَاحِدٌ؟ هَذَا حَسَنٌ! لَكِنْ حَتَّى الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ تُؤمِنُ بِذَلِكَ وَتَرْتَعِشُ خَوْفًا. أيُّهَا الجَاهِلُ، أتُرِيدُ دَلِيلًا عَلَى أنَّ الإيمَانَ مِنْ دُونِ أعْمَالٍ بِلَا فَائِدَةٍ؟ ألَمْ يُعتَبَرْ أبُونَا إبرَاهِيمُ بَارًّا فِي نَظَرِ اللهِ بِأعْمَالِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا قَدَّمَ ابنَهُ إسْحَاقَ عَلَى المَذْبَحِ؟ فَأنْتَ تَرَى أنَّ الإيمَانَ كَانَ يَعْمَلُ مَعَ أعْمَالِ إبرَاهِيمَ، وَأنَّ إيمَانَهُ قَدِ اكْتَمَلَ بِأعْمَالِهِ. وَهَكَذَا تَمَّ المَكْتُوبُ: «آمَنَ إبْرَاهِيمُ بِاللهِ، فَاعتَبَرَهُ اللهُ بَارًّا بِسَبَبِ إيمَانِهِ.» لِذَلِكَ دُعِيَ «خَلِيلَ اللهِ.» فَالإنْسَانُ، كَمَا تَرَى، يُعتَبَرُ بَارًّا أمَامَ اللهِ بِالأعْمَالِ لَا بِالإيمَانِ وَحْدَهُ. وَكَذَلِكَ رَاحَابُ السَّاقِطَةُ. ألَمْ يَعْتَبِرْهَا اللهُ بَارَّةً عِنْدَمَا رَحَّبَتْ بِالجَاسُوسَينِ، وَسَاعَدَتْهُمَا عَلَى الهَرَبِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ؟ فَكَمَا يَكُونُ الجَسَدُ بِلَا رُوحٍ جَسَدًا مَيِّتًا، كَذَلِكَ الإيمَانُ بِلَا أعْمَالٍ هُوَ إيمَانٌ مَيِّتٌ. لَا يَنْبَغِي، يَا إخْوَتِي، أنْ يَصَيرَ كَثِيرُونَ مِنْكُمْ مُعَلِّمِينَ. أنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّنَا، نَحْنُ المُعَلِّمِينَ، سَنُحَاسَبُ حِسَابًا أشَدَّ مِنْ حِسَابِ غَيرِنَا. أنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّنَا جَمِيعًا نَرتَكِبُ أخطَاءً كَثِيرَةً، لَكِنْ إنْ كَانَ أحَدٌ لَا يُخطِئُ بِالْكَلَامِ، فَهُوَ شَخْصٌ كَامِلٌ يَسْتَطِيعُ أنْ يُسَيطِرَ عَلَى جَسَدِهِ كُلِّهِ. فَنَحْنُ نَضَعُ اللِّجَامَ فِي فَمِ الخُيُولِ لِكَي تُطِيعَنَا، وَنَسْتَطِيعُ بِذَلِكَ أنْ نُسَيطِرَ عَلَى جَسَدِهَا كُلِّهِ. أوِ انْظُرُوا إلَى السُّفُنِ مَثَلًا: فَرُغْمَ حَجمِهَا الكَبِيرِ وَالرِّيحِ القَوِيَّةِ الَّتِي تَدْفَعُهَا، نَسْتَطِيعُ أنْ نُسَيطِرَ عَلَيْهَا بِدَفَّةٍ صَغِيرَةٍ، يُحَرِّكُهَا رُبَّانُ السَّفِينَةِ كَيفَمَا شَاءَ. هَكَذَا اللِّسَانُ أيْضًا، فَمَعَ أنَّهُ عُضوٌ صَغِيرٌ مِنْ أعضَاءِ الجَسَدِ، إلَّا أنَّهُ يَتَفَاخَرُ بِأُمُورٍ عَظِيمَةٍ. ألَا تَرَوْنَ كَيْفَ أنَّ شَرَارَةً صَغِيرَةً يُمْكِنُ أنْ تُحْرِقَ غَابَةً كَبِيرَةً؟ فَاللِّسَانُ يُشْبِهُ النَّارَ. إنَّهُ يُشْبِهُ عَالَمًا مِنَ الشَّرِّ بَيْنَ أعضَاءِ جَسَدِنَا، لِأنَّهُ يَسْتَطِيعُ أنْ يُلَوِّثَ الجَسَدَ كُلَّهُ، وَيَكُونُ نَارًا تَلْتَهِمُ كُلَّ حَيَاتِنَا! أمَّا نَارُ اللِّسَانِ فَمَصدَرُهَا جَهَنَّمُ! يَسْتَطِيعُ الإنْسَانُ أنْ يُرَوِّضَ جَمِيعَ الحَيَوَانَاتِ وَالطُّيُورِ وَالزَّوَاحِفِ وَالكَائِنَاتِ البَحرِيَّةِ، وَقَدْ رَوَّضَهَا بِالفِعْلِ. لَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يُرَوِّضَ اللِّسَانَ. فَاللِّسَانُ شَرٌّ لَا يُمْكِنُ السَّيطَرَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَملُوءٌ سُمًّا مُمِيتًا. بِاللِّسَانِ نُسَبِّحُ الرَّبَّ وَالآبَ، وَبِاللِّسَانِ نَلعَنُ النَّاسَ المَخْلُوقِينَ عَلَى صُورَةِ اللهِ! مِنَ الفَمِ الوَاحِدِ، يَخْرُجُ تَسْبِيحٌ وَلَعنَةٌ! لَا يَجُوزُ هَذَا يَا إخْوَتِي. لَا يُمْكِنُ لِنَبعِ المِيَاهِ أنْ يُخرِجَ مَاءً عَذبًا وَمَاءً مَالِحًا مَعًا مِنْ مَنبَعٍ وَاحِدٍ. أيُمكِنُ لِشَجَرَةِ التِّينِ يَا إخْوَتِي، أنْ تُثمِرَ زَيْتُونًا؟ أوْ أنْ تُثمِرَ كَرْمَةُ العِنَبِ تِينًا؟ كَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ لِنَبعِ مَاءٍ مَالِحٍ أنْ يُخرِجَ مَاءً عَذبًا. مَنْ هُوَ الحَكِيمُ وَكَثِيرُ المَعْرِفَةِ بَيْنَكُمْ؟ عَلَى ذَلِكَ الشَّخصِ أنْ يُظهِرَ حِكمَتَهُ بِسُلُوكِهِ الحَسَنِ، وَبِأعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا بِتَوَاضُعٍ نَابِعٍ مِنَ الحِكْمَةِ. لَكِنْ إنْ كَانَتْ قُلُوبُكُمْ مَملُوءَةً بِالمَرَارَةِ وَالحَسَدِ وَالأنَانِيَّةِ، فَلَا تَفْتَخِرُوا بِحِكمَتِكُمْ، فَتَكْذِبُوا وَتُخْفُوا الحَقِيقَةَ. لَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ الحِكْمَةُ النَّازِلَةُ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ هِيَ حِكمَةٌ أرْضِيَّةٌ، نَفْسِيَّةٌ، شَيطَانِيَّةٌ. فَحَيْثُمَا يُوجَدُ الحَسَدُ وَالأنَانِيَّةُ، هُنَاكَ الفَوضَى وَالشَّرُّ بِأشكَالِهِ المُتَنَوِّعَةِ. أمَّا الحِكْمَةُ النَّازِلَةُ مِنَ السَّمَاءِ فَهِيَ، قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ، طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ بِالآخَرِينَ، وَيَسْهُلُ التَّعَامُلُ مَعَهَا. إنَّهَا مَملوءَةٌ بِالرَّحمَةِ وَالأعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَهِيَ عَادِلَةٌ، وَمُخْلِصَةٌ. فَالثَّمَرُ النَّاتِجُ عَنْ حَيَاةِ البِرِّ، هُوَ الثَّمَرُ الَّذِي يَصْنَعُهُ العَامِلُونَ مِنْ أجْلِ السَّلَامِ، بِطَرِيقَةٍ مُسَالِمَةٍ. مِنْ أيْنَ تَأْتِي الخُصُومَاتُ وَالمُشَاجَرَاتُ الَّتِي بَيْنَكُمْ؟ ألَا تَأْتِي مِنْ دَاخِلِكُمْ، وَمِنْ شَهَوَاتِكُمُ الَّتِي تَتَعَارَكُ فِي أجسَادِكُمْ دَائِمًا؟ تُرِيدُونَ أشْيَاءَ، لَكِنَّكُمْ لَا تَنَالُونَهَا. تَقْتُلُونَ وَتَحْسِدُونَ، لَكِنَّكُمْ لَا تَنَالُونَ شَيْئًا، فَتَتَخَاصَمُونَ وَتَتَشَاجَرُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ. أيُّهَا الإخْوَةُ، أنْتُمْ لَا تَنَالُونَ مَا تُرِيدُونَ لِأنَّكُمْ لَا تَطْلُبُونَ مِنَ اللهِ. وَلَكِنْ حَتَّى عِنْدَمَا تَطْلُبُونَ، لَا تَنَالُونَ شَيْئًا، لِأنَّكُمْ تَطْلُبُونَ بِدَوَافِعَ خَاطِئَةٍ، لِكَي تَسْتَغِلُّوا مَا تَحْصُلُونَ عَلَيْهِ فِي لَذَّاتِكُمُ الشَّخصِيَّةِ. أيُّهَا الخَائِنُونَ، ألَا تَعْلَمُونَ أنَّ مُصَادَقَةَ العَالَمِ تَعْنِي مُعَادَاةَ اللهِ؟ فَالَّذِي يُرِيدُ العَالَمَ صَدِيقًا لَهُ، يَجْعَلُ نَفْسَهُ عَدُوًّا للهِ. هَلْ تَظُنُّونَ أنَّ الكِتَابَ لَا يَعْنِي شَيْئًا عِنْدَمَا يَقُولُ: «الرُّوحُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِينَا تَمِيلُ إِلى الحَسَدِ»؟ لَكِنَّ اللهَ يُعطِينَا نِعْمَةً أعْظَمَ. لِذَلِكَ يَقُولُ الكِتَابُ: «يُقَاوِمُ اللهُ المُتَكَبِّرِينَ، لَكِنَّهُ يُعْطِي نِعْمَتَهُ لِلمُتَوَاضِعِينَ.» فَاخضَعُوا للهِ، وَقَاوِمُوا إبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ. اقتَرِبُوا مِنَ اللهِ، فَيَقْتَرِبَ مِنْكُمْ. طَهِّرُوا أيدِيَكُمْ أيُّهَا الخُطَاةُ، وَنَقُّوا قُلُوبَكُمْ أيُّهَا المُتَقَلِّبُونَ. احزَنُوا وَنُوحُوا وَابكُوا بِشِدَّةٍ! لِيَتَحَوَّلْ ضَحِكُكُمْ إلَى نُواحٍ، وَسَعَادَتُكُمْ إلَى كَآبَةٍ. تَوَاضَعُوا أمَامَ الرَّبِّ، وَهُوَ سَيَرْفَعُكُمْ. امتَنِعُوا يَا إخْوَتِي، عَنِ انتِقَادِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ. كُلُّ مَنْ يَنْتَقِدُ أخَاهُ، أوْ يَحْكُمُ عَلَى أخِيهِ، فَهُوَ يَحْكُمُ عَلَى الشَّرِيعَةِ. وَإنْ كُنْتَ تَحْكُمُ عَلَى الشَّرِيعَةِ، فَأنْتَ لَا تَعْمَلُ بِحَسَبِ الشَّرِيعَةِ، لَكِنَّكَ تَجْعَلُ نَفْسَكَ قَاضِيًا لَهَا. لَكِنَّ القَاضِيَ وَمُعطِيَ الشَّرِيعَةِ وَاحِدٌ، إنَّهُ اللهُ القَادِرُ أنْ يُخَلِّصَ وَأنْ يُهلِكَ. فَمَنْ تَظُنُّ نَفْسَكَ يَا مَنْ تَحْكُمُ عَلَى الآخَرِينَ؟ اسْمَعُوا يَا مَنْ تُقُولُونَ: «اليَوْمَ أوْ غَدًا سَنُسَافِرُ إلَى هَذِهِ المَدِينَةِ أوْ تِلْكَ، وَسَنَعمَلُ وَسَنَجمَعُ المَالَ.» إنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ سَتَكُونُ حَيَاتُكُمْ غَدًا. أنْتُمْ كَالبُخَارِ الَّذِي يَظْهَرُ لِوَقْتٍ قَلِيلٍ ثُمَّ يَخْتَفِي. لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ تَقُولُوا دَائِمًا: «إنْ شَاءَ الرَّبُّ، سَنَعِيشُ وَنَعمَلُ كَذَا وَكَذَا.» لَكِنَّكُمْ تَتَبَاهَونَ بِسَبَبِ عَجرَفَتِكُمْ. وَمِثْلُ هَذَا التَّبَاهِي شَرٌّ. فَمَنْ يَعْرِفُ كَيْفَ يَعْمَلُ مَا هُوَ صَوَابٌ، ثُمَّ يَمْتَنِعُ عَنْ عَمَلِهِ، فَإنَّهُ يَرْتَكِبُ خَطِيَّةً. اسْمَعُوا أيُّهَا الأغنِيَاءُ. نُوحُوا وَابكُوا بُكَاءً شَدِيدًا بِسَبَبِ مَا سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ مَصَائِبَ. ثَروَتُكُمْ قَدْ تَعَفَّنَتْ، وَثِيَابُكُمْ أكَلَهَا السُّوسُ. أتلَفَ الصَّدَأُ ذَهَبَكُمْ وَفِضَّتَكُمْ! وَهَذَا الصَّدَأُ سَيَكُونُ دَلِيلَ إدَانَتِكُمْ، وَسَيَلْتَهِمُ كَالنَّارِ أجسَادَكُمْ، فَقَدْ خَزَّنتُمْ أموَالَكُمْ لِأيَّامٍ اقْتَرَبَتْ نِهَايَتُهَا. هَا هِيَ أُجُورُ العُمَّالِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمْ تَصْرُخُ ضِدَّكُمْ، لِأنَّكُمْ حَرَمتُمُوهُمْ مِنْ هَذِهِ الأُجُورِ! وَهَا قَدِ ارتَفَعَ صَوْتُ صُرَاخِ الحَصَّادِينَ إلَى مَسَامِعِ الرَّبِّ القَدِيرِ. عِشتُمْ حَيَاةَ تَرَفٍ عَلَى الأرْضِ وَمَتَّعتُمْ أنْفُسَكُمْ. سَمَّنتُمْ أنْفُسَكُمْ كَحَيَوَانَاتٍ لِيَوْمِ الذَّبحِ. حَكَمتُمْ عَلَى الأبرِيَاءِ ظُلمًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ، وَهُمْ لَمْ يُقَاوِمُوكُمْ. فَاصبِرُوا أيُّهَا الإخْوَةُ إلَى يَوْمِ مَجِيءِ الرَّبِّ. وَتَذَكَّرُوا أنَّ الزَّارِعَ يَنْتَظِرُ نَتَاجَ أرْضِهِ الثَّمِينَ. إنَّهُ يَنْتَظِرُ بِصَبرٍ سُقُوطَ المَطَرِ المُبَكِّرِ وَالمُتَأخِّرِ عَلَى زَرعِهِ. كَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ تَنْتَظِرُوا أنْتُمْ أيْضًا بِصَبرٍ. شَدِّدُوا قُلُوبَكُمْ، لِأنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَرِيبٌ. أيُّهَا الإخْوَةُ، لَا يَتَذَمَّرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، لِئَلَّا يَدِينَكُمُ اللهُ. هُوذَاَ الدَّيَّانُ عَلَى البَابِ! أيُّهَا الإخْوَةُ، تَذَكَّرُوا الأنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ، فَهُمْ مِثَالٌ لَنَا فِي الصَّبرِ وَفِي تَحَمُّلِ الآلَامِ. إنَّنَا نَعتَبِرُهُمْ مُبَارَكِينَ بِسَبَبِ احتِمَالِهِمْ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبرِ أيُّوبَ، وَتَعْلَمُونَ كَيْفَ كَافَأهُ الرَّبُّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ، لِأنَّ الرَّبَّ رَحِيمٌ وَمُحِبٌّ. يَا إخْوَتِي، قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ، لَا تَحْلِفُوا بِالسَّمَاءِ وَلَا بِالأرْضِ وَلَا بِأيِّ شَيءٍ آخَرَ. إنْ أرَدْتُمْ أنْ تَقُولُوا «نَعَمْ،» قُولُوا «نَعَمْ.» وَإنْ أرَدْتُمْ أنْ تَقُولُوا «لَا،» قُولُوا «لَا،» لِئَلَّا يَدِينَكُمُ اللهُ. أيُواجِهُ أحَدُكُمْ صُعُوبَاتٍ؟ فَلْيُصَلِّ. أبَيْنَكُمْ مَنْ هُوَ مَسرُورٌ؟ فَلْيُسَبِّحِ الرَّبَّ. أبَيْنَكُمْ مَنْ هُوَ مَرِيضٌ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الكَنِيسَةِ لِكَي يُصَلُّوا مِنْ أجْلِهِ وَيَمْسَحُوهُ بِالزَّيْتِ بِاسْمِ الرَّبِّ. فَالصَّلَاةُ الَّتِي تُرفَعُ بِإيمَانٍ، سَتُشفِي المَرِيضَ، وَيُقِيمُهُ الرَّبُّ مِنْ مَرَضِهِ. وَإنْ كَانَ قَدِ ارتَكَبَ خَطَايَا، يَغْفِرُ اللهُ لَهُ. لِذَلِكَ اعتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِخَطَايَاكُمْ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، لِكَي تُشْفَوْا. إنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يَرْفَعُهَا الإنْسَانُ الَبَارُّ قَوِيَّةٌ جِدًّا وَفَعَّالَةٌ. كَانَ إيلِيَّا إنْسَانًا مِثْلَنَا تَمَامًا. وَقَدْ صَلَّى بِحَرَارَةٍ كَي لَا يَسْقُطَ المَطَرُ، فَلَمْ يَسْقُطْ مَطَرٌ عَلَى الأرْضِ لِمُدَّةِ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ وَنِصفٍ. ثُمَّ صَلَّى ثَانِيَةً، فَسَقَطَ المَطَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَأخرَجَتِ الأرْضُ أثمَارَهَا. أيُّهَا الإخْوَةُ، إنْ حَدَثَ وَابْتَعَدَ أحَدُكُمْ عَنِ الحَقِّ، وَرَدَّهُ شَخْصٌ آخَرُ، فَلْيَعْلَمْ ذَلِكَ الَّذِي رَدَّهُ، أنَّ مَنْ يَرُدُّ خَاطِئًا عَنْ طَرِيقِ الضَّلَالِ، يُنقِذُهُ مِنَ المَوْتِ، وَيَكُونُ سَبَبًا فِي مَغفِرَةِ خَطَايَاهُ الكَثيرَةِ. مِنْ بُطْرُسَ، رَسُولِ يَسُوعَ المَسِيحِ، إلَى شَعْبِ اللهِ المُتَغَرِّبِينَ فِي هَذَا العَالَمِ، وَالمُشَتَّتِينَ عَبْرَ مُقَاطَعَاتِ بُنطُسَ وَغَلَاطِيَّةَ وَكَبْدُوكِيَّةَ وَأسِيَّا وَبِيثِينِيَّةَ، المُختَارِينَ حَسَبَ عِلْمِ اللهِ الآبِ المُسْبَقِ، لِتَكُونُوا مُقَدَّسِينَ فِي الرُّوحِ، وَلِكَي تُطِيعُوهُ وَتَتَطَهَّرُوا بِرَشِّ دَمِ يَسُوعَ المَسِيحِ. أُصَلِّي أنْ تَتَزَايَدَ لَكُمْ نِعْمَةُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَى الدَّوَامِ. تَبَارَكَ إلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ وَأبُوهُ. فَفِي رَحمَتِهِ العَظِيمَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً، لِيَكُونَ لَنَا رَجَاءٌ حَيٌّ بِسَبَبِ قِيَامَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ مِنَ المَوْتِ، وَمِيرَاثٌ لَا يَفْنَى وَلَا يَتَلَوَّثُ وَلَا يَذْبُلُ، مَحفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لَكُمْ أنْتُمُ المَحمِيِّينَ بِقُوَّةِ اللهِ بِسَبَبِ إيمَانِكُمْ، إلَى أنْ تَنَالُوا الخَلَاصَ المُعَدَّ لَكُمْ، وَالَّذِي سَيُعلَنُ فِي نِهَايَةِ الزَّمَانِ. وَلِهَذَا أنْتُمْ تَفِيضُونَ فَرَحًا، مَعَ أنَّهُ مِنَ الضَّرُورِيِّ أنْ تُحزَنُوا الآنَ لِفَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ بِامتِحَانَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، تُبَرهِنُ أصَالَةَ إيمَانِكُمْ. فَحَتَّى الذَّهَبُ الفَانِي يُمتَحَنُ بِالنَّارِ. وَإيمَانُكُمْ أثمَنُ مِنْهُ كَثِيرًا. لِهَذَا يَنْبَغِي أنْ يُمتَحَنَ لِيَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِلمَدِيحِ وَالتَّمِجِيدِ وَالتَّكرِيمِ، عِنْدَمَا يُعلَنُ يَسُوعُ المَسِيحُ الَّذِي لَا تَرَونَهُ، إلَّا أنَّكُمْ تُحِبُّونَهُ. وَمَعَ أنَّكُمْ لَا تَرَونَهُ الآنَ، إلَّا أنَّكُمْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَمْتَلِئُونَ فَرَحًا مَجِيدًا لَا يُوصَفُ، وَتَنَالُونَ هَدَفَ إيمَانِكُمُ الَّذِي هُوَ خَلَاصُكُمْ. لَقَدْ تَحَدَّثَ الأنْبِيَاءُ سَابِقًا عَنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي هِيَ لَكُمُ الآنَ، وَفَتَّشُوا بِاهْتِمَامٍ عَنْ هَذَا الخَلَاصِ. كَانَتْ غَايَتُهُمْ أنْ يَعْرِفُوا الوَقْتَ وَالظُّرُوفَ الَّتِي كَانَ يَدُلُّهُمْ عَلَيْهَا رُوحُ المَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ، إذْ أعْلَنَ لَهُمُ الرُّوحُ القُدُسُ مُسْبَقًا آلَامَ المَسِيحِ وَالأمْجَادَ الَّتِي سَتَلِيهَا. وَقَدْ كَشَفَ لَهُمُ اللهُ أنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَخْدِمُونَ أنْفُسَهُمْ، بَلْ يَخْدِمُونَكُمْ أنْتُمْ عِنْدَمَا تَحَدَّثُوا عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي أُعلِنَتْ لَكُمُ الآنَ، بِوَاسِطَةِ الَّذِينَ بَشَّرُوكُمْ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ المُرسَلِ مِنَ السَّمَاءِ. وَهِيَ أُمُورٌ تَشْتَهِي حَتَّى المَلَائِكَةُ أنْ تَعْرِفَهَا! فَكُونُوا مُتَيَقِّظِي الذِّهنِ وَمُنضَبِطِي النَّفْسِ. وَليَكُنْ رَجَاؤكُمْ كُلُّهُ فِي نِعْمَةِ اللهِ الَّتِي سَتُعطَى لَكُمْ عِنْدَمَا يُعلَنُ يَسُوعُ المَسِيحُ. وَكَأبْنَاءٍ مُطِيعِينَ، كُفُّوا عَنْ تَشْكِيلِ حَيَاتِكُمْ بِحَسَبِ رَغَبَاتِكُمُ الشَّرِّيرَةِ المَاضِيَةِ، حينَمَا كُنْتُمْ جُهَلَاءَ. بَلْ كُونُوا مُقَدَّسِينَ فِي كُلِّ سُلوكٍ، كَمَا أنَّ اللهَ الَّذِي دَعَاكُمْ هُوَ قُدُّوسٌ. فَإنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا مُقَدَّسِينَ، لِأنِّي أنَا قُدُّوسٌ.» أنْتُمْ تَدْعُونَ اللهَ أبًا، وَهُوَ يَحْكُمُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ عَلَى أسَاسِ عَمَلِهِ، وَدُونَ أيِّ تَحَيُّزٍ. فَعِيشُوا إذًا حَيَاتَكُمْ فِي تَقْوَى أثْنَاءَ إقَامَتِكُمُ المُؤَقَّتَةِ عَلَى هَذِهِ الأرْضِ. لَقَدْ دُفِعَ ثَمَنُ تَحريرِكُمْ مِنْ أُسلُوبِ حَيَاتِكُمُ العَقِيمِ الَّذِي وَرِثتُمُوهُ عَنْ آبَائِكُمْ، لَا بِمَالٍ مَسبُوكٍ مِنْ مَوَادَّ فَانيَةٍ كَالفِضَّةِ أوْ الذَّهَبِ، بَلْ بِدَمِ المَسِيحِ الثَّمِينِ، دَمِ حَمَلٍ سَلِيمٍ خَالٍ مِنَ العُيُوبِ. وَقَدْ سَبَقَ أنِ اخْتَارَ اللهُ المَسِيحَ قَبْلَ خَلْقِ العَالَمِ، لَكِنَّهُ أعلَنَهُ لِلعَالَمِ فِي هَذِهِ الأيَّامِ الأخِيرَةِ مِنْ أجْلِكُمْ. وَفِي المَسِيحِ، أنْتُمْ تُؤمِنُونَ بِاللهِ الَّذِي أقَامَهُ مِنَ المَوْتِ وَمَجَّدَهُ، لِيَكُونَ إيمَانُكُمْ وَرَجَاؤكُمْ فِي اللهِ. لَقَدْ طَهَّرْتُمْ أنْفُسَكُمْ بِإطَاعَتِكُمْ لِلحَقِّ. فَأظْهِرُوا مَحَبَّةً أخَوِيَّةً مُخْلِصَةً، وَليُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا مَحَبَّةً شَدِيدَةً مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ. لَقَدْ وُلِدْتُمْ ثَانِيَةً، لَا مِنْ بِذْرَةٍ فَانِيَةٍ، بَلْ مِنْ بِذْرَةٍ لَا تَفْنَى هِيَ كَلِمَةُ اللهِ الحَيَّةُ الخَالِدَةُ. فَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: «البَشَرُ جَمِيعًا كَالعُشْبِ، وَكُلُّ مَجْدِهِمْ أشبَهُ بِزَهْرِ العُشْبِ. العُشْبُ يَجِفُّ، وَالزَّهْرُ يَسْقُطُ. أمَّا كَلِمَةُ اللهِ فَتَبْقَى إلَى الأبَدِ.» هَذِهِ هِيَ كَلِمَةُ اللهِ الَّتِي بُشِّرْتُمْ بِهَا. فَتَخَلَّصُوا مِنْ كُلِّ مَكْرٍ وَغِشٍّ وَنِفَاقٍ وَحَسَدٍ وَمَذَمَّةٍ. وَتُوقُوا كَالأطْفَالِ المَولُودِينَ حَدِيثًا إلَى الحَلِيبِ الرُّوحِيِّ النَّقِيِّ، لِكَي تَنْمُوا وَتَخْلُصُوا، فَقَدْ ذُقْتُمْ أنَّ الرَّبَّ طَيِّبٌ. يَسُوعُ المَسِيحُ هُوَ الحَجَرُ الحَيُّ الَّذِي رَفَضَهُ أهْلُ العَالَمِ، لَكِنَّهُ ثَمِينٌ لَدَى اللهِ الَّذِي اخْتَارَهُ. فَإذْ تَقْتَرِبُونَ مِنْهُ، كُونُوا أنْتُمْ أيْضًا حِجَارَةً حَيَّةً لِبِنَاءِ هَيكَلٍ رُوحِيٍّ، فَتَكُونُوا كَهَنَةً مُقَدَّسِينَ، تَخْدِمُونَ اللهَ بِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ المَسِيحِ. إذْ يَقُولُ الكِتَابُ: «هَا إنِّي أضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ، حَجَرًا ثَمِينًا وَمُخْتَارًا. وَالَّذِي يُؤمِنُ بِهِ لَنْ يَخِيبَ لَهُ رَجَاءٌ.» فَهوَ حَجَرٌ كَرِيمٌ عِنْدَكُمْ أنْتُمْ يَا مَنْ تُؤمِنُونَ. أمَّا للَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ، فَهُوَ … «الحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ البَنَّاؤُونَ، الَّذِي صَارَ حَجَرَ الأسَاسِ.» وَهُوَ أيْضًا: «حَجَرٌ يُعثِرُ النَّاسَ، وَصَخرَةٌ تُسْقِطُهُمْ.» يَتَعثَّرُونَ لِأنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَ رِسَالَةَ اللهِ، فَهَذَا هُوَ المَصِيرُ الَّذِي أُعِدَّ لَهُمْ. أمَّا أنْتُمْ فَشَعْبٌ مُختَارٌ، وَمَملَكَةُ كَهَنَةٍ، وَأُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ. أنْتُمْ تَنْتَمُونَ إلَى اللهِ، لِكَي تُذِيعُوا صِفَاتِهِ العَظِيمَةَ. فَهُوَ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ، إلَى نُورِهِ المُدهِشِ. ذَاتَ يَوْمٍ، لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، أمَّا الآنَ فَأنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. لَمْ تَكُونُوا تَتَمَتَّعُونَ بِأيَّةِ رَحمَةٍ، أمَّا الآنَ فَأنْتُمْ مَرْحُومُونَ. أيُّهَا الأحِبَّاءُ، أنْتُمْ غُرَبَاءُ تُقِيمُونَ فِي هَذَا العَالَمِ إقَامَةً مُؤَقَّتَةً. لِهَذَا أُنَاشِدُكُمْ أنْ تَتَجَنَّبُوا الشَّهَوَاتِ الشِّرِّيرَةَ الَّتِي تُحَارِبُكُمْ، وَأنْ تَسْلُكُوا بَيْنَ غَيْرِ المُؤمِنِينَ سُلُوكًا حَسَنًا. إنَّهُمْ يَتَّهِمُونَكُمْ بِعَمَلِ الشَّرِّ، لَكِنْ عِنْدَمَا يُلَاحِظُونَ أعْمَالَكُمُ الصَّالِحَةَ، سَيُعطُونَ المَجْدَ للهِ فِي يَوْمِ مَجِيئِهِ. اخضَعُوا لِكُلِّ سُلْطَةٍ بَشَرِيَّةٍ إرضَاءً للرَّبِّ. اخضَعُوا لِلمَلِكِ، الَّذِي هُوَ السُّلْطَةُ العُلْيَا، وَلِلحُكَّامِ الَّذِينَ يُرسِلُهُمْ لِمُعَاقَبَةِ الأشْرَارِ، وَلِمَدْحِ فَاعِلِي الخَيْرِ. لِأنَّ مَشِيئَةَ اللهِ هِيَ أنْ تَفْعَلُوا الخَيْرَ، فَتُخرِسُوا الكَلَامَ النَّابِعَ مِنْ جَهلِ السُّخَفَاءِ. كُونُوا أحرَارًا دُونَ أنْ تَسْتَخْدِمُوا تِلْكَ الحُرِّيَّةَ غِطَاءً لِلشَّرِّ، بَلْ عِيشُوا كَخُدَّامٍ للهِ. أظْهِرُوا احتِرَامًا لِجَمِيعِ النَّاسِ. أحِبُّوا إخْوَتَكُمْ فِي المَسِيحِ. اتَّقُوا اللهَ، وَأكرِمُوا المَلِكَ. أيُّهَا العِبِيدُ، اخضَعُوا لِسَادَتِكُمْ بِكُلِّ احتِرَامٍ، لَا لِلأخيَارِ الَّذِينَ يُحسِنُونَ مُعَامَلَتَكُمْ فَحَسْبُ، بَلْ لِلقُسَاةِ أيْضًا. فَحِينَ تُسَاءُ مُعَامَلَةُ إنْسَانٍ، وَيَحْتَمِلُ ألَمَ الظُلْمِ مُتَفَكِّرًا بِاللهِ، فَإنَّهُ يَسْتَحِقُّ المَدِيحَ. لِأنَّهُ أيُّ فَضلٍ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تُعَاقَبُونَ عَلَى عَمَلٍ سَيئٍ فَتَحْتَمِلُونَ؟ فَهَذَا مَا دَعَاكُمُ اللهُ إلَيْهِ: أنْ تَقْتَدُوا بِالمَسِيحِ الَّذِي تَألَّمَ مِنْ أجْلِنَا، فَتَرَكَ لَنَا مِثَالًا لِكَي نَتْبَعَهُ، فَهوَ: «لَمْ يَرْتَكِبْ خَطِيَّةً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ أيُّ كَذِبٍ.» كَانَ يُهَانُ، فَلَا يَرُدُّ الإهَانَةَ بِمِثْلِهَا. وَكَانَ يَتَألَّمُ، فَلَا يَلْجَأُ إلَى التَّهدِيدِ، بَلْ يُسَلِّمُ أمْرَهُ إلَى اللهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِعَدلٍ. هُوَ نَفْسُهُ حَمَلَ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الخَشَبَةِ، لِكَي نَمُوتَ بِالنِّسبَةِ لِخَطَايَانَا، وَنَحيَا حَيَاةَ البِرِّ. فَبِجِرَاحِهِ شُفِيتُمْ. وَبَعْدَ أنْ كُنْتُمْ كَالخِرَافِ التَّائِهَةِ، عُدْتُمُ الآنَ إلَى رَاعِي حَيَاتِكُمْ وَالمُشْرِفِ عَلَيْهَا. وَأنتُنَّ أيَّتُهَا الزَّوجَاتُ، اخضَعْنَ أيْضًا لِأزوَاجِكُنَّ. فَحَتَّى الَّذِينَ يَرْفُضُونَ أنْ يُطِيعُوا رِسَالَةَ اللهِ، يُربَحونَ مِنْ خِلَالِ سُلُوكِ زَوْجَاتِهِمْ دُونَ أنْ يَتَكَلَّمنَ! فَهُمْ سَيُلَاحِظُونَ سُلُوكَكُنَّ الطَّاهِرَ التَّقيَّ. لَا يَنْبَغِي أنْ يَعْتَمِدَ جَمَالُكُنَّ عَلَى أشْيَاءَ خَارجِيَّةٍ كَالتَّصفِيفِ المُتَكَلِّفِ لِلشَّعْرِ، وَالتَّزَيُّنِ بِالذَّهَبِ، وَارتِدَاءِ المَلَابِسِ الفَاخِرَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أنْ يَنْبُعَ جَمَالُكُنَّ مِنَ القَلْبِ، فَيَكُونَ جَمَالَ الرُّوحِ الوَدِيعَةِ المُسَالِمَةِ الَّذِي لَا يَذْبُلُ، وَهُوَ جَمَالٌ لَا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ عِنْدَ اللهِ. هَكَذَا تَجَمَّلَتِ النِّسَاءُ المُقَدَّسَاتُ فِي المَاضِي، فَكُنَّ يَثِقْنَ بِاللهِ وَيَخَضَعْنَ لِأزوَاجِهِنَّ. وَهَكَذَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إبْرَاهِيمَ وَتُنَادِيهِ «سَيِّدِي.» وَأنتُنَّ بَنَاتُهَا، شَرِيطَةَ أنْ تَفْعَلْنَ الصَّوَابَ غَيْرَ خَائِفَاتٍ شَيْئًا. وَأنْتُمْ أيْضًا أيُّهَا الأزوَاجُ، عَامِلُوا زَوْجَاتِكُمْ بِتَفَهُّمٍ لأنَّهُنَّ الجِنسُ الأضعَفُ، فَأكرِمُوهُنَّ كَشَرِيكَاتٍ لَكُمْ فِي نَوَالِ نِعْمَةِ الحَيَاةِ الجَدِيدَةِ. افْعَلُوا هَذَا لِئَلَّا تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ. وَأخِيرًا، عِيشُوا جَمِيعًا مُنسَجِمِي الفِكْرِ، يَتَفَهَّمُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَيُحِبُّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَإخوَةٍ، شَفُوقِينَ وَمُتَوَاضِعِينَ. لَا تَرُدُّوا عَلَى الإسَاءَةِ بِمِثْلِهَا، أوْ عَلَى الإهَانَةِ بِمِثْلِهَا، بَلُ اطْلُبُوا بَرَكَةَ اللهِ لِمَنْ يُسيئُ إلَيكُمْ، لِأنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ دَعَاكُمْ لِكَي تَنَالُوا بَرَكَةً. يَقُولُ الكِتَابُ: «إنْ أرَادَ أحَدٌ أنْ يَتَمَتَّعَ بِالحَيَاةِ، وَيَرَى أيَّامًا مَملوءَةً بِالخَيْرِ، فَليَحْفَظْ لِسَانَهُ مِنَ الشَّرِّ، وَشَفَتَيْهِ مِنَ الكَلَامِ المُخَادِعِ. لْيَتَجَنَّبِ الشَّرَّ، وَيَفْعَلِ الخَيْرَ. لِيَسْعَ إلَى السَّلَامِ، وَيُثَابِرْ حَتَّى يُحَقِّقَهُ. لِأنَّ عَينَيَّ الرَّبِّ عَلَى الأبْرَارِ، وَأُذُنَيهِ مُنتَبِهَتَانِ إلَى صَلَوَاتِهِمْ. لَكِنَّ الرَّبَّ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ عَنْ فَاعِلِي الشَّرِّ.» فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُؤذِيَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُتَحَمِّسِينَ لِلخَيرِ؟ إذَا عَانَيتُمْ بِسَبَبِ عَمَلِ الحَقِّ، فَهَنِيئًا لَكُمْ. «لَا تَرْهَبُوا تَهْدِيدَاتِهِمْ، وَلَا تَنْزَعِجُوا،» بَلْ وَقِّرُوا المَسِيحَ رَبًّا فِي قُلُوبِكُمْ، وَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ عَلَى الدَّوَامِ لِتَقْدِيمِ جَوَابٍ لِكُلِّ مَنْ يَطْلُبُ تَفْسِيرًا لِلرَّجَاءِ الَّذِي تَمْلِكُونَهُ جَمِيعًا. لَكِنِ افْعَلُوا هَذَا بِوَدَاعَةٍ وَوَقَارٍ. وَاحفَظُوا ضَمِيرَكُمْ نَقِيًّا حَتَّى عِنْدَمَا يُفتَرَى عَلَيْكُمْ. فَبِهَذَا يَخْجَلُ الَّذِينَ يُشَوِّهُونَ سُلُوكَكُمُ الحَسَنَ فِي المَسِيحِ. لِأنَّهُ أفْضَلُ أنْ تُعَانُوا مِنْ أجْلِ فِعلِكُمُ الخَيْرَ، إذَا شَاءَ اللهُ، مِنْ أنْ تُعَانُوا بِسَبَبِ فِعلِكُمُ الشَّرَّ. لِأنَّ المَسِيحَ نَفْسَهُ مَاتَ مِنْ أجْلِ خَطَايَانَا مَرَّةً وَاحِدَةً. مَاتَ البَرِيءُ مِنْ أجْلِ المُذنِبِينَ، لِكَي يُقَرِّبَهُمْ إلَى اللهِ. مَاتَ بِجَسَدِهِ، ثُمَّ أُقيمَ بِقوَّةِ الرُّوحِ. وَفِي الرُّوحِ أيْضًا، ذَهَبَ وَأعلَنَ لِلأروَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ. وَهِيَ الأرْوَاحُ الَّتِي عَصَتِ اللهَ قَدِيمًا، لَمَّا كَانَ اللهُ يَنْتَظِرُ بِصَبْرٍ فِي زَمَنِ نُوحٍ، أثْنَاءَ بِنَاءِ السَّفِينَةِ. وَلَمْ يَدْخُلِ السَّفينَةَ إلَّا عَدَدٌ قَلِيلٌ: ثَمَانِيَةُ أشخَاصٍ أُنْقِذُوا بِوَاسِطَةِ المَاءِ. وَهَذَا رَمْزٌ يُمَثِّلُ المَعْمُودِيَّةَ الَّتِي تُنقِذُكُمُ الآنَ أيْضًا، لَا بِأنْ نَغسِلَ الجِسْمَ الخَارِجِيِّ بِالمَاءِ، بَلْ بِأنْ نَطلَبَ مِنَ اللهِ ضَمِيرًا صَالِحًا، فَنَخلُصَ بِقِيَامَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ مِنَ المَوْتِ. فَقَدْ دَخَلَ يَسُوعُ السَّمَاءَ، وَهُوَ عَنْ يَمِينِ اللهِ. وَتَخْضَعُ لَهُ مَلَائِكَةٌ وَسَلَاطِينُ وَقُوَّاتٌ. فَمَا دَامَ المَسِيحُ قَدْ تَألَّمَ بِجَسَدِهِ، تَسَلَّحُوا أنتُمْ أيْضًا بِهَذَا الفِكْرِ. لِأنَّ مَنْ يَتَألَّمُ بِالجَسَدِ، يَتَوَقَّفُ عَنِ العَيشِ فِي الخَطِيَّةِ، وَلَا يَعُودُ يُكَرِّسُ بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ الأرْضِيَّةِ لِلشَّهَوَاتِ الجَسَدِيَّةِ، بَلْ لِتَنْفِيذِ إرَادَةِ اللهِ. فَكَفَاكُمْ مَا قَضَيتُمْ مِنْ وَقْتٍ فِي المَاضِي وَأنْتُمْ تَفْعَلُونَ مَا يُريدُهُ غَيْرُ المُؤْمِنِينَ، إذِ انغَمَسْتُمْ فِي كُلِّ أنْوَاعِ الخَطَايَا الجِنسِيَّةِ وَالشَّهَوَاتِ وَالسُّكْرِ وَالخَلَاعَةِ وَاللَهوِ المُنحَرِفِ وَعِبَادَةِ الأصْنَامِ البَغِيضَةِ. وَهُمْ يَسْتَغْرِبُونَ الآنَ أنَّكُمْ لَا تُجَارُونَهُمْ فِي تَيَّارِ انحِلَالِهِمْ هَذَا، فَيَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ. لَكِنَّ المَسِيحَ المُسْتَعِدَّ لإدَانَةِ الأحيَاءِ وَالأمْوَاتِ، سَيُحَاسِبُهُمْ عِنْدَ مَجِيئِهِ. فَمِنَ الأمْوَاتِ الآنَ مَنْ كَانُوا قَدْ بُشِّرُوا سَابِقًا، فَأدَانَهُمُ النَّاسُ أثْنَاءَ حَيَاتِهِمْ. لَكِنَّ اللهَ كَانَ يُريدُ أنْ تَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ بِالرٌّوحِ. لَقَدِ اقْتَرَبَ زَمَنُ نِهَايَةِ كُلِّ شَيءٍ. فَكُونُوا مُتَعَقِّلِينَ وَاضْبُطُوا أنْفُسَكُمْ، فَهَذَا يُفِيدُكُمْ فِي صَلَوَاتِكُمْ. وَفَوقَ كُلِّ شَيءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ ثَابِتَةً، لِأنَّ المَحَبَّةَ تَغْفِرُ خَطَايَا كَثِيرَةً. افتَحُوا بُيُوتَكُمْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ دُونَ تَذَمُّرٍ. وَليَسْتَخْدِمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمُ المَوهِبَةَ الَّتِي نَالَهَا مِنَ اللهِ فِي خِدْمَةِ الآخَرِينَ، كَوُكَلَاءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ بِأشكَالِهَا المُتُنَوِّعَةِ. مَنْ يَتَكَلَّمُ، فَليَتَكَلَّمْ بِكَلَامِ اللهِ، وَمَنْ يَخْدِمُ، فَلْيَخْدِمْ بِالقُوَّةِ الَّتِي يُعطِيهَا لَهُ اللهُ. وَهَكَذَا يُعْطَى المَجْدُ فِي كُلِّ شَيءٍ للهِ، بِيَسُوعَ المَسِيحِ. لَهُ المَجْدُ وَالقُوَّةُ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. آمِين. لَا تَسْتَغْرِبُوا أيُّهَا الأحِبَّاءُ، المِحَنَ الشَّدِيدَةَ الحَاصِلَةَ بَيْنَكُمْ، وَالَّتِي تَهْدِفُ إلَى امتِحَانِكُمْ. فَلَا تَنْظُرُوا إلَيْهَا كَشَيءٍ غَرِيبٍ يَحْدُثُ لَكُمْ، بَلِ افرَحُوا لِأنَّكُمْ تَشْتَرِكُونَ الآنَ فِي آلَامِ المَسِيحِ، لِكَي تَفِيضُوا فَرَحًا عِنْدَمَا يَظْهَرُ مَجْدُ المَسِيحِ. فَهَنِيئًا لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تُهَانُونَ مِنْ أجْلِ اسْمِ المَسِيحِ، لِأنَّ الرُّوحَ المَجِيدَ، رُوحَ اللهِ، يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. فَلَا يَتَألَّمْ أحَدُكُمْ لِأنَّهُ قَاتِلٌ أوْ فَاعِلُ شَرٍّ، أوْ حَتَّى مُتَدَخِّلٌ فِي مَا لَا يَعْنِيهِ. لَكِنْ، إذَا تَألَّمَ لِكَونِهِ مَسِيحِيًّا، فَلَا مُوجِبَ لِخَجَلِهِ. بَلْ لِيُمَجِّدِ اللهَ لِأنَّهُ يَحْمِلُ اسْمَ المَسِيحِ. فَقَدْ حَانَ وَقْتُ القَضَاءِ الإلَهيِّ بَدءًا بِعَائِلَةِ اللهِ. فِإنْ كَانَ يَبْدَأُ بِنَا، فَكَيْفَ سَتَكُونُ نِهَايَةُ الَّذِينَ لَا يُطِيعُونَ بِشَارَةَ اللهِ؟ «فَإنْ كَانَ الإنْسَانُ الصَّالِحُ بِالكَادِ يَخْلُصُ، فَمَاذَا سَيَحِلُّ بِالفَاجِرِ وَالخَاطِئِ؟» إذًا فَلْيَضَعِ الَّذِينَ يُعَانُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ حَيَاتَهُمْ وَديعَةً لَدَى خَالِقِهِمُ الأمِينِ، وَلْيُواصِلُوا عَمَلَ الخَيْرِ. وَالْآنَ أُنَاشِدُ الشُّيُوخَ، كَشَيخٍ مِثْلِهِمْ، وَكَشَاهِدٍ لآلَامِ المَسِيحِ، وَشَرِيكٍ فِي المَجْدِ الَّذِي سَيَظْهَرُ مُسْتَقْبَلًا، وَأقُولُ لَهُمُ ارعُوا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي تَحْتَ مَسؤُولِيَّتِكُمْ. اخدِمُوهُمْ كَمُشرِفِينَ عَلَيْهِمْ، لَا لأنَّكُمْ مُضطَرُّونَ، بَلْ لِأنَّكُمْ رَاغِبُونَ فِي ذَلِكَ حَسَبَ مَشِيئَةِ اللهِ. وَلَا تَعْمَلُوا طَمَعًا فِي مَالٍ، بَلْ بِنَشَاطٍ. وَلَا تَتَسَلَّطُوا عَلَى مَنْ هُمْ تَحْتَ رِعَايَتِكُمْ، بَلْ كُونُوا مِثَالًا صَالِحًا لِلرَّعِيَّةِ. وَعِنْدَمَا يَظْهَرُ رَاعِي الرُّعَاةِ، سَتَنَالُونَ إكلِيلَ الانتِصَارِ المَجِيدِ الَّذِي لَنْ تَذْبُلَ أورَاقُهُ. كَذَلِكَ أيُّهَا الشَّبَابُ، اخضَعُوا لِلشُّيُوخِ. وَالبَسُوا جَمِيعًا ثَوبَ التَّوَاضُعِ بَعْضُكُمْ أمَامَ بَعْضٍ. «لِأنَّ اللهَ يُقَاوِمُ المُتَكَبِّرِينَ، لَكِنَّهُ يُظهِرُ نِعْمَتَهُ لِلمُتَوَاضِعِينَ.» لِذَلِكَ تَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ القَويَّةِ، لِكَي يَرْفَعَكُمْ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ. وَاطرَحُوا عَلَيْهِ كُلَّ هُمُومِكُمْ، فَهُوَ يَهْتَمُّ بِكُمْ. كُونُوا مُنضَبِطِي النَّفْسِ مُتَعَقِّلِينَ مُتَيَقِّظِينَ. لِأنَّ عَدُوَّكُمُ الشَّيْطَانَ يَتَجَوَّلُ مِثْلَ أسَدٍ يَزأرُ بَاحِثًا عَمَّنْ يَلْتَهِمُهُ. فَقَاوِمُوهُ وَأنْتُمْ أقوِيَاءُ فِي إيمَانِكُمْ. فَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ الآلَامَ نَفْسَهَا الَّتِي تَمُرُّونَ بِهَا، تُصِيبُ أيْضًا إخْوَتَكُمْ فِي كُلِّ العَالَمْ. لَكِنَّ اللهَ سَيُصَوِّبُ كُلَّ شَيءٍ، وَيَسْنِدُكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ بَعْدَ أنْ تَتَألَّمُوا قَلِيلًا. فَهُوَ مَصدَرُ كُلِّ نِعْمَةٍ. وَهُوَ الَّذِي دَعَاكُمْ إلَى الاشْتِرَاكِ فِي مَجْدِهِ الأبَدِيِّ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ. لَهُ القُوَّةُ وَالمَجْدُ إلَى الأبَدِ. آمِين. كَتَبْتُ إلَيكُمْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ القَصِيرَةَ بِمُسَاعَدَةِ سِلْوَانُسَ الَّذِي أعتَبِرُهُ أخًا مُخْلِصًا، لِكَي أُشَجِّعَكُمْ، وَأشهَدَ أنَّ هَذِهِ هِيَ نِعْمَةُ اللهِ الحَقِيقِيَّةُ. فَاثبُتُوا فِيهَا. تُهدِيكُمُ السَّلَامَ الكَنِيسَةُ الَّتِي فِي بَابِلَ، الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ مَعَكُمْ. كَمَا يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ مَرْقُسُ ابْنِي. لِيُحَيِّي بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِقُبلَةِ مَحَبَّةٍ. سَلَامٌ لَكُمْ جَمِيعًا يَا مَنْ أنْتُمْ فِي المَسِيحِ. مِنْ سِمعَانَ بُطْرُسَ، عَبْدِ يَسُوعَ المَسِيحِ وَرَسُولِهِ، إلَى الَّذِينَ نَالُوا مِنَ اللهِ إيمَانًا مُسَاوِيًا فِي مَنزِلَتِهِ لإيمَانِنَا، بِفَضْلِ عَدلِ وَصَلَاحِ إلَهِنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. أُصَلِّي أنْ تَتَزَايَدَ لَكُمُ النِّعمَةُ وَالسَّلَامُ بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. لَقَدْ مَنَحَتْنَا قُدرَةُ يَسُوعَ الإلَهِيَّةُ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالحَيَاةِ وَتَقْوَى اللهِ، وَذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ ذَاكَ الَّذِي دَعَانَا بِمَجْدِهِ وَصَلَاحِهِ، وَوَهَبَنَا بِهِمَا هِبَاتٍ عَظِيمَةً وَثَمِينَةً وَعَدَنَا بِهَا، لِكَي نَشتَرِكَ فِي الطَّبِيعَةِ الإلَهِيَّةِ، وَنَهْرُبَ مِنَ الانْحِلَالِ المَوجُوِدِ فِي العَالَمِ بِسَبَبِ الشَّهَوَاتِ. لِهَذَا، ابْذُلُوا كُلَّ جَهْدٍ لِكَي تُضِيفُوا إلَى إيمَانِكُمْ صَلَاحًا، وَإلَى صَلَاحِكُمْ مَعْرِفَةً، وَإلَى مَعْرِفَتِكُمْ ضَبطًا للنَّفْسِ، وَإلَى ضَبطِ النَّفْسِ صَبْرًا، وَإلَى الصَّبرِ تَقْوَى، وَإلَى التَّقوَى مَوَدَّةً أخَوِيَّةً، وَإلَى المَوّدِّةِ الأخَوِيَّةِ مَحَبَّةً. إنْ كَانَتْ هَذِهِ الفَضَائِلُ مَوجُودَةً وَمُتَكَاثِرَةً فِيكُمْ، فَإنَّهَا سَتَجْعَلُكُمْ نَشِيطِينَ وَمُثمِرِينَ، وَسَتَقُودُكُمْ إلَى مَعْرِفَةٍ أكمَلَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. أمَّا مَنْ يَفْتَقِرُ إلَى هَذِهِ الفَضَائِلِ، فَهُوَ قَصِيرُ النَّظَرِ إلَى حَدِّ العَمَى، وَقَدْ نَسِيَ أنَّ اللهَ قَدْ طَهَّرَهُ مِنْ خَطَايَاهُ المَاضِيَةِ. لِهَذَا أيُّهَا الإخْوَةُ، اجْتَهِدُوا فِي إظهَارِ أنَّ اللهَ دَعَاكُمْ وَاخْتَارَكُمْ. لِأنَّكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ هَذِهِ الأُمُورَ، فَلَنْ تَتَعثَّرُوا أبَدًا. وَسَتَلْقَوْنَ تِرحَابًا كَرِيمًا لَدَى دُخُولِكُمُ المَلَكُوتَ الأبَدِيَّ لِرَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. لِذَلِكَ لَنْ أغفَلَ عَنْ تَذْكِيرِكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ دَائِمًا، مَعَ أنَّكُمْ تَعْرِفُونَهَا، وَمَعَ أنَّكُمْ رَاسِخُونَ فِي الحَقِّ الَّذِي قَبِلْتُمُوهُ. وَلَكِنِّي أرَى أنَّ مِنَ الصَّوَابِ أنْ أُواصِلَ تَنبِيهَكُمْ إلَيْهَا مَا دُمْتُ أسكُنُ فِي هَذَا الجَسَدِ. لِأنِّي أعْلَمُ أنَّنِي سَأُغَادِرُ خَيْمَةَ جَسَدِي هَذِهِ قَرِيبًا كَمَا أعْلَنَ لِيَ رَبُّنَا يَسُوعُ المَسِيحُ. فَسَأبذُلُ جَهْدِي كَي أضمَنَ أنَّكُمْ سَتَتَذَكَّرُونَ هَذِهِ الأُمُورَ دَائِمًا بَعْدَ رَحِيلِي. إنَّنَا لَمْ نَتَّبِعْ قِصَصًا مُلَفَّقَةً، عِنْدَمَا أخبَرْنَاكُمْ عَنْ قُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، وَعَنْ مَجِيئِهِ، بَلْ كُنَّا شُهُودَ عَيَانٍ لِجَلَالِهِ. فَقَدْ نَالَ إكرَامًا وَمَجدًا مِنَ اللهِ الآبِ، عِنْدَمَا جَاءَ مِنْ أجْلِهِ ذَلِكَ الصَوْتُ الخَاصُّ مِنَ مَجْدِ السَّمَاءِ الجَلِيلِ وَقَالَ: «هَذَا هُوَ ابنِي حَبِيبِي الَّذِي سُرُورِي بِهِ عَظِيمٌ.» وَقَدْ سَمِعْنَا الصَّوْتَ آتِيًا مِنَ السَّمَاءِ عِنْدَمَا كُنَّا مَعَهُ عَلَى الجَبَلِ المُقَدَّسِ. لِهَذَا لَنَا ثِقَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الكَلِمِةِ الَّتِي أذَاعَهَا الأنْبِيَاءُ. وَأنْتُمْ تُحسِنُونَ صُنعًا بِانتِبَاهِكُمْ إلَيْهَا، لِأنَّهَا أشبَهُ بِنُورٍ يَسْطَعُ فِي مَكَانٍ مُظلِمٍ، إلَى أنْ يَبْزُغَ الفَجرُ، وَتُشرِقُ نَجمَةُ الصُّبحِ فِي قُلُوبِكُمْ. وَاعلَمُوا قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ أنَّهُ لَمْ تَأْتِ أيَّةُ نُبُوَّةٍ فِي الكَتَابِ بِنَاءً عَلَى تَفسيرِ النَّبيِّ الخَاصِّ. لِأنَّهُ لَمْ تُعطَ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنْسَانٍ، بَلِ انْقَادَ رِجَالُ اللهِ بِالرُّوحِ القُدُسِ فَنَطَقُوا بِكَلَامِ اللهِ. غَيْرَ أنَّهُ كَانَ هُنَاكَ أنْبِيَاءٌ كَذَبَةٌ بَيْنَ شَعْبِ اللهِ! وَسَيَكُونُ بَيْنَكُمْ أيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، يَدُسُّونَ بَيْنَكُمْ عَقَائِدَ هَدَّامَةً. سَيُنكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشتَرَاهُمْ، فَيَأتُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ بِدَمَارٍ سَريعٍ. سَيَتْبَعُهُمْ كَثِيرُونَ فِي طُرُقِهِمُ المُنحَلَّةِ. وَبِسَبَبِهِمْ سَيُسَاءُ إلَى طَرِيقِ الحَقِّ. فَهُمْ سَيَسْتَغِلُّونَكُمْ بِتَعَاليمِهِمُ الخَادِعَةِ، وَسَيُتَاجِرُونَ بِكُمْ فِي جَشَعِهِمْ. أمَّا دَينونَتُهُمْ فَمُعَدَّةٌ مُنْذُ القَدِيمِ، وَدَمَارُهُمْ فِي انتِظَارِهِمْ. فَاللهُ لَمْ يَعْفُ عَنِ المَلَائِكَةِ الَّذِينَ أخطَأُوا، بَلْ أرسَلَهُمْ إلَى كُهُوفِ الظُّلْمَةِ فِي العَالَمِ السُّفلِيِّ لِيُحجَزُوا حَتَّى مَوْعِدِ الدَّينُونَةِ. لَمْ يَعْفُ اللهُ عَنِ العَالَمِ القَدِيمِ، لَكِنَّهُ أنقَذَ نُوحًا الَّذِي كَانَ يَعِظُ مَنَادِيًا بِحَيَاةِ البِرِّ، وَأنقَذَ سَبعَةً آخَرِينَ مَعَهُ، عِنْدَمَا أرْسَلَ الطُّوفَانَ عَلَى عَالَمِ الأشْرَارِ. وَحَكَمَ عَلَى مَدِينَتَيْ سَدُّومَ وَعَمُّورَةَ بِالدَّمَارِ فَحَوَّلَهُمَا إلَى رَمَادٍ، وَجَعَلَ مِنْهُمَا عِبْرَةً لِلآثِمِينَ مُبَيِّنًا مَا سَيَحْدُثُ لَهُمْ. وَأنقَذَ لُوطًا الرَّجُلَ البَارَّ، الَّذِي كَانَ يَتَألَّمُ مِنْ سُلُوكِ الفَاجِرِينَ المُنحَلِّ. كَانَ ذَلِكَ البَارُّ يَتَعَذَّبُ فِي قَلْبِهِ البَارِّ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي يَرَاهَا وَيَسْمَعُهَا، وَهُوَ يَعِيشُ بَيْنَهُمْ يَومًا بَعْدَ الآخَرِ. وَهَكَذَا يَعْرِفُ الرَّبُّ كَيْفَ يُنقِذُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ مِنَ التَّجَارِبِ، وَكَيْفَ يُبقِي الأشرَارَ حَتَّى يَوْمِ الدَّينُونَةِ لِلعِقَابِ. وَلَا سِيَّمَا الَّذِينَ يَتْبَعُونَ طَبيعَتَهُمُ الجَسَدِيَّةَ وَشَهَوَاتِهَا النَّجِسَةَ، وَيَحْتَقِرُونَ سُلطَانَ الرَّبِّ. وَهُمْ وَقِحُونَ، مَغْرُورُونَ، وَلَا يَتَهَيَّبُونَ مِنْ إهَانَةِ ذَوي الرُّتَبِ العَاليَةِ! أمَّا المَلَائِكَةُ، فَهُمْ أكْثَرُ مِنْهُمْ قُوَّةً وَجَبَرُوتًا، إلَّا أنَّهُمْ لَا يَفْتَرُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى الرَّبِّ! لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الأشخَاصَ أشبَهُ بِحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ عَاقِلَةٍ، تَسُوقُهَا الغَرَائِزُ. وَهِيَ تُولَدُ لِلصَّيدِ وَالهَلَاكِ. إنَّهُمْ يَهْزَأُونَ بِأُمُورٍ يَجْهَلُونَهَا. وَكَمَا تَهْلِكُ الَحَيَوَانَاتُ، سَيَهْلِكُونَ أيْضًا. وَسَيَنَالُونَ جَزَاءَ مَا ارتَكَبُوهُ مِنْ أذَىً. كَمَا أنَّهُمْ يَرَوْنَ مُتعَتَهُمْ فِي الانْغِمَاسِ فِي اللَّذَّاتِ حَتَّى فِي وَضَحِ النَّهَارِ. وَهُمْ عَارٌ وَخِزيٌ بَيْنَكُمْ. يَتَلَذَّذُونَ بِطُرُقِهِمُ المُخَادِعَةِ بَيْنَمَا يَشْتَرِكُونَ فِي وَلَائِمِكُمْ! شَهوَةُ الزِّنَا فِي عُيُونِهِمُ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ عَنِ الخَطِيَّةِ، وَيُغوُونَ الأشْخَاصَ غَيْرَ الثَّابِتِينَ. لَهُمْ قُلُوبٌ مُدَرَّبَةٌ عَلَى الفِسقِ، وَهُمْ أوْلَادُ اللعْنَةِ. تَرَكُوا طَريقَ البِرِّ، فَتَاهُوا. تَبِعُوا طَرِيقَ بَلْعَامَ بْنِ بَصُورَ الَّذِي أحَبَّ الأُجرَةَ الَّتِي تَقَاضَاهَا مُقَابِلَ إثْمِهِ. لَكِنَّهُ وُبِّخَ عَلَى إسَاءَتِهِ. فَقَدْ نَطَقَ حِمَارٌ أعجَمُ بِصَوْتٍ بَشَرِيٍّ، فَمَنَعَ النَّبِيَّ مِنِ ارتِكَابِ حَمَاقَتِهِ. هَؤُلَاءِ المُعَلِّمُونَ الزَّائِفُونَ يَنَابِيعُ لَا مَاءَ فِيهَا، وَغُيُومٌ تَدْفَعُهَا العَاصِفَةُ. وَقَدْ حُفِظَ لَهُمْ مَكَانٌ فِي أعْمَاقِ الظُّلْمَةِ. يَفْتَخِرُونَ افتِخَارًا أجوَفَ، وَيَجُرُّونَ الآخَرِينَ إلَىْ فَخِّ شَهَوَاتِ الطَّبيعَةِ الجَسَدِيَّةِ، لِيُغوُوا أُولَئِكَ الَّذِينَ بَدَأُوا لِلتَّوِّ بِالهَرَبِ مِنْ رِفَاقِ السُّوءِ. يَعِدُونَهُمْ بِالحُرِّيَّةِ، بَيْنَمَا هُمْ بِكَامِلِهِمْ عَبِيدٌ لِلفَسَادِ. فَالإنْسَانُ مُسْتَعْبَدٌ لِمَا يَسُودُ عَلَيْهِ. هَرَبَ هَؤُلَاءِ مِنْ أوسَاخِ العَالَمِ بِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. لَكِنَّهُمْ إذْ عَلِقُوا فِي شِرَاكِهَا مَرَّةً أُخْرَى وَانغَلَبُوا، صَارَتْ حَالَتُهُمُ الأخِيرَةُ أسوَأَ مِنَ الأُولَى. فَكَانَ أفْضَلَ لَهُمْ لَوْ أنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ البِرِّ، مِنْ أنْ يَرْتَدُّوا عَنِ التَعليمِ المُقَدَّسِ بَعْدَ أنْ عَرَفُوهُ وَقَبِلُوهُ. وَهَكَذَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمُ المَثَلُ القَائِلُ: «كَلْبٌ يَعُودُ إلَى قَيئِهِ.» وَمَثَلٌ آخَرُ يَقُولُ: «خِنزِيرَةٌ مُغَسَّلَةٌ تَعُودُ إلَى التَّمَرُّغُ فِي الوَحلِ.» هَذِهِ هِيَ رِسَالَتِي الثَّانِيَةُ إلَيكُمْ أيُّهَا الأحِبَّاءُ. وَقَدْ حَاوَلْتُ فِيهَا أنْ أُنَبِّهَ عُقُولَكُمُ النَّقِيَّةَ بِتَذْكِيرِكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ. أُرِيدُكُمْ أنْ تَتَذَكَّرُوا كَلَامَ أنْبِيَاءِ اللهِ قَدِيمًا، وَوَصِيَّةَ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا الَّتِي وَصَلَتْكُمْ بِوَاسِطَةِ رُسُلِكُمْ. أوَّلًا يَنْبَغِي أنْ تَفْهَمُوا أنَّهُ سَيَأْتِي فِي الأيَّامِ الأخِيرَةِ أُنَاسٌ مُسْتَهْزِئُونَ تَقُودُهُمْ شَهَوَاتُهُمْ، وَسَيَقُولُونَ: «مَا الَّذِي حَدَثَ لِوَعْدِ مَجِيءِ المَسِيحِ ثَانِيَةً؟ لِأنَّهُ مُنْذُ أنْ مَاتَ آبَاؤُنَا وَكُلُّ شَيءٍ مُسْتَمِرٌّ عَلَى حَالِهِ، كَمَا كَانَ مُنْذُ بَدْءِ الخَلِيقَةِ.» وَهُمْ بِذَلِكَ يَتَنَاسُونَ أنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وُجِدَتْ مُنْذُ القَدِيمِ، وَأنَّ الأرْضَ تَشَكَّلَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ مِنَ المَاءِ وَبِالمَاءِ. ثُمَّ غُمِرَ العَالَمُ عِنْدَئِذٍ وَدُمِّرَ بِالمَاءِ. لَكِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مَحفُوظَةٌ الآنَ أيْضًا بِكَلِمَةِ اللهِ، إلَىْ أنْ يَحِينَ وَقْتُ تَدْمِيرِهَا بِالنَّارِ فِي يَوْمِ الدَّينُونَةِ، يَوْمِ هَلَاكِ الأشْرَارِ. لَكِنْ لَا يَغِبْ عَنْ بَالِكُمْ هَذَا الأمْرُ أيُّهَا الأحِبَّاءُ: أنَّ يَومًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَألفِ سَنَةٍ، وَأنَّ ألْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ. فَالرَّبٌّ لَا يُؤَخِّرُ تَنْفِيذَ وَعْدِهِ، كَمَا يَظُنُّ بَعْضُهُمْ، لَكِنَّهُ يَتَأنَّى عَلَيْنَا وَلَا يُرِيدُ لِأحَدٍ أنْ يَهْلِكَ، بَلْ يُريدُ لِجَمِيعِ النَّاسِ أنْ يَتُوبُوا. لَكِنَّ يَوْمَ الرَّبِّ سَيَأْتِي كَلِصٍّ. وَسَتَنْصَهِرُ الأجرَامُ السَّمَاوِيَّةُ بِالنَّارِ، ثُمَّ سَتَنْكَشِفُ الأرْضُ وَكُلُّ مَا عَلَيْهَا. فَمَا دَامَتْ هَذِهِ الأشْيَاءُ سَتُدَمَّرُ هَكَذَا، أيُّ نَوْعٍ مِنَ النَّاسِ يَنْبَغِي أنْ تَكُونُوا. يَنْبَغِي أنْ تَعِيشُوا حَيَاةَ قَدَاسَةٍ وَخِدْمَةٍ للهِ، بَيْنَمَا تَنْتَظِرُونَ وَتَطْلُبُونَ سُرعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ الَّذِي تَنْحَلُّ فِيهِ السَّمَاوَاتُ، وَتَنْصَهِرُ الأجرَامُ السَّمَاوِيَّةُ. لَكِنَّنَا حَسَبَ وَعْدِ اللهِ نَنتَظِرُ بِلَهفَةٍ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأرْضًا جَدِيدَةً يَسْكُنُهَا البِرُّ. فَبِمَا أنَّكُمْ تَتَلَهَّفُونَ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ، ابْذُلُوا كُلَّ جَهْدٍ لِكَي تَكُونُوا طَاهِرِينَ بِلَا عَيْبٍ، وَفِي سَلَامٍ أمَامَهُ، مُتَذَّكِّرِينَ أنَّ تَمَهُلَّ اللهِ عَلَيْنَا، هُوَ الَّذِي قَادَ إلَىْ خَلَاصِنَا. تَمَامًا كَمَا كَتَبَ إلَيكُمْ أخُونَا الحَبِيبُ بُولُسُ حَسَبَ الحِكْمَةِ المُعطَاةِ لَهُ مِنَ اللهِ. فَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ فِي كُلِّ رَسَائِلِهِ الَّتِي تَحْوِي بَعْضَ التَّعَاليمِ الَّتِي يَصْعُبُ فَهْمُهَا، وَيُشَوِّهُ غَيْرُ المُتَعَلِّمِينَ وَغَيرُ الثَّابِتِينَ مَعنَاهَا. وَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مَعَ بَقيَّةِ الكُتُبِ أيْضًا جَالبِينَ الدَّمَارَ عَلَى أنْفُسِهِمْ. فَبِمَا أنَّكُمْ تَعْرِفُونَ هَذِهِ الأُمُورَ أيُّهَا الأحِبَّاءُ، احْذَرُوا مِنْ أنْ تَنقَادُوا بِضَلَالَاتِ الفَاجِرِينَ. وَانتَبِهُوا لِئَلَّا تَتَزَحزَحُوا عَنْ مَوقِفِكُمُ الثَّابِتِ، بَلِ انمُوا فِي نِعْمَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، وَفِي مَعْرِفَتِهِ. لَهُ المَجْدُ الآنَ وَإلَىْ الأبَدِ! آمِين. كَانَ فِي البَدءِ، سَمِعنَاهُ، رَأينَاهُ بِعُيُونِنَا. تَأمَّلْنَاهُ، وَلَمَسْنَاهُ بِأيدِينَا. إنَّهُ الكَلِمَةُ الَّذِي هُوَ الحَيَاةُ. ظَهَرَ لَنَا فَرَأينَاهُ وَنَشهَدُ لَهُ، وَهَا نَحْنُ نُعلِنُهُ لَكُمْ. إنَّهُ الحَيَاةُ الأبَدِيَّةُ الَّذِي كَانَ مَعَ الآبِ، وَقَدْ أُعْلِنَ لَنَا. وَنَحْنُ نُعلِنُ لَكُمْ مَا رَأينَاهُ وَسَمِعنَاهُ، لِكَي يَكُونَ لَكُمْ شَرِكَةٌ مَعَنَا، وَشَرِكَتُنَا نَحْنُ هِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابنِهِ يَسُوعَ المَسِيحِ. لِذَا نَكتُبُ إلَيكُمْ كَي يَكْتَمِلَ فَرَحُنَا. هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي سَمِعنَاهَا مِنْهُ، وَنَحْنُ نُعلِنُهَا لَكُمْ: اللهُ نُورٌ، وَلَا يُوجَدُ فِيهِ ظَلَامٌ عَلَى الإطلَاقِ. إنْ قُلْنَا إنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ، وَوَاصَلْنَا السَّيرَ فِي الظَّلَامِ، فَإنَّنَا نَكذِبُ وَلَا نَتْبَعُ الحَقَّ. لَكِنْ إنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا أنَّ اللهَ هُوَ فِي النَّورِ، عِنْدَهَا نَشتَرِكُ بَعْضُنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ ابنِ اللهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ. إنْ قُلنَا إنَّهُ لَيْسَ فِينَا أيَّةُ خَطِيَّةٍ، فَنَحْنُ نَخدَعُ أنْفُسَنَا، وَالحَقُّ لَيْسَ فِينَا. أمَّا إنِ اعتَرَفنَا بِخَطَايَانَا، فَاللهُ أمِينٌ وَعَادِلٌ، يَغْفِرُ لَنَا خَطَايَانَا، وَيُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ دَنَسٍ. إنْ قُلْنَا إنَّنَا لَمْ نَرتَكِبْ أيَّةَ خَطِيَّةٍ، فَإنَّنَا نَتَّهِمُ اللهَ بِالكَذِبِ! وَلَا تَكُونُ رِسَالَتُهُ ثَابِتَةً فِي قُلُوبِنَا. أبنَائِي الأعِزَّاءَ، إنِّي أكتُبُ إلَيكُمْ هَذِهِ الأشْيَاءَ، حَتَّى لَا تَرْتَكِبُوا أيَّةَ خَطيَّةٍ. لَكِنْ إنِ ارتَكَبَ أحَدُكُمْ خَطيَّةً، فَإنَّ لَنَا شَفِيعًا عِنْدَ الآبِ هُوَ يَسُوعُ المَسِيحُ البَارُّ، وَهُوَ الذَّبيحَةُ الكَافِيَةُ للتَّكْفِيرِ عَنْ خَطَايَانَا. وَلَيْسَ خَطَايَانَا فَحَسْبُ، بَلْ خَطَايَا العَالَمِ بِأَسْرِهِ. إنْ أطَعنَا وَصَايَا اللهِ، نَعْلَمُ يَقِينًا أنَّنَا نَعْرِفُ اللهَ. فَمَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَعْرِفُ اللهَ، وَلَا يُطِيعُ وَصَايَاهُ، يَكُونُ كَاذِبًا، وَالحَقُّ لَيْسَ ثَابِتًا فِي قَلْبِهِ. لَكِنْ مَنْ يُطِيعُ كَلِمَةَ اللهِ، فَإنَّ مَحَبَّةَ اللهِ تَكُونُ قَدِ اكتَمَلَتْ فِيهِ بِالفِعْلِ. وَهَكَذَا نَعْرِفُ أنَّنَا فِي اللهِ: مَنْ يَقُولُ إنَّهُ ثَابِتٌ فِي اللهِ، فَليَعِشْ كَمَا عَاشَ يَسُوعُ. أيُّهَا الأحِبَّاءُ، إنَّ مَا أكتُبُهُ إلَيكُمْ لَيْسَ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلْ وَصِيَّةً قَدِيمَةً كَانَتْ لَدَيْكُمْ مُنْذُ البِدَايَةِ. وَهِيَ رِسَالَةٌ سَمِعْتُمُوهَا مِنْ قَبْلُ. وَمِنْ جَانِبٍ آخَرَ، أنَا أكتُبُ إلَيكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، ظَهَرَتْ حَقِيقَتُهَا فِي المَسِيحِ وَفِيكُمْ، لِأنَّ الظَّلَامَ قَدْ زَالَ، وَالنُّورُ الحَقِيقِيُّ يُضِيئُ. فَمَنْ يَقُولُ إنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يَكْرَهُ أخَاهُ، فَإنَّهُ مَا يَزَالُ فِي الظَّلَامِ. أمَّا مَنْ يُحِبُّ أخَاهُ، فَإنَّ حَيَاتَهُ تَبْقَى فِي النُّورِ، وَلَا يَتَعَثَّرُ بِشَيءٍ. لَكِنْ مَنْ يَكْرَهُ أخَاهُ، فَهُوَ فِي الظَّلَامِ، وَيَعِيشُ فِي الظَّلَامِ، وَلَا يَعْرِفُ إلَى أيْنَ يَذْهَبُ، لِأنَّ الظَّلَامَ أعْمَى عُيُونَهُ. أكتُبُ إلَيكُمْ يَا أبنَائِي الصِّغَارَ لِأنَّ خَطَايَاكُمْ قَدْ غُفِرَتْ لأجْلِ اسْمِ المَسِيحِ. أكتُبُ إلَيكُمْ أيُّهَا الآبَاءُ لِأنَّكُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ الَّذِي كَانَ فِي البَدءِ. أكتُبُ إلَيكُمْ أيُّهَا الشَّبَابُ، لِأنَّكُمْ قَهَرتُمُ الشِّرِّيرَ. أكتُبُ إلَيكُمْ أيُّهَا الأوْلَادُ لِأنَّكُمْ تَعْرِفُونَ الآبَ. أكتُبُ إلَيكُمْ أيُّهَا الآبَاءُ لِأنَّكُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ الَّذِي كَانَ فِي البَدءِ. أكتُبُ إلَيكُمْ أيُّهَا الشَّبَابُ لِأنَّكُمْ أقوِيَاءُ وَكَلِمَةُ اللهِ حَيَّةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ هَزَمتُمُ الشِّرِّيرَ. لَا تُحِبُّوا العَالَمَ، أوِ الأشْيَاءَ المَوجُودَةَ فِي هَذَا العَالَمِ. إنْ أحَبَّ أحَدٌ العَالَمَ، فَذَلِكَ لِأنَّ مَحَبَّةَ الآبِ لَيْسَتْ فِي قَلْبِهِ. فَكُلُّ مَا فِي هَذَا العَالَمِ مِنْ شَهَوَاتِ الطَّبِيعَةِ الجَسَدِيَّةِ، وَشَهَوَاتِ العُيُونِ، وَالتَّفَاخُرِ بِالإنْجَازَاتِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ، بَلْ مِنَ العَالَمِ. وَالعَالَمُ يَفْنَى هُوَ وَالشَّهَوَاتُ الَّتِي فِيهِ، لَكِنْ مَنْ يَعْمَلُ مَشِيئَةَ اللهِ، يَحيَا إلَى الأبَدِ. يَا أبنَائِي، لَقَدِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ الأخِيرَةُ، وَكَمَا سَبَقَ أنْ سَمِعْتُمْ، فَإنَّ ضِدَّ المَسِيحِ آتٍ. بَلْ لَقَدْ ظَهَرَ أضدَادٌ كَثِيرُونَ لِلمَسِيحِ، لِهَذَا نَعْلَمُ أنَّ السَّاعَةَ الأخِيرَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ. لَقَدْ خَرَجُوا مِنْ بَينِنَا، لَكِنَّهُمْ لَا يَنْتَمُونَ إلَينَا. لِأنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يَنْتَمُونَ إلَينَا لَبَقَوْا مَعَنَا، لَكِنَّهُمْ تَرَكُونَا، فَكُشِفَ أنَّهُمْ جَمِيعًا لَا يَنْتَمُونَ إلَينَا. أمَّا أنْتُمْ فَلَكُمْ مِسحَةٌ مِنَ القُدُّوسِ، وَلِجَمِيعِكُمْ قَدْ وُهِبَتِ المَعْرِفَةُ. فَأنَا لَا أكتُبُ إلَيكُمْ لِأنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ الحَقَّ، بَلْ لِأنَّكُمْ تَعْرِفُونَهُ، وَلِأنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الحَقِّ كَذِبٌ. فَمَنِ الكَذَّابُ إلَّا مَنْ يَقُولُ إنَّ يَسُوعَ لَيْسَ هُوَ المَسِيحُ؟ مِثْلُ هَذَا هُوَ ضِدُّ المَسِيحِ، فَهُوَ يُنكِرُ الآبَ وَالابْنَ مَعًا. كُلُّ مَنْ يُنكِرُ الابْنَ، لَا يَكُونُ لَهُ الآبُ أيْضًا، أمَّا مَنْ يَعْتَرِفُ بِالابْنِ، فَإنَّ لَهُ الآبَ أيْضًا. أمَّا أنْتُمْ، فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مُنْذُ البِدَايَةِ يَنْبَغِي أنْ يَثْبُتَ فِيكُمْ. فَإنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ البِدَايَةِ، تَثْبُتُونَ فِي الِابْنِ وَفِي الآبِ. وَهَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ بِهِ: الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ. إنِّي أكتُبُ لَكُمْ هَذِهِ الأشْيَاءَ عَنِ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ أنْ يَخْدَعُوكُمْ. أمَّا أنْتُمْ، فَالمِسحَةُ الَّتِي قَبِلتُمُوهَا مِنَ القُدُّوسِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، فَلَا تَحتَاجُونَ أنْ يُعَلِّمَكُمْ أحَدٌ شَيْئًا جَدِيدًا. فَالمِسحَةُ الَّتِي أعْطَاهَا لَكُمْ، تُعَلِّمُكُمْ عَنْ كُلِّ شَيءٍ. وَهِيَ حَقٌّ لَا زيفٌ! لِذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ تَثْبُتُوا فِي المَسِيحِ كَمَا تَعَلَّمتُمْ مِنْ هَذِهِ المِسحَةِ. فَالآنَ أيُّهَا الأبْنَاءُ الأحِبَّاءُ، اثبُتُوا فِي المَسِيحِ، حَتَّى إذَا أُظْهِرَ فِي مَجيئِهِ الثَّانِي، تَكُونُ لَنَا كُلُّ الثِّقَةِ، وَلَا نَخْجَلُ مِنْهُ عِنْدَمَا يَعُودُ. إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ المَسِيحَ بَارٌّ، فَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ أيْضًا أنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ البِرَّ هُمْ أوْلَادُ اللهِ. تَأمَّلُوا المَحَبَّةَ العَظِيمَةَ الَّتِي أحَبَّنَا بِهَا الآبُ، حَتَّى إنَّهُ أعْطَانَا امْتِيَازًا أنْ نُدعَى أوْلَادَ اللهِ! وَنَحْنُ فِعلًا كَذَلِكَ! لِهَذَا السَّبَبِ فَإنَّ العَالَمَ لَا يَعْرِفُنَا، لِأنَّهُ لَا يَعْرِفُ الآبَ. أيُّهَا الأحِبَّاءُ، نَحْنُ الآنَ أوْلَادُ اللهِ، وَلَمْ يُعلَنْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. لَكِنَّنَا نَعْلَمُ أنَّهُ عِنْدَمَا يَعُودُ المَسِيحُ ثَانِيَةً سَنَكُونُ مِثْلَهُ، لِأنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ فِعلًا! فَمَنْ يَمْتَلِكُ هَذَا الرَّجَاءَ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا أنَّ المَسِيحَ طَاهِرٌ. كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الخَطِيَّةَ، يَكْسِرُ شَرِيعَةَ اللهِ، لِأنَّ الخَطِيَّةَ هِيَ كَسرٌ لِلشَّرِيعَةِ. وَتَعْلَمُونَ أنَّ المَسِيحَ قَدْ جَاءَ لِكَي يُزِيلَ خَطَايَا البَشَرِ، وَلَيْسَتْ فِيهِ أيَّةُ خَطِيَّةٍ. كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِي المَسِيحِ لَا يَسْتَمِرُّ فِي الخَطِيَّةِ، أمَّا مَنْ يَسْتَمِرُّ فِي الخَطِيَّةِ، فَذَلِكَ لَمْ يَرَ المَسِيحَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ. أبنَائِي الأعِزَّاءَ، لَا تَدَعُوا أحَدًا يَخْدَعُكُمْ. مَنْ يَفْعَلُ البِرَّ بَارٌّ كَمَا أنَّ المَسِيحَ بَارٌّ. أمَّا مَنْ يَرْتَكِبُ الخَطِيَّةَ، فَهُوَ يَنْتَمِي إلَى إبْلِيسَ، لِأنَّ إبْلِيسَ خَاطِئٌ مُنْذُ البِدَايَةِ. وَلِهَذَا جَاءَ ابْنُ اللهِ، كَي يُدَمِّرَ أعْمَالَ إبْلِيسَ. مَنْ أصبَحَ ابنًا للهِ لَا يُواصِلُ مَمَارَسَةَ الخَطِيَّةِ، لِأنَّ بِذرَةَ الحَيَاةِ الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ فِيهِ، تَثْبُتُ فِيهِ. بَلْ هُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَمِرَّ فِي الخَطِيَّةِ، لِأنَّهُ أصبَحَ ابنًا للهِ. بِهَذَا تَعِرِفُونَ أوْلَادَ اللهِ وَأوْلَادَ إبْلِيسَ، فَكُلُّ مَنْ لَا يَفْعَلُ البِرَّ لَا يَنْتَمِي إلَى اللهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يُحِبُّ أخَاهُ. هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ البِدَايَةِ: أنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا. لَيْسَ مِثْلَ قَايِينَ الَّذِي كَانَ يَنْتَمِي إلَى الشِّرِّيرِ وَقَتَلَ أخَاهُ. وَلِمَاذَا قَتَلَهُ؟ قَتَلَهُ لِأنَّ أعْمَالَهُ هُوَ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأعْمَالَ أخِيهِ حَسَنَةٌ. أيُّهَا الإخْوَةُ، لَا تَسْتَغْرِبُوا إذَا كَرِهَكُمُ العَالَمُ. إنَّنَا نَعْلَمُ أنَّنَا اجتَزنَا مِنَ المَوْتِ إلَى الحَيَاةِ، لِأنَّنَا نُحِبُّ إخْوَتَنَا، وَمَنْ لَا يُحِبُّ يَبْقَى فِي المَوْتِ. مَنْ يُبغِضُ أخَاهُ هُوَ قَاتِلٌ! وَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ مَنْ يَقْتُلُ، لَيْسَتْ لَهُ حَيَاةٌ أبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ. هَكَذَا نَعْرِفُ المَحَبَّةَ: كَمَا أنَّ المَسِيحَ بَذَلَ حَيَاتَهُ مِنْ أجْلِنَا، كَذَلِكَ عَلَيْنَا أنْ نَبذُلَ حَيَاتَنَا فِي سَبِيلِ إخْوَتِنَا. كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ خَيرَاتِ هَذِهِ الدُّنيَا، وَيَرَى أخَاهُ فِي حَاجَةٍ وَلَا يُشفِقُ عَلَيْهِ، لَا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ مَحَبَّةُ اللهِ ثَابِتَةً فِيهِ. أبنَائِي الأعِزَّاءَ، دَعُونَا لَا نُحِبَّ بِالْكَلَامِ أوْ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالمُمَارَسَةِ وَالصِّدقِ. هَكَذَا نَعْلَمُ أنَّنَا نَنتَمِي إلَى الحَقِّ، وَهَكَذَا تَطْمَئِنُّ قُلُوبُنَا أمَامَ اللهِ. وَحَتَّى لَوْ أنَّبَتْنَا قُلُوبُنَا، فَاللهُ أعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيءٍ. أحِبَّائِي الأعِزَّاءَ، إنْ لَمْ تُؤَنِّبْنَا قُلُوبُنَا، فَإنَّ لَنَا جُرْأةً بِالِاقْتِرَابِ مِنَ اللهِ. فَهُوَ يُعطِينَا كُلَّ مَا نَطلُبُهُ، لِأنَّنَا نُطِيعُ وَصَايَاهُ، وَنَفعَلُ مَا يُسِرُّهُ. وَهَذَا مَا يُوصِينَا بِهِ: أنْ نُؤمِنَ بِابنِهِ يَسُوعَ المَسِيحِ، وَأنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا كَمَا أوصَانَا يَسُوعُ. مَنْ يُطِيعُ وَصَايَا اللهِ، يَثْبُتُ فِي اللهِ، وَيَثْبُتُ اللهُ فِيهِ. وَنَحْنُ نَعْرِفُ أنَّ اللهَ ثَابِتٌ فِينَا بِالرُّوحِ القُدُسِ الَّذِي أعطَاهُ لَنَا. أيُّهَا الأحِبَّاءُ، لَا تُصَدِّقُوا كُلَّ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِالرُّوحِ، بَلِ امتَحِنُوا مَا يُقَالُ لِتَعْرِفُوا إنْ كَانَ مِنَ اللهِ. لِأنَّ العَدِيدَ مِنَ الأنْبِيَاءِ الكَذَبَةِ انتَشَرُوا فِي هَذَا العَالَمِ. هَكَذَا تُمَيِّزُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ نَبِيٍّ يَعْتَرِفُ بِأنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ أتَى إلَى الأرْضِ بِجَسَدِ إنْسَانٍ يَكُونُ مِنْ رُوحِ اللهِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ لَا يَعْتَرِفُ بِأنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ أتَى إلَى الأرْضِ بِجَسَدِ إنْسَانٍ، لَا يَكُونُ مِنْ رُوحِ اللهِ، وَهُوَ ضِدُّ المَسِيحِ. قَدْ سَمِعْتُمْ أنَّ ضِدَّ المَسِيحِ سَيَأْتِي، وَهُوَ الآنَ فِي العَالَمِ! أيُّهَا الأوْلَادُ، أنْتُمْ تَنْتَمُونَ إلَى اللهِ، وَقَدْ هَزَمتُمْ أُولَئِكَ الأنْبِيَاءَ، لِأنَّ اللهَ الَّذِي فِيكُمْ أعْظَمُ مِنْ إبْلِيسَ الَّذِي فِي العَالَمِ. وَهُمْ يَنْتَمُونَ إلَى العَالَمِ، لِذَلِكَ يَأتِي كَلَامُهُمْ مِنَ العَالَمِ، وَيَسْتَمِعُ العَالَمُ إلَيْهِمْ. أمَّا نَحْنُ فَنَنتَمِي إلَى اللهِ، وَمَنْ يَعْرِفُ اللهَ يَسْتَمِعُ إلَينَا. لَكِنْ مَنْ لَا يَعْرِفُ اللهَ، فَلَنْ يَسْتَمِعَ إلَينَا. هَكَذَا نُمَيِّزُ بَيْنَ رُوحِ الحَقِّ وَرُوحِ الضَّلَالِ. أحِبَّائِي الأعِزَّاءَ، لِيُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لِأنَّ المَحَبَّةَ تَأْتِي مِنَ اللهِ. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ، يَكُونُ ابنًا للهِ وَيَعْرِفُهُ. أمَّا مَنْ لَا يُحِبُّ، فَإنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لِأنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. هَكَذَا أظْهَرَ اللهُ مَحَبَّتَهُ لَنَا: أرْسَلَ ابنَهُ الوَحِيدَ إلَى العَالَمِ، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أنْ نَحيَا بِهِ. فَالمَحَبَّةُ الحَقِيقِيَّةُ لَيْسَتْ أنَّنَا أحبَبنَا اللهَ، بَلْ أنَّهُ هُوَ أحَبَّنَا، حَتَّى إنَّهُ أرْسَلَ ابنَهُ لِيَكُونَ ذَبِيحَةً عَنْ خَطَايَانَا. أيُّهَا الأحِبَّاء، بِمَا أنَّ اللهَ أحَبَّنَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، يَنْبَغِي أنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا. لَا أحَدَ رَأى اللهَ، لَكِنْ إنْ أحبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَإنَّ اللهَ يَحيَا فِينَا، وَتَكْتَمِلُ مَحَبَّتُهُ فِينَا. نَعْرِفُ أنَّنَا نَحيَا فِي اللهِ وَأنَّهُ يَحيَا فِينَا، لِأنَّهُ سَمَحَ لَنَا أنْ نَشتَرِكَ فِي رُوحِهِ. لَقَدْ رَأيْنَا وَشَهِدْنَا أنَّ الآبَ أرْسَلَ ابنَهُ لِيُخَلِّصَ العَالَمَ. وَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ أنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ، فَإنَّ اللهَ يَثْبُتُ فِيهِ، وَهُوَ يَثْبُتُ فِي اللهِ. وَهَكَذَا عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا المَحَبَّةَ الَّتِي يُحِبُّنَا إيَّاهَا اللهُ. اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتُ فِي المَحَبَّةِ، يَثْبُتُ فِي اللهِ، وَيَثْبُتُ اللهُ فِيهِ. وَهَكَذَا تُصْبِحُ المَحَبَّةُ كَامِلَةً فِينَا، فَنُشْبِهَ المَسِيحَ فِي هَذَا العَالَمِ، وَتَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ بِاللهِ عِنْدَمَا يَدِينُ العَالَمَ. المَحَبَّةِ وَالخَوْفُ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَالمَحَبَّةُ الكَامِلَةُ تَطْرُدُ الخَوْفَ. الخَوْفُ مُرتَبِطٌ بِالعِقَابِ، وَمَنْ يَخَافُ، لَمْ تَكْتَمِلْ مَحَبَّتُهُ. إنَّنَا نُحِبُّ، لِأنَّ اللهَ بَادَرَ إلَى مَحَبَّتِنَا. فَإنْ قَالَ أحَدُهُمْ: «إنِّي أُحِبُّ اللهَ.» وَهُوَ يَكْرَهُ أخَاهُ، يَكُونُ كَاذِبًا. لِأنَّ مَنْ لَا يُحِبُّ أخَاهُ الَّذِي يَرَاهُ، لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يَرَهُ. فَالرَّبُّ قَدْ أوْصَانَا وَقَالَ: «مَنْ يُحِبُّ اللهَ، عَلَيْهِ أنْ يُحِبَّ أخَاهُ أيْضًا.» كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ أنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ، قَدْ أصبَحَ ابنًا للهِ. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ الآبَ يُحِبُّ ابنَهُ أيْضًا. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّنَا نُحِبُّ إخْوَتَنَا: إنْ كُنَّا نُحِبُّ اللهَ وَنُطِيعُ وَصَايَاهُ. فَنَحْنُ نُظهِرُ مَحَبَّتَنَا للهِ بِطَاعَتِنَا لِوَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ صَعبَةً، لِأنَّ كُلَّ مَنْ يُصْبِحُ ابنًا للهِ، يَنْتَصِرُ عَلَى العَالَمِ. فَإيمَانُنَا هُوَ الَّذِي يَضْمَنُ لَنَا الانْتِصَارَ عَلَى العَالَمِ! فَلَيْسَ أحَدٌ يَنْتَصِرُ عَلَى العَالَمِ إلَّا الَّذِي يُؤمِنُ بِأنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ. إنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ هُوَ الَّذِي أتَى إلَينَا بِالمَاءِ وَبِالدَّمِ. لَمْ يَأْتِ بِالمَاءِ فَقَطْ، بَلْ بِالمَاءِ وَبِالدَّمِ. وَالرُّوحُ يَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ، لِأنَّ الرُّوحَ هُوَ الحَقُّ. هُنَاكَ ثَلَاثَةٌ يَشْهَدُونَ عَلَى ذَلِكَ: الرُّوحُ، وَالمَاءُ، وَالدَّمُ، وَتَتَّفِقُ شَهَادَاتُ الثَّلَاثَةِ. وَإنْ كُنَّا نَقبَلُ شَهَادَةَ النَّاسِ، فَشَهَادَةُ اللهِ أعْظَمُ، لِأنَّهَا شَهَادَةُ اللهِ عَنِ ابنِهِ. وَمَنْ يُؤمِنُ بِابنِ اللهِ، لَهُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي نَفْسِهِ. وَمَنْ لَا يُؤمِنُ بِمَا قَالَهُ اللهُ، فَقَدِ اتَّهَمَّ اللهَ بِأنَّهُ كَاذِبٌ، لِأنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ شَهَادَتَهُ عَنِ ابنِهِ. وَشَهَادَةُ اللهِ هِيَ أنَّهُ قَدْ أعطَانَا الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ، وَهَذِهِ الحَيَاةُ هِيَ فِي ابنِهِ. فَمَنْ لَهُ الابْنُ لَهُ الحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ، لَيْسَتْ لَهُ حَيَاةٌ. أكتُبُ إلَيكُمْ، يَا مَنْ تُؤمِنُونَ بِاسْمِ ابنِ اللهِ، كَي تَتَيَقَّنُوا أنَّ لَكُمُ الحَيَاةَ الأبَدِيَّةَ. وَنَحْنُ نَثِقُ بِاللهِ، فَإنْ طَلَبنَا شَيْئًا بِحَسَبِ مَشِيئَتِهِ، يَسْمَعُ لَنَا. وَإنْ عَلِمنَا أنَّهُ يَسْمَعُ لَنَا مَهْمَا طَلَبْنَا مِنْهُ، فَإنَّنَا نَعْلَمُ أنَّهُ سَيُعطِينَا مَا طَلَبنَا. إنْ رَأى أحَدُكُمْ أخَاهُ يَرْتَكِبُ خَطِيَّةً لَا تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ، فَلْيُصَلِّ مِنْ أجْلِهِ، فَيَسْتَجِيبَ اللهُ وَيَمْنَحَ الحَيَاةَ لِأخِيهِ الَّذِي ارتَكَبَ خَطِيَّةً لَا تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. فَهُنَاكَ خَطِيَّةٌ تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. وَلَيْسَ لأجْلِ هَذِهِ أطلبُ إلَيكُمْ أنْ تُصَلُّوا! كُلُّ مَا حَادَ عَنِ الصَّوَابِ هُوَ خَطِيَّةٌ، لَكِنْ هُنَاكَ خَطَايَا لَا تُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ مَنْ صَارَ ابنًا للهِ لَا يَسْتَمِرُّ فِي الخَطِيَّةِ، لِأنَّ ابْنَ اللهِ يَحْمِيهِ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ الشِّرِّيرُ أنْ يُؤذِيَهُ. نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّنَا نَتبَعُ اللهَ، بَيْنَمَا العَالَمُ بِأَسْرِهِ تَحْتَ سَيطَرَةِ الشِّرِّيرِ. لَكِنَّنَا نَعْلَمُ أنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ أتَى، وَأعطَانَا فَهمًا لِنَعْرِفَ الحَقَّ. وَنَحْنُ نَحيَا فِي ذَلِكَ الحَقِّ فِي ابنِ اللهِ يَسُوعَ المَسِيحِ. هَذَا هُوَ اللهُ الحَقُّ، وَهُوَ الحَيَاةُ الأبَدِيَّةُ. فَابْتَعِدُوا، يَا أوْلَادِي، عَنِ الآلِهَةِ المُزَيَّفَةِ. مِنَ الشَّيخِ، إلَى السَّيِّدَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ، وَإلَى أوْلَادِهَا الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ فِي الحَقِّ، وَيُحِبُّهُمْ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ الحَقَّ. نُحِبُّكُمْ لِأنَّ الحَقَّ فِينَا، وَسَيَبْقَى إلَى الأبَدِ مَعَنَا. لِتَكُنِ النِّعمَةُ وَالرَّحمَةُ وَالسَّلَامُ لَنَا مِنَ اللهِ الآبِ وَمِنْ يَسُوعَ المَسِيحِ ابْنِ الآبِ، بَيْنَمَا نَحيَا فِي الحَقِّ وَفِي المَحَبَّةِ. كَمْ كَانَ سُرُورِي عَظِيمًا لِأنِّي وَجَدتُ بَعْضَ أبنَائِكِ يَعِيشُونَ فِي الحَقِّ، كَمَا أوصَانَا الآبُ. وَالْآنَ أطلُبُ يَا سَيِّدَتِي العَزِيزَةَ، أنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا. هَذِهِ لَيْسَتْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً أكتُبُهَا إليكِ، بَلِ الوَصِيَّةَ نَفْسَهَا الَّتِي تَلَقَّينَاهَا مُنْذُ البِدَايَةِ. فَالمَحَبَّةُ هِيَ أنْ نَسْلُكَ بِحَسَبِ وَصَايَا اللهِ. وَهَذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ كَمَا سَمِعْتُمُوهَا مُنْذُ البِدَايَةِ: اسْلُكُوا فِي حَيَاةِ المَحَبَّةِ. لَقَدْ ظَهَرَ العَدِيدُ مِنَ المُضِلِّينَ فِي العَالَمِ، الَّذِينَ لَا يَعْتَرِفُونَ أنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ قَدْ أتَى إلَى الأرْضِ فِي الجَسَدِ. مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ هُوَ المُضِلُّ، وَهُوَ ضِدُّ المَسِيحِ. لِذَلِكَ انتَبِهُوا لِأنفُسِكُمْ لِئَلَّا يَضِيعَ مَا عَمِلْتُمْ مِنْ أجْلِهِ، بَلْ تَنَالُوا ثَوَابَكُمُ الكَامِلَ. كُلُّ مَنْ يَخْرُجُ عَلَى تَعْلِيمِ المَسِيحِ وَلَا يُطِيعُ وَصَايَاهُ، فَإنَّ اللهَ لَيْسَ مِنْ نَصِيبِهِ. وَمَنْ يَتَمَسَّكُ بِذَلِكَ التَّعلِيمِ، فَلَهُ الآبُ وَالابْنُ. إنْ أتَاكُمْ مَنْ لَا يَحْمِلُ هَذَا التَّعلِيمَ، لَا تَسْتَقْبِلُوهُ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تُحَيُّوهُ، لِأنَّ مَنْ يُحَيِّيهِ يُشَارِكُهُ فِي أفعَالِهِ الشِّرِّيرَةِ. لَدَيَّ الكَثِيرُ لِأقُولَهُ لَكُمْ، لَكِنِّي لَا أُفَضِّلُ أنْ أكتُبَ لَكُمْ بِقَلَمٍ وَحِبْرٍ، بَلْ أرْجُو أنْ أزُورَكُمْ لِأرَاكُمْ وَأُحَدِّثَكُمْ وَجْهًا لِوَجْهٍ، فَيَكْتَمِلُ فَرَحُنَا. أبْنَاءُ أُختِكِ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْكِ. مِنَ الشَّيخِ، إلَى الصَّدِيقِ العَزِيزِ غَايُوسَ الَّذِي أُحِبُّهُ فِي الحَقِّ. أيُّهَا الحَبيبُ، أُصَلِّي أنْ تَكُونَ بِخَيرٍ وَبِصِحَّةٍ جَيِّدَةٍ، تَمَامًا كَمَا أنَّ نَفْسَكَ بِخَيرٍ. كَمْ سَعِدتُ حِينَ أتَانِي بَعْضُ الإخوَةِ وَشَهِدُوا لإخلَاصِكَ لِلحَقِّ وَثَبَاتِكَ فِي السُّلُوكِ فِيهِ. لَا شَيءَ يُسعِدُنِي أكْثَرَ مِنْ أنْ أسمَعَ أنَّ أبنَائِي يَسْلُكُونَ فِي طَرِيقِ الحَقِّ. أيُّهَا الحَبيبُ، أنْتَ تَعْمَلُ بِإخْلَاصٍ عَلَى مُسَاعَدَةِ إخْوَتِنَا، مَعَ أنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُمْ مِنْ قَبْلُ. لَقَدْ شَهِدَ هَؤُلَاءِ أمَامَ الكَنِيسَةِ عَنِ المَحَبَّةِ الَّتِي أظْهَرْتَهَا لَهُمْ. وَأنْتَ تَفْعَلُ حَسَنًا إنْ سَاعَدتَهُمْ بِمَا يُرضِي اللهَ عَلَى مُواصَلَةِ رِحلَتِهِمْ، لِأنَّهُمُ انْطَلَقُوا مِنْ أجْلِ اسْمِ يَسُوعَ. وَهُمْ لَا يَقْبَلُونَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ المُؤمِنِينَ. لِذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أنْ نُسَاعِدَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ، فَنَكُونَ شُرَكَاءَ لَهُمْ فِي سَبِيلِ الحَقِّ. لَقَدْ وَجَّهتُ رِسَالَةً إلَى الكَنِيسَةِ، لَكِنَّ دِيُوتْرِيفُسَ الَّذِي يُرِيدُ أنْ يَكُونَ قَائِدًا لِلْكَنيسَةِ، لَمْ يَتَقَبَّلْ مَا قُلْنَاهُ. لِذَا إنْ أتَيْتُ أنَا، سَأعمَلُ عَلَى كَشفِ أفعَالِهِ. إنَّهُ يَتَّهِمُنَا بِكَلِمَاتٍ خَبِيثَةٍ. وَلَا يَكْتَفِي بِهَذَا، بَلْ إنَّهُ لَا يُرَحِّبُ بإخوَتِنَا، وَيَمْنَعُ مَنْ يَرْغَبُ بِذَلِكَ، وَيَطْرُدُهُ خَارِجَ الكَنِيسَةِ. أيُّهَا الحَبيبُ، لَا تَقْتَدِ بِالشَّرِّ بَلْ بِالخَيْرِ. فَمَنْ يَفْعَلُ الخَيْرَ تَابِعٌ للهِ، وَمَنْ يَفْعَلُ الشَّرَّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ. لَقَدْ شَهِدَ الجَمِيعُ لِدِيمِترِيُوسَ. شَهِدَ لَهُ الحَقُّ نَفْسُهُ، وَكَذَلِكَ نَحْنُ نَشهَدُ، وَأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ شَهَادَتَنَا صَادِقَةٌ. لَدَيَّ الكَثِيرُ لِأكتُبَهُ لَكَ، لَكِنِّي لَا أوَدُّ أنْ أكتُبَ بِقَلَمٍ وَحِبرٍ، بَلْ أرْجُو أنْ أرَاكَ قَرِيبًا كَي نَتَكَلَّمَ وَجْهًا لِوَجْهٍ. السَّلَامُ مَعَكَ، يُسَلِّمُ عَلَيْكَ الأحِبَّاءُ. سَلِّمْ عَلَى الأحِبَّاءِ، كُلِّ وَاحِدٍ بِاسْمِهِ. مِنْ يَهُوذَا، عَبْدِ يَسُوعَ المَسِيحِ، وَأخِي يَعْقُوبَ، إلَيكُمْ أنْتُمُ الَّذِينَ دَعَاكُمُ اللهُ الآبُ وَأحَبَّكَمْ وَحَفِظَكُمْ فِي يَسُوعَ المَسِيحِ. لَيتَكُمْ تَنْعَمُونَ بِرَحمَةِ اللهِ وَسَلَامِهِ وَمَحَبَّتِهِ أكْثَرَ فَأكثَرَ. أيُّهَا الأحِبَّاءُ، كَمْ كُنْتُ مُشتَاقًا لِلكِتَابَةِ إلَيكُمْ عَنِ الخَلَاصِ الَّذِي نَشتَرِكُ فِيهِ جَمِيعًا. غَيْرَ أنِّي أشعُرُ بِالحَاجَةِ إلَى الكِتَابَةِ إلَيكُمْ لِتَشْجِيعِكُمْ عَلَى الكِفَاحِ مِنْ أجْلِ الإيمَانِ الَّذِي أعطَاهُ اللهُ لِشَعْبِهِ المُقَدَّسِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَأخِيرَةً. هَذَا لِأنَّهُ قَدِ اندَسَّ بَيْنَكُمْ أشخَاصٌ كَانَ الكِتَابُ قَدْ تَنَبَّأ عَنْ دَينُونَتِهِمْ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ. وَهُمْ أشخَاصٌ لَا يَتَّقُونَ اللهَ، وَيَتَّخِذُونَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ مُبَرِّرًا لِلِانحِلَالِ الخُلُقِيِّ. وَهُمْ يُنكِرُونَ يَسُوعَ المَسِيحَ، رَبَّنَا وَسَيِّدَنَا الوَحِيدَ. لِذَلِكَ أوَدُّ أنْ أُذَكِّرَكُمْ بِبَعْضِ الأُمُورِ رُغْمَ أنَّكُمْ جَمِيعًا تَعْرِفُونَهَا: تَعْرِفُونَ أنَّ الرَّبَّ خَلَّصَ شَعْبَهُ أوَّلًا مِنْ أرْضِ مِصْرَ، لَكِنَّهُ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأهْلَكَ الَّذِينَ لَمْ يُؤمِنُوا. وَتَعْرِفُونَ أنَّ المَلَائِكَةَ الَّذِينَ لَمْ يُحَافِظُوا عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ سُلطَانٍ، فَتَرَكُوا مَسكَنَهُمْ، قَدْ سَجَنَهُمُ اللهُ فِي الظُّلمَةِ، مُقَيَّدِينَ بِقُيُودٍ أبَدِيَّةٍ، فِي انتِظَارِ الدَّينُونَةِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ العَظِيمِ. وَتَعْرِفُونَ مَا حَدَثَ لِسَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالقُرَى الَّتِي حَولَهُمَا. فَقَدْ كَانَ أهْلُ هَذِهِ المُدُنِ يَعِيشُونَ فِي الزِّنَى وَالانحِرَافِ. وَمَا عَانَتْهُ تِلْكَ المُدُنُ مِنْ نَارٍ أبَدِيَّةٍ، هُوَ تَحْذِيرٌ لَنَا نَحْنُ. وَهَكَذَا الحَالُ مَعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ أحْلَامَهُمْ! فَهُمْ يُنَجِّسُونَ أجسَادَهُمْ وَيَرْفُضُونَ سُلطَانَ الرَّبِّ، وَيَشْتِمُونَ المَلَائِكَةَ المَجِيدِينَ. حَتَّى مِيخَائِيلُ نَفْسُهُ، وَهُوَ رَئِيسُ المَلَائِكَةِ، لَمْ يَجْرُؤْ عَلَى شَتمِ إبْلِيسَ عِنْدَمَا كَانَ يُجَادِلُهُ حَوْلَ جُثَّةِ مُوسَى، لَكِنَّهُ اكتَفَى بِأنْ يَقُولَ لَهُ: «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ.» أمَّا هَؤُلَاءِ فَيَشْتِمُونَ مَا لَا يَفْهَمُونَ. أمَّا القَلِيلُ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ، فَإنَّهُمْ يَسْتَخْدِمُونَهُ لِهَلَاكِ أنْفُسِهِمْ، تَمَامًا كَالحَيَوَانَاتِ غيرِ العَاقِلَةِ الَّتِي تَتْبَعُ غَرَائِزَهَا. فَيَا لَمَصِيرِهِمُ القَاسِي! لَقَدْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ. وَمِنْ أجْلِ مَكَاسِبَ رَخِيصَةٍ، كَرَّسُوا أنْفُسَهُمْ لِخِدَاعِ شَعْبِ اللهِ تَابِعِينَ بِذَلِكَ ضَلَالَةَ بَلْعَامَ. لِهَذَا سَيَهْلِكُونَ كَمَا هَلَكَ قُورَحُ، لأنَّهُمْ عُصَاةٌ مِثْلَهُ. إنَّهُمْ يُلَوِّثُونَ وَلَائِمَ المَحَبَّةِ الأخَوِيَّةِ الَّتِي تُقِيمُونَهَا. وَبِلَا خَوفٍ يَأْكُلُونَ مَعَكُمْ، وَهُمْ لَا يَهْتَمُّونَ إلَّا بِأنفُسِهِمْ! هُمْ غُيُومٌ بِلَا مَاءٍ، تَسُوقُهَا الرِّيَاحُ. هُمْ أشْجَارٌ يُفتَرَضُ أنْ تُثمِرَ فِي الخَرِيفِ، لَكِنَّهَا بِلَا ثَمَرٍ. فَهَا هِيَ قَدِ اقتُلِعَتْ، فَمَاتَتْ بِذَلِكَ مَوْتًا مُضَاعَفًا. هُمْ أموَاجُ بَحرٍ هَائِجَةٌ مُزبِدَةٌ. وَزَبَدُهَا هُوَ أعْمَالُهُمُ المُخجِلَةُ. هُمْ نُجُومٌ تَائِهَةٌ، مَصِيرُهَا الأبَدِيُّ المَحفُوظُ هُوَ أظلَمُ الظُّلُمَاتِ. كَمَا تَنَبَّأ أيْضًا أخنُوخُ، وَهُوَ الرَّجُلُ السَّابِعُ مِنْ آدَمَ، عَنْ هَؤُلَاءِ فَقَالَ: «هَا هُوَ الرَّبُّ قَادِمٌ مَعَ عَشَرَاتِ الأُلوفِ مِنْ مَلَائِكَتِهِ المُقَدَّسِينَ، لِيَدِينَ جَمِيعَ الأشْرَارِ، وَيَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ أعْمَالِ الفُجُورِ الَّتِي عَمِلُوهَا، وَالكَلَامِ القَاسِي الَّذِي وَصَفَهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الخُطَاةُ الفَاجِرُونَ.» إنَّهُمْ يَتْبَعُونَ شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ. أمَّا شَكوَاهُمْ وَتَذَمُّرُهُمْ مِنْ أحوَالِهِمْ فَهُوَ كِبْرِيَاءٌ فِي حَقِيقَتِهِ. وَإنْ مَدَحُوا أحَدًا، فَلِمَنفَعَتِهِمُ الشَّخصيَّةِ. أمَّا أنْتُمْ أيُّهَا الأحِبَّاءُ، فَاذكُرُوا الكَلَامَ الَّذِي سَبَقَ أنْ قَالَهُ رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. فَقَدْ قَالُوا: «سَيَظْهَرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أشخَاصٌ مُسْتَهْزِئُونَ بِأمَورِ اللهِ، يَتْبَعُونَ شَهَوَاتِهِمُ الفَاجِرَةَ.» فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يُسَبِّبُونَ الانْقِسَامَ. تَتَحَكَّمُ بِهِمْ غَرَائِزُهُمْ لأنَّهُمْ أرْضِيُّونَ لَا رُوحَ لَهُمْ. أمَّا أنْتُمْ أيُّهَا الأحِبَّاءُ، فَيَنْبَغِي أنْ يَبْنِيَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَفْقًا لإيمَانِكُمُ الأقدَسِ. صَلُّوا فِي الرُّوحِ القُدُسِ، وَاحفَظُوا أنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ الَّتِي تَقُودُ إلَى الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ. أظْهِرُوا رَحْمَةً لِلمُتَشَكِّكِينَ، وَخَلِّصُوا آخَرِينَ مُختَطِفِينَ إيَّاهُمْ مِنَ النَّارِ، وَكَارِهِينَ حَتَّى ثِيَابَهُمُ الَّتِي تَلَوَّثَتْ بِسَبَبِ طَبِيعَتِهِمُ الجَسَدِيَّةِ. مُبَارَكٌ هُوَ اللهُ القَادِرُ أنْ يَحْفَظَكُمْ مِنَ الزَّلَلِ، وَأنْ يُحضِرَكُمْ أمَامَ حُضُورِهِ المَجِيدِ دُونَ عَيْبٍ وَبِفَرَحٍ عَظِيمٍ. إنَّهُ الإلَهُ الوَحِيدُ، وَمُخَلِّصُنَا. يَظْهَرُ مَجْدُهُ وَجَلَالُهُ وَقُوَّتُهُ وَسُلطَانُهُ فِي رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، مِنَ الأزَلِ، وَالْآنَ، وَإلَى الأبَدِ. آمِين. هَذَا هُوَ إعلَانُ يَسُوعَ المَسِيحِ، الَّذِي أعلَنَهُ لَهُ اللهُ، لِيُبَيِّنَ لِعِبَادِهِ الأُمُورَ الَّتِي لَا بُدَّ أنْ تَحْدُثَ قَرِيبًا. لَقَدْ بَيَّنَهَا يَسُوعُ المَسِيحُ، عِنْدَمَا أرْسَلَ مَلَاكَهُ إلَى خَادِمِهِ يُوحَنَّا. وَهَا إنَّ يُوحَنَّا يُعلِنُ كَلِمَةَ اللهِ، وَيَشْهَدُ عَنْ يَسُوعَ المَسِيحِ بِكُلِّ شَيءٍ رَآهُ. هَنِيئًا لِمَنْ يَقْرَأُ، وَهَنيئًا لِلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ لِكَلِمَاتِ هَذِهِ النُّبُوَّةِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا كُتِبَ فِيهَا، لِأنَّ وَقْتَ تَحْقِيقِهَا قَرِيبٌ. مِنْ يُوحَنَّا، إلَى الكَنَائِسِ السَّبعِ المَوجُودَةِ فِي مُقَاطَعَةِ أسِيَّا. سَلَامٌ وَنِعْمَةٌ لَكُمْ مِنَ اللهِ الكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي سَيَأْتِي، وَمِنَ الأرْوَاحِ السَّبعَةِ الَّتِي أمَامَ عَرشِهِ. وَمِنْ يَسُوعَ المَسِيحِ، الشَّاهِدِ الأمِينِ، المُتَقَدِّمِ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ سَيَقُومُونَ مِنَ المَوْتِ، وَالحَاكِمِ لِمُلُوكِ الأرْضِ، الَّذِي يُحِبُّنَا وَالَّذِي بِدَمِهِ خَلَّصَنَا مِنْ خَطَايَانَا، وَأعَدَّنَا لِنَكُونَ مَملَكَةً، وَكَهَنَةً لِخِدْمَةِ إلَهِهِ وَأبِيهِ. هَا إنَّ المَسِيحَ يَأتِي مَعَ الغُيُومِ، وَالجَمِيعُ سَيَرَوْنَهُ، حَتَّى أُولَئِكَ الَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَكُلُّ شُعُوبِ الأرْضِ سَتَنُوحُ بِسَبَبِهِ. نَعَمْ. آمِين. يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ: «أنَا هُوَ الألِفُ وَاليَاءُ، الكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي سَيَأْتِي، القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ.» أنَا يُوحَنَّا أخُوكُمْ، مَنْ يُشَارِكُكُمُ المِحَنَ وَالمَلَكُوتَ وَالصَّبرَ الَّذِي نَتَحَلَّى بِهِ فِي يَسُوعَ. لَقَدْ نُفِيتُ إلَى جَزِيرَةِ بَطْمُسَ، بِسَبَبِ تَبْشِيرِي بِكَلِمَةِ اللهِ، وَشَهَادَتِي عَنْ يَسُوعَ. وَفِي يَوْمِ الرَّبِّ، غَمَرَنِي الرُّوحُ، فَسَمِعتُ مِنْ خَلفِي صَوْتًا عَالِيًا كَصَوْتِ البُوقِ، يَقُولُ: «اكتُبْ مَا تَرَاهُ فِي كِتَابٍ، وَأرسِلْهُ إلَى الكَنَائِسِ السَّبعِ: إلَى أفَسُسَ وَسِمِيرْنَا وَبَرْغَامُسَ وَثِيَاتِيرَا وَسَارْدِسَ وَفِيلَادَلْفِيَا وَلَاوُدِكِيَّةَ.» وَعِنْدَمَا التَفَتُّ لِأرَى مَنِ الَّذِي يُكَلِّمُنِي، رَأيْتُ سَبْعَ مَنَائِرَ ذَهَبِيَّةٍ. وَفِي وَسَطِ المَنَائِرِ، رَأيْتُ شَبِيهَ «ابْنِ الإنْسَانِ» يَلْبَسُ ثَوْبًا طَوِيلًا يَصِلُ إلَى القَدَمَينِ، وَحِزَامًا ذَهَبِيًّا يَلُفُّ صَدرَهُ. رَأسُهُ وَشَعرُهُ كَالصُّوفِ الأبيَضِ كَبَيَاضِ الثَّلجِ. عَينَاهُ كَلَهِيبِ النَّارِ. قَدَمَاهُ كَالنُّحَاسِ الصَّافِي المُتَوَهِّجِ، كَمَا لَوْ كَانَ قَدْ أُخرِجَ لِتَوِّهِ مِنَ الفُرنِ. وَصوتُهُ كَصَوْتِ شَلَّالَاتِ مِيَاهٍ. كَانَ يَحْمِلُ فِي يَدِهِ اليُمْنَى سَبْعَةَ نُجُومٍ، وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّينِ، وَمَظهَرُهُ كَالشَّمْسِ المُشِعَّةِ فِي تَوَهُّجِهَا. فَلَمَّا رَأيْتُهُ، سَقَطتُ عِنْدَ قَدَمَيهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيَّ وَقَالَ: «لَا تَخَفْ. أنَا هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ، كُنْتُ مَيِّتًا، لَكِنْ هَا أنَا الآنَ حَيٌّ دَائِمًا وَإلَى الأبَدِ. مَعِي مَفَاتِيحُ الهَاويَةِ وَالمَوْتِ. فَاكتُبْ مَا رَأيْتَ، وَمَا يَحْدُثُ، وَمَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ. إلَيْكَ مَعنَى النُّجُومِ السَّبعَةِ الَّتِي رَأيْتَهَا فِي يَدِي اليُمْنَى، وَالمَنَائِرِ الذَّهَبِيَّةِ السَّبعِ. أمَّا النُّجُومُ السَّبْعَةُ فَهِيَ مَلَائِكَةُ الكَنَائِسِ السَّبعِ، وَأمَّا المَنَائِرِ السَّبعُ فَهِيَ الكَنَائِسُ السَّبعُ.» «اكتُبْ إلَى مَلَاكِ كَنِيسَةِ أفَسُسَ: «هَكَذَا يَقُولُ المُمْسِكُ النُّجُومَ السَّبعَةَ فِي يُمْنَاهُ، المَاشِي وَسَطَ المَنَائِرِ الذَّهَبِيَّةِ السَّبعِ: «أنَا أعْرِفُ أعْمَالَكَ وَعَمَلَكَ الجَادَّ وَصَبرَكَ. كَمَا أعْلَمُ أنَّكَ لَا تَتَسَامَحُ مَعَ الأشْرَارِ، وَأنَّكَ قَدِ امتَحَنتَ مَنْ قَالُوا إنَّهُمْ رُسُلٌ وَاكتَشَفتَ أنَّهُمْ كَاذِبُونَ. أعْلَمُ أنَّكَ صَبَرتَ وَتَحَمَّلتَ الصِّعَابَ فِي سَبِيلِي بِلَا كَلَلٍ. لَكِنْ لِي عَلَيْكَ شَيءٌ وَاحِدٌ، هُوَ أنَّكَ تَرَكتَ المَحَبَّةَ الَّتِي كَانَتْ لَكَ فِي البِدَايَةِ. فَتَذَكَّرْ أيْنَ كُنْتَ قَبْلَ سُقُوطِكَ وَتُبْ. عُدْ فَاعمَلِ الأعْمَالَ الَّتِي كُنْتَ تَعْمَلُهَا فِي البِدَايَةِ، وَإلَّا فَإنِّي قَادِمٌ إلَيْكَ، فَأُزِيلُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا إنْ لَمْ تَتُبْ. لَكِنْ يُحسَبُ لَكَ أنَّكَ تَكْرَهُ أفعَالَ النِّقُولَاوِيِّينَ الَّتِي أكرَهُهَا أنَا أيْضًا. «مَنْ لَهُ أُذُنٌ، فَليَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلكَنَائِسِ. «مَنْ يَنْتَصِرُ، أُعْطِيهِ الحَقَّ فِي أنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةِ الحَيَاةِ الَّتِي فِي فِردَوسِ اللهِ.» «اكتُبْ إلَى مَلَاكِ كَنِيسَةِ سِمِيرْنَا: «هَكَذَا يَقُولُ الأوَّلُ وَالآخِرُ، مَنْ مَاتَ وَقَامَ مِنَ المَوْتِ: «أعْلَمُ بِمُعَانَاتِكَ وَفَقرِكَ، مَعَ أنَّكَ فِي الحَقِيقَةِ غَنِيٌّ. كَمَا أعلَمُ مَا افتَرَى بِهِ عَلَيْكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أنَّهُمْ يَهُودٌ، وَهُمْ لَيْسُوا كَذَلِكَ، بَلْ هُمْ مَجمَعُ الشَّيطَانِ. لَا تَخَفْ مِمَّا أنْتَ مُقبِلٌ عَلَيْهِ مِنْ مَصَاعِبَ، فَإبْلِيسُ سَيَسْجِنُ بَعْضَكُمْ كَي يَخْتَبِرَكُمْ. وَسَتُعَانُونَ مُدَّةَ عَشْرَةِ أيَّامٍ. لَكِنْ كُنْ أمِينًا حَتَّى وَلَوْ وَاجَهتَ المَوْتَ، لِأنِّي سَأُكَلِّلُكَ بِإكلِيلِ الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ. «مَنْ لَهُ أُذُنٌ، فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلكَنَائِسِ. «مَنْ يَنْتَصِرُ، لَنْ يُؤْذِيَهِ المَوْتُ الثَّانِي. «اكتُبْ إلَى مَلَاكِ كَنِيسَةِ بَرْغَامُسَ: «هَكَذَا يَقُولُ صَاحِبُ السَّيفِ المَاضِي ذِي الحَدَّينِ: «أنَا أعْلَمُ أيْنَ تَسْكُنُ. أنْتَ تَسْكُنُ حَيْثُ كُرسِيُّ الشَّيطَانِ! لَكِنَّكَ مَا زِلتَ مُتَمَسِّكًا بِاسْمِي، وَلَمْ تَتَخَلَّ عَنْ إيمَانِكَ بِي، حَتَّى فِي الفَترَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا شَاهِدِي الأمِينُ أنْتِيبَاسُ فِي مَدِينَتِكُمْ حَيْثُ يَسْكُنُ الشَّيْطَانُ. مَعَ ذَلِكَ فَإنَّ لِي عَلَيْكَ بَعْضَ المَآخِذِ. فَمَا زَالَ بَعْضُ النَّاسِ بَيْنَكُمْ يَتَّبِعُونَ تَعَالِيمَ بَلْعَامَ الَّذِي دَفَعَ بَالَاقَ لِاسْتِدْرَاجِ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى الخَطِيَّةِ، حَيْثُ أكَلُوا مِنْ ذَبَائِحِ الأصْنَامِ وَمَارَسُوا الزِّنَا. وَمَا يَزَالُ بَعْضُكُمْ يَتَّبِعُ تَعَالِيمَ النِّيقُولَاوِيِّينَ. لِذَا تُبْ! وَإلَّا فَإنِّي سَآتِي إلَيْكَ وَأُحَارِبُ هَؤلَاءِ النَّاسَ بِسَيفِ فَمِي. «مَنْ لَهُ أُذُنٌ، فَليَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلكَنَائِسِ. «مَنْ يَنْتَصِرُ، أُعطيهِ مِنَ المَنِّ المَخفِيِّ، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا اسْمٌ جَدِيدٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَأخذُ الحَصَاةَ. «اكتُبْ إلَى مَلَاكِ كَنِيسَةِ ثِيَاتِيرَا: «هَكَذَا يَقُولُ ابْنُ اللهِ الَّذِي عَينَاهُ كَوَهْجِ النَّارِ وَقَدَمَاهُ كَالنُّحَاسِ الصَّافِي: «أنَا أعْرِفُ مَحَبَّتَكَ وَإيمَانَكَ وَخِدمَتَكَ وَصَبرَكَ. وَأعْلَمُ أنَّكَ تَعْمَلُ الآنَ أكْثَرَ مِمَّا عَمِلْتَ فِي السَّابِقِ، لَكِنْ لِي عَلَيْكَ أنَّكَ تَتَسَامَحُ مَعَ المَرْأةِ إيزَابِلَ الَّتِي تَدَّعِي أنَّهَا نَبِيَّةٌ، وَتُضَلِّلُ عِبَادِي بِتَعَالِيمِهَا، وَتُغرِيهِمْ بِأنْ يَزْنُوا وَيَأْكُلُوا مِنْ ذَبَائِحِ الأوْثَانِ. لَقَدْ أمهَلتُهَا أنْ تَتُوبَ عَنِ زِنَاهَا، لَكِنَّهَا لَمْ تَتُبْ. لِذَا سَأضَعُهَا عَلَى فِرَاشِ الألَمِ، وَسَأُجِيزُ الَّذِينَ زَنَوْا مَعَهَا فِي مِحَنٍ عَظِيمَةٍ إنْ لَمْ يَتُوبُوا عَنْ أفعَالِهِمُ الشِّرِّيرَةِ. وَسَأقتُلُ أطْفَالَهَا بِالوَبأِ. عِنْدَهَا سَتَعْلَمُ كُلُّ الكَنَائِسِ بِأنِّي عَالِمٌ بِأفكَارِ النَّاسِ وَمَشَاعِرِهِمْ، وَإنِّي أُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أعْمَالِهِ.» «أمَّا البَقيَّةُ الَّذِينَ لَا يَتَّبِعُونَ هَذِهِ التَّعَالِيمَ فِي ثِيَاتِيرَا، وَلَمْ يَعْرِفُوا مَا يُدْعَى بِأسرَارِ الشَّيطَانِ العَمِيقَةِ فَأقُولُ لَهُمْ: لَنْ أُحَمِّلَكُمْ أعبَاءً أُخْرَى، تَمَسَّكُوا فَقَطْ بِمَا لَدَيْكُمْ لِحِينِ مَجِيئِي. «مَنْ يَنْتَصِرُ وَيُطِيعُ وَصَايَايَ حَتَّى النِّهَايَةِ، أُعْطِيهِ سُلطَانًا عَلَى كُلِّ الأُمَمِ، «‹فَيَحْكُمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَيُحَطِّمُهُمْ كَمَا تُحَطَّمُ جِرَارُ الفَخَّارِ.› «وَبِمَا أنِّي أخَذتُ هَذَا السُّلطَانَ مِنْ أبِي، فَإنِّي أمنَحُ مَنْ يَنْتَصِرُ كَوكَبَ الصُّبحِ أيْضًا. «مَنْ لَهُ أُذُنٌ، فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلكَنَائِسِ.» «اكتُبْ إلَى مَلَاكِ كَنِيسَةِ سَارْدِسَ: «هَكَذَا يَقُولُ مَنْ لَهُ أروَاحُ اللهِ السَّبْعَةُ وَالنُّجُومُ السَّبْعَةُ: «أنَا أعْلَمُ أعْمَالَكَ، وَأنَّكَ مَعرُوفٌ بِأنَّكَ حَيٌّ، مَعَ أنَّكَ فِي الحَقِيقَةِ مَيِّتٌ. كُنْ مُتَنَبِّهًا، وَقَوِّ مَا تَبَقَّى لَدَيكَ، لِأنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ المَوْتِ! فَأنَا لَمْ أجِدْ أعْمَالَكَ صَالِحَةً أمَامَ اللهِ. لِذَا تَذَكَّرِ التَّعَالِيمَ الَّتِي تَلَقَّيتَهَا وَسَمِعتَهَا. اعمَلْ بِهَا وَتُبْ. إنْ لَمْ تَسْتَيْقِظْ، فَإنِّي آتِي إلَيْكَ كَلِصٍّ، فَلَا تَعْلَمُ فِي أيِّةِ سَاعَةٍ أجِيءُ. مَعَ ذَلِكَ، فَإنَّ لَدَيكَ فِي سَارْدِسَ بَعْضَ النَّاسِ الَّذِينَ حَافَظُوا عَلَى طَهَارَةِ ثِيَابِهِمْ. هَؤُلَاءِ سَيَسِيرُونَ مَعِي بِألبِسَةٍ نَاصِعَةِ البَيَاضِ لِأنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ. «مَنْ يَنْتَصِرُ سَيَرْتَدِي مَلَابِسَ بَيْضَاءَ مِثْلَهَا، وَلَنْ أمحُوَ اسْمَهُ مِنْ كِتَابِ الحَيَاةِ، بَلْ سَأعتَرِفُ بِاسْمِهِ أمَامَ أبِي وَمَلَائِكَتِهِ. «مَنْ لَهُ أُذُنٌ، فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلكَنَائِسِ. «اكتُبْ إلَى مَلَاكِ كَنِيسَةِ فِيلَادَلفِيَا: «هَكَذَا يَقُولُ القُدُّوسُ الحَقُّ الَّذِي مَعَهُ مِفتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي إنْ فَتَحَ بَابًا لَا أحَدَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُغلِقَهُ، وَإنْ أغلَقَ بَابًا لَا أحَدَ يَسْتَطِيعُ أنْ يَفْتَحَهُ: «أنَا أعْرِفُ أعْمَالَكَ. وَهَا إنِّي أفتَحُ أمَامَكَ بَابًا لَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يُغلِقَهُ. فَمَعَ أنَّكَ قَلِيلُ القُوَّةِ، إلَّا أنَّكَ حَفِظتَ تَعْلِيمِي وَلَمْ تَتَخَلَّ عَنِ اسْمِي. أمَّا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَى مَجْمَعِ الشَّيطَانِ، وَيَدَّعُونَ أنَّهُمْ يَهُودٌ، مَعَ أنَّهُمْ لَيْسُوا كَذَلِكَ، بَلْ هُمْ كَاذِبُونَ، فَسَأجعَلُهُمْ يَنْحَنُونَ أمَامَكَ، وَأُعَرِّفُهُمْ بِأنِّي أحبَبتُكَ أنْتَ. لَقَدْ حَفِظتَ تَعْلِيمِي بِصَبرٍ، لِذَلِكَ سَأحفَظُكَ مِنْ زَمَنِ التَّجرِبَةِ الَّذِي سَيَمُرُّ العَالَمُ بِهِ قَرِيبًا، فَيُمتَحَنُ جَمِيعُ سُكَّانِ الأرْضِ. سَآتِي قَرِيبًا. تَمَسَّكْ بِمَا لَدَيكَ، حَتَّى لَا يَسْلِبَكَ أحَدٌ إكلِيلَكَ.» «مَنْ يَنْتَصِرُ، سَيُصبِحُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ اللهِ، وَلَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ أبَدًا. وَسَأكتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إلَهِي وَاسْمَ القُدْسِ الجَدِيدَةِ الَّتِي سَتَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِندِ إلَهِي. كَمَا سَأكتُبُ عَلَيْهِ اسْمِي الجَدِيدَ. «مَنْ لَهُ أُذُنٌ، فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلكَنَائِسِ. «اكتُبْ إلَى مَلَاكِ كَنِيسَةِ لَاوُدِكِيَّةَ: «هَكَذَا يَقُولُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الصَّادِقُ وَالأمِينُ، حَاكِمُ خَلِيقَةِ اللهِ: «أنَا أعْرِفُ أعْمَالَكَ، وَأعرِفُ أنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلَا حَارًّا. أتَمَنَّى لَوْ كُنْتَ بَارِدًا أوْ حَارًّا! لِأنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ حَارًّا وَلَا بَارِدًا، لِذَلِكَ سَأتَقَيَّأُكَ مِنْ فَمِي!» «تَقُولُ: ‹أنَا غَنِيٌّ، وَقَدْ أصبَحتُ ثَرِيًّا وَلَا أحتَاجُ شَيْئًا،› لَكِنَّكَ لَا تُدرِكُ أنَّكَ بَائِسٌ، مُثِيرٌ لِلشَّفَقَةِ، فَقِيرٌ، أعْمَى وَعُريَانٌ. أنصَحُكَ أنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفَّىً بِالنَّارِ، فَتُصبِحَ غَنِيًّا حَقًّا. اشْتَرِ مِنِّي مَلَابِسَ بَيْضَاءَ لِتَرْتَدِيَهَا، فَتُخفِيَ عُريَكَ المُشِينَ، وَدَوَاءً لِعَيْنَيْكَ، فَتُبصِرَ. إنِّي أُوَبِّخُ وَأُؤَدِّبُ كُلَّ مَنْ أُحِبُّ، فَكُنْ غَيُّورًا ثُمَّ تُبْ. هَأنَذَا وَاقِفٌ عَلَى البَابِ وَأقرَعُ. إنْ سَمِعَ أحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ البَابَ، سَأدخُلُ إلَى بَيْتِهِ، وَأتَعَشَّى مَعَهُ، وَيَتَعَشَّى مَعِي. «مَنْ يَنْتَصِرُ سَأُعْطِيهِ أنْ يَجْلِسَ مَعِي عَلَى عَرشِي، تَمَامًا كَمَا انتَصَرتُ أنَا، فَجَلَسْتُ مَعَ أبِي عَلَى عَرشِهِ. «مَنْ لَهُ أُذُنٌ، فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلكَنَائِسِ.» بَعْدَ هَذَا نَظَرتُ، فَإذَا بِبَابٍ مَفتُوحٍ فِي السَّمَاءِ. ثُمَّ سَمِعْتُ الصَّوتَ الَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْ قَبْلُ. وَكَانَ كَصَوْتِ البُوقِ يُكَلِّمُنِي وَيَقُولُ: «اصعَدْ هُنَا، لِأُرِيَكَ مَا لَا بُدَّ أنْ يَحْدُثَ بَعْدَ هَذَا.» وَفي الحَالِ غَمَرَنِي الرُّوحُ، فَرَأيْتُ عَرشًا فِي السَّمَاءِ، وَرَأيْتُ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى العَرْشِ. وَكَانَ الجَالِسُ عَلَى العَرْشِ مُتَألِّقًا كَاليَشَبِ وَالعَقِيقِ، وَيُحِيطُ بِالعَرشِ قَوسُ قُزَحٍ يَلْمَعُ كَالزُّمُرُّدِ. وَرَأيْتُ حَوْلَ العَرْشِ أرْبَعَةً وَعِشرِينَ عَرشًا يَجْلِسُ عَلَيْهَا أرْبَعَةٌ وَعِشرُونَ شَيخًا، لَابِسينَ ثِيَابًا بَيْضَاءَ، وَمُتَوَّجِينَ بِتِيجَانٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَكَانَتْ تَنْبَعِثُ مِنَ العَرْشِ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ، وَأمَامَ العَرْشِ سَبعُ شُعلَاتٍ مِنْ لَهَبٍ، هِيَ أروَاحُ اللهِ السَّبْعَةُ. وَكَانَ أمَامَ العَرْشِ مَا يُشْبِهُ بَحْرًا شَفَّافًا مِنَ الزُّجَاجِ. وَأمَامَ العَرْشِ، وَإلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهِ، أرْبَعَةُ مَخْلُوقَاتٍ لَهَا عُيُونٌ كَثيرَةٌ مِنْ أمَامٍ وَمِنْ خَلفٍ. كَانَ المَخْلُوقُ الأوَّلُ يُشْبِهُ الأسَدَ، وَالثَّانِي يُشْبِهُ الثَّورَ، وَالثَّالِثَ لَهُ وَجْهُ إنْسَانٍ، وَالرَّابِعُ يُشْبِهُ النَّسرَ الطَّائِرَ. وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهَا سِتَّةُ أجنِحَةٍ، وَتُغَطِّيهَا العُيُونُ مِنَ الخَارِجِ وَالدَّاخِلِ. كَانَتْ هَذِهِ المَخْلُوقَاتُ لَا تَتَوَقَّفُ عَنِ التَّسبِيحِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَهِيَ تَقُولُ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ الرَّبُّ الإلَهُ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ. الكَائِنُ، وَالَّذِي كَانَ، وَالَّذِي سَيَأْتِي.» كَانَتْ تُمَجِّدُ وَتُكَرِّمُ وَتَشْكُرُ الجَالِسَ عَلَى العَرْشِ، الَّذِي هُوَ الحَيُّ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. وَكُلَّمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ، كَانَ الشُّيُوخُ الأرْبَعَةُ وَالعِشرُونَ يَخِرُّونَ أمَامَ الجَالِسِ عَلَى العَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلَّذِي هُوَ حَيٌّ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. ثُمَّ يُلقُونَ بِتِيجَانِهِمْ أمَامَ عَرشِهِ وَيَقُولُونَ: «أيُّهَا الرَّبُّ إلَهُنَا، أنْتَ تَسْتَحِقُّ المَجْدَ وَالإكرَامَ وَالقُدرَةَ، لِأنَّكَ صَنَعْتَ كُلَّ الأشْيَاءِ. فَهِيَ بِإرَادَتِكَ مَوجُودَةٌ، وَبِإرَادَتِكَ قَدْ خُلِقَتْ.» ثُمَّ رَأيْتُ لَفِيفَةً فِي اليَدِ اليُمْنَى لِلجَالِسِ عَلَى العَرْشِ، وَقَدْ كُتِبَ عَلَى وَجْهَيهَا. كَانَتِ اللَّفِيفَةُ مَختُومَةً بِسَبعَةِ أختَامٍ. وَرَأيْتُ مَلَاكًا جَبَّارًا يُنَادِي بِصَوْتٍ عَالٍ: «مَنْ يَسْتَحِقُّ أنْ يَكْسِرَ الأختَامَ وَيَفْتَحَ اللَّفِيفَةَ؟» لَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يَفْتَحَ اللَّفِيفَةَ لِيَرَى مَا بِدَاخِلِهَا. لَا أحَدَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَا عَلَى الأرْضِ وَلَا تَحْتَ الأرْضِ! فَأخَذْتُ أبْكِي كَثيرًا لِأنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أحَدٌ يَسْتَحِقُّ أنْ يَفْتَحَ اللَّفِيفَةَ وَيَنْظُرَ مَا فِيهَا. فَقَالَ لِي أحَدُ الشُّيُوخِ: «لَا تَبْكِ، هَا الأسَدُ الَّذِي مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا وَمِنْ نَسْلِ دَاوُدَ قَدِ انتَصَرَ، وَهُوَ قَادِرٌ أنْ يَكْسِرَ الأختَامَ السَّبعَةَ وَيَفْتَحَ اللَّفِيفَةَ.» ثُمَّ رَأيْتُ الحَمَلَ وَاقِفًا فِي الوَسَطِ أمَامَ العَرْشِ، وَحَولَهُ المَخْلُوقَاتُ الأرْبَعَةُ وَالشُّيُوخُ. وَكَانَ الحَمَلُ كَمَا لَوْ أنَّهُ مَذْبُوحٌ. كَانَتْ لَهُ سَبعَةُ قُرُونٍ وَسَبعُ أعيُنٍ هِيَ أروَاحُ اللهِ السَّبعَةُ الَّتِي أُرسِلَتْ إلَى كُلِّ الأرْضِ. ثُمَّ تَقَدَّمَ وَأخَذَ اللَّفِيفَةَ مِنَ اليَدِ اليُمْنَى لِلجَالِسِ عَلَى العَرْشِ. عِنْدَهَا سَجَدَتِ المَخْلُوقَاتُ الأرْبَعَةُ وَالشُّيُوخُ الأرْبَعَةُ وَالعِشرُونَ أمَامَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَهُ قَيثَارَةٌ وَوِعَاءٌ مَمْلُوءٌ بِالبَخُورِ، الَّذِي هُوَ صَلَوَاتُ المُؤْمِنِينَ المُقَدَّسِينَ. كَانُوا يُرَنِّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً فَيَقُولُونَ: «أنْتَ مُسْتَحِقٌّ أنْ تَأْخُذَ اللَّفِيفَةَ وَأنْ تَكْسِرَ أختَامَهَا، لِأنَّكَ ذُبِحتَ، وَبِدَمِكَ اشتَرَيتَ شَعْبًا للهِ مِنْ كُلِّ عَشِيرَةٍ وَلُغَةٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ. وَجَعَلْتَهُمْ مَملَكَةً، وَكَهَنَةً لإلَهِنَا، وَسَيَسُودُونَ الأرْضَ.» ثُمَّ نَظَرتُ وَسَمِعتُ أصوَاتَ العَدِيدِ مِنَ المَلَائِكَةِ الَّذِينَ التَفُّوا حَوْلَ العَرْشِ وَالمَخْلُوقَاتِ وَالشُّيُوخِ، فَكَانُوا مَلَايِينَ وَمَلَايِينَ! وَهُمْ يَقُولُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ: «الحَمَلُ المَذْبُوحُ يَسْتَحِقُّ القُدرَةَ وَالغِنَى، وَالحِكْمَةَ وَالقُوَّةَ وَالكَرَامَةَ، وَالمَجْدَ وَالتَّسبِيحَ.» ثُمَّ سَمِعْتُ كُلَّ كَائِنٍ مَخْلُوقٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأرْضِ وَتَحْتَهَا وَفِي البَحْرِ، كُلَّ مَخْلُوقَاتِ الكَونِ بِأسْرِهِ تَقُولُ: «لِلجَالِسِ عَلَى العَرْشِ وَلِلحَمَلِ، التَّسبِيحُ وَالكَرَامَةُ وَالمَجْدُ وَالقُدرَةُ، إلَى أبَدِ الآبِدِينَ.» وَقَالَتِ المَخْلُوقَاتُ الأرْبَعَةُ: «آمِين،» ثُمَّ انحَنَى الشُّيُوخُ وَسَجَدُوا. وَفَتَحَ الحَمَلُ أوَّلَ الأختَامِ السَّبعَةِ. فَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ أحَدَ المَخْلُوقَاتِ الأرْبَعَةِ يَقُولُ بِصَوْتٍ كَصَوْتِ الرَّعدِ: «تَعَالَ!» فَنَظَرتُ وَإذَا جَوَادٌ أبيَضُ يَقِفُ أمَامِي، وَكَانَ الرَّاكِبُ عَلَيْهِ يَحْمِلُ قَوسًا، وَعَلَى رَأسِهِ إكلِيلٌ. ثُمَّ خَرَجَ بِجَوَادِهِ مُنتَصِرًا وَلِكَي يَنْتَصِرَ بَعْدُ. ثُمَّ فَتَحَ الحَمَلُ الخَتْمَ الثَّانِي، فَسَمِعتُ المَخْلُوقَ الثَّانِي يَقُولُ: «تَعَالَ!» حينَئِذٍ خَرَجَ جَوَادٌ آخَرُ أحمَرُ كَالنَّارِ، وَقَدْ مُنِحَ الرَّاكِبُ عَلَيْهِ سَيْفًا عَظِيمًا وَسُلطَانًا لِيَنْزِعَ السَّلَامَ مِنَ الأرْضِ، وَيَدْفَعَ النَّاسَ لِيَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. ثُمَّ فَتَحَ الحَمَلُ الخَتْمَ الثَّالِثَ، فَسَمِعتُ المَخْلُوقَ الثَّالِثَ يَقُولُ: «تَعَالَ!» فَنَظَرتُ وَإذَا جَوَادٌ أسوَدُ أمَامِي، وَالرَّاكِبُ عَلَيْهِ يَحْمِلُ مِيزَانًا بِيَدِهِ. ثُمَّ سَمِعْتُ مَا يُشْبِهُ الصَّوتَ مِنْ وَسَطِ المَخْلُوقَاتِ الأرْبَعَةِ يَقُولُ: «ثُمْنيَّةُ قَمْحٍ بِأجْرِ يَوْمٍ، وَثَلَاثُ ثُمنِيَّاتِ شَعِيرٍ بِأجْرِ يَوْمٍ. لَكِنْ لَا تُفسِدْ زَيْتَ الزَّيْتُونِ وَلَا النَّبِيذَ!» ثُمَّ فَتَحَ الحَمَلُ الخَتْمَ الرَّابِعَ، فَسَمِعتُ المَخْلُوقَ الرَّابِعَ يَقُولُ: «تَعَالَ!» فَنَظَرتُ، وَإذَا جَوَادٌ أصفَرُ شَاحِبٌ يَقِفُ أمَامِي. وَكَانَ الرَّاكِبُ عَلَيْهِ يُدْعَى «المَوْتَ،» وَيَتْبَعُهُ «الهَاوِيَةُ.» وَكَانَا قَدْ مُنِحَا سُلطَانًا عَلَى رُبعِ الأرْضِ، لِيَقْتُلَا النَّاسَ بِالحَرْبِ وَالمَجَاعَةِ وَالحَيَوَانَاتِ المُتَوَحِّشَةِ. ثُمَّ فَتَحَ الحَمَلُ الخَتْمَ الخَامِسَ، فَرَأيْتُ تَحْتَ المَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا لِأجْلِ رِسَالَةِ اللهِ وَلِأجْلِ شَهَادَتِهِمْ. فَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالُوا: «أيُّهَا الرَّبُّ القُدُّوسُ وَالحَقُّ، مَتَى سَتَدِينُ سُكَّانَ الأرْضِ وَتُعَاقِبَهُمْ لِقَتلِهِمْ إيَّانَا؟» وَكَانَ قَدَ مُنِحَ كُلٌّ مِنْهُمْ ثَوْبًا أبيَضَ. وَطُلِبَ إلَيْهِمْ أنْ يَتَرَيَّثُوا قَلِيلًا حَتَّى يَكْتَمِلَ عَدَدُ جَمِيعِ رِفَاقِهِمُ الخُدَّامِ وَإخوَتِهِمُ الَّذِينَ سَيُقتَلُونَ أيْضًا. ثُمَّ فَتَحَ الحَمَلُ الخَتْمَ السَّادِسَ، فَنَظَرتُ وَإذَا بِزِلزَالٍ عَظِيمٍ قَدْ حَدَثَ. وَالشَّمْسُ أصبَحَتْ سَودَاءَ كَلِبَاسِ الحِدَادِ، وَالبَدرُ أصبَحَ كَالدَّمِ. نُجُومُ السَّمَاءِ سَقَطَتْ عَلَى الأرْضِ كَمَا يَسْقُطُ التِّينُ غَيْرُ النَّاضِجِ عَنِ الشَّجَرَةِ حينَ تَهُزُّهَا رِيحٌ قَوِيَّةٌ. وَانقَسَمَتِ السَّمَاءُ، وَطُوِيَتْ كَلَفِيفَةٍ مِنَ الوَرَقِ. وَزُحزِحَتْ جَمِيعُ الجِبَالِ وَالجُزُرِ عَنْ مَوَاضِعِهَا. مُلُوكُ العَالَمِ وَحُكَّامُهُ، وَقَادَةُ الجُيُوشِ وَالأغنِيَاءُ وَأصْحَابُ المَرَاكِزِ، وَكُلُّ النَّاسِ أحرَارًا وَعَبِيدًا، اختَبَأُوا فِي الكُهُوفِ وَبَيْنَ الصُّخُورِ الَّتِي عَلَى الجِبَالِ، وَقَالُوا لِلجِبَالِ وَالصُّخُورِ: «اسقُطِي عَلَيْنَا، وَخَبِّئِينَا عَنْ وَجْهِ الجَالِسِ عَلَى العَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الحَمَلِ! لَقَدْ حَلَّ يَوْمُ غَضَبِهِ العَظِيمُ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعُ الصُّمُودَ؟» بَعْدَ هَذَا رَأيْتُ أرْبَعَةَ مَلَائِكَةٍ يَقِفُونَ عَلَى زَوَايَا الأرْضِ الأرْبَعَةِ، يُمْسِكُونَ بِرِيَاحِ الأرْضِ الأرْبَعَةِ كَي لَا تَهُبَّ رِيحٌ لَا عَلَى الأرْضِ وَلَا عَلَى البَحْرِ وَلَا عَلَى أيَّةِ شَجَرَةٍ. ثُمَّ رَأيْتُ مَلَاكًا قَادِمًا مِنَ الشَّرقِ، يَحْمِلُ خَتْمَ الإلَهِ الحَيِّ. فَصَرَخَ المَلَاكُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ عَلَى المَلَائِكَةِ الأرْبَعَةِ الَّذِينَ بِيَدِهِمْ أنْ يَضُرُّوا الأرْضَ وَالبَحْرَ، فَقَالَ: «لَا تُؤذُوا لَا الأرْضَ وَلَا البَحْرَ وَلَا الأشْجَارَ، حَتَّى نُمَيِّزَ عِبَادَ إلَهِنَا بِخَتْمٍ عَلَى جِبَاهِهِمْ.» ثُمَّ سَمِعْتُ عَدَدَ الَّذِينَ خُتِمُوا فَكَانُوا مِئَةً وَأرْبَعةً وَأرْبَعينَ ألْفًا مِنْ كُلِّ عَشِيرَةٍ مِنْ بِنِي إسْرَائِيلَ: اثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبَيْنَ، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ قَبِيلَةِ جَادٍ، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ قَبِيلَةِ أشِيرَ، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ قَبِيلَةِ شِمْعُونَ، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ قَبِيلَةِ لَاوِي، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ قَبِيلَةِ يسَّاكِرَ، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ عَشِيرَةِ يُوسُفَ، وَاثنَا عَشَرَ ألْفًا مِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَامِينَ. بَعْدَ هَذَا نَظَرتُ، فَإذَا بِجَمعٍ عَظِيمٍ لَا يُحصَى، مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ وَعَشِيرَةٍ وَشَعْبٍ وَلُغَةٍ. كَانُوا يَقِفُونَ أمَامَ العَرْشِ وَأمَامَ الحَمَلِ وَهُمْ يَرْتَدُونَ ثِيَابًا بَيْضَاءَ، وَيَحْمِلُونَ سُعُفَ نَخِيلٍ فِي أيدِيهِمْ، وَيَهْتِفُونَ: «الخَلَاصُ بِيَدِ إلَهِنَا الجَالِسِ عَلَى العَرْشِ، وَبِيَدِ الحَمَلِ.» فَخَرَّ كُلُّ المَلَائِكَةِ الوَاقِفِينَ أمَامَ العَرْشِ، وَالشُّيُوخِ وَالكَائِنَاتِ الحَيَّةِ الأرْبَعَةِ، وَسَجَدُوا للهِ وَقَالُوا: «آمِين! الحَمْدُ وَالمَجْدُ وَالحِكْمَةُ، وَالشُكْرُ وَالإكْرَامُ، وَالقُدْرَةُ وَالقُوَّةُ، لإلَهِنَا إلَى أبَدِ الآبِدِينَ، آمِينْ.» عِنْدَهَا سَألَنِي أحَدُ الشُّيُوخِ: «مَنْ هُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْتَدُونَ الأثوَابَ البَيْضَاءَ، وَمِنْ أيْنَ أتَوْا؟» فَأجَبتُهُ: «سَيِّدِي، أنْتَ تَعْلَمُ!» فَقَالَ لِي: «إنَّهُمُ الَّذِينَ أتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ العَظِيمَةِ. لَقَدْ غَسَلُوا أثوَابَهُمْ بِدَمِ الحَمَلِ فَصَارَتْ بَيْضَاءَ. لِذَلِكَ سَيَكُونُونَ أمَامَ عَرْشِ اللهِ، وَيَعْبُدُونَهُ فِي هَيكَلِهِ نَهَارًا وَلَيلًا. وَالجَالِسُ عَلَى العَرْشِ سَيُظَلِّلُهُمْ، فَلَا يَجُوعُونَ أبَدًا وَلَا يَعْطَشُونَ. وَالشَّمْسُ لَنْ تَؤْذِيَهُمْ وَلَا أيَّةُ حَرَارَةٍ لَاذِعَةٍ، لِأنَّ الحَمَلَ الَّذِي أمَامَ العَرْشِ سَيَرعَاهُمْ وَيَقُودُهُمْ إلَى يَنَابِيعِ مَاءِ الحَيَاةِ. وَسَيَمْسَحُ اللهُ كَلَّ دَمعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ.» عِنْدَهَا كَسَرَ الحَمَلُ الخَتْمَ السَّابِعَ، فَسَادَ الصَّمتُ فِي السَّمَاءِ نِصفَ سَاعَةٍ. وَرَأيْتُ المَلَائِكَةَ السَّبعَةَ الوَاقِفِينَ أمَامَ اللهِ، وَقَدْ حَمَلُوا سَبْعَةَ أبوَاقٍ. ثُمَّ أتَى مَلَاكٌ آخَرُ وَوَقَفَ عِنْدَ المَذْبَحِ وَمَعَهُ مِبخَرَةٌ ذَهَبِيَّةٌ وَبَخُورٌ كَثِيرٌ، لِيُقَدِّمَهُ مَعَ صَلَوَاتِ شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِينَ عَلَى المَذْبَحِ الذَّهَبِيَّ أمَامَ العَرْشِ. فَتَصَاعَدَ البَخُورُ أمَامَ اللهِ مِنْ يَدِ المَلَاكِ، تَصَاعَدَ مَعَ صَلَوَاتِ شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِينَ. ثُمَّ أخَذَ المَلَاكُ المِبخَرَةَ، وَمَلأهَا بِنَارٍ مِنَ المَذْبَحِ، وَرَمَاهَا إلَى الأرْضِ، فَحَدَثَتْ رُعُودٌ وَبُرُوقُ وَزُلزِلَتِ الأرْضُ! أمَّا المَلَائِكَةُ السَّبْعَةُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الأبوَاقَ السَّبعَةَ، فَاسْتَعَدُّوا لِكَي يَنْفُخُوا فِي أبوَاقِهِمْ. فَنَفَخَ المَلَاكُ الأوَّلُ فِي بُوقِهِ، فَظَهَرَ بَرَدٌ وَنَارٌ مَمْزُوجَانِ بِالدَّمِ، وَأُلقِيَا عَلَى الأرْضِ، فَحُرِقَ ثُلْثُ الأرْضِ وَثُلْثُ الأشْجَارِ وَكُلُّ العُشْبِ الأخضَرِ. وَنَفَخَ المَلَاكُ الثَّانِي فِي بُوقِهِ، فَأُلقِيَ شَيءٌ أشبَهُ بِجَبَلٍ كَبِيرٍ مُشتَعِلٍ فِي البَحْرِ، فَتَحَوَّلَ ثُلْثُ البَحْرِ إلَى دَمٍ، وَمَاتَ ثُلْثُ الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي البَحْرِ، وَدُمِّرَ ثُلْثُ السُّفُنِ. وَنَفَخَ المَلَاكُ الثَّالِثُ فِي بُوقِهِ، فَسَقَطَ نَجمٌ كَبِيرٌ مُلْتَهِبٌ كَالمِشعَلِ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى ثُلْثِ الأنهُرِ وَعَلَى مِيَاهِ اليَنَابِيعِ. وَكَانَ اسْمُ ذَلِكَ النَّجمِ «الأفسَنْتِينَ» فَصَارَ ثُلْثُ المِيَاهِ كُلِّهَا مُرَّةً كَالأفسَنْتينِ، وَكَثِيرُونَ مَاتُوا لِأنَّهُمْ شَرِبُوا مِنْ تِلْكَ المِيَاهِ لِأنَّهَا صَارَتْ مُرَّةً. ثُمَّ نَفَخَ المَلَاكُ الرَّابِعُ فِي بُوقِهِ فَضُرِبَ ثُلْثُ الشَّمْسِ وَثُلْثُ القَمَرِ وَثُلْثُ النُّجُومِ، فَفَقَدَتْ ثُلْثَ إشعَاعِهَا. وَهَكَذَا فَقَدَ النَّهَارُ ثُلْثَ ضَوئِهِ، وَكَذَلِكَ اللَّيلُ. ثُمَّ نَظَرْتُ وَسَمِعْتُ نَسرًا يَطِيرُ عَالِيًا وَيَصْرُخُ: «الوَيْلُ الوَيْلُ الوَيْلُ لِسُكَّانِ الأرْضِ، بِسَبَبِ أصوَاتِ أبوَاقِ المَلَائِكَةِ الثَّلَاثَةِ البَاقِينَ الَّذِينَ سَيَنْفُخُونَ فِي أبوَاقِهِمْ!» وَنَفَخَ المَلَاكُ الخَامِسُ فِي بُوقِهِ فَرَأيْتُ نَجمًا يَسَقُطُ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ، وَقَدْ أُعْطِيَ مِفتَاحَ النَّفَقِ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى الهَاوِيَةِ. ثُمَّ فَتَحَ النَّجمُ فُوَّهَةَ الهَاوِيَةِ، فَخَرَجَ مِنْهَا دُخَانٌ كَدُخَانِ فُرنٍ عَظِيمٍ. فَأظلَمَتِ الشَّمْسُ وَالسَّمَاءُ بِسَبَبِ الدُّخَانِ المُنبَعِثِ مِنَ الفُوَّهَةِ. ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الدُّخَانِ جَرَادٌ إلَى الأرْضِ. وَأُعْطِيَ الجَرَادُ قَدرَةً كَقُدرَةِ العَقَارِبِ عَلَى الأرْضِ. وَقِيلَ لَهُ أنْ لَا يُؤذِيَ عُشبَ الأرْضِ، وَلَا أيَّ نَبَاتٍ أخضَرَ أوْ شَجَرَةٍ، بَلْ فَقَطِ النَّاسَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ خَتْمُ اللهِ عَلَى جِبَاهِهِمْ. وَلَمْ يُسمَحْ لَهُ بِأنْ يَقْتُلَهُمْ، بَلْ أنْ يُعَذِّبَهُمْ لِخَمْسَةِ شُهُورٍ عَذَابًا كَالَّذِي تُسَبِّبُهُ لَدغَةُ العَقرَبِ. وَخِلَالَ ذَلِكَ الوَقْتِ، سَيَطْلُبُ النَّاسُ المَوْتَ فَلَا يَجِدُونَهُ. سَيَتُوقُونَ إلَى المَوْتِ، فَيَخْتَبِئَ المَوْتُ مِنْهُمْ. وَكَانَ الجَرَادُ يُشْبِهُ خُيُولًا مُعَدَّةً لِلحَرْبِ، عَلَى رُؤُوسِهَا مَا يُشْبِهُ تِيجَانًا مِنَ الذَّهَبِ، وَوُجُوهُهَا كَوُجُوهِ النَّاسِ. كَانَ لَهَا شَعرٌ كَشَعرِ النِّسَاءِ، وَأسنَانٌ كَأسنَانِ الأُسُودِ. صُدُورُهَا كَدُرُوعٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَصَوْتُ أجنِحَتِهَا كَصَوْتِ عَرَبَاتٍ تَجُرُّهَا خُيُولٌ كَثِيرَةٌ تَنْدَفِعُ نَحْوَ المَعْرَكَةِ. لَهَا أذنَابٌ كَأذنَابِ العَقَارِبِ، وَفِي أذنَابِهَا إبَرٌ لَادِغَةٌ، وَلَهَا القُدرَةُ أنْ تُعَذِّبَ النَّاسَ لِخَمْسَةِ شُهُورٍ. وَكَانَ مَلَاكُ هَذَا الجَرَادِ هُوَ مَلَاكُ الهَاوِيَةِ، الَّذِي اسْمُهُ بِالعِبرِيَّةِ «أبَدُّونُ،» وَفِي اليُونَانِيَّةِ «أبُولِّيُّونُ.» لَقَدْ مَضَى الوَيْلُ الأوَّلُ، لَكِنْ سَيَأْتِي وَيلَانِ آخَرَانِ بَعْدَ هَذَا. وَنَفَخَ المَلَاكُ السَّادِسُ فِي بُوقِهِ، فَسَمِعتُ صَوْتًا مِنَ القُرُونِ الأرْبَعَةِ لِلمَذْبَحِ الذَّهَبِيِّ الَّذِي أمَامَ اللهِ. فَقَالَ الصَّوْتُ لِلمَلَاكِ السَّادِسِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ البُوقُ: «حَرِّرِ المَلَائِكَةَ الأرْبَعَةَ المُقَيَّدِينَ بِجوَارِ نَهْرِ الفُرَاتِ العَظِيمِ.» وَهَكَذَا تَحَرَّرَ المَلَائِكَةُ الأرْبَعَةُ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ أُعِدُّوا لِتِلْكَ السَّاعَةِ وَاليَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ، حَتَّى يَقْتُلُوا ثُلْثَ الجِنسِ البَشَرِيِّ. وَكَانَ عَدَدُ الفُرسَانِ مِئَتَي مِليُونَ فَارِسٍ، فَقَدْ سَمِعْتُ عَدَدَهُمْ. وَفِي رُؤيَايَ بَدَتْ لِي الخُيُولُ وَفُرسَانُهَا كَمَا يَلِي: كَانَتْ لَهُمْ دُرُوعٌ مُلتَهِبَةٌ فِي حُمرَتِهَا، وَكَاليَاقُوتِ فِي زُرقَتِهَا، وَكَالكِبرِيتِ فِي صُفرَتِهَا. رُؤُوسُ الخُيُولِ كَرُؤُوسِ الأُسُودِ، وَمِنْ أفوَاهِهَا يَخْرُجُ اللَّهَبُ وَالدُّخَانُ وَالكِبِرِيتُ. بِهَذِهِ الثَّلَاثةِ: النَّارِ وَالدُّخَانِ وَالكِبِرِيتِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أفوَاهِهَا، قُتِلَ ثُلْثُ الجِنسِ البَشَرِيِّ. كَانَتْ قُوَّةُ الخُيُولِ فِي أفوَاهِهَا وَفِي ذُيُولِهَا، فَقَدْ كَانَتْ ذُيُولُهَا كَالأفَاعِي وَلَهَا رُؤُوسٌ مُؤذِيَةٌ. أمَّا بَقِيَّةُ النَّاسِ الَّذِينَ لَمْ يُقتَلُوا بِهَذِهِ الضَّربَاتِ، فَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ، وَلَمْ يَكُفُّوا عَنْ عِبَادَةِ الأرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ، وَأصْنَامِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالحَجَرِ وَالخَشَبِ، الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أنْ تَرَى أوْ تَسْمَعَ أوْ تَسِيرَ. وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ جَرَائِمِهِمْ، وَلَا عَنْ سِحرِهِمْ أوْ زِنَاهُمْ أوْ عَنْ سَرِقَاتِهِمْ. ثُمَّ رَأيْتُ مَلَاكًا قَوِيًّا آخَرَ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ. وَكَانَ يَلْبَسُ سَحَابَةً، وَقَوسُ قُزَحٍ حَوْلَ رَأسِهِ. وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَسَاقَاهُ كَعَمُودَينِ مِنْ نَارٍ. كَانَ يَحْمِلُ فِي يَدِهِ لَفِيفَةً صَغِيرَةً مَفتُوحَةً. وَوَضَعَ قَدَمَهُ اليُمْنَى فِي البَحْرِ، وَاليُسرَى عَلَى اليَابِسَةِ. ثُمَّ صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ كَزَئِيرِ أسَدٍ. عِنْدَهَا أسمَعَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ أصوَاتَهَا. وَعِنْدَمَا تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ، كُنْتُ سَأكتُبُ، لَكِنَّنِي سَمِعْتُ مِنَ السَّمَاءِ صَوْتًا يَقُولُ: «لَا تُعلِنْ مَا قَالَتهُ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ، وَلَا تَكْتُبْهُ!» عِنْدَهَا رَفَعَ المَلَاكُ الَّذِي رَأيْتُهُ وَاقِفًا فِي البَحْرِ وَعَلَى اليَابِسَةِ يَدَهُ اليُمْنَى إلَى السَّمَاءِ، وَأقسَمَ بِالحَيِّ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ، الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَمَا فِيهَا، وَالأرْضَ وَمَا عَلَيْهَا، وَالبَحْرَ وَمَا فِيهِ، وَقَالَ: «لَا تَأْخِيرَ بَعْدَ الآنِ!» وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَحِينُ الوَقْتُ لِلمَلَاكِ السَّابِعِ لِأنْ يُسمَعَ، أيْ عِنْدَمَا يَكُونُ عَلَى وَشْكِ أنْ يَنْفُخَ فِي بُوقِهِ، فَإنَّ قَصدَ اللهِ الخَفِيِّ سَيَتَحَقَّقُ، كَمَا بُشِّرَ عِبَادَهُ الأنْبِيَاءِ. ثُمَّ تَكَلَّمَ إلَيَّ ثَانِيَةً الصَّوْتُ الَّذِي سَبَقَ أنْ سَمِعْتُهُ مِنَ السَّمَاءِ فَقَالَ: «اذْهَبْ وَخُذِ اللَّفِيفَةَ المَفتُوحَةَ الَّتِي فِي يَدِ المَلَاكِ الوَاقِفِ فِي البَحْرِ وَعَلَى اليَابِسَةِ.» فَذَهَبتُ إلَى المَلَاكِ، وَطَلَبتُ مِنْهُ أنْ يُعطِيَنِي اللَّفِيفَةَ الصَّغِيرَةَ. فَقَالَ لَي: «خُذْهَا وَكُلْهَا. سَتَجْعَلُ مَعِدَتَكَ مُرَّةً، لَكِنَّهَا فِي فَمِكَ سَتَكُونُ حُلوَةً كَالعَسَلِ.» فَأخذتُ اللَّفِيفَةَ الصَّغِيرَةَ مِنْ يَدِ المَلَاكِ وَأكَلتُهَا، فَكَانَ طَعمُهَا فِي فَمِي كَالعَسَلِ، لَكِنْ بَعْدَ أنْ أكَلتُهَا أصبَحَتْ مَعِدَتِي مُرَّةً. ثُمَّ أخبَرُونِي وَقَالُوا: «عَلَيْكَ أنْ تَتَنَبَّأ بَعْدُ عَلَى عِدَّةِ شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَلُغَاتٍ وَمُلُوكٍ.» ثُمَّ أُعْطِيتُ قَصَبَةً تُشبِهُ عَصَا قِيَاسٍ. وَقِيلَ لِي: «قُمْ وَقِسْ هَيكَلَ اللهِ وَالمَذْبَحَ، وَأحصِ عَدَدَ الَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِدَاخِلِهِ. أمَّا سَاحَةُ الهَيْكَلِ الخَارِجِيَّةُ، فَاترُكْهَا وَلَا تَقِسْهَا، لِأنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ لِلوَثَنِيِّينَ. وَهُمْ سَيَدُوسُونَ المَدِينَةَ المُقَدَّسَةَ لِمُدَّةِ اثْنَيْنِ وَأرْبَعِينَ شَهرًا. وَسَأُرْسِلُ شَاهِدَيَّ الِاثنَيْنِ، وَسَيَتَنَبَّآنِ مُدَّةَ ألفٍ وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَومًا، وَهُمَا يَلْبَسَانِ الخَيْشَ.» هَذَانِ الشَّاهِدَانِ هُمَا شَجَرَتَا الزَّيْتُونِ، وَهُمَا المِصبَاحَانِ القَائِمَانِ أمَامَ رَبِّ الأرْضِ. إنْ حَاوَلَ أحَدٌ أنْ يُؤذِيَهُمَا، فَإنَّ نَارًا سَتَخْرُجُ مِنْ فَمِهِمَا وَتُبِيدُ أعْدَاءَهُمَا. فَإنْ حَاوَلَ أحَدٌ أنْ يُؤذِيَهُمَا، هَكَذَا يَنْبَغِي أنْ يَمُوتَ. هَذَانِ لَدَيهِمَا السُّلطَانُ أنْ يُغلِقَا السَّمَاءَ، فَلَا يَنْزِلَ مَطَرٌ خِلَالَ فَترَةِ نُبُوَّتِهِمَا. وَلَدَيهِمَا السُّلطَانُ أنْ يُحَوِّلَا المِيَاهَ إلَى دَمٍ، وَأنْ يَضْرِبَا الأرْضَ بِكُلِّ أنْوَاعِ البَلَاءِ مَتَى شَاءَا. وَعِنْدَمَا يَنْتَهِيَانِ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، سَيَخْرُجُ الوَحشُ مِنَ الهَاوِيَةِ ويُهَاجِمُهُمَا، وَيَهْزِمُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا. وَتُترَكُ جُثَّتَاهُمَا فِي شَوَارِعِ المَدِينَةِ العَظِيمَةِ حَيْثُ صُلِبَ رَبُّهُمَا أيْضًا، وَتُدعَى هَذِهِ المَدِينَةُ رَمزِيًّا سَدُومَ وَمِصْرَ! وَسَيَنْظُرُ النَّاسُ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ وَالقَبَائِلِ وَاللُّغَاتِ وَالأُمَمِ إلَى جُثَّتَيْهِمَا لِثَلَاثَةِ أيَّامٍ وَنِصفٍ، وَلَنْ يَسْمَحُوا بِأنْ تُدفَنَ جُثَّتَاهُمَا. سَيَشْمَتُ الَّذِينَ يَعِيشُونَ عَلَى الأرْضِ بِهِمَا. سَيَحْتَفِلُونَ وَيُرسِلُونَ الهَدَايَا بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، لِأنَّ هَذَينِ النَّبِيَّينِ كَانَا مَصدَرَ عَذَابٍ لِلَّذِينَ يَعِيشُونَ عَلَى الأرْضِ. لَكِنْ بَعْدَ انقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ أيَّامٍ وَنِصفٍ، دَخَلَتْ فِيهِمَا نَفخَةُ حَيَاةٍ مِنَ اللهِ، فَوَقَفَا عَلَى أقْدَامِهِمَا، وَحَلَّ بِالَّذِينَ كَانُوا يُشَاهِدُونَ ذَلِكَ خَوفٌ عَظِيمٌ! وَسَمِعَ النَّبِيَّانِ صَوْتًا عَالِيًا مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: «اصعَدَا إلَى هُنَا!» فَصَعِدَا إلَى السَّمَاءِ فِي سَحَابَةٍ، فِيمَا كَانَ أعْدَاؤُهُمَا يَنْظُرُونَ. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ حَدَثَ زِلزَالٌ عَظِيمٌ، فَانهَارَ عُشْرُ المَدِينَةِ. وَقُتِلَ فِي الزِّلزَالِ سَبعَةُ آلَافِ شَخْصٍ، أمَّا البَاقُونَ فَكَانُوا خَائِفِينَ لِلغَايَةِ، وَمَجَّدُوا إلَهَ السَّمَاءِ. الوَيْلُ الثَّانِي قَدْ مَضَى، وَهَا إنَّ الوَيلَ الثَّالِثَ آتٍ سَرِيعًا. وَنَفَخَ المَلَاكُ السَّابِعُ فِي بُوقِهِ، وَكَانَتْ هُنَاكَ أصوَاتٌ عَالِيَةٌ فِي السَّمَاءِ تَقُولُ: «مَمَالِكُ الأرْضِ صَارَتِ الآنَ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، وَهُوَ سَيَحْكُمُ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ.» ثُمَّ خَرَّ الشُّيُوخُ الأرْبَعَةُ وَالعِشرُونَ الجَالِسُونَ عَلَى عُرُوشِهِمْ أمَامَ اللهِ، وَسَجَدُوا لَهُ، وَقَالُوا: «نَحمَدُكَ أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ الكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ لِأنَّكَ أظْهَرتَ قُدرَتَكَ العَظِيمَةَ، وَمَلَكتَ. غَضِبَ الوَثَنِيُّونَ، لَكِنَّ غَضَبَكَ قَدْ أتَى. آنَ الأوَانُ لِكَي يُدَانَ الأمْوَاتُ، وَلِكَي يُكَافَأ عِبَادُكَ الأنْبِيَاءُ، وَشَعْبُكَ المُقَدَّسُ، وَكُلُّ مَنْ يَهَابُ اسْمَكَ صِغَارًا وَكِبَارًا. حَانَ الوَقْتُ لِكَي يُدَمَّرَ الَّذِينَ كَانُوا يُدَمِّرُونَ الأرْضَ!» ثُمَّ فُتِحَ هَيكَلُ اللهِ فِي السَّمَاءِ، وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيكَلِهِ. وَحَدَثَتْ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ، وَزُلزِلَتِ الأرْضُ، وَسَقَطَ عَلَيْهَا بَرَدٌ كَبِيرٌ وَكَثِيرٌ! وَظَهَرَتْ عَلَامَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرأةٌ تَلْبَسُ الشَّمْسَ، وَالقَمَرُ تَحْتَ قَدَمَيهَا، وَفَوقَ رَأسِهَا تَاجٌ بَاثْنَي عَشرَ نَجمًا. كَانَتْ حُبلَى، وَصَرَخَتْ بَسَبَبِ آلَامِ المَخَاضِ، لِأنَّهَا كَانَتْ عَلَى وَشْكِ الوِلَادَةِ. ثُمَّ ظَهَرَتْ عَلَامَةٌ أُخْرَى فِي السَّمَاءِ: تِنِّينٌ ضَخمٌ أحمَرُ كَالنَّارِ، لَهُ سَبعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشْرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبعَةُ تِيجَانٍ. سَحَبَ ذَيلُهُ ثُلْثَ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَرَمَى بِهَا إلَى الأرْضِ! وَقَفَ التِّنِّينُ أمَامَ المَرْأةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى وَشَكِ الوِلَادَةِ، عَلَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنَ التِهَامِ الوَلِيدِ حَالَ وِلَادَتِهِ. ثُمَّ وَلَدَتِ المَرْأةُ ابنًا، صَبِيًّا كَانَ يَنْبَغِي أنْ يَحْكُمَ كُلَّ الأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ. لَكِنَّ طِفلَهَا اختُطِفَ إلَى حَيْثُ اللهُ وَعَرشُهُ، وَهَرَبَتِ المَرْأةُ إلَى مَكَانٍ أعَدَّهُ اللهُ لَهَا فِي البَرِّيَّةِ، حَيْثُ سَيُعتَنَى بِهَا لِمُدَّةِ ألفٍ وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَومًا. ثُمَّ اندَلَعَتْ حَربٌ فِي السَّمَاءِ. وَحَارَبَ مِيخَائِيلُ وَمَلَائِكَتُهُ التّنِّينَ، وَحَارَبَهُمُ التِّنِّينُ وَمَلَائِكَتُهُ. لَكِنْ لَمْ تَكُنْ لَدَى التِّنِّينِ وَمَلَائِكَتِهِ قُوَّةٌ كَافِيَةٌ، فَخَسِرُوا مَكَانَهُمْ فِي السَّمَاءِ. وَأُلقِيَ التِّنِّينُ الضَّخمُ إلَى الأسفَلِ، وَهُوَ تِلْكَ الحَيَّةُ القَدِيمَةُ الَّتِي تُدعَى إبْلِيسَ أوِ الشَّيطَانَ، وَالَّتِي تُضَلِّلُ كُلَّ سَاكِنِي الأرْضِ. سَقَطَ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ مَعَهُ. ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا عَالِيًا فِي السَّمَاءِ يَقُولُ: «هَذِهِ هِيَ لَحظَةُ انتِصَارِ إلَهِنَا وَقُوَّتِهِ وَمُلكِهِ، وَهَا مَسِيحُهُ قَدْ أظْهَرَ سَلطَانَهُ! لِأنَّ الَّذِي اتَّهَمَ إخْوَتَنَا قَدْ سَقَطَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَتَّهِمُهُمْ أمَامَ إلَهِنَا لَيلَ نَهَارَ. لَكِنَّهُمْ هَزَمُوهُ بِدَمِ الحَمَلِ، وَبِالشَّهَادَةِ الَّتِي قَدَّمُوهَا، إذِ لَمْ يَهْتَمُّوا بِحَيَاتِهِمْ حَتَّى إلَى المَوْتِ. لِذَا افرَحِي أيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ، وَأنْتُمُ الَّذِينَ تَعِيشُونَ فِيهَا. لَكِنْ يَا لَهَولِ مَا سَيَحْدُثُ لِلأرْضِ وَلِلبَحرِ، لِأنَّ الشَّيطَانَ قَدْ نَزَلَ إلَيكُمْ! إنَّهُ مَملُوءٌ بِالغَضَبِ، فَهوَ يَعْلَمُ أنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا وَقْتٌ قَلِيلٌ.» وَعِنْدَمَا رَأى التِّنِّينُ أنَّهُ طُرِحَ إلَى الأرْضِ، بَدَأ بِاضطِهَادِ المَرْأةِ الَّتِي وَلَدَتِ الطِّفْلَ الذَّكَرَ. لَكِنَّ المَرْأةَ كَانَتْ قَدْ مُنِحَتْ جَنَاحَي نَسرٍ عَظِيمٍ، حَتَّى تُحَلِّقَ بَعِيدًا إلَى البَرِّيَّةِ، إلَى المَكَانِ المُعَدِّ لَهَا، حَيْثُ سَتُعَالُ لِمُدَّةِ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ وَنِصفٍ بَعِيدًا عَنِ الحَيَّةِ. عِنْدَهَا سَكَبَتِ الحَيَّةُ عَلَى المَرْأةِ مَاءً مِنْ فَمِهَا كَالنَّهرِ، لِكَي يَجْرِفَهَا النَّهرُ. لَكِنَّ الأرْضَ سَاعَدَتِ المَرْأةَ، فَفَتَحَتْ فَمَهَا وَابْتَلَعَتِ النَّهرَ الَّذِي سَكَبَهُ التِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ. فَاشتَعَلَ غَضَبُ التِّنِّينِ عَلَى المَرْأةِ، وَذَهَبَ لِيُحَارِبَ بَقِيَّةَ نَسْلِهَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ، وَيَشْهَدُونَ عَنْ يَسُوعَ. وَوَقَفَ التِّنِّينُ عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ. ثُمَّ رَأيْتُ وَحشًا يَصْعَدُ مِنَ البَحْرِ. لَهُ عَشْرَةُ قُرُونٍ وَسَبعَةُ رُؤُوسٍ، وَعَلَى قُرُونِهِ عَشرَةُ تِيجَانٍ، وَأسْمَاءٌ شِرِّيرَةٌ عَلَى رُؤُوسِهِ. الوَحشُ الَّذِي رَأيْتُهُ كَانَ يُشْبِهُ النَّمِرَ. أقْدَامُهُ كَأقْدَامِ الدُّبِّ، وَفَمُهُ كَفَمِ الأسَدِ. التِّنِّينُ مَنَحَهُ قُوَّتَهُ وَعَرشَهُ وَسُلطَانَهُ العَظِيمَ. وَبَدَا أحَدُ رُؤُوسِهِ كَأنَّهُ قَدْ جُرِحَ جُرحًا مُمِيتًا، لَكِنَّ جُرحَهُ كَانَ قَدْ شُفِيَ. العَالَمُ كُلُّهُ كَانَ مَذْهُولًا بِهَذَا الوَحشِ، فَسَجَدُوا لِلتِّنِّينِ لِأنَّهُ مَنَحَ سُلطَانَهُ لِلوَحشِ، كَمَا سَجَدُوا لِلوَحشِ وَقَالُوا: «مَنْ يُشْبِهُ الوَحشَ، وَمَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعُ أنْ يُقَاتِلَهُ؟» وَكَانَ قَدْ سُمِحَ لِلوَحشِ بِأنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُتَغَطرِسٍ وَإهَانَاتٍ ضِدَّ اللهِ. وَكَانَ قَدْ أُعْطِيَ سُلطَانًا لِأنْ يَسْتَعْمِلَ قُوَّتَهُ لَاثْنَيْنِ وَأرْبَعِينَ شَهرًا. فَبَدَأ يَتَلَفَّظُ بِإهَانَاتٍ، مُهِينًا اسْمَ اللهِ وَمَسكَنَهُ وَالَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي السَّمَاءِ. كَمَا أُعْطِيَ سُلطَانًا أنْ يُقَاتِلَ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ وَيَهْزِمَهُمْ، وَسُلطَانًا عَلَى كُلِّ عَشِيرَةٍ وَشَعْبٍ وَلُغَةٍ وَأُمَّةٍ. وَهَكَذَا سَيَعْبُدُهُ جَمِيعُ سُكَّانِ الأرْضِ، كُلُّ الَّذِينَ عَاشُوا مُنْذُ بِدَايَةِ العَالَمِ وَلَمْ تُكْتَبْ أسمَاؤهُمْ فِي كِتَابِ حَيَاةِ الحَمَلِ الَّذِي ذُبِحَ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَليَسْمَعْ: «مَنْ يَنْبَغِي أنْ يُسبَى، فَإلَى السَّبيِ يَذْهَبُ. وَمَنْ يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ بِالسَّيفِ، فَبِالسَّيفِ يَنْبَغِي أنْ يُقتَلَ.» هُنَا يُطلَبُ الصَّبرُ وَالإيمَانُ مِنَ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ. ثُمَّ رَأيْتُ وَحشًا آخَرَ يَخْرُجُ مِنَ الأرْضِ. كَانَ لَدَيهِ قَرنَانِ كَقَرنَيِّ الحَمَلِ، لَكِنَّهُ تَكَلَّمَ مِثْلَ تِنِّينٍ. وَقَدْ مَارَسَ كُلَّ سُلطَانِ الوَحشِ الأوَّلِ بِوُجُودِ التَّنِّينِ، فَجَعَلَ الأرْضَ وَمَنْ عَاشَ عَلَيْهَا يَعْبُدُونَ الوَحشَ الأوَّلَ الَّذِي شُفِيَ جُرحُهُ المُمِيتُ. وَصَنَعَ الوَحشُ الثَّانِي مُعجِزَاتٍ كَثِيرَةً، حَتَّى إنَّهُ أنزَلَ نَارًا مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ أمَامَ عُيُونِ النَّاسِ. وَبَدَأ يُضَلِّلُ الَّذِينَ يَعِيشُونَ عَلَى الأرْضِ، بِسَبَبِ العَجَائِبِ الَّتِي سُمِحَ لَهُ بِأنْ يَعْمَلَهَا أمَامَ الوَحشِ الأوَّلِ، آمِرًا سُكَّانَ الأرْضِ بِأنْ يَصْنَعُوا تِمثَالًا لِتَكْرِيمِ الوَحشِ الأوَّلِ الَّذِي جَرَحَهُ السَّيفُ لَكِنَّهُ عَاشَ! وَقدْ أُعْطِيَ الوَحشُ الثَّانِي القُدرَةَ لِأنْ يَمْنَحَ الحَيَاةَ لِتِمثَالِ الوَحشِ الأوَّلِ، حَتَّى إنَّ التِمثَالَ يَنْطِقُ، وَيَسْتَطِيعُ أنْ يَجْعَلَ جَمِيعَ الَّذِينَ لَا يَعْبُدُونَ التِّمثَالَ يُقتَلُونَ. وَأنْ يَأْمُرَ جَمِيعَ النَّاسِ صِغَارًا وَكِبَارًا، أغنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ، أحرَارًا وَعَبِيدًا بِأنْ يَقْبَلُوا عَلَامَةً عَلَى أيدِيهِمُ اليُمْنَى أوْ عَلَى جِبَاهِهِمْ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَشْتَرِيَ أوْ يَبِيعَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَدَيهِ تِلْكَ العَلَامَةُ، الَّتِي هِيَ اسْمُ الوَحْشِ، أوِ الرَّقْمُ الَّذِي يُوافِقُ اسْمَهُ. هُنَا الحَاجَةُ إلَى الحِكْمَةِ: مَنْ لَدَيهِ الذَّكَاءُ فَلْيَحْسِبْ رَقْمَ الوَحشِ، لِأنَّ الرَّقْمَ يُمَثِّلُ اسْمَ إنْسَانٍ. وَرَقْمُهُ هُوَ سِتُّ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ! ثُمَّ نَظَرتُ، فَإذَا الحَمَلُ يَقِفُ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ. وَيَقِفُ مَعَهُ المِئَةُ وَأرْبَعَةُ وَأرْبَعُونَ ألْفًا الَّذِينَ كُتِبَ عَلَى جِبَاهِهِمِ اسْمُ الحَمَلِ وَاسْمُ أبِيهِ. ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ كَهَدِيرِ شَلَّالٍ عَظِيمٍ أوْ كَصَوْتِ الرَّعدِ. الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُهُ كَانَ كَصَوْتِ مُوسِيقَى العَازِفِينَ عَلَى قِيثَارَاتِهِمْ. كَانُوا يُرَنِّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً أمَامَ العَرْشِ وَأمَامَ الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ الأرْبَعَةِ وَأمَامَ الشُّيُوخِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يَتَعَلَّمَ التَّرنِيمَةَ إلَّا المِئَةُ وَالأرْبَعَةُ وَأرْبَعُونَ ألْفًا الَّذِينَ تَمَّ فِدَاؤهُمْ مِنَ العَالَمِ. وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُنَجِّسُوا أنْفُسَهُمْ مَعَ النِّسَاءِ، بَلْ كَانُوا أتقِيَاءَ. وَهُمُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الحَمَلَ أينَمَا يَذْهَبُ. تَمَّ فِدَاؤهُمْ مِنْ بَيْنِ بَقِيَّةِ البَشَرِ، لِيَكُونُوا بَاكُورَةَ الحَصَادِ الَّتِي تُخَصَّصُ للهِ وَلِلحَمَلِ. لَيْسَ فِي لِسَانِهِمْ كَذِبٌ، بَلْ هُمْ بِلَا عَيْبٍ. ثُمَّ رَأيْتُ مَلَاكًا آخَرَ يَطِيرُ عَالِيًا فِي السَّمَاءِ. وَمَعَهُ رِسَالَةُ بِشَارَةٍ أبَدِيَّةٍ لِيُعلِنَهَا عَلَى الَّذِينَ يَعِيشُونَ عَلَى الأرْضِ، مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ وَعَشِيرَةٍ وَلُغَةٍ وَشَعْبٍ. وَقَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «خَافُوا اللهَ وَمَجِّدُوهُ، لِأنَّ وَقْتَ الدَّينُونَةِ قَدْ جَاءَ. اسجُدُوا لِمَنْ صَنَعَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَالبَحْرَ وَيَنَابِيعَ المِيَاهِ.» ثُمَّ تَبِعَهُ مَلَاكٌ ثَانٍ فَقَالَ: «سَقَطَتْ بَابِلُ العَظِيمَةُ، سَقَطَتْ! سَقَطَتْ جَمِيعُ الأُمَمِ مِنْ خَمرِ سَخَطِ اللهِ بِسَبَبِ زِنَاهَا.» ثُمَّ تَبِعَهُمَا مَلَاكٌ ثَالِثٌ لِيَقُولَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَنْ يَسْجُدُ لِلوَحشِ وَتِمثَالِهِ، وَيَأْخُذُ عَلَامَةً عَلَى جَبهَتِهِ أوْ يَدِهِ، فَسَيَشْرَبُ مِنْ خَمرِ سَخَطِ اللهِ المَصبُوبِ بِلَا مَزجٍ فِي كَأسِ غَضَبِهِ. سَيُعَذَّبُ ذَلِكَ الشَّخصُ بِالكِبرِيتِ المُشْتَعِلِ بِحُضُورِ المَلَائِكَةِ المُقَدَّسِينَ وَالحَمَلِ، وَسَيَتَصَاعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. لَنْ يَرتَاحَ مَنْ يَسْجُدُ لِلوَحشِ وَلِتِمثَالِهِ، وَمَنْ قَبِلَ عَلَامَةَ اسْمِهِ، لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا.» هُنَا يُطلَبُ صَبرُ شَعْبِ اللهِ الَّذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى وَصَايَا اللهِ وَعَلَى إيمَانِهِمْ بِيَسُوعَ. ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: «اكتُبْ مَا يَلِي: ‹هَنِيئًا لِلأمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ.›» وَيَقُولُ الرُّوحُ: «ذَلِكَ حَقٌّ. الآنَ يَرتَاحُونَ مِنْ أتعَابِهِمْ، لِأنَّ أعْمَالَهُمْ تَشْهَدُ لَهُمْ.» ثُمَّ نَظَرتُ، فَإذَا بِسَحَابَةٍ بَيْضَاءَ أمَامِي، وَعَلَى السَّحَابَةِ يَجْلِسُ شِبهُ ابنِ إنْسَانٍ يَعْلُو رَأسَهُ تَاجٌ ذَهَبِيٌّ، وَفِي يَدِهِ مِنجَلٌ حَادٌّ. ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الهَيْكَلِ مَلَاكٌ آخَرٌ. نَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ لِلَّذِي يَجْلِسُ عَلَى السَّحَابَةِ: «هَاتِ مِنجَلَكَ وَاجمَعِ الحَصَادَ، فَإنَّ وَقْتَ الحِصَادِ قَدْ حَانَ، وَالمَحصُولُ عَلَى الأرْضِ قَدْ نَضِجَ.» فَلَوَّحَ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى السَّحَابَةِ بِمِنجَلِهِ فَوْقَ الأرْضِ، فَحُصِدَتِ الأرْضُ. ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الهَيْكَلِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ مَلَاكٌ آخَرُ، كَانَ مَعَهُ أيْضًا مِنجَلٌ حَادٌّ. وَخَرَجَ مِنَ المَذْبَحِ مَلَاكٌ آخَرُ، لَهُ سَيطَرَةٌ عَلَى النَّارِ. نَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ عَلَى المَلَاكِ الَّذِي مَعَهُ المِنجَلُ الحَادُّ: «هَاتِ مِنجَلَكَ الحَادَّ، وَاقطِفْ عَنَاقِيدَ العِنَبِ مِنْ كَرْمِ الأرْضِ، لِأنَّ العِنَبَ قَدْ نَضِجَ.» فَلَوَّحَ المَلَاكُ بِمِنجَلِهِ فَوْقَ الأرْضِ وَقَطَفَ ثِمَارَ كُرُومِ الأرْضِ، وَألقَى بِالعِنَبِ فِي مِعصَرَةِ خَمرِ سَخَطِ اللهِ العَظِيمِ. وَعُصِرَ العِنَبُ فِي مِعصَرَةِ الخَمْرِ خَارِجَ المَدِينَةِ، وَتَدفَّقَ الدَّمُ مِنْ مِعصَرَةِ الخَمْرِ حَتَّى ارتَفَعَ إلَى رُؤُوسِ الخَيلِ، وَامتَدَّ إلَى مَسَافَةِ نَحْوَ مِئَتَي مِيلٍ. ثُمَّ رَأيْتُ عَلَامَةً عَظِيمَةً وَمُدهِشَةً أُخْرَى فِي السَّمَاءِ. رَأيْتُ سَبْعَةَ مِلَائِكَةٍ وَمَعَهُمُ الكَوَارِثُ السَّبعُ الأخِيرَةُ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا غَضَبُ اللهِ. ثُمَّ رَأيْتُ شَيْئًا يُشْبِهُ بَحرًا مِنَ الزُّجَاجِ المَخلُوطِ بِالنَّارِ، وَرَأيْتُ الَّذِينَ انتَصَرُوا عَلَى الوَحشِ وَتِمثَالِهِ، وَعَلَى العَدَدِ الَّذِي يُوافِقُ اسْمَهُ. كَانُوا يَقِفُونَ بِقَيَاثيرِهِمْ إلَى جَانِبِ بَحرِ الزُّجَاجِ وَهُمْ يُنشِدُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، وَأُنشُودَةَ الحَمَلِ: «عَظِيمَةٌ وَرَائِعَةٌ هِيَ أفعَالُكَ، أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ القَدِيرُ. طُرُقُكَ عَدلٌ وَحَقٌّ، يَا مَلِكَ الأُمَمِ. كُلُّ الشُّعُوبِ سَتَهَابُكَ يَا رَبُّ، وَسَتُسَبِّحُ اسْمَكَ. لِأنَّكَ وَحْدَكَ القُدُّوسُ. كُلُّ الأُمَمِ سَتَأْتِي وَتَسْجُدُ فِي حَضرَتِكَ، لِأنَّ أحكَامَكَ العَادِلَةَ صَارَتْ مَعرُوفَةً.» بَعْدَ هَذَا نَظَرتُ، فَإذَا بِالهَيكَلِ السَّمَاوِيِّ، أيْ خَيْمَةُ الشَّهَادَةِ، قَدْ فُتِحَ، وَخَرَجَ مِنْهُ المَلَائِكَةُ السَّبْعَةُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الكَوَارِثَ السَّبعَ الأخِيرَةَ. كَانُوا يَلْبَسُونَ أثوَابًا مِنَ الكِتَّانِ النَّظِيفِ البَهِيِّ، وَحَوْلَ صُدُورِهِمْ أحزِمَةٌ ذَهَبِيَّةٌ. ثُمَّ أعْطَى أحَدُ المَخْلُوقَاتِ الأرْبَعَةِ لِلمَلَائِكَةِ السَّبعَةِ سَبْعَةَ آنِيَةٍ ذَهَبِيَّةٍ مَملُوءَةٍ بِغَضَبِ اللهِ الحَيِّ إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. وَامتَلأ الهَيكَلُ بِالدُّخَانِ مِنْ مَجْدِ اللهِ وَقُوَّتِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يَدْخُلَ الهَيْكَلَ حَتَّى تَنْتَهِيَ الكَوَارِثُ السَّبعُ الَّتِي حَمَلَهَا المَلَائِكَةُ السَّبْعَةُ. ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا عَالِيًا مِنَ الهَيْكَلِ يَقُولُ: «اذْهَبُوا وَاسكُبُوا عَلَى الأرْضِ الآنِيَةَ السَّبعَةَ المَلِيئَةَ مِنْ غَضَبِ اللهِ.» فَرَفَعَ المَلَاكُ الأوَّلُ إنَاءَهُ وَسَكَبَهُ عَلَى اليَابِسَةِ، فَأصَابَتْ قُرُوحٌ فَظِيعَةٌ وَمُؤلِمَةٌ جَمِيعَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ عَلَامَةَ الوَحشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِتِمثَالِهِ. ثُمَّ سَكَبَ المَلَاكُ الثَّانِي إنَاءَهُ عَلَى البَحْرِ، فَتَحَوَّلَ البَحرُ إلَى دَمٍ كَدَمِ رَجُلٍ مَيِّتٍ، وَمَاتَ كُلُّ شَيءٍ حَيٍّ فِي البَحْرِ. ثُمَّ سَكَبَ المَلَاكُ الثَّالِثُ إنَاءَهُ عَلَى الأنهُرِ وَيَنَابِيعِ المِيَاهِ، فَتَحَوَّلَتْ إلَى دَمٍ. وَسَمِعتُ المَلَاكَ المَسؤُولَ عَنِ المِيَاهِ يَقُولُ: «إنَّكَ بَارٌّ فِي حُكمِكَ هَذَا، أيُّهَا الكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ، أيُّهَا القُدُّوسُ. لِأنَّهُمْ سَفَكُوا دِمَاءَ الأنْبِيَاءِ وَالمُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ، فَأعْطَيْتَهُمْ دَمًا لِيَشْرَبُوا! هَذَا مَا يَسْتَحِقُّونَهُ.» ثُمَّ سَمِعْتُ المَذْبَحَ يَقُولُ: «نَعَمْ، أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ الَقَدِيرُ، أحكَامُكَ حَقٌّ وَعَدلٌ.» ثُمَّ سَكَبَ المَلَاكُ الرَّابِعُ إنَاءَهُ عَلَى الشَّمْسِ، فَأُعْطِيَتْ أنْ تُحْرِقَ النَّاسَ بِالنَّارِ، فَاحْتَرَقَ النَّاسُ بِحَرَارَتِهَا. فَلَعَنُوا اسْمَ اللهِ المُسَيطِرِ عَلَى هَذِهِ الكَوَارِثِ، وَلَمْ يَتُوبُوا وَلَمْ يُمَجِّدُوهُ. ثُمَّ سَكَبَ المَلَاكُ الخَامِسُ إنَاءَهُ عَلَى الوَحشِ، فَتَفَرَّقَتْ مَملَكَتُهُ فِي الظَّلَامِ. وَعَضَّ النَّاسُ عَلَى ألسِنَتِهِمْ مِنَ الألَمِ. وَلَعَنُوا إلَهَ السَّمَاءِ مِنْ فَرطِ آلَامِهِمْ وَقُرُوحِهِمْ، وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أفعَالِهِمْ. ثُمَّ سَكَبَ المَلَاكُ السَّادِسُ إنَاءَهُ عَلَى نَهْرِ الفُرَاتِ العَظِيمِ، فَجَفَّتْ مِيَاهُهُ لِتَمْهِيدِ الطَّرِيقِ لِمَجِيءِ مُلُوكِ الشَّرقِ. ثُمَّ رَأيْتُ ثَلَاثَةَ أروَاحٍ شِرِّيرَةٍ تُشبِهُ الضَّفَادِعَ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ التِّنِّينِ، وَفَمِ الوَحشِ، وَفَمِ النَّبِيِّ الكَذَّابِ. هَذِهِ الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ هِيَ أروَاحٌ شَيطَانِيَّةٌ، لَهَا القُدرَةُ عَلَى أنْ تَعْمَلَ مُعجِزَاتٍ. فَذَهَبَتْ إلَى مُلُوكِ العَالَمِ أجمَعِ، وَجَمَعَتْهُمْ مِنْ أجْلِ مَعرَكَةِ اليَوْمِ العَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ القَدِيرِ. «هَا إنِّي آتِي فَجْأةً مِثْلَ لِصٍّ. هَنِيئًا لِمَنْ يَبْقَى مُسْتَيْقِظًا، وَمَلَابِسُهُ قُربَهُ، حَتَّى لَا يُضطَرَّ أنْ يَذْهَبَ عَارِيًا، فَلَا يَرَى النَّاسُ عَورَتَهُ!» وَهَكَذَا جَمَعَتِ الأروَاحُ الشِّرِّيرَةُ المُلُوكَ فِي مَكَانٍ يُدْعَى بِالعِبرِيَّةِ «هَرمَجِدُّونَ.» ثُمَّ سَكَبَ المَلَاكُ السَّابِعُ إنَاءَهُ فِي الهَوَاءِ، فَخَرَجَ صَوْتٌ عَظِيمٌ مِنَ العَرْشِ الَّذِي فِي الهَيْكَلِ وَقَالَ: «لَقَدْ تَمَّ!» فَحَدَثَتْ رُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَزُلزِلَتِ الأرْضُ. وَهُوَ أشَدُّ زِلزَالٍ يَحْدُثُ مُنْذُ أنْ ظَهَرَ الإنْسَانُ عَلَى الأرْضِ! إلَى هَذَا الحَدِّ كَانَتْ شِدَّتُهُ! فَانشَقَّتِ المَدِينَةُ إلَى ثَلَاثَةِ أقسَامٍ، وَسَقَطَتْ مُدُنُ الوَثَنِيِّينَ. وَلَمْ يَنْسَ اللهُ أنْ يُعَاقِبَ بَابِلَ العَظيمَةَ، فَأعطَاهَا كَأسَ خَمرِ غَضَبِهِ السَّاخِطِ. جَمِيعُ الجُزُرِ اختَفَتْ، وَمَا عَادَتِ الجِبَالُ مَوجُودَةً. سَقَطَ بَرَدٌ عَظِيمٌ، تَزِنُ الحَبَّةُ الوَاحِدَةُ مِنْهُ نَحْوَ خَمْسةٍ وَثَلَاثينَ كِيلُوغَرَامًا! سَقَطَ عَلَى النَّاسِ مِنَ السَّمَاءِ، فَلَعَنَ النَّاسُ اللهَ بِسَبَبِ كَارِثَةِ البَرَدِ، لِأنَّهَا كَانَتْ فَظِيعَةً. ثُمَّ جَاءَ أحَدُ المَلَائِكَةِ السَّبعَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ الآنِيَةُ السَّبْعَةُ، وَقَالَ لِي: «تَعَالَ، سَأُرِيكَ جَزَاءَ العَاهِرَةِ المَعْرُوفَةِ الَّتِي تَجْلِسُ بِجِوَارِ شَلَّالَاتِ المِيَاهِ. لَقَدْ زَنَى مُلُوكُ الأرْضِ مَعَهَا، وَسَكِرَ سُكَّانُ الأرْضِ مِنْ خَمرِ زِنَاهَا.» ثُمَّ حَمَلَنِي المَلَاكُ إلَى البَرِّيَّةِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ. وَهُنَاكَ رَأيْتُ امْرأةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ أحْمَرَ مُغَطَّىً بِالأسْمَاءِ الَّتِي تُهينُ اللهَ، وَلَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشْرَةُ قُرُونٍ. كَانَتِ المَرْأةُ تَرْتَدِي ثِيَابًا أُرْجُوانِيَّةً وَحَمْرَاءَ، وَتَتَحَلَّى بِالذَّهَبِ وَالحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ وَاللُّؤلُؤِ. وَتَحْمِلُ فِي يَدِهَا كُوبًا ذَهَبِيَّةً مَلِيئَةً بِالشُّرُورِ وَبِقَذَارَةِ زِنَاهَا. مَكْتُوبٌ عَلَى جَبْهَتِهَا لَقَبٌ رَمزِيٌّ: «مَدِينَةُ بَابِلَ العَظِيمَةُ، أُمُّ العَاهِرَاتِ، وَكُلِّ شُرُورِ الأرْضِ.» وَرَأيْتُ أنَّ المَرْأةَ سَكْرَى بِدَمِ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ، وَبِدَمِ الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْهَدُونَ لِيَسُوعَ. وَعِنْدَمَا رَأيْتُهَا انْدَهَشْتُ كَثِيرًا! فَسَألَنِي المَلَاكُ: «لِمَاذَا تَنْدَهِشُ؟ سَأُوَضِّحُ لَكَ مَا تَرْمُزُ إلَيْهِ المَرْأةُ وَالوَحشُ الَّذِي تَرْكَبُ عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشْرَةُ قُرُونٍ. أمَّا الوَحشُ الَّذِي رَأيْتَهُ، كَانَ حَيًّا، وَلَمْ يَعُدْ حَيًّا. وَلَكِنَّهُ عَلَى وَشْكِ أنْ يَصْعَدَ مِنَ الهَاوِيَةِ وَيَمْضِي إلَى دَمَارِهِ. عِنْدَهَا سَيَنْدَهِشُ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ عَلَى الأرْضِ، الَّذِينَ لَمْ تُكتَبْ أسمَاؤُهُمْ فِي كِتَابِ الحَيَاةِ مُنْذُ بِدَايَةِ العَالَمِ. وَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَى الوَحشِ لِأنَّهُ كَانَ حَيًّا وَلَمْ يَعُدْ حَيًّا الآنَ، وَلَكِنَّهُ سَيَعُودُ! «تَحتَاجُ إلَى عَقلٍ حَكِيمٍ لِتَفْهَمَ هَذَا. الرُّؤُوسُ السَّبْعَةُ هِيَ تِلَالٌ سَبْعٌ، عَلَيْهَا تَجْلِسُ المَرْأةُ، وَهِيَ تُمَثِّلُ أيْضًا سَبْعَةَ مُلُوكٍ. سَقَطَ خَمْسَةٌ مِنْهُمْ، وَوَاحِدٌ مَا يَزَالُ يَحْكُمُ، وَالأخِيرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. عِنْدَمَا يَأتِي، سَيُعطَى أنْ يَبْقَى لِفَترَةٍ قَصِيرَةٍ. الوَحشُ الَّذِي كَانَ حَيًّا، وَلَمْ يَعُدْ حَيًّا، هُوَ مَلِكٌ ثَامِنٌ مَعَ المُلُوكِ السَّبعَةِ، وَهُوَ مَاضٍ إلَى دَمَارِهِ أيْضًا. «أمَّا القُرُونُ العَشرَةُ الَّتِي رَأيْتَهَا فَهِيَ عَشرَةُ مُلُوكٍ، لَمْ يَمْلُكُوا بَعْدُ، لَكِنَّهُمْ سَيَمْلُكُونَ لِمُدَّةِ سَاعَةٍ مَعَ الوَحشِ. هَؤُلَاءِ المُلُوكُ العَشرُ لَهُمْ هَدَفٌ وَاحِدٌ، وَسَيُعْطُونَ الوَحشَ قُوَّتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ. سَيُحَارِبُونَ الحَمَلَ، لَكِنَّ الحَمَلَ سَيَهْزِمُهُمْ لِأنَّهُ رَبُّ الأربَابِ وَمَلِكُ المُلُوكِ، وَمَعَهُ جَمِيعُ الأُمَنَاءِ الَّذِينَ دَعَاهُمْ وَاخْتَارَهُمْ.» ثُمَّ قَالَ لِي المَلَاكُ: «الشَّلَّالَاتُ الَّتِي رَأيْتَهَا، حَيْثُ الزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ، هُمْ شُعُوبٌ وَجَمَاهِيرُ وَأُمَمٌ وَلُغَاتٌ. القُرُونُ العَشرَةُ الَّتِي رَأيْتَهَا وَالوَحشُ سَيَحْتَقِرُونَ الزَّانِيَةَ، وَسَيَتْرُكُونَهَا مَهجُورَةً وَعَارِيَةً. سَيَأْكُلُونَ جَسَدَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ. لِأنَّ اللهَ وَجَّهَ قُلُوبَهُمْ لِكَي يُحَقِّقُوا قَصدَهُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أنْ يَمْنَحُوا الوَحشَ سُلطَانَهُمْ، حَتَّى يَتَحَقَّقَ كَلَامُ اللهِ. المَرْأةُ الَّتِي رَأيْتَهَا هِيَ المَدِينَةُ العَظِيمَةُ، الَّتِي تَحْكُمُ مُلُوكَ الأرْضِ.» بَعْدَ هَذَا رَأيْتُ مَلَاكًا آخَرَ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ، لَهُ سُلطَانٌ عَظِيمٌ، وَقَدْ أضَاءَتِ الأرْضُ مِنْ بَهَائِهِ! وَصَرَخَ المَلَاكُ بِصَوْتٍ هَادِرٍ وَقَالَ: «قَدْ سَقَطَتْ! بَابِلُ العَظِيمَةُ قَدْ سَقَطَتْ! أصبَحَتْ مَسكَنًا لِلأروَاحِ الشِّرِّيرَةِ، وَوَكْرًا لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ. صَارَتْ عُشًّا لِكُلِّ طَائِرٍ. لِأنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ شَرِبَتْ مِنْ خَمرِ سَخَطِ اللهِ بِسَبَبِ زِنَاهَا. مُلُوكُ الأرْضِ قَدْ زَنَوْا مَعَهَا، وَتُجَّارُ العَالَمِ اغتَنَوْا مِنْ إسرَافِهَا.» ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا آخَرَ مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: «اخرُجُوا مِنْ تِلْكَ المَدِينَةِ يَا شَعْبِي، حَتَّى لَا تَشْتَرِكُوا فِي خَطَايَاهَا، وَحَتَّى لَا تُعَانُوا مِنَ الكَوَارِثِ الَّتِي سَتَحِلُّ بِهَا. لِأنَّ خَطَايَاهَا قَدْ تَكَوَّمَتْ فَوَصَلَتِ إلَى السَّمَاءِ، وَاللهُ لَمْ يَنْسَ آثَامَهَا! عَامِلُوهَا كَمَا عَامَلَتِ الآخَرِينَ، وَرُدُّوا لَهَا مَا فَعَلَتهُ مُضَاعَفًا. فِي الكَأسِ الَّتِي خَلَطَتْ فِيهَا لِلآخَرِينَ، اخلِطُوا لَهَا شَرَابًا مُضَاعَفًا. أعطُوهَا عَذَابًا وَحُزنًا، بِقَدرِ المَجْدِ وَالتَّرَفِ الَّذِي مَنَحَتهُ لِنَفْسِهَا. لِأنَّهَا تَقُولُ فِي نَفْسِهَا: ‹إنِّي أجْلِسُ عَلَى عَرشِي كَمَلِكَةٍ. أنَا لَسْتُ أرمَلَةً، وَلَنْ أحزَنَ أبَدًا.› لَكِنْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَتَحِلُّ بِهَا الكَوَارِثُ: الوَبَاءُ وَالأسَى وَالمَجَاعَةُ. وَسَتُحرَقُ بِالنَّارِ، لِأنَّ الرَّبَّ الإلَهَ الَّذِي أدَانَهَا جَبَّارٌ.» مُلُوكُ الأرْضِ الَّذِينَ زَنَوْا مَعَهَا وَشَارَكُوهَا فِي تَرَفِهَا، سَيَنُوحُونَ عَلَيْهَا عِنْدَمَا يَرَوْنَ دُخَانَ احتِرَاقِهَا. سَيَقِفُونَ بَعِيدًا عَنْهَا خَوْفًا مِنْ عَذَابِهَا، وَسَيَقُولُونَ: «الوَيْلُ، الوَيْلُ، أيَّتُهَا المَدِينَةُ العَظِيمَةُ! يَا مَدِينَةَ بَابِلَ القَوِيَّةَ! فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ حَلَّ جَزَاؤُكِ!» تُجَّارُ العَالَمِ سَيَبْكُونَ أيْضًا وَيَحِدُّونَ عَلَيْهَا، لِأنَّهُ لَنْ يَشْتَرِيَ أحَدٌ بَضَائِعَهُمْ بَعْدَ الآنِ، بَضَائِعَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالأحجَارِ الكَرِيمَةِ وَاللَّآلِئِ وَالكِتَّانِ وَالأُرجُوانِ وَالحَرِيرِ وَالقُمَاشِ القُرمُزِيِّ وَالنَبَاتَاتِ العِطْريَّةِ، وَجَمِيعِ الأشْيَاءِ المَصْنُوعَةِ مِنَ العَاجِ وَالأخشَابِ الثَّمِينَةِ وَالنُّحَاسِ وَالحَدِيدِ وَالرُّخَامِ، وَالقِرفَةِ وَالمَرَاهِمِ وَالبَخُورِ وَالمُرِّ وَاللُّبَانِ وَالنَّبِيذِ وَزَيْتِ الزَّيْتُونِ وَالطَّحِينِ وَالقَمْحِ وَالمَاشِيَةِ وَالخِرَافِ وَالخَيلِ وَالعَرَبَاتِ وَحَتَّى أجْسَادِ العَبِيدِ مِنَ البَشَرِ. «يَا بَابِلُ، الأشْيَاءُ الحَسَنَةُ الَّتِي اشتَهَيتِهَا ذَهَبَتْ عَنْكِ. صِحَّتُكِ وَبَهَاؤُكِ ضَاعَا وَلَنْ تَجِدِيهِمَا ثَانِيَةً.» التُّجَّارُ الَّذِينَ يَبِيعُونَ هَذِهِ الأشْيَاءَ، الّذِينَ صَارُوا أغنِيَاءَ بِسَبَبِهَا، سَيَقِفُونَ بَعِيدًا خَوْفًا مِنْ عَذَابِهَا. سَيَبْكُونَ وَيَنُوحُونَ وَهُمْ يَقُولُونَ: «وَيْلٌ، وَيْلٌ، لِلمَدِينَةِ العَظِيمَةِ! كَانَتْ تَلْبَسُ الكِتَّانَ النَّاعِمَ، وَالأُرجُوانَ وَالمَلَابِسَ القُرمُزِيَّةَ. تَحَلَّتْ بِالذَّهَبِ وَبِالأحجَارِ الكَرِيمَةِ وَاللَّآلِئِ! وَكُلُّ تِلْكَ الثَّروَةِ قَدْ دُمِّرَتْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ!» عَندَهَا سَيَقِفُ بَعِيدًا عَنِ المَدِينَةِ بَابِلَ، كُلُّ قُبطَانِ سَفِينَةٍ، وَكُلُّ مَنْ يَرْكَبُ البَحْرَ، وَالمَلَّاحونَ، وَكُلُّ الَّذِينَ يَعتَاشُونَ مِنَ البَحْرِ. وَعِنْدَمَا يَرَوْنَ دُخَانَ احتِرَاقِهَا سَيَصِيحُونَ: «أيُّ المُدُنِ كَانَتْ مِثْلَ هَذِهِ المَدِينَةِ العَظِيمَةِ؟» سَيَنْثُرُونَ التُّرَابَ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ، وَسَيَبْكُونَ وَيَنُوحُونَ وَيَصْرُخُونَ: «وَيْلٌ، وَيْلٌ، لِلمَدِينَةِ العَظِيمَةِ! أصْحَابُ السُفُنِ فِي البَحْرِ صَارُوا أغنِيَاءَ مِنْ ثَروَتِهَا، لَكِنَّهَا دُمِّرَتْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ! افرَحِي أيَّتُهَا السَّمَاءُ لِأجْلِهَا، افرَحُوا أيُّهَا الرُّسُلُ وَالأنْبِيَاءُ لِأجْلِهَا، وَيَا كُلَّ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ، لِأنَّ اللهَ قَدْ أدَانَهَا بِسَبَبِ مَا فَعَلَتْهُ بِكُمْ!» ثُمَّ التَقَطَ مَلَاكٌ قَوِيٌّ صَخرَةً كَبِيرَةً كَحَجَرِ الرَّحَى، وَألقَى بِهَا إلَى البَحْرِ وَقَالَ: «هَكَذَا سَيُلقَى بِالمَدِينَةِ العَظِيمَةِ، وَلَنْ تُرَى بَعْدَ الآنِ. لَنْ يُسمَعَ فِيكِ ثَانِيَةً أصوَاتُ عَازِفِي القِيثَارَةِ وَالمُغَنِّينَ وَنَافِخِي الأبوَاقِ. لَنْ يَكُونَ فِيكِ حِرَفِيٌّ فِي أيَّةِ صِنَاعَةٍ فِيمَا بَعْدُ. لَنْ يُسمَعَ فِيكِ صَوْتُ الطَّاحُونَةِ ثَانِيَةً. لَنْ يُشِعَّ فِيكِ ضَوْءُ مِصبَاحٍ ثَانِيَةً. لَنْ يُسمَعَ فِيكِ صَوْتُ عَرِيسٍ وَعَرُوسِهِ. تُجَّارُكِ كَانُوا أعْظَمَ رِجَالِ العَالَمِ. جَمِيعُ الأُمَمِ انخَدَعَتْ بِسِحرِكِ. وَعَلَى تِلْكَ المَدِينَةِ ذَنبُ دَمِ الأنْبِيَاءِ، وَدَمِ المُؤمِنِينَ المُقَدَّسِينَ، وَدَمِ جَمِيعِ الَّذِينَ ذُبِحُوا عَلَى الأرْضِ.» بَعْدَ هَذَا سَمِعْتُ صَوْتًا يُشْبِهُ صَوْتَ جُمهُورٍ عَظِيمٍ مِنَ النَّاسِ فِي السَّمَاءِ وَهُمْ يُنشِدُونَ: «هَلِّلُويَا! النَّصرُ وَالمَجْدُ وَالقُدرَةُ لإلَهِنَا، لِأنَّ أحكَامَهُ حَقٌّ وَبِرٌّ. لَقَدْ نَفَّذَ حُكمَهُ عَلَى الزَّانِيَةِ العَظِيمَةِ الَّتِي أفسَدَتِ الأرْضَ بِزِنَاهَا، وَانتَقَمَ لِدَمِ عِبَادِهِ الَّذِينَ قَتَلَتْهُمْ.» ثُمَّ أنشَدُوا ثَانِيَةً: «هَلِّلُويَا! سَيَتَصَاعَدُ دُخَانُ احتِرَاقِهَا إلَى أبَدِ الآبِدِينَ.» ثُمَّ انحَنَى الأرْبَعَةُ وَالعِشرُونَ شَيخًا وَالكَائِنَاتُ الحَيَّةُ الأرْبَعَةُ وَسَجَدُوا للهِ الجَالِسِ عَلَى العَرْشِ وَهُمْ يَقُولُونَ: «آمِين! هَلِّلُويَا!» ثُمَّ جَاءَ صَوْتٌ مِنَ العَرْشِ يَقُولُ: «سَبِّحُوا إلَهَنَا يَا جَمِيعَ عِبَادِهِ الَّذِينَ تَهَابُونَهُ صِغَارًا وَكِبَارًا.» ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا يُشْبِهُ صَوْتَ جُمهُورٍ عَظِيمٍ مِنَ النَّاسِ، كَصَوْتِ هَدِيرِ شَلَّالٍ عَظِيمٍ! كَصَوْتِ رُعُودٍ قَوِيَّةٍ! وَكَانُوا يُنشِدُونَ: «هَلِّلُويَا! فَالرَّبُّ الإلَهُ يَسُودُ. لِنَفرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُسَبِّحِ اللهَ لِأنَّ الوَقْتَ قَدْ حَانَ لِعُرسِ الحَمَلِ، وَالعَرُوسُ قَدْ أعَدَّتْ نَفْسَهَا. لَقَدْ أُعْطِيَتْ أنْ تَلْبَسَ كِتَّانًا بَهِيًّا.» وَالكِتَّانُ البَهِيُّ يُمَثِّلُ الأعْمَالَ البَارَّةَ لِشَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ. ثُمَّ قَالَ لِي: «اكتُبْ: ‹هَنِيئًا لِلمَدعُوِّينَ إلَى عَشَاءِ عُرسِ الحَمَلِ.›» ثُمَّ قَالَ لِي: «تِلْكَ هِيَ كَلِمَاتُ اللهِ الحَقَّةُ.» فَانحَنَيتُ أمَامَهُ لِأسجُدَ لَهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ لِي: «احذَرْ أنْ تَفْعَلَ هَذَا، فَأنَا عَبدٌ مِثْلُكَ أنْتَ وَإخوَتُكَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَنْ يَسُوعَ. اسجُدْ للهِ! وَالشَّهَادَةُ عَنْ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ.» ثُمَّ رَأيْتُ السَّمَاءَ مَفتُوحَةً، فَإذَا أمَامِي جَوَادٌ أبيَضُ، وَالجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أمِينًا وَصَادِقًا، لِأنَّهُ بِالعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. عَينَاهُ كَنَارٍ مُلتَهِبَةٍ، وَعَلَى رَأسِهِ عِدَّةُ تِيجَانٍ. لَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ سِوَاهُ. يَلْبَسُ ثَوْبًا مَغْمُوسًا بِالدَّمِ، وَاسْمُهُ «كَلِمَةُ اللهِ.» وَتَتْبَعُهُ جُيُوشُ السَّمَاءِ عَلَى خُيُولٍ بَيْضَاءَ، يَلْبَسُونَ كِتَّانًا أبيَضَ نَقِيًّا. وَخَرَجَ مِنْ فَمِهِ سَيفٌ حَادٌّ لِكَي يَضْرِبَ بِهِ الأُمَمَ الوَثَنِيِّينَ. سَيَحْكُمُهُمْ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، وَسَيَعْصُرُهُمْ كَالعِنَبِ فِي مِعصَرَةِ سَخَطِ الإلَهِ القَدِيرِ. وَعَلَى ثَوبِهِ وَعَلَى فَخذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ المُلُوكِ وَرَبُّ الأربَابِ.» ثُمَّ رَأيْتُ مَلَاكًا يَقِفُ عَلَى الشَّمْسِ. فَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ جَمِيعَ الطُّيُورِ الَّتِي تُحَلِّقُ عَالِيًا فِي السَّمَاءِ وَقَالَ: «تَعَالَيْ أيَّتُهَا الطُّيُورُ وَاجتَمِعِي مِنْ أجْلِ وَلِيمَةِ اللهِ العَظِيمَةِ. تَعَالَيْ لِكَي تَأْكُلِي لُحُومَ المُلُوكِ وَقَادَةِ الجُيُوشِ وَجَمِيعِ الأقوِيَاءِ، وَلُحُومَ الخُيُولِ وَالرَّاكِبِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ جَمِيعِ النَّاسِ أحرَارًا وَعَبِيدًا، صِغَارًا وَكِبَارًا.» ثُمَّ رَأيْتُ الوَحشَ وَمُلُوكَ الأرْضِ وَمَعَهُمْ جُيُوشُهُمُ الَّتِي تَجَمَّعَتْ لِتُحَارِبَ رَاكِبَ الجَوَادِ وَجَيْشَهُ. فَأُسِرَ الوَحشُ وَمَعَهُ النَّبِيُّ الكَذَّابُ الَّذِي صَنَعَ العَجَائِبَ أمَامَهُ، وَالَّتِي بِهَا أضَلَّ مَنْ يَحْمِلُونَ عَلَامَةَ الوَحشِ وَيَعْبُدُونَ تِمثَالَهُ. فَأُلقِيَ بِهِمَا أحيَاءً إلَى البُحَيرَةِ المُتَّقِدَةِ بِالكِبرِيتِ. أمَّا جُيُوشُهُمْ، فَقُتِلُوا بِالسَّيفِ الخَارِجِ مِنْ فَمِ الرَّاكِبِ عَلَى الجَوَادِ الأبيَضِ. وَشَبِعَتْ جَمِيعُ الطُّيُورِ مِنْ لُحُومِهِمْ. ثُمَّ رَأيْتُ مَلَاكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ. فِي يَدِهِ مِفتَاحُ الهَاوِيَةِ وَسِلسِلَةٌ عَظِيمَةٌ. فَقَبَضَ المَلَاكُ عَلَى التِّنِّينِ، تِلْكَ الحَيَّةِ القَدِيمَةِ، الَّتِي هِيَ الشَّيْطَانُ أوْ إبْلِيسُ، وَقَيَّدَهُ بِالسِّلسِلَةِ لِمُدَّةِ ألْفِ عَامٍ. وَرَمَاهُ فِي الهَاوِيَةِ وَأقْفَلَ عَلَيْهِ وَخَتَمَ المَدخَلَ فَوقَهُ، حَتَّى لَا يُضِلَّ الأُمَمَ إلَى أنْ تَنْقَضِيَ الألفُ عَامٍ. بَعْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ أنْ يُحَرَّرَ لِبُرهَةٍ قَصِيرَةٍ. ثُمَّ رَأيْتُ عُرُوشًا يَجْلِسُ عَلَيْهَا أُنَاسٌ أُعطُوا سُلطَانًا أنْ يَحْكُمُوا. وَرَأيْتُ أروَاحَ الَّذِينَ قُطِعَتْ رُؤُوسُهُمْ لِأنَّهُمْ شَهِدُوا عَنْ يَسُوعَ وَأعلَنُوا رِسَالَةَ اللهِ، الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوا الوَحشَ وَلَا تِمثَالَهُ، وَلَمْ يَقْبَلُوا عَلَامَتَهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَلَا عَلَى أيدِيهِمْ. لَقَدْ عَادُوا إلَى الحَيَاةِ وَحَكَمُوا مَعَ المَسِيحِ لِمُدَّةِ ألْفِ عَامٍ. أمَّا بَقِيَّةُ المَوْتَى، فَلَمْ يَعُودُوا إلَى الحَيَاةِ حَتَّى انقَضَتِ الألفُ عَامٍ. هَذِهِ هِيَ القِيَامَةُ الأُولَى. مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ الَّذِي يُشَارِكُ فِي القِيَامَةِ الأُولَى، فَالمَوْتُ الثَّانِي لَا يَنَالُ مِنْهُمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً للهِ وَلِلمَسِيحِ، وَسَيَحْكُمُونَ مَعَهُ مُدَّةَ الألفِ عَامٍ. وَعِنْدَمَا تَتِمُّ الألفُ عَامٍ، يُطلَقُ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجنِهِ، فَيَخْرُجَ لِيُضِلَّ أُمَمَ جُوجَ وَمَاجُوجَ. وَهِيَ الأُمَمُ المُنتَشِرَةُ فِي كُلِّ الأرْضِ، فَيَجْمَعَهُمْ لِلحَرْبِ. سَيَكُونُ عَدَدُهُمْ لَا يُحصَى مِثْلَ رَملِ البَحْرِ. فَسَارُوا فِي عَرضِ الأرْضِ، وَأحَاطُوا بِمُعَسكَرِ شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ وَبِالمَدِينَةِ المَحبُوبَةِ. لَكِنَّ نَارًا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالتَهَمَتهُمْ. ثُمَّ طُرِحَ إبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ فِي بُحَيْرَةِ الكِبرِيتِ المُشْتَعِلِ، حَيْثُ الوَحشُ وَالنَّبِيُّ الكَذَّابُ، وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيلًا إلَى أبَدِ الآبِدِينَ. ثُمَّ رَأيْتُ عَرشًا كَبِيرًا أبيَضَ، وَرَأيْتُ الجَالِسَ عَلَيْهِ. السَّمَاءُ وَالأرْضُ هَرَبَتَا مِنْ أمَامِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا أثَرٌ! ثُمَّ رَأيْتُ المَوْتَى صِغَارًا وَكِبَارًا يَقِفُونَ أمَامَ العَرْشِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ كُتُبٌ مَفتُوحَةٌ، ثُمَّ فُتِحَ كِتَابٌ آخَرُ هُوَ كِتَابُ الحَيَاةِ. وَحُكِمَ عَلَى المَوْتَى بِحَسَبِ أعْمَالِهِمُ المَكْتُوبَةِ فِي الكُتُبِ. وَسَلَّمَ البَحرُ المَوْتَى الَّذِينَ كَانُوا فِيهِ، وَسَلَّمَ «المَوْتُ» وَ «الهَاوِيَةُ» المَوْتَى الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمَا. وَحُكِمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ حَسَبَ أعْمَالِهِ. ثُمَّ أُلقِيَ «المَوْتُ» وَ «الهَاوِيَةُ» إلَى البُحَيرَةِ المُتَّقِدَةِ. الَّتِي هِيَ المَوْتُ الثَّانِي. وَمَنْ لَمْ يَكُنِ اسْمُهُ مَكْتُوبًا فِي كِتَابِ الحَيَاةِ، طُرِحَ فِي البُحَيرَةِ المُتَّقِدَةِ. ثُمَّ رَأيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأرْضًا جَدِيدَةً. فَالسَّمَاءُ الأُولَى وَالأرْضُ الأُولَى قَدْ زَالَتَا، وَالبَحرُ لَمْ يَعُدْ مَوجُودًا. كَمَا رَأيْتُ المَدِينَةَ المُقَدَّسَةَ، القُدْسَ الجَدِيدَةَ، تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِندِ اللهِ. كَانَتْ مُهَيَّأةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِزَوْجِهَا. وَسَمِعتُ صَوْتًا عَالِيًا مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: «الآنَ صَارَ مَسْكَنُ اللهِ مَعَ البَشَرِ. سَيَكُونُونَ شَعْبَهُ، وَهُوَ نَفْسُهُ سَيَكُونُ مَعَهُمْ، وَسَيَكُونُ لَهُمْ إلَهًا. وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ. وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَوْتٌ أوْ نُواحٌ أوْ بُكَاءٌ أوْ ألَمٌ، لِأنَّ الأشْيَاءَ القَدِيمَةَ قَدْ زَالَتْ.» ثُمَّ قَالَ الجَالِسُ عَلَى العَرْشِ: «هَا إنِّي أجعَلُ كُلَّ شَيءٍ جَدِيدًا!» وَقَالَ لِي: «اكتُبْ، لِأنَّ هَذِهِ الكَلِمَاتِ مُعتَمَدَةٌ وَصَحِيحَةٌ.» ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ تَمَّ! أنَا هُوَ الألِفُ وَاليَاءُ، البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. سَأسقِي كُلَّ عَطشَانٍ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ الحَيَاةِ مَجَّانًا. مَنْ يَنْتَصِرُ، سَيَأْخُذُ كُلَّ هَذِهِ الأشْيَاءِ. وَسَأكُونُ لَهُ إلَهًا، وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابنًا. أمَّا الجُبَنَاءُ وَغَيرُ المُؤمِنِينَ وَالفَاسِدُونَ وَالقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأوْثَانِ وَكُلُّ الكَاذِبِينَ، فَسَيَكُونُ مَصيرُهُمْ فِي البُحَيرَةِ المُتَّقِدَةِ بِالكِبرِيتِ المُشْتَعِلِ. ذَلِكَ هُوَ المَوْتُ الثَّانِي.» ثُمَّ جَاءَ أحَدُ المَلَائِكَةِ السَّبعَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ الآنِيَةُ السَّبْعَةُ المَملُوءَةُ بِالكَوَارِثِ السَّبعِ الأخِيرَةِ، وَقَالَ لِي: «تَعَالَ هُنَا، سَأُرِيكَ العَرُوسَ الَّتِي هِيَ زَوْجَةُ الحَمَلِ.» وَبَيْنَمَا الرُّوحُ يَغْمُرُنِي، قَادَنِي المَلَاكُ إلَى جَبَلٍ كَبِيرٍ مُرْتَفِعٍ، وَأرَانِي المَدِينَةَ المُقَدَّسَةَ، القُدْسَ، وَهِيَ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِندِ اللهِ! كَانَ لَهَا مَجْدُ اللهِ. لَمَعَانُهَا كَلَمَعَانِ أجمَلِ حَجَرٍ كَرِيمٍ، كَحَجَرِ يَشْبٍ نَقِيٍّ كَالبِلَّورِ. وَكَانَ لَهَا سُورٌ كَبِيرٌ مُرْتَفِعٌ، لَهُ اثنَتَا عَشْرَةَ بَوَّابَةً، يَقِفُ عِنْدَهَا اثنَا عَشَرَ مَلَاكًا. وَكَانَ مَكْتُوبًا عَلَى البَوَّابَاتِ أسْمَاءُ قَبَائِلِ بَنِي إسْرَائِيلَ الِاثنَتَيْ عَشْرَةَ. ثَلَاثُ بَوَّابَاتٍ إلَى الشَّرقِ، وَثَلَاثُ بَوَّابَاتٍ إلَى الشِّمَالِ، وَثَلَاثُ بَوَّابَاتٍ إلَى الجَنُوبِ، وَثَلَاثُ بَوَّابَاتٍ إلَى الغَرْبِ. وَكَانَ سُورُ المَدِينَةِ مَبنِيًّا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَجَرَ أسَاسٍ، كُتِبَتْ عَلَيْهَا أسْمَاءُ رُسُلِ الحَمَلِ الِاثنَيْ عَشَرَ. وَكَانَ مَعَ المَلَاكِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعِي عَصَا قِيَاسٍ ذَهَبِيَّةٍ، لِيَقِيسَ المَدِينَةَ، وَبَوَّابَاتِهَا وَجُدرَانَهَا. كَانَتِ المَدِينَةُ مُمتَدَّةً بِشَكلٍ مُرَبَّعٍ طُولُهُ يُسَاوِي عَرْضَهُ. وَقَاسَ المَلَاكُ المَدِينَةَ بِالعَصَا فَكَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ ألْفَ غَلْوَةٍ طُولًا وَعَرْضًا وَارْتِفَاعًا. ثُمَّ قَاسَ المَلَاكُ سُمْكَ سُورِهَا، فَكَانَ مِئَةً وَأرْبَعًا وَأرْبَعِينَ ذِرَاعًا. فَقَدِ استَخَدَمَ المَلَاكُ مِقيَاسًا مُسَاوِيًا لِذِرَاعِ إنْسَانٍ. وَكَانَ السُّورُ مَبنِيًّا مِنَ اليَشْبِ، وَالمَدِينَةُ مَصْنُوعَةً مِنَ الذَّهَبِ الخَالِصِ، وَتَلْمَعُ كَالزُّجَاجِ الشَّفَّافِ. أمَّا أسَاسَاتُ المَدِينَةِ فَكَانَتْ مُزَيَّنَةً بِكُلِّ أنْوَاعِ الأحْجَارِ الكَرِيمَةِ. فَحَجَرُ الأسَاسِ الأوَّلُ كَانَ مِنَ اليَشْبِ، وَالثَّانِي مِنَ اليَاقُوتِ الأزْرَقِ، وَالثَّالِثُ مِنَ العَقِيقِ الأبْيَضِ، وَالرَّابِعُ مِنَ الزُّمُرُّدِ، وَالخَامِسُ مِنَ الجَزْعِ، وَالسَّادِسُ مِنَ العَقِيقِ الأحْمَرِ، وَالسَّابِعُ مِنَ الزَّبَرجَدِ، وَالثَّامِنُ مِنَ الزُّمُرُّدِ السِلقيِّ، وَالتَّاسِعُ مِنَ اليَاقُوتِ الأصْفَرِ، وَالعَاشِرُ مِنَ العَقِيقِ الأخْضَرِ، وَالحَادِي عَشَرَ مِنَ الفَيرُوزِ، وَالثَّانِي عَشَرَ مِنَ الجَمَشْتِ. أمَّا البَوَّابَاتُ الاثْنَتَا عَشْرَةَ فَكَانَتْ مَصْنُوعَةً مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لُؤلُؤةً، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لُؤلُؤَةٌ وَاحِدَةٌ. كَمَا أنَّ شَارِعَ المَدِينَةِ الوَاسِعَ كَانَ مَصْنُوعًا مِنَ الذَّهَبِ الخَالِصِ النَّقِيِّ كَالزُّجَاجِ. لَمْ أرَ فِيهَا هَيكَلًا، لِأنَّ الرَّبَّ الإلَهَ القَدِيرَ وَالحَمَلَ هُمَا هَيكَلُهَا. وَلَمْ تَكُنِ المَدِينَةُ بِحَاجَةٍ إلَى الشَّمْسِ وَلَا إلَى القَمَرِ لِيُضِيئَا عَلَيْهَا، فَمَجْدُ اللهِ يُنِيرُهَا وَالحَمَلُ مِصبَاحُهَا. سَتَسِيرُ الأُمَمُ بِنُورِ مِصبَاحِهَا، وَمُلُوكُ الأرْضِ سَيأتُونَ بِمَجْدِهِمْ إلَيْهَا. بَوَّابَاتُهَا لَنْ تُغلَقَ فِي أيِّ يَوْمٍ، لِأنَّهُ لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ لَيلٌ. وَسَيُؤتَى بِمَجْدِ وَكَرَامَةِ الأُمَمِ إلَيْهَا، لَكِن لَنْ يَدْخُلَهَا شَيءٌ نَجِسٌ، وَلَا إنْسَانٌ يُمَارِسُ النَّجَاسَةَ أوِ الكَذِبَ. لَنْ يَدْخُلَهَا إلَّا مَنْ كَانَ اسْمُهُ مَكْتُوبًا فِي كِتَابِ الحَيَاةِ، كِتَابِ الحَمَلِ. ثُمَّ أرَانِي المَلَاكُ نَهْرَ مَاءِ الحَيَاةِ. وَكَانَ النَّهرُ شَفَّافًا كِالبِلَّورِ، يَتَدَفَّقُ مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالحَمَلِ إلَى وَسَطِ شَوَارِعِهَا. وَعَلَى ضِفَّتَيِّ النَّهرِ هُنَاكَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ تُعطِي ثَمَرَهَا اثنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً: فِي كُلِّ شَهرٍ مَرَّةً، وَأورَاقُهَا لِشِفَاءِ الأُمَمِ. لَنْ تَكُونَ هُنَاكَ لَعنَةٌ بَعْدَ الآنِ، وَعَرشُ اللهِ وَالحَمَلِ سَيَكُونُ فِيهَا. عِبَادُهُ يَتَعَبَّدُونَ لَهُ، وَيَرَوْنَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ يَكُونُ عَلَى جِبَاهِهِمْ. لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ لَيلٌ، فَلَا يَحتَاجُونَ ضَوْءَ مِصبَاحٍ أوْ ضَوْءَ شَمسٍ، لِأنَّ الرَّبَّ الإلَهَ سَيُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَيَسُودُونَ إلَى الأبَدِ. ثُمَّ قَالَ لِي المَلَاكُ: «هَذِهِ الكَلِمَاتُ مُعتَمَدَةٌ وَصَحِيحَةٌ. الرَّبُّ إلَهُ أروَاحِ الأنْبِيَاءِ قَدْ أرْسَلَ مَلَاكَهُ لِيُرِيَ عِبَادَهُ الأشْيَاءَ الَّتِي يَنْبَغِي أنْ تَحْصُلَ سَرِيعًا. هَا أنَا آتِي سَرِيعَا! هَنِيئًا لِمَنْ يَحْفَظُ كَلِمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي هَذَا الكِتَابِ.» أنَا يُوحَنَّا الَّذِي سَمِعَ وَرَأى هَذِهِ الأشْيَاءَ. عِنْدَمَا سَمِعْتُهَا وَرَأيْتُهَا، انحَنَيتُ لِأسجُدَ عِنْدَ قَدَمَيِّ المَلَاكِ الَّذِي يُرِينِي هَذِهِ الأشْيَاءَ. لَكِنَّهُ قَالَ لِي: «احذَرْ أنْ تَفْعَلَ هَذَا. أنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ أنْتَ وَإخوَتِكَ وَالأنْبِيَاءِ، وَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ الكَلِمَاتِ الَّتِي فِي هَذَا الكِتَابِ. اسجُدْ للهِ.» ثُمَّ قَالَ لِي: «لَا تَكْتِمْ كَلِمَاتِ النُّبُوَّةِ الَّتِي فِي هَذَا الكِتَابِ، لِأنَّ الوَقْتَ قَدِ اقْتَرَبَ. فَلْيُواصِلِ الظَّالِمُ ظُلمَهُ، وَليَزْدَدِ النَّجِسُ نَجَاسَةً، وَالبَارُّ بِرًّا، وَالمُقَدَّسُ قَدَاسَةً!» «هَا أنَا قَادِمٌ سَرِيعًا، وَمَعِي الأُجرَةُ لِكَي أُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أعْمَالِهِ. أنَا هُوَ الألِفُ وَاليَاءُ، الأوَّلُ وَالآخِرُ، البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. هَنِيئًا لِمَنْ يُحَافِظُونَ عَلَى نَظَافَةِ ثِيَابِهِمْ، لِكَي يَكُونَ مِنْ حَقِّهِمْ أنْ يَأْكُلُوا مِنْ شَجَرَةِ الحَيَاةِ، وَأنْ يَعْبُرُوا البَوَّابَاتِ وَيَدْخُلُوا المَدِينَةَ. أمَّا ‹الكِلَابُ› وَمَنْ يُمَارِسُونَ السِّحرَ وَالزُّنَاةُ وَالقَتَلَةُ وَعَابِدُو الأوْثَانِ وَكُلُّ مَنْ يُمَارِسُ الكَذِبِ، فَسَيَبْقَوْنَ خَارِجًا.» «أنَا يَسُوعُ، أرسَلتُ مَلَاكِي لِيُعلِنَ لَكُمْ هَذِهِ الأُمُورَ عَنِ الكَنَائِسِ. أنَا أصلُ دَاوُدَ وَنَسْلُهُ، نَجمُ الصُّبحِ المُنِيرُ.» يَقُولُ الرُّوحُ وَالعَرُوسُ: «تَعَالَ!» كُلُّ مَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: «تَعَالَ!» كُلُّ مَنْ يَعْطَشُ فَليَأْتِ، وَكُلُّ مَنْ يُرِيدُ فَليَأْخُذْ مَجَّانًا مِنَ المَاءِ المُحيِي. إنَّنِي أُحَذِّرُ كُلَّ مَنْ يَسْتَمِعُ لِكَلِمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي هَذَا الكِتَابِ: إنْ زَادَ أحَدٌ عَلَيْهَا، فَإنَّ اللهَ سَيُنزِلُ عَلَيْهِ الكَوَارِثَ المُدَوَّنَةَ فِيهِ. وَإنْ حَذَفَ أحَدٌ مِنَ الكَلِمَاتِ الَّتِي فِي كِتَابِ النُّبُوَّةِ هَذَا، فَإنَّ اللهَ سَيَحْرِمُهُ مِنْ نَصِيبِهِ فِي شَجَرَةِ الحَيَاةِ وَفِي المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ، المَكْتُوبِ عَنهُمَا فِي هَذَا الكِتَابِ. يَسُوعُ الَّذِي يَشْهَدُ لِهَذِهِ الأُمُورِ يَقُولُ: «نَعَمْ، أنَا آتٍ سَرِيعًا.» آمِينْ تَعَالَ أيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ! نِعْمَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ مَعَكُمْ جَمِيعًا.