في البَدءِ خلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأَرض، وكانَتِ الأَرضُ خاوِيةً خالِية، وعلى وَجهِ الغَمْرِ ظَلام، ورُوحُ اللهِ يُرِفُّ على وَجهِ المِياه. وقالَ الله: «لِيَكُنْ نور»، فكانَ نور. ورأَى اللهُ أَنَّ النورَ حَسَن. وفصَلَ اللهُ بَينَ النُّورِ والظَّلام، وسمَّى اللهُ النُّورَ نهارًا، والظَّلامُ سمَّاه لَيلًا. وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ أَوَّل. وقالَ الله: «لِيَكُنْ جَلَدٌ في وَسَطِ المِياه، وَلْيَكُنْ فاصِلًا بينَ مِياهٍ ومِياه». فكانَ كذٰلك. وصَنَعَ اللهُ الجَلَد وفَصَلَ بَينَ المِياهِ الَّتي تَحتَ الجَلَد والمِياهِ الَّتي فَوقَ الجَلَد، وسَمَّى اللهُ الجَلَدَ سَماء. وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ ثانٍ. وقالَ الله: «لِتَتَجمَّعِ المِياهُ الَّتي تَحتَ السَّماءِ في مَكانٍ واحِد، وَلْيَظْهَرِ اليَبَس». فكانَ كذٰلك. وسَمَّى اللهُ اليَبَسَ أَرضًا، وتَجَمُّعُ المِياهِ سَمَّاه بِحارًا. ورأَى اللهُ أَنَّ ذٰلك حَسَن. وقالَ الله: «لِتُنْبِتِ الأَرضُ نَباتًا، عُشْبًا يُخرِجُ بِزْرًا، وشَجَرًا مُثمِرًا يُخرِجُ ثَمَرًا بِحَسَبِ صِنفِه، بِزرُه فيه على الأَرض». فكانَ كذٰلك. فأَخرَجَتِ الأَرضُ نَباتًا، عُشْبًا يُخرِجُ بِزْرًا بِحَسَبِ صِنفِه، وشَجَرًا يُخرِجُ ثَمَرًا بِزرُه فيه بِحَسَبِ صِنفِه. ورأَى اللهُ أَنَّ ذٰلِكَ حَسَن. وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ ثالِث. وقالَ الله: «لِتَكُنْ نَـيِّراتٌ في جَلَدِ السَّماء، لِتَفصِلَ بينَ النَّهارِ واللَّيل، وتَكونَ عَلاماتٍ لِلمَواسِمِ والأَيَّامِ والسِّنين، وتَكونَ نَيِّراتٍ في جَلَدِ السَّماء، لِتُضيءَ على الأَرض». فكانَ كذٰلك. فصَنَعَ اللهُ النَّـيِّرَينِ العَظيمَيْن: النَيِّرَ الأَكبَرَ لِحُكمِ النَّهار، والنَّـيِّرَ الأَصغَرَ لِحُكْمِ اللَّيل، والكَواكِبَ، وجَعَلَها اللهُ في جَلَدِ السَّماءِ، لِتُضيءَ على الأَرض، لِتَحكُمَ على النَّهارِ واللَّيل، وتَفصِلَ بَينَ النُّورِ والظَّلام. ورأَى اللهُ أَنَّ ذٰلك حَسَن، وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ رابِع. وقالَ الله: «لِتَعِجَّ المِياهُ عَجًّا، مِن ذَواتِ أَنفُسٍ حَيَّة، ولْتَكُنْ طُيورٌ تَطيرُ فَوقَ الأَرضِ، على وَجهِ جَلَدِ السَّماء». فخَلَقَ اللهُ الحِيتانَ العِظام، كُلَّ مُتَحَرِّكٍ مِن كُلِّ ذي نَفْسٍ حَيَّةٍ عَجَّت بِه المِياهُ بِحَسَبِ أَصْنافِه، وكُلَّ طائرٍ ذي جَناحٍ بِحَسَبِ أَصْنافِه. ورأَى اللهُ أَنَّ ذٰلك حَسَن. وبارَكَها اللهُ قائلًا: «اِنْمي وٱكْثُري وٱمْلَإي المِياهَ في البِحار، وَلْتَكْثُرِ الطُّيورُ على الأَرض»، وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ خامِس. وقالَ الله: «لِتُخرِجِ الأَرضُ ذَواتِ أَنفُسٍ حَيَّةٍ بِحَسَبِ أَصْنافِها: بَهائِمَ وحيواناتٍ دابَّةً ووُحوشَ أَرضٍ بِحَسَبِ أَصْنافِها»، فكانَ كذٰلك. فصَنَعَ اللهُ وُحوشَ الأَرضِ بِحَسَبِ أَصْنافِها، والبَهائِمَ بِحَسَبِ أَصْنافِها، وجَميعَ الحَيَواناتِ الَّتي تَدِبُّ على الأَرضِ بِحَسَبِ أَصْنافِها. ورأَى اللهُ أَنَّ ذٰلك حَسَن. وقالَ الله: «لِنَصنَعِ الإِنسانَ على صُورَتِنا كَمِثالِنا، وَلْيَتَسَلَّطْ على أَسْمَاكِ البَحرِ وطُيورِ السَّماء، والبَهائِمِ وجَميعِ وحُوشِ الأَرض، وجميعِ الحَيَواناتِ الَّتي تَدِبُّ على الأَرض». فَخَلَقَ اللهُ آدمَ على صُورَتِه، على صُورَةِ اللهِ خَلَقَه، ذَكَرًا وأُنْثى خَلَقَهم، وبارَكَهُمُ اللهُ وقالَ لهم: «اِنْمُوا وٱكْثُروا وٱمْلَأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها وَتَسَلَّطوا على أَسْماكِ البَحرِ وطُيورِ السَّماءِ وَكُلِّ حَيَوانٍ يَدِبُّ على الأَرض». وقالَ الله: «ها قد أَعطَيتُكم كُلَّ عُشبٍ يُخرِجُ بِزرًا على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها، وكُلَّ شَجَرٍ فيه ثَمَرٌ يُخرِجُ بِزرًا يَكونُ لَكم طَعامًا. ولِجَميعِ وحُوشِ الأَرضِ وجَميعِ طُيورِ السَّماء، وجَميعِ ما يَدِبُّ على الأَرضِ، مِمَّا فيه نَفْسٌ حَيَّة، أَعطَيتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخضَرَ مأكَلًا». فكان كذٰلك. ورأَى اللهُ جَميعَ ما صَنَعَه فإذا هو حَسَنٌ جِدًّا. وكانَ مَساءٌ وكان صَباح: يَومٌ سادِس. وهٰكذا أُكمِلَتِ السَّمَواتُ والأَرضُ وجَميعُ قُوَّاتِها. وٱنْتَهى اللهُ في اليَومِ السَّابِعِ مِن عَمَلِه الَّذي عَمِلَه، وٱستَراحَ في اليَومِ السَّابِعِ من كُلِّ عَمَلِه الَّذي عَمِلَه. وبارَكَ اللهُ اليَومَ السَّابِعَ وقَدَّسَه، لأَنَّه فيه ٱستَراحَ مِن كُلِّ عَمَلِه الَّذي عَمِلَه خالِقًا. تِلكَ هي نَشأَةُ السَّمَواتِ والأَرضِ حينَ خُلِقَت. يَومَ صَنَعَ الرَّبُّ الإِلٰهُ الأَرضَ والسَّمَوات، لم يَكُنْ في الأَرضِ شِيحُ الحُقول، ولَم يَكُنْ عُشْبُ الحُقولِ قَد نَبَت، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلٰهَ لم يَكُنْ قد أَمطَرَ على الأَرض، ولَمْ يَكُنْ فيها إِنسانٌ لِيَحرُثَ الأَرض. وكانَ يَصعَدُ مِنها سَيلٌ فَيَسْقي كُلَّ وَجهِها. وجَبَلَ الرَّبُّ الإِلٰهُ الإِنسانَ تُرابًا مِنَ الأَرض ونَفَخَ في أَنفِه نَسَمَةَ حَياة، فصارَ الإِنسانُ نَفْسًا حَيَّة. وغَرَسَ الرَّبُّ الإِلٰهُ جَنَّةً في عَدْنٍ شَرْقًا وجَعَلَ هُناكَ الإِنسانَ الَّذي جَبَلَه. وأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلٰهُ مِنَ الأَرضِ كُلَّ شَجَرَةٍ حَسَنَةِ المَنظَر وطَيِّبَةِ المأكَل وشَجَرَةَ الحَياةِ في وَسَطِ الجَنَّة وشَجَرَةَ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ. وكانَ نَهرٌ يَخرُجُ مِن عَدْنٍ فَيسْقي الجَنَّة ومِن هُناكَ يَتَشَعَّبُ فيَصيرُ أَربَعَةَ فُروع، اِسمُ أَحَدِها فِيشون وهو المُحيطُ بِكُلِّ أَرضِ الحَويلَةِ حَيثُ الذَّهب. وذَهَبُ تِلكَ الأَرضِ جَيِّد. هُناكَ المُقْلُ وحَجَرُ الجَزْع. وَٱسمُ النَّهرِ الثاني جِيحون وهو المُحيطُ بِكُلِّ أَرضِ الحَبَشة. وٱسمُ النَّهرِ الثَّالِثِ دِجلَة وهو الجاري في شَرقِيِّ أَشُّور. والنَّهرُ الرَّابِعُ هو الفُرات. وأَخَذَ الرَّبُّ الإِلٰهُ الإِنسانَ وجَعَلَه في جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفلَحَها ويَحرُسَها. وأَمَرَ الرَّبُّ الإِلٰهُ الإِنسانَ قائلًا: «مِن جَميعِ أشْجارِ الجَنَّةِ تأكُل، وأَمَّا شَجَرَةُ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ فلا تَأْكُلْ مِنها، فإِنَّكَ يَومَ تأكُلُ مِنها تَموتُ مَوتًا». وقالَ الرَّبُّ الإِلٰه: «لا يَحسُنُ أَن يَكونَ الإِنسانُ وَحدَه، فلَأَصنَعَنَّ له عَونًا يُناسِبُه». وجَبَلَ الرَّبُّ الإِلٰهُ مِنَ الأَرضِ جَميعَ حَيَواناتِ الحُقول وجَميعَ طُيورِ السَّماء، وأتى بِها الإنسانَ لِيَرى ماذا يُسَمِّيها. فكُلُّ ما سمَّاه الإِنسانُ من نَفْسٍ حَيَّةٍ فهوَ ٱسمُه. فأَطلَقَ الإِنسانُ أَسْماءً على جَميعِ البهائِمِ وطُيورِ السَّماءِ وجَميعِ وحُوشِ الحُقول. وأَمَّا الإِنسانُ فلَم يَجِدْ لِنَفسِه عَونًا يُناسِبُه. فأَوقَعَ الرَّبُّ الإِلٰهُ سُباتًا عَميقًا على الإِنسانِ فنام. فأَخَذَ إِحْدى أَضْلاعِه وسَدَّ مَكانَها بِلَحْم. وبَنى الرَّبُّ الإِلٰهُ الضِّلْعَ الَّتي أَخَذَها مِنَ الإِنسانِ ٱمرَأَةً، فأتى بِها الإِنسان. فقالَ الإِنسان: «هذهِ المَرَّةَ هي عَظْمٌ مِن عِظامي، ولَحْمٌ مِن لَحْمي. هذه تُسَمَّى ٱمرَأَةً لأَنَّها مِنِ ٱمرِئٍ أُخِذَت» ولِذٰلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباه وأُمَّه ويَلزَمُ ٱمرَأَتَه فيَصيرانِ جَسَدًا واحِدًا. وكانا كِلاهُما عُريانَين، الإِنسانُ وٱمرَأَتُه، وهُما لا يَخْجَلان. وكانتِ الحيَّةُ أَحيَلَ جَميعِ حَيَواناتِ الحُقولِ الَّتي صنَعَها الرَّبُّ الإِلٰه. فقالَتْ لِلْمَرأَة: «أَيقينًا قالَ الله: لا تأكُلا مِن جَميعِ أَشْجارِ الجَنَّة؟» فقالَتِ المَرأَةُ لِلحَيَّة: «مِن ثَمَرِ أَشْجارِ الجَنَّةِ نأكُل، وأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتي في وَسَطِ الجَنَّة، فقالَ الله: لا تَأْكُلا مِنه ولا تَمَسَّاه كَيلا تَموتا». فقالتِ الحَيَّةُ لِلمَرأَة: «مَوتًا لا تَموتان، فاللهُ عالِمٌ أَنَّكُما في يَومِ تأكُلانِ مِنه تَنفَتِحُ أَعيُنُكُما وتَصيرانِ كآلِهَةٍ تَعرِفانِ الخَيرَ والشَّرّ». ورَأَتِ المَرأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ طَيِّبَةٌ لِلأَكْلِ ومُتعَةٌ لِلعُيون وأَنَّ الشَّجَرَةَ مُنْيَةٌ لِلتَّعَقُّل. فأَخَذَت مِن ثَمَرِها وأَكَلَت وأَعْطَت أَيضًا زَوجَها الَّذي مَعَها فأَكَل. فٱنفَتَحَت أَعيُنُهما فعَرَفا أَنَّهما عُريانان. فَخاطا مِن وَرَقِ التِّين وصَنَعا لَهُما مِنه مَآزِر. فسَمِعا وَقْعَ خُطى الرَّبِّ الإِلٰهِ وهو يَتَمَشَّى في الجَنَّةِ عِنْدَ نَسيمِ النَّهار، فٱختَبَأَ الإِنسانُ وٱمرَأَتُه مِن وَجهِ الرَّبِّ الإِلٰهِ فيما بَيْنَ أَشْجَارِ الجَنَّة. فنادى الرَّبُّ الإِلٰهُ الإِنسانَ وقالَ له: «أَيْنَ أَنتَ؟» قال: «إِنِّي سَمِعتُ وَقْعَ خُطاكَ في الجَنَّة فخِفْتُ لأَنِّي عُرْيانٌ فٱختَبَأتُ». «قال: «فَمَن أَعلَمَك أَنَّكَ عُرْيان؟ هل أَكَلتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتي أَمَرتُكَ أَلاَّ تَأكُلَ مِنها؟» فقالَ الإِنسان: «أَلمَرأَةُ الَّتي جَعَلْتَها معي هي أَعْطَتْني مِنَ الشَّجَرةِ فأَكَلتُ». فقالَ الرَّبُّ الإِلٰهُ لِلمَرأَة: «ماذا فَعَلتِ؟» فقالَتِ المَرأَة: «الحَيَّةُ أَغوَتْني فأَكَلتُ». فقالَ الرَّبُّ الإِلٰهُ لِلحَيَّة: «لأَنَّكِ صَنَعتِ هٰذا فأَنتِ مَلْعونةٌ مِن بَينِ جَميعِ البَهائِمِ وجَميعِ وحُوشِ الحَقْل. على بَطنِكِ تسلُكين وتُرابًا تَأكُلين، طَوالَ أَيَّامِ حَياتِكِ. وأَجعَلُ عَداوةً بَينَكِ وَبينَ المَرأَة، وبَينَ نَسْلِكِ ونَسْلِها، فهُوَ يَسحَقُ رأسَكِ وأَنتِ تُصيبينَ عَقِبَه» وقالَ لِلمَرأَة: لَأُكَثِّرَنَّ مشقَّاتِ حَمْلِكِ تَكْثيرًا، فبالمَشَقَّةِ تَلِدينَ البَنين، وإِلى رَجُلِكِ تنقادُ أَشواقُكِ وهُوَ يَسودُكِ» وقالَ لِآدم: «لأَنَّكَ سَمِعتَ لِصَوتِ ٱمرَأَتِكَ، فأَكَلتَ مِنَ الشَّجَرةِ الَّتي أَمَرتُكَ أَلاَّ تَأكُلَ مِنها، فمَلْعونةٌ الأَرضُ بِسَبَبِكَ، بِمَشَقَّةٍ تأكُلُ مِنها طولَ أَيَّامِ حَياتِكَ، وشَوكًا وحَسَكًا تُنبِتُ لَكَ، وتأكُلُ عُشبَ الحُقول. بِعَرَقِ جَبينِكَ تأكُلُ خُبزًا، حَتَّى تَعودَ إِلى الأَرض، فمِنها أُخِذتَ، لِأَنَّكَ تُرابٌ وإِلى التُّرابِ تعود». وسمَّى الإِنسانُ ٱمرَأَتَه حَوَّاءَ لأَنَّها أُمُّ كُلِّ حَيّ. وصَنَعَ الرَّبُّ الإِلٰهُ لِآدَمَ وٱمرَأَتِه أَقمِصةً مِن جِلْدٍ وأَلبَسَهما. وقالَ الرَّبُّ الإِلٰه: «هُوَذا الإنسانُ قد صارَ كواحِدٍ مِنَّا، فيَعرِفُ الخَيرَ والشَّرّ. فلا يَمُدَّنَّ الآنَ يَدَه فيأخُذَ مِن شَجَرةِ الحياةِ أَيضًا ويأكُلَ فيَحْيا لِلأَبَد». فأَخرَجَه الرَّبُّ الإِلٰهُ مِن جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَحرُثَ الأَرضَ الَّتي أُخِذَ مِنها. فَطَرَدَ الإِنسانَ وأَقامَ شَرقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الكَروبين وشُعلَةَ سَيْفٍ متقلِّبٍ لِحِراسةِ طَريقِ شَجَرَةِ الحَياة. وعَرَفَ الإِنسانُ حَوَّاءَ ٱمرَأَتَه فحَمَلَت ووَلَدَت قايِن. فقالَت: «قَدِ ٱقتَنَيتُ رَجُلًا مِن عِندِ الرَّبّ». ثُمَّ عادَت فوَلَدَت أَخاهُ هابيل. فكانَ هابيلُ راعِيَ غَنَم، وكانَ قايِنُ يَحرُثُ الأَرض. وكانَ بَعدَ أَيَّامٍ أَنْ قَدَّمَ قايِنُ مِن ثَمَرِ الأَرضِ تَقدِمةً لِلرَّبّ. وقَدَّمَ هابيلُ أَيضًا شَيئًا مِن أَبْكارِ غَنَمِه ومِن دُهْنِها. فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلى هابيلَ وتَقدِمتِه، وإلى قايِنَ وتَقدِمَتِه لم يَنظُر. فغَضِبَ قايِنُ وأَطرَقَ رَأسَه. فقالَ الرَّبُّ لِقايِن: «لِمَ غَضِبتَ ولِمَ أَطرَقتَ رأسَكَ؟ فإِنَّكَ إِن أَحسَنتَ أَفَلا تَرفَعُ الرَّأس؟ وإِن لَم تُحسِنْ أَفلا تَكونُ الخَطيئَةُ رابِضةً عِندَ الباب؟ إِلَيكَ تَنقادُ أَشْواقُها، فَعَليكَ أَن تَسودَها». وقالَ قايِنُ لِهابيلَ أَخيه: «لِنَخرُجْ إِلى الحَقْل». فلَمَّا كانا في الحَقْل، وثَبَ قايِنُ على هابيلَ أَخيه فقَتَلَه. فقالَ الرَّبُّ لِقايِن: «أَينَ هابيلُ أَخوك؟» قال: «لا أَعلَم. أَحارِسٌ لأَخي أَنا؟». فقال: «ماذا صَنَعتَ؟ إِنَّ صَوتَ دِماءِ أَخيكَ صارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأرض. والآن فَمَلْعونٌ أَنتَ مِنَ الأَرضِ الَّتي فَتَحَت فاها لِتَقبَلَ دِماءَ أَخيكَ مِن يَدِك. وإِذا حَرَثتَ الأَرض، فلا تَعودُ تُعطيكَ ثَمَرَها. تائِهًا شارِدًا تَكونُ في الأَرض». فقالَ قايِنُ لِلرَّبّ: «عِقابي أَشَدُّ مِن أَن يُطاق. ها قد طَرَدتَني اليَومَ عن وَجهِ الأَرض ومن وَجهِكَ أَستَتِر، وأَكونُ تائِهًا شارِدًا في الأَرض، فيَكونُ أَنَّ كُلَّ مَن يَجِدُني يَقتُلُني». فقالَ لَه الرَّبّ: «لِذٰلِكَ كُلُّ مَن قَتَلَ قايِن فسَبعَةَ أَضْعافٍ يُؤخَذُ بِثأرِه مِنه». وجَعَلَ الرَّبُّ لِقايِنَ علامةً لِئَلاَّ يَضرِبَه كُلُّ مَن يَجِدُه. وخَرَجَ قايِنُ مِن أَمامِ الرَّبّ، فأَقامَ بِأَرضِ نودٍ شَرقِيَّ عَدْنٍ. وعَرَفَ قايِنُ ٱمرَأَتَه فَحَمَلَت ووَلَدَت أَخْنوخ. ثُمَّ بَنى مَدينةً فسمَّاها بِٱسمِ ٱبنِه أَخْنوخ. ووُلِدَ لأَخْنوخَ عِيراد، وعيرادُ وَلَدَ مَحويائيل، ومَحويائيلُ وَلَدَ مَتوشائيل، ومتوشائيلُ وَلَدَ لامَك. وٱتَّخَذَ لامَكُ لَه ٱمرَأَتَيْنِ اسمُ إِحداهُما عادة والأُخْرى صِلَّة. فوَلَدَت عادةُ يابَل وهو أَبو ساكِنِي الخِيامِ وأَصْحابِ المَواشي. وٱسمُ أَخيه يُوبَل وهو أَبو كُلِّ عازِفٍ بِالكِنَّارَةِ والمِزْمار. وصِلَّةُ أَيضًا وَلَدَت تُوبَلَ قايِن وهو أَبو جَميعِ النَّحّاسينَ والحَدَّادين. وأُختُ تُوبَلَ قايِنَ نَعْمة. وقالَ لامَكُ لِٱمرَأَتَيه: «عادةُ وصِلَّة، اِسْمَعا قَولي، يا ٱمرَأَتَي لامَك، أَصْغِيا لِكَلامي، إِنَّني قَتَلتُ رَجُلًا بِسَبَبِ جُرْحٍ، ووَلَدًا بِسَبَبِ رَضٍّ. إِنَّه يُنتَقَمُ لِقاينَ سَبعَةَ أَضْعاف، وأَمَّا لِلامَكَ فسَبْعَةً وسَبعْين». وعَرَفَ آدَمُ ٱمرَأَتَه مَرَّةً أُخْرى فَوَلَدَتِ ٱبنًا وسَمَّته شِيتا وقالت: «قد أَقامَ اللهُ لي نَسْلًا آخَرَ بَدَلَ هابيل، إِذ إِنَّ قايِنَ قَتَلَه». ولِشيتٍ أَيضًا وُلِدَ ٱبنٌ وسَمَّاه أَنوش. حينَئِذٍ بَدَأَ النَّاسُ يَدْعونَ بِٱسمِ الرَّبّ. هٰذا كِتابُ سُلالَةِ آدَم: يَومَ خَلَقَ اللهُ الإِنسان، على مِثالِ اللهِ صَنَعَه. ذَكَرًا وأُنْثى خَلَقَهم، وبارَكَهم، وسمَّاهم إِنسانًا يَومَ خُلقوا. وعاش آدَمُ مِئَةً وثَلاثينَ سنة، ووَلَدَ وَلَدًا على مِثالِه كَصُورَتِه وسَمَّاه شيتًا. وعاشَ آدَمُ، بَعدَما وَلَدَ شيتًا، ثَمانِيَ مِئَةِ سنة فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. فكانَت جميعُ أَيَّامِ آدَمَ الَّتي عاشَها تِسْعَ مِئَةِ سنةٍ وثَلاثينَ سنة، ومات. وعاشَ شيتٌ مِئَةً وخَمْسَ سِنين ووَلَدَ أُنوش. وعاشَ شيتٌ، بَعدَما وَلَدَ أَنوش، ثَمانِيَ مِئَةٍ وسَبعَ سِنين فَوَلَدَ بَنينَ وبَنات. فكانَت جميعُ أَيَّامِ شيت تِسْعَ مِئَةِ سَنَةٍ وٱثنَتَي عَشَرَةَ سنة، ومات. وعاشَ أَنوشُ تِسْعينَ سَنَةً ووَلَدَ قَينان. وعاشَ أَنوشُ، بَعدَما وَلَدَ قَينان، ثَمانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمسَ عَشرَةَ سَنَةً فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. فكانَت جَميعَ أَيَّامِ أَنوش تِسْعَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمسَ سِنين، ومات. وعاشَ قَينانُ سَبْعينَ سَنَةً ووَلَدَ مَهْلَلْئيل. وعاشَ قَينانُ، بَعدَما وَلَدَ مَهْلَلْئيل، ثَمانِيَ مِئَةِ سنةٍ وأَربَعينَ سنةً فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. فكانَت جَميعُ أَيَّامِ قَينان تِسْعَ مِئَةٍ وعَشْرَ سِنين، ومات. وعاشَ مَهْلَلْئيلُ خَمْسًا وسِتِّينَ سَنَةً ووَلَدَ يارَد. وعاشَ مَهْلَلْئيلُ، بَعدَما وَلَدَ يارَد، ثَمانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ وثَلاثينَ سَنَةً فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. فكانَت جَميعُ أَيَّامِ مَهْلَلْئيل ثَمَانِيَ مِئَةٍ وخَمْسًا وتِسْعينَ سَنَة، ومات. وعاشَ يارَدُ مِئَةً وٱثنَتَيْنِ وسِتِّينَ سَنَةً ووَلَدَ أَخْنوخ. وعاشَ يارَدُ، بَعدَما وَلَدَ أَخْنوخ، ثَمَانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. فكانَت جَميعُ أَيَّامِ يارَد تِسْعَ مِئَةِ سَنَةٍ وٱثنَتَيْنِ وسِتِّينَ سَنَة، ومات. وعاشَ أَخْنوخُ خَمْسًا وسِتِّينَ سَنَةً ووَلَدَ مَتوشالَح. وسارَ أَخْنوخُ معَ الله. وعاشَ أَخْنوخُ، بَعدَما وَلَدَ مَتوشالَح، ثَلاثَ مِئَةِ سَنَةٍ فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. فكانَت جَميعُ أَيَّامِ أَخْنوخ ثَلاثَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمْسًا وسِتِّينَ سَنَة. وسارَ أَخْنوخُ معَ الله، ولَم يَكُنْ بَعدَ ذٰلك، لأَنَّ اللهَ أَخَذَه. وعاشَ مَتوشالَحُ مِئَةَ سَنَةٍ وسَبْعًا وثَمانينَ سَنَةً وَوَلَدَ لامَك. وعاشَ مَتوشالَحُ، بَعدَما وَلَدَ لامَك، سَبْعَ مِئَةٍ وٱثنَتَيْنِ وثَمانينَ سَنَةً فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. فكانَت جَميعُ أَيَّامِ مَتوشالَح تِسعَ مِئَةِ سَنَةٍ وتِسعًا وسِتِّينَ سَنَة، ومات. وعاشَ لامَكُ مِئَةَ سَنَةٍ وٱثنَتَيْنِ وثَمانينَ سَنَةً ووَلَدَ ٱبنًا وسمَّاه نُوحًا قائلًا: «هٰذا يُعَزِّينا في عَمَلِنا وفي مَشَقَّةِ أَيدينا بِسَبَبِ الأَرضِ الَّتي لَعَنَها الرَّبّ». وعاشَ لامَكُ، بَعدَما وَلَدَ نُوحًا، خَمْسَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمْسًا وتِسْعينَ سَنَة فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. فكانَت جَميعُ أَيَّامِ لامَك سَبْعَ مِئَةِ سَنَةٍ وسبْعًا وسَبْعينَ سَنَة، ومات. ولَمَّا كانَ نُوحٌ ٱبنَ خَمْسِ مِئَةِ سَنَة، وَلَدَ سامًا وحامًا ويافَث. ولَمَّا ٱبتَدَأَ النَّاسُ يَكثُرونَ على وَجهِ الأَرضِ، ووُلِدَ لَهم بنات، اِستَحسَنَ بَنو اللهِ بَناتِ النَّاس. فٱتَّخَذوا لَهم نِساءً من جَميعِ مَنِ ٱخْتاروا. فقالَ الرَّبّ: «لا تَثبُتُ رُوحي في الإِنسانِ لِلأَبَد، لأَنَّه بَشَر، فتكونُ أَيَّامُه مِئَةً وعِشرينَ سَنَة». وكانَ على الأَرضِ جَبابِرَةٌ في تِلكَ الأَيَّام، وبَعدَ ذلك أَيضًا حينَ دَخَلَ بَنو اللهِ على بَناتِ النَّاسِ فوَلَدْنَ لَهم أَولادًا، هُمُ الأَبطالُ المَعْروفونَ مُنذُ القِدَم. ورأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنسانِ قد كَثُرَ على الأَرضِ وأَنَّ كُلَّ ما يَتَصوَّرُه قَلبُه مِن أَفْكارٍ إِنَّما هو شَرٌّ طَوالَ يَومِه. فنَدِمَ الرَّبُ على أَنَّه صَنَعَ الإِنسانَ على الأَرض وتأَسَّفَ في قَلبِه. فقالَ الرَّبّ: «أَمْحو عَنْ وَجهِ الأَرضِ الإِنسانَ الَّذي خَلَقتُ، الإِنسانَ مع البَهائِمِ والزَّحَّافاتِ وطُيورِ السَّماء، لأَنِّي نَدِمتُ على أَنِّي صَنَعتُهم». أَمَّا نُوحٌ فنالَ حُظوَةً في عَينَيِ الرَّبّ. وهٰذِهِ سِيرةُ نُوح: كانَ نُوحٌ رَجُلًا بارًّا كامِلًا في بَني جيلِه. وسارَ نُوحٌ معَ الله. ووَلَدَ نُوحٌ ثَلاثَةَ بَنين: سامًا وحامًا ويافَث. وفَسَدَتِ الأَرضُ أَمامَ الله وٱمتَلأَت عُنفًا. ورأَى اللهُ الأَرضَ فإِذا هي قد فسَدَت، لأَنَّ كُلَّ بَشَرٍ قد أَفسَدَ طَريقَه علَيها. فقال اللهُ لِنُوح: «قد حانَ أَجَلُ كُلِّ بَشَرٍ أَمامي، فقَدِ ٱمتَلَأَتِ الأَرضُ عُنفًا بِسَبَبِهم. فهاءَنَذا مُهلِكُهم مع الأرض. إِصْنَعْ لكَ سَفينَةً مِن خَشَبٍ قَطرانِيّ وٱجعَلْها مَساكِنَ وٱطْلِها بِالقارِ مِن داخِلٍ ومِن خارِج. كذا تَصنَعُها: ثَلاثُ مِئَةِ ذِراعٍ طولُها وخَمْسونَ ذِراعًا عَرضُها وثَلاثونَ ذِراعًا عُلُوُّها. وتَجعَلُ سَقْفًا لِلسَّفينة وإِلى حَدِّ ذِراعٍ تُكْمِلُه مِن فَوق. وٱجعَلْ بابَ السَّفينةِ في جانِبِها وتَصنَعُها طوابِق: سُفلِيًّا وثانِيًا وثالثًا. وهاءَنَذَا آتٍ بِطوفانِ مِياهٍ على الأَرض لأُهلِكَ كُلَّ ذي جَسَدٍ فيه رُوحُ حَياةٍ مِن تَحتِ السَّماء، وكُلُّ ما في الأَرضِ يَهلِك. وأُقيمُ عَهْدي معكَ، فتَدخُلُ السَّفينَةَ أَنتَ وبَنوكَ وٱمرَأَتُكَ ونِسوَةُ بَنيكَ مَعَكَ. ومِن كُلِّ حَيٍّ مِن كُلِّ ذي جَسَدٍ ٱثنَينِ مِن كُلٍّ تُدخِلُ السَّفينَةَ لِتُحفَظَ حَيَّةً معَكَ، ذَكَرًا وأُنْثى تكون: مِنَ الطُّيورِ بِأَصْنافِها ومِنَ البَهائِمِ بِأَصْنافِها ومِن جَميعِ الحَيَواناتِ الَّتي تَدِبُّ على الأَرضِ بِأَصْنافِها يَدخُلُ إِلَيكَ ٱثْنانِ مِن كُلٍّ لِتُحفَظَ حَيَّةً. وأَنتَ فخُذْ لكَ مِن كُلِّ طَعامٍ يُؤكَل وٱجعَلْه مَؤُونةً لكَ، فيَكونَ لكَ ولَهم مَأْكَلًا». فعَمِلَ نُوحٌ بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَه اللهُ بِه. هٰكذا فَعَل. وقالَ اللهُ لِنُوح: «اُدخُلِ السَّفينَةَ أَنتَ وجَميعُ أَهلِكَ، فإِنِّي رأَيتُكَ بارًّا أَمامي في هٰذا الجيل. وتأخُذُ مِن جَميعِ البَهائِمِ الطَّاهِرةِ سَبْعَةً سَبْعَةً، ذُكورًا وإِناثًا، ومِنَ البَهائِمِ غَيرِ الطَّاهِرةِ ٱثْنَينِ، ذَكَرًا وأُنْثى. وتأخُذُ أَيضًا مِن طُيورِ السَّماءِ سَبْعَةً سَبْعَةً، ذُكورًا وإِناثًا، لِحِفْظِ نَسْلِها حَيًّا على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها. فإِنَّني، بَعدَ سَبعَةِ أَيَّامٍ، مُمطِرٌ على الأَرضِ أَربَعينَ يَومًا وأَربَعينَ لَيلَةً، وماحٍ عن وَجهِ الأَرضِ كُلَّ كائِنٍ صَنَعتُه». فعَمِلَ نُوحٌ بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَه الرَّبُّ بِه. وكانَ نُوحٌ ٱبنَ سِتِّ مِئَةِ سَنَةٍ حينَ كانَت مِياهُ الطُّوفانِ على الأرض. ودَخَلَ نُوحٌ السَّفينةَ هو وبَنُوه وٱمرَأَتُه ونِسْوَةُ بَنيه معَه هَرَبًا مِن مِياهِ الطُّوفان. ومِنَ البَهائِمِ الطَّاهِرَةِ ومِنَ البَهائِمِ غَيرِ الطَّاهِرَةِ ومِنَ الطُّيورِ ومِن كُلِّ ما يَدِبُّ على الأرض، دَخَلَ السَّفينَةَ ٱثْنانِ ٱثْنانِ إِلى نُوح، ذُكورًا وإِناثًا، كما أَمَرَ اللهُ نُوحًا. وبَعدَ أَيَّام كانت مِياهُ الطُّوفانِ على الأَرض. في السَّنَةِ مِئَةٍ مِن عُمْرِ نُوح، في الشَّهْرِ الثَّاني في اليَومِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنه، في ذلك اليَوم تفجَّرت عُيونُ الغَمْرِ العَظيم وتفتَّحت كُوى السَّماء. وكان المَطَرُ على الأرضِ أَربَعينَ يَومًا وأَربَعينَ لَيلَةً. في ذٰلِكَ اليَومِ نَفْسِه دَخَلَ نُوحٌ السَّفينَةَ هو وسامٌ وحامٌ ويافَثُ بَنُوه، وٱمْرَأَةُ نُوح وثَلاثُ نِسْوَةِ بَنيه مَعَهُم، هُم وجَميعُ الوُحوشِ بِأَصْنافِها وجَميعُ البَهائِمِ بِأَصْنافِها وجَميعُ الحَيَواناتِ الَّتي تَدِبُّ على الأَرضِ بِأَصْنافِها وجَميعُ الطُّيورِ بِأَصْنافِها مِن كُلِّ طائِرٍ وكُلِّ ذي جَناح. فَدَخَلَ السَّفينَةَ إِلى نُوحٍ ٱثْنانِ ٱثْنانِ مِن كُلِّ ذي جَسَدٍ فيه رُوحُ حَياة، والدَّاخِلونَ دَخَلوا ذُكورًا وإِناثًا من كُلِّ ذي جَسَد، كَما أَمَرَ اللهُ نُوحًا. وأَغْلَقَ الرَّبُّ علَيه. وكانَ الطُّوفانُ أَربَعينَ يَومًا على الأَرض، فكَثُرَتِ المِياهُ وحَمَلَتِ السَّفينةَ فٱرتَفَعَت عَنِ الأَرض. وٱرتَفَعَتِ المِياهُ جِدًّا وكَثُرَت على الأَرض، فسارَتِ السَّفينَةُ على وَجهِ المِياه. وكَثُرَتِ المِياهُ جِدًّا جِدًّا على الأَرض، فتَغَطَّت جَميعُ الجِبالِ الشَّامِخَةِ الَّتي تَحتَ السَّمَواتِ كُلِّها. فٱرتَفَعَتِ المِياهُ خَمْسَ عَشْرَةَ ذِراعًا على الأرض وتغَطَّتِ الجِبال. فهَلَكَ كُلُّ ذي جَسَدٍ يَدِبُّ على الأرضِ مِنَ الطُّيورِ والبَهائِمِ والوُحوش وجَميعِ ما تَعِجُّ بِه الأرض، والنَّاسُ كافَّةً، فماتَ كُلُّ مَن في أَنْفِه نَسَمَةُ حَياةٍ مِن كُلِّ مَن في اليَبَس. ومُحِيَ كُلُّ كائِنٍ على وَجهِ الأَرض مِنَ النَّاسِ حتَّى البَهائِمُ والحَيَواناتُ الدَّابَّةُ وطُيورُ السَّماء، فمُحِيَت مِنَ الأَرض وبَقِيَ نُوحٌ ومَن معَه في السَّفينةِ فقَط. وٱرتَفَعَتِ المِياهُ على الأَرضِ مُدَّةَ مِئَةٍ وخَمْسينَ يَومًا. وذَكَرَ اللهُ نُوحًا وجَميعَ الوُحوشِ والبَهائِمِ الَّتي معه في السَّفينَة. وأَمَرَّ اللهُ رِيحًا على الأَرضِ فَسَكَنَتِ المِياه. وٱنسَدَّت عُيونُ الغَمْرِ وكُوى السَّماء وٱحتَبَسَ المَطَرُ مِنَ السَّماء. وراحَتِ المِياهُ تَتَراجَعُ عَنِ الأَرض، ونَقَصَت في نِهايَةِ المِئَةِ والخَمْسينَ يَومًا. وٱستَقَرَّتِ السَّفينَةُ في الشَّهرِ السَّابِع، في اليَومِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنه، على جِبالِ أَراراط. وكانَتِ المِياهُ لا تَزالُ تَنقُصُ إِلى الشَّهرِ العاشِر، وفي أَوَّلِ يَومٍ مِنه ظَهَرَتِ رُؤُوسُ الجِبال. وكانَ في نِهايَةِ الأَربَعينَ يَومًا أَن فَتَحَ نُوحٌ نافِذَةَ السَّفينَةِ الَّتي صَنَعَها، وأَطلَقَ الغُراب، فخَرَجَ وراحَ يَتَرَدَّدُ إِلى أَن جَفَّتِ المِياهُ عَنِ الأَرض. ثُمَّ أَطلَقَ الحَمامةَ مِن عِندِه لِيَرى هل قَلَّتِ المِياهُ عن وَجهِ الأَرض. فلَم تَجِدِ الحَمامةُ مَوطِئًا لِرِجْلِها، فَرجَعَت إِلَيه إلى السَّفينَة لأَنَّ المِياهَ كانَت على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها. فمَدَّ يَدَه فأَخَذَها وأَدخَلَها إِليه إلى السَّفينَة. وٱنتَظَرَ أَيضًا سَبعَةَ أَيَّامٍ أُخَر وعادَ فأَطلَقَ الحَمامةَ مِنَ السَّفينَة. فعادَت إِلَيه الحَمامةُ وَقْتَ المَساءِ وفي فَمِها وَرَقَةُ زَيتونٍ خَضْراء. فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ المِياهَ قَلَّت عنِ الأَرض. وانتَظَرَ أَيضًا سَبعَةَ أَيَّامٍ أُخَر ثُمَّ أَطلَقَ الحَمامَة فلم تَرجعْ إِلَيه ثانِيَةً. وكانَ في سَنَةِ إِحْدى وسِتِّ مِئَةٍ مِن عُمْرِ نُوحٍ، في اليَومِ الأَوَّلِ من الشَّهرِ الأَوَّل، أَن جَفَّتِ المِياهُ عنِ الأَرض. فرفَع نُوحٌ غِطاءَ السَّفينَةِ ونَظَرَ فإِذا وَجهُ الأَرضِ قد جَفَّ. وفي الشَّهرِ الثَّاني، في اليَومِ السَّابِعِ والعِشْرينَ منه، يَبِسَتِ الأَرض. فخاطَبَ اللهُ نُوحًا قائلًا: «أُخْرُجْ مِنَ السَّفينَة، أَنتَ وٱمرَأَتُكَ وبَنوكَ ونِسْوَةُ بَنيكَ معكَ، وجَميعُ الوُحوشِ الَّتي معكَ من كُلِّ ذي جَسَد، مِنَ الطُّيورِ والبَهائِمِ وكُلِّ دَابٍّ يَدِبُّ على الأَرضِ أَخْرِجْها معكَ لِتَعِجَّ بها الأَرضُ وتَنْموَ وتَكْثُر». فخَرَجَ نُوحٌ وبَنوه وٱمرَأَتُه ونِسوَةُ بَنيه معَه، وجَميعُ الوُحوشِ والحَيَواناتِ الدَّابَّةِ والطُّيورِ وكُلُّ ما يَدِبُّ على الأرض بأَصْنافِها خَرَجَت مِنَ السَّفينَة. وبَنى نُوحٌ مَذبَحًا لِلرَّبّ وأَخَذَ مِن جَميعِ البَهائِمِ الطَّاهرةِ ومِن جَميعِ الطُّيورِ الطَّاهِرَةِ فأَصعَدَ مُحرَقاتٍ على المَذبَح. فتَنَسَّمَ الرَّبُّ رائِحَةَ الرِّضى وقالَ الرَّبُّ في قَلبِه: «لَن أَعودَ إِلى لَعنِ الأَرضِ بِسَبَبِ الإِنسان لأَنَّ ما يَتَصوَّرُه قَلْبُ الإِنسانِ يَنزِعُ إِلى الشَّرِّ مُنذُ حَداثَتِه، ولَن أَعودَ إِلى ضَرْبِ كُلِّ حَيٍّ كما صَنَعتُ. ما دامَتِ الأَرض، فالزَّرْعُ والحِصادُ والبَرْدُ والحَرّ، والصَّيفُ والشِّتاءُ والنَّهارُ واللَّيل لا تَبطُلُ أبدًا». وبارَكَ اللهُ نُوحًا وبَنيه وقالَ لَهم: «اُنْموا وٱكْثُروا وٱمْلَأُوا الأَرض. وخَوْفُكم وذُعرُكم يَكونانِ على جَميعِ وحُوشِ الأَرضِ وجَميعِ طُيورِ السَّماءِ وكُلِّ ما يَدِبُّ على الأَرضِ وأَسماكِ البَحْر، فإِنَّها مُسَلَّمةٌ إِلى أَيْديكم. وكُلُّ حَيٍّ يَدِبُّ يَكونُ لكم مَأكَلًا، وكما أَعطَيتُكمُ العُشْبَ الأَخضَر أُعْطِيكم هذا كُلَّه. ولكِنْ لَحْمًا بِنَفْسِه، أَي بِدَمِه، لا تأكُلوا. أَمَّا دِماؤكم، أَي نُفوسُكم، فأَطلُبُها، مِن يَدِ كُلِّ وَحْشٍ أَطلُبُها، ومِن يَدِ الإِنسان: مِن يَدِ كُلِّ إِنْسانٍ أَطلُبُ نَفْسَ أَخيه. مَن سفَكَ دَمَ الإِنسان سُفِكَ دَمُه عن يَدِ الإِنسان، لأَنَّه على صورةِ اللهِ صُنِعَ الإِنسان. وأَنتُم فٱنْموا وٱكْثُروا ولْتَعِجَّ الأَرضُ بِكم وتسلَّطوا عليها». وخاطَبَ اللهُ نُوحًا وبَنيه معَه قائلًا: «هاءَنذا مُقيمٌ عَهْدي معَكُم ومعَ نَسْلِكم مِن بَعدِكم ومع كُلِّ ذي نَفْسٍ حَيَّةٍ معَكم، مِنَ الطُّيورِ والبَهائِمِ ووُحوشِ الأَرضِ الَّتي مَعَكم: أَي كُلِّ ما خَرَجَ مِنَ السَّفينة وجَميعِ حَيَواناتِ الأَرض. وأُقيمُ عَهْدي معَكم، فكُلُّ ذي جَسَدٍ لا يَنقَرِضُ بَعدَ اليَومِ بِمِياهِ الطُّوفان، ولا يَكونُ بَعدَ اليَومِ طُوفانٌ لِيُتلِفَ الأَرض». وقالَ الله: «هذه عَلامةُ العَهْدِ الَّذي أنا جاعِلُه بَيْني وبَينَكم وبَينَ كُلِّ ذي نَفْسٍ حَيَّةٍ معَكم مَدى الأَجْيالِ للأَبَد: تِلْكَ قَوْسي جَعَلْتُها في الغَمام فتَكونُ عَلامةَ عَهْدي بَيْني وبَيْنَ الأَرض. ويَكونُ أَنَّه إِذا غَيَّمتُ على الأَرضِ وَظَهَرَتِ القَوسُ في الغَمام، ذَكَرتُ عَهْدِيَ الَّذي بَيْني وبَينَكم وبَينَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ في كُلِّ جَسَد، فلا تَكونُ المِياهُ بَعدَ اليَومِ طُوفانًا لِتُهلِكَ كُلَّ ذي جَسَد، وتَكونُ القَوسُ في الغَمام، حتَّى إِذا رَأَيتُها ذَكَرتُ العَهْدَ الأَبَدِيَّ بَينَ اللهِ وكُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ من كُلِّ ذي جَسَدٍ على الأَرض». وقالَ اللهُ لِنُوح: «هٰذِه عَلامةُ العَهْدِ الَّذي أَقَمتُه بَيني وبَينَ كُلِّ ذي جَسَدٍ على الأَرض». وكانَ بَنو نوحٍ الَّذينَ خَرَجوا مِنَ السَّفينةِ سامًا وحامًا ويافَث. وحامٌ هو أَبو كَنْعان. هٰؤُلاءِ الثَّلاثةُ هم بَنو نُوح، ومِنْهمُ ٱنتَشَرَ النَّاسُ في الأَرضِ كُلِّها. وَٱبتَدَأَ نُوحٌ حارِثُ الأَرضِ يَغرِسُ الكَرْم. وشَرِبَ من الخَمرِ فسَكِرَ وتَكشَّفَ في داخِلِ خَيمَتِه. فرأَى حامٌ أَبو كَنْعانَ عَورَةَ أَبيه فأَخبَرَ أَخَوَيه وهُما في خارِجِ الخَيمَة. فأَخَذَ سامٌ ويافَثُ الرِّدَاءَ وجَعَلاه على كَتِفَيهِما ومَشَيَا إِلى الوَراء فغَطَّيا عَورَةَ أَبيهِما، وَوَجْهُهما إِلى الجِهَةِ الأُخْرى، فلَم يَريَا عَورَةَ أَبيهِما. فلَمَّا أَفاقَ نُوحٌ مِن خَمرِه، عَلِمَ ما صَنَعَ بِه ٱبْنُه الصَّغير. فقال: «مَلْعونٌ كَنْعان! عَبْدًا يَكونُ لِعَبيدِ إِخوَتِه» وقال: «مُبارَكٌ الرَّبُّ إِلٰهُ سامٍ، ولْيَكُنْ كَنْعانُ عَبْدًا له! لِيُوَسِّعِ اللهُ لِيافَث، ولْيَسكُنْ في خِيامِ سام، ولْيَكُنْ كَنْعانُ عبدًا لَه!». وعاشَ نُوحٌ بَعدَ الطُّوفانِ ثَلاثَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمْسينَ سَنَة. فكانَت كُلُّ أَيَّامِ نُوحٍ تِسْعَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمْسينَ سنة، ومات. هٰذِه سُلالَةُ بَني نُوح، سامٍ وحامٍ ويافَث ومَن وُلِدَ لَهم مِنَ البَنينَ بَعدَ الطُّوفان: بَنو يافَث: جُومَر وماجوج وماداي وياوان وتُوبَل وماشَك وتِيراس. وبَنو جُومَر: أَشْكَناز ورِيفات وتُوجَرمة. وبَنو ياوان: أَلِيشَة وتَرْشيش والكِتِّيم والرُّودانيم. مِن هٰؤُلاءِ تَشَتَّتَ النَّاسُ في جُزُرِ الأُمَم. هٰؤُلاءِ بَنو يافَث بِحَسَبِ بُلْدانِهم، كُلٌّ بِحَسَبِ لُغَتِه، وعشائِرِهم وأُمَمِهِم. وبَنو حام: كُوش ومِصْرائيم وفُوط وكَنْعان. وبَنو كوش: سَبَأ وحَوِيلة وسَبْتَة ورَعْمَة وسَبْتَكا، وبَنو رَعْمَة: شَبَأ ودَدان. وكوشٌ وَلَدَ نُمْرود، وهُو أَوَّلُ جَبَّارٍ في الأرض. وكانَ صَيَّادًا جَبَّارًا أَمامَ الرَّبّ، ولِذَلك يُقال: «كَنُمْرُودَ صَيَّادٌ جَبَّارٌ أَمامَ الرَّبّ». وكانَ أَوَّلُ مَملَكَتِه بابِل وأَرَك وأَكَّد وكَلْنَة في أَرضِ شِنْعار. ومِن تِلكَ الأَرضِ خَرَجَ إِلى أَشُّور فَبَنى نِينَوى ورَحْبوتَ عِير وكالَح، وراسَن بَينَ نِينَوى وكالَح، وهي المَدينةُ العَظيمة. ومِصْرائِيمُ وَلَدَ اللُّوديم والعَناميم واللَّهابيم والنَّفْتوحيم والفَتْروسيم والكَسْلوحيم والكَفْتوريم الَّذينَ خَرَجَ مِنهُمُ الفَلِسطِينِيُّون. وكَنْعانُ وَلَدَ صِيدونَ بِكْرَه وحِثًّا واليَبوسِيَّ والأَمُورِيَّ والجرْجاشِيَّ والحُوِّيَّ والعَرْقِيَّ والسِّينِيَّ والأَرْوادِيَّ والصَّمارِيَّ والحَماتِيَّ. وبَعدَ ذٰلِكَ تَفَرَّقَت عَشائِرُ الكَنْعانِيِّينَ. وكانَت حُدودُ الكَنْعانِيِّينَ مِن صِيدونَ وأَنتَ آتٍ نَحوَ جَرارَ إِلى غَزَّة، وأَنتَ آتٍ نَحوَ سَدومَ وعَمورةَ وأدْمَةَ وصَبوئيم إلى لاشَع. هٰؤُلاءِ بَنو حامٍ بِحَسَبِ عَشائِرِهم ولُغاتِهِم وبُلْدانِهِم وأُمَمِهم. ووُلِدَ لِسامٍ أَيضًا بَنون، وهو أَبو جَميعِ بَني عابَر وأَخو يافَثَ الأَكبَر. وبَنو سامٍ: عِيلام وأَشُّور وأَرفَكْشاد ولُود وأَرام. وبَنو أَرام: عُوص وحُول وجاثَر وماش. وأَرفَكْشادُ وَلَدَ شالَح، وشالَحُ وَلَدَ عابَر. ووُلِدَ لِعابَرَ ٱبْنان: اِسْمُ أَحَدِهما فالَج لأَنَّه في أَيَّامِه ٱنقَسَمَتِ الأَرض، وٱسْمُ أَخيه يُقْطان. ويُقْطانُ وَلَدَ أَلْموداد وشالَف وحَضرَمَوت ويارَح. وهَدورام وأُوزال ودِقْلَة وعُوبال وأَبيمائيل وشَبَأ وأُوفير وحَويلة ويُوباب. جَميعُ هٰؤُلاءِ بَنو يُقْطان. وكانوا يُقيمونَ مِن مِيشا وأَنتَ آتٍ نَحوَ سَفار، جَبَلِ المَشرِق. هٰؤُلاءِ بَنو سامٍ بِحَسَبِ عَشائِرِهِم ولُغاتِهِم وبُلْدانِهِم وأُمَمِهِم. هَؤُلاءِ عَشائِرُ بَني نُوحٍ بِحَسَبِ سُلالاتِهِم وأُمَمِهِم. ومِنهُم تَشَتَّتَتِ الأُمَمُ في الأَرضِ بَعدَ الطُّوفان. وكانَتِ الأَرضُ كُلُّها لُغَةً واحِدة وكَلامًا واحدًا. وكانَ أَنَّهم لَمَّا رَحَلوا مِنَ المَشرِق وَجَدوا سَهْلًا في أَرضِ شِنْعار فأَقاموا هُناك. وقالَ بَعضُهم لِبَعض: «تَعالَوا نَصنَعْ لَبِنًا ولْنُحرِقْه حَرْقًا». فكانَ لَهُمُ اللَّبِنُ بَدَلَ الحِجارة، والحُمَرُ كانَ لَهم بَدَلَ الطِّين. وقالوا: «تَعالَوا نَبْنِ لَنا مَدينةً وبُرْجًا رَأسُه في السَّماء، ونُقِمْ لنا ٱسْمًا كَي لا نَتَفَرَّقَ على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها». فنَزَلَ الرَّبُّ لِيَرى المَدينةَ والبُرجَ اللَّذَينِ بَناهُما بَنو آدم. وقالَ الرَّبّ: «هُوَذا هُم شَعبٌ واحِد ولِجَميعِهم لُغَةٌ واحِدة، وهٰذا ما أَخَذوا يَفعَلونَه. والآنَ لا يَكُفُّونَ عَمَّا هَمُّوا بِه حتَّى يَصنَعوه. فلْنَنْزِلْ ونُبَلْبِلْ هُناكَ لُغَتَهم، حَتَّى لا يَفهَمَ بَعضُهم لُغَةَ بَعض». فَفَرَّقَهُمُ الرَّبُّ مِن هُناكَ على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها، فكَفُّوا عن بِناءِ المدينة. ولِذٰلِكَ سُمِّيَت بابِل، لأنَّ الرَّبَّ هُناكَ بَلبَلَ لُغَةَ الأَرضِ كُلِّها. ومِن هُناكَ فَرَّقَهمُ الرَّبُّ على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها. هٰذِه سُلالَةُ سام: لَمَّا كانَ سامٌ ٱبنَ مِئَةِ سنة، وَلَدَ أَرفَكْشاد لِسَنَتَينِ بَعدَ الطُّوفان. وعاشَ سامٌ، بَعدَما وَلَدَ أرفَكْشاد، خَمْسَ مِئَةِ سَنَةٍ فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. وعاشَ أَرفَكْشادُ خَمْسًا وثَلاثينَ سنةً ووَلَدَ شالَح. وعاشَ أَرفَكْشادُ، بَعدَما وَلَدَ شالَح، أَربَعَ مِئَةِ سَنَةٍ وثلاثَ سِنين فَوَلَدَ بَنينَ وبنات. وعاش شالَحُ ثَلاثينَ سَنَةً ووَلَدَ عابَر. وعاشَ شالَح، بَعدَما وَلَدَ عابَر، أَربَعَ مِئَةِ سَنَةٍ وثَلاثَ سِنين فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. وعاشَ عابَرُ أَربَعًا وثَلاثينَ سَنَةً ووَلَدَ فالَج. وعاشَ عابَر، بَعدَما وَلَدَ فالَج، أَربَعَ مِئَةٍ وثَلاثينَ سَنَةً فَوَلَدَ بَنينَ وبَنات. وعاشَ فالَجُ ثَلاثينَ سَنَةً ووَلَدَ رَعُو. وعاشَ فالَج، بَعدَما وَلَدَ رَعو، مِئَتَي سَنَةٍ وتِسْعَ سِنين فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. وعاشَ رَعُو ٱثنَتَينِ وثَلاثينَ سَنَةً ووَلَدَ سَروج. وعاشَ رَعُو، بَعدَما وَلَدَ سَروج، مِئَتَي سَنَةٍ وسَبعَ سِنين فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. وعاشَ سَروجُ ثَلاثينَ سَنَةً ووَلَدَ ناحور. وعاشَ سَروج، بَعدَما وَلَدَ ناحور، مِئَتَي سَنَةٍ فَوَلَدَ بَنينَ وبَنات. وعاشَ ناحورُ تِسْعًا وعِشْرينَ سَنَةً ووَلَدَ تارَح. وعاشَ ناحور، بَعدَما وَلَدَ تارَح، مِئَةَ سَنَةٍ وتِسْعَ عَشَرَةَ سَنَةً فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. وعاشَ تارَحُ سَبْعينَ سَنَةً ووَلَدَ أَبْرامَ وناحورَ وهاران. وهٰذه سُلالةُ تارَح: تارَحُ وَلَدَ أَبْرامَ وناحورَ وهاران، وهارانُ وَلَدَ لُوطًا. وماتَ هارانُ قَبْلَ أَبيه تارَح في مَسْقَطِ رأسِه أُورِ الكَلْدانِيِّين. وٱتَّخَذَ أَبْرامُ وناحورُ لَهُما ٱمرَأَتَين، اِسْمُ ٱمْرَأَةِ أَبْرامَ ساراي، وٱسْمُ ٱمرَأَةِ ناحورَ مِلْكَة، بِنْتُ هاران، أَبي مِلْكَةَ وأَبي يَسْكَة. وكانَت سارايُ عاقِرًا لَيسَ لَها وَلَد. وأَخَذَ تارَحُ أَبرامَ ٱبنَه، ولوطَ بْنَ هارانَ بْنَ ٱبنِه، وساراي كَنَّتَه، ٱمْرَأَةَ أَبْرامَ ٱبنِه، فَخَرَجَ بِهِم مِن أُورِ الكَلْدانِيِّين، لِيَذْهَبوا إِلى أَرضِ كَنْعان. فجاءُوا إِلى حاران وأَقاموا هُناك. وكانَ عُمْرُ تارَح مِئَتَي سَنَةٍ وخَمْسَ سِنين. وماتَ تارَحُ بِحاران. وقالَ الرَّبُّ لأَبْرام: «اِنطَلِقْ مِن أَرضِكَ وعَشيرَتِكَ وبَيتِ أَبيكَ، إِلى الأَرضِ الَّتي أُريكَ. وأنا أَجعَلُكَ أُمَّةً كَبيرة وأُبارِكُكَ وأُعظِّمُ ٱسمَكَ، وتَكُونُ بَركَة. وأُبارِكُ مُبارِكيكَ، وأَلعَنُ لاعِنيكَ ويَتَبارَكُ بِكَ جَميعُ عَشائِرِ الأَرض». فٱنطَلَقَ أَبْرامُ كما قالَ له الرَّبّ، ومَضى مَعَه لُوط. وكانَ أَبْرامُ ٱبنَ خَمْسٍ وسَبْعينَ سَنَةً، حينَ خَرَجَ مِن حاران. فأَخَذَ أَبْرامُ سارايَ ٱمرَأَتَه ولُوطًا ٱبنَ أَخيه وجَميعَ أَمْوالِهِما الَّتي ٱقتَنَياها والنُّفوسَ الَّتي ٱمتَلَكاها في حاران، وخَرَجوا لِيَمْضوا إِلى أَرْضِ كَنْعان، وأَتَوا أَرضَ كَنْعان. فٱجْتازَ أَبْرامُ في الأرضِ إِلى مَوضِعِ شَكيم، إِلى بَلُّوطَةِ مُورة، والكَنْعانِيُّونَ حينَئذٍ في الأَرض. فَتراءى الرَّبُّ لأَبْرامَ وقال: «لِنَسلِكَ أُعْطي هٰذه الأَرض». فبَنى هُناكَ مَذبَحًا لِلرَّبِّ الَّذي تَجَلَّى لَه. ثُمَّ ٱنتَقَلَ مِن هُناك إِلى الجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيتَ إِيل وضَرَبَ خَيمَتَه، وغَرْبِيَّهُ بَيْتَ إِيل وشَرْقِيَّهُ عايُ، وبَنى هُناكَ مَذبَحًا لِلرَّبّ ودَعا بٱسْمِ الرَّبّ. ثُمَّ رَحَلَ أَبْرامُ رَحيلًا مُتَوالِيًا نَحوَ النَّقَب. وكانَت مَجاعةٌ في الأَرض. فنَزَلَ أَبْرامُ إِلى مِصْرَ لِيُقيمَ هُناك، لأَنَّ المَجاعَةَ قدِ ٱشْتَدَّت في الأَرض. فلَمَّا قارَبَ أَن يَدخُلَ مِصْر، قالَ لِسارايَ ٱمرَأَتِه: «أَنا أَعلَمُ أَنَّكِ ٱمرَأَةٌ جَميلَةُ المَنظَر، فيَكونُ، إِذا رآكِ المِصريُّون، أَنَّهم يَقولون: «هٰذِه ٱمرَأَتُه»، فيَقتُلونَني ويُبقونَكِ على قَيدِ الحَياة. فَقولي إِنَّكِ أُخْتي، حَتَّى يُحسَنَ إِلَيَّ بِسَبَبِكِ وتَحْيا نَفْسي بِفَضْلِكِ». ولَمَّا دَخَلَ أَبْرامُ مِصْر، رأَى المِصريُّونَ أَنَّ المَرأَةَ جَميلةٌ جِدًّا. ورَآها رُؤَساءُ فِرْعَون ومَدَحوها لَدى فِرْعَون فأُخِذَتِ المَرأَةُ إِلى بَيتِه. فأَحسَنَ إِلى أَبْرامَ بِسَبَبِها فصارَ لَه غَنَمٌ وبَقَرٌ وحَميرٌ وخُدَّامٌ وخادماتٌ وحَمائِرُ وجِمال. فَضَرَبَ الرَّبُّ فِرْعَونَ وبَيتَه ضَرَباتٍ شَديدةً بِسَبَبِ سارايَ ٱمرَأَةِ أَبْرام. فٱستَدْعى فِرْعَونُ أَبرامَ وقالَ له: «ماذا صَنَعتَ بي؟ لِمَ لَم تُعلِمْني أَنَّها ٱمرأَتُكَ؟ لِمَ قُلتَ: هي أُخْتي، حتَّى أَخَذتُها لِتَكونَ لِيَ ٱمرَأَةً؟ والآنَ هٰذِهِ ٱمرَأَتُكَ: خُذْها وٱمْضِ». وأَمَرَ فِرْعَونُ قَومًا فشَيَّعوه هو وٱمرَأَتَه وكُلَّ ما لَه. فصَعِدَ أَبْرامُ مِن مِصْرَ هو وٱمرَأَتُه وكُلُّ ما له، ولوطٌ مَعه، إِلى النَّقَب. وكانَ أَبْرامُ غَنِيًّا جِدًّا بِالماشِيَةِ والفِضَّةِ والذَّهب. فمَضى بِمَراحِلِه مِنَ النَّقَبِ إِلى بَيتَ إِيل، إِلى المَوضِعِ الَّذي كانَت فيه خَيمَتُه أَوَّلًا، بَينَ بَيتَ إِيلَ وعاي، إِلى مَوضِعِ المَذبَحِ الَّذي صنَعَه هُناكَ أَوَّلًا فدَعا أَبْرامُ هُناكَ بِٱسْمِ الرَّبّ. وكانَ أَيضًا لِلُوطٍ السَّائِرِ مع أَبْرامَ غَنَمٌ وبَقَرٌ وخِيام. فلم يَحتَمِلْ ضِيقُ الأَرضِ أَن يُقيما فيها معًا، لأَنَّ مالَهُما كانَ كَثيرًا، فلَم يُمْكِنْهُما المُقامُ معًا. فكانَت خُصومةٌ بَينَ رُعاةِ ماشِيَةِ أَبْرام ورُعاةِ ماشِيَةِ لُوط (والكَنْعانِيَّونَ والفَرزِيُّونَ حينَئِذٍ مُقيمونَ في الأَرض). فقالَ أَبْرامُ لِلُوط: «لا تَكُنْ خُصومةٌ بَيْني وبَينَكَ، ولا بَينَ رُعاتي ورُعاتِكَ، فنَحنُ إخْوَة. أَلَيسَتِ الأَرضُ كُلُّها أَمامَكَ؟ تَنَحَّ عَنِّي، إِمَّا إِلى اليَسارِ فأَذهَبَ إِلى اليَمين، وإِمَّا إِلى اليَمينِ فأَذهَبَ إِلى اليَسار». فَرفَعَ لُوطٌ عَينَيه ورأَى كُلَّ سَهْلِ الأُردُنّ، فإِذا كُلُّه سِقْيٌ، وكانت، قَبلَ أَن دَمَّرَ الرَّبُّ سَدومَ وعَمورة، كَجَنَّةِ الرَّبّ، مِثْلَ أَرضِ مِصْرَ وأَنتَ آتٍ نَحوَ صُوعَر. فٱختارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ كُلَّ سَهْلِ الأُردُنّ، ورَحَلَ إِلى المَشرِق، وفارَقَ كُلُّ واحِدٍ أَخاه: فأَقامَ أَبْرامُ في أَرضِ كَنْعان وأَقامَ لُوطٌ في مُدُنِ السَّهْل وخَيَّم حتَّى سَدوم. وأَهْلُ سَدومَ أَشْرارٌ خاطِئونَ إِلى الرَّبِّ جِدًّا. وقالَ الرَّبُّ لأَبْرام، بَعدَما فارَقَه لُوط: «اِرفَعْ عَينَيكَ وٱنظُرْ مِنَ المكانِ الَّذي أَنتَ فيه شَمالًا وجَنوبًا وشَرْقًا وغَرْبًا: إِنَّ كُلَّ الأَرضِ الَّتي تَراها لَكَ أُعْطيها ولِنَسلِكَ لِلأَبَد. وأَجعَلُ نَسلَكَ كَتُرابِ الأَرْض، حَتَّى إِن أَمكَنَ أَحدًا أَن يُحصِيَ تُرابَ الأَرض، فنَسلُكَ أَيضًا يُحْصى. قُمْ فٱمْشِ في الأَرضِ طُولِها وعَرْضِها، فإِنِّي لَكَ أُعْطيها». فٱنْتَقَلَ أَبْرامُ بِخِيامِه وجاءَ فأَقامَ في بَلُّوطِ مَمْرا الَّتي بِحَبْرون وبَنى هُناكَ مَذبَحًا لِلرَّبّ. وكانَ في أَيَّامِ أَمْرافَل، مَلِكِ شِنْعار، وأَرْيوك، مَلِكِ أَلاَّسار، وكَدُرْلاعُومَر، مَلِكِ عَيلام، وتِدْعال، مَلِكِ الأُمَم، أَنَّهم حارَبوا بارَع، مَلِكَ سَدوم، وبِرشاع، مَلِكَ عَمورة، وشِنْآب، مَلِكَ أَدْمة، وشَمْئِيبَر، مَلِكَ صَبوئيم، ومَلِكَ بالَع (وهي صُوعَر). هَؤُلاء كُلُّهم تَجَمَّعوا في وادي السَّدِّيم (وهو بَحْرُ المِلْح)، اِثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً خَضَعوا لِكَدُرْلاعُومَر، وفي الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ تَمَرَّدوا. وفي السَّنَةِ الرابِعَةَ عَشْرَةَ أَقبَلَ كَدُرْلاعُومَر والمُلوكُ الَّذينَ مَعَه فَضَرَبوا الرَّفائِيِّينَ في عَشْتاروتَ قَرْنائيم، والزُّوزِيِّينَ في هام، والإِيمِيِّينَ في سَهْلِ قِرْيَتائيم، والحُورِيِّينَ في جَبَلِهم سِعير، حتَّى إِيلَ الفارانِ الَّذي عِندَ البَرِّيَّة. ثُمَّ رَجَعوا وجاؤُوا إِلى عَينِ القَضاء (وهي قادِش)، فضَرَبوا كُلَّ أَرضِ العَمالِقة وكُلَّ أَرضِ الأَمورِيِّينَ المُقيمينَ في حَصاصونَ تامار. فخَرَجَ مَلِكُ سَدومَ ومَلِكُ عَمورة ومَلِكُ أَدْمة ومَلِكُ صَبوئيم ومَلِكُ بالَع (وهي صُوعَر)، فٱصطَفُّوا لِلقِتالِ في وادي السِّدِّيم، على كَدُرْلاعُومَر، مَلِكِ عَيلام، وتِدْعال، مَلِكِ الأُمَم، وأَمْرافال، مَلِكِ شِنْعار، وأَرْيوك، مَلِكِ أَلاَّسار: أَربَعَةِ مُلوكٍ على خَمْسَة! وفي وادي السِّدِّيم آبارُ حُمَرٍ كَثيرة، فٱنهَزَمَ مَلِكا سَدومَ وعَمورَة فسَقَطا فيها، والباقونَ هَرَبوا إِلى الجَبَل. فأَخَذوا جَميعَ أَمْوالِ سَدومَ وعَمورة وكُلَّ مَؤُونَتِهم ومَضَوا. وأَخَذوا لُوطَ ٱبنَ أَخي أَبْرام وأَمْوالَه ومَضَوا، وكانَ مُقيمًا في سَدوم. فجاءَ مَن أَفلَتَ وأَخبَرَ أَبْرامَ العِبْرانِيّ، وهو مُقيمٌ عِندَ بلُّوطِ مَمْرا الأَمورِيّ، أَخي أشْكولَ وعانِر، وهُم حُلَفاءُ أَبْرام. فلَمَّا سَمِعَ أَبْرامُ أَنَّ أَخاه قد أُسِرَ، جَنَّدَ رِجالَه المُدَرَّبينَ المَولودينَ في بَيتِه، وعدَدُهُم ثَلاثُ مِئَةٍ وثَمانِيَةَ عَشَر، وجَدَّ في إِثْرِهِم حَتَّى دان. وتَفَرَّقَ عَلَيهِم لَيلًا هو ورِجالُه، فَضَرَبَهم وتعَقَّبَهم حتَّى حُوبَةَ الَّتي في شَمالِ دِمَشق. فٱستَرجَعَ جَميعَ الأَمْوال وٱستَرَدَّ لُوطًا أَخاه وأَمْوالَه والنِّساءَ والقَوم. وعِندَ رُجوعِ أَبْرامَ، بَعدَ أَن كَسَرَ كَدُرْلاعُومَرَ والمُلوكَ الَّذينَ مَعَه، خَرَجَ مَلِكُ سَدومَ لِمُلاقاتِه إِلى وادي شَوَى (وهو وادي المَلِك). وأَخْرَجَ مَلْكيصادَق، مَلِكُ شَليم، خُبْزًا وخَمْرًا، لأَنَّه كانَ كاهِنًا للهِ العَلِيّ. وبارَكَ أَبْرامَ وقال: «على أَبْرامَ بَرَكَةُ اللهِ العَلِيّ، خالِقِ السَّمَواتِ والأَرض. وتَبارَكَ اللهُ العَلِيّ، الَّذي أَسلَمَ أَعداءَكَ إِلى يَدَيكَ». وأَعْطاه أَبْرامُ العُشْرَ مِن كُلِّ شَيء. وقالَ مَلِكُ سَدومَ لأَبْرام: «أَعْطِني النُّفوس، والأَمْوالُ خُذْها لك». فقالَ أَبْرامُ لِمَلِكِ سَدومَ: «رَفَعتُ يَدي إِلى الرَّبِّ الإِلٰهِ العَلِيّ، خالِقِ السَّمَواتِ والأَرض: لا أَخَذتُ خَيْطًا ولا شَريطَ نَعْلٍ من جَميعِ ما لَكَ، لِئَلاَّ تقول: أَنا أَغنَيتُ أَبْرام. لا شَيءَ لي سوى ما أَكَلَه الغِلْمان ونَصيبِ الرِّجالِ الَّذينَ ذَهَبوا معي: عانِر وأَشْكول ومَمْرا، فهُم يأخُذونَ نَصيبَهم». بَعدَ هٰذه الأَحْداث كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى أَبْرامَ في الرُّؤيا قائلًا: «لا تَخَفْ يا أَبْرام. أَنا تُرْسٌ لَكَ، وأَجْرُكَ عَظيمٌ جِدًّا» فقالَ أَبْرام: «أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، ماذا تُعْطيني؟ إِنِّي مُنْصَرِفٌ عَقيمًا، وقَيِّمُ بَيتي هو أَليعازَرُ الدِّمَشْقيّ». وقالَ أَبْرام: «إِنَّكَ لَم تَرزُقْني نَسْلًا، فَهُوَذا رَبيبُ بَيتي يَرِثُني». فإِذا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ إِليه قائلًا: «لن يَرِثَكَ هذا، بل مَن يَخْرُجُ مِن أَحْشائِكَ هو يَرِثُكَ». ثُمَّ أَخرَجَه إِلى خارِجٍ وقال: «اُنْظُرْ إِلى السَّماء وأَحْصِ الكَواكِبَ إِنِ ٱستَطَعتَ أَن تُحصِيَها»، وقالَ له: «هٰكذا يَكونُ نَسْلُك». فآمَنَ بِالرَّبّ، فحَسَبَ لَه ذٰلك بِرًّا. وقالَ له: «أَنا الرَّبُّ الَّذي أَخرجَكَ مِن أُورِ الكَلْدانِيِّينَ لأُعْطِيَكَ هذه الأَرضَ مِيراثًا لَكَ». فقالَ: «أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، بِماذا أَعلَمُ أَنِّي أَرِثُها؟». فقالَ لَه: «خُذْ لي عِجلَةً في سَنَتِها الثَّالِثَة وعَنزَةً في سَنَتِها الثَّالِثَة وكَبْشًا في سَنَتِه الثَّالِثَة ويَمامةً وجَوزَلًا». فأَخَذَ لَه جَميعَ هٰذه وشطَرَها أَنْصافًا، ثُمَّ جَعَلَ كُلَّ شَطْرٍ قُبالَةَ الآخَر، والطَّائِرانِ لم يَشطُرْهُما. فٱنقَضَّتِ الجَوارِحُ على الجُثَث، فطَرَدَها أَبْرام. ولَمَّا صارَتِ الشَّمسُ إِلى المَغيب، وَقَعَ سُباتٌ عَميقٌ على أَبْرام، فإِذا بِرُعبِ ظُلمَةٍ شَديدةٍ قد وَقَعَ عَليه. فقالَ الرَّبُّ لأَبْرام: «اِعلَمْ يَقينًا أَنَّ نَسلَكَ سَيَكونونَ نُزَلاءَ في أَرضٍ لَيسَت لَهم، ويَستَعبِدونَهم ويُذِلُّونَهم أَربَعَ مِئَةِ سَنَة. والأُمَّةُ الَّتي يُستَعبَدونَ لَها سأَدينُها أَنا، وبَعدَ ذٰلك يَخرُجونَ بِمالٍ كَثير. وأَنتَ تَنضَمُّ إِلى آبائِكَ بِسَلام وتُدفَنُ بِشيبَةٍ طَيِّبة. وفي الجِيلِ الرَّابِع يَرجِعونَ إِلى هٰهُنا، لأَنَّ إِثْمَ الأَمورِيِّينَ لَن يَكونَ قدِ اكْتَمَلَ عِندَئِذٍ». فلَمَّا غابَتِ الشَّمْسُ وخَيَّمَ الظَّلام، إِذا بِتَنُّورِ دُخانٍ ومِشعَلِ نارٍ يَسيرانِ بَينَ تِلكَ القِطَع. في ذٰلِكَ اليَوم قَطَعَ الرَّبُّ معَ أَبْرامَ عَهْدًا قائلًا: «لِنَسلِكَ أُعْطي هٰذِه الأَرض، مِن نَهْرِ مِصْرَ إِلى النَّهْرِ الكَبير، نَهْرِ الفُرات القِينِيِّين والقَنْزِيِّين والقَدْمونِيِّين والحِثِّيِّين والفَرِزِيِّين والرَّفائِيِّين والأَمورِيِّين والكَنْعانِيِّين والجِرجاشِيِّين واليَبوسِيِّين». وأَمَّا سارايُ ٱمرَأَةُ أَبْرام، فلَم تَلِدْ لَه. وكانَت لَها خادِمةٌ مِصريَّةٌ ٱسمُها هاجَر. فقالَت سارايُ لأَبْرام: «هُوَذا قد حَبَسَني الرَّبُّ عنِ الوِلادة، فٱدخُلْ على خادِمَتي، لَعَلَّ بَيتي يُبْنى مِنْها». فسَمِعَ أَبْرامُ لِقَولِ ساراي. فبَعدَ عَشْرِ سِنينَ مِن إِقامةِ أَبْرامَ في أَرضِ كَنْعان، أَخَذَت سارايُ ٱمرَأَتُه هاجَرَ المِصرِيَّةَ خادِمَتَها فأَعْطَتها لأَبْرامَ زَوجِها لِتَكونَ لَه زَوجَةً. فدَخَلَ على هاجَر فحَمَلَت. فلمَّا رَأَت أَنَّها قد حَمَلَت، هانَت سَيِّدَتُها في عَينَيها. فقالَت سارايُ لأَبْرام: «ظُلْمي علَيكَ! إِنِّي وَضَعتُ خادِمَتي في حِضنِكَ، فلَمَّا رَأَت أَنَّها قد حَمَلَت هُنتُ في عَينَيها. لِيَحكُمِ الرَّبُّ بَيني وبَينَكَ». فقالَ أَبْرامُ لِساراي: «هذه خادِمَتُكِ في يَدِكِ، فٱصنَعي بِها ما يَحسُنُ في عَينَيكِ». فأَذَلَّتْها ساراي، فهَرَبَت من وَجهِها. فوجَدَها مَلاكُ الرَّبِّ عِندَ عَينِ ماءٍ في البَرِّيَّة، عَينِ الماءِ الَّتي في طَريقِ شور. فقال: «يا هاجَر، خادِمَةَ ساراي، مِن أَينَ جِئتِ وإِلى أَينَ تَذهَبين؟». قالت: «إِنِّي هارِبَةٌ مِن وَجهِ سارايَ سَيِّدَتي». فقالَ لَها مَلاكُ الرَّبّ: «اِرْجِعي إِلى سَيِّدتِكِ وتَذَلَّلي تَحتَ يَدَيها». وقالَ لَها مَلاكُ الرَّبّ: «لَأُكَثِّرَنَّ نَسلَكِ تَكْثيرًا حتَّى لا يُحْصى لِكَثرَتِه». وقالَ لَها مَلاكُ الرَّبّ: «ها أنتِ حامِلٌ وستَلِدينَ ٱبنًا، وتُسَمِّينَه إسْماعيل، لأَنَّ الرَّبَّ قد سَمِعَ صَوتَ شَقائِكِ، ويَكونُ حِمارًا وَحْشِيًّا بَشَرِيًّا يَدُه على الجَميع ويَدُ الجَميعِ علَيه، وفي وَجهِ جَميعِ إِخوَتِه يَسكُن». فأَطلَقَت على الرَّبِّ مُخاطِبِها ٱسمَ «أَنتَ اللهُ الرَّائي»، لأَنَّها قالَت: «أَما رأَيتُ هٰهُنا قَفا رائِيَّ؟». لِذٰلِكَ سُمِّيَتِ البِئرُ بِئرَ الحَيِّ الرَّائيّ، وهي بينَ قادِش وبارَد. ووَلَدَت هاجَرُ لأَبْرامَ ٱبْنًا، فسَمَّى أَبْرامُ ٱبنَه الَّذي وَلَدَته هاجَرُ إِسْماعيل. وكانَ أَبْرامُ ٱبنَ سِتٍّ وثَمانينَ سَنَةً حينَ وَلَدَت هاجَرُ إِسْماعيلَ لأَبْرام. ولَمَّا كانَ أَبْرامُ ٱبنَ تِسْعٍ وتِسعينَ سَنَةً، تَراءى لَه الرَّبُّ وقالَ له: «أنا اللهُ القدير، فسِرْ أَمامي وكُنْ كامِلًا. سأَجعَلُ عَهْدي بَيني وبَينَكَ وسأُكَثِّرُكَ جِدًّا». فسقَطَ أَبْرامُ على وَجهِه. وخاطَبَه اللهُ قائلًا: «ها أَنا أَجعَلُ عَهْدي معَكَ، فتَصيرُ أَبا عَدَدٍ كَبيرٍ مِنَ الأُمَم. ولا يَكونُ ٱسمُكَ أَبْرامَ بَعدَ اليَوم، بل يَكونُ ٱسمُكَ إِبراهيم، لأَنِّي جَعَلتُكَ أَبا عَدَدٍ كَبيرٍ مِنَ الأُمَم. وسَأُنْميكَ جِدًّا جِدًّا وأَجعَلُكَ أُمَمًا، ومُلوكٌ مِنكَ يَخرُجون. وأُقيمُ عَهْدي بَيني وبَينَكَ وبَينَ نَسلِكَ مِن بَعْدِكَ مَدى أَجْيالِهم، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكونَ لَكَ إِلٰهًا ولِنَسْلِكَ مِن بَعدِكَ. وأُعْطيكَ الأرضَ الَّتي أَنتَ نازِلٌ فيها، لَكَ ولِنَسلِكَ مِن بَعْدِكَ، كُلَّ أَرضِ كَنْعان، مِلْكًا مُؤَبَّدًا، وأَكونُ لَهم إلٰهًا». وقالَ اللهُ لِإبْراهيم: «وأَنتَ فٱحْفَظْ عَهْدي، أَنتَ ونَسْلُكَ مِن بَعدِكَ مَدى أَجْيالِهِم. هٰذا هو عَهْديَ الَّذي تَحفَظونَه بَيني وبَينَكم وبَينَ نَسلِكَ من بَعدِكَ: يُختَنُ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم. فتُختَنونَ في لَحمِ قُلفَتِكم، ويَكونُ ذٰلك عَلامَةَ عَهْدٍ بَيني وبَينَكم. وٱبنَ ثمانِيَةِ أَيَّامٍ يُختَنُ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم مِن جيلٍ إلى جيل، سَواءٌ أَكانَ مَولودًا في البَيت أَم مُشْتَرًى بِالفِضَّة مِن كُلِّ غَريبٍ لَيسَ مِن نَسلِكَ. يُخْتَنُ المَولودُ في بَيتِكَ والمُشْتَرى بفِضَّتِكَ، فيَكونُ عَهْدي في أَجْسادِكم عَهْدًا أَبدَيًّا. وأَيُّ أَقلَفَ مِنَ الذُّكورِ لم يُختَنْ في لَحمِ قُلْفَتِه، تُفصَلُ تِلكَ النَّفْسُ مِن ذَوِيها، لأَنَّه قد نَقَضَ عَهْدي». وقالَ اللهُ لِإبراهيم: «سارايُ ٱمرَأَتُكَ لا تُسَمِّها ساراي، بل سَمِّها سارة. وأَنا أُبارِكُها وأَرزُقُكَ مِنها ٱبنًا وأُبارِكُها فتَصيرَ أُمَمًا، ومُلوكُ شُعوبٍ مِنها يَخرُجون». فسَقَطَ إِبْراهيمُ على وَجهِه وضَحِكَ وقالَ في قَلبِه: «أَلِٱبنِ مِئَةِ سَنَةٍ يُولَدُ وَلَد، أَم سارةُ، وهي ٱبْنَةُ تِسعينَ سَنَةً، تَلِد؟». فقالَ إِبْراهيمُ للهِ: «لَو أَنَّ إِسْماعيلَ يَحْيا أَمامَ وَجهِكَ!». فقالَ الله: «بل سارةُ ٱمرَأَتُكَ سَتَلِدُ لَكَ ٱبنًا وسَمِّهِ إِسحٰق، وأُقيمُ عَهْدي معَه، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكونَ لَه إِلٰهًا ولِنَسلِه مِن بَعدِه. وأَمَّا إِسْماعيلُ فقَد سَمِعتُ قَولَكَ فيه. وهاءَنَذا أُبارِكُه وأُنْميه وأُكَثِّرُه جدًّا جِدًّا، ويَلِدُ ٱثنَي عَشَرَ رَئيسًا، وأَجعَلُه أُمَّةً عظيمة. غَيرَ أَنَّ عَهْدي أُقيمُه معَ إِسْحٰقَ الَّذي تَلِدُه لَكَ سارةُ في مِثلِ هٰذا الوَقتِ مِنَ السَّنَةِ المُقبِلة». فلَمَّا ٱنتَهى اللهُ مِن مُخاطَبَةِ إِبْراهيم، اِرْتَفَعَ عنه. فأَخَذَ إِبْراهيمُ إِسْماعيلَ ٱبنَه وجَميعَ مَواليدِ بَيتِه وجَميعَ المُشتَرَينَ بِفِضَّتِه، كُلَّ ذَكَرٍ مِن أَهْلِ بَيتِه، فخَتَنَ لَحْمَ قُلفَتِهم في ذٰلك اليَومِ عَينِه، بِحَسَبِ ما أَمَرَه اللهُ به. وكانَ إِبْراهيمُ ٱبنَ تِسْعٍ وتِسْعينَ سَنَةً عندما خَتَنَ لَحمَ قُلفَتِه. وكانَ إِسْماعيلُ ٱبنُه ابنَ ثَلاثَ عَشرَةَ سَنَةً حينَ خُتِنَ لَحْمُ قُلفَتِه. في ذٰلك اليَومِ عَينِه خُتِنَ إِبْراهيمُ وإِسْماعيلُ ٱبنُه. وجَميعُ رِجالِ بَيتِه، سَواءٌ أَكانوا مَواليدَ بَيتِه أَم مُشْتَرَينَ بِالفِضَّةِ مِنَ الغَريب، خُتِنوا معَه. وتَراءى الرَّبُّ له عِندَ بَلُّوطِ مَمْرا، وهو جالِسٌ بِبابِ الخَيمَة، عِندَ ٱحتِدادِ النَّهار. فرفَعَ عَينَيه ونَظَر، فإِذا ثَلاثَةُ رِجالٍ واقِفونَ بِالقُربِ مِنه. فلَمَّا رَآهُم، بادَرَ إِلى لِقائِهم مِن بابِ الخَيمَة وسَجَدَ إِلى الأَرض. وقال: «سَيِّدي، إِن نِلتُ حُظْوَةً في عَينَيكَ، فلا تَجُزْ عن عَبدِكَ، فيُقَدَّمَ لكم قَليلٌ مِنَ الماء فتَغسِلونَ أَرجُلَكم وتَستَريحونَ تَحتَ الشَّجَرة، وأُقدِّمَ كِسرَةَ خُبْزٍ فتُسنِدونَ بِها قُلوبَكم ثُمَّ تَمْضونَ بَعدَ ذٰلك، فإِنَّكم لِذٰلِك جُزتُم بَعَبدِكم». قالوا: «اِفعَلْ كَما قُلْتَ». فأَسرَعَ إِبراهيمُ إِلى الخَيمَةِ إِلى سارَة وقال: «هَلُمِّي بِثَلاثَةِ أَصْواعٍ مِن السَّميدِ النَّاعِم فٱعجِنيها وٱصنَعيها فَطائر». وبادَرَ إِبْراهيمُ إِلى البَقَر، فأَخَذَ عِجْلًا رَخْصًا طَيِّبًا وسَلَّمَه إِلى الخادِم فأَسرَعَ في إِعْدادِه. ثُمَّ أَخَذَ لَبَنًا وحَليبًا والعِجْلَ الَّذي أَعَدَّه وجَعَلَ ذٰلكَ بَينَ أَيْديهِم وهو واقِفٌ بِالقُربِ مِنهم تَحتَ الشَّجَرة، فأَكلوا. ثُمَّ قالوا لَه: «أَينَ سارةُ ٱمرَأَتُكَ؟» قال: «هي في الخَيمة». قال: «سأَعودُ إِلَيكَ في مِثْلِ هٰذا الوَقت، ويَكونُ لِسارةَ ٱمرَأَتِكَ ٱبنٌ». وكانَت سارةُ تَتَسمَّعُ عِندَ بابِ الخَيمَةِ الَّذي وَراءَه. وكانَ إِبْراهيمُ وسارةُ شَيخَينِ طاعِنَينِ في السِّنّ، وقَدِ ٱنقَطَعَ عن سارةَ ما يَجْري لِلنِّساء. فضَحِكَت سارةُ في نَفْسِها قائلةً: «أَبَعْدَ هَرَمي أَعرِفُ اللَّذَّة، وسَيِّدي قد شاخ؟» فقالَ الرَّبُّ لِإبْراهيم: «ما بالُ سارةَ قد ضَحِكَت قائلَةً: «أَحَقًّا أَلِدُ وقَد شِخْتُ؟ هَل مِن أَمْرٍ يُعجِزُ الرَّبّ؟ في مِثلِ هٰذا الوَقْتِ أَعودُ إِلَيكَ ويَكونُ لِسارةَ ٱبنٌ». فأَنكَرَت سارةُ قائلة: «لم أَضحَكْ»، ذٰلك بأَنَّها خافَت. فقال: «لا، بل ضَحِكْتِ». ثُمَّ قامَ الرِّجالُ مِن هُناكَ وٱتَّجَهوا نَحوَ سَدوم، ومَضى إِبْراهيمُ مَعَهم لِيُشَيِّعَهم. فقالَ الرَّبّ: «أَأَكتُمُ عن إِبْراهيمَ ما أَنا صانِعُه. وإِبْراهيمُ سيَصيرُ أُمَّةً كبيرةً مُقتَدِرَةً وتَتَبارَكُ بِه أُمَمُ الأرضِ كلُّها؟ وقدِ ٱختَرتُه لِيُوصِيَ بَنيه وبَيتَه مِن بَعدِه بِأَن يَحفَظوا طَريقَ الرَّبَّ لِيَعمَلوا بِالبِرِّ والعَدْل، حتَّى يُنجِزَ الرَّبُّ لِإبْراهيمَ ما وَعَدَه بِه». فقالَ الرَّبّ: «إِنَّ الصُّراخَ على سَدومَ وعَمورَةَ قدِ ٱشتَدَّ وخَطيئَتَهم قد ثَقُلَت جِدًّا. أَنزِلُ وأَرى هَل فَعَلوا أم لا بِحَسَبِ ما بَلَغَني مِن صُراخٍ علَيها، فأَعلَم». وٱنصَرَفَ الرَّجُلانِ مِن هُناكَ ومَضَيا نَحوَ سَدوم، وبَقِيَ إِبْراهيمُ واقِفًا أَمامَ الرَّبّ. فَتَقَدَّمَ إِبْراهيمُ وقال: «أَحَقًّا تُهلِكُ البارَّ مع الشِّرِّير؟ لعلَّه يُوجَدُ خَمْسونَ بارًّا في المدينة، أَحَقًّا تُهلِكُها ولا تَصْفَحُ عَنها مِن أَجلِ الخَمْسينَ بارًّا الَّذينَ فيها؟ حاشَ لَكَ أَن تَصنَعَ مِثلَ هٰذا: أَن تُميتَ البارَّ مع الشِّرِّير، فيَكونُ البارُّ كالشِّرِّير. حاشَ لَكَ! أَدَيَّانُ الأَرضِ كُلِّها لا يَدينُ بالعَدْل؟». فقالَ الرَّبّ: «إِن وَجدتُ في سَدومَ خَمْسينَ بارًّا في المَدينة، فإِنِّي أَصْفَحُ عن المَكانِ كُلِّه مِن أَجْلِهم». فأَجابَ إِبْراهيمُ وقال: «قد أَقدَمتُ على الكلامِ مع سَيِّدي، وأَنا تُرابٌ ورَماد. لَرُبَّما نَقَصَ الخَمْسونَ بارًّا خَمْسَةً، أَفتُهلِكُ المَدينةَ كُلَّها بِسَبَبِ الخَمْسَة؟» فقال: «لا أُهلِكُها، إِن وَجَدتُ هُناكَ خَمسَةً وأَربَعين». ثُمَّ عادَ أَيضًا وكَلَّمَه فقال: «لَرُبَّما وُجِدَ هُناكَ أَربَعون». فقال: «لا أَفعَلُ مِن أَجعلِ الأَربَعين». قالَ إِبْراهيم: «لا يَغضَبْ سَيِّدي أَن أَتَكَلَّم: لَرُبَّما وُجِدَ هُناكَ ثَلاثون». فقال: «لا أَفعَل، إِن وَجَدتُ هُناكَ ثَلاثين». قال: «قد أَقدَمتُ على الكَلامِ مع سَيِّدي: لَرُبَّما وُجِدَ هُناكَ عِشْرون». قال: «لا أُهلِكُ مِن أَجْلِ العِشْرين». فقال: «لا يَغضَبْ سَيِّدي أَن أَتَكَلَّمَ أيضًا هٰذه المَرَّةَ الأَخيرة: لَرُبَّما وُجِدَ هُناكَ عَشَرَةَ». قال: «لا أُهلِكُ مِن أَجْلِ العَشَرَة». ومَضى الرَّبُّ عِندَما ٱنْتَهى مِنَ الكَلامِ معَ إِبْراهيم، ورَجَعَ إِبْراهيمُ إِلى مَكانِه. فجاءَ المَلاكانِ إِلى سَدومَ مَساءً، وكانَ لُوطٌ جالِسًا عِندَ بابِ سَدوم. فلَمَّا رآهُما لُوط، قامَ لِلِقائِهِما وسَجَدَ بِوَجهِه إِلى الأَرض. وقال: «سَيِّدَيَّ، مِيلا إِلى بَيتِ عَبدِكُما وبيتا وٱغْسِلا أَرجُلَكما، ثُمَّ تُبَكِّرانِ وتَمضِيانِ في سَبيلِكُما». فقالا: «لا، بل في السَّاحةِ نَبيت». فأَلَحَّ عَليهِما كَثيرًا، فمالا إِلَيه ودَخَلا مَنزِلَه. فصَنَعَ لَهُما مَأدُبَةً وخَبَزَ فَطيرًا، فأكلا. وقَبلَ أَن يَضْطَجِعا، إِذا بأَهلِ المَدينة، أَهلِ سَدوم، قد أَحاطوا بِالمَنزِل، مِنَ الصَّبِيِّ إِلى الشَّيخ، جَميعُ القَومِ إِلى آخِرِهِم. فنادوا لُوطًا وقالوا له: «أَينَ الرَّجُلانِ اللَّذانِ قَدِما إِلَيكَ في هٰذه اللَّيلَة؟ أَخرِجْهُما لِكَي نَعرِفَهُما». فخَرَجَ إِلَيهِم لُوطٌ إِلى المَدخَل وأَغلَقَ البابَ وَرَاءَه وقال: «أَسأَلُكم أَلاَّ تَفعَلوا شَرًّا، يا إِخْوتَي. هاءَنَذا لِيَ ٱبنَتانِ ما عَرَفَتا رَجُلًا: أُخرِجُهُما إِلَيكُم، فٱصنَعوا بِهِما ما حَسُنَ في أَعيُنِكم. وأَمَّا هٰذانِ الرَّجُلانِ، فلا تَفعَلوا بِهِما شَيئًا، لأَنَّهما دَخَلا تَحتَ ظِلِّ سَقْفي». فقالوا: «تَنَحَّ مِن هنا!». ثُمَّ قالوا: «هٰذا رَجُلٌ يَنزِلُ بِنا فيُقيمُ نَفسَه حاكِمًا! الآنَ نَفعَلُ بِكَ أَسْوَأَ مِمَّا نَفعَلُ بِهِما». وضَيَّقوا على لُوط وتقَدَّموا لِيَكْسِروا الباب. فَمَدَّ الرَّجُلانِ أَيدِيَهُما وأَدخلا لُوطًا إِلَيهما إِلى البَيتِ وأَغلَقا الباب. وأَمَّا القَومُ الَّذينَ عِندَ بابِ البَيت، فضَرَباهم بِالعَمى مِن صَغيرِهِم إِلى كَبيرِهِم، فلَم يَقدِروا أَن يَجِدوا الباب. وقالَ الرَّجُلانِ لِلُوط: «مَن لَكَ أَيضًا هٰهُنا؟ أَصْهارُكَ وبَنوكَ وبناتُكَ وجَميعُ مَن لَكَ في المدينة أَخْرِجْهُم مِن هٰذا المكان، فإِنَّنا مُهلِكانِ هٰذا المكان، فقَدِ ٱشتَدَّ الصُّراخُ علَيهِم أَمامَ الرَّبّ، وقَد أَرسَلَنا الرَّبُّ لِنُهلِكَ المَدينة». فخَرَجَ لُوطٌ وكَلَّمَ أَصْهارَه الَّذينَ سيَتَّخِذونَ بَناتِه وقالَ لَهم: «قوموا وٱخرُجوا مِن هٰذا المَكان، لأَنَّ الرَّبَّ مُهلِكٌ المَدينة». فكانَ كمازِحٍ في أَعيُنِ أَصْهارِه. فلَمَّا طَلَعَ الفَجْر، أَلَحَّ المَلاكانِ على لُوطٍ قائِلَين: «قَمْ فخُذِ ٱمرَأَتَكَ وٱبنَتَيكَ المَوجودَتَينِ هُنا، لِئَلاَّ تَهلِكَ بِعِقابِ المَدينة». فَتَرَدَّدَ لُوط، فأَمسَكَ الرَّجُلانِ بِيَدِه وبِيَدِ ٱمرَأَتِه وٱبنَتَيه، لِشفَقَةِ الرَّبِّ علَيه، وأَخْرَجاه ووَضَعاه خارِجَ المَدينة. فلَمَّا أَخْرَجاهم إِلى خارِج قالا: «اُنْجُ بِنَفسِكَ. لا تَلتَفِتْ إِلى وَرائِكَ ولا تَقِفْ في السَّهلِ كُلِّه، وٱنجُ إِلى الجَبَلِ لِئَلاَّ تَهلِك». فقالَ لَهُما لُوط: «لا، أَرْجوك، يا سيِّدي. إنَّ عَبدَكَ قد نالَ حُظْوَةً في عَينَيكَ، وعَظُمَت رَحمَتُكَ الَّتي صَنَعتَها إِلَيَّ بِإِبْقائِكَ على حَياتي. إِنِّي لا أَستَطيعُ النَّجاةَ إِلى الجَبَلِ دونَ أَن يَلحَقَ بِيَ الشَّرُّ فأَموت. ها إِنَّ هٰذه المَدينةَ قَريبةٌ لِلْهَرَبِ إِلَيها، وهي صَغيرة، فدَعْني أَنْجو إِلَيها - أَلَيسَت صَغيرة؟ - فتَحْيا نَفْسي». فقالَ لَه: «هاءَنَذا قد أَكرَمتُ وَجهَكَ في هذا الأَمرِ أَيضًا بِأَن لا أَقلِبَ المَدينةَ الَّتي ذَكَرتَها. أَسرِعْ بِالنَّجاةِ إِلى هُناكَ، فإِنِّي لا أَستَطيعُ أَن أَعمَلَ شَيئًا إِلى أَن تَصيرَ إِلَيها». لِذٰلِكَ سُمِّيَتِ المَدينةُ صُوعَر. ولَمَّا أَشرَقَتِ الشَّمْسُ على الأَرض، دَخَلَ لُوطٌ صُوعَر. وأَمطَرَ الرَّبُّ على سَدومَ وعَمورةَ كِبْريتًا ونارًا مِنَ السَّمَوات، وقَلَبَ تِلكَ المُدُنَ وكُلَّ السَّهْلِ وجَميعَ سُكَّانِ المُدُنِ ونَباتَ الأَرض. فٱلتَفَتَتِ ٱمرَأَةُ لُوطٍ إِلى وَرائِها فصارَت نُصْبَ مِلْح. فبَكَّرَ إِبْراهيمُ إِلى المَكانِ الَّذي وَقَفَ فيه أَمامَ الرَّبّ، وتَطَلَّعَ إِلى جِهَةِ سَدومَ وعَمورةَ وأَرضِ السَّهلِ كُلِّها ونَظَرَ، فإِذا دُخانُ الأرضِ صاعِدٌ كَدُخانِ الأَتُّون. ولَمَّا أَهلَكَ اللهُ مُدُنَ السَّهْل، ذَكَرَ اللهُ إِبْراهيم فٱنتَشَلَ لُوطًا مِن وَسَطِ الكارِثة، حينَ قَلَبَ المُدُنَ الَّتي كانَ لُوطٌ مُقيمًا فيها. وصَعِدَ لُوطٌ مِن صُوعَر وأَقامَ في الجَبَل هو وٱبنَتاه معَه، لأَنَّه خافَ أَن يُقيمَ في صُوعَر. فأَقامَ في مَغارةٍ هو وٱبنتَاه. فقالَتِ الكُبْرى لِلصُّغْرى: «إِنَّ أَبانا قد شاخ، ولَيسَ في الأرضِ رَجُلٌ يَدخُلُ علَينا على عادةِ الأرضِ كُلِّها. تَعالَي نَسْقي أَبانا خَمْرًا ونُضاجِعُه ونُقيمُ مِن أَبينا نَسْلًا». فسَقَتا أَباهُما خَمْرًا في تِلكَ اللَّيلَة، وجاءَتِ الكُبْرى فضاجَعَت أَباها ولَم يَعلَمْ بِنِيامِها ولا قِيامِها. فلَمَّا كانَ الغَد، قالَتِ الكُبْرى لِلصُّغْرى: «هاءَنَذا قد ضاجَعتُ أَمْسِ أَبي، فَلْنَسْقِه خَمْرًا هٰذه اللَّيلَةَ أَيضًا، وتَعالَي أَنتِ فضاجِعيه لِنُقيمَ مِن أَبينا نَسْلًا». فَسَقَتا أَباهُما خَمْرًا في تِلكَ اللَّيلَةِ أَيضًا، وقامَتِ الصُّغْرى فضاجَعَته ولَم يَعلَمْ بِنِيامِها ولا قِيامِها. فحَمَلَتِ ٱبنَتا لُوطٍ مِن أَبيهِما. ووَلَدَتِ الكُبْرى ٱبنًا وسَمَّته موآب، وهو أَبو الموآبِيِّينَ إِلى اليَوم. والصُّغْرى أَيضًا وَلَدَتِ ٱبنًا وسَمَّته بَنْعَمِّي، وهو أَبو بَني عَمُّونَ إِلى اليَوم. ورَحَلَ إِبْراهيمُ مِن هُناكَ إِلى أَرضِ النَّقَب وأَقامَ بَينَ قادِشَ وشُور ونَزَلَ بِجَرار. وقالَ إِبْراهيمُ في سارةَ ٱمرَأَتِه: «هي أُخْتي». فأَرسَلَ أَبيمَلِك، مَلِكُ جَرار، فأَخَذَ سارة. فأَتى اللهُ أَبيمَلِكَ في حُلْمِ اللَّيلِ وقالَ له: «إِنَّكَ ستَموتُ بِسَبَبِ المَرأَةِ الَّتي أَخَذتَها، فإِنَّها مُزَوَّجَةٌ مِن زَوج». ولَم يَكُنْ أَبيمَلِكُ قد دَنا مِنْها. فقال: «سَيِّدي، أَوَثَنِيًّا وإِن كانَ بارًّا تَقتُل؟ أَلَيسَ هو الَّذي قالَ لي: هي أُخْتي، وهي أَيضًا قالَت: هو أَخي. بِسَلامة قَلبي ونقاوَةِ كَفَّيَّ صَنَعتُ ذلك». فقالَ لَه اللهُ في الحُلْم: «وأَنا أَيضًا قد عِلِمتُ أَنَّكَ بِسَلامةِ قَلبِكَ صَنَعتَ ذٰلك، فكَفَفتُكَ عن أَن تَخطَأَ إِلَيَّ، ولِذٰلك لم أَدَعْكَ تَمَسُّها. والآن، رُدَّ ٱمرَأَةَ الرَّجُل، فإِنَّه نَبِيٌّ وهو يَدْعو لَكَ فَتَحْيا، وإِنْ لم تَرُدَّها فٱعلَمْ أَنَّكَ مَوتًا تَموتُ أَنتَ وجَميعُ مَن لَك». فبَكَّرَ أَبيمَلِكُ في الغَدِ وَدَعا جَميعَ خَدَمِه وتكَلَّمَ بِجَميعِ هٰذه الأُمورِ على مَسامِعِهم، فخافَ القَومُ جِدًّا. ثُمَّ دَعا أَبيمَلِكُ إِبْراهيمَ وقالَ له: «ماذا صَنَعتَ بنا؟ وبِمَاذا خَطِئتُ إِلَيكَ حتَّى جَلَبتَ علَيَّ وعلى مَمْلَكتي هٰذه الخَطيئةَ العظيمة؟ إِنَّكَ صَنَعتَ بي ما لا يُصنَع». وقالَ أَبيمَلِكُ لِإبْراهيم: «ما بَدا لَكَ مِنِّي حتَّى فَعَلتَ هٰذا الأَمْر؟» فقالَ إِبْراهيم: «إِنِّي قُلتُ في نَفْسي: لا شَكَّ أَنْ لَيسَ في هٰذا المَكانِ خَوفُ الله، فيَقتُلونَني بِسَبَبِ ٱمرَأَتي. وفي الحَقيقةِ هي أُخْتي، ٱبنَةُ أَبي. لكِنَّها لَيسَتِ ٱبنَةَ أُمِّي، فصارتِ ٱمرَأَةً لي. فلَمَّا رَحَّلني اللهُ مِن بَيتِ أَبي، قُلتُ لَها: هٰذا ما تَتَفضَّلينَ به عَلَيَّ: حَيثُما جِئْنا فقُولي فِيَّ: هو أَخي». فأَخَذَ أَبيمَلِكُ غَنَمًا وبَقَرًا وخُدَّامًا وخادِمات وأَعْطاها إِبْراهيم ورَدَّ إِليه سارةَ ٱمرَأَته. وقالَ أَبيمَلِك: «هٰذه أَرْضي بَينَ يَدَيكَ، فحَيثُما طابَ لَكَ فأَقِمْ فيه». وقالَ لِسارة: «قد أَعطَيتُ أَخاكِ أَلْفَ مِثْقالٍ مِنَ الفَضَّةِ، تَكونُ لَكِ حِجابَ عَينٍ لِكُلِّ مَنْ مَعَكِ فَتَتَزَكَّينَ تَمامًا». فصَلَّى إِبْراهيمُ إِلى الله، فعافى اللهُ أَبيمَلِكَ وٱمرَأَتَه وخادِماتِه فَوَلَدنَ، لأَنَّ الرَّبَّ كانَ قد حَبَسَ كُلَّ رَحِمٍ في بَيتِ أَبيمَلِك، بِسَبَبِ سارةَ امرَأَةِ إِبْراهيم. وٱفتَقَدَ الرَّبُّ سارةَ كما قال، وصَنَعَ الرَّبُّ إِلى سارةَ كما قال. فحَمَلَت سارةُ ووَلَدَت لِإبْراهيمَ ٱبنًا في شَيخوخَتِه في الوَقتِ الَّذي وَعَدَ اللهُ بِه. فسَمَّى إِبْراهيمُ ٱبنَه المَولودَ له، الَّذي وَلَدَتَه لَه سارة، إِسحٰق. وخَتَنَ إِبْراهيمُ إِسحٰقَ ٱبنَه، وهو ٱبنُ ثَمانِيَةِ أَيَّامِ، بِحَسَبِ ما أَمَرَه اللهُ بِه. وكانَ إِبْراهيمُ ٱبنَ مِئَةِ سَنَةٍ حينَ وُلِدَ لَه إِسحٰقُ ٱبنُه. وقالَت سارة: «جَعَلَ اللهُ لي ما يُضحِك، فكُلُّ مَن سَمِعَ بِذٰلك يَضحَكُ بِشَأني». وقالت: من كانَ يَقولُ لِإِبْراهيم: إِنَّ سارةَ سَتُرضِعُ البَنين! فقَد وَلَدتُ ٱبنًا لِشَيخوخَتِه». وكَبِرَ الوَلَدُ وفُطِم، وأَقامَ إِبْراهيمُ مَأدُبةً عَظيمةً في يَومِ فِطامِ إِسحٰق. ورَأَت سارةُ ٱبنَ هاجَرَ المِصرِيَّةِ الَّذي وَلَدَتَه لِإبْراهيمَ يَلعَبُ مع ٱبنِها إِسحٰق. فقالَت لِإبْراهيم: «أُطْرُدْ هٰذه الخادِمةَ وٱبنَها، فإِنَّ ٱبنَ هٰذه الجارِيَةِ لَن يَرِثَ مع ٱبْني إِسحٰق». فساءَ هٰذا الكَلامُ جِدًّا في عَينَي إِبْراهيمَ بِشَأْنِ ٱبنِه. فقالَ اللهُ لِإبْراهيم: «لا يَسُؤْ في عَينَيكَ أَمْرُ الصَّبِيِّ وأَمْرُ خادِمَتِكَ. مَهْما قالَت لَك سارة، فٱسْمَعْ لِقَولِها، لأَنَّه بِإِسحٰقَ يَكونُ لَكَ نَسْلٌ بِٱسمِكَ. وأَمَّا ٱبنُ الخادِمَة، فهو أَيضًا أَجعَلُه أُمَّةً عظيمةً، لأَنَّه نَسلُكَ». فبَكَّرَ إِبْراهيمُ في الصَّباحِ وأَخَذَ خُبزًا وقِربَةَ ماء فأَعطاهُما هاجرَ وجَعَلَ الوَلَدَ على كَتِفِها، وصَرَفَها. فمَضَت وتاهَت في بَرِّيَّةِ بِئرِ سَبْع. ونَفِدَ الماءُ مِنَ القِربَة، فطَرَحَتِ الوَلَدَ تَحتَ بَعضِ الشِّيح. ومَضَت فجَلَسَت تُجاهَه على بُعدِ رَميَةِ قَوس، لأَنَّها قالَت: «لا رَأَيتُ مَوتَ الوَلَد!». فجَلَسَت تُجاهَه، ورَفَعَت صَوتَها وَبَكَت. وسَمِعَ اللهُ صَوتَ الصَّبِيِّ، فنادى مَلاكُ الرَّبَّ هاجَرَ مِنَ السَّماءِ وقالَ لها: «ما لَكِ يا هاجَر؟ لا تخافي، فإِنَّ اللهَ قد سَمِعَ صَوتَ الصَّبِيِّ حَيثُ هو. قومي فخُذي الصَّبِيَّ وشُدِّي علَيه يَدَكِ، فإِنِّي جاعِلُه أُمَّةً عظيمة». وفَتَحَ اللهُ عَينَيها فَرأَت بِئرَ ماءٍ، فمَضَت ومَلأَتِ القِرْبَةَ ماءً وسَقَتِ الصَّبِيّ. وكانَ اللهُ معَ الصَّبِيِّ حتَّى كَبِرَ فأَقامَ بِالبَرِّيَّةِ وكانَ رامِيًا بِالقَوس. وأَقامَ بِبَرِّيَّةِ فاران، وٱتَّخَذَت لَه أُمُّه ٱمرَأَةً مِن أَرضِ مِصْر. وكانَ في ذٰلك الزَّمانِ أَنَّ أَبيمَلِكَ وفِيكولَ، قائِدَ جَيشِه، كَلَّما إِبْراهيمَ قائِلَين: «إِنَّ اللهَ معَكَ في جميعِ ما تَعمَلُه. والآنَ ٱحلِفْ لي بِاللهِ هٰهُنا أَنَّكَ لا تَخدَعُني ولا تَخدَعُ ذُرِّيَّتي وخَلَفي، بل تُعامِلُني وتُعامِلُ البَلَدَ الَّذي نَزَلتَ به بِالرَّحمةِ الَّتي عامَلتُكَ بِها». فقالَ إِبْراهيم: «أَحْلِف». وعاتَبَ إِبْراهيمُ أَبيمَلِكَ بِسَبَبِ بِئْرِ الماءِ الَّتي غَصَبَها خَدَمُ أَبيمَلِك. فقالَ أَبيمَلِك: «لم أَعلَمْ مَن فَعَلَ هٰذا الأَمْر، وأَنتَ لم تُخْبِرْني، ولا أَنا سَمِعتُ إِلاَّ اليَوم». وأَخَذَ إِبْراهيمُ غَنَمًا وبَقَرًا فأَعْطاها أَبيمَلِك وقَطَعا كِلاهُما عَهدًا. ووَضَعَ إِبْراهيمُ سَبْعَ نِعاجٍ مِنَ الغَنَمِ على حِدَة، فَقالَ أَبيمَلِكُ لِإبْراهيم: «ما هٰذهِ النِّعاجُ السَّبعُ الَّتي وَضَعتَها على حِدَة؟». قال: «سَبعَ نِعاجٍ تأخُذُ مِن يَدي لِتَكونَ شهادةً لي بِأَنِّي حَفَرتُ هٰذه البِئْر». ولِذٰلك سُمِّيَ ذٰلك المكانُ بِئْرَ سَبْعَ، لأَنَّهما هُناكَ حَلَفا كِلاهُما. وقَطَعا عَهْدًا في بِئْرِ سَبْع، وقامَ أَبيمَلِكُ وفيكولُ، قائِدُ جَيشِه، ورَجَعا إِلى أَرضِ الفَلِسْطينِيِّين. وغَرَسَ إِبْراهيمُ طَرْفاءَةً في بِئْرَ سَبْع ودَعا هُناكَ بِٱسْمِ الرَّبِّ الإِلٰهِ السَّرمَديّ. ونَزَلَ إِبْراهيمُ بِأَرضِ الفَلِسطينِيِّينَ أَيَّامًا كَثيرة. وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداثِ أَنَّ اللهَ ٱمتَحَنَ إِبْراهيمَ فقالَ له: «يا إِبْراهيم». قالَ: «هاءَنَذا». قال: «خُذِ ٱبنَكَ وَحيدَكَ الَّذي تُحِبُّه، إِسحٰق، وٱمضِ إِلى أَرضِ المورِيَّا وأَصعِدْه هُناكَ مُحرَقَةً على أَحَدِ الجِبالِ الَّذي أُريكَ». فبَكَّرَ إِبْراهيمُ في الصَّباح وشَدَّ على حِمارِه وأَخَذَ معَه ٱثنَينِ مِن خَدَمِه وإِسحٰقَ ٱبنَه وشقَّقَ حَطَبًا لِلمُحرَقَة، وقامَ ومَضى إِلى المَكانِ الَّذي أَراه اللهُ إِيَّاه. وفي اليَومِ الثالِث، رَفَعَ إِبْراهيمُ عَينَيه فرأَى المَكانَ مِن بَعيد. فقالَ إِبْراهيمُ لِخادِمَيه: «أُمكُثا أَنتُما هٰهُنا معَ الحِمار، وأَنا والصَّبِيُّ نَمْضي إِلى هُناكَ فَنَسجُدُ ونَعودُ إِلَيكُما». وأَخَذَ إِبْراهيمُ حَطَبَ المُحرَقَة وجَعَلَه على إِسحٰقَ ٱبنِه، وأَخَذَ بِيَدِه النَّارَ والسِّكِّين وذَهَبا كِلاهُما معًا. فكَلَّمَ إِسحٰقُ إِبْراهيمَ أَباه قال: «يا أَبتِ». قال: «هاءَنَذا، يا بُنَيَّ». قال: «هٰذه النَّارُ والحَطَب، فأَينَ الحَمَلُ لِلمُحرَقة؟» فقالَ إِبْراهيم: «اللهُ يَرَى لِنَفْسِه الحَمَلَ لِلمُحرَقَة، يا بُنَيَّ» ومَضَيا كِلاهُما معًا. فلَمَّا وَصَلا إِلى المَكانِ الَّذي أَراه اللهُ إِيَّاه، بَنى إِبْراهيمُ هُناكَ المَذبَح ورَتَّبَ الحَطَب ورَبَطَ إِسحٰقَ ٱبنَه وجَعَله على المَذبَحِ فَوقَ الحَطَب. ومَدَّ إِبْراهيمُ يَدَه فأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذبَحَ ٱبنَه. فناداه مَلاكُ الرَّبِّ مِنَ السَّماءِ قائلًا: «إِبْراهيمُ إِبْراهيم!» قال: «هاءَنَذا». قال: «لا تَمُدَّ يَدَكَ إِلى الصَّبِيِّ ولا تَفْعَلْ بِه شَيئًا، فإِنِّي الآنَ عَرَفتُ أَنَّكَ مُتَّقٍ لله، فلم تُمْسِكْ عنِّي ٱبنَكَ وَحيدَكَ». فَرَفَعَ إِبْراهيمُ عَينَيه ونَظَر، فإِذا بِكَبشٍ واحِدٍ عالِقٍ بِقَرنَيه في دَغَل. فعَمَدَ إِبْراهيمُ إِلى الكَبْشِ وأَخَذَه وأَصعَدَه مُحرَقةً بَدَلَ ٱبنِه. وسَمَّى إِبْراهيمُ ذٰلكَ المَكانَ «الرَّبُّ يَرى»، ولِذٰلِكَ يُقالُ اليَوم: «في الجَبَل، الرَّبُّ يَرى». ونادى مَلاكُ الرَّبِّ إِبْراهيمَ ثانِيَةً مِنَ السَّماءِ وقال: «بِنَفْسي حلَفْتُ، يَقولُ الرَّبّ، بِما أَنَّكَ فَعَلتَ هٰذا الأَمرَ ولَم تُمسِكْ عنِّي ٱبنَكَ وَحيدَكَ، لَأُبارِكَنَّكَ وأُكَثِّرَنَّ نَسلَكَ كنُجومِ السَّماء وكالرَّملِ الَّذي على شاطِئِ البَحر، ويَرِثُ نَسلُكَ مُدُنَ أَعدائِه، ويَتَبارَكُ بِنَسلِكَ جَميعُ أُمَمِ الأَرض، لأَنَّكَ سَمِعتَ قَولي». ثُمَّ رَجَعَ إِبْراهيمُ إِلى خادِمَيه، فقاموا ومَضَوا مَعًا إِلى بِئرَ سَبْع، وأَقامَ إِبْراهيمُ في بِئْرَ سَبْع. وبعد هٰذه الأَحْداث، أُخبِرَ إِبْراهيمُ وقيلَ له: «إِنَّ مِلْكَةَ أَيضًا قد وَلَدَت بَنينَ لِناحورَ أَخيكَ: عُوصًا بِكْرَه وبُوزًا أَخاه وقَموئيلَ أَبا أَرام وكاسَد وحَزْوًا وفِلْداش ويِدْلاف وبَتوئيل» (ووَلَدَ بَتوئيلُ رِفقَة). هٰؤُلاءِ الثَّمانِيَةُ وَلَدَتهُم مِلْكَةُ لِناحورَ أَخي إِبْراهيم. وسُرِّيَّتُه، وٱسمُها رَؤُومة، وَلَدَت أَيضًا طابَح وجاحَم وطاحَش ومَعْكَة. وكانَت سِنو عُمْرِ سارةَ مِئَةً وسَبْعًا وعِشرينَ سَنَة. وماتت سارةُ في قِرْيَةَ أَربَع، وهي حَبْرون، في أَرضِ كَنْعان. فأَقبَلَ إِبْراهيمُ يَندُبُ سارةَ ويَبْكيها. وقامَ إِبْراهيمُ مِن أَمامِ مَيتِه وكَلَّمَ بَني حِثٍّ قائلًا: «أَنا نَزيلٌ ومُقيمٌ عِندَكم. أَعْطوني مِلْكَ قَبْرٍ عِندكم فأَدفِنَ مَيتي مِن أَمامِ وَجْهي» فأَجابَ بَنو حِثٍّ إِبْراهيمَ قائِلينَ له: «أَلا ٱسمَعْنا يا سَيِّدي. أَنتَ زَعيمٌ للهِ في وَسْطِنا: في أَفضَلِ قُبورِنا ٱدْفِنْ مَيتَكَ، فلَيسَ أَحَدٌ مِنَّا يَرفُضُ لكَ قَبرَه لِتَدفِنَ فيه مَيتَكَ». فقامَ إِبْراهيمُ وسَجَدَ لأَهْل البَلَد، أَي لِبَني حِثّ، وكلَّمهم قائلًا: «إِن طابَت نُفوسُكم بِأَن أَدفِنَ مَيتي مِن أَمامِ وَجْهي، فٱسمَعوا لي وٱسأَلوا لي عَفْرونَ بْنَ صُوحَر أَن يُعطِيَني مغارةَ المَكْفيلةِ الَّتي لَه في طَرَفِ حَقلِه في وَسْطِكم، يُعْطيني إِيَّاها بِثَمَنِها الكامِلِ لِتَكونَ لي مِلْكَ قَبرٍ». وكانَ عَفْرونُ جالِسًا في وَسْطِ بني حِثّ، فأَجابَ عَفْرونُ الحِثِّيُّ إِبْراهيمَ على مسامِعِ بَني حِثّ، أَمامَ كُلِّ مَن دَخَلَ بابَ مَدينَتِه، قائِلًا: «لا يا سَيِّدي، اِسمَعْ لي. الحَقْلُ قد وَهَبتُه لَكَ، والمَغارةُ الَّتي فيه أَيضًا وَهَبتُها لَكَ مِنِّي، على مَشهَدِ بَني قَومي وَهَبتُها لَكَ. إِدْفِنْ مَيتَكَ». فسَجَدَ إِبْراهيمُ أَمامَ أَهْلِ البَلَد، وكلَّمَ عَفْرونَ على مسامِعِهم قائِلًا: «أَسأَلُكَ أَن تَسمَعَ لي. أُعْطيكَ ثَمَن الحَقْل، فخُذْه مِنِّي فأَدفِنَ مَيتي هُناك». فأَجاب عَفْرونُ إِبْراهيمَ وقالَ له: «يا سَيِّدي، اِسمَعْ لي: أَرضٌ تُساوي أَربَعَ مِئَةِ مِثْقالِ فِضَّة، ما عسى أَن تَكونَ بَيني وبَينَك؟ اِدفِنْ». فلَمَّا سَمِعَ إِبْراهيمُ ذٰلك مِنه، وَزَنَ لَه الفِضَّةَ الَّتي ذَكَرَها على مَسامِعِ بني حِثّ، أَربَعَ مِئَةِ مِثْقالِ فِضَّة، مِمَّا هو رائِجٌ بَينَ التُّجَّار. فحَقْلُ عَفْرونَ الَّذي في المَكْفيلةِ الَّتي تُجاهَ مَمْرا، الحَقْلُ والمَغارَةُ الَّتي فيه، وكُلُّ ما فيه منَ الشَّجَر بِجَميعِ حُدودِه المُحيطةِ بِه. ذٰلِكَ كُلُّه أَصبَحَ مِلْكًا لِإبْراهيمَ بِمَشهَدِ بَني حِثّ وكُلِّ مَن دَخَلَ بابَ مَدينَتِه. وبَعدَ ذٰلك، دَفَنَ إِبْراهيمُ سارةَ امرَأَتَه في مَغارةِ حَقْلِ المَكْفيلة تُجاهَ مَمْرا، وهي حَبْرون، في أَرْضِ كَنْعان. وأَصبَحَ الحَقلُ والمَغارَةُ الَّتي فيه لِإبْراهيمَ مِلْكَ قَبرٍ مِن عِنْدِ بَني حِثّ. وشاخَ إِبْراهيمُ وطَعَنَ في السِّنّ، وكانَ الرَّبُّ قد بارَكَ إِبْراهيمَ في كُلِّ شَيء. وقالَ إِبْراهيمُ لأَقدَمِ خُدَّامِ بَيتِه، المُوَلَّى على جَميعِ ما لَه: «ضَعْ يَدَكَ تَحتَ فَخِذي. فأَستَحلِفَكَ بِالرَّبِّ، إِلٰهِ السَّماءِ وإِلٰهِ الأَرض، أَن لا تَأْخُذَ زَوجَةً لِٱبْني مِن بَناتِ الكَنْعانِيِّينَ الَّذينَ أَنا مُقيمٌ في وَسْطِهم، بل إِلى أَرْضي وإِلى عشيرتي تَذهَبُ وتأخُذُ زَوجَةً لِٱبْني إِسحٰق». فقالَ لَه الخادِم: «لَعَلَّ المَرأَةَ لا تُريدُ أَن تَتبَعَني إِلى هٰذه الأَرض، فَهَل أَرُدُّ ٱبنَكَ إِلى الأَرضِ الَّتي خَرجتَ مِنها؟» فقالَ لَه إِبْراهيم: «إِيَّاكَ أَن تَرُدَّ ٱبْني إِلى هُناكَ. إِنَّ الرَّبَّ، إِلٰهَ السَّماءِ وإِلٰهَ الأَرض، الَّذي أَخَذَني مِن بَيتِ أَبي ومِن مَسقَطِ رأسي، والَّذي كَلَّمَني والَّذي أَقسَمَ لي قائِلًا: لِنَسلِكَ أُعْطي هٰذه الأَرض، هو يُرسِلُ مَلاكَه أَمامَكَ فتأخُذُ زَوجَةً لِٱبْني مِن هُناك. وإِن لم تُرِدِ المَرأَةُ أَن تَتبَعَكَ، فأَنتَ بَريءٌ مِن قَسَمي هٰذا. أَمَّا ٱبْني فلا تَرجِعْ بِه إِلى هُناكَ». فوَضَعَ الخادِمُ يَدَه تَحتَ فَخِذِ سَيِّدِه وحَلَفَ له على ذٰلك. وأَخَذَ الخادِمُ عَشرَةَ جِمالٍ مِن جِمالِ سَيِّدِه ومضى، وفي يَدِه مِن خَيراتِ سَيِّدِه كُلِّها، وقامَ ومضى إلى أَرامِ النَّهرَين، إِلى مَدينةِ ناحور. فأَناخَ الجِمالَ خارِجَ المَدينة، بِالقُربِ مِن بِئرِ الماء، عِندَ المَساء، وَقتَ خُروجِ المُستَقِيات. وقال: «أَيُّها الرَّبّ، إِلٰهُ سَيِّدي إِبْراهيم، يَسِّرْ لِيَ اليَوم وٱصنَعْ رَحمَةً إِلى سَيِّدي إِبْراهيم! هاءَنَذا واقِفٌ بالقُربِ مِن عَينِ الماء، وبَناتُ أَهْلِ المَدينةِ خارِجاتٌ لِيَستَقينَ ماءً. فَلْيَكُنْ أَنَّ الفَتاةَ الَّتي أَقولُ لَها: أَميلي جَرَّتَكِ حتَّى أَشرَب، فتَقول: اِشْرَبْ، وأَنا أَسْقي جِمالَكَ أَيضًا، تَكونُ هي الَّتي عَيَّنتَها لِعَبدِكَ إِسحٰق، وبِذٰلك أَعلَمُ أَنَّك صَنَعتَ رَحمَةً إِلى سَيِّدي». فكانَ قَبْلَ الإِنتِهاءِ مِن كَلامِه أَن خَرَجَت رفقَةُ الَّتي وُلِدَت لِبَتوئيل، اِبْنِ مِلْكَة، اِمْرَأَةِ ناحور، أَخي إِبْراهيم، وجَرَّتُها على كَتِفِها. وكانَتِ الفتاةُ جَميلَةَ المَنظَرِ جِدًّا، عَذْراءَ لم يَعْرِفْها رَجُل. فنَزَلَت إِلى العَين وملَأَت جَرَّتَها وصَعِدَت. فأَسرَعَ الخادِمُ إِلى لِقائِها وقال: «اِسْقيني قليلًا مِن ماءِ جَرَّتِكِ». فقالت: «اِشْرَبْ يا سَيِّدي»، وأَسرَعَت فأَنْزَلَت جَرَّتَها على يَدِها وسَقَته. ولَمَّا ٱنْتَهَت مِن سَقْيِه، قالت: «أَسْتَقي لِجمالِكَ أَيضًا حتَّى تَنْتَهِيَ مِنَ الشُّرْب». وأَسْرَعَت وأَفرَغَت جَرَّتَها في المَسْقاة وأَسرَعَت أَيضًا إِلى البِئرِ لِتَستَقِيَ، فٱستَقَت لِجَميعِ جِمالِه. وبَقِيَ الرَّجُلُ مُتَأَمِّلًا إِيَّاها صامِتًا، لِيَعلَمَ هَل أَنْجَحَ اللهُ طَريقَه أَم لا. فلَمَّا فَرَغَتِ الجِمالُ مِن شُرْبها، أَخَذَ الرَّجُلُ حَلقَةَ أَنْفٍ مِن ذَهَب وَزْنُها نِصْفُ مِثْقال، وسِوارَينِ لِيَدَيها وَزْنُهما عَشْرَةُ مَثاقيلِ ذَهَب، وقال: «بِنْتُ مَن أَنتِ؟ أَخْبِريني هل في بَيتِ أَبيكِ مَوضِعٌ نَبيتُ فيه؟» فقالَت لَه: «أَنا ٱبنَةُ بَتوئيلَ ٱبنِ مِلْكَةَ الَّذي وَلَدَته لِناحور». وقالت لَه: «عِندَنا كَثيرٌ مِنَ التِّبْنِ والعَلَف ومَوضِعٌ لِلمَبيتِ أَيضًا». فٱنحَنى وسَجَدَ لِلرَّبّ، وقال: «تَبارَكَ الرَّبُّ، إِلٰهُ سَيِّدي إِبْراهيمَ الَّذي لم يَقْطَعْ رَحمَتَه ووَفاءَه عن سَيِّدي وهَداني في طَريقي إِلى بَيتِ أَخي سَيِّدي». فَرَكَضَتِ الفَتاةُ وأَخبَرَت بَيتَ أُمِّها بِهٰذِه الأُمور. وكانَ لِرِفقَةَ أَخٌ ٱسمُه لابان، فرَكَضَ لابانُ إِلى الرَّجُلِ، إِلى العَينِ، خارِجًا. وكانَ أَنَّه، إِذ رأَى الحَلقَةَ والسِّوارَينِ في يَدَي أُختِه وسَمِعَ كَلامَ رِفْقَةَ أُخْتِه قائِلةً: كذا خاطَبَني الرَّجُل، ذَهَبَ إِلَيه، فإِذا هو واقِفٌ مع الجِمالِ عِندَ العَين. فقال: «اُدخُلْ، يا مُبارَكُ الرَّبّ، لِماذا تَقِفُ خارِجًا، فإِنِّي قد هَيَّأتُ البَيتَ وموضِعًا لِلجِمال». وأَدخَلَ الرَّجُلَ إِلى البَيت وحَلَّ عنِ الجِمال وطَرَحَ لَها تِبْنًا وعَلَفًا، وأَعطى الرَّجُلَ ماءً لِيَغسِلَ رِجْلَيه وأَرجُلَ القَومِ الَّذينَ معَه. ثُمَّ وُضِعَ الطَّعامُ أَمامَه لِيأكُل، فقال: «لا آكُلُ حتَّى أَقولَ ما عِنْدي». فقالَ لَه لابان: «قُلْ». قالَ: «أَنا خادِمُ إِبْراهيم. والرَّبُّ قد بارَكَ سَيِّدي جِدًّا فصارَ غَنِيًّا: رَزَقَه غَنَمًا وبَقَرًا وفِضَّةً وذَهَبًا وخَدَمًا وخادِماتٍ وجِمالًا وحَميرًا. ووَلَدَت سارةُ ٱمرَأَةُ سَيِّدي ٱبنًا لِسَيِّدي، بَعدَ أَن شاخَت، فأعْطاه جَميعَ ما له. وقدِ ٱستَحلَفَني سَيِّدي قائلًا: لا تأخُذْ لِٱبْنِيَ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ الكَنْعانيِّينَ الَّذينَ أَنا مُقيمٌ بأَرضِهِم، بل إِلى بَيتِ أَبي وإِلى عَشيرَتي تَذهَبُ وتأخُذُ ٱمرَأَةً لِٱبْني. فقُلتُ لِسَيِّدي: لَعَلَّ المَرأَةَ لا تَتبَعُني. فقالَ لي: إِنَّ الرَّبَّ الَّذي سِرتُ أَمامَه يُرسِلُ مَلاكَه مَعَكَ ويُنجِحُ طَريقَكَ، فتَأخُذُ ٱمرَأَةً لِٱبْني مِن عَشيرَتي ومِن بَيتِ أَبي. حينِئِذٍ تَبرَأُ مِن دُعائي علَيكَ، لأَنَّك تَكونُ قد ذَهَبتَ إِلى عَشيرَتي. وإِن هُم لم يُعْطوكَ، كُنتَ بَريئًا مِن دُعائي علَيكَ. فجئتُ اليَومَ إِلى العَينِ فقُلتُ: أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ سَيِّدي إِبْراهيم، إِن كُنتَ تُنجِحُ طَريقيَ الَّذي أَنا سائِرٌ فيه، فهاءَنَذا واقِفٌ على عَينِ الماء. فالفَتاةُ الَّتي تَخرُجُ لِتَستَقِيَ، فأَقولُ لَها: اِسقْيني قَليلًا مِنَ الماءِ مِن جَرَّتِكِ، فتَقولُ لي: اِشْرَبْ، وأنا أَستَقي لِجِمالِكَ أَيضًا، تَكونُ هِيَ المَرأَةَ الَّتي عَيَّنَها الرَّبُّ لِٱبنِ سَيِّدي. وقَبلَ أَن أَنتَهِيَ مِنَ الكَلامِ في قَلْبي، إِذا بِرِفقَةَ خارِجةٌ وجَرَّتُها على كَتِفِها، فنَزَلَت إِلى العَيْنِ وٱستَقَت. فقُلتُ لها: اِسْقيني. فأَسرَعَت وأَنزَلَت جَرَّتَها وقالَت: اِشْرَبْ، وأَنا أَسْقي جِمالَكَ أَيضًا. فشَرِبتُ، وسَقَتِ الجِمالَ أَيضًا. فسأَلْتُها وقُلتُ: بِنتُ مَن أنتِ؟ فقالَت: بِنتُ بَتوئيلَ بْنِ ناحورَ الَّذي وَلَدَته لَه مِلْكَة. فجَعَلَتُ الحَلقَةَ في أَنفِها والسِّوارَين في يَدَيها. وٱرتَمَيتُ إِلى الأَرضِ وسَجَدتُ لِلرَّبِّ وبارَكْتُ الرَّبَّ إِلٰهَ سَيِّدي إِبْراهيمَ الَّذي هَداني طريقًا صالِحًا لِآخُذَ ٱبنَةَ أَخي سَيِّدي لِٱبنِه. والآن إِن كُنتُم صانِعينَ رَحمَةً ووَفاءً إِلى سَيِّدي، فأَعلِموني بِذٰلِكَ، وإِلاَّ فأَعلِموني لِكَي أَتَّجِهَ يَمينًا أَو يَسارًا». فأَجابَه لابانُ وبَتوئيلُ وقالا: «إِنَّ الأَمرَ صادِرٌ مِن عِندِ الرَّبّ، فلَيسَ لَنا أَن نُكَلِّمَكَ فيه بِشَرٍّ أَو خَير. هٰذه رِفقَةُ أَمامَكَ، خُذْها وٱمْضِ فتَكونَ ٱمرَأَةً لِٱبْنِ سَيِّدِكَ، كما قالَ الرَّبّ». فَلَمَّا سَمِعَ خادِمُ إِبْراهيمَ كَلامَهم، سَجَدَ لِلرَّبِّ إِلى الأَرض، وأَخرَجَ الخادِمُ حِلى فِضَّةٍ وحِلى ذَهَبٍ وثِيابًا وأَعْطاها رِفْقَة، وهَدايا قَدَّمَها لأَخيها وأُمِّها. وأَكَلوا وشَرِبوا هو والقَومُ الَّذينَ مَعه وباتوا. ثُمَّ نَهَضوا صَباحًا، فقال: «اِصْرِفوني إِلى سَيِّدي». فقالَ أَخوها وأُمُّها: «تَبْقى الفَتاةُ عِندَنا أَيَّامًا ولَو عَشَرَةَ، وبَعدَ ذٰلك تَمْضي». فقالَ لهم: «لا تُؤَخِّروني، والرَّبُّ قد أَنجَحَ طَريقي. إِصْرِفوني فأَمْضِيَ إِلى سَيِّدي». فقالوا: «نَدْعو الفَتاةَ ونَسأَلُها ماذا تَقول». فَدَعَوا رِفقَةَ وقالوا لها: «هَل تَذهَبينَ مع هٰذا الرَّجُل؟» قالَت: «أَذهَب». فصَرَفوا رِفْقَةَ أُخْتَهم وحاضِنَتَها وخادِمَ إِبْراهيمَ ورِجالَه. وبارَكوا رِفْقَةَ وقالوا لَها: «أَنتِ أُختُنا فَكوني أُلوفَ رِبْوات ولْيَرِثْ نَسلُكِ مُدُنَ مُبغِضيه» وقامَت رِفقَةُ وجَواريها فرَكِبنَ الجِمالَ ومَضَينَ مع الرَّجُل، وأَخَذَ الخادِمُ رِفقَةَ ومضى. وكانَ إِسحٰقُ قد رَجَعَ مِن بِئْرِ الحَيِّ الرَّاءِيّ، وكانَ مُقيمًا بِأَرضِ النَّقَب. وخَرَجَ إِسحٰقُ إِلى الحَقْلِ لِلتَّنَزُّهِ عِندَ المَساء. فَرَفَعَ عَينَيه ونَظَر، فإِذا جِمالٌ مُقبِلَة. ورَفَعَت رِفقَةُ عَينَيها فرَأَت إِسحٰق فقَفَزَت عَنِ الجَمَل. وقالَت لِلخادِم: «مَن هٰذا الرَّجُلُ القادِمُ في الحَقلِ لِلِقائِنا؟» فقال الخادم: «هو سَيِّدي». فأَخَذَتِ الحِجابَ واحتَجَبَت به. ثُمَّ أَخْبَرَ الخادِمُ إِسحٰقَ بِجَميعِ الأُمورِ الَّتي صَنعَها. فأَدخَلَ إِسحٰقُ رِفقَةَ إِلى خَيْمَةِ أُمِّه سارةَ وأَخَذَ رِفقَة، فصارَت لَه زَوجةً وأَحَبَّها، وتعَزَّى إِسحٰقُ عن أُمِّه. وعادَ إِبْراهيمُ فأَخَذَ زَوجةً اسمُها قَطورة. فَوَلَدَت لَه زِمْران ويُقْشان ومَدان ومِدْيَن ويِشْباق وشُوحًا. ووَلَدَ يُقْشانُ شَبَأً ودَدان، وبَنو دَدانَ همُ الأَشُّوريم واللَّطوشيم واللَّؤُميم. وبَنو مِدْيَنَ هم عَيفَة وعِفْر وحَنوك وأَبيداع وأَلْداعة. جَميعُ هٰؤُلاءِ هم بنو قَطورة. وأَعْطى إِبْراهيمُ كُلَّ ما لَه لِإسحٰقَ. ولِبَني السَّرارِيِّ الَّتي لِإبْراهيمَ وَهَبَ إِبْراهيمُ هِبات، وصَرَفَهم، وهو على قَيدِ الحَياة، بَعيدًا عن إِسحٰقَ ٱبنِه، شَرْقًا إِلى أَرضِ المَشْرِق. وهٰذه أَيَّامُ سِني حَياةِ إِبْراهيمَ الَّتي عاشها: مِئَةُ سَنَةٍ وخَمْسٌ وسَبْعونَ سَنَةً. ثُمَّ فاضَت روحُه وماتَ بِشِيبَةٍ طَيِّبَة، شَيخًا مُشبَعًا بِالأَيَّام، وٱنضَمَّ إِلى قَومِه. فدَفَنَه إِسحٰقُ وإِسْماعيلُ ٱبْناه في مَغارةِ المَكْفيلة في حَقْلِ عَفْرونَ بْنِ صُوحَرَ الحِثِّيِّ الَّذي تُجاهَ مَمْرا، في الحَقْلِ الَّذي ٱشْتَراه إِبْراهيمُ مِن بَني حِثّ. هُناكَ قُبِرَ إِبْراهيمُ وٱمرَأَتُه سارة. وكانَ بَعد مَوتِ إِبْراهيمَ أَنَّ اللهَ بارَكَ إِسحٰقَ ٱبنَه وأَقامَ إِسحٰقُ عِندَ بِئرِ الحَيِّ الرَّاءِيّ. وهٰذه سُلالَةُ إِسْماعيلَ بْنِ إِبْراهيمَ الَّذي وَلَدَته هاجَرُ المِصريَّةُ خادِمَةُ سارةَ لِإبْراهيم. هٰذه أَسماءُ بَني إِسْماعيلَ بِحَسَبِ أَسْمائِهِم وسُلالَتِهم: نَبايوت بِكْرُ إِسْماعيل، وقِيدار وأَدْبَئيل ومِبْسام. ومِشْماع ودومة ومسَّا وحَدار وتَيما ويَطور ونافيش وقِدْمة. هٰؤُلاءِ هم بَنو إِسْماعيل وهٰذه أَسْماؤُهم بِحَسَبِ قُراهم ومُخَيَّماتِهم: اِثْنا عَشَرَ زَعيمًا لِعَشائِرِهم. وهٰذه سِنو حَياةِ إِسْماعيل: مِئَةُ سَنَةٍ وسَبْعٌ وثَلاثونَ سَنَة، ثُمَّ فاضَت روحُه وماتَ وٱنضَمَّ إِلى أَجْدادِه. وأَقاموا مِن حَويلة إِلى شُورَ الَّتي تُجاهَ مِصْرَ وأَنتَ آتٍ نَحوَ أَشُّور. وكانَ قد نَزَلَ قُبالَةَ جَميعِ إخوَتِه. وهٰذه سِيرةُ إِسحْقَ بْنِ إِبْراهيم: إِبْراهيمُ وَلَدَ إِسحٰق. وكانَ إِسحٰقُ ٱبنَ أَربَعينَ سَنَةً حينَ ٱتَّخَذَ رِفقَةَ زَوجَةً لَه، وهي بِنْتُ بَتوئيلَ الأَرامِيِّ مِن فَدَّانَ أَرام، وأُختُ لابانَ الأَراميّ. ثُمَّ دعا إِسحٰقُ إِلى الرَّبِّ لِأجلِ ٱمرَأَتِه، لأَنَّها كانت عاقرًا، فٱستَجابَه الرَّبُّ، وحَمَلت رِفقَةُ ٱمرَأَتُه. وٱصطَدَمَ الوَلَدانِ في جَوفِها، فقالَت: «إِن كانَ الأَمرُ هٰكذا، فما لي والحَياة؟» ومَضَت تَستَشيرُ الرَّبّ فقالَ لها الرَّبّ: «في جَوفِكِ أُمَّتان، ومِن أَحشائِكِ يَتَفَرَّعُ شَعْبان: شَعْبٌ يَقْوى على شَعْب، والكَبيرُ يَخدُمُ الصَّغير». فلَمَّا كَمَلَت أَيَّامُ وِلادَتِها، إِذا في بَطنِها تَوأَمان. فخَرَجَ الأَوَّلُ أَصهَبَ اللَّون، كُلُّه كفَروَةِ شَعَرٍ، فسَمَّوه عِيسو. ثُمَّ خَرَجَ أَخوه ويَدُه قابِضَةٌ على عَقَبِ عِيسو، فدُعِيَ بِٱسمِ يَعْقوب. كانَ إِسحٰقُ ٱبنَ سِتِّينَ سَنَةً حينَ وُلِدا. وكَبِرَ الصَّبِيَّان، فكانَ عِيسو رَجُلًا عارِفًا بِالصَّيد، رَجُلَ الحُقول، وكانَ يَعْقوبُ رَجُلًا مُستَقِرًّا، مُقيمًا بِالخِيام. فأَحَبَّ إِسحٰقُ عِيسو، لأَنَّه كانَ يَستَطيبُ صَيدَه، وأَمَّا رِفقَةُ فأَحَبَّت يَعْقوب. وطَبَخَ يَعْقوبُ طَبيخًا، وقَدِمَ عِيسو مِنَ الحَقلِ مُرهَقًا. فقالَ عِيسو لِيَعْقوب: «دَعْني أَلتَهِمُ مِن هٰذا الأَحمَر، فإِنِّي قد أُرهِقتُ» (ولِذٰلك قيلَ لَه أَدوم). فقالَ يَعْقوب: «بِعْني اليَومَ بِكرِيَّتَكَ» فقالَ عِيسو: «هاءَنَذا صائِرٌ إِلى المَوت، فَما لي والبِكريَّة؟» فقالَ يَعْقوب: «اِحلِفْ لِيَ اليَوم». فحَلَفَ لَه وباعَ بِكرِيَّتَه لِيَعْقوب. فأَعْطى يَعْقوبُ لِعيسو خُبْزًا وطَبيخًا مِنَ العَدَس، فأَكَلَ وشَرِبَ وقامَ ومضى، وهٰكذا ٱستَخَفَّ عِيسو بالبِكرِيَّة. وكانَت في الأَرضِ مجاعةٌ غَيرُ المجاعةِ الأُولى الَّتي كانَت في أَيَّامِ إِبْراهيم. فمَضى إِسحٰقُ إِلى أَبيمَلِكَ، مَلِكِ الفَلِسْطينِيِّينَ في جَرار. فتَراءى لَه الرَّبُّ وقال: «لا تَنْزِلْ إِلى مِصْر، بل أَقِمْ في الأَرضِ الَّتي أُعَيِّنُها لَكَ. إِنْزِلْ هٰذه الأَرض، وأَنا أَكونُ مَعَكَ وأُبارِكُكَ، لأَنِّي لَكَ ولِنَسلِكَ سأُعْطي هٰذِه البِلادَ كُلَّها، وأَفي بِالقَسَمِ الَّذي أَقسَمتُه لِإبْراهيمَ أَبيكَ. وأُكَثِّرُ نَسلَكَ كَنُجومِ السَّماء، وأُعْطي نَسلَكَ هٰذه البِلادَ كُلَّها، وتَتَبارَكُ بِنَسلِكَ أُمَمُ الأَرضِ كُلُّها، مِن أَجْلِ أَنَّ إِبْراهيمَ أَصْغى إِلى صَوتي وحَفِظَ أَوامِري ووَصايايَ وفَرائِضي وشَرائِعي». فأَقامَ إِسحْقُ في جَرار. وسَأَلَهُ أَهْلُ المَكانِ عنِ ٱمرَأَتِه، فقال: «هي أُخْتي»، لأَنَّه خافَ أَن يَقول: «هيَ ٱمرَأَتي»، قائلًا في نَفسِه: «لِئَلاَّ يَقتُلَني أَهْلُ المَكانِ بِسَبَبِ رِفقَة، لأَنَّها جَميلَةُ المَنْظَر». وكانَ، لَمَّا طالَت أَيَّامُ إِقامَتِه، أَنَّ أَبيمَلِك، مَلِكَ الفَلِسْطينِيِّينَ، تَطَلَّعَ مِنَ النَّافِذَةِ ورأَى، فإِذا إِسحٰقُ يُداعِبُ رِفقَةَ ٱمرَأَتَه. فَدَعا أَبيمَلِكُ إِسحٰقَ وقال: «هي إِذًا ٱمرَأَتُكَ، فلِمَ قُلتَ: إِنَّها أُخْتي؟». فقالَ إِسحٰق: «لأَنِّي قُلتُ: لَعَلِّي أَموتُ بِسَبَبِها». فقالَ أَبيمَلِك: «ماذا صَنَعتَ بِنا؟ لَولا قَليل، لَضاجَعَ أَحَدٌ مِنَ الشَّعبِ ٱمرَأَتَكَ، فجَلَبتَ علَينا ذَنْبًا». وأَمَرَ أَبيمَلِكُ الشَّعبَ كُلَّه قائلًا: «مَن مَسَّ هٰذا الرَّجُلَ أَوِ ٱمرَأَتَه يُقتَلُ قَتْلًا». وزَرَعَ إِسحٰقُ في تِلكَ الأَرضِ فأَصابَ في تِلكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْف، وبارَكَه الرَّبّ. فٱغْتَنى الرَّجُلُ وكانَ يَزْدادُ غِنًى إِلى أَن صارَ غَنِيًّا جِدًّا. وصارَت لَه ماشِيَةُ غَنَمٍ وماشِيَةُ بَقَرٍ وخَدَمٌ كثيرون، فحَسَدَه الفَلِسْطينِيُّون. وجَميعُ الآبارِ الَّتي حَفَرَها خَدَمُ أَبيه في أَيَّامِ إِبْراهيمَ أَبيه كانَ الفَلِسْطينِيُّونَ قد رَدَموها ومَلَأُوها تُرابًا. وقالَ أَبيمَلِكُ لِإسْحٰق: «إِنصَرِفْ مِن عِندِنا، لأَنَّكَ قد أَصبَحتَ أَقْوى مِنَّا جِدًّا». فٱنْصَرَفَ إِسحٰقُ مِن هُناكَ وخَيَّمَ في وادي جَرار وأَقامَ هُناك. ثُمَّ عادَ إِسحٰقُ فحَفَرَ آبارَ الماءِ الَّتي كانَ خَدَمُ إِبْراهيمَ أَبيه قد حَفَروها ورَدَمَها الفَلِسْطينِيُّونَ بَعدَ مَوتِ إِبْراهيم، ودَعاها بالأَسْماءِ الَّتي كانَ أَبوه قد دَعاها بها. وحَفَرَ خَدَمُ إِسْحٰقَ في الوادي فَوَجَدوا هُناكَ بِئرَ مِياهٍ حَيَّة فتَخاصَمَ رُعاةُ جَرارَ ورُعاةُ إِسحٰقَ قائِلين: «هٰذا الماءُ لَنا». فسَمَّى إِسحٰقُ البِئرَ «عِسِقْ»، لأَنَّهم تَنازَعوا معَه. ثُمَّ حَفَروا بِئرًا أُخْرى فتَخاصَموا علَيها أَيضًا، فسَمَّاها «سِطْنَة». ثُمَّ ٱنْتَقَلَ مِن هُناكَ وحَفَرَ بِئرًا أُخْرى، فلَم يَتَخاصَموا عليها، فسَمَّاها «رُحُبوت» وقال: «الآنَ قد رَحَّبَ الرَّبُّ لَنا فنَنْمُو في الأَرض». ثُمَّ صَعِدَ مِن هُناكَ إِلى بِئرَ سَبْع. فتَراءى لَه الرَّبُّ في تِلكَ اللَّيلَةِ وقال: «أَنا إِلٰهُ إِبْراهيمَ أَبيكَ. لا تَخَفْ فإِنِّي مَعَكَ. أُبارِكُكَ وأُكَثِّرُ نَسلَكَ. مِن أَجْلِ عَبْدي إِبْراهيم». فبَنى هُناكَ مَذبَحًا ودَعا بِٱسْمِ الرَّبّ، ونَصَبَ هُناكَ خَيمَتَه. وحَفَرَ هُناكَ خَدَمُ إِسحٰقَ بِئرًا. فذَهَبَ إِلَيه مِن جَرارَ أَبيمَلِكُ وأَحُزَّاتُ صاحِبُه وفِيكولُ قائِدُ جَيشِه. فقالَ لَه إِسحٰق: «ما بالُكُم أَتَيتُم إِلَيَّ وأَنتُم قد أَبغَضتُموني وصَرَفتُموني مِن عِندِكم؟». فقالوا: «إِنَّنا قد رأَينا أَنَّ الرَّبَّ معكَ، فقُلْنا: لِيَكُنِ الآنَ قَسَمٌ بَينَنا وبَينَكَ، ونَقطَعُ مَعكَ عَهْدًا أَلاَّ تَصنَعَ بِنا سُوءًا كما أَنَّنا لم نَمَسَّكَ وكما أَنَّنا لم نَصْنَعْ إلَيْكَ إِلاَّ خَيرًا وصَرَفْناكَ بِسَلام. أَنتَ الآنَ مُبارَكُ الرَّبّ». فأَقامَ لهم مَأدُبَةً فأَكَلوا وشَرِبوا. وبَكَّروا في الصَّباح، فحَلَفَ كُلٌّ مِنهُم لِصاحِبِه، وصَرَفَهم إِسحٰق: فَمضَوا مِن عِندِه بِسلام. وكانَ في ذٰلك اليَومِ أَنَّ خَدَمَ إِسحٰقَ جاءُوا فأَخبَروه بِأَمرِ البِئرِ الَّتي حَفَروها وقالوا له: «قد وَجَدْنا ماءً». فدَعاها «شِبَعْ»، ولِذٰلك ٱسمُ المَدينَةِ بِئرَ سَبْعُ إِلى هٰذا اليَوم. ولَمَّا صارَ عِيسو ٱبنَ أَربَعينَ سَنَةً، اِتَّخَذَ يَهوديتَ، بِنْتَ بَئِيرِيَ الحِثِّيّ، وَبسمَةَ، بِنْتَ أَيلونَ الحِثِّيِّ، ٱمرَأَتَيْنِ لَه. فكانَتا مَرارَةَ نَفْسٍ لِإسحٰقَ ورِفقَة. وحَدَثَ، لَمَّا شاخَ إِسحٰقُ وكَلَّت عَيناه عنِ النَّظَر، أَنَّه دَعا عِيسو ٱبنَه الأكبَرَ وقالَ له: «يا بُنَيَّ». قالَ: «هاءَنَذا». فقال: «هاءَنَذا قد شِخْتُ ولا أَعْلَمُ يَومَ مَوتي. والآن خُذْ عُدَّتَكَ وجَعبَتَكَ وقَوسَكَ، وٱخرُجْ إِلى الحَقْل وصِدْ لي صَيدًا، وأَعدِدْ لي أَلْوانًا طَيِّبةً كَما أُحِبّ، وٱئتِني بِه فآكُل، لِكَي تُبارِكَكَ نَفْسي قَبلَ أَن أَموت». وكانَت رِفقَةُ سامِعةً حينَ كَلَّمَ إِسحٰقُ عِيسو ٱبنَه. فمَضى عِيسو إِلى الحَقْلِ لِيَصيدَ صَيدًا ويَأتِيَ به. فكَلَّمَت رِفقَةُ يَعقوبَ ٱبنَها قائلَةً: «إِنِّي قد سَمِعتُ أَباكَ يُكَلِّمُ عِيسوَ أَخاكَ قائلًا: إِئتِني بِصَيدٍ وأَعدِدْ لي أَلْوانًا طَيِّبَةً فآكُلَ مِنها وأُبارِكَكَ أَمامَ الرَّبِّ قَبلَ مَوتي. والآنَ يا بُنَيَّ، اِسمَعْ لِقَولي في ما آمُرُكَ بِه: اِمْضِ إِلى الغَنَم وخُذْ لي مِن هُناكَ جَديَينِ مِنَ المَعِزِ جَيِّدَين، فأُعِدَّهُما أَلْوانًا طَيِّبَةً لأَبيكَ كما يُحِبّ، فتَأتي بِها أَباكَ ويأكُل، لِكَي يُبارِكَكَ قَبلَ مَوتِه». فقالَ يَعْقوبُ لِرِفقَةَ أُمِّه: «عِيسو أَخي رَجُلٌ أَشعَرَ وأَنا رَجُلٌ أَملَس. فلَعَلَّ أَبي يَجُسُّني فأَكونَ في عَينَيه كالسَّاخِرِ مِنه، وأَجلُبَ على نَفْسي لَعنَةً لا بَركَة». قالَت لَه أُمُّه: «عَلَيَّ لَعنَتُكَ يا بُنَيَّ، إِنَّما ٱسمَعْ لِقَولي وٱمضِ وخُذْ لي ذٰلك». فمَضى وأَخَذَ ذٰلك وأَتى بِه أُمَّه فأَعَدَّته أُمُّه أَلْوانًا طَيِّبةً، على ما يُحِبُّ أَبوه. وأَخَذَت رِفقَةُ ثِيابَ عِيسوَ ٱبنِها الأكبَرِ الفاخِرَةَ الَّتي عِندَها في البَيت فأَلبَسَتْها يَعْقوبَ ٱبنَها الأَصغَر، وكَسَت يَدَيه ومَلاسةَ عُنُقِه بِجِلْدِ المَعِز، وأَعْطَت يَعقوبَ ٱبنَها ما صَنَعَته مِنَ الأَلْوانِ الطَيِّبَةِ والخُبْز. فَدَخَلَ على أَبيه وقال: «يا أَبتِ». قال: «لَبَّيكَ، مَن أَنتَ يا بُنَيَّ؟». فقالَ يَعْقوبُ لأَبيه: «أَنا عِيسو بِكرُكَ قد صَنَعتُ كَما أَمَرتَني. قُمْ فٱجْلِسْ وكُلْ مِن صَيدي، لِكَي تُبارِكَني نَفْسُكَ». فقالَ إِسحٰقُ لٱبْنِه: «ما أَسرَعَ ما أَصَبتَ، يا بُنَيَّ». قال: «إِنَّ الرَّبَّ إلٰهَكَ قد يَسَّرَ لي». فقالَ إِسحٰقُ لَيَعْقوب: «تَقَدَّمْ حَتَّى أَجُسَّكَ يا بُنَيَّ، لأَعْلَمَ هل أَنتَ ٱبْني عِيسو أَم لا». فتَقَدَّمَ يَعْقوبُ إِلى إِسْحَقَ أَبيه، فجَسَّه وقال: «الصَّوتُ صَوتُ يَعْقوب، ولٰكِنَّ اليَدَيْنِ يَدا عيسو». ولَم يَعْرِفْه، لأَنَّ يَدَيه كانَتَا مُشعِرَتَينِ كَيَدَي عِيسوَ أَخيه، فبارَكَه. وقال: «هل أَنتَ ٱبْني عِيسو؟» قال: «أَنا هو». فقال: قَدِّمْ لي حتَّى آكُلَ مِن صَيدِ ٱبْني، لِكَي تُبارِكَكَ نَفْسي». فقَدَّمَ لَه فأَكَل، وأَتاه بِخَمرٍ فشَرِب. ثُمَّ قالَ له إِسحٰقُ أبوه: «تَقَدَّمْ قَبِّلْني يا بُنَيَّ». فتَقَدَّمَ وقَبَّلَه، فاشتمَّ رائِحَةَ ثِيابِه وبارَكَه وقال: «ها هيَ ذِه رائِحَةُ ٱبْني كرائِحَةِ حَقْلٍ قد بارَكَه الرَّبّ. يعطيكَ اللهُ مِن نَدى السَّماءِ ومِن دَسَمِ الأَرض ويُكَثِّرُ لَكَ الحِنطَةَ والنَّبيذ وتَخدُمُكَ الشُّعوبُ وتَسجُدُ لَكَ الأُمَم. سَيِّدًا تَكونُ لِإخوَتِكَ ولَكَ بَنو أُمِّكَ يَسجُدون. لاعِنُكَ مَلْعونٌ ومُبارِكُكَ مُبارَك». فلَمَّا ٱنتَهى إِسحٰقُ مِن بَرَكَتِه لِيَعْقوب وخَرَجَ يَعْقوبُ مِن أَمامِ إِسحٰقَ أَبيه، إِذا عِيسو أَخوه قد أَقْبَلَ مِن صَيدِه. فأَعَدَّ هو أَيضًا أَلْوانًا طَيِّبَةً وأَتى بِها أَباه وقالَ لأَبيه: «لِيَقُمْ أَبي ويأكُلْ مِن صَيْدِ ٱبْنِه، لِكَي تُبارِكَني نَفْسُكَ»، فقالَ لَه إِسحٰقُ أَبوه: «مَن أَنتَ؟» قال: «أَنا ٱبنُكَ بِكْرُكَ عِيسو». فٱرتَعَشَ إِسحٰقُ ٱرتِعاشًا شَديدًا جِدًّا وقال: «فمَن إِذًا ذاكَ الَّذي صادَ صَيدًا فأَتاني بِه؟ فقَد أَكلتُ مِن كُلِّه، قَبلَ أَن تَجيءَ، وبارَكتُه، نَعَم! مُبارَكًا يَكون». فلَمَّا سَمِعَ عيسو كَلامَ أَبيه، صَرَخَ صَرخةً عَظيمةً ومُرَّةً جِدًّا، وقالَ لأَبيه: «بارِكْني أَنا أَيضًا يا أَبَتِ». فقال: «وقد جاءَ أَخوكَ بمَكْرٍ وأَخَذَ بَرَكَتَكَ». فقال: «أَلأَنَّه سُمِّيَ يَعْقوبَ قد تَعَقَّبَني مَرَّتَين: أَخَذَ بِكرِيَّتي، وهاهَوذا الآنَ أَخَذَ بَركَتي». ثُمَّ قال: «أَما أَبقَيتَ لي بَركَةً؟». فأَجابَ إِسحٰقُ وقالَ لِعيسو: «هاءَنَذَا قد جَعَلتُه سَيِّدًا لَكَ ووَهَبتُ لَه جَميعَ إِخوَتِه خَدَمًا، وبالحِنطَةِ والنَّبيذِ أَمدَدتُه، فماذا أَصنَعُ لَكَ يا بُنَيَّ؟» فقالَ عِيسو لأَبيه: «أَبَرَكَةٌ واحِدَةٌ لَكَ يا أَبَتِ؟ بارِكْني أَنا أَيضًا يا أَبَتِ». وبَقِيَ إِسحٰقُ صامِتًا، ورَفَعَ عِيسو صَوتَه وبَكى. فأَجابَه إِسحٰقُ أَبوه وقالَ له: «بِمَعزِلٍ عن دَسَمِ الأَرضِ يَكونُ مَسكِنُكَ وعن طَلِّ السَّماءِ الَّذي مِن عَلُ. بِسَيفِكَ تَعيش وأَخاكَ تَخدُم، ويَكونُ أَنَّكَ، إِذا قَوِيتَ، تَكسِرُ نِيرَه عن عُنُقِكَ. وحَقَدَ عِيسو على يَعْقوبَ بِسَبَبِ البَركَةِ الَّتي بارَكَه أَبوه بِها، وقال عِيسو في قَلبِه: «قد قَرُبَت أَيَّامُ حُزْنِ أَبي فأَقتُلُ يَعْقوبَ أَخي». فأُخبِرَت رِفقَةُ بِكَلامِ عِيسوَ ٱبنِها الأَكبَر، فبَعَثَت وٱستَدعَت يَعْقوبَ ٱبنَها الأَصغَر، وقالَت له: «هُوَذا عيسو أَخوكَ مُنتَقِمٌ مِنكَ بالقَتْل. والآنَ، يا بُنَيَّ، اِسْمَعْ لِقَولي: قُمْ فٱهرُبْ إِلى لابانَ أَخي في حاران، وأَقِمْ عِندَه أَيَّامًا قَلائِل، حتَّى يَتَحَوَّلَ عنكَ غَيظُ أَخيك. فإِذا تَحَوَّلَ غَضَبُ أَخيكَ عنكَ ونَسِيَ ما فَعَلتَ بِه، بَعَثتُ فأَخَذتُكَ مِن هُناكَ، فلِماذا أُصبِحُ ثَكْلى مَرَّتَينِ في يَومٍ واحِد؟». وقالَت رِفقةُ لِإسحٰق: «قد سَئِمتُ حَياتي بِسَبَبِ بَناتِ حِثّ. فإِن تَزَوَّجَ يَعْقوبُ بِٱمرَأَةٍ مِن بَناتِ حِثٍّ مِثْلِ هٰؤُلاء، مِن بَناتِ البَلَد، فما لي والْحَياة؟». فدَعا إسحٰقُ يَعْقوبَ وبارَكَه وأَوصاه قائلًا له: «لا تأخُذِ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ كَنْعان. قُمْ فٱمضِ إِلى فَدَّانَ أَرام، إلى بَيتِ بَتوئيلَ أَبي أُمِّكَ، وتَزَوَّجْ بِٱمرَأَةٍ مِن هُناك، مِن بَناتِ لابانَ خالِكَ. واللهُ القَديرُ يُبارِكُكَ ويُنْميكَ ويُكثِّرُكَ وتَكونُ جَماعَةَ شُعوب. ويُعْطيكَ بَرَكَةَ إِبْراهيمَ، لَكَ ولِنَسلِكَ مَعَكَ، لِتَرِثَ أَرضَ غُربَتِكَ الَّتي وَهَبَهَا اللهُ لِإبْراهيم». وأَرسَلَ إِسحٰقُ يَعْقوب فمَضى إِلى فَدَّانَ أَرام، إِلى لابانَ بْنِ بَتوئيلَ الأَرامِيّ، أَخي رِفقَةَ أُمِّ يَعْقوبَ وعيسو. ورأَى عيسو أَنَّ إسحٰقَ قد بارَكَ يَعْقوب وأَرسَلَه إِلى فَدَّانَ أَرام، لِيَتَّخِذَ لَه مِن هُناكَ ٱمرَأَةً، وأَنَّه، حين بارَكَه، أَوصاه قائِلًا له: «لا تَتَّخِذْ لَكَ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ كَنْعان»، وأَنَّ يَعْقوبَ أَطاعَ أَباه وأُمَّه ومَضى إِلى فَدَّانَ أَرام. ورَأَى عيسو أَنَّ بَناتِ كَنْعانَ شِرِّيراتٌ في عَينَي إِسحٰقَ أَبيه، فمضى عيسو إِلى إِسْماعيل فتَزَوَّجَ مَحلَةَ بِنتَ إِسْماعيلَ بْنِ إِبْراهيم، أُختَ نَبايوت، لِتَكونَ لَه زَوجةً مع نِسائِه. وخَرَجَ يَعْقوبُ مِن بِئرَ سَبْعَ ومَضى إِلى حاران. وٱتَّفَقَ أَنَّه وَجَدَ مَكانًا باتَ فيه، لأَنَّ الشَّمسَ قد غابَت. فأَخَذَ بَعضَ حِجارةِ المَكان فَوَضَعَه تَحتَ رَأْسِه ونامَ في ذٰلك المَكان. وحَلَمَ حُلْمًا، فإِذا سُلَّمٌ مُنتَصِبٌ على الأرض ورأسُه يُلامِسُ السَّماء، وإِذا مَلائِكَةُ اللهِ صاعِدونَ نازِلونَ علَيه، وإِذا الرَّبُّ واقِفٌ بِالقُربِ مِن يَعْقوب، فقال: «أَنا الرَّبُّ إِلٰهُ إِبْراهيمَ أَبيكَ وإِلٰهُ إِسحٰق. إِنَّ الأَرضَ الَّتي أَنتَ نائِمٌ عليها، لَكَ أُعْطيها ولِنَسلِكَ، ويَكونُ نَسلُكَ كَتُرابِ الأَرض، فتَنْتَشِرُ غَرْبًا وشَرْقًا وشَمالًا وجَنوبًا، ويَتَبارَكُ بِكَ وبِنَسلِكَ جَميعُ عَشائِرِ الأَرض. وها أَنا مَعكَ، أَحفَظُكَ حَيثُما ٱتَّجَهتَ، وسأَرُدُّكَ إِلى هٰذه الأَرض، فإِنِّي لا أَترُكُكَ حَتَّى أَعمَلَ بِما كَلَّمتُكَ بِه». فٱستَيقَظَ يَعْقوبُ مِن نَومِه وقال: «حَقًّا، إِنَّ الرَّبَّ في هذا المَكان، وأَنا لم أَعلَمْ». فخافَ وقال: «ما أَرهَبَ هٰذا المكان! ما هٰذا إِلاَّ بَيتُ الله! هٰذا بابُ السَّماء!» ثُمَّ بَكَّرَ يَعْقوبُ في الصَّباح وأَخَذَ الحَجَرَ الَّذي وَضَعَه تَحتَ رأسِه وأَقامَه نُصُبًا وصبَّ على رأسِ الحَجَرِ زَيتًا. وسَمَّى ذٰلك المكانَ بَيتَ إِيل، وكانَ ٱسمُ المَدينَةِ أَوَّلًا لُوز. ونَذَرَ يَعْقوبُ نَذْرًا قائلًا: «إِن كانَ اللهُ معي وحَفِظَني في هٰذا الطَّريقِ الَّذي أَنا سالِكُه، ورَزَقَني خُبْزًا آكُلُه وثَوبًا أَلبَسُه، ورَجَعَتُ سالِمًا إِلى بَيتِ أَبي، يَكونُ الرَّبُّ لي إِلٰهًا. وهذا الحَجَرُ الَّذي جَعَلتُه نُصُبًا يَكونُ بَيتًا للهِ، وكُلُّ ما تَرزُقُني إِيَّاه فإِنِّي أُؤَدِّي لَكَ عُشْرَه». ثُمَّ قامَ يَعْقوبُ ومضى إِلى أَرضِ بَني المَشرِق. ونَظَرَ فإِذا بِئرٌ في الحَقْل، وإِذا ثلاثةُ قُطْعانٍ مِنَ الغَنَمِ رابِضةٌ عِندَها، لأَنَّهم مِن تِلكَ البِئرِ كانوا يَسْقُونَ القُطْعان، والحَجَرُ الَّذي على فَمِ البِئرِ كانَ ضَخْمًا. وكانَ، إِذا جُمِعَتِ القُطْعان، يُدَحرَجُ عن فَمِ البِئر، فتُسْقى الغَنَم، ثُمَّ يُرَدُّ الحَجَرُ على فَمِ البِئرِ إِلى مَوضِعِه. فقالَ يَعْقوبُ لِلرُّعاة: «مِن أَينَ أَنتُم أَيُّها الإِخْوان؟» قالوا: «مِن حاران». فقالَ لَهم: «أَتَعرِفونَ لابانَ بْنَ ناحور؟» فقالوا: «نَعرِفُه». فقالَ لَهم: «أَسالِمٌ هو؟ قالوا: «هو سالم، وهٰذه راحيلُ ٱبنَتُه آتِيَةٌ مع الغَنَم». فقالَ لَهم: «هُوَذا النَّهارُ طويلٌ بَعدُ، ولَيسَ الآنَ وَقتُ جَمْعِ المَواشي، فٱسْقوا الغَنَمَ وٱمضُوا بِها فٱرْعُوها». قالوا: «لا نَقدِر، حتَّى تُجمَعَ القُطْعانُ كُلُّها ويُدَحرَجَ الحَجَرُ عن فَمِ البِئرِ فنَسْقي الغَنَم». وبَينَما هو يُخاطِبُهُم، إِذ أَقبَلَت راحيلُ مع غَنَمِ أَبيها، لأَنَّها كانَت راعِيَة. فلَمَّا رأَى يَعْقوبُ راحيلَ، بِنتَ لابانَ أَخي أُمِّه، وغَنَمَ لابانَ أَخي أُمِّه، تقدَّمَ ودَحرَجَ الحَجَرَ عن فَمِ البِئر وسَقى غَنَمَ لابانَ أَخي أُمِّه. وقَبَّلَ يَعْقوبُ راحيل ورَفَعَ صَوتَه وبَكى. وأَخبَرَ يَعْقوبُ راحيلَ أَنَّه ٱبْنُ أُخْتِ أَبيها وٱبنُ رِفْقَة، فَرَكَضَت وأَخبَرَت أَباها. فَلَمَّا سَمِعَ لابانُ خَبَرَ يَعْقوبَ ٱبنِ أُخْتِه، رَكَضَ إِلى لِقائِه وعانَقَه وقَبَّلَه وأَتى بِه إِلى مَنزِلِه. وأَخبَرَ يَعْقوبُ لابانَ بِكُلِّ ما جَرى. فقالَ لَه لابان: «أَنتَ عَظْمي ولَحْمي حَقًّا»، وأَقامَ يَعْقوبُ عِندَه شَهْرًا. ثُمَّ قالَ لابانُ لِيَعْقوب: «إِذا كُنتَ أَخي، أَفَتخدِمُني مجَّانًا؟ أَخبِرْني ما أُجرَتُك». وكانَ لِلابانَ ٱبنَتان، اِسْمُ الكُبْرى لَيئَة، وٱسْمُ الصُّغْرى راحيل. وكانَت لَيئَةُ مُستَرخِيَةَ العَينَين، وكانَت راحيلُ حَسَنَةَ الهَيئَةِ جَميلَةَ المَنظَر. فأَحَبَّ يَعْقوبُ راحيلَ وقال: «أَخدِمُكَ سَبْعَ سَنَواتٍ بِراحيلَ ٱبنَتِكَ الصُّغْرى». فقالَ لابان: «لَأَن تَأخُذَها أَنتَ خَيرٌ مِن أَن أُعطِيَها لِرَجُلٍ آخَر، فأَقِمْ عِنْدي». فخَدَمَه يَعْقوبُ بِراحيلَ سَبْعَ سِنين، وكانَت في عَينَيه كأَيَّامٍ قَليلةٍ مِن مَحَبَّتِه لَها. وقالَ يَعْقوبُ بَعدَ ذٰلك لِلابان: «أَعْطِني ٱمرَأَتي فأَدخُلَ عَلَيها، فإِنَّ أَيَّامي قد كَمَلَت». فجَمَعَ لابانُ جَميعَ أَهْلِ المَكان وأَقامَ وَليمة. وعِندَ المَساء، أَخَذَ لَيئَةَ ٱبنَتَه فزَفَّها إِلى يَعْقوب، فدَخَلَ علَيها. (وكانَ لابانُ قد وَهَبَ زِلْفَةَ خادِمَتَه خادِمَةً لِلَيئَةَ ٱبنَتِه). فلَمَّا كانَ الصَّباح، إِذا هي لَيئَة. فقالَ يَعْقوبُ لِلابان: «ماذا صَنَعتَ بي؟ أَلَيسَ أَنِّي بِراحيلَ خَدَمتُكَ؟ فلِمَ خَدَعْتَني؟» فقال لابان: «لا يُصنَعُ في بِلادِنا أَن تُعْطى الصُّغْرى قَبلَ الكُبْرى. أَكمِلْ أُسبوعَ هٰذه، فنُعطِيَكَ تِلكَ أَيضًا بِالخِدمَةِ الَّتي تَخدِمُها عِنْدي سَبْعَ سَنَواتٍ أُخْرى». فَصَنَعَ يَعْقوبُ كذٰلك وأَكمَلَ أُسبوعَ هٰذه، فأَعْطاه راحيلَ ٱبنَتَه ٱمرَأَةً لَه. (وأعطى لابانُ لِراحيلَ ٱبنَتِه بِلْهَةَ خادِمَتَه خادِمةً لَها). فَدَخَلَ يَعْقوبُ على راحيلَ أَيضًا وأَحَبَّها أَكثَرَ مِن حُبِّه لِلَيئَة، وعادَ فخَدَمَ لابانَ سَبْعَ سَنواتٍ أُخْرى. ورَأَى الرَّبُّ أَنَّ لَيئَةَ غَيرُ مَحْبوبة، ففَتَحَ رَحِمَها، وأَمَّا راحيلُ فكانَت عاقِرًا. فحَمَلَت لَيئةُ ووَلَدَتِ ٱبْنًا وسَمَّته رَأُوبين، لأَنَّها قالَت: «قد نَظَرَ الرَّبُّ إِلى مَذَلَّتي، والآنَ يُحِبُّني زَوجي». وعادَت فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبْنًا فقالت: «قد سَمِعَ الرَّبُّ دُعائي لأَنِّي غَيرُ مَحْبوبة، فَرَزَقَني أَيضًا هٰذا»، وسَمَّته شِمْعون. وعادت أَيضًا فَحَمَلت ووَلَدِتِ ٱبْنًا وقالَت: «هٰذِه المَرَّةَ يَتعَلَّقُ بي زَوجي لأَنِّي قد وَلَدتُ لَه ثَلاثَةَ بَنين، ولِذٰلك سَمَّته لاوي. وعادَت أَيضًا فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبْنًا وقالَت: «هٰذِه المَرَّةَ، أَحمَدُ الرَّبّ»، ولذٰلِك سَمَّته يَهوذا. ثُمَّ تَوَقَّفَت عنِ الوِلادة. ولَمَّا رأَت راحيلُ أَنَّها لم تَلِدْ لِيَعْقوب، غارَت مِن أُخْتِها وقالَت لِيَعْقوب: «هَبْ لي بَنين، وإِلاَّ فإِنِّي أَموت». فغَضِبَ يَعْقوبُ على راحيلَ وقال: «أَلَعَلِّي أَنا مَكانَ اللهِ الَّذي مَنَعَ عَنكِ ثَمَرَةَ البَطْن؟». قالَت: «هٰذه خادِمَتي بِلْهَة: أُدْخُلْ عَليها فتَلِدَ على رُكْبَتَيَّ ويُبْنى بَيتي أَنا أَيضًا مِنها». فأَعطَته خادِمَتَها بِلهَةَ ٱمرَأَةً، فدَخَلَ علَيها يَعْقوب. فحَمَلَت بِلهَةُ ووَلَدَت لِيعْقوبَ ٱبنًا. فقالَت راحيل: «قد حَكَمَ اللهُ لي وٱستَجابَني فرزَقَني ٱبنًا»، ولِذٰلك سَمَّته دانًا. وعادَت بِلهَةُ خادِمَةُ راحيلَ فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبنًا آخَرَ لِيعْقوب. فقالَت راحيل: «قد صارَعتُ أُخْتي مُصارَعاتِ اللهِ وغَلَبتُ»، وسَمَّته نَفْتالي. ورَأَت لَيئَةُ أَنَّها قد تَوَقَّفَت عنِ الوِلادَة، فأَخَذَت زِلفَةَ خادِمَتَها وأَعطَتْها لِيَعْقوبَ ٱمرَأَةً. فَوَلَدَت زِلفَةُخادِمَةُ لَيئَةَ لِيَعْقوبَ ٱبنًا. فقالَت لَيئَة: «لِحُسْنِ الحَظّ»، وسَمَّته جادًا. ووَلَدَت زِلفَةُ خادِمَةُ لَيئَةَ ٱبنًا ثانيًا لِيَعْقوب. فقالَت لَيئَة: «لِهَنائي، لأَنَّ النِّساءَ تُهَنِّئُني»، وسَمَّته أَشير. ومَضى رأُوبينُ في أَيَّامِ حِصادِ الحِنطَة، فوجَدَ لُفَّاحًا في الحَقْل، فأَتى بِه أُمَّه لَيئَة. فقالَت لَها راحيل: «أَعْطيني مِن لُفَّاحِ ٱبنِكِ». فقالَت لَها: «أَما كَفاكِ أَن أَخَذتِ زَوجي حتَّى تأخُذي لُفَّاحَ ٱبْني أَيضًا؟». قالَت راحيل: «إِذَن يَنامُ عِندَكِ اللَّيلَةَ بَدَلَ لُفَّاحِ ٱبنِكِ». وجاءَ يَعْقوبُ مِنَ البَرِّيَّةِ مَساءً، فخَرَجَت لَيئَةُ لِلِقائِه وقالَت: «أُدْخُلْ عَلَيَّ، لأَنِّي ٱستَأجَرتُكَ بِلُفَّاحِ ٱبْني». فضاجَعَها تِلكَ اللَّيلَة. فٱستَجابَ اللهُ لِلَيئَةَ فحَمَلَت ووَلَدَت لِيَعْقوبَ ٱبنًا خامِسًا. فقالَت لَيئة: «قد أَعْطاني اللهُ أَجْري، لأَنِّي أَعطَيتُ خادِمَتي لِزَوجي»، وسَمَّته يَسَّاكَر. وعادَت لَيئَةُ فحَمَلَت وَوَلَدتِ ٱبنًا سادِسًا لِيَعْقوب. فقالَت لَيئَة: «قد وَهَبَ لِيَ اللهُ هِبَةً حَسَنَة، فالآنَ يُكَرِّمُني زَوجي، لأَنِّي وَلَدتُ لَه سِتَّةَ بَنين»، وسَمَّته زَبولون. ثُمَّ وَلَدَتِ ٱبنَةً، فسَمَّتها دينَة. وذَكَرَ اللهُ راحيلَ وٱستَجابَ لَها وفَتَحَ رَحِمَها. فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبنًا وقالَت: «قد أَزالَ اللهُ عَنِّي العار»، وسَمَّته يُوسُفَ قائلة: «زادَني الرَّبُّ ٱبنًا آخَر!». فلَمَّا وَلَدَت راحيلُ يوسُف، قالَ يَعْقوبُ لِلابان: «اِصرِفْني فأَمضِيَ إِلى بَيتي وأَرْضي. أَعْطِني بَنِيَّ ونِسْوَتي اللَّواتي خَدَمتُكَ بِهِنَّ فأَنصَرِف، فإِنَّكَ تَعلَمُ خِدمَتي الَّتي خَدَمتُكَ». فقالَ لَه لابان: «إِذا نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ... فقَد عَرَفتُ بِالفِراسَةِ أَنَّ الرَّبَّ قد بارَكَني بِسَبَبِكَ». وقال: «حَدِّدْ لي أُجرَتَكَ فأُعطِيَكَ». فقالَ لَه: «أَنتَ تَعلَمُ كَيفَ خَدَمتُكَ وكيفَ صارَت مَواشيكَ معي. فإِنَّها كانَت قَليلةً قَبلَ مَجيئي، وقد زادَت كثيرًا، وبارَكَكَ الرَّبُّ بَعدَ مَجيئي. والآن فمَتى أَعمَلُ أَنا أَيضًا لِبَيتي؟» قال: «ماذا أُعْطيكَ؟» فقالَ يَعْقوب: «لا تُعْطِني شَيئًا، لٰكن إِذا صَنَعتَ لي هٰذا الأَمْر، فأَنا أَعودُ إِلى رِعايَةِ غَنَمِكَ وأَسهَرُ علَيها. أَمُرُّ اليَومَ في غَنَمِكَ كُلِّها، وتَعزِلُ مِنْها كُلَّ أَسوَدَ مِنَ الضَّأن وكُلَّ أَبلَقَ وأَرقَطَ مِنَ المَعْز، فيَكونُ ذٰلك أُجْرَتي. وتَشهَدُ ليَ ٱستِقامَتي غَدًا: إِذا حَضَرتَ لأَمرِ أُجْرَتي، فكُلُّ ما لَيسَ بِأَبلَقَ أَو أَرقَطَ مِنَ المَعزِ وأسوَدَ أَيضًا مِنَ الضَّأن فهو مَسْروقٌ عِنْدي». قالَ لابان: «أَجل، فَلْيَكُنْ كما قُلتَ». وعَزَلَ في ذٰلك اليَومِ التُّيوسَ المُخَطَّطَةَ والبَلْقاءَ وكُلَّ عَنْزٍ رَقْطاءَ وبَلْقاء، وكُلَّ ما فيه بَياضٌ، وكُلَّ أَسوَدَ مِنَ الضَّأن، فسَلَّمَها إِلى أَيْدي بَنيه. وجَعَلَ مَسيرةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ بَينَهم وبَينَ يَعْقوب، ورَعى يَعْقوبُ غَنَمَ لابانَ الباقِيَة. وأَخَذَ يَعْقوبُ عِصِيَّ حَوَر رَطْبَةً ولَوزٍ ودُلْب، وقَشَّرَ فيها خُطوطًا بَيضاء، كاشِطًا عنِ البَياضِ الَّذي على العِصِيّ. وجَعَلَ العِصِيَّ الَّتي قَشَّرَها تُجاهَ الغَنَمِ في الحِياضِ في مَساقي الماء حَيث كانَت تَرِدُ الغَنَم، لِكَي تَوحَمَ علَيها إِذا جاءَت لِتَشرَب. فكانَت تَوحَمُ الضَّأنُ على العِصِيِّ فتَلِدُ صِغارًا مُخَطَّطَةً ورَقْطاءَ وبَلْقاء. وفَرَزَ يَعْقوبُ الضَّأنَ فوجَّهَ الغَنَمَ نحو كُلِّ مُخَطَّطٍ وأَسوَدَ مِن مَواشي لابان، وبِذٰلِك جَعَلَ لِنَفْسِه قُطْعانًا على حِدَة، ولَم يَجعَلْها مع مَواشي لابان. وكانَ يَعْقوبُ، كُلَّما وَحِمَتِ الغَنَمُ القَوِيَّة، يَضَعُ العِصِيَّ تُجاهَها في الحِياضِ لِتَوحَمَ علَيها. وإِذا كانَتِ الغَنَمُ ضَعيفة، لا يَضَعُ العِصِيَّ تُجاهَها، فتَكونُ الضَّعيفَةُ لِلابان والقَوِيَّةُ لِيَعْقوب. فٱغتَنى الرَّجُلُ جِدًّا جِدًّا وصارَت لَه غَنَمٌ كَثيرة وخادِماتٌ وخُدَّامٌ وجِمالٌ وحَمير. وسَمِعَ يَعْقوبُ بَني لابانَ يقولون: «قد أَخَذَ يَعْقوبُ كُلَّ ما لأَبينا، ومِمَّا لأَبينا جَمَعَ هٰذه الثَّروَةَ كُلَّها». ورأَى يَعْقوبُ وَجهَ لابان، فإذا بِه لَيسَ معَه كما كانَ أَمْسِ فما قَبْلُ. فقالَ الرَّبُّ لِيَعْقوب: «اِرْجِعْ إِلى أَرضِ آبائِكَ ومَسقَطِ رأسِكَ، وأَنا أَكونُ معَكَ». فأَرسَلَ يَعْقوبُ ودَعا راحيلَ ولَيئَةَ إِلى الحَقْل، حَيثُ كانَت ماشِيَتُه. وقالَ لَهُما: «إِنِّي أَرى وَجهَ أَبيكُما، لا كما كانَ أَمْسِ فما قَبْلُ، ولٰكِنَّ إِلٰهَ أَبي كانَ معي. وأَنتُما تَعلَمانِ أَنِّي خَدَمتُ أَباكُما بِكُلِّ طاقَتي. وأَبوكُما خَدَعَني وغَيَّرَ أُجْرَتي عَشْرَ مَرَّات، ولم يَدَعْه اللهُ يُسيءُ إِلَيَّ. إِن قالَ: الرُّقْطُ تَكونُ أُجرَتَكَ، وَلَدَت جَمِيعُ الغَنَمِ رُقْطًا. وإِن قالَ: المُخطَّطَةُ تَكونُ أُجرَتَكَ، وَلَدَت جَميعُ الغَنَمِ مُخَطَّطَةً. فأَخَذَ اللهُ ماشِيَةَ أَبيكُما وأَعْطاني إِيَّاها. ولَمَّا كانَ وَقتُ وحامِ الغَنَمِ، رَفَعتُ عَينَيَّ ورأَيتُ في المَنامِ أَنَّ التُّيوسَ النَّازِيَةَ على الغَنَمِ مُخَطَّطَةٌ ورَقْطاءُ ونَمْراء. فقالَ لي ملاكُ اللهِ في الحُلْم: يا يَعْقوب. قُلتُ: هاءَنَذا. قال: اِرفَعْ عَينَيكَ وٱنظُرْ: جَميعُ التُّيوسِ النَّازِيَةِ على الغَنَمِ مُخَطَّطَةٌ ورَقْطاءُ ونَمْراء، فإِنِّي قد رَأَيتُ كُلَّ ما يَصنَعُه لابانُ بِكَ. أَنا الإِلٰهُ الَّذي تَراءى لَك في بَيتَ إِيل حَيثُ مَسَحتَ النُّصُبَ بِالزَّيت ونَذَرتَ لي نَذْرًا. والآن قُمْ فٱخرُجْ مِن هٰذه الأَرض وٱرجِعْ إِلى مَسقَطِ رَأسِكَ». فأَجابَت راحيلُ ولَيئَةُ وقالَتا له: «هل بَقِيَ لَنا نَصيبٌ ومِيراثٌ في بَيتِ أَبينا؟ أَلَسْنا عِندَه بِمَنزِلَةِ غُرَباء وقد باعَنا وأَكَلَ ثَمَنَنا؟ فكُلُّ الغِنى الَّذي أَخَذَه اللهُ مِن أَبينا هو لَنا ولِبَنينا. والآن فكُلُّ ما قالَه اللهُ لَكَ فٱفعَلْه». فقامَ يَعْقوبُ وحَمَلَ بَنيه ونِساءَه على الجِمال. وساقَ جَميعَ ماشِيَتِه (وجَميعَ الأَمْوالِ الَّتي ٱقتَناها، الماشِيَةَ الَّتي ٱمتَلَكَها في فدَّانَ أَرام)، لِيَذهَبَ إِلى إِسحٰق أَبيه إِلى أَرضِ كَنْعان. وكانَ لابانُ قد مضى لِيَجُزَّ غَنَمَه، فسَرَقَت راحيلُ أَصْنامَ مَنزِلِ أَبيها. وخَدَعَ يَعْقوبُ لابانَ الأَرامِيّ، ولم يُخْبرْه بِفِرارِه. وهَرَبَ بِكُلِّ ما لَه وقامَ فَعَبَرَ النَّهْرَ وٱتَّجَهَ نَحوَ جَبَلِ جِلْعاد. فأُخبِرَ لابانُ في اليَوْمِ الثَّالِثِ أَنَّ يَعْقوبَ قد فَرَّ. فأَخَذَ إِخوَتَه معَه وجَدَّ في إِثْرِه مَسيرةَ سَبعَةِ أَيَّام، فأَدرَكَه في جَبَلِ جِلْعاد. فأَتى اللهُ لابانَ الأَرامِيَّ في الحُلْمِ لَيلًا وقالَ له: «إِيَّاكَ أَن تُكَلِّمَ يَعْقوبَ بِخَيرٍ أو شَرّ». وأَدرَكَ لابانُ يَعْقوب، وكانَ يَعْقوبُ قد نَصَبَ خَيمَتَه في الجَبَل، فَنَصَبَ لابانُ خَيمَتَه في جَبَلِ جِلْعاد. فقالَ لابانُ لِيَعْقوب: «ماذا صَنَعتَ؟ قد خَدَعتَني وسُقْتَ بِنتَيَّ كأَسْرى حَرْب. لِمَ هَرَبتَ خُفيَةً وخَدَعتَني ولَم تُخْبِرْني فأُشيِّعَكَ بٱبتِهاجٍ وأَغانِيَّ ودُفٍّ وكِنَّارة؟ ولَم تَدَعْني أُقَبِّلُ بَنِيَّ وبناتي، وفي هٰذا تَصَرَّفتَ بِغَباوة. إنَّ في يَدي أَن أَصنَعَ بِكُم سُوءًا، لَولا أَنَّ إِلٰهَ أَبيكم قد كلَّمَني البارِحَةَ قائلًا: إِيَّاكَ أَن تُكَلِّمَ يَعْقوبَ بِخَيرٍ أَو شَرّ. والآن إِنَّما ٱنصَرَفتَ لِأنَّكَ ٱشتَقتَ كَثيرًا إِلى بَيتِ أَبيكَ، فلِمَ سَرَقتَ آلِهَتي؟». فأَجابَ يَعْقوبُ وقالَ لِلابان: «لأَنِّي تَخَوَّفتُ وقُلتُ: «لَعَلَّكَ تَغتَصِبُ بِنتَيكَ مِنّي. وأَمَّا آلِهَتُكَ، فمَن وُجِدَت معَه فلا يَحْيا. أَثبِتْ ما هو لَكَ في ما هو معي أَمامَ إِخوَتِنا وخُذْه». ولَم يَكُنْ يَعْقوبُ يَعلَمُ أَنَّ راحيلَ قد سَرَقَتها. فدَخَلَ لابانُ خَيمَةَ يَعْقوب وخَيمَةَ لَيئَة وخَيمَةَ الخادِمَتَين، فلَم يَجِدْ شَيئًا. وخَرَجَ مِن خَيمَةِ لَيئَة ودَخَلَ خَيمَةَ راحيل. وكانَت راحيلُ قد أَخَذَت أَصْنامَ المَنزِل وجَعَلَتها في رَحْلِ الجَمَل وجَلَسَت فَوقَها. فجَسَّ لابانُ الخَيمَةَ كُلَّها فلَم يَجِدْ شَيئًا. فقالَت راحيلُ لأَبيها: «لا يَغْضَبْ سَيِّدي إِن كُنتُ لا أَستَطيعُ أَن أَقومَ أَمامَكَ، فقَد حَدَثَ لي ما يَجْري لِلنِّساء». ففَتَّشَ فلَم يَجِدْ أَصْنامَ المَنزِل. فغَضِبَ يَعْقوبُ وخاصَمَ لابانَ وخاطَبَه قال: «ما ذَنْبي وما خطيئَتي حتَّى جَدَدتَ في إِثْري؟ وقد جَسَسْتَ جَميعَ أَثاثي، فماذا وَجَدتَ مِن جَميعِ أَثاثِ بَيتِكَ؟ ضَعْه هٰهُنا أَمامَ إِخْوَتي وإِخْوَتِكَ، ولْيَحكُموا بَينَنا كِلَينا. لي عِشْرونَ سَنَةً معكَ، ونِعاجُكَ وعِنازُكَ لم تُسقِطْ، ومِن كِباشِ غَنَمِكَ لم آكُل. فَريسةً مُمَزَّقَةً لم أُحضِرْ إِلَيكَ، بل كُنتُ أَنا أُعَوَّضُ مِنها، ومِن يَدي كُنتَ تَطلُبُها، سَواءٌ أَخُطِفَت في النَّهار أَم في اللَّيل. وكانَ الحَرُّ يأكُلُني في النَّهار والبَردُ في اللَّيل، وهَجَرَ النَّومُ عَينَيَّ. وهاءَنَذا لي عِشْرونَ سَنَةً في بَيتِكَ: خَدَمتُكَ أَربَعَ عَشْرَةَ سَنَةً بِبِنتَيكَ وسِتَّ سِنينَ بِغَنَمِكَ، وغَيَّرتَ أُجْرَتي عَشْرَ مرَّات. ولَولا أَنَّ إِلٰهَ أَبي، إِلٰهَ إِبْراهيم ومَهابةَ إِسحٰقَ معي، لَكُنتَ الآنَ قد صَرَفتَني فارِغًا. وقد نَظَرَ الرَّبُّ إِلى مَشَقَّتي وتَعَبِ يَدَيَّ وحَكَمَ حُكمَه البارِحة». فأَجابَ لابانُ وقالَ لِيَعْقوب: «البَناتُ بَناتي والبَنونَ بَنِيَّ والغَنَمُ غَنَمي، وكُلُّ ما تَراه هو لي، فماذا تُراني اليَومَ أَفعَلُ بِبَناتي وبالبَنينَ الَّذينَ وَلَدنَهم؟ والآن فهلُمَّ نَقطَعُ عَهْدًا أَنا وأنتَ ولْتَكُنْ هٰذه الحِجارَةُ شاهِدًا بَيني وبَينَكَ». فأَخَذَ يَعْقوبُ حَجَرًا وأَقامَه نُصُبًا. وقالَ يَعْقوبُ لِإخوَتِه: «اِجْمَعوا حِجارةً»، فجَمَعوا حِجارةً وجَعَلوها كَومةً وأَكَلوا طَعامًا فَوقَ الكَومة. وسمَّاها لابانُ «يَجَرَ سَهْدوتا»، وسمَّاها يَعْقوبُ «جِلْعاد». وقالَ لابان: «هٰذه الكَومةُ تَكونُ شاهِدًا بَيني وبَينَكَ اليَوم»، ولِذٰلك سُمِّيَت جِلْعادَ والمِصْفاة، لأَنَّه قال: «يُراقِبُ الرَّبُّ بَيني وبَيْنكَ، إِذا تَوارى كُلُّ واحِدٍ مِنَّا عن صاحِبِه. إِن أَسأتَ مُعامَلَةَ بِنتَيَّ أَوِ ٱتَّخَذْتَ عَلَيهِما نِساءً، وإِن لَم يَكُنْ بَينَنا أَحَدٌ، فٱنْظُر: اللهُ شاهِدٌ بَيني وبَينَكَ». وقالَ لابانُ لِيَعْقوب: «هٰذه هي الكَومةُ وهٰذا هو النُّصُبُ الَّذي وَضَعتُ بَيني وبَينَكَ. هٰذه الكَومةُ شاهِدٌ والنُّصُبُ شاهِدٌ على أَنِّي لا أَتَخَطَّى هٰذه الكَومةَ إِلَيكَ وأَنَّكَ لا تَتَخَطَّى هٰذه الكَومةَ وهٰذا النُّصُبَ إِلَيَّ لِلشَّرّ. إِلٰهُ إِبْراهيمَ وإِلٰهُ ناحورَ يَحكُمُ بَينَنا». وحَلَفَ يَعْقوبُ بِمَهابةِ أَبيه إِسْحٰق. وذَبَحَ يَعْقوبُ ذَبيحةً في الجَبَل ودَعا إِخْوَتَه لِيَاكُلوا طَعامًا، فأكَلوا وباتوا في الجَبَل. وبَكَّرَ لابانُ في الصَّباح فقَبَّلَ بَنيه وبَناتِه وبارَكَهم، وٱنصَرَفَ لابانُ راجِعًا إِلى بَيتِه. ومَضى يَعْقوبُ في طَريقِه فواجَهَته مَلائِكَةُ الله. فقالَ يَعْقوبُ لَمَّا رَآهم: «هٰذا مُعَسكَرُ الله»، وسَمَّى ذٰلكَ المكانَ مَحْنائيم. وأَوفَدَ يَعْقوبُ رُسُلًا قُدَّامَه إِلى عِيسو أَخيه، إِلى أَرضِ سِعير، في بَرِّيَّةِ أَدوم. وأَوصاهُم قائِلًا: «هٰكذا قولوا لِسَيِّدي عِيسو: «كَذا قالَ عَبدُكَ يَعْقوب: إِنِّي نَزَلتُ بِلابان فأَقَمتُ إِلى الآن. وقد صارَ لي بَقَرٌ وحَميرٌ وغَنَمٌ وخُدَّامٌ وخادِمات، وأَوفَدتُ مَن يُخبِرُ سَيِّدي، لأَنالَ حُظوَةً في عَينَيكَ». فَرجَعَ الرُّسُلُ إِلى يَعْقوبَ قائلين: «قد ذَهَبْنا إِلى أَخيكَ عِيسو، فإِذا هو قادِمٌ لِلِقائِكَ ومعَه أَربَعُ مِئَةِ رَجُل». فخافَ يَعْقوبُ جِدًّا وضاقَ بِه الأَمر، فقَسَمَ القَومَ الَّذينَ معه والغَنَمَ والبَقَرَ والجِمالَ إِلى فَريقَين، وقال: «إِن خَرَجَ عِيسو على أَحَدِ الفَريقَينِ فضَرَبَه، نجا الفَريقُ الآخَر». ثُمَّ قالَ يَعْقوب: «يا إِلٰهَ أَبي إِبْراهيم وإِلٰهَ أَبي إِسحٰق، الرَّبَّ الَّذي قالَ لي: اِرجِعْ إِلى أَرضِكَ وإِلى مَسقَطِ رأسِكَ، وأَنا أُحسِنُ إِلَيك، أَنا دونَ أَن أَستَحِقَّ كُلَّ ما صَنَعتَ إِلى عَبدِكَ مِنَ المَراحِمِ والوَفاء، لأَنِّي بِعَصايَ عَبَرتُ هٰذا الأُردُنّ، والآن قد أَصبَحتُ فَريقَين. فأَنقِذْني مِن يَدِ أَخي، مِن يَدِ عِيسو، فإِنِّي أَخافُ مِنه أَن يَأتِيَ فيَضرِبَني أَنا والأُمَّ مع البَنين. وأَنتَ قد قُلتَ: إِنِّي أُحسِنُ إِلَيكَ إِحْسانًا وأَجعَلُ نسلَكَ كَرَمْلِ البَحْرِ الَّذي لا يُحْصى لِكَثرَتِه». وباتَ هُناكَ تِلكَ اللَّيلَة. وأَخَذَ مِمَّا صارَ في يَدِه هَدِيَّةً لِعيسو أَخيه: مِئَتَي عَنزَةٍ وعِشْرينَ تَيسًا ومِئَتَي نَعجَةٍ وعِشْرينَ كَبْشًا وثَلاثينَ ناقةً مُرضِعًا مع أَولادِها وأَربَعينَ بَقَرَةً وعَشَرَةَ ثيرانٍ وعِشْرينَ حِمارةً وعَشَرَةَ جِحاش، وسَلَّمَها إِلى أَيدي خُدَّامِه قَطيعًا كُلًّا على حِدَة، وقالَ لِخُدَّامِه: «تَقَدَّموا أَمامي وأَبْقوا مَسافةً بَينَ قَطيعٍ وقَطيع». وأَوصى الأَوَّلَ قائِلًا: «إِن صادَفَكَ عيسو أَخي وسأَلَكَ فقال: لِمَن أَنتَ وإِلى أَينَ تَمْضي ولِمَن هٰذا الَّذي أَمامَك؟، فقُلْ: لِعَبدِكَ يَعْقوب، وهو هَدِيَّةٌ مُرسَلَةٌ إِلى سَيِّدي عيسو، وهاهَوذا أَيضًا وراءَنا». وأَوصى الثَّاني بِمِثلِ ذٰلك، والثَّالِثَ أَيضًا، وهٰكذا سائرَ الماضينَ وَراءَ القُطْعانِ قائلًا: «كَذا تَقولونَ لِعيسو إِذا وَجَدتُموه، وقولوا أَيضًا: هُوَذا عَبدُكَ يَعْقوبُ أَيضًا وَراءَنا». لأَنَّه قال: «أَستَعْطِفُه أَوَّلًا بِالهَدِيَّةِ المُتَقَدِّمَةِ أَمامي، وبَعدَ ذٰلك أَنظُرُ وَجهَه، لَعَلَّه يُكرِمُ وَجْهي». فتَقَدَّمَته الهَدِيَّة، وباتَ هو تِلكَ اللَّيلَةَ في المُخَيَّم. وقامَ في تِلكَ اللَّيلَة فأَخَذَ ٱمرَأَتَيه وخادِمَتَيه وبَنيه الأَحَدَ عَشَر فعَبَرَ مَخاضَةَ يَبُّوق. أَخَذَهم وعَبَّرَهمُ الوادي وعَبَّرَ ما كانَ لَه. وبَقِيَ يَعْقوبُ وَحدَه. فصارَعَه رَجُلٌ إِلى طُلوعِ الفَجْر. ورأَى أَنَّه لا يَقدِرُ علَيه، فلَمَسَ حُقَّ وَرِكِه، فٱنخَلَعَ حُقُّ وَرِكِ يَعْقوبَ في مُصارَعَتِه لَه. وقال: «اِصرِفْني، لأَنَّه قد طَلَعَ الفَجْر». فقالَ يَعْقوب: «لا أَصرِفُكَ أَو تُبارِكَني». فقالَ له: «ما ٱسمُكَ؟» قالَ «يَعْقوب». قال: «لا يَكونُ ٱسمُكَ يَعْقوبَ فيما بَعْد، بل إسْرائيل، لأَنَّكَ صارَعتَ اللهَ والنَّاسَ فغَلَبتَ». وسأَلَه يَعْقوبُ قال: «عَرِّفْني ٱسمَكَ». فقال: «لِمَ سُؤَالُكَ عَنِ ٱسْمي؟»، وبارَكَه هُناك. وسمَّى يَعْقوبُ المَكانَ فَنوئيلَ قائِلًا: «إِنِّي رأَيتُ اللهَ وَجْهًا إِلى وَجْه، ونَجَت نَفْسي». وأَشرَقَت لَه الشَّمسُ عِندَ عُبورِه فَنوئيل، وهو يَعرُجُ مِن وَرِكِه. ولِذٰلِك لا يَأْكُلُ بَنو إِسْرائيلَ عِرْقَ النَّسا الَّذي في حُقِّ الوَرِكِ إِلى هٰذا اليَوم، لأَنَّه لَمَسَ حُقَّ وَرِكِ يَعْقوبَ على عِرْقِ النَّسا. ثُمَّ رَفَعَ يَعْقوبُ عَينَيه ونَظَر، فإِذا عيسو مُقبِلٌ ومعه أَربَعُ مِئَةِ رَجُل. فوزَّعَ يَعْقوبُ الأَولادَ على لَيئَةَ وراحيلَ والخادِمَتَين، وجَعَلَ الخادِمَتَينِ وأَولادَهُما في المُقدَّمَة، ثُمَّ لَيئَةَ وأَولادَها، ثُمَّ راحيل، ويوسُفَ أَخيرًا. أَمَّا هو فتَقَدَّمَهم وسَجَدَ إِلى الأَرضِ سَبعَ مَرَّاتٍ حتَّى دَنا مِن أَخيه. فبادَرَ عِيسو إِلى لِقائِه وعانَقَه وأَلْقى بِنَفْسِه على عُنُقِه وقَبَّلَه وبَكَيا. ورَفَعَ عيسو عَينَيه فرأَى النِّساءَ والأَولادَ فقال: «ما هٰؤُلاءِ معَكَ؟» قال: «الأَولادُ الَّذينَ رَزَقَهُمُ اللهُ عَبدَكَ». فتَقَدَّمَتِ الخادِمَتانِ وأَولادُهما وسَجَدوا. ثُمَّ تَقَدَّمَت لَيئَةُ أَيضًا وأَولادُها وسَجَدوا. وأَخيرًا تَقدَّمَ يُوسفُ وراحيلُ وسَجَدا. فقالَ عيسو: «ماذا أَردتَ من كُلِّ هٰذا الحَشْدِ الَّذي صادَفتُه؟» قال: «أَن أَنالَ حُظوَةً في عَينَي سَيِّدي». قالَ عيسو: «إِنَّ عِنْدي كثيرًا، فما لَكَ يَبْقى لَكَ، يا أَخي». قالَ يَعْقوب: «لا، إِنْ نِلْتُ حُظوَةً في عَينَيكَ فٱقبَلْ هَدِيَّتي مِن يَدي، فإِنِّي رَأَيتُ وَجهَكَ كَما يُرى وَجْهُ الله ورَضيتَ عَنِّي. فٱقبَلْ هَدِيَّتي الَّتي جِئتُ بِها إِلَيكَ، فإِنَّ اللهَ قد أَنعَمَ علَيَّ، وعِنْدي مِن كُلِّ شَيء». وأَلَحَّ علَيه فقَبِل. ثُمَّ قالَ له عيسو: «نَرحَلُ ونَمْضي وأَسيرُ أَمامَكَ». فقالَ له: «سَيِّدي يَعلَمُ أَنَّ الأَولادَ ضِعافُ البِنيَة، والغَنَمَ والبَقَرَ الَّتي عِنْدي مُرضِعات، فإِن أجهَدتُها يَومًا واحِدًا هَلَكَتِ الغَنَمُ كُلُّها. فليَتَقَدَّمْ سَيِّدي عَبدَه، وأَنا أَسيرُ رُوَيدًا في أَثَرِ الماشِيَةِ الَّتي أَمامي وفي أَثَرِ الأَولاد، حتَّى أَصِلَ إِلى سَيِّدي في سِعير». فقالَ عيسو: «أَترُكُ وَرائي عِندَكَ مِنَ القَومِ الَّذينَ معي». قال: «لِماذا؟ حَسْبي أَنِّي نِلتُ حُظوَةً في عَينَي سَيِّدي». فرَجَعَ عيسو في ذٰلك اليَومِ في طَريقِه إِلى سِعير، ورَحَلَ يَعْقوبُ إِلى سُكُّوت، فبَنى لَه بَيْتًا وصَنَعَ لِماشِيَتِه أَكْواخًا. ولِذٰلك سُمِّيَ المكانُ سُكُّوت. ثُمَّ وَصَلَ يَعْقوبُ سالِمًا إِلى مَدينَةِ شَكيمَ الَّتي بأَرضِ كَنْعان، حينَ عادَ مِن فَدَّانَ أَرام، فخَيَّمَ قُبالَةَ المَدينة. وٱشْتَرى قِطعَةَ الحَقْلِ الَّتي نَصَبَ فيها خَيمَتَه مِن بَني حَمورَ أَبي شَكيم بِمِئَةِ قَسيطة. وأَقامَ هُناكَ مَذبَحًا ودَعاه بِٱسْمِ إِيل، إِلٰهِ إِسْرائيل. وخَرَجَت دِينةُ بِنتُ لَيئَةَ الَّتي وَلَدَتها لِيَعْقوب، لِتَرى بَناتِ البَلَد. فرآها شَكيمُ بْنُ حَمورَ الحُوِيّ، رَئيسِ البَلَد، فأَخَذَها وضاجَعَها وٱغتَصَبَها. وتعلَّقَت نَفْسُه بِدينةَ بِنتِ يَعْقوب وأَحَبَّ الفَتاةَ وخاطَبَ قَلْبَها. وكَلَّمَ شَكيمُ حَمورَ أَباه قائلًا: «خُذْ لي هٰذه الفُتَيَّةَ زَوجَةً». وسَمِعَ يَعْقوبُ أَنَّ شَكيمَ قد دَنَّسَ دِينَةَ ٱبنَتَه، وكانَ بَنوه مع ماشِيَتِه في البَرِّيَّة، فسَكَتَ حتَّى رَجَعوا. فخَرَجَ حَمورُ أَبو شَكيمَ إِلى يَعْقوبَ لِيُخاطِبَه. وجاءَ بَنو يَعْقوبَ مِنَ الحَقْل، ولَمَّا سَمِعوا بِالأَمْر، شَقَّ على القَوم وغَضِبوا جِدًّا، لأَنَّ شَكيمَ قد صَنَعَ فاحِشَةً في إِسْرائيل، إِذ ضاجَعَ ٱبنَةَ يَعْقوب، ومِثْلُ ذٰلك لا يُصنَع. فتكَلَّمَ حَمورُ معَهم قائلًا: «إِنَّ شَكيمَ ٱبْني قد تَعَلَّقَت نَفسُه بِٱبنَتِكم، فأَعطوه إِيَّاها زَوجَةً، وصاهِرونا: أَعْطونا بَناتِكم وٱتَّخِذوا بَناتِنا، وأَقيموا معَنا، وهٰذه الأَرضُ أَمامَكم، أَقيموا فيها وجولوا وتَمَلَّكوا». وقالَ شَكيمُ لأَبيها وإِخوَتِها: «أَنالُ حُظوَةً في عيونِكم، وما يَطلُبونَه مِنِّي أُعْطيه. أَكثِروا عَلَيَّ المَهْرَ والعَطِيَّةَ جِدًّا، فأُعْطِيَكم كما تَطلُبونَ مِنِّي، وأَعْطوني الفَتاةَ زَوجَةً». فأَجابَ بَنو يَعْقوبَ شَكيمَ وحَمورَ أَباه وكَلَّموها بِمَكْرٍ لأَنَّ شَكيمَ دَنَّسَ دِينةَ أُختَهم، وقالوا لَهما: «لا نَستَطيعُ أَن نَصنَعَ هٰذا: أَن نُعْطِيَ أُخْتَنا لِرَجُلٍ أَقَلف، لأَنَّه عارٌ عندنا. ولا نُوافِقُكم على ذٰلك إِلاَّ إِذا صِرتُم مِثْلَنا بِأَن يُختَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكم، فنُعْطيكم بَناتِنا ونَتَّخِذُ بَناتِكم ونُقيمُ عِندكم ونَصيرُ شَعْبًا واحدًا. وإِن لم تَسمَعوا لَنا ولم تَختَتِنوا، نَأخُذُ ٱبنَتَنا ونَمْضي». فحَسُنَ كَلامُهم في عَينَي حَمورَ وشَكيمَ ٱبْنِه. ولم يَلبَثِ الفَتى أَنْ صَنَعَ ذٰلك، لأَنَّه كانَ مَشْغوفًا بِٱبْنَةِ يَعْقوب، وكانَ هو أَوجَهَ أَهْلِ بَيتِ أَبيه كُلِّهم. فلَمَّا دَخَلَ حَمورُ وشَكيمُ ٱبنُه بابَ مَدينَتِهما، خاطَبا أَهْلَها قائِلَين: «إِنَّ هٰؤُلاءِ القَومَ مسالِمونَ لَنا فيُقيمونَ في البَلَد ويَجولونَ فيه، والأَرضُ واسِعةُ الأَطْرافِ أَمامَهم، فنَتَّخِذُ بَناتِهِم أَزْواجًا ونُعْطيهم بَناتِنا. ولا يُوافِقُنا القَومُ على أَن يُقيموا مَعَنا ونَصيرَ شَعْبًا واحِدًا، إِلاَّ إِذا خُتِنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنًّا، كما هم مَخْتونون. أَفَلا تَصيرُ مَواشيهِم ومُقتَنَياتُهم وجَميعُ بَهائِمِهم لَنا؟ فَلْنُوافِقْهم على هٰذا فيُقيموا مَعنا». فسَمِعَ لِحَمورَ وشَكيمَ ٱبنِه كُلُّ مَن خَرَجَ مِن بابِ مَدينَتِه وٱختَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنهم، كُلُّ الخارجينَ مِن بابِ مَدينَتِه. وكانَ في اليَومِ الثالِثِ وهُم مُتَأَلِّمونَ أَنَّ ٱبنَي يَعْقوب شِمْعونَ ولاويَ، أَخَوَي دِينة، أَخَذَا كُلُّ واحِدٍ سَيفَه ودَخَلا المَدينةَ آمِنَين، فقَتَلا كُلَّ ذَكَر، وحَمورُ وشَكيمُ ٱبنُه قَتَلاهُما بِحَدِّ السَّيف، وأَخذا دِينةَ مِن بَيتِ شَكيمَ وخَرَجا. ثُمَّ دَخَلَ بَنو يَعْقوبَ على القَتْلى وسَلَبوا ما في المَدينة بِسَبَبِ تَدْنيسِ أُخْتِهم. وأَخَذوا غَنَمَهم وبَقَرَهم وحَميرَهم وكُلَّ ما في المَدينةِ وما في الحَقْل. وسَبَوا كُلَّ ثَروَتِهم وجَميعَ أَطْفالِهِم ونسائِهِم وسَلَبوا كُلَّ ما في البُيوت. فقالَ يَعْقوبُ لشِمْعونَ ولاوي: «قد جَلَبتُما الشَّقاءَ علَيَّ وسَوَّدتُما وَجْهي عِنْدَ أَهْلِ البَلَد مِن كَنْعانِيِّينَ وفَرِزِّيِّين، وأَنا نَفَرٌ مَعْدود، فيَجتَمعونَ عَلَيَّ ويَضرِبونَني فأَهلِكُ أَنا وبَيتي». فقالا: «أَكَزانِيَةٍ تُعامَلُ أُختُنا؟». ثُمَّ قالَ اللهُ لِيَعْقوب: «قُمْ فٱصعَدْ إِلى بَيتَ إيل وأَقِمْ هُناكَ وٱصنَعْ هُناكَ مَذبَحًا للهِ الَّذي تَراءى لَكَ عِندَ هَرَبِكَ مِن وَجْهِ عيسو أَخيك». فقالَ يَعْقوبُ لأَهْلِهِ وسائِرِ مَن معَه: «أَزيلوا الآلِهَةَ الغَريبةَ الَّتي في وَسْطِكم وٱطَّهِروا وأَبدِلوا ثِيابَكم، وهَلُمُّوا نَصعَدُ إِلى بَيتَ إِيل وأَصنَعُ هُناكَ مَذبَحًا لله الَّذي ٱستَجابَني في يَومِ شِدَّتي وكانَ معي في الطَّريقِ الَّذي سَلَكتُه». فسلَّموا إِلى يَعْقوبَ جَميعَ الآلِهَةِ الغَريبةِ الَّتي عِندَهم والحَلَقاتِ الَّتي في آذانِهم، فطَمَرَها يَعْقوبُ تَحتَ البَلُّوطَةِ الَّتي عِندَ شَكيم، ثُمَّ رَحَلوا، فحَلَّ رُعْبُ اللهِ على المُدُنِ الَّتي حَولَهم فلم يُطارِدْ أَهلُها بَني يَعْقوب. وجاءَ يَعْقوبُ إِلى لُوزَ الَّتي في أَرضِ كَنْعان (وهي بَيتَ إِيل) هو وجَميعُ القَومِ الَّذينَ معه. وبَنى هُناكَ مَذبَحًا ودَعا المكانَ إِلٰهَ بَيتَ إيل، لأَنَّه هُناكَ تَجَلَّى لَهُ اللهُ حينَ هَرَبَ مِن وَجهِ أَخيه. وماتَت دَبورةُ، مُرضِعَةُ رِفقَة، فدُفِنَت أسفَلَ بَيتَ إِيلَ تَحتَ البَلُّوطة، فسُمِّيَ المَكانُ بَلُّوطةَ البُكاء. وتَراءى اللهُ لِيَعْقوبَ أَيضًا، بَعدَما رَجَعَ مِن فَدَّانَ أَرام، فبارَكَه. وقالَ لَه الله: «اِسمُكَ يَعْقوب، لَن تُسَمَّى بَعدَ اليومِ يَعْقوب، بل إِسرائيلَ يَكونُ ٱسمُكَ»، فسَمَّاه إِسْرائيل. وقالَ لَه الله: «أَنا أللهُ القَدير. إِنْمِ وٱكثُرْ. أُمَّةٌ وجُمْهورُ أُمَمٍ تَخرُجُ مِنكَ، ومُلوكٌ مِن صُلْبِكَ يَخرُجون. والأَرضُ الَّتي أَعْطَيتُها لِإبْراهيمَ وإِسحٰق لكَ أُعْطيها، ولِنَسلِكَ مِن بَعدِكَ أُعْطي الأَرض». ثُمَّ ارتَفَعَ اللهُ عنه في المَكانِ الَّذي خاطَبَه فيه. فنَصَبَ يَعْقوبُ في المَكانِ الَّذي خاطَبَه فيه نُصُبًا مِن حَجَر وسَكَبَ يَعْقوبُ عليه سَكيبًا وصَبَّ علَيه زَيتًا. وسَمَّى يَعْقوبُ ذٰلكَ المَكانَ الَّذي خاطَبَه اللهُ فيه بَيتَ إِيل. ثُمَّ رَحَلوا مِن بَيتَ إِيل. وبَينَما هم على مسافةٍ مِن أَفْراتة، وَلَدَت راحيل وعَسُرَت وِلادَتُها. فلَمَّا عَسُرَت وِلادَتُها، قالَت لَها القابِلة: «لا تَخافي، فإِنَّ هٰذا أَيضًا ٱبنٌ لَكِ». وكانَ قَبلَ أَن تَفيضَ نَفسُها، لأَنَّها ماتَت، قد سَمَّته «بِن أُوني»، وأَمَّا أبوه فسَمَّاه بَنْيامين. وماتَت راحيل ودُفِنَت في طريقِ أَفْراتة (وهي بَيتَ لَحم). ونَصَبَ يَعْقوبُ نُصُبًا على قَبرِها، وهو نُصُبُ قَبرِ راحيلَ إِلى اليَوم. ثُمَّ رَحَلَ إِسْرائيل ونَصَبَ خَيمَتَه وراءَ مِجدَل عيدِر. وحَدَثَ، إِذ كانَ إِسْرائيلُ ساكِنًا في تلكَ الأَرض، أَنَّ رأُوبينَ ذَهَبَ فضاجَعَ بِلْهَةَ، سُرِّيَّةَ أَبيه. فسَمِعَ بِذٰلك إِسْرائيل. وكانَ بنو يَعْقوبَ ٱثنَي عَشَر. بَنو لَيئَة: رَأُوبين، بِكرُ يَعْقوب، وشِمْعون ولاوي ويَهوذا ويَسَّاكَر وزَبولون. وبَنو راحيل: يوسُف وبَنْيامين. وبنو بِلْهَةَ، خادِمةِ راحيل: دان ونَفْتالي. وبَنو زِلْفَة، خادِمَةِ لَيئَة: جاد وأَشير. هٰؤُلاءِ بَنو يَعْقوبَ الَّذينَ وُلِدوا لَه في فَدَّانَ أَرام. وقَدِمَ يَعْقوبُ على إِسْحٰقَ أَبيه في مَمْرا، في قِريَةَ أَرْبَع (وهي حَبْرون)، حَيثُ نَزَلَ إِبْراهيمُ وإِسْحٰق. وكانَ عُمْرُ إِسْحٰقَ مِئَةً وثَمانينَ سَنَة. وفاضَت رُوحُ إِسْحٰقَ ومات، وٱنضَمَّ إِلى أَجْدادِهِ شَيخًا قد شَبِعَ مِنَ الحَياة. ودَفَنَه ٱبناه عيسو ويَعْقوب. وهٰذه سُلالةُ عيسو، وهو أَدوم. اِتَّخَذَ عيسو نِساءَه مِن بَناتِ كَنْعان: عادةَ بِنْتَ أَيلونَ الحِثِّيّ، وأُهليبامةَ بِنْتَ عانةَ، حَفيدةِ صِبْعونَ الحورِيّ، وبَسمَةَ بِنْتَ إِسْماعيل، أُختَ نَبايوت. فوَلَدَت عادةُ لِعيسو أَليفاز، وبَسمَةُ وَلَدَت رَعوئيل، وأُهْليبامةُ وَلَدَت يَعوش ويَعْلام وقورَح. هٰؤُلاءِ بَنو عيسو الَّذينَ وُلِدوا لَه في أَرضِ كَنْعان. وأَخَذَ عيسو نِساءَه وبَنيه وبَناتِه وكُلَّ نَفْسٍ في بَيتِه وماشِيَتِه وكُلَّ بَهائِمِه وسائِرَ مُقْتَناه الَّذي ٱقتَنى في أَرضِ كَنْعان، وٱنتَقَلَ إِلى أَرضٍ بَعيدةٍ عن وَجهِ يَعْقوبَ أَخيه، لأَنَّ مالَهُما كانَ أكثَرَ مِن أَن يُقيما معًا، ولم تَكُنْ أَرضُ غُربَتِهِما تَسَعُهما بِسَبَبِ مَواشيهِما. وأَقامَ عيسو بِجَبَلِ سِعير، وعيسو هو أَدوم. وهٰذه سُلالةُ عيسو، أَبي أَدومَ، في جَبَلِ سِعير. هٰذه أَسْماءُ بَني عِيسو: إِليفازُ ابنُ عادةَ، ٱمرَأَةِ عيسو، ورَعوئيلُ ٱبنُ بَسمَة ٱمرَأَةِ عيسو. وبَنو أَليفاز: تَيمان وأَومار وصَفْوٌ وجَعْتام وقَناز. وكانَت تِمْناعُ سُرِّيَّةً لأَليفازَ بنِ عيسو، فوَلَدَت لأَليفازَ عَماليق. هٰؤُلاءِ بَنو عادةَ ٱمرَأَةِ عيسو. وهٰؤُلاءِ بَنو رَعوئيل: نَحَت وزارَح وشَمَّة ومِزَّة. هٰؤُلاءِ بنو بَسمَةَ ٱمرَأَةِ عيسو. وهٰؤُلاءِ بَنو أُهْليبامةَ بِنتَ عانَةَ ٱبنِ صِبْعونَ ٱمرَأَةِ عيسو: وَلَدَت لِعيسو يَعوش ويَعْلام وقورَح. وهٰؤُلاءِ زُعَماءُ بَني عيسو. بَنو أَليفاز، بِكْرُ عيسو: الزَّعيمُ تَيمان والزَّعيمُ أَومار والزَّعيمُ صَفْوٌ والزَّعيمُ قَناز، والزَّعيمُ جَعْتام والزَّعيمُ عَماليق. هٰؤُلاءِ زُعَماءُ أَليفازَ في أَرضِ أَدوم، هٰؤُلاءِ بَنو عادة. وهٰؤُلاءِ بَنو رَعوئيلَ ٱبنِ عيسو: الزَّعيمُ نَحَت والزَّعيمُ زارَح والزَّعيمُ شمَّة والزَّعيمُ مِزَّة. هٰؤُلاءِ زُعَماءُ رَعوئيلَ في أَرضِ أَدوم، هٰؤُلاءِ بَنو بَسْمَةَ ٱمرَأَةِ عيسو. وهٰؤُلاءِ بَنو أُهْليبامةَ ٱمرَأَةِ عيسو: الزَّعيمُ يَعوش والزَّعيمُ يَعْلام والزَّعيمُ قورَح. هٰؤلاءِ زُعَماءُ أُهْليبامةَ بِنتِ عانةَ ٱمرَأَةِ عيسو. هٰؤُلاءِ بَنو عيسو وهٰؤُلاءِ زُعَماؤهم: هٰذا هو أَدوم. هٰؤُلاءِ بَنو سِعيرَ الحوريّ، سُكَّانِ الأَرض: لُوطان وشُوبال وصِبْعون وعانة ودِيشون وإِيصَر ودِيشان، هٰؤُلاءِ زُعَماءُ الحورِيِّينَ بَني سِعيرَ في أَرضِ أَدوم. وبَنو لُوطان: حُوري وهَيمام، وأُختُ لُوطان: تِمْناع. وهٰؤُلاءِ بَنو شُوبال: عَلْوان ومَنحَت وعَيبال وشَفوٌ وأُوتام. وهٰذانِ ٱبنا صِبْعون: أَيَّة وعانة (وعانةُ هٰذا هو الَّذي وَجَدَ المياهَ الحارَّةَ في البَرِّيَّة، حينَ كانَ يَرْعى حَميرَ صِبْعونَ أَبيه). وهٰؤُلاءِ بَنو عانة: ديشُون، وأُهْليبامة، بِنتُ عانَة. وهٰؤُلاءِ بَنو ديشون: حَمْدان وأَشْبان ويَتْران وكَرَان. وهٰؤُلاءِ بَنو إِيصَر: بِلْهان وزَعْوان وعَقان. وهٰذانِ ٱبنا دِيشان: عُوص وأَران. وهٰؤُلاءِ زُعَماءُ الحورِيِّين: الزَّعيمُ لُوطان والزَّعيمُ شوبال والزَّعيمُ صِبْعون والزَّعيمُ عانة، والزَّعيمُ ديشون والزَّعيمُ إِيصر والزَّعيمُ دِيشان. هٰؤُلاءِ زُعَماءُ الحورِيِّينَ بِحَسَبِ لائِحَةِ زُعَمائِهِم في أَرض سِعير. وهٰؤُلاءِ المُلوكُ الَّذينَ مَلَكوا في أَرضِ أَدوم، قَبلَ أَن يَملِكَ مَلِكٌ في بَني إِسْرائيل، مَلَكَ في أَدومَ بالَعُ بْنُ بَعور، وٱسمُ مَدينَتِه دِنْهابة. وماتَ بالَع، فمَلَكَ مَكانَه يوبابُ بنُ زارَحَ مِن بُصْرَة. وماتَ يوباب، فمَلَكَ مَكانَه حوشامُ مِن أَرضِ التَّمانِيِّين. وماتَ حوشام، فمَلَكَ مَكانَه هَدُدُ بنُ بَدَدَ الَّذي كَسَرَ مِدْيَنَ في حُقولِ موآب، وٱسمُ مَدينَتِه عَوِيت. وماتَ هَدَد، فمَلَكَ مَكانَه سَمْلَةُ مِن مَسْريقة. وماتَ سَمْلَة، فمَلَكَ مَكانَه شاوُلُ مِن رَحَبَةِ النَّهر. وماتَ شاوُل، فمَلَكَ مَكانَه بَعْلَ حانانُ بنُ عَكْبور. وماتَ بَعْلَ حانانُ بنُ عَكْبور، فمَلَكَ مَكانَه هَدَد، وٱسمُ مَدينَتِه فاعو. وٱسمُ ٱمرَأَتِه مَهيطَبْئيلُ بِنْتُ مَطرِدَ حَفيدةِ ميذَهَب. وهٰذه أَسْماءُ زُعَماءِ عيسو بِعَشائِرِهم وأَماكِنِهِم وأَسْمائِهِم: الزَّعيمُ تِمْناع والزَّعيمُ عَلْوَة والزَّعيمُ يَتيت، والزَّعيمُ أُهْليبامة والزَّعيمُ إِيلة والزَّعيمُ فِينون والزَّعيمُ قَناز والزَّعيمُ تَيمان والزَّعيمُ مِبْصار والزَّعيمُ مَجْديئيل والزَّعيمُ عِيرام. هٰؤُلاءِ زُعَماءُ أَدومَ بِحَسَبِ مَساكِنِهم في أَرضِ مِلْكِهم. وهو عيسو أَبو الأَدومِيِّين. وسَكَنَ يَعْقوبُ في الأَرضِ الَّتي نَزَلَ فيها أَبوه في أَرضِ كَنْعان. وهٰذه سيرةُ يَعْقوب: لَمَّا كانَ يوسفُ ٱبنَ سَبْعَ عَشرَةَ سَنَةً وكانَ يَرْعى الغَنَمَ مع إِخْوَته - وهو شابّ - مع بَني بِلْهَةَ وبَني زِلْفَة، اِمرَأَتَي أَبيه، أَخبَرَ يوسفُ أَباهم عنهُم خَبَرًا شَنيعًا. وكانَ إِسْرائيلُ يُحِبُّ يوسفَ على جَميعِ بَنيه لأَنَّه ٱبنُ شَيخوخَتِه، فصَنَعَ له قَميصًا مُوشًّى. ورأَى إِخوَتُه أَنَّ أَباه يُحِبُّه على جَميعِ إِخْوَتِه، فأَبغَضوه ولم يَستَطيعوا أَن يُكَلِّموه بِمَوَدَّة. ورأَى يوسفُ حُلْمًا فأَخبَرَ بِه إِخْوَتَه، فٱزدادوا بُغْضًا لَه. قال لهم: «اِسمَعوا هٰذا الحُلْمَ الَّذي رَأَيتُه: رَأَيتُ كأَنَّنا نَحزِمُ حُزَمًا في الحَقْل، فإِذا حُزْمَتي وَقَفَت ثُمَّ ٱنتَصَبَت فأَحاطَت حُزَمُكم بِحُزْمَتي وسَجَدَت لَها». فقالَ لَه إِخْوَتُه: «أَتُراكَ تملِكُ علَينا أَو تَتَسَلَّطُ علَينا؟» وٱزدادوا أَيضًا بُغْضًا لَه بِسَبَبِ أَحْلامِه وأَقْوالِه. ورأَى أَيضًا حُلْمًا آخَر، فقَصَّه على إِخوَتِه وقال: «رَأَيتُ حُلْمًا أَيضًا كأَنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ وأَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا ساجِدةٌ لي». ولَمَّا قَصَّه على أَبيه وإِخوَتِه، وَبَّخَه أَبوه وقالَ لَه: «ما هٰذا الحُلْمُ الَّذي رَأَيتَه؟ أَتُرانا نأتي أَنا وأُمُّكَ وإِخوَتُكَ فنَسجُدُ لَكَ إِلى الأَرض؟» فحَسَدَه إِخْوَتُه، وأَمَّا أَبوه فكانَ يَحفَظُ هٰذا الأَمْر. ومَضى إِخوَتُه لِيَرعَوا غَنَمَ أَبيهم عِندَ شَكيم. فقالَ إِسْرائيلُ لِيوسُف: «أَلا يَرْعى إِخوَتُكَ عِندَ شَكيم؟ هَلُمَّ أُرسِلُكَ إِلَيهم». قالَ لَه: «هاءَنذا». فقالَ له: «اِمْضِ فٱفتَقِدْ سَلامةَ إِخوَتِكَ وسَلامةَ الغَنَم، وٱئتِني بالخَبَر». وأَرسَلَه مِن وادي حَبْرون، فأَتى يوسفُ شَكيم. فصادَفَه رَجُلٌ وهو تائِهٌ في الحَقْل، فسأَلَه الرَّجُلُ قائلًا: «عمَّا تَبحَث؟» قال: «أَبْحَثُ عن إِخوَتي، أَخبِرْني أَينَ يَرعَون». فقالَ الرَّجُل: «قد رَحَلوا مِن هٰهُنا، وقد سَمِعتُهم يَقولون: نَمْضي إلى دوتائين». فمَضى يوسفُ في إِثْرِ إِخوَتِه فَوجَدَهم في دوتائين. فلَمَّا رأَوه عن بُعْدٍ قَبلَ أَن يَقتَرِبَ مِنْهم، تآمَروا علَيه لِيُميتوه. قالَ بَعضُهم لِبَعْض: «ها هُوَذا صاحِبُ الأَحْلامِ مُقبِل. والآن تَعالَوا نَقتُلُه ونَطرَحُه في إِحْدى الآبار ونقولُ إِنَّ وَحْشًا ٱفتَرَسَه، ونَرى ما يَكونُ مِن أَحْلامِه». فسَمِعَ رَأُوبين، فخَلَّصَه من أَيْديهم قائلًا: «لا نَقتُلْ نَفْسًا». وقالَ لَهم رأُوبين: «لا تَسفِكوا دَمًا، اِطْرَحوه في هٰذه البِئرِ الَّتي في الحَقْل ولا تُلْقوا أَيدِيَكم علَيه»، ومُرادُه أَن يُخَلِّصَه مِن أَيديهِم ويَرُدَّه إِلى أَبيه. فلَمَّا وَصَلَ يوسفُ إِلى إِخوَتِه، نَزَعوا عنه قَميصَه، القَميصَ المُوَشَّى الَّذي علَيه. وأَخَذوه وطَرَحوه في البِئر، وكانَتِ البِئرُ فارِغَةً لا ماءَ فيها. ثُمَّ جَلَسوا يَأكُلون. ورَفَعوا عُيونَهم ونَظَروا، فإِذا بِقافِلَةٍ مِنَ الإِسْماعِيلِّينَ مُقبِلَةٌ مِن جِلْعاد، وجِمالُهم مُحَمَّلَةٌ صَمْغَ قَتادٍ وبَلَسانًا ولاذَنًا، وهم سائِرونَ لِيَنزِلوا بِها إِلى مِصْر. فقالَ يَهوذا لِإخوَتِه: «ما الفائِدَةُ مِن أَن نَقْتُلَ أَخانا ونُخفِيَ دَمَه؟ تَعالَوا نَبيعُه لِلإسْماعيلِيِّين، ولا تَكُنْ أَيدينا علَيه لأَنَّه أَخونا ولَحمُنا». فسَمِعَ لَه إِخوَتُه. فمَرَّ قَومٌ مِديَنِيُّونَ تُجَّار فٱنتَشَلوا يوسفَ وأَصعَدوه مِنَ البِئر وباعوه لِلإسْماعِيلِيِّينَ بِعِشْرينَ مِنَ الفِضَّة، فأَتَوا بِيُوسفَ إِلى مِصْر. ورَجَعَ رأُوبينُ إِلى البِئْر فإِذا يوسفُ لَيسَ في البِئرِ فمَزَّقَ ثِيابَه. ورَجَعَ إِلى إِخوَتِه وقال: «الوَلَدُ لَيسَ مَوجودًا، وأَنا إِلى أَينَ أَمْضي؟». فأَخَذوا قَميصَ يوسُف وذَبَحوا تَيسًا مِنَ المَعِزِ وغَمَسوا القَميصَ في الدَم. وبَعَثوا بالقَميصِ المُوَشَّى وأَوصَلوه إِلى أَبيهِمِ وقالوا: «وَجَدْنا هٰذا. أُنظُرْ: أَقَميصُ ٱبنِكَ هو أَم لا؟». فَنَظَرَ إِلَيه وقال: «هو قَميصُ ٱبْني. وَحشٌ ضارٍ أَكَلَه. اِفْتُرِسَ يوسفُ ٱفتِراسًا». ومَزَّقَ يَعْقوبُ ثِيابَه وشَدَّ مِسْحًا على حَقْوَيَه وحَزِنَ على ٱبنِه أَيَّامًا كَثيرة. وقامَ جَميعُ بَنيه وجَميعُ بَناتِه يُعَزُّونَه، فأَبى أَن يَتَعَزَّى وقال: «إِنِّي أَنزِلُ حَزينًا إِلى ٱبني، إِلى مَثْوى الأَموات»، وبَكى عَلَيه أَبوه. وباعَه المِديَنِيُّونَ في مِصْرَ لِفوطيفار، خَصِيِّ فِرْعَونَ ورَئيسِ الحَرَس. وكانَ في ذٰلكَ الزَّمانِ أَنَّ يَهوذا نَزَلَ مِن عِندِ إِخوَتِه ومالَ إِلى رَجُلٍ عَدُلاَّمِيٍّ يُقالُ لَه حِيرة. ورأَى يَهوذا هُناكَ بِنتَ رَجُلٍ كَنْعانِيٍّ ٱسمُه شُوع، فَتَزَوَّجَها ودَخَلَ علَيها. فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبنًا فسَمَّاه عِيرًا. ثُمَّ حَمَلَت أَيضًا ووَلَدَتِ ٱبنًا فسَمَّته أَونان. وعادَت أَيضًا فوَلَدَتِ ٱبنًا وسَمَّته شِيلة. وكانَ في كازيبَ حينَ وَلَدَته. وٱتَّخَذَ يَهوذا زَوجَةً لِعيرٍ بِكْرِه ٱسمُها تامار. وكانَ عِيرٌ، بِكْرُ يَهوذا، شِرِّيرًا في عَينَيِ الرَّبّ، فأَماتَه الرَّبّ. فقالَ يَهوذا لأَونان: «أُدخُلْ على ٱمرأَةِ أَخيك وقُمْ بِواجِبِ الصِّهْرِ وأَقِمْ نَسْلًا لأَخيك». وعَلِمَ أَونانُ أَنَّ النَّسْلَ لا يَكونُ لَه، فَكانَ إِذا دَخَلَ على ٱمرَأَةِ أَخيه، اِستَمْنى على الأَرض، لِئَلاَّ يَجعَلَ نَسْلًا لأَخيه. فقَبُحَ ما فَعَلَه في عَينَيِ الرَّبّ، فأَماته أَيضًا. فقالَ يَهوذا لِتامارَ كَنَّتِه: «أَقيمي أَرمَلَةً في بَيتِ أَبيكِ حتَّى يَكبَرَ شِيلَةُ ٱبني». لأَنَّه كانَ يقول: «يُخْشى أَن يَموتَ هو أَيضًا كأَخَوَيه». فمَضَت تامارُ وأَقامَت في بَيتِ أَبيها. ومَضَت مُدَّةٌ طَويلة، ماتَتِ ٱبنَةُ شُوع، اِمرَأَةُ يَهوذا، وعِندَما تَعَزَّى يَهوذا، صَعِدَ إِلى جُزَّازِ غَنَمِه في تِمْنَة هو وحِيرة، صاحِبُه العَدُلاَّمِيّ. وأُخبِرَت تامارُ وقيلَ لَها: «هُوَذا حَمْوُكِ صاعِدٌ إِلى تِمْنَة، لِيَجُزَّ غَنَمَه» فخَلَعَت ثِيابَ إِرْمالِها مِن علَيها وتَغَطَّت بِالخِمار وٱحتَجَبَت بِه وجَلَسَت في مَدخَلِ العَينَينِ على طَريقِ تِمْنَة، لأَنَّها رَأَت أَنَّ شِيلَةَ قد كَبِرَ ولَم تُزَوَّجْ بِه. فرآها يَهوذا فحَسِبَها بَغِيًّا، لأَنَّها كانَت مُغَطِّيَةً وَجهَها. فمالَ إِلَيها إِلى الطَّريقِ وقال: «هَلُمَّ أَدخُلُ علَيكِ»، لأَنَّه لم يَعلَمْ أَنَّها كَنَّتُه. فقالَت: «ماذا تُعْطيني حتَّى تَدخُلَ عَلَيَّ؟» قال: «أَبعَثُ بِجَدْيِ مَعْزٍ مِنَ الماشِيَة». قالَت: «أَعْطِني رَهْنًا إِلى أَن تَبعَث». قال: «ما الرَّهْنُ الَّذي أُعْطيكِه؟» قالت: «خاتَمُكَ وعِقالُكَ وعَصاكَ الَّتي بِيَدِكَ». فأَعْطاها ودَخَلَ علَيها، فحَبِلَت مِنه. ثُمَّ قامَت فَمَضَت ونَزَعَت خِمارَها مِن علَيها ولَبِسَت ثِيابَ إِرْمالِها. وبَعَثَ يَهوذا بِجَدْيِ مَعزٍ مع صاحِبِه العَدُلامِيّ لِيَستَرِدَّ الرَّهْنَ مِن يَدِ المَرأَة، فلَم يَجِدْها. فسَأَلَ أَهْلَ المَكانِ عن مُقامِها قائلًا: «أَينَ البَغِيُّ الَّتي كانَت عِندَ العَينَينِ على الطَّريق؟» قالوا: «ما كانت هٰهُنا قَطُّ بَغِيٌّ». فرَجَعَ إِلى يَهوذا وقال: «لم أَجِدْها، وأَهْلُ المَكانِ أَيضًا قالوا: ما كانَت هٰهُنا قَطُّ بَغِيٌّ». فقالَ يَهوذا: «لِتَحتَفِظْ بِما عِندَها لِئَلاَّ نَصيرَ سُخرِيَّة، فإِنِّي قد أَرسَلتُ الجَدْيَ، وأَنتَ لم تَجِدْها». وبَعدَ مُضِيِّ نَحوِ ثَلاثةِ أَشهُرٍ، أُخبِرَ يَهوذا وقيلَ لَه: «قد بَغَت تامارُ كَنَّتُكَ، وها هي حامِلٌ مِنَ البَغاء». فقالَ يَهوذا: «أَخرِجوها فتُحرَق». فبَينَما هي مُخرَجَة، بَعَثَت إِلى حَميها قائلةً: «مِنَ الرَّجُلِ الَّذي هٰذه الأَشياءُ لَه أَنا حامِل». وقالت: «أُنْظُرْ لِمَنْ هٰذا الخاتَمُ والعِقالُ والعَصا». فنَظَرَ إِلَيْها يَهوذا وقال: «هي أَبَرُّ مِنِّي، لأَنِّي لم أُزَوِّجْها لِشيلَةَ ٱبني». ولم يَعُدْ بَعدَ ذٰلك يَدخُلُ عَلَيها. ولَمَّا حانَ وَقتُ وِلادَتِها، إِذا بِتَوأَمَينِ في بَطِنها. ولَمَّا وَلَدَت، أَخرَجَ أَحَدُهُما يَدَه، فأَخَذَتِ القابِلَةُ خَيطًا قِرمِزِيًّا فعَقَدَته علَيها وقالَت: «هٰذا خَرَجَ أَوَّلًا». فلَمَّا رَدَّ يَدَه، خَرَجَ أَخوه فقالت: «يا لَكَ مِن ثَغرَةٍ ثغَرتَها!» فسُمِّيَ فارَص. وبَعدَ ذٰلكَ خَرَجَ أَخوه الَّذي على يَدِه الخَيطُ القِرمِزِيّ، فسُمِّيَ زارَح. أَمَّا يوسُفُ فأُنزِلَ إِلى مِصر، فٱشتَراه فوطيفار، خَصِيُّ فِرعَونَ ورئيسُ الحَرَس، رَجُلٌ مِصرِيٌّ، مِن أَيدي الإِسْماعِيلِيِّينَ الَّذينَ نَزَلوا بِه إِلى هُناك. وكانَ الرَّبُّ مع يوسف، فكانَ رَجُلًا ناجِحًا، وأَقامَ بِبَيتِ سَيِّدِه المِصريّ. ورأَى سَيِّدُه أَنَّ الرَّبَّ معَه وأَنَّ جَميعَ ما يَعمَلُه يُنجِحُه الرَّبُّ في يَدِه. فنالَ يوسفُ حُظوَةً في عَينَيه وخَدَمَه. فأَقامَه على بَيتِه، وكُلُّ ما كانَ لَه جَعَلَه في يَدِه. وكانَ، مُنذُ أَقامَه على بَيتِه وكُلِّ ما هو لَه، أَنَّ الرَّبَّ بارَكَ بَيتَ المِصرِيِّ بِسَبَبِ يوسف، وكانَت بَركَةُ الرَّبِّ على كُلِّ ما هو لَه في البَيتِ وفي الحَقْل. فتَرَكَ كُلَّ ما كانَ لَه في يَدِ يوسف، ولَم يَكُنْ يَهتَمُّ معه بِشَيءٍ إِلاَّ بِالطَّعامِ الَّذي كانَ يَتناوَلُه. وكانَ يُوسفُ حَسَنَ الهَيئةِ وجَميلَ المَنظَر. وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداثِ أَنَّ ٱمرَأَةَ سَيِّدِه طَمَحَت عَينُها إِلى يوسفَ وقالت: «ضاجِعْني». فأَبى وقالَ لِٱمرَأَةِ سَيِّده: «هُوَذا سَيِّدي لا يَهتَمُّ معي بِشَيءٍ مِمَّا في البَيت، وكُلُّ ما هو لَه قد جَعَلَه في يَدي. ولَيسَ هو أَكبَرَ مِنِّي في هٰذا البَيت، ولَم يُمسِكْ عَنِّي شَيئًا غَيرَكِ لأَنَّكِ زَوجَتُه. فكَيفَ أَصنَعُ هٰذه السَّيِّئَةَ العَظيمةَ وأَخْطَأُ إِلى الله؟» وكَلَّمَته يَومًا بَعدَ يَوم، فلَم يَسمَعْ لَها أَن يَنامَ بِجانِبِها لِيَكونَ معها. فٱتَّفَقَ في بَعضِ الأَيَّامِ أَنَّه دَخَلَ البَيتَ لِيَقومَ بِعَمَلِه، ولَم يَكُنْ هُناكَ في البَيتِ أَحَدٌ مِن أَهْلِه. فأَمسَكَت بِثَوبِه قائِلَةً: «ضاجِعْني». فتَرَكَ ثَوبَه بِيَدِها وفَرَّ هارِبًا إِلى خارِج. فلَمَّا رأَت أَنَّه قد تَرَكَ ثَوبَه بِيَدِها وهَرَبَ إِلى الخارِج، صاحَت بِأَهْلِ بَيتِها وقالَت لَهم: «اُنْظُروا! لقَد جاءَنا بِرَجُلٍ عِبْرانِيٍّ لِيتَلاعَبَ بِنا. أَتاني لِيُضاجِعَني، فصَرَختُ بِصَوتٍ عالٍ. فَلمَّا سَمِعَني قد رَفَعتُ صَوتي وصَرَختُ، تَرَكَ ثَوبَه بِجانِبي وفَرَّ هارِبًا إِلى خارِج». ووَضَعَت ثَوبَه بِجانِبِها حتَّى قَدِم سَيِّدُه إِلى بَيتِه. فكَلَّمَته بِمِثْلِ هٰذا الكَلام وقالَت: «أَتاني الخادِمُ العِبْرانِيُّ الَّذي جِئتَنا بِه لِيَتَلاعَبَ بي. وكانَ، عِنْدَما رَفَعتُ صَوتي وصَرَخْتُ، أَنَّه تَرَكَ ثَوبَه بِجانِبي وهَرَبَ إِلى خارِج» فلَمَّا سَمِعَ سَيِّدُه كَلامَ ٱمرَأَتِه الَّذي أَخبَرَته بِه قائِلَةً: «كَذا صَنَعَ بي خادِمُكَ»، غَضِبَ علَيه غَضَبًا، فأَخَذَ يُوسفَ سَيِّدُه وجَعَلَه في السِّجْن، حَيثُ كانَ سُجَناءُ المَلِكِ مَسْجونين. فكانَ هُناكَ في السِّجْن. وكانَ الرَّبُّ مع يوسف وأَمالَ إِلَيه رَحمَتَه. وأَنالَه حُظوَةً في عَينَي رَئيسِ السِّجْن. فجَعَلَ رَئيسُ السِّجْنِ في يَدِ يوسفَ جَميعَ السُّجَناءِ الَّذينَ في السِّجْن، وكُلُّ ما كانوا يَصنَعونَه هُناكَ كانَ هو يُدَبِّرُه. ولَم يَكُنْ رَئيسُ السِّجْنِ يَهتَمُّ بِشَيءٍ مِمَّا تَحتَ يَدِ يُوسف، لأَنَّ الرَّبَّ كانَ معَه، ومَهْما صَنَعَ كانَ الرَّبُّ يُنجِحُه. وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداثِ أَنَّ ساقِيَ مَلِكِ مِصْرَ والخَبَّازَ أَجرَما إِلى سَيِّدِهِما مَلِكِ مِصْر. فسَخَطَ فِرعَونُ على كِلا خَصِيَّيه رَئيسِ السُّقاةِ ورَئيسِ الخَبَّازين، وأَوقَفَهما في بَيتِ رَئيسِ الحَرَسِ في السِّجْنِ حَيثُ كانَ يوسفُ مَسْجونًا. فأَلحَقَ رَئيسُ الحَرَسِ بِهِما يوسف فقامَ بِخِدمَتِهما، وظلاَّ مَوقوفَينِ مُدَّةً. فرَأَيَا كِلاهُما حُلْمًا في لَيْلَةٍ واحِدَة، كُلُّ واحِدٍ حُلْمَه (ولِكُلِّ حُلْمٍ تَفْسيرُه) ساقي مَلِكِ مِصْرَ وخَبَّازُه المَسْجونانِ في السِّجْن. فأَتاهُما يوسُفُ في الصَّباح، فإِذا هما حَزينَان. فسأَلَ خَصِيَّي فِرعَونَ اللَّذَينِ معه والمَوقوفَينِ في بَيتِ سَيِّدِه وقال: «ما بالُ وَجهَيكُما مُكتَئِبَينِ اليَوم؟» فقالا لَه: «رأَينا حُلْمًا، ولَيسَ لَنا مَن يُفَسِّرُه». فقالَ لَهما يوسف: «أَلَيْسَ أَنَّ للهِ التَّفْسير؟ قُصَّا عَلَيَّ». فقَصَّ رَئيسُ السُّقاةِ حُلمَه على يوسفَ وقالَ لَه: «رأَيتُ كأَنَّ جَفنَةَ كَرْمٍ أَمامي، وفي الجَفنَةِ ثَلاثَةُ قُضبانٍ وكأَنِّي بِها أَزهَرَت ونَما زَهرُها وأَنضَجَت عَناقيدُها عِنَبًا. وكانَت كَأْسُ فِرعَونَ في يَدي فأَخَذتُ العِنَبَ وعَصَرتُه في كأسِ فِرعَون ووَضَعتُ الكَأسَ في يَدِه». فقالَ لَه يوسف: «هٰذه تَفْسيرُه: القُضْبانُ الثَّلاثَةُ هي ثَلاثَةُ أَيّام. فبَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَرفَعُ فِرعَونُ رَأسَكَ ويَرُدُّكَ إِلى وَظيفَتِكَ وتُناولُ فِرعَونَ كأسَه كالعادَةِ السَّابِقَة حينَ كُنتَ ساقِيَه. وإِذا حَسُنَ أَمرُكَ فتَذَكَّرْني وٱصنَعْ إِلَيَّ رَحمَةً وٱذكُرْني لَدى فِرعَونَ وأَخرِجْني مِن هٰذا البَيت، لأَنِّي قد خُطِفتُ مِن أَرضِ العِبْرانِيِّين، وهٰهُنا أَيضًا وَضَعوني في السِّجْنِ مِن غيرِ أَن أَفعَلَ شَيئًا». ولَمَّا رأَى رئيسُ الخَبَّازينَ أَنَّ التَّفْسيرَ كانَ خَيرًا، قالَ لِيُوسف: «رأَيتُ أَنا أَيضًا في حُلْمٍ كأَنَّ ثَلاثَ سِلالٍ مِنَ الخُبزِ الأَبيَضِ على رأسي، وفي السَّلَّةِ العُلْيا مِن جَميعِ أَطعِمَةِ فِرعَون مِمَّا يَصنَعُه الخَبَّاز، والطُّيورُ تأكُلُه مِنَ السَّلَّةِ الَّتي على رأسي». فأَجابَ يوسفُ وقال: «هٰذا تَفْسيرُه: السِّلالُ الثَّلاثُ هي ثَلاثَةُ أَيَّام. فبَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّام يَرفَعُ فِرعَونُ رَأسَكَ فَوقًا ويُعَلِّقُكَ على خَشَبَة، فتَأكُلُ الطُّيورُ لَحمَكَ مِن علَيكَ». فكانَ في اليَومِ الثَّالِث، يَومِ مَولِدِ فِرعَون، أَنَّه صَنَعَ مأدُبَةً لِجَميعِ حاشِيَتِه، فَرَفَعَ رأسَ رَئيسِ السُّقاة ورأسَ رَئيسِ الخَبَّازين بَينَ حَشَمِه. فَرَدَّ رَئيسَ السُّقاةِ إِلى سِقايَتِه فوَضَعَ الكأسَ في يَدِ فِرعَون. وأَمَّا رَئيسُ الخَبَّازين فعَلَّقَه، فكانَ كُلُّ شَيءٍ بِحَسَبِ تَفْسيرِ يوسفَ لَهُما. ولم يَتَذَكَّرْ رَئيسُ السُّقاة يوسفَ فنَسِيَه. وكانَ بَعدَ مُضِيِّ سَنَتَينِ مِنَ الزَّمانِ أَنَّ فِرعونَ رأَى حُلْمًا، إِذ هو واقِفٌ عِندَ النِّيل. فإِذا بِسَبْعِ بَقَراتٍ صاعِدَةٌ مِنه وهي حِسانُ المَنظَرِ وسِمانُ الأَبْدان، فَرَعَت في مَنبِتِ القَصَب، وبِسَبْعِ بَقَراتٍ أُخَرَ صاعِدَةٌ وراءَها مِنَ النِّيل وهي قِباحُ المَنظَرِ وهَزيلَةُ الأَبْدان، فَوَقَفَت بِجانِبِ البَقَرات الأُخَرِ على شاطِئِ النِّيل. فأَكَلَتِ البَقَراتُ القِباحُ المَنظَرِ الهَزيلةُ الأَبْدانِ السَّبْعَ البَقَراتِ الحِسانِ المَنظَرِ السِّمان. وٱستَيقَظَ فِرعَون. ثُمَّ نامَ فحَلَمَ ثانِيَةً وإِذا بِسَبْعِ سَنابِلَ قد نَبَتَت في ساقٍ واحِدَة، وهي سِمَانٌ جَيِّدة، وبسَبْعِ سَنابِلَ هَزيلةٍ قد لَفَحَتها الرِّيحُ الشَّرقِيَّة نَبَتَت وراءَها. فٱبتَلَعَتِ السَّنابِلُ الهزيلَةُ السَّبْعَ السَّنابِلَ السَّمينَةَ المُمتَلِئَة. وٱستَيقَظَ فِرعونُ، فإِذا هو حُلْم. فلَمَّا كانَ الصَّباح، اِضطَرَبَت نَفسُه، فأَرسَلَ ودَعا جَميعَ سَحَرَةِ مِصْر وجَميعَ حُكَمائِها. فَقَصَّ فِرعَونُ علَيهِم حُلْمَه فلَم يَكُنْ مَن يُفَسِّرُه لِفِرعَون. فكَلَّمَ رَئيسُ السُّقاةِ فِرعَونَ وقال: «إِنِّي أَعتَرِفُ اليَومَ بِأَخْطائي. إِنَّ فِرعَونَ كانَ قد سَخِطَ على عَبْدَيه، فأَوقَفَني في بَيتِ رَئيسِ الحَرَسِ، أَنا ورَئيسَ الخبَّازين. فرَأَينا كِلانا حُلْمًا في لَيلَةٍ واحِدة ولِكُلِّ حُلْمٍ تَفْسيرُه. وكانَ معَنا هُناك شابٌّ عِبْرانِيٌّ، خادِمٌ لِرَئيسِ الحَرَس، فقَصَصْنا علَيه ففَسَّرَ لَنا حُلْمَينا، فَسَّرَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَّا حُلْمَه. وكما فَسَّرَ لَنا كان: فرَدَّني المَلِكُ إِلى وظيفَتي وذاكَ علَّقَه». فأَرسَلَ فِرعَونُ ودَعا يوسف، فأَسرَعوا بِه مِنَ السِّجْن. فَحَلَقَ ذَقْنَه وأَبدَلَ ثِيابَه ودَخَلَ على فِرعَون. فقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «قد رَأَيتُ حُلْمًا، ولم يَكُنْ مَن يُفَسِّرُه، وقَد سَمِعتُ عَنكَ أَنَّكَ إِذا سَمِعتَ حُلْمًا تُفَسِّرُه». فأَجابَ يوسفُ فِرعَونَ وقال: «لا أَنا، بَلِ اللهُ يُجيبُ فِرعَونَ الجَوابَ السَّليم». فقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «حَلَمتُ وإِذا بي واقِفٌ على شاطِئِ النِّيل، وقد صَعِدَ مِنَ النِّيلِ سَبْعُ بَقَراتٍ سِمانِ الأَبْدانِ حِسانِ الهَيئات، فَرَعَت في مَنبِتِ القَصَب. وإِذا سَبْعُ بَقَراتٍ أُخَرَ قد صَعِدَت وَراءَها ضِعافًا قِباحَ الهَيئاتِ جدًّا هَزيلَةَ الأَبْدان لم أَرَ في أَرضِ مِصْرَ كُلِّها مِثْلَها في القُبْح. فأَكَلَتِ البَقَراتُ الهَزيلةُ القِباحُ السَّبْعَ البَقَراتِ الأُولى السِّمان، فدَخَلَت في أَجْوافِها ولم يُعْرَفْ أَنَّها قد دَخَلَت فيها، وبَقِيَ مَنظَرُها قَبيحًا كما كانَ أَوَّلًا، وٱستَيقَظتُ. ثُمَّ رأَيتُ في حُلْمي سَبْعَ سَنابِلَ قد نَبَتَت في ساقٍ واحِدَةٍ مُمتَلِئَةً جَيِّدة، وسَبْعَ سَنابِلَ جافَّةً هَزيلَةً قد لَفَحَتها الرِّيحُ الشَّرقِيَّة نَبَتَت وَراءَها. فٱبتَلَعَتِ السَّنابِلُ الهَزيلةُ السَّبْعَ السَّنابِلَ الجَيِّدة. فأَخبَرتُ بِذٰلِك السَّحَرَة فلم يَكُنْ مَن يُجيبُني». فقالَ يوسفُ لِفِرعَون: «حُلْمُ فِرعَونَ واحِد: ما سَيَصنَعُه اللهُ أَخبَرَ بِه فِرعَون. السَّبْعُ البَقَراتُ الجَيِّدَةُ هي سَبْعُ سِنين، والسَّبْعُ السَّنابِلُ الجَيِّدَةُ هي سَبْعُ سِنين: هو حُلْمٌ واحِد. والسَّبْعُ البَقَراتُ الهَزيلةُ القِباحُ الصَّاعِدَةُ وراءَها هي سَبْعُ سِنين، والسَّبْعُ السَّنابِلُ الهَزيلَةُ الَّتي لَفَحَتها الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ تَكونُ سَبْعَ سِني مَجاعة. هو الكَلامُ الَّذي قُلتُه لِفِرعَونَ، إِنَّ اللهَ كَشَفَ لِفِرعَونَ ما هو صانِعُه: ها هي سَبْعُ سِنينَ آتِيَةٌ فيها شِبَعٌ عَظيمٌ في كُلِّ أَرضِ مِصر. تَأتي مِن بَعدِها سَبْعُ سِني مَجاعة، فيُنْسى كُلُّ الشِّبَعِ في أَرْضِ مِصْر وتُتْلِفُ المجاعَةُ هٰذه الأَرض، فلا يَعودُ يُعرَفُ ما هو الشِّبَعُ في هٰذه الأَرض بِسَبَبِ المجاعةِ الآتيَةِ بَعدَه لأَنَّها ستَكونُ شَديدَةً جِدًّا. وأَمَّا تَكْرارُ الحُلْمِ على فِرعَونَ مَرَّتَين، فلأَنَّ الأَمرَ مُقَرَّرٌ من لَدُنِ الله، وسيَصنَعُه عاجِلًا. والآن، لِيَبحَثْ فِرعَونُ عن رَجُلٍ فَهيمٍ حَكيمٍ يُقيمُه على أَرضِ مِصْر، وَلْيَسْعَ فِرعَونُ ويُوكِّلْ وُكَلاءَ على هٰذه الأَرضِ ويَأخُذْ خُمْسَ غَلَّةِ أَرضِ مِصْرَ في سَبْعِ سِني الشِّبَع، وَلْيَجْمَعوا كُلَّ طَعامِ سِني الخَيرِ الآتِيَة ويَخزُنوا قَمحَها تَحتَ يَدِ فِرعَونَ طَعامًا في المُدُنِ ويَحفَظوه. فيَكونُ الطَّعامُ مَؤونَةً لِهٰذه الأَرض لِسَبْعِ سِني المَجاعَةِ الَّتي ستَكونُ في أَرضِ مِصْر، فلا تَفْنى هٰذه الأَرضُ بِالمَجاعة». فحَسُنَ الكَلامُ في عَينَي فِرعَون وعَينَي حاشِيتِه كُلِّها. فقالَ فِرعَونُ لِحاشِيَتِه: «هل نَجِدُ مِثْلَ هٰذا رَجُلًا فيه رُوحُ الله؟» وقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «بَعدَما ما أَعلَمَكَ اللهُ هٰذا كُلَّه، فلَيسَ هُناكَ فَهيمٌ حَكيمٌ مِثْلُكَ. أَنتَ تَكونُ على بَيتي وإِلى كَلِمَتِكَ يَنْقادُ كُلُّ شَعْبي، ولا أَكونُ أَعظَمَ مِنكَ إِلاَّ بِالعَرْش». وقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «أُنظُرْ: قد أَقَمتُكَ على كُلِّ أَرضِ مِصْر». ونَزَعَ فِرعَونُ خاتَمَه مِن يَدِه وجعَلَه في يَدِ يوسف، وأَلبَسَه ثِيابَ كَتَّانٍ ناعِم وجَعَلَ طَوقَ الذَّهَبِ في عُنُقِه، وأَركَبَه مَركَبَتَه الثَّانِيَة، ونادَوا أَمامَه: «اِحذَرْ». وهٰكذا أَقامَه على كُلِّ أَرضِ مِصْر. وقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «أَنا فِرعَون، بِدونِكَ لا يَرفَعُ أَحَدٌ يَدَه ولا رِجلَه في كُلِّ أَرضِ مِصْر». وسَمَّى فِرعَونُ يوسفَ «صُفْنَة فعْنِئَح»، وزَوَّجَه أَسْنات، بِنْتَ فوطيفارَع، كاهِنِ أُون. وطافَ يوسفُ في كُلِّ أَرضِ مِصْر. وكانَ يوسفُ ٱبنَ ثَلاثينَ سَنَةً، حينَ مَثَلَ أَمامَ فِرعَونَ، مَلِكِ مِصْر. وخَرَجَ يوسفُ من أَمامِه وتَجَوَّلَ في أَرضِ مِصْرَ كُلِّها. ثُمَّ أَخرَجَتِ الأَرضُ في سَبْعِ سِني الشِّبَعِ أَكْداسًا أَكْداسًا. فجَمَعَ كُلَّ غِلالِ السَّبْعِ السِّنينَ الَّتي كانَ فيها الشِّبَعُ في أَرضِ مِصْر وجَعَلها طَعامًا في المُدُن، جاعِلًا في كُلِّ مَدينَةٍ غِلالَ ما حَولَها مِنَ الحُقول. فخَزَنَ يوسفُ مِنَ القَمْحِ ما يُعادِلُ رَمْلَ البَحْرِ كَثرَةً، حَتَّى أَهمَلَ إِحصاءَه، لأَنَّه لم يَكُنْ يُحْصى. ووُلِدَ لِيُوسفَ ٱبْنانِ قَبلَ أَن تأتيَ سَنَةُ المَجاعة، وهُما اللَّذانِ وَلَدَتْهُما أَسْنات، بِنْتُ فوطيفارَع، كاهِنِ أُون. فسَمَّى يوسفُ البِكْرَ مَنَسَّى، قائِلًا: «إِنَّ اللهَ قد أَنْساني كُلَّ عَنائي وبَيتَ أَبي كُلَّه». وسَمَّى الثَّاني أَفْرائيم، قائلًا: «إِنَّ اللهَ قد أَنْماني في أَرضِ شَقائي». وٱنتَهَت سَبْعُ سِني الشِّبَعِ الَّذي كانَ في أَرضِ مِصْر، وبدأت سَبْعُ سِنِي المجاعَةِ تأتي كَما قالَ يوسف. فكانَت مَجاعةٌ في جَميعِ الأَراضي، وأَمَّا كُلُّ أَرضِ مِصْرَ فكانَ فيها خُبْزٌ. فلَمَّا جاعَت كُلُّ أَرضِ مِصْر، صَرَخَ الشَّعْبُ إِلى فِرعَونَ لأَجلِ الخُبْز. فقالَ فِرعَونُ لِجَميعِ المِصرِيِّين: «إِذْهَبوا إِلى يوسف، فما يَقُلْه لَكُم فٱصنَعوه». وكانَتِ المَجاعَةُ على كُلِّ وَجهِ الأَرض. ففَتَحَ يوسفُ كُلَّ ما أُودِعَ، فباعَ لِلمِصرِيِّين. وٱشتَدَّتِ المَجاعَةُ في أَرضِ مِصْر. وقَدِمَ أَهْلُ الأَرضِ بِأَسرِها إِلى مِصْرَ لِيَشتَرُوا حَبًّا مِن يوسف، لأَنَّ المَجاعَةَ كانَت شَديدةً في الأَرضِ كُلِّها. فلَمَّا عَلِمَ يَعْقوبُ أَنَّ الحَبَّ مَوجودٌ في مِصْر، قالَ لِبَنيه: «ما بالُكم تَنظُرونَ بَعضُكم إِلى بَعض؟» وقال: «إِنِّي قد سَمِعتُ أَنَّ الحَبَّ مَوجودٌ في مِصْر، فٱنزِلوا إِلى هُناكَ وٱشتَروا لَنا حَبًّا فنَحْيا ولا نَموت». فنَزَلَ عَشَرَةٌ مِن إِخوَةِ يوسفَ لِيَشتَروا قَمْحًا مِن مِصْر. وأَمَّا بَنْيامين، أَخو يوسف، فلَم يُرسِلْه يَعْقوبُ مع إِخوَتِه، لأَنَّه قال: «يُخْشى أَن يَلحَقَه سوء». وأَتى بَنو إِسْرائيلَ في مَن أَتى لِيَشتَروا حَبًّا، لأَنَّ المَجاعَة كانَت في أَرضِ كَنْعان. وكانَ يوسفُ هو المُسَلَّطَ على تِلكَ الأَرض والبائعَ حَبًّا لِكُلِّ شَعْبِ تِلكَ الأَرض. فجاءَ إِخوَتُه وسَجَدوا له بِوُجوهِهِم إِلى الأَرض. ولَمَّا رأَى يوسفُ إِخوَتَه عَرَفَهم، ولٰكِنَّه تَنَكَّرَ لَهم وكَلَّمَهم بِقَساوةٍ وقالَ لهم: «مِن أَينَ قَدِمتُم؟» قالوا: «مِن أَرضِ كَنْعان، لِنَشتَرِيَ طَعامًا». وعَرَفَ يوسفُ إِخوَتَه، وأَمَّا هُم فلَم يَعْرِفوه. فتَذَكَّرَ يوسفُ الأَحْلامَ الَّتي حَلَمَها بِهِم، فقالَ لَهم: «أَنتُم جَواسيس، إِنَّما جِئتُم لِتَرَوا ثُغورَ هٰذه الأَرض». فقالوا له: «لا يا سَيِّدي، إِنَّما جاءَ عَبيدُكَ لِيَشتَروا طَعامًا. كُلُّنا بَنو رَجُلٍ واحِد، نحن مُستَقيمون، ولَيسَ عَبيدُكَ بِجَواسيس». فقالَ لَهم: «كَلاَّ، بل إِنَّما جِئتُم لِتَرَوا ثُغورَ هٰذِه الأَرض». قالوا: «عَبيدُكَ ٱثْنا عَشَرَ أَخًا، نَحنُ بَنو رَجُلٍ واحِدٍ في أَرضِ كَنْعان. هُوَذا الصَّغيرُ اليَومَ عِندَ أَبينا، وواحِدٌ لا وُجودَ لَه». فقالَ لَهم يوسف: «بلِ الأَمرُ كما تَحَدَّثتُ إِلَيكم قائلًا: أَنتُم جَواسيس. وبِهٰذا تُمتَحَنون: وحَياةِ فِرعَونَ لا خَرَجتُم مِن هٰهُنا أَو يَجيءَ أَخوكُمُ الأَصغَرُ إِلى هٰهُنا. إِبعَثوا واحِدًا مِنكُم يَأتي بِأَخيكم، وأَنتُم تُسجَنونَ حَتَّى يُمتَحَنَ كَلامُكم هل أَنتُم صادِقون، وإِلاَّ فَوَحَياةِ فِرعَونَ إِنَّكم لَجَواسيس». فأَوقَفَهم ثَلاثَة أَيَّام. وفي اليَومِ الثَّالِث قالَ لَهم يوسف: «إِصنَعوا هٰذا فتَحْيَوا، لأَنِّي أَتَّقي الله. إِن كُنتُم مُستَقيمين، فأَخٌ واحِدٌ مِنكُم يُسجَنُ في سِجنِكم. أَمَّا أَنتُم فٱذهَبوا وخُذوا حَبًّا لِبُيوتِكُمُ الجائِعَة، وأتوا بِأَخيكُمُ الصَّغيرِ إِلَيَّ لِيَتَحَقَّقَ كَلامُكم ولا تَموتوا». فصَنَعوا كذٰلك. وقالَ بَعضُهم لِبَعض: «إِنَّنا حَقًّا مُذنِبونَ إِلى أَخينا: رأَينا نَفسَه في شِدَّةٍ عِندَما ٱستَرحَمَنا فلَم نَسمَعْ لَه. لِذٰلِك نالَتْنا هٰذه الشِّدَّة». فأَجابَهم رأُوبينَ قائلًا: «أَلَم أَقُلْ لَكم: لا تَخطَأُوا إِلى الوَلَد، وأَنتُم لم تَسمَعوا، لِذٰلِك يُطالَبُ الآنَ بِدَمِه». ولم يَكونوا يَعلَمونَ أَنَّ يوسفَ يَفهَمُ ذٰلك، إِذ كانَ هُناكَ تُرجُمانٌ بَينَه وبَينَهم. فتَحَوَّلَ عنهُم وبَكى، ثُمَّ عادَ إِلَيهِم وخاطَبَهم وأَخَذَ مِن بَينِهم شِمْعونَ فقيَّدَه أَمامَ أَعيُنِهم. وأَمَرَ يوسفُ أَن تُملَأَ أَوعِيَتُهم قَمْحًا وتُرَدَّ فِضَّةُ كُلِّ واحِدٍ إِلى كيسِه وأَن يُعطَوا زادًا لِلطَّريق، فصُنِعَ لَهم كذٰلِك. وحَمَلوا حَبَّهم على حَميرِهم وساروا مِن هُناك. وفَتَحَ أَحَدُهم كيسَه لِيُلقِيَ عَلَفًا في المَبيتِ لِحِمارِه، فرأَى فِضَّتَه في فَمِ كيسه. فقالَ لِإخوَتِه: «قد رُدَّت فِضَّتي، وها هي في كيسي». فخانَتهُم قُلوبُهم وقالوا بَعضُهم لِبَعضٍ مُرتَعِشين: «ماذا فَعَلَ اللهُ بِنا؟». وجاءُوا يَعْقوبَ أَباهم في أَرضِ كَنْعان وأَخْبَروه بكُلِّ ما جَرى لَهم وقالوا: «قد خاطَبَنا الرَّجُلُ سَيِّدُ تِلكَ الأَرضِ بِقَساوة وعَدَّنا جَواسيسَ في تِلكَ الأَرض، فقُلْنا له: نَحنُ مُستَقيمون، ولَسْنا بِجَواسيس، نحنُ ٱثْنا عَشَرَ أَخًا بَنو أَبٍ واحِد، أَحَدُنا لا وُجودَ له، والصَّغيرُ اليَومَ عِندَ أَبينا في أَرضِ كَنْعان. فقالَ لَنا الرَّجُلُ سَيِّدُ تِلكَ الأَرض: بِهٰذا أَعلَمُ أَنَّكم مُستَقيمون: دَعوا عِنْدي أَخًا مِنكُم وخُذوا لِبُيوتِكمُ الجائِعة وٱنصَرِفوا، وأتوني بأَخيكُمُ الصَّغير فأَعلَمَ أَنَّكم لَستُم بِجَواسيسَ وأَنَّكم مُستَقيمون، فأُعطيَكم أَخاكم وتَجولونَ في هٰذه الأَرض». وبَينَما هم يُفَرِّغونَ أكْياسَهم، إِذا بصُرَّةِ فِضَّةِ كُلِّ واحِدٍ في كيسِه. فلَمَّا رأَوا صُرَرَ فِضَّتِهم هم وأَبوهم، خافوا. فقالَ لَهم يَعْقوبُ أَبوهم: أَفقَدتُموني أَولادي: يوسفُ لا وُجودَ لَه وشِمْعونُ لا وُجودَ لَه، وبَنيامينُ تأخُذونَه، وعَلَيَّ نَزَلَت هٰذه كُلُّها». فكَلَّمَ رأُوبينُ أَباه قائِلًا: «إِن لم أَعُدْ به إِلَيكَ، فٱقتُلْ وَلَدَيَّ. سَلِّمْه إِلى يَدي وأَنا أَرُدُّه إِلَيك». قال: «لا يَنزِلُ ٱبْني مَعَكم، لأَنَّ أَخاه قد مات، وهو وَحدَه بَقِيَ، فإِن نالَه سوءٌ في الطَّريقِ الَّذي تَذهَبونَ فيه أَنزَلتُم شَيبَتي بِحَسرَةٍ إِلى مَثْوى الأَمْوات». وكانَتِ المَجاعَةُ شَديدَةً في تِلكَ الأَرض. فلَمَّا ٱنتَهَوا مِن أَكلِ الحَبِّ الَّذي أَتَوا به مِن مِصْر، قالَ لَهم أَبوهم: «إِرجِعوا فٱشتَروا لَنا قَليلًا مِنَ الطَّعام». فكَلَّمَه يَهوذا قائِلًا: «إِنَّ الرَّجُلَ أَنذَرَنا إِنذارًا قائلًا: لا تَرَونَ وَجْهي إِلاَّ وأَخوكُم مَعَكم. فإِن أَرسَلتَ أَخانا معَنا، نَزَلْنا وٱشتَرَينا لَكَ طَعامًا. وإِن لم تُرسِلْه، لا نَنزِل، لأَنَّ الرَّجُلَ قالَ لَنا: لا تَرَونَ وَجْهي إِلاَّ وأَخوكم معَكم». فقالَ إِسْرائيل: «ولِماذا أَسأَتُم إِلَيَّ فأَخبَرتُمُ الرَّجُلَ أَنَّ لَكم أَخًا أَيضًا؟» قالوا: «إِنَّ الرَّجُلَ سأَلَ أَسئِلَةً عنَّا وعن عشيرَتِنا وقال: هل أَبوكُم لا يَزالُ حَيًّا وهل لكم أخٌ؟ فأَخبَرناه بِحَسَبِ هٰذا الكلام. فهَل كُنَّا نَعلَمُ أَنَّه سيَقول: أَحضِروا أَخاكم؟» وقالَ يَهوذا لِإسْرائيلَ أَبيه: ««أَرسِلِ الفَتى معي حَتَّى نَقومَ ونَمضِيَ ونَحْيا ولا نَموت، نحنُ وأَنتَ وعِيالُنا. أَنا أضمَنُه، مِن يَدي تَطلُبُه. إِن لم أَعُدْ بِه إِلَيكَ وأُقِمْه أَمامَكَ، فأَنا مُذنِبٌ إِلَيكَ طولَ الزَّمان. إِنَّه لَو لم نَتَوانَ، لكُنَّا الآنَ قد رَجَعْنا مَرَّتَين». فقالَ لَهم إِسْرائيلُ أَبوهم: «إِن كانَ الأَمرُ كذٰلك، فٱصنَعوا هٰذا: خُذوا مِن أَطيَبِ مُنتَجاتِ الأَرضِ في أَوْعِيَتِكم وٱذهَبوا بِهَدِيَّةٍ إِلى الرَّجُل، شَيءٍ مِنَ البَلَسان وشَيءٍ مِنَ العَسَل وصُمْغِ قَتاد ولاذَنٍ وفُستُقٍ ولَوز. وخُذوا في أَيديكُم فِضَّةً أُخْرى، والفِضَّةُ المَرْدودَةُ في أَفْواهِ أَكْياسِكم رُدُّوها بأَيديكم، لعَلَّ ذٰلك كانَ خَطَأً. وخُذوا أَخاكُم وقوموا فٱرجِعوا إِلى الرَّجُل. واللهُ القَديرُ يَهَبُ لَكم رَحمَةً أَمامَ الرَّجُل فيُطلِقَ لَكُم أَخاكُمُ الآخَرَ وبَنيامين. وأَمَّا أَنا فإِن فَقَدتُهما أَكُونُ فَقَدتُهُما». فأَخَذَ القَومُ تِلكَ الهَدِيَّةَ وأَخَذوا في أَيديهِم ضِعْفَ الفِضَّةِ وبَنْيامين، وقاموا ونَزَلوا إِلى مِصْر ووَقَفوا أَمامَ يوسف. فلَمَّا رأَى يوسفُ بَنْيامينَ معَهم، قالَ لِقَيِّمِ بَيتِه: «أَدخِلِ القَومَ البَيتَ وٱذبَحْ حَيَوانًا وأَصلِحْه، فإِنَّ القَومَ يأكُلونَ معي عِندَ الظُّهْر». فصَنَعَ الرَّجُلُ كما قالَ يوسف وأَدخَلَ القَومَ بَيتَ يوسف. فخافوا حينَ أُدخِلوا بَيتَ يوسفَ وقالوا: «إِنَّما نَحنُ مُدخَلونَ بِسَبَبِ الفِضَّةِ الَّتي رُدَّت في أَكْياسِنا أَوَّلًا، لِيَهجُموا علَينا ويوقِعوا بِنا ويأخُذونا عَبيدًا معَ حَميرِنا». فتَقَدَّموا إِلى قَيِّمِ البَيت وكَلَّموه عِندَ بابِ البَيت وقالوا: «العَفْوَ، يا سَيِّدي، إِنَّنا نَزَلْنا أَوَّلًا لِنَشتَرِيَ طَعامًا، وكانَ لَمَّا وَصَلْنا إِلى المَبيتِ وفتَحْنا أَكْياسَنا، أَنَّنا وَجَدنا فِضَّةَ كُلِّ واحِدٍ في فَمِ كيسِه، فَضَّتَنا بِوَزنِها، فعُدْنا بِها في أَيدينا. وأَتَينا بِفِضَّةٍ أُخْرى لِنَشتَرِيَ طَعامًا، ونَحنُ لا نَعلَمُ مَنِ الَّذي جَعَلَ فِضَّتَنا في أَكْياسِنا». فقال: «كونوا في سَلام، لا تَخافوا. إِنَّ إِلٰهكم وإِلٰهَ أَبيكُم رزَقَكُم كَنْزًا في أَكْياسِكُم. وأَمَّا فِضَّتُكُم فقد صارَت عِندي». ثُمَّ أَخرَجَ إِلَيهم شِمْعون. وأَدخَلَ الرَّجُلُ القَومَ بَيتَ يوسف وأَعْطاهم ماءً، فغَسَلوا أَرجُلَهُم، وأَعْطى عَلَفًا لحَميرِهِم. وهَيَّأُوا الهَدِيَّةَ حتَّى يأتِيَ يوسفُ عِندَ الظُّهْر، لأَنَّهم سَمِعوا بِأَنَّهم هُناكَ سَيَأكُلونَ الطَّعام. ولَمَّا قَدِمَ يوسفُ إِلى البَيت، قَدَّموا لَه الهَدِيَّةَ الَّتي في أَيديهم، وسَجَدوا له إِلى الأَرض. فسَأَلَ عن سَلامَتِهم، ثُمَّ قال: «هل أَبوكُمُ الشَّيخُ الَّذي ذَكَرتُموه في سلام ولا يَزالُ حَيًّا؟» قالوا: «عَبدُكَ أَبونا في سَلام ولا يَزالُ حَيًّا» وٱنحَنَوا وسَجَدوا. ورَفَعَ يوسفُ عَينَيه ورأَى بَنْيامينَ أَخاه ٱبنَ أُمِّه، فقال: «أَهٰذا أَخوكُمُ الصَّغيرُ الَّذي ذَكَرتُموه لي؟» وأَضاف: «أَنعَمَ اللهُ علَيكَ، يا بُنَيَّ». ثُمَّ أَسرَعَ يوسف، وقدِ ٱحتَرَقَت أَحْشاؤُه شَوقًا إِلى أَخيه ورَغِبَ في البُكاء، فدَخَلَ الغُرفَةَ وبَكى هُناكَ. ثُمَّ غَسَلَ وَجهَه وخَرَجَ وتَجَلَّدَ وقال: «قَدِّموا الطَّعام». فقَدَّموا لَه وَحدَه، ولَهم وَحدَهم، ولِلمِصرِيِّينَ الآكِلينَ عِندَه وَحدَهم، لأَنَّ المِصرِيِّينَ لا يَجوزُ لَهم أَن يأكُلوا مع العِبرانِيِّين، لأَنَّه قَبيحةٌ عِندَ المِصرِيِّين. وجَلَسوا أَمامَه، البِكْرُ بِحَسَبِ بِكرِيَّتِه والصَّغيرُ بِحَسَبِ صِغَرِه. وكانوا يَنظُرونَ بَعضُهم إِلى بَعض مَبْهوتين. ثُمَّ قَدَّم لَهم حِصَصًا مِمَّا أَمامَه، فكانَت حِصَّةُ بَنْيامينَ خَمْسَةَ أَضعافِ حِصَّةِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُم. وشَرِبوا معه وسَكِروا. ثُمَّ أَمَرَ يوسفُ قَيِّمَ بَيتِه وقالَ له: «اِملَأْ أَكْياسَ القَومِ طَعامًا قَدْرَ ما يَستَطيعونَ حَمْلَه وٱجعَلْ فِضَّةَ كُلِّ واحِدٍ في فَمِ كيسِه، وٱجعَلْ كأسي، كأسَ الفِضَّة، في فَمِ كيسِ الصَّغير، مع ثَمَنِ حَبِّه». فصَنَعَ بِحَسَبِ كَلامِ يوسفَ الَّذي قالَه لَه. فلَمَّا أَضاءَ الصُّبْح، صُرِفَ القَومُ مع حَميرِهم. فبَعدَ أَن خَرَجوا مِنَ المَدينَةِ ولَم يُبعِدوا، قالَ يوسفُ لِقَيِّمِ بَيتِه: «قُمْ فٱسْعَ في أَثَرِ القَوم، فإِذا أَدرَكتَهم فقُلْ لَهم: لِمَ كافَأتُمُ الخَيرَ بِالشرّ؟ أَلَيست هٰذه هي الَّتي يَشرَبُ بِها سَيِّدي ويَتَكَهَّنُ بِها؟ قد أَسأْتُم في ما صَنَعتُم». فأَدرَكَهم وقالَ لَهم ذٰلك الكلام. فقالوا له: «لِماذا يَتَكَلَّمُ سَيِّدي بِمِثْلِ هٰذا الكلام؟ حاشَ لعَبيدِكَ أَن يَصنَعوا مِثْلَ هٰذا الأَمْر. فإِنَّ الفِضَّةَ الَّتي وَجَدْناها في أَفْواهِ أَكْياسِنا رَدَدْناها إِلَيكَ مِن أَرضِ كَنعان، فكَيفَ نَسرِقُ من بَيتِ سَيِّدِكَ فِضَّةً أَو ذَهَبًا؟ مَن وُجِدَت معَه الكأسُ مِن عَبيدِكَ فَلْيَمُتْ، ونَحنُ أَيضًا نَكونُ لِسَيِّدي عَبيدًا». قال: «أَجل، وبِحَسَبِ قَولِكم فلْيَكُنْ: مَن وُجِدَت معه الكأس، يَكونُ لي عَبْدًا، وأَنتُم تَكونونَ بَراء». فأَسرَعوا وحَطَّ كُلُّ واحِدٍ كيسَه على الأَرض، وفَتَحَ كُلُّ واحِدٍ كيسَه. ففَتَّشَهم مُبتَدِئًا بِالأَكبَر، حَتَّى ٱنتَهى إِلى الأَصغَر، فوُجِدَتِ الكَأْسُ في كيسِ بَنْيامين. فمَزَّقوا ثِيابَهم وحَمَّلَ كُلُّ واحِدٍ حِمارَه ورَجَعوا إِلى المَدينة. ودَخَلَ يَهوذا وإِخوَتُه بَيتَ يوسف وهو لم يَزَلْ هُناك، وٱرتَمَوا أَمامَه إِلى الأَرض. فقالَ لَهم يوسف: «ما هٰذا الصَّنيعُ الَّذي صَنَعتُم؟ أَما عَلِمتُم أَنَّ رَجُلًا مِثْلي يَتَكَهَّن؟» فقالَ يهوذا: «ماذا نَقولُ لِسَيِّدي؟ بِماذا نَتَكَلَّمُ وبِماذا نَتَبَرَّأ؟ قد كَشَفَ الله ذَنْبَ عَبيدِك. ها نَحنُ عَبيدٌ لِسَيِّدي، نَحنُ ومَن وُجِدَتِ الكأْسُ في يَدِه». قالَ يوسف: «حاشَ لي أَن أَصنَعَ هٰذا! بَلِ الرَّجُلُ الَّذي وُجِدَتِ الكأسُ في يَدِه هو يَكونُ لي عَبْدًا، وأَمَّا أَنتُم فٱصعَدوا بِسَلامٍ إِلى أَبيكم». فتَقَدَّمَ إِلَيه يَهوذا وقال: «يا سَيِّدي، أَرْجو أَن يَقولَ عَبْدُكَ كَلِمَةً على مِسمَعِ سَيِّدي، ولا تَغْضَبْ على عَبدِكَ، فإِنَّكَ مِثلُ فِرعَون. كانَ سَيِّدي قد سَأَلَ عَبيدَه قائِلًا: هل لَكم أَبٌ أَو أَخ؟ فقُلْنا لِسَيِّدي: لَنا أَبٌ شَيخ، ولَه ٱبنُ شَيخوخةٍ صَغير قد ماتَ أَخوه وبَقِيَ هو وَحدَه لأُمِّه، وأَبوه يُحِبُّه. فقُلْتَ لِعَبيدِكَ: إِنزِلوا بِه إِلَيَّ لأُلقِيَ نَظَري علَيه. فقُلْنا لِسَيِّدي: لا يَقدِرُ الفَتى أَن يَترُكَ أَباه، وإِن تَرَكَه يَموتُ أَبوه. فقُلتَ لِعَبيدِك: إِن لم يَنزِلْ أَخوكُم الصَّغيرُ مَعَكم فلا تَعودونَ تَرَونَ وَجْهي. فكانَ لَمَّا صَعِدْنا إِلى عَبْدِكَ أَبي، أَنَّنا أَخبَرْناه بِكَلامِ سَيِّدي. وقالَ أَبونا: إِرجِعوا فٱشْتَروا لَنا قَليلًا مِنَ الطَّعام. فقُلْنا: لا نَقدِرُ أَن نَنزِل. أَمَّا إِن كانَ أَخونا الصَّغيرُ مَعَنا فنَنزِل، لأَنَّنا لا نَقدِرُ أَن نَرى وَجهَ الرَّجُل، ما لم يَكُنْ أَخونا الصَّغيرُ معَنا. فقالَ لنا عَبدُكَ أَبي: أَنتُم تَعلَمونَ أَنَّ ٱمرَأَتي وَلَدَت لِيَ ٱبنَين، فخَرَجَ أَحَدُهُما مِن عِنْدي فقُلتُ: إِنَّه قَدِ ٱفتُرِسَ وإِلى الآنَ لم أَرَه. فإِن أَخَذتُم هٰذا أَيضًا مِن أَمامي فأَصابَه سُوءٌ، أَنزَلتُم شَيبَتي بِالشَّقاءِ إِلى مَثْوى الأَموات. والآن إِذا عُدتُ إِلى عَبدِكَ أَبي والفَتى لَيسَ معَنا، ونَفسُه مُتَعَلِّقةٌ بِنَفْسِه، فيَكونُ أَنَّه، عِندَما يَرى أَنَّ الفتى لَيسَ معَنا، يَموتُ ويُنزِلُ عَبيدُكَ شَيبَةَ عَبدِكَ أَبينا بِحَسرَةٍ إِلى مَثْوى الأَموات، لأَنَّ عَبدَكَ قد ضَمِنَ الفَتى لأَبي قائلًا: إِن لم أَعُدْ بِه إِلَيك، أَكونُ مُذنِبًا إِلى أَبي طولَ الزَّمان. فلْيَبْقَ عَبدُكَ الآنَ مَكانَ الفَتى عَبدًا لِسَيِّدي ويَصعَدِ الفَتى مع إِخوَتِه. فإِنِّي كَيفَ أَصعَدُ إِلى أَبي والفَتى لَيسَ معي؟ لا شاهَدتُ الشَّقاءَ الَّذي يَحِلُّ بِأَبي!». فلم يَستَطِعْ يوسفُ أَن يَملِكَ نَفْسَه أَمامَ جَميعِ القائِمينَ عِندَه، فصَرَخ: «أَخرِجوا جَميعَ القَومِ مِن عِنْدي». فلَم يَبْقَ عِندَه أَحَدٌ، حينَ عَرَّفَ نَفْسَه إِلى إِخوتِه. فأَطلَقَ صَوتَه بالبُكاء، فسَمِعَته مِصرُ وسَمِعَه بَيتُ فِرعَون. وقالَ يوسفُ لِإخوَتِه: «أَنا يوسف. أَلا يَزالُ أَبي حَيًّا؟» فلم يَستَطِع إِخوَتُه أن يُجيبوه، لأَنَّهُم ٱرتَعَدوا أَمامَه. فقالَ يوسفُ لِإخَوَتِه: «تَقَدَّموا إِلَيَّ» فتَقَدَّموا. فقال: «أَنا يوسفُ أَخوكمُ الَّذي بِعتُموه لِلمِصرِيِّين. والآن فلا تَكتَئِبوا ولا تَغضَبوا لأَنَّكم بِعتُموني هُنا، فإِنَّ اللهَ قد أَرسَلَني أَمامَكم لأُحيِيَكم. وقَد مَضَت سَنَتا مَجاعةٍ في وَسَطِ الأَرض، وبَقِيَت خَمْسُ سِنينَ دونَ حَرْثٍ ولا حِصاد. فأَرسَلَني اللهُ قُدَّامَكم لِيَجعَلَ لَكم بَقِيَّةً في هٰذه الأَرض ولِيُحيِيَكم، لِنَجاةٍ عظيمة. فالآن لم تُرسِلوني أَنتُم إِلى هٰهُنا، بَلِ اللهُ أَرسَلَني وهو قد صَيَّرَني كأَبٍ لِفِرعَون وكسَيِّدٍ على بَيتِه كُلِّه وكمُتَسَلِّطٍ على كُلِّ أرضِ مِصْر. فأَسرِعوا وٱصعَدوا إِلى أَبي وقولوا لَه: «كَذا قالَ ٱبنُكَ يوسف: قد جَعَلَني اللهُ سَيِّدًا لِجَميعِ المِصرِيِّين، فٱنزِلْ إِلَيَّ ولا تُبطِئْ. فتُقيمُ في أَرضِ جاسان، وتَكونُ قَريبًا مِنِّي أَنتَ وبَنوكَ وبَنو بَنيكَ وغَنَمُكَ وبَقَرُكَ وكُلُّ ما هو لَكَ. وأَعولُكَ هُناك، إِذ قد بَقِيَ خَمْسُ سِنينَ مجاعةً، لِئَلاَّ يَنالَكَ العَوَز، أَنتَ وأَهلُكَ وكُلُّ ما هو لَكَ. وها إِنَّ عُيونَكم وعَينَي أَخي بَنْيامينَ تَرى أَنَّ فَمي هو الَّذي يُخاطِبُكم. فأَخبِروا أَبي بِكُلِّ مَجْدي في مِصْر وبِكُلِّ ما رَأَيتُموه، وأَسرِعوا فٱنزِلوا بِأَبي إِلى هٰهُنا». ثُمَّ أَلْقى بِنَفْسِه على عُنُقِ بَنْيامينَ أَخيه فبَكى، وبَكى بَنْيامينُ على عُنُقِه. وقَبَّلَ سائِرَ إِخوَتِه وبَكى على أَعْناقِهِم. وبَعدَ ذٰلك تَحدَّثوا إِلَيه. وبَلَغَ الخَبَرُ بيتَ فِرعَون وقيل: «قد جاءَ إِخوَةُ يوسف». فحَسُنَ ذٰلك في عَينَي فِرعَونَ وعُيونِ حاشِيَته. فقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «قُلْ لِإخوَتِكَ: إِصنَعوا هٰذا: حَمِّلوا دَوابَّكُم وٱنطَلِقوا وٱذهَبوا إِلى أَرضِ كَنْعان، وخُذوا أَباكُم وأَهْلَكم وتَعالَوا إِلَيَّ، فأُعْطِيَكم خَيرَ أَرضِ مِصْر، وتأكُلوا دَسَمَ الأَرض. وأَنتَ مُكَلَّفٌ بِأَن تَأمُرَهم هٰذا الأَمْر: إِصنَعوا هٰذا: خُذوا لَكم مِن أَرضِ مِصْرَ عَجَلاتٍ لأَطفالِكم ونِسائِكم، وٱحمِلوا أَباكُم وتَعالَوا: ولا تَأسَفْ عُيونُكم على أَثاثِكم، فإِنَّ خَيرَ مِصْرَ كُلِّها هو لَكم». فصَنَعَ كذٰلك بَنو إِسْرائيل، وأَعْطاهم يوسفُ عَجَلاتٍ بِأَمرِ فِرعَون، وأَعْطاهم زادًا لِلطَّريق. وأَعْطى كُلَّ واحِدٍ مِنْهم حُلَلَ ثِياب، وأَعْطى بَنْيامينَ ثَلاثَ مِئَةٍ مِنَ الفِضَّةِ وخَمْسَ حُلَلِ ثِياب. وبَعَثَ إِلى أَبيه بِهٰذا: عَشَرَةِ حَميرٍ مُحَمَّلَةٍ مِن خَيرِ ما في مِصْر، وعَشْرِ حَمائِرَ مُحَمَّلَةٍ قَمْحًا وخُبْزًا وزادًا لأَبيه لِلطَّريق. ثُمَّ صَرَفَ إِخوَتَه فمَضَوا. وقالَ لهم: «لا تَتَخاصَموا في الطَّريق». فصَعِدوا مِن مِصْر ووَصَلوا إِلى أَرضِ كَنْعان، إِلى يَعْقوبَ أَبيهم. وأَخبَروه فقالوا: «إِنَّ يوسفَ لا يَزالُ حَيًّا، بل هو مُسَلَّطٌ على كُلِّ أَرضِ مِصْر». فجَمَدَ قَلْبُه، لأَنَّه لم يُصَدِّقْهم. ثُمَّ حَدَّثوه بكُلِّ ما كَلَّمَهم بِه يوسف، ورأَى العَجَلاتِ الَّتي بَعَثَ بِها يوسفُ لِتَحمِلَه. فانتَعَشَت رُوحُ يَعْقوبَ أَبيهم، وقالَ إِسْرائيل: «حَسْبي أَنَّ يوسفَ ٱبْني لا يَزالُ حَيًّا. أَمْضي وأَراه قَبْلَ أَن أَموت». فَرَحَلَ إِسْرائيلُ بِكُلِّ ما لَه حَتَّى جاءَ بِئْرَ سَبْع، فذَبَحَ ذَبائِحَ لِإلٰهِ أَبيه إِسْحٰق. فكَلَّمَ اللهُ إِسْرائيلَ في رُؤًى لَيلِيَّةٍ وقال: «يَعْقوب، يَعْقوب!». قال: «هاءَنَذا». قال: «أَنا اللهُ، إِلٰهُ أَبيكَ. لا تَخَفْ أَن تَنزِلَ إِلى مِصْر، فإِنِّي سأجعَلُكَ هُناكَ أُمَّةً عَظيمة. أَنا أَنزِلُ معَكَ إِلى مِصْر، وأَنا أُصعِدُكَ مِنْها، ويوسفُ هو الَّذي يُغمِضُ عَينَيك». فقامَ يَعْقوبُ مِن بِئْرَ سَبْع، وحَمَلَ بَنو إِسْرائيلَ يَعْقوبَ أَباهم وأَطْفالَهم ونِساءَهم على العَجَلاتِ الَّتي بَعَثَ بِها فِرعَونُ لِتَحمِلَه. وأَخَذوا ماشِيَتَهم ومُقْتَنَياتِهِم الَّتي ٱقتَنَوها في أَرضِ كَنْعان، وقَدِموا إِلى مِصْر، يَعْقوبُ وكُلُّ ذُرِّيَّتِه معَه: بَنوه وبَنو بَنيه وبَناتُه وبَناتُ بَنيه وسائِرُ ذُرِّيَّتِه جاءَ بِهم معَه إِلى مِصْر. وهٰذه أَسْماءُ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ دَخَلوا مِصْر، يَعْقوبُ وبَنوه. بِكْرُ يَعقُوبَ رَأُوبين. وبَنو رأُوبين: حَنوك وفَلُّو وحَصْرون وكَرْمي. وبَنو شِمْعون: يَموئيل ويامين وأُوهَد وياكين وصُوحَر وشاوُلُ ٱبنُ الكَنْعانِيَّة. وبَنو لاوي: جِرْشُون وقَهات ومَراري. وبَنو يَهوذا: عِير وأَونان وشِيلة وفارَص وزارَح (وماتَ عِيرٌ وأَونانُ في أَرضِ كَنْعان)، وٱبْنا فارَص، حَصْرون وحامول. وبَنو يَسَّاكَر: تُولاع وفُوَّة ويَشوب وشِمْرون. وبَنو زَبولون: سارَد وإِيلون ويَحَلْئيل. هٰؤُلاءِ بَنو لَيئَةَ الَّذينَ وَلَدَتهم لِيَعْقوبَ في فَدَّانَ أَرامَ مع دِينَةَ ٱبنَتِه، جَميعُ نُفوسِ بَنيه وبَناتِه ثَلاثةٌ وثَلاثون. وبَنو جاد: صِفون وحَجِّي وشَوني وأَصْبون وعِيري وأَرودي وأَرْئيلي. وبَنو أَشير: يِمْنَة ويِشْوَة ويِشْوي وبَريعة وسارَحُ أُختُهم، وٱبنا بَريعة: حابَر ومَلْكيئيل. هٰؤُلاءِ بَنو زِلْفَةَ الَّتي أَعْطاها لابانُ لِلَيئَةَ ٱبنَتِه، وما وَلَدَته لِيَعقوب سِتَّةَ عَشَرَ نَفْسًا. وٱبْنا راحيلَ ٱمرَأَةِ يَعْقوب: يوسفُ وبَنْيامين. ووُلِدَ لِيُوسفَ في أَرضِ مِصْر مَن وَلَدَت لَه أَسْنات بِنتُ فوطيفارَع، كاهِنِ أُون: مَنَسَّى وأَفْرائيم. وبَنو بَنْيامين: بالَع وباكَر وأَشْبيل وجيرا ونَعْمان وإيحي ورُوش ومُفِّيم وحُفِّيم وأَرْد. هٰؤُلاءِ همُ البَنونَ الَّذينَ وَلَدَتْهم راحيلُ لِيَعْقوب، جَميعُهم أَربَعَة عَشَرَ نَفْسًا. وٱبْنُ دان: حُوشيم. وبَنو نَفْتالي: يَحْصيئيل وجوني ويِصْر وشِلِّيم. هٰؤُلاءِ بَنو بِلْهَةَ الَّتي أَعْطاها لابانُ لِراحيلَ ٱبنَتِه، جَميعُ مَن وَلَدَته لِيَعْقوبَ سَبعَةُ أَنفُس. فجَميعُ النُّفوسِ الَّذينَ لِيَعْقوب والقادِمينَ إِلى مِصْر والخارِجينَ مِن صُلْبِه، سِوى نِسْوةِ بَنيه، سِتَّةٌ وسِتُّونَ نَفْسًا. وٱبنا يوسفَ اللَّذانِ وُلدا لَه في مِصْرَ نَفْسان. فمَجْموعُ النُّفوسِ الَّذين من بَيتِ يَعْقوب والَّذينَ دَخَلوا مِصْر: سَبْعونَ نَفْسًا. فأَرسَلَ يَعْقوبُ يَهوذا قُدَّامَه إلى يوسف، لِيَدُلَّه على أَرضِ جاسان. ثُمَّ جاءُوا أَرضَ جاسان. فشَدَّ يوسفُ على مَركَبَتِه وصَعِدَ لِيُلاقِيَ إِسْرائيلَ أَباه في جاسان. فلَمَّا ظَهَرَ لَه أَلْقى بِنَفْسِه على عُنُقِه وبَكى على عُنُقِه طَويلًا. فقالَ إِسْرائيلُ لِيُوسف: «دَعْني أَموتُ الآن، بَعدَما رأَيتُ وَجهَكَ، لأَنَّكَ لا تَزالُ حَيًّا». ثُمَّ قالَ يوسفُ لِإخوَتِه ولِبَيتِ أَبيه: «أَنا صاعِدٌ إِلى فِرعَون لِإخبِرَه وأَقولَ له: إِنَّ إِخوَتي وبَيتَ أَبي الَّذينَ كانوا في أَرضِ كَنْعان قد قَدِموا إِلَيَّ. والقَومُ رُعاةُ غَنَم، لأَنَّهم كانوا أَصْحابَ ماشِيَة، وقد أَتَوا بِغَنَمِهِم وبَقَرِهم وحَميرِهم وكُلِّ ما لَهم. فإِذا ٱستَدْعاكم فِرعَونُ وقالَ لَكم: ما حِرفَتُكم؟ فقولوا: كانَ عَبيدُكَ ذوي ماشِيَةٍ مُنذُ صِغَرِهم إِلى الآن، نَحنُ وآباؤُنا جَميعًا، وذٰلك لِتُقيموا بِأَرضِ جاسان»، لأَنَّ كُلَّ راعي غَنَمٍ هو عِندَ المِصرِيِّينَ قَبيحة. فذَهَبَ يوسفُ إِلى فِرعَون وأَخبَرَه وقال: «إِنَّ أَبي وإِخوَتي قد قَدِموا مِن أَرضِ كَنْعانَ بِغَنَمِهِم وبَقَرِهم وكُلِّ ما لَهم، وها هُم في أَرضِ جاسان». وأَخَذَ خَمسَةً مِن إِخوَتِه فقَدَّمَهم أَمامَ فِرعَون. فقالَ فِرعَونُ لِإخوَةِ يوسف: «ما حِرفَتُكم؟» فقالوا لِفِرعَون: «عَبيدُكَ رُعاةُ غَنَمٍ، نَحنُ وآباؤُنا جَميعًا». وقالوا له: «جِئْنا لِنَنزِلَ بِهٰذِه الأَرض، إِذ لَيسَ لِغَنَمِ عَبيدِكَ مَرْعًى مِنِ ٱشتِدادِ المَجاعَةِ في أَرضِ كَنْعان. فدَعْ عَبيدَكَ يُقيمونَ بِأَرضِ جاسان». قالَ فِرعَونُ لِيوسف: قَدِمَ يَعْقوبُ وبَنوه إِلى مِصْرَ إِلى يوسف. فلَمَّا عَلِمَ فِرعَونُ مَلِكُ مِصْرَ بِهٰذا، قالَ لِيوسف: «أَبوكَ وإِخوَتُك قد قَدِموا إِلَيكَ. «لِيُقيموا بِأَرضِ جاسان، وإن كُنتَ تَعلَمُ أَنَّ فيهِم أَصْحابَ مَهارَة فأَقِمْهم وُكلاءَ على ماشِيَتي». فهٰذه أَرضُ مِصْرَ أَمامَكَ، فأَقِمْ أَباكَ وإِخوَتَكَ في أَجوَدِ أَراضيها». وأَدخَلَ يوسفُ يَعْقوبَ أَباه فأَقامَه أَمامَ فِرعَون، فبارَكَ يَعْقوبُ فِرعَون. فقالَ لَه فِرعَون: «كم أَيَّامُ سِني حَياتِكَ؟» فقالَ لَه يَعْقوب: «أَيَّامُ سِني إِقامَتي في الأَرضِ مِئَةٌ وثَلاثونَ سَنَة. قَليلةً ورَديئةً كانَت أَيَّامُ سِني حَياتي، ولم تَبلُغْ أَيَّامَ سِني حَياةِ آبائي، أَيَّامَ إِقامَتِهم في الأَرض». وبارَكَ يَعْقوبُ فِرعَون وخَرَجَ مِن أَمامِه. وأسكَنَ يوسفُ أَباه وإِخوَتَه وأَعْطاهم مِلْكًا في أَرضِ مِصْر، في أَجوَدِ أَرضٍ مِنْها، هي أَرضُ رَعَمْسيس، كَما أَمَرَ فِرعَون. وزَوَّدَ يوسفُ أَباه وإِخوَتَه وسائِرَ أَهْلِه بِالخُبزِ بِحَسَبِ عِيالِهِم. ولم يَكُنْ خُبزٌ في الأَرضِ كُلِّها، لأَنَّ المَجاعَةَ ٱشتَدَّت كَثيرًا حتَّى أُنْهِكَ أَهْلُ مِصْرَ وكَنْعانَ مِنَ المَجاعة. وجَمَعَ يوسفُ كُلَّ الفِضَّةِ الَّتي في أَرضِ مِصْرَ وفي أَرضِ كَنْعانَ بِالحَبِّ الَّذي كانوا يَشتَرونَه، وأَدخَلَها بَيتَ فِرعَون. فلَمَّا نَفِدَتِ الفِضَّةُ من أَرضِ مِصْرَ ومِن أَرضِ كَنْعان، أَقبَلَ المِصرِيُّونَ كُلُّهم إِلى يوسفَ قائلين: «أَعْطِنا خُبزًا، فلِماذا نَموتُ أَمامَكَ؟ فإِنَّ الفِضَّةَ قد نَفِدَت». فقالَ لَهم يوسف: «إِذا كانَت فِضَّتُكم قد نَفِدَت، فهاتوا ماشِيَتَكم، أَبِعْكم خُبْزًا بِماشِيَتِكم». فجاءُوا يوسفَ بِماشِيَتِهم، فأَعْطاهم خُبزًا بِالخَيلِ وبِالماشِيَةِ مِنَ الغَنَمِ والبَقَرِ والحَمير، أَطعَمَهم خُبزًا بِكُلِّ ماشِيَتِهم في تِلكَ السَّنة. فلَمَّا ٱنتَهَت تِلكَ السَّنَة، جاءُوا في السَّنَةِ الثانِيَة وقالوا له: «لا نُخْفي على سَيِّدِنا أَنَّ الفِضَّةَ قد نَفِدَت وأَنَّ قُطْعانَ البَهائِم هيَ عِندَ سَيِّدِنا، ولَم يَبْقَ أَمامَه إِلاَّ أَبْدانُنا وأَراضينا. فلِماذا نَموتُ أَمامَ عَينَيكَ نَحنُ وأَراضينا؟ إِشتَرِنا نَحنُ وأَراضِيَنا بالخُبْز، فنَصيرَ بِأَراضينا عَبيدًا لِفِرعَون. وأَعْطِنا بَذْرًا فنَحْيا ولا نموت ولا تَصيرَ أَراضينا قَفْرًا». فٱشتَرى يوسفُ جَميعَ أَراضي مِصْرَ لِفِرعَون، لأَنَّ المِصرِيِّينَ باعوا كُلُّ واحِدٍ مِنْهم حَقْلَه، لأَنَّ المَجاعَة ٱشتَدَّت عَلَيهم، فصارَتِ الأَرضُ لِفِرعَون. وأَمَّا الشَّعْبُ فٱستَعبَدَه مِن أَقْصى حُدودِ مِصْرَ إِلى أَقْصاها. إِلاَّ أَنَّ أَراضِيَ كَهَنَتِهم لم يَشتَرِها، لأَنَّها كانَت لِلكَهَنَةِ أَرْزاقٌ مِن قِبَلِ فِرعَون، فكانوا يأكُلونَ أَرْزاقَهُمُ الَّتي أَجْراها لَهم فِرعَون، ولِذٰلِك لم يَبيعوا أَراضِيَهم. وقالَ يوسفُ لِلشَّعْب: «ها إِنِّي قدِ ٱشتَرَيتُكمُ اليَومَ أَنتُم وأَراضِيَكم لِفِرعَون. فخُذوا لَكُم بَذْرًا تَزرَعونَه في الأَرض. فإِذا خَرَجَتِ الغِلال، تُعْطونَ مِنها الخُمُسَ لِفِرعَون، والأَربَعَةُ الأَخْماسُ تَكونُ لَكم بَذْرًا لِلحُقولِ وطَعامًا لَكم ولأَهلِ مَنازِلِكم وطَعامًا لِعِيالِكم». قالوا: «قد أَحيَيتَنا، فلْنَنَلْ حُظْوَةً في عَينَي سَيِّدِنا ونَكونَ عَبيدًا لِفِرعَون». فجَعَلَ يُوسفُ ذٰلك فَريضَةً على أَرضِ مِصْرَ إِلى هٰذا اليَوم: أَن يُؤَدُّوا الخُمُسَ لِفِرعَون مِمَّا لَيسَ بِأَراضي الكَهَنَةِ فَقَط، فإِنَّها لم تَصِرْ لِفِرعَون. وأَقامَ إِسْرائيلُ في أَرضِ مِصْر، في أَرضِ جاسان، فتَمَلَّكوا فيها ونَمَوا وكَثُروا جِدًّا. وعاشَ يَعْقوبُ في أَرضِ مِصْرَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَة، فصارَ كُلُّ عُمْرِه مِئَةً وسَبْعًا وأَربَعينَ سَنَة. ولَمَّا دَنا أَجَلُ إِسْرائيل، دعا ٱبنَه يوسفَ وقالَ له: «إن نِلْتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، فضَعْ يَدَكَ تَحتَ فَخِذي وٱصنَعْ إِلَيَّ رَحمَةً ووفاءً: لا تَدفِنِّي بِمِصْر، بل إِذا ٱضَّجَعتُ مع آبائي فٱحمِلْني مِن مِصْرَ وٱدِفِنِّي في مَقبَرَتِهم». قال: «سأفعَلُ كَما قُلْتَ». فقالَ له: «اِحلِفْ لي!». فحَلَفَ لَه يوسف. فسَجَدَ إِسْرائيلُ على رَأسِ السَّرير. وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداثِ أَن قيلَ لِيُوسف: «إِنَّ أَباكَ مريض». فأَخَذَ معَه ٱبنَيه مَنَسَّى وأَفرائيم. وأُخبِرَ يَعْقوبُ وقيلَ له: «هُوذا ٱبنُكَ يوسفُ قادِمٌ إِلَيكَ». فٱستَجمَعَ إِسْرائيلُ قِواه وجَلَسَ على السَّرير. وقالَ يَعْقوبُ لِيوسف: «إِنَّ اللهَ القَديرَ تَراءى لي في لوزَ في أَرضِ كَنْعان وبارَكَني. وقالَ لي: ها أَنا أُنْميكَ وأُكَثِّرُكَ وأَجعَلُكَ جَماعةَ شُعوب وأُعْطي نَسلَكَ هٰذه الأَرضَ مِن بَعدِكَ مِلْكًا أَبَدِيًّا. والآن فٱبْناكَ اللَّذانِ وُلِدا لَكَ في أَرضِ مِصْرَ قَبلَ قُدومي إِلَيكَ إِلى مِصْرَ هُما لي. أَفْرائيمُ ومَنَسَّى، مِثْلَ رَأُوبينَ وشِمْعون، يَكونانِ لي. ومَن وُلِدَ لَكَ بَعدَهما مِنَ البَنين فإِنَّه يَكونُ لَكَ ويُسَمَّى بِٱسمِ أَخَوَيه في ميراثِه. وأَمَّا أَنا فَفي عَودَتي مِن فَدَّان ماتَت بِقُرْبي راحيلُ في أَرضِ كَنْعان، في الطَّريق، على مسافةٍ مِن أَفْراته، فدَفَنْتُها هُناكَ في طريقِ أَفْراته، وهي بَيتَ لَحْم». ورأَى إِسْرائيلُ ٱبنَي يوسف، فقال: «مَن هٰذان؟» فقالَ يوسفُ لأَبيه: «هُما ٱبْنايَ اللَّذانِ رَزَقَني اللهُ إِيَّاهما هٰهُنا». قال: «أَدْنِهِما مِنِّي لأُبارِكَهما». وكانَت عَينا إِسْرائيلَ قد ثَقُلَتا مِنَ الشَّيخوخة، ولم يَكُنْ يَقدِرُ أَن يُبصِر. فأَدْناهُما يوسُفُ مِنه فقَبَّلَهما وٱحتَضَنَهما. وقالَ إِسْرائيلُ لِيُوسف: «لم أَكُنْ أَحسَبُ أَنِّي سأَرى وَجهَكَ، وهُوَذا قد أَراني اللهُ نَسلَكَ أَيضًا». ثُمَّ أَخرَجَهما يوسُفُ مِن بَينِ رُكبَتَيه وسَجَدَ بِوَجهِه إِلى الأَرض. وأَخَذَ يوسفُ الإِثْنَين، أَفْرائيمَ بِيَمينِه إِلى يَسارِ إِسْرائيل، ومَنَسَّى بِيَسارِه إِلى يَمينِ إِسْرائيل، وأَدْناهما مِنه. فمَدَّ إِسْرائيلُ يُمْناه فجَعَلها على رأسِ أَفْرائيمَ وهو الأصغَر، ويَسارُه جَعَلَها على رأس مَنَسَّى، مُخالِفًا بَينَ يَدَيه، معَ أَنَّ مَنَسَّى كانَ هو البِكْر. وبارَكَ يوسفَ وقال: «اللهُ الَّذي سارَ أَمامَه أَبَوايَ إِبْراهيمُ وإِسْحٰق، اللهُ الَّذي رَعاني مُنْذُ كُنتُ إِلى هٰذا اليوم المَلاكُ الَذي خَلَّصَني مِن كُلِّ سوءٍ يُبارِكُ الوَلَدَين، وَلْيُدْعَيا بِٱسْمي وبِٱسمِ أَبَوَيَّ إِبْراهيمَ وإِسْحٰق وَلْيَنْميا كَثيرًا في وَسَطِ الأَرض». ورأَى يوسفُ أَنَّ أَباه جَعَلَ يُمْناه على رأسِ أَفْرائيم، فساءَ ذٰلك في عَينَيه، فأَمسَكَ بِيَدِ أَبيه لِيَنقُلَها عن رَأسِ أَفْرائيمَ إِلى رأس مَنَسَّى. وقالَ يوسفُ لأَبيه: «لا هٰكذا، يا أَبَتِ، لأَنَّ هٰذا هو البِكْر، فٱجعَلْ يُمْناكَ على رأسِه». فأَبى أَبوه وقال: «قد عَرَفتُ، يا بُنَيَّ، قد عَرَفت. إِنَّ هٰذا أَيضًا يَكونُ شَعْبًا، وهو أَيضًا يَعظُم، ولٰكِنَّ أَخاه الأَصغَرَ يَعظُمُ أَكثَرَ منه ويَكونُ نَسلُه جُمْهورَ أُمَم». وبارَكَهما في ذٰلك اليومِ وقال: «بِكُما يُبارِكُ إِسرائيلُ ويَقولون: يَجعَلُكَ اللهُ مِثْلَ أَفْرائيم ومِثْلَ مَنَسَّى». وهٰكذا قَدَّمَ أَفْرائيمَ على مَنَسَّى. وقالَ إِسْرائيلُ لِيُوسف: «هاءَنَذا أَموت. وسَيَكونُ اللهُ مَعَكُم ويَرُدُّكم إِلى أَرضِ آبائِكُم. وأَنا قد أَعطَيتُكَ «شَكيم» عِلاوَةً على إِخوَتِكَ، وهو الَّذي أَخَذتُه مِن يَدِ الأَمورِيّين بِسَيفي وقَوسي». ثُمَّ دَعا يَعْقوبُ بَنيه وقال: إِجتَمِعوا لأُنبِئَكم بِما يَكونُ لَكم في لاحِقِ الأَيَّام. اِجتَمِعوا وأَصْغوا يا بَني يَعْقوب، أَصْغوا إِلى إِسْرائيلَ أَبيكم. رأُوبين، أَنتَ بِكْري، قُوَّتي وأَوَّلُ رُجولَتي. فاضِلٌ في الشُّموخ، فاضِلٌ في العِزّ. فُرتَ كالماء: لَن تَفضُل، لأَنَّكَ عَلَوتَ مَضجَعَ أَبيك. حينَئِذٍ دَنَّستَ فِراشي عَلَيَّ. شِمْعونُ ولاوي أَخَوان، سُيوفُهما آلاتُ عُنْف، مَجلِسُهُما لا تَدخُلْه نَفْسي، وإِلى جماعَتِهما لا يَنضَمَّ قَلْبي لأَنَّهما في سُخْطِهما قَتَلا أُناسًا، وفي هَواهما عَقَرا ثيرانًا. مَلْعونٌ سُخْطُهما فإِنَّه شَديد، وغَضَبُهما فإِنَّه قاسٍ. أُقَسِّمُهما في يَعْقوب، وأُبَدِّدُهما في إِسْرائيل. يَهوذا، إِيَّاكَ يَحمَدُ إخوَتُكَ. يَدُكَ على رَقبَةِ أَعْدائِكَ، يَسجُدُ لَكَ بَنو أَبيكَ. يَهوذا شِبْلُ أَسَدٍ، مِنَ الِٱفتِراسِ صَعِدتَ يا بُنَيَّ. جَثَمَ ورَبَضَ كالأَسَدِ واللَّبُؤَة، فمَن ذا يُقيمُه؟ لا يَزولُ الصَّولَجانُ مِن يَهوذا، ولا عَصا القِيادةِ مِن بَينِ قَدَمَيه، إِلى أَن يأتِيَ صاحِبُها وتُطيعَه الشُّعوب. رابِطٌ بِالجَفْنَةِ جَحشَه، وبأَفضَلِ كَرمةٍ ٱبنَ حِمارتِه. غَسَلَ بالخَمْر لِباسَه، وبِدَمِ العِنَبِ ثَوبَه. عَيناهُ أَشَدُّ ظُلمةً من الخَمْر، أَسنانُه أَشَدُّ بَياضًا مِنَ اللَّبَن. زَبولونُ سواحِلَ البِحارِ يَسكُن، ومَتْنَ السُّفُنِ يَركَب، وحُدودُه في جِوارِ صَيدون. يَسَّاكَرُ حِمارٌ صُلْبُ العود، رابِضٌ بَينَ الزَّرائِب، وقد رأَى الرَّاحةَ ما أَجوَدَها، والأَرضَ ما أَروَعها فأَحْنى كَتِفَه لِلْحَمْلِ وصارَ لِلسُّخرَةِ عَبْدًا. دانٌ يَحكُمُ لِقَومِه كأَحَدِ أَسْباطِ إِسْرائيل. يَكونُ دانٌ ثُعْبانًا على الطَّريق، وقَرْناءَ على السَّبيل. يَلسَعُ عُرْقوبَ الفَرَس، فَيَسقُطُ الرَّاكِبُ إِلى الوَراء. خَلاصَكَ ٱنتَظَرتُ يا ربّ. جادٌ يَغْزوه الغُزاة، وهو يَغْزو في أَعْقابِهم. أَشيرُ خُبزُه دَسِم، وهو يُعْطي مَآكِلَ مُلوكٍ فاخِرة. نَفْتالي أَيِّلةٌ سارِحة، تَلِدُ شَوادِنَ ظَريفة. يوسفُ غَرسَةٌ خَصيبة، غَرسَةٌ خَصيبةٌ على عَين، لَها أَغْصانٌ تَسلَّقَتِ السُّور. تَحَدَّاه أَصْحابُ السِّهام، ورَمَوه وٱضطَهَدوه، لٰكِنَّ قَوسَه ثَبَتَت، وسَواعِدَ يَدَيه تَشَدَّدَت، مِن يَدَي عَزيزِ يَعْقوب، مِنِ ٱسمِ الرَّاعي، حَجَرِ إِسْرائيل. مِن إِلٰهِ أَبيكَ - فلْيُعِنْكَ -، ومِنَ القَدير - فَلْيُبارِكْكَ -: بَرَكاتُ السَّماءِ مِنَ العَلاء وبَركاتُ الغَمْرِ الرَّابِضِ في أَسْفَل، وبَرَكاتُ الثَّدْيَينِ والرَّحِم. بَرَكاتُ أَبيكَ تفوق بَرَكاتِ الجِبالِ الأَزلِيَّة، ومُنْيَةَ التِّلالِ القَديمة، ولْتَكُنْ على رأسِ يوسُف وعلى قِمَّةِ رأسِ النَّذيرِ بَينَ إِخوَتِه. بَنْيامينُ ذِئبٌ مُفتَرِس، في الصَّباحِ يأكلُ الفَريسة، وفي المَساءِ يُقَسِّمُ الغَنيمة». هٰؤُلاءِ كُلُّهم أَسْباطُ إِسْرائيلَ الِٱثْنا عَشَر، وهٰذا ما قالَ لَهم أَبوهم. وبارَكَهم: كُلُّ واحِدٍ بَرَكَتَه بارَكَهم. وأَوصاهُم يَعْقوبُ وقالَ لَهم: «أَنا مُنضَمٌّ إِلى أَجدادي. فٱدْفِنوني مع آبائي في المَغارةِ الَّتي في حَقْلِ عَفْرونَ الحِثِّيّ. المَغارةِ الَّتي في حَقْلِ المَكْفيلة، بِإِزاءِ مَمْرا، في أَرضِ كَنْعان، والَّتي ٱشتَراها إِبْراهيمُ مع الحَقْلِ مِن عَفْرونَ الحِثِّيّ، مِلكَ قَبْرٍ. هُناكَ دُفِنَ إِبْراهيمُ وسارةُ ٱمرَأَتُه، وهُناكَ دُفِنَ إِسْحٰقُ ورِفقَةُ ٱمرَأَتُه، وهُناكَ دَفَنتُ لَيئَة. شِراءُ الحَقْلِ والمَغارةِ الَّتي فيه كانَ من بَني حِثّ». فلَمَّا ٱنتَهى يَعْقوبُ مِن وَصِيَّته لِبَنيه، ضَمَّ رِجلَيه على السَّرير، وفاضَت روحُه، وٱنضَمَّ إِلى أجداده. فٱرتَمى يوسفُ على وَجهِ أَبيه وبَكى علَيه وقبَّلَه. وأَمَرَ خُدَّامَه الأَطِبَّاءَ أَن يُحَنِّطوا أَباه، فحَنَّطَ الأَطِبَّاءُ إِسْرائيل. ودامَ ذٰلك أَرْبَعينَ يَومًا، لأَنَّه كَذٰلك تَدومُ أَيَّامُ التَّحْنيط. وبَكى علَيه المِصرِيُّونَ سَبْعينَ يَومًا. ولَمَّا ٱنقَضَت أَيَّامُ البُكاءِ علَيه، كَلَّمَ يوسفُ بَيتَ فِرعَونَ وقال: «إن نلْتُ حُظْوَةً في عُيونِكم، فتَكَلَّموا على مَسامِعِ فِرعون وقولوا له: إنَّ أَبي قَدِ ٱستَحلَفَني وقالَ لي: هاءَنَذا أَموت، ففي قَبْري الَّذي حَفَرتُه لي في أَرضِ كَنْعان، هُناكَ ٱدفِنِّي. والآن دَعْني أَصعَدُ فأَدفِنُ أَبي وأَعود». فقالَ فِرعَون: «إِصعَدْ فٱدفِنْ أَباكَ كَما ٱستَحلَفَكَ». فصَعِدَ يوسفُ لِيَدفِنَ أَباه، وصَعِدَ معه جَميعُ حاشِيَةِ فِرعَونَ شُيوخِ بَيتِه، وجَميعُ شُيوخِ أَرضِ مِصْر، وجَميعُ آلِ يوسف وإِخوَتُه وآلُ أَبيه، وتَرَكوا عِيالَهم وغَنَمَهم وبَقَرَهم في أَرضِ جاسان. وصَعِدَت معه مَركَباتٌ وفُرْسان: فكانَ المَوكِبُ عَظيمًا جِدًّا. فَوَصَلوا إِلى بَيدَرِ الشَّوكَةِ الَّذي في عِبْرِ الأُردُنّ، ونَدَبوه هُناكَ نَدْبًا عَظيمًا وبَليغًا جِدًّا، وأَقامَ يوسفُ لأَبيه مَناحةً سَبعَةَ أَيَّام. فرَأَى سُكَّانُ أَرضِ كَنْعانَ المَناحةَ في بَيدَرِ الشَّوكة فقالوا: «هٰذه مَناحةٌ عَظيمةٌ لِلمِصرِيِّين». ولِذٰلِك سُمِّيَ المَكانُ مَناحةَ المِصرِيِّين، وهي في عِبْرِ الأُردُنّ. وصَنَعَ لِيَعْقوبَ بَنوه كَما أَوصاهم. فحَمَلوه إِلى أَرضِ كَنْعان ودَفَنوه في مَغارةِ حَقْلِ المَكْفيلةِ الَّتي ٱشتَراها إِبْراهيمُ مع الحَقْلِ مِلْكَ قَبْرٍ مِن عَفْرونَ الحِثِّيّ، إِزاءَ مَمْرا. ثُمَّ رَجَعَ يوسفُ، بَعدَ أَن دَفَنَ أَباه، إِلى مِصْرَ هو وإِخوَتُه وسائِرُ مَن صَعِدَ معه لِدَفْنِ أَبيه. فلَمَّا رأَى إِخوَةُ يوسفَ أَن قد ماتَ أَبوهم، قالوا: «لَعَلَّ يوسفَ يَحقِدُ علَينا ويُكافِئُنا على الشَّرِّ الَّذي فَعَلْناه بِه». فأَرسَلوا مَن قالَ لِيُوسف: «إِنَّ أَباكَ أَوصانا قَبلَ مَوتِه وقال: «كَذا تَقولونَ لِيُوسف: أَرْجو أن تَغفِرَ لِإخوَتِكَ ذَنبَهم وخَطيئَتَهم، فقَد فَعَلوا بِكَ سوءًا. والآن أَسألُكَ أَن تَصفَحَ عن ذَنْبِ عَبيدِ إِلٰهِ أَبيك». فبَكى يوسفُ حينَ قيلَ لَه ذٰلك. وجاءَ إِخوَتُه أَيضًا فٱرتَمَوا أَمامَه وقالوا: «ها نَحنُ عَبيدٌ لَكَ». فقالَ لَهم يوسف: «لا تَخافوا. أَلَعَلِّي أَنا مَكانَ الله؟ أَنتُم نَوَيتُم عَلَيَّ شَرًّا، واللهُ نَوى بِه خَيرًا، لِكَي يَصنَعَ ما تَرَونَه اليَوم لِيَهَبَ الحَياةَ لِشَعبٍ كَثير. والآن لا تَخافوا: أَنا أَعولُكم أَنتُم وعِيالَكم». وعَزَّاهم وخاطَبَ قُلوبَهم. وأَقام يوسفُ بِمِصْرَ هو وبَيتُ أَبيه. وعاشَ يوسفُ مِئَةً وعَشْرَ سِنين. ورأَى يوسفُ مِن بَني أَفْرائيمَ الجيلَ الثَّالِث، وقَد وُلِدَ أَيضًا على رُكبَتَيه بَنو ماكيرَ بْنِ مَنَسَّى. وقالَ يوسفُ لِإخوَتِه: «هاءَنَذا أَموت، واللهُ سيَفتَقِدُكم ويُصعِدُكم مِن هٰذه الأَرضِ إِلى الأَرضِ الَّتي أَقسَمَ علَيها لِإبْراهيمَ وإِسْحٰقَ ويَعْقوب. وٱستَحلَفَ يوسفُ بَني إِسْرائيلَ وقال: «إِنَّ اللهَ سَيفَتَقِدُكم، فأَصعِدوا عِظامي مِن هٰهُنا». وماتَ يوسفُ وهو ٱبنُ مِئَةٍ وعَشْرِ سِنين. فحَنَّطوه وجُعِلَ في تابوتٍ بِمِصْر. هٰذه أَسْماءُ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ دَخَلوا مِصرَ مع يَعْقوب، كُلُّ واحِدٍ مع بَيتِه دَخَلوا: رأُوبين وشِمْعون ولاوي وَيَهوذا، ويَسَّاكَر وزَبولون وبَنْيامين، ودان ونَفْتالي وجاد وأَشير. وكان مَجْموعُ النُّفوسِ الخارِجةِ مِن صُلْبِ يَعْقوبَ خَمسَةً وسَبْعين نَفْسًا. وأَمَّا يُوسُفُ فكانَ في مِصْر. وماتَ يُوسُفُ وجَميعُ إِخوَتِه وسائِرُ ذٰلك الجيل. ونَمى بَنو إِسْرائيلَ وتَوالَدوا وكَثُروا وعَظُموا جِدًّا جِدًّا، وٱمتَلَأَتِ الأَرضُ مِنهم. وقامَ مَلِكٌ جَديدٌ على مِصرَ لم يَعرِفْ يُوسُف. فقالَ لِشَعْبِه: «ها إِنَّ شَعْبَ بَني إِسْرائيلَ أَكثرُ وأَعظَمُ مِنَّا. تَعالَوا نَحتالُ عَلَيهِم كَيلا يَكثُروا، فيَكونَ أَنَّهم، إِذا وَقَعَت حَرْبٌ، يَنضَمُّونَ إِلى أَعْدائِنا ويُحارِبونَنا ويَصعَدونَ مِن هٰذه الأَرض». فأَقاموا علَيهم وُكَلاءَ تَسْخير لِكَي يُذِلُّوهم بأَثْقالِهِم. فبَنَوا لِفِرعَونَ مَدينَتَي خَزْنٍ وهُما فِيتوم ورَعَمْسيس. وكانوا كُلَّما أَذَلُّوهم يَكثُرونَ ويَنتَشِرون، حتَّى تَخَوَّفوا مِن وَجهِ بَني إِسرائيل. فٱستَخدَمَ المِصرِيُّونَ بَني إِسْرائيلَ بِقَسوَة، وأَذاقوهُمُ الأَمَرَّينِ بِعَمَلٍ شاقٍّ بِالطِّينِ واللَّبِنِ وسائِرِ الأَعمالِ في الحَقْل، وكُلُّ ما عَمِلوه عن يَدِهِم كانَ بِقَسْوَة. وكَلَّمَ مَلِكُ مِصْرَ قابِلَتَي العِبرانِيَّاتِ اللَّتَينِ ٱسمُ إِحداهُما شِفْرَة والأُخرى فُوعة وقال: «إِذا وَلَّدتُما العِبْرانِيَّات، فٱنظُرا إِلى جِنْسِ المَولود، فإِن كانَ ٱبْنٌ فأَميتوه، وإِن كانَتِ ٱبنَةٌ فلْتَحْيا». لٰكِنَّ القابِلَتَينِ خافَتا الله ولَم تَصنَعا كَما قالَ لَهُما مَلِكُ مِصْر، فٱستَبقَتا البَنينَ أَحْياءً. فٱستَدعى مَلِكُ مِصرَ القابِلَتَينِ وقالَ لَهُما: «لِماذا صَنَعتُما ذٰلك وٱستَبقَيتُما البَنينَ أَحْياءً؟» فقالَتا لِفِرعَون: «إِنَّ العِبرانِيَّاتِ لَسْنَ كالنِّساءِ المِصرِيَّات، فهُنَّ قَوِيَّاتٌ يَلِدْنَ قَبْلَ أَن تَدخُلَ عَلَيهِنَّ القابِلة». وأَحسَنَ اللهُ إِلى القابِلَتَين وكَثُرَ الشَّعبُ وعَظُمَ جِدًّا. وخافَتِ القابِلَتانِ الله، فرَزَقَهما أَولادًا. فأَمَرَ فِرعَونُ كُلَّ شَعبِه قائلًا: «كُلُّ ٱبنٍ يُولَدُ لَهم فٱطرَحوه في النِّيل، وكُلُّ ٱبنَةٍ فٱستَبْقوها». ومَضى رَجُلٌ مِن آلِ لاوي فتَزَوَّجَ بِابنَةِ لاوي. فحَمَلَتِ المَرأَةُ ووَلَدَتِ ٱبنًا. ولَمَّا رَأَت أَنَّه جَميل، أَخفَته ثَلاثَةَ أَشهُر. ولَمَّا لم تَستَطِعْ أَن تُخفِيَه بَعدُ، أَخَذَت لَه سَلَّةً مِنَ البَرْدِيّ وطَلَتها بالحُمَرِ والزِّفْت، وجَعَلَتِ الوَلَدَ فيها ووضَعَتها بَينَ القَصَبِ على حافَّةِ النَّهر. ووَقَفَت أُختُه مِن بَعيدٍ لِتَعلَمَ ما يَحدُثُ لَه. فنَزَلَتِ ٱبنَةُ فِرعونَ إِلى النِّيلِ لِتَغتَسِل، وكانت وصائِفُها يَتَمَشَّينَ على شاطِئِ النِّيل. فرَأَتِ السَّلَّةَ بَينَ القَصَب، فأَرسَلَت خادِمَتَها فأَخَذَتها. وفَتَحَتها ورَأَتِ الوَلَد، فإِذا هو صَبِيٌّ يَبْكي. فأَشفَقَت علَيه وقالَت: «هٰذا مِن أَولادِ العِبرانِيِّين». فقالَت أُختُه لِٱبنَةِ فِرعَون: «هَل أَذهَبُ وأَدْعو لَكِ مُرضِعًا مِنَ العِبرانِيَّاتِ تُرضِعُ لَكِ الوَلَد؟» فقالَت لَها ٱبنَةُ فِرعَون: «إِذهَبي». فذَهَبَتِ الفَتاةُ ودَعَت أُمَّ الوَلَد. فقالَت لَها ٱبنَةُ فِرعَون: «إِذهَبي بِهٰذا الوَلَد فأَرضِعيه لي، وأَنا أُعْطيكِ أُجرَتَكِ». فأَخَذَتِ المَرأَةُ الوَلَدَ وأَرضَعَته. ولَمَّا كَبِرَ الوَلَد، جاءَت بِه ٱبنَةَ فِرعَون، فأَصبَحَ لَها ٱبنًا، وسَمَّته موسى وقالت: «لأَنِّي ٱنتَشَلتُه مِنَ الماء». وكانَ في تِلك الأَيَّام، لَمَّا كَبِرَ موسى، أَنَّه خَرَجَ إِلى إِخوَتِه ورأَى أَثْقالَهم، ورَأَى رَجُلًا مِصريًّا يَضرِبُ رَجُلًا عِبْرانِيًّا مِن إِخوَتِه. فٱلتَفَتَ إِلى هُنا وهُناك فلَم يَرَ أَحَدًا فقَتَلَ المِصرِيَّ وطَمَرَه في الرَّمْل. ثُمَّ خَرَجَ في اليَومِ الثَّاني، فإِذا بِرَجُلَينِ عِبْرانِيِّينِ يَتَخاصمان، فقالَ لِلمُعتَدي: «لِماذا تَضرِبُ قَريبكَ؟» فقال: «مَن أَقامَكَ رَئيسًا وحاكِمًا علَينا؟ أَتُريدُ أَن تَقتُلَني كَما قَتَلتَ المِصريّ؟» فخافَ موسى وقالَ في نَفسِه: «إِذَن لَقَد عُرِفَ الخَبَر». وسَمِعَ فِرعَونُ بِهٰذا الخَبَر، فطَلَبَ أَن يُقتُلَ موسى، فَهَرَبَ موسى مِن وَجهِ فِرعَونَ وٱنطَلَقَ إِلى أَرضِ مِديَن وجَلَسَ عِندَ البِئْر. وكانَ لِكاهِنِ مِديَنَ سَبْعُ بَنات، فجِئنَ وٱستَقَينَ ومَلَأنَ المَساقِيَ لِيَسْقينَ غَنَمَ أَبيهِنَّ. فجاءَ الرُّعاةُ وطَرَدوهُنَّ. فقامَ موسى وأَنجَدَهُنَّ وسقى غَنَمَهُنَّ. فَلَمَّا جِئنَ رَعوئيلَ أَباهُنَّ قال: «لِماذا أَسرَعْتُنَّ في المَجيءِ اليَوم؟» فقُلنَ: «إِنَّ رَجُلًا مِصرِيًّا خَلَّصَنا مِن أَيدي الرُّعاة، وٱستَقَى أَيضًا لَنا وسَقى الغَنَم». فقالَ لِبَناتِه: «وأَينَ هو؟ لِمَ تَرَكتُنَّ الرَّجُل؟ أُدْعونَه لِيَأْكُلَ طَعامًا». فقَبِلَ موسى أَن يُقيمَ عِندَ الرَّجُل، فزَوَّجَه صِفُّورَةَ ٱبنَتَه. فَوَلَدَتِ ٱبنًا فسمَّاه جِرْشوم لأَنَّه قال: «كُنتُ نَزيلًا في أَرضٍ غَريبة». وكانَ في هٰذه المُدَّةِ الطَّويلةِ أَنْ ماتَ مَلِكُ مِصر. وكانَ بَنو إِسْرائيلَ يَتَنَهَّدونَ مِن عُبودِيَّتِهم، فصَرَخوا وصَعِدَ صُراخُهم إِلى اللهِ مِنَ العُبودِيَّة. فسَمِعَ اللهُ أَنينَهم وذَكَرَ عَهدَه مع إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب. ونَظَرَ اللهُ إِلى بَني إِسْرائيلَ وعَرَفَ اللهُ... وكانَ موسى يَرْعى غَنَمَ يِتْرُوَ حَمِيه، كاهِنِ مِدْيَن. فساقَ الغَنَمَ إِلى ما وراءَ البَرِّيَّة، وٱنتَهى إِلى جَبَلِ اللهِ حُوريب. فتَراءى لَه مَلاكُ الرَّبِّ في لَهيبِ نارٍ مِن وَسَطِ عُلَّيقَة. فنَظَرَ فإِذا العُلَّيقَةُ تَشتَعِلُ بِالنَّارِ وهيَ لا تَحتَرِق. فقالَ موسى في نَفْسِه: «أَدورُ وأَنظُرُ هٰذا المَنظَرَ العَظيم ولِماذا لا تَحتَرِقُ العُلَّيقَة». ورأَى الرَّبُّ أَنَّه قد دارَ لِيَرى. فناداه اللهُ مِن وَسَطِ العُلَّيقَةِ وقال: «موسى موسى». قال: «هاءَنذا». قال: «لا تَدْنُ إِلى هٰهُنا. اِخلَعْ نَعلَيكَ مِن رِجلَيكَ، فإِنَّ المَكانَ الَّذي أَنتَ قائمٌ فيه أَرْضٌ مُقَدَّسة». وقال: «أَنا إِلٰهُ أَبيكَ، إِلٰهُ إِبْراهيم وإِلٰهُ إِسحٰق وإِلٰهُ يَعْقوب». فسَتَرَ موسى وَجهَه لأَنَّه خافَ أَن يَنظُرَ إِلى الله» فقالَ الرَّبّ: «إِنّي قد رَأَيتُ مذَلَّةَ شَعْبي الَّذي بِمِصْر، وسَمِعتُ صُراخَه بِسَبَبِ مُسَخِّريه، وعَلِمتُ بآلامِه، فنَزَلتُ لأُنقِذَه مِن أَيدي المِصرِيِّين وأُصعِدَه مِن هٰذه الأَرضِ إِلى أَرضٍ طَيِّبةٍ واسِعة، إِلى أَرْضٍ تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا، إِلى مَكانِ الكنْعانِيِّينَ والحِثِّيِّينَ والأَمورِيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّينَ. والآن هُوَذا صُراخُ بَني إِسْرائيلَ قد بَلَغَ إِلَيَّ، وقَد رَأَيتُ الظُّلمَ الَّذي ظَلَمَهم بِه المِصرِيُّون. فالآن، اِذهَبْ! أُرسِلُكَ إِلى فِرعَون. أَخرِجْ شَعْبي بَني إِسْرائيلَ من مِصر». فقالَ موسى للهِ: «مَن أَنا حَتَّى أَذهَبَ إِلى فِرعَون وأُخرِجَ بني إِسرائيلَ من مِصر؟» قال: «أَنا أَكونُ معَكَ، وهٰذه علامةٌ لكَ على أَنِّي أَنا أَرسَلتُكَ: إِذا أَخرَجتَ الشَّعبَ مِن مِصر، تَعبُدونَ اللهَ على هٰذا الجَبَل». فقالَ موسى للهِ: ها أَنا ذاهِبٌ إِلى بَني إِسْرائيل، فأَقولُ لَهم: «إِلٰهُ آبائِكُم أَرسَلَني إِلَيكم. فإِن قالوا لي: ما ٱسمُه، فماذا أقولُ لَهم؟» فقالَ اللهُ لِموسى: «أَنا هو مَن هو». وقال: «كَذا تَقولُ لِبَني إِسْرائيل: أَنا هو أرسَلَني إِلَيكم». وقالَ اللهُ لِموسى ثانِيةً: «كَذا تَقولُ لِبَني إِسْرائيل: الرَّبُّ إِلٰهُ آبائِكُم، إِلٰهُ إِبْراهيم وإِلٰهُ إِسحٰق وإِلٰهُ يَعْقوب أَرسَلَني إِلَيكم. هٰذا ٱسْمي لِلأَبَد وهٰذا ذِكْري مِن جيلٍ إِلى جيل. إِذهَبْ وٱجمَعْ شُيوخَ إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: «الرَّبُّ إِلٰهُ آبائِكُم تراءَى لي - إِلٰهُ إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب - وقال: إِنِّي قدِ ٱفتَقَدتُكم ورأَيتُ ما صُنِعَ بِكم في مِصر. فقُلتُ إِنِّي أُصعِدُكم مِن مَذَلَّةِ مِصر إِلى أَرضِ الكَنْعانِيِّينَ والحِثِّيِّينَ والأَمورِيِّينَ والفِرِزِّيِّينَ والحُوِّيِّين واليَبوسِيِّينَ إِلى أَرضٍ تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا. فيَسمَعونَ لِقَولِكَ وتَدخُلُ، أَنتَ وشُيوخُ إِسْرائيل، على مَلِكِ مِصر، وتَقولونَ لَه: قد وافانا الرَّبُّ إِلٰهُ العِبْرانِيِّين، فدَعْنا الآنَ نَسيرُ مَسيرَةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ في البَرِّيَّةِ ونَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنا. وقد عَلِمتُ أَنَّ مَلِكَ مِصرَ لَن يَدَعَكُم تَذهَبون، حتَّى ولا بِيَدٍ قَوِيَّة. فأَمُدُّ يَدي وأَضرِبُ مِصرَ بِجَميعِ عَجائِبي الَّتي أَصنَعُها في وَسَطِها، وبَعدَ ذٰلك يُطلِقُكم. وأُوتي الشَّعبَ حُظوَةً في عُيونِ المِصرِيِّين. فإِذا ٱنصَرَفتُم، فلا تَنصَرِفونَ فارِغين، بل تَطلُبُ المَرأَةُ مِن جارتِها ومِن نَزيلةِ بَيتِها أَوانِيَ مِن فِضَّةٍ وذَهَبٍ وثِيابًا تَجعَلونَها على بَنيكُم وبَناتِكُم، فتَسلُبونَ المِصرِيِّين». فأَجابَ موسى وقال: «وإِن لم يُصَدِّقوني ولَم يَسمَعوا لِقَولي، بل قالوا: لم يَتَراءَ لَكَ الرَّبّ؟» فقالَ لَه الرَّبّ: «ما هٰذا الَّذي في يَدِكَ؟» قال: «عصًا». قال: «أَلْقِها على الأَرض». فأَلْقاها على الأَرض، فصارَت حَيَّةً، فهَرَبَ موسى مِن وَجهِها. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «مُدَّ يَدَكَ وأَمسِكْ بِذَنَبِها». فمَدَّ يَدَه وأَمسَكَ بِها، فعادَت عَصًا في يَدِه. قال: «لِكَي يُصَدِّقوا أَنْ قد تَراءَى لَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ آبائِهِم، إِلٰهُ إِبْراهيم وإِلٰهُ إِسحٰق وإِلٰهُ يَعْقوب». وقالَ لَه الرَّبُّ أَيضًا: «أَدخِلْ يَدَكَ في عُبِّكَ». فأَدخَلَ يَدَه في عُبِّه، ثُمَّ أَخرَجَها، فإِذا يَدُه بَرْصاءُ كالثَّلْج. فقال: «رُدَّ يَدَكَ إِلى عُبِّكَ». فرَدَّ يَدَه إِلى عُبِّه، ثُمَّ أَخرَجَها مِن عُبِّه، فعادَت كَسائِرِ جَسَدِه. قال: «فإِن لَم يُصَدِّقوكَ ولم يَستَمِعوا لِصَوتِ الآيةِ الأُولى يُصَدِّقونَ صَوتَ الآيةِ الأُخْرى. وإِن لَم يُصَدِّقوا هاتَينِ الآيَتَين ولَم يَسمَعوا لِقَولِكَ، تأخُذُ مِن ماءِ النِّيلِ وتَصُبُّ على اليابِسَة. فإِنَّ الماءَ الَّذي تأخُذُه مِنَ النِّيلِ يَتَحَوَّلُ دَمًا على اليابِسَة». فقالَ موسى لِلرَّبّ: «العَفوَ يا رَبّ، إِنِّي لَستُ رَجُلَ كَلامٍ في الأَمْسِ ولا في أَوَّلِ أَمْس، ولا مُذْ خاطَبتَ عَبدَكَ، لأَنِّي ثَقيلُ الفَمِ وثَقيلُ اللِّسان». فقالَ لَه الرَّبّ: «مَنِ الَّذي جَعَلَ للأُنْسانِ فَمًا أَو مَنِ الَّذي يَجعَلُ الإِنسانَ أَخرَسَ أَو أَصَمَّ أَو بَصيرًا أَو أَعْمى؟ أَلَيسَ هو أَنا الرَّبّ؟ والآن فٱذهَبْ، فإِنِّي أَكونُ مع فَمِكَ وأُعلِّمُكَ ما تَتَكَلَّمُ بِه». قال: «العَفْوَ يا رَبّ، أَرسِلْ مَن تُريدُ أَن تُرسِلَه». فٱتَّقَدَ غَضَبُ الرَّبِّ على موسى وقال: «أَلَيسَ هُناكَ أَخوكَ هارونُ اللاَّوي؟ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّه فَصيحُ اللِّسان، وها هو أَيضًا خارِجٌ لِلقائِكَ، وحينَ يَراكَ يُسَرُّ في قَلبِه. فتُخاطِبُه وتَجعَلُ الكَلامَ في فمِه، فإِنِّي أَكونُ مع فَمِكَ وفَمِه وأُعلِّمُكُما ما تَصْنَعانِه. وهو الَّذي يُخاطِبُ الشَّعبَ عنكَ ويَكونُ لَكَ فمًا، وأَنتَ تَكونُ لَه إِلٰهًا. وهٰذِه العَصا تَأخُذُها بِيَدِكَ وتَصنَعُ بِها الآيات». فذَهَبَ موسى ورَجَعَ إِلى يِتْرُوَ حَمِيه وقالَ له: «دَعْني أَذهَبُ وأَرجِعُ إِلى إِخوَتي الَّذينَ بِمِصر، لأَرى هل هُم على قَيدِ الحَياة». فقالَ يِتْرو لِموسى: «إِذهَبْ بِسَلام». وقالَ الرَّبُّ لِموسى بِمِدْيَن: «إِذْهَبْ فٱرجِعْ إِلى مِصر، فإِنَّه قد ماتَ جَميعُ النَّاسِ الَّذينَ يَطلُبونَ نَفْسَكَ». فأَخَذَ موسى ٱمرَأَتَه وبَنيه وأَركَبَهُما على الحِمار ورَجَعَ إِلى أَرضِ مِصر، وأَخَذَ عَصا اللهِ بِيَدِه. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِذا ذَهَبتَ راجِعًا إِلى مِصر، فٱنظُرْ. جَميعُ المُعجِزاتِ الَّتي جَعَلتُها في يَدِكَ تَصنَعُها أَمامَ فِرعَون، وأَنا أُقَسِّي قَلبَه فلا يُطلِقُ الشَّعْب. وتَقولُ لِفِرعَون: كَذا قالَ الرَّبّ: إِسْرائيلُ هو ٱبنِيَ البِكْر. قُلتُ لَكَ: أَطلِقِ ٱبنِي لِيَعبُدَني، وإِن أَبَيتَ أَن تُطلِقَه فهاءَنَذا قاتِلٌ ٱبنَكَ البِكْر». ولَمَّا كانَ في الطَّريقِ في المَبيت، لَقِيَه الرَّبُّ فطَلَبَ قَتلَه. فأَخَذَت صِفُّورةُ صَوَّانَةً وقَطَعَت قُلفَةَ ٱبنِها ومَسَّت بِها رِجلَي موسى وقالت: «إِنَّك لي عَريسُ دَم». فانصَرَفَ عَنه. كانَت قد قالَت: عَريسُ دم، مِن أَجْلِ الخِتان. وقالَ الرَّبُّ لِهارون: «إِذْهَبْ لِلِقاءِ موسى في البَرِّيَّة». فذَهَبَ ولَقِيَه في جَبَلِ الله، فقَبَّلَه. فأَخبَرَ موسى هارونَ بِجَميعِ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي أَرسَلَه وجَميعِ الآياتِ الَّتي أَمَرَه بِها. فَذَهَبَ موسى وهارون وجَمَعا جَميعَ شُيوخِ بَني إِسْرائيل، وخاطَبَهم هارونُ بِجَميعِ الكَلامِ الَّذي كَلَّمَ الرَّبُّ بِه موسى، وصَنَعَ الآياتِ على عُيونِ الشَّعْب. فآمَنَ الشَّعْبُ وفَهِمَ أَنَّ الرَّبَّ قدِ ٱفَتَقَدَ بَني إِسْرائيلَ ورأَى مَذَلَّتَهم، وجَثَوا لَه ساجِدين. وبَعدَ ذٰلك ذَهَبَ موسى وهارونُ وقالا لِفِرعَون: «كَذا قالَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل: أَطلِقْ شَعْبي لِكَي يُعَيِّدَ لي في البَرِّيَّة». فقالَ فرعون: «مَن هوَ الرَّبُّ فأَسمَعَ لِقَولِه وأُطلِقَ إِسْرائيل؟ لا أَعرِفُ الرَّبّ، وأَمَّا إِسْرائيلُ فلَن أُطلِقَه». قالا: «إِلٰهُ العِبرانيِّينَ وافانا، فدَعْنا نَذهَبُ مَسيرةَ ثَلاثةِ أَيَّامٍ في البَرِّيَّةِ ونَذبَحُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنا، لِئَلاَّ يُصِيبَنا بِطاعونٍ أَو سَيف». فقالَ لَهما مَلِكُ مِصر: «لِماذا يا موسى وهارونُ تُعَطِّلانِ الشَّعبَ عن أَعمالِه؟ إِذهَبوا إِلى سُخْراتِكم». وقالَ فِرعَون: «هُوَذا قد كَثُرَ الشَّعبُ في هٰذه الأَرض، وإِذا بِكُما تُريحانِه مِن سُخْراتِه!» وأَمَرَ فِرعَونُ في ذٰلك اليَومِ مُسَخِّري الشَّعبِ وكَتَبَتَه قائلًا: «لا تُعْطوا الشَّعبَ تِبنًا بَعدَ اليَومِ لِيَصنَعوا اللَّبِنَ كما في الأَمْسِ وفي أَوَّلِ أَمْس، بل لِيَذْهَبوا هم ويَجمَعوا لأَنفُسِهِم تِبْنًا. ومِقْدارُ اللَّبِنِ الَّذي كانوا يِصنَعونَه في الأَمْسِ وفي أَوَّلِ أَمْسِ ٱفرِضوه علَيهم ولا تُنقِصوا منه شيئًا، فإِنَّهم كَسالى، ولِذٰلك هُم يَصرُخونَ ويَقولون: لِنَذهَبْ ونَذبَحْ لِإلٰهِنا. لِيُثَقَّلِ العَمَلُ على أُولٰئِكَ النَّاس، فيَشتَغِلوا بِه ولا يَلتَفِتوا إِلى كَلامِ الكَذِب». فخَرَجَ مُسَخِّرو الشَّعْبِ وكَتَبَتُه وخاطَبوا الشَّعْبَ قائِلين: «كذا قالَ فِرعَون: لَستُ أُعْطيكم تِبْنًا. اِذهبوا أَنتُم وخُذوا لأَنفُسِكم تِبْنًا مِن حَيثُ تَجِدون، ولكن لَن يُنقَصَ مِن عَمَلِكم شَيءٌ». فتَفَرَّقَ الشَّعبُ في كُلِّ أَرضِ مِصرَ لِيَجمَعوا قَشًّا مِن أَجْلِ التِّبْن، والمُسخِّرونَ يُلِحُّونَ عَلَيهم قائِلين: «أَكمِلوا أَعْمالَكم، فَريضَةَ كُلِّ يَومٍ في يَومِها، كَما كانَ وَقتَ تَزْويدِكُم بِالتِّبْن». وضُرِبَ كَتَبَةُ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ وَلاَّهُم عَلَيهِم مُسَخِّرو فِرْعَونَ وقيلَ لَهم: «لِماذا لم تُكمِلوا فَريضَتَكم مِن عَمَلِ اللَّبِنِ في هٰذا اليَومِ كما في الأَمْسِ وفي أَوَّلِ أَمْس؟». فجاءَ كَتَبَةُ بني إِسْرائيل وصَرَخوا إِلى فِرعَونَ قائِلين: «لِماذا تَصنَعُ بِعَبيدِكَ هٰكذا؟ إنَّه لا يُعْطى عَبيدُكَ تِبْنًا، ويُقالُ لَنا: إِصنَعوا لَبِنًا. وها إِنَّ عَبيدَكَ يُضرَبون وهي خَطيئةٌ إِلى شَعبِكَ». قال: «إِنَّما أُنتُم كَسالى، ولِذٰلك تَقولون: لِنَذهَبْ ونَذبَحْ لِلرَّبّ. والآن فٱذهَبوا وٱعمَلوا، وتِبْنًا لَن تُعْطَوا، ومِقْدارَ اللَّبِنِ تُسَلِّمون». فنَظَرَ كَتَبَةُ بَني إِسْرائيلَ إِلَيْهم بِشَرّ، قائِلينَ لَهم: «لا تُنقِصوا مِن لَبِنِكم شيئًا، بل فَريضةُ كُلِّ يَومٍ في يَومِها». وصادَفوا موسى وهارون، وهُما واقِفانِ لِلِقائِهم عِندَ خُروجِهِم مِن عِندِ فِرعَون. فقالوا لَهما: «لِيَنظُرِ الرَّبُّ إِلَيكُما ويَحْكُمْ! لقَد كَرَّهتُمانِنا إِلى فِرعَونَ وحاشِيَتِه وجَعَلتُما في أَيديهم سَيفًا لِيَقتُلونا». فَرَجَعَ موسى إِلى الرَّبِّ وقال: «يا ربّ، لِماذا أَسَأتَ إِلى هٰذا الشَّعْب؟ لِماذا أَرسَلتَني؟ فإِنِّي مُنذُ دَخَلتُ على فِرعَونَ لأَتكلَّمَ بِٱسمِكَ، أَساءَ إِلى هٰذا الشَّعْب، وأَنتَ لم تُنقِذْ شَعبَك». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «الآنَ تَرى ما أَصنَعُ بِفِرعَون. فإنَّ يَدًا قَوِيَّةً تُجْبِرُه على إِطْلاقِهِم ويَدًا قَوِيَّةً تُجبِرُه على طَردِهم». وكَلَّمَ اللهُ موسى وقالَ له: «أَنا الرَّبّ. أَنا الَّذي تَرائَيتُ لإبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب إِلٰهًا قَديرًا، وأَمَّا ٱسْمي «الرَّبّ» فلَم أُعلِمْهم بِه. وأَقَمتُ معَهم عَهْدي لأُعطِيَهم أَرضَ كَنْعان، أَرضَ غُربَتِهِمِ الَّتي نَزَلوا بِها. وقَد سَمِعتُ أَيضًا أَنينَ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ ٱستَعبَدَهمُ المِصرِيُّون، فَذَكَرتُ عَهْدي. لِذٰلك قُلْ لِبَني إِسْرائيل: أَنا الرَّبُّ، لَأُخرِجَنَّكم مِن تحتِ سُخْراتِ المِصرِيِّينَ وأُنقِذُكم مِن عُبودِيَّتِهم وأَفديكم بِذِراعٍ مَبْسوطة وأَحْكامٍ عَظيمة. وأَتَّخِذُكم لي شَعبًا وأَكونُ لَكم إِلٰهًا وتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكمُ الَّذي يُخرِجُكم مِن تَحتِ سُخْراتِ المِصرِيِّين. وسأُدخِلُكمُ الأَرضَ الَّتي رَفَعتُ يَدي مُقسِمًا أَن أُعطِيَها لإبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب، فأُعطِيَها لَكم ميراثًا أَنا الرَّبّ». فكَلَّمَ موسى بِذٰلِكَ بَني إِسْرائيل، فلَم يَسْمَعوا لِموسى لِضيقِ أَنْفاسِهِم والعُبودِيَّةِ القاسِيَة. فكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «أُدخُلْ فكَلِّمْ فِرعَونَ، مَلِكَ مِصْر، بأَن يُطلِقَ بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِه». فتَكَلَّمَ موسى أَمامَ الرَّبِّ قائلًا: «ها إِنَّ بَني إِسْرائيلَ لم يَسْمَعوا لي، فكَيفَ يَسمَعُ لي فِرعَون وأَنا ثَقيلُ اللِّسان؟» فكلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارون وأَعطاهُما أَوامِرَه لِفِرعَونَ، مَلِكِ مِصر، في إِخْراجِ بَني إِسْرائيلَ مِن مِصر. وهٰؤُلاءِ رُؤَساءُ بَيوتِ آبائِهِم: بَنو رَأُوبينَ بِكرِ إِسْرائيل: حَنوك وفَلُّو وحَصْرون وكَرْمي. تِلكَ عَشائِرُ رَأُوبين. وبَنو شِمْعون: يَموئيل ويامين وأُوهَد وياكين وصُوحَر وشاوُلُ ٱبنُ الكَنعانِيَّة. تِلكَ عَشائِرُ شِمْعون. وهٰذه أَسْماءُ بَني لاويَ بحسب سُلالاتِهم: جِرْشون وقَهات ومَراري. وسِنو حياةِ لاويَ مِئَةٌ وسَبعٌ وثَلاثونَ سَنَة. وٱبنا جِرْشون: لِبْني وشِمْعي بِعَشائِرِهما. وبَنو قَهات: عَمْرام ويَصْهار وحَبْرون وعُزِّيئيل. وسِنو حَياةِ قهاتَ مِئَةٌ وثَلاثٌ وثَلاثونَ سَنة. وٱبنا مَراري: مَحْلي وموشي. تِلكَ عَشائِرُ اللاَّوِيِّينَ بِسُلالاتِهم. وٱتَّخَذَ عَمْرامُ يوكابَدَ عَمَّتَه زَوجةً لَه، فوَلَدَت لَه هارونَ وموسى. وكانَت سِنو حَياةِ عَمْرامَ مِئَةً وسَبْعًا وثَلاثينَ سنة. وبَنو يَصْهار: قُورَح وتافَج وزِكْري. وبَنو عُزِّيئيل: ميشائيل وأَلِصافان وسِتْري. فتَزَوَّجَ هارونُ بِأَليشابَع، بِنتِ عَمِّيناداب، وأُخْتِ نَحْشون، فوَلَدَت لَه ناداب وأَبيهو وأَلِعازر وإِيثامار. وبَنو قُورَح: أَسِّير وأَلْقانَة وأَبيئاساف. تِلكَ عَشائِرُ القورَحِيِّين. وتَزَوَّجَ أَلِعازرُ بنُ هارونَ بِبِنتٍ مِن بَناتِ فوطيئيل، فوَلَدَت لَه فِنْحاس. أُولٰئِكَ رُؤَساءُ آباءِ اللاَّويِّينَ وعَشائِرُهم. وهارونُ وموسى هٰذانِ هُما اللَّذانِ قالَ لَهما الرَّبّ: «أَخرِجا بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصرَ بِجُيوشِهِم». وهما اللَّذانِ خاطَبا فِرعَون، مَلِكَ مِصر، لإخْراجِ بَني إِسْرائيلَ مِن مِصْر، هُما موسى وهارون. وكانَ يَومَ كَلَّمَ الرَّبُّ موسى في أَرضِ مِصْرَ أَنَّ الرَّبَّ خاطَبَ موسى قائلًا: «أَنا الرَّبّ. فكَلِّمْ فِرعَونَ، مَلِكَ مِصرَ، بِكُلِّ ما أَقولُه لَك». فأَجابَ موسى أَمامَ الرَّبِّ قائلًا: «هاءَنَذا ثَقيلُ اللِّسان، فكَيفَ يَسمَعُ لي فِرعَون؟». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «أُنظُرْ! قد جَعَلتُكَ إِلٰهًا لِفِرعَون، وهارونُ أَخوكَ يَكونُ نَبيَّكَ. أَنتَ تَتَكَلَّمُ بِكُلِّ ما آمُرُكَ بِه، وهارونُ أَخوكَ يُخاطِبُ فِرعَونَ لِيُطلِقَ بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِه. وأَنا أُقَسِّي قَلبَ فِرعَون وأُكَثِّرُ آياتي وخوارِقي في أَرضِ مِصر. ولا يَسمَعُ لَكُما فِرعَون، حَتَّى أَجعَلَ يَدي على مِصرَ وأُخرِجَ جُيوشي، شَعبي بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصرَ بِأَحكامٍ عَظيمة. وتَعلَمُ مِصرُ أَنِّي أَنا الرَّبّ، إِذا مَدَدتُ يَدي على المِصرِيِّينَ وأَخرَجتُ بَني إِسْرائيلَ مِن بَينِهم. ففَعَلَ موسى وهارونُ كَما أَمَرَهما الرَّبّ، هٰكذا فَعَلا. وكانَ موسى ٱبنَ ثَمانينَ سَنةً وهارونُ ٱبنَ ثَلاثٍ وثمانينَ سَنة، حينَ كَلَّما فِرعَون. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ قائلًا: «إِذا كَلَّمَكُما فِرعَونُ وقال: إئتِياني بِخارِقَةٍ لِصالِحِكُما، تَقولُ لِهارون: خُذْ عَصاكَ وأَلْقِها أَمامَ فِرعَون، فتَصيرَ حَيَّةً». فدخَلَ موسى وهارونُ على فِرعَونَ وفَعَلا كما أَمَرَ الرَّبّ: أَلْقى هارونُ عَصاه أَمامَ فِرعونَ وحاشِيَتِه، فصارَت تِنِّينًا. فدَعا فِرعَونُ أَيضًا الحُكَماءَ والعَرَّافين، فصَنَعَ سَحَرَةُ مِصرَ كَذٰلك بِسِحرِهم: أَلْقى كُلُّ واحِدٍ عَصاه، فصارَتِ العِصِيُّ تَنانين. فٱبتَلَعَت عَصا هارونَ عِصِيَّهم. فتَقَسَّى قَلبُ فِرعَون ولم يَسمَع لَهما، كما قالَ الرَّبّ. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «قد ثَقُلَ قَلبُ فِرعونَ وأَبى أَن يُطلِقَ الشَّعْب. فٱذهَبْ إِلى فِرعَونَ في الصَّباح، فإِنَّه يَخرُجُ إِلى الماء. فقِفْ لِلِقائِه على شاطِئِ النِّيل، والعَصا الَّتي ٱنَقَلَبَت حَيَّةً خُذْها بِيَدِكَ. وقُلْ لَه: الرَّبُّ إِلٰهُ العِبرانِيِّينَ أَرسَلَني إِلَيكَ قائلًا: أَطلِقْ شَعْبي لِيَعبُدَني في البَرِّيَّة، وها إِنَّكَ إِلى الآنَ لم تَسْمَعْ. كَذا قالَ الرَّبّ: بِهٰذا تَعلَمُ أَنِّي أَنا الرَّبّ: ها أَنا ضارِبٌ بِالعَصا الَّتي بِيَدي على المِياه الَّتي في النِّيل، فتنقَلِبُ دَمًا. والسَّمَكُ الَّذي في النَّهرِ يَموت، فيُنتِنُ النِّيلُ ولا يَستَطيعُ المِصرِيُّونَ أَن يَشرَبوا ماءَ النِّيل». ثُمَّ قالَ الرَّبُّ لِموسى: «قُلْ لِهارون: خُذْ عَصاكَ ومُدَّ يَدَكَ على مِياه المِصرِيِّينَ وأَنهارِهم وقَنَواتِهم وأَحواضِهِم وسائِرِ خَزَّاناتِ مِياهِهِم، فتَصيرَ دَمًا ويَكونَ دَمٌ في كُلِّ أَرضِ مِصْر، حَتَّى في الأَشجارِ والحِجارة». ففَعَلَ كَذٰلِك موسى وهارونُ كَما أَمَرَ الرَّبّ: رفَعَ العَصا وضَرَبَ الماءَ الَّذي في النِّيلِ أَمامَ عَينَي فِرعَونَ وكُلِّ حاشِيَتِه، فٱنقَلَبَ كُلُّ الماءِ الَّذي في النِّيلِ دَمًا، والسَّمَكُ الَّذي في النِّيلِ ماتَ، وأَنتَنَ النِّيلُ فلَم يَستَطِعِ المِصرِيُّونَ أَن يَشرَبوا مِن ماءِ النِّيل، وكان الدَمُ في كُلِّ أَرضِ مِصْر. فصَنَعَ كَذٰلِك سَحَرَهُ مِصرَ بِسِحرِهم، فتقَسَّى قَلبُ فِرعَونَ ولم يَسْمَعْ لَهما، كما قالَ الرَّبّ. ثُمَّ ٱنصَرَفَ فِرعَونُ ودَخَلَ بَيتَه ولم يأبَهْ لِذٰلك أَيضًا. وحَفَرَ جَميعُ المِصرِيِّينَ حَوالَيِ النِّيلِ لِيَشرَبوا ماءً، إِذ لم يَكونوا يَستَطيعونَ أَن يَشرَبوا مِن ماءِ النِّيل. ومَضَت سَبعَةُ أَيَّامٍ، بَعدَما ضَرَبَ اللهُ النَّهر. وقال الرَّبُّ لِموسى: «إِذهَبْ إِلى فِرعَونَ وقُلْ لَه: كذا قالَ الرَّبّ: أَطلِقْ شَعْبي لِيَعبُدَني. وإِن أَنتَ أَبَيتَ أَن تُطلِقَه، فها أَنا ضارِبٌ جَميعَ أَراضيكَ بِالضَّفادِع، فيَعِجُّ النِّيلُ بِالضَّفادِع فتَصعَدُ وتَدخُلُ بَيتَكَ وغُرفَةَ نَومِكَ وعلى سَريرِكَ وفي بُيوتِ حاشِيَتِكَ عِندَ شَعبِكَ وفي تَنانيرِكَ ومَعاجِنِكَ. وعَليكَ وعلى شَعبِكَ وعلى كُلِّ حاشِيَتِكَ تَصعَدُ الضَّفادِع». ثُمَّ قالَ الرَّبُّ لِموسى: «قُلْ لِهارون: مُدَّ يَدَكَ بِعَصاكَ على الأَنهارِ والقَنَواتِ والأَحْواض، وأَصعِدِ الضَّفادِعَ على أَرضِ مِصْر». فمَدَّ هارونُ يَدَه على مِياهِ مِصْر، فصَعِدَتِ الضَّفادِعُ وغطَّت أَرضَ مِصْر. وصَنَعَ كذٰلك السَّحَرَةُ بِسِحرِهم وأَصعَدوا الضَّفادِعَ إِلى أَرضِ مِصْر. فدَعا فِرعَونُ موسى وهارونَ وقال: «إِبتَهلا إِلى الرَّبِّ لِيَرفَعَ الضَّفادِعَ عَنِّي وعن شَعْبي، حتَّى أُطلِقَ الشَّعبَ لِيَذبَحَ لِلرَّبّ». فقالَ موسى لِفِرعَون: «تَفَضَّلْ وقُلْ لي متى تشاءُ أَن أَبتَهِلَ لأَجلِكَ ولأَجلِ حاشِيَتِكَ وشَعبِكَ، فتُقطَعَ الضَّفادِعُ عنكَ وعن بُيوتِكَ وتَبْقى في النِّيلِ فقَط». قال: «غَدًا». قالَ موسى: «كَما قُلتَ، لكي تَعلَمَ أَنَّه لَيسَ للهِ رَبِّنا نَظير، فتَرتَفِعَ الضَّفادِعُ عَنكَ وعن بُيوتِكَ وعن حاشِيَتِكَ وعن شَعبِكَ وتَبْقى في النِّيلِ فقَط». وخَرَجَ موسى وهارونُ مِن عِندِ فِرعَون، فصَرَخَ موسى إِلى الرَّبِّ في أَمرِ الضَّفادِعِ الَّتي أَصابَ بِها فِرعَون. فصَنَعَ الرَّبُّ كَما قالَ موسى وماتَتِ الضَّفادِعُ في البُيوتِ وفي ساحاتِ الدُّورِ والحُقول. فجَمَعوها كُوَمًا كُوَمًا. وأَنتَنَتِ الأَرضُ مِنها. فلَمَّا رأَى فِرعَونُ أَنَّه قد حَصَلَ فَرَج، ثَقَّلَ قَلبَه ولم يَسمَعْ لَهما، كما قالَ الرَّبّ. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «قُلْ لِهارون: مُدَّ عَصاكَ وٱضرِبْ تُرابَ الأَرض، فيصيرَ بَعوضًا في كُلِّ أَرضِ مِصر». ففعَلا كذٰلك: مَدَّ هارونُ يَدَه بِعَصاه فضَرَبَ تُرابَ الأَرضِ، فكانَ بَعوضٌ على النَّاسِ والبَهائِم. كُلُّ تُرابِ الأَرضِ صارَ بَعوضًا في كُلِّ أَرضِ مِصْر. وصَنَعَ كذٰلك السَّحَرَةُ بِسِحرِهم لِيُخرِجوا البَعوض، فلَم يَستَطيعوا. وكانَ البَعوضُ على النَّاسِ والبَهائِم. فقالَتِ السَّحَرَةُ لِفِرعَون: «هٰذه إِصبَعُ الله». وتقسَّى قَلبُ فِرعَون، فلم يَسمَعْ لَهما، كما قالَ الرَّبّ. ثُمَّ قالَ الرَّبُّ لِموسى: «بَكِّرْ في الصَّباح وقِفْ أَمامَ فِرعَون، فها هو يَخرُجُ إِلى الماء، فقُلْ لَه: كذا قالَ الرَّبّ: أَطلِقْ شَعْبي لِيَعبُدَني. وإِن أَبَيتَ أَن تُطلِقَ شَعْبي، فها أَنا مُرسِلٌ الذُّبابَ علَيكَ وعلى حاشِيَتِكَ وشَعبِكَ وبُيوتِكَ، حتَّى تَمتَلِئَ مِنها بُيوتُ المِصرِيِّينَ والأَرضُ الَّتي هُم علَيها. وأَستَثْني في ذٰلك اليَومِ أَرضَ جاسانَ حَيثُ يُقيمُ شَعْبي، فلا يَكونُ فيها ذُباب، لِكَي تَعلَمَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ في وَسَطِ الأَرض. وأَجعَلُ عَمَلَ فِداءٍ بَينَ شَعْبي وشَعبِكَ، وغَدًا تَكونُ هٰذه الآية». فصَنَعَ الرَّبُّ كذٰلك، ودَخَلَ ذُبابٌ كثيفٌ بَيتَ فِرعَونَ وبُيوتَ حاشِيَتِه وكُلَّ أَرضِ مِصر وأُتلِفَتِ الأَرضُ مِن جَرَّاءِ الذُّباب. فدَعا فِرعَونُ موسى وهارونَ وقال: «إِذهَبوا وٱذبَحوا لِإلٰهِكم في هٰذه الأَرض». فقالَ موسى: «لا يَحِلُّ أَن نَصنَعَ ذٰلك، لأَنَّ ما نَذبَحُه للرَّبِّ إِنَّما هو قَبيحةٌ عند المِصرِيِّين. أَفَنَذبَحُ بِحَضرَتِهم ما هو قَبيحةً، ولا يَرجُمونا؟ لَكِنَّنا نَسيرُ في البَرِّيَّةِ مَسافةَ ثَلاثَةِ أَيَّام ونَذبَحُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنا كما يَقولُ لَنا». فقالَ فِرعَون: «أَنا أُطلِقُكم لِتَذبَحوا لِلرَّبِّ إِلٰهِكم في البَرِّيَّة، ولكِن لا تُبعِدوا في المَسيرِ كثيرًا وٱبتَهِلوا لأَجْلي». فقالَ موسى: «ها أَنا أَخرُجُ مِن عِندِكَ وأَبتَهِلُ إِلى الرَّبّ، فيَرتَفِعُ الذُّبابُ عن فِرعَونَ وحاشِيَتِه وشَعبِه غَدًا، ولكِن لا يُواصِلْ فِرعَونُ مُخاتَلَتَه فيأبى أَن يُطلِقَ الشَّعبَ ليَذبَحَ لِلرَّبّ». وخَرَجَ موسى مِن عِندِ فِرعَون فٱبتَهَلَ إِلى الرَّبّ. فصَنَعَ الرَّبُّ كما قالَ موسى، فٱرتَفَعَ الذُّبابُ عن فِرعونَ وعن حاشِيَتِه وشَعبِه، ولم يَبقَ واحِدة. وثَقَّلَ فِرعَونُ قَلبَه هٰذه المَرَّةَ أَيضًا، ولم يُطلِقِ الشَّعْب. ثُمَّ قالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِذهَبْ إِلى فِرعَونَ وقُلْ له: كَذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ العِبرانِيِّين: أَطلِقْ شَعْبي لِيَعبُدَني، وإِن أَبَيتَ أَن تُطلِقَه وما زِلتَ تَتَمَسَّكُ بِه، فها يَدُ الرَّبِّ، بِطاعونٍ شَديدٍ جِدًّا، على مَواشيكَ الَّتي في الحَقْلِ، على الخيلِ والحَميرِ والجِمالِ والبَقَرِ والغَنَم، ويُمَيِّزُ الرَّبُّ بَينَ مَواشي إِسْرائيلَ ومَواشي المِصرِيِّين، فلا يَموتُ شَيءٌ مِن جَميعِ ما هو لِبَني إِسْرائيل. وضَرَبَ الرَّبُّ لِذٰلك مَوعِدًا قائلًا: غَدًا يَصنَعُ الرَّبُّ هٰذا الأَمرَ في هٰذه الأَرض». فصَنَعَ الرَّبُّ هٰذا الأَمرَ في الغَد، فماتَت مَواشي المِصرِيِّينَ بِأَسرِها، ومِن مَواشي بَني إِسْرائيلَ لم يَمُتْ واحِدٌ. وٱستَخبَرَ فِرعَون، فإِذا مَواشي إِسْرائيلَ لم يَمُتْ مِنها واحِد. وثَقُلَ قَلبُ فِرعَون، فلَم يُطلِقِ الشَّعْب. فقالَ الرَّبُّ لِموسى وهارون: «خُذا مِلْءَ راحَتَيكُما مِن سُخامِ الأَتُّون وليُذَرِّهِ موسى إِلى السَّماءِ أَمامَ عَينَي فِرعَون، فيَصيرَ غُبارًا في كُلِّ أَرضِ مِصْر ويصيرَ في النَّاسِ والبَهائِمِ قُروحًا تُفَرِّخُ بُثورًا في كُلِّ أَرضِ مِصْر». فأَخذا مِن سُخامِ الأَتُّون ووَقَفا أَمامَ فِرعَون وذرَّاه موسى إِلى السَّماء، فصارَ قُروحًا تُفَرِّخُ بُثورًا في النَّاسِ والبَهائِم. ولم يَستَطِعِ السَّحَرَةُ أَن يَقِفوا أَمامَ موسى بِسَبَبِ القُروح، لأَنَّ القُروحَ كانت في السَّحَرَةِ وفي جَميعِ المِصرِيِّين. وقسَّى الرَّبُّ قَلبَ فِرعَون، فلَم يَسمَعْ لَهُما، كما قالَ الرَّبُّ لِموسى. ثُمَّ قالَ الرَّبُّ لِموسى: «بَكِّرْ في الصَّباح وقِفْ أَمامَ فِرعَون وقُلْ لَه: كذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ العِبرانِيِّين: أَطلِقْ شَعْبي لِيَعبُدَني، فإِنِّي في هٰذه المَرَّةِ مُنزِلٌ جَميعَ ضَرَباتي على نَفسِكَ وعلى حاشِيَتِكَ وشَعبِكَ، لِكَي تَعلَمَ أَنَّه لَيسَ مِثْلي في الأَرضِ كُلِّها. لَو سَبَقَ أَن مَدَدتُ يَدي وضَرَبتُكَ أَنتَ وشَعبَكَ بِالوَباء، لَٱمَّحَيتَ مِنَ الأَرض. غَيرَ أَنِّي ما أَبقَيتُكَ إِلاَّ لِكَي أُريَكَ قُوَّتي ولِكَي يُخبَرَ بِٱسْمي في الأَرضِ كُلِّها، وأَنتَ لم تَزَلْ تُقاوِمُ شَعْبي ولَم تُطلِقْه. هاءَنَذا مُمطِرٌ في مِثلِ هٰذا الوَقتِ مِن غَدٍ بَرَدًا ثَقيلًا جِدًّا لم يَكُنْ مِثلُه في مِصْرَ مِن يَومِ تأسيسِها إِلى الآن. والآن فأَرسِلْ وآوِ ماشِيَتَكَ وكُلَّ ما لَكَ في الحَقْل، فإِنَّه أَيُّ إِنْسانٍ أَو بَهيمَةٍ وُجِدَ في الحَقْلِ ولم يُعَدْ بِه إِلى البَيت يَنزِلُ علَيه البَرَدُ فيَموت». فمَن خافَ كَلامَ الرَّبِّ مِن حاشِيَةِ فِرعَونَ هَرَبَ بِخُدَّامِه وماشِيَتِه إِلى البُيوت، ومَن لم يَأبَهْ بِكَلامِ الرَّبِّ تَرَكَ خُدَّامَه وماشِيَتَه في الحَقْل. ثُمَّ قالَ الرَّبُّ لِموسى: «مُدَّ يَدَكَ نَحوَ السَّماء، فيَكونَ بَرَدٌ في كُلِّ أَرضِ مِصرَ على النَّاسِ والبَهائِم وجَميعِ عُشبِ الحَقْلِ في كُلِّ أَرضِ مِصْر». فمَدَّ موسى عَصاه نَحوَ السَّماء، فأَرسَلَ الرَّبُّ رَعْدًا وبَرَدًا، وجَرَتِ النَّارُ على الأَرض، وأَمطَرَ الرَّبُّ بَرَدًا على أَرضِ مِصْر. فكانَ بَرَدٌ ونارٌ مُتَواصِلَةٌ بَينَ البَرَد، وكانَ البَرَدُ ثَقيلًا جدًّا لم يَكُنْ مِثلُه في أَرضِ مِصرَ مُنذُ صارت أُمَّةً. فضَرَبَ البَرَدُ، في كُلِّ أَرضِ مِصرَ، كُلَّ ما في الحَقْلِ مِنَ النَّاسِ والبَهائِم، وضرَبَ البَرَدُ كُلَّ عُشبِ الحَقْلِ وحَطَّمَ كُلَّ شَجَرِ الحَقْل. غَيرَ أَنَّ أَرضَ جاسانَ الَّتي فيها بَنو إِسْرائيلَ لم يَكُنْ فيها بَرَد. فأَرسَلَ فِرعَونُ وٱستَدْعى موسى وهارونَ وقالَ لَهُما: «قد خَطِئتُ هٰذه المَرَّة. الرَّبُّ هو البارّ، وأَنا وشَعْبي أَشْرار، فٱبتَهِلا إِلى الرَّبّ، فكَفانا رَعدُ اللهِ وبَرَدُه، فأُطلِقُكم ولا تَعودونَ تَمكُثون». فقالَ لَه موسى: «إِذا خَرَجتُ مِنَ المدينة، أَبسُطُ يَدَيَّ إِلى الرَّبّ فيَكُفُّ الرَّعْد، والبَرَدُ لَن يَكونَ بَعدَ ذٰلك، لِكَي تَعلَمَ أَنَّ لِلرَّبِّ الأَرض. وأَنتَ وحاشِيَتُكَ، فأَنا أَعلَمُ أَنَّكُم لن تخافوا الرَّبَّ الِإلٰهَ أَيضًا». وكانَ الكَتَّانُ والشَّعيرُ قد ضُربا، لأَنَّ الشَّعيرَ كانَ مُسبِلًا والكَتَّانَ مُبزِرًا. وأَمَّا الحِنطَةُ والعَلْسُ فلَم يُضرَبا لأَنَّهما مُتَأَخِّران. فخَرَجَ مِنَ المَدينةِ مِن عِندِ فِرعَون وبَسَطَ يَدَيه إِلى الرَّبّ، فكَفَّ الرَّعْدُ والبَرَد، ولم يَعُدِ المَطَرُ يَهطِلُ على الأَرض. ولَمَّأ رأَى فِرعَونُ أَنْ قد كَفَّ المَطَرُ والبَرَدُ والرَّعْد، عادَ إِلى الخَطيئة فثَقَّلَ قَلبَه هو وحاشِيَتُه. وقَسا قَلبُ فِرعَون، فلَم يُطلِقْ بَني إِسْرائيل، كما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ موسى. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «أُدخُلْ على فِرعَون، فإِنِّي قد ثَقَّلتُ قَلبَه وقُلوبَ حاشِيَتِه، لِكَي أَصنَعَ آياتي هٰذه بَينَهم، ولِكَي تَقُصَّ على مِسمَعِ ٱبنِكَ وٱبنِ ٱبنِكَ كَيفَ سَخِرتُ بِالمِصرِيِّين وأَيَّ آياتٍ صَنَعتُ بَينَهم، ولِكَي تَعلَموا أَنِّي أنا الرَّبّ». فذَهَبَ موسى وهارونُ إِلى فِرعَونَ وقالا لَه: «كَذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ العِبرانِيِّين: إِلى متى تأبى أَن تَتَواضَعَ أَمامي؟ أَطلِقْ شَعْبي لِيَعبُدَني. وإِن أَبيتَ أَن تُطلِقَ شَعْبي، فها أَنا آتي بِالجَرادِ غَدًا على أَرضِكَ، فيُغَطِّي وَجهَ الأَرض، حتَّى لا يَقدِرَ أَحَدٌ أَن يَراها، ويأكُلُ البَقِيَّةَ الباقِيَةَ الَّتي سَلِمَت مِنَ البَرَد، ويأكُلُ كُلَّ الشَّجَرِ النابِتِ لَكم في الحَقْل، ويَملَأُ بُيوتَكَ وبُيوتَ جَميعِ حاشِيَتِكَ وبُيوتَ جَميعِ المِصرِيِّين، ما لم يَرَ مِثلَه آباؤُكَ ولا آباءُ آبائِكَ مِن يَومِ وُجودِهِم على الأَرضِ إِلى هٰذا اليَوم». ثُمَّ أَدارَ موسى وَجهَه وخَرَجَ مِن عِندِ فِرعَون. فقالَ لِفرعَونَ حاشِيَتُه: «إِلى متى يَكونُ هٰذا فَخًّا لَنا؟ أَطلِقِ النَّاسَ لِيَعبُدوا الرَّبَّ إِلٰهَهُم. أَلَم تَعْلَمْ حتَّى الآنَ أَنَّ مِصرَ قد هَلَكَت؟». فرُدَّ موسى وهارونُ إِلى فِرعَون، فقالَ لَهما: «إِذهَبوا فٱعُبدوا الرَّبَّ إِلٰهَكم. ولٰكِن مَن ومَن يَذهَب؟» قالَ موسى: «نَذهَبُ بِفِتْيانِنا وشُيوخِنا وبَنينا وبَناتِنا وغَنَمِنا وبَقَرِنا، لأَنَّ لَنا عيدًا لِلرَّبّ». فقالَ لَهما: «لِيَكُنِ الرَّبُّ معَكُم، كَما أَنا مُطلِقُكم ومُطلِقُ عِيالِكم أَيضًا. أُنظُروا كَيفَ أَنَّ الشَّرَّ بادٍ على وُجوهِكم. لن يَكونَ كذٰلك، بلِ ٱذْهَبوا أَنتُمُ الرِّجال فٱعبُدوا الرَّبّ، فهٰذا ما تَطلُبونَه». وطُرِدوا مِن أَمامِ فِرعَون. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «مُدَّ يَدَكَ على أَرضِ مِصر لِيَأتِيَ الجَرادُ فيَصعَدَ إِلى أَرضِ مِصر ويأكُلَ كُلَّ عُشْبِ الأَرض، كُلَّ ما تَرَكَه البَرَد». فمَدَّ موسى عَصاه على أَرضِ مِصْر، فساقَ الرَّبُّ ريحًا شرقِيَّةً على الأَرضِ طَوالَ ذٰلك اليَومِ وطَوالَ اللَّيل، وعِندَ الصُّبحِ حَمَلَتِ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ الجَراد. فصَعِدَ الجَرادُ إِلى أَرضِ مِصرَ كُلِّها وٱستَقَرَّ على أَراضي مِصرَ كُلِّها، حتَّى لم يَكُنْ قَبلَه جَرادٌ مِثلُه ولا يَكونُ بَعدَه كذٰلك. فغَطَّى كُلَّ وَجهِ الأَرض، حتَّى أَظلَمَتِ الأَرض، وأَكَلَ كُلَّ عُشْبِها وكُلَّ ما تَرَكَه البَرَدُ مِن ثَمَرِ الشَّجَر، حتَّى لم يَبْقَ شَيءٌ مِنَ الخُضرَةِ في الشَّجَرِ ولا في عُشْبِ الحَقْلِ في أَرضِ مِصْرَ كُلِّها. فأَسرَعَ فِرعونُ وٱستَدْعى موسى وهارونَ وقال: «قد خَطِئتُ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكُما وإِلَيكُما. والآن فٱصْفَحا عن ذَنْبي هٰذه المَرَّةَ أَيضًا وٱبتَهِلا إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكُما لِيَرفَعَ عَنِّي هٰذا المَوتَ فقَط». فخَرَجَ موسى مِن عِندِ فِرعونَ وٱبتَهَلَ إِلى الرَّبّ. فحَوَّلَ الرَّبُّ الرِّيحَ إِلى ريحٍ غَربِيَّةٍ شَديدةٍ جِدًّا، فحَمَلَتِ الجَرادَ وطَرَحَته في بَحرِ القَصَب، ولم يَبقَ جَرادَةٌ واحِدَةٌ في جَميعِ أَراضي مِصْر. وقَسَّى الرَّبُّ قَلْبَ فِرعَون، فلَم يُطلِقْ بَني إِسْرائيل. ثُمَّ قالَ الرَّبُّ لِموسى: «مُدَّ يَدَكَ نَحوَ السَّماء، فيَكونَ ظَلامٌ على أَرضِ مِصْر، حَتَّى يَكونَ الظَّلامُ مَلْموسًا». فمَدَّ موسى يَدَه نحوَ السَّماء، فكانَ ظَلامٌ كَثيفٌ في كُلِّ أَرضِ مِصرَ ثلاثَةَ أَيَّام، ولَم يَكُنِ الواحِدُ يُبصِرُ أَخاه، ولَم يَقُمْ أَحَدٌ مِن مَكانِه ثَلاثَةَ أَيَّام. أَمَّا جَميعُ بَني إِسْرائيل فكانَ نورٌ في مَساكِنِهم. فٱستَدْعى فِرعَونُ موسى وقال: «إِذهَبوا فٱعبُدوا الرَّبّ. أَمَّا غَنَمُكم وبَقَرُكم فلْيُتْرَكْ، وعِيالُكُم أَيضًا يَذهَبونَ مَعَكم». فقالَ موسى: «أَفأَنتَ تُسَلِّمُ إِلى أَيدينا ذبائِحَ ومُحرَقاتٍ نُقَرِّبُها لِلرَّبِّ إِلٰهِنا؟ فَمَواشينا أيضًا تَذهَبُ معَا، لا يَبْقى مِنها ظِلْفٌ، لأَنَّنا مِنها نأْخُذُ ما نَعبُدُ بِه الرَّبَّ إِلٰهَنا، ونَحنُ لا نَعلَمُ كَيفَ نعبُدُ الرَّبَّ إِلٰهَنا بِدونِها إِلى أَن نَصِلَ إِلى هُناك». وقَسَّى الرَّبُّ قَلبَ فِرعَون، فلَم يَشَأْ أَن يُطلِقَهم. فقالَ لَه فِرعَون: «إِذْهَبْ عَنِّي وٱحذَرْ أَن تَعودَ إِلى رُؤيةِ وَجْهي، فإِنَّكَ يَومَ ترى وَجْهي تَموت». قالَ موسى: «لكَ ما تَقول، فإِنّي لن أَعودَ إِلى رُؤيَةِ وَجهِكَ». وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «قد بَقِيَت ضَربَةٌ واحِدةٌ أُنزِلُها على فِرعَونَ وعلى مِصْر، وبَعدَ ذٰلك يُطلِقُكم مِن هٰهُنا، وعِندَ إِطْلاقِه لَكم يَطرُدُكم مِن هٰهُنا طَرْدًا نهائِيًّا. فتَكَلَّمْ على مَسامِعِ الشَّعبِ ومُرْهُم أَن يَطلُبَ كُلُّ رَجُلٍ من جارِه وكُلُّ ٱمرَأَةٍ مِن جارَتِها أَوانِيَ مِن فِضَّةٍ وأَوانِيَ مِن ذَهَب». وآتى الرَّبُّ الشَّعبَ حُظوَةً في عُيونِ المِصريِّين، وموسى أَيضًا كانَ عَظيمًا جِدًّا في أَرضِ مِصرَ في عُيونِ حاشِيَةِ فِرعَونَ وفي عُيونِ الشَّعْب. وقالَ موسى: «كذا قالَ الرَّبّ: إِنِّي نَحوَ نِصفِ اللَّيلِ أَخرُجُ في وَسَطِ مِصْر، فيَموتُ كُلُّ بِكْرٍ في أَرضِ مِصْر، مِن بِكْرِ فِرعَونَ الجالِسِ على عَرشِه إِلى بِكْرِ الخادِمَةِ الَّتي وَراءَ الرَّحى وجَميعُ أَبكارِ البَهائِم. ويَكونُ صُراخٌ عَظيمٌ في كُلِّ أَرضِ مِصْر، لم يَكُنْ مِثلُه ولَن يَكونَ مِثلُه. وأَمَّا عِندَ جَميعِ بَني إِسْرائيل فلا يَنبَحُ كَلبٌ على أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ولا على البَهائِم، لِكَي تَعلَموا أَنَّ الرَّبَّ يُمَيِّزُ بَين مِصرَ وإِسْرائيل، فتَنزِلُ إِلَيَّ حاشِيَتُكَ هٰذه كُلُّها، وتَسجُدُ لي قائِلَةً: أُخرُجْ أَنتَ وكُلُّ الشَّعبِ الَّذي يَتبَعُكَ، وبَعدَ ذٰلك أَخرُجُ أَنا». ثُمَّ خَرَجَ موسى في غَضَبٍ شَديدٍ مِن عِندِ فِرعَون. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِنَّ فِرعَونَ لن يَسمَع لَكُما، لِكَي تَكثُرَ خَوارِقي في أَرضِ مِصْر». وصَنَعَ موسى وهارونُ هٰذه الخَوارِقَ كُلَّها أَمامَ فِرعَون، وقَسَّى الرَّبُّ قَلبَه، فلم يُطلِقْ بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِه. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ في أَرضِ مِصرَ قائلًا: «هٰذا الشَّهرُ يَكونُ لَكم رَأسَ الشُّهور، وهو لَكم أَوَّلُ شُهورِ السَّنة. كَلِّما جَماعةَ إِسْرائيلَ كُلَّها ومُراهُم أَن يَتَّخِذوا لَهم، في العاشِرِ مِن هٰذا الشَّهرِ، كُلُّ واحِدٍ حَمَلًا بِحَسَبِ بُيوتِ الآباء، لِكُلِّ بَيتٍ حَمَلًا. فإِن كانَ أَهْلُ البَيتِ أَقَلَّ مِن أَن يأكُلوا حَمَلًا، فلْيَأخُذوه هُم وجارُهمُ القَريبُ مِن مَنزِلِهم بِحَسَبِ عَدَدِ النُّفوس، فَيكونُ الحَمَلُ بِحَسَبِ ما يأُكُلُ كُلُّ واحِد. حَمَلٌ تامٌّ ذَكَرٌ حَولِيٌّ يَكونُ لَكم، مِنَ الضَّأنِ أَوِ المَعِزِ تأخُذونَه. ويَبْقى مَحْفوظًا عِندكم إِلى اليَومِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِن هٰذا الشَّهر، فيَطبُخُه كُلُّ جُمْهورِ جَماعَةِ إِسْرائيلَ بَينَ الغُروبَين. ويأخُذُونَ مِن دَمِه ويَجعَلونَه على قائِمَتَيِ البابِ وعارِضَتِه على البُيوتِ الَّتي يأكُلونَه فيها، ويأكُلونَ لَحمَه في تِلكَ اللَّيلِةِ مَشوِيًّا على النَّار، بأَرغِفَةِ فَطيرٍ معَ أَعْشابٍ مُرَّةٍ يأكُلونَه. لا تأكُلوا شَيئًا مِنه نِيئًا ولا مَسْلوقًا بِالماء، بل مَشوِيًّا على نارٍ مع رأسِه وأَكارِعِه وجَوفِه. ولا تُبقوا شَيئًا مِنه إِلى الصَّباح، فإِن بَقِيَ شيءٌ مِنه إِلى الصَّباح، فأَحرِقوه بِالنَّار. وهٰكذا تأكُلونَه: تَكونُ أَحقاؤُكم مَشْدودةً ونِعالُكُم في أَرجُلِكُم وعِصِيُّكُم في أَيديكُم، وتأكُلونَه على عَجَلٍ فإِنَّه فِصحٌ لِلرَّبّ. وأَنا أَجْتازُ في أَرضِ مِصرَ في تِلكَ اللَّيلة، وأَضرِبُ كُلَّ بِكْرٍ في أَرضِ مِصْر، مِنَ النَّاسِ إِلى البَهائِم، وبِجَميعِ آلِهَةِ المِصريِّينَ أُنَفِّذُ أَحكامًا أَنا الرَّبّ. فَيكونُ الدَّمُ لَكم عَلامةً على البُيوتِ الَّتي أَنتُم فيها، فأَرى الدَّمَ وأَعبُرُ مِن فَوقِكم، ولا تَحِلُّ بِكُم ضَربَةٌ مُهلِكة، إِذا ضَرَبتُ أَرضَ مِصْر. ويَكونُ هٰذا اليَومُ لَكم ذِكْرى، فتُعَيِّدونَه، عيدًا لِلرَّبِّ تُعَيِّدونَه مَدى أَجْيالِكم فَريضةً أَبَدِيَّة. سَبعَةَ أَيَّامٍ تأكُلونَ فَطيرًا. في اليَومِ الأَوَّلِ تَرفَعونَ الخَميرَ مِن مَنازِلِكم، فإِنَّ كُلَّ مَن أَكَلَ خُبزًا خَميرًا مِنَ اليَومِ الأَوَّلِ إِلى اليَومِ السَّابِع، تُفصَلُ تِلكَ النَّفْسُ مِن إِسْرائيل. ويَكونُ لَكم في اليَومِ الأَوَّلِ مَحفِلٌ مُقَدَّس، وفي اليَومِ السَّابِعِ مَحفِلٌ مُقدَّس، لا يُعمَلُ فيهِما عَمَل، بل ما تأكُلُه كُلُّ نَفْسٍ هو وَحدَه يُصنَعُ لَكم. وتَحفَظونَ عيدَ الفطيرِ لأَنِّي في هٰذا اليَومِ عَينِه أَخرَجتُ جُيوشَكم مِن أَرضِ مِصْر، وتَحفَظونَ هٰذا اليَومَ مَدى أَجْيالِكم فَريضةً أَبدِيَّة. في الشَّهرِ الأَوَّل، في اليَومِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنه في المَساءِ تأكُلونَ فَطيرًا إِلى اليَومِ الحادي والعِشْرينَ مِنَ الشَّهرِ في المَساء. سَبعَةَ أَيَّامٍ لا يُوجَدْ خَميرٌ في بُيوتِكم، فإِنَّ كُلَّ مَن أَكَلَ خَميرًا، تُفصَلُ تلكَ النَّفسُ مِن جَماعَةِ إِسْرائيل، نَزيلًا كان أَم مِن أَبْناءِ البَلَد. لا تأكُلونَ شَيئًا مِنَ المُختَمِر، بل في جَميعِ مَساكِنِكُم تأكُلونَ فَطيرًا». فدَعا موسى جَميعَ شُيوخِ إِسْرائيلَ وقالَ لهم: «إِقتطِعوا وخُذوا لكم غَنَمًا بِحَسبِ عَشائِرِكم وٱذبَحوا الفِصْح. ثُمَّ تأخُذونَ باقَةَ زُوفى وتَغمِسونَها في الدَّمِ الَّذي في الطَّسْت، وتَمَسُّونَ عارِضَةَ البابِ وقائِمَتَيه بالدَّمِ الَّذي في الطَّسْت، ولا يَخرُجُ أَحَدٌ مِنكم مِن بابِ مَنزِلِه إلى الصَّباح. فيَجْتازُ الرَّبُّ لِيَضرِبَ مِصْر، فإِذا رأَى الرَّبُّ الدَّمَ على عارِضَةِ البابِ وقائِمَتَيه، عَبَرَ عنِ البابِ ولم يَدعِ المُبيدَ يَدخُلُ بُيوتَكم ضارِبًا. وتَحفَظونَ هٰذا الأَمْرَ فَريضَةً لَكم ولِبَنيكم لِلأَبَد. وإِذا دَخَلتُمُ الأَرضَ الَّتي يُعطيكُمُ الرَّبُّ إِيَّاها كما قال، تَحفَظونَ هٰذه العِبادة. وإِذا قالَ لَكم بَنوكم: ما هٰذِه العِبادَةُ في نَظَرِكُم؟، تَقولون: هي ذَبيحَةُ الفِصْحِ لِلرَّبِّ الَّذي عَبَرَ مِن فَوقِ بُيوتِ بَني إِسْرائيلَ بِمِصْر، حينَ ضَرَبَ مِصرَ وأَنقَذَ بُيوتَنا». فٱنحَنى الشَّعبُ ساجِدًا. وذَهَبَ بَنو إِسْرائيل ففَعَلوا كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى وهارون، بِحَسَبِ ذٰلك فَعَلوا. فلَمَّا كانَ نِصفُ اللَّيل، ضَرَبَ الرَّبُّ كُلَّ بِكْرٍ في أَرضِ مِصْر، مِن بِكرِ فِرعَونَ الَّذي سَيَجلِسُ على عَرشِه إِلى بِكرِ الأَسيرِ الَّذي في الجُبّ، وجَميعَ أَبكارِ البَهائِم. فقامَ فِرعَونُ لَيلًا، هو وجَميعُ حاشِيَتِه وسائِرُ المِصرِيِّين، وكانَ صُراخٌ عَظيمٌ في مِصْر، إِذ لم يَكُنْ بَيتٌ إِلاَّ وفيه مَيْت. فدعا فِرعَونُ موسى وهارونَ لَيلًا وقال: «قوما فٱخرُجا مِن بَينِ شَعْبي، أَنتُما وبَنو إِسْرائيل، وٱذهَبوا وٱعبُدوا الرَّبَّ، كما قُلتُم. وغَنَمُكم أَيضًا وبَقَرُكم خُذوها كما قُلتُم وٱذهَبوا، وبارِكوني أَيضًا». وأَلَحَّ المِصرِيُّونَ على الشَّعب، لِيُعَجِّلوا إِطْلاقَهم مِنَ الأَرض، لأَنَّهم كانوا يَقولون: «سَنَموتُ بِأَجمَعِنا». فحَمَلَ الشَّعبُ عَجينَهم قَبلَ أَن يَختَمِر، فكانَت مَعاجِنُهم مَشْدودةً في ثِيابِهم على مَناكِبِهم. وفَعَلَ بَنو إِسْرائيلَ كَما أَمَرَ موسى، فطَلَبوا مِنَ المِصريِّينَ أَوانِيَ مِن فِضَّةٍ وأَوانِيَ مِن ذَهَبٍ وثِيابًا. وأَنالَ الرَّبُّ الشَّعبَ حُظوَةً في عُيونِ المِصرِيِّين، فأَعاروهم إِيَّاها، وهٰكذا سَلَبوا المِصرِيِّين. ثُمَّ رَحَلَ بَنو إِسْرائيلَ مِن رَعَمْسيسَ إِلى سُكُّوت بِنَحوِ سِتِّ مِئَةِ أَلْفِ ماشٍ مِنَ الرِّجال، ما عدا العِيال. وصَعِدَ أَيضًا معَهم خَليطٌ كَثيرٌ وغنَمٌ وبَقَرٌ ومَواشٍ وافِرةٌ جِدًّا. فخَبَزوا العَجينَ الَّذي خَرَجوا بِه من مِصرَ أَرغِفَةَ فَطير، إِذْ لَم يَكُنْ قَدِ ٱختَمَرَ، لأَنَّهم طُرِدوا مِن مِصْرَ، ولم يَستَطيعوا أَن يَتأخَّروا، حتَّى إِنَّهم لم يُعِدُّوا لأَنْفُسِهِم زادًا. وكانَت إِقامةُ إِسْرائيلَ بِمِصرَ أَربَعَ مِئَةٍ وثَلاثينَ سَنَة. وكانَ، عِندَ ٱنقِضاءِ الأَربَعِ مِئَةٍ والثَّلاثينَ سَنة، في ذٰلك اليَومِ عَينِه، أَن خَرَجَت جَميعُ جُيوشِ الرَّبِّ مِن أَرضِ مِصْر. كانَت لَيلَةَ سَهَرٍ لِلرَّبّ، لإخراجِهم مِن أَرضِ مِصْر. فلَيلَةُ السَّهَرِ هٰذه يَحفَظُها لِلرَّبِّ بَنو إِسْرائيلَ جَميعُهم مَدى أَجْيالِهم. وقالَ الرَّبُّ لِموسى وهارون: «هٰذه فَريضَةُ الفِصح: كُلُّ أَجنَبِيٍّ لا يأكُلُ منه، وكُلُّ عَبدٍ مُشتَرًى بِفِضَّةٍ تَختِنُه، ثُمَّ يأكُلُ مِنه. والضَّيفُ والأَجيرُ لا يأكُلانِ مِنه. في بَيتٍ واحِدٍ يُؤكَل، ولا تُخرِجْ مِنَ البَيتِ شَيئًا مِنَ اللَّحمِ إِلى الخارِج، وعَظْمًا لا تَكسِروا مِنه. جَماعَةُ إِسْرائيلَ كُلُّها تُقيمُ الفِصح. وإِذا نَزَلَ بِكُم نَزيلٌ وأَرادَ أَن يُقيمَ فِصْحًا لِلرَّبّ، فلْيَختَتِنْ كُلُّ ذَكَرٍ لَه، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فيُقيمُه ويَصيرُ كٱبنِ البَلَد، وكُلُّ أَقلَفَ لا يأكُلُ مِنه. شَريعةٌ واحِدَةٌ تَكونُ لِٱبنِ البَلَدِ والنَّزيلِ النَّازِلِ فيما بَينَكم». ففَعَلَ بَنو إِسْرائيلَ جَميعُهم كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى وهارون، هٰكذا فعَلوا. وفي ذٰلك اليَومِ عَينِه أَخرَجَ الرَّبُّ بَني إِسرائيلَ بِجُيوشِهِم مِن أَرضِ مِصْر. وكلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «قَدِّسْ لي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فاتِحِ رَحِمٍ مِن بَني إسرائيل، مِنَ النَّاسِ والبَهائِم، إِنَّه لي». فقالَ موسى للِشَّعْب: «أُذكُرْ ذٰلك اليَومَ الَّذي خَرَجتُم فيه مِن مِصْر، مِن دارِ العُبودِيَّة، لأَنَّ الرَّبَّ أَخرَجَكم بِيَدٍ قَوِيَّةٍ مِن هُناك، فلا يُؤكَلْ خَمير. اليَومَ الَّذي أَنتُم خارِجونَ فيه هو في شَهرِ أَبيب. فإِذا أَدخَلَكَ الرَّبُّ أَرضَ الكَنْعانِيِّينَ والحِثِّيِّينَ والأَمورِيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّين، الأَرضَ الَّتي أَقسَمَ الرَّبُّ لِآبائِكَ أَن يُعطِيَكَ إِيَّاها، أَرضًا تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا، تُقيمُ هٰذه العِبادَةَ في ذٰلك الشَّهر: سَبعَةَ أَيَّامٍ تأكُلُ فَطيرًا، وفي اليَومِ السَّابِعِ عيدٌ لِلرَّبّ. فَطيرٌ يُؤكَلُ في الأَيَّامِ السَّبعَة، فلا يُرى عِندَكَ خَميرٌ ولا شَيءٌ مُختَمِرٌ في جَميعِ أَراضيكَ. وتُخبِرُ ٱبنَكَ في ذٰلك اليَومِ قائلًا: هٰذا لِسَبَبِ ما صَنَعَ الرَّبُّ إِلَيَّ حينَ خَرَجتُ مِن مِصْر. ويَكونُ عَلامةً لَكَ على يَدِكَ، وذِكْرًا بَينَ عَينَيكَ، لِكَي تَكونَ شَريعةُ الرَّبِّ في فَمِكَ، لأَنَّ الرَّبَّ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخرجَكَ مِن مِصْر. وتَحفَظُ هٰذه الفَريضَةَ في وَقتِها سَنَةً فسَنَة. وإِذا أَدخَلَكَ الرَّبُّ أَرضَ الكَنْعانِيِّين، كما أَقسَمَ لَكَ ولآبائِكَ، وأَعطاكَ إِيَّاها. تَعزِلُ لِلرَّبِّ كُلَّ فاتِحِ رَحِمٍ وكُلَّ أَوَّلِ نِتاجٍ مِنَ البَهائِمِ الَّتي لَكَ: الذُّكورُ لِلرَّبّ. وأَمَّا بِكرُ الحِمارِ فتَفْديه بِشاة، وإِن لم تَفدِه فتَكسِرُ قَفا عُنُقِه. وكُلُّ بِكرٍ مِن بَنيكَ تَفْديه. وإِذا سأَلَكَ ٱبنُكَ غدًا قائلًا: ما هٰذا؟، تَقولُ لَه: بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخرَجَنا الرَّبُّ مِن مِصرَ، مِن دارِ العُبودِيَّة. ولَمَّا تَصَلَّبَ فِرعَونُ عن إِطْلاقِنا، قَتَلَ الرَّبُّ كُلَّ بِكْرٍ في أَرضِ مِصْر، مِن بِكْرِ الإِنسانِ إِلى بِكْرِ البَهيمة، ولِذٰلك أَنا أَذبَحُ لِلرَّبِّ كُلَّ فاتِحِ رَحِمٍ مِنَ الذُّكور، وكُلُّ بِكْرٍ مِن بَنِيَّ أَفْديه. فيَكونُ عَلامةً على يَدِكَ وعِصابةً بَينَ عَينَيكَ، لأَنَّ الرَّبَّ بِيَدٍ قوِيَّةٍ أَخرَجَنا مِن مِصْر». ولَمَّا أَطلَقَ فِرعَونُ الشَّعْب، لم يُسَيِّرْهمُ اللهُ في طَريقِ أَرضِ الفَلِسطينِيِّين، مع أَنَّه قَريب، لأَنَّ اللهَ قالَ: «لَعَلَّ الشَّعبَ يَندَم، إِذا رأى حَرْبًا، فيَرجِعُ إِلى مِصْر». فحَوَّلَ اللهُ الشَّعبَ إِلى طَريقِ بَرِّيَّةِ بَحرِ القَصَب، وصَعِدَ بنو إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصرَ مُسَلَّحين. وأَخَذَ موسى عِظامَ يوسُفَ معَه، لأَنَّ يُوسُفَ كانَ قَدِ ٱستَحلَفَ بَني إِسْرائيلَ قائلًا: «إِنَّ اللهَ سَيفتَقِدُكم، فتُصعِدونَ عِظامي مِن هٰهُنا معَكم». ثُمَّ رَحَلوا مِن سُكُّوت وخَيَّموا في إيتام في طَرَفِ البَرِّيَّة. وكانَ الرَّبُّ يَسيرُ أَمامَهم نَهارًا في عَمودٍ مِن غَمامٍ لِيَهدِيَهمُ الطَّريق، ولَيلًا في عَمودٍ مِن نارٍ لِيُضيءَ لَهم، وذٰلك لِكَي يَسيروا نَهارًا ولَيلًا. ولم يَبرَحْ عَمودُ الغَمامِ نَهارًا وعَمودُ النَّارِ لَيلًا مِن أَمامِ الشَّعْب. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ بَني إِسْرائيلَ أَن يَرجِعوا ويُخَيِّموا أَمامَ فَمِ الحِيروت، بَينَ مِجْدولَ والبَحْر، أَمامَ بَعْلَ صَفون، تُخَيِّمونَ تُجاهَه على البَحر. فيَقولُ فِرعَونُ عن بَني إِسْرائيل: إِنَّهم تائِهونَ في الأَرض وإِنَّ البَرِّيَّةَ قد أَطبَقَت علَيهم. وأُقَسِّي أَنا قَلبَ فِرعون، فيَجِدُّ في إِثْرِهم، وأُمَجَّدُ على حِسابِه وعلى حِسابِ جَيشِه كُلِّه، ويَعلَمُ المِصرِيُّونَ أَنَّني أَنا الرَّبّ». ففَعلوا كذٰلك. فلَمَّا أُخبِرَ مَلِكُ مِصرَ أَنَّ الشَّعبَ قد هَرَب، تَغَيَّرَ قَلبُه وقُلوبُ حاشِيَتِه علَيه وقالوا: «ماذا صَنَعْنا، فأَطلَقْنا إِسْرائيلَ مِن خِدمَتِنا؟» فشَدَّ مَركَبَتَه وأَخَذَ قَومَه معه. وأَخَذَ سِتَّ مِئَةِ مَركَبَةٍ مُمْتازةٍ وجَميعَ مَراكِبِ مِصْر، وعلى كُلٍّ مِنها ضُبَّاط. وقَسَّى الرَّبُّ قَلبَ فِرعَون، مَلِكِ مِصْر، فجَدَّ في إِثْرِ بَني إِسْرائيل، وبَنو إِسْرائيلَ خارِجونَ بِيَدٍ عالِيَة. وجَدَّ المِصرِيُّونَ في إِثرِهِم فأَدرَكهم خَيلُ فِرعَونَ كُلُّه ومَراكِبُه وفُرسانُه وجَيشُه، وهم مُخَيِّمونَ على البَحرِ عِندَ فَمِ الحِيروت، أَمامَ بَعْلَ صَفون. ولَمَّا قَرُبَ فِرعَون، رَفَعَ بَنو إِسْرائيلَ عُيونَهم، فإِذا المِصرِيُّونَ ساعونَ وَراءَهم، فخافوا جِدًّا، وصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبّ، وقالوا لِموسى: «أَمِن عَدَمِ القُبورِ بِمِصرَ أَتَيتَ بِنا لِنَموتَ في البَرِّيَّة؟ ماذا صَنَعتَ بِنا فأَخرَجتَنا مِن مِصر؟ أَلَيسَ هٰذا ما كَلَّمناكَ بِه في مِصرَ قائلين: دَعْنا نَخدُمُ المِصريِّين، فإِنَّه خَيرٌ لَنا أَن نَخدُمَ المِصرِيِّينَ مِن أَن نَموتَ في البَرِّيَّة؟» فقالَ موسى لِلشَّعْب: «لا تَخافوا، اُصمُدوا تُعايِنوا الخَلاصَ الَّذي يُجْريه الرَّبُّ اليَومَ لَكم، فإِنَّكم كَما تَرَونَ المِصرِيِّينَ اليَومَ، لَن تَعودوا تَرَونَهم لِلأَبَد. الرَّبُّ يُحارِبُ عنكُم وأَنتُم هادِئون». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «ما بالُكَ تَصرُخُ إِلَيَّ؟ مُرْ بَني إِسْرائيلَ أَن يَرحَلوا. وأَنتَ ٱرفَعْ عَصاكَ ومُدَّ يَدَكَ على البَحرِ فشُقَّه، فيَدخُلُ بَنو إِسْرائيلَ في وَسَطِه على اليَبَس. وهاءَنَذا مُقَسٍّ قُلوبَ المِصرِيِّين، فيَدخُلونَ وَراءَهم، وأُمَجَّدُ على حِسابِ فِرعَونَ وكُلِّ جيشِه ومَراكِبِه وفُرسانِه. فيَعلَمُ المِصرِيُّونَ أَنَّني أَنا الرَّبّ، إِذا مُجِّدتُ على حِسابِ فِرعَونَ ومَراكِبِه وفُرسانِه». فٱنتَقَلَ مَلاكُ الرَّبِّ السَّائِرُ أَمامَ عَسكَرِ إِسْرائيل، فسارَ وَراءَهم، وٱنتَقَلَ عَمودُ الغَمامِ مِن أَمامِهم فوقَفَ وَراءَهم، ودَخَلَ بَينَ عَسكَرِ المِصرِيِّينَ وعَسكَرِ إِسْرائيل، فكانَ الغَمامُ مُظلِمًا مِن هُنا وكانَ مِن هُناكَ يُنيرُ اللَّيل، فلَم يَقتَرِبْ أَحَدُ الفَريقَينِ مِنَ الآخَرِ طَوالَ اللَّيل. ومَدَّ موسى يَدَه على البَحر، فَدَفَعَ الرَّبُّ البَحرَ بِريحٍ شَرقِيَّةٍ شَديدةٍ طَوالَ اللَّيل، حتَّى جَعَلَ البَحرَ جافًّا، وقدِ انشَقَّتِ المِياه. ودَخَلَ بَنو إِسْرائيلَ في وَسَطِ البَحرِ على اليَبَس، والمِياهُ لَهم سورٌ عن يَمينِهم وعن يَسارِهم. وجَدَّ المِصرِيُّونَ في إِثرِهم، ودخَلَ وَراءَهم جَميعُ خَيلِ فِرعَونَ ومَراكِبُه وفُرسانُه إِلى وَسَطِ البَحر. وكانَ في هَجعَةِ الصُّبحِ أَنَّ الرَّبَّ تَطَلَّعَ إِلى عَسكَرِ المِصرِيِّينَ مِن عَمودِ النَّارِ والغَمام وبَلبَلَ عَسكَرَ المِصرِيِّين. وعَطَّلَ دَواليبَ المَراكِب فساقوها بِمَشَقَّة. فقالَ المِصريُّون: «لِنَهرُبْ مِن وَجهِ إِسْرائيل، لأَنَّ الرَّبَّ يُقاتِلُ عنهُمُ المِصرِيِّين». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «مُدَّ يَدَكَ على البَحر، فتَرتَدَّ المِياهُ على المِصرِيِّين، على مَراكِبِهم وفُرْسانِهم». فمَدَّ موسى يَدَه على البَحر، فٱرتَدَّ البَحرُ عِندَ ٱنبِثاقِ الصُّبْح إِلى ما كانَ علَيه، والمِصرِيُّونَ هارِبونَ نَحوَه. فدَحَرَ الرَّبُّ المِصرِيِّينَ في وَسَطَ البَحر. ورَجَعَتِ المِياهُ فغَطَّت مَراكِبَ جَيشِ فِرعَونَ كُلِّه وفُرسانَه الدّاخِلينَ وَراءَهم في البَحر، ولَم يَبقَ مِنهم أَحَد. وسار بَنو إِسْرائيلَ على اليَبَسِ في وَسَطِ البَحر، والمِياهُ لَهم سورٌ عن يَمينِهم وعن يَسارِهم. وفي ذٰلك اليَومِ خَلَّصَ الرَّبُّ إِسْرائيلَ مِن أَيدي المِصرِيِّين، ورأى إِسْرائيلُ المِصرِيِّينَ أَمْواتًا على شاطئِ البَحر. وشاهَدَ إِسْرائيلُ المُعجِزَةَ العَظيمة الَّتي صنَعَها الرَّبُّ بالمِصرِيِّين. فخافَ الشَّعبُ الرَّبّ وآمَنوا به وبِموسى عَبدِه. حينِئِذٍ أَنشَدَ موسى وبنو إِسْرائيلَ هٰذا النَّشيدَ لِلرَّبِّ وقالوا: «أُنشِدُ لِلرَّبِّ فإِنَّه تعَظَّمَ تَعْظيمًا: الفَرَسُ وراكِبُه في البَحرِ أَلقاهُما. الرَّبُّ عِزِّي ونَشيدي، لقَد كانَ لي خَلاصًا. هٰذا إِلٰهي فبِه أُعجَب، إِلٰهُ أَبي فبِه أُشيد. الرَّبُّ رَجُلُ حَربٍ، الرَّبُّ ٱسمُه. مَركَباتُ فِرعَونَ وجَيشُه في البَحرِ أَلقاها، ونُخبَةُ ضُبَّاطِه في بَحرِ القَصَبِ غَرِقوا. الغِمارُ غَطَّتهُم وكالحَجَرِ في الأَعماقِ هَبَطوا. يَمينُك يا رَبُّ تَعتَزُّ بِالقُوَّة، يَمينُكَ يا رَبُّ تُحطِّمُ العَدُوَّ. وبِعَظَمَةِ جَلالِكِ تَصرَعُ مُقاوِميكَ. تُطلِقُ سُخطَكَ فكَالقَشِّ يأكُلُهم، وبِنَفَسِ مِنخَرَيكَ تَراكَمَتِ المِياه. الأمواجُ كالسُّورِ ٱنتَصَبَت، والغِمارُ في قَلبِ البَحرِ جَمَدَت. قالَ العَدُوُّ: «أُطارِدُ فأُدرِك، أُقَسِّمُ الغَنيمةَ فتَكتَظُّ بِها نَفْسي. أَستَلُّ سيفي فتَقرِضُهم يَدي». نَفَختَ ريحكَ فغطَّاهُمُ البَحرُ، وغاصوا كالرَّصاصِ في المِياهِ الهائِلة. مَن مِثْلُكَ يا رَبُّ في الآلِهة؟ مَن مِثلُكَ جَليلُ القَداسة، مَهيبُ المآثِرِ صانِعُ العَجائب؟ مَدَدتَ يَمينَكَ فٱبتَلَعَتهُمُ الأَرض. بِرَحمَتِكَ هَدَيتَ الشَّعبَ الَّذي فدَيتَه، بِعِزَّتِكَ أَرشَدتَه إِلى مَسكِنِ قُدسِكَ. سَمِعَتِ الشُّعوبُ فٱرتَعَدَت، وأَخَذَ المَخاضُ سُكَّانَ فِلَسْطين. حينَئِذٍ ٱرتاعَ زُعَماءُ أَدوم، ورُؤَساءُ موآبَ أَخَذَتهُمُ الرِّعدة وخارَت عَزائِمُ جَميعِ سُكَّانِ كَنْعان. يَقَعُ علَيهمِ الرُّعبُ والهَلَع: بِعَظَمةِ ذِراعِكَ كالحَجَرِ يَخرَسون، حتَّى يَعبُرَ شَعبُكَ يا ربّ، حتَّى يَعبُرَ الشَّعبُ الَّذي اقتَنَيتَه. تأتي بِهِم وفي جَبَلِ ميراثِكَ تَغرِسُهم، في المَكانِ الَّذي أَقَمْتَه يا رَبُّ لِسُكناكَ، المَقدِسِ الَّذي هَيَّأَته يا ربُّ يَدَاكَ. الرَّبُّ يَملِكُ أَبَدَ الدُّهور». لَمَّا دَخَلَت خَيلُ فِرعونَ ومَراكِبُه وفُرسانُه البَحرَ، رَدَّ الرَّبُّ علَيهم مِياهَ البَحر. وأَمَّا بَنو إِسْرائيل، فساروا على اليَبَسِ في وَسَطِ البَحر. ثُمَّ أَخَذَت مَريَمُ النَّبِيَّةُ، أُختُ هارون، الدُّفَّ في يَدِها، وخَرَجَتِ النِّساءُ كُلُّهُنَّ وَراءَها بِالدُّفوفِ والرَّقْص. فجاوَبَتهُنَّ مَريَم: «أَنشِدوا لِلرَّبِّ فإِنَّه تَعَظَّمَ تَعظيمًا. الفَرَسُ وراكِبُه في البَحرِ أَلْقاهما». ثُمَّ رَحَلَ موسى بإِسْرائيلَ مِن بَحرِ القَصَب، وخَرَجوا إِلى بَرِّيَّةِ شور. فساروا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ في البَرِّيَّةِ ولم يَجِدوا ماءً. فوَصَلوا إِلى مارَّة، فلَم يُطيقوا أَن يَشرَبوا مِن مِياهِها لأَنَّها مُرَّة، ولِذٰلك سُمِّيَت مارَّة. فتَذَمَّر الشَّعبُ على موسى وقال: «ماذا نَشرَب؟» فصَرَخَ موسى إلى الرَّبّ، فأَراه الرَّبُّ خَشَبَةً فأَلْقاها في الماءِ فصار عَذْبًا. هُناكَ وَضَعَ الرَّبُّ لَهم فَريضَةً وشَرْعًا وهُناكَ ٱمتَحَنَهم. وقال: «إِن سَمِعتَ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، وصَنَعتَ ما هو مُستَقيمٌ في عَينَيه، وأَصغَيتَ إِلى وَصاياه، وحَفِظتَ جَميعَ فَرائِضِه، فجَميعُ الأَمراضِ الَّتي أَنزَلتُها بِالمِصرِيِّين لا أُنزِلُها بِكَ، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ مُعافيكَ». ثُمَّ وَصَلوا إِلى أَيليم، وكانَ هُناكَ ٱثنَتا عَشَرَةَ عَينَ ماء وسَبْعونَ نَخلَة، فخَيَّموا هُناكَ عِندَ المِياه. ورَحَلوا مِن أَيليم ووَصَلَت جَماعةُ بَني إِسْرائيلَ كُلُّها إِلى بَرِّيَّةِ سينَ الَّتي بَينَ أَيليمَ وسيناءَ في اليَومِ الخامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ الثَّاني لِخُروجِها مِن أَرضِ مِصْر. فتَذَمَّرَت جَماعَةُ بَني إِسْرائيلَ كُلُّها على موسى وهارونَ في البَرِّيَّة. وقالَ لَهما بَنو إِسْرائيل: «لَيتَنا مُتْنا بِيَدِ الرَّبِّ في أَرضِ مِصرَ، حَيثُ كُنَّا نَجلِسُ عِندَ قِدْرِ اللَّحمِ ونأكُلُ مِنَ الطَّعامِ شِبعَنا، في حينِ أَنَّكما أَخرَجتُمانا إِلى هٰذه البَرِّيَّةِ لِتُميتا هٰذا الجُمهورَ كُلَّه بِالجوع». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «هاءَنذا مُمطِرٌ لَكم خُبزًا مِنَ السَّماء. فيَخرُجُ الشَّعبُ ويَلتَقِطُه طَعامَ كُلِّ يَومٍ في يَومِه، لِكَي أَمتَحِنَهم، أَيَسلُكونَ على شَريعَتي أَم لا. فإِذا كانَ اليَومُ السَّادِس وأَعَدُّوا ما يأتونَ به، يَكونُ ضِعفَ ما يَلتَقِطونَه في كُلِّ يَوم». فقالَ موسى وهارونُ لِبَني إِسْرائيلَ كُلِّهم: «في المَساءِ تَعلَمونَ أَنَّ الرَّبَّ هو الَّذي أَخرَجَكم مِن أَرضِ مِصْر، وفي الصَّباحِ تَرَونَ مَجدَ الرَّبّ، لأَنَّه سَمِعَ تَذَمُّرَكم علَيه. وأَمَّا نَحنُ فَمَن حَتَّى تَتَذَمَّروا علَينا؟» وقالَ موسى: «إِنَّ الرَّبَّ عِندَما يُعْطيكم في المَساءِ لَحْمًا تأكُلونَه وفي الصَّباحِ خُبزًا تَشبَعونَ مِنه، ذٰلك لأَنَّه سَمِعَ تَذَمُّركمُ الَّذي تَتَذَمَّرونَ علَيه، وأَمَّأ نَحنُ فمَن؟ إِنَّه لَيسَ علَينا تذمُّرُكم، بل على الرَّبّ». وقالَ موسى لِهارون: «قُلْ لِجماعةِ بَني إِسْرائيلَ كُلِّها: تَقَدَّموا أَمامَ الرَّبّ، لأَنَّه قد سَمِعَ تَذَمُّرَكم». فبَينما كانَ هارونُ يُكَلِّمُ جَماعَةَ بَني إِسْرائيلَ كُلَّها، اِلتَفَتوا نَحوَ البَرِّيَّة، فإِذا مَجدُ الرَّبِّ قد ظَهَرَ في الغَمام. فكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِنِّي قد سَمِعتُ تَذَمُّرَ بَني إِسْرائيل، فكَلِّمْهم قائلًا: بَينَ الغُروبَينِ تأكُلونَ لَحمًا وفي الصَّباحِ تَشبَعونَ خُبزًا، وتَعلَمون أَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم». فلَمَّا كانَ المَساء، صَعِدَتِ السَّلْوى فغَطَّتِ المُخَيَّم، وفي الصَّباحِ كانت طَبَقَةٌ مِنَ النَّدى حَوالَيِ المُخَيَّم. ولَمَّا تَصَعَّدَت طَبَقَةُ النَّدى، إِذا على وَجهِ البَرِّيَّةِ شَيءٌ دَقيقٌ مُحَبَّب، دَقيقٌ كالصَّقيعِ على الأَرض. فلَمَّا رآه بَنو إِسْرائيل، قالَ بَعضُهم لِبَعض: «مَن هو»، لأَنَّهم لم يَعلَموا ما هو. فقالَ لَهم موسى: «هوَ الخُبزُ الَّذي أَعطاكم إِيَّاه الرَّبُّ مَأكلًا. هٰذا ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه: إِلتَقِطوا مِنه كُلُّ واحِدٍ على قَدْرِ أَكلِه، عُمِرًا لِكُلِّ نَفْسٍ. على عَدَدِ نُفوسِكم تأخُذون كُلُّ واحِدٍ لِمَن في خَيمَتِه». ففَعَلَ كذٰلك بَنو إِسْرائيلَ وٱلتَقَطوا. فمِنْهم مَن أَكثَرَ ومِنهم مَن أَقَلَّ. ثُمَّ كالوه بِالعُمِر، فالمُكثِرُ لم يَفضُلْ لَه والمُقِلُّ لم يَنقُصْ عنه، فكانَ كُلُّ واحِدٍ قدِ ٱلتَقَطَ على قَدْرِ أَكلِه. وقالَ لَهم موسى: «لا يُبْقِ أَحَدٌ مِنه شَيئًا إِلى الصَّباح». فلَم يَسمَعوا لِموسى، وأَبْقى مِنه أُناسٌ إِلى الصَّباح، فدَبَّ فيه الدُّودُ وأَنتَنَ، فَسَخِطَ علَيهم موسى. وكانوا يَلتَقِطونَه في كُلِّ صَباح، كُلُّ واحِدٍ على مِقْدارِ أَكلِه. فإِذا حَمِيَتِ الشَّمسُ كانَ يَذوب. ولَمَّا كانَ اليَومُ السَّادِس، اِلتَقَطوا طَعامًا مُضاعَفًا، عُمِرَينِ لِكُلِّ واحِد. فجاءَ رُؤَساءُ الجَماعة كُلُّهم وأَخبَروا موسى. فقالَ لَهم: «هذا ما قالَ الرَّبّ: غدًا سَبْتٌ عَظيم، سَبْتٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبّ. فما تُريدونَ أَن تَطْبُخوه فٱطبُخوه، وما تُريدونَ أن تَسلُقوه فٱسلُقوه، وما فَضَل فٱترُكوه لَكم مَحْفوظًا إِلى الصَّباح». فتَركوه إِلى الصَّباح، كما أَمَرَ موسى، فلَم يُنتِنْ ولَم يَكُنْ فيه دود. فقالَ موسى: «كُلوه اليَومَ، لأَنَّ اليَومَ سَبْتٌ لِلرَّبّ، واليَومَ لا تَجِدونَه في الحَقْل. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَلتَقِطونَه، وفي اليَومِ السَّابِعِ سَبْتٌ، فلا يُوجَدُ فيه». ولَمَّا كانَ اليَومُ السَّابِع، خَرَجَ أَناسٌ مِنَ الشَّعبِ لِيَلتَقِطوا، فلَم يَجِدوا شَيئًا. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِلى متى تأبَونَ أَن تَحفَظوا وَصايايَ وشَرائِعي؟ أُنظُروا: إِنَّ الرَّبَّ أَعْطاكُمُ السَّبْت، ولِذٰلك هو يُعْطيكم في اليَومِ السَّادِسِ طَعامَ يَومَين. فلْيَبْق كُلُّ واحِدٍ حَيثُ هو، ولا يَبرَحْ أَحَدٌ مَكانَه في اليَومِ السَّابِع». فٱستَراحَ الشَّعبُ في اليَوم السَّابِع. وأَطلَقَ علَيه بَيتُ إِسْرائيلَ ٱسمَ المَنّ، وهو كَبِزْرِ الكُزبَرَةِ أَبيَضَ، وطَعمُه كقَطائِفَ بِالعَسَل. وقالَ موسى: «هٰذا ما أَمَرَ الرَّبُّ به: إِملَأُوا عُمِرًا مِنه لِيَكون مَحْفوظًا مَدى أَجْيالِكم حتَّى يَرَوُا الطَّعامَ الَّذي أَطعَمتُكم في البَرِّيَّة، حينَ أَخرَجتُكم مِن أَرضِ مِصْر». وقالَ موسى لِهارون: «خُذْ وِعاءً وٱجعَلْ فيه مِلْءَ العُمِرِ مَنًّا وضَعْه أَمامَ الرَّبّ، لِيَكونَ مَحْفوظًا مَدى أَجْيالِكم». فوضَعَه هارونُ أَمامَ الشَّهادةِ لِيَكونَ مَحْفوظًا، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وأَكَلَ بَنو إِسْرائيلَ المَنَّ أَربَعينَ سَنَةً، إِلى أَن وَصَلوا إِلى أَرضٍ عامِرة، أَكَلوا المَنَّ إِلى حينَ وَصَلوا إِلى حُدودِ أَرضِ كَنْعان. وكانَ العُمِرُ عُشْرَ الإِيفَة. ثُمَّ رَحَلَت جَماعةُ بَني إِسْرائيلَ كُلُّها مِن بَرِّيَّةِ سين مَرحَلَةً مَرحَلَة على حَسَبِ أَمرِ الرَّبّ، وخَيَّموا في رَفيديم. ولَم يَكُنْ هُناكَ ماءٌ يَشرَبُه الشَّعْب. فخاصَمَ الشَّعبُ موسى وقال: «أَعْطونا ماءً نَشرَبُه». فقالَ لَهم موسى: «لِماذا تُخاصِمونَني ولِماذا تُجَرِّبونَ الرَّبّ؟» وعَطِشَ هُناكَ الشَّعبُ إِلى الماء وتَذَمَّرَ على موسى وقال: «لِماذا أَصعَدتَنا مِن مِصرَ؟ أَلِتَقتُلَني أَنا وبَنِيَّ ومَواشِيَّ بِالعَطَش؟» فصَرَخَ موسى إِلى الرَّبِّ قائلًا: «ماذا أَصنَعُ إِلى هٰذا الشَّعْب؟ قَليلًا ويَرجُمُني». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «مُرَّ أَمامَ الشَّعْب وخُذْ مَعكَ مِن شُيوخِ إِسْرائيلَ وعصَاكَ الَّتي ضَرَبتَ بِها النَّهر، خُذْها بِيَدِكَ وٱذهَبْ. ها أَنا قائِمٌ أَمامَكَ هُناكَ على الصَّخرَةِ (في حوريب)، فتَضرِبُ الصَّخرَة، فإِنَّه يَخرُجُ مِنها ماءٌ فيَشرَبُ الشَّعْب». ففَعَلَ موسى كذٰلكَ على مَشهَدِ شَيوخ إِسْرائيل. وسَمَّى ذٰلكَ المَكانَ «مَسَّة ومَريبة» بِسَبَبِ مُخاصَمةِ بَني إِسْرائيلَ وتَجرِبَتِهم لِلرَّبِّ قائلين: «هَلِ الرَّبُّ في وَسْطِنا أَم لا؟». وجاءَ العَمالِقَةُ فحارَبوا إِسْرائيلَ في رَفيديم. فقالَ موسى لِيَشوع: «إِختَرْ لَنا رِجالًا وٱخرُجْ لِمُحارَبَةِ العَمالِقَة، وغَدًا أَنا أَقِفُ على رأسِ التَّلِّ وعَصا اللهِ في يَدي» ففَعَلَ يَشوعُ كَما قالَ لَه موسى في أَمرِ مُحارَبَةِ العَمالِقَة. أَمَّا موسى وهارونُ وحُور فصَعِدوا إِلى رَأسِ التَّلّ. فَكانَ، إِذا رَفَعَ موسى يَدَه، يَغلِبُ بَنو إِسْرائيل، وإِذا حَطَّها، تَغلِبُ العَمالِقَة. ولَمَّا ثَقُلَت يَدا موسى، أَخَذا حَجَرًا وجَعلاه تَحتَه. فجَلَسَ علَيه وأَسنَدَ هارونُ وحُورُ يَدَيه، أَحَدُهما مِن هُنا والآخَرُ مِن هُناك. فكانَت يَداه ثابِتَتَينِ إِلى مَغيبِ الشَّمْس. فهَزَمَ يَشوعُ عَماليقَ وقَومَه بِحَدِّ السَّيف. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «أُكْتُبْ هٰذا ذِكْرًا في كِتاب وضَعْ في أُذُنَي يَشوعَ أَنِّي سأَمْحو ذِكْرَ عَماليقَ مَحْوًا مِن تَحتِ السَّماء». وبَنى موسى مَذبَحًا وسَمَّاه «الرَّبُّ رايَتي». فقَد قال: «إِنَّ يَدًا قدِ ٱرتَفَعَت على عَرشِ الرَّبّ: فالحَربُ قائِمَةٌ بَينَ الرَّبِّ وعَماليقَ مِن جيلٍ إِلى جيل». وسَمِعَ يِتْرو، كاهِنُ مِدْيَنَ وحَمو موسى، بِكُلِّ ما صَنَعَ اللهُ إِلى موسى وإِلى إِسْرائيلَ شَعبِه، كَيفَ أَنَّ الرَّبَّ أَخرَجَ إِسْرائيلَ مِن مِصْر. فأَخَذَ يِتْرو، حَمو موسى، صِفُّورةَ، ٱمرَأَةَ موسى، بَعدَما صَرَفَها، وٱبنَيها اللَّذَينِ ٱسمُ أَحَدِهِما جِرْشوم، لأَنَّ أَباه قال: «كُنتُ نَزيلًا في أَرضٍ غَريبة»، وٱسمُ الآخَرِ أَليعازَر، لأَنَّه قال: «إِلٰهُ أَبي كان عَوني وخَلَّصَني مِن سَيفِ فِرعَون». وأَتى يِتْرو، حَمو موسى، وٱبناه وٱمرَأَتُه إِلى موسى في البَرِّيَّة، حَيثُ كانَ مُخَيِّمًا عِندَ جَبَلِ الله. وأَبلَغَ موسى: «أَنا حَماكَ يِتْروَ قادِمٌ إِلَيكَ، وٱمرَأَتُكَ وٱبْناها معَها». فخَرَجَ موسى لِلِقاءِ حَمِيه، وسَجَدَ وقَبَّلَه وسأَلَ كُلُّ واحِدٍ مِنهما عن سَلامةِ صاحِبِه، ودَخَلا الخَيمَة. وقَصَّ موسى على حَمِيه كُلَّ ما صَنَعَ الرَّبُّ بِفِرعَونَ والمِصرِيِّينَ بِسَبَبِ إِسْرائيل، وكُلَّ ما نالَهم مِنَ المَشَقَّةِ في الطَّريق، وكَيفَ أَنقَذَهمُ الرَّبّ. فسُرَّ يِتْرو بِكُلِّ الخَيرِ الَّذي صَنَعَه الرَّبُّ إِلى إِسْرائيل، عِندَما أَنقَذَهم مِن أَيدي المِصرِيِّين. وقالَ يِتْرو: «تَبارَكَ الرَّبُّ الَّذي أَنقَذَكم مِن أَيدي المِصرِيِّينَ ومِن يَدِ فِرعَون. الآنَ عَلِمتُ أَنَّ الرَّبَّ عَظيمٌ فَوقَ جَميعِ الآلِهَة، في الأَمرِ نَفسِه الَّذي طَغى به المِصرِيُّونَ علَيهم». ثُمَّ أَخَذَ يِتْرو، حَمو موسى، مُحرَقَةً وذَبائِحَ لله. وجاءَ هارونُ وجَميعُ شُيوخِ إِسْرائيلَ لِيأكُلوا مع حَمي موسى أَمامَ الله. ولَمَّا كانَ الغَد، جَلَسَ موسى لِيَقْضِيَ لِلشَّعْب، فوقَفَ الشَّعبُ قُربَه مِنَ الصَّباحِ وحَتَّى المَساء. فلَمَّا رأَى حَمو موسى كُلَّ ما يَصنَعُ لِلشَّعْب، قال: «ما هٰذا الَّذي أَنتَ تَصنَعُه لِلشَّعب، وما بالُكَ جالِسًا وَحدَكَ وكُلُّ الشَّعبِ واقِفٌ أَمامَكَ مِنَ الصَّباحِ حتَّى المَساء؟» فقالَ موسى لِحَمِيه: «إِنَّ الشَّعبَ يأتي إِلَيَّ لِيَستَشيرَ الله. فإِذا كانَت له قَضِيَّة، يأتيني فأَقضِي بَينَ الرَّجُلِ وصاحِبِه، وأُعَرِّفُهم فَرائِضَ اللهِ وشرائِعَه». فقالَ لِموسى حَموه: «لَيسَ ما تَصنَعُه بِحَسَن. فإِنَّكَ، ولا شَكَّ، تُنهِكُ نَفسَكَ كَثيرًا أَنتَ وهٰذا الشَّعبَ الَّذي مَعَكَ أَيضًا، لأَنَّ هٰذا الأَمرَ فَوقَ طاقَتِكَ، ولا تَستَطيعُ أَن تَتَوَلاَّه وَحدَكَ. والآنَ ٱسمَعْ مِنِّي ما أَنصَحُكَ بِه، فيَكونَ اللهُ معَكَ. كُنْ أَنتَ لِلشَّعبِ أَمامَ الله وتَرفَعُ أَنتَ القَضايا إِلَيه. وتُنَبِّهُهم إِلى الفَرائِضِ والشَّرائِع، وتُعَرِّفُهمُ الطَّريقَ الَّذي يَسلُكونَه والعَمَلَ الَّذي يَعمَلونَه. وأَنتَ فٱختَرْ مِن كُلِّ الشَّعبِ أُناسًا مَهَرَةً أَتقِياءَ للهِ أَهْلًا لِلثِّقَةِ يَكرَهونَ الكَسْب. وتُقيمُهم علَيهم رُؤَساءَ أَلفٍ ومِئَةٍ وخَمْسينَ وعَشَرَة. فيَقْضونَ لِلشَّعبِ في كُلِّ وَقْتٍ ويَرفَعونَ إِلَيكَ كُلَّ قَضِيَّةٍ هامَّة، وكُلُّ قَضِيَّةٍ صَغيرةٍ هُم يَقْضونَ فيها. وخَفِّفْ عن نَفْسِكَ، وهم يَحمِلونَ معَكَ. فإِن أَنتَ فَعَلتَ هٰكذا وأَمَرَكَ اللهُ بِأَمرٍ، أَمكَنَكَ الثَّبات، وهٰذا الشَّعبُ كُلُّه يَنصَرِفُ إِلى مُقامِه بِسَلام». فسَمِعَ موسى لِقَولِ حَمِيه وفَعَلَ كُلَّ ما قالَ لَه. فٱختارَ موسى أُناسًا مَهَرَةً مِن كُلِّ إِسْرائيل، فأَقامَهم رُؤَساءَ على الشَّعْب: رُؤَساءَ أَلْفٍ ومِئَةٍ وخَمْسينَ وعَشَرَة. فكانوا يَقْضونَ لِلشَّعبِ في كُلِّ وَقت، وكُلُّ قَضِيَّةٍ عَويصةٍ يَرفَعونَها إِلى موسى، وكُلُّ قَضِيَّةٍ صغيرةٍ يَقْضونَ هُم فيها. ثُمَّ صَرَفَ موسى حَماه، فذَهَبَ إِلى أَرضِه. وفي الشَّهرِ الثَّالِثِ لِخُروجِ بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصْر، في ذٰلك اليَوم، وَصَلوا إِلى بَرِّيَّةِ سيناء. ورَحَلوا مِن رَفيديم ووَصَلوا إِلى بَرِّيَّةِ سيناء فخيَّموا في البَرِّيَّة. هُناكَ خَيَّمَ إِسْرائيلُ تُجاهَ الجَبَل. وصَعِدَ موسى إلى الله، فناداه الرَّبُّ مِنَ الجَبَلِ قائلًا: «كَذا تَقولُ لِآلِ يَعْقوب وتُخبِرُ بَني إِسْرائيل: قد رأَيتُم ما صَنَعتُ بالمِصرِيِّين وكَيفَ حَمَلتُكم على أَجنِحَةِ العِقْبان وأَتيتُ بِكُم إِلَيَّ. والآن، إِن سَمِعتُم سَماعًا لِصَوتي وحَفِظتُم عَهْدي، فإِنَّكم تَكونونَ لي خاصَّةً مِن بَينِ جَميعِ الشُّعوب، لأَنَّ الأَرضَ كُلَّها لي. وأَنتُم تَكونونَ لي مَملَكةً مِنَ الكَهَنَة وأُمَّةً مُقَدَّسة. هٰذا هو الكَلامُ الَّذي تَقولُه لِبَني إِسْرائيل». فجاءَ موسى ودَعا شُيوخَ الشَّعب وجَعَلَ أَمامَهم هٰذا الكَلامَ كُلَّه، كَما أَمَرَه الرَّبّ. فأَجابَ كُلُّ الشَّعبِ وقال: «كُلُّ ما تَكَلَّمَ الرَّبُّ بِه نَعمَلُه». فنَقَلَ موسى كَلامَ الشَّعبِ إِلى الرَّبّ. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «ها أَنا آتٍ إِلَيكَ في كَثافةِ الغَمام لِكَي يَسمَعَ الشَّعبُ مُخاطَبَتي لَكَ ويُؤمِنَ بِكَ لِلأَبَد». فأَخبَرَ موسى الرَّبَّ بكَلامِ الشَّعبِ. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِذْهَبْ إِلى الشَّعبِ وقَدِّسْه اليَومَ وغَدًا، ولْيَغسِلوا ثِيابَهم، ويَكونوا مُستَعِدِّينَ لِليَومِ الثَّالِث، فإِنَّه في اليَومِ الثَّالثِ يَنزِلُ الرَّبُّ أَمامَ الشَّعبِ كُلِّه على جَبَلِ سيناء. وضَعْ حَدًّا لِلشَّعبِ مِن حَوالَيهِ وقُلْ لَهم: إِحذَروا أَن تَصعَدوا الجَبَل أو تَمَسُّوا طَرَفَه، فإِنَّ كُلَّ مَن مَسَّ الجَبَلَ يُقتَلُ قَتْلًا. لا تَمَسُّه يَدٌ، وإِلاَّ يُرجَمُ رَجْمًا أَو يُرْمى رَمْيًا بِالسِّهام، بَهيمَةً كانَ أَو إِنْسانًا، ولا يَحْيا. وحينَ يُنفَخُ في البوق يَصعَدونَ الجَبَل». فنَزَلَ موسى مِنَ الجَبَلِ إِلى الشَّعبِ وقَدَّسَه، وغَسَلوا ثِيابِهم. وقالَ لِلشَّعب: «كونوا مُستَعِدِّينَ لِليَومِ الثَّالِث، ولا تَقرَبوا ٱمرَأَةً». وحَدَثَ في اليَومِ الثَّالِثِ عِندَ الصَّباحِ أَنْ كانَت رُعودٌ وبُروقٌ وغَمامٌ كَثيفٌ على الجَبَل وصَوتُ بوقٍ شَديدٌ جِدًّا، فارتَعَدَ الشَّعبُ كُلُّهُ الَّذي في المُخَيَّم. فأَخرَجَ موسى الشَّعبَ مِنَ المُخَيَّمِ لِمُلاقاةِ الله، فوَقَفوا أَسفَلَ الجَبَل، وجَبَلُ سيناءَ مُدَخِّنٌ كُلُّه، لأَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيه في النَّار، فٱرتَفَعَ دُخانُه كدُخانِ الأَتُّون وٱهتَزَّ الجَبَلُ كُلُّه جِدًّا. وكانَ صَوتُ البوقِ آخِذًا في الِٱشتِدادِ جِدًّا، وموسى يَتَكَلَّم واللهُ يُجيبُه في الرَّعْد. ونَزَلَ الرَّبُّ على جَبَلِ سيناءَ إِلى رأسِ الجَبَل. ونادى الرَّبُّ موسى إِلى رأسِ الجَبَل، فصَعِدَ. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِنزِلْ ونَبِّهِ الشَّعبَ أَن لا يَتَهافَتَ على الرَّبِّ لِيَرى فيَسقُطَ مِنه كَثيرون. ولْيَتَقَدَّسْ أَيضًا الكَهَنَةُ الَّذين يَتَقَدَّمونَ إِلى الرَّبّ، كَيلَا يَبطُشَ الرَّبُّ بِهم». فقالَ موسى لِلرَّبّ: «إِنَّ الشَّعبَ لا يَستَطيعُ أَن يَصعَدَ إِلى جَبَلِ سيناء، لأَنَّكَ نَبَّهتَنا وقُلتَ: ضَعْ حَدًّا لِلجَبَلِ وقَدِّسْه». فقالَ لَه الرَّبّ: «إِذهَبْ فٱنزِلْ، ثُمَّ ٱصعَدْ أَنتَ وهارونُ معكَ، وأَمَّا الكَهَنَةُ والشَّعبُ فلا يَتَهافَتوا لِيَصعَدوا إِلى الرَّبّ، كَيلا يَبطُشَ بِهم». فنَزَلَ موسى إِلى الشَّعبِ وكَلَّمَهم قائلًا ... وتَكَلَّمَ اللهُ بِهٰذا الكَلامِ كُلِّه قائلًا: «أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ الَّذي أَخرَجَكَ مِن أَرضِ مِصرَ، مِن دارِ العُبودِيَّة. لا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرى تُجاهي. لا تَصنَعْ لَكَ مَنْحوتًا ولا صورةَ شَيءٍ مِمَّا في السَّماءِ مِن فَوقُ، ولا مِمَّا في الأَرضِ من أَسفَلُ، ولا مِمَّا في المِياهِ مِن تَحتِ الأَرض. لا تَسجُدْ لَها ولا تَعبُدْها، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلٰهٌ غَيور، أُعاقِبُ إِثمَ الآباءِ في البَنين، إِلى الجِيلِ الثَّالِثِ والرَّابِعِ، مِن مُبغِضِيَّ، وأَصنَعُ رَحمَةً إِلى أُلوفٍ مِن مُحِبِّيَّ وحافِظي وَصاياي. لا تَلفُظِ ٱسمَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ باطِلًا، لأَنَّ الرَّبَّ لا يُبَرِّئُ الَّذي يَلفُظُ ٱسمَه باطِلًا. أُذكُرْ يَومَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَه. في سِتَّةِ أَيَّامٍ تَعمَلُ وتَصنَعُ أَعمالَكَ كلَّها. واليَومُ السَّابِعُ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، فلا تَصنَعْ فيه عَمَلًا أَنتَ وٱبنُكَ وٱبنَتُكَ وخادِمُكَ وخادِمَتُكَ وبَهيمَتُكَ ونَزيلُكَ الَّذي في داخِلِ أَبوابِكَ، لأَنَّ الرَّبَّ في سِتَّةِ أَيَّامٍ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرضَ والبَحرَ وكُلَّ ما فيها، وفي اليَومِ السَّابِعِ ٱستَراح، ولِذٰلك بارَكَ الرَّبُّ يَومَ السَّبتِ وقدَّسَه. أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّكَ، لِكَي تَطولَ أَيَّامُكَ في الأَرضِ الَّتي يُعطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها. لا تَقتُلْ لا تَزْنِ لا تَسرِقْ لا تَشهَدْ على قَريبِكَ شَهادةَ زور لا تَشتَهِ بَيتَ قَريبِكَ: لا تَشتَهِ ٱمرَأَةَ قَريبِكَ ولا خادِمَه ولا خادِمَتَه ولا ثَورَه ولا حِمارَه ولا شَيئًا مِمَّا لِقَريبِكَ». وكان الشَّعبُ كُلُّه يَرى الرُّعودَ والبُروقَ وصَوتَ البوقِ والجَبَلَ يُدَخِّن. فلَمَّا رأَى الشَّعبُ ذٰلكَ ٱرتاعَ ووَقَفَ على بُعْد. وقالَ لِموسى: «كَلِّمْنا أَنتَ فنَسمَع ولا يُكَلِّمْنا اللهُ لِئَلاَّ نَموت». فقالَ موسى لِلشَّعْب: «لا تَخافوا، فإِنَّ اللهَ إِنَّما جاءَ لِيَمتَحِنَكم ولِتَكونَ مخافَتُه أَمامَ وُجوهِكم، لِئَلاَّ تَخْطَأوا». فوَقَفَ الشَّعبُ على بُعْدٍ وتَقَدَّمَ موسى إِلى الغَمامِ المُظلِمِ الَّذي فيه الله. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «كَذا تَقولُ لِبَني إِسْرائيل: قد رَأَيُتم أَنِّي مِنَ السَّماءِ خاطَبتُكم. لا تَصنَعونَ آلِهَةً مِن فِضَّةٍ إِلى جانِبي. وآلِهَةً مِن ذَهَبٍ لا تَصنَعونَ لكم. مَذبَحًا مِن تُرابٍ تَصنَعُ لي وتَذبَحُ علَيه مُحرَقاتِكَ وذبائِحَكَ السَّلامِيَّةَ مِن غَنَمِكَ وبَقَرِكَ. في كُلِّ مَوضِعٍ أَذكُرُ فيه ٱسمي آتيكَ وأُبارِكُكَ. وإِن صَنَعتَ لي مَذبَحًا مِن حِجارَة، فلا تَبْنيه بالحَجَرِ المَنْحوت، فإِنَّكَ إِن رَفَعتَ حَديدَكَ علَيها دَنَّستَها. ولا تَصعَدُ إِلى مَذبَحي على دَرَجٍ لِئَلاَّ تَنكَشِفَ عَورَتُكَ علَيه». وهٰذه هي الأَحْكامُ الَّتي تَجعَلُها أَمامَهم: إِذَا ٱشتَرَيتَ عَبدًا عِبرانِيًّا، فلْيَخدِمْ سِتَّ سِنين، وفي السَّابِعَةِ يَنصَرِفُ حُرًّا مَجَّانًا. إِن جاءَ وَحدَه فلْيَنْصَرِفْ وَحدَه، وإِن كانَ زَوجَ ٱمرَأَةٍ فلْتَنْصَرِفِ ٱمرَأَتُه معَه. وإِن زَوَّجَه سَيِّدُه بٱمرَأَةٍ فوَلَدَت لَه بَنينَ وبَنات، فالمَرأَةُ وأَولادُها يَكونونَ لِسَيِّدِها، وهو يَنصَرِفُ وَحدَه. وإِن قالَ العَبْدُ: «قد أَحبَبتُ سَيِّدي وٱمرَأَتي وبَنِيَّ فلا أَنصَرِفُ حُرًّا، يُقَدِّمُه سَيِّدُه إِلى الله، ويُقدِّمُه إِلى البابِ أَو دَعامَتِه، ويَثقُبُ سَيِّدُه أُذُنَه بِالمِثقَب، فيَخدِمُه لِلأَبد. وإِن باعَ رَجُلٌ ٱبنَتَه أَمَةً، فلا تَنصَرِفِ ٱنصِرافَ العَبيد. وإِن لم تُعجِبْ سَيِّدَها الَّذي أَخَذَها لِنَفْسِه، فلْيَدَعْها تُفتَدى، ولَيسَ لَه أَن يَبيعَها لِقَومٍ غُرَباءَ، لأَنَّه قد غَدَرَ بِها. وإِن أَخَذَها لِٱبنِه، فبِحَسَبِ حُكمِ البَناتِ يُعامِلُها. وإِن تَزَوَّجَ بِأُخْرى، فلا يَنقُصْها مِن طَعامِها وكِسْوَتِها وحَقِّ مُساكَنَتِها. فإِن لم يَصنَعْ معَها هٰذه الثَّلاث، تَنصَرِفُ مَجَّانًا بِلا ثَمَن. مَن ضَرَبَ إِنْسانًا فماتَ، فليُقتَلْ قَتْلًا. فإِن لم يَتَرَصَّدْه، بل أَوقَعَه اللهُ في يَدِه، فسأُحَدِّدُ لَكَ مَكانًا يَهرُبُ إِلَيه. وإِذا جارَ رَجُلٌ على قَريبِه فقَتَلَه مَكرًا، فمِن عِنْدِ مَذبَحي تأخُذُه لِيُقتَل. ومَن ضَرَبَ أَباه أَو أُمَّه، فلْيُقتَلْ قَتْلًا. ومَن خَطِفَ رَجُلًا فباعَه ووُجِدَ في يَدِه، فلْيُقتَلْ قَتلًا. ومَن لَعَنَ أَباه أَو أُمَّه، فلْيُقْتَلْ قَتْلًا. وإِذا تَخاصَمَ رَجُلانِ فضَرَبَ أَحَدُهُما الآخَرَ بِحَجَرٍ أَو لَكْمَة، فلَم يَمُتْ، بل لَزِمَ الفِراش، فإِن قامَ ومَشى خارِجًا على عُكَّازِه، كانَ الضَّارِبُ بَراءً. غَيرَ أَنَّه يُعطيه تَعْويضَ تَعَطُّلِه ويُنفِقُ على عِلاجه. وإِن ضَرَبَ رَجُلٌ عَبدَه أَو أَمَتَه بِقَضيبٍ فماتَ تَحتَ يَدِه، يُنتَقَمُ مِنه ٱنتِقامًا. وأَمَّا إِن بَقِيَ على قَيدِ الحَياةِ يَومًا أَو يَومَين، فلا يُنتَقَمُ مِنه لأَنَّه مالُه. وإِذا تخاصَمَ أُناسٌ فَصَدَموا ٱمرَأَةً حامِلًا فسَقَطَ الجَنينُ ولم يَتأَتَّ ضَرَر، فلْيَدفَعِ الصَّادِمُ غَرامةً كَما يَعْرِضُ علَيه زَوجُ المرأة، ويُؤَدِّيها عن يَدِ القُضاة. وإِن تأَتَّى ضَرَر، تَدفَعُ نَفْسًا بِنَفْس، وعَينًا بِعَين وسِنًّا بِسِنّ ويَدًا بِيَد ورِجْلًا بِرِجْل، وحَرْقًا بِحَرْق وجُرْحًا بِجُرْح ورَضًّا بِرَضّ. وإِن ضَرَبَ رَجُلٌ عَينَ عَبدِه أَو أَمَتِه فأَتلَفَها، فليُطلِقْه حُرًّا بَدَلَ عَينِه. وإِن أَسقَطَ سِنَّ عَبدِه أَو أَمَتِه، فليُطْلِقْه حُرًّا بَدَلَ سِنِّه. وإِن نَطَحَ ثَورٌ رَجُلًا أَوِ ٱمرَأَةً فماتَ، فلْيُرجَمِ الثَّورُ ولا يُؤْكَلْ مِن لَحمِه، وصاحِبُ الثَّورِ بَراء. فإِن كانَ ثَورًا نَطَّاحًا في الأَمْسِ وأَوَّلِ أَمْس، فأُنذِرَ صاحِبُه ولَم يُراقِبْه، وقَتَلَ رَجُلًا أَوِ ٱمرَأَةً، فلْيُرجَمِ الثَّورُ وصاحِبُه أَيضًا يُقتَل. وإِن فُرِضَت علَيه دِيَة، فلْيُعْطِ فِداءَ نَفسِه كُلَّ ما فُرِضَ علَيه. وإِن نَطَحَ صَبِيًّا أَو بِنْتًا، فبِحَسَبِ هٰذا الحُكمِ يُعامَل. وإِن نَطَحَ الثَّورُ عَبدًا أَو أَمَةً، فلْيُؤَدَّ إِلى سَيِّدِه ثَلاثونَ مِثْقالًا مِنَ الفِضَّة، والثَّورُ يُرجَم. وإِن كَشَفَ إِنْسانٌ بِئْرًا أَو حَفَرَ بِئْرًا ولم يُغَطِّها، فسَقَطَ فيها ثَورٌ أَو حِمار، فلْيَدْفَعْ ثَمَنَه صاحِبُ البِئْر ويُؤَدِّه إِلى صاحِبِه، والمَيتُ يَكونُ لَه. وإِن نَطَحَ ثَورُ رَجُلٍ ثَورَ قَريبِه فمات، فلْيَبيعا الثَّورَ الحَيَّ ويَقتَسِما ثَمَنَه، وكذٰلك المَيتُ يَقتَسِمانِه. أَو إِن عُلِمَ أَنَّه ثَورٌ نَطَّاحٌ في الأَمْسِ وأَوَّلِ أَمْسِ ولم يُراقِبْه صاحِبُه، فليُعوِّضْه ثَورًا بَدَلَ ثَورِه، والمَيتُ يَكونُ لَه. إِذا سَرَقَ رَجُلٌ ثَورًا أَو شاةً فذَبَحَه أَو باعَه، فليُعَوِّضْ بَدَلَ الثَّورِ خَمسَةً مِنَ القَطيع وبَدَلَ الشَّاةِ أَربَعَةً مِنَ الخِراف. وإِن وُجِدَ السَّارِقُ وهو يَنقُب، فضُرِبَ وقُتِلَ، ذَهَبَ دَمُه هَدْرًا. فإِن وُجِدَ وقَد أَشرَقَتِ الشَّمْس، فلا يَذهَبُ دَمُه هَدْرًا، بل يُعَوَّض. وإِن لم يَكُنْ لَه شَيءٌ، فلْيُبَعْ لِرَدِّ ما سَرَقَه. وإِن وُجِدَتِ السَّرِقَةُ في يَدِه حَيَّةً مِن ثَورٍ أَو حِمارٍ أَو شاة، فلْيُعَوِّضْ بَدَلَ الواحِدِ ٱثنَين. إذا رعى أَحَدٌ بَهيمَتَه في حَقْلٍ أَو كَرْمٍ وأَطلَقَها فرَعَت في حَقْلِ غَيرِه، فمِن أَجوَدِ حَقلِه أَو كَرْمِه يُعَوِّض. وإِنِ ٱندَلَعَت نارٌ ولاقَت شَوكًا وأَكَلَت أَكْداسًا أَو سُنبُلًا قائِمًا أَو حَقْلًا، فالَّذي أَوقَدَ النَّارَ يُعَوِّض. إِذا دَفَعَ إِنْسانٌ إِلى قَريبِه فِضَّةً أَو أَمتِعَةً لِيَحفَظَها فسُرِقَت مِن مَنزِلِه، فإِن وُجِدَ السَّارق عَوَّضَ ضِعْفَين، وإِن لم يُوجَدِ السَّارِق يَتَقَدَّمُ صاحِبُ المَنزِلِ إِلى الله لِيحَلِفَ أَنَّه لم يَمدُدْ يَدَه إِلى مِلكِ قَريبِه. كُلُّ قَضِيَّةٍ مُختَلَفٍ علَيها في ثَورٍ أَو حِمارٍ أَو شاةٍ أَو ثَوبٍ أَو أَيِّ شَيءٍ مَفْقودٍ يُقالُ فيها: الأَمرُ كذا، فإِلى اللهِ تُرفَعُ قَضِيَّةُ الطَّرَفَين، ومَن يَحكُمِ اللهُ علَيه يُعَوِّضْ قَريبَه ضِعْفَين. إِذا دَفَعَ إِنْسانٌ إِلى قَريبِه حِمارًا أَو ثَورًا أَو شاةً أَو أَيًّا مِنَ البَهائِم لِيَحفَظَه فماتَ أَو كُسِرَت إِحْدى قَوائِمِه أَو سُلِبَ ولم يَرَه أَحَدٌ. فَيمينٌ بِالرَّبِّ تَكونُ بَينَهما لِتُثبِتَ أَنَّ المُؤتَمَنَ لَم يَمُدَّ يَدَه إِلى مِلْكِ قَريبِه، فيَقبَلُها صاحِبُ البَهيمة، والآخَرُ لا يُعَوِّضُ شَيئًا، وإِن سُرِقَتِ البَهيمةُ مِن عِندِه يُعَوِّضُ صاحِبَها. فإِنِ ٱفتُرِسَتِ ٱفتِراسًا، فلْيَأتِ بِها شَهادَةً، ولا يُعَوِّضُ الفَريسة. وإِنِ ٱستَعارَ إِنْسانٌ مِن قَريبِه بَهيمةً فٱنكَسَرَت إِحْدى قَوائِمِها أَو ماتَت ولَيسَ صاحِبُها معَه، يُعَوِّض. وإِن كانَ صاحِبُها مَعَه، فلا يُعَوِّض. وإن كانت مُسْتأجَرَةً يأخُذُ صاحِبُها أُجرَتَها. إِن أَغْرى رَجُلٌ بِكْرًا لم تُخطَبْ فضاجَعَها، فلْيَجعَلْ لَها مَهْرًا فتَكونُ زَوجَةً لَه. فإِن أَبى أَبوها أَن يُزَوِّجَها، فلْيَزِنْ لَه مِنَ الفِضَّةِ مِثلَ مَهْرِ الأَبْكار. ساحِرَةً لا تُبقِ على قَيدِ الحَياة كُلُّ مَن أَتى بَهيمةً، فلْيُقتَلْ قَتْلًا. مَن ذَبَحَ لِآلِهَةٍ لا لِلرَّبِّ وَحدَه فلْيَكُنْ مُحَرَّمًا. والنَّزيلُ فلا تَظلِمْه ولا تُضايِقْه، فإِنَّكم كُنتُم نُزَلاءَ في أَرضِ مِصْر. ولا تُسِئْ إِلى أَرمَلَةٍ ولا يَتيم، فإِن أَسَأْتَ إِلَيهِما إِساءَةً وصَرَخَ إِلَيَّ صُراخًا، فإِنِّي أُصْغي إِلى صُراخِه، فيَحتَدُّ غَضَبي وأَقتُلُكم بِالسَّيف، فتَصيرُ نِساءُكم أَرامِلَ وبَنوكم يَتامى. إِذا أَقرَضتَ فِضَّةً لأَحَدٍ مِن شَعْبي، لِفَقيرٍ عِندَكَ، فلا تَكُنْ لَه كالمُرابي، ولا تَفرِضوا علَيه رِبًى. إِذا ٱستَرهَنتَ رِداءَ قَريبِكَ، فعِندَ مَغيبِ الشَّمْسِ رُدَّه إِلَيه، لأَنَّه سِترُه الوَحيد وكِساءُ جِلدِه، ففيمَ يَنام؟ فإِن هو صَرَخَ إِلَيَّ ٱستَجَبتُ له لأَنَّي رَؤُوف. لا تُجَدِّفْ على الله، ورَئيسَ شَعبِكَ لا تَلْعَنْ. فائِضُ بَيدَرِكَ ومَعصَرَتِكَ لا تُبطِئْ في تَقْريبِه، وبِكْرُ بَنيكَ تُعْطيني إِيَّاه. وكذٰلك تَصنَعُ بِبَقَرِكَ وغَنَمِكَ. سَبعَةَ أَيَّامٍ يَكونُ مع أُمِّه، وفي اليَومِ الثَّامِنِ تُعْطيني إِيَّاه. أُناسًا مُقدَّسينَ تَكونونَ لي، ولَحْمَ فَريسَةٍ في الحَقْلِ لا تأكُلون، بل تُلْقونَه لِلْكِلاب. لا تَنقُلْ خَبَرًا كاذِبًا، ولا تَضَعْ يَدَكَ مع الشِّرِّيرِ لِشَهادَةِ زُور. لا تَتبَعِ الكَثيرينَ إِلى فِعْلِ الشَّرّ، ولا تُحَرِّفْ وأَنتَ تَشهَدُ في الدَّعاوى، مائلًا جِهَةَ الكَثيرين، ولا تُحابِ المِسْكينَ في دَعْواه. إِذا لَقِيتَ ثَورَ عَدُوِّكَ أَو حِمارَه ضالًّا، فرُدَّه إِلَيه. وإِذا رَأَيتَ حِمارَ مُبغِضِكَ ساقِطًا تَحتَ حِملِه، فكُفَّ عن تَجَنُّبِه، بل أَنهِضْه معَه. لا تُحَرِّفْ حَقَّ المِسْكينِ في دَعْواه. إِبْتَعِدْ عن القَضِيَّةِ الكاذِبة، والبَريءُ والبارُّ لا تَقتُلْهما، فإِنِّي لا أُبَرِّئُ الشَّرِّير. لا تأخُذْ رَشْوَةً، فإِنَّ الرَّشْوةَ تُعْمي البُصَراء وتُفسِدُ أَقْوالَ الأَبْرار. ولا تُضايِقِ النَّزيل، لأَنَّكم تَعلَمونَ ما في نَفْسِ النَّزيل، فإِنَّكم كُنتُم نُزَلاءَ في أَرضِ مِصْر. سِتَّ سِنينَ تَزرَعُ أَرضَكَ وتَجمَعُ غَلَّتَها، وفي السَّابِعَةِ أَرِحْها وٱترُكْها أَرضَ سُبات، فيأكُلَ مِنها فُقَراءُ شَعبكَ، وما فَضَلَ بَعدَهم تأكُلُه وُحوشُ البَرِّيَّة، وكذٰلك تَصنَعُ بِكَرمِكَ وزَيتونِكَ. في سِتَّةِ أَيِّامٍ تَعمَلُ أَعْمالَكَ، وفي اليَومِ السَّابِعِ تُعَطِّلُ لِكَي يَستَريحَ ثَورُكَ وحِمارُكَ ويَتَنَفَّسَ ٱبنُ أَمَتِكَ والنَّزيل. وكُلُّ ما قُلتُه تنبَّهوا لَه، وٱسمُ آلِهَةٍ أُخَرَ لا تَذكُرْه ولا يُسمَعْ مِن فَمِكَ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ تُعَيِّدُ لي في السَّنَة. تَحفَظُ عيدَ الفَطير: سَبعَةَ أَيَّامٍ تأكُلُ فَطيرًا، كما أَمرتُكَ، في الوَقتِ المحدَّدِ مِن شَهرِ أَبيب، لأَنَّكَ فيه خَرَجتَ مِن مِصْر، ولا يُحضَرُ أَمامي فارِغًا. وتَحفَظُ عيدَ حِصادَ بَواكيرِ غَلاَّتِكَ الَّتي تَزرَعُها في الحَقْل وعيدَ جَمعِ الغَلَّةِ عِندَ نِهايةِ السَّنَة، عِندَما تَجمَعُ غَلاَّتِكَ مِنَ الحَقْل. ثَلاثَ مَرَّاتٍ في السَّنةِ يُحضَرُ جَميعُ ذُكْرانِكَ أَمامَ الرَّبِّ الإلٰه. لا تُقَرِّبْ دَمَ ذَبيحَتي على خَمير، ولا يَبِتْ شَحْمُ عيدي إِلى الصَّباح. وأَوائِلُ بَواكيرِ أَرضِكَ تأتي بِها إِلى بَيتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. لا تَطبُخِ الجَدْيَ بِلَبَنٍ حَليبٍ مِن أُمِّه. ها أَنا مُرسِلٌ أَمامَكَ مَلاكًا لِيَحفَظَكَ في الطَّريق ويأتِيَ بِكَ إِلى المَكانِ الَّذي أَعدَدتُه. فتَنَبَّهْ لَه وٱسمَعْ صَوتَه ولا تَتَمَرَّدْ علَيه، فإِنَّه لا يَصفَحُ عن مَعصِيَتِكم، لأَنَّ ٱسْمي فيه. فإِن سَمِعتَ صَوتَه وعَمِلتَ بِكُلِّ ما أَتَكَلَّمُ به، عادَيتُ أَعداءَكَ وخاصَمتُ مُخاصِميكَ. لأَنَّ مَلاكي يَسيرُ أَمامَكَ ويُدخِلُكَ أَرضَ الأَمورِيِّينَ والحِثِّيِّينَ والفَرِّزِيِّينَ والكَنْعانِيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّين، وأُبيدُهم. لا تَسجُدْ لِآلِهَتِهم ولا تَعبُدْها ولا تَعمَلْ كأَعْمالِهم، بل تُحَطِّمُ آلِهَتَهم تَحْطيمًا وتُكَسِّرُ أَنْصابَها تَكْسيرًا. وتَعبُدونَ الرَّبَّ إِلٰهَكم، فيُبارِكُ خُبزَكَ وماءَكَ، وأُزيلُ المَرَضَ عنكَ. ولا تَكونُ مُجهِضَةٌ ولا عاقِرٌ في أَرضِكَ، وعَدَدُ أَيَّامِكَ أُكَمِّلُه. وأُرسِلُ رُعْبي أَمامَكَ، وأُلْقي رُعْبي على كُلِّ الشُّعوبِ الَّتي تَدخُلُ إِلَيها، وأَجعَلُ جَميعَ أَعدائِكَ مُدبِرينَ أَمامَكَ. وأُرسِلُ الزَّنابيرَ أَمامَكَ، فتَطرُدُ الحُوِّيِّينَ والكَنْعانِيِّينَ والحِثِّيِّينَ مِن أَمامِ وَجهِكَ. لا أَطرُدُهم مِن أَمامِ وَجهِكَ في سَنةٍ واحِدة، كَيلا تَصيرَ الأَرضُ قَفْرًا فتَكثُرَ علَيكَ وُحوشُ الحُقول. لَكِنَّني أَطرُدُهم قَليلًا قَليلًا مِن أَمامِكَ، إِلى أَن تَنمُوَ فتَرِثَ الأَرض. وأَجعَلُ حُدودَكَ من بَحرِ القَصَبِ إِلى بَحرِ فَلِسْطين، ومِنَ البَرِّيَّةِ إِلى النَّهْر، لأَنِّي أُسَلِّمُ إِلى أَيديكُم سُكَّانَ الأَرضِ فتَطرُدُهم مِن أَمامِ وَجهِكَ. لا تَقطَعْ لَهم ولا لِآلِهَتِهم عَهدًا. ولا يُقيموا في أَرضِكَ كَيلا يَجعَلوكَ تَخطَأُ إِلَيَّ بأَن تَعبُدَ آلِهَتَهم، فيَكونَ ذٰلكَ لَكَ فَخًّا». وقالَ اللهُ لِموسى: «إصعَدْ إِلى الرَّبِّ أَنتَ وهارون وناداب وأَبيهو وسَبْعونَ مِن شُيوخِ إِسْرائيل، وٱسجُدوا مِن بَعيد. ثُمَّ يَتَقَدَّمُ موسى وَحدَه إِلى الرَّبّ، وهُم لا يَتَقَدَّمون. وأَمَّا الشَّعْبُ فلا يَصعَدْ معَه». فجاءَ موسى وقَصَّ على الشَّعبِ جَميعَ أَقْوالِ الرَّبِّ وجَميعَ الأَحْكام. فأَجابَه الشَّعْبُ كُلُّه بِصَوتٍ واحِدٍ وقال: «كُلُّ ما تَكَلَّمَ بِه الرَّبُّ نَعمَلُ بِه». فكَتَبَ موسى جَميعَ كَلامِ الرَّبّ، وبَكَّرَ في الصَّباح وبَنى مَذبَحًا في أَسفَلِ الجَبَل، وٱثنَي عَشَرَ نُصُبًا لأَسباطِ إِسْرائيلَ الاِثنَي عَشَر. وأَرسَلَ شُبَّانَ بَني إِسْرائيل فأَصعَدوا مُحرَقاتٍ وذَبَحوا ذَبائِحَ سَلامِيَّةً مِن العُجولِ لِلرَّبّ. فأَخَذَ موسى نِصْفَ الدَّمِ وجَعَله في طُسوت ورَشَّ النِّصفَ الآخَرَ على المَذبَح. وأَخَذَ كِتابَ العَهْدِ فتَلا على مَسامِعِ الشَّعْبِ فقال: «كُلُّ ما تَكَلَّمَ الرَّبُّ بِه نَفعَلُه ونَسمَعُه». فأَخَذَ موسى الدَّمَ ورَشَّه على الشَّعبِ وقال: «هُوَذا دَمُ العَهدِ الَّذي قَطَعَه الرَّبُّ معَكم على جَميعِ هٰذه الأَقْوال». ثُمَّ صَعِدَ موسى وهارون وناداب وأَبيهو وسَبْعونَ مِن شُيوخِ إِسْرائيل، فرَأَوا إِلٰهَ إِسْرائيلَ وتَحتَ رِجلَيه شِبْهُ صُنعِ بَلاطِ سَفيرٍ أَشبَهَ بِالسَّماءِ نَفسِها نَقاءً. وعلى أَعْيانِ بَني إِسْرائيلَ هٰؤُلاءِ لم يَمُدَّ يَدَه، فرأَوا اللهَ وأَكَلوا وشَرِبوا. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِصعَدْ إِلَيَّ إِلى الجَبَل وأَقِمْ هُنا حَتَّى أُعطِيَكَ لَوحَيِ الحِجارةِ والشَّريعَةَ والوَصِيَّةَ الَّتي كَتَبتُها لِتَعْليمِهم». فقامَ موسى ويَشوعُ مُساعِدُه وصَعِدَ موسى إِلى جَبَلِ الله. وقالَ موسى لِلشُّيوخ: «إِنتَظِرونا هٰهُنا حَتَّى نَرجِعَ إِلَيكم، وهُوَذا هارونُ وحورٌ معَكم. فمَن كانَت لَه قَضِيَّة، فلْيَتَقَدَّمْ إِلَيهما». وصَعِدَ موسى الجَبَل. فغَطَّى الغَمامُ الجَبَل. وحَلَّ مَجدُ الرَّبِّ على جَبَلِ سيناء، وغَطَّاه الغَمامُ سِتَّةَ أَيَّام، وفي اليَومِ السَّابِعِ دعا الرَّبُّ موسى مِن وَسَطِ الغَمام. وكانَ مَنظَرُ مَجدِ الرَّبِّ كَنارٍ آكِلةٍ في رَأسِ الجَبَل أَمامَ عُيونِ بَني إِسْرائيل. فدَخَلَ موسى في وَسَطِ الغَمامِ وصَعِدَ الجَبَل. وأَقامَ موسى في الجَبَلِ أَربَعينَ يَومًا وأَربَعينَ لَيلَة. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ بَني إِسْرائيلَ أَن يأخُذوا لي تَقدِمةً. مِن كُلِّ إِنْسانٍ ما يَسْخو بِه قَلبُه تأخُذونَه تَقدِمةً لي. وهٰذه هي التَّقدِمةُ الَّتي تأخُذونَها مِنهم: ذَهَبٌ وفِضَّةٌ ونُحاس، وبِرفيرٌ بَنَفسَجِيٌّ وأُرجُوان وقُماشٌ قِرمِزِيّ وكَتَّانٌ ناعِم وشَعَرُ مَعِز، وجُلودُ كِباشٍ مَصبوغَةٌ بِالحُمرَة وجُلودُ دَلافين وخَشَبُ سَنْط، وزَيتٌ لِلمَنارة وأَطْيابٌ لِزَيتِ المِسحَةِ ولِلبَخورِ العَطِر، وحِجارةُ جَزْعٍ وحِجارةُ تَرْصيعٍ لِلأَفودِ والصُّدرَة. ويَصنَعونَ لي مَقدِسًا فأَسكُنُ فيما بَينَهم. بِحَسَبِ كُلِّ ما أُريكَ مِن شَكلِ المَسكِنِ وشَكلِ جَميعِ آنِيَتِه كذلك تَصنَعون. ويَصنَعونَ تابوتًا مِن خَشَبِ السَّنْط يَكونُ طولُه ذِراعَينِ ونِصْفًا وعَرضُه ذِراعًا ونِصْفًا وعُلُّوه ذِراعًا ونِصْفًا. ولَبِّسْه بِذَهَبٍ خالِص، مِن داخِلٍ ومِن خارِجٍ تُلَبِّسُه، وتَصنَعُ علَيه إِكْليلًا مِن ذَهَبٍ مُحيطًا بِه. وصُبَّ لَه أَربَعَ حَلَقاتٍ مِن ذَهَب وٱجعَلْها على أَربَعِ قوائِمِه، حَلْقَتَينِ مِن جانِبِه الأَوَّل وحَلْقَتَينِ مِن جانِبِه الآخَر. وٱصنَعْ قَضيبَينِ مِن خَشَبِ السَّنْط ولَبِّسْهُما بِالذَّهَب. وأَدخِلِ القَضيبَينِ في الحَلَقاتِ على جانِبَيِ التَّابوتِ لِيُحمَلَ بِهما. ويَبْقى القَضيبانِ في الحَلَقاتِ لا يُرفَعانِ عنه. وضَعْ في التَّابوتِ الشَّهادةَ الَّتي أُعطيكَ إِيَّاها. وٱصنَعْ كَفَّارةً مِن ذَهَبٍ خالِص، طولُها ذِراعَينِ ونِصْفًا في عَرْضِ ذِراعٍ ونِصْف. وٱصنَعْ كَروبَينِ، مِن ذَهَبٍ مُطَرَّقٍ تَصنَعُهما على طَرَفَيِ الكَفَّارة. تصنَعُ كَروبًا على هٰذا الطَّرَف وكروبًا على ذاكَ الطَّرَف تَصنَعون، ويكون الكَروبانِ جُزْءًا مِنَ الكَفَّارةِ وعلى طَرَفَيها. ويَكونُ الكَروبانِ باسِطَينِ أَجنِحَتَهما إِلى فَوق، مُظَلِّلَينِ بِأَجنِحَتِهِما الكَفَّارَة، ووَجْهاهُما الواحِدُ نَحوَ الآخَر، ونَحوَ الكَفَّارَةِ يَكونُ وَجْهاهُما. وتَجعَلُ الكَفَّارَةَ على التَّابوتِ مِن فَوقُ، وفي التَّابوتِ تَضَعُ الشَّهادةَ الَّتي أُعطيكَ إِيَّاها. فأَجتَمِعُ بِكَ هُناكَ وأُخاطِبُكَ مِن فَوقِ الكَفَّارَة، مِن بَينِ الكَروبَينِ اللَّذَينِ على تابوتِ الشَّهادة، بِكُلِّ ما أُوصيكَ بِه إِلى بَني إِسْرائيل. وٱصنَعْ مائِدَةً مِن خَشَبِ السَّنْطِ طولُها ذِراعان وعَرضُها ذِراعٌ واحِدة وعُلُوُّها ذِراعٌ ونِصْف، ولَبِّسْها بِذَهَبٍ خالِص وٱصنَعْ لَها إِكْليلًا مِن ذَهَبٍ يُحيطُ بِها. وٱصنَعْ لَها إِطارًا بِعَرْضِ شِبرٍ مِن حَولِها، وصُغْ لإطارِها إِكْليلًا مِن ذَهَبٍ على مُحيطِها. وٱصنَعْ لَها أَربَعَ حَلَقاتِ ذَهَب وٱجعَلِ الحَلَقاتِ في أَربَعِ زَوايا قَوائِمِها الأَربَع: بِجانِبِ الإِطار تَكونُ الحَلَقاتُ بُيوتًا للقَضيبَينِ لِحَملِ المائِدة. وتَصنَعُ القَضيبَينِ مِن خَشَبِ السَّنْط وتُلَبِّسُهما بِذَهَب فتُحمَلُ بِهما المائِدة. وٱصنَعْ صِحافَها وقِصاعَها وأَباريقَها وكؤُوسَها الَّتي يُسكَبُ بِها، مِن ذَهَبٍ خالِصٍ تَصنَعُها، وضَعْ على المائِدَةِ الخُبزَ المُقدَّسَ أَمامي دائمًا. وٱصنَعْ مَنارةً مِن ذَهَبٍ خالِص، مِن ذَهَبٍ مُطَرَّقٍ تَصنَعُها هي وقاعِدَتَها وساقَها، وتَكونُ أَكْمامُها وبَراعِمُها وأَزهارُها جُزءًا مِنها. ولْتَكُنْ سِتُّ شُعَبٍ مُتَفَرِّعَةٌ مِن جانِبَيها: ثَلاثُ شُعَبِ المَنارةِ مِن جانِبِها الأَوَّل وثَلاثُ شُعَبِ المَنارةِ مِن جانِبِها الآخَر، وثَلاثَةُ أَكْمامٍ لَوزِيَّةٍ في الشُّعبَةِ الأُولى بِبُرعُمٍ وزَهرَة، وثَلاثةُ أَكْمامٍ لَوزِيَّةٍ في الشُّعبَةِ الأُخرى بِبُرعُمٍ وزَهرَة، وكذٰلك يَكونُ لِلسِّتِّ الشُّعَبِ المُتَفَرِّعَةِ مِنَ المَنارة. وتَكونُ في المَنارةِ أَربَعَةُ أَكْمامٍ لَوزِيَّةٍ بِبُرعُمِها وزَهرِها: بُرعُمٌ تَحتَ الشُّعبَتَينِ الأُولَيينِ يَكونُ جُزءًا مِنها، وَبُرعُمٌ تَحتَ الشُّعبَتَينِ، الأُخرَيَينِ يَكونُ جُزءًا مِنها، وبُرعُمٌ تَحتَ الشُّعبَتَينِ الأُخرَيَينِ يَكونُ جُزءًا مِنها. كَذا لِلسِّتِّ الشُّعَبِ المُتفَرِّعَةِ مِنَ المَنارة. وتَكونُ بَراعِمُها وشُعَبُها جُزءًا مِنها، كُلُّها قِطعَةٌ واحِدةٌ مُطَرَّقةٌ مِن ذَهَبٍ خالِص. وٱصنَعْ سُرُجَها سَبعَةً وٱجعَلْها عالِيَةً وتُضاءُ على جِهَةِ وَجهِها. ويَكونُ مَقاصُّها ومَنافِضُها مِن ذَهَبٍ خالِص. بِقِنْطارٍ مِن ذَهَبٍ خالِصٍ تَصنَعُ المنارةَ مع جَميعِ هٰذه الآنِيَة. فٱنظُرْ وٱصنَعْ على المِثالِ الَّذي يُعرَضُ لَكَ في الجَبَل. وأَمَّا المَسكِنُ فٱصنَعْه عَشْرَ قِطَعٍ مِن كَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول وبِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ وأُرجُوانٍ وقُماشٍ قِرمِزيٍّ، مع كَروبينَ صُنْعَ فَنَّانٍ تَصنَعُها. طُولُ القِطعَةِ الواحِدَةِ ثمانٍ وعِشْرونَ ذِراعًا في عَرضِ أَربَعِ أَذرُع. قِياسٌ واحِدٌ لِجَميع القِطَع. خَمْسُ قِطَعٍ تَكونُ مَوصولَةً الواحِدَةُ بالأُخْرى، والخَمْسُ القِطَعُ الأُخْرى تَكونُ مَوصولةً الواحِدَةُ بِالأُخْرى. وٱصنَعْ شَرائِطَ مِنَ البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيِّ في حاشِيَةِ القِطعَةِ الأُولى في طَرَفِ الوُصلَةِ الأُولى، وكذٰلك تَصنَعُ في حاشِيَةِ القِطعَةِ الَّتي في طَرَفِ الوُصلَةِ الأُخرى. خَمْسينَ شَريطًا تَصنَعُ لِلقِطعَةِ الأُولى وخَمْسينَ شَريطًا في طَرَفِ قِطعَةِ الوُصلَةِ الأُخرى، ولْتَكُنِ الشَّرائِطُ مُتَقابِلَةً أَحَدُهما إِلى الآخَر. وٱصنَعْ خَمْسينَ مِشبَكًا مِن ذَهَب وأَوصِلِ القِطَعَ الأُولى بِالأُخْرى بِالمَشابِك، فيَصيرَ المَسكِنُ واحِدًا. وٱصنَعْ قِطَعًا مِن شَعَرِ المَعِزِ تَكونُ خَيمَةً فَوقَ المَسكِن، إِحْدَى عَشْرَةَ قِطعَةً تَصنَعُها. طولُ القِطعَةِ ثَلاثونَ ذِراعًا في عَرْضِ أَربَعِ أَذرُعٍ، قِياسٌ واحِدٌ لِلإحْدى عَشْرَةَ قِطعَة. وتَصِلُ خَمْسَ قِطَعٍ على حِدَة وسِتَّ قِطَعٍ على حِدَة، وتَثْني القِطعَةَ السَّادِسةَ إِلى وَجهِ الخَيمَة. وتَصنَعُ خَمْسينَ شَريطًا في حاشِيَةِ القِطعةِ الأُولى الَّتي في طَرَفِ الوُصلَة، وخَمْسينَ شَريطًا في حاشِيَةِ قِطعَةِ الوُصلَةِ الأُخْرى. وتَصنَعُ خَمْسينَ مِشْبَكًا مِن نُحاس، وتُدخِلُ المَشابِكَ في الشَّرائِط، وتَصِلُ الخَيمَةَ فتَصيرَ واحِدة. والفاضِلُ مِن قِطَعِ الخَيمةِ تُسدِلُه، نِصْفُ القِطعَةِ الفاضِلُ يُسدَلُ على مُؤَخَّرِ المَسكِن، والذِّراعُ مِن هُنا والذِّراعُ مِن هُنا، وهو الفاضِلُ مِن طولِ قِطَعِ الخَيمةِ يَكونُ مُسدَلًا على جانِبَيِ المَسكِنِ مِن هُنا ومِن هُنا لِيُغَطِّيَه. وٱصنَعْ غِطاءً لِلخَيمةِ مِن جُلودِ كِباشٍ مَصْبوغَةٍ بِالحُمرَةِ، وغِطاءً مِن جُلودِ دَلافينَ مِن فَوقُ. وٱصنَعْ أَلْواحًا لِلمَسكِنِ مِن خَشَبِ السَّنْطِ قائِمَةً، طولِ اللَّوحِ عَشرُ أَذرُعٍ في عَرضِ ذِراعٍ ونِصْف. ولْيَكُنْ لِكُلِّ لَوحٍ لِسانانِ مُتقابلانِ أَحَدُهما إِلى الآخَر. كذٰلك تَصنَعُ لِجَميعِ أَلْواحِ المَسكِن. وتَصنَعُ الأَلواحَ لِلمَسكِن: عِشْرينَ لَوحًا جِهَةَ الجَنوبِ نَحوَ اليَمين. وتَصنَعُ أَربَعينَ قاعِدَةً مِن فِضَّةٍ تَحتَ الألواحِ العِشْرين: قاعِدَتَينِ قاعِدَتَينِ تَحتَ كُلِّ لَوحٍ لِلِسانَيه. ولِجانِبِ المَسكِنِ الثَّاني مِن جِهَةِ الشَّمالِ تَصنَعُ عِشْرينَ لَوحًا، وقَواعِدَها الفِضِّيَّةَ الأَربَعين: قاعِدَتَينِ قاعِدَتَينِ تَحتَ كُلِّ لَوح. وتَصنَعُ لِمُؤَخَّرِ المَسكِنِ جِهَةَ الغَرْبِ سِتَّةَ أَلْواح، وتَصنَعُ لَوحَينِ أَيضًا لِزاوِيَتَيِ المَسكِنِ في المُؤَخَّر. ويَكونانِ مُزدَوِجَينِ مِن أَسفَلُ ويَلتَقِيانِ في أَعْلاهُما إِلى الحَلْقَةِ الأُولى. كذٰلِك يَكونانِ كِلاهُما لِلزَّاوِيَتَين. فهُناكَ ثَمانِيَةُ أَلْواحٍ قَواعِدُها مِن فَضَّة، أي سِتَّ عَشْرَةَ قاعِدة: قاعِدَتانِ قاعِدَتانِ تَحتَ كُلِّ لَوح. وتَصنَعُ عَوارِضَ مِن خَشَبِ السَّنْط: خَمْسًا لأَلواحِ الجانَبِ الأَوَّلِ مِنَ المَسكِن، وخَمْسَ عَوارِضَ لأَلْواحِ الجانِبِ الآخَرِ مِن المَسكِن، وخَمسَ عَوارِضَ لأَلْواحِ جانِبِ المَسكِنِ في المُؤَخَّرِ جِهَةَ الغَرْب. والعارِضَةُ الوُسْطى في وَسَطِ الأَلْواحِ نافِذَةٌ مِنَ الطَّرَفِ إِلى الطَّرَف. ولَبِّسِ الأَلْواحَ بِذَهَب وتَصنَعُ لَها حَلَقاتٍ مِن ذَهَبٍ بُيوتًا لِلعَوارِض وتُلَبِّسُ العَوارِضَ بِذَهَب. وٱنصِبِ المَسكِنَ بِشَكلِه الَّذي أُريتَه في الجَبَل. وٱصنَعْ حِجابًا مِن بِرفيرٍ بِنَفسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُماشٍ قِرمِزِيّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول، صُنعَ فَنَّانٍ يُصنَعُ بِكَروبين. وتَجعَلُه على أَربَعَةِ أَعمِدَةٍ مِنَ السَّنْطِ مُلَبَّسةٍ بِالذَّهَب كَلاليبُها مِن ذَهَب ولَها أَربَعُ قَواعِدَ مِن فِضَّة. وتَجعَلُ الحِجابَ تَحتَ المَشابِك وتُدخِلُ إِلى هُناكَ داخِلَ الحِجابِ تابوتَ الشَّهادة، فيَكونُ الحِجابُ لَكم فاصِلًا بَينَ القُدْسِ وقُدْسِ الأَقْداس. وتَجعَلُ الكَفَّارةَ على تابوتِ الشَّهادةِ في قُدْسِ الأَقْداس. وتَضَعُ المائدَةَ خارِجَ الحِجاب والمَنارةَ تُجاهَها إِلى الجانِبِ الجَنوبِيِّ مِنَ المَسكِن، والمائِدَةُ تَجعَلُها إِلى الجانِبِ الشَّمالِيّ. وتَصنَعُ سِتارًا لِبابِ الخيمةِ مِن بِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ وأُرجُوانٍ وقُماشٍ قِرمِزِيّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول، صُنعَ مُطَرِّز. وتَصنَعُ لِلسِّتارِ خَمسَةَ أَعمِدَةٍ مِن سَنْطٍ مُلبَّسةٍ بِذَهَب وتَكونُ كَلاليبُها مِن ذَهَب وتَسبِكُ لَها خَمْسَ قَواعِدَ مِن نُحاس. وٱصنَعِ المَذبَحَ مِن خَشَبِ السَّنْط، ولْيَكُنْ طولُه خَمسَ أَذرُعٍ وعَرضُه خَمسَ أَذرُعٍ، مُرَبَّعًا يَكونُ المَذبَح، وثَلاثَ أَذرُعٍ عُلُوُّه. وٱصنَعْ قُرونَه على أَربَعِ زَواياه، تَكونُ قُرونُه جُزءًا مِنه ولَبِّسْه بِنُحاس. وٱصنَعْ قُدورَه لِرَمادِه ومَجارِفَه وكُؤُوسَه ومَناشِلَه ومجامِرَه. أَمَّا آنِيَتُه فتَصنَعُها مِن نُحاس. وٱصنَعْ لَه شَريطًا على شَكْلِ شَبَكَةٍ مِنَ النُّحاس، وٱصنَعْ لِلشَّبَكَةِ أَربَعَ حَلَقاتٍ مِن نُحاسٍ في أَربَعَةِ أَطْرافِها. وضَعْها تَحتَ حافَّةِ المَذبَحِ مِن أَسفَل، بِحَيثُ تَبلُغُ الشَّبَكَةُ إِلى نِصْفِ المَذبَح. وٱصنَعْ لِلمَذبَحِ قَضيبَينِ مِن خَشَبِ السَّنْط ولَبِّسْهُما بِنُحاس. وأَدخِلْ قَضيبَه في الحَلَقات، بِحَيثُ تَكونُ على جانِبَيِ المَذبَحِ إِذا حُمِل. تَصنَعُه أَجوَفَ ومِن أَلْواح، على ما أُريتَ في الجَبَل، كذٰلك يَصنَعونَه. وٱصنَعْ فِناءَ المَسكِن. تَكونُ مِن جِهَةِ النَّقَبِ نَحوَ الجَنوبِ سَتائِرُ لِلفِناء مِن كَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول، مِئَةُ ذِراعٍ طولُها مِن كُلِّ جانِب. وأَمَّا أَعمِدَتُه العِشْرونَ وقَواعِدُها العِشْرون فلْتَكُنْ مِن نُحاس، ولْتَكُنْ كَلاليبُ الأَعمِدَةِ وقُضبانُها مِن فِضَّة. وكذٰلك مِن جِهَةِ الشَّمال، الَّتي هي الطُّول، سَتائِرُ طولُها مِئَةُ ذِراعٍ وأَعمِدَتُها العِشْرونَ وقَواعِدُها العِشْرونَ مِن نُحاس، وكَلاليبُ الأَعمِدَةِ وقُضْبانُها مِن فِضَّة. وفي عَرضِ الفِناءِ مِن جِهَةِ الغَرْبِ تَكونُ سَتائِرُ طولُها خَمْسونَ ذِراعًا مع أَعمِدتِها العَشْرَةِ وقَواعِدِها العَشْر. وفي عَرضِ الفِناءِ مِن جِهَةِ الشَّرْقِ خَمْسونَ ذِراعًا، وخَمْسَ عَشْرَةَ ذِراعًا مِنَ السَّتائِرِ لِلجانِبِ الأَوَّلِ مع أَعمِدَتِها الثَّلاثَةِ وقَواعِدِها الثَّلاث، ولِلجانِبِ الآخَرِ سَتائِرُ طولُها خَمْسَ عَشْرَةَ ذِراعًا مع أَعمِدَتِها الثَّلاثَةِ وقَواعِدِها الثَّلاث، وعلى بابِ الفِناءِ سِتارَةٌ طولُها عِشْرونَ ذِراعًا مِن بِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ وأُرجُوانٍ وقُماشٍ قِرْمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول صُنعُ مُطَرِّزٍ مع أَعمِدَتِها الأَربَعَةِ وقَواعِدِها الأَربَع. لِجَميعِ أَعمِدَةِ الفِناءِ على مُحيطِه تَكونُ قُضْبانٌ مِن فِضَّة وكَلاليبُها مِن فِضَّة وقَواعِدُها مِن نُحاس. طولُ الفِناءِ مِئَةُ ذِراعٍ وعَرضُه خَمْسونَ فخَمْسون وعُلُوُّه خَمْسُ أَذرُعٍ، وتَكونُ جَميعُ السَّتائِرِ مِن كَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول وقَواعِدُها مِن نُحاس. أَمَّا جَميعُ آنِيَةِ المَسكِنِ فلِكُلِّ خِدمَتِه وجَميعِ أَوتادِه وأَوتادِ الفِناءِ تَكونُ مِن نُحاس. وأَنتَ فمُرْ بَني إِسْرائيلَ أَن يأْتوكَ بِزَيتِ زَيتونٍ مَدْقوقٍ صافٍ لِيوقَدَ بِه سِراجٌ دائمًا في خَيمَةِ المَوعِد خارِجَ الحِجابِ الَّذي أَمامَ الشَّهادة يُعِدُّه هارونُ وبنوه، لِيَكونَ من المَساءِ إِلى الصَّباحِ أَمامَ الرَّبّ. هٰذه فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ لدى بَني إِسْرائيلَ مَدى أَجْيالِهِم. أَمَّا أَنتَ فقَرِّبْ إِلَيْكَ هارونَ أَخاكَ وبَنيه معَه مِن بَينِ بَني إِسْرائيل لِيَكونَ لي كاهِنًا: هارون وناداب وأَبيهو وأَلِعازار وإِيثامار بَني هارون. وٱصنَعْ ثِيابَ قُدْسٍ لِهارونَ أَخيكَ تَكونُ لَه ثِيابَ مَجْدٍ وبَهاء. وكَلَّمْ أَنتَ كُلَّ ذي يَدٍ ماهِرة مِمَّن مَلَأْتُهم بِروحِ المَهارة فيَصنَعوا ثِيابَ هارونَ لِتَقْديسِه لِيَكونَ لي كاهِنًا. وهٰذه هي الثِّيابُ الَّتي يَصنَعونَها: صُدرَةٌ وأَفودٌ وجُبَّةٌ وقَميصٌ مُطَرَّزٌ وعِمامةٌ وزُنَّار، فيَصنَعونَ ثِيابَ قُدْسٍ لِهارونَ أَخيكَ وبَنيه لِيَكونَ لي كاهِنًا. ويأخُذونَ الذَّهَبَ والبِرْفيرَ البَنَفْسَجِيَّ والأُرجُوانَ والقُماشَ القِرمِزِيَّ والكَتَّانَ النَّاعِم. فيَصنَعونَ الأَفودَ مِن ذَهَبٍ وبِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول صُنعَ فَنَّان، تَكونُ لَه كَتِفِيَّتانِ في طَرَفَيه مَوصولَتانِ لِيَكونَ مَرْبوطًا. والوِشاحُ الَّذي على الأَفودِ والَّذي يَشُدُّه بِه يَكونُ جُزءًا مِنه ويَكونُ هو أَيضًا مَصْنوعًا مِن ذَهَبٍ وبِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول. وخُذْ حَجَرَي جَزْعٍ وٱنقُشْ علَيهِما أَسْماءَ بَني إِسْرائيل: سِتَّةً مِنها على الحَجَرِ الأَوَّل والسِّتَّةَ الأَسْماءَ الباقِيَةَ على الحَجَرِ الآخَرِ على حَسَبِ مواليدِهم. صُنعَ نَقَّاشِ الجَوهَرِ على مِثالِ نَقْشِ الخاتَمِ تَنقُشُ الحَجَرَينِ بِحَسَبِ أَسْماءِ بَني إِسْرائيل، مُرَصَّعَينِ بِفَصَّينِ مِن ذَهَبٍ تَصنَعُهما. وتَضَعُ الحَجَرَينِ على كَتِفِيَّتَيِ الأَفود، كحَجَرَي ذِكْرٍ لِبَني إِسْرائيل. ويَحمِلُ هارونُ أَسْماءَهم على كَتِفَيه ذِكْرًا أَمامَ الرَّبّ. وٱصنَعْ فُصوصًا مِن ذَهَب وسِلسِلَتَينِ مِن ذَهَبٍ خالِص، كَحِبالٍ تَصنَعُهما صُنعَ ضَفْر، وٱجعَلِ السِّلسِلَتَينِ المَضْفورَتَينِ في الفُصوص. وٱصنَعْ صُدرَةَ قَضاءٍ صُنْعَ فَنَّانٍ كَصُنْعِ الأَفود، مِن ذَهَبٍ وبِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتولٍ تَصنَعُها. تَكونُ مُرَبَّعةً مَثنيَّةً طولُها شِبْرٌ وعَرْضُها شِبْر. وزَيِّنْها بِحِجارَةٍ مُرَصَّعة: أَربَعَةَ صُفوفٍ مِنَ الحِجارة، الصَّفُّ الأَوَّلُ ياقوتٌ أَحمَر وياقوتٌ أَصفَر وزُمُرُّد، والصَّفُّ الثَّاني بَهرَمانٌ ولازَوَردٌ وماس، والصَّفُّ الثَّالِثُ سَمَنْجونِيٌّ وعَقيقُ يَمانٍ وجَمَشْت، والصَّفُّ الرَّابِعُ زَبَرجَدٌ وجَزْعٌ ويَشْب. ولْتَكُنْ مُحاطَةً بِذَهَبٍ في تَرْصيعِها. وتَكونُ الحِجارَةُ بِأَسْماءِ بَني إِسْرائيل، تَكونُ ٱثنَي عَشَرَ بِحَسَبِ أَسْمائِهم، مَنقوشةً كالخاتَم، كُلٌّ علَيه ٱسمُه بِحَسَبِ الأَسْباطِ الِٱثْنَي عَشَر. وٱصنَعْ لِلصُّدرَةِ سَلاسِلَ كَحِبالٍ صُنعِ ضَفْرٍ مِن ذَهَبٍ خالِص. وٱصنَعْ لِلصُّدرَةِ حَلقَتَينِ مِن ذَهَب وٱجعَلِ الحَلقَتَينِ في طَرَفَيِ الصُّدرَة، وٱجعَلْ ضَفيرَتَيِ الذَّهَبِ في الحَلْقَتَينِ اللَّتَينِ في طَرَفَيِ الصُّدرَة. وطَرَفا الضَّفيرتَينِ الآخَرانِ تَجعَلُهما في الفَصَّين، وتَضَعُهما على كِتفِيَّتَيِ الأَفودِ مِن مُقَدَّمِه. وٱصنَعْ حَلْقَتَينِ مِن ذَهَب وٱجعَلْهما في طَرَفَيِ الصُّدرةِ في حاشِيَتِها الَّتي إِلى جِهَةِ الأَفودِ مِن داخِل. وٱصنَعْ حَلْقَتَينِ مِن ذَهَب وٱجعَلْهما على كِتفِيَّتَيِ الأَفودِ مِن أَسْفَلُ في مُقَدَّمِه عِندَ وُصلَتِه فَوقَ وِشاحِ الأَفود. ولْيَربِطوا الصُّدرَةَ مِن حَلْقَتَيها إِلى حَلْقَتَيِ الأَفودِ بِشَريطٍ مِنَ البِرْفيرِ البَنَفسَجِيِّ، حتَّى تَكونَ على وِشاحِ الأَفود ولا تَنْزاحَ الصُّدرةُ عنِ الأَفود. فيَحمِلُ هارونُ أَسْماءَ بَني إِسْرائيلَ في صُدرَةِ القَضاءِ على قَلبِه عِندَ دُخولِه القُدْسَ ذِكْرًا أَمامَ الرَّبِّ دائِمًا. وتَجعَلُ في صُدرَةِ القَضاءِ الأُوريم والتُّوميم، فتكونانِ على قَلبِ هارونَ عِندَ دُخولِه أَمامَ الرَّبّ، ويَحمِلُ هارونُ قَضاءَ بَني إِسْرائيلَ على قَلبِه أَمامَ الرَّبِّ دائمًا. وتَصنَعُ جُبَّةَ الأَفودِ كُلَّها مِن بِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ. وتَكونُ فُتحَةُ رأسِها في وَسَطِها وتُحيطُ بِفُتحَتِها حاشِيَةٌ صُنعُ حائكٍ، كَفُتحَةِ الدِّرع تَكونُ لَها لِئَلاَّ تتَمَزَّق. وتَصنَعُ لأَذْيالِها رُمَّاناتٍ مِن بِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول، لأَذْيالِها مِن حَولِها، وجَلاجِلَ ذَهَبٍ فيما بَينَها مِن حَولِها: جُلجُلَ ذَهَبٍ ورُمَّانةً وجُلجُلَ ذَهَبٍ ورُمَّانة، لأَذيالِ الجُبَّةِ مِن حَولِها. فتكونُ الجُبَّةُ على هارونَ عِندَ الخِدمَة، لِيُسمَعَ صَوتُها عِندَ دُخولِه القُدْسَ أَمامَ الرَّبّ وعِندَ خُروجِه، لِئَلاَّ يَموت. وتَصنَعُ زَهرَةً مِن ذَهَبٍ خالِص وتَنقُشُ علَيها كنَقشِ الخاتَم: قُدْسٌ لِلرَّبّ. وتَضَعُها على شَريطٍ مِن بِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ، فتَكونُ على العِمامةِ مِن مُقَدَّمِها. وتَكونُ على جَبهَةِ هارون، فيَحمِلُ هارونُ الإِثْمَ في حَقِّ الأَقْداسِ الَّتي يُقَدِّسُها بَنو إِسْرائيلَ لِجَميعِ عَطاياهمُ المُقَدَّسَة، وتَكونُ على جَبْهَتِه دائمًا لِلرِّضى عنهم أَمامَ الرَّبّ. وتَنسُجُ القَميصَ مِن كَتَّانٍ ناعِم والعِمامةَ مِن كَتَّانٍ ناعِم، والزُّنّارُ تَصنَعُه صُنعَ مُطَرِّز. ولِبَني هارونَ تَصنَعُ أَقمِصةً وزَنانير، وتَصنَعُ لَهم قَلانِسَ مَجدٍ وبَهاء. وتُلبِسُ ذٰلك هارونَ أَخاكَ وبَنيه معَه، وتَمسَحُهم وتُكَرِّسُهم وتُقَدِّسُهم لِيَكونوا لي كَهَنَة. وتَصنَعُ لَهم سَراويلاتٍ مِنَ الكَتَّانِ لِتُغَطِّيَ عُرْيَ أَبْدانِهم، مِنَ الحَقْوَينِ إِلى الفَخِذَين. وتَكونُ على هارونَ وبَنيه عِندَ دُخولِهم خَيمَةَ المَوعِد وعِندَ تَقَدُّمِهم إِلى المَذبَحِ لِيَخدِموا في القُدْس، لِئَلاَّ يَحمِلوا إِثْمًا فيَموتوا. هٰذه فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ لَه ولِنَسلِه مِن بَعدِه. وهٰذا ما تَصنَعُه لهم لِتُقَدِّسَهم لِيَكونوا لي كَهَنَة: خُذْ عِجْلًا مِنَ البَقَرِ وكَبشَينِ تامَّين، وخُبزَ فَطيرٍ وأَقراصَ حَلْوى فَطيرٍ مَلْتوتةً بِزَيت ورُقاقَ فَطيرٍ مَدْهونةً بِزَيت، مِن سَميذِ الحِنطَةِ تَصنَعُها. وضَعْ ذٰلك في سَلَّة وقَدِّمْه فيها مع العِجْلِ والكَبْشَيْن. وقَدِّمْ هارونَ وبَنيه إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِد وٱغسِلْهم بِالماء. وخُذِ الثِّيابَ وأَلْبِس هارونَ القميصَ وجُبَّةَ الأَفودِ والأَفودَ والصُّدرَة، وٱشدُدْه بِوِشاحِ الأَفود. وٱجعَلِ العِمامَةَ على رأسِه وٱجعَلْ تاجَ القُدسِ على العِمامة. وخُذْ زَيتَ المِسحَةِ وصُبَّ على رأسِه وٱمسَحْه. ثُمَّ قَدِّمْ بَنيه وأَلبِسْهم أَقمِصَة، وٱشدُدْهُم بِالزَّنانير، وأَلبِسْهم قَلانِس، فيَكونَ لَهم كَهَنوتٌ فَريضَةً أَبَدِيَّة. وكَرِّسْ هارونَ وبَنيه. وقَدِّمِ العِجْلَ أَمامَ خَيمةِ المَوعِد ولْيَضَعْ هارونُ وبَنوه ثِقَلَ أَيدِيهم على رَأسِ العِجْل، وٱذبَحِ العِجلَ أَمامَ الرَّبِّ عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد. وخُذْ مِن دَمِ العِجْلِ وٱجعَلْ مِنه على قُرونِ المَذبَحِ بإِصبَعِكَ، وصُبَّ الدَّمَ كُلَّه على قاعِدَةِ المَذبَح. وخُذْ كُلَّ الشَّحْمِ المُغَطِّي لِلأَمْعاء وزِيادةَ الكَبِدِ والكُلْيَتَينِ والشَّحْمَ الَّذي علَيهِما، وأَحْرِقْ ذٰلك على المَذبَح. أَمَّا لَحمُ العِجلِ وجِلدُه ورَوثُه فتُحرِقُها بِالنَّارِ خارِجَ المُخَيَّم، لأَنَّه ذَبيحةُ خَطيئَة. وخُذْ أَحَدَ الكَبشَينِ ولْيَضَعْ هارونُ وبَنوه أَيدِيَهم على رَأسِ العِجْل، وٱذبَحِ العِجلَ وخُذْ دمَه ورُشَّه على المَذبَحِ مِن كُلِّ جِهَة. وقَطِّعِ الكَبْشَ قِطَعًا وٱغسِلْ أَمْعاءَه وتَوائِمَه وضَعْها على قِطَعِه ورأسِه. وأَحرِقِ الكَبْشَ كُلَّه على المَذبَح، إِنَّه مُحرَقَةٌ لِلرَّبِّ، رائِحَةُ رِضًى، ذَبيحةٌ بِالنَّارِ لِلرَّبّ. ثُمَّ خُذِ الكَبْشَ الآخَر، ولْيَضَعْ هارونُ وبَنوه ثِقَلَ أَيدِيهم على رأسِه. وٱذبَحْه وخُذْ مِن دَمِه وٱجعَلْ مِنه على شَحمَةِ أُذُنِ هارونَ اليُمْنى وعلى شَحَماتِ آذانِ بَنيه اليُمْنى وعلى أَباهيمِ أَيديهِمِ اليُمْنى وعلى أَباهيمِ أَرجُلِهِم اليُمْنى ورُشَّ الدَّمَ على المَذبَحِ مِن كُلِّ جِهَة. وخُذْ مِنَ الدَّمِ الَّذي على المَذبَح ومِن زَيتِ المِسحَةِ فرُشَّه على هارونَ وثِيابِه وعلى بَنيه وثِيابِهم مَعه، فيَتَقَدَّسَ هو وثِيابُه وبَنوه وثِيابُ بَنيه معَه. وخُذْ مِنَ الكَبْشِ الشَّحْمَ والأَليَةَ والشَّحْمَ المُغَطِّيَ لِلأَمْعاء وزِيادَةَ الكَبِدِ والكُلْيَتَينِ والشَّحْمَ الَّذي علَيهما والفَخِذَ اليُمْنى، لأَنَّه كَبْشُ التَّكْريس، ورَغيفًا واحِدًا مِنَ الخُبْز، وقُرصَ حَلْوى واحِدًا مِنَ الخُبْزِ بِزَيت، ورُقاقةً واحِدةً مِن سَلَّةِ الفَطيرِ الَّتي أَمامَ الرَّبّ. وضَعِ الكُلَّ على كَفَّي هارون وعلى أَكُفِّ بَنيه، وحَرِّكْ ذٰلك تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ. ثُمَّ خُذْه مِن أَيدِيهِم وأَحْرِقْه على المَذبَحِ فَوقَ المُحرَقة رائِحةَ رِضًى أَمامَ الرَّبّ: إِنَّه ذَبيحةٌ بِالنَّارِ لِلرَّبّ. وخُذِ الصَّدْرَ مِن كَبْشِ التَّكريسِ الَّذي لِهارون وحَرِّكْه تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ، وهو يَكونُ لَكَ نَصيبًا. وقَدِّسِ الصَّدْرَ الَّذي حُرِّكَ والفَخِذَ الَّتي رُفِعَت مِن كَبْشِ التَّكْريسِ الَّذي لِهارونَ ولِبَنيه. إِنَّهما يَكونانِ لِهارونَ وبَنيه فَريضةً أَبَدِيَّةً مِن بَني إِسْرائيل، لأَنَّهما تَقدِمة، ويَكونانِ تَقدِمةً مِن بَني إِسْرائيلَ مِن ذَبائِحِهمِ السَّلامِيَّة، تَقدِمَتَهم لِلرَّبّ. وثِيابُ القُدْسِ الَّتي لِهارونَ تَكونُ لِبَنيه مِن بَعدِه، يُمسَحونَ فيها وتُكَرَّسُ فيها أَيديهِم. سَبعَةَ أَيَّامٍ يَلبَسُها الكاهِنُ بَعدَه مِن بَنيه الَّذي يَدخُلُ خَيمَةَ المَوعِدِ لِيَخْدِمَ في القُدْس. وكَبْشُ التَّكْريسِ تأخُذُه وتَطبُخُ لَحمَه في مَكانٍ مُقَدَّس، فيَأكُلُ هارونُ وبَنوه لَحمَ الكَبْشِ والخُبْزَ الَّذي في السَّلَّةِ عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد. يأكُلُونَ ما كانَ لِلتَّكْفير، لِتَكْريسِ أَيديهِم وتَقْديسِهم، ولا يأكُلُ مِنه غَيرُ الكاهِن، لأَنَّه قُدْس. وإِن بَقِيَ شَيءٌ مِن لَحمِ التَّكْريس أَو مِنَ الخُبْزِ إِلى الصَّباح، يُحرَقُ الباقي بِالنَّار. لا يُؤكَلُ لأَنَّه قُدْس. فٱصنَعْ لِهارونَ وبَنيه كَذا، بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرتُكَ بِه: سَبعَةَ أَيَّامٍ تُكَرِّسُ أَيدِيَهم. وتُقَرِّبُ عِجْلًا عنِ الخَطيئةِ في كُلِّ يَومٍ لِلتَّكْفير، فتُزيلُ الخَطيئةَ عنِ المَذبَح بِتَكْفيرِكَ عنه، وتَمسَحُه لِتَقْديسِه. سَبعَةَ أَيَّامٍ تُكَفِّرُ عنِ المَذبَحِ وتُقَدِّسُه، فيَكونُ المَذبَحُ قُدْسَ الأَقْداس. كُلُّ ما مَسَّ المَذبَحَ يَكونُ مُقَدَّسًا. وهٰذا ما تُقَرِّبُه على المَذبَح: حَمَلانِ حَولِيَّانِ في كُلِّ يَومٍ دائمًا، أَحَدُهما في الصَّباح، والآخَرُ تُقَرِّبُه بَينَ الغُروبَين، وعُشْرٌ مِنَ السَّميذ مَلْتوتٌ بِرُبْعِ هِينٍ مِن زَيتِ زَيتونٍ مَدْقوق، ورُبْعُ هِينٍ مِنَ الخَمْرِ سَكيبٌ لِلحَمَلِ الأَوَّل. وتُقَرِّبُ الحَمَلَ الآخَرَ بَينَ الغُروبَين، كَتَقدِمَةِ الصَّباحِ وكَسَكيبِها تَصنَعُ لَه، رائِحةَ رِضًى وذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ. يَكونُ مُحرَقةً دائِمةً لأَجْيالِكم عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِدِ أَمامَ الرَّبّ، حَيثُ أَجتَمِعُ بِكم لأُخاطِبَكَ هُناك. هُناكَ أَجتَمِعُ بِبَني إِسْرائيل ويُقَدَّسُ ذٰلك المكانُ بِمَجْدي. وأُقَدِّسُ خَيمَةَ المَوعِدِ والمَذبَح، وهارونُ وبَنوه أُقَدِّسُهم لِيَكونوا لي كَهَنَة. وأَسكُنُ في وَسْطِ بَني إسْرائيلَ وأَكونُ لَهم إِلٰهًا، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُهمُ الَّذي أَخرَجَهم مِن أَرضِ مِصْر لِيَسكُنَ في وَسْطِهِم، أَنا الرَّبُّ إِلْهُهُم. وٱصنَعْ مَذبَحًا لإحراقِ البَخور، مِن خَشَبِ السَّنطِ تَصنَعُه. طولُه ذِراعٌ وعَرضُه ذِراع، فيَكونُ مُرَبَّعًا، وعُلُوُّه ذِراعان وقُرونُه جُزءٌ مِنه. ولَبِّسْه بِذَهَبٍ خالِص: سَطْحَه وجُدْرانَه مِن حَولِه وقُرونَه. وٱصنَعْ لَه إِكْليلًا مِنَ ذَهَبٍ يُحيطُ بِه. وتَصَنَعُ لَه حَلْقَتَينِ مِن ذَهَبٍ تَحتَ إِكْليلِه على جانِبَيه، تَصنَعُهما على الجِهَتَينِ لِتَكونَ بُيوتًا لِلقَضيبَين لِيُحمَلَ بِهما. وٱصنَعِ القضيبَينِ مِن خَشَبِ السَّنْطِ ولَبِّسْهُما بِذَهَب. وأَقِمِ المَذبَحَ تُجاهَ الحِجابِ الَّذي أَمامَ تابوتِ الشَّهادَة أَمامَ الكَفَّارَةِ الَّتي على الشَّهادَةِ حَيثُ أَجتَمِعُ بِكَ. فيُحرِقُ علَيه هارونُ بَخورًا عَطِرًا في كُلِّ صَباح، يُحرِقُه حينَ يُصلِحُ السُّرُج. وحينَ يَرفَعُ السُّرُجَ بَينَ الغُروبَين، يُحرِقُه بَخورًا دائِمًا أَمامَ الرَّبِّ مَدى أَجْيالِكم. لا تُصعِدوا علَيه بَخورًا غَيرَ مُقَدَّسٍ ولا مُحرَقةً ولا تَقدِمة، ولا تَسكُبوا علَيه سَكيبًا. ويُكَفِّرُ هارونُ على قُرونِه مَرَّةً في السَّنة: يُكَفِّرُ علَيه مِن دَمِ ذَبيحةِ الخَطيئةِ الَّتي لِلتَّكْفيرِ مَرَّةً في السَّنة مَدى أَجْيالِكم، إِنَّه قُدْسُ الأَقْداس لِلرَّبّ». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِذا أَحصَيتَ بَني إِسْرائيلَ بِحَسَبِ عَدَدِهم، فلْيُعْطِ كُلُّ واحِدٍ فِدى نَفْسِه لِلرَّبّ، عِندَما يُحصَون، لِئَلاَّ تَحِلَّ بِهم ضَربَةٌ إِذا أُحصوا. هٰذا ما يُعْطيه كُلُّ مَن كانَ خاضِعًا لِلإحْصاء: نِصْفُ مِثْقالٍ بِحَسَبِ مِثْقالِ القُدْس - المِثقالُ بِعِشْرينَ دانَقًا - نِصْفُ المِثْقالِ يَكونُ تَقدِمةً لِلرَّبّ. كُلُّ مَن كانَ مَعْدودًا في الإِحْصاء، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعدًا، يُعطي تَقدِمةَ الرَّبّ. الغَنِيُّ لا يَزيد والفقيرُ لا يَنقُصُ عن نِصْفِ مِثْقالٍ حينَ تُعْطونَ تَقدِمَةَ الرَّبِّ فِدى أَنْفُسِكُم. وخُذْ فِضَّةَ التَّكْفيرِ مِن بَني إِسْرائيل، وٱجعَلْها في خِدمةِ خَيمةِ المَوعِد، فتكونَ لِبَني إِسْرائيلَ ذِكْرًا أَمامَ الرَّبِّ لِلتَّكْفيرِ عن أَنفُسِكم». وكلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِصنَعْ مِغسَلًا مِن نُحاس، قاعِدَتُه مِن نُحاسٍ لِلغُسْل، وضَعْه بَينَ خَيمَةِ المَوعِدِ والمَذبَح، وٱجعَلْ فيه ماءً، فيَغسِلَ هارونُ وبَنوه مِنه أَيدِيَهم وأَرجُلَهم. إِذا دَخَلوا خَيمَةَ المَوعِد، فلْيَغتَسِلوا بِمَاءٍ لِئَلاَّ يَموتوا، وإِذا تَقَدَّموا إِلى المَذبَحِ لِيَخدِموا ويُحرِقوا ذبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ. فلْيَغسِلوا أَيدِيَهم وأَرجُلَهم لِئَلاَّ يَموتوا. يَكونُ ذٰلك لَهم فَريضَةً أَبَدِيَّة، لَه ولِنَسْلِه مدى أَجْيالِهِم». وكلَّم الرَّبُّ موسى قائلًا: «وأَنتَ فخُذْ لَكَ مِن أَفخَرِ البَلاسِم: مِنَ المُرِّ القاطِرِ خَمْسَ مِئَةِ مِثْقال، ومِنَ الدَّارَصينِيِّ الطَّيِّبِ مِثْلَ نِصْفِه، أَي مِئَتَينِ وخَمْسينَ مِثْقالًا، ومِن قَصَبِ الذَّريرةِ مِئَتَينِ وخَمْسين، ومِنَ السَّليخَةِ خَمْسَ مِئَةِ مِثْقال، بِحَسَبِ مِثْقالِ القُدْس، ومِن زَيتِ الزَّيتونِ هينًا. وٱصنَعْ ذٰلك زَيتًا لِلمِسحَةِ المُقدَّسة، عِطْرًا مُعَطَّرًا صُنْعَ عَطَّار، فيَكونَ زَيتًا لِلمِسحَة المُقَدَّسة. وٱمسَحْ بِه خَيمَةَ المَوعِدِ وتابوتَ الشَّهادة والمائِدَةَ وجَميعَ آنِيَتِها والمنارةَ وآنِيَتَها ومَذبَحَ البَخور ومَذبَحَ المُحرَقَةِ وجَميعَ آنِيَتِه والمِغْسَلَ وقاعِدَتَه. وقَدِّسْها فتَكونَ قُدْسَ الأَقْداس، كُلُّ ما مَسَّها يكونُ مُقدَّسًا. وٱمسَحْ هارونَ وبَنيه وقَدِّسْهم لِيَكونوا لي كَهَنَةً. وكَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ قائلًا: هٰذا يَكونُ لي زيتًا لِلمِسحَةِ المُقدَّسَةِ مَدى أَجْيالِكُم. لا يُسكَبْ على جَسَدِ إِنْسان، ولا تَصنَعوا مِثلَه في تَركيبه، إِنَّما هو مُقَدَّس، فيَكونُ مُقَدَّسًا لَكم. أَيُّ إِنْسانٍ رَكَّبَ مِثلَه أَو جَعَلَ مِنه على غَيرِ كاهِنٍ يُفصَلُ مِن شَعبِه». وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «خُذْ لَكَ عُطورًا: صُموغًا ومَيعَةً وقِنَّةً عَطِرَةً ولُبانًا ذَكِيًّا، أَجْزاءً مُتَساوِيَةً تكون. وٱصنَعْها بَخورًا عَطِرًا، صُنْعَ عَطَّار، مُمَلَّحًا نَقِيًّا مُقَدَّسًا. وٱسحَقْ مِنه ناعِمًا وٱجعَلْ مِنه أَمامَ الشَّهادةِ في خَيمةِ المَوعِدِ حَيثُ أَجتَمِعُ بِكَ. قُدْسَ الأَقْداسِ يَكونُ لَكم. والبَخورُ الَّذي تَصنَعُه لا تَصنَعوا لَكم بَخورًا على تَرْكيبِه، يَكونُ لَكَ مُقَدَّسًا لِلرَّبّ. أَيُّ إِنْسانٍ صَنَعَ مِثْلَه لِيَشُمَّه يُفصَلُ مِن شَعبِه». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «أُنظُرْ! إِنِّي قد دَعَوتُ بَصْلائيلَ بنَ أُورِيَ بنِ حُورٍ، مِن سِبْطِ يَهوذا، بِٱسمِه، ومَلأْتُه مِن رُوحِ اللهِ مَهارةً وفَهْمًا وعِلمًا بِجَميعِ الصَّنائِع، لِٱخْتِراعِ نَماذِجَ لِعَمَلِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والنُّحاس، ولِنَقشِ الجَواهِرِ لِلتَّرْصيع، ولِنِجارةِ الخَشَب، حتَّى يَعمَلَ في كُلِّ صِناعة. وقَد جَعَلتُ معَه أَهْليآبَ بنَ أَحيساماك، مِن سِبْطِ دان. وفي قُلوبِ جَميعِ المَهَرَةِ قد جَعَلتُ مَهارةً لِيَصنَعوا كُلَّ ما أَمَرتُكَ بِه: خَيمَةَ المَوعِد وتابوتَ الشَّهادة والكَفَّارَةَ الَّتي علَيه وسائِرَ أَمتِعَةِ الخَيمة، والمائِدَةَ وآنِيَتَها والمَنارَةَ الطَّاهِرَةَ وجَميعَ آنِيَتِها ومَذبَحَ البَخور، ومَذبَحَ المُحرَقَةِ وجَميعَ آنِيَتِه والمِغسَلَ وقاعِدَتَه، وثِيابَ الخِدمةِ والثِّيابَ المُقَدَّسَةَ لِهارونَ الكاهِن وثِيابَ بَنيه لِيَكونوا لي كَهَنَة، وزَيتَ المِسحَةِ والبَخورَ العَطِرَ لِلقُدْس، على حَسَبِ ما أَمَرتُكَ بِه يَصنَعونَها». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «وأَنتَ فكَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِحفَظوا سُبوتي خاصَّةً، لأَنَّها عَلامةٌ بَيني وبَينَكم مَدى أَجْيالِكم، لِيَعلَموا أَنِّي أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُكم. فٱحفَظوا السَّبْت، فإِنَّه مُقَدَّسٌ لَكم، مَن ٱستَباحَه يُقتَلْ قَتْلًا. كُلُّ مَن يَعمَلُ فيه عَمَلًا تُفصَلُ تِلكَ النَّفْسُ مِن وَسْطِ شَعْبها. في سِتَّةِ أَيَّامٍ تُصنَعُ الأَعْمال، وفي اليَومِ السَّابِعِ سَبْتُ راحةٍ مُقَدَّسٌ لِلرَّبّ. كُلُّ مَن عَمِلَ عَمَلًا في يَومِ السَّبتِ يُقتَلُ قَتْلًا. فلْيَحفَظْ بَنو إِسْرائيلَ السَّبْت، حافِظِينَ إِيَّاه مَدى أَجْيالِكم عَهْدًا أَبَدِيًّا. فهُو بَيني وبَينَ بَني إِسْرائيلَ عَلامةٌ أَبَدِيَّة، لأَنَّه في سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَواتِ والأَرض، وفي اليَومِ السَّابِعِ ٱستَراحَ وتَنَفَّس. ولَمَّا ٱنتَهى اللهُ مِن مُخاطَبَةِ موسى على جَبَلِ سِيناء، سلَّمَه لَوحَيِ الشَّهادة، لَوحَينِ مِن حَجَر، مَكْتوبَينِ بِإِصبَعِ الله. ورأى الشَّعبُ أَنَّ موسى قد تَأَخَّرَ في النُّزولِ مِنَ الجَبَل، فٱجتَمَعَ الشَّعبُ على هارونَ وقالوا له: «قُمْ فٱصنَعْ لَنا آلِهَةً تَسيرُ أَمامَنا، فإِنَّ موسى، ذٰلك الرَّجُلَ الَّذي أَصعَدَنا مِن أَرضِ مِصْر، لا نَعلَمُ ماذا أَصابَه». فقالَ لَهم هارون: «إِنزِعوا حَلَقاتِ الذَّهَبِ الَّتي في آذانِ نِسائِكُم وبَنيكُم وبَناتِكُم، وأتوني بِها». فنَزَعَ كُلُّ الشَّعبِ حَلَقاتِ الذَّهَبِ الَّتي في آذانِهم، وأَتَوا بِها هارون، فأَخَذَها وصَبَّها في قالَب، وصَنَعَها عِجْلًا مَسْبوكًا. فقالوا: «هٰذِه آلِهَتُكَ، يا إِسْرائيل، الَّتي أَصعَدَتكَ مِن أَرضِ مِصْر» فلَمَّا رأى هارونُ ذٰلك، بَنى مَذبَحًا أَمامَ العِجْلِ ونادى قائلًا: «غَدًا عيدٌ لِلرَّبّ». فبَكَّروا في الغَدِ وأَصعَدوا مُحرَقاتٍ وقَرَّبوا ذَبائِحَ سَلامِيَّة، وجَلَسَ الشَّعبُ يَأكُلُ ويَشرَب، ثُمَّ قامَ يَلعَب. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «هَلُمَّ ٱنزِلْ، فقَد فَسَدَ شَعبُكَ الَّذي أَصعَدتَه مِن أَرضِ مِصْر، فسُرْعانَ ما حادوا عنِ الطَّريقِ الَّذي أَمَرتُهم بِه، وصَنَعوا لأَنفُسِهم عِجْلًا مَسْبوكًا، فسَجَدوا لَه وذَبَحوا لَه وقالوا: هٰذِه آلِهَتُكَ، يا إِسْرائيلُ، الَّتي أَصعَدَتكَ مِن أَرضِ مِصْر». وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «قد رَأَيتُ هٰذا الشَّعْب، فإِذا هو شَعْبٌ قاسي الرِّقاب. والآنَ دَعْني، لِيَضطَرِمْ غَضَبي علَيهم فأُفْنيهِم، وأَمَّا أَنتَ فأَجعَلُكَ أُمَّةً عَظيمة». فٱستَرْضى موسى الرَّبَّ إِلٰهَه وقال: «يا ربّ، لِمَ يَضطَرِمُ غَضَبُكَ على شَعبِكَ الَّذي أَخرَجتَه مِن أَرضِ مِصرَ بِقُوَّةٍ عَظيمةٍ ويَدٍ قَديرة؟ ولِمَ يَتَكَلَّمُ المِصرِيُّونَ قائِلِين: إِنَّه أَخرَجَهم مِن هٰهنا بِمَكْرٍ لِيَقتُلَهم في الجِبال ويُفنِيَهم عن وَجْهِ الأَرض؟ إِرجِعْ عَنِ ٱضطِرامِ غَضَبِكَ وٱعدِلْ عَنِ الإِساءَةِ إِلى شَعبِكَ. وٱذكُرْ إِبْراهيمَ وإِسْحٰقَ وإِسْرائيلَ عَبيدَكَ الَّذينَ أَقسَمتَ لَهم بِنَفسِكَ وقُلتَ لَهم: إِنِّي أُكَثِّرُ نَسلَكُم كنُجومِ السَّماء، وكُلُّ الأَرضِ الَّتي تَكَلَّمتُ علَيها سأُعْطيها لِنَسلِكُم فيَرِثونَها لِلأَبَد». فعَدَلَ الرَّبُّ عنِ الإِساءَةِ الَّتي قالَ إِنَّه يُنزِلُها بِشَعْبِه. ثُمَّ أَدار موسى وَجهَه ونَزَلَ مِنَ الجَبَلِ ولَوحا الشَّهادةِ في يَدِه، لَوحانِ مَكْتوبانِ على وَجهَيهِما، مِن هُنا ومن هُناكَ كانا مَكْتوبَين. واللَّوحانِ هُما صُنعُ الله، والكِتابةُ هي كِتابةُ اللهِ مَنْقوشةً في اللَّوحَين. وسَمِعَ يشوعُ صَوتَ الشَّعبِ في هُتافِهِم، فقالَ لِموسى: «صَوتُ حَرْبٍ في المُخَيَّم». فقالَ موسى: «لَيسَ هذا صوتَ هُتافِ النَّصْر، ولا صَوتَ هُتافِ الهَزيمة، بل صَوتَ أُنْشودَةٍ أَنا سامِع». فلَمَّا ٱقتَرَبَ مِنَ المُخَيَّم، رأَى العِجْلَ والرَّقْصَ، فٱضطَرَمَ غَضَبُ موسى فَرمى بِاللَّوحَيْنِ مِن يَدَيه وحَطَّمَهما في أَسفَلِ الجَبَل. ثُمَّ أَخَذَ العِجْلَ الَّذي صَنعوه، فأَحرَقَه بِالنَّارِ وسَحَقَه حتَّى صارَ كالغُبار، وذَرَّاه على وَجهِ الماء وأَسْقى بَني إِسْرائيل. وقالَ موسى لِهارون: «ماذا صَنَعَ بِكَ هٰذا الشَّعْبُ حتَّى جَلَبتَ علَيهِم خَطيئةً عظيمة؟» قالَ هارون: «لا يَضطَرِمْ غَضَبُ سَيِّدي، أَنتَ عارِفٌ أَنَّ الشَّعبَ شِرِّير، فقالَ لي: إِصنَعْ لَنا آلِهَةً تَسيرُ أَمامَنا، فإِنَّ موسى، ذٰلك الرَّجُلَ الَّذي أَصعَدَنا مِن أَرضِ مِصْر، لا نَعلَمُ ماذا أَصابَه. فقُلتُ لَهم: مَن لَه ذَهَبٌ فلْيَنزِعْه. فأَتَوني بِه فأَلقَيتُه في النَّار فخَرَجَ هٰذا العِجْل». ولَمَّا رأَى موسى أَنَّ الشَّعبَ لا عِنانَ لَه لأَنَّ هارونَ كانَ قد أَرْخى لَه العِنانَ فعَرَّضَه لِلسُّخرِيَّةِ بَينَ أَعْدائِه، وقَفَ موسى على بابِ المُخَيَّمِ وقال: «إِلَيَّ مَن هو لِلرَّبّ». فٱجتَمَعَ إِلَيه جَميعُ بَني لاوي. فقالَ لَهم: «كَذا قالَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل: لِيَتَقَلَّدْ كُلُّ واحِدٍ سَيفَه، وٱذهَبوا وٱرجِعوا مِن بابٍ إِلى بابٍ في المُخَيَّم، ولْيَقتُلِ الواحِدُ أَخاه والآخَرُ صاحِبَه وقَريبَه». ففَعَلَ بَنو لاوي كما أَمَرَ موسى، فسَقَطَ مِنَ الشَّعبِ في ذٰلك اليَومِ نَحوُ ثَلاثةِ آلافِ رَجُل. وقالَ موسى: «لقَد وَقَفتُمُ اليَومَ أَنفُسَكم لِلرَّبّ، كُلُّ واحِدٍ لِقاءَ ٱبنِه وأَخيه، لِيُعطِيَكمُ اليَومَ بَرَكَة». ولَمَّا كانَ الغَد، قالَ موسى لِلشَّعْب: «قد خَطِئتُم خطيئةً عَظيمة، والآنَ أَصعَدُ إِلى الرَّبِّ، لَعَلِّي أُكَفِّرُ عن خطيئَتِكم». ورَجَعَ موسى إِلى الرَّبِّ وقال: «آهِ! يا رَبّ، قد خَطِئَ هٰذا الشَّعبُ خَطيئَةً عَظيمة، وصَنَعَ لِنَفْسِه آلِهَةً مِن ذَهَب. والآنَ إِن غَفَرتَ خَطيئَتَه... وإِلاَّ فٱمحُني مِن كِتابِكَ الَّذي كتَبتَه». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «الَّذي خَطِئَ إِلَيَّ إِيَّاه أَمْحو مِن كِتابي. والآنَ ٱذهَبْ وقُدِ الشَّعبَ إِلى حَيثُ قُلتُ لَكَ. هُوَذا مَلاكي يَسيرُ أَمامَكَ، وفي يَومِ عِقابي أُعاقِبُه بِخَطيئَتِه». وضَرَبَ الرَّبُّ الشَّعبَ لأَنَّه صَنَعَ العِجْلَ، ذٰلك الَّذي صَنَعَه هارون. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِنْطَلِقْ فٱصعَدْ مِن هٰهُنا، أَنتَ والشَّعبُ الَّذي أَصعَدتَه مِن أَرضِ مِصْر، إِلى الأَرضِ الَّتي أَقسَمتُ لإبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوبَ قائلًا: لِنَسلِكَ أُعْطيها. وأَنا أُرسِلُ أَمامَكَ مَلاكًا، وأَطرُدُ الكَنْعانِيِّينَ والأَمورِيِّينَ والحِثِّيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّين. أُدخِلُكَ إِلى أَرضٍ تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا. وأَمَّا أَنا لا أَصعَدُ في وَسْطِكم، لأَنَّكم شَعْبٌ قُساةُ الرِّقاب، لِئَلاَّ أُفنِيَكُم في الطَّريق». فلَمَّا سَمِعَ الشَّعبُ هٰذا الكَلامَ المُرّ، حَزِنَ ولم يَجْعَلْ أَحَدٌ زينَتَه علَيه. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «قُلْ لِبَني إِسْرائيل: إِنَّكَ شَعبٌ قاسي الرِّقاب، فإِذا صَعِدتُ في وَسْطِكَ لَحظَةً واحِدة، أَفنَيتُكَ. والآن فٱنزِعْ عنكَ زِينَتَكَ، فأَعلَمَ ما أَصنَعُ بِكَ». فَنَزَع بَنو إِسْرائيلَ زينَتَهمُ ٱبتِداءً مِن جَبَلِ حوريب. وأَخَذَ موسى الخَيمة فنَصَبَها لَه خارِجَ المُخَيَّم، بَعيدًا عنِ المُخَيَّم، وسَمَّاها خَيمَةَ المَوعِد. فكانَ كُلُّ طالِبٍ لِلرَّبِّ يَخرُجُ إِلى خَيمةِ المَوعِدِ الَّتي في خارِجِ المُخَيَّم. وكانَ موسى، إِذا خَرَجَ إِلى الخَيمَة، يَقومُ الشَّعبُ كُلُّه ويَقِفُ كُلُّ واحِدٍ على بابِ خَيمَتِه ويَنظُرُ إِلى موسى حتَّى يَدخُلَ الخَيمة. وكانَ موسى، إِذا دَخَلَ الخَيمة، يَنزِلُ عَمودُ الغَمامِ ويَقِفُ على بابِ الخَيمة، وكانَ الرَّبُّ يُكَلِّمُ موسى. وكانَ، إِذا رأَى كُلُّ الشَّعبِ عَمودَ الغَمامِ واقِفًا على بابِ الخَيمَة، يَقومُ بِأَجمَعِه ويَسجُدُ كُلُّ واحِدٍ على بابِ خَيمَتِه، ويُكَلِّمُ الرَّبُّ موسى وَجهًا إِلى وَجْه، كَما يُكَلِّمُ المَرءُ صَديقَه. وإِذا رَجَعَ إِلى المُخَيَّم، كانَ مساعِدُه يَشوعُ بنُ نونٍ الفَتى لا يَبرَحُ مِن داخِلِ الخَيمَة. وقالَ موسى لِلرَّبّ: «أُنظُرْ، قد قُلتَ لي: أَصعِدْ هٰذا الشَّعب، ولم تُعَرِّفْني مَن تُرِسلُ معي، وأَنتَ قد قُلتَ: إِنِّي عَرَفتُكَ بِٱسمِكَ ونِلتَ حُظوَةً في عَينَيَّ. فالآن، إِن كُنتُ قد نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، فعَرِّفْني طَريقَكَ لِكَي أَعرِفَكَ فأَنالَ حُظوَةً في عَينَيكَ. أُنظُرْ، إِنَّ هٰذه الأُمَّةَ هي شَعبُكَ». فقالَ الرَّبّ: «وَجْهي يَسيرُ أَمامَكَ وأُريحُكَ». قالَ: «إِن لم يَسِرْ وَجهُكَ، فلا تُصعِدْنا مِن هٰهُنا، فإِنَّه بِماذا يُعرَفُ أَنِّي نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ أَنا وشَعبُكَ؟ أَلَيسَ بِسَيرِكَ معَنا، فنَمْتازَ أَنا وشَعبُكَ عن كُلِّ شَعبٍ على وَجهِ الأَرض؟» فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «حتَّى هٰذا الَّذي قُلتَه أَفعَلُه، لأَنَّكَ قد نِلتَ حُظوةً في عَينَيَّ وعَرَفتُكَ بِٱسمِكَ». قالَ موسى: «أَرِني مَجدَكَ» قال: «أَمُرُّ بِكُلِّ حُسْني أَمامَكَ وأُنادي بِٱسمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ، وأَصفَحُ عَمَّن أَصفَح وأَرحَمُ مَن أَرحَم». وقال: «أَمَّا وَجْهي فلا تَستَطيعُ أَن تَراه لأَنَّه لا يَراني الإِنْسانُ ويَحْيا». وقالَ الرَّبّ: «هُوَذا مَكانٌ بِجانِبي، قِفْ على الصَّخرَة، فيَكونُ، إِذا مَرَّ مَجْدي، أَنِّي أَجعَلُكَ في حُفرَةِ الصَّخرَة وأُظَلِّلُكَ بِيَدي حَتَّى أَمُرَّ، ثُمَّ أَرفَعُ يدي فتَرى ظَهْري، وأَمَّا وَجْهي فلا يُرى». ثُمَّ قالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِنحَتْ لَكَ لَوحَي حَجَرٍ كالأَوَّلَين، فأَكتُبَ علَيهِما الكَلامَ الَّذي كانَ على اللَّوحَينِ الأَوَّلَينِ اللَّذَينِ حَطَّمتَهُما. وكُنْ مُستَعِدًّا لِلصَّباح، وٱصعَدْ في الصَّباحِ إِلى جَبَلِ سيناء وقِفْ لي هُناكَ على رأسِ الجَبَل. ولا يَصعَدْ أَحَدٌ معَكَ ولا يُرَ أَحَدٌ في كُلِّ الجَبَل، حتَّى الغَنَمُ والبَقَرُ لا تَرْعى حِيالَه». فنَحَتَ موسى لَوحَي حَجَرٍ كالأَوَّلَينِ وبَكَّرَ في الصَّباح وصَعِدَ إِلى جَبَلِ سيناء، كما أَمَرَه الرَّبّ، وأَخَذَ في يَدِه لَوحَي الحَجَر. فنَزَلَ الرَّبُّ في الغَمام ووَقَفَ معَه هُناكَ. ونادى موسى بٱسمِ الرَّبّ. ومَرَّ الرَّبُّ قُدَّامَه فنادى: «الرَّبُّ الرَّبّ! إِلٰهٌ رَحيمٌ ورَؤُوف، طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الرَّحمَةِ والوَفاء، يَحفَظُ الرَّحمةَ لأُلوف، ويَحتَمِلُ الإِثْمَ والمَعصِيَةَ والخَطيئَة، ولكنَّه لا يَترُكُ دونَ عِقابٍ شَيئًا، فيُعاقِبُ إِثْمَ الآباءِ في البَنينَ وفي بَني البَنينَ إِلى الجيلِ الثَّالِثِ والرَّابِع». فأَسرَعَ موسى وٱنحَنى إِلى الأَرضِ ساجدًا، وقالَ: «إِن نِلْتُ حَقًّا حُظوَةً في عَينَيكَ، يا رَبّ، فَلْيَسِرِ الرَّبُّ إِذًا في وَسْطِنا، لأَنَّه شَعبٌ قاسي الرِّقاب. فٱغفِرْ إِثْمَنا وخَطيئَتَنا وٱتَّخِذْنا ميراثًا لَكَ». قالَ الرَّبّ: «ها أَنا قاطِعٌ عَهْدًا أَمامَ شَعبِكَ كُلِّه، أَصْنَعُ عَجائِبَ لم يَتِمَّ مِثلُها في الأَرضِ كُلِّها وفي كُلِّ أُمَّة، فيَرى كُلُّ الشَّعبِ الَّذي أَنتَ في وَسْطِه فِعْلَ الرَّبّ، فإِنَّ الَّذي أَنا صانِعُه معَكَ مُخيف. إِحفَظْ ما أَنا آمِرُكَ بِهِ اليَوم. هاءَنَذا طارِدٌ مِن أَمامِ وَجهِكَ الأَمورِيِّينَ والكَنْعانِيِّينَ والحِثِّيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّين. فٱحذَرْ أَن تَقطَعَ عَهْدًا مع أَهلِ الأَرضِ الَّتي أنتَ داخِلٌ إِلَيها، لِئَلاَّ يَكونوا فَخًّا في وَسْطِكم، بل تُدَمِّرونَ مَذابِحَهم وتُحَطِّمونَ أَنْصابَهم وتُقَطِّعونَ أَوتادَهمُ المُقَدَّسَة. فإِنَّكَ لا تَسجُدُ لإلٰهٍ آخَر، لأَنَّ الرَّبَّ ٱسمُه الغَيور: إِنَّه إِلٰهٌ غَيور. لا تَقطَعْ عَهدًا مع سُكَّانِ تِلكَ الأَرض، لِئَلاَّ يَدْعوكَ إِذا زَنَوا وَراءَ آلِهَتِهم وذَبَحوا لها، فتأكُلَ مِن ذَبيحَتِهم، وتأخُذَ مِن بَناتِهم لِبَنيكَ، فتَزْنِيَ بَناتُهم وَراءَ آلِهَتِهِنَّ ويَحمِلْنَ بَنيكَ على الزِّنى وَراءَ آلِهَتِهِنَّ. إِلٰهًا مَسْبوكًا لا تَصْنَعْ لِنَفْسِكَ. وعيدُ الفَطيرِ فٱحفَظْه: سَبعَةَ أَيَّامٍ تأكُلُ فَطيرًا بِحَسَبِ ما أَمَرتُكَ في الوَقتِ المُحَدَّدِ من شَهر أَبيب، لأَنَّكَ في شَهرِ أَبيبَ خَرَجتَ مِن مِصْر. كُلُّ فاتِحِ رَحِمٍ فهُو لي: كُلُّ بِكْرٍ ذَكَرٍ مِنَ البَقَرِ والغَنَم. وبِكْرُ الحَميرِ فٱفدِه بِشاة، وإِن لَم تَفدِه فتَكسِرُ قَفا عُنُقِه، وكُلُّ بِكْرٍ مِن بَنيكَ فٱفدِه، ولا تَحضُروا أَمامي فارِغين. في سِتَّةِ أَيَّامٍ تَعمَل، وفي اليَومِ السَّابِعِ تَستَريح، وحَتَّى في أَوانِ الحَرْثِ والحِصادِ تَستَريح. وعيدُ الأَسابيعِ تُقيمُه لَكَ بِبَواكيرِ حِصادِ الحِنطة، وعيدُ الغَلَّةِ تُقيمُه في نِهايةِ السَّنة. ثَلاثَ مَرَّاتٍ في السَّنةِ يَحضُرُ ذُكْرانُكَ كُلُّهم أَمامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل. وأَنا أَطرُدُ الأُمَمَ مِن أَمامِكَ وأُوَسِّعُ حُدودَكَ ولا يَطمَعُ أَحَدٌ في أَرضِكَ، إِذا صَعِدتَ لِتَحضُرَ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ في السَّنَة. لا تَذبَحْ دَمَ ذَبيحَتي على خَمير، ولا تَبِتْ ذَبيحَةُ عيدِ الفِصْحِ حتَّى الصَّباح. وأَوائِلُ بَواكيرِ أَرضِكَ فأتِ بِها إِلى بَيتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، ولا تَطبُخِ الجَدْيَ بِلَبَنٍ حَليبٍ مِن أُمِّه». وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «أُكْتُبْ لَكَ هٰذا الكَلام، لأَنِّي بِحَسَبِه قَطَعتُ عَهْدًا معَكَ ومع إِسْرائيل». وأَقامَ موسى هُناكَ عِندَ الرَّبِّ أَربَعينَ يَومًا وأَربَعينَ لَيلَةً، لا يأكُلُ خُبزًا ولا يَشرَبُ ماءً، فكَتَبَ على اللَّوحَينِ كَلامَ العَهْد، الكَلِماتِ العَشْر. ولَمَّا نَزَلَ موسى مِن جَبَلِ سيناء، ولَوحا الشَّهادةِ في يَدِه عِندَ نُزولِه مِنَ الجَبَل، لم يَكُنْ يَعلَمُ أَنَّ بَشَرَةَ وَجهِه قد صارَت مُشِعَّةً مِن مُخاطَبَةِ الرَّبِّ لَه، فرأَى هارونُ وجَميعُ بَني إِسْرائيلَ موسى، فإِذا بَشَرَةُ وَجهِه مُشِعَّة، فخافوا أَن يَقتَرِبوا مِنه. فدَعاهم موسى، فرَجَعَ إِلَيه هارونُ وجَميعُ زُعماءِ الجَماعة، فكَلَّمَهم. وبَعدَ ذٰلك، اِقتَرَبَ سائِرُ بَني إِسْرائيل، فأَمَرَهم بِكُلِّ ما كَلَّمَه الرَّبُّ بِه في جَبَلِ سيناء. ولَمَّا ٱنتَهى موسى من مُخاطَبَتِهم، جَعَلَ على وَجهِه حِجابًا. وكانَ موسى، عِندَ دُخولِه أَمامَ الرَّبِّ لِيُكَلِّمَه، يَرفَعُ الحِجابَ إِلى أَن يَخرُج، ثُمَّ يَخرُجُ ويُكَلِّمُ بَني إِسْرائيلَ بِما أُمِرَ بِه. فكانَ بنو إِسْرائيلَ يَرونَ أَنَّ بَشَرَةَ وَجهِ موسى مُشِعَّة، فيَرُدُّ الحِجابَ على وَجهِه إِلى وَقتِ دُخولِه لِمُخاطَبَةِ الرَّبّ. ثُمَّ جَمَعَ موسى جَماعَةَ بَني إِسْرائيلَ كُلَّها وقالَ لَهم: «هٰذه هي الأُمورُ الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ أَن تَصْنَعوها: في سِتَّةِ أَيَّامٍ يُعمَلُ العَمَل، واليَومُ السَّابِعُ يَكونُ لَكم مُقَدَّسًا، سَبْتَ راحةٍ لِلرَّبّ. كُلُّ مَن عَمِلَ فيه عَمَلًا يُقتَل. لا تُشعِلوا نارًا في جَميعِ مَساكِنِكم يَومَ السَّبت». وكَلَّمَ موسى كُلَّ جَماعَةِ بَني إِسْرائيلَ قائلًا: «هٰذا هو الأَمرُ الَّذي أَمَرَ الرَّبُّ بِه قائلًا: خُذوا مِن عِندِكم تَقدِمةً لِلرَّبّ. كُلُّ مَن سَخا قَلبُه، يأتي بِتَقدِمَةِ الرَّبّ: مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ ونُحاس، وبِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ وشَعَرِ مَعِز، وجُلودِ كِباشٍ مَصْبوغَةٍ بالحُمرَة وجُلودِ دَلافينَ وخَشَبِ سَنْط، وزَيتٍ لِلسِّراج وأَطْيابٍ لِزَيتِ المِسحَةِ ولِلبَخورِ العَطِر، وحِجارَةِ جَزْعٍ وحِجارةِ تَرْصيعٍ لِلأَفودِ ولِلصُّدْرَة. ولْيَأتِ كُلُّ ماهِرٍ فيكم ويَصنَعْ كُلَّ ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه: المَسكِنَ وخَيمَتَه وغِطاءَه وكَلاليبَه وأَلْواحَه وعَوارِضَه وأَعمِدَتَه وقواعِدَه، والتَّابوتَ وقَضيبَيه والكَفَّارَةَ والحِجابَ السَّاتِر، والمائِدَةَ وقَضيبَيها وجَميعَ آنِيَتِها والخُبْزَ المُقَدَّس، ومَنارةَ الإِضاءَةِ وآنِيَتِها وسُرُجَها وزَيتَ السِّراج، ومَذبَحَ البَخورِ وقَضيبَيه وزَيتَ المِسحَةِ والبَخورَ العَطِرَ وسِتارَ البابِ لِمَدخَلِ المَسكِن، ومَذبَحَ المُحرَقَةِ وشَريطَ النُّحاسِ الَّذي لَه وقَضيبَيه وجَميعَ آنِيَتِه والمِغْسَلَ وقاعِدَتَه، وسَتائِرَ الفِناءِ وأَعمِدَتَه وقَواعِدَه وسِتارَ بابِ الفِناء، وأَوتادَ المَسكِنِ والفِناءِ وحِبالَهما، وثِيابَ الخِدمَةِ لِخِدمَةِ القُدْس والثِّيابَ المُقَدَّسةَ لِهارونَ الكاهِن وثِيابَ بَنيه لِيَكونوا لي كَهَنَة». فخَرَجَت جَماعةُ بَني إِسْرائيلَ كُلُّها مِن أَمامِ موسى. وأَتى كُلُّ مَن دَفَعَه قَلْبُه وكُلُّ مَن سَخَت نَفسُه، فجاءُوا بِتَقدِمَةِ الرَّبِّ لِعَمَلِ خَيمَةِ المَوعِد ولِخَدَماتِها كُلِّها ولِثِيابِ القُدْس. أَتى الرِّجالُ مع النِّساءِ مِن كُلِّ مَن سَخا قَلبُه، فجاءوا بِمَشابِكَ وحَلَقاتٍ وخَواتِمَ وقَلائِدَ كُلِّ مَتاعٍ مِنَ الذَّهَب، وكُلُّ مَن نَذَرَ نَذْرَ ذَهَبٍ لِلرَّبّ. وكُلُّ مَن وُجِدَ عِندَه بِرْفيرٌ بَنَفسَجِيٌّ وأُرجُوانٌ وقُماشٌ قِرمِزِيٌّ وكَتَّانٌ ناعِم وشَعَرُ مَعِزٍ وجُلودُ كِباشٍ مَصْبوغَةٌ بِالحُمرَة وجُلودُ دَلافين، أَتى بِها. وكُلُّ مَن كانَ عِندَه تَقدِمةٌ مِن فِضَّةٍ ونُحاسٍ يُقَدِّمُها، أَتى بِتَقدِمَةِ الرَّبّ. وكُلُّ مَن وُجِدَ عِندَه خَشَبُ سَنْطٍ لِكُلِّ عَمَلٍ مِنَ الأَعْمال، أَتى بِه. وكُلُّ ٱمرَأَةٍ ماهِرَةٍ غَزَلَت بِيَدِها وأَتَت بِغَزْلٍ مِنَ البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيِّ والأُرجُوانِ والقُماشِ القِرمِزِيِّ والكَتَّانِ النَّاعِم. وكُلُّ ٱمرَأَةٍ دَفَعَها قَلْبُها غَزَلَت بِمَهارةٍ شَعَرَ المَعِز. والزُّعَماءُ أَتَوا بِحجارَةِ الجَزْعِ وحِجارَةِ التَّرْصيعِ لِلأَفودِ ولِلصُّدرَة، وبِالطِّيبِ والزَّيتِ لِلسِّراجِ ولِزَيتِ المِسحَةِ ولِلبَخورِ العَطِر. كُلُّ رَجُلٍ أَوِ ٱمرَأَةٍ مِن بَني إِسْرائيلَ سَخا قَلبُه أَن يأتِيَ بِشيءٍ لِكُلِّ العَمَلِ الَّذي أَمَرَ الرَّبُّ بِأَن يُعمَلَ عن يَدِ موسى، أَتى بِه تَقدِمةً سَخِيَّةً لِلرَّبّ. وقالَ موسى لِبَني إِسْرائيل: «أُنظُروا! إِنَّ الرَّبَّ قد دَعا بَصْلائيلَ بْنَ أُورِيَ بْنِ حُورٍ مِن سِبْطِ يَهوذا بِٱسمِه، وملَأَه مِن رُوحِ اللهِ مَهارةً وفَهْمًا ومَعرِفةً بِجَميعِ الصَّنائع، لاختِراعِ نَمَاذِجَ تُصنَعُ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والنُّحاس، ولِنَقْشِ الجَواهِرِ لِلتَّرْصيع ولِنِجارةِ الخَشَب، حتَّى يَعمَلَ في كُلِّ صِناعةٍ ما ٱختَرَعَه. وجَعَلَ في قَلبِه وفي قَلبِ أُهْليآبَ بْنَ أَجساماكَ مِن سِبْطِ دانٍ مَوهِبَةَ التَّعليم، ومَلَأَ قَلبَيهما مَهارةً لِيَعمَلَا كُلَّ عَمَلِ نَقَّاشٍ وفَنَّانٍ ومُطَرِّزٍ في البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيِّ والأُرجُوانِ والقُماشِ القِرمِزِيّ والكَتَّانِ النَّاعِمِ، وكُلَّ عَمَلِ حائِكٍ مِنَ الصُّنَّاعِ والمُختَرِعين. فكانَ على بَصْلائيلَ وأُهْليآبَ وكُلِّ ذي مَهارةٍ مِمَّن أَودَعَ الرَّبُّ قُلوبَهم مَهارةً وفَهمًا لِيَعرِفوا أَن يَصْنَعوا كُلَّ عَمَلٍ مِن أَعْمالِ القُدْس، أَن يَعْمَلوا بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه. ونادَى موسى بَصْلائيلَ وأُهْليآبَ وكُلَّ ذي مَهارةٍ مِمَّن جَعَلَ الرَّبُّ مهارةً في قُلوبِهم، كُلِّ مَن دَفَعَه قَلبُه على أَن يَتَقَدَّمَ إِلى العَمَلِ لِيَقومَ بِه. فتَسَلَّموا مِن أَمامِ موسى كُلَّ التَّقدِمَةِ الَّتي أَتى بِها بَنو إِسْرائيلَ لِلقِيامِ بِعَمَلِ خِدمَةِ القُدْس. وما زالَ الشَّعبُ يأتيه في كُلِّ صَباحٍ بتَقدِمَتِه السَّخِيَّة. فأَقبَلَ جَميعُ المَهَرَةِ الَّذينَ يَعْمَلونَ كُلَّ عَمَلِ القُدْس، كُلُّ ٱمرِئٍ مِنهُم أَقْبَلَ مِن عَمَلِه الَّذي يَعْمَلُه، وكَلَّموا موسى قائلين: «إِنَّ الشَّعْبَ يأتي بأَكثَرَ مِمَّا يَكْفي لإتْمَامِ العَمَلِ الَّذي أَمَرَ الرَّبُّ بِه». فأَمَرَ موسى أَن يُنادى في المُخَيَّمِ ويقال: «لا يَعمَلْ رَجُلٌ أَوِ ٱمرَأَةٌ بَعدَ اليَومِ شَيئًا لِتَقدِمَةِ القُدْس»، فكَفَّ الشَّعبُ عَنِ التَّقْديم. وكان، فيما أَتَوا بِه، كِفايةٌ لِكُلِّ ما يَقتَضيه العَمَلُ وفَضَل. فصَنَعَ المَسكِنَ كُلُّ ذي مَهارةٍ مِنَ القائمينَ بِالعَمَل. صَنَعَه مِن عَشْرِ قِطَعٍ مِن كَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول وبِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيٍّ وأُرجُوانٍ وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ بِكَروبين صُنعَ فَنَّان. طولُ القِطعَةَ ثَمانٍ وعِشْرونَ ذِراعًا في عَرْضِ أَربَعِ أَذرُعٍ، قِياسٌ واحِدٌ لِجَميعِ القِطَع. ووَصَلَ خَمْسًا مِنَ القِطَعِ الواحِدَ بِالأُخْرى وخَمْسًا مِنَ القِطَعِ الواحِدَةِ بِالأُخْرى. وصَنَعَ شَرائِطَ مِنَ البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيِّ في حاشِيَةِ القِطعَةِ الأُولى في طَرَفِ الوُصلَةِ الأُولى وكذٰلِك صَنَعَ في حاشِيَةِ القِطعَةِ الَّتي في طَرَفِ الوُصلَةِ الأُخْرى. صَنَعَ خَمْسينَ شَريطًا للقِطعَةِ الأُولى وخَمْسينَ شَريطًا في طَرَفِ القِطعَةِ الَّتي في الوَصْلِ الآخَر، فكانَتِ الشَّرائِطُ مُتَقابِلَةً أَحَدُها إِلى الآخَر. وصَنَعَ خَمْسينَ مِشبَكًا مَن ذَهَب ووَصَلَ القِطَعَ بِالمَشابِك، كُلَّ واحِدَةٍ مِنْها إِلى الأُخْرى، فصارَ المَسكِنُ واحِدًا. وصَنَعَ قِطَعًا من شَعَرِ المَعِز، لِتَكونَ خَيمةً فَوقَ المَسكِن، إِحْدى عَشْرَةَ قِطعةً، طولُ القِطعَةَ ثَلاثونَ ذِراعًا في عَرْضِ أَربَعِ أَذرُعٍ، قِياسٌ واحِدٌ لِلإحْدى عَشْرَةَ قِطْعَة. ووَصَلَ خَمْسَ قِطَعٍ على حِدَة وسِتَّ قِطَعٍ على حِدَة. وصَنَعَ خَمْسينَ شَريطًا في حاشِيَةِ القِطعَةِ الَّتي في طَرَفِ الوُصلَةِ وخَمْسينَ شَريطًا في حاشِيَةِ قِطعَةِ الوُصلَةِ الأُخْرى. وصَنَعَ خَمْسينَ مِشبَكًا مِن نُحاسٍ لِجَمْعِ الخيمةِ حتَّى تَصيرَ واحِدةً. وصَنَعَ غِطاءً لِلخَيمةِ مِن جُلودِ كِباشٍ مَصبوغَةٍ بِالحُمرَة وغِطاءً مِن جُلودِ دَلافينَ مِن فَوق. وصَنَعَ أَلْواحًا لِلمَسكِنِ مِن خَشَبِ السَّنْطِ قائِمةً، طولُ اللَّوحِ عَشْرُ أَذرُعٍ في عَرْضِ ذِراعٍ ونِصْف. وصَنَعَ لِلَّوحِ لِسانَينِ مُتَقابِلَينِ أَحَدُهما إِلى الآخَر. كذٰلكَ صَنَعَ لِجَميعِ أَلْواحِ المَسكِن. وصَنَعَ الأَلْواحَ لِلمَسكِن: عِشْرينَ لَوحًا جِهَةَ الجَنوبِ نَحوَ اليَمين. وصَنَعَ أَربَعينَ قاعِدةً مِن فِضَّةٍ تَحتَ الأَلْواحِ العِشْرين: قاعِدَتَينِ قاعِدَتَينِ تَحتَ كُلِّ لَوحٍ لِلِسانَيه. وصَنَعَ لِجانِبِ المَسكِنِ الثَّاني مِن جِهَةِ الشَّمالِ عِشْرينَ لَوحًا، وأَربَعينَ قاعِدَةً مِن فِضَّة: قاعِدَتَينِ قاعِدَتَينِ تَحتَ كُلِّ لَوح. وصَنَعَ لِمُؤَخَّرِ المَسكِنِ جِهَةَ الغَرْبِ سِتَّةَ أَلْواح. وصَنَعَ لَوحَينِ لِزاوِيَتَيِ المَسكِنِ في المُؤَخَّر. وكانا مُزدَوِجَينِ مِن أَسْفَلُ، ويَلتَقِيانِ في أَعْلاهُما إِلى الحَلقَةِ الأُولى. كذٰلِك كانا كِلاهُما لِلزَّاوِيَتَين. فكانَت هُناكَ ثَمانِيَةُ أَلْواحٍ قَواعِدُها مِن فِضَّة، أَي سِتَّ عَشرَةَ قاعِدَةً: قاعِدَتانِ قاعِدَتانِ تَحتَ كُلِّ لَوح. وصَنَعَ عَوارِضَ مِن خَشَبِ السَّنْط: خَمْسًا لأَلْواحِ الجانِبِ الأَوَّلِ مِنَ المَسكِن، وخَمْسَ عَوارِضَ لأَلْواحِ الجانِبِ الآخَرِ مِنَ المَسكِن، وخَمْسَ عَوارِضَ لأَلْواحِ المَسكِنِ في المُؤَخَّرِ جِهَةَ الغَرْب. وصَنَعَ العارِضَةَ الوُسْطى في وَسَطِ الأَلْواحِ بِذَهَب وصَنَعَ لَها حَلَقاتٍ مِن ذَهَبٍ بُيوتًا لِلعَوارِض، ولَبَّسَ العَوارِضَ بِذَهب. وصَنَعَ حِجابًا مِن بِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيٍّ وأُرْجُوانٍ وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول، صُنْعَ فَنَّانٍ صَنَعَها بِكَروبين. وصَنَعَ لَه أَربَعَةَ أَعمِدَةٍ مِنَ السَّنْط ولَبَّسَها ذَهَبًا، وكانَت كَلاليبُها مِن ذَهَب. وصاغَ لَها أَربَعَ قَواعِدَ مِن فِضَّة. وصَنَعَ سِتارًا لِبابِ الخَيمَةِ مِن بِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيٍّ وأُرجُوانٍ وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول، صُنْعَ مُطَرِّز، وأَعمِدَتَه الخَمسَةَ بِكَلاليبِها. ولَبَّسَ رُؤُوسَها وقُضْبانَها بِالذَّهَب، وكانَت قَواعِدُها الخَمْسُ مِن نُحاس. وصَنَعَ بَصْلائيلُ التَّابوتَ مِن خَشَبِ السَّنْط، طولُه ذِراعانِ ونِصْف وعَرضُه ذِراعٌ ونِصْف وعُلُوُّه ذِراعٌ ونِصْف. ولَبَّسَه بِذَهَبٍ خالِصٍ مِن داخِلٍ ومِن خارِج، وصَنَعَ لَه إِكْليلًا مِن ذَهَبٍ مُحيطًا بِه. وصَبَّ لَه أَربَعَ حَلَقاتٍ مِن ذَهَبٍ على أَربَعِ قَوائِمِه: حَلقَتَينِ مِن جانِبِه الأَوَّل وحَلقَتَينِ مِن جانِبِه الآخَر. وصَنَعَ قَضيبَينِ مِن خَشَبِ السَّنْط ولَبَّسَهما بِالذَّهَب. وأَدخَلَ القَضيبَينِ في الحَلَقاتِ على جانِبَيِ التَّابوت لِيُحمَلَ بِهما. وصَنَعَ كفَّارةً مِن ذَهَبٍ خالِص طولُها ذِراعان في عَرضِ ذِراعٍ ونِصْف. وصَنَعَ كَروبَينِ مِن ذَهَبٍ مُطَرَّق، صَنَعَهما على طَرَفَيِ الكَفَّارة: الكَروبَ الأَوَّلَ على هٰذا الطَّرَف والكَروبَ الآخَرَ على ذاكَ الطَّرَف، صَنَعَهما جُزءًا مِنَ الكَفَّارةِ وعلى طَرَفَيها. وكانَ الكَروبانِ باسِطَينِ أَجنِحَتَهما إِلى فوق، مُظَلِّلَينِ بِأَجْنِحَتِهما الكَفَّارَةَ ووَجْهاهُما الواحِدُ نَحوَ الآخَر، ونَحوَ الكَفَّارةِ كانَ وَجْهاهما. وصَنَعَ المائِدَةَ مِن خَشَبِ السَّنْط، طولُها ذِراعان وعَرضُها ذِراعٌ وعُلُوُّها ذِراعٌ ونِصْف. ولَبَّسَها بِالذَّهَبِ الخالِص وصَنَعَ لَها إِكْليلًا مِن ذَهَبٍ يُحيطُ بِها. وصَنَعَ لَها إِطارًا بِعَرْضِ شِبْرٍ مِن حَولِها، وصَنَعَ إِكْليلَ ذَهَبٍ لإطارِها على مُحيطِها. وصَبَّ لَها أَربَعَ حَلَقاتِ ذَهَب وجَعَلَ الحَلَقاتِ في أَربَعِ زَوايا قوائِمِها الأَربَع. وبِجانِبِ الإِطارِ كانَتِ الحَلَقاتُ بُيوتًا لِلقَضيبَينِ لِحَمْلِ المائِدة. وصَنَعَ القَضيبَينِ مِن خَشَبِ السَّنْط ولَبَّسَهما بِذَهَب، لِتُحمَلَ بِهما المائِدة. وصَنَعَ الآنِيَةَ الَّتي على المائِدة: صِحافَها وقِصاعَها وكُؤُوسَها وأَباريقَها الَّتي يُسكَبُ بِها، مِن ذَهَبٍ خالِص. وصَنَعَ المَنارةَ مِن ذَهَبٍ خالِص، مِن ذَهَبٍ مُطَرَّقٍ صَنَعَها، هي وقاعِدَتَها وساقَها، وكانت أَكْمامُها وبَراعِمُها وأَزْهارُها جُزءًا مِنها. وكانَت سِتُّ شُعَبٍ مُتَفَرِّعَةً مِن جانِبَيها: ثَلاثُ شُعَبِ المَنارةِ مِن جانِبِها الأَوَّل وثَلاثُ شُعَبِ المَنارةِ مِن جانِبِها الآخَر. وثَلاثَةُ أَكْمامٍ لَوزِيَّةٍ في الشُّعبَةِ الأُولى بِبُرعُمٍ وَزَهْرَة، وثَلاثَةُ أَكْمامٍ لَوزِيَّةٍ في الشُّعبَةِ الأُخْرى بِبُرعُمٍ وزَهرَة، وكذٰلك كانَ لِلسِّتِّ الشُّعَبِ المُتَفرِّعَةِ مِنَ المَنارة. وكانَت في المَنارةِ أَربَعةُ أَكْمامٍ لَوزِيَّةٍ بِبُرعُمِها وزَهْرِها: بُرعُمٌ تَحتَ الشُّعبَتَينِ الأُولَيَينِ كانَ جُزءًا مِنها وبُرعُمٌ تَحتَ الشُّعبَتَينِ الأُخرَيَينِ كانَ جُزءًا مِنها وبُرعُمٌ تَحتَ الشُّعبَتَينِ الأُخرَيَينِ كانَ جُزءًا مِنها. كَذا لِلسِّتِّ الشُّعَبِ المُتَفَرِّعَةِ مِنها. وكانَت بَراعِمُها وشُعَبُها كُلُّها جُزءًا مِنها مُطَرَّقةً مِن ذَهَبٍ خالِص. وصَنَعَ لَها سُرُجَها السَّبعَة، وكانَت مَقاصُّها ومَنافِضُها مِن ذَهَبٍ خالِص. بِقِنْطارِ ذَهَبٍ خالِصٍ صَنَعَها مع كُلِّ آنِيَتِها. وصَنَعَ مَذبَحَ البَخورِ مِن خَشَبِ السَّنْط، طولُه ذِراعٌ وعَرْضُه ذِراع، فكانَ مُرَبَّعًا، وعُلُوُّه ذِراعان وقُرونُه جُزءٌ مِنه. ولَبَّسَه بِذَهَبٍ خالِص: سَطحَه وجُدْرانَه مِن حَولِه وقُرونَه، وصَنَعَ لَه إِكليلًا مِن ذَهَبٍ يُحيطُ بِه. وصَنَعَ لَه حَلقَتَين مِن ذَهَبٍ تَحتَ إِكْليلِه على جانِبَيه على الجِهَتَين، فكانَت بُيوتًا لِلقَضيبَينِ لِيُحمَلَ بِهِما. وصَنَعَ القَضيبَينِ مِن خَشَبِ السَّنْطِ ولَبَّسَهما بِذَهَب. وصَنَعَ زَيتَ المِسحَةِ المُقَدَّسة والبَخورَ العَطِرَ خالِصًا صُنعَ عَطَّار. وصَنَعَ مَذبَحَ المُحرَقاتِ مِن خَشَبِ السَّنْط، طولُه خَمْسُ أَذرُعٍ وعَرضُه خَمْسُ أَذرُعٍ فَكانَ مُرَبَّعًا، وعُلُوُّه ثَلاثَ أَذرُع. وصَنَعَ قُرونَه على أَربَعِ زَواياه، وكانَت قُرونُه جُزءًا مِنه، ولَبَّسَه بِنُحاس. وصَنَعَ كُلَّ آنِيَةِ المَذبَح القُدورَ والمَجارِفَ والكُؤُوسَ والمَناشِلَ والمَجامِر، كُلُّ آنِيَتِه صَنَعَها مِن نُحاس. وصَنَعَ لِلمَذبَحِ شَريطًا على شَكْلِ شَبَكَةٍ مِنَ النُّحاس تَحتَ حافَتِه مِن أَسفَلُ إِلى نِصْفِه. وصَنَعَ أَربَعَ حَلَقاتٍ في الأَطْرافِ الأَربَعةِ لِشَريطِ النُّحاسِ بُيوتًا لِلقَضيبَين. وصَنَعَ القَضيبَينِ مِن خَشَبِ السَّنْط ولَبَّسَهما بِنُحاس. وأَدخَلَ القَضيبَينِ في الحَلَقات على جانِبَيِ المَذبَحِ لِيُحمَلَ بِهما. وصَنَعَه أَجوَفَ ومِن أَلْواح. وصَنَعَ المِغسَلَ وقاعِدَتَه مِن نُحاسٍ مِن مَرايا النِّساءِ الحارِساتِ عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد. وصَنَعَ الفِناءَ، سَتائِرُه مِن جِهَةِ الجَنوبِ نَحوَ اليَمين مِئَةُ ذِراعٍ مِن كَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول، وأَعمِدَتُها العِشْرونَ وقَواعِدُها العِشْرونَ مِن نُحاس، وكَلاليبُ الأَعمِدَةِ وقُضْبانُها مِن فِضَّة، ومِن جِهَةِ الشَّمالِ مِئةُ ذِراعٍ أَعمِدَتُها العِشْرونَ وقواعِدُها العِشْرونَ مِن نُحاس، وكَلاليبُ الأَعمِدَةِ وقُضْبانُها مِن فِضَّة، ومِن جِهَةِ الغَرْبِ سَتائِرُ بِخَمْسينَ ذِراعًا وأَعمِدَتُها العَشَرَةُ وقَواعِدُها العَشْرُ وكَلاليبُ الأَعمدَةِ وقُضْبانُها مِن فِضَّة، ومِن جِهَةِ الشَّرْقِ خَمْسونَ ذِراعًا: مِنْها سَتائِرُ بِخَمسَ عَشْرَةَ ذِراعًا لِلْجانِبِ الأَوَّل وأَعمِدَتُها الثَّلاثَةُ وقَواعِدُها الثَّلاث، ولِلْجانِبِ الآخَرِ مِن هُنا ومِن هُنا مِن بابِ الفِناءِ سَتائِرُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ ذِراعًا وأَعمِدَتُها الثَّلاثَةُ وقَواعِدُها الثَّلاث. وكانَت جَميعُ سَتائِرِ الفِناءِ على مُحيطِه مِن كَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول. وكانَت قَواعِدُ الأَعمِدَةِ مِن نُحاس وكَلاليبُ الأَعمِدَةِ وقُضْبانُها مِن فِضَّة وغِطاءُ رُؤُوسِها مِن فِضَّة، كَما أَنَّ جَميعَ أَعمِدَةِ الفِناءِ كانَت مَوصولةً بِقُضْبانٍ مِن فِضَّة. وكانَ سِتارُ بابِ الفِناءِ صُنْعَ مُطَرِّزٍ وكانَ مِن بِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيٍّ وأُرجوانٍ وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول، طولُه عِشْرونَ ذِراعًا وعُلُوُّه عَرْضًا خَمْسُ أَذرُعٍ كَسَتائِرِ الفِناء. وكانَت أَعمِدَتُه الأَربَعَةُ وقَواعِدُها الأَربَعُ مِن نُحاس وكَلاليبُها مِن فَضَّة ورُؤُوسُها وقُضْبانُها مُلَبَّسَةً بفِضَّة، وجَميعُ أَوتادِ المَسكِنِ والفِناءِ على محيطِهما مِن نُحاس. وهٰذا حِسابُ المَسكِن، مَسكِنِ الشَّهادة، الَّذي حُسِبَ بِأَمرِ موسى عن يَدِ اللاَّوِيِّين وبِإِشْرافِ إِيشامارَ بْنِ هارونَ الكاهِن. وقَد صَنَعَ بَصْلائيلُ بْنُ أُورِيَ بْنِ حُور، مِن سِبْطِ يَهوذا، كُلَّ ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه موسى، ومَعَه أَهْليآبُ بْنُ أَحيساماك، مِن سِبْطِ دان، وهونَقَّاشٌ وفَنَّانٌ ومُطَرِّزٌ بِالبِرْفيرِ البَنَفْسَجِيِّ والأُرجُوانِ والقُماشِ القِرمِزِيِّ والكَتَّانِ النَّاعِم. وكانَ مَجْموعُ الذَّهَب الَّذي ٱستُعمِلَ في كُلِّ عَمَلِ المَقدِس، وهو ذَهَبُ التَّقدِمة، تِسْعَةً وعِشْرينَ قِنْطارًا وسَبْعَ مِئَةٍ وثَلاثينَ مِثْقالًا بِحَسَبِ مِثْقالِ القُدْس. وكانَت فِضَّةُ المَعْدودينَ مِنَ الجَماعةِ مِئَةَ قِنْطارٍ وأَلْفًا وسَبْعَ مِئَةٍ وخَمْسَةً وسَبْعينَ مِثْقالًا بِحَسَبِ مِثْقالِ القُدْس. وكانَ على كُلِّ واحِدٍ نِصْفُ مِثْقالٍ بِحَسَبِ مِثْقالِ القُدْس، مِن كُلِّ مَن كانَ مَعْدودًا في الإِحْصاء، مِنِ ٱبْنِ عِشْرينَ سَنَةً فصاعِدًا، فكانوا سِتَّ مِئَةِ أَلْفٍ وثَلاثَةَ آلافٍ وخَمْسَ مِئَةٍ وخَمْسين. فكانَتِ الفَضَّةُ الَّتي صِيغَت مِنها قَواعِدُ القُدْس وقَواعِدُ الحِجابِ مِئَةَ قِنْطار، وهي مِئَةُ قاعِدة، فكانَ لِكُلِّ قاعِدَةٍ قِنْطار. والأَلْفُ والسَّبعُ مِئَةٍ والخَمْسَةُ والسَّبْعونَ مِثْقالًا صَنَعَ مِنها كَلاليبَ الأَعْمِدَة وأَغطِيَةَ رُؤُوسِها وقُضْبانَها. وأَمَّا نُحاسُ التَّقدِمة فَبَلَغَ سَبْعينَ قِنْطارًا وأَلفَينِ وأَربَعَ مِئَةِ مِثْقال. فصَنَعَ مِنه قَواعِدَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد ومَذبَحَ النُّحاس وشَريطَ النُّحاس الَّذي لَه وجَميعَ آنِيَةِ المَذبَح، وقَواعِدَ الفِناء مُحيطةً وقَواعِدَ بابِ الفِناء وجَميعَ أَوتادِ المَسكِنِ وأَوتادَ الفِناءِ مُحيطةً. ومِنَ البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيِّ والأُرجُوان والقُماشِ القِرمِزِيِّ صَنَعوا ثِيابَ الخِدمَة، لِلخِدمةِ في القُدْس، وصَنَعوا الثِّيابَ المُقَدَّسَة الَّتي لِهارون، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وصَنَعوا الأَفودَ مِن ذَهَبٍ وبِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُمَاشٍ قِرمِزِيّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول. وطَرَّقوا الذَّهَبَ صَفائِحَ وقَطَّعوها أَسْلاكًا لِيَصنَعوا، في وَسَطِ البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيِّ والأُرجُوان والقُماشِ القِرمِزِيِّ والكَتَّانِ النَّاعِم، صُنْعَ فَنَّان. وصَنَعَوا لَه في طَرَفَيه كِتفِيَّتَينِ مَوصولَتَينِ لِيَكونَ مَرْبوطًا. والوِشاحُ الَّذي على الأَفودِ الَّذي يَشُدُّه بِهِ كانَ جُزءًا مِنه، وكانَ هو أَيضًا مَصْنوعًا مِن ذَهَبٍ وبِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُماشٍ قِرمِزِيّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وصَنَعوا حَجَرَيِ الجَزْعِ يُحيطُ بِهما فَصَّانِ مِنَ الذَّهَب، مَنْقوشٌ عَليهما، كَنَقشِ الخاتَم، أَسْماءُ بَني إِسْرائيل. وجَعَلوهما على كِتفِيَّتَيِ الأَفودِ لِيَكونَ حَجَرَيِ ذِكْرٍ لِبَني إِسْرائيل، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وصَنَعوا الصُّدرَةَ صُنْعَ فَنَّان، كصُنْعِ الأَفود، مِن ذَهَبٍ وبِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول، صَنَعوها مُرَبَّعةً مَثنِيَّةً طولُها شِبْرٌ وعَرضُها شِبْر، فكانت مَثنِيَّة. ورَصَّعوا فيها أَربَعَةَ صُفوفٍ مِنَ الحِجارة: الصَّفُّ الأَوَّلُ ياقوتٌ أَحمَرُ وياقوتٌ أَصفَرُ وزُمُرُّد، والصَّفُّ الثَّاني بَهرَمانٌ ولا زَوَرْدٌ وماس، والصَّفُّ الثَّالِثُ سَمَنْجونِيٌّ وعَقيقٌ يَمَانٍ وجَمَشْت، والصَّفُّ الرَّابِعُ زَبَرجَدٌ وجَزْعٌ ويَشْب، يُحيط بِها ذَهَبٌ في تَرْصيعِها. وكانَتِ الحِجارةُ بِأَسْماءِ بَني إِسْرائيل، كانَتِ ٱثنَي عَشَرَ بِحَسَبِ أَسْمائِهم، مَنْقوشةً كالخاتَم، كُلٌّ علَيه ٱسمُه بِحَسَبِ الأَسْباطِ الِٱثنَي عَشَر. وصَنَعوا لِلْصُّدرَةِ سَلاسِلَ كحِبالٍ صُنْعِ ضَفْرٍ مِن ذَهَبٍ خالِص. وصَنَعوا فَصَّينِ مِنَ الذَّهَب وحَلقَتَينِ مِنَ الذَّهَب وجَعَلوا الحَلقَتَينِ في طَرَفَيِ الصُّدرَة. وجَعَلوا ضَفيرَتَيِ الذَّهَبِ في الحَلقَتَينِ اللَّتَينِ في طَرَفَيِ الصُّدرَة. وجَعَلوا طَرَفَيِ الضَّفيرَتَينِ الآخَرَينِ في الفَصَّين، ووَضَعوها على كِتفِيَّتَيِ الأَفودِ في مُقَدَّمِه. وصَنَعوا حَلقَتَينِ مِن ذَهَب وجَعَلوها في طَرَفَيِ الصُّدرَة في حاشِيَتِها الَّتي إِلى جِهَةِ الأَفودِ مِن داخِل. وصَنَعوا حَلقَتَينِ مِن ذَهَب وجَعَلوهما على كِتفِيَّتَيِ الأَفودِ مِن أَسْفَلُ في مُقَدَّمِه عِندَ وُصلَتِه فَوقَ وِشاحِ الأَفود. ورَبَطوا الصُّدرَةَ مِن حَلقَتَيها إِلى حَلقَتَيِ الأَفودِ بِشَريطٍ مِن البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيِّ حتَّى تَكونَ على وِشاحِ الأَفود ولا تَنْزاحَ الصُّدرَةُ عن الأَفود، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وصَنَعوا جُبَّةَ الأَفودِ صُنعَ حائكٍ، كُلُّها مِن بِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيّ. وكانَت فُتحَةُ رأسِها في وَسَطِها كفُتحَةِ الدِّرعِ، وتُحيطُ بِفُتحَتِها حاشِيَةٌ لِئَلاَّ تَتَمَزَّق. وصَنَعوا لأَذْيالِها رُمَّاناتٍ مِن بِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ وكَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول. وصَنَعوا جَلاجِلَ مِن ذَهَبٍ خالِص وجَعَلوا الجَلاجِلَ فيما بَينَ الرُّمَّاناتِ في أَذْيالِ الجُبَّةِ مِن حَولِها: جُلْجُلًا ورُمَّانةً جُلْجُلًا ورُمَّانةً لأَذْيالِ الجُبَّةِ مِن حَولِها لأَجْلِ الخِدمَة، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وصَنَعوا الأَقمِصَةَ مِن كَتَّانٍ ناعِم، صُنعَ حائكٍ، لِهارونَ وبَنيه، والعِمامةَ مِن كَتَّانٍ ناعِم، وعَصائِبَ القَلانِسِ مِن كَتَّانٍ ناعِم، وسَراويلاتِ الكَتَّانِ مِن كَتَّانٍ ناعِمِ مَفْتول، والزُّنَّارَ مِن كَتَّانٍ ناعِمٍ مَفْتول وبِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيٍّ وأُرجُوان وقُماشٍ قِرمِزِيٍّ، صُنعَ مُطَرِّز، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وصَنَعوا زَهرَةَ تاجِ القُدْسِ مِن ذَهَبٍ خالِص، وكَتَبوا علَيها كِتابةً كَنَقْشِ الخاتَم: قُدْسٌ لِلرَّبّ. ووَضَعوا علَيها شَريطًا مِن بِرْفيرٍ بَنَفْسَجِيٍّ لِتَكونَ على العِمامةِ مِن فَوقُ، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. فٱكتَمَلَ كُلُّ عَمَلِ المَسكِنِ وخَيمَةِ المَوعِد. وصَنَعَ بَنو إِسْرائيلَ كُلَّ ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه موسى، هٰكذا صَنَعوا. وأَتَوا بِالمَسكِنِ إِلى موسى: الخَيمَةِ وآنِيَتِها: مَشابِكِها وأَلْواحِها وعَوارِضِها وأَعمِدَتِها وقَواعِدِها، والغِطاءِ الَّذي مِن جُلودِ الكِباشِ المَصْبوغَةِ بِالحُمرَة، والغِطاءِ الَّذي مِن جُلودِ الدَّلافين، والحجاب، وتابوتِ الشَّهادة وقُضْبانِه وكفَّارتِه، والمائِدَةِ وجَميعِ آنِيَتِها والخُبزِ المُقَدَّس، والمَنارةِ الطَّاهِرَةِ وسُرُجِها، السُّرُجِ المُنَضَّدَة، وجَميعِ آنِيَتِها وزَيتِ السِّراج، ومَذبَحِ الذَّهَب وزَيتِ المِسحَة والبَخور العَطِر وسِتارِ بابِ الخَيمَة، ومَذبَحِ النُّحاس وشَريطِ النُّحاسِ الَّذي لَه وقَضيبَيه وجَميعِ آنِيَتِه والمِغسَلِ وقاعِدَتِه، وستائِرِ الفِناءِ وأَعمِدَتِه وقَواعِدِه وسِتارةِ بابِه وحِبالِه وأَوتادِه وسائِرِ آنِيَةِ خِدمَةِ المَسكِنِ لِخَيمَةِ المَوعِد، وثِيابِ الخِدمةِ لِلخدمَةِ في القُدْس، وثِيابِ القُدْسِ لِهارونَ الكاهِن وثِيابِ بَنيه لِيَكونوا كَهَنَة. بِحَسَبِ ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه موسى صَنَعَ بَنو إِسْرائيلَ كُلَّ العَمَل. فرَأَى موسى كُلَّ العَمَل، فإِذا هُم قد صَنَعوه وَفْقًا لأَمرِ الرَّبّ. هٰكذا صَنَعوا، فبارَكَهم موسى. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «في اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ الأَوَّل اِنصِبِ المَسكِن، خَيمَةَ المَوعِد، وٱجعَلْ فيه تابوتَ الشَّهادة وٱستُرِ التَّابوتَ بِالحِجاب، وأتِ بِالمائِدة ورَتِّبْ علَيها ما يَجِبُ تَرتيبُه، وأتِ بِالمَنارةِ وأَصعِدْ سُرُجَها، وٱجعَلْ مَذبَحَ الذَّهَبِ لِلبَخورِ أَمامَ تابوتِ الشَّهادة، وضَعْ سِتارَ بابِ المَسكِن، وٱجعَلْ مَذبَحَ المُحرَقَةِ أَمامَ المَسكِن، خَيمَةِ المَوعِد، وٱجعَلِ المِغسَلَ بَينَ خَيمَةِ المَوعِدِ والمَذبَح وٱجعَلْ فيه ماءً، وٱنصِبِ الفِناءَ مُسْتَديرًا وضَعِ السِّتارةَ لِبابِ الفِناء. ثُمَّ خُذْ زَيتَ المِسَحَةِ وٱمسَحِ المَسكِنَ وجَميعَ ما فيه وقَدِّسْه هو وجَميعَ آنِيَتِه، فيَصيرَ مُقَدَّسًا، وٱمسَحْ مَذبَحَ المُحرَقَةِ وجَميعَ آنِيَتِه، وقَدِّسِ المَذبَح، فيَكونَ قُدْسَ أَقْداس، وٱمسَحِ المِغسَلَ وقاعِدَتَه وقَدِّسْه. ثُمَّ قَدِّمْ هارونَ وبَنيه إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِد وٱغسِلْهِم بِالماء، وأَلبِسْ هارونَ ثِيابَ القُدْس وٱمسَحْه وقَدِّسْه لِيَكونَ لي كاهِنًا، وقَدِّمْ بَنيه وأَلبِسْهم قُمصانًا، وٱمسَحْهم كَما مَسَحتَ أَباهم لِيَكونوا لي كَهَنَة، وتكونُ لَهم مِسحَتُهم كَهَنوتًا أَبَدِيًّا مَدى أَجْيالِهِم». فعَمِلَ موسى بِكُلِّ ما أَمَرَه الرَّبُّ به، هٰكذا عَمِل. فكانَ أَنَّه في الشَّهْرِ الأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ في اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ نُصِبَ المَسكِن. نَصَبَه موسى فوَضَعَ قَواعِدَه وجَعَلَ علَيها أَلْواحَه ووَضَعَ عَوارِضَه وأَقامَ أَعمِدَتَه. ثُمَّ مَدَّ الخَيمَةَ فَوقَ المَسكِن ووَضَعَ غِطاءَ الخَيمةِ علَيه مِن فَوقُ، كما أَمَرَه الرَّبّ. ثُمَّ أَخَذَ الشَّهادةَ فوَضَعَها في التَّابوت وجَعَلَ علَيه القَضيبَين، ووَضَعَ الكَفَّارةَ على التَّابوتِ مِن فَوق. ثُمَّ أَتى بِالتَّابوتِ إِلى المَسكِن ووَضَعَ الحِجابَ السَّاتِر فسَتَرَ تابوتَ الشَّهادة، كما أَمَرَه الرَّبّ. وجَعَلَ المائِدَةَ في خَيمَةِ المَوعِدِ في جانِبِ المَسكِن، جِهَةَ الشَّمال، خارِجَ الحِجاب. ورَتَّبَ علَيها صَفَّ خُبْزٍ أَمامَ الرَّبّ، كَما أَمَرَه الرَّبُّ. ووَضَعَ المنارةَ في خَيمَةِ المَوعِد تُجاهَ المائِدَة في الجانِبِ الجَنوبِيِّ مِنَ المَسكِن، وأَصعَدَ السُّرُجَ أَمامَ الرَّبّ، كَمَا أَمَرَه الرَّبُّ. ثُمَّ وَضَعَ مَذبَحَ الذَّهَبِ في خَيمَةِ المَوعِدِ أَمامَ الحِجاب، وأَحرَقَ علَيه بَخورًا عَطِرًا، كَما أَمَرَه الرَّبّ. ثُمَّ وَضَعَ سِتارَ البابِ على المَسكِن. ووَضَعَ مَذبَحَ المُحرَقَةِ عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد وأَصعَدَ علَيه المُحرَقَة والتَّقدِمة، كما أَمَره الرَّبُّ. ووَضَعَ المِغسَلَ بَينَ خَيمَةِ المَوعِدِ والمَذبَح وجَعَلَ فيه ماءً لِلغُسْل، لِيَغسِلَ مِنه موسى وهارونُ وبَنوه أَيدِيَهم وأَرجُلَهم. فكانوا، عِندَ دُخولِهم خَيمَةَ المَوعِد وعِندَ تَقَدُّمِهم إِلى المَذبَح، يَغتَسِلون، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. ونَصَبَ الفِناءَ حَولَ المَسكِنِ والمَذبَح، ووَضَعَ سِتارةَ بابِ الفِناء. وهٰكذا أَكمَلَ موسى العَمَل. ثُمَّ غَطَّى الغَمامُ خَيمَةَ المَوعِد وملَأَ مَجدُ الرَّبِّ المَسكِن، فلَم يَستَطِعْ موسى أَن يَدخُلَ خَيمَةَ المَوعِد، لأَنَّ الغَمامَ كانَ حالًّا علَيه ومَجدَ الرَّبِّ قد مَلَأَ المَسكِن. وكانَ، إِذا ٱرتَفَعَ الغَمامُ عنِ المَسكِن، يَرحَلُ بَنو إِسْرائيلَ في جَميعِ مَراحِلِهم، وإِذا لم يَرتَفِع، لَم يَرحَلوا إِلى يَومِ ٱرتِفاعِه، لأَنَّ غَمامَ الرَّبِّ كانَ على المَسكِنِ نَهارًا، وكانَتِ النَّارُ في الغَمامِ لَيلًا، على مَشهَدِ جَميعِ بَيتِ إِسْرائيلَ في جَميعِ مَراحِلِهم. ودعا الرَّبُّ موسى وخاطَبَه مِن خَيمةِ المَوعِدِ قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: أَيُّ إنسانٍ مِنكم قَرَّبَ قُرْبانًا لِلرَّبِّ مِنَ البَهائم، فمِنَ البَقَرِ والغَنَمِ تُقَرِّبونَ قُرْبانَكم. إِن كانَ قُربانُه مُحرَقَةً مِنَ البَقَر، فذَكَرًا تامًّا يُقَرِّبُه عِندَ بابِ خَيمةِ المَوعِد، يُقَرِّبُه لِلرِّضى عنه أَمامَ الرَّبّ. ويَضَعُ يَدَه على رأسِ المُحرَقَة، فيُرْضى عنها تَكْفيرًا عنه. ويَذبَحُ العِجْلَ أَمامَ الرَّبِّ، فيُقَرِّبُ بَنو هارونَ الكَهَنَةُ الدَّمَ ويَرُشُّونَه على المَذبَحِ الَّذي عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِدِ مِن حَولِه. ويَسلَخُ المُحرَقَةَ ويُقَطِّعُها بِحَسَبِ قِطَعِها. ويَجعَلُ بَنو هارونَ الكاهنِ نارًا على المَذبَح ويُرَتِّبونَ علَيها حَطَبًا. ويُرَتِّبُ بَنو هارونَ الكَهَنَةُ القِطَعَ والرَّأْسَ والشَّحْمَ على الحَطَبِ الَّذي على النَّارِ الَّتي على المَذْبَح. وأَمَّا أَمْعاؤُه وأَكارِعُه فيَغسِلُها بِالماء ويُحرِقُ الكاهِنُ الكُلَّ على المَذبَحِ مُحرَقةً بِالنَّار رائِحَةَ رِضًى لِلرَّبّ. وإن كانَ قُرْبانُه مِنَ الغَنَم، مِنَ الضَّأنِ أَوِ المَعِزِ، مُحرَقةً، فذَكَرًا تامًّا يُقَرِّبُه. ويَذبَحُه على جانِبِ المَذبَح جِهَةَ الشَّمالِ أَمامَ الرَّبّ، ويَرُشُّ بَنو هارونَ الكَهَنَةُ دَمَه على المَذبَحِ مِن حَولِه. ويُقَطِّعُه بِحَسَبِ قِطَعِه، رأسَه وشَحمَه، ويُرَتِّبُها الكاهِنُ على الحَطَبِ الَّذي على النَّارِ الَّتي على المَذبَح. وأَمَّا أَمْعاؤُه وأَكارِعُه فيَغسِلُها بِالماء، ويُقَرِّبُ الكاهِنُ الكُلَّ ويُحرِقُه على المَذبَح: إِنَّه مُحرَقَةٌ بِالنَّار، رائِحَةُ رِضًى لِلرَّبّ. وإِن كانَ قُرْبانُه لِلرَّبِّ مُحرَقَةَ طَيْر، فَمِنَ اليَمامِ أَو مِن فِراخِ الحَمامِ يَكونُ قُرْبانُه. فيُقَرِّبُه الكاهِنُ إِلى المَذبَح ويَكسِرُ رأسَه، ثُمَّ يُحرِقُه على المَذبَح، ويُعصَرُ دَمُه على جِدارِ المَذبَح. ويَنزِعُ حَوصَلَتَه مع ما فيها ويَطرَحُهما إِلى جانِبِ المَذبَحِ شَرْقًا في مَوضِعِ الرَّماد. ويَشُقُّ الطَّيرَ بِجَناحَيه دونَ أن يَفصِلَهما، ويُحرِقُه الكاهِنُ على المَذبَح، على الحَطَبِ الَّذي عل النَّار، إِنَّه مُحرَقَةٌ بِالنَّار، رائِحَةُ رِضًى لِلرَّبّ. وإِن قَرَّبَ أَحَدٌ قُرْبانَ تَقدِمَةٍ لِلرَّبّ، فلْيَكُنْ قُربانُه سَميذًا يَصُبُّ علَيه زَيتًا ويَجعَلُ علَيه بَخورًا. ويَأتي بِذٰلك بَني هارونَ الكَهَنَة، فيَأخُذُ الكاهِنُ مِلْءَ قَبضَةٍ مِن سَميذِها وزَيتِها مع كُلِّ بَخورِها، ويُحرِقُه تَذْكارًا على المَذبَح، تَقدِمَةً بِالنَّار، رائِحَةَ رِضًى لِلرَّبّ. وما فَضَلَ مِنَ التَّقدِمَةِ يَكونُ لِهارونَ وبَنيه: إِنَّه قُدْسُ أَقْداسٍ مِنَ التَّقادِمِ بِالنَّارِ لِلرَّبّ. وإِن قَرَّبتَ قُرْبانَ تَقدِمَةٍ مَخْبوزًا في تَنُّور، فلْيَكُنْ أَقْراصَ حَلْوى مِن سَميذٍ فَطيرٍ مَلْتوتٍ بِزَيت ورُقاقاتِ فَطير مَدْهونةٍ بِزَيت. وإِن كانَ قُرْبانُكَ تَقدِمةً على صاج، فلْيَكُنْ فطيرًا مِن سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت. وفُتَّه فُتاتًا وصُبَّ علَيه زَيتًا: إِنَّه تَقدِمة. وإِن كانَ قُرْبانُكَ تَقدِمةً مِنَ المَطْبوخِ في قِدْرٍ، فلْيُصْنَعْ مِنَ السَّميذِ بِزَيت. وأتِ بِالتَّقدِمَةِ الَّتي صُنِعَت مِن ذٰلك إِلى الرَّبّ، وقَدِّمْها إِلى الكاهِن، فيَدْنو بِها إِلى المَذبَح. ويَرفَعُ الكاهِنُ مِنَ التَّقدِمَةِ تَذْكارَها ويُحرِقُه على المَذبَحِ تَقدِمَةً بِالنَّار، رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ. وما فَضَلَ مِنَ التَّقدِمةِ يَكونُ لِهارونَ وبَنيه: إِنَّه قُدْسُ أَقداسٍ مِنَ التَّقادِمِ بِالنَّارِ لِلرَّبّ. جَميعُ التَّقادِمِ الَّتي تُقَرِّبونَها لِلرَّبِّ لا تُصنَعُ بِخَمير، لأَنَّ كُلَّ خَميرٍ وكُلَّ عَسَلٍ لا تُحرِقوا مِنهُما تَقدِمَةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ. لٰكِن قُرْبانَ بَواكيرَ تُقَرِّبونَ مِنهُما لِلرَّبّ، وإِلى المَذبَحِ لا يُصعَدانِ رائِحةَ رِضًى. وكُلُّ قُرْبانٍ مِن تَقادِمِكَ تُمَلِّحُه بِالمِلْح، ولا تُخْلِ تَقدِمَتَكَ مِن مِلْحِ عَهْدِ إِلٰهِكَ. مع جَميعِ قَرابينِكَ تُقَرِّبُ مِلْحًا. وإِن قَرَّبتَ تَقدِمةَ بَواكيرَ لِلرَّبّ، فسُنْبُلًا مَشوِيًّا بِالنَّار، جَريشًا مِنَ الحُبوبِ الطَّريةِ تُقَدَّمُ قُرْبانَ بَواكيرِكَ. وتَجعَلُ علَيها زَيتًا وتَضَعُ علَيها بَخورًا: إِنَّها تَقدِمة. فيُحرِقُ الكاهِنُ تَذْكارَها مِن جَريشِها وزَيتِها، مع بَخورِها كُلِّه تَقدِمَةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ. وإِن كانَ قُرْبانُه ذَبيحةً سَلامِيَّةً مِنَ البَقَر، ذَكَرًا أَو أُنْثى، فتامًّا يُقَرِّبُه أَمامَ الرَّبّ. ويَضَعُ يَدَه على رأسِ قُرْبانِه ويَذبَحُه عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد، ويَرُشُّ بَنو هارونَ الكَهَنَةُ الدَّمَ على المَذبَحِ مِن حَولِه. ويُقَرِّبُ مِنَ الذَّبيحَةِ السَّلامِيَّةِ تَقدِمَةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ: الشَّحْمَ المُغَطِّيَ لِلأَمْعاء وسائِرَ الشَّحْمِ الَّذي على الأَمْعاء، والكُلْيَتَينِ والشَّحْمَ الَّذي علَيهِما عِنْدَ الخاصِرَتَين، ويَنزِعُ زِيادةَ الكَبِدِ مع الكُلْيَتَين. ويُحرِقُ ذٰلك بَنو هارونَ على المَذبَح، على المُحرَقةِ الَّتي فَوقَ الحَطَبِ الَّذي على النَّار، تَقدِمَةً بِالنَّار، رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ. وإِن كانَ قُرْبانُه مِنَ الغَنَم، ذَبيحةً سَلامِيَّةً لِلرَّبّ، ذَكَرًا أو أُنْثى، فتامًّا يُقَرِّبُه. إِن كانَ قُرْبانُه حَمَلًا، فلْيُقَرِّبْه أَمامَ الرَّبّ: يَضَعُ يَدَه على رأسِ قُرْبانِه ويَذبَحُه أَمامَ خَيمَةِ المَوعِد، ويَرُشُّ بَنو هارونَ دَمَه على المَذبَحِ مِن حَولِه. ويُقَرِّبُ مِنَ الذَّبيحةِ السَّلامِيَّةِ تَقدِمَةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ: شَحْمَها وأَلْيَتَها كُلَّها الَّتي يَقتَلِعُها مِن عِندِ العُصْعُص، والشَّحْمَ المُغَطِّيَ لِلأَمْعاء وسائِرَ الشَّحْمِ الَّذي على الأَمْعاء. والكُلْيَتَينِ والشَّحْمَ الَّذي عِندَ الخاصِرَتَين، ويَنزِعُ زِيادةَ الكَبِدِ مع الكُلْيَتَين. ويُحرِقُ الكاهِنُ ذٰلك على المَذبَح، طَعامَ تَقدِمَةٍ بِالنَّارِ لِلرَّبّ. وإِن كانَ قُرْبانُه مِنَ المَعِز، فلْيُقَرِّبْه أَمامَ الرَّبّ: يَضَعُ يَدَه على رأسِه ويذبَحُه أَمامَ خَيمَةِ المَوعِد، ويَرُشُّ بَنو هارونَ دَمَه على المَذبَحِ مِن حَولِه. ويُقَرِّبُ مِنه قُرْبانَه تَقدِمَةً بِالنَّارِ لِلرَّب: الشَّحْمَ المُغَطِّيَ لِلأَمْعاء وسائِرَ الشَّحْمِ الَّذي على الأَمْعاء، والكُلْيَتَينِ والشَّحْمَ الَّذي عَلَيهما، ويَنزِعُ زِيادَةَ الكَبِدِ مع الكُلْيَتَين. ويُحرِقُ الكاهِنُ ذٰلِكَ على المَذبَح، طَعامَ تَقدِمَةٍ بِالنَّار، رائِحَةَ رِضًى. كُلُّ شَحْمٍ هو لِلرَّبّ. فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجْيالِكم في جَميعِ مَساكِنِكم: كُلُّ شَحْمٍ وكُلُّ دَمٍ لا تأكُلوهُما. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: خاطِبْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِن خَطِئَ أَحَدٌ سَهْوًا في شَيءٍ مِمَّا نَهى الرَّبُّ عن فِعلِه، فعَمِلَ واحِدَةً مِنه، فإِن كانَ الكاهِنُ المَمْسوحُ هو الخاطِئ فأَثِمَ الشَّعْبُ بِسَبَبِه، فلْيُقَرِّبْ عن خَطيئَتِه الَّتي خَطِئَها عِجْلًا مِنَ البَقَرِ تامًّا، ذَبيحةَ خَطيئةٍ لِلرَّبّ. يأتي بالعِجْلِ إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِدِ أَمامَ الرَّبّ ويَضَعُ يَدَه على رأسِه ويَذبَحُه أَمامَ الرَّبّ. ويأخُذُ الكاهِنُ المَمْسوحُ مِن دَمِ العِجْل ويَدخُلُ بِه خَيمَةَ المَوعِد. ويَغمِسُ الكاهِنُ إِصبَعَه فيه ويَرُشُّ مِنه سَبْعَ مَرَّاتٍ أَمامَ الرَّبِّ قُبالَةَ حِجابِ القُدْس. ويَضَعُ الكاهِنُ مِنَ الدَّمِ على قُرونِ مَذبَحِ البَخورِ العَطِرِ الَّذي في خَيمَةِ المَوعِدِ أَمامَ الرَّبّ، وسائِرُ دَمِ العِجْلِ يَصُبُّه عِنْدَ أَساسِ مَذبَحِ المُحرَقَةِ الَّذي عِنْدَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد. وكُلُّ شَحْمِ عِجْلِ الخَطيئةِ يَنزِعُه مِنه: الشَّحْمَ المُغَطِّيَ لِلأَمْعاء وسائِرَ الشَّحْمِ الَّذي علَيه، والكُلْيَتَينِ والشَّحْمَ الَّذي عَلَيهِما عِندَ الخاصِرَتَين، ويَنزِعُ زِيادَةَ الكَبدِ مع الكُلْيَتَين، كَما تُنزَعُ مِن ثَورِ الذَّبيحةِ السَّلامِيَّة ويُحرِقُها الكاهِنُ على مَذبَحِ المُحرَقَة. وجِلْدُ العِجْلِ وكُلُّ لَحمِه مع رأسِه وأَكارِعِه وأَمْعائِه ورَوثِه والعِجْلُ كُلُّه يُخرِجُه إلى خارِجِ المُخَيَّم، إِلى مَوْضِعٍ طاهِر، إِلى مَطرَحِ الرَّماد، ويُحرِقُه على حَطَبٍ بِالنَّار، على مَطرَحِ الرَّمادِ يُحرَق. وإِن خَطِئَت سَهوًا جَماعةُ إِسْرائيلَ كُلُّها وخَفِيَ الأَمرُ على عُيونِ الجَماعة وعَمِلوا واحِدةً مِمَّا نَهى الرَّبُّ عن فِعلِه وأَثِموا، ثُمَّ عُرِفَتِ الخَطيئَةُ التي خَطِئُوها. فلتُقَرِّبِ الجَماعةُ عِجْلًا مِنَ البَقَرِ ذَبيحةَ خَطيئة، يأتونَ بِه إِلى أَمامِ خَيمَةِ المَوعِد. ويَضَعُ شُيوخُ الجَماعَةِ أَيدِيَهم على رأسِ العِجْلِ أَمامَ الرَّبّ، ويُذبَحُ العِجْلُ أَمامَ الرَّبّ. ويأخُذُ الكاهِنُ المَمْسوحُ مِن دَمِ العِجْلِ إِلى خَيمَةِ المَوعِد، ويَغمِسُ الكاهِنُ إِصبَعَه فيه ويَرُشُّ مِنه سَبْعَ مرَّاتٍ أَمامَ الرَّبِّ قُبالَةَ الحِجاب. ويَضَعُ مِنه على قُرونِ المَذبَحِ الَّذي أَمامَ الرَّبِّ في خَيمَةِ المَوعِد، وسائِرُ الدَّمِ يَصُبُّه عِندَ أَساسِ مَذبَحِ المُحرَقَةِ الَّذي عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد. وكُلُّ شَحْمِه يَنزِعُه مِنه ويُحرِقُه على المَذبَح. ويَفعَلُ بِه كَما فَعَلَ بِعِجْلِ الخَطيئة، كذٰلك يَفعَلُ بِه. فيُكَفِّرُ الكاهِنُ عَنهم فَيُغفَرُ لهم. ويُخرِجُ العِجْلَ إِلى خارِجِ المُخَيَّم ويُحرِقُه كَما أَحرَقَ العِجْلَ الأَوَّل: إِنَّه ذَبيحَةُ خَطيئَةِ الجَماعة. وإِن خَطِئَ زَعيمٌ فعَمِلَ سَهْوًا واحِدَةً مِمَّا نَهى الرَّبُّ إِلٰهُه عن فِعلِه فأَثِم، أو إِذا نُبِّهَ على خَطيئتِه الَّتي خَطِئَها، فلْيَأتِ بِقُرْبانِه تَيسًا مِنَ المَعِزِ ذَكَرًا تامًّا. ويَضَعُ يَدَه على رأسِه ويُذبَحُ في مَوضِعِ ذَبْحِ المُحرَقَةِ أَمامَ الرَّبّ: إِنَّه ذَبيحَةُ خَطيئَة. فيأخُذُ الكاهِنُ مِن دَمِ ذَبيحَةِ الخَطيئَةِ بإِصبَعِه ويجعَلُ مِنه على قُرونِ مَذبَحِ المُحرَقة، ويَصُبُّ دَمَه عِندَ أَساسِ مَذبَحِ المُحرَقة. وكُلُّ شَحْمِه يُحرِقُه على المَذبَح كَشَحْمِ الذَّبيحَةِ السَّلامِيَّة، ويُكَفِّرُ عنه الكاهِنُ خَطيئَتَه فيُغفَرُ له. وإِن خَطِئَ أَحَدٌ مِن عامَّةِ الأَرضِ سَهْوًا وعَمِلَ واحِدَةً مِمَّا نَهى الرَّبُّ عن فِعلِه فأَثِم، (أَو إِذا نُبِّهَ على خَطيئَتِه الَّتي خَطِئَها)، فلْيَأْتِ بِقُرْبانِه عَنزَةً مِنَ المَعِزِ تامَّةً عن خَطيئَتِه الَّتي خَطِئَها. ويَضَعُ يَدَه على رأسِ ذَبيحَةِ الخَطيئَة، ويَذبَحُ ذَبيحَةَ الخَطيئةِ في مَوضِعِ المُحرَقة. فيأخُذُ الكاهِنُ مِن دَمِها بإِصبَعِه ويجعَلُ مِنه على قُرونِ مَذبَحِ المُحرَقة، وسائِرُ دَمِها يَصُبُّه عِندَ أَساسِ المَذبَح. وكُلُّ شَحْمِها يَنزِعُه كَما يُنزَعُ الشَّحْمُ مِنَ الذَّبيحَةِ السَّلامِيَّة، ويُحرِقُه الكاهِنُ على المَذبَح رائِحَةَ رِضًى لِلرَّبّ، ويُكَفِّرُ الكاهِنُ عنه فَيُغفَرُ لَه. وإِن كانَ القُرْبانُ الَّذي أَتى بِه حَمَلًا ذَبيحَةَ خَطيئَة، فلْيَأْتِ بِها أُنْثى تامَّة. ويَضَعُ يَدَه على رأسِ ذَبيحَةِ الخَطيئَة ويَذبَحُها ذَبيحةَ خَطيئَةٍ في المَوضِعِ الَّذي تُذبَحُ فيه المُحرَقَة. فيأخُذُ الكاهِنُ مِن دَمِ ذَبيحَةِ الخَطيئَةِ بِإِصبَعِه ويَجعَلُ مِنه على قُرونِ مَذبَحِ المُحرَقَة، وسائِرُ دَمِها يَصُبُّه عِندَ أَساسِ المَذبَح. وكُلُّ شَحْمِها يَنزِعُه كما يُنزَعُ شَحمُ حَمَلِ الذَّبيحةِ السَّلامِيَّة، ويُحرِقُه الكاهِنُ على المَذبَح، على الذَّبائِحِ بِالنَّارِ لِلرَّبّ، ويُكَفِّرُ الكاهِنُ عنه خَطيئَتَه الَّتي خَطِئَها فيُغفَرُ لَه. وإِذا خَطِئَ أَحَدٌ بِأَنْ سَمِعَ صَوتَ يَمينِ لَعنَة، وهو شاهِدٌ رأى أَو عَلِمَ بِحَقيقَةِ الأَمر، ولم يُخْبِرْ بِه، فقد حَمَلَ وِزْرَه، أَو مَسَّ أَحَدٌ شَيئًا نَجِسًا مِن جيفةِ وَحْشٍ نَجِس أَو بَهيمَةٍ نَجِسَة أَو زَحَّافةٍ نَجِسَة، وخَفِيَ علَيه ذٰلك، فهو نَجِسٌ وآثِم، أَو مَسَّ نَجاسَةَ إِنسانٍ، مِن جَميعِ النَّجاساتِ الَّتي يُتَنَجَّسُ بها، وخَفِيَ علَيه ذٰلك ثُمَّ عَرَفَه، فقَد أَثِم. وإِن حَلَفَ أَحَدٌ وفَرَّطَ بالكلامِ لِلإساءَةِ أَو لِلإحْسان، مِن كُلِّ ما يُفَرِّطُ الإنسانُ بِه مِنَ الكَلامِ في اليَمين، وخَفِيَ علَيه ذٰلك ثُمَّ عَرَفَه، فهو آثِمٌ بشَيءٍ مِن ذٰلك. فإِذا كانَ آثِمًا بِشَيءٍ مِن ذٰلك، فلْيَعتَرِفْ بِما خَطِئَ بِه. ولْيَأتِ بِذَبيحَةِ إِثْمِه لِلرَّبِّ عن خَطيئَتِه الَّتي خَطِئَها، أُنْثَى مِنَ الغَنَم، نَعجَةً أَو عَنزَة، ذَبيحةَ خَطيئة، فيُكَفِّرُ الكاهِنُ عن خَطيئَتِه. فإِن لم يَكُنْ في يَدِه أَن يُقَدِّمَ شاةً، فلْيَأتِ لِلرَّبِّ بِذَبيحةِ إِثْمِه الَّذي خَطِئَ بِه، زَوجَي يَمامٍ أَو فَرْخَي حَمام، أَحَدُهُما ذَبيحَةُ خَطيئَة والآخَرُ مُحرَقة. يَأتي بِهما إِلى الكاهِن، فيُقَرِّبُ الَّذي لِلخَطيئةِ أَوَّلًا. يَكِسرُ رأسَه عِندَ قَفاه دونَ أَن يَفصِلَه. ويَرُشُّ مِن دَمِ ذَبيحةِ الخَطيئةِ على جِدارِ المَذبَح، وما فَضَلَ مِنَ الدَّمِ يُعصَرُ على أَساسِ المَذبَح: إِنَّه ذَبيحةُ خَطيئة. وأَمَّا الثَّاني فيَصنَعُه مُحرقَةً كالعادة، فيُكَفِّرُ الكاهِنُ عنه خَطيئَتَه الَّتي خَطِئَها، فيُغفَرُ لَه. فإِن لم يَكُنْ في يَدِه أَن يُقَدِّمَ زَوجَي يَمامٍ أَو فَرخَي حَمام، فلْيُقَرِّبْ عن خَطيئَتِه الَّتي خَطِئَها عُشْرَ إِيفَةٍ سَميذًا، قُرْبانَ خَطيئَة. لا يَصُبُّ علَيه زَيتًا ولا يَجعَلُ علَيه بَخورًا، لأَنَّه قُرْبانُ خَطيئة. يأتي بِه إِلى الكاهِن، فيأخُذُ الكاهِنُ مِنه مِلْءَ قَبضَتِه تَذْكارًا ويُحرِقُه على المَذبَح، على الذَّبائِحِ بِالنَّارِ لِلرَّبّ: إِنَّه قُرْبانُ خَطيئَة. فيُكَفِّرُ عنه الكاهِنُ خَطيئَتَه الَّتي خَطِئَها بِشيٍ مِن ذٰلك، فيُغْفَرُ لَه، ويَكونُ لِلكاهِنِ نَصيبُه كما هو في التَّقدِمة». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِن خالَفَ أَحَدٌ مُخالَفَةً وخَطِئَ سَهْوًا في شَيءٍ مِن أَقْداسِ الرَّبّ، فلْيَأتِ لِلرَّبِّ بِذَبيحةِ إِثْمِه، كَبْشًا تامًّا مِنَ الغَنَم، تُقَيِّمُه بِمَثاقيلَ مِن فِضَّةٍ بِحَسَبِ مِثْقالِ القُدْس، ذَبيحَةَ إِثْم. وما خَطِئَ فيه مِنَ القُدْس يُعَوَّضُ عنه ويَزيدُ علَيه خُمْسَه ويَدفَعُه إِلى الكاهِن، فَيُكَفِّرُ الكاهِنُ عنه بِكَبْشِ ذَبيحَةِ الإِثْمِ، فيُغفَرُ لَه. وإِن خَطِئَ أَحَدٌ ففَعَلَ شَيئًا مِمَّا نَهى الرَّبُّ عن فِعلِه، ولم يَعْلَمْ بِأَنَّه قد أَثِم، فقد حَمَلَ وِزرَه. فيَأتي إِلى الكاهِنِ بِكَبْشٍ تامٍّ مِنَ الغَنَمِ تُقَيِّمُه بِمِقْدارِ الإِثْم. فيُكَفِّرُ عنه الكاهِنُ سَهوتَه الَّتي سَهاها ولَم يَعلَمْ بِها، فيُغفَرُ لَه: إِنَّه ذَبيحَةُ إِثْمٍ، لأَنَّه قد أَثِمَ إِلى الرَّبّ». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِن خَطِئَ أَحَدٌ وغَدَرَ بِالرَّبِّ فأَنكَرَ على قَريبِه وَديعةً أَو أَمانةً أو شيئًا مَسْلوبًا، أو غَصَبَه شَيئًا، أَو وَجَدَ شَيئًا مَفْقودًا وأَنكَرَه وحَلَفَ كاذِبًا على شَيءٍ مِن كُلِّ ما يَفعَلُه الإِنسانُ فيَخطَأُ بِه، إِذا خَطِئَ وأَثِمَ، فلْيَرُدَّ المَسْلوبَ الَّذي سَلَبَه أَوِ الغَصْبَ الَّذي غَصَبَه أَوِ الوَديعةَ الَّتي أُودِعَها أَوِ المَفْقودَ الَّذي وَجَدَه، أَو كُلُّ ما حَلَفَ عليه كاذِبًا فلْيَرُدَّه بِعَينِه ويَزِدْ علَيه خُمْسَه ويُعْطِه لِلَّذي هو لَه، في يَومِ ذَبيحَةِ إِثْمِه. ولْيأتِ إِلى الرَّبِّ بِذَبيحةِ إِثْمِه، كَبْشًا تامًّا مِنَ الغَنَمِ تُقَيِّمُه بِمِقْدارِ الإِثْمِ، ويُدفَعُ إِلى الكاهِن. فيُكَفِّرُ عنه الكاهِنُ أَمامَ الرَّبّ، فيُغفَرُ لَه ما فَعَلَه مِن جَميعِ ما يُؤثَمُ بِه». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ هارونَ وبَنيه وقُلْ لَهم: هٰذه شريعةُ المُحرَقة: تَكونُ المُحرَقَةُ على جَمْرِ المَذبَحِ طَوالَ اللَّيلِ حتَّى الصَّباح، ونارُ المَذبَحِ مُشتَعِلَةٌ علَيه. ويَلبَسُ الكاهِنُ قَميصَه مِنَ الكَتَّانِ وسَراويلاتٍ مِنَ الكَتَّانِ على بَدَنِه، ويَرفَعُ رَمادَ المُحرَقةِ الَّذي أَكَلَتْه النَّارُ على المَذبَح، ويَضَعُه بِجانِبِ المَذبَح. ثُمَّ يَخلَعُ ثِيابَه ويَلبَسُ ثِيابًا أُخْرى، ويُخرِجُ الرَّمادَ إِلى خارِجِ المُخَيَّم، إِلى مَوضِعٍ طاهِر. وتَبْقى النَّارُ على المَذبَحِ مُشتَعِلَةً لا تَطفَأُ، ويُحرِقُ عليها الكاهِنُ حَطَبًا في كُلِّ صَباح ويُرَتِّبُ علَيها المُحرَقَة ويُحرِقُ علَيها شُحومَ الذَّبائحِ السَّلامِيَّة. تَبْقى النَّارُ مُشتَعِلَةً دائمًا على المَذبَح، لا تَطفَأ. وهٰذه شَريعةُ التَّقدِمة: يُقَدِّمُها بَنو هارونَ أَمامَ الرَّبِّ تُجاهَ المَذبَح. ويأخُذُ مِنها بِقَبضَتِه مِن سَميذِ التَّقدِمةِ وزَيتِها مع كُلِّ البَخورِ الَّذي علَيها، ويُحرِقُ على المَذبَحِ تَذْكارَها رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ. وما فَضَلَ مِنها يأكُلُه هارونُ وبَنوه، فَطيرًا يُؤكَلُ في مَوضِعٍ مُقَدَّس، في فِناءِ خَيمَةِ المَوعِدِ يأكُلونَه. لا يُخبَزْ خميرًا: إِنِّي جَعَلتُه لَهم نَصيبًا من ذَبائحي بِالنَّار. إِنَّه قُدْسُ أَقْداسٍ كذَبيحَتَي الخَطيئَةِ والإِثْم. كُلُّ ذَكَرٍ مِن بَني هارونَ يأكُلُ منها: فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجْيالِكم لِذبائحِ الرَّبِّ بِالنَّار. كُلُّ مَن مَسَّها يَكونُ مُقَدَّسًا». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «هٰذا قُرْبانُ هارونَ وبَنيه، الَّذي يُقَرِّبونَه لِلرَّبِّ يَومَ مَسْحِه: عُشْرُ إِيفةٍ سَميذًا تَقدِمةً دائِمةً نِصْفُها في الصَّباحِ ونِصْفُها في المَساء. تُصنَعُ بِزَيتٍ على الصَّاج، وتأتي بِها مُشَرَّبةً وتَفُتُّها فتُقَرِّبُها تَقدِمةَ فُتات، رائِحةَ رِضًى لِلرَّبِّ. والكاهِنُ المَمْسوحُ مِن بَنيه بَعدَه يَضَعُها. فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ لِلرَّبّ: تُحرَقُ كُلُّها. وكُلُّ تَقدِمةِ كاهِنٍ تَكونُ كامِلةً لا تُؤكَل». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «قُلْ لِهارونَ وبَنيه: هٰذه شَريعةُ ذَبيحةِ الخَطيئَة: في المَوضِعِ الَّذي فيه تُذبَحُ ذَبيحَةُ الخَطيئَةِ أَمامَ الرَّبّ: إِنَّها قُدْسُ أَقْداس. والكاهِنُ الَّذي يُقَرِّبُها هو يأكُلُها، تُؤكَلُ في مَوضِعٍ مُقدَّس، في فِناءِ خَيمَةِ المَوعِد. كُلُّ ما مَسَّ لَحْمَها يَكونُ مَقَدَّسًا. وإِذا نَفَرَ مِن دَمِها على ثَوب. فَما نَفَرَ علَيه تَغسِلُه في مَوضِعٍ مُقَدَّس. أَمَّا إِناءُ الخَزَفِ الَّذي تُطبَخُ فيه، فيُكسَر. وإِن طُبِخَت في إِناءٍ مِن نُحاس، فلْيُمْسَحْ ويُغْسَلْ بِالماء. كُلُّ ذَكَرٍ مِنَ الكَهَنَةِ يأكُلُ مِنْها: إِنَّها قُدْسُ أَقْداس. وكُلُّ ذَبيحَةِ خَطيئَةٍ يُؤخَذُ مِن دَمِها إِلى خَيمَةِ المَوعِدِ لِلتَّكفيرِ في القُدْسِ لا تُؤكَل، بل تُحرَقُ بِالنَّار. وهٰذه شَريعةُ ذَبيحَةِ الإِثْم: هي قُدْسُ أَقْداس. في مَوضِعِ ذَبْحِ المُحرَقةِ تُذبَحُ ذَبيحَةُ الإِثْم، ويُرَشُّ دَمُها على المَذبَحِ مِن حَولِه، ويُقَرَّبُ مِنها كُلُّ شَحْمِها: الأَلْيَةُ والشَّحْمُ المغَطِّي لِلأَمْعاء، والكُلْيَتانِ والشَّحْمُ الَّذي عليهِما عِندَ الخاصِرَتَين، ويَنزِعُ زِيادةَ الكَبِدِ مع الكُلْيَتَين. ويُحرِقُها الكاهِنُ على المَذبَحِ ذَبيحَةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ: إِنَّها ذَبيحةُ إِثم. كُلُّ ذَكَرٍ مِنَ الكَهَنَةِ يأكُلُ مِنها، تُؤكَلُ في مَوضِعٍ مُقَدَّس: إِنَّها قُدْسُ أَقْداس. ذَبيحةُ الإِثْمِ كَذبيحَةِ الخَطيئَة، لَهما شَريعةٌ واحِدة: الكاهِنُ الَّذي يُكَفِّرُ بِها لَه تَكون. والكاهِنُ الَّذي يُقَرِّبُ مُحرَقَةً لإنسان يَكونُ لَه جِلْدُها بَعدَ تَقْريبِها. وكُلُّ تَقدِمةٍ مِمَّا يُخْبَزُ في التَّنُّورِ أَو يُعَدُّ في قِدْرٍ أَو على صاج تَكونُ لِلكاهِنِ الَّذي يُقَرِّبُها. وكُلُّ تَقدِمةٍ مَلْتوتةٍ بِزَيتٍ أَو جافَّة تَكونُ لِجَميعِ بَني هارون، لِكُلِّ واحِدٍ كأَخيه. وهٰذه شَريعةُ الذَّبيحةِ السَّلامِيَّةِ الَّتي تُقَرِّبُ لِلرَّبّ: إِذا قُرِّبَت شُكرًا، فَلْيُقَرَّبْ مع ذَبيحةِ الشُّكْرِ أَقْراصُ حَلْوى فَطيرٍ مَلْتوتةٌ بِزَيت ورُقاقاتُ فَطيرٍ مَدْهونةٌ بِزَيت وسَميذٌ مُشَرَّبٌ بِشَكْلِ أَقراصِ حَلْوى مَلْتوتةٍ بِزَيت. يُقَرَّبُ هٰذا القُرْبانُ مع أَقراصِ حَلْوى مِنَ الخُبْزِ الخَميرِ عِندَ ذَبيحةِ الشُّكْرِ السَّلامِيَّة. ولْيُقَرَّبْ مِن كُلٍّ مِن ذٰلك قِسْمٌ مِن كُلِّ قُرْبان، تَقدِمةً لِلرَّبّ، يَكونُ لِلكاهِنِ الَّذي يَرُشُّ دَمَ الذَبيحةِ السَّلامِيَّة. ولَحْمُ ذَبيحةِ الشُّكْرِ السَّلامِيَّةِ يُؤكَلُ في يَومِ قُرْبانِه ولا يُبْقَ مِنه إِلى الصَّباح. وإِن كانَت ذَبيحةُ قُرْبانِه نَذْرًا أَو تَقدِمةً طَوعِيَّة، فلْتُؤكَلْ في يَومِ تَقْريبِها، وما فَضَلَ مِنها يُؤكَل. وأَمَّا ما يَبْقى إِلى اليَومِ الثَّالِثِ مِن لَحْمِ الذَبيحة، فيُحرَقُ بِالنَّار. وإِن أُكِلَ في اليَومِ الثَّالِثِ مِن لَحْمِ الذَّبيحةِ السَّلامِيَّة، فهي غَيرُ مَرضِيَّة، والَّذي قَرَّبَها لا تُحسَبُ لَه، بل تَكونُ قَبيحةً، وأَيُّ إِنْسانٍ أَكَلَ مِنها فَقَد حَمَلَ وِزرَه. وإِذا مَسَّ لَحْمُها شَيئًا نَجِسًا فلا يُؤكَل، بل يُحرَقُ بِالنَّار، وإِلاَّ فلَحْمُها يأكُلُه كُلُّ طاهِر. وأَيُّ إِنْسانٍ أَكَلَ لَحْمًا مِنَ الذَّبيحةِ السَّلامِيَّةِ الَّتي لِلرَّبّ، ونَجاسَتُه علَيه، يُفصَلُ ذٰلك الإِنسانُ مِن شَعْبه. وأَيُّ إِنْسانٍ مَسَّ شَيئًا نَجِسًا، أَي نَجاسَةَ إِنْسانٍ أَو بَهيمةً نَجِسَةً أَو قَبيحةً ما نَجِسةً، فأكَلَ مِنَ الذَّبيحةِ السَّلامِيَّةِ الَّتي لِلرَّبّ، يُفصَلُ ذٰلك الإنْسانُ مِن شَعْبِه. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خاطِبْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: كُلُّ شَحْمٍ مِن بَقَرٍ أَو ضَأنٍ أَو مَعِزٍ لا تأكُلوه. وشَحْمُ المَيتَةِ والفَريسةِ يُستَعمَلُ في كُلِّ عَمَل، ولَكن لا تأكُلوه. مَن أَكَلَ شَحْمًا مِنَ البَهيمةِ الَّتي يُقَرَّبُ مِنها ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ، يُفصَلُ ذٰلك الإنسانُ الَّذي أَكَلَه مِن شَعبِه. وكُلُّ دَمٍ لا تأكُلوه في جَميعِ مَساكِنِكم مِنَ الطُّيورِ والبَهائِم. وأَيُّ إِنسانٍ أَكَلَ شَيئًا مِنَ الدَّم، يُفصَلُ ذٰلِك الإِنسانُ مِن شَعْبِه». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خاطِبْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: مَن قَرَّبَ ذَبيحةً سَلامِيَّةَ لِلرَّبّ، فلْيَأْتِ بِقُرْبانِه مِن ذَبيحَتِه السَّلامِيَّة. يَداه تَحمِلانِ الذَّبائِحَ بِالنَّارِ لِلرَّبّ، والشَّحْمُ يأتي بِه مع الصَّدْر. أَمَّا الصَّدْر، فلِكَي يُحَرِّكَه تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ. وأَمَّا الشَّحْم، فَيُحرِقُه الكاهِنُ على المَذبَح. ويَكونُ الصَّدرُ لِهارونَ وبَنيه. والفَخِذُ اليُمْنى أَعْطوها لِلكاهِنِ تَقدِمةً مِن ذَبائِحِكمُ السَّلامِيَّة. مَن قَرَّبَ مِن بني هارونَ دَمَ الذَّبيحةِ السَّلاميَّة وشَحْمَها فلَه تَكونُ الفَخِذُ اليُمْنى نَصيبًا، لأَنَّ الصَدْرَ المُحَرَّكَ والفَخْذَ المُقَدَّمةَ قد أَخَذتُهُما مِن بَني إِسْرائيل، مِن ذَبائِحِهِمِ السَّلامِيَّة، وأَعطَيتُهما لِهارونَ الكاهِنِ ولِبَنيه: فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مِن بَني إِسْرائيل». ذٰلك نَصيبُ هارونَ ونَصيبُ بَنيه مِنَ الذَّبائِحِ بِالنَّارِ لِلرَّبِّ يَومَ تَقْديمِهم لِمُمارَسَةِ كَهنوتِ الرَّبّ، والَّذي أَمَرَ الرَّبُّ بَني إِسْرائيلَ أَن يُعْطوهُم إِيَّاه يَومَ مَسَحَهم: فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجْيالِهم. هٰذه شَريعةُ المُحرَقةِ والتَّقدِمةِ وذَبيحةِ الخَطيئةِ وذَبيحةِ الإِثْم وذَبيحةِ التَّكْريسِ والذَّبيحةِ السَّلامِيَّة. الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ بِها موسى في جَبَلِ سيناء، يَومَ أَمَرَ بَني إِسْرائيلَ بِأَن يُقَرِّبوا قَرابينَهم لِلرَّبِّ في بَرِّيَّةِ سيناء. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خُذْ هارونَ وبَنيه معَه والثِّيابَ وزَيتَ المِسحَةِ وعِجْلَ ذَبيحةِ الخَطيئَة والكَبشَينِ وسَلَّةَ الفَطير. وٱجمَعْ كُلَّ الجَماعةِ إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِد». فعَمِلَ موسى كَما أَمَرَ الرَّبّ. فٱجتَمَعَتِ الجَماعةُ إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِد. فقالَ لَهم موسى: «هٰذا ما أَمَرَ الرَّبُّ بِعَمَلِه». وقَدَّم موسى هارونَ وبَنيه وغَسَلَهم بِالماء. ثُمَّ جَعَلَ علَيه القَميص وشَدَّه بِالزُنَّار وأَلبَسَه الجُبَّة وجَعَلَ علَيه الأَفود وزنَّرَه بِوِشاحِ الأَفود وشدَّه بِه. ووَضَعَ علَيه الصُّدرَة وجَعَلَ فيها الأُوريم والتُّوميم. ووَضَعَ العِمامةَ على رأسِه ووَضَعَ علَيها مِن مُقَدَّمِها زَهرَةَ الذَّهَب، تاجَ القُدْس، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وأَخَذَ موسى زَيتَ المِسْحَة، ومَسَحَ المَسكِنَ وكُلَّ ما فيه وقَدَّسَه. ورَشَّ منه على المَذبَحِ سَبْعَ مَرَّات، ومَسَحَ المَذبَحَ وجَميعَ آنِيَتِه والمِغسَلَ وقاعِدَتَه لِتَقْديسِها. وصَبَّ مِن زَيتِ المِسْحَةِ على رأسِ هارون ومَسَحَه لِتَقْديسِه. ثُمَّ قَدَّمَ موسى بَني هارون وأَلبَسَهم أَقمِصَةً وشَدَّهم بِزَنانير وعَصَبَ لهم قَلانِس، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. ثُمَّ قَدَّمَ عِجْلَ ذَبيحةِ الخَطيئة، فَوَضَعَ هارونُ وبَنوه أَيديَهم على رأسِ عِجْلِ ذَبيحةِ الخَطيئة. وذَبَحَه موسى وأَخَذَ الدَّمَ وجَعَلَه على قُرونِ المَذبَحِ مِن كُلِّ جِهَةٍ بِإِصبَعِه، ورَفَعَ الخَطيئَةَ عَنِ المَذبَح، وصَبَّ دَمًا عِندَ أَساسِه وقَدَّسَه تَكْفيرًا عنه. وأَخَذَ موسى كُلَّ الشَّحْمِ الَّذي على الأَمْعاء وزِيادةَ الكَبِدِ والكُلْيَتَينِ وشَحْمَهما وأَحرَقَ ذٰلك على المَذبَح. وأَمَّا جِلْدُ العِجْلِ ولَحْمُه ورَوثُه فأَحرَقَها بِالنَّارِ خارِجَ المُخَيَّم، كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. ثُمَّ قَدَّمَ كَبْشَ المُحرَقَة، فوَضَعَ هارونُ وبَنوه أيدِيَهم على رأسِه. ذَبَحَه موسى ورَشَّ الدَّمَ على المَذبَحِ مِن حَولِه. وقَطَّعَ موسى الكَبْشَ قِطَعًا وأَحرَقَ الرَّأسَ والقِطَعَ والشَّحْم. وغَسَلَ الأَمْعاءَ والأَكارِعَ بِالماء وأَحرَقَ الكَبْشَ كُلَّه على المَذبَح: إِنَّه مُحرَقَةٌ رائِحةُ رِضًى، وذَبيحَةٌ بِالنَّارِ لِلرَّبّ، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. ثُمَّ قَدَّمَ الكَبْشَ الثَّاني، كَبْشَ التَّكْريس، ووَضَعَ هارونُ وبَنوه أَيدِيَهم على رأسِه. وذَبَحَه موسى وأَخَذَ مِن دَمِه ووَضَعَ على شَحْمةِ أُذُنِ هارونَ اليُمْنى وعلى إِبْهامِ يدِه اليُمْنى وعلى إِبْهامِ رِجْلِه اليُمْنى. ثُمَّ قَدَّمَ بَني هارون وجَعَلَ مِنَ الدَّمِ على شَحَماتِ آذانِهِمِ اليُمْنى وعلى أَباهيمِ أَيديهمِ اليُمْنى وأَباهيمِ أَرجُلِهِمِ اليُمْنى، ورَشَّ موسى الدَّمَ على المَذبَحِ مِن حَولِه. وأَخَذَ الشَّحمَ: الأَليَةَ وكُلَّ الشَّحْمِ الَّذي على الأَمْعاء وزِيادةَ الكَبِدِ والكُلْيَتَين وشَحْمَهما والفَخِذَ اليُمْنى. وأَخَذَ مِن سَلَّةِ الفَطيرِ الَّتي أَمامَ الرَّبّ قُرصَ حَلْوى فطيرٍ وقُرصَ حَلْوى خُبْزٍ بِزَيتٍ ورُقاقةً، ووَضَعَها على الشُّحومِ والفَخِذِ اليُمْنى. وجَعَلَ الكُلَّ على راحَتَي هارون وعلى راحاتِ بَنيه، وحَرَّكَها تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ. ثُمَّ أَخَذَها موسى عن راحاتِهم وأَحرَقَها على المَذبَحِ فَوقَ المُحرَقَة: إِنَّها ذَبيحةُ تَكْريس، رائِحَةُ رِضًى، وذَبيحةٌ بِالنَّارِ لِلرَّبّ. ثُمَّ أَخَذَ موسى الصَّدْرَ وحَرَّكَه تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ، وكانَ نَصيبَ موسى مِن كَبْشِ التَّكْريس، كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. ثُمَّ أَخَذَ موسى مِن زَيتِ المِسْحَةِ ومِنَ الدَّمِ الَّذي على المَذبَح، فرَشَّ على هارونَ وثِيابِه وعلى بَنيه وثِيابِهم معَه، فقَدَّسَ هارونَ وثِيابَه وبَنيه وثِيابَهم معه. وقالَ موسى لِهارونَ وبَنيه: «أُطبُخوا اللَّحمَ عِندَ بابِ خَيمةِ المَوعِد، وهُناكَ تأكُلونَه مع الخُبزِ الَّذي في سَلَّةِ التَّكْريس، كَما أَمَرتُ وقُلتُ: هارونُ وبَنوه يأكُلونَه. وما فَضَلَ مِنَ اللَّحمِ والخُبزِ فأَحرِقوه بِالنَّار. ومِن عِندِ بابِ خَيمةِ المَوعِدِ لا تَخرُجوا سَبعَةَ أَيَّام، إِلى تَمامِ أَيَّامِ تَكْريسِكم، فإِنَّه في سَبعَةِ أَيَّامٍ تُكَرَّسون. وكَما عُمِلَ بِكُمُ اليَومَ، أَمَرَ الرَّبُّ أَن يُعمَلَ تَكْفيرًا عَنكم. وعِندَ بابِ خَيمةِ المَوعِدِ تَلبَثونَ نَهارًا ولَيلًا سَبعَةَ أَيَّام، وتَحفَظونَ رُتَبَ الرَّبِّ فلا تَهلِكون، لأَنِّي كَذا أُمِرتُ». فعَمِلَ هارونُ وبَنوه بِجَميعِ الأُمورِ الَّتي أَمَرَ بِها الرَّبُّ على لِسانِ موسى. فلَمَّا كانَ اليومُ الثَّامِن، دَعا موسى هارونَ وبَنيه وشُيوخَ إِسْرائيل، وقالَ لِهارون: «خُذْ لَكَ عِجْلًا مِنَ البَقَرِ لِذَبيحةِ خَطيئَة، وكَبْشًا لِمُحرَقة، كِلَيهِما تامَّين، وقَرِّبْهما أَمامَ الرَّبّ. ومُرْ بَني إِسْرائيلَ قائلًا: خُذوا تَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحَةِ الخَطيئَة، وعِجْلًا وحَمَلًا حَولِيَّينِ تامَّينِ لِلمُحرَقَة، وثَورًا وكَبْشًا لِلذَّبيحةِ السَّلامِيَّة، يُذبَحانِ أَمامَ الرَّبّ، وتَقدِمةً مَلْتوتةً بِزَيت، لأَنَّ الرَّبَّ في هٰذا اليَومِ يَتَراءى لَكم». فأَخَذوا ما أَمَرَ بِه موسى إِلى أَمامِ خَيمةِ المَوعِد، وتَقَدَّمَتِ الجماعةُ كُلُّها ووَقَفَت أَمامَ الرَّبّ. فقالَ موسى: «هٰذا ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه: تَعمَلونَه فيَظهَرَ لَكم مَجْدُ الرَّبّ». وقالَ موسى لِهارون: «تَقَدَّمْ إِلى المَذبَح، وٱصنَعْ ذَبيحةَ خَطيئَتِكَ ومُحرَقَتَكَ، وكَفِّرْ عَنكَ وعن بَيتِكَ، وٱصنَعْ قُرْبانَ الشَّعبِ وكَفِّرْ عَنهم، كَما أَمَرَ الرَّبّ». فتَقَدَّمَ هارونُ إِلى المَذبَح وذَبَحَ عِجْلَ خَطيئَتِه. وقَدَّمَ إِلَيه بَنو هارونَ الدَّم، فغَمَسَ إِصبَعَه فيه وجَعَلَ مِنه على قُرونِ المَذبَح، وصَبَّ الدَّمَ عِندَ أَساسِ المَذبَح. والشَّحمُ والكُلْيَتانِ وزِيادةُ الكَبِدِ مِن ذَبيحةِ الخَطيئَةِ أَحرَقَها على المَذبَح، كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. واللَّحمُ والجِلْدُ أَحرَقَهما بِالنَّارِ خارِجَ المُخَيَّم. ثُمَّ ذَبَح هارونُ المُحرَقَة وناوَلَه بَنوه الدَّم، فرَشَّه على المَذبَحِ مِن حَولِه. ثُمَّ ناوَلوه المُحرَقَة بِقِطَعِها مع الرَّأس، فأَحرَقَ ذٰلك على المَذبَح. وغَسَلَ الأَمْعاءَ والأَكارِعَ فَوقَ المُحرَقَةِ على المَذبَح. ثُمَّ قَدَّمَ قُرْبانَ الشَّعْب، فأَخَذَ تَيسَ خَطيئَةِ الشَّعْب فذَبَحَه وصَنَعَه ذَبيحةَ خَطيئَةٍ كالأَوَّل. ثُمَّ قَدَّمَ المُحرَقَة وصَنَعَها على حَسَبِ الفريضة. ثُمَّ قَدَّمَ التَّقْدِمَة وملأَ راحَتَه مِنها وأَحرَقَ ذٰلك على المَذبَح، ما عدا مُحرَقَةَ الصَّباح. وذَبَحَ الثَّورَ والكَبْشَ ذَبيحةً سَلامِيَّةً لِلشَّعْب، وناوَلَ هارونَ بَنوه الدَّم، فرشَّه على المَذبَحِ مِن حَولِه. وأَمَّا شُحومُ الثَّورِ والكَبْش، أيِ الأَلْيَةُ وما يُغَطِّي الأَمْعاءَ والكُلْيَتانِ وزيادَةُ الكَبِد، فجَعَلَها على المَذبَح، والصَّدْرانِ والفَخِذُ اليُمْنى حَرَّكَها هارونُ تَحْريكًا، أَمامَ الرَّبّ، كَما أَمَرَ موسى. ثُمَّ رَفَعَ هارونُ يَديَه نَحوَ الشَّعْبِ وبارَكَهم ونَزَلَ، بَعدَ تَقْريبِ ذَبيحةِ الخَطيئَةِ والمُحرَقَةِ والذَّبيحةِ السَّلامِيَّة. ودَخَلَ موسى وهارونُ خَيمَةَ المَوعِد وخَرَجا وبارَكا الشَّعْب، فظَهَرَ مَجدُ الرَّبِّ على الشَّعبِ كُلِّه. وخَرَجَت نارٌ مِن أَمامِ الرَّبّ فأَكَلَتِ المُحرَقةَ والشُّحومَ الَّتي على المَذبَح، فرَأَى الشَّعبُ كُلُّه وهَتَفَ وسَقَطَ على وَجْهِه. ثُمَّ أَخَذَ ٱبنا هارونَ نادابُ وأَبيهو كُلُّ واحِدٍ مِنهُما مِجمَرَتَه، فجَعَلَ فيها نارًا ووَضَعَ عَليها بَخورًا، وقَرَّبا أَمامَ الرَّبِّ نارًا غَيرَ مُقَدَّسَةٍ لم يأمُرْهُما بِها. فخَرَجَت نارٌ مِن أَمامِ الرَّبِّ فأَكَلَتْهما وماتا أَمامَ الرَّبّ. فقالَ موسى لِهارون: «هٰذا ما تَكَلَّمَ الرَّبُّ بِه قائِلًا: «إِنِّي في المُقتَرِبينَ إِلَيَّ أَتَقَدَّس، وبِحَضرةِ الشَّعبِ كُلِّه أَتَمَجَّد». فسَكَتَ هارون. ثُمَّ دَعا موسى ميشائيلَ وأَلْصافانَ ٱبنَي عُزِّيئيل، عَمِّ هارون، وقالَ لَهما: «تَقَدَّما فٱحمِلا أَخَوَيكُما مِن أَمامِ القُدْسِ إِلى خارِجِ المُخَيَّم». فتَقَدَّما وحَمَلاهُما بِقَميصَيهِما إِلى خارِجِ المُخَيَّم، كَما أَمَرَ موسى. وقالَ موسى لِهارونَ ولأَلِعازارَ وإِثامارَ ٱبنَيه: «لا تَهدِلوا شَعرَ رُؤُوسِكم ولا تُمَزِّقوا ثِيابَكم، لِئَلاَّ تَموتوا ويَحِلَّ الغَضَبُ على الجَماعةِ كُلِّها، وإخوَتُكم، بَيتُ إِسرائيلَ كُلُّه، هُم يَبكونَ على الَّذينَ أَحرَقَهُمُ الرَّبّ. ومِن عِندِ بابِ خَيمةِ المَوعِدِ لا تَخرُجوا، لِئَلاَّ تَموتوا، لأَنَّ زَيتَ مِسحَةِ الرَّبِّ علَيكم». فعَمِلوا كَما أَمَرَ موسى. وكَلَّمَ الرَّبُّ هارونَ قائِلًا: «لا تَشرَبْ خَمْرًا ولا مُسكِرًا، أَنتَ ولا بَنوكَ، عِندَ دُخولِكم خَيمَةَ المَوعِد، لِئَلاَّ تَموتوا - فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجيالِكم - ولِتُمَيِّزوا بَينَ المُقَدَّسِ وغَيرِ المُقَدَّس والنَّجِسِ والطَّاهر، ولِتُعَلِّموا بَني إسْرائيلَ جَميعَ الفَرائضِ الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ بِها على لِسانِ موسى». وقالَ موسى لِهارونَ ولأَلِعازارَ وإِيثمارَ وَلَدَيه الباقِيَين: «خُذوا التَّقدِمةَ الفاضِلَةَ مِنَ الذَّبائحِ بِالنَّارِ لِلرَّبّ، وكُلوها فَطيرًا بِجانِبِ المَذبَح، لأَنَّها قُدْسُ أَقْداس. تأكُلونَها في مَوضِعٍ مُقَدَّس، فهي من حَقِّكَ ومِن حَقِّ بَنيكَ مِنَ الذَّبائحِ بِالنَّارِ لِلرَّبّ، لأَنِّي كَذا أُمِرْت. وأَمَّا الصَّدْرُ المُحَرَّكُ والفَخِذُ المُقَدَّمة، فكُلوهُما في مَوضِعٍ طاهِر، أَنتَ وبَنوكَ وبناتُكَ مَعكَ، فإِنَّهما يُعطَيانِ حَقًّا لَكَ ولِبَنيكَ مِن ذَبائحِ بَني إِسْرائيلَ السَّلامِيَّة. الفَخِذُ المُقَدَّمةُ والصَّدْرُ المُحَرَّكُ يُؤتى بِهما مع شُحومِ الذَّبائحِ بِالنَّار، لِيُحَرَّكا تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ، ويَكونانِ لَكَ ولِبَنيكَ حَقًّا أَبَدِيًّا، كَما أَمَرَ الرَّبّ. وسأَلَ موسى عن تَيسِ الخَطيئة، فإِذا هو قد أُحرِقَ، فغَضِبَ على أَلِعازارَ وإِيثامارَ ٱبنَي هارونَ الباقِيَينِ وقال: «ما بالُكُما لم تأكُلا ذَبيحةَ الخَطيئَةِ في المَوضِعِ المُقَدَّس، وهي قُدْسُ أَقْداس، وقد أَعطاكُما الرَّبُّ إِيَّاها لِتَحمِلا وِزْرَ الجَماعةِ تَكْفيرًا عَنهم أَمامَ الرَّبّ؟ فَها إِنَّ دَمَها لم يُؤتَ بِه إِلى داخِلِ القُدْس، وقد كانَ يَجِبُ أَن تأكُلاها في القُدْسِ، كَما أَمَرتُ». فقالَ هارونُ لِموسى: «إِنَّهما اليَومَ قد قَدَّما ذَبيحَةَ خَطيئَتِهما ومُحرَقَتَهما أَمامَ الرَّبّ، وقد أَصابَني مِثْلُ هٰذه المَصائب. فلَو أَكلتُ اليَومَ ذَبيحةَ الخَطيئَة، هل كانَ ذٰلك يَحسُنُ في عَينَيِ الرَّبّ؟» فلَمَّا سَمِعَ موسى، حَسُنَ ذٰلك في عَينَيه. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ وقالَ لَهما: «خاطِبا بَني إِسْرائيلَ وقولا لَهم: هٰذه هي الحَيَواناتُ الَّتي تأكُلونَها مِن جَميعِ البَهائِمِ الَّتي على الأَرض: كُلُّ ذي حافِرٍ مَشْقوقٍ إِلى ظِفْرَينِ وهو يَجتَرُّ مِنَ البَهائِم، فإِيَّاه تأكُلون. وأَمَّا هٰذه، وهي مِنَ المُجتَرَّاتِ أَو مِن ذَواتِ الحَوافِرِ المَشْقوقة، فلا تأكُلونَها: الجَمَل، فإِنَّه يَجتَرّ ولكِنَّه غَيرُ مَشْقوقِ الحافِر، فهو نَجِسٌ لَكم، والوَبْرُ، فإِنَّه يَجتَرّ ولَكِنَّه غَيرُ مَشْقوقِ الحافِر، فهو نَجِسٌ لَكم، والأرنَب، فإِنَّها تَجتَرّ، ولَكِنَّها غَيرُ مَشقوقةِ الحافِر، فهي نَجِسةٌ لَكم، والخِنْزير، فإِنَّه مَشْقوقُ الحافِر ولَكِنَّه لا يَجتَرّ، فهو نَجِسٌ لَكم. لا تأكُلوا شَيئًا مِن لَحمِها، ولا تَمَسُّوا جِيَفَها، فإِنَّها نَجِسَةٌ لَكم. وهٰذا ما تأكُلونَه مِن كُلِّ ما في الماء: كُلُّ ما لَه زَعانِفُ وحَراشِفُ مِمَّا في الماء، أَي في البِحارِ والأَنْهار، فإِيَّاه تأكُلون. وكُلُّ ما لَيسَت لَه زَعانِفُ وحراشِفُ مِمَّا في البِحارِ والأَنْهار، مِن كُلِّ ما تَعِجُّ بِه المِياه وجَميعِ الحَيَواناتِ الَّتي فيها، فهو قَبيحةٌ لَكم. فلْيَكُنْ لَكم قَبيحةً، فمِن لَحمِه لا تأكُلوا وجِيَفَه تَستَقبِحون. كُلُّ ما لَيسَت لَه زَعانِفُ وحَراشِفُ مِمَّا في الماء، فهو قَبيحةٌ لَكم. وهٰذا ما تَستَقبِحونَه مِنَ الطُّيورِ ولا تأكُلونَه، لأَنَّه قَبيحة: العُقابُ وكاسِرُ العِظامِ والصَّقْرُ، والحِدَأَةُ الحَمْراءُ والحِدَأَةُ السَّوداءُ بِأَصْنافها، وجَميعُ الغِرْبانِ بأَصْنافِها، والنَّعامةُ والخَبَلُ وزُمَّجُ الماءِ والباشِقُ بِأَصْنافِه، والبومةُ والغاقةُ والبومةُ الصَّمْعاء، وأَبو المِنجَلِ والبَجَعةُ والرَّخَمَة، واللَّقلَقُ ومالِكُ الحَزينُ بِأَصنافِه والهُدهُدُ والخُفَّاش. وجَميعُ الحَشَراتِ المُجَنَّحَةِ السَّالِكةِ على أَربَعٍ فهي قَبيحةٌ لَكم. ومِن جَميعِ الحَشَراتِ المُجَنَّحَةِ السَّالِكَةِ على أَربَعٍ، تأكُلونَ فَقَط: ما لَه قائِمَتانِ أَعْلى مِن رِجْلَيه يَثِبُ بهما على الأَرض. هٰذا ما تأكُلونَه مِنها: الجَرادُ بِأَصْنافِه والدَّبى بِأَصْنافِه والحَرجُوانُ بِأَصْنافِه والجُندُبُ بِأَصْنافِه. وأَمَّا سائِرُ الحَشَراتِ المُجَنَّحةِ الَّتي لَها أَربَعُ أَرجُل، فهو قَبيحةٌ لَكم. مِن هٰذه تَتَنَجَّسون: كُلُّ مَن مَسَّ جِيَفَها يَكونُ نَجِسًا إِلى المَغيب. وكُلُّ مَن حَمَلَ جِيَفَها يَغسِلُ ثِيابَه ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. كُلُّ حَيَوانٍ ذي حافِرٍ غَيرِ مَشْقوق وكُلُّ ما لا يَجتَرّ، فهو نَجِسٌ لَكم: كُلُّ مَن مَسَّه يَكونُ نَجِسًا. وكُلُّ ساعٍ على راحتَيه مِن جَميعِ الحَيَواناتِ السَّالِكَةِ على أَربَع، فهو نَجِسٌ لَكم: كُلُّ مَن مَسَّ جِيَفَه يَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وكُلُّ مَن حَمَلَ جيَفَه يَغسِلُ ثِيابَه ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء: إِنَّه نَجِسٌ لَكم. وهٰذا هو النَّجِسُ لَكم مِنَ الدُّوَيباتِ الَّتي تَعِجُّ بِها الأَرض: الخُلْدُ والفَأرةُ والعَظايةُ بِأَصنافِها، وسامُّ أَبْرَصُ والسُّلَحْفاةُ والسَّمَنْدَلُ والحَريشُ والحِرْباءُ. هٰذه نَجِسَةٌ لَكم مِن جَميعِ الدُّوَيبات: كُلُّ مَن مَسَّها وهي مَيتَة يَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء، وكُلُّ ما وَقَعَ علَيه شَيءٌ مِنها بَعدَ مَوتِها يَكونُ نَجِسًا: مِن جَميعِ آنِيَةِ الخَشَبِ والثِّيابِ والجِلْدِ والمِسْحِ وكُلِّ إِناءٍ يُعمَلُ بِه عَمَلٌ، يُغسَلُ بِالماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء، ثُمَّ يَطهُر. وكُلُّ إِناءِ خَزَفٍ وَقَعَ مِنها شَيءٌ فيه، فكُلُّ ما في داخِلِه يَكونُ نَجِسًا فٱكْسِرْه. كُلُّ طَعامٍ يُؤكَلُ فإِن دَخَلَه ماءُ الإِناءِ يَكونُ نَجِسًا، وكُلُّ شَرابٍ مِمَّا يُشرَبُ مِن كُلِّ إِناءٍ يَكونُ نَجِسًا. وكُلُّ ما وَقَعَ علَيه مِن جِيَفِها، تَنُّورًا كانَ أَو مَوقِدًا، يَكونُ نَجِسًا، فٱهدِموه: إِنَّه نَجِسٌ، فنَجِسًا يَكونُ لَكم. (أَمَّا النَّبْعُ والبِئْرُ وكُلُّ مَجمَعِ مِياه، فذٰلك يَكونُ طاهِرًا)، لٰكِن ما مَسَّ جِيَفَها يَكونُ نَجِسًا. وإِن وَقَعَ شَيءٌ مِن جِيَفِها على بَذْرٍ مِن كُلِّ ما يُزرَعُ، فهو طاهِر. فإِن جُعِلَ على البَذْرِ ماءٌ فوَقَعَ شَيءٌ مِن جِيَفِها علَيه، فهو نَجِسٌ لَكم. وإِذا ماتَ حَيَوانٌ مِمَّا يَصلُحُ لَكم أَكلُه، فمَن مَسَّ جيفَتَه، فهو نَجِسٌ حتَّى المَساء. ومَن أَكَلَ مِن جيفَتِه يَغسِلُ ثِيابَه ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المساء. ومَن حَمَلَ جيفَتَه يَغسِلُ ثِيابَه ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وجَميعُ الدُّوَيباتِ الَّتي تَعِجُّ بِها الأَرضُ هي قَبيحةٌ لا تُؤكَل. وكُلُّ ما زَحَفَ على صَدرِه وما زَحَفَ على أَربَعٍ وكُلُّ ما كَثُرَت أَرجُلُه مِن جَميعِ الدُّوَيباتِ الَّتي تَعِجُّ بِها الأَرض، لا تأكُلوه فإِنَّه قَبيحة. لا تُقَبِّحوا أَنفُسَكم بِشَيءٍ مِنَ الدُّوَيباتِ الَّتي تَعِجُّ بِها الأَرض، ولا تَتَنَجَّسوا بِها فتَكونوا نَجِسين. إِنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم، فتَقَدَّسوا وكونوا قِدِّيسين، فإِنِّي أَنا قُدُّوس، ولا تُنَجِّسوا أَنفُسَكم بِشَيءٍ مِنَ الدُّوَيباتِ الدَّابَّةِ على الأَرض، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ الَّذي أَصعَدَكم مِن أَرضِ مِصرَ لأَكونَ لَكم إِلٰهًا، فكونوا قِدِّيسينَ لأَنِّي أَنا قُدُّوس». هٰذه شريعةُ البَهائِمِ والطُّيورِ وجَميعِ الكائناتِ الحَيَّةِ مِمَّا تَتَحَرَّكُ بِه المِياه وكُلِّ كائنٍ مِمَّا تَعِجُّ بِه الأَرض، لِتُمَيِّزوا بَينَ النَّجِسِ والطَّاهِر وبَينَ الحَيَوانِ الَّذي يُؤكَلُ والَّذي لا يُؤكَل. وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: «أَيَّةُ ٱمرَأَةٍ حَبِلَت فوَلَدَت ذَكَرًا تَكونُ نَجِسَةً سَبعَةَ أَيَّام، كأَيَّامِ طَمْثِها تَكونُ أَيَّامُ نَجاسَتِها، وفي اليَومِ الثَّامِنِ تُختَنُ قُلفَةُ المَولود، وثَلاثَةً وثَلاثينَ يَومًا تَظَلُّ في تَطْهيرِ دَمِها. لا تَمَسُّ شَيئًا مِنَ الأَقْداس ولا تَدخُلُ المَقدِس، حتَّى تَتِمَّ أَيَّامُ طُهرها. فإِن وَلَدَت أُنْثى، تَكونُ نَجِسَةً أُسبوعَينِ كما في طَمْثِها، وسِتَّةً وسِتِّينَ يَومًا تَظَلُّ في تَطْهيرِ دَمِها. وعِندَ ٱكتِمالِ أَيَّامِ طُهرِها، لِذَكَرٍ كانَ أَو لأُنْثى، تأتي بِحَمَلٍ حَولِيٍّ مُحرَقَةً، وبِفَرخِ حَمامٍ أَو بِيَمامةٍ ذَبيحةَ خَطيئَة، إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِد، إِلى الكاهِن. فيُقَرِّبُهما أَمامَ الرَّبِّ ويُكَفِّرُ عنِ المَرأَة، فتَطهُرُ مِن سَيَلانِ دَمِها. هٰذه شَريعةُ الوالِدةِ ذَكَرًا وأُنْثى. فإِن لم يَكُنْ في يَدِها ثَمَنُ حَمَل، فلْتأخُذْ زَوجَي يَمامٍ أَو فَرخَي حَمام، أَحَدُهما مُحرَقةٌ والآخَرُ ذَبيحةُ خَطيئَة، فيُكَفِّرُ عنها الكاهِنُ فتَطهرُ. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ قائلًا: «أَيُّ إِنْسانٍ كانَ في جِلْدِ بَدَنِه وَرَمٌ أَو قُوباءُ أَو لُمعَةٌ تَؤولُ في جِلْدِ بَدَنِه إِلى إِصابةِ بَرَص، فلْيُؤتَ بِه إِلى هارونَ الكاهِن أَو إِلى واحِدٍ مِن بَنيه الكَهَنَة. فيَفحَصُ الكاهِنُ الإِصابةَ في جِلْدِ البَدَن، فإِن كانَ فيها شَعَرٌ قدِ ٱبيَضَّ وكانَ مَنظَرُ الإِصابةِ أَعمَقَ مِن جِلْدِ بَدَنِه، فهو إِصابةُ البَرَص. فإِذا رَآه الكاهِنُ كذٰلكَ، فلْيَحكُمْ بِنَجاسَتِه. فإِن كانتِ اللُّمعَةُ الَّتي في جِلْدِ بَدَنِه بَيضاءَ ولَيسَ مَنظَرُها أَعمَقَ مِنَ الجِلْد وشَعْرُها لم يَبيَضَّ، فلْيَحجُزِ الكاهِنُ المُصابَ سَبعَةَ أَيَّام. ثُمَّ يَفحَصُه في اليَومِ السَّابِع، فإِذا رأَى أَنَّ الإِصابةَ قد تَوَقَّفَت ولم تَنتَشِرْ في الجِلْد، فلْيَحجُزْه الكاهِنُ سَبعَةَ أَيَّامٍ أُخَر. ثُمَّ يَفحَصُه في اليَومِ السَّابِعِ ثانِيَةً، فإِنْ دَكِنَ لَونُ الإِصابة ولم يَنتَشِرْ في الجِلْد، فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِطَهارتِه، فإِنَّها قُوباء، فيَغسِلُ ثِيابَه ويَطهُر. وإِنِ ٱنتَشَرَتِ القُوباءُ في جِلْدِه، بَعدَما أَرى الكاهِنَ نَفْسَه لأَجلِ طَهارَتِه، فلْيُرِ الكاهِنَ نَفْسَه ثانِيَةً. فإِذا رأَى الكاهِنُ القُوباءَ قدِ ٱنتَشَرَت في الجِلْد، فلْيَحكُمْ بِنَجاسَتِه، فإِنَّها بَرَص. وإِن كانَ بإِنسانٍ إِصابةُ بَرَص، فلْيُؤتَ بِه إِلى الكاهِن. فيَفحَصُه الكاهِن، فإِذا في جِلْدِه وَرَمٌ أَبيَض، وقدِ ٱبيَضَّ الشَّعَر، وكانَ في الوَرَمِ لَحْمٌ حَيّ، فهو بَرَصٌ مُزمِنٌ في جِلدِ بَدَنِه. فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِنَجاسَتِه ولا يَحجُزْه، فهو نَجِس. وإِن نَما البَرَصُ في الجِلدِ فغَطَّى جِلدَ المُصابِ بِه مِن رأسِه إِلى قَدَمَيه، ما يَقَعُ تَحتَ بَصَرِ الكاهِن، فلْيَفحَصْه الكاهِن: فإِذا كانَ البَرَصُ قد غَطَّى كُلَّ بَدَنِه، فلْيَحكُمْ بِطَهارةِ المُصاب، لأَنَّه قدِ ٱبيَضَّ كُلُّه، فهو طاهر. ولٰكِن يَومَ يَظهَرُ فيه لَحْمٌ حَيّ، يَكونُ نَجِسًا. وبَعدَ أَن يَفحَصَ الكاهِنُ اللَّحْمَ الحَيّ، يَحكُمُ بِنَجاسَتِه، فاللَّحْمُ الحَيُّ نَجِس: إِنَّه بَرَص. وإِن عادَ اللَّحْمُ الحَيُّ فٱبيَضَّ، فلْيَأتِ إِلى الكاهِن. فيَفحَصُه الكاهن: فإِن كانتِ الإِصابَةُ قدِ ٱبيَضَّت، فلْيَحكُمْ بِطَهارةِ المُصاب، فهو طاهِر. وإِذا كانَ في جِلْدِ البَدَنِ قَرْحٌ فَبِرئَ، فصارَ في مَوضِعِ القَرْحِ وَرَمٌ أَبيَضُ أَو لُمعَةٌ بَيضاءُ تَضرِبُ إِلى حُمرَة، فلْيُرِ الكاهِنَ نَفْسَه. فيَفحَصُه الكاهِن: فإن كانَ مَنظَرُها أَعمَقَ مِنَ الجِلْد، وقدِ ٱبيَضَّ شَعَرُها، فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِنَجاسَتِه، فإِنَّها إِصابَةُ بَرَصٍ قد نَمَت في القَرْح. وإِن فَحَصَها الكاهِنُ فلَم يَكُنْ فيها شَعَرٌ أَبيَض ولم تَكُنْ أَعمَقَ مِنَ الجِلْد، وكانَت دَكْناءَ اللَّون، فلْيَحجُزْه الكاهِنُ سَبعَةَ أَيَّام. فإِن هي فَشَت في الجِلْد، فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِنَجاستِه، فإِنَّها إِصابة. ولٰكن، إِن وَقَفَتِ اللُّمعَةُ مَكانَها ولم تَفْشُ، فهي نَدبَةُ القَرْح، فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِطَهارتِه. وإِذا كانَ في جِلْدِ البَدَنِ حَرْقُ نار ونَشَأَت مَكانَ الحَرْقِ لُمعَةٌ بَيضاءُ تَضْرِبُ إِلى حُمْرَة، أَو بَيْضَاء، فلْيَفحَصْها الكاهِن: فإِن كانَ الشَّعَرُ قدِ ٱبيَضَّ في اللُّمعَة، وكانَ مَنظَرُها أَعمَقَ مِنَ الجِلْد، فذٰلك بَرَصٌ قد نَما في الحَرْق. فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِنَجاستِه: إِنَّها إِصابةُ بَرَص. ولٰكن إذا فَحَصَها الكاهِن ولم يَكُنْ في اللُّمعَةِ شَعَرٌ أَبيَض ولم تَكُنْ أَعمَقَ مِنَ الجِلْد، وكانَت دَكْناءَ اللَّون، فلْيَحجُزْه الكاهِنُ سَبعَةَ أَيَّام. ثُمَّ يَفحَصُه الكاهِنُ في اليَومِ السَّابِع، فإِن كانَت قد فَشَت في الجِلْد، فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِنَجاسَتِه: إِنَّها إِصابةُ بَرَص. وإِن وَقَفَتِ اللُّمعةُ مَكانَها ولم تَفْشُ في الجِلْد، وكانَت دَكْنَاءَ اللَّون، فهي وَرَمُ الحَرْق، فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِطَهارَتِه، فإِنَّها نَدبَةُ الحَرْق. وأَيُّ رَجُلٍ أَوِ ٱمْرَأَةٍ كانَت به إِصابةٌ في رأسِه أَو ذَقَنِه، فلْيَفحَصِ الكاهِنُ الإِصابة: فإِن كانَ مَنظَرُها أَعمَقَ مِنَ الجِلْد وكانَ فيها شَعرٌ أَصهَبُ دَقيق، فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِنَجاسَتِه، فإِنَّه قَرَع، أي بَرَصُ الرأسِ أَوِ الذَّقَن. فإِن فَحَصَها الكاهِنُ ولَم يَكُنْ مَنظَرُها أَعمَقَ مِنَ الجِلْد، ولَم يَكُنْ شَعَرٌ أَسوَد، فلْيَحجُزِ الكاهِنُ المُصابَ بِالقَرَعِ سَبعَةَ أَيَّام. ثُمَّ يَفحَصُه في اليَومِ السَّابِع: فإِن كانَ القَرَعُ لم يَفْشُ وإِن لم يَكُنْ فيه شَعَرٌ أَصهَب، ولم يَكُنْ مَنظَرُ القَرَعِ أَعمَقَ مِنَ الجِلْد، فلْيَحتَلِقْ ولا يَحلِقْ مَوضِعَ القَرَع، ولْيَحجُزْه الكاهِنُ سَبعَةَ أَيَّامٍ أُخَر. ثُمَّ يَفحَصُ الكاهِنُ القَرَعَ في اليَومِ السَّابِع: فإِن كانَ القَرَعُ لم يَفْشُ في الجِلْد، ولَم يَكُنْ مَنظَرُه أَعمَقَ مِنَ الجِلْد، فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِطهارتِه، فيَغسِلُ ثِيابَه ويَطهُر. ولٰكِن إِن فَشا القَرَعُ في الجِلْدِ بَعدَ تَطْهيرِه، فلْيَفحَصْه الكاهِن: فإِذا كانَ القَرَعُ قد فَشا في الجِلْد، فلا يَبحَثِ الكاهِنُ عنِ الشَّعَرِ الأَصهَب: إِنَّه نَجِس. فإِن بَدا في عَينَيه أَنَّه قد تَوَقَّفَ ونَبَتَ فيه شَعَرٌ أَسوَد، فقَد بَرِئَ القَرَع، وهو طاهِر، فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِطَهارَتِه. وأَيُّ رَجُلٍ أَوِ ٱمرَأَةٍ كانَت لُمَعٌ في جِلْدِ بَدَنِه، لُمَعٌ بَيضاء، فلْيَفحَصِ الكاهِن: فإِذا كانَ في جِلْدِ بَدَنِه لُمَعٌ دَكْناءُ اللَّونِ بَيضاء، فهو طَفْحٌ قد نما في الجِلْد، فهو طاهر. وأَيُّ إِنسانٍ سَقَطَ شَعَرُ رأسِه، فهو أَصلَع، وهو طاهِر. وإِن كانَ في مُقَدَّمِ رأسِه، فهو أَصلَعُ الجَبهَة، وهو طاهر. وإِن كانَ الصَّلَعُ في وَسَطِ رأسِه أَو في مُقَدَّمِه وكانت فيه إصابةٌ بَيضاءُ ضارِبَةٌ إِلى حُمرَة، فهو بَرَصٌ نامٍ في صَلَعِ وَسَطِ رأسِه أَو مُقَدَّمِه. فلْيَفحَصْه الكاهِن: فإِن كانَ وَرَمُ الإِصابةِ أَبيضَ ضارِبًا إِلى حُمرَة في صَلَعِ وَسَطِ رأسِه أَو مُقدَّمِه، كَمَنظَرِ بَرَصِ جِلْدِ البَدَن، فالرَّجُلُ أَبرَصُ وهو نَجِس، فلْيَحكُمِ الكاهِنُ بِنَجاسَتِه، فإِنَّ إِصابَتَه في رأسِه. والأبرَصُ الَّذي به إِصابة تكونُ ثِيابُه مُمَزَّقةً وشَعَرُه مَهْدولًا ويَتَلَثَّمُ على شَفَتَيه ويُنادي: نَجِس، نَجِس. ما دامَت فيه الإِصابة، يَكونُ نَجِسًا، إِنَّه نَجِس. فلْيُقِمْ مُنفَرِدًا، وفي خارِجِ المُخَيَّمِ يَكونُ مُقامُه. وإذا كانَت إِصابةُ البَرَصِ في ثَوبٍ مِن صوفٍ أَو كَتَّان، أَو في ثَوبٍ سَداه أَو لُحمَتُه مِن كَتَّانٍ أَو صوف، أَو في جِلْدٍ أَو في كُلِّ ما يُصنَعُ مِنَ الجِلْد، وكانَتِ الإِصابَةُ ضارِبةً إِلى الخُضرَةِ أَوِ الحُمرَةِ في الثَّوبِ أَوِ الجِلْدِ أَوِ السَّدى أَوِ اللُّحمَة أَو في شَيءٍ مِن أَمتِعَةِ الجِلْد، فذٰلك هو إِصابةُ البَرَص، فلْيُعرَضْ على الكاهِن. فيَفحَصُ الكاهِنُ الإِصابة ويَحجِزُ ما بِه الإِصابةُ سَبعَةَ أَيَّام. ثُمَّ يَفحَصُه في اليَومِ السَّابِع، فإِن فَشَتِ الإِصابةُ في الثَّوبِ أَو في السَّدى أَو في اللُّحمَةِ أَو في الجِلْدِ مِن كُلِّ ما يُعمَلُ مِنَ الجِلْد، فالإِصابةُ بَرَصٌ مُعدٍ، وهو نَجِس. فلْيُحرِقِ الثَّوبَ أَو السَّدى أَوِ اللُّحمة، مِن صوفٍ كانَ أَو كَتَّان، أَو كُلَّ مَتاعٍ مِنَ الجِلْد، مِمَّا تَكونُ فيه الإِصابة، لأَنَّها بَرَصٌ مُعدٍ، فيُحرَقُ بِالنَّار. وإِن رأَى الكاهِنُ أَنَّ الإِصابةَ لم تَفشُ في الثَّوبِ أَو في السَّدى أَو في اللُّحمةِ أَو في كُلِّ مَتاعٍ مِنَ الجِلْد، فلْيَأمُرِ الكاهِنُ بِغَسْلِ ما فيه الإِصابة ويَحجُزْه سَبعَةَ أَيَّامٍ أُخَر. ثُمَّ يَفحَصُ الكاهِنُ ما فيه الإِصابةُ بَعدَ غَسلِه: فإِن رأَى أَنَّ الإِصابةَ لم يَتَغَيَّرْ مَنظَرُها وأَنَّها لم تَفْشُ، فهو نَجِس. تُحرِقُه بِالنَّار: إِنَّه تأكُّلٌ في ظاهِرِه وفي باطِنِه. فإِن رأَى الإِصابَةَ قد دَكِنَت بَعدَ غَسلِها، فلْيَنزِعْها عنِ الثَّوبِ أَو عنِ الجِلْدِ أَو عنِ السَّدى أَو عنِ اللُّحمَة. وإِن ظَهَرَت ثانِيَةً في الثَّوبِ أَو في السَّدى أَو في اللُّحمَة، أَو في كُلِّ مَتاعٍ مِنَ الجِلْد، فإِنَّه بَرَصٌ نامٍ، فتَحرِقُ بِالنَّار ما فيه الإِصابة. وأَمَّا الثَّوبُ أَوِ السَّدى أَوِ اللُّحمَة أَو كُلُّ مَتاعٍ مِنَ الجِلْد، مِمَّا غُسِلَ فزالَت عنه الإِصابة، فلْيُغْسَلْ ثانِيَةً ويَطهُر». هٰذه شَريعةُ إِصابةِ البَرَصِ في ثَوبِ الصُّوفِ أَوِ الكَتَّانِ أَوِ السَّدى أَوِ اللُّحمَةِ أَو كُلِّ مَتاعٍ مِنَ الجِلْد، لِلحُكْمِ بِطَهارتِها أَو بِنَجاسَتِها. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «هٰذه تَكونُ شَريعةَ الأَبرَصِ في يَومِ اطِّهارِه: يُؤتى بِه إِلى الكاهِن، فيَخْرُجُ الكاهِنُ إِلى خارِجِ المُخَيَّم. فإِذا رأَى الكاهِنُ أَنَّ الأَبرَصَ قد بَرِئَ مِن إِصابةِ البَرَص، يأمُرُ أَن يُؤخَذَ لِلمُطَّهِرِ عُصْفورانِ حَيَّانِ طاهِران وَعودُ أَرْزٍ وقِرمِزٌ وزُوفى. ويأمُرُ الكاهِنُ فيُذبَحُ أَحَدُ العُصْفورَيْنِ في إِناءِ خَزَفٍ على ماءٍ حَيّ. ويأخُذُ العُصْفورَ الحَيَّ وعُودَ الأَرْزِ والقِرمِزَ والزُّوفى، ويَغمِسُ هٰذه مع العُصْفورِ الحَيِّ في دَمِ العُصْفورِ المَذْبوحِ على الماءِ الجاري. ويَرُشُّ على المُطَّهِرِ مِنَ البَرَصِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ويُطَهِّرُه ويُطلِقُ العُصْفورَ الحَيَّ في البَرِّيَّة. ثُمَّ يَغسِلُ المُطَّهِرُ ثِيابَه ويَحلِقُ جَميعَ شَعَرِه ويَغتَسِلُ بِالماءِ فيَطهُر. وبَعدَ ذٰلك يَدخُلُ المُخَيَّمَ ويُقيمُ في خارِجِ خَيمَتِه سَبعَةَ أَيَّام. وفي اليَومِ السَّابِعِ يَحلِقُ جَميعَ شَعَرِه: رأسَه ولِحيَتَه وحَواجِبَ عَينَيه، وجَميعُ شَعَرِه يَحلِقُه، ويَغسِلُ ثِيابَه ويَستَحِمُّ بِالماءِ فيَطهُر. وفي اليَومِ الثَّامِن يأخُذُ حَمَلَينِ تامَّين ورِخلَةً حَولِيَّةً تامَّة وثَلاثَةَ أَعْشارٍ مِنَ السَّميذ، تَقدِمةً مَلْتوتةً بِزَيت، ولُجَّ زَيت. ويُقيمُ الكاهِنُ المُطَهِّرُ الرَّجُلَ المُطَّهِرَ وما أَتى بِه أَمامَ الرَّبِّ عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد. ويأخُذُ الكاهِنُ أَحَدَ الحَمَلَينِ لِيُقَرِّبَه ذَبيحةَ إِثْمٍ مع لُجِّ الزَّيت، ويُحَرِّكُهما تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ. ويَذبَحُ الحَمَلَ في المَوضِعِ الَّذي تُذبَحُ فيه ذَبيحةُ الخَطيئةِ والمُحرَقةُ في مَوضِعِ القُدْس، لأَنَّ ذَبيحةَ الإِثْمِ هي لِلكاهِنِ كذَبيحةِ الخَطيئَة: إِنَّها قُدْسُ أَقْداس. ثُمَّ يأخُذُ مِن دَمِ ذَبيحةِ الإِثْم ويَجعَلُه على شَحمَةِ أُذُنِ المُطَّهِرِ اليُمْنى وعلى إِبْهامِ يَدِه اليُمْنى وإِبْهامِ رِجْلِه اليُمْنى. ويأخُذُ الكاهِنُ مِن لُجِّ الزَّيت ويَصُبُّه في راحتِه اليُسْرى. ثُمَّ يَغمِسُ إِصبَعَه اليُمْنى في الزَّيتِ الَّذي في راحتِه اليُسْرى ويَرُشُّ مِنه بإِصبَعِه سَبعَ مَرَّاتٍ أَمامَ الرَّبّ. ثُمَّ يأخُذُ مِمَّا بَقِيَ مِنَ الزَّيتِ في راحتِه ويَضَعُه على شَحمَةِ أُذُنِ المُطَّهِرِ اليُمْنى وعلى إِبْهامِ يَدِه اليُمْنى وعلى إِبْهامِ رِجلِه اليُمْنى، فَضلًا عن دَمِ ذَبيحةِ الإِثْم. والباقي مِنَ الزَّيتِ في راحةِ الكاهِن يَصُبُّه على رأسِ المُطَّهِرِ ويُكَفِّرُ عنه أَمامَ الرَّبّ. ثُمَّ يَضَعُ الكاهِنُ ذَبيحةَ الخَطيئةَ ويُكَفِّرُ عنِ المُطَّهِرِ مِن نَجاستِه. ثُمَّ يَذبَحُ المُحرَقَة. ويُصعِدُ الكاهِنُ المُحرَقَةَ والتَّقدِمةَ على المَذبَح، ويُكَفِّرُ عنه الكاهِنُ فيَطهُر. وإِن كانَ فَقيرًا ولم يَكُنْ ذٰلك في يَدِه، فلْيُقَرِّبْ حَمَلًا واحِدًا ذَبيحَةَ إِثْمٍ، لِيُحَرَّكَ تَحْريكًا فيُكَفَّرَ عنه، وعُشْرَ سَميذٍ واحدًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ تَقدِمةً، ولُجَّ زَيت، وزَوجَي يَمامٍ أَو فَرخَي حَمام، على حَسَبِ ما في يَدِه، يَكونُ أَحَدُهما ذَبيحةَ خَطيئَة والآخَرُ مُحرَقَة. يأتي بِذٰلك في اليَومِ الثَّامِنِ لِٱطِّهارِه إِلى الكاهِن، إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِدِ أَمامَ الرَّبّ. فيأخُذُ الكاهِنُ حَمَلَ ذَبيحةِ الإِثْم ولُجَّ الزَّيت ويُحَرِّكُهما تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ. ثُمَّ يَذبَحُ حَمَلَ ذَبيحةِ الإِثْم ويأخُذُ مِن دَمِه ويَجعَلُه على شَحْمَةِ أُذُنِ المُطَّهِرِ اليُمْنى وعلى إِبْهامِ يَدِه اليُمْنى وإِبْهامِ رِجْلِه اليُمْنى. ويَصُبُّ الكاهِنُ مِنَ الزَّيتِ في راحَتِه اليُسْرى، ويَرُشُّ بِإِصبَعِه اليُمْنى مِنَ الزَّيتِ الَّذي في راحتِه اليُسْرى سَبعَ مَرَّاتٍ أَمامَ الرَّبّ. ويَضَعُ مِنَ الزَّيتِ الَّذي في راحتِه على شَحمَةِ أُذُنِ المُطَّهِرِ اليُمْنى وعلى إِبْهامِ يَدِه اليُمْنى وإِبْهامِ رِجلِه اليُمْنى، في مَوضِعِ دَمِ ذَبيحَةِ الإِثْمِ. والباقي مِنَ الزَّيتِ الَّذي في راحَةِ الكاهِن يَضَعُه على رأسِ المُطَّهِرِ تَكْفيرًا عنه أَمامَ الرَّبّ. ثُمَّ يَذبَحُ أَحَدَ زَوجَيِ اليَمامِ أَو فَرخَيِ الحَمامِ مِمَّا في يَدِه، يَكونُ أَحَدُهُما ذَبيحةَ خَطيئة والآخَرُ مُحرَقَةً مع التَّقدِمة، ويُكَفِّرُ الكاهِنُ عَنِ المُطَّهِرِ أَمامَ الرَّبّ». هٰذه شَريعةُ مَن كانَت بِه إِصابةُ بَرَص، ولم يَكُنْ في يَدِه ما يَطَّهِرُ به. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ قائلًا: «إِذا دَخَلتُم أَرضَ كَنْعانَ الَّتي أَنا مُعطيكم إِيَّاها مِلْكًا، فأَنزَلتُ إِصابةَ البَرَصِ بِبَيتٍ في أَرضِ مِلْكِكم، فلْيَأتِ صاحِبُ البَيتِ إِلى الكاهِن ويُخبِرْه قائلًا: قد تَبَيَّنَ لي في البَيتِ شِبْهُ إِصابة. فيأمُرُ الكاهِنُ بِإِخلاءِ البَيتِ قَبْلَ أَن يَدخُلَ لِيَفحَصَ الإِصابة، لِئَلاَّ يَتَنَجَّسَ كُلُّ ما في البَيت، وبَعدَ ذٰلك يَدخُلُ لِيَفحَصَ البَيت. ويَفحَصُ الإِصابة: فإِن كانَتِ الإِصابةُ في حيطانِ البَيتِ فَجَواتٍ مُخضَرَّةً أَو مُحمَرَّة، ومَنظَرُها عَميقٌ في الحائط، يَخرُجُ الكاهِنُ مِنَ البَيتِ إِلى بابِه ويُقفِلُه سَبعَةَ أَيَّام. ثُمَّ يَرجِعُ في اليَومِ السَّابِع، فإِن رأَى أَنَّ الإصابةَ قدِ ٱنتَشَرَت في حيطانِ البَيت، فلْيَأمُرْ بِأَن تُقلَعَ الحِجارةُ الَّتي بِها الإِصابة وتُطرَحَ خارِجَ المَدينة، في مَوضِعٍ نَجِس، وأَن يُقشَرَ البَيتُ مِن داخِلٍ مِن كُلِّ جِهَة، ويُذَرَّ التُّرابُ المَقْشورُ خارِجَ المَدينة، في مَوضِعٍ نَجِس، وأَن تُؤخَذَ حِجارةٌ أُخْرى وتُدخَلَ مَواضِعَ تلكَ الحِجارة ويُؤخَذَ تُرابٌ آخَرُ ويُطَيَّنَ البَيت. فإِن عادَتِ الإِصابةُ ونَمَت في البَيت، بَعدَ قَلْعِ الحِجارةِ وقَشْرِ البَيتِ وتَطْيينِه، يأتي الكاهِنُ ويَفحَصُه: فإِذا الإِصابةُ قدِ ٱنتَشَرَت في البَيت، فهو بَرَصٌ مُعدٍ في البَيت: إِنَّه نَجِس. فلْيُنقَضْ بِحِجارتِه وخَشَبِه وكُلِّ تُرابِه، ويُخرَجُ ذٰلك خارِجَ المدينة، في مَوضِعٍ نَجِس. ومَن دَخَلَ البَيتَ طَوالَ الأَيَّامِ الَّتي يُقفَلُ فيها، يَكونُ نَجِسًا حتَّى المساء. ومَن نامَ فيه فلْيَغسِلْ ثِيابَه، ومَن أَكَلَ فيه فلْيَغسِلْ ثِيابَه. وإِن دَخَلَ الكاهِنُ وفَحَصَه وإِذا بِالإِصابةِ لم تَنتَشِرْ في البَيتِ بَعدَ تَطْيينِه، فلْيُطَهِّرْه، فإِنَّ الإِصابةَ قد زالَت. فيأخُذُ، لِذَبيحةِ خَطيئَةِ البَيت، عُصْفورَيْنِ وعودَ أَرْزٍ وقِرمِزًا وزُوفى. ويَذبَحُ أَحَدَ العُصْفورَينِ في إِناءِ خَزَفٍ على ماءٍ جارٍ. ويأخُذُ عودَ الأَرْزِ والزُّوفَى والقِرمِزَ والعُصْفورَ الحَيَّ، ويَغمِسُها في دَمِ العُصْفورِ المَذْبوحِ وفي الماءِ الجاري، ويَرُشُّ ذٰلك على البَيتِ سَبْعَ مَرَّات، ويَصنَعُ ذَبيحةَ خَطيئَةِ البَيتِ بِدَمِ العُصْفورِ وبِالماءِ الحَيِّ والعُصْفورِ الحَيِّ وعودِ الأَرْزِ والزُّوفى والقِرمِز. ثُمَّ يُطلِقُ العُصفورَ الحَيَّ إِلى خارِجِ المَدينةِ في البَرِّيَّة، ويُكَفِّرُ عنِ البَيتِ فيَطهُر». هٰذه هي الشَّريعةُ لِكُلِّ إِصابةٍ مِنَ البَرَصِ ولِلقَرَع، ولِبَرَصِ الثِّيابِ والبُيوت، ولِلوَرَمِ والقوباءِ واللُّمعَة، لِتَحْديدِ أَوقاتِ النَّجاسةِ والطُّهْر. هٰذه شَريعةُ البَرَص. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ قائلًا: «كَلِّما بَني إِسْرائيلَ وقولا لَهم: أَيُّ رَجُلٍ كانَ بِجَسَدِه سَيَلان، فهو نَجِس. وتكونُ نَجاسَتُه في سَيَلانِه أن يَكونَ جَسَدُه يُطلِقُ السَّيَلانَ أَو يَحتَبِسُه، فتِلكَ نَجاسَتُه. كُلُّ مَضجَعٍ يَضَّجعُ علَيه يَكونُ نَجِسًا، وكُلُّ ما يَجلِسُ علَيه مِنَ الأَمتِعَةِ يَكونُ نَجِسًا. وأَيُّ إِنْسانٍ مَسَّ مَضجَعَه، فلْيَغسِلْ ثِيابَه ويَستَحِمَّ في الماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. ومَن جَلَسَ على ما يَجلِسُ علَيه صاحِبُ السَّيَلان، فلْيَغْسِلْ ثِيابَه ويَستَحِمَّ في الماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. ومَن مَسَّ جَسَدَ صاحِبِ السَّيَلان، فلْيَغسِلْ ثِيابَه ويَستَحِمَّ في الماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المساء. وإِن بَصَقَ مَن بِه السَّيَلانُ على الطَّاهِر، فلْيَغسِلْ ثِيابَه ويَستَحِمَّ في الماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وكُلُّ ما يَركَبُ علَيه مَن بِه السَّيَلانُ يَكونُ نَجِسًا. وكُلُّ مَن مَسَّ شَيئًا يَكونُ تَحتَه يَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. ومَن حَمَلَ شَيئًا مِن ذٰلك يَغسِلُ ثِيابَه ويَستَحِمُّ في الماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وكُلُّ مَن لَمَسَه مَن بِه السَّيَلان، ولم يَكُنْ غاسِلًا يَدَيه بِالماء، فلْيَغْسِلْ ثِيابَه ويَستَحِمَّ في الماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وإِذا مَسَّ مَن بِه السَّيَلانُ إِناءَ خَزَف، فلْيُكسَرْ، أَو إِناءَ خَشَب، فلْيُغسَلْ بِالماء. وإِذا طَهُرَ مِن سَيَلانِه، يُحسَبُ لَه سَبعَةُ أَيَّامٍ لِٱطِّهارِه، ويَغسِلُ ثِيابَه ويَستَحِمُّ بِماءٍ جارٍ فيَطهرُ. وفي اليَومِ الثَّامِن يأخُذُ لَه زَوجَي يَمامٍ أَو فَرْخَي حَمام، ويأتي إِلى أَمامِ الرَّبّ، إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِد، ويُسَلِّمُهُما إِلى الكاهِن. فيَصنَعُ الكاهِنُ أَحَدَهما ذَبيحةَ خَطيئَةٍ والآخَرَ مُحرَقَة، ويُكَفِّرُ عنه سَيَلانَه أَمامَ الرَّبّ. وأَيُّ رَجُلٍ خَرَجَ مِنه سَيَلانٌ مَنَوِيّ، فلْيَغسِلْ كُلَّ بَدَنِه بالماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وأَيُّ ثَوبٍ أَو جِلْدٍ أَصابَه مِنه شَيءٌ، فلْيُغسَلْ بِالماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وأَيَّةُ ٱمرأَةٍ كانَ لَها عَلاقاتٌ جِنسِيَّةٌ مع رَجُل، فلْيَستَحِمَّا في الماء ويَكونان نَجِسَينِ حتَّى المَساء. وأَيَّةُ ٱمرَأَةٍ كانَ بِها سَيَلان، أَي سَيَلانُ دَمٍ مِن جَسَدِها، تَبْقى سَبعَةَ أَيَّامٍ في نَجاسةِ طَمْثِها، وكُلُّ مَن لَمَسَها يَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وكُلُّ ما تَضَّجِعُ علَيه في طَمْثِها يَكونُ نَجِسًا، وكُلُّ ما تَجلِسُ علَيه يَكونُ نَجِسًا. وكُلُّ مَن مَسَّ مَضجَعَها يَغسِلُ ثِيابَه ويَستَحِمُّ في الماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. ومَن مَسَّ شَيئًا مِمَّا تَجلِسُ علَيه يَغسِلُ ثِيابَه ويَستَحِمُّ في الماء ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وإِن كانَ على مَضجَعِها أَو على ما هي جالِسَةٌ علَيه شَيءٌ، فإِن مَسَّه يَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وإِن ضاجَعَها رَجُلٌ فصارَت علَيه نَجاسةُ طَمْثِها، يَكونُ نَجِسًا سَبعَةَ أَيَّام، وكُلُّ مَضْجَعٍ يَضَّجعُ علَيه يكونُ نَجِسًا. وأَيَّةُ ٱمرَأَةٍ سالَ دَمُها أَيَّامًا كَثيرةً في غَيرِ وَقْتِ طَمثِها أَوِ ٱمتدَّ السَّيَلانُ إِلى ما بَعدَ وَقتِ طَمْثِها، تكونُ في جَميعِ أَيَّامِ سَيَلانِ نَجاسَتِها كما في أَيَّامِ نَجاسَةِ طَمْثِها: إِنَّها نَجِسَة. وكُلُّ مَضجَعٍ تَضَّجِعُ علَيه كُلَّ أَيَّامِ سَيَلانِها يَكونُ لَها كَمَضجَعِ نَجاسةِ طَمْثِها، وكُلُّ ما تَجلِسُ علَيه يَكونُ نَجِسًا كنَجاسَةِ طَمْثِها. وكُلُّ مَن مَسَّ شَيئًا مِنها يَكونُ نَجِسًا، فيَغسِلُ ثِيابَه ويَستَحِمُّ في الماء، ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء. وإِذا طَهُرَت مِن سَيَلانِها، فلْتَحسُبْ لَها سَبعَةَ أَيَّام، وبَعدَ ذٰلك تَطهُر. وفي اليَومِ الثَّامِن تأخُذُ لَها زَوجَي يَمامٍ أَو فَرخَي حَمام وتأتي بِهما إِلى الكاهِن إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِد. فيَضَعُ الكاهِنُ أَحَدَهما ذَبيحةَ خَطيئَةٍ والآخَرَ مُحرَقَة، ويُكَفِّرُ عنها الكاهِنُ سَيَلانَ نجاسَتِها أَمامَ الرَّبّ. فٱعزِلا بَني إِسْرائيلَ عن نَجاسَتِهم، لِئَلاَّ يَهلِكوا في نجاسَتِهم، بِتَنْجيسِهم مَسكِني الَّذي بَينَهم». هٰذه شَريعةُ مَن بِه سَيَلان، ومَن يَخرُجُ منه سَيَلانٌ مَنَوِيّ، فيَتَنَجَّسُ بِهما، والحائضِ في نَجاسةِ طَمْثِها، ومَن بِه سَيَلانٌ مِن ذَكَرٍ أَو أُنْثى، والرَّجُلِ الَّذي يُضاجِعُ مُنَجَّسَة. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى بَعدَ مَوتِ ٱبنَي هارون، حين تَقَدَّما أَمامَ الرَّبِّ وماتا. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «مُرْ هارونَ أَخاكَ بِأَن لا يَدخُلَ القُدْسَ في كُلِّ وَقتٍ إِلى داخِلِ الحِجاب، إِلى أَمامِ الكَفَّارةِ الَّتي على التَّابوت، لِئَلاَّ يَموت، فإِنِّي مُتَراءٍ في الغَمامِ فَوقَ الكَفّارة. بِهٰذا يَدخُلُ هارونُ القُدْس: بِعِجْلٍ مِنَ البَقَرِ لِذَبيحةِ الخَطيئَة وبِكَبْشٍ لِلمُحرَقَة. ويَلبَسُ قَميصًا مِن كَتَّانٍ مُقَدَّسًا، ويَكونُ على بَدَنِه سَراويلاتٌ مِن كَتَّان، ويَتَمَنطَقُ بِزُنَّارٍ من كَتَّان، ويَتَعَمَّمُ بِعِمامةٍ مِن كَتَّان: إِنَّها ثِيابٌ مُقدَّسة، يَغسِلُ بَدَنَه بِماءٍ ويَلبَسُها. ويأخُذُ مِن عِندِ جَماعةِ بَني إِسْرائيلَ تَيسَينِ مِنَ المَعِزِ لِذَبيحةِ الخَطيئَة وكَبْشًا لِلمُحرَقَة. فيُقَرِّبُ هارونُ عِجْلَ ذَبيحةِ الخَطيئَةِ الَّتي علَيه ويُكَفِّرُ عن نَفْسِه وعن بَيتِه. ثُمَّ يأخُذُ التَّيسَينِ ويُقيمُهما أَمامَ الرَّبّ عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد. ويُلْقي هارونُ علَيهما قُرعَتَين، إِحْداهما لِلرَّبّ والأُخْرى لِعَزازيل. ويُقَرِّبُ هارونُ التَّيسَ الَّذي وَقَعَت علَيه القُرعَةُ لِلرَّبّ، ويَصنَعُه ذَبيحةَ خَطيئَة. والتَّيسُ الَّذي وَقَعَت علَيه قُرعةُ عَزازيل يُقيمُه حَيًّا أَمامَ الرَّبّ، لِيُكَفِّرَ عَلَيه ويُرسِلَه إِلى عَزازيلَ في البَرِّيَّة. ويُقَرِّبُ هارونُ عِجْلَ ذَبيحةِ الخطيئةِ الَّتي علَيه ويُكَفِّرُ عن نَفْسِه وعن بَيتِه، ويَذبَحُ عِجْلَ ذَبيحةِ الخَطيئةِ الَّتي علَيه. ثُمَّ يأخُذُ مِلْءَ المِجمَرَةِ جَمْرَ نارٍ مِن فَوقِ المَذبَحِ مِن أَمامِ الرَّبّ ومِلْءَ راحتَيه بَخورًا عَطِرًا مَدْقوقًا ويَدخُلُ بِهما إِلى داخِلِ الحِجاب. ويُلْقي ذٰلك البَخورَ على النَّارِ أَمامَ الرَّبّ، حَتَّى يُغَطِّيَ غَمامُ البَخورِ الكَفَّارةَ الَّتي على الشَّهادة، فلا يَموت. ثُمَّ يأخُذُ مِن دَمِ العِجْل، فيَرُشُّ بِإِصبَعِه على وَجْهِ الكَفَّارةِ شَرْقًا، ويَرُشُّ مِنَ الدَّمِ أَمامَ الكَفَّارةِ سَبعَ مَرَّاتٍ بِإِصبَعِه. ثُمَّ يَذبَحُ تَيسَ ذَبيحَةِ الخَطيئةِ الَّتي على الشَّعْب، ويَدخُلُ بِدَمِه إِلى داخِلِ الحِجاب، ويَصنَعُ بِه كَما صَنَعَ بِدَمِ العِجْل: يَرُشُّه على الكَفَّارَةِ وأَمامَها. ويُكَفِّرُ على القُدْسِ نَجاساتِ بَني إِسْرائيلَ ومَعاصِيَهم وجَميعَ خَطاياهم. وكذٰلك يَصنَعُ لِخَيمةِ المَوعِدِ القائِمةِ فيما بَينَ نَجاساتِهم. ولا يَكُنْ أَحَدٌ في خَيمَةِ المَوعِد مُنذُ دُخولِ هارونَ لِلتَّكْفيرِ في القُدْس، إِلى أَنْ يَخرُج. فيُكَفِّرُ عن نَفسِه وعن بَيتِه وعن جَماعةِ إِسْرائيلَ كُلِّها. ثُمَّ يَخرُجُ إِلى المَذبَحِ الَّذي أَمامَ الرَّبّ ويُكَفِّرُ علَيه، فيَأْخُذُ مِن دَمِ العِجْلِ ودَمِ التَّيس ويَضَعُه على قُرونِ المَذبَحِ مِن حَولِه. ويَرُشُّ علَيه مِنَ الدَمِ بإِصبَعِه سَبْعَ مَرَّات ويُطَهِّرُه ويُقَدِّسُه مِن نَجاساتِ بَني إِسْرائيل. فإِذا ٱنتهى مِنَ التَّكْفيرِ عَنِ القُدْسِ وعن خَيمةِ المَوعِدِ وعنِ المَذبَح، يُقَدِّمُ التَّيسَ الحَيّ، ويَضَعُ هارونُ يَدَيه على رأسِه ويَعتَرِفُ علَيه بِجَميعِ آثامِ بَني إِسْرائيلَ ومَعاصيهم وخَطاياهم، ويَضَعُها على رأسِ التَّيس، ثُمَّ يُرسِلُه إِلى البَرِّيَّةِ بِيَدِ رَجُلٍ مُعَدٍّ لَه. فيَحمِلُ التَّيسُ جَميعَ آثامِهم إِلى أَرضٍ قاحِلة، فيُطلِقُ التَّيسَ في البَرِّيَّة. ثُمَّ يَدخُلُ هارونُ خَيمةَ المَوعِد ويَنزِعُ الثِّيابَ الكَتَّانَ الَّتي لَبِسَها عِندَ دُخولِه القُدْس ويَدَعُها هُناك. ثُمَّ يَغسِلُ بَدَنَه بِالماءِ في مَوضِعٍ مُقَدَّس، ويَلبَسُ ثِيابَه ويَخرُجُ فيُقَرِّبُ مُحرَقَتَه ومُحرَقَةَ الشَّعبِ ويُكَفِّرُ عن نَفْسِه وعنِ الشَّعْب. وأَمَّا شَحْمُ ذَبيحَةِ الخَطيئَةِ فيُحرِقُه على المَذبَح. والَّذي يُطلِقُ التَّيسَ إِلى عَزازيل يَغسِلُ ثِيابَه ويَستَحِمُّ في الماء، وبَعدَ ذٰلك يَدخُلُ المُخَيَّم. وأَمَّا عِجْلُ ذَبيحةِ الخَطيئَةِ وتَيسُ ذَبيحةِ الخَطيئَةِ، اللَّذانِ أُدخِلَ دَمُهما لِلتَّكْفيرِ في القُدْس، فلْيُخرَجا إِلى خارِجِ المُخَيَّم وتُحرَقْ جُلودُهما ولَحمُهما ورَوثُهما بِالنَّار. والَّذي يُحرِقُهما يَغسِلُ ثِيابَه ويُحَمِّمُ بَدَنَه في الماء، وبَعدَ ذٰلك يَدخُلُ المُخَيَّم. هٰذه تَكونُ لَكم فَريضَةً أَبَدِيَّةً في اليَومِ العاشِرِ مِنَ الشَّهرِ السَّابِع، تُذَلِّلونَ أَنفُسَكم ولا تَعمَلونَ عَمَلًا، لا ٱبنُ البَلَدِ ولا النَّزيلُ المُقيمُ فيما بَينَكم. لأَنَّه في هٰذا اليَومِ يُكَفَّرُ عنكم لِٱطِّهارِكم، فتَطْهُرونَ مِن جَميع خَطاياكم أَمامَ الرَّبّ. هو سَبْتُ راحةٍ لَكم، تُذَلِّلونَ فيه أَنفُسَكم: إِنَّه فَريضَةٌ أَبَدِيَّة. ويُكَفِّرُ الكاهِنُ المَمْسوحُ الَّذي كُرِّسَ لِيُمارِسَ الكَهنوتَ مَكانَ أَبيه: يَلبَسُ ثِيابَ الكَتَّان، الثِّيابَ المُقَدَّسة، ويُكَفِّرُ عن مَقدِسِ القُدْسِ وخَيمةِ المَوعِدِ والمَذبَحِ وعنِ الكَهَنَةِ وشَعْبِ الجَماعةِ كُلِّها. فيَكونُ هٰذا لكم فَريضَةً أَبَدِيَّةً لِتَكْفيرِ جَميعِ الخَطايا عن بَني إِسْرائيلَ مَرَّةً واحِدَةً في السَّنَة». فعَمِلوا كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ هارونَ وبَنيه وسائِرَ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: هٰذا ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه: أَيُّ رَجُلٍ مِن بَيتِ إِسْرائيلَ ذَبَحَ ثَورًا أَو حَمَلًا أَو عَنزَةً في المُخَيَّمِ أَو خارِجَ المُخَيَّم، ولم يأتِ بِه إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِدِ لِيُقَرِّبَه قُرْبانًا لِلرَّبِّ أَمامَ مَسكِنِه، يُحسَبُ على ذٰلك الرَّجُلِ دَمٌ. إِنَّه سَفَكَ دَمًا: يُفصَلُ ذٰلك الرَّجُلُ مِن وَسْطِ شَعْبِه، لِكَي يأتِيَ بَنو إِسْرائيلَ بِذَبائِحِهمِ الَّتي يَذبَحونَها في الحَقْل ويُقَدِّموها لِلرَّبِّ إِلى بابِ خَيمةِ المَوعِدِ إِلى الكاهِن، ويَذبَحوها ذَبائِحَ سَلامِيَّةً لِلرَّبّ. فيَرُشُّ الكاهِنُ دَمَها على مَذبَحِ الرَّبِّ عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد، ويُحرِقُ الشَّحْمَ رائِحَةَ رِضًى لِلرَّبّ. ولا يَعودوا إِلى ذَبْحِ ذَبائِحِهم لِلتُّيوسِ الأَوثانِ الَّتي كانوا يَزْنونَ وَراءَها: إِنَّه لَهم فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجْيالِهِم. وقُلْ لَهم: أَيُّ رَجُلٍ مِن بَيتِ إِسْرائيل ومِنَ النُّزَلاءِ المُقيمينَ في وَسْطِهم أَصعَدَ مُحرَقَةً أَو ذَبيحَةً، ولم يَأتِ بِها إِلى بابِ خَيمةِ المَوعِدِ لِيُقَرِّبَها للرَّبّ، يُفصَلُ ذٰلِكَ الإِنسانُ مِن شَعبِه. وأَيُّ رَجُلٍ مِن بَيتِ إِسْرائيل ومِنَ النُّزَلاءِ المُقيمينَ فيما بَينَهم أَكَلَ دَمًا، أَنقَلِبُ على آكِلِ الدَّمِ وأَفصِلُه مِن وَسْطِ شَعْبِه. لأَنَّ نَفْسَ الجَسَدِ هي في الدَّم، وأَنا جَعَلتُه لَكم على المَذبَحِ لِيُكَفَّرَ بِه عن نُفوسِكُم، لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عنِ النَّفْس. لِذٰلك قُلتُ لِبَني إِسْرائيل: لا يأكُلْ أَحَدٌ مِنكم دَمًا، والنَّزيلُ المُقيمُ في وَسْطِكم لا يأكُلْ دَمًا. وأَيُّ رَجُلٍ مِن بَني إِسْرائيلَ ومِنَ النُّزَلاءِ المُقيمينَ في وَسْطِكم صادَ صَيدًا مِنَ الوَحْشِ أَوِ الطَّيرِ اللَّذَينِ يُؤكلان، فلْيُرِقْ دَمَه ويُغَطِّه بالتُّراب، لأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ هي دَمُه في نَفْسِه، ولِذٰلك قُلتُ لِبَني إِسْرائيل: لا تأكُلوا دَمَ أَيِّ جَسَدٍ كان، فإِنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ هي دَمُه. فكُلُّ مَن أَكَلَه يُفصَل. وأَيُّ إِنْسانٍ أَكَلَ جيفةً أَو فَريسة، اِبنَ البَلَدِ كانَ أَو نَزيلًا، فلْيَغسِلْ ثِيابَه ويَستَحِمَّ في الماء، ويَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء، ثُمَّ يَطهُر. فإِن لم يَغسِلْ ثِيابَه ولم يُحَمِّمْ بَدَنَه، فقَد حَمَلَ وِزرَه». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خاطِبْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. كَصَنيعِ أَرضِ مِصرَ الَّتي أَقَمتُم فيها لا تَصْنَعوا، وكَصَنيعِ أَرضِ كَنْعانَ الَّتي أَنا مُدخِلُكم إِلَيها لا تَصنَعوا، وعلى فَرائِضِهم لا تسيروا. إِعمَلوا بِأَحْكامي وٱحفَظوا فرائضي وسيروا علَيها. أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم، فٱحفَظوا فَرائِضي وأَحْكامي. فمَن حَفِظَها يَحْيا بِها: أَنا الرَّبّ. لا يَقتِرِبْ أَيُّ رَجُلٍ مِن ذاتِ قَرابَتِه لِكَشْفِ عَورَتِها: أَنا الرَّبّ. عَورَةَ أَبيكَ وعَورَةَ أُمِّكَ لا تَكشِفْ. إِنَّها أُمُّكَ، فلا تَكْشِفْ عَورَتَها. وعَورَةَ زَوجَةِ أَبيكَ لا تَكشِفْ، فإِنَّها عَورَةُ أَبيك. وعَورَةَ أُختِكَ، اِبنَةَ أَبيكَ كانَت أَو ٱبنَةَ أُمِّكَ، مَولودةً في البَيتِ كانت أَو في خارِجِه، لا تَكشِفْ. وعَورَةَ بِنْتِ ٱبنِكَ أَو بِنْتِ ٱبنَتِكَ لا تَكْشِفْ، فإِنَّها عَورَتُك. وعَورةَ بِنْتِ زَوجَةِ أَبيكَ المَولودةِ مِن أَبيكَ لا تَكشِفْ، إِنَّها أُختُكَ، فلا تَكشِفْ عَورَتَها. وعَورَةَ أُختِ أَبيكَ لا تَكشِفْ، فإِنَّها ذاتُ قَرابةٍ لأَبيكَ. وعَورَةَ أُختِ أُمِّكَ لا تَكْشِفْ، فإِنَّها ذاتُ قرابةٍ لأُمِّكَ. وعَورَةَ عَمِّكَ لا تَكشِفْ وإِلى ٱمرَأَتِه لا تَقتَرِبْ، فإِنَّها عَمَّتُكَ. وعَورَةَ كَنَّتِكَ لا تَكشِفْ، إِنَّها زَوجَةُ ٱبنِكَ فلا تَكشِفْ عَورَتها. وعَورَةَ زَوجَةِ أَخيكَ لا تَكشِفْ، فإِنَّها عَورَةُ أَخيكَ. وعَورَةَ ٱمرَأَةِ أَبيكَ وٱبنَتِها لا تَكشِفْ، ولا تَتَّخِذ ٱبنَةَ ٱبنِها ولا ٱبنَةَ ٱبنَتِها لِتَكشِفَ عَورَتَها، فَهُنَّ ذَواتُ قَرابَتِكَ: إِنَّها فاحِشة. وٱمرأَةً مع أَخْتِها لا تَتَّخِذْ لِتَكونَ ضَرَّتَها فتَكشِفَ عَورَتَها مَعَها وهي حَيَّة. وإِلى ٱمرَأَةٍ في نَجاسةِ طَمْثِها لا تَقْتَرِبْ لِكَشْفِ عَورَتِها. ومع زَوجَةِ قَريبِكَ لا يَكُنْ لَكَ علاقاتٌ جِنْسِيَّة ولا تَتَنَجَّسْ بِها. لا تُعْطِ مِن نَسلِكَ مُحرَقةً لِمولَك، ولا تُدَنِّسِ ٱسمَ إِلٰهِكَ: أَنا الرَّبّ. والذَّكَرُ لا تُضاجِعْه مُضاجَعَةَ النِّساء: إِنَّها قَبيحة. ومع أَيَّةِ بَهيمةٍ لا يَكُنْ لَكَ عَلاقاتٌ جِنسِيَّة، ولا تَتَنَجَّسْ بِها. ولا تَقِفِ ٱمرأَةٌ أَمامَ بَهيمةٍ لِتَسفِدَها: إِنَّها فاحِشة. لا تَتَنَجَّسوا بِشَيءٍ مِن هٰذه، فإِنَّه بِمِثْلِها تَنَجَّسَتِ الأُمَمُ الَّتي أَنا طارِدُها مِن أَمامِكم. تَنَجَّسَتِ الأَرضُ فٱفتَقَدتُ إِثْمَها وتَقَيَّأتِ الأَرضُ سُكَّانَها. فٱحفَظوا أُنتُم فرائِضي وأَحْكامي، ولا تَصْنَعوا شَيئًا مِن هٰذه القَبائِح، لا ٱبنُ البَلَدِ ولا النَّزيلُ المُقيمُ في وَسْطِكم. فإِنَّ جَميعَ هٰذِه القبائحِ صَنَعَها أَهْلُ الأَرضِ الَّذينَ مِن قَبلِكُم، فتَنَجَّسَتِ الأَرض. لٰكِنَّ الأَرضَ لا تَتَقَيَّأُكُم إِذا نَجَّستُموها، كَما تَقَيَّأَتِ الأُمَمَ الَّتي مِن قَبلِكم. لأَنَّ مَنِ ٱرتَكَبَ شَيئًا مِن هٰذه القَبائِح، تُفصَلُ تلكَ النُّفوسُ المُرتَكِبَةُ مِن وَسْطِ شَعْبِها. فٱحفَظوا أَحْكامي لِئَلاَّ تَصنَعوا شَيئًا مِنَ المُمارساتِ القَبيحةِ الَّتي صُنِعَت مِن قَبلِكم، ولا تَتَنَجَّسوا بها: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ كُلَّ جَماعةِ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: كونوا قِدِّيسين، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ إِلٰهَكم قُدُّوس. لِيَهَبْ كُلُّ إِنْسانٍ أُمَّه وأَباه. وٱحفَظوا سُبوتي: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. لا تَلتَفِتوا إِلى الآلِهَةِ المَعْدومة، وآلِهَةً مَسْبوكةً لا تَصنَعوا لَكم: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. وإِذا ذَبَحتُم ذَبيحةً سَلامِيَّةً لِلرَّبّ، فعَلى ما يُرْضى بِه عنكُم تَذبَحونَها. وفي يَومِ ذَبحِكم لَها تُؤكَلُ وفي غَدِه أَيضًا، وما بَقِيَ إِلى اليَومِ الثَّالِث فلْيُحرَقْ بِالنَّار. وإِن أُكِلَ مِنها في اليَومِ الثَّالِث، فهِي قَبيحة، ولا تَكونُ مَرضِيَّة. ومَن أَكَلَ مِنها فَقَد حَمَلَ وِزرَه، لِتَدْنيسِه قُدْسَ الرَّبّ، فتُفصَلُ تِلكَ النَّفْسُ مِن شَعْبِها. وإِذا حَصَدتُم حَصيدَ أَرضِكم، فلا تَذهَبْ في الحِصادِ إِلى أَطْرافِ حَقلِكَ، ولُقاطَ حَصيدِكَ لا تَلْقُطْ. ولا تَعُدْ إِلى فَضَلاتِ كَرمِكَ، ولُقاطَ كَرمِكَ لا تَلْقُطْ، بلِ ٱترُكْ ذٰلِكَ لِلمِسْكينِ والنَّزيل، أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. لا تَسرِقوا ولا تَكذِبوا ولا يَخدَعْ أَحَدٌ قَريبَه. ولا تَحلِفوا بِٱسْمي كَذِبًا، فتُدَنِّسَ ٱسمَ إِلٰهِكَ: أَنا الرَّبّ. لا تَظلِمْ قَريبَكَ ولا تَسلِبْه، ولا تُبِتْ أُجرَةَ الأَجيرِ عِندَكَ إِلى الغَد. لا تَلعَنِ الأَصَمّ، وأَمامَ الأَعْمى لا تَضَعْ مَعثَرَةً، وٱتَّقِ إِلٰهَكَ: أَنا الرَّبّ. لا تَجوروا في الحُكْم، ولا تُحابِ وَجهَ الفقير ولا تُكرِمْ وَجهَ العَظيم، بَل بِالعَدْلِ تَحكُمُ لِقَريبِكَ. ولا تَسعَ بِالنَّميمةِ بَينَ شَعبِكَ، ولا تُطالِبْ بِدَمِ قَريبِكَ: أَنا الرَّبّ. لا تُبغِضْ أَخاكَ في قَلبِكَ، بل عاتِبْ قَريبَكَ عِتابًا، فلا تَحمِلَ خَطيئَةً بِسَبَبِه. لا تَنْتَقِمْ ولا تَحقِدْ على أَبْناءِ شَعبِكَ، وأَحْبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ: أَنا الرَّبّ. إِحفَظوا فَرائِضي. بَهائِمُكَ لا تُسْفِدْها مِن نَوعَين، وحَقلُكَ لا تَزرَعْه مِن صِنفَين، وثَوبًا مَنْسوجًا مِن صِنفَينِ لا تَلبَسْ. وأَيُّ رَجُلٍ ضاجَعَ ٱمرَأَةً وهي أَمَةٌ مَخْطوبةٌ لِرَجُلٍ لم تُفْدَ بِفِدْيَةٍ ولم تُعتَق، فتَأديب، ولٰكن لا يُقتَلان، لأَنَّها لم تُعتَقْ. ولْيَأْتِ بِذَبيحةِ إِثْمِه لِلرَّبّ، إِلى بابِ خَيمةِ المَوعِد، أَي بِكَبشٍ ذَبيحةَ إِثْم. فيُكَفِّرُ عنه الكاهِنُ بِكَبشِ ذَبيحةِ الإِثْمِ أَمامَ الرَّبِّ خَطيئَتَه الَّتي خَطِئَها، فتُغفَرُ لَه خَطيئَتُه الَّتي خَطِئَها. وإِذا دَخَلتُمُ الأَرضَ وغَرَستُمْ كُلَّ شَجَرٍ يُؤكَل، فٱصنَعوا بِثَمَرِه صَنيعَكُم بِقُلفَتِه. ثَلاثَ سِنينَ يَكونُ لَكم أَقلَفَ لا يُؤكَلُ مِنه، وفي السَّنةِ الرَّابعةِ يَكونُ ثَمَرُه قُدْسَ ٱبتِهاجٍ لِلرَّبّ. وفي السَّنةِ الخامِسة تأكُلونَ ثَمَرَه لِتَزْدادَ لَكم غَلَّتُه: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. لا تأكُلوا شَيئًا بِدَمٍ، ولا تُمارِسوا العِرافَةَ ولا التَّنْجيم. ولا تَحلِقوا رُؤُوسَكم حَلْقًا مُستَديرًا، ولا تقُصَّ أَطْرافَ لِحيَتِكَ. وخَدْشًا مِن أَجْلِ مَيتٍ لا تَضَعوا في أَبْدانِكم، وكِتابةَ وَسْمٍ لا تَضَعوا فيكم: أَنا الرَّبّ. لا تُدَنِّسِ ٱبنَتَكَ بِجَعلِها زانِية، كَيلا يَزنِيَ أَهْلُ الأَرض، فتَمتَلِئَ الأَرضُ فَواحِش. إِحفَظوا سُبوتي وتَهَيَّبوا مَقدِسي: أَنا الرَّبّ. لا تَلتَفِتوا إِلى مُستَحضِري الأَرْواح، ولا تَقصِدوا العَرَّافين، فتَنَجَسَّوا بِهم: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. قُمْ قُدَّامَ الأَشيَب، وكَرِّمْ وَجْهَ الشَّيخ، وٱتَّقِ إِلٰهَكَ: أَنا الرَّبّ. وإِذا نَزَلَ بِكم نَزيلٌ في أَرضِكم، فلا تَظلِموه. ولْيَكُنْ عِنْدَكُمُ النَّزيلُ المُقيمُ فيما بَينَكم كٱبنِ بَلَدِكم، تُحِبُّه حُبَّكَ لِنَفسِكَ، لأَنَّكم كُنتُم نُزَلاءَ في أَرضِ مِصْر: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. لا تَجوروا في الحُكْمِ ولا في المَساحَةِ والوَزْنِ والكَيْل. بل تَكونُ لَكم مَوازينُ عادِلة وعِياراتٌ عادِلة وإِيفَةٌ عادِلة وهِينٌ عادِل: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكمُ الَّذي أَخرَجَكم مِن أَرضِ مِصْر. فٱحفَظوا جَميعَ فَرائضي وأَحْكامي، وٱعمَلوا بِها: أَنا الرَّبّ». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «قُلْ لِبَني إِسْرائيل: أَيُّ رَجُلٍ مِن بَني إِسْرائيلَ ومِنَ النُّزَلاءِ المُقيمينَ في إِسْرائيلَ أَعْطى مِن نَسلِه لِمولَك، فلْيُقتَلْ قَتْلًا: يَرجُمُه شَعبُ الأَرضِ بِالحِجارة. وأَنا أَنقَلِبُ على ذٰلك الرَّجُلِ وأَفصِلُه مِن وَسْطِ شَعبِه، لأَنَّه أَعْطى مِن نَسلِه لِمولَك فنَجَّس مَقدِسي ودَنَّسَ ٱسمِيَ القُدُّوس. وإِن تغاضى أَهلُ الأَرضِ عن ذٰلك الرَّجُلِ في إِعطائِه مِن نَسلِه لِمولَكَ فلم يَقتُلوه، اِنقَلَبتُ على ذٰلك الرَّجُلِ وعلى عَشيرتِه، وفَصَلتُهم مِن وَسْطِ شَعبِهم، هو وجَميعَ مَن زَنَوا معه لِيَزْنوا وَراءَ مولَك. وأَيُّ إِنْسانٍ ٱلتَفَتَ إِلى مُستَحضِرِي الأَرْواحِ والعَرَّافينَ لِيزنِيَ وَراءَهم، انِقَلَبتُ على ذٰلك الإِنسانِ وفَصَلتُه مِن وَسْطِ شَعبِه. فتَقَدَّسوا وكونوا قِدِّيسين، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. وٱحفَظوا فَرائِضي وٱعمَلوا بِها: أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُكم. أَيُّ رَجُلٍ لَعَنَ أَباه أَو أُمَّه، فلْيُقْتَلْ قَتلًا. إِنَّه لَعَنَ أَباه أَو أُمَّه: دَمُه علَيه. وأَيُّ رَجُلٍ زَنى بِٱمرَأَةِ رَجُل (الَّذي يَزْني بِٱمرَأَةِ قَريبِه)، فلْيُقتَلِ الزَّاني والزَّانِيَة. وأَيُّ رَجُلٍ ضاجَعَ زَوجَةَ أَبيه، فقَد كَشَفَ عَورَةَ أَبيه، فلْيُقتَلا كِلاهُما: دَمُهما علَيهما. وأَيُّ رَجُلٍ ضاجَعَ كَنَّتَه، فلْيُقتَلا كِلاهُما: إِنَّهما صَنَعَا فاحِشة، فدَمُهما علَيهما. وأَيُّ رَجُلٍ ضاجَعَ ذَكَرًا مُضاجَعَةَ النِّساء، فقَد صَنعا كِلاهما قَبيحة، فلْيُقتَلا: دَمُهما علَيهما. وأَيُّ رَجُلٍ ٱتَّخَذَ ٱمرَأَةً وأُمَّها، فتِلكَ فاحِشة، فلْيُحرَقْ هو وهُما بِالنَّار. فلا تَكُنْ فاحِشةٌ في وَسْطِكم. وأَيُّ رَجُلٍ جامَعَ بَهيمةً فليُقتَلْ قَتلًا، وٱقتُلوا البَهيمةَ أَيضًا. وأَيَّةُ ٱمرَأَةٍ تَقَدَّمَت إِلى بَهيمةٍ لِتَسفِدَها، فٱقتُلِ المَرأَةَ والبَهيمة: إِنَّهما تُقتَلانِ قَتْلًا، فدَمُهما علَيهما. وأَيُّ رَجُلٍ ٱتَّخَذَ أُختَه، أَيِ ٱبنَةَ أَبيه أَوِ ٱبنَةَ أُمِّه فرأَى عَورَتَها ورَأَت عَورَتَه، فذٰلك عار، فلْيُفصَلا على عُيونِ بَني شَعْبِهما: إِنَّه كَشَفَ عَورَةَ أُختِه، فقَد حَمَلَ وِزرَه. وأَيُّ رَجُلٍ ضاجَعَ ٱمرَأَةً طامِثًا، فكَشَفَ عَورَتَها: فقد عَرَّى مَنبَعَها وهي كَشَفَت مَنبَعَ دَمِها، فلْيُفصَلا كِلاهُما مِن بَينِ شَعبِهما. عَورَةَ خالَتِكَ وعَمَّتِكَ لا تَكْشِفْ، فَمَن صَنَع ذٰلك عرَّى ذَاتَ قَرابَتِه، فحَمَلا كِلاهُما وِزرَهما. وأَيُّ رَجُلٍ ضاجَعَ زَوجةَ عَمِّه، فقَد كَشَفَ عَورَةَ عَمِّه: إِنَّهما يَحمِلانِ وِزرَهما، فلْيَموتا عَقيمَين. وأَيُّ رَجُلٍ ٱتَّخَذَ زَوجَةَ أَخيه، ٱرتَكَبَ نَجاسةً، فقَد كَشَفَ عَورَةَ أَخيه، فلْيَموتا عَقيمَين. فٱحفَظوا جَميعَ فَرائضي وأَحْكامي وٱعمَلوا بِها، لِئَلاَّ تَتَقَيَّأَكُمُ الأرضُ الَّتي أنا مُدخِلُكم إِليها لِتَسكُنوا فيها. ولا تسيروا على مُمارَساتِ الأُمَمِ الَّتي أَنا طارِدُها مِن أَمامِكم، فقَد صَنَعَت هٰذا كُلَّه فكَرِهتُها. وقُلتُ لَكم: ستَمتَلِكونَ أَنتُم وأَنا أُعطيكُم إِيَّاها لِتَمتَلِكوها أَرضًا تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا. أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكُمُ الَّذي مَيَّزَكم مِن بَينِ الشُّعوب. فمَيِّزوا البَهيمةَ الطَّاهِرةَ مِنَ النَّجِسَة والطَّيرَ النَجِسَ مِنَ الطَّاهِر، ولا تُقَبِّحوا أَنفُسَكم بِالبَهائِم والطُّيورِ وسائرِ ما يَدِبُّ على الأَرضِ مِمَّا مَيَّزتُه لَكم كنَجِس. وكونوا لي قِدِّيسينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ أَنا الرَّبّ، وقد مَيَّزتُكم مِنَ الشُّعوبِ لِتَكونوا لي. وأَيُّ رَجُلٍ أَوِ ٱمرَأَةٍ كانَ مُستَحضِرَ أَرْواحٍ أَو عَرَّافًا، فلْيُقتَلْ قَتْلًا، بالحِجارةِ يُرجَم: دَمُه علَيه». وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «كَلِّمِ الكَهَنَة، بَني هارون، وقُلْ لَهم: لا يَتَنَجَّسْ أَحَدٌ بِمَيتٍ مِن قَرابَتِه، إِلاَّ بِنَسيبِه الأَقرَبِ إِلَيه، أَي أُمِّه وأَبيه وٱبنِه وٱبنَتِه وأَخيه. وأَمَّا أُختُه العَذْراءُ القَريبَةُ إِلَيه الَّتي لم تَصِر إِلى رَجُلٍ، فيَتَنَجَّسُ بِها. ولٰكنَّه لا يَتَنَجَّسُ بٱمرَأَةٍ مُزَوَّجةٍ مِن قَرابَتِه، وإِلاَّ لَتَدَنَّسَ. ولا يَحلِقوا مِن شَعَرِ رُؤُوسِهم، ولا يَحلِقوا أَطرافَ لِحاهُم، وفي أَبْدانِهم لا يَخدِشوا خَدْشًا. ولْيَكونوا مُقَدَّسينَ لإلٰهِهم ولا يُدَنِّسوا ٱسمَه: فإِنَّهم يُقَرِّبونَ الذَّبائِحَ بِالنَّارِ لِلرَّبّ، طَعامَ إِلٰهِهم، فيكونونَ قُدْسًا. بِٱمرَأَةٍ زانِيةٍ أَو مُدَنَّسةٍ لا يَتَزَوَّجوا، وبٱمرَأَةٍ مُطَلَّقةٍ مِن رَجُلها لا يَتَزَوَّجوا، لأَنَّ الكاهِنَ مُقَدَّسٌ لإلٰهِه. فتَعُدُّه مُقَدَّسًا، لأَنَّه يُقَرِّبُ طَعامَ إِلٰهِك. مُقَدَّسًا يَكونُ عِندَكَ، لأَنِّي قُدُّوسٌ أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُكم. وأَيَّةُ ٱبنَةِ رَجُلٍ كاهِنٍ تُدَنِّسُ نَفْسَها لِلزِّنى، فقَد دَنَّسَت أَباها، فلْتُحرَقْ بِالنَّار. أَمَّا عَظيمُ الكَهَنَةِ بَينَ إِخوَتِه والَّذي صُبَّ على رأسِه زَيتُ المِسحَةِ وكُرِّسَت يَدُه لِيَلبَسَ الثِّياب، فلا يَهدِلْ شَعَرَه ولا يُمَزِّقْ ثِيابَه، وعلى مَيتٍ لا يَدخُلْ فلا يَتَنَجَّسَ حَتَّى بِأَبيه وأُمِّه، ومِنَ المَقدِسِ لا يَخْرُجْ ولا يُدَنِّس مَقدِسَ إِلٰهِه، فإِنَّ علَيه تاجًا، زَيتَ مِسحَةِ إِلٰهِه: أَنا الرَّبّ. ولْيَتَّخِذْ مِنَ النِّساء بِكْرًا. وأَمَّا الأَرمَلَةُ أَوِ المُطَلَّقةُ أَوِ المُدَنَّسَةُ أَوِ الزَّانِيَة، فلا يَتَّخِذْها، بل لِيَتَّخِذْ مِن قَومِه ٱمرَأَةً بِكْرًا، ولا يُدَنِّسْ نَسْلَه بَينَ قَومِه، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُه». وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ هارونَ وقُلْ لَه: أَيُّ رَجُلٍ مِن نَسلِكَ مدى أَجْيالِهم كانَ بِه عَيْبٌ، فلا يَتَقَدَّمْ لِيُقَرِّبَ طَعامَ إِلٰهِه، فإِنَّ كُلَّ رَجُلٍ بِه عَيبٌ لا يَتَقَدَّمْ: الأَعْمى والأَعرَجُ والمُشَوَّهُ وسَقيمُ البِنيَة، والَّذي بِه كَسْرُ رِجْلٍ أَو كَسْرُ يَدٍ، والأَحدَبُ والضَّامِرُ والَّذي في عينَيه بَياض، والأَجرَبُ ومَن به القوباءُ ومَرضوضُ الخُصْيَة. كُلُّ رَجُلٍ بِه عَيبٌ مِن نَسْلِ هارونَ الكاهِن لا يَتَقَدَّمْ لِيُقَرِّبَ الذَّبائِحَ بِالنَّارِ لِلرَّبّ: إِنَّه بِه عَيْب، فلا يَتَقَدَّمْ لِيُقَرِّبَ طَعامَ إِلٰهِه. لٰكِنَّه يأكُلُ مِن طَعامِ إِلٰهِه، مِن قُدْسِ الأَقْداسِ، كانَ أَو مِنَ الأَقْداس. وأَمَّا الحِجاب، فلا يأتِ إِلَيه ولا يَتَقَدَّمْ إِلى المَذبَح، إِذ بِه عَيْب، فلا يُدَنِّسْ مَقادِسي، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُهم». فكَلَّمَ موسى بذٰلك هارونَ وبَنيه وسائِرَ بَني إِسْرائيل. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ هارونَ وبَنيه بِأَن يَتَجَنَّبوا بَعضَ الأَقْداسِ الَّتي يُقَدِّسُها لي بَنو إِسْرائيلَ، ولا يُدَنِّسوا ٱسمِيَ القُدُّوس: أَنا الرَّبّ. قُلْ لَهم: أَيُّ رَجُلٍ مِن نَسلِكم مَدى أَجْيالِكم تَقَدَّمَ إِلى الأَقْداسِ الَّتي يُقَدِّسُها بَنو إِسْرائيلَ لِلرَّبّ، وهو في نَجاسَتِه، تُفصَلُ تِلكَ النَّفْسُ مِن أَمامي: أَنا الرَّبّ. أَيُّ رَجُلٍ مِن نَسْلِ هارونَ كانَ في حالَةِ البَرَصِ أَوِ السَّيَلان، فلا يأكُلْ مِنَ الأَقْداسِ إِلى أَن يَطهُر. ومَن مَسَّ شَيئًا نَجِسًا لِمَيت، أَوِ الرَّجُلُ الَّذي خَرَجَ مِنه سَيَلانٌ مَنَويّ، وأَيُّ رَجُلٍ مَسَّ دُوَيبةً يُتَنَجَّسُ بِها أَو إِنْسانًا يُتَنَجَّسُ بِه لِنَجاسةٍ فيه، كُلُّ مَن مَسَّ شَيئًا مِن ذٰلك، يَكونُ نَجِسًا حتَّى المَساء، ولا يَأكُلُ مِنَ الأَقْداس، بل يَغسِلُ بَدَنَه بِالماء. فإِذا غابَتِ الشَّمْسُ طَهُرَ، وبَعدَ ذٰلك يأكُلُ مِنَ الأَقْداس، لأَنَّها طَعامُه. ولا يَأكُلِ المَيتَةَ والفَريسةَ فيَتَنَجَّس: أَنا الرَّبّ. فلْيَحفَظوا أَحْكامي ولا يَحمِلوا فيها وِزْرًا فيَهلِكوا بِسَبَبِه إِذا دَنَّسوها: أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُهم. وغَيرُ الكاهِنِ لا يأكُلُ قُدْسًا: لا ضَيفُ الكاهِنِ ولا أَجيرُه يأكُلانِ قُدْسًا. فأَمَّا إِذا ٱشتَرى كاهِنٌ إِنْسانًا بِمالِه، فهو يأكُلُ مِنَ القُدْس، وكذٰلك مَولودُ بَيتِه: إِنَّهما مِن طَعامِه يأكُلان. وأَيَّةُ ٱبنَةِ كاهِنٍ تَزَوَّجَت بِرَجُلٍ غَيرِ كاهِن، فهي لا تأكُلُ مِن تَقدِمَةِ الأَقْداس. لٰكن أَيَّةُ ٱبنَةِ كاهِنٍ صارَت أَرمَلَةً أَو مُطَلَّقَةً ولا نَسْلَ لَها ورَجَعَت إِلى بَيتِ أَبيها كأَيَّامِ صِباها، فمِن طَعامِ أَبيها تأكُل، وأَمَّا غَيرُ الكاهِن فلا يَأكُلُ مِنه. وأَيُّ رَجُلٍ أَكَلَ شَيئًا مِنَ الأَقْداسِ سَهْوًا، فلْيَزِدْ على القُدْسِ خُمسَه ويُعطِه لِلكاهِن. ولا يُدَنِّسوا أَقْداسَ بَني إِسْرائيلَ الَّتي يُقَدِّمونَها لِلرَّبّ، ولا يُحَمِّلوهم ذَنْبَ إِثْمٍ بِأَكلِهِم أَقْداسَهم، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُهم». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خاطِبْ هارونَ وبَنيه وسائِرَ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: أَيُّ رَجُلٍ مِن بَيتِ إِسْرائيلَ ومِن نُزَلائِهم قَرَّبَ قُرْبانَه، وَفاءَ نَذْرٍ أَو طَوعًا، مِمَّا يُقَرِّبُه لِلرَّبِّ مُحرَقةً، فلِكَي يُرْضى عنكم يَجِبُ أَن يَكونَ ذَكَرًا تامًّا مِنَ البَقَرِ الضَّأنِ أَو المَعِز. ولا تُقَرِّبوا ما بِه عَيب، فإِنَّه لا يُرْضى بِه عنكم. وأَيُّ رَجُلٍ قَرَّبَ ذَبيحةً سَلامِيَّةً لِلرَّبّ، وفاءَ نَذْرٍ أَو طَوعًا، مِنَ البَقَرِ أَو الغَنَم، فلْيَكُنْ تامًّا لِيَكونَ مَرْضِيًّا، ولا يَكُنْ به عَيب. الأَعْمى والمَكْسورُ والمَبْتورُ والمُتَقَرِّحُ والأَجرَبُ ومَن بِه القُوباء لا تُقَرِّبوها لِلرَّبّ، ولا تَجعلوا مِنها ذَبيحةً بِالنَّارِ على المَذبَحِ لِلرَّبّ. وأَيُّ ثَورٍ أَو شاةٍ مُشَوَّهٍ أَو ضامِر، فلَكَ أَن تُقَرِّبَه طَوعًا، وأَمَّا وَفاءُ نَذْرٍ فلا يَكونُ مَرضِيًّا. والخَصِيُّ بِالرَّضِّ أَوِ السَّحْقِ أَوِ القَلْعِ أَوِ القَطْعِ لا تُقَرِّبوه لِلرِّبّ، ولا تَصنَعوا شَيئًا مِن ذٰلكَ في أَرضِكم. ومِن يَدِ ٱبنِ الغَريبِ لا تُقَرِّبوا طَعامَ إِلٰهِكم مِن جَميعِ هٰذه، لأَنَّ فسادَها عَيبٌ فيها، فلا يُرْضى بِها عنكم». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِذا وُلِدَ بَقَرٌ أَو ضَأنٌ أَو مَعِز، فلْيَكُنْ سَبعَةَ أَيَّامٍ مع أُمِّه، ومِنَ الثَّامِنِ فصاعِدًا يَكونُ مَرضِيًّا كَقُرْبانِ ذَبيحَةٍ بِالنَّارِ لِلرَّبّ. والبَقَرةُ والشَّاةُ لا تَذبَحوها مع وَلَدِها في يَومٍ واحِد. وإِذا ذَبَحتُم ذَبيحةَ شُكرٍ لِلرَّبّ، فعلى ما يُرْضى بِه عنكم تَذبَحونَها. وفي ذٰلك اليَومِ تُؤكل، ولا تُبْقوا مِنها شَيئًا إِلى الغَد: أَنا الرَّبّ. فٱحفَظوا وَصايايَ وٱعمَلوا بِها: أَنا الرَّبّ. ولا تُدَنِّسوا ٱسْميَ القُدُّوس، فأَتَقَدَّسَ فيما بَينَ بَني إِسْرائيل: أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُكم، الَّذي أَخرَجَكم مِن أَرضِ مِصرَ لِيَكونَ لَكم إِلٰهًا: أَنا الرَّبّ». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خاطِبْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: مَواسِمُ الرَّبِّ الَّتي تَدْعونَ بِها إِلى مَحافِلَ مُقَدَّسة، تِلكَ هي مَواسِمي: في سِتَّةِ أَيَّامٍ، يُعمَلُ العَمَل، وفي اليَومِ السَّابِعِ سَبتُ راحة، مَحفِلٌ مُقَدَّس، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلًا. هو سَبْتٌ لِلرَّبِّ في جَميعِ مَساكِنِكم. هٰذه مَواسِمُ الرَّبّ، المَحافِلُ المُقَدَّسةُ الَّتي تَدْعونَهم إِلَيها في أَوقاتِها: في الشَّهرِ الأَوَّلِ في اليَومِ الرَّابعَ عَشَرَ مِنه، بَينَ الغُروبَين، فِصحٌ لِلرَّبّ. وفي اليَومِ الخامِسَ عَشَرَ مِن هٰذا الشَّهْر، عيدُ الفَطيرِ لِلرَّبّ: سَبعَةَ أَيَّامٍ تأكُلونَ فَطيرًا. في اليَومِ الأَوَّل، يَكونُ لَكم مَحفِلٌ مُقَدَّس، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدْمَة. وسَبعَةَ أَيَّامٍ تُقَرِّبونَ فيها ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ، وفي اليَومِ السَّابِعِ مَحفِلٌ مُقَدَّس، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدْمَة». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِذا دَخَلتُمُ الأَرضَ الَّتي أَنا مُعْطيكم إِيَّاها وحَصَدتُم حَصيدَها، فأتوا بِحُزمَةِ باكورةِ حَصيدِكم إِلى الكاهِن. فيُحَرِّكُها أَمامَ الرَّبُّ لِلرِّضى عنكم، في غَدِ السَّبتِ يُحَرِّكُها الكاهِن. وٱذبَحوا، في يومِ تَحْريكِ الحُزمَة، حَمَلًا تامًّا حَولِيًّا مُحرَقةً لِلرَّبّ. وتَكونُ تَقدِمتُه عُشرَينِ مِن سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت، ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ، رائحةَ رِضًى، ويَكونُ سَكيبُه رُبعَ هِينٍ مِنَ الخَمْر. وخُبزًا وسُنبُلًا مَشوِيًّا وحُبوبًا طَريئةً لا تأكُلوا إِلى ذٰلك اليَومِ عَينِه، إِلى أَن تأتوا بِقُرْبانِ إِلٰهِكم: فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجْيالِكم في جَميعِ مساكِنِكم. وٱحسُبوا لَكم مِن غَدِ السَّبت، مِن يَومِ إِتْيانِكم بِحُزمةِ التَّحْريك، سَبعَةَ أَسابيعَ تامّة. إِلى غَدِ السَّبتِ السَّابِع، تَحسُبونَ خَمْسينَ يَومًا، ثُمَّ تُقَرِّبونَ تَقدِمةً جَديدةً لِلرَّبّ. تأتونَ مِن مَساكِنِكم بِخُبزٍ لِلتَّحْريك، بِرَغيفَينِ يَكونانِ عُشرَي سَميذ، ويُخبَزانِ خميرًا: باكورةً لِلرَّبّ. وقَرِّبوا مع الخُبزِ سَبعَةَ حُمْلانٍ تامَّةٍ حَولِيَّة، وعِجْلًا مِنَ البَقَرِ وكَبْشًا، تَكونُ مُحرَقةً لِلرَّبّ مع تَقدِمَتِها وسَكيبِها، ذَبيحةً بالنَّارِ رائِحَةَ رِضًى لِلرَّبّ. وٱذبَحوا تَيسًا مِنَ المَعِزِ ذَبيحةَ خَطيئة، وحَمَلَينِ حَولِيَّينِ ذَبيحةً سَلامِيَّة. فيُحَرِّكُها الكاهِنُ مع خُبزِ البَواكيرِ تَحْريكًا أَمامَ الرَّبِّ مع الحَمَلَين: هي قُدْسٌ لِلرَّبّ، وتَكونُ لِلكاهِن. وتَدْعونَ في ذٰلك اليومِ عَينِه إِلى مَحفِلٍ يَكونُ لَكم مُقَدَّسًا، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدْمة: فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ في جَميعِ مَساكِنِكم مَدى أَجْيالِكم. وإِذا حَصَدتُم حَصيدَ أَرضِكم، فلا تَذْهَبْ في الحِصادِ إِلى أَطْرافِ حَقلِكَ، ولُقاطَ حَصيدِكَ لا تَلْقُطْ، بلِ ٱترُكْ ذٰلكَ لِلمِسْكينِ والنَّزيل: أَنا الرَّبُّ إِلٰهكم». وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ قائلًا: في اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ السَّابِع، يكونُ لَكم يَومُ راحة، تَذْكارٌ بِهُتافٍ وبُوق، مَحفِلٌ مُقَدَّس. عَمَلَ خِدمَةٍ لا تَعمَلوا، وقَرِّبوا ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «أَمَّا العاشِرُ من الشَّهرِ السَّابعِ هٰذا، فهو يَومُ التَّكْفير، يَكونُ لَكم مَحفِلًا مُقَدَّسًا تُذَلِّلونَ فيه أَنفُسَكم وتُقَرِّبونَ ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ. وفي هٰذا اليَومِ عَينِه لا تَعمَلوا عَمَلًا، لأَنَّه يَومُ تَكْفير، يُكَفَّر فيه عنكم أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكم. فكُلُّ إِنْسانٍ لا يُذَلِّلُ نَفسَه في هٰذا اليَومِ عَينِه يُفصَلُ مِن شَعبِه. وكُلُّ إِنْسانٍ يَصنَعُ عَمَلًا في هٰذا اليَومِ عَينِه، أُبيدُ ذٰلك الإِنسانَ مِن وَسْطِ شَعبِه. لا تَعمَلوا أَيَّ عَمَل: فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجْيالِكم في جَميعِ مَساكِنِكم. إِنَّه سَبتُ راحةٍ لَكم، فتُذَلِّلونَ فيه أَنفُسَكم. في التَّاسِعِ من الشَّهرِ عِندَ المَساء، مِنَ العِشاءِ، تَستَريحونَ سَبتَكم». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خاطِبْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: في اليَومِ الخامِسَ عَشَرَ من هٰذا الشَّهرِ السَّابِع، عيدُ الأَكْواخِ سَبعَةَ أَيَّامٍ لِلرَّبّ. في اليَومِ الأَوَّلِ مَحفِلٌ مُقَدَّس، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدمَة. سَبعَةَ أَيَّامٍ تُقَرِّبونَ ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ، وفي اليَومِ الثَّامِن، يَكونُ لَكم مَحفِلٌ مُقَدَّس، تُقَرِّبونَ فيه ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ: إِنَّه مَحفِلُ العيد، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدمَة. هٰذه مَواسِمُ الرَّبِّ الَّتي تَدعونَ بِها إِلى مَحافِلَ مُقَدَّسة، وتُقَرِّبونَ فيها ذَبائِحَ بِالنَّارِ لِلرَّبّ، مِن مُحرَقَةٍ وتَقدِمَةٍ وذَبيحةٍ وسَكيب، فَريضةَ كُلِّ يَومٍ في يَومه، ما خلا سُبوتَ الرَّبّ وما خلا عَطاياكم وجَميعَ نُذورِكم وهِباتِكمُ الَّتي تُقَدِّمونَها لِلرَّبّ. أَمَّا اليَومُ الخامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ السَّابِع، فإِذا جَمَعتُم فيه غَلَّةَ الأَرض، تُعَيِّدونَ عيدَ الرَّبِّ سَبعَةَ أَيَّام: في اليَومِ الأَوَّلِ مِنها راحة، وفي اليَومِ الثَّامِنِ راحة. وخُذوا لَكم في اليَومِ الأَوَّلِ ثَمَرَ أَشْجارٍ نَضيرةٍ وسَعَفَ نَخْلٍ وأَغصانَ أَشْجارٍ كَثيفةٍ وصَفْصافٍ نَهرِيّ، وٱفرَحوا أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكم سَبعةَ أَيَّام. وعَيِّدوه عيدًا لِلرَّبِّ سَبعَةَ أَيِّامٍ في السَّنَة: فَرضيةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجْيالِكم. في الشَّهرِ السَّابِعِ تُعَيِّدون: تُقيمونَ في الأَكْواخِ سَبعَةَ أَيَّام. فلْيُقِمْ في الأَكْواخِ كُلُّ ٱبنِ البَلَدِ في إِسْرائيل، لِكَي تَعلَمَ أَجْيالُكم أَنِّي في الأَكواخِ أَسكَنتُ بَني إِسْرائيلَ، حينَ أَخرَجتُهم مِن أَرضِ مِصْر: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم». فخاطَبَ موسى بَني إِسْرائيلَ بِمَواسِمِ الرَّبّ. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ بَني إِسْرائيلَ أَن يأتوكَ بِزَيتِ زَيتونٍ صافٍ مَدقوقٍ لِلمَنارة، لِيوقَدَ بِه السِّراجُ دائمًا. في خارِجِ حِجابِ الشَّهادة، في خَيمةِ المَوعِد، يُعِدُّه هارونُ مِنَ المَساءِ إِلى الصَّباحِ أَمامَ الرَّبّ: فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجْيالِكم. على المَنارةِ الطَّاهِرةِ يُعِدُّ السُّرُجَ أَمامَ الرَّبِّ دائِمًا. وخُذْ سَميذًا وٱخبِزْه ٱثنَي عَشَرَ رَغيفًا، يَكونُ كُلُّ رَغيفٍ عُشرَين. وٱجعَلْها صَفَّين، كُلُّ صَفٍّ مُنَضَّدةٌ على المائِدَةِ الطَّاهِرَةِ أَمامَ الرَّبّ. وضَعْ على كُلِّ صَفٍّ بَخورًا خالِصًا، فيَكونُ لِلخُبزِ تَذْكارًا، ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ. في كُلِّ يَومِ سَبْت، تُصَفُّ أَرغِفَةُ السَّميذِ أَمامَ الرَّبِّ دائِمًا، وهي مِن عِندِ بَني إِسْرائيل: عَهدٌ أَبَدِيّ. فتَكونُ لِهارونَ وبَنيه، يأكُلونَها في مَوضِعٍ مُقَدَّس، لأَنَّها قُدْسُ أَقْداسٍ لَه مِن الذَّبائِحِ بِالنَّارِ لِلرَّبّ: فَريضَةٌ أَبَدِيَّة». وخَرَجَ ٱبنُ ٱمرَأَةٍ إسْرائيليَّة، وهو ٱبنُ رَجُلٍ مِصرِيّ، فيما بَينَ بَني إِسْرائيل، وتَخاصَمَ في المُخَيَّمِ ٱبنُ الإسْرائيليَّةِ هٰذا مع رَجُلٍ إِسْرائيليّ. وجَدَّفَ ٱبنُ الإِسْرائيلِيَّةِ على الاسْمِ ولَعَنَه، فقادوه إِلى موسى (وكان ٱسمُ أُمِّه شَلوميت، بِنتَ ديبَري مِن سِبْطِ دان). فوضَعوه تَحتَ الحِراسة، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَمرُ الرَّبّ. فكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «أَخرِجِ اللاَّعِنَ إِلى خارِجِ المُخَيَّم، ولْيَضَعْ كُلُّ مَن سَمِعَه أَيدِيَهم على رأسِه، ولْتَرجُمْه كُلُّ الجَماعة. وكَلِّم بَني إِسْرائيلَ قائلًا: أَيُّ رَجُلٍ لَعَنَ إِلٰهَه يَحمِلُ خَطيئَته. ومَن جَدَّفَ على ٱسمِ الرَّبّ، فلْيُقتَلْ قَتْلًا: تَرجُمُه كُلُّ الجَماعةِ رَجْمًا، نَزيلًا كانَ أَوِ ٱبنَ البَلَد. إِذا جَدَّفَ على الاِسمِ يُقتَل. ومَن قَتَلَ إِنسانًا يُقتَلُ قَتْلًا. ومَن قَتَلَ بَهيمةً فلْيُعَوِّضْ مِثْلَها، نَفْسًا بَدَلَ نَفْس. وأَيُّ رَجُلٍ أَحدَثَ عَيبًا في قَريبَه، فلْيُصْنَعْ بِه كما صَنَع: الكَسْرُ بِالكَسْر والعَينُ بِالعَين والسِّنُّ بِالسِّنّ، كالعَيبِ الَّذي يُحدِثُه في الإِنْسان يُحدَثُ فيه. مَن قَتَلَ بَهيمةً يُعَوِّضُها، ومَن قَتَلَ إِنْسانًا يُقتَل. حُكْمٌ واحِدٌ يَكونُ لَكم لِلنَّزيلِ ولِٱبْنِ البَلَد: إِنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم». فكَلَّمَ موسى بَني إِسْرائيل، فأَخرَجوا اللاَّعِنَ إِلى خارِجِ المُخَيَّم، ورَجَموه بالحِجارة، وعَمِلَ بَنو إِسْرائيلَ كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وَخاطَبَ الرَّبُّ موسى في جَبَلِ سيناءَ قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِذا دَخَلتُمُ الأَرضَ الَّتي أَنا مُعطيكُم إِيَّاها، فلْتَستَرِحِ الأَرضُ سَبْتًا لِلرَّبّ. سِتَّ سِنينَ تَزرَعُ حَقلَكَ، وسِتَّ سِنينَ تَقضِبُ كَرْمَكَ، وتَجمَعُ غِلالَهما، وفي السَّنَةِ السَّابِعة، يَكونُ لِلأَرضِ سَبْتُ راحة، سَبْتٌ لِلرَّبّ، فلا تَزرَعْ حَقلَكَ ولا تَقْضِبْ كَرمَكَ، وخِلفَةَ حَصيدِكِ لا تَحصِدْ، وعِنَبَ كَرمِكَ غَيرِ المَقضوبِ لا تَقطِفْ، لأَنَّها سَنةُ راحةٍ لِلأَرض. ولْيَكُنْ سَبتُ الأَرضِ طَعامًا لَكَ ولِخادِمِكَ وخادِمَتِكَ وأَجيرِكَ وضَيفِكَ المُقيمينَ معَكَ، وتَكونُ جَميعُ غَلاَّتِها طَعامًا لِبَهائِمِكَ ولِلوُحوشِ الَّتي في أَرضِكَ. وٱحسُبْ لَكَ سَبعَةَ أَسابيعَ مِنَ السِّنين، أي سَبعَ مَرَّاتٍ سَبْعَ سِنين، فتَكونُ لَكَ أَيَّامُ أَسابيعِ السِّنينَ السَّبعةِ تِسعًا وأَربَعينَ سَنَة. وٱنفُخْ في بُوقِ الهُتافِ في اليَومِ العاشِرِ مِنَ الشَّهرِ السَّابِع، في يَومِ التَّكْفيرِ تَنفُخونَ في البوقِ في أَرضِكم كُلِّها. وقَدِّسوا سَنةَ الخَمْسين ونادوا بإِعْتاقٍ في الأَرضِ لِجَميعِ أَهْلِها، فتَكونَ لَكم يوبيلًا، فتَرجِعوا كُلُّ واحِدٍ إِلى مِلكِه وتَعودوا كُلُّ واحِدٍ إِلى عَشيرَتِه. سَنَةُ الخَمْسينَ تَكونُ لَكم يُوبيلًا، فلا تَزرَعوا فيها ولا تَحصِدوا خِلفَةَ زَرعِكم ولا تَقطِفوا ثَمَرَ كَرمِكم غَيرِ المَقْضوب. إِنَّها يوبيل، فتَكونُ لَكم مُقَدَّسة، ومِن غِلالِ الحُقولِ تأكُلون. وفي سَنةِ اليوبيلِ هٰذه تَرجِعونَ كُلُّ واحِدٍ إِلى مِلكِه. إِذا بِعْتُم لأَقرِبائِكم أَوِ ٱشتَرَيتُم مِنهم، فلا يَظلِمِ الواحِدُ مِنكُم أَخاه. بِحَسَبِ عَدَدِ السِّنينَ مِن بَعدِ سَنةِ اليوبيلِ تَشتَري مِن قَريبِكَ، وبِحَسَبِ سِني الغَلَّةِ يَبيعُكَ. بِحَسَبِ كَثرَةِ السِّنينَ تُكَثِّرُ له الثَمَن وبِحَسَبِ قِلَّتِها تُقَلِّلُه، لأَنَّه إِنَّما يَبيعُك عَدَدًا مِنَ الغِلال. فلا يَظْلِمْ أَحَدُكم قَريبَه، بلِ ٱتَّقِ إِلٰهَكَ: إِنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. فٱعمَلوا بِفَرائِضي وأَحْكامي وٱحفَظوها، تُقيموا بِالأَرضِ آمِنين وتُخرِجِ الأَرضُ ثَمَرَها، فتأكُلونَه شِبَعَكم وتُقيمونَ بِها آمِنين. فإِن قُلتُم: ماذا نأكُلُ في السَّنةِ السَّابِعَة، إِن لم نَزرَعْ ولَم نَجمَعْ غِلالَنا؟ فإِنِّي أَمَرتُ بِبَرَكَتي لَكم في السَّنةِ السَّادِسَة، فتُغِلُّ لِثَلاثِ سِنين. فتَزرَعونَ في السَّنةِ الثَّامِنَة وتأكُلونَ مِنَ الغَلَّةِ القَديمةِ إِلى السَّنةِ التَّاسِعة، إِلى مَجيءِ غَلَّتِها تأكُلونَ مِنَ الغَلَّةِ القَديمة. وأَمَّا الأَرض، فلا تُبَعْ بَتاتًا لأَنَّها لِيَ الأَرض، وإِنَّما أَنتُم نُزَلاءُ وضُيوفٌ عِندي. وفي كُلِّ الأَرضِ التي تملِكونَها تَجعَلونَ لِلأَرضِ فِكاكًا. إِذا ٱفتَقَرَ أَخوكَ فباعَ شَيئًا مِن مِلكِه، فلْيَأتِ الفاكُّ الأَقرَبُ إِلَيه ويَفُكَّ بَيعَ أَخيه. وأَيُّ رَجُلٍ لم يَكُنْ لَه فاكٌّ فإِن وَجَدَ ما يَلزَمُ لِلقِيامِ بِالفَكّ، فلْيَحسُبْ سِني بَيعِه ويَرُدَّ الفاضِلَ إِلى الرَّجُلِ الَّذي باعَه ويَرجِعْ إِلى مِلكِه. وإِن لم يَجِدْ ما يَلزَمُ لِلرَّدِّ إِلَيه، فلْيَبقَ ما باعَه في يَدِ مُشْتَريهِ إِلى سَنَةِ اليوبيل، وفي اليوبيلِ يَخرُجُ ويَرجِعُ إِلى مِلكِه. وأَيُّ رَجُلٍ باعَ بَيتَ سَكَنٍ في مَدينةٍ لَها سُور، فله أن يَفُكَّه إِلى ٱنقِضاءِ سَنةٍ مِن يَومِ بَيعِه: سَنةً يَكونُ أَجَلُ الفِكاك. وإِن لم يَفُكَّه قَبلَ ٱكتِمالِ سَنة، فقَد أَصبَحَ البَيتُ الَّذي في المَدينةِ ذاتِ السُّورِ مِلْكًا باتًّا لِمُشْتَريه مَدى أَجْيالِه، ولا يَخرُجُ مِنه في سَنةِ اليوبيل. وأَمَّا بُيوتُ القُرى الَّتي لَيسَ لَها سُورٌ يُحيطُ بِها، فمِثْلَ حُقولِ الأَرضِ تُحسَب، فيَكونُ لَها فِكاكٌ ويُخرَجُ مِنها في اليوبيل. وأَمَّا مُدُنُ اللاَّوِيِّينَ وبُيوتُ مُدُنِ مِلْكِهم، فلِلاَّوِيِّينَ أَن يَفُكُّوها أَبَدًا. وإذا كانَ الفاكُّ مِنَ اللاَّوِيِّينَ ولم يَفُكَّ بَيتَه الَّذي بيعَ في مَدينةِ مِلْكِه، يُفَكُّ بَيتُه في سَنَةِ اليوبيل، لأَنَّ بُيوتَ مُدُنِهِم هي مِلْكٌ لَهم فيما بَينَ بَني إِسْرائيل. وأَمَّا مَراعي مُدُنِهم فلا تُباع، لأَنَّها مِلْكٌ لَهم مُؤَبَّد. وإِذا ٱفتَقَرَ أَخوكَ وقَصُرَت يَدُه عِندَكَ، فٱسنُدْه ولْيَعِشْ مَعَكَ كَنَزيلٍ وضَيف. لا تأخُذْ مِنه فائدةً ولا رِبًى، بلِ ٱتَّقِ إِلٰهَكَ فيَعيشَ أَخوكَ مَعَكَ. لا تُعطِه فِضَّتَكَ بِفائدة ولا طَعامَكَ بِرِبًى: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكُمُ الَّذي أَخرَجَكم مِن أَرضِ مِصرَ لأُعطِيَكم أَرضَ كَنْعان وأَكونَ لَكم إِلٰهًا. وإِذا ٱفتَقَرَ أَخوكَ مَعَكَ فباعَكَ نَفسَه، فلا تَسْتَخْدِمْه خِدمَةَ العَبيد، بل كأَجيرٍ وضَيفٍ يَكونُ معكَ. إِلى سَنةِ اليوبيلِ يَخدُمُ عِندَكَ. ثُمَّ يَخرُجُ مِن عِندِكَ هو وبَنوه معَه ويَرجِعُ إِلى عَشيرَتِه، وإِلى مِلْكِ آبائِه يَعود، لأَنَّهم عبيدي، هُمُ اللَّذينَ أَخرَجتُهم مِن أَرضِ مِصرَ، فلا يُباعوا بَيعَ العَبيد. لا تَتَسَلَّطْ علَيه، بِقَساوة، بلِ ٱتَّقِ إِلٰهَكَ. وعَبيدُكَ وإِماؤُكَ الَّذينَ يَكونونَ لَكَ، فمِنَ الأُمَمِ الَّتي حَوالَيكم تَقتَنونَ العَبيدَ والإِماء. وأَيضًا مِن أَبناءِ الضُّيوفِ المُقيمينَ معَكم تَقتَنون ومِن عَشائِرِهِمِ الَّذينَ عِندَكم، أُولٰئكَ المَولودينَ في أَرضِكم، فهُم يَكونونَ لَكم مِلْكًا. وتُوَرِّثونَهم لِبَنيكم مِن بَعدِكم إِرثَ مِلْكٍ، وتَستَخدِمونَهم لِلأَبَد. وأَمَّا إِخوَتُكم بَنو إِسْرائيل، فلا يَتَسَلَّطْ أَحَدُهم على أَخيه بِقَساوة. وإِذا ٱغتَنَى نَزيلٌ أَو ضَيفٌ كان مَعَكَ، وٱفتَقَرَ أَخوكَ معَه فباعَ نَفْسَه لِنَزيلٍ أَو ضَيفٍ كانَ معَكَ، أَو لِنَسْلِ عَشيرةِ النَّزيل، فبَعدَ أَن يكونَ قد باع نَفْسَه، يَكونُ لَه فِكاك: واحِدٌ مِن إِخوَتِه يَفُكُّه، إِمَّا عَمُّه أَوِ ٱبنُ عَمِّه أَو غَيرُهما مِن ذَوي قَرابَتِه من عَشيرَتِه، أَو يَفُكُّ هو نَفْسَه، إِن وَجَدَ ما يَلزَمُه. فيُحاسِبُ مُشتَرِيَه مُنذُ سَنةِ بَيعِه إِلى سَنَةِ اليوبيل، فيُسقِطُ مِن فِضَّةِ بَيعِه على حَسَبِ عَدَدِ السِّنين، كأَيَّامِ أَجيرٍ عِندَه. فإِن بَقِيَ مِنَ السِّنينَ كثيرٌ، فعَلى حَسَبِها يَرُدُّ فِكاكَه مِن ثَمَنِ شِرائِه. وإِن بَقِيَ مِنها قَليلٌ إِلى سَنَةِ اليوبيل، فلْيُحاسِبْه وعلى حَسَبِ سِنيه يَرُدُّ فِكاكَه. كأَجيرٍ سَنَوِيٍّ يَكونُ عِندَه، ولا يَتَسَلَّطْ علَيه بِقَساوةٍ أَمامَكَ. وإِن لم يُفَكَّ بِإِحْدى هٰذه، يَخرُجُ في سَنةِ اليوبيل، هو وبَنوه معَه، لأَنَّ بَني إِسْرائيلَ عَبيدٌ لي، إِنَّهم عَبيدِيَ الَّذينَ أَخرَجتُهم مِن أَرضِ مِصْر: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكُم. لا تَصنَعوا لَكم أَوثانًا، ولا تُقيموا تِمثالًا أَو نُصُبًا، ولا تَجعَلوا في أَرضِكُم حَجَرًا مَنحوتًا لِتَسجُدوا لَه، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. إِحفَظوا سُبوتي وهابوا مَقدِسي: أَنا الرَّبّ. إِن سِرتُم على فَرائِضي وحَفِظتُم وَصايايَ وعَمِلتُم، بِها، أَنزَلتُ أَمطارَكم في أَوانِها وأَخرَجَتِ الأَرضُ غِلالَها وأَخرَجَ شَجَرُ الحَقْلِ ثَمَرَه، وٱتَّصَلَ الدِّراسُ بِالقِطافِ وٱتَّصَلَ القِطافُ بِالزَّرْع، وأَكَلتُم طَعامَكم شِبَعًا وأَقَمتُم في أَرضِكم آمِنين، وأَلقَيتُ في الأَرضِ السَّلام، فتَرقُدونَ ولَيسَ مُزعِج، وأَزَلتُ الوُحوشَ الضَّارِيةَ مِنَ الأَرضِ فلا يَمُرُّ سَيفٌ في أَرضِكم، وتُطارِدونَ أَعْداءَكم فيَسقُطونَ أَمامَكم بِالسَّيف، فيُطارِدُ الخَمسَةُ مِنكم مِئةً ويُطارِدُ المِئةُ مِنكم رِبوَةً ويَسقُطُ أَعْداؤُكم أَمامَكم بِالسَّيف، وأَلتَفِتُ إِلَيكم وأُنميكُم وأُكَثِّرُكم وأُثَبِّتُ عَهْدي معَكم، وتأكُلونَ الغَلَّةَ القَديمةَ المُعتَّقَةَ وتُخرِجونَ القَديمةَ في وَجهِ الجَديدة، وأَجعَلُ مَسكِني في وَسْطِكم ولا تَسأَمُ نَفْسي مِنكم، وأَسيرُ في وَسْطِكم وأَكونُ لَكم إِلٰهًا وأَنتُم تَكونونَ لي شَعْبًا: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكُمُ الَّذي أَخرَجَكم مِن أَرضِ مِصرَ لِكَيلا تَكونوا عَبيدًا لَهم، وحَطَّمَ قُضْبانَ نيركِم وجَعَلكم تَمْشونَ مَرْفوعي الرُّؤُوس. وإِن لم تَسمَعوا لي ولم تَعمَلوا بِجَميعِ هٰذه الوَصايا، ونَبَذتُم فَرائِضي وسَئِمَت نُفوسُكم مِن أَحْكامي، فلَم تَعمَلوا بِجَميعِ وَصايايَ ونَقَضتُم عَهْدي، فهٰذا ما أَصنَعُ بِكم أَنا أَيضًا: أُسَلِّطُ علَيكم رُعْبًا وضَنًى وحُمَّى تُفْني العَينَينِ وتُرهِقُ النَّفَس، وتَزرَعونَ زَرعَكم باطِلًا فيأكُلُه أَعْداؤُكم. وأَنقَلِبُ علَيكم فتَنهَزِمونَ مِن وُجوهِ أَعْدائِكم، ويَتَسَلَّطُ علَيكم مُبغِضوكم، وتَفِرُّونَ ولَيسَ مِن مُطارِدٍ لَكم. وإِن لم تَسمَعوا لي بَعدَ هٰذا زِدتُكم تأديبًا على خَطاياكم سَبعَةَ أَضْعاف. فأُحَطِّمُ تَشامُخَ عِزِّكم وأَجعَلُ سَماءَكم كالحَديد وأَرضَكم كالنُّحاس. وتَنفُدُ قُوَّتُكم عَبَثًا، ولا تُخرِجُ أَرضُكم غَلَّتها، وشَجَرُ الأَرضِ لا يُخرِجُ ثَمَرَه. وإِن عادَيتُموني في سَيرِكم معي وأَبَيتُم أَن تَسمَعوا لي، زِدتُكم سَبعَةَ أَضْعافٍ مِنَ الضَّرَباتِ على خَطاياكم، وأَطلَقتُ علَيكم وَحشَ البَرِّيَّة، فتُثْكِلُكم وتُهلِكُ بَهائِمَكم وتُقَلِّلُكم، فتُقفِرُ طُرُقُكم. وإِن لم تَتَأَدَّبوا بِهٰذه وعادَيتُموني في سَيرِكم معي، عادَيتُكم أَنا أَيضًا في سَيري مَعَكم وضَرَبتُكم سَبعَةَ أَضْعافٍ على خَطاياكم، فجَلَبتُ علَيكم سَيفًا يَنتَقِمُ ٱنتِقامَ العَهْدِ، فتَتَجَمَّعونَ إِلى مُدُنِكم، وأَنزَلتُ الوَباءَ فيما بَينَكم فتُسلَمونَ إِلى يَدِ العَدُوّ. وإِذا قَطَعتُ عنكم سَنَدَ الخُبْز، تَخبِزُ عَشْرُ نِساءٍ الخُبزَ في تَنُّورٍ واحِد ويَأتينَ بخُبزِكم بِالميزان، وتأكُلونَ ولا تَشبَعون. وإِن لم تَسمَعوا لي بَعدَ ذٰلك وعَادَيتُموني في سَيرِكم معي، عادَيتُكم أَنا أَيضًا في سَيري معكم ساخِطًا وأَدَّبتُكم سَبعَةَ أَضْعافٍ على خَطاياكُم. فتأكُلونَ لَحْمَ بَنيكم وتأكُلونَ لَحْمَ بَناتِكم. وأَدُكُّ مَشارِفَكم وأُحَطِّمُ مَذابِحَ بَخورِكم وأُلْقي جُثَثَكم على جُثَثِ أَوثانِكُمُ القَذِرَة وتَسأَمُ نَفْسي مِنكم. وأَجعَلُ مُدُنَكم خَرابًا ومَقادِسَكم قَفْرًا، ولا أَشتَمُّ رائِحةَ رِضًى مِنكم. وأَترُكُ الأَرضَ قَفْرًا، فيَنذَهِلُ لَها أَعْداؤُكمُ الَّذينَ يَسكُنونَها. وأُبَدِّدُكم فيما بَينَ الأُمَم، وأَستَلُّ وَراءَكم سيفًا فتَصيرُ أَرضُكم قَفْرًا ومُدُنُكم خَرابًا. حينَئذٍ تَستَوفي الأَرضُ سُبوتَها طَوالَ أَيَّامِ دَمارِها وأَنتُم في أَرضِ أَعْدائِكم، حينئِذٍ تَستَريحُ الأَرضُ وتَستَوفي سُبوتَها. طَوالَ أَيَّامِ دَمارِها تَستَريحُ ما لم تَستَرِحْ في سُبوتِكم مُدَّةَ إِقامَتِكم فيها. والباقونَ مِنكم أُلْقي الجُبْنَ في قُلوبِهم في أَراضي أَعْدائِهم، حتَّى يَهزِمَهم صَوتُ وَرَقَةٍ مُتَطايِرَة، فيَهرُبونَ هَرَبَهم مِنَ السَّيف ويَسقُطونَ ولَيسَ مِن مُطارِد. ويَعثُرُ الرَّجُلُ بِأَخيه كَمَن يَهرُبُ مِن أَمامِ السَّيفِ ولَيسَ مِن مُطارِد، ولا تَكونُ لَكم مُقاوَمةٌ في وُجوهِ أَعْدائِكم. وتَهلِكونَ بَينَ الأُمَم وتأكُلُكم أَرضُ أَعْدائِكم. والباقونَ مِنكم يَتَعَفَّنونَ بِإِثمِهم في أَراضي أَعْدائِكم، وبآثامِ آبائِهم معهم أَيضًا يَتَعفَّنون، حتَّى يَعتَرِفوا بِإِثمِهم وبِإِثْمِ آبائِهم في خِيانَتِهم لي وأَيضًا في مُعاداتِهم لي في سَيرِهم معي. لِذٰلك أَنا أَيضًا أُعاديهِم في سَيري معَهم وأُدخِلُهم أَرضَ أَعدائِهم، وتَتَذَلَّلُ قُلوبُهُم القُلْفُ ويَفونَ عِندَئِذٍ عن إِثمِهم. فأَذكُرُ عَهْدي مع يَعْقوبَ وعَهْدي مع إِسحٰقَ أَيضًا وأَذكُرُ عَهْدي مع إِبْراهيمَ أَيضًا، وأَذكُرُ الأَرْض، وقَد أُخلِيَت مِنهم وٱستَوفَت سُبوتَها في إِقفارِها مِنهم، ووَفَوا هُم عن إِثمِهم، لأَنَّهم نَبَذوا أَحْكامي وسَئِمَت نُفوسُهم من فَرائضي. ومع ذٰلك أَيضًا، فإِذا كانوا في أَرضِ أَعْدائِهم، لا أَنبُذُهم ولا أَسأَمُ مِنهم، بِحَيثُ أُفْنيهم وأَنقُضُ عَهْدي معهم، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُهم، بل أَذكُرُ لَهم عَهْدَ الأَوَّلينَ الَّذينَ أَخرَجتُهم مِن أَرضِ مِصرَ على عيونِ الأُمَم، لأَكونَ لَهم إِلٰهًا أَنا الرَّبّ». هٰذه هي الفَرائِضُ والأَحكامُ والشَّرائِعُ الَّتي جَعَلَها الرَّبُّ بَينَه وبَينَ بَني إِسْرائيلَ في جَبلِ سيناءَ على لِسانِ موسى. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خاطِبْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: أَيُّ رَجُلٍ وَفى نَذرًا، فعلى حَسَبِ تَقْييمِكَ لِلنُّفوسِ المَنذورةِ لِلرَّبّ. فيَكونُ تَقْييمُكَ لِلذَّكَر مِنِ ٱبنِ عِشرينَ سَنةً إِلى ٱبنِ سِتِّينَ سَنةً خَمْسينَ مِثْقالَ فِضَّةٍ بِمِثْقالِ القُدْس. وإِن كانَت أُنْثى فيَكونُ تَقْييمُكَ لَها ثَلاثينَ مِثْقالًا. وإِن كانَ ٱبنَ خَمْسِ سَنَواتٍ إِلى عِشْرينَ سَنةً، فيَكونُ تَقْييمُكَ لِلذَّكَرِ عِشْرينَ مِثْقالًا ولِلأُنْثى عَشْرَةَ مَثاقيل. وإِن كانَ مِنِ ٱبنِ شَهرٍ إِلى ٱبنِ خَمْسِ سِنين، فيَكونُ تَقْييمُكَ لِلذَّكَرِ خَمسَةَ مَثاقيلِ فِضَّة ولِلأُنْثى ثَلاثةَ مَثاقيلِ فِضَّة. وإِن كانَ مِن ٱبنِ سِتِّينَ سَنةً فصاعِدًا، فيَكونُ تَقْييمُكَ لِلذَّكَرِ خَمسَةَ عَشَرَ مِثْقالًا ولِلأُنْثى عَشْرَةَ مَثاقيل. فإِن قَصُرَت يَدُ النَّاذِرِ عنِ القيمة، يُقامُ أَمامَ الكاهِن، قيُقَيِّمُه الكاهِنُ، يُقَيِّمُه على حَسَبِ ما في يَدِه. وإِن كانَ بَهيمةً مِمَّا يُقَرَّبُ لِلرَّبِّ قُربانًا، فكُلُّ ما يُعْطى مِن ذٰلك لِلرَّبّ يَكونُ قُدْسًا. لا يُغَيَّر ولا يُبدَلُ، لا جَيِّدٌ بِرَديءٍ ولا رَديءٌ بِجَيِّد. فإِن أُبدِلَت بَهيمةٌ بِبَهيمة، تَكونُ هي وما أُبدِلَت بِه قُدْسًا. وإِن كانَت بَهيمةً نَجِسةً مِمَّا لا يقَرَّبُ لِلرَّبِّ قُربانًا، تُقامُ البَهيمةُ أَمامَ الكاهِن، فيُقَيِّمُها الكاهِنُ على جودَتِها أَو رَداءَتِها، وكَما يُقَيِّمُها الكاهِنُ تَكون. وإِن طُلِبَ فَكُّها، فلْيُزَدْ على التَّقْييمِ خُمْسُه. وأَيُّ رَجُلٍ قَدَّسَ بَيتَه قُدْسًا لِلرَّبّ، فلْيُقَيِّمْه الكاهِنُ على جَودَتِه أَو رَداءَتِه، وكَما يُقَيِّمُه الكاهِنُ يَكون. فإِن طَلَبَ المُقَدِّسُ فَكَّ بَيتِه، فلْيَزِدْ على التَقْييمِ خُمْسَ فِضَّتِه، ويَكونُ له. وإِن قَدَّسَ رَجُلٌ شَيئًا مِن حَقْلِ مِلكِه لِلرَّبّ، فلْيَكُنْ تَقْييمُكَ على قَدْرِ بَذْرِه، كُلُّ حُمَرِ بَذْرٍ مِنَ الشَّعيرِ بِخَمسينَ مِثْقالَ فِضَّة. فإِن قَدَّسَ حَقْلَه مِن سَنةِ اليوبيل، فكَما تُقَيِّمُه يَكون. وإِن قَدَّسَه بَعدَ سَنةِ اليوبيل، فَلْيَحسُبْ لَه الكاهِنُ الفِضَّةَ على قَدْرِ السِّنينَ الباقِيةِ إِلى سَنةِ اليوبيل، ويُحْسَمْ لَه مِن تَقْييمِكَ. وإِن طَلَبَ المُقَدِّسُ فَكَّ الحَقْل، فلْيَزِدْ على تَقْييمِكَ خُمْسَ فِضَّتِه، ويكونُ لَه. وإِن لم يَفُكَّه فباعَه لِرَجُلٍ آخَر، فلا يُفَكُّ بَعدَ ذٰلك، ويَكونُ الحَقلُ، عِندَ خرُوجِه في اليوبيل، قُدْسًا لِلرَّبِّ كالحَقْلِ الحَرام، ويَصيرُ مِلْكُه لِلكاهِن. وإِن قَدَّسَ لِلرَّبِّ حَقْلًا ٱشتَراه ولم يَكُنْ مِن حُقولِ مِلْكِه، فلْيَحسُبْ لَه الكاهِنُ مِقْدارَ تَقْييمِكَ إِلى سَنةِ اليوبيل، فيَدفَعُها في ذٰلك اليَومِ قُدْسًا لِلرَّبِّ. وفي سَنةِ اليوبيل، يَرجِعُ الحَقْلُ إِلى البائِعِ الَّذي لَه مِلكُ الأَرض. ولْيَكُنْ تَقْييمُكَ كُلُّه بِمِثقالِ القُدْس، كُلُّ مِثْقالٍ عِشْرونَ دانَقًا. وأَمَّا البِكْرُ مِنَ البَهائِم، وهو مِن حَقِّ الرَّبّ، فلا يُقَدِّسْه أَحد، سَواءٌ أَكانَ مِنَ البَقَرِ أَم مِنَ الغَنَم، فهو لِلرَّبّ. وإِن كانَ مِنَ البَهائِمِ النَّجِسة، فلْيُفْدَ على حَسَبِ تَقْييمِكَ ويُزَدْ علَيه خُمْسُه. وإِن لم يُفَكَّ، فلْيُبَعْ على حَسَبِ تَقْييمِكَ. وكُلُّ ما يُحَرِّمُه الرَّجُلُ لِلرَّبِّ مِن كُلِّ ما لَه مِن بَشَرٍ أَو بَهائِمَ أَو مِن حُقولِ مِلكِه، فلا يُباعُ ولا يُفَكّ. كُلُّ حَرامٍ هو قُدْسُ أَقْداسٍ لِلرَّبّ. كُلُّ حَرامٍ يُحَرَّمُ مِنَ البَشَر لا يُفْدى، بل يُقتَلُ قَتْلًا. وجَميعُ أَعْشارِ الأَرضِ، مِن حَبِّها ومِن ثَمَرِ الشَّجَر، هي لِلرَّبّ وهي قُدْسٌ لِلرَّبّ. فإِن طَلَبَ رَجُلٌ فَكَّ شَيءٍ مِن أَعْشارِه، فلْيَزِدْ علَيه خُمْسَه. وأَمَّا جَميعُ أَعْشارِ البَقَرِ والغَنَم، أَي أَعْشارُ كُلِّ ما يَجوزُ منها تَحتَ العَصا، فتَكونُ قُدْسًا، لِلرَّبّ. لا يُفْحَصْ أَجَيِّدٌ هو أَم رَديء، ولا يُبدَلْ، فإِن أُبدِلَ يَكونُ هو وما أُبدِلَ بِه قُدْسًا لِلرَّبِّ لا يُفَكّ». هٰذه هي الوَصايا الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ موسى بِها لِبَني إِسْرائيلَ في جَبَلِ سيناء. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى في بَرِّيَّةِ سيناءَ في خَيمةِ المَوعِد، في اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ الثَّاني مِنَ السَّنةِ الثَّانِيَةِ لِخُروجِهم مِن مِصرَ، قائلًا: «أَحْصوا كُلَّ جَماعةِ بَني إِسْرائيلَ بِعَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم، بِعَدِّ أَسْماءِ الذُّكورِ رأسًا رأسًا. مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَربِ في إِسْرائيل، تُحْصيهم أَنتَ وهارونُ بِحَسَبِ جُيوشِهم. ولْيَكُنْ معَكُما مِن كُلِّ سِبْطٍ رَجُلٌ، وذٰلك الرَّجُلُ يَكونُ رَبَّ بَيتِ آبائِه. وهٰذه أَسْماءُ الرِّجالِ الَّذينَ يَقِفونَ معَكُما: مِن رأُوبين أَليصورُ بنُ شَدَيؤُور، ومِن شِمْعون شَلوميئيلُ بنُ صوريشَدَّاي، ومِن يَهوذا نَحْشونُ بنُ عَمِّيناداب، ومِن يَسَّاكَر نَثَنائيلُ ٱبنُ صُوعر، ومِن زَبولون أَليآبُ بنُ حِيلون، ومِن بَني يوسُف: مِن أَفْرائيم أَليشاماعُ بنُ عَمِّيهود، ومِن مَنَسَّى جَمْليئيلُ بنُ فَدَهْصور، ومِن بَنْيامين أَبيدانُ بنُ جِدْعونيّ، ومِن دان أَحيعازَرُ عَمِّيشَدَّاي، ومِن أَشير فَجْعيئيلُ بنُ عُكْران، ومِن جاد أَلياسافُ بنُ دَعوئيل، ومِن نَفْتالي أَحيرَعُ بنُ عَينان. أُولٰئكَ أَعْيانُ الجَماعة وزُعمَاءُ أَسْباطِ آبائِهِم ورُؤَساءُ أُلوفِ إِسْرائيل». فأَخَذَ موسى وهارونُ هٰؤُلاءِ الرِّجالَ الَّذينَ عُيِّنوا بِأَسْمائِهم، وجَمَعا الجَماعَةَ كُلَّها في اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ الثَّاني، فٱنتَسَبوا إِلى عَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم بِعَدِّ الأَسماء، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فَصاعدًا رأسًا رأسًا. فأَحْصاهم موسى في بَرِّيَّةِ سيناء، كما أَمَرَه الرَّبّ. فأُحصِيَ بَنو رأُوبين، بِكْرِ إِسْرائيل، بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعشائِرِهِم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسْماءِ الذُّكورِ رأسًا رأسًا، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم في سِبْطِ رَأُوبين سِتَّةً وأَربَعينَ أَلْفًا وخَمْسَ مِئة. وأُحصِيَ بَنو شِمْعون بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسماءِ الذُّكورِ رأسًا رأسًا، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم في سِبْطِ شِمْعون تِسعَةً وخَمْسينَ أَلْفًا وثَلاثَ مِئَة. وأُحصِيَ بَنو جاد بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسْمائِهم، مِنِ ٱبنِ عِشرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم في سِبْطِ جاد خَمسةً وأَربَعينَ أَلْفًا وسِتَّ مِئَةٍ وخَمْسين. وأُحصِيَ بَنو يَهوذا بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسمائِهِم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنَةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم في سِبْطِ يَهوذا أَربعَةً وسَبعينَ أَلْفًا وسِتَّ مِئَة. وأُحصِيَ بَنو يَسَّاكَر بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسمائِهم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم في سِبْطِ يَسَّاكَر أَربَعةً وخَمْسينَ أَلفًا وأَربَعَ مِئَة. وأُحصِيَ بَنو زَبولون بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسْمائِهم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم في سِبْطِ زَبولونَ سَبعةً وخَمْسينَ أَلْفًا وأَربَعَ مِئَة. وأُحْصِيَ بَنو يوسُف: أُحصِيَ بَنو أَفْرائيمَ بِحَسَبِ سُلالَتِهم. وعَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسْمائِهم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكان عَدَدُهم في سِبْطِ إِفْرائيم أَربَعينَ أَلْفًا وخَمْسَ مِئَة. وأُحْصِيَ بَنو مَنَسَّى بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسمائِهم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم في سِبْطِ مَنَسَّى ٱثنَينِ وثَلاثينَ أَلْفًا ومِئَتَين. وأُحصِيَ بَنو بَنْيامين بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسْمائِهم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم في سِبْطِ بَنْيامين خَمْسَةً وثَلاثينَ أَلفًا وأَربَعَ مِئَة. وأُحصِيَ بَنو دان بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسْمائِهِم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم لِسِبْطِ دانَ ٱثنَينِ وسِتِّينَ أَلْفًا وسَبعَ مِئَة. وأُحصِيَ بَنو أَشير بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهِم وبِعَدِّ أَسْمائِهم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم في سِبْطِ أَشير واحِدًا وأَربَعينَ أَلْفًا وخَمْسَ مِئَة. وأُحصِيَ بَنَو نَفْتالي بِحَسَبِ سُلالَتِهم وعَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم وبِعَدِّ أَسْمائِهِم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنَةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْب. فكانَ عَدَدُهم في سِبْطِ نَفْتالي ثَلاثَةً وخَمْسينَ أَلْفًا وأَربَعَ مِئَة. هٰؤُلاءِ هُمُ المُحصَونَ الَّذينَ أَحْصاهم موسى وهارونُ وزُعماءُ إِسْرائيلَ وهُمُ ٱثْنا عَشَرَ رَجُلًا، لِكُلِّ بَيتٍ مِن بُيوتِ آبائِهم واحِد. وكانَ جَميعُ المُحصَينِ مِن بَني إِسرائِيلَ بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، كُلُّ مَن يَخرُجُ إِلى الحَرْبِ في إِسْرائيل، كانوا جَميعُهم سِتَّ مِئَةِ أَلفٍ وثَلاثةَ آلافٍ وخَمْسَ مِئَةٍ وخَمْسين. وأَمَّا اللاَّوِيُّون، فلم يُحصَوا مَعَهم بِحَسَبِ سِبْطِ آبائِهِم. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «أَمَّا سِبطُ لاوي، فلا تَعُدَّهم ولا تُحصِهم مع بَني إِسْرائيل. وأَنتَ فوَكَّلِ اللاَّويِّينَ بِمَسكِنِ الشَّهادةِ وجَميعِ أَمتِعَتِه وكُلِّ ما لَه، وهُم يَحمِلونَ المَسكِنَ وجَميعَ أَمتِعَتِه، وهُم يَخدِمونَه ويُخَيِّمونَ حَوالَيه. فإِذا رَحَلَ المَسكِن، فاللاَّوِيُّونَ يُفَكِّكونَه، وإِذا خَيَّمَ فهُم يَنصِبونَه، وأَيُّ أَحَدٍ غَيرُهم تَقَدَّمَ مِنه يُقتَل. ويُخَيِّمُ بنو إِسْرائيلَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم في مُخَيَّمِه وعِندَ رايَتِه بِحَسَبِ جُيوشِهم. واللاَّوِيُّونَ يُخَيِّمونَ حَوالَى مَسكِنِ الشَّهادة، لِكَيلا يَحِلَّ الغَضَبُ على جَماعةِ بَني إِسْرائيل، ويَقومُ اللاَّوِيُّونَ بِخِدمةِ مَسكِنِ الشَّهادة». فعَمِلَ بنو إِسْرائيلَ بِكُلِّ ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه موسى، هٰكذا عَمِلوا. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ قائلًا: «لِيُخَيِّمْ بَنو إِسْرائيلَ كُلٌّ عِنْدَ رايَتِه تَحتَ أَعْلامِ بُيوتِ آبائِهم، يُخَيِّمونَ تُجاهَ خَيمةِ المَوعِدِ مِن حَوالَيها. فتُخَيِّمُ في المَشرِقِ رايَةُ مُخَيَّمِ يَهوذا بِحَسَبِ جُيوشِهم، وزَعيمُ بَني يَهوذا نَحْشونُ بنُ عَمِّيناداب، وعَدَدُ جَيشِه أَربَعَةٌ وسَبْعونَ أَلْفًا وسِتُّ مِئَة. ويُخَيِّمُ إِلى جانِبِه سِبْطُ يَسَّاكَر، وزَعيمُ بَني يَسَّاكَر نَثَنائيلُ بنُ صُوعَر، وعَدَدُ جَيشِه أَربَعَةٌ وخَمْسونَ أَلْفًا وأَربَعُ مِئَة. ثُمَّ سِبْطُ زَبولون، وزَعيمُ بَني زَبولون أَليابُ بنُ حِيلون، وعَدَدُ جَيشِه سَبعَةٌ وخَمْسونَ أَلْفًا وأَربَعُ مِئَة. فكانَ مَجْموعُ مَعْدودي مُخَيَّمِ يَهوذا مِئَةَ أَلفٍ وثَمانينَ أَلفًا وسِتَّةَ آلافٍ وأَربَعَ مِئَةٍ بِحَسَبِ جُيوشِهِم، وهم يَرحَلونَ في الأَوَّل. وتُخَيَّمُ في الجَنوبِ رايَةُ مُخَيَّمِ رأُوبينَ بِحَسَبِ جُيوشِهم، وزَعيمُ بَني رأُوبين أَليصورُ ٱبْنُ شَدَيؤُور، وعَدَدُ جَيشِه سِتَّةٌ وأَربَعونَ أَلفًا وخَمْسُ مِئَة. ويُخَيِّمُ إِلى جانِبِه سِبْطُ شِمْعون، وزَعيمُ بَني شِمْعون شَلوميئيلُ بنُ صوريشَدَّاي، وعَدَدُ جَيشِه تِسعَةٌ وخَمْسونَ أَلفًا وثَلاثُ مِئَة. ثُمَّ سِبْطُ جاد، وزَعيمُ بَني جاد أَلْياسافُ بنُ رَعوئيل، وعَدَدُ جَيشِه خَمسَةٌ وأَربَعونَ أَلفًا وسِتُّ مِئَةٍ وخَمْسون. فكانَ مَجْموعُ مَعْدودي مُخَيَّمِ رأُوبين مِئَةَ أَلفٍ وواحِدًا وخَمْسينَ أَلفًا وأَربَعَ مِئَةٍ وخَمْسينَ بِحَسَبِ جُيوشِهم، وهُم يَرحَلونَ في الثَّاني. ثُمَّ تَرحَلُ خَيمةُ المَوعِدِ مَعَ مُخَيَّمِ اللاَّوِيِّينَ في وَسَطِ سائِرِ المُخَيَّمات. وكَما يُخَيِّمونَ يَكونُ رَحيلُهم، كُلٌّ في رُتبَتِه على حَسَبِ راياتِهم. وتُخَيِّمُ في الغَرْبِ رايَةُ مُخَيَّمِ أَفْرائيمَ بِحَسَبِ جُيوشِهم، وزَعيمُ بَني أَفرائيم أَليشاماعُ ٱبنُ عَمِّيهود، وعَدَدُ جَيشِه أَربَعونَ أَلفًا وخَمْسُ مِئَة. ويُخَيِّمُ إِلى جانِبِه سِبْطُ مَنَسَّى، وزَعيمُ بَني مَنَسَّى جَمْليئيلُ بنُ فَدَهْصور، وعَدَدُ جَيشِه ٱثْنانِ وثَلاثونَ أَلفًا ومِئَتان. ثُمَّ سِبْطُ بَنْيامين، وزَعيمُ بَني بَنْيامين أَبيدانُ بنُ جِدْعُونيّ، وعَدَدُ جَيشِه خَمسَةٌ وثَلاثونَ أَلفًا وأَربَعُ مِئَة. فكانَ مَجْموعُ مَعْدودي مُخَيَّمِ أَفْرائيم مِئَةَ أَلفٍ وثَمانِيَةَ آلافٍ ومِئَةً بِحَسَبِ جُيَوشِهم، وهم يَرحَلونَ في الثَّالث. وتُخَيِّمُ في الشَّمالِ رايَةُ مُخَيَّمِ دانَ بِحَسَبِ جُيوشِهم، وزَعيمُ بَني دان أَحيعازَرُ بنُ عَمِّيشَدَّاي، وعَدَدُ جَيشِه ٱثْنانِ وسِتُّونَ أَلْفًا وسَبعُ مِئَة. ويُخَيِّمُ إِلى جانِبِه سِبْطُ أَشير، وزَعيمُ بَني أَشيرَ فَجْعيئيلُ بنُ عُكْران، وعَدَدُ جَيشِه واحِدٌ وأَربَعونَ أَلفًا وخَمْسُ مِئَة. ثُمَّ سِبْطُ نَفْتالي، وزَعيمُ بَني نَفْتالي أَحيرَعُ بنُ عَينان، وعَدَدُ جَيشِه ثَلاثَةٌ وخَمْسونَ أَلفًا وأَربَعُ مِئَة. فكانَ مَجْموعُ مَعْدودي مُخَيَّمِ دان مِئَةً وسَبعةً وخَمْسينَ أَلفًا وسِتَّ مِئَة، وهم يَرحَلونَ في الآخِرِ على حَسَبِ راياتِهم. أُولٰئِكَ هُمُ المُحصَونَ مِن بَني إِسْرائيلَ بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم، فكانَ مَجْموعُ مُحْصَيِ المُخَيَّماتِ، بِحَسَبِ جُيوشِهم، سِتَّ مِئَةِ أَلفٍ وثَلاثَةَ آلافٍ وخَمْسَ مِئَةٍ وخَمْسين. وأَمَّا اللاَّوِيُّونَ، فلَم يُحصَوا مع بَني إِسْرائيل، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. فعَمِلَ بنو إِسْرائيلَ بِكُلِّ ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه موسى: هٰكذا خَيَّموا بِحَسَبِ راياتِهم، وهٰكذا رَحَلوا، كُلٌّ بِحَسَبِ عَشيرَتِه وبَيتِ آبائه. وهٰذه سُلالَةُ هارونَ وموسى، يَومَ كَلَّمَ الرَّبُّ موسى في جَبَلِ سيناء. هٰذه أَسماءُ بَني هارون: ناداب، وهو البِكْر، ثُمَّ أَبيهو وأَلِعازار وإِيثامار. تِلكَ أَسْماءُ بَني هارونَ الكَهَنةِ المَمْسوحينَ الَّذينَ كُرِّسوا لِيَكونوا كَهَنَة. وماتَ نادابُ وأَبيهو أَمامَ الرَّبّ، حينَ قَرَّبا نارًا غَيرَ مَشْروعةٍ أَمامَ الرَّبِّ في بَرِّيَّةِ سيناء، ولم يَكُنْ لَهما بَنون. وكانَ أَلِعازارُ وإِيثامارُ كاهِنَينِ بِحَضرةِ هارونَ أَبيهِما. فكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «قَدِّمْ سِبْطَ لاوي فأَقِمْهم أَمامَ هارونَ الكاهِن، فيَخْدِموه. ويَنوبونَ عنه وعنِ الجَماعةِ أَمامَ خَيمةِ المَوعِد ويَقومونَ بِخِدمَةِ المَسكِن. ويُحافِظونَ على جَميعِ أَمتِعةِ خَيمةِ المَوعِد ويَنوبونَ عن بَني إِسْرائيلَ بِالقِيامِ بِخِدمةِ المَسكِن. وسَلِّمِ اللاَّوِيِّينَ إِلى هارونَ وبَنيه: إِنَّهم مَوهوبون لَه هِبَةً مِن بَينِ بَني إِسْرائيل. وأَقِمْ هارونَ وبَنيه لِيُحافِظوا على كَهَنوتِهم، وأَيٌّ غَيرُهم تَقَدَّم، فلْيُقتَلْ». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِنِّي قد أَخَذتُ اللاَّوِيِّينَ مِن بَني إِسْرائيل بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ فاتِحِ رَحِمٍ مِن بَني إِسْرائيل، فيَكونَ اللاَّوِيُّونَ لي. لأَنَّ كُلَّ بِكْرٍ هو لي، لأَنَّه يَومَ ضَرَبتُ كُلَّ بِكْرٍ في أَرضِ مِصْر، قَدَّستُ لي كُلَّ بِكْرٍ في إِسْرائيل، مِنَ البَشَرِ والبَهائِم، إِنَّهم لي: أَنا الرَّبّ». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى في بَرِّيَّةِ سيناءَ قائلًا: «أَحْصِ بَني لاويَ بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم وعَشائِرِهم، كُلَّ ذَكَرٍ مِنِ ٱبنِ شَهرٍ فصاعِدًا تُحْصيهم». فأَحْصاهم موسى بِحَسَبِ قَولِ الرَّبّ، كَما أُمِر. هٰؤُلاءِ هم بَنو لاوي بِأَسْمائِهم: جِرْشون وقَهات ومَراري. وهٰذانِ هما ٱسْما ٱبنَي جِرْشونَ بِحَسَبِ عَشائِرِهما: لِبْني وشِمْعي. وبَنو قَهاتَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: عَمْرام ويِصْهار وحَبْرون وعُزِّيئيل. وٱبْنا مَرارِيَ بِحَسَبِ عَشائِرِهما: مَحْلي ومُوشي. تِلكَ هي عَشائِرُ اللاَّوِيِّينَ بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم. لِجِرْشونَ عَشيرةُ لِبْني وعَشيرةُ شِمْعي: هاتانِ هُما عَشيرَتا الجِرْشونِيِّين. والمُحصَونَ مِنهما، بِعَدِّ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ٱبنِ شَهرٍ فصاعِدًا، سَبعَةُ آلافٍ وخَمْسُ مِئَة. وعَشيرَتا جِرْشونَ تُخَيِّمانِ وَراءَ المَسكِنِ جِهَةَ الغَرْب. وزَعيمُ بَيتِ أَبي الجِرْشونِيِّين أَلْياسافُ بنُ لائيل. وما بَنو جِرْشونَ مَسؤُولونَ عنه في خَيمةِ المَوعِد هو مَسكِنُ الخَيمةِ وغِطاؤُها وسِتارُ بابِ خَيمةِ المَوعِد، وسَتائِرُ الفِناء وسِتارةُ بابِ الفِناءِ الَّذي حَولَ المَسكِنِ وحَولَ المَذبَح، والحِبالُ لِخِدمَتِه كُلِّها. ولِقَهاتَ عَشيرةُ العُمْرامِيِّين وعَشيرةُ اليَصْهارِيِّين وعَشيرةُ الحَبْرونِيِّين وعَشيرةُ العُزِّيئيلِيِّين: تِلكَ هي عَشائِرُ القَهاتِيِّين، فكانوا، بِعَدِّ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ٱبنِ شَهرٍ فَصاعِدًا، ثَمانِيَةَ آلافٍ وثَلاثَ مِئَةٍ، مَسؤُولينَ عَنِ القُدْس. وعَشائِرُ بَني قَهاتَ يُخَيِّمونَ إِلى جانِبِ المَسكِنِ جِهَةَ الجَنوب. وزَعيمُ بَيتِ أَبي عَشائِرِ القَهاتِيِّين أَليصافانُ بنُ عُزِّيئيل. وما هم مَسْؤُولونَ عنه هو التَّابوتُ والمائِدةُ والمَنارةُ والمَذابِحُ وأَمتِعَةُ القُدْسِ الَّتي يَخدُمونَ بِها والحِجابُ وجَميعُ لَوازِمِه. وزَعيمُ رُؤَساءِ اللاَّوِيِّينَ أَلِعازارُ بنُ هارونَ الكاهِن، وهو مُشرِفٌ على المَسْؤُولينَ عنِ القُدْس. ولِمَراريَ عَشيرةُ المَحْلُويِّين وعَشيرةُ الموشَوِيِّين: هاتانِ هُما عَشيرَتا مَراري. والمُحْصَونَ مِنهما، بِعَدِّ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ٱبنِ شَهرٍ فصاعِدًا، سِتَّةُ آلافٍ ومِئَتان. وزَعيمُ بَيتِ أَبي عَشائِرِ مَراري صُوريئيلُ بنُ أَبيحَئيل، وهُم يُخَيِّمونَ إِلى جانِبِ المَسكِنِ جِهَةَ الشَّمال. وما بَنو مَراري مَسْؤُولونَ عنه هو أَلْواحُ المَسكِنِ وعَوارِضُه وأَعمِدَتُه وقَواعِدُها وجَميعُ أَمتِعَتِه ولَوازِمِه، وأَعمِدَةُ الفِناءِ الَّتي حَوالَيه وقَواعِدُها وأَوتادُها وحِبالُها. ويُخَيِّمُ أَمامَ المَسكِنِ تُجاهَ خَيمةِ المَوعِد، جِهَةَ المَشرِق، موسى وهارونُ وبَنوه، مَسؤولينَ عنِ المَقدِسِ بِالنِّيابَةِ عن بَني إِسْرائيل، وأَيٌّ غَيرُهم تَقَدَّم، فلْيُقْتَلْ. فكانَ مَجْموعُ عَدَدِ اللاَّوِيِّينَ الَّذينَ أَحْصاهُم موسى، بِحَسَبِ أَمرِ الرَّبِّ على حَسَبِ عَشائِرِهِم، جَميعُ الذُّكورِ مِنِ ٱبنِ شَهرٍ فصاعِدًا، ٱثنَينِ وعِشْرينَ أَلفًا. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «أَحْصِ كُلَّ بِكْرٍ ذَكَرٍ مِن بَني إِسْرائيل، مِنِ ٱبْنِ شَهرٍ فصاعِدًا، وٱحسُبْ عَدَدَ أَسمائِهم. وخُذِ اللاَّوِيِّينَ لي - أَنا - الرَّبّ - بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ مِن بَني إِسْرائيل، وبَهائِمَ اللاَّوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ مِن بَهائِمِ بَني إِسْرائيل». فأَحْصى موسى كُلَّ بِكْرٍ في بَني إِسْرائيل، كما أَمَرَه الرَّبّ. فكانَ مَجْموعُ أَبْكارِ الذُّكور، بِعَدِّ أَسمائِهم، مِنِ ٱبنِ شَهرٍ فصاعِدًا، ٱثنَينِ وعِشْرينَ أَلفًا ومِئتَينِ وثَلاثةً وسَبْعين. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خُذِ اللاَّوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ مِن بَني إِسْرائيل، وبَهائِمَ اللاَّوِيِّينَ بَدَلَ بَهائِمِهم، فيَصيرَ اللاَّوِيُّونَ لي أَنا الرَّبّ. وأَمَّا فِداءُ المِئَتَينِ والثَّلاثةِ والسَّبْعينَ الزَّائِدينَ على اللاَّوِيِّينَ مِن أَبْكارِ بَني إِسْرائيل، فخُذْ خَمسَةَ مَثاقيلَ لِكُلِّ نَفْسٍ مِنهم، بِمِثْقالِ القُدْسِ تأخُذُها، كُلُّ مِثْقالٍ عِشْرونَ دانَقًا. وٱدفَعِ الفِضَّةَ إِلى هارونَ وبَنيه فِداءَ الزَّائِدينَ علَيهم». فأَخَذَ موسى فِضَّةَ الفِداءِ مِنَ الزَّائِدينَ على مَنِ ٱفتَداهُمُ اللاَّوِيُّون. مِن أَبْكارِ بَني إِسْرائيلَ أَخَذَ الفِضَّة: أَلفًا وثَلاثَ مِئَةٍ وخَمسَةً وسِتِّينَ مِثْقالًا، بِمِثْقالِ القُدْس. ودَفَعَ موسى فِضَّةَ الفِداءِ إِلى هارونَ وبَنيه، على حَسَبِ قَولِ الرَّبّ، كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ قائلًا: «لِيُحْصَ بَنو قَهاتَ مِن بَينِ بَني لاوي بِحَسَبِ عَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم، مِنِ ٱبنِ ثَلاثينَ سَنةً فَصاعِدًا إِلى ٱبنِ خَمْسينَ سَنة، كُلَّ مَن يَدخُلُ الجَيشَ لِيَعمَلَ في خَيمةِ المَوعِد. وهٰذه خِدمةُ بَني قَهاتَ في خَيمةِ المَوعِد، وهي خِدمَةُ قُدْسِ الأَقْداس: يأتي هارونُ وبَنوه عِندَ رَحيلِ المُخَيَّم، فيُنزِلونَ الحِجابَ ويُغَطُّونَ بِه تابوتَ الشَّهادة، ويَجعَلونَ علَيه غِطاءً مِن جِلْدِ الدَّلْفين، ويَبْسُطونَ مِن فَوقِه قُماشةً كُلُّها مِنَ البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيّ، ويُرَكِّبونَ قُضْبانَه. ويَبسُطونَ على مائِدَةِ الخُبزِ المُقَدَّسِ قُماشةً مِنَ البِرْفيرِ البَنَفسَجِيّ، ويَجعَلونَ علَيه الصِّحافَ والقِصاعَ والكُؤُوسَ والأَبارِقَ الَّتي يُسكَبُ بِها، والخُبزُ الدَّائِمُ يَكونُ علَيها. ثُمَّ يَبسُطونَ علَيها قُماشةً مِنَ القِرمِزِ ويُغَطُّونها بِغِطاءٍ مِن جِلْدِ الدَّلْفين ويُرَكِّبونَ قُضْبانَها. ويأخُذونَ قُماشةً مِنَ البِرْفيرِ البَنَفسَجِيّ ويُغَطُّونَ بِه مَنارةَ الإِضاءةِ وسُرُجَها ومَقاصَّها ومَنافِضَها وسائِرَ آنِيَةِ زَيتِها الَّتي يَخدُمونَها بِها. ويَجعَلونَها هي وجَميعَ آنِيَتِها في غِطاءٍ مِن جِلْدِ الدَّلْفين، ويَضَعونَ ذٰلك على المَحمِل. ويَبسُطونَ على مَذبَحِ الذَّهَبِ قُماشةً مِنَ البِرْفيرِ البَنَفسَجِيّ ويُغَطُّونَه مِن جِلْدِ الدَّلْفين، ويُرَكِّبونَ قُضْبانَه. ويأخُذونَ جَميعَ أَدَواتِ الخِدْمَةِ الَّتي يَخدُمونَ بِها في القُدْس، فيَجعَلونَها في قُماشةٍ مِنَ البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيّ، ويُغَطُّونَها بِغِطاءٍ مِن جِلْدِ الدَّلْفين ويَضعونَها على المَحمِل. ويَرفَعونَ رَمادَ المَذبَح ويَبسُطونَ علَيه قُماشةً مِن أُرجُوان. ويَجعَلونَ علَيه جَميعَ أَمتِعَتِه الَّتي يَخدُمونَ بِها علَيه: القِصاعَ والأَبارِقَ والمَجارِفَ والمَناشِلَ وسائِرَ أَمتِعَةِ المَذبَح، ويَبْسُطونَ علَيه غِطاءً مِن جِلْدِ الدَّلْفين، ويُركِّبونَ قُضْبانَه. فإِذا ٱنتَهى هارونُ وبَنوه مِن تَغطِيَةِ القُدْسِ وجَميعِ أَمتِعَتِه، عِندَ رَحيلِ المُخَيَّم، فعِندَ ذٰلك يأتي بَنو قَهاتَ لِيَحمِلوها، ولكن لا يَمَسُّوا القُدْسَ لِئَلاَّ يَموتوا. ذٰلك ما يَحمِلُه بَنو قَهاتَ مِن خَيمةِ المَوعِد. وأَمَّا أَلِعازارُ بنُ هارونَ الكاهِن، فيَكونُ مَسؤُولًا عن زَيتِ الإِضاءَةِ والبَخورِ العَطِرِ والتَّقدِمَةِ الدَّائِمةِ وزَيتِ المِسحَةِ والإِشْرافِ على المَسكِنِ كُلِّه وكُلِّ ما فيه، أَي القُدْسِ وأَمتِعَتِه». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ قائلًا: «لا تَفصِلا سِبْطَ عَشائِرِ بَني قَهاتَ مِن بَينِ اللاَّوِيِّين، بلِ ٱصنَعا بِهِم هٰذا لِيَحيَوا ولا يَموتوا، إِذا ٱقتَرَبوا مِن قُدْسِ الأَقْداس: يأتي هارونُ وبَنوه ويُقيمونَهم كُلَّ واحدٍ على خِدمَتِه وعِندَ حِمْلِه، ولا يَدخُلوا ليَرَوا الأَقْداس، ولو لَحظَةً، فيَموتوا». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «أَحْصِ بَني جِرشونَ أَيضًا بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم وعَشائِرِهم، مِنِ ٱبنِ ثَلاثينَ سنةً فصاعِدًا إِلى ٱبنِ خَمْسينَ سَنةً، تُحْصي كُلَّ مَن يَدخُلُ الجَيشَ لِيَعمَلَ في خَيمةِ المَوعِد. وهٰذه خِدمةُ عَشائِرِ الجِرشونِيِّين عَمَلًا وحِملًا: يَحمِلونَ قِطَعَ المَسكِنِ وخَيمةَ المَوعِدِ وغِطاءَها وغِطاءَ جِلْدِ الدَّلْفينِ الَّذي علَيه مِن فَوقُ، وسِتارَ بابِ خَيمةِ المَوعِد، وسَتائِرَ الفِناءِ وسِتارةَ بابِ الفِناءِ الَّذي حَولَ المَسكِنِ والمَذبَحِ مُحيطةً بِهما، وحِبالَها وسائِرَ أَمتِعَةِ خِدمَتِها، وكُلُّ ما يُعمَلُ لَها هُم يَعمَلونَه. على حَسَبِ قَولِ هارونَ وبَنيه تَكونُ كُلُّ خِدمةِ بَني جِرْشونَ مِن حَملِهم وسائِرِ خِدمَتِهم، وتُلْقونَ علَيهم مَسؤُولِيَّةَ كُلِّ ما يَحمِلون. تِلكَ خِدمةُ عشائِرِ بَني جِرْشونَ في خَيمةِ المَوعِد، ومَسؤولِيَّتُهم تَحتَ إِشرافِ إِيثامارَ بنِ هارونَ الكاهِن. وأَحْصِ بَني مَرارِيَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم، مِنِ ٱبنِ ثَلاثينَ سَنةً فصاعِدًا إِلى ٱبنِ خَمْسينَ سَنة، تُحْصي كُلَّ مَن يَدخُلُ الجَيشَ لِيَعمَلَ في خَيمةِ المَوعِد. وهٰذا ما يَكونونَ مَسؤُولينَ عنه مِن حِملِهم وسائِرِ خِدمَتِهم في خَيمةِ المَوعد: أَلْواحُ المَسكِنِ وعَوارِضُه وأَعمِدَتُه وقَواعِدُه، وأَعمِدَةُ الفِناءِ الَّتي حَوالَيه وقواعِدُها وأَوتادُها وحِبالُها وجَميعُ آنِيَتِها وسائِرُ خِدمَتِها. وتَضَعُ قائِمَةً بِأَسماءِ الأَمتِعَةِ الَّتي يَتَوَلَّون حَمْلَها. تِلكَ خِدمَةُ عَشائِرِ بَني مَراري، كُلُّ خِدمَتِهم في خَيمَةِ المَوعِد تَحتَ إِشْرافِ إِيثامارَ بنِ هارونَ الكاهِنَ». فأَحْصى موسى وهارونُ ورُؤَساءُ الجَماعةِ بَني قَهاتَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم، مِنِ ٱبنِ ثَلاثينَ سَنةً فصاعِدًا إِلى ٱبنِ خَمْسينَ سنة، كُلَّ مَن يَدخُلُ الجَيشَ لِيَعمَلَ في خَيمةِ المَوعِد. فكانَ المُحصَونَ مِنهم بِحَسَبِ عشائِرِهم أَلفَينِ وسَبعَ مِئَةٍ وخَمْسين. أُولٰئِكَ هُمُ المُحصَونَ مِن عَشائِرِ القَهاتِيِّين، كُلُّ مَن يَعمَلُ في خِدمَةِ خَيمَةِ المَوعِد، والَّذينَ أَحْصاهُم موسى وهارونُ بِحَسَبِ أَمرِ الرَّبّ، على لِسانِ موسى. والمُحصَونَ مِن بَني جِرْشونَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم، مِن ٱبنِ ثَلاثينَ سَنةً فصاعِدًا إِلى ٱبنِ خَمْسينَ سَنة، كُلُّ مَن يَدخُلُ الجَيشَ لِيَعمَلَ في خَيمةِ المَوعِد، المُحصَونَ مِنهم بِحَسَبِ عَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم أَلْفانِ وسِتُّ مِئَةٍ وثَلاثون. أُولٰئِكَ هُمُ المُحصَونَ مِن عَشائِرِ بَني جِرْشون، كُلُّ مَن يَعمَلُ في خَيمةِ المَوعِد، والَّذينَ أَحْصاهم موسى وهارونُ بِحَسَبِ أَمرِ الرَّبّ. والمُحصَونَ مِن عَشائِرِ بَني مَرارِيَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم، مِنِ ٱبنِ ثَلاثينَ سَنةً فصاعِدًا إِلى ٱبنِ خَمْسينَ سَنة، كُلُّ مَن يَدخُلُ الجَيشَ لِيَعمَلَ في خِدمَةِ المَوعِد. المُحصَونَ مِنهم بِحَسَبِ عَشائِرِهم ثَلاثَةُ آلافٍ ومِئَتان. أُولٰئِكَ همُ المُحصَونَ مِن عَشائرِ بَني مَراريَ الَّذينَ أَحْصاهم موسى وهارونُ بِحَسَبِ أَمرِ الرَّبّ، على لِسانِ موسى. فمَجْموعُ المُحصَينَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ الَّذينَ أَحْصاهم موسى وهارونُ ورُؤَساءُ إِسْرائيلَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهم، مِنِ ٱبنِ ثلاثينَ سَنةً فصاعِدًا إِلى ٱبنِ خَمْسينَ سَنة، كُلُّ الدَّاخِلينَ لِيَقوموا بالخِدمةِ أَوِ الحَمْلِ في خَيمَةِ المَوعِد، فالمُحصَونَ مِنهم ثَمانِيةُ آلافٍ وخَمْسُ مِئَةٍ وثَمانون. أُحْصوا بِحَسَبِ أَمرِ الرَّبِّ على لِسانِ موسى، كُلٌّ بِحَسَبِ خِدمَتِه وحَمْلِه، وهمُ الَّذينَ أَحْصاهم موسى كما أَمَرَه الرَّبّ. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ بَني إِسْرائيلَ بِأَن يُبعِدوا مِنَ المُخَيَّمِ كُلَّ أَبرَصَ وكُلَّ مَن بِهِ سَيَلانٌ وكُلَّ مُتَنَجِّسٍ بِمَيت. سَواءٌ أَكان ذَكَرًا أَو أُنْثى، تُبعِدونَه، إِلى خارِجِ المُخَيَّمِ تُبعِدونَهم لِئَلاَّ يُنَجِّسوا مُخَيَّمَهم، حَيث أَنا مُقيمٌ في وَسْطِهم». فَفَعَلَ كذٰلك بَنو إِسْرائيلَ وأَبعَدوهم إِلى خارِجِ المُخَيَّم، وكَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى كٰذلك صَنَعَ بَنو إِسْرائيل. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «قُلْ لِبَني إِسْرائيل: أَيُّ رَجُلٍ أَوِ ٱمرَأَةٍ فَعَلَ شَيئًا مِن جَميعِ خَطايا البَشَرِ وخانَ الرَّبّ، فقَد أَثِمَ ذٰلك الإِنْسان. فليَعتَرِفوا بِخَطيئَتِهِمِ الَّتي ٱرتَكَبوها ويَرُدُّوا ما أَثِموا بِه بِكامِلِه ويَزيدوا علَيه خُمْسَه ويَدفَعوه إِلى مَن أَثِموا إِلَيه. فإِن لم يَكُنْ لِلرَّجُلِ فاكٌّ لِيُرَدَّ إِلَيه ما أُثِمَ به، فلْيَكُنِ المَرْدودُ مِمَّا أُثِمَ بِه لِلرَّبّ، أَي لِلكاهِن، فَضْلًا عن كَبْشِ التَّكْفيرِ الَّذي يُكَفِّرُ به عنه. وكُلُّ تَقدِمةٍ مِن جَميعِ أَقْداسِ بَني إِسْرائيلَ الَّتي يُقَدِّمونَها لِلكاهِن، فلَه تَكون. وأَقْداسُ كُلِّ واحِدٍ تَكونُ لَه، وما يُعْطيه كُلُّ واحِدٍ لِلكاهِن، فلَه يَكون». وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: أَيُّ رَجُلٍ ٱنحَرَفَت زَوجَتُه فخانَته خِيانةً، وكانَت لَها عَلاقاتٌ جِنسِيَّةٌ مع رَجُل، وأُخفِيَ ذٰلك على رَجُلِها، وٱستَتَرَ تَنَجُّسُها، ولا شاهِدَ علَيها، وهي لم تُؤخَذْ، وأَخَذَ رَجُلَها رُوحُ الغَيرَةِ فغارَ على زَوجَتِه وهي نَجِسَة، أَو أَخَذَه رُوحُ الغَيرَة فغارَ على زَوجَتِه وهي غَيرُ نَجِسَة. فلْيَأتِ ذٰلك الرَّجُلُ بِٱمرأَتِه إِلى الكاهِن ولْيَأْتِ بِقُرْبانٍ لَها، عُشْرَ إِيفَةٍ مِن دَقيقِ الشَّعير، لا يَصُبُّ علَيه زَيتًا ولا يَجعَلُ علَيه بَخورًا، لأَنَّه تَقدِمَةُ غَيرةٍ، تَقدِمةُ تَذْكارٍ تُذَكِّرُ بِالإِثْم. فيُقَدِّمُها الكاهِنُ ويُقيمُها أَمامَ الرَّبّ. ويأخُذُ الكاهِنُ ماءً مُقَدَّسًا في وِعاءِ خَزَف، ويأخُذُ مِنَ الغُبارِ الَّذي في أَرضِ المَسكِنِ ويُلْقيه في الماء. ويُقيمُ الكاهِنُ المَرأَةَ أَمامَ الرَّبّ. ويَهدِلُ شَعرَها، ويَجعَلُ على راحَتَيها تَقدِمةَ التَّذكار، وهي تَقدِمَةُ الغَيرة، وفي يَدِ الكاهِنِ الماءُ المُرُّ الجالِبُ اللَّعنَة. ويُحَلِّفُ الكاهِنُ المرأَةَ ويَقولُ لَها: إِن كانَ لم يُضاجِعْكِ رَجُل، ولَم تَنحَرِفي إِلى نَجاسةٍ مع غَيرِ زَوجِكِ، فأَنتِ بَريئَةٌ مِن هٰذا الماءِ المُرِّ الجالِبِ اللَّعنَة. ولكن إِن كُنتِ قدِ ٱنحَرَفتِ إِلى غَيرِ رَجُلِكِ وتَنَجَّستِ بِه، وكانَ لِغَيرِه مَعَكِ عَلاقاتٌ جِنسِيَّة... ويُحَلِّفُ الكاهِنُ المَرأَةَ بِيَمينِ اللَّعنَةِ ويَقولُ لَها: أَسلَمَكِ الرَّبُّ إِلى اللَّعنَةِ واليَمينِ في وَسْطِ شَعبِكِ، بِأَن يُسقِطَ الرَّبُّ وَرِكَكِ ويُوَرِّمَ بَطنَكِ، ودَخَلَ هٰذا الماءُ الجالِبُ اللَّعنَةِ في أَمْعائِكِ لِتَوريمِ البَطْنِ وإِسْقاطِ الوَرِك! فتَقولُ المرأَةُ: آمين آمين. فيَكتُبُ الكاهِنُ هٰذه اللَّعنَاتِ على وَرَقٍ ويَمْحوها بِالماءِ المُرّ. ويَسْقي المَرأَةَ الماءَ المُرَّ الجالِبَ اللَّعنَة، فيَدخُلُ فيها الماءُ الجالِبُ اللَّعنَةِ لِلمَرارة. ويأخُذُ الكاهِنُ مِن يَدِها تَقدِمةَ الغَيرةِ ويُحَرِّكُها أَمامَ الرَّبِّ ويُقَدِّمُها إِلى المَذبَح. ويأخُذُ الكاهِنُ مِلءَ قَبضَةٍ مِنَ التَّقدِمَةِ، تَقدِمةِ التَّذْكار، ويُحرِقُه على المَذبَح، وبَعدَ ذٰلك يَسْقي المَرأَةَ الماءَ. فإِذا سَقاها الماءَ، فإِن كانَت قد تَنَجَّسَت وخانَت زَوْجَها خِيانةً، يَدخُلُ فيها ماءُ اللَّعنَةِ لِلمَرارة، فيَرِمُ بَطنُها وتَسقُطُ وَرِكُها وتَكونُ المرأَةُ لَعنةً في وَسْطِ شَعبِها. وإِن لم تَكُنِ المَرأَةُ قد تَنَجَّسَت، بل كانَت طاهِرَة، تَكونُ بَريئَةً وتَحمِلُ بَنين. تِلكَ شَريعةُ الغَيرَةِ فيما إِذا ٱنحَرَفَتِ ٱمرَأَةٌ عن زَوجِها وتَنَجَّسَت، أَو أَخَذَ رَجُلًا رُوحُ غَيرَةٍ فغارَ على ٱمرَأَتِه وأَقامَها أَمامَ الرَّبّ، وصَنَعَ بِها الكاهِنُ كُلَّ ما في هٰذه الشَّريعة. فيَكونُ الرَّجُلُ بَريئًا مِنَ الوِزْر، وتِلكَ المَرأَةُ تَحمِلُ وِزْرَها». وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: أَيُّ رَجُلٍ أَوِ ٱمرَأَةٍ أَرادَ أَن يَنذُرَ نَذْرَ النَّذيرِ لِلرَّبّ. فليَمتَنِعْ عنِ الخَمْرِ والمُسكِر ولا يَشرَبْ خَلَّ خَمْرٍ وخَلَّ مُسكِر، ولا يَشرَبْ أَيَّ عَصيرٍ مِنَ العِنَب، ولا يأكُلْ عِنَبًا رَطْبًا ولا يابِسًا، ولا يأكُلْ طَوالَ أَيَّامِ نَذرِه مِن كُلِّ ما يُصنَعُ مِن جَفَنةِ الخَمرِ، مِنَ الحُبَبِ إِلى القِشْر. وَطَوالَ أَيَّامِ نَذْرِه لا تَمُرَّ موسى بِرأسِه، ويَكونُ مُقَدَّسًا إِلى أَن تَتِمَّ الأَيَّامُ الَّتي نَذَرَ فيها نَذْرَ النَّذيرِ لِلرَّبّ، ويُرَبِّي خُصَلَ شَعَرِ رأسِه. وطَوالَ أَيَّامِ نَذْرِه لِلرَّبِّ لا يَدْخُلْ على جُثَّةِ مَيت: ولا يَتَنَجَّسْ لا بِأَبيه ولا بأُمِّه أَو أَخيه أَو أُختِه عِندَ مَوتِهم، لأَنَّ نَذْرَ إِلٰهِه على رأسِه. إِنَّه كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِه مُقَدَّسٌ لِلرَّبّ. فإِن ماتَ عِندَه مَيتٌ فَجأَةً على بَغتَةٍ وتَنَجَّسَ رأسُه وهو النَّذير، فلْيَحْلِقْ رأسَه في يَومِ طُهْرِه، في اليَومِ السَّابِعِ يَحلِقُه. وفي اليَومِ الثَّامِن يأتي بِزَوجَي يَمامٍ أَو فَرخَي حَمامٍ إِلى الكاهن، إِلى بابِ خَيمةِ المَوعِد، فيَصنَعُ الكاهِنُ أَحَدَهما ذَبيحةَ خَطيئَة والآخَرَ مُحرَقة، ويُكَفِّرُ عنه ما خَطِئَ بِه بِالقُرْبِ مِنَ المَيْت، ويُقَدِّسُ رأسَه في ذٰلك اليَوم. فيَنذُرُ لِلرَّبِّ أَيَّامَ نَذْرِه، ويأتي بِحَمَلٍ حَولِيٍّ ذَبيحَةَ إِثْمٍ، وتَسقُطُ الأَيَّامُ السَّابقَة، فقَد تَنَجَّسَ نَذْرُه. وهٰذه شَريعةُ النَّذير: يُؤتى بِه، يَومَ تَتِمُّ أَيَّامُ نَذْرِه، إِلى بابِ خَيمةِ المَوعِد. فيُقَرِّبُ قُرْبانَه لِلرَّبّ: حَمَلًا حَولِيًّا تامًّا لِلمُحرَقَة، ونَعجَةً حَولِيَّةً تامَّةً لِذَبيحةِ الخَطيئَة، وكَبْشًا تامًّا لِلذَّبيحةِ السَّلامِيَّة، وسَلَّةَ فَطيرٍ مِن سَميذ، أَقراصَ فَطيرٍ مَلْتوتةً بِزَيت، ورُقاقاتِ فَطيرٍ مَدْهونَةً بِزَيت، وتَقدِمَتَها وسُكُبَها. فيُقَدِّمُها الكاهِنُ أَمامَ الرَّبّ، ويَصنَعُ ذَبيحةَ خَطيئَةِ النَّذيرِ ومُحرَقَتَه. ويَصنَعُ الكَبْشَ ذَبيحةً سلامِيَّةً لِلرَّبِّ مع سَلَّةِ الفَطير، ثُمَّ يَصنَعُ الكاهِنُ تَقدِمَةَ النَّذيرِ وسَكيبَه. ويَحلِقُ النَّذيرُ رأسَه، وهو النَّذير، عِندَ بابِ خَيمةِ المَوعِد، ويأخُذُ شَعَرَ رأسِه، وهو النَّذير، ويُلْقيه في النَّارِ الَّتي تَحتَ الذَّبيحةِ السَّلامِيَّة. ويأخُذُ الكاهِنُ الكَتِفَ مَطْبوخةً مِن ذٰلك الكَبْشِ وقُرصَ فَطيرٍ مِنَ السَّلَّةِ ورُقاقةَ فطير، ويَضَعُها على راحَتَيِ النَّذير، بَعدَ حَلْقِه شَعرَه وهو النَّذير. ويُحَرِّكُها الكاهِنُ تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ: إِنَّها قُدْسٌ، فلِلكاهِنِ تَكونُ مع صَدْرِ التَّحْريكِ وفَخِذِ التَّقدِمة، وبَعدَ ذٰلك يَشْرَبُ النَّذيرُ خَمرًا. تِلكَ شَريعةُ مَن نَذَرَ أَن يَكونَ نَذيرًا. ذٰلك قُرْبانُه لِلرَّبِّ في شأنِ نَذْره، فَضْلًا عَمَّا يَكونُ في يَدِه، وبِحَسَبِ نَذْرِه الَّذي نَذَرَه يَعمَلُ على حَسَبِ شَريعَةِ نَذْرِه». وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ هارونَ وبَنيه وقُلْ لَهم: كذا تُبارِكونَ بَني إِسْرائيلَ فتَقولونَ لَهم: يُبارِكُكَ الرَّبُّ ويَحفَظُكَ، ويُضيءُ الرَّبُّ بِوَجهِه عَلَيكَ ويَرحَمُكَ، ويَرفَعُ الرَّبُّ وَجهَه نَحوَكَ ويَمنَحُكَ السَّلام! فيَجعَلونَ ٱسمي على بَني إِسْرائيل، وأَنا أُبارِكُهُم». وفي اليَومِ الَّذي ٱنتَهى فيه موسى مِن نَصْبِ المَسكِن، مَسَحه وقَدَّسَه مع جَميعِ أَمتِعَتِه، ومَسَحَ وقَدَّسَ المَذبَحَ وجَميعَ أَمتِعَتِه. وبَعدَ أَن مَسَحَها وقَدَّسَها، قَرَّبَ زُعَماءُ إِسْرائيل، أَي أَرْبابُ بُيوتِ آبائِهم، وهُم زُعَماءُ الأَسْباطِ الَّذينَ أَشرَفوا على الإِحْصاء، قَرَّبوا قُرْبانَهم فأَتَوا بِه إِلى أَمامِ الرَّبّ: سِتَّ عَرَباتٍ مُغَطَّاة وٱثنَي عَشَرَ ثَورًا، مِن كُلِّ زَعيمَينِ عَرَبَةٌ ومِن كُلِّ زَعيمٍ ثَورٌ، فقَرَّبوها أَمام المَسكِن. فكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائِلًا: «خُذْها مِنهم فتَكونَ لِخِدمَةِ خَيمَةِ المَوعِد، وسَلِّمْها إِلى اللاَّوِيِّين، إِلى كُلِّ واحِدٍ بِحَسَبِ خِدمَتِه». فأَخَذَ موسى العَرَباتِ والثِّيرانَ وسَلَّمها إِلى اللاَّوِيِّين: سَلَّمَ عَرَبَتَينِ مِنها وأَربَعَةَ ثيرانٍ إِلى بَني جِرْشونَ بِحَسَبِ خِدمَتِهم، وسَلَّمَ أَربَعَ عَرَباتٍ وثَمانِيَةَ ثيرانٍ إِلى بَني مَرارِيَ بِحَسَبِ خِدمَتِهم، تَحتَ إِشْرافِ إِيثامارَ بنِ هارونَ الكاهِن. وأَمَّا بَنو قَهات، فلَم يُسَلِّمْهم شَيئًا، لأَنَّ علَيهم أَن يَحمِلوا على أَكْتافِهمِ القُدْسَ الَّذي هم في خِدمَتِه. وقَرَّبَ الزُّعَماءُ قُرْبانَهم لِتَدْشينِ المَذبَحِ في يَومِ مَسحِه، قَدَّمَه الرُّؤَساءُ أَمامَ المَذبَح. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «لِيُقَرِّبْ كُلُّ رَئيسٍ قُرْبانَه في كُلِّ يَومٍ لِتَدْشينِ المَذبَح». فكانَ الَّذي قَرَّبَ قُرْبانَه في اليَومِ الأَوَّل نَحْشونَ بنَ عَمِّيناداب، مِن سِبْطِ يَهوذا. وكانَ قُرْبانُه: صَحفَةً مِن فِضَّةٍ وَزنُها مِئَةٌ وثَلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِن فِضَّةٍ وَزنُها سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقدِمة، وطاسَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءَةً بَخورًا، وعِجلًا وكَبْشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقَة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحةِ الخَطيئة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحةِ السَّلامِيَّة. ذٰلك قُرْبانُ نَحْشونَ بنِ عَمِّيناداب. وفي اليَومِ الثَّاني قَرَّبَ نَثَنائيلُ بنُ صُوعَرَ، زَعيمُ يَسَّاكَرَ، قُرْبانَه. وكانَ قُرْبانُه: صَحفَةً مِن فِضَّةٍ وَزنُها مِئَةٌ وثَلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِن فِضَّةٍ وَزنُها سَبْعونَ مِثقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقدِمَة، وطاسَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءَةً بخورًا، وعِجلًا وكَبْشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقَة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحَةِ الخَطيئَة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحَةِ السَّلامِيَّة. ذٰلك قُرْبانُ نَثَنائيلَ بنِ صُوعَر. وفي اليَومِ الثَّالِث قَرَّبَ أَليآبُ بنُ حيلون، زَعيمُ بَني زَبولونَ، قُرْبانَه. وكانَ قُرْبانُه: صَحفَةً من الفِضَّةِ وَزنُها مِئَةٌ وثَلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقدِمة، وطاسَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءَةً بَخورًا، وعِجْلًا وكَبْشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقَة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحةِ الخَطيئة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحةِ السَّلامِيَّة. ذٰلك قُربانُ أَليآبَ بنِ حيلون. وفي اليَومِ الرَّابِع قَرَّبَ أَليصورُ بنُ شَدَيؤُور، زَعيمُ بَني رَأُوبينَ، قُرْبانَه. وكانَ قُربانُه: صَحفةً مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها مِئَةٌ وثَلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقدِمَة، وطاسَةً من ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءةً بَخورًا، وعِجلًا وكَبشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقَة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحةِ الخَطيئة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحةِ السَّلامِيَّة. ذٰلك قُرْبانُ أَليصورُ بنِ شَدَيؤُور. وفي اليَومِ الخامِس قَرَّبَ شَلوميئيلُ بنُ صُوريشَدَّاي، زَعيمُ بَني شِمْعونَ، قُرْبانَه. وكانَ قُرْبانُه: صَحفَةً مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها مِئَةٌ وثَلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقدِمة، وطاسَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءَةً بَخورًا، وعِجلًا وكَبشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحةِ الخَطيئة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحةِ السَّلامِيَّة. ذٰلك قُربانُ شَلوميئيلَ بنِ صوريشدَّاي. وفي اليَومِ السَّادس قَرَّبَ أَلْياسافُ بنُ دَعوئيل، زَعيمُ بني جادٍ، قُربانَه. وكانَ قُرْبانُه: صَحفَةً مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها مِئَةٌ وثَلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيْتٍ لِلْتَقْدِمة، وطاسَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءَةً بَخورًا، وعِجلًا وكَبْشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقَة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحةِ الخَطيئة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَوْلِيَّةٍ لِلذَّبيحَةِ السَّلامِيَّة. ذٰلِكَ قُربانُ أَلْياسافَ بنِ دَعوئيل. وفي اليَومِ السَّابِع قَرَّبَ أَليشاماعُ بنُ عَمِّيهود، زَعيمُ بَني أَفْرائيمَ، قُربانَه. وكانَ قُربانُه: صَحفَةً مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها مِئَةٌ وثلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِنَ الفِضَّةِ وَزنُه سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقْدِمة، وطاسَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءَةً بَخورًا، وعِجلًا وكَبشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرقة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحَةِ الخَطيئَة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحَةِ السَّلامِيَّة. ذٰلك قُربانُ أَليشاماعَ بنِ عَمِّيهود. وفي اليَومِ الثَّامِنِ قَرَّبَ جَمْليئيلُ بنُ فَدَهْصور، زَعيمُ بَني مَنَسَّى، قُربانَه. وكانَ قُربانُه: صَحفَةً مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها مِئَةٌ وثلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقدِمَة، وطاسَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءَةً بخورًا، وعِجلًا وكَبشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقَة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحَةِ الخَطيئة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحَةِ السَّلامِيَّة. ذٰلك قُربانُ جَمْليئيلَ بنِ فَدَهْصور. وفي اليَومِ التَّاسِع قَرَّبَ أَبيدانُ بنُ جِدْعوني، زَعيمُ بَني بَنْيامينَ، قُربانَه. وكانَ قُربانُه: صَحفَةً مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها مِئَةٌ وثَلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقْدِمَة، وطاسَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءَةً بَخورًا، وعِجلًا وكَبشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقَة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحَةِ الخَطيئة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحَةِ السَّلامِيَّة. ذٰلك قُربانُ أَبيدانَ بنِ جِدْعوني. وفي اليَومِ العاشر قَرَّبَ أَحيعازرُ بنُ عَمِّيشَدَّاي، زَعيمُ بَني دانَ، قُربانَه. وكانَ قُربانُه: صَحفَةً مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها مِئَةٌ وثَلاثونَ مِثقالًا وكأسًا مِنَ الفِضَّةِ وَزنُه سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقدِمة، وطاسَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءَةً بَخورًا، وعِجلًا وكَبشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقَة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحَةِ الخَطيئة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحَةِ السَّلامِيَّة. ذٰلك قُربانُ أَحيعازرَ بنِ عَمِّيشَدَّاي. وفي اليَومِ الحادي عَشَر قَرَّبَ فَجْعيئيلُ بنُ عُكْران، زَعيمُ بَني أَشير، قُربانَه. وكانَ قُربانُه: صَحفَةً مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها مِئَةٌ وثلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقدِمة، وطاسَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءَةً بخورًا، وعِجلًا وكَبشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقَة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحَةِ الخَطيئَة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحَةِ السَّلامِيَّة. ذٰلك قُربانُ فَجْعيئيلَ بنِ عُكْران. وفي اليَومِ الثاني عَشَر قَرَّبَ أَحيرَعُ بنُ عَينان، زَعيمُ بَني نَفْتالي، قُربانَه. وكانَ قُربانُه: صَحفَةً مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها مِئَةٌ وثلاثونَ مِثْقالًا وكأسًا مِنَ الفِضَّةِ وَزنُها سَبْعونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْس، كِلْتاهُما مَمْلوءَتانِ سَميذًا مَلْتوتًا بِزَيتٍ لِلتَّقْدِمَة، وطاسةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها عَشَرَةُ مَثاقيلَ مَمْلوءةً بَخورًا، وعِجلًا وكَبشًا وحَمَلًا حَولِيًّا لِلمُحرَقَة، وتَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحَةِ الخَطيئَة، وثَورَينِ وخَمسَةَ كِباشٍ وخَمسَةَ تُيوسٍ وخَمسَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ لِلذَّبيحَةِ السَّلامِيَّة. ذٰلِك قُربانُ أَحيرَعَ بنِ عَينان. هٰذا قُربانُ زُعماءِ إِسْرائيلَ لِتَدْشينِ المَذبَحِ في يَومِ مَسحِه: مِن صِحافِ الفِضَّةِ ٱثنَتا عَشَرَة، ومِن كُؤُوسِ الفِضَّةِ ٱثنَتا عَشَرة، ومن طاسات الذَّهَبِ ٱثنَتا عَشَرَة، الصَّحفَةُ مِن مِئَةٍ وثَلاثينَ مِثْقالًا مِنَ الفِضَّة، والكأسُ مِن سَبْعين. فَمَجْموعُ فِضَّةِ الآنِيَةِ أَلْفا مِثْقالٍ وأَربَعُ مِئَةِ مِثْقالٍ بِمِثْقالِ القُدْس. وطاساتُ الذَّهَبِ ٱثنَتا عَشَرَةَ مَمْلوءَةٌ بَخورًا، القَصعَةُ مِن عَشَرةِ مَثاقيلَ بِمِثْقالِ القُدْس. فمَجْموعُ ذَهَبِ القِصاعِ مِئَةٌ وعِشْرونَ مِثْقالًا. ومَجْموعُ ماشِيَةِ المُحرَقَةِ ٱثْنا عَشَرَ عِجلًا وٱثْنا عَشَرَ كَبْشًا وٱثْنا عَشَرَ حَمَلًا حَولِيًّا مع تَقدِمَتِها، وٱثْنا عَشَرَ تَيسًا مِنَ المَعِزِ لِذَبيحَةِ الخَطيئَة. ومَجْموعُ ماشِيَةِ الذَّبيحَةِ السَّلامِيَّةِ أَربَعةٌ وعِشْرونَ ثَورًا وسِتُّونَ كَبشًا وسِتُّونَ تَيسًا وسِتُّونَ حَمَلًا حَولِيًّا. ذٰلك قُربانُ تَدْشينِ المَذبَحِ بَعدَ مَسحِه. وكانَ موسى، إِذا دَخَلَ خَيمَةَ المَوعِدِ لِيُكَلِّمَه، يَسمَعُ الصَّوتَ يُخاطِبُه مِن فَوقِ الكَفَّارةِ الَّتي على تابوتِ الشَّهادةِ مِن بَينِ الكَروبين، فيُكَلِّمُه. وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ هارونَ وقُلْ له: إِذا أَقَمتَ السُّرُج، فإِلى وَجهِ المَنارةِ تُضيءُ السُّرُجُ السَّبعة». فَصَنَعَ هارونُ كذٰلك: أَقامَ السُّرُجَ إِلى وَجهِ المَنارة، كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وهٰذا صُنعُ المَنارة: كانَت مِن ذَهَبٍ مُطَرَّق، مِن ساقِها إِلى أَزْهارِها كانَت مِن ذَهَبٍ مُطَرَّق، على الهَيئةِ الَّتي أَظهَرَها الرَّبُّ لِموسى كذٰلك صَنَعَ المَنارة. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خُذِ اللاَّوِيِّينَ مِن بَينِ بَني إِسْرائيلَ وطَهِّرْهم. وكذا تَصنَعُ لَهم لِتَطْهيرِهم: تَرُشُّ علَيهم مِن ماءِ التَّكْفير، ويُمِرُّونَ الموسى على كُلِّ أَبْدانِهم ويَغسِلونَ ثِيابَهم، فيَطْهُرونَ. ثُمَّ يأخُذونَ عِجلًا وتَقدِمَتَه الَّتي مِن سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت، وتأخُذُ ثَورًا آخَرَ مِنَ البَقَرِ لِذَبيحَةِ الخَطيئَة. وتُقَدِّمُ اللاَّوِيِّينَ أَمامَ خَيمَةِ المَوعِد، وتَجمَعُ جَماعَةَ بَني إِسْرائيلَ كُلَّها، وتُقَدِّمُ اللاَّوِيِّينَ أَمامَ الرَّبّ، فيَضَعُ بَنو إِسْرائيلَ أَيدِيَهم علَيهم. ويُحَرِّكُ هارونُ اللاَّوِيِّينَ تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ مِن قِبَلِ بَني إِسْرائيل، فيَكونونَ لِخِدمةِ الرَّبّ. ثُمَّ يَضَعُ اللاَّوِيُّونَ أَيدِيَهم على رأسِ الثَّورَين، فتَصنَعُ أَحَدَهما ذَبيحةَ خَطيئَة والآخَرَ مُحرَقةً لِلرَّبِّ تَكْفيرًا عنِ اللاَّوِيِّين. وتُقيمُ اللاَّوِيِّينَ أَمامَ هارونَ وبَنيه، وتُحَرِّكُهم تَحْريكًا لِلرَّبّ. وتُفرِدُ اللاَّوِيِّينَ مِن بَينِ بَني إِسْرائيل، فيَكونونَ لي. وبَعدَ ذٰلك يأتي اللاَّوِيُّونَ لِيَخدِموا خَيمةَ المَوعِد. وتُطَهِّرُهم وتُحَرِّكُهم تَحْريكًا لأَنَّهم مَوهوبونَ لي، مَوهوبونَ مِن بَينِ بَني إِسْرائيل، فقَد أَخَذتُهم لي بَدَلَ كُلِّ فاتِحِ رَحِم، كُلِّ بِكْرٍ مِن بَني إِسْرائيل. لأَنَّ كُلَّ بِكْرٍ في بَني إِسْرائيل، مِنَ البَشَرِ والبَهائِم، هو لي، فإِنِّي، يَومَ ضَرَبتُ كُلَّ بِكْرٍ في أَرضِ مِصْر، قَدَّستُهم لي. وقَد أَخَذتُ اللاَّوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ مِن بَني إِسْرائيل. وَوَهَبْتُ اللاَّوِيِّينَ هِبَةً لِهارونَ وبَنيه مِن بَينِ بَني إِسْرائيل، لِيَخدِموا خِدمَةَ بَني إِسْرائيلَ في خَيمَةِ المَوعِد ويُكَفِّروا عن بَني إِسْرائيل، فلا تَنزِلَ بِبَني إِسْرائيلَ ضَربَةٌ، إِذا تَقَدَّموا إِلى القُدْس». فَصَنَعَ موسى وهارونُ وجَماعةُ بَني إِسْرائيلَ كُلُّها لِلاَّوِيِّينَ على حَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه موسى في أمرِ اللاَّوِيِّين، كذٰلك صَنَعَ لَهم بَنو إِسْرائيل. فٱطَّهَرَ اللاَّوِيُّون وغَسَلوا ثِيابَهم، وحَرَّكَهم هارونُ تَحْريكًا أَمامَ الرَّبّ، وكَفَّرَ عَنهم لِٱطِّهارِهم. وبَعدَ ذٰلك أَتى اللاَّوِيُّونَ لِيَخدِموا خِدمَتَهم في خَيمَةِ المَوعِد أَمامَ هارونَ وبَنيه، وكَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى في أَمرِ اللاَّوِيِّينَ كذٰلِكَ صَنَعوا لَهم. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «هٰذا شأنُ اللاَّوِيِّين: مِن سِنِّ خَمْسٍ وعِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا يَدخُلُ اللاَّوِيُّ الجَيشَ لِخِدمَةِ خَيمةِ المَوعِد، ومِن سِنِّ خَمْسينَ سنةً يَخرُجُ مِن جَيشِ الخِدمة، فلا يَخدُمُ بَعدَ ذٰلك. ويُساعِدُ إِخوَتَه في خَيمةِ المَوعِدِ على حِفظِ الأَحْكام، ولكِنَّه لا يَتَوَلَّى خِدمةً. هٰكذا تَرسُمُ في أَمرِ واجِباتِ اللاَّوِيِّينَ». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى في بَرِّيَّةِ سيناء، في السَّنةِ الثَّانِيَةِ لِخُروجِهم مِن أَرضِ مِصر، في الشَّهرِ الأَوَّل، قائلًا: «لِيصنَعْ بَنو إِسْرائيلَ الفِصْحَ في وَقتِه. في اليَومِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِن هٰذا الشَّهْر، بَينَ الغُروبَينِ تَصنَعونَه، في وَقتِه وبِجَميعِ فَرائِضِه وأَحْكامِه تَصنَعونَه». فأَمَرَ موسى بَني إِسْرائيلَ أَن يَصنَعوا الفِصْح. فصَنَعوه في الشَّهرِ الأَوَّل، في اليَومِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنه، بَينَ الغُروبَين، في بَرِّيَّةِ سيناء، بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَ الرَّبُّ موسى، هٰكذا صَنَعَ بَنو إِسْرائيل. وكان أُناسٌ قد تَنَجَّسوا بِمَيتٍ مِنَ البَشَر، فلَم يَستَطيعوا أَن يَصنَعوا الفِصْحَ في ذٰلِكَ اليَوم، فتَقَدَّموا إِلى موسى وهارونَ في ذٰلِكَ اليَومِ وقالوا: «نَحنُ مُنَجَّسونَ بِمَيتٍ مِنَ البَشَر، فلِمَ نُمنَعُ مِن أَن نُقَرِّبَ قُربانَ الرَّبِّ في وَقتِهِ فيما بَينَ بَني إِسْرائيل؟» فقالَ لَهم موسى: «قِفوا حتَّى أَسمَعَ ما يأمُرُ الرَّبُّ بِه فيكم». فخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: أَيُّ رَجُلٍ مِنكم أَو مِن نَسلِكم كانَ مُنَجَّسًا بِمَيتٍ أَو كانَ في سَفَرٍ بَعيد، فلْيَصْنَعْ فِصْحًا لِلرَّبّ. في الشَّهْرِ الثَّاني، في اليَومِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنه، بَينَ الغُروبَينِ، يَصنَعونَه، وبِفَطيرٍ وأَعْشابٍ مُرَّةٍ يأكُلونَه. لا يُبْقوا مِنه شَيئًا إِلى الصَّباح، ولا يَكسِروا مِنه عَظْمًا، وبِحَسَبِ كُلِّ فَرائِضِ الفِصْحِ يَصنَعونَه. وأَيُّ رَجُلٍ كانَ طاهِرًا ولم يَكُنْ في سَفَرٍ وأَهمَلَ أَن يَصنَعَ الفِصْح، يُفصَلُ ذٰلك الرَّجُلُ مِن شَعبِه، لأَنَّه لم يُقَرِّبْ قُربانَ الرَّبِّ في وَقتِه، وقد حَمَلَ ذٰلك الرَّجُلُ وِزرَه. وإِن نَزَلَ بَينَكم نَزيل، فلْيَصنَعْ فِصْحًا لِلرَّبّ، يَصنَعُه بِحَسَبِ فَرائِضِ الفِصْحِ وأَحْكامِه. فَريضةٌ واحِدَةٌ تَكونُ لَكم لِلنَّزيلِ ولٱبنِ البَلَد». ولَمَّا كانَ اليَومُ الَّذي نُصِبَ فيه المَسكِن، غَطَّى الغَمامُ المَسكِن، أَي خَيمَةَ المَوعِد، وفي المَساءِ كانَ عَلَيه كَمَنظَرِ نارٍ إِلى الصَّباح. وكانَ كذٰلك دائمًا: يُغَطِّيه الغَمامُ نَهارًا، وتَظهَرُ النَّارُ لَيلًا. وكانَ، إِذا ٱرتَفَعَ الغَمامُ عنِ الخَيمَة، يَرحَلُ بَنو إِسْرائيل، وحَيثُ حَلَّ الغَمام، كانَ بَنو إِسْرائيلَ يُخَيِّمون. بِحَسَبِ أَمرِ الرَّبِّ كانَ بَنو إِسْرائيلَ يَرحَلون، وبِحَسَبِ أَمرِه كانوا يُخَيِّمون، فلا يَبرَحونَ مُخَيِّمينَ طَوالَ الأَيَّامِ الَّتي يَكونُ فيها الغَمامُ حالًّا على المَسكِن. فإِذا أَطالَ الغَمامُ حُلولَه على المَسكِنِ أَيَّامًا كَثيرة، كانَ بَنو إِسْرائيلَ يَحفَظونَ أَحكامَ الرَّبِّ ولا يَرحَلون. وإِن كانَ أَنَّ الغَمامَ لَبِثَ أَيَّامًا قَليلةً على المَسكِن، فبِحَسَبِ أَمرِ الرَّبِّ كانوا يُخَيِّمون، وبِحَسَبِ أَمرِه كانوا يَرحَلون. وإِن كانَ أَنَّ الغَمامَ لَبِثَ مِن المَساءِ إِلى الصَّباح، ثُمَّ ٱرتَفَعَ في الصَّباح، كانوا يَرحَلون. وإِذا لَبِثَ يَومًا ولَيلَةً ثُمَّ ٱرتَفَعَ، كانوا يَرحَلون. وإِذا أَطالَ الغَمامُ حُلولَه على المَسكِنِ يَومَينِ أَو شَهْرًا أَو سَنَةً، كانَ بَنو إِسْرائيلَ يُخَيِّمونَ ولا يَرحَلون، وعِندَ ٱرتِفاعِه يَرحَلون. فبِحَسَبِ أَمرِ الرَّبِّ كانوا يُخَيِّمون، وبِحَسَبِ أَمرِه كانوا يَرحَلون، حافِظينَ أَحكامَ الرَّبِّ، بِحَسَبِ قَولِ الرَّبِّ على لِسانِ موسى. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِصْنَعْ لَكَ بوقَينِ، تَصنَعُهما مِن فِضَّةٍ مُطَرَّقة، فيَكونانِ لَكَ لِدَعوةِ الجَماعةِ وتَرْحيلِ المُخَيَّماتِ. يُنفَخُ فيهما فتَجتَمِعُ إِلَيكَ كُلُّ الجَماعةِ عِندَ بابِ خَيمةِ المَوعِد. فإِذا نُفِخَ في أَحَدِهما فقط، يَجتَمِعُ إِلَيكَ الزُّعَماء، زُعَماءُ أُلوفِ إِسْرائيل. وإِذا نَفَختُم نَفخَةَ هُتاف، تَرحَلُ المُخَيَّماتُ المُخَيِّمةُ في المَشرِق. وإِذا نَفَختُم نَفخَةَ هُتافٍ ثانِيةً، تَرحَلُ المُخَيَّماتُ المُخَيِّمةُ في الجَنوب، يَنفُخونَ نَفخَةَ هُتافٍ عِندَ رَحيلِهم. وعِندَ جَمْعِ الجَماعةِ تَنفُخونَ نَفْخًا بِلا هُتاف. وبَنو هارونَ الكَهَنةُ هم يَنفُخونَ في الأَبْواق، فيَكونُ ذٰلك لَكم فَريضةً أَبَدِيَّةً مَدى أَجْيالِكم. وإِذا خَرَجتُم إِلى حَرْبٍ في أَرضِكم على عَدُوٍّ يُضايِقُكم، فٱنفُخوا في الأَبْواق فتُذكَروا أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكم وتُنقَذوا مِن أَعدائِكم. وفي يَومِ فَرَحِكم وأَعْيادِكم ورُؤُوسِ شُهورِكم، تَنفُخونَ في الأَبواقِ أَثْناءَ مُحرَقاتِكم وذَبائِحِكُمُ السَّلامِيَّة، فتَكونُ لَكم تَذْكارًا أَمامَ إِلٰهِكم: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. وكانَ في الشَّهرِ الثَّاني مِنَ السَّنةِ الثَّانيةِ في العِشْرينَ مِنه أَنِ ٱرتَفَعَ الغَمامُ عن مَسكِنِ الشَّهادة. فرَحَلَ بَنو إِسْرائيلَ في مَراحِلِهم مِن بَرِّيَّةِ سيناء، وحَلَّ الغَمامُ في بَرِّيَّةِ فاران. فَرَحَلوا أَوَّلَ رِحلَةٍ بِحَسَبِ أَمرِ الرَّبِّ على لِسانِ موسى. فرَحَلَت أَوَّلًا رايَةُ مُخَيَّمِ بَني يَهوذا بِحَسَبِ جُيوشِهم، وعلى رأسِ جَيشِ يَهوذا نَحْشونُ بنُ عَمِّيناداب، وعلى رَأسِ جَيشِ سِبْطِ بَني يسَّاكَر نَثَنائيلُ بنُ صُوعَر، وعلى رأسِ جَيشِ سِبْطِ بَني زَبولون أَليآبُ بنُ حِيلون. ثُمَّ فُكِّكَ المَسكِن، فرَحَلَ بَنو جِرْشونَ وبَنو مَراري، حامِلينَ المَسكِن. ثُمَّ رَحَلَت رايَةُ مُخَيَّمِ رَأُوبينَ بِحَسَبِ جُيوشِهم، وعلى رأسِ جَيشِه أَليصورُ بنُ شَدَيؤُور، وعلى رأسِ جَيشِ سِبْطِ بَني شِمْعون شَلوميئيلُ بنُ صُوريشَدَّاي، وعلى رأسِ جَيشِ سِبْطِ بَني جاد أَلْياسافُ بنُ دَعوئيل. ثُمَّ رَحَلَ القَهاتِيُّون، حامِلينَ المَقدِس، وكانَ المَسكِنُ يُنصَبُ قَبلَ قُدومِهم. ثُمَّ رَحَلَت رايَةُ مُخَيَّمِ بَني أَفْرائيمَ بِحَسَبِ جُيوشِهم، وعلى رأسِ جَيشِهم أَليشاماعُ بنُ عَمِّيهود، وعلى رأسِ جَيشِ سِبْطِ بَني مَنَسَّى جَمْليئيلُ بنُ فَدَهْصور، وعلى رأسِ جَيشِ سِبْطِ بَني بَنْيامين أَبيدانُ بنُ جِدْعونِيّ. ثُمَّ رَحَلَت في مُؤَخَّرِ جَميعِ المُخَيَّماتِ رايَةُ مُخَيَّمِ بَني دانٍ بِحَسَبِ جُيوشِهم، وعلى رأسِ جَيشِ دان أَحيعازَرُ بنُ عَمِّيشَدَّاي، وعلى رأسِ جَيشِ سِبْطِ بَني أَشير فَجْعيئيلُ بنُ عُكْران، وعلى رأسِ جَيشِ سِبْطِ نَفْتالي أَحيرَعُ بنُ عَينان. ذٰلك نِظامُ سَيرِ بَني إِسْرائيلَ بِجُيوشِهم، إِذا رَحَلوا. وقالَ موسى لِحوبابَ بنِ رَعوئيلَ المِدْيَنِيِّ، حَمي موسى: «إِنَّنا راحِلونَ إِلى المَكانِ الَّذي قالَ الرَّبُّ إِنَّه يُعْطينا إِيَّاه. فتَعالَ مَعنا، نُحْسِنْ إِلَيكَ، فإِنَّ الرَّبَّ قد وَعَدَ إِسْرائيلَ خَيرًا». فقالَ لَه: «لا أَذهَب، إِنَّما أَذهَبُ إِلى أَرضي وعَشيرَتي». قال: «لا تَترُكْنا، فإنَّكَ تَعلَمُ أَينَ نُخَيِّمُ في البَرِّيَّة، فتَكونُ لَنا كالعُيون. وإِن سِرتَ معَنا، فما يُحسِنِ الرَّبُّ بِه إِلَينا مِن خَيرٍ نُحسِنْ بِه إِلَيك». فرَحَلوا مِن جَبَلِ الرَّبِّ مَسيرةَ ثَلاثةِ أَيَّام، وتابوتُ عَهدِ الرَّبِّ سائرٌ أَمامَهم مَسيرةَ ثَلاثَةِ أَيَّام، لِيَبحَثَ لَهم عَن مَكانِ ٱستِراحة، وغَمامُ الرَّبِّ فَوقَهم نارًا عِندَ رَحيلِهم مِنَ المُخَيَّم. وكانَ موسى، عِندَ رَحيلِ التَّابوتِ، يَقول: «قُمْ يا رَبُّ، فيَتَبَدَّدَ أَعداؤُكَ، ويَهرُبَ مُبغِضوكَ مِن أَمامِ وَجهِكَ». وعِندَ حَطِّ التَّابوتِ يَقول: «عُدْ يا رَبُّ إِلى رِبْواتِ أُلوفِ إِسْرائيل». وكانَ الشَّعبُ كالمُتَذَمِّرينَ بِخُبثٍ على مسامِعِ الرَّبّ. فسَمِعَ الرَّبُّ وغَضِبَ، فاشتَعَلَت فيهم نارُ الرَّبِّ وأَكَلَت طَرَفَ المُخَيَّم. فصَرَخَ الشَّعبُ إِلى موسى، فصَلَّى موسى إِلى الرَّبّ، فَخَمَدَتِ النَّار. فسُمِّيَ ذٰلِكَ المَكانُ «تَبْعيرة»، لأَنَّها ٱشتَعَلَت علَيهم نارُ الرَّبّ. وٱشتَهى الخَليطُ الَّذي فيما بَينَهم شَهوَةً، وعادَ بَنو إِسْرائيلَ أَنفُسُهم إِلى البُكاءِ وقالوا: «مَن يُطعِمُنا لَحْمًا؟ فإِنَّنا نَذكُرُ السَّمَكَ الَّذي كُنَّا نأكُلُه في مِصرَ مَجَّانًا والقِثَّاءَ والبِطِّيخَ والكُرَّاثَ والبَصَلَ والثُّوم. والآنَ فأَحْلاقُنا جافَّة، ولا شَيءَ أَمامَ عُيونِنا غَيرَ المَنّ». وكانَ المَنُّ كبِزْرِ الكُزبُرَة، ومَنظَرُه مَنظَرُ المُقْل. وكانَ الشَّعبُ يَتَفَرَّقُ فيَلتَقِطُه ويَطحَنُه بِالرَّحى أَو يَدُقُّه في الهاوَن ويَطبُخُه في القِدْرِ ويَصنَعُه فَطائِر، وكانَ طَعْمُه كَطَعْمِ قَطائِفَ بِزَيت. وكانَ عِندَ نُزولِ النَّدى على المُخَيَّمِ لَيلًا يَنزِلُ المَنُّ علَيه. فلَمَّا سَمِعَ موسى الشَّعبَ يَبْكونَ كُلُّ واحِدٍ في عَشيرَتِه وعلى بابِ خَيمَتِه، وقد غَضِبَ الرَّبُّ جِدًّا، ساءَ ذٰلك موسى. فقالَ موسى لِلرَّبّ: «لِمَ أَسأتَ إِلى عَبدِكَ، ولِمَ لَم أَنَلْ حُظوَةً في عَينَيكَ، حتَّى أَلقَيتَ عَلَيَّ عِبْءَ هٰذا الشَّعبِ كُلِّه؟ أَلَعَلِّي أَنا حَمَلتُ هٰذا الشَّعبَ كُلَّه، أَم لَعَلِّي وَلَدتُه حتَّى تَقولَ لي: إِحمِلْه في حِضنِكَ، كما تَحمِلُ الحاضِنُ الرَّضيع، إِلى الأَرضِ الَّتي أَقسَمتَ لآبائِه علَيها؟ مِن أَينَ لي لَحْمٌ أُعْطيه لِهٰذا الشَّعْبِ كُلِّه، فإِنَّه يَبْكي لَدَيَّ ويَقول: أَعطِنا لَحْمًا فنَأكُلَه. لا أُطيقُ أَن أَحمِلَ هٰذا الشَّعبَ كُلَّه وَحْدي، لأَنَّه ثَقيلٌ عَلَيَّ. والآنَ فإِن كُنتَ فاعِلًا بي هٰكذا، فٱقتُلْني، أَسأَلُكَ، ٱقتُلْني إِن نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، ولا أَرى بَلِيَّتي». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِجمَعْ لي سَبْعينَ رَجُلًا مِن شُيوخِ إِسْرائيلَ الَّذينَ تَعلَمُ أَنَّهم شُيوخُ الشَّعْبِ وكَتَبَتُهم، وخُذْهم إِلى خَيمَةِ المَوعِد، فيَقِفوا هُناكَ مَعَكَ. فأَنزِلُ أَنا وأَتَكَلَّمُ معَكَ هُناكَ وآخُذُ مِنَ الرُّوحِ الَّذي علَيكَ وأُحِلُّه علَيهم، فيَحمِلونَ معَكَ عِبْءَ الشَّعبِ ولا تَحمِلُه أَنتَ وَحدَكَ. وقُلْ لِلشَّعْبِ: تَقَدَّسْ لِلْغَد، فسَتأكُلُ لَحْمًا لأَنَّكَ بَكَيتَ على مَسامِعِ الرَّبِّ وقُلتَ: مَن يُطعِمُنا لَحْمًا فقَد كُنَّا بِخَيرٍ في مِصْر. فالرَّبُّ يُعْطيكَ لَحْمًا فتَأكُل، لا يَومًا تأكُلُ ولا يَومَينِ ولا خَمسَةَ أَيَّامٍ ولا عَشَرَةَ أَيَّامٍ ولا عِشْرينَ يَومًا، بل شَهرًا كامِلًا، إِلى أَن يَخرُجَ مِن أَنفِكَ وتَتَقَزَّزَ مِنه، لأَنَّكَ نَبَذتَ الرَّبَّ الَّذي في وَسْطِكَ وبَكَيتَ في وَجهِه وقُلتَ: لِمَ خَرَجْنا مِن مِصْر؟». فقالَ موسى: «إِنَّ الشَّعبَ الَّذي أَنا في وَسْطه هو سِتُّ مِئَةِ أَلْفِ راجِل، وأَنتَ قُلتَ: إِنِّي أُعْطيه لَحْمًا يَأكُلُه شَهرًا كامِلًا. أَفيُذبَحُ لَه غَنَمٌ وبَقَرٌ فيَكْفِيَه؟ أَو يُجمَعُ لَه سَمَكُ البَحرِ كُلُّه فيَكْفِيَه؟» فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «أَيَدُ الرَّبِّ تَقصُرُ الآنَ عن ذٰلك؟ الآنَ تَرى هَل يَتِمُّ لَكَ كَلامي أَم لا». فخَرَجَ موسى وأَخبَرَ الشَّعبَ بِكَلامِ الرَّبّ، وجَمَعَ سَبْعينَ رَجُلًا مِن شُيوخِ الشَّعبِ وأَقامَهم حَوالَيِ الخَيمة. فنَزَلَ الرَّبُّ في الغَمام وخاطَبَ موسى، وأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذي علَيه وأَحَلَّه على الرِّجالِ السَّبعين، أَيِ الشُّيوخ. فلَمَّا ٱستَقَرَّ الرُّوحُ علَيهم، تَنَبَّأُوا، إِلاَّ أَنَّهم لم يَستَمِرُّوا. وبَقِيَ رَجُلانِ في المَخَيَّم، اِسمُ أَحَدِهما أَلْداد وٱسمُ الثَّاني مَيداد. فٱستَقَرَّ الرُّوحُ علَيهما لأَنَّهما كانا مِنَ المُسَجَّلينَ في اللاَّئِحَة، ولكِنَّهما لم يَخرُجا إِلى الخَيمة، فتَنَبَّآ في المُخَيَّم. فأَسرَعَ فتًى وأَخبَرَ موسى وقال: «إِنَّ أَلْدادَ ومَيدادَ يَتَنَبَّآنِ في المُخَيَّم». فأَجابَ يَشوعُ بنُ نون، وهو مُساعِدُ موسى مُنذُ حَداثَتِه، وقال: «يا سَيِّدي، يا موسى، اِمْنَعْهما». فقالَ لَه موسى: «أَلعَلَّكَ تَغارُ أَنتَ لي؟ لَيتَ كُلَّ شَعبِ الرَّبِّ أَنبِياءُ بِإِحْلالِ الرَّبِّ روحَه علَيهم». ثُمَّ عادَ موسى إِلى المُخَيَّم، هو وشُيوخُ إِسْرائيل. وهَبَّت ريحٌ مِن لَدُنِ الرَّبّ، فساقَت سَلْوى مِنَ البَحرِ وأَلْقَته على المُخَيَّمِ على مَسيرةِ يَومٍ مِن هُنا ويَومٍ مِن هُناكَ حَوالَيِ المُخَيَّم، على نَحوِ ذِراعَينِ عن وَجهِ الأَرض. فأَقامَ الشَّعبُ يَومَه كُلَّه ولَيلَتَه وغَدَه يَجمَعُ السَّلْوى. فجَمَعَ أَقَلُّه عَشرَةَ أَحْمار، فسَطَحَها لَه حَوالَيِ المُخَيَّم. وبَينَما اللَّحْمُ لا يَزالُ بَينَ أَسْنانِه قَبلَ أَن يَمضَغَه، إِذ غَضِبَ الرَّبُّ على الشَّعْب، فضَرَبَه الرَّبُّ ضَربَةً شَديدةً جِدًّا. فسُمِّيَ ذٰلك المَكانُ «قِبْروت هَتَأَوَه»، لأَنَّهم دَفَنوا فيه النَّاسَ الَّذينَ ٱشتَهَوا شَهوَةً. ورَحَلَ الشَّعبُ مِن «قِبْروت هَتَأَوَه» إِلى حَصيروت، فأَقاموا هُناك. وتَكَلَّمَت مَريَمُ وهارونُ في موسى بِسَبَبِ المَرأَةِ الحَبَشِيَّةِ الَّتي تَزَوَّجَها، لأَنَّه كانَ قدِ ٱتَّخَذَ ٱمرَأَةً حَبَشِيَّة. وقالا: «تُرى أَبِموسى وَحدَه تَكَلَّمَ الرَّبّ؟ أَلَم يَتَكَلَّمْ بِنا أَيضًا؟» فسَمِعَ الرَّبّ. وكانَ موسى رَجُلًا مُتَواضِعًا جِدًّا أَكثَرَ مِن جَميعِ النَّاسِ الَّذينَ على وَجهِ الأَرض. فقالَ الرَّبُّ فَجأَةً لِموسى وهارونَ ومَريَم: «أُخرُجوا ثَلاثَتُكم إِلى خَيمةِ المَوعِد». فخَرَجوا ثَلاثَتُهم. فنَزَلَ الرَّبُّ في عَمودِ غَمام ووَقَفَ على بابِ الخَيمَة ونادى هارونَ ومَريم. فخَرَجا كِلاهُما. فقال: «إِسمَعا كَلامي: إِنْ يَكُنْ فيكم نَبِيٌّ، فبِالرُّؤيا أَتَعَرَّفُ إِلَيه، أَنا الرَّبّ، وفي حُلْمٍ أُخاطِبُه. وأَمَّا عَبْدي موسى فلَيسَ هٰكذا، بل هو على كُلِّ بَيتي مُؤتَمَن. فمًا إِلى فَمٍ أُخاطِبُه، وعِيانًا لا بِأَلْغاز وصورةَ الرَّبِّ يُعايِن. فلِماذا لم تَهابا أَن تَتَكَلَّما في عَبْدي موسى؟» وغَضِبَ الرَّبُّ علَيهما ومضى. وٱبتَعَدَ الغَمامُ عنِ الخَيمة. وإِذا بِمَريَمَ بَرْصاءُ كالثَّلْج. وٱلتَفَتَ هارونُ إِلى مَريَم، فإِذا هي بَرْصاء. فقالَ هارونُ لِموسى: «يا سَيِّدي، لا تُحَمِّلْنا الخَطيئَةَ الَّتي جُنِنَّا بِٱرتِكابِها، ولا تَبْقَ هٰذه كالمَيتِ عِندَ خُروجِه مِن رَحِمِ أُمِّه، وقَد تأَكَّلَ نِصْفُ جِسْمِه». فصَرَخَ موسى إِلى الرَّبِّ قائِلًا: «أَللَّهُمَّ ٱشفِها». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «لو أَنَّ أَباها بَصَقَ في وَجهها، أَما تَسْتَحْيي سَبعَةَ أَيَّام؟ فلْتُحْجَزْ سَبعَةَ أَيَّامٍ خارِجَ المُخَيَّم، وبَعدَ ذٰلك تُرجَع». فحُجِزَت مَريَمُ خارِجَ المُخَيَّمِ سَبعَةَ أَيَّام، ولم يَرحَلِ الشَّعبُ حتَّى أُرجِعَت مَريَم. وبَعدَ ذٰلك رَحَلَ الشَّعبُ مِن حَصيروت وخَيَّموا في بَرِّيَّةِ فاران. فَكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «أَرسِلْ رِجالًا يَستَطلِعونَ أَرضَ كَنْعانَ الَّتي أَنا مُعْطيها لِبَني إِسْرائيل، رَجُلًا واحِدًا مِن كُلِّ سِبْطٍ مِن أَسْباطِ آبائِهم تُرسِلون، كُلُّ واحِدٍ يَكونُ رَئيسًا مِن بَينِهم». فأَرسَلَهم موسى مِن بَرِّيَّةِ فاران، كما أَمَرَ الرَّبّ، جَميعُهم مِن رُؤَساءِ بَني إِسْرائيل. وهٰذه أَسْماؤُهم: مِن سِبْطِ رَأُوبين شَمُّوعُ بنُ زَكُّور، ومِن سِبْطِ شِمْعون شافاطُ بنُ حُوري، ومِن سِبْطِ يَهوذا كالِبُ بنُ يَفُنَّا، ومِن سِبْطِ يَسَّاكَر يِجْآلُ بنُ يوسُف، ومِن سِبْطِ أَفْرائيم هوشَعُ بنُ نون، ومِن سِبْطِ بَنْيامين فَلْطي بنُ رافو، ومِن سِبْطِ زَبولون جَدِّيئيلُ بنُ سودي، ومِن سِبْطِ يوسُف: مِن سِبْطِ مَنَسَّى جَدِيُّ بنُ سوسي، ومِن سِبْطِ دان عَمِّيئيلُ بنُ جُمَلِّي، ومِن سِبطِ أَشير سَتورُ بنُ ميكائيل، ومِن سِبْطِ نَفْتالي نَحْبِي بنُ وَفْسِي، ومِن سِبْطِ جاد جأُوئيلُ بنُ ماكي. تِلكَ أَسْماءُ الرِّجالِ الَّذينَ أَرسَلَهم موسى لِيَستَطلِعوا الأَرض، وأَطلَقَ موسى على هوشَعَ بنِ نونٍ اِسمَ يَشوع. وأَرسَلَهم موسى لِيَستَطلِعوا أَرضَ كَنْعان وقالَ لَهم: «إِصعَدوا مِنَ النَّقَب، تَصعَدونَ مِنَ الجَبَل، فتَرَوُا الأَرضَ كيفَ هي، والشَّعبَ المُقيمَ بِها أَقَوِيٌّ هو أَم ضَعيف، أَقَليلٌ هو أَم كَثير، وكَيفَ الأَرضُ الَّتي هو ساكِنُها أَجَيِّدَةٌ هي أَم رَديئة، وما المُدُنُ الَّتي هو ساكِنُها أُمُخَيَّماتٌ هي أم حُصون، وكَيفَ الأَرضُ، أَمُخصِبَةٌ أَم عَقيمَة؟ أَفيها شَجَرٌ أَم لا؟ وتَشَدَّدوا وخُذوا مِن ثَمَرِها». وكانَت إِذ ذاكَ أَيَّامُ بَواكيرِ العِنَب. فصَعِدوا وٱستَطلَعوا الأَرضَ مِن بَرِّيَّةِ صينَ إِلى رَحوب، عِندَ مَدخَلِ حَماة. صَعِدوا مِنَ النَّقَبِ ووَصَلوا إِلى حَبْرون. وكانَ هُناكَ أَحيمان وشِيشاي وتَلْماي وهم بَنو عَناق. وكانَت حَبْرونُ قد بُنِيَت قَبلَ صوعَنِ مِصرَ بِسَبعِ سِنين. ثُمَّ وَصَلوا إِلى وادي أَشْكول، وقَطَعوا هُناكَ غُصْنًا بِعُنْقودٍ واحِدٍ مِنَ العِنَب، وحَمَلَه رَجُلانِ بِقَضيبٍ مع شَيءٍ مِنَ الرُّمَّانِ والتِّين. فسُمِّيَ المَكانُ واديَ أَشْكول، بِسَبَبِ العُنقودِ الَّذي قَطَعَه هُناكَ بَنو إِسْرائيل. وعادوا مِنِ ٱستِطلاعِ الأَرضِ بَعدَ أَربَعينَ يَومًا. وساروا حتَّى جاءُوا موسى وهارونَ وجَماعةَ بَني إِسرائيلَ كُلَّها، في بَرِّيَّةِ فاران، في قادِش، وقدَّموا لَهما ولِكُلِّ الجَماعةِ تَقْريرًا، وأَرَوهم ثَمَرَ الأَرض. وقَصُّوا علَيه وقالوا: «قد دَخَلنا إِلى الأَرضِ الَّتي أَرسَلتَنا إِلَيها، فإِذا هي بِالحَقيقةِ تَدُرُّ لَبَنًا حليبًا وعَسَلًا، وهٰذا ثَمَرُها. غَيرَ أَنَّ الشَّعبَ السَّاكِنَ فيها قَوِيٌّ والمُدُنَ مُحَصَّنَةٌ عَظيمةٌ جِدًّا، ورأَينا هُناكَ بَني عَناق. عَماليقُ مُقيمٌ بِأَرضِ النَّقَب، والحِثِّيُّ واليَبوسِيُّ والأَمورِيُّ مُقيمونَ بِالجَبَل، والكَنْعانِيُّ مُقيمٌ عِندَ البَحْرِ وعلى ضَفَّةِ الأَردُنّ». وأَسكَتَ كالِبُ الشَّعبَ أَمامَ موسى قائلًا: «نَصعَدُ نَصْعَدُ ونَمتَلِكُ الأَرضَ، فإِنَّنا قادِرونَ علَيها». وأَمَّا الرِّجالُ الَّذينَ صَعِدوا معَه فقالوا: «لا نَقدِرُ أَن نَخرُجَ على هٰذا الشَّعْب، لأَنَّه أَقْوى مِنَّا». وشَنَّعوا أَمامَ بَني إِسْرائيلَ على الأَرضِ الَّتي ٱستَطلَعوها وقالوا: «الأَرضُ الَّتي مَرَرنا بِها لِنَستَطلِعَها هي أَرضٌ تأكُلُ أَهلَها، وكُلُّ الشَّعبِ الَّذي رأَيناه فيها أناسٌ طِوالُ القامات. وقد رأَينا هُناكَ مِنَ الجَبابِرَة جَبابِرَةَ بَني عَناق، فكُنَّا في عُيونِنا كالجَراد، وكذٰلك كُنَّا في عُيونِهم». فَرَفَعَتِ الجَماعَةُ كُلُّها صَوتَها وصَرَخَت، وبَكى الشَّعبُ في تِلكَ اللَّيلَة. وتَذَمَّرَ على موسى وهارونَ جَميعُ بَني إِسْرائيل، وقالَت لَهما الجَماعةُ كُلُّها: «يا لَيتَنا مُتْنا في أَرضِ مِصْر! يا لَيتَنا مُتْنا في هٰذه البَرِّيَّة! لِماذا أَتى الرَّبُّ بِنا إِلى هٰذه الأَرضِ حَتَّى نَسقُطَ تَحتَ السَّيفِ وتَصيرَ نِساؤُنا وأَطْفالُنا غَنيمةً؟ أَليسَ خَيرًا لَنا أَن نَعودَ إِلى مِصْر؟» وقالَ بَعضُهم لِبَعض: «لِنُقِمْ رَئيسًا ونَعُدْ إِلى مِصْر». فسَقَطَ موسى وهارونُ على وَجهَيهِما أَمامَ جُمْهورِ جَماعةِ بَني إِسْرائيلَ كُلِّه. وأَمَّا يَشوعُ بنُ نونٍ وكالِبُ بنُ يَفُنَّا مِمَّنِ ٱستَطلَعوا الأَرض، فَمَزَّقا ثِيابَهما، وكَلَّما جَماعةَ بَني إِسْرائيلَ كُلَّها قائِلينَ: «إِنَّ الأَرضَ الَّتي مَرَرنا بِها لِنَستَطلِعَها أَرضٌ جَيِّدةٌ جِدًّا جِدًّا. فإِن كانَ الرَّبُّ راضِيًا عَنَّا، فإِنَّه يُدخِلُنا إِلى هٰذه الأَرض ويَهَبُها لَنا أَرضًا تَدُرُّ لَبَنًا حليبًا وعَسَلًا. لٰكِن على الرَّبِّ لا تَتَمَرَّدوا، ولا تَخافوا شَعبَ هٰذه الأَرض، فإِنَّه طَعامٌ لَنا وقد زالَ عنه ظِلُّ حِمايَتِه، والرَّبُّ معَنا فلا تخافوه». فقالَتِ الجَماعةُ كُلُّها: «لِيُرجَما بِالحِجارة». فَظَهَرَ مَجدُ الرَّبِّ في خَيمةِ المَوعِدِ لِجَميعِ بَني إِسْرائيل. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِلى مَتى يَستَهينُ بي هٰذا الشَّعْب، وإِلى مَتى لا يُؤمِنُ بي بِالرَّغْمِ مِن جَميعِ الآياتِ الَّتي صَنَعتُها في وَسْطِه؟ هاءَنَذا أَضرِبُه بِالوَباء وأَقْضي علَيه، وأَجعَلُكَ أَنتَ أُمَّةً أَعظَمَ وأَكثَرَ مِنه». فقالَ موسى لِلرَّبّ: «لقد سَمِعَ المِصرِيُّونَ أَنَّكَ أَصعَدتَ هٰذا الشَّعبَ مِن بَينِهم بِقُوَّتِكَ، فأَخبَروا بِذٰلك أَهْلَ هٰذه الأَرض، وسَمِعوا أَيضًا أَنَّكَ، يا ربّ، في وَسْطِ هٰذا الشَّعبِ الَّذي تَراءَيتَ لَه، يا ربّ، وَجهًا لِوَجْه، وأَنَّ غَمامَكَ مُقيمٌ فَوقَهم وأَنَّكَ سائِرٌ أَمامَهم بِعَمودِ غَمامٍ نَهارًا وبِعَمودِ نارٍ لَيلًا. فإِذا أَمَتَّ هٰذا الشَّعبَ كَرَجُلٍ واحِد، تَحَدَّثَتِ الأُمَمُ الَّتي سَمِعَت بِأَخبارِكَ هٰذه قائلةً: لأَنَّ الرَّبَّ لم يَستَطِعْ أَن يُدخِلَ هٰذا الشَّعبَ إِلى الأَرضِ الَّتي أَقسَمَ لَه علَيها، ذَبَحَه في البَرِّيَّة. والآن لِتَعظُمْ قُوَّةُ الرَّبّ، كَما تَكَلَّمتَ قائلًا: إِنَّ الرَّبَّ طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الرَّحمَة يَحتَمِلُ الإِثْمَ والمَعصِية، لٰكِنَّه لا يَتَغاضى عن شَيء، بل يُعاقِبُ إِثْمَ الآباءِ في البَنينَ إِلى الجيلِ الثَّالِثِ والرَّابِع. فٱغفِرْ إِثْمَ هٰذا الشَّعبِ بِحَسَبِ عَظيمِ رَحمَتِكَ، كَما ٱحتَمَلتَ هٰذا الشَّعبَ مِن مِصرَ إِلى هٰهُنا». فقالَ الرَّبّ: «قد غَفَرتُ بِحَسَبِ قَولِكَ، ولٰكِن - حَيٌّ أَنا! ومَجدُ الرَّبِّ يَملأُ الأَرضَ كُلَّها - إِنَّ جَميعَ الرِّجالِ الَّذينَ رَأَوا مَجْدي وآياتي الَّتي صَنَعتُها في مِصرَ وفي البَرِّيَّة، وجَرَّبوني عَشْرَ مَرَّات، ولم يَسمَعوا لِقَولي، لَن يَرَوا الأَرضَ الَّتي أَقسَمتُ علَيها لآبائِهم، وكُلُّ مَنِ ٱستَهانَ بي لن يَراها. وأَمَّا عَبدي كالِب، فِيما أَنَّه كانَ لَه روحٌ آخَر، وأَحسَنَ الإِنقِيادَ لي، فإِيَّاه أُدخِلُ الأَرضَ الَّتي أَتاها ونَسْلُه يَرِثُها. والآنَ فالعَمالِيقيُّ والكَنْعانِيُّ مُقيمانِ في الغَور، فٱرتَدُّوا في الغَد وٱرحَلوا إِلى البَرِّيَّةِ نَحوَ بَحرِ القَصَب». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ قائِلًا: «إِلى مَتى هٰذه الجَماعةُ الشِّرِّيرَةُ المُتَذَمِّرَةُ عَلَيَّ...؟ فلَقَد سَمِعتُ تَذَمُّرَ بَني إِسْرائيلَ الَّذي تَذَمَّروه عَلَيَّ. فقُلْ لَهم: حَيٌّ أَنا - يَقولُ الرَّبّ - لَأَصنَعَنَّ بِكُم كما تَكَلَّمتُم على مَسامعي. في هٰذه البَرِّيَّةِ تَسقُطُ جُثَثُكم، كُلُّ المُحصَينَ مِنكم بِحَسَبِ عَدَدِكم، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، أَنتُمُ الَّذينَ تَذَمَّروا علَيَّ. لن تَدخُلوا الأَرضَ الَّتي رَفَعتُ يَدي مُقسِمًا أَن أُسكِنَكم فيها، إِلاَّ كالِبَ بنَ يَفُنَّا ويَشوعَ بنَ نون. وأَطْفالُكمُ الَّذينَ قُلتُم إِنَّهم يَصيرونَ غَنيمةً، إِيَّاهم أُدخِلُ الأَرضَ الَّتي رَذَلتُموها، وهُم سَيَعرِفونَها. وأَمَّا جُثَثُكم أَنتُم فسَتَسقُطُ في هٰذه البَرِّيَّة. وبَنوكم يَكونونَ رُعاةً في البَرِّيَّةِ أَربَعينَ سَنةً ويَحمِلونَ زِناكم إِلى أَن تَفْنى جُثَثُكم فيها. بِعَدَدِ الأَيَّامِ الَّتي ٱستَطلَعتُمُ الأَرضَ فيها، وهي أَربَعونَ يَومًا، كُلُّ يَومٍ بِسَنَة، تَحمِلونَ آثامَكم أَربَعينَ سَنةً فتَعرِفونَ عَدائي. أَنا الرَّبُّ قد تَكَلَّمتُ، ذٰلك ما أَصنَعُ بِكُلِّ هٰذه الجَماعةِ الشِّرِّيرةِ المُتَحالِفَةِ علَيَّ: إِنَّهم في هٰذه البَرِّيَّةِ يَفنَون وهٰهُنا يَموتون». أَمَّا الرِّجالُ الَّذينَ أَرسَلَهم موسى لِيَستَطلِعوا الأَرض ورَجَعوا وجَعَلوا الجَماعةَ كُلَّها تَتَذَمَّرُ علَيه بِتَشنِيعِهم على الأَرض، فماتَ أُولٰئِكَ الرِّجالُ المُشَنِّعونَ على الأَرضِ بِضَربَةٍ أَمامَ الرَّبّ. وأَمَّا يَشوعُ بنُ نون وكالِبُ بنُ يَفُنَّا وهُما مِنَ الرِّجالِ الَّذينَ مَضَوا فٱستَطلَعوا الأَرض، فبَقِيا على قَيدِ الحَياة. ولَمَّا كَلَّمَ موسى بِهٰذا الكَلامِ جَميعَ بَني إِسْرائيل، حَزِنَ الشَّعبُ حُزنًا شَديدًا، ثُمَّ بَكَّروا في الغَداة وصَعِدوا إِلى رأسِ الجَبَلِ وقالوا: «ها نَحنُ صاعِدونَ إِلى المَكانِ الَّذي ذَكَرَه الرَّبّ، فقَد خَطِئنا». فقالَ موسى: «لِماذا تَتَعَدَّونَ أَمرَ الرَّبّ؟ فلا نَجاحَ في ذٰلك. لا تَصعَدوا، فإِنَّ الرَّبَّ لَيسَ معَكم، فلا تَنهَزِموا أَمامَ أَعدائِكم. فإِنَّ العَماليقيَّ والكَنْعانِيَّ هُناكَ أَمامَكم، فتَسقُطونَ بِالسَّيف، وأَنتُم قدِ ٱرتَدَدتُم عنِ الرَّبّ، فلا يَكونُ الرَّبُّ معَكم». لٰكِنَّهم تَجاسَروا على الصُّعودِ إِلى رأسِ الجبَل، وتابوتُ عَهدِ الرَّبِّ وموسى لم يَبرَحا مِن وَسَطِ المُخَيَّم. فنَزَلَ العَماليقِيُّ والكَنْعانِيُّ المُقيمانِ بِذٰلِكَ الجَبَل فضَرَباهم وحَطَّماهم إِلى حُرمَة. وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِذا دَخَلتُم أَرضَ سُكْناكُمُ الَّتي أَنا مُعْطيكم إِيَّاها، فَصَنَعتُم ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ، مُحرَقةً كانت أَو ذَبيحةً لِوَفاءِ نَذْر أَو تَقدِمةً طَوعِيَّة، أَو في مَواسِمِكم، رائحَةَ رِضًى لِلرَّبّ، مِنَ البَقَرِ أَوِ الغَنَم، فلْيُقَرِّبْ صاحِبُ ذٰلك القُرْبانِ تَقدِمَةً لِلرَّبّ، عُشْرَ سَميذٍ مَلْتوتًا بِرُبْعِ هينٍ مِنَ الزَّيت، وخَمرَ سَكيبٍ رُبعَ هينٍ تُضيفُه إِلى المُحرَقَةِ أَو إِلى الذَّبيحَةِ لِلحَمَلِ الواحِد. وإِن كانَ كَبشًا، فٱصنَعْ تَقدِمةً عُشْرَي سَميذٍ مَلْتوتَينِ بِثُلْثِ هينٍ مِنَ الزَّيت، وخَمْرَ سَكيبٍ ثُلْثَ هينٍ تُقَرِّبُه رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ. وإِن صَنَعتَ مِنَ العِجْلِ مُحرَقةً أَو ذَبيحةً لِوَفاءِ نَذْرٍ أَو ذَبيحَةً سلامِيَّةً لِلرَّبّ، فلْيُقَرَّبْ مع العِجْلِ تَقدِمَةٌ، ثَلاثَةُ أَعْشارِ سَميذٍ مَلْتوتةٌ بِنِصْفِ هينٍ مِنَ الزَّيت. وتُقَرِّبُ معَه خَمرَ سَكيبٍ نِصْفَ هينٍ ذَبيحةً بِالنَّارِ رِضًى لِلرَّبّ. كَذا يُصنَعُ مع كُلِّ ثَورٍ وكُلِّ كَبْشٍ وكُلِّ رأسٍ مِنَ الضَّأنِ أَوِ المَعِز. بِحَسَبِ عَدَدِ ما تَذبَحونَ مِنها، كذٰلك تَصنَعونَ مع كُلِّ واحِدٍ بِحَسَبِ عَدَدِها. كَذا يَصنَعُ كُلٌّ مِن أَبْناءِ البَلَد، إِذا قَرَّبَ ذَبيحةً بِالنَّار رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ. وأَيُّ نَزيلٍ نَزَلَ بِكم أَو سَكَنَ فيما بَينَكم مَدى أَجْيالِكم، فصَنَعَ ذَبيحةً بِالنَّارِ رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ، فلْيُصنَعْ كَما تَصنَعون. فَريضَةٌ واحِدَةٌ في الجَماعةِ لَكم وللنَّزِيلِ النَّازِلِ بَينَكم، فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجْيالِكم: يَكونُ النَّزيلُ مِثلَكم أَمامَ الرَّبّ. شَريعةٌ واحِدَةٌ وحُكْمٌ واحِدٌ يَكونانِ لَكم ولِلنَّزيلِ النَّازِلِ فيما بَينَكم». وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِذا دَخَلتُمُ الأَرضَ الَّتي أَنا أُدخِلُكم إِيَّاها، وإِذا أَكَلتُم مِن خُبزِ هٰذه الأَرض، فقَدِّموا مِنه تَقدِمةً لِلرَّبّ. مِن بَواكيرِ عَجينِكم تُقَدِّمونَ تَقدِمةَ قُرصٍ مِنَ الحَلْوى، تُقَدِّمونَها كتَقدِمَةِ البَيدر. مِن بَواكيرِ عَجينِكم تَجعَلونَ لِلرَّبِّ تَقدِمةً مَدى أَجْيالِكم. وإِن سَهَوتُم فلَم تَعمَلوا بِجَميعِ هٰذه الوَصايا الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ بِها موسى، بِكلِّ ما أَمَرَكُمُ الرَّبُّ بِه على لِسانِ موسى، مُنذُ يَومَ أَمَرَ الرَّبُّ فصاعِدًا مدى أَجْيالِكم، فإِن خَفِيَتِ الخَطيئَةُ على عُيونِ الجَماعَةِ سَهْوًا، فلْتَصنَعِ الجَماعَةُ كُلُّها مِن عِجْلِ البَقَرِ مُحرَقَةً رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ، مع تَقدِمَتِه وسَكيبِه بِحَسَبِ الفَريضَة، ومِن تَيسِ المَعِزِ ذَبيحةَ خَطيئة. فيُكَفِّرُ الكاهِنُ عن جَماعةِ بَني إِسْرائيل، فيُغفَرُ لَهم، لأَنَّ ذٰلك سَهْو، وقَد أَتَوا بِقُرْبانِهم ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ وذَبيحةَ خطيئَتِهم أَمامَ الرَّبِّ عن سَهْوِهم. فيُغفَرُ لِجَماعةِ بَني إِسْرائيلَ كُلِّها ولِلنَّزيلِ النَّازلِ فيما بَينَهم، فالشَّعبُ كُلُّه خَطِئَ سَهوًا. وإِن خَطِئَ إِنْسانٌ واحِدٌ سَهْوًا، فلْيُقَرِّبْ عَنزَةً حَولِيَّةً ذَبيحةَ خَطيئَة. فيُكَفِّرُ الكاهِنُ عن ذٰلك الإِنسانِ الَّذي سَها فخَطِئَ سَهْوًا أَمامَ الرَّبِّ تَكْفيرًا عنه، فيُغفَرُ لَه. لِٱبنِ البَلَدِ مِن بَني إِسْرائيل ولِلنَّزيلِ النَّازِلِ فيما بَينَهم شَريعةٌ واحِدَةٌ تَكونُ لَكم لِمَن خَطِئَ سَهْوًا. وأَيُّ إِنْسانٍ مِن أَبْناءِ البَلَدِ والنُّزَلاءِ تَعَمَّدَ الخَطيئَة، فقَد جَدَّفَ على الرَّبّ، فيُفصَلُ ذٰلك الإِنسانُ مِن وَسْطِ شَعبِه، لأَنَّه ٱزدَرى كَلامَ الرَّبّ وخالَفَ وَصِيَّته، فيُفصَلُ ذٰلك الإِنسانُ مِن وَسْطِ شَعبِه: إِثمُه فيه». ولَمَّا كانَ بَنو إِسْرائيلَ في البَرِّيَّة، وجَدوا رَجُلًا يَجمَعُ حَطَبًا في يَومِ السَّبت، فقادَه الَّذينَ وَجَدوه يَجمَعُ حَطَبًا إِلى موسى وهارونَ وكُلِّ الجَماعة. فَوَضَعوه تَحتَ الحِراسة، لأَنَّه لم يَتَبَيَّنْ ما يُصنَعُ بِه. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «يُقتَلُ الرَّجُلُ قَتْلًا: تَرجُمُه بِالحِجارَةِ الجَماعةُ كُلُّها في خارِجِ المُخَيَّم». فأَخرَجَته الجَماعةُ كُلُّها إِلى خارِجِ المُخَيَّم، ورَجَموه بالحِجارةِ فمات، كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ ومُرْهم أَن يَصنَعوا لَهم أَهْدابًا على أَذْيالِ ثِيابِهم مدى أَجْيالِهم ويَجعَلوا على هُدْبِ الذَّيْلِ سِلْكًا مِنَ البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيّ. فيَكونَ ذٰلك لَكم هُدْبًا فتَرَونَه وتَذكُرونَ جَميعَ وَصايا الرَّبِّ وتَعمَلونَ بِها، ولا تَتيهونَ وراءَ قُلوبِكم وعُيونِكمُ الَّتي أَنتُم تَزْنونَ وَراءَها، فتَتَذَكَّروا وتَعمَلوا بِجَميعِ وَصايايَ وتَكونوا مُقَدَّسينَ لإلٰهِكم. أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكمُ الَّذي أَخرَجَكم مِن أَرضِ مِصرَ، لِيَكونَ لَكم إِلٰهًا: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم». وتَكبَّرَ قُورَحُ بنُ يِصْهارَ بنِ قَهاتَ بنِ لاوي وداثانُ وأَبيرامُ ٱبنا آليآب وأَونُ بنُ فالَت مِن بَني رأُوبين، وقاموا على موسى هُم ومِئَتانِ وخَمْسونَ رَجُلًا مِن بَني إِسْرائيل، وهُم مِن زُعَماءِ الجَماعةِ المَشْهورينَ الَّذينَ يُدعَونَ إِلى المَجمَع. وٱجتَمَعوا على موسى وهارونَ وقالوا لَهما: «كَفاكُما! إِنَّ الجماعةَ كُلَّها مُقَدَّسة، والرَّبُّ في وَسْطِها، فما بالُكُما تَتَرَفَّعانِ على جَماعةِ الرَّبّ»؟ فلَمَّا سَمِعَ ذٰلك موسى سَقَطَ على وَجهِه، وكَلَّمَ قُورَحَ وكُلَّ جَماعَتِه وقالَ لَهم: «غدًا يُعلِمُ الرَّبُّ مَن هو لَه ومَنِ المُقَدَّسُ فيُقَرِّبُه إِلَيه، فالَّذي يَخْتارُه يُقَرِّبُه إِلَيه. إِصنَعوا هذا: خُذوا لَكم مَجامِر، يا قُورَحُ وكُلَّ جماعَتِه، وضَعوا فيها نارًا وأَلْقوا فيها بَخورًا أَمامَ الرَّبِّ غدًا، فأَيُّ رَجُلٍ ٱخْتارَه الرَّبّ، فهُو المُقَدَّس. كفاكُم يا بَني لاوي». ثُمَّ قالَ موسى لِقُورَح: «إِسمَعوا يا بَني لاوي: أَقَليلٌ عِندكم أَنْ أَفرَدَكم إلٰهُ إِسْرائيلَ مِن جَماعةِ إِسْرائيل وقَرَّبَكم إِلَيه لِتَقوموا بِخِدمَةِ مَسكِنِ الرَّبِّ وتَقِفوا أَمامَ الجَماعةِ تَخدُمونها؟ إِنَّه قَرَّبَكَ أَنتَ وسائِرَ إِخوَتِكَ بَني لاويَ معكَ، وأَنتُم تَطلُبونَ الكَهَنوتَ أَيضًا! فَلِذٰلِكَ على الرَّبِّ ٱجتَمَعتَ أَنتَ وكُلُّ جَماعَتِكَ: فما هو هارونُ حتَّى تَتَذَمَّروا عليه؟». وأَرسَلَ موسى ودَعا داثانَ وأَبيرامَ ٱبنَي أليآب. فقالا: «لا نَذهَب. أَقليلٌ أَنَّكَ أَصعَدتَنا مِن أَرضٍ تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا، لِتَقتُلَنا في البَرِّيَّة، حتَّى تَجعَلَ مِن نَفسِكَ رَئيسًا علَينا فَوقَ ذٰلك؟ فإِنَّكَ لا إِلى أَرضٍ تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا أَدخَلتَنا ولا ميراثَ حُقولٍ وكُرومٍ أَعطَيتَنا. أَفتَقلَعُ عُيونَ هٰؤُلاءِ النَّاس؟ لا نَذهَب». فغَضِبَ موسى جِدًّا وقالَ لِلرَّبّ: «لا تَلتَفِتْ إِلى تَقدِمَتِهما، فإِنِّي لم آخُذْ مِن أَحَدٍ مِنهم حِمارًا ولا أَسأتُ إِلى أَحَدٍ مِنهم». ثُمَّ قالَ موسى لِقُورَح: «كُنْ أَنتَ وجَماعَتُكَ أَمامَ الرَّبّ، أَنتَ وهي وهارونُ غدًا. ولْيَأخُذْ كُلٌّ مِجمَرَتَه وأَلْقوا فيهما بَخورًا وقَرِّبوا أَمامَ الرَّبِّ كُلٌّ مِجمَرَتَه - مِئَتَينِ وخَمْسينَ مِجْمَرَة - وأَنتَ وهارونُ كُلٌّ مِجمَرَتَه. فأَخَذَ كُلٌّ مِجمَرَتَه ووَضَعوا فيها نارًا وأَلْقَوا بَخورًا ووَقَفوا على بابِ خَيمةِ المَوعِدِ مع موسى وهارون. وجَمَعَ علَيهما قُورَحُ كُلَّ الجَماعةِ عِندَ بابِ خَيمةِ المَوعِد، فتَجَلَّى مَجدُ الرَّبِّ لِلجَماعَةِ كُلِّها. وخاطَبَ الرَّبُّ موسى وهارونَ قائلًا: «إِنفَرِدا عن هٰذه الجَماعة لأَنِّي سأُفْنيها في لَحظَة». فسَقَطا على وَجهَيهِما وقالا: «اللَّهُمَّ، يا إلٰهَ أَرْواحِ كُلِّ بَشَر، رَجُلٌ واحِدٌ يَخطَأُ وعلى الجَماعَةِ كُلِّها تَغضَب؟» فخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمِ الجَماعَةَ وقُلْ لَها: إِبتَعِدي مِن حَوالَيَّ إِلى مسكِنِ قُورَح وداثانَ وأَبيرام». فقامَ موسى ومَضى إِلى داثانَ وأَبيرام، ومَضى وَراءَه شُيوخُ إسْرائيل. فكَلَّمَ الجَماعةَ قائلًا لَهم: «تَباعَدوا عن خِيَمِ النَّاسِ الأَشْرار، ولا تَمَسُّوا شَيئًا مِمَّا لَهم، لِئَلاَّ تَهلِكوا بِسَبَبِ جَميعِ خَطاياهم». فتَباعَدوا عن حَوالَي مَسكِنِ قُورَحَ وداثانَ وأَبيرام، وخَرَجَ داثانُ وأَبيرامُ ووَقَفا على أَبْوابِ خِيَمِهما، هُما ونِساؤُهُما وبَنوهما وأَطفالُهما. فقالَ موسى: «بِهٰذا تَعلَمونَ أَنَّ الرَّبَّ أَرسَلَني لأَعمَلَ جَميعَ هٰذه الأَعْمال وأَنِّي لا أَعمَلُها مِن تِلْقاءِ نَفْسي. فإِن ماتَ هٰؤُلاءِ مِيتَةَ كُلِّ إِنْسان وأُصيبوا بِما يُصيبُ كُلَّ إِنْسان، فليسَ الرَّبُّ هو الَّذي أَرسَلَني. وأَمَّا إِن أَبدَعَ الرَّبُّ بَديعةً، ففَتَحَتِ الأَرضُ فاها فٱبتَلَعَتهم بِكُلِّ ما لَهم وهَبطوا أَحْياءً إِلى مَثْوى الأَمْوات، عَلِمتُم أَنَّ هٰؤُلاءِ النَّاسَ قدِ ٱستَهانوا بِالرَّبّ». فكانَ عِندَ ٱنتِهائِه من هٰذا الكَلامِ كُلِّه أَنِ ٱنشَقَّتِ الأَرضُ الَّتي تَحتَهم، وفَتَحَتِ الأَرضُ فاها فٱبتَلَعتهم، هم وبُيوتَهم وجَميعَ رِجالِ قُورَح وجَميعَ أَموالِهم. فهَبَطوا، هُم وكُلُّ ما لَهم، أَحْياءً إِلى مَثْوى الأَمْوات، وأَطبَقَتِ الأَرضُ علَيهم وبادوا مِن بَينِ الجَماعة. فهَرَبَ جَميعُ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ حَوالَيهم عِندَ صُراخِهم، لأَنَّهم قالوا: «لِئَلاَّ تَبتَلِعَنا الأَرض». وخَرَجَت نارٌ مِن عِندِ الرَّبِّ فأَكَلَتِ الرِّجالَ المِئَتَينِ والخَمْسينَ الَّذينَ قَرَّبوا البَخور. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ أَلِعازارَ ٱبنَ هارونَ الكاهنَ بأَن يَرفَعَ المَجامِرَ مِنَ المَوقِد ويُذَرِّيَ النَّارَ بَعيدًا، لأَنَّ مَجامِرَ أُولٰئِكَ الخاطِئينَ قد تَقَدَّسَت لِقاءَ نُفوسِهم، ولْيُجْعَلْ مِنها صَفائِحُ مُطَرَّقةٌ لِغِطاءِ المَذبَح، لأَنَّها قد قُدِّمَت أَمامَ الرَّبِّ فصارَت مُقَدَّسة، وسَتَكونُ آيةً لِبَني إِسْرائيل». فأَخَذَ أَلِعازارُ الكاهِنُ مَجامِرَ النُّحاسِ الَّتي قَدَّمَها المُحتَرِقون، فَطرَّقوها لِتَكونَ غِطاءً لِلمَذبَح، ذِكْرًا لِبَني إِسْرائيل، لِكَي يَتَقَدَّمَ رَجُلٌ غَيرُ كاهِنٍ ومِن غَيرِ نَسْلِ هارون، لِيُحرِقَ بَخورًا أَمامَ الرَّبّ، فيَكونَ كقُورَحَ وجَماعَتِه، كَما تَكَلَّمَ الرَّبُّ على لِسانِ موسى. فتَذَمَّرَت جَماعةُ بَني إِسْرائيلَ في الغَدِ على موسى وهارونَ وقالوا: «قد أَمَتُّما شَعبَ الرَّبّ». وكانَ، لَمَّا ٱجتَمَعَتِ الجَماعةُ على موسى وهارون، أَنَّهما ٱلتَفَتا إِلى خَيمَةِ المَوعِد، فإِذا بِالغَمامِ قد غَطَّاهما وتَجَلَّى مَجدُ الرَّبّ. فأَتى موسى وهارونُ إِلى أَمامِ خَيمةِ المَوعِد. فكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِنفَرِدا عن تِلكَ الجَماعة فأُفنِيَها في لَحظَة». فسَقَطا على وَجهَيهِما. وقالَ موسى لِهارون: «خُذِ المِجمَرَةَ وضَع فيها نارًا تأخُذُها مِن فَوقِ المَذبَح، وأَلْقِ بَخورًا وٱذْهَبْ بِها مُسرِعًا إِلى الجَماعة، وكَفِّرْ عنها، فإِنَّ الغَضَبَ قد خَرَجَ مِن لَدُنِ الرَّبّ، وقد بَدَأَتِ الضَّربَة». فأَخَذَها هارونُ كما قالَ موسى، وأَسرَعَ إِلى وَسْطِ الجَماعة، فإِذا الضَّربَةُ قد بَدَأَت في الشَّعْب. فوَضَعَ البَخورَ وكَفَّرَ عن الشَّعْب. ووَقَفَ بَينَ المَوتى والأَحْياء، فكَفَّتِ الضَّربَة. فكانَ الَّذينَ ماتوا بِالضَّربَةِ أَربَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وسَبْعَ مِئَة، عدا مَن ماتَ بِسَبَبِ قُورَح. ورَجَعَ هارونُ إِلى موسى، إِلى بابِ خَيمَةِ المَوعِد، وقد كَفَّتِ الضَّربَة. وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وخُذْ منهم فَرْعًا، فَرْعًا مِن كُلِّ بَيتِ أَبٍ مِن جَميعِ زُعمائِهم على حَسَبِ بُيوتِ آبائِهم، أَيِ ٱثنَي عَشَرَ فَرْعًا، وٱكْتُبِ ٱسمَ كُلِّ واحِدٍ على فَرعِه. وأَمَّا ٱسمُ هارونَ فٱكتُبْه على فَرْعِ لاوي، لأَنَّ فَرْعًا واحِدًا يَكونُ لِكُلِّ رَبٍّ مِن بُيوتِ آبائِهم. وضَعِ الفُروعَ في خَيمةِ المَوعِدِ أَمامَ الشَّهادة، حَيثُ أَجتَمِعُ بِكم. فالرَّجُلُ الَّذي أَخْتارُه يُفرِخُ فَرعُه، فأَصرِفُ عَنِّي تَذَمُّراتِ بَني إِسْرائيلَ الَّتي يَتَذَمَّرونَها علَيكما». فكَلَّمَ موسى بَني إِسْرائيل، فسلَّمَه كُلٌّ مِن زُعمائِهم فَرْعًا، فَرْعًا مِن كُلِّ زَعيم على حَسَبِ بُيوتِ آبائِهم، أَيِ ٱثنَي عَشَرَ فَرْعًا، وفَرعُ هارونَ فيما بَينَ فُروعِهم. فوَضَعَ موسى الفُروعَ أَمامَ الرَّبِّ في خَيمةِ الشَّهادة. وكانَ في الغَدِ أَنَّ موسى دَخَلَ خَيمةَ الشَّهادة، فإِذا فَرْعُ هارونَ الَّذي هو لِبَيتِ لاوي قد أَفرَخَ وبَرعَمَ وأَزهَرَ وأَنضَجَ لَوزًا. فأَخرَجَ موسى جَميعَ الفُروعِ مِن أَمامِ الرَّبِّ إِلى جَميعِ بَني إِسْرائيل، فرَأَوها وأَخَذَ كُلُّ واحِدٍ فَرعَه. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «رُدَّ فَرْعَ هارونَ إِلى أَمامِ الشَّهادة لِيُحفَظَ آيةً لِلمُتَمَرِّدين، فَتُزيلَ عنِّي تَذَمُّرَهم ولا يَموتوا». فعَمِلَ موسى بِما أَمَرَه الرَّبُّ به، هٰكذا عَمِلَ. فكَلَّمَ بَنو إِسْرائيلَ موسى وقالوا: «قد فاضَت أَرْواحُنا وهَلَكْنا، قد هَلَكْنا جَميعُنا. إِنَّ كُلَّ مَن تَقَدَّمَ إِلى مَسكِنِ الرَّبِّ يَموت. أَفتُرى تَفيضُ أَرْواحُنا كُلُّها؟». وقالَ الرَّبُّ لِهارون: «أَنتَ وبَنوكَ وبَيتُ أَبيكَ معَكَ تَحمِلونَ وِزْرَ المَقدِس، وأَنتَ وبَنوكَ معَكَ تَحمِلونَ وِزْرَ كَهَنوتِكم. وقَدِّمْ معكَ أَيضًا إِخوَتَكَ مِن فَرعِ لاوي، مِن سِبْطِ أَبيكَ، فيُلحَقوا بِكَ ويُساعِدوكَ، حينَ تَكونُ أَنتَ وبَنوكَ معَكَ أَمامَ خَيمةِ الشَّهادة. ويَكونونَ مَسْؤُولينَ عن عَمَلِكَ وعنِ الخَيمةِ كُلِّها، لٰكِن لا يَتَقَدَّموا إِلى أَمتِعةِ القُدْسِ وإِلى المَذبَح لِئَلاَّ يَموتوا وإِيَّاكم. يُلحَقونَ بِكَ ويَكونونَ مَسْؤولينَ عن خَيمةِ المَوعِدِ وجَميعِ خِدمَتِها. وأَمَّا غَيرُهم فلا يَتَقَدَّمْ إِلَيكم. وتَكونونَ أَنتُم مَسؤُولينَ عنِ القُدْسِ وعنِ المَذبَح، لِئَلاَّ يَعودَ الغَضَبُ على بَني إِسْرائيل. وهاءَنذا قد أَخَذتُ إِخوَتَكمُ اللاَّوِيِّينَ مِن بَينِ إِسْرائيلَ هِبَةً لَكم وهُم مَوهوبونَ لِلرَّبِّ لِيَقوموا بِخِدمَةِ خَيمةِ المَوعِد. وأَنتَ وبَنوكَ معَكَ تُمارِسونَ كَهَنوتَكم في كُلِّ ما لِلمَذبَحِ وما في داخِلِ الحِجاب، وتَخدُمون. فإِنِّي جَعَلتُ كَهَنوتَكم خِدمةً مَوهوبة، وأَيٌّ غَيرُكم تَقَدَّمَ، يَموت». وقالَ الرَّبُّ لِهارون: «ها إِنِّي قد أَعطَيتُكَ المَسؤُولِيَّةَ عن تَقادِمي، وجَميعُ أَقْداسِ بَني إِسْرائيلَ أَعطَيتُكَ إِيَّاها نَصيبًا لَكَ ولِبَنيكَ، فَريضةً أَبَدِيَّة. هٰذا يَكونُ لَكَ مِن قُدْسِ الأَقْداس، عدا ما يُحرَق: جَميعُ قَرابينِهمِ الَّتي يَرُدُّونَها لي، أَي جَميعُ تَقادِمهم وذَبائِحِ خَطيئَتِهم وذَبائِحِ إِثْمِهم، إِنَّها قُدْسُ أَقْداسٍ تَكونُ لَكَ ولِبَنيكَ. في قُدْسِ أَقْداسٍ تأكُلُها، كُلُّ ذَكَرٍ يأكُلُ مِنها، وقُدْسًا تَكونُ لَكَ. وهٰذه تَكونُ لَكَ: التَقادِمُ مِن عَطايا بَني إِسْرائيلَ ومِن قَرابينِهِمِ المُحَرَّكة، لَكَ جَعَلتُها ولِبَنيكَ ولِبَناتِكَ معَكَ فَريضةً أَبَدِيَّة. كُلُّ طاهِرٍ في بَيتِكَ يأكُلُها. جَميعُ خِيارِ الزَّيتِ والنَّبيذِ والقَمْحِ، تِلكَ البَواكيرِ الَّتي يُعطونَها لِلرَّبّ، لَكَ أُعْطيها. وما يَأتونَ بِه لِلرَّبِّ مِن بَواكيرِ كُلِّ ما في أَرضِهم لَكَ تَكون: كُلُّ طاهِرٍ في بَيتِكَ يأكُلُها. وكُلُّ مُحَرَّمٍ في إِسْرائيلَ يَكونُ لَكَ. وكُلُّ فاتِحِ رَحِمٍ مِن كُلِّ جَسَدٍ، مِنَ البَشَرِ والبَهائِم، يُقَدِّمونَه لِلرَّبّ، يَكونُ لَكَ، لٰكِنَّكَ تَفْدي أَبْكارَ البَشَرِ وأَبْكارَ البَهائِمِ النَّجِسة. ويَكونُ فِداؤُه مِن عُمْرِ شَهْرٍ بِحَسَبِ تَقْييمِكَ، أَي بِخَمسَةِ مَثاقيلَ فِضَّةٍ بِمِثْقالِ القُدْس، وهو عِشْرونَ دانَقًا. وأَمَّا أَبكارُ البَقَرِ والمَعِز، فلا تَفدِها، فإِنَّها قُدْسٌ: تَرُشُّ دَمَها على المَذبَح وتُحرِقُ شَحْمَها ذَبيحةً بِالنَّار، رائِحَةَ رِضًى لِلرَّبّ. ولَحمُها يَكونُ لَكَ، يَكونُ لَكَ كَصَدْرِ ما يُحَرَّكُ والفَخِذِ اليُمْنى. وكُلُّ تَقادِمِ الأَقْداسِ الَّتي يُقَدِّمُها بَنو إِسْرائيلَ لِلرَّبّ، لَكَ أَعطَيتُها ولِبَنيكَ وبَناتِكَ معَكَ فَريضَةً أَبَدِيَّة: ذٰلِكَ عَهْدُ مِلْحٍ أَبَدِيٌّ أَمامَ الرَّبِّ لَكَ ولِنَسلِكَ معَكَ». وقالَ الرَّبُّ لِهارون: «في أَرضِهم لا تَرِثْ، ولا يَكُنْ لَكَ نَصيبٌ فيما بَينَهم، فإِنِّي أَنا نَصيبُكَ وميراثُكَ في وَسْطِ بَني إِسْرائيل. وأَمَّا بَنو لاوي فإِنِّي أَعطَيتُهم كُلَّ عُشْرٍ في إِسْرائيلَ ميراثًا، لِقاءَ خِدمَتِهِمِ الَّتي يَخدُمونَها في خَيمةِ المَوعِد. فلا يَتَقَدَّمْ بنو إِسْرائيلَ بَعدَ اليَومِ إِلى خَيمةِ المَوعِد فيَحمِلوا وِزْرًا ويَموتوا. بلِ اللاَّوِيُّونَ هم يَخْدُمونَ خَيمةَ المَوعِد، وهُم يَحمِلونَ وِزْرَهم: فَريضَةٌ أَبَدِيَّةٌ مَدى أَجْيالِكم. وفي وَسْطِ بَني إِسْرائيلَ لا يَرِثونَ ميراثًا، فإِنَّ عُشْرَ بَني إِسْرائيلَ الَّذي يُقَدِّمونَه لِلرَّبِّ تَقدِمةً قد أَعطَيتُه لِلاَّوِيِّينَ ميراثًا، فلِذٰلك قُلتُ لَهم إِنَّهم في وَسْطِ بَني إِسْرائيلَ لا يَرِثونَ ميراثًا». وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمِ اللاَّوِيِّينَ وقُلْ لَهم: متى أَخَذتُمْ مِن بَني إِسْرائيلَ الأَعشارَ الَّتي جَعَلتُها ميراثَكم مِن عِندِهم، فقَدِّموا مِنها تَقدِمةَ الرَّبّ، عُشرَ العُشْر. فتُحسَبُ لَكم تَقدِمَتُكم كتَقدِمةِ القَمحِ مِنَ البَيدَر والفائِضِ مِنَ المَعصَرَة. هٰكذا تُقَدِّمونَ أَنتُم أَيضًا تَقدِمةَ الرَّبِّ مِن جَميعِ أَعشارِكمُ الَّتي تأخُذونَها مِن بَني إِسْرائيل، وتُعطونَ مِنها تَقدِمةَ الرَّبِّ لِهارونَ الكاهِن. ولْيَكُنْ ما تُقَدِّمونَه لِلرَّبِّ مِن جَميعِ عَطاياكم خِيارَها المُقَدَّسَ مِنها. وقُلْ لَهم: إِذا قَدَّمتُم خِيارَها، يُحسَبُ الباقي لِلاَّوِيِّينَ كغَلَّةِ البَيدَرِ وكغَلَّةِ المَعصَرة. فتأكُلونَها في كُلِّ مَوضِعٍ أَنتُم وبُيوتُكم، لأَنَّها أُجرَتُكم على خِدمَتِكم في خَيمةِ المَوعِد. ولا تَحمِلونَ بِسَبَبِها وِزْرًا، إِذ إِنَّكم قَدَّمتُم خِيارَها. وأَمَّا أَقْداسُ بَني إِسْرائيل، فلا تُدَنِّسوها لِئَلاَّ تَموتوا». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ قائلًا: «هٰذه فَريضَةٌ مُن فَرَائِضِ الشَّريعةِ الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ بِها قائلًا: مُرْ بَني إِسْرائيلَ أَن يأتوكَ بِبَقَرَةٍ صَهْباءَ تامَّةٍ لا عَيبَ فيها ولم يُرفَعْ علَيها نير. فتُسَلِّمونَها إِلى أَلِعازارَ الكاهِن، فيُخرِجُها إِلى خارِجِ المُخَيَّمِ وتُذبَحُ أَمامَه. فيأخُذُ أَلِعازارُ الكاهِنُ مِن دَمِها بإِصبَعِه ويَرُشُّ مِن دَمِها سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلى أَمامِ خَيمةِ المَوعِد. وتُحرَقُ البَقَرَةُ أَمامَ عَينَيه، جِلْدُها ولَحْمُها ودَمُها ورَوثُها. فيأخُذُ الكاهِنُ عُودَ أَرْزٍ وزُوفى وقِرمِزًا ويُلْقي ذٰلك في وَسَطِ النَّارِ حَيثُ تُحرَقُ البَقَرَة. ثُمَّ يَغسِلُ الكاهِنُ ثِيابَه ويَستَحِمُّ في الماء، وبَعدَ ذٰلك يَعودُ إِلى المُخَيَّم، ويَكونُ الكاهِنُ نَجِسًا إِلى المَساء. والَّذي يُحرِقُ البَقَرَةَ يَغسِلُ ثِيابَه بِالماء ويَستَحِمُّ في الماء ويَكونُ نَجِسًا إِلى المَساء. ويَجمَعُ رَجُلٌ طاهِرٌ رَمادَ البَقَرَة ويَضَعُه خارِجَ المُخَيَّم في مَوضِعٍ طاهِر، فيَكونُ مَحْفوظًا لِجَماعَةِ بَني إِسْرائيلَ لأَجْلِ ماءِ الرَّشّ: إِنَّها ذَبيحةُ خَطيئَة. والَّذي يَجمَعُ رَمادَ البَقَرَةِ يَغسِلُ ثِيابَه ويَكونُ نَجِسًا إِلى المَساء. فيَكونُ ذٰلك فَريضَةً أَبَدِيَّةً لِبَني إِسْرائيلَ ولِلنَّزيلِ النَّازِلِ في وَسْطِهم. مَن لَمَسَ مَيتًا ما مِنَ البَشَر يَكونُ نَجِسًا سَبعَةَ أَيَّام. ويَطَّهِرُ بِهٰذا الماءِ في اليَومِ الثَّالِثِ وفي اليَومِ السَّابِع، فيَطهُر. وإِن لم يَطَّهِرْ في اليَومِ الثَّالِثِ وفي اليَومِ السَّابِع، فلا يَطهُر. كُلُّ مَن لَمَسَ مَيتًا، جُثَّةَ إِنْسانٍ مَيْتٍ، ولم يَطَّهِرْ، فقَد نَجَّسَ مَسكِنَ الرَّبّ، فتُفصَلُ تِلكَ النَّفْسُ مِن إِسْرائيل، إِذ لم يُرَشَّ علَيه ماءُ الرَّشّ، فهو نَجِسٌ ونَجاسَتُه باقِيَةٌ فيه. هٰذه هي الشَّريعة: أَيُّ إِنسانٍ ماتَ في خَيمة، فكُلُّ مَن دَخَلَها وكُلُّ ما فيها يَكونُ نَجِسًا سَبعَةَ أَيَّام. وكُلُّ إِناءٍ مَفْتوحٍ لَيسَ عَلَيه غِطاءٌ مَشْدودٌ فهُو نَجِس. وكُلُّ مَن لَمَسَ، على وَجهِ البَرِّيَّة، قَتيلَ سَيفٍ أَو مَيتًا أَو عَظْمَ إِنْسانٍ أَو قَبْرًا يَكونُ نَجِسًا سَبعةَ أَيَّام. فيُؤخَذُ لِلنَّجِسِ مِن رَمادِ نارِ ذَبيحةِ الخَطيئَةِ في إِناءٍ ويُصَبُّ علَيه ماءٌ حَيٌّ، ويأخُذُ رَجُلٌ طاهِرٌ زُوفى ويَغمِسُها في الماء ويَرُشُّ على الخَيمةِ وعلى جَميعِ الأَمتِعةِ والأَشْخاصِ الَّذينَ كانوا فيها وعلى مَن لَمَسَ العَظْمَ أَوِ القَتيلَ أَوِ المَيتَ أَوِ القَبْر. يَرُشُّ الطَّاهِرُ على النَّجِسِ في اليَومِ الثَّالِثِ والسَّابِع، ويُطَهِّرُه في اليَومِ السَّابِع، فيَغسِلُ ثِيابَه ويَستَحِمُّ في الماء، فيَطهُرُ عِندَ المَساء. وأَيُّ رَجُلٍ تَنَجَّسَ ولم يَطَّهِرْ، تُفصَلُ تِلكَ النَّفْسُ مِن بَينِ الجَماعة، لأَنَّه نَجَّسَ مَقدِسَ الرَّبّ، ولم يُرَشَّ علَيه ماءُ الرَّشّ، فهو نَجِس. فتَكونُ لَكم هٰذه فَريضَةً أَبَدِيَّة. والَّذي يَرُشُّ ماءَ الرَّشِّ يَغسِلُ ثِيابَه، ومَن لامَسَ ماءَ الرَّشِّ يَكونُ نَجِسًا إِلى المَساء. وكُلُّ مَن يَلمُسُه النَّجِسُ يَكونُ نَجِسًا، وكُلُّ مَن لامَسَ النَّجِسَ يَكونُ نَجِسًا إِلى المَساء». ووَصَلَ بَنو إِسْرائيلَ، الجَماعةُ كُلُّها، إِلى بَرِّيَّةِ صينَ في الشَّهرِ الأَوَّل، فأَقامَ الشَّعبُ بِقادِش، وماتَت هُناكَ مَريَمُ ودُفِنَت هُناك. ولم يَكُنْ لِلجَماعةِ ماء، فٱجتَمَعوا على موسى وهاورن. وخاصَمَ الشَّعْبُ موسى وقالوا: «يا ليتَ أَرواحَنا فاضت عِندَما فاضت أَرواحُ إِخوَتِنا أَمامَ الرَّبّ! لِماذا جِئتُما بِجَماعةِ الرَّبِّ إِلى هٰذه البَرِّيَّةِ لِنَموتَ هٰهُنا وماشِيَتُنا؟ ولِماذا أَصعَدتُمانا مِن مِصرَ فجِئتُما بِنا إِلى هٰذا المَكانِ المَشْؤُوم، مَكانٍ لا زَرْعَ فيه ولا تينَ ولا كَرمَةَ ولا رُمَّانَ ولا ماءَ لِلشُّرْب؟». فأَقبَلَ موسى وهارونُ مِن أَمامِ الجَماعةِ إِلى بابِ خَيمةِ المَوعِد، فسَقَطا على وَجهَيهِما، فتَجَلَّى لَهما مَجدُ الرَّبّ. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «خُذِ العَصا وٱجمَعِ الجَماعةَ أَنتَ وهارونُ أَخوكَ، ومُرا الصَّخرَةَ على عُيونِهِم أَن تُعطِيَ مِياهَها. وبَعدَ أَن تُخرِجَ لَهُمُ المِياهَ مِنَ الصَّخرَة، تَسْقي الجَماعةَ وماشِيَتَهم». فأَخَذَ موسى العَصا مِن أَمامِ الرَّبِّ، كما أَمَرَه، وجَمَعَ موسى وهارونُ الجَماعةَ أَمامَ الصَّخرَةِ وقالَ لَهم: «إِسمَعوا أَيُّها المُتَمَرِّدون، أَنُخرِجُ لَكم مِن هٰذه الصَخرَةِ ماءً؟» ورَفَعَ موسى يَدَه وضَرَبَ الصَّخرَةَ بِعَصاه مَرَّتَين، فخَرَجَ ماءٌ كَثير، فشَرِبَ مِنه الجَماعةُ وماشِيَتُهم. فقالَ الرَّبُّ لِموسى وهارون: «بِما أَنَّكما لم تُؤمِنا بي ولم تُقَدِّساني على عُيونِ بَني إِسْرائيل، لِذٰلك لن تُدخِلا أَنتُما هٰذه الجَماعةَ إِلى الأَرضِ الَّتي أَعطَيتُها إِيَّاها». هٰذا هو ماءُ مَريبةَ الَّذي خاصَمَ بَنو إِسْرائيلَ الرَّبَّ علَيه، فأَظهَرَ فيه قَداسَتَه. وأَرسَلَ موسى رُسُلًا مِن قادِشَ إِلى مَلِكِ أَدومَ قائلًا: «هٰكذا قالَ أَخوكَ إِسْرائيل: قد عَلِمتَ بِجَميعِ ما نالَنا مِنَ المَشَقَّة، وأَنَّ آباءَنا نَزَلوا إِلى مِصْر، فأَقَمْنا بِمِصرَ أَيَّامًا كثيرة، فأَساءَ المِصرِيُّونَ إِلَينا وإِلى آبائِنا. فصَرَخْنا إِلى الرَّبّ، فسَمِعَ صَوتَنا وأَرسَلَ ملاكًا وأَخرَجَنا مِن مِصْر، وها نَحنُ في قادِش، وهيَ مَدينةٌ في طَرَفِ حُدودِكَ. دَعْنا نَمُرُّ في أَرضِكَ، ونَحنُ لن نَمُرَّ بِحَقْلٍ ولا كَرْمٍ، ولَن نَشرَبَ ماءَ بِئْرٍ. لٰكِنَّنا نَسيرُ في طَريقِ المَلِك، ولن نَميلَ يَمنَةً ولا يَسرَةً، إِلى أَن نَعبُرَ حُدودَكَ». فقالَ لَه أَدوم: «لن تَمُرَّ بي، وإِلاَّ خَرَجتُ علَيكَ بِالسَّيف». فقالَ لَه بَنو إِسْرائيل: «نَصعَدُ في وَسَطِ الطَّريق، وإِن شَرِبْنا مِن مائِكَ أَنا وماشِيَتي، دَفعتُ إِليكَ ثَمَنَه: ولَيسَ الأَمرُ إِلاَّ أَن أَمُرَّ على أَقْدامي». فقال: «لَن تَمُرَّ». وخَرَجَ أَدومُ علَيهم بِشَعبٍ كَثيرٍ ويَدٍ قَوِيَّة. وأَبَى أَدومُ أَن يَدَعَ إِسْرائيلَ يَمُرُّ في حُدودِه، فتَحَوَّلَ إِسْرائيلُ عنه. ورَحَلَ بَنو إِسْرائيلَ مِن قادِش ووَصَلوا بِكُلِّ جَماعَتِهم إِلى جَبَلِ هور. فكَلَّمَ الرَّبُّ موسى وهارونَ في جَبَلِ هورٍ عِندَ حُدودِ أَرضِ أَدومَ قائلًا: «سَيَنضَمُّ هارونُ إِلى قَومِه، لأَنَّه لن يَدخُلَ الأَرضَ الَّتي أَعطَيتُها لِبَني إِسْرائيل، بِما أَنَّكما تَمَرَّدتُما على أَمْري عِندَ ماءِ مَريبة. خُذْ هارونَ وأَلِعازارَ ٱبنَه وأَصْعِدْهما جَبَلَ هور، وانزِعْ عن هارونَ ثيابَه وأَلبِسْها أَلِعازارَ ٱبنَه، فإِنَّ هارونَ سَيَنضَمُّ إِلى قَومِه ويَموتُ هُناك». فصَنَعَ موسى كما أَمَرَه الرَّبّ، فصَعِدوا جَبَلَ هورٍ على مَرأى الجَماعةِ كُلِّها. ونَزَعَ موسى ثِيابَ هارون وأَلبَسَها أَلِعازارَ ٱبنَه. وماتَ هارونُ هُناكَ في رأسِ الجَبَل، ونَزَلَ موسى وأَلِعازارُ مِنَ الجَبَل. فلَمَّا رأَتِ الجَماعةُ كُلُّها أَنَّ هارونَ قد فاضَت روحُه، بَكى علَيه جَميعُ بَيتِ إِسْرائيلَ ثَلاثينَ يَومًا. وسَمِعَ الكَنعانِيُّ، مَلِكُ عَرادَ المُقيمُ بِالنَّقَب، أَنَّ إِسْرائيلَ قد جاءَ على طَريقِ أَتاريم، فقاتَلَه وأَسَرَ مِنه أَسْرى. فنَذَرَ إِسْرائيلُ نَذْرًا لِلرَّبِّ وقال: «إِن أَسلَمتَ هٰؤُلاءِ القَومَ إِلى يَدَيَّ، لأُحَرِّمَنَّ مُدُنَهم». فسَمِعَ الرَّبُّ صَوتَ إِسْرائيل، وأَسلَمَ إِلَيه الكَنْعانِيِّين، فحَرَّمَهم هُم ومُدُنَهم، فسُمِّيَ ذٰلك المكانُ حُرمَة. ثُمَّ رَحَلوا مِن جَبَلِ هور، على طَريقِ بَحرِ القَصَب، لِيَدوروا مِن حَولِ أَرضِ أَدوم، فنَفَدَ صَبرُ الشَّعبِ في الطَّريق. وتَكَلَّمَ الشَّعبُ على اللهِ وعلى موسى وقالوا: «لِماذا أَصعَدتَنا مِن مِصرَ لِنَموتَ في البَرِّيَّة؟ فإِنَّه لَيسَ لَنا خُبْزٌ ولا ماءٌ، وقد سَئِمَت نُفوسُنا هٰذا الطَّعامَ الزَّهيد». فأَرسَلَ الرَّبُّ على الشَّعبِ الحَيَّاتِ اللاَّذعة، فلَدَغَتِ الشَّعبَ وماتَ قَومٌ كَثيرونَ مِن إِسْرائيل. فأَقبَلَ الشَّعبُ على موسى وقالوا: «قد خَطِئنا، إِذ تَكَلَّمْنا على الرَّبِّ وعلَيكَ، فصَلِّ إِلى الرَّبَّ فيُزيلَ عَنَّا الحَيَّات». فصَلَّى موسى لأَجلِ الشَّعْب. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِصنَعْ لَكَ حَيَّةً لاذِعَةً وٱجعَلْها على سارِيَة، فكُلُّ لَديغٍ يَنظُرُ إِلَيها يَحْيا». فصَنَعَ موسى حَيَّةً مِن نُحاس وجَعَلَها على سارِيَة. فكانَ أَيُّ إِنْسانٍ لَدَغَته حَيَّةٌ ونَظَرَ إِلى الحَيَّةِ النُحاسِيَّةِ يَحْيا. ثُمَّ رَحَلَ بَنو إِسْرائيل وخَيَّموا في أُوبوت. ورَحَلوا مِن أُوبوت وخَيَّموا في عابي عَباريم، في البَرِّيَّة، تُجاهَ موآب، جِهَةَ مَشرِقِ الشَّمس. ورَحَلوا مِن هُناكَ وخَيَّموا في وادي زارَد. ثُمَّ رَحَلوا مِن هُناكَ وخَيَّموا وراءَ أَرْنون، وهي في البَرِّيَّةِ خارِجَةٌ عن حُدودِ الأَمورِيّ، لأَنَّ أَرْنونَ هي حُدودُ موآب، بَينَ موآبَ والأَموريّ. ولِذٰلك يُقالُ في كِتابِ حُروبِ الرَّبّ: «واهِبُ قَريبٌ مِن صوفة، وأَودِيَةُ أَرْنون، ومُنحَدَرُ الأَودِيَةِ المائِلُ إِلى مَوقِعِ عار والمُستَنِدُ إِلى حُدودِ موآب». ورَحَلوا مِن هُناكَ إِلى البِئْر، وهي البِئرُ الَّتي قالَ الرَّبُّ فيها لِموسى: «إِجمَعِ الشَّعبَ حتَّى أُعطِيَهم ماءً». حينَئِذٍ أَنشَدَ إِسْرائيلُ هٰذا النَّشيد: «أَصْعِدي ماءَكِ يا بِئرُ، أَشيدوا بِها. بِئرٌ حَفَرَها الرُّؤَساء، حَفَرَها أَشرافُ الشَّعْب بِعِصِيِّهم وبِالصَّولَجان». ورَحَلوا مِن البَرِّيَّةِ إِلى المَتَّانة، ومِنَ المَتَّانةِ إِلى نَحْليئيل، ومِن نَحْليئيلَ إِلى باموت، ومن باموتَ إِلى الوادي الَّذي في حَقْلِ موآب، إِلى رأسِ الفِسجَةِ الَّذي يُشرِفُ على البَرِّيَّة. وأَرسَلَ إِسْرائيلُ رُسُلًا إِلى سِيحون، مَلِكِ الأَمورِيِّينَ، قائلًا: «دَعْني أَمُرُّ بِأَرضِكَ، ونَحنُ لا نَميلُ إِلى حَقْلٍ ولا كَرْمٍ، ولا نَشرَبُ ماءَ بِئرٍ، وإِنَّما نَسيرُ في طَريقِ المَلِك، إِلى أَن نَعبُرَ حُدودَكَ». فلَم يَدَعْ سِيحونُ إِسْرائيلَ يَمُرُّ بِحُدودِه، وجَمَعَ سِيحونُ جَميعَ قَومِه وخَرَجَ لِلِقاءِ إِسْرائيلَ في البَرِّيَّة، ووَصَلَ إِلى ياهَص، وحارَبَ إِسْرائيل. فضَرَبَه إِسْرائيلُ بِحَدِّ السَّيف، ووَرِثَ أَرضَه مِن أَرْنونَ إِلى يَبُّوق، إِلى بَني عَمُّون، لأَنَّ حُدودَ بَني عَمُّونَ كانَت عَزيزة. وأَخَذَ إِسْرائيلُ جَميعَ هٰذه المُدُن، فسَكَنوا في جَميعِ مُدُنِ الأَمورِيِّينَ في حَشْبونَ وجَميعِ توابِعِها. لأَنَّ حَشْبونَ هي مَدينةُ سِيحون، مَلِكِ الأَمورِيِّين، وكان قد حارَبَ مَلِكَ موآبَ السَّابِق، فأَخَذَ مِن يَدِه كُلَّ أَرضِه إِلى أَرْنون. لِذٰلك يَقولُ الشُّعَراء: «أُدخُلوا حَشْبونَ تُبْنَ، ولْتُرَسَّخْ مَدينةُ سِيحون، لأَنَّ نارًا خَرَجَت من حَشْبون، ولَهيبًا مِن مَدينَةِ سِيحون، فأَكَلَت عارَ موآب وأَسْيادَ مشارِفِ أَرنون. وَيلٌ لَكِ يا موآب، هَلَكتَ يا شَعْبَ كَموش، لقَد جَعَلَ بَنيه مُشَرَّدين وبَناتِه سَبايا لِلمَلِكِ الأَمورِيِّ سِيحون، أَمطَرْنا علَيهِمِ السِّهام مِن حَشْبونَ إِلى دِيبون، وٱجتَحْناهم حتَّى نوفَحَ قُربَ ميدَبا». فأَقامَ إِسْرائيلُ بِأَرضِ الأَمورِيِّين، وأَرسَلَ موسى مَن يَتَجَسَّسُ يَعْزيز، وٱستَولَوا علَيها وعلى توابِعِها، وطَرَدوا الأَمورِيِّينَ الَّذينَ هُناكَ. ثُمَّ تَحَوَّلوا وصَعِدوا في طَريقِ باشان، فخَرَجَ عوجٌ، مَلِكُ باشانَ، لِلِقائِهم، هو وجَميعُ قَومِه لِلحَربِ في أَدْرَعي. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «لا تَخَفْ مِنه، فإِنِّي قد أَسلَمتُه إِلى يَدِكَ هو وجَميعَ قَومِه وأَرضَه، تَصنَعُ بِه كما صَنَعتَ بِسِيحونَ، مَلِكِ الأَمورِيِّينَ، المُقيمِ بِحَشْبون». فضَرَبوه هو وبَنيه وجَميعَ قَومِه، حتَّى لم يَبْقَ له ناجٍ، ووَرِثوا أَرضَه. ثُمَّ رَحَلَ بَنو إِسْرائيل، فخَيَّموا في عَرَبَةَ موآبَ الَّتي عِبْرَ أُردُنِّ أَريحا. ورأَى بالاقُ بنُ صِفُّورَ كُلَّ ما صَنَعَ إِسْرائيلُ بِالأَمورِيِّين. فخافَ موآبُ بِسَبَبِ هٰذا الشَّعبِ جِدًّا، لأَنَّه كانَ كَثيرًا، وٱرتَعَبَ بِسَبَبِ بَني إِسْرائيل. فقالَ موآبُ لِشُيوخِ مِديَن: «الآنَ تَرْعى هٰذه الجَماعةُ كُلَّ ما حَوالَينا، كَما يَرْعى الثَّورُ خَصِبَ الحُقول». وكانَ بالاقُ بنُ صِفُّورَ مَلِكًا لِموآبَ في ذٰلك الوَقْت. فأَرسَلَ رُسُلًا إِلى بِلْعامَ بنِ بَعور، إِلى فاتورَ الَّتي على النَّهرِ في أَرضِ بَني عَمَّوْ، لِيَستَدْعوه. وقالَ له: «هُوَذا شَعبٌ قد خَرَجَ مِن مِصْر، فغَطَّى وَجهَ الأَرض، وهو مُقيمٌ قُبالَتي. فالآنَ تعالَ فٱلعَنْ لي هٰذا الشَّعْب، لأَنَّه أَقْوى مِنِّي، لَعَلِّي أَستَطيعُ أَن أَضرِبَه وأَطرُدَه مِنَ الأَرض. لأَنِّي أَعلَمُ أَنَّ مَن تُبارِكُه يَكونُ مُبارَكًا ومَن تَلعَنُه يَكونُ مَلْعونًا». فمَضَى شُيوخُ موآبَ وشُيوخُ مِديَن، وفي أَيديهِم حُلْوانُ العِرافة، وأَتَوا إِلى بِلْعامَ وأَخبَروه بِكَلامِ بالاق. فقالَ لَهم: «بيتوا هٰهُنا اللَّيلَةَ فأَرُدَّ علَيكم جَوابًا كما يَقولُ لِيَ الرَّبّ». فمَكَثَ رُؤَساءُ موآبَ عِندَ بِلْعام. فأَتى اللهُ بِلْعامَ وقالَ له: «مَن هُم هٰؤُلاءِ الرِّجالُ الَّذينَ عِندَكَ؟» فقال بِلْعامُ لله: «إِنَّ بالاقَ بنَ صِفُّور، مَلِكَ موآب، أَرسَلَ إِلَيَّ أَنْ هُوَذا شَعبٌ قد خَرَجَ مِن مِصرَ فغَطَّى وَجهَ الأَرض. فالآنَ تَعالَ وٱلعَنْه لي، لَعَلِّي أَستَطيعُ أَن أُحارِبَه وأَطرُدَه». فقالَ اللهُ لِبِلْعام: «لا تَمْضِ معَهم ولا تَلعَنِ الشَّعبَ، فإِنَّه مُبارَكٌ». فقامَ بِلْعامُ في الصَّباح وقالَ لِرُؤَساءِ بالاق: «إِنصَرِفوا إِلى أَرضِكم، لأَنَّ الرَّبَّ أَبى أَن يأذَنَ لي في الذَّهابِ معَكم». فقامَ رُؤَساءُ موآبَ وعادوا إِلى بالاقَ وقالوا: «قد أَبى بِلْعامُ أَن يأتِيَ معَنا». فعادَ بالاقُ فأَرسَلَ رُؤَساءَ كَثيرينَ أَجَلَّ مِن أُولٰئِكَ. فأَتَوا بِلْعامَ وقالوا لَه: «كَذا قالَ بالاقُ ٱبنُ صِفُّور: لا تَمْتَنِعْ مِنَ المَجيءِ إِلَيَّ، فإِنِّي سأُكرِمُكَ جِدًّا، وكُلُّ ما تَقولُه لي أَصنَعُه. تَعالَ فٱلعَنْ لي هٰذا الشَّعْب». فأَجابَ بِلْعامُ مُرسَلي بالاقَ وقالَ لَهم: «لَو أَعْطاني بالاقُ مِلْءَ بَيتِه فِضَّةً وذَهَبًا، لم أَستَطِعْ أَن أَتَجاوَزَ أَمرَ الرَّبِّ إِلٰهي فأَعمَلَ شَيئًا صَغيرًا أَو كَبيرًا. والآنَ ٱمكُثوا أَنتُم أَيضًا هٰذه اللَّيلَةَ هُنا، فأَعلَمُ ما يَعودُ الرَّبُّ فيُكَلِّمُني بِه». فأَتى اللهُ بِلْعامَ لَيلًا وقالَ لَه: «إِن كانَ هٰؤُلاءِ النَّاسُ جاءُوا لِيَدعوكَ، فقُمْ وٱمضِ معَهم. لٰكِنَّ الأَمرَ الَّذي أَقولُه لَكَ إِيَّاه تَصنَعُ فَقَط». فقامَ بِلْعامُ في الصَّباح ووَضَعَ البَرذَعَةَ على أَتانِه ومَضى مع رُؤَساءِ موآب. فغَضِبَ اللهُ لِمُضِيِّه ووَقَفَ ملاكُ الرَّبِّ في الطَّريقِ لِيُقاوِمَه، وهو راكِبٌ على أَتانِه ومعَه خادِماه. فرَأتِ الأَتانُ ملاكَ الرَّبِّ واقِفًا في الطَّريق، وسَيفُه مُجَرَّدٌ بِيَدِه، فمالَت عنِ الطَّريقِ وسارَت في الحُقول. فَضَرَبَها بِلْعامُ لِيَرُدَّها إِلى الطَّريق. فوَقَفَ ملاكُ الرَّبِّ في مَضيقٍ بَينَ الكُروم، وكانَ حائِطٌ مِن هُنا وحائِطٌ مِن هُناك. فلَمَّا رَأَتِ الأَتانُ مَلاكَ الرَّبّ، اِلتَصَقَت بِالحائِطِ فضَغَطَت على رِجْلِ بِلْعامَ بِالحائط، فعادَ إِلى ضَرْبِها. ثُمَّ عادَ ملاكُ الرَّبِّ فجازَ ووَقَفَ في مَوضِعٍ ضَيِّقٍ لا سَبيلَ فيه لِلتَّحَوُّلِ يَمنَةً أَو يَسرَةً. فلَمَّا رَأَتِ الأَتانُ مَلاكَ الرَّبّ، رَبَضَت تَحتَ بِلْعام، فغَضِبَ بِلْعامُ وضَرَبَ الأَتانَ بِالعَصا. ففَتَحَ الرَّبُّ فَمَ الأَتانِ فقالَت لِبِلْعام: «ماذا صَنَعتُ بِكَ حتَّى ضَرَبْتَني ثَلاثَ مَرَّات؟» فقالَ بِلْعامُ لِلأَتان: «لأَنَّكِ سَخِرتِ مِنِّي، ولَو كانَ في يَدي سَيفٌ لَكُنتُ قَتَلتُكِ على الفَور». فقالَتِ الأَتانُ لِبِلْعام: «أَلَستُ أَنا أَتانَكَ الَّتي رَكِبتَها مُنذُ كُنتَ إِلى اليَوم؟ هَل عَوَّدتُكَ أَن أَصنَعَ بِكَ كَذا؟» قالَ «لا». فكَشَفَ الرَّبُّ عن بَصَرِ بِلْعام، فرَأَى مَلاكَ الرَّبِّ واقِفًا في الطَّريق، وسَيفُه مُجَرَّدٌ بِيَدِه، فٱنحَنى ساجِدًا على وَجهِه. فقالَ لَه مَلاكُ الرَّبّ: «لِماذا ضَرَبتَ أَتانَكَ ثَلاثَ مَرَّات؟ فهاءَنَذا خَرَجتُ ووَقَفتُ مُقاوِمًا، لأَنَّ الطَّريقَ مَسْدود. فرَأَتني الأَتانُ فمالَت مِن أَمامي ثَلاثَ مَرَّات، ولَو لم تَمِلْ عَنِّي لَقَتَلتُكَ على الفَورِ وأَبقَيتُها». فقالَ بِلْعامُ لِمَلاكِ الرَّبّ: «قد خَطِئتُ لأَنِّي لم أَعلَمْ أَنَّكَ واقفٌ تجاهي في الطَّريق. والآنَ فإِن ساءَ في عَينَيكَ فإِنِّي أَرجِع». فقالَ مَلاكُ الرَّبِّ لِبِلْعام: «إِمْضِ مع النَّاس، والقَولُ الَّذي أَقولُه لَكَ إِيَّاه تَقولُ فقَط». فمَضى بِلْعامُ مع رُؤَساءِ بالاق. فلَمَّا سَمِعَ بالاقُ بِمَجيءِ بِلْعام، خَرَجَ لِمُلاقاتِه إِلى عارَ مُوآبَ الَّتي على حُدودِ أَرْنونَ الواقِعَةِ في طَرَفِ الحُدود. فقالَ بالاقُ لِبِلْعام: «أَلَم أُرسِلْ إِلَيكَ لأَدعُوَكَ؟ فلِماذا لم تَأتِ إِلَيَّ؟ أَتُراني لَستُ قادِرًا على إِكْرامِكَ؟ فقالَ بِلْعامُ لِبالاق: «والآنَ وقد أَتَيتُ إِلَيكَ، أَتُراني أَستَطيعُ أَن أَقولَ أَيَّ شَيء؟ فالكَلامُ الَّذي يَضَعُه اللهُ على فمي إِيَّاه أَقولُ». ومَضَى بِلْعامُ مع بالاق ودَخَلا قِرْيَتَ حُصوت. فذَبَحَ بالاقُ بَقَرًا وغَنَمًا وأَرسَلَ مِنها إِلى بِلْعامَ وإِلى الرُّؤَساءِ الَّذينَ معَه. وفي الصَّباح، أَخَذَ بالاقُ بِلْعامَ وصَعِدَ بِه إِلى باموتَ بَعْل، فرأَى مِن هُناكَ أَقْصى الشَّعْب. فقالَ بِلْعامُ لِبالاق: «إِبنِ لي هٰهُنا سَبعَةَ مَذابِح، وأَعدِدْ لي هٰهُنا سَبعَةَ عُجول وسَبعَةَ كِباش». فصَنَعَ بالاقُ كما قالَ بِلْعام، وأَصعَدَ بِلْعامُ وبالاقُ على كُلِّ مَذبَحٍ عِجْلًا وكَبْشًا. ثُمَّ قالَ بِلْعامُ لِبالاق: «قِفْ عِندَ مُحرَقَتِكَ، وأَنا أَمْضي. فلَعَلَّ الرَّبَّ يُوافيني، ومَهْما يُرِني أُخبِرْكَ بِه». ومَضَى إِلى رابِيَةٍ جَرْداء. فوافى اللهُ بِلْعامَ فقالَ لَه بِلْعام: «إِنِّي قد أَعدَدتُ سَبعَةَ مَذابِح، وأَصعَدتُ على كُلِّ مَذبَحٍ عِجلًا وكَبْشًا». فوَضَعَ الرَّبُّ في فَمِه كَلامًا وقال: «إِرجِعْ إِلى بالاق وقُلْ كذا». فرَجَعَ إِلَيه، فإِذا به واقِفٌ عِندَ مُحرَقَتِه هو وجَميعُ رُؤَساءِ مُوآب. فأَنشَدَ قَصيدَتَه وقال: «مِن أَرامِ سَيَّرَني بالاق، مِن جِبالِ المَشرِقِ مَلِكُ مُوآب: تَعالَ فٱلعَنْ لي يَعْقوب، تَعالَ فٱشتِمْ لي إِسْرائيل. كَيفَ أَلعَنُ مَن لم يَلعَنْه الله، وكَيفَ أَشتِمُ مَن لم يَشتِمْه الرَّبّ؟ مِن رُؤُوسِ الصُّخورِ أُبصِرُه، ومِنَ الرَّوابي أَراه. إِنَّه شَعبٌ وَحدَه يَسكُن، وَبَينَ الأُمَمِ لا يُحسَب. مَن يَعُدُّ غُبارَ يَعْقوب، ومَن يُحْصي رُبْعَ إِسْرائيل؟ لِتَمُتْ نَفْسي مَوتَ المُستَقيمين، وَلْتَكُنْ آخِرَتي كآخِرَتِهم». فقالَ بالاقُ لِبِلعام: «ماذا صَنَعتَ بي؟ جِئتُ بِكَ لِتَلعَنَ أَعْدائي، فإِذا بِكَ تُبارِكُهم». فأَجابَه وقالَ لَه: «أَلَيسَ أَنَّ ما يُلْقيه الرَّبُّ في فَمي إِيَّاه علَيَّ أَن أَقول؟» فقالَ لَه بالاق: «تَعالَ معي إِلى مَوضِعٍ آخَر تَرى الشَّعبَ مِنه، لٰكِنَّكَ تَرى قِسْمًا مِنه لا كُلَّه، فٱلعَنْه لي مِن هُناكَ». فأَخذه إِلى حَقلِ المُراقِبين، على رأسِ الفِسْجة، وبَنى سَبعَةَ مَذابِح، فأَصعدَ على كُلِّ مَذْبَحٍ عِجْلًا وكَبْشًا. وقالَ لِبالاق: «قِفْ هٰهُنا عِندَ مُحرَقَتِكَ، وأَنا أَتَقَدَّمُ إِلَيكَ هُناك». فوافى الرَّبُّ بِلْعامَ ووَضَعَ كلامًا في فَمِه وقال: «إِرجِعْ إِلى بالاقَ وقُلْ كَذا». فأَتاه، فإِذا هو واقِفٌ عِندَ مُحرَقَتِه ورُؤَساءُ مُوآبَ معَه. فقالَ لَه بالاق: «ماذا قال الرَّبّ؟» فأَنشَدَ قَصيدَتَه وقال: «قُمْ يا بالاقُ وٱسمَعْ، وأَنصِتْ إِلَيَّ يا ٱبنَ صِفُّور. لَيسَ اللهُ إِنْسانًا فيَكذِب، ولا ٱبنَ بَشَرٍ فيَندَم. أَتُراه يَقولُ ولا يَفعل، أَم يَتَكَلَّمُ ولا يُنجِز؟ ها قد أُمِرتُ أَن أُبارِك، فقَد بارَكَ فلا أُكَذِّب. في يَعْقوبَ لم أُبصِرْ إِثْمًا، وفي إِسْرائيلَ لم أَرَ سوءًا. الرَّبُّ إِلٰهُه معَه وهُتافُ المَلِكِ عِندَه. إنّ اللهَ الَّذي من مِصرَ يُخرِجُه، هو كَقُرونِ الجاموسِ لَه. لأَنَّه لا تَكَهُّنَ في يَعْقوب، ولا عِرافَةَ في إِسْرائيل. ففي وَقتِه يُقالُ لِيَعْقوب، ولإسْرائيلَ ما يَفعَلُ الله. هُوَذا شَعبٌ كَلَبُوءَةٍ يَقوم، وكأَسَدٍ يَنتَصِب. لا يَربِضُ حتَّى يَلتَهِمَ الفَريسَة، ويَشرَبَ دَمَ الفَرائس». فقالَ بالاقُ لِبِلْعام: «والآنَ أَيضًا، فإِن كُنتَ لا تَلعَنُه لَعنَةً، فلا تُبارِكْه بَرَكَةً». فأَجابَ بِلْعامُ وقالَ لِبالاق: «أَلَم أَقُلْ لَكَ إِنَّ كُلَّ ما يَقولُه الرَّبُّ إِيَّاه أَصنَع؟» فقالَ بالاقُ لِبِلْعام: «تَعالَ آخُذُكَ إِلى مَوضِعٍ آخَر، فلَعَلَّه يَحسُنُ في عَينَيِ اللهِ أَن تَلعَنَه لي مِن هُناك». فأَخَذَ بالاقُ بِلْعامَ إِلى رأسِ فَغورَ المُشرِفِ على وَجْهِ البَرِّيَّة. فقالَ بِلْعامُ لِبالاق: «إِبنِ لي هٰهُنا سَبعَةَ مَذابِح وأَعْدِدْ لي سَبعَةَ عُجولٍ وسَبعَةَ كِباش». فصَنَعَ بالاقُ كَما قالَ بِلْعام وأَصعَدَ على كُلِّ مَذبَحٍ عِجْلًا وكَبْشًا. ورأَى بِلْعامُ أَنَّه يَحسُنُ في عَينَيِ الرَّبِّ أَن يُبارِكَ إِسْرائيل، فلم يَمضِ كالمَرَّتَينِ الأُولَيَينِ في طَلَبِ التَّكَهُّنات، بل تَوَجَّهَ إِلى البَرِّيَّة. ورَفَعَ بِلْعامُ عَينَيه ورأَى إِسْرائيلَ مُخَيِّمًا بِحَسَبِ أَسْباطِه. فنَزَلَ علَيه رُوحُ الله. فأَنشَدَ قَصيدَتَه وقال: «كَلامُ بِلْعامَ بنِ بَعور، كَلامُ الرَّجُلِ الثَّاقِبِ النَّظَر، كَلامُ مَن سَمِعَ أَقوالَ الله، مَن رأى ما يُريه القَدير، مَن يَقَعُ فَتَنفَتِحُ عَيناه. ما أَجمَلَ خِيامَكَ يا يَعْقوب، ومَساكِنَكَ يا إِسْرائيل. مُنبَسِطَةٌ كأَودِيَة، وكَجَنَّاتٍ على نَهْر، كَعودِ نَدٍّ غَرَسَها الرَّبّ، وكأَرزٍ على مِياه. رَجُلٌ مِن زَرعِه يَخرُج، وشُعوبًا كثيرةً يَسود. مَلِكُه على أَجَجَ يَرتَفِع، ومَملَكَتُه تَتَسامى. إِنَّ اللهَ، الَّذي مِن مِصرَ يُخرِجُه، هو كَقُرونِ الجاموسِ لَه. جُثَثَ أَعْدائِه يَفتَرِس، وعِظامَهم يُحَطِّم، وبِسِهامِه يَضرِب، جَثَمَ ورَبَضَ كأَسَدٍ، وكلَبُؤَةٍ فمَن ذا يُقيمُه؟ مُبارِكُكَ مُبارَكٌ ولاعِنُكَ مَلْعون». فغَضِبَ بالاقُ على بِلْعام وصَفَّقَ بِكَفَّيه وقالَ بالاقُ لِبِلْعام: «إِنَّما دَعَوتُك لِتَلعَنَ أَعْدائي، فإِذا بِكَ قد بارَكتَهم ثَلاثَ مَرَّات. فٱنصَرِفِ الآنَ إِلى مَوضِعِكَ. كُنتُ قد قُلتُ إِنِّي أُكرِمُكَ، فإِذا بِالرَّبِّ قد مَنَعَ عنكَ الإكرام». فقالَ بِلْعامُ لِبالاق: «أَلَم أَقُلْ لِرُسُلِكَ الَّذينَ أَرسَلتَهم إِلَيَّ: لو أَعْطاني بالاقُ مِلْءَ بَيتِه فِضَّةً وذَهَبًا لم أَستَطِعْ أَن أَتَجاوَزَ أَمرَ الرَّبّ، فأَعمَلَ حَسَنَةً أَو سَيِّئَةً مِنْ تِلْقاءِ نَفْسي، وإِنَّما ما يَقولُه الرَّبُّ إِيَّاه أَقول؟ والآنَ هاءَنَذا مُنصَرِفٌ إِلى قَومي. تعالَ أُنبِئُكَ بِما يَصنَعُ ذٰلك الشَّعبُ بِشَعبِكَ في آخِرِ الأَيَّام». ثُمَّ أَنشَدَ قَصيدَتَه وقال: «كَلامُ بِلْعامَ بنِ بَعور، كَلامُ الرَّجُلِ الثَّاقِبِ النَّظَر، كَلامُ مَن سَمِعَ أَقوالَ الله، ومَن عَرَفَ مَعرِفَةَ العَلِيّ، ومَن يَرى ما يُريه القَدير، ومَن يَقَعُ فَتَنفَتِحُ عَيناه. أَراه وليسَ في الحاضِر، أُبصِرُه وليس من قَريب. يَخرُجُ كَوكَبٌ مِن يَعْقوب، ويَقومُ صَولَجانٌ مِن إِسْرائيل، فيُحَطِّمُ صُدغَي موآب وجُمجُمةَ جَميعِ بَني شِيت. أَدومُ يَكونُ لَه ميراثًا، وسِعيرُ الأَعْداءِ مِلْكًا، وإِسْرائيلُ يُعمِلُ قُوَّتَه. مِن يَعْقوبَ يَخرُجُ سَيِّد، فيُهلِكُ كُلَّ ناجٍ مِن عار». ثُمَّ رأَى بِلْعامُ عَماليق، فأَنشَدَ قَصيدَتَه وقال: «أَوَّلُ الأُمَمِ عَماليق، وآخِرَتُه إِلى الهَلاك»، ثُمَّ رأَى القَينِيِّين، فأَنشَدَ قَصيدَتَه وقالَ: «مَتينٌ مَسكِنُكَ، وعلى الصَّخرَةِ وَكرُكَ، لٰكِنَّ الوَكْرَ لِبَعور، فإلامَ يَسْبيكَ أَشُّور؟». ثُمَّ أَنشَدَ قَصيدَتَه وقال: «واهًا! مَن يَكونُ حَيًّا إِذا صَنَعَ اللهُ هٰذا؟ مِن ناحِيَةِ كِتَّيمَ تأتي سُفُن، فتُذِلُّ أَشُّورَ وتُذِلُّ عِبْرًا، وإِلى الهَلاكِ هو أَيضًا». ثُمَّ قامَ بِلْعامُ فٱنصَرَفَ راجِعًا إِلى مَنزِلِه، ومضى بالاقُ أيضًا في سَبيلِه. وأَقامَ إِسْرائيلُ بِشِطِّيم، وأَخَذَ الشَّعْبُ يَزْني مع بَناتِ موآب. فدَعَونَ الشَّعبَ إِلى ذَبائِحِ آلِهَتِهِنَّ، فأَكَلَ الشَّعبُ وسَجَدَ لآلِهَتِهِنَّ وتَعَلَّقَ إِسْرائيلُ بِبَعْلِ فَغور، فٱستَشاطَ غَضَبُ الرَّبِّ على إِسْرائيل. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «خُذْ مَعَكَ جَميعَ زُعَماءِ الشَّعبِ وٱشنُقهُم لِلرَّبِّ أَمامَ الشَمس، فيَنصَرِفَ ٱضطِرامُ غَضَبِ الرَّبِّ عن إِسْرائيل». فقالَ موسى لِقُضاةِ إِسْرائيل: «أُقتُلوا كُلَّ واحِدٍ مَن تَعَلَّقَ مِن قَومِه بِبَعْلَ فَغور». فإِذا رَجُلٌ مِن بَني إِسْرائيلَ قد أَقبَلَ وقَدَّمَ إِلى إِخوَتِه تِلكَ المَرأَةَ المِديَنِيَّةَ على عَينَي موسى وعُيونِ كُلِّ جَماعةِ بَني إِسْرائيل، وهُمْ يَبْكونَ عِندَ بابِ خَيمةِ المَوعِد. فلَمَّا رأَى فِنْحاسُ بنُ أَلِعازارَ ٱبنِ هارونَ الكاهِن، قامَ مِن وَسْطِ الجَماعة وأَخَذَ رُمْحًا في يَدِه، ودَخَلَ وَراءَ الرَّجُلِ الإِسْرائيليِّ إِلى المُخدَع، فطَعَنَهما كِلَيهِما، الرَّجُلَ الإِسْرائيلِيَّ والمَرأَةَ في بَطنِها، فكَفَّتِ الضَّربَةُ عن بَني إِسْرائيل. وكانَ الَّذينَ ماتوا بِالضَّربَةِ أَربَعَةً وعِشْرينَ أَلفًا. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِنَّ فِنْحاسَ ٱبنَ أَلِعازارَ بنِ هارونَ الكاهنِ قد صَرَفَ سُخْطي عن بَني إِسْرائيلَ بِغَيرةٍ كغَيرَتي فيما بَينَهم، حتَّى لا أُفنِيَ بَني إِسْرائيلَ بِغَيرَتي. فلِذٰلك قُلْ: هاءَنَذا مُعْطيه عَهْدَ سَلامي، فيَكونُ لَه ولِنَسلِه مِن بَعدِه عَهْدَ كَهَنوتٍ أَبَدِيٍّ جَزاءَ غَيرَتِه لإلٰهِه وتَكْفيرِه عن بَني إِسْرائيل». وكانَ ٱسمُ الرَّجُلِ الإِسْرائيلِيِّ القَتيلِ الَّذي قُتِلَ مع المِديَنِيَّةِ زِمْرِيَ بنَ سالو، وهو رَئيسُ بَيتٍ مِنَ الشِّمْعونِيِّين، وٱسمُ المَرأَةِ المِديَنِيَّةِ المَقْتولةِ كُزْبيَ بِنتَ صور، وهو زَعيمُ عَشائِرِ بَيتِ أَبٍ في مِديَن. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائِلًا: «ضَيِّقوا على المِديَنِيِّينَ وٱضرِبوهم، لأَنَّهم ضَيَّقوا علَيكم بِمَكرِهِمِ الَّذي مَكَروه فيكم في أَمرِ فَغورَ وأَمرِ كُزْبِيَ بِنْتِ زَعيمِ مِديَن، أُختِهمِ الَّتي قُتِلَت يَومَ الضَّربَةِ لِما جَرى في فَغور». وكانَ بَعدَ الضَّربةِ أَن كَلَّمَ الرَّبُّ موسى وأَلِعازارَ بنَ هارونَ الكاهِنِ قائلًا: «أَحْصِيا جَماعةَ بَني إِسْرائيلَ كُلَّها، مِن ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، على حَسَبِ بُيوتِ آبائِهم، كُلَّ مَن يَخرُجُ إِلى القِتالِ مِن إِسْرائيل». فأَحْصاهم موسى وأَلِعازارُ الكاهِنُ في عَرَبَةَ موآبَ على أُردُنِّ أَريحا، مِنِ ٱبنِ عِشرينَ سَنةً فصاعِدًا كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى وبني إِسْرائيلَ الخارِجينَ مِن أَرضِ مِصر. رَأُوبين، بِكرُ إِسْرائيل. بَنو رأُوبين: لِحَنوك عَشيرةُ الحَنوكِيِّين، ولِفَلُّو عَشيرةُ الفَلُّوِيِّين، ولِحَصْرون عَشيرةُ الحَصْرونِيِّين، ولِكَرْمي عَشيرةُ الكَرْمَوِيِّين. تِلكَ عشائِرُ الرَّأُوبِينِيِّين، وكانَ المُحْصَونَ مِنهم ثَلاثةً وأَربَعينَ أَلفًا وسَبعَ مِئَةٍ وثَلاثين. وٱبنُ فَلُّوَ أَليآب. وبَنو أَليآب: نَموئيل وداثان وأَبيرام، وهُما داثانُ وأَبيرامُ اللَّذانِ كانا مِن أَعْيانِ الجماعة، وهُما اللَّذانِ تَمَرَّدا على موسى وهارونَ وكانا مِن جَماعةِ قُورَحَ حينَ تَمَرَّدوا على الرَّبّ، ففَتَحَتِ الأَرضُ فاها وٱبتَلَعَتهُما مع قُورَح، حينَ ماتَ القَومُ وأَكَلَتِ النَّارُ الرِّجالَ المِئَتَينِ والخَمْسين، فصاروا عِبْرَة. وأَمَّا بَنو قُورَحَ فلم يَموتوا. وبَنو شِمْعونَ بِحَسَبِ عشائِرِهم: لِنَموئيل عَشيرةُ النَّموئيلِيِّين، ولِيامين عَشيرةُ اليامينِيِّين، ولِياكين عَشيرةُ الياكينِيِّين، ولِزارَح عَشيرةُ الزاراحِيِّين، ولِشاوُل عَشيرةُ الشَّاوُلِيِّين. تِلكَ عَشائِرُ الشِّمْعونِيِّين: إِثْنانِ وعِشْرونَ أَلفًا ومِئَتان. وبَنو جادٍ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: لِصَفون عَشيرةُ الصَّفونِيِّين، ولِحَجِّي عَشيرةُ الحَجَّوِيِّين، ولِشوني عَشيرةُ الشُّونَوِيِّين، ولأُزْني عَشيرةُ الأُزنَوِيِّين، ولِعيري عَشيرةُ العَيرَوِيِّين، ولأَرود عَشيرةُ الأَرودِيِّين، ولأَرْئيل عَشيرةُ الأَرْئيلِيِّين. تِلكَ عشائِرُ بَني جادٍ بِحَسَبِ المُحصَينَ مِنهم: أَربَعونَ أَلْفًا وخَمْسُ مِئة. وٱبنا يَهوذا: عِيرٌ وأَونان، لٰكِنَّ عِيرَ وأَونانَ ماتا في أَرضِ كَنْعان. فكانَ بنو يَهوذا بِحَسَبِ عشائِرِهم: لِشيلة عَشيرةُ الشيلِيِّين، ولِفارَص عَشيرةُ الفارَصِيِّين، ولِزارَح عَشيرةُ الزَّارَحِيِّين. وكانَ بنو فارَص: لِحَصرون عَشيرةُ الحَصْرونِيِّين، ولِحامول عَشيرةُ الحامولِيِّين. تِلكَ عَشائِرُ يَهوذا بِحَسَبِ المُحصَينَ مِنهم: سِتَّةٌ وسَبْعون أَلْفًا وخَمْسُ مِئَة. وبَنو يَسَّاكَرَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: لِتولاع عَشيرةُ التُّولاعِيِّين، ولِفُوَّة عَشيرةُ الفُوِّنِيِّين، ولِياشوب عَشيرةُ الياشوبِيِّين، ولِشِمْرون عَشيرةُ الشِّمْرونِيِّين. تِلكَ عَشائِرُ يَسَّاكَرَ بِحَسَبِ المُحصَينَ مِنهم: أَربَعَةٌ وسِتُّونَ أَلفًا وثَلاثُ مِئَة. وبَنو زَبولونَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: لِسارَد عَشيرةُ السَّارَدِيِّين، ولأُيلون عَشيرةُ الإِيلونِيِّين، ولِيَحْلَئيل عَشيرةُ اليَحْلَئيلِيِّين. تِلكَ عَشائِرُ الزَّبولونِيِّين بِحَسَبِ المُحصَينَ مِنهم: سِتُّونَ أَلفًا وخَمْسُ مِئَة. وٱبنا يوسُفَ بِحَسَبِ عَشائِرِهما: مَنَسَّى وأَفْرائيم. بَنو مَنَسَّى: لِماكير عَشيرةُ الماكيرِيِّين، وماكيرُ وَلَدَ جِلْعاد: ولِجِلْعاد عَشيرةُ الجِلْعادِيِّين. وهٰؤُلاءِ بَنو جِلْعاد: لإيعازَر عَشيرةُ الإيعازَرِيِّين، ولِحالَق عَشيرةُ الحالَقِيِّين، ولأَسْريئيل عَشيرةُ الأَسْريئيلِيِّين، ولِشاكَم عَشيرةُ الشَّاكَمِيِّين، ولِشَميداع عَشيرةُ الشَّميداعِيِّين، ولِحافَر عَشيرةُ الحافَرِيِّين. وأَمَّا صُلُفْحادُ بنُ حافَر، فلم يَكُنْ لَه بَنون، بل كانَت لَه بَنات، وأَسْماؤُهُنَّ: مَحلَة ونَوعَة وحُجْلَة ومِلْكَة وتِرصَة. تِلكَ عَشائِرُ مَنَسَّى، والمُحصَونَ مِنهم: إِثنانِ وخَمْسونَ أَلفًا وسَبعُ مِئَة. وهٰؤُلاءِ بَنو أَفْرائيمَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: لِشوتالَح عَشيرةُ الشُّوتالَحِيِّين، ولِباكَر عَشيرةُ الباكَرِيِّين، ولِتاحَن عَشيرةُ التَّاحَنِيِّين. وهٰؤُلاءِ بَنو شوتالَح: لِعيران عَشيرةُ العيرانِيِّين. تِلكَ عشائِرُ بَني أَفرائيمَ بِحَسَبِ المُحصَينَ مِنهم: إِثنانِ وثَلاثونَ أَلفًا وخَمسُ مِئَة. أُولٰئِكَ بَنو يوسُفَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم. وبَنو بَنْيامينَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: لِبالَع عَشيرةُ البالَعِيِّين، ولأَشْبيل عَشيرةُ الأَشْبيلِيِّين، ولأَحيرام عَشيرةُ الأَحيرامِيِّين، ولِشَفوفام عَشيرةُ الشَّفوفامِيِّين، ولِحوفام عَشيرةُ الحوفامِيِّين. وكانَ ٱبنا بالَع أَرْدًا ونَعْمان: لأَرْد عَشيرةُ الأَردِيِّين، ولِنَعمان عَشيرةُ النَّعْمانِيِّين. أُولٰئِكَ بَنو بَنْيامينَ بِحَسَبِ عشائِرِهم والمُحصَونَ مِنهم: خَمسَةٌ وأَربَعونَ أَلفًا وسِتُّ مِئَة. وهٰؤُلاءِ بَنو دانٍ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: لِشوحام عَشيرةُ الشُّوحامِيِّين. تِلكَ عشائِرُ دانٍ بِحَسَبِ عَشائِرِهم. جَميعُ عَشائِرِ الشُّوحامِيِّين بِحَسَبِ المُحْصَينَ مِنهم: أَربَعةٌ وسِتُّونَ أَلفًا وأَربَعُ مِئَة. وبَنو أَشيرَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: لِيِمْنَة عَشيرةُ اليَمنِيِّين، ولِيِشْوي عَشيرةُ اليِشوِيِّين، ولِبَريعة عَشيرةُ البَرَعِيِّين. ولٱبنَي بَريعة: لجابَر عَشيرةُ الجابَرِيِّين، ولِمَلْكيئيل عَشيرةُ المَلْكيئيلِيِّين. وٱسمُ ٱبنةِ أَشيرَ سارَح. تِلكَ عَشائِرُ بَني أَشيرَ بِحَسَبِ المُحصَينَ مِنهم: ثَلاثةٌ وخَمسونَ أَلفًا وأَربَعُ مِئَة. وبَنو نَفْتالَي بِحَسَبِ عَشائِرِهم: لِيَحْصَئيل عَشيرةُ اليَحْصَئيلِيِّين، ولِجوني عَشيرةُ الجونَوِيِّين، ولِياصَر عَشيرةُ الياصَرِيِّين، ولِشِلِّيم عَشيرةُ الشِّلِّيمِيِّين. تِلكَ عَشائِرُ نَفْتاليَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهم والمُحصَونَ مِنهم: خَمسةٌ وأَربَعونَ أَلفًا وأَربَعُ مِئَة. أُولٰئِكَ المُحصَونَ مِن بَني إِسْرائيل: سِتُّ مِئَةِ أَلفٍ وأَلفٌ وسَبعُ مِئَةٍ وثَلاثون. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «لِهٰؤُلاءِ تُقسَمُ الأَرضُ ميراثًا على عَدَدِ أَسمائِهم. الكَثيرُ تُكَثِّرُ لَه ميراثَه، والقَليلُ تُقَلِّلُه لَه: كُلٌّ على قَدْرِ المُحصَينَ مِنه يُؤتى ميراثَه. بِالقُرعَةِ فَقَط تُقسَمُ الأَرض، وبِحَسَبِ أَسْماءِ أَسْباطِ آبائِهم يَرِثون. بِحَسَبِ القُرعَةِ يُقسَمُ الميراثُ بَينَ الكَثيرِ والقَليل». وهٰؤُلاءِ هُم المُحصَونَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: لِجِرشون عَشيرةُ الجِرشونِيِّين، ولِقَهات عَشيرةُ القَهاتِيِّين، ولِمَراري عَشيرةُ المَرارِيِّين. تِلكَ عَشائِرُ لاوي: عَشيرةُ اللِّبْنَوِيِّين وعَشيرةُ الحَبْرونِيِّين وعَشيرةُ المَحْلَوِيِّين وعَشيرةُ الموشَوِيِّين وعَشيرةُ القَورَحِيِّين. وقَهاتُ وَلَدَ عَمْرام. وكانَ ٱسمُ ٱمرَأَةِ عَمْرام يَوكابَد، بِنتَ لاوِيَ الَّتي وُلِدَت لِلاويَ بِمِصْر، فَوَلَدت لِعَمْرامَ هارونَ وموسى ومَريَمَ أُخْتَهما. ووُلِدَ لِهارونَ ناداب وأَبيهو وأَلِعازار وإِيثامار. وماتَ نادابُ وأَبيهو حينَ قَرَّبا نارًا غَيرَ شَرعِيَّةٍ أَمامَ الرَّبّ. فكانَ المُحصَونَ مِنهم ثَلاثةً وعِشْرينَ أَلفًا، كُلُّ ذَكَرٍ مِنِ ٱبنِ شَهرٍ فصاعِدًا، ذٰلك بأَنَّهم لم يُحصَوا في جُملَةِ بَني إِسْرائيل، لأَنَّهم لَم يُعطَوا ميراثًا بَينَ بَني إِسْرائيل. أُولٰئِكَ مُحصَو موسى وأَلِعازَر الكاهِنِ اللَّذَينِ أَحصَيا بَني إِسْرائيلَ في عَرَبَةَ موآب على أُردُنِّ أَريحا. ولم يَكُنْ فيهم أَحَدٌ مِمَّن أَحْصاهم موسى وهارونُ الكاهِن، حينَ أَحصَيا بَني إِسْرائيلَ في بَرِّيَّةِ سيناء، لأَنَّ الرَّبَّ قالَ لَهم إِنَّهم يَموتونَ مَوتًا في البَرِّيَّة، فلَم يَبقَ مِنهم أَحَدٌ إِلاَّ كالِبَ بنَ يَفُنَّا ويَشوعَ بنَ نون. وتَقَدَّمَت بَناتُ صَلُفْحادَ بنِ حافَرَ بنِ جِلْعادَ بنِ ماكيرَ بنِ مَنَسَّى، مِن عشائِرِ مَنَسَّى بنِ يوسف. وهٰذه أَسْماءُ بَناتِه: مَحلَة ونَوعَة وحُجلَة ومِلكَة وتِرصَة. فوَقَفنَ أَمامَ موسى وأَلِعازارَ الكاهِنِ والرُّؤَساءِ وسائِرِ الجَماعةِ عِندَ بابِ خَيمةِ المَوعِدِ قائلات: «ماتَ أَبونا في البَرِّيَّة، وهو لم يَكُنْ في جُملةِ الجَماعةِ الَّتي ٱجتَمَعَت على الرَّبّ، أَي مِن جَماعةِ قورَح، لٰكِنَّه بِخَطيئَتِه مات، ولَم يَكُنْ لَه بَنون. فلِماذا يُسقَطُ ٱسمُ أَبينا مِن بَينِ عَشيرتِه، لأَنَّه لَيسَ لَه ٱبنٌ؟ فأَعطِنا مِلْكًا فيما بَينَ أَعْمامِنا». فرَفَعَ موسى قَضِيَّتَهُنَّ إِلى الرَّبّ. فكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «بِالصَّوابِ نَطَقَت بَناتُ صَلُفْحاد، فأَعطِهِنَّ مِلْكَ ميراثٍ فيما بَينَ أَعْمامِهِنَّ، وٱنقُلْ ميراثَ أَبيهِنَّ إِلَيهِنَّ. وكَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: «أَيُّ رَجُلٍ ماتَ ولَيسَ لَه ٱبنٌ، فٱنقُلوا ميراثَه إِلى ٱبنَتِه. فإِن لم تَكُنْ لَه بِنْتٌ، فأَعْطوا ميراثَه لإخوتِه. فإِن لم يَكُنْ لَه إِخوَةٌ، فأَعْطوه لأَعْمامِه. فإِن لم يَكُنْ لأَبيه إِخوَةٌ، فأَعْطوه لأَقرَبِ ذَوي قَرابَتِه في عَشيرَتِه، فيَرِثُه. ولْيَكُنْ ذٰلكَ لِبَني إِسْرائيلَ فَريضَةَ حُكمٍ، كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى». وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِصعَدْ إِلى جَبَلِ العَباريم هٰذا، وٱنظُرْ إِلى الأَرضِ الَّتي أَعطَيتُها لِبَني إِسْرائيل. فإِذا رَأَيتَها ٱنضَمَمتَ إِلى أَجْدادِكَ أَنتَ أَيضًا، كما ٱنضَمَّ هارونُ أَخوكَ، لأَنَّكما عَصَيتُما أَمْري في بَرِّيَّةِ صينَ عند خُصومَةِ الجَماعة، ولَم تُعلِنا قَداسَتي بالمِياهِ على عُيونِهم»، وتِلكَ مياهُ مَريبَةَ قادِشَ في بَرِّيَّةِ صين. فكَلَّمَ موسى الرَّبَّ قائِلًا: «لِيُوَكِّلِ الرَّبُّ، إِلٰهُ أَرْواحِ كُلِّ بَشَر، رَجُلًا على الجَماعة، يَخرُجُ أَمامَهم ويَدخُلُ أَمامَهم ويُخرِجُهم ويُدخِلُهم، لِئَلاَّ تَبْقى جَماعةُ الرَّبِّ كَغَنَمٍ لا راعِيَ لَها». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «خُذْ لَكَ يَشوعَ بنَ نون، فإِنَّه رَجُلٌ فيه رُوح، وضَعْ يَدَكَ علَيه، وأَوقِفْه أَمامَ أَلِعازارَ الكاهِنِ والجَماعةِ كُلِّها، وأَوصِه بِحَضرَتِهم، وٱجعَلْ علَيه مِن مَهابَتِكَ، لِكَي تَسمَعَ لَه جَماعَةُ بَني إِسْرائيلَ كُلُّها. يَقِفُ أَمامَ أَلِعازارَ الكاهِن، فيَطلُبُ لَه قَضاءَ الأُوريم أَمامَ الرَّبّ، فبِأَمرِه يَخرُجون وبِأَمره يَدخُلون، هو وجَميعُ بَني إِسْرائيلَ معَه وكُلُّ الجَماعة». وفَعَلَ موسى كما أَمَرَه الرَّبّ، فأَخَذَ يَشوعَ وأَوقَفَه أَمامَ أَلِعازارَ الكاهنِ وكُلِّ الجَماعة. ووَضَعَ علَيه يَدَيه وأَوصاه، كما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ موسى. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِهتَمُّوا بِأَن تُقَرِّبوا لي في الوَقتِ المُعَيَّنِ قُرْباني وطَعامي ذَبائِحَ بِالنَّار، رائِحَةَ رِضاي. وقُلْ لَهم: هٰذه هي الذَّبيحةُ بِالنَّارِ الَّتي تُقَرِّبونَها لِلرَّبّ: حَمَلانِ حَولِيَّانِ تامَّانِ في كُلِّ يَومٍ مُحرَقةً دائِمة. الحَمَلُ الأَوَّلُ تَصنَعُه في الصَّباح، والحَمَلُ الآخَرُ بَينَ الغُروبَين، وعُشْرُ إِيفَةِ سَميذٍ مَلْتوتٍ بِرُبْعِ هينٍ مِن زَيتٍ مَدْقوقٍ لِلتَّقدِمة: وهي المُحرَقةُ الدَّائِمَةُ الَّتي صُنِعَت في جَبَلِ سيناء، رائِحةَ رِضًى، ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ. وسَكيبُها رُبْعُ هينٍ لِلحَمَلِ الأَوَّل، يُسكَبُ في القُدْسِ سَكيبَ مُسكِرٍ لِلرَّبّ. وأَمَّا الحَمَلُ الثَّاني فتَصنَعُه بَينَ الغُروبَين كما تَصنَعُ تَقدِمةَ الصَّباحِ وسَكيبَها، ذَبيحةً بِالنَّار، رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ. وفي يَومِ السَّبتِ تُقَرِّبونَ حَمَلَينِ حَولِيَّينِ تامَّين، ومعَهما عُشرَينِ من السَّميذ مَلْتوتَينِ بِزَيت، لِلتَّقدِمةِ مع سَكيبِهِما. تِلكَ مُحرقةُ السَّبْت، لِكُلِّ سَبْت، مع المُحرَقةِ الدَّائِمَةِ وسَكيبِها. وفي رُؤوسِ شُهورِكم تُقَرِّبونَ مُحرَقةً لِلرَّبّ: عِجلَينِ مِنَ البَقَر وكَبْشًا وسَبعَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ تامَّة، وثَلاثةَ أَعْشارِ سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت تَقدِمةً لِكُلِّ عِجْل، وعُشرَي سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت تَقدِمةً لِكُلِّ كَبْش، وعُشْرَ سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت تَقدِمةً لِكُلِّ حَمَل: إِنَّها مُحرَقةٌ، رائِحةُ رِضًى، ذَبيحةٌ بِالنَّارِ لِلرَّبّ. وسُكُبُها نِصْفُ هينٍ مِنَ الخَمْرِ لِلعِجْل، وثُلْثُ هينٍ لِلْكَبْش، ورُبعُ هينٍ لِلحَمَل. تِلكَ مُحرَقةُ شَهرٍ فشَهرٍ لِشُهورِ السَّنَة. ويُصنَعُ تَيسٌ مِنَ المَعِزِ ذَبيحةَ خَطيئةٍ لِلرَّبِّ مع سَكيبِه، فَضْلًا عنِ المُحرَقَةِ الدَّائِمة. وفي الشَّهرِ الأَوَّل، في اليَومِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنه، فِصْحٌ لِلرَّبّ. وفي اليَومِ الخامِسَ عَشَرَ مِنه، عيد: سَبعَةَ أَيَّامٍ يُؤكَلُ فَطير. في اليَومِ الأَوَّلِ مِنها، مَحفِلٌ مُقَدَّس، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدمَة، وقَرِّبوا ذَبيحةً بِالنَّارِ مُحرَقةً لِلرَّبّ، عِجلَينِ مِنَ البَقَر وكَبْشًا وسَبعَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ تَكونُ لَكم تامَّة. وتَقدِمَتُها مِن سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت، تَصنَعونَها ثَلاثةَ أَعْشارٍ لِلعِجْل، وعُشْرَينِ لِلكَبْش، وعُشْرًا لِكُلِّ حَمَلٍ مِنَ الحُمْلانِ السَّبعَة. ويَكونُ أَيضًا تَيسٌ ذَبيحةَ خَطيئةٍ لِلتَّكْفيرِ عنكم. هٰذه تَصنَعونَها، فَضلًا عن مُحرَقةِ الصَّباح، المُحرَقَةِ الدَّائِمة. ومِثلَها تَصنَعونَ في كُلِّ يَومٍ مِنَ الأَيَّامِ السَّبعَة: إِنَّها طَعامٌ، ذَبيحةٌ بِالنَّار، رائِحةُ رِضًى لِلرَّبّ، فَضلًا عنِ المُحرَقَةِ الدَّائِمةِ وسَكيبِها. وفي اليَومِ السَّابِع، مَحفِلٌ مُقَدَّسٌ يَكونُ لَكم، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدمَة. وفي يَومِ البَواكير، عِندَ تَقْريبِكم تَقدِمةً جَديدةً لِلرَّبّ، في عيدِ أَسابيعِكم، مَحفِلٌ مُقَدَّسٌ يَكونُ لَكم، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدمَة. وقَرِّبوا مُحرَقةً، رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ: عِجلَينِ مِنَ البَقَر وكَبْشًا وسَبعَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّة. وتَقدِمَتُها مِن سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت: ثَلاثةُ أَعْشارٍ لِلعِجْل، وعُشْرانِ لِلكَبْش، وعُشْرٌ لِكُلِّ حَمَلٍ مِنَ الحُمْلانِ السَّبعَة. ويَكونُ تَيسٌ مِنَ المَعِزِ لِلتَّكْفيرِ عنكم. تِلكَ تَصنَعونَها، فَضلًا عنِ المُحرَقةِ الدَّائِمةِ وتَقدِمَتِها مع سُكُبِها. وفي اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ السَّابِع، مَحفِلٌ مُقَدَّسٌ يَكونُ لَكم، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدمَة، يَكونُ لَكم يَومَ الهُتاف. وٱصنَعوا مُحرَقةً رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ: عِجْلًا مِنَ البَقَر وكَبْشًا وسَبعَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ تامَّة. وتَقدِمَتُها مِن سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت: ثَلاثةُ أَعْشارٍ لِلعِجْل وعُشْرانِ لِلكَبْش، وعُشْرٌ لِكُلِّ حَمَلٍ مِنَ الحُمْلانِ السَّبعة. ويَكونُ تَيسٌ مِنَ المَعِزِ ذَبيحةَ خَطيئَةٍ لِلتَّكْفيرِ عنكم، فَضلًا عن مُحرَقةِ الشَّهرِ وتَقدِمَتِها والمُحرَقةِ الدَّائِمةِ وتَقدِمَتِها وسُكُبِهما، بِحَسَبِ فَريضَتِها، رائِحَةَ رِضًى، ذَبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ. وفي اليَومِ العاشِرِ مِنَ الشَّهرِ السَّابِعِ هٰذا، مَحفِلٌ مُقَدَّسٌ يَكونُ لَكم، تُذَلِّلونَ فيه أَنفُسَكم، ولا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدمَة. وقَرِّبوا مُحرَقةً لِلرَّبّ، رائِحَةَ رِضًى: عِجلًا مِنَ البَقَر وكَبشًا وسَبعَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ تَكونُ لَكم تامَّة. وتَقدِمَتُها مِن سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت: ثَلاثةُ أَعْشارٍ لِلعِجْل وعُشْرانِ لِلكَبْش، وعُشْرٌ لِكُلِّ حَمَلٍ مِنَ الحُمْلانِ السَّبعَة. ويَكونُ تَيسٌ مِنَ المَعِزِ ذَبيحةَ خَطيئة، فَضلًا عن ذَبيحةِ الخَطيئةِ لِلتَّكْفير، الَّتي تُقَرَّبُ يَومَ التَّكْفير، وعنِ المُحرَقةِ الدَّائِمةِ وتَقدِمَتِها وسُكُبِهما. وفي اليَومِ الخامِسَ عَشَرَ مِنه، مَحفِلٌ مُقَدَّسٌ يَكونُ لَكم، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدمَة، وتُعَيِّدونَ عيدًا سَبعَةَ أَيَّامٍ لِلرَّبّ. وقَرِّبوا مُحرَقةً ذَبيحةً بِالنَّار، رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ: ثَلاثةَ عَشَرَ عِجْلًا مِنَ البَقَر وكَبشَين وأَربَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا حَولِيًّا تَكونُ تامَّة. وتَقدِمَتُها مِن سَميذٍ مَلْتوتٍ بِزَيت: ثَلاثةُ أَعْشارٍ لِكُلِّ عِجْلٍ مِنَ العُجولِ الثَّلاثَةَ عَشَرَ، وعُشْرانِ لِكُلِّ كَبْشٍ مِنَ الكَبْشَين، وعُشْرٌ لِكُلِّ حَمَلٍ مِنَ الحُمْلانِ الأَربَعَةَ عَشَر. ويَكونُ تَيسٌ مِنَ المَعِزِ ذَبيحَةَ خَطيئَة، فَضلًا عنِ المُحرَقةِ الدَّائِمةِ وتَقدِمَتِها وسَكيبِها. وفي اليَومِ الثَّاني: إِثنَي عَشَرَ عِجْلًا مِنَ البَقَر وكَبْشَيْنِ وأَربَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا تامًّا. وتَقدِمَتُها وسُكُبُها لِلعُجولِ ولِلكَبشَينِ ولِلحُمْلانِ بِعَدَدِها على حَسَبِ الفَريضة. ويَكونُ تَيسٌ مِنَ المَعِزِ ذَبيحةَ خَطيئَة، فَضلًا عنِ المُحرَقةِ الدَّائِمةِ وتَقدِمَتِها وسُكُبِها. وفي اليَومِ الثَّالِث: أَحَدَ عَشَرَ عِجْلًا وكَبْشَينِ وأَربَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا حَولِيًّا تامًّا. وتَقدِمَتُها وسُكُبُها لِلعُجولِ ولِلكَبشَينِ ولِلحُملانِ بِعَدَدِها على حَسَبِ الفَريضَة. ويَكونُ تَيسٌ ذَبيحةَ خَطيئَة، فَضلًا عنِ المُحرَقَةِ الدَّائِمةِ وتَقدِمَتِها وسَكيبِها. وفي اليَومِ الرَّابِع: عَشَرَةَ عُجولٍ وكَبشَينِ وأَربَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا حَولِيًّا تامًّا. وتَقدِمَتُها وسُكُبُها لِلعُجولِ ولِلكَبشَينِ ولِلحُملانِ بِعَدَدِها على حَسَبِ الفَريضَة. ويَكونُ تَيسٌ مِنَ المَعِزِ ذَبيحةَ خَطيئة، فَضلًا عنِ المُحرَقةِ الدَّائِمَةِ وتَقدِمَتِها وسَكيبِها. وفي اليَومِ الخامِس: تِسعَةَ عُجولٍ وكَبشَينِ وأَربَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا حَولِيًّا تامًّا. وتَقدِمَتُها وسُكُبُها لِلعُجولِ ولِلكَبشَينِ ولِلحُمْلانِ بِعَدَدِها على حَسَبِ الفَريضَة. ويَكونُ تَيسٌ ذَبيحةَ خَطيئَة، فَضلًا عنِ المُحرَقةِ الدَّائِمةِ وتَقدِمَتِها وسَكيبِها. وفي اليَومِ السَّادِسِ: ثَمانِيَةَ عُجولٍ وكَبشَينِ وأَربَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا حَولِيًّا تامًّا. وتَقدِمَتُها وسُكُبُها لِلعُجولِ ولِلكَبشَينِ ولِلحُمْلانِ بِعَدَدِها على حَسَبِ الفَريضَة. ويَكونُ تَيسٌ ذَبيحةَ خَطيئَة، فَضلًا عنِ المُحرَقةِ الدَّائِمةِ وتَقدِمَتِها وسُكُبِها. وفي اليَومِ السَّابِعِ: سَبعَةَ عُجولٍ وكَبشَينِ وأَربَعَةَ عَشَرَ حَمَلًا حَولِيًّا تامًّا. وتَقدِمَتُها وسُكُبُها لِلعُجولِ ولِلكَبشَينِ ولِلحُمْلانِ بِعَدَدِها على حَسَبِ فَريضَتِها. ويَكونُ تَيسٌ ذَبيحةَ خَطيئَة. فَضلًا عنِ المُحرَقةِ الدَّائِمةِ وتَقدِمَتِها وسَكيبِها. وفي اليَومِ الثَّامِن، مَحْفِلٌ يَكونُ لَكم، فلا تَعمَلوا فيه عَمَلَ خِدمَة. وقَرِّبوا مُحرَقةً، ذبيحةً بِالنَّار، رائِحةَ رِضًى لِلرَّبّ: عِجْلًا وكَبشًا وسَبعَةَ حُمْلانٍ حَولِيَّةٍ تامَّة. وتَقدِمَتُها وسُكُبُها لِلعِجلِ والكَبشِ والحُمْلانِ بِعَدَدِها على حَسَبِ الفَريضَة. ويَكونُ تَيسٌ ذَبيحةَ خَطيئة، فَضلًا عنِ المُحرَقةِ الدَّائِمةِ وتَقدِمَتِها وسَكيبِها. ذٰلك ما تَصنَعونَه لِلرَّبِّ في مَواسِمِكم، ما عدا نُذورَكم وتَقادِمَكُمُ الطَّوعِيَّة، لِمُحرَقاتِكم وتَقادِمِكم وسُكُبِكم وذَبائِحِكمُ السَّلامِيَّة. فكَلَّمَ موسى بني إِسْرائيلَ بِكُلِّ ما أَمَرَه الرَّبُّ به. وخاطَبَ موسى رُؤَساءَ أَسْباطِ بَني إِسْرائيلَ قائِلًا: «هٰذا ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه: أَيُّ رَجُلٍ نَذَرَ نَذْرًا لِلرَّبّ أَو حَلَفَ حِلْفًا فأَلزَمَ نَفسَه شَيئًا، فلا يُخلِفْ قَولَه، بل يَعمَلْ بِحَسَبِ كُلِّ ما خَرَجَ من فَمِه. وأَيَّةُ ٱمرَأَةٍ نَذَرَت نَذْرًا لِلرَّبّ وأَلزَمَت نَفْسَها شَيئًا وهي صَبِيَّةٌ في بَيتِ أَبيها، فسَمِعَ أَبوها نَذْرَها والإلْزامَ الَّذي أَلزَمَت نَفْسَها بِه، فسَكَتَ لَها، فقَد ثَبَتَت جَميعُ نُذورِها، وكُلُّ إِلْزامٍ أَلزَمَت بِه نَفْسَها ثابِت. وإِن عارَضَ أَبوها يَومَ سَمِعَه، فكُلُّ نُذورِها والإلْزاماتِ الَّتي أَلزَمَت بها نَفْسَها غَيرُ ثابِتة، والرَّبُّ يَغفِرُ لَها، لأَنَّ أَباها عارَض. وإِن صارَت لِرَجُلٍ ونَذَرَت لِنَفسِها أَو أَلزَمَت نَفْسَها بأَقوالٍ طائشة، فسَمِعَ رَجُلُها فسَكَتَ لَها يَومَ سَمِعَ بِذٰلك، فقَد ثَبَتَت نُذورُها وثَبَتَتِ الإلْزاماتُ الَّتي أَلزَمَت بِها نَفْسَها. وإِن عارَضَ رَجُلُها يَومَ سَمِعَها، فقَد فَسَخَ نَذْرَها الَّذي علَيها والأَقوالَ الطائِشَةَ الَّتي أَلزَمَت بِها نَفْسَها، والرَّبُّ يَغفِرُ لَها. وأَمَّا نَذْرُ الأَرمَلةِ أَوِ المُطَلَّقة، فكُلُّ ما أَلزَمَت بِه نَفْسَها ثابِتٌ علَيها. وإِن نَذَرَت نَذْرًا أَو أَلزَمَت نَفْسَها بِقَسَمٍ في بَيتِ رَجُلِها، فسَمِعَ رَجُلُها وسَكَتَ لَها ولَم يُعارِضْ، فقَد ثَبَتَت كُلُّ نُذورِها، وكُلُّ إِلْزامٍ أَلزَمَت بِه نَفْسَها ثابِت. وإِن فَسَخَ ذٰلك رَجُلُها يَومَ سَمِعَ بِه، فكُلُّ ما خَرَجَ مِن شَفَتَيها مِن نُذورٍ وإِلْزاماتٍ على نَفْسِها غَيرُ ثابِت، لأَنَّ رَجُلَها قد فَسَخَه، والرَّبُّ يَغفِرُ لَها. كُلُّ نَذْرٍ وكُلُّ قَسَمٍ مُلزِمٍ بِتَذْليلِ النَّفْس، فرَجُلُها يُثبِتُهما ورَجُلُها يَفسَخُهما. وإِن سَكَتَ لَها رَجُلُها من يَومٍ إِلى يَوم، فقَد أَثبَتَ جَميعَ نُذورِها وإِلْزاماتِها الَّتي علَيها، لأَنَّه سَكَتَ لَها يَومَ سَمِعَها. فإِن فَسَخَ ذٰلك بَعدَما سَمِعَ بِه، فقَد حَمَلَ وِزْرَها. تِلكَ هيَ الفَرائِضُ الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ بِها موسى أَن تَكونَ بَينَ الرَّجُلِ وٱمرَأَتِه وبَينَ الأَبِ وٱبنَتِه وهي صَبِيَّةٌ في بَيتِ أَبيها. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «إِنتَقِمِ ٱنتِقامَ بَني إِسْرائيلَ مِنَ المِديَنِيِّين، وبَعدَ ذٰلك تَنضَمُّ إِلى أَجْدادِكَ». فكَلَّمَ موسى الشَّعبَ قائِلًا: «لِيُجَهِّزْ بَعضُكم أَنفُسَهم لِلقِتال ولْيَخرُجوا على مِديَن لِيُحِلُّوا بِهِمِ ٱنتِقامَ الرَّبّ. مِن كُلِّ سِبْطٍ مِن أَسْباطِ إِسْرائيلَ تُرسِلونَ أَلفًا إِلى القِتال». فجُنِّدَ مِن أُلوفِ إِسْرائيل، مِن كُلِّ سِبْطٍ أَلْف، أَيِ ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا مُجَهَّزونَ لِلقِتال. فأَرسَلَهم موسى مِن كُلِّ سِبْطٍ أَلفًا إِلى القِتال، ومعَهم فِنْحاسُ بنُ أَلِعازارَ الكاهِن وفي يَدِه أَمتِعَةُ القُدْس وأَبواقُ الهُتاف. فقاتَلوا مِديَنَ كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى، وقَتَلوا كُلَّ ذَكَر. وقَتَلوا أَيضًا، زِيادَةً على قَتْلاهم، مُلوكَ مِديَنَ وهُم خَمسَة: أَوِي وراقَم وصور وحور ورابَع. وأَمَّا بِلْعامُ بنُ بَعور، فقَتَلوه بِالسَّيف. وسَبَى بَنو إِسْرائيلَ نِساءَ مِديَنَ وأَطْفالَهم، وغَنِموا جَميعَ بَهائِمِهم ومَواشيهِم وأَمْوالِهِم. وأَحرَقوا بِالنَّارِ جَميعَ مُدُنِهم معَ مَساكِنِهم ومُخَيَّماتِهم. وأَخَذوا الغَنيمَةَ كُلَّها والنَّهْبَ مِن بَشَرٍ وبَهائِم. وأَتَوا إِلى موسى وأَلِعازارَ الكاهِنِ وجَماعةِ بَني إِسْرائيلَ بِالأَسْرى والنَّهْبِ والغَنيمَةِ إِلى المُخَيَّم، في عَرَبَةَ موآبَ الَّتي على أُردُنِّ أَريحا. فَخَرَجَ موسى وأَلِعازارُ الكاهنُ وكُلُّ رُؤَساءِ الجَماعةِ لِمُلاقاتِهم إِلى خارِجِ المُخَيَّم. فغَضِبَ موسى على ضُبَّاطِ الجَيش، أَي رُؤَساءِ الأُلوفِ ورُؤَساءِ المِئات، القادِمينَ مِن قِتالِ الحَرْب. وقالَ لَهم موسى: «هلِ ٱستَبقَيتُمُ الإِناثَ كُلَّهُنَّ؟ إِنَّ هٰؤُلاءِ هُنَّ اللَّواتي حَمَلنَ بَني إِسْرائيل، بِمَشورةِ بِلْعام، على أَن يَخونوا الرَّبَّ في أَمرِ فَغور، فحَلَّتِ الضَّربَةُ في جَماعةِ الرَّبّ. والآن فٱقتُلوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفال، وٱقتُلوا كُلَّ ٱمرَأَةٍ عَرَفَت مُضاجَعَةَ رَجُل. وأَمَّا إِناثُ الأَطْفالِ اللَّواتي لَم يَعرِفنَ مُضاجَعةَ الرِّجال، فٱستَبْقوهُنَّ لَكم. وأَنتُم فخَيِّموا خارِجَ المُخَيَّمِ سَبعَةَ أَيَّام، كُلُّ مَن قَتَلَ نَفْسًا وكُلُّ مَن لَمَسَ قَتيلًا، وٱطَّهِروا أَنتُم وأَسْراكم في اليَومِ الثَّالِثِ وفي اليَومِ السَّابِع. وطَهِّروا كُلَّ ثَوبٍ ومَتاعِ جِلْدٍ وكُلَّ ما صُنِعَ مِن شَعَرِ المَعِز وكُلَّ مَتاعٍ مِن خَشَب». وقالَ أَلِعازارُ الكاهِنُ لِرِجالِ الجَيْشِ الَّذينَ ذَهَبوا إِلى المَعرَكَة: «هٰذه فَريضَةُ الشَّريعةِ الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ بِها موسى: الذَّهَبُ والفِضَّةُ والنُّحاسُ والحديدُ والقِصْديرُ والرَّصاص، أَي كُلُّ شَيءٍ يُمكِنُ أَن يَدخُلَ النَّار، فتُمَرِّرونَه في النَّارِ فيَطهرُ، غَيرَ أَنَّه يَتَطَهَّرُ بِماءِ الرَّشّ، وكُلُّ ما لا يَدخُلُ النَّار تُمَرِّرونَه في الماء. وتَغسِلونَ ثِيابَكم في اليَومِ السَّابِعِ فتَطهُرون، وبَعدَ ذٰلك تَدخُلونَ المُخَيَّم». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «أَحْصِ الأَسْرى والغَنيمةَ مِنَ البَشَرِ والبَهائم، أَنتَ وأَلِعازارُ الكاهِنُ ورُؤَساءُ بُيوتِ آباءِ الجَماعة. وٱشطُرْ ذٰلك بَينَ أَهْلِ الحَرْبِ الَّذينَ خَرَجوا لِلْقِتالِ وسائِرِ الجَماعة. وٱقتَطِعْ ضَريبَةً لِلرَّبِّ مِن أَهلِ الحَربِ الَّذينَ خَرَجوا لِلقِتال، رأسًا واحِدًا مِن كُلِّ خَمْسِ مِئَةٍ مِنَ البَشَرِ والبَقَرِ والحَميرِ والغَنَم. خُذوا ذٰلك مِن قِسمَتِهم، وسَلِّمْه إِلى أَلِعازارَ الكاهِنِ تَقدِمةً لِلرَّبّ. وخُذْ مِن قِسمَةِ بَني إِسْرائيلَ واحِدًا مِن خَمْسينَ مِنَ البَشَرِ والبَقَرِ والحَميرِ والغَنَمِ وسائرِ البَهائِم، وسَلِّمْ ذٰلك إِلى اللاَّوِيِّينَ المَسْؤولينَ عن مَسكِنِ الرَّبّ». فصَنَعَ موسى وأَلِعازارُ الكاهِنُ كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. فكانَ النَّهْب، أي ما بَقِيَ مِنَ الغَنيمَةِ الَّتي سَلَبَها رِجالُ القِتال: مِنَ الغَنَمِ سِتَّ مِئَةٍ وخَمْسَةً وسَبعينَ أَلْفًا، ومِنَ البَقَرِ ٱثنَينِ وسَبْعينَ أَلْفًا، ومِنَ الحَميرِ واحِدًا وسِتِّينَ أَلفًا، ومِنَ البَشَرِ النِّساءَ اللَّواتي لم يَعرِفنَ مُضاجَعَةَ الرِّجال، اِثْنَين وثَلاثينَ أَلفًا. فكانَ نِصْفُ ذٰلك، وهو نَصيبُ الَّذينَ خَرَجوا لِلقِتال: مِنَ الغَنَمِ ثَلاثَ مِئَةٍ وسَبعَةً وثَلاثينَ أَلفًا وخَمسَ مِئَة، فكانَت ضَريبةُ الرَّبِّ مِنَ الغَنَمِ سِتَّ مِئَةٍ وخَمسَةً وسَبعينَ رأسًا. ومِنَ البَقَرِ سِتَّةً وثَلاثينَ أَلفًا، فكانَت ضَريبةُ الرَّبِّ مِنها ٱثنَينِ وسَبْعين. ومِنَ الحَميرِ ثَلاثينَ أَلفًا وخَمسَ مِئَة، فكانَت ضَريبةُ الرَّبِّ مِنها واحِدًا وسِتِّين. ومِنَ البَشَرِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلفًا، فكانَت ضَريبةُ الرَّبِّ مِنها ٱثنَينِ وثَلاثينَ نَفْسًا. فسَلَّمَ موسى الضَّريبَةَ المُقتَطَعةَ لِلرَّبِّ إِلى أَلِعازارَ الكاهِنِ، كَما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وأَمَّا قِسمَةُ بَني إِسْرائيلَ الَّتي قَسَمَها لَهم موسى مِنَ الرِّجالِ المُقاتِلين، وهي قِسمَةُ الجماعة: مِنَ الغَنَمِ ثَلاثَ مِئَةٍ وسَبعةً وثَلاثينَ أَلفًا وخَمسَ مِئَة، ومِنَ البَقَرِ سِتَّةً وثَلاثينَ أَلفًا، ومِنَ الحَميرِ ثَلاثينَ أَلفًا وخَمسَ مِئة، ومِنَ البَشَرِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلفًا. أَخَذَ موسى مِن قِسمَةِ بَني إِسْرائيلَ واحِدًا مِن خَمْسينَ مِنَ البَشَرِ والبَهائم وسَلَّمَه إِلى اللاَّوِيِّينَ المَسؤُولينَ عن مَسكِنِ الرَّبّ، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلى موسى ضُبَّاطُ أُلوفِ الجَيش، أَي رُؤَساءُ الأُلوف ورُؤَساءُ المِئات، فقالوا لَه: «إِنَّ عَبيدَكَ أَحصَوا رِجالَ الحَربِ الَّذينَ مَعَنا، فلَم يُفقَدْ مِنَّا رَجُل. وقد قَرَّبْنا قُربانًا لِلرَّبّ، كُلُّ واحِدٍ ما وَجَدَه مِن أَدَواتِ الذَّهَب، مِن حِجْلٍ وسِوارٍ وخاتَمٍ وقُرْطٍ وقِلادة، لِلتَّكْفيرِ عن نُفوسِنا أَمامَ الرَّبّ». فقَبَضَ موسى وأَلِعازارُ الكاهِنُ الذَّهَبَ مِنهم، كُلَّ قِطعةٍ مَصوغَة. فكانَ مَجْموعُ ذَهَبِ التَّقدِمَةِ الَّتي قَدَّموها لِلرَّبّ: سِتَّةَ عَشَرَ أَلفًا وسَبعَ مِئَةٍ وخَمْسينَ مِثْقالًا، مِن رُؤَساءِ الأُلوفِ ورُؤَساءِ المِئات. وأَمَّا رِجالُ الحَرب، فما سَلَبَ الواحِدُ مِنهم كانَ لَه. فأَخَذَ موسى وأَلِعازارُ الكاهِنُ الذَّهَبَ مِن رُؤَساءِ الأُلوفِ والمِئات وأَدخَلاه خَيمةَ المَوعِدِ ذِكْرًا لِبَني إِسْرائيلَ أَمامَ الرَّبّ. وكانَ لِبَني رَأُوبينَ وبَني جادٍ مَواشٍ كَثيرة جِدًّا، فرَأَوا أَنَّ أَرضَ يَعْزيرَ وأَرضَ جِلْعادَ مَكانٌ يَصلُحُ لِلْماشِيَة. فجاءَ بَنو جادٍ وبَنو رَأُوبين وكَلَّموا موسى وأَلِعازارَ الكاهِنَ وزُعماءَ الجَماعةِ وقالوا: «إِنَّ عَطاروت وديبون ويَعْزير ونِمْرَة وحَشْبون وأَلِعالَة وسَبام ونابو وبَعون، وهي الأَرضُ الَّتي ضَرَبَها الرَّبُّ أَمامَ جَماعةِ إِسْرائيل، هي أَرضٌ تَصلُحُ لِلْماشِيَة، ولِعَبيدِكَ ماشِيَة». قالوا: «فإِن نِلْنا في عَينَيكَ حُظْوَةً، فلْتُعْطَ هٰذه الأَرضُ لِعَبيدِكَ مِلْكًا، ولا تُجِزْنا الأُردُنّ». فقالَ موسى لِبَني جادٍ وبَني رَأُوبين: «أَيَخرُجُ إِخوَتُكم إِلى الحَرْب وتَقعُدوا أَنتُم هٰهُنا؟ لِماذا تُثَبِّطونَ عَزائِمَ بَني إِسْرائيلَ عَنِ العُبورِ إِلى الأَرضِ الَّتي وَهَبَها الرَّبُّ لَهم؟ هٰكذا صَنَعَ آباؤُكُم، حينَ أَرسَلتُهم مِن قادِشَ بَرْنيع لِيَرَوا الأَرض، فصَعِدوا حتَّى وادي أَشْكول ورَأَوا الأَرضَ وثَبَّطوا عَزائِمَ بَني إِسْرائيلَ عنِ الدُّخولِ إِلى الأَرضِ الَّتي أَعْطاهُمُ الرَّبُّ إِيَّاها. فغَضِبَ الرَّبُّ في ذٰلِك اليَومِ وأَقسَمَ قائلًا: لن يَرى الرِّجالُ الَّذينَ صَعِدوا مِن مِصرَ، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنةً فصاعِدًا، الأَرضَ الَّتي أَقسَمتُ علَيها لإبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب، لأَنَّهم لم يُحسِنوا الإِنْقِيادَ لي، ما عَدا كالِبَ ابنَ يَفُنَّا القَنِزِّيَّ ويَشوعَ بنَ نون، فإِنَّهما أَحْسَنا الإِنْقِيادَ لِلرَّبّ. وغضِبَ الرَّبُّ على إِسْرائيل، فجَعَلَهم يَتيهونَ في البَرِّيَّةِ أَربَعينَ سَنةً، حتَّى ٱنقَرَضَ كُلُّ الجيلِ الَّذي فَعَلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ. وها أَنتُم قد قُمتُم مَكانَ آبائِكُم، يا أَولادَ الخاطِئين، لِتَزيدوا أَيضًا في ٱحتِدامِ غَضَبِ الرَّبِّ على إِسْرائيل. لأَنَّكم، إِن مِلْتُم عنِ الإِنْقِيادِ لَه، يَعودُ فيَترُكُ إِسْرائيلَ في البَرِّيَّة، فتُهلِكونَ هٰذا الشَّعبَ كُلَّه». فتقدَّموا إِلى موسى وقالوا: «نَبْني حَظائِرَ لِمَواشينا هٰهُنا ومُدُنًا لأَطْفالِنا. ونَحنُ نَتَجَهَّزُ لِلقِتالِ بِسُرعَةٍ على رَأسِ بَني إِسْرائيل، حَتَّى نُدخِلَهم مَكانَهم، فيُقيمُ أَطْفالُنا في مُدُنٍ مُحَصَّنةٍ مِن وَجهِ سُكَّانِ تِلكَ الأَرض. لن نَرجِعَ إِلى بُيوتِنا حتَّى يَرِثَ بَنو إِسْرائيلَ كُلُّ واحِدٍ ميراثَه. ونَحنُ لن نَرِثَ معَهم شَيئًا مِن عِبْرِ الأُردُنِّ وما وَراءَه، فقَد أَتانا ميراثُنا في عِبْرِ الأُردُنِّ شَرْقًا». فقالَ لَهم موسى: «إِن صَنَعتُم هٰذا الأَمرَ وجَهَّزتُم أَنفُسَكم لِلقِتالِ أَمامَ الرَّبّ، وعَبَرَ كُلُّ مُجَهَّزٍ مِنكُمُ الأُردُنَّ أَمامَ الرَّبّ، إِلى أَن يَطرُدَ أَعْداءَه مِن وَجهه، وإِن أُخضِعَتِ الأَرضُ أَمامَ الرَّبّ، وبَعدَ ذٰلِكَ رَجَعتُم، تَكونونَ أَبرِياءَ عِندَ الرَّبِّ وعِندَ إِسْرائيل، وتَكونُ هٰذه الأَرضُ مِلْكًا لَكم أَمامَ الرَّبّ. وإِن لم تَصنَعوا هٰكذا، فقَد خَطِئتُم إِلى الرَّبّ، وٱعلَموا أَنَّ خَطيئَتَكم تَنالُ مِنكُم. إِبْنوا لَكم مُدُنًا لأَطْفالِكُم وحَظائِرَ لِغَنَمِكم، وٱعمَلوا بما خَرَجَ مِن أَفْواهِكم». فقالَ بَنو جادٍ وبَنو رَأُوبينَ لِموسى: «عَبيدُكَ يَعمَلونَ بِما يَأمُرُهم سَيِّدُنا. أَطْفالُنا ونِساؤُنا ومَواشينا وسائِرُ بَهائِمِنا يُقيمونَ هُنا في مُدُنِ جِلْعاد، وعَبيدُكَ يَعبُرُ مِنهم كُلُّ مُجَهَّزٍ لِلقِتالِ أَمامَ الرَّبّ، كما قالَ سَيِّدُنا». فأَوصى بِهم موسى أَلِعازارَ الكاهِنَ ويَشوعَ ٱبنَ نون ورُؤَساءَ بُيوتِ آباءِ الأَسْباطِ مِن بَني إِسْرائيل. وقالَ لَهم موسى: «إِذا عَبَرَ بَنو جادٍ وبَنو رَأُوبينَ الأُردُنَّ مَعَكم، كُلُّ مُجَهَّزٍ لِلقِتالِ أَمامَ الرَّبّ، وأُخضِعَتِ الأَرضُ أَمامَكم، فأَعْطوهم أَرضَ جِلْعادَ مِلْكًا. وإِن لم يَعبُروا معَكم مُجَهَّزين، فليَتَمَلَّكوا فيما بَينَكم في أَرضِ كَنْعان». فأَجابَ بَنو جادٍ وبَنو رَأُوبين قائِلين: «ما كَلَّمَ الرَّبُّ بِه عَبيدَه، فنَحنُ نَصنَعُه. نَعبُرُ مُجَهَّزينَ أَمامَ الرَّبِّ إِلى أَرضِ كَنْعان، ولٰكِن يَكونُ ميراثُنا في عِبرِ الأُردُنّ». فأَعطى لَهم موسى: لِبَني جادٍ وبَني رَأوبينَ ونِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى بنِ يوسُفَ مَملَكَةَ سيحونَ، مَلِكِ الأَمورِيِّين، ومَملَكَةَ عوجٍ، مَلِكِ باشان، أَيِ الأَرضَ بِمُدُنِها وحُدودِها، مُدُنِ الأَرضِ مِن كُلِّ جِهَة. فبَنى بَنو جادٍ ديبون وعَطاروت وعَروعير وعَطْروتَ شوفان ويَعْزير ويَجبَهَة وبَيتَ نِمْرة وبَيتَ هاران، مُدُنًا مُحَصَّنةً وحَظائِرَ غَنَم. وبَنو رَأُوبينَ بَنَوا حَشْبون وأَلِعالا وقِرْيَتائيم ونَبو وبَعْلَ مَعون، اللَّتَينِ بُدِّلَ ٱسمُهُما، وسَبْحَة، وأَطلَقوا على المُدُنِ الَّتي بَنَوها أَسْماءً. ومَضى بَنو ماكيرَ بنِ مَنَسَّى إِلى جِلْعاد، فٱستَولَوا علَيها وطَرَدوا الأَمورِيِّينَ الَّذينَ فيها. وأَعْطى موسى جِلْعادَ لِماكيرَ بنِ مَنَسَّى، فأَقامَ فيها. ومضى يائيرُ بنُ مَنَسَّى وٱستَولى على مَزارِعِها وسَمَّاها مَزارِعَ يائير، ومضى نُوبَحُ وٱستَولى على قَناتَ وتَوابِعِها وسَمَّاها نُوبَحَ على ٱسمِه. هٰذه مَراحِلُ بَني إِسْرائيل، حينَ خَرَجوا مِن أَرضِ مِصرَ بِجُيوشِهم عن يَدِ موسى وهارون. كَتَبَ موسى خُروجَهم بِحَسَبِ مَرَاحِلِهم بِأَمرِ الرَّبّ. وهٰذه مَراحِلُهم في خُروجِهم. رَحَلَوا مِن رَعَمْسيسَ في الشَّهرِ الأَوَّل، في اليَومِ الخامِسَ عَشَرَ مِنه، في غَدِ الفِصْح. خَرَجَ بَنو إِسْرائيلَ بِيَدٍ رفيعةٍ على مَشهَدِ جَميعِ المِصرِيِّين، وهُم يَدفِنونَ الَّذينَ ضَرَبَهمُ الرَّبُّ، أَي كُلَّ الأَبكارِ مِنهم، وقد نَفَّذَ الرَّبُّ أَحْكامًا بِآلِهَتِهم. فرَحَلَ بَنو إِسْرائيلَ مِن رَعَمْسيس وخَيَّموا في سُكُّوت. ورَحَلوا مِن سُكُّوت وخَيَّموا في إِيتامَ الَّتي هي في طَرَفِ البَرِّيَّة. ورَحَلوا مِن إِيتام ورَجَعوا إِلى فيهَحيروتَ الَّتي تُجاهَ بَعْلَ صَفون وخَيَّموا أَمامَ مِجْدول. ورَحَلوا من فيهَحيروت وعَبَروا في وَسَطِ البَحرِ إِلى البَرِّيَّة، وساروا مَسافةَ ثَلاثةِ أَيَّامٍ في بَرِّيَّةِ إِيتام وخَيَّموا في مارَّة. ورَحَلوا مِن مارَّة ووَصَلوا إِلى إِيليم، وفي إِيليمَ ٱثنتا عَشْرَةَ عَينَ ماء وسَبْعونَ نَخلَة، فخَيَّموا هُناك. ورَحَلوا مِن إِيليم وخَيَّموا على بَحرِ القَصَب. ورَحَلوا مِن بَحرِ القَصَب وخَيَّموا في بَرِّيَّة سين. ورَحَلوا مِن بَرِّيَّةِ سين وخَيَّموا في دُفقَة. ورَحَلوا مِن دُفقَة وخَيَّموا في ألوش. ورَحَلوا مِن أَلوش وخَيَّموا في رَفيديم، ولم يَكُنْ هُناكَ لِلشَّعبِ ماءٌ لِيَشرَب. ورَحَلوا مِن رَفيديم وخَيَّموا في بَرِّيَّةِ سيناء. ورَحَلوا مِن بَرِّيَّةِ سيناء وخَيَّموا عِندَ قِبْروت هَتَأَوَه. ورَحَلوا مِن عِندِ قِبْروت هَتَأَوه وخَيَّموا في حَصيروت. ورَحَلوا مِن حَصيروت وخَيَّموا في رِتمَة. ورَحَلوا مِن رِتمَة وخَيَّموا في رِمُّونَ فارَص. ورَحَلوا مِن رِمُّونَ فارَص وخَيَّموا في لِبنَة. ورَحَلوا مِن لِبنَة وخَيَّموا في رِسَّة. ورَحَلوا مِن رِسَّة وخَيَّموا في قَهيلاتا. ورَحَلوا مِن قَهيلاتا وخَيَّموا في جَبَلِ شافَر. ورَحَلوا مِن جَبَلِ شافَر وخَيَّموا في حَرادة. ورَحَلوا مِن حَرادة وخَيَّموا في مَقْهيلوت. ورَحَلوا مِن مَقْهيلوت وخَيَّموا في تاحَت. ورَحَلوا مِن تاحَت وخَيَّموا في تارَح. ورَحَلوا مِن تارَح وخَيَّموا في مِتقَة. ورَحَلوا مِن مِتقَة وخَيَّموا في حَشْمونة. ورَحَلوا مِن حَشْمونة وخَيَّموا في موسيروت. ورَحَلوا مِن موسيروت وخَيَّموا في بَني يَعْقان. ورَحَلوا مِن بَني يَعْقان وخَيَّموا في حورَهَجِدْجاد. ورَحَلوا مِن حورَهَجِدْجاد وخَيَّموا في يَطْباتة. ورَحَلوا مِن يَطْباتة وخَيَّموا في عَبْرونة. ورَحَلوا مِن عَبْرونة وخَيَّموا في عَصْيونَ جابَر. ورَحَلوا مِن عَصْيونَ جابَر وخَيَّموا في بَرِّيَّةِ صين وهي قادِش. ورَحَلوا مِن قادِش وخَيَّموا في جَبَلِ هور، في طَرَفِ أَرضِ أَدوم. فصَعِدَ هارونُ الكاهِنُ إِلى جَبَلِ هورٍ بِأَمرِ الرَّبّ، وماتَ هُناكَ في السَّنةِ الأَربَعينَ لِخُروجِ بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصْر، في الشَّهرِ الخامس، في اليَومِ الأَوَّلِ منه. وكانَ هارونُ ٱبنَ مِئَةٍ وثَلاثٍ وعِشْرينَ سَنةً، حينَ ماتَ في جَبَلِ هور. وسَمِعَ الكَنْعانِيُّ، مَلِكُ عَراد، بِمَجيءِ بَني إِسْرائيل، وهو ساكِنٌ في النَّقَبِ في أَرضِ كَنْعان. ورَحَلوا مِن جَبَلِ هور وخَيَّموا في صَلْحونة. ورَحَلوا مِن صَلْحونة وخَيَّموا في فونون. ورَحَلوا مِن فونون وخَيَّموا في أُوبوت. ورَحَلوا مِن أُوبوت وخَيَّموا في عِيِّي هَعَباريم في حُدودِ موآب. ورَحَلوا مِن عِيِّيم وخَيَّموا في ديبونَ جاد. ورَحَلوا مِن ديبونَ جاد وخَيَّموا في عَلْمونَ دِبْلاتائيم. ورَحَلوا مِن عَلْمونَ دِبْلاتائيم وخَيَّموا في جِبالِ العَباريم تُجاهَ نَبو. ورَحَلوا مِن جِبالِ العَباريم وخَيَّموا في عَرَبَةَ موآب على أُردُنِّ أَريحا. فخَيَّموا على الأُردُنِّ مِن بَيتَ يَشْموت إِلى آبَلَ شِطِّيم في عَرَبَةَ موآب. وخاطَبَ الرَّبُّ موسى في عَرَبَةَ موآب على أُردُنِّ أَريحا قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِذا أَنتُم عَبَرتُمُ الأُردُنَّ إِلى أَرضِ كَنْعان، فطَرَدتُم جَميعَ سُكَّانِ تِلكَ الأَرضِ مِن وَجهِكم، تُزيلونَ جَميعَ مَنْقوشاتِهم وأَصْنامِهمِ المَسْبوكة، وتَدُكُّونَ مَشارِفَهم، وتَملِكونَ الأَرضَ وتُقيمونَ فيها، فإِنِّي قد أَعطَيتُكم إِيَّاها ميراثًا، تَرِثونَ الأَرضَ بِالقُرْعةِ على حَسَبِ عَشائِرِكم، الكَثيرُ تُكَثِّرونَ لَه ميراثَه والقَليلُ تُقَلِّلونَ لَه ميراثَه، وحَيثُ تَقَعُ القُرعَةُ على أَحَدِكم، فلْيَكُنْ لَه. على حَسَبِ أَسْباطِ بُيوتِ آبائِكم تَتَقاسَمونَ ميراثَكم. وإِن لم تَطرُدوا سُكَّانَ تِلكَ الأَرضِ مِن وَجهِكم، كانَ مَن تُبقونَ مِنهم كإِبرَةٍ في عُيونِكم وكَمهامِزَ في جَوانِبِكم، وهُم يُضايِقونَكم في الأَرضِ الَّتي تُقيمونَ فيها. فيَكونُ أَنِّي كَما نَوَيتُ أَن أَصنَعَ بِهم أَصنَعُ بِكم». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «مُرْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِذا دَخَلتُم أَرضَ كَنْعان، فهٰذه هي الأَرضُ الَّتي تَقَعُ لَكم ميراثًا: أَرضُ كَنْعانَ بِحُدودِها. يَبتَدِئُ لَكمُ الحَدُّ الجَنوبِيُّ مِن بَرِّيَّةِ صينَ على جانِبِ أَدوم، فيَكونُ لَكُمُ الحَدُّ الجَنوبِيُّ مِن طَرَفِ بَحرِ المِلحِ شَرْقًا. ثُمَّ يَميلُ لَكمُ الحَدُّ الجَنوبِيُّ إِلى عَقَبَةِ العَقارِب، ويَمُرُّ بِصين، ويَنفُذُ إِلى جَنوبِ قادِشَ بَرْنيع، ثُمَّ يَنفُذُ إِلى حَصَرَ أَدَّار، ويَمُرُّ بِعَصْمون. ثُمَّ يَميلُ الحَدُّ مِن عَصْمونَ إِلى وادي مِصرَ، نافِذًا إِلى البَحر. وأَمّا الحَدُّ الغَرْبِيّ، فيَكونُ لَكمُ البَحرُ الكَبيرُ حَدًّا. ذٰلك يكونُ لَكم حَدَّ الغَرْب. وهٰذا يَكونُ لَكمُ الحَدَّ الشَّمالِيّ: مِنَ البَحرِ الكَبيرِ تَخُطُّون لَكم خَطًّا إِلى جَبَلِ هور. ومِن جَبَلِ هور تَخُطُّونَ خَطًّا إِلى مَدخَلِ حَماة، ويَكونُ مَنفَذُ الحَدِّ إِلى صَدَد. ثُمَّ يَنفُذُ إِلى زِفْرون ويَنْتهي إِلى حَصَرَ عَينان: ذٰلك يَكونُ حَدَّكُمُ الشَّمالِيّ. وتَخُطُّونَ لَكمُ الحَدَّ الشَّرقِيَّ مِن حَصَرَ عَينان إِلى شافام. ثُمَّ يَهبِطُ مِن شافام إِلى هَربَلة شَرقِيَّ العَين، ويَهبِطُ أَيضًا ويُلاصِقُ مُنحَدَراتِ بَحرِ كِنَّارةَ شَرْقًا. ويَهبِطُ الحَدُّ على طولِ الأُردُنّ، ويَنفُذُ إِلى بَحرِ المِلْح. تِلكَ تَكونُ لَكم حُدودَ الأَرضِ مِن كُلِّ جِهَة. فأَمَرَ موسى بَني إِسْرائيلَ قائلًا: «هٰذه هي الأَرضُ الَّتي تَتَقاسَمونَها ميراثًا بِالقُرعَة والَّتي أَمَرَ الرَّبُّ أَن تُعْطى لِلأَسْباطِ التِّسعَةِ ونِصْفِ السِّبْط، لأَنَّ سِبْطَ بَني رأُوبينَ بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم وسِبْطَ بَني جادٍ بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم ونِصفَ سِبْطِ بَني مَنَسَّى قد أَخَذوا ميراثَهم. هٰذان السِّبْطانِ ونِصْفُ السِّبْطِ قد أَخَذوا ميراثَهم في عِبْرِ أُردُنِّ أَريحا جِهَةَ الشَّرْق. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائِلًا: «هٰذه أَسماءُ الَّذينَ يُقَسِّمونَ لَكمُ الأَرض: أَلِعازارُ الكاهِنُ ويَشوعُ بنُ نون، وزَعيمٌ مِن كُلِّ سِبْطٍ تأخُذونَه لِتَقْسيمِ الأرض. وهٰذه أَسْماءُ الرِّجال: مِن سِبْطِ يَهوذا كالِبُ ٱبنُ يَفُنَّا، ومِن سِبْطِ بَني شِمْعون شَموئيلُ بنُ عَمِّيهود، ومِن سِبْطِ بَنْيامين أَليدادُ ٱبنُ كِسْلون، ومِن سِبْطِ بَني دان الزَّعيمُ بُقِّي ٱبنُ يُجْلي، ومِن بَني يوسُف: مِن سِبْطِ مَنَسَّى الزَّعيمُ حَنِّئيلُ بنُ إِيفود، ومِن سِبْطِ بَني أَفرائيم الزَّعيمُ قَموئيلُ بنُ شِفْطان، ومِن سِبْطِ بَني زبولون الزَّعيمُ أَليصافانُ بنُ فَرْناك، ومِن سِبْطِ بَني يَسَّاكَر الزَّعيمُ فَلْطيئيلُ بنُ عَزَّان، ومِن سِبْطِ بَني أَشير الزَّعيمُ أَحيهودُ بنُ شَلومي، ومِن سِبْطِ بَني نَفْتالي الزَّعيمُ فَدَهْئيلُ ٱبنُ عَمِّيهود. أُولٰئِكَ هُمُ الَّذينَ أَمَرَهمُ الرَّبُّ أَن يُقَسِّموا لِبَني إِسْرائيلَ أَرضَ كَنْعانَ ميراثًا. وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى في عَرَبَةَ موآب، على أُردُنِّ أَريحا، قائلًا: «مُرْ بَني إِسْرائيلَ أَن يُعْطوا اللاَّوِيِّينَ مِن ميراثِ مِلْكِهم مُدُنًا يَسكُنونها، وأَعْطوهم مَراعِيَ مِن حَولِ المُدُن، فتَكونَ المُدُنُ مَساكِنَ لَهم ومَراعيها لِبَهائِمِهم وخَيراتِهم وجَميعِ حَيَواناتِهم. ومَراعي المُدُنِ الَّتي تُعْطونَها لِلاَّوِيِّين تَكونُ أَلفَ ذِراعٍ مِن سورِ المَدينةِ إِلى خارِجٍ مِن حَولِها. فتَكونُ مِساحَةُ الجانَبِ الشَّرْقِيِّ مِن خارِجِ المَدينةِ أَلفَي ذِراع، ومِساحةُ الجانِبِ الجَنوبِيِّ أَلفَي ذِراع، ومِساحةُ الجانِبِ الغَرْبِيِّ أَلفَي ذِراع، ومِساحةُ الجانِبِ الشَّمالِيِّ أَلفَي ذِراع، وتَكونُ المَدينةُ في الوَسَط. تِلكَ تَكونُ لَهم مَراعِيَ المُدُن. والمُدُنُ الَّتي تُعْطونَها لِلاَّوِيِّين، سِتٌّ مِنها تَكونُ مُدُنَ مَلْجأ، تُعْطونَها لِيَهرُبَ إِلَيها القاتِل، وتُعْطونَ زِيادةً علَيها ٱثنَتَينِ وأَربَعينَ مَدينة، فيَصيرُ مَجْموعُ المُدُنِ الَّتي تُعْطونَها لِلاَّوِيِّين ثَمانِيَ وأَربَعينَ مَدينةً بِمَراعيها. والمُدُنُ الَّتي تُعْطونَهم إِيَّاها مِن مِلْكِ بَني إِسْرائيل، مِمَّن أَخَذَ كَثيرًا تأخُذونَ كَثيرًا، ومِمَّن أَخَذَ قَليلًا تأخُذونَ قليلًا، فيُعطي كُلُّ واحِدٍ مِن مُدُنِه لِلاَّوِيِّينَ على قَدرِ الميراثِ الَّذي وَرِثَه». وخاطَبَ الرَّبُّ موسى قائلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِذا أَنتُم عَبَرتُمُ الأُردُنَّ إِلى أَرضِ كَنْعان، فٱخْتاروا لَكم مُدُنًا تَكونُ لَكم مُدُنَ مَلْجأ، يَهرُبُ إِلَيها القاتِل مَن قَتَلَ نَفْسًا سَهْوًا. فتَكونُ تِلكَ المُدُنُ مَلْجَأً لَكم مِنَ المُنتَقِمِ لِلدَّم، فلا يُقتَلُ القاتِلُ حتَّى يَقِفَ أَمامَ الجَماعةِ لِلْمُحاكَمة. والمُدُنُ الَّتي تُعْطونَها تَكونُ لَكم سِتَّ مُدُنِ مَلْجأ: ثَلاثٌ مِنها في عبْرِ الأُردُنّ وثَلاثٌ في أَرضِ كَنْعان تَكونُ مُدُنَ مَلْجأ. لِبَني إِسْرائيلَ ولِلنَّزيلِ والضَّيفِ فيما بَينَكم تَكونُ هٰذه المُدُنُ السِتُّ مَلْجًا، لِيَهرُبَ إِلَيها كُلُّ مَن قَتَلَ نَفْسًا سَهْوًا. إِن كانَ قد ضَرَبَه بأَداةٍ مِن حَديدٍ فماتَ، فهُو قاتِل، والقاتِلُ يَموتُ مَوتًا. وإِن ضَرَبَه بِحَجَرِ يَدٍ مِمَّا يُقتَلُ بِه فماتَ، فهو قاتِل: والقاتِلُ يَموتُ مَوتًا. وإِن ضَرَبَه بِأَداةِ يَدٍ مِن خَشَبٍ مِمَّا يُقتَلُ بِه فماتَ، فهو قاتِل: والقاتِلُ يَموتُ مَوتًا. المُنتَقِمُ لِلدَّمِ هو يُميتُ القاتِل، يُميتُه حين يُصادِفُه. وإِن دَفَعَه عن بُغْضٍ أَو أَلْقى علَيه شَيئًا عَمْدًا فمات، أَو ضَرَبَه بِيَدِه عن عَداوةٍ فمات، فإِنَّ الضَّارِبَ يَموتُ مَوتًا لأَنَّه قاتِل، والمُنتَقِمُ لِلدَّمِ هو يُميتُ القاتِلَ حينَ يُصادِفُه. وإِن دَفَعَه عَرَضًا بِلا عَداوة، أَو أَلْقى علَيه أَداةً ما بِغَيرِ تَعَمُّد، أَو حَجَرًا مِمَّا يُقتَلُ بِه أَسقَطَه علَيه دونَ أَن يَراه فمات، وهو لَيسَ بِعَدُوٍّ له ولا طالِبٍ لَه سُوءًا، فلْتَحكُمِ الجَماعةُ بَينَ القاتِلِ والمُنتَقِمِ لِلدَّمِ بِموجِبِ هٰذه الأَحْكام، وتُنقِذِ الجَماعةُ القاتِلَ مِن يَدِ المُنتَقِمِ لِلدَّم وتَرُدَّه إِلى مَدينةِ مَلْجَإِه الَّتي كانَ قد هَرَبَ إِلَيها، فيُقيمُ بِها حتَّى يَموتَ عَظيمُ الكَهَنَةِ الَّذي مُسِحَ بِدُهْنِ القُدْس. فإِن خَرَجَ القاتِلُ مِن حُدودِ مَدينةِ مِلْجَإِه الَّتي هَرَبَ إِلَيها، فصادَفَه المُنتَقِمُ لِلدَّمِ خارِجَ حُدودِ مَدينةِ مَلْجَإِه، فقَتَلَ المُنْتَقِمُ لِلدَّمِ القاتِل، فلا دَمَ علَيه: فعَلى القاتِلِ أَن يُقيمَ في مَدينةِ مَلْجَإِه إِلى أَن يَموتَ عَظيمُ الكَهَنَة، وبَعدَ مَوتِ عظيمِ الكَهَنَة، يَرجِعُ القاتِلُ إِلى أَرضِ مِلْكِه، فلْتَكُنْ لَكم تِلكَ فَرائِضَ حُكْمٍ مَدى أَجْيالِكم في جَميعِ مَساكِنِكم. كُلُّ مَن قَتَلَ نَفْسًا، فبِشَهادةِ شُهودٍ يُقتَلُ القاتِل. فأَمَّا الشَّاهِدُ الواحِد فلا تُقتَلُ نَفْسٌ بِشَهادَتِه. ولا تأخُذوا فِديَةً عن نَفْسِ قاتِلٍ ٱستوجَبَ الموت، بل يَموتُ مَوتًا. ولا تأخُذوا فِديةً مِن قاتِلٍ هَرَبَ إِلى مَدينةِ مَلْجَإِه لِيَعودَ فيُقيمَ في أَرضِه قَبلَ مَوتِ الكاهِن. لا تُدَنِّسوا الأَرضَ الَّتي أَنتُم فيها، لأَنَّ الدَّمَ يُدَنِّسُ الأَرض، ولا يُكَفَّرُ عَنها لِلدَّمِ الَّذي سُفِكَ علَيها إِلاَّ بِدَمِ سافِكِه. فلا تُنَجِّسِ الأَرضَ الَّتي أَنتُم ساكِنونَ فيها وأَنا مُقيمٌ في وَسَطِها، فأَنا الرَّبُّ مُقيمٌ في وَسْطِ بَني إِسْرائيل». وتَقَدَّمَ رُؤَساءُ بُيوتِ آباءِ عَشيرةِ بَني جِلْعادَ بنِ ماكيرَ بنِ مَنَسَّى، مِن عَشائِرِ بَني يوسف، فتَكَلَّموا أَمامَ موسى والزُّعَماء، أَربابِ بُيوتِ آباءِ بَني إِسْرائيل، وقالوا: «إِنَّ الرَّبَّ قد أَمَرَ سَيِّدَنا أَن يُعطِيَ الأَرضَ ميراثًا بِالقُرعَةِ لِبَني إِسْرائيل، وقَد أُمِرَ سَيِّدُنا مِن قِبَلِ الرَّبِّ بِأَن يُعْطِيَ ميراثَ صَلُفْحادَ أَخينا لِبَناتِه. وهُنَّ إِن صِرْنَ نِساءً لأَحَدٍ مِن رِجالِ أَسْباطِ بَني إِسْرائيل، يَسقُطُ ميراثُهُنَّ مِن ميراثِ آبائِنا، ويُزادُ على ميراثِ السِّبْطِ الَّذي يَتَزَوَّجنَ فيه، فيَنقُصُ نَصيبُ ميراثنا. وإِذا حانَ اليوبيلُ لِبَني إِسْرائيل، يُزادُ ميراثُهُنَّ على ميراثِ السِّبْطِ الَّذي يَتَزَوَّجْنَ فيه، ويَسقُطُ ميراثُهُنَّ مِن ميراثِ سِبْطِ آبائنا». فأَمَرَ موسى بَني إِسْرائيلَ عن أَمرِ الرَّبِّ وقال: «بِالصَّوابِ تَكَلَّمَ سِبْطُ بَني يوسُف. هٰذا ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه في بَناتِ صَلُفْحادَ قائِلًا: يَتَزَوَّجْنَ بِمَن حَسُنَ في عُيونِهِنَّ، ولٰكِن يَجِبُ أَن يَكونَ مِن عَشيرةِ سِبْطِ أَبيهِنَّ، حتَّى لا يَتَحَوَّلَ ميراثُ بَني إِسْرائيلَ مِن سِبْطٍ إِلى سِبْط، بل يُلازِمُ بَنو إِسْرائيلَ كُلٌّ مِنهم ميراثَ سِبْطِ آبائِه. وكُلُّ بِنتٍ تَرِثُ ميراثًا مِن أَسْباطِ بَني إِسْرائيل، فلْتَكُنِ امرَأَةً لِواحِدٍ مِن عَشيرةِ سِبْطِ آبائِها، لِكَي يَرِثَ بَنو إِسْرائيلَ كُلٌّ مِنهم ميراثَ آبائه، ولا يَتَحَوَّلَ ميراثٌ مِن سِبْطٍ إِلى سِبْطٍ آخَر، بل يُلازِمُ كُلُّ سِبْطٍ مِن بَني إِسْرائيلَ ميراثَه». ففَعَلَت بَناتُ صَلُفْحادَ كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى، كذٰلك فَعَلَت بَناتُ صَلُفْحاد. فصارَت مَحلَة وتِرصَة وحَجلَة ومِلكَة ونَوعَة، وهُنَّ بَناتُ صَلُفْحاد، نِساءً لِبَني أَعْمامِهِنَّ، صارَت نِساءً لِرِجالٍ مِن عَشيرَةِ بَني مَنَسَّى بنِ يوسف، فبَقِيَ ميرَاثُهُنَّ في سِبْطِ عَشيرةِ أَبيهِنَّ. تِلكَ هي الوَصايا والأَحْكامُ الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ بِها بَني إِسْرائيلَ على لِسانِ موسى في عَرَبَةَ موآبَ على أُردُنِّ أَريحا. هٰذا هو الكَلامُ الَّذي كَلَّمَ بِه موسى كُلَّ إِسْرائيلَ في عِبرِ الأُردُنّ، في البَرِّيَّة، في العَرَبَة، مُقابِلَ سوف، بَينَ فاران وتوفَل ولابان وحَصيروت ودَيذَهَب، على مَسافةِ أَحَدَ عَشَرَ يَومًا مِن حوريب، على طَريق جَبَلِ سِعير إِلى قادِشَ بَرْنيع. فكانَ في السَّنَةِ الأَربَعين، في الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ الحادي عَشَر، أَن كَلَّمَ موسى بَني إِسْرائيلَ بِكُلِّ ما أَمَرَه الرَّبُّ بِه إِلَيهم. بَعدَما ضَرَبَ سيحونَ، مَلِكَ الأَمورِيِّين، المُقيمَ بِحَشْبون، وعوجًا، مَلِكَ باشان، المُقيمَ بِعَشْتاروت وبِأَدرَعي، في عِبْرِ الأُردُنّ، في أَرضِ موآب، شَرَعَ موسى في شَرْحِ هٰذه الشَّريعةِ، فقال: «الرَّبُّ إِلٰهُنا قد تَكَلَّمَ في حوريب فقالَ لَنا: كَفَتكُمُ الإقامةُ في هٰذا الجَبَل. فتَحَوَّلوا وٱرحَلوا وٱدخُلوا جَبَلَ الأَمورِيِّين وكُلَّ ما في جِوارِه: العَرَبَةَ والجَبَلَ والسَّهْلَ والنَّقَبَ وساحِلَ البَحرِ، أَرضَ الكَنْعانِيِّين، ولُبْنان، إِلى النَّهْرِ الكَبير، نَهرِ الفُرات. أُنظُرْ: إِنِّي جَعَلتُ الأَرضَ أَمامَكم، فٱدخُلوا ورِثوا الأَرضَ الَّتي أَقسَمَ الرَّبُّ لِآبائِكم إِبْراهيمَ وإِسْحٰقَ ويَعْقوبَ أَن يُعْطِيَها لَهم ولِنَسْلِهم مِن بَعدِهم. وقُلتُ لَكم في ذٰلك الوَقتِ إِنِّي لا أَستَطيعُ أَن أَتَحَمَّلَكم وَحْدي. إِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم قد كَثَّرَكم، وها أَنتُمُ اليَومَ كنُجومِ السَّماءِ كَثرَةً. زادَكمُ الرَّبُّ، إِلٰهُ آبائِكم، مِثْلَكم أَلفَ مَرَّة وبارَكَكم كما قالَ لَكم! فكَيفَ أَحتَمِلُ وَحْدي حِمْلَكم وعِبْئَكم وخُصوماتِكم؟ هاتوا رِجالًا حُكَماءَ عُقَلاءَ ذَوي خِبْرةٍ في أَسْباطِكم، أُقِمْهم على رأسِكم. فأَجَبْتُموني وقُلتُم: حَسَنٌ ما أَمَرتَ بِعَمَلِه. فأَخَذْتُ رُؤَساءَ أَسْباطِكم، وهُم رِجالٌ حُكَماءُ وذَوو خِبرَةٍ فأَقَمتُهم رُؤَساءَ علَيكم، رُؤَساءَ أَلفٍ ومِئَةٍ وخَمْسينَ وعَشَرَة، وكَتَبَةً على أَسْباطِكم. وأَوصَيتُ قُضاتَكم في ذٰلكَ الوَقتِ وقُلتُ: إِسمَعوا ما بَينَ إِخوَتِكم وٱحكُموا بِالبِرِّ بَينَ الرَّجُلِ وأَخيه ونَزيلِه. لا تُحابوا وَجهَ أَحَدٍ في الحُكْم، وٱسمَعوا لِلصَّغيرِ سَماعَكم لِلكَبير، ولا تَهابوا وَجهَ إِنْسان، فإِنَّ الحُكْمَ هو لله، وأَيُّ أَمرٍ صَعُبَ عَلَيكم، فأتوني بِه حتَّى أَسمَعَه. وأَمَرتُكم في ذٰلك الوَقْتِ بِجَميعِ الأُمورِ الَّتي تَصنَعونَها. ثُمَّ رَحَلْنا مِن حوريب، وسِرْنا في كُلِّ تِلكَ البَرِّيَّةِ العَظيمةِ المُخيفةِ الَّتي رَأَيتُموها في طَريقِ جَبَلِ الأَمورِيِّين، كما أَمَرَنا الرَّبُّ إِلٰهُنا، حتَّى وَصَلْنا إِلى قادِشَ بَرْنيع. فقُلتُ لَكم: قد وَصَلتُم إِلى جَبَلِ الأَمورِيِّينَ الَّذي وَهَبَه لَنا الرَّبُّ إِلٰهُنا. أُنظُرْ: قد جَعَلَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ هٰذه الأَرضَ أَمامَك، فٱصعَدْ ورِثْها، كما قالَ لَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ آبائِكَ. لا تَخَفْ ولا تَفْزَعْ. فتَقَدَّمتُم إِلَيَّ جَميعُكم وقُلتُم: نُرسِلُ رِجالًا قُدَّامَنا يَكشِفونَ لَنا الأَرضَ ويَحمِلونَ إِلَينا تَقْريرًا عنِ الطَّريقِ الَّذي نَصعَدُ فيه والمُدُنِ الَّتي نَدخُلُها. فحَسُنَ الأَمرُ في عَينَيَّ فأَخَذتُ مِنكمُ ٱثنَي عَشَرَ رَجُلًا، مِن كُلِّ سِبْطٍ رَجُلًا. فتَحَوَّلوا وصَعِدوا الجَبَل وجاؤُوا وادِيَ أَشْكول وتَجَسَّسوه. وأَخَذوا في أَيديهم مِن ثَمَرِ الأَرضِ وٱنحَدَروا بِه إِلَينا وقَدَّموا لَنا تَقْريرًا وقالوا: طَيِّبَةٌ الأَرضُ الَّتي وَهَبَها لَنا الرَّبُّ إِلٰهُنا. فلم تَشاءُوا الصُّعودَ إِلَيها وعَصَيتُم أَمرَ الرَّبِّ إِلٰهِكم. وتَذَمَّرتُم في خِيامِكم وقُلتُم: إِنَّما أَخرَجَنا الرَّبُّ مِن أَرضِ مِصرَ بِسَبَبِ بُغضِه لَنا لِيُسلِمَنا إِلى أَيدي الأَمورِيِّينَ فيَستَأصِلُنا. إِلى أَينَ نَحنُ صاعِدونَ وإِخوَتُنا قد أَذابوا قُلوبَنا قائلين: هو شَعبٌ أَعظَمُ مِنَّا وأَطوَلُ قامة، ومُدُنُه عَظيمةٌ وأَسْوارُها تَبلُغُ السَّماء، ورَأَينا أَيضًا بَني عَناقَ هُناك. فقُلتُ لَكم: لا تَرتَعِدوا ولا تَخافوا مِنهم، فإِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكمُ السَّائِرَ أَمامَكم هو يُقاتِلُ عنكم، كما صَنَعَ معَكم في مِصرَ أَمامَ عُيونِكم. وكما رأَيتَ في البَرِّيَّة كَيفَ أَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ حَمَلَكَ كما يَحمِلُ المَرءُ وَلَدَه في كُلِّ الطَّريقِ الَّذي سَلَكتُموه، حتَّى وصَلتُم إِلى هٰذا المَكان. ومع ذٰلك فلَم تُؤمِنوا بِالرَّبِّ إِلٰهِكمُ السَّائِرِ أَمامَكم في الطَّريقِ لِيَبحَثَ لَكم عن مَكانٍ تُخَيِّمونَ فيه، بِالنَّارِ لَيلًا لِيُرِيَكمُ الطَّريقَ الَّذي تَسلُكونَه وبِالغَمامِ نَهارًا. فسَمِعَ الرَّبُّ صَوتَ كَلامِكم، فغَضِبَ وأَقسَمَ قائِلًا: لن يَرى أَحَدٌ مِن هٰؤُلاءِ النَّاسِ مِن هٰذا الجيلِ الشَّرِّيرِ الأَرضَ الطَّيِّبَةَ الَّتي أَقسَمتُ أَن أُعطِيَها لِآبائِكم، سِوى كالِبَ بنِ يَفُنَّا، فإِنَّه يَراها ولَه أُعْطي الأَرضَ الَّتي وَطِئَها ولِبَنيه، لأَنَّه ٱتَّبَعَ الرَّبَّ ٱتِّباعًا تامًّا. وعَلَيَّ أَيضًا غَضِبَ الرَّبُّ بِسَبَبكم فقال: وأَنتَ أَيضًا لن تَدخُلَها، بل يَشوعُ بنُ نونٍ القائِمُ أَمامَكَ هو يَدخُلُها، فشَدِّدْه فإِنَّه هو يُورِثُ إِسْرائيلَ إِيَّاها. وأَطْفالُكُمُ الَّذينَ قُلتُم إِنَّهم يَكونونَ غَنيمةً وبَنوكمُ الَّذينَ لا يَعرِفونَ اليَومَ الخَيرَ ولا الشَّرّ هم يَدخُلونَها ولَهم أُعْطيها فيَرِثونَها. وأَمَّا أَنتُم فتَحَوَّلوا وٱرحَلوا في البَرِّيَّةِ على طريقِ بَحرِ القَصَب. فأَجَبتُموني وقُلتُم: قد خَطِئْنا إِلى الرَّبّ، فنَحنُ نَصعَدُ ونُقاتِلُ على حَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَنا بِه الرَّبُّ إِلٰهُنا. وتَقَلَّدَ كُلُّ واحِدٍ أَداةَ حَربِه وٱستَسهَلتُم صُعودَ الجَبَل. فقالَ ليَ الرَّبّ: قُلْ لَهم: لا تَصعَدوا ولا تُقاتِلوا، فإِنِّي لَستُ في وَسْطِكم، لِئَلاَّ تَنهَزِموا أَمامَ أَعْدائِكم. فقُلتُ لَكم ذٰلك فلَم تَسمَعوا، بل عَصَيتُم أَمرَ الرَّبّ وٱعتَدَدتُم بِأَنْفُسِكم وصَعِدتُمُ الجَبَل. فخَرَجَ علَيكمُ الأَمورِيُّونَ المُقيمونَ في ذٰلك الجَبَل لِمُلاقاتِكم وطارَدوكم كما تَفعَلُ النَّحلُ وحَطَّموكم في سِعيرَ إِلى حُرمَة. فرَجَعتُم وبَكَيتُم أَمامَ الرَّبّ، فلَم يَسمَعِ الرَّبُّ لِصَوتِكم ولا أَصْغى إِلَيكم. فأَقَمتُم في قادِش ما أَقَمتُم مِنَ الأَيَّامِ الكَثيرة. ثُمَّ تَحَوَّلْنا ورَحَلْنا إِلى البَرِّيَّةِ على طَريقِ بَحرِ القَصَب، كما أَمَرَني الرَّبّ، ودُرْنا حَولَ جَبلِ سِعير أَيَّامًا كَثيرة. ثُمَّ كَلَّمَني الرَّبُّ قائِلًا: كَفاكُم أَن تَدوروا حَولَ هٰذا الجَبَل، فتَحَوَّلوا إِلى الشَّمال، ومُرِ الشَّعبَ وقُلْ لَهم: إِنَّكم مُجْتازونَ حُدودَ إِخوَتِكم بَني عيسو المُقيمينَ بِسِعير، فسَيَخافونَكم، فَتَنَبَّهوا جِدًّا. لا تَتَحَدَّوهم، فإِنِّي لَستُ مُعْطيَكُم مِن أَرضِهِم شَيئًا ولا مَوطِئَ قَدَم، لأَنَّ جَبَلَ سِعيرَ قد وَهَبتُه لِعيسوَ ميراثًا. بِفِضَّةٍ تَشتَرونَ مِنهم طَعامًا فتأكُلونَه، وبِفِضَّةٍ تَشتَرونَ ماءً فتَشرَبونَه، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ قد بارَكَ لَكَ في جَميعِ أَعْمالِ يَدَيكَ، وعَرَفَ مَسيرَكَ في هٰذه البَرِّيَّةِ الشَّاسِعة. فهٰذِه أَربَعونَ سَنةً والرَّبُّ إِلٰهُكَ معَكَ ولم يُعوِزْكَ شَيء. فجُزْنا عن إِخوَتِنا بَني عيسوَ المُقيمينَ بِسِعير على جانِبِ طريقِ العَرَبَةِ وأَيلَةَ وعَصْيونَ جابَر، وتَحَوَّلْنا ومَرَرْنا بِطَريقِ بَرِّيَّةِ موآب. فقالَ لِيَ الرَّبّ: لا تُعادِ الموآبِيِّينَ ولا تَتَحَدَّهم لِلقِتال، فإِنِّي لَستُ مُعْطِيَكَ مِن أَرضِهم ميراثًا، فلَقَد وَهَبتُ لِبَني لوطٍ عارَ ميراثًا. (وكانَ الإِيمِيُّونَ قد أَقاموا بِها قَبْلًا، وهم شَعبٌ عظيمٌ كثيرٌ طَويلُ القامة كالعَناقِيِّين، وهُم يُحسَبونَ رَفائِيِّينَ كالعَناقِيِّين، ولٰكِنَّ الموآبِيِّينَ يُسَمُّونَهم إِيمِيِّين. وأَمَّا سِعير، فأَقامَ بِها الحورِيُّونَ قَبلَ بَني عيسو، فطَردوهم وأَبادوهم مِن أَمامِهم وأَقاموا مَكانَهم، كما صَنَعَ إِسْرائيلُ في أَرضِ ميراثِهمِ الَّتي أَعْطاها الرَّبُّ لَهم). والآن قوموا فٱعبُروا وادِيَ زارَد. فعَبَرْنا وادِيَ زارَد. وكانَتِ الأَيَّامُ مُنذُ سِرْنا مِن قادِشَ بَرْنيعَ إِلى أَن عَبَرْنا وادِيَ زارَد ثَمانِيَ وثَلاثينَ سَنةً، إِلى أَنِ ٱنقَرَضَ كُلُّ جيلِ رِجالِ الحَربِ من وَسَطِ المُخَيَّم، كما أَقسَمَ الرَّبُّ فيهم. وكانَت يَدُ الرَّبِّ أَيضًا علَيهم لِتُفنِيَهم مِن وَسَطِ المُخَيَّم، حتَّى ٱنقَرَضوا. فلَمَّا ٱنقَرَضَ جَميعُ رِجالِ الحَربِ مِن وَسْطِ الشَّعبِ وماتوا، كَلَّمَني الرَّبُّ قائِلًا: أَنتَ عابِرٌ اليَومَ حُدودَ مُوآبَ في عار، فإِذا ٱقتَرَبتَ مِن جِهَةِ بَني عَمُّون، فلا تُعادِهم ولا تَتَحدَّهم، فإِنِّي لَستُ مُعْطِيَكَ مِن أَرضِ بَني عَمُّونَ ميراثًا، فلَقَد وَهَبتُها لِبَني لوطٍ ميراثًا. (وهي أَيضًا تُحسَبُ مِن أَرضِ رَفائِيِّين، لأَنَّ الرَّفائِيِّينَ أَقاموا بِها قَبْلًا، ولٰكِنَّ العَمُّونِيِّينَ يُسَمُّونَهم زَمزُمِيِّين، وهم شَعبٌ عَظيمٌ كَثيرٌ طَويلُ القامةِ كالعَناقِيِّين. فأَبادَهمُ الرَّبُّ مِن أَمامِهم، فطَرَدوهم وأَقاموا مَكانَهم، كما صَنَعَ لِبَني عيسوَ المُقيمينَ بِسِعير، إِذ أَبادَ الحورِيِّينَ مِن أَمامِهم، فطَرَدوهم وأقاموا مَكانَهم إِلى هٰذا اليَوم. والعُوِّيُّونَ المُقيمونَ بِالقُرى إِلى غَزَّة أَبادَهمُ الكَفْتورِيُّون الخارِجونَ مِن كَفْتور وأَقاموا مَكانَهم). فقوموا ٱرحَلوا وٱعبُروا وادِيَ أَرْنون. أُنظُرْ: إِنِّي قد أَسلَمتُ إِلى يَدَيكَ سيحون، مَلِكَ حَشْبونَ الأَمورِيَّ وأَرضَه، فٱبدَأْ بِالتَّمَلُّكِ وتَحَدَّه في القِتال، وأَنا في هٰذا اليَوم أَبدَأُ بإِيقاعِ رُعبِكَ وخَوفِكَ على وُجوهِ الشُّعوبِ الَّتي تَحتَ السَّمَواتِ كُلِّها، الَّتي تَسمَعُ بِأَخْبارِكَ فتَرتَجِفُ وتَرتَعِدُ أَمامَكَ. فأَرسَلتُ رُسُلًا مِن بَرِّيَّةِ قَديموتَ إِلى سيحون، مَلِكِ حَشْبون، بِكَلامِ السِّلْمِ قائلًا: دَعْني أَعبُرُ مِن أَرضِكَ، وأَنا أَسيرُ تَوًّا في طَريقي، لا أَميلُ يَمنَةً ولا يَسْرَةً. بِفِضَّةٍ تَبيعُني طَعامًا فآكُل، وبِفِضَّةٍ تُعْطيني ماءً فأَشرَبُ وأَعبُرُ ماشِيًا فقَط، كما صَنَعَ معي بَنو عيسُوَ المُقيمونَ بِسِعير والمُوآبِيُّونَ المُقيمونَ بِعار، حتَّى أَعبُرَ الأُردُنَّ إِلى الأَرضِ الَّتي أَعطانا إِيَّاها الرَّبُّ إِلٰهُنا. فأَبى سيحون، مَلِكُ حَشْبون، أَن يُعَبِّرَنا مِن أَرضِه، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ قَسَّى روحَه وصَلَّبَ قَلبَه، لِكَي يُسلِمَه إِلى يَدِكَ، كما هو اليَوم. فقالَ ليَ الرَّبّ: أُنظُرْ: قد بَدَأْتُ أُسلِمُ سيحونَ وأَرضَه إِلى يَدِكَ، فٱبدَأْ بِالتَّمَلُّكِ ورِثْ أَرضَه. فخَرَجَ سيحونُ لِمُلاقاتِنا بِكُلِّ شَعبِه لِلقِتالِ إِلى ياهَص. فأَسلَمَه الرَّبُّ إِلٰهُنا بَينَ أَيدينا، فضَرَبْناه هو وبنيه وكُلَّ شَعبِه. وٱستَولَينا على جَميعِ مُدُنِه في ذٰلِكَ الوَقت وحَرَّمْنا كُلَّ مَدينةٍ، رِجالَها ونِساءَها وأَطْفالَها، ولَم نُبْقِ باقِيًا. وأَمَّا البَهائِم، فغَنِمْناها لأَنفُسِنا مع غَنيمةِ المُدُنِ الَّتي ٱستَولَينا علَيها. مِن عَروعيرَ الَّتي على شَفيرِ وادي أَرْنون والمَدينةِ الَّتي في الوادي إِلى جِلْعاد، لم تَكُنْ هناكَ مَدينةٌ ٱمتَنَعَت علَينا، بلِ الكُلُّ أَسلَمَه الرَّبُّ إِلٰهُنا بَينَ أَيدينا، إِلاَّ أَرضَ بَني عَمُّون، فإِنَّكَ لم تَقْتَرِبْ مِنها: كُلَّ ناحِيَةِ وادي يَبُّوق ومُدُنَ الجَبَلِ وسائِرَ ما نَهانا عنه الرَّبُّ إِلٰهُنا. ثُمَّ تَحَوَّلْنا فصَعِدْنا في طريقِ باشان، فخَرَجَ لِمُلاقاتِنا عوج، مَلِكُ باشان، بِكُلِّ شَعبِه لِلقِتالِ في أَدْرَعي. فقالَ لِيَ الرَّبّ: لا تَخَفْه، فإِنِّي قد أَسلَمتُه إِلى يَدِكَ، هو وكُلَّ شَعبِه وأَرضَه، فتَصنَعُ بِه كما صَنَعتَ بِسيحون، مَلِكِ الأَمورِيِّين، الَّذي كانَ مُقيمًا بِحَشْبون. فأَسلَمَ الرَّبُّ إِلٰهُنا أَيضًا إِلى أَيدينا عُوجًا، مَلِكَ باشان، وكُلَّ شَعبِه، فضَرَبْناه حتَّى لم يَبْقَ لَه باقٍ. وٱستَولَينا على جَميعِ مُدُنِه في ذٰلك الوَقْت، ولم تَكُنْ هُناكَ مَدينةٌ لم نأخُذْها مِنهم: سِتُّونَ مَدينةً، كُلُّ مِنطَقةِ أَرْجوب، مَملَكةُ عوجٍ في باشان، وهٰذه كُلُّها مُدُنٌ مُحَصَّنةٌ بِأَسوارٍ عالِيَةٍ وأَبْوابٍ ومَزاليج، ما عدا مُدُنَ الأَرْيافِ الكَثيرةَ جِدًّا. فحَرَّمْناهما كما فَعَلْنا بِسيحون، مَلِكِ حَشْبون، مُحَرَّمينَ كُلَّ مَدينةٍ، رِجالَها ونِساءَها وأَطْفالَها. وأَمَّا البَهائمُ وغَنيمةُ المُدُن، فغَنِمْناها لأَنفُسِنا. وأَخَذْنا في ذٰلك الوَقْتِ مِن أَيدي مَلِكَيِ الأَمورِيِّينَ الأَرضَ الَّتي في عِبْرِ الأُردُنّ، مِن وادي أَرْنون إِلى جَبَلِ حَرْمون (وحَرْمونُ يُسَمِّيه الصَّيدونِيُّونَ سِرْيون، والأَمورِيُّونَ يُسَمُّونَه سَنير): جَميعَ مُدُنِ الهَضْبَةِ وكُلَّ جِلْعاد وكُلَّ باشان، إِلى سَلْكَةَ وأَدْرَعي، مَدينَتَي مَملَكَةِ عوجٍ في باشان. (وعوجٌ هٰذا هو وَحدَه بَقِيَ مِنَ الرَّفائِيِّين، وسَريرُه سَريرٌ مِن حَديد، أَوَلَيسَ هو في رَبَّةَ بَني عَمُّون؟ طولُه تِسْعُ أَذرُعٍ وعَرضُه أَربَعُ أذرُعٍ بِذِراعِ الرَّجُل). وهٰذه الأَرضُ وَرِثْناها في ذٰلك الوَقتِ، مِن عَروعيرَ الَّتي على وادي أَرْنون، وأَعطَيتُ نِصفَ جَبَلِ جِلْعادَ بِمُدُنِه لِلرَّأُوبينِيِّينَ والجادِيِّين. وباقي جِلْعادَ وكُلُّ باشان، مَملَكةِ عوج، أَعطَيتُهما لِنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى (مِنطَقَةَ أَرْجوبَ كُلَّها وأَرضَ باشانَ كُلَّها، وتُسَمَّيانِ أَرضَ الرَّفائِيِّين. فأَخَذَ يائيرُ بنُ مَنَسَّى مِنطَقَةَ أَرْجوبَ كُلَّها، إِلى حُدودِ الجَشورِيِّينَ والمَعكِيِّين، وسَمَّى باشانَ بٱسمِه، أَي مَزارِعَ يائير، إِلى يَومِنا هٰذا). وأَعطَيتُ جِلْعادَ لِماكير، وأَعطيتُ الرَّأُوبِينِيِّينَ والجادِيِّينَ مِن جِلْعادَ إِلى وادي أَرْنون، إِلى وَسَطِ الوادي وهو حُدودٌ لهم، وإِلى وادي يَبُّوق، وهو حُدودُ بَني عَمُّون، والعَرَبَةَ والأُردُنَّ الَّذي هو حُدودٌ لَهم، مِن كِنَّارَت إِلى بَحرِ العَرَبَة، بَحرِ المِلْحِ، عِندَ سُفوحِ الفِسجَةِ شَرْقًا. وأَمَرتُكم في ذٰلك الوَقتِ قائلًا: إِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم قد أَعْطاكم هٰذه الأَرضَ لِتَرِثوها، فٱعبُروا مُسَلَّحينَ قُدَّامَ إِخوَتِكم بَني إِسْرائيل، كُلُّ رَجُلِ حَرْب، إِلاَّ نِساءَكم وأَطْفالَكم وماشِيَتَكم (فإِنِّي أَعلَمُ أَنَّ لَكم ماشِيَةً كَثيرة)، فلْيُقيموا في مُدُنِكمُ الَّتي أَعطَيتُكم إِيَّاها، إِلى أَن يُريحَ الرَّبُّ إِخوَتَكم مِثْلَكم ويَرِثوا هم أَيضًا الأَرضَ الَّتي يُعطيهمِ الرَّبُّ إِلٰهُكم إِيَّاها في عِبرِ الأُردُنّ، ثُمَّ تَرجِعونَ، كُلٌّ إِلى ميراثِه الَّذي أَعطَيتُكم إِيَّاه. وأَمَرتُ يَشوعَ في ذٰلكَ الوَقتِ قائِلًا: قد رأَت عَيناكَ كُلَّ ما صَنَعَ الرَّبُّ إِلٰهُكم بهٰذَينِ المَلِكَين، وكذٰلك سَيَصنَعُ الرَّبُّ بِجَميعِ المَمالِكِ الَّتي أَنتَ عابِرٌ إِلَيها. فلا تَخافوهم، فإِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم هو المُقاتِلُ عنكُم. وتَضَرَّعتُ إِلى الرَّبِّ في ذٰلك الوَقتِ قائلًا: أَيُّها الرَّبُّ الإلٰه، قدِ ٱبتَدَأتَ أَن تُرِيَ عَبدَكَ عَظَمَتَكَ ويَدَكَ القَوِيَّة، فمَن هو الإِلٰهُ في السَّماءِ والأَرضِ الَّذي يَصنَعُ مِثلَ أَعْمالِكَ وجَبَروتِكَ؟ دَعْني أَعبُرُ فأَرى الأَرضَ الطَّيِّبَةَ الَّتي في عِبرِ الأُردُنّ، وأَرى هٰذا الجَبَلَ الطَّيِّبَ ولُبْنان. ولٰكِن غَضِبَ الرَّبُّ عَلَيَّ بِسَبَبِكم ولَم يَسمَعْ لي، بل قالَ لِيَ الرَّبّ: كفاك! لا تَزِدْ في الكَلامِ معي في هٰذا الأَمْر، لٰكِنِ ٱصعَدْ إِلى قِمَّةِ الفِسْجَة وٱرفَعْ عَينَيكَ غَرْبًا وشَمالًا وجَنوبًا وشَرْقًا، وٱنظُرْ بِعَينَيكَ، لأَنَّكَ لن تَعبُرَ هٰذا الأُردُنّ. ومُرْ يَشوعَ وشَدِّدْه وقَوِّه، فإِنَّه هو يَعبُرُ أَمامَ هٰذا الشَّعبِ ويورِثُه الأَرضَ الَّتي تَراها. ثُمَّ أَقَمْنا في الوادي تُجاهَ بَيتَ فَغور. والآن يا إِسْرائيل، اِسمَعِ الفَرائِضَ والأَحْكامَ الَّتي أُعَلِّمُكم إِيَّاها لِتَعمَلوا بِها، لِكَي تَحيَوا وتَدخُلوا وتَرِثوا الأَرضَ الَّتي يُعطيكمُ الرَّبُّ إِلٰهُ آبائِكم إِيَّاها. لا تَزيدوا كَلِمةً على ما آمُرُكم بِه ولا تَنقُصوا مِنه، حافِظينَ وَصايا الرَّبِّ إِلٰهِكمُ الَّتي أَنا أُوصيكُم بِها. إِنَّ عُيونَكم قد رأَت ما صَنَعَ الرَّبُّ بِبَعلَ فَغور، فإِنَّ كُلَّ مَن سارَ وَراءَ بَعلَ فَغور أَبادَه الرَّبُّ مِن وَسْطِكم. وأَمَّا أَنتُمُ المُتَعَلِّقونَ بِالرَّبِّ إِلٰهكم، فكُلُّكم أَحْياءٌ اليَوم. أُنظُرْ: إِنِّي قد عَلَّمتُكم فرائِضَ وأَحْكامًا كما أَمَرَني الرَّبُّ إِلٰهي، لِتَعمَلوا بِها في وَسَطِ الأَرضِ الَّتي أَنتُم داخِلونَ إِلَيها لِتَرِثوها. فٱحفَظوها وٱعمَلوا بِها، فإِنَّها حِكمَتُكم وفَهمُكم أَمامَ عُيونِ الشُّعوبِ الَّتي، إِذا سَمِعَت بِهٰذه الفَرائِض، تَقول: لا شَكَّ أَنَّ هٰذه الأُمَّةَ العَظيمةَ هي شَعبٌ حَكيمٌ فَهيم. لأَنَّه أَيَّةُ أُمَّةٍ عَظيمةٍ لَها آلِهةٌ قَريبةٌ مِنها كالرَّبِّ إِلٰهِنا في كُلِّ ما نَدْعوه؟ وأَيَّةُ أُمَّةٍ عَظيمةٍ لَها فَرائِضُ وأَحْكامٌ بارَّةٌ ككُلِّ هٰذه الشَّريعةِ الَّتي أَضَعُها اليَومَ أَمامَكم؟ إِنَّما تَنَبَّهْ وٱحفَظْ نَفسَكَ جِدًّا، كَيلا تَنْسى الأُمورَ الَّتي رَأَتْها عَيناكَ ولا تَبتَعِدَ عن قَلبِكَ كُلَّ أَيَّامِ حَياتِكَ، بل عَلِّمْها بَنيكَ وبَني بَنيكَ. يَومَ وَقَفتَ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ في حوريب، حينَ قالَ لِيَ الرَّبّ: إِجْمَعْ لِيَ الشَّعْبَ حتَّى أُسمِعَه كَلامي، لِكَي يَتَعَلَّموا أَن يَخافوني طولَ الأَيَّامِ الَّتي يَعيشونَها على الأَرضِ ويُعَلِّموا بَنيهم ذٰلك، اِقتَرَبتُم وَوَقَفتُم أَسفَلَ الجَبَل، والجَبَلُ مُشتَعِلٌ بِالنَّارِ إِلى كَبِدِ السَّماءِ وعلَيه ظَلامٌ وغَيمٌ وغَمامٌ مُظلِم. فكَلَّمَكمُ الرَّبُّ مِن وَسَطِ النَّار، فكُنتُم تَسمَعونَ صَوتَ الكَلام ولم تَرَوا صورَةً، بل كانَ هُناكَ صَوتٌ فقَط. وأَوحى بِعَهدِه الَّذي أَمَركم أَن تَعمَلوا به، أَيِ الكَلِماتِ العَشْرِ الَّتي كَتَبَها على لَوحَينِ مِن حَجَر. وأَمَرَني الرَّبُّ في ذٰلك الوَقتِ بِأَن أُعَلِّمَكم فَرائِضَ وأَحْكامًا تَعمَلونَ بِها في الأَرضِ الَّتي أَنتُم عابِرونَ إِلَيها لِتَرثوها. فتَنَبَّهوا لأَنفُسِكم جِدًّا، فإِنَّكم لم تَرَوا صورَةً ما يَومَ كَلَّمَكمُ الرَّبُّ في حوريب مِن وَسَطِ النَّار، لِئَلاَّ تَفسُدوا وتَصنَعوا لَكم تِمْثالًا مَنْحوتًا على شَكْلِ صورةٍ ما مِن ذَكَرٍ أَو أُنْثى، أَو شَكْلِ شَيءٍ مِنَ البَهائِمِ الَّتي على الأَرض، أَو شَكْلِ طائِرٍ ذي جَناحٍ مِمَّا يَطيرُ في السَّماء، أَو شَكْلِ شَيءٍ مِمَّا يَدِبُّ على الأَرض، أَو شَكلِ شَيءٍ مِنَ السَّمَكِ مِمَّا في الماءِ تَحتَ الأَرض، وكَيلا تَرفَعَ عَينَيكَ إِلى السَّماء فتَرى الشَّمسَ والقَمَرَ والكَواكِب، جَميعَ قُوَّاتِ السَّماء، مِمَّا جَعَلَه الرَّبُّ إِلٰهُك نَصيبًا لِجَميعِ الشُّعوبِ الَّتي تَحتَ السَّماء فتُجتَذَبَ وتَسجُدَ لَها وتَعبُدَها. وأَنتُم قد أَخَذَكمُ الرَّبُّ وأَخرَجَكم مِن أَتُّونِ الحَديدِ مِن مِصْر، لِتَكونوا لَه شَعبَ ميراثٍ كما في هٰذا اليَوم. وقَد غَضِبَ الرَّبُّ عَلَيَّ بِسَبَبِكم وأَقسَمَ أَن لا أَعبُرَ الأُردُنّ ولا أَدخُلَ الأَرضَ الطَّيِّبَةَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلْهُكَ إِيَّاها ميراثًا. فأنا أَموتُ في هٰذه الأَرضِ ولا أَعبُرُ الأُردُنّ، وأَنتُم تَعبُرونَه وتَرِثونَ تِلكَ الأَرضَ الطَّيِّبَة. فَتَنَبَّهوا لأَنفُسِكم مِن أَن تَنسَوا عَهدَ الرَّبِّ إِلٰهِكمُ الَّذي قَطَعَه معَكم، فتَصنَعوا لَكم تِمْثالًا مَنْحوتًا لِشَيءٍ مِمَّا نَهاكَ عنه الرَّبُّ إِلٰهُكَ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَك هو نارٌ آكِلَةٌ وإِلٰهٌ غَيُور. وإِذا وَلَدتَ بَنينَ وبَني بَنين، وشِختُم في الأَرضِ ففَسَدتُم وصَنَعتُم تِمْثالًا مَنْحوتًا لِشَيءٍ ما، وفَعَلتُمُ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ إِلْهِكم وأَسخَطتُموه، فإِنِّي مُنذُ اليَومِ أُشهِدُ علَيكمُ السَّماءَ والأَرضَ بِأَنَّكم تَهلِكونَ سَريعًا مِن على الأَرضِ الَّتي أَنتُم عابِرونَ الأُردُنَّ إِلَيها لِتَرِثوها. لا تَطولُ أَيَّامُكم علَيها، بل تُبادونَ إِبادةً، ويُشَتِّتُكمُ الرَّبُّ في الشُّعوب، فتَبقَونَ جَماعةً مَعْدودةً في الأُمَمِ الَّتي يَسوقُكمُ الرَّبُّ إِلَيها، وتَعبُدونَ هُناكَ آلِهَةً صُنْعَ أَيدي بَشَر، مِن خَشَبٍ وحَجَر، لا تُبصِرُ ولا تَسمَعُ، لا تَأكُلُ ولا تَشتَمّ. وتَطلُبونَ مِن هُناكَ الرَّبَّ إِلٰهَكَ، فتَجِدُه إِذا ٱلتَمَستَه بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ. وإِذا ضُيِّقَ عَلَيكَ وأَصابَتكَ هٰذه الأُمورُ كُلُّها في آخِرِ الأَيَّام، تَرجِعُ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكَ وتَسمَعُ لِصَوتِه، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ إِلٰهٌ رَحوم، لا يُهمِلُكَ ولا يُهلِكُكَ ولا يَنْسى عَهدَ آبائِكَ الَّذي أَقسَمَ بِه لَهم. والآن فسَلْ عنِ الأَيَّامِ الأُولى الَّتي كانَت مِن قَبْلِكَ، مُنذُ يَومَ خَلَقَ الرَّبُّ الإِنْسانَ على الأَرض، مِن أَقْصى السَّماءِ إِلى أَقْصاها: هل كانَ مِثْلُ هٰذا الأَمرِ العَظيم أَو هل سُمِعَ بِمِثْلِه؟ وهل سَمِعَ شَعبٌ صَوتَ إِلٰهٍ يَتَكَلَّمُ مِن وَسَطِ النَّار، كما سَمِعتَ أَنتَ، وبَقِيَ على قَيدِ الحَياة، أَو هل حاوَلَ إِلٰهٌ أَن يَأتِيَ ويَتَّخِذَ لَه أُمَّةً من وَسْطِ أُمَّةٍ بِتَجارِبَ وآياتٍ وخَوارِقَ وحُروبٍ ويَدٍ قَوِيَّةٍ وذِراعٍ مَبْسوطةٍ ومَخاوفَ عَظيمة، مِثلِ كُلِّ ما صَنَعَ لَكمُ الرَّبُّ إِلٰهُكم بِمِصرَ أَمامَ عَينَيكَ؟ فقَد أُريتَ ذٰلك لِتَعلَمَ أَنَّ الرَّبَّ هو الإلٰه وأَن لَيسَ آخَرُ سِواه. مِنَ السَّماءِ أَسمَعَكَ صَوتَه لِيُؤَدِّبَكَ، وعلى الأَرضِ أَراكَ نارَه العَظيمة، ومِن وَسَطِ النَّارِ سَمِعتَ كَلامَه. وذٰلكَ أَنَّه أَحَبَّ آباءَكَ وٱختارَ نَسلَهم مِن بَعدِهم وأَخرَجَكَ بِحَضرَتِه وبِقُوَّتِه العَظيمة مِن مِصرَ، لِيَطرُدَ أُمَمًا أَعظَمَ وأَقْوى مِنكَ مِن أَمامِ وَجهِكَ، ويُدخِلَكَ أَرضَهم ويُعطِيَكَ إِيَّاها ميراثًا كما هو اليَوم. فٱعلَمِ اليَومَ وَرَدِّدْ في قَلبِكَ أَنَّ الرَّبَّ هو الإِلٰهُ في السَّماءِ مِن فَوقُ وفي الأَرضِ مِن تَحتُ وأَنْ لَيسَ سِواه. وٱحفَظْ فَرائِضَه ووَصاياه الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَومَ، لِكَي تُصيبَ خَيرًا أَنتَ وبَنوكَ مِن بَعدِكَ ولِكَي تُطيلَ أَيَّامَكَ في الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها جَميعَ الأَيَّام». حينَئِذٍ أَفرَدَ موسى ثَلاثَ مُدُنٍ في عِبرِ الأُردُنِّ نَحوَ مَشرِقِ الشَّمْس، لِيَهرُبَ إِلَيها كُلُّ قاتِلٍ يَقتُلُ قَريبَه بِغَيرِ قَصْد، وهو غَيرُ مُبغِضٍ لَه مِن أَمْسِ فما قَبْلُ، فيَهرُبُ إِلى إِحْدى تِلكَ المُدُنِ فيَحْيا. وهي: باحَرُ في البَرِّيَّة، في أَرضِ الهَضْبَة، لِلرَّأُوبِنِيِّين، وراموتُ في جِلْعادَ لِلْجادِيِّين، وجَولانُ في باشانَ لِلمَنَسِّيِّين. هٰذه هي الشَّريعةُ الَّتي وَضَعَها موسى أَمامَ بَني إِسْرائيل، وهٰذه هي الشَّهادةُ والفَرائِضُ والأَحْكامُ الَّتي كَلَّمَ بِها موسى بَني إِسْرائيلَ عِندَ خُروجِهم مِن مصر، في عِبرِ الأُردُنِّ في الوادي تُجاهَ بَيتَ فَغور في أَرضِ سيحون، مَلِكِ الأَمورِيِّينَ، الَّذي كانَ مُقيمًا بِحَشْبون والَّذي ضَرَبَه موسى بَنو إِسْرائيلَ عِندَ خُروجِهم مِن مِصْر، ووَرِثوا أَرضَه وأَرضَ عوجٍ، مَلِكِ باشان، وهُما مَلِكا الأَمورِيِّينَ الَّذينَ في عِبرِ الأُردُنِّ إِلى مَشْرِقِ الشَّمْس، مِن عَروعيرَ الَّتي على شَفيرِ وادي أَرْنون، إِلى جَبَلِ سيؤُونَ الَّذي هو حَرْمون، وكُلَّ العَرَبَةَ في عِبرِ الأُردُنِّ شَرقًا، إِلى بَحرِ العَرَبَةِ تَحتَ سُفوحِ الفِسْجَة. ودَعا موسى كُلَّ إِسْرائيلَ وقالَ لَه: «إِسْمَعْ، يا إِسْرائيل، الفَرائِضَ والأَحْكامَ الَّتي أَنطِقُ بِها على مَسامِعِكمُ اليَوم، وتَعَلَّموها وٱحرِصوا أَن تَعمَلوا بها. إِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَنا قد قَطَعَ مَعَنا عَهْدًا في حوريب. لا معَ آبائِنا قَطَعَ ذٰلِكَ العَهْد، بل مَعَنا نَحنُ الَّذينَ هٰهُنا اليَومَ كُلُّنا أَحْياء. وَجْهًا إِلى وَجْهٍ كَلَّمَكمُ الرَّبُّ في الجَبَل، مِن وَسَطِ النَّار، وأَنا قائِمٌ بَينَ الرَّبِّ وبَينَكم في ذٰلك الوَقت، لِكَي أُخبِرَكم بِكَلامِ الرَّبّ، لأَنَّكم خِفْتُم بِسَبَبِ النَّارِ ولَم تَصعَدوا الجَبَل، فقال: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ الَّذي أَخرَجَكَ مِن أَرضِ مِصرَ، مِن دارِ العُبودِيَّة. لا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرى تُجاهي. لا تَصْنَعْ لَكَ مَنْحوتًا، أَيَّةَ صورةٍ مِمَّا في السَّماءِ مِن فَوقُ وما في الأَرضِ مِن تَحتُ وما في الماءِ مِن تَحتِ الأَرض. لا تَسجُدْ لَها ولا تَعبُدْها، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلٰهٌ غَيور، أُعاقِبُ إِثمَ الآباءِ في البَنينَ وإِلى الجيلِ الثَّالِثِ والرَّابِعِ مِن مُبغِضِيَّ. وأَصنَعُ رَحمَةً إِلى أُلوفٍ مِن مُحِبِّيَّ وحافِظِي وَصايايَ. لا تَلفُظِ ٱسمَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ باطِلًا، لأَنَّ الرَّبَّ لا يَتَغاضى عنِ الَّذي يَلفُظُ ٱسمَه باطِلًا. إِحفَظْ يَومَ السَّبتِ لِتُقَدِّسَه، كما أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعمَلُ وتَصنَعُ جَميعَ أَعْمالِكَ. واليَومُ السَّابِعُ سَبتٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، فلا تَصنَعْ فيه عَمَلًا، أَنتَ وٱبنُكَ وٱبنَتُكَ وخادِمُكَ وخادِمَتُكَ وثَورُكَ وحِمارُكَ وجَميعُ بَهائِمِكَ ونَزيلُكَ الَّذي في داخِلِ مُدُنِكَ، لِكَي يَستَريحَ خادِمُكَ وخادِمَتُكَ مِثْلَكَ. وٱذكُرْ أَنَّكَ كُنتَ عَبْدًا في أَرضِ مِصر، فأَخرَجَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِن هُناكَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وذِراعٍ مَبْسوطة، ولِذٰلكَ أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ بِأَن تَحفَظَ يَومَ السَّبْت. أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّكَ، كما أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ، لِكَي تَطولَ أَيَّامُكَ وتُصيبَ خَيرًا في الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها. لا تَقتُلْ. لا تَزْنِ. لا تَسْرِقْ. لا تَشْهَدْ على قَريبِكَ شَهادةَ زور. لا تَشتَهِ ٱمرَأَةَ قَريبِكَ ولا تَشتَهِ بَيتَه ولا حَقلَه ولا خادِمَه ولا خادِمَتَه ولا ثَورَه ولا حِمارَه ولا شَيئًا مِمَّا لِقَريبِكَ. هٰذه الكَلِماتُ كَلَّمَ الرَّبُّ بِها جَماعَتَكم كُلَّها في الجَبَل، مِن وَسَطِ النَّارِ والغَيمِ والغَمامِ المُظلِم، بِصَوتٍ عَظيم، ولم يَزِدْ علَيها شَيئًا، وكَتَبَها على لَوحَي حَجَرٍ وسَلَّمَهما إِلَيَّ. فلَمَّا سَمِعتُمُ الصَّوتَ مِن وَسَطِ الظَّلام، والجَبَلُ يَشتَعِلُ بِالنَّار، تَقَدَّمتُم إِلَيَّ أَنتُم جَميعَ رُؤَساءِ أَسْباطِكم وشُيوخَكم. فقُلتُم: هُوَذا قد أَرانا الرَّبُّ إِلٰهُنا مَجدَه وعَظَمَتَه، وقَد سَمِعْنا صَوتَه مِن وَسَطِ النَّار. هٰذا اليَومَ رَأَينا أَنَّ اللهَ كَلَّمَ الإِنسانَ وبَقِيَ على قَيْدِ الحَياة. والآن لِمَ نَموت؟ لأَنَّ هٰذِه النَّارَ العَظيمةَ قَد تأكُلُنا. فإِن عُدنا إِلى سَماعِ صَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِنا، نَموت. لأَنَّه أَيُّ بَشَرٍ سَمِعَ صَوتَ اللهِ الحَيِّ مُتَكَلِّمًا مِن وَسَطِ النَّارِ مِثْلَنا وبَقِيَ على قَيْدِ الحَياة؟ تَقَدَّمْ أَنتَ وٱسمَعْ كُلَّ ما يَقولُه الرَّبُّ إِلٰهُنا، وأَنتَ كَلِّمْنا بِكُلِّ ما يُكَلِّمُكَ بِه الرَّبُّ إِلٰهُنا، فنَسمَعَ ونَعمَل. فسَمِعَ الرَّبُّ صَوتَ كَلامِكم وأَنتُم تُكَلِّمونَني، وقالَ الرَّبُّ لي: قد سَمِعتُ صَوتَ كَلامِ هٰذا الشَّعبِ الَّذي كَلَّمَكَ به: لقَد أَحسَنوا في كُلِّ ما قالوا: فلَيتَ لَهم قَلْبًا كهٰذا فيَخافوني ويَحفَظوا وَصايايَ طولَ الأَيَّامِ لِكَي يُصيبوا خَيرًا هُم وبَنوهم لِلأَبَد! إِمْضِ فقُلْ لَهم: عودوا إِلى خِيامِكم. وأَنتَ فقِفْ هٰهُنا عِنْدي، فأُكَلِّمَكَ بِالوَصِيَّةِ كُلِّها والفَرائِضِ والأَحْكامِ الَّتي تُعَلِّمُهم إِيَّاها لِيَعمَلوا بِها في الأَرضِ الَّتي أَنا مُعْطيهم إِيَّاها لِيَرِثوها. فٱحرِصوا أَن تَعمَلوا كما أَمَرَكمُ الرَّبُّ إِلٰهُكم، ولا تَنحَرِفوا يَمنَةً ولا يَسرَةً، بل في كُلِّ الطَّريقِ الَّذي أَوصاكم بِه الرَّبُّ إِلٰهُكم تَسيرون، لِكَي تَحيَوا وتُصيبوا خَيرًا وتُطيلوا أَيَّامَكم على الأَرضِ الَّتي ستَرِثونَها. وهٰذه هي الوَصِيَّةُ والفَرائضُ والأَحكامُ الَّتي أَمَرَني الرَّبُّ إِلٰهُكم أَن أُعَلِّمَكم إِيَّاها لِتَعمَلوا بِها في الأَرضِ الَّتي أَنتُم عابِرونَ إِلَيها لِتَرِثوها، لِكَي تَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلٰهَكَ، حافِظًا جَميعَ فَرائِضِه ووَصاياه الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها، أَنتَ وٱبنُكَ وٱبنُ ٱبنِكَ طولَ أَيَّامِ حَياتِكَ، ولِكَي تَطولَ أَيَّامُكَ. فٱسمَعْ يا إِسْرائيلُ وٱحرِصْ أَن تَعمَلَ ما تُصيبُ بِه خيرًا وما تَكثُرونَ بِه جِدًّا، كما قالَ لَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ آبائِكَ، في أَرضٍ تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا. إِسمَعْ يا إِسْرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَنا هو رَبٌّ واحِد. فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلٰهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ. ولْتَكُنْ هٰذه الكَلِماتُ الَّتي أنا آمُرُكَ بِها اليَومَ في قَلبِكَ. ورَدِّدْها على بَنيكَ وكَلِّمْهم بِها، إِذا جَلَستَ في بَيتِكَ وإِذا مَشَيتَ في الطَّريق وإِذا نِمْتَ وقُمْتَ. وٱعقِدْها عَلامةً على يَدِكَ، ولْتَكُنْ عَصائِبَ بَيْنَ عَينَيكَ. وٱكتُبْها على دَعائِمِ أَبْوابِ بَيتِكَ. وإِذا أَدخَلَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلى الأَرضِ الَّتي أَقسَمَ لِآبائِكَ إِبراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوبَ أَن يُعطِيَكَ إِيَّاها مُدُنًا عَظيمةً حَسنةً لم تَبنِها، وبُيوتًا مَمْلوءَةً كُلَّ خَيْرٍ لم تَمْلَأْها، وآبارًا مَحْفورةً لم تَحفِرْها، وكُرومًا وزَيتونًا لم تَغرِسْها: وإِذا أَكَلتَ وشَبِعتَ، فٱحذَرْ أَن تَنْسى الرَّبَّ الَّذي أَخرَجَكَ مِن أَرضِ مِصْر، مِن دارِ العُبودِيَّة، بلِ الرَّبَّ إِلْهَكَ تَتَّقي وإِيَّاه تعبُدُ وبِٱسمِه تَحلِف. لا تَسيروا وراءَ آلِهَةٍ أُخْرى مِن آلِهَةِ الشُّعوبِ الَّتي حَوالَيكم، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ إِلٰهٌ غَيورٌ في وَسْطِكم، لِكَي لا يَغضَبَ علَيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ فيُبيدَكَ عن وَجهِ الأَرض. لا تُجَرِّبوا الرَّبَّ إِلٰهَكم، كما جَرَّبتُموه في مَسَّة، بلِ ٱحفَظوا وَصايا الرَّبِّ إِلٰهِكم وشَهادَتَه وفَرائِضَه الَّتي يأمُرُكم بِها. وٱصنَعِ القَويمَ والصَّالِحَ في عَينَيِ الرَّبّ، لِكَي تُصيبَ خَيرًا وتَدخُلَ وتَرِثَ الأَرضَ الطَّيِّبَةَ الَّتي أَقسَمَ علَيها الرَّبُّ لِآبائِكَ أَن يُبَدِّدَ جَميعَ أَعْدائِكَ مِن أَمامِكَ، كما تَكَلَّمَ الرَّبّ. وإِذا سأَلَكَ ٱبنُكَ غَدًا قائلًا: ما الشَّهادةُ والفَرائِضُ والأَحْكامُ الَّتي أَمَركم بِها الرَّبُّ إِلٰهُنا؟ فقُلْ لِٱبنِكَ: إِنَّنا كُنَّا عَبيدًا لِفِرعَونَ بِمِصْر، فأَخرَجَنا الرَّبُّ مِنها بِيَدٍ قَوِيَّة، وصَنَعَ الرَّبُّ آياتٍ وخَوارِقَ عَظيمةً وهائِلةً بِمِصرَ وبِفِرعَونَ وكُلِّ بَيتِه أَمامَ عُيونِنا، وأَخرَجَنا مِن هُناكَ لِكَي يُدخِلَنا ويُعْطِيَنا الأَرضَ الَّتي أَقسَمَ علَيها لِآبائِنا، فأَمَرَنا الرَّبُّ بِأَن نَعمَلَ بِهٰذِه الفَرائِضِ كُلِّها ونَخافَ الرَّبَّ إِلٰهَنا، لِكَي نُصيبَ خَيرًا كُلَّ الأَيَّام ويَحفَظَنا على قَيدِ الحَياةِ كما في يَومِنا هٰذا، ويَكونَ لَنا بِرٌّ، إِذا حَرِصْنا أَن نَعمَلَ بِهٰذِه الوَصِيَّةِ كُلِّها أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِنا كما أَوصانا. وإِذا أَدخَلَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلى الأَرضِ الَّتي أَنتَ داخِلٌ إِلَيها لِتَرِثَها وطَرَدَ مِن أَمامِكَ أُمَمًا كَثيرة، الحِثِّيِّينَ والجِرْجاشِيِّينَ والأَمورِيِّينَ والكَنْعانِيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّين، سَبْعَ أُمَمٍ أَكثَرَ وأَقْوى مِنكَ، وأسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلٰهُكَ بَينَ يَدَيكَ، وضَرَبتَهم، فحَرِّمْهم تَحْريمًا. لا تَقطَعْ معَهم عَهْدًا ولا تَرأَفْ بِهم، ولا تُصاهِرْهُم، ولا تُعْطِ ٱبنَتَكَ لِٱبنِه، ولا تأخُذِ ٱبنَتَه لِٱبنِكَ، لأَنَّه يُبعدُ ٱبنَكَ عنِ السَّيرِ وَرائي، فيَعبُد آلِهَةً أُخْرى، فيَغضَبَ الرَّبُّ علَيكم ويُبيدَكَ سَريعًا. بلِ ٱصنَعوا بِهم هٰكذا: تُدَمِّرونَ مَذابِحَهم وتَكسِرونَ أَنْصابَهم وتُحَطِّمونَ أَوتادَهُمُ المُقَدَّسة وتُحرِقونَ تَماثيلَهم بِالنَّار، لأَنَّكَ شَعبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، وإِيَّاكَ ٱخْتارَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ لِتَكونَ لَه شَعبَ خاصَّتِه مِن جَميعِ الشُّعوبِ الَّتي على وَجهِ الأَرض. لا لأَنَّكم أَكثَرُ مِن جَميعِ الشُّعوبِ تَعَلَّقَ الرَّبُّ بِحُبِّكم وٱخْتارَكم، فأَنتُم أَقَلُّ مِن جَميعِ الشُّعوب، بل لِمَحَبَّةِ الرَّبِّ لَكم ومُحافَظَتِه على القَسَم الَّذي أَقْسَمَ بِه لِآبائِكم أَخرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ قَوِيَّة وفَداكَ مِن دارِ العُبودِيَّة، مِن يَدِ فِرعَونَ، مَلِكِ مِصْر. فٱعلَمْ أَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ هو اللهُ الإِلٰهُ الأَمينُ الحافِظُ العَهدَ والرَّحمَةَ لِمُحِبِّيه وحافِظِي وَصاياه إِلى أَلْفِ جيل، والمُكافِئُ مُبْغِضيه في نُفوسِهم لِيُهلِكَهم ولا يَتأَخَّرُ عن مُجازاةِ مُبغِضِه في نَفْسِه. فٱحفَظِ الوَصِيَّةَ والفَرائِضَ والأَحكامَ الَّتي آمُرُكَ اليَومَ أَن تَعمَلَ بِها. فإِذا سَمِعتُم هٰذه الأَحْكامَ وحَفِظتُموها وعَمِلتُم بها، حَفِظَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ هو أَيضًا عَهدَه لَكَ ورَحمَتَه الَّتي أَقسَمَ علَيها لِآبائِكَ، فيُحِبُّكَ ويُبارِكُكَ ويُكَثِّرُكَ ويُبارِكُ ثَمَرَةَ أَحْشائِكَ وثَمَرَةَ أَرضِكَ: قَمحَكَ ونَبيذَكَ وزَيتَكَ ونِتاجَ بِقَرِكَ وغَنَمِكَ، في الأَرضِ الَّتي أَقسَمَ لِآبائِكَ أَن يُعطِيَكَ إِيَّاها. وتَكونُ أَكثَرَ بَرَكَةً مِن جَميعِ الشُّعوب، ولا يَكونُ عَقيمٌ ولا عاقِرٌ فيكَ ولا في بَهائِمِكَ. ويُبعِدُ الرَّبُّ عنكَ كُلَّ مَرَض، وجَميعُ أَوبِئَةِ مِصرَ الَّتي عَرَفتَها لا يُنزِلُها بِكَ، بل يُنزِلُها بِمُبغِضيكَ. وتَفتَرِسُ جَميعَ الشُّعوبِ الَّتي يُسلِمُها إِلَيكَ الرَّبُّ إِلْهُكَ، فلا تَعْطِفْ عَينُكَ علَيها، ولا تَعبُدْ آلِهَتَها، فإِنَّ ذٰلِكَ فَخٌّ لَكَ. فإِن قُلتَ في قَلبِكَ: هٰذه الأُمَمُ أَكثَرُ مِنِّي، فكَيفَ أَستَطيعُ أَن أَطرُدَها؟ فلا تَخَفْها، بل تَذَكَّرْ ما صَنَعَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ بِفِرعَونَ وبِمِصرَ كُلِّها، تِلكَ التَّجارِبَ العَظيمةَ الَّتي رَأَتْها عَيناكَ والآياتِ والخَوارِقَ واليَدَ القَوِيَّةَ والذِّراعَ المَبْسوطةَ الَّتي بِها أَخرَجَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ. هٰكَذا يَصنَعُ الرَّبُّ إِلٰهُكَ بِجَميعِ الشُّعوبِ الَّتي أَنتَ خائِفٌ مِنها. ويُرسِلُ علَيها الرَّبُّ إِلٰهُكَ الزَّنابير، حتَّى يَهلِكَ الباقونَ والمُختَبِئونَ مِن وَجهِكَ. فلا تَرتَعِدْ أَمامَهم، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ في وَسْطِكَ إِلٰهٌ عَظيمٌ رَهيب. والرَّبُّ إِلٰهُكَ يَطرُدُ تِلكَ الأُمَمَ مِن أَمامِكَ شَيئًا فشَيئًا. لا تَقدِرُ أَن تُفنِيَها سَريعًا، لِئَلاَّ تَكثُرَ علَيكَ الحَيواناتُ الوَحشِيَّة. ويُسلِمُها الرَّبُّ إِلٰهُكَ بَينَ يَدَيكَ ويُوقِعُ علَيها ٱضطِرابًا عَظيمًا حتَّى تَبيد. ويُسلِمُ مُلوكَها إِلى يَدِكَ، فتَمْحو أَسْماءَها مِن تَحتِ السَّماء، فلا يَقِفُ أَحَدٌ في وَجهِكَ، حتَّى تُبيدَها. وتَماثيلُ آلِهَتِها تُحرِقونَها بِالنَّار. لا تَشتَهِ ما عَليها مِنَ الفِضَّةِ والذَّهَب، ولا تأخُذْه لَكَ، لِئَلاَّ تَقَعَ في الفَخِّ بِسَبَبِه، فإِنَّ ذٰلكَ قَبيحةٌ لدى الرَّبِّ إِلٰهِكَ. فلا تُدخِلْ بَيتَكَ قَبيحةً، لِئَلاَّ تَكونَ مُحَرَّمًا مِثْلَها، بلِ ٱستَقبِحْها، ولْتَكُنْ قَبيحةً لَدَيكَ، لأَنَّها مُحَرَّمة. إِحرِصوا أَن تَعمَلوا بِكُلِّ الوَصِيَّةِ الَّتي آمُرُكَ بِها اليَومَ، لِكَي تَحْيَوا وتَكثُروا وتَدخُلوا وتَرِثوا الأَرضَ الَّتي أَقسَمَ الرَّبُّ علَيها لِآبائِكم. وٱذكُرْ كُلَّ الطَّريقِ الَّتي سَيَّرَكَ فيها الرَّبُّ إِلٰهُكَ في البَرِّيَّةِ هٰذه السِّنينَ الأَربَعين، لِيُذَلِّلَكَ ويَمتَحِنَكَ فيَعرِفَ ما في قَلبِكَ هل تَحفَظُ وَصاياه أَم لا. فذَلَّلَكَ وأَجاعَكَ وأَطعَمَكَ المَنَّ الَّذي لم تَعرِفْه أَنتَ ولا عَرَفَه آباؤُكَ، لِكَي يُعْلِمَكَ أَنَّه لا بالخُبزِ وَحدَه يَحْيا الإِنْسان، بل بِكُلِّ ما يَخرُجُ مِن فَمِ الرَّبِّ يَحْيا الإِنْسان. ثَوبُكَ لم يَبْلَ علَيكَ، ورِجلُكَ لم تَتَوَرَّمْ في هٰذه السِّنينَ الأَربَعين. فٱعلَمْ في قَلبِكَ أَنَّه كما يُؤَدِّبُ الرَّجُلُ ٱبنَه يُؤَدِّبُكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ فٱحفَظْ وَصايا الرَّبِّ إِلٰهِكَ لِتَسيرَ في سُبُلِه وتَتَّقِيَه. فإِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ مُدخِلُكَ أَرضًا طَيِّبَة، أَرضًا ذاتَ سُيولِ ماءٍ وعُيونٍ وغِمارٍ تَتَفَجَّرُ في الوادي والجَبَل، أَرضَ حِنطَةٍ وشَعيرٍ وكَرْمٍ وتينٍ ورُمَّان، أَرضَ زَيتٍ وعَسَل، أَرضًا لا تأكُلُ فيها خُبزَكَ بِتَقْتير، ولا يُعوِزُكَ فيها شيءٌ، أَرضًا حِجارَتُها حَديد ومِن جِبالِها تَقلَعُ النُّحاس. فتأكُلُ وتَشبَعُ وتُبارِكُ الرَّبَّ إِلٰهَكَ لأَجْلِ الأَرضِ الطَّيَّبةِ الَّتي أَعْطاكَ إِيَّاها. تَنَبَّهْ لِئَلاَّ تَنْسى الرَّبَّ إِلٰهَكَ، غيرَ حافِظٍ لِوَصاياه وأَحْكامِه وفَرائِضِه الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَوم، مَخافةَ أَنَّكَ، إِذا أَكَلتَ وشَبِعتَ وبَنَيتَ بُيوتًا جَميلةً وسَكَنتَها وكَثُرَ بَقَرُكَ وغَنَمُكَ وفِضَّتُكَ وذَهَبُكَ وكُلُّ ما لَكَ، يَشمَخُ قَلبُكَ فتَنْسى الرَّبَّ إِلٰهَكَ الَّذي أَخرَجَكَ مِن أَرضِ مِصْر، مِن دارِ العُبودِيَّة، والَّذي سَيَّرَكَ في البَرِّيَّةِ العَظيمةِ الرَّهيبَة، حَيثُ الحَيَّاتُ اللاَّدِغةُ والعَقارِبُ والعَطَش، وحَيثُ لا ماءَ فَجَّرَ لَكَ الماءَ مِن صَخرَةِ الصَّوَّان، وأَطعَمَكَ في البَرِّيَّةِ المَنَّ الَّذي لم يَعرِفْه آباؤُكَ، لِيُذَلِّلَكَ ويَمتَحِنَكَ، لِيُحسِنَ إِلَيكَ في آخِرَتِكَ، ولِئَلاَّ تَقولَ في قَلبِكَ: إِنَّ قُوَّتي وقُدرَةَ يَدي صَنَعتا لي هٰذه الثَّروَة. بل تَذكُرُ الرَّبَّ إِلٰهَكَ، فإِنَّه هو الَّذي يُعْطيكَ قُوَّةً لِتَصنَعَ بِها الثَّروَة، لِكَي يُثَبِّتَ عَهدَه الَّذي أَقسَمَ بِه لِآبائِكَ كما في هٰذا اليَوم. وإِن نَسيتَ الرَّبَّ إِلٰهَكَ وسِرتَ وَراءَ آلِهَةٍ أُخْرى وعَبَدتَها وسَجَدتَ لَها، فأَنا شاهِدٌ عليكُمُ اليَومَ بأَنَّكم تَهلِكونَ هَلاكًا. كالأُمَمِ الَّتي يُهلِكُها الرَّبُّ مِن أَمامِكم، هٰكذا تَهلِكونَ أَنتُم أيضًا لأَنَّكم لم تَسمَعوا لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكم. إِسمَعْ يا إِسْرائيل: إِنَّكَ اليَومَ عابِرٌ الأُردُنّ، لِتَدخُلَ وتَطرُدَ أُمَمًا أَعظَمَ وأَقْوى مِنكَ، مُدُنُها عَظيمةٌ ومُحَصَّنةٌ إِلى السَّماء، شَعْبًا عِظامًا طِوالًا، بَني عَناقَ الَّذين عَرَفتَهم وسَمِعتَ عَنهم: مَن يَصمُدُ أَمامَ بَني عَناق؟ فٱعلَمِ اليَومَ أَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ هو يَعبُرُ أَمامَكَ كنارٍ آكِلَة، هو يُبيدُهم وهو يُذِلُّهم أَمامَكَ، فتَطرُدُهم وتُبيدُهم سَريعًا، كما كَلَّمَكَ الرَّبّ. لا تَقُلْ في قَلبِكَ، إِذا طَرَدَهمُ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِن أَمامِكَ: لأَجْلِ بِرِّي أَدخَلَني الرَّبُّ لأَرِثَ هٰذه الأَرضَ، ولأَجلِ شَرِّ هٰذه الأُمَمِ طَرَدَها الرَّبُّ مِن أَمامي. إِنَّه لا بِبِرِّكَ وٱستِقامةِ قَلبِكَ أَنتَ داخِلٌ لِتَرِثَ أَرضَها، بل لأَجْلِ شَرِّ تِلكَ الأُمَمِ طَرَدَها الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِن أَمامِكَ، ولِكَي يُثَبِّتَ القَولَ الَّذي أَقسَمَ الرَّبُّ علَيه لِآبائِكَ إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب. فٱعلَمْ أَنَّه لا لأَجْلِ بِرِّكَ يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ هٰذه الأَرضَ الطَّيِّبةَ لِتَرِثَها، فإِنَّكَ شَعْبٌ قاسي الرِّقاب. أُذكُرْ، لا تَنْسَ أَنَّكَ أَغضَبتَ الرَّبَّ إِلٰهَكَ في البَرِّيَّة، فإِنَّكَ مُنذُ يَومِ خُروجِكَ مِن مِصرَ، حتَّى وُصولِكم إِلى هٰذا المَكان، لم تَزالوا تَتَمَرَّدونَ على الرَّبّ، وفي حوريبَ أَغضَبتُمُ الرَّبَّ، فغَضِبَ علَيكم وكادَ يُبيدُكم. حين صَعِدتُ الجَبَلَ لِآخُذَ لَوحَيِ الحَجَر، لَوحَيِ العَهدِ الَّذي قَطَعَه الرَّبُّ معَكم، فأَقَمتُ بِالجَبَلِ أَربَعينَ يَومًا وأَربَعينَ لَيلَةً، لم آكُلْ خُبْزًا ولم أَشرَبْ ماءً. ثُمَّ سَلَّمَ الرَّبُّ إِلَيَّ لَوحَيِ الحَجَرِ المَكْتوبَينِ بِإِصبَعِ الله، وعلَيهِما جَميعُ الكَلِماتِ الَّتي كَلَّمَكُمُ الرَّبُّ بِها في الجَبَلِ من وَسَطِ النَّارِ في يَومِ الإِجْتِماع. وفي نِهايَةِ الأَربَعينَ يَومًا والأَربَعينَ لَيلَةً، كانَ أَنَّ الرَّبَّ سَلَّمَ إِلَيَّ لَوحَيِ الحَجَر، لَوحَيِ العَهْد، وقالَ لِيَ الرَّبّ: قُمْ فٱنزِلْ على عَجَلٍ مِن هُنا، لأَنَّه قد فَسَدَ شَعبُكَ الَّذي أَخرَجتَه مِن مِصر، وٱبتَعَدَ سَريعًا عنِ الطَّريقِ الَّتي أَوصَيتُه بِها وصَنَعَ لَه تِمْثالًا مَسْبوكًا. وكَلَّمَني الرَّبُّ قائِلًا: قد رأَيتُ هٰذا الشَّعبَ، فإِذا هو شَعبٌ قاسي الرِّقاب. دَعْني فأُبيدَه وأَمحُوَ ٱسمَه مِن تَحتِ السَّماء وأَجعَلَكَ أَنتَ أُمَّةً أَعظَمَ وأَكثَرَ مِنه. فتَحَوَّلتُ ونَزَلتُ مِنَ الجَبَل، وهو مُشتَعِلٌ بِالنَّار، ولَوحا العَهْدِ في يَدي. ونَظَرتُ فإِذا بِكم قد خَطِئتُم إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكم وصَنَعتُم لَكم عِجْلًا مَسْبوكًا، وٱبتَعَدتُم سَريعًا عنِ الطَّريقِ الَّتي أَوصاكم بِها الرَّبّ. فأَمسَكتُ اللَّوحَينِ ورَمَيتُ بِهما مِن يَدَيَّ وحَطَّمتُهما أَمامَ عُيونِكم. ثُمَّ ٱرتَمَيتُ أَمامَ الرَّبِّ، وكالمَرَّةِ الأُولى لم آكُلْ خُبْزًا ولم أَشرَبْ ماءً أَرْبَعينَ يومًا وأَرْبَعينَ لَيلَةً، بِسَبَبِ خَطيئَتِكمُ الَّتي خَطِئتُموها، إِذ صَنَعتُمُ الشَّرَّ في عينَيِ الرَّبّ وأَسخَطتُموه، لأَنِّي خِفتُ مِن الغَضَبِ والسُّخْطِ الَّذي سَخِطَه الرَّبُّ علَيكم لِيُبيدَكم، فسَمِعَ لِيَ الرَّبُّ تِلكَ المَرَّةَ أَيضًا. وأَمَّا هارون، فغَضِبَ الرَّبُّ علَيه جِدًّا، حتَّى هَمَّ أَن يُبيدَه، فصَلَّيتُ لأَجْلِ هارونَ أَيضًا في ذٰلك الوَقْت. وأَمَّا الخَطيئَةُ الَّتي ٱرتَكَبتُموها، أَيِ العِجْل، فإِنِّي أَخَذتُه فأَحرَقتُه بِالنَّارِ وحَطَّمتُه وسَحَقتُه، حتَّى صارَ ناعِمًا كالغُبار، ثُمَّ أَلقَيتُ غُبارَه في السَّيلِ المُنحَدِرِ مِنَ الجَبَل. وفي تَبْعيرةَ ومَسَّةَ وقِبْروتَ هَتَّأَوَه أسخطَتُمُ الرَّبّ. ولَمَّا أَرسَلَكمُ الرَّبُّ مِن قادِشَ بَرْنيعَ قائلًا: إِصْعَدوا ورِثوا الأَرضَ الَّتي أَعطَيتُكم إِيَّاها، تَمَرَّدتُم على أَمرِ الرَّبِّ إِلٰهِكم ولم تُؤمِنوا بِه ولَم تَسمَعوا لِصَوتِه. مُنذُ يَومَ عَرَفَكم، ما زِلتُم تَتَمَرَّدونَ على الرَّبّ. فٱرتَمَيتُ أَمامَ الرَّبِّ الأَربَعينَ يَومًا والأَربَعينَ لَيلَةً الَّتي ٱرتَمَيتُ فيها، لأَنَّ الرَّبَّ قالَ إِنَّه سيُبيدُكم. وصَلَّيتُ إِلى الرَّبِّ وقُلتُ لَه: أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، لا تُهلِكْ شَعبَكَ وميراثَكَ الَّذي افتَدَيتَه بِعَظَمَتِكَ وأَخرَجتَه مِن مِصرَ بِيَدٍ قَوِيَّة. أُذكُرْ عَبيدَكَ إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب، ولا تَنظُرْ إِلى قَساوةِ هٰذا الشَّعبِ وشَرِّه وخَطيئَتِه، لِئَلاَّ يَقولُ أَهلُ الأَرضِ الَّتي أَخرَجتَنا مِنها إِنَّ الرَّبَّ لم يَستَطِعْ أَن يُدخِلَهمُ الأَرضَ الَّتي وَعَدَهم بِها، ولأَنَّه أَبغَضَهم أَخَرَجَهم لِيُميتَهم في البَرِّيَّة، وهُم شَعبُكَ وميراثُكَ الَّذي أَخرَجتَه بِقُوَّتِكَ العَظيمةِ وذِراعِكَ المَبْسوطة. في ذٰلك الوَقتِ قالَ لِيَ الرَّبّ: إِنحَتْ لَكَ لَوحَينِ مِن حَجَرٍ كالأَوَّلَين، وٱصعَدْ إِلَيَّ إِلى الجَبَل، وٱصنَعْ لَكَ تابوتًا مِن خَشَب، فأَكتُبَ على اللَّوحَينِ الكَلِماتِ الَّتي كانَت على اللَّوحَينِ الأَوَّلينِ اللَّذَينِ كَسَّرتَهما، وضَعْهما في التَّابوت. فصَنَعتُ تابوتًا مِن خَشَبِ السَّنْط، ونَحَتُّ لَوحَينِ مِن حَجَرٍ كالأَوَّلَين، وصَعِدتُ الجَبَل، واللَّوحانِ في يَدي. فكَتَبَ علَيهما، كالكِتابةِ الأُولى، الكَلِماتِ العَشْرَ الَّتي كَلَّمكُمُ الرَّبُّ بِها في الجَبَل، مِن وَسَطِ النَّارِ، في يَومِ الإِجتِماع، وسَلَّمَهما الرَّبُّ إِلَيَّ. ثُمَّ تَحَوَّلتُ فنَزَلتُ مِنَ الجَبَل ووَضَعتُ اللَّوحَينِ في التَّابوتِ الَّذي صنَعتُه، فكانا هُناكَ كما أَمَرَني الرَّبّ. ورَحَلَ بَنو إِسْرائيلَ مِن آبارِ بَني يَعْقانَ إِلى موسير. هُناكَ ماتَ هارونُ ودُفِنَ هُناكَ، فتَوَلَّى الكَهَنوتَ مَكانَه أَلِعازارُ ٱبنُه. ورَحَلوا مِن هُناكَ إِلى جُدْجود ومِن جُدْجود إِلى يَطْبات، وهي أَرضٌ ذاتُ سُيولِ ماء. في ذٰلك الوَقتِ أَفرَدَ الرَّبُّ سِبْطَ لاوي لِيَحمِلوا تابوتَ عَهدِ الرَّبّ ويَقِفوا أَمامَ الرَّبِّ لِيَخدُموه ويُبارِكوا بِٱسمِه إِلى هٰذا اليَوم. لِذٰلك لم يَكُن لِلاوي نَصيبٌ وميراثٌ مع إِخوَتِه، وإِنَّما الرَّبُّ هو ميراثُه، كما كَلَّمَه الرَّبُّ إِلٰهُكَ. وأَنا قُمتُ بِالجَبَلِ مِثلَ الأَيَّامِ الأُولى، أَربَعينَ يَومًا وأَربَعينَ لَيلَةً، فسَمِعَ الرَّبُّ إِلَيَّ هٰذه المَرَّةَ أَيضًا، ولم يَشإِ الرَّبُّ أَن يُهلِكَكَ. ثُمَّ قالَ لِيَ الرَّبّ: قُمْ وٱرحَلْ وسِرْ أَمامَ الشَّعبِ لِيَدخُلَ ويَرِثَ الأَرضَ الَّتي أَقسَمتُ لِآبائِه أَن أُعطِيَه إِيَّاها. والآنَ يا إِسْرائيل، ما الَّذي يَطلبُهُ مِنكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلاَّ أَن تَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلٰهَكَ سائِرًا في جَميعِ طُرُقِه ومُحِبًّا إِيّاه، وعابِدًا الرَّبَّ إِلٰهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفسِكَ، وحافِظًا وَصاياه وفَرائِضَه الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَومَ، لِكَي تُصيبَ خيرًا؟ إِنَّ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ السَّمَواتِ وسَمَواتِ السَّمَواتِ والأَرضَ وكُلَّ ما فيها. لٰكِنَّه تَعَلَّقَ بِآبائِكَ مُحِبًّا إِيَّاهم وٱختارَ نَسلَهم مِن بَعدِهم، أَي أَنتُم، مِن بَينِ الشُّعوبِ كُلِّها إِلى مِثلِ هٰذا اليَوم. فٱختِنوا قُلَفَ قلوبِكم، ولا تُقَسُّوا رِقابَكم بَعدَ اليَوم، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم هو إِلٰهُ الآلِهَةِ ورَبُّ الأَرْباب، الإِلٰهُ العَظيمُ الجَبَّارُ الرَّهيبُ الَّذي لا يُحابي الوُجوهَ ولا يَقبَلُ رِشوَة، مُنصِفُ اليَتيمِ والأَرمَلَة ومُحِبُّ النَّزيل، يُعْطيه طَعامًا وكُسوَةً. (فأَحِبُّوا النَّزيل، فإِنَّكم كُنتُم نُزَلاءَ في أَرضِ مِصْر). الرَّبَّ إِلٰهَكَ تَتَّقي، وإِيَّاه تَعبُد، وبِه تَتَعَلَّق، وبِٱسمِه تَحلِف. هو تَسبِحَتُكَ، وهو إِلٰهُكَ الَّذي صَنَعَ لَكَ تِلكَ العَظائِمَ والأُمورَ الرَّهيبةَ الَّتي رأَتْها عَيناكَ. في سَبْعينَ نَفْسًا نَزَلَ آباؤُكَ إِلى مِصْر، وأَمَّا الآنَ فقَد صَيَّرَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِثلَ نُجومِ السَّماءِ كَثرَةً. فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلٰهَكَ وٱحفَظْ ما يَجِبُ حِفظُه مِن فَرائِضِه وأَحكامِه ووَصاياه كُلَّ الأَيَّام. وأَنتُم تَعرِفونَ اليَوم (إِذ لَيسَ الكَلامُ مع بَنيكمُ الَّذينَ لم يَعرِفوا ولم يَرَوا) تأديبَ الرَّبِّ إِلٰهِكم وعَظَمَتَه ويَدَه القَوِيَّةَ وذِراعَه المَبْسوطة وآياتِه وأَعْمالَه الَّتي صَنَعَها في مِصرَ بِفِرعَونَ، مَلِكِ مِصرَ، وبِأَرضِه كُلِّها، وما صَنَعَ بِجَيشِ مِصرَ وخَيلِهم ومَراكِبِهم، إِذ أَفاضَ على وُجوهِهم ماءَ بَحرِ القَصَب، حينَ طارَدوكم، فأَهلَكَهمُ الرَّبُّ إِلى يَومِنا هٰذا، وما صَنَعَ لَكم في البَرِّيَّةِ إِلى أَن وَصَلتُم إِلى هٰذا المَكان، وما صَنَعَ بِداثانَ وأَبيرامَ، ٱبنَي أَليآبَ ٱبنِ رَأُوبين، إِذ فَتحَتِ الأَرضُ فَمَها فٱبتَلَعَتهما، هُما وبُيوتَهما وخِيامَهما وكُلَّ مَن سارَ وراءَهما في وسْطِ إِسْرائيلَ كُلِّه. إِنَّما عُيونُكم هي الَّتي أَبصَرَت كُلَّ العَمَلِ العَظيمِ الَّذي صَنَعَه الرَّبّ. فٱحفَظوا كُلَّ الوَصِيَّةِ الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَوم، لِكَي تَتَقَوَّوا وتدخُلوا وتَرِثوا الأَرضَ الَّتي أَنتُم عابِرونَ إِلَيها لِتَرِثوها، ولِكَي تُطيلوا أَيَّامَكم على الأَرضِ الَّتي أَقسَمَ الرَّبُّ لِآبائِكم أَن يُعطِيَها لَهم ولِنَسلِهم، أَرضًا تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا. فإِنَّ الأَرضَ الَّتي أَنتَ داخِلٌ إِلَيها لِتَرِثَها لَيسَت كأَرضِ مِصرَ الَّتي خَرَجتُم مِنها، حَيثُ كُنتَ تَزرَعُ زَرعَكَ وتَسْقيه بِرِجلِك كَمَزرَعَةِ بُقول. لٰكِنَّ الأَرضَ الَّتي أَنتُم عابِرونَ إِلَيها لِتَرِثوها هي أَرضُ جِبالٍ وأَودِيَةٍ تَشرَبُ ماءً مِن مَطَرِ السَّماء، أَرضٌ يَعتَني بِها الرَّبُّ إِلٰهُكَ، وعَينا الرَّبِّ إِلٰهِكَ علَيها دائمًا، مِن أَوَّلِ السَّنةِ إِلى آخِرِها. فإِن سَمِعتُم لِوَصايايَ الَّتي أَنا آمُرُكم بِها اليَومَ، مُحِبِّينَ الرَّبَّ إِلٰهَكم وعابِدينَه بِكُلِّ قُلوبِكم وبِكُلِّ نُفوسِكم، أَعطَيتُ أَرضَكم مَطَرَها في أَوانِه، مَطَرَ الخَريفِ ومَطَرَ الرَّبيع، فتَجمَعُ قَمحَكَ ونَبيذَكَ وزَيتَكَ، وأُعْطِي بَهائِمَكَ عُشبًا في حَقلِكَ، فتأكُلُ أَنتَ وتَشبَع. إِحذَروا أَن تَنخَدِعَ قُلوبُكم فتَبتَعِدوا وتَعبُدوا آلِهَةً أُخْرى وتَسجُدوا لَها. فيَغضَبُ الرَّبُّ علَيكم، فيَحبِسُ السَّماءَ فلا يَكونُ مَطَر ولا تُعْطي الأَرضُ غَلَّتَها، فَتَهلِكونَ بِسُرعَةٍ على الأَرضِ الطَّيِّبَةِ الَّتي يُعْطيكمُ الرَّبُّ إِيَّاها. فٱجعَلوا كَلِماتي هٰذه في قُلوبِكم وفي نُفوسِكم، وٱعقِدوها عَلامةً على أَيديكم، ولْتَكُنْ عَصائِبَ بَينَ عُيونِكم، وعَلِّموها بَنيكم مُكلِّمينَ إِيَّاهم بِها، إِذا جَلَستَ في بَيتِكَ وإِذا مَشَيتَ في الطَّريق وإِذا نِمتَ وإِذا قُمتَ. وٱكتُبْها على دَعائِمِ أَبْوابِ بَيتِكَ، لِكَي تَكثُرَ أَيَّامُكم وأَيَّامُ بَنيكم على الأَرضِ الَّتي أَقسَمَ الرَّبُّ لِآبائِكم أَن يُعْطِيَهم إِيَّاها، كأَيَّامِ السَّماءِ على الأَرض. فإِنَّكم إِن حَفِظتُم كُلَّ هٰذه الوَصِيَّةِ الَّتي أَنا آمُرُكم بِها عامِلينَ بِها، ومُحِبِّينَ الرَّبَّ إِلٰهَكم وسائِرينَ في سُبُلِه كُلِّها ومُتَعَلِّقينَ به، يَطرُدُ الرَّبُّ هٰذه الأُمَمَ كُلَّها مِن أَمامِكم، فتَرِثونَ أُمَمًا أَعظَمَ وأَقْوى مِنكم. كُلُّ مَكانٍ تَطَأُه أَخامِصُ أَقْدامِكم انطِلاقًا مِنَ البَرِّيَّةِ يَكونُ لَكم. ومِن لُبْنان ومِنَ النَّهرِ، نَهرِ الفُرات، إِلى البَحرِ الغَرْبِيِّ، تَكونُ حُدودُكم. لا يَقِفُ إِنْسانٌ في وُجوهِكم، فإِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم يوقِعُ رُعْبَكم وخَوفَكم على وَجهِ كُلِّ الأَرضِ الَّتي تَدوسونَها، كما قالَ لَكم. أُنظُرْ: إِنِّي جاعِلٌ أَمامَكمُ اليَومَ بَرَكةً ولَعنَة: البَرَكةَ إِن سَمِعتُم لِوَصايا الرَّبِّ إِلٰهِكمُ الَّتي أَنا آمُرُكم بِها اليَوم، واللَّعنَةَ إِن لم تَسمَعوا لِوَصايا الرَّبِّ إِلٰهِكم وٱبتَعَدتُم عنِ الطَّريقِ الَّتي أَنا مُوصيكم بِها اليَوم، لِتَسيروا وَراءَ آلِهَةٍ أُخْرى لم تَعرِفوها. فإِذا أَدخَلَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلى الأَرضِ الَّتي أَنتَ داخِلٌ إِلَيها لِتَرِثَها، فٱجعَلِ البَرَكَةَ على جَبَلِ جَرِزِّيم، واللَّعنَةَ على جَبَلِ عَيبال. (أَفَلَيسَ هُما في عِبْرِ الأُردُنِّ وَراءَ طريقِ مَغيبِ الشَّمس، في أَرضِ الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ في العَرَبَة، تُجاهَ الجِلْجال، عِندَ بَلُّوطاتِ مورَة؟). لأَنَّكم عابِرونَ الأُردُنَّ لِتَدخُلوا وتَرِثوا الأَرضَ الَّتي يُعطيكُمُ الرَّبُّ إِلٰهُكم إِيَّاها، فتَرِثونَها وتَسكُنونَ فيها. فٱحرِصوا أَن تَعمَلوا بِجَميع الفَرائِضِ والأَحْكامِ الَّتي أَضَعُها اليَومَ أَمامَكم». وهٰذه هي الفَرائِضُ والأَحكامُ الَّتي تَحفَظونَها لِتَعمَلوا بِها في الأَرضِ الَّتي أَعْطاكَ الرَّبُّ إِلٰهُ آبائِكَ إِيَّاها، لِتَرِثَها كُلَّ الأَيَّامِ الَّتي تَعيشونَها على الأَرض. تُخرِّبونَ جَميعَ الأَماكِنِ الَّتي كانَتِ الأُمَمُ الَّتي أَنتُم وارِثوها تَعبُدُ فيها آلِهَتَها، على الجِبالِ العالِيَةِ والتِّلال، وتَحتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْراء. وتُدَمِّرونَ مَذابِحَها وتُكَسِّرونَ أَنْصابَها وتُحرِقونَ بِالنَّارِ أَوتادَها المُقَدَّسة وتُحَطِّمونَ تَماثيلَ آلِهَتِها وتَمْحونَ أَسْماءَها مِن ذٰلك المَكان. لا تَصنَعوا هٰكذا نَحوَ الرَّبِّ إِلٰهِكم، بلِ المَكانُ الَّذي يَختارُه الرَّبُّ إِلٰهُكم مِن أَسْباطِكم كُلِّها لِيَجعَلَ فيه ٱسمَه ويَسكُنَ فيه، إِيَّاه تَلتَمِسون وإِلى هُناكَ تُقبِل. فتأتونَ إِلَيه بِمُحرَقاتِكم وذَبائِحِكم وأَعشارِكم وتَقادِمِ أَيديكم ونُذورِكم وتَقادِمكمُ الطَّوعِيَّة وأَبْكارِ بِقَرِكم وغَنَمِكم. وتأكُلونَ هُناكَ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكم وتَفرَحونَ بكُلِّ ما ٱكتَسَبَته أَيديكم أَنتُم وأَهلُ بُيوتِكم، مِمَّا باركَكَ فيه الرَّبُّ إِلٰهُك. لا تَعمَلوا كما نَحنُ عامِلونَ هُنا اليَوم، أَي أَن يَعمَلَ كُلُّ واحِدٍ ما يَحسُنُ في عَينَيه. فإِنَّكم لم تَبلُغوا إِلى اليَومِ مَكانَ الرَّاحةِ والميراثَ الَّذي يُعطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاه. فإِذا عَبَرتُمُ الأُردُنَّ وأَقَمتُم بِالأَرضِ الَّتي يُورِثُكمُ الرَّبُّ إِلٰهُكم إِيَّاها وأَراحَكم مِن جَميعِ أَعدائِكمُ المُحيطينَ بِكم وسَكَنتُم آمِنين، فأَيُّ مَكانٍ ٱخْتارَه الرَّبُّ إِلٰهُكم لِيُحِلَّ فيه ٱسمَه، فإِلَيه تأتونَ بِكُلِّ ما أَنا آمُرُكم بِه مِن مُحرَقاتِكم وذَبائِحِكم وأَعْشارِكم وتَقادِمِ أَيديكم وخِيرةِ نُذورِكمُ الَّتي تَنذِرونَها لِلرَّبّ. وٱفرحَوا أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكم، أَنتُم وبَنوكم وبَناتُكم وخُدَّامُكم وخادِماتُكم واللاَّوِيُّ الَّذي في أَبوابِكم، إِذ لَيسَ لَه نَصيبٌ ولا ميراثٌ مَعكم. وٱحذَرْ أَن تُصعِدَ مُحرَقاتِكَ في أَيِّ مَكانٍ رأَيتَه، إِلاَّ في المَكانِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ مِن أَحَدِ أَسْباطِكَ، فهُناكَ تُصعِدُ مُحرَقاتِكَ وهُناكَ تَصنَعُ كُلَّ ما آمُرُكَ بِه. لٰكِن مِن كُلِّ ما ٱشتَهَت نَفسُكَ تَذبَحُ وتأكُلُ لَحْمًا كَبَركَةٍ أَعطاكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها في مُدُنِكَ كُلِّها. النَّجسُ والطَّاهِرُ يأكُلانِه، كما يُؤكَلُ الظَّبْيُ والأَيِّل. وأَمَّا الدَّمُ فلا تأكُلوه، بل أَرِقْه على الأَرضِ كالماء. لا يَجوزُ لَكَ أَن تأكُلَ في مُدُنِكَ أَعْشارَ قَمحِكَ ونَبيذِكَ وزَيتِكَ ولا أَبْكارَ بَقَرِكَ وغَنَمِكَ ولا شَيئًا مِن نُذورِكَ الَّتي تَنذِرُها وتَقادِمِكَ الطَّوعِيَّةِ وتَقدِمةِ يَدَيكَ. ولٰكِن أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ تأكُلُها في المَكانِ الَّذي يَختارُه الرَّبُّ إِلٰهُك، أَنتَ وٱبنُكَ وٱبنَتُكَ وخادِمُكَ وخادِمَتُكَ واللاَّوِيُّ الَّذي في مُدُنِكَ، وتَفرَحُ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ بِكُلِّ ما ٱكتَسَبَته يَدُكَ. وٱحذَرْ أَن تُهمِلَ اللاَّوِيَّ كُلَّ أَيَّامِكَ على أَرضِكَ. وإِذا وَسَّعَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ حُدودَكَ كما قالَ لكَ، فقُلتَ: آكُلُ لَحْمًا، لأَنَّ نَفسَكَ ٱشتَهَت أَكلَ اللَّحْم، فمِن كُلِّ ما تَشتَهي نَفسُكَ تأكُلُ لَحْمًا. وإِن بَعُدَ عنكَ المَكانُ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ إِلٰهُكَ لِيَجعَلَ فيه ٱسمَه، فٱذبَحْ مِمَّا أَعطاكَ الرَّبُّ مِن بَقَرِكَ وغَنَمِكَ كما أَمَرتُكَ، وكُلْ في مُدُنِكَ مِن كُلِّ ما ٱشتَهَت نَفْسُكَ، كما يُؤكَلُ الظَّبْيُ والأَيِّلُ تأكُلُه: النَّجِسُ والطَّاهِرُ يأكُلانِه على السَّواء. لٰكِنِ ٱحذَرْ أَن تأكُلَ الدَّم، فإِنَّ الدَّمَ هو النَّفْس، فلا تَأكُلِ النَّفْسَ مع اللَّحْم. لا تأكُلْه، بل أَرِقْه على الأَرضِ كالماء. لا تأكُلْه، فتُصيبَ خَيرًا، أَنتَ وبَنوكَ من بَعدِكَ، لأَنَّكَ تَصنَعُ القَويمَ في عَينَيِ الرَّبّ. وأَمَّا أَقْداسُكَ الَّتي لَكَ ونُذورُكَ، فٱحمِلْها وأتِ بِها إِلى المَكانِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبّ، وقَرِّبْ مُحرَقاتِكَ لَحْمًا ودَمًا على مَذبَحِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، ودَمُ ذَبائِحِكَ يُراقُ على مَذبَحِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، واللَّحمُ تَأكُلُه. إِحفَظْ وٱسمَعْ جَميعَ هٰذه الأُمورِ الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها لِتُصيبَ خَيرًا، أَنتَ وبَنوكَ مِن بَعدِكَ لِلأَبَد، لِأَنَّكَ تَصنَعُ الصَّالِحَ والقَويمَ في عَينَيِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. وإِذا قَرَضَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِن أَمامِكَ الأُمَمَ الَّتي أَنتَ ذاهِبٌ إِلَيها لِتَرِثَها، فَورِثتَها وسَكَنتَ في أَرضِها، فٱحذَرْ لِنَفْسِكَ أَن تَقَعَ في الفَخِّ بِالسَّيرِ وَراءَها، بَعدَ إِبادَتِها أَمامَكَ، وأَن تَلتَمِسَ آلِهَتَها قائِلًا: كيفَ كانَت تِلكَ الأُمَمُ تَعبُدُ آلِهَتَها؟ فأنا أَيضًا أَفعَل هٰكذا. لا تَصنَعْ هٰكَذا نَحوَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، فإِنَّها قد صَنَعَت لِآلِهَتِها كُلَّ قَبيحَةٍ يَكرَهُها الرَّبّ، حتَّى أَحرَقَت بَنيها وبَناتِها بِالنَّارِ لِآلِهَتِها. بِكُلِّ ما أَنا آمُرُكم بِه تَحرِصونَ أَن تَعمَلوه، لا تَزِدْ علَيه ولا تَنقُصْ مِنه. إِذا قامَ في وَسْطِكم نَبِيٌّ أَو حالِمُ أَحْلامٍ فعَرَضَ علَيكم آيةً أَو خارِقَة، ولو تَمَّتِ الآيَةُ أَوِ الخارِقَةُ الَّتي كَلَّمَكَ عَنها وقالَ لَكَ: لِنَسِرْ وَراءَ آلِهَةٍ أُخْرى لم تَعرِفْها فنَعبُدَها، فلا تَسمَعْ كَلامَ هٰذا النَّبِيِّ أَو حالِمِ الأَحْلام، فإِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم مُمتَحِنُكم لِيَعلَمَ هل أَنتُم تُحِبُّونَ الرَّبَّ إِلٰهَكم مِن كُلِّ قُلوبِكم ونُفوسِكم. وَراءَ الرَّبِّ إِلٰهِكم تَسيرون وإِيَّاه تَتَّقون، ووَصاياه تَحفَظون، ولِصَوتِه تَسمَعون، وإِيَّاه تَعبُدون وبِه تَتَعَلَّقون. وذٰلك النَّبِيُّ أَو حالِمُ الأَحلام يُقتَل، لأَنَّه نادى بِالتَّمَرُّدِ على الرَّبِّ إِلٰهِكمُ الَّذي أَخرَجَكم مِن أَرضِ مِصرَ، وفَداكَ مِن دارِ العُبودِيَّة، لِيُبعِدَكَ عنِ الطَّريقِ الَّتي أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ بِأَن تَسيرَ فيها، فٱقلَعِ الشَّرَّ مِن وَسْطِكَ. وإِن أَغْراكَ سِرًّا أَخوكَ، ٱبنُ أُمِّكَ، أَوِ ٱبنُكَ أَوِ ٱبنَتُكَ أَوِ ٱمرَأَتُكَ الَّتي في حِضنِكَ، أَو صَديقُكَ الَّذي هو كنَفْسِكَ قائِلًا: هَلُمَّ نَعبُدُ آلِهَةً أُخْرى لم تَعرِفْها أَنتَ وآباؤُكَ مِن آلِهَةِ الشُّعوبِ الَّتي حَوالَيكمُ القَريبَةِ مِنكم والبَعيدةِ عنكم، مِن أَقاصي الأَرضِ إِلى أَقاصيها، فلا تَرْضَ بِذٰلك ولا تَسمَعْ لَه ولا تَعطِفْ عَينُكَ علَيه ولا تُبقِ علَيه ولا تَستُرْ علَيه، بلِ ٱقتُلْه قَتْلًا. يَدُكَ تَكونُ علَيه أَوَّلًا لِقَتلِه، ثُمَّ أَيدي سائِرِ الشَّعبِ أَخيرًا. ترجُمُه بِالحِجارةِ فيَموت، لأَنَّه حاوَلَ أَن يُبعِدَكَ عنِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ الَّذي أَخرَجَكَ مِن أَرضِ مِصرَ، مِن دارِ العُبودِيَّة. فيَسمَعُ كُلُّ إِسْرائيلَ ويَخافُ فلا يَعودُ يَصنَعُ مِثلَ هٰذا الأَمرِ المُنكَرِ في وَسْطِكَ. وإِن سَمِعتَ عن إِحْدى مُدُنِكَ الَّتي أَعْطاكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها لِتَسكُنَ فيها أَنَّهم يَقولون: قد خَرَجَ قَومٌ لا خَيرَ فيهم مِن وَسْطِكَ فأَضَلُّوا سُكَّانَ مَدينَتِهم قائلين: هَلُمَّ نَعبُدُ آلِهَةً أُخْرى لم تَعرِفوها، فٱبحَثْ عن صِحَّةِ ذٰلك وٱسأَلْ عنه مُتَقَصِّيًا، فإن كانَ ذٰلكَ حَقًّا وثَبَتَ الخَبَرَ وصُنِعَت هٰذه القَبيحةُ في وَسْطِكَ، فٱضرِبْ سُكَّانَ تِلكَ المَدينَةِ بِحَدِّ السَّيف، وحَرِّمْها بِكُلِّ ما فيها، وٱضرِبْ بِحَدِّ السَّيفِ حَتَّى بَهائِمَها، وٱجمَعْ غَنيمَتَها كُلَّها إِلى وَسَطِ ساحَتِها، وأَحرِقْ بِالنَّارِ تِلكَ المَدينةَ وغَنيمَتَها كُلَّها تَقدِمةً كامِلَةً لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، فَتكونَ تَلًّا لِلأَبَد لا تُبعنى مِن بَعدُ. ولا يَعلَقْ بِيَدِكَ شَيءٌ مِنَ المُحَرَّم، لِكَي يَرجِعَ الرَّبُّ عنِ احتِدامِ غَضَبِه ويَهَبَ لَكَ المَراحِم ويَرحَمَكَ ويُكَثِّرَكَ، كما أَقسَمَ لِآبائِكَ، إِذا سَمِعتَ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ وحَفِظتَ جَميعَ وَصاياه الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَومَ وصَنَعتَ ما هو قَويمٌ في عَينَيِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. أَنتُم أَبْناءٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكم، فلا تَصنَعوا شُقوقًا في أَبْدانِكم ولا تَحلِقوا ما بَينَ عُيونِكم مِن أَجلِ مَيْت، لأَنَّكَ شَعبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، وقدِ ٱختارَكَ الرَّبُّ لِتَكونَ لَه شَعبًا خاصًّا من بَينِ جَميعِ الشُّعوبِ الَّتي على وَجهِ الأَرض. لا تأكُلْ أَيَّةَ قَبيحة. هٰذا ما تأكُلونَه مِنَ البهائِم: البَقَرُ والغَنَمُ والمَعِزُ والأَيِّلُ والظَّبْيُ واليَحْمورُ والوَعِلُ والرِّئمُ والثَّيتَلُ والمَعِزُ البَرِّيّ، وكُلُّ بَهيمَةٍ ذاتِ حافِرٍ مَشْقوقٍ إِلى ظُفْرَينِ وهي تَجتَرّ، مِنَ البَهائِم، فإِيَّاها تأكُلون. وأَمَّا هٰذه، وهي مِنَ المُجتَرَّاتِ ومِن ذَواتِ الحوافِرِ المَشْقوقة، فلا تأكُلوها: الجَمَلُ والأَرنَبُ والوَبْرُ، فإِنَّها تَجتَرّ، ولٰكِنَّها لَيسَت بذاتِ حافِرٍ مَشْقوق، فهي نَجِسَةٌ لَكم، والخِنْزيرُ فإِنَّه ذو حافِرٍ مَشْقوق، ولٰكِنَّه لا يَجتَرّ، فهو نَجِسٌ لَكم. لا تأكُلوا شَيئًا مِن لَحمِها ولا تَمَسُّوا مَيتَتَها. وهٰذا ما تأكُلونَه مِن كُلِّ ما في الماء: كُلُّ ما لَه زَعانِفُ وحَراشِف، فإِيَّاه تأكلون. و كُلُّ ما لَيسَت لَه زَعانِفُ وحَراشِف، فلا تأكُلوه، إِنَّه نَجِسٌ لَكم. وكُلُّ طائرٍ طاهِرٍ فكُلوه. وهٰذا ما لا تأكُلونَه مِنه: العُقابُ وكاسِرُ العِظامِ والصَّقرُ والحَدأَةُ الحَمْراءُ والحَدأَةُ السَّوداءُ والحِداءُ بِأَصْنافِها، وجَميعُ الغِرْبانِ بِأَصْنافِها، والنَّعامَةُ والخَبْلُ وزُمَّجُ الماءِ والباشِقُ بِأَصْنافِه، والبومَةُ والبومَةُ الصَّمْعاءُ وأَبو المِنجَل، والبَجَعَةُ والرَّخَمَةُ والغاقة، واللَّقْلَقُ ومالِكُ الحَزينِ بِأَصْنافِه والهُدهُدُ والخُفَّاش. وكُلُّ الحَشَراتِ المُجَنَّحةِ هي نَجِسَةٌ لَكم، فلا تُؤكَل. وكُلُّ طائِرٍ طاهِرٍ فكُلوه. ولا تأكُلوا شَيئًا مِنَ الجِيَف، وإِنَّما تُعْطيها لِلنَّزيلِ الَّذي في مُدُنِكَ، فيأكُلُها أَو تَبيعُها لِلغَريب، لأَنَّك شَعبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. ولا تَطبُخْ جَدْيًا بِلَبَنِ أُمِّه. وأَدِّ العُشْرَ مِن جَميعِ غَلَّةِ زَرعِكَ، أَي ما أَخرَجَته الحُقولُ سَنةً فسَنَة، وكُلْ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ في المَوضِعِ الَّذي يَخْتارُه، لِيُحِلَّ ٱسمَه فيه، عُشْرَ قَمحِكَ ونَبيذِكَ وزَيتِكَ وأَبْكارَ بَقَرِكَ وغَنَمِكَ، لِكَي تَتعَلَّمَ كَيفَ تَتَّقي الرَّبَّ إِلٰهَكَ كُلَّ الأَيَّام. وإِن طالَ علَيكَ الطَّريق، ولَم تُطِقْ حَمْلَ الأَعْشار، وبَعُدَ عنكَ المَوضِعُ الَّذي يَختارُه الرَّبُّ إِلٰهُكَ لِيَجعَلَ فيه ٱسمَه، وبارَكَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ، فأَبدِلْ بِه فِضَّةً وصُرَّ الفِضَّةَ في يَدِكَ وٱمْضِ إِلى المَوضِعِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ إِلٰهُكَ، وأَبدِل بِها كُلَّ ما تَشْتَهي نَفسُكَ مِن بَقَرٍ وغَنَمٍ وخَمْرٍ ومُسْكِرٍ وكُلِّ ما تَطلُبُه نَفسُكَ، وكُلْ هُناكَ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، وٱفرَحْ أَنتَ وبَيتُكَ. ولا تُهمِلِ اللاَّوِيَّ الَّذي في مُدُنِكَ، إِذ لَيسَ لَه نَصيبٌ معكَ ولا ميراث. في آخِرِ كُلِّ ثَلاثِ سِنين، تُخرِجُ كُلَّ أَعْشارِ غَلَّتِكَ في تِلكَ السَّنة وتَضَعُها في مُدُنِكَ، فيَأتي اللاَّوِيُّ، إِذ لَيسَ لَه نَصيبٌ وميراثٌ معَكَ، والنَّزيلُ واليَتيمُ والأَرمَلَةُ الَّذينَ في مُدُنِكَ، فيأكُلونَ ويَشبَعون، لِكَي يُبارِكَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ في جَميعِ ما تَعمَلُ مِن أَعْمالِ يَدَيكَ. في آخِرِ كُلِّ سَبْعِ سِنينَ تَصنَعُ إِبْراءً. وهٰذا مَعْنى الإِبْراء: كُلُّ صاحِبِ دَينٍ فلْيُبرِئْ قَريبَه مِمَّا أَقرَضَه، فلا يُطالِبْ قَريبَه ولا أَخاه، لِأنَّه قد نودِيَ بِإِبْراءٍ لِلرَّبّ. أَمَّا الغَريب، فطالِبْه، وأَمَّا ما يَكونُ لَكَ على أَخيكَ فلْتُبرِئْه يَدُكَ مِنه. لٰكِن لا يَكونُ عِندَكَ فَقير، لأَنَّ الرَّبَّ يُبارِكُكَ في الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها ميراثًا لِتَرِثَها، إِن سَمِعتَ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ لِتَحفَظَ كُلَّ هٰذه الوَصِيَّةِ الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَومَ ولِتَعمَلَ بِها. فإِذا بارَكَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ كما قالَ لك، تُقرِضُ أُمَمًا كَثِيرة، وأَنتَ لا تَقتَرِض، وتَتَسَلَّطُ على أُمَمٍ كَثيرة، وهي لا تَتَسَلَّطُ علَيكَ. إِذا كانَ عِندَكَ فَقيرٌ مِن إِخوَتِكَ في إِحْدى مُدُنِكَ، في أَرضِكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها، فلا تُقَسِّ قَلبَكَ ولا تَقْبِضْ يَدَكَ عن أَخيكَ الفَقير، بلِ ٱفتَحْ لَه يَدَكَ وأَقرِضْه مِقْدارَ ما يَحْتاجُ إِلَيه. وٱحذَرْ أَن يَخطُرَ في قَلبِكَ هٰذا الفِكْرُ التَّافِه، فتَقول: قد قَرُبَتِ السَّنةُ السَّابِعة، سَنةُ الإِبْراء، فتَسوءَ عَينُكَ إِلى أَخيكَ الفَقيرِ ولا تُعْطِيَه شَيًا، فيصرُخُ إِلى الرَّبِّ علَيكَ وتَكونُ علَيكَ خَطيئَة. بل أَعطِهِ، لا كَرْهًا إِذا أَعطَيتَه، وبِذٰلك يُبارِكُكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ في كُلِّ أَعْمالِكَ وفي كُلِّ مَشارِيعِكَ. إِنَّ الأَرضَ لا تَخْلو مِن فَقير، ولِذٰلِكَ أَنا آمُرُكَ اليَومَ قائِلًا: إِفْتَحْ يَدَكَ لأَخيكَ المِسْكينِ والفَقيرِ الَّذي في أَرضِكَ. إِذا باعَك أَخوكَ العِبْرانِيُّ نَفْسَه أَو أُخْتُكَ العِبْرانِيَّةُ نَفْسَها، فلْيَخدِمْكَ سِتَّ سِنين، وفي السَّنةِ السَّابِعَةِ أَطلِقْه مِن عِندِكَ حُرًّا. وإِذا أَطلَقتَه حُرًّا مِن عِندِكَ، فلا تُطلِقْه فارِغًا، بل زَوِّدْه مِن غَنَمِكَ وبَيدَرِكَ ومَعصَرَتِكَ، ومِمَّا بارَكَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ فيه تُعْطيه. وٱذكُرْ أَنَّكَ كُنتَ عَبْدًا في أَرضِ مِصرَ، وفَداكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ، ولِذٰلِكَ أَنا آمُرُكَ اليَومَ بِهٰذا. فإِن قال: لا أَخرُجُ مِن عِندِكَ، لأَنَّه أَحَبَّكَ وأَحَبَّ بَيتَكَ، وطابَت لَه الإِقامةُ عِندَكَ، فخُذِ المِثقَبَ وأَدخِلْه في أُذُنِه على الباب، فيَكونُ لَكَ عَبدًا لِلأَبَد، وأَمَتُكَ أَيضًا تَصنَعُ بِها كذٰلك. لا يَصعُبْ في عَينَيكَ إِطْلاقُكَ إِيَّاه حُرًّا مِن عِندِكَ، فإِنَّ قيمةَ خِدمَتِه لَكَ سِتَّ سنينَ ضِعْفُ أُجرَةِ أَجير، فيُبارِكَ لَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ في كُلِّ ما تَصنَعُه. كُلُّ بِكْرٍ ذَكَرٍ يولَدُ لَكَ في بَقَرِكَ وغَنَمِكَ، تُقَدِّسُه لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. لا تَستَخدِمِ البِكْرَ مِن ثَورِكَ ولا تَجُزَّ البِكْرَ مِن غَنَمِكَ، بل كُلْه أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ سَنةً فسَنَة، في المَوضِعِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ، أَنتَ وبَيتُكَ. فأَمَّا إِن كانَ بِه عَيبٌ مِن عَرَجٍ أَو عَمًى أَو سائِرِ العُيوب، فلا تَذبَحْه لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، بل في مُدُنِكَ يأكُلُه النَّجِسُ والطَّاهِرُ على السَّواء، كما يُؤكَلُ الظَّبْيُ والأَيِّل. أَمَّا دَمُه، فلا تأكُلْه، لٰكِنْ تُريقُه على الأَرضِ كالماء. إِحفَظْ شَهرَ أَبيب، وٱصنَعْ فيه فِصْحًا لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، لأَنَّه في شَهرِ أَبيبَ أَخرَجَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِن مِصرَ لَيلًا. وٱذبَحِ الفِصْحَ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ مِن الغَنَمِ والبَقَر، في المَكانِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ لِيُحِلَّ فيه ٱسمَه. لا تأكُلْ معه خُبزًا خَميرًا، بل سَبعَةَ أَيَّامٍ تأكُلُ معَه فَطيرًا - خُبزَ البُؤس - لأَنَّكَ خَرَجتَ مِن أَرضِ مِصرَ على عَجَل، لِتَذكُرَ يَومَ خُروجِكَ مِن أَرضِ مِصرَ كُلَّ أَيَّامِ حَياتِكَ. ولا يُرَ عِندَكَ خَميرٌ في جَميعِ أَراضيكَ سَبعَةَ أَيَّام، ولا يَبِتْ مِن اللَّحمِ الَّذي تَذبَحُه في مَساءِ اليَومِ الأَوَّلِ إِلى الغَد. لا يَحِلُّ لَكَ أَن تَذبَحَ الفِصْحَ في إِحْدى مُدُنِكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها، بل في المَكانِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ إِلٰهُكَ لِيُحِلَّ فيه ٱسمَه تَذبَحُ الفِصْحَ في المساء، عِندَ مَغيبِ الشَّمْس، في مِثْلِ الوَقتِ الَّذي خَرَجتَ فيه مِن مِصْر. وٱطبُخْه وكُلْه في المَوضِعِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ إِلٰهُكَ، ثُمَّ عُدْ في الصَّباحِ وٱمضِ إِلى خِيامِكَ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تأكُلُ فطيرًا، وفي اليَومِ السَّابِعِ مَحفِلٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، فلا تَصنَعْ فيه عَمَلًا. أُحسُبْ لَكَ سَبعَةَ أَسابيع. مِن وَقتِ شُروعِ المِنجَلِ في السُّنبُلِ القائم، تَبدَأُ في عَدِّ سَبعَةِ أَسابيع. وٱحتَفِلْ بِعيدِ الأَسابيعِ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ على قَدْرِ التَّقدِمةِ الطَّوعِيَّةِ الَّتي تَهَبُها يَدُكَ، بِحَسَبِ بَرَكَةِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ لَكَ. وٱفرَحْ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، أَنتَ وٱبنُكَ وٱبنَتُكَ وخادِمُكَ وخادِمَتُكَ واللاَّوِيُّ الَّذي في مُدُنِكَ والنَّزيلُ واليَتيمُ والأَرمَلَةُ الَّذينَ في وَسْطِكَ، في المَوضِعِ الَّذي يَختارُه الرَّبُّ إِلٰهُكَ لِيُحِلَّ فيه ٱسمَه. وٱذكُرْ أَنَّكَ كُنتَ عَبْدًا في مِصْر، وٱحفَظْ هٰذه الفَرائِضَ وٱعمَلْ بِها. وٱحتَفِلْ بِعيدِ الأَكْواخِ سَبعَةَ أَيَّام، حينَ تَجمَعُ غَلَّةَ بَيدَرِكَ ومَعصَرَتِكَ. وٱفرَحْ في عيدِكَ هٰذا، أَنتَ وٱبنُكَ وٱبنَتُكَ وخادِمُكَ وخادِمَتُكَ واللاَّوِيُّ والنَّزيلُ واليَتيمُ والأَرمَلَةُ الَّذينَ في مُدُنِكَ. سَبعَةَ أَيَّامٍ تُعَيِّدُ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ في المَوضِعِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبّ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ يُبارِكُكَ في كُلِّ غَلَّتِكَ وفي كُلِّ عَمَلِ يَدَيكَ، فلا تَكونُ إِلاَّ فَرِحًا. ثَلاثَ مَرَّاتٍ في السَّنَة، يَحضُرُ جَميعُ ذُكْرانِكَ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ في المَكانِ الَّذي يَخْتارُه: في عيدِ الفَطير وفي عيدِ الأسابيعِ وفي عيدِ الأَكْواخ، ولا يَحْضُروا أَمامَ الرَّبِّ فارغين، بل كُلُّ واحِدٍ بِما تَهَبُ يَدُه بِحَسَبِ بَرَكَةِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ الَّتي مَنَحَكَ إِيَّاها. أَقِمْ لَكَ قُضاةً وكَتَبَةً في جَميعِ مُدُنِكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِيَّاها لأَسْباطِكَ، فيَحكُمونَ فيما بَينَ الشَّعبِ حُكْمًا عادِلًا. لا تُحَرِّفِ الحُكْمَ ولا تُحابِ الوُجوه ولا تأخُذْ رِشْوَةً، لأَنَّ الرِّشوَةَ تُعْمي أَبْصارَ الحُكَماء وتُفسِدُ قَضايا الأَبْرار. وٱتَّبِعِ البِرَّ ثُمَّ البِرّ، لِكَي تَحْيا وتَرِثَ الأَرضَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها. لا تَغرِسْ لَكَ وتَدًا مُقَدَّسًا مِن أَيِّ شَجَرٍ كان، عِندَ مَذبَحِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ الَّذي تَبْنيه لَكَ. ولا تَنصِبْ لَكَ نُصُبًا، فذٰلِكَ يُبغِضُه الرَّبُّ إِلٰهُكَ. لا تَذْبَحْ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ ثَورًا أَو حَمَلًا يَكونُ بِهِما عَيبٌ أَو شَيءٌ ما رَديء، لأَنَّ ذٰلكَ قَبيحةٌ عِندَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. إِذا وُجِدَ في وَسْطِكَ، في إِحْدى مُدُنِكَ الَّتي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها، رَجُلٌ أَوِ ٱمرَأَةٌ صَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، مُتَعَدِّيًا عَهْدَه، ومَضى فعَبَدَ آلِهَةً أُخْرى وسَجَدَ لَها، أَو لِلشَّمْسِ أَو القَمَرِ أَو لِسائِرِ قُوَّاتِ السَّماءِ مِمَّا لم آمُرْ بِه، وأُخبِرتَ وسَمِعتَ وبَحَثتَ جَيِّدًا، فكانَ الأَمرُ صَحيحًا ثابِتًا، وقَد صُنِعَت هٰذه القَبيحةُ في إِسْرائيل، فأَخرِجْ هٰذا الرَّجُلَ أَو هٰذه المَرأَةَ الَّذي صَنَعَ هٰذا الأَمرَ الشِّرِّيرَ إِلى أَبوابِ مَدينَتِكَ، رَجُلًا كانَ أَوِ ٱمرَأَةٍ، وٱرجُمْه بِالحِجارةِ فيَموت. بِقَولِ شاهِدَينِ أَو ثَلاثَةِ شُهودٍ يُقتَلُ مَن يُقتَل، ولا يُقتَلُ بِقَولِ شاهِدٍ واحد. أَيدي الشُّهودِ تَكونُ علَيه أَوَّلًا لِقَتْلِه، وأَيدي سائرِ الشَّعبِ بَعدَهم، فٱقلَعِ الشَّرَّ مِن وَسْطِكَ. إِذا أَعجَزَتْكَ قَضِيَّةٌ في القَضاءِ بَينَ دَمٍ ودَم، أَو دَعْوى ودَعْوى، أَو ضَربَةٍ وضَربَة، مِن قَضايا الخُصوماتِ في مُدُنِكَ، فقُمْ وٱصعَدْ إِلى المَوضِعِ الَّذي يَختارُه الرَّبُّ إِلٰهُكَ، وٱذهَبْ إِلى الكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وإِلى القاضي الَّذي يَكونُ في تِلكَ الأَيَّام، فتَستَشيرُ ويُبَلِّغونَكَ قَرارَ الحُكْم. وٱعمَلْ بِحَسَبِ القَرارِ الَّذي يُبَلِّغونَكَ إِيَّاه في المَوضِعِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبّ، وتَنَبَّهْ أَن تَعمَلَ بِكُلِّ ما أَوصَوكَ بِه. بِحَسَبِ القَرارِ الَّذي يُوَجِّهونَه إِلَيكَ والحُكْمِ الَّذي يُصدِرونَه لَكَ تَصنَع، ولا تَبتَعِدْ عنِ القَرارِ الَّذي يُبَلِّغونَكَ إِيَّاه يَمنَةً ولا يَسرَةً. وأَيُّ رَجُلٍ تَصَرَّفَ بِٱعتِدادِ النَّفْسِ ولم يَسمَعْ مِنَ الكاهِنِ الواقِفِ هُناكَ لِيَخدُمَ الرَّبَّ إِلٰهَكَ أَو مِنَ القاضي، فلْيُقْتَلْ ذٰلك الرَّجُل، وٱقلَعِ الشَّرَّ مِن إِسْرائيل، فيَسمَعَ كُلُّ الشَّعبِ ويَخافَ ولا يَعودَ إِلى الإِعتِدادِ بِالنَّفْس. إِذا دَخَلتَ الأَرضَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها ووَرِثتَها وسَكَنتَ فيها، فقُلتَ: أُقيمُ علَيَّ مَلِكًا كسائِرِ الأُمَمِ الَّتي مِن حَولي، فأَقِمْ علَيكَ مَلِكًا، مَن يَخْتارُه الرَّبُّ إِلٰهُكَ. مِن بَينِ إِخوَتِكَ تُقيمُ علَيكَ مَلِكًا، ولا يَحِلُّ لَكَ أَن تُقيمَ علَيكَ رَجُلًا غَريبًا لَيسَ بِأَخيكَ. لٰكِن لا يُكثِرْ لِنَفْسِه مِنَ الخَيل، ولا يَرُدَّ الشَّعبَ إِلى مِصرَ لِيُكثِرَ مِنَ الخَيل، فقَد قالَ لَكُمُ الرَّبُّ: لا تَعودوا إِلى الرَّجوعِ في هٰذه الطَّريق. ولا يُكثِرْ لِنَفسِه مِنَ النِّساء، لِئَلاَّ يَحيدَ قَلبُه، ولا يُبالِغْ في الإِكْثارِ مِنَ الفِضَّةِ والذَّهَب. ومَتى جَلَسَ على عَرْشِ مُلكِه، فلْيَنسَخْ لَه نُسْخَةً مِن هٰذه الشَّريعةِ في سِفْرٍ مِن عِندِ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّين. ولْتَكُنْ عِندَه، يَقرأُ فيها كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه، لِكَي يَتَعَلَّمَ كَيفَ يَتَّقي الرَّبَّ إِلٰهَه حافِظًا كَلامَ الشَّريعةِ كُلَّه وهٰذه الفَرائِضَ لِيَعمَلَ بِها، لِئَلاَّ يَشمَخَ قَلبُه على إِخوَتِه ولِئَلاَّ يَحيدَ عنِ الوَصِيَّةِ يَمنَةً أَو يَسرَةً، ولِكَي يُطيلَ أَيَّامَه على مَملَكَتِه، هو وبَنوه، في وَسْطِ إِسْرائيل. لا يَكونُ لِلكَهَنَةِ اللاَّوِيِّين، لِكُلِّ سِبْطِ لاويّ، نَصيبٌ ولا ميراثٌ مع إِسْرائيل، فهُم يأكُلونَ مِنِ الذَّبائِحِ بِالنَّارِ لِلرَّبِّ وميراثِه، ولا يَكونُ لَه ميراثٌ في وَسْطِ إِخَوِته، وإِنَّما الرَّبُّ هو ميراثُه، كما قالَ لَه. وهٰذا يَكونُ حَقُّ الكَهَنَةِ مِنَ الشَّعْب، مِمَّن ذَبَحَ ذَبيحةً، بَقَرًا كانَت أَو غَنَمًا: يُعْطى الكاهِنُ الكَتِفَ والفَكَّينِ والكَرِش. وبَواكيرُ قَمحِكَ ونَبيذِكَ وزَيتِكَ وبَواكيرُ جُزازِ غَنَمِكَ تُعْطيه إِيَّاها، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ ٱخْتارَه مِن جَميعِ أَسْباطِكَ، لِيَقِفَ ويَخدُمَ بِٱسمِ الرَّبِّ هو وبَنوه كُلَّ الأَيَّام. وإِذا قَدِمَ لاوِيٌّ مِن إِحْدى مُدُنِكَ مِن كُلِّ إِسْرائيل، حَيثُ هو نازِلٌ، فأتى إِلى المَوضِعِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ، بِكُلِّ رَغبَةِ نَفْسِه، يَخدُمُ بِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِه كسائرِ إِخوَتِه اللاَّوِيِّينَ الواقِفينَ هُناكَ أَمامَ الرَّبّ، آكِلًا نَصيبًا يُساوي نَصيبَهم، عَدا ما يَبيعُه مِن مِلكِ آبائِه. إِذا دَخلتَ الأَرضَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها، فلا تَتعَلَّمْ أَن تَصنَعَ مِثْلَ قَبائِحِ تِلكَ الأُمَم. لا يَكُنْ فيكَ مَن يُحرِقُ ٱبنَه أَوِ ٱبنَتَه بِالنَّار، ولا مَن يَتَعاطى عِرافةً ولا مُنجِّمٌ ولا مُتَكَهِّنٌ ولا ساحِر، ولا مَن يُشَعوِذُ ولا مَن يَستَحضِرُ الأَشْباحَ أَوِ الأَرْواحَ ولا مَن يَستَشيرُ المَوتى، لأَنَّ كُلَّ مَن يَصنَعُ ذٰلك هو قَبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ، وبِسَبَبِ تِلكَ القَبائِح سَيَطرُدُ الرَّبُّ إِلٰهُكَ تِلكَ الأُمَمَ مِن أَمامِكَ. بل كُنْ كامِلًا لَدى الرَّبِّ إِلٰهِكَ، لأَنَّ تِلكَ الأُمَمَ الَّتي أَنتَ طارِدُها تُصغي إِلى المُنَجِّمينَ والعَرَّافين. وأَمَّا أَنتَ فلَم يُجِزْ لَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِثْلَ ذٰلك. يُقيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ نَبِيًّا مِثْلي مِن وَسْطِكَ، مِن إِخوَتِكَ، فلَه تَسْمَعون، وَفقًا لِكُلِّ ما سَأَلتَه الرَّبَّ إِلٰهَكَ في حوريب، في يَومِ الإِجْتِماعِ، قائلًا: لَن أُواصِلَ سَماعَ صَوتِ الرَّبِّ إِلٰهي ولَن أَرى بَعدَ الآنَ هٰذه النَّارَ العَظيمة، لِئَلاَّ أَموت. فقالَ لِيَ الرَّبّ: قد أَحسَنوا فيما قالوا: سأُقيمُ لَهم نَبِيًّا مِن وَسْطِ إِخوَتِهم مِثلَكَ، وأَجعَلُ كلامي في فَمِه، فيُخاطِبُهم بِكُلِّ ما آمُرُه بِه. وأَيُّ رَجُلٍ لم يَسمَعْ كَلاميَ الَّذي يَتَكَلَّمُ بِه بِٱسْمي، فإِنِّي أُحاسِبُه علَيه. ولٰكن أَيُّ نَبِيٍّ ٱعتَدَّ بِنَفْسِه فقالَ بِٱسْمي قَولًا لم آمُرْه أَن يَقولَه، أَو تَكَلَّمَ بِٱسمِ آلِهَةٍ أُخْرى، فلْيُقتَلْ ذٰلك النَّبِيّ. فإِن قُلتَ في قَلبِكَ: كَيفَ نَعرِفُ القَولَ الَّذي لم يَقُلْه الرَّبّ؟ فإِن تَكَلَّمَ النَّبِيُّ بِٱسمِ الرَّبِّ ولم يَتِمَّ كَلامُه ولم يَحدُثْ، فذٰلك الكَلامُ لم يَتَكَلَّمْ بِه الرَّبّ، بل لِلٱعتِدادِ بِنَفْسِه تَكَلَّمَ بِه النَّبِيُّ، فلا تَهَبْه. إذا قَرَضَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ الأُمَمَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ أَرضَها فَورِثتَها وسَكَنتَ مُدُنَها وبُيوتَها، فأَفرِدْ لَكَ ثَلاثَ مُدُنٍ في وَسَطِ أَرضِكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها لِتَرِثَها. ومَهِّدِ الطَّريقَ إِلَيها، وأَقسِمْ أَرضَكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها ميراثًا ثَلاثةَ أَقْسام، فيَكونُ هُناكَ مَهرَبٌ لِكُلِّ قاتِل. وهٰذا هو حُكمُ القاتِلِ الَّذي يَهرُبُ إِلَيها فيَحْيَا: مَن ضَرَبَ قَريبَه بِغَيرِ عِلْم، وهو غَيرُ مُبْغِضٍ لَه مِن أَمْسِ فما قَبْلُ، (كما إِذا دَخَلَ غابةً مع قَريبَه لِيَقطَعَ حَطَبًا، فَضَرَبَ بِالفأسِ لِيَقطَعَ الحَطَبَ، فٱنفَلَتَ الحَديدُ مِنْ يَدِ الفَأس، فأَصابَ قَريبَه فمات، فهٰذا يَستَطيعُ الهَرَبَ إِلى واحِدَةٍ مِن هٰذه المُدُنِ فيَحْيا) كَيلا يُطارِدَ المُنتَقمُ لِلدَّمِ القاتِلَ لِٱضطِرامِ قَلبِه، وقد يُدرِكُه لِطولِ الطَّريقِ ويَقتُلُه، فلَيسَ علَيه حُكمٌ بِالموت، إِذا لم يَكُنْ مُبغِضًا لَه مِن أَمْسِ فما قَبْلُ. فلِذٰلك أَنا آمُرُكَ قائلًا: إِفرِدْ لَكَ ثَلاثَ مُدُن. ثُمَّ، إِذا وَسَّعَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ حُدودَكَ، كما أَقسَمَ لِآبائِكَ فأَعْطاكَ كُلَّ الأَرضِ الَّتي قالَ إِنَّه يُعْطيها لِآبائِكَ، وقَد حَفِظتَ كُلَّ هٰذه الوَصِيَّةِ الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَوم، وعَمِلتَ بِها مُحِبًّا الرَّبَّ إِلٰهَكَ وسائِرًا في سُبُلِه كُلَّ الأَيَّام، فزِدْ لَكَ ثَلاثَ مُدُنٍ أُخْرى على هٰذِهِ الثَّلاث، فلا يُسفَكَ دَمٌ بَريءٌ في وَسَطِ أَرضِكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها ميراثًا، ولا يَكونَ دَمٌ علَيكَ. وإِن كانَ رَجُلٌ مُبغِضًا لِقَريبِه، فكَمَنَ لَه ووَثَبَ علَيه وضَرَبَه ضَربَةً قاتِلةً فماتَ، ثُمَّ هَرَبَ إِلى إِحْدى هٰذه المُدُن، فلْيُرسِلْ شُيوخُ مَدينَتِه ويأخُذوه مِن هُناكَ ويُسَلِّموه إِلى يَدِ المُنتَقِمِ لِلدَّمِ فيَموت. لا تُشفِقْ عَينُكَ علَيه، بل أَزِلْ دَمَ البَريءِ عن إِسْرائيلَ فتُصيبَ خيرًا. لا تَنقُلْ حُدودَ قَريبِكَ الَّتي حَدَّدَها الأَوَّلونَ في ميراثِكَ الَّذي تَرِثُه في الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها لِتَرِثَها. لا يَقومُ شاهِدٌ واحِدٌ على أَحَدٍ في أَيِّ إِثْمٍ وأَيَّةِ خَطيئَةٍ يَرْتَكِبُها، ولٰكِن بِقَولِ شاهِدَينِ أَو ثَلاثَةِ شُهودٍ تَقومُ القَضِيَّة. إِن قامَ على أَحَدٍ شاهِدٌ ظالِمٌ فٱتَّهَمَه بِتَمَرُّد، فلْيَقِفِ الرَّجُلانِ اللَّذانِ بَينَهما الدَّعْوى أَمامَ الرَّبِّ، أَمامَ الكَهَنَةِ والقُضاةِ الَّذينَ يَكونونَ في تِلكَ الأَيَّام. ولْيَبحَثِ القُضاةُ جَيِّدًا، فإِن كانَ الشَّاهِدُ شاهِدَ زورٍ وقَد شَهَدَ بِالزُّورِ على أَخيه، فٱصنَعوا بِه كما نَوى أَن يَصنَعَ بِأَخيه، وٱقلَعِ الشَّرَّ مِن وَسْطِكَ، فيَسمَعَ الباقونَ ويَخافوا ولا يَعودوا يَصنَعونَ أَيضًا مِثلَ هٰذا الشَّرِّ في وَسْطِكَ. لا تُشفِقْ عَينُكَ. النَّفْسُ بِالنَّفْس، والعَينُ بِالعَين، والسِّنُّ بِالسِّنّ، واليَدُ بِاليَد، والرِّجْلُ بِالرِّجْل. إِذا خَرَجتَ لِلحَرْبِ على أَعْدائِكَ، فرَأَيتَ خَيلًا ومَراكِبَ مع قَومٍ أَكثَرَ مِنك، فلا تَخَفْهم، فإِنَّ معَكَ الرَّبَّ إِلٰهَكَ الَّذي أَصعَدَكَ مِن أَرضِ مِصْر. وعِندَ ٱقتِرابِكم إِلى الحَرْب، يَتَقَدَّمُ الكاهِنُ ويُخاطِبُ الشَّعبَ، ويَقولُ لَهم: إِسمَعْ يا إِسْرائيل، أَنتُمُ اليَومَ مُقتَرِبونَ إِلى الحَربِ على أَعْدائِكم، فلا تَتَراخَ قُلوبُكم ولا تَخافوا ولا تَضطَرِبوا ولا تَرتَعِدوا مِن وُجوهِهم، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم سائِرٌ معَكم لِيُحارِبَ أَعْداءَكم عنكم ويُخَلِّصَكم. ثُمَّ يُكَلِّمُ الكَتَبَةُ الشَّعبَ قائلين: أَيُّ رَجُلٍ بَنى بَيتًا جَديدًا ولَم يُدَشِّنْه، فلْيَمْضِ ويَرجِعْ إِلى بَيتِه كَيلا يَموتَ في الحَربِ فيُدَشِّنَه رَجُلٌ آخَر. وأَيُّ رَجُلٍ غَرَسَ كَرْمًا ولَم يأكُلْ باكورَتَه، فلْيَمْضِ ويَرجِعْ إِلى بَيتِه كَيلا يَموتَ في الحَربِ فيأكُلَ رَجُلٌ آخَرُ باكورَتَه. وأَيُّ رَجُلٍ خَطَبَ ٱمرَأَةً ولم يَأخُذْها، فلْيَمْضِ ويَرجِعْ إِلى بَيتِه لِئَلاَّ يَموتَ في الحَربِ فيَأْخُذَها رَجُلٌ آخَر. ثُمَّ يَعودُ الكَتَبَةُ إِلى مُخاطَبَةِ الشَّعبِ ويَقولون: أَيُّ رَجُلٍ كانَ خائِفًا ومُتَراخِيَ القَلْب، فلْيَمْضِ ويَرجِعْ إِلى بَيتِه لِئَلاَّ يُذيبَ قُلوبَ إِخوَتِه كقَلبِه. ومَتى ٱنتَهَى الكَتَبَةُ مِن مُخاطَبَةِ الشَّعْب، يُقيمونَ على الشَّعبِ رُؤَساءَ جُيوش. وإِذا تَقَدَّمتَ إِلى مَدينةٍ لِتُقاتِلَها، فٱدعُها أَوَّلًا إِلى السِّلْم، فإِذا أَجابَتْكَ بِالسِّلْمِ وفَتَحَت لَكَ أَبْوابَها، فكُلُّ القَومِ فيها يَكونُ لَكَ تَحتَ السُّخرَةِ ويَخدُمُكَ. وإِن لم تُسالِمْكَ، بل حارَبَتكَ، فحاصَرتَها، وأَسلَمَها الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلى يَدِكَ، فٱضرِبْ كُلَّ ذَكَرٍ بِحَدِّ السَّيف. وأَمَّا النِّساءُ والأَطفالُ والبَهائِمُ وجَميعُ ما في المَدينَةِ مِن غَنيمة، فٱغتَنِمْها لِنَفْسِكَ، وكُلْ غَنيمةَ أَعْدائِكَ الَّتي أَعْطاكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها. هٰكذا تَصنَعُ بِجَميعِ المُدُنِ البَعيدةِ مِنكَ جِدًّا والَّتي لَيسَت مِن مُدُنِ تِلكَ الأُمَمِ هُنا. وأَمَّا مُدُنُ تِلكَ الشُّعوبِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها ميراثًا، فلا تَستَبْقِ مِنها نَسَمَة، بل حَرِّمْهم تَحْريمًا: الحِثِّيِّينَ والأَمورِيِّينَ والكَنْعانِيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّينَ، كما أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ، كَيلا يُعَلِّموكم أَن تَصنَعوا مِثلَ قَبائِحِهِمِ الَّتي صَنَعوها لِآلِهَتِهم، فتَخطَأوا إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكم. وإِذا حاصَرتَ مَدينةً ما أَيَّامًا كَثيرة، مُحارِبًا لَها لِتَفتَحَها، فلا تُتلِفْ شَجَرَها مُلْقِيًا علَيه فأسًا. إِنَّكَ مِنه تأكُل، فلا تَقطَعْه، فهَلْ شَجَرُ الحَقْلِ إِنْسانٌ حتَّى تُعامِلَه كالمُحاصَر؟ أَمَّا الشَّجَرُ الَّذي تَعلَمُ أَنَّه لَيسَ شَجَرًا يُؤكَلُ مِنه، فأَتلِفْه وٱقطَعْه، وٱبنِ آلاتِ الحِصارِ على المَدينةِ الَّتي تُحارِبُكَ حتَّى تَسقُط. إِذا وُجِدَ قَتيلٌ في الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها لِتَرِثَها مَطْروحًا في الحَقْل، لا يُعرَفُ مَن قَتَلَه، فلْيَخرُجْ شُيوخُكَ وقُضاتُكَ ويَقيسوا المَسافَةَ مِنه إِلى المُدُنِ الَّتي حَولَ القَتيل. فأَيَّةُ مَدينةٍ كانَت أَقرَبَ إِلَيه، يأخُذُ شُيوخُ تِلكَ المَدينةِ عِجلَةً مِنَ البَقَرِ لم يُحرَثْ علَيها ولم تَجُرَّ بِالنِّير، ويَنزِلُ بِها شُيوخُ تِلكَ المَدينةِ إِلى وادٍ لا يَنضُب ولم يُفلَحْ ولَم يُزرَع، ويَكسِرونَ عُنُقَها على الوادي. ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الكَهَنَةُ بَنو لاوي، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ ٱخْتارَهم لِيَخْدُموه ويُبارِكوا بٱسمِ الرَّبّ، وبِكَلامِهم تُفْصَلُ كُلُّ خُصومةٍ وكُلُّ ضَربَة. وأَمَّا جَميعُ شُيوخِ تِلكَ المَدينةِ القَريبةِ مِنَ القَتيل، فإِنَّهم يَغسِلونَ أَيدِيَهم على العِجلَةِ المَكْسورَةِ العُنُقِ على الوادي. ويُجيبونَ قائلين: أَيدينا لم تَسفِكْ هٰذا الدَّم، وعُيونُنا لم تَرَ شَيئًا. إِغفِرْ لِشَعبِكَ إِسْرائيلَ الَّذي فَدَيتَه يا ربّ، ولا تَجعَلْ دَمًا بَريئًا في وَسْطِ شَعْبِكَ إِسْرائيل. فيُغفَرُ لَهمُ الدَّم. فأَنتَ تُزيلُ الدَّمَ البَريءَ مِن وَسْطِكَ، لأَنَّكَ صَنَعتَ القَويمَ في عَينَيِ الرَّبّ. إِذا خَرَجتَ لِمُقاتَلَةِ أَعْدائِكَ، فأَسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلى يَدِكَ، فأَسَرتَ مِنهم أَسْرى، ورَأَيتَ بَينَ الأَسْرى ٱمرَأَةً جَميلَةَ الهَيئَة، فتَعَلَّقتَ بِها وٱتَّخَذتَها لَكَ ٱمرَأَةً، فحينَ تُدخِلُها بَيتَكَ، تَحلِقُ رأسَها وتُقَلِّمُ أَظْفارَها، وتَنزِعُ ثِيابَ أَسْرِها عنها، وتُقيمُ في بَيتِكَ فتَبْكي أَباها وأُمَّها شَهْرًا، وبَعدَ ذٰلك تَدخُلُ علَيها وتَكونُ لَها زَوجًا وهي تَكونُ لَكَ امرَأَةً. ثُمَّ، إِن لم تَعُدْ تُريدُها، فأَطلِقْها حُرَّةً، ولا تَبِعْها بِفِضَّة، ولا تَظلِمْها لأَنَّك أَذلَلْتَها. إِذا كانَت لِرَجُلٍ ٱمرَأَتان، إِحْداهُما مَحْبوبةٌ والأُخْرى مَكْروهة، فوَلَدَتا لَه كِلْتاهُما بَنين، المَحْبوبةُ والمَكْروهة، وكانَ الاِبنُ البِكْرُ لِلمَكْروهة، ففي يَومِ تَوريثِه لِبَنيه ما يَكونُ لَه، لا يَحِلُّ لَه أَن يُعطِيَ حَقَّ البِكرِيَّةِ لِٱبنِ المَحْبوبةِ دونَ ٱبنِ المَكْرُوهةِ البِكْر، بل يَعتَرِفُ بِأَنَّ ٱبنَ المَكْروهةِ هو البِكْر، فيُعْطيه سَهْمَين مِن كُلِّ ما يوجَدُ لَه، فإِنَّه أَوَّلُ رُجُولَتِه، ولَه حَقُّ البِكْرِيَّة. إِذا كانَ لِرَجُلٍ ٱبنٌ مُتَمَرِّدٌ عاصٍ، لا يُطيعُ أَمرَ أَبيه ولا أَمرَ أُمِّه، وهُما يُؤَدِّبانِه فلا يَسمَعُ لَهما، فلْيَقْبِضْ علَيه أَبوه وأُمُّه ويُخرِجاه إِلى شُيوخِ مَدينَتِه وإِلى بابِ بَلدَتِه، ويَقولا لِشُيوخِ مَدينَتِه: إِنَّ ٱبنَنا هٰذا مُتَمَرِّدٌ عاصٍ، لا يُطيعُ أَمرَنا، وهو أكولٌ شِرِّيب. فيَرجُمُه جَميعُ رِجالِ مَدينَتِه بِالحِجارةِ حتَّى يَموت، وٱقلَعِ الشَّرَّ مِن وَسْطِكَ، فيَسمَعَ إِسْرائيلُ كُلُّه ويَخاف. وإِذا كانَت على إِنْسانٍ خَطيئَةٌ تَستَوجِبُ المَوت، فقُتِلَ وعلَّقْتَه على شَجَرَة، فلا تَبِتْ جُثَّتُه على الشَّجَرَة، بل في ذٰلك اليَومِ تَدفِنُه، لأَنَّ المُعَلَّقَ لَعنَةٌ مِنَ الله، فلا تُنَجِّسْ أَرضَكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها ميراثًا. إِذا رأَيتَ ثَورَ أَخيكَ أَو حَمَلَه ضالًّا، فلا تَتَغافَلْ عنه، بل رُدَّه إِلى أَخيكَ. فإِن لم يَكُنْ أَخوكَ جارًا لَكَ أَو لم تَعرِفْه، فآوِ الحَيَوانَ إِلى بَيتِكَ فيَكونَ عِندَكَ إِلى أَن يَبحَثَ أَخوكَ عنه فتَرُدَّه إِلَيه. وكَذا تَصنَعُ بِحمارِه وكَذا تَصنَعُ بِثَوبِه وكَذا تَصنَعُ بِكُلِّ ما فُقِدَ لأَخيكَ، ما فُقِدَ لَه وَوَجَدتَه. لا يَحِلُّ لَكَ أَن تَتَغافَلَ عنه. وإِذا رأيتَ حِمارَ أَخيكَ أَو ثَورَه واقِعًا في الطَّريق، فلا تَتَغافَلْ عنه، بل أَنْهِضْه معَه. لا تَكُنْ ثِيابُ الرَّجُلِ على المَرأَة ولا يَلبَسِ الرَّجُلُ لِباسَ المرأَة، لأَنَّ كُلَّ مَن يَصنَعُ ذٰلك مُستَقبَحٌ لَدى الرَّبِّ إِلٰهِكَ. إِذا صادَفتَ عُشَّ طائِرٍ في الطَّريق أَمامَكَ أَو في شَجَرَةٍ أَو على الأَرض، فيه فِراخٌ أَو بَيض، والأُمُّ حاضِنَةٌ لِلفِراخِ أَوِ البَيض، فلا تأخُذِ الأُمَّ مع الفِراخ، بل أَطلِقِ الأُمَّ وخُذْ لَكَ الفِراخ، لِكَي تُصيبَ خَيرًا وتُطيلَ أَيَّامَكَ. إِذا بَنَيتَ بَيتًا جَديدًا، فاصنَعْ دَرابَزونًا لِسَطحِكَ، لِئَلاَّ تَجعَلَ دَمًا على بَيتِكَ، إِذا سَقَطَ عنه أَحَد. لا تَزرَعْ كَرمَكَ صِنفَينِ، كَيلا يُعَدَّ الزَّرعُ الَّذي تَزرَعُه وغَلَّةُ الكَرْمِ جَميعًا مُقَدَّسًا. لا تَحرُثْ على ثَورٍ وحِمارٍ مَعًا. لا تَلْبَسْ ثَوبًا مُختَلِطًا مِن صوفٍ وكَتَّانٍ معًا. وٱصنَعْ لَكَ أَهْدابًا في أَربَعَةِ أَطْرافِ الرِّداءِ الَّذي تَرتَدي بِه. إِذا ٱتَّخَذَ رَجُلٌ ٱمرَأَةً ودَخَلَ علَيها ثُمَّ أَبغَضَها، فنَسَبَ إِلَيها ما يَحمِلُ على الثَّرثَرة، وأَذاعَ عَنها سُمعَةً سَيِّئَةً فقال: إِنِّي ٱتَّخَذتُ هٰذه المَرأَةَ، فلَمَّا دَنَوتُ مِنها، لم أَجِدْها عَذْراء، يأخُذُ الفَتاةَ أَبوها وأُمُّها ويُخرِجانِ عَلامَةَ بَكارَةِ الفَتاةِ إِلى شُيوخِ المَدينة، إِلى الباب. ويَقولُ أَبوها لِلشُّيوخ: إِنِّي أَعطَيتُ ٱبنَتي ٱمرَأَةً لِهٰذا الرَّجُلِ فأَبغَضَها. وها هُوَذا قد نَسَبَ إِلَيها ما يَحْمِلُ على الثَّرثَرَةِ قائلًا: لَم أَجِدِ ٱبنَتَكَ عَذْراء. وهٰذه عَلامةُ بَكارَةِ ٱبنَتي. ويَبسُطانِ المِنْديلَ أَمامَ شُيوخِ المَدينة. فيأخُذُ شُيوخُ المَدينةِ ذٰلك الرَّجُلَ ويُؤَدِّبونَه، ويُغَرِّمونَه مِئةً مِنَ الفِضَّةِ يَدفَعونَها إِلى أَبي الفَتاة، لأَنَّ الرَّجُلَ أَذاعَ سُمعَةً سَيِّئَةً على عَذْراءَ مِن إِسْرائيل. وَتَكونُ لَه امرَأَةً، ولا يَستَطيعُ أَن يُطَلِّقَها طولَ أَيَّامِه. وإِن كانَ الأَمرُ صَحيحًا ولم توجَدِ الفَتاةُ عَذْراء، فليُخرِجوا الفَتاةَ إِلى بابِ بَيتِ أَبيها، ويَرجُمُها جَميعُ أَهلِ مَدينَتِها بالحِجارةِ حتَّى تموت، لأَنَّها صَنَعَت قَبيحةً في إِسْرائيلَ بِزِناها في بَيتِ أَبيها، وٱقلَعِ الشَّرَّ مِن وَسْطِكَ. وإِن أُخِذَ رَجُلٌ يُضاجعُ ٱمرَأَةً مُتَزَوِّجَة، فلْيَموتا كِلاهُما، الرَّجُلُ المُضاجِعُ لِلمَرأَةِ والمرأَة، وٱقلَعِ الشَّرَّ مِن إِسْرائيل. وإِذا كانَت فَتاةٌ عَذْراءُ مَخْطوبةً لِرَجُلٍ، فصادَفَها رَجُلٌ في المَدينَةِ فضاجَعَها، فأَخرِجوهُما كِلَيهِما إِلى بابِ تِلك المَدينة وٱرجُموهما بالحِجارةِ حتَّى يَموتا. أَمَّا الفَتاة، فلأَنَّها لم تَصرُخْ وهي في مَدينة، وأَمَّا الرَّجُل، فلأَنَّه ٱغتَصَبَ ٱمرَأَةَ قَريبِه، فٱقلَعِ الشَّرَّ مِن وَسْطِكَ. فإِن صادَفَ الرَّجُلُ الفَتاةَ المَخْطوبَةَ في الحَقْل، فأَمسَكَها وضاجَعَها، فلْيَمُتْ ذٰلك الرَّجُلُ المُضاجِعُ لَها وَحدَه. وأَمَّا الفَتاة، فلا تَصنَعْ بِها شَيئًا، إِذ لَيسَ علَيها خَطيئَةٌ تَستَوجِبُ المَوت، فإِنَّما هٰذا الأَمرُ أَمرُ رَجُلٍ وَثَبَ على قَريبِه فقَتَلَه. ذٰلك بِأَنَّه صادَفَها في الحَقْل، فصَرَخَتِ الفَتاةُ المَخْطوبة، فلَم يَكُنْ مَن يُخَلِّصُها. وإِذا صادَفَ رَجُلٌ فَتاةً عَذْراءَ لم تُخطَبْ، فأَمسَكَها وضاجَعَها، فُوجدا معًا، فليُعْطِ ذٰلك الرَّجُلُ المُضاجِعُ لَها لأَبي الفَتاةِ خَمْسينَ مِنَ الفِضَّة وتَكونُ لَه ٱمرَأَةً، لأَنَّه أَذَلَّها، ولا يَحِلُّ لَه أَن يُطَلِّقَها كُلَّ أَيَّامِه. لا يَتَزَوَّجْ رَجُلٌ ٱمرَأَةَ أَبيه، ولا يَنزِعْ ذَيلَ رِداءِ أَبيه. لا يَدخُلْ مَرْضوضُ الخُصيَتَينِ ولا مَجْبوبٌ في جَماعَةِ الرَّبّ. ولا يَدخُلْ نَغْلٌ في جَماعةِ الرَّبّ، ولَو في الجيلِ العاشِرِ فلا يَدخُلْ مِنه أَحَدٌ في جَماعةِ الرَّبّ. ولا يَدخُلْ عَمَّونِيٌّ ولا مُوآبِيٌّ في جَماعةِ الرَّبّ، ولَو في الجيل العاشِرِ فلا يَدخُلْ أَحَدٌ مِنهم في جَماعَةِ الرَّبِّ لِلأَبَد، لأَنَّهم لم يَتَلَقَّوكم بِالخُبزِ والماءِ في الطَّريق، عِندَ خُروجِكم مِن مِصْر، ولأَنَّ الموآبِيَّ ٱستأجَرَ علَيكَ بِلْعامَ بنَ بَعورَ مِن فَتور، في أَرامِ النَّهرَينِ، لِيَلعَنَكَ. فأَبى الرَّبُّ إِلٰهُك أَن يَسمَعَ لِبِلْعام، فحَوَّلَ لَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ اللَّعنَةَ بَرَكَةً، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ قد أَحَبَّكَ. لا تَلتَمِسْ سَلامَتَهم ولا خَيرَهم طولَ أَيَّامِكَ لِلأَبَد. لا تَكرَهِ الأَدومِيَّ، لأَنَّه أَخوكَ، ولا تَكرَهِ المِصرِيَّ، لأَنَّكَ كُنتَ نَزيلًا في أَرضِه. والجيلُ الثَّالِثُ مِنَ البَنينَ الَّذينَ يُولَدونَ لَهم يَدخُلونَ في جَماعةِ الرَّبّ. إِذا خَرَجتَ في جَيشٍ على أَعْدائِكَ، فٱحفَظْ نَفسَكَ مِن كُلِّ أَمرٍ سَيِّئ. إِذا كانَ فيكَ رَجُلٌ لَيسَ بِطاهِرٍ مِن سَيَلانٍ مَنَوِيٍّ في اللَّيل، فلْيَخرُجْ إِلى خارِجِ المُخَيَّم ولا يَدخُلْ إِلى داخِلِه. وعِندَ ٱقتِرابِ المساء، يَستَحِمُّ في الماء، وعِندَ غُروبِ الشَّمسِ يَدخُلُ إِلى داخِلِ المَخَيَّم. ولْيَكُنْ لَكَ خَلاءٌ خارِجَ المُخَيَّمِ تَخرُجُ إِلَيها. ولْيَكُنْ لَكَ مِعوَلٌ مع عُدَّتِكَ لِتَحفِرَ بِه عِندَما تَختَلي، وتَلتَفِتَ وتُغَطِّيَ بِرازَكَ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ يَتَمَشَّى في وَسَطِ مُخَيَّمِكَ لِيُنقِذَكَ ويُسْلِمَ أَعْداءَكَ أَمامَكَ. فلْيَكُنْ مُخَيَّمُكَ مُقَدَّسًا، لِئَلاَّ يَرى فيكَ أَمْرًا غَيرَ لائِقٍ، فيَنصَرِفَ عنكَ. لا تُسَلِّمْ عَبْدًا هَرَبَ إِلَيكَ مِن عِندِ سَيِّده، بل لِيُقِمْ معَك في وَسْطِكَ، في المَوضِعِ الَّذي يَخْتارُه في إِحْدى مُدُنِكَ حَيثُ يَطيبُ لَه، ولا تَظلِمْه. لا يَكُنْ في بَناتِ إِسْرائيلَ بَغِيٌّ مُكَرَّسة، ولا في بَني إِسْرائيلَ مأبونٌ مُكَرَّس. ولا تُدخِلْ إِلى بَيتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ هَدِيَّةَ زانِيَةٍ ولا ثَمَنَ كَلْبٍ في نَذْرٍ ما، لأَنَّهما كِلَيهِما قَبيحةٌ عِندَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. لا تُقرِضْ أَخاكَ بِفائِدَةٍ في فِضَّةٍ أَو طَعامٍ أَو شَيءٍ آخَرَ مِمَّا يُقرَضُ بِالفائِدَة، بل تُقرِضُ الغَريبَ بِالفائِدَة، وأَمَّا أَخوكَ فلا تُقرِضْه بِالفائِدَة، لِكي يُبارِكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ جَميعَ أَعْمالِ يَدَيكَ، في الأَرضِ الَّتي أَنتَ داخِلٌ إِلَيها لِتَرِثَها. إِذا نَذَرتَ نَذْرًا لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، فلا تُؤَخِّرْ وَفاءَه، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ يُطالِبُكَ بِه، فتَكونَ علَيكَ خَطيئَة. وإِذا لم تَنذِرْ نَذْرًا، فلا خَطيئَةَ علَيكَ. وأَمَّا ما خَرَجَ مِن شَفَتَيكَ، فٱحفَظْه وٱعمَلْ كَما نَذَرتَ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ كتَقدِمةٍ طَوعِيَّة، بِحَسَبِ ما قُلتَ بِفَمِكَ. إِذا دَخَلتَ كَرْمَ قَريبِكَ، فكُلْ مِنَ العِنَبِ على قَدْرِ شَهوَتِكَ حتَّى تَشبَع، ولا تَجعَلْ مِنه شَيئًا في سَلَّتِكَ. وإِذا دَخَلتَ السُّنبُلَ القائِمَ الَّذي لِقَريبِكَ، فٱقطِفْ بِيَدِكَ، فَريكًا، ولا تُلْقِ مِنجَلًا على سُنبُلِ قَريبِكَ. إِذا ٱتَّخَذَ رَجُلٌ ٱمرَأَةً وتَزَوَّجَها، ثُمَّ لم تَنَلْ حُظْوَةً في عَينَيه، لأَمرٍ غَيرِ لائِقٍ وجَدَه فيها، فلْيَكتُبْ لَها كِتابَ طَلاقٍ ويُسَلِّمْها إِيَّاه ويَصرِفْها مِن بَيتِه. فإِذا خَرَجَت مِن بَيتِه ومَضَت وصارَت لِرَجُلٍ آخَر، فأَبغَضَها الرَّجُلُ الآخَرُ وكَتَبَ لَها كِتابَ طَلاق، فسَلَّمَها إِيَّاه وصَرَفَها مِن بَيتِه، أَو ماتَ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذي ٱتَّخَذَها لَه ٱمرَأَةً، فلا يَحِلُّ لِزَوجِها الأَوَّلِ الَّذي طَلَّقَها أَن يَعودَ ويأخُذَها لِتَكونَ لَه ٱمرَأَةً، بَعدَما تَدَنَّسَت: فإِنَّ ذٰلك قَبيحةٌ لَدى الرَّبّ. فلا تَجلُبْ خَطيئَةً على الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها ميراثًا. إِذا ٱتَّخَذَ رَجُلٌ ٱمرَأَةً حَديثَةَ عَهْدٍ بِه، فلا يَخرُجْ في الجَيش، ولا يُحَمَّلْ عِبْئًا ما، بل لِيَتَفَرَّغْ لِبَيتِه سَنةً واحِدةً، يَسُرُّ ٱمرَأَتَه الَّتي ٱتَّخَذَها. لا يَرتَهِنْ أَحَدٌ حَجَرَيِ الرَّحَى، حتَّى ولا الحَجَرَ الأَعْلى، فإِنَّه يَرتَهِنُ نَفْسًا. إِن وُجِدَ إِنْسانٌ قد خَطِفَ نَفْسًا مِن إِخوَتِه مِن بَني إِسْرائيل، فعامَلَها كالعَبْدِ أَو باعَها، فلْيَمُتِ الخاطِف، وٱقْلَعِ الشَّرَّ مِن وَسْطِكَ. تَنَبَّهْ، في أَمرِ إِصابَةِ البَرَص، أَن تَجتَهِدَ في العَمَلِ بِكُلِّ ما يُعَلِّمُكُمُ الكَهَنَةُ اللاَّوِيُّون، كما أمَرتُهم تَجتَهِدونَ أَن تَعمَلوا. أُذكُرْ ما صَنَعَه الرَّبُّ إِلٰهُكَ بِمَريَمَ في الطَّريق، عِندَ خُروجِكم مِن مِصْر. إِذا أَقرَضتَ قَريبَكَ قَرضًا ما، فلا تَدخُلْ بَيتَه لِتأخُذَ رَهْنًا مِنه، بل قِفْ خارِجًا، والرَّجُلُ الَّذي أَقرَضتَه هو يُخرِجُ لَكَ الرَّهنَ إِلى خارِج. وإِن كانَ رَجُلًا فَقيرًا، فلا تَنَمْ ورَهنُه عِندَكَ، بل، عِندَ مَغيبِ الشَّمْس، تَرُدُّه إِلَيه، حتَّى يَنامَ في رِدائِه ويُبارِكَكَ، فيُحسَبُ لَكَ بِرٌّ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. لا تَستَغِلَّ أَجيرًا مِسْكينًا أَو فَقيرًا مِن إِخوَتِكَ أَو مِنَ النُّزَلاءِ الَّذينَ في أَرضِكَ، في مُدُنِكَ، بلِ ٱدفَعْ إِلَيه أُجرَتَه في يَومِه، ولا تَغِبْ علَيها الشَّمْس، لأَنَّه مِسْكينٌ وإِلَيها يَطمَح، لِئَلاَّ يَصرُخَ علَيكَ إِلى الرَّبّ، فَتكونَ علَيكَ خَطيئَة. لا يُقتَلُ الآباءُ بِالبَنين، ولا يُقتَلُ البنونَ بِالآباء، بل كُلُّ ٱمرِئٍ بِخَطيئَتِه يُقتَل. لا تُحَرِّفْ حَقَّ نَزيلٍ يَتيم، ولا تَرتَهِنْ ثَوبَ أَرمَلَة. وٱذكُرْ أَنَّكَ كُنتَ عَبْدًا بِمِصرَ وفَداكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِن هُناكَ، لِذٰلك أَنا آمُرُكَ بِأَن تَصنَعَ هٰذا الأَمْر. إِذا حَصَدتَ حِصادَكَ في حَقلِكَ، فنَسيتَ حُزمَةً في الحَقْل، فلا تَرجِعْ لِتأخُذَها: إِنَّها لِلنَّزيلِ واليَتيمِ والأَرمَلَةِ تَكون، لِكَي يُبارِكَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ في كُلِّ عَمَلٍ مِن أَعْمالِ يَدَيكَ. وإِذا خَبَطتَ زَيتونَكَ، فلا تُراجِعْ ما بَقِيَ في الأَغْصان، إِنَّه لِلنَّزيلِ واليَتيمِ والأَرمَلَةِ يَكون. وإِذا قَطَفتَ كَرمَكَ، فلا تُراجِعْ ما بَقِيَ مِنه، إِنَّه لِلنَّزيلِ واليَتيمِ والأَرمَلَةِ يَكون. وٱذكُرْ أَنَّكَ كُنتَ عَبْدًا بِمِصْر، لِذٰلك أَنا آمُرُكَ بِأَن تَصنَعَ هٰذا الأَمْر. إِذا وَقَعَت خُصومةٌ بَينَ أُناسٍ ومَثَلوا أَمامَ القَضاء، فلْيَحكُمِ القُضاةُ بَينَهم ويُبَرِّئوا البارّ ويُجَرِّموا الشِّرِّير. فإِن كانَ الشِّرِّيرُ يَستَحِقُّ الجَلْد، يَطرَحُه القاضي ويأمُرُ بِجَلدِه بِحَضرَتِه، على قَدْرِ شَرِّه بِالعَدَد. يَجلِدُه أَربَعينَ ولا يَزيد، لِئَلاَّ يُحتَقَرَ أَخوكَ في عَينَيكَ، إِذا زاد على ذٰلك ضَرَباتٍ كَثيرة. لا تَكعَمِ الثَّورَ وهو يَدرُسُ الحُبوب. إِذا أَقامَ أَخَوانِ معًا، ثُمَّ ماتَ أَحَدُهما ولَيسَ لَه ٱبنٌ، فلا تَصِرِ ٱمرَأَةُ المَيتِ إِلى خارِجٍ، لِرَجُلٍ غَريب، بل أَخو رَجُلِها يَدخُلُ علَيها ويَتَّخِذُها ٱمرَأَةً لَه، وهو يَقومُ نَحوَها بواجِبِه كأَخي الرَّجُل. ويَكونُ البِكْرُ الَّذي تَلِدُه منه هو الَّذي يَحمِلُ ٱسمَ أَخيه المَيت، فلا يُمْحَى ٱسمُه مِن إِسْرائيل. فإِن لم يَرضَ الرَّجُلُ أَن يَتَّخِذَ ٱمرَأَةَ أَخيه، فلْتَصعَدِ ٱمرَأَةُ أَخيه إِلى بابِ المَدينَةِ إِلى الشُّيوخ، وتَقُلْ: قد أَبى أَخو زَوجي أَن يُقيمَ لأَخيه ٱسمًا في إِسْرائيل، ولَم يَرْضَني زَوجَةً. فَيستَدعيه شُيوخُ مَدينَتِه ويُكَلِّمونَه في ذٰلك. فإِن أَصَرَّ وقال: إِنِّي لا أَرْضى أَن أَتَّخِذَها، تَتَقَدَّمُ إِلَيه امرَأَةُ أَخيه بِحَضرَةِ الشُّيوخ وتَخلَعُ نَعلَه مِن رِجلِه، وتَبصُقُ في وَجهِه وتُجيبُه قائِلةً: هٰكذا يُصنَعُ بِالرَّجُلِ الَّذي لا يَبْني بَيتَ أَخيه. فيُدْعى في إِسْرائيلَ بَيتَ المَخْلوعِ النَّعْل. إِذا تَخاصَمَ رَجُلانِ الواحِدُ مع الآخَر، فتَقَدَّمتِ ٱمرَأَةُ أَحَدِهما لِتُنقِذَ رَجُلَها مِن يَدِ ضارِبِه، فمَدَّت يَدَها وأَمسَكَت بِعَورَتِه، فٱقطَعْ يَدَها ولا تُشفِقْ عَينُكَ عَلَيها. لا يَكُنْ في كيسِكَ ميزانان، كَبيرٌ وصَغير، ولا يَكُنْ في بَيتِكَ مِكْيالان، كبيرٌ وصَغير، بل لِيَكُنْ لَكَ ميزانٌ صَحيحٌ عادِل ومِكْيالٌ صَحيحٌ عادِل، لِكَي تَطولَ أَيَّامُكَ في الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ يَكرَهُ كُلَّ مَن يَفعَلُ ذٰلك وكُلَّ مَن يَعمَلُ بِالظُّلْم. أُذكُرْ ما صَنَعَ بِكَ عَماليقُ في الطَّريق، عِندَ خُروجِكم مِن مِصْر، كَيفَ لَقِيَكَ في الطَّريق وقَطَعَ عنكَ جَميعَ المُتَخَلِّفينَ الَّذينَ ورَاءَكَ، وأَنتَ تَعِبٌ مُرهَق، ولم يَخَفِ الله. فإِذا أَراحَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِن جَميعِ أَعْدائِكَ الَّذينَ حَوالَيكَ في الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها ميراثًا لِتَرِثَها، فٱمْحُ ذِكرَ عَماليقَ مِن تَحتِ السَّماء. لا تَنْسَ. وإِذا دَخَلتَ الأَرضَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها ميراثًا فوَرِثتَها وسَكَنتَ فيها، فخُذْ مِن بَواكيرِ كُلِّ ثَمَرِ الأَرضِ الَّذي تُخرِجُه من أَرضِكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلْهُكَ إِيَّاها، وضَعْه في سَلَّة، وٱمضِ إِلى المَكانِ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ إِلٰهُكَ لِيُحِلَّ فيه ٱسمَه، وأتِ إِلى الكاهِنِ الَّذي يَكونُ في تِلكَ الأَيَّامِ وقُلْ له: أُعلِنُ اليَومَ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ أَنِّي قد دَخَلتُ الأَرضَ الَّتي أَقسَمَ الرَّبُّ لِآبائِنا أَن يُعطِيَنا إِيَّاها. فيأخُذُ الكاهِنُ السَّلَّةَ مِن يَدِكَ فيَضَعُها أَمامَ مَذبَحِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. ثُمَّ تَتَكَلَّمُ فتَقولُ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ: إِنَّ أَبي كانَ آراميًّا تائِهًا، فنَزَلَ إِلى مِصرَ وأَقامَ هُناكَ مع رِجالٍ قَلائِل، فصارَ هُناكَ أُمَّةً عَظيمةً قَوِيَّةً كَثيرة. فأَساءَ إِلَينا المِصريُّونَ وأَذَلُّونا وفَرَضوا عَلَينا عَمَلًا شاقًّا. فصَرَخْنا إِلى الرَّبِّ إِلٰهِ آبائِنا، فسَمِعَ الرَّبُّ صَوتَنا ورأَى ذُلَّنا وعَناءَنا وظُلْمَنا، فأَخرَجَنا الرَّبُّ مِن مِصرَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وذِراعٍ مَبْسوطةٍ وخَوفٍ عَظيمٍ وآياتٍ وخَوارِق. وأَوصَلَنا إِلى هٰذا المكانِ وأَعْطانا هٰذه الأَرضَ، أَرضًا تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا. والآن هاءَنَذا آتٍ بِبَواكيرِ ثَمَرِ الأَرضِ الَّتي أَعْطَيتَني إِيَّاها يا ربّ. ثُمَّ ضَعْها أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، وٱسجُدْ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. وٱفرَحْ بِكُلِّ الخَيرِ الَّذي أَعْطاه الرَّبُّ إِلٰهُكَ لَكَ ولِبَيتِكَ، أَنتَ واللاَّوِيُّ والنَّزيلُ الَّذي في وَسْطِكَ. متى ٱنتَهَيتَ مِن إِخْراجِ جَميعِ أَعْشارِ غَلَّتِكَ في السَّنَةِ الثَّالِثة، سَنَةِ الأَعْشار، وأَعطَيتَ اللاَّوِيَّ والنَّزيلَ واليَتيمَ والأَرمَلَة، فأَكَلوا في مُدُنِكَ وشَبِعوا، تَقولُ بَينَ يَدَيِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ: قد رَفَعتُ الأَقْداسَ مِنَ البَيت، وقد أَعطَيتُها لِلاَّوِيِّ والنَّزيلِ واليَتيمِ والأَرمَلَة، بِحَسَبِ كُلِّ الوَصِيَّةِ الَّتي أَوصَيتَني بِها، لم أَتعَدَّ وَصِيَّةً مِن وَصاياكَ ولم أَنْسَها. لم آكُلْ مِنها في حُزْني، ولا رَفَعتُ شَيئًا حين كُنتُ نَجِسًا، ولا أَعطَيتُ مِنها لأَجلِ مَيْت، بل سَمِعتُ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهي وصَنَعتُ بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرتَني بِه. فتَطَلَّعْ مِن مَسكِنِ قُدْسِكَ مِنَ السَّماء، وبارِكْ شَعبَكَ إِسْرائيلَ والأَرضَ الَّتي أَعْطَيتَنا إِيَّاها، كما أَقسَمتَ لِآبائِنا، أَرضًا تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا. في هٰذا اليَومِ يأمُرُكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ أَن تَعمَلَ بِهٰذه الفَرائِضِ والأَحْكام، فٱحفَظْها وٱعمَلْ بِها بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفسِكَ. إِنَّكَ قد طَلَبتَ إِلى الرَّبِّ اليَومَ أَن يَكونَ لَكَ إِلٰهًا وأَن تَسيرَ في سُبُلِه وتَحفَظَ فَرائِضَه ووَصاياه وأَحْكامَه وتَسمَعَ لِصَوتِه. وطَلَبَ مِنكَ الرَّبُّ اليَومَ أَن تَكونَ له شَعْبًا خاصًّا، كما قالَ لَكَ، لِكَي تَحفَظَ جَميعَ وَصاياه، وأن يَجعَلَكَ فَوقَ جَميعِ الأُمَمِ الَّتي خَلَقَها مَجدًا وٱسمًا وبَهاءً، وتَكونَ شَعبًا مُقَدَّسًا لِلرَّبِّ إِلٰهكَ، كما قال. وأَمَرَ موسى وشُيوخُ إِسْرائيلَ الشَّعبَ قائلين: «إِحفَظْ كُلَّ الوَصِيَّةِ الَّتي أَنا آمُرُكم بِها اليَومَ. يَومَ عُبورِكمُ الأُردُنَّ إِلى الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها، تَنصِبُ لَكَ حِجارةً عَظيمةً وتَطْليها بِالكِلْس. وعِندَ عُبورِكَ، تَكتُبُ علَيها جَميعَ كَلِماتِ هٰذه الشَّريعة، لِتَدخُلَ الأَرضَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها، أَرضًا تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا، كما قالَ لَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ آبائِكَ. فإِذا عَبَرتُمُ الأُردُنَّ، تَنصِبونَ هٰذه الحِجارَةَ الَّتي أَنا آمُرُكم بِنَصبِها اليَومَ على جَبَلِ جَرِزِّيم، وتَطْلونَها بِالكِلْس. وتَبْني هُناكَ مَذبَحًا لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، مَذبَحًا مِنَ الحِجارةِ لم تَرفَعْ علَيها حَديدًا. مِن حِجارةٍ غَيرِ مَنْحوتَةٍ تَبْني مَذبَحًا لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ وتُصعِدُ علَيه مُحرَقاتٍ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. وتَذبَحُ ذَبائِحَ سَلامِيَّةً وتأكُلُها هُناكَ وتَفرَحُ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. وتَكتُبُ على الحِجارةِ جَميعَ كَلِماتِ هٰذه الشَّريعةِ كِتابةً واضِحةً». وكَلَّمَ موسى والكَهَنَةُ اللاَّوِيُّونَ إِسْرائيلَ كُلَّه قائِلين: «أُسكُتْ وٱسمَعْ يا إِسْرائيل: إِنَّكَ اليَومَ قد صِرتَ شَعْبًا لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، فٱسمَعْ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ وٱعمَلْ بِوَصاياه وفَرائِضِه الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَوم». وأَمَرَ موسى الشَّعبَ في ذٰلكَ اليَومِ قائلًا: «هٰؤُلاءِ يَقِفونَ على جَبَلِ جَرِزِّيم، لِيُبارِكوا الشَّعبَ بعدَ عُبورِكمُ الأُردُنّ: شِمْعون ولاوي ويَهوذا ويَسَّاكَر ويوسُف وبَنْيامين. وهٰؤُلاءِ يَقِفونَ على جَبَلِ عَيبالَ لِلَّعنَة: رَأُوبين وجاد وأَشير وزَبولون ودان ونَفْتالي». فيَتَكَلَّمُ اللاَّوِيُّونَ ويَقولونَ لِكُلِّ رَجُلٍ في إِسْرائيلَ بِصَوتٍ عالٍ: «مَلْعونٌ الرَّجُلُ الَّذي يَصنَعُ تِمْثالًا أَو صورةً مَسْبوكةً - قَبيحةً لَدى الرَّبّ! - صُنعَ يَدِ النَّحَّات، ويَضَعُه في الخَفاء»، فيُجيبُ جَميعُ الشَّعبِ ويَقول: «آمين». «مَلْعونٌ المُحتَقِرُ أَباه وأُمَّه»، فيَقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «مَلْعونٌ مَن يَنقُلُ حُدودَ قَريبِه»، فيَقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «مَلْعونٌ مَن يُضِلُّ أَعْمَى عنِ الطَّريق»، فيَقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «مَلْعونٌ مَن يُحَرِّفُ حَقَّ نَزيلٍ أَو يَتيمٍ أَو أَرمَلَة»، فيقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «مَلْعونٌ مَن يُضاجِعُ ٱمرَأَةَ أَبيه، لأَنَّه يَنزِعُ ذَيلَ رِداءِ أَبيه»، فيَقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «مَلْعونٌ مَن يُضاجِعُ أَيَّةَ بَهيمة»، فيَقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «مَلْعونٌ مَن يُضاجِعُ أُختَه، ٱبنَةَ أَبيه أَوِ ٱبنَةَ أُمِّه»، فيَقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «مَلْعونٌ مَن يُضاجِعُ حَماتَه»، فيَقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «مَلْعونٌ مَن يَضرِبُ قَريبَه في الخَفاء»، فيَقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «مَلْعونٌ مَن يأخُذُ رِشوَةً لِيَقتُلَ دَمًا بَريئًا»، فيَقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «مَلْعونٌ مَن لا يَحفَظُ كَلِماتِ هٰذه الشَّريعةِ غَيرَ عامِلٍ بِها»، فيَقولُ جَميعُ الشَّعبِ: «آمين». «وإِذا سَمِعتَ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، حافِظًا جَميعَ وَصاياهُ الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَوم، وعامِلًا بِها، يَجعَلُكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ فَوقَ جَميعِ أُمَمِ الأَرض، وتَحِلُّ علَيكَ هٰذه البَركاتُ كُلُّها وتُدرِكُكَ، لأَنَّكَ سَمِعتَ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. مُبارَكًا تَكونُ في المَدينة، ومُبارَكًا في البَرِّيَّة، ومُبارَكًا يَكونُ ثَمَرُ بَطنِكَ، وثَمَرُ أَرضِكَ، وثَمَرُ بَهائِمِكَ، ونِتاجُ بَقَرِكَ وغَنَمِكَ، ومُبارَكَةً سَلَّتُكَ ومِعجَنُكَ. ومُبارَكًا تَكونُ أَنتَ في دُخولِكَ، ومُبارَكًا في خُروجِكَ. ويَجعَلُ الرَّبُّ أَعداءَكَ القائِمينَ علَيكَ مُنْكَسِرينَ أَمامَكَ. مِن طَريقٍ واحدَةٍ يَخرُجونَ علَيكَ، ومِن سَبْعِ طُرُقٍ يَهرُبُونَ مِن أَمامِكَ. يأمُرُ الرَّبُّ لَكَ بِالبَرَكَةِ في أَهْرائِكَ، وفي كُلِّ ما تَمتَدُّ إِلَيه يَدُكَ، ويُبارِكُكَ في الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها، ويُقيمُكَ الرَّبُّ لَه شَعبًا مُقَدَّسًا، كما أَقسَمَ لَكَ، إِذا حَفِظتَ وَصايا الرَّبِّ إِلٰهِكَ، وسِرْتَ في سُبُلِه. فتَرى جَميعُ شُعوبِ الأَرضِ أَنَّ ٱسمَ الرَّبِّ أُطلِقَ علَيكَ فتَخافُكَ. ويَزيدُكَ الرَّبُّ خَيرًا في ثَمَرِ بَطنِكَ وثَمَرِ بَهائِمِكَ وثَمَرِ أَرضِكَ في الأَرضِ الَّتي أَقسَمَ الرَّبُّ لِآبائِكَ أَن يُعطِيَكَ إِيَّاها. يَفتَحُ الرَّبُّ لَكَ السَّماءَ، كَنزَه الطَّيِّب، فيُعطي أَرضَكَ مَطَرَها في أَوانِه ويُبارِكُ كُلَّ عَمَلٍ مِن أَعْمالِ يَدَيكَ، فتَقتَرِضُ مِنكَ أُمَمٌ كَثيرةٌ وأَنتَ لا تَقتَرِض. ويَجعَلُكَ الرَّبُّ رأسًا لا ذَنَبًا، وتَكونُ في الأَعْلى فقَط ولا تَكونُ في الأَسفَل، إِذا سَمِعتَ إِلى وَصايا الرَّبِّ إِلٰهِكَ الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَومَ لِتَحفَظَها وتَعمَلَ بِها، ولم تَنحَرِفْ يَمنَةً ولا يَسرَةً عن جَميعِ الكَلِماتِ الَّتي آمُرُكم بِها اليَومَ، سائِرًا وَراءَ آلِهةٍ أُخْرى لِتَعبُدَها. وإِن لم تَسمَعْ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، حافِظًا وَصاياه وفَرائِضَه الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَوم ولم تَعمَلْ بِها، تأتي علَيكَ هٰذه اللَّعَناتُ كُلُّها وتُدرِكُكَ: فتَكونُ مَلْعونًا في المَدينة، ومَلْعونًا في البَرِّيَّة، وتَكونُ مَلْعونةً سَلَّتُكَ ومِعجَنُكَ، ومَلْعونًا ثَمَرُ بَطنِكَ وثَمَرُ أرضِكَ، ونِتاجُ بَقَرِكَ وغَنَمِكَ. وتَكونُ مَلْعونًا أَنتَ في دُخولِكَ، ومَلْعونًا أَنتَ في خُروجِكَ. يُرسِلُ الرَّبُّ عَلَيكَ اللَّعنَةَ والاضطِرابَ والوَعيدَ في كُلِّ ما تَمتَدُّ إِلَيه يَدُكَ مِمَّا تَصنَعُه، حتَّى تَبيدَ وتَهلِكَ سَريعًا، بِسَبَبِ سوءِ أَعمالِكَ بَعدَما تَركتَني. يُلصِقُ الرَّبُّ الوَباءَ بِكَ إِلى أَن يَفنِيَكَ مِنَ الأَرضِ الَّتي أَنتَ داخِلٌ إِلَيها لِتَرِثَها. يَضرِبُكَ الرَّبُّ بِالضَّنى والحُمَّى والبُرَداءِ والِٱلتِهابِ مع الجَفافِ والصَّدَءِ والذُّيول، فتُطارِدُكَ حتَّى تَهلِك. وتكونُ سَماؤُكَ الَّتي فَوقَ رأسِكَ نُحاسًا والأَرضُ الَّتي تَحتَكَ حَديدًا. ويَجعَلُ الرَّبُّ مَطَرَ أَرضِكَ غُبارًا وتُرابًا يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ علَيكَ حتَّى يُبيدَكَ. يَجعَلُكَ الرَّبُّ تَنهَزِمُ أَمامَ أَعدائِكَ، تَخرُجُ علَيهم مِن طَريقٍ واحِدةٍ وتَهرُبُ مِن أَمامِهم مِن سَبْعِ طُرُق وتَكونُ مَوضوعَ ذُعْرٍ لِجَميعِ مَمالِكِ الأَرض. وتَصيرُ جُثَّتُكَ مأكلًا لِطُيورِ السَّماءِ ووُحوشِ الأَرض، وليسَ مَن يُقلِقُها. يَضرِبُكَ الرَّبُّ بِقُروحِ مِصرَ والبَواسيرِ والجَرَبِ والحِكَّة، فلا تَستَطيعُ مُداواتَها. ويَضرِبُكَ الرَّبُّ بِالجُنونِ والعَمى وحَيرةِ القَلْب، فتَتَلَمَّسُ في الظَّهيرةِ كما يَتَلَمَّسُ الأَعْمى في الظُّلمَة، ولا تَنجَحُ في سُبُلِكَ، وتَكونُ مُستَغَلًّا مَسْلوبًا طولَ أَيَّامِكَ، ولَيسَ لَكَ مُخَلِّص. تَخطُبُ ٱمرَأَةً فيَغتَصِبُها رَجُلٌ آخَر، وتَبْني بَيتًا فلا تَسكُنُ فيه، وتَغرِسُ كَرْمًا فلا تأكُلُ بَواكيرَه. ويُذبَحُ ثَورُكَ أَمامَ عَينَيكَ ولا تأكُلُ مِنه، ويُسلَبُ حِمارُكَ مِن أَمامِكَ فلا يَرجعُ إِلَيكَ، ويُسَلَّمُ غَنَمُكَ إِلى أَعْدائِكَ ولَيسَ لَكَ مُخَلِّص. وبَنوكَ وبَناتُكَ يُسَلَّمونَ إِلى شَعبٍ آخَر وعَيناكَ تَنظُرانِ إِلَيهم طولَ النَّهارِ فتَكِلاَّنِ ولا طاقَةَ في يَدِكَ. وثَمَرُ أَرضِكَ وكُلُّ تَعَبِكَ يأكُلُه شَعبٌ لا تَعرِفُه، ولا تَكونُ إِلاَّ مُستَغَلًّا مُعامَلًا بِقَسوَةٍ كُلَّ الأَيَّام، حتَّى تَصيرَ مَجْنونًا مِن المَنظَرِ الَّذي تَراه عَيناكَ. يَضرِبُكَ الرَّبُّ بِقَرْحٍ خَبيثٍ على الرُّكبَتَينِ وعلى السَّاقَين، فلا تَستَطيعُ مُداواتَه، مِن أَخمَصِ قَدَمِكَ إِلى قِمَّةِ رأسِكَ. يَذهَبُ الرَّبُّ بِكَ وبِمَلِكِكَ الَّذي تُقيمُه علَيكَ، إِلى أُمَّةٍ لم تَعرِفْها أَنتَ ولا آباؤُكَ، وتَعبُدُ هُناكَ آلِهَةً أُخْرى مِن خَشَبٍ وحِجارة. وتَصيرُ دَمارًا وحَديثًا وسُخرِيَّةً في جَميعِ الشُّعوبِ الَّتي يَسوقُكَ الرَّبُّ إِلَيها. تُخرِجُ بَذْرًا كَثيرًا إِلى الحَقْلِ وتَجمَعُ قَليلًا، لأَنَّ الجَرادَ يُتلِفُه. وتَغرِسُ كُرومًا وتَفلَحُها ولا تَشرَبُ خَمْرًا ولا تَجعَلُ مِنها مَؤونةً، بل يأكُلُها الدُّود. ويَكونُ لَكَ زَيتونٌ في جَميعِ حُدودِكَ، وبِزَيتٍ لا تَدَّهِن، بل يَسقُطُ زَيتونُكَ. تَلِدُ بَنينَ وبَناتٍ فلا يَكونونَ لَكَ، بل يَذْهَبونَ سَبْيًا. شَجَرُكَ كُلُّه وثَمَرُ أَرضِكَ يستولي علَيه صَرَّارُ اللَّيل. يَستَعْلي علَيكَ النَّزيلُ الَّذي في وَسْطِكَ مُتَصاعِدًا، وأَنتَ تَنحَطُّ مُتنازِلًا. هو يُقرِضُكَ وأَنتَ لا تُقرِضُه، وهو يَكونُ رأسًا وأَنتَ تَكونُ ذَنَبًا. هٰذه اللَّعَناتُ كُلُّها تأتي علَيكَ وتُطارِدُكَ وتُدرِكُكَ، حتَّى تَبيد، لأَنَّكَ لم تَسمَعْ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ لِتَحفَظَ وَصاياه وفَرائِضَه الَّتي أَمَرَكَ بِها، فتَكونُ فيكَ آيةً وخارِقَةً وفي نَسلِكَ لِلأَبَد. لأَنَّكَ لم تَعبُدِ الرَّبَّ إِلٰهَكَ بِفَرَحٍ وطيبَةِ قَلْبٍ بِسَبَبِ كَثرَةِ اليُسْر، تُستَعبَدُ لأَعْدائِكَ الَّذينَ يُرسِلُهُمُ الرَّبُّ علَيكَ بِجوعٍ وعَطَشٍ وعُرْيٍ وعَوَزٍ إِلى كُلِّ شَيء، ويَضَعُ نيرًا مِن حَديدٍ على عُنُقِكَ إِلى أَن يُبيدَكَ. ويَجلُبُ الرَّبُّ علَيكَ أُمَّةً مِن بَعيدٍ مِن أَقاصي الأَرضِ كالعُقابِ المُحَلِّق، أُمَّةً لا تَفهَمُ لُغَتَها، أُمَّةً صُلبَةَ الوُجوه، لا تَهابُ وَجهَ شَيخٍ ولا تَرأَفُ بِالفَتى. فتأكُلُ ثَمَرَ بَهائِمِكَ وثَمَرَ أَرضِكَ حَتَّى تَبيد، ولا تُبْقِي لَكَ قَمْحًا ولا نَبيذًا ولا زَيتًا ولا نِتاجَ بَقَرٍ وغَنَمٍ حتَّى تُهلِكَكَ. وتُحاصِرُكَ في مُدُنِكَ كُلِّها حتَّى تَسقُطَ أَسْوارُكَ الشَّامِخَةُ الحَصينَةُ الَّتي أَنتَ تَعتَمِدُ علَيها في أَرضِكَ كُلِّها. تُحاصِرُكَ في مُدُنِكَ كُلِّها في كُلِّ أَرضِكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاها. فتَأكُلُ ثَمَرَ بَطنِكَ، لَحْمَ بَنيكَ وبَناتِكَ الَّذينَ يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِيَّاهم في الحِصارِ والضِّيقِ الَّذي يُضايِقُكَ عَدُوُّكَ بِه. الرَّجُلُ الرَّقيقُ فيكَ والمُرهَفُ الحَساسِيَّةِ جِدًّا يَنظُرُ بِشَرٍّ إِلى أَخيه وإِلى ٱمرَأَتِه الَّتي في حِضنِه وما بَقِيَ مِن بَنيه الَّذينَ يَكونُ قدِ ٱدَّخَرَهم، فلا يُعْطي أَحَدًا مِنهم مِن لَحْمِ بَنيه الَّذينَ يأكُلُهم، إِذ لا يَبْقى لَه شَيءٌ في الحِصارِ والضَّيقِ الَّذي يُضايِقُكَ بِه عَدُوُّكَ في مُدُنِكَ كُلِّها. والمَرأَةُ الرَّقيقَةُ فيكَ والمُرهَفَةُ الحَساسِيَّةِ الَّتي لم تُحاوِلْ أَن يَطَأَ أَخْمَصُها الأَرضَ مِن حِسِّها المُرهَفِ ورِقَّتِها تَنظُرُ بِشَرٍّ إِلى رَجُلِها الَّذي في حِضنِها وٱبنِها وٱبنَتِها وإِلى مَشيمَتِها الخارِجَةِ مِن بَينِ رِجلَيها وإِلى أَولادِها الَّذينَ تَلِدُهم، لأَنَّها تأكُلُهم سِرًّا بِعَوَزٍ إِلى كُلِّ شَيءٍ في الحِصارِ والضِّيقِ الَّذي يُضايِقُكَ بِه عَدُوُّكَ في مُدُنِكَ. وإِن لم تَحفَظْ جَميعَ كَلِماتِ هٰذه الشَّريعةِ المَكْتوبةِ في هٰذا السِّفْرِ لِتَعمَلَ بِها مُتَّقِيًا هٰذا الِٱسمَ المَجيدَ الرَّهيب، الرَّبَّ إِلٰهَكَ، يَجعَلُ الرَّبُّ ضَرَباتِكَ عَجيبةً وضَرَباتِ نَسلِكَ ضَرَباتٍ عَظيمةً راسِخةً وأَمْراضًا خَبيثَةً راسِخَة. ويَرُدُّ علَيكَ جَميعَ أَوبِئَةِ مِصرَ الَّتي خِفتَ مِنها، فتَتعلَّقُ بِكَ. وحتَّى كُلُّ مَرَضٍ وكُلُّ ضَربَةٍ مِمَّا لم يُكتَبْ في سِفْرِ هٰذه الشَّريعةِ يُسَلِّطُه الرَّبُّ علَيكَ حتَّى تَبيد. فتَبقَونَ رجالًا قَلائِل، بَعدَما كُنتُم كنُجومِ السَّماءِ كَثرَةً. لأَنَّكَ لم تَسمَعْ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، يَكونُ، كما أَنَّ الرَّبَّ كانَ يُسَرُّ إِذا أَحسَنَ إِلَيكم وكَثَّركم، أَنَّه يُسَرُّ أَيضًا إِذا أَهلَكَكم وأَبادكم، فتُقتَلَعونَ مِن على الأَرضِ الَّتي أَنتَ داخِلٌ إِلَيها لِتَرِثَها. ويُشَتِّتُكَ الرَّبُّ في الشُّعوبِ كُلِّها مِن أَقاصي الأَرضِ إِلى أَقاصيها، وتَعبُدُ هُناكَ آلِهَةً أُخْرى لم تَعْرِفْها أَنتَ ولا آباؤُكَ، آلِهَةَ خَشَبٍ وحِجارة. وفي تِلكَ الأُمَمِ لا تَطمَئِنُّ ولا يَكونُ مُستَقَرٌّ لأَخمَصِ رِجلِكَ، بل يَجعَلُ الرَّبُّ لَكَ هُناكَ قَلْبًا مُرتَعِدًا وأَعيُنًا كَليلةً ونَفْسًا مُرهَقَة. وتَكونُ حَياتُكَ في خَطَرٍ أَمامَكَ فتَفزَعُ لَيلًا ونَهارًا ولا تأمَنُ على حَياتِكَ. تَقولُ في الصَّباح: يا لَيتَه مَساء! وتَقولُ في المَساء: يا لَيتَه صَباح! وذٰلك مِن فَزَعِ قَلبِكَ الَّذي تَفزَعُه ومِنَ المَنظَرِ الَّذي تَراه عَيناكَ. ويَرُدُّكَ الرَّبُّ إِلى مِصرَ في سُفُنٍ، على الطَّريقِ الَّتي قُلتُ لَكَ فيها: لَن تَعودَ تَراها أَبَدًا. وهُناكَ تَبيعونَ أَنفُسَكم لأَعْدائِكم عَبيدًا وإِماءً، ولَيسَ مَن يَشْتَري». ‏ هٰذه كَلِماتُ العَهْدِ الَّذي أَمَرَ الرَّبُّ موسى بِأَن يَقطَعَه مع بَني إِسْرائيلَ في أَرضِ موآب، عَدا العَهدَ الَّذي قَطَعَه معَهم في حوريب. ودَعا موسى إِسْرائيلَ كُلَّه وقالَ لَه: «قد رأَيتُم كُلَّ ما صَنَعَ الرَّبُّ أَمامَ عُيونِكم في أَرضِ مِصرَ بِفِرعَونَ وبرِجالِه كُلِّهم وأَرضِه كُلِّها، تِلكَ التَّجارِبَ العَظيمَةَ الَّتي رأَتْها عَيناكَ وتِلكَ الآياتِ والخَوارِقَ العَظيمة. ولم يُعطِكمُ الرَّبُّ إِلى هٰذا اليَومِ قُلوبًا لِتَعرِفوا وعُيونًا لِتُبصِروا وآذانًا لِتَسمعوا. وقد سَيَّرتُكم في البَرِّيَّةِ أَربَعينَ سَنةً لم تَبْلَ ثِيابُكم علَيكم ولا بَلِيَت نَعلُكَ في رِجلِكَ. وخُبزًا لم تأكُلوا، وخَمرًا ومُسكِرًا لم تَشرَبوا، لِكَي تَعلَموا أَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. ثُمَّ وَصَلْتُم إِلى هٰذا المكان، فخَرَجَ سيحون، مَلِكُ حَشْبون، وعوج، مَلِكُ باشان، لِلِقائِنا لِلقِتال فضَرَبْناهما. وأَخَذْنا أَرضَهما وأَعطَيناها ميراثًا لِلرَّأُوبِينِيِّينَ والجادِيِّينَ ولِنِصفِ سِبْطِ المَنَسِّيِّين. فٱحفَظوا كَلِماتِ هٰذا العَهدِ وٱعمَلوا بِها لِكَي تَنجَحوا في كُلِّ ما تَصنَعون. أَنتُم واقِفونَ اليَومَ جَميعًا أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكم: رُؤساؤُكم وزُعَماؤُكم وشُيوخُكم وكَتَبَتُكم وكُلُّ رَجُلٍ في إِسْرائيل. وأَطْفالُكم ونِساؤُكم (ونَزيلُكَ الَّذي في وَسَطِ مُخَيَّماتِكم، مِن مُحتَطِبِ الحَطَبِ إِلى مُسْتَقي الماء)، لِكَي تَدخُلَ في عَهْدِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ وفي ما يُرافِقُه من يَمينِ لَعنَة، يَقطَعُ الرَّبُّ إِلٰهُكَ العَهدَ معَكَ اليَوم، لِكَي يُقيمَكَ اليَومَ لَه شَعبًا ويَكونَ لَكَ إِلٰهًا، كما قالَ لك، وكَما أَقسَمَ لِآبائِكَ إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب. ولَيسَ مَعَكم وَحدَكم أَنا قاطِعٌ هٰذا العَهدَ ومُقسِمٌ يَمينَ اللَّعنَةِ هٰذه، بل مع مَن هو واقِفٌ معَنا اليَومَ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِنا ومَعَ مَن لَيسَ هٰهُنا اليَومَ معنا. فإِنَّكم تَعلَمونَ كَيفَ أَقَمْنا في أَرضِ مِصرَ وكَيفَ عَبَرْنا في وَسْطِ الأُمَمِ الَّتي مَرَرْتُم بِها. وقد رأَيتُم أَرْجاسَها وأَصْنامَها القَذِرَةَ مِن خَشَبٍ وحِجارةٍ ومِن فِضَّةٍ وذَهَبٍ مِمَّا هو عِندَها، كَيلا يَكونَ فيكم رَجُلٌ أَوِ ٱمرَأَةٌ أَو عَشيرةٌ أَو سِبْطٌ قَلبُه مُنصَرِفٌ اليَومَ عنِ الرَّبِّ إِلٰهِنا إِلى عِبادةِ آلِهَةِ تِلكَ الأُمَم، فيَكونَ فيكم جَذْرٌ مُنتِجٌ سُمًّا ومَرارة. فإِذا سَمِعَ أَحَدُهم كَلِمَاتِ يَمينِ اللَّعنَةِ هٰذه، وبارَكَ نَفسَه في قَلبِه قائلًا: يَكونُ لي سَلام، حتَّى ولَو سِرتُ بِتَصَلُّبِ قَلْبي، بِحَيثُ يُفْني الرَّيَّانُ العَطْشانَ، لا يَرْضى الرَّبُّ أَن يَغفِرَ لَه، بل يَشتَعِلُ غَضَبُ الرَّبِّ وغَيرَتُه على ذٰلك الرَّجُل، فتَسقُطُ علَيه اللَّعنَةُ المَكْتوبةُ كُلُّها في هٰذا السِّفْر، ويَمحو الرَّبُّ ٱسمَه مِن تَحتِ السَّماء، ويُفرِدُه الرَّبُّ لِلشَّرِّ مِن أَسْباطِ إِسْرائيلَ كُلِّهم على حَسَبِ جَميعِ لَعَناتِ العَهْدِ المَكْتوبةِ في سِفْرِ هٰذه الشَّريعة. فيَقولُ الجيلُ الآتي، أَي بَنوكمُ الَّذينَ يَقومونَ مِن بَعدِكم والغَريبُ الَّذي يأتي مِن أَرضٍ بَعيدة، حينَ يَرونَ ضَرَباتِ تِلكَ الأَرضِ وأَمْراضَها الَّتي ٱبتَلاها بِها الرَّبّ: الكِبْريتَ والمِلْحَ ولَفْحَ الأَرض، حتَّى لا تُزرَعُ ولا تُنبِتُ ولا يَرتَفِعُ بِها شَيءٌ مِنَ العُشْبِ، مِثلَ ٱنقِلابِ سَدومَ وعَمورةَ وأَدمَةَ وصَبوئيمَ الَّتي قَلَبَها الرَّبُّ بِغَضَبِه وغَيظِه. فتَقولُ الأُمَمُ كُلُّها: لِماذا صَنَعَ الرَّبُّ كذا بِهٰذِه الأَرض وما شِدَّةُ هٰذا الغَضَبِ العَظيم؟ فيُقال: لأَنَّهم تَرَكوا عَهدَ الرَّبِّ، إِلٰهِ آبائِهِم، الَّذي قَطَعَه معَهم، حينَ أَخرَجَهم مِن أَرضِ مِصر. فَمَضوا وعَبَدوا آلِهَةً أُخْرى وسَجدوا لَها، آلِهَةً لم يَعرِفوها ولم يَجعَلْها لَهم نَصيبًا. فغَضِبَ الرَّبُّ على تِلكَ الأَرضِ فأَحَلَّ بِها اللَّعنَةَ المَكْتوبةَ كُلَّها في هٰذا السِّفْر، وٱستَأصَلَهمُ الرَّبُّ مِن أَرضِهم بِغَضَبٍ وغَيظٍ وسُخطٍ عَظيم، وطَرَحَهم في أَرضٍ أُخْرى، كما هُم في هٰذا اليَوم. الخَفايا لِلرَّبِّ إِلٰهِنا، والمُعلَناتُ لَنا ولِبَنينا لِلأَبَد، لِكَي نَعمَلَ بِجَميعِ كَلِماتِ هٰذه الشَّريعة. فإِذا حَلَّت بِكَ جَميعُ هٰذه الأُمورِ مِنَ البَرَكَةِ أَوِ اللَّعنَةِ الَّتي جَعَلتُها أَمامَكَ، وتَذَكَّرتَها في قَلبِكَ في وَسْطِ الأُمَمِ كُلِّها حَيثُ أَبعَدَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ، ورَجَعتَ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكَ وسَمِعتَ لِصَوتِه، على حَسَبِ كُلِّ ما أَنا آمُرُكَ بِه اليَومَ، أَنتَ وبَنوكَ، بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ، يُرجِعُ الرَّبُّ إِلَيكَ أَسْراكَ ويَرحَمُكَ ويَرجِعُ فيَجمَعُكَ مِن وَسْطِ الشُّعوبِ كُلِّها حَيثُ شَتَّتَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ. ولَو كانَ قد أَبعَدَكَ إِلى أَقْصى السَّماء، يَجمَعُكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِن هُناكَ ومِن هُناكَ يَأْخُذُكَ، ويَأتي بِكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلى الأَرضِ الَّتي وَرِثَها آباؤُكَ فتَرِثُها، ويُحسِنُ إِلَيكَ ويُنْميكَ أَكثَرَ مِن آبائِكَ، ويَختِنُ الرَّبُّ إِلٰهُكَ قَلبَكَ وقَلْبَ نَسْلِكَ، لِتُحِبَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وبِكُلِّ نَفْسِكَ، لِكَي تَحْيا. ويُحِلُّ الرَّبُّ إِلٰهُكَ هٰذه اللَّعَناتِ كُلَّها على أَعْدائِكَ ومُبْغِضيكَ الَّذينَ طارَدوكَ. وأَنتَ تَرجِعُ وتَسمَعُ لِصَوتِ الرَّبّ، وتَعمَلُ بِجَميعِ وَصاياه الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَوم. ويَزيدُكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ خَيرًا في كُلِّ عَمَلٍ مِن أَعْمالِ يَدَيكَ وفي ثَمرِ بَطنِكَ وثَمَرِ بَهائِمِكَ وثَمَرِ أَرضِكَ، فإِنَّ الرَّبَّ يَرجِعُ فيُسَرُّ بِكَ لِلخَيرِ كما سُرَّ له بِآبائِكَ، إِذا سَمِعتَ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ حافِظًا وَصاياه وفَرائِضَه المَكْتوبةَ في سِفْرِ هٰذه الشَّريعة، عِندَما تَرجِعُ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكَ مِن كُلِّ قَلبِكَ ومِن كُلِّ نَفْسِكَ. إِنَّ هٰذه الوَصِيَّةَ الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَومَ لَيسَت فَوقَ طاقَتِكَ ولا بَعيدةً مِنك. لا هيَ في السَّماءِ فتَقول: مَن يَصعَدُ لَنا إِلى السَّماءِ فيَتَناوَلُها لَنا ويُسمِعُنا إِيَّاها فنَعمَلَ بِها؟ ولا هيَ عَبرَ البَحرِ فنَقول: مَن يَعبُرُ لَنا البَحرَ فيَتَناوَلُها لَنا ويُسمِعُنا إِيَّاها فنَعمَلَ بِها؟ بلِ الكَلِمَةُ قَريبَةٌ مِنكَ جِدًّا، في فَمِكَ وفي قَلبِكَ لِتعمَلَ بِها. أُنظُرْ! إِنِّي قد جَعَلتُ اليَومَ أَمامَكَ الحَياةَ والخَير، والمَوتَ والشَّرّ. إِذا سَمِعتَ إِلى وَصايا الرَّبِّ إِلٰهِكَ الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَوم، مُحِبًّا الرَّبَّ إِلٰهَكَ وسائِرًا في سُبُلِه وحافِظًا وَصاياه وفَرائِضَه وأَحْكامَه، تَحْيا وتَكثُرُ ويُبارِكُكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ في الأَرضِ الَّتي أَنتَ داخِلٌ إِلَيها لِتَرِثَها. وإِنْ تَحَوَّلَ قَلبُكَ ولم تَسمَعْ وٱبتَعَدتَ وسَجَدتَ لِآلِهَةٍ أُخْرى وعَبَدتَها، فقد أُعلِنُ لكُمُ اليَومَ أَنَّكُم تهلِكونَ هَلاكًا ولا تُطيلونَ أَيَّامَكم في الأَرضِ الَّتي أَنتَ عابِرٌ الأُردُنَّ لِتَدخُلَها وتَرِثَها. وقد أَشهَدتُ علَيكمُ اليَومَ السَّمَاءَ والأَرضَ بِأَنِّي قد جَعَلتُ أَمامَكمُ الحَياةَ والموت، البَرَكَةَ واللَّعنَة. فٱختَرِ الحَياةَ لِكَي تَحْيا أَنتَ ونَسْلُكَ، مُحِبًّا الرَّبَّ إِلٰهَكَ وسامِعًا لِصَوتِه ومُتَعَلِّقًا بِه، لأَنَّ بِه حَياتَكَ وطولَ أَيَّامِكَ، فتُقيمُ في الأَرضِ الَّتي أَقسَمَ الرَّبُّ لِآبائِكَ إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعقوبَ أَن يُعْطِيَهم إِيَّاها». ومضى موسى وكَلَّمَ إِسْرائيلَ كُلَّه بِهٰذا الكَلامِ، وقالَ لَه: «أَنا اليَومَ ٱبنُ مِئَةٍ وعِشْرينَ سَنَة، فلم أَعُدْ أَستَطيعُ الخُروجَ والدُّخول، وقد قالَ لِيَ الرَّبّ: إِنَّكَ لن تَعبُرَ هٰذا الأُردُنّ. فالرَّبُّ إِلٰهُكَ يَعبُرُ أَمامَكَ، وهو يُبيدُ تِلكَ الأُمَمَ مِن أَمامِكَ فتَرِثُها، ويَشوعُ هو يَعبُرُ أَمامَكَ، كما قالَ الرَّبّ. ويَصَنَعُ الرَّبُّ بِها كما صَنَعَ بِسيحونَ وعوج، مَلِكَيِ الأَمورِيَّينَ، وبأَرضِهما وأَبادَهما. فيُسلِمُها الرَّبُّ إِلى أَيدِيكم فتَصنَعونَ بِها بَحسَبِ كُلِّ الوَصِيَّةِ الَّتي أَوصَيتُكم بِها. فتَشَدَّدوا وتَشَجَّعوا ولا تَخافوا ولا تَرتَعِدوا أَمامَها، فإِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ هو السائِرُ معَكَ ولا يُهمِلُكَ ولا يَترُكُكَ». ثُمَّ دعا موسى يَشوعَ وقالَ لَه أَمامَ عُيونِ إِسْرائيلَ كُلِّه: «تَشَدَّدْ وتَشَجَّعْ، فإِنَّكَ أَنتَ تُدخِلُ هٰذا الشَّعبَ الأَرضَ الَّتي أَقسَمَ الرَّبُّ لِآبائِهم أَن يُعطِيَهم إِيَّاها، وأَنت تُورِثُهم إِيَّاها. والرَّبُّ هو السائِرُ أَمامَكَ، وهو يَكونُ معَكَ ولا يُهمِلُكَ ولا يَترُكُكَ، فلا تَخَفْ ولا تَفزَعْ». وكَتَبَ موسى هٰذه الشَّريعة، وسَلَّمَها إِلى الكَهَنَةِ بَني لاوي، حامِلي تابوتِ عَهْدِ الرَّبِّ، وسائِرِ شُيوخِ إِسْرائيل. وأَمَرَهم موسى قائلًا: «في نِهايةِ السِّنينَ السَّبْع، في الوَقتِ المُحَدَّدِ لِسَنَةِ الإِبْراء، في عيدِ الأكْواخ، حينَ يأتي إِسْرائيلُ كُلُّه لِيَحضُرَ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، في المَكانِ الَّذي يَخْتارُه، تَقرَأُ هٰذه الشَّريعة، على مَسمَعٍ مِن إِسْرائيلَ كُلِّه. إِجمَعِ الشَّعبَ، الرِّجالَ والنِّساءَ والأَطْفالَ ونَزيلَكَ الَّذي في مُدُنِكَ، لِكَي يَسمَعوا ويَتَعَلَّموا ويَتَّقوا الرَّبَّ إِلٰهَكم ويَتَنَبَّهوا أَن يَعمَلوا بِجَميعِ كَلِمَاتِ هٰذه الشَّريعة، ويَسمَعَ بَنوهمُ الَّذينَ لم يَعلَموا فيَتَعَلَّموا مَخافةَ الرَّبِّ إِلٰهكم، كُلَّ الأَيَّامِ الَّتي تَعيشونَها في الأَرضِ الَّتي أَنتُم عابِرونَ إِلَيها الأُردُنَّ لِتَرِثوها». ثُمَّ قالَ الرَّبُّ لِموسى: «قدِ ٱقتَرَبَت أَيَّامُ وَفاتِكَ، فٱدعُ يَشوعَ وقِفا في خَيمَةِ المَوعِد فأُوصِيَه». فمَضى موسى ويَشوعُ ووَقَفا في خَيمَةِ المَوعِد. فتَراءى الرَّبُّ في الخَيمَة، في عَمودِ غَمام، ووَقَفَ عَمودُ الغَمامِ على بابِ الخَيمَة. وقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِنَّكَ تَضطَجِعُ مع آبائِكَ، وإِنَّ هٰذا الشَّعبَ سَيقومُ ويَزْني وَراءَ آلِهَةِ الأَرضِ الغَريبةِ الَّتي هو داخِلٌ إِلى وَسْطِها، ويَترُكُني ويَنقُضُ عَهْديَ الَّذي قَطَعتُه معه. فأَغضَبُ علَيه ذٰلك اليَوم، وأَترُكُه وأَحجُبُ وَجْهي عَنه، فيَصيرُ مَأكَلًا وتُصيبُه شُرورٌ كَثيرةٌ وشَدائِد، فيَقولُ في ذٰلك اليَوم: أَلَيسَ لأَنَّ إِلٰهَنا لَيسَ في وَسْطي أَصابَتْني هٰذه الشُّرور؟ وأَنا أَحجُبُ وَجْهي في ذٰلك اليَوم، بِسَبَبِ كُلِّ الشَّرِّ الَّذي صَنَعَه، إِذ تَحَوَّلَ إِلى آلِهَةٍ أُخْرى. فالآنَ ٱكتُبوا لَكم هٰذا النَّشيدَ وعَلِّمْه بَني إِسْرائيلَ وضَعْه في أَفْواهِهم، لِكَي يَكونَ لي هٰذا النَّشيدُ شاهِدًا على بَني إِسْرائيل، حينَ أُدخِلُه الأَرضَ الَّتي أَقسَمتُ لِآبائِه علَيها، الأَرضَ الَّتي تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا، فيأكُلُ ويَشبَعُ ويَسمَنُ ويَتَحَوَّلُ إِلى آلِهَةٍ أُخْرى ويَعبُدونَها ويَستَهينونَ بي ويَنقُضُ عَهْدي. فإِذا أَصابَتْه شُرورٌ كَثيرةٌ وشَدائِد، يَقومُ هٰذا النَّشيدُ شاهِدًا علَيه، إِذ لا يُنْسى مِن أَفْواهِ نَسْلِه، لأَنَّي عالِمٌ بِما يَنْوي أَن يَعمَلَه اليَومَ، مِن قَبلِ أَن أُدخِلَه الأَرضَ الَّتي أَقسَمتُ علَيها». فكَتَبَ موسى هٰذا النَّشيدَ في ذٰلِكَ اليَومِ وعَلَّمَه بَني إِسْرائيل. ثُمَّ أَوصى يَشوعَ بنَ نونٍ وقالَ لَه: «تَشَدَّدْ وتَشَجَّعْ، فإِنَّكَ أَنتَ تُدخِلُ بني إِسْرائيلَ إِلى الأَرضِ الَّتي أَقسَمتُ لَهم علَيها، وأَنا أَكونُ معَكَ». ولَمَّا ٱنتَهى موسى مِن كِتابةِ كَلِمَاتِ هٰذه الشَّريعةِ حَتَّى آخِرِها في سِفْر، أَمَرَ اللاَّوِيِّينَ حامِلي تابوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وقالَ لَهم: «خُذوا سِفْرَ هٰذه الشَّريعة، وضَعوه إِلى جانِبِ تابوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلٰهِكم، فيَكونَ هُناكَ شاهِدًا علَيكَ، لأَنِّي عالِمٌ بِتَمَرُّدِكَ وقَساوَةِ رَقَبَتِكَ. ها إِنَّكم، وأَنا على قَيدِ الحَياةِ معَكم، قد تَمَرَّدتُم على الرَّبّ، فكَيفَ بَعدَ مَوتي؟ إِجمَعوا إِلَيَّ شُيوخَ أَسْباطِكم وكَتَبَتَكم كُلَّهم، حتَّى أَقولَ على مَسامِعِهم هٰذه الكَلِمات، وأُشهِدَ علَيهمِ السَّماءَ والأَرض. فإِنِّي أَعلَمُ أَنَّكم، بَعدَ مَوتي، ستَفسُدونَ وتَبتَعِدونَ عنِ الطَّريقِ الَّتي أَوصَيتُكم بِها، فيُصيبُكمُ الشَّرُّ في آخِرِ الأَيَّامِ، لأَنَّكم ستصنَعونَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، فتُسخِطونَه بِأَعْمالِ أَيديكم». وقَرَأَ موسى على مَسامِعِ جَماعةِ إِسْرائيلَ كُلِّها كَلامَ هٰذا النَّشيدِ إِلى آخِرِه. أَصْغي أَيَّتُها السَّمَواتُ فأَتكَلَّم، ولْتَستَمِعِ الأَرضُ لأَقوالِ فَمي. لِيَهْطُلْ كالمَطَرِ تَعْليمي، ولْيَقطُرْ كالنَّدى قَولي، وكالغَيثِ على الكَلأ، وكالرَّذاذِ على العُشب، لأَنِّي بِٱسمِ الرَّبِّ أَدْعو. أَدُّوا تَعْظيمًا لإلٰهِنا. هو الصَّخرُ الكامِلُ صَنيعُه، لأَنَّ جَميعَ سُبُلِه حَقّ. اللهُ أَمينٌ لا ظُلمَ فيه، هُو بارٌّ مُستَقيم، فَسَدَ الَّذينَ وَلَدَهم بِلا عَيب، جيلٌ شِرِّيرٌ مِعوَجّ، أَبِهٰذا تُكافِئُ الرَّبَّ، أَيُّها الشَّعبُ الأَحمَقُ الخالي مِنَ الحِكمَة؟ أَلَيسَ هو أَبوكَ الَّذي خَلَقَكَ، الَّذي صَنَعَكَ وأَقامَكَ؟ أُذكُرِ الأَيَّامَ الغابِرَة، وٱعتَبِروا السِّنينَ جيلًا فجيلًا. سَلْ أَباكَ يُخبِرْكَ، وشُيوخَكَ يُحَدِّثوكَ. حين أَورَثَ العَلِيُّ الأُمَم، ووَزَّعَ بَني آدم وَضَعَ حُدودَ الشُّعوب على عَدَدِ بَني الله. لٰكِنَّ نَصيبَ الرَّبِّ شَعبُه. ويَعقوبَ حِصَّةُ ميراثِه. يَجِدُه في أَرضِ بَرِّيَّة، وفي صِياحِ خَواءٍ وَحشِيّ. يُحيطُ ويَعتني بِه، ويَحفَظُه كإِنْسانِ عَينِه. كالعُقابِ الَّذي يُثيرُ عُشَّه، وعلى فِراخِه يُرَفرِف. يَبسُطُ جَناحَيه فيَأخُذُه، وعلى ريشهِ يَحمِلُه. الرَّبُّ وَحدَه يَهْديه، ولَيسَ معَه إِلٰهٌ غريب. يُركِبُه على مُرتَفَعاتِ الأَرضِ، فيُطعِمُه مِن غَلاَّتِ الحُقول، ويُرضِعُه مِنَ الصَّخرِ عَسَلًا، ومِن صَوَّانِ الجُلْمودِ زَيتًا، ولَبَنَ البَقَرِ وحَليبَ الغَنَم. مع شَحْمِ الحُمْلان وكِباشِ بَني باشانَ والتُّيوس، مع دَسَمِ لُبِّ الحِنْطَة، ودَمُ العِنَبِ تَشرَبُه خَمْرًا. أَكَلَ يَعْقوبُ فشَبِع، وسَمِنَ يَشورونُ فَرفَس (سَمِنتَ وَبَدُنتَ وٱكتَسَيتَ شَحْمًا). فنَبَذَ الإلٰهَ الَّذي صَنَعَه، وٱستَخَفَّ بِصَخرَةِ خَلاصِه. أَغاروه بِالغُرَباء، وأَسخَطوه بِالقَبائِح. ذَبَحوا لِشَياطينَ لَيسَتِ الله، ولِآلِهَةٍ لم يَعرِفوها، آلِهَةٍ جَديدةٍ أَتَت حَديثًا، آباؤُكم لم يَهابوها. (الصَّخرُ الَّذي وَلَدَكَ أَهمَلتَه، والإِلٰهُ الَّذي وَضَعَكَ نَسيتَه). الرَّبُّ رآه وفي غَضَبِه، اِستَهانَ بِبَنيه وبَناتِه. فقال: «أَحجُبُ وَجْهي عنهم، وأَرى ماذا تَكونُ آخِرَتُهم. لِأنَّهم جيلٌ مُتَقَلِّب، بَنونَ لا أَمانَةَ فيهم. هم أَغاروني بِمَن لَيسَ إِلٰهًا، وأَغضَبوني بِأَباطِيلِهم، وأَنا أُغيرُهم بِمَن لَيسوا شَعبًا، وبِأُمَّةٍ حَمْقاءَ أُغْضِبُهم. لأَنَّ نارًا شَبَّت في أَنْفي، فتَشتَعِلُ إِلى أَسفَلِ مَثْوى الأَمْوات، وتَأكُلُ الأَرضَ وغَلاَّتِها، وتُحرِقُ أُسُسَ الجِبال. أَحشُدُ شُرورًا علَيهم، وسِهامي أُفرِغُها فيهم. يَخورونَ جوعًا، وتَفتَرِسُهم حُمَّى ووَباءٌ مُرّ. أَنْيابُ البَهائِمِ أُطلِقُها فيهم، مع سَمِّ زَحَّافاتِ التُّراب. السَّيفُ مِن خارِجٍ يُثكِلُهم، والرُّعبُ في داخِلِ المَخادِعِ يُصيبُهم، الفَتى والعَذراء، والرَّضيعَ والشَّائب». قُلتُ: «إِنِّي أُشَتِّتُهم، ومِن بَينِ الأَنامِ أُبيدُ ذِكرَهم، لَولا أَنِّي أَخْشى صَلَفَ العَدُوِّ، لِئَلاَّ يَغتَرَّ خُصومُهم، ويَقولوا: يَدُنا قد عَلَت، ولَيسَ الرَّبُّ صَنَعَ هٰذا كُلَّه. لأَنَّهم أُمَّةٌ تائِهَةٌ بِمَشورَتِها، ولَيسَ فيهم فَهمٌ. لَيتَهم يَعقِلونَ ويَفهَمونَ هٰذا، فيَتَبَصَّرونَ في عاقِبَتِهم! كَيفَ يُطارِدُ الواحِدُ أَلْفًا، ويَهزِمُ الِٱثْنانِ رِبْوَةً، لَولا أَنَّ صَخرَهم باعَهم، والرَّبَّ أَسلَمَهم؟ لأَنَّ صَخرَتَهم لَيسَت كصَخرَتِنا، وبِذٰلك أَعْداؤُنا حاكِمون، مِن جَفنَةِ سَدومَ جَفنَتُهم، ومِن كُرومِ عمورة. عِنَبُهم عِنَبُ سَمّ، وعَناقيدُهم عَناقيدُ مَرارة. حُمَةُ الثَّعابينِ خَمْرُهم، وسَمُّ الأَفاعي الأَليم. أَلا إِنَّه مَحْفوظٌ عِندي، ومَخْتومٌ علَيه في ذَخائِري، لِيَومِ الِٱنتِقامِ والثَّواب، حين تَعثُرُ أَرجُلُهم، لأَنَّه قدِ ٱقتَرَبَ يَومُ نَكبَتِهم، وأَسرَعَ ما أُعِدَّ لَهم. (لأَنَّ الرَّبَّ يُنصِفُ شَعبَه ويَرأَفُ بِعَبيده)، إِذا رأَى أَنَّ القُوَّةَ قد ذَهَبَت، ولم يَبْقَ عَبدٌ ولا حُرّ. ويَقول: أَينَ آلِهَتُهم؟ الصَّخرُ الَّذي إِلَيه ٱلتَجأوا هي الَّتي كانَت تَأكُلُ شُحومَ ذَبائِحهم، وتَشرَبُ خَمرَ سُكُبِهم؟ فلْتَقُمْ وتَنصُرْكم، وتَكُنْ لَكُم مَلْجَأً. أُنظُروا الآن، إِنَّني أَنا هو، ولا إِلٰهَ معي. أَنا أُميتُ وأُحْيي، وأَجرَحُ وأَشْفي (ولَيسَ مَن يُنقِذُ مِن يَدي). أَرفَعُ يَدي إِلى السَّماء، وأَقولُ: حَيٌّ أَنا لِلأَبَد. إِذا صَقَلتُ بارِقَ سَيْفي، وأَمسَكَت بِالقَضاءِ يَدي، رَدَدتُ الِٱنتِقامَ على خُصومي، وجازَيتُ مُبغِضِيَّ. أُسكِرُ سِهامي مِنَ الدِّماء، وسَيفي يأكُلُ لَحْمًا: مِن دِماءِ الضَّحايا والسَّبايا، ومِن رُؤُوسِ العَدُوِّ الشَّعْراء. تَهَلَّلي معَه أَيَّتُها السَّمٰوات، وٱسجُدوا لَه يا جَميعَ الآلِهَة. تَهَلَّلي أَيَّتُها الأُمَمُ مع شَعْبِه، ولْتُعلِنْ قُوَّتَه مَلائِكَةُ اللهِ جَميعًا، لأَنَّه يَثأَرُ لِدَمِ عَبيده، ويَرُدُّ الِٱنتِقامَ على خُصومِه، ويُجازي مُبغِضيه ويُكَفِّرُ عن أَرضِ شَعبِه». فأَتى موسى وقَرَأَ كَلِمَاتِ هٰذا النَّشيدِ كُلَّها على مَسامِعِ الشَّعب، هو ويَشوعُ بنُ نون. ولَمَّا ٱنتَهَى موسى مِن مُخاطَبَةِ جَميعِ إِسْرائيلَ بِهٰذا الكَلامِ كُلِّه، قالَ لَهم: «إِنتَبِهوا إِلى جَميعِ الكَلامِ الَّذي أَنا مُشهِدٌ بِه علَيكمُ اليَومَ لِتوصوا بِه بَنيكم، لِيَتَنَبَّهوا أَن يَعمَلوا بِجَميعِ كَلِماتِ هٰذه الشَّريعة، لأَنَّها لَيسَت كَلامًا فارِغًا لَكم، بل هي حَياةٌ لَكم، وبِها تُطيلونَ أَيَّامَكم على الأَرضِ الَّتي أَنتُم عابِرونَ إِلَيها الأُردُنَّ لِتَرِثوها». وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى في ذٰلك اليَومِ عَينِه قائلًا: «إِصعَدْ إِلى جَبَلِ العَباريمَ هٰذا، جَبَلِ نبوَ الَّذي في أَرضِ موآب، تُجاهَ أَريحا، وٱنظُرْ إِلى أَرضِ كَنْعانَ الَّتي أَنا مُعْطي بني إِسْرائيلَ إِيَّاها مِلْكًا. ثُمَّ مُتْ في الجَبَلِ الَّذي أَنتَ صاعِدٌ إِلَيه وٱنضَمَّ إِلى أَجدادِكَ، كما ماتَ هارونُ أَخوكَ في جَبَلِ هورٍ وٱنضَمَّ إِلى أَجدادِه، لأَنَّكُما خالَفْتُماني في وَسْطِ بَني إِسْرائيل، عِندَ ماءِ مَريبةَ قادِش، في بَرِّيَّةِ صين، ولم تُقَدِّساني في وَسْطِ بَني إِسْرائيل. فأَنتَ تَرى عن بُعدٍ تِلكَ الأَرضَ الَّتي أُعطي بَني إِسْرائيلَ إِيَّاها، ولٰكِنَّكَ لا تَدخُلُها». وهٰذه هي البَرَكَةُ الَّتي بارَكَ بِها موسى، رَجُلُ اللهِ، بَني إِسْرائيلَ قَبلَ مَوتِه فقال: «أَقبَلَ الرَّبُّ مِن سيناء، وأَشْرَقَ لَهم مِن سِعير، وسَطَعَ مِن جَبَلِ فاران، وأَتى مِن رِبْواتِ قادِش، مِن جَنوبِه إِلى المُنحَدَراتِ إِلَيهم. أَنتَ المُحِبُّ لِلشُّعوب، جَميعُ القِدِّيسينَ في يَدِكَ، وهم يَسجُدونَ عِندَ قَدَمِكَ، يَقتَبِسونَ مِن كَلِماتِكَ. (أمَرَنا موسى بِالشَّريعة) هي ميراثٌ لِجَماعَةِ يَعْقوب. وكانَ مَلِكٌ في يَشورون، حينَ ٱجتَمَعَ إِلَيه رُؤَساءُ الشَّعْبِ مع أَسْباطِ إِسْرائيل. لِيَحْيَ رَأُوبينُ ولا يَمُتْ، ولْيَحيَ رِجالُه المَعْدودون!» وهٰذا ما قال لِيَهوذا: «إِسمَعْ يا رَبُّ صَوتَ يَهوذا، وَرُدَّه إِلى شَعبِه. بِيَدَيه يُقاتِلُ لِنَفْسِه، فكُنْ لَه عَونًا على خُصومِه». وقالَ لِلاوي: «أَعْطوا لاوِيَ توميمَكَ، وأُوريمَكَ لِرَجُلِ حُظوَتِكَ، الَّذي ٱمتحَنتَه في مَسَّة وخاصَمتَه على مِياهِ مَريبَة، الَّذي قالَ في أَبيه وأُمِّه: لم أَرَهُما. ولَم يُثبِتْ إِخوَتَه، ولَم يَعرِفْ بَنيه، لأَنَّهم حَفِظوا قَولَكَ ورَعَوا عَهدَكَ. يُعَلِّمونَ يَعْقوبَ أَحْكامَكَ وإِسْرائيلَ شَريعَتَكَ، ويَجعَلونَ بَخورًا في أَنفِكَ وتَقدِمةً كامِلَةً على مَذبَحِكَ. بارِكْ يا ربُّ قُوَّتَه وٱرتَضِ بِعَمَلِ يَدَيه وحَطِّمْ كُلى مُقاوِميه ومُبغِضيه حتَّى لا يَنهَضوا». وقال لِبَنْيامين: «حَبيبُ الرَّبِّ يَسكُنُ لَدَيه آمِنًا، يَستُرُه العَلِيُّ طولَ النَّهار، وبَينَ مَنكِبَيه يسكُن». وقال لِيوسُف: «مُباركةٌ مِنَ الرَّبِّ أَرضُه، لَه طَيِّباتُ نَدى السَّماء والغَمرِ الرَّابِضِ في الأَسفَل، وطَيِّباتُ الغِلالِ الشَّمسِيَّة، وطَيِّباتُ الغِلالِ القَمَرِيَّة، وخِيارُ الجِبالِ القَديمة، وطَيِّباتُ التِّلالِ الأَزَلِيَّة، وطَيِّباتُ الأَرضِ ومِلؤُها، ورِضْوانُ السَّاكِنِ في العُلَّيقَة. فلْيَحِلَّ على رأسِ يوسُف، وعلى قِمَّةِ رأسِ النَّذيرِ بَينَ إِخوَتِه. بَهاؤُه مِثْلُ بِكْرِ ثَورِه. وقُرونُه قُرونُ جاموس. يَنطِحُ بِها الشُّعوب إِلى أَقاصي الأَرض. تِلكَ رِبْواتُ أَفْرائيم وأُلوفُ مَنَسَّى». وقال لِزَبولون: «إِفْرَحْ يا زَبولونَ بِخُروجِكَ، وأَنتَ يا يَسَّاكَرُ بِخِيامِكَ. إِلى الجَبَلِ يَدعُوانِ الشُّعوب. هُناكَ يَذبَحانِ ذَبائِحَ البِرّ، فهُما يَرضَعانِ مِن فَيضِ البِحار، ومِنَ الكُنوزِ المَدْفونةِ في الرِّمال». وقال لِجاد: «مُبارَكٌ الَّذي وَسَّعَ لِجاد، يَربِضُ كاللَّبُؤَة، يَفتَرِسُ الذِّراعَ مع قِمَّةِ الرَّأس. خَصَّ نَفسَه بِالبَواكير، لأَنَّه هُناكَ حُفِظَ لَه نَصيبُ رَئيس. أَتى رَئيسًا لِلشَّعْب، وأَجْرى بِرَّ الرَّبّ، وأَحْكامَه على إِسْرائيل». وقال لِدان: «دانٌ شِبْلُ أَسَد، يَثِبُ مِن باشان». وقال لِنَفْتالي: «شَبِعَ نَفْتالي مِنَ الرِّضْوان وٱمتَلَأَ مِن بَرَكَةِ الرَّبّ، وَوَرِثَ الغَرْبَ والجَنوب». وقال لأَشير: «لِيَكُنْ أَشيرُ مُبارَكًا بَينَ البَنين، ومُفَضَّلًا بَينَ إِخوَتِه، وَليَغمِسْ في الزَّيتِ رِجلَه. مِن حَديدٍ ونُحاسٍ مَزاليجُكَ، ومَدى أَيَّامِكَ أَمانُكَ. لا نَظيرَ لإلٰهِ يَشورون، راكِبِ السَّمَواتِ لِنُصرَتِكَ، والغَمامِ في عَظَمَتِه. مَلجَأُكَ الإِلٰهُ الأَزَلِيّ ومِن تَحتِه الأَذرُعُ الأَبَدِيَّة. طَرَدَ العَدُوَّ مِن أَمامِكَ وقال: «أَبِدْ». يَسكُنُ إِسْرائيلُ آمِنًا. نَبْعُ يَعقوبَ على ٱنفِراد، في أَرضِ حِنطَةٍ ونَبيذ، وسَماؤُه أَيضًا تَقطُرُ نَدًى. طوبى لَكَ يا إِسْرائيل، مَن مِثْلُكَ شَعبٌ يُخَلِّصُه الرَّبّ؟ تُرسُ عَونِكَ، وسَيفُ عَظَمَتِكَ. أَعْداؤُكَ يَتَمَلَّقونَكَ، وأَنتَ تَدوسُ مشارِفَهم». ثُمَّ صَعِدَ موسى مِن بَرِّيَّةِ موآب، إِلى جَبَلِ نَبو، إِلى قِمَّةِ الفِسْجَة، تُجاهَ أَريحا. فأَراه الرَّبُّ الأَرضَ كُلَّها: مِن جِلْعادَ إِلى دان، نَفْتالِيَ كُلَّها وأَرضَ أَفْرائيمَ ومَنَسَّى، وأَرضَ يَهوذا كُلَّها، إِلى البَحرِ الغَرْبِيّ، والنَّقَبَ وناحِيَةَ وادي أَريحا، مَدينَةِ النَّخْل، إِلى صوعَر. وقالَ لَه الرَّبّ: «هٰذه هيَ الأَرضُ الَّتي أَقسَمتُ لإبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوبَ قائِلًا: لِنَسْلِكَ أُعْطيها. قد أَرَيتُكَ إِيَّاها بِعَينَيكَ، ولٰكِنَّكَ إِلى هُناكَ لا تَعبُر». فماتَ هُناكَ موسى، عَبدُ الرَّبِّ، في أَرضِ موآب، بِأَمرِ الرَّبّ. ودَفَنَه في الوادي في أَرضِ موآب، تُجاهَ بَيتِ فَغور. ولم يَعرِفْ أَحَدٌ قَبرَه إِلى يَومِنا هٰذا. وكانَ موسى ٱبنَ مِئَةٍ وعِشْرينَ سَنةً، حينَ ماتَ، ولم يَكِلَّ بَصَرُه ولم تَذهَبْ نَضرَتُه. فبَكى بَنو إِسْرائيلَ على موسى، في بَرِّيَّةِ موآب، ثَلاثينَ يَومًا، إِلى أَنِ ٱنقَضَت أَيَّامُ الحُزنِ على موسى. أَمَّا يَشوعُ بنُ نون، فمُلِئَ روحَ حِكمَة، لأَنَّ موسى وَضَعَ علَيه يَدَيه، فأَطاعَه بَنو إِسْرائيل، وعَمِلوا كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. ولم يَقُم مِن بَعدُ في إِسْرائيلَ نَبِيٌّ كموسى الَّذي عَرَفَه الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْه، في جَميعِ الآياتِ والخَوارِقِ الَّتي أَرسَلَه الرَّبُّ لِيَصنَعَها في أَرضِ مِصرَ بِفِرعونَ وجَميعِ رِجالِه وكُلِّ أَرضِه، وفي كُلِّ يَدٍ قَوِيَّة وكُلِّ مَخافةٍ عَظيمةٍ صَنَعَها موسى على عُيونِ إِسْرائيلَ كُلِّه. وكانَ بَعدَ وَفاةِ موسى، عَبدِ الرَّبّ، أَنَّ الرَّبَّ كَلَّمَ يَشوعَ بنَ نون، مُساعِدَ موسى، قائِلًا: «إِنَّ موسى عَبْدي قد مات، فقُمِ الآنَ وٱعبُرِ الأُردُنَّ هٰذا، أَنتَ وكُلُّ هٰذا الشَّعْب، إِلى الأَرضِ الَّتي أَنا مُعْطيها لِبَني إِسْرائيل. كُلُّ مَكانٍ تَطَأُ أَخامِصُ أَقْدامِكم لَكم أَعطَيتُه، كما قُلتُ لِموسى: مِنَ البَرِّيَّةِ ولُبْنانَ هٰذا إِلى النَّهرِ الكَبير، نَهرِ الفُرات، كُلُّ أَرضِ الحِثِّيِّين، وإِلى البَحرِ الكَبيرِ الَّذي في جِهَةِ مَغارِبِ الشَّمس، تَكونُ أَراضِيَكم. فلا يَقِفُ أَحَدٌ أَمامَكَ طولَ أَيَّامِ حَياتِكَ. كما كُنتُ مع موسى أَكونُ مَعَكَ، لا أُهمِلُكَ ولا أَترُكُكَ. تَشَدَّدْ وتَشَجَّعْ، فإِنَّكَ أَنتَ تورِثُ هٰذا الشَّعبَ الأَرضَ الَّتي أَقسَمتُ لِآبائِه أَن أُعطِيَهم إِيَّاها. إِنّما تَشَدَّدْ وتَشَجَّعْ جدًّا لِتَحرَصَ على العَمَلِ بكُلِّ الشَّريعةِ الَّتي أَمَرَكَ بِها موسى عَبْدي. لا تَحِدْ عَنها يَمنَةً ولا يَسرَةً، لِكَي تَنجَحَ حَيثُما تَوجَّهتَ. لا يَبرَحْ سِفرُ هٰذه التَّوراةِ مِن فَمِكَ، بل تَأَمَّلْ فيه نَهارًا ولَيلًا لِتَحرَصَ على العَمَلِ بِكُلِّ ما كُتِبَ فيه، فإِنَّكَ حينَئِذٍ تُيَسِّرُ طُرُقَكَ وحينَئِذٍ تَنجَح. أَلَم آمُرْكَ: تَشَدَّدْ وتَشَجَّعْ، لا تَرتَعِدْ ولا تَفْزَعْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ مَعَكَ حَيثُما ذَهَبتَ». فأَمَرَ يَشوعُ كَتَبَةَ الشَّعبِ قائِلًا: «أُعبُروا في وَسَطِ المُخَيَّم، ومُروا الشَّعبَ قائِلين: أَعِدُّوا لَكم زادًا، لأَنَّكم بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ تَعبُرونَ الأُردُنَّ هٰذا، لكي تَدخُلوا فتَرِثوا الأَرضَ الَّتي يُعطيكمُ الرَّبُّ إِلٰهُكم إِيَّاها لِتَرِثوها». ثُمَّ كَلَّمَ يَشوعُ الرَّأُوبينِيِّينَ والجادِيِّينَ ونِصفَ سِبْطِ مَنَسَّى قائلًا: «أُذكُروا ما أَمَركم بِه موسى، عَبدُ الرَّبِّ، قائِلًا: إِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم قد أَراحَكم وأَعْطاكم هٰذه الأَرْض. نِساؤُكم وأَطْفالُكم ومَواشيكم يُقيمونَ في الأَرضِ الَّتي أَعْطاكم موسى إِيَّاها في عِبرِ الأُردُنّ، وأَنتُم تَعبُرونَ مُسَلَّحينَ أَمامَ إِخوَتِكم، كُلُّ مُحارِبٍ باسِل، وتُساعِدونَهم، إِلى أَن يُريحَ الرَّبُّ إِخوَتَكم مِثلَكم، ويَرِثوا هم أَيضًا الأَرضَ الَّتي الرَّبُّ إِلٰهُكم مُعْطيهم إِيَّاها. ثُمَّ تَرجِعونَ إِلى أَرضِ ميراثِكُمُ الَّتي أَعْطاكم إِيَّاها موسى، عَبْدُ الرَّبِّ، في عِبرِ الأُردُنّ، مِن جِهَةِ مَشرِقِ الشَّمْس، وتَرِثونَها». فأَجابوا يَشوعَ قائِلين: «كُلُّ ما أَمَرتَنا به نَفعَلُه، وحَيثُما أَرسَلتَنا نَذهَب. في كُلِّ ما أَطَعْنا بِه موسى نُطيعُكَ، على أَن يَكونَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ معَكَ، كما كانَ مع موسى. كُلُّ مَن يَعْصي أَمرَكَ ولا يَسمَعُ كَلامَكَ في كُلِّ ما تأَمُرُه به يُقتَل. إِنَّما تَشَدَّدْ وتَشَجَّعْ». فأَرسَلَ يَشوعُ بنُ نونٍ رَجُلَينِ مِن شِطِّيمَ جاسوسَينِ خُفيَةً قائِلًا: «إِمضِيا وٱنظُرا الأَرضَ وأَريحا». فمَضَيا ودَخَلا بَيتَ ٱمرَأَةٍ زانِيَةٍ ٱسمُها راحاب، وباتا هُناك. فقيلَ لِمَلِكِ أَريحا: «قَدِمَ إِلى هُنا اللَّيلَةَ رَجُلانِ مِن بَني إِسْرائيل، لِيَتَجَسَّسا الأَرض». فأَرسَلَ مَلِكُ أَريحا إِلى راحابَ قائِلًا: «أَخرِجي الرَّجُلَينِ اللَّذَينِ أَتَياكِ ودَخلا بَيتَكِ، فإِنَّهما أَتَيا لِيَتَجَسَّسا الأَرضَ كُلَّها». فأَخَذَتِ المرأَةُ الرَّجُلَينِ وأَخفَتهما وقالَت: «نعَم أَتاني الرَّجُلان، لَكِنِّي لم أَعْلَمْ مِن أَينَ هُما، وقد كانَ عِندَ إِغلاقِ البابِ وَقتَ الظَّلام، أَن خَرَجَ الرَّجُلان، ولا أَدْري أَيْنَ ذَهَبا. فبادِروا في إِثرِهما، فإِنَّكم تُدرِكونَهما». وكانَت قد أَصعَدَتهما السَّطْحَ وأَخفَتْهما تَحتَ سوقِ كَتَّانٍ لَها، مَصْفوفَةٍ على السَّطْح. فجَدَّ القَومُ في إِثرِهما في طَريقِ الأُردُنّ، إِلى المَخاوِض، وحالَما خَرَجَ الَّذينَ جَدُّوا في إِثرِهما، أُغلِقَ الباب. وأَمَّا هما، فقَبلَ أَن يَضَّجِعا، صَعِدَت إِلَيهما إِلى السَّطْح، وقالَت لَهما: «قد عَلِمتُ أَنَّ الرَّبَّ أَعْطاكُم الأَرْض، وقد حَلَّ بِنا رُعبُكم، وجَميعُ سُكَّانِ الأَرضِ قدِ ٱنحَلُّوا أَمامَكم. لأَنَّنا قد سَمِعْنا كَيفَ جَفَّفَ الرَّبُّ مِياهَ بَحرِ القَصَبِ قُدَّامَكم، عِندَ خُروجِكم مِن مِصْر، وما صَنَعتُم بِمَلِكَيِ الأَمورِيِّينَ اللَّذَينِ في عِبرِ الأُردُنّ، سيحونَ وعوج، اللَّذَينِ حَرَّمتُموهما. سَمِعْنا فذابَت قُلوبُنا، ولم يَبْقَ في أَحَدٍ روحٌ أَمامَكم، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم هو إِلٰهٌ في السَّماءِ مِن فَوقُ وعلى الأَرضِ مِن أَسفَل. والآنَ ٱحلِفا لي بِالرَّبّ، لأَنِّي قد صَنَعتُ إِلَيكما رَحمَةً، أَن تَصْنَعا أَنتُما أَيضًا رَحمةً إِلى بَيتِ أَبي وتُعْطِياني عَلامَةً ثابِتَة، وتُبقِيا على أَبي وأُمِّي وإِخوَتي وأَخَواتي وكُلِّ ما هو لَهم، وتُنَجِّيا أَنفُسَنا مِنَ المَوت». فقالَ لَها الرَّجُلان: «أَنفُسُنا تَموتُ فِداكُم، إِذا لم تُذيعوا أَمرَنا هٰذا. وإِذا أَعْطانا الرَّبُّ الأَرضَ، صَنَعنا إِلَيكِ رَحمَةً ووَفاءً». فدَلَّتهُما بِحَبلٍ مِنَ الكَوَّة، لأَنَّ بَيتَها في حائِطِ السُّور، وهي ساكِنَةٌ في السُّور، وقالَت لَهما: «إِذهَبا في طَريقِ الجَبَل، لِئَلاَّ يَجِدَكما المُطارِدون، وٱختَبِئا هُناكَ ثَلاثَةَ أَيَّام، حتَّى يَرجِعَ المُطارِدون، ثُمَّ تَمْضِيانِ في طَريقِكما». فقالَ لَها الرَّجُلان: «نَحنُ بَريئانِ مِن يَمينِكِ هٰذِهِ الَّتي ٱستَحلَفتِنا بِها. ها نَحنُ داخِلانِ الأَرْض، فٱعقِدي هٰذا السِّلكَ مِن خُيوطِ القِرمِزِ في الكَوَّةِ الَّتي دَلَّيتِنا مِنها، وٱجمَعي أَباكِ وأُمَّكِ وإِخوَتَكِ وكُلَّ بَيتِ أَبيكِ عِندَكِ في مَنزِلِكِ. فيَكونُ أَنَّ كُلَّ مَن يَخرُجُ مِن بابِ مَنزِلِكِ إِلى الخارِجِ يَكونُ دَمُه على رأسِه، ونَحنُ بَريئان، وكُلَّ مَن كانَ مَعَكِ في المَنزِلِ يَكونُ دَمُه على رَأسِنا، إِذا مُدَّت علَيه يَد. وإِن أَنتِ أَذَعتِ أَمرَنا هٰذا، فنَحنُ بَريئانِ مِن يَمينِكِ الَّتي ٱستَحلَفتِنا بِها». فقالَتِ المَرأَة: «فَلْيَكُنْ كَما قُلتُما». وصَرَفَتهما فٱنطَلَقا. وعَقَدَتِ المَرأَةُ سِلكَ القِرمِزِ في الكَوَّة. وأَمَّا هُما فسارا ووَصَلا إِلى الجَبَل، وأَقاما هُناكَ ثَلاثَةَ أَيَّام، إِلى أَن عادَ المُطارِدون، وقد طَلَبوهما في كُلِّ طَريق، فلَم يَجِدوهما. ورَجَعَ الرَّجُلانِ ونَزَلا مِنَ الجَبَل وعَبَرا وأَتَيا يَشوعَ بنَ نون، وحَدَّثاه بكُلِّ ما جَرى لَهما. وقالا لِيَشوع: «إِنَّ الرَّبَّ قد أَسلَم إِلى أَيدينا كُلَّ الأَرض، وقدِ انحَلَّ جَميعُ سُكَّانِها أَمامَنا». فبَكَّرَ يَشوعُ في الصَّباح، ورَحَلَ مِن شِطِّيم، وأَقبَلَ إِلى الأُردُنِّ هو وجَميعُ بَني إِسْرائيل، وباتوا هُناكَ قَبلَ أن يَعبُروا. وكانَ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَن عَبَرَ الكَتَبَةُ في وَسَطِ المُخَيَّم، وأَمَروا الشَّعبَ قائلين: «إِذا رأَيتُم تابوتَ عَهدِ الرَّبِّ إِلٰهِكم والكَهَنَةَ اللاَّوِيِّينَ يَحمِلونَه، فٱرحَلوا مِن مَكانِكم وٱتَّبعوه. ولٰكِن، لِيَكُنْ بَينَكم وبَينَه نَحوُ أَلفَي ذِراعٍ مِنَ المَسافة، ولا تَدْنوا مِنْه. وذٰلك لِتَعرفوا الطَّريقَ الَّتي تَسيرونَ فيها، لأَنَّكم لم تَسلُكوها بِالأَمْسِ فما قَبلُ». وقالَ يَشوعُ لِلشَّعْب: «تَقَدَّسوا، لأَنَّ الرَّبَّ في غَدٍ يَصنَعُ في وَسْطِكم عَجائب». وكَلَّم يَشوعُ الكَهَنَةَ قائِلًا: «إِحمِلوا تابوتَ العَهْدِ وٱعبُروا أَمامَ الشَّعْب». فحَمَلوا تابوتَ العَهْدِ وساروا أَمامَ الشَّعْب. فقالَ الرَّبُّ لِيَشوع: «في هٰذا اليَومِ أَبدأُ بِتَعْظيمِكَ في عُيونِ إِسْرائيلَ كُلِّه، حتَّى يَعلَمَ أَنِّي كما كُنتُ مع موسى أَكونُ معَكَ. وأَنتَ فمُرِ الكَهَنَةَ حامِلي تابوتِ العَهْدِ قائِلًا: إِذا وَصَلتُم إِلى ضَفَّةِ مِياهِ الأُردُنّ، فقِفوا في الأُردُنّ». وقالَ يَشوعُ لِبَني إِسْرائيل: «إِقتَرِبوا وٱسمَعوا كَلامَ الرَّبِّ إِلٰهِكم». وقالَ يَشوع: «بِهٰذا تَعلَمونَ أَنَّ اللهَ الحَيَّ هو في وَسْطِكم وأَنَّه يَطرُدُ مِن وَجهِكمُ الكَنعانِيَّ والحِثِّيَّ والحُوِّيَّ والفَرِزِّيَّ والجِرجاشِيَّ والأَمورِيَّ واليَبوسِيّ. هوَذا تابوتُ عَهدِ رَبِّ الأَرْضِ كُلِّها عابِرٌ قُدَّامَكم في الأُردُنّ. والآنَ فخُذوا لَكمُ ٱثنَي عَشَرَ رَجُلًا مِن أَسْباطِ إِسْرائيل، مِن كُلِّ سِبطٍ رَجُلًا. ويَكونُ عِندَ وَضعِ أَخامِصِ أَقْدامِ الكَهَنَة، حامِلي تابوتِ عَهدِ الرَّبِّ، سَيِّدِ الأَرضِ كُلِّها، في مِياهِ الأُردُنّ، أَنَّ مِياهَ الأُردُنِّ تَنفِلِق، والمِياهَ المُنحَدِرَةَ مِن عالِيَةِ النَّهرِ تَقِفُ كُتلَةً واحِدة». فلَمَّا رَحَلَ الشَّعبُ مِن خِيامِه لِيَعْبُرَ الأُردُنّ، كانَ الكَهَنَةُ حامِلينَ تابوتَ العَهْدِ قُدَّامَ الشَّعْب. فلَمَّا وَصَلَ حامِلو التَّابوتِ إِلى الأُردُنّ ووَطِئَت أَقْدامُ الكَهَنَةِ، حامِلي التَّابوت، ضَفَّةَ المِياه - والأُردُنُّ طافِحٌ مِن جَميعِ شُطوطِه كُلَّ أَيَّامِ الحِصاد - وَقَفَ الماءُ المُنحَدِرُ مِن عالِيَةِ النَّهْر، وقامَ كُتلَةً واحِدَة، على مسافةٍ كَبيرَةٍ عِندَ مَدينَةِ أَدامَ بِالقُربِ مِن صَرْتان، والماءُ المُنحَدِرُ إِلى بَحرِ عَرَبَة، بَحرِ المِلْح، اِنقَطَعَ تَمامًا، وعَبَرَ الشَّعبُ قُبالةَ أَريحا. فوقَفَ الكَهَنَةُ، حامِلو تابوتِ عَهدِ الرَّبّ، على اليَبَسِ في وَسَطِ الأُردُنِّ راسِخين، وكُلُّ إِسْرائيلَ عابِرٌ على اليَبَس، حتَّى ٱنتَهَتِ الأُمَّةُ كُلُّها مِن عُبورِ الأُردُنّ. وكانَ لَمَّا ٱنتَهَتِ الأُمَّةُ كُلُّها مِن عُبورِ الأُردُنِّ أَنَّ الرَّبَّ كَلَّمَ يَشوعَ قائِلًا: «خذوا لَكم مِنَ الشَّعبِ ٱثنَي عَشَرَ رَجُلًا، مِن كُلِّ سِبطٍ رَجُلًا، ومُروهم قائلين: إِرفَعوا مِن هٰهُنا، مِن وَسَطِ الأُردُنّ، مِن مَوقِفِ أَرجُلِ الكَهَنَة، اِثنَي عَشَرَ حَجَرًا، وٱعبُروا بِها وضَعوها في المَبيتِ الَّذي تَبيتونَ فيه اللَّيلَة». فدَعا يشوعُ الاِثنَي عَشَرَ رَجُلًا الَّذينَ عَيَّنَهم مِن بَني إِسْرائيل، مِن كُلِّ سِبطٍ رَجُلًا، وقالَ لَهم يَشوع: «أُعبُروا قُدَّامَ تابوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكم إِلى وَسَطِ الأُردُنّ، وٱرفَعوا كُلُّ رَجُلٍ مِنكم حَجَرًا واحِدًا على كَتِفِه، بِعَدَدِ أَسْباطِ بَني إِسْرائيل، لِيَكونَ ذٰلك عَلامَةً في وَسْطِكم. فإِذا سأَلَكم غَدًا بَنوكم وقالوا: ما هٰذِه الحِجارةُ لَكم؟، تَقولونَ لَهم: إِنَّ مِياهَ الأُردُنِّ قدِ ٱنفَلَقَت أَمامَ تابوتِ عَهدِ الرَّبّ. عِندَ عُبورِه الأُردُنّ، اِنفَلَقَت مِياهُ الأُردُنّ. فتَكونُ هٰذه الحِجارةُ ذِكرًا لِبَني إِسْرائيلَ لِلأَبَد». فصَنَعَ كذٰلك بَنو إِسْرائيلَ على حَسَبِ ما أَمَرَهم يَشوع، وأَخَذوا ٱثَني عَشَرَ حَجَرًا مِن وَسَطِ الأُردُنّ، كما قالَ الرَّبُّ لِيَشوع، على عَدَدِ بَني إِسْرائيل، وعَبَروا بِها إِلى المَبيت، ووَضَعوها هُناك. ونَصَبَ يَشوعُ ٱثنَي عَشَرَ حَجَرًا في وَسَطِ الأُردُنّ، في مَوقِفِ أَرجُلِ الكَهَنَة، حامِلي تابوتِ العَهْد، وهي هُناكَ إِلى يَومِنا هٰذا. ولَم يَزَلِ الكَهَنَة، حامِلو التَّابوت، واقِفينَ في وَسَطِ الأُردُنّ، إِلى أَن تَمَّ كُلُّ ما أَمَرَ الرَّبُّ يَشوعَ أَن يَقولَه لِلشَّعب، على حَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَ بِه موسى يشوع، وأَسرَعَ الشَّعبُ إِلى العُبور. فلَمَّا ٱنتَهى كُلُّ الشَّعبِ مِنَ العُبور، عَبَرَ تابوتُ الرَّبِّ والكَهَنَةُ أَمامَ الشَّعْب. وعَبَرَ بَنو رَأُوبينَ وبَنو جادٍ ونِصفُ سِبطِ مَنَسَّى مُسَلَّحينَ قُدَّامَ بَني إِسْرائيل، على حَسَبِ ما كانَ أَمَرَهم موسى. وكانوا نَحوَ أَربَعينَ أَلْفًا مُجَهَّزينَ لِلقِتال، عَبَروا قُدَّامَ الرَّبِّ لِلقِتال، إِلى سَهْلِ أَريحا. في ذٰلك اليَومِ عَظَّمَ الرَّبُّ يَشوعَ في عُيونِ إِسْرائيلَ كُلِّه، فهابوه كما هابوا موسى جَميعَ أَيَّام حَياتِه. وكَلَّمَ الرَّبُّ يَشوعَ قائِلًا: «مُرِ الكَهَنَة، حامِلي تابوتِ الشَّهادة، بِأَن يَصعَدوا مِنَ الأُردُنّ». فأَمَرَ يَشوعُ الكَهَنَةَ قائِلًا: «إِصعَدوا مِنَ الأُردُنّ». فَكانَ عِندَما صَعِدَ الكَهَنَة، حامِلو تابوتِ عَهدِ الرَّبّ، مِن وَسَطِ الأُردُنّ، ونَقَلوا أَخامِصَ أَقْدامِهم إِلى اليَبَس، أَنَّ مِياهَ الأُردُنِّ رَجَعَت إِلى مَكانها، وجَرَت كما كانَت تَجْري مِن أَمْسِ فما قَبلُ على جَميعِ شُطوطِه. وكانَ صُعودُ الشَّعبِ مِنَ الأُردُنِّ في اليَومِ العاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّل، فخَيَّموا في الجِلْجال، في الحُدودِ الشَّرقِيَّةِ مِن أَريحا. والِٱثنا عَشَرَ حَجَرًا الَّتي أَخَذوها مِنَ الأُردُنّ، نَصَبَها يَشوعُ في الجِلْجال. ثُمَّ كَلَّمَ بَني إِسْرائيلَ قائِلًا: «إِذا سأَلَ بَنوكم غَدًا آباءَهم وقالوا: ما هٰذه الحِجارَة؟»، تُخبِرونَ بَنيكُم قائِلين: على اليَبَسِ عَبَرَ إِسْرائيلُ الأُردُنَّ هٰذا، والرَّبُّ إِلٰهُكم جَفَّفَ مِياهَ الأُردُنِّ قُدَّامَكم حَتَّى عَبَرتُم، كما صَنَعَ الرَّبُّ إِلٰهُكم بِبَحرِ القَصَبِ الَّذي جَفَّفَه قُدَّامَنا حتَّى عَبَرْنا، لِكَي تَعلَمَ جَميعُ شُعوبِ الأَرضِ أَنَّ يَدَ الرَّبِّ قَديرة، ولِكَي تَتَّقوا الرَّبَّ إِلٰهَكم جَميعَ الأَيَّام». ولَمّا سَمِعَ جَميعُ مُلوكِ الأَمورِيِّينَ الَّذينَ في عِبرِ الأُردُنِّ جِهَةَ الغَرْب، وجَميعُ مُلوكِ الكَنْعانِيِّينَ الَّذينَ على البَحْر، بِأَنَّ الرَّبَّ جَفَّفَ مِياهَ الأُردُنِّ قُدَّامَ بَني إِسْرائيلَ حتَّى عَبَروا، ذابَت قُلوبُهم ولم يَبْقَ فيهم روحٌ أَمامَ بَني إِسْرائيل. في ذٰلك الزَّمان، قالَ الرَّبُّ لِيَشوع: «إِصنَعْ لَكَ سَكاكِينَ مِن صَوَّان، وعُدْ إِلى خَتْنِ بَني إِسْرائيلَ مَرَّةً أُخْرى». فصَنَع يَشوعُ سَكاكينَ مِن صَوَّان، وخَتَنَ بَني إِسْرائيلَ على تَلِّ القُلَف. وهٰذا سَبَبُ خَتْنِ يَشوعَ لَهم: كانَ كُلُّ الشَّعبِ الَّذي خَرَجَ مِن مِصْر، كُلُّ ذَكَرٍ مِنه، رَجُلِ حَرْب، قد ماتَ في البَرِّيَّةِ على الطَّريق، بَعدَ خُروجِه مِن مِصْر. وكانَ كُلُّ الشَّعبِ الَّذي خَرَجَ مِن مِصرَ قدِ ٱختَتَن. وأَمَّا كُلُّ الشَّعبِ الَّذي وُلِدَ في البَرِّيَّةِ في الطَّريق، بَعدَ خُروجِه مِن مِصْر، فلَم يَختَتِنْ، لأَنَّ بَني إِسْرائيلَ ساروا أَربَعينَ سَنَةً في البَرِّيَّة، إِلى أَنِ ٱنقَرَضَتِ الأُمَّةُ كُلُّها، رِجالُ الحَربِ الخارِجينَ مِن مِصْر، الَّذينَ لم يُطيعوا أَمرَ الرَّبّ، الَّذينَ أَقسَمَ الرَّبُّ أَن لا يُرِيَهمُ الأَرضَ الَّتي أَقسَمَ لِآبائِهم أَن يُعطِيَنا إِيَّاها، أَرضًا تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا. وبَنوهمُ الَّذينَ أَقامَهم مَكانَهم همُ الَّذينَ خَتَنَهم يَشوع، لأَنَّهم كانوا قُلْفًا، إِذ لم يَختَتِنوا في الطَّريق. ولَمَّا ٱنتَهَتِ الأُمَّةُ كُلُّها مِنَ الِٱختِتان، أَقاموا مَكانَهم في المُخَيَّمِ إِلى أَن بَرِئوا. فقالَ الرَّبُّ لِيَشوع: «اليَومَ رَفَعتُ عارَ المِصرِيِّينَ عنكُم». فدُعِيَ ذٰلك المَكانُ الجِلْجالَ إِلى هٰذا اليَوم. وخَيَّمَ بَنو إِسْرائيلَ بِالجِلْجال، وأَقاموا الفِصْحَ في اليَومِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ مَساءً في سَهْلِ أَريحا. وأَكَلوا مِن غَلَّةِ الأَرضِ في الغَدِ بَعدَ الفِصْح: فَطيرًا وفَريكًا، في ذٰلك اليَومِ عَينِه. فٱنقَطَعَ المَنُّ مِنَ الغَد، مُنذُ أَكَلوا مِن غَلَّةِ الأَرض، فلَم يَكُنْ لِبَني إِسْرائيلَ مَنٌّ بَعدَ ذٰلك، وأَكَلوا مِن غَلَّةِ أَرضِ كَنْعانَ في تِلكَ السَّنَة. ولَمَّا كان يَشوعُ عِندَ أَريحا، رَفَعَ عَينَيه ونَظَر، فإِذا رَجُلٌ واقِفٌ أَمامَه، وسَيفُه في يَدِه مَسْلولًا، فأَقبَلَ علَيه يَشوعُ وقالَ له: «أَمِنَّا أَنتَ أَم مِن أَعْدائِنا؟» فقالَ: «كَلاَّ، بل أَنا رَئيسُ جُندِ الرَّبّ، والآنَ جِئتُ». فسَقَطَ يَشوعُ على وَجهِه على الأَرْض، وسَجَدَ وقال: «ماذا يَقولُ سَيِّدي لِعَبدِه؟» فقالَ رَئيسُ جُندِ الرَّبِّ لِيَشوع: «إِخلَعْ نَعلَيكَ مِن رِجلَيكَ، فإِنَّ المَكانَ الَّذي أَنتَ قائِمٌ فيه مُقَدَّس». فصَنَعَ يَشوعُ كذٰلك. وكانَت أَريحا مُغلَقَةً مُقفَلةً بِسَبَبِ بَني إِسْرائيل، ولم يَكُنْ أَحَدٌ يَخرُجُ مِنها ولا أَحَدٌ يَدخُلُها. فقالَ الرَّبُّ لِيَشوع: «أُنظُرْ! إِنِّي قد أَسلَمتُ أَريحا ومَلِكَها إِلى يَدِكَ، وهُم مُحارِبونَ بَواسِل. تَطوفونَ حَولَ المَدينة، جَميعُ رِجالِ القِتال، مَرَّةً واحِدَة. هٰكذا تفعَلونَ سِتَّةَ أَيَّام. ويَحمِلُ سَبعةُ كَهَنَةٍ سَبعَةَ أَبواقٍ مِن قُرونِ الكِباشِ أَمامَ التَّابوت، وفي اليَومِ السَّابِعِ تَطوفونَ حَولَ المَدينةِ سَبعَ مَرَّات، ويَنفُخُ الكَهَنَةُ في الأَبْواق. ويَكونُ إِذا ٱمتَدَّ صَوتُ قَرنِ الكَبْش، إِذا سَمِعتُم صَوتَ البوق، أَنَّ كُلَّ الشَّعبِ يَهتِفُ هُتافًا شَديدًا، فيسقُطُ سورُ المَدينةِ في مَكانِه، فيَصعَدُ الشَّعبُ، كُلُّ واحِدٍ على وَجهِه. فدَعا يَشوعُ بنُ نونٍ الكَهَنَةَ وقالَ لَهم: «إِحمِلوا تابوتَ العَهْد، ولْيَحمِلْ سَبعَةُ كَهَنَةٍ سَبعَةَ أَبواقٍ من قُرونِ الكِباشِ قُدَّامَ تابوتِ الرَّبّ». وقالَ لِلشَّعْب: «أُعبُروا وطوفوا حَولَ المَدينة، ولْيَسِرْ كُلُّ مُسَلَّحٍ أَمامَ تابوتِ الرَّبّ». فكانَ كما قالَ يَشوعُ لِلشَّعْب: سارَ سَبعَةُ كَهَنَةٍ حامِلينِ سَبعَةَ أَبواقٍ مِن قُرونِ الكِباشِ أَمامَ الرَّبّ، وعَبَروا ونَفَخوا في الأَبْواق، وتابوتُ عَهدِ الرَّبِّ سائرٌ وَراءَهم، والمُسَلَّحونَ سائِرونَ قُدَّامَ الكَهَنَةِ النَّافِخينَ في الأَبْواق، والمُؤَخَّرَةُ سائِرَةٌ وَراءَ التَّابوت، تَمْشي وتَنفُخُ في الأَبْواق. وأَمَرَ يَشوعُ الشَّعبَ قائِلًا: «لا تَهتِفوا ولا تُسمِعوا أَصْواتَكم، ولا يَخرُجْ مِن أَفْواهِكم كَلِمَةٌ إِلى يَومِ أَقولُ لَكم: إِهتِفوا، فتَهتِفون». فطافَ تابوتُ الرَّبِّ حَولَ المَدينةِ مَرَّةً واحِدة، ثُمَّ عادوا إِلى المُخَيَّم، وباتوا في المُخَيَّم. ثُمَّ بَكَّرَ يَشوعُ في الصَّباح، وحَمَلَ الكَهَنَةُ تابوتَ الرَّبّ، والسَّبعَةُ الكَهَنَةُ، حامِلو سَبعةِ أَبْواقٍ مِن قُرونِ الكِباشِ قُدَّامَ تابوتِ الرَّبّ، يَسيرونَ ويَنفُخونَ في الأَبْواق والمُسَلَّحونَ سائرونَ أَمامَهم، والمُؤَخَّرةُ سائِرةٌ وَراءَ تابوتِ الرَّبّ، تَمْشي وتَنفُخُ في الأَبواق. في اليَومِ الثَّاني، طافوا حَولَ المَدينَةِ مَرَّةً واحِدَة، ثُمَّ عادوا إِلى المُخَيَّم. وفَعَلوا كذٰلك سِتَّةَ أَيَّام. ولَمَّا كانَ اليَومُ السَّابِع، بَكَّروا عِندَ طُلوعِ الفَجْر، وطافوا حَولَ المَدينةِ على هٰذا المِنْوالِ سَبعَ مَرَّات. في ذٰلك اليَومِ فقَط طافوا حَولَ المَدينةِ سَبعَ مَرَّات. فلَمَّا كانَتِ المَرَّةُ السَّابِعَة، نَفَخَ الكَهَنَةُ في الأَبْواق. فقالَ يَشوعُ لِلشَّعْب: «إِهتِفوا، فقَد أَسلَمَ الرَّبُّ المَدينَةَ إِلَيكم. ولٰتَكُنِ المَدينةُ بِكُلِّ ما فيها مُحَرَّمةً لِلرَّبّ، ولٰكِنَّ راحابَ الزَّانِيَةَ تَحْيا وجَميعَ مَن معَها في بَيتِها، لأَنَّها أَخفَتِ الرَّسولَينِ اللَّذَينِ بَعَثْناهما. أَمَّا أَنتُم فٱحذَروا المُحَرَّمَ لِئَلاَّ تَستَهوِيَكمُ الشَّهوَةُ فتأخُذوا شَيئًا مِنَ المُحَرَّم، فتَجعَلوا مُخَيَّمَ إِسْرائيلَ مُحَرَّمًا وتَجلُبوا لَه النَّحْس. وكُلُّ فِضَّةٍ وذَهَبٍ وآنِيَةِ نُحاسٍ أَو حَديد، فهو قُدسٌ لِلرَّبّ، يَدخُلُ خِزانَةَ الرَّبّ». فهَتَفَ الشَّعبُ ونَفَخَ في الأَبْواق، فكانَ عِندَ سَماعِ الشَّعبِ صَوتَ البوق أَنَ الشَعبَ هَتَفَ هُتافًا شَديدًا، فسَقَطَ السُّورُ في مَكانِه. فصَعِدَ الشَّعبُ إِلى المَدينة، كُلُّ واحِدٍ على وَجهِه، وٱستَولَوا على المَدينَة. وحَرَّموا كُلَّ ما في المَدينةِ مِنَ الرَّجُلِ وحَتَّى المَرأَة، ومِنَ الشَّابِّ وحَتَّى الشَّيخ، حتَّى البَقَرَ والغَنَمَ والحَمير، فقَتَلوهم بِحَدِّ السَّيف. وقالَ يَشوعُ لِلرَّجُلَينِ اللَّذَينِ تَجَسَّسا الأَرْض: «أُدخُلا بَيتَ المَرأَةِ الزَّانِيَة، وأَخرِجا مِنه المَرأَةَ وكُلَّ ما هو لَها، كما حَلَفتُما لَها». فدَخَلَ الشَّابَّانِ الجاسوسان، وأَخرَجا راحابَ وأَباها وأُمَّها وإِخوَتَها وكُلَّ ما هو لَها وسائِرَ عَشيرَتِها، وأَقاموهم في خارِجِ مُخَيَّم إِسْرائيل. وأَحرَقوا المَدينةَ وكُلَّ ما فيها بِالنَّار، إِلاَّ الفضَّةَ والذَّهَبَ وآنِيَةَ النُّحاسِ والحَديد، فإنَّهم جَعَلوها في خِزانَة بَيتِ الرَّبّ. وراحابُ الزَّانِيَةُ وبَيتُ أَبيها وكُلُّ ما هو لَها أَبْقى يَشوعُ علَيهم. وأَقامَت بَينَ بَني إِسْرائيلَ إِلى هٰذا اليَوم، لأَنَّها أَخفَتِ الرَّسولَينِ اللَّذَينِ أَرسَلَهما يَشوعُ لِتَجَسُّسِ أَريحا. وأَقسَمَ يَشوعُ في ذٰلكَ الوَقتِ قائلًا: «مَلْعونٌ لَدى الرَّبِّ الرَّجُلُ الَّذي يَنهَضُ ويَبْني هٰذه المَدينةَ أَريحا: بِحَياةِ بِكرِه يُؤَسِّسُها وبِحَياةِ أصغَرِ بَنيه يَنصِبُ أَبْوابَها». وكانَ الرَّبُّ مع يَشوع، وذاعَ خَبَرُه في الأَرْضِ كُلِّها. وخالَفَ بَنو إِسْرائيلَ أَمرَ المُحَرَّم، فأَخَذَ عاكانُ بنُ كَرْمي بنِ زَبْدي بنِ زارَح، مِن سِبطِ يَهوذا، مِنَ المُحَرَّم، فٱتَّقَدَ غَضَبُ الرَّبِّ على بَني إِسْرائيل. وأَرسَلَ يَشوعُ قَومًا مِن أَريحا إِلى العَيِّ الَّتي عِندَ بَيتِ آوِن، شَرقِيِّ بَيتَ إِيل، وكَلَّمَهم قائِلًا: «إِصعَدوا وتَجَسَّسوا الأَرْض». فصَعِدَ القَومُ وتَجَسَّسوا العَيّ. ثُمَّ عادوا إِلى يَشوعَ فقالوا له: «لا يَصْعَد كُلُّ الشَّعْب، بل يَصعَدْ نَحوُ أَلَفَي رَجُلٍ أَو ثَلاثَةِ آلافِ رَجُل، ويَضرِبوا العَيّ. لا تُكَلِّفْ كُلَّ الشَّعْبِ إِلى هُناكَ، فإِنَّ أَهلَها قَلائِل». فصَعِدَ مِنَ الشَّعبِ نَحوُ ثَلاثَةِ آلافِ رَجُل، فٱنَهَزَموا تُجاهَ رِجالِ العَيّ. وقَتَلَ مِنهم رِجالُ العَيِّ نَحوَ سِتَّةٍ وثَلاثينَ رَجُلًا وطَارَدوهم مِن قُدَّامِ البابِ إِلى شَباريم، ثُمَّ ضَرَبوهم في المُنحَدَر. فذابَ قَلبُ الشَّعْبِ وصارَ مِثلَ الماء. فمَزَّقَ يَشوعُ ثِيابَه وسَقَطَ على وَجهِه إِلى الأَرضِ قُدَّامَ تابوتِ الرَّبِّ إِلى المَساء، هو وشُيوخُ إِسْرائيل، ووَضَعوا التُّرابَ على رُؤُوسِهم. وقالَ يَشوع: «آه، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، لِماذا عَبَّرتَ هٰذا الشَّعبَ الأُردُنَّ عُبورًا لِتُسلِمَنا إِلى يَدِ الأَمورِيّ، حتَّى يُبيدَنا؟ يا لَيتَنا كُنَّا ٱرتَضَينا وأَقَمْنا بِعِبرِ الأُردُنّ! أَيُّها السَّيِّد، ماذا أَقولُ بَعدَما وَلَّى إِسْرائيلُ مُدبِرًا مِن وُجوهِ أَعْدائِه؟ يَسمَعُ الكَنْعانِيُّ وجَميعُ سُكَّانِ الأَرضِ فيُحيطونَ بِنَا ويَمْحونَ ٱسمَنا مِنَ الأَرْض. فماذا تَصنَعُ لِٱسمِكَ العَظيم؟». فقالَ الرَّبُّ لِيَشوع: «قُمْ، فلِماذا أَنتَ ساقِطٌ على وَجهِكَ؟ قد خَطِئَ إِسْرائيلُ وتَعَدَّى عَهدِيَ الَّذي أَمَرتُه بِه، وأَخَذَ مِنَ المُحَرَّم، بل سَرَقَ وأَخفَى وجَعَلَ في أَمتِعَتِه، فلَن يَقدِرَ بَنو إِسْرائيلَ أَن يَثبُتوا أَمامَ أَعْدائِهم، بل يُوَلُّونَ مُدبرينَ مِن وَجهِ أَعْدائِهم، لأَنَّهم قد صاروا مُحَرَّمين، فلا أَعودُ أَكونُ معَكم، ما لم تَستَأصِلوا المُحَرَّمَ مِن وَسْطِكُم. قُمْ فقَدِّسِ الشَّعبَ وقُلْ: تَقَدَّسوا لِلغَد، فإِنَّه هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: المُحَرَّمُ فيما بَينَكم يا إِسْرائيل، فلا تَقدِرونَ أَن تَثبُتوا أَمامَ أَعْدائِكم، حتَّى تُبعِدوا المُحَرَّمَ مِن وَسْطِكم. فإِذا أَصبَحتُم، فتَقَدَّموا بِأَسباطِكم، فيَكونَ أَنَّ السِّبطَ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ بِالقُرْعَةِ يَتَقَدَّمُ بِعَشائِرِه، والعَشيرَةُ الَّتي يَخْتارُها الرَّبُّ بِالقُرعَةِ تَتَقَدَّمُ بِبِيُوتِها، والبَيتُ الَّذي يَخْتارُه الرَّبُّ بِالقُرْعَةِ يَتَقَدَّمُ بِرِجالِه، ويَكونَ أَنَّ المُخْتارَ بِالقُرعةِ في أَمرِ المُحَرَّمِ يُحرَقُ بِالنَّار، هو وكُلُّ ما لَه، لأَنَّه تَعَدَّى عَهدَ الرَّبّ، وصَنَعَ مُنكَرًا في إِسْرائيل». فبَكَّرَ يشوعُ في الصَّباح، وقَدَّمَ إِسْرائيلَ بِحَسَبِ أَسْباطِهم، فوَقَعَتِ القُرعَةُ على سِبطِ يَهوذا. وقَدَّمَ سِبطَ يَهوذا فَوقَعَتِ القُرعَةُ على عَشيرةِ الزَّارَحِيِّين. وقَدَّمَ عَشيرةَ الزَّارَحِيِّينَ بِرِجالِها فوَقَعَتِ القُرعَةُ على زَبْدي. وقَدَّمَ بَيتَه بِرِجالِه فوَقَعَتِ القُرعَةُ على عاكانَ بنِ كَرْمي بنِ زَبْدي بنِ زارَح، مِن سِبطِ يَهوذا. فقالَ يَشوعُ لِعاكان: «يا وَلَدي، مَجِّدِ الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيلَ وٱحمَدْه، وأَخبِرْني بِما فَعَلتَ ولا تَكتُمْني». فأَجابَ عاكانُ يشوعَ وقال: «لا شَكَّ أَنِّي خَطِئتُ إِلى الرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، وفَعَلتُ كذا وكذا. رأَيتُ في الغَنيمةِ رِداءً بابِلِيًّا حَسَنًا ومِئَتَي مِثْقالِ فِضَّةٍ وسَبيكَةً مِن ذَهَبٍ وَزنُها خَمْسونَ مِثْقالًا، فٱشتَهَيتُها وأَخَذتُها، وها هي مَدْفونةٌ في الأَرضِ في وَسَطِ خَيمَتي، والفِضَّةُ تَحتَها». فأَرسَلَ يَشوعُ رُسُلًا فأَسرَعوا إِلى الخَيمَة، فإِذا هي مَدْفونَةٌ في الخَيمَة، والفِضَّةُ تَحتَها. فأَخَذوها مِن وَسَطِ الخَيمَة، وأَتَوا بِها يَشوعَ وجَميعَ بَني إِسْرائيل، وطَرَحوها أَمامَ الرَّبّ. فأَخَذَ يَشوعُ عاكانَ بنَ زارَح، والفِضَّةَ والرِّداءَ وسَبيكَة الذَّهَب وبَنيه وبَناتِه وبَقَرَه وحَميرَه وغَنَمَه وخَيمَتَه وسائِرَ ما لَه، وصَحِبَه كُلُّ إِسْرائيل، وأَتَوا بِهم وادِيَ عَكور. وقالَ يَشوع: «لِماذا جَلَبتَ النَّحسَ علَينا؟ جَلَبَ الرَّبُّ النَّحسَ علَيكَ في هٰذا اليَوم!». فرَجَمَه كُلُّ إِسْرائيلَ بِالحِجارة، (ثُمَّ أَحرَقوهم بِالنَّارِ بَعدَ ما رَجَموهم بِالحِجارة). وأَقاموا علَيه كَومةً عَظيمةً مِنَ الحِجارةِ إِلى هٰذا اليَوم. فَرجَعَ الرَّبُّ عن شِدَّةِ غَضَبِه. لأَجلِ ذٰلك سُمِّيَ ذٰلك المَكانُ وادِيَ عَكورَ إِلى هٰذا اليَوم. قالَ الرَّبُّ لِيَشوع: «لا تَخَفْ ولا تَفزَعْ! خُذْ معكَ جَميعَ رِجالِ الحَرْب، وقُمْ فٱصعَدْ إِلى العَيّ. أُنظُرْ، فإِنِّي قد أَسلَمتُ إِلى يَدِكَ مَلِكَ العَيِّ وشَعبَه ومَدينَتَه وأَرضَه. فتَفعَلُ بِالعَيِّ ومَلِكِها كما فَعَلتَ بِأَريحا ومَلِكِها. غَيرَ أَنَّ غَنائِمَها وبَهائِمَها فَقَط تَغنَمونَها لأَنفُسِكم، وٱجعَلْ لَكَ كَمينًا مِن وَراءِ المَدينة». فقامَ يَشوعُ وسائِرُ المُحارِبينَ البَواسِلِ لِيَصعَدوا إِلى العَيّ. وٱختارَ يَشوعُ ثَلاثينَ أَلفَ رَجُلٍ مِن رِجالِ القِتالِ وأَرسَلَهم لَيلًا، وأَمَرَهم فقالَ لَهم: «أُنظُروا، أَنتُم تَكمُنونَ لِلمَدينَةِ مِن وَرائِها. لا تُبعِدوا عنها كَثيرًا وكونوا كُلُّكم مُستَعِدِّين. وأَنا وكُلُّ الشَّعبِ الَّذي معي نَتَقَدَّمُ إِلى المَدينة. فيكونُ، إِذا هم خَرَجوا علَينا كالمَرَّةِ الأُولى، أَنَّنا نَنهَزِمُ مِن وُجوهِهم. فيَخرُجونَ وَراءَنا، حتَّى نَجُرَّهم عنِ المَدينة، لأَنَّهم يَقولون: هم مُنهَزِمونَ أَمامَنا كالمَرَّةِ الأُولى، وأَمَّا نَحنُ فنَنهَزِمُ قُدَّامَهم: فتَقومونَ أَنتُم مِنَ المَكمَن، وتَستَولونَ على المَدينة، لأَنَّ الرَّبَّ يُسلِمُها إِلى أَيديكم. فإِذا ٱستَولَيتُم علَيها فأَحرِقوها بِالنَّار، كما أَمَرَ الرَّبُّ تَفعَلون. أُنظُروا، فقَد أَمَرتُكم». وأَرسَلَهم يَشوع، فساروا إِلى المَكمَن، وأَقاموا بَينَ بَيتَ إِيلَ والعَيّ، غَربِيَّ العَيّ. وباتَ يَشوعُ تِلكَ اللَّيلَةَ في وَسْطِ الشَّعْب. ثُمَّ بَكَّرَ يَشوعُ في الصَّباح، وٱستَعرَضَ الشَّعبَ وصَعِدَ، هو وشُيوخُ إِسْرائيلَ أَمامَ الشَّعبِ، إِلى العَيّ. وصَعِدَ جَميعُ رِجالِ الحَربِ الَّذينَ معَه وتَقَدَّموا وأَتوا إِلى مُقابِلِ المَدينة، وخَيَّموا شَمالَ العَيّ، والوادي بَينَهم وبَينَ العَيّ. وأَخَذَ نَحوَ خَمسَةِ آلافِ رَجُلٍ وجَعَلَهم كَمينًا بَينَ بَيتَ إِيلَ والعَيّ، غَربِيَّ المَدينة. ونَصَبَ الشَّعبُ كُلَّ المُخَيَّمِ الَّذي كانَ شَمالَ المَدينة، وأَقامَ المُؤَخَّرةَ غَربِيَّها. وأَمَّا يَشوعُ فسارَ في ذٰلك اللَّيلِ إِلى وَسَطِ الوادي. فلَمَّا رأَى مَلِكُ العَيِّ ذٰلك، بادَرَ رِجالُ المَدينةِ وبَكَّروا وخَرَجوا على إِسْرائيلَ لِمُلاقاتِه، المَلِكُ وكُلُّ شَعبِه لِلحَرْبِ جِهَةَ العَرَبَة، ولم يَعلَمْ أَنَّ وَراءَ المَدينةِ كَمينًا. فٱنهَزَمَ يَشوعُ وكُلُّ إِسْرائيلَ مِن أَمامِهم وهَرَبوا في طَريقِ البَرِّيَّة. فتَنادى كُلُّ الشَّعبِ الَّذي في المَدينَةِ لِيَسعى في إِثرِهم وجَدَّ وَراءَ يَشوع، حتَّى أَبعَدَ عنِ المَدينَة. ولم يَبقَ أَحَدٌ في العَيِّ وبَيتَ إِيلَ إِلاَّ خَرَجَ في إِثرِ إِسْرائيل وتَركوا المَدينةَ مَفْتوحةً وسَعَوا وَراءَ إِسْرائيل. فقالَ الرَّبُّ لِيَشوع: «سَدِّدِ الحَربَةَ الَّتي بِيَدِكَ نَحوَ العَيّ، فإِنِّي أُسلِمُها إِلى يَدِكَ». فسَدَّدَ يَشوعُ الحَربَةَ الَّتي بِيَدِه نَحوَ المَدينَة. وعِندَما مَدَّ يَدَه قامَ الكامِنونَ بِسُرعَةٍ مِن مَواضِعِهم وعَدَوا إِلى المَدينَة، فٱستَولَوا علَيها وأَسرَعوا إِلى إِحْراقِ المَدينةِ بِالنَّار. فٱلتَفَتَ رِجالُ العَيِّ ونَظَروا، فإِذا دُخانُ المَدينةِ صاعِدٌ إِلى السَّماء. فلَم يَبقَ سَبيلٌ لِلهَرَبِ إِلى هُنا وهُنا، لأَنَّ الشَّعبَ الَّذي كانَ قدِ ٱنهَزَمَ إِلى البَرِّيَّةِ ٱرتَدَّ على مُطارِديه. ولَمَّا رَأَى يَشوعُ وكُلُّ إِسْرائيلَ أَنَّ الكامِنينَ قدِ ٱستَولَوا على المَدينَة. وقدِ ٱرتَفَعَ دُخانُها، عادوا وضَرَبوا رِجالَ العَيّ. وخَرَجَ الكامِنونَ مِنَ المَدينةِ لِلِقائِهم، فصارَ القَومُ في وَسْطِ إِسْرائيل، هٰؤُلاءِ مِن هُنا وأُولٰئِكَ مِن هُناك. فضَرَبوهم حتَّى لم يَبْقَ مِنهم باقٍ ولا شَريد. وقَبَضوا على مَلِكِ العَيِّ حَيًّا وقادوه إِلى يَشوع. ولَمَّا ٱنتَهى بَنو إِسْرائيلَ مِن قَتْلِ جَميعِ سُكَّانِ العَيِّ في الحُقولِ وفي البَرِّيَّةِ حَيثُ طارَدوهم، وسَقَطوا جَميعُهم بِحَدِّ السَّيفِ عن آخِرِهم، رَجَعَ كُلُّ إِسْرائيلَ إِلى العَيِّ وضَرَبوها بِحَدِّ السَّيْف. وكانَ جُملةُ مَن سَقَطَ في ذٰلك اليَومِ مِن رَجُلٍ وٱمرَأَةٍ ٱثنَي عَشَرَ أَلفًا، جَميعَ أَهلِ العَيّ. ولم يَردُدْ يَشوعُ يَدَه الَّتي مَدَّها بِالحَربة، حتَّى حَرَّمَ جَميعَ سُكَّانِ العَيّ. ولَم يَغنَمْ إِسْرائيلُ لِنَفسِه سِوى البَهائِمِ وأَسْلابِ تلك المَدينَة، على حَسَبِ أَمرِ الرَّبِّ الَّذي أَمَرَ بِه يَشوع. وأَحرَقَ يَشوعُ العَيَّ وجَعَلَها رُكامًا لِلأَبَد، خَرابًا إِلى هٰذا اليَوم. وأَمَّا مَلِكُ العَيِّ فقَد عَلَّقَه على شَجَرَةٍ حتَّى المَساء، وعِندَ غُروبِ الشَّمْس، أَمَرَ يَشوعُ فأَنزَلوا جُثَّتَه عنِ الشَّجَرَة، وأَلقَوها عِندَ مَدخَلِ بابِ المَدينة، وجَعَلوا علَيه كَومةً كَبيرةً مِنَ الحِجارةِ إِلى هٰذا اليَوم. حينَئذٍ بَنى يَشوعُ مَذبَحًا لِلرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، في جَبَلِ عَيبال، كما أَمَرَ موسى، عَبدُ الرَّبِّ، بَنى إِسْرائيل، على ما هو مَكْتوبٌ في سِفرِ تَوراةِ موسى، مَذبَحًا مِن حِجارةٍ غيرِ مَنْحوتة، لم يُرفَعْ علَيها حَديد، وأَصعَدوا علَيه مُحرَقاتٍ لِلرَّبّ، وذَبَحوا ذبائِحَ سَلامِيَّة. وكَتَبَ هُناكَ على الحِجارةِ تَثنِيَةَ ٱشتِراعِ موسى الَّتي كَتَبَها أَمامَ بَني إِسْرائيل. وكانَ كُلُّ إِسْرائيلَ وشُيوخُه وكَتَبَتُه وقُضاتُه واقِفينَ على جانِبَيِ التَّابوتِ مِن هٰهُنا وهٰهُنا، مُقابِلَ الكَهَنَةِ اللاَّوِيِّين، حامِلي تابوتِ عَهدِ الرَّبّ، النَّزيلُ وٱبنُ البَلَد، نِصفُهم إِلى جِهَةِ جَبَلِ جَرِزِّيم، والنِّصفُ الآخَرُ إِلى جِهَةِ جَبَلِ عَيبال، كما كانَ موسى، عَبدُ الرَّبِّ، قد أَمَرَ أَن يُبارَكَ أَوَّلًا شَعبُ إِسْرائيل. وبَعدَ ذٰلك، تَلا كَلامَ التَّوراةِ كُلَّه، مِنَ البَركَةِ واللَّعنَة، بِحَسَبِ كُلِّ ما كُتِبَ في سِفرِ التَّوراة. لم تَكُنْ كَلِمةٌ مِن كُلِّ ما أَمَرَ بِه موسى لم يَتْلُها يَشوعُ بِحَضرَةِ جَماعةِ إِسْرائيلَ كُلِّها، مع النِّساءِ والأَطْفالِ والنَّزيلِ السَّائِرِ مَعَهم. فلَمَّا سَمِعَ جَميعُ المُلوكِ الَّذينَ في عِبرِ الأُردُنّ، في الجَبَلِ والسَّهْل، وفي كُلِّ ساحِلِ البَحرِ الكَبيرِ إِلى مُقابِلِ لُبْنان، الحِثِّيُّ والأَمورِيُّ والكَنْعانِيُّ والفَرِزِّيُّ والحُوِّيُّ واليَبوسِيّ، تَجَمَّعوا مَعًا لِقِتالِ يَشوعَ وإِسْرائيلَ بِالإِتِّفاق. وسَمِعَ سُكَّانُ جِبْعونَ بِما فَعَلَه يَشوعُ بِأَريحا وبِالعَيّ. فٱحْتالوا هم أَيضًا ومَضَوا فتَنَكَّروا وأَخذوا لِحَميرِهم أَكْياسًا بالِيَةً وزِقاقَ خَمرٍ عَتيقةً مُشَقَّقَةً مُرَقَّعة، ونِعالًا عَتيقةً مُرَقَّعةً في أَرجُلِهم وثِيابًا بالِيةً علَيهم، وكانَ كُلُّ خُبزِ زادِهم يابِسًا مُفَتَّتًا. ومَضَوا إِلى يَشوع، إِلى مُخَيَّمِ الجِلْجال، وقالوا لَه ولِرِجالِ إِسْرائيل: «إِنَّنا قادِمونَ مِن أَرضٍ بَعيدة، فٱقطَعوا لَنا عَهْدًا». فقالَ رِجالُ إِسْرائيلَ لِلحُوِّيِّين: «لَعَلَّكم مُقيمونَ في وَسْطِنا، فكَيفَ نَقطَعُ لَكم عَهدًا؟» فقالوا لِيَشوع: «إِنَّما نَحنُ عَبيدُكَ». فقالَ لَهم يشوع: «مَن أَنتُم ومِن أَينَ أَقبَلتُم؟» فقالوا لَه: «قد قَدِمَ عَبيدُكَ مِن أَرضٍ بَعيدةٍ جِدًّا، على ٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، لأَنَّنا سَمِعْنا بِخَبَرِه وبِكُلِّ ما صَنَعَ في مِصْر، وكُلِّ ما صَنَعَ بِمَلِكَيِ الأَمورِيِّينَ اللَّذَينِ في عِبرِ الأُردُنّ، سيحونَ مَلِكِ حَشْبون، وعوجٍ مَلِكِ باشانَ الَّذي في عَشْتاروت. فكَلَّمَنا شُيوخُنا وسائِرُ سُكَّانِ أَرضِنا قائلين: خُذوا في أَيديكم زادًا لِلطَّريق، وٱمْضوا لِلِقائِهم، وقولوا لَهم: إِنَّما نَحنُ عَبيدُكم، فٱقطَعوا لَنا عَهدًا. هٰذا خُبزُنا تَزَوَّدْناه سُخْنًا مِن بُيوتِنا في يَومِ خُروجِنا لِلذَّهابِ إِلَيكم، وها هو الآنَ يابِس، وقد صارَ مُفَتَّتًا. وهٰذه زِقاقُ الخَمْرِ مَلَأْناها جَديدةً، وها هي مُشقَّقَة. وهٰذِه ثِيابُنا ونِعالُنا قد عَتُقَت مِن طولِ الطَّريق». فأَخَذَ النَّاسُ مِن زادِهم ولم يَستَطلِعوا الرَّبّ. وسالَمَهم يَشوعُ وقَطَعَ لَهم عَهْدًا على الإِبْقاءِ علَيهم، وحَلَفَ لَهم رُؤَساءُ الجَماعَة. وكانَ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِن قَطعِهمِ العَهْدَ لَهم أَن سَمِعوا أَنَّ القَومَ جيرانٌ لَهم وأَنَّهم ساكِنونَ في وَسْطِهم. ذٰلك بأَنَّ بَني إِسْرائيلَ رَحَلوا وأَتَوا مُدُنَ القَومِ في اليَومِ الثَّالِث، وهي جِبْعونُ وكَفيرةُ وبِئروتُ وقِريَةَ يَعارِيم. ولم يَضرِبْهم بَنو إِسْرائيل، لأَنَّ رُؤَساءَ الجَماعَةِ كانوا قد حَلَفوا لَهم بِالرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل. فتَذَمَّرَت كُلُّ الجَماعَةِ على الرُّؤَساء. فقالَ جَميعُ الرُّؤَساءِ لِلجَماعَةِ كُلِّها: «إِنَّنا قد حلَفْنا لَهم بِالرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، والآنَ فلا سَبيلَ لَنا أَن نَمَسَّهم بِشَرّ. هٰكذا نَصنَعُ بِهم ونُبْقي علَيهم، فلا يَكونُ علَينا غَضَبٌ بِسَبَبِ اليَمينِ الَّتي حَلَفْناها لَهم». وقالَ الرُّؤَساءُ لهم: «لِيُبْقَ علَيهم ويَكونوا جامِعي حَطَبٍ ومُستَقي ماءٍ لِلجَماعَةِ كُلِّها». هٰذا ما قالَه الرُّؤَساءُ لَهم. فٱستَدْعاهم يَشوعُ وخاطَبَهم قائِلًا: «لِماذا خَدَعتُمونا وقُلتُم: إِنَّنا بَعيدونَ مِنكم جدًّا، وأَنتُم مُقيمونَ بِقُربِنا؟ والآنَ مَلْعونونَ أَنتُم، فلَن تَزالوا عَبيدًا وجامِعي حَطَبٍ ومُستَقي ماءٍ لِبَيتِ إِلٰهي». فأَجابوا يَشوعَ وقالوا: «إِنَّ عَبيدَكَ قد أُخبِروا بِكُلِّ ما أَمَرَ بِه الرَّبُّ موسى عَبدَه مِن أَن يُعطِيَكم كُلَّ الأَرْض، ويُبيدَ جَميعَ سُكَّانِ الأَرْضِ مِن أَمامِكم. فخِفْنا جِدًّا على أَنفُسِنا بِسَبَبِكم وفَعَلنا هٰذا الأَمْر. فها نَحنُ الآنَ في يَدِكَ، فما كانَ حَسَنًا وقَويمًا في عَينَيكَ أَن تَصنَعَه لَنا فٱصنَعْه». فصَنَعَ بِهم كذٰلك وأَنقَذَهم مِن أَيدي بَني إِسْرائيل، فلم يَقْتُلوهم. وجَعَلَهم يشوعُ في ذٰلك اليَومِ جامِعي حَطَبٍ ومُستَقي ماءٍ لِلجَماعَةِ ولِمَذبَحِ الرَّبِّ إِلى هٰذا اليَوم، في المَكانِ الَّذي يَخْتارُه. ولَمَّا سَمِعَ أَدوني صادَق، مَلِكُ أُورشَليم، أَنَّ يَشوعَ قدِ ٱستَولى على العَيِّ وحَرَّمَها وفَعَلَ بِالعَيِّ ومَلِكِها كما فَعَلَ بِأَريحا ومَلِكِها، وأَنَّ أَهلَ جِبْعونَ قد سالَموا إِسْرائيلَ وأَقاموا فيما بَينَهم، خافَ خَوفًا شَديدًا، لأَنَّ جِبْعونَ مَدينةٌ عَظيمةٌ مِثلُ إِحْدى المُدُنِ المَلَكِيَّة، وهي أَكبَرُ مِنَ العَيّ، وجَميعُ رِجالِها أَبْطال. فأَرسَلَ أَدوني صادَق، مَلِكُ أَورشَليم، إِلى هوهام، مَلِكِ حَبْرون، وفِرْآم، مَلِكِ يَرْموت، ويافيع، مَلِكِ لاكيش، ودَبير، مَلِكِ عَجْلون، قائلًا: «إِصعَدوا إِلَيَّ وناصِروني، فنَضرِبَ جِبْعون، لأَنَّها قد سالَمَت يَشوعَ وبَني إِسْرائيل». فتَجَمَّعَ مُلوكُ الأَمورِيِّينَ الخَمْسَة: مَلِكُ أُورشَليم ومَلِكُ حَبْرون ومَلِكُ يَرْموت ومَلِكُ لاكيش ومَلِكُ عَجْلون، وصَعِدوا بِجَميعِ جُيوشِهم وعَسكَروا على جِبْعونَ وحارَبوها. فأَرسَلَ أَهلُ جِبْعونَ إِلى يَشوع، إِلى المُخَيَّمِ بِالجِلْجالِ، قائلين: «لا تَرفَعْ يَدَكَ عن عَبيدِكَ، بَلِ ٱصعَدْ إِلَينا عاجلًا فخَلِّصْنا وٱنصُرْنا، فإِنَّه قد تَجَمَّعَ علَينا جَميعُ مُلوكِ الأَمورِيِّين، سُكَّانِ الجَبَل». فصَعِدَ يَشوعُ مِنَ الجِلْجال، هو وجَميعُ المُحارِبينَ البَواسِلِ معَه وكُلُّ رِجالِ القِتال. فقالَ الرَّبُّ لِيَشوع: «لا تَخَفْ مِنهم، فإِنِّي قد أَسلَمتُهم إِلى يَدِكَ، فلا يَقِفُ أَحَدٌ مِنْهم في وَجْهِكَ». فزَحَفَ إِلَيهم يَشوعُ بَغتَةً، وكانَ قد قَضى اللَّيلَ كُلَّه صاعِدًا مِنَ الجِلْجال. فهَزَمَهمُ الرَّبُّ أَمامَ إِسْرائيل، وضَرَبَهم ضَربةً شَديدةً في جِبْعون، وطارَدَهم في طريقِ عَقَبَةِ بَيتَ حورون، وضَرَبَهم حَتَّى عَزيقةَ وحَتَّى مَقِّيدة. وفيما هم مُنهَزِمونَ مِن أَمامِ إِسْرائيل، وهم في مُنحَدَرِ بَيتَ حورون، رمَاهُمُ الرَّبُّ بِحِجارةٍ ضَخْمَةٍ مِنَ السَّماءِ حَتَّى عَزيقةَ فماتوا، وكانَ الَّذينَ ماتوا بِحِجارَةِ البَرَدِ أَكثَرَ مِنَ الَّذينَ قَتَلَهم بَنو إِسْرائيلَ بِالسَّيف. حينَئِذٍ كَلَّمَ يَشوعُ الرَّبَّ، يَومَ أَسلَمَ الرَّبُّ الأَمورِيِّينَ بَينَ أَيدي بني إِسْرائيل، فقالَ أَمامَ عُيونِ إِسْرائيل: «يا شَمسُ، قِفي على جِبْعون ويا قَمَرُ على وادي أَيَّالون» فوَقَفَتِ الشَّمْسُ وثَبَتَ القَمَر، إِلى أَنِ ٱنتَقَمَتِ الأُمَّةُ مِن أَعْدائِها، أَوَلَيسَ ذٰلك مَكْتوبًا في سِفر المُستَقيم؟ فوَقَفَتِ الشَّمْسُ في كَبِدِ السَّماء، وأَبطَأَت عنِ الغُروبِ نَحوَ يَومٍ كامِل. ولم يَكُنْ مِثلُ ذٰلك اليَومِ قَبلَه ولا بَعدَه سَمِعَ فيه الرَّبُّ لِصَوتِ إِنْسان، لأَنَّ الرَّبَّ قاتَلَ عن إِسْرائيل. ثُمَّ رَجَعَ يَشوعُ وكُلُّ إِسْرائيلَ معَه إِلى مُخَيَّمِ الجِلْجال. وهَرَبَ أُولٰئكَ المُلوكُ الخَمسة، وٱختَبَأوا في مَغارَةٍ بِمَقِّيدة. فأُخبِرَ يَشوعُ فقيلَ لَه: «قد وُجِدَ المُلوكُ الخَمسَةُ مُختَبِئينَ في مَغارةٍ بِمَقِّيدة» فقالَ يشوع: «دَحرِجوا حِجارةً كَبيرةً على فَمِ المَغارَة، وأَقيموا علَيها قَومًا يَحرُسونها. وأَنتُم لا تَتَوَقَّفوا، بل طارِدوا أَعْداءَكم وأَهلِكوا مُؤَخَّرَتَهم، ولا تَدَعوهم يَدخُلونَ مُدُنَهم، فإِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم قد أَسلَمَهم إِلى أَيديكم». ولَمَّا ٱنتَهى يَشوعُ وبَنو إِسْرائيلَ مِن ضَربِهم ضَربَةً شَديدةً جِدًّا، حتَّى أَفنَوهم ودَخَلَ مَن بَقِيَ مِنهمُ المُدُنَ المُحَصَّنة، رَجَعَ كُلُّ الشَّعبِ إِلى المُخَيَّمِ إِلى يَشوعَ في مَقِّيدةَ بِسَلام، ولم يُحَرِّكْ أَحَدٌ على بَني إِسْرائيلَ لِسانَه. فقالَ يَشوع: «إِفتَحوا فَمَ المَغارةِ وأَخرِجوا إِلَيَّ المُلوكَ الخَمسَةَ مِنَ المَغارة». ففَعَلوا وأَخرَجوا إِلَيه أُولٰئِكَ المُلوكَ الخَمسَةَ مِنَ المَغارة: مَلِكَ أُورَشَليم ومَلِكَ حَبْرون ومَلِكَ يَرْموت ومَلِكَ لاكيش ومَلِكَ عَجْلون. ولَمَّا أَخرَجوا أُولٰئِكَ المُلوكَ إِلى يَشوع، اِستَدْعى يَشوعُ جَميعَ رِجالِ إِسْرائيلَ وقالَ لِقُوَّادِ رِجالِ الحَرْبِ الَّذينَ ساروا معَه: «تَقَدَّموا فضَعوا أَقْدامَكم على رِقابِ هٰؤُلاءِ المُلوك». فتَقَدَّموا فوَضَعوا أَقْدامَهم على رِقابِهم. فقالَ لَهم يَشوع: «لا تَخْشَوا ولا تَفزَعوا، بل تَشَجَّعوا وتَشَدَّدوا، فإِنَّه هٰكذا يَفعَلُ الرَّبُّ بِجَميعِ أَعْدائِكمُ الَّذينَ أَنتُم تُحارِبونَهم». وضَرَبَهم يَشوعُ بَعدَ ذٰلك وقَتَلَهم وعَلَّقَهم على خَمسِ أَشْجار، فلَبِثوا مُعَلَّقينَ على الأَشْجارِ إِلى المَساء. وعِندَ غُروبِ الشَّمْس، أَمَرَ يَشوعُ فأَنزَلوهم عنِ الأَشْجار وطَرَحوهم في المَغارةِ الَّتي ٱختَبَأُوا فيها، وجَعَلوا على فَمِ المَغارةِ حِجارةً كَبيرةً إِلى يَومِنا هٰذا. وٱستَولى يَشوعُ في ذٰلك اليَومِ على مَقِّيدة، وضَرَبَها بِحَدِّ السَّيف، وحَرَّمَ مَلِكَها وجَميعَ الأَنفُسِ الَّتي فيها، ولَم يُبْقِ باقِيًا. وصَنَعَ بِمَلِكِ مَقِّيدَةَ كما صَنَعَ بِمَلِكِ أَريحا. ثُمَّ ٱجْتازَ يَشوعُ وكُلُّ إِسْرائيلَ معَه مِن مَقِّيدَةَ إِلى لِبنَةَ وحارَبَها. فأَسلَمَها الرَّبُّ أَيضًا إِلى أَيدي إِسْرائيلَ، هي ومَلِكَها. فضَرَبَها بِحَدِّ السَّيف وقَتَلَ كُلَّ نَفْسٍ فيها، ولَم يُبْقِ فيها باقِيًا، وفَعَلَ بِمَلِكِها كما فَعَلَ بِمَلِكِ أَريحا. وٱجْتازَ يَشوعُ وكُلُّ إِسْرائيلَ معَه مِن لِبنَةَ إِلى لاكيش، وعَسكَرَ علَيها وحارَبَها. فأَسلَمَ الرَّبُّ لاكيشَ إِلى أَيدي إِسْرائيل، فٱستَولى علَيها في اليَومِ الثَّاني وضَرَبَها بِحَدِّ السَّيف، وقَتَلَ كُلَّ نَفْسٍ فيها، كما فَعَلَ بِلِبنَة. حينَئِذٍ صَعِدَ هورام، مَلِكُ جازَر، لِنَجدَةِ لاكيش، فضَرَبَه يَشوع، هو وقَومَه، حتَّى لم يُبقِ مِنهم باقِيًا. وٱجْتازَ يَشوعُ وكُلُّ إِسْرائيلَ معَه مِن لاكيشَ إِلى عَجْلون، وعَسكَروا علَيها وحارَبوها. وٱستَولَوا علَيها في ذٰلك اليَوم، وضَرَبوها بِحَدِّ السَّيف، وحَرَّمَ كُلَّ نَفْسٍ فيها في ذٰلك اليَومِ عَينِه، كما فَعَلَ بِلاكيش. وصَعِدَ يَشوعُ وكُلُّ إِسْرائيلَ معَه مِن عَجْلونَ إِلى حَبْرونَ وحارَبوها. وٱستَولَوا علَيها وضَرَبوها بِحَدِّ السَّيف، هي ومَلِكَها وجَميعَ مُدُنِها وكُلَّ نَفْسٍ فيها، ولم يُبقِ مِنهم باقِيًا، كما فَعَلَ بِعَجْلون، وحَرَّمَها، هي وكُلُّ نَفْسٍ فيها. وعادَ يَشوعُ وكُلُّ إِسْرائيلَ معَه إِلى دَبير، وحارَبَها وٱستَولى علَيها وعلى مَلِكها وسائِرِ مُدُنِها، وضَرَبوهم بِحَدِّ السَّيف، وحَرَّموا كُلَّ نَفْسٍ فيها، ولم يُبقِ باقِيًا. كما صَنَعَ بِحَبْرون، صَنَعَ بِدَبيرَ ومَلِكِها، وكما صَنَعَ بِلِبنَةَ ومَلِكِها. وضَرَبَ يَشوعُ المِنطَقَةَ كُلَّها: الجَبَلَ والنَّقَبَ والسَّهْلَ والسُّفوح، وجَميعَ مُلوكِها، ولم يُبقِ باقِيًا، بل حَرَّمَ كُلَّ نَسَمَة، كما أَمَرَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل. وضَرَبَهم يَشوعُ مِن قادِشَ بَرْنيعَ إِلى غَزَّة، مع كُلِّ أَرضِ جوشَنَ إِلى جِبْعون. وٱستَولى يَشوعُ على جَميعِ أُولٰئِكَ المُلوكِ وأَرضِهم دَفعَةً واحِدَة، لأَنَّ الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيلَ، كانَ يُحارِبُ عن إِسْرائيل. ثُمَّ رَجَعَ يَشوعُ وكُلُّ إِسْرائيلَ مَعَه إِلى مُخَيَّمِ الجِلْجال. ولَمَّا سَمِعَ يابينُ، مَلِكُ حاصورَ، بِذٰلِك، أَرسَلَ إِلى يوباب، مَلِكِ مادون، وإِلى مَلِكِ شِمْرونَ ومَلِكِ أَكْشاف، وإِلى المُلوكِ الَّذينَ إِلى الشَّمال، في الجَبَلِ وفي العَرَبَةِ جَنوبِيَّ كِنَّروت، وفي السَّهْلِ وفي سُفوحِ دورَ غَربًا، وإِلى الكَنْعانِيِّ شَرقًا وغَربًا، والأَمورِيِّ والحِثِّيِّ والفَرِزِّيِّ واليَبوسِيِّ في الجَبل والحُوِّيِّ تَحتَ حَرْمون، في أَرضِ المِصْفاة، فخَرَجوا بِكُلِّ جُيوشِهم في شَعبٍ كَثيرٍ مِثلِ الرَّملِ الَّذي على شاطِئِ البَحْرِ كَثرَةً، وخَيلٍ ومَركَباتٍ كَثيرةٍ جِدًّا. وٱجتَمَعَ جَميعُ أُولٰئِكَ المُلوكِ وجاؤُوا وعَسكَروا سَوِيَّةً عِندَ مِياهِ ميرومَ لِمُحارَبَةِ إِسْرائيل. فقالَ الرَّبُّ لِيَشوع: «لا تَخَفْ مِن وُجوهِهم، فإِنِّي في مِثلِ هٰذا الوَقتِ مِن غَدٍ، أَجعَلُهم جَميعًا قَتْلى أَمامَ إِسْرائيل. فعَرقِبْ خَيلَهم وأَحرِقْ مَركَباتِهم بِالنَّار». فخَرَجَ يَشوعُ بَغتَةً علَيهم بِجَميعِ رِجالِ الحَرْبِ عِندَ مِياهِ ميروم وٱنقَضُّوا علَيهم. فأَسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلى أَيدي إِسْرائيل، فضَرَبوهم وطارَدوهم إِلى صَيدونَ الكَبيرةِ ومِسْرَفوتَ مَيِّيمَ ووادي المِصْفاةِ شَرقًا، وضَرَبوهم حتَّى لم يَبقَ مِنهم باقٍ. وصَنَعَ بِهم يَشوعُ كما قالَ الرَّبّ: عَرقَبَ خَيلَهم وأَحرَقَ مَركَباتِهم بِالنَّار. وعادَ يَشوعُ في ذٰلك الوَقتِ فٱستَولى على حاصورَ وقَتَلَ مَلِكَها بِالسَّيْف، لأَنَّ حاصورَ كانَت قَديمًا رأسَ جَميعِ تِلكَ المَمالِك. وضَرَبوا كُلَّ نَفْسٍ فيها بِحَدِّ السَّيفِ مُحَرِّمينَ إِيَّاهم، ولَم تَبقَ نَسَمَة، وأَحرَقَ حاصورَ بِالنَّار. وٱستَولى يَشوعُ على جَميعِ مُدُنِ أُولٰئِكَ المُلوكِ مع مُلوكِها، وضَرَبَهم بِحَدِّ السَّيف، وحَرَّمَهم كما أَمَرَ موسى، عَبدُ الرَّبّ. فأَمَّا المُدُنُ الواقِعَةُ على تِلالِها، فلَم يُحرِقْها إِسْرائيلُ بِالنَّار، إِلاَّ حاصورَ وَحدَها فأَحرَقَها يَشوع. وجَميعُ غَنائِمِ تِلكَ المُدُنِ وبَهائِمِها، اِغتَنَمها بَنو إِسْرائيلَ لأَنفُسِهم. وأَمَّا البَشَر، فضَرَبوهم جَميعًا بِحَدِّ السَّيف، حتَّى أَبادوهم ولم يُبْقوا نَسَمَة. كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى عَبدَه، أَمَرَ موسى يَشوع، وكذٰلك فَعَلَ يَشوع: لم يُهمِلْ كَلِمَةً مِن كُلِّ ما أَمَرَ الرَّبُّ بِه موسى. وأَخَذَ يَشوعُ تِلكَ الأَرضَ كُلَّها: الجَبَلَ وكُلَّ النَّقَبِ وكُلَّ مِنطَقَةِ جوشَفَ والسَّهلَ والعَرَبَةَ وجَبَلَ إِسْرائيلَ وسَهلَه، مِنَ الجَبَلِ الأَقْرَعِ المُمتَدِّ جِهَةَ سِعير، إِلى بَعْلَ جادَ في بُقعَةِ لُبْنان، تَحتَ جَبَلِ حَرْمون. وٱستَولى على جَميعِ مُلوكِها فَضَرَبَهم وقَتَلَهم. وحارَبَ يَشوعُ جَميعَ أُولٰئِكَ المُلوكِ أَيَّامًا كَثيرة. لم يَكُنْ هُناكَ مَدينةٌ سالَمَت بَني إِسْرائيلَ سِوى الحُوِّيِّين، سُكَّانِ جِبْعون، وإِنَّما أَخَذوا جَميعَ المُدُنِ بِالحَرْب، لأَنَّ ذٰلك كانَ مِن قِبَلِ الرَّبّ، فقَسَّى قلوبَهم حَتَّى خَرَجوا على بَني إِسْرائيلَ لِلقِتال، لِكَي يُحَرَّموا ولا يُرحَموا، بل يُستأصَلوا، كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى. وجاءَ يَشوعُ في ذٰلك الوَقْت، وقَرَضَ العَناقِيّينَ مِنَ الجَبَل، مِن حَبْرونَ ودَبيرَ وعَناب، ومِن سائِرِ جَبَلِ يَهوذا وكُلِّ جَبَلِ إِسْرائيل: حَرَّمَهم يَشوعُ مع مُدُنِهم. ولم يَبقَ عَناقِيٌّ في أَرضِ بَني إِسْرائيلَ إِلاَّ في غَزَّةَ وجَتَّ وأَشْدود. وأَخَذَ يَشوعُ كُلَّ الأَرض، على حَسَبِ ما قالَ الرَّبُّ لِموسى، وأَعْطاها يَشوعُ ميراثًا لإسْرائيل، على حَسَبِ أَقْسامِهم وأَسْباطِهِم. وهَدَأَتِ الأَرضُ مِنَ الحَرْب. وهٰذا مَن ضَرَبَه بَنو إِسْرائيلَ مِن مُلوكِ الأَرض، ووَرِثوا أَرضَه في عِبرِ الأُردُنّ، ناحِيَةَ مَشرِقِ الشَّمْس، وهي مِن وادي أَرْنونَ إِلى جَبَلِ حَرْمون، وكُلُّ العَرَبَةِ شَرْقًا: سيحون، مَلِكُ الأَمورِيِّ، المُقيمُ بِحَشْبون، المُتَسَلِّطُ مِن عَروعيرَ الَّتي على جانِبِ وادي أَرْنون، إِلى وَسَطِ الوادي مع نِصفِ جِلْعاد، إِلى وادي يَبُّوق، حُدودِ بَني عَمُّون، والعَرَبَةُ إِلى بَحرِ كِنَّروتَ جِهَةَ الشَّرْق، وإِلى بَحرِ العَرَبَة، بَحرِ المِلْح، جِهَةَ الشَّرْق، على طَريقِ بَيتَ يَشيموت، ومِنَ الجَنوبِ ما تَحتَ سُفوحِ الفِسْجةِ والسَّاحِل. وعوجٌ، مَلِكُ باشانَ الَّذي هو مِن بَقِيَّةِ رِفائيم، المُقيمُ بِعَشْتاروتَ وبأَدْرَعي، وهو مُتَسَلِّطٌ على جَبَلِ حَرْمونَ وسَلْكَةَ وكُلِّ باشان، إِلى حُدودِ الجَشورِيِّ والمَعْكِيِّ وإِلى نِصْفِ جِلْعادَ وهو أَرضُ سيحون، مَلِكِ حَشْبون. هٰذانِ ضَرَبَهما موسى، عَبْدُ الرَّبّ، وبَنو إِسْرائيل، وأَعْطى موسى، عَبدُ الرَّبّ، أَرضَهما إِرثًا لِلرَّأُوبينِيِّ والجادِيِّ ولِنِصْفِ سِبطِ مَنَسَّى. وهٰذا مَن ضَرَبَه يَشوعُ وبَنو إِسْرائيلَ مِن مُلوكِ الأَرضِ في عِبرِ الأُردُنِّ غَربًا، مِن بَعلَ جادَ في بُقْعَةِ لُبْنان، إِلى الجَبَلِ الأَقرَعِ المُمتَدِّ إِلى سِعير، وأَعْطى أَرضَه لأَسباطِ إِسْرائيلَ إِرثًا، على حَسَبِ أَقْسامِها: في الجَبَلِ والسَّهلِ والعَرَبَةِ والسُّفوحِ والبَرِّيَّةِ والنَّقَب، أَراضي الحِثِّيِّ والأَمورِيِّ والكَنْعانِيِّ والفَرِزِّيِّ والحُوِّيِّ واليَبوسِيّ: مَلِكُ أَريحا واحِد. مَلِكُ العَيِّ الَّتي بِجانِبِ بَيتَ إِيلَ واحِد. مَلِكُ أُورشَليمَ واحِد. مَلِكُ حَبْرونَ واحِد. مَلِكُ يَرْموثَ واحِد. مَلِكُ لاكيشَ واحِد. مَلِكُ عَجْلونَ واحِد. مَلِكُ جازرَ واحِد. مَلِكُ دَبيرَ واحِد. مَلِكُ جادَرَ واحِد. مَلِكُ حُرمَةَ واحِد. مَلِكُ عَرادَ واحِد. مَلِكُ لِبنَةَ واحِد. مَلِكُ عَدُلاَّمَ واحِد. مَلِكُ مَقِّيدَةَ واحِد. مَلِكُ بَيتَ إِيلَ واحِد. مَلِكُ تَفُّوحَ واحِد. مَلِكُ حافَرَ واحِد. مَلِكُ أَفيقَ واحِد. مَلِكُ لَشَّارونَ واحِد. مَلِكُ مادونَ واحِد. مَلِكُ حاصورَ واحِد. مَلِكَ شِمْرونَ مَراؤُونَ واحِد. مَلِكُ أَكْشافَ واحِد. مَلِكُ تَعْناكَ واحِد. مَلِكُ مَجِدُّو واحِد. مَلِكُ قادَشَ واحِد. مَلِكُ يُقْنَعامَ في الكَرمَلِ واحِد. مَلِكُ دورَ في سَفْحِ دورَ واحِد. مَلِكُ جوئيمَ في الجليلِ واحِد. مَلِكُ تِرصَةَ واحِد. مَجْموعُ المُلوكِ واحِدٌ وثَلاثون. وشاخَ يَشوعُ وطَعَنَ في السِّنّ، فقالَ لَه الرَّبّ: «إِنَّكَ قد شِختَ وطَعَنتَ في السِّنّ، وقَد بَقِيَت أَراضٍ لِلإمتِلاكِ كَثيرةٌ جِدًّا. وهٰذه هي الأَراضي الباقِية: جَميعُ نَواحي الفَلِسطِينِّينَ وكُلُّ الجَشورِيّ، مِنَ الشِّيحورِ شَرقِيَّ مِصرَ إِلى حُدودِ عَقْرونَ شَمالًا وهي لِلكَنْعانِيّ. وأَقْطابُ الفَلِسطينِيِّينَ الخَمْسَةُ همُ الغَزِّيُّ والأَشْدودِيُّ والأَشْقَلونِيُّ والجَتِّيُّ والعَقْرونِيّ، وهُناكَ العُوِّيُّون. ومِنَ الجَنوبِ كُلُّ أَرضِ الكَنْعانِيِّ، ومِن عارةَ الَّتي لِلصَّيدونِيِّينَ إِلى أَفيق، إِلى حُدودِ الأَمورِيّ، وأَرضُ الجِبْلِيِّ وكُلُّ لُبْنانَ جِهَةَ مَشرِقِ الشَّمْس، مِن بَعْلَ جادَ تَحتَ جَبَلِ حَرْمون، إِلى مَدخَلِ حَماة. جَميعُ سُكَّانِ الجَبَل، مِن لُبْنانَ إِلى مِسرَفوتَ مَيِّيم وكُلُّ الصَّيدونِيِّينَ سأطرُدُهم مِن أَمامِ بَني إِسْرائيل، وأَنتَ تَكتَفي بِتَوزيعِها بِالقُرعةِ على إِسْرائيلَ ميراثًا كما أَمَرتُكَ. والآنَ تُقَسِّمُ هٰذه الأَرضَ ميراثًا لِلأَسباطِ التِّسعَةِ ولِنِصفِ سِبطِ مَنَسَّى: مِنَ الأُردُنِّ إِلى البَحرِ الكَبيرِ غَربًا تُعْطيها البَحرَ الكَبيرَ وساحِلَه. أَمَّا نِصفُ سِبطِ مَنَسَّى، فقَد أَخَذَ مع الرَّأُوبينِيِّ والجادِيِّ ميراثَه الَّذي أَعْطاهما موسى إِيَّاه في عِبرِ الأُردُنّ، جِهَةَ مَشْرِقِ الشَّمس، كما أَعْطاهما إِيَّاه موسى، عَبدُ الرَّبّ، وهو مِن عَروعيرَ الَّتي على جانِبِ وادي أَرْنون، والمَدينةُ الَّتي في وَسَطِ الوادي، وكُلُّ نَجدِ ميدَبا إِلى ديبون، وجَميعُ مُدُنِ سيحون، مَلِكِ الأَمورِيِّينَ، الَّذي مَلَكَ في حَشْبون، إِلى حُدودِ بَني عَمُّون، وجِلْعادُ وأَرضُ الجَشورِيِّ والمَعكِيّ، وكُلُّ جَبَلِ حَرْمون، وكُلُّ باشانَ إِلى سَلْكَة، وكُلُّ مَملَكَةِ عوجٍ في باشانَ الَّذي ملَكَ في عَشْتاروتَ وأَدرَعي، وهو مِن بَقِيَّةِ الرِّفائيمِ الَّذينَ ضَرَبَهم موسى وطَرَدَهم. ولم يَطرُدْ بَنو إِسْرائيلَ الجَشورِيَّ والمَعكِيّ، فأَقامَ جَشورُ ومَعْكَةُ في وَسْطِ إِسْرائيلَ إِلى هٰذا اليَوم. فأَمَّا سِبطُ لاوي فلَم يُعطَ ميراثًا، لأَنَّ الذَّبائِحَ بِالنَّارِ لِلرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيلَ، كانت هي ميراثَه، كما قالَ لَه. وأَعْطى موسى سِبطَ بَني رَأُوبينَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم، فكانَت أَرضُهم مِن عَروعيرَ الَّتي على جانِبِ وادي أَرْنون، والمَدينَةَ الَّتي في وَسَطِ الوادي وكُلَّ النَّجدِ عِندَ ميدَبا، وحَشْبونَ بِجَميعِ مُدُنِها الَّتي في النَّجْد: ديبونَ وباموتَ بَعْلَ وبَيتَ بَعلَ مَعون، ويَهصَةَ وقَديموتَ وميفَعَت، وقِرْيَتائيمَ وشِبْمَةَ وصارَتَ شاحَرَ في جَبَلِ الوادي، وبَيتَ فَغورَ وسُفوحَ الفِسْجَةِ وبَيتَ يَشيموت، وجَميعَ مُدُنِ النَّجْدِ وكُلَّ مَملَكَةِ سيحون، مَلِكِ الأَمورِيّينَ، الَّذي مَلَكَ في حَشْبون والَّذي ضَرَبَه موسى، هو ورُؤَساءَ مِدْيَن: أَوِيَ وراقَمَ وصورًا وحورًا ورابَع، وكانوا مُقطَعينَ لِسيحون، يَسكُنونَ الأَرض، وبِلْعامُ بنُ بَعورَ العَرَّاف قَتَلَه بَنو إِسْرائيلَ بِالسَّيفِ فيمَن قَتَلوهم. فكانَت حُدودُ بَني رَأُوبينَ الأُردُنَّ وأَرضَه. هٰذا ميراثُ بَني رَأُوبينَ، بِحَسَبِ عَشائِرِهم، مِنَ المُدُنِ وقُراها. وأَعْطى موسى سِبْطَ بَني جادٍ بِحَسَبِ عَشائِرِهم، فكانَت أَرضُهم يَعْزيرَ وجَميعَ مُدُنِ جِلْعاد ونِصْفَ أَرضِ بَني عَمُّون، إِلى عَروعيرَ الَّتي قُبالَةَ رَبَّة، ومِن حَشْبونَ إِلى رامَةِ المِصْفاةِ وبَطونيم، ومِن مَحْتائيمَ إِلى أَرضِ لِدبُر، وفي الوادي بَيتَ هارامَ وبَيتَ نِمرَةَ وسُكُّوتَ وصافونَ - وهي بَقِيَّةُ مَملَكَةِ سيحون، مَلِكِ حَشْبون - والأُردُنَّ والأَرضَ إِلى طَرَفِ بَحرِ كِنَّارَت، في عِبرِ الأُردُنِّ شَرْقًا. هٰذا ميراثُ بَني جادٍ، بِحَسَبِ عَشائِرِهم، مِنَ المُدُنِ وقُراها. وأَعْطى موسى نِصفَ سِبطِ مَنَسَّى، فكانَ لِنِصْفِ سِبطِ بَني مَنَسَّى بِحَسَبِ عَشائِرِهم. فكانَت أَرضُهم مِن مَحْنائيم كُلَّ باشان وكُلَّ مَملَكَةِ عوجٍ، مَلِكِ باشان، وجَميعَ مَزارِعِ يائيرَ الَّتي في باشان، سِتِّينَ مَدينة، ونِصفَ جِلْعادَ وعَشْتاروتَ وأَدرَعي، مُدُنَ مَملَكَةِ عوجٍ الَّذي في باشان. تِلكَ لِبَني ماكيرَ بنِ مَنَسَّى، لِنِصفِ بَني ماكيرَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم. هٰذا ما أَورَثَه موسى في بَرِّيَّةِ موآب، مِن عِبرِ أُردُنِّ أَريحا شَرقًا. وأَمَّا سِبطُ لاوي، فلَم يُعطِه موسى ميراثًا، لأَنَّ الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، هو ميراثُه، كما قالَ لَه. وهٰذا ما أَخَذَه بَنو إِسْرائيلَ ميراثًا في أَرضِ كَنْعان، ما أَورَثَهم إِيَّاه أَلِعازارُ الكاهِنُ ويَشوعُ بنُ نون ورُؤَساءُ آباءِ أَسْباطِ بَني إِسْرائيل، بِحَسَبِ قُرعَةِ ميراثِهم، كما أَمَرَ الرَّبُّ على لِسانِ موسى، لِلأَسباطِ التِّسعَةِ ونِصفِ السِّبط، لأَنَّ موسى كانَ قد أَعْطى السِّبطَينِ ونِصفَ السِّبطِ ميراثَها في عِبرِ الأُردُنّ، ولم يُعطِ سِبطَ لاوِيَ ميراثًا في وَسْطِه. وذٰلك أَنَّ بَني يوسفَ ٱنقَسَموا إِلى سِبطَين: مَنَسَّى وأَفْرائيم، ولم يَكُنْ لِبَني لاوِيَ نَصيبٌ في الأَرضِ، سِوى مُدُنٍ لِلسُّكْنى ومَراعيها لِمَواشيهِم وأَمْوالِهم. كما أَمَرَ الرَّبُّ موسى، فَعَلَ بَنو إِسْرائيلَ وقَسَّموا الأَرْض. فتقدَّم بَنو يَهوذا إِلى يَشوعَ في الجِلْجال، وقالَ لَه كالِبُ بنُ يَفُنَّا القَنِزِّيّ: «قد عَلِمتَ ما قالَ الرَّبُّ لِموسى، رَجُلِ اللهِ، في شأني وشأنِكَ في قادِشَ بَرْنيع، وكُنتُ أَنا ٱبنَ أَربَعينَ سَنَةً حينَ أَرسَلَني موسى، عَبدُ الرَّبّ، مِن قادِشَ بَرْنيع، لِتَجَسُّسِ الأَرض، وعُدتُ إِلَيه بتَحْقيقٍ على ما كانَ في قَلْبي. فأَمَّا إِخوَتي الَّذينَ صَعِدوا معي، فأَذابوا قُلوبَ الشَّعْب، وأَمَّا أَنا فتَبِعتُ الرَّبَّ إِلٰهي تَمامًا. فحَلَفَ موسى في ذٰلك اليَومِ وقال: إِنَّ الأَرضَ الَّتي وطِئَتها قَدَمُكَ لَكَ تَكونُ ميراثًا ولِبنيكَ لِلأَبَد، لأَنَّكَ تَبِعتَ الرَّبّ إِلٰهي تَمامًا. والآنَ هاءَنذا قد أَبْقاني الرَّبُّ حَيًّا مِن ذٰلك الحينِ إِلى اليَوم، كما وَعَد. وهٰذه خَمْسٌ وأَربَعونَ سَنَةً، مُنذُ خاطَبَ الرَّبُّ موسى بِهٰذا الكَلام، حينَ كانَ إِسْرائيلُ سائِرًا في البَرِّيَّة، وأَنا اليَومَ ٱبنُ خَمسٍ وثَمانينَ سَنَة. وما زِلتُ اليَومَ قَوِيًّا، كما كُنتُ يَومَ أَرسَلَني موسى. فقُوَّتي الآنَ مِثلُ قُوَّتي حينَذاكَ لِلقِتالِ ولِلذَّهابِ والإِياب. فالآنَ أَعطِني هٰذا الجَبَلَ الَّذي تَكَلَّمَ عنه الرَّبُّ في ذٰلك اليَوم، لأَنَّك أَنتَ سَمِعتَ في ذٰلك اليَومِ أَنَّ هُناكَ العَناقِيِّينَ ومُدُنًا عَظيمةً حَصينة، لَعَلَّ الرَّبَّ معي فأَطرُدَهم، كما تَكَلَّمَ الرَّبّ». فبارَكَه يَشوعُ وأَعْطى حَبْرونَ لِكالِبِ بنِ يَفُنَّا ميراثًا. لِذٰلِك صارَت حَبْرونُ لِكالِبِ بنِ يَفُنَّا القَنِزِّيِّ ميراثًا إِلى هٰذا اليَوم، لأَنَّه تَبِعَ الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، تَمامًا. وكانَ ٱسمُ حَبْرونَ قَبلًا قِريَةَ أَربَع، وهو أَعظَمُ رَجُلٍ في العَناقِيِّين. وهَدَأَتِ الأَرضُ مِنَ الحَرْب. وكانَت حِصَّةُ بَني يَهوذا، بِحَسَبِ عَشائِرِهم، جِهَةَ حُدودِ أَدوم، مِن بَرِّيَّةِ صينَ إِلى النَّقَبِ جِهَةَ تَيمان. فكانَت حُدودُهمُ الجَنوبِيَّةُ مِن طَرَفِ بَحرِ المِلْح، مِنَ اللِّسانِ المُقابِلِ لِلْجَنوب، ثُمَّ يَنفُذُ نَحوَ جَنوبِ عَقَبَةِ العَقارِب، ويَمُرُّ إِلى صين، ويَصعَدُ إِلى جَنوبِ قادِشَ بَرْنيع، ويَمُرُّ إِلى حَصْرون، ويَصعَدُ إِلى أَدَّار، ويَميلُ إِلى قَرقَع، ويَمُرُّ إِلى عَصْمون، ويَنفُذُ إِلى وادي مِصْر، وتُؤَدِّي مَنافِذُ حُدودِه إِلى البَحْر. هٰذه تَكونُ لَكم حُدودَ الجَنوب. وحُدودُ الشَّرقِ بَحرُ المِلْح، إِلى مَصَبِّ الأُردُنّ، وحُدودُ جِهَةِ الشَّمالِ مِن لِسانِ البَحْرِ، عِندَ مَصَبِّ الأُردُنّ. وتَصعَدُ الحُدودُ إِلى بَيتَ حُجلَة، وتَمُرُّ مِن شَمالِ بَيتِ العَرَبَة، وتَصعَدُ إِلى حَجَرِ بوهَنَ بنِ رَأُوبين. وتَصعَدُ الحُدودُ إِلى دَبيرَ مِن وادي عَكور، وتَميلُ شَمالًا نَحوَ الجِلْجالِ الَّذي قُبالَةَ عَقَبَةِ أَدُمِّيمَ الَّتي على جَنوبِ الوادي، وتَمُرُّ إِلى مِياهِ عَينَ شَمْس، وتُؤَدِّي مَنافِذُه إِلى عَينَ روجِل. وتَصعَدُ الحُدودُ إِلى وادي ابنِ هِنُّوم، إِلى جانِبِ يَبوسَ جَنوبًا، وهي أُورَشَليم، وتَصعَدُ إِلى رَأسِ الجَبَلِ الَّذي هو تُجاهَ وادي هِنُّومَ غَربًا، في طَرَفِ وادي رِفائيمَ شَمالًا. ومِن رأسِ الجَبَلِ تَنعَطِفُ الحُدودُ إِلى مَعينِ ماءِ نَفْتوح، وتَنفُذُ إِلى أَطْلالِ جَبَلِ عَفْرون، وتَنعَطِفُ إِلى حُدودِ بَعلَةَ وهي قِريَةَ يَعاريم. وتَميلُ الحُدودُ مِن بَعلَةَ غَربًا إِلى جَبَلِ سِعير، وتَمُرُّ إِلى جانِبِ جَبَلِ يَعاريمَ شَمالًا، وهي كَسالون، وتَهبِطُ إِلى بَيتَ شَمْس، وتَمُرُّ إِلى تِمنَة. وتَنفُذُ الحُدودُ إِلى جانِبِ عَقْرونَ شَمالًا، وتَنعَطِفُ إِلى شِكْرون، وتَمُرُّ في جَبَلِ بَعلَة، وتَنفُذُ إِلى يَبْنَئيل، وتُؤَدِّي مَنافِذُها إِلى البَحْر. والحُدودُ الغَربِيَّةُ هي البَحرُ الكَبير. وهٰذه حُدودُ بَني يَهوذا مِن كُلِّ جانِب، على حَسَبِ عَشائِرِهم. ولِكالِبَ بنِ يَفُنَّا أُعْطِيَ نَصيبٌ في وَسْطِ بَني يَهوذا، على حَسَبِ أَمرِ الرَّبِّ لِيَشوع: قِريَةَ أَربَع - وأَربَعُ هو أَبو عَناق - الَّتي هي حَبْرون. فطَرَدَ كالِبُ مِن هُناكَ بَني عَناقَ الثَّلاثَة: شيشايَ وأَحيمانَ وتَلْحايَ، بَني عَناق. وصَعِدَ مِن هُناكَ إِلى سُكَّانِ دَبير. وكانَ ٱسمُ دَبيرَ قَبلًا قِريَةَ سِفْر. فقالَ كالِب: «مَن ضَرَبَ قِريَةَ سِفرَ وٱستَولى علَيها، أُعْطيه عَكسَةَ ٱبنتَي زَوجَةً». فٱستَولى علَيها عُتْنيئيلُ بنُ قَناز، أَخو كالِب، فأَعْطاه عَكسَةَ ٱبنَتَه زَوجَةً لَه. وٱتَّفَقَ، بَينَما كانَت آتِيَةً معَه، أَنَّها أَغْرَته بِطَلَبِ حَقلٍ مِن أَبيها، فنَزَلَت مِن على الحِمار. فقالَ لَها كالِب: «ما لَكِ؟» قالَت: «هَبْ لي نِعمَةً، وبِما أَنَّكَ أَعطَيتَني أَرضًا في النَّقَب، فأَعطِني أَحْواضَ ماءٍ أَيضًا». فأَعْطاها أَحْواضًا عُلوِيَّةً وأَحْواضًا سُفْلِيَّة. هٰذا ميراثُ سِبطِ بَني يَهوذا بِحَسَبِ عَشائِرِهم. وكانَتِ المُدُنُ مِن طَرَفِ سِبطِ بَني يَهوذا، إِلى حُدودِ أَدومَ في النَّقَب: قَبصَئيل وعيدَر وياجور وقينَة وديمونَة وعَرعَدة وقادَش وحاصورَ بِتْنان وزيف وطالَم وبَعْلوت وحاصورَ حَدَتَّة وقِرْيوتَ حَصْرون، وهي حاصور، وأَمام وشَماع ومولادَة وحَصَرَ جَدَّة وحَشْمون وبَيتَ فالَط وحَصَرَ شوعال وبِئرَ سَبْع وتَوابِعَها وبَعلَة وعَيِّم وعاصَم وأَلْتولَد وكسيل وحُرمَة وصِقلَج ومَدمَنَّة وسَنسَنَّة ولَباؤُوت وشِلْحيم وعَينَ رمُّون: فمَجْموعُ المُدُنِ تِسعٌ وعِشْرونَ مَدينةً بِقُراها. وفي السَّهلِ أَشْتاؤُول وصُرعَة وأَشنَة وزانوح وعَينَ جَنِّيم وتَفُّوح وعَينام ويَرْموت وعَدُلاَّم وسوكو وعَزيقة وشَعْرائيم وعَديتائيم والجَديرة وجَدير وتائيم: أَربَعَ عَشرَةَ مَدينةً بقُراها. وضَان وحَداشة ومِجدَلَ جاد ودِلْعان والمِصْفاة ويُقتَئيل ولاكيش وبُصقَة وعَجْلون وكَيُّون ولَحْماس وكِتْليش وجَديروت وبَيتَ داجون ونَعمَة ومَقِّيدة: سِتَّ عَشرَةَ مَدينةً بِقُراها. ولِبنَة وعاتَر وعاشان ويَفْتاح وأَشنَة ونَصيب وقَعيلة وأَكزيب ومَريشة: تِسعَ مُدُنٍ بِقُراها. وعَقْرونَ وتوابِعَها وقُراها، ومِن عَقْرونَ إِلى البَحرِ كُلَّ ما يُجاوِرُ أَشْدودَ وقُراها، وأَشْدودَ وتَوابِعَها وقُراها، وغَمَّةَ وتَوابِعَها وقُراها إِلى وادي مِصرَ والبَحرِ الكَبيرِ والسَّاحِل. وفي الجَبَلِ شامير ويَتِّير وسوكو ودَنَّة وقِريَةَ سَنَّة، وهي دَبير وعَناب وأَشتَمو وعانيم وجوشَن وحولون وجيلو: إِحْدى عَشرَةَ مَدينةً بِقُراها، وأَراب ودومة وأَشْعان ويَنوم وبَيتَ تَفُّوح وأَفيقة وحُمطَة وقِريَةَ أَربَع، وهي حَبْرون، وسيعور: تِسْعَ مُدُنٍ بِقُراها، ومَعون وكَرمَل وزيف ويوطة ويِزْرَعيل ويُرقَعام وزانوح والقايِن وجِبعَة وتِمنَة: عَشْرَ مُدُنٍ بِقُراها، وحَلْحول وبَيتَ صور وجَدور ومَعْرات وبَيتَ عَنون وأَلْتَقون: سِتَّ مُدُنٍ بِقُراها. وتَقوع وأَفْراتة، وهي بَيتَ لَحْم، وفاغور وعَيطَم وقولون وتَتام وساريس والكَرْم وجَلِّيم وبَطير ومَناح: إِحْدى عَشرَةَ مَدينةً بِقُراها، وقِريَةَ بَعْل، وهي قِريَةَ يَعاريم، والرَّبَّة: مَدينَتينِ بِقُراهما. وفي البَرِّيَّةِ بَيتَ العَرَبَة ومِدِّين وسَكاكة والنِّبْشان ومَدينةَ المِلْح وعَينَ جَدْي: سِتَّ مُدُنٍ بِقُراها. وأَمَّا اليَبوسِيُّون، سُكَّانُ أُورَشَليم، فلَم يَقدِرْ بَنو يَهوذا على طَردِهم. فأَقامَ اليَبوسِيُّونَ مع بَني يَهوذا في أُورَشَليمَ إِلى هٰذا اليَوم. وٱمتَدَّت حِصَّةُ بَني يوسُفَ مِن أُردُنِّ أَريحا إِلى مِياهِ أَريحا شَرقًا، إِلى البَرِّيَّةِ الصَّاعِدَةِ مِن أَريحا إِلى جَبَلِ بَيتَ إِيل، وهو يَنفُذُ مِن بَيتَ إِيلَ إِلى لوز، ويَمُرُّ إِلى حُدودِ الأَرَكِيِّين، إِلى عطاروت، ويَهبِطُ غَربًا إِلى حُدودِ اليَفْليطِيِّين، إِلى حُدودِ بَيتَ حورونَ السُّفْلى، وإِلى جازَرَ، ومَنافِذُه عِندَ البَحْر. فأَخَذَ ٱبْنا يوسُف، مَنَسَّى وأَفْرائيم، ميراثَهما. وكانَت أَرضُ بَني أَفْرائيمَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم، فكانَت حُدودُ ميراثِهم شَرقًا عَطاروتَ أَدَّار إِلى بَيتَ حورونَ العُلْيا، وتَنفُذُ الحُدودُ غَربًا إِلى المِكْمَتاتِ مِنَ الشَّمال، وتَميلُ شَرقًا إِلى تأنَةَ شيلو، وتَمُرُّ فيها مِنَ الشَّرقِ إِلى يَنوح، وتَهبِطُ مِن يَنوحَ إِلى عَطاروتَ ونَعرَة، وتَنْتَهي إِلى أَريحا، وتَنفُذُ إِلى الأُردُنّ. وتَتَوَجَّهُ الحُدودُ مِن تَفُّوحَ غَربًا إِلى وادي قانَة، ومَنافِذُها عِندَ البَحْر. هٰذا ميراثُ سِبطِ بَني أَفرائيمَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم، ما عَدا المُدُنِ المَخْصوصةَ بِبَني أَفْرائيم، في وَسَطِ ميراثِ بَني مَنَسَّى، جَميعَ المُدُنِ بِقُراها. ولم يَطرُدوا الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ بِجازَر، فأَقامَ الكَنْعانِيُّونَ بَينَ أَفْرائيمَ إِلى هٰذا اليوم، وكانوا خاضِعينَ لِلسُّخْرة. وكانَت حِصَّةُ سِبطِ مَنَسَّى - لأَنَّه بِكرُ يوسُف - لماكير، بِكرِ مَنَسَّى، أَبي جِلْعاد. ولأَنَّه كانَ رَجُلَ حَرْب، فكانَ نَصيبُه جِلْعادَ وباشان. ثُمَّ كانَ لِبَني مَنَسَّى الباقين، بِحَسَبِ عَشائِرِهم: لِبَني أَبيعازَر وبَني حالَق وبني أَسْريئيل وبَني شاكَم وبني حافَر وبني شَميداع، وهم بَنو مَنَسَّى بنِ يوسُفَ الذُّكور، بِحَسَبِ عَشَائِرِهم. وأَمَّا صَلُفحَدُ بنُ حافرَ بنِ جِلْعادَ بنِ ماكيرَ بنِ مَنَسَّى، فلَم يَكُنْ لَه بَنون، وإِنَّما كانَت لَه بَنات. وهٰذه أَسْماءُ بَناتِه: مَحلَة ونَوعَة وحُجلَة ومِلكَة وتِرصَة. فتَقَدَّمنَ إِلى أَمامِ أَلِعازارَ الكاهِنِ ويَشوعَ بنِ نونٍ والرُّؤَساء، وقُلْنَ: «إِنَّ الرَّبَّ قد أَمَرَ موسى بِأَن يُعطِيَنا ميراثًا في وَسْطِ إِخوَتِنا». فأَعْطاهُنَّ ميراثًا بِأَمرِ الرَّبّ فيما بينَ إِخوَةِ أَبيهِنَّ. فوقَعَ لِمَنَسَّى عَشْرَةُ أَسهُم، ما عَدا أَرضَ جِلْعادَ وباشانَ في عِبرِ الأُردُنّ، لأَنَّ بَناتِ مَنَسَّى أَخَذْنَ ميراثًا في وَسْطِ بَنيه، وأَنَّ أَرضَ جِلْعادَ صارَت لِبَني مَنَسَّى الباقين. وكانَت حُدودُ مَنَسَّى مِن أَشيرَ إِلى المِكْمَتاتِ الَّتي تُجاهَ شَكيم. وكانَتِ الحُدودُ تَتَوَجَّهُ يَمنَةً إِلى يَشسبَ عَينَ تَفُّوح. وكانَت أَرضُ تَفُّوحَ لِمَنَسَّى. وأَمَّا تَفُّوحُ الَّتي على حُدودِ مَنَسَّى، فكانَت لِبَني أَفْرائيم. وتَهبِطُ الحُدودُ إِلى وادي قانَة، جَنوبِيَّ الوادي. إِلاَّ أَنَّ هٰذه المُدُنَ صارَت لأَفْرائيم، في وَسَطِ مُدُنِ مَنَسَّى. وكانَت حُدودُ مَنَسَّى مِن شَمالِ الوادي، ومَنافِذُها إِلى البَحْر: الجَنوبُ لأَفْرائيم والشَّمالُ لِمَنَسَّى، وحَدُّهُما البَحْرُ، وكانا يتَّصِلانَ بِأَستيرَ شَمالًا وبِيَسَّاكَرَ شَرقًا. وكانَ لِمَنَسَّى، في أَرضِ يَسَّاكَرَ وأَستير، بَيتَ شانَ وتَوابِعُها ويَبْلاعامُ وتَوابِعُها وسُكَّانُ عَينَ دورَ وتَوابِعِها وسُكَّانُ تَعْناكَ وتَوابِعِها وسُكَّانُ مَجِدُّو وتَوابِعِها، وثالِثًا نافِت. ولم يَستَطِعْ بَنو مَنَسَّى أَن يَتَمَلَّكوا هٰذه المُدُن، فأَصَرَّ الكَنْعانِيُّونَ على الإِقامةِ في هٰذه الأَرْض. ولَمَّا قَوِيَ بَنو إِسْرائيل، أَخْضَعوا الكَنْعانِيِّينَ لِلسُّخرَةِ ولم يَطْرُدوهم. وكَلَّمَ بَنو يوسُفَ يَشوعَ وقالوا: «ما بالُكَ أَعطَيتَنا حِصَّةً واحِدَةً وسَهْمًا واحِدًا ميراثًا، ونَحنُ شَعبٌ كَثير، وقد بارَكَنا الرَّبُّ إِلى الآن؟» فقالَ لَهم يَشوع: «إِذا كُنتُم شَعبًا كَثيرًا، فٱصعَدوا إِلى الغابِ وأَزيلوا الأَشجارَ عنه، في أَرضِ الفَرِزِّيِّينَ والرِّفائيم، إِذا كانَ قد ضاقَ بِكم جَبَلُ أَفْرائيم». فقالَ بَنو يوسف: «الجَبَلُ لا يَكْفينا، ثُمَّ إِنَّ لِجَميعِ الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ بِأَرضِ السَّهلِ مَركَباتِ حَديد، سَواءٌ أَكانَ الَّذينَ في بَيتَ شانَ وتَوابِعِها أَم الَّذينَ في سَهْلِ يِزْرَعيل». فقالَ يَشوعُ لِبَيتِ يوسُف، لأَفْرائيمَ ومَنَسَّى: «أَنتُم شَعبٌ كثيرٌ ولَكم قُوَّةٌ عظيمية، فلا تَكونُ لَكم حِصَّةٌ واحِدة، بلِ الجَبَلُ يَكونُ لَكم، لأَنَّه غاب، فتُزيلوا الأَشْجارَ عنه، وتَستَولوا على مَنافِذِه، ثُمَّ تَطرُدونَ الكَنْعانِيِّين، ولو كانَ لهم مَركَباتُ حَديدٍ وكانوا أَقوِياء». وٱجتَمَعَت جَماعةُ بَني إِسْرائيلَ كُلُّها في شيلو، ونَصَبوا هُناكَ خَيمَةَ المَوعِد، وأُخضِعَتِ الأَرضُ قُدَّامَهم. وبَقِيَ مِن بَني إِسْرائيلَ سَبعَةُ أَسْباطٍ لم تَنَلْ ميراثَها. فقالَ يَشوعُ لِبَني إِسْرائيل: «إِلى مَتى أَنتُم مُتَهامِلونَ عنِ الدُّخولِ لِٱمتِلاكِ الأَرضِ الَّتي أَعْطاكُم إِيَّاها الرَّبُّ إِلٰهُ آبائِكم؟ خُذوا لَكم مِن كُلِّ سِبطٍ ثَلاثَةَ رِجال، فأُرسِلَهم فيَنهَضونَ ويَسيرونَ في الأَرضِ ويَمْسحونَها بِحَسَبِ ميراثِهم، ثُمَّ يَرجِعونَ إِلَيَّ. يُقَسِّمونَها سَبعَةَ أَقْسام، فيُقيمُ يَهوذا في أَرضِهِ جَنوبًا، وبَيتُ يوسُفَ في أَرضِهِم شَمالًا. وأَنتُم تَمسَحونَ الأَرضَ سَبعَةَ أَنصِبَة، وتَعودونَ إِلَيَّ بِهٰذا المَسْحِ إِلى هٰهُنا، حَتَّى أُلقِيَ لَكُمُ القُرعَةَ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِنا. فإِنَّ اللاَّوِيِّينَ لَيسَ لَهم نَصيبٌ بَينَكم، لأَنَّ كَهَنوتَ الرَّبِّ هو ميراثُهم. وأَمَّا جادٌ ورَأُوبينُ ونِصفُ سِبطِ مَنَسَّى، فقد أَخَذوا في شَرقيِّ عِبرِ الأُردُنِّ ميراثَهمُ الَّذي أَعْطاهم إِيَّاه موسى، عَبدُ الرَّبّ». فقامَ القَومُ ومَضَوا وأَوصى يَشوعُ الذَّاهِبينَ لِمَسْحِ الأَرضِ قائِلًا: «أُمْضوا فسيروا في الأَرضِ وٱمْسَحوها، وعودوا إِلَيَّ حتَّى أُلقِيَ القُرعَةَ بَينَكم هٰهُنا أَمامَ الرَّبِّ في شيلو». فمَضى القَومُ وجالوا في الأَرضِ ومَسَحوها، بِحَسَبِ المُدُن، سَبعَةَ أَقْسامٍ في كِتابٍ وعادوا إِلى يَشوعَ، إِلى المُخَيَّمِ في شيلو. فأَلْقى لَهم يَشوعُ القُرعَةَ في شيلو أَمامَ الرَّبّ، ووَزَّعَ هُناكَ الأَرضَ على بَني إِسْرائيلَ بِحَسَبِ أَنصِبَتِهم. فخَرَجَت قُرعَةُ بَني بَنْيامينَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم. فكانَت حُدودُ حِصَّتِهم في وَسْطِ بَني يَهوذا وبَني يوسُف. وكانَت حُدودُهم مِن جِهَةِ الشَّمالِ مِنَ الأُردُنِّ، صاعِدَةً إِلى جانِبِ أَريحا شَمالًا، ثُمَّ تَصعَدُ في الجَبَلِ غَربًا وتَنفُذُ إِلى بَرِّيَّةِ بَيتَ آوِن. وتَمُرُّ الحُدودُ مِن هُناكَ إِلى لوز، إِلى جانِبِها الجَنوبِيّ، وهي بَيتَ إِيل، وتَهبِطُ إِلى عطاروتَ أُورِكَ على الجَبَل، جَنوبِيَّ بَيتَ حورونَ السُّفْلى. وتَنعَطِفُ الحُدودُ وتَميلُ، مِن جِهَةِ المَغرِبِ جَنوبًا، مِنَ الجَبَلِ الَّذي تُجاهَ بَيتَ حورونَ جَنوبًا، وتَنفُذُ عِند قِريَةَ بَعلَ الَّتي هي قِريَةَ يَعاريم، وهي مَدينةٌ لِبَني يَهوذا، هٰذه جِهَةُ الغَرْب. وأَمَّا جِهَةُ الجَنوبِ فهي: مِن طَرَفِ قِريَةَ يَعاريم، وتَخرُجُ الحُدودُ غَربًا إِلى مَنبِعِ مِياهِ نَفْتوح، ثُمَّ تَهبِطُ إِلى طَرَفِ الجَبَلِ الَّذي تُجاهَ وادي ٱبنِ هِنُّومَ الَّذي في سَهلِ رِفائيمَ شَمالًا، وتَنحَدِرُ في وادي هِنُّومَ إِلى جانِبِ يَبوسَ جَنوبًا، ثُمَّ تَهبِطُ إِلى عَينَ روجِل. وتَنعَطِفُ مِنَ الشَّمالِ وتَنفُذُ إِلى عَينَ شَمْس، ثُمَّ إِلى جَليلوت، مُقابِلَ عَقَبَةِ أَدُمِّيم، وتَنحَدِرُ إِلى حَجَرِ بوهَنَ بنِ رَأُوبين، وتَمُرُّ إِلى كِتِف، مُقابِلَ العَرَبَة، إِلى الشَّمال، وتَنحَدِرُ إِلى العَرَبَة. ثُمَّ تَمُرُّ الحُدودُ بِجانِبِ بَيتَ حُجلَةَ شَمالًا، وتَنفُذُ إِلى لِسانِ بَحرِ المِلْحِ شَمالًا، إِلى مُنْتَهى الأُردُنِّ جَنوبًا. هٰذه حُدودُ الجَنوب. والأُردُنُّ مُتاخِمٌ لَه مِن جِهَةِ المَشرِق. هٰذا ميراثُ بَني بَنْيامينَ بِحُدودِه مِن كُلِّ جانِبٍ، بِحَسَبِ عَشائِرِهم. وكانَت مُدُنُ سِبطِ بَني بَنْيامِينَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: أَريحا وبَيتَ حُجلَة وعِمِقَ قَصيص وبَيتَ العَرَبَة وصَمارَئيم وبَيتَ إِيل والعَوِّيم والقارة وعُفرَة وكَفْرَ العَمُّونَة والعُفْنِيّ وجَبْع: إِثنَتَي عَشرَةَ مَدينةً بِقُراها. وجِبْعون والرَّامة وبِئْروت والمِصْفاة والكَفيرة والموصة وراقَم ويَرفَئيل وتَرأَلَة وصيلَع. وآلَف ويَبوس، وهي أُورَشَليم، وجِبعَة وقِريَة: أَربَعَ عَشرَةَ مَدينةً بِقُراها. هٰذا ميراثُ بَني بَنْيامينَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم. وخَرَجَتِ القُرعَةُ الثَّانِيةُ لِشِمْعون، لِسِبطِ بَني شِمْعونَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم، وكانَ ميراثُهم في داخِلِ ميراثِ بَني يَهوذا. فكانَ لَهم في ميراثِهم: بِئرَ سَبْع وشَمَع ومولاذة وحَضَرَ شوعال وبالَة وعاصَم وأَلْتولَد وبَتول وحُرمة وصِقلَج وبَيتُ المَركَبوت وحَصَرَ سوسَة وبَيتَ لَباؤُوت وشَروحَن: ثَلاثَ عَشرَةَ مَدينةً بِقُراها، وعَين ورِمُّون وعاتَر وعاشان: أَربَعُ مُدُنٍ بِقُراها، وجَميعُ القُرى الَّتي حَولَ تِلكَ المُدُنِ إِلى بَعلَةَ بير، ورامَةُ النَّقَب. هٰذا ميراثُ سِبطِ بَني شِمْعونَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم. وكانَ ميراثُ بَني شِمْعونَ مِن سَهمِ بَني يَهوذا، لأَنَّ نَصيبَ بَني يَهوذا كانَ زائِدًا علَيهم، فوَرِثَ بَنو شِمْعونَ في داخِلِ ميراثِهم. وخَرَجَتِ القُرعَةُ الثَّالِثَةُ لِبَني زَبولونَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم، فكانَت حُدودُ ميراثِهم إِلى ساريد. وتَصعَدُ حُدودُهم غَربًا إِلى مَرعَلة، وتَتَّصِلُ إِلى دَبَّاشَت، وتَبلُغُ إِلى الوادي الَّذي قُبالَةَ يُقنَعام، ثُمَّ تَنعَطِفُ مِن ساريدَ شَرقًا نَحوَ مَشرِقِ الشَّمْسِ على حُدودِ كِسلوتَ تابور، وتَنفُذُ إِلى الدَّبْرَت وتَصعَدُ إِلى يافيع. ومِن هُناكَ تَمُرُّ شَرقًا إِلى شَرقِيِّ جَتَّ حافَر وعِتَّ قاصين، وتَنفُذُ إِلى رِمُّون، وتَنعَطِفُ إِلى نيعة. وتَميلُ الحُدودُ حَولَها شَمالًا إِلى حَنَّاتون، وتَنتَهي إِلى وادي يَفتَحْئيل وقَطَّة ونَهْلال وشِمْعون ويَرأَلة وبَيتَ لَحْم: فهُناكَ ٱثنَتا عَشرَةَ مَدينةً بِقُراها. هٰذا ميراثُ بَني زَبولونَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم: تِلكَ المُدُنُ بِقُراها. وخَرَجَتِ القُرعَةُ الرَّابِعَةُ لِيَسَّاكَر، لِبَني يَسَّاكَرَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم. فكانَت حُدودُهم إِلى يِزْرَعيل والكَسُلُّوت وشونَم وحَفارائيم وشيؤُون وأَناحَرَت والرَّبيت وقِشْيون وآبَص ورامَت وعَينَ جَنِّيم وعَينَ حَدَّة وبَيتَ فَصِّيص. وتَتَّصِلُ الحُدودُ إِلى تابور وشَحْصيمة وبَيتَ شَمْس، وتَنفُذُ حُدودُهم عِندَ الأُردُنّ: فهُناكَ سِتَّ عَشرَةَ مَدينةً بِقُراها. هٰذا ميراثُ سِبطِ بَني يَسَّاكَرَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم مِنَ المُدُنِ وقُراها. وخَرَجَتِ القُرعَةُ الخامِسَةُ لِسِبطِ بَني أَشيرَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم. فكانَ في حُدودِهم: حَلقَة وحَلي وباطَن وأَكْشاف وأَلَّمَّالَك وعَمْعاد ومِشآل، وتَتَّصِلُ غَربًا إِلى كَرمَل وشيحورَ لِبْنات وتَنعَطِفُ شَرقًا إِلى بَيتَ داجون، ثُمَّ تَتَّصِلُ إِلى زَبولونَ وإِلى وادي يَفتَحْئيل، على شَمالِ بَيتِ العامِق وتَعيئيل، وتَنفُذُ إِلى كابولَ شَمالًا وإِلى عَبْدون ورَحوب وحَمُّون وقانَة إِلى صَيدونَ الكُبْرى. وتَعطِفُ الحُدودُ إِلى الرَّامة وإِلى المَدينةِ المُحَصَّنَةِ صور، ثُمَّ تَعطِفُ إِلى حوصة، وتَنفُذُ عِندَ البَحرِ إِلى مَحاليب وأَكْزيب، وعَكُّو وأَفيق ورَحوب. فهُناكَ ٱثنَتانِ وعِشْرونَ مَدينةً بِقُراها. هٰذا ميراثُ سِبطِ بَني أَشيرَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم. وخَرَجَتِ القُرعَةُ السَّادِسَةُ لِبَني نَفْتالي، لِبَني نَفْتالي بِحَسَبِ عَشَائِرِهم. فكانَت حُدودُهم مِن حالَف ومِنَ البَلُّوطةِ عِندَ صَعْنَنِّيم وأَدامي النَّقَب ويَبْنَئيل، إِلى لَقُّوم، وتَنفُذُ إِلى الأُردُنّ، وتَعطِفُ الحُدودُ غَربًا إِلى أَزنوتَ تابور، وتَنفُذُ إِلى حُقُّوق، وتَتَّصِلُ إِلى زَبولونَ جَنوبًا وإِلى أَشيرَ غَربًا وإِلى يَهوذا الأُردُنِّ شَرقًا. وهُناكَ مِنَ المُدُنِ المُحَصَّنة: صِدِّيم وصير وحَمَّت ورَقَّت وكِنَّارَت وأَدامَة والرَّامة وحاصور وقادَش وأَدرَعي وعَينَ حاصور ويِرْؤُون ومِجدَلَ إِيل وحوريم وبَيتَ عَناة وبَيتَ شَمْس: فهُناكَ تِسعَ عَشرَةَ مَدينةً بِقُراها. هٰذا ميراثُ سِبطِ بَني نَفْتالي بِحَسَبِ عَشائِرِهم مِنَ المُدُنِ وقُراها. وخَرَجَتِ القُرعَةُ السَّابِعَةُ لِسِبطِ بَني دانٍ بِحَسَبِ عَشائِرِهم، فكانَت أَرضُ ميراثِهم صُرعَة وأَشْتاؤُول ومَدينَةَ الشَّمْس وشَعلَبِّين وأَيَّالون ويِتلَة وأَيلون وتِمنَة وعَقْرون وأَلتَقَيه وجِبَّتون وبَعلَة ويهود ويَزور وبَني بَرَق وجَتَّ رِمُّون ومِياهَ اليَرْقون والرَّقُّون مع المِنطَقَةِ الَّتي مُقابِلَ يافا. وسَقَطَت أَرضُ بَني دانَ مِنهم، فصَعِدوا وحارَبوا لاشَم، وٱستَولَوا عليها وضَرَبوها بِحَدِّ السَّيف، ووَرِثوها وسَكَنوا فيها وسَمَّوها لاشَم دان، بِٱسمِ دانٍ أَبيهم. هٰذا ميراثُ سِبطِ بَني دانٍ بِحَسَبِ عَشائِرِهم، تِلكَ المُدُنُ بِقُراها. ولَمَّا فَرَغوا مِن تَقسيمِ الأَرضِ بِحُدودها، أَعْطى بَنو إِسْرائيلَ يَشوعَ بنَ نونٍ ميراثًا في وَسْطِهم. أَعطَوه بِأَمرِ الرَّبِّ المَدينَةَ الَّتي طَلَبها، وهي تِمنَةَ سارحُ في جَبَلِ أَفرائيم، فأَعادَ بِناءَها وأَقامَ فيها. هٰذه هي المَواريثُ الَّتي وَزَّعَها أَلِعازارُ الكاهِنُ ويَشوعُ بنُ نونٍ ورُؤَساءُ آباءِ بَني إِسْرائيلَ بِالقُرعَةِ في شيلو، أَمامَ الرَّبِّ، عِندَ بابِ خَيمَةِ المَوعِد، وهٰكذا ٱنتَهَوا مِن تَقْسيمِ الأَرض. وخاطَبَ الرَّبُّ يَشوعَ قائِلًا: «كَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِجعَلوا لَكم مُدُنَ المَلجَإِ الَّتي كَلَّمتُكم بِها على لِسانِ موسى، حتَّى يَهرُبَ إِلَيها كُلُّ قاتِلٍ نَفْسًا سَهْوًا بِغَيرِ قَصْد، فتَكونَ لَكم مَلجأً مِنَ المُنتَقِمِ لِلدَّم. يَهرُبُ القاتِلُ إِلى واحِدَةٍ مِن هٰذه المُدُن، ويَقِفُ بِمَدخَلِ بابِ المدينة، ويَتَكَلَّمُ على مسامِعِ شُيوخِها في شَأنِه، فيَضُمُّونَه إِلَيهم في المَدينة، ويُعْطونَه مَكانًا فيُقيمُ معَهم. فإِذا طارَدَه المُنتَقِمُ لِلدَّم، فلا يُسلِمونَ القاتِلَ إِلى يَدِه، لأَنَّه قَتَلَ قَريبَه بِغَيرِ قَصْدٍ ولم يَكُنْ مُبغِضًا لَه مِن أَمسِ فما قَبلُ. ويُقيمُ في تِلكَ المَدينةِ إِلى حينِ وقُوفِه أَمامَ الجَماعةِ لِلمُحاكمة (إِلى أن يَموتَ عَظيمُ الكَهَنَةِ الَّذي يَكونُ في تِلكَ الأَيَّام. فحينَئِذٍ يَعودُ القاتِلُ إِلى مَدينَتِه وأَهلِه، إِلى المَدينةِ الَّتي هَرَبَ مِنها)». فكَرَّسوا قادَشَ في الجَليل، في جَبَلِ نَفْتالي، وشكيمَ في جَبَلِ أَفرائيم، وقِريَةَ أَربَع، وهي حَبْرون، في جَبَلِ يَهوذا. وفي عِبرِ أُردُنِّ أَريحا شَرقًا، جَعَلوا باصَرَ في البَرِّيَّةِ في السَّهْل، مِن سِبطِ رَأُوبين، وراموتَ في جِلْعادَ مِن سِبطِ جاد، وجَولانَ في باشان مِن سِبطِ مَنَسَّى. تِلكَ كانَت مُدُنَ المَلجَإِ لِجَميعِ بَني إِسْرائيل، ولِلنَّزيلِ المُقيمِ في وَسْطِهم، حتَّى يَهرُبَ إِلَيها كُلُّ قاتِلِ نَفْسٍ سَهوًا، فلا يَموتَ بِيَدِ المُنتَقِمِ لِلدَّم، إلى حينِ وُقوفِه أَمامَ الجَماعة. وتَقَدَّمَ رُؤَساءُ آباءِ اللاَّوِيِّينَ إِلى أَلِعازارَ الكاهِنِ وإِلى يَشوعَ بنِ نونٍ ورُؤَساءِ الآباءِ في أَسْباطِ بَني إِسْرائيل، وكَلَّموهم في شيلو، في أَرضِ كَنْعان، قائِلين: «إِنَّ الرَّبَّ قد أَمَرَ على لِسانِ موسى بِأَن نُعْطى مُدُنًا لِلسُّكْنى مع مَراعيها لِبَهائِمِنا». فأَعطى بَنو إِسْرائيلَ اللاَّوِيِّينَ مِن ميراثِهم، على حَسَبِ أَمرِ الرَّبّ، هٰذه المُدُنَ ومراعِيَها. فخَرَجَتِ القُرعَةُ لِعَشائِرِ القَهاتِيِّين: فخَرَجَ بِالقُرعَةِ لِبَني هارونَ الكاهِن، الَّذينَ هم مِن سِبطِ لاوِيَ، ثَلاثَ عَشرَةَ مَدينةً مِن مُدُنِ سِبطِ يَهوذا وسِبطِ شِمْعون وسِبطِ بَنْيامين. ولِبَقِيَّةِ بَني قَهاتَ عَشرُ مُدُنٍ بِالقُرعَةِ مِن مُدُنِ عَشائِرِ سِبطِ أَفْرائيم وسِبطِ دان ونِصفِ سِبطِ مَنَسَّى. ولِبَني جِرْشونَ ثَلاثَ عَشرَةَ مَدينةً بِالقُرعَةِ مِن مُدُنِ عَشائِرِ سِبطِ يَسَّاكَر وسِبطِ أَشير وسِبطِ نَفْتالي ونِصفِ سِبطِ مَنَسَّى في باشان. ولِبَني مرارِيَ، بِحَسَبِ عَشائِرِهم، ٱثنَتا عَشرَةَ مَدينةً مِن مُدُنِ سِبطِ رَأُوبين وسِبطِ جاد وسِبطِ زبولون. فأَعْطى بَنو إِسْرائيلَ اللاَّوِيِّينَ هذه المُدُنَ ومَراعِيَها بِالقُرعَة، كما أَمَرَ الرَّبُّ على لِسانِ موسى. وأَعطَوهم مِن مُدُنِ سِبطِ بَني يهوذا وسِبطِ بني شِمْعونَ هٰذه المُدُنَ المُسَمَّاةَ بِأَسْمائها. فكانَت لِبَني هارون، مِن عشائِرِ القَهاتِيِّينَ مِن بني لاوي، لأَنَّ القُرعَةَ الأُولى كانَت لَهم. فأَعطَوهم قِريَةَ أَربَع، مَدينَةَ أَبي عَناق، وهي حَبْرون، في جَبَلِ يِهوذا وما حَولَها مِنَ المَراعي. فأَمَّا حُقولُ المَدينةِ وقُراها فأَعطَوها لِكالِبَ بنِ يَفُنَّا مِلكًا لَه. ولِبني هارونَ الكاهِنِ أَعْطَوا حَبْرونَ مَدينةَ مَلجَإِ القاتِلِ ومَراعِيَها ولِبنةَ ومَراعِيَها ويَتِّيرَ ومراعِيَها وأَشْتَموعَ ومَراعِيَها وحولونَ ومَراعِيَها ودَبيرَ ومراعِيَها وعاشانَ ومَراعِيَها ويُطَّةَ ومَراعِيَها وبَيتَ شَمسَ ومَراعِيَها: تِسْعَ مُدُنٍ مِن مُدُنِ هٰذَينِ السِّبْطَين. ومِن مُدُنِ سِبطِ بَنْيامينَ جِبْعونَ ومَراعِيَها وجَبْعَ ومَراعِيَها وعَناتوتَ ومَراعِيَها وعَلْمونَ ومَراعِيَها: أَربَعَ مُدُن. مَجْموعُ مُدُنِ بَني هارونَ الكَهَنَةِ ثَلاثَ عَشرَةَ مَدينةً بِمَراعيها. وأَمَّا عَشائِرُ بَني قَهاتَ اللاَّوِيِّين، مَن بَقِيَ مِن بَني قَهات، فكانَت مُدُنُ حِصَّتِهم مِن مُدُنِ سِبطِ أَفْرائيم. فأَعطَوهم شَكيم، مَدينَةَ مَلجَإِ القاتِلِ في جَبَلِ أَفْرائيمَ ومَراعِيَها وجازَرَ ومَراعِيَها وقِبصَئيمَ ومَراعِيَها وبَيتَ حورونَ ومَراعِيَها: أَربَعَ مُدُن. ومِن مُدُنِ سِبطِ دانٍ أَلْتَقا ومَراعِيَها وجِبَّتونَ ومَراعِيَها وأَيَّالونَ ومَراعِيَها وجَتَّ رِمُّونَ ومَراعِيَها: أَربَعَ مُدُن. ومِن مُدُنِ نِصفِ سِبطِ مَنَسَّى تَعْناكَ ومَراعِيَها ويِبْلاعامَ ومَراعِيَها: مَدينَتَين. مَجْموعُ المُدُنِ لِعَشائِرِ مَن بَقسيَ مِن بَني قَهات: عَشرُ مُدُنٍ بِمَراعيها. وأُعطِيَ بَنو جِرْشونَ مِن عَشائِرِ اللاَّوِيِّين، مِن مُدُنِ نِصفِ سِبطِ مَنَسَّى: جَولان، مَدينةَ مَلجَإِ القاتِلِ في باشانَ، ومَراعِيَها، وعَشْتاروتَ ومَراعِيَها: مَدينَتَين. ومِن مُدُنِ سِبطِ يَسَّاكَرَ قِشْيونَ ومَراعِيَها ودَبرَتَ ومَراعِيَها ويَرْموتَ ومَراعِيَها وعَينَ جَنِّيمَ ومَراعِيَها: أَربَعَ مُدُن. ومِن مُدُنِ سِبطِ أَشيرَ مِشْآلَ ومَراعِيَها وعَبْدونَ ومَراعِيَها وحَلقَةَ ومَراعِيَها ورَحوبَ ومَراعِيَها: أَربَعَ مُدُن. ومِن مُدُنِ سِبطِ نَفْتالي قادَش، مَدينَةَ مَلجَإِ القاتِلِ في الجَليل، ومَراعِيَها، وحَمُّوتَ دورَ ومَراعِيَها وقَرْتانَ ومَراعِيَها: ثَلاثَ مُدُن. مَجْموعُ مُدُنِ الجِرْشونِيِّين، بِحَسَبِ عَشَائِرِهم، ثَلاثَ عَشرَةَ مَدينةً بِمَراعيها. ولِعَشائِرِ بَني مَرارِيَ اللاَّوِيِّينَ الباقين أَعطَوا مِن مُدُنِ سِبطِ زَبولون يُقْنَعامَ ومَراعِيَها وقَرتَةَ ومَراعِيَها ورِمُّونَ ومَراعِيَها ونَهْلالَ ومَراعِيَها: أَربَعَ مُدُن. وفي أُردُنِّ أَريحا، مِن مُدُنِ سِبطِ رَأُوبينَ باصَرَ، في البَرِّيَّةِ في السَّهلِ، مَدينةَ مَلجَإِ القاتِل، ومَراعِيَها ويَهصَةَ ومَراعِيَها وقَد يموتَ ومَراعِيَها ومَيفَعَةَ ومَراعِيَها: أَربَعَ مُدُن. ومِن سِبطِ جادٍ راموتَ، مَدينةَ مَلجَإِ القاتِلِ في جِلْعاد، ومَراعِيَها، ومَحْنائيمَ ومَراعِيَها وحَشْبونَ ومَراعِيَها ويَعْزيرَ ومَراعِيَها: أَربَعَ مُدُن. مَجْموعُ مُدُنِ بَني مَرارِيَ الباقينَ مِن عَشائِرِ لاوي، بِحَسَبِ عَشائِرِهم: إِثْنَتا عَشرَةَ مَدينةً، وهي حِصَّتُهم. فمَجْموعُ مُدُنِ بني لاوِي، في وَسَطِ مُمتَلَكاتِ بَني إِسْرائيل، ثَمانٍ وأَربَعونَ مَدينةً بِمَراعيها. وكانَت تِلكَ المُدُنُ كُلُّ مَدينةٍ مِنها بِمَراعيها مِن حَولِها. هٰكذا كانَت جَميعُ تِلكَ المُدُن. وأَعْطى الرَّبُّ إِسْرائيلَ كُلَّ الأَرضِ الَّتي حَلَفَ أَنَّه يُعْطيها لِآبائِهم، فتَمَلَّكوها وأَقاموا فيها. وأَراحَهُمُ الرَّبُّ مِن كُلِّ جِهَة، بِحَسَبِ كُلِّ ما أَقسَمَ علَيه لِآبائِهم، ولم يَثبُتْ أَمامَهم أَحَدٌ مِن جَميعِ أَعْدائِهم، بل أَسلَمَ الرَّبُّ إِلى أَيديهم جَميعَ أَعْدائِهم. لم تَسقُطْ كَلِمةٌ واحِدَةٌ مِن جَميعِ كَلماتِ الخيرِ الَّتي كَلَّمَ الرَّبُّ بِها بَيتَ إِسْرائيل، بل تَمَّت كُلُّها. حينَئِذٍ ٱستَدْعى يَشوعُ الرَّأُوبِينِيِّينَ والجادِيِّينَ ونِصفَ سِبطِ مَنَسَّى، وقالَ لَهم: «قد حَفِظتُم كُلَّ ما أَمَرَكم بِه موسى، عَبدُ الرَّبّ، وسَمِعتُم لِقَولي في كُلِّ ما أَمَرتُكم بِه، ولم تَترُكوا إِخوَتَكم هٰذه الأَيَّامَ الكَثيرةَ إِلى هٰذا اليَوم، وحَفِظتُم أَحْكامَ الرَّبِّ إِلٰهِكم. والآنَ فقَد أَراحَ الرَّبُّ إِلٰهُكم إِخوَتَكم كما وَعَدَهم. فٱنصَرِفوا الآنَ وٱذهَبوا إِلى خِيامِكم وأَرضِ مِلكِكُمُ الَّتي أَعْطاكُم إِيَّاها موسى، عَبدُ الرَّبِّ، في عِبرِ الأُردنّ. لٰكِنِ ٱحرَصوا على العَمَلِ بِالوَصِيَّةِ والشَّريعَةِ الَّتي أَوصاكم بِها موسى، عَبدُ الرَّبّ، مِن أَن تُحِبُّوا الرَّبَّ إِلٰهَكم وتَسيروا في جَميعِ سُبُلِه وتَحفَظوا وصَاياه وتَتَمَسَّكوا بِه وتَعبُدوه بِكُلِّ قُلوبِكم ونُفوسِكم». وبارَكَهم يَشوعُ وصَرَفَهم، فٱنطَلَقوا إِلى خِيامِهم. وكانَ موسى قد وَرَّثَ نِصفَ سِبطِ مَنَسَّى في باشان. وأَمَّا النِّصفُ الآخَر، فوَرَّثَهم يَشوعُ بَينَ إِخوَتِهِم في عِبرِ الأُردُنِّ غَربًا. وعِندَما صَرَفَهم يَشوعُ هُم أَيضًا إِلى خِيامِهم، بارَكَهم وخاطَبَهم قائِلًا: «بِمالٍ كَثيرٍ تَعودونَ إِلى خِيامِكم وبِمَواشٍ كَثيرةٍ جِدًّا وبِفِضَّةٍ وذَهَبٍ ونُحاسٍ وحَديدٍ وثِيابٍ كَثيرةٍ جِدًّا، فٱقتَسِموا غَنائِمَ أَعْدائِكم مع إِخْوَتِكم». فعادَ بَنو رَأُوبينَ وبَنو جادٍ ونِصفُ سِبطِ مَنَسَّى مِن عِندِ بَني إِسْرائيل، مِن شيلُوَ الَّتي في أَرضِ كَنْعان، لِيَنطَلِقوا إِلى أَرضِ جِلْعاد، إِلى أَرضِ مِلكِهِمِ الَّتي تَمَلَّكوها بِحَسَبِ أَمرِ الرَّبِّ على لِسانِ موسى. وجاءُوا إِلى جَليلوتَ الأُردُنِّ بِأَرضِ كَنْعان، وبَنى هُناكَ بَنو رَأُوبينَ وبَنو جادٍ ونِصفُ مَنَسَّى مَذبَحًا على الأُردُنِّ، عَظيمَ المَنظَر. فسَمِعَ بَنو إِسْرائيلَ أَن قد بَنى بَنو رَأُوبينَ وبنو جادٍ ونِصفُ سِبطِ مَنَسَّى مَذبَحًا قُبالَةَ أَرضِ كَنْعانَ في جَليلوتَ الأُردُنّ، في جانِبِ بَني إِسْرائيل. فلَمَّا سَمِعَ بِذٰلِك بَنو إِسْرائيل، اِجتَمَعَت جَماعةُ بَني إِسْرائيلَ كافَّةً إِلى شيلو، حتَّى يَصعَدوا إِلَيهم ويُقاتِلوهم. وأَرسَلَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى بني رَأُوبينَ وبَني جادٍ ونِصفِ سِبطِ مَنَسَّى إِلى أَرضِ جِلْعادَ فِنْحاسَ بنَ أَلِعازارَ الكاهِن، ومعَه عَشَرَةُ رُؤَساءَ مِن كُلِّ بَيتِ أَب، مِن جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ رئيس، وكُلُّ واحِدٍ مِنهم كانَ رَئيسَ بَيتِ أَبيه في أُلوفِ إِسْرائيل. فأَتَوا بَني رَأُوبينَ وبَني جادٍ ونِصفَ سِبطِ مَنَسَّى في أَرضِ جِلْعادَ وخاطَبوهم قائلين: «هٰكذا قالَت جَماعةُ الرَّبِّ كُلُّها: ما هٰذه الخِيانَةُ الَّتي خُنتُم بِها إِلٰهَ إِسْرائيل، بِتَحَوُّلِكمُ اليَومَ عنِ ٱتِّباعِ الرَّبِّ إِلٰهِكم وبِنائِكم مَذبَحًا، مُتَمَرِّدينَ اليَومَ على الرَّبّ؟ أَقَليلٌ لَنا إِثمُ فَغورَ الَّذي لم نَتَطَهَّرْ مِنه إِلى هٰذا اليَوم، حينَ وَقَعَتِ الضَّربَةُ بِجَمَاعةِ الرَّبّ، وأَنتُم مُتَحَوِّلونَ اليَومَ عنِ ٱتِّباعِ الرَّبّ؟ فأَنتُمُ اليَومَ تَتَمَرَّدونَ على الرَّبّ، وهو غَدًا يَغضَبُ على جَماعةِ إِسْرائيلَ بِأَسرِها. فإِن كانَت أَرضُ مِلكِكم نَجِسَة، فٱعبُروا إِلى أَرضِ مِلكِ الرَّبِّ الَّتي حَلَّ فيها مَسكِنُ الرَّبّ، وتَمَلَّكوا في وَسْطِنا ولا تَتَمَرَّدوا على الرَّبِّ ولا علَينا بِبِنائِكم لَكم مَذبَحًا غَيرَ مَذبَحِ الرَّبِّ إِلٰهِنا. أَلَم يَكُنْ أَنَّ عاكانَ بنَ زارَحَ هو خانَ في أَمرِ المُحَرَّم، فكانَ الغَضَبُ على جَماعَةِ إِسْرائيلَ كُلِّها، مع أَنَّه كانَ رَجُلًا واحِدًا، ولٰكِنَّه لم يَمُتْ بإِثمِه وَحدَه؟». فأَجابَ بَنو رَأُوبينَ وبَنو جادٍ ونِصفُ سِبطِ مَنَسَّى وقالوا لرُؤَساءِ أُلوفِ إِسْرائيل: «إِلٰهُ الآلِهَةِ الرَّبُّ، إِلٰهُ الآلِهَةِ، الرَّبُّ هو يَعلَم وإِسْرائيلُ هو يَعلَم: إِن كانَ الأَمرُ تَمَرُّدًا على الرَّبِّ أَو خِيانَة، فلا يُنَجِّنا في هٰذا اليَوم. إِن كُنَّا بَنَينا لَنا مَذبَحًا لِنَتَحَوَّلَ عنِ ٱتِّباعِ الرَّبّ، ولِنُقَدِّمَ علَيه مُحرَقَةً أَو تَقدِمةً، أَو نَصنَعَ علَيه ذَبائِحَ سَلامِيّة، فليُحاسِبِ الرَّبّ. لَم نَفعَلْ ذٰلك إِلاَّ خَوفًا وعن سَبَبٍ قائلين: غَدًا يَقولُ بَنوكم لِبَنينا: ما لَكم والرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيل؟ وقد جَعَلَ الرَّبُّ فاصِلًا بَينَنا وبَينكم، يا بَني رَأُوبينَ وبَني جاد، وهو الأُردُنّ، فلَيسَ لَكم نَصيبٌ في الرَّبّ، فيَرُدُّ بَنوكم بَنينا عن مَخافَةِ الرَّبّ. فقُلْنا: لِنَصنَعْ لأَنفُسِنا ونَبنِ لَنا مَذبَحًا، لا لِمُحرقَةٍ ولا لِذَبيحة، بل لِيَكونَ شاهِدًا بَينَنا وبَينَكم وبَينَ أَجْيالِنا مِن بَعدِنا، على أَنَّنا نَعبُدُ الرَّبَّ أَمامَه بِمُحرَقاتِنا وذَبائِحِنا وذَبائِحِنا السَّلامِيَّة، فلا يَقولَ بَنوكم غَدًا لِبَنينا: لَيسَ لكم نَصيبٌ في الرَّبّ. وقُلنا أَيضًا: إِذا قالوا غَدًا: هٰذا لَنا ولأَجْيالِنا، نَقول: أُنظُروا شَكلَ مَذبَحِ الرَّبِّ الَّذي صَنَعَه آباؤُنا، لا لِمُحرَقَةٍ ولا لِذَبيحة، بل لِيَكونَ شاهِدًا بَينَنا وبَينكم. حاشَ لَنا أَن نَتَمَرَّدَ على الرَّبّ أَو نَتَحَوَّلَ اليَومَ عنِ ٱتِّباعِ الرَّبّ، بِأَن نَبنِيَ مَذبَحًا لِلمُحرَقَةِ أَو لِلتَّقدِمَةِ أَو لِلذَّبيحة، غَيرَ مَذبَحِ الرَّبِّ إِلٰهِنا الَّذي أَمام مَسكِنِه». فلَمَّا سَمِعَ الكاهِنُ فِنْحاسُ ورُؤَساءُ الجَماعَةِ ورُؤَساءُ أُلوفِ إِسْرائيلَ الَّذينَ معَه الكَلامَ الَّذي قالَه بَنو رَأُوبينَ وبَنو جادٍ وبنو مَنَسَّى، حَسُنَ في عُيونِهم. فقالَ الكاهِنُ فِنْحاسُ بنُ أَلِعازارَ لِبَني رَأُوبينَ وبَني جادٍ وبَني مَنَسَّى: «اليَومَ عَلِمْنا أَنَّ الرَّبَّ في وَسْطِنا، لأَنَّكم لم تَخونوا الرَّبَّ تِلكَ الخِيانَة، وقَد أَنقَذتُم بَني إِسْرائيلَ مِن يَدِ الرَّبّ». ورَجَعَ الكاهِنُ فِنْحاسُ بنُ أَلِعازارَ والرُّؤَساءُ مِن عِندِ بَني رَأُوبينَ وبني جادٍ مِن أَرضِ جِلْعادَ إِلى أَرضِ كَنْعان، إِلى بَني إِسْرائيل، ورَدُّوا علَيهِمِ الجَواب. فحَسُنَ الأَمرُ عِندَ بَني إِسْرائيل، وبارَكَ بَنو إِسْرائيلَ الله، ولم يَعودوا يَتَكَلَّمونَ على الصُّعودِ لِقِتالِهم وإِتْلافِ الأَرضِ المُقيمِ بِها بنو رَأُوبينَ وبَنو جاد. وسَمَّى بَنو رَأُوبينَ وبَنو جادٍ المَذبَحَ شاهِدًا، لأَنَّه شاهِدٌ بَينَنا أَنَّ الرَّبَّ هو الله. وكانَ بَعدَ أَيَّامٍ كَثيرة، بَعدَ أَن أَراحَ الرَّبُّ إِسْرائيلَ مِن جَميعِ مَن حولَه مِن أَعْدائِه، أَنَّ يَشوعَ شاخَ وطَعَنَ في السِّنّ. فٱستَدْعى يَشوعُ كُلَّ إِسْرائيلَ وشُيوخَه ورُؤَساءَه وقُضاتَه وكَتَبَتَه وقالَ لَهم: «أَنا قد شِختُ وطَعَنتُ في السِّنّ. وقَد رَأَيتُم كُلَّ ما فَعَلَ الرَّبُّ إِلٰهُكم بِجَميعِ تِلكَ الأُمَمِ مِن أَجلِكم، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم هو المُحارِبُ عنكم. أُنظُروا، فقَد قَسَمتُ لَكم بِالقُرعَةِ تِلكَ الأُمَمَ الباقِيَةَ ميراثًا لأَسْباطِكم وجَميعَ الأُمَمِ الَّتي قَرَضتُها، مِنَ الأُردُنِّ إِلى البَحرِ الكَبير، نَحوَ مَغرِبِ الشَّمْس. والرَّبُّ إِلٰهُكم يَدفَعُها مِن أَمامِكم ويَطرُدُها مِن أَمامِكم، وتَرِثونَ أَرضَها، كما قالَ لَكمُ الرَّبُّ إِلٰهُكم. فتَشَدَّدوا جِدًّا لِتَحفَظوا كُلَّ ما كُتِبَ في سِفرِ تَوراةِ موسى، وتَعمَلوا بِه ولا تَحيدوا عنه يَمنةً ولا يَسرَةً، لِئَلاَّ تَختَلِطوا بِهٰذِه الأُمَمِ الباقِيَةِ معَكم، ولا تَذكُروا ٱسمَ آلِهَتِها ولا تَحلِفوا بِها ولا تَعبُدوها ولا تَسجُدوا لَها، بل بِالرَّبِّ إِلٰهِكم تَتَعَلَّقون، كما فَعَلتُم إِلى هٰذا اليَوم. لقَد طَرَدَ الرَّبُّ مِن أَمامِكم أُمَمًا عَظيمةً قَوِيَّة، ولم يَثبُتْ في وُجوهِكم أَحَدٌ إِلى هٰذا اليَوم. الواحِدُ مِنكم يُطارِدُ أَلفًا، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم هو المُحارِبُ عنكم كما قالَ لَكم. فٱحرَصوا لأَنفُسِكم جِدًّا أَن تُحِبُّوا الرَّبَّ إِلٰهَكم. ولٰكِن، إِنِ ٱرتَدَدتُم وتَعَلَّقتُم بِبَقِيَّةِ تِلكَ الأُمَمِ الَّتي بَقِيَت معَكم وصاهَرتُموها ودَخَلتُم بَينَها ودَخَلَت بَينَكم، فٱعلَموا أَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم لا يَعودُ يَطرُدُ تِلكَ الأُمَمَ مِن وَجهِكم، بل تَصيرُ لَكم شَبَكَةً وفَخًّا وسَوطًا على جُنوبِكم وشَوكًا في عُيونِكم، حتَّى تَزولوا عن هٰذِه الأَرضِ الطَّيِّبةِ الَّتي أَعْطاكمُ الرَّبُّ إِلٰهُكم إِيَّاها. وهاءَنَذَا اليَومَ ذاهِبٌ في طَريقِ الأَرضِ كُلِّها. وأَنتُم تَعلَمونَ بِجَميعِ قُلوبِكم وجَميعِ نُفوسِكم أَن لم تَسقُطْ كَلِمَةٌ واحِدَةٌ مِن جَميعِ كَلِماتِ الخَيرِ الَّتي قالَها الرَّبُّ إِلٰهُكم في شَأنِكم، بل تَمَّت لَكم كُلُّها ولم تَسقُطْ مِنها كَلِمةٌ واحِدة. فيَكونُ، كما تَمَّت لَكم كَلِمَةُ الخَيرِ الَّتي كَلَّمَكم بِها الرَّبُّ إِلٰهُكم، أَنَّه يَجلُبُ علَيكمُ الرَّبُّ كُلَّ كَلِمةِ الشَّرّ، حتَّى يُبيدَكم عنِ الأَرضِ الطَّيِّبَةِ الَّتي أَعْطاكمُ الرَّبُّ إِلْهُكم إِيَّاها. إِذا خالفَتُم عَهدَ الرَّبِّ إِلٰهِكُم والَّذي أَمَرَكم بِه فذَهَبتُم وعَبَدتُم آلِهَةً أُخْرى وسَجَدتُم لَها، غَضِبَ الرَّبُّ علَيكم، فتَزولونَ عاجِلًا عنِ الأَرضِ الطَّيِّبَةِ الَّتي أَعْطاكم إِيَّاها. وجَمَعَ يَشوعُ جَميعَ أَسْباطِ إِسْرائيلَ في شكيم، وٱستَدْعى شُيوخَ إِسْرائيلَ ورُؤَساءَهم وقُضاتَهم وكَتَبَتهم، فمَثَلوا أَمامَ الرَّبّ. فقالَ يَشوعُ لِكُلِّ الشَّعْب: «هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: في عِبرِ النَّهْرِ سَكَنَ آباؤُكم مِن قَديم، تارَحُ أَبو إِبْراهيمَ وأَبو ناحور، وعَبَدوا آلِهَةً أُخْرى. فأَخَذتُ إِبْراهيمَ أَباكم مِن عِبرِ النَّهْرِ، وسَيَّرتُه في كُلِّ أَرضِ كَنْعان، وكَثَّرتُ نَسلَه ورَزَقتُه إِسحٰق. ورَزَقتُ إِسحٰقَ يَعْقوبَ وعيسو، وأَعطَيتُ عيسُوَ جَبَلَ سِعيرَ لِيَرِثَه، ويَعْقوبُ وبَنوه نَزَلوا إِلى مِصْر. فأرسَلتُ موسى وهارون، وضَرَبتُ مِصرَ بِما فَعَلتُ في وَسْطِها، وبَعدَ هذا أَخرَجتُكم. فأَخرَجتُ آباءَكم مِن مِصْر، ودَخَلتُمُ البَحْرَ، فطارَدَ المِصرِيُّونَ آباءَكم بِالمَركَباتِ والفُرْسانِ إِلى بَحرِ القَصَب. فصَرَخوا إِلى الرَّبّ، فجَعَلَ بَينَهم وبَينَ المِصرِيِّينَ ظُلمَة، ثُمَّ رَدَّ البَحرَ علَيهم فغطَّاهم. وقَد رَأَت عُيونُكم ما فَعلتُ في مِصْرَ، وأَقَمتُم بِالبَرِّيَّةِ أَيَّامًا كَثيرة. ثُمَّ دَخَلتُ بِكم أَرضَ الأَمورِيِّينَ السَّاكِنينَ في عِبرِ الأُردُنّ، فحارَبوكم فأسلَمتُهم إِلى أَيديكم ووَرِثتُم أَرضَهم واستَأصَلتُهم مِن أَمامِكَم. فقامَ بالاقُ بنُ صِفُّور، مَلِكُ موآب، وحارَبَ إِسْرائيل، وأَرسَلَ فدَعا بِلْعامَ بنَ بَعور لِيَلعَنَكم. فأَبَيتُ أَن أَسمَعَ لِبِلْعام، فبارَكَكم وأَنقَذْتُكم مِن يَدِه. ثُمَّ عَبَرتُمُ الأُردُنَّ ووَصَلتُم إِلى أَريحا، فحارَبَكم أَهلُ أَريحا، الأَمورِيُّونَ والفَرِزِّيُّونَ والكَنْعانِيُّونَ والحِثِّيُّونَ والجِرجاشِيُّونَ والحُوِّيُّونَ واليَبوسِيُّون، فأَسلَمتُهم إِلى أَيديكم. وأَرسَلتُ قُدَّامكمُ الزَّنابير، فطَرَدتُ مَلِكَيِ الأَمورِيِّينَ مِن أَمامِكم، لا بِسَيفِكَ ولا بِقَوسِكَ. وأَعطَيتُكم أَرضًا لم تَتعَبْ فيها ومُدُنًا لم تَبنِها، فأَقَمتُم بها، وكُرومًا وزَيتونًا لم تَغرِسوها، وأَنتُم تَأكُلونَها. والآنَ ٱتَّقوا الرَّبَّ وٱعبُدوه بِكَمالٍ ووَفاء، وأَبعِدوا الآلِهَةَ الَّتي عَبَدَها آباؤُكم في عِبرِ النَّهرِ وفي مِصْرَ، وٱعبُدوا الرَّبّ. وإِن ساءَ في أَعيُنِكم أَن تَعبُدوا الرَّبّ، فٱخْتاروا لَكمُ اليَومَ مَن تَعبُدون: إِمَّا الآلِهَةَ الَّتي عَبَدَها آباؤُكم في عِبرِ النَّهْرِ، أَو آلِهَةَ الأَمورِيِّينَ الَّذينَ أَنتُم مُقيمونَ بِأَرضِهم. أَمَّا أَنا وبَيتي فنَعبُدُ الرَّبّ». فأَجابَ الشَّعْبُ وقال: «حاشَ لَنا أَن نَترُكَ الرَّبَّ ونَعبُدَ آلِهَةً أُخْرى، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَنا هو الَّذي أَصعَدَنا، نَحنُ وآباءَنا، مِن أَرضِ مِصْر، مِن دارِ العُبودِيَّة، والَّذي صَنَعَ أَمامَ عُيونِنا تِلكَ الآياتِ العَظيمة، وحَفِظَنا في كُلِّ الطَّريقِ الَّذي سَلَكْناه وبَينَ جَميعِ الشُّعوبِ الَّتي عَبَرْنا في وَسْطِها. وقد طَرَدَ الرَّبُّ مِن أَمامِنا جَميعَ الشُّعوبِ والأَمورِيِّينَ السَّاكِنينَ في الأَرْض. فنَحنُ أَيضًا نَعبُدُ الرَّبَّ لأَنَّه إِلٰهُنا». فقالَ يَشوعُ لِلشَّعْب: «لا تَستَطيعونَ أَن تَعبُدوا الرَّبَّ، لأَنَّه إِلٰهٌ قُدُّوس، إِلٰهٌ غَيور، لا يَصبِرُ على مَعاصيكم وخَطاياكم، لأَنَّكم، إِذا تَرَكتُمُ الرَّبَّ وعَبَدتُم آلِهَةً غَريبة، يَنقَلِبُ علَيكم ويُسيءُ إِلَيكم ويُفْنيكم، بَعدَ ما كانَ قد أَحسَنَ إِلَيكم». فقالَ الشَّعبُ لِيَشوع: «كَلاَّ، بلِ الرَّبَّ نَعبُد». فقالَ يَشوعُ لِلشَّعْب: «أَنتُم شُهودٌ على أَنفُسِكم أَنَّكم قدِ ٱختَرتُم لأَنفُسِكُمُ الرَّبَّ لِتَعْبُدوه». فقالوا: «نَحنُ شُهود». فقال: «والآنَ أَبعِدوا الآلِهَةَ الغَريبَةَ الَّتي في وَسْطِكم، وأَميلوا قُلوبَكم إِلى الرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل». فقالَ الشَّعبُ لِيَشوع: «الرَّبَّ إِلٰهَنا نَعبُد ولِصَوتِه نَسْمَع». فقَطَعَ يَشوعُ لِلشَّعبِ عَهدًا في ذٰلك اليَوم، وجَعَلَ لَهم فَريضَةً وحُكْمًا في شَكيم. وكَتَبَ يَشوعُ هٰذا الكَلامَ في سِفرِ تَوراةِ الله، وأَخَذَ حَجَرًا كَبيرًا ونَصَبَه هُناكَ تَحتَ البَلُّوطَةِ الَّتي عِندَ مَقدِسِ الرَّبّ. وقالَ يَشوعُ لِكُلِّ الشَّعْب: «هٰذا الحَجَرُ يَكونُ شاهِدًا علَينا، لأَنَّه قد سَمِعَ جَميعَ أَقْوالِ الرَّبِّ الَّتي كَلَّمَنا بها، فيَكونُ علَيكم شاهِدًا، لِئَلاَّ تُنكِروا إِلٰهَكم». ثُمَّ صَرَفَ يَشوعُ الشَّعبَ، كُلَّ واحِدٍ إِلى ميراثِه. وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحداثِ أن ماتَ يَشوعُ بنُ نون، عَبدُ الرَّبّ، وهو ٱبنُ مِئَةٍ وعَشْرِ سِنين. فدَفَنوه في أَرضِ ميراثِه، في تِمنَةَ سارحَ الَّتي في جَبَلِ أَفْرائيم، إِلى شَمالِ جَبَلِ جاعَش. وعَبَدَ إِسْرائيلُ الرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشوع وكُلَّ أَيَّامِ الشُّيوخِ الَّذينَ ٱمتَدَّت أَيَّامُهم إِلى ما بَعدَ يَشوع، والَّذينَ عَرَفوا كُلَّ ما صَنَعَه الرَّبُّ مِمَّا صَنَعَ لإسْرائيل. وعِظامُ يوسُفَ الَّتي أَصعَدَها بَنو إِسْرائيلَ مِن مِصرَ دَفَنوها في شَكيم، في قِطعَةِ الحَقلِ الَّذي ٱشْتَراه يَعْقوبُ مِن بَني حَمور، أَبي شَكيم، بِمِئَةِ قَسيطة، وصارَت عِظامُ يوسُفَ ميراثًا لِبَنيه. وماتَ أَلِعازارُ بنُ هارون، فدَفَنوه في جِبعَة، مَدينَةِ فِنْحاسَ ٱبنِه الَّتي أُعطِيَت لَه في جَبَلِ أَفْرائيم. وكانَ بَعدَ وَفاةِ يَشوعَ أَنَّ بَني إِسْرائيلَ سألوا الرَّبَّ قائلين: «مَن مِنَّا يَصعَدُ أَوَّلًا لِمُحارَبَةِ الكَنْعانِيِّين؟» فقالَ الرَّبّ: «يَهوذا يَصعَد، لأَنِّي إِلى يَدِه أَسلمتُ الأَرْض». فقالَ يَهوذا لِشِمْعونَ أَخيه: «إِصعَدْ معي إِلى نَصيبي لِنُحارِبَ الكَنْعانِيِّين، وأَنا أَصعَدُ مَعكَ أَيضًا إِلى نَصيبِكَ». فٱنطَلَقَ شِمْعونُ معه. فصَعِدَ يَهوذا، فأَسلَمَ الرَّبُّ الكَنْعانِيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ إِلى أَيديهم، فضَرَبوا مِنهم في بازَقَ عَشرَةَ آلافِ رَجُل. وصادَفوا في بازَقَ أَدوني بازَق فحارَبوه وضَرَبوا الكَنْعانِيِّينَ والفَرِزِّيِّين. فَهَرَبَ أَدوني بازَق، فطارَدوه وقَبَضوا عَليه وقَطَعوا أَباهيمَ يَدَيه ورِجلَيه. فقالَ أَدوني بازَق: «إِنَّ سَبْعينَ مَلِكًا مَقْطوعةً أَباهيمُ أَيديهم وأَرجُلِهم كانوا يَلتَقِطونَ تَحتَ مائِدَتي. فكَما صَنَعتُ كافَأَني الله». فأَتَوا بِه إِلى أُورَشَليمَ فماتَ هُناك. (وحارَبَ بَنو يَهوذا أُورَشَليم، فٱستَولَوا علَيها وضَرَبوها بِحَدِّ السَّيفِ وأَحرَقوا المَدينةَ بِالنَّار). ومِن بَعدِ ذٰلك نَزَلَ بَنو يَهوذا لِيُحارِبوا الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ بِالجَبَلِ والنَّقَبِ والسَّهْل. وخَرَجَ على الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ بِحَبْرون، وكانَ ٱسمُ حَبْرونَ قَبْلًا قِريَةَ أَربَع، وضَرَبوا شيشايَ وأحيمانَ وتَلْماي. وزَحَفوا مِن هُناكَ على سُكَّانِ دَبير، وكانَ ٱسمُ دَبيرَ قَبلًا قِريَةَ سِفْر. فقالَ كالِب: «مَن ضَرَبَ قِريَةَ سِفْرَ وأَخَذَها أُعْطيه عَكسَةَ ٱبنَتي زَوجَةً». فأَخذها عُتْنيئيلُ بنُ قَناز، أَخو كالِبَ الأَصغَر، فأَعْطاه عَكسَةَ ٱبنَتَه زَوجَةً. فاتَّفَقَ بَينَما كانَت آتِيَةً معَه أَنَّها أَغرَته بِطَلَبِ حَقلٍ مِن أَبيها، فقَفَزَت مِن على الحِمار. فقالَ لَها كالِب: «ما لَكِ؟» فقالَت: «هَب لي نِعمَةً، بما أَنَّكَ أَعطَيتَني أَرضًا في النَّقَبِ فأَعطِني أَحْواضَ ماء». فأَعْطاها كالِبُ أَحْواضَ ماءٍ عُلويَّةً وأَحْواضَ ماءٍ سُفلِيَّة. وصَعِدَ بَنو القَينِيِّ، حَمي موسى، مِن مَدينَةِ النَّخلِ مع بَني يَهوذا إِلى بَرِّيَّةِ يَهوذا الَّتي في نَقَبِ عَرادَ ومَضَوا وسَكَنوا معَ الشَّعْب. وٱنطَلَقَ يَهوذا مع شِمْعونَ أَخيه، فضَرَبوا الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ بِصَفاة، وحَرَّموها وسَمَّوا المَدينةَ حُرمَة. وٱستَولى يَهوذا على غَزَّةَ وأَرضِها وأَشقَلونَ وأَرضِها وعَقْرونَ وأَرضِها. وكانَ الرَّبُّ مع يَهوذا، فوَرِثَ الجَبَل. أَمَّا سُكَّانُ السَّهْلِ فلَم يَطرُدوهم، لِأنَّهم كانَت لَهم مَركَباتٌ مِن حَديد. وأَعطَوا كالِبَ حَبْرون، كما أَوصى موسى، فطَرَدَ مِن هُناكَ بَني عَناقَةَ الثَّلاثَة. فأَمَّا اليَبوسِيُّونَ المُقيمونَ بِأُورَشَليم، فلَم يَطرُدْهم بَنو بَنْيامين. فأَقامَ اليَبوسِيُّونَ مع بَني بَنْيامينَ بِأُورَشَليمَ إِلى هٰذا اليَوم. وصَعِدَ آلُ يوسُفَ أَيضًا إِلى بَيتَ إِيل، وكانَ الرَّبُّ معَهم. وتَجَسَّسَ آلُ يوسُفَ بَيتَ إِيل (وكانَ ٱسمُ المَدينةِ قَبْلًا لوز). فرَأَى الجواسيسُ رَجُلًا خارِجًا مِنَ المَدينة. فقالوا لَه: «دُلَّنا على مَدخَلِ المَدينة، فنَصنَعَ إِلَيكَ رَحمَةً». فدَلَّهم على مَدخَلِ المَدينة، فضَرَبوا المَدينةَ بِحَدِّ السَّيف. وأَمَّا الرَّجُل، فأَطلَقوه هو وكُلَّ عَشيرَتِه. فٱنطَلَقَ ذٰلك الرَّجُلُ إِلى أَرضِ الحِثِّيِّين، وبَنى مَدينةً وسَمَّاها لوز، وهو ٱسمُها إِلى اليَوم. ولم يَطرُدْ مَنَسَّى أَهلَ بَيتَ شانَ وتَوابِعَها وتَعْناكَ وتَوابِعَها وسُكَّانَ دورَ وتَوابِعَها ويِبْلاعامَ وتَوابِعَها ومَجِدُّوَ وتَوابِعَها. فأَصَرَّ الكَنْعانِيُّونَ على الإِقامةِ في تِلكَ الأَرض. ولَمَّا قَوِيَ بَنو إِسْرائيل، أَخضَعوا الكَنْعانِيِّينَ لِلسُّخرَة ولم يَطرُدوهم. ولم يَطرُدْ أَفْرائيمُ الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ بِجازَر، فبَقِيَ الكَنْعانِيُّونَ في وَسْطِهِم بِجازَر. ولم يَطرُدْ زَبولونُ سُكَّانَ قِطْرونَ ونَهْلول، فبَقِيَ الكَنْعانِيُّونَ في وَسْطِهم خاضِعينَ لِلسُّخرَة. ولم يَطرُدْ أَشيرُ أَهلَ عَكَّاءَ وصَيدونَ وأَحلَبَ وأَكْزيبَ وحَلبَةَ وأَفيقَ ورَحوب. فأَقامَ الأَشيرِيُّونَ في وَسْطِ الكَنْعانِيِّينَ، سُكَّانِ الأَرْض، لأَنَّهم لم يَطرُدوهم. ولم يَطرُدْ نَفْتالي سُكَّانَ بَيتَ شَمسَ وبَيتَ عَنات، ولٰكن أَقاموا في وَسْطِ الكَنْعانِيِّين، سُكَّانِ الأَرْض. وكانَ سُكَّانُ بَيتَ شَمْسَ وبَيتَ عَناتَ يُؤَدُّونَ إِلَيهمِ السُّخرَة. وضَيَّقَ الأَمورِيُّونَ على بَني دانٍ في الجَبَل، ولم يَدَعوهم يَنزِلونَ إِلى السَّهْل. وأَصَرَّ الأَمورِيُّونَ على الإِقامةِ في جَبَلِ حارَس، في أَيَّالونَ وفي شَعَلْبيم. وثَقُلَت يَدُ آلِ يوسُفَ علَيهم، فخَضَعوا لِلسُّخرَة. (وكانت حُدودُ الأَمورِيِّينَ مِن عَقَبَةِ العَقارِب، مِنَ الصَّخرَة، إِلى ما فَوق). وصَعِدَ مَلاكُ الرَّبِّ مِنَ الجِلْجالِ إِلى باكيمَ وقال: «إِنِّي أَصعَدتُكم مِن مِصرَ وأَدخَلتُكُم الأَرضَ الَّتي أَقسَمتُ عَليها لِآبائِكم وقُلتُ إِنِّي أَنقُضُ عَهْدي معَكم لِلأَبَد. وأَنتُم لا تَقطَعوا عَهدًا مع أَهلِ هٰذه الأَرْض، ودَمِّروا مَذابِحَهم، فلَم تَسمَعوا لِقَولي. فماذا فَعَلتُم؟ فلِذٰلك قُلتُ أَيضًا إِنِّي لا أَطرُدُهم مِن أَمامِكم، بل يَكونونَ على جُنوبِكم، وتَكونُ آلِهَتُهم لَكم فَخًّا». فلَمَّا قالَ مَلاكُ الرَّبِّ لِجَميعِ بَني إِسْرائيلَ هٰذا الكَلام، رَفَعَ الشَّعبُ أَصْواتَهم بِالبُكاء، ودَعَوا ذٰلك المَكانَ باكيم، وذَبحوا هُناكَ لِلرَّبّ. وصَرَفَ يَشوعُ الشَّعْب، فٱنطَلَقَ بَنو إِسْرائيل، كُلُّ رَجُلٍ إِلى ميراثِه، لِيَرِثوا الأَرْض. وعَبَدَ الشَّعبُ الرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشوعَ وكُلَّ أَيَّامِ الشُّيوخِ الَّذينَ ٱمتَدَّت أَيَّامُهم إِلى ما بَعدَ يَشوع، ورَأَوا كُلَّ أَعْمالِ الرَّبِّ العَظيمةِ الَّتي صَنَعَها إِلى إِسْرائيل. وتُوُفِّيَ يَشوعُ بنُ نون، عَبدِ الرَّبّ، وهو ٱبنُ مِئَةٍ وعَشرِ سِنين. ودُفِنَ في أَرضِ ميراثِه في تِمنَةَ حارسَ، في جَبَلِ أَفْرائيم، إِلى شَمالِ جَبَلِ جاعَش. وٱنضَمَّ ذٰلك الجيلُ كُلُّه إِلى آبائِه، ونَشَأَ مِن بَعدِه جيلٌ آخَرُ لا يَعرِفُ الرَّبَّ ولا ما صَنَعَ إِلى إِسْرائيل. ففَعَلَ بَنو إِسْرائيلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ وعَبَدوا البَعْل. وتَرَكوا الرَّبَّ، إِلٰهَ آبائِهمِ، الَّذي أَخرَجَهم مِن أَرضِ مِصرَ، وتَبِعوا آلِهَةً أُخْرى مِن آلِهَةِ الشُّعوبِ الَّتي حَولَهم وسَجدوا لَها فأَسخَطوا الرَّبّ. وتَرَكوا الرَّبَّ وعَبدوا البَعلَ والعَشْتاروت. وغَضِبَ الرَّبُّ على إِسْرائيلَ فأَسلَمَهم إِلى أَيدي السَّالِبينَ فسَلَبوهم، وباعَهم إِلى أَيدي أَعْدائِهمِ الَّذينَ حَولَهم، ولم يَقدِروا بَعدَ ذٰلك أَن يَثبُتوا أَمامَ أَعْدائهم. فكانوا حَيثُما خَرَجوا تَكونُ يَدُ الرَّبِّ علَيهم لِلشَّرّ، كما قالَ لَهمُ الرَّبّ، وكما أَقسَمَ الرَّبُّ لَهم، فضاقَ بِهمِ الأَمرُ جِدًّا. فأَقامَ الرَّبُّ علَيهم قُضاة، فخَلَّصوهم مِن أَيدي السَّالِبين. ولٰكِن لِقُضاتِهم أَيضًا لم يَسمَعوا، بل زَنَوا بٱتِّباعِهم آلِهَةً أُخْرى وسَجَدوا لَها، وسُرْعانَ ما حادوا عنِ الطَّريقِ الَّتي سَلَكها آباؤُهم طائعينَ وَصايا الرَّبّ، ولم يَصنَعوا مِثلَهم. فلَمَّا أَقامَ الرَّبُّ علَيهم قُضاة، كانَ الرَّبُّ مع القاضي. فكانَ يُخَلِّصُهم مِن أَيدي أَعْدائِهم كُلَّ أَيَّامِ القاضي، لأَنَّ الرَّبَّ رَئِفَ بأَنينِهم مِن ظالِميهم ومُضايِقيهم. وإِذا ماتَ القاضي، كانوا يَرجِعونَ إِلى الفَسادِ أَكثَرَ مِن آبائِهم بِٱتِّباعِهم آلِهَةً أُخْرى لِيَعبُدوها ويَسجُدوا لَها، ولم يَكُفُّوا عن مُمارَساتِهم وقَساوَةِ طَريقِهم. فغَضِبَ الرَّبُّ على إِسْرائيلَ وقال: «بما أَنَّ هٰذه الأُمَّةَ قد تَعَدَّت عَهْدِيَ الَّذي أَوصَيتُ به آباءَها ولم تَسمَعْ لِصَوتي، فلا أَعودُ أَنا أَيضًا أَطرُدُ أَحَدًا مِن أَمامِها، مِنَ الأُمَمِ الَّتي تَرَكَها يَشوعُ عِندَ وفاتِه، لأَمتَحِنَ بِها إِسْرائيلَ فأَعلَمَ هل يَحفَظونَ طَريقَ الرَّبّ ويَسلُكونَها كما حَفِظَها آباؤُهم، أَم لا». فتَرَكَ الرَّبُّ تِلكَ الأُمَم ولم يَطرُدْها سَريعًا، ولم يُسلِمْها إِلى يَدِ يَشوع. وتِلكَ هي الأُمَمُ الَّتي تَرَكَها الرَّبُّ لِيَمتَحِنَ بِها إِسْرائيل، جَميعَ الَّذينَ لم يَعرِفوا حُروبَ كَنْعان (لِتَعْليمِ أَجْيالِ بَني إِسْرائيلَ فَقَط، لِتَعْليمِ الحَربِ لِلَّذينَ لم يَعْرِفوها قَبلًا فَقَط): خَمْسَةُ أَقْطابِ الفَلِسطينِيِّين وجَميعُ الكَنْعانِيِّينَ والصَّيدونِيِّينَ والحُوِّيِّينَ المُقيمينَ بِجَبَلِ لُبْنان، مِن جَبَلِ بَعلَ حَرْمونَ إِلى مدخَلِ حَماة. ولَم يَكونوا إِلاَّ لِٱمتِحانِ إِسْرائيلَ بِهم، هَل يَسمَعونَ لِوَصايا الرَّبِّ الَّتي أَوصى بَها آباءَهم على لِسان موسى. فأَقامَ بَنو إِسْرائيلَ بَينَ الكَنْعانِيِّينَ والحِثِّيِّينَ والأَمورِيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّين. وٱتَّخَذوا بَناتِهم زَوجاتٍ لَهم وأَعْطَوا بَناتِهم لِبَنيهم، وعَبَدوا آلِهَتَهم. وصَنَعَ بَنو إِسْرائيلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، ونَسوا الرَّبَّ إِلٰهَهم، وعَبَدوا البَعْلَ والعَشْتاروت. فغَضِبَ الرَّبُّ على إِسْرائيل، وباعَهم إِلى يَدِ كوشانَ رِشَعْتائيم، مَلِكِ أَدوم، وٱستُعبِدَ بَنو إِسْرائيلَ لِكوشانَ رِشَعْتائيمَ ثَمانِيَ سِنين. فَصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبّ، فأقامَ الرَّبُّ لِبَني إِسْرائيلَ مُخَلِّصًا فَخَلَّصَهم، وهو عُتْنيئيلُ بنُ قَناز، أَخو كالِبَ الأَصغَر. وكانَ روحُ الرَّبِّ علَيه، فَتَوَلَّى القَضاءَ لإسْرائيل، وخَرَجَ لِلحَرْب، فأَسلَمَ الرَّبُّ إِلى يَدِه كوشانَ رِشَعْتائيم، مَلِكَ أَدوم، وٱشتَدَّت يَدُه على كوشانَ رشَعْتائيم. وهَدَأَتِ الأَرضُ أَربَعينَ سَنَة. وتُوُفِّيَ عُتْنيئيلُ بنُ قَناز. فعادَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى عَمَلِ الشَّرِّ في عَينَيِ الرَّبّ، فقَوَّى الرَّبُّ عَجْلون، مَلِكَ موآب، على إِسْرائيل، لأَنَّهم صَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ. فضَمَّ إِلَيه بَني عَمُّونَ وعَماليق، ومضى وضَرَبَ إِسْرائيل، وأَخَذَ مَدينَةَ النَّخْل. وٱستُعبِدَ بَنو إِسْرائيلَ لِعَجْلون، مَلِكِ موآب، ثَمَانِيَ عَشرَةَ سَنَة. فصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبّ، فأَقامَ الرَّبُّ لَهم مُخَلِّصًا، أَهودَ بنَ جيرا البَنْيامينِيّ، وكانَ رَجُلًا أَيسَر. فأَرسَلَ بَنو إِسْرائيلَ عن يَدِه جِزيَةً إِلى عَجْلون، مَلِكِ موآب فعَمِلَ أَهودُ لِنَفْسِه سَيفًا ذا حَدَّين، طولُه ذِراع، وتَقَلَّدَه تَحتَ ثَوبِه على فَخذِه اليُمْنى. وقَدَّمَ الجِزيَةَ إِلى عَجْلون، مَلِكِ موآب، وكانَ عَجْلونُ رَجُلًا سَمينًا جِدًّا. فلَمَّا ٱنتَهَى مِن تَقْديمِ الجِزْيَة، صَرَفَ القَومَ حامِلي الجِزْيَة. ثُمَّ رَجَعَ مِن عِندِ الأَوثانِ الَّتي عِندَ الجِلْجالِ وقال: «لي إِلَيكَ كَلامُ سِرٍّ أَيُّها المَلِك». فقال: «صَه!». فخَرَجَ مِن عِندِ المَلِكِ جَميعُ الواقِفينَ لَدَيه. فتَقَدَّمَ إِلَيه أَهود، وكانَ جالِسًا في غُرفَةِ السَّطْحِ الَّتي كانَت لَه وَحدَه. وقالَ أَهود: «لي إِلَيكَ كَلامٌ مِن عِندِ الله». فنَهَضَ عَجْلونُ عن سَريره. فمَدَّ أَهودُ يَدَه اليُسْرى، وأَخَذَ السَّيفَ عن فَخذِه اليُمْنى، وضَرَبَه في بَطنِه». فغاصَ المِقبَضُ أَيضًا وَراءَ النَّصْل، وأَطبَقَ الشَّحْمُ وَراءَ النَّصْل، لأَنَّه لم يَنزِعِ السَّيفَ من بَطنِه، وخَرَجَ مِنَ النَّافِذَة بَعدَ أَن أَغلَقَ أَبْوابَ الغُرفَةِ وَراءَه وأَقفَلَها. فلَمَّا خَرَجَ أَهود، دَخَلَ خَدَمُ المَلِكِ ونَظَروا، فإِذا أَبْوابُ الغُرفَةِ مُقفَلة. فقالوا: «لَعَلَّه يَقْضي حاجَةً في مُخدَعِ غُرفَةِ السَّطْح». فٱنتَظَروا حتَّى ٱحْتاروا في أَمرِه، ورَأَوا أَنَّه لم يَفتَحْ أَبْوابَ الغُرْفَة، فأَخذوا المِفْتاحَ وفَتَحوا، فإِذا سَيِّدُهم صَريعٌ على الأَرضِ مَيتًا. وفيما هم كانوا يَنْتَظِرون، أَفلَتَ أَهودُ ومَرَّ على الأَوثان ونَجا إِلى سَعيرة. وعِندَ وُصولِه، نَفَخَ في البوقِ في جَبَلِ أَفْرائيم. فنَزَلَ بَنو إِسْرائيلَ معَه مِنَ الجَبَل، وهو أَمامَهم. فقالَ لَهم: «إِتْبَعوني، فإِنَّ الرَّبَّ قد أَسلَمَ إِلى أَيديكم أَعْداءَكمُ المُوآبِيِّين». فنَزَلوا وَراءَه وٱستَولَوا على مَعابِرِ الأُردُنِّ إِلى موآب، ولَم يَدَعوا أَحَدًا يَعبُر. فضَرَبوا مِنَ المُوآبِيِّينَ في ذٰلك الوَقتِ نَحوَ عَشَرَةِ آلافِ رَجُل، كُلَّ شُجاعٍ وكُلَّ رَجُلِ بَأس، ولم يَنجُ مِنهم أَحد. فذَلَّ المُوآبِيُّونَ تَحتَ يَدِ إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَوم، وهَدَأَتِ الأَرضُ ثَمانينَ سَنَة. وقامَ مِن بَعدِه شَمجَرُ بنُ عَنات، فضَرَبَ مِن أَهلِ فَلِسْطينَ سِتَّ مِئَةِ رَجُلٍ بِمِنخَسِ البَقَر، وخَلَّصَ هو أَيضًا إِسْرائيل. وعادَ بَنو إِسْرائيلَ فصَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ بَعدَ مَوتِ أَهود. فباعَهمُ الرَّبُّ إِلى يَدِ يابين، مَلِكِ كَنْعانَ، الَّذي كانَ مَلِكًا بِحاصور. وكانَ قائِدُ جَيشِه سيسَرا، وهو مُقيمٌ بِحَروشَتِ الأُمَم. فصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبّ، لأَنَّه كانَت له تِسعُ مِئَةِ مَركَبَةٍ مِن حَديد، وقد ضَيَّقَ على بَني إِسْرائيلَ بِشِدَّةٍ عِشْرينَ سَنَة. وكانَت دَبورةُ، وهي نَبِيَّةٌ وزَوجَةٌ لَفيدوت، مُتَوَلِّيَةً قَضاءَ بَني إِسْرائيلَ في ذٰلك الزَّمان. وكانَت تَجلِسُ تَحتَ نَخْلَةِ دَبورَة، بَينَ الرَّامةِ وبَيتَ إِيل، في جَبَلِ أَفْرائيم، وكانَ بَنو إِسْرائيلَ يَصعَدونَ إِلَيها لِتَقضِيَ لَهم. فأَرسَلَت ودَعَت باراقَ بنَ أَبينوعَم، مِن قادَشَ نَفْتالي، وقالَت له: «أَلَيسَ أَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرائيلَ قد أَمَرَ أَنِ: ٱمْضِ وجَنِّدْ في جَبَلِ تابور وخُذْ معَكَ عَشَرَةَ آلافِ رَجُلٍ مِن بَني نَفْتالي ومِن بَني زَبولون؟ وأَنا أَستَدرِجُ إِلَيكَ سيسَرا، قائِدَ جَيشِ يابينَ ومَركَباتِه وجُندَه إِلى نَهرِ قيشون، وأُسلِمُه إِلى يَدِكَ». فقالَ لَها باراق: «إِن أَنتِ ٱنطَلَقتِ معي ٱنطَلَقتُ، وإِن لم تَنطَلِقي فلا أَنطَلِق». فقالَت لَه: «أَنطَلِقُ مَعكَ، غَيرَ أَنَّه لا يَكونُ لَكَ فَخْرٌ في الطَّريقِ الَّذي أَنتَ سالِكُه، فإِنَّ الرَّبَّ إِلى يَدِ ٱمرَأَةٍ يُسلِمُ سيسَرا». وقامَت دَبورةُ فٱنطَلَقَت مع باراقَ إِلى قادَش. ودَعا باراقُ زَبولونَ ونَفْتالِيَ إِلى قادَش وصَعِدَ ووَراءَه عَشَرَةُ آلافِ رَجُل، وصَعِدَت دَبورةُ معَه. وكانَ حابَرُ القَينِيُّ قد ٱنْفَصَلَ عنِ القَينِيِّينَ وعن بَني حوباب، حَمي موسى، ونَصَبَ خَيمَتَه إِلى جانِبِ شَجَرَةِ بَلُّوطٍ في صَعْتَنِّيمَ الَّتي عِندَ قادَش. فأُخبِرَ سيسَرا أَنَّ باراقَ بنَ أَبينوعَمَ صَعِدَ إِلى جَبَلِ تابور. فٱستَدْعى سيسَرا جَميعَ مَركَباتِه، وهي تِسعُ مِئَةِ مَركَبةٍ مِن حَديد، وكُلَّ الشَّعبِ الَّذي عِندَه مِن حَروشَتِ الأُمَمِ إِلى نَهرِ قيشون. فقالَت دَبورةُ لِباراق: «قُمْ، فإِنَّ الرَّبَّ يُسلِمُ اليَومَ سيسَرا إِلى يَدَيكَ، وهُوَذا الرَّبُّ يَخرُجُ أَمامَكَ». فنَزَلَ باراقُ مِن جَبَلِ تابور، ووَراءَه عَشَرَةُ آلافِ رَجُل. وأَلْقى الرَّبُّ رُعبًا على سيسَرا وجَميعِ مَركَباتِه، وقَتَلَ جَميعَ جَيشِه بِحَدِّ السَّيفِ أَمامَ باراق. فتَرَجَّلَ سيسَرا عن مَركَبَتِه وهَرشبَ راجِلًا. فطارَدَ باراقُ مَركَباتِه وجَيشَه إِلى حَروشَتِ الأُمَم، وسَقَطَ كُلُّ مَن كانَ في جَيشِه بِحَدِّ السَّيف، ولم يَبْقَ مِنهم باقٍ. وهَرَبَ سيسَرا راجِلًا نَحوَ خَيمَةِ ياعيل، ٱمرَأَةِ حابَرَ القَينِيّ، لأَنَّه كانَت مُسالَمَةٌ بَينَ يابين، مَلِكِ حاصور، وآلِ حابَرَ القَينِيّ. فخَرَجَت ياعيلُ لِٱستِقْبالِ سيسَرا وقالَت له: «مِلْ يا سَيِّدي، مِلْ إِلَيَّ ولا تَخَفْ». فمالَ إِلَيها ودَخَلَ خَيمَتَها، فغَطَّته بِغِطاء. فقالَ لَها: «إِسْقيني قَليلًا مِنَ الماء، فإِنِّي عَطْشان». ففَتَحَت زِقَّ اللَّبَنِ وسَقَته، ثُمَّ غَطَّته. فقالَ لَها: «قِفي على بابِ الخَيمَة، فإِن أَتاكِ أَحَدٌ وسأَلَكِ: أَهٰهُنا أَحَد؟، فقولي: لا». لٰكِنَّ ياعيلَ، ٱمرَأَةَ حابَر، أَخَذَت وَتَدًا مِن أَوتادِ الخَيمَة، وأَخَذَتِ المِطرَقَةَ بِيَدِها وسارَت إِلَيه بِهُدوء وضَرَبَتِ الوَتَدَ في صُدغِه حَتَّى ٱنغَرَزَ في الأَرْض، وكانَ نائِمًا مُنهَكًا فمات. وإِذا بِباراقَ يُطارِدُ سيسَرا، فخَرَجَت ياعيلُ لِٱستِقْبالِه وقالَت لَه: «تَعالَ، أُرِكَ الرَّجُلَ الَّذي أَنتَ طالِبُه». فدَخَلَ فإِذا بِسيسرا ساقِطٌ مَيتًا والوَتَدُ في صُدْغِه. وأَذَلَّ اللهُ في ذٰلك اليَومِ يابين، مَلِكَ كَنْعان، أَمامَ بَني إِسْرائيل. وأَخَذَت يَدُ بَني إِسْرائيلَ تَقْسو على يابين، مَلِكِ كَنْعان، حتَّى قَضَوا علَيه. فأَنشَدَت دَبورةُ وباراقُ بنُ أَبينوعَمَ في ذٰلك اليَومِ وقالا: إِذا ما ٱستَرسَلَ الشَّعَرُ في إِسْرائيل، وتَطَوَّعَ الشَّعبُ، بارِكوا الرَّبّ. إِستَمِعوا أَيُّها المُلوك، وأَصْغوا أَيُّها العُظَماء. إِنِّي لِلرَّبِّ أُنشِد، ولِلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيلَ أَعزِف، حينَ خَرَجتَ يا رَبُّ مِن سِعير، وزَحَفتَ مِن حُقولِ أَدوم، رَجَفَتِ الأَرضُ وقَطَرَتِ السَّماء، قَطَرَتِ الغَمائِمُ ماءً، تَزَعزعَتِ الجِبالُ مِن وَجهِ الرَّبِّ، رَبِّ سيناء، أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل. في أَيَّامِ شَمجَرَ بنِ عَنات، وفي أَيَّامِ ياعيلش غابَتِ القَوافِل، وسَلَكَ عابرو الطريقِ دُروبًا مُتَلَوِّيَة. إِنقَطَعَت حَياةُ الرِّيفِ في إِسْرائيل، اِنقَطَعَت حتَّى قُمتِ، يا دَبورة، قُمتِ أُمًّا في إِسْرائيل. إِخْتاروا لأَنفُسِهم آلِهَةً جَديدة، فكانَتِ الحَربُ على الأَبْواب. ما كُنتَ تُبصِرُ تُرسًا ولا رُمحًا، في أَربَعينَ أَلفًا مِن إِسْرائيل. قَلْبي إِلى قادةِ إِسْرائيل، إِلى المُتَطَوِّعينَ في الشَّعْب! باركوا الرَّبّ! أَيُّها الرَّاكِبونَ أُتُنًا بَيضاء، والجالِسونَ على طَنافِس، وأَنتُم أَيُّها السَّائِرونَ في الطَّريقِ أَنشِدوا، بصَوتٍ أَعْلى مِن أَصْواتِ مُوَزِّعي الماءِ عِندَ المَوارِد، هُناكَ يُشيدونَ بِمَبَرَّاتِ الرَّبّ، بِمَبَرَّاتِ قُوَّتِه في إِسْرائيل (حينَئذٍ نَزَلَ شَعبُ الرَّبِّ إِلى الأَبْواب). إِستَيقِظي ٱستَيقِظي يا دَبورة، اِستَيقِظي ٱستَيقِظي وٱهتِفي بِنَشيد. إِنهَضْ يا باراق، وٱسبِ سَبيَكَ يا ٱبنَ أَبينوعَم. حينَئِذٍ نَزَلَ النَّاجي إِلى الأَشْراف، نَزَلَ شَعبُ الرَّبِّ إِلَيَّ كالمُحارِبينَ البَواسِل. مِن أَفْرائيمَ نَزَلَ المُتَأَصِّلونَ في عَماليق، وَراءَكَ بَنْيامينُ بَينَ قَومِكَ. ومِن ماكيرَ نَزَلَ رُؤَساء، ومِن زَبولونَ حامِلو صَولجانِ القِيادَة. رُؤَساءُ يَسَّاكَرَ مع دَبورَة، وكيَسَّاكَرَ ٱندَفَعَ باراقُ، على رِجلَيه إِلى الوادي، في عَشائِرِ رَأُوبين، نِيَّاتُ القَلبِ عَظيمة. ما بالُكَ جالِسًا في الحَظائِر، تَسمَعُ صَفيرَ الرُّعاة؟ في عَشائِرِ رأُوبين، نِيَّاتُ القَلْبِ عَظيمة. جِلْعادُ سَكَنَ في عِبرِ الأُردُنّ، ودانٌ فلِماذا يُقيمُ على سُفُن؟ أَشيرُ على سَواحِلِ البِحارِ لَبِث، وفي مَوانيه سَكَن. زَبولونُ شَعبٌ خاطَرَ بِنَفْسِه لِلمَوت، وكذا نَفْتالي على مَشارِفِ الحُقول. أَتى المُلوكُ وقاتَلوا، قاتَلوا مُلوكَ كَنْعانَ، في تَعْناكَ عِندَ مِياهِ مَجِدُّو، وغَنيمَةَ فِضَّةٍ لم يَغنَموا. مِنَ السَّماءِ قاتَلَتِ الكَواكِب، ومِن مَدارِها قاتَلَت سيسَرا. نَهرُ قيشونَ جَرَفَهم، نَهرُ القِدَمِ نَهرُ قيشون. سيري بِبَأسٍ يا نَفْسي. حينَئذٍ حوافِرُ خَيلِهم تَضرِبُ الأَرض، بِعَدْوِ جِيادِهم، بِعَدْوِ جِيادِهم. إِلعَنوا ميروزَ، يَقولُ مَلاكُ الرَّبّ، إِلعَنوا سُكَّانَها لَعنَةً، لأَنَّهم لم يأتوا لِنُصرَةِ الرَّبّ، لِنُصرَةِ الرَّبِّ بَينَ الأَبْطال. ولْتُبارَكْ بَينَ النِّساءِ ياعيل (اِمرَأَةُ حابَرَ القَينِيّ)، لِتُبارَكْ بَينَ جَميعِ السَّاكِناتِ في الخِيام. طَلَبَ ماءً فأَعطَته لَبَنًا حَليبًا، في كوبِ الأَشْرافِ قَدَّمَت زُبدَة. مَدَّت يَدَها إِلى وَتَدٍ، ويَمينَها إِلى مِطرَقَةِ الصُّنَّاع، وضَرَبَت سيسَرا وكَسَّرَت رَأسَه، وحَطَّمَت وخَرَقَت صُدغَه. بَينَ قَدَمَيها ٱنْهارَ وسَقَطَ وٱنطَرَح، وعِندَ قَدَمَيها ٱنْهارَ وسَقَط، وحَيثُ ٱنهارَ سَقَطَ صَريعًا. مِنَ الكُوَّةِ أَشرَفَت أُمُّ سيسَرا، ومِن وَراءِ الشُّبَّاكِ راقَبَت. لِماذا بَطُئَت مَركَبَتُه عنِ المَجيء؟ لِماذا تَأَخَّرَ سَيرُ عَجَلاتِه؟ فأَجابَتْها أَحكَمُ سَيِّداتِها، بل هي أَجابَت نَفْسَها: أَلَيسَ أَنَّهم يَقتَسِمونَ غَنيمةً أَصابوها: فَتاةٌ، فَتاتانِ لِكُلِّ مُحارِب، لِسيسَرا غَنيمةُ أَقمِشَةٍ مُزَخرَفة، غَنيمةُ أَقمِشَةٍ مُزَخرَفَة مُطَرَّزةٌ، مُطَرَّزتانِ لأَعْناقِهنَّ. هٰكذا فلْيَبِدْ جَميعُ أَعْدائِكَ يا رَبّ، ولْيَكُنْ مُحِبُّوكَ كالشَّمسِ المُشرِقَةِ في قُوَّتِها. وهَدَأَتِ الأَرضُ أَربَعينَ سَنَة. وصَنَعَ بَنو إِسْرائيلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، فأَسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلى أَيدي مِديَنَ سَبعَ سِنين. وقَوِيَت أَيدي مِديَنَ على إِسْرائيل، فٱتَّخَذَ بَنو إِسْرائيلَ لأَنفُسِهمِ الشُّقوقَ الَّتي في الجِبالِ والكُهوفَ والمَلاجِئَ بِسَبَبِ مِديَن. وكانَ، إِذا زَرَعَ إِسْرائيل، يَصعَدُ المِديَنِيُّونَ والعَمالِقَةُ وبَنو المَشرِق، ويَخرُجونَ علَيهم، ويُعَسكِرونَ علَيهم، ويُتلِفونَ غَلَّةَ الأَرْض، إِلى مَدْخَلِ غَزَّة، ولا يُبقونَ ميرَةً في إِسْرائيل، ولا غَنَمًا ولا بَقَرًا ولا حَميرًا، لأَنَّهم كانوا يَصعَدونَ بماشِيَتِهم وخِيامِهم، ويأتونَ في عَدَدِ الجَرادِ كَثرَةً، لا يُحصَونَ هم ولا جِمالُهم، ويأتونَ الأَرضَ ويُتلِفونَها. فٱفتَقَرَ إِسْرائيلُ جِدًّا بِسَبَبِ مِديَن، وصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبّ. وكانَ، لَمَّا صَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبِّ بِسَبَبِ المِديَنِيِّين، أَنَّ الرَّبَّ أَرسَلَ إِلى بَني إِسْرائيلَ رَجُلًا نَبِيًّا، فقالَ لَهم: «هٰكذا يَقولُ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنِّي قد أَصعَدتُكم مِن مِصْرَ، وأَخرَجتُكُم مِن دارِ العُبودِيَّة، وأَنقَذتُكم مِن يَدِ المِصرِيِّينَ ومن يَدِ جَميعِ ظالِميكم، وطَرَدتُهم مِن أَمامِكم وأَعطَيتُكم أَرضَهم، وقُلتُ لَكم: إِنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم، فلا تَخافوا آلِهَةَ الأَمورِيِّينَ الَّذينَ أَنتُم مُقيمونَ بِأَرضِهم، فلَم تَسمَعوا لِصَوتي». وجاءَ مَلاكُ الرَّبِّ وجَلَسَ تَحتَ البُطمَةِ الَّتي في عُفرَةَ الَّتي لِيُوآشَ الأَبيعَزَرِيّ، وكانَ جِدْعُونُ ٱبنُه يَدوسُ الحِنطَةَ في المَعصَرَة، لِتَهْريبِها مِن أَمامِ المِديَنِيِّين. فتَراءَى لَه مَلاكُ الرَّبِّ وقالَ لَه: «الرَّبُّ مَعَكَ، أَيُّها المحارِبُ الباسِل». فقالَ لَه جِدْعُون: «ناشَدتُكَ، يا سيِّدي، إِن كانَ الرَّبُّ مَعَنا، فلِماذا أَصابَنا هٰذا كُلُّه؟ وأَينَ جَميعُ مُعجِزاتِه الَّتي حَدَّثَنا بِها آباؤُنا، قائِلينَ لَنا: إِنّ الرَّبَّ أَصعَدَنا مِن أَرضِ مِصْر؟ والآنَ قد تَرَكَنا الرَّبُّ وجَعَلَنا في قَبضَةِ مِديَن». فٱلتَفَتَ إِلَيه الرَّبُّ وقال: «إِنطَلِقْ بِقُوَّتِكَ هٰذه وخَلِّصْ إِسْرائيلَ مِن قَبضَةِ مِديَن، أَفلَم أُرسِلْكَ؟» فقالَ لَه جِدْعُون: «ناشَدتُكَ يا سَيِّدي. بماذا أُخَلِّصُ إِسْرائيل؟ هٰذه عَشيرَتي أَضعَفُ عَشيرةٍ في منَسَّى، وأَنا الأَصغَرُ في بَيتِ أَبي». فقالَ لَه الرَّبّ: «أَنا أَكونُ مَعَكَ، وستَضرِبُ مِديَنَ كأَنَّه رَجُلٌ واحِد». فقالَ لَه: «إِن كُنتُ قد نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، فأَعطِني عَلامةً على أَنَّكَ أَنتَ الَّذي كَلَّمَني. لا تَبتَعِدْ مِن هٰهُنا، حتَّى آتِيَكَ وأُخرِجَ تَقدِمَتي وأَضَعَها أَمامَك». فقالَ لَه: «إِنِّي مُقيمٌ حتَّى تَعود». فدَخَلَ جِدْعُونُ وأَعَدَّ جَديًا مِنَ المَعِزِ وإِيفَةَ دَقيقٍ فَطيرًا، وجَعَلَ اللَحمَ في سَلَّة، ووَضَعَ مَرَقَ اللَّحْمِ في قِدرٍ، وخَرَجَ بِذٰلكَ إِلَيه تَحتَ البُطمَةِ وقَدَّمَه. فقالَ لَه مَلاكُ الله: «خُذِ اللَّحمَ والفَطير، وضَعْهما على هٰذه الصَّخرَة، وصُبَّ المَرَق». ففَعَلَ هٰكذا. فمَدَّ مَلاكُ الرَّبِّ طَرَفَ العَصا الَّتي بِيَدِه ومَسَّ اللَّحمَ والفَطير، فصَعِدَت نارٌ مِنَ الصَّخرَةِ وأَكَلَتِ اللَّحمَ والفَطير، وغابَ مَلاكُ الرَّبِّ عن عَينَيه. فعَلِمَ جِدْعُونُ أَنَّه مَلاكُ الرَّبّ. فقالَ جِدْعُون: «آهِ أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، إِنِّي رأَيتُ مَلاكَ الرَّبِّ وَجهًا لِوَجه». فقالَ لَه الرَّبّ: «السَّلامُ عَليكَ، لا تَخَفْ فإِنَّكَ لا تَموت». فبَنى جِدْعُونُ هُناكَ مَذبَحًا لِلرَّبّ، ودَعاه «الرَّبُّ سَلام»، وهو إِلى هٰذا اليَومِ لا يَزالُ في عُفرَةِ الأَبيعَزَرِيِّين. وكانَ في تِلكَ اللَّيلَةِ عَينِها أَنَّ الرَّبَّ قالَ لَه: «خُذْ ثَورَ أَبيكَ، الثَّورَ الَّذي أَتَت علَيه سَبعُ سِنين، وقَوِّضْ مَذبَحَ البَعْلِ الَّذي لأَبيكَ، وقَطِّعِ الوَتَدَ المُقَدَّسَ الَّذي بِقُربِه، وٱبنِ مَذبَحًا لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ على رأسِ هٰذه القَلعَةِ على النِّظامِ المألوف، وخُذِ الثَّورَ الثَّانِيَ وأَصعِدْه مُحرَقَةً على حَطَبِ الوَتَدِ المُقَدَّسِ الَّذي تُقَطِّعُه». فأَخَذَ جِدْعُونُ عَشَرَةَ رِجالٍ من خَدَمِه، وفَعَلَ كما أَمَرَه الرَّبّ، وخافَ مِن بَيتِ أَبيه ومِن رِجالِ المَدينَةِ أَن يَعمَلَ ذٰلك نَهارًا، فعَمِلَه لَيلًا. وبَكَّرَ رِجالُ المَدينَةِ صَباحًا، فإِذا مَذبَحُ البَعلِ قد هُدِم، والوَتَدُ المُقَدَّسُ الَّذي كانَ بِقُربِه قد قُطِّع، وقَد أُصعِدَ الثَّورُ الثَّاني على المَذبَحِ المَبنِيّ. فقالَ بَعضُهم لِبَعْض: «مَن فَعَلَ هٰذا الأَمْر؟» وبَحَثوا وٱستَخبَروا فقالوا: «إِنَّ جِدْعُونَ بنَ يوآشَ هو الَّذي فَعَلَ هٰذا الأَمْر» فقالَ أَهلُ المَدينَةِ لِيُوآش: «أَخرِجِ ٱبنَكَ لِيُقتَل، لأَنَّه هَدَمَ مَذبَحَ البَعلِ وقَطَّعَ الوَتَدَ المُقَدَّسَ الَّذي بِقُربِه». فقالَ يوآشُ لِجَميعِ الواقِفينَ بِالقُرْبِ مِنه: «أَعلَيكم أَنتُم أَن تُدافِعوا عنِ البَعْل؟ أَعلَيكم أَنتُم أن تُخَلِّصوه؟ (مَن أَرادَ أَن يُدافِعَ عَنه فإِنَّه إِلى الصَّباحِ مَقْتول). إِن كانَ هو إِلٰهًا، فلْيُدافِعْ عن نَفْسِه مِمَّن هَدَمَ مَذبَحَه». ودُعِيَ جِدْعُونُ في ذٰلك اليَومِ يَرُبَّعْل، وقيلَ: «لِيَنتَقِمْ مِنه البَعْلُ، لأَنَّه هَدَمَ مَذبَحَه». وٱنضَمَّ جَميعُ مِديَنَ وعَماليقَ وبَني المَشرِقِ معًا، وعَبَروا الأُردُنّ، وعَسكَروا في سَهلِ يِزْرَعيل. وحَلَّ روحُ الرَّبِّ على جِدْعُون، فنَفَخَ في البوق، فخَرَجَ أَهلُ أَبيعَزَرَ وتَبِعوه. وأَرسَلَ رُسُلًا إِلى جَميعِ مَنَسَّى وٱستَدْعاهم لِيَتبَعوه. وأَرسَلَ رُسُلًا إِلى أَشيرَ وإِلى زَبولونَ وإِلى نَفْتالي، فصَعِدوا لِمُلاقاتِه. وقالَ جِدْعُونُ لله: «إِن كُنتَ مُخَلِّصَ بَني إِسْرائيلَ عن يدي، كما قُلتَ، فهاءَنَذا واضِعٌ جُزازَ صوفٍ في البَيدَر. فإِذا سَقَطَ النَّدى على الجُزازِ وَحدَه، وعلى سائِرِ الأَرضِ جَفاف، عَلِمتُ أَنَّكَ تُخلِّصُ إِسْرائيلَ عن يَدي، كما قُلتَ». فكانَ كذٰلك. وبَكَّرَ في الغَد، فعَصَرَ الجُزاز، فخَرَجَ مِنه مِنَ النَّدى مِلءُ كوبِ ماء. فقالَ جِدْعُونُ لله: «لا تَغضَبْ علَيَّ، فأَتكَلَّمَ ثانِيةً أَيضًا وأُجَرَّبَ مَرَّةً أُخْرى فَقَط بِالجُزاز: لِيَكُنْ على الجُزازِ وَحدَه جَفاف وعلى سائِرِ الأَرضِ نَدى». فصَنَعَ الرَّبُّ كذٰلك في تِلكَ اللَّيلَة، فكانَ على الجُزازِ وَحدَه جَفافٌ وعلى سائِرِ الأَرضِ نَدى. فبَكَّرَ يَرُبَّعلُ، وهو جِدْعُون، وجَميعُ القَومِ الَّذينَ معَه، وعَسكَروا في عَينِ حَرود، وكانَ مُعَسكَرُ مِديَنَ إِلى الشَّمال، نَحوَ تَلِّ المورةِ في السَّهْل. فقالَ الرَّبُّ لِجدْعُون: «إِنَّ القَومَ الَّذينَ مَعَكَ هم أَكثَرُ مِن أَن أُسلِمَ مِديَنَ إِلى أَيديهم، فيَفتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرائيلُ ويقول: يَدي خَلَّصَتني. فالآنَ نادِ على مسامِعِ الشَّعبِ وقُلْ: مَن كانَ خائِفًا مُرتَعِشًا، فلْيَرجِعْ ويَنصَرِفْ مِن جَبَلِ جِلْعاد». فرَجَعَ مِنَ الشَّعبِ ٱثْنانِ وعِشرونَ أَلفًا، وبَقيَ معَه عَشَرَةُ آلاف. فقالَ الرَّبُّ لِجِدْعُون: «إِنَّ الشَّعبَ لا يَزالُ كَثيرًا، فأَنزِلْهم إِلى الماء وأَنا أُمَحِّصُهم هُناكَ مِن أَجلِكَ. فالَّذي أَقولُ لَكَ: هٰذا يَنطَلِقُ معَكَ، فذٰلك يَنطَلِقُ مَعَكَ، وكُلُّ مَن قُلتُ لكَ: هٰذا لا يَنطَلِقُ مَعَكَ، فهو لا يَنطَلِق». فأَنزَلَ الشَّعبَ إِلى الماء. فقالَ الرَّبُّ لِجِدْعُون: «كُلُّ مَن وَلَغَ في الماءِ بلِسانِه كما يَلَغُ الكَلْب، فأَقِمْه جانبًا، وكَذا كُلُّ مَن جَثا على رُكبَتَيه لِيَشرَب». فكانَ عَدَدُ مَن وَلَغَ في الماءِ مِن راحَتِه إِلى فَمِه ثَلاثَ مِئَةِ رَجُل، وسائِرُ الشَّعبِ أَجمعُ جَثَوا على رُكَبِهم لِيَشرَبوا. فقالَ الرَّبُّ لِجِدْعُون: «بِهٰؤُلاءِ الثَّلاثِ مِئَةِ رَجُلٍ، الَّذينَ وَلَغوا، أُخَلِّصُكم وأُسلِمُ مِديَنَ إِلى يَدِكَ. وأَمَّا سائِرُ القَوم، فلْيَرجِعْ كُلُّ واحِدٍ إِلى مَكانِه». فأَخَذَ القَومُ زادًا في أَيديهم وأَخَذوا أَبْواقَهم. وأَمَّا سائِرُ بَني إِسْرائيل، فصَرَفَهم كُلَّ واحِدٍ إِلى خَيمَتِه، وأَخَذَ الثَّلاثَ مِئَةِ رَجُل. وكانَ مُعَسكَرُ مِديَنَ دونَهم في السَّهْل. فكانَ في تِلكَ اللَّيلةِ أَنَّ الرَّبَّ قالَ لِجِدْعُون: «قُمْ فٱنزِلْ إِلى المُعَسكَر، لأَنِّي قد أَسلَمتُه إِلى يَدِكَ. وإِن كُنتَ تَخافُ أَن تَنزِلَ وَحدَك، فٱنزِلْ أَنتَ وفورَةُ خادِمُكَ إِلى المُعَسكَر، وٱسمَعْ ما يَقولون. وبَعدَ ذٰلك تَشتَدُّ يَدُكَ، وتَنزِلُ على المُعَسكَر». فنَزَلَ هو وفورَةُ خادِمُه إِلى آخِرِ المَراكِزِ الأَمامِيَّةِ الَّتي في المُعَسكَر. وكانَ المِديَنِيُّونَ والعَمالِقَةُ وجَميعُ بَني المَشرِقِ مُنتَشِرينَ في السَّهْل، وكانوا كالجَرادِ كَثرَةً، ولم يَكُنْ لِجِمالِهم عَدَد، لأَنَّها كانَت كالرَّملِ على شاطِئِ البَحرِ كَثرَةً. فلَمَّا وَصَلَ جِدْعُون، إِذا بِرَجُلٍ يَقُصُّ على صاحِبِه حُلمًا قائِلًا: «حَلَمتُ حُلمًا كأَنِّي بِرَغيفِ خبزٍ مِن شَعيرٍ يَتَقَلَّبُ في مُعَسكَرِ مِديَن، حتَّى صارَ إِلى الخَيمَةِ وصَدَمَها فأَسقَطَها وقَلَبها رَأسًا على عَقِب». فأَجابَ صاحِبُه وقال: «إِنَّما هٰذا سَيفُ جِدْعُونَ بنِ يوآش، الرَّجُلِ الإِسْرائيليِّ الَّذي أَسلَمَ اللهُ إِلى يَدِه مِديَنَ وكُلَّ المُعَسكر». فلَمَّا سَمِعَ جِدْعونُ قِصَّةَ الحُلمِ وتَفْسيرَه، سَجَدَ ورَجَعَ إِلى مُعَسكَرِ إِسْرائيلَ وقال: «قوموا لأَنَّ الرَّبَّ قد أَسلَمَ مُعَسكَرَ مِديَنَ إِلى أَيديكم». وقَسَّمَ الثَّلاثَ مِئَةِ رَجُلٍ إِلى ثَلاثِ فِرَق، وجَعَلَ أَبْواقًا في أَيديهم كُلِّهم وجِرارًا فارِغَةً في داخِلِها مَشاعِل، وقالَ لَهم: «كَما تَرَونَني أَصنَع، فٱصنَعوا أَنتُم أَيضًا. وهاءَنَذا واصِلٌ إِلى طَرَفِ المُعَسكَر، فيَكونُ أَنَّكم تَصنَعونَ كما أَصنَع. ومَتى نَفَختُ في البوقِ أَنا وكُلُّ مَن مَعي، فٱنفُخوا في الأَبْواقِ أَنتُم أَيضًا حَولَ المُعَسكَرِ كُلِّه وقولوا: لِلرَّبِّ ولِجِدْعون». ووَصَلَ جِدْعونُ والرِّجالُ المِئَةُ الَّذينَ معَه إِلى طَرَفِ المُعَسكَرِ في أَوَّلِ الهَجيعِ الأَوسَط، وكانوا إِذ ذاكَ قد بَدَّلوا الحُرّاس، فنَفَخوا في الأَبْواقِ وحَطَّموا الجِرارَ الَّتي في أَيديهم. ونَفَخَتِ الفِرَقُ الثَّلاثُ في الأَبْواق، وَضَربوا الجِرارَ وأَخَذوا المَشاعِلَ بِأَيديهمِ اليُسْرى والأَبْواقَ بِأَيديهمِ اليُمْنى لِيَنفُخوا فيها وهَتَفوا: «السَّيفُ لِلرَّبِّ ولِجِدْعون». ووَقَفَ كُلُّ رَجُلٍ في مَكانِه حَولَ المُعَسكَر. ورَكَضَ عَسكَرُ مِديَنَ كُلُّه وصَرَخوا وهَرَبوا. ونَفَخَ الثَّلاثُ مِئَةٍ في الأَبْواق، فجَعَلَ الرَّبُّ كُلَّ واحِدٍ يُوَجِّه سَيفَه إِلى صاحِبِه في المُعَسكَرِ كُلِّه. فهَرَبَ العَسكَرُ إِلى بَيتَ شِطَّة، إِلى صَريرة حَتَّى ٱنتَهَوا إِلى جانِبِ آبَلَ مَحولَةَ الَّتي عِندَ طَبَّات. وٱستُدعِيَ رِجالُ إِسْرائيلَ مِن نَفْتالِيَ وأَشيرَ ومِن كُلِّ مَنَسَّى، وطارَدوا المِديَنِيِّين. وأَرسَلَ جِدْعونُ رُسُلًا إِلى كُلِّ جَبَلِ أَفْرائيمَ وقال: «إِنزِلوا لِمُلاقاةِ مِديَن، وٱستَوْلوا قَبلَهم على عُيونِ المِياهِ إِلى بَيتَ بارةَ والأُردُنّ». فٱستُدعِيَ رِجالُ أَفْرائيمَ كُلُّهم وٱستَولَوا على المِياهِ إِلى بَيتَ بارةَ والأُردُنّ. وقَبَضوا على قائِدَي مِديَن، وهُما عوريبُ وزيب، وقَتَلوا عوريبَ على صَخرَةِ عوريب، وقَتَلوا زيبًا على مَعصَرَةِ زيب، وطارَدوا المِديَنِيِّينَ، وأَتَوا برَأْسِ عوريبَ وزيبٍ إِلى جِدْعونَ في عِبرِ الأُردُنّ. فقالَ لَه رِجالُ أَفرائيم: «لِماذا صَنَعتَ بِنا هٰكذا، ولم تَدعُنا حينَ ذَهَبتَ لِقِتالِ المِديَنيِّين؟» وخاصَموه خِصامًا شَديدًا. فقالَ لَهم: «ماذا فَعَلتُ أَنا الآنَ بِالنَّظَرِ إِلى ما فَعَلتُم أَنتُم؟ أَلَيسَ أَنَّ خُصاصَةَ أَفْرائيمَ أَفضَلُ مِن قِطافِ أَبيعَزَر؟ فإِنَّما إِلى أَيديكم أَسلَمَ اللهُ قائِدَيِ المِديَنِيِّين، عوريبَ وزيبًا. فماذا كانَ يُمكِنُني أَن أَفعَلَ بِالنَّظَرِ إِلى ما فَعَلتُم؟» فسَكَنَ غَضَبُهم عنه، حينَ قالَ لَهم هٰذا الكَلام. ووَصَلَ جِدْعونُ إِلى الأُردُنّ، وعَبَرَ هو والثَّلاثُ مِئَةِ رَجُلٍ الَّذينَ معَه، وهم قد أَعيَوا مِنَ المُطارَدة. فقالَ لأَهلِ سُكُّوت: «أَعْطوا القَومَ الَّذينَ يَتبَعونَني أَرغِفَةَ خُبزٍ، لأَنَّهم قد أَعْيَوا، وأَنا جادٌّ في طَلَبِ زاباحَ وصَلْمُنَّاع، مَلِكَي مِديَن». فقالَ لَه رُؤَساءُ سُكُّوت: «أَلَعَلَّ أَكُفَّ زاباحَ وصَلْمُنَّاعَ في يَدِكَ حتَّى نُعطِيَ عَسكَرَكَ خُبزًا؟» فقالَ جِدْعون: «لِذٰلك، فإِذا جَعَلَ الرَّبُّ في يدي زاباحَ وصَلْمُنَّاع، لَأَدوسُ أَجْسادَكم بِأَشواكِ البَرِّيَّةِ والنَّوارِج». وصَعِدَ مِن هُناكَ إِلى فَنوئيل وقالَ لَهم مِثلَ ذٰلك. فأَجابَه أَهلُ فَنوئيلَ كما أَجابَه أَهلُ سُكُّوت. فقالَ لِأَهلِ فَنوئيلَ أَيضًا: «إِذا ما رَجَعتُ ظافِرًا لَأُدَمِّرَنَّ هٰذا البُرْج». وكانَ زاباحُ وصَلْمُنَّاعُ في القَرقَر، ومَعهما جيشُهما نَحوُ خَمسَةَ عَشَرَ أَلفَ رَجُل، وهم كُلُّ مَن بَقِيَ مِن جَيشِ بَني المَشرِقِ كُلِّه. وكانَ الَّذينَ سَقَطوا مِئَةَ أَلفٍ وعِشْرينَ أَلفَ رَجُلٍ مُستَلِّ سَيف. فصَعِدَ جِدْعونُ في طَريقِ ساكِني الخِيامِ شَرقِيَّ نوبَحَ ويُجبَهَة، وضرَبَ الجَيشَ وكانَ الجَيشُ مُطمَئِنًّا. فهَرَبَ زاباحُ وصَلْمُنَّاع، فطارَدوهما، فقَبَضَ على مَلِكَي مِديَن، زاباحَ وصَلْمُنَّاع، وضَرَبَ كُلَّ الجَيش. ورَجَعَ جِدْعونُ بنُ يوآشَ مِنَ القِتال، مارًّا بِعَقَبَةِ حارَس. وقَبَضَ على فَتًى مِن أَهلِ سُكُّوت وٱستَجوَبَه، فكَتَبَ لَه أَسْماءَ رُؤَساءِ سُكُّوتَ وشُيوخِها، سَبعَةً وسَبْعينَ رَجُلًا. ثُمَّ عادَ إِلى أَهلِ سُكُّوتَ وقال: «هُوَذا زاباحُ وصَلْمُنَّاعُ اللَّذانِ عَيَّرتُموني بِهما وقُلتُم: أَلَعَلَّ أَكُفَّ زاباحَ وصَلْمُنَّاعَ في يَدِكَ، حتَّى نُعطِيَ رِجالَكَ المُعْيينَ خُبزًا؟» وقَبَضَ على شُيوخِ المَدينة، وأَخَذَ أَشْواكًا مِنَ البَرِّيَّةِ والنَّوارِج ومَزَّقَ بِها أَهلَ سُكُّوت. ودَمَّرَ بُرجَ فَنوئيل، وقَتَلَ رِجالَ المَدينة. وقالَ لِزاباحَ وصَلْمُنَّاع: «كَيفَ كانَ الرِّجالُ الَّذينَ قَتَلتُماهم بِتابور؟» فقالا لَه: «كانوا مِثلَكَ، وهَيئَةُ كُلِّ واحِدٍ منهم هَيئَةُ ٱبنِ مَلِك». فقال: «هم إِخوَتي وأَبْناءُ أُمِّي. حَيٌّ الرَّبّ! لو أَبقَيتُما علَيهم، لَما كُنتُ أَقتُلُكما». ثُمَّ قالَ لِياثَرَ بِكرِه: «قُمْ فاقتُلْهما»، فلَم يَستَلَّ الصَّبِيُّ سَيفَه خَوفًا، لأَنَّه ما زالَ صَبِيًّا. فقالَ زاباحُ وصَلْمُنَّاع: «قُمْ أَنتَ وٱضرِبْنا، لأَنَّ الرَّجُلَ بِبَأْسِه». فقامَ جِدْعونُ وقَتَلَ زاباحَ وصَلْمُنَّاع، وأَخَذَ أَهِلَّةَ الفِضَّةِ الَّتي كانَت في أَعْناقِ جِمالِهما. وقالَ رِجالُ إِسْرائيلَ لِجِدْعون: «تَسَلَّطْ علَينا، أَنتَ وٱبنُكَ وٱبنُ ٱبنِكَ، لأَنَّكَ خَلَّصتَنا مِن أَيدي مِديَن». فقالَ لَهم جِدْعون: «لا أَنا أَتَسَلَّطُ علَيكم ولا ٱبْني يَتَسَلَّطُ علَيكم، بلِ الرَّبُّ هو يَتَسَلَّطُ علَيكم». ثُمَّ قالَ لَهم جِدْعون: «إِنِّي أَطلُبُ مِنكم طَلَبًا: يُعْطيني كُلُّ واحِدٍ مِنكم خاتَمًا مِن غَنيمَتِه»، فقَد كانَ لَهم خاتَمانِ مِن ذَهَب، لأَنَّهم إِسْماعيليُّون. فقالوا: «لَكَ ذٰلك». وبَسَطوا رِداءً، فأَلْقى علَيه كُلٌّ مِنهم خاتَمًا مِن غَنيمَتِه. وكانَ وَزنُ الخَواتِمِ الذَّهَبِ الَّتي طَلَبَها أَلفًا وسَبعَ مِئَةِ مِثْقالِ ذَهَب، ما عَدا الأَهِلَّةَ والأَشْنافَ والثِّيابَ الأُرجُوانِيَّةَ الَّتي كانَت على مُلوكِ مِديَن، وما عَدا القَلائِدَ الَّتي كانَت في أَعْناقِ جِمالِهم. فصاغَ جِدْعُونُ ذٰلك أَفودًا، وجعَلَه في مَدينَتِه عُفرَة. فزَنى كُلُّ إِسْرائيلَ بٱتِّباعِه الأَفود، فكانَ ذٰلك فَخًّا لِجِدْعونَ وبَيتِه. وذَلَّ مِديَنُ أَمامَ بَني إِسْرائيل، ولم يَعودوا يَرفَعونَ رُؤُوسَهم، وهَدَأَتِ الأَرضُ أَربَعينَ سَنةً أَيَّامَ جِدْعون. وٱنصَرَفَ يَرُبَّعلُ بنُ يوآش، وأَقامَ في بَيتِه. وصارَ لِجِدْعونَ سَبْعونَ ٱبنًا خَرَجوا مِن صُلبِه، لأَنَّه تَزَوَّجَ نِساءً كَثيرات. ووَلَدَت لَه أَيضًا سُرِّيَّتُه الَّتي في شَكيمَ ٱبنًا وسَمَّاه أَبيمَلِك. وماتَ جِدْعونُ بنُ يوآشَ بِشَيبَةٍ سَعيدة، ودُفِنَ في قَبرِ يوآشَ أَبيه في عُفرَةِ أَبيعَزَر. وكانَ بَعدَ مَوتِ جِدْعونَ أَنَّ بَني إِسْرائيلَ عادوا إِلى الزِّنى بٱتِّباعِهمِ البَعْل وٱتَّخَذوا لأَنفُسِهم بَعلَ بَريتَ إِلٰهًا. ولَم يَذكُرْ بَنو إِسْرائيلَ الرَّبَّ إِلْهَهَمُ الَّذي أَنقَذَهم مِن أَيدي جَميعِ أَعْدائِهمِ المُحيطينَ بِهم. ولم يَصنَعوا رَحمةً إِلى بَيتِ يَرُبَّعْلَ جِدْعونَ، مُقابِلَ الخَيرِ الَّذي صَنَعَه إِلى إِسْرائيل. فٱنطَلَقَ أَبيمَلِكُ بنُ يَرُبَّعْلَ إِلى شَكيمَ إِلى أَخْوالِه وكَلَّمهم وكُلَّ عَشيرَةِ بَيتِ أَبي أُمِّه، قائِلًا: «تَكَلَّموا على مَسامِعِ جَميعِ أَعيانِ شَكيمَ أَن: أَيُّ الأَمرَينِ خَيرٌ لَكم: أَن يَتَسَلَّطَ علَيكم سَبْعونَ رَجُلًا، أَي جَميعُ بَني يَرُبَّعْلَ، أَمَ يَتَسَلَّطَ علَيكم رَجُلٌ واحِد؟ وٱذكُروا أَنِّي أَنا عَظمُكم ولَحمُكم». فتَكَلَّمَ أَخْوالُه عَنه على مَسامِعِ كُلِّ أَعْيانِ شَكيمَ بِكُلِّ هٰذا الكَلام، فمالَت قُلوبُهم نَحوَ أَبيمَلِك، لأَنَّهم قالوا: «إِنَّه أَخونا». وأَعطَوه سَبْعينَ مِنَ الفِضَّة، مِن بَيتِ بَعلَ بَريت، فٱستَأجَرَ بِها أَبيمَلِكُ رِجالًا لا خَيرَ فيهم مُغامِرين، فتَبِعوه. فجاءَ بَيتَ أَبيه في عُفرَة، وقَتَلَ إِخوَتَه بَني يَرُبَّعْلَ، سَبْعين رَجُلًا، على صَخرَةٍ واحدة. وبَقِيَ يوتام، أَصغَرُ بَني يَرُبَّعْل، لأَنَّه ٱختَبَأ. وٱجتَمَعَ كُلُّ أَعْيانِ شَكيمَ وكُلُّ بَيتَ مِلُّو، ومَضَوا فأَقاموا أَبيمَلِكَ علَيهم مَلِكًا عِندَ بَلُّوطَةِ النُّصبِ الَّتي في شَكيم. فأُخبِرَ يوتامُ بِذٰلك، فٱنطَلَقَ ووَقَفَ على قِمَّةِ جَبَلِ جَرِزِّيم، ورَفَعَ صَوتَه ونادى وقالَ لَهم: «إِسمَعوا لي يا أَعيانَ شَكيم، فيَسمَعَ اللهُ لَكم. ذَهَبَتِ الأَشجارُ ذَهابًا، لِيَمسَحنَ علَيهِنَّ مَلِكَة. فقُلنَ لِشَجَرةِ الزَّيتون: كوني علَينا مَلِكَة، فقالَت لَهُنَّ الزَّيتونة: أَأَتَخَلَّى عن زَيتِيَ الَّذي بِواسِطتي يُكرَمُ بِه الآلِهَةُ والنَّاس فأَذهَبَ لأَتَرَنَّحَ فَوقَ الأَشْجار؟ فقالَتِ الأَشجارُ لِلتِّينة: تَعالَي أَنتِ فكوني علَينا مَلِكَة. فقالَت لَهُنَّ التِّينة: أَأَتَخَلَّى عن حَلاوتي وثَمَرَتي الطَّيِّبة، فأَذهَبَ لأَتَرَنَّحَ فَوقَ الأَشْجار؟ فقالَتِ الأَشْجارُ لِلكَرمَة: تَعالَي أَنتِ فكوني علَينا مَلِكَة. فقالَت لَهُنَّ الكَرمَة: أَأَتَخَلَّى عن نَبيذي الَّذي يُفرِحُ الآلِهَةَ والبَشَر، فأَذهَبَ لأَتَرَنَّحَ فَوقَ الأَشْجار؟ فقالَتِ الأَشجارُ كُلُّها لِلعَوسَجة: تَعالَي أَنتِ فكوني علَينا مَلِكَة. فقالَتِ العَوسَجَةُ لِلأَشْجار: إِن كُنتُنَّ حَقًّا تَمسَحنَني مَلِكَةً علَيكُنَّ، فتَعالَينَ ٱستَظلِلْنَ بِظِلِّي، وإِلاَّ فلْتَخرُجْ نارٌ مِنَ العَوسَجَة وتأكُلْ أَرزَ لُبْنان. والآنَ إِن كُنتُم أَنتُم فَعَلتُم بِالحَقِّ والِٱستِقامة، فمَلَّكتُم أَبيمَلِك، وأَحسَنتُم إِلى يَرُبَّعْلَ وبَيتِه، وكافَأتُموه على ما صَنَعَت يَداه - مع أَنَّ أَبي قاتَلَ عنكم وخاطَرَ بِنَفسِه في المُقَدِّمَة، وأَنقَذَكم مِن يَدِ مِديَن، فقُمتُمُ اليَومَ على بَيتِ أَبي، وذَبَحتُم بَنيه سَبْعينَ رَجُلًا على صَخرَةٍ واحِدة، ومَلَّكتُم أَبيمَلِك، ٱبنَ أَمَتِه، على أَعْيانِ شَكيمَ لأَنَّه أَخوكم - فإِن كُنتُم قد عَمِلتُم بِالحَقِّ والِٱستِقامةِ مع يَرُبَّعلَ ومع بَيتِه في هٰذا اليَوم، فٱفرَحوا أَنتُم بأَبيمَلِك، ولْيَفْرَحْ هو أَيضًا بِكم. وإِلاَّ فلْتَخرُجْ نارٌ مِن أَبيمَلِكَ وتَأكُلْ أَعْيانَ شَكيمَ وبَيتَ مِلُّو، ولْتَخرُجْ نارٌ مِن أَعيانِ شَكيمَ ومِن بَيتَ مِلُّو وتَأكُلْ أَبيمَلِك». وهَرَبَ يوتامُ ونَجا وٱنطَلَقَ إِلى بِئْرَ فأَقامَ هُناكَ، بَعيدًا عن وَجهِ أَبيمَلِكَ أَخيه. ومَلَكَ أَبيمَلِكُ على إِسْرائيلَ ثَلاثَ سَنَوات. وبَعَثَ اللهُ روحَ شَرٍّ بَينَ أَبيمَلِكَ وأَعْيانِ شَكيم، فغَدَرَ أَعيانُ شَكيمَ بأَبيمَلِك، لِيَرُدُّوا علَيه العُنفَ الَّذي عامَلَ به بَني يَرُبَّعلَ السَّبْعين، ويَجلُبوا دَمَهم على أَبيمَلِكَ أَخيهمِ الَّذي قَتَلَهم وعلى أَعْيانِ شَكيمَ الَّذينَ أَخَذوا بِيَدِه في قَتلِ إِخوَتِه. فأَقامَ لَه أَعْيانُ شَكيمَ كَمينًا على رُؤُوسِ الجِبال، فكانوا يَنهَبونَ كُلَّ مَن عَبَرَ بِهم في الطَّريق، فأُخبِرَ أَبيمَلِكُ بِذٰلك. وجاءَ جاعَلُ بنُ عابِدَ مع إِخوَتِه، فمَرُّوا بِشَكيم، فتَوَكَّلَ علَيه أَعْيانُ شَكيم. وخَرَجوا إِلى الحُقولِ وقَطَفوا كُرومَهم وعَصَروا وأَقاموا فَرَحًا ودَخَلوا بُيوتَ آلِهَتِهم وأَكَلوا وشَرِبوا ولَعَنوا أَبيمَلِك. فقالَ جاعَلُ بنُ عابِد: «مَن هو أَبيمَلِكُ ومَن هو شَكيمُ حتَّى نَخدُمَه؟ أَليسَ أَنَّه ٱبنُ يَرُّبَّعلَ ووَكيلُه زَبول؟ أُخدموا رِجالَ حَمورَ أَبي شَكيم. وأَمَّا ذاكَ فلِماذا نَخدُمُه؟ مَنِ الَّذي يَجعَلُ هٰذا الشَّعبَ في يَدي فأَعزِلَ أَبيمَلِك؟» وقالَ مُوَجِّهًا كَلامَه إِلى أَبيمَلِك: «كثِّرْ جُندَكَ وٱخرُجْ». وسَمِعَ زَبول، والي المَدينة، بِكَلامِ جاعَلَ بنِ عابِد، فغَضِبَ. وأَنفَذَ رُسُلًا إِلى أَبيمَلِكَ بِطَريقِ الِٱحتِيالِ وقالَ لَه: «إِنَّ جاعَلَ ٱبنَ عابِدَ وإِخوَتَه قد أَتَوا شَكيم، وهم يُثيرونَ علَيكَ المَدينَة. فقُمْ أَنتَ والقَومُ الَّذينَ معَكَ لَيلًا وٱكمُنوا في الحُقول. وبَكِّرْ صَباحًا نَحوَ طُلوعِ الشَّمْس، وٱهجُمْ على المَدينة، فإِنَّه يَخرُجُ هو وأَصْحابُه إِلَيكَ، فٱصنَعْ بِهم ما تَستَطيعُه يَدُكَ». فقامَ أَبيمَلِكُ وجَميعُ الَّذينَ معَه لَيلًا وكَمَنوا عِندَ شَكيمَ أَربَعَ فِرَق. فخَرَجَ جاعَلُ بنُ عابِد وأَقامَ عِندَ مَدخَلِ بابِ المَدينَة، فقامَ أَبيمَلِكُ والقَومُ الَّذينَ معَه مِنَ المَكمَن. ورأى جاعَلُ القَومَ فقالَ لِزَبول: «إِنِّي أَرى شَعبًا يَنزِلُ مِن رُؤُوسِ الجِبال». فقالَ لَه زَبول: «إِنَّما تَرى ظِلَّ الجِبالِ فتَحسَبُه رِجالًا». فعادَ جاعَلُ وتَكَلَّمَ وقال: «هُوَذا شَعبٌ نازِلٌ مِن عِندِ سَنامِ الأَرْض، وفِرقَةٌ واحِدَةٌ آتِيَةٌ مِن طَريقِ بِلُّوطَةِ المُنَجِّمين». فقالَ لَه زَبول: «أَينَ الآنَ فَمُكَ الَّذي كُنتَ تَقولُ به: مَن هو أَبيمَلِكُ حتَّى نَخدُمَه؟ أَلَيسَ هٰذا هو الشَّعبُ الَّذي ازدَرَيتَه، فٱخرُجِ الآنَ إِلَيه وقاتِلْه». فخَرَجَ جاعَلُ أَمامَ أَعْيانِ شَكيم وحارَبَ أَبيمَلِك. فطارَدَه أَبيمَلِكُ فهَرَبَ جاعَلُ مِن وَجهِه. وسَقَطَ جَرْحى كَثيرونَ حتَّى مَدخَلِ الباب. وأَقامَ أَبيمَلِكُ في أَرومة، وطَرَدَ زَبولُ جاعَلَ وإِخوَتَه ومَنَعَهم مِنَ الإِقامَةِ في شَكيم. وكانَ في الغَدِ أَنَّ الشَّعبَ خَرَجَ إِلى الحُقول، فأُخبِرَ أَبيمَلِكُ بِذٰلك. فأَخَذَ قَومَه وقَسَّمَهم إِلى ثَلاثِ فِرَق، وكَمَنَ في الحُقول. ونَظَرَ فإِذا الشَّعبُ خارِجٌ مِنَ المَدينَة، فقامَ علَيهم وضَرَبَهم. وٱندَفَعَ أَبيمَلِكُ والفِرقَةُ الَّتي معَه ووَقَفوا عِندَ مَدخَلِ بابِ المَدينة. وأَمَّا الفِرقَتانِ فهَجَمَتا على كُلِّ الَّذينَ في الحُقولِ وضَرَبَتاهم. وحارَبَ أَبيمَلِكُ المَدينَةَ ذٰلك اليَومَ كُلَّه، وٱستَولى على المَدينَةِ وقَتَلَ الشَّعبَ الَّذي فيها، ودَمَّرَ المَدينةَ وزَرَعَها مِلْحًا. فسَمِعَ جَميعُ أَعْيانِ مِجْدالَ شكيم، فذَهَبوا إِلى سِرْدابِ بَيتَ إِيلِ بَريت. وأُخبِرَ أَبيمَلِكُ أَنَّ أَعْيانَ مِجْدالَ شَكيمَ قدِ ٱجتَمَعوا. فصَعِدَ أَبيمَلِكُ إِلى جَبَلِ صَلْمون، هو وجَميعُ القَومِ الَّذينَ معَه، وأَخَذَ أَبيمَلِكُ فَأسًا بِيَدِه وقَطَعَ غُصْنًا مِنَ الشَّجَرِ وحَمَلَه على عاتِقِه وقالَ لِلقَومِ الَّذينَ معَه: «ما رَأَيتُموني أَفعَلُ فٱفعَلوه أَنتُم سَريعًا». فقَطَعَ جَميعُ القَومِ الَّذينَ معَه كُلُّ واحِدٍ غُصْنًا، وتَبِعوا أَبيمَلِكَ ووضَعوها على السِّرْداب، وأَحرَقوا علَيهمِ السِّرْدابَ بِالنَّار. فماتَ أَيضًا جَميعُ أَهلِ مِجْدالَ شَكيم، نَحوُ أَلفِ نَسَمَةٍ مِن رَجُلٍ وٱمرَأَة. ثُمَّ زَحَفَ أَبيمَلِكُ على تاباص، وعَسكَرَ وٱستَولى علَيها. وكانَ في وَسَطِ المَدينةِ بُرجٌ مَنيع، فهَرَبَ إِلَيه جَميعُ الرِّجالِ والنِّساءِ وجَميعُ أَعْيانِ المَدينة، وأَغلَقوا وَراءَهم وصَعِدوا إِلى سَطحِ البُرْج. فوَصَلَ أَبيمَلِكُ إِلى البُرْجِ فهاجَمَه، وتَقَدَّمَ إِلى بابِ البُرْجِ لِيُحرِقَه بِالنَّار. فأَلقَتِ ٱمرَأَةٌ رَحى طاحونٍ على رَأسِ أَبيمَلِك، فحَطَّمَت جُمجُمَتَه. فدَعا لِساعَتِه بِالفَتى حامِلِ سِلاحِه وقالَ لَه: «إِستَلَّ سَيفَكَ وٱقتُلْني، لِئَلاَّ يُقالَ عنِّي: إِنَّ ٱمرَأَةً قَتَلَته». فطَعَنَه الفَتى فمات. فلَمَّا رَأَى رِجالُ إِسْرائيلَ أَنَّ أَبيمَلِكَ قد مات، اِنصَرَفَ كُلُّ واحِدٍ إِلى بَيتِه. ورَدَّ اللهُ على أَبيمَلِكَ الشَّرَّ الَّذي صَنَعَه بِأَبيه مِن قَتْلِ إِخوَتِه السَّبْعين. وكُلُّ شَرِّ أَهلِ شَكيمَ رَدَّه اللهُ على رُؤُوسِهم، وأَتَت علَيهم لَعنَةُ يوتامَ بنِ يَرُبَّعْل. وقامَ بَعدَ أَبيمَلِكَ لِخَلاصِ إِسْرائيلَ تولَعُ ٱبنُ فوأَةُ بنِ دودو، رَجُلٌ مِن يَسَّاكَر، وكانَ مُقيمًا بِشاميرَ في جَبَلِ أَفْرائيم. فتَوَلَّى قَضاءَ إِسْرائيلَ ثَلاثًا وعِشْرينَ سَنَة، وماتَ ودُفِنَ في شَامير. وقامَ بَعدَه يائيرُ الجِلْعادِيّ، فتَوَلَّى القَضاءَ في إِسْرائيلَ ٱثنَتَينِ وعِشْرينَ سَنَة. وكانَ لَه ثَلاثونَ ٱبنًا يَركَبونَ ثَلاثينَ جَحشًا، وكانَ لَهم ثَلاثونَ مَدينَةً تُسَمَّى مَزارِعَ يائيرَ إِلى هٰذا اليَوم، وهي في أَرضِ جِلْعاد. وماتَ يائيرُ ودُفِنَ في قامون. وعادَ بَنو إِسْرائيلَ فصَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، وعَبَدوا البَعْلَ والعَشْتاروتَ وآلِهَةَ أَرام وآلِهَةَ صَيدون وآلِهَةَ موآب وآلِهَةَ بَني عَمُّون وآلِهَةَ الفَلِسطينيِّين، وتَرَكوا الرَّبَّ ولَم يَعبُدوه. فغَضِبَ الرَّبُّ على إِسْرائيلَ فباعَهم إِلى أَيدي الفَلِسطينِيِّينَ وإِلى أَيدي بَني عَمُّون. فحَطَّموا بَني إِسْرائيلَ وعامَلوهم بِقَسوَةٍ مُنذُ تِلكَ السَّنةِ إِلى ثَمانِيَ عَشرَةَ سَنَة، جَميعَ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ كانوا في عِبرِ الأُردُنّ، في أَرضِ الأَمورِيِّينَ الَّذينَ في جِلْعاد. وعَبَرَ بَنو عَمُّونَ الأُردُنَّ لِيُحارِبوا أَيضًا يَهوذا وبَنْيامينَ وبَيتَ أَفْرائيم، وكانَ ضيقٌ عَظيمٌ على إِسْرائيل. فصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبِّ وقالوا: «قد خَطِئْنا إِلَيكَ وتَرَكْنا إِلٰهَنا وعَبَدْنا البَعْل». فقالَ الرَّبُّ لِبَني إِسْرائيل: «أَلَم يَكُنْ أَنِّي خَلَّصتُكم مِنَ المِصرِيِّينَ والأَمورِيِّينَ وبَني عَمُّونَ والفَلِسطينِيِّين، وقد ضايَقَكمُ الصِّيدونِيُّونَ والعَمالِقَةُ والمَعوزِيُّون، فصَرَختُم إِلَيَّ فخلَّصتُكم مِن يَدِهم. فتَرَكتُموني أَنتُم وعَبدَتُم آلِهَةً أُخْرى؟ فلِذٰلك لا أَعودُ أُخَلِّصُكم. إِذهَبوا فٱستَغيثوا بِالآلِهَةِ الَّتي ٱختَرتُموها، فلْتُخَلِّصْكم في أَوانِ شِدَّتِكم». فقالَ بَنو إِسْرائيلَ لِلرَّبّ: «قد خَطِئْنا، فٱصنَعْ بِنا كُلَّ ما يَحسُنُ في عَينَيكَ، ولٰكِن أَنقِذْنا في هٰذا اليَوم». وأَزالوا الآلِهَةَ الغَريبَةَ مِن وَسْطِهم وعَبَدوا الرَّبّ، فضاقَت نَفْسُه أَمامَ عَناءِ إِسْرائيل. وٱجتَمَعَ بَنو عَمُّونَ وعَسكَروا في جِلْعاد، وٱجتَمَعَ بَنو إِسْرائيلَ وعَسكَروا في المِصْفاة. فقالَ الشَّعبُ ورُؤَساءُ جِلْعادَ بَعضُهم لِبَعْض: «أَيُّ رَجُلٍ ٱبتَدَأَ الحَربَ على بَني عَمُّون؟ فهو يَكونُ رَئيسًا على سُكَّانِ جِلْعادَ كُلِّهم». وكانَ يَفْتاحُ الجِلْعادِيُّ مُحارِبًا باسِلًا، وهو ٱبنُ ٱمرَأَةٍ زانِيَةٍ ولَدَتَه لِجِلْعاد. ثُمَّ وَلَدَت لِجِلْعادَ زَوجَتُه بَنين. فلَمَّا كَبِرَ بَنو هٰذه المَرأَة، طَرَدوا يَفْتاحَ وقالوا لَه: «لَيسَ لَكَ ميراثٌ في بَيتِ أَبينا، لأَنَّكَ ٱبنُ ٱمرَأَةٍ أُخْرى». فهَرَبَ يَفْتاحُ مِن وَجهِ إِخوَتِه وأَقامَ بِأَرضِ طوب. فٱجتَمَعَ إِلَيه قومٌ لا خَيرَ فيهم، وكانوا يَقومونَ بِحَمَلاتٍ معَه. وكانَ بَعدَ أَيَّامٍ أَنَّ بَني عَمُّونَ حارَبوا إِسْرائيل. فلَمَّا حارَبَ بَنو عَمُّونَ إِسْرائيل، اِنطَلَقَ شُيوخُ جِلْعادَ لِيَأتوا بِيَفْتاحَ مِن أَرضِ طوب. وقالوا لِيَفْتاح: «تَعالَ وكُنْ لَنا قائِدًا، فنُحارِبَ بَني عَمُّون». فقالَ يَفْتاحُ لِشُيوخِ جِلْعاد: «أَلَم تُبغِضوني أَنتُم وطَرَدتُموني مِن بَيتِ أَبي؟ فلِماذا أَتَيتُموني الآن في شِدَّتِكم؟» فقالَ شُيوخُ جِلْعادَ لِيَفْتاح: «لِهٰذا عُدْنا إِلَيكَ الآن، فسِرْ مَعنا وحارِبْ بَني عَمُّونَ وكُنْ رَئيسًا علَينا وعلى جَميعِ سُكَّانِ جِلْعاد». فقالَ يَفْتاحُ لِشُيوخِ جِلْعاد: «إِذا أَرجَعتُموني لِمُحارَبَةِ بَني عَمُّون، فأَسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلَيَّ، أَكونُ رَئيسًا علَيكم». فقالَ شُيوخُ جِلْعادَ لِيَفْتاح: «لِيَكُنِ الرَّبُّ شاهِدًا بَينَنا، إِن كُنَّا لا نَفعَلُ كما تَقول». فمَضى يَفْتاحُ مع شُيوخِ جِلْعاد، فأَقامَه الشَّعبُ علَيهم رَئيسًا وقائِدًا. فكَرَّرَ يَفْتاحُ جَميعَ أَقوالِه أَمامَ الرَّبِّ في المِصْفاة. وأَنفَذَ يَفْتاحُ رُسُلًا إِلى مَلِكِ بَني عَمُّونَ قائِلًا: «ماذا بَيني وبَينَكَ حتَّى أَتَيتَني لِلحَربِ في أَرْضي؟» فقالَ مَلِكُ بَني عَمُّونَ لِرُسُلِ يَفْتاح: «لأَنَّ إِسْرائيلَ، حينَ صَعِدَ مِن مِصرَ، أَخَذَ أَرْضي مِن أَرْنونَ إِلى اليَبُّوقِ والأُردُنّ، فرُدَّها الآنَ بِسَلام». فعادَ يَفْتاحُ أَيضًا وأَنفَذَ رُسُلًا إِلى مَلِكِ بَني عَمَّونَ وقالَ لَه: «هٰكذا يَقولُ يَفْتاح: إِنَّ إِسْرائيلَ لم يأخُذْ أَرضَ موآبَ ولا أَرضَ بَني عَمُّون، لأَنَّه، حينَ صَعِدَ مِن مِصرَ، سارَ في البَرِّيَّةِ إِلى بَحرِ القَصَب، ووَصَلَ إِلى قادِش. فأَنفَذَ إِسْرائيلُ رُسُلًا إِلى مَلِكِ أَدومَ يَقولون: دَعْني أَمُرُّ بِأَرضِكَ. فلَم يَسمَعْ مَلِكُ أَدوم. فأَرسَلَ إِلى مَلِكِ موآبَ أَيضًا، فأَبى. فأقامَ إِسْرائيلُ في قادِش. ثُمَّ سارَ في البَرِّيَّة، وطافَ حَولَ أَرضِ أَدومَ وأَرضِ موآب، وأَتى أَرضَ موآبَ مِن جِهَةِ الشَّرْق، وخَيَّمَ عِبرَ أَرْنون، ولم يَدخُلْ أَرضَ موآب، فإِنَّ أَرنونَ هي حُدودُ موآب. ثُمَّ أَرسَلَ إِسْرائيلُ رُسُلًا إِلى سيحون، مَلِكِ الأَمورِيِّين، مَلِكِ حَشْبون، وقالَ لَه: دَعْنا نَمُرُّ بِأَرضِكَ إِلى مَكانِنا. فلم يَثِقْ سيحونُ بِإِسْرائيل ولم يَدَعْه يَمُرُّ بِأَرضِه. وجَمَعَ سيحونُ كُلَّ شَعبه وعَسكَروا في ياهَص، وحارَبوا إِسْرائيل. فأَسلَمَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، سيحونَ وكُلَّ شَعبِه إِلى يَدِ إِسْرائيل، فضَرَبَهم ووَرِثَ إِسْرائيلُ كُلَّ أَرضِ الأَمورِيِّين، سُكَّانِ تِلكَ الأَرْض. ووَرِثوا جَميعَ أَراضي الأَمورِيِّين، مِن أَرْنونَ إِلى اليَبُّوق، ومِنَ البَرِّيَّةِ إِلى الأُردُنّ. والآنَ فإِنَّ الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، قد طَرَدَ الأَمورِيِّينَ مِن أَمامِ شَعبِه إِسْرائيل، أَفأَنتَ تَطرُدُهم؟ أَلَيسَ أَنَّ ما يورِثُكَ إِيَّاه كَموشُ إِلٰهُكَ، إِيَّاه تَرِث، وكُلَّ ما أَورَثَنا الرَّبُّ إِلٰهُنا، إِيَّاه نَرِث؟ أَلَعَلَّكَ حَقًّا خَيرٌ مِن بالاقَ بنِ صِفُّور، مَلِكِ موآب؟ فهَل خاصَمَ بَني إِسْرائيل أو أَثارَ علَيهم حَربًا؟ وعِندَما أَقامَ إِسْرائيلُ بِحَشبونَ وتَوابِعِها وعَروعيرَ وتَوابِعِها وجَميعِ المُدُنِ الَّتي عِندَ أَرْنونَ مُدَّةَ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَة، لِماذا لم تَستَرجِعوها في تِلكَ المُدَّة؟ إِنِّي لم أَخطَأْ إِلَيكَ، وإِنَّما أَنتَ تَسيءُ إِلَيَّ بِمُحارَبَتِكَ لي. فَلْيَقْضِ اليَومَ الرَّبُّ الدَّيَّانُ بَينَ بَني إِسْرائيلَ وبَني عَمُّون». فلم يَسمَعْ مَلِكُ بَني عَمُّونَ لِكَلامِ يَفْتاحَ الَّذي أَرسَلَ بِه إِلَيه. وكانَ روحُ الرَّبِّ على يَفْتاح، فعَبَرَ جِلْعادَ ومَنَسَّى ومَرَّ بِمِصفاةِ جِلْعاد، ومِن مِصفاةِ جِلْعادَ عَبَرَ إِلى بَني عَمُّون. ونَذَرَ يَفْتاحُ نَذرًا لِلرَّبِّ وقال: «إِن أَسلَمتَ بَني عَمُّونَ إِلى يَدي، فكُلُّ خارِجٍ يَخرُجُ مِن بابِ بَيتي إِلى لِقائي، حينَ عَودَتي بِسَلامٍ مِن عِندِ بَني عَمُّون، يَكونُ لِلرَّبِّ فأُصعِدُه مُحرَقَةً». وعَبَرَ يَفْتاحُ إِلى بَني عَمُّونَ لِيُحارِبَهم، فأَسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلى يَدِه. فضَرَبَهم مِن عَروعيرَ إِلى مَدخَلِ مِنِّيت (عِشْرينَ مَدينة) وإِلى آبَلَ كَراميم، ضَربَةً عَظيمةً جِدًّا، فذَلَّ بَنو عَمُّونَ أَمامَ بَني إِسْرائيل. وعادَ يَفْتاحُ إِلى المِصْفاةِ إِلى بَيتِه، فإِذا ٱبنَتُه خارِجَةٌ لِلِقائِه بِالدُّفوفِ والرَّقْصِ، وهي وَحيدةٌ لَه، ولم يَكُنْ لَه ٱبنٌ أَوِ ٱبنَةٌ سِواها. فلَمَّا رَآها، مَزَّقَ ثِيابَه وقال: «آه، يا ٱبنَتي، قد صَرَعتِني صَرعًا وصِرتِ مِن جُملَةِ مَن أَشْقاني، لأَنِّي فَتَحتُ فَمي أَمامَ الرَّبّ، ولا أَستَطيعُ أَن أَتَراجَع». فقالَت لَه: «يا أَبَتِ، قد فَتَحتَ فَمَكَ أَمامَ الرَّبّ، فٱصنَعْ بي بِحَسَبِ ما خَرَجَ مِن فَمِكَ، بَعدَما ٱنتَقَمَ لَكَ الرَّبُّ مِن أَعْدائِكَ بَني عَمُّون». ثُمَّ قالَت لأَبيها: «لِيُصنَعْ لي هٰذا الطَّلَب: أَمهِلْني شَهرَينِ فأَنطَلِقَ وأَتيهَ في الجِبالِ وأَبْكي بَتولِيَّتي، أَنا وصَديقاتي». فقالَ: «إِذهَبي»، وصَرَفَها شَهرَين. فٱنطَلَقَت هي وصَديقاتُها وبَكَت بَتولِيَّتَها على الجِبال. وكانَ، عِندَ نِهايَةِ الشَّهرَين، أَنَّها رَجَعَت إِلى أَبيها، فأَتَمَّ بِها النَّذرَ الَّذي نَذَره، وهي لم تَعرفْ رَجُلًا. فجَرَتِ العادَةُ بَينَ بَني إِسْرائيلَ أَنَّ بَناتِ إِسْرائيلَ يَمْضينَ مِن سَنَةٍ إِلى سَنَة ويَنُحنَ على ٱبنَةِ يَفْتاحَ الجِلْعادِيِّ أَربَعَةَ أَيَّامٍ في السَّنَة. وٱجتَمَعَ رِجالُ أَفرائيم وعَبَروا الأُردُنّ إِلى جِهَةِ صافون، وقالوا لِيَفْتاح: لِماذا عَبَرتَ لِمُحارَبَةِ بَني عَمُّون، ولم تَدعُنا لِنَنطَلِقَ معَكَ؟ لَنُحرِقَنَّ علَيكَ بَيتَكَ بِالنَّار». فقالَ لَهم يَفْتاح: «كانَت لي ولِشَعْبي مُخاصَمَةٌ شَديدةٌ مع بَني عَمُّون، ودَعَوتُكم فلَم تُخَلِّصوني مِن يَدِهم. ورَأَيتُ أَنَّكَ لم تُخَلِّصْني، فخاطَرتُ بِنَفْسي وعَبَرتُ إِلى بَني عَمُّون، فأَسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلى يدي. فلِماذا صَعِدتُم إِلَيَّ لِتُحاربوني اليَوم؟». وجَمَعَ يَفْتاحُ جَميعَ رِجالِ جِلْعاد، فحارَبَ أَفْرائيمَ وضَرَبَ رِجالُ جِلْعادَ أَفرائيم، لأَنَّ بَني أَفْرائيمَ قالوا: «إِنَّما بِفَضلِ أَفْرائيمَ نَجَوتُم، يا رِجالَ جِلْعادَ الَّذينَ لَجَأُوا بَينَ أَفْرائيمَ ومَنَسَّى». وٱستَولى الجِلعادِيُّونَ على مَعابِرِ الأُردُنِّ في ٱتِّجاهِ أَفْرائيم، فكانَ إِذا أَحَدُ النَّاجينَ مِن أَفْرائيمَ قال: «دَعوني أَعبُر»، يَقولُ لَه الجِلْعادِيُّون: «أَأَفرائيمِيٌّ أَنت»؟ فيقول: «لا». فيَقولونَ لَه: «إِذَن قُلْ: «شِبُّولَت»، فيَقول: «سِبُّولَت» غَيرَ قادِرٍ على لَفظِها لَفظًا صَحيحًا، فيَقبِضونَ علَيه ويَذبَحونَه عِندَ مَعابِرِ الأُردُنّ. فقُتِلَ في ذٰلك الوَقتِ مِن أَفْرائيمَ ٱثْنانِ وأَربَعونَ أَلفًا. وتَوَلَّى يَفْتاحُ القَضاءَ على إِسْرائيلَ سِتَّ سِنين. وماتَ يَفْتاحُ الجِلْعادِيّ، ودُفِنَ في مَدينَتِه في جِلْعاد. وتَوَلَّى القَضاءَ بَعدَه على إِسْرائيلَ إِبْصانُ مِن بَيتَ لَحْم. وكانَ لَه ثَلاثونَ ٱبنًا وثَلاثونَ ٱبنَةً، فزَوَّجَ بَناتِه الثَّلاثينَ إِلى غُرَباء، وأَدخَلَ ثَلاثينَ كَنَّةً زوجاتٍ لِبَنيه. وكانَت مُدَّةُ قَضائِه في إِسْرائيل سَبعَ سَنَوات. وماتَ إِبْصانُ ودُفِنَ في بَيتَ لَحْم. فتَوَلَّى قَضاءَ إِسْرائيلَ بَعدَه أَيلونُ الزَّبولونِيّ. وكانَت مُدَّةُ قَضائِه في إِسْرائيلَ عَشرَ سِنين. وماتَ أَيلونُ الزَّبولونِيُّ ودُفِنَ في أَيَّالون، في أَرضِ زَبولون. فتَوَلَّى القَضاءَ في إِسْرائيلَ بَعدَه عَبْدونُ بنُ هِلِّيلَ الفِرعَتونِيّ. وكانَ لَه أَربَعونَ ٱبنًا وثَلاثونَ حَفيدًا، وكانوا يَركَبونَ سَبْعينَ جَحْشًا. كانَت مُدَّةُ قَضائِه في إِسْرائيلَ ثَمانِيَ سِنين. وماتَ عَبْدونُ بنُ هِلِّيلَ الفِرعَتونِيّ، ودُفِنَ في فِرعَتون، في أَرضِ أَفْرائيم، في جَبَلِ العَمالِقَة. وعادَ بَنو إِسْرائيلَ فصَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ. فأَسلَمهمُ الرَّبُّ إِلى يَدِ الفَلِسطينِيِّينَ أَربَعينَ سَنَة. وكانَ رَجُلٌ مِن صُرْعَة، مِن عَشيرةِ دانٍ ٱسمُه مَنوح، وكانَتِ ٱمرَأَتُه عاقِرًا لا تَلِد. فتَراءَى مَلاكُ الرَّبِّ لِلمَرأَةِ وقالَ لَها: «إِنَّكِ عاقِرٌ لم تَلِدي، ولٰكِنَّكِ ستَحمِلينَ وتَلِدينَ ٱبنًا. فٱنتَبِهي الآنَ ولا تَشرَبي خَمرًا ولا مُسكِرًا، ولا تأكُلي شَيئًا نَجِسًا، لأَنَّكِ ستَحمِلينَ وتَلِدينَ ٱبنًا لا يَعْلو رأسَه موسًى، لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكونُ نَذيرًا للهِ مِنَ البَطْن، وهو يَبدأُ بِخَلاصِ إِسْرائيلَ مِن يَدِ الفَلِسطينِيِّين». فجاءَتِ المَرأَةُ وكَلَّمَت زَوجَها وقالَت لَه: «جاءَني رَجُلُ الله، ومَنظَرُه كمَظَرِ مَلاكِ الله، لَه هَيبَةٌ عَظيمة، وأَنا لم أَسأَلْه مِن أَينَ هو، وهو لم يُخْبِرني بِٱسمِه. وقالَ لي: إِنَّكِ ستَحمِلينَ وتَلِدينَ ٱبنًا. فلا تَشرَبي الآنَ خَمرًا ولا مُسكِرًا ولا تأكُلي شَيئًا نَجِسًا، لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكونُ نَذيرًا للهِ مِن البَطنِ إِلى يَومِ وَفاتِه». فٱبتَهَلَ مَنوحُ إِلى الرَّبِّ وقال: «أَسأَلُكَ يا رَبُّ أَن يَعودَ إِلَينا رَجُلُ اللهِ الَّذي أَرسَلتَه ويُعَلِّمَنا ما نَصنَعُ بِالصَّبِيِّ المَولود». فسَمِعَ اللهُ صَوتَ مَنوح، فأَتى مَلاكُ اللهِ ثانِيَةً إِلى المَرأَةِ وهي في الحَقْلِ، ولم يَكُنْ مَنوحُ زوجُها معَها. فأسرَعَتِ المَرأَةُ راكِضَةً وأَخبَرَت زَوجَها وقالَت لَه: «لقَد تَراءَى لِيَ الرَّجُلُ الَّذي أَتاني في ذٰلك اليَوم». فقامَ مَنوحُ وٱنطَلَقَ وَراءَ زَوجَتِه وأَقبَلَ على الرَّجُلِ وقالَ لَه: «أَأَنتَ الرَّجُلُ الَّذي تَكَلَّمَ معَ المَرأة؟» قال: «أَنا هو». فقالَ مَنوح: «والآنَ، إِذا تَمَّ قَولُك، فكَيفَ يَكونُ التَّصَرُّفُ في أَمرِ الصَّبِيِّ وماذا يُعمَلُ بِه؟» فقالَ مَلاكُ الرَّبِّ لِمَنوح: «لِتَحتَرِزِ المَرأَةُ من كُلِّ ما قُلتُ لَها: مِن كُلِّ ما يَخرُجُ مِن كَرمَةِ الخَمرِ لا تَأكُل، وخَمرًا ومُسكِرًا لا تَشْرَبْ، ولا تَأكُلْ شَيئًا نَجِسًا، بل تَحفَظْ كُلَّ ما أَمرتُها بِه» فقالَ مَنوحُ لِمَلاكِ الرَّبّ: «دَعْنا نَستَبقيكَ ونُعِدُّ لَكَ جَديًا مِنَ المَعِز». فقالَ مَلاكُ الرَّبِّ لِمَنوح: «إِن أَنتَ ٱستَبقَيتَني، لم آكُلْ مِن خُبزِكَ، أَمَّا إِن صَنَعتَ مُحرقَةً فلِلرَّبِّ أَصعِدْها». (لأَنَّ مَنوحَ لم يَكُنْ يَعلَمُ أَنَّه مَلاكُ الرَّبّ). فقالَ مَنوحُ لِمَلاكِ الرَّبّ: «ما ٱسمُكَ، حتَّى إِذا تَمَّ قَولُكَ نُكرِمَك؟» فقالَ لَه مَلاكُ الرَّبّ: لِمَ سُؤالُكَ عنِ ٱسْمي، وٱسْمي عَجيب؟». فأَخَذَ مَنوحُ جَديَ المَعِزِ والتَّقدِمة، وأَصعَدَهما على الصَّخرةِ لِلرَّبّ، لَلَّذي يَعمَلُ عَمَلًا عَجيبًا، ومَنوحُ وزَوجَتُه يَنظُران. فكانَ، عِندَ ٱرتِفاعِ اللَّهيبِ عن المَذبَحِ نَحوَ السَّماء، أَنَّ مَلاكَ الرَّبِّ صَعِدَ في لَهيبِ المَذبَح، ومَنوحُ وزَوجَتُه يَنظُران، فسَقَطا على وَجهَيهما إِلى الأَرْض. ولَم يَعُدْ مَلاكُ الرَّبِّ يَتَراءَى لِمَنوحَ وزَوجَتِه. فَعلِمَ مَنوحُ حينَئِذٍ أَنَّه مَلاكُ الرَّبّ. فقالَ مَنوحُ لِٱمرَأَتِه: «إِنَّنا مَوتًا سَنَموت، لأَنَّنا عايَنَّا الله». فقالَت لَه ٱمرَأَتُه: «لو أَنَّ الرَّبَّ أَرادَ أَن يُميتَنا، لَما قَبِلَ مِن أَيدينا مُحرَقَةً وتَقدِمةً، ولا كانَ أَرانا ذٰلك كُلَّه، ولَما أَسمَعَنا مِثلَ ذٰلك في هٰذا الوَقْت». ووَلَدَتِ المَرأَةُ ٱبنًا وسَمَّته شِمْشون. وكَبِرَ الصَّبِيُّ وبارَكَه الرَّبّ. وبَدَأَ رُوحُ الرَّبِّ يُحَرِّكُه في مُعَسكَرِ دان، بَينَ صُرعَةَ وأَشْتاؤُول. ونَزَلَ شِمْشونُ إِلى تِمنَة، فرَأَى في تِمنَةَ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ فَلِسْطين. فصَعِدَ وأَخبَرَ أَباه وأُمَّه وقال: «رَأَيتُ في تِمنَةَ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ الفَلِسطينِيِّين، فٱتَّخِذاها الآنَ لي زَوجَةً». فقالَ لَه أَبوه وأُمُّه: «أَلَيسَ في بَناتِ إِخوَتِكَ وفي شَعْبي كُلِّه ٱمرَأَةٌ، حتَّى تَذهَبَ وتَأخُذَ ٱمرَأَةً مِنَ الفَلِسطينِيِّينَ القُلْف؟» فقالَ شِمْشونُ لأَبيه: «بل إِيَّاها تَأخُذُ لي، لأَنَّها حَسُنَت في عَينَيَّ». ولَم يَعلَمْ أَبوه وأُمُّه أَنَّ هٰذا كانَ مِن قِبَلِ الرَّبّ وأَنَّه كانَ يَطلُبُ عِلَّةً على الفَلِسطينِيِّين، وكانَ الفَلِسطينِيُّونَ في ذٰلك الزَّمانِ مُتَسَلِّطينَ على إِسْرائيل. فنَزَلَ شِمْشونُ وأَبوه وأُمُّه إِلى تِمنَة. ولَمَّا بَلَغوا إِلى كُرومِ تِمنَة، إِذا شِبلُ لَبُؤَةٍ يَزأَرُ في وَجهِه. فانقَضَّ على شِمْشونَ روحُ الرَّبّ، فشَقَّ الشِّبلَ كما يُشَقُّ الجَدْيُ ولَم يَكُنْ في يَدِه شَيء. ولَم يُخبِرْ أَباه وأُمَّه بما فَعَل. ثُمَّ نَزَلَ وخاطَبَ المَرأَة، فحَسُنَت في عَينَي شِمْشون. ورَجَعَ بَعدَ أَيَّامٍ لِيَأخُذَها، فمالَ لِيَرى جُثَّةَ الأَسَد، فإِذا في جَوفِ الأَسَدِ فِرْقٌ مِنَ النَّحلِ وعَسَل. فأَخَذَ مِنه على كَفَّيه ومَضى وهو يأكُل. وجاءَ إِلى أَبيه وأُمِّه وأَعْطاهما فأَكَلا، ولَم يُخبِرْهما أَنَّه مِن جَوفِ الأَسَدِ أَخَذَ العَسَل. ونَزَلَ أَبوه إِلى المَرأَة، وصَنَعَ هُناكَ شِمْشونُ وَليمَةً، لأَنَّه هٰكذا كانَ يَصنَعُ الفِتْيان. فلَمَّا رَأَوا شِمْشون، أَخَذوا لَه ثَلاثينَ وصيفًا، فكانوا معَه. فقالَ لَهم شِمْشون: «إِنِّي عارِضٌ علَيكم لُغزًا. فإِن حَلَلتُموه لي في سَبعَةِ أَيَّامِ الوَليمةِ وأَصَبتُم، أَعطَيتُكم ثَلاثينَ قَميصًا وثَلاثينَ حُلَّةً مِنَ الثِّياب. وإِن لم تَقدِروا أَن تَحُلُّوه لي، أَعطَيتَموني ثَلاثينَ قَميصًا وثَلاثينَ حُلَّةً مِن الثِّياب». فقالوا لَه: «إِعرِضْ لُغزَكَ لِنَسمَعَه». فقالَ لَهم: «خَرَجَ مِنَ الآكِلِ أَكْلٌ ومِنَ القَوِيِّ حَلاوة». فلَم يَستَطيعوا في ثَلاثةِ أَيَّامٍ أَن يَحُلُّوا اللُّغْز. فلَمَّا كانَ اليَومُ السَّابِع، قالوا لِٱمرَأَةِ شِمْشون: «أَغْري زَوجَكِ حتَّى يَحُلَّ لَنا اللُّغْز، وإِلاَّ نُحرِقُكِ مع بَيتِ أَبيكِ بِالنَّار. أَلِتَسلُبونا دَعَوتُمونا؟» فَبَكَتِ ٱمرَأَةُ شِمْشونَ لَدَيه وقالَت: «إِنَّما أَنتَ تُبغِضُني ولا تُحِبُّني. قد عَرَضتَ على بَني شَعْبي لُغزًا ولم تُطلِعْني علَيه». فقالَ لَها: «إِنِّي لم أُطلِعْ علَيه أَبي وأُمِّي، أَفإِيَّاكِ أُطلِعُ علَيه؟» فبَكَت لَدَيه سَبعَةَ أَيَّامِ الوَليمة. فلَمَّا كانَ اليَومُ السَّابِع، أَطلَعَها علَيه، لأَنَّها كانَت قد ضايَقَته. فأَطلَعَت بَني شَعبِها على اللُّغْز. ففي اليَومِ السَّابِع، قَبلَ غُروبِ الشَّمْس، قالَ رِجالُ المَدينة: «أَيُّ شَيءٍ أَحْلى مِنَ العَسَل، وأَيُّ شَيءٍ أَقْوى مِنَ الأَسَد؟» فقالَ لَهم: «لَولا أَنَّكم حَرَثتُم مع عِجلَتي، لم تَجدوا لُغْزي». وٱنقَضَّ على شِمْشونَ روحُ الرَّبّ، فنَزَلَ إِلى أَشقَلون، وقَتَلَ مِنهم ثَلاثينَ رَجُلًا، وأَخَذَ أَسْلابَهم وأَعْطى الحُلَلَ لِكاشِفي اللُّغْز. وغَضِبَ وصَعِدَ إِلى بَيتِ أَبيه. وصارَتِ ٱمرَأَةُ شِمْشونَ لِوَصيفِه الَّذي كانَ يُرافِقُه. وكانَ بَعدَ أَيَّامٍ، في أَوانِ حِصادِ الحِنطَة، أَنَّ شِمْشونَ زارَ ٱمرَأَتَه وحَمَلَ إِلَيها جَدْيًا مِنَ المَعِزِ وقال: «أَدخُلُ على ٱمرَأَتي في حُجرَتِها». ولٰكِنَّ أَباها لم يَدَعْه يَدخُل. وقالَ أَبوها: «قُلتُ في نَفْسي: إِنَّكَ أَبغَضتَها، فزَوَّجتُها مِن وَصيفِكَ. ولٰكِن أَلَيسَت أُختُها الصُّغْرى أَحسَنَ مِنها؟ فلْتَكُنْ لَكَ بَدَلًا لَها». فقالَ لَهم شِمْشون: «أَنا بَريءٌ الآنَ مِنَ الفَلِسطينِيِّينَ إِذا أَنزَلتُ بِهم شَرًّا». وٱنطَلَقَ شِمْشونُ وقَبَضَ على ثَلاثِ مِئَةِ ثَعلَب، وأَخَذَ مَشاعِل، فجَعَلَ الثَّعالِبُ ذَنَبًا إِلى ذَنَب، وجَعَلَ بَينَ كُلِّ ذَنَبَينِ مِشعَلًا. وأَوقَدَ المَشاعِلَ وأَرسَلَها في زَرْعِ الفَلِسطينِيِّين، وأَحرَقَ الحُزَمَ والزَّرْعَ، حتَّى الكُرومَ والزَّيتون. فقالَ أَهْلُ فَلِسْطين: «مَن صَنَعَ هٰذا؟» فقيل: «شِمْشون، صِهرُ التِّمِنّي، لأَنَّ أَباها أَخَذَ زَوجَته وأَعْطاها لِوَصيفِه». فصَعِدَ أَهلُ فَلِسْطينَ وأَحرَقوا المَرأَةَ وأَباها بِالنَّار. فقالَ لَهم شِمْشون: «بما أَنَّكم فَعَلتُم هٰذا، فإِنِّي أَنتَقِمُ مِنكم، ثُمَّ أَكُفُّ عنكم». وضَرَبَهم فسَحَقَهم سَحقًا عَظيمًا، ثُمَّ نَزَلَ وأَقامَ بِكَهْفِ صَخرَةِ عَيطَم. فصَعِدَ الفَلِسطينِيُّونَ وعَسكروا في يَهوذا وٱنتَشَروا في لَحْي. فقالَ لَهم رِجالُ يَهوذا: «لِماذا صَعِدتُم علَينا؟» فقالوا: «صَعِدْنا لِنوثِقَ شِمْشونَ ونَصنَعَ بِه كما صَنَعَ بِنا». فنَزَلَ ثَلاثَةُ آلافِ رَجُلٍ مِن يَهوذا وأَتَوا كَهْفَ صَخرَةِ عَيطَم وقالوا لِشِمْشون: «أَما تَعلَمُ أَنَّ الفَلِسطينِيِّينَ مُتَسَلِّطونَ علَينا؟ فلِماذا فَعَلتَ بِنا ذٰلك؟» فقالَ لَهم: «كما صَنَعوا بي صَنَعتُ بِهم». فقالوا لَه: «قد نَزَلْنا لِنوثِقَكَ ونُسلِمَكَ إِلى يَدِ الفَلِسطينِيِّين». فقالَ لَهم شِمْشون: «إِحلِفوا أَنَّكم أَنتُم لا تَقتُلونَني». فقالوا لَه: «لا، بل نوثِقُكَ ونُسلِمُكَ إِلى يَدِهم، ولا نُميتُكَ نَحنُ». فأَوثَقوه بِحَبلَينِ جَديدَين، وأَصعَدوه مِن الصَّخرَة. ولَمَّا ٱنتَهى إِلى لَحْيَ، صاحَ الفَلِسْطينِيُّونَ عِندَ لِقائِه فٱنقَضَّ علَيه روحُ الرَّبّ، فإِذا الحَبْلانِ اللَّذانِ على ذِراعَيه كأَنَّما هما كَتَّانٌ أُحرِقَ بِالنَّار. فانحَلَّتِ القُيودُ عن يَدَيه. ووَجَدَ فَكَّ حِمارٍ طَريئًا، فمَدَّ يَدَه وتَناوَلَه وقَتَلَ بِه أَلفَ رَجُل. وقالَ شِمْشون: «أَوسَعتُهم ضَربًا وبِفَكِّ حِمارٍ قَتَلتُ أَلفَ رَجُل». ولَمَّا أَتَمَّ كَلامَه، رَمى بِالفَكِّ مِن يَدِه ودَعا ذٰلك المَكانَ رامةَ لَحْيَ. ثُمَّ إِنَّه عَطِشَ جِدًّا، فصَرَخَ إِلى الرَّبِّ وقال: «قد جَعَلتَ بِيَدِ عَبدِكَ هٰذا النَّصرَ العَظيم، والآنَ فإِنِّي أَهلِكُ عَطَشًا وأَقَعُ في يَدِ القُلْف». فشَقَّ اللهُ الجَوفَ الَّذي في لَحْيَ، فخَرَجَت مِنه مِياهٌ فشَرِبَ وعادَت إِلَيه روحُه وعاش. ولِذٰلك دَعا ذٰلك المَكانَ عَينَ هاقوري، وهي في لَحْيَ إِلى هٰذا اليَوم. وكانَ قاضِيًا في إِسْرائيلَ في أَيَّامِ الفَلِسطينِيِّينَ عِشْرينَ سَنَة. ثُمَّ ٱنطَلَقَ شِمْشونُ إِلى غَزَّة، فرأَى هُناكَ ٱمرَأَةً زانِيَة، فدَخَلَ علَيها. فقيلَ لأَهلِ غَزَّةَ: «إِنَّ شِمْشونَ هٰهنا». فطافوا وكَمَنوا لَه كُلَّ اللَّيلِ عِندَ بابِ المَدينَة، وصَمَتوا اللَّيلَ كُلَّه وقالوا: «عِندَ ضَوءِ الصُّبحِ نَقتُلُه». فرَقَدَ شِمْشونُ إِلى نِصفِ اللَّيل، وقامَ عِندَ نِصفِ اللَّيلِ فأَخَذَ مِصْراعَي بابِ المَدينة بدِعامَتَيه، وقَلَعَها مع المِزْلاج، وحَمَلَ كُلَّ ذٰلك على مَنكِبَيه وصَعِدَ بِه إِلى رَأسِ الجَبَلِ الَّذي قُبالَةَ حَبْرون. وكانَ بَعدَ ذٰلك أَنَّه أَحَبَّ ٱمرَأَةً في وادي سوريقَ ٱسمُها دَليلة. فصَعِدَ إِلَيها أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّينَ وقالوا لَها: «أَغْريه وٱنظُري أَينَ تَكمُنُ قُوَّتُه العَظيمة، وكَيفَ نَتَمَكَّنُ مِنه فنوثِقَه ونُسَيطِرَ علَيه، ونَحنُ نَدفَعُ إلَيكِ كُلٌّ مِنَّا أَلفًا ومِئَةً مِنَ الفِضَّة». فقالَت دَليلةُ لِشِمْشون: «أَخبِرْني أَينَ تَكمُنُ قُوَّتُكَ العَظيمة. وبماذا توثَقُ لِيُسَيطَرَ علَيكَ؟» فقالَ لَها شِمْشون: «إِذا أَوثَقوني بِسَبعَةِ حِبالٍ طَريئَةٍ لم تَجِفَّ بَعدُ، فإِنِّي أَضعُفُ وأَصيرُ كواحِدٍ مِنَ النَّاس». فجاءَها أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّينَ بِسَبعَةِ حِبالٍ طَريئَةٍ لم تَجِفَّ بَعدُ، فأَوثَقَته بِها، والكَمينُ رابِضٌ عِندَها في المُخدَع. ثُمَّ قالَت لَه: «الفَلِسطينِيُّونَ عَليكَ، يا شِمْشون». فقَطَّعَ الحِبالَ كما يُقطَعُ خَيطُ المُشاقَةِ إِذا أُحرِقَ بِالنَّار. ولم يُعلَمْ أَينَ تَكمُنُ قُوَّتُه. فقالَت لَه دَليلَة: «قد خَدَعتَني وكَذَبتَ علَيَّ، فأَخبِرْني الآنَ بِماذا توثَق». فقالَ لَها: «إن أَوثَقوني بِحِبالٍ جَديدةٍ لم تُستَعمَلْ قطّ، فإِنِّي أَضعُفُ وأَصيرُ كواحِدٍ مِنَ النَّاس». فأَخَذَت دَليلَةُ حِبالًا جَديدةً وشَدَّته بِها وقالَت لَه: «الفَلِسطينِيُّونَ علَيكَ، يا شِمْشون»، والكَمينُ رابِضٌ في المُخدَع. فقَطَّعَ الحِبالَ عن ذِراعَيه، كما يُقطَعُ الخَيط. فقالَت دَليلةُ لِشِمْشون: «إِلى الآنَ خَدَعْتَني وكَذَبتَ عَلَيَّ، فأَخبِرْني بماذا توثَق». فقالَ لَها: «إِذا ضَفَرتِ سَبعَ خُصَلِ رَأسي مع السَّدى، وغَرَستِها بِالوَتَدِ في الحائِط، فإِنِّي أَضعُفُ وأَصيرُ كواحِدٍ مِنَ النَّاس». وبَينَما هو راقِد، أَخَذَت دَليلَةُ خُصَلَ رَأْسِه السَّبعَ وضَفَرَتها مع السَّدى وغَرَسَتها بِوَتَدِ النَّولِ وقالَت: «الفَلِسطينِيُّونَ علَيكَ، يا شِمْشون». فاستَيقَظَ مِن نَومِه وقَلَعَ وَتَدَ النَّولِ والسَّدى. فقالَت لَه: «كَيفَ تَقولُ: إِنِّي أُحِبُّكِ، وقَلبُكَ لَيسَ معي، وهٰذه ثَلاثُ مَرَّاتٍ وأَنتَ تَخدَعُني ولم تُخْبِرْني أَينَ تَكمُنُ قُوَّتُكَ العَظيمة». ولَمَّا كانَت تُضايِقُه بِكَلامِها كُلَّ يَومٍ وتُزعِجُه ضاقَت نَفْسُه حتَّى المَوت. فأَطلَعَها على كُلِّ ما في قَلبِه وقالَ لَها: «لم يَعلُ رَأْسي موسًى، لأَنِّي نَذيرٌ للهِ مِن بَطنِ أُمِّي. فإِن حُلِقَ رَأْسي، فارَقَتني قُوَّتي وضَعُفتُ وصِرتُ كواحِدٍ مِنَ النَّاس». ورَأَت دَليلَةُ أَنَّه قد أَطلَعَها على كُلِّ ما في قَلبِه، فأَرسَلَت ودَعَت أَقْطابَ الفَلِسطِينِيِّينَ وقالَت: «إِصعَدوا هٰذه المَرَّة، فإِنَّه قد أَطلَعَني على كُلِّ ما في قَلبِه». فصَعِدَ إِلَيها أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّين، والفِضَّةُ بِيدهم. فنَوَّمَته على رُكبَتَيها ودَعَت رَجُلًا، فحَلَقَ سَبعَ خُصَلِ رأسِه. وأَخَذَت تُسَيطِرُ علَيه، وقد فارَقَته قُوَّتُه. وقالَت لَه: «الفَلِسطينِيُّونَ عَلَيكَ، يا شِمْشون». فٱستَيقَظَ مِن نَومِه وقالَ في نَفْسِه: «أَنْجو كما كُنتُ أَصنَعُ كُلَّ مَرَّةٍ وأَتَخَلَّص»، وهو لا يَعلَمُ أَنَّ الرَّبَّ قد فارَقَه. فقَبَضَ علَيه الفَلِسطينِيُّون وفَقَأُوا عَينَيه ونَزَلوا بِه إِلى غَزَّة، وأَوثَقوه بِسِلسِلَتَينِ مِن نُحاس. وكانَ يُديرُ الرَّحى في السِّجْن. وأَخَذَ شَعَرُ رَأسِه يَنبُتُ بَعدَ أَن حُلِق. وأَمَّا أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّين، فٱجتَمَعوا لِيَذبَحوا ذَبيحةً عَظيمةً لِداجون إِلٰهِهم فَرَحًا، وقالوا: «قد أَسلَمَ إِلٰهُنا عَدُوَّنا إِلى أَيدينا». ولَمَّا رَآه الشَّعبُ، سَبَّحوا إِلٰهَهم لأَنَّهم قالوا: «قد أَسلَمَ إِلٰهُنا إِلى أَيدينا عَدُوَّنا ومُخَرِّبَ أَرضِنا، الَّذي كَثَّرَ قَتْلانا». فلَمَّا طابَت نُفوسُهم قالوا: «هَلُمَّ بِشِمْشون، فيُسَلِّيَنا». فدَعَوا شِمْشونَ مِنَ السِّجْنِ، فسَلاَّهم، وأَقاموه بَين الأَعمِدَة. فقالَ شِمْشونُ لِلصَّبِيِّ الآخِذِ بِيَده: «دَعْني أَلمُسُ الأَعمِدَةَ القائِمَ علَيها البَيتُ حَتَّى أَتَّكِئَ علَيها». وكانَ البَيتُ غاصًّا بِالرِّجالِ والنِّساء، وكانَ هُناكَ جَميعُ أَقْطابِ الفَلِسطينِيِّين، وعلى السَّطحِ نَحوُ ثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ يَتَفَرَّجونَ على شِمْشونَ وهو يُسَلِّيهم. فدَعا شِمْشونُ الرَّبَّ وقال: «أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، اُذكُرْني وشَدِّدْني هٰذه المَرَّةَ أَيضًا، يا أَلله، لأَنتَقِمَ لِعَينَيَّ مِنَ الفَلِسطينِيِّينَ ٱنتِقامًا واحِدًا». ثُمَّ تَلَمَّسَ شِمْشونُ العَمودَينِ اللَّذَينِ في الوَسَط، والقائِمِ علَيهما البَيت. وٱتَّكَأَ علَيهما، آخِذًا أَحَدَهما بِيَمينِه والآخَرَ بِشِمالِه، وقال: «لِتَمُت نَفْسي مع الفَلِسطينِيِّين». ودَفَعَ بِشِدَّة، فسَقَطَ البَيتُ على الأَقْطابِ وعلى كُلِّ الشَّعبِ الَّذي في البَيت. فكانَ المَوتى الَّذينَ قَتَلهم في مَوتِه أَكثَرَ مِنَ الَّذينَ قَتَلَهم في حَياتِه. فنَزَلَ إِخوَتُه وكُلُّ بَيتِ أَبيه، فحَمَلوه وصَعِدوا بِه ودَفَنوه بَينَ صُرعَةَ وأَشْتاؤُول، في قَبرِ مَنوحَ أَبيه. وكانَ قد تَوَلَّى القَضاءَ في إِسْرائيلَ عِشْرينَ سَنَة. وكانَ رَجُلٌ مِن جَبَلِ أَفْرائيمَ ٱسمُه ميخا. فقالَ لأُمِّه: «إِنَّ الأَلْفَ والمِئَةَ مِثْقالِ الفِضَّةِ الَّتي أُخِذَت مِنكِ، ولَعَنتِ بِسَبَبِها وتَكَلَّمتِ على مَسمَعٍ مِنِّي هي معي، فأَنا أَخَذتُها». فقالَت أُمُّه: «بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَيكَ يا بُنَيَّ». فأَعادَ إِلى أُمِّه الأَلْفَ والمِئَةَ مِثْقالِ الفِضَّة. فقالَت أُمُّه: «قَدَّستُ الفِضَّةَ لِلرَّبِّ مِن يَدي في سَبيلِ ٱبْني، لِيُعمَلَ مِنها تِمْثالٌ مَنْحوتٌ وصورَةٌ مَسْبوكة. والآنَ أُعيدُها إِلَيكَ». غَيرَ أَنَّه أَعادَ الفِضَّةَ إِلى أُمِّه. فأَخَذَت أُمُّه مِئَتي مِثْقالٍ مِنَ الفِضَّة وأَعطَتها لِلصَّائِغ، فعَمِلَها تِمْثالًا مَنْحوتًا (وصورةً مَسْبوكة)، وكانا في بَيتِ ميخا. وكانَ لِميخا بَيتٌ لله، فصَنَعَ أَفودًا وتَرافيمًا وكَرَّسَ أَحَدَ بنيه، فصارَ لَه كاهِنًا. وفي تِلكَ الأَيَّام، لم يَكُنْ لإسْرائيلَ مَلِك، فكانَ كُلُّ واحِدٍ يَعمَلُ ما يَحسُنُ في عَينَيه. وكانَ فَتًى مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا مِن عَشيرةِ يَهوذا، وهو لاوِيّ، وكانَ نَزيلًا هُناك. فذَهَبَ الرَّجُلُ مِنَ المَدينَة، مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا، لِيَسكُنَ حَيثُ يَجِدُ مَنزِلًا. فٱنتَهى إِلى جَبَلِ أَفْرائيم، إِلى بَيتِ ميخا، وهو سائِرٌ في طَريقِه. فقالَ لَه ميخا: «مِن أَينَ أَقبَلتَ؟» فقالَ لَه: «أَنا لاوِيٌّ مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا، ذَهَبتُ لأَسكُنَ حَيثُ أَجِدُ مَنزِلًا». فقالَ لَه ميخا: «أَقِمْ عِنْدي وكُنْ لي أَبًا وكاهِنًا، وأَنا أُعْطيكَ كُلَّ سَنَةٍ عَشَرَةً مِنَ الفِضَّة، ومَجْموعةً مِنَ الثِّياب، وقوتَكَ». فذَهَبَ اللاَّوِيّ. ثُمَّ رَضِيَ اللاَّوِيُّ أَن يُقيمَ مع الرَّجُل. فكانَ الفَتى عِندَه كأحَدِ بَنيه. فكَرَّسَ ميخا ذٰلك اللاَّوِيَّ، فكانَ الفَتى لَه كاهِنًا. وأَقامَ في بَيتِ ميخا. فقالَ ميخا: «عَلِمتُ الآنَ أَنَّ الرَّبَّ يُحسِنُ إِلَيَّ، لأَنَّه قد صارَ اللاَّوِيُّ لي كاهِنًا». وفي تِلكَ الأَيَّام، لم يَكُنْ لإسرائيلَ مَلِك. وكانَ حينَئِذٍ سِبطُ دانٍ يَطلُبُ ميراثًا لِلسُّكْنى، لأَنَّه إِلى ذٰلك اليَومِ لم يَكُنْ قد وَقَعَ لَه ميراثٌ يَرِثُه بَينَ أَسْباطِ إِسْرائيل. فأَرسَلَ بَنو دانٍ مِن عَشيرَتِهم خَمسَةَ رِجالٍ مِن حُدودِ أَرضِهم، مِنَ المُحارِبينَ البَواسل، مِن صُرعَةَ وأَشْتاؤُول، لِيَتَجَسَّسوا الأَرضَ ولِيَتَقَصَّوا أَمرَها، وقالوا لَهم: «إِنطَلِقوا وتَقَصَّوا أَمرَ الأَرْض». فأَتَوا إِلى جَبَلِ أَفْرائيم، إِلى بَيتِ ميخا، وباتوا هُناك. وبَينما كانوا بِالقُربِ مِن بَيتِ ميخا، عَرَفوا صَوتَ الفَتى اللاَّوِيّ. فمالوا إِلى هُناكَ وقالوا لَه: «مَن جاءَ بِكَ إِلى هٰهُنا، وماذا تَصنَعُ هٰهُنا، وما لَكَ هٰهُنا؟» فقالَ لَهم: «صَنَعَ لي ميخا كَذا وكَذا وٱستَأجَرَني، فصِرتُ لَه كاهِنًا». فقالوا لَه: «إِسأَلْ لَنا اللهَ فنَعلَمَ هل نَنْجَحُ في طَريقِنا الَّتي نَحنُ سائِرونَ فيها». فقالَ لَهمُ الكاهِن: «سيروا بِسَلام، فإِنَّ الطَّريقَ الَّتي أَنتُم سالِكوها هي أَمامَ الرَّبّ». فمَضَى الرِّجالُ الخَمسَةُ وجاؤُوا إِلى لاييش، ورَأَوا الشَّعبَ السَّاكِنينَ فيها آمِنينَ على عادةِ الصَّيدونِيِّين، مُطَمئِنِّينَ آمِنين، ولا يَلومُ أَحَدٌ في أَرضِهم مَن لَه السُّلْطان. وكانوا بَعيدينَ مِنَ الصِّيدونِيِّين، ولَيسَ لَهم بَينَهم وبَين أَحَدٍ عَلاقة. فرَجَعوا إِلى إِخوَتِهم، إِلى صُرعَةَ وأَشْتاؤُول، فقالَ لَهم إِخوَتُهم: «ما وَراءَكم؟» فقالوا لَهم: «قوموا بِنا نَصعَدُ علَيهم، لأَنَّنا رأَينا الأَرضَ، وهي طَيِّبَةٌ جِدًّا، وأَنتُم ساكِتون، فلا تَتَأَخَّروا عنِ المَسيرِ لِتَذهَبوا وتَرِثوا الأَرض». فإِنَّكم، عِندَ وُصولِكم، تَجِدونَ شَعبًا آمِنًا، والأَرضُ واسِعَة، وقَد أَسلَمَها الرَّبُّ إِلى يَدِكم، وهي مَكانٌ لا حاجَةَ إِلى شَيءٍ مِمَّا في الأَرض». فرَحَلَ مِن عَشيرةِ دان، مِن صُرعَةَ وأَشْتاؤُول، سِتُّ مِئَةِ رَجُل، وهم مُسَلَّحونَ بِأَدَواتِ الحَرْب. وصَعِدوا وعَسكَروا عِندَ قِريَةَ يَعاريمَ في يَهوذا. ولِذٰلك دُعِيَ ذٰلك المَكانُ مُعَسكَرَ دانٍ إِلى هٰذا اليَومِ، وهو غَربِيَّ قِريَةَ يَعاريم. وعَبَروا مِن هُناكَ إِلى جَبَلِ أَفْرائيم، ووَصَلوا إِلى بَيتِ ميخا. فتَكَلَّمَ الرِّجالُ الخَمسَةُ الَّذينَ ٱنطَلَقوا لِيَتَجَسَّسوا أَرضَ لاييش، وقالوا لإخوَتِهِم: «أَتَعلَمونَ أَنَّ في هٰذه البُيوتِ أَفودًا وتَرافيمًا وتِمْثالًا مَنْحوتًا وصورَةً مَسْبوكة؟ فٱنظُروا الآنَ ماذا تَصنَعون». فمالوا إِلى هُناكَ وجاؤُوا إِلى بَيتِ الفَتى اللاَّوِيِّ في بَيتِ ميخا وسَلَّموا علَيه. ووَقَفَ السِّتُّ مِئَةِ رَجُلٍ المُسَلَّحونَ بِأَدَواتِ الحَرْب، عِندَ مَدخَلِ الباب، وهم مِن بَني دان وصَعِدَ الرِّجالُ الخَمسَةُ الَّذينَ تَجَسَّسوا الأَرْض، ودَخَلوا إِلى هُناكَ وأَخَذوا التِّمْثالَ المَنْحوتَ والأَفودَ والتَّرافيمَ والصورَةَ المَسْبوكة، والكاهِنُ واقِفٌ عِندَ مَدخَلِ البابِ مع السِّتِّ مِئَةِ رَجُلٍ المُسَلَّحينَ بأَدواتِ الحَرْب. ودَخَلَ أُولٰئِكَ بَيتَ ميخا وأَخَذوا التِّمْثالَ المَنحوتَ والأَفودَ والتَّرافيمَ والصورَةَ المَسْبوكة. فقالَ لَهمُ الكاهن: «ماذا تَفعَلون؟» فقالوا لَه: «أُسكُتْ، ضَعْ يَدَكَ على فَمِكَ، وٱنطَلِقْ معَنا وكُنْ لَنا أَبًا وكاهِنًا. أَخَيرٌ لَكَ أَن تَكونَ كاهِنًا لِبَيتِ رَجُلٍ واحِدٍ أَم أَن تَكونَ كاهِنًا لِسِبطٍ وعَشيرةٍ في إِسْرائيل؟» فطابَت نَفسُ الكاهِن، وأَخَذَ الأَفودَ والتَّرافيمَ والتِّمثالَ المَنْحوت، ودَخَلَ بَينَ الشَّعْب. ثُمَّ رَجَعوا أَدْراجَهم وذَهَبوا وجَعَلوا الأَطْفالَ والماشِيَةَ والأَمتِعَةَ أَمامَهم. فلَمَّا ٱبتَعَدوا عن بَيتِ ميخا، تَجَمَّعَ الرِّجالُ الَّذينَ كانوا في البُيوتِ بِالقُربِ مِن بَيتِ ميخا وجَدُّوا في إِثرِ بَني دان. وصاحوا بِبَني دان. فٱلتَفَتوا وقالوا لِميخا: «ما لَكَ تَصرُخ؟» فقال: «آلِهَتي الَّتي صَنَعتُها أَخَذتُموها مع الكاهِن، وٱنطَلَقتُم، فما الَّذي بَقِي لي؟ وتَقولونَ لي: ما لَكَ؟» فقالَ لَه بَنو دان: «لا تُسمِعْ صَوتَكَ علَينا، لِئَلاَّ يُهاجِمَكم رِجالٌ أَمْرارُ النُّفوس، فتُهلِكَ نَفْسَكَ ونُفوسَ أَهلِ بَيتِكَ». ومَضى بَنو دانٍ في سَبيلِهم. ورأَى ميخا أَنَّهم أَشَدُّ مِنه، فٱرتَدَّ ورَجَعَ إِلى بَيتِه. وأَمَّا هم فأَخَذوا ما صَنَعَ ميخا والكاهِنَ الَّذي كانَ لَه، وذَهَبوا إِلى لاييش، إِلى شَعبٍ هادِئٍ آمِن، فضَرَبوه بِحَدِّ السَّيف، وأَحرَقوا المَدينَةَ بِالنَّار. ولَم يَكُنْ لَهم مُنقِذ، لأَنَّ المَدينةَ بَعيدةٌ مِن صَيدون، ولَم يَكُنْ بَينَهم وبَينَ أَحَدٍ عَلاقة. وكانَتِ المَدينَةُ في الوادي الَّذي لِبَيتَ رَحوب، فأَعادوا بناءَ المَدينةِ وسَكَنوها. وسَمَّوا المَدينَةَ دان، بِٱسمِ دانٍ أَبيهِم الَّذي وُلِدَ لإسْرائيل، وكانَ ٱسمُ المَدينةِ قَبلَ ذٰلك لاييش. ونَصَبَ بَنو دانٍ التِّمْثالَ المَنْحوت، وكانَ يوناثانُ بنُ جِرْشومَ بنِ موسى هو وبَنوه كَهَنَةً لِسِبطِ الدَّانِيِّينَ إِلى يومِ الجَلاءِ عنِ الأَرْض. وجَعَلوا لَهم تِمْثالَ ميخا المَنْحوتَ الَّذي كانَ قد صَنَعَه، جَميعَ الأَيَّامِ الَّتي كانَ فيها بَيتُ اللهِ في شيلو. وفي تِلكَ الأَيَّام، لم يَكُنْ في إِسْرائيلَ مَلِك. وكانَ رَجُلٌ لاوِيٌّ مُقيمًا في أَقْصى جَبَلِ أَفْرائيم، فٱتَّخَذَ ٱمرَأَةً سُرِّيَّةً مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا. فغَضِبَت علَيه سُرِّيَتُه وخَرَجَت مِن عِندِه إِلى بَيتِ أَبيها، إِلى بَيتَ لَحمِ يَهوذا، ومَكَثَت هُناكَ مُدَّةَ أَربَعَةِ أَشهُر. ثُمَّ قامَ زَوجُها وسارَ في طَلَبِها لِيُطَيِّبَ قَلبَها ويَرُدَّها إِلَيه. وأَخَذَ معَه خادِمًا لَه وحِمارَين. فأَدخَلَته بَيتَ أَبيها. فلَمَّا رآه أَبو المَرأَة، فَرِحَ بِلِقائِه. وأَمسَكَه حَموه، أَبو الفَتاة، فمَكَثَ عِندَه ثَلاثَةَ أَيَّام، وأَكَلوا وشَرِبوا وباتوا هُناك. وفي اليَومِ الرَّابِع، بَكَّروا في الصَّباح، وقامَ اللاَّوِيُّ لِينَصَرِف. فقالَ أَبو الفَتاةِ لِصِهرِه: «أَسنِدْ قَلبَكَ بِكِسرَةِ خُبْز، ثُمَّ تَنصَرِفان». فجَلَسا وأَكَلا معًا وشَرِبا. فقالَ أَبو الفَتاةِ لِلرَّجُل: «أَسأَلُكَ أَن تَقبَلَ وتَبيتَ عِندَنا، ولْتَطِبْ نَفْسُكَ». ولَمَّا نَهَضَ الرَّجُلُ لِينَصَرِف، أَلَحَّ علَيه حَموه، فعادَ وباتَ هُناك. وبَكَّرَ في صَباحِ اليَومِ الخامِسِ لِينَصَرِف، فقالَ لَه أَبو الفَتاة: «أَسِندْ قَلبَكَ، وأَبطِئا إِلى أَن يَميلَ النَّهار»، فأَكلا كِلاهُما. ونَهَضَ الرَّجُلُ لِينَصَرِفَ هو وسُرِّيَّتُه وخادِمُه. فقالَ لَه حَموه، أَبو الفَتاة: «إِنَّ النَّهارَ قد مالَ إِلى الغُروب، فبيتوا هُنا، هُوذا النَّهارُ قد مال، فبِتْ هٰهُنا ولْتَطِبْ نَفْسُكَ. وغَدًا تُبَكِّرونَ في سَيرِكم، وتَمْضي إِلى خَيمَتِكَ». فلَم يَرضَ الرَّجُلُ أَن يَبيت، بل قامَ وٱنصَرَف، حتَّى ٱنتَهى إِلى مُقابِلِ يَبوسَ الَّتي هي أُورَشَليم، ومعه حِمارانِ مَشْدودانِ وسُرِّيَّتُه. وفيما هم عِندَ يَبوس، وقد مالَ النَّهارُ كَثيرًا، قالَ الخادِمُ لِسَيِّدِه: «هَلُمَّ نَميلُ إِلى مَدينَةِ اليَبوسِيِّينَ هٰذه فنَبيتَ فيها». فقالَ لَه سَيِّدُه: «لا نَميلُ إِلى مَدينةٍ غَريبَةٍ لَيسَ فيها أَحَدٌ مِن بَني إِسْرائيل، ولٰكِن نَعبُرُ إِلى جَبْعَ». وقالَ لِخادِمِه: «هَلُمَّ نَتَقَدَّمُ إِلى بَعضِ هٰذه الأَماكِنِ ونَبيتُ في جَبْعَ أَو في الرَّامة». فعَبَروا وساروا فغابَتِ الشَّمسُ أَمامَهم وهُم عِندَ جَبْعَ الَّتي لِبَنْيامين. فمالوا إِلى هُناكَ ودَخَلوا لِيَبيتوا في جَبْعَ، فجاءَ اللاَّوِيُّ وجَلَسَ في ساحةِ المَدينة، ولم يَستَقبِلْهم أَحَدٌ في مَنزِله لِيَبيتوا. فإِذا بِرَجُلٍ شَيخٍ قادِمٍ مِن عَمَلِه في الحَقلِ مساءً، وكانَ الرَّجُلُ مِن جَبَلِ أَفْرائيم، ولٰكِنَّه نزيلٌ في جَبْعَ، وكانَ أَهلُ المكانِ بَنْيامينِيِّين. فرَفَعَ الشَّيخُ عَينَيه، فأَبصَرَ هٰذا المُسافِرَ في ساحةِ المَدينة. فقالَ لَه الرَّجُلُ الشَّيخ: «إِلى أَينَ ذاهِبٌ ومِن أَينَ أَتَيتَ؟» فقالَ لَه: «نَحنُ عابِرو طَريقٍ مِن بَيتَ لَحمِ. يَهوذا إِلى أَقْصى جَبَلِ أَفْرائيم، لأَنِّي مِن هُناك، ولٰكِنِّي كُنتُ قد ذَهَبتُ إِلى بَيتَ لَحمِ يَهوذا، وأَنا خادِمٌ في بَيتِ الرَّبّ، ولَيسَ مَن يَستَقبِلُني في مَنزِلِه. ومَعَنا تِبنٌ وعَلَفٌ لِحَميرِنا، وخُبزٌ وخَمرٌ لي ولأَمَتِكَ ولِلخادِمِ الَّذي مع عَبيدِكَ، فلا حاجَةَ لَنا إِلى شيءٍ مِنَ الأَشْياء». فقالَ لَه الرَّجُلُ الشَّيخ: «السَّلامُ علَيكَ، ومَهْما تَحتاجُ إِلَيه فهُو عَلَيَّ، ولا تَبِتْ في السَّاحة». وجاءَ بِه إِلى بَيتِه، وطَرَحَ لِلحَميرِ عَلَفًا، وغَسَلوا أَقْدامَهم وأَكَلوا وشَرِبوا. فلَمَّا طابَت أَنفُسُهم، إِذا رِجالُ المَدينة، قَومٌ لا خَيرَ فيهم، قد أَحاطوا بِالبَيت وأَخَذوا يَقرَعونَ الباب، وقالوا لِلشَّيخِ صاحِبِ البَيت: «أَخرِجِ الرَّجُلَ الَّذي دَخَلَ بَيتَكَ لِنَعرِفَه». فخَرَجَ إِلَيهم الرَّجُلُ صاحِبُ البَيتِ وقالَ لَهم: «أَسأَلُكم، يا إِخوَتي، أَلاَّ تَفعَلوا شَرًّا، بَعدَما دَخَلَ هٰذا الرَّجُلُ بَيتي، لا تَفعَلوا هٰذه الفاحِشَة. هٰذه ٱبنَتي العَذْراءُ وسُرِّيَّتُه أُخرِجُهما إِلَيكم، فٱغتَصِبوهما وٱصنَعوا بِهما ما حَسُنَ في أَعيُنِكم، ولا تَصنَعوا بِهٰذا الرَّجُلِ هٰذا الأَمرَ الفاحِش». فأَبى الرِّجالُ أَن يَسمَعوا لَه. فأَخَذَ الرَّجُلُ سُرِّيَّتَه وأَخرَجَها إِلَيهم خارِجًا، فعَرَفوها ونالوا مِنها اللَّيلَ كُلَّه إِلى الصَّباح، وتَرَكوها عِندَ طُلوعِ الفَجْر. فجاءَتِ المَرأَةُ عِندَ إِقْبالِ الصَّباح، ووَقَعَت عِندَ بابِ بَيتِ الرَّجُل، حَيثُ كانَ سَيِّدُها، وبَقِيَت هُناكَ إِلى طُلوعِ النَّهار. فقامَ سَيِّدُها في الصَّباح، وفَتَحَ بابَ البَيت، وخَرَجَ لِيَذهَبَ في سَبيلِه، فإِذا بِالمَرأَةِ سُرِّيَّتِه واقِعَةٌ على بابِ البَيتِ ويَداها على العَتَبَة. فقالَ لَها: «قومي بِنا نَنطَلِق»، فلَم تُجِبْه. فحَمَلَها على حِمارِه وقامَ وٱنطَلَقَ إِلى مَكانِه. وأَتى إِلى بَيتِه وتَناوَلَ سِكِّينًا وأَخَذَ سُرِّيَّتَه فقَطَّعَها مع عِظامِها ٱثنَتَي عَشرَةَ قِطعَةً وأَرسَلَها إِلى جَميعِ أَراضي إِسْرائيل. فكُلُّ مَن رَآها قال: «لم يَكُنْ ولم يُرَ مِثْلُ هٰذا مُنذُ يومَ صَعِدَ بَنو إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصرَ إِلى هٰذا اليَوم». وأَمَرَ الرِّجالَ الَّذينَ أَرسَلَهم قائِلًا: «قولوا هٰذا لِكُلِّ رَجُلٍ مِن إِسْرائيل: هل كانَ مِثْلُ هٰذا مُنذُ يومَ صَعِدَ بَنو إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصرَ إِلى هٰذا اليَوم؟ ففَكِّروا وتَشاوَروا وٱحكُموا». فخَرَجَ بَنو إِسْرائيلَ كُلُّهم، وٱجتَمَعَتِ الجَماعَةُ إِلى الرَّبِّ في المِصْفاةِ كَرَجُلٍ واحِد، مِن دانَ إِلى بِئرَ سَبعَ وأَرضِ جِلْعاد. ووَقَفَ أَرْكانُ كُلِّ الشَّعبِ أَسباطِ إِسْرائيل، في مَجمَعِ الله، أَربَعُ مِئَةِ أَلفِ راجِلٍ مُستَلِّ سَيف. وسَمِعَ بَنو بَنْيامينَ أَنَّ بَني إِسْرائيلَ قد صَعِدوا إِلى المِصْفاة. وقالَ بَنو إِسْرائيل: «قُصُّوا علَينا كَيفَ تَمَّت هٰذه الإِساءَة». فأَجابَ الرَّجُلُ اللاَّوِيُّ، زَوجُ المَرأَةِ الَّتي قُتِلَت، وقال: «دَخَلتُ أَنا وسُرِّيَّتي إِلى جَبْعَ الَّتي لِبَنْيامينَ لِنَبيت. فقامَ علَيَّ أَهْلُ جَبْعَ وأَحاطوا بي وأَنا في البَيتِ لَيلًا، وأَرادوا قَتْلي، وٱغتَصَبوا سُرِّيَّتي حتَّى ماتَت. فأَخَذتُ سُرِّيَّتي وقَطَّعتُها وأَرسَلتُها إِلى كُلِّ أَرضِ ميراثِ إِسْرائيل، لأَنَّهم صَنَعوا عَيبًا وفاحِشةً في إِسْرائيل. هُوَذا كُلُّكم يا بَني إِسْرائيل، فأَجمِعوا كَلِمَتَكم وتَبادَلوا المَشورَةَ هٰهُنا». فنَهَضَ الشَّعبُ كرَجُلٍ واحِدٍ وقالوا: «لا يَنصَرِفْ أَحَدٌ إِلى خَيمَتِه ولا يَرجعْ أَحَدٌ إِلى بَيتِه. فلْنَفْعَلِ الآنَ بِجَبْعَ هٰذا الأَمْر: لِنُلْقِ علَيهمِ القُرعَة. نأخُذُ مِن كُلِّ مِئَةِ رَجُلٍ عَشَرَةً مِن كُلِّ أَسْباطِ بَني إِسْرائيل، ومِنَ الأَلفِ مِئةً، ومِنَ الرِّبوَةِ أَلفًا، لِيَأخُذوا زادًا لِلشَّعب، ويُعامِلوا، عِندَ دُخولِهم، جَبْعَ بَنْيامينَ بِحَسَبِ الفاحِشَةِ الَّتي صَنَعوها في إِسْرائيل». فٱجتَمَعَ رِجالُ إِسْرائيلَ جَميعُهم على المَدينَةِ مُتَّحِدينَ كرَجُلٍ واحِد. وأَرسَلَ أَسْباطُ إِسْرائيلَ رِجالًا إِلى جَميعِ عَشائِرِ بَنْيامينَ وقالوا لَهم: «ما هٰذه الإِساءَةُ الَّتي وَقَعَت بَينَكم؟ فأَسلِموا الآنَ القَومَ الَّذينَ لا خَيرَ فيهم، الَّذينَ في جَبْعَ، فنَقتُلَهم ونَقلَعَ الشَّرَّ مِن إِسْرائيل». فأَبى بَنو بَنْيامينَ أَن يَسمَعوا لِقَولِ إِخوَتِهم بَني إِسْرائيل. وٱجتَمَعَ بَنو بَنْيامينَ مِنَ المُدُنِ إِلى جَبْعَ لِيَخرُجوا إِلى مُحارَبَةِ بَني إِسْرائيل. وأُحصِيَ بَنو بَنْيامينَ الَّذينَ مِنَ المُدُنِ في ذٰلك اليَوم، فكانَ عَدَدُهم سِتَّةً وعِشْرينَ أَلفَ رَجُلٍ مُستَلِّ سَيف، ما عَدا أَهلَ جَبْعَ الَّذينَ كانَ عَدَدُهم سَبعَ مِئَةِ رَجُلٍ مُخْتارين. كانَ مِن كُلِّ هٰذا الشَّعبِ سَبعُ مِئَةِ رَجُلٍ مُخْتارون، يُسْرُ الأَيدي، كُلٌّ مِن أُولٰئِكَ يَرْمي الحَجَر بِالمِقْلاعِ على الشَّعَرَةِ فلا يُخطِئ. وأُحصِيَ رِجالُ إِسْرائيل، ما عَدا بَنْيامين، فكانَ عَدَدُهم أَربَعَ مِئَةِ أَلفِ رَجُلٍ مُستَلِّ سَيف، كُلُّهم رِجالُ حَرْب. فقاموا وصَعِدوا إِلى بَيتَ إِيل وسأَلوا الله، وقالَ بَنو إِسْرائيل: «مَن مِنَّا يَصعَدُ أَوَّلًا لِمُحارَبَةِ بَني بَنْيامين؟» فقالَ الرَّبّ: «يَهوذا أَوَّلًا». فنَهَضَ بَنو إِسْرائيلَ في الصَّباح، وعَسكَروا عِندَ جَبْعَ. وخَرَجَ رِجالُ إِسْرائيلَ لِمُحارَبَةِ بَنْيامين، وٱصطَفَّ رَجالُ إِسْرائيلَ علَيهم لِلمُحارَبَةِ عِندَ جَبْعَ. فخَرَجَ بَنو بَنْيامينَ مِن جَبْعَ، فأَسقَطوا مِن إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَومِ ٱثنَينِ وعِشْرينَ أَلفَ رَجُل. ثُمَّ تَشَدَّدَ الشَّعبُ، رِجالُ إِسْرائيل، وعادوا فٱصطَفُّوا لِلمُحارَبَةِ في المَكانِ الَّذي ٱصطَفُّوا فيه أَوَّلَ يَوم. وصَعِدَ بَنو إِسْرائيلَ فبَكَوا أَمامَ الرَّبِّ إِلى المَساء، وسَأَلوا الرَّبَّ قائِلين: «أَنَعودُ إِلى مُحارَبَةِ بَني بَنْيامينَ إِخوَتِنا أَيضًا؟» فقالَ لَهمُ الرَّبّ: «إِصعَدوا إِلَيهم». فتَقَدَّمَ بَنو إِسْرائيلَ في اليَومِ الثَّاني مِن بَني بَنْيامين. فخَرَجَ علَيهم بَنْيامينُ مِن جَبْعَ في اليَومِ الثَّاني، فأَسقَطوا مِن بَني إِسْرائيلَ أَيضًا ثَمانِيَةَ عَشَرَ أَلفَ رَجُل، كُلُّهم مُستَلُّو سَيف. فصَعِدَ بَنو إِسْرائيل، الشَّعبُ كُلُّه، وأَتَوا بَيتَ إِيلَ وبَكَوا، وجَلَسوا هُناكَ أَمامَ الرَّبّ، وصاموا ذٰلك اليَومَ إِلى المَساء، وأَصعَدوا مُحرَقاتٍ وذَبائِحَ سَلامِيَّةً أَمامَ الرَّبّ. وسأَلَ بَنو إِسْرائيلَ الرَّبّ، وكانَ تابوتُ عَهدِ اللهِ في تِلكَ الأَيَّامِ هُناكَ. وكانَ فِنْحاسُ بنُ أَلِعازارَ بنِ هارونَ يَقِفُ أَمامَه في تِلكَ الأَيَّام، وقالوا: «أَنَعودُ نَخرُجُ أَيضًا لِمُحارَبَةِ بَني بَنْيامينَ إِخوَتِنا أَم نَكُفّ؟» فقالَ الرَّبّ: «إِصعَدوا، لأَنِّي في الغَدِ أُسلِمُهم إِلى يَدِكم». فأَقامَ بَنو إِسْرائيلَ كَمينًا على جَبْعَ مِن حولِها. وصَعِدَ بَنو إِسْرائيلَ على بَني بَنْيامينَ في اليَومِ الثَّالِث، وٱصطَفُّوا عِندَ جَبْعَ كالمَرَّتَينِ الأُولَيَين. فخَرَجَ بَنو بَنْيامينَ على الشَّعْب، وٱستُدرِجوا عنِ المَدينة، وأَخَذوا يَقتُلونَ مِنَ الشَّعبِ كالمَرَّتَينِ الأُولَيَينِ في الطَّريقَينِ الصَّاعِدَينِ أَحَدُهما إِلى بَيتَ إِيلَ والآخَرُ إِلى جَبْعَ، مُرورًا بِالحُقول: فقُتِلَ مِن إِسْرائيلَ نَحوٌ مِن ثَلاثينَ رَجُلًا. فقالَ بَنو بَنْيامينَ في أَنفُسِهم: «إِنَّهم مُنكَسِرونَ أَمامَنا كما سَبَق». وكانَ بَنو إِسْرائيلَ قد قالوا في أَنفُسِهم: «لِنَهرُبْ ونَستَدرِجْهم عنِ المَدينَةِ إِلى الطُّرُق». وقامَ رِجالُ إِسْرائيلَ كُلُّهم مِن مَواضِعِهم وٱصطَفُّوا في بَعلَ تامار، وقامَ كَمينُ إِسْرائيلَ مِن مَكانِه مِن عَراءِ جَبْعَ. وأَقبَلَ إِلى قُبالَةِ جَبْعَ عَشَرةُ آلافِ رَجُلٍ مُخْتارونَ مِن كُلِّ إِسْرائيل، فٱشتَدَّ القِتال، ولم يَعلَمْ بَنو بَنْيامينَ أَنَّ الكارِثَةَ نازِلَةٌ بِهم. فكَسَرَ الرَّبُّ بَنْيامينَ أَمامَ إِسْرائيل، وأَسقَطَ بَنو إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَومِ خَمسةً وعِشْرينَ أَلفًا ومِئَةً، كُلُّهم مُستَلُّو سَيف. فرَأَى بَنو بَنْيامينَ أَنَّهمُ ٱنكَسَروا. لٰكِنَّ رِجالَ إِسْرائيلَ أَفسَحوا لِبَنْيامين، لأَنَّهمُ ٱتَّكلوا على الكَمينِ الَّذي أَقاموه على جَبْعَ. فأَسرَعَ الكامِنونَ وٱقتَحَموا جَبْعَ، وٱنتَشَروا فيها وضَرَبوا كُلَّ المَدينَةِ بِحَدِّ السَّيف. وكانَتِ العَلامَةُ بَينَ رِجالِ إِسْرائيلَ والكامِنينَ أَنَّهم يُصعِدونَ دُخانًا كَثيرًا مِن المَدينَة، وحينَئذٍ يَدورُ رِجالُ إِسْرائيلَ الَّذينَ في الحَربِ إِلى الوَراء. وبَدَأَ بَنْيامينُ فقَتَلوا مِن رِجالِ إِسْرائيلَ نَحوًا مِن ثَلاثينَ رَجُلًا، لأَنَّهم قالوا في أَنفُسِهم: «إِنَّهم مُنكَسِرونَ أَمامَنا، كما كانَ في المَعرَكَةِ الأُولى». فأَخَذَ الغَمامُ يَرتَفِعُ مِنَ المَدينَةِ كعَمودِ دُخان. فٱلتَفَتَ بَنْيامينُ إِلى وَرائِهم، فإِذا المَدينةُ صاعِدَةٌ بِأَسرِها إِلى السَّماء. وٱنقَلَبَ علَيهم رِجالُ إِسْرائيل، فذُعِرَ رِجالُ بَنْيامين، لأَنَّهم رَأَوا الكارِثَةَ نازِلَةً بِهم. وهَرَبوا مِن أَمامِ رِجالِ إِسْرائيل، إِلى طَريقِ البَرِّيَّةِ. فأَدرَكَهمُ القِتالُ، والَّذينَ مِن سائِرِ المُدُنِ أَطبَقوا علَيهم فأَسقَطوهم. وأَحاطوا بِبَنْيامينَ وطارَدوهم وداسوهم في مَكانِ راحَتِهم، إِلى مُقابِلِ جَبْعَ جِهَةَ مَشرِقِ الشَّمْس. فسَقَطَ مِن بَنْيامينَ ثَمانِيَةَ عشَرَ أَلفَ رَجُل، كُلُّهم مُحارِبونَ بَواسِل. فوَلَّوا هارِبينَ إِلى البَرِّيَّة، إِلى صَخرَةِ الرِّمُّون. فقَتَلوا مِنهم في الطُّرُقِ خَمسَةَ آلافِ رَجُل، وجَدُّوا في إِثرِهم حَتَّى جِدعون، فقُتِلَ مِنهم أَلْفا رَجُل. فكانَ مَجْموعُ القَتْلى مِن بَنْيامينَ في ذٰلك اليَومِ خَمسَةً وعِشْرينَ أَلفًا مُستَلِّي سَيف، كُلُّهم مُحارِبونَ بَواسِل. ووَلَّى مِنهم سِتُّ مِئَةِ رَجُلٍ هارِبينَ في طَريقِ البَرِّيَّة، إِلى صَخرَةِ الرِّمُّون، وأَقاموا في صَخرَةِ الرِّمُّونَ أَربَعَةَ أَشهُر. وٱرتَدَّ رِجالُ إِسْرائيلَ على بَني بَنْيامينَ وضَرَبوهم بِحَدِّ السَّيف، مِنَ النَّاسِ الَّذينِ في المَدينة، والبَهائِمِ وكُلِّ ما وُجِدَ فيها. وجَميعُ المُدُنِ الَّتي وَجَدوها أَحرَقوها بِالنَّار. وكانَ رِجالُ إِسْرائيلَ قد حَلَفوا في المِصْفاةِ قائلين: «لا يُزَوِّجْ رَجُلٌ مِنَّا ٱبنَتَه لِبَنْيامين». وأَقبَلَ الشَّعبُ إِلى بَيتَ إِيل وجَلَسوا هُناكَ أَمامَ اللهِ إِلى المساء، ورَفَعوا أَصْواتَهم وبَكَوا بُكاءً شَديدًا، وقالوا: «لِماذا، يا رَبُّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، وَقَعَ هٰذا في إِسْرائيل، أَن قد فُقِدَ اليَومَ سِبطٌ واحِدٌ مِن إِسْرائيل؟». وبَكَّرَ الشَّعبُ في الغَد، فبَنَوا هُناكَ مَذبحًا، وأَصعَدوا مُحرَقاتٍ وذَبائِحَ سَلامِيَّة. وقالَ بَنو إِسْرائيل: «مَن هُوَ الَّذي لم يَصعَدْ إِلى مَجمَعِنا إِلى الرَّبِّ مِن جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيل؟» وكانوا قد حَلَفوا يَمينًا عَظيمةً على مَن لا يَصعَدُ إِلى الرَّبِّ في المِصْفاةِ قائلين: «لَيَموتَنَّ مَوتًا». ورَئِفَ بَنو إِسْرائيلَ بِبَني بَنْيامينَ إِخوَتِهم وقالوا: «اليَومَ قد قُطِعَ سِبطٌ واحِدٌ مِن إِسْرائيل. فماذا نَصنَعُ بِالَّذينَ بَقوا مِن حَيثُ النِّساء، وقد حَلَفْنا نَحنُ بِالرَّبِّ أَلاَّ نُزَوِّجَهم مِن بَناتِنا؟». ثُمَّ قالوا: «مَن مِن أَسْباطِ إِسْرائيلَ لم يَصعَدْ إِلى الرَّبِّ في المِصْفاة؟» ولم يَكُنْ قد أَتى المُعَسكَرَ أَحَدٌ مِن يابيشَ جِلْعادَ إِلى المَجمَع. فكانَ الشَّعبُ قد أُحصِيَ، فإِذا لم يَكُنْ هُناكَ أَحَدٌ مِن سُكَّانِ يابيشَ جِلْعاد. فأرسَلَتِ الجَماعةُ إِلى هُناكَ ٱثنَي عَشَرَ أَلفَ رَجُلٍ مِن المُحارِبينَ البَواسِل، وأَمَروهم قائِلين: «إِنطَلِقوا وٱضرِبوا أَهلَ يابيشَ جِلْعادَ بِحَدِّ السَّيفِ مع النِّساءِ والأَطْفال. وهٰذا ما تَعمَلونَه: كُلُّ ذَكَرٍ وكُلُّ ٱمرَأَةٍ عَرَفَت مُجامَعَةَ رَجُلٍ فحَرِّموهما». فوُجِد مِن سُكَّانِ يابيشَ جِلْعادَ أَربَعُ مِئَةِ فَتاةٍ عَذْراءَ لم تَعرِف مُجامَعَةَ رَجُل، فجاؤُوا بِهِنَّ إِلى المُعَسكَرِ في شيلوَ الَّتي في أَرضِ كَنْعان. وأَرسَلَتِ الجَماعَةُ كُلُّها وكَلَّمَت بَني بَنْيامينَ الَّذينَ في صَخرَةِ رِمُّون، وٱستَدعَتهم إِلى الصُّلْح. فرَجَعَ بَنو بَنْيامينَ في ذٰلك الوَقْت، فأَعْطوهمُ النِّساءَ اللَّواتي ٱستَبقَوهُنَّ مِن نِساءِ يابيشَ جِلْعاد، فلم يَكْفينَهم. ورَئِفَ الشَّعبُ بِبَنْيامين، لأَنَّ الرَّبَّ جَعَلَ ثُغرَةً في أَسْباطِ إِسْرائيل. فقالَ شُيوخُ الجَماعَة: «ماذا نَصنَعُ بِالَّذينَ بَقوا مِن حَيثُ النِّساء، فقدِ ٱنقَطَعَتِ النِّساءُ مِن بَنْيامين؟» وقالوا: «إِنَّ ميراثَ بَنْيامينَ يَكونُ لِلنَّاجين، فلا يُمْحى سِبطٌ من إِسْرائيل. أَمَّا نَحنُ فَليسَ لَنا أَن نُزَوِّجَهم مِن بَناتِنا» لأَنَّ بَني إِسْرائيلَ كانوا قد حَلفوا قائلين: «مَلْعونٌ مَن يُعْطي بَنْيامينَ زَوجَة». ثُمَّ قالوا: «قد حانَ عيدُ الرَّبِّ السَّنَوِيُّ في شيلو (الَّتي إِلى شَمالِ بَيتَ إِيل، شَرقِيَّ الطَّريقِ الصَّاعِدِ مِن بَيتَ إِيلَ إِلى شَكيم، وجَنوبِيَّ لَبونَة)». فأَوصَوا بَني بَنْيامينَ وقالوا لَهم: «إِنطَلِقوا وٱكمُنوا في الكُروم، وتَرَصَّدوا. فإِذا خَرَجَت بَناتُ شيلو لِلرَّقصِ معًا، فٱخرُجوا مِنَ الكُرومِ وٱخطَفوا كُلُّ واحِدٍ ٱمرَأَتَه مِن بَناتِ شيلو، وٱنطَلِقوا إِلى أَرضِ بَنْيامين. فإِذا جاءَنا آباؤُهُنَّ وإِخوَتُهُنَّ لِلشَّكْوى، نَقولُ لهم: هَبونا إِيَّاهُنَّ، لأَنَّنا لم نَأخُذْ لِكُلِّ واحِدٍ ٱمرَأَةً في الحَرْب، ولأَنَّكم لم تُعْطوهم أَنتُم، حتَّى لا تَكونوا قد أَثِمتُم». ففَعَلَ بَنو بَنْيامينَ كذٰلك، وٱتَّخَذوا نِساءً بِحَسَبِ عَدَدِهِم مِنَ الرَّاقِصاتِ اللَّواتي ٱختَطَفوهُنَّ، وٱنصَرَفوا ورَجَعوا إِلى ميراثِهم، وأَعادوا بِناءَ المُدُنِ وسَكَنوها. وحينَئذٍ ٱنصَرَفَ بَنو إِسْرائيلَ مِن هُناكَ، كُلُّ واحِدٍ إِلى سِبطِه وعَشيرَتِه، وخَرَجوا مِن هُناكَ، كُلُّ واحِدٍ إِلى ميراثِه. وفي تِلكَ الأَيَّام، لم يَكُنْ لِبَني إِسْرائيلَ مَلِك، وكانَ كُلُّ إِنْسانٍ مِنهم يَعمَلُ ما حَسُنَ في عَينَيه. كانَ في أَيَّامِ حُكمِ القُضاةِ مَجاعةٌ في الأَرض. فمضى رَجُلٌ مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا، لِيَنزِلَ في حُقولِ موآب، هو وزَوجَتُه وٱبْناه. وكانَ ٱسمُ الرَّجُلِ أَليمَلِك، وٱسْمُ زَوجَتِه نُعْمي، وٱسْما ٱبنَيهِما مَحْلون وكِلْيون، وهم أَفراتِيُّونَ مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا. فأَتَوا حُقولَ موآب وأقاموا هُناك. فتُوُفِّيَ أَليمَلِك، زَوجُ نُعْمي، وبَقِيَت هي وٱبْناها. فٱتَّخَذا لَهما ٱمرَأَتَينِ موآبِيَّتَين، اِسمُ الواحِدَةِ عُرفَة وٱسمُ الأُخْرى راعوت، وأَقاما هُناكَ نَحوَ عَشرِ سِنين. ثُمَّ ماتا هُما أَيضًا، مَحْلون وكِلْيون، وبَقِيَتِ المرأَةُ بَعدَ مَوتِ ٱبنَيها وزَوجِها. فقامَت هي وكَنَّتاها ورَجَعَت مِن حُقولِ موآب، لأَنَّها سَمِعَت، وهي في حُقولِ موآب، أَنَّ الرَّبَّ قدِ ٱفتَقَدَ شَعبَه لِيَرزُقَهم طَعامًا. وخَرَجَت بِكَنَّتَيها مِنَ المَكانِ الَّذي كانَت فيه وسَلَكْنَ الطَّريقَ راجِعاتٍ إِلى أَرضِ يَهوذا. وقالَت نُعْمي لِكَنَّتَها: «إِنصَرِفا أَنتُما وٱرجِعا كُلُّ واحِدَةٍ إِلى بَيتِ أُمِّها، ولْيَصنَعِ الرَّبُّ إِلَيكما رَحمَةً، كما صَنَعتُما إِلى الَّذينَ ماتوا وإِلَيَّ. ولْيُيَسِّرْ لَكما الرَّبُّ أَن تَجِدا راحةً كُلُّ واحِدَةٍ في بَيتِ زَوجِها». ثُمَّ قَبَّلَتهما فرَفَعَتا صَوتَيهما وبَكَتا. وقالَتا لَها: «لا، بل نَرجِعُ مَعَكِ إِلى شَعبِكِ». فقالَت لَهما نُعْمي: «إِرجِعا، يا ٱبنَتَيَّ، لِماذا تأتِيانِ مَعي؟ أَفي أَحْشائي بَنونَ بَعدُ حتَّى يَكونَ لَكُما مِنهم زَوجان؟ إِرجِعا يا ٱبنَتَيَّ وٱذهَبا، لأَنِّي قد شِختُ عن أَن أَكونَ لِرَجُل. وإِن قُلتُ: لي رَجاءٌ أَيضًا أَن أَصيرَ هٰذه اللَّيلَةَ لِرَجُلٍ فأَلِدَ أَيضًا بَنين، أَفتَنتَظِرانِ أَن يَكبَروا وتَحتَبِسانِ مِن أَجلِهم عن أَن تَكونا لِرَجُل؟ لا، يا ٱبنَتَيَّ، فإِنِّي في أَشَدِّ المَرارَةِ علَيكما، ويَدُ الرَّبِّ قدِ ٱرتَفَعت عليَّ». فرَفَعَتا صَوتَيهما وبَكَتا أَيضًا، وقَبَّلَت عُرفَةُ حَماتَها وعادَت إِلى شَعبِها. وأَمَّا راعوت، فلَم تُفارِقْها. فقالَت نُعْمي: «هٰذه سِلفَتُكِ قد رَجَعَت إِلى شَعبِها وآلِهَتِها، فٱرجِعي أَنتِ على أَثَرِ سِلفَتِكِ». فقالَت راعوت: «لا تُلِحِّي علَيَّ أَن أَترُكَكِ وأَرجِعَ عَنكِ، فإِنِّي حَيثُما ذَهَبتِ أَذهَبْ، وحَيثُما بِتِّ أَبِتْ. شَعبُكِ شَعْبي وإِلٰهُكِ إِلٰهي. وحَيثُما تَموتي أَمُتْ وهُناكَ أُدفَن. لِيَصنَعِ الرَّبُّ بي هٰكذا ولْيَزِدْ هٰكذا، إِن فَرَّقَ بَيني وبَينَكِ غَيرُ المَوت». فلَمَّا رأَتها مُصِرَّةً على الذَّهابِ مَعَها، كفَّت عن مُحادَثَتِها بِالأَمْر. وذَهَبَتا كِلْتاهما حتَّى وَصَلتا إِلى بَيتَ لَحْم. وكانَ عِندَ وُصولِهما إِلى بَيتَ لَحْمَ أَنَّ المَدينَةَ كُلَّها تَحَرَّكت بِسَبَبِهما، وقالَتِ النِّساء: «أَهٰذه نُعْمي؟» فقالَت لَهم نُعْمي: «لا تَدْعوني نُعْمي، بلِ ٱدعوني مُرَّة، لأَنَّ القَديرَ أَمَرَّني جِدًّا. فإِنِّي ذَهَبتُ مِن هٰهُنا مَليئةً بالنِّعَم وأَرجَعَني الرَّبُّ فارِغَة، فلِماذا تَدْعونَني نُعْمي، والرَّبُّ قد شَهِدَ علَيَّ والقَديرُ أَساءَ إِلَيَّ؟». وهٰكذا رَجَعَت نُعْمي وراعوتُ الموآبِيَّةُ كَنَّتُها معَها عائِدَةً مِن حُقولِ موآب ووَصَلَتا إِلى بَيتَ لَحْمَ في أَوَّلِ حِصادِ الشَّعير. لِنُعْمِيَ قريبٌ لِزَوجها، ثَرِيٌّ جِدًّا، مِن عَشيرَةِ أَليمَلِك، اِسمُه بوعَز. فقالَت راعوتُ الموآبِيَّةُ لِنُعْمي: «دَعيني أَذهَبُ إِلى الحَقلِ لأَلتَقِطَ سَنابِلَ وَراءَ مَن أَنالُ في عَينَيه حُظوَةً». فقالَت لَها: «إِذهَبي يا ٱبنَتي». فذَهَبَت ودَخَلَت حَقلًا فٱلتَقَطت وَراءَ الحَصَّادين. وٱتَّفَقَ أَنَّه كانَ قِطعَةَ حَقلٍ لِبوعَز، وهو مِن عَشيرَةِ أَليمَلِك. وإِذا بِبوعَزَ قد أَقبَلَ مِن بَيتَ لَحْم. فقالَ لِلحَصَّادين: «الرَّبُّ معَكم». فقالوا لَه: «بارَكَكَ الرَّبّ». فقالَ بوعَزُ لِخادِمِه القائِمِ على الحَصَّادين: «لِمَن هٰذه الفَتاة؟» فأَجابَ الخادِمُ القائِمُ على الحَصَّادينَ فقال: «هي فَتاةٌ موآبِيَّةٌ قد رَجَعَت مع نُعْمي مِن حُقولِ موآب، وقالَت: دَعوني أَلتَقِطُ وأَجمَعُ مِن بَينِ الحُزَمِ وَراءَ الحَصَّادين، وجاءَت وهي هُنا مُنذُ الصَّباحِ إِلى الآن، ولَم تَستَرِحْ إِلاَّ قَليلًا». فقالَ بوعَزُ لِراعوت: «إِسمَعي يا ٱبنَتي، لا تَذهَبي تَلتَقِطينَ مِن حَقلٍ آخَر، ولا تَبتَعِدي مِن هٰهُنا، بل لازِمي خادِماتي هٰهُنا، وٱجعَلي عَينَيكِ على الحَقلِ الَّذي يُحصَد، وٱمْضي وَراءَهُنَّ، وقد أَمَرتُ خَدَمي أَن لا يَمَسُّوكِ بأَذًى. وإِذا عَطِشتِ، فٱذهَبي إِلى الجِرارِ وٱشرَبي مِمَّا ٱستَقاه الخَدَم». وأَطرَقَت وسَجَدَت إِلى الأَرضِ وقالَت لَه: «كَيفَ نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ حَتَّى تَهتَمَّ بي وأَنا غَريبَة؟» فأَجابَ بوعَزُ وقالَ لَها: «قد أُخبِرتُ بِصَنيعِكِ مع حَمَاتِكِ بَعدَ وَفاةِ زَوجِكِ، وكَيفَ تَرَكتِ أَباكِ وأُمَّكِ وأَرضَ مَولِدِكِ، وجِئتِ إِلى شَعبٍ لم تَعرِفيه مِن أمسِ فما قَبْلُ. جازاكِ الرَّبُّ على صُنعِكِ، ولْيَكُنْ أَجرُكِ كامِلًا مِن لَدُنِ الرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، الَّذي جِئتِ لِتَحتَمِي تَحتَ جَناحَيه». فقالَت: «لَيتَني نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، يا سَيِّدي، لأَنَّكَ عَزَّيتَني وخاطَبتَ قَلبَ أَمَتِكَ، وأَنا لَستُ كإِحْدى جَواريك». ولَمَّا كانَ وَقتُ الأَكْل، قالَ لَها بوعَز: «هَلُمِّي إِلى هٰهُنا وكُلي مِنَ الخُبزِ وٱغمِسي لُقمَتَكِ في الخَلّ». فجَلَسَت بِجانِبِ الحَصَّادين، وجَعَلَ لَها كَومَةً مِنَ الفَريك، فأَكَلَت وشَبِعَت، وٱستَبقَت ما فَضَلَ عنها. ثُمَّ قامَت لِتَلتَقِط، فأَمَرَ بوعَزُ خَدَمَه وقالَ لَهم: «دَعوها تَلتَقِطُ حَتَّى مِن بَينِ الحُزَم، ولا تَزجُروها. وٱسحَبوا لَها مِنَ الحُزَمِ ودَعوها تَلتَقِطُ ولا تُعَنِّفوها». فٱلتَقَطَت في الحَقلِ إِلى المَساء، ودَرَسَت ما لَقَطَت، فكانَ نَحوَ إِيفَةِ شَعير. فحَمَلَته وعادَت إِلى المَدينة، وأَرَت حَماتَها ما ٱلتَقَطَت، وأَخرَجَت وأَعطَتها ما فَضَلَ عَنها بَعدَ شِبَعِها. فقالَت لَها حَماتُها: «أَينَ ٱلتَقَطتِ اليَومَ وأَينَ عَمِلتِ؟ بورِكَ مَنِ ٱهتَمَّ بِكِ». فأَخبَرَت حَماتَها بِالَّذي عَمِلَت عِندَه وقالَت: «إسمُ الرَّجُلِ الَّذي عَمِلتُ عِندَه اليَومَ بوعَز». فقالَت نُعْمي لِكَنَّتِها: «بارَكَه الرَّبُّ الَّذي لم تَنصَرِفْ رَحمَتُه عنِ الأَحْياءِ والأَمْوات». ثُمَّ قالَت لَها نُعْمي: «إِنَّ الرَّجُلَ هو ذو قَرابَةٍ لَنا، وهو مِن أَقرِبائِنا». فقالَت راعوتُ الموآبِيَّة: «إِنَّه قالَ لي أَيضًا: لازِمي خَدَمي حتَّى يَفرُغوا مِن حِصادي كُلِّه». فقالَت نُعْمي لِراعوتَ كَنَّتِها: «حَسَنٌ أَن تَخرُجي مع خادِماتِه، يا ٱبنَتي، لِئَلاَّ يُسيئوا إِلَيكِ في حَقلٍ آخَر». فلازَمَت خادِماتِ بوعَزَ في الٱلتِقاطِ حتَّى ٱنتَهى حِصادُ الشَّعيرِ وحِصادُ الحِنطَة، وأَقامَت مع حَماتِها. وقالَت لَها نُعْمي حَماتُها: «يا ٱبنَتي، إِنِّي طالِبَةٌ لَكِ مكانَ راحةٍ لِيَكونَ لَكِ فيه خَير. والآن، أَلَيسَ بوعَزُ الَّذي كُنتِ مع خادِماتِه هو قَريبٌ لَنا، وها هُوَذا يُذَرِّي الشَّعيرَ في البَيدَرِ هٰذه اللَّيلَة؟ فٱغتَسِلي وتَطَيَّبي وٱلبَسي رِداءَكِ وٱنزِلي إِلى البَيدَر، ولا تُعَرِّفي الرَّجُلَ نَفسَكِ حتَّى يَنتَهِيَ مِنَ الأَكلِ والشُّرب. فإِذا ٱضطَجَعَ، فعايِني المَوضِعَ الَّذي يَضطَجِعُ فيه، وٱذهَبي فٱكشِفي جِهَةَ رِجلَيه واضطَجِعي، وهو يُخبِرُكِ بِما يَنبَغي أَن تَصنَعي». فقالَت لَها: «كُلُّ ما قُلتِ لي أَصنَعُه». ونَزَلَت إِلى البَيدَرِ وفَعَلَت كما أَمَرَتها حَماتُها. فأَكَلَ بوعَزُ وشَرِبَ وطابَت نَفسُه وجاءَ لِيَضطَجِعَ عِندَ طَرَفِ كُدْسِ الحُبوب، وأَتَت إِلَيه خِلسَةً وكَشَفَت جِهَةَ رِجلَيه وٱضطَجَعَت. وكانَ عِندَ ٱنتِصافِ اللَّيلِ أَنَّ الرَّجُلَ ٱرتَعَشَ وٱلتَفَتَ، فإِذا بِٱمرَأَةٍ مُضطَجِعَةٌ عِندَ رِجلَيه. فقال: «مَن أَنتِ؟» فقالَت: «أَنا راعوتُ أَمَتُكَ، فٱبسُطْ ذَيلَ رِدائِكَ على أَمَتِكَ، لأَنَّكَ ولِيّ». فقال: «بارَكَكِ الرَّبُّ يا ٱبنَتي، لأَنَّ أَمانَتَكِ الأَخيرَةَ خَيرٌ مِنَ الأُولى، إِذ لم تَسعَي وَراءَ الشُّبَّان، فُقَراءَ كانوا أَو أَغْنِياء. والآنَ لا تَخافي يا ٱبنَتي، ومَهْما قُلتِ فأَنا أَفعَلُه لَكِ، فقَد عَلِمَ كُلُّ الشَّعْبِ في بابِ المَدينةِ أَنَّكِ ٱمرَأَةٌ فاضِلَة. نَعَم، إِنِّي قَريب، ولٰكِنَّ لَكِ قَريبًا أَقرَبَ مِنِّي. فبيتي لَيلَتَكِ هٰذه، وإِذا أَصبَحتِ فقَضى لَكِ حَقَّ القَرَابة، فنِعِمَّا فلْيَفعَلْ، وإِن لم يَشَأْ أَن يَقضِيَ لَكِ حَقَّ القَرابة، فأَنا أَقْضيه لكِ. حَيٌّ الرَّبّ! فنامي حَتَّى تُصبِحي». فرَقَدَت عِندَ رِجلَيه إِلى الصَّباح، وقامَت قَبلَ أَن يَعرِفَ الإِنسانُ صاحِبَه. فإِنَّ بوعَزَ كانَ يَقولُ في نَفْسِه: لا يَعلَمْ أَحَدٌ أَنَّ تِلكَ المَرأَةَ جاءَت إِلى البَيدَر. ثُمَّ قال: «هاتي الرِّداءَ الَّذي علَيكِ وأَمسِكيه» فأَمسَكَته، فكالَ لَها فيه سِتَّةَ أَكْيالِ شَعيرٍ وجَعَلَها علَيها، ثُمَّ عادَت إِلى المَدينة. وأَقبَلَت راعوتُ على حَماتِها فقالَت لَها: «ما وَراءَكِ يا ٱبنَتي؟» فأَخبَرَتها بِكُلِّ ما صَنَعَ إِلَيها الرَّجُل، وقالَت: «أَعطاني هٰذه الأَكْيالَ السِّتَّةَ مِنَ الشَّعير، لأَنَّه قالَ لي: لن تَدخُلي على حَماتِكِ فارِغة». فقالَت لَها حَماتُها: «أُمكُثي يا ٱبنَتي، حتَّى تَعلَمي كَيفَ يَتِمُّ الأَمْر، لأَنَّ الرَّجُلَ لا يَهدَأُ حتَّى يُتَمِّمَ الأَمرَ في هٰذا اليَوم». وصَعِدَ بوعَزُ إِلى بابِ المَدينَةِ وجَلَسَ هُناك، فإِذا بِالقَريبِ الَّذي تَكَلَّمَ عنه بوعَزُ عابِر. فقالَ لَه: «مِلْ يا فُلان وٱجلِسْ هٰهُنا». فمالَ وجَلَس. ثُمَّ أَتى بِعَشَرَةِ رِجالٍ مِن شُيُوخِ المَدينةِ وقالَ لَهم: «إجلِسوا هٰهُنا». فجَلَسوا. فقالَ لِلقَريب: «إِنَّ نُعْمِيَ الَّتي رَجَعَت مِن حُقولِ موآبَ تَبيعُ حِصَّةَ حَقلِ أَليمَلِكَ أَخينا. فقُلتُ في نَفْسي: إِنِّي أُكاشِفُكَ بِذٰلك وأَقولُ لَكَ: إِشترِ أَمامَ هٰؤُلاءِ الجالِسينَ وأَمامَ شُيوخِ شَعْبي. فإِن كُنتَ تُريدُ أَن تَفُكَّ، فٱفعَلْ، وإِلاَّ فأَخبِرْني لأَعلَم، لأَنَّه لَيسَ مَن يَفُكُّ غَيرَكَ وأَنا بَعدَكَ». فقال: «أَنا أَفُكّ». فقالَ بوعَز: «إِنَّكَ يَومَ تَشتري الحَقلَ مِن نُعْمي تَشتري أَيضًا راعوتَ الموآبِيَّة، ٱمرأَةَ المَيت، لِتُقيمَ ٱسمَ المَيتِ على ميراثِه». فقالَ القَريب: «لا أَستَطيعُ أَن أَفُكَّ لِنَفْسي لِئَلاَّ أُدَمِّرَ ميراثي، ففُكَّ أَنتَ فِكاكي، لأَنِّي لا أَستَطيعُ أَن أَفُكَّ». وكانَتِ العادةُ قَديمًا في إِسْرائيلَ في أَمرِ الفِكاكِ والمُبادَلَةِ، لإثباتِ كُلِّ أَمرٍ، أَن يَخلَعَ الرَّجُلُ نَعلَه ويُعْطِيَها لِصاحِبِه. كذا كانَت صورةُ الشَّهادةِ في إِسْرائيل. فقالَ القَريبُ لِبوعَز: «إِشترِ أَنتَ لِنَفْسِكَ»، وخَلَعَ نَعلَه. فقالَ بوعَزُ لِلشُّيوخِ ولِكُلِّ الشَّعْب: «أَنتُم شُهودٌ اليَومَ على أَنِّي ٱشتَريتُ كُلَّ ما لأَليمَلِك وكُلَّ ما لِكِلْيون ومَحْلون مِن يَدِ نُعْمي. وأَمَّا راعوتُ الموآبِيَّةُ، ٱمرَأَةُ مَحْلون، فأَنتُم شُهودٌ على أَنِّي ٱشتَرَيتُها أَيضًا ٱمرَأَةً لي، لأُقيمَ ٱسمَ المَيتِ على ميراثِه فلا يَنقَرِضَ ٱسمُ المَيتِ مِن بَينِ إِخوَتِه ومِن بابِ مَدينَتِه. أَنتُم شُهودٌ اليَوم». فقالَ كُلُّ الشَّعبِ الَّذي في بابِ المَدينَةِ والشُّيوخ: «نَحنُ شُهود. لِيَجعَلِ الرَّبُّ المَرأَةَ الدَّاخِلَةَ بَيتَكَ كراحيلَ ولَيئَةَ اللَّتَينِ بَنَتا كِلْتاهما بَيتَ إِسْرائيل. فكُنْ صاحِبَ قُدرَةٍ في أَفراتَه وأَقِمْ لَكَ ٱسمًا في بَيتَ لَحْم. ولْيَكُنْ بَيتُكَ مِثلَ بَيتِ فارَص الَّذي وَلَدَته تامارُ لِيَهوذا، بِفَضلِ النَّسلِ الَّذي يَرزُقُكَ الرَّبُّ مِن هٰذه الفَتاة!». فاتَّخَذَ بوعَزُ راعوت وصارَت زوجَةً لَه، ودَخَلَ علَيها، فرَزَقَها الرَّبُّ حَبَلًا ووَلَدَتِ ٱبنًا. فقالَتِ النِّساءُ لِنُعْمي: «تَبارَكَ الرَّبُّ الَّذي لم يُعدِمْكِ اليَومَ قَريبًا يُذكَرُ ٱسمُه في إِسْرائيل، ويَكونُ لَكِ مُنْعِشًا لِقَلبِكِ ومُعيلًا لِشَيبَتِكِ، لأَنَّ كَنَّتَكِ الَّتي أَحَبَّتكِ قد وَلَدَته، وهي خَيرٌ لَكِ من سَبعةِ بَنين». فأَخَذَت نُعْمي الصَّبِيَّ وجَعَلَته في حِجرِها وحَضَنَته. وسَمَّته الجاراتُ بٱسمٍ قائلات: «قد وُلِدَ لِنُعْمِيَ ٱبنٌ»، ودَعَونَه عوبيد، وهو أبو يَسَّى، أَبي داود. وهٰذه مَواليدُ فارَص: فارَصُ وَلَدَ حَصْرون، وحَصْرونُ وَلَدَ رامًا، ورامٌ وَلَدَ عَمِّيناداب، وعَمِّينادابُ وَلَدَ نَحْشون، ونَحْشونُ وَلَدَ سَلْمون، وسَلْمونُ وَلَدَ بوعَز، وبوعَزُ وَلَدَ عوبيد، وعوبيدُ وَلَدَ يَسَّى، ويَسَّى وَلَدَ داوُد. كانَ رَجُلٌ مِنَ الرَّامَتائيم، صوفِيٌّ مِن جَبَلِ أَفْرائيم، يُقالُ لَه أَلْقانَةُ بنُ يَروحامَ بنِ أَليهُوَ ٱبنِ توحُوَ بنِ صوفٍ الأَفْرائيميّ. وكانَت لَه ٱمرَأَتان، اِسمُ إِحْداهُما حَنَّة، وٱسمُ الأُخْرى فَنِنَّة. فرُزِقَت فَنِنَّةُ بَنين، وحَنَّةُ لم يَكُنْ لَها بَنون. وكانَ ذٰلك الرَّجُلُ يَصعَدُ مِن مَدينَتِه مِن سَنَةٍ إِلى سَنَةٍ لِيَسجُدَ وَيذبَحَ لِرَّبِّ القُوَّاتِ في شيلو. وكانَ هُناكَ ٱبْنا عالي، حُفْني وفِنْحاس، كاهِنَينِ لِلرَّبّ. فلمَّا حانَ اليَومُ وذَبَحَ أَلْقانَة، أَعطى فَنِنَّةَ زَوجَتَه وجَميعَ بَنيها وبَناتِها حِصَصًا. وأَمَّا حَنَّةُ فأَعْطاها حِصَّةَ ٱثنَين، لأَنَّه كانَ يُحِبُّ حَنَّة، ولٰكِنَّ الرَّبَّ كانَ قد حَبَسَ رَحِمَها. وكانَت ضَرَّتُها تُغضِبُها لِتُثيرَ ثائِرَها، لأَنَّ الرَّبَّ حَبَسَ رَحِمَها تَمامًا. وهٰكذا كانَ يَحدُثُ سَنَةً بَعدَ سَنَةٍ عِندَ صُعودِها إِلى بَيْتِ الرَّبّ. فكانَت تُغضِبُها، فتَبْكي ولا تَأْكُل. فقالَ لَها أَلْقانَةُ زَوجُها: «يا حَنَّة، ما لَكِ باكِيَةً وما لَكِ لا تَأكُلين، ولِماذا يَكتَئِبُ قَلبُكِ؟ أَلَستُ أَنا خَيرًا مِن عَشَرَةِ بَنين؟» وقامَت حَنَّةُ، مِن بَعدِ ما أَكَلوا في شيلو وشَرِبوا، وكانَ عالي الكاهِنُ جالِسًا على الكُرسِيِّ إِلى دِعامَةِ هَيكَلِ الرَّبّ، فصَلَّت إِلى الرَّبِّ في مَرارةِ نَفْسِها وبَكَت بُكاءً ونَذَرَت نَذْرًا وقالَت: «يا رَبَّ القُوَّات، إِن أَنتَ نَظَرتَ إِلى بُؤسِ أَمَتِكَ وذَكَرتَني ولم تَنسَ أَمَتَكَ وأَعطيتَ أَمَتَكَ مَولودًا ذَكَرًا، أُعطِه لِلرَّبِّ لِكُلِّ أَيَّامِ حَياتِه، ولا يَعْلو رَأسَه موسًى». فلَمَّا أَكثَرَت مِن صَلاتِها أَمامَ الرَّبّ، وكانَ عالي يُراقِبُ فَمَها، وحَنَّةُ تَتَكَلَّمُ في قَلبِها، وشَفَتاها فَقَط تَتَحرَّكان، ولٰكِن لا يُسمَعُ صَوتُها، ظَنَّها عالي سَكْرى. فقالَ لَها عالي: «إِلى متى أَنتِ سَكْرى؟ أَفيقي مِن خَمرِكِ». فأَجابَت حَنَّةُ وقالَت: «كَلاَّ يا سَيِّدي، ولٰكِنِّي ٱمرَأَةٌ مَكْروبَةُ النَّفْس، ولَم أَشرَبْ خَمرًا ولا مُسكِرًا، ولٰكِنِّي أَسكُبُ نَفْسي أَمامَ الرَّبّ. فلا تُنزِلْ أَمَتَكَ مَنزِلَةَ ٱبنَةٍ لا خَيرَ فيها، لأَنِّي إِنَّما تَكَلَّمتُ إِلى الآنَ مِن شِدَّةِ ما بي مِنَ القَلَقِ والغَيظ». فأَجابَها عالي قائِلًا: «إِمْضي بِسَلام، وإِلٰهُ إِسْرائيلَ يُعطِيكِ بُغيَتَكِ الَّتي ٱلتَمَستِها مِن لَدُنْه». فقالَت: «لِتَنَلْ أَمَتُكَ حُظوَةً في عَينَيكَ». ومَضَتِ المَرأَةُ في سَبيلِها وأَكَلَت، ولَم يَعُدْ وَجهُها كما كان. وبَكَّروا في الصَّباح، وسَجَدوا أَمامَ الرَّبّ، ورَجَعوا ذاهِبينَ إِلى مَنزِلِهم بِالرَّامة. وعَرَفَ أَلْقانَةُ حَنَّةَ زَوجَتَه، وذَكَرَها الرَّبّ. فكانَ في ٱنقِضاءِ الأَيَّامِ أَنَّ حَنَّةَ حَمَلَت وَوَلَدَتِ ٱبنًا، فدَعَته صَموئيل، لأَنَّها قالَت: «مِنَ الرَّبِّ ٱلتَمَستُه». وصَعِدَ زَوجُها أَلْقانةُ وكُلُّ بَيتِه، لِيُقَدِّمَ لِلرَّبِّ الذَّبيحَةَ السَّنَوِيَّةَ ويَفِيَ بِنَذرِه. وأَمَّا حَنَّة، فلَم تَصعَدْ، لأَنَّها قالَت لِزَوجِها: «مَتى فُطِمَ الصَّبِيُّ، أَذهَبُ بِهِ لِيَمثُلَ أَمامَ الرَّبِّ ويُقيمَ هُناكَ لِلأَبَد». فقالَ لَها أَلْقانَةُ زَوجُها: «إِفعَلي ما يَحسُنُ في عَينَيكِ، وٱمكُثي حتَّى تَفطِميه، وحَسبُنا أَنَّ الرَّبَّ يُحَقِّقُ كَلامَه». فمَكَثَتِ المَرأَةُ تُرضِعُ ٱبنَها حتَّى فطَمَته. فلَمَّا فَطَمَته، صَعِدَت بِه، ومَعَها ثَورٌ ٱبنُ ثَلاثِ سَنَوات، وإِيفَةٌ مِن دَقيق، وزِقُّ خَمْر، وجاءت بِه إِلى الرَّبِّ في شيلو، وكانَ الصَّبِيُّ لا يَزالُ طِفلًا. فذَبَحوا الثَّورَ وقَدَّموا الصَّبِيَّ إِلى عالي. وقالَت: «يا سَيِّدي، حَيَّةٌ نَفْسُكَ! أَنا المَرأَةُ الَّتي وَقَفَتْ لَدَيكَ هٰهُنا تُصَلِّي إِلى الرَّبّ. إِنِّي لأَجلِ هٰذا الصَّبِيِّ صَلَّيتُ، فأَعطانِيَ الرَّبُّ بُغَيتي الَّتي سَأَلتُها مِن لَدُنه. ولأَجلِ ذٰلك وَهَبتُه لِلرَّبّ، فيَكونُ عارِيَّةً كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه». وسَجَدوا هُناكَ لِلرَّبّ. وصَلَّت حَنَّةُ فقالَت: إِبتَهَجَ قَلْبي بِالرَّبّ، وٱرتَفَعَ رَأسي بِالرَّبّ، وٱتَّسَعَ فَمي على أَعْدائي، لأَنِّي قد فَرِحتُ بِخَلاصِكَ. لا قُدُّوسَ مِثلُ الرَّبّ، لأَنَّه لَيسَ أَحَدٌ سِواكَ، ولَيسَ صَخرَةٌ كإِلٰهِنا. لا تُكثِروا مِن كَلامِ التَّشامُخ، ولا تَخرُجْ وَقاحَةٌ مِن أَفْواهِكم، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهٌ عَليمٌ، وازِنُ الأَعْمال. كُسِرَت قِسِيُّ المُقتَدِرين، وتَسَربَلَ المُتَعَثِّرونَ بِالقُوَّة. الشَّباعى آجَروا أَنفُسَهم بِالخُبزِ، والجِياعُ كَفُّوا عنِ العَمَل، حتَّى إِنَّ العاقِرَ وَلَدَت سَبعَةً، والكَثيرةَ البَنينَ ذَبِلَت. الرَّبُّ يُميتُ ويُحْيي، يُحدِرُ إِلى مَثْوى الأَمواتِ ويُصعِدُ مِنه. الرَّبُّ يُفقِرُ ويُغْني، يَضَعُ ويَرفَع، يُنهِضُ المِسْكينَ عنِ التُّراب، يُقيمُ الفَقيرَ مِنَ المَزبَلة، لِيُجلِسَه معَ العُظَماء ويورِثَه عَرشَ المَجد، لأَنَّ لِلرَّبِّ أَعمِدَةَ الأَرض، وقد وَضَعَ علَيها الدُّنْيا. يَحفَظُ أَقْدامَ أَصْفِيائِه، والأَشْرارُ في الظَّلامِ يَزولون، لأَنَّه لا يَغلِبُ إِنْسانٌ بِقُوَّتِه. مُخاصِمو الرَّبِّ يَنكَسِرون، وعلى كُلٍّ مِنهم يُرعِدُ مِنَ السَّماء. الرَّبُّ يَدينُ أَقاصِيَ الأَرْض، يَهَبُ عِزَّةً لِمَلِكِه، ويَرفَعُ رَأسَ مَسيحِه». ثُمَّ مَضى أَلْقانةُ إِلى الرَّامة، إِلى مَنزِلِه. وأَمَّا الصَّبِيُّ فكانَ يَخدِمُ الرَّبَّ أَمامَ عالِيَ الكاهِن. وكانَ بَنو عالي أَبناءً لا خَيرَ فيهم. لا يَعرِفونَ الرَّبّ، ولا حَقَّ الكَهَنَةِ مِنَ الشَّعْب، وإِنَّما كانوا، كُلَّما ذَبَحَ رَجُلٌ ذَبيحةً، يَجيءُ خادِمُ الكاهِنِ عِندَ طَبخِ اللَّحْمِ، وبِيَدِه شَوكَةٌ ذاتُ ثَلاثِ أَسْنان. فيَشُكُّها في القِدْرِ أَوِ المِرجَلِ أَوِ البَرنِيَّةِ أَوِ الوِعاء، فما خَرَجَ بِالشَّوكَةِ يأخُذُه الكاهِنُ لِنَفْسِه. كذٰلك كانوا يَصنَعون مع كُلِّ إِسْرائيلَ القادِمِ إِلى شيلو. وكذٰلك قَبلَ إِحراقِ الشَّحمِ، كانَ يَجيءُ خادِمُ الكاهِنِ إِلى صاحِبِ الذَّبيحة، ويَقولُ لَه: «هاتِ لَحمًا يُشْوى لِلكاهِن، فإِنَّه لا يَقبَلُ مِنكَ لَحمًا مَسْلوقًا، بل نيئًا». فإِن أَجابَه الرَّجُل: «دَعِ الشَّحمَ يَحتَرِقُ أَوَّلًا، ثُمَّ تأخُذُ ما تَرغَبُ فيه نَفسُكَ»، قالَ لَه: «كَلاَّ، بلِ الآنَ تُعْطيني، وإِلاَّ أَخَذتُ مِنكَ بالقُوَّة». وعَظُمَت خَطيئَةُ الشُّبَّانِ أَمامَ الرَّبِّ جِدًّا، لأَنَّ النَّاسَ ٱستَهانوا بِتَقدِمَةِ الرَّبّ. وكانَ صَموئيلُ يَخدِمُ أَمامَ الرَّبِّ، وهو صَبِيّ. وكانَ مُتَمَنطِقًا بِأَفودٍ مِن كَتَّان. وكانَت أُمُّه تَصنَعُ لَه جُبَّةً صَغيرةً وتأتيه بِها مِن سَنَةٍ إِلى سَنَةٍ عِندَ صُعودِها مع زَوجِها لِيَذبَحَ الذَّبيحَةَ السَّنَوِيَّة. فيُبارِكُ عالي أَلقانَةَ وزَوجَتَه قائلًا: «يَرزُقُكَ الرَّبُّ نَسْلًا مِن هٰذه المَرأَةِ بَدَلَ ما وَهَبَت لِلرَّبّ». ثُمَّ يَذهَبانِ إِلى بَيتِهما. وٱفتَقَدَ الرَّبُّ حَنَّة، فحَمَلَت ووَلَدَت ثَلاثَةَ بَنينَ وٱبنَتَين. وشَبَّ صَموئيلُ الصَّبِيُّ أَمام الرَّبّ. وأَمَّا عالي فكانَ قد شاخَ جِدًّا، وبَلَغَه كُلُّ ما يَصنَعُ بَنوه بِكُلِّ إِسرائيلَ ومُجامَعَتُهمُ النِّساءَ الخادِماتِ على بابِ خَيمَةِ المَوعِد. فقالَ لَهم: «لِماذا تَصنَعونَ هٰذا الصَّنيع، وما هٰذا الخَبَرُ القَبيحُ الَّذي أَسمَعُه عنكُم مِن كُلِّ هٰذا الشَّعْب؟ لا، يا بَنِيَّ، إِنَّ السُّمعَةَ الَّتي أَسمَعُها عنكُم لَيسَت بِحَسَنَة، فإِنَّكم تَحمِلونَ شَعبَ الرَّبِّ على المَعصِيَة. إِذا خَطِئَ إِنْسانٌ إِلى إِنْسان، فاللهُ يَحكُم. وأَمَّا إِذا خَطِئَ إِنْسانٌ إِلى الرَّبّ، فمَن يَتَوَسَّطُ لَه؟» فلَم يَسمَعوا لِكَلامِ أَبيهم، لأَنَّ الرَّبَّ شاءَ أَن يُميتَهم. أَمَّا صَموئيلُ الصَّبِيُّ، فكانَ يَتَسامى في القامَةِ والحُظوَةِ عِندَ اللهِ والنَّاس. وجاءَ رَجُلُ اللهِ إِلى عالي وقالَ لَه: «هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: أَلَم أَتَجَلَّ لِبَيتِ أَبيكَ وهُو بِمِصرَ في بَيتِ فِرعَون، وقدِ ٱختَرتُه مِن جَميعِ أَسباطِ إِسْرائيلَ كاهِنًا لي لِيَصعَدَ إِلى مَذبَحي ويُحرِقَ البَخور، ويَحمِلَ الأَفودَ أَمامي، وأَعطَيتُ بَيتَ أَبيكَ جَميعَ الذَّبائِحِ بِالنَّارِ الَّتي يُقَدِّمُها بَنو إِسْرائيل؟ فلِماذا تَدوسونَ ذَبائِحي وتَقادِمِيَ الَّتي أَمَرتُ بِها على الدَّوام، فأكرَمتَ بَنيكَ علَيَّ، لِكَي تُسَمِّنوا أَنفُسَكم بِأَفضَلِ كُلِّ تَقادِمِ إِسْرائيلَ شَعْبي؟ لِذٰلك يَقولُ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنِّي كُنتُ قد قُلتُ: إِنَّ بَيتَكَ وبَيتَ أَبيكَ يَسيرونَ أَمامي لِلأَبد. فأَمَّا الآن، فيَقولُ الرَّبّ: حاشَ لي، لأَنَّ الَّذينَ يُكرِمونَني أُكرِمُهم والَّذينَ يَستَهينونَ بي يُهانون. إنَّها تأتي أَيَّامٌ أَقطَعُ فيها ذِراعَكَ وذِراعَ بَيتِ أَبيكَ، ولا يَكونُ في بَيتِكَ شَيخٌ كَبير. وتَرى الشِّدَّةَ على الدَّوام، مع كُلِّ الخَيرِ الَّذي يُحسَنُ بِه إِلى إِسْرائيل، ولا يَكونُ في بَيتِكَ شيخٌ كَبيرٌ جَميعَ الأَيَّام. غَيرَ أَنِّي لا أَقطَعُ لَكَ رَجُلًا مِن أَمامِ مَذبَحي، إِكْلالًا لِعَينِكَ وإذابَةً لِنَفسِكَ، وكُلُّ مَن يُولَدُ في بَيتِكَ يَموتُ بِحَدِّ السَّيف. وما يأتي على ٱبنَيكَ حُفْنِيَ وفِنْحاسَ يَكونُ لَكَ عَلامة: إِنَّهما في يَومٍ واحِدٍ يَموتانِ كِلاهما. وأَنا أُقيمُ لي كاهِنًا أَمينًا يَعمَلُ بِحَسَبِ ما في قَلْبي ونَفْسي، وأَبْني لَه بَيتًا ثابِتًا، فيَسيرُ أَمامَ مَسيحي كُلَّ الأَيَّام. وكُلُّ مَن يَبْقى مِن بَيتِكَ يَأتيه ويَسجُدُ لَه لِلحُصولِ على قِطعَةِ فِضَّةٍ ورَغيفِ خُبْز، ويَقول: ضُمَّني إِلى إِحدى خَدَمِ الكَهَنوت، لِآكُلَ كِسرَةَ خُبْز». وأَمَّا صَموئيلُ الصَّبِيُّ فكانَ يَخدِمُ الرَّبَّ بَينَ يَدَي عالي. وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ نادِرةً في تِلكَ الأَيَّام، ولم تَكُنِ الرُّؤَى مُتَواتِرة. وكانَ في تِلكَ الأَيَّامِ أَنَّ عالِيَ كانَ راقِدًا في غُرفَتِه، وكانَت عَيناه قدِ ٱبتَدَأَتا تَكِلاَّن، فلم يَكُنْ يَستَطيعُ أَن يُبصِر. وكانَ مِصْباحُ اللهِ لم يَنطَفِئْ بَعدُ، وصَموئيلُ راقِدٌ في هَيكَلِ الرَّبِّ حَيثُ تابوتُ الله. فدَعا الرَّبُّ صَموئيل، فقال: «هاءَنَذا». وركَضَ إِلى عالِيَ وقال: «هاءَنَذا، إِنَّكَ دَعَوتَني». فقالَ لَه: «لم أَدعُكَ، إِرجِعْ فنَمْ». فرَجَعَ ونام. فعادَ الرَّبُّ ودَعا صَموئيلَ أيضًا. فقامَ صَموئيلُ وذَهَبَ إِلى عالِيَ وقالَ: «هاءَنَذا، إِنَّكَ دَعَوتَني». فقالَ لَه: «لم أَدعُكَ، يا بُنَيَّ، إِرجِعْ فنَم». ولم يَكُنْ صَموئيلُ يَعرِفُ الرَّبَّ بَعدُ، ولم يَكُنْ بَعدُ قد أُعلِنَ لَه كَلامُ الرَّبّ. فعادَ الرَّبُّ ودَعا صَموئيلَ ثالِثَةً. فقامَ وذَهَبَ إِلى عالِيَ وقالَ: «هاءَنَذا، إِنَّكَ دَعَوتَني». فأَدرَكَ عالي أَنَّ الرَّبَّ هو الَّذي يَدْعو الصَّبِيّ. فقالَ عالي لِصَموئيل: «إِذهَبْ فنَمْ، وإِن دَعاكَ أَيضًا، فقُلْ: تَكَلَّمْ، يا رَبّ، فإِنَّ عَبدَكَ يَسمَع». فذَهَبَ صَموئيلُ ونامَ في مَكانِه. فجاءَ الرَّبُّ ووَقَفَ ودَعا كالمَرَّاتِ الأُولى: «صَموئيل، صَموئيل». فقالَ صَموئيل: «تَكَلَّمْ، فإِنَّ عَبدَكَ يَسمَع». فقالَ الرَّبُّ لِصَموئيل: «إِنِّي صانِعٌ في إِسْرائيلَ أَمرًا كُلُّ مَن سَمِعَ بِه تَطِنُّ أُذُناه. في ذٰلِكَ اليَومِ أُتِمُّ على عالِيَ كُلَّ ما تَكَلَّمتُ بِه على بَيتِه مِنَ البِدايَةِ وحتَّى النِّهاية. فقَد أَنبَأتُه بِأَنِّي أَحكُمُ على بَيتِه لِلأَبَد، بِسَبَبِ الإِثمِ الَّذي يَعلَمُ أَنَّ بَنيه لَعَنوا بِه الله، فلم يَردَعْهم. ولِذٰلك أَقسَمتُ على بَيتِ عالِيَ أَنَّه لا يُكَفَّرُ إِثمُ بَيتِ عالِيَ بِذَبيحةٍ أَو تَقدِمَةٍ لِلأَبَد». وبَقِيَ صَموئيلُ راقِدًا إِلى الصَّباح. ثُمَّ فَتَحَ أَبْوابَ بَيتِ الرَّبّ، وخافَ صَموئيلُ أَن يَقُصَّ الرُّؤيا على عالي. فدعا عالي صَموئيلَ وقال: «يا صَموئيلُ ٱبْني». فقالَ صَموئيل: «هاءَنَذا». فقال: «ما الكَلامُ الَّذي كَلَّمَكَ بِه؟ لا تَكتُمْني. كَذا يَصنَعُ اللهُ بِكَ وكَذا يَزيد، إِن كَتَمتَني كَلِمَةً مِن كُلِّ ما كَلَّمَكَ بِه». فأَخبَرَه صَموئيلُ بِكُلِّ الكَلام، ولم يَكْتُمْه شَيئًا. فقال عالي: «هو الرَّبّ، فما حَسُنَ في عَينَيه فلْيَفعَلْ». وكَبِرَ صَموئيل، وكانَ الرَّبُّ معَه، ولم يَدَعْ شَيئًا مِن كُلِّ كَلامِه يَسقُطُ على الأَرض. وعَلِمَ كُلُّ إِسْرائيل، مِن دانَ إِلى بِئرَ سَبْع، أَنَّ صَموئيلَ قدِ ٱئتَمَنه الرَّبُّ نَبِيًّا. وعادَ الرَّبُّ يَتَراءَى في شيلو، لأَنَّه في شيلو تَجَلَّى الرَّبُّ لِصَموئيلَ بِكَلِمَةِ الرَّبّ. وكانَ كَلامُ صَموئيلَ إِلى كُلِّ إِسْرائيل. وخَرَجَ إِسْرائيلُ على الفَلِسطينِيِّينَ لِلحَرْب. فعَسكَروا عِندَ أَبانَ هاعيزَر، وعَسكَرَ الفَلِسطينِيُّونَ في أَفيق. وٱصطَفَّ الفَلِسطينِيُّونَ بإِزاءِ إِسْرائيل، وٱتَّسَعَ القِتال، فٱنكَسَرَ إِسْرائيلُ أَمامَ الفَلِسطينِيِّين، فقَتَلوا مِنَ الصَّفِّ وفي البَرِّيَّةِ نَحوَ أَربَعَةِ آلافِ رَجُل. فرَجَعَ الشَّعبُ إِلى المُعَسكَر. فقالَت شُيوخُ إِسْرائيل: «لِماذا هَزَمَنا اليَومَ الرَّبُّ أَمامَ الفَلِسطينيِّين؟ فلْنَأخُذْ لَنا مِن شيلو تابوتَ عَهدِ الرَّبّ، فيَكونَ في وَسْطِنا لِيُخَلِّصَنا مِن يَدِ أَعْدائِنا». فأَرسَلَ الشَّعبُ إِلى شيلو وحَمَلوا مِن هُناكَ تابوتَ عَهدِ رَبِّ القُوَّاتِ الجالِسِ على الكَروبين. وكانَ هُناكَ ٱبْنا عالي، حُفْني وفِنْحاس، مع تابوتِ عَهدِ الله. فلَمَّا وَصَلَ تابوتُ عَهدِ الرَّبِّ إِلى المُعَسكَر، هَتَفَ كُلُّ إِسْرائيلَ هُتافًا شَديدًا حتَّى ٱرتَجَّتِ الأَرض. وسَمِعَ الفَلِسطِينِيُّونَ صَوتَ الهُتاف، فقالوا: «ما هٰذا الصَّوت، هٰذا الهُتافُ العَظيمُ في مُعَسكَرِ العِبْرانِيِّين؟» فعَلِموا أَنَّ تابوتَ الرَّبِّ وَصَلَ إِلى المُعَسكَر. فخافَ الفَلِسطينِيُّونَ وقالوا: «إِنَّ اللهَ قد وَصَلَ إِلى المُعَسكَر»، وقالوا: «الوَيلُ لَنا! إِنَّه لم يَكُنْ مِثلُ هٰذا الأَمرِ مِن أَمسِ فما قَبلُ. الوَيلُ لَنا! مَن يُنقِذُنا مِن يَدِ أُولٰئِكَ الآلِهَةِ القادِرين؟ إِنَّهم همُ الآلِهَةُ الَّذينَ ضَرَبوا مِصرَ كُلَّ ضَربَةٍ في البَرِّيَّة. تَشَدَّدوا يا أَهلَ فَلِسْطين، وكونوا رِجالًا كَيلا تُستَعبَدوا لِلعِبْرانِيِّين، كما ٱستُعبِدوا هم لَكم، فكونوا رِجالًا وقاتِلوا». وقاتَلَ الفَلِسطينِيُّون، فٱنكَسَرَ إِسْرائيلُ وهَرَبَ كُلُّ واحِدٍ إِلى خَيمَتِه، وكانَت ضَربَةٌ شَديدةٌ جِدًّا، فسَقَطَ مِن إِسْرائيلَ ثَلاثونَ أَلفًا مِنَ الرَّجَّالَة. وأُخِذَ تابوتُ الله، وقُتِلَ ٱبْنا عالي، حُفْني وفِنْحاس. فرَكَضَ رَجُلٌ مِن بَنْيامينَ مِن جَبهَةِ القِتال، وأَتى شيلو في ذٰلك اليَومِ، وثِيابُه مُمَزَّقة، والتُّرابُ على رأسه. ولَمَّا وَصَل، إِذا بِعالي جالِسٌ على الكُرسِيِّ بِجانِبِ الطَّريق، وهو يُراقِب، لأَنَّ قَلبَه كانَ قَلِقًا على تابوتِ الله. فأَتى الرَّجُلُ وأَخبَرَ في المَدينة. فصَرَخَتِ المَدينةُ بِأَسرِها. وسَمِعَ عالي ضَجيجَ الصُّراخِ فقال: «ما هٰذه الضَّجَّة؟» فأَسرَعَ الرَّجُلُ وجاءَ وأَخبَرَ عالي. وكانَ عالِي ٱبنَ ثمانٍ وتِسْعينَ سَنَة، وكانَت عَيناه قد جَمَدَتا، ولم يَكُنْ يَقدِرُ أن يُبصِر. فقالَ الرَّجُلُ لِعالي: «أَنا قادِمٌ مِن جَبهَةِ القِتال، ومِن جَبهَةِ القِتالِ هَرَبتُ اليَوم». فقال: «ما الخَبَرُ يا بُنَيَّ؟» فأَجابَ المُخبرُ قائلًا: «هَرَبَ إِسْرائيلُ أَمامَ الفَلِسطينِيِّين. وكانَت أَيضًا ضَربَةٌ عَظيمةٌ في الشَّعْب، وقُتِلَ ٱبْناكَ أَيضًا، حُفْني وفِنْحاس، وأُخِذَ تابوتُ الله». فلَمَّا ذَكَرَ تابوتَ الله، سَقَطَ عالي عنِ الكُرسِيِّ إِلى خَلفِه على جانِبِ الباب، فاندَقَّ عُنُقُه ومات، لأَنَّ الرَّجُلَ كانَ قد شاخَ وثَقُل. وكانَ قد تَوَلَّى قَضاءَ إِسْرائيلَ أَربَعينَ سَنَة. وكانَت كَنَّتُه، ٱمرأَةُ فِنْحاس، حامِلًا، وكانَت قد دَنَت أَيَّامُ وِلادَتِها. فلَمَّا سَمِعَت أَنَّ تابوتَ عَهدِ اللهِ قد أُخِذَ وأَنَّ حَماها وبَعلَها قد ماتا، سَقَطَت ووَلَدَت، لأَنَّ المَخاضَ أَخَذَها. فلَمَّا أَشرَفَت على المَوت، قالَت لَها اللَّواتي كُنَّ يُساعِدْنَها: «لا تَخافي، لأَنَّ الَّذي وَلَدتِه صَبِيٌّ». فلَم تُجِبْهم ولم تَكتَرِثْ. وسَمَّتِ الصَّبِيَّ إيكابود، قائِلةً: «قد جُلِيَ المَجدُ عن إِسْرائيل»، بِسَبَبِ تابوتِ اللهِ الَّذي أُخِذَ وبِسَبَبِ حَميها وبَعلِها. قالَت: «قد جُلِيَ المَجدُ عن إِسْرائيل، لأَنَّ تابوتَ اللهِ قد أُخِذ». فأَمَّا الفَلِسطينِيُّون، فأَخَذوا تابوتَ اللهِ ومَضَوا بِه مِن أَبانَ هاعيزَرَ إِلى أَشْدود. ثُمَّ أَخَذَ الفَلِسطينِيُّونَ تابوتَ الله، وأَدخَلوه بَيتَ داجون، وأَقاموه بِقُربِ داجون. وبَكَّرَ الأَشْدودِيُّونَ مِنَ الغَد، فإِذا بِداجونَ مُلْقًى على وَجهِه على الأَرضِ أَمامَ تابوتِ الرَّبّ. فأَخذوا داجونَ ورَدُّوه إِلى مَكانِه. ثُمَّ بَكَّروا في صَباحِ الغَد، فإِذا بِداجونَ مُلْقًى على وَجهِه على الأَرضِ أَمامَ تابوتِ الرَّبّ، ورَأسُ داجونَ وكَفَّاه مَقْطوعةٌ عِندَ عَتَبَةِ الباب. وبَقِيَ جِذعُه وَحدَه في مَكانِه. لِذٰلك لا يَدوسُ كَهَنَةُ داجونَ وجَميعُ الدَّاخِلينَ بَيتَ داجونَ عَتَبَةَ بابِ داجونَ في أَشْدودَ إِلى هٰذا اليَوم. وثَقُلَت يَدُ الرَّبِّ على الأَشْدودِيِّين، فدَمَّرَهم وضَرَبَهم بِالبَواسيرِ في أَشْدودَ وأَرضِها. فلَمَّا رَأَى أَهلُ أَشْدودَ ذٰلك، قالوا: «لا يَلبَثْ تابوتُ إلٰهِ إِسْرائيلَ عِندَنا، لأَنَّ يَدَه قاسِيَةٌ علَينا وعلى داجونَ إِلٰهِنا». فأَرسَلوا وجَمَعوا إِلَيهم كُلَّ أَقْطابِ الفَلِسطينِيِّينَ وقالوا: «ماذا نَصنَعُ بِتابوتِ إِلٰهِ إِسْرائيل؟» فقالوا: «لِيُنْقَلْ تابوتُ إِلٰهِ إِسْرائيلَ إِلى جَتّ». فنَقَلوا تابوتَ إِلٰهِ إِسْرائيل. وكانَ مِن بَعدِ ما نَقَلوه أَنَّ يَدَ الرَّبِّ كانَت على المَدينةِ بِٱضطِرابٍ شَديدٍ جِدًّا، وضَرَبَ أَهلَ المَدينةِ مِنَ الصَّغيرِ إِلى الكَبيرِ، وٱنبَعَثَت فيهمِ البَواسير. ثُمَّ أَرسَلوا تابوتَ اللهِ إِلى عَقْرون. فكانَ عِندَ وُصولِ تابوتِ اللهِ إِلى عَقْرون أَن صَرَخَ أَهلُ عَقْرونَ وقالوا: «قد أَتَوني بِتابوتِ إِلٰهِ إِسْرائيلَ لِيَقتُلَني أَنا وشَعْبي». وأَرسَلوا وجَمَعوا كُلَّ أَقْطابِ الفَلِسطينِيِّينَ وقالوا: «أَرسِلوا تابوتَ إِلٰهِ إِسْرائيل، ورُدُّوه إِلى مَكانِه، لِئَلاَّ يَقتُلَني أَنا وشَعْبي، لأَنَّ ٱضطِرابَ المَوتِ حَلَّ في المَدينَةِ كُلِّها». وكانَت يَدُ اللهِ هُناكَ ثَقيلَةً جِدًّا. والَّذينَ لم يَموتوا مِنهم أَصابَتهمُ البَواسير، وٱرتَفَعَ صُراخُ نَجدَةِ المَدينةِ إِلى السَّماء. وكانَ تابوتُ الرَّبِّ في بِلادِ فَلِسْطينَ سَبعَةَ أَشهُر. فدَعا الفَلِسطينِيُّونَ الكَهَنَةَ والعرَّافينَ وقالوا: «ماذا نَصنَعُ بِتابوتِ الرَّبّ؟ أَخبِرونا كَيفَ نُرسِلُه إِلى مَكانِه» وقالوا: «إِن أَرسَلتُم تابوتَ إِلٰهِ إِسْرائيل، فلا تُرسِلوه فارِغًا، بل أَدُّوا لَه ذَبيحَةَ إِثْمٍ، فتَبرَأُونَ وتَعلَمونَ لِماذا لم تَكُفَّ يَدُه عنكم». فقالوا: «ما ذَبيحةُ الإِثْمِ الَّتي نُؤَدِّيها لَه؟» قالوا: «على عَدَدِ أَقْطابِ الفَلِسطِينِيِّينَ، خَمسَةُ بَواسيرَ مِن ذَهَب وخَمسُ فِئْرانٍ مِن ذَهَب، لأَنَّ ضَربَةً واحِدَةً نالَتْكم جَميعًا، أَنتُم وأَقْطابَكم. فتَصوغونَ أَمثِلَةَ بَواسيرِكم وأَمثِلَةَ فِئْرانِكمُ المُتلِفَةِ لأَرضِكم، وتُؤَدُّونَ لإلٰهِ إِسْرائيلَ مَجدًا، لَعَلَّه يُخَفِّفُ يَدَه عنكم وعن آلِهَتِكم وأَرضِكم. لِماذا تُقَسُّونَ قُلوبَكم كما قَسَّى المِصريُّونَ وفِرعَونُ قُلوبَهم؟ أَلَيسَ أَنَّه، بَعدَ أَن قَسا اللهُ علَيهم، أَخْلَوا سَبيلَهم فمَضَوا؟ والآنَ فٱصنَعوا مَركَبَةً جَديدة، وخُذوا بَقَرَتَينِ مُرضِعَينِ لم يَعْلُهما نير، وشُدُّوا البَقَرَتَينِ إِلى المَركَبَة، ورُدُّوا عِجلَيهِما مِن وَرائِهما إِلى البَيت. وخُذوا تابوتَ الرَّبِّ وٱجعَلوه على المَركَبَة. وأَدَواتُ الذَهَبِ الَّتي تُؤَدُّونَها لَه ذَبيحَةَ إِثمٍ، اِجعَلوها في صُنْدوقٍ بِجانِبِه، وأَطلِقوه فيَذهَب. وٱنظُروا، فإِن صَعِدَ في طَريقِ أَرضِه جِهَةَ بَيتَ شَمْس، يَكونُ هو الَّذي أَنزَلَ بَنا هٰذه الكارِثَةَ الشَّديدة، وإِلاَّ عَلِمْنا أَن لَيسَت يَدُه هي الَّتي ضَرَبَتنا، وإِنَّما كانَ ذٰلكَ ٱتِّفاقًا». ففَعَلَ القَومُ كذٰلك، وأَخَذوا بَقَرَتينِ مُرضِعَين، وشَدُّوهما إِلى المَركَبَة، وحَبَسوا عِجلَيهما في البَيت، ووَضَعوا تابوتَ الرَّبِّ على المَركَبَة مع الصُّنْدوقِ والفِئْرانِ الذَّهَبِيَّةِ وأَمثِلَةِ بَواسيرِهم. فتَوَجَّهتِ البَقَرَتانِ رأسًا على طَريقِ بَيتَ شَمْس، وكانَتا تَسيرانِ على الطَّريقِ نَفسِه، وهما تَخورانِ في مَسيرِهما، ولم تَحيدا يَمنَةً ولا يَسرَةً، وأَقْطابُ الفَلِسطينِيِّينَ يَسيرونَ وَراءَهما إِلى حُدودِ بَيتَ شَمْس. وكانَ أَهلُ بَيتَ شَمْسَ يَحصُدونَ حِصادَ الحِنطَةِ في السَّهْل، فرَفَعوا عُيونَهم وأَبصَروا التَّابوتَ، ففَرِحوا لِرُؤيَتِه. وأَتَتِ المَركَبَةُ حَقلَ يَشوعَ الَّذي مِن بَيتَ شَمْس، ووَقَفَت هُناكَ. وكانَ هُناكَ حَجَرٌ كَبير فَشَقَّقوا خَشَبَ المَركَبَة، وأَصعَدوا البَقَرَتَينِ مُحرَقَةً لِلرَّبّ. وكانَ اللاَّوِيُّون قد أَنزَلوا تابوتَ الرَّبِّ والصُّنْدوقَ الَّذي معه والَّذي فيه الأَدَواتُ الذَّهَبِيَّة، ووَضَعوه على الحَجَرِ الكَبير. فأَصعَدَ أَهلُ بَيتَ شَمسَ مُحرَقاتٍ وذَبَحوا في ذٰلك اليَومِ ذَبائِحَ لِلرَّبّ. وأَمَّا أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّينَ الخَمسَة، فرَأَوا ورَجَعوا مِن يَومِهم إِلى عَقْرون. وهٰذه البَواسيرُ الذّهَبِيَّةُ الَّتي أَدَّاها الفَلِسطِينِيُّونَ ذَبيحَةَ إِثمٍ لِلرَّبّ: واحِدٌ مِنها عن أَشْدود، وواحِدٌ عن غَزَّة، وواحِدٌ عن أَشْقَلون، وواحِدٌ عن عَقْرون. وفِئْرانُ الذَّهَبِ على عَدَدِ جَميعِ مُدُنِ فَلِسْطينَ، الَّتي لِلأَقْطابِ الخَمسَة، مِنَ المَدينَةِ المُحَصَّنة، إِلى قَريَةِ الرِّيف، إِلى الحَجَرِ الكَبيرِ الَّذي وَضَعوا علَيه تابوتَ الرَّبّ، والَّذي لم يَزَلْ إِلى اليَومِ في حَقلِ يَشوعَ الَّذي مِن بَيتَ شَمْس. وضَرَبَ الرَّبُّ أَهلَ بَيتَ شَمْس، لأَنَّهم نَظَروا إِلى ما في تابوتِ الرَّبّ، وقَتَلَ مِنَ الشَّعبِ سَبْعينَ رَجُلًا، وكانوا خَمْسينَ أَلفَ رَجُل. فحَزِنَ الشَّعبُ، لأَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَ الشَّعبَ هٰذه الضَّربَةَ الشَّديدة. وقالَ أَهلُ بَيتَ شَمْس: «مَنِ الَّذي يَقدِرُ أَن يَقِفَ أَمامَ الرَّبِّ الإلٰهِ القُدُّوسِ هٰذا وإِلى مَن يَصعَدُ بعيدًا عنًّا؟» وأَرسَلوا رُسُلًا إِلى سُكَّانِ قِريَةَ يَعاريم وقالوا: «قد رَدَّ الفَلِسطينِيُّونَ تابوتَ الرَّبّ، فٱنزِلوا وأَصعِدوه إِلَيكم». فأَتى أَهلُ قِريَةَ يَعاريم، وأَصعَدوا تابوتَ الرَّبِّ وأَدخَلوه بَيتَ أَبينادابَ في الأَكَمَة، وقَدَّسوا أَلِعازارَ ٱبنَه لأَجلِ حِراسَةِ تابوتِ الرَّبّ. وكانَ، مُذْ يَومَ أَقامَ تابوتُ الرَّبِّ في قِريَةَ يَعاريم، أن طالَتِ الأَيَّامُ ومَضَت عِشْرونَ سَنَة، وتاقَ كُلُّ بَيتِ إِسْرائيلَ إِلى الرَّبّ. فكَلَّمَ صَموئيلُ بَيتَ إِسْرائيلَ كُلَّه وقالَ لَهم: «إِن كُنتُم راجِعينَ إِلى الرَّبِّ مِن كُلِّ قُلوبِكم، فأَبعِدوا الآلِهَةَ الغَريبَةَ والعَشْتاروتَ مِن بَينِكم، وثَبِّتوا قُلوبَكم في الرَّبّ، وٱعبُدوه وَحدَه فيُنقِذَكم مِن يَدِ الفَلِسطينِيِّين». فأَبعَدَ بَنو إِسْرائيلَ عنهمُ البَعلَ والعَشْتاروت، وعَبَدوا الرَّبَّ وَحدَه. فقالَ صَموئيل: «أُحشُدوا كُلَّ إِسْرائيلَ إِلى المِصْفاة، فأُصَلِّيَ لأَجلِكم إِلى الرَّبّ». فٱجتَمَعوا في المِصْفاة، وٱستَقَوا ماءً وصَبُّوه أَمامَ الرَّبّ، وصاموا في ذٰلك اليَومِ وقالوا هُناك: «قد خَطِئْنا إِلى الرَّبّ». وقضى صَموئيلُ لِبَني إِسْرائيلَ في المِصْفاة. وسَمِعَ الفَلِسطينِيُّونَ أَنَّ بَني إِسْرائيلَ قدِ ٱجتَمَعوا في المِصْفاة. فصَعِدَ أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّينَ على إِسْرائيل. فلَمَّا سَمِعَ بَنو إِسْرائيل، خافوا مِنَ الفَلِسطينِيِّين. وقالَ بَنو إِسْرائيلَ لِصَموئيل: «لا تَكُفَّ عنِ الصُّراخِ لأَجلِنا إِلى الرَّبِّ إِلٰهِنا لِيُخَلِّصَنا مِن يَدِ الفَلِسطينِيِّين». فأَخَذَ صَموئيلُ حَمَلًا رَضيعًا وأَصعَدَه مُحرَقَةً كامِلَةً لِلرَّبّ، وصَرَخَ صَموئيلُ إِلى الرَّبِّ لأَجلِ إِسْرائيل، فٱستَجابَ لَه الرَّبّ. وكانَ أَنَّه، بَينَما صَموئيلُ يُصعِدُ المُحرَقَة، تَقَدَّمَ الفَلِسطينِيُّونَ لِمُحارَبَةِ إِسْرائيل، فأَرعَدَ الرَّبُّ بِصَوتٍ عَظيمٍ في ذٰلك اليَومِ على الفَلِسطينِيِّينَ وهَزَمَهم فٱنكَسَروا أَمامَ إِسْرائيل. فخَرَجَ رِجالُ إِسْرائيلَ مِنَ المِصْفاة، وطارَدوا الفَلِسطينِيِّينَ وضَرَبوهم إِلى ما تَحتَ بَيتَ كار. فأَخَذَ صَموئيلُ حَجَرًا ونَصَبَه بَينَ المِصْفاةِ والسِّنّ، وسَمَّاه أَبانَ هاعيزَر وقال: «إِلى هٰهُنا نَصَرَنا الرَّبّ». فذَلَّ الفَلِسطينِيُّونَ ولم يَعودوا يَدخُلونَ أَرضَ إِسْرائيل. وكانَت يَدُ الرَّبِّ على الفَلِسطينِيِّينَ كُلَّ أَيَّامِ صَموئيل. ورُدَّت إِلى إِسْرائيلَ المُدُنُ الَّتي أَخَذَها مِنهُمُ الفَلِسطينِيُّون، مِن عَقْرونَ إِلى جَتّ، وأَنقَذَ إِسْرائيلُ أَرضَها مِن يَدِ الفَلِسطينِيِّين. وكانَ بَينَ إِسْرائيلَ والأَمورِيِّينَ سِلْم. وتَوَلَّى صَموئيلُ قَضاءَ إِسْرائيلَ كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه. وكانَ يَذهَبُ في كُلِّ سَنَةٍ ويَطوفُ في بَيتَ إِيلَ والجِلْجالِ والمِصْفاة، ويَقْضي لإسْرائيلَ في جَميعِ تِلكَ الأَماكِن، ثُمَّ يَرجِعُ إِلى الرَّامة، لأَنَّ بَيتَه كانَ هُناك، وكانَ يَقْضي فيها لإسْرائيل. وبَنى هُناكَ مَذبَحًا للرَّبّ. ولَمَّا شاخَ صَموئيل، أَقامَ ٱبنَيه قاضِيَين لإسرائيل. وكانَ ٱسمُ ٱبنِه البِكْرِ يوئيل، وٱسمُ الثَّاني أَبِيَّا، وكانا قاضِيَينِ في بِئرَ سَبْع. ولم يَسِرِ ٱبْناه في سُبُلِه، ولٰكِنَّهما مالا إِلى الكَسْبِ وقَبِلا الرِّشوَةَ وحَرَّفا الحَقّ، فٱجتَمَعَ شُيوخُ إِسْرائيلَ كُلُّهم وأَتَوا صَموئيلَ في الرَّامة، وقالوا لَه: «إِنَّكَ قد شِختَ، وٱبناكَ لا يَسيرانِ في سُبُلِكَ. فأَقِمِ الآنَ علَينا مَلِكًا يَقْضي بَينَنا كسائِرِ الأُمَم». فساءَ هٰذا الكَلامُ في عَينَي صَموئيل، إِذ قالوا: «أَقِمْ علَينا مَلِكًا يَقْضي بَينَنا». فصَلَّى صَموئيلُ إِلى الرَّبّ. فقالَ الرَّبُّ لِصَموئيل: «إِسمَعْ لِكَلامِ الشَّعْبِ في كُلِّ ما يَقولونَ لَك، فإِنَّهم لم يَنبُذوكَ أَنتَ، بل نَبَذوني أَنا مِن مُلْكي علَيهم. إِنَّهم بِحَسَبِ جَميعِ أَعمالِهمِ الَّتي عَمِلوها مُنذُ يَومَ أَصعَدتُهم مِن مِصرَ إِلى هٰذا اليَوم، وتَركِهِم لي وعِبادَتِهم لِآلِهَةٍ أُخْرى، هٰكذا يَصنَعونَ معكَ أَنتَ أَيضًا. فٱسمَعِ الآنَ لِقَولِهم، ولٰكِن أَشهِدْ علَيهم وأَخبِرْهم بِأَحْكامِ المَلِكِ الَّذي يَملِكُ علَيهم». فنَقَلَ صَموئيلُ جَميعَ كَلِماتِ الرَّبِّ إِلى الشَّعبِ الَّذي طَلَبَ مِنه مَلِكًا، وقال: «هٰذه أَحْكامُ المَلِكِ الَّذي يَملِكُ علَيكم: يَأخُذُ بَنيكم ويَخُصُّهم بِنَفْسِه لِمَركَبَتِه وخَيلِه، فيَركُضونَ أَمامَ مَركَبَتِه. ويَخُصُّهم بِنَفْسِه كَرُؤَساءِ أَلفٍ ورُؤَساءِ خَمْسينَ لِحَرثِه وحِصادِه وصُنعِ أَدَواتِ حَربِه وأَدَواتِ مَركَبَتِه. ويَتَّخِذُ بَناتِكم عَطَّاراتٍ وطَبَّاخاتٍ وخَبَّازات، ويأخُذُ أَفضَلَ حُقولِكم وكُرومِكم وزَيتونِكم ويُعْطيها لِعَبيده. ويَأخُذُ عُشورًا مِن زَرعِكم وكُرومِكم ويُعْطيها لِخِصْيانِه وعَبيدِه. ويَأخُذُ أَفضَلَ خُدَّامِكم وخادِماتِكم وشُبَّانِكم، ويأخُذُ حَميرَكم، ويَستَخدِمُهم في أَعْمالِه. ويُعَشِّر غَنَمَكم وأَنتُم تَكونونَ لَه عَبيدًا. فتَصرُخونَ في ذٰلك اليَومِ بِسَبَبِ مَلِكِكمُ الَّذي ٱختَرتُموه لأَنفُسِكم، فلا يُجيبُكمُ الرَّبُّ في ذٰلك اليَوم». فأَبى الشَّعبُ أَن يَسمَعَ لِكَلامِ صَموئيلَ وقال: «كَلاَّ، بل يَملِكُ علَينا مَلِك، ونَكونُ نَحنُ كسائِرِ الأُمَم، فيَقْضي لَنا مَلِكُنا، ويَخرُجُ أَمامَنا ويُحارِبُ حُروبَنا». فسَمِعَ صَموئيلُ كَلامَ الشَّعبِ كُلَّه، ورَدَّدَه على مَسامِعِ الرَّبّ. فقالَ الرَّبُّ لِصَموئيل: «إِسمَعْ لِكَلامِهم ووَلِّ علَيهم مَلِكًا». فقالَ صَموئيلُ لرِجالِ إِسْرائيل: «إِذهَبوا كُلُّ واحِدٍ إِلى مَدينَتِه». وكانَ رَجُلٌ من بَنْيامينَ ٱسمُه قيسُ بنُ أَبيئيلَ بنِ صرورَ بنِ بَكورَتَ بنِ أَفيحَ بنِ رَجُلٍ مِن بَنْيامينَ ثَرِيٌّ جِدًّا. وكانَ لَه ٱبنٌ اسمُه شاوُل، شابٌّ جَميل، لم يَكُنْ في بَني إِسْرائيلَ رَجُلٌ أَجمَلُ مِنه. وكانَ يَزيدُ طولًا على كُلِّ الشَّعبِ مِن كَتِفِه فما فَوق. فضَلَّت أُتُنُ قِيس، أَبي شاوُل، فقالَ قيسٌ لِشاوُلَ ٱبنِه: «خُذْ مَعَكَ واحِدًا مِنَ الخَدَم، وقُمْ فِسرْ في طَلَبِ الأُتُن». فجازَ جَبَلَ أَفْرائيم، وعَبَرَ إِلى أَرضِ شَليشة، فلم يَجِداها. فعَبَرا في أَرضِ شَعْليم، فلَم تَكُنْ هُناك، فجازَ إِلى أَرضِ بَنْيامين، فلم يَجِداها. فلَمَّا أَتَيا أَرضَ صوف، قالَ شاوُلُ لِخادِمِه الَّذي معَه: «تَعالَ نَرجع، لَعَلَّ أَبي قد أَهمَلَ الأُتُنَ وقَلِقَ في أَمرِنا». فقالَ لَه خادِمُه: «هُوَذا الآنَ رَجُلُ اللهِ في هٰذه المَدينة، وهو رَجُلٌ مُكَرَّم، وكُلُّ ما يَقولُه يَتِمّ. فلْنَذهَبِ الآنَ إِلَيه لَعَلَّه يَدُلُّنا على طَريقِنا الَّذي نَسلُكه». فقالَ شاوُلُ لِخادِمِه: «إِذا ذَهَبنا إِلَيه، فماذا نُقَدِّمُ لِلرَّجُل، وقد نَفِدَ الخُبزُ مِن أَوعِيَتِنا، ولَيسَ مِن هَدِيَّةٍ نُقَدِّمُها لِرَجُلِ الله؟ فماذا مَعَنا؟» فعادَ الخادِمُ وأَجابَ شاوُلَ وقال: «إِنَّ معي رُبعَ مِثْقالِ فِضَّةٍ أُقَدِّمُه لِرَجُلِ الله، فيَدُلُّنا على طَريقِنا». وكانَ فيما سَبَقَ إذا أَرادَ الرَّجُلُ في إِسْرائيلَ أَن يَذهَبَ لِيَسأَلَ الله، يَقول: «هَلُمَّ نَذهَبُ إِلى الرَّائي»، لأَنَّ الَّذي يُقالُ لَه اليَومَ النَّبِيُّ كانَ يُقالُ لَه مِن قَبلُ راءٍ. فقالَ شاوُلُ لِخادِمِه: «حَسَنٌ ما قُلتَ، هَلُمَّ إِلَيه». وذَهَبا إِلى المَدينةِ الَّتي فيها رَجُلُ الله. وبَينَما هما صاعِدانِ في مُرتَقى المَدينة، صادَفا فَتَياتٍ خارِجاتٍ لِيَستَقينَ ماءً. فقالا لَهُنَّ: «أَهٰهُنا الرَّائي؟» فأَجَبنَ وقُلنَ: «نَعَم، ها هُوَذا قد سَبَقَكَ، فأَسرِعِ الآن، فإِنَّه اليَومَ قد أَتى المَدينة، لأَنَّ لِلشَّعبِ ذَبيحةً في المَشرَف. فحالَما تَدخُلانِ المَدينة، تَجدانِه قَبلَ أَن يَصعَدَ إِلى المَشرَفِ لِيَأكُل، فإِنَّ الشَّعبَ لا يَأكُلُ حتَّى يَجيءَ هو، لأَنَّه هو الَّذي يُبارِكُ الذَّبيحة، ثُمَّ يأكُلُ المَدعُوُّون. فٱصعَدا الآنَ فإِنَّكما تَجِدانِه اليَوم». فصَعِدا إِلى المَدينَة، وفيما هما داخِلانِ في وَسَطِ المَدينَة، إِذا صَموئيلُ قد صادَفَهما، وهو خارِجٌ لِيَصعَدَ إِلى المَشرَف. وكانَ الرَّبُّ قد أَوحى إِلى صَموئيلَ قَبلَ أَن يأتِيَه شاوُلُ بِيَومٍ وقالَ لَه: «غَدًا في مِثلِ هٰذه السَّاعةِ أُرسِلُ إِلَيكَ رَجُلًا مِن أَرضِ بَنْيامين، فٱمسَحْه قائِدًا على شَعْبي إِسْرائيل، فيُخَلِّصَ شَعْبي مِن يَدِ الفَلِسطينِيِّين، لأَنِّي نَظَرتُ إِلى شَعْبي، وقدِ ٱنتَهى صُراخُهم إِلَيَّ». فلَمَّا رأَى صَموئيلُ شاوُلَ قالَ لَه الرَّبّ: «هُوَذا الرَّجُلُ الَّذي كَلَّمتُكَ عنه. هٰذا يَحكُمُ شَعْبي». فدَنا شاوُلُ مِن صَموئيلَ وهو في وَسَطِ البابِ وقال: «أَخبِرْني، أَينَ بَيتُ الرَّائي؟» فأَجابَ صَموئيلُ وقالَ لِشاوُل: «أَنا هو الرَّائي، فٱصعَدْ أَمامي إِلى المَشرَف، وكُلا اليَومَ معي وفي الغَدِ أَصرِفُكَ وأُنبِئُكَ بِكُلِّ ما في قَلبِكَ. فأَمَّا الأُتُنُ الَّتي ضَلَّت لَكَ مُنذُ ثَلاثَةِ أَيَّام، فلا تَجعَلْ بَالَكَ علَيها، لأَنَّها قد وُجِدَت. ولِمَن كُلُّ نَفيسٍ في إِسْرائيل؟ أَلَيْسَ لَكَ ولِكُلِّ بَيتِ أَبيكَ؟» فأَجابَ شاوُلُ وقال: «أَلَستُ أَنا بَنيامينِيًّا مِن أَصغَرِ أَسباطِ إِسْرائيل، وعَشيرتي أَصغَرُ جَميعِ عَشائِرِ سِبطِ بَنْيامين؟ فلِماذا تَقولُ لي مِثلِ هٰذا الكَلام؟» فأَخَذَ صَموئيلُ شاوُلَ وخادِمَه ودَخَلَ بِهما القاعة، وأَجلَسَهما في صَدرِ المَدعُوِّينَ وهم نَحوُ ثَلاثينَ رَجُلًا. وقالَ صَموئيلُ لِلطَّبَّاخ: «أَعطِ الحِصَّةَ الَّتي أَعطَيتُكَ إِيَّاها وقُلتُ لَكَ: ضعْها عِندَكَ». فأَخَذَ الطَّبَّاخُ الفَخِذَ بِما علَيها، ووَضَعَها أَمامَ شاوُل. فقال: «هٰذا الَّذي بَقِيَ، فضَعْه أَمامَكَ وكُلْ، لأَنَّه حُفِظَ لَكَ، عِندَما دَعوتُ الشَّعبَ إِلى هٰذه المُناسَبة». فأَكَلَ شاوُلُ مع صَموئيلَ في ذٰلك اليَوم. ثُمَّ نَزَلوا مِنَ المَشرَفِ إِلى المَدينة، وتَكَلَّمَ صَموئيلُ مع شاوُلَ على السَّطح. وبَكَّروا عِندَ طُلوعِ الفَجْر، فدَعا صَموئيلُ شاوُلَ الَّذي كان على السَّطْحِ وقالَ له: «قُمْ فأَصرِفَكَ». فقامَ شاوُلُ وخَرَجَ هو وصَموئيلُ معًا إِلى الخارِج. فبَينما هما نازِلانِ عِندَ طَرَفِ المَدينَة، قالَ صَموئيلُ لِشاوُل: «مُرِ الخادِمَ أَن يَتَقَدَّم»، ففَعل، «وقِفْ أَنتَ الآنَ فأُسمِعَكَ كَلامَ الله». فأَخَذَ صَموئيلُ قارورَةَ الزَّيتِ وصَبَّ على رَأسِه وقَبَّلَه وقال: «أَما أَنَّ الرَّبَّ قد مَسَحَكَ قائِدًا على ميراثِه؟ فإِذا فارَقتَني اليَومَ، تُصادِفُ رَجُلَينِ عِندَ قَبرِ راحيلَ في حُدودِ بَنْيامينَ، في صَلْصَح، فيَقولانِ لَكَ: قد وُجِدَتِ الأُتُنُ الَّتي خَرَجتَ في طَلَبِها، وقد تَرَكَ أَبوكَ أَمرَ الأُتُنِ وقَلِقَ في أَمرِكُما وقال: ماذا أَصنَعُ في أَمرِ ٱبْني؟ وإِذا تَقَدَّمتَ أَيضًا ووَصَلتَ إِلى بَلُّوطَةِ تابور، يُصادِفُكَ هُناكَ ثَلاثَةُ رِجالٍ صاعِدينَ إِلى الله، إِلى بَيتَ إِيل، ومع أَحَدِهم ثَلاثَةُ جِداء، ومع الآخَرِ ثَلاثَةُ أَرغِفَةٍ مِنَ الخُبْز، ومع الآخَرِ زِقُّ خَمْر. فيُسَلِّمونَ علَيكَ ويُعْطونَكَ رَغيفَين، فتَأخُذُهما مِن أَيديهم. ثُمَّ تَصِلُ إِلى جَبْعِ الله، حَيثُ مَركَزٌ أَماميٌّ للفَلِسطينِيِّين، فيَكونُ عِندَ دُخولِكَ المَدينةَ مِن هُناكَ، أَنَّكَ تَلْقى مَجموعةً مِنَ الأَنبِياءِ نازِلينَ مِنَ المَشرَف، وقُدَّامَهم عيدانٌ ودُفوفٌ ومَزاميرُ وكِنَّارات، وهم يَتَنَبَّأون. فيَنقَضُّ علَيكَ روحُ الرَّبّ، وتَتَنَبَّأُ أَنتَ معَهم وتَصيرُ رَجُلًا آخَر. فإِذا وَرَدَت علَيكَ هٰذه الآيات، فٱصنَعْ ما تَجِدُه يَدُكَ، لأَنَّ اللهَ معَكَ. وٱنزِلْ أَمامي إِلى الجِلْجال، فإِنِّي سأَنزِلُ إِلَيكَ لأُصعِدَ مُحرَقاتٍ وأَذبَحَ ذَبائِحَ سَلامِيَّة. وأَنتَ فٱلبَثْ سَبعَةَ أَيَّامٍ حتَّى آتِيَكَ وأُعلِمَكَ ما تَصنَع». فكانَ، عِندما أَدارَ مَنكِبَه لِيَنصَرِفَ مِن عِندِ صَموئيل، أَنَّ اللهَ حَوَّلَ قَلبَه. وتَمَّت تِلكَ الآياتُ كُلُّها في ذٰلِكَ اليَوم. ووَصَلوا إِلى جَبْعَ، فإِذا المَجْموعَةُ مِنَ الأَنبِياءِ قدِ ٱستَقبَلوه، فٱنقَضَّ علَيه روحُ اللهِ فتَنَبَّأَ في وَسْطِهم. فلَمَّا رآه كُلُّ مَن كانَ يَعرِفُه مِن أَمسِ فما قَبلُ، وهو يَتَنَبَّأُ مع الأَنبِياء، قالَ القَومُ بَعضُهم لِبَعْض: «ماذا جَرى لِٱبنِ قِيس؟ أَشاوُلُ أَيضًا مِنَ الأَنبِياء؟» فأَجابَهم رَجُلٌ مِن هُناكَ وقال: «مَن أَبوهم؟» فلِذٰلك يُقالُ في المَثَل: «أَشاوُلُ أَيضًا مِنَ الأَنبِياء؟». ولَمَّا ٱنتَهى مِنَ التَّنَبُّؤ، جاءَ إِلى المَشرَف. فقالَ عَمُّ شاوُلَ لَه ولِخادِمِه: «أَينَ ذَهَبتُما؟» فقالا: «في طَلَبِ الأُتُن، فلَمَّا لم نَجِدْها، أَتَينا صَموئيل». فقالَ عَمُّ شاوُل: «أَخبِرْني ما قالَ لَكُما صَموئيل». فقالَ شاوُلُ لِعَمِّه: «أَخبَرَنا أَنَّ الأُتُنَ قد وُجِدَت»، ولٰكِنَّه لم يُخْبِرْه بِما قالَ لَه صَموئيلُ في شأنِ المُلْك. ثُمَّ إِنَّ صَموئيلَ ٱستَدْعى الشَّعبَ إِلى الرَّبِّ في المِصْفاة، وقالَ لِبَني إِسْرائيل: «هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: أَنا الَّذي أَصعَدَ إِسْرائيلَ مِن مِصرَ وأَنقَذَكم مِن يَدِ المِصرِيِّينَ ومِن يَدِ جَميعِ المَمالِكِ الَّتي ضايَقَتكم. وأَنتُمُ اليَومَ قد نَبَذتُم إِلٰهَكُمُ الَّذي هو مُخَلِّصُكم مِن جَميعِ بَلاياكم وشَدائِدِكم، وقُلتُم لَه: أَقِمْ علَينا مَلِكًا. فقِفوا الآنَ أَمامَ الرَّبِّ على حَسَبِ أَسْباطِكم وعَشائِرِكم». ثُمَّ قَدَّمَ صَموئيلُ جَميعَ أَسْباطِ إِسْرائيل، فٱختيرَ بِالقُرعَةِ سِبطُ بَنْيامين. ثُمَّ قَدَّمَ سِبطَ بَنْيامينَ بِعَشائِرِه، فٱختيرَت عَشيرَةُ مَطْري. وٱختيرَ شاوُلُ بنُ قيس. فطَلَبوه فلَم يوجَد. فسَأَلوا الرَّبَّ أَيضًا: «هل أَتى أَيضًا رَجُلٌ إِلى هُنا؟» فقالَ الرَّبّ: «هُوَذا قدِ ٱختَبَأَ بَينَ الأَمتِعَة». فأَسرَعوا وأَخَذوه مِن هُناك. فَوَقَفَ في وَسْطِ الشَّعْبِ، فإِذا هو يَزيدُ طولًا على الشَّعبِ كافَّةً مِن كَتِفِه فما فَوق. فقالَ صَموئيلُ لِكُلِّ الشَّعْب: «أَرَأَيتُم أَنَّ الَّذي ٱخْتارَه الرَّبُّ لا نَظيرَ لَه في كُلِّ الشَّعْب؟» فهَتَفَ الشَّعبُ كُلُّه وقال: «يعيشُ المَلِك». فعَرَضَ صَموئيلُ على الشَّعبِ أَحْكامَ المُلْكِ وكَتَبَها في سِفرٍ ووَضَعَه أَمامَ الرَّبّ، وصَرَفَ صَموئيلُ كُلَّ الشَّعْب، كُلَّ ٱمرِئٍ إِلى مَنزِلِه. وٱنصَرَفَ معَه البَواسِلُ الَّذينَ مسَّ اللهُ قُلوبَهم. وأَمَّا الَّذينَ لا خَيرَ فيهم فقالوا: «كَيفَ يُخَلِّصُنا هٰذا؟» وٱحتَقَروه ولم يُهدوا إِلَيه هَدايا. فتَصامَّ عنهم. وصَعِدَ ناحاشُ العَمُّونِيُّ وعَسكَرَ على يابيشَ جِلْعاد، فقالَ جَميعُ أَهلِ يابيشَ لِناحاش: «إِقطَعْ لَنا عَهدًا فنَخدُمَكَ». فقالَ لَهم ناحاشُ العَمُّونِيّ: «أَقطَعُ لَكم عَهدًا على أَن أَقلَعَ كُلَّ عَينٍ يُمْنى لَكم، فأَجعَلَ ذٰلك عارًا على كُلِّ إِسْرائيل». فقالَ لَه شُيوخُ يابيش: «أَمهِلْنا سَبعَةَ أَيَّامٍ حتَّى نُرسِلَ رُسُلًا إِلى أَراضي إِسْرائيلَ كُلِّها. فإِن لم يَكُنْ لَنا مُخَلِّص، خَرَجنا إِلَيكَ». ووَصَلَ رُسُلُهم إِلى جَبْعَ شاوُل، ونَقَلوا هٰذا الكَلامَ إِلى مَسامِعِ الشَّعْب. فرَفَعَ كُلُّ الشَّعبِ صَوتَه بِالبُكاء. فإِذا بِشاوُلَ مُقبِلٌ وَراءَ البَقَرِ مِنَ الحَقْل. فقالَ شاوُل: «ما لي أَرى الشَّعبَ يَبْكي؟» فأَخبَروه بِكَلامِ أَهلِ يابيش. وٱنقَضَّ روحُ الله على شاوُلَ عِندَ سَماعِه هٰذا الكَلام. فغَضِبَ غَضَبًا شَديدًا. وأَخَذَ زَوجَي ثيرانٍ فقَطَّعَهما وأَرسَلَ القِطَعَ إِلى أَراضي إِسْرائيلَ كُلِّها بِأَيدي رُسُلٍ يَقولون: «كُلُّ مَن لا يَخرُجُ وَراءَ شاوُلَ ووَراءَ صَموئيل، هٰكذا يُصنَعُ بِبَقَرِه». فوَقَعَ رُعبُ الرَّبِّ على الشَّعْب، فخَرَجوا كرَجُلٍ واحِد. فٱستَعرَضَهم في بازاق، فكانَ بَنو إِسْرائيلَ ثَلاثَ مِئَةِ أَلفِ رَجُل، ورِجالُ يَهوذا ثَلاثينَ أَلفًا. فقالوا لِلرُّسُلِ الَّذينَ أَتَوهم: «هٰكذا تَقولونَ لأَهلِ يابيشَ جِلْعاد: غَدًا يَكونُ لَكم نَصْر، عِندَما تَحْمى الشَّمْس». فرَجَعَ الرُّسُلُ وأَخبَروا أَهلَ يابيش، ففَرِحوا. فقالَ أَهلُ يابيشَ لِلعَمُّونِيِّين: «غَدًا نَخرُجُ إِلَيكم، فتَصنَعونَ بِنا ما يَحسُنُ في عُيونِكم». فلَمَّا كانَ الغَد، رَتَّبَ شاوُلُ الشَّعبَ ثَلاثَ فِرَقٍ، فدَخَلوا في وَسَطِ المُعَسكَرِ عِندَ هَجيعِ الصُّبْحِ وضَرَبوا بَني عَمُّونَ حتَّى حَمِيَ النَّهار. فتَشَتَّتَ مَن بَقِيَ مِنهم، ولم يَبْقَ ٱثنانِ مِنهم مَعًا. فقالَ الشَّعبُ لِصَموئيل: «مَنِ الَّذي يقول: أَشاوُلُ يَملِكُ علينا؟ أَسلِموا القَومَ لِنَقتُلَهم». فقالَ شاوُل: «لا يُقتَلْ أَحَدٌ في هٰذا اليَوم، لأَنَّ الرَّبَّ قد أَجْرى اليَومَ نَصرًا في إِسْرائيل». وقالَ صَموئيلُ لِلشَّعْب: «هَلُمُّوا بِنا إِلى الجِلْجالِ لِنُجَدِّدَ هُناكَ المُلْك». فمضى الشَّعْبُ كُلُّه إِلى الجِلْجال، ومَلَّكوا هُناكَ شاوُلَ أَمامَ الرَّبِّ في الجِلْجال، وذَبَحوا هُناكَ ذَبائِحَ سَلامِيَّةً أَمامَ الرَّبّ. وفَرِحَ شاوُلُ ورِجالُ إِسْرائيلَ كُلُّهم فَرَحًا عَظيمًا. ثُمَّ قالَ صَموئيلُ لِكُلِّ إِسْرائيلَ: «ها قد سَمِعتُ لِكَلامِكم في كُلِّ ما قُلتُم لي وأَقَمتُ علَيكم مَلِكًا. فهٰذا الآنَ مَلِكُكم يَسيرُ أَمامَكم. فأَمَّا أَنا فقَد شِختُ وشِبتُ، وهٰؤُلاءِ بَنِيَّ معَكم، وأَنا قد سِرتُ أَمامَكم مُنذُ صِبايَ إِلى اليَوم. هاءَنَذا فأَشهِدوا علَيَّ أَمامَ الرَّبِّ وأَمامَ مَسيحِه. ثَورَ مَن أَخَذتُ أَو حِمارَ مَن أَخَذتُ، أَو مَن ظَلَمتُ أَو مَن ضايَقتُ، أَو مِن يَدِ مَنِ ٱرتَشَيتُ، لأُغضِيَ عَينَيَّ عنه، فأَرُدَّ لَكم؟» فقالوا لَه: «ما ظَلَمتَنا ولا ضايَقْتَنا ولا أَخَذتَ مِن يَدِ أَحَدٍ شَيئًا». فقالَ لَهم: «يَشهَدُ الرَّبُّ علَيكم ويَشهَدُ مَسيحهُ اليَومَ أَنَّكم لم تَجِدوا في يَدي شَيئًا». فقالوا: «يَشهَد». فقالَ صَموئيلُ لِلشَّعْب: «الرَّبُّ الَّذي أَقامَ موسى وهارون وأَصعَدَ آباءَكم مِن أَرضِ مِصرَ يَشهَد. قوموا الآنَ أُحاكِمُكم أَمامَ الرَّبِّ بِجَميعِ مَبَرَّاتِ الرَّبِّ الَّتي صَنَعَها إِلَيكم وإِلى آبائِكم، حينَ دَخَلَ يَعْقوبُ مِصرَ، وصَرَخَ آباؤُكم إِلى الرَّبّ، فأَرسَلَ الرَّبُّ موسى وهارون، فأَخرَجا آباءَكم مِن مِصرَ وأَقاماهم في هٰذا المكان. فنَسوا الرَّبَّ إِلٰهَهم، فباعَهم إِلى يَدِ سيسَرا، قائِدِ جَيشِ حاصور، وإِلى يَدِ الفَلِسطينِيِّينَ وإِلى يَدِ مَلِكِ موآب، فحارَبوهم. فصَرَخوا إِلى الرَّبِّ وقالوا: قد خَطِئْنا لأَنَّنا تَرَكْنا الرَّبَّ وعَبَدْنا البَعْلَ والعَشْتاروت، فأَنقِذْنا الآنَ مِن يَدِ أَعْدائِنا فنَعبُدَكَ. فأَرسَلَ الرَّبُّ يَرُبَّعْلَ وبَدانَ ويَفْتاحَ وصَموئيل، وأَنقَذَكم مِن يَدِ أَعْدائِكمُ الَّذينَ حَولَكم وسَكَنتُم آمنين. ثُمَّ رَأَيتُم أَنَّ ناحاش، مَلِكَ بَني عَمُّونَ، زاحِفٌ علَيكم، فقُلتُم لي: كَلاَّ، بل لِيَملِكْ علَينا مَلِك، ولا مَلِكَ لَكم إِلاَّ الرَّبُّ إِلٰهُكم. فهٰذا الآنَ مَلِكُكمُ الَّذي ٱختَرتُموه وطَلَبتُموه قد أَقامَه الرَّبُّ علَيكم مَلِكًا. فإِن أَنتُمُ ٱتَّقَيتمُ الرَّبَّ وعَبَدتُموه وسَمِعتُم لِقَولِه ولم تَعْصوا أَمرَه وٱتَّبعتُمُ الرَّبَّ إِلٰهَكم، أَنتُم ومَلِكُكمُ الَّذي يَملِكُ علَيكم... وإِلاَّ فإِنَّكم إِن لم تَسمَعوا قَولَ الرَّبِّ إِلٰهِكم وعَصَيتُم أَمرَه، تَكونُ يَدُ الرَّبِّ علَيكم وعلى آبائِكم. والآنَ فٱمثُلوا وٱنظُروا هٰذا الأَمرَ العَظيمَ الَّذي الرَّبُّ صانِعُه أَمامَ عُيونِكم. أَلَيسَ اليَومَ حِصادُ الحِنطَة؟ فأَنا أَدعو الرَّبَّ فيُحدِثُ رُعودًا ومَطَرًا، فتَعلَمونَ وتَرونَ ما أعظَمَ شَرَّكمُ الَّذي صَنَعتُموه في عَينَيِ الرَّبِّ بِطَلَبِكم لَكم مَلِكًا». ثُمَّ دعا صَموئيلُ إِلى الرَّبّ، فأَحدَثَ الرَّبُّ رُعودًا ومَطَرًا في ذٰلك اليَوم. فخافَ الشَّعبُ كُلُّه مِنَ الرَّبِّ ومِن صَموئيلَ خَوفًا شَديدًا. وقالَ كُلُّ الشَّعبِ لِصَموئيل: «صَلِّ لأَجلِ عَبيدِكَ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكَ لِئَلاَّ نموت، لأَنَّنا قد زِدْنا على جَميعِ خطايانا شَرًّا بِطَلَبِنا لَنا مَلِكًا». فقالَ صَموئيلُ لِلشَّعْب: «لا تَخافوا، لقَد فَعَلتُم هٰذا الشَّرَّ كُلَّه، ولٰكِن لا تَحيدوا عنِ ٱتِّباعِ الرَّبّ، بلِ ٱعبُدوا الرَّبَّ مِن كُلِّ قُلوبِكم. ولا تَميلوا إِلى الأَباطيلِ الَّتي لا تَنفَعُ ولا تُنقِذ، لأَنَّها باطِلة. فإِنَّ الرَّبَّ لا يَترُكُ شَعبَه، مِن أَجلِ ٱسمِه العَظيم، لأَنَّ الرَّبَّ أَحَبَّ أَن يَجعَلَكم لَه شَعبًا. وأَمَّا أَنا فحاشَ لي أَن أَخطَأَ إِلى الرَّبِّ وأَترُكَ الصَّلاةَ مِن أَجلِكم، ولٰكِنِّي أُعَلِّمُكُمُ الطَّريقَ الصَّالِحَ المُستَقيم. وأَنتُم فٱتَّقوا الرَّبَّ وٱعبُدوه حَقًّا مِن كُلِّ قُلوبِكم، لأَنَّكم تَرَونَ الأَمرَ العَظيمَ الَّذي صَنَعه عِندَكم. وإِن صَنَعتُمُ الشَّرَّ، فإِنَّكم تَهلِكونَ أَنتُم ومَلِكُكم جَميعًا». وكانَ شاوُلُ ٱبنَ... حينَ صارَ مَلِكًا، ومَلَكَ... سَنَةً على إِسْرائيل. وٱخْتارَ لِنَفْسِه ثَلاثَةَ آلافٍ مِن إِسْرائيل. فكانَ معَه أَلْفانِ في مِكْماشَ وجَبَلِ بَيتَ إِيل، وكانَ مع يوناتانَ أَلفٌ في جَبْعَ بَنْيامين. وصَرَفَ شاوُلُ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ، كُلَّ واحِدٍ إِلى خَيمَته. فضَرَبَ يوناتانُ عَميدَ الفَلِسطينِيِّينَ في جَبْع، وسَمِعَ أَهْلُ فَلِسطينَ ذٰلك. ونَفَخَ شاوُلُ في البوقِ في الأَرضِ كُلِّها وقال: «لِيَسمَعِ العِبْرانِيُّون». فسَمِعَ كُلُّ إِسْرائيل، وقيلَ لَه إِنَّ شاوُلَ قد ضَرَبَ عَميدَ الفَلِسطينِيِّينَ وإِنَّ الفَلِسطينِيِّينَ أَخَذوا يَمقُتونَ إِسْرائيل. فٱستُدعِيَ الشَّعْبُ وَراءَ شاوُلَ في الجِلْجال. وٱجتَمَعَ الفَلِسطينِيُّونَ لِمُحارَبَةِ إِسْرائيل، وكانَ هُناكَ ثَلاثونَ أَلفَ مَركَبَةٍ وسِتَّةُ آلافٍ مِنَ الفُرْسانِ وشَعبٌ مِثلُ الرَّملِ الَّذي على ساحِلِ البَحرِ كَثرَةً، وصَعِدوا وعَسكَروا في مِكْماش، شَرقِيَّ بِيتَ آوِن. فلَمَّا رأَى رِجالُ إِسْرائيلَ أَنَّهم في ضيق، لأَنَّ الشَّعبَ كانَ مَضْغوطًا علَيه، ٱختَبَأَ الشَّعبُ في المَغاوِرِ والحُفَرِ والصُّخورِ والسَّراديبِ والآبار. وعَبَرَ قَومٌ مِنَ العِبْرانِيِّينَ الأُردُنَّ إِلى أَرضِ جادٍ وجِلْعاد. وكانَ شاوُلُ لا يَزالُ مُقيمًا في الجِلْجال، والشَّعبُ كُلُّه يَرتَعِدُ وَراءَه. فمَكَثَ سَبعَةَ أَيَّامٍ بِحَسَبِ ميعادِ صَموئيل، فلم يَأتِ صَموئيلُ إِلى الجِلْجال، وتَفَرَّقَ الشَّعبُ عن شاوُل. فقالَ شاوُل: «قَدِّموا لِيَ المُحرَقَةَ والذَّبائِحَ السَّلامِيَّة»، وأَصعَدَ المُحرَقَة. فلَمَّا ٱنتَهى مِن إِصْعادِ المُحرَقَة، إِذا صَموئيلُ قد أَقبَل. فخَرَجَ شاوُلُ لِلِقائِه والتَّسليمِ علَيه. فقالَ صَموئيل: «ماذا فَعَلتَ؟» فقالَ شاوُل: «رَأَيتُ الشَّعبَ يَتَفَرَّقُ عَنِّي، وأَنتَ لم تأتِ في أَيَّامِ الميعاد، والفَلِسطينِيُّونَ مُجتَمِعونَ في مِكْماش، فقُلتُ في نَفْسي: الآنَ يَنزِلُ الفَلِسطينِيُّونَ علَيَّ إِلى الجِلْجال، ولم أَستَرضِ وَجهَ الرَّبّ، فأَكرَهتُ نَفْسي وأَصعَدتُ المُحرَقَة». فقالَ صَموئيلُ لِشاوُل: «إِنَّكَ بِحَماقةٍ فَعَلتَ، لأَنَّكَ لم تَحفَظْ وَصِيَّةَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ الَّتي أَوصاكَ بها، ولَولا ذٰلك لَكانَ الرَّبُّ قد أَقَرَّ مُلكَكَ على إِسْرائيلَ لِلأَبَد. وأَمَّا الآن، فلا يَثبُتُ مُلكُكَ، لأَنَّ الرَّبَّ قدِ ٱخْتارَ لَه رَجُلًا على حَسَبِ قَلبِه، وأَقامَه قائِدًا على شَعبِه، لأَنَّكَ لم تَحفَظْ ما أَوصاكَ الرَّبُّ بِه». وقامَ صَموئيلُ وصَعِدَ مِنَ الجِلْجال لِيَمضِيَ في سَبيلِه. وصَعِدَ بَقِيَّةُ الشَّعبِ وَراءَ شاوُلَ لِمُلاقاةِ الشَّعبِ المُحارِب، وذَهَبَ مِنَ الجِلْجالِ إِلى جَبْعَ بَنْيامين. وٱستَعرَضَ شاوُلُ الشَّعبَ الَّذي معَه، فكانَ نَحوَ سِتِّ مِئَةِ رَجُل. وكانَ شاوُلُ ويوناتانُ ٱبنُه ومَن معَهما مِنَ الشَّعبِ مُقيمينَ بِجَبْعَ بَنيامين، والفَلِسطينِيُّونَ مُعَسكِرينَ في مِكْماش. فخَرَجَ المُخَرِّبونَ مِن مُعَسكَرِ الفَلِسطينِيِّينَ ثَلاثَ فِرَقٍ، فٱتَّجَهَت فِرقَةٌ مِنها نَحوَ عُفرَةَ في أَرضِ شوعال، وٱتَّجَهَت فِرقَةٌ أُخْرى نَحوَ بَيتَ حورون، وٱتَّجَهَت فِرقَةٌ أُخْرى نَحوَ القِمَّةِ المُشرِفَةِ على وادي صَبوعين، ناحِيَةَ البَرِّيَّة. ولم يَكُنْ يوجَدُ في كُلِّ أَرضِ إِسْرائيلَ حَدَّاد، لأَنَّ الفَلِسطينِيِّين قالوا: «يَجِبُ أَلاَّ يَعمَلَ العِبْرانِيُّونَ سَيفًا أَو رُمحًا». فكانَ كُلُّ إِسْرائيلَ يَنزِلُ إِلى الفَلِسطينِيِّينَ، كُلُّ ٱمرِئٍ منهم لِيَسُنَّ سِكَّته ومِعوَلَه وفأسَه ومِنجَلَه. وكان السَّنُّ بِثُلثَي مِثْقالٍ لِلسِّكَكِ والمَعاوِلِ والمُثَلَّثاتِ الأَسْنانِ والفُؤُوس، ولِتَدبيبِ المَناخِس. فلَمَّا حانَ وَقتُ الحَرْب، لم يُوجَدْ سَيفٌ ولا رُمْحٌ في يَدِ كُلِّ الشَّعبِ الَّذي مع شاوُلَ ويوناتان، ما عَدا شاوُلَ ويوناتانَ ٱبنَه. وخَرجَت مُفرَزَةٌ مِنَ الفَلِسطينِيِّينَ إِلى مَعبَرِ مِكْماش. وفي ذاتِ يَومٍ قالَ يوناتانُ بنُ شاوُلَ لِلخادِمِ الحامِلِ سِلاحَه: «هلُمَّ نَعبُرُ إِلى مُفرَزَةِ الفَلِسطينِيِّينَ الَّتي في الجانِبِ الآخَر»، ولم يَكُنْ قد أَعلَمَ أَباه. وكانَ شاوُلُ جالِسًا في طَرَفِ جَبْعَ، تَحتَ شَجَرَةِ رُمَّانٍ في مِجْرون. وكانَ معَه نَحوٌ مِن سِتِّ مِئَةِ رَجُل. وكانَ أَحِيَّا بنُ أَحيطوب، أَخي إِيكابودَ بنِ فِنْحاسَ بنِ عالي، كاهِنِ الرَّبِّ في شيلو، حامِلًا الأَفود. ولم يَكُنِ الشَّعبُ يَعلَمُ أَنَّ يوناتانَ قد ذَهَب. وكانَ بَينَ المَعابِرِ الَّتي أَرادَ يوناتانُ أَن يَعبُرَها إِلى مُفرَزَةِ الفَلِسطينِيِّينَ سِنُّ صَخرَةٍ مِن هٰذه الجِهَة وسِنُّ صَخرَةٍ مِن تِلكَ الجِهَة، اِسمُ الواحِدَةِ بوصيصُ وٱسمُ الأُخرى سانة. والسِّنُّ الأُولى قائِمَةٌ مِن جِهةِ الشَّمال، مُقابِلَ مِكْماش، والأُخْرى مِنَ الجَنوب، مُقابِلَ جَبْع. فقالَ يوناتانُ لِلخادِمِ الحامِلِ سِلاحَه: «هَلُمَّ نَعبُرُ إِلى مُفرَزَةِ أُولٰئِكَ القُلْفِ، لَعَلَّ الرَّبَّ يَعمَلُ لأَجلِنا، لأَنَّه لا يَعسُرُ على الرَّبِّ أَن يُخَلِّصَ بِالعَدَدِ الكَثيرِ أَوِ القَليل». فقالَ لَه حامِلُ سِلاحِه: «إِصنَعْ كُلَّ ما في قَلبِكَ وتَقَدَّمْ، وهاءَنَذا معَكَ كما تُحِبّ». فقالَ يوناتان: «نَعبُرُ إِلى هٰؤُلاءِ القَومِ ونُظهِرُ لَهم أَنفُسَنا. فإِن قالوا لَنا: قِفا حتَّى نَصِلَ إِلَيكما، نَقِفُ في مَكانِنا ولا نَصعَدُ إِلَيهم. وإِن قالوا لَنا: إِصعَدا إِلَينا، نَصعَد، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَنا يَكونُ قد أَسلَمَهم إِلى أَيدينا، وهٰذا يَكونُ عَلامةً لَنا». فأَظهَرا أَنْفُسَهما لِمُفرَزَةِ الفَلِسطينِيِّين. فقالَ الفَلِسطينِيُّون: «هُوَذا العِبْرانِيُّونَ خارِجونَ مِنَ الحُفَرِ الَّتي ٱختَبَأُوا فيها». وقالَ رِجالُ المُفرَزَةِ لِيوناتانَ ولِحامِلِ سِلاحِه: «تَعالَيا إِلَينا، نُعلِمْكما أَمرًا». فقالَ يوناتانُ لِحامِلِ سِلاحِه: «إِصعَدْ في إِثْري، لأَنَّ الرَّبَّ قد أَسلَمَهم إِلى يَدِ إِسْرائيل». وصَعِدَ يوناتانُ على يَدَيه ورِجلَيه، وحامِلُ سِلاحِه وَراءَه. فسَقَطَ الفَلِسطينِيُّونَ أَمامَ يوناتان، وكانَ حامِلُ سِلاحِه يُقَتِّلُ وَراءَه. وكانَتِ الضَّربَةُ الأُولى الَّتي ضَرَبَها يوناتانُ وحامِلُ سِلاحِه تَعُدُّ نَحوَ عِشرينَ رَجُلًا في نَحوِ نِصفِ تَلَمِ فَدَّانِ الحَقْل. فحَلَّ الرُّعبُ في المُعَسكَرِ في الحَقْلِ وفي كُلِّ الشَّعْب، وٱرتَعَشَتِ المُفرَزَةُ والمُخَرِّبونَ أَيضًا، وٱرتَعَدَتِ الأَرْض، وكانَ رُعبٌ مِن لَدُنِ الله. ورأَى مُراقِبو شاوُلَ الَّذينَ في جَبْعَ بَنْيامين أَنَّ الجُمْهورَ يَتَبَدَّدُ ويَتَفَرَّق. فقالَ شاوُلُ لِلشَّعْبِ الَّذي معَه: «إِستَعرِضوا وٱنظُروا مَن غابَ مِن عِندِنا». فتَفَقَّدوا، فإِذا يوناتانُ وحامِلُ سِلاحِه لَيسا هُناك. فقالَ شاوُلُ لأَحِيَّا: «هَلُمَّ بِتابوتِ الله»، لأَنَّ تابوتَ اللهِ كانَ مع بَني إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَوم. ولم يَنْتَهِ شاوُلُ مِن كَلامِه مع الكاهِن، حَتَّى أَخَذَ يَتَزايَدُ الضَّجيجُ الَّذي في مُعَسكَرِ الفَلِسطينِيِّين. فقالَ شاوُلُ لِلكاهِن: «كُفَّ يَدَكَ». وٱجتَمَعَ شاوُلُ وكُلُّ الشَّعبِ الَّذي معَه وجاؤُوا إِلى المَعرَكَة، فإِذا بِسَيفِ كُلِّ واحِدٍ على صاحِبِه، وكانَ بَلْبالٌ عَظيمٌ جِدًّا. وٱنضَمَّ أَيضًا إِلى مَن كانَ مع شاوُلَ ويوناتانَ مِن إِسْرائيل العِبْرانِيُّونَ الَّذينَ كانوا مع الفَلِسطينِيِّينَ مِن أَمسِ فما قَبلُ، مِمَّن صَعِدوا معَهم إِلى المُعَسكَرِ وحَولَه. وسَمِعَ جَميعُ رِجالِ إِسْرائيلَ الَّذينَ ٱختَبَأُوا في جَبَلِ أَفْرائيمَ بِهَزيمَةِ الفَلِسطينِيِّين، فتَعَقَّبوهم هُم أَيضًا لِلقِتال. وخَلَّصَ الرَّبُّ إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَوم. وٱنتَقَلَتِ الحَربُ إِلى بَيتَ آوِن. وتَضايَقَ رِجالُ إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَوم، فأَعلَنَ شاوُلُ على الشَّعبِ يَمينَ اللَّعنَةِ هٰذه فقال: «مَلْعونٌ الرَّجُلُ الَّذي يَذوقُ طَعامًا إِلى المَساء، حتَّى أَنتَقِمَ مِن أَعْدائي». فلم يَذُقِ الشَّعبُ كُلُّه طَعامًا. وجاءَ كُلُّ الشَّعبِ إِلى الغاب، وكانَ على وَجهِ الحَقلِ عَسَل. ودَخَلَ الشَّعبُ في الغاب، فإِذا العَسَلُ يسيل، فلم يَمُدَّ أَحَدٌ يَدَه إِلى فَمِه، لأَنَّ الشَّعبَ خافَ مِنَ القَسَم. وأَمَّا يوناتان، فلَم يَكُنْ سامِعًا حينَ أَعلَنَ أَبوه على الشَّعْبِ يمينَ اللَّعنَة. فمَدَّ طَرَفَ العَصا الَّتي بِيَدِه وغَمَسَها في شَهدِ العَسَل، ورَدَّ يَدَه إِلى فَمِه، فٱستَنارت عَيناه. فكَلَّمَه رَجُلٌ مِنَ الشَّعبِ وقالَ لَه: «إِنَّ أَباكَ أَعلَنَ على الشَّعبِ يَمينَ اللَّعنَةِ فقال: مَلْعونٌ الرَّجُلُ الَّذي يَذوقُ اليَومَ طَعامًا، مع أَنَّ الشَّعبَ قد أَعْيا». فقالَ يوناتان: «قد عَكَّرَ أبي صَفْوَ الأَرْض. ٱنظُروا كَيفَ ٱستنارَت عَينايَ، لأَنِّي ذُقتُ قَليلًا مِن هٰذا العَسَل. فكَيفَ بالأَحْرى لَو أَكَلَ الشَّعبُ اليَومَ مِن غَنيمَةِ أَعْدائِه الَّتي أَصابَها؟ أَفَما كانَتِ الآنَ ضَربَةٌ أَعظَمُ على الفَلِسطينِيِّين؟». وضَرَبَ الفَلِسطينِيِّينَ في ذٰلك اليَومِ مِن مِكْماشَ إِلى أَيَّالون، وأَعْيا الشَّعبُ جِدًّا. وتَهافَتَ الشَّعبُ على الغَنيمة، وأَخَذَ غَنَمًا وبَقَرًا وعُجولًا، وذَبَحَ على الأَرْض، وأَكَلَ الشَّعْبُ بِالدَّم. فأُخبِرَ شاوُلُ وقيلَ لَه: «قد خَطِئ الشَّعبُ إِلى الرَّبّ، لأَنَّه أَكَلَ بِالدَّم». فقالَ شاوُل: «قد تَعَدَّيتُم، فدَحرِجوا إِلَيَّ اليَومَ صَخرَةً عَظيمة». وقالَ شاوُل: «تَفَرَّقوا في الشَّعبِ وقولوا لَه: لِيُقَدِّمْ إِلَيَّ كُلُّ واحِدٍ بَقَرَه وغَنَمَه، وٱذبَحوا هٰهُنا وكُلوا، ولا تَخطَأُوا إِلى الرَّبِّ وتأكُلوا بِالدَّم». فقَدَّمَ الشَّعبُ كُلُّ رَجُلٍ مِنهم ثَورَه بِيَدِه في تِلكَ اللَّيلَةِ وذَبَحَ هُناك. وبَنى شاوُلُ مَذبَحًا لِلرَّبّ، وكانَ أَوَّلَ مَذبَحٍ بَناهُ لِلرَّبّ. وقالَ شاوُل: «لِنَنزِلْ في إِثرِ الفَلِسطينِيِّينَ لَيلًا، ونَسلُبْهم إِلى ضَوءِ الصَّباح، ولا نُبقِ مِنهم رَجُلًا». فقالوا: «إِفعَلْ ما يَحسُنُ في عَينَيكَ». فقالَ الكاهِن: «لِنتَقَدَّمْ إِلى هُناكَ إِلى الله». فسأَلَ شاوُلُ الله: «هَل أَنزِلُ في إِثرِ الفَلِسطينِيِّين؟ هَل تُسلِمُهم إِلى يَدِ إِسْرائيل؟» فلم يُجِبْه في ذٰلك اليَوم. فقالَ شاوُل: «تَقَدَّموا إِلى هُنا، يا جَميعَ أَركانِ الشَّعب، وٱعلَموا وٱنظُروا لِماذا كانَتِ الخَطيئَةُ في هٰذا اليَوم. فإِنَّه حَيٌّ الرَّبُّ مُخَلِّصُ إِسْرائيل! ولَو كانَت في يوناتانَ ٱبني، لَيَموتَنَّ مَوتًا». فلَم يَكُنْ مَن يُجيبُه مِن كُلِّ الشَّعْب. فقالَ لِكُلِّ إِسْرائيل: «كونوا أَنتُم في ناحِيَة، وأَنا وٱبني يوناتانُ في ناحِيَة». فقالَ الشَّعْب: «ما حَسُنَ في عَينَيكَ فٱصنَعْه». فقالَ شاوُل: «أَيُّها الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، لِماذا لم تُجِبْ عَبدَكَ في هٰذا اليَوم؟ إِن كانَت هٰذه الخَطيئَةُ فِيَّ أَو في يوناتانَ ٱبني، أَيُّها الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، أَعطِ أُوريم، وإِن كانَت هٰذه الخَطيئةُ في شَعبِكَ إِسْرائيل، أَعطِ توميم». فأُخِذَ يوناتانُ وشاوُل ونَجا الشَّعْب. فقالَ شاوُل: «أَلْقوا القُرعَةَ بَيني وبَينَ يوناتانَ ٱبني». فأُخِذَ يوناتان. فقالَ شاوُلُ لِيوناتان: «أَخبِرْني ما صَنَعتَ». فأَخبَرَه يوناتانُ وقال: «ذُقتُ ذَوقًا بِرَأسِ العَصا الَّتي بِيَدي قَليلَ عَسَل، فهاءَنَذا أَموت». فقالَ شاوُل: «كذا يَصنَعُ اللهُ بي وكذا يَزيد، إِن لم تُمُتْ مَوتًا يا يوناتان». فقالَ الشَّعبُ لِشَاوُل: «أَيَموتُ يوناتانُ الَّذي أَجْرى هٰذا النَّصرَ العَظيمَ في إِسْرائيل؟ حاش! حَيٌّ الرَّبّ، إِنَّه لا تَسقُطُ شَعَرَةٌ مِن رَأسِه على الأَرْض، لأَنَّه عَمِلَ مع اللهِ في هٰذا اليَوم». وٱفتَدى الشَّعبُ يوناتان ولم يُقْتَلْ. فكَفَّ شاوُلُ عن مُطارَدَةِ الفَلِسطينِيِّين، وٱنصَرَفَ الفَلِسطينِيُّونَ إِلى مَكانِهم. وتَوَلَّى شاوُلُ المُلكَ على إِسْرائيل، وحارَبَ كُلَّ مَن كانَ حَولَه مِنَ الأَعْداء، مِنَ الموآبِيِّينَ وبَني عَمُّونَ والأَدومِيِّينَ ومُلوكِ صوبَة والفَلِسطينِيِّين، وكانَ حَيثُما ٱتَّجَهَ ظافِرًا. وقاتَلَ بِبَأسٍ وضَرَبَ عَماليق، وأَنقَذَ إِسْرائيلَ مِن يَدِ ناهِبيهِم. وكانَ بَنو شاوُلَ يوناتانَ ويِشْوِيَ ومَلْكيشوع. وٱسمُ ٱبنَتَيه: إِسمُ البِكْرِ ميراب، وٱسمُ الصُّغْرى ميكال. وٱسمُ زَوجَةِ شاوُلَ أَحينوعَم، بِنتُ أَحيماعُص، وٱسمُ قائِد جَيشِه أَبْنيرَ بنَ نير، عمِّ شاوُل. وكان قيسٌ أَبو شاوُلَ ونيرٌ أَبو أَبْنيرَ ٱبنَي أَبيئيل. وكانَت حَربٌ شَديدةٌ على الفَلِسطينِيِّينَ كُلَّ أَيَّامِ شاوُل. وكانَ شاوُل، كُلَّما رأَى رَجُلًا باسِلًا أَو ذا بأسٍ، ضَمَّه إِلَيه. وقالَ صَموئيلُ لِشاوُل: «أَنا الَّذي أَرسَلَني الرَّبُّ لأَمسَحَكَ مَلِكًا على شَعبِه، على إِسْرائيل. فٱسمَعِ الآنَ قَولَ الرَّبّ. هٰكذا يَقولُ رَبُّ القُوَّات: سأَفتَقِدُ عَماليقَ لِما صَنَعَ بإِسرائيل، حينَ وَقَفَ لَه في الطَّريق، عِندَ صُعودِه مِن مِصْر. فهَلُمَّ الآنَ وٱضرِبْ عَماليق، وحَرِّمْ كُلَّ ما لَهم، ولا تُبقِ علَيه، بل أَمِتِ الرِّجالَ والنِّساءَ والأولادَ وحتَّى الرُّضَعَ والبَقَرَ والغَنَمَ والإِبِلَ والحَمير». فنادى شاوُلُ الشَّعْبَ وٱستَعرَضَهم في طَلائيم، فكانوا مِئَتَي أَلفِ راجِلٍ وعَشَرَةَ آلافِ رَجُلٍ مِن يَهوذا. فزَحَفَ شاوُلُ على مَدينَةِ عَماليق، وكَمَنَ في الوادي. وقالَ شاوُلُ لِلقَينِيِّين: «إِذهَبوا ٱنصَرِفوا وٱنزِلوا مِن بَينِ العَمالِقَة، لِئَلاَّ أُزيلَكم معَهم، لأَنَّكم قد صَنَعتُم رَحمَةً إِلى بَني إِسْرائيلَ كُلِّهم عِندَ صُعودِهم مِن مِصْر». فٱنصَرَفَ القَينِيُّونَ مِن بَينِ عَماليق. وضَرَبَ شاوُلُ عَماليق، مِن حَويلَةَ إِلى شورَ الَّتي شَرقِيَّ مِصْر. وأَخَذَ أَجَاجَ، مَلِكَ عَماليقَ، حَيًّا، وحَرَّمَ شَعبَه أَجمَعَ بِحَدِّ السَّيف. وأَبْقى شاوُلُ والشَّعبُ على أَجاجَ وعلى خِيارِ الغَنَمِ والبَقَرِ وكُلِّ سَمينٍ والحُمْلانِ وكُلِّ ما كانَ جَيِّدًا، وأَبَوا أَن يُحَرِّموها، ولٰكِن كُلُّ ما كانَ حَقيرًا هَزيلًا حَرَّموه. فكانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلى صَموئيلَ قائِلًا: «إِنِّي قد نَدِمتُ على إِقامَتي شاوُلَ مَلِكًا، لأَنَّه ٱرتَدَّ عنِ ٱتِّباعي ولم يَعمَلْ بِأَمْري». فغَضِبَ صَموئيلُ وصَرَخَ إِلى الرَّبِّ كُلَّ لَيلِه. ثُمَّ بَكَّرَ صَموئيلُ في الصَّباحِ لِلِقاءِ شاوُل. فأُخبِرَ صَموئيلُ وقيلَ لَه: «إِنَّ شاوُلَ قد ذَهَبَ إِلى الكَرمَل، وهُوَذا قد نَصَبَ لِنَفسِه نُصُبًا، وٱنثَنى وعَبَرَ نازِلًا إِلى الجِلْجال». فلَمَّا وَصَلَ صَموئيلُ إِلى شاوُل، قالَ لَه شاوُل: «علَيكَ بَرَكَةُ الرَّبّ. إِنِّي قد عَمِلتُ بِأَمرِ الرَّبّ». قالَ صَموئيل: «فما هٰذا الصَّوت صَوتُ الغَنَمِ الَّذي في أُذُنَيَّ، وصَوتُ البَقَرِ الَّذي أَنا سامِعُه؟» قالَ شاوُل: «قد أَتَوا بها مِنَ العَمالِقَة، لأَنَّ الشَّعبَ قد أَبقَوا على خِيارِ الغَنَمِ والبَقَر، لِيَذبَحوا لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، والباقي حَرَّمناه». فقالَ صَموئيلُ لِشاول: «قِفْ حَتَّى أُخبِرَكَ بِما كَلَّمَني بِه الرَّبُّ في هٰذا اللَّيل». فقال لَه شاوُل: «تَكَلَّمْ». فقالَ صَموئيلُ لِشاوُل: «أَلَم تَصِرْ رَئيسًا لأَسباطِ إِسْرائيل، مع أَنَّكَ كُنتَ حَقيرًا في عَينَي نَفسِكَ، ومَسَحَكَ الرَّبُّ مَلِكًا على إِسْرائيل، وقَد أَرسَلَكَ الرَّبُّ في حَملَةٍ وقالَ لَكَ: إِذهَبْ فحَرِّمِ العَمالِقَةَ الخاطِئِينَ وقاتِلْهم حَتَّى يَفنَوا؟ فلِمَ لم تَسمَعْ لِكَلامِ الرَّبّ، وتَهافَتَّ على الغَنيمة وعَمِلتَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ؟» فقالَ شاوُلُ لِصَموئيل: «لقَد سَمِعتُ لِكَلامِ الرَّبّ، وذَهَبتُ إِلى الحَملَةِ الَّتي أَرسَلَني الرَّبُّ إِلَيها، وجِئتُ بِأَجاج، مَلِكِ عَماليق، والعَمالِقَةُ حَرَّمتُهم. فأَخَذَ الشَّعبُ مِنَ الغَنيمَةِ غَنَمًا وبَقَرًا، خِيارَ المُحَرَّم، لِيَذبَحَ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ في الجِلْجال». فقالَ صَموئيل: «أَتُرى الرَّبَّ يَهْوى المُحرَقاتِ والذَّبائِحَ، كما يَهْوى الطَّاعةَ لِكَلامِ الرَّبّ. إِنَّ الطَّاعةَ خَيرٌ مِنَ الذَّبيحة، والٱنقِيادَ أَفضَلُ من شَحمِ الكِباش، لأَنَّ العِصْيانَ كَخَطيئَةِ العِرافة والتَّمَرُّدَ كإِثمِ التَّرافيم. وبِما أَنَّكَ نَبَذتَ كَلامَ الرَّبّ، فقَد نَبَذَكَ الرَّبُّ كَمَلِك». فقالَ شاوُلُ لِصَموئيل: «قد خَطِئتُ مُتَعَدِّيًا أَمرَ الرَّبِّ وكَلامَكَ، لأَنِّي خِفتُ مِنَ الشَّعب، وسَمِعتُ لِكَلامِه. فٱغفِرِ الآنَ خَطيئَتي وٱرجِعْ معي فأَسجُدَ لِلرَّبّ». فقالَ صَموئيلُ لِشاوُل: «لا أَرجِعُ معَكَ، لأَنَّكَ نَبَذتَ كَلامَ الرَّبّ، وقد نَبَذَكَ الرَّبُّ كَمَلِكٍ على إِسْرائيل». وتَحَوَّلَ صَموئيلُ لِيَنصَرِف، فأَمسَكَ شاوُلُ بِطَرَفِ رِدائِه فٱنتُزِع. فقالَ لَه صَموئيل: «اليَومَ ٱنتَزَعَ الرَّبُّ مَملَكَةَ إِسْرائيلَ عنكَ وسَلَّمَها إِلى قَريبِكَ الَّذي هو خَيرٌ مِنكَ، (فإِنَّ بَهاءَ إِسْرائيلَ لا يَكذِبُ ولا يَندَم، لأَنَّه لَيسَ إِنْسانًا فيَندَم). فقالَ شاوُل: «قد خَطِئتُ، فأَكرِمْني الآنَ أَمامَ شُيوخِ شَعْبي وأَمامَ إِسْرائيل، وٱرجِعْ معي لأَسجُدَ لِلرَّبِّ إِلْهِكَ». فرَجَعَ صَموئيلُ وَراءَ شاوُل، وسَجَدَ شاوُلُ لِلرَّبّ. وقالَ صَموئيل: «هَلُمَّ إِلَيَّ بِأَجاج، مَلِكِ عَماليق». فتَقَدَّمَ إِليه أَجاجُ مُرتاحَ البال، لأَنَّ أَجاجَ قالَ في نَفْسِه: «لا شَكَّ أَنَّ مَرارَةَ المَوتِ قدِ ٱبتَعَدَت». فقالَ صَموئيل: «كما أَثكَلَ سَيفُكَ النِّساء، تُثكَلُ أُمُّكَ بَين النِّساء». وقَطَّعَ صَموئيلُ أَجاجَ أَمامَ الرَّبِّ في الجِلْجال». ثُمَّ ٱنصَرَفَ صَموئيلُ إِلى الرَّامة، وصَعِدَ شاوُلُ إِلى بَيتِه، إِلى جَبْعَ شاوُل. ولم يَعُدْ صَموئيلُ يَرى شاوُلَ إِلى يَومِ وَفاتِه، لأَنَّ صَموئيلَ حَزِنَ على شاوُل. ونَدِمَ الرَّبُّ على أَنَّه مَلّكَ شاوُلَ على إِسْرائيل. وقالَ الرَّبُّ لِصَموئيل: «إِلى مَتى تَحزَنُ على شاوُل، وأَنا قد نَبَذتُه كَملِكٍ على إِسْرائيل؟ فٱملأْ قَرنَكَ زَيتًا وتَعالَ أُرسِلُكَ إِلى يَسَّى مِن بَيتَ لَحْم، لأَنِّي قدِ ٱختَرتُ لي مِن بَنيه مَلِكًا». فقالَ صَموئيل: «كَيفَ أَذهَب؟ فإِن سَمِعَ شاوُل، يَقتُلُني». فقالَ الرَّبّ: «خُذْ معَكَ عِجلَةً مِنَ البَقَرِ وقُلْ: إِنِّي جِئتُ لأَذبَحَ ذَبيحةً لِلرَّبّ. وٱدعُ يَسَّى إِلى الذَّبيحَة، وأَنا أُعلِمُكَ ماذا تَصنَع، وٱمسَحْ لِيَ الَّذي أُسَمِّيه لَكَ». ففَعَلَ صَموئيلُ كما أَمَرَه الرَّبّ، وأَتى بَيتَ لَحْم. فٱرتَعَشَ شُيوخُ المَدينَةِ عِندَ لِقائِه وقالوا: «أَلِسَلامٍ قُدومُكَ؟» فقال: «لِسَلامٍ قَدِمتُ، لأَذبَحَ لِلرَّبّ. فقَدِّسوا أَنفُسَكم وتَعالَوا معي إِلى الذَّبيحَة». وقَدَّسَ يَسَّى وبَنيه ودَعاهم إِلى الذَّبيحة. فلَمَّا أَتَوه، رأَى أَليآب، فقالَ في نَفسِه: «لا شَكَّ أَنَّ أَمامَ الرَّبِّ مَسيحَه». فقالَ الرَّبُّ لِصَموئيل: «لا تُراعِ مَنظَرَه وطولَ قامَتِه، فإِنِّي قد نَبَذتُه، لأَنَّ الرَّبَّ لا يَنظُرُ كما يَنظُرُ الإِنْسان، فإِنَّ الإِنْسانَ إِنَّما يَنظُرُ إِلى الظَّواهِر، وأَمَّا الرَّبُّ فإِنَّه يَنظُرُ إِلى القَلْب». ثُمَّ دعا يَسَّى أَبيناداب، وأَجازَه أَمامَ صَموئيل. فقال: «وهٰذا أَيضًا لم يَختَرْه الرَّبّ». ثُمَّ أَجاز يَسَّى شَمَّة، فقال: «وهٰذا أَيضًا لم يَختَرْه الرَّبّ». فأَجازَ يَسَّى سَبعَةَ بَنيه أَمامَ صَموئيل، فقالَ صَموئيلُ لِيَسَّى: «لم يَختَرِ الرَّبُّ مِن هٰؤُلاء». ثُمَّ قالَ صَموئيلُ لِيَسَّى: «أَهٰؤُلاءِ جَميعُ الفِتْيان؟» فقالَ لَه: «قد بَقِيَ الصَّغير، وهو يَرْعى الغَنَم». فقالَ صَموئيلُ لِيَسَّى: «أَرسِلْ فجِئْنا بِه، لأَنَّنا لا نَجلِسُ إِلى الطَّعامِ حتَّى يأتِيَ إِلى هٰهُنا». فأَرسَلَ وأَتى بِه، وكانَ أَصهَبَ جَميلَ العَينَينِ وَسيمَ المَنظَر. فقالَ الرَّبّ: «قُمْ فٱمسَحْه، لأَنَّ هٰذا هو». فأَخَذَ صَموئيلُ قَرنَ الزَّيتِ، ومَسَحَه في وَسْطِ إِخوَتِه، فٱنقَضَّ روحُ الرَّبِّ على داودَ مِن ذٰلكَ اليَومِ فصاعِدًا، وقامَ صَموئيلُ وٱنصَرَفَ إِلى الرَّامة. وفارَقَ روحُ الرَّبِّ شاوُل، ورَوَّعَه روحٌ شِرِّيرٌ مِن لَدُنِ الرَّبّ. فقالَ لِشاوُلَ حاشِيَتُه: «هُوَذا روحٌ شِرِّيرٌ مِن لَدُنِ اللهِ يُرَوِّعُكَ. فلْيَأمُرْ سَيِّدُنا حاشِيَتَه الَّذينَ أَمامَه أَن يَبحَثوا عن رَجُلٍ يُحسِنُ العَزفَ على الكِنَّارة، حتَّى إِذا ٱعتَراكَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ مِن لَدُنِ الله، يَعزِفُ بِيَدِه فتَتَحَسَّنُ حالَتُكَ». فقالَ شاوُلُ لِحاشِيَتِه: «أُنظُروا لي رَجُلًا يُحسِنُ العَزفَ وأْتوني بِه». فأَجابَ واحِدٌ مِنَ الحاشِيَةِ وقال: «رَأَيتُ ٱبنًا لِيَسَّى مِن بَيتَ لَحمَ يُحسِنُ العَزْف، وهو ذو بأسٍ ومُحارِبٌ باسِل، فَصيحُ الكَلامِ حَسَنُ المَنظَر، والرَّبُّ معَه». فأَرسَلَ شاوُلُ رُسُلًا إِلى يَسَّى وقالَ لَه: «أَرسِلْ إِلَيَّ داوُدَ ٱبنَكَ الَّذي مع الغَنَم». فأَخَذَ يَسَّى حِمارًا وحَمَّلَ علَيه خُبزًا وزِقَّ خَمْرٍ وجَديًا مِنَ المَعِز، وأَرسَلَ ذٰلك بِيَدِ داوُدَ ٱبنِه إِلى شاوُل. فأَتى داوُدُ إِلى شاوُل، ومَثَلَ أَمامَه، فأَحَبَّه حُبًّا شَديدًا، وكانَ لَه حامِلَ سِلاح. وأَرسَلَ شاوُلُ إِلى يَسَّى وقال: «لِيَبْقَ داوُدُ لَدَيَّ، لأَنَّه قد نالَ حُظوَةً في عَيَنَيَّ». وكانَ، إِذا ٱعتَرى شاوُلَ الرُّوحَ مِن لَدُنِ الله، يأخُذُ داوُدُ الكِنَّارةَ ويَعزِفُ بِيَده، فيَستَريحُ شاوُلُ وتَتَحَسَّنُ حالَتُه، ويُفارِقُه الرُّوحُ الشِّرِّير. وجَمَعَ الفَلِسطينِيُّونَ قُوَّاتِهم لِلحَرْب، وٱجتَمَعوا في سوكُوَ الَّتي لِيَهوذا، وعَسكَروا بَينَ سوكو وعَزيقَةَ في أَفيسَ دَمِّيم. وٱجتَمَعَ شاوُلُ ورِجالُ إِسْرائيل، وعَسكَروا عِندَ وادي البُطمَة وٱصطَفُّوا لِمُحارَبَةِ الفَلِسطينِيِّين. ووَقَفَ الفَلِسطينِيُّونَ على جَبَلٍ مِن هٰهُنا، ووَقَفَ إِسْرائيلُ على جَبَلٍ مِن هُناك، وبَينَهمُ الوادي. فخَرَجَ رَجُلٌ مُبارِزٌ مِن صُفوفِ الفَلِسطينِيِّينَ ٱسمُه جُلْياتُ مِن جَتّ. وكانَ طولُه سِتَّ أَذرُعٍ وشِبرًا، وعلى رَأسِه خوذَةٌ مِن نُحاس. وكانَ لابِسًا دِرعًا حَرشَفِيَّة، ووَزنُ الدِّرعِ خَمسَةُ آلافِ مِثْقالِ نُحاس، وعلى رِجلَيه ساقانِ مِن نُحاس، وبَينَ كَتِفَيه مِزْراقٌ مِن نُحاس، وقناةُ رُمحِه كمِطْوى النُّسَّاج، ووَزنُ سِنانِ رُمحِه سِتُّ مِئَةِ مِثْقالِ حَديد. وكانَ يَتَقَدَّمُه رَجُلٌ يَحمِلُ تُرسَه. فوَقَفَ ونادى صُفوفَ إِسْرائيلَ وقال لَهم: «لِماذا تَخرُجونَ لِلٱصطِفافِ في الحَرْب؟ أَلَستُ أَنا الفَلِسطينِيَّ وأَنتُمْ عَبيدَ شاوُل؟ فٱختاروا لَكم رَجُلًا يُنازِلُني. فإِنِ ٱستطاعَ أَن يُحارِبَني وقَتَلَني، صِرْنا لَكم عَبيدًا. وإِن ظَفِرتُ أَنا بِه وقَتَلتُه، تَصيرونَ أَنتُم لَنا عَبيدًا وتَخدُمونَنا». وأَضافَ الفَلِسطينيّ: «إِنِّي أُعَيِّرُ اليَومَ صُفوفَ إِسْرائيلَ! هاتوا لي رَجُلًا لِنَتَقاتَلَ مَعًا». فسَمِعَ شاوُلُ وكُلُّ إِسْرائيلَ كَلامَ الفَلِسطينيِّ هٰذا، ففَزِعوا وخافوا خوفًا شَديدًا. وكانَ داوُدُ ٱبنَ ذٰلك الرَّجُلِ الأَفْراتِيِّ مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا الَّذي ٱسمُه يَسَّى، وكانَ لَه ثَمانِيَةُ بَنين، وكانَ الرَّجُلُ على عَهدِ شاوُلَ قد شاخَ وتَقَدَّمَ في السِّنِّ بَينَ النَّاس. وإنَّ ثَلاثَةً مِن بَنيه الكِبارِ مَضَوا وتَبِعوا شاوُلَ إِلى الحَرْب. وأَسماءُ بَنيه الثَّلاثةِ الَّذينَ ذَهَبوا إِلى الحَرْبِ أَليآبُ وهو البِكْر، وأَبينادابُ ثانيهِ، وشَمَّةُ الثَّالِث. وكانَ داوُدُ الأَصغَر. فمَضى الثَّلاثَةُ الكِبارُ في إِثرِ شاوُل. (وأَمَّا داوُد، فكانَ يَذهَبُ ويَرجِعُ مِن عِندِ شاوُلَ لِيَرْعى غَنَمَ أَبيه في بَيتَ لَحْم. وكانَ الفَلِسطينِيُّ يَبرُزُ ويَقِفُ صَباحًا ومَساءً أَربَعينَ يَومًا). فقالَ يَسَّى لِداوُدَ ٱبنِه: «خُذْ لإخوَتِكَ إِيفَةً مِن هٰذا الفَريك وهٰذه الأَرغِفَةَ العَشَرَة، وهَلُمَّ إِلى إِخوَتِكَ في المُعَسكَر. وخُذْ قِطَعَ الجُبنِ العَشرَ هٰذه لِقائِدِ الأَلْف، وٱفْتَقِدْ إِخوَتَكَ هل هم بِخَير، وخُذْ مِنهم عُرْبونًا، وهم وشاوُلُ وجَميعُ رِجالِ إِسْرائيلَ في وادي البُطمَةِ يُقاتِلونَ الفَلِسطينِيِّين». فبَكَّرَ داوُدُ في الصَّباح، ووَكَلَ الغَنَمَ إِلى مَن يَسهَرُ علَيها، وحَمَّلَ ومضى، كما أَمَرَه يَسَّى، ووَصَلَ إِلى المُعَسكَر، وكانَ الجَيشُ يَخرُجُ لِلٱصطِفافِ ويَهتِفُ لِلحَرْب. وٱصطَفَّ إِسْرائيلُ والفَلِسطينِيُّونَ صَفًّا بإِزاءِ صَفّ. فتَرَكَ داوُدُ الأَمتِعَةَ الَّتي مَعَه في يَدِ حافِظِ الأَمتِعَة، وعَدا إِلى الصَّفّ، وأَتى وسأَلَ عن سَلامَةِ إِخوَتِه. وبَينَما هو يُكَلِّمُهم، إِذا الرَّجُلُ المُبارِزُ المُسمَّى جُلْياتَ الفَلِسطينِيَّ مِن جَتَّ قد صَعِدَ مِن صَفِّ الفَلِسطينِيِّين، وتَكَلَّمَ بِذٰلِكَ الكَلامِ نَفسِه. فسَمِعَه داوُد. فلَمَّا رَأَى جَميعُ رِجالِ إِسْرائيلَ ذٰلك الرَّجُل، هَرَبوا مِن وَجهِه وخافوا خَوفًا شَديدًا. وقالَ رِجالُ إِسْرائيل: «أَرأَيتُم هٰذا الرَّجُلَ الصَّاعِد؟ إِنَّما هو صاعِدٌ لِيُعَيِّرَ إِسْرائيل. مَن قَتَلَه يُغْنيه المَلِكُ غِنًى عَظيمًا ويُزَوِّجُه ٱبنَتَه ويُعْفي بَيتَ أَبيه مِن كُلِّ جِزْيَةٍ في إِسْرائيل». فقالَ داوُدُ لِلَّذينَ كانوا واقِفينَ معَه: «ماذا يُصنَعُ إِلى مَن يَقتُلُ هٰذا الفَلِسطينيَّ ويَصرِفُ العارَ عن إِسْرائيل؟ ومَن عَسى أن يَكونَ هٰذا الفَلِسطينيُّ الأَقلَفُ حتَّى يُعَيِّرَ صُفوفَ اللهِ الحَيّ؟» فكَلَّمَه القَومُ بِمِثلِ هٰذا الكَلام، وقالوا: «كَذا يُصنَعُ إِلى مَنْ يَقتُلُه». فسَمِعَ أَليآب، أَخوه الأَكبَر، ما تَكَلَّمَ بِه مع الرِّجال، فغَضِبَ أَليآبُ على داوُد، وقالَ لَه: «لِماذا نَزَلتَ إِلى هٰهُنا وعِندَ مَن تَرَكتَ تِلكَ الغُنَيماتِ القَلائِلَ في البَرِّيَّة؟ إِنِّي أَعرِفُ ٱعتِدادَكَ بِنَفْسِكَ ومَكْرَ قَلبِكَ. إِنَّكَ إِنَّما نَزَلتَ لِتَرى القِتال». فقالَ داوُد: «ماذا صَنَعتُ الآن؟ أَلَيسَ ذٰلك مُجَرَّدَ كَلام؟» وٱنصَرَفَ مِن عِندِه إِلى رَجُلٍ آخَر. وقالَ مِثلَ قَولِه الأَوَّل، فأَجابَه القَومُ بِجَوابِهِم الأَوَّل. فسُمِعَ الكَلامُ الَّذي تَكَلَّمَ بِه داوُد وتَحَدَّثوا بِه أَمامَ شاوُل، فٱستَحضَرَه. فقالَ داوُدُ لِشاوُل: «لا تَخُرْ عَزيمةُ أَحَدٍ بِسَبَبِه، فإِنَّ عَبدَكَ يَمْضي فيُحارِبُ هٰذا الفَلِسطينيّ». فقالَ شاوُلُ لِداوُد: «لا تَقدِرُ على مُلاقاةِ هٰذا الفَلِسطينِيِّ ومُقاتَلَتِه، لأَنَّكَ أَنتَ وَلَدٌ وهو رَجُلُ حَربٍ مُنذُ صِباه». فقالَ داوُدُ لِشاوُل: «كانَ عَبدُكَ يَرْعى غَنَمَ أَبيه، فكانَ يَأتي أَسَدٌ وتارَةً دُبٌّ ويَخطَفُ شاةً مِنَ القَطيع. فكُنتُ أَخرُجُ وَراءَه وأَضرِبُه وأُنقِذُها مِن فَمِه. وإذا وَثَبَ علَيَّ، أَخَذتُ بِذَقنِه وضَرَبتُه فقَتَلتُه. فقَد قَتَلَ عَبدُكَ أَسَدًا ودُبًّا، وسَيَكونُ هٰذا الفَلِسطينِيُّ الأَقلَفُ مِثلَ واحِدٍ مِنهما، لأَنَّه عَيَّرَ صُفوفَ اللهِ الحَيّ». وأَضافَ داود: «إِنَّ الرَّبَّ الَّذي أَنقَذَني مِن يَدِ الأَسَدِ والدُّبِّ هو يُنقِذُني مِن يَدِ هٰذا الفَلِسطينيّ». فقالَ شاوُلُ لِداوُد: «إِمضِ ولْيَكُنِ الرَّبُّ معَكَ». وأَلبَسَ شاوُلُ داوُدَ ثِيابَه، وجَعَلَ على رَأسِه خوذَةً مِن نُحاسٍ وأَلبَسَه دِرعًا. وتَقَلَّدَ داوُدُ سَيفَه فَوقَ ثِيابِه وحاوَلَ أَن يَمشِيَ، لأَنَّه لم يَكُنْ قد جَرَّب. فقالَ داوُدُ لِشاوُل: «لا أَستَطيعُ أَن أَمشِيَ بِهٰذهِ، لأَنِّي لم أَكُنْ قد جَرَّبتُها». ونَزَعَها داوُدُ عنه. ثُمَّ أَخَذَ عَصاه بِيَدِه وٱنتَقى خَمسَةَ حِجارَةٍ مُلْسٍ مِن الوادي ووَضَعَها في جَيبِ كيسِ الرَّاعي الَّذي لَه، ومِقْلاعُه بِيَدِه، وتَقَدَّمَ مِنَ الفَلِسطينيّ. فجاءَ الفَلِسطينِيُّ وٱقتَرَبَ مِن داوُد، يَتَقَدَّمُه الرَّجُلُ الحامِلُ تُرسَه. وتَطَلَّعَ الفَلِسطينيُّ ورأَى داودَ، فٱحتَقَره، لأَنَّه كانَ وَلَدًا (أَصهَبَ جَميلَ المَنظَر). فقالَ الفَلِسطينيُّ لِداوُد: «أَكَلبٌ أَنا حتَّى تأتِيَني بِالعِصيّ؟» ولَعَنَ الفَلِسطينيُّ داوُدَ بِآلِهَتِه. ثُمَّ قالَ الفَلِسطينيُّ لِداوُد: «هَلُمَّ فأَجعَلُ لَحمَكَ لِطُيورِ السَّماء وبَهائِمِ الحُقول». فقالَ داوُدُ للفَلِسطينيّ: «أَنتَ تأتيني بِالسَّيفِ والرُّمحِ والمِزْراق، وأَنا آتيكَ بِٱسمِ رَبِّ القُوَّات، إِلٰهِ صُفوفِ إِسْرائيلَ الَّذي أَنتَ عَيَّرتَه. في هٰذا اليَومِ يُسلِمُكَ الرَّبُّ إِلى يَدي فأَقتُلُكَ وأَفصِلُ رَأسَكَ عنكَ، وأَجعَلُ اليَومَ جُثَثَ جَيشِ الفَلِسطينِيِّينَ لِطُيورِ السَّماءِ ووُحوشِ الأَرْض، حتَّى تَعلَمَ الأَرضُ كُلُّها أَنَّ لإسْرائيلَ إِلٰهًا، وتَعلَمَ هٰذه الجَماعةُ كُلُّها أَن لَيسَ بِالسَّيفِ والرُّمحِ يُخَلِّصُ الرَّبّ، لأَنَّ لِلرَّبِّ القِتال، وهو يُسلِمُكم إِلى أَيدينا». وكانَ، لَمَّا نَهَضَ الفَلِسطينِيُّ وذَهَبَ وتَقَدَّمَ لِمُلاقاةِ داوُد، أَنَّ داوُدَ أَسرَعَ ورَكَضَ نَحوَ صَفِّ القِتالِ لِمُلاقاةِ الفَلِسطينيّ. ومَدَّ داوُدُ يَدَه إِلى الكيس، وأَخَذَ مِنه حَجَرًا وقَذَفَ بالمِقلاع، فضَرَبَ الفَلِسطينيَّ في جَبهَتِه، وٱنغَرَزَ الحَجَرُ في جَبهَتِه، فسَقَطَ على وَجهِه على الأَرْض. وٱنتَصَرَ داوُدُ على الفَلِسطينيِّ بِالمِقْلاعِ والحَجَر، وضَرَبَ الفَلِسطينِيَّ وقَتَلَه، ولم يَكُنْ في يَدِ داوُدَ سَيف. فرَكَضَ داوُدُ ووَقَفَ على الفَلِسطينيّ، وأَخَذَ سَيفَه وٱستلَّه مِن غِمدِه وقَتَلَه، وقَطَعَ بِه رَأسَه. فلَمَّا رأَى الفَلِسطينِيُّونَ أَنَّ بَطَلَهم قد قُتِل، هَرَبوا. وقامَ رِجالُ إِسْرائيلَ ويَهوذا وهَتَفوا وطارَدوا الفَلِسطينِيِّين، حتَّى ٱنتَهَوا إِلى الوادي وإِلى أَبوابِ عَقْرون، وسَقَطَ قَتْلى الفَلِسطينِيِّينَ في طَريقِ شَعرَئيمَ إِلى جَتَّ وإِلى عَقْرون. ثُمَّ رَجَعَ بَنو إِسْرائيلَ عن مُطارَدَةِ الفَلِسطينِيِّين، ونَهَبوا مُعَسكَرَهم. وأَخَذَ داوُدُ رأسَ الفَلِسطينيِّ وجاءَ بِه إِلى أُورَشَليم، ووَضَعَ سِلاحَه في خَيمَتِه. ورأَى شاوُلُ داوُدَ حينَ خَرَجَ لِلِقاءِ الفَلِسطينيّ، فقالَ لأَبْنيرَ، قائِدِ الجَيش: «إِبنُ مَن هٰذا الفَتى، يا أَبْنير»؟ فقالَ أَبْنير: «حَيَّةٌ نَفسُكَ أَيُّها المَلِك، إِنِّي لا أَعرِفُه». فقالَ المَلِك: «سَلِ ٱبنُ مَن هٰذا الفَتى». فلَمَّا رَجَعَ داوُدُ مِن قَتلِه الفَلِسطينيّ، أَخَذَه أَبْنيرُ وأَدخلَه على شاوُل، ورَأسُ الفَلِسطينيِّ بِيَدِه. فقالَ لَه شاوُل: «إِبنُ مَن أَنتَ يا فَتًى؟» فقالَ لَه داود: «أَنا ٱبنُ عَبدِكَ يَسَّى مِن بَيتَ لَحْم». ولَمَّا ٱنتَهى داوُدُ مِن كَلامِه مع شاوُل، تَعَلَّقَت نَفسُ يوناتانَ بِنَفْسِ داوُد، وأَحبَّه يوناتانُ حُبَّه لِنَفْسِه. وأَمْسَكَه شاوُلُ في ذٰلك اليَوم، ولم يَدَعْه يَرجِعُ إِلى بَيتِ أَبيه. وقَطَعَ يوناتانُ مع داوُدَ عَهدًا، لأَنَّه أَحبَّه حُبَّه لِنَفْسِه. وخَلَعَ يوناتانُ الرِّداءَ الَّذي علَيه ووَهَبَه لِداوُدَ مع سائِرِ ثِيابِه، حتَّى سَيفَه وقَوسَه وحِمالَتَه. وكانَ داوُدُ يَخرُجُ حَيثُما أَرسَلَه شاوُل ويَتَصَرَّفُ بِحِكمَة. فأَقامَه شاوُلُ على رِجالِ الحَرْب، وحَظِيَ في عُيونِ الشَّعْبِ كُلِّه وعُيونِ ضُبَّاطِ شاوُلَ أَيضًا. وكانَ، عِندَ وُصولِهم حينَ رَجَعَ داوُدُ مِن قَتلِ الفَلِسطينيّ، أَن خَرَجَتِ النِّساءُ مِن جَميعِ مُدُنِ إِسْرائيل، وهُنَّ يُغَنِّينَ ويَرقُصنَ بِدُفوفٍ وهُتافاتِ ٱبتِهاجٍ ومُثَلَّثاتٍ في ٱستِقْبالِ شاوُلَ المَلِك. فأَنشَدَتِ النِّساءُ الرَّاقِصاتُ وقُلنَ: «قَتَلَ شاوُلُ أُلوفَه وداوُدُ رِبْواتِه». فغَضِبَ شاوُلُ غَضَبًا شَديدًا وساءَ ذٰلك الكَلامُ في عَينَيه وقال: «جُعِلَ لِداوُدَ رِبْوات، وأَمَّا لي فجُعِلَ أُلوف، فلم يَبْقَ لَه إِلاَّ المَملَكَة». وأَخَذَ شاوُلُ يَنظُرُ إِلى داوُدَ بِعَينِ الشَّرِّ مِن ذٰلِكَ اليَومِ فصاعِدًا. وكانَ في الغَدِ أَنِ ٱعتَرى شاوُلَ الرُّوحُ الشِّرّيرُ مِن لَدُنِ الله، فأَخَذَ يَتَنَبَّأُ في داخِلِ بَيتِه، وكانَ داوُدُ يَعزِفُ بِيَدِه، كما كانَ يَفعَلُ كُلَّ يَوم. وكانَ في يَدِ شاوُلَ رُمْح. فرَمى شاوُلُ بِالرُّمحِ قائِلًا في نَفْسِه: «أُسَمِّرُ داوُدَ في الحائط». فتَنَحَّى داوُدُ مِن أَمامِه مَرَّتَين. فخافَ شاوُلُ مِن داوُد، لأَنَّ الرَّبَّ كانَ معَه وقد أَعرَضَ عن شاوُل. فأَبعَدَه شاوُلُ مِن عِندِه وأَقامَه رَئيسَ أَلْف. فكانَ يَخرُج ويَدخُلُ أَمامَ الشَّعْب. وكانَ داوُدُ يَتَصَرَّفُ بِحِكمَةٍ في كُلِّ ما يَقومُ بِه، وكانَ الرَّبُّ معَه. ورأَى شاوُلُ أَنَّه حَكيمٌ جِدًّا، فخافَ مِنه. وأَحَبَّ كُلُّ إِسْرائيلَ ويَهوذا داوُد، لأَنَّه كانَ يَخرُجُ ويَدخُلُ أَمامَهم. فقالَ شاوُلُ لِداوُد: «هٰذه ٱبنَتي الكُبْرى ميراب، أُعطيكَ إِيَّاها زَوجَةً، ولٰكِن كُنْ لي ذا بأس، وحارِبْ حُروبَ الرَّبّ»، لأَنَّ شاوُلَ كانَ يَقولُ: «لا تَكُنْ يَدي علَيه، وإِنَّما تَكونُ علَيه يَدُ الفَلِسطينِيِّين». فقالَ داوُدُ لِشاوُل: «مَن أَنا وما عَشيرتي وعَشيرةُ أَبي في إِسْرائيلَ حتَّى أَكونَ صِهرَ المَلِك؟» ولٰكن، في ميعادِ إِعْطاءِ ميرابَ، ٱبنَةِ شاوُلَ، لِداوُد، أَنَّها أُعطِيَت زَوجَةً لِعَدريئيلَ المَحولِيّ. وأَحَبَّت ميكالُ، ٱبنَةُ شاوُلَ، داوُد. فأُخبِرَ شاوُل، فحَسُنَ الأَمرُ في عَينَيه، وقالَ شاوُلُ في نَفْسِه: «أُعطيه إِيَّاها، فتَكونُ لَه فَخًّا، وتَكونُ يَدُ الفَلِسطينِيِّينَ علَيه». فقالَ شاوُلُ لِداوُدَ مَرَّةً ثانِيَة: «تُصاهِرُني اليَومَ». وأَمَرَ شاوُلُ حاشِيَتَه قائِلًا: «تَكَلَّموا مع داوُدَ سِرًّا وقولوا: «إِنَّكَ قد أَعجَبتَ المَلِك، وكُلُّ حاشِيَتِه أَحبَّتكَ، فصاهِرِ الآنَ المَلِك». فلَمَّا تَكَلَّمَت حاشِيَةُ شاوُلَ على مِسمَعِ داوُدَ بِهٰذا الكَلام، قالَ داوُد: «أَقَليلٌ عِندَكم أَن أُصاهِرَ المَلِكَ وأَنا رَجُلٌ مِسكينٌ حَقير؟» فأَخبَرَت شاوُلَ حاشِيَتُه وقالَت: «كذا قالَ داوُد». فقالَ شاوُل: «هٰذا ما تَقولونَه لِداوُد: لَيسَت رَغبَةُ المَلِكِ في المَهْرِ، ولٰكِنَّه يُريدُ مِئَةَ قُلفَةٍ مِنَ الفَلِسطينِيِّينَ ٱنتِقامًا مِن أَعْداءِ المَلِك». وكانَ شاوُلُ قد أَضمَرَ أَن يُوقِعَ داوُدَ في يَدِ الفَلِسطينِيِّين. فأَخبَرَت حاشِيَةُ شاوُلَ داوُدَ بِهٰذا الكَلام، فحَسُنَ الأَمرُ في عَينَي داوُدَ أن يُصاهِرَ المَلِك. فلَم تَتِمَّ الأَيَّامُ حتَّى قامَ داوُدُ وذَهَبَ هو ورِجالُه وقَتَلَ مِنَ الفَلِسطينِيِّين مِئَتَي رَجُلٍ وجاءَ داوُدُ بِقُلَفِهم، فسُلِّمَت بتَمامِها إِلى المَلِكِ لِيُصاهِرَه. فزَوَّجَه شاوُلُ ميكالَ ٱبنَتَه. ورأَى شاوُلُ وعَلِمَ أَنَّ الرَّبَّ مع داوُد. وكانَت ميكالُ ٱبنَةُ شاوُلَ تُحِبُّ داوُد. وٱزدادَ شاوُلُ خَوفًا مِن داوُد، وصارَ شاوُلُ عَدُوًّا لِداوُدَ كُلَّ الأَيَّام. وخَرَجَ قُوَّادُ الفَلِسطينِيِّينَ إِلى الحَرْب، وكان داوُدُ، كُلَّما خَرَجوا، أَحكَمَ تَصَرُّفًا مِن جَميعِ ضُبَّاطِ شاوُل. فعَظُمَ ٱسمُه كَثيرًا. وكَلَّمَ شاوُلُ يوناتانَ ٱبنَه وكُلَّ حاشِيَتِه بِقَتلِ داوُد. كانَ يوناتانُ بنُ شاوُلَ يُحِبُّ داوُدَ حُبًّا شَديدًا. فأَخبَرَ يوناتانُ داوُدَ وقال: «إِنَّ شاوُلَ أَبي يُريدُ قَتلَك، فٱحتَرِسْ لِنَفْسِكَ مُنذُ غَدٍ، وٱذهَبْ إِلى خُفْيةٍ وأَقِمْ فيها. وأَنا أَخرُجُ فأَقِفُ لَدى أَبي في الحَقلِ الَّذي تَكونُ فيه وأُكَلِّمُ أَبي في شَأنِكَ وأَرى ما يَكونُ فأُخبِرُكَ». وذَكَرَ يوناتانُ داوُدَ بِخَيرٍ أَمامَ أَبيه شاوُل، وقال: «لا يَخْطَإِ المَلِكُ إِلى عَبدِه داوُد، لأَنَّه لم يَخطَأ إِلَيكَ، وأَعْمالُه حَسَنَةٌ لَكَ جِدًّا. فإِنَّه خاطَرَ بِنَفسِه وقَتَلَ الفَلِسطينيَّ فأَجْرى الرَّبُّ نَصرًا عَظيمًا لِكُلِّ إِسْرائيل، وأَنتَ قد شاهَدتَ وفَرِحتَ. فلِماذا تَخطَأُ إِلى دَمٍ زَكِيٍّ وتَقتُلُ داوُدَ بِلا سَبَب؟». فسَمِعَ شاوُلُ لِكَلامِ يوناتان، وحَلَفَ وقال: «حَيٌّ الرَّبّ! إِنَّه لا يُقتَل» فدعا يوناتانُ داوُدَ وأَخبَرَه بِهٰذا الكَلامِ كُلِّه، وأَدخَلَ داوُدَ على شاوُل. فكانَ أَمامَه كما كانَ مِن أَمسِ فما قَبْلُ. وعادَتِ الحَرْب، فخَرَجَ داوُدُ وحارَبَ الفَلِسطينِيِّين، وضَرَبَهم ضَربَةً شَديدة، فهَرَبوا مِن وَجهِه. وٱعتَرى الرُّوحُ الشِّرِّيرُ شاوُلَ مِن لَدُنِ الرَّبِّ، وهو جالِسٌ في بَيتِه والرُّمحُ في يَدِه، وكانَ داوُدُ يَعزِفُ بِيَده. فأَرادَ شاوُلُ أَن يُسَمِّرَ داوُدَ بالرُّمحِ في الحائِط، فتَنَحَّى داوُدُ مِن أَمامِ شاوُل، فنَشِبَ الرُّمحُ في الحائِط، وهَرَبَ داوُدُ ونَجا في تِلكَ اللَّيلَة. فأَرسَلَ شاوُلُ رُسُلًا إِلى بَيتِ داوُدَ يَتَرَصَّدونَه لِيَقتُلوه صَباحًا. فأَخبَرَت داوُدَ ميكالُ ٱمرَأَتُه وقالَت: «إِن لم تَنجُ بِنَفسِكَ هٰذه اللَّيلَة، قُتِلتَ في الغَد». ودَلَّته ميكالُ مِن نافِذَة، فذَهَبَ وهَرَبَ ناجِيًا. ثُمَّ أَخَذَت ميكالُ أَحَدَ التَّرافيمِ وجَعَلَته على السَّرير، وجَعَلَت عِندَ رَأسِه مِن شَعَرِ المَعِزِ وسَتَرَته بِرِداء. وأَرسَلَ شاوُلُ رُسُلًا يَقبِضونَ على داوُد، فقالَت: «هو مَريض». فأَعادَ شاوُلُ الرُّسُلَ لِيَرَوا داوُدَ قائِلًا لَهم: «أَصعِدوه إِلَيَّ في السَّريرِ لأَقتُلَه». فجاءَ رُسُلُ شاوُل، فإِذا على السَّريرِ أَحَدُ التَّرافيم وعِندَ رأسِه شَعَرُ المَعِز. فقالَ شاوُلُ لمِيكال: «لِماذا خَدَعتِني وأَطلَقتِ عَدُوِّي حتَّى نَجا؟» فقالَت ميكالُ لِشاوُل: «هو قالَ لي: أَطلِقيني، وإِلاَّ قَتَلتُكِ». وهَرَبَ داوُدُ ونَجا وأَتى إِلى صَموئيلَ في الرَّامة، وأَخبَرَه بِكُلِّ ما صَنَعَ بِه شاوُل، ومضى هو وصَموئيلُ وأَقاما بِنايوت. فأُخبِرَ شاوُلُ وقيلَ لَه: «هُوَذا داوُدُ في نايوتَ في الرَّامة». فأَرسَلَ شاوُلُ رُسُلًا يَقبِضونَ على داوُد. فرَأَى رُسُلُه جَماعةَ الأَنبِياءِ وهُم يَتَنَبَّأونَ وصَموئيلُ واقِفٌ رَئيسًا علَيهم. فحَلَّ روحُ الرَّبِّ على رُسُلِ شاوُل فتَنَبَّأوا هُم أَيضًا. فأُخبِرَ شاوُلُ فأَرسَلَ رُسُلًا آخَرين، فتَنَبَّأوا هُم أَيضًا. وعادَ شاوُلُ فأَرسَلَ رُسُلًا مَرَّةً ثالِثَة، فتَنَبَّأوا أَيضًا. فذَهَبَ هو بِنَفْسِهِ إِلى الرَّامة، وٱنتَهى إِلى البِئرِ الكَبيرَةِ الَّتي عِندَ سيكون وسأَلَ قائِلًا: «أَيْنَ صَموئيلُ وداوُد؟» فقالوا لَه: «هٰهُنا في نايوتَ في الرَّامة». فذَهَبَ شاوُلُ إِلى هُناكَ إِلى نايوتَ في الرَّامة، فحَلَّ عليه أَيضًا رُوحُ الله، فجَعَلَ يَسيرُ ويَتَنَبَّأُ حتَّى ٱنتَهى إِلى نايوتَ في الرَّامة، ونَزَعَ هو أَيضًا ثِيابَه وتَنَبَّأَ هو أَيضًا أَمامَ صَموئيل، وٱنطَرَحَ عُرْيانًا نَهارَه ذٰلك ولَيلَه كُلَّه. لِذٰلك يَقولون: «أَشاوُلُ أَيضًا مِنَ الأَنبِياء؟». فهَرَبَ داوُدُ مِن نايوتَ في الرَّامة، وأَتى وقالَ لِيوناتانَ وَجهًا لِوَجْه: «ماذا صَنَعتُ وما هو إِثْمي وما هي خَطيئَتي إِلى أَبيكَ حتَّى يَطلُبَ نَفْسي؟» فقالَ يوناتان: «حاشَ! إِنَّكَ لا تَموت، فهُوَذا أَبي لا يَصنَعُ أَمرًا كَبيرًا ولا صَغيرًا ما لم يُكاشِفْني بِه. فكَيفَ يَكتُمُني أَبي هٰذا الأَمْر؟ لَيسَ هُناكَ شَيءٌ مِن هٰذا». فعادَ داوُدُ وحَلَفَ فقال: «إِنَّ أَباكَ قد عَلِمَ أَنِّي قد نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، فقالَ في نَفْسِه: لا يَعْلَمْ يوناتانُ بِهٰذا لِئَلاَّ يَحزَن. ولٰكن حَيٌّ الرَّبُّ وحَيَّةٌ نَفسُكَ! إِنَّه ما كانَ بَيني وبَينَ المَوتِ إِلاَّ خُطوَة». فقالَ يوناتانُ لِداوُد: «ما تَطلُبُه نَفسُكَ فإِنِّي صانِعُه لَكَ». فقالَ داوُدُ لِيوناتان: «غَدًا رَأسُ الشَّهْرِ، وهو أَوانُ جُلوسي مع المَلِكِ إِلى الطَّعام، فٱصرِفْني لأَختَبِئَ في الحَقْلِ إِلى المَساء. فإِنِ ٱفتَقَدَني أَبوكَ، فقُلْ لَه: إِنَّ داوُدَ ٱستَأذَنَني في الإسْراعِ إِلى بَيْتَ لَحْمَ مَدينَتِه، لأَنَّ لِعَشيرَتِه كُلِّها هُناكَ الذَّبيحَةَ السَّنَوِيَّة. فإِن قالَ: حَسَن، كانَ لِعَبدِكَ سَلام، ولٰكِن إِن غَضِبَ فٱعلَمْ أَنَّ الشَّرَّ قد تَمَّ مِن قِبَلِه. فٱصنَعْ إِلى عَبدِكَ هٰذه الرَّحمَة، لأَنَّكَ قد عاهَدتَ عَبدَكَ عَهدَ الرَّبّ، وإِن كانَ علَيَّ إِثمٌ فٱقتُلْني أَنتَ، ولِماذا تُدخِلُني على أَبيكَ؟» فقالَ يوناتان: «حاشَ لَكَ! إِنِّي، إِذا عَلِمتُ أَنَّ الشَّرَّ قد تَمَّ علَيكَ مِن قِبَلِ أَبي، أَفَلا أُخبِرُكَ؟» فقالَ داوُدُ لِيوناتان: «مَن يُخبِرُني إِن أَجابَكَ أَبوكَ بِجَوابٍ جافّ؟». فقالَ يوناتانُ لِداوُد: «هَلُمَّ نَخرُجُ إِلى الحَقْل»، وخَرَجا كِلاهُما إِلى الحَقْل، وقالَ يوناتانُ لِداوُد: «والرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل، سأَستَكشِفُ أَبي بَعدَ غَدٍ في مِثلِ هٰذه السَّاعة، فإِن كانَ لِداوُدَ خَيرٌ ولم أُرسِلْ حينَئِذٍ وأُكاشِفْكَ، فليَصنَعِ الرَّبُّ كَذا بِيوناتانَ وكَذا يَزيد. وإِن حَسُنَ لأَبي أَن يُسيءَ إِلَيكَ، فإِنِّي أُكاشِفُكَ وأُطلِقُكَ، فتَنصَرِفُ بِسَلام، ولْيَكُنِ الرَّبُّ مَعَكَ كما كانَ مع أَبي. وإِن بَقيتُ حَيًّا، أَفلا تَصنَعُ إِلَيَّ رَحمَةَ الرَّبِّ لِكَي لا أَموت! فلا تَقْطَعْ رَحمَتَكَ عن بَيتي أَبَدًا، حتَّى إِذا أَبادَ الرَّبُّ كُلَّ واحِدٍ مِن أَعْداءِ داوُدَ عن وَجهِ الأَرْض». وهٰكذا عاهَدَ يوناتانُ بَيتَ داوُدَ وقال: «يُطالِبُ الرَّبُّ أَعْداءَ داوُد». وطَلَبَ يوناتانُ مِن داوُدَ أَن يَحلِفَ لَه ثانِيَةً بِسَبَبِ حُبِّه لَه، لأَنَّه أَحبَّه حُبَّه لِنَفْسِه. ثُمَّ قالَ يوناتان: «غَدًا رَأسُ الشَّهرِ، فستُفتَقَدُ فيه، لأَنَّ مَكانَكَ يَكونُ خالِيًا، وفي اليَومِ الثَّالِث، تَنزِلُ سَريعًا وتَأتي إِلى المَكانِ الَّذي ٱختَبَأتَ فيه يَومَ العَمَل، وتَبْقى بِجانِبِ صَخرَةِ الٱنصراف. وأَنا أَرْمي بِثَلاثَةِ أَسهُمٍ إِلى جانِبِها، كأَنِّي أَرْمي هَدَفًا. وحينَئذٍ أُرسِلُ خادِمي قائِلًا لَه: إِذهَبْ فٱلتَقِطِ الأَسهُم. فإن قُلتُ لِلخادِم: الأَسهُمُ خَلفَكَ، فخُذْها وأتِ أَنتَ إِلَيَّ لأَنَّ لَكَ سَلامًا ولَيسَ علَيكَ شَيء، حَيٌّ الرَّبّ! وإِن قُلتُ لِلخادِم: الأَسهُمُ أَمامَكَ، فٱنصَرِفْ فإِنَّ الرَّبَّ قد أَطلَقَكَ. وأَمَّا الكَلامُ الَّذي تَكَلَّمنا بِه أَنا وأَنتَ فهُوَذا الرَّبُّ بَيني وبَينَكَ لِلأَبَد». فٱختَبَأَ داوُدُ في الحَقْل. فلَمَّا كانَ رَأسُ الشَّهْر، جَلَسَ المَلِكُ إِلى الطَّعام. فجَلَسَ المَلِكُ إِلى مَكانِه حَسَبَ كُلِّ مَرَّةٍ، إِلى مَكانٍ عِندَ الحائِط. وجَلَسَ يوناتانُ إِزاءَه، وجَلَسَ أَبْنيرُ إِلى جانِبِ شاوُل، وكانَ مَكانُ داوُدَ خالِيًا. ولم يَقُلْ شاوُلُ في ذٰلك اليَومِ شَيئًا لأَنَّه قالَ في نَفْسِه: «لَعَلَّه عَرَضَ له عارِض، لَعَلَّه غَيرُ طاهِر، لا شَكَّ أَنَّه لَيسَ بِطاهِر». فلَمَّا كانَ اليَومُ الثَّاني مِنَ الشَّهْر، خَلا مَكانُ داوُد، فقالَ شاوُلُ لِيوناتانَ ٱبنِه: «لِماذا لم يَأتِ ٱبنُ يَسَّى، لا أَمسِ ولا اليَومَ، لِلطَّعام؟» فأَجابَ يوناتانُ شاوُل: «إِنَّ داوُدَ قدِ ٱستَأذَنَني إِلى بَيتَ لَحْم، وقال: أَطْلِقْني، لأَنَّ لِعَشيرَتِنا كُلِّها ذَبيحةً في المَدينة، وإِنَّ أَخي قد أَمَرَني بِذٰلك، والآنَ إِن نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، دَعْني أَذهَبُ فأَرى إِخوَتي، ولِذٰلك لم يَحضُرْ مائِدَةَ المَلِك». فغَضِبَ شاوُلُ غَضَبًا شَديدًا على يوناتانَ وقالَ لَه: «يا ٱبنَ الفاسِدَةِ المُتَمَرِّدَة، أَلَم أَعلَمْ أَنَّكَ قد تَحَزَّبتَ لِٱبنِ يَسَّى لِخِزيِكَ وخِزْيِ عَورَةِ أُمِّكَ؟ لأَنَّه ما دامَ ٱبنُ يَسَّى حَيًّا على الأَرْضِ، فلا تُثَبَّتُ أَنتَ ولا مَملَكَتُكَ. وأَرسِلِ الآنَ فأتِني بِه، لأَنَّه يَستَوجِبُ المَوت». فأَجابَ يوناتانُ شاوُلَ أَباه وقالَ لَه: «لِماذا يُقتَل؟ ما الَّذي صَنَعَه؟» فرَفَعَ شاوُلُ الرُّمحَ إِلَيه لِيَطعَنَه بِه. فعَرَفَ يوناتانُ أَنَّ أَباه قد عَزَمَ على قَتْلِ داوُد. فقامَ يوناتانُ عن المائِدَةِ غاضِبًا غَضَبًا شَديدًا ولم يأكُلْ طَعامًا في اليَومِ الثَّاني مِنَ الشَّهْرِ، مِن حُزنِه على داوُد، لأَنَّ أَباه قد أَخْزاه. وفي صَباحِ الغَد، خَرَجَ يوناتانُ إِلى الحَقلِ في وَقتِ ميعادِ داوُد، ومعَه خادِمٌ صَغير، وقالَ لِلخادِم: «أُرْكُضْ فٱلتَقِطِ السِّهامَ الَّتي أَرْمي بِها». فرَكَضَ الخادِمُ ورَمى يوناتانُ بِسَهمٍ حتَّى جاوَزَه. فبَلَغَ الخادِمُ مَكانَ السَّهمِ الَّذي رَمى بِه يوناتان. فنادى يوناتانُ الخادِمَ وقال: «أَلَيسَ السَّهمُ أَمامَكَ؟» ونادى يوناتانُ الخادِمَ وقال: «أَسرِعْ على عَجَلٍ ولا تَقِفْ». فٱلتَقَطَ خادِمُ يوناتانَ السَّهمَ وعادَ إِلى سَيِّدِه. ولَم يَعلَمِ الخادِمُ شَيئًا، وكانَ يوناتانُ وداوُدُ فَقَط يَعلَمانِ الأَمر. ثُمَّ سَلَّمَ يوناتانُ سِلاحَه إِلى خادِمِه وقالَ لَه: «إِمضِ فخُذْه إِلى المَدينة». وٱنصَرَفَ الخادِمُ فقامَ داوُدُ مِن عِندِ الأَكَمَة وٱرتَمَى على وَجهِه إِلى الأَرضِ وسَجَدَ ثَلاثَ مَرَّات، وقَبَّلَ كُلٌّ مِنهما صاحِبَه، وبَكى كُلٌّ مِنهما إِلى صاحِبِه، وكانَ بُكاءُ داوُدَ أَشَدّ. وقالَ يوناتانُ لِداود: «إِذهَبْ بِسَلام! إِنَّنا قد حَلَفْنا كِلانا بِٱسمِ الرَّبِّ وقُلْنا: لِيَكُنِ الرَّبُّ بَيني وبَينَكَ، وبَينَ ذُرِّيَّتي وذُرِّيَتِكَ لِلأَبَد». فقامَ داوُدُ وذَهَب، وأَمَّا يوناتانُ فعادَ إِلى المَدينَة. ووَصَلَ داوُدُ إِلى نوب، إِلى أَحيمَلِكَ الكاهِن. فٱرتَعَشَ أَحيمَلِكُ عِندَ لِقاءِ داوُدَ وقالَ لَه: «لِماذا أَنتَ وَحدَكَ ولَيسَ مَعَكَ أَحَد؟» فقالَ داوُدُ لأَحيمَلِكَ الكاهِن: «إِنَّ المَلِكَ قد أَمَرَني بِحاجَةٍ وقالَ لي: «لا يَعلَمْ أَحَدٌ بِشَيءٍ مِمَّا أَرسَلتُكَ فيه وأَمَرتُكَ بِه. وأَمَّا الرِّجالُ فقَد واعَدتُهم إِلى مَكانِ كَذا. والآنَ فما الَّذي تَحتَ يَدِكَ؟ أَعطِني خَمسَةَ أَرغِفَةٍ أَو ما تَيَسَّر». فأَجابَ الكاهِنُ وقالَ لِداوُد: «لَيسَ تَحتَ يَدي خُبزٌ عادِيّ. ولَيسَ عِنْدي إِلاَّ خُبزٌ مُقَدَّس، على أَن يَكونَ الرِّجالُ قد صانوا أَنفُسَهم مِنَ المَرأة». فأَجابَ داوُدُ وقالَ لِلكاهِن: «إِنَّ المَرأَةَ قد مُنِعَت عَنَّا مُنذُ أَمسِ فما قَبلُ، حينَ أَخرُجُ إِلى الحَرْب، وأَعْضاءُ الرِّجالِ مُقَدَّسة، مع أَنَّ الحَملَةَ عادِيَّة. فما أَحْرى الأَعْضاءَ بِأَن تَكونَ اليَومَ مَقَدَّسة». فسَلَّمَ إِلَيه الكاهِنُ مِنَ الخُبزِ المُقَدَّس، لأَنَّه لم يَكُنْ هُنالِكَ خُبزٌ، ما عَدا الخُبزَ المُقَدَّسَ المَرْفوعَ مِن أَمامِ الرَّبِّ لِيوضَعَ خُبزٌ سُخنٌ في يَومِ رَفعِه. وكانَ هُناكَ يَومَئِذٍ رَجُلٌ مِن خُدَّامِ شاوُلَ مُحتَبِسًا أَمامَ الرَّبّ، يُقالُ لَه دوئيجُ الأَدومِيّ، وهو كَبيرُ رُعاةِ شاوُل. وقالَ داوُدُ لأَحيمَلِك: «أَلَيسَ عِندَكَ هٰهُنا رُمحٌ أَو سَيف؟ فإِنِّي لم آخُذْ معي سَيفي ولا سِلاحي، لأَنَّ أَمرَ المَلِكِ كانَ مُعَجَّلًا». فقالَ الكاهِن: «إِنَّ هٰهُنا سَيفَ جُلْياتَ الفَلِسطينيِّ الَّذي قَتَلتَه في وادي البُطمَة، وهو مَلْفوفٌ بِرِداءٍ خَلفَ الأَفود. إِن شِئتَ فخُذْه لأَنَّه لَيسَ هٰهُنا غَيرُه» فقالَ داوُد: «ولا مَثيلَ لَه، فَعَلَيَّ بِه». وقامَ داوُدُ وهَرَبَ في ذٰلك اليَومِ مِن وَجهِ شاوُل. فأَتى آكيش، مَلِكَ جَتّ. فقالَت لِآكيشَ حاشِيَتُه: «أَلَيسَ هٰذا داوُد، مَلِكَ الأَرض؟ أَلَيسَ لِهٰذا كُنَّ يُغَنِّينَ في الرَّقصِ ويَقُلنَ: قَتَلَ شاوُلُ أُلوفَه وداوُدُ رِبْواتِه؟». فجَعَلَ داوُدُ هٰذا الكَلامَ في قَلبِه وخافَ خَوفًا شَديدًا مِن وَجهِ آكيش، مَلِكِ جَتّ. وغَيَّرَ عَقلَه أَمامَهم وتَظاهَرَ بِالجُنونِ أَمامَهم، وجَعَلَ يَخُطُّ على مَصاريعِ الباب، وهو يُسيلُ لُعابَه على لِحْيَتِه. فقالَ آكيشُ لحاشِيَتِه: «تَرونَ الرَّجُلَ مَجْنونًا، فلِمَ أَتَيتُموني بِه؟ أَمِن قِلَّةِ المَجانينِ عِنْدي أَتَيتُموني بِهٰذا لِيَتَصَرَّفَ بِجُنونٍ أَمامي؟ أَهٰذا يَدخُلُ بَيتي؟». وٱنصَرَفَ داوُدُ مِن هُناكَ ولَجَأَ إِلى مَغارَةِ عَدُلاَّم. فلَمَّا سَمِعَ إِخوَتُه وكُلُّ بَيتِ أَبيه، نَزَلوا إِلَيه إِلى هُناك. وٱجتَمَعَ إِلَيه كُلُّ صاحِبِ ضيق وكُلُّ مَن كانَ علَيه دَين وكُلُّ مَن كانَ في مَرارَةِ نَفْس، فكانَ علَيهم رَئيسًا وصارَ معَه نَحوُ أَربَعِ مِئَةِ رَجُل. ومَضى داوُدُ مِن هُناكَ إِلى مِصفاةَ موآب، وقالَ لِمَلِكِ موآب: «لِيُقِمْ أَبي وأُمِّي عِندَكم حتَّى أَعلَمَ ما يَصنَعُ اللهُ لي». وأَخَذَهما إِلى مَلِكِ موآب، فأَقاما عِندَه كُلَّ أَيَّامِ إِقامَةِ داوُدَ في المَلجَأ. فقالَ جادٌ النَّبِيُّ لِداوُد: «لا تَبقَ في المَلجَأ، بَلِ ٱمضِ وٱدخُلْ أَرضَ يَهوذا». فمَضى داوُدُ مِن هُناكَ ودَخَلَ غابَةَ حارَت. وسَمِعَ شاوُلُ أَنَّ داوُدَ قد وُجِدَ هو والرِّجالُ الَّذينَ معه، وكان شاوُلُ في جَبْعَ جالِسًا تَحتَ الطَّرْفاءِ الَّتي في المَشرَف، ورُمحُه بِيَدِه وجَميعُ ضُبَّاطِه واقِفونَ حَولَه. فقالَ شاوُلُ لِضُبَّاطِه الواقِفينَ حَولَه: «إِسمَعوا يا آلَ بَنْيامين، أَلَعَلَّ ٱبنَ يَسَّى يُعطيكم جَميعًا هو أَيضًا حُقولًا وكُرومًا، أَو لَعَلَّه يَجعَلُكُم أَجمَعينَ رُؤَساءَ أُلوفٍ ورُؤَساءَ مِئات، حتَّى تآمَرتُم علَيَّ كُلُّكم، ومَن لم يَكُنْ فيكم مَن كاشَفَني، عِندَما قَطَعَ ٱبْني عَهدًا مع ٱبنِ يَسَّى، ولا فيكم مَن أَشفَقَ علَيَّ وكاشَفَني بِأَنَّ ٱبْني قد أَثارَ علَيَّ عَبْدي حتَّى كَمَنَ لي كما تَرَونَ في هٰذا اليَوم؟». فأَجابَ دوئيجُ الأَدومِيُّ الَّذي كانَ واقِفًا مع ضُبَّاطِ شاوُلَ وقال: «رَأَيتُ ٱبنَ يَسَّى قد أَتى إِلى نوب، إِلى أَحيمَلِكَ بنِ أَحيطوب. فسأَلَ لَه الرَّبَّ وأَعْطاه زادًا، وسَيفُ جُلْياتَ الفَلِسطينيِّ قد سَلَّمَه إِلَيه». فأَرسَلَ المَلِكُ فدَعا أَحيمَلِكَ بنَ أَحيطوبَ الكاهِنَ وكُلَّ بَيتِ أَبيه الكَهَنَةَ الَّذينَ في نوب، فأَتَوا كُلُّهم إِلى المَلِك. فقالَ شاوُل: «إِسمَعْ يا ٱبنَ أَحيطوب». فقال: «هاءَنَذا يا سَيِّدي». فقالَ لَه شاوُل: «لِماذا تآمَرتُما علَيَّ، أَنتَ وٱبنُ يَسَّى، فأَعطَيتَه خُبزًا وسَيفًا وسأَلتَ لَه اللهَ، لِيَقومَ علَيَّ ويَكمُنَ لي، كما تَرى في هٰذا اليَوم؟». فأَجابَ أَحيمَلِكُ وقالَ لِلمَلِك: «مَن مِن جَميعِ عَبيدِكَ أَمينٌ مِثلَ داوُد، صِهرِ المَلِك، رَئيسُ حَرَسِكَ ومُكَرَّمٌ في بَيتِكَ؟ أَلَعَلِّي مِن هٰذا اليَومِ بَدَأتُ أَسأَلُ لَه الله؟ حاشَ لي! لا يَنسُبِ المَلِكُ شَيئًا إِلى عَبدِه ولا إِلى كُلِّ بَيتِ أَبي، لأَنَّ عَبدَكَ لا يَعلَمُ بِقَليلٍ ولا كَثيرٍ مِن هٰذا الأَمرِ كُلِّه». فقالَ المَلِك: «إِنَّكَ تَموتُ مَوتًا يا أَحيمَلِك، أَنتَ وكُلُّ بَيتِ أَبيكَ». ثُمَّ قالَ المَلِكُ لِلسُّعاةِ الواقِفينَ أَمامَه: «إِعطِفوا وٱقتُلوا كَهَنَةَ الرَّبّ، لأَنَّ أَيدِيَهم أَيضًا مع داوُد، وقد عَلِموا أَنَّه هارِبٌ، ولم يُكاشِفوني بالأَمر». فأَبى خُدَّامُ المَلِكِ أَن يَمُدُّوا أَيدِيَهم لِيوقِعوا بِكَهَنَةِ الرَّبّ. فقالَ المَلِكُ لِدوئيج: «إِعطِفْ أَنتَ وأَوقِعْ بِالكَهَنَة». فعَطَفَ دوئيجُ الأَدومِيُّ وأَوقَعَ بِالكَهَنَة، وقَتَلَ في ذٰلك اليَومِ خَمسَةً وثَمانينَ رَجُلًا لابِسي أَفودِ كَتَّان. ثُمَّ ضَرَبَ شاوُلُ نوبَ، مَدينةَ الكَهَنَة، بِحَدِّ السَّيف، مِنَ الرَّجُلِ إِلى المَرأَةِ ومِنَ الطِّفْلِ إِلى الرَّضيع، والبَقَرَ والحَميرَ والغَنَم، بِحَدِّ السَّيف. فنَجا ٱبنٌ لأَحيمَلِكَ بنِ أَحيطوب، اِسمُه أَبِياتار، وهَرَبَ إِلى داوُد. وأَخبَرَ أَبِياتارُ داوُدَ أَنَّ شاوُلَ قتَلَ كَهَنَةَ الرَّبّ. فقالَ داوُدُ لأَبِياتار: «قد عَرَفتُ في ذٰلك اليَومِ، حينَ كانَ دوئيجُ الأَدومِيُّ هُناكَ، أَنَّه سيُخبِرُ شاوُل. فأنا المَسؤُولُ عن كُلِّ نَفْسٍ مِن أَنفُسِ بَيتِ أَبيكَ. فأَقِمْ عِنْدي ولا تَخَفْ، لأَنَّ الَّذي يَطلُبُ نَفْسي هو الَّذي يَطلُبُ نَفْسَكَ. فأَنتَ عِنْدي في أَمان». وأُخبِرَ داوُدُ وقيلَ لَه: «هُوَذا الفَلِسطينِيُّونَ يُحارِبونَ قَعيلةَ ويَنهَبونَ البَيادِر». فسَأَلَ داوُدُ الرَّبَّ قائِلًا: «أَأَسيرُ وأَضرِبُ أُولٰئِكَ الفَلِسطينِيِّين؟» فقالَ الرَّبُّ لِداوُد: «سِرْ فإِنَّكَ ستَضرِبُ الفَلِسطينِيِّينَ وتُخَلِّصُ قعيلَة». فقالَ لِداوُدَ رِجالُه: «إِنَّنا ونَحنُ هُنا في يَهوذا خائِفون، فكَم بِالأَحْرى إِذا ذَهَبنا إِلى قَعيلَة لِمُحارَبَةِ صُفوفِ الفَلِسطينِيِّين!» فعادَ داوُدُ وسأَلَ الرَّبَّ أَيضًا، فأَجابَه الرَّبُّ وقال: «قُمْ فٱنزِلْ إِلى قَعيلَة، فإِنِّي أُسلِمُ الفَلِسطينِيِّينَ إِلى يَدِكَ». فمَضى داوُدُ ورِجالُه إِلى قَعيلَة، وحارَبَ الفَلِسطينِيِّينَ وساقَ مَواشِيَهم وضَرَبَهم ضَربَةً شَديدَة، وخَلَّصَ داوُدُ أَهلَ قَعيلَة. وكانَ، لَمَّا هَرَبَ أَبِياتارُ بنُ أَحيمَلِكَ إِلى داود، أَنَّه نَزَلَ إِلى قعيلَة وفي يَدِه أَفود. وأُخبِرَ شاوُلُ بِأَنَّ داوُدَ قد دَخَلَ إِلى قَعيلَة. فقالَ شاوُل: «قد أَسلَمَه اللهُ إِلى يَدي، لأنَّه ٱحتَبَسَ في مَدينةٍ ذاتِ أَبْوابٍ ومَزاليج». وٱستَدْعى شاوُلُ كُلَّ الشَّعبِ إِلى القِتال، وإِلى النُّزولِ إِلى قَعيلَةَ ومُحاصَرَةِ داوُدَ ورِجالِه. وعَرَفَ داوُدُ أَنَّ شاوُلَ قد أَضمَرَ لَه السُّوء. فقالَ لأَبِياتارَ الكاهِن: «هَلُمَّ بِالأَفود». وقالَ داوُد: «أَيُّها الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، قد بَلَغَ عَبدَكَ أَنَّ شاوُلَ يُريدُ أَن يَدخُلَ إِلى قَعيلَة، لِيُخَرِّبَ المَدينةَ بِسَبَبي. فهَل يُسلِمُني أَعْيانُ قَعيلَةَ إِلى يَدِه؟ وهَل يَنزِلُ شاوُلُ كما سَمِعَ عَبدُكَ؟ أَيُّها الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، أَخبِرْ عَبدَكَ». فقالَ الرَّبّ: «يَنزِل». فقالَ داوُد: «وهَل يُسلِمُني أَعْيانُ قَعيلَةَ، أَنا ورِجالي، إِلى يَدِ شاوُل؟» فقالَ الرَّبّ: «يُسلِمون». فقامَ داوُدُ ورِجالُه، وكانوا نَحوَ سِتِّ مِئَةِ رَجُل، وخَرَجوا مِن قَعيلَةَ وهاموا على وُجوهِهم. فأُخبِرَ شاوُلُ أَنَّ داوُدَ قد هَرَبَ مِن قَعيلَة. فعَدَلَ عن الخُروجِ إِلى الحَرْب. وأَقامَ داوُدُ في البَرِّيَّة، في المَلاجئ، ثُمَّ أَقامَ في الجَبَل، في بَرِّيَّةِ زيف. وكانَ شاوُلُ يَطلُبُه كُلَّ يَوم، ولٰكِنَّ اللهَ لم يُسلِمْه إِلى يَدِه. ورَأَى داوُدُ أَنَّ شاوُلَ قد خَرَجَ يَطلُبُ نَفْسَه، وكانَ داوُدُ في حُرْشَة، في بَرِّيَّةِ زيف. فقامَ يوناتانُ بنُ شاوُل وأَتى إِلى داوُدَ في حُرشَة، وشَدَّدَ عَزيمَتَه بِٱسمِ الله، وقالَ لَه: «لا تَخَفْ، لأَنَّ يَدَ شاوُلَ أَبي لن تُصيبَكَ، وأَنتَ ستَملِكُ على إِسْرائيل، وأَنا أَكونُ لَكَ ثانِيًا، وشاوُلُ أَبي أَيضًا يَعلَمُ ذٰلك» وقَطَعا كِلاهما عَهدًا أَمامَ الرَّبّ. ولَبِثَ داوُدُ في حُرشَة، وٱنصَرَفَ يوناتانُ إِلى بَيتِه. وصَعِدَ الزِّيفِيُّونَ إِلى شاوُلَ في جَبْعَ وقالوا: «إِنَّ داوُدَ مُختَبِئٌ عِندَنا في المَلاجِئِ الَّتي في حُرشَة، في أَكَمَةِ الحَكيلَة، جَنوبِيَّ القَفْر. فحينَ أَحَبَّت نَفسُكَ، أَيُّها المَلِك، أَن تَنْزِلَ، فٱنزِلْ، وعلَينا أَن نُسلِمَه إِلى يَدِ المَلِك». فقالَ شاوُل: «مُبارَكونَ أَنتُم لَدى الرَّبّ، لأَنَّكم رَحِمتُموني. فٱنصَرِفوا وتَحَقَّقوا أَيضًا وٱعلَموا وٱنظُروا في أَيِّ مَكانٍ قَدَمُه ومَنِ الَّذي أَبصَرَه هُناك، فقَد قيلَ لي إِنَّه كَثيرُ الٱحتِيال. فٱنظُروا وٱعلَموا بِجَميعِ المَخابِئِ الَّتي يَختَبِئُ فيها، وعودوا إِلَيَّ بِاليَقين، فأَسيرَ مَعَكم. وإِن كانَ في تِلكَ الأَرْض، فإِنِّي أَبحَثُ عنه في جَميعِ أُلوفِ يَهوذا». فقاموا وذَهَبوا إِلى زيفَ قُدَّامَ شاوُل، وكانَ داوُدُ ورِجالُه في بَرِّيَّةِ مَعون، في العَرَبة، جَنوبِيَّ القَفْر. ومَضى شاوُلُ ورِجالُه في الطَلَب. فأُخبِرَ داوُدُ فنَزَلَ إِلى الصَّخرة، وأَقامَ في بَرِّيَّةِ مَعون. فلَمَّا سَمِعَ شاوُل، تَعَقَّبَ داوُدَ إِلى بَرِّيَّةِ مَعون. وكانَ شاوُلُ يَسيرُ في جانِبِ الجَبَلِ مِن هٰهُنا، وداوُدُ ورِجالُه في الجانِبِ الآخَرِ مِن هُناك. وكانَ داوُدُ مُسرِعًا في هَرَبِه مِن شاوُل، وشاوُلُ ورِجالُه يُحيطونَ بِداوُدَ ورِجالِه لِيأخُذوهم. فأَتى شاوُلَ رَسولٌ وقالَ لَه: «أَسرِعْ وٱذهَبْ، لأَنَّ الفَلِسطينِيِّينَ قد أَغاروا على الأَرْض». فكَفَّ شاوُلُ عن مُلاحَقَةِ داوُد، ومَضى لِلِقاءِ الفَلِسطينِيِّين. ولِذٰلك دُعِيَ ذٰلك المَكانُ صَخرَةَ الٱفتِراق. وصَعِدَ داوُدُ مِن هُناكَ وأَقامَ في مَلاجِئِ عَينَ جَدْيَ. فلَمَّا رَجَعَ شاوُلُ مِن مُطارَدَةِ الفَلِسطينِيِّين، أُخبِرَ وقيلَ لَه: «هُوَذا داوُدُ في بَرِّيَّةِ عَينَ جَدْيَ». فأَخَذَ شاوُلُ ثَلاثَةَ آلافِ رَجُلٍ مُنتَخَبينَ مِن جَميعِ إِسْرائيل، وسارَ في طَلَبِ داوُدَ ورِجالِه عِندَ صُخورِ الوُعول. ووَصَلَ إِلى حَظائِرِ الغَنَمِ الَّتي في الطَّريق. وكانَت هُناكَ مَغارَة، فدَخَلَ شاوُلُ المَغارَةَ لِحاجَةٍ لَه. وكانَ داوُدُ ورِجالُه جالِسينَ في باطِنِ المَغارَة. فقالَ لِداوُدَ رِجالُه: «هٰذا هو اليَومُ الَّذي قالَ لَكَ الرَّبُّ فيه: هاءَنَذا أُسلِمُ عَدُوَّكَ إِلى يَدِكَ، فتَصنَعُ بِه ما حَسُنَ في عَينَيكَ». فقامَ داوُدُ وقَطَعَ طَرَفَ رِداءِ شاوُلَ خُفيَةً. وبَعدَ ذٰلك، خَفَقَ قَلبُ داوُدَ لِقَطعِه طَرَفَ رداءِ شاوُل. وقالَ لِرِجالِه: «حاشَ لي بِالرَّبِّ أَن أَصنَعَ هٰذا الأَمرَ بِسَيِّدي مَسيحِ الرَّبّ، وأَرفَعَ علَيه يدي، لأَنَّه مَسيحُ الرَّبّ». ورَدَعَ رِجالَه بِهٰذا الكَلام، ولم يَدَعْهم يَهجُمونَ على شاوُل. ثُمَّ قامَ شاوُل وخَرَجَ مِنَ المَغارَةِ وسارَ في سَبيلِه. فقامَ داوُدُ بَعدَ ذٰلك وخَرَجَ مِنَ المَغارَةِ ونادى شاوُلَ وقال: «يا سَيِّدي المَلِك». فٱلتَفَتَ شاوُلُ إِلى خَلفِه. فٱرتَمى داوُدُ على وَجهِه إِلى الأَرضِ ساجِدًا. وقالَ داوُدُ لِشاوُل: «لِماذا تَسمَعُ كَلامَ النَّاسِ القائِلينَ إِنَّ داوُدَ يَطلُبُ أَذاك؟ قد رَأَت عَيناكَ اليَومَ أَنَّ الرَّبَّ قد أَسلَمَكَ اليَومَ إِلى يَدي في المَغارَة، وقد أُشيرَ علَيَّ بِأَن أَقتُلَكَ. لٰكِنَّ عَيني أَشفَقَت عَليكَ، وقُلتُ: لا أَرفَعُ يَدي على سَيِّدي لأَنَّه مَسيحُ الرَّبّ. فٱنظُرْ يا أَبي، اُنظُر طَرَفَ رِدائِكَ في يَدي. فمِن كَوني قَطَعتُ طَرَفَ رِدائِكَ ولم أَقْتُلْكَ، اِعلَمْ وٱنظُرْ أَن لَيسَ في يَدي شَرٌّ ولا مَعصِيَةٌ ولَم أَخطَأْ إِلَيكَ، وأَنتَ تَتَصَيَّدُ نَفْسي لِتَأخُذَها. فلْيَحكُمِ الرَّبُّ بَيني وبَينَكَ، والرَّبُّ يَنتَقِمُ لي مِنكَ. وأَمَّا يَدي فلا تَكونُ علَيكَ. (كما يَقولُ مَثَلُ الأَقدَمين: مِنَ الأَشْرارِ يَخرُجُ الشَّرّ. فيَدي لا تَكونُ علَيكَ). وَراءَ مَن خَرَجَ مَلِكُ إِسْرائيل ووَراءَ مَن أَنتَ مُطارِد؟ وَراءَ كَلبٍ مَيتٍ وبُرْغوثٍ واحِد؟ فلْيَكُنِ الرَّبُّ دَيَّانًا ولْيَحكُمْ بَيني وبَينَكَ، ولْيَنظُرْ ويُدافِعْ عن قَضِيَّتي ويُنصِفْني مِن يَدِكَ». فلَمَّا ٱنتَهى داوُدُ مِن كَلامِه هٰذا لِشاوُل، قالَ شاوُل: «أَهٰذا صَوتُكَ يا ٱبني داوُد؟» ورَفَعَ شاوُلُ صَوتَه وبَكى. ثُمَّ قالَ لِداوُد: «أَنتَ أَبَرُّ مِنِّي، لأَنَّكَ جَزَيتَني خَيرًا وأَنا جَزَيتُكَ شَرًّا. ولقد أَظهَرتَ اليَومَ أَنَّكَ صَنَعتَ إِلَيَّ خَيرًا، لأَنَّ الرَّبَّ قد أَسلَمَني إِلى يَدِكَ ولم تَقتُلْني. وإِذا تَمَكَّنَ المَرءُ مِن عَدُوِّه، فهَل يُطلِقُ سَبيلَه بِخَير؟ فجَزاكَ الرَّبُّ خَيرًا لِما صَنَعتَ اليَومَ معي. ولقَد عَلِمتُ الآنَ أَنَّكَ ستَصيرُ مَلِكًا ويَثبُتُ في يَدِكَ مُلكُ إِسْرائيل. فٱحلِفْ لِيَ الآنَ بِالرَّبِّ أَنَّكَ لا تَقرِضُ ذُرِّيَّتي مِن بَعْدي ولا تُبيدُ ٱسْمي مِن بَيتِ أَبي». فحَلَفَ داوُدُ لِشاوُل، وٱنصَرَفَ شاوُلُ إِلى بَيتِه، وصَعِدَ داوُدُ ورِجالُه إِلى المَلاجِئ. وتُوُفِّيَ صَموئيل، فٱجتَمَعَ كُلُّ إِسْرائيلَ وناحوا علَيه ودَفَنوه في بَيتِه في الرَّامة. وقامَ داوُدُ ونَزَلَ إِلى بَرِّيَّةِ فاران. وكانَ رَجُلٌ في مَعون وكانَت له أَمْلاكٌ في الكَرمَل. وكانَ الرَّجُلُ غَنِيًّا جِدًّا، لَه ثَلاثَةُ آلافٍ مِنَ الغَنَم وأَلفٌ مِنَ المَعِز. وكانَ الرَّجُلُ يَجُزُّ غَنَمَه في الكَرمَل. وٱسمُ الرَّجُلِ نابال وٱسمُ ٱمرَأَتِه أَبيجائيل. وكانَتِ ٱمرَأَتُه ذَكِيَّةَ الفَهمِ جَميلَةَ المَنظَر، وكانَ نابالُ رَجُلًا قاسِيًا سَيِّئ الأَعْمال، وهو كالَبِيّ. فبَلَغَ داوُدَ في البَرِّيَّةِ أَنَّ نابالَ يَجُزُّ غَنَمَه. فأَرسَلَ داوُدُ إِلَيه عَشَرَةَ خُدَّام، وقالَ داوُدُ لِلخُدَّام: «إِصعَدوا إِلى الكَرمَل وٱذهَبوا إِلى نابالَ وأَقرِئوه السَّلامَ بِٱسْمي، وقولوا لَه: كُلُّ سَنَةٍ وأَنتَ سالِم، وبَيتُكَ وكُلُّ ما لَكَ سالِم. سَمِعتُ الآنَ أَنَّ عِندَكَ جَزَّازين. والحالُ أَنَّ رُعاتَكَ قد كانوا معَنا فلَم نُؤذِهم ولَم يَذهَبْ لَهم شَيءٌ جَميعَ الأَيَّامِ الَّتي كانوا فيها في الكَرمَل. سَلْ خُدَّامَكَ يُخبِروك. فلْيَنَلِ الخُدَّامُ حُظوَةً في عَينَيكَ. لأَنَّنا أَتَيناكَ في يَومِ خَير. فأَعطِ ما تَيَسَّرَ لِعَبيدِكَ ولٱبنِكَ داوُد». فوَصَلَ الخُدَّامُ وكَلَّموا نابالَ بِكُلِّ هٰذا الكَلامِ بِٱسمِ داوُد، ثُمَّ ٱنتَظَروا. لٰكِنَّ نابالَ أَجابَ خُدَّامَ داوُدَ وقال: «مَن هو داوُد ومَن هو ٱبنُ يَسَّى؟ لقَد كَثُرَ اليَومَ الخُدَّامُ الَّذينَ فَرُّوا مِن عِندِ سادَتِهم. أَآخُذُ خُبْزي ومائي وذَبيحَتيَّ الَّتي ذَبَحتُها لِجَزَّازِيَّ وأُعْطيها لِقَومٍ لا أَعرِفُ مِن أَينَ هُم؟» ورَجَعَ خُدَّامُ داوُدَ أَدْراجَهم وعادوا ووَصَلوا وأَخبَروا داوُدَ بِكُلِّ هٰذا الكَلام. فقالَ داوُدُ لِرِجالِه: «تَقَلَّدوا كُلٌّ مِنكم سَيفَه». فتَقَلَّدَ كُلُّ واحِدٍ سَيفَه وتَقَلَّدَ داوُدُ سَيفَه أَيضًا. وصَعِدَ مع داوُدَ نَحوُ أَربَعِ مِئَةِ رَجُل، وبَقِيَ مِئَتا رَجُلٍ عِندَ الأَمتِعَة. فأَخبَرَ واحِدٌ مِنَ الخُدَّامِ أَبيجائيلَ، ٱمرَأَةَ نابال، وقال: «إِنَّ داوُدَ أَرسَلَ رُسُلًا مِنَ البَرِّيَّةِ لِيُسَلِّموا على سَيِّدِنا، فثارَ علَيهم. والرِّجالُ مُحسِنونَ إِلَينا جِدًّا ولم يُؤذونا ولا فُقِدَ لَنا شَيءٌ كُلَّ أَيَّامِ سَيرِنا مَعهم ونَحنُ في الحُقول. وكانوا سورًا لَنا لَيلًا ونَهارًا، كُلَّ أَيَّامِ وجُودِنا معَهم في رَعْيِ الغَنَم. فتَبَصَّري الآنَ وٱنظُري ماذا تَعمَلين، لأَنَّ الشَّرَّ مَقضِيٌّ على سَيِّدِنا وعلى كُلِّ بَيتِه، وهو رَجُلٌ لا خَيرَ فيه لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يُكَلِّمَه». فبادَرَت أَبيجائيلُ وأَخَذَت مِئَتَي رَغيفٍ وزِقَّي خَمرٍ وخَمسَةَ خِرافٍ مُعَدَّةٍ وخَمسَةَ مَكاييلَ مِنَ الفَريك ومِئَةَ عُنقودٍ مِنَ الزَّبيب ومِئَتي قُرصٍ مِنَ التِّين، وجَعَلَت ذٰلك على حَمير. وقالَت لِخُدَّامِها: «مُرُّوا أَمامي، فإِنِّي أَتبَعُكم» ولم تُخبِرْ زوجَها نابال. وفيما هي راكِبَةٌ على الحِمار ونازِلَةٌ في سُترَةِ الجَبَل، إِذا بِداوُدَ ورِجالِه نازِلونَ تُجاهَها، فالتَقَتهُم. وكانَ داوُدُ قد قالَ في نَفْسِه: «باطِلًا حَفِظتُ كُلَّ ما لِهٰذا الرَّجُلِ في البَرِّيَّة، فلم يُفقَد شَيءٌ مِن كُلِّ ما هو لَه، فكافَأَني شَرًّا بَدَلَ خَير. كذا يَصنَعُ اللهُ بِداوُدَ وكَذا يَزيد، إِن أَبقَيتُ مِن كُلِّ ما لَه إِلى ضَوءِ الصَّباحِ بائِلًا بِحائِط». فلَمَّا رَأَت أَبيجائيلُ داوُد، نَزَلَت في الحالِ عن حِمارِها وٱرتَمَت على وَجهِها أَمامَ داوُدَ وسَجَدَت إِلى الأَرض. وسَقَطَت على رِجلَيه وقالَت: «علَيَّ أَنا يا سَيِّدي هٰذا الذَّنْب. فلْتَتَكَلَّمْ أَمَتُكَ على مِسمَعِكَ وأَصغِ لِكَلامِ أَمَتِكَ. لا يُبالِ سَيِّدي بِهٰذا الرَّجُلِ الَّذي لا خَيرَ فيه، بِنابال، لأَنَّه طِبقُ ٱسمِه، فإِنَّ نابالَ ٱسمُه والحَماقَةَ عِندَه. فأَمَّا أَنا أَمَتَكَ، فلَم أَرَ خُدَّامَ سَيِّدِيَ الَّذينَ أَرسَلتَهم. والآنَ يا سَيِّدي، حَيٌّ الرَّبُّ وحَيَّةٌ نَفْسُكَ، فبِما أَنَّ الرَّبَّ قد مَنَعَكَ مِن سَفْكِ الدَّمِ وٱنتِقامِ يَدِكَ لِنَفْسِكَ، فلْيَكُنْ أَعْداؤُكَ مِثلَ نابال، وكذٰلك كُلُّ مَن يَطلُبُ الشَّرَّ لِسَيِّدي. والآنَ فأَمَّا هٰذه الهِبَةُ الَّتي أَتَت بِها أَمَتُكَ سَيِّدي، فلتُعْطَ لِلخُدَّامِ السَّائرِينَ في خُطى سَيِّدي. وٱغفِرْ مَعصِيَةَ أَمَتِكَ، فإِنَّ الرَّبَّ سيُقيمُ لِسَيِّدي بَيتًا ثابِتًا، لأَنَّ سَيِّدي حارَبَ حُروبَ الرَّبّ، ولم يوجَدْ فيكَ سوءٌ كُلَّ أَيَّامِكَ. وإِذا قامَ رَجُلٌ لِيُطارِدَكَ ويَطلُبَ نَفْسَكَ، كانَت نَفْسُ سَيِّدي مَحْزومة في حُزمَةِ الحَياةِ لَدى الرَّبِّ إِلٰهِكَ. وأَمَّا أَنفُسُ أَعْدائِكَ، فيَقذِفُ بِها في كِفَّةِ المِقْلاع. وإِذا صَنَعَ الرَّبُّ لِسَيِّدي بِحَسَبِ كُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه مِنَ الخَيرِ في حَقِّكَ وأَقامَكَ رَئيسًا على إِسْرائيل، فلا يَكُنْ سَفكُكَ لِلدَّمِ بِلا سَبَبٍ أَوِ ٱنتِقامُ سَيِّدي لِنَفْسِه صَدمةً ومَعثَرَةَ قَلْبٍ لِسَيِّدي. وإِذا أَنعَمَ الرَّبُّ على سَيِّدي، فٱذكُرْ أَمَتَكَ». فقالَ داوُدُ لأَبيجائيل: «مُبارَكٌ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، الَّذي أَرسَلَكِ اليَومَ لِلِقائي! مُبارَكَةٌ حِكمَتُكِ، ومُباركَةٌ أَنتِ لأَنَّكِ صَرَفتِني اليَومَ عن سَفكِ الدِّماءِ وعِن ٱنتِقامِ يَدي لِنَفْسي. ولٰكن حَيٌّ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيلَ الَّذي مَنَعَني عنِ الإِساءَةِ إِلَيكِ، فلَو لم تُسرِعي وتَأتي لِلِقائي لَما أُبقِيَ لِنابالَ إِلى ضَوءِ الصَّباحِ بائِلٌ بِحائط». وأَخَذَ داوُدُ مِن يَدِها ما أَتَتْه بِه وقالَ لَها: «إِصعَدي إِلى بَيتِكِ بِسَلام. أُنظُري! إِنِّي قد سَمِعتُ لِكَلامِكِ وأكرَمتُ وَجهَكِ». فعادَت أَبيجائيلُ إِلى نابال، فإِذا في بَيتِه مَأدُبَةٌ كمَأدُبَةِ المُلوك، وكانَ نابالُ قد طابَت نَفسُه وسَكِرَ جِدًّا، فلَم تُخبِرْه بِشَيءٍ صَغيرٍ أَو كَبيرٍ إِلى ضوءِ الصَّباح. فلَمَّا أَصبَحَ وأَفاقَ مِن سُكرِه، أَخبَرَته ٱمرَأَتُه بِما حَدَث. فماتَ قَلبُه في جَوفِه وصار كالحَجَر. وبَعدَ نَحوِ عَشَرَةِ أَيَّام، ضَرَبَ الرَّبُّ نابالَ فمات. فلَمَّا سَمِعَ داوُدُ بِمَوتِ نابال، قال: «تَبارَكَ الرَّبُّ الَّذي دافَعَ عن قَضِيَّتي مِمَّا عَيَّرني بِه نابال وصَرَفَ عَبدَه عن الشَّرِّ ورَدَّ شَرَّ نابالَ على رأسِه». وأَرسَلَ داوُدُ إِلى أَبيجائيلَ وكَلَّمَها في أَن يَتَّخِذَها زَوجَةً لَه. فأَتى خُدَّامُ داوُدَ إِلى أَبيجائيلَ في الكَرمَل، وكَلَّموها قائلين: «أَرسَلَنا داوُدُ إِلَيكِ لِكَي يأخُذَكِ لَه زَوجَةً». فقامَت وسَجَدَت على وَجهِها على الأَرضِ وقالَت: «هاءَنَذا أَمَتُكَ خادِمَةٌ لَكَ لِتَغسِلَ أَرجُلَ خُدَّامِ سَيِّدي». وأَسرَعَت أَبيجائيلُ وقامَت ورَكِبَت حِمارًا وأَخَذَت خَمسًا مِن خادِماتِها يَمْشينَ وَراءَها، وذَهَبَت وَراءَ رُسُلِ داوُد، وصارَت زَوجَةً لَه. وكانَ داوُدُ قد تَزَوَّجَ أَيضًا بِأَحينوعَم مِن يِزْرَعيل، فأصبَحَتا لَه كِلْتاهُما زَوجَتَين. وكانَ شاوُلُ قد أَعْطى ميكالَ ٱبنَتَه ٱمرَأَةَ داوُدَ زَوجَةً لِفَلْطِيَ بنِ لائيشَ الَّذي مِن جَلِّيم. وأَتى الزِّفِيُّونَ إِلى شاوُلَ في جَبْعَ وقالوا: «أَلَيسَ داوُدُ مُختَبِئًا في أَكَمَةِ الحَكيلَةِ تُجاهَ القَفْر؟» فقامَ شاوُلُ ونَزَلَ إِلى بَرِّيَّةِ زيف ومعَه ثَلاثَةُ آلافِ رَجُلٍ مِن المُخْتارينَ في إِسْرائيل، لِيَطلُبَ داوُدَ في بَرِّيَّةِ زيف. وعَسكَرَ شاوُلُ في أَكَمَةِ الحَكيلةِ تُجاهَ القَفْرِ في الطَّريق، وكانَ داوُدُ مُقيمًا في البَرِّيَّة. فلَمَّا رأَى أَنَّ شاوُلَ قد تَبِعَه إِلى البَرِّيَّة، أَرسَلَ داوُدُ جَواسيسَ وتَيَقَّنَ أَنَّ شاوُلَ قد أَتى. فقامَ داوُدُ وأَتى إِلى المَكانِ الَّذي عَسكَرَ فيه شاوُل، ورأَى المَكانَ الَّذي كانَ نائِمًا فيه شاوُلُ وأَبْنيرُ بنُ نير، قائِدُ جَيشِه. وكانَ شاوُلُ نائِمًا في وَسَطِ المُعَسكَر، والشَّعبُ مُعَسكِرٌ حَولَه. فكَلَّمَ داوُدُ أَحيمَلِكَ الحِثِّيَّ وأَبيشايَ ٱبنَ صَرويَة، أَخا يوآب، وقال: «مَن يَنزِلُ معي إِلى شاوُلَ في المُعَسكَر؟» فقالَ أَبيشاي: «أَنا أَنزِلُ معَكَ». فأَتى داوُدُ وأَبيشايُ إِلى الشَّعبِ لَيلًا، فإِذا بِشاوُلَ مُضطَجِعٌ في وَسَطِ المُعَسكَرِ وهو نائِم ورُمحُه مَغْروزٌ في الأَرضِ عِندَ رأسِه، وأَبْنيرُ والشَّعبُ راقِدونَ حَولَه. فقالَ أَبيشايَ لِداوُد: «قد أَسلَمَ اللهُ اليَومَ عَدُوَّكَ إِلى يَدِكَ، فدَعْني أَطعَنُه بِهٰذا الرُّمْحِ إِلى الأَرضِ طَعنَةً واحِدَةً ولا أُثَنِّي علَيه». فقالَ داوُدُ لأَبيشاي: «لا تَقتُلْه، فمَنِ الَّذي يَمُدُّ يَدَه إِلى مَسيحِ الرَّبِّ ويَكونُ بَريئًا؟» وأَضافَ داوُد: «حَيٌّ الرَّبّ! إِنَّ الرَّبَّ هو الَّذي يَضرِبُه، إِمَّا بِأَن يَأتِيَ يَومُه فيَموت، أَو بِأن يَنزِلَ إِلى حَربٍ فيَهلِك. حاشَ لي بِالرَّبِّ أَن أَمُدَّ يَدي إِلى مَسيحِ الرَّبّ! والآنَ فخُذِ الرُّمحَ الَّذي عِندَ رَأسِه وجَرَّةَ الماءِ، ولْنَنصَرِفْ». وأَخَذَ داوُدُ الرُّمحَ وجَرَّةَ الماءِ مِن عِندِ رأسِ شاوُلَ وٱنصَرَفا، ولم يَكُنْ مِن ناظِرٍ ولا عارِفٍ ولا مُستَيقِظ، لأَنَّهم كانوا جَميعُهم نائِمين، إِذ إِنَّ سُباتَ الرَّبِّ العَميقَ وَقَعَ عَلَيهم. وٱجْتازَ داوُدُ إِلى العِبْرِ ووَقَفَ على قِمَّةِ الجَبَلِ مِن بُعدٍ، والمَسافةُ بَينَهم بَعيدة. وصاحَ داوُدُ بِالشَّعبِ وبِأَبْنيرَ بنِ نيرٍ قائلًا: «هَلاَّ تَجيبُ يا أَبْنير؟» فأَجابَ أَبْنيرُ وقال: «ومَن أَنتَ يا مَن يَصيح بِالمَلِك؟» فقالَ داوُدُ لأَبْنير: «أَما أَنتَ رَجُلٌ ومَن مِثلُكَ في إِسْرائيل؟ فلِماذا لم تَحرُسْ سَيِّدَكَ المَلِك؟ فقَد جاءَ واحِدٌ مِنَ الشَّعبِ لِيُهلِكَ سَيِّدَكَ المَلِك. إِنَّكَ لم تُحسِنْ فيما صَنَعتَ. حَيٌّ الرَّبّ! فإِنَّكم قدِ ٱستوجبتُمُ المَوتَ، لأَنَّكم لم تَحرُسوا سَيِّدكم مَسيحَ الرَّبّ. فٱنظُرِ الآنَ أَينَ رُمحُ المَلِكِ وجَرَّةُ الماءِ اللَّذانِ كانا عِندَ رَأسِ المَلِك». فعَرَفَ شاوُلُ صَوتَ داوُد، فقالَ: «أَصَوتُكَ هٰذا، يا ٱبْني داوُد؟» فقالَ داوُد: «هو صَوتي يا سَيِّدي المَلِك». ثُمَّ أَضافَ داوُد: «ما بالُكَ، يا سَيِّدي، تُطارِدُ عَبدَك؟ ما الَّذي صَنَعتُ وما الَّذي في يَدي مِنَ السُّوء؟ فلْيَسمَعِ الآنَ سَيِّديَ المَلِكُ كَلامَ عَبدِه: إِن كانَ الرَّبُّ هو الَّذي حَرَّضَكَ علَيَّ، فليَتَنَسَّمْ رائِحَةَ تَقدِمة، وإِن كانَ بَنو البَشَر، فهُم مَلْعونونَ أَمامَ الرَّبّ، لأَنَّهم نَفَوني اليَومَ مِنَ الٱشتِراكِ في ميراثِ الرَّبِّ قائلين: إِذهَبْ فٱعبُدْ آلِهَةً أُخْرى. والآنَ لا يَسقُطْ دَمي على الأَرضِ بَعيدًا عن وَجهِ الرَّبّ، فإِنَّ مَلِكَ إِسْرائيلَ قد خَرَجَ لِيَطلُبَ بُرْغوثًا واحِدًا، كما يُطارَدُ الحَجَلُ في الجِبال». فقالَ شاوُل: «قد خَطِئتُ، فٱرجِعْ يا ٱبْني داوُد، فإِنِّي لا أَعودُ أُوذيكَ، لأَنَّ نَفْسي كانت كَريمةً في عَينَيكَ اليَوم، وأَنا قد فَعَلتُ بِحَماقةٍ وضَلَلتُ ضَلالًا بَعيدًا جِدًّا». فأَجابَ داوُدُ قائِلًا: «هٰذا رُمحُ المَلِك، فلْيَعْبُرْ أَحَدُ الخُدَّامِ ويَأخُذْه. سيُكافِئُ الرَّبُّ كُلَّ واحِدٍ بِحَسَبِ بِرِّه وأَمانَتِه، فقَد أَسلَمَكَ الرَّبُّ اليَومَ إِلى يَدي، ولم أَشَأْ أَن أَمُدَّ يَدي إِلى مَسيحِ الرَّبّ. فكَما عَظُمَت نَفسُكَ اليَومَ في عَينَيَّ، فلْتَعظُمْ نَفْسي في عَينَيِ الرَّبِّ ويُنقِذْني مِن كُلِّ ضيق». فقال شاوُلُ لِداوُد: «مُبارَكٌ أَنتَ، يا ٱبْني داوُد، فإِنَّكَ تَسْعى سَعْيًا وتَنتَصِرُ ٱنتِصارًا». ثُمَّ ٱنصَرَفَ داوُدُ في سَبيلِه، ورَجَعَ شاوُلُ إِلى مَكانِه. وقالَ داوُدُ في قَلبِه: «إِنِّي سَأَهلِكُ يَومًا بِيَدِ شاوُل، فلا شَيءَ خَيرٌ لي مِن أَن أَفِرَّ فِرارًا إِلى أَرضِ فَلِسْطين، فيَكُفُّ عنِّي ولا يَعودُ يَطلُبُني في أَرضِ إِسْرائيلَ كُلِّها وأَنْجو بِنَفْسي مِن يَدِه». فقامَ داوُدُ وعَبَرَ هو والسِّتُّ مِئَةِ رَجُلٍ الَّذينَ معَه إِلى آكيشَ بنِ ماعوك، مَلِكِ جَتّ. وأَقامَ داوُدُ عِندَ آكيشَ بِجَتّ، هو ورِجالُه، كُلُّ واحِدٍ مع بَيتِه، وداوُدُ مع ٱمرَأَتَيه أَحينوعَمَ اليِزرَعيلِيَّة وأبيجائيلَ أَرمَلةِ نابالَ الكَرمَلِيَّة. وأُخبِرَ شاوُلُ أَنَّ داوُدَ قد هَرَبَ إِلى جَتَّ، فلم يَعُدْ يَطلُبُه. وقالَ داوُدُ لِآكيش: «إِن كُنتُ قد نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، فلْيُعْطَ لي مكانٌ في إِحْدى مُدُنِ الرِّيف، فأَسكُنَ هُناكَ. فلِماذا يَسكُنُ عَبدُكَ في مَدينَةِ المَملَكةِ مَعكَ؟» فأَعْطاه آكيشُ في ذٰلِكَ اليَومِ صِقْلاج. فلِذٰلك صارَت صِقْلاجُ لِمُلوكِ يَهوذا إِلى هٰذا اليَوم. وكانَ عَدَدُ الأَيَّامِ الَّتي سَكَنَ فيها داوُدُ في ريفِ الفَلِسطينِيِّينَ سَنَةً وأَربَعَةَ أَشهُر. وكانَ داوُدُ يَصعَدُ هو ورِجالُه ويَغْزونَ الجَشورِيِّينَ والجَرِزِّيِّينَ والعَمالِقَة، لأَنَّ أُولٰئِكَ كانوا سُكَّانَ الأَرضِ مِن طالَم جِهَةَ شورَ إِلى أَرضِ مِصْر. وكانَ داوُدُ يَضرِبُ البِلاد، فلا يُبْقي على رَجُلٍ ولا ٱمرَأَة، ويأخُذُ الغَنَمَ والبَقَرَ والحَميرَ والجِمالَ والثِّيابَ، ويَرجِعُ إِلى آكيش. فيَقولُ آكيش: «أَينَ غَزَوتُمُ اليومَ؟» فيَقولُ داوُد: «في نَقَبِ يَهوذا ونَقَبِ اليَرحَمَّئيلِيِّينَ ونَقَبِ القَينِيِّين». ولَم يَكُنْ داوُدُ يُبْقي على رَجُلٍ أَوِ ٱمرَأَةٍ لِئَلاَّ يأتِيَ بِهم إِلى جَتّ، قائلًا في نفسه: «يُخْشى أَن يُخبِروا علَينا ويَقولوا: إِنَّ داوُدَ فَعَلَ كذا». وكانَ ذٰلك دأبَه كُلَّ أَيَّامِ إِقامتِه في ريفِ الفَلِسطينِيِّين. وكانَ آكيشُ يَثِقُ بِداوُدَ ويَقول: «جَعَلَ نَفْسَه مَمْقوتًا مَقْتًا لَدى شَعبِه إِسْرائيل، فصارَ لي عَبدًا لِلأَبَد». وكانَ في تِلكَ الأَيَّامِ أَنَّ الفَلِسطينِيِّينَ جَمَعوا جُيوشَ مُعَسكَراتِهم لِيُحاربوا إِسْرائيل. فقالَ آكيشُ لِداوُد: «إِعلَمْ جَيِّدًا أَنَّكَ لا بُدَّ أَن تَخرُجَ معي في الجَيشِ أَنتَ ورِجالُك». فقالَ داوُدُ لآكيش: «وإِنَّكَ ستَعلَمُ ما يَصنَعُ عَبدُكَ». فقالَ آكيشُ لِداوُد: «إِنِّي إِذَن أُقيمُكَ حارِسًا لِرَأسي كُلَّ الأَيَّام». وكانَ صَموئيلُ قد ماتَ وناحَ علَيه كُلُّ إِسْرائيل، ودَفَنوه في الرَّامةِ مَدينَتِه. وكانَ شاوُلُ قد نَفى مُستَحضِري الأَرْواحِ والعَرَّافينَ مِنَ الأَرض. فٱجتَمَعَ الفَلِسطينِيُّونَ وأَتَوا وعَسكَروا في شونَم، وجَمَعَ شاوُلُ كُلَّ إِسْرائيلَ وعَسكَروا في جِلْبوع. فلَمَّا رأَى شاوُلُ مُعَسكَرَ الفَلِسطينِيِّين. خافَ وٱرتَعَشَ قَلبُه جِدًّا. فسَأَلَ شاوُلُ الرَّبَّ فلَم يُجِبْه الرَّبُّ، لا بِالأَحْلامِ ولا بِالأُوريم ولا بِالأَنبِياء. فقالَ شاوُلُ لِخُدَّامِه: «إِبحَثوا لي عنِ ٱمرَأةٍ تَستَحضِرُ الأَرْواح، فأَذهَبَ إِلَيها وأَسأَلَ على لِسانها». فقالَ لَه خُدَّامُه: «إِنَّ في عَينَ دورَ ٱمرَأَةً تَستَحضِرُ الأَرْواح». فتَنَكَّرَ شاوُلُ ولَبِسَ ثِيابًا أُخْرى وذَهَبَ هو ورَجُلانِ معَه ووصَلوا عِندَ المَرأَةِ لَيلًا. فقالَ لها: «تَكَهَّني لي بِٱستِحضارِ الأَرْواح، وأَصعِدي لي مَن أُسَمِّيه لكِ». فقالَت لَه المَرأَة: «قد عَلِمتَ ما صَنَعَ شاوُلُ مِن قَرضِ مُستَحضِري الأَرْواحِ والعَرَّافينَ مِنَ الأَرض. فلِماذا تَنصِبُ لي فَخًّا لِتُميتَني؟» فحَلَفَ لَها شاوُلُ بِالرَّبِّ قائِلًا: «حَيٌّ الرَّبّ! إِنَّه لا يَلحَقُكِ عِقابٌ في هٰذا الأَمْر». فقالَتِ المَرأَة: «مَن أُصعِدُ لَكَ؟» قال: «أَصعِدي لي صَموئيل». فلَمَّا رَأَتِ المَرأَةُ صَموئيل، صَرَخَت بِصَوتٍ عَظيمٍ وكَلَّمَتِ المَرأَةُ شاوُلَ قائِلَةً: «لِماذا خَدَعتَني وأَنتَ شاوُل؟» فقالَ لَها المَلِك: «لا تَخافي، ما الَّذي رَأَيتِ؟» فقالَتِ المَرأَةُ لِشاوُل: «رأَيتُ شَبَحًا يَصعَدُ مِنَ الأَرْض». فقالَ لَها: «ما هَيئَتُه؟» قالَت: «رَجُلٌ شَيخٌ صاعِدٌ مُرتَدِيًا بِرِداء». فعَرَفَ شاوُلُ أَنَّه صَموئيل. فٱرتَمى على وَجهِه إِلى الأَرضِ وسَجَد. فقالَ صَموئيلُ لِشاوُل: «لِماذا أَزعَجتَني وأَصعَدتَني؟» فقالَ شاوُل: «قد ضاقَ بِيَ الأَمرُ ضيقًا شَديدًا، لأَنَّ الفَلِسطينِيِّينَ يُحارِبونَني، واللهُ قد فارَقَني ولم يَعُدْ يُجيبُني لا بِالأَنبِياءِ ولا بِالأَحْلام، فدَعَوتُكَ لِكَي تُعلِمَني ماذا أَصنَع». فقالَ صَموئيل: «لِماذا تَسأَلُني، والرَّبُّ قد فارَقَكَ وصارَ عَدُوَّك؟ وقَد صَنَعَ الرَّبُّ لِداوُدَ، كما تَكَلَّمَ على لِساني، وٱنتَزَعَ الرَّبُّ المَملَكَةَ مِن يَدِكَ وسَلَّمها إِلى قَريبِكَ داوُد، لأَنَّكَ لم تَسمَعْ لِكَلامِ الرَّبِّ ولم تُروِ ٱحتِدامَ غَضَبِه في عَماليق. لِذٰلكَ صَنَعَ الرَّبُّ هٰذا بِكَ اليَوم. وسيُسلِمُ الرَّبُّ إِسْرائيلَ أَيضًا معكَ إِلى أَيدي الفَلِسطينِيِّين، وغَدًا تَكونونَ معي أَنتَ وبَنوكَ، وسيُسلِمُ الرَّبُّ أَيضًا مُعَسكَرَ إِسْرائيلَ إِلى أَيدي الفَلِسطينِيِّين». فسَقَطَ شاوُلُ في الحالِ بِطولِه على الأَرض، وخافَ خَوفًا شَديدًا مِن كَلامِ صَموئيل، ولم تَعُدْ بِه قُوَّةٌ، لأَنَّه لم يأكُلْ كُلَّ يَومِه ولَيلَتِه. فتَقَدَّمَتِ المَرأَةُ إِلى شاوُل ورَأَت أَنَّه قد ذُعِرَ ذُعرًا شديدًا. فقالت لَه: «إِنَّ أَمَتَكَ قد سَمِعَت لِكَلامِكَ، وقد خاطَرتُ بِنَفْسي وسَمِعتُ لِكَلامِكَ الَّذي كَلَّمتَني بِه. فٱسمَعْ أَنتَ الآنَ لِكَلامِ أَمَتِكَ، فأُقَدِّمُ لَكَ كِسرَةَ خُبزٍ وتَأكُل، فيَكونَ فيكَ قُوَّةٌ فتَسيرَ في الطَّريق». فأَبى وقال: «لا آكُل». فأَلَحَّ علَيه خُدَّامُه والمَرأَةُ أَيضًا، فسَمِعَ لِكَلامِهمِ وقامَ عنِ الأَرضِ وجَلَسَ على السَّرير. وكانَ لِلمَرأةِ في البَيتِ عِجلٌ مُسَمَّن، فبادَرَت وذَبَحَته، وأَخَذَت دَقيقًا وعَجَنَته وخَبَزَته فَطيرًا، وقَدَّمَت إِلى شاوُلَ وخُدَّامِه، فأَكَلوا. ثُمَّ قاموا وٱنصَرَفوا في تِلكَ اللَّيلَة. وجَمَعَ الفَلِسطينِيُّونَ جَميعَ مُعَسكَراتِهم في أَفيق، وكانَ إِسرائيلُ مُعَسكِرًا عندَ العَينِ الَّتي في يِزرَعيل. فعَبَرَ أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّينَ مِئَةً مِئَةً وأَلفًا أَلْفًا، وعَبَرَ داوُدُ ورِجالُه في الآخِرِ مع آكيش. فقالَ رُؤَساءُ الفَلِسطينِيِّين: «ما هٰؤُلاءِ العِبرانِيُّون؟» فقالَ آكيشُ لِرُؤَساءِ الفَلِسطينِيِّين: «أَلَيسَ هٰذا هو داوُد، عَبدَ شاوُل، مَلِكِ إِسْرائيلَ، الَّذي كانَ معي مُنذُ سَنَةٍ أَو سَنَتَين، ولم أُثبِتْ علَيه شَيئًا مُنذُ يَومَ هاجَرَ إِلَينا إِلى هٰذا اليَوم؟» فغَضِبَ علَيه رُؤَساءُ الفَلِسطينِيِّينَ وقالوا لَه: «رُدَّ الرَّجُل، ولْيَرجِعْ إلى المَكانِ الَّذي عَيَّنتَه لَه، ولا يَنزِلْ معَنا إِلى الحَرْب، فلا يَكُنْ لَنا خَصْمًا في القِتال. فبِماذا يُرْضي هٰذا سَيِّدَه إِلاَّ بِرُؤُوسِ هٰؤُلاءِ الرِّجال؟ أَلَيسَ هٰذا هو داوُدَ الَّذي كُنَّ يُغَنِّينَ لَه في الرَّقْصِ ويَقُلنَ: ضَرَبَ شاوُلُ أُلوفَه وداوُدُ رِبْواتِه؟». فدَعا آكيشُ داوُدَ وقالَ لَه: «حَيٌّ الرَّبّ! إِنَّكَ أَنتَ مُستَقيمٌ صالِحٌ في عَينَيَّ في دُخولِكَ وخُروجِكَ معي في المُعَسكَر، وإِنِّي لم أَجِدْ فيكَ سوءًا مُنذُ يَومَ أَتَيتَني إِلى اليَوم. فأَمَّا في عُيونِ الأَقْطابِ فلَستَ بِصالِح. فٱرجِع الآنَ وٱذهَبْ بِسَلام ولا تَفْعَلْ ما يَسوءُ في عُيونِ أَقطابِ الفَلِسطينِيِّين». فقالَ داوُدُ لِآكيش: «ما الَّذي صَنَعتُ وما الَّذي وَجَدتَ في عَبدِكَ مُنذُ يَومَ صِرتُ بَينَ يَدَيكَ إِلى هٰذا اليَوم، حتَّى لأ أَسيرَ وأُحارِبَ أَعْداءَ سَيِّدي المَلِك؟» فأَجابَ آكيشُ وقالَ لِداود: «قد عَرَفتُ أَنَّكَ صالِحٌ في عَيَنَيَّ كمَلاكِ الله. إِلاَّ أَنَّ رُؤَساءَ الفَلِسطينِيِّينَ قالوا: لا يَصعَدْ معَنا إِلى القِتال. والآنَ فبَكِّرْ صَباحًا أَنتَ وخُدَّامُ سَيِّدِكَ الَّذينَ جاؤُوا مَعَكَ وٱذهَبوا إِلى المَكانِ الَّذي عَيَّنتُه لَكم، ولا تَحفَظْ في قَلبِكَ أَيَّ خُبثٍ، لأَنَّكَ صالِحٌ في عَينَيَّ. وإِذا بَكَّرتُمْ صَباحًا ومَكَّنَكُمُ الضِّياء، فٱنصَرِفوا». فبَكَّرَ داوُدُ هو ورِجالُه لِكَي يَذهَبوا صَباحًا ويَرجِعوا إِلى أَرضِ الفَلِسطينِيِّين. وأَمَّا الفَلِسطينِيُّونَ فصَعِدوا إِلى يِزرَعيل. فلَمَّا أَتى داوُدُ ورِجالُه صِقْلاجَ في اليَومِ الثَّالِث، كانَ العَمالِقةُ قد غَزَوا النَّقَبَ وصِقْلاج، وضَرَبوا صِقْلاجَ وأَحرَقوها بِالنَّار. وسَبَوا مَن فيها مِنَ النِّساء، ولم يَقتُلوا أَحَدًا، لا صَغيرًا ولا كبيرًا، بل ساقوهم وذَهَبوا في طَريقِهم. فوَصَلَ داوُدُ ورِجالُه إِلى المَدينة، فإِذا هي قد أُحرِقَت بِالنَّار، وقد سُبِيَت نِساؤُهم وبَنوهم وبَناتُهم. فرَفَعَ داوُدُ والشَّعبُ الَّذي معَه أَصْواتَهم بِالبُكاء، حتَّى لم يَبقَ لَهم قُوَّةٌ لِلبُكاء. وسُبِيَتِ ٱمرَأَتا داوُد أَيضًا، أَحينوعَمُ اليِزرَعيلِيَّة وأَبيجائيلُ أَرمَلَةُ نابالَ الكَرمَلِيَّة. وتَضايَقَ داوُدُ كَثيرًا، لأَنَّ الشَّعبَ تَكَلَّمَ بِرَجمِه، إِذ كانَ كُلُّ الشَّعبِ في مَرارَةِ نَفْسٍ على بَنيه وبَناتِه. فتَقَوَّى داوُدُ بِالرَّبِّ إِلٰهِه. وقالَ داوُدُ لأَبِياتارَ الكاهِنِ ٱبنِ أَحيمَلِك: «هَلُمَّ إِلَيَّ بِالأَفود». فجاءَ أَبِياتارُ بِالأَفودِ إِلى داوُد. فسَأَلَ داوُدُ الرَّبَّ قائِلًا: «أَأُطارِدُ هٰذِه العِصابَة وهل أُدرِكُها؟» فقالَ الرَّبّ: «طارِدْ، فإنَّكَ ستُدرِكُ وتُنقِذ». فسارَ داوُدُ ورِجالُه السِّتُّ مِئَةٍ وأَتَوا وادِيَ البَسور. فتَخَلَّفَ قَومٌ مِنهم ولَبِثوا هُناك. وواصَلَ داوُدُ المُطارَدَةَ بِأَربَعِ مِئَةِ رَجُلٍ ولَبِثَ هُناكَ مِئَتا رَجُل، لأَنَّهم أَعيَوا دونَ عُبورِ وادي البَسور. فصادَفوا رَجُلًا مِصريًّا في الحَقل، فأَخَذوه إِلى داوُد وأَعطَوه خُبزًا فأكَلَ، وسَقَوه ماءً. وأَعطَوه قُرصًا مِنَ التِّينِ وعُنقودَينِ مِنَ الزَّبيب. فأَكَلَ وعادَت إِلَيه روحُه، لأَنَّه لم يَكُنْ أَكَلَ خُبزًا ولا شَرِبَ ماءً ثلاثةَ أَيَّامٍ بِلَياليها. فقالَ لَه داوُد: «لِمَن أَنتَ ومِن أَينَ؟» فقالَ: «فتًى مِصريّ، وأَنا عَبدٌ لِرَجُلٍ عَماليقيّ، تَرَكَني سَيِّدي لأَنِّي مَرِضتُ مُنذُ ثَلاثَةِ أَيَّام. وقد غَزَونا نَقَبَ الكَريتِيِّين وما لِيَهوذا ونَقَبَ كالِب، وأَحرَقْنا صِقْلاجَ بِالنَّار». فقالَ لَه داوُد: «هل تَنزِلُ بي إِلى تِلكَ العِصابَة؟» فقالَ لَه: «إحلِفْ لي بِاللهِ أَنَّكَ لا تَقتُلُني ولا تُسلِمُني إِلى يَدِ سَيِّدي، وأَنا أَنزِلُ بِكَ إِلى تِلكَ العِصابة». فنَزَلَ بِه، فإِذا بِهم مُنتَشِرونَ على وَجهِ تِلكَ الأَرْضِ كُلِّها، يأكُلونَ ويَشرَبونَ ويُعَيِّدونَ لِما نالوه مِن الغَنيمةِ الوافِرةِ الَّتي أَخَذوها مِن أَرضِ فَلِسْطينَ ومِن أَرضِ يهوذا. فضَرَبَهم داوُدُ مِنَ الفَجرِ إِلى مَساءِ الغَد، ولن يَنجُ مِنهم إِلاَّ أَربَعُ مِئَةٍ مِنَ الفِتْيانِ رَكِبوا على الجِمالِ وهَرَبوا. وأَنقَذَ داوُدُ كُلَّ ما أَخَذَه العَمالِقة وأَنقَذَ كِلْتا ٱمرَأَتَيه. ولم يُفقَد لَهم شَيءٌ، لا صغيرٌ ولا كَبير، ولا بَنونَ ولا بَنات، ولا غَنيمةٌ ولا شَيءٌ مِن كُلِّ ما أَخذوا لَهم، فٱستَرَدَّ داوُدُ كُلَّ ذٰلك. وأَخَذَ داوُدُ جَميعَ الغَنَمِ والبَقَرِ وساقوا المَواشِيَ أَمامَه قائلين: «هٰذه غَنيمَةُ داوُد». ووَصَلَ داودُ إِلى مِئَتَيِ الرَّجُلِ الَّذينَ أَعيَوا عن لَحاقِ داوُد وتُرِكوا في وادي البَسور. فخَرَجوا لِلِقاءِ داوُدَ والشَّعبِ الَّذي معَه. فتَقَدَّمَ داوُدُ إِلى القَومِ وسَلَّمَ علَيهم. فقالَ كُلُّ شِرِّيرٍ مِمَّن لا خَيرَ فيهم مِن الرِّجالِ الَّذينَ مَضَوا مع داوُد: «بما أَنَّهم لم يَمْضوا معَنا، فلا نُعْطيهم مِنَ الغَنيمةِ الَّتي أَنقَذْناها إِلاَّ زَوجَةَ كُلِّ واحِدٍ وبَنيه. فلْيَذهَبوا بِهم ويَنصَرِفوا». فقال داوُد: «لا تَفعَلوا هٰكذا يا إِخوَتي فيما أَعْطانا الرَّبّ، فإِنَّه حَفِظَنا وأَسلَمَ العِصابَةَ الَّتي غَزَتنا إِلى أَيدينا. مَنِ الَّذي يَسمَعُ لَكم في هٰذا الأَمر؟ لأَنَّه كنَصيبِ النَّازِلِ إِلى الحَرْبِ يَكونُ نَصيبُ القائِمِ على الأَمتِعة: على السَّواءِ يَقتَسِمون». فجَعَلَ ذٰلك مِن ذٰلِكَ اليَومِ فصاعِدًا سُنَّةً وحُكمًا في إِسْرائيلَ إِلى هٰذا اليَوم. ووَصَلَ داوُدُ إِلى صِقْلاج، وبَعَثَ مِنَ الغَنيمةِ إِلى شُيوخِ يَهوذا ولِكُلٍّ مِن أَصدِقائِه قائِلًا: «هٰذه لَكم بَرَكةٌ مِن غَنيمةِ أَعْداءِ الرَّبّ، وإِلى الَّذينَ في بَنوئيل والَّذينَ في راموتِ النَّقَب وفي يَتِّير وفي عَرعَره وفي سِفْموت وفي أَشتَموع وفي راكال وفي مُدُنِ اليَرحَمْئيلِيِّينَ وفي مُدُنِ القَنِيِّين وفي حُرمَة وفي بورَعاشان وفي عَتاك وفي حَبْرون، وإِلى جَميعِ الأَماكِنِ الَّتي سارَ فيها داوُدُ ورِجالُه. وكانَ الفَلِسطينِيُّونَ يُقاتِلونَ إِسْرائيل. فٱنهَزَمَ رِجالُ إِسْرائيلَ مِن وَجهِ الفَلِسطينِيِّينَ وسَقَطوا قَتْلى في جَبَلِ الجِلْبوع. فضَيَّقَ الفَلِسطينِيُّونَ على شاوُلَ وبَنيه، وقَتَلَ الفَلِسطينِيُّونَ يوناتانَ وأَبينادابَ ومَلْكيشوع، بني شاوُل. وٱشتدَّ القِتالُ على شاوُل، فأَدرَكَه الرُّماةُ بِالقِسِيِّ وأَثخَنوه بِالجِراح. فقالَ شاوُلُ لِحامِلِ سِلاحِه: «إِستَلَّ سَيفَكَ وٱطعَنِّي بِه لِئَلاَّ يَأتِيَ هٰؤُلاءِ القُلفُ ويَطعَنوني ويُشَنِّعوا فِيَّ». فأَبى حامِلُ سِلاحِه، لأَنَّه خافَ خَوفًا شَديدًا. فأَخَذَ شاوُلُ سَيفَه وسَقَطَ علَيه. ولَمَّا رأَى حامِلُ سِلاحِه أَن قد ماتَ شاوُل، سَقَطَ هو أَيضًا على سَيفِه وماتَ معَه. فماتَ شاوُلُ وثَلاثَةُ بَنيه وحامِلُ سِلاحِه وجَميعُ رِجالِه معًا في ذٰلِكَ اليَوم. ورأَى رِجالُ إِسْرائيلَ الَّذينَ في عِبرِ الوادي والَّذينَ في عِبرِ الأُردُنِّ أَن قدِ ٱنهَزَمَ رِجالُ إِسْرائيلَ وماتَ شاوُلُ وبَنوه، فتَركوا المُدُنَ وهَرَبوا، وأَتى الفَلِسطينِيُّونَ وأَقاموا فيها. وفي الغَدِ أَتى الفَلِسطينِيُّونَ لِيَسلُبوا القَتْلى، فوَجَدوا شاوُلَ وثَلاثَةَ بَنيه صَرْعى في جَبَلِ الجِلْبوع. فقَطَعوا رَأسَه ونَزَعوا سِلاحَه وأَرسَلوا يُبَشِّرونَ في أَرضِ الفَلِسطينِيِّينَ في كُلِّ جِهَةٍ، في بيوتِ أَصْنامِهم وفي الشَّعْب. ووَضَعوا سِلاحَه في بَيتِ عَشْتاروت، وعَلَّقوا جُثَّتَه على سورِ بَيتَ شان. وسَمِعَ أَهلُ يابيشَ جِلْعادَ بما صَنَعَ الفَلِسطينِيُّونَ بشاوُل. فنَهَضَ كُلُّ ذي بَأسٍ وساروا اللَّيلَ كُلَّه، وأَخَذوا جُثَّةَ شاوُلَ وجُثَثَ بَنيه عن سورِ بَيتَ شان، وأَتَوا بِها إِلى يابيش، وأَحرَقوها هُناك. وأَخَذوا عِظامَهم ودَفَنوها تَحتَ الطَّرْفاءِ الَّتي في يابيش، وصاموا سَبعَةَ أَيَّام. وكانَ بَعدَ مَوتِ شاوُلَ أَنَّ داوُدَ رَجَعَ مِن ضَربِ العَمالِقَة، فمَكَثَ يَومَينِ في صِقْلاج. ولَمَّا كانَ اليَومُ الثالِث، إِذا بِرَجُلٍ قد أَقبَلَ مِنَ المُعَسكَرِ مِن عِندِ شاوُل، وثِيابُه مُمَزَّقَةٌ وعلى رَأسِه تُراب. فلَمَّا وَصَلَ إِلى داوُد، اِرْتمى على الأَرضِ وسَجَدَ لَه. فقالَ لَه داوُد: «مِن أَينَ أَقبَلتَ؟» قال: «نَجَوتُ بِنَفْسي مِن مُعَسكَرِ إِسْرائيل». فقالَ لَه داوُد: «ما الخَبَر؟ أَعلِمْني». قال: «إِنهَزَمَ الشَّعبُ مِنَ القِتال، وسَقَطَ مِنَ الشَّعبِ كَثيرونَ وماتوا، وشاوُلُ ويوناتانُ ٱبنُه قد ماتا أَيضًا». فقالَ داوُدُ لِلفَتى الَّذي أَخبَرَه: «كَيفَ عَرَفتَ أَنَّه قد ماتَ شاوُلُ ويوناتانُ ٱبنُه؟» فقالَ لَه الفَتى الَّذي أَخبَرَه: «إِتَّفَقَ لي أَن كُنتُ في جَبَلِ الجِلْبوع، فإِذا شاوُلُ مُتَّكِئٌ على رُمحِه، والمَركَباتُ والفُرْسانُ يَجِدُّونَ في إِثرِه. فٱلتَفَتَ وَراءَه فرَآني وناداني، فقُلتُ: هاءَنَذا. فقالَ لي: مَن أَنتَ؟ فقُلتُ لَه: عماليقيّ. فقالَ لي: إِنهَضْ علَيَّ فٱقتُلْني، فقَد أَخَذَني الدُّوار، معَ أَنَّ نَفْسي لم تَزَلْ فِيَّ. فنَهَضتُ علَيه فقَتَلتُه، لأَنِّي عَلِمتُ أَنَّه لا يَحْيا بَعدَ سُقوطِه. وأَخَذتُ التَّاجَ الَّذي على رَأسِه والسِّوارَ الَّذي في ساعِدِه، فأَتَيتُ بِهما إِلى سَيِّدي هٰهُنا». فأَمسَكَ داوُدُ ثِيابَه ومَزَّقَها، وكذا جَميعُ الرِّجالِ الَّذينَ معه. وناحوا وبَكَوا وصاموا إِلى المساءِ على شاوُلَ ويوناتانَ ٱبنِه وعلى شعبِ الرَّبِّ وبَيتِ إِسْرائيل، لأَنَّهم سَقَطوا بِالسَّيف. ثُمَّ قالَ داوُدُ لِلفَتى الَّذي أَخبَرَه: «مِن أَينَ أَنتَ؟» فقالَ لَه: «أَنا ٱبنُ رَجُلٍ نَزيلٍ عَماليقيّ». فقالَ لَه داوُد: «كَيفَ لم تَهَبْ أَن تَمُدَّ يَدَكَ لِتُهلِكَ مَسيحَ الرَّبّ؟» ودعا داوُدُ واحِدًا مِنَ الفِتْيانِ وقال: «تَقَدَّمْ فأَوقِعْ بِه». فضَرَبَه فمات. فقالَ لَه داوُد: «دَمُكَ على رَأسِكَ، لأَنَّ فَمَكَ شَهِدَ علَيكَ، إِذ قُلتَ: إِنِّي قَتَلتُ مَسيحَ الرَّبّ». ورَثَى داوُدُ شاوُلَ ويوناتانَ ٱبنَه بِقَصيدَةِ الرِّثاءِ هٰذه. وأَمَرَ بِأَن تُعَلَّمَ لِبَني يَهوذا. هي قَصيدةُ القَوسِ المَكْتوبةُ في سِفرِ المُستَقيم. بَهاءُ إِسْرائيلَ قَتيلٌ على رَوابيكَ، كَيفَ سَقَطَتِ الأَبْطال؟ في جَتَّ لا تُخبِروا، وفي أَسْواقِ أَشْقَلونَ لا تُبَشِّروا، لِئَلاَّ تَفرَحَ بَناتُ الفَلِسطينِيِّين، وتَبتَهِجَ بَناتُ القُلْف. يا جِبالَ الجِلْبوعِ لا يَكُنْ علَيْكم نَدًى، ولا مَطَرٌ ولا حُقولٌ خَصيبة، لأَنَّ هُناكَ تَلَطَّخَ تُرسُ الأَبطال، تُرسُ شاوُلَ لَم يُمسَحْ بِدُهنٍ، بل بِدَمِ القَتْلى وشَحمِ الأَبْطال. قَوسُ يوناتانَ لم يَرجِعْ إِلى الوَراء، وسَيفُ شاوُلَ لم يَرتَدَّ خائِبًا. شاوُلُ ويوناتانُ مَحْبوبانِ عَزيزان، في حَياتِهما وفي مَماتِهما لم يَفتَرِقا. أَسرَعُ مِنَ العِقْبانِ وأَشَدُّ مِنَ الأُسود. يا بَناتِ إِسْرائيل، إِبْكينَ على شاوُل. كانَ يَكْسوكُنَّ القِرمِزَ زينَةً، وبِحُلِيِّ الذَّهَبِ يَزيدُ ثِيابَكُنَّ بَهاءً. كيفَ سَقَطَتِ الأَبطالُ في وَسَطِ القِتال؟ يوناتانُ قَتيلٌ على رَوابيكَ. قد ضاقَ صَدْري علَيكَ، يا أَخي يوناتان، لقَد كُنتَ عَزيزًا علَيَّ جِدًّا، وكانَ حُبُّكَ عِندي أَعجَبَ مِن حُبِّ النِّساء. كَيفَ سَقَطَتِ الأَبْطال، وبادَت آلاتُ الحَرْب؟ وكانَ بَعدَ ذٰلك أَنَّ داوُدَ سأَلَ الرَّبَّ فقال: «أَأَصعَدُ إِلى إِحْدى مُدُنِ يَهوذا؟» فقالَ لَه الرَّبّ: «إِصعَدْ». فقالَ داوُد: «إِلى أَينَ أَصعَد؟» قال: «إِلى حَبْرون». فصَعِدَ داوُدُ إِلى هُناكَ مع كِلْتا ٱمرَأَتَيه أَحينوعَمَ اليِزرَعيلِيَّة وأَبيجائيلَ، ٱمرَأَةِ نابالَ الكَرمَلِيّ. وأَصعَدَ داوُدُ الرِّجالَ الَّذينَ معَه، كُلَّ واحِدٍ بِبَيتِه، فأَقاموا في مُدُنِ حَبْرون. وأَتى رِجالُ يَهوذا ومَسَحوا هُنالِكَ داوُدَ مَلِكًا على بَيتِ يَهوذا. وأُخبِرَ داوُدُ فقيلَ لَه: «إِنَّ أَهلَ يابيشَ جِلْعادَ همُ الَّذينَ دَفَنوا شاوُل». فأَرسَلَ داوُدُ رُسُلًا إِلى أَهلِ يابيشَ جِلْعادَ وقالَ لَهم: «مُباركونَ أَنتُم لَدى الرَّبّ، لأَنَّكم صَنَعتُم هٰذه الرَّحمَةَ إِلى سَيِّدِكم شاوُلَ ودَفَنتُموه. والآن، لِيَصنَعِ الرَّبُّ إِلَيكم رَحمَةً ووَفاءً، وأَنا أَيضًا أَصنَعُ إِلَيكم خَيرًا، لأَنَّكم عَمِلتُم هٰذا العَمَل. والآنَ فلتَتَشَدَّدْ أَيديكم وكونوا ذَوي بأسٍ، لأَنَّه قد ماتَ شاوُلُ سَيِّدُكم ومَسَحَني بَيتُ يَهوذا مَلِكًا علَيهم». وإِنَّ أَبنيرَ بنَ نير، رَئيسَ جَيشِ شاوُل، أَخَذَ إِشبَعَلَ بنَ شاوُل وعَبَرَ بِه إِلى مَحْنائيم. ومَلَّكَه على جِلْعادَ والأشيرِيِّينَ ويِزرَعيلَ وأَفْرائيمَ وبَنْيامين، وعلى كُلِّ إِسْرائيل. وكانَ إِشبَعَلُ بنُ شاوُلَ ٱبنَ أَربَعينَ سنَةً، حينَ مَلَكَ على إِسْرائيل، ومَلَكَ سَنَتَين. وأَمَّا بَيتُ يَهوذا فتَبِعوا داوُد. وكانَ عَدَدُ الأَيَّامِ الَّتي مَلَكَ فيها داوُدُ بِحَبْرونَ على بَيتِ يَهوذا سَبعَ سَنَواتٍ وسِتَّةَ أَشهر. وخَرَجَ أَبنيرُ بنُ نيرٍ ورِجالُ إِشبَعَلَ بنِ شاوُلَ مِن مَحْنائيمَ إِلى جِبْعون. وخَرَجَ يوآبُ ٱبنُ صَرويَةَ ورِجالُ داوُد، فٱلتَقَوا جَميعًا على بِركَةِ جِبْعون. فأَقامَ أُولٰئِكَ على البِركَةِ مِن هُناكَ وهٰؤُلاءِ على البِركَةِ مِن هُنا. فقالَ أَبنيرُ ليوآب: «لِيَقُمِ الفِتْيانُ ويَتَبارَزوا أَمامَنا». فقالَ يوآب: «لِيَقوموا». فقاموا وأُحْصِيَ ٱثْنا عَشَرَ مِن بَنْيامينَ لِإشبَعَلَ بنِ شاول، وٱثنا عَشَرَ مِن رِجالِ داوُد. وأَمسَكَ كُلُّ واحِدٍ رَأسَ خَصمِه وطَعَنَ خَصمَه بِسَيفِه في جَنبِه، فسَقَطوا جَميعًا. فدُعِيَ ذٰلك المكانُ حَقلَ الصُّخور، وهو في جِبْعون. وكانَ قِتالٌ شَديدٌ في ذٰلك اليَوم، فٱنهَزَمَ أَبْنيرُ ورِجالُ إِسْرائيلَ مِن أَمامِ رِجالِ داوُد. وكانَ هُناكَ بَنو صَرويَة الثَّلاثَة، يُوآبُ وأَبيشايُ وعَسائيل، وكانَ عَسائيلُ خَفيفَ الرِّجلَين كأَنَّه ظَبيٌ مِن ظِباءِ البَرِّيَّة. فطارَدَ عَسائيلُ أَبْنير، ولم يَمِلْ يَمينًا ولا شِمالًا مِن وَراءِ أَبْنير. فٱلتَفَتَ أَبْنيرُ إِلى وَرائِه وقال: «أَعَسائيلُ أَنتَ؟» فقال: «أَنا هو». فقالَ لَه أَبْنير: «مِل عَنِّي يَمينًا أَو شِمالًا، وأَمسِكْ واحِدًا مِنَ الفِتْيان، وخُذْ لِنَفْسِكَ غَنيمَتَه». فأَبى عَسائيلُ أَن يَميلَ مِن وَرائِه. فعادَ أَبْنيرُ وقالَ لِعَسائيل: «إِرتَدَّ مِن وَرائي، فلِماذا أَضرِبُكَ إِلى الأَرض؟ وكَيفَ أَرفَعُ وَجْهي إِلى يوآبَ أَخيكَ؟» فأَبى أَن يَرتَدَّ، فضَرَبَه أَبْنيرُ بِطَرَفِ الرُّمحِ في بَطنِه، فخَرَجَ الرُّمحُ مِن وَرائِه، فسَقَطَ هُناكَ وماتَ في مَكانِه. كانَ كُلُّ مَن أَتى إِلى ذٰلك المكانِ الَّذي سَقَطَ فيه عَسائيلُ وماتَ يَقِف. فجَدَّ يوآبُ وأَبيشايُ في إِثرِ أَبْنير، فغابَتِ الشَّمسُ حينَ بَلَغا أَكَمَةَ أَمَّةَ الَّتي شَرقِيَّ جيح، في طَريقِ بَرِّيَّةِ جِبْعون. وٱجتَمَعَ بَنو بَنْيامينَ وَراءَ أَبْنير، فكانوا مَجْموعةً واحِدَة، وقاموا على قِمَّةِ رابِيَة. فنادى أَبْنيرُ يوآبَ وقال: «أَلا يَزالُ السَّيفُ مُفتَرِسًا لِلأَبَد؟ أَلم تَعلَمْ أَنَّ في الآخِرِ مرارةً؟ فحتَّى مَتى لا تأمُرُ القَومَ أَن يَرجِعوا عن إِخوَتِهم؟» فقالَ يوآب: «حَيٌّ الله! لَولا كَلامُكَ، لكَانَ الشَّعبُ مِنَ الصُّبحِ قد عادوا كُلُّ واحِدٍ عن أَخيه». ثُمَّ نَفَخَ يوآبُ في البوق، فوَقَفَ كُلُّ الشَّعبِ ولم يَعودوا يُطارِدونَ إِسْرائيل، ولا يُقاتِلون. فسارَ أَبْنيرُ ورِجالُه في العَرَبَةِ ذٰلك اللَّيلَ كُلَّه، وعَبَروا الأُردُنّ، وطافوا كُلَّ بِتْرون، وجاؤُوا إِلى مَحْنائيم. ورَجَعَ يوآبُ مِن وَرَاءِ أَبْنير، وجَمَعَ كُلَّ الشَّعْب، فإِذا رِجالُ داوُدَ قد فُقِدَ مِنهم تِسعَةَ عَشَرَ رَجُلًا وعَائيل. وقَتَلَ رِجالُ داوُدَ مِن بَنْيامينَ ومِن رِجالِ أَبنيرَ ثَلاثَ مِئَةٍ وسِتِّينَ رَجُلًا. ثُمَّ حَمَلوا عَسائيلَ ودَفَنوه في قَبرِ أَبيه في بَيتَ لَحْم. وسارَ يوآبُ ورِجالُه اللَّيلَ كُلَّه، فأَصبحوا في حَبْرون. وطالَتِ الحَربُ بَينَ بَيتِ شاوُلَ وبَيتِ داوُد، ولم يَزَل داوُدُ يَتَقَوَّى، وبيتُ شاوُلَ يَضْعُف. ووُلِدَ لِداوُدَ بَنونَ في حَبْرون، وكانَ بِكرُه أَمْنونَ مِن أَحينوعَمَ اليِزرَعيلِيَّة، والثَّاني كِلْآبَ مِن أَبيجائيلَ أَرمَلةِ نابالَ الكَرمَلِيّ، والثَّالِثُ أَبشالومَ ٱبنَ مَعكَة، بنتِ تَلْمايَ، مَلِكِ جَشور، والرَّابِعُ أَدونِيَّا ٱبنَ حَجِّيت، والخامِسُ شَفَطْيا ٱبنَ أَبيطال، والسَّادِسُ يِترَعامَ مِن عَجلَةَ ٱمرَأَةِ داوُد. هٰؤُلاءِ وُلِدوا لِداوُدَ في حَبْرون. وكانَ في أَثْناءِ الحَربِ بَينَ بَيتِ شاوُلَ وبَيتِ داوُدَ أَنَّ أَبْنيرَ كانَ قد عَزَّزَ مَوقِفَه في بَيتِ شاوُل. وكانَ لِشاوُلَ سُرِّيَّةٌ ٱسمُها رِصفَة، بِنتُ أَيَّة. فقالَ إِشبَعَلُ بنُ شاوُلَ لأَبْنير: «لِماذا دَخَلتَ على سُرِّيَّةِ أَبي؟» فغَضِبَ أَبْنيرُ غَضَبًا شَديدًا لِكَلامِ إِشبَعَل، وقال: «أَلَعَلِّي أَنا رأسُ كَلبٍ لِيَهوذا؟ أَنا أَصنَعُ اليَومَ رَحمَةً إِلى بَيتِ شاوُلَ أَبيكَ وإِلى إِخوَتِه وأَصدِقائِه، ولم أُسلِمْكَ إِلى يَدِ داوُد، وأَنتَ تُؤاخِذُني اليَومَ على ذَنبٍ مع ٱمرَأَة؟ كذا يَصنَعُ اللهُ بِأَبْنيرَ وكذا يَزيد، إِن لم أَصنَعْ لِداوُدَ كما أَقسَمَ الرَّبُّ لَه، مِن نَقلِ المُلكِ مِن بَيتِ شاوُل وإِقامَةِ عَرشِ داوُدَ على إِسْرائيلَ وعلى يَهوذا، مِن دانَ إِلى بِئرِ سَبع». فلَم يَستَطِعْ إِشبَعَلُ أَن يُجيبَ أَبْنيرَ بِكَلِمَةٍ لِخَوفِه مِنه. وأَرسَلَ أَبْنيرُ رُسُلًا إِلى داوُدَ يَقولونَ بِٱسمِه: «لِمَن تَكونُ الأَرْض»؟ ما مَعْناه «إِقطَعْ معي عَهدَكَ، فتكونُ يَدي مَعَكَ لأُحَوِّلَ إِلَيكَ كُلَّ إِسْرائيل». فقالَ داوُد: «حَسَنٌ، أَنا أَقطَعُ معَكَ عَهدًا، ولٰكِنِّي أَطلُبُ مِنكَ أَمرًا واحِدًا: لا تَرى وَجْهي حَتَّى تأتِيَ بميكال، ٱبنَةِ شاوُل، متى جِئتَ لِتَرى وَجْهي». وأَرسَلَ داوُدُ رُسُلًا إِلى إِشبَعَلَ ٱبنِ شاوُلَ قائِلًا: «أَعطِني ٱمرَأَتي ميكالَ الَّتي خَطَبتُها بِمِئَةِ قُلفَةٍ مِنَ الفَلِسطينِيِّين». فأَرسَلَ إِشبَعَلُ وأَخَذَها مِن عِندِ زَوجِها فَلْطيئيلَ بنِ لائيش. فمَضى بَعلُها مَعها، وهو يَسيرُ ويَبكي وَراءَها، حتَّى بَحوريم. فقالَ لَه أَبْنير: «إِنْصَرِفْ راجِعًا»، فرَجَع. وكَلَّمَ أَبْنيرُ شُيوخَ إِسْرائيلَ قائلًا: «إِنَّكم مِن أَمسِ فما قَبلُ كُنتُم تَطلُبونَ داوُدَ مَلِكًا علَيكم، فٱفعَلوا الآنَ، لأَنَّ الرَّبَّ كَلَّمَ داوُدَ قائلًا: إِنِّي عن يَدِ داوُدَ عَبْدي أُخَلِّصُ شَعْبي إِسْرائيلَ مِن أَيدي الفَلِسطينِيِّينَ ومِن أَيدي جَميعِ أَعْدائِهم». وتَكَلَّمَ أَبْنيرُ أَيضًا على مَسامِعِ بَنْيامين، ثُمَّ ذَهَبَ أَبْنيرُ لِيَتَكَلَّمَ أَيضًا على مِسمَعِ داوُدَ في حَبْرونَ بما حَسُنَ في عُيونِ إِسْرائيلَ وعُيونِ كُلِّ بَيتِ بَنْيامين. فوَصَلَ أَبْنيرُ إِلى داوُدَ في حَبْرون، ومعَه عِشْرونَ رَجُلًا، فصَنَعَ داوُدُ مَأدُبَةً لأَبْنيرَ ورِجالِه. فقالَ أَبْنيرُ لِداوُد: «أَنهَضُ فأَمضي وأَجمَعُ لِسَيِّدي المَلِكِ كُلَّ إِسْرائيل، فيَقطَعَ معَكَ عَهدًا، وتَملِكُ على كُلِّ ما تَشتَهي نَفْسُكَ». فصَرَفَ داوُدُ أَبْنير، فمَضى بِسَلام. وإِذا بِرِجالِ داوُدَ ويوآبَ قد أَتَوا مِنَ الغَزْوِ، ومعَهم غَنيمةٌ كبيرة، ولَم يَكُنْ أَبْنيرُ عِندَ داوُدَ في حَبْرون، لأَنَّه كانَ قد صَرَفَه ومَضى بِسَلام. ووَصَلَ يوآبُ وكُلُّ الجَيشِ الَّذي معَه، فأُخبِرَ يوآبُ وقيلَ لَه: «قد جاءَ أَبْنيرُ بنُ نيرٍ إِلى المَلِك، وصَرَفَه فمَضى بِسَلام. فدَخَلَ يوآبُ على المَلِكِ وقال: «ماذا صَنَعتَ؟ هُوَذا قد أَتى أَبْنيرُ إِلَيكَ، فلِماذا صَرَفتَه فَمَضى؟ إِنَّكَ تَعرِفُ أَبْنيرَ ٱبنَ نير: إِنَّه إِنَّما جاءَ لِيَخدَعَكَ ولِيَعرِفَ خُروجَكَ ودُخولَكَ ويَقِفَ على كُلِّ ما تَصنَعُه». وخَرَجَ يوآبُ مِن عِندِ داوُد، وأَرسَلَ رُسُلًا في طَلَبِ أَبْنير، فرَدُّوه مِن بِئرِ السِّيرَةِ، على غيرِ عِلمٍ مِن داوُد. فرَجَعَ أَبْنيرُ إِلى حَبْرون، فمالَ بِه يوآبُ إِلى وَسَطِ البابِ لِيُخاطِبَه على حِدَة، وضَرَبَه هُناكَ في بَطنِه، فماتَ بِسَبَبِ دَمِ عَسائيلَ، أَخي يوآب. فسَمِعَ داوُدُ بَعدَ ذٰلك فقال: «أَنا ومَملَكَتي بَريئانِ أَمامَ الرَّبِّ لِلأَبَدِ مِن دَمِ أَبْنيرَ بنِ نير. فلْيَقَعْ على رأسِ يوآبَ وعلى كُلِّ بَيتِ أَبيه، ولا يَنقَطِعْ مِن بَيتِ يوآبَ مَن بِجَسَدِه سَيَلانٌ وأَبرَصُ وصاحِبُ مِغزَلٍ وساقِطٌ بِالسَّيفِ ومُعَوزٌ إِلى الخُبْز». (ولم يَقتُلْ يوآبُ وأَبيشايُ أَخوه أَبْنيرَ إِلاَّ لأَنَّه قَتَلَ عَسائيلَ أَخاهما بِجِبْعونَ في الحَرْب). وقالَ داوُدُ لِيوآبَ ولِكُلِّ الشَّعبِ الَّذي معَه: «مَزِّقوا ثِيابَكم وتَمَنطَقوا بِالمُسوحِ ونوحوا أَمامَ أَبْنير». ومَشى داوُدُ المَلِكُ وَراءَ النَّعْش. ودَفَنوا أَبْنيرَ بِحَبْرون، فرَفَعَ المَلِكُ صَوتَه وبَكى على قَبرِ أَبْنير، وبَكى كُلُّ الشَّعْب. ورَثَى المَلِكُ أَبْنيرَ وقال: «أَمَوتَ الأَحمَقِ يَموتُ أَبْنير؟ يَداكَ لم تُربَطا ورِجْلاكَ لم تُجعَلا في سَلاسِلَ مِن نُحاس كالسَّاقِطينَ أَمامَ بَني الإِثمِ سَقَطتَ». وعادَ كُلُّ الشَّعبِ يَبْكي علَيه. وأَقبَلَ كُلُّ الشَّعبِ لِيُطعِمَ داوُدَ خُبزًا وكانَ لا يزالُ نَهار. فحَلَفَ داوُدُ وقال: «كذا يَصنَعُ اللهُ بي وكذا يَزيد، إِن ذُقتُ خُبزًا أَو شَيئًا آخَرَ قَبلَ أَن تَغرُبَ الشَّمْس». فرَأَى كُلُّ الشَّعبِ ذٰلك وحَسُنَ في عُيونِهم، كما أَنَّ كُلَّ ما صَنَعَ المَلِكُ كانَ حَسَنًا في عُيونِ الشَّعبِ كافَّةً. وأَيقَنَ الشَّعبُ أَجمَعُ وكُلُّ إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَومِ أَنَّه لم يَكُنْ لِلمَلِكِ يَدٌ في مَقتَلِ أَبْنيرَ بنِ نير. وقالَ المَلِكُ لِرِجالِه: «أَلا تَعلَمونَ أَنَّه قد سَقَطَ في هٰذا اليَومِ رَئيسٌ وعَظيمٌ في إِسْرائيل؟ وأَنا لا أَزالُ اليَومَ ضَعيفًا، ولو مُسِحتُ مَلِكًا، وأُولٰئِكَ الرِّجالُ، بَنو صَرويَةَ، هم أَقْسى مِنِّي. جَزى الرَّبُّ فاعِلَ الشَّرِّ بِحَسَبِ شَرِّه!». وسَمِعَ ٱبنُ شاوُلَ بِأَن قد ماتَ أَبْنيرُ في حَبْرون، فٱستَرخَت يَداه وٱرْتاعَ كُلُّ إِسْرائيل. وكانَ لِٱبنِ شاوُلَ رَجُلانِ رَئيسا غُزاةٍ، اِسمُ الواحِدِ بَعنَة وٱسمُ الآخَرِ ريكاب، ٱبْنا رِمُّونَ البَئيروتِيِّ مِن بَني بَنْيامين. وكانت بَئيروتُ مَعْدودةً لِبَنْيامين. فهاجَرَ البَئيروتِيُّونَ إِلى جِتَّائيم، وأَقاموا نُزَلاءَ هُناكَ إِلى هٰذا اليَوم. وكانَ لِيوناتانَ بنِ شاوُلَ ٱبنٌ سَقيمُ الرِّجلَين، وكانَ ٱبنَ خَمسِ سَنَواتٍ حينَ وَرَدَ خَبَرُ شاوُلَ ويوناتانَ مِن يِزرَعيل، فحَمَلَته حاضِنَتُه وهَرَبَت. وكانَت مُسرِعةً في الهَرَبِ فوَقَعَ وصارَ أَعرَج، وٱسمُه مفيبَعْل. فذَهَبَ ٱبنا رِمُّونَ البَئيروتِيّ، ريكابُ وبَعنَة، ودَخَلا بَيتَ إِشبَعَلَ، حينَ ٱحتَدَّ النَّهار، وكانَ نائِمًا عِندَ قَيلولةِ الظَّهيرة. فدَخَلا إِلى وَسَطِ البَيتِ كأَنَّهما يَأخُذانِ حِنطَةً، فضَرَباه في بَطنِه، وهَرَبَ ريكابُ وبَعنَةُ أَخوه. وكانا قد دَخَلا البَيتَ، وهو نائِمٌ على سَريرِه في غُرفَةِ نَومِه، فضَرَباه وقَتَلاه وقَطَعا رأسَه وأَخَذاه وسارا في طَريقِ العَرَبَةِ اللَّيلَ كُلَّه. وأَتَيا بِرَأسِ إِشبَعَلَ إِلى داوُدَ في حَبْرون، وقالا لِلمَلِك: «هُوَذا رَأسُ إِشبَعَلَ بنِ شاوُلَ عَدُوِّكَ الَّذي طَلَبَ نَفْسَكَ، وقد أَعْطى الرَّبُّ سَيِّدَنا المَلِكَ ٱنتِقامًا اليَومَ مِن شاوُلَ وذُرِّيَّتِه». فأَجابَ داوُدُ ريكابَ وبَعنَةَ أَخاه، ٱبنَي رِمُّونَ البَئيروتِيِّ وقالَ لَهما: «حَيٌّ الرَّبُّ الَّذي ٱفتَدى نَفْسي مِن كُلِّ ضيق! إِنَّ الَّذي أَخبَرَني وقالَ لي: إِنَّ شاوُلَ قد ماتَ، وهو يَظُنُّ أَنَّه يُبَشِّرُني بِخَير، قَبَضتُ علَيه وقَتَلتُه في صِقْلاج، وقد كانَ يَستَوجِبُ جائِزَةَ البُشْرى. فما يَكونُ بِالأَحْرى لِرَجُلَينِ شِرِّيرَينِ قَتَلا رَجُلًا بارًّا في بَيتِه على سَريرِه! أَفَلا أَطلُبُ الآنَ دَمَه مِن أَيديكما وأُبيدُكما مِنَ الأَرْض؟» وأَمَرَ داوُدُ الفِتْيان، فقَتَلوهما وقَطَّعوا أَيدِيَهما وأَرجُلَهما وعَلَّقوهما عِندَ بِركَةِ حَبْرون. وأَمَّا رَأسُ إِشبَعَل، فأَخَذوه ودَفَنوه في قَبرِ أَبْنيرَ في حَبْرون. وأَقبَلَ جَميعُ أَسباطِ إِسرائيلَ إِلى داوُدَ في حَبْرون، وتَكَلَّموا قائلين: «هُوَذا نَحنُ عَظمُكَ ولَحمُكَ. حينَ كانَ شاوُلُ علَينا مَلِكًا أَمسِ فما قَبلُ، كُنتَ أَنتَ تُخرِجُ وتُدخِلُ إِسْرائيل، وقد قالَ لَكَ الرَّبّ: أَنتَ تَرْعى شَعْبي إِسْرائيل، وأَنتَ تَكونُ قائِدًا لإسْرائيل». وأَقبَلَ جَميعُ شُيوخِ إِسْرائيلَ إِلى المَلِكِ في حَبْرون. فقَطَعَ المَلِكُ داوُدُ معَهم عَهدًا في حَبْرونَ أَمامَ الرَّبّ، ومَسَحوا داوُدَ مَلِكًا على إِسْرائيل. وكانَ داوُدُ ٱبنَ ثَلاثينَ سَنَةً يَومَ مَلَك، ومَلَكَ أَربَعينَ سَنَة. مَلَكَ في حَبْرونَ على يَهوذا سَبعَ سِنينَ وسِتَّةَ أَشهُر، ومَلَكَ في أَورَشَليمَ ثَلاثًا وثَلاثينَ سَنَةً على كُلِّ إِسْرائيلَ ويَهوذا. وزَحَفَ المَلِكُ ورِجالُه على أُورَشَليم، على اليَبوسِيِّينَ سُكَّانِ تِلكَ الأَرْض. فكَلَّموا داوُدَ وقالوا: «إِنَّكَ لا تَدخُلُ إِلى هٰهُنا، فحَتَّى العُمْيانُ والعُرجُ يَصُدُّونَكَ»، (أي: لا يَدخُلُ داوُدُ إِلى هٰهُنا). لٰكِنَّ داوُدَ أَخَذَ حِصنَ صِهْيون، وهو مَدينَةُ داوُد. وقالَ داوُدُ في ذٰلك اليَوم: «كُلُّ مَن يَضرِبُ اليَبوسِيّ، فَليَبلُغْ مِنَ القَناةِ إِلى أُولٰئِكَ العُرجِ والعُمْيانِ الَّذينَ يُبغِضونَ نَفْسَ داوُد». فلِذٰلِكَ يَقولون: «لا يَدخُلُ البَيتَ أَعْمى ولا أَعرَج». وأَقامَ داوُدُ في الحِصنِ وسَمَّاه مَدينَةَ داوُد، وبَنى داوُدُ حَولَه مِن مِلُّوَ فداخِلًا. وكانَ داوُدُ لا يَزالُ يَتَعاظَم، والرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّاتِ معَه. وأَرسَلَ حيرامُ، مَلِكُ صورَ، رُسُلًا إِلى داوُد، وأَخْشابَ أَرزٍ ونَجَّارينَ ونَحَّاتينَ لِلأَسْوار، فبَنَوا بَيتَ داوُد. وعَرَفَ داوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قد ثَبَّتَه مَلِكًا على إِسْرائيل، وعَظَّمَ مُلْكَه مِن أَجلِ شَعبِه إِسْرائيل. وتَزَوَّجَ داوُدُ أَيضًا سَرارِيَّ وزَوجاتٍ مِن أُورَشَليم، بَعدَ مَجيئِه مِن حَبْرون، ووُلِدَ أَيضًا لِداوُدَ بَنونَ وبَنات. وهٰذه أَسْماءُ المَولودينَ لَه في أَورَشَليم: شَمُّوعُ وشوبابُ وناتانُ وسُلَيمان، ويِبْحارُ وأَليشوعُ ونافَجُ ويافيع، وأَليشاماعُ وأَلْياداعُ وأَليفالَط. وسَمِعَ الفَلِسطينِيُّونَ أَنَّ داوُدَ قد مُسِحَ مَلِكًا على إِسْرائيل. فصَعِدَ جَميعُ الفَلِسطينِيِّينَ طالِبينَ نَفْسَ داوُد. فبَلَغَ داوُدَ ذٰلك، فنَزَلَ إِلى الحِصْن. وأَتى الفَلِسطينِيُّونَ وٱنتَشَروا في وادي رِفائيم. فسَأَلَ داوُدُ الرَّبَّ وقال: «أَأَصعَدُ على الفَلِسطِينِيِّين؟ وهَل تُسلِمُهم إِلى يَدي؟» فقالَ الرَّبُّ لِداوُد: «إِصعَدْ، فإِنِّي أُسلِمُ الفَلِسطينِيِّينَ إِلى يَدِكَ». فزَحَفَ داوُدُ على بَعلَ فَراحيم، وضَرَبَهم داوُدُ هُناكَ وقال: «قد فَتَحَ الرَّبُّ ثُغرَةً في أَعْدائي أَمامَ وَجْهي كالثُّغرَةِ الَّتي تَفتَحُها المِياه». ولِذٰلك سَمَّى ذٰلِكَ المَكانَ بَعلَ فراحيم. وتَرَكوا هُناكَ أَصنامَهم، فأَخَذَها داوُدُ ورِجالُه. وعادَ الفَلِسطينِيُّونَ فصَعِدوا وٱنتَشَروا في وادي رِفائيم. فسَأَلَ داوُدُ الرَّبَّ، فقالَ لَه: «لا تَصْعَدْ مُجابَهَةً، بلِ ٱعطِفْ مِن خَلفِهمِ وأتِهمِ مِن حِيالِ أَشْجارِ البَلَسان. فإِذا سَمِعتَ صَوتَ خَطَواتٍ في رُؤُوسِ أَشجارِ البَلَسان، فهَلُمَّ حينَئذٍ، لأَنَّه إِذ ذاكَ يَخرُجُ الرَّبُّ أَمامَكَ لِضَرْبِ مُعَسكَرِ الفَلِسطينِيِّينَ». ففَعَلَ داوُدُ كَذٰلك على حَسَبِ ما أَمَرَه الرَّبّ، وضَرَبَ الفَلِسطينِيِّينَ مِن جَبْعَ إِلى مَدخَلِ جازَر. وعادَ داوُدُ وجَمَعَ كُلَّ المُنتَخَبينَ في إِسْرائيل، وكانوا ثَلاثينَ أَلْفًا. ونَهَضَ داوُدُ ومَضى بِكُلِّ الشَّعبِ الَّذي معَه مِن بَعلَةَ يَهوذا، لِيُصعِدوا مِن هُناكَ تابوتَ اللهِ الَّذي يُدْعى الٱسم، ٱسمَ رَبِّ القُوَّاتِ، الجالِسِ على الكَروبين. فجَعَلوا تابوتَ اللهِ على عَجَلَةٍ جَديدة، وحَمَلوه مِن بَيتِ أَبينادابَ الَّذي في الأَكَمَة، وكانَ عُزَّا وأَحْيو، ٱبْنا أَبيناداب، يَقودانِ العَجَلةَ مع تابوتِ الله، وكانَ أَحْيو يَسيرُ أَمامَ التَّابوت. وكانَ داوُدُ وكُلُّ بَيتِ إِسْرائيلَ يَلعَبونَ أَمامَ الرَّبِّ بِكُلِّ آلةٍ مِنَ السَّرْوِ بِالكِنَّاراتِ والعيدانِ والدُّفوفِ والجُنوكِ والصُّنوج. فلَمَّا وَصَلوا إِلى بَيدَرِ نَكون، مَدَّ عُزَّا يَدَه إِلى تابوتِ اللهِ فأَمسَكَه، لأَنَّ الثِّيرانَ كانت قد تَعَثَّرَت. فٱشتَدَّ غَضَبُ الرَّبِّ على عُزَّا، وضَرَبَه اللهُ هُناكَ بِسَبَبِ هَفوَتِه، فماتَ هُناكَ عِندَ تابوتِ الله. فغَضِبَ داوُدُ من هُجومِ الرَّبِّ على عُزَّا، ولِذٰلك دُعِيَ ذٰلك المَكانُ فرآصَ عُزَّا إِلى هٰذا اليَوم. وخافَ داوُدُ مِنَ الرَّبِّ في ذٰلك اليَومِ وقال: «كَيفَ يَنزِلُ تابوتُ الرَّبِّ عِنْدي؟» ولَم يَشَأْ داوُدُ أَن يُمالَ إِلَيه بِتابوتِ الرَّبِّ إِلى مَدينَةِ داوُد. فأَخَذَه داوُدُ إِلى بَيتِ عوبيدَ أَدومَ الجَتِّيّ. فبَقِيَ تابوتُ الرَّبِّ في بَيتِ عوبيدَ أَدومَ الجَتِّيِّ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ، فبارَكَ الرَّبُّ عوبيدَ أَدومَ وكُلَّ بَيتِه. فأُخبِرَ المَلِكُ داوُدُ وقيلَ لَه إِنَّ الرَّبَّ قد بارَكَ عوبيدَ أَدومَ وكُلَّ ما لَه بِسَبَبِ تابوتِ الله. فمَضى داوُدُ وأَصعَدَ تابوتَ اللهِ بِفَرَحٍ مِن بَيتِ عوبيدَ أَدومَ إِلى مَدينَةِ داود. ولَمَّا خَطا حامِلو تابوتِ الرَّبِّ سِتَّ خَطَوات، ذَبَحَ ثَورًا وعِجْلًا مُسَمَّنًا. وكانَ داوُدُ يَرقُصُ ويَدورُ على نَفسِه بِكُلِّ قُوَّتِه أَمام الرَّبّ، وكانَ داوُدُ مُتَمَنطِقًا بِأَفودٍ مِن كَتَّان. وأَصعَدَ داوُدُ وكُلُّ بَيتِ إِسْرائيلَ تابوتَ الرَّبِّ بِالهُتافِ وصَوتِ البوق. ولَمَّا دَخَلَ تابوتُ الرَّبِّ مَدينَةَ داوُد، أَطَلَّت ميكالُ ٱبنَةُ شاوُلَ مِنَ النَّافِذَة، ورأَتِ المَلِكَ داوُدَ يَطفِرُ ويَرقُصُ أَمامَ الرَّبّ، فٱزدَرَته في قَلبِها. وأَدخَلوا تابوتَ الرَّبِّ وأَقاموه في مَكانِه، في وَسَطِ الخَيمَةِ الَّتي نَصَبَها لَه داوُد، وأَصعَدَ داوُدُ مُحرَقاتٍ أَمامَ الرَّبِّ وذَبائِحَ سَلامِيَّة. ولَمَّا ٱنتَهى داوُدُ مِن إِصْعادِ المُحرَقاتِ والذَّبائِحِ السَّلامِيَّة، بارَكَ الشَّعبَ بِٱسمِ رَبِّ القُوَّات. ووَزَّعَ على كُلِّ الشَّعبِ، على كُلِّ جُمْهورِ إِسْرائيل، رِجالًا ونِساءً، لِكُلِّ واحِدٍ رَغيفَ خُبزٍ وكَعكَةَ بَلَحٍ وقُرْصَ زَبيب، وٱنصَرَفَ الشَّعبُ كُلُّ واحِدٍ إِلى بَيتِه. ورَجَعَ داوُدُ لِيُبارِكَ بَيتَه، فخَرَجَت ميكالُ ٱبنَةُ شاوُلَ للِقاءِ داوُد، وقالَت: «ما أَمجَدَ مَلِكَ إِسْرائيلَ اليَومَ، حَيثُ تَعَرَّى اليَومَ في عُيونِ إِماءِ عَبيدِه، كما يَتَعَرَّى أَحَدُ الَّذينَ لا خَيرَ فيهم!» فقالَ داوُدُ لِميكال: «إِنَّما كانَ ذٰلك أَمامَ الرَّبِّ الَّذي ٱخْتارَني على أَبيكِ وعلى كُلِّ بَيتِه، لِيُقيمَني رَئيسًا على شَعبِ الرَّبِّ على إِسْرائيل. لِذٰلك لَعِبتُ أَمامَ الرَّبّ. ولقَد أَتصاغَرُ دونَ ذٰلك وأَكونُ دَنيئًا في عَينَي نَفْسي. ولٰكِنَّني أَتَمَجَّدُ في عُيونِ تِلكَ الإِماءِ الَّتي ذَكَرتِها». ولم تَلِدْ ميكالُ ٱبنَةُ شاوُلَ وَلَدًا إِلى يَومَ ماتَت. ولَمَّا سَكَنَ المَلِكُ في بَيتِه وأَراحَه الرَّبُّ مِن كُلِّ الجِهاتِ مِن جَميعِ أَعْدائِه، قالَ المَلِكُ لِناتانَ النَّبِيّ: «أُنظُرْ! إِنِّي ساكِنٌ في بَيتٍ مِن أَرزٍ، وتابوتُ الرَّبِّ ساكِنٌ في داخِلِ الخَيمَة». فقالَ ناتانُ لِلمَلِك: «إِمْضِ فٱصنَعْ كُلَّ ما في قَلبِكَ، لأَنَّ الرَّبَّ مَعَكَ». فكانَ كَلامُ الرَّبِّ في تِلكَ اللَّيلَةِ إِلى ناتانَ قائِلًا: «إِذهَبْ فقُلْ لِعَبْدي داوُد: هٰكذا يَقولُ الرَّبّ، أَأَنتَ تَبْني لي بَيتًا لِسُكْناي؟ إِنِّي لم أَسكُنْ بَيتًا مُذ يَومَ أَصعَدتُ بَني إِسْرائيلَ مِن مِصرَ إِلى هٰذا اليَوم، بل كُنتُ أَسيرُ في خَيمَةٍ وفي مَسكِن. فهَل تَكَلَّمتُ في مَسيري مع جَميعِ بَني إِسرائيلَ بِكَلِمَةٍ مع أَحَدِ قُضاةِ إِسْرائيلَ مِمَّن أَمَرتُه أَن يَرْعى إِسْرائيلَ شَعْبي قائِلًا: لِماذا لم تَبْنوا لي بَيْتًا مِنَ الأَرْز؟ فقُلِ الآنَ لِعَبْدي داوُد: هٰكذا يَقولُ رَبُّ القُوَّات: إِنِّي أَخَذتُكَ مِنَ المَرْعى مِن وَراءِ الغَنَم، لِتَكونَ رَئيسًا على شَعْبي إِسْرائيل. وكُنتُ معكَ حَيثُما سِرتَ، وقَرَضتُ جَميعَ أَعدائِكَ مِن أَمامِكَ، وسأُقيمُ لَكَ ٱسمًا عَظيمًا كأَسْماءِ العُظَماءِ الَّذينَ في الأَرْض، وأَجعَلُ مَكانًا لِشَعْبي إِسْرائيل، وأَغرِسُه فيَستَقِرُّ في مَكانِه ولا يَضطَرِبُ مِن بَعدُ، ولا يَعودُ بَنو الإِثمِ يُذِلُّونَه كما كانَ مِن قَبلُ، مِن يَومَ أَقَمتُ قُضاةً على شَعْبي إِسْرائيل. وسأُريحُكَ مِن جَميعِ أَعْدائِكَ. وقد أَخبَرَكَ الرَّبُّ أَنَّه سيُقيمُ لَكَ بَيتًا. وإذا تَمَّت أَيَّامُكَ وٱضطَجَعتَ مع آبائِكَ، أُقيمُ مَن يَخلُفُكَ مِن نَسلِكَ الَّذي يَخرُجُ مِن صُلبِكَ، (وأُثَبِّتُ مُلكَه. فهو يَبْني بَيتًا لِٱسْمي)، وأَنا أُثَبِّتُ عَرشَ مُلكِه لِلأَبَد. أَنا أَكونُ لَه أَبًا وهو يَكونُ لِيَ ٱبنًا. وإِذا أَثِمَ أُؤَدِّبُه بِقَضيبِ النَّاسِ وبِضَرَباتِ بَني البَشَر. وأَمَّا رَحمَتي فلا تُنزَعُ عنه، كما نَزَعتُها عن شاوُلَ الَّذي أَبعَدتُه مِن أَمامِ وَجهِكَ. بل يَكونُ بَيتُكَ ومُلكُكَ ثابِتَينِ لِلأَبَدِ أَمامَ وَجهِكَ، وعَرشُكَ يَكونُ راسِخًا لِلأَبَد». فكَلَّمَ ناتانُ داوُدَ بِهٰذا الكَلامِ كُلِّه وهٰذه الرُّؤيا كُلِّها. فدَخَلَ المَلِكُ داوُدُ وجَلَسَ أَمامَ الرَّبِّ وقال: «مَن أَنا، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، وما بَيتي حَتَّى بَلَغتَ بي إِلى هٰهُنا؟ وقَلَّ هٰذا في عَينَيكَ، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، فتَكَلَّمتَ أَيضًا إِلى بَيتِ عَبدِكَ في أَمرِ المُستَقبَلِ البَعيد. تِلكَ سُنَّةُ الإِنْسان، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ. فبِماذا يعودُ داوُدُ يُكَلِّمُكَ، وأَنتَ قد عَرَفتَ عَبدَكَ، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ؟ فمِن أَجلِ كَلِمَتِكَ وبِحَسَبِ قَلبِكَ عَمِلتَ هٰذا العَمَلَ العَظيمَ كُلَّه لِتُعلِمَ عَبدَكَ. لِذٰلك قد عَظُمتَ، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، لأَنَّه لا مَثيلَ لَكَ ولا إِلٰهَ سِواكَ، في كُلِّ ما سَمِعْناه بآذانِنا. وأَيَّةُ أُمَّةٍ مِثلُ شَعبِكَ إِسْرائيل؟ أَفي الأَرضِ أُمَّةٌ أُخْرى سارَ اللهُ لِيَفتَدِيَها لِنَفْسِه شَعبًا ويَجعَلَ لَها ٱسمًا ويَعمَلَ لَكُم ذٰلك العَمَلَ العَظيمَ ولأَرضِكَ هٰذه الأَعمالَ الرَّهيبَةَ بِسَبَبِ شَعبِكَ الَّذي ٱفتَدَيتَه لِنَفسِكَ مِن مِصْرَ مِنَ الأُمَمِ ومِن آلِهَتِها؟ وثَبَّتَّ لِنَفسِكَ شَعبَكَ إِسْرائيلَ شَعبًا لَكَ لِلأَبَد، وأَنتَ، يا رَبُّ، صِرتَ له إِلٰهًا. والآنَ أَيُّها الرَّبُّ الإلٰه، أَقِمْ لِلأَبَدِ الكَلامَ الَّذي تَكَلَّمتَ بِه عن عَبدِكَ وعن بَيتِه، وٱفعَلْ كما قُلتَ، لِيعَظُمَ ٱسمُكَ لِلأَبَدِ ويُقال: رَبُّ القُوَّاتِ إِلٰهٌ على إِسْرائيل، فيَكونَ بَيتُ عَبدِكَ داوُدَ ثابِتًا أَمامَكَ، لأَنَّكَ أَنتَ، يا رَبَّ القُوَّات، إِلٰهَ إِسْرائيل، أَوصَيتَ إِلى عَبدِكَ قائِلًا: أَبْني لَكَ بَيتًا. لِذٰلِك تَشَجَّعَ قلبُ عَبدِكَ لِيُصَلِّيَ إِلَيكَ هٰذه الصَّلاة. والآنَ، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، أَنتَ هو الله، وكَلامُكَ حَقّ، وقد وَعَدتَ عَبدَكَ بِهٰذا الخَير. فالآنَ تَعَطَّفْ وبارِكْ بَيتَ عَبدِكَ لِيَكونَ أَمامَكَ لِلأَبَد، لأَنَّكَ، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، تَكَلَّمتَ، ومِن بَرَكَتِكَ يُبارِكُ بَيتُ عَبدِكَ لِلأَبَد». وكانَ بَعدَ ذٰلك أَنَّ داوُدَ ضَرَبَ الفَلِسطينِيِّينَ وأَذَلَّهم، وأَخَذَ داوُدُ زِمامَ الحُكمِ مِن أَيدي الفَلِسطينِيِّين. وضَرَبَ الموآبِيِّينَ وقاسَهم بالحَبلِ، مُضجِعًا إِيَّاهم على الأَرض. فقاسَ مِنهم حَبلَينِ لِلقَتْلِ وطولَ حَبلٍ لِلٱستِبْقاء. وصارَ الموآبِيُّونَ رَعايا لِداوُدَ يُؤَدُّونَ الجِزيَة. وضَرَبَ داوُدُ هَدَدْ عازَرَ بنَ رَحوب، مَلِكَ صوبَة، وقد كانَ ذاهِبًا لِيَستَرِدَّ سُلطَتَه على نَهرِ الفُرات. وأَخَذَ مِنه داوُدُ أَلفًا وسَبعَ مِئَةِ فارِسٍ وعِشْرينَ أَلفَ راجِل، وعَرقَبَ داوُدُ خَيلَ جَميعِ المَركَبات، وأَبْقى مِنها مِئَةَ مَركَبَة. فجاءَ أَرامِيُّو دِمَشقَ لِنَجدَةِ هَدَدْ عازَر، مَلِكِ صوبة، فقَتَلَ داوُدُ مِنَ الأَرامِيِّينَ ٱثنَينِ وعِشْرينَ أَلفَ رَجُل. وأَقامَ داوُدُ مُحافِظينَ في أَرامَ دِمَشق، فصارَ الأَرامِيُّونَ رَعايا لِداوُدَ يُؤَدُّونَ الجِزيَة. ونَصَرَ الرَّبُّ داوُدَ حَيثُما تَوَجَّه. وأَخَذَ داوُدُ تُروسَ الذَّهَبِ الَّتي كانَت مع ضُبَّاطِ هَدَدْ عازَر، وأَتى بِها إِلى أُورَشَليم. وأَخَذَ المَلِكُ داوُدُ مِن طِبْحاتَ وبيروتاي، مَدينَتَي هَدَدْ عازَر، نُحاسًا كَثيرًا جِدًّا. وسَمِعَ توعو، مَلِكُ حَماة، أَنَّ داوُدَ قد كَسَرَ جَيشَ هَدَدْ عازَرَ كُلَّه. فأَرسَلَ توعو ٱبنَه يورامَ إِلى داوُدَ المَلِكِ لِيُقرِئَه السَّلامَ ويُبارِكَه، لأَنَّه قاتَلَ هَدَدْ عازَرَ وكَسَرَه، لأَنَّ هَدَدْ عازَرَ كانَت لَه حُروبٌ مع توعو. وفي يَدِ يورامَ آنِيَةٌ مِنَ الفَضَّةِ والذَّهَبِ والنُّحاس. وهٰذه أَيضًا قَدَّسَها المَلِكُ داوُدُ لِلرَّبِّ، فيما قَدَّسَه مِن فِضَّةِ وذَهَبِ جَميعِ الأُمَمِ الَّتي أَخضَعَها، مِنَ الأَدومِيِّينَ والمُوآبِيِّينَ وبَني عَمُّونَ والفَلِسطينِيِّينَ والعَمالِقَة، وما غَنِمَه مِن هَدَدْ عازَرَ بنِ رَحوب، مَلِكِ صوبة. وأَقامَ داوُدُ لِنَفسِه ٱسمًا عِندَ رجُوعِه، بَعدَما قَتَلَ ثَمانِيَةَ عَشَرَ أَلفًا مِنَ الأَرامِيِّينَ في وادي المِلْح. وجَعَلَ في أَدومَ مُحافِظين، وصارَ جَميعُ الأَدومِيِّينَ رَعايا لِداود. ونَصَرَ الرَّبُّ داوُدَ حَيثُما تَوَجَّه. ومَلَكَ داوُدُ على كُلِّ إِسْرائيل، وكانَ داوُدُ يُجْري حُكمًا وعَدلًا لِكُلِّ شَعبِه. وكانَ يوآبُ ٱبنُ صَرويَة على رأسِ الجَيش، ويوشافاطُ بنُ أَحيلودَ مُدَوِّنًا، وصادوقُ بنُ أَحيطوبَ وأَحيمَلِكُ بنُ أَبِياتارَ كاهِنَين، وسَرايا كاتِبًا، وبَنايا بنُ يوياداعَ والكَريتِيُّونَ والفَلِيتِيُّونَ... وبَنو داوُدَ كانوا كَهَنَة. وقالَ داوُد: «هل بَقِيَ أَحَدٌ مِن بَيتِ شاوُلَ فأَصنَعَ إِلَيه رَحمَةً مِن أَجلِ يوناتان؟» وكانَ لِبَيتِ شاوُلَ خادِمٌ ٱسمُه صيبا، فدُعِيَ إِلى داوُد. فقالَ لَه المَلك: «أَأَنتَ صيبا»؟ قال: «عَبدُكَ». فقالَ المَلِك: «أَلَم يَبقَ أَحَدٌ مِن بَيتِ شاوُلَ فأَصنَعَ إِلَيه رَحمَةَ الله؟» فقالَ صيبا لِلمَلِك: «قد بَقِيَ ٱبنٌ لِيوناتانَ سَقيمُ الرِّجلَين». فقالَ لَه المَلِك: «أَينَ هو؟» فقالَ صيبا لِلمَلِك: «هو في بَيتِ ماكيرَ بنِ عَمِّئيلَ في لودَبار». فأَرسَلَ المَلِكُ داوُدُ وأَخَذَه مِن بَيتِ ماكيرَ بنِ عَمِّيئيلَ مِن لودَبار. فوَصَلَ مَفيبَعْلُ بنُ يوناتانَ بنِ شاوُلَ إِلى داوُد، وٱرتمى على وَجهِه وسَجَدَ. فقالَ داوُد: «يا مَفيبَعْل». قال: «هاءَنَذا عَبدُكَ». فقالَ لَه داوُد: «لا تَخَفْ، فإِنِّي صانِعٌ إِلَيكَ رَحمَةً مِن أَجْلِ يوناتانَ أَبيكَ، وآمِرٌ بِإِرجاعِ جَميعِ مَزارِعِ شاوُلَ أَبيكَ إِلَيكَ، وأَنتَ تأكُلُ على مائِدَتي دائِمًا». فسَجَدَ وقال: «مَن هو عَبدُكَ حتَّى تَلتَفِتَ إِلى كَلبٍ مَيتٍ مِثْلي؟». فدَعا المَلِكُ صيبا خادِمَ شاوُلَ وقالَ لَه: «كُلُّ ما كانَ لِشاوُلَ ولِبَيتِه قد أَعطَيتُه لِٱبنِ سَيِّدِكَ. فتَحرُثُ لَه الأَرْضَ، أَنتَ وبَنوكَ وخُدَّامُكَ، وتَستَغِلُّها، فيَكونُ لِبَيتِ سَيِّدِكَ خُبزٌ يأكُلُه، ومَفيبَعْلُ ٱبنُ سَيِّدِكَ يَأكُلُ دائِمًا على مائِدَتي». وكانَ لِصيبا خَمسَةَ عَشَرَ ٱبنًا وعِشْرونَ خادِمًا. فقالَ صيبا لِلمَلِك: «كُلُّ ما أَمَرَ بِه سَيِّدي المَلِكُ عَبدَه يَفعَلُ عَبدُكَ بِحَسَبِه». وأَخَذَ مَفيبَعْلُ يَأكُلُ على مائِدَةِ داوُدَ كواحِدٍ مِن بَني المَلِك. وكانَ لِمَفيبَعْلَ ٱبنٌ صَغيرٌ ٱسمُه ميكا، وكانَ كُلُّ أَهلِ بَيتِ صيبا في خِدمَةِ مَفيبَعْل. وأَقامَ مَفيبَعْلُ في أُورَشَليم، لأَنَّه كانَ يَأكُلُ دائِمًا على مائِدَةِ المَلك، وكانَ أَعرَجَ الرِّجلَينِ. وكانَ بَعدَ ذٰلك أَن تُوُفِّيَ مَلِكُ بَني عَمُّون، فمَلَكَ حَنونُ ٱبنُه مَكانَه. فقالَ داوُد: «أَصنَعُ رَحمَةً إِلى حَنونَ بنِ ناحاش، كما صَنَعَ أَبوه رَحمَةً إِلَيَّ». وأَرسَلَ داوُدُ رِجالَه لِيُعَزِّيَه عن أَبيه. فوَصَلَ رِجالُ داوُدَ إِلى أَرضِ بَني عَمُّون. فقالَ رُؤَساءُ بَني عَمُّونَ لِحَنونَ سَيِّدِهم: «أَتُرى داوُدَ يُكرِمُ أَباكَ في عَينَيكَ حتَّى أَرسَلَ إِلَيكَ مُعَزِّين؟ أَلَيسَ أَنَّه لِيَفحَصَ المَدينَةَ ويَتَجَسَّسَها ويُقَلِّبَها أَرسَلَ داوُدُ رِجالَه إِلَيكَ؟» فقَبَضَ حَنونُ على رِجالِ داوُد، وحَلَقَ نِصفَ لِحاهم، وقَطَعَ ثِيابَهم مِنَ الوَسَطِ حتَّى أَدْبارِهم، ثُمَّ صَرَفَهم. فأُخبِرَ داوُدُ فأَرسَلَ لِلِقائِهم، لأَنَّ الرِّجالَ كانوا خَجِلينَ جِدًّا. وقالَ المَلِك: «أُمكُثوا في أَريحا، حَتَّى تَنبُتَ لِحاكم، ثُمَّ ٱرجِعوا». ولَمَّا رأَى بَنو عَمُّونَ أَنَّهم قد أَصبَحوا مَمْقوتينَ عِندَ داوُد، أَرسَلَ بَنو عَمُّونَ وٱستأجَروا أَرامِيِّي بَيتَ رَحوبَ وأَرامِيِّي صوبا، أي عِشْرينَ أَلفَ راجِل، ومِن مَلِكِ مَعكَةَ أَلفَ رَجُل، ومِن رِجالِ طوبَ ٱثنَي عَشَرَ أَلفَ رَجُل. فلَمَّا أُخبِرَ داوُد، أَرسَلَ يوآبَ وجَيشَ الأَبْطالِ كلَّه. فخَرَجَ بَنو عَمُّونَ وٱصطَفُّوا لِلقِتالِ عِندَ مَدخَلِ الباب، وٱنفَرَدَ أَرامِيُّو صوبا ورَحوبَ ورِجالُ طوبَ ومَعكَةَ في الحُقول. فرَأَى يوآبُ أَنَّ القِتالَ مُصَوَّبٌ إِلَيه مِنَ الأَمامِ والخَلْف. فٱختارَ قَومًا مِن جَميعِ مُنتَخَبي إِسْرائيل، وصَفَّهم لِلِقاءِ الأَرامِيِّين. وجَعَلَ بَقِيَّةَ الجَيشِ تَحتَ يَدِ أَبيشايَ أَخيه، فصَفَّهم لِلِقاءِ بَني عَمُّون، قائِلًا: «إِن قَوِيَ عَلَيَّ الأَرامِيُّون، تَكونُ أَنتَ لي نَجدَةً، وإِن قَوِيَ علَيكَ بَنو عَمُّون، أَذهَبُ أَنا لِنَجدَتِكَ. فتَشَدَّدْ ولْنَتَجَلَّدْ لأَجلِ شَعبِنا ولأَجلِ مُدُنِ إِلٰهِنا، ولْيَصنَعِ الرَّبُّ ما حَسُنَ في عَينَيه». ثُمَّ تَقَدَّمَ يوآبُ والشَّعبُ الَّذي معَه لِمُقاتَلَةِ الأَرامِيِّينَ، فٱنهَزَموا مِن وَجهِه. ورَأَى بَنو عَمُّونَ أَن قدِ ٱنهَزَمَ الأَرامِيُّونَ، فٱنهَزَموا هم أَيضًا مِن وَجهِ أَبيشاي، ودَخَلوا المَدينة. فعادَ يوآبُ من مُحارَبَةِ بَني عَمُّون، وجاءَ أُورَشَليم. فلَمَّا رأَى الأَرامِيُّونَ أَنَّهم قدِ ٱنكَسَروا أَمامَ إِسْرائيل، اِجتَمَعوا كُلُّهم. وأَرسَلَ هَدَدْ عازَرُ وٱستَنفَرَ الأَرامِيِّينَ الَّذينَ في عِبرِ النَّهْر. فأَتَوا إِلى حيلام، وعلى رَأسِهم شوباك، قائِدُ جَيشِ هَدَدْ عازَر. وأُخبِرَ داوُد، فجَمَعَ كُلَّ إِسْرائيلَ وعَبَرَ الأُردُنَّ وزَحَفَ على حيلام. فٱصطَفَّ الأَرامِيُّونَ لِلِقاءِ داوُدَ وحارَبوه. فٱنهَزَمَ الأَرامِيُّونَ مِن وَجهِ إِسْرائيل، وأَهلَكَ داوُدُ مِنَ الأَرامِيِّينَ سَبعَ مِئَةِ مَركَبَةٍ وأَربَعينَ أَلفَ فارس، وضَرَبَ شوباكَ قائِدَ جَيشِه، فماتَ هُناك. فلَمَّا رأَى جَميعُ المُلوكِ الخاضِعينَ لِهَدَدْ عازَرَ أَن قدِ ٱنكَسَروا أَمامَ إِسْرائيل، صالَحوا إِسْرائيلَ وٱستُعبِدوا لَه. وخافَ الأَرامِيُّونَ أَن يَعودوا إِلى نَجدَةِ بَني عَمُّون. ولَمَّا كانَ مَدارُ السَّنَة في وَقتِ خُروجِ المُلوكِ إِلى الحَرْب، أَرسَلَ داوُدُ يوآبَ وضُبَّاطَه معَه وكُلَّ إِسْرائيل، فأَهلَكوا بَني عَمُّون وحاصَروا رَبَّة. وأَمَّا داوُدُ فبَقِيَ في أُورَشَليم. وكانَ عِندَ المَساءِ أَنَّ داوُدَ قامَ عن سَريرِه وتَمَشَّى على سَطحِ بَيتِ المَلِك، فرَأَى عنِ السَّطحِ ٱمرَأَةً تَستَحِمُّ، وكانَتِ المَرأَةُ جَميلَةً جِدًّا. فأَرسَلَ داوُدُ وسَأَلَ عنِ المَرأَة، فقيلَ لَه: «إِنَّها بَتْشابَعُ بِنتُ أَليعامَ، ٱمرَأَةُ أُورِيَّا الحِثِّيّ». فأَرسَلَ داوُدُ رُسُلًا وأَخَذَها، فأَتَت إِلَيه فضاجَعَها، وكانت قد تَطَهَّرَت مِن نَجاسَتِها. ورَجَعَت إِلى بَيتِها. وحَمَلَتِ المَرأَةُ فأَرسَلَت وأَخبَرَت داوُدَ وقالَت: «إِنَّني حامِل». فأَرسَلَ داوُدُ إِلى يوآبَ قائِلًا: «أَرسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الحِثِّيّ». فأَرسَلَ يوآبُ أُورِيَّا إِلى داوُد. فجاءَه أُورِيَّا، فٱستَخبَرَه داوُدُ عن سَلامةِ يوآبَ والشَّعبِ وعنِ الحَرْب. ثُمَّ قالَ داوُدُ لأُورِيَّا: «إِنزِلْ إِلى بَيتِكَ وٱغسِلْ رِجلَيكَ». فخَرَجَ أُورِيَّا مِن بَيتِ المَلِك، وحُمِلَت وَراءَه هَدِيَّةٌ مِن عِندِ المَلِك. لٰكِنَّ أُورِيَّا ٱضطَجَعَ على بابِ بَيتِ المَلِكِ مع جَميعِ خَدَمِ سَيِّدِه، ولم يَنزِلْ إِلى بَيْتِه. وأُخبِرَ داوُدُ أَنَّ أُورِيَّا لم يَنزِلْ إِلى بَيتِه. فقالَ داوُدُ لأُورِيَّا: «أَما جِئتَ مِنَ السَّفَر؟ فما بالُكَ لم تَنزِلْ إِلى بَيتِكَ؟» فقالَ أُورِيَّا لِداوُد: «إِنَّ التَّابوتَ وإِسْرائيلَ ويَهوذا مُقيمونَ في الأَكْواخ، ويوآبَ سَيِّدي وضُبَّاطَ سَيِّدي مُعَسكِرونَ على وَجهِ الحُقول، وأَنا أَدخُلُ بَيتي وآكُلُ وأَشرَبُ وأُضاجِعُ ٱمرَأَتي؟ لا، وحَياتِكَ وحَياةِ نَفْسِكَ، إِنِّي لا أَفعَلُ هٰذا». فقالَ داوُدُ لأُورِيَّا: «أُمكُثِ اليَومَ، وغَدًا أَصرِفُكَ». فبَقِيَ أُورِيَّا في أُورَشَليمَ ذٰلك اليَوم. وفي الغَدِ دَعاه داوُد، فأَكَلَ بَينَ يَدَيه وشَرِبَ، وأَسكَرَه. وخَرَجَ مَساءً فٱضطَجَعَ في سَريرِه مع خَدَمِ سَيِّدِه، وإِلى بَيتِه لم يَنزِلْ. فلَمَّا كانَ الصَّباح، كَتَبَ داوُدُ إِلى يوآبَ كِتابًا وأَرسَلَه بِيَدِ أُورِيَّا. وكَتَبَ في الكِتابِ قائلًا: «ضَعوا أُورِيَّا حَيثُ يَكونُ القِتالُ شَديدًا، وٱنصَرِفوا مِن وَرائِه، فيُضرَبَ ويَموت». فكانَ في حِصارِ يوآبَ لِلمَدينَةِ أَنَّه جَعَلَ أُورِيَّا في المَكانِ الَّذي عَلِمَ أَنَّ فيه رِجالَ البَأس. فخَرَجَ رِجالُ المَدينَةِ وحارَبوا يوآب، فسَقَطَ مِنَ الشَّعبِ مِن رِجالِ داوُد، وماتَ أُورِيَّا الحِثِّيُّ أَيضًا. فأَرسَلَ يوآبُ وأَخبَرَ داوُدَ بِكُلِّ ما كانَ مِن أَمرِ الحَرْب. وأَمَرَ يوآبُ الرَّسولَ وقالَ لَه: «إِذا ٱنتَهَيتَ مِن كَلامِكَ مع المَلِكِ عن كُلِّ ما كانَ مِن أَمرِ الحَرْب، فإِذا ثارَ غَضَبُ المَلِكِ وقالَ لَك: لِمَ دَنَوتُم مِنَ المَدينَةِ لِتُحارِبوا؟ أَما تَعلَمونَ أَنَّهم يَرْمونَ مِن فَوقِ السُّور؟ مَن قَتَلَ أَبيمَلِكَ بنَ يَرُبَّعْل؟ أَلَيسَ أَنَّ ٱمرَأَةً رَمَته بِقِطعَةِ رَحًى مِن فَوقِ السُّورِ فماتَ في تاباص؟ فلِماذا دَنَوتُم مِنَ السُّور؟ فقُلْك إِنَّ عَبدَكَ أُورِيَّا الحِثِّيَّ أَيضًا قد مات». فمَضى الرَّسولُ ووَصَلَ وأَخبَرَ داوُدَ بِكُلِّ ما أَرسَلَه فيه يوآب. وقالَ الرَّسولُ لِداوُد: «قد قَوِيَ علَينا القومُ وخَرَجوا إِلَينا إِلى الحُقول، فدَحَرناهم إِلى مَدخَلِ الباب. فرَمى الرُّماةُ رِجالَكَ مِن فَوقِ السُّور، فماتَ بَعضُ رِجالِ المَلِك، وماتَ أَيضًا عَبدُكَ أُورِيَّا الحِثِّيّ». فقالَ داوُدُ لِلرَّسول: «كَذا تَقولُ لِيوآب: لا يَسُؤْ ذٰلك في عَينَيكَ، لأَنَّ السَّيفَ يأكُلُ هٰذا وذاك. شَدِّدْ قِتالَكَ على المَدينَةِ ودَمِّرْها، وأَنتَ شَجِّعْه». وسَمِعَتِ ٱمرَأَةُ أُورِيَّا أَنَّ أُورِيَّا زَوجَها قد مات، فناحَت على زَوجها. ولَمَّا تَمَّت أَيَّامُ مَناحَتِها، أَرسَلَ داوُدُ وضَمَّها إِلى بَيتِه. فكانَت زَوجَةً لَه ووَلَدَت لَه ٱبنًا. وساءَ ما صَنَعَه داوُدُ في عَينَيِ الرَّبّ. فأَرسَلَ الرَّبُّ ناتانَ إِلى داوُد، فأَتاه وقالَ لَه: «كان رَجُلانِ في إِحْدى المُدُن، أَحَدُهما غَنِيٌّ والآخَرُ فَقير. وكانَ لِلغَنِيِّ غَنَمٌ وبَقَرٌ كَثيرةٌ جِدًّا، والفَقيرُ لم يَكُنْ لَه غَيرُ نَعجَةٍ وَحيدَةٍ صَغيرةٍ قدِ ٱشتَراها، وربَّاها وكَبِرَت معَه ومع بَنيه، تأكُلُ مِن لُقمَتِه وتَشرَبُ مِن كأسِه، وتَرقُدُ في حِضنِه، وكانَت عِندَه كٱبنَتِه. فنَزَلَ بِالرَّجُلِ الغَنِيِّ ضَيفٌ، فضَنَّ أَن يأخُذَ مِن غَنَمِه وبَقَرِه، ليُهَيِّئَ لِلمُسافِرِ النَّازِلِ بِه. فأَخَذَ نَعجَةَ الرَّجُلِ الفَقير، وهَيَّأَها لِلرَّجُلِ النَّازِلِ بِه». فٱشتَدَّ غَضَبُ داوُدَ على الرَّجُلِ وقالَ لِناتان: «حَيٌّ الرَّبّ! إِنَّ الرَّجُلَ الَّذي صَنَعَ هٰذا يَستَوجِبُ المَوت. يَرُدُّ عِوَضَ النَّعجَةِ أَربَعًا جَزاءَ أَنَّه فَعَلَ هٰذا الأَمرَ ولم يُشفِقْ». فقالَ ناتانُ لِداوُد: «أَنتَ هو الرَّجُل. هٰكذا قالَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنِّي مَسَحتُكَ مَلِكًا على إِسْرائيل، وأنقَذتُكَ مِن يَدِ شاوُل، وأَعطَيتُكَ بَيتَ سَيِّدِكَ، ونِساءُ سَيِّدِكَ أَسلَمتُهُنَّ إِلى حِضنِكَ، وأَعطَيتُكَ بَيتَ إِسْرائيلَ ويَهوذا. وإِن كانَ ذٰلك قليلًا، فإِنِّي أَزيدُكَ كَذا وكَذا. فَلِماذا ٱزدَرَيتَ الرَّبَّ فٱرتَكَبتَ الشَّرَّ في عَينَيه؟ قد ضَرَبتَ أُورِيَّا الحِثِّيَّ بِالسَّيفِ وأَخَذتَ ٱمرَأَتَه ٱمرَأَةً لَكَ، وإِيَّاه قَتَلتَ بِسَيفِ بَني عَمُّون. والآنَ فلا يُفارِقُ السَّيفُ بَيتَكَ لِلأَبَد، لأَنَّكَ ٱزدَرَيتَني وأَخَذتَ ٱمرَأَةَ أُورِيَّا الحِثِّيِّ لِتَكونَ ٱمرَأَةً لَكَ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا مُثيرٌ عَليكَ الشَّرَّ مِن بَيتِكَ، وسآخُذُ نِساءَكَ أَمامَكَ وأُسلِمُهُنَّ إِلى قَريبِكَ، فيُضاجِعُ نِساءَكَ أَمامَ هٰذه الشَّمْس. أَنتَ فَعَلتَ ذٰلك سِرًّا، وأَنا أَفعَلُ هٰذا الأَمرَ أَمامَ كُلِّ إِسْرائيلَ وأَمامَ الشَّمْس». فقالَ داوُدُ لِناتان: «قد خَطِئتُ إِلى الرَّبّ». فقالَ ناتانُ لِداود: «إِنَّ الرَّبَّ أَيضًا قد نَقَلَ خَطيئَتَكَ عنكَ، فلا تَموت. ولٰكِن، إِذ إِنَّكَ بِهٰذا الأَمرِ أَهَنتَ الرَّبَّ إِهانَةً شَديدة، فالِٱبنُ الَّذي يولَدُ لَكَ يَموتُ مَوتًا». وٱنصَرَفَ ناتانُ إِلى بَيتِه. وضَرَبَ الرَّبُّ الوَلَدَ الَّذي وَلَدَته ٱمرَأَةُ أُورِيَّا لِداوُدَ حَتَّى مَرِض. فتَضَرَّعَ داوُدُ إِلى اللهِ مِن أَجلِ الوَلَد، وصامَ داوُدُ ودَخَلَ بَيتَه وباتَ مُضطَجِعًا على الأَرض. فقامَ إِلَيه شُيوخُ بَيتِه لِيُقيموه عنِ الأَرضِ فأَبى ولم يَأكُلْ معَهم طَعامًا. فلَمَّا كانَ اليَومُ السَّابِع، ماتَ الصَّبِيّ. فخافَ حاشِيَةُ داوُدَ أَن يُخبِروه بِمَوته، لأَنَّهم قالوا في أَنفُسهم: «حينَ كانَ الصَّبِيُّ حَيًّا، كُنَّا نُكَلِّمُه فلا يَسمَعُ لِكَلامِنا، فكَيفَ نَقولُ لَه: ماتَ الصَّبِيّ، فيَصنَعُ شَرًّا». ورأَى داوُدُ حاشِيَتَه يَتَهامَسون، ففَطِنَ داوُدُ أَنَّ الصَّبِيَّ قد مات. فقالَ داوُدُ لِحاشِيَتِه: «هل ماتَ الصَّبِيّ». فقالوا: «قد مات». فنَهَضَ داوُدُ عنِ الأَرضِ وٱغتَسَلَ وتَطَيَّبَ وغَيَّرَ ثِيابَه، ودَخَلَ بَيتَ الرَّبِّ فسَجَد. ورَجَعَ إِلى بَيتِه وطَلَبَ، فوَضَعوا لَه طَعامًا فأَكَل. فقالَ له حاشِيَتُه: «ما هٰذا الأَمرُ الَّذي صَنَعتَ؟ فإِنَّكَ، لَمَّا كانَ الصَّبِيُّ حَيًّا، صُمتَ وبَكَيتَ. فلَمَّا مات، قُمتَ وأَكَلتَ طَعامًا». فقال: «لَمَّا كانَ الصَّبِيُّ حَيًّا، صُمتُ وبَكَيتُ، لأَنِّي قُلتُ في نَفْسي: مَن يعلَم؟ قد يَرحَمُني الرَّبُّ ويَحْيا الصَّبِيّ. وأَمَّا الآنَ وقد مات، فلِماذا أَصوم؟ أَفأَستَطيعُ أَن أَرُدَّه بَعدُ؟ أَنا أَصيرُ إِلَيه وهو لا يَرجِعُ إِلَيَّ». وعَزَّى داوُدُ بَتْشابَعَ ٱمرَأَتَه ودَخَلَ علَيها وضاجَعَها، فوَلَدَتِ ٱبنًا فدَعَته سُلَيمان. وأَحَبَّه الرَّبّ، فأَرسَلَ على لِسانِ ناتانَ النَّبِيِّ وسَمَّاه يَديدِيا لأَجلِ الرَّبّ. وحارَبَ يوآبُ رَبَّةَ بَني عَمُّون، وأَخَذَ مَدينَةَ المُلْك. وأَرسَلَ يوآبُ رُسُلًا إِلى داوُدَ وقال: «قد حاربتُ رَبَّة، وأَخَذتُ أَيضًا مَدينَةَ المِياه. فٱجمَعِ الآنَ بَقِيَّةَ الشَّعبِ وعَسكِرْ على المَدينَةِ وخُذْها أَنتَ، لِكَي لا آخُذَ المَدينَةَ أَنا، فيُطلَقَ ٱسْمي علَيها». فجَمَعَ داوُدُ كُلَّ الشَّعبِ وزَحَفَ على رَبَّة، فحارَبَها وأَخَذَها. وأَخَذَ تاجَ مِلْكامَ عن رأسِه، وكانَ وَزنُه قِنْطارًا مِنَ الذَّهَبِ بِالحِجارَةِ الكَريمة، فوُضِعَ على رَأسِ داوُد. وأَخرَجَ مِنَ المَدينَةِ غَنيمةً وافِرَةً جِدًّا. وأَخرَجَ الشَّعبَ الَّذي فيها وجَعَلَه على المَناشيرِ وعلى نَوارِجِ الحَديدِ وفُؤُوسِ الحَديد، وجَعَلَ مِنه على أَعْمالِ قَوالِبِ الآجُرّ. وهٰكذا صَنَعَ بِجَميعِ مُدُنِ بَني عَمُّون. ورَجَعَ داوُدُ وكُلُّ الشَّعبِ إِلى أُورَشَليم. وكانَ بَعدَ ذٰلك أَنْ كانَ لأَبْشالومَ بنِ داوُدَ أُختٌ جَميلةٌ ٱسمُها تامار، فأَحَبَّها أَمنونُ بنُ داوُد، وشُغِفَ أَمنونُ بِتامارَ أُختِه حتَّى سَقِمَ، لأَنَّها كانَت عَذْراءَ فكانَ يَبْدو لَه مُستَحيلًا أَن يَصنَعَ بِها شَيئًا. وكانَ لأَمْنونَ صَديقٌ ٱسمُه يونادابُ بنُ شِمعَة، أَخي داوُد، وكانَ يونادابُ رَجُلًا ذَكِيًّا جِدًّا. فقالَ لَه: «ما لي أَراكَ، يا ٱبنَ المَلِكِ، تَنحَلُ صَباحًا فصَباحًا؟ أَلا تُخبِرُني؟» فقالَ لَه أَمْنون: «إِنِّي أُحِبُّ تامار، أُختَ أَبْشالومَ أَخي». فقالَ يوناداب: «إِضطَجِعْ على سَريرِكَ وتَمارَض. فإذا أَتاكَ أَبوكَ لِيَعودَكَ، فقُلْ لَه: لَتَأتِ تامارُ أُخْتي وتُطعِمْني خُبزًا وتَعمَلِ الطَّعامَ أَمامي، لأَرى وآكُلَ مِن يَدِها». فٱضطَجَعَ أَمْنونُ وتَمارَضَ، فأَتاه المَلِكُ يَعودُه، فقالَ أَمْنونُ لِلمَلِك: «لِتأتِ تامارُ أُخْتي وتَعمَلْ أَمامي كَعكَتَينِ وآكُلَ مِن يَدِها». فأَرسَلَ داوُدُ إِلى تامارَ إِلى البَيتِ وقالَ لَها: «إِذهَبي إِلى بَيتِ أَمْنونَ أَخيكِ وٱصنَعي لَه طَعامًا». فمَضَت تامارُ إِلى بَيتِ أَمْنونَ أَخيها وهو مُضطَجِع، فأَخَذَت عَجينًا ودَلَكَته وعَمِلَت كَعْكًا أَمامَه وقَلَتِ الكَعْك. وأَخَذَتِ المِقْلاةَ وسَكَبَت أَمامَه، فأَبى أَن يأكُل. وقالَ أَمْنون: «أَخرِجوا كُلَّ واحِدٍ مِن عِنْدي». فخَرَجَ كُلُّ واحِدٍ مِن عِندِه، فقال أَمْنونُ لِتامار: «أَدخِلي الطَّعامَ إِلى المُخدَعِ فآكُلَ مِن يَدِكِ». فأَخَذَت تامارُ الكَعكَ الَّذي عَمِلَته وأَتَت بِه أَمْنونَ أَخاها إِلى المُخدَع، وعِندَما قَدَّمت لَه لِيأكُل، أمسَكَها وقال: «تَعالَيِ ٱضطَجِعي معي، يا أُخْتي». فقالَت لَه: «لا تَغتَصِبْني يا أَخي، لا يُفعَلُ هٰكذا في إِسْرائيل، فلا تَفْعَلْ هٰذه الفاحِشَة. فأَمَّا أَنا فأَينَ أَذهَبُ بِعاري؟ وأَمَّا أَنتَ فتَكونُ كواحِدٍ مِنَ الحَمْقى في إِسْرائيل. والآنَ فكَلِّمِ المَلِكَ، فإِنَّه لا يَمنَعُني مِنكَ». فأَبى أَن يَسمَعَ لِكَلامِها، بَل تَمَكَّنَ مِنها وٱغتَصَبَها وضاجَعَها. ثُمَّ أَبغَضَها أَمْنونُ بُغضًا شَديدًا جِدًّا، وكانَ البُغضُ الَّذي أَبغَضَها إِيَّاه أَعظَمَ مِنَ الحُبِّ الَّذي أَحَبَّها إِيَّاه، وقالَ لَها أَمْنون: «قومي فٱنصَرِفي». فقالَت لَه: «لا يا أَخي، لأَنَّ طَردَكَ لي شَرٌّ أَعظمُ مِنَ الشَّرِّ الآخَرِ الَّذي فَعَلتَه بي». فأَبى أَن يَسمَعَ لَها. ودعا الفَتى الَّذي كانَ يَخدُمُه وقال: «أَخرِجْ هٰذه عنِّي إِلى خارِجٍ وأَغلِقِ البابَ وَراءَها. (وكانَ علَيها قَميصٌ مُوَشَّى، لأَنَّ بَناتِ المَلِكِ العَذارى كُنَّ يَلبَسْنَ أَقمِصَةً مِثلَ هٰذا). فأَخرَجَها خادِمُه إِلى خارِجٍ وأَغلَقَ البابَ وَراءَها. فجَعَلَت تامارُ رَمادًا على رأسِها ومَزَّقَتِ القَميصَ المُوَشَّى الَّذي كانَ علَيها وجَعَلَت يَدَها على رأسِها وذَهَبَت وهي تَصرُخ. فقالَ لَها أَبْشالومُ أَخوها: «هل كانَ أَمْنونُ أَخوكِ مَعكِ؟ أُسكُتي الآنَ يا أُخْتي. إِنَّه أَخوكِ، ولا يَأخُذْ هٰذا الأَمرُ مِن نَفسِكِ». فأَقامَت تامارُ حَزينَةً في بَيتِ أَبشالومَ أَخيها. وسَمِعَ داوُدُ المَلِكُ بِجَميعِ هٰذه الأُمور، فٱغْتاظَ غَيظًا شَديدًا، ولٰكِنَّه لم يُحزِنْ نَفْسَ أَمْنونَ ٱبنِه، لأَنَّه كانَ يُحِبُّه لأَنَّه بِكرُه. فأَمَّا أَبْشالومُ فلَم يُكَلِّمْ أَمْنونَ بِشَرٍّ أَو خَير، لأَنَّ أَبْشالومَ أَبغَضَ أَمْنونَ بِسَبَبِ ٱغتِصابِ تامارَ أُختِه. وكانَ بَعدَ سَنَتَينِ مِنَ الزَّمانِ أَنَّه كانَ جَزَّازونَ لأَبشالومَ في بَعْلَ حاصورَ الَّتي بِالقُربِ مِن أَفْرائيم. فدَعا أَبْشالومُ جَميعَ بَني المَلِك. و أَتى أَبْشالومُ إِلى المَلِكِ وقالَ لَه: «إِنَّ عِندَ عَبدِكَ جَزَّازين، فليَذهَبِ المَلِكُ وحاشِيَتُه مع عَبدِكَ». فقالَ المَلِكُ لأَبْشالوم: «لا يا بُنَيَّ، لا نَذهَبْ كُلُّنا لِئَلاَّ نُثَقِّلَ عَليكَ». فأَلَحَّ علَيه، فلم يَشَأ أَن يَذهَب، بل بارَكَه. فقالَ أَبْشالوم: «إِذن يَذهَبَ معَنا أَمْنونُ أَخي». فقالَ المَلِك: «لِماذا يَذهَبُ معَكَ؟» فأَلَحَّ علَيه أَبْشالوم، فأَرسَلَ معَه أَمْنونَ وجَميعَ بَني المَلِك. وأَقامَ أَبْشالومُ مَأدُبَةً كَمأدُبَةِ المُلوك. وأَمَرَ أَبْشالومُ خُدَّامَه وقالَ لَهم: «أُنظُروا! إِذا طابَ قلبُ أَمْنونَ بِالخَمرِ وقُلتُ لَكم: إِضرِبوا أَمْنونَ فٱقتُلوه، لا تخافوا. أَلَيسَ أَنِّي أَنا أَمَرتُكم؟ فتَشَجَّعوا وكونوا ذوي بأس». ففَعَلَ خُدَّامُ أَبْشالومَ بِأَمْنونَ كما أَمَرَهم أَبْشالوم. فقامَ جَميعُ بَني المَلِك، ورَكِبَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم بَغلَه وهَرَبوا. وبَينَما هم في الطَّريق، بَلَغَ الخَبَرُ إِلى داوُدَ وقيلَ لَه: «قد قَتَلَ أَبْشالومُ جَميعَ بَني المَلِك، ولم يَبْقَ مِنهم أَحَد». فقامَ المَلِكُ ومَزَّقَ ثِيابَه وٱضطَجَعَ على الأَرْض، ووَقَفَ حاشِيَتُه وثِيابُهم مُمَزَّقَة. فتَكَلَّمَ يونادابُ بنُ شِمعَة، أَخي داوُدَ، وقال: «لا يَحسَبْ سَيِّدي أَنَّ جَميعَ الفِتْيانِ بَني المَلِكِ قد هَلَكوا. لم يُقْتَلْ إِلاَّ أَمنونُ وَحدَه، لأَنَّ ذٰلك كانَ في نِيَّةِ أَبْشالوم، مُذ يَومَ ٱغتَصَبَ أَمْنونُ أُختَه. فالآنَ لا يأخُذْ هٰذا الأَمرُ من نَفْسِ سَيِّدي المَلِك، قائلًا في نَفْسِه: إِنَّ جَميعَ بَني المَلِكِ قد قُتِلوا، إذ لم يُقتَلْ إِلاَّ أَمنونُ وَحدَه، وهرب أَبْشالوم». ورَفَعَ الفَتى الرَّقيبُ عَينَيه ونَظَر، فإذا بِجَمعٍ كَثيرٍ يَسيرُ على طَريقِ حورونائيمَ الَّتي بِجانِبِ الجَبَل. فأَتى الرَّقيبُ وأَخبَرَ المَلِكَ قائِلًا: «إِنِّي أَرى رِجالًا على طَريقِ حورونائيمَ التي بِجانِبِ الجَبَل». فقالَ يونادابُ لِلمَلِك: «هُوَذا بَنو المَلِكِ مُقبِلون، وقد تَمَّ الأَمرُ كما قالَ عَبدُك». فلَمَّا ٱنتَهى مِن كَلامِه، إِذا بِبَني المَلِكِ قد جاؤُوا ورَفَعوا أَصْواتَهم بِالبُكاء، وبَكى المَلِكُ وجَميعُ حاشِيَتِه بُكاءً شَديدًا جِدًّا. وأَمَّا أَبْشالومُ فهَرَبَ وذَهَبَ إِلى تَلْمايَ بنِ عَمِّيهود، مَلِكِ جَشور. وناحَ داوُدُ على ٱبنِهِ كُلَّ الأَيَّام. وكانَ أَبشالومُ قد هَرَبَ وذَهَبَ إِلى جَشور ولَبِثَ هُناكَ ثَلاثَ سَنَوات. وكَفَّ روحُ المَلِكِ عنِ الغَضَبِ على أَبْشالوم، لأَنَّه تَعَزَّى عن مَوتِ أَمْنون. وعَرَفَ يوآبُ ٱبنُ صَرَويَةَ أَنَّ قَلبَ داوُدَ المَلِكِ مُهتَمٌّ بأَبْشالوم. فأَرسَلَ يوآبُ إِلى تَقوع، وأَتى مِن هُناكَ بِٱمرَأَةٍ حَكيمَةٍ وقالَ لَها: «تَظاهَري بِالحُزنِ وٱلبَسي لِباسَ الحِدادِ ولا تَتَطَيَّبي، بل كوني كٱمرَأَةٍ تَنوحُ على مَيتٍ مِن أَيَّامٍ كَثيرة. وٱدخُلي على المَلِكِ وكَلِّميه بِهٰذا الكَلام». وجَعَلَ يوآبُ الكَلامَ على لِسانِها. فكلَّمَتِ المَرأَةُ التَّقوعِيَّةُ المَلِكَ وٱرتَمَت بِوَجهِها إِلى الأَرض وسَجَدَت وقالَت: «خَلِّصْني أَيُّها المَلِك». فقالَ لَها المَلِك: «ما شأنُكِ؟» قالَت: «إِنَّني ٱمرَأَةٌ أَرمَلَة، قد تُوُفِّي زوجي. وكانَ لأَمَتِكَ ٱبْنانِ تَشاجرا في البَرِّيَّة، ولم يَكُنْ مَن يَفصِلُ بَينَهما، فضَرَبَ أَحَدُهما الآخَرَ وقَتَلَه. وإِذا بِكُلِّ العَشيرةِ قامَت على أَمَتِكَ وقالَت: سَلِّمي إِلَينا الَّذي قَتَلَ أَخاه لِنَقتُلَه بِنَفْسِ أَخيه الَّذي قَتَلَه ونُهلِكَ الوارِثَ أَيضًا. وبِذٰلك يُطفِئونَ جَمرَتيَ الَّتي بَقِيَت، ولا يَترُكونَ لِزَوجي ٱسمًا ولا باقِيًا على وَجهِ الأَرض». فقالَ المَلِكُ لِلمَرأَة: «إِنصَرِفي إِلى بَيتِكِ، فإِنِّي أُوصي فيكِ». فقالَتِ المَرأَةُ التَّقوعِيَّةُ لِلمَلِك: «لِيَكُنْ علَيَّ الإِثْم، يا سَيِّدي المَلِك، وعلى بَيتِ أَبي، ولٰكِنَّ المَلِكَ وعَرشَه بَريئان». فقالَ لَها المَلِك: «مَن كَلَّمَكِ بِهٰذا فأتيني بِه، فلا يَعودُ يَتَعَرَّضُ لَكِ». قالَت: «أُذكُرْ، أَيُّها المَلِكُ، الرَّبَّ إِلٰهَكَ، فلا يُكثِرَ المُنتَقِمُ لِلدَّمِ الدَّمارَ ويُهلِكَ ٱبْني». فقال: «حَيٌّ الرَّبّ! إِنَّها لا تَسقُطُ شَعَرَةٌ مِنِ ٱبنِكِ على الأَرض». فقالَتِ المَرأَة: «لِتُكَلِّمْ أَمَتُكَ، سَيِّديَ المَلِك، بِكَلِمة». قال: «تَكَلَّمي». فقالَتِ المَرأَة: «لِمَ نَوَيتَ مِثلَ هٰذا على شَعبِ الله، فما تَكَلَّمَ بِه المَلِكُ مِن هٰذا الكَلامِ لا يَخْلو مِن الذَّنْب، بما أَنَّ المَلِكَ لم يَرُدَّ مَنفِيَّه. فإِنَّه لا بُدَّ أَن نَموت ونَكونَ كالماءِ المُراقِ على الأَرض، الَّذي لا يُجمَعُ بَعدَ ذٰلك، واللهُ لا يَستَثْني نَفْسًا، بل يُخَطِّطُ تَخْطيطًا حتَّى لا يُنْفى عَنه مَنفِيُّه. والآنَ فإِنَّما جِئتُ لأُكَلِّمَ المَلِكَ سَيِّدي بِهٰذا الأَمْر، لأَنَّ النَّاسَ قد أَخافوني، فقالت أَمَتُكَ في نَفْسِها: أُكَلِّمُ المَلِكَ، لَعَلَّ المَلِكَ يَعمَلُ بِقَولِ أَمَتِه، لأَنَّ المَلِكَ يَرْضى بإِنقاذِ أَمَتِه مِن يَدِ الرَّجُلِ الَّذي يُريدُ أَن يَفصِلَني، أَنا وٱبْني معي، مِن ميراثِ الله. فقالَت أَمَتُكَ في نَفْسِها: لِيَكُنْ كَلامُ سَيِّدي المَلِكِ راحةً، لأَنَّ سَيِّدي المَلِكَ هو كمَلاكِ اللهِ في فَهمِ الخَيرِ والشَّرّ، ولْيَكُنِ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مَعَكَ». فأَجابَ المَلِكُ وقالَ لِلمَرأَة: «لا تَكتُمي عنِّي شَيئًا مِمَّا أَسأَلُكِ عَنه». فقالَتِ المَرأة: «لِيَتَكَلَّمْ سَيِّدي المَلِك». فقالَ المَلِك: «أَيَدُ يوآبَ مَعَكِ في هٰذا كُلِّه؟» فأَجابَتِ المَرأَةُ وقالَت: «حَيَّةٌ نَفسُكَ يا سَيِّدي المَلِك! لا يَحيدُ المَرءُ عن قَولِ المَلِكِ يَمنَةً ولا يَسرَةً. إِنَّ عَبدَكَ يوآبَ هو الَّذي أَمَرَني وهو الَّذي جَعَلَ على لِسانِ أَمَتِكَ هٰذا الكَلامَ كُلَّه. لأَجلِ تَحْويلِ وَجهِ الأُمور فَعَلَ عَبدُكَ يوآبُ هٰذا، ولٰكِنَّ لِسَيِّدي حِكمَةً كحِكمَةِ مَلاكِ اللهِ في مَعرِفَةِ كُلِّ ما في الأَرض». فقالَ المَلِكُ لِيوآب: «هاءَنَذا أَفعَلُ هٰذا الأَمْر، فٱذهَب ورُدَّ الفَتى أَبْشالوم». فٱرتَمى يوآبُ على وَجهِه إِلى الأَرضِ ساجِدًا وبارَكَ المَلِكَ وقالَ: «اليَومَ عَلِمَ عَبدُكَ أَنِّي قد نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، يا سَيِّديَ المَلِك، إِذ إِنَّ المَلِكَ يَفعَلُ ما قالَ عَبدُه». وقامَ يوآبُ ومَضَى إِلى جَشور، وأَتى بِأَبْشالومَ إِلى أُورَشَليم. فقالَ المَلِك: «لِيَنصَرِفْ إِلى مَنزِلِه ولا يَرَ وَجْهي». فٱنصَرَفَ أَبْشالومُ إِلى مَنزِلِه ولم يَرَ وَجهَ المَلِك. ولم يَكُنْ في كُلِّ إِسْرائيلَ رَجُلٌ جَميلٌ ومَمْدوحٌ كثيرًا كأَبْشالوم: مِن أَخمَصِ قَدَمِه إِلى قِمَّةِ رأسِه لم يَكُنْ فيه عَيب. وكانَ عِندَ حَلْقِ رأسِه (كانَ يَحلِقُه في آخِرِ سَنَة، لأَنَّه كانَ يَثقُلُ علَيه فيَحلِقُه)، يَكونُ وَزنُ شَعَرِ رأسِه مِئَتي مِثْقالٍ بِمِثْقالِ المَلِك. ووُلِدَ لأَبشالومَ ثَلاثَةُ بَنينَ وٱبنَةٌ واحِدَةٌ ٱسمُها تامار، وكانَتِ ٱمرَأَةً جَميلَةَ المَنظَر. وأَقامَ أَبْشالومُ في أُورَشَليمَ سَنَتَين، ولم يَرَ وَجهَ المَلِك. فٱستَدْعى أَبشالومُ يوآبَ لِيُرسِلَه إِلى المَلِك، فلَم يَشَأْ أَن يَأتِيَ إِلَيه. فٱستَدْعاه أَيضًا ثانِيَةً، فلَم يَشَأْ أن يأتي. فقالَ أَبْشالومُ لِخُدَّامِه: «أُنظُروا! إِنَّ حَقلَ يوآبَ بِجانِبِ حَقْلي، وإِنَّ لَه هُناكَ شَعيرًا. فٱذهَبوا وأَحرِقوه بِالنَّار». فأَحرَقَ خُدَّامُ أَبْشالومُ الحَقلَ بِالنَّار. فقامَ يوآبُ ومَضى إِلى أَبْشالومَ إِلى البَيتِ وقالَ لَه: «لِماذا أَحرَقَ خُدَّامُكَ حَقْلي بِالنَّار؟» فقالَ أَبْشالومُ لِيوآب: «إِنِّي قدِ ٱستَدعَيتُكَ قائِلًا: تَعالَ إِلى هُنا فأُرسِلَكَ إِلى المَلِك، لِكَي تَقولَ لَه: لِماذا جِئتُ مِن جَشور. لقَد كانَ خَيرًا لي لو بَقيتُ هُناكَ. والآن، لأَرَ وَجهَ المَلِك. فإِن كانَ علَيَّ إِثْمٌ فلْيَقتُلْني». فذَهَبَ يوآبُ إِلى المَلِكِ وأَخبَرَه، فدَعا أَبْشالوم، فدَخَلَ على المَلِك وسَجَدَ بِوَجهِهِ إِلى الأَرضِ بَينَ يَدَيِ المَلِك. فقَبَّلَ المَلِكُ أَبْشالوم. وكانَ بَعدَ ذٰلك أَنَّ أَبْشالومَ ٱتَّخَذَ لَه مَركَبَةً وخَيلًا وخَمْسينَ رَجُلًا يركُضونَ أَمامَه. وكانَ أَبْشالومُ يُبَكِّرُ فيُقيمُ بِجانِبِ طَريقِ الباب. فكُلُّ مَن كانَت لَه دَعْوى يُريدُ أَن يَحتَكِمَ إِلى المَلِك، يَدْعوه أَبْشالومُ إِلَيه ويَقول: «مِن أَيِّ مَدينةٍ أَنتَ؟» فيَقول: «عَبدُكَ مِن أَحَدِ أَسْباطِ إِسْرائيل». فيَقولُ لَه أَبْشالوم: «أُنظُرْ! إِنَّ قَضِيَّتَكَ صالِحَةٌ عادِلَة، ولٰكِن لَيسَ لَكَ عِندَ المَلِكِ مَن يَسمَعُ لَكَ». وكانَ أَبْشالومُ يقول: «مَنِ الَّذي يَجعَلُني قاضِيًا في الأَرض، فيَأتيني كُلُّ ذي دَعْوى وقَضِيَّة، فأُنصِفُه». فإِذا دَنا أَحَدٌ لِيَسجُدَ لَه، كانَ يَمُدُّ يَدَه ويُمسِكُه ويُقَبِّلُه. وكانَ أَبْشالومُ يَفعَلُ مِثلَ ذٰلك مع كُلِّ إِسْرائيلَ الَّذي كانَ يأتي لِيَحتَكِمَ إِلى المَلِك. فكانَ أَبْشالُومُ يَستَرِقُ قُلوبَ رِجالِ إِسْرائيل. وكانَ بَعدَ أَربعِ سَنَواتٍ أَنَّ أَبْشالومَ قالَ لِلمَلِك: «دَعْني أَمْضي فأَفي نَذْريَ الَّذي نَذَرتُه لِلرَّبِّ في حَبْرون، ذٰلك بِأَنَّ عَبدَكَ نَذَرَ نَذْرًا حينَ كُنتُ مُقيمًا بِجَشورَ في أَرام، وقُلتُ: إِن رَدَّني الرَّبُّ إِلى أُورَشَليم، أَعبُدُ الرَّبّ». فقالَ لَه المَلِك: «إِذهَبْ بِسَلام». فقامَ وذَهَبَ إِلى حَبْرون. وأَرسَلَ أَبْشالومُ جَواسيسَ إِلى جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ وقال: «إِذا سَمِعتُم صَوتَ البوق، فقولوا: قد مَلَكَ أَبْشالومُ في حَبْرون». وسارَ مع أَبْشالومَ مِئَتا رَجُلٍ مِن أُورَشَليمَ قد دُعوا. فذَهَبوا على سَلامَةِ نِيَّةٍ وهم لا يَعلَمونَ شَيئًا. فبَعَثَ أَبْشالومُ إِلى أَحيتوفَلَ الجيلونِيِّ، مُستَشارِ داوُد، فدَعاه مِن مَدينَتِه جيلو، بَينَما كانَ هو يَذبَحُ الذَّبائِح. وٱشتَدَّتِ المُؤامَرَة، وكانَ الشَّعبُ لا يَزالُ يَتَزايَدُ عِندَ أَبْشالوم. فجاءَ إِلى داوُدَ مُخبِرٌ وقال: «إِنَّ قُلوبَ رِجالِ إِسْرائيلَ صارَت وَراءَ أَبْشالوم». فقالَ داوُدُ لِجَميعِ حاشِيَتِه الَّذينَ معَه في أُورَشَليم: «قوموا بِنا نَهرُب، لأَنَّه لا يَكونُ لَنا مَفَرٌّ مِن وَجهِ أَبْشالوم. بادِروا بِالذَّهاب، لِئَلاَّ يُسرِعَ ويُدرِكَنا ويُنزِلَ بِنا الشَّرَّ ويَضرِبَ المَدينَةَ بِحَدِّ السَّيف». فقالَ لِلمَلِكِ حاشِيَتُه: «كُلُّ ما يَخْتارُه سَيِّدُنا المَلِك، فَحنُ عَبيدُك». فخَرَجَ المَلِكُ وكُلُّ بَيتِه مُشاةً، وتَرَكَ المَلِكُ عَشرًا مِنَ السَّرارِيِّ لِحِفْظِ البَيت. وهٰكذا فقد خَرَجَ المَلِكُ وكُلُّ الشَّعبِ معَه مُشاةً ووَقَفوا عِندَ آخِرِ بَيت. وكانَ جَميعُ رِجالِه يَمُرُّونَ بِقُربِه، مع جَميعِ الكَريتِيِّينَ والفَليتِيِّين. وكانَ جَميعُ الجَتِّيِّين، وهم سِتُّ مِئَةِ رَجُلٍ كانوا قد جاؤوا مِن جَتّ، يَعبُرونَ أَمامَ المَلِك. فقالَ المَلِكُ لأَتَّايَ الجَتِّيّ: «لِماذا أَنتَ أَيضًا آتٍ معَنا؟ إِرجَعْ وأَقِمْ مع المَلِك، لأَنَّكَ غَريبٌ نازِحٌ عن وَطَنِكَ. أَمْسًا أَتَيتَنا، واليَومَ أَجعَلُكَ تَتيهُ لِتَذهَبَ معَنا، بَينَما أَنا هائِمٌ على وَجْهي! فٱرجِعْ ورُدَّ إِخوَتَكَ معَكَ، والرَّبُّ يَصنَعُ إِلَيكَ رَحمَةً ووَفاءً». فأَجابَ إِتَّايُ وقالَ لِلمَلِك: «حَيٌّ الرَّبّ! وحَيٌّ سَيِّدي المَلِك! فحَيثُما كانَ سَيِّدي المَلِك، سَواءٌ كانَ لِلمَوتِ أَو لِلحَياة، فهُناكَ يَكونُ عَبدُكَ». فقالَ داوُدُ لإِتَّاي: «إِذهَبْ وٱعبُرْ». فعَبَرَ إِتَّايُ الجَتِّيُّ وجَميعُ رِجالِه وكُلُّ العِيالِ الَّذينَ كانوا معَه. وكانَ أَهْلُ البَلَدِ كُلُّهم يَبْكونَ بِصَوتٍ عَظيم، وكانَ الشَّعبُ كُلُّهم يَعبُرونَ وادِيَ قِدْرون، ثُمَّ عَبَرَ المَلِكُ. وجازَ الشَّعبُ كُلُّه وأَخَذَ في طَريقِ البَرِّيَّة. وإِذا بِصادوقَ وجَميعِ اللاَّوِيِّينَ معَه يَحمِلونَ تابوتَ عَهدِ الله. فوَضَعوا تابوتَ عَهدِ الله، وأَصعَدَ أَبِياتارُ مُحرَقَةً، حتَّى ٱنتهى كُلُّ الشَّعبِ مِن مَغادَرَةِ المَدينَة. فقالَ المَلِكُ لِصادوق: «رُدَّ تابوتَ اللهِ إِلى المَدينة، فإِن أَنا نِلتُ حُظوَةً في عَينَيِ الرَّبّ، فإِنَّه يَرُدُّني ويُريني إِيَّاه مع مَسكِنِه: وإِن قال: إِنِّي لا أَرْضى عنكَ، فهاءَنَذا، ولْيَصْنَعْ بي ما يَحسُنُ في عَينَيه». ثُمَّ أَضافَ المَلِكُ وقالَ لِصادوقَ الكاهن: «تَرى المَوقِف، فٱرجِعْ إِلى المَدينَةِ بِسَلام، أَنتَ وأَحيماعَصُ ٱبنُكَ ويوناتانُ بنُ أَبِياتار، اِبْناكُما معَكما. أُنظُروا! إِنِّي مُتَأَخِّرٌ في مَعابِرِ البَرِّيَّة، حتَّى يَرِدَ علَيَّ نَبَأٌ مِنكم». فرَجَعَ صادوقُ وأَبِياتارُ بِتابوتِ اللهِ إِلى أُورَشَليم، وأَقاما هُناك. وصَعِدَ داوُدُ مُرْتَقى الزَّيتون، وكانَ يَصعَدُ باكِيًا ورَأسُه مُغَطًّى، وهو يَمْشي حافِيًا، وكُلُّ الشَّعبِ الَّذي معَه غَطَّى كُلُّ واحِدٍ رأسَه وصَعِدوا وهم يَبْكون. وأُخبِرَ داوُدُ فقيلَ لَه: «إِنَّ أَحيتوفَلَ مِنَ المُتآمِرينَ مع أَبْشالوم». فقالَ داوُد: «إِجعَلْ، يا رَبُّ، مَشورَةَ أَحيتوفَلَ حَمْقى». ولَمَّا ٱنتَهى داوُدُ إِلى قِمَّةِ الجَبَل، حَيثُ يُسجَدُ لله، إِذا بِحوشايَ الأَركِيِّ قد لَقِيَه وثِيابُه مُمَزَّقَةٌ وعلى رأسِه تُراب. فقالَ لَه داوُد: «إِن أَنتَ ذَهَبتَ معي، كُنتَ علَيَّ ثِقَلًا. ولٰكِن، إِذا رَجَعتَ إِلى المَدينةِ وقُلتَ لأَبشالوم: أَنا عَبدُكَ أَيُّها المَلِك، وكما كُنتُ عَبدَ أَبيكَ مِن قَبلُ، فالآنَ أَنا عَبدُكَ، فإِنَّكَ تُبطِلُ لِصالِحي مَشورَةَ أَحيتوفَل. أَوَلَيسَ مَعَكَ هُناكَ صادوقُ وأَبِياتارُ الكاهِنان؟ فكُلُّ كَلِمَةٍ تَسمَعُها مِن بَيتِ المَلِك، فأَخبِرْ بِها صادوقَ وأَبِياتارَ الكاهِنَين، ومَعَهما هُناكَ ٱبناهما أَحيماعَصُ بنُ صادوقَ ويوناتانُ بنُ أَبِياتار، فتُرسِلونَ إِلَيَّ على أَلسِنَتِهما كُلَّ كَلِمَةٍ تَسمَعونَها». فوَصَلَ حوشايُ، صَديقُ داوُد، إِلى المَدينة، وأَبْشالومُ داخِلٌ إِلى أُورَشَليم. فلَمَّا عَبَرَ داوُدُ عِنِ القِمَّةِ قَليلًا، إِذا بِصيبا، خادِمِ مَفيبَعْلَ، قد لَقِيَه ومعَه حِمارانِ مُحَمَّلانِ علَيهما مِئَتا رَغيفٍ ومِئَةُ عُنْقودِ زَبيبٍ وإِيفةُ ثِمارٍ صَيفِيَّةٍ وزِقُّ خَمْر. فقالَ المَلِكُ لِصيبا: «ما أَنتَ وهٰذه؟» فقالَ صيبا: «الحِمارانِ لِبَيتِ المَلِكِ لِلرُّكوب، والخُبزُ والثِّمارُ الصَيفِيَّةُ لِطَعامِ الفِتْيان، والخَمرُ لِيَشرَبَ مَن أَعْيا في البَرِّيَّة». فقالَ المَلِك: «أَينَ ٱبنُ سَيِّدِكَ؟» فقالَ صيبا لِلمَلِك: «هو مُقيمٌ في أُورَشَليم، لأَنَّه قالَ في نَفْسِه: اليَومَ يَرُدُّ لي بَيتُ إِسْرائيلَ مُلكَ أَبي». فقالَ المَلِكُ لِصيبا: «كُلُّ ما لِمَفيبَعْلَ فهُو لَكَ». فقالَ صيبا: «سَجَدتُ، فلْأَنَلْ حُظوَةً في عَينَيكَ، يا سَيِّدي المَلِك». ولَمَّا وَصَلَ المَلِكُ داوُدُ إِلى بَحوريم، إِذا بِرَجُلٍ قد خَرَجَ مِن هُناكَ، وكانَ مِن عَشيرةِ بَيتِ شاوُل، اِسمُه شِمْعي بنُ جيرا، وهو يَلعَنُ في أَثْناءِ خُروجِه. فرَجَمَ داوُدَ وجَميعَ حاشِيَةِ المَلِكِ داوُدَ بِالحِجارة. وكانَ كُلُّ الشَّعبِ وجَميعُ الأَبْطالِ إِلى يَمينِه وإِلى يَسارِه. وكانَ شِمْعي يَقولُ في لَعنِه: «أُخرُجِ ٱخرُجْ، يا رَجُلَ الدِّماءِ ويا رَجُلًا لا خَيرَ فيه. قد رَدَّ الرَّبُّ علَيكَ كُلَّ دِماءِ بَيتِ شاوُلَ الَّذي مَلَكتَ في مَكانِه، وقد أَسلَمَ الرَّبُّ مُلكَكَ إِلى يَدِ أَبْشالومَ ٱبنِكَ، وها أَنتَ في شَرِّكَ، لأَنَّكَ رَجُلُ دِماء». فقالَ أَبيشايُ ٱبنُ صَرويَةَ لِلمَلِك: «لِماذا يَلعَنُ هٰذا الكَلبُ المَيتُ سَيِّديَ المَلِك؟ دَعْني أَعبُرُ إِلَيه فأَقطَعَ رأسَه». لٰكِنَّ المَلِكَ قال: «ما لي ولَكم، يا بَني صَرويَة؟ إِن لَعَنَ لأَنَّ الرَّبَّ قالَ لَه: إِلْعَنْ داوُد، فمَن يَقولُ: لِماذا تَفعَلُ هٰكذا؟» وقالَ داوُدُ لأَبيشايَ ولِجَميعِ حاشِيَتِه: «هُوَذا ٱبْني الَّذي خَرَجَ مِن صُلْبي يَطلُبُ نَفْسي! فكَم بِالأَحْرى هٰذا البَنْيامينيّ! دَعوه يَلعَن، لأَنَّ الرَّبَّ قالَ لَه ذٰلك. لَعَلَّ الرَّبَّ يَنظُرُ إِلى مَذَلَّتي ويَجْزيني الرَّبُّ خَيرًا عن لَعْنِ هٰذا لي اليَوم». وكانَ داوُدُ ورِجالُه يَسيرونَ في الطَّريق، وشِمْعي يَسيرُ في مُنحَدَرِ الجَبَلِ مُقابِلَه، وهو في أَثْناءِ سَيرِه يَلعَنُ ويَرجُمُ بالحِجارَةِ مُقابِلَه ويَذُرُّ التُّراب. ووَصَلَ المَلِكُ وكُلُّ الشَّعبِ الَّذي معَه وقد أَعيَوا، فٱستَراحوا هُناكَ. وأَمَّا أَبْشالومُ وكُلُّ الشَّعب، رِجالُ إِسْرائيل، فوَصَلوا إِلى أُورَشَليم، وكانَ أَحيتوفَلُ معه. فلَمَّا دَخَلَ حوشايُ الأَرْكِيُّ، صَديقُ داوُدَ، على أَبْشالوم، قالَ حوشايُ لأَبْشالوم: «لِيَحْيَ المَلِك! لِيَحْيَ المَلِك!». فقالَ أَبْشالومُ لِحوشاي: «أَهٰذا عَطفُكَ على صَديقِكَ؟ ما بالُكَ لم تُرافِقْ صَديقَكَ؟» فقالَ حوشايُ لأَبْشالوم: «كَلاَّ! ولٰكِنَّ الَّذي ٱخْتارَه الرَّبُّ وهٰذا الشَّعبُ وجَميعُ رِجالِ إِسْرائيل، لَه أكونُ ومعَه أُقيم. وبَعدُ، فمَنِ الَّذي أَخدِمُه؟ أَلَيسَ هو ٱبنَه؟ فكَما خَدَمتُ أَمامَ أَبيكَ، أَكونُ أَمامَكَ». وقالَ أَبْشالومُ لأَحيتوفَل: «تَشاوَروا. ماذا نَصنَع؟» فقالَ أَحيتوفَلُ لأَبْشالوم: «أُدخُلْ على سَرارِيِّ أَبيكَ اللَّواتي تَرَكَهُنَّ لِحِفظِ البَيت، فيَسمَعَ إِسْرائيلُ كُلُّه أَنَّكَ قد صِرتَ مَمْقوتًا عِندَ أَبيكَ، فتَشتَدُّ أَيدي جَميعِ الَّذينَ معَكَ». فنُصِبَت لأَبْشالومَ خَيمَةٌ على السَّطْح، ودَخَلَ أَبْشالومُ على سَرارِيِّ أَبيه، على مَشهَدِ إِسْرائيلَ كُلِّه. وكانَتِ المَشورَةُ الَّتي كانَ يُشيرُ بها أَحيتوفَلُ في تِلكَ الأَيَّامِ كَمَشوَرَةِ مَن يَسأَلُ الله. كذا كانَت كُلُّ مَشورَةِ أَحيتوفَل، على داوُدَ كانَت أَو على أَبْشالوم. وقالَ أَحيتوفَلُ لأَبْشالوم: «دَعْني أَخْتارُ ٱثنَي عَشَرَ أَلفَ رَجُل، فأَقومَ وأَسْعى وَراءَ داوُدَ هٰذه اللَّيلَة، وأَهجُمَ علَيه، وهو تَعِبٌ ومُستَرْخي اليَدَين، وأُفزِعَه، فيَهرُبُ كُلُّ الشَّعبِ الَّذي مَعَه، وأَضرِبُ المَلِكَ على ٱنفِراد، وأَرُدُّ كُلَّ الشَّعبِ إِلَيكَ، كما رُدَّ الجَميعُ إِلى مَن تَطلُبُه، ويَكونُ الشَّعبُ كُلُّه في سَلام». فحَسُنَ الأَمرُ في عَينَي أَبْشالومَ وفي عُيونِ جَميعِ شُيوخِ إِسْرائيل. وقالَ أَبْشالوم: «أُدعُ لي أَيضًا حوشايَ الأَرْكِيَّ، فنَسمَعَ ما على لِسانِه هو أَيضًا». فوَصَلَ حُوشايُ إِلى أَبْشالوم، فكَلَّمَه أَبْشالومُ قائلًا: «إِنَّ أَحيتوفَلَ قالَ لَنا كَذا وكَذا. أَفنَعمَلُ بِحَسَبِ كَلامِه؟ وإِلاَّ فتَكَلَّمْ أَنتَ». فقالَ حوشايُ لأَبْشالوم: «لَيسَ حَسَنًا ما أَشارَ بِه أَحيتوفَلُ هٰذه المَرَّة». وأَضافَ حوشاي: «أَنتَ تَعرِفُ أَباكَ ورِجالَه: إِنَّهم أَبْطال، ونُفوسُهم مَريرةٌ كالدُّبَّةِ الثَّاكِلِ في الحَقْل. وأَبوكَ رَجُلُ حَرْبٍ لا يَبيتُ مع الجُنود، ولقَد يَكونُ الآنَ مُختَبِئًا في إِحْدى الحُفَرِ أَو في بَعضِ الأَماكِن. فيَكونُ، إِذا سَقَطَ بَعضُ هٰؤلاءِ في أَوَّلِ الأَمْر، أَنَّ السَّامِعَ يَسمَعُ فيَقول: قد وَقَعَ ٱنكِسارٌ في الشَّعبِ الَّذي وَراءَ أَبْشالوم، وحينَئِذٍ فحَتَّى ذو البَأسِ الَّذي قَلبُه كقَلْبِ الأَسَدِ يَذوبُ ذَوَبانًا، لأَنَّ كُلَّ إِسْرائيلَ يَعرِفُ أَنَّ أَباكَ بَطَلٌ وأَنَّ الَّذينَ معَه ذَوو بَأس. لِذٰلك أُشيرُ علَيكَ بِأَن يَجتَمِعَ إِلَيكَ كُلُّ إِسْرائيل، مِن دانَ إِلى بِئرَ سَبْع، وهُم كالرَّملِ الَّذي على البَحرِ كَثرَةً، وأَنتَ بِنَفسِكَ تَسيرُ في وَسطِهم. فنَهجُمُ علَيه في أَيِّ مَكانٍ يَكون، ونَسقُطُ علَيه كما يَسقُطُ النَّدى على الأَرض، فلا يَبْقى مِنهم أَحَدٌ، مِنه ومِن جَميعِ الرِّجالِ الَّذينَ معَه. وإِنِ ٱنصَرَفَ إِلى مَدينةٍ، يَحمِلُ كُلُّ إِسْرائيلَ إِلى تِلكَ المَدينَةِ حِبالًا ونَجُرُّها إِلى الوادي، حتَّى لا يَبْقى هُناكَ ولا حَصاة». فقالَ أَبْشالومُ وجَميعُ رِجالِ إِسْرائيل: «إِنَّ مَشورَةَ حوشايَ الأَرْكِيِّ خَيرٌ مِن مَشورَةِ أَحيتوفَل». وكانَ الرَّبُّ قد قَضى أَن يُبطِلَ مَشورَةَ أَحيتوفَلَ الصَّائِبَة، لِيُنزِلَ الشَّرَّ بِأَبْشالوم. ثُمَّ قالَ حوشايُ لِصادوقَ ولأَبِياتارَ الكاهِنَين: «إِنَّ أَحيتوفَلَ أَشارَ على أَبْشالومَ وعلى شُيوخِ إِسْرائيلَ بِكَذا وكَذا، وأَشَرتُ أَنا بِكَذا وكَذا. فأَرسِلا الآنَ وأَعلِما داوُدَ سَريعًا وقولا لَه: لا تَبِتْ هٰذه اللَّيلَةَ في معابِرِ البَرِّيَّة، ولٰكِن بادِرْ بِالعُبور، لِئَلاَّ يُبتَلَعَ المَلِكُ وكُلُّ الشَّعبِ الَّذي معَه». وكانَ يوناتانُ وأَحيماعَصُ قائِمَينِ عِندَ عَينِ روجِل، فمَضَت إِلَيهما خادِمَةٌ وأَخبَرَتْهما، فٱنصَرَفا وأَخبَرا داوُدَ المَلِك، لأَنَّهما لم يَقدِرا أَن يَظْهَرا في دُخولِهما إِلى المَدينة. فرَآها فَتًى فأَخبَرَ أَبْشالوم، وأَمَّا هما فأَسرَعا في سَيرِهما ووَصَلا إِلى بَيتِ رَجُلٍ في بَحوريم، وكانَت لَه في دارِه بِئرٌ، فنَزَلا فيها. فأَخَذَتِ المَرأَةُ غِطاءً وبَسَطَته على فمِ البِئرِ ونَشَرَت علَيه بُرغُلًا، ولَم يُعلَمِ الأَمْر. فوَصَلَ خُدَّامُ أَبْشالومَ إِلى المَرأَةِ في البَيتِ وقالوا: «أَينَ أَحيماعَصُ ويوناتان؟» فقالَت لَهُمُ المَرأَة: «قد عَبَرا بِركَةَ المِياه». ففَتَّشوا، فلَم يَجِدوهما، فرَجَعوا إِلى أُورَشَليم. وبَعدَ ٱنصِرافِهم، خَرَجا مِنَ البِئرِ ومَضَيا وأَخبَرا داوُدَ المَلِكَ فقالا لَه: «قوموا فٱعبُروا المِياهَ عاجِلًا، لأَنَّ أَحيتوفَلَ أَشارَ في أَمرِكم بِكَذا وكَذا». فقامَ داوُدُ وكُلُّ الشَّعبِ الَّذي معَه وعَبَروا الأُردُنَّ، وإِلى طُلوعِ الصَّباحِ لم يَبْقَ مِنهم واحِدٌ إِلاَّ وعَبَرَ الأُردُنَّ. أَمَّا أَحيتوفَل، فلَمَّا رأَى أَنَّ مَشورَتَه لم يُعمَلْ بِها، شَدَّ على الحِمارِ وقامَ وٱنصَرَفَ إِلى بَيتِه في مَدينَتِه، ونَظَّمَ أُمورَ بَيتِه وخَنَقَ نَفْسَه وماتَ ودُفِن في قَبرِ أَبيه. ووَصَلَ داوُدُ إِلى مَحْنائيم، بَينَما عَبَرَ أَبْشالومُ الأُردُنَّ، هو وجَميعُ رِجالِ إِسْرائيلَ معَه. وكانَ أَبْشالومُ قد أَقامَ عَماسا بَدَلَ يوآبَ على رأسِ الجَيش. وكانَ عَماسا ٱبنَ رَجُلٍ يُقالُ لَه يِتْرا الإِسْرائيليّ، وهو الَّذي دَخَلَ على أَبيجائيل، بِنتِ ناحاش، أُختِ صَرويَة، أُمِّ يوآب. وعَسكَرَ إِسْرائيلُ وأَبْشالومُ في أَرضِ جِلْعاد. وكانَ، عِندَ وُصولِ داوُدَ إِلى مَحْنائيم، أَن أَتَى إِلَيه شوبي بنُ ناحاش، مِن رَبَّةِ بَني عَمُّون، وماكيرُ بنُ عَمِّيئيل، مِن لودَبار، وبَرزِلاَّيُ الجِلْعادِيُّ، مِن روجَليم، فأَتَوا بِفُرُشٍ وطُسوتٍ وأَوعِيَةِ خَزَفٍ وحِنطَةٍ وشَعيرٍ ودَقيقٍ وفَريكٍ وفولٍ وعَدَسٍ وعَسلٍ وسَمْنٍ وجُبنِ ضَأنٍ وبَقَر، لِداوُدَ ولِلشَّعبِ الَّذي معَه لِيَأكُلوا، لأَنَّهم قالوا: «إِنَّ الشَّعبَ جائع، وقد تَعِبَ وعَطِشَ في البَرِّيَّة». وٱستَعرَضَ داوُدُ الشَّعبَ الَّذي معَه، وأَقامَ علَيه رُؤَساءَ أُلوفٍ ورُؤَساءَ مِئات. وقَسَمَ داوُدُ الشَّعبَ إِلى ثَلاثَة: ثُلثٌ تَحتَ يَدِ يوآب، وثُلثٌ تَحتَ يَدِ أَبيشايَ ٱبنِ صَوريَة، أَخي يوآب، وثُلثٌ تَحتَ يَدِ إِتَّايَ الجَتِّيّ. وقالَ المَلِكُ لِلشَّعْب: «أَنا أَيضًا أَخرُجُ معَكم». لٰكِنَّ الشَّعبَ قال: «لا تَخرُجْ أَنتَ، لأَنَّنا إِذا هَرَبنا نَحنُ، لا يُبالونَ بِنا، وإِذا ماتَ نِصْفُنا، لا يُبالونَ بِنا. أَمَّا أَنتَ فكَعَشَرَةِ آلافٍ مِنَّا. فالأَفضَلُ أَن تَكونَ لَنا نَجدَةً مِنَ المَدينة». فقالَ لَهمُ المَلِك: «ما يَحسُنُ في عُيونِكم أَصنَعُه». فوَقَفَ المَلِكُ بجانِبِ الباب، وخَرَجَ الشَّعبُ كُلُّه مِئَةً مِئَةً وأَلْفًا أَلْفًا. وأَمَرَ المَلِكُ يوآبَ وأَبيشايَ وإِتَّايَ فقالَ لَهم: «تَرَفَّقوا لي بِالفَتى أَبْشالوم». وسَمِعَ الشَّعبُ كُلُّه ما أَوصى بِه المَلِكُ جَميعَ القُوَّادِ في أَمرِ أَبْشالوم. وخَرَجَ الشَّعبُ إِلى البَرِّيَّةِ لِلِقاءِ إِسْرائيل. وكانَ القِتالُ في غابَةِ أَفْرائيم. فٱنكَسَرَ هُناكَ جَيشُ إِسْرائيلَ أَمامَ رِجالِ داوُد، وكانَت هُناكَ هَزيمةٌ عَظيمةٌ في ذٰلك اليَوم، وقُتِلَ عِشرونَ أَلْفًا. وكانَ القِتالُ مُنتَشِرًا هُناكَ على وَجهِ تِلكَ الأَرضِ كُلِّها. وٱفتَرَسَتِ الغابَةُ مِنَ الشَّعبِ أَكثَرَ مِمَّا ٱفتَرَسَ السَّيفُ في ذٰلك اليَوم. وصادَفَ أَبْشالومُ رِجالَ داوُد، وكانَ أَبْشالومُ راكِبًا على بَغْلٍ، فدَخَلَ البَغلُ تَحتَ أَغْصانِ بَلُّوطَةٍ عَظيمة، فعَلِقَ رأسُه بالبَلُّوطَة، فبَقِيَ مُعَلَّقًا بَينَ السَّماءِ والأَرْض، ومَرَّ البَغلُ مِن تَحتِه. فرَآه رَجُلٌ فأَخبَرَ يوآبَ وقالَ لَه: «إِنِّي رأَيتُ أَبْشالومَ مُعَلَّقًا بِالبَلُّوطة». فقالَ يوآبُ لِلَّذي أَخبَرَه: «بما أَنَّكَ رَأَيتَه، فلِماذا لم تَضْرِبْه هُناكَ على الفَور؟ فكانَ علَيَّ أَن أُعطِيَكَ عَشَرَةً مِنَ الفِضَّةِ وزُنَّارًا». فقالَ الرَّجُلُ لِيوآب: «ولَو وَزَنتُ في راحَتَيَّ أَلفًا مِنَ الفِضَّة، لَما بَسَطتُ يَدي إِلى ٱبنِ المَلِك، لأَنَّ المَلِكَ أَوصاكَ على مَسامِعِنا، أَنتَ وأَبيشايَ وإِتَّايَ، وقال: راقِبوا مَن كانَ ضِدَّ الفَتى أَبْشالوم. ولَو كَذَبتُ على نَفْسي، لَما خَفِيَ على المَلِكِ شَيء، ولَكُنتَ أَنتَ قُمتَ بَعيدًا عنِّي». فقالَ يوآب: «إِنِّي لا أَتمَهَّلُ هٰكذا أَمامَكَ». وأَخَذَ بِيَدِه ثَلاثَةَ أَوتادٍ فغَرَسَها في قَلبِ أَبْشالوم، وكانَ لا يَزالُ حَيًّا في وَسَطِ البَلُّوطة. فأَحاطَ بِه عَشَرَةُ فِتْيانٍ حامِلو سِلاحِ يوآب، وضَرَبوا أَبْشالومَ وقَتَلوه. ونَفَخَ يوآبُ في البوق، فكَفَّ الجُندُ عن تَعَقُّبِ إِسْرائيل، لأَنَّ يوآبُ رَدَّ الجُنْد. وأَخَذوا أَبْشالومَ وطَرَحوه في الغابَةِ في حُفْرَةٍ كَبيرة، وجَمَعوا فَوقَه كَومَةً مِنَ الحِجارَةِ كَبيرةً جِدًّا. وكانَ كُلُّ إِسْرائيلَ قد هَرَبَ كُلُّ ٱمرِئٍ إِلى خَيمَتِه. وكانَ أَبْشالومُ في حَياتِه قد أَخَذَ يُقيمُ لِنَفْسِه النُّصُبَ الَّذي في وادي المَلِك، لأَنَّه قالَ في نَفْسِه: «لَيسَ لِيَ ٱبنٌ يَذكُرُ ٱسْمي». ودَعا النُّصُبَ بِٱسمِه، وهو يُدْعى «نُصُبَ أَبْشالومَ» إِلى هٰذا اليَوم. وإِنَّ أَحيماعَصَ بنَ صادوقَ قال: «دَعْني أَركُضُ وأُبَشِّرُ المَلِكَ بِأَنَّ اللهَ قد أَنصَفَه فخلَّصَه مِن أَعْدائِه». فقالَ لَه يوآب: «لَستَ بِصاحِبِ بُشْرى في هٰذا اليَوم، وإِنَّما تُبَشِّرُ في يَومٍ آخَر. أَمَّا اليَومَ فلا تُبَشِّر، لأَنَّ ٱبنَ المَلِكِ قد مات». وقالَ يوآبُ لأَحَدِ الكوشِيِّين: «إِمْضِ فأَخبِرِ المَلِكَ بِما رَأَيتَ». فسَجَدَ الكوشِيُّ ورَكَض. وعادَ أَحيماعَصُ بنُ صادوقَ وقالَ لِيوآب: «مَهْما يَكُنْ فدَعْني أَركُضُ أَنا أَيضًا وَراءَ الكوشِيّ». فقالَ يوآب: «لِماذا تَركُضُ يا بُنَيَّ، ولَيسَ لَكَ بُشْرى تُكافَأ». فقال: مَهْما يَكُنْ، فإِنِّي أَركُض». فقالَ لَه: «أُركُضْ». فرَكَضَ أَحيماعَصُ في طَريقِ السَّهْلِ وسَبَقَ الكوشِيّ. وكانَ داوُدُ جالِسًا بَينَ البابَين، فصَعِدَ الرَّقيبُ على سَطحِ البابِ على السُّور، ورَفَعَ عَينَيه ونَظَر، فإِذا بِرَجُلٍ يَركُضُ وَحدَه. فنادى الرَّقيبُ وأَخبَرَ المَلِك، فقالَ المَلِك: «إِن كانَ وَحدَه فعَلى لِسانِه بُشْرى». وكانَ يَقتَرِبُ شَيئًا فشَيئًا، حينَ رأَى الرَّقيبُ رَجُلًا آخَرَ يَركُض. فنادى الرَّقيبُ البَوَّابَ وقال: «هُوَذا رَجُلٌ يَركُضُ وَحدَه». فقالَ المَلِك: «وهٰذا أَيضًا مُبَشِّر». فقالَ الرَّقيب: «أَرى رَكْضَ الأَوَّلِ كرَكْضِ أَحيماعَصَ بنِ صادوق». فقالَ المَلِك: «هٰذا رَجُلٌ صالِحٌ يَأتي بِبِشارةٍ صالِحة». فنادى أَحيماعَصُ وقالَ لِلمَلِك: «السَّلام»، وسَجَدَ لِلمَلِكِ بِوَجهِه إِلى الأَرضِ وقال: «تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ الَّذي أَسلَمَ القَومَ الَّذينَ رَفَعوا أَيدِيَهم على سَيِّدي المَلِك». فقالَ المَلِك: «هل سَلِمَ الفَتى أَبْشالوم؟» فقالَ أَحيماعَص: «قد شاهَدتُ ضَجيجًا شَديدًا، حينَ أَرسَلَ يوآبُ خادِمَ المَلِكِ وعَبدَكَ، ولم أَعلَمْ ما كان». فقالَ المَلِك: «قِفْ على حِدَةٍ وٱنتَظِرْ هٰهُنا»، فوَقَفَ على حِدَةٍ وٱنتَظَر. وإِذا بِالكوشِيِّ قد وَصَل فقال: «بُشْرى لِسَيِّديَ المَلِك. إِنَّ الرَّبَّ قد أَنصَفَكَ وخَلَّصَكَ اليَومَ مِن جَميعِ الثَّائِرينَ علَيكَ». فقالَ المَلِكُ لِلْكوشِيّ: «هل سَلِمَ الفَتى أَبْشالوم؟» فقالَ الكوشِيّ: «يَكونُ كالفَتى أَعْداءُ سَيِّدِيَ المَلِكِ وجَميعُ الَّذينَ ثاروا علَيكَ بالشَّرّ». فٱضطَرَبَ المَلِكُ وصَعِدَ إِلى عِلِّيَّةِ البابِ وهُوَ يَبْكي. وكانَ يَقولُ وهو يَتَمشَّى: «با بُنَيَّ أَبْشالوم، يا بُنَيَّ يا بُنَيَّ أَبْشالوم، يا لَيتَني مُتُّ عِوَضًا مِنكَ، يا أَبْشالومُ ٱبْني يا بُنَيَّ!». وقيلَ لِيوآب: «هُوَذا المَلِكُ يَبْكي ويَنتَحِبُ على أَبْشالوم». فٱنقَلَبَ النَّصرُ في ذٰلِكَ اليَومِ إِلى مَناحَةٍ عِندَ كُلِّ الشَّعْب، لأَنَّ الشَّعبَ سَمِعَ في ذٰلِكَ اليَومِ مَن يَقولُ إِنَّ المَلِكَ مُكتَئِبٌ على ٱبنِه. وتَسَلَّلَ الشَّعبُ في ذٰلك اليَومِ في دُخولِه إِلى المَدينة، كما يَتَسَلَّلُ الشَّعبُ الخَجِلُ إِذا هَرَبَ في القِتال. وأَمَّا المَلِك، فكان قد سَتَرَ وَجهَه وصَرَخَ بِصَوتٍ عَظيم: «يا بُنَيَّ أَبْشالوم، يا أَبْشالومُ ٱبْني يا بُنَيَّ!». فدَخَلَ يوآبُ على المَلِكِ في البَيتِ وقالَ لَه: «قد أَخزَيتَ اليَومَ وُجوهَ جَميعِ رِجالِكَ الَّذينَ نَجَّوا نَفْسَكَ اليَومَ وأَنفُسَ بَنيكَ وبَناتِكَ وأَنفُسَ أَزْواجِكَ وأَنفُسَ سَرارِيِّكَ، بِحُبِّكَ لِمُبغِضيكَ وبُغضِكَ لِمُحِبِّيكَ، لأَنَّكَ قد أَظهَرتَ اليَومَ أَن لا قيمةَ عِندَكَ لِلقُوَّادِ والرِّجال، فقَد عَلِمتُ اليَومَ أَنَّه لو كانَ أَبْشالومُ حَيًّا وكُنَّا كُلُّنا قد هَلَكْنا، لَحَسُنَ الأَمرُ حينَئِذٍ في عَينَيكَ. فقُمِ الآنَ وٱخرُجْ وطَيِّبْ قُلوبَ رِجالِكَ، لأَنِّي قد أَقسَمتُ بِالرَّبّ: إِن لم تَخرُجْ، لا يَبِتْ عِندَكَ اللَّيلَةَ أَحَد، فيَكونَ ذٰلك شَرًّا علَيكَ أَعظَمَ مِن كُلِّ شَرٍّ نَزَلَ بِكَ مُنذُ صِباكَ إِلى الآن». فقامَ المَلِكُ وجَلَسَ بِالباب. فأُخبِرَ الشَّعبُ وقيلَ لَه: «هُوَذا المَلِكُ جالِسٌ بِالباب». فأَقبَلَ الشَّعبُ كُلُّه إِلى أَمامِ المَلِك. وكانَ إِسْرائيلُ قد هَرَبَ كُلُّ إِنسانٍ إِلى خَيمَتِه. وكانَ كُلُّ الشَّعبِ في جِدالٍ في جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ قائِلًا: «إِنَّ المَلِكَ هو الَّذي أَنقَذَنا مِن يَدِ أَعْدائِنا، وهو الَّذي نَجَّانا مِن يَدِ الفَلِسطينِيِّين، والآنَ قد هَرَبَ مِن هٰذه الأَرضِ لأَجلِ أَبْشالوم، وأَبْشالومُ الَّذي مَسَحْناه علَينا مَلِكًا ماتَ في الحَرْب. والآنَ فلِماذا أَنتُم مُتَقاعِدونَ عن إِرْجاعِ المَلِك؟». وأَرسَلَ المَلِكُ داوُدُ إِلى صادوقَ وأَبِياتارَ الكاهِنَينِ قائلًا: «كَلِّما شُيوخَ يَهوذا وقولا: لِماذا تَكونونَ أَنتُم آخِرَ النَّاسِ في إِرْجاعِ المَلِكِ إِلى بَيتِه، مع أَنَّ كَلامَ كُلِّ إِسْرائيلَ قد بَلَغَ إِلى المَلِك. إِنَّما أَنتُم إِخوَتي، أَنتُم لَحْمي وعَظْمي، فلِماذا تَكونونَ آخِرَ النَّاسِ في إِرْجاعِ المَلِك؟ وتَقولانِ لِعَماسا: أَما أَنتَ لَحْمي وعَظْمي؟ كَذا يَصنَعُ اللهُ بي وكذا يَزيد، إِن لم تَصِرْ قائِدَ الجَيشِ أَمامي كُلَّ الأَيَّامِ بَدَلَ يوآب». فأَمالَ إِلَيه قُلوبَ جَميعِ رِجالِ يَهوذا كَرَجُلٍ واحِد، وأَرسَلوا إِلى المَلِكِ قائِلين: «إِرْجِعْ أَنتَ وجَميعُ رِجالِكَ». فرَجَعَ المَلِكُ حتَّى بَلَغَ الأُردُنّ، فوَصَلَ يَهوذا إِلى الجِلْجالِ لِيَستَقْبِلَ المَلِكَ ويُعَبِّرَه الأُردُنّ. وبادَرَ شِمْعي بنُ جيرا البَنْيامينِيُّ الَّذي مِن بَحوريم، ونَزَلَ مع رِجالِ يَهوذا لِٱستِقْبالِ المَلِكِ داوُد، ومعَه أَلفُ رَجُلٍ مِن بَنْيامين، وصيبا خادِمُ بَيتِ شاوُل، وبَنوه الخَمسَةَ عَشَرَ، وخُدَّامُه العِشْرون، وٱندَفَعوا إِلى الأُردُنِّ أَمامَ المَلِك. وكانَ القارِبُ يَروحُ ويجيءُ لِتَعْبيرِ بَيتِ المَلِكِ وتَنْفيذِ ما يَحسُنُ في عَينَيه. فأَمَّا شِمْعي بنُ جيرا، فٱرتَمى ساجِدًا أَمامَ المَلِكِ عِندَ عُبورِه الأُردُنّ. وقالَ لِلمَلِك: «لا يَحسُبْ لي سَيِّدي إثمًا، ولا تَذكُرْ ما أَثِمَ بِه عَبدُكَ، يَومَ خَرَجَ المَلِكُ سَيِّدي مِن أُورَشَليم، ولا يأخُذْ ذٰلك مِن نَفْسِ المَلِك. فقَد عَرَفَ عَبدُكَ أَنِّي خَطِئتُ، ولِذٰلك كُنتُ اليَومَ أَوَّلَ مَن جاءَ مِن كُلِّ بَيتِ يوسُف، ونَزَلتُ لِلِقاءِ سَيِّديَ المَلِك». فأَجابَ أَبيشايُ ٱبنُ صَرويَةَ وقال: «أَلأَجلِ هٰذا لا يُقتَلُ شِمْعي وقَد لَعَنَ مَسيحَ الرَّبّ؟» فقالَ داوُد: «ما لي ولَكم، يا بَني صَرويَة، حتَّى تَكونوا اليَومَ علَيَّ خُصومًا؟ أَفي هٰذا اليَومِ يُقتَلُ أَحَدٌ في إِسْرائيل؟ أَلَعَلِّي أَجهَلُ أَنِّي اليَومَ قد صِرتُ مَلِكًا على إِسْرائيل؟» وقالَ المَلِكُ لِشِمْعي: «إِنَّكَ لا تَموت»، وحَلَفَ لَه المَلِك. وكانَ مَفيبَعْلُ بنُ شاوُلَ قد نَزَلَ لِلِقاءِ المَلِك، وكانَ لَم يَعتَنِ بِرِجلَيه ولَم يَقُصَّ شارِبَيه ولم يَغسِلْ ثِيابَه، مُذ يَومَ خَرَجَ المَلِكُ إِلى اليَومِ الَّذي رَجَعَ فيه سالِمًا إِلى أُورَشَليم. فلَمَّا جاءَ لِلِقاءِ المَلِك، قالَ لَه المَلِك: «لِماذا لم تأتِ معي، يا مَفيبَعْل؟» فقال: «يا سَيِّديَ المَلِك، قد خَدَعَني خادِمي، لأَنَّ عَبدَكَ قال: أَشُدُّ لي على حِمارٍ وأَركَبُ وأَمْضي مع المَلِك، لأَنَّ عَبدَكَ أَعرَج. فٱفتَرى على عَبدِكَ لَدى سَيِّديَ المَلِك، وسَيِّدي المَلِكُ هو كمَلاكِ الله. فٱصنَعْ ما يَحسُنُ في عَينَيكَ، فإِنَّ بَيتَ أَبي كُلَّهم لَيسوا سِوى أَهلٍ لِلمَوتِ عِندَ سَيِّديَ المَلِك، وقَد جَعَلتَ عَبدَكَ بَينَ الآكِلينَ على مائِدَتِكَ. فأَيُّ حَقٍّ لي بَعدَ اليَومِ حتَّى أَصرُخَ أَيضًا إِلى المَلِك؟» فقالَ لَه المَلِك: «ما بَالُكَ تُواصِلُ كَلامَكَ؟ فقَد قُلتُ: إِنَّ الحُقولَ تُقسَمُ بَينَكَ وبينَ صيبا». فقالَ مَفيبَعْلُ لِلمَلِك: «لِيَأخُذْ كُلَّ شَيءٍ أَيضًا، بَعدَما عادَ سَيِّدي المَلِكُ إِلى بَيتِه بِسَلام». وكانَ بَرزِلاَّيُ الجِلْعادِيُّ قد نَزَلَ مِن روجَليم وعَبَرَ الأُردُنَّ مع المَلِكِ، لِيُشَيِّعَه عِندَ الأُردُنّ. وكانَ بَرزِلاَّيُ شَيْخًا كَبيرًا، ٱبنَ ثَمانينَ سَنَة، وهو الَّذي عالَ المَلِكَ عِندَ إِقامَتِه في مَحْنائيم، لأَنَّه كانَ رَجُلًا غَنِيًّا جِدًّا. فقالَ المَلِكُ لِبَرزِلاَّي: «واصِلْ سَيرَكَ معي وأَنا أَعولُكَ معي في أُورَشَليم». فقالَ بَرزِلاَّيُ لِلمَلِك: «كم أَيَّامُ سِني حَياتي حتَّى أَصعَدَ مع المَلِكِ إِلى أُورَشَليم؟ أَنا اليَومَ ٱبنُ ثَمانينَ سَنَة، فهَل أُمَيِّزُ الطَّيِّبَ مِنَ الخَبيث؟ وهَل يَجِدُ عَبدُكَ طَعمًا لِما يَأْكُلُ ويَشرَب؟ وهَل أَسمَعُ أَيضًا أَصْواتَ المُغَنِّينَ والمُغَنِّيات؟ فلِماذا يَكونُ عَبدُكَ ثِقْلًا على سَيِّديَ المَلِك؟ إِنَّما يَتَجاوَزُ عَبدُكَ الأُردُنَّ قَليلًا مع المَلِك، وأَنا فعَلامَ يُكافِئُني المَلِكُ هٰذه المكافَأَة؟ دَعْ عَبدَكَ يَرجِعُ فأَموتَ في مَدينَتي حَيثُ قَبرُ أَبي وأُمّي. وهُوَذا عَبدُكَ كِمْهامُ يُواصِلُ سَيرَه مع سَيِّديَ المَلِك، فٱصنَعْ إِلَيه ما يَحسُنُ في عَينَيكَ». فقالَ المَلِك: «يُواصِلُ كِمْهامُ سَيرَه معي، وأَنا أَصنَعُ إِلَيه ما يَحسُنُ في عَينَيكَ، وكُلُّ ما تُفَضِّلُه فإِنِّي أَصنَعُه لَكَ». وعَبَرَ الشَّعبُ كُلُّه الأُردُنَّ، ولَمَّا عَبَرَ المَلِك قَبَّلَ بَرزِلاَّيَ وبارَكَه، فرَجَعَ إِلى مَكانِه. وواصَلَ المَلِكُ سَيرَه إِلى الجِلْجال ومعَه كِمْهام. وكانَ جَميعُ جُندِ يَهوذا ونِصفُ جُنْدِ إِسْرائيلَ أَيضًا قد عَبَروا بِالمَلِك. وٱجتَمَعَ رِجالُ إِسْرائيلَ كُلُّهم إِلى المَلِكِ وقالوا لِلمَلِك: «لِماذا سَرَقَكَ إِخوَتُنا رِجالُ يَهوذا وعَبَروا الأُردُنَّ بِالمَلِكِ وبَيتِه وكُلِّ رِجالِ داوُدَ معَه؟» فأَجابَ جَميعُ رِجالِ يَهوذا رِجالَ إِسْرائيل: «لأَنَّ المَلِكَ ذو قَرابةٍ لي، وأَنتَ فلِمَ غَيظُكَ مِن هٰذا الأَمْر؟ أَتُرانا أَكَلْنا مِن عِندِ المَلِك أَو أَتانا بِحِصَّة؟» فأَجابَ رِجالُ إِسْرائيلَ رِجالَ يَهوذا وقالوا: «إِنَّ لي عَشَرَةَ أَسهُمٍ في المَلِك، وأَنا أَولى مِنكَ بِداوُد. فلِماذا ٱستخفَفتَ بي أَوَلَمْ أَكُنْ أَنا تَكَلَّمتُ أَوَّلًا في إِرجاعِ مَلِكي؟» وكانَ كَلامُ رِجالِ يَهوذا أَقْسى مِن كَلامِ رِجالِ إِسْرائيل. وٱتَّفَقَ أَنَّه كانَ هُناكَ رَجُلٌ لا خَيرَ فيه ٱسمُه شابَعُ بنُ بِكْري مِن بَنْيامين. فنَفَخَ في البوقِ وقال: «لَيسَ لَنا نَصيبٌ مع داوُدَ ولا لَنا ميراثٌ مع ٱبنِ يَسَّى. كُلُّ رَجُلٍ إِلى خَيمَتِه يا إِسْرائيل». فٱرتَدَّ جَميعُ رِجالِ إِسْرائيلَ عن داوُد. وٱتَّبَعوا شابَعَ بنَ بِكْري. أَمَّا رِجالُ يَهوذا فلازَموا مَلِكَهم مِنَ الأُردُنِّ إِلى أُورَشَليم. فأَتى داوُدُ إِلى بَيتِه في أُورَشَليم، وأَخَذَ المَلِكُ السَّرارِيَّ العَشَرَ اللَّواتي تَرَكَهُنَّ يَحفَظْنَ بَيتَه، وأَقامَهنَّ في بَيتِ حَجْز. وكانَ يَعولُهنَّ، ولٰكِنَّه لم يَدخُلْ علَيهِنَّ، فكُنَّ مَحْجوزاتٍ في رَملَةٍ دائمةٍ إِلى يَومِ وَفاتِهنَّ. وقالَ المَلِكُ لِعَماسا: «إجمَعْ إِلَيَّ رِجالَ يَهوذا في ثَلاثَةِ أَيّام، وٱحضُرْ أَنتَ هٰهُنا». فمَضى عَماسا لِيَجمَعَ يَهوذا، فأَبطَأَ عنِ الميعادِ الَّذي ضُرِبَ لَه. فقالَ داوُدُ لأَبيشاي: «الآنَ يَصنَعُ بِنا شابَعُ بنُ بِكْري شَرًّا أَعظَمَ مِنَ الشَّرِّ الَّذي صَنَعَه أَبْشالوم. فخُذْ رِجالَ سَيِّدِكَ وٱذهَبْ في إِثرِه، لِئَلاَّ يَجِدَ لَه مُدُنًا حَصينةً ويَنْجُوَ مِن أَمامِ أَعيُنِنا». فخَرَجَ وَراءَه رِجالُ يوآبَ والكَريتِيُّونَ والفَليتِيُّونَ وجَميعُ الأَبْطال، فخَرَجوا من أُورَشليمَ في طَلَبِ شابَعَ بنِ بِكْري. وكانوا عِندَ الصَّخرَةِ العَظيمةِ الَّتي في جِبْعون، حينَ ٱستَقبَلَهم عَماسا، وكانَ يوآبُ مُرتَدِيًا ثَوبَه العَسكَرِيَّ وفَوقَه زُنَّارُ سَيفٍ مَشْدودٍ على حَقوَيه في غِمدِه. فخَرَجَ السَّيفُ وسَقَط. فقالَ يوآبُ لِعَماسا: «أَسالِمٌ أَنتَ يا أَخي؟» وأَخَذَ يوآبُ بِيَدِه اليُمْنى بِلِحيَةِ عَماسا لِيُقَبِّلَه. ولَم يَحتَفِظْ عَماسا مِنَ السَّيْفِ الَّذي كانَ في يَدِ يوآب، فضَرَبَه بِه في بَطنِه، فدَلَقَ أَمْعاءَه إِلى الأَرْض، ولم يُثَنَّ علَيه فمات. ثُمَّ مَضى يوآبُ وأَبيشايُ أَخوهُ في طَلَبِ شابَعَ بنِ بِكْري. ووَقَفَ عِندَ عَماسا واحِدٌ مِن فِتْيانِ يوآبَ وقالَ: «مَنْ أَحَبَّ يوآبَ ومَن كانَ لِداوُد، فلْيَتبَعْ يوآب». وكانَ عَماسا غائِصًا في دَمِه في وسَطِ الطَّريق. فلَمَّا رأَى الرَّجُلُ أَنَّ جَميعَ الجُندِ يَقِفون، نَقَلَ عَماسا مِنَ الطَّريقِ إِلى حَقْلٍ وطَرَحَ علَيه ثَوبًا، إِذ رأَى أَنَّ كُلَّ مَن يَصِلُ إِلَيه يَقِف. فلَمَّا نُقِلَ مِنَ الطَّريق، عَبَرَ كُلُّ إِنْسانٍ وَراءَ يوآبَ في طَلَبِ شابَعَ بنِ بِكْري. ومَرَّ يوآبُ بِجَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ إِلى آبَلِ بَيتَ مَعْكَة. وٱجتَمَعَ الحُلَفاءُ كُلُّهم وساروا هم أَيضًا وَراءَه. فجاؤُوا وحاصَروه في آبَلِ بَيتَ مَعْكَة ورَكَموا رَدْمًا إِلى المَدينَةِ مُستَنِدًا إِلى السُّور، وجَميعُ الجُندِ الَّذينَ مع يوآبَ كانوا يَنقُبونَ لإسقاطِ السُّور. فنادَتِ ٱمرَأَةٌ حَكيمةٌ مِنَ المَدينة: «إِسمَعوا ٱسمَعوا! قولوا لِيوآب: أُدنُ إِلى هٰهُنا فأُكَلِّمَكَ». فدَنا مِنها، فقالَتِ المَرأَة: «أَأَنتَ يوآب؟» فقالَ لَها: «أَنا هو». فقالَت لَه: «إِسْمَعْ كَلامَ أَمَتِكَ». قال: «أَنا سامِع». فتَكَلَّمَت وقالَت: «كانَ يُقالُ مِن قَبلُ: ليُسأَلْ في آبَل، وهٰكذا كانَت تَتِمُّ الأُمور. إِنِّي مِن أَكثَرِ المُدُنِ مُسالَمَةً وأَمانَةً في إِسْرائيل، وأَنتَ طالِبٌ أَن تُهلِكَ مَدينَةً بل أُمَّا في إِسْرائيل. فلِماذا تَبتَلِعُ ميراثَ الرَّبّ؟» فأَجابَ يوآبُ وقال: «حاشَ لي حاشَ لي أَن أَبتَلِعَ وأُهلِك. لَيسَ الأَمرُ هٰكذا، ولٰكِنَّ رَجُلًا مِن جَبَلِ أَفْرائيمَ ٱسمُه شابَعُ بنُ بِكْري قد رَفَعَ يَدَه على المَلِكِ داوُد. سَلِّموه وَحدَه، وأَنا أَنصَرِفُ عنِ المَدينة». فقالَتِ المَرأَةُ لِيوآب: «هُوَذا رَأسُه يُلْقى إِلَيكَ مِن فَوقِ السُّور». وذَهَبَتِ المَرأَةُ إِلى كُلِّ الشَّعبِ بِحِكمَتِها. فقَطَعوا رَأسَ شابَعَ بنِ بِكْري، وأَلقَوه إِلى يوآب، فنَفَخَ في البوق، فٱنصَرَفوا عنِ المَدينَةِ كُلُّ ٱمرِئٍ إِلى خَيمَتِه، ورَجَعَ يوآبُ إِلى أُورَشَليمَ إِلى المَلِك. وكانَ يوآبُ على رَأسِ كُلِّ جَيشِ إِسْرائيل، وبَنايا بنُ يوياداعَ على رَأسِ الكَريتِيِّينَ والفَليتِيِّين، وأَدورامُ على السُّخرَةِ ويوشافاطُ بنُ أَحيلودَ مُدَوِّنًا، وشيوا كاتِبًا، وصادوقُ وأَبِياتارُ كاهِنَين، وعيرا اليائيرِيُّ أَيضًا كانَ كاهِنًا لِداوُد. وكانَت مَجاعةٌ في أَيَّامِ داوُدَ ثَلاثَ سِنين، سَنَةً بَعدَ سَنَة. فسَأَلَ داوُدُ وَجهَ الرَّبّ. فقالَ الرَّبّ: «على شاوُلَ وعلى بَيتِه دَمٌ، لأَنَّه قَتَلَ الجِبْعونِيِّين». فدَعا المَلِكُ الجِبْعونِيِّينَ وكَلَّمَهم (ولم يَكُنِ الجِبْعونِيُّونَ مِن بَني إِسْرائيل، بل مِن بَقِيَّةِ الأَمورِيِّين، وكانَ بَنو إِسْرائيلَ قد حَلَفوا لَهم، فَطَلَبَ شاوُلُ قَتلَهم غَيرةً على بَني إِسْرائيلَ ويَهوذا). وقالَ داوُدُ لِلجِبْعونِيِّين: «ما الَّذي أَصنَعُ لَكم وبِماذا أُكَفِّرُ فتُبارِكوا ميراثَ الرَّبّ؟» فقالَ لَه الجِبْعونِيُّون: «لَيسَ لَنا على شاوُلَ وأَهلِ بَيتِه فِضَّةٌ ولا ذَهَب، ولا لَنا أَحَدٌ نُهلِكُه في إِسْرائيل». فقالَ لَهم: «ما الَّذي تَقولونَه فأَفعَلَه لَكم؟» فقالوا لِلمَلِك: «الرَّجُلُ الَّذي أَهلَكَنا والَّذي عَزَمَ على إِبادَتِنا حتَّى لا نُقيمَ في جَميعِ أَراضي إِسْرائيل، يُعْطى لَنا سَبعَةُ رِجالٍ مِن بَنيه فنَشنُقُهم لِلرَّبِّ في جَبْعِ شاوُلَ، مُخْتارِ الرَّبّ». فقالَ لَهُمُ المَلِك: «أُعْطي». وأَبْقى المَلِكُ على مَفيبَعْلَ بنِ يوناتانَ بنِ شاوُل، مِن أَجلِ يَمينِ الرَّبِّ الَّتي بَينَهما، أَي بَينَ داوُدَ ويوناتانَ بنِ شاوُل. فأَخَذَ المَلِكُ ٱبنَي رِصْفَة، بِنتِ أَيَّة، اللَّذَينِ وَلَدَتهما لِشاوُل، وهُما أَرْموني ومَفيبوشَت وبَني ميكالَ ٱبنَةِ شاوُلَ الخَمسَةَ الَّذينَ وَلَدَتهم لِعَدرِيئيلَ بنِ بَرزِلاَّيَ المَحوِليّ. فأَسلَمَهم إِلى يَدِ الجِبْعونِيِّين، فشَنَقوهم على الجَبَلِ أَمامَ الرَّبّ، فهَلَكوا سَبعَتُهم جَميعًا، وكانَ مَقتَلُهم في الأَيَّامِ الأُولى للحَصاد، في ٱبتِداءِ حَصادِ الشَّعير. فأَخَذَت رِصفَةُ، بِنتُ أَيَّة، مِسْحًا وفَرَشَته لِنَفسِها على الصَّخرَة، مُنذُ ٱبتِداءِ الحَصادِ حتَّى سَقَطَ عليهم الماءُ مِنَ السَّماء، ولم تَدَعْ طُيورَ السَّماءِ تَحُطُّ علَيهم نَهارًا ولا وُحوشُ البَرِّيَّةِ لَيلًا. فأُخبِرَ داوُدُ بِما صَنعَت رِصفَةُ، بِنتُ أيَّة، سُرِّيَّةُ شاوُل، فمضى داوُدُ وأَخَذَ عِظامَ شاوُلَ وعِظامَ يوناتانَ ٱبنِه مِن عِندِ أَهلِ يابيشَ جِلْعادَ الَّذينَ سَرَقوها مِن ساحةِ بَيتَ شان، مِن حَيثُ عَلَّقَهما الفَلِسطينِيُّونَ يَومَ كَسَرَ الفَلِسطينِيُّونَ شاوُلَ في الجِلْبوع. وأَصعَدَ مِن هُناكَ عِظامَ شاوُلَ وعِظامَ يوناتانَ ٱبنِه، وجَمَعوا عِظامَ المَشْنوقين. ودَفَنوا عِظامَ شاوُلَ ويوناتانَ ٱبنِه في أَرضِ بَنْيامينَ بِصيلَع، في مَقبَرَةِ قيسٍ أَبيه، وعَمِلوا بِكُلِّ ما أَمَرَ بِه المَلِك، وعَطَفَ اللهُ على تِلكَ الأَرضِ بَعدَ ذٰلك. وكانَت أَيضًا حَربٌ بَينَ الفَلِسطينِيِّينَ وإِسْرائيل، فنَزَلَ داوُدُ ورِجالُه وحارَبوا الفَلِسطينِيِّين، فتَعِبَ داوُد. فإِذا بِيِشْبيبَنوب، أَحَدِ بَني رافاةَ الَّذي وَزنُ رُمحِه ثَلاثُ مِئَةِ مِثْقالٍ مِن نُحاس، وكانَ مُتَقَلِّدًا سَيفًا جَديدًا، قد همَّ أَن يَقتُلَ داوُد. فأَنجَدَه أَبيشايُ ابنُ صَرويَة، وضَرَبَ الفَلِسطينِيَّ فقَتَلَه. حينَئِذٍ ناشَدَ داوُدَ رِجالُه وقالوا: «لا تَخرُج معَنا إِلى الحَرْبِ لِئَلاَّ تُطفِئَ سِراجَ إِسْرائيل». وكانَت أَيضًا بَعدَ ذٰلك حَربٌ في جوبَ مع الفَلِسطينِيِّين، فقَتَلَ حينئذٍ سَبْكايُ الحوشِيُّ سَفًّا، أَحَدَ بَني رافاة. ثُمَّ كانَت أَيضًا حَربٌ في جوبَ مع الفَلِسطينِيِّين، فقَتَلَ أَلْحانانُ بنُ ياعَرِيِّ مِن بَيتَ لَحمَ جُلْياتَ الجَتِّيَّ الَّذي كانَت عَصا رُمحِه كنَولِ النُّسَّاج. وكانَت أَيضًا حَربٌ في جَتَّ، وكانَ رَجُلٌ طَويلُ القامة، سُداسِيُّ أَصابِعِ اليَدَين والرِّجلَين، أَي لَه أَربَعٌ وعِشرونَ إِصْبَعًا، وهو أَيضًا من بَني رافاة، وكانَ يُعَيِّرُ إِسْرائيلَ، فقَتَلَه يوناتانُ بنُ شِمْعا، أَخي داوُد. هٰؤُلاءِ الأَربَعَةُ كانوا مِن بَني رافاةَ في جَتَّ، فسَقَطوا بِيَدِ داوُدَ وأَيدي رِجالِه. وكَلَّمَ داوُدُ الرَّبَّ بِكَلامِ هٰذا النَّشيدِ يَومَ أَنقَذَه الرَّبُّ مِن يَدِ جَميعِ أَعْدائِه ومِن يَدِ شاوُل، فقال: «الرَّبُّ صَخرَتي وحِصْني ومُنقِذي. إِلٰهي الصَّخرُ بِه أَعتَصِم، تُرْسي وقُوَّةُ خَلاصي ومَلْجإي. أَدْعو الرَّبَّ سُبْحانَه، فأَنْجو مِن أَعْدائي. أَمْواجُ المَوتِ غَمَرَتني، وسُيولُ بِليعالَ رَوَّعَتني، وحَبائِلُ مَثْوى الأَمواتِ حاطتني، وشِباكُ المَوتِ ٱستَبَقَتني. في ضيقي الرَّبَّ دَعَوتُ، وإِلَيه إِلٰهي صَرَختُ، فسَمِع صَوتي مِن هَيكَلِه، وبَلَغَ صُراخي مِسمَعَيه. تَزعزَعَتِ الأَرضُ وتَزَلزَلَت، وأُسُسُ السَّمَواتِ ٱرتَعَدَت، ومِن غَضَبِه ٱرتَجَّت. دُخانٌ صَعِدَ مِن أَنفِه، ونارٌ آكِلَةٌ مِن فَمِه، وجَمرٌ ٱتَّقَدَ مِنه. حَنى السَّمَواتِ ونَزَل، والغَيمُ المُظلِمُ تَحتَ قَدَمَيه. رَكِبَ على كَروبٍ وطار، وظَهَرَ على أَجنِحَةِ الرِّياح. جَعَلَ الظَّلامَ حَولَه، وخَيمَتُه كُتلَةُ مِياهٍ وغَمامٌ على غَمام. أَمامَ بَهائِه ٱتَّقَدَ جَمرُ نار. أَرعَدَ الرَّبُّ مِنَ السَّماء، وأَطلَقَ العَلِيُّ صَوتَه. أَرسَلَ سِهامَه فبَدَّدَهم، والبُروقَ فهَزَمَهم. أَعْماقُ البَحرِ ٱنكَشَفَت، وأُسُسُ الكَونِ ٱنجَلَت لِصَوتِ وَعيدِ الرَّبِّ، لِهُبوبِ ريحِ أَنفِه. يُرسِلُ مِن عَلْيائِه فيَأخُذُني، ومِنَ البِحارِ يَنتَشِلُني. مِن عَدُوِّي الجَبَّارِ يُنقِذُني، مِن مُبغِضِيَّ لأَنَّهم أَقْوى مِنِّي. في يَومِ بَلِيَّتي دَهَموني، فكانَ الرَّبُّ سَنَدي. إِلى الرُّحبِ أَخرَجَني، ولأَنَّه يُحِبُّني خَلَّصَني. الرَّبُّ بِحَسَبِ بِرِّي كافَأَني، وبِطَهارَةِ يَدَيَّ أَثَابَني. لأَنِّي حَفِظتُ طُرُقَ رَبِّي، ولَم أَصنَعْ شَرًّا بَعيدًا عن إِلٰهي. ولأَنَّ أَحْكامَه كُلَّها أَمامي، وفَرائِضَه لم أُبعِدْها عَنِّي. بل كُنتُ معَه كامِلًا، ومِنَ الإِثْمِ صُنتُ نَفْسي. الرَّبُّ بِحَسَبِ بِرِّي كافَأَني، وطَهارَتي أَمامَ عَينَيه. مع الصَّفِيِّ تَكونُ صَفِيًّا، ومعَ الكامِلِ تَكونُ كامِلًا. مع الطَّاهِرِ تَكونُ طاهِرًا، ومع المُعوَجِّ تَكونُ مُلتَوِيًا، لأَنَّكَ تُخَلِّصُ الشَّعبَ البائِس، وعَيناكَ على المُتَرفِّعينَ فتَضَعُهم. لأَنَّكَ أَنتَ يا رَبُّ سِراجي، والرَّبُّ يُنيرُ ظَلامي، فإِنِّي بِكَ أَقتَحِمُ الحُصون، وبإِلٰهي أَتَسَلَّقُ الأَسْوار. اللهُ طَريقُه كامِل، وقَولُ الرَّبِّ مُمَحَّص. هو تُرسٌ لِكُلِّ مَن بِه يَعتَصِم. فمَن إِلٰهٌ غَيرُ رَبِّنا، ومَن صَخرَةٌ سِوى إِلٰهِنا؟ اللهُ عِزِّي وبَأسي، يَجعلُ كامِلًا سَبيلي. يَجعَلُ كالأَيِّلِ رِجلَيَّ، وعلى المَشارِفِ يُقيمُني. يُعَلِّمُ يَدَيَّ القِتال، وذِراعَيَّ شَدَّ قَوسِ النُّحاس. تُرسَ خَلاصِكَ تُعْطيني، وٱستِجابَتُكَ تُعَظِّمُني. تُوَسِّعُ خَطَواتي تَحْتي ولم يتَزَعزَعْ قَدَمايَ. أُطارِدُ أَعْدائي فأُدِمِّرُهم، ولا أَعودُ حتَّى أُفنِيَهم. أُفْنيهم وأُحَطِّمُهم فلا يَقومون، وتَحتَ قَدَمَيَّ يَسقُطون. تُسَربِلُني بِالقُوَّةِ لِلقِتال، وتَصرَعُ مُناهِضِيَّ تَحتَ قَدَمَيَّ. وَلَّيتَني ظُهورَ أَعْدائي، وأَمَّا مُبغِضِيَّ فإنِّي أُبيدُهم. يَصرُخونَ ولا مُنقِذَ إِلى الرَّبِّ ولا يَستَجيبُ لَهم. كالغُبارِ في مَهَبِّ الرِّيحِ أَسحَقُهم، وكما يُداسُ وَحلُ الطُّرُقاتِ أَدوسُهم. مِن مُخاصَماتِ شَعْبي تُنَجِّيني، ورَأسًا على الأُمَمِ تُقيمُني. شَعبٌ لم أَعرِفْه يَخدُمُني. بَنو الغُرَباءِ يَتَمَلَّقونَ لي، حالَما يَسمَعونَني يُطيعونَني. بَنو الغُرَباءِ يَخورون، ومِن حُصونِهم مُرتَعِدينَ يَخرُجون. حَيٌّ الرَّبُّ وتَبارَكَ صَخرَتي، وتَعالى اللهُ صَخرَةُ خَلاصي. اللهُ الَّذي يُتيحُ لِيَ الإِنتِقام، ويُخضِعُ لِيَ الشُّعوب، مِن بَينِ أَعْدائي يُخرِجُني، فَوقَ المُعتَدينَ علَيَّ تَرفَعُني، ومِن رَجُلِ العُنفِ تُنقِذُني. يا رَبُّ بَينَ الأُمَمِ لِذا أَحمَدُكَ، وأَعزِفُ لِٱسمِكَ. يُكثِرُ مِنَ الخَلاصِ لِمَليكِه، ويَصنَعُ رَحمَةً لِمسيحِه، لِداوُدَ ولِنَسلِه لِلأَبَد». هٰذه كَلِماتُ داوُدَ الأَخيرة: كَلامُ داوُدَ بنِ يَسَّى، كَلامُ الرَّجُلِ المَرْفوعِ شَأنُه، مَسيحِ إِلٰهِ يَعْقوب، ومُرَنِّمِ مَزاميرِ إِسْرائيل: روحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بي، وكَلِمتُه على لِساني. قالَ إِلٰهُ إِسْرائيل: «كَلَّمَني صَخرَةُ إِسْرائيل: البارُّ الحاكِمُ في البَشَر، الحاكِمُ بِمَخافَةِ الله، كضَوءِ الصَّباحِ عِندَ شُروقِ الشَّمْسِ، كصَباحٍ لا غَيمَ فيه، يُلألِئُ عُشبُ الأَرضِ بَعدَ المَطَر. أَلَيسَ هٰكذا بَيتي لَدى الله؟ فإِنَّه عاهَدَني عَهدًا أَبَدِيًّا، مُحكَمًا في كُلِّ شيءٍ ومَحْفوظًا. أَفَلا يُنبِتُ كُلَّ خَلاصي، وجَميعَ هَوايَ؟ فأَمَّا الَّذينَ لا خَيرَ فيهم، فكُلُّهم كالشَّوكِ، يُنبَذُ فلا يُمسَكُ بِاليَد. فمَن مَسَّهم يَتَسَلَّحُ بِحَديدٍ وبِقَناةِ رُمْحٍ فيُحرَقونَ بِالنَّارِ في مَكانِهم». وهٰذه أَسماءُ أبْطالِ داوُد: إِشبَعْلُ الحَكْمونيُّ، رَئيسُ الثَّلاثَة، وهو عَدينو العَصْني، قامَ على ثَماني مِئَةٍ فقَتَلَهم بِمَرَّةٍ واحِدَة. وبَعدَه أَلِعازارُ بنُ دودو، الأَحوحِيّ، وهو أَحَدُ الأَبْطالِ الثَّلاثَةِ الَّذينَ كانوا مع داوُد، حينَ عَيَّروا الفَلِسطينِيِّينَ الَّذينَ كانوا مُجتَمِعينَ هُناكَ لِلقِتال، فتَراجَعَ رِجالُ إِسْرائيلَ مِن أَمامِهم. أَمَّا هو فقام وضَرَبَ الفَلِسطينِيِّينَ حتَّى كَلَّت يَدُه ولَصِقَت بِالسَّيف. وصَنَعَ الرَّبُّ نَصرًا عَظيمًا في ذٰلك اليَوم، ورَجَعَ الجُندُ وَراءَه، لِلنَّهبِ فقط. وبَعدَه شَمَّةُ بنُ آجيءَ الهارارِيّ، وكانَ أَنَّ الفَلِسطينِيِّينَ ٱجتَمَعوا في لَحْيَ، وكانَت هُناكَ قِطعَةُ حَقْلٍ مَمْلوءَةٌ عَدَسًا، فٱنهَزَمَ الجُندُ أَمامَ الفَلِسطينِيِّين. أَمَّا هو فوقَفَ في وَسَطِ الحَقلِ وأَنقَذَه وضَرَبَ الفَلِسطينِيِّين، وصَنَعَ الرَّبُّ نَصرًا عَظيمًا. ونَزَلَ ثَلاثَةٌ مِنَ الثَّلاثِين، وأَتَوا إِلى داوُدَ أَوانَ الحَصادِ في مَغارَةِ عَدُلاَّم. وكانَت قُوَّةٌ فَلِسطينِيَّةٌ مُعَسكِرَةً في وادي رِفائيم. وكانَ داوُدُ حينَئِذٍ في الحِصْنِ ومُفرَزَةٌ لِلفَلِسطينِيِّينَ في بَيتَ لَحْم. فتَأَوَّهَ داوُدُ وقال: «مَن يَسْقيني ماءً مِنَ البِئرِ الَّتي عِندَ بابِ بَيتَ لَحْم!» فٱختَرَقَ هٰؤُلاءِ الأَبْطالُ الثَّلاثَةُ مُعَسكَرَ الفَلِسطينِيِّينَ وٱستَقَوا ماءً مِنَ البِئرِ الَّتي عِندَ بابِ بَيتَ لَحْم، وحَمَلوه وأَتَوا بِه إِلى داوُد. فلَم يَشَأْ أَن يَشرَبَ مِنه، بل أَراقَه لِلرَّبّ، وقال: «حاش لي، يا رَبُّ، أَن أَفعَلَ هٰذا! أَلَيسَ هٰذا دَمَ قَومٍ خاطروا بِأَنفُسِهم؟» ولم يُرِدْ أَن يَشرَب. هٰذا ما فَعَلَه هٰؤُلاءِ الأَبْطالُ الثَّلاثة. ثُمَّ أَبيشايُ، أَخو يوآبَ وٱبنُ صَرويَة، وهو رَئيسُ الثَّلاثة. فقَد أشرَعَ رُمحَه على ثَلاثِ مِئَةٍ وقَتَلَهم، وكانَ لَه ٱسمٌ بَينَ الثَّلاثة، أَوَلَم يَكُنْ أَشَدَّ الثَّلاثَةِ كَرامةً؟ وأَصبَحَ لَهم قائِدًا، إِلاَّ أَنَّه لم يَبلُغْ مَرتَبَةَ الثَّلاثَة. ثُمَّ بَنايا بنُ يوياداعُ، ابنُ ذي بأسٍ كَثيرِ المآثِر، مِن قَبصَئيل، وهو الَّذي ضَرَبَ بَطَلَي موآب، ونَزَلَ وضَرَبَ أَسَدًا في وَسَطِ جُبٍّ يَومَ ثَلْج. وضَرَبَ رَجُلًا مِصرِيًّا ذا مَنظَر، وكانَ في يَدِ المِصرِيِّ رُمْحٌ فنازَلَه بِالعَصا وخَطِفَ الرُّمْحَ مِن يَدِه وقَتَلَه بِرُمحِه. هٰذا ما فَعَلَه بَنايا بنُ يوياداع، وكانَ لَه ٱسمٌ بَينَ الأَبْطالِ الثَّلاثَة، وكانَ أَشَدَّ الثَّلاثينَ كَرامةً، إِلاَّ أَنَّه لم يَبلُغْ مَرتَبَةَ الثَّلاثَة. فجَعَلَه داوُدُ مِن حَرَسِه الخاصّ. ثُمَّ عسائيل، أَخو يوآب، وهو مِنَ الثَّلاثين، وأَلْحانانُ بنُ دودو مِن بَيتَ لَحْم، وشَمَّةُ الحَرودِيُّ وأَليقا الحَرودِيّ، وحالَصُ الفَلْطِيُّ وعيرا بنُ عِقِّيشَ التَّقوعِيّ، وأَبيعازرُ العَناتوتِيُّ وسِبْكايُ الحوشِيّ، وصَلْحونُ الأَحوحِيُّ ومَهْرايُ النَّطوفِيُّ، وحالَبُ بنُ بَعْنَةَ النَّطوفِيُّ وإِتَّايُ بنُ ريبايَ مِن جَبْعِ بَني بَنْيامِين، وبَنايا الفِرعَتونِيُّ وهِدَّايُ مِن أَودِيَةِ جاعَش، وأَبيعَلْبونُ العَرَبتيّ وعَزْموتُ البَرْحومِيّ، وأَلْيَحْبا الشَّعَلْبونِيُّ وياشينُ الجونِيُّ ويوناتانُ بنُ شَمَّةَ الهَراريّ وأَحِيَّامُ بنُ شارارَ الأَرارِيّ، وأَليفالَطُ بنُ أَحَسْبايُ بنُ المَعْكِيِّ وأَليعامُ بنُ أَحيتوفَلَ الجيلونِيّ، وحَصْرايُ الكَرمَلِيُّ وفَعْرايُ الأَربيّ، وِيجْآلُ بنُ ناتانَ مِن صوبَة وباني الجادِيّ، وصالَقُ العَمِّونِيُّ ونَحْرايُ البَئيروتِيّ، حامِلُ سِلاحِ يوآبَ ٱبنِ صَرويَة، وعيرا اليِترِيُّ وجاريبُ اليِترِيُّ، وأُورِيَّا الحِثِّيّ، فيكونُ مَجْموعُهم سَبعَةً وثَلاثين. وعادَ غَضَبُ الرَّبِّ فٱحتَدَمَ على إِسْرائيل، فحَرَّضَ علَيهم داوُدَ قائلًا: «إِذهَبْ فأَحصِ إِسْرائيلَ ويَهوذا»، فقالَ المَلِكُ لِيوآبَ، قائِدِ الجَيشِ، الَّذي معَه: «طُفْ في جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيل، مِن دانَ إِلى بِئرَ سَبْع، وأَحْصوا الشَّعْبَ، لِكَي أَعلَمَ عَدَدَ الشَّعْب». فقالَ يوآبُ لِلمَلِك: «لِيَزِدِ الرَّبُّ إِلٰهُكَ الشَّعبَ أَمْثالَه مِئَةَ ضِعْف، وعَينا سَيِّدي المَلِكِ ناظِرَتان. وأَمَّا سَيِّدي المَلِكُ فماذا يُريدُ بِهٰذا الأَمْر؟» لَكِنَّ كَلامَ المَلِكِ تَغَلَّبَ على يوآبَ وعلى قُوَّادِ الجَيْش. فخَرَجَ يوآبُ وقُوَّادُ الجَيشِ مِن عِندِ المَلِكِ لِيُحصوا شَعْبَ إِسْرائيل. فعَبَروا الأُردُنَّ وبَدَأُوا بِعِروعيرَ والمَدينَةِ الَّتي في وَسَطِ وادي جادٍ جِهَةَ يَعْزير. وأَتَوا إِلى جِلْعادَ وإِلى أَرضِ الحِثِّيِّينَ في قادِش. ثُمَّ أَتَوا إِلى دانَ ياعنَ وما حَولَها نَحوَ صَيدون. ثُمَّ أَتَوا إِلى حِصنِ صورَ وجَميعِ مُدُنِ الحُوِّيِّينَ والكَنعانِيِّين. ثُمَّ ذَهَبوا إِلى نَقَبِ يَهوذا، إِلى بِئرِ سَبْع. ولَمَّا طافوا في تِلكَ الأَرضِ كُلِّها، رَجَعوا إِلى أُورَشَليمَ بَعدَ تِسعَةِ أَشهُرٍ وعِشْرينَ يَومًا. فرَفَعَ يوآبُ أَرْقامَ إِحْصاءِ الشَّعْبِ إِلى المَلِك، فكانَ مَجْموعُ إِسْرائيلَ ثَمانِيَ مِئَةِ أَلفِ رَجُلٍ مُحارِبٍ مُستَلِّ سَيف، ومَجْموعُ رِجالِ يَهوذا خَمسَ مِئَةِ أَلفِ رَجُل. فخَفَقَ قَلبُ داوُدَ مِن بَعدِ إِحْصاءِ الشَّعْب، وقالَ داوُدُ لِلرَّبّ: «قد خَطِئتُ خَطيئَةً كَبيرةً فيما صَنَعتُ، والآنَ يا رَبِّ ٱغفِرْ إِثْمَ عَبدِكَ، لأَنِّي بِحَماقَةٍ عَظيمةٍ تَصَرَّفتُ». فلَمَّا نَهَضَ داوُدُ في الصَّباح، كانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلى جادٍ النَّبِيّ، رائي داودَ، قائِلًا «إمضِ فقُلْ لِداوُد: هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: إِنِّي عارِضٌ عَليكَ ثَلاثًا، فٱختَرْ لِنَفسِكَ واحِدةً مِنها، فأُنزِلَها بِكَ» فأَتى جادٌ إِلى داوُدَ وأَخبَرَه وقالَ لَه: «أَتأتي علَيكَ سَبعُ سِني مَجاعةٍ في أَرضِكَ، أَم تَهرُبُ أَمامَ أَعْدائِكَ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ وهم في إِثرِكَ، أَم يَكونُ ثَلاثَةَ أَيَّامِ طاعونٍ في أَرضِكَ؟ ففَكِّرِ الآنَ وٱنظُرْ فيما أُجيبُ بِه مُرسِلي مِنَ الكَلام». فقالَ داوُدُ لِجاد: «قد ضاقَ بِيَ الأَمرُ كَثيرًا، فلنَقَعْ في يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَراحِمَه كَثيرة، ولا أَقَعَ في يَدِ النَّاس». فبَعَثَ الرَّبُّ الطَّاعونَ في إِسْرائيلَ مِنَ الصَّباحِ إِلى الميعاد، فماتَ مِنَ الشَّعبِ مِن دانَ إِلى بِئرَ سَبْعَ سَبْعونَ أَلفَ رَجُل. وبَسَطَ المَلاكُ يَدَه على أُورَشَليمَ لِيُدَمِّرَها. فنَدِمَ الرَّبُّ على الشَّرِّ وقالَ لِلمَلاكِ المُهلِكِ الشَّعْب: «كفى! فكُفَّ الآنَ يَدَكَ». وكانَ مَلاكُ الرَّبِّ عِندَ بَيدَرِ أَرَونا اليَبوسِيّ. ورأَى داوُدُ المَلاكَ الَّذي كانَ يَضرِبُ الشَّعْبَ فقالَ لِلرَّبّ: «أَنا الَّذي خَطِئتُ وأَنا الَّذي فَعَلتُ السُّوء، وأَمَّا أُولٰئِكَ الخِراف، فماذا فَعَلوا؟ فلتَكُنْ علَيَّ يَدُكَ وعلى بَيتِ أَبي». فأَتى جادٌ في ذٰلك اليَومِ إِلى داوُدَ وقالَ لَه: «إِصعَدْ فأَقِمْ مَذبَحًا لِلرَّبِّ في بَيدَرِ أَرَونا اليَبوسِيّ». فصَعِدَ داوُدُ كما قالَ جادٌ بِحَسَبِ أَمرِ الرَّبّ. ونَظَرَ أَرَونا فرَأَى المَلِكَ ورِجالَه آتينَ إِلَيه، فخَرَجَ أَرَونا وسَجَدَ لِلمَلِكِ بِوَجهِهِ إِلى الأَرض. وقالَ أَرَونا: «لِماذا جاءَ سَيِّدِيَ المَلِكُ إِلى عَبدِه؟» فقالَ داوُد: «لأَشتَرِيَ مِنكَ البَيدَر، لِكَي أَبْنِيَ فيه مَذبَحًا لِلرَّبّ، فتَكُفَّ الضَّربَةُ عنِ الشَّعْب». فقالَ أَرَونا لِداوُد: «لِيَأخُذْ سَيِّدِيَ المَلِكُ ويُصعِدْ ما يَحسُنُ في عَينَيه: هُوَذا البَقَرُ لِلمُحرَقَة، والنَّوارِجُ وأَدَواتُ البَقَرِ تَكونُ حَطَبًا. وهٰذا كُلُّه، أَيُّها المَلِك، يُقَدِّمُه أَرَونا لِلمَلِك». وأَضافَ أَرَونا فقالَ لِلمَلِك: «الرَّبُّ إِلٰهُكَ يَرْضى عنكَ». فقالَ المَلِكُ لأَرَونا: «كَلاَّ، بل أَشتَري مِنكَ بِثَمَن، فلَستُ أُصعِدُ لِلرَّبِّ إِلٰهي مُحرَقاتٍ مَجَّانِيَّة». فٱشتَرى داوُدُ البَيدَرَ والبَقَرَ بِخَمْسينَ مِثْقالًا مِنَ الفِضَّة. وبَنى هُناكَ داوُدُ مَذبَحًا لِلرَّبّ، وأَصعَدَ مُحرَقاتٍ وذَبائِحَ سلامِيَّة. فعَطَفَ الرَّبُّ على تِلكَ الأَرض، وكَفَّتِ الضَّربَةُ عن إِسْرائيل. وكانَ أَنَّ المَلِكَ داوُدَ شاخَ وطَعَنَ في السِّنّ، وكانوا يُغطُّونَه بِالثِّيابِ فلا يَدفَأ. فقالَ لَه خَدَمُه: «لِيُبحَثْ لِسَيِّدِنا المَلِكِ عن فتاةٍ عَذْراءَ تَقومُ أَمامَ المَلِك، فتُعْنى بِه وتَضَّجِعُ في حِضنِكَ، فيَدفَأَ سَيِّدُنا المَلِك». فبَحَثوا عن فَتاةٍ جَميلَةٍ في جَميعِ أَراضي إِسْرائيل، فوَجَدوا أَبيشاجَ الشُّونَمِيَّة، فأَتَوا بِها المَلِك. وكانَتِ الفَتاةُ جَميلةً جِدًّا، فكانَت تُعْنى بالمَلِكِ وتَخدُمُه، ولٰكِنَّ المَلِكَ لم يَعْرِفْها. وإِنَّ أَدونِيَّا ٱبنَ حَجِّيتَ تَرَفَّعَ وقال: «أَنا أَملِك». وٱتَّخَذَ لَه مَركَبةً وخَيلًا وخَمْسينَ رَجُلًا يَركُضونَ أَمامَه. ولَم يَكُنْ أَبوه قد خالَفَه في أَيَّامِه بِأن قالَ لَه: «لِماذا فَعَلتَ كَذا؟» وكانَ هو أَيضًا جَميلَ المَنظَرِ جِدًّا، وكانَت أُمُّه قد وَلَدَته بَعدَ أَبْشالوم. وكانَ يُفاوِضُ يوآبَ ٱبنَ صَرويَة وأَبِياتارَ الكاهِن، وكانا يُعاوِنانِ أَدونِيَّا. وأَمَّا صادوقُ الكاهِنُ وبَنايا بنُ يوياداعَ وناتانُ النَّبِيُّ وشِمْعي وريعي وأَبْطالُ داوُد، فلَم يَكونوا مع أَدونِيَّا. وذَبَحَ أَدونِيَّا غَنَمًا وبَقَرًا وعُجولًا مُسَمَّنَةً عِندَ حَجَرِ زوحَلَتَ الَّذي بِجانِبِ عَينَ روجِل، ودَعا جَميعَ إِخوَتِه بَني المَلِكِ وجَميعَ رِجالِ يَهوذا حاشِيَةِ المَلِك. وأَمَّا ناتانُ النَّبِيُّ وبَنايا والأَبْطالُ وسُلَيمانُ أَخوه، فلَم يَدعُهم. فكَلَّمَ ناتانُ بَتْشابَعَ أُمَّ سُلَيمانَ قائِلًا: «أَما سَمِعتِ أَنَّ أَدونِيَّا ٱبنَ حَجِّيتَ قد مَلَك، ولَم يَعلَمْ بِذٰلك سَيِّدُنا داوُد؟ فالآنَ تَعالَي أُشِرْ علَيكِ مَشورةً تُنَجِّينَ بِها نَفْسَكِ ونَفسَ سُلَيمانَ ٱبنِكِ: إِذهَبي وٱدخُلي على المَلِكِ داوُدَ وقولي لَه: أَلَيسَ أَنَّكَ أَنتَ، يا سَيِّديَ المَلِك، قد حَلَفتَ لأَمَتِكَ قائِلًا: إِنَّ سُلَيمانَ ٱبنَكِ هو يَملِكُ مِن بَعْدي وهو يَجلِسُ على عَرْشي، فلِماذا مَلَكَ أَدونِيَّا؟ وبَينَما تَكونينَ أَنتِ هُناكَ في الكَلامِ مع المَلِك، آتي أَنا في إِثرِكِ وأُؤَيِّدُ كَلامَكِ». فدَخَلَت بَتْشابَعُ على المَلِكِ في المُخدَع (وكانَ المَلِكُ قد شاخَ جِدًّا، وكانَت أَبيشاجُ الشُّونَمِيَّةُ تَخدِمُ المَلِك). فٱنحَنَت بَتْشابَعُ ساجِدَةً لِلمَلِك فقالَ لَها المَلِك: «ما شَأنُكِ؟» فقالَت لَه: «يا سَيِّدي، إِنَّكَ كُنتَ قد حَلَفتَ بِالرَّبِّ إِلٰهِكَ لأَمَتِكَ قائلًا: إِنَّ سُلَيمانَ ٱبنَكِ هو يَملِكُ مِن بَعْدي وهو يَجلِسُ على عَرْشي. والآنَ هُوَذا أَدونِيَّا قد مَلَكَ، وأَنتَ، يا سَيِّديَ المَلِك، لم تَعلَم. وقد ذَبَحَ كَثيرًا مِنَ البَقَرِ والعُجولِ المُسَمَّنةِ والغَنَم. ودَعا جَميعَ بَني المَلِكِ وأَبِياتارَ الكاهِنَ ويوآبَ قائِدَ الجَيش. وأَمَّا سُلَيمانُ عَبدُكَ فلَم يَدْعُه. والآنَ، يا سَيِّدِيَ المَلِك، فإِنَّ عُيونَ إِسْرائيلَ كُلِّه نَحوَكَ، حتَّى تُعلِمَهم مَن يَجلِسُ على عَرشِ سَيِّدِيَ المَلِكِ من بَعْدِه. فيَكونُ، إذا ٱضَّجَعَ سَيِّدِيَ المَلِكُ مع آبائه، أَنِّي أَنا وٱبْني سُلَيمانَ نَكونُ مُذنِبَين». وفيما هي تَتَكَلَّمُ مع المَلِك، إِذ وَصَلَ ناتانُ النَّبِيّ. فأَخبَروا المَلِكَ وقالوا لَه: «هُوَذا ناتانُ النَّبِيّ». فدَخَلَ إِلى حَضرَةِ المَلِكِ وسَجَدَ لِلمَلِكِ بِوَجهِه إِلى الأَرْض. وقالَ ناتان: «يا سَيِّدِيَ المَلِك، أَأَنتَ قُلتَ: إِنَّ أَدونِيَّا يَملِكُ مِن بَعْدي وهو يَجلِسُ على عَرْشي؟ فإِنَّه قد نَزَلَ اليَومَ وذَبَحَ مِنَ البَقَرِ والعُجولِ المُسَمَّنَةِ والغَنَمِ شَيئًا كَثيرًا، ودَعا جَميعَ بَني المَلِكِ وقُوَّادَ الجَيشِ وأَبِياتارَ الكاهِن، وها هم يأكُلونَ ويَشرَبونَ أَمامَه ويقولون: لِيَحْيَ المَلِكُ أَدونِيَّا! وأَمَّا أَنا عَبدُكَ وصادوقُ الكاهِنُ وبَنايا بنُ يوياداعَ وسُلَيمانُ عَبدُكَ فلَم يَدعُنا. فهَل مِن قِبَلِ سَيِّدِيَ المَلِكِ كانَ هٰذا الأَمْرُ، ولَم تُعلِمْ عَبيدَكَ مَن يَجلِسُ على عَرشِ سَيِّدِيَ المَلِكِ مِن بَعْدِه؟». فأَجابَ المَلِكُ داوُدُ وقال: «أُدْعوا لي بَتْشابَع». فدَخَلَت إِلى حَضرَةِ المَلِكِ ووَقَفَت أَمامَ المَلِك. فحَلَفَ المَلِكُ وقال: «حَيٌّ الرَّبُّ الَّذي ٱفتَدى نَفْسي مِن كُلِّ ضيق! إِنِّي كما حَلَفتُ لَكِ بِالرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيلَ وقُلتُ: إِنَّ سُلَيمانَ ٱبنَكِ هو يَملِكُ من بَعْدي وهو يَجلِسُ مَكاني على عَرْشي، كذٰلك أَفعَلُ هٰذا اليَوم». فٱنحَنَت بَتْشابَعُ بِوَجهِها إِلى الأَرْضِ لِلمَلِكِ وقالَت: «لِيَحْيَ سَيِّدِيَ المَلِكُ داوُدُ لِلأَبَد!» وقالَ المَلِكُ داوُد: «أُدْعوا لي صادوقَ الكاهِنَ وناتانَ النَّبِيَّ وبَنايا بنَ يوياداع». فدَخَلوا إِلى حَضرَةِ المَلِك. فقالَ المَلِكُ لَهم: «خُذوا معَكم خَدَمَ سَيِّدِكم وأَركِبوا سُلَيمانَ ٱبْني على بَغلَتي وٱنزِلوا بِه إِلى جيحون، ولْيَمْسَحْه هُناكَ صادوقُ الكاهِنُ وناتانُ النَّبِيُّ مَلِكًا على إِسْرائيل، وٱنفُخوا بِالبوقِ وقولوا: لِيَحْيَ المَلِكُ سُلَيمان. وٱصعَدوا وَراءَه، فيَأتِيَ ويَجلِسَ على عَرْشي، وهو يَملِكُ مَكاني، فإِنَّه هو الَّذي أَوصَيتُ أَن يَكونَ قائدًا على إِسْرائيلَ ويَهوذا». فأَجابَ بَنايا بنُ يوياداعَ المَلِكَ وقال: «آمين! فلْيَتَكَلَّمْ هٰكذا الرَّبُّ إِلٰهُ سَيِّدِيَ المَلِك، وكما كانَ الرَّبُّ مع سَيِّدِيَ المَلِك، فلْيَكُنْ مع سُلَيمانَ أَيضًا ويَجعَلْ عَرشَه أَعظَمَ مِن عَرشِ سَيِّدِيَ المَلِكِ داوُد». فنَزَلَ صادوقُ الكاهِنُ وناتانُ النَّبِيُّ وبَنايا ٱبنُ يوياداعَ والكَريتِيُّونَ والفَليتِيُّون، وأَركَبوا سُلَيمانَ على بَغلَةِ المَلِكِ داوُد، وذَهَبوا بِه إِلى جيحون. وأَخَذَ صادوقُ الكاهِنُ قَرنَ الزَّيتِ مِنَ الخَيمَةِ ومَسَحَ سُلَيمان، فنَفَخوا بِالبوقِ ونادى كُلُّ الشَّعب: «لِيَحْيَ المَلِكُ سُلَيمان!» وصَعِدَ كُلُّ الشَّعبِ وَراءَه، وكانَ الشَّعبُ يَعزِفونَ بِالنَّاي، ويَبتَهِجونَ ٱبتِهاجًا عَظيمًا، حتَّى تَصَدَّعَتِ الأَرضُ مِن أَصْواتهم. فسَمِعَ أَدونِيَّا وجَميعُ مَن عِندَه مِنَ المَدعُوِّين، وقدِ ٱنتَهَوا مِنَ الأَكْل، وسَمِعَ يوآبُ صوتَ البوقِ فقال: «ما هٰذا الصَّوتُ الَّذي تَضطَرِبُ مِنه المَدينة؟» وبَينَما هو يَتَكَلَّم، إِذ أَقبَلَ يوناتانُ بنُ أَبِياتارَ الكاهِن، فقالَ لَه أَدونِيَّا: «تَعالَ، فإِنَّكَ رَجُلٌ شَريف، وأَنتَ تُبَشِّرُ بِالخَير». فأَجابَ يوناتانُ وقالَ لأَدونِيَّا: «بل سَيِّدُنا المَلِكُ داوُدُ قد مَلَّكَ سُلَيمان. وقد أَرسَلَ المَلِكُ معَه صادوقَ الكاهِنَ وناتانَ النَّبِيَّ وبَنايا بنَ يوياداعَ والكَريتِيِّينَ والفَليتِيِّين، فأركَبوه على بَغلَةِ المَلِك. ومَسَحَه صادوقُ الكاهِنُ وناتانُ النَّبِيُّ مَلِكًا في جيحون، وصَعِدوا مِن هُناكَ مُبتَهِجين، فٱضطَرَبَتِ المَدينة، وهٰذا هو الصَّوتُ الَّذي سَمِعتُموه. بل قد جَلَسَ سُلَيمانُ على عَرشِ المُلْك. وأَتى حاشِيَةُ المَلِكِ لِيُهَنِّئوا سَيِّدَنا المَلِكَ داوُد، وقالوا: لِيَجعَلْ إِلٰهُكَ ٱسمَ سُلَيمانَ أَعظَمَ مِنِ ٱسمِكَ وعَرشَه أَعظَمَ مِن عَرشِكَ. فسَجَدَ المَلِكُ على سَريرِه. وأَيضًا هٰكذا قالَ المَلِك: تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيلَ الَّذي أَعْطانِيَ اليَومَ مَن يَجلِسُ على عَرْشي، وعَينايَ تَنظُران». فٱرتاعَ جَميعُ مَدعُوِّي أَدونِيَّا ونَهَضوا وذَهَبوا كُلُّ واحِدٍ في سَبيلِه. وأَمَّا أَدونِيَّا فخافَ من وَجهِ سُلَيمان. فقامَ وذَهَبَ وتَمَسَّكَ بِقُرونِ المَذبَح. فأُخبِرَ سُلَيمانُ وقيلَ لَه: «هُوَذا أَدونِيَّا خائِفٌ مِنَ المَلِكِ سُلَيمان، وهُوَذا قد تَمَسَّكَ بِقُرونِ المَذبَحِ قائِلًا: لِيَحلِفْ لِيَ اليَومَ المَلِكُ سُلَيمانُ أَنَّه لا يَقتُلُ عَبدَه بِالسَّيف». فقالَ سُلَيمان: «إِن كانَ ذا شَرَف، فلا تَسقُطُ شَعَرَةٌ مِنه على الأَرض. وأَمَّا إِن وُجِدَ به سوءٌ، فإِنَّه يَموت». وأَرسَلَ المَلِكُ سُلَيمانُ فأَنزَلَه عنِ المَذبَح. فأَتى وسَجَدَ لِلمَلِكِ سُلَيمان. فقالَ لَه سُلَيمان: «إِنصَرِفْ إِلى بَيتِكَ». ولَمَّا دَنا يَومُ وَفاةِ داوُد، أَوصى سُلَيمانَ ٱبنَه وقال: «أَنا ذاهِبٌ في طَريقِ أَهلِ الأَرضِ كُلِّهم، فتَشَدَّدْ وكُنْ رَجُلًا. وٱحفَظْ أَوامِرَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ لِتَسيرَ في طَريقِه وتَحفَظَ فَرائِضَه ووَصاياه وأَحْكامَه وشَهادَتَه، على ما هو مَكْتوبٌ في شَريعةِ موسى، لِتَنجَحَ في كُلِّ ما تَعمَلُ وحَيثُما تَوَجَّهتَ، لِكَي يُحَقِّقُ الرَّبُّ كَلامَه الَّذي تَكَلَّمَ بِه عَنِّي قائِلًا: إِن حَفِظَ بَنوكَ طَريقَهم وساروا أَمامي بِالحَقِّ مِن كُلِّ قُلوبِهم وكُلِّ نُفوسِهم، لا يَنقَطِعُ لَكَ رَجُلٌ عن عَرشِ إِسْرائيل. ثُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ ما صَنَعَ بي يوآبُ ٱبنُ صَرويَة وما صَنَعَ بقائِدَي جُيوشِ إِسْرائيل، أَبْنيرَ ٱبنِ نيرٍ وعَماسا بنِ ياتَر، إِذ إِنَّه قَتَلَهما وسَفَكَ دِماءَ الحَربِ في السِّلْم، وجَعَلَ دِماءَ الحَربِ على زُنَّارِه الَّذي على حَقوَيه وعلى نَعلَيه اللَّتَينِ بِرِجلَيه. فٱصنَعْ بِه بِحَسَبِ حِكمَتِكَ، ولا تَدَعْ شَيبَتَه تَنزِلُ بِسَلامٍ إِلى مَثْوى الأَمْوات. وأَمَّا بَنو بَرزِلاَّيَ الجِلْعادِيِّ فٱصنَعْ إِلَيهم رَحمَةً، ولْيَكونوا مِنَ الآكِلينَ على مائِدَتِكَ، لأَنَّهم هٰكذا قاموا إِلى جانِبي عِندَ هَرَبي مِن وَجهِ أَبْشالومَ أَخيك. وعِندَكَ شِمْعي بنُ جيرا مِن بَني بَنْيامينَ مِن بَحوريم، وهو الَّذي لَعَنَني لَعنَةً شَنيعةً يَومَ ذَهَبتُ إِلى مَحْنائيم، ثُمَّ نَزَلَ لِلِقائي عِندَ الأُردُنّ، فحَلَفتُ لَه بِالرَّبِّ قائلًا: إِنِّي لا أُقتُلُكَ بِالسَّيف. والآنَ فلا تُبَرِّئْه، فإِنَّكَ رَجُلٌ حَكيم، فٱعلَمْ ما تَصنَعُ بِه، وأَنزِلْ شَيبَتَه بِالدَّمِ إِلى مَثْوى الأَمْوات». ثُمَّ ٱضَّجَعَ داوُدُ مع آبائِه ودُفِنَ في مَدينَةِ داوُد. وكانَ عَدَدُ الأَيَّامِ الَّتي مَلَكَ فيها داوُدُ على إِسْرائيلَ أَربَعينَ سَنَة. مَلَكَ في حَبْرونَ سَبعَ سِنين، ومَلَكَ في أُورَشَليمَ ثَلاثًا وثَلاثينَ سَنَة. وجَلَسَ سُلَيمانُ على عَرشِ داوُدَ أَبيه، وتَوَطَّدَ مُلكُه جِدًّا. وجاءَ أَدونِيَّا بنُ حَجِّيتَ إِلى بَتشابَع، أُمِّ سُلَيمان. فقالَت: «اللِسِّلمِ جِئتَ؟» قال: «لِلسِّلْم». ثُمَّ أَضاف: «لي إِلَيكِ كَلِمَة». قالَت: «قُلْ». فقال: «إِنَّكِ تَعلَمينَ أَنَّ المُلكَ كانَ لي وإِلَيَّ لَفَتَ جَميعُ بَني إِسْرائيلَ أَبْصارَهم لأَصيرَ مَلِكًا، فتَحَوَّلَ المُلكُ وصارَ لأَخي، لأَنَّه مِن قِبَلِ الرَّبِّ كانَ لَه. والآنَ أَنا طالِبٌ مِنكِ طَلَبًا واحِدًا، فلا تَرُدِّي وَجْهي». قالَت لَه: «تَكَلَّمْ». فقالَ لَها: «كَلِّمي سُلَيمانَ المَلِك، فإِنَّه لا يَرُدُّ وَجهَكِ، وٱسأَليه أَن يُعطِيَني أَبيشاجَ الشُّونَمِيَّةَ زَوجَةً». فقالَت لَه بَتْشابَع: «حَسَنٌ، أَنا أُكَلِّمُ المَلِكَ في حاجَتِكَ». ودَخَلَت بَتشابَعُ على المَلِكِ سُلَيمانَ لِتُكَلِّمَه في أَمرِ أَدونِيَّا. فقامَ المَلِكُ لِٱستِقْبالِها وسَجَدَ لَها، ثُمَّ جَلَسَ على عَرشِه ووَضَعَ عَرشًا لأُمِّ المَلِك، فجَلَسَت عن يَمينِه وقالَت: «لا أَسألُكَ إِلاَّ حاجَةً واحِدَةً صَغيرة، فلا تَرُدَّ وَجْهي». فقالَ لَها المَلِك: «إِسأَلي يا أُمِّي، فإِنِّي لا أَرُدُّ وَجهَكِ». قالَت: «لِتُعطَ أَبيشاجُ الشُّونَمِيَّةُ زَوجَةً لأَدونِيَّا أَخيكَ». فأَجابَ المَلِكُ سُلَيمانُ وقالَ لأُمِّه: «ما بالُكِ تَتَوَسَّطينَ لأَدونِيَّا في أَمرِ أَبيشاجَ الشُّونَمِيَّة؟ تَوَسَّطي لَه إِذًا في أَمرِ المُلْك، لأَنَّه أَخي الَّذي هو أَكبَرُ مِنِّي. تَوَسَّطي لَه ولأَبِياتارَ الكاهِنِ ويوآبَ ٱبنِ صَرويَة». وحَلَفَ المَلِكُ سُلَيمانُ بِالرَّبِّ وقال: «كذا يَصنَعُ الرَّبُّ بي وكذا يَزيد، إِن لم يَكُنْ أَدونِيَّا لِقاءَ حَياتِه تَكَلَّمَ بِهٰذا الكَلام. والآنَ حَيٌّ الرَّبُّ الَّذي ثَبَّتَني وأَجلَسَني على عَرشِ داوُدَ أَبي وبَنى لي بَيتًا كما قال: في هٰذا اليَومِ يُقتَلُ أَدونِيَّا». وأَرسَلَ المَلِكُ سُلَيمانُ عن يَدِ بَنايا بنِ يوياداع، فضَرَبَه فمات. وأَمَّا أَبِياتارُ الكاهِن فقالَ لَه المَلِك: «إِنصَرِفْ إِلى عَناتوت إِلى حُقولِكَ، فإِنَّكَ رَجُلٌ يَستوجِبُ المَوت. لٰكِنِّي لَستُ أَقتُلُكَ في هٰذا اليَوم، لأَنَّكَ حَمَلتَ تابوتَ السَّيِّدِ الرَّبِّ أَمامَ داوُدَ أَبي وعانَيتَ كُلَّ ما عاناه أَبي». وعَزَلَ سُلَيمانُ أَبِياتارَ عن كَهنوتِ الرَّبّ، لِيَتِمَّ القَولُ الَّذي قالَه الرَّبُّ في بَيتِ عالِيَ في شيلو. ووَصَلَ الخَبَرُ إِلى يوآب (وكان يوآبُ قد تَحَزَّبَ لأَدونِيَّا، مع أَنَّه لم يَكُنْ قد تَحَزَّبَ لأَبْشالوم)، فهَرَبَ يوآبُ إِلى خَيمَةِ الرَّبِّ وتَمَسَّكَ بِقُرونِ المَذبَح. فأُخبِرَ المَلِكُ سُلَيمانُ أَنَّ يوآبَ قد هَرَبَ إِلى خَيمَةِ الرَّبِّ وأَنَّه بِجانِبِ المَذبَح. فأَرسَلَ سُلَيمانُ إِلى يوآبَ قائلًا: «ما بالُكَ هَرَبتَ إِلى المَذبَح؟» فقالَ يوآب: «لأَنِّي خِفتُ من وَجهِكَ فهَرَبتُ إِلى الرَّبّ». فأَرسَلَ سُلَيمانُ المَلِكُ بَنايا بنَ يوياداعَ وقالَ لَه: «إِذهَبْ وٱضرِبْه». فدَخَلَ بَنايا خَيمَة الرَّبِّ وقالَ لِيوآب: «هٰكذا يَقولُ المَلِك: أُخرُجْ». فقال: «كَلاَّ! بل هٰهُنا أَموت». فنَقَلَ بَنايا الجَوابَ إِلى المَلِكِ قائِلًا: «هٰكذا تَكَلَّمَ يوآبُ وهٰكذا أَجابَني». فقالَ لَه المَلِك: «إِفعَلْ كما قالَ وٱضرِبْه وٱدفِنْه، فتَصرِفَ عنِّي وعن بَيتِ أَبي الدَّمَ الزَّكِيَّ الَّذي سَفَكَه يوآب، ويَرُدَّ الرَّبُّ دَمَه على رَأسِه، لأَنَّه ضَرَبَ رَجُلَينِ أَبَرَّ وخَيرًا مِنه، وقَتَلَهما بِالسَّيفِ على غَيرِ عِلمٍ من داوُدَ أبي، وهُما أَبنيرُ بنُ نيرٍ، قائِدُ جَيشِ إِسْرائيل، وعَماسا بنُ ياتَر، قائِدُ جَيشِ يَهوذا. فليَرتَدَّ دَمُهما على رأسِ يوآبَ وعلى رُؤُوسِ ذُرِّيَّتِه لِلأَبَد! وأَمَّا داوُدُ فلِذُرِّيَّتِه وبَيتِه وعَرشِه سَلامٌ لِلأَبَدِ مِن عِندِ الرَّبّ!» فصَعِدَ بَنايا بنُ يوياداعَ وضَرَبَه وقَتَلَه، ودُفِنَ في بَيتِه في البَرِّيَّة. وأَقامَ المَلِكُ بَنايا بنَ يوياداعَ مَكانَه على رَأسِ الجَيش، وأَقامَ صادوقَ الكاهِنَ مَكانَ أَبِياتار. ثُمَّ أَرسَلَ المَلِكُ فٱستَدْعى شِمْعِيَ وقالَ لَه: «إِبنِ لَكَ بَيتًا في أُورَشَليمَ وأَقِم فيه ولا تَخرُجْ مِنه إِلى هُنا وهُناك. وٱعلَمْ أَنَّكَ، يَومَ تَخرُجُ وتَعبُرُ وادِيَ قِدْرون، تَموتُ مَوتًا ويَكونُ دَمُكَ على رأسِكَ». فقالَ شِمْعي لِلمَلِك: «حَسَنٌ ما قُلتَ. إِنَّه كما تَكَلَّمَ سَيِّدِيَ المَلِكُ يَفعَلُ عَبدُكَ». وأَقامَ شِمْعي في أُورَشَليمَ أَيَّامًا كَثيرة. وٱتَّفَقَ بَعدَ ٱنقِضاءِ ثَلاثِ سَنَواتٍ أَن هَرَبَ عَبْدانِ لِشِمْعِيَ إِلى آكيشَ بنِ مَعكَة، مَلِكِ جَتّ. فأُخبِرَ شِمْعِي وقيلَ لَه: «هُوَذا عَبْداكَ في جَتّ». فقامَ شِمْعي وشَدَّ حِمارَه وذَهَبَ إِلى جَتَّ إِلى آكيش، في طَلَبِ عَبدَيه. وذَهَبَ شِمْعي وأَتى بِعَبدَيه مِن جَتّ. فأُخبِرَ سُلَيمانُ أَنَّ شِمْعِيَ قد خَرَجَ مِن أُورَشَليمَ إِلى جَتَّ وعاد. فأَرسَلَ المَلِكُ ودَعا شِمْعِيَ وقالَ: «أَلَم أَكُنْ قدِ ٱستَحلَفتُكَ بِالرَّبِّ وأَشهَدتُ علَيكَ قائلًا: إِنَّكَ، في يَومِ تَخرُجُ وتَذهَبُ إِلى هُنا وهُناكَ، فٱعلَمْ أَنَّكَ تَموتُ مَوتًا. فقُلتَ لي: حَسَنٌ ما قُلتَ: ولقَد سَمِعتُ. فلِماذا لم تَحفَظِ القَسَمَ بِالرَّبّ والأَمرَ الَّذي أَمَرتُكَ بِه؟» ثُمَّ قالَ المَلِكُ لِشِمْعي: «إِنَّكَ قد عَرَفتَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذي يَعرِفُه قَلبُكَ، مِمَّا صَنَعتَه بِداوُدَ أَبي، فسَيَرُدُّ الرَّبُّ شَرَّكَ على رأسِكَ. فأَمَّا سُلَيمانُ المَلِكُ فمُبارَكٌ، وعَرشُ داوُدَ ثابِتٌ أَمامَ الرَّبِّ لِلأَبَد». وأَمَرَ المَلِكُ بَنايا بنَ يوياداع، فخَرَجَ وضَرَبَه فمات. وٱستَقَرَّ المُلكُ في يَدِ سُلَيمان. وصاهَرَ سُلَيمانُ فِرعونَ، مَلِكَ مِصْر، وتَزَوَّجَ ٱبنَةَ فِرعَونَ وأَتى بِها إِلى مَدينَةِ داوُد، رَيثَما يُتِمُّ بِناءَ بَيتِه وبَيتِ الرَّبِّ وسورِ أُورَشَليمَ المُحيطِ بِها. وأَمَّا الشَّعبُ فكان يُقَرِّبُ ذَبائِحَه على المَشارِف، لأَنَّه لم يَكُنْ قد بُنِيَ بَيتٌ لِٱسمِ الرَّبِّ إِلى تِلكَ الأَيَّام. وأَحَبَّ سُلَيمانُ الرَّبَّ سائِرًا على سُنَنِ داوُدَ أَبيه، ولٰكِنَّه كانَ يَذبَحُ ويُحرِقُ البَخورَ على المَشارِف. وذَهَبَ المَلِكُ إِلى جِبْعونَ لِيَذبَحَ هُناكَ، لأَنَّها هي المَشرَفُ الأَعظَم، وأَصعَدَ سُلَيمانُ أَلفَ مُحرَقَةٍ على ذٰلِكَ المَذبَح. وفي جِبْعونَ تَراءَى الرَّبُّ لِسُلَيمانَ في الحُلْمِ لَيلًا وقالَ الله: «أُطلُبْ ما تُريدُ أَن أُعطِيَكَ». فقال سُلَيمان: «أَنتَ صَنَعتَ إِلى عَبدِكَ داوُدَ أَبي رَحمَةً عَظيمةً بِحَسَبِ سُلوكِه أَمامَكَ بِالحَقِّ والبِرِّ وٱستِقامةِ القَلبِ مَعَكَ، وحَفِظتَ لَه تِلكَ الرَّحمَةَ العَظيمة، وأَعطَيتَه ٱبنًا يَجلِسُ على عَرشِه كما هو اليَوم. والآنَ أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، أَنتَ مَلَّكتَ عَبدَكَ مَكانَ داوُدَ أَبي، وأَنا صَبِيٌّ صَغيرُ السِّنِّ، لا أَعرِفُ أَن أَخرُجَ وأَدخُل، وعَبدُكَ في وَسْطِ شَعبِكَ الَّذي ٱختَرتَه، شَعبٍ عَظيمٍ لا يُحْصى ولا يُعَدُّ لِكَثرَتِه. فَهَبْ عَبدَكَ قَلبًا فَهيمًا لِيَحكُمَ شَعبَكَ ويُمَيِّزَ بينَ الخَيرِ والشَّرّ، لأَنَّه مَن يَقدِرُ أَن يَحكُمَ شَعبَكَ هٰذا الكَثير؟» فحَسُنَ في عَينَيِ الرَّبِّ أن يكونَ سُلَيمانُ قد سَأَل هٰذا الأَمْر. فقالَ لَه الله: «بِما أَنَّكَ سَأَلتَ هٰذا الأَمرَ، ولم تَسأَلْ لَكَ أَيَّامًا كَثيرة، ولا سَأَلتَ لَكَ الغِنى، ولَم تَطلُبْ نُفوسَ أَعْدائِكَ، بل سَأَلتَ لَكَ التَّمْييزَ لإجراءِ الحُكْمِ، فهاءَنَذا قد فَعَلتُ بِحَسَبِ كَلامِكَ. هاءَنَذا قد أَعطَيتُكَ قَلبًا حَكيمًا فَهيمًا، حتَّى إِنَّه لم يَكُنْ قَبلَكَ مِثلُكَ ولا يَقومُ بَعدَكَ مِثلُكَ. وحتَّى ما لَم تَسأَلْه قد أَعطَيتُكَ إِيَّاه مِنَ الغِنى والمَجْد، فلا يَكونُ رَجُلٌ مِثلُكَ في المُلوكِ كُلَّ أَيَّامِكَ. وإِن أَنتَ سِرتَ في طَريقي حافِظًا فَرائضي ووَصايايَ، كما سارَ داوُدُ أَبوكَ، أُطيلُ أَيَّامَكَ». فٱستَيقَظَ سُلَيمان، فإِذا هو حُلْم. فجاءَ إِلى أُورَشَليمَ ووَقَفَ أَمامَ تابوتِ عَهدِ الرَّبّ، وأَصعَدَ مُحرَقاتٍ وقَرَّبَ ذَبائِحَ سَلامِيَّة، وأَقامَ مأدُبَةً لِجَميعِ حاشِيَتِه. حينَئذٍ جاءَت إِلى المَلِكِ ٱمرَأَتانِ بَغِيَّان، ووَقَفَتا بَينَ يَدَيه. وقالَت إِحْداهما: «أَرْجوكَ يا سَيِّدي. إِنِّي وهٰذه المَرأَةُ مُقيمَتانِ في بَيتٍ واحِد. فوَلَدتُ وأَنا في البَيتِ معَها. وفي ثالِثِ يَومٍ من وِلادَتي، وَلَدَت هٰذه المَرأَةُ أَيضًا، وكُنَّا مَعًا، ولَيسَ معَنا غَريبٌ في البَيتِ غَيرُنا نَحنُ كِلتَينا في البَيت. فماتَ ٱبنُ هٰذه المَرأَةِ في اللَّيل، لأَنَّها ٱضَّجَعَت علَيه. فقامَت عِندَ نِصفِ اللَّيل، فأَخَذَتِ ٱبْني مِن جانِبي، وكانَت أَمَتُكَ راقِدَة، وأَضجَعَتِ ٱبني في حِضنِها، وٱبنُها المَيتُ أَضجَعَته في حِضْني. فلَمَّا قُمتُ في الصَّباحِ لأُرضِعَ ٱبْني، إِذا هو مَيت. فتَفَرَّستُ فيه في الصَّباح، فإِذا هو لَيسَ بِٱبْنيَ الَّذي وَلَدتُه». فقالَتِ المَرأَةُ الأُخْرى: «كَلاَّ، بلِ الحَيُّ هو ٱبْني والمَيتُ هو ٱبنُكِ». فقالَت تِلكَ: «لا، بلِ ٱبنُكِ هو المَيتُ وٱبني هو الحَيّ». وكانَتا تَتَجادَلانِ هٰكذا أَمامَ المَلِك فقالَ المَلِك: «هٰذه تَقولُ: هٰذا ٱبنِيَ الحَيُّ وٱبنُكِ المَيت، وتِلكَ تَقول: لا، بلِ ٱبنُكِ المَيتُ وٱبْنيَ الحَيّ». فأَضافَ المَلِك: «علَيَّ بِسَيف». فأَتَوا بِسَيفٍ إِلى أَمامِ المَلِك. فقالَ المَلِك: «أُشطُروا الوَلَدَ الحَيَّ شَطرَين، وأَعْطوا الواحِدَةَ شَطرًا والأُخْرى شَطرًا». فكَلَّمَتِ المَلِكَ المَرأَةُ الَّتي ٱبنُها الحَيّ، لأَنَّ أَحْشاءَها تَحَرَّكَت على ٱبنِها، وقالَت: «أَرجوكَ يا سَيِّدي. أَعْطوها الوَلَدَ حَيًّا ولا تَقْتُلوه». فقالَتِ الأُخرى: «بل لا يَكونُ لي ولا لَكِ. أُشطُروه». فأَجابَ المَلِكُ وقال: «أَعْطوا هٰذه الوَلَدَ الحيَّ ولا تَقْتُلوه، لأَنَّها هي أُمُّه». فسَمِعَ إِسْرائيلُ كُلُّه بِالحُكمِ الَّذي أَصدَرَه المَلِك، فهابوا وَجهَ المَلِك، لأَنَّهم رَأوا فيه حِكمَةَ اللهِ في إِجراءِ الحُكم. وكانَ المَلِكُ سُلَيمانُ مَلِكًا على كُلِّ إِسْرائيل. وهٰؤُلاءِ هم كِبارُ المُوَظَّفينَ الَّذينَ لَه: عَزَرْيا بنُ صادوقَ الكاهِن، وأَليحورَفُ وأَحِيَّا ٱبنا شيشا، كاتِبان، ويوشافاطُ بنُ أَحيلود، مُدَوِّن، وبَنايا ٱبنُ يوياداعَ على رَأسِ الجَيش، وصادوقُ وأَبِياتار، كاهِنان، وعَزَرْيا بنُ ناتانَ على رَأسِ المُحافِظين، وزابودُ بنُ ناتان، كاهِنٌ وصَديقُ المَلِك، وأَحيشارُ قَيِّمُ البَيت، وأَدونيرامُ بنُ عَبْدا المُشرِفُ على السُّخرَة. وكانَ لِسُلَيمانَ ٱثْنا عَشَرَ مُحافِظًا على كُلِّ إِسْرائيل، وكانوا يُمَوِّنونَ المَلِكَ وبَيتَه، وكانَ على كُلِّ واحِدٍ أَن يُمَوِّنَ شَهرًا مِنَ السَّنة. وهٰذه أَسْماؤُهم: إِبنُ حورٍ في جَبَلِ أَفْرائيم، وٱبنُ داقَرَ في ماقَصَ وشَعَلْبيمَ وبَيتَ شَمسَ وأَيلونَ وبَيتَ حانان، وٱبنُ حاسَدَ في أَرَبُّوت، وكانَت لَه سوكو وكُلُّ أَرضِ حافَر، وٱبنُ أَبينادابَ في سفوحِ دور، وكانَت طافَتُ، بِنتُ سُلَيمان، زَوجَةً لَه، وبَعْنا بنُ أَحيلودَ في تَعْناكَ ومَجِدُّو وكُلِّ بَيتَ شانَ الَّتي عِندَ صَرْتانَ تَحتَ يِزْرَعيل، مِن بَيتَ شانَ إِلى آبَلَ مَحولَة، إِلى ما وَراءَ يُقمَعام، وٱبنُ جابَرَ في راموتَ جِلْعاد، وله مَزارِعُ يائيرَ بنِ مَنَسَّى الَّتي في جِلْعادَ ومِنطَقَةُ أَرْجوبَ الَّتي في باشان، أَي سِتُّونَ مَدينةً كَبيرةً ذاتَ أَسوارٍ ومَغاليقَ مِن نُحاس، وأَحينادابُ ٱبنُ عِدُّوَ في مَحْنائيم، وأَحيماعَصُ في نَفْتالي، وهٰذا أَيضًا تَزَوَّجَ بِنتًا لِسُلَيمان وهي بَسمَة، وبَعْنا بنُ حوشايَ في أَشيرَ وبَعْلوت، ويوشافاطُ بنُ فاروحَ في يَسَّاكَر، وشِمْعي بنُ إِيلا في بَنْيامين، وجابَرُ بنُ أُورِيَ في أَرضِ جِلْعاد، أَرضِ سيحون، مَلِكِ الأَمورِيِّين، وعوجٍ، مَلِكِ باشان، وهو المُحافِظُ الوَحيدُ في الأَرض. وكانَ يَهوذا وإِسْرائيلُ كَثيرينَ مِثلَ الرَّملِ الَّذي عِندَ البَحرِ، يأكلونَ ويَشرَبونَ ويَبتَهِجون. وكانَ سُلَيمانُ مُتَسَلِّطًا على جَميعِ الممالِك، مِنَ النَّهرِ إِلى أَرضِ فَلِسطينَ وإِلى حُدودِ مِصرَ، يَحمِلونَ إِلى سُلَيمانَ الجِزيَة، خاضِعينَ لَه كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه. وكانَ طَعامُ سُلَيمانَ في كُلِّ يَومٍ ثَلاثينَ كُرًّا مِنَ السَّميذ وسِتِّينَ كُرًّا مِنَ الدَّقيق، وعَشَرَ بَقَراتٍ مُسَمَّنَةٍ وعِشْرينَ بَقَرَةً مِنَ المَرْعى ومِئَةً مِنَ الضَّأْن، هٰذا غَيرَ الأَيائِلِ والظِّباءِ واليَحاميرِ وسِمانِ الطَّير، لأَنَّه كانَ مُتَسَلِّطًا على كُلِّ ما قَبلَ النَّهر، مِن تِفْساحَ إِلى غَزَّة، على جَميعِ مُلوكِ ما قَبلَ النَّهْر. وكان بَينَه وبَينَ جَميعِ مَن حَولَه سِلمٌ مِن كُلِّ جِهَة. وأَقامَ يَهوذا وإِسْرائيلُ في أَمان، كُلُّ واحِدٍ تَحتَ كَرمَتِه وتينَتِه، مِن دانَ إِلى بِئرَ سَبعَ، كُلَّ أَيَّامِ سُلَيمان. وكانَ لِسُلَيمانَ أَربَعونَ أَلفَ مَربِطٍ لِخَيلِ مَركَباتِه وٱثْنا عَشَرَ أَلفَ فَرَس. وكانَ هٰؤُلاءِ المُحافِظونَ يُمَوِّنونَ المَلِكَ سُلَيمانَ وجَميعَ المَدعُوِّينَ إِلى مائِدَةِ المَلِكِ سُلَيمان، كُلُّ واحِدٍ في شَهرِه، ولم يَكونوا يَترُكونَ عَوَزًا لِشَيء. وكانوا يأتونَ بِالشَّعيرِ والتِّبنِ لِلخَيلِ ولِحَيَواناتِ الجَرِّ إِلى المَكانِ الَّذي يَكونُ فيه سُلَيمانُ كما يُؤمَرون. وأَعْطى اللهُ سُلَيمانَ حِكمةً وفَهمًا واسِعًا جِدًّا ورحابَةَ صَدرٍ كالرَّملِ الَّذي على شاطِئِ البَحْر. ففاقَت حِكمَةُ سُلَيمانَ حِكمَةَ جَميعِ أَهلِ المَشرِقِ وكُلَّ حِكمَةِ مِصْر. وكانَ أَحكَمَ مِن جَميعِ النَّاس، مِن أَيتانَ الأَزْراحِيِّ وهَيمانَ وكَلْكولَ ودَرْداع، بَني ماحول. وشاعَ ٱسمُه بَينَ جَميعِ الأُمَمِ في كُلِّ جِهَة. وقالَ ثَلاثَةَ آلافِ مَثَل، وكانَت أَناشيدُه أَلفًا وخَمسَةَ أَناشيد. وتَكَلَّمَ في النَّبات، مِنَ الأَرزِ الَّذي على لُبْنانَ إِلى الزُّوفى الَّتي تَنبِتُ في الحائِط. وتَكَلَّمَ في البَهائِمِ والطُّيورِ والزَّحَّافاتِ والأَسْماك. وكانَ يَأتي مِن جَميعِ الشُّعوبِ لِسَماعِ حِكمَةِ سُلَيمانَ ومِن قِبَلِ جَميعِ مُلوكِ الأَرضِ الَّذينَ سَمِعوا بِحِكمَتِه. وأَرسَلَ حيرام، مَلِكُ صور، رُسُلَه إِلى سُلَيمان، لأَنَّه سَمِعَ أَنَّه قد مُسِحَ مَلِكًا مَكانَ أَبيه، إذ كانَ حيرامُ لم يَزَلْ مُحِبًّا لِداوُدَ كُلَّ أَيَّامِه. فأَرسَلَ سُلَيمانُ إِلى حيرامَ يَقول: «قد عَلِمتَ أَنَّ داوُدَ أَبي لم يَقدِرْ أَن يَبنِيَ بَيتًا لٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِه بِسَبَبِ الحُروبِ الَّتي أَحاطَت بِه، حتَّى جَعَلَ الرَّبُّ أَعْداءَه تَحتَ أَخامِصِ قَدَمَيه. والآنَ فقَد أَراحَني الرَّبُّ إِلٰهي مِن كُلِّ الجِهات، فلَيسَ مِن خَصْمٍ ولا حادِثَةِ شَرّ. وهاءَنَذا قد نَوَيتُ أَن أَبنِيَ بَيتًا لٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهي، كما كَلَّمَ الرَّبُّ داوُدَ أَبي قائِلًا: إِنَّ ٱبنَكَ الَّذي أُقيمُه مَكانَكَ على عَرشِكَ هو يَبْني بَيتًا لٱسْمي. والآنَ فمُرْ بِأَن يُقطَعَ لي أَرزٌ مِن لُبْنان، وخُدَّامي يَكونونَ مع خُدَّامِكَ، وأُجرَةُ خُدَّامِكَ أُؤَدِّيها إِلَيكَ بِحَسَبِ كُلِّ ما تَرسُم، لأَنَّكَ تَعلَمُ أَن لَيسَ فينا مَن يَعرِفُ بِقَطعِ الشَّجَرِ مِثلَ الصَّيدونِيِّين». فلَمَّا سَمِعَ حيرامُ كَلامَ سُلَيمان، فَرِحَ فَرَحًا عَظيمًا وقال: «تَبارَكَ اليَومَ الرَّبُّ الَّذي رَزَقَ داوُدَ ٱبنًا حَكيمًا على هٰذا الشَّعبِ الكَثير!» وأَرسَلَ حيرامُ إِلى سُلَيمانَ وقال: «قد سَمِعتُ ما أَرسَلتَ بِه إِلَيَّ، وأَنا أُحَقِّقُ كُلَّ رَغبَتِكَ في أَمرِ خَشَبِ الأَرزِ وخَشَبِ السَّرْو. وخُدَّامي يُنزِلونَ ذٰلك مِن لُبْنانَ إِلى البَحْر، فأَجعَلُه أَطْوافًا في البَحرِ إِلى المَكانِ الَّذي تُسَمِّيه لي، وأَفُكُّه هُناكَ فتأخُذُه، وأَنتَ تُحَقِّقُ رَغبَتي بإِعطائِكَ طَعامًا لِبَيتي». فكانَ حيرامُ يَبعَثُ إِلى سُلَيمانَ بِخَشَبِ الأَرْزِ وخَشَبِ السَّرْوِ على حَسَبِ رَغبَتِه. وأَدَّى سُلَيمانُ إِلى حيرامَ عِشْرينَ أَلفَ كُرٍّ مِنَ الحِنطَةِ طَعامًا لِبَيتِه وعِشْرينَ أَلفَ كُرٍّ مِن زَيتِ الزَّيتونِ المَدْقوق. وكانَ سُلَيمانُ يُعْطي حيرامَ مِثلَ ذٰلك في كُلِّ سَنَة. وأَعْطى الرَّبُّ سُلَيمانَ الحِكمَةَ كما كَلَّمَه. وكانَ بَينَ حيرامَ وسُلَيمانَ سِلم، وقَطَعا كِلاهما عَهدًا. وسَخَّرَ المَلِكُ سُلَيمانُ مِن كُلِّ إِسْرائيل، وكانَ المُسَخَّرونَ ثَلاثينَ أَلفَ رَجُل. وكانَ يُرسِلُ مِنهم إِلى لُبْنانَ عَشَرَةَ آلافٍ في الشَّهرِ مُناوَبةً، فيَكونونَ في لُبْنانَ شَهرًا وفي بُيوتِهم شَهرَين. وكانَ أَدونيرامُ قَيِّمًا على السُّخرَة. وكانَ لِسُلَيمانَ سَبْعونَ أَلفَ رَجُلٍ يَحمِلونَ الأَثْقال، وثَمانونَ أَلفًا يَقلَعونَ الحِجارَةَ في الجَبَل، ما عَدا رُؤَساءَ مُحافِظي سُلَيمانَ القائِمينَ على الأَعْمال، وهم ثَلاثَةُ آلافٍ وثَلاثُ مِئَةٍ يُشرِفونَ على القَومِ الَّذينَ يَعمَلونَ العَمَل. وأَمَرَ المَلِكُ أَن يَقلَعوا حِجارةً كَبيرة، حِجارةً ثَمينةً لِتأسيسِ البَيتِ بِالحِجارَةِ المَنْحوتة. فنَحَتَها بَنَّاؤُو سُلَيمانَ وبَنَّاؤُو حيرامَ والجِبلِيُّون، وهَيَّأُوا الأَخْشابَ والحِجارَةَ لِبِناءِ البَيت. وفي السَّنَةِ الأَربَعِ مِئَةٍ والثَّمانينَ لِخُروجِ بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصْر، وفي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِن مُلكِ سُلَيمانَ على إِسْرائيل، وفي شَهرِ زِيو وهو الشَّهرُ الثَّاني، بَنى سُلَيمانُ البَيتَ لِلرَّبّ. وكانَ البَيتُ الَّذي بَناه المَلِكُ سُلَيمانُ لِلرَّبِّ سِتِّينَ ذِراعًا طولًا وعِشْرينَ عَرضًا وثَلاثينَ ذِراعًا عُلُوًّا، والرِّواقُ أَمامَ هَيكَلِ البَيتِ عِشْرينَ ذِراعًا طولًا على مُحاذاةِ عَرضِ البَيت، وعَشرَ أَذرُعٍ عَرضًا أَمامَ البَيت. وصَنَعَ لِلبَيتِ نَوافِذَ بِعَوارِضَ مُشَبَّكة. وبَنى على جَوانِبِ البَيتِ طَوابِقَ مِن حَولِه مُحيطَةً بِجُدرانِ البَيتِ مِنَ الهَيكَلِ والمِحْراب، وصَنَعَ في الطَّوابِقِ غُرَفًا جانِبَيَّة. فالطَّبَقَةُ السُّفْلى عَرضُها خَمسُ أَذرُعٍ، والوُسْطى عَرضُها سِتُّ أَذرُعٍ، والثَّالِثَةُ عَرضُها سَبعُ أَذرُعٍ، لأَنَّه صَنَعَ مَناكِبَ في جُدْرانِ البَيتِ مِن خارِجٍ على مُحيطِه، لِئَلاَّ يُتَعَدَّى على جُدْرانِ البَيت. (وبُنِيَ البَيتُ عِندَ بِنائِه بِحِجارةٍ جاهِزَةٍ مِنَ المَقلَع، فلَم تَكُنْ تُسمَعُ مِطرَقَةٌ ولا إِزْميلٌ ولا شَيءٌ مِن آلاتِ الحَديدِ في البَيتِ عِندَ بِنائِه). وكانَ بابُ الغُرفَةِ الوُسْطى عِندَ الجانِبِ الأَيمَنِ مِنَ البَيت، وكان يُصعَدُ إِلَيها في سُلَّمٍ لَولَبِيٍّ ومنِها إِلى الثَّالِثَة. فبَنَى البَيتَ وأَكمَلَه وسَقَفَه بِجُذوعٍ وأَلْواحٍ مِنَ الأَرْز. وبَنى الطَّوابِقَ على جَوانِبِ البَيتِ كُلِّه، عُلُوُّ كُلٍّ منها خَمسُ أَذرُعٍ، ورَبَطَ الطَّوابِقَ بِالبَيتِ بِخَشَبِ الأَرْز. وكانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلى سُلَيمانَ قائِلًا: «هٰذا البَيتُ الَّذي أَنتَ بانيه، إِن أَنتَ سِرتَ على فَرائِضي وعَمِلتَ بِأَحْكامي وحَفِظتَ جَميعَ وَصايايَ، سائِرًا علَيها، فإِنِّي أُحَقِّقُ مَعَكَ كَلامِيَ الَّذي كَلَّمتُ بِه داوُدَ أَباك، وأُقيمُ فيه في وَسْطِ بَني إِسْرائيل، ولا أَترُكُ شَعْبي إِسْرائيل». فبَنى سُلَيمانُ البَيتَ وأَكمَلَه. وبَنى على جُدْرانِ البَيتِ مِن داخِلٍ أَلْواحَ أَرْز، وصَفَّحَ بِالخَشَبِ داخِلَه، مِن أَرضِ البَيتِ إِلى جَوانِبِ السَّقْفِ، وفَرَشَ أَرضَ البَيتِ بِأَلْواحِ سَرْوٍ. وبَنى في مُؤَخَّرِ البَيتِ، على مَسافَةِ عِشْرينَ ذِراعًا، أَلْواحَ أَرزٍ، مِنَ الأَرضِ إِلى جَوانِبِ السَّقْف، بَناها في داخِلِه مِحْرابًا قُدسَ أَقْداس. فكانَ مُقَدَّمُ البَيتِ، وهو الهَيكَل، أَربَعينَ ذِراعًا. وكانَ على البَيتِ مِن داخِلٍ أَرزٌ مَنْقوشٌ على شَكْلِ قِثَّاءٍ وزُهورٍ مُتَفَتِّحَة. كانَ كُلُّ شَيءٍ أَرزًا، فلَم يَكُنْ يُرى حَجَر. وهَيَّأَ المِحْرابَ في داخِلِ البَيتِ لِيَجعَلَ هُناكَ تابوتَ عَهدِ الرَّبّ. وكانَ طولُ المِحْرابِ عِشْرينَ ذِراعًا وعَرضُه عِشْرينَ ذِراعًا وعُلُوُّه عِشْرينَ ذِراعًا، ولَبَّسَه بِالذَّهَبِ الخالِص. وكانَ تُجاهَ المِحْرابِ مَذبَحٌ مِنَ الأَرْز، فلَبَّسَه بِالذَّهَبِ الخالِص. ولَبَّس سُلَيمانُ داخِلَ البَيتِ بِالذَّهَبِ الخالِص، ومَدَّ سَلاسِلَ ذَهَبٍ أَمامَ المِحْرابِ وقد لَبَّسَه بِالذَّهَب. ولَبَّس بِالذَّهَبِ كُلَّ البَيتِ بِكامِلِه، ولَبَّسَ مَذبَحَ المِحْرابِ كُلَّه بِالذَّهَب. وصَنَعَ في المِحْرابِ كَروبَينِ مِن خَشَبِ الزَّيتون، عُلُوُّ كُلِّ واحِدٍ عَشرُ أَذرُع. والجَناحُ الواحِدُ مِنَ الكَروبِ الواحِدِ خَمسُ أَذرُعٍ، والجَناحُ الآخَرُ خَمسُ أَذرُعٍ، ومِن طَرَفِ الجَناحِ الواحِدِ إِلى طَرَفِ الجَناحِ الآخَرِ عَشرُ أَذرُع. والكَروبُ الآخَرُ عَشْرُ أَذرُع: قِياسٌ واحِدٌ وصَوغٌ واحِدٌ لِلكَروبَين. وعُلُوُّ الكَروبِ الواحِدِ عَشْرُ أَذرُع، وكٰذلك الكَروبُ الآخَر. وجَعَلَ الكَروبَينِ في وَسَطِ البَيتِ الدَّاخِلِيّ. وكانَت أَجنِحَةُ الكَروبَينِ مُنبَسِطة، فمَسَّ جَناحُ الواحِدِ الحائِطَ الواحِد، وجَناحُ الكَروبِ الآخَرِ الحائِطَ الآخَر، وتَماسَّت أَجنِحَتُهما في وَسَطِ البَيت. ولَبَّسَ الكَروبَينِ بِالذَّهَب. ونَقَشَ على جَميعِ جُدْرانِ البَيتِ على مَدارِها داخِلًا وخارِجًا صُوَرَ كَروبينَ ونَخيلٍ وزُهورٍ مُتَفَتِّحَة. ولَبَّسَ بِالذَّهَبِ أَرضَ البَيتِ داخِلًا وخارِجًا. وصَنَعَ لِبابِ المِحْرابِ مِصْراعَينِ مِن خَشَبِ الزَّيتون مع عَتَبَةٍ ودَعائِمَ خُماسِيَّةِ الوُجوه. والمِصراعانِ اللَّذانِ مِن خَشَبِ الزَّيْتونِ نَقَشَ علَيهما صُوَرَ كَروبينَ ونَخيلٍ وزُهورٍ مُتَفَتِّحَة، ولَبَّسَهما بِالذَّهَب، ومَدَّ الذَّهَبَ المَطْروقَ على الكَروبينَ وعلى النَّخيل. وكذٰلكَ صَنَعَ لِبابِ الهَيكلِ دَعائِمَ مِن خَشَبِ الزَّيتونِ رُباعِيَّةَ الوُجوه، ومِصْراعَينِ مِن خَشَبِ السَّرْوِ، لِلمِصْراعِ الواحِدِ دَفَّتانِ مُتَحَرِّكَتان، ولِلمِصْراعِ الآخَرِ دَفَّتانِ مُتَحَرِّكَتان. ونَقَشَ علَيهما كَروبينَ ونَخيلًا وزُهورًا مُتَفَتِّحَة، ولَبَّسَها بِذَهَبٍ مَطْروقٍ مُحكَمٍ على النَّقْش. وبَنى الدَّارَ الدَّاخِلِيَّةَ ثَلاثَةَ صُفوفٍ مِنَ الحِجارَةِ المَنْحوتة وصَفًّا مِن لاطاتِ الأَرْز. في السَّنَةِ الرَّابِعَةِ وفي شَهرِ زِيو، أُسِّسَ بَيتُ الرَّبّ. وفي السَّنَةِ الحادِيَةَ عَشرَةَ وفي شَهرِ بول، وهو الشَّهرُ الثَّامِن، أُكمِلَ البَيتُ بِجَميعِ أَقْسامِه وخَواصِّه، فيَكونُ قد بَناه في سَبعِ سِنين. وأَمَّا بَيتُ سُلَيمانَ فبَناه وأَكمَلَ بِناءَه في ثَلاثَ عَشرَةَ سَنَة. فبَنى بَيتَ غابَةِ لُبنان مِئَةَ ذِراعٍ طولًا وخَمْسينَ ذِراعًا عَرضًا وثَلاثينَ ذِراعًا عُلُوًّا. بَناه على أَربَعَةِ صُفوفٍ مِن أَعمِدَةِ الأَرْزِ، وكانَ على الأَعمِدَةِ لاطاتٌ مِنَ الأَرْز. وسَقَفَه بِالأَرزِ مِن فَوقُ على العَوارِضِ الخَمسِ والأَربَعينَ الَّتي على الأَعمِدَة، كُلُّ صَفٍّ خَمْسَ عَشرَةَ عارِضَة. وكانَتِ الشَّبابيكُ ثَلاثَةَ صُفوف، كُلُّ واحِدٍ بإِزاءِ الآخَر. وكانَت جَميعُ المَنافِذِ والدَّعائِمِ مُرَبَّعَةَ الأُطُر، وكانَ كُلُّ شُبَّاكٍ بإِزاءِ شُبَّاكٍ في الصُّفوفِ الثَّلاثة. وصَنَعَ رِواقَ الأَعمِدَةِ خَمْسينَ ذِراعًا طولًا وثَلاثينَ ذِراعًا عَرضًا، وكانَ في الأَمامِ رِواقٌ وأَعمِدَةٌ وكُنَّةٌ أَمامَها. وصَنَعَ رِواقَ العَرْشِ حَيثُ كان يَقْضي، وهو رِواقُ القضاء، مُصَفَّحًا بِالأَرزِ مِنَ الأَرضِ إِلى السَّقف. وأَمَّا بَيتُه الَّذي كانَ يَسكُنُه، فكانَ لَه دارٌ أُخْرى داخِلَ الرِّواق، وكانَ على مِثلِ هٰذا الصُّنْع. وصَنَعَ بَيتًا لِٱبنَةِ فِرعَونَ الَّتي تَزَوَّجَها سُلَيمانُ على مِثالِ هٰذا الرِّواق. كُلُّ ذٰلك مِن حِجارَةٍ ثَمينة، على قِياسِ الحِجارةِ المَنْحوتة، مَنْشورةٍ بِمَناشيرَ مِن داخِلٍ ومِن خارِج، مِن الأَساسِ إِلى الإِفْريز، ومِنَ الخارِجِ إِلى الدَّارِ الكُبْرى. وكانَ الأَساسُ مِن حِجارةٍ ثَمينةٍ ضَخْمة، بَعضُها عَشرُ أَذرُعٍ وبَعضُها ثَماني أَذرُع، ومِن فَوقُ حِجارَةٌ ثَمينَةٌ على قِياسِ الحِجارَةِ المَنْحوتَةِ وأَرْز. ولِلدَّارِ الكُبْرى على مُحيطِها ثَلاثَةُ صُفوفٍ مِنَ الحِجارَةِ المَنْحوتة، وصَفٌّ مِن لاطاتِ الأَرزِ مِثلُ ما لِدارِ بَيتِ الرَّبِّ الدَّاخِلِيَّةِ ولِرِواقِ البَيت. وأَرسَلَ المَلِكُ سُلَيمانُ فأَتى بحيرامَ مِن صور، وهو ٱبنُ أَرمَلَةٍ مِن سِبطِ نَفْتالي، وأَبوه رَجُلٌ مِن صور، صانِعُ نُحاس، وكانَ مُمتَلِئًا حِكمَةً وفَهمًا ومَعرِفةً في عَمَلِ كُلِّ صُنعٍ مِن النُّحاس. فأَتى إِلى المَلِكِ سُلَيمانَ وعَمِلَ كُلَّ عَمَلِه. وصَبَّ عَمودَيِ النُّحاس، طولُ العَمودِ الواحِدِ ثَماني عَشرَةَ ذِراعًا، ومُحيطُ العَمودِ خَيطٌ طولُه ٱثْنَتا عَشرَةَ ذِراعًا. وصَنَعَ تاجَينِ مِن نُحاسٍ مَسْبوك، لِيَضَعَهما على رَأسِ العَمودَين، عُلُوُّ التَّاجِ الواحِدِ خَمسُ أَذرُع، وعُلُوُّ التَّاجِ الآخَرِ خَمسُ أَذرُع. وكانَ لِلتَّاجَينِ اللَّذَينِ على رأسِ العَمودَينِ حَبائِكُ كصُنعِ الشِّباكِ وضَفائِرُ كَصُنعِ السَّلاسِل، سَبعٌ لِلتَّاجِ الواحِدِ وسَبعٌ لِلتَّاجِ الآخَر. وصَنَعَ رُمَّانات، فجَعَلَ صَفَّينِ مِنها على مُحيطِ الحَبيكَةِ الواحِدَةِ لِتَغطِيَةِ التَّاجِ الَّذي على رَأسِ العَمود، وهٰكذا صَنَعَ لِلتَّاجِ الآخَر. وكانَ التَّاجانِ اللَّذانِ على رَأسِ العَمودَينِ في الرَّواقِ على شَكلِ السُّوسَن، كُلُّ واحِدٍ أَربَعُ أَذرُع. وكانَ على تاجَيِ العَمودَينِ فوقَ البَطنِ الَّذي عِندَ الحَبيكَةِ مِئَتا رُمَّانةٍ على صَفَّينِ مُحيطَينِ بِالتَّاجِ الواحِد. ونَصَبَ العَمودَينِ في رِواقِ الهَيكل، نَصَبَ العَمودَ الأَيمَنَ وسَمَّاه بِٱسمِ ياكين، ونَصَبَ العَمودَ الأَيسَرَ وسَمَّاه بِٱسمِ بوعَز. وعلى رأسِ العَمودَينِ كانَ شَكلُ سوسَن. وهٰكذا تَمَّ صُنعُ العَمودَين. وصَنَعَ البَحرَ مَسْبوكًا مُستَديرًا، قُطرُه مِن شَفَةٍ إِلى شَفَةٍ عَشرُ أَذرُع، وعُلُوُّه خَمسُ أَذرُع، ومُحيطُه خَيطٌ طولُه ثَلاثونَ ذِراعًا. وكانَ تَحتَ شَفَتِه مِن كُلِّ جِهَةٍ قِثَّاءٌ يُحيطُ به، لِكُلِّ ذِراعٍ عَشرٌ على صَفَّينِ مُحيطَينِ بِالبَحرِ كُلِّه، والقِثَّاءُ مَسْبوكٌ معَه في سَبْكٍ واحِد. وكانَ قائِمًا على ٱثنَي عَشَرَ ثَورًا، ثَلاثَةٌ مِنها وُجوهُها نَحوَ الشَّمال، وثَلاثَةٌ نَحوَ الغَرْب، وثَلاثَةٌ نَحوَ الجَنوب، وثَلاثَةٌ نَحوَ الشَّرْق، والبَحرُ علَيها، وجَميعُ مُؤَخَّراتِها إِلى الدَّاخِل. وكانَ سُمكُه شِبرًا، وشَفَتُه كَشَفَةِ كأسٍ على مِثالِ زَهرِ السَّوسَن، وكانَ يَسَعُ أَلفَي بَثّ. وصَنَعَ القَواعِدَ العَشرَ مِن نُحاس، طولُ القاعِدَةِ الواحِدَةِ أَربَعُ أَذرُع، وعَرضُها أَربَعُ أَذرُع، وعُلُوُّها ثَلاثُ أَذرُع. وهٰذا صُنعُ القَواعِد: كانَت لَها أَلْواح، وكانَتِ الأَلْواحُ في وَسَطِ أُطُر. وعلى الأَلْواحِ الَّتي في وَسَطِ الأُطُرِ أُسودٌ وثيرانٌ وكَروبين، وعلى الأُطُرِ مِن فَوقِ الأُسودِ والثِّيرانِ ومِن تَحتِها حِبالُ زُهورٍ مَطْروقة. وكانَت لِكُلِّ قاعِدَةٍ أَربَعُ عَجَلاتٍ مِن نُحاسٍ بِمَحاوِرَ مِن نُحاس، ولِزَواياها الأَربَعِ أَكْتافٌ مَسْبوكَةٌ تَحتَ الحَوض، الواحِدَةُ بإِزاءِ الأُخْرى. وكانَ فَمُ القاعِدَةِ في داخِلِ إِطارٍ وكان يَفوقُه بِذِراع، وكانَ مُستَديرًا على شَكلِ قاعِدَةٍ مِن ذِراعٍ ونِصفِ ذِراع. وعلى الفَمِ أَيضًا كانَت نُقوش، غَيرَ أَنَّ أَلْواحَها كانَت مُربَّعةً لا مُدَوَّرة. وكانَتِ العَجَلاتُ الأَربَعُ تَحتَ الأَلْواح، وأَلسِنَةُ العَجَلاتِ في القاعِدَة، وعُلُوُّ العَجَلَةِ الواحِدَةِ ذِراعٌ ونِصفُ ذِراع. وصُنعُ العَجَلاتِ كصُنعِ عَجَلاتِ المَركَبَة، أَلسِنَتُها وأُطُرُها وبَرامِقُها وقُبوبُها كُلُّ ذٰلك مَسْبوك. وكانَت أَربَعُ أَكْتافٍ في الزَّوايا الأَربَعِ مِن كُلِّ قاعِدَة، وأَكْتافُ القاعِدَةِ جُزءٌ مِنها. وفي أَعْلى القاعِدَةِ تَقَبُّبٌ مُسْتَديرٌ على عُلُوِّ نِصفِ ذِراع، وفي أَعْلى القاعِدَةِ أَلسِنَةٌ وأَلْواحٌ جُزءٌ مِنها. ونَقَشَ على ظاهِرِ أَلسِنَتِها وعلى أَلْواحِها كَروبينَ وأُسودًا ونَخيلًا، بِحَسَبِ ما وُسِعَ كُلٌّ مِنها، وحِبالَ زُهورٍ مِن حَولِها. كذٰلك صَنَعَ القَواعِدَ العَشرَ، لِجَميعِها سَبكٌ واحِدٌ وقِياسٌ واحِدٌ وصَوغٌ واحِد. ثُمَّ صَنَعَ عَشرَةَ أَحواضٍ مِن نُحاس، كُلٌّ مِنها يَسَعُ أَربَعينَ بَثًّا. وكانَ كُلُّ حَوضٍ أَربَعَ أَذرُع، وكانَ على كُلِّ قاعِدَةٍ مِنَ القَواعِدِ العَشرِ حَوض. وجَعَلَ القَواعِدَ خَمسًا على الجانِبِ الأَيمَنِ مِنَ البَيت وخَمسًا على الجانِبِ الأَيسَر، وجَعَلَ البَحرَ في الجانِبِ الأَيمَنِ مِنَ البَيتِ إِلى الشَّرقِ مِن جِهَةِ الجَنوب. وصَنَعَ حيرامُ القُدورَ والمَجارِفَ والكُؤُوس. وٱنتهى حيرامُ مِن كُلِّ العَمَلِ الَّذي عَمِلَه لِلمَلِكِ سُلَيمانَ لأَجلِ بَيتِ الرَّبّ: العَمودَينِ وقالَبَيِ التَّاجَينِ اللَّذَينِ على رَأسِ العَمودَينِ والحَبيكَتَينِ المُغَطِّيَتَينِ لِقالَبَيِ التَّاجَين، والرُّمَّاناتِ الأَربَعِ مِئَةً الَّتي لِلحَبيكَتَين، صَفَّينِ مِنَ الرُّمَّانِ لِكُلِّ حَبيكَة، لِتَغطِيَةِ التَّاجَينِ اللَّذَينِ على العَمودَين، والقَواعِدِ العَشرِ والأَحواضِ العَشَرَةِ الَّتي على القَواعِد، والبَحرِ الوَحيدِ والثِّيرانِ الِٱثنَي عَشَرَ الَّتي تَحتَ البَحْر، والقُدورِ والمَجارِفِ والكُؤُوسِ وجَميعِ الأَدَواتِ الَّتي صَنَعَها حيرامُ لِلمَلِكِ سُلَيمانَ لأَجلِ بَيتِ الرَّبِّ مِن نُحاسٍ مَصْقول. سَبَكَها المَلِكُ في بُقعَةِ الأُردُنّ، في أَرضٍ خَزَفِيَّة، بَينَ سُكُّوتَ وصَرْتان. وأَهمَلَ سُلَيمانُ وَزنَ جَميعِ الأَدَوات، لأَنَّها كانَت كَثيرةً جِدًّا جِدًّا، حتَّى كانَ وَزنُ النُّحاسِ لا يُقَدَّر. وصَنَعَ سُلَيمانُ جَميعَ أَدَواتِ بَيتِ الرَّبّ: المَذبَحَ مِنَ الذَّهَب، والمائِدَةَ الَّتي علَيها الخُبزُ المُقَدَّسُ مِنَ الذّهَب، والمَنائِرُ مِن ذَهَبٍ خالِص، خَمسًا عنِ اليَمينِ وخَمسًا عنِ الشِّمالِ أَمامَ المِحْراب، والأَزْهارَ والسُّرُجَ والمَقاصَّ مِنَ الذَّهَب، والطُّسوتَ والمَقاريضَ والكُؤُوسَ والقِصاعَ والمَجامِرَ مِن ذَهَبٍ خالِص، والمَفاصِلَ لِمَصاريعِ البَيتِ الدَّاخِلِيِّ وهو قُدسُ الأَقْداس، ولِمَصاريعِ البَيتِ وهو الهَيكل، مِن ذَهَب. ولَمَّا أُكمِلَ كُلُّ العَمَلِ الَّذي صَنَعَه المَلِكُ سُلَيمانُ لأَجلِ بَيتِ الرَّبّ، أَدخَلَ سُلَيمانُ أَقْداسَ داوُدَ أَبيه مِنَ الفِضَّةِ والذّهَبِ والأَدَوات، وجَعَلَها في خَزائِنِ بَيتِ الرَّبّ. حينَئِذٍ جَمَعَ المَلِكُ سُلَيمانُ إِلَيه شُيوخَ إِسْرائيلَ وجَميعَ رُؤَساءِ الأَسْباطِ وعُظَماءَ آباءِ بَني إِسْرائيلَ في أُورَشَليم، لِيُصعِدوا تابوتَ عَهدِ الرَّبِّ مِن مَدينَةِ داوُدَ الَّتي هي صِهْيون. فٱجتَمَعَ إِلى سُلَيمانَ المَلِكِ جَميعُ رِجالِ إِسْرائيلَ في العيد، في شَهرِ الإِيتانيم وهو الشَّهرُ السَّابع. وجاءَ جَميعُ شُيوخِ إِسْرائيل، وحَمَلَ الكَهَنَةُ التَّابوت، وأَصعَدوا تابوتَ الرَّبِّ وخَيمَةَ المَوعِد، وكُلُّ أَمتِعَةِ القُدسِ الَّتي في الخَيمَةِ أَصعَدَها الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّون. وكانَ المَلِكُ سُلَيمانُ وكُلُّ جَماعَةِ إِسْرائيلَ الَّتي ٱجتَمَعَت إِلَيه أَمامَ التَّابوت يَذبَحون مِنَ الغَنَمِ والبَقَرِ ما لا يُحْصى ولا يُعَدُّ لِكَثْرَتِه. وأَدخَلَ الكَهَنَةُ تابوتَ عَهدِ الرَّبِّ إِلى مَكانِه في مِحْرابِ البَيت، في قُدسِ الأَقْداس، تَحتَ أَجنِحَةِ الكَروبَين، لأَنَّ الكَروبَينِ كانا باسِطَينِ أَجنِحَتَهما على مَكانِ التَّابوت، وكان الكَروبانِ يُظَلِّلانِ التَّابوتَ وقُضْبانَه مِن فَوقِه. وكانَتِ القُضبانُ طَويلَةً حتَّى كانَت رُؤُوسُها تُرى مِنَ القُدسِ في مُقَدَّمِ المِحْراب، ولَم تَكُنْ تُرى مِن خارِج، وهي هُناكَ إِلى هٰذا اليَوم. ولَم يَكُنْ في التَّابوتِ إِلاَّ لَوحا الحَجَرِ اللَّذانِ وَضَعَهما فيه موسى في حوريب، حيثُ عاهَدَ الرَّبُّ بني إِسْرائيلَ عِندَ خُروجِهم مِن أَرضِ مِصْر. وكانَ، لَمَّا خَرَجَ الكَهَنَةُ مِنَ القُدْس، أَنَّ الغَمامَ مَلَأَ بَيتَ الرَّبّ. فلَم يَستَطِعِ الكَهَنَةُ أَن يَقِفوا لِلخِدمَةِ بِسَبَبِ الغَمام، لأَنَّ مَجدَ الرَّبِّ قد مَلَأَ بَيتَ الرَّبّ. حينَئِذٍ قالَ سُلَيمان: «قالَ الرَّبُّ إِنَّه يَسكُنُ في الغَيمِ المُظلِم وإِنِّي قد بَنَيتُ لَكَ بَيتَ بَهاء مَكانًا لِسُكْناكَ لِلأَبَد». والتَفَتَ المَلِكُ وبارَكَ جَماعَةَ إِسْرائيلَ كُلَّها، وكانَت جَماعةُ إِسْرائيلَ كُلُّها واقِفَة، وقال: «تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيلَ الَّذي تَكَلَّم بِفَمِه مع داوُدَ أَبي وأَتَمَّ بِيَدِه ما وَعَدَ بِه مُنذُ يَومَ أَخرَجتُ شَعْبي إِسْرائيلَ مِن مِصرَ، لم أَختَرْ مَدينةً في جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ لِيُبْنى فيها بَيتٌ يَكونُ ٱسْمي فيه، بلِ ٱختَرتُ داوُدَ لِيَكونَ على رَأسِ شَعْبي إِسْرائيل. وقد كانَ في قَلبِ داوُدَ أَبي أن يَبنِيَ بَيتًا لِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل. فقالَ الرَّبُّ لِداوُدَ أَبي: لأَنَّه كان في قَلبِكَ أَن تَبنِيَ بَيتًا لِٱسْمي، فأَحسَنتَ حَيثُ كانَ ذٰلك في قَلبِكَ. ولٰكِن لا تَبْني أَنتَ البَيت، بلِ ٱبنُكَ الَّذي يَخرُجُ مِن صُلبِكَ هو يَبْني بَيتًا لِٱسْمي. وقد أَتَمَّ الرَّبُّ القولَ الَّذي قالَه، فقُمتُ أَنا مَكانَ داوُدَ أَبي وجَلَستُ على عَرشِ إِسْرائيل، كما قالَ الرَّبّ، وبَنَيتُ البَيتَ لِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل. وجَعَلتُ هُناكَ مَكانًا لِلتَّابوتِ الَّذي فيه عَهدُ الرَّبِّ الَّذي قَطَعَه لِآبائِنا، حينَ أَخرَجَهم مِن أَرضِ مِصْر». ثُمَّ قامَ سُلَيمانُ أَمامَ مَذبَحِ الرَّبّ، أَمامَ جَماعَةِ إِسْرائيلَ كُلِّها، وبَسَطَ يَدَيه نَحوَ السَّماء، وقال: «أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، لَيسَ إِلٰهٌ مِثلَكَ في السَّماءِ مِن فوقُ ولا في الأَرضِ مِن أَسفَل، حافِظُ العَهدِ والرَّحمَةِ لِعَبيدِكَ الَّذينَ يَسلُكونَ أَمامَكَ بِكُلِّ قُلوبهم، الَّذي حَفِظَ لِعَبدِه داوُدَ أَبي ما كَلَّمَه بِه، فتَكَلَّمَ بِفَمِه وأَتَمَّ بِيَدِه ما وَعَدَ به كما هو اليَوم. والآنَ، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، اِحفَظْ لِعَبدِكَ داوُدَ أَبي ما كَلَّمتَه بِه قائِلًا: لا يَنقَطِعُ لَكَ رَجُلٌ مِن أَمامي يَجلِسُ على عَرشِ إِسْرائيل، إِن حَفِظَ بَنوكَ طَريقَهم سائرينَ أَمامي كما سِرتَ أَنتَ أَمامي. والآن، يا إِلٰهِ إِسْرائيل، لِيَتَحَقَّقْ قَولُكَ الَّذي كَلَّمتَ بِه عَبدَكَ داوُدَ أَبي. فإِنَّه هل يَسكُنُ اللهُ حَقًّا على الأَرْض؟ إِنَّ السَّمٰواتِ وسَمَواتِ السَّمَواتِ لا تَسَعُكَ، فكَيفَ يَسَعُكَ هٰذا البَيتُ الَّذي بَنَيتُه؟ إِلتَفِتْ إِلى صَلاةِ عَبدِكَ وتَضَرُّعِه، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، وٱسمَعِ الهُتافَ والصَّلاةَ اللَّذَينِ يُصَلِّي بِهما عَبدُكَ أَمامَكَ اليَوم. لِتَكُنْ عَيناكَ مَفْتوحَتَينِ على هٰذا البَيتِ اللَّيلَ والنَّهار، على المَكانِ الَّذي قُلتَ: يَكونُ ٱسْمي فيه، لِتَسمَعَ الصَّلاةَ الَّتي يُصَلِّيها عَبدُكَ نَحوَ هٰذا المَكان. وٱستَجِبْ تَضَرُّعَ عَبدِكَ وشَعبِكَ إِسْرائيل، إِذا صَلَّوا نَحوَ هٰذا المَكان، وٱسمَعْ أَنتَ مِن مَكانِ سُكْناكَ في السَّماء، وإِذا سَمِعتَ فٱغفِرْ. إِذا أَساءَ أَحَدٌ إِلى قَريبِه وأُوجِبَ علَيه يَمينُ اللَّعنةِ، وأَتى لِيَحلِفَ أَمامَ مَذبَحِكَ في هٰذا البَيت، فٱسمَعْ أَنتَ مِنَ السَّماءِ وٱعمَلْ وٱقضِ بَينَ عَبيدِكَ بأن تَحكُمَ على الشِّرِّير وتَجعَلَ سُلوكَه على رَأسِه وتُزَكِّيَ البارَّ وتُعطِيَه بِحَسَبِ بِرِّه. وإِذا ٱنَهَزَمَ شَعبُكَ إِسْرائيلُ أَمامَ أَعْدائِه بِسَبَبِ خَطيئَتِه إِلَيكَ، ورَجَعَ إِلَيكَ وٱعتَرَفَ بِٱسمِكَ وصَلَّى وتَضَرَّعَ إِلَيكَ في هٰذا البَيت، فٱسمَعْ أَنتَ مِنَ السَّماء، وٱغفِرْ خَطيئَةَ شَعبِكَ إِسْرائيل، وأَرجِعْه إِلى الأَرضِ الَّتي أَعطَيتَ آباءَه إِيَّاها. وإِذا ٱحتَبَسَتِ السَّماءُ ولَم يَكُنْ مَطَرٌ بِسَبَبِ خَطيئَتِه إِلَيكَ، وصَلَّى نَحوَ هٰذا المَكان، وٱعتَرَفَ بِٱسمِكَ ورَجَعَ عن خَطيئَتِه لأَنَّكَ ٱبتَلَيتَه، فٱسمَعْ أَنتَ مِنَ السَّماءِ وٱغفِرْ خَطيئَةَ عَبيدِكَ وشَعبِكَ إِسْرائيل، وعَلِّمْه الطَّريقَ الصَّالِحَ الَّذي يَسيرُ فيه، وأَنزِلْ مَطَرًا على أَرضِكَ الَّتي أَعطَيتَ شَعبَكَ إِيَّاها ميراثًا. وإِذا حَدَثَت في الأَرضِ مَجاعَةٌ أَو طاعونٌ أَو صَدَأٌ أَو ذُبولٌ أَو جَرادٌ أَو دَبًى، أَو إِذا حاصَرَه أَعْداؤُه في إِحْدى مُدُنِه، ومَهْما ٱبتُلِيَ بِه من ضَربَةٍ أَو مَرَض، فكُلُّ صَلاةٍ وكُلُّ تَضَرُّعٍ مِن أَيِّ إِنْسانٍ كانا مِن كُلِّ شَعبِكَ إِسْرائيلَ الَّذي يَعرِفُ كُلُّ واحِدٍ وَخزَ ضَميرِه، فيَبسُطُ يَدَيه نَحوَ هٰذا البَيت، فٱسمَعْ أَنْتَ مِنَ السَّماءِ، مكانِ سُكْناكَ، وٱغفِرْ وٱعْمَلْ وٱجْزِ كُلَّ واحِدٍ بِحَسَبِ طُرُقِه، لأَنَّكَ تَعرِفُ قَلبَه ولأَنَّكَ أَنتَ وَحدَكَ تَعرِفُ قُلوبَ جَميعِ بَني البَشَر، لِيَتَّقوكَ كُلَّ الأَيَّامِ الَّتي يَحْيَونَ فيها على وَجهِ الأَرضِ الَّتي أَعطَيتَ آباءَنا إِيَّاها. وكذٰلِكَ الغَريبُ الَّذي لَيسَ مِن شَعبِكَ إِسْرائيل، والآتي مِن أَرضٍ بَعيدةٍ مِن أَجلِ ٱسمِكَ، لَسَماعِه بِٱسمِكَ العَظيم ويَدِكَ القَديرة وذِراعِكَ المَبْسوطة، فيَأتي ويُصَلِّي نَحوَ هٰذا البَيت، فٱسمَعْ أَنتَ مِنَ السَّماءِ مِن مَكانِ سُكْناكَ، وٱصنَعْ بِحَسَبِ كُلِّ ما يَدْعوكَ فيه الغريب لِيَعرِفَ جَميعُ شُعوبِ الأَرضِ ٱسمَكَ ويَتَّقوكَ مِثلَ شَعبِكَ إِسْرائيل، ويَعلَموا أَنَّ ٱسمَكَ قد أُطلِقَ على هٰذا البَيتِ الَّذي بَنَيتُه. وإِذا خَرَجَ شَعبُكَ إِلى الحَرْبِ على أَعْدائِه، في الطَّريقِ الَّذي تُرسِلُه فيه، وصَلَّى إِلى الرَّبِّ جِهَةَ المَدينَةِ الَّتي ٱختَرْتَها والبَيتِ الَّذي بَنَيتُه لِٱسمِكَ، فٱسمَعْ أَنتَ مِنَ السَّماءِ صَلاتَه وتَضَرُّعَه وأَنْصِفْه. وإِذا خَطِئَ إِلَيكَ، لأَنَّه لَيسَ إِنْسانٌ لا يَخطَأ، وغَضِبتَ علَيه وأَسلَمتَه إِلى أَعدائه، وجَلاه جالوه إِلى أَرضِ أَعْداءٍ بَعيدةٍ أَو قَريبة، ثُمَّ رَجَعَ إِلى نَفسِه في الأَرضِ الَّتي جُلِيَ إِلَيها، فتابَ وتَضَرَّعَ إِلَيكَ في أَرضِ جَلائِه وقال: قد خَطِئتُ، قد أَثِمتُ، قد أَسَأتُ، ورَجَعَ إِلَيكَ بِكُلِّ قَلبِه ونَفسِه في أَرضِ أَعدائِه الَّذينَ جَلَوه، وصَلَّى إِلَيكَ جِهَةَ أَرضِه الَّتي أَعطَيتَ آباءَه إِيَّاها والمَدينَةِ الَّتي ٱختَرتَها والبَيتِ الَّذي بَنيتُه لِٱسمِكَ، فٱسمَعْ مِنَ السَّماءِ، مَكانِ سُكْناكَ، صَلاتَه وتَضَرُّعَه وأَنْصِفْه. وٱغفِرْ لِشَعبِكَ الَّذي خَطِئَ إِلَيكَ جَميعَ مَعصِياتِه الَّتي عَصاكَ بِها، وآتِه رَحمَةً مِن قِبَلِ الَّذينَ جَلَوه فيَرحَموه، لأَنَّه شَعبُكَ وميراثُكَ الَّذي أَخرَجتَه مِن مِصرَ مِن وَسَطِ أَتُّونَ الحَديد. لِتَكُنْ عَيناكَ مَفْتوحَتَينِ نَحوَ تَضَرُّعِ عَبدِكَ وتَضَرُّعِ شَعبِكَ إِسْرائيل، لِتَسْمَعَ إِلَيه في كُلِّ ما يَدْعوكَ فيه، لأَنَّكَ أَنتَ أَفرَدتَه لَكَ ميراثًا مِن بَينِ جَميعِ شُعوبِ الأَرض، كما تَكَلَّمتَ على لِسانِ موسى عَبدِكَ، حينَ أَخرَجتَ آباءَنا مِن مِصرَ، أَيُّها الرَّبُّ الإلٰه». فلَمَّا أَتَمَّ سُلَيمانُ الصَّلاةَ إِلى الرَّبِّ بِكُلِّ هٰذه الصَّلاةِ والتَّضَرُّع، قامَ مِن أَمامِ مَذبَحِ الرَّبّ، حَيثُ كانَ جاثِيًا على رُكبَتَيه، ويَداه مَبْسوطَتانِ نَحوَ السَّماء. ووَقَفَ وبارَكَ جَماعَةَ إِسْرائيلَ كُلَّها بِصَوتٍ عالٍ وقال: «تَبارَكَ الرَّبُّ الَّذي وَهَبَ الرَّاحَةَ لِشَعبِه إِسْرائيلَ بِحَسَبِ كُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه، ولم تَسقُطْ كَلِمَةٌ واحِدَةٌ مِن جَميعِ الأَقْوالِ الصَّالِحَةِ الَّتي قالَها على لِسانِ موسى عَبدِه. لِيَكُنِ الرَّبُّ إِلٰهُنا معَنا، كما كانَ مع آبائِنا، ولا يَترُكْنا ولا يَهجُرْنا. وَليَمِلْ بِقُلوبِنا إِلَيه، لِنَسيرَ في جَميعِ طُرُقِه ونَحفَظَ وَصاياه وفَرائِضَه وأَحْكامَه الَّتي أَمَرَ بِها آباءَنا. ولْتَكُنْ أَقْوالي هٰذهِ الَّتي تَضَرَّعتُ بِها إِلى الرَّبِّ قَريبةً مِنَ الرَّبِّ إِلٰهِنا نَهارًا ولَيلًا، لِيُنصِفَ عَبدَه وشَعبَه إسْرائيل، أَمرَ كُلِّ يَومٍ في يَومِه، لِتَعلَمَ جَميعُ شُعوبِ الأَرضِ أَنَّ الرَّبَّ هو الإلٰه ولَيسَ غَيرُه. فَلْتَكُنْ قُلوبُكم بِكامِلِها لِلرَّبِّ إِلٰهِنا لِتَسيروا في فَرائِضِه وتَحفَظوا وَصاياه كما أَنتُمُ اليَوم». كانَ المَلِكُ وجَميعُ إِسْرائيلَ معَه يَذبَحونَ ذَبائِحَ أَمامَ الرَّبّ. وذَبَحَ سُلَيمانُ ذَبائِحَ سَلامِيَّةً لِلرَّبّ، اِثنَينِ وعِشْرينَ أَلفًا مِنَ البَقَر ومِئَةً وعِشْرينَ أَلفًا مِنَ الغَنَم، ودَشَّنَ المَلِكُ وجَميعُ بَني إِسْرائيلَ بَيتَ الرَّبّ. وفي ذٰلك اليَومَ، قَدَّسَ المَلِكُ وَسَطَ الدَّارِ الَّتي أَمامَ بَيتِ الرَّبّ، لأَنَّه قَرَّبَ المُحرَقَةَ والتَّقدِمَةَ وشُحومَ الذَّبائِحِ السَّلامِيَّةِ هُناكَ، لأَنَّ مَذبَحَ النُّحاسِ الَّذي كانَ أَمامَ الرَّبّ كانَ أَصغَرَ مِن أَن يَسَعَ المُحرَقاتِ والتَّقادِمَ وشُحومَ الذَّبائِحِ السَّلامِيَّة. وأَقامَ سُلَيمانُ العيدَ في ذٰلك الوَقت، ومعَه إِسْرائيلُ كُلُّه جَماعَةٌ عَظيمة، مِن مَدخَلِ حَماةَ إِلى وادي مِصْر، أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِنا، سَبعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ سَبْعَةَ أَيَّام، أَي أَربَعَةَ عَشَرَ يَومًا. وفي اليَومِ الثَّامِن، صَرَفَ الشَّعبَ، فبارَكَ الشَّعبُ المَلِك، وذَهَبَ إِلى خِيامِه فَرِحًا طَيِّبَ القَلْب، بِسَبَبِ كُلِّ ما صَنَعَه الرَّبُّ مِنَ الخَيرِ لِداوُدَ عَبدِه ولإسْرائيلَ شَعبِه. ولَمَّا ٱنتهى سُلَيمانُ مِن بِناءِ بَيتِ الرَّبِّ وبِناءِ بَيتِ المَلِكِ وكُلِّ ما أَحَبَّ سُلَيمانُ أَن يَعمَلَه، تَراءَى الرَّبُّ لِسُلَيمانَ ثانِيَةً، كما تَراءَى لَه في جِبْعون. وقالَ لَه الرَّبّ: «قد سَمِعتُ صَلاتَكَ وتَضَرُّعَكَ الَّذي تَضَرَّعتَ بِه أَمامي، وقد قَدَّستُ هٰذا البَيتَ الَّذي بَنَيتَه لأَجعَلَ فيه ٱسْمي لِلأَبَد، وستَكونُ عَينايَ وقَلْبي هُناكَ كُلَّ الأَيَّام. وأَنتَ إِن سِرتَ أَمامي كما سارَ داوُدُ أَبوكَ بِكَمالِ القَلبِ والِٱستِقامة، وعَمِلتَ بِكُلِّ ما أَمَرتُكَ بِه وحَفِظتَ فَرائضي وَأَحْكامي، أُثَبِّتُ عَرْشَ مُلكِكَ على إِسْرائيلَ لِلأَبَد، كما كَلَّمتُ داوُدَ أَباكَ قائِلًا: لا يَنقَطِعُ لَكَ رَجُلٌ عن عَرشِ إِسْرائيل. وإِنِ ٱرتَدَدتُمُ ٱرتِدادًا عنِ السَّيرِ وَرائي أَنتُم وبَنوكم، ولَم تَحفَظوا وَصايايَ وفَرائِضي الَّتي جَعلتُها نُصبَ عُيونِكم، وذَهَبتُم وعَبَدتُم آلِهَةً أُخْرى وسَجَدتُم لها، فإِنِّي أَقرِضُ إِسْرائيلَ عن وَجهِ الأَرضِ الَّتي أَعطَيتُه إِيَّاها، والبَيتُ الَّذي قَدَّستُه لِٱسْمي أَنبِذُه مِن حَضرَتي، فيَكونُ إِسْرائيلُ حَديثًا وسُخرِيَّةً بَينَ الشُّعوبِ بِأَسرِها. وهٰذا البَيتُ يَكونُ خَرابًا، فكُلُّ مَن مَرَّ بِه يَنذَهِلُ ويُصَفِّرُ ويَقول: لِماذا فَعَلَ الرَّبُّ هٰكَذا بِهٰذه الأَرضِ وهٰذا البَيت؟ فيُجاب: لأَنَّهم تَرَكوا الرَّبَّ إِلٰهَهمُ الَّذي أَخرَجَ آباءَهم مِن أَرضِ مِصْر، لِذٰلك أَنزَلَ بِهِمِ الرَّبُّ كُلَّ هٰذا البَلاء». وكانَ بَعدَ عِشْرينَ سَنَةً مِن بِناءِ سُلَيمانَ البَيتَين، بَيتَ الرَّبِّ وبَيتَ المَلِك، (كانَ حيرامُ، مَلِكُ صور، قد أَمَدَّ سُلَيمانَ بِخَشَبِ أَرزٍ وسَروٍ وبِذَهَبٍ على حَسَبِ كُلِّ ما طابَ لَه)، أَنَّ المَلِكَ سُلَيمانَ أَعْطى حيرامَ عِشْرينَ مَدينةً في أَرضِ الجَليل. فخَرَجَ حيرامُ مِن صورَ لِيَرى المُدُنَ الَّتي أَعْطاه إِيَّاها سُلَيمان، فلَم تَحسُنْ في عَينَيه. فقالَ لَه: «ما هٰذه المُدُنُ الَّتي أَعطَيتَني إِيَّاها، يا أَخي؟» وسَمَّاها أَرضَ كابولَ إِلى اليَوم. وكانَ الذَّهَبُ الَّذي أَرسَلَه حيرامُ إِلى المَلِكِ مِئَةً وعِشْرينَ قِنْطارًا. وهٰكذا كانَ أَمرُ التَّسْخيرِ الَّذي فَرَضَه المَلِكُ سُلَيمانُ لأَجلِ بِناءِ بَيتِ الرَّبِّ وبَيتِه وبِناءِ مِلُّوَ وسورِ أُورَشَليم وحاصورَ ومَجِدُّو وجازَرَ (كانَ فِرعَونُ، مَلِكُ مِصرَ، قد صَعِدَ إِلى جازَرَ وأَخَذَها وأَحرَقَها بِالنَّار، وقَتَلَ الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ في المَدينة، ووَهَبَها مَهرًا لِٱبنَتِه زَوجَةِ سُلَيمان. فأَعادَ سُلَيمانُ بِناءَ جازَر) وبَيتِ حورونَ السُّفْلى وبَعلَتَ وتامارَ في أَرضِ البَرِّيَّة، وجَميعِ مُدُنِ الخَزنِ الَّتي كانَت لِسُليمان، ومُدُنِ المَركَباتِ ومُدُنِ الخَيلِ وكُلِّ ما أَحَبَّ سُلَيمانُ أَن يَبنِيَ في أُورَشَليمَ ولُبْنانَ وكُلِّ أَرضِ سُلْطانِه. فسَخَّرَ الشَّعبَ الَّذي بَقِيَ مِنَ الأَمورِيِّينَ والحِثِّيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّينَ الَّذينَ لم يَكونوا مِن بَني إِسْرائيل، بَنيهِمِ الَّذينَ بَقوا مِن بَعدِهم في الأَرض، وهُمُ الَّذينَ لم يَستَطِعْ بَنو إِسْرائيلَ أَن يُحَرِّموهم، فَرَضَ علَيهم سُلَيمانُ سُخرَةَ عُبودِيَّةٍ إِلى هٰذا اليَوم. وأَمَّا بَنو إِسْرائيلَ فلَم يَجعَلْ مِنهم عَبيدًا، لأَنَّهم رِجالُ حَربٍ لَه وخُدَّامٌ وقُوَّادٌ وضُبَّاطٌ ورُؤَساءُ لِمَركَباتِه وفُرْسانِه. وهٰؤُلاءِ هُمُ الرُّؤَساءُ المُحافِظونَ على أَعْمالِ سُلَيمان: خَمسُ مِئَةٍ وخَمْسونَ رَجُلًا مُسَلَّطونَ على القَومِ القائِمينَ بِالعَمَل. فأَمَّا بِنتُ فِرعَونَ فصَعِدَت مِن مَدينَةِ داوُدَ إِلى بَيتِها الَّذي بَناه لَها. وحينَئِذٍ بَنى مِلُّو. وكانَ سُلَيمانُ يُصعِدُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ في السَّنَةِ مُحرَقاتٍ وذَبائِحَ سَلامِيَّةً على المَذبَحِ الَّذي بَناه لِلرَّبّ، وكانَ يُحرِقُ الذَّبيحَةَ بِالنَّارِ أَمامَ الرَّبّ، وأَكْمَلَ البَيت. وبَنى المَلِكُ سُلَيمانُ أُسْطولًا في عَصيونَ جابَرَ الَّتي بِجانِبِ أَيلَة، عِندَ شاطِئِ بَحرِ القَصَبِ في أَرضِ أَدوم. فأَرسَلَ حيرامُ رِجالَه في السُّفُنِ مع رِجالِ سُلَيمان، وهُم قَومٌ مَلاَّحونَ عارِفونَ بِالبَحْر. فأَتَوا أُوفيرَ وأَخَذوا مِن هُناكَ أَربَعَ مِئةٍ وعِشْرينَ قِنْطارًا مِنَ الذَّهَب، وأَتَوا بِها إِلى المَلِكِ سُلَيمان. وسَمِعَت مَلِكَةُ سَبَأَ بِخَبَرِ سُلَيمانَ بِفَضلِ ٱسمِ الرَّبّ، فقَدِمَت لِتَختَبِرَه بِأَلْغاز. فدَخَلَت أُورَشَليمَ في مَوكِبٍ عَظيمٍ جِدًّا، مِن جِمالٍ مُحَمَّلةٍ أَطْيابًا وذَهَبًا كَثيرًا جِدًّا وحِجارةً كَريمة، وأَتَت سُلَيمانَ وكَلَّمَته بِكُلِّ ما كانَ في خاطِرِها. ففَسَّرَ لَها سُلَيمانُ جَميعَ أَسئِلَتِها، ولم يَخفَ على المَلِكِ شَيءٌ لم يُفَسِّرْه لَها. ورَأَت مَلِكَةُ سَبَأَ كُلَّ حِكمَةِ سُلَيمانَ والبَيتَ الَّذي بَناه، وطَعامَ مائِدَتِه ومَسكِنَ مُوَظَّفيه وقِيامَ خُدَّامِه ولِباسَهم وسُقاتَه ومُحرَقاتِه الَّتي كانَ يُصعِدُها في بَيتِ الرَّبّ، فلَم يَبقَ فيها رُوح. وقالَت لِلمَلِك: «صَدَقَ الكَلامُ الَّذي سَمِعتُه في أَرْضي عن أَقْوالِكَ وعن حِكمَتِكَ، ولم أُصَدِّقْ ما قيلَ لي حَتَّى قَدِمتُ ورَأَيتُ بِعَينَيَّ، فإِذا بي لم أُخبَرْ بِالنِّصف، فقَد زِدتَ حِكمَةً وصَلاحًا على الخَبَرِ الَّذي سَمِعتُه. طوبى لِرِجالِكَ! وطوبى لِخُدَّامِكَ هٰؤُلاءِ القائمينَ دائِمًا أَمامَكَ يَسمَعونَ حِكمَتَكَ! تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ الَّذي رَضِيَ عنكَ وأَجلَسَكَ على عَرشِ إِسْرائيل، فإِنَّه بِسَبَبِ حُبِّ الرَّبِّ لإسْرائيلَ لِلأَبَدِ أَقامَكَ مَلِكًا لِتُجرِيَ الحَقَّ والبِرّ». وأَعطَتِ المَلِكَ مِئَةً وعِشْرينَ قِنطارَ ذَهَبٍ وأَطْيابًا كَثيرةً وحِجارةً كَريمة، ولم يَرِدْ مِن بَعدُ في الكَثرَةِ مِثلُ ذٰلك الطِّيبِ الَّذي وَهَبَته مَلِكَةُ سَبَأَ لِلمَلِكِ سُلَيمان. وكذٰلِك فإنَّ سُفُنَ حيرامَ الَّتي كانَت تَحمِلُ ذَهَبًا مِن أُوفيرَ جاءَت مِن أُوفيرَ بِخَشَبِ صَندَلٍ كَثيرٍ جِدًّا وبِحِجارَةٍ كَريمة. فعَمِلَ المَلِكُ خَشَبَ الصَّندَلِ دَرابَزينًا لِبَيتِ الرَّبِّ وبَيتِ المَلِك، وكِنَّاراتٍ وعيدانًا لِلمُغَنِّين، ولم يَرِدْ مِثلُ ذٰلكَ الخَشَبِ الصَّندَلِ ولا رُئِيَ مِثلُه إِلى هٰذا اليَوم. وأَعْطى المَلِكُ سُلَيمانُ مَلِكَةَ سَبَأَ كُلَّ ما عَبَّرَت عن رَغبَتِها فيه، فَوقَ ما أَعْطاها مِنَ العَطايا على حَسَبِ كَرَمِ المَلِكِ سُلَيمان. وٱنصَرَفَت وعادَت إِلى أَرضِها هي وحاشِيتُها. وكانَ وَزنُ الذَّهَبِ الَّذي وَرَدَ على سُلَيمانَ في سَنَةٍ واحِدَة سِتَّ مِئَةٍ وسِتَّةً وسِتِّينَ قِنْطارَ ذَهَب، ما عَدا الوارِدَ مِنَ الجَوَّالينَ التِّجارِيِّينَ ومِن رِبحِ التُّجَّارِ وجَميعِ مُلوكِ العَرَبِ ووُلاةِ البِلاد. فعَمِلَ المَلِكُ سُلَيمانُ مِئَتَي مِجنَبٍ مِن ذَهَبٍ مَطْروق، لِلمِجنَبِ الواحِدِ سِتُّ مِئَةِ مِثْقالِ ذَهَبٍ مُرَكَّب. وعَمِلَ أَيضًا ثَلاثَ مِئَةِ تُرسٍ مِن ذَهَبٍ مَطْروق، لِلتُّرسِ الواحِدِ ثَلاثَةُ قَناطيرِ ذَهَبٍ مُرَكَّب، وجَعَلَها المَلِكُ في بَيتِ غابَةِ لُبْنان. وعَمِلَ المَلِكُ عَرشًا كَبيرًا مِن عاج، ولَبَّسَه ذَهَبًا إِبْريزًا. وكانَ لِلعَرشِ سِتُّ دَرَجات، ورَأسُ العَرشِ مُدَوَّرٌ مِنَ الوَراء، وعلى جانِبَيِ المَقعَدِ يَدانِ من هُنا ومِن هُناك، وأَسَدانِ واقِفانِ عِندَ اليَدَين. وهُناكَ ٱثْنا عَشَرَ أَسَدًا واقِفَةً على الدَّرَجاتِ السِّتِّ مِن هُنا ومِن هُناك. لم يُصنَعْ لِهٰذا العَرشِ نَظيرٌ في جَميعِ المَمالِك. وكانَت جَميعُ آنِيَةِ شُربِ المَلِكِ سُلَيمانَ ذَهَبًا، وجَميعُ آنِيَةِ بَيتِ غابَةِ لُبْنانَ كانَت مِن ذَهَبٍ خالِص، لم يَكُنْ فيها فِضَّة، إِذ لم تَكُنْ الفِضَّةُ تُحسَبُ شَيئًا في أَيَّامِ سُلَيمان. لأَنَّ المَلِكَ كانَت لَه في البَحرِ سُفُنُ تَرْشيشَ مع سُفُنِ حيرام، فكانَت سُفُنُ تَرْشيشَ تأتي مَرَّةً في كُلِّ ثَلاثِ سَنَواتٍ حامِلَةً ذَهَبًا وفِضَّةً وعاجًا وقُرودًا وطَواويس. وعَظُمَ المَلِكُ سُلَيمانُ على جَميعِ مُلوكِ الأَرضِ في الغِنى والحِكمَة. وكانَتِ الأَرضُ كُلُّها تَلتَمِسُ مُواجَهَةَ سُلَيمان، لِتَسمَعَ حِكمَتَه الَّتي أَودَعَها اللهُ في قَلبِه. وكانَ كُلُّ واحِدٍ يَأتيه بِهَداياه مِن آنِيَةِ فِضَّةٍ وآنِيَةِ ذَهَبٍ ولِباسٍ وسِلاحٍ وأَطْيابٍ وخَيلٍ وبِغالٍ في كُلِّ سَنة. وجَمَعَ سُلَيمانُ مَركَباتٍ وخَيلًا، فكانَ لَه أَلفٌ وأَربَعُ مِئَةِ مَركَبَةٍ وٱثْنا عَشَرَ أَلفَ فَرَس. فأَقامَها في مُدُنِ المَركَباتِ وعِندَ المَلِكِ في أُورَشَليم. وجَعَلَ المَلِكُ الفِضَّةَ في أُورَشَليمَ مِثلَ الحِجارَة، وجَعَلَ الأَرْزَ مِثلَ الجُمَّيزِ الَّذي في السَّهلِ كَثرَةً. وكانَتِ الخَيلُ تُجلَبُ لِسُلَيمانَ مِن مِصرَ ومِن قُوى، وكانَ تُجَّارُ المَلِكِ يَشتَرونَ مِن قُوى بِثَمَنٍ مُعَيَّن. وكانَتِ المَركَبَةُ تُصعَدُ مِن مِصرَ بِسِتِّ مِئَةٍ مِنَ الفِضَّة، والفَرَسُ بِمِئَةٍ وخَمْسين. وهٰكذا كانَ شَأنُ جَميعِ مُلوكِ الحِثِّيِّينَ ومُلوكِ أَرامَ، فقد كانوا يَجلُبونَ عن يَدِهم. وأَحَبَّ المَلِكُ سُلَيمانُ نِساءً غَريبةً كَثيرةً مع ٱبنَةِ فِرعَون، مِنَ الموآبِيَّاتِ والعَمُّونِيَّاتِ والأَدومِيَّاتِ والصَّيدونِيَّاتِ والحِثِّيَّات، مِنَ الأُمَمِ الَّتي قالَ الرَّبُّ لِبَني إِسْرائيلَ في شَأنِها: «لا تَذهَبوا إِلَيهم ولا يَذهَبوا إِلَيكم، فإِنَّهم يَستَميلونَ قُلوبَكم إِلى ٱتِّباعِ آلِهَتِهم». فتَعَلَّقَ بِهِنَّ سُلَيمانُ حُبًّا لَهُنَّ. وكانَ لَه سَبعُ مِئَةِ زَوجَةٍ وثَلاثُ مِئَةِ سُرِّيَّة، فأَزاغَت نِساؤُه قَلبَه. وكانَ في زَمَنِ شَيخوخَةِ سُلَيمانَ أَنَّ أَزواجَه ٱستَمَلنَ قَلبَه إِلى ٱتِّباعِ آلِهَةٍ أُخْرى، فلَم يَكُنْ قَلبُه مُخلِصًا لِلرَّبِّ إِلٰهِه، كما كانَ قَلبُ داوُدَ أَبيه. وتَبِعَ سُلَيمانُ عَشْتاروت، إِلاهَةَ الصَّيدونِيِّين، ومِلْكوم، قَبيحةَ بَني عَمُّون. وصَنَعَ سُلَيمانُ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، ولم يَتَّبِعِ الرَّبَّ اتِّباعًا تامًّا مِثلَ داوُدَ أَبيه. حينَئِذٍ بَنى سُلَيمانُ مَشرَفًا لِكاموش، قَبيحةِ موآب، في الجَبَلِ الَّذي شَرقِيَّ أُورَشَليم، ولِمولَك، قَبيحَةِ بَني عَمُّون. وكذٰلك صَنَعَ لِجَميعِ نِسائِه الغَريباتِ اللَّواتي كُنَّ يُحرِقنَ البَخورَ ويَذبَحنَ لِآلِهَتِهنَّ. فغَضِبَ الرَّبُّ على سُلَيمان، لأَنَّ قَلبَه مالَ عنِ الرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، الَّذي تَراءَى لَه مَرَّتَين. وأَمَرَه في ذٰلك أَن لا يَتْبِعَ آلِهَةً أُخْرى، فلَم يَحفَظْ ما أَمَرَه الرَّبُّ بِه. فقالَ الرَّبُّ لِسُلَيمان: «بما أَنَّ أَمرَكَ هٰذا، وأَنتَ لم تَحفَظْ عَهْدي وفَرائِضي الَّتي أَمَرتُكَ بِها، فسأَنتَزِعُ المُلكَ عنكَ وأُسَلِّمُه إِلى عَبدِكَ. إِلاَّ أَنِّي لا أَفعَلُ ذٰلك في أَيَّامِكَ نَظَرًا لِداوُدَ أَبيكَ، بل مِن يَدِ ٱبنِكَ أَنتَزِعُه. ولا أَنتَزِعُ المُلكَ كُلَّه، ولٰكِن أُعْطي ٱبنَكَ سِبطًا واحِدًا نَظَرًا لِداوُدَ عَبْدي ونَظَرًا لأُورَشَليمَ الَّتي ٱختَرتُها». وأَثارَ الرَّبُّ خَصمًا على سُلَيمان، وهو هَدَدُ الأَدومِيّ، مِن نَسلِ مُلوكِ أَدوم، وذٰلك أَنَّه، لَمَّا كانَ داوُدُ في أَدوم، صَعِدَ يوآبُ، قائِدُ الجَيشِ، لِيَدفِنَ القَتْلى، فقَتَلَ كُلَّ ذَكَرٍ في أَدوم، لأَنَّ يوآبَ وإِسْرائيلَ كُلَّه مَكَثوا هُناكَ سِتَّةَ أَشهُر، حتَّى قَرَضوا كُلَّ ذَكَرٍ في أَدوم. فهَرَبَ هَدَدُ، هو ورِجالٌ مِن أَدوم، مِن رِجالِ أَبيه، ذاهِبينَ إِلى مِصْر، وكانَ هَدَدُ صَبِيًّا صَغيرًا. فقاموا في مِديَنَ ووَصلوا إِلى فاران، وأَخَذوا معَهم رِجالًا مِن فاران، وذَهَبوا إِلى مِصْر، إِلى فِرعَونَ، مَلِكِ مِصْر، فأَعْطى هَدَدَ بَيتًا وأَمَرَ لَه بِطَعام وأَعْطاه أَرضًا. ونالَ هَدَدُ حُظوَةً عَظيمةً في عَينَي فِرعَون، فزَوَّجَه أُختَ ٱمرَأَتِه، أُختَ تَحفَنيسَ المَلِكَةِ الأُمّ. فوَلَدَت لَه أُختُ تَحفَنيسَ جَنوبَتَ ٱبنَه، وفَطَمَته تَحفَنيسُ في بَيتِ فِرعَون. وأَقامَ جَنوبَتُ في بَيتِ فِرعَون، بَينَ بَني فِرعَون. فلَمَّا سَمِعَ هَدَدُ في مِصرَ أَنَّ داوُدَ قدِ ٱضَّجَعَ مع آبائِه وأَنَّ يوآبَ، قائِدَ الجَيشِ، قد مات، قالَ لِفِرعَون: «أَطلِقْني فأَنصَرِفَ إِلى أَرْضي». فقالَ لَه فِرعَون: «ماذا أَعوَزَكَ عِنْدي حَتَّى تَطلُبَ الِٱنصِرافَ إِلى أَرضِكَ؟» فقالَ لَه: «لا شَيء، ولٰكِن أَطلِقْني». وأَثارَ الرَّبُّ خَصمًا آخَرَ على سُلَيمان، وهو رَزونُ بنُ أَلْياداع، وكانَ قد هَرَبَ مِن عِندِ سَيِّدِه هَدَدْ عازَر، مَلِكِ صوبَة. فجَمَعَ إِلَيهِ رِجالًا وأَصبَحَ رَئيسَ عِصابَة، عِندَما كانَ داوُدُ يُدَمِّرُهم. فذَهَبوا إِلى دِمَشقَ وأَقاموا فيها ومَلَكوا في دِمَشْق. فصارَ خَصْمًا في إِسْرائيلَ كُلَّ أَيَّامِ سُلَيمان، فَضلًا عن شَرِّ هَدَد، وعادى إِسْرائيلَ ومَلَكَ على أَرام. وإِنَّ يارُبْعامَ بنَ نباطَ الأَفْرائيمِيَّ مِنَ الصَّريدة، وكانَ في خِدمَةِ سُلَيمان والَّذي ٱسمُ أُمِّه صَروعة، وهي ٱمرَأَةٌ أَرمَلَة، رَفَعَ يَدَه أَيضًا على المَلِك. وهٰذه قِصَّةُ رَفْعِه يَدَه على المَلِك: كانَ سُلَيمانُ قد بَنى مِلُّوَ وسَدَّ ثُغرَةَ مَدينَةِ داوُدَ أَبيه. وكانَ يارُبْعامُ هٰذا رَفيعَ الشَّأن، فلَمَّا رأَى سُلَيمانُ أَنَّ الفَتى يَقومُ بِعَمَلِه قِيامًا حَسَنًا، أَقامَه على كُلِّ أَعمالِ السُّخرَةِ في بَيتِ يوسُف. وفي تِلكَ الأَثْناء، خَرَجَ يارُبْعامُ مِن أُورَشَليم، فصادَفَه أَحِيَّا الشِّيلونِّيُّ النَّبِيُّ في الطَّريق، وكانَ مُرتَدِيًا بِرِداءٍ جديد، وكانا وَحدَهما في البَرِّيَّة. فقَبَضَ أَحِيَّا على الرِّداءِ الجَديدِ الَّذي علَيه فشَقَّه ٱثنَتَي عَشرَةَ قِطْعَة، وقالَ لِيارُبْعام: «خُذْ لَكَ عَشرَ قِطَع، لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا أَنتَزِعُ المُلكَ مِن يَدِ سُلَيمان، وأُعطيكَ عَشرَةَ أَسْباط، ولَه يَكونُ سِبطٌ واحِدٌ نَظَرًا لِداوُدَ عَبْدي ونَظَرًا لأُورَشَليمَ، المَدينةِ الَّتي ٱختَرتُها مِن جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيل، لأَنَّهم تَرَكوني وسَجَدوا لِعَشْتاروت، إِلاهَةِ الصَّيدونِيِّين، وكاموش، إِلٰهِ الموآبِيِّين، ومِلْكوم، إِلٰهِ بَني عَمُّون. ولم يَسيروا في طُرُقي عامِلينَ بَما هو قويمٌ في عَينَيَّ وبِفَرائِضي وأَحْكامي مِثلَ داوُدَ أَبيه. ولا آخُذُ المُلكَ كُلَّه مِن يَدِه، بل أَجعَلُه رَئيسًا كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه نَظَرًا لِداوُدَ عَبْدِيَ الَّذي ٱختَرتُه والَّذي حَفِظَ وَصايايَ وفَرائِضي. لٰكِنِّي آخُذُ المُلكَ مِن يَدِ ٱبنِه، وأُعْطيكَ مِنه عَشرَةَ أَسْباط. ولِٱبنِه أُعْطي سِبطًا واحِدًا، حتَّى يَبْقى سِراجٌ لِداوُدَ عَبْدي كُلَّ الأَيَّامِ أَمامي في أُورَشَليم، المَدينَةِ الَّتي ٱختَرتُها لي لأَجعَلَ فيها ٱسمي. وأَنتَ آخُذُكَ فتَملِكُ على كُلِّ ما تَشتَهي نَفْسُكَ، وتَكونُ مَلِكًا على إِسْرائيل. ثُمَّ إِن أَنتَ سَمِعتَ كُلَّ ما آمُرُكَ بِه وسِرتَ في طُرُقي وعَمِلتَ بِما هو قَويمٌ في عَينَيَّ، حافِظًا فَرائِضي ووَصايايَ مِثلَ داوُدَ عَبْدي، أَكونُ معكَ وأَبْني لَكَ بَيتًا ثابِتًا، كما بَنَيتُ لِداوُد، وأُعْطيكَ إِسْرائيل، وأُذِلُّ ذُرِّيَّةَ داوُدَ بِسَبَبِ ذٰلك، ولٰكِن لا كُلَّ الأَيَّام». وٱلتَمَسَ سُلَيمانُ قَتلَ يارُبْعام، فقامَ وهَرَبَ إِلى مِصرَ، إِلى شيشاق، مَلِكِ مِصْر، ومَكَثَ في مِصرَ إِلى وَفاةِ سُلَيمان. وأَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبارِ سُلَيمانَ وكُلُّ ما عَمِلَ وحِكمَتُه، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخبارِ سُلَيمان؟ وكانَت أَيَّامُ مُلكِ سُلَيمانَ في أُورَشَليمَ على كُلِّ إِسْرائيلَ أَربَعينَ سَنَة. وٱضَّجَعَ سُلَيمانُ مع آبائِهِ ودُفِنَ في مَدينَةِ داوُدَ أَبيه، ومَلَكَ رَحَبْعامُ ٱبنُه مَكانَه. ومَضى رَحَبْعامُ إِلى شَكيم، لأَنَّه كانَ قدِ ٱجتَمَعَ إِسْرائيلُ كُلُّه في شَكيمَ لِيُمَلِّكَه. (وسَمِعَ يارُبْعامُ بنُ نَباط، وهو لا يَزالُ في مِصرَ، لأَنَّه كانَ قد هَرَبَ مِن وَجهِ سُلَيمانَ المَلِكِ وأَقامَ في مِصر. فبَعَثوا إِلَيه ودَعَوه. فأَقبَلَ يارُبْعام، هو وجَماعةُ إِسْرائيلَ كُلُّها)، وخاطَبوا رَحَبْعامَ قائِلين: «إنَّ أَباكَ قد ثَقَّلَ نيرَنا، وأَنتَ فخَفِّفِ الآنَ مِن عُبودِيَّةِ أَبيكَ الشَّاقَةِ ونيرِه الثَّقيلِ الَّذي وَضَعَه علَينا فنَخدُمَك». فقالَ لَهم: «أُمْضوا إِلى ثَلاثَةِ أَيَّام، ثُمَّ عودوا إِلَيَّ». فٱنصَرَفَ الشَّعْب. فشاوَرَ المَلِكُ رَحَبْعامُ الشُّيوخَ الَّذينَ كانوا يَقِفونَ أَمامَ سُلَيمانَ أَبيه في حَياتِه وقالَ لَهم: «بِماذا تُشيرونَ أَن أُجيبَ هٰذا الشَّعْب؟» فأَجابوه قائلين: «إِن كُنتَ أَنتَ عَبدًا لِهٰذا الشَّعبِ في هٰذا اليوم، وخَدَمتَه وأَجَبتَه وكَلَّمتَه كَلامًا حَسَنًا، فإِنَّه يَكونُ لَكَ عَبدًا كُلَّ الأَيَّام». فأَهمَلَ مَشوَرَةَ الشُّيوخِ الَّذينَ أَشاروا علَيه. وشاوَرَ الفِتْيانَ الَّذينَ نَشَأُوا معَه وكانوا يَقِفونَ أَمامَه، وقالَ لَهم: «ما الَّذي تُشيرونَ بِه أَنتُم علَيَّ أَن أُجيبَ هٰذا الشَّعبَ الَّذي كَلَّمَني قائِلًا: خَفِّفْ مِنَ النِّيرِ الَّذي وَضَعَه أَبوكَ علَينا»؟ فكَلَّمَه الفِتْيانُ الَّذينَ نَشَأُوا معَه وقالوا: «قُلْ لِهٰذا الشَّعبِ الَّذي خاطَبَكَ قائِلًا: أَبوكَ ثَقَّلَ نيرَنا، وأَنتَ فخَفِّفْ عَنَّا، هٰكذا تَقولُ لَه: إِنَّ خِنصِري أَغلَظُ مِن مَتنِ أَبي. والآنَ فإنَّ أَبي حَمَّلَكم نيرًا ثَقيلًا، وأَنا أَزيدُ على نيرِكم. أَبي أَدَّبَكم بِالسِّياط، وأَنا أُؤَدِّبُكم بِالعَقارِب». وأَقبَلَ يارُبْعامُ وكُلُّ الشَّعبِ إِلى رَحَبْعامَ في اليَومِ الثَّالِث، كما تَكَلَّمَ المَلِكُ حَيثُ قال: «عودوا إِلَيَّ في اليَومِ الثَّالِث». فأَجابَ المَلِكُ الشَّعبَ بِكلامٍ جافٍ وأَهمَلَ مَشوَرَةَ الشُّيوخِ الَّذينَ أَشاروا علَيه، وأَجابَهم بِحَسَبِ مَشورَةِ الفِتْيانِ وقال: «إِنَّ أَبي ثَقَّلَ نيرَكم، وأَنا أَزيدُ على نيرِكم. أَبي أَدَّبَكم بِالسِّياط، وأَنا أُؤَدِّبُكم بِالعَقارِب». ولَم يَسمَعِ المَلِكُ لِلشَّعْب، لأَنَّ سَيرَ الأُمورِ كانَ مِن قِبَلِ الرَّبّ، لِيُتِمَّ كَلامَه الَّذي كَلَّمَ بِه يارُبْعامَ بنَ نَباطَ على لِسانِ أَحِيَّا الشِّيلونِيّ. فلَمَّا رأَى إِسْرائيلُ كُلُّه أَنَّ المَلِكَ لم يَسمَعْ لَهم، أَجابَ الشَّعبُ المَلِكَ قائلين: «أَيُّ نَصيبٍ لَنا مع داوُد؟ ولَيسَ لَنا ميراثٌ مع ٱبنِ يَسَّى. إِلى خِيامِكَ يا إِسْرائيل! والآنَ فدَبِّرْ أَمرَ بَيتِكَ، يا داود!». ورَجَعَ إِسْرائيلُ إِلى خِيامِه. فأَمَّا بَنو إِسْرائيلَ المُقيمونَ في مُدُنِ يَهوذا، فمَلَكَ علَيهم رَحَبْعام. وأَرسَلَ المَلِكُ رَحَبْعامُ أَدورامَ المُوَكَّلَ على السُّخرَة، فرَجَمَه كُلُّ إِسْرائيلَ بِالحِجارَةِ فمات. فٱضطُرَّ المَلِكُ رَحَبْعامُ إِلى الصُّعودِ على مَركَبَتِه لِيَهرُبَ إِلى أُورَشَليم. وتَمَرَّدَ إِسْرائيلُ على بَيتِ داوُدَ إِلى هٰذا اليَوم. وعِندَما سَمِعَ كُلُّ إِسْرائيلَ بِرُجوعِ يارُبْعام، أَرسَلوا فدَعَوه إِلى الجَماعة وأَقاموه مَلِكًا على كُلِّ إِسْرائيل، ولَم يَبقَ مِنهم تابِعًا لِبَيتِ داوُدَ إِلاَّ سِبطُ يَهوذا وَحدَه. ووَصَلَ رَحَبْعامُ إِلى أُورَشَليم وجَمَعَ بَيتَ يَهوذا كُلَّه وسِبطَ بَنْيامين، وكانوا مِئَةً وثَمانينَ أَلفًا مُنتَخَبينَ رِجالَ حَرْب، لِيُحارِبوا بَيتَ إِسْرائيلَ ويَرُدُّوا المُلكَ إِلى رَحَبْعامَ بنِ سُلَيمان. فكانَ كَلامُ اللهِ إِلى شَمَعْيا، رَجُلِ اللهِ، قائلًا: «كَلِّمْ رَحَبْعامَ بنَ سُلَيمان، مَلِكَ يَهوذا، وبَيتَ يَهوذا كُلَّه وبَنْيامينَ وباقِيَ الشَّعبِ قائلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: لا تَصعَدوا ولا تُقاتِلوا إِخوَتَكم بَني إِسْرائيل، وٱرجِعوا كُلُّ رَجُلٍ إِلى بَيتِه، فإِنَّه مِن قِبَلي حَدَثَ هٰذا الأَمْر». فأَذعَنوا لِكَلامِ الرَّبِّ وعادوا مُمتَثِلينَ لأَمرِ الرَّبّ. وحَصَّنَ يارُبْعامُ شَكيمَ في جَبَلِ أَفْرائيم وأَقامَ فيها، ثُمَّ خَرَجَ مِن هُناكَ وحَصَّنَ فَنوئيل. وقالَ يارُبْعامُ في نَفسِه: «الآنَ يَرجعُ المُلكُ إِلى بَيتِ داوُد. فإِذا صَعِدَ هٰذا الشَّعبُ لِيَذبَحَ ذَبائِحَ في بَيتِ الرَّبِّ في أُورَشَليم، تَرجِعُ قُلوبُ هٰذا الشَّعبِ إِلى سَيِّدِها رَحَبْعام، مَلِكِ يَهوذا، فيَقتُلُني ويَرجِعُ إِلى رَحَبْعامَ مَلِكِ يَهوذا». فٱستشَارَ المَلِكُ وعَمِلَ عِجلَينِ مِنَ الذَّهَب وقالَ لَهم: «كثيرٌ علَيكم أَن تَصعَدوا إِلى أُورَشَليم. هٰذه آلِهَتُكَ، يا إِسْرائيلُ، الَّتي أَصعَدَتكَ مِن مِصْر». وجَعَلَ أَحَدَهما في بَيتَ إِيل، والآخَرُ وَضَعَه في دان. فكانَ هٰذا الأَمرُ سَبَبَ خَطيئة، لأَنَّ الشَّعبَ ذَهَبَ إِلى أَمامِ أَحَدِهما حتَّى إِلى دان. وبَنى بَيتَ المَشارِف وأَقامَ كَهَنَةً مِن عامَّةِ الشَّعبِ لم يَكونوا مِن بَني لاوي. وأَقامَ يارُبْعامُ عيدًا في الشَّهرِ الثَّامِن. في اليَومِ الخامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهر، كالعيدِ الَّذي في يَهوذا، وأَصعَدَ على المَذبَح، وكذٰلك عَمِلَ في بَيتَ إِيل وذَبَحَ لِلعِجلَينِ اللَّذَينِ عَمِلَهما، وأَقامَ في بَيتَ إِيلَ كَهَنَةَ المَشارِفِ الَّتي عَمِلَها. وأَصعَدَ على المَذبَحِ الَّذي عَمِلَه في بَيتَ إِيل، في اليَومِ الخامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ الثَّامِن، في الشَّهرِ الَّذي عَيَّنَه مِن نَفسِه، وأَقامَ عيدًا لِبَني إِسْرائيل، وصَعِدَ على المَذبَحِ لِيُحرِقَ البَخور. فإِذا بِرَجُلٍ مِن رِجالِ اللهِ قد أَتى مِن يَهوذا بِأَمرِ الرَّبِّ إِلى بَيتَ إِيل، ويارُبْعامُ واقِفٌ على المَذبَحِ يُحرِقُ البَخور. فنادى على المَذبَحِ بِأَمرِ الرَّبِّ وقال: «يا مَذبَحُ يا مَذبَح، هٰكذا قالَ الرَّبّ: هُوذا سيُولَدُ لِبَيتِ داوُدَ ٱبنٌ يُسمَّى يوشِيَّا، وهو سَيَذبَحُ علَيكَ كَهَنَةَ المَشارِفِ الَّذينَ يُحرِقونَ البَخورَ عليكَ، وتُحرَقُ علَيكَ عِظامُ بَشَر». وأَعْطى في ذٰلك اليَومِ آيةً قائِلًا: «هٰذه هي الآيةُ الَّتي تَكَلَّمَ بِها الرَّبّ: هُوَذا المَذبَحُ يَنشَقُّ ويُذْرى الرَّمادُ الَّذي علَيه». فلَمَّا سَمِعَ المَلِكُ كَلامَ رَجُلِ اللهِ الَّذي نادى بِه على المَذبَحِ في بَيتَ إِيل، مَدَّ يارُبْعامُ يَدَه مِن على المَذبَحِ قائلًا: «أَمسِكوه». فيَبِسَت يَدُه الَّتي مَدَّها نَحوَه، ولم يَستَطِعْ أَن يَرُدَّها إِلَيه. وٱنشَقَّ المَذبَحُ وذُرِيَ الرَّمادُ عنِ المَذبَحِ بِحَسَبِ الآيَةِ الَّتي أَعْطاها رَجُلُ اللهِ بِأَمرِ الرَّبّ. فأَجابَ المَلِكُ وقالَ لِرَجُلِ الله: «إِستَرضِ وَجهَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ وصَلِّ لأَجْلي حتَّى تَرتَدَّ يَدي إِلَيَّ». فاستَرْضى رَجُلُ اللهِ وَجهَ الرَّبّ، فٱرتَدَّت يَدُ المَلِكِ إِلَيه وعادَت كما كانَت أَوّلًا. ثُمَّ قالَ المَلِكُ لِرَجُلِ الله: «هَلُمَّ معي إِلى البَيت، وأَسنِدْ نَفسَكَ بِشَيء، وأَنا أُعْطيكَ عَطِيَّةً». فقالَ رَجُلُ اللهِ لِلمَلِك: «لو أَعطَيتَني نِصفَ بَيتِكَ، لم أَدخُلْ معكَ ولا أَكلتُ خُبزًا ولا شَرِبتُ ماءً في هٰذا المَكان، لأَنَّني كذٰلِك أُوصيتُ بِأَمرِ الرَّبّ: لا تأكُلْ خُبزًا ولا تَشرَبْ ماءً ولا تَرجِعْ في الطَّريقِ الَّتي جِئتَ مِنها». ثُمَّ مَضى في طَريقٍ أُخْرى، ولم يَرجِعْ في الطَّريقِ الَّتي جاءَ مِنها إِلى بَيتَ إِيل. وكانَ مُقيمًا في بَيتَ إِيلَ نَبِيٌّ شَيخ، فأَتى أَحَدُ بَنيه وأَخبَرَه بِكُلِّ ما عَمِلَه رَجُلُ اللهِ ذٰلك اليَومَ في بَيتَ إِيل، وقَصَّ بَنوه على أَبيهمِ الكَلامَ الَّذي تَكَلَّمَ بِه إِلى المَلِك. فقالَ لَهم أَبوهم: «في أَيِّ طَريقٍ ذَهَب؟» فأَراه بَنوه الطَّريقَ الَّتي ذَهَبَ فيها رَجُلُ اللهِ الآتي مِن يَهوذا. فقالَ لِبَنيه: «شُدُّوا على الحِمار». فشَدُّوا لَه على الحِمارِ فرَكِبَ علَيه. ومَضى في إثرِ رَجُلِ اللهِ فوَجَدَه جالِسًا تَحتَ البُطمَة. فقالَ لَه: «أَأَنتَ رَجُلُ اللهِ الَّذي أَتى مِن يَهوذا؟» قال: «أَنا هو». فقالَ لَه: «هَلُمَّ مَعي إِلى البَيتِ وكُلْ خُبْزًا». فقالَ لَه: «لا أَستَطيعُ أَن أَرجِعَ ولا أَن آتِيَ معَكَ ولا أَن آكُلَ خُبزًا ولا أَن أَشرَبَ ماءً معَكَ في هٰذا المكان، لأَنَّه قيلَ لي بِأَمرِ الرَّبّ: لا تَأكُلْ هُناكَ خُبزًا ولا تَشرَبْ ماءً ولا تَرجِعْ سائِرًا في الطَّريقِ الَّتي ذَهَبتَ فيها». فقالَ لَه: «أَنا أَيضًا نَبِيٌّ مِثلُكَ، وإِنَّ مَلاكًا خاطَبَني بِأَمرِ الرَّبِّ قائِلًا: أَرجِعْه معَكَ إِلى بَيتِكَ فيَأكُلَ خُبزًا ويَشرَبَ ماءً»، وكان ذٰلك كَذِبًا، فرَجَعَ معَه وأَكَلَ خُبزًا في بَيتِه وشَرِبَ ماءً. فبَينَما هُما جالِسانِ إِلى المائِدَة، كانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلى النَّبِيِّ الَّذي أَرجَعَه. ونادى بِرَجُلِ اللهِ الَّذي أَتى مِن يَهوذا قائِلًا: «هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: لأَنَّكَ عَصَيتَ أَمرَ الرَّبِّ ولَم تَحفَظِ الوَصِيَّةَ الَّتي أَوصاكَ بِها الرَّبُّ إِلٰهُك، ورَجَعتَ وأَكَلتَ خُبزًا وشَرِبتَ ماءً في المَكانِ الَّذي قالَ لَك في شَأنِه: لا تَأكُلْ فيه خُبزًا ولا تَشرَبْ ماءً، فلا تَدخُلُ جُثَّتُكَ قَبرَ آبائِكَ». فلَمَّا ٱنتهى مِن أَكلِه وشُربِه، شَدَّ لَه على الحِمارِ النَّبِيُّ الَّذي أَرجَعَه. ومضى، فلَقِيَه أَسَدٌ في طَريقِه فقَتَله، وبَقِيَت جُثَّتُه مُلْقاةً في الطَّريق، والحِمارُ بِقُربِها، والأَسَدُ واقِفٌ إِلى جانِبِ الجُثَّة. فإِذا بِقَومٍ مارِّين، فرَأَوا الجُثَّةَ مُلْقاةً في الطَّريقِ والأَسَدَ واقِفٌ إِلى جانِبِ الجُثَّة. فجاؤوا وأَخبَروا في المَدينةِ الَّتي كانَ النَّبِيُّ الشَّيخُ مُقيمًا فيها. فلَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ الَّذي أَرجَعَه مِنَ الطَّريق، قال: «هو رَجُلُ اللهِ الَّذي عَصى أَمرَ الرَّبّ، فأَسلَمَه الرَّبُّ إِلى الأَسَدِ فٱفتَرَسَه وقَتَلَه بِحَسَبِ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي كَلَّمَه بِه». فكَلَّمَ بَنيه قائِلًا: «شُدُّوا لي على الحِمار». فشَدُّوا. فمَضى فوَجَدَ جُثَّتَه مُلقاةً في الطَّريق والحِمارُ والأَسَدُ واقِفانِ إِلى جانِبِ الجُثَّة، ولَم يَأكُلِ الأَسَدُ الجُثَّةَ ولا ٱفتَرَسَ الحِمار. فأَخَذَ النَّبِيُّ جُثَّةَ رَجُلِ اللهِ وجَعَلَها على الحِمار ورَجَعَ بِها ودَخَلَ النَّبِيُّ الشَّيخُ المَدينَةَ لِيَندُبَه ويَدفِنَه. ووَضَعَ جُثَّته في قِبرِه، ونَدَبوه قائلين: «واهِ يا أَخي». وبَعدَ أَن قَبَرَه، كَلَّمَ بَنيه قائِلًا: «إِذا مُتُّ فٱدفِنوني في القَبرِ الَّذي دُفِنَ فيه رَجُلُ الله، وبِجانِبِ عِظامِه ضَعوا عِظامي، لأَنَّه سَيَتِمُّ الكَلامُ الَّذي نادى بِه بِأَمرِ الرَّبِّ على المَذبَحِ الَّذي في بَيتَ إِيلَ وعلى جَميعِ بُيوتِ المَشارِفِ الَّتي في مُدُنِ السَّامِرَة. وبَعدَ هٰذا الأَمْر، لم يَرتَدَّ يارُبْعامُ عن طَريقِه الفاسِد، وعادَ فأَقامَ كَهَنَةً مِن عامَّةِ الشَّعبِ، كَهَنَةَ مَشارِف، فمَن شاءَ كانَ يُكَرِّسُه فيَصيرُ مِن كَهَنَةِ المَشارِف. وكانَ ذٰلك سَبَبَ خَطيئَةٍ لِبَيتِ يارُبْعامَ وسَبَبًا لِإبادَتِه وٱستِئْصالِه عن وَجهِ الأَرْض. في ذٰلك الزَّمان، مَرِضَ أَبِيَّا بنُ يارُبْعام. فقالَ يارُبْعامُ لِٱمرَأَتِه: «قومي تَنَكَّري لِكَي لا يُعلَمَ أَنَّكِ ٱمرَأَةُ يارُبْعام، وٱذهَبي إِلى شيلو، فإِنَّ هُناكَ أَحِيَّا النَّبِيَّ الَّذي قالَ فِيَّ أَنِّي أَكونُ مَلِكًا على هٰذا الشَّعْب. وخُذي في يَدِكِ عَشَرَةَ أَرغِفَةٍ وكَعْكًا وجَرَّةَ عَسَل، وسيري إِلَيه، وهو يُعلِمُكِ ماذا يَكونُ مِن أَمرِ الصَّبِيّ». ففَعَلَت كذٰلك ٱمرَأَةُ يارُبْعام، فقامَت ومَضَت إِلى شيلو ووَصَلَت إِلى بَيتِ أَحِيَّا، وكانَ أَحِيَّا قد كُفَّ بَصَرُه لأَنَّ عَينَيه جَمَدَتا بِسَبَبِ شَيخوخَتِه. لَكِنَّ الرَّبَّ كانَ قد قالَ لأَحِيَّا: «هٰذه ٱمرَأَةُ يارُبْعامَ قادِمَةٌ علَيكَ تَستَخبِرُكَ عنِ ٱبنِها لأَنَّه مَريض. فخاطِبْها بِكَذا وكَذا، وهي قد أَتَت إِلَيكَ مُتَنكِّرَةً». فلَمَّا سَمِعَ أَحِيَّا صَوتَ خَطَواتِها وهي داخِلَةٌ في الباب، قالَ لَها: «أُدخُلي يا ٱمرَأَةَ يارُبْعام. لِماذا أَنتِ مُتَنَكِّرَة، مع أَنِّي مَبْعوتٌ إِلَيكِ بِأَمرٍ شاقّ. إِذهَبي وقولي لِيارُبْعام: هٰكذا قال الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: لأَنِّي رَفَعتُكَ مِن وَسْطِ الشَّعبِ وجَعَلتُكَ رَئيسًا على شَعْبي إِسْرائيل، وانتَزَعتُ المُلكَ مِن بَيتِ داوُدَ وأَعطَيتُكَ إِيَّاه، ولم تَكُنْ كعَبْدي داوُدَ الَّذي حَفِظَ وَصايايَ وتَبِعَني بِكُلِّ قَلبِه ولم يَعمَلْ إِلاَّ ما هو قَويمٌ في عَينَيَّ. وقد زادَ عَمَلُكَ سوءًا على كُلِّ مَن كانَ قَبلَكَ، ورُحتَ تَصنَعُ آلِهَةً أُخْرى وصُوَرًا مَسْبوكةً لِتُسخِطَني، وقد نَبَذتَني وَراءَ ظَهرِكَ. لِذٰلِكَ هاءَنَذا جالِبٌ الشَّرَّ على بَيتِ يارُبْعام، وقارِضٌ مِن يارُبْعام كُلَّ بائِلٍ بِحائِط، مِن عَبدٍ وطَليقٍ في إِسْرائيل، وكانِسٌ بَيتَ يارُبْعامَ عن آخِرِهم، كما يُكنَسُ البَعَرُ بِكامِلِه. ومَن ماتَ لِيارُبْعامَ في المَدينةِ تَأكُلُه الكِلاب، ومَن ماتَ في البَرِّيَّةِ تَأكُلُه طُيورُ السَّماء، لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّم. وأَمَّا أَنتِ فقومي وٱمْضي إِلى بَيتِكِ، وعِندَ دُخولِ رِجلَيكِ إِلى المَدينة، يَموتُ الوَلَد. فيَندُبُه كُلُّ إِسْرائيلَ ويَقبُرونَه، وهٰذا وَحدَه مِن بَيتِ يارُبْعامَ يَدخُلُ قَبرًا، لأَنَّه فيه وَحدَه وُجِدَ شَيءٌ مِنَ الصَّلاحِ لَدى الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيلَ في بَيتِ يارُبْعام. وسيُقيمُ الرَّبُّ لِنَفسِه مَلِكًا على إِسْرائيل، فيَستَأصِلُ بَيتَ يارُبْعام. هٰذا هو اليَوم، بل هٰذه هي السَّاعة! ويَضرِبُ الرَّبُّ إِسْرائيلَ كما يَهتَزُّ القَصَبُ في الماء، ويَستَأصِلُ إِسْرائيلَ عن هٰذه الأَرضِ الصَّالِحَةِ الَّتي أَعْطاها لآبائِهم، ويُبَدِّدُهم إِلى عِبرِ النَّهرِ، لأَنَّهم نَصَبوا أَوتادَهُمُ المُقَدَّسَةَ لِإسْخاطِ الرَّبّ. ويُسلِمُ إِسْرائيلَ بِسَبَبِ خَطايا يارُبْعامَ الَّتي خَطِئَها وجَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها». فقامَتِ ٱمرَأَةُ يارُبْعامَ ومَضَت ووَصَلَت إِلى تِرصَة. وعِندَ دُخولِها على عَتَبَةِ البابِ ماتَ الصَّبِيّ. فدَفَنوه ونَدَبَه كُلُّ إِسْرائيلَ بِحَسَبِ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه على لِسانِ عَبدِه أَحِيَّا النَّبِيّ. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يارُبْعام، كَيفَ حارَبَ وكَيفَ مَلَكَ، مَكْتوبةٌ في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل. وكانَت أَيَّامُ مُلكِ يارُبْعامَ ٱثنَتَينِ وعِشْرينَ سَنَة، وٱضَّجَعَ مع آبائِه. فمَلَكَ نادابُ ٱبنُه مَكانَه. وأَمَّا رَحَبْعامُ بنُ سُلَيمان، فمَلَكَ في يَهوذا، وكانَ رَحَبْعامُ ٱبنَ إِحْدى وأَربَعينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ سَبْعَ عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم، المَدينةِ الَّتي ٱخْتارَها الرَّبُّ مِن جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيل، لِيَجعَلَ ٱسمَه هُناكَ. وٱسمُ أُمِّه نِعمَةُ العَمُّونِيَّة. وصَنَعَ يَهوذا الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، وكانَت إِغارَتُه لَه أَشَدَّ مِن كُلِّ ما عَمِلَ آباؤُه بِما خَطِئوه مِن خَطايا. وأَقاموا هم أَيضًا لأَنفُسِهم مَشارِفَ وأَنْصابًا وأَوتادًا مُقَدَّسَةً على كُلِّ رَبوَةٍ عالِيَةٍ وتَحتَ كُلِّ شَجَرةٍ خَضْراء. وكانَ في أَرضِهم أَيضًا مَأبونون، فعَمِلوا مِثلَ جَميعِ قَبائِحِ الأُمَمِ الَّتي طَرَدَها الرَّبُّ مِن وَجهِ بَني إِسْرائيل. ولَمَّا كانَتِ السَّنَةُ الخامِسَةُ لِلمَلِكِ رَحَبْعام، صَعِدَ شيشاق، مَلِكُ مِصرَ، على أُورَشَليم. فأَخَذَ ما في خَزائِنِ بَيتِ الرَّبِّ وخَزائِنِ بَيتِ المَلِك، وأَخَذَ كُلَّ شَيء، وأَخَذَ كُلَّ تُروسِ الذّهَبِ الَّتي صَنَعَها سُلَيمان. فصَنَعَ المَلِكُ رَحَبْعامُ مَكانَها تُروسًا مِن نُحاس، ووَكَلها إِلى أَيدي رُؤَساءِ السُّعاةِ الحارِسينَ بابَ بَيتِ المَلِك. وكانَ، إِذا دَخَلَ المَلِكُ بَيتَ الرَّبِّ، يَحمِلُها السُّعاة، ثُمَّ يَرُدُّونَها إِلى غُرفَةِ السُّعاة. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ رَحَبْعامَ وكُلُّ ما عَمِلَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وكانَ بَينَ رَحَبْعامَ ويارُبْعامَ حَربٌ كُلَّ الأَيَّام. وٱضَّجَعَ رَحَبْعامُ مع آبائِه وقُبِرَ مع آبائِه في مَدينَةِ داوُد، وٱسمُ أُمِّه نِعمَةُ العَمُّونِيَّة. ومَلَكَ أَبِيَّامُ ٱبنُه مَكانَه. وفي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشرَةَ لِلمَلِكِ يارُبْعامَ ٱبنِ نَباط، مَلَكَ أَبِيَّامُ على يَهوذا، مَلَكَ ثَلاثَ سَنَواتٍ في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه مَعكَة، بِنتُ أَبْشالوم. وسارَ على جَميعِ خَطايا أَبيه الَّتي عَمِلَها قَبلَه، ولم يَكُنْ قَلبُه بِكامِلِه مع الرَّبِّ إِلٰهِه كقَلبِ داوُدَ أَبيه. إِلاَّ أَنَّه نَظَرًا لِداوُد، أَعْطاه الرَّبُّ إِلٰهُه سِراجًا في أُورَشَليم، بإِقامَةِ ٱبنِه بَعدَه وتَثْبيتِ أُورَشَليم، لأَنَّ داوُدَ صَنَعَ ما هو قَويمٌ في عَينَيِ الرَّبّ، ولم يَحِدْ عن كُلِّ ما أَمَرَه بِه كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه، إِلاَّ في أَمرِ أُورِيَّا الحِثِّيّ. وكانَت حَربٌ بَينَ رَحَبْعامَ ويارُبْعامَ كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ أَبِيَّامَ وكُلُّ ما عَمِلَه، أَفَليسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وكانَت بَينَ أَبيَّامَ ويارُبْعامَ حَرْب. وٱضَّجَعَ أَبِيَّامُ مع آبائِه وقُبِرَ في مَدينَةِ داوُد. ومَلَكَ آسا ٱبنُه مَكانَه. في السَّنَةِ العِشْرينَ لِيارُبْعام، مَلِكِ إِسْرائيل، مَلَكَ آسا على يَهوذا، مَلَكَ في أُورَشَليمَ إِحْدى وأَرْبَعينَ سَنَة. وٱسمُ جَدَّتِه مَعكَةُ بِنتُ أَبْشالوم. وصَنَعَ آسا ما هو قَويمٌ في عَينَيِ الرَّبِّ كداوُدَ أَبيه. ونَفى المَأبونينَ مِنَ الأَرْض، وأَزالَ جَميعَ الأَصْنامِ القَذِرَةِ الَّتي صَنَعَها آباؤُه. وعن مَعكَةَ جَدَّتِه أَيضًا نَزَعَ لَقَبَ المَلِكَةِ الأُمّ، لأَنَّها صَنَعَت فَظاعَةً لِوَتَدٍ مُقَدَّس، فحَطَّمَ آسا فَظاعَتَها وأَحرَقَها في وادي قِدْرون. وأَمَّا المَشارِفُ فلَم تُزَلْ، مع أَنَّ قَلبَ آسا كانَ بِكامِلِه مع الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِه. وجاءَ بِأَقْداسِ أَبيه وأَقْداسِه إِلى بَيتِ الرَّبِّ مِن فِضَّةٍ وذَهَبٍ وأَوانٍ. وكانَ بَينَ آسا وبَعْشا، مَلِكِ إِسْرائيلَ، حَربٌ كُلَّ أَيَّامِهما. وصَعِدَ بَعْشا، مَلِكُ إِسْرائيل، على يَهوذا وحَصَّنَ الرَّامة، لِكَي لا يَدَعَ أَحَدًا يَخرُجُ أَو يَدخُلُ إِلى آسا، مَلِكِ يَهوذا. فأَخَذَ آسا كُلَّ ما تَبَقَّى مِنَ الفِضَّةِ والذَّهَبِ في خَزائِنِ بَيتِ الرَّبِّ وخَزائِنِ بَيتِ المَلِك، وجَعَلَه في أَيدي خُدَّامِه، وأَرسَلَهُمُ المَلِكُ آسا إِلى بَنْهَدَدَ بنِ طَبرِمُّونَ بنِ حَزْيون، مَلِكِ أَرامَ السَّاكِنِ في دِمَشقَ وقال: «إِنَّ بَيني وبَينَكَ وبَينَ أَبي وأَبيكَ عَهدًا، وهاءَنَذا مُرسِلٌ إِلَيكَ هَدِيَّةً فِضَّةً وذَهَبًا، فهَلُمَّ وٱنقُضْ عَهدَكَ مع بَعْشا، مَلِكِ إِسْرائيل، فيَنصَرِفَ عَنِّي». فسَمِعَ بَنْهَدَدُ لِلمَلِكِ آسا وأَرسَلَ قُوَّادَ جُيوشِه إِلى مُدُنِ إِسْرائيل، وضَرَبَ عِيُّونَ ودانَ وآبَلَ بَيتَ مَعكَةَ وكُلَّ كِنَّاروتَ مع كُلِّ أَرضِ نَفْتالي. فلَمَّا سَمِعَ بَعْشا، كَفَّ عن تَحْصينِ الرَّامة، وأَقامَ في تِرصَة. فٱستَدْعى المَلِكُ آسا كُلَّ يَهوذا ولم يُعْفِ أَحَدًا، فحَمَلوا حِجارَةَ الرَّامةِ وخَشَبَها، مِمَّا حَصَّنَها بِه بَعْشا، وحَصَّنَ بِها المَلِكُ آسا جَبعَ بَنْيامينَ والمِصْفاة. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ آسا وكُلُّ بَأسِه وما صَنَعَه والمُدُنُ الَّتي بَناها، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ إِلاَّ أَنَّه عِندَ شَيخوخَتِه ٱعتَلَّت رِجْلاه. وٱضَّجَعَ آسا مع آبائِه ودُفِنَ مع آبائِه في مَدينةِ داوُدَ أَبيه. ومَلَكَ ٱبنُه يوشافاطُ مَكانَه. ومَلَكَ نادابُ بنُ يارُبْعامَ على إِسْرائيلَ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِآسا، مَلِكِ يَهوذا. فمَلَكَ على إِسْرائيلَ سَنَتين. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، وسارَ في طَريقِ أَبيه وخَطيئَتِه الَّتي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها. فتآمَرَ علَيه بَعْشا بنُ أَحِيَّا مِن بَيتِ يَسَّاكَر، وضَرَبَه بَعْشا في جِبَّتونَ الَّتي لِلفَلِسطينِيِّين، وكانَ نادابُ وكُلُّ إِسْرائيلَ يُحاصِرونَ جِبَّتون. وقَتَلَه بَعْشا في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِآسا، مَلِكِ يَهوذا، ومَلَكَ مَكانَه. ولَمَّا مَلَكَ، قَتَلَ كُلَّ بَيتِ يارُبْعام، ولم يَترُكْ لِيارُبْعامَ ذا نَسَمَةٍ إِلاَّ أَهلَكَه، على حَسَبِ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه على لِسانِ عَبدِه أَحِيَّا الشِّيلونِيّ، بِسَبَبِ خَطايا يارُبْعامَ الَّتي خَطِئَها وجَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها، فأَسخَطَ بِها الرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرائيل. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ نادابَ وكُلُّ ما صَنَعَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وكانَت بَينَ آسا وبَعْشا، مَلِكِ إِسْرائيل، حَربٌ كُلَّ أَيَّامِهما. في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِآسا، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ بَعْشا بنُ أَحِيَّا على كُلِّ إِسْرائيلَ في تِرصَةَ أَربَعًا وعِشْرينَ سَنَة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، وسارَ في طَريقِ يارُبْعامَ وخَطيئَتِه الَّتي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها. وكانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلى ياهوَ بنِ حَنانِيَ على بَعْشا قائِلًا: «مع أَنِّي رَفَعتُكَ عنِ التُّرابِ وجَعَلتُكَ قائِدًا لِشَعْبي إِسْرائيل، فلَقَد سِرتَ في طَريقِ يارُبْعام، وجَعَلتَ شَعْبي إِسْرائيلَ يَخطَأُ ويُسخِطُني بِخَطاياه. فهاءَنَذا كانِسٌ بَعْشا وبَيتَه وجاعِلٌ بَيتَكَ كبَيتِ يارُبْعامَ بنِ نَباط. مَن ماتَ لِبَعْشا في المَدينَةِ تَأكُلُه الكِلاب، ومَن ماتَ لَه في البَرِّيَّةِ تَأكُلُه طُيورُ السَّماء». وبَقِيَّةُ أَخْبارِ بَعْشا وما صَنَعَ وبَأسُه، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وٱضَّجَعَ بَعْشا مع آبائِهِ وقُبِرَ في تِرصَة. ومَلَكَ إِيلَةُ ٱبنُه مَكانَه. وكانَ كَلامُ الرَّبِّ أَيضًا على لِسانِ ياهُوَ بنِ حَنانِيَ النَّبِيِّ على بَعْشا وعلى بَيتِه بِسَبَبِ كُلِّ الشَّرِّ الَّذي صَنَعَه في عَينَيِ الرَّبّ، لإسْخاطِه بِأَعْمالِ يَدَيه، ولِيَصيرَ كَبَيتِ يارُبْعام، وبِسَبَبِ قَتلِه لَه. في السَّنَةِ السَّادِسَةِ والعِشْرينَ لِآسا، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ إِيلَةُ بنُ بَعْشا على إِسْرائيلَ في تِرصَةَ سَنَتَين. فتآمَرَ علَيه ضابِطُه زِمْري، رَئيسُ نِصفِ المَركَبات، وهو في تِرصَةَ يَشرَبُ ويَسكَرُ في بَيتِ أَرْصا، قَيِّمِ البَيتِ في تِرصَة. ودَخَلَ زِمْري وضَرَبَه وقَتَلَه في السَّنَةِ السَّابِعَةِ والعِشْرينَ لِآسا، مَلِكِ يَهوذا، ومَلَكَ هو مَكانَه. فلَمَّا مَلَكَ وجَلَسَ على عَرشِه، ضَرَبَ كُلَّ بَيتِ بَعْشا، ولم يُبْقِ لَه على بائِلٍ بِحائِط، مع أَقارِبِه وأَصدِقائِه. وأَبادَ زِمْري كُلَّ بَيتِ بَعْشا على حَسَبِ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه على بَعْشا على لِسانِ ياهُوَ النَّبِيّ، بِسَبَبِ جَميعِ خَطايا بَعْشا وخَطايا إِيلَةَ ٱبنِه الَّتي خَطِئاها وجَعَلا إِسْرائيلَ يَخطَأُها، لإسخاطِ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيلَ بأَباطيلِه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ إِيلَةَ وكُلُّ ما صَنَعَه، أَفَلَيست مَكْتوبةً في سِفرِ أَخبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وفي السَّنَةِ السَّابِعَةِ والعِشْرينَ لِآسا، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ زِمْري سَبعَةَ أَيَّامٍ في تِرصَة، والجَيشُ يَومَئِذٍ مُعَسكِرٌ عِندَ جِبَّتونَ الَّتي لِلفَلِسطينِيِّين. فسَمِعَ الجَيشُ المُعَسكِرونَ أَنَّ زِمْرِيَ قد تآمَرَ وقَتَلَ المَلِكَ أَيضًا، فأَقامَ إِسْرائيلُ كُلُّه عُمْرِيَ، رَئيسَ الجَيشِ، مَلِكًا على إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَومِ في المُعَسكَر. فصَعِدَ عُمْري وكُلُّ إِسْرائيلَ معَه مِن جِبَّتون وحاصَروا تِرصَة. فلَمَّا رأَى زِمْري أَنَّ المَدينَةَ قد أُخِذَت، دَخَلَ بُرجَ بَيتِ المَلِكِ وأَحرَقَ على نَفسِه بَيتَ المَلِكِ بِالنَّارِ ومات، بِسَبَبِ خَطاياه الَّتي خَطِئَها بِعَمَلِه الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ وبِسَيرِه في طَريقِ يارُبْعامَ وخَطيئَتِه الَّتي خَطِئَها وجَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ زِمْري ومُؤامَرَتُه الَّتي تآمَرَ بها، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ حينَئِذٍ انقَسَمَ شَعبُ إِسْرائيلَ شَطرَينِ، شَطرٌ مِنَ الشَّعبِ تَبِعَ تِبْني بنَ جينَتَ لِيُقيمَه مَلِكًا، والشَّطرُ الآخَرُ تَبِعَ عُمْري. وقَوِيَ الشَّعبُ الَّذي مع عُمْري على الشَّعبِ الَّذي مع تِبْنِيَ بنِ جينَت، فماتَ تِبْني ومَلَكَ عُمْري. في السَّنَةِ الحادِيَةِ والثَّلاثينَ لِآسا، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ عُمْري على إِسْرائيلَ ٱثنَتَي عَشرَةَ سَنَة: مَلَكَ في تِرصَةَ سِتَّ سَنَوات، وٱشتَرى جَبَلَ السَّامِرَةِ مِن شامَرَ بِقِنْطارَينِ مِنَ الفِضَّة، وبَنى على الجَبَل، ودَعا المَدينةَ الَّتي بَناها بِٱسمِ شامَر، صاحِبِ جَبَلِ السَّامرة. وصَنَعَ عُمْري الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، وكانَ أَعظَمَ شَرًّا مِن كُلِّ مَن تَقَدَّمَه. وسارَ في جَميعِ طُرُقِ يارُبْعامَ بنِ نَباطَ وخَطاياه الَّتي جَعَلَ إِسرائيلَ يَخطَأُها، لإسْخاطِ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيلَ بأَباطيلِه. وبَقِيَّةُ أَخبارِ عُمْري مِمَّا صَنَعَه، وبَأسُه الَّذي أَبْداه، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وٱضَّجَعَ عُمْري مع آبائِه وقُبِرَ في السَّامِرَة، ومَلَكَ أَحآبُ ٱبنُه مَكانَه. ومَلَكَ أَحآبُ بنُ عُمْريَ على إِسْرائيلَ في السَّنَةِ الثَّامِنَةِ والثَّلاثينَ لِآسا، مَلِكِ يَهوذا. وكانَت مُدَّةُ مُلكِ أحآبَ بنِ عُمْري على إِسْرائيلَ في السَّامِرَةِ ٱثنَتَينِ وعِشْرينَ سَنَة. وصَنَعَ أَحآبُ ٱبنُ عُمْرِيَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ أَكثَرَ مِن كُلِّ مَن تَقَدَّمَه. ولم يَكفِه أَن سارَ في خَطايا يارُبْعامَ ٱبنِ نَباط، فتَزَوَّجَ إِيزابَل، بِنتَ أَتبَعْل، مَلِكِ الصَّيدونِيِّين، وراحَ يَعبُدُ البَعلَ ويَسجُدُ لَه. وأَقامَ مَذبَحًا لِلبَعْلِ في بَيتِ البَعْلِ الَّذي بَناه في السَّامِرة. وأَقامَ أحآبُ وَتَدًا مُقَدَّسًا. وزادَ أَحآبُ في إِسْخاطِ الرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، على كُلِّ مَن تَقَدَّمَه مِن مُلوكِ إِسْرائيل. وفي أَيَّامِه أَعادَ حيئيلُ، الَّذي مِن بَيتَ إِيل، بِناءَ أَريحا، بِحَياةِ أَبيرامَ بِكرِه أَسَّسها وبِحَياةِ سَجوبَ، أَصغَرِ بَنيه، نَصَبَ أَبْوابَها، على حَسَبِ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه على لِسانِ يَشوعَ بنِ نون. فقالَ إِيلِيَّا التِّشبِيُّ مِن تِشبَةَ جِلْعادَ لِأحآب: «حَيٌّ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيلَ، الَّذي أَنا واقِفٌ أَمامَه! إِنَّه لا يَكونُ في هٰذه السِّنينَ نَدًى ولا مَطَرٌ إِلاَّ بِأَمْري». وكانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلَيه قائلًا: «إِمضِ مِن هٰهُنا وتَوَجَّهْ شَرقًا وتَوارَ عِندَ نَهرِ كَريت الَّذي شَرقِيَّ الأُردُنّ. فتَشرَبُ مِنَ النَّهرِ، وقَد أَمَرتُ الغِرْبانَ أَن تُطعِمَكَ هُناكَ». فمَضَى وصَنَعَ بِحَسَبِ قَولِ الرَّبّ، وذَهَبَ فأَقامَ عِندَ نَهرِ كَريتَ الَّذي شَرقِيَّ الأُردُنّ. فكانَتِ الغِربانُ تَأتيه بُخُبزٍ ولَحمٍ في الصَّباح، وخُبزٍ ولَحمٍ في المَساء، وكانَ يَشرَبُ مِنَ النَّهْر. وكانَ بَعدَ أَيَّامٍ أَنْ جَفَّ النَّهرُ، لأَنَّه لم يَنزِلْ على الأَرضِ مَطَر. فكانَ إِلَيه كَلامُ الرَّبِّ قائِلًا: «قُمْ وٱمضِ إِلى صَرفَتَ الَّتي لصَيدون، وأَقِمْ هُناكَ، فقَد أَمَرتُ هُناكَ ٱمرَأَةً أَرمَلَةً أَن تُطعِمَكَ». فقامَ ومضى إِلى صَرفَت، ووَصَلَ إِلى بابِ المَدينة، فإِذا هُناكَ ٱمرَأَةٌ أَرمَلَةٌ تَجمَعُ حَطَبًا. فدَعاها وقال: «هاتي لي قَليلَ ماءٍ في إِناءٍ لأَشرَب». فتَوَجَّهَت لِتأخُذ، فناداها وقال: «هاتي لي كِسرَةَ خُبزٍ في يَدِكِ». فقالَت: «حَيٌّ الرَّبُّ إِلٰهُكَ! إِنَّه لَيسَ عِنْدي رَغيفٌ إِلاَّ مِلءَ راحَةٍ دَقيقًا في الجَرَّةِ ويَسيرًا مِنَ الزَّيتِ في القارورَة، وها أَنا أَجمَعُ عودَينِ مِنَ الحَطَبِ لأَدخُلَ وأُعِدَّه لي ولِٱبني ونَأكُلَه ثُمَّ نَموت». فقالَ لَها إِيلِيَّا: «لا تَخافي! أُدخُلي فأَعِدِّي كما قُلتِ، ولٰكِن أَعِدِّي لي مِن ذٰلك أَوَّلًا قُرصًا صَغيرًا وأتيني بِه، ثُمَّ أَعِدِّي لَكِ ولِٱبنِكِ بَعدَئِذٍ. فإِنَّه هٰكذا قالَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنَّ جَرَّةَ الدَّقيقِ لا تَفرُغ وقارورةَ الزَّيتِ لا تَنقُص، إِلى يَومِ يُرسِلُ الرَّبُّ مَطَرًا على وَجهِ الأَرض». فمَضَت وأَعَدَّت كما قالَ إِيلِيَّا وأَكَلَت هي وهو وأَهلُ بَيتِها أَيَّامًا. وجَرَّةُ الدَّقيقِ لم تَفرُغ وقارورَةُ الزَّيتِ لم تَنقُص، على حَسَبِ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه على لِسانِ إِيلِيَّا. وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداثِ أَنَّ ٱبنَ المَرأَةِ صاحِبَةِ البَيتِ مَرِضَ، وكانَ مَرَضُهُ شَديدًا جِدًّا حتَّى لم يَبْقَ فيه روح. فقالَتِ المَرأَةُ لِإيلِيَّا: «ما لي ولَكَ يا رَجُلَ الله؟ أَتَيتَ إِلَيَّ لِتُذَكِّرَ بِذَنْبي وتُميتَ ٱبْني». فقالَ لَها: «أَعْطِني ٱبنَكَ». وأَخَذَه مِن حِضنِها وأَصعَدَه إِلى العِلِّيَّةِ الَّتي هو نازِلٌ بِها وأَضجَعَه على سَريرِه. وصَرَخَ إِلى الرَّبِّ وقال: «أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، أَإِلى الأَرمَلَةِ الَّتي أَنا نازِلٌ بِها تُسيءُ أَيضًا وتُميتُ ٱبنَها؟» وٱنبَسَطَ على الوَلَدِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وصَرَخَ إِلى الرَّبِّ وقال: «أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، لِتَعُدْ روحُ الوَلَدِ إِلى جَوفِه». فسَمِعَ الرَّبُّ لِصَوتِ إِيلِيَّا وعادَت روحُ الوَلَدِ إِلى جَوفِه وعادَ إِلى الحَياة. فأَخَذَ إِيلِيَّا الوَلَدَ وأَنزَلَه مِنَ العِلِّيَّةِ إِلى البَيت، وسَلَّمَه إِلى أُمِّه وقالَ إِيلِيَّا: «أُنظُري، اِبنُكِ حَيّ». فقالَتِ المَرأَةُ لِإيلِيَّا: «الآنَ عَلِمتُ أَنَّكَ رَجُلُ اللهِ وأَنَّ كَلامَ الرَّبِّ في فَمِكَ حَقّ». وبَعدَ أَيَّامٍ كَثيرة، كانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلى إِيلِيَّا في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ قائِلًا: «إِمضِ وأَرِ نَفسَكَ لأَحآب، فآتِيَ بِمَطَرٍ على وَجهِ الأَرض». فمَضَى إِيلِيَّا لِيُرِيَ نَفسَه لأَحآب. وكانَتِ المَجاعَةُ شَديدةً في السَّامِرَة، فدَعا أحآبُ عوبَدْيا، قَيِّمَ البَيت، (وكانَ عوبَدْيا مُتَّقِيًا لِلرَّبِّ جِدًّا: كانَ، لَمَّا قَرَضَت إِيزابَلُ أَنبِياءَ الرَّبِّ، أَنَّ عوبَدْيا أَخَذَ مِئَةً مِنَ الأَنبِياءِ وأَخْفاهم، كُلَّ خَمْسينَ في مَغارة، وزَوَّدَهم بِالخُبزِ والماء). وقالَ أَحآبُ لِعوبَدْيا: «سِرْ في الأَرضِ إِلى جَميعِ عُيونِ الماءِ وأَنْهارِه عَسى أن نَجِدَ عُشبًا نُحْيي بِه الخَيلَ والبِغالَ ولا نَعدَمَ مِنَ البَهائم». فٱقتَسَما الأَرضَ بَينَهما لِيَطوفا فيها. فسارَ أَحآبُ في طَريقٍ وَحدَه وسارَ عوبَدْيا في طَريقٍ آخَرَ وَحدَه. فبَينَما عوبَدْيا في الطَّريق، إِذِ ٱلتَقى إِيلِيَّا فعَرَفَه، فٱرتَمى على وَجهِه وقالَ: «أَأَنتَ سَيِّدي إِيلِيَّا؟» فقالَ لَه: «أَنا هو، إِمضِ فقُلْ لِسَيِّدِكَ: هوذا إِيلِيَّا». فقال: «ما خَطيئَتي حتَّى تُسلِمَ الآنَ عَبدَكَ إِلى يَدِ أَحآبَ لِيَقتُلَني؟ حَيٌّ الرَّبُّ إِلٰهُكَ! إِنَّه ما مِن أُمَّةٍ ولا مَملَكَةٍ إِلاَّ أَرسَلَ سَيِّدي إِلَيها في طَلَبِكَ، فيَقولون: لَيسَ هُنا، فيَستَحلِفُ تِلكَ المَملَكَةَ أَوِ الأُمَّةَ أَنَّها لم تَجِدْكَ. والآنَ أَنتَ تَقول: إِمضِ فقُلْ لِسَيِّدِكَ: هُوَذا إِيلِيَّا. فيَكونُ إِذا ذَهَبتُ مِن عِندِكَ أَنَّ روحَ الرَّبِّ يَذهَبُ بِكَ إِلى حَيثُ لا أَعلَم، فآتي وأُخبِرُ أَحآب، ثُمَّ لا يَجِدُكَ فيَقتُلُني، وعَبدُكَ مُتَّقٍ لِلرَّبِّ مُنذُ صِباه. أَلَم يُخبَرْ سَيِّدي بِما صَنَعتُ، حينَما قَتَلَت إِيزابَلُ أَنبِياءَ الرَّبّ، وكَيفَ خَبَأتُ مِن أَنبِياءِ الرَّبِّ مِئَةَ رَجُل، كُلَّ خَمْسينَ في مَغارَة، وزَوَّدتُهم بِالخُبزِ والماء؟ والآنَ أَنتَ تَقول: إِمضِ فَقُلْ لِسَيِّدِكَ: هُوَذا إِيلِيَّا، فيَقتُلُني». فقالَ إِيلِيَّا: «حَيٌّ رَبُّ القُوَّاتِ الَّذي أَنا واقِفٌ أَمامَه! إِنِّي في هٰذا اليَومِ أُريه نَفْسي». فمَضى عوبَدْيا ولَقِيَ أحآبَ وأَخبَرَه، فجاءَ أحآبُ لِلِقاءِ إِيلِيَّا. فلَمَّا رأَى أَحآبُ إِيلِيَّا، قالَ لَه أَحآب: «أَأَنتَ إِيلِيَّا مُعَكِّرُ صَفْوِ إِسْرائيل؟» فقالَ لَه: «لم أُعَكِّرْ صَفْوَ إِسْرائيلَ أَنا، بل أَنتَ وبَيتُ أَبيكَ بِتَركِكُم وَصايا الرَّبِّ وسَيرِكم وَراءَ البَعْل. والآنَ أَرسِلْ وٱجمَعْ إِلَيَّ إِسْرائيلَ كُلَّه إِلى جَبَلِ الكَرمَل، وأَنبِياءَ البَعلِ الأَربَعَ مِئَةٍ والخَمْسين، وأَنبِياءَ عَشْتاروتَ الأَربَعَ مِئَةٍ الَّذينَ يأكُلونَ على مائِدَةِ إِيزابَل». فأَرسَلَ أَحآبُ إِلى جَميعِ بَني إِسْرائيل وجَمَعَ الأَنبِياءَ إِلى جَبَلِ الكَرمَل، فتَقَدَّمَ إِيلِيَّا إِلى كُلِّ الشَّعبِ وقالَ: «إِلى مَتى أَنتُم تَعرُجونَ بَيْنَ الجانِبَين؟ إِن كانَ الرَّبُّ هو الإلٰهَ فٱتَّبِعوه، وإِن كانَ البَعلُ إِيَّاه فٱتَّبِعوه». فلَم يُجِبْه الشَّعبُ بِكَلِمَة. فقالَ إِيلِيَّا لِلشَّعْب: «أَنا الآنَ وَحْدي بَقيتُ نَبِيًّا لِلرَّبّ، وهٰؤُلاءِ أَنبِياءُ البَعلِ أَربَعُ مِئَةٍ وخَمْسونَ رَجُلًا. فلْيُؤتَ لَنا بِثَورَين، فيَخْتاروا لَهم ثَورًا، ثُمَّ يُقَطِّعوه ويَجعَلوه على الحَطَب ولا يَضَعوا نارًا، وأنا أَيضًا أُعِدُّ الثَّورَ الآخَرَ وأَجعَلُه على الحَطَبِ ولا أَضَعُ نارًا. ثُمَّ تَدْعونَ أَنتُم بٱسمِ آلِهٰتِكم وأَنا أَدْعو بِٱسمِ الرَّبّ، والإِلٰهُ الَّذي يُجيبُ بِنارٍ فهُو الله». فأَجابَ كُلُّ الشَّعبِ قائلًا: «الكَلامُ حَسَن». فقالَ إِيلِيَّا لأَنبِياءِ البَعْل: «إِخْتاروا لَكم ثَورًا وٱفعَلوا أَوَّلًا لأَنَّكم كَثيرون، وٱدْعوا بِٱسمِ آلهٰتِكم، ولَكِن لا تَضَعوا نارًا». فأَخَذوا الثَّورَ الَّذي أَعطَوهم إِيَّاه وأَعَدُّوه، ودَعَوا بِٱسمِ البَعلِ مِنَ الصُّبحِ إِلى الظُّهرِ، وهم يَقولون: «أَيُّها البَعْلُ، أَجِبْنا». فلَم يَكُنْ مِن صَوتٍ ولا مُجيب. وكانوا يَرقُصونَ حَولَ المَذبَحِ الَّذي كانَ قد صُنِع. فلَمَّا كانَ الظُّهرُ، سَخِرَ مِنهم إِيلِيَّا وقال: «أُصرُخوا بِصَوتٍ أَعْلى، فإِنَّه إِلٰه: فلَعَلَّه في شُغْلٍ أَو في خَلوَةٍ أَو في سَفَر، أَو لَعَلَّه نائِمٌ فيَستَيقِظ». فصَرَخوا بِصَوتٍ أَعْلى وخَدَّشوا أَنفُسَهم على حَسَبِ عادَتِهم بِالسُّيوفِ والرِّماح، حتَّى سالَت دِماؤُهُم علَيهم. وٱنقَضى الظُّهْرُ وهم يَتَنَبَّأونَ، إِلى أَن حانَ إِصعادُ التَّقدِمَة، ولَيسَ صَوتٌ ولا مُجيبٌ ولا مُصغٍ. فقالَ إِيلِيَّا لِكُلِّ الشَّعْب: «إِقتَرِبوا مِنِّي». فٱقتَرَبَ كُلُّ الشَّعبِ مِنه. فرَمَّمَ مَذبَحَ الرَّبِّ الَّذي كانَ قد تَهَدَّم. وأَخَذَ إِيلِيَّا ٱثنَي عَشَرَ حَجَرًا، على عَدَدِ أَسْباطِ بَني يَعْقوبَ الَّذي كانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلَيه قائِلًا: «إِسْرائيلَ يَكونُ ٱسمُك». وبَنى تِلكَ الحِجارَةَ مَذبَحًا على ٱسمِ الرَّبّ، وجَعَلَ حَولَ المَذبحِ قَناةً تَسَعُ مِكْيالَينِ مِنَ الحَبّ. ثُمَّ رَتَّبَ الحَطَبَ وقَطَّعَ الثَّورَ وجَعَلَه على الحَطَب، وقال: «إِمْلَأوا أَربَعَ جِرارٍ ماءً وصُبُّوا على المُحرَقَةِ وعلى الحَطَب». ثُمَّ قال: «ثَنُّوا»، فثَنَّوا. ثُمَّ قال: «ثَلِّثوا»، فثَلَّثوا، فجَرى الماءُ حَولَ المَذبَحِ وٱمتَلأَتِ القناةُ أَيضًا ماءً. فلَمَّا حانَ إِصْعادُ التَّقدِمَة، تَقَدَّمَ إِيلِيَّا النَّبِيُّ وقال: «أَيُّها الرَّبُّ، إِلٰهُ إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ وإِسْرائيل، لِيُعلَمِ اليَومَ أَنَّكَ إِلٰهٌ في إِسْرائيلَ وأَنِّي أَنا عَبدُكَ وبِأَمرِكَ قد فَعَلتُ كُلَّ هٰذه الأُمور. أَجِبْني يا رَبِّ أَجِبْني، لِيَعلَمَ هٰذا الشَّعبُ أَنَّكَ، أَيُّها الرَّبُّ، أَنتَ الإلٰه، وأَنَّكَ أَنتَ رَدَدتَ قُلوبَهم إِلى الوراء». فهَبَطَت نارُ الرَّبِّ وأَكَلَتِ المُحرَقَةَ والحَطَبَ والحِجارَةَ والتُّراب، حتَّى لَحِسَتِ الماءَ الَّذي في القَناة. فلَمَّا رأَى ذٰلك كُلُّ الشَّعبِ سَقَطوا على وجُوهِهم وقالوا: «الرَّبُّ هو الإلٰه، الرَّبُّ هو الإلٰه». فقالَ لَهم إِيلِيَّا: «إِقبضوا على أَنبِياءِ البَعلِ ولا يُفلِتْ مِنهم أَحَد». فقَبَضوا علَيهم، فأَنزَلَهم إيلِيَّا إِلى نَهرِ قيشون وذَبَحَهم هُناكَ. وقالَ إِيلِيَّا لأَحآب: «إِصعَدْ وكُلْ وٱشرَبْ، فهُوَذا صَوتُ دَوِيِّ مَطَر». فصَعِدَ أَحآبُ لِيَأكُلَ ويَشرَب. وصَعِدَ إِيلِيَّا إِلى رَأسِ الكَرمَل وٱنْحَنى إِلى الأَرضِ وجَعَلَ وَجهَه بَينَ رُكبَتَيه. وقالَ لِخادِمِه: «إِصعَدْ وتَطَلَّعْ نَحوَ البَحْر». فصَعِدَ وتَطَلَّعَ وقال: «ما مِن شَيء». فقالَ لَه: «إِرجِعْ على سَبعِ مَرَّات». فلَمَّا كانَ في السَّابِعةِ قال: «ها غَيمٌ صَغيرٌ، قَدرَ راحةِ رَجُلٍ، طالِعٌ مِنَ البَحْر». فقالَ لَه: «إِصعَدْ وقُلْ لأَحآب: «شُدَّ وٱنزِلْ لِئَلاَّ يَمنَعَكَ المَطَر». وفي أَثناءِ ذٰلك ٱسوَدَّتِ السَّماءُ بِالغُيوم وهَبَّتِ الرِّياح وجاءَ مَطَرٌ عَظيم. فرَكِبَ أَحآبُ وسارَ إِلى يِزرَعيل. وكانَت يَدُ الرَّبِّ مع إِيلِيَّا، فشَدَّ حَقوَيه وجَرى أَمامَ أَحآبَ حتَّى الوُصولِ إِلى يِزرَعيل. وأَخبَرَ أَحآبُ إِيزابَلَ بِكُلِّ ما صَنَعَه إِيلِيَّا وكَيفَ قَتَلَ جَميعَ الأَنبِياءِ بِالسَّيف. فأرسَلَت إِيزابَلُ رَسولًا إِلى إِيلِيَّا وقالَت: «كَذا تَفعَلُ الآلِهَةُ بي وكَذا تَزيد، إِن لم أَجعَلْ نَفْسَكَ في مِثلِ السَّاعةِ مِن غَدٍ كنَفْسِ واحِدٍ مِنهم». فخافَ وقامَ ومَضى لإنقاذِ نَفْسِه، ووَصَلَ إِلى بِئرَ سَبْعَ الَّتي لِيَهوذا وتَرَكَ خادِمَه هُناك. ثُمَّ تَقَدَّمَ في البَرِّيَّةِ مَسيرَةَ يَوم، حتَّى جاءَ وجَلَسَ تَحتَ رَتَمَة، وٱلتَمَسَ المَوتَ لِنَفسِه وقال: «حَسْبي الآنَ يا رَبِّ، فخُذْ نَفْسي، فإِنِّي لَستُ خَيرًا مِن آبائي». ثُمَّ ٱضَّجَعَ ونامَ تَحتَ الرَّتَمَة. فإِذا بِمَلاكٍ قد لَمَسَه وقالَ لَه: «قُمْ فكُلْ». فنَظَرَ فإِذا عِندَ رَأسِه رَغيفٌ مَخْبوزٌ على الجَمْرِ وجَرَّةُ ماء. فأَكَلَ وشَرِبَ، ثُمَّ عادَ وٱضَّجَعَ. فعاوَدَه مَلاكُ الرَّبِّ ثانِيَةً ولَمَسَه وقال: «قُمْ، فكُلْ، فإِنَّ الطَّريقَ بَعيدةٌ أَمامَكَ». فقامَ وأَكَلَ وشَرِبَ وسارَ بِقُوَّةِ تِلكَ الأَكلَةِ أَربَعينَ يَومًا وأَربَعينَ لَيلَةً إِلى جَبَلِ اللهِ حوريب. ودَخَلَ المَغارَةَ هُناكَ وباتَ فيها. فإِذا بِكَلامِ الرَّبِّ إِلَيه يَقول: «ما بالُكَ هٰهُنا يا إِيلِيَّا؟» فقال: «إِنِّي غِرتُ غَيرَةً لِلرَّبِّ، إِلٰهِ القوَّات، لأَنَّ بَني إِسْرائيلَ قد تَرَكوا عَهدَكَ وحَطَّموا مَذابِحَكَ وقَتَلوا أَنبِياءَكَ بِالسَّيف، وبَقيتُ أَنا وَحْدي، وقد طَلَبوا نَفْسي لِيَأخُذوها». فقالَ الرَّبّ: «أُخرُجْ وقِفْ على الجَبَلِ أَمامَ الرَّبّ». فإِذا الرَّبُّ عابِرٌ وريحٌ عَظيمةٌ وشَديدةٌ تُصَدِّعُ الجِبالَ وتُحَطِّمُ الصُّخورَ أَمامَ الرَّبّ. ولَم يَكُنِ الرَّبُّ في الرِّيح. وبَعدَ الرِّيحِ زِلْزالٌ، ولم يَكُنِ الرَّبُّ في الزِّلْزال. وبَعدَ الزِّلْزالِ نارٌ، ولم يَكُنِ الرَّبُّ في النَّار. وبَعدَ النَّارِ صَوتُ نَسيمٍ لَطيف. فلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا، سَتَرَ وَجهَه بِرِدائِه وخَرَجَ ووَقَفَ بِمَدخَلِ المَغارة. فإِذا بِصَوتٍ إِلَيه يَقول: «ما بالُكَ هٰهُنا يا إِيلِيَّا؟» فقال: «إِنِّي غِرتُ غَيرَةً لِلرَّبِّ، إِلٰهِ القُوَّات، لأَنَّ بَني إِسْرائيلَ قد تَرَكوا عَهدَكَ، وقَوَّضوا مَذابِحَكَ وقَتَلوا أَنبِياءَكَ بِالسَّيف، وبَقيتُ أَنا وَحْدي، وقد طَلَبوا نَفْسي لِيأخُذوها». فقالَ لَه الرَّبّ: «إِمضِ فٱرجِعْ في طَريقِكَ نَحوَ بَرِّيَّةِ دِمَشق. فإِذا وَصَلتَ، فٱمسَحْ حَزائيلَ مَلِكًا على أَرام. وٱمسَحْ ياهُوَ بنَ نِمْشِيَ مَلِكًا على إِسْرائيل، وٱمسَحْ أَليشاعَ بنَ شافاطَ مِن آبَلَ مَحولَةَ نَبِيًّا مَكانَكَ. فيَكونُ أَنَّ مَن أَفلَتَ مِن سَيفِ حَزائيلَ يَقتُلُه ياهو، ومَن أَفلَتَ مِن سَيفِ ياهو يَقتُلُه أَليشاع. ولَكِن قد أَبقَيتُ في إِسْرائيلَ سَبعَةَ آلاف، كُلَّ رُكبَةٍ لم تَجثُ لِلبَعْل وكُلَّ فَمٍ لم يُقَبِّلْه». فمَضى مِن هُناكَ فَلقِيَ أَليشاعَ بنَ شافاط، وهو يَحرُثُ وأَمامَه ٱثْنا عَشَرَ فَدَّانَ بَقَر، وهو مع الثَّاني عَشَر. فمَرَّ إِيلِيَّا نَحوَه ورَمى إِلَيه بِرِدائِه. فتَرَكَ البَقَرَ ورَكَضَ وَراءَ إِيلِيَّا وقالَ لَه: «دَعْني أُقَبِّلُ أَبي وأُمِّي، ثُمَّ أَسيرُ وَراءَكَ». فقالَ لَه: «إِذْهَبْ راجِعًا، فماذا صَنَعتُ بِكَ؟» فرَجَعَ مِن خَلفِه وأَخَذَ زَوجَينِ مِنَ البَقَرِ وذَبَحَهما وطَبَخَ لَحمَهما على أَداةِ البَقَر وقَدَّمَ لِلشَّعْبِ فَأَكَل. ثُمَّ قامَ ومَضى مع إِيلِيَّا، وكانَ يَخدُمُه. وجَمَعَ بَنهَدَدُ، مَلِكُ أَرام، كُلَّ جَيشِه (ومعَه ٱثْنانِ وثَلاثونَ مَلِكًا وخَيلٌ ومَركَبات) وحاصَرَ السَّامِرَةَ وحارَبَها. وأَرسَلَ رُسُلًا إِلى أَحآبَ، مَلِكِ إِسْرائيل، إِلى المَدينة، وقالَ لَه: «هٰكذا يَقولُ بَنهَدَدُ: فِضَّتُكَ وذَهَبُكَ هما لي، وأَزْواجُكَ وبَنوكَ الحِسانُ هم لي». فأَجابَ مَلِكُ إِسْرائيلَ وقال: «كما قُلتَ يا سَيِّدِيَ المَلِك، أَنا وكُلُّ ما هو لي لَكَ». فرَجَعَ الرُّسُلُّ وقالوا: «هٰكذا تَكَلَّمَ بَنهَدَدُ وقال: «إِنِّي قد أَرسَلتُ إِلَيكَ قائِلًا: فِضَّتُكَ وذَهَبُكَ وأَزْواجُكَ وبَنوكَ تُعْطيني إِيَّاهم. وإِنِّي في مِثلِ السَّاعةِ مِن غَدٍ أُرسِلُ إِلَيكَ خُدَّامي لِيُفَتِّشوا بَيتَكَ وبُيوتَ خُدَّامِكَ. فكُلُّ ما هو نَفيسٌ في عَينَيكَ يَجعَلونَه في أَيديهم ويأخُذونَه». فدَعا مَلِكُ إِسْرائيلَ جَميعَ شُيوخِ الأَرضِ وقال: «إِعلَموا وٱنظُروا! إِنَّ هٰذا يَطلُبُ الشَّرّ، لأَنَّه أَرسَلَ إِلَيَّ يأخُذُ نِسائي وبَنِيَّ وفِضَّتي وذَهَبي، مع أَنِّي لم أَمنَعْها مِنه». فقالَ لَه كُلُّ الشُّيوخِ وكُلُّ الشَّعْب: «لا تَسمَعْ ولا تَرْضَ». فقالَ لِرُسُلِ بَنهَدَد: «قولوا لِسَيِّديَ المَلِك: كُلُّ ما أَرسَلتَ بِه إِلى عَبدِكَ أَوَّلًا أَفعَلُه، وأَمَّا هٰذا الأَمرُ فلا طاقَةَ لي بِه». فمَضى الرُّسُلُ ورَدُّوا الجَواب. فأَرسَلَ إِلَيه بَنهَدَدُ يَقول: «كَذا تَصنَعُ الآلِهَةُ بي وكَذا تَزيد، إِن كانَ تُرابُ السَّامِرَةِ يَكْفي لأَكُفِّ القَومِ الَّذينَ يَتْبَعوني». فأَجابَ مَلِكُ إِسْرائيلَ وقال: «قولوا: لا يَفتَخِرَنَّ مَن يَتَقَلَّدُ سَيفَه كمَن يَنزِعُه». فلَمَّا سَمِعَ هٰذا الكَلام، وهو يَشرَبُ مع المُلوكِ في الأَكْواخ، قالَ لِرِجالِه: «إِستَعِدُّوا»، فٱستَعَدُّوا لِلهُجومِ على المَدينَة. وإِذا بِنَبِيٍّ تَقَدَّمَ إِلى أَحآب، مَلِكِ إِسْرائيل، وقال: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: أَرَأَيتَ كُلَّ هٰذا الجَمعِ العَظيم؟ هاءَنَذا أُسلِمُه إِلى يَدِكَ، لِتَعلَمَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». فأَجابَ أَحآبُ وقال: «عن يَدِ مَن؟» فقال: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: عن يَدِ فِتْيانِ رُؤَساءِ الأَقاليم». قال: «فمَن يَشُنُّ القِتال». قالَ: «أَنتَ». فٱستَعرَضَ فِتْيانَ رُؤَساءِ الأَقاليم، فكانوا مِئَتَينِ وٱثنَينِ وثَلاثين. وٱستَعرَضَ بَعدَهم سائِرَ الشَّعبِ، بَني إِسْرائيلَ كُلَّهم، فكانوا سَبعَةَ آلاف. فخَرَجوا عِندَ الظُّهْرِ، وكانَ بَنهَدَدُ يَشرَبُ ويَسكَرُ في الأَكْواخ، هو والمُلوك، وكانوا ٱثنَينِ وثَلاثينَ مَلِكًا مُناصِرينَ لَه. وخَرَجَ أَوَّلًا فِتْيانُ رُؤَساءِ الأَقاليم، فأَرسَلَ بَنهَدَدُ فأُخبِرَ وقيلَ لَه إِنَّ رِجالًا خَرَجوا مِنَ السَّامِرة. فقال: «إِن كانوا قد خَرَجوا مُسالِمين، فٱقبِضوا علَيهم أَحْياءً، وإِن كانوا قد خَرَجوا لِلقِتال، فٱقبِضوا علَيهم أَحْياءً». فخَرَجَ مِنَ المَدينَةِ فِتْيانُ رُؤَساءِ الأَقاليم، والجَيشُ وَراءَهم. فقَتَلَ كُلُّ رَجُلٍ رَجُلَه، فهَرَبَ الأَرامِيُّون، وٱتَّبَعَهم إِسْرائيل. فأَفلَتَ بَنهَدَدُ، مَلِكُ أَرام، على فَرَسٍ مع الفُرْسان. وخَرَجَ مَلِكُ إِسْرائيل، فضَرَبَ الخَيلَ والمَركَبات، وضَرَبَ أَرامَ ضَربَةً عَظيمة. فتَقَدَّمَ النَّبِيُّ إِلى مَلِكِ إِسْرائيلَ وقالَ لَه: «إِمضِ وتَشَدَّدْ وتَأَمَّلْ وٱنظُرْ ما تَصنَع. فإِنَّه عِندَ مَدارِ السَّنَةِ يَصعَدُ علَيكَ مَلِكُ أَرام». وقالَ لِمَلِكِ أَرامَ ضُبَّاطُه: «إِنَّ آلِهَتَهم آلِهَةُ الجِبال، ولِذٰلك قَوُوا علَينا، ولَكِن إِذا حارَبْناهم في السَّهلِ، فإِنَّنا نَقْوى علَيهم. وأَنتَ فٱفعَلْ هٰذا الأَمْر: إِعزِلِ المُلوكَ، كُلًّا مِن مَكانِه، وٱجعَلْ وُلاةً مَكانَهم، وجَنِّدْ لَكَ جَيشًا كالجَيشِ الَّذي سَقَطَ لَكَ وخَيلًا كالخَيل السَّابِقِ ومَرْكَباتٍ كالمَركَباتِ السابقة، فنُقاتِلَهُم في السَّهلِ ونَقْوى علَيهم». فسَمِعَ مِنهم وفَعَلَ كذٰلك. فلَمَّا كانَ مَدارُ السَّنَة، اِستَعرَضَ بَنهَدَدُ الأَرامِيِّين، وصَعِدَ إِلى أَفيقَ لِمُحارَبَةِ إِسْرائيل. وٱستُعرِضَ بَنو إِسْرائيل وتَزَوَّدوا وساروا لِلِقائِهم، وعَسكَرَ بَنو إِسْرائيلَ مُقابِلَهم، كأَنَّهم قَطيعانِ صَغيرانِ مِنَ المَعِز، والأَرامِيُّونَ قد مَلَأوا الأَرْض. فتَقَدَّمَ رَجُلُ اللهِ وكَلَّمَ مَلِكَ إِسْرائيلَ وقال: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: لأَنَّ الأَرامِيِّينَ قالوا: إِنَّ الرَّبَّ هو إِلٰهُ الجِبال، لا إِلٰهُ السُّهول، فإِنِّي مُسلِمٌ إِلى يَدِكَ هٰذا الجُمْهورَ العَظيمَ كُلَّه، لِتَعلَموا أَنِّي أَنا الرَّبّ». فعَسكَرَ هٰؤُلاءِ تُجاهَ هٰؤُلاءِ سَبعَةَ أَيَّام. ولَمَّا كانَ اليَومُ السَّابِع، شُنَّتِ الحَربُ. فقَتَلَ بَنو إِسْرائيلَ مِنَ الأَرامِيِّينَ مِئَةَ أَلفِ راجِلٍ في يَومٍ واحِد. وهَرَبَ الباقونَ إِلى أَفيق، إِلى المَدينَة. فسَقَطَ السُّورُ على السَّبعَةِ والعِشْرينَ أَلفَ رَجُلٍ الَّذينَ بَقوا. وهَرَبَ بَنهَدَدُ ودَخَلَ المَدينَةَ إِلى مُخدَعٍ ضِمنَ مُخدَع. فقالَ لَه رِجالُه: «إِنَّنا سَمِعْنا أَنَّ مُلوكَ بَيتِ إِسْرائيلَ هم مُلوكُ رَحمَة. فلْنَضَعِ الآنَ مُسوحًا على أَحْقائِنا وحِبالًا على رُؤُوسِنا، ونَخرُجْ إِلى مَلِكِ إِسْرائيل، لَعَلَّه يُبقي على نَفسِكَ». فشَدُّوا مُسوحًا على أَحْقائِهم وجَعَلوا حِبالًا على رُؤُوسِهم وجاؤوا إِلى مَلِكِ إِسْرائيلَ وقالوا: «إِنَّ عَبدَكَ بَنهَدَدَ يَقول: أَسأَلُ أَن تُبقِيَ على نَفْسي». فقال: «أَوّلًا يَزالُ حَيًّا؟ إِنَّما هو أَخي». فٱستَبشَرَ القَومُ وبادَروا فتَلَقَّفوا الكَلِمَةَ مِن فَمِه، وقالوا: «أَخوكَ بَنهَدَد». فقال: «هَلُمَّ فأتوا بِه». فخَرَجَ إِلَيه بَنهَدَد، فأَصعَدَه أَحآبُ على المَركَبَة. فقالَ لَه بَنهَدَد: «المُدُن الَّتي أَخَذَها أَبي مِن أَبيكَ أَرُدُّها إِلَيكَ، وتَجعَلُ لَكَ أَسْواقًا في دِمَشْق، كما فَعَلَ أَبي في السَّامِرة». فقال: «وأَنا أُطلِقُكَ مُقابِلَ عَهدٍ». وقَطَعَ لَه عَهدًا وأَطلَقَه. وإِنَّ رَجُلًا مِن بَني الأَنبِياءِ قالَ لِصاحِبِهِ بِأَمرِ الرَّبّ: «إِضرِبْني». فأَبى الرَّجُلُ أَن يَضرِبَه. فقالَ لَه: «بِما أَنَّكَ لم تَسمَعْ لِصَوتِ الرَّبّ، فإِنَّك، عِندَ ٱنصِرافِكَ مِن عِنْدي، يَقتُلُكَ أَسَد». فلَمَّا ٱنصَرَفَ مِن عِندِه، لَقِيَه أَسَدٌ فقَتَلَه. ثُمَّ لَقِيَ رَجُلًا آخَرَ فقالَ لَه: «إِضرِبْني»، فضَرَبَه ذٰلك الرَّجُلُ ضَربَةً فجَرَحَه. فمَضى النَّبِيُّ ووَقَفَ لِلمَلِكِ في الطَّريق، وتَنَكَّرَ بِبُرقُعٍ على عَينَيه. فلَمَّا مَرَّ المَلِك، نادى المَلِك وقال: «إِنَّ عَبدَكَ خَرَجَ في وَسَطِ القِتال، فإِذا بِرَجُلٍ مالَ وأَتاني بِرَجُلٍ وقال: إِحفَظْ هٰذا الرَّجُل، وإِن فُقِدَ، تَكونُ نَفسُكَ بَدَلًا مِن نَفْسِه أَو تَزِنُ لي قِنْطارًا مِنَ الفِضَّة. فبَينَما عَبدُكَ مُنشَغِلٌ هُنا وهُناك، إِذا بِه قد فُقِد». فقالَ لَه مَلِكُ إِسْرائيل: «ذاكَ حُكمُكَ، فأَنتَ أَصدَرتَه». فبادَرَ وأَزاحَ البُرقُعَ عن عَينَيه، فعَرَفَ مَلِكُ إِسْرائيلَ أَنَّه مِن الأَنبِياء. فقالَ لَه النَّبِيّ: «هٰكذا قال الرَّبّ: بِما أَنَّكَ أَطلَقتَ مِن يَدِكَ رَجُلًا قد حَرَّمتُه، فنَفسُكَ تَكونُ بَدَلًا مِن نَفْسِه وشَعبُكَ بَدَلًا مِن شَعبِه». فٱنصَرَفَ مَلِكُ إِسْرائيلَ إِلى بَيتِه، وهو واجِمٌ قَلِق، وجاءَ إِلى السَّامِرَة. وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداثِ أَنَّه كانَ لِنابوتَ اليِزرَعيلِيِّ كَرمٌ في يِزرَعيل، إِلى جانِبِ قَصرِ أَحآب، مَلِكِ السَّامِرة، فخاطَبَ أَحآبُ نابوتَ قائِلًا: «أَعطِني كَرمَكَ، فيَكونَ لي بُستانَ خُضَرٍ، لأَنَّه قَريبٌ مِن بَيتي، وأَنا أُعْطيكَ بَدَلًا مِنه كَرمًا خَيرًا مِنه، وإِن حَسُنَ في عَينَيكَ أَعطَيتُكَ ثَمَنَه فِضَّةً». فأَجابَ نابوتُ أَحآب: «مَعاذَ الرَّبِّ أَن أُعطِيَكَ ميراثَ آبائي». فعادَ أَحآبُ إِلى بَيتِه واجِمًا قَلِقًا مِنَ الكَلامِ الَّذي كَلَّمَه بِه نابوتُ اليِزرَعيلِيُّ بِقَولِه: «إِنِّي لا أُعْطيكَ ميراثَ آبائي». وٱضَّجَعَ على سَريرِه وأَعرَضَ بِوَجهِه ولَم يَتناوَلْ طَعامًا. فجاءَت إِيزابَلُ ٱمرَأَتُه وقالَت لَه: «ما بالُكَ كَئيبَ النَّفسِ ولَم تَتناوَلْ طَعامًا؟» فقالَ لَها: «لأَنِّي خاطَبتُ نابوتَ اليِزرَعيلِيَّ وقُلتُ لَه: «أَعطِني كَرمَكَ بِالفِضَّة، أَو إِن شِئتَ أُعْطيكَ كَرمًا بَدَلًا مِنه. فقال: لا أُعطيكَ كَرْمي». فقالَت لَه إيزابَلُ ٱمرَأَتُه: «أَأَنتَ الآنَ تَتَصَرَّفُ كمَلِكٍ على إِسْرائيل؟ قُمْ فتَناوَلْ طَعامًا وطِبْ نَفْسًا، وأَنا أُعطيكَ كَرمَ نابوتَ اليِزرَعيلِيّ». ثُمَّ إِنَّها كَتَبَت رَسائِلَ بِٱسمِ أَحآب وخَتَمَتها بِخَاتَمِه وأَرسَلَتِ الرَّسائِلَ إِلى الشُّيوخِ والأَشرافِ الَّذينَ في المَدينَة والسَّاكِنينَ مع نابوت. وكَتَبَت في الرَّسائِلِ تَقول: «نادوا بِصَومٍ وأَجلِسوا نابوتَ في صَدرِ القَوم، وأَجلِسوا رَجُلَينِ لا خَيرَ فيهما تُجاهَه يَشهَدانِ علَيه قائِلَين: إِنَّكَ قد لَعَنتَ اللهَ والمَلِك». وأَخرِجوه وٱرجُموه فيَموت». ففَعَلَ أَهلُ مَدينَتِه الشُّيوخُ والأَشْرافُ السَّاكِنونَ في مَدينَتِه، كما أَرسَلَت إِلَيهم إِيزابَلُ بِحَسَبِ المَكْتوبِ في الرَّسائِل الَّتي أَرسَلَتها إِلَيهم. فنادوا بِصَومٍ وأَجلَسوا نابوتَ في صَدرِ القَوم. ثُمَّ وَصَلَ رَجُلانِ لا خَيرَ فيهما وجَلَسا تُجاهَه، وشَهِدَ الرَّجُلانِ اللَّذانِ لا خَيرَ فيهما على نابوتَ، بِحَضرَةِ الشَّعبِ، قائِلَين: «قد لَعَنَ نابوتُ اللهَ والمَلِك». فأَخرَجوه خارِجَ المَدينةِ ورَجَموه بِالحِجارَةِ فمات. وأَرسَلوا إِلى إِيزابَلَ يَقولون: «قد رُجِمَ نابوتُ ومات». فلَمَّا سَمِعَت إِيزابَلُ بِرَجمِ نابوتَ وموتِه، قالَت لأَحآب: «قُمْ فرِثْ كَرمَ نابوتَ اليِزرَعيلِيِّ الَّذي أَبى أَن يُعطِيَكَ إِيَّاه بِالفِضَّة. لم يَعُدْ نابوتُ حَيًّا، بل قد مات». فلَمَّا سَمِعَ أَحآبُ بِمَوتِ نابوت، قام لِيَنزِلَ إِلى كَرمِ نابوتَ اليِزرَعيلِيِّ لِيَرِثَه. فكانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلى إِيلِيَّا التِّشبِيِّ قائِلًا: «قُمْ فٱنزِلْ لِلِقاءِ أحآب، مَلِكِ إِسْرائيلَ، الَّذي في السَّامِرة، فها هُوَذا في كَرمِ نابوتَ الَّذي نَزَلَ إِلَيه لِيَرِثَه. وكَلِّمْه قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: قَتَلتَ ووَرِثتَ فَضلًا عن ذٰلك. ثُمَّ كَلِّمْه قائِلًا: هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: في المَكانِ الَّذي لَحِسَت فيه الكِلابُ دَمَ نابوت، تَلحَسُ الكِلابُ دَمَكَ أَنتَ أَيضًا». فقالَ أَحآبُ لإيلِيَّا: «إِذن لقَد وَجَدتَني يا عَدُوِّي». فقال: «قد وَجَدتُكَ، لأَنَّكَ قد بِعتَ نَفسَكَ لِعَمَلِ الشَّرِّ في عَينَيِ الرَّبّ. هاءَنَذا جالِبٌ علَيكَ الشَّرّ وكانِسٌ نَسلَكَ، وقارِضٌ مِن أحآبَ كُلَّ بائِلٍ بِحائِطٍ، مِن عَبدٍ وطَلِيقٍ في إِسْرائيل، وجاعِلٌ بَيتَكَ كَبيتِ يارُبْعامَ بنِ نَباط وبَيتِ بَعْشا بنِ أَحِيَّا، لإسخاطِكَ لي إِسْخاطًا ولِجَعلِكَ إِسْرائيلَ يَخطَأ». (وتَكَلَّمَ الرَّبُّ على إيزابَلَ أَيضًا قائلًا: «إِنَّ الكِلابَ ستَأكُلُ إِيزابَلَ عِندَ سورِ يِزرَعيل). ومَن ماتَ لِأحآبَ في المَدينةِ تأكُلُه الكِلاب، ومَن ماتَ لَه في الحَقلِ تأكُلُه طُيورُ السَّماء». ولَم يَكُنْ أَحَدٌ كأحآبَ الَّذي باعَ نَفسَه لِعَمَلِ الشَّرِّ في عَينَيِ الرَّبّ، لأَنَّ إِيزابَلَ ٱمرَأَتَه قد أَغوَتْه. وبالَغَ في القَبائِحِ جِدًّا بِالسَّيرِ وَراءَ الأَصنام القَذِرَة، على حَسَبِ كُلِّ ما فَعَلَ الأَمورِيُّونَ الَّذينَ طَرَدَهُم الرَّبُّ مِن وَجهِ بَني إِسْرائيل. فلَمَّا سَمِعَ أَحآبُ هٰذا الكَلام، مَزَّقَ ثِيابَه وجَعَلَ على بَدَنِه مِسْحًا وصامَ وباتَ في المِسحِ ومَشى رُوَيدًا رُوَيدًا. فكانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلى إِيلِيَّا التِّشبيِّ قائِلًا: «أَرَأَيتَ كَيفَ ذَلَّ أَحآبُ أَمامي؟ فلأَنَّه قد ذَلَّ أَمامي، لا أَجلُبُ الشَّرَّ في أَيَّامِه، ولَكِن في أَيَّامِ ٱبنِه أَجلُبُ الشَّرَّ على بَيتِه». ومَضَت ثَلاثُ سَنَواتٍ ولَم يَكُنْ حَربٌ بَينَ أَرامَ وإِسْرائيل. ولَمَّا كانَتِ السَّنَةُ الثَّالِثَة، اِنحدَرَ يوشافاط، مَلِكُ يهوذا، إِلى مَلِكِ إِسْرائيل. فقالَ مَلِكُ إِسْرائيلَ لِضُبَّاطِه: «أَلا تَعلَمونَ أَنَّ راموتَ جِلْعادَ هي لَنا ونَحنُ مُتَقاعِدونَ عن أَخذِها مِن يَدِ مَلِكِ أَرام؟» وقالَ لِيوشافاط: «أَتَمْضي مَعي لِلقِتالِ إِلى راموتَ جِلْعاد؟» فقالَ يوشافاطُ لِمَلِكِ إِسْرائيل: «إِنَّما نَفْسي كنَفسِكَ وشَعْبي كشَعبِكَ وخَيلي كخَيلِكَ». وقالَ يوشافاطُ لِمَلِكِ إِسْرائيل: «إسأَلِ اليَومَ كَلامَ الرَّبّ». فجَمَعَ مَلِكُ إِسْرائيلَ الأَنبِياءَ، نَحوَ أَربَعِ مِئَةِ رَجُل، وقالَ لَهم: «أَأَمْضي إِلى راموتَ جِلْعادَ لِلقِتالِ أَم أَمتَنِع؟» فقالوا: «إِصعَدْ، فإِنَّ الرَّبَّ مُسلِمُها إِلى يَدِ المَلِك». فقالَ يوشافاط: «أَلَم يَبْقَ هُنا نَبِيٌّ لِلرَّبّ؟ فلْنَسأَلْه بواسِطتِه» فقالَ مَلكُ إِسْرائيلَ لِيوشافاط: «إِنَّه لا يَزالُ رَجُلٌ واحِدٌ نَسألُ الرَّبَّ بِواسِطَتِه، ولَكِنِّي أُبغِضُه لأَنَّه لا يَتَنَبَّأُ علَيَّ بِخَيرٍ، بل بِشَرّ، وهو ميخا بنُ يِملَة». فقالَ يوشافاط: «لا يَتَكَلَّمِ المَلِكُ هٰكذا». فدَعا مَلِكُ إِسْرائيلَ أَحَدَ الخِصْيانِ وقال: «عَلَيَّ بِميخا بنِ يِملَة». وكانَ مَلِكُ إِسْرائيلَ ويوشافاطُ مَلِكُ يَهوذا جالِسَينِ، كُلُّ واحِدٍ على عَرشِه، لابِسَينِ لِباسَهما في البَيدَر، عِندَ مَدخَلِ بابِ السَّامِرَة، وجَميعُ الأَنبِياءِ يَتَنَبَّأُونَ أَمامَهما. وكانَ صِدقِيَّا بنُ كَنعَةَ قد صَنَعَ لِنَفسِه قُرونَ حَديد، فقال: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: بِهٰذه تَنطِحُ الأَرامِيّينَ حتَّى يَفنَوا». وكانَ جَميعُ الأَنبِياءِ يَتَنَبَّأُونَ هٰكذا قائِلين: «إِصعَدْ إِلى راموتَ جِلْعادَ فتَفوز، فإِنَّ الرَّبَّ مُسلِمُها إِلى يَدِ المَلِك». وإِنَّ الرَّسولَ الَّذي مَضى لِيَدعُوَ ميخا خاطَبَه قائِلًا: «إِنَّ الأَنبِياءَ قد تَكَلَّموا بِفَمٍ واحِدٍ بِخَيرٍ لِلمَلِك. فلْيَكُنْ كَلامُكَ كَكَلامِ واحِدٍ مِنهم وتَكَلَّمْ بِخَير». فقالَ ميخا: «حَيٌّ الرَّبّ! لَن أَقولَ إِلاَّ ما يَقولُه الرَّبُّ لي». وأَتى إِلى المَلِكِ فقالَ لَه المَلِك: «يا ميخا، أَنَمْضي إِلى راموتَ جِلْعادَ لِلقِتالِ أَم نَمتَنِع؟» فقالَ لَه: «إِصعَدْ فتَفوز، فإِنَّ الرَّبَّ مُسلِمُها إِلى يَدِ المَلِك». فقالَ لَه المَلِك: «كم مَرَّةٍ أَستَحلِفُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَني إِلاَّ بِالحَقِّ بِٱسمِ الرَّبّ؟» فقال: «رَأَيتُ كُلَّ إِسْرائيلَ مُبَدَّدًا على الجِبالِ كالغَنَمِ الَّتي لا راعِيَ لَها. فقالَ الرَّبُّ: لَيسَ لِهٰؤُلاءِ سَيِّد. فلْيَرجِعْ كُلٌّ مِنهم إِلى بَيتِه بِسَلام». فقالَ مَلِكُ إِسْرائيلَ لِيوشافاط: «أَلَم أَقُلْ لَكَ إِنَّه لا يَتَنَبَّأُ علَيَّ بِخَيرٍ، بل بِشَرّ؟» فقالَ مِيخا: «إِسمَعْ كَلامَ الرَّبّ. رَأَيتُ الرَّبَّ جالِسًا على عَرشِه وجَميعُ قُوَّاتِ السَّماءِ واقِفَةٌ لَدَيه على يَمينِه وشِمالِه. فقالَ الرَّبّ: مَن يُغْوي أَحآبَ حتَّى يَصعَدَ ويَسقُطَ في راموتَ جِلْعاد؟ فقالَ هٰذا كذا وقالَ ذاكَ كذا. ثُمَّ خَرَجَ روحٌ ووَقَفَ أَمامَ الرَّبِّ وقال: أَنا أُغْويه. فقالَ لَه الرَّبّ: بِماذا؟ فقال: أَخرُجُ وأَكُونُ روحَ كَذِبٍ في أَفْواهِ جَميعِ أَنبِيائِه. فقالَ الرَّبّ: إِنَّكَ تُغْويه وتَنجَح، فٱخرُجْ وٱصنَعْ هٰكذا. والآنَ فقَد جَعَلَ الرَّبُّ روحَ كَذِبٍ في أَفْواهِ جَميعِ أَنبِيائِكَ هٰؤُلاءِ، والرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيكَ بِشَرّ». فتَقَدَّمَ صِدقِيَّا بنُ كَنعَةَ ولَطَمَ ميخا على خَدِّه وقال: «مِن أَينَ عَبَرَ روحُ الرَّبِّ مِنِّي لِيُكَلِّمَكَ؟» فقالَ ميخا: «ستَرى هٰذا يَومَ تَدخُلُ فيه مُخدَعًا ضِمنَ مُخدَعٍ لِتَختَبِئ». فقالَ مَلِكُ إِسْرائيل: «خُذْ ميخا ورُدَّه إِلى آمون، رَئيسِ المَدينة، ويوآشَ، ٱبنِ المَلِك، وقُلْ: هٰكذا أَمَرَ المَلِكَ: ضَعوا هٰذا في السِّجنِ وغَذُّوه بِخُبزِ الضِّيقِ وماءِ الضِّيق، إِلى أَن أَرجِعَ بِسَلام». فقالَ ميخا: «إِن رَجَعتَ بِسَلام، فلَم يَتَكَلَّمِ الرَّبُّ فِيَّ». وقال: «إِسمَعي أَيَّتُها الشُّعوبُ جَميعًا». ثُمَّ صَعِدَ مَلِكُ إِسْرائيلَ ويوشافاط، مَلِكُ يهوذا، إِلى راموتَ جِلْعاد. فقالَ مَلِكُ إِسْرائيلَ لِيوشافاط: «أَنا أَتَنَكَّرُ وأَذهَبُ إِلى القِتال، وأَمَّا أَنتَ فٱلبَسْ لِباسَكَ». فتَنَكَّرَ مَلِكُ إِسْرائيلَ وذَهَبَ إِلى القِتال. وأَمَرَ مَلِكُ أَرامَ رُؤَساءَ مَركَباتِه الِٱثنَينِ والثَّلاثينَ قائلًا: «لا تُحارِبوا صَغيرًا ولا كبيرًا إِلاَّ مَلِكَ إِسْرائيلَ وَحدَه». فلَمَّا رأَى رُؤَساءُ المَركَباتِ يوشافاطَ قالوا: «لا شَكَّ أَنَّ هٰذا هو مَلِكُ إِسْرائيل». فمالوا علَيه لِيُقاتِلوه، فصَرَخَ يوشافاط. فلَمَّا رأَى رُؤَساءُ المَركَباتِ أَنَّه لَيسَ بِمَلِكِ إِسْرائيل، رَجَعوا عنه. وإِنَّ رَجُلًا رَمى قَوسَه غَيرَ مُتَعَمِّدٍ، فأَصابَ مَلِكَ إِسْرائيلَ بَينَ مَفاصِلِ الدِّرْع. فقالَ لِسائِقِ مَركَبَتِه: «عُدْ إِلى الوَراءِ وٱخرُجْ بي مِن الحَومَة، فإِنِّي قد جُرِحتُ». وٱشتَدَّ القِتالُ في ذٰلك اليَوم، والمَلِكُ واقِفٌ مَسْنودًا في مَركَبَتِه مُقابِلَ أَرام. وماتَ في المَساء، وكانَ دَمُ الجُرحِ سائِلًا في أَرضِ المَركَبَة. وٱنتَشَرَ نِداءٌ في المُعَسكَرِ عِندَ غُروبِ الشَّمْسِ أَن: «لِيَنصَرِفْ كُلُّ رَجُلٍ إِلى مَدينَتِه وكُلُّ رَجُلٍ إِلى أَرضِه». وهٰكذا ماتَ المَلِكُ وأُوتِيَ بِه إِلى السَّامِرَة، ودُفِنَ في السَّامِرَة. وغُسِلَت مَركَبَتُه في بِركَةِ السَّامِرَة، فلَحِسَتِ الكِلابُ دَمَه، وٱغتَسَلَتِ البَغايا فيه، على حَسَبِ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ أَحآبَ وكُلُّ ما صَنَعَه، وبَيتُ العاجِ الَّذي بَناه، وجَميعُ المُدُنِ الَّتي بَناها، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وٱضَّجَعَ أَحآبُ مع آبائِه، ومَلَكَ أَحَزْيا ٱبنُه مَكانَه. ومَلَكَ يوشافاطُ بنُ آسا على يَهوذا في السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لأَحآب، مَلِكِ إِسْرائيل. وكانَ يوشافاطُ ٱبنَ خَمسٍ وثَلاثينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ في أُورَشَليمَ خَمسًا وعِشْرينَ سَنَة. وٱسمُ أُمِّه عَزوبَةُ بِنتُ شِلْحي. وسارَ في جَميعِ طُرُقِ أَبيه آسا ولم يَحِدْ عَنها، وَصَنَعَ ما هو قَويمٌ في عَينَي الرَّبّ. وأَمَّا المَشارِفُ فلَم تُزَلْ، وكانَ الشَّعبُ لا يَزالُ يَذبَحُ ويُحرِقُ البَخورَ على المَشارِف. وكانَ يوشافاطُ مسالِمًا لِمَلِكِ إِسْرائيل. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يوشافاط، وبَأسُه الَّذي أَبْداه، وحُروبُه، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وبَقِيَّةُ المَأبونينَ الَّذينَ بَقوا مِن أَيَّامِ آسا أَبيه كَنَسَهم مِنَ الأَرْض. ولم يَكُنْ مَلِكٌ في أَدوم، فمَلَكَ وَكيل. وصَنَعَ يوشافاطُ سُفُنَ تَرْشيش، لِتَذهَبَ إِلى أُوفيرَ لِجَلبِ الذَّهَب، ولَكِنَّها، لم تَذهَبْ، لأَنَّها ٱنكَسَرَت في عَصْيونَ جابَر. حينَئذٍ قالَ أَحَزْيا بنُ أَحآبَ لِيوشافاط: «لِيَخرُجْ رِجالي مع رِجالِكَ في السُّفُن». فأَبى يوشافاط. وٱضَّجَعَ يوشافاطُ مع آبائِه، وقُبِرَ مع آبائِه في مَدينةِ داوُدَ أَبيه، ومَلَكَ يورامُ ٱبنُه مَكانَه. ومَلَكَ أَحَزْيا بنُ أَحآبَ على إِسْرائيلَ في السَّامِرة، في السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشرَةَ لِيوشافاط، مَلِكِ يَهوذا، ومَلَكَ على إِسْرائيلَ سَنَتَين. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، وسارَ في طَريقِ أَبيه وطَريقِ أُمِّه وفي طَريقِ يارُبْعامَ بنِ نَباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأ. فعَبَدَ البَعلَ وسَجَدَ لَه، وأَسخَطَ الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، على حَسَبِ كُلِّ ما صَنَعَ أَبوه. وتَمَرَّدَ المُوآبِيُّونَ على إِسْرائيلَ بَعدَ وَفاةِ أَحآب. وسَقَطَ أَحَزْيا مِن شُبَّاكِ عِلِّيَّتِه في السَّامِرة، ومَرِضَ، فأَرسَلَ رُسُلًا وقالَ لَهم: «أُمْضوا وٱستَشيروا بَعلَ زَبوب، إِلٰهَ عَقْرون، هل أَشْفى مِن مَرَضي هٰذا». فخاطَبَ مَلاكُ الرَّبِّ إِيلِيَّا التِّشبِيَّ قائلًا: «قُمْ فٱصعَدْ لِمُلاقاةِ رُسُلِ مَلِكِ السَّامِرَةِ وقُلْ لَهم: أَلَعَلَّه لَيسَ إِلٰهٌ في إِسْرائيلَ حتَّى تَذهَبوا وتَستَشيروا بَعلَ زَبوب، إِلٰهَ عَقرون؟ فلِذٰلك هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: إِنَّ السَّريرَ الَّذي عَلَوتَه لا تَنزِلُ عَنه، بل تَموتُ موتًا». فمَضى إِيلِيَّا. ورَجَعَ الرُّسُّلُ إِلى المَلِكِ فقالَ لَهم: «لِماذا رَجَعتُم؟» فقالوا لَه: «إِنَّ رَجُلًا صَعِدَ لِمُلاقاتِنا وقالَ لَنا: «أُمْضوا راجِعينَ إِلى المَلِكِ الَّذي أَرسَلَكم وقولوا له: هٰكذا قالَ الرَّبّ: «أَلَعَلَّه لَيسَ إِلٰهٌ في إِسْرائيلَ حتَّى تُرسِلَ وتَستَشيرَ بَعلَ زَبوب، إِلٰهَ عَقْرون؟ لِذٰلكَ فالسَّريرُ الَّذي عَلَوتَه لا تَنزِلُ عَنه، بل تَموتُ مَوتًا». فقالَ لَهم: «ما هَيئَةُ الرَّجُلِ الَّذي صَعِدَ لِمُلاقاتِكم وخاطَبَكم بِهٰذا الكَلام؟» فقالوا لَه: «رَجُلٌ علَيه لِباسٌ مِن شَعَرٍ وعلى حَقوَيَه إِزارٌ مِن جِلْد». فقال: «هو إِيلِيَّا التِّشبِيّ». فأَرسَلَ إِلَيه قائِدَ خَمْسينَ مع رِجالِه الخَمْسين، فصَعِدَ إِلَيه فإِذا هو جالِسٌ على رَأسِ الجَبَل. فقالَ لَه: «يا رَجُلَ الله، إِنَّ المَلِكَ يَقول: إِنزِلْ». فأَجابَ إِيلِيَّا وقالَ لِقائِدِ الخَمْسين: «إِن كُنتُ أَنا رَجُلَ الله، فلْتَهبِطْ نارٌ مِنَ السَّماءِ وتأكُلْكَ أَنتَ ورِجالَكَ الخَمْسين». فهَبَطَت نارٌ مِنَ السَّماءِ فأَكَلَته هو ورِجالَه الخَمْسين. ثُمَّ عادَ فأَرسَلَ إِلَيه قائِدَ خَمْسينَ ثانِيًا مع رِجالِه الخَمْسين، فكَلَّمَه وقالَ لَه: «يا رَجُلَ الله، هٰكذا أَمَرَ المَلِك: إِنزِلْ عاجِلًا». فأَجابَ إِيلِيَّا وقالَ لَهم: «إِن كُنتُ أَنا رَجُلَ الله، فلْتَهبِطْ نارٌ مِنَ السَّماءِ وتَأكُلْكَ أَنتَ ورِجالَك الخَمْسين». فهَبَطَت نارُ اللهِ مِنَ السَّماءِ فأَكَلَته هو ورِجالَه الخَمْسين. ثُمَّ عادَ فأَرسَلَ إِلَيه قائِدَ خَمْسينَ ثالِثًا مع رِجالِه الخَمْسين. فصَعِدَ قائِدُ الخَمْسينَ الثَّالِث، وجاءَ فجَثا على رُكبَتَيه أَمامَ إِيلِيَّا وتَوَسَّلَ إِلَيه قائِلًا: «يا رَجُلَ الله، لِتَكرُمْ في عَينَيكَ نَفْسي ونُفوسُ عَبيدِكَ هٰؤُلاءِ الخَمْسين. إِنَّ النَّارَ قد هَبَطَت مِنَ السَّماءِ وأَكَلَت كُلًّا مِن قائِدَي الخَمْسينَ الأَوَّلَينِ مع رجالِهما الخَمْسين. والآنَ فلْتَكرُمْ نَفْسي في عَينَيكَ». فقالَ مَلاكُ الرَّبِّ لإيلِيَّا: «إِنزِلْ معَه ولا تَخَفْ بِسَبَبِه». فقامَ ونَزَلَ معَه إِلى المَلِك، وقالَ لَه: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: بِما أَنَّكَ أَرسَلتَ رُسُلًا لِتَستَشيرَ بَعلَ زَبوب، إِلٰهَ عَقْرون، كأَنْ لَيسَ إِلٰهٌ في إِسْرائيلَ تَستَشيرُ كَلامَه، لِذٰلك فالسَّريرُ الَّذي عَلَوتَه لا تَنزِلُ عنه، بل تَموتُ مَوتًا». فماتَ بِحَسَبِ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه إِيلِيَّا. ومَلَكَ يورامُ مَكانَه في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِيورامَ بنِ يوشافاط، مَلِكِ يَهوذا، لأَنَّه لم يَكُنْ لَه ٱبنٌ. وبَقِيَّةُ أَخبارِ أَحَزْيا وما صَنَعَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وقَبلَ أَن يَرفَعَ الرَّبُّ إِيلِيَّا في العاصِفَةِ نَحوَ السَّماء، ذَهَبَ إيلِيَّا مع أَليشاعَ مِنَ الجِلْجال. فقالَ إِيلِيَّا لأَليشاع: «أُمكُثْ هٰهُنا، فإِنَّ الرَّبَّ قد أَرسَلَني إِلى بَيتَ إِيل». فقالَ أَليشاع: «حَيٌّ الرَّبُّ وحَيَّةٌ نَفسُكَ! إِنِّي لا أُفارِقُكَ». ونَزَلا إِلى بَيتَ إِيل. فخَرَجَ بَنو الأَنبِياءِ الَّذينَ في بَيتَ إِيلَ إِلى أَليشاعَ وقالوا لَه: «هَل عَلِمتَ أَنَّ الرَّبَّ في هٰذا اليَومِ يَأخُذُ سَيِّدَكَ مِن فَوقِ رَأسِكَ؟» فقال: «نَعَم، قد عَلِمتُ أَنا أَيضًا، فٱسكُتوا». ثُمَّ قالَ لَه إِيلِيَّا: «يا أَليشاع، أُمكُثْ هٰهُنا، فإِنَّ الرَّبَّ قد أَرسَلَني إِلى أَريحا». فقال: «حَيٌّ الرَّبُّ وحَيَّةٌ نَفسُكَ! إِنِّي لا أُفارِقُكَ». ووَصَلا إِلى أَريحا. فتَقَدَّمَ بَنو الأَنبِياءِ الَّذينَ في أَريحا إِلى أَليشاعَ وقالوا لَه: «هل عَلِمتَ أَنَّ الرَّبَّ في هٰذا اليَومِ يَأخُذُ سَيِّدَكَ مِن فَوْقِ رأسِكَ؟» فقال: «نَعَم، قد عَلِمتُ أَنا أَيضئا، فٱسكُتوا». ثُمَّ قالَ لَه إِيلِيَّا: «أُمكُثْ هٰهُنا، فإِنَّ الرَّبَّ قد أَرسَلني إِلى الأُردُنّ». فقال: «حَيٌّ الرَّبُّ وحَيَّةٌ نَفسُكَ! إِنِّي لا أُفارِقُكَ». وذَهَبا كِلاهما معًا. فذَهَبَ خَمْسونَ رَجُلًا مِن بَني الأَنبِياءِ ووَقَفوا تُجاهَهما عن بُعْد، ووَقَفا هُما بِجانِبِ الأُردُنّ. فأَخَذَ إِيلِيَّا رِداءَه ولَفَّه وضَرَبَ بِه المِياه، فٱنفَلَقَت إِلى هُنا وهُناك، وعَبَرا كِلاهُما على اليَبَس. فلَمَّا عَبَرا، قالَ إِيلِيَّا لأَليشاع: «سَلْني ماذا أَصنَعُ لَكَ، قَبلَ أَن أُوخَذَ عنكَ» فقالَ أَليشاع: «لِيَكُنْ لي نَصيبُ ٱثنَينِ مِن روحِكَ علَيَّ». قال: «قد سأَلتَ أَمرًا عَسيرًا: إِن أَنتَ رَأَيتَني عِندَما أُوخَذُ مِن عِندِكَ، يَكونُ لَكَ ذٰلك، وإِلاَّ فلا». وفيما كانا سائِرَين، وهُما يَتَحادثان، إِذا مَركَبَةٌ نارِيَّةٌ وخَيلٌ نارِيَّةٌ قد فَصَلَت بَينَهما. وصَعِدَ إِيلِيَّا في العاصِفَةِ نَحوَ السَّماء، وأَليشاعُ ناظِرٌ وهو يَصرُخ: «يا أَبي، يا أَبي، يا مَركَبَةَ إِسْرائيلَ وفُرْسانَه!». ثُمَّ لم يَعُدْ يَراه. فأَمسَكَ ثِيابَه وشَقَّها شَطرَين. ورَفَعَ رِداءَ إيلِيَّا الَّذي كانَ قد سَقَطَ عنه، ورَجَعَ فوَقَفَ على شاطِئِ الأُردُنّ. وأَخَذَ رِداءَ إِيلِيَّا الَّذي كانَ قد سَقَطَ عَنه وضَرَبَ بِه المِياهَ وقال: «أَينَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِيلِيَّا، هو أَيضًا؟» وعادَ فَضَرَبَ المِياهَ فٱنفَلَقَت إِلى هُنا وهُناك، وعَبَرَ أَليشاع. ورَآه بَنو الأَنبِياءِ الَّذينَ في أَريحا تُجاهَه، فقالوا: «قد حَلَّت روحُ إِيلِيَّا على أَليشاع». وأَتَوا لِلِقائِه وسَجَدوا لَه إِلى الأَرْض، وقالوا لَه: «هُوَذا مع عَبيدِكَ خَمْسونَ رَجُلًا ذَوو بَأس، يَمْضونَ ويَبحَثونَ عن سَيِّدَكَ، فعَسى أَن يَكونَ روحُ الرَّبِّ قد حَمَلَه وطَرَحَه على أَحَدِ الجِبالِ أَو في أَحَدِ الأَودِيَة». فقال: «لا تُرسِلوا أَحَدًا». فأَلحُّوا علَيه جِدًّا حتَّى قالَ لَهم: «أَرسِلوا»، فأَرسَلوا خَمْسينَ رَجُلًا، فبَحَثوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فلَم يَجِدوه. فرَجَعوا إِلَيه وهو مُقيمٌ في أَريحا. فقالَ لَهم: «أَلَم أَقُلْ لَكم: لا تَمْضوا؟». وقالَ أَهلُ المَدينةِ لأَليشاع: «إِنَّ مَوقِعَ المَدينةِ حَسَنٌ، كما يَرى سَيِّدي، إِلاَّ أَنَّ ماءَها رَديءٌ والأَرضَ مُجدِبة». فقال: «إِئْتوني بِقَصعَةٍ جَديدة، وٱجعَلوا فيها مِلْحًا». فجاؤُوه بِذٰلك. فذَهَبَ إِلى مَنبَعِ الماء وطَرَحَ فيه مِلْحًا وقال: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنِّي قد شَفَيتُ هٰذه المِياه، فلا يَكونُ مِنها بَعدَ اليَومِ مَوتٌ ولا جَدْب». فشُفِيَتِ المِياهُ إِلى هٰذا اليَوم، على حَسَبِ كَلامِ أَليشاعَ الَّذي تَكَلَّمَ بِه. وصَعِدَ مِن هُناكَ إِلى بَيتَ إِيل، فبَينَما هو صاعِدٌ في الطَّريق، إِذا بِصِبْيانٍ صِغارٍ خارِجونَ مِنَ المَدينة، فهَزأُوا بِه وقالوا لَه: «إِصعَدْ يا أَصلَع، إِصعَدْ يا أَصلَع». فٱلتَفَتَ إِلى وَرائِه ورَآهم ولَعَنَهم بِٱسمِ الرَّبّ. فخَرَجَت دُبَّتانِ مِنَ الغابِ وٱفتَرَسَتا مِنهمُ ٱثنَينِ وأَربَعينَ صَبيًّا. ثُمَّ مَضى مِن هُناكَ إِلى جَبَلِ الكَرمَل، ومِن هُناكَ رَجَعَ إِلى السَّامِرة. ومَلَكَ يورامُ بنُ أَحآبَ على إِسْرائيلَ بِالسَّامِرَةِ في السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشرَةَ لِيوشافاط، مَلِكِ يَهوذا، ومَلَكَ ٱثنَتَي عَشرَةَ سَنَة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، ولٰكِن لا كأَبيه وأُمِّه، فقَد أَزالَ نُصبَ البَعلِ الَّذي صَنَعَه أَبوه. لٰكِنَّه لَزِمَ خَطايا يارُبْعامَ بنِ نَباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطأ، ولم يَحِدْ عنها. وكانَ ميشاعُ، مَلِكُ موآب، مُرَبِّي ماشِيَة، وكانَ يُؤَدِّي إِلى مَلِكِ إِسْرائيلَ مِئَةَ أَلفِ حَمَلٍ ومِئَةَ أَلفِ كَبشٍ بِصوفِها. فلَمَّا ماتَ أَحآب، تَمَرَّدَ مَلِكُ موآبَ على مَلِكِ إِسْرائيل. فخَرَجَ المَلِكُ يورامُ في ذٰلك اليَومِ مِنَ السَّامِرَة، وٱستَعرَضَ كُلَّ إِسْرائيل. ثُمَّ مَضى وأَرسَلَ إِلى يوشافاط، مَلِكِ يَهوذا، قائِلًا: «إِنَّ مَلِكَ موآبَ قد تَمَرَّدَ علَيَّ، فهَل تَمْضي معي إِلى موآبَ لِلقِتال؟». فقال: «أَصعَد، فإِنَّما نَفْسي كنَفسِكَ وشَعْبي كَشَعبِكَ وخَيلي كخَيلِكَ». فقالَ لَه: «مِن أَيِّ طَريقٍ نَصعَد؟» فقال: «مِن طَريقِ بَرِّيَّةِ أَدوم». فمَضى مَلِكُ إِسْرائيلَ ومَلِكُ يَهوذا ومَلِكُ أَدوم وطافوا مَسيرَةَ سَبعَةِ أَيَّام، فلَم يَجِدوا ماءً لِعَسكَرِهم ولا لِلبَهائِمِ الَّتي وَراءَهم. فقالَ مَلِكُ إِسْرائيل: «آهِ، إِنَّ الرَّبَّ قد دَعا هٰؤُلاءِ المُلوكَ الثَّلاثَةَ لِيُسلِمَهُم إِلى أَيدي الموآبِيِّين». فقالَ يوشافاط: «أَلَيسَ هٰهُنا نَبِيٌّ لِلرَّبِّ فنَستَشيرَ الرَّبَّ بِواسِطَتِه؟» فأَجابَ واحِدٌ مِن رِجالِ مَلِكِ إِسْرائيلَ وقال: «إِنَّ هٰهُنا أَليشاعَ بنَ شافاطَ الَّذي كانَ يَصُبُّ ماءً على يَدَي إِيلِيَّا». فقالَ يوشافاط: «إِنَّ معَه كَلامَ الرَّبّ». وٱنحَدَروا إِلَيه، أي مَلِكُ إِسْرائيلَ ويوشافاطُ ومَلِكُ أَدوم. فقالَ أَليشاعُ لِمَلِكِ إِسْرائيل: «ما لي وما لَكَ؟ إِمضِ إِلى أَنبِياءِ أَبيكَ وأَنبِياءِ أُمِّكَ». فقالَ لَه مَلِكُ إِسْرائيل: «كَلاَّ، فإِنَّ الرَّبَّ قد دَعا هٰؤُلاءِ المُلوكَ الثَّلاثةَ لِيُسلِمَهم إِلى أَيدي الموآبِيِّين». فقالَ أَليشاع: «حَيٌّ رَبُّ القُوَّاتِ الَّذي أَنا واقِفٌ أَمامَه! إِنَّه لَولا إِكْرامي لِوَجهِ يوشافاط، مَلِكِ يَهوذا، لَما نَظَرتُ إِلَيكَ ولا رَأَيتُكَ. والآنَ فأْتوني بِعَوَّاد». فلَمَّا عَزَفَ بِالعود، حَلَّت علَيه يَدُ الرَّبّ. فقال: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِجعَلوا هٰذا الوادِيَ حُفَرًا حُفَرًا، لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّكم لا تَرَونَ ريحًا ولا مَطَرًا، وهٰذا الوادي يَمتَلِئُ ماءً، فتَشرَبونَ أَنتُم وماشِيَتُكم وبَهائِمُكُم. وذٰلك يَسيرٌ في عَينَيِ الرَّبّ، وهو سيُسلِمُ موآبَ إِلى أَيديكم، فتَضرِبونَ كُلَّ مَدينةٍ مُحَصَّنَةٍ وكُلَّ مَدينةٍ مُخْتارة، وتَقطَعونَ كُلَّ شَجَرَةٍ حَسَنَة، وتَردِمونَ كُلَّ عَينِ ماء، وتُعَطِّلونَ كُلَّ حَقلٍ طَيِّبٍ بِالحِجارة». وكانَ في الصَّباح، عِندَ إِصعادِ التَّقدِمَة، أَنَّ مِياهًا جاءَت مِن طَريقِ أَدوم، فٱمتَلَأَتِ الأَرضُ ماءً. وسَمِعَ جَميعُ الموآبِيِّينَ بِصُعودِ المُلوكِ لِمُحارَبَتِهم، فٱجتَمَعَ كُلُّ مَنِ ٱبتَدَأَ يَتَقَلَّدُ سِلاحًا فما فَوق، ووَقَفوا على الحُدود. وبَكَّروا في الصَّباح، وقَد أَشرَقَتِ الشَّمسُ على الماء، فرَأَى الموآبِيُّونَ مُقابِلَهمُ المِياهَ حَمْراءَ كالدَّم. فقالوا: «هٰذا دَم. لَقَد تَحارَبَ المُلوكُ وضَرَبَ بَعضُهم بَعضًا. والآنَ فإِلى السَّلْبِ، يا موآب!». وأَتَوا إِلى مُعَسكَرِ إِسْرائيل، فقامَ إِسْرائيلُ وضَرَبَ الموآبِيِّين، فٱنهَزَموا مِن أَمامِه. فدَخَلَ البِلادَ وهو يَضرِبُ الموآبِيِّين، وهَدَمَ المُدُن، وكانَ كُلُّ واحِدٍ يَرْمي بِحَجَرِه في كُلِّ حَقلٍ طَيِّب، حتَّى مَلَأُوه، ورَدَموا كُلَّ عَينِ ماء، وقَطَعوا كُلَّ شَجَرَةٍ حَسَنَة، حتَّى إِنَّهم لم يُبْقوا الحِجارَةَ إِلاَّ في قيرَ حَراسَت، وأَحاطَ بِها قاذِفو الحِجارَةَ وضَرَبوها. فلَمَّا رَأَى مَلِكُ يوآبَ أَنْ قدِ ٱشتَدَّت علَيه الحَربُ فَوقَ طاقَتِه، أَخَذَ معَه سَبعَ مِئَةِ رَجُلٍ مُستَلِّينَ السُّيوفَ لِيَختَرِقوا إِلى مَلِكِ أَرام، فلَم يَقدِروا. فأَخَذَ ٱبنَه البِكرَ وَلِيَّ عَهدِه وأَصعَدَه مُحرَقَةً على السُّور. وكانَ غَضَبٌ شَديدٌ على إِسْرائيل. فٱنصَرَفَ إِسْرائيلُ عَنه ورَجَعَ إِلى أَرضِه. وإِنَّ ٱمرَأَةً مِن نِساءِ بَني الأَنبِياءِ صَرخَت إِلى أَليشاعَ قائِلَةً: «إِنَّ عَبدَكَ زَوجي قد مات، وأَنتَ تَعلَمُ أَنَّ عَبدَكَ كانَ يَتَّقي الرَّبّ، وقد جاءَ المُرابي لِيأَخُذَ ٱبنَيَّ عَبدَينِ لَه». فقالَ لَها أَليشاع: «ماذا أَصنَعُ لَكِ؟ أَخبِريني ما الَّذي عِندَكِ في البَيت». فقالَت: «لَيسَ عِندَ أُمَتِكَ في البَيتِ إِلاَّ حُقَّةُ زَيْت». فقالَ لَها: «إِمْضي وٱستَعيري لَكِ أَوانِيَ مِن خارِج، مِن جَميعِ جيرانِكِ، أَوانِيَ فارِغَة، ولا تُقَلِّلي. ثُمَّ ٱدخُلي وأَغلِقي البابَ عَليكِ وعلى ٱبنَيكِ، وصُبِّي في جَميعِ هٰذه الأَواني، وما ٱمتَلَأَ منها فضَعيه على حِدَة». فَمَضَتْ مِن عِندِه وأَغلَقَتِ البابَ علَيها وعلى ٱبنَيها، فكانا هما يُقَدِّمانِ الأَوانِيَ وهي تَصُبّ. فلَمَّا ٱمتَلَأَتِ الأَواني، قالَت لأَحَدِ ٱبنَيها: «هاتِ إِناءً آخَر». فقالَ لَها: «لم يَبْقَ إناء». فوَقَفَ الزَّيت. فذَهَبَت إِلى رَجُلِ اللهِ وأَخبَرَته، فقال: «إِمْضي وبيعي الزَّيتَ وٱقْضي دَينَكِ، وعيشي أَنتِ وٱبناكِ بِما يَبْقى». وكانَ في بَعضِ الأَيَّامِ أَنَّ أَليشاعَ مَرَّ بشونَم. وكانَت هُناكَ ٱمرَأَةٌ غَنِيَّة، فأَمسَكَته لِيَأكُل. وأَخَذَ، كُلَّما مَرَّ، يَميلُ إِلى هُناكَ لِيَأكُل. فقالَت لِزَوجِها: «قد عَلِمتُ أَنَّ هٰذا الَّذي يَمُرُّ بِنا دائِمًا هو رَجُلُ اللهِ وقِدِّيس. فلْنَبنِ لَه عِلِّيَّةً صَغيرةً ونَجْعَلْ لَه فيها سَريرًا ومائِدَةً وكُرسِيًّا ومَنارَةً، حتَّى، إِذا جاءَنا، يأوي إِلى هُناكَ». فجاءَ في بَعضِ الأَيَّامِ إِلى هُناكَ وأَوى إِلى العِلِّيَّةِ وٱضطَجَعَ فيها. وقالَ لِخادِمِه جيحَزي: «أُدعُ لي هٰذه الشُّونَمِيَّة». فدَعاها فوَقَفَت أَمامَ الخادِم. فقالَ لَه: «قُلْ لَها: إِنَّكِ قد تَكَلَّفتِ مِن أَجلِنا هٰذه الكُلفَةَ كُلَّها، فماذا تَبتَغينَ أَن يُصنَعَ لَكِ؟ هل مِن حاجَةٍ أُكَلِّمُ فيها المَلِكَ أَو قائِدَ الجَيش؟ فقالَت: «إِنَّما أَنا ساكِنَةٌ فيما بَينَ قَومي». فقال: «ماذا أَصنَعُ لَها؟» فقالَ جيحَزي: «لَيسَ لَها وَلَدٌ ورَجُلُها شَيخٌ كَبير». فقال: «أُدعُها». فدَعاها، فوَقَفَت بِالباب. فقال: «إِنَّكِ، في مِثلِ هٰذا الوَقتِ مِنَ السَّنَةِ المُقبِلَة، ستَحضُنينَ ٱبنًا». فقالَت: «لا يا سَيِّدي، يا رَجُلَ الله، لا تَكذِبْ على أَمَتِكَ». ثُمَّ حَبِلَتِ المَرأَةُ ووَلَدَتِ ٱبنًا في مِثلِ هٰذا الوَقتِ مِنَ السَّنَةِ التَّالِيَة، كما قالَ أَليشاع. وكَبُرَ الصَّبِيّ، فخَرَجَ ذاتَ يَومٍ إِلى أَبيه عِندَ الحَصَّادين. فقالَ لأَبيه: «رَأْسي رَأْسي»! فقالَ أَبوه لِلخادِم: «إِحمِلْه إِلى أُمِّه». فحَمَلَه وذَهَبَ بِه إِلى أُمِّه. فبَقِيَ على رُكبَتِها إِلى الظُّهرِ ومات. فأَصعَدَته وأَضجَعَته على سَريرِ رَجُلِ الله، وأَغلَقَت علَيه وخَرَجَت. ونادَت زَوجَها وقالَت: «أَرسِلْ إِلَيَّ أَحَدَ الخُدَّامِ ومعَه أَتان، فأُسرِعَ إِلى رَجُلِ اللهِ وأَعود». فقالَ لَها: «لِماذا تَمْضينَ إِلَيه اليَومَ ولَيسَ اليَومُ رأسَ الشَّهرِ ولا هو سَبْت؟» فقالَت: «سَلام». ثُمَّ شَدَّت على الأَتانِ وقالَت لِخادِمِها: «سُقْ وٱمْضِ ولا توقِفْ سَيري حتَّى أَقولَ لَكَ». ومَضَت فأَتَت إِلى رَجُلِ اللهِ في جَبَلِ الكَرمَل. فلَمَّا رَآها رَجُلُ اللهِ مِن بَعيد، قالَ لِجيحَزي خادِمِه: «هٰذه هي تِلكَ الشُّونَمِيَّة». فبادِرِ الآنَ لِلِقائِها وقُلْ لَها: «أَسالِمَةٌ أَنتِ؟ أَسالِمٌ زَوجُكِ؟ أَسالِمٌ الصَّبِيّ؟ فقالت: «سالِمون». ثُمَّ وَصَلَت إِلى رَجُلِ اللهِ على الجَبَلِ وأَخَذَت بِرِجلَيه. فتَقَدَّمَ جيحَزي لِيَرُدَّها. فقالَ رَجُلُ الله: «دَعْها، لأَنَّ نَفسَها مُرَّةٌ فيها، والرَّبُّ قد كَتَمَ الأَمرَ عنِّي ولم يُخبِرْني». فقالَت: «هَل طَلَبتُ ٱبنًا مِن سَيِّدي؟ أَلَم أَقُلْ: لا تَخدَعْني؟». فقالَ لِجيحَزي: «أُشدُدْ حَقوَيكَ وخُذْ عَصايَ في يَدِكَ وٱمْضِ، وإِن لَقيتَ أَحَدًا فلا تُسَلِّمْ علَيه. وإِن سَلَّمَ علَيكَ أَحَدٌ، فلا تُجِبْه. وٱجعَلْ عَصايَ على وَجهِ الصَّبِيّ». فقالَت أُمُّ الصَّبِيّ: «حَيٌّ الرَّبُّ وحَيَّةٌ نَفسُكَ! إِنِّي لا أُفارِقُكَ». فقامَ وتَبِعَها. وكانَ جَيحَزي قد سَبَقَهما وجَعَلَ العَصا على وَجهِ الصَّبِيّ، فلَم يَكُنْ صَوتٌ ولا إِحْساس. فعادَ لِلِقاءِ أَليشاعَ وأَخبَرَه قائِلًا: «لم يَستَيقِظِ الصَّبِيّ». فوصَلَ أَليشاعُ إِلى البَيت، فإِذا بِالصَّبِيِّ مَيْتٌ مُضطَجِعٌ على سَريرِه. فدَخَلَ وأَغلَقَ البابَ علَيهما وصَلَّى إِلى الرَّبّ. ثُمَّ صَعِدَ وٱنبَسَطَ على الصَّبِيِّ وجَعَلَ فَمَه على فَمِه وعَينَيه على عَينَيه وكَفَّيه على كَفَّيه، وتَمَدَّدَ علَيه فسَخَنَ جَسَدُ الصَّبِيّ. ثُمَّ عادَ يَتَمَشَّى في البَيتِ تارةً إِلى هُنا وتارةً إِلى هُناك. وصَعِدَ وتَمَدَّدَ علَيه، فعَطَسَ الصَّبِيُّ سَبعَ مَرَّات، ثُمَّ فَتَحَ الصَّبِيُّ عَينَيه. فدَعا جيحَزي وقال: «أُدعُ هٰذه الشُّونَمِيَّة». فدَعاها فأَتت. فقال لَها: «خُذي ٱبنَكِ». فأَقبَلَت تَرتَمي على رِجلَيه وتَسجُدُ إِلى الأَرض. وأَخَذَتِ ٱبنَها ومَضَت. ورَجَعَ أَليشاعُ إِلى الجِلْجال، والمَجاعَةُ في الأَرض. وفيما كانَ بَنو الأَنبِياءِ جالِسينَ أَمامَه، قالَ لِخادِمِه: «هَيِّئِ القِدرَ الكَبيرَةَ وٱطبُخْ طَبيخًا لبَني الأَنبِياء». فخَرَجَ أَحَدُهم إِلى البَرِّيَّةِ لِيَقتَطِعَ بُقولًا، فوَجَدَ كَرمَةً بَرِّيَّة، فٱقتَطَعَ مِنها مِلءَ ثَوبِه حَنظَلًا وجاءَ بِه فقَطَّعَه في قِدرِ الطَّبيخ، لأَنَّهم لم يَعلَموا ما هو. ثُمَّ سَكَبوا لِلرِّجالِ لِيَأكُلوا. فلَمَّا أَكَلوا مِنَ الطَّبيخ، صاحوا وقالوا: «في القِدرِ مَوتٌ، يا رَجُلُ الله»، ولم يَقدِروا أَن يَأكُلوا. فقالَ أَليشاع: «إِئْتوني بِدَقيق». فأَلْقاه في القِدرِ وقال: «أُسكُبْ لِلقَومِ لِيأكُلوا». فلَم يَكُنْ بَعدَ ذٰلك في القِدرِ سوء». وإِنَّ رَجُلًا وَصَلَ مِن بَعْلَ شَليشة، وأَحضَرَ لِرَجُلِ اللهِ خُبزَ بَواكير، عِشْرينَ رَغيفًا مِنَ الشَّعيرِ وسُنبُلًا طَريئًا في جِرابِه. فقال: «أَعطِ القَومَ لِيَأكُلوا». فقالَ لَه خادِمُه: «ما هٰذا؟ أَأَضَعُ هٰذا أَمامَ مِئَةِ رَجُل؟» فقال: «أَعْطِ القَومَ فيأكُلوا، لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّهم يأكُلونَ ويَفضُلُ عنهم». فوَضَعَ أَمامَهم، فأَكَلوا وفَضَلَ عنهم، كما قالَ الرَّبّ. وكانَ نَعْمان، رَئيسُ جَيشِ مَلِكِ أَرام، رَجُلًا عَظيمًا عِندَ سَيِّدِه مُكَرَّمًا لَدَيه، لأَنَّه عن يَدِه أَعْطى الرَّبُّ نَصْرًا لأَرام. وكانَ الرَّجُلُ مُحارِبًا باسِلًا، وكانَ أَبرَص. وإِنَّ أَرامِيِّينَ خَرَجوا غازين، فسَبَوا مِن أَرضِ إِسْرائيلَ فَتاةً صَغيرة، وأَصبَحَت في خِدْمَةِ زَوجَةِ نَعْمَان. فقالَت لِسَيِّدَتِها: «يا لَيتَ سَيِّدِي حَضَرَ أَمامَ النَّبِيِّ الَّذي في السَّامِرة، فإِنَّه كانَ يَشْفيه مِن بَرَصِه». فذَهَبَ نَعْمانُ وأَخبَرَ سَيِّدَه وقال: «كَذا وكَذا قالَتِ الفَتاةُ الَّتي مِن أَرضِ إِسْرائيل». فقالَ مَلِكُ أَرام: «إِنطَلِقْ ذاهِبًا، وأَنا أُرسِلُ رِسالَةً إِلى مَلِكِ إِسْرائيل». فٱنطَلَقَ وأَخَذَ معَه عَشرَةَ قَناطيرِ فِضَّةٍ وسِتَّةَ آلافِ مِثْقالِ ذَهَب وعَشرَ حُلَلٍ مِنَ الثِّياب. وسَلَّمَ إِلى مَلِكِ إِسْرائيلَ الرِّسالَةَ الَّتي يَقولُ فيها: «عِندَ وُصولِ رِسالَتي هٰذه إِلَيكَ، أُوَجِّهُ إِلَيكَ عَبْدي نَعْمانَ لِتَشفِيَه مِن بَرَصِه». فلَمَّا قَرَأَ مَلِكُ إِسْرائيلَ الرِّسالَة، شَقَّ ثِيابَه وقال: «أَلَعَلِّي أَنا اللهُ الَّذي يُميتُ ويُحْيي، حتَّى أَرسَلَ إِلَيَّ هٰذا أَن أَشفِيَ رَجُلًا مِن بَرَصِه؟ إِعلَموا وٱنظُروا أَنَّ هٰذا إِنَّما يَتَحَرَّشُ بي». فلَمَّا سَمِعَ أَليشاعُ، رَجُلُ الله، بِأَنَّ مَلِكَ إِسْرائيلَ قد مَزَّقَ ثِيابَه، أَرسَلَ إِلى المَلِكِ قائِلًا: «لِماذا مَزَّقتَ ثِيابَكَ؟ لِيأتِ إِلَيَّ ولْيَعلَمْ أَنَّ في إِسْرائيلَ نَبِيًّا». فأَقبَلَ نَعْمانُ بِخَيلِه ومَركَباتِه، ووَقَفَ على بابِ بَيتِ أَليشاع. فأَرسَلَ إِلَيه أَليشاعُ رَسولًا يقولُ لَه: «إِمضِ وٱغتَسِلْ في الأُردُنِّ سَبعَ مَرَّات، فيَعودَ إِلَيكَ لَحْمُكَ وتَطهُر». فغَضِبَ نَعْمانُ ومَضى وهو يَقولُ في نَفسِه: «كُنتُ أَحسَبُ أَنَّه يَخرُجُ ويَقِفُ ويَدْعو بِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِه ويُحَرِّكُ يَدَه فَوقَ المَكانِ ويَشفِي البَرَص. أَلَيسَ أَبانَةُ وفَرفَر، نَهْرا دِمَشق، خَيرًا مِن جَميعِ مِياهِ إِسْرائيل؟ أَفلا أَغتَسِلُ فيهما وأَطهُر؟» وٱنصَرَفَ راجِعًا وهو مُغضَب. فتَقَدَّمَ إِلَيه خُدَّامُه وخاطَبوه وقالوا: «يا أبي، لَو أَمَرَكَ النَّبِيُّ بِأَمرٍ عَظِيم، أَما كُنتَ تَفعَلُه؟ فكَيفَ بِالأَحْرى وقد قالَ لَك: إِغْتَسِلْ وٱطهُرْ». فنَزَلَ وغَطَسَ في الأُردُنِّ سَبعَ مَرَّاتٍ، كما قالَ رَجُلُ الله، فعادَ لَحمُه كَلَحمِ صَبِيٍّ صَغيرٍ وطَهُر. فرَجَعَ إِلى رَجُلِ الله، هو وجَميعُ مَوكِبِه، وأَتى ووَقَفَ أَمامَه وقال: «هاءَنَذا قد عَلِمتُ أَن لَيسَ في الأَرضِ كُلِّها إِلٰهٌ إِلاَّ في إِسْرائيل. والآنَ فٱقبَلْ هَدِيَّةً مِن عَبدِكَ». فقالَ أَليشاع: «حَيٌّ الرَّبُّ الَّذي أَنا واقِفٌ أَمامَه، إِنِّي لا أَقبَلُ شَيئًا». فأَلَحَّ علَيه أَن يَأخُذ، فأَبى. فقالَ نَعْمان: «حَسَن، إِنَّما يُعْطى عَبدُكَ حِملَ بَغلَينِ مِنَ التُّراب، فإِنَّه لا يَعودُ عَبدُكَ يَصنَعُ مُحرَقَةً ولا ذَبيحَةً لِآلِهَةٍ أُخْرى، بل لِلرَّبّ. ولٰكِن عن هٰذا الأَمرِ فليَصفَحِ الرَّبُّ لِعَبدِكَ، وهو أَنِّي، عِندَ دُخولِ سَيِّدي بَيتَ رِمُّونَ لِيَسجُدَ هُناكَ، وهو يَستَنِدُ على يَدي، أَسجُدُ في بَيتَ رِمُّون. فإِذا سَجَدتُ في بَيتَ رِمُّون، فليَصفَحِ الرَّبُّ عن عَبدِكَ مِن حَيثُ هٰذا الأَمْرِ». فقالَ لَه أَليشاع: «إِمضِ بِسَلام». فذَهَبَ عنه نَعْمانُ مَسافَةً مِنَ الأَرْض. وقالَ جيحَزي، خادِمُ أَليشاع، رَجُلِ الله، في نَفسِه: «إِنَّ سَيِّدي قد تَساهَلَ فأَبى أَن يَأْخُذَ مِن يَدِ نَعمانَ الأَرامِيِّ هٰذا ما أَحَضَره. حَيٌّ الرَّبّ! إِنِّي لَأَجْري وَراءَه وآخُذُ مِنه شَيئًا». ومَضى جيحَزي وَراءَ نَعْمان. فرَآه نَعْمانُ جارِيًا وَراءَه، فقَفَزَ مِنَ المَركَبَةِ لِٱستِقْبالِه وقال: «أَسَلام؟» فقال: «سَلام. أَرسَلَني إِلَيكَ سَيِّدي قائلًا: إِنَّه في هٰذه السَّاعةِ قد قَدِمَ إِلَيَّ فَتَيانِ مِن جَبَلِ أَفْرائيمَ مِن بَني الأَنبِياء، فأَعطِهما قِنْطارًا مِنَ الفِضَّةِ وحُلَّتينِ مِنَ الثِّياب». فقالَ نَعْمان: «تَفَضَّلْ علَيَّ وخُذْ قِنْطارَين». وأَلَحَّ علَيه، وصَرَّ القِنْطارَينِ مِنَ الفِضَّةِ في كيسَينِ مع حُلَّتَينِ مِنَ الثِّياب، وسَلَّمَ ذٰلك إِلى ٱثنَينِ مِن خُدَّامِه. فحَملاه أَمامَه. فلَمَّا وَصَلا إِلى الرُّبوَة، أَخَذَ ذٰلك مِن أَيديهِما ووَضَعَهَ في البَيت وصَرَفَ الرَّجُلَينِ فٱنصَرَفا. ثُمَّ دَخَلَ وقامَ أَمامَ سَيِّدِه. فقالَ لَه أَليشاع: «مِن أَينَ يا جيحَزي؟» فقال: «ما مَضى عَبدُكَ إِلى هُنا ولا إِلى هُنا». فقالَ لَه: «أَلَم يَكُنْ قَلْبي هُناكَ، حينَ نَزَلَ رَجُلٌ مِن مَركَبَتِه لِلِقائِكَ؟ أَهٰذا وَقتٌ لأَخذِ الفِضَّةِ ولأَخذِ ثِيابٍ وزَيتونٍ وكُرومٍ وغَنَمٍ وبَقَرٍ وعَبيدٍ وإِماء؟ إِنَّ بَرَصَ نَعْمانَ يَعلَقُ بِكَ وبِنَسلِكَ لِلأَبَد». فخَرَجَ مِن أَمامِه وهو أَبرَصُ كالثَّلْج. وقالَ بَنو الأَنبِياءِ لأَليشاع: «إِنَّ هٰذا المَكانَ الَّذي نَحنُ مُقيمونَ فيه بِحَضرَتِكَ قد ضاقَ بِنا. فلْنَذهَبْ إِلى الأُردُنّ ويَأخُذْ كُلُّ رَجُلٍ خَشَبَةً مِن هُناكَ، ونَصنَعْ لَنا هُناكَ مَكانًا لإقامَتِنا». فقال: «إِذهَبوا». فقالَ أَحَدُهم: «تَفَضَّلْ بِالذَّهابِ مع عَبيدِكَ». فقال: «أَذهَب». ومَضى معَهم، فوَصَلوا إِلى الأُردُنِّ وقَطَعوا الخَشَب. وفيما أَحَدُهم يَقطَعُ خَشَبَةً، سَقَطَ الحَديدُ في الماء. فصاحَ وقال: «آهِ يا سَيِّدي، إِنَّما هو مُسْتَعار». فقالَ رَجُلُ الله: «أَينَ سَقَط؟» فأَراه المَكان. فقَطَعَ عودًا ورَماه هُناك، فعَوَّمَ الحَديد. فقالَ لَه: «خُذْه إِلَيكَ». فمَدَّ يَدَه وأَخَذَه. وكانَ مَلِكُ أَرامَ يُحارِبُ إِسْرائيل، فتَشاوَرَ مع ضُبَّاطِه قائِلًا: «يَكونُ مُعَسكَري في مَكانِ كذا». لٰكِنَّ رَجُلَ الله كانَ يُرسِلُ إِلى مَلِكِ إِسْرائيلَ يَقول: «إِحتَفِظْ مِن أن تَمُرَّ بِهٰذا المَكان، فإِنَّ الأَرامِيِّينَ نازِلونَ هُناك». فأَرسَلَ مَلِكُ إِسْرائيلَ إِلى المَكانِ الَّذي قالَ لَه عنه رَجُلُ اللهِ وحَذَّرَه مِنه، وتَحَفَّظَ هُناكَ لا مَرَّةً ولا مَرَّتَين. فٱضطَرَبَ قَلبُ مَلِكِ أَرامَ مِن هٰذا الأَمْر، ودَعا ضُبَّاطَه وقالَ لَهم: «أَلا تُخبِرونَني مَن مِنَّا مع مَلِكِ إِسْرائيل؟» فقالَ أَحَدُ ضُبَّاطِه: «كَلاَّ، يا سَيِّدي المَلِك، إِنَّما أَليشاعُ النَّبِيُّ الَّذي في إِسْرائيلَ هو يُخبِرُ مَلِكَ إِسْرائيلَ بِما تَتَكَلَّمُ بِه في غُرفَةِ نَومِكَ». فقال: «أُمْضوا وٱنظُروا أَينَ هو، حتَّى أُرِسلَ وآخُذَه». فأُخبِرَ وقيل لَه: «هُوَذا في دوتان». فأَرسَلَ إِلى هُناكَ خَيلًا ومَركَباتٍ وجَيشًا كَثيرًا. فجاؤُوا لَيلًا وأَحاطوا بالمَدينَة. وبَكَّرَ خادِمُ رَجُلِ اللهِ وخَرَجَ، فإِذا جَيشٌ مُحيطٌ بِالمَدينَةِ وخَيلٌ ومَركَبات، فقالَ لَه خادِمُه: «آهِ يا سَيِّدي، ماذا نَصنَع؟» فقال: «لا تَخَفْ، فإِنَّ الَّذينَ مَعنا أَكثَرُ مِنَ الَّذينَ معَهم». وصلَّى أَليشاعُ وقال: «يا رَبّ، إِكشِفْ عن عَينَيه لِيَرى». فكَشَفَ الرَّبُّ عن عَينَيِ الخادِمِ فرَأَى، فإِذا الجَبَلُ مَمْلوءٌ خَيلًا ومَركَباتِ نارٍ حَولَ أَليشاع. ولَمَّا نَزَلَ الأَرامِيُّونَ إِلَيه، صَلَّى أَليشاعُ إِلى الرَّبِّ وقال: «إِضرِبْ هٰؤُلاءِ القَومَ بِالعَمى». فضَرَبَهم بِالعَمى، كما قالَ أَليشاع. فقالَ لَهم أَليشاع: «لَيسَت هٰذه هي الطَّريقُ ولا هٰذه هي المَدينة. تَعالَوا وَرائي فأَسيرُ بِكم إِلى الرَّجُلِ الَّذي تَطلُبونَه». فسارَ بِهم إِلى السَّامِرَة. فلَمَّا دَخَلوا السَّامِرَة، قالَ أَليشاع: «إِفتَحْ، يا رَبِّ، عُيونَ هٰؤُلاءِ لِيُبصِروا». ففَتَحَ الرَّبُّ عُيونَهم فأَبصَروا، فإِذا هم في وَسَطِ السَّامِرة. فقالَ مَلِكُ إِسْرائيلَ لأَليشاعَ حينَ رآهم: «هَل أَضرِبُ، يا أَبتِ، هل أَضرِب؟» فقال: «لا تَضرِبْ. أَلَعَلَّكَ تَضرِبُ الَّذينَ أَسَرتَهم بِسَيفِكَ وقَوسِك؟ ضَعْ أَمامَهم خُبْزًا وماءً لِيَأكُلوا ويَشرَبوا، ثُمَّ يَنصَرِفونَ إِلى سَيِّدِهم». فأَعَدَّ لَهم مَأدُبَةً عَظيمة، فأَكَلوا وشَرِبوا. ثُمَّ أَطلَقَهم، فمَضَوا إِلى سَيِّدِهم، ولم يَعُدْ غُزاةُ أَرامَ يَأتونَ إِلى أَرضِ إِسْرائيل. وكانَ بَعدَ ذٰلك أَن جَمَعَ بَنهَدَد، مَلِكُ أَرام، كُلَّ جَيشِه وصَعِدَ وحاصَرَ السَّامِرَة. فكانَت في السَّامِرَةِ مَجاعةٌ شَديدةٌ وهم مُحاصِرونَ لَها، حتَّى صارَ رَأسُ الحِمارِ بِثَمانينَ مِنَ الفِضَّة، ورُبعُ قَبٍّ مِنَ الحِمِّصِ بِخَمسَةٍ مِنَ الفِضَّة. وبَينَما كانَ مَلِكُ إِسْرائيلَ عابِرًا على السُّور، إِذا بِٱمرَأَةٍ صَرَخَت إِلَيه تقول: «خَلِّصْ، يا سَيِّدي المَلِك». فقالَ لَها: «إِنَّ الرَّبَّ لم يُخَلِّصْكِ، فمِن أَينَ أُخَلِّصُكِ أَنا؟ أَمِنَ البَيدَرِ أَم مِنَ المَعصَرة؟» ثُمَّ قالَ لَها المَلِك: «ما شَأنُكِ؟» فقالَت: «إِنَّ هٰذه المَرأَةَ قالَت لي: هاتي ٱبنَكِ لِنَأكُلَه اليَومَ، وغَدًا نَأكُلُ ٱبْني. فطَبَخْنا ٱبْني وأَكَلْناه. وقُلتُ لَها في اليَومِ الثَّاني: هاتي ٱبنَكِ لِنَأكُلَه، فأَخفَتِ ٱبنَها». فلَمَّا سَمِعَ المَلِكُ كَلامَ المَرأَة، مَزَّقَ ثِيابَه وهو عابِرٌ على السُّور، فنَظَرَ الشَّعبُ فإِذا على بَدَنِه مِسحٌ مِن تَحتِ ثِيابِه. وقال: «كَذا يَصنَعُ اللهُ بي وكذا يَزيد، إِن بَقِيَ رَأسُ أَليشاعَ بنِ شافاطَ علَيه اليَوم». وكانَ أَليشاعُ جالِسًا في بَيتِه والشُّيوخُ جالِسونَ معَه، فأَرسَلَ المَلِكُ رَجُلًا مِمَّن معه. فقَبلَ أَن يَصِلَ الرَّسولُ إِلَيه، قالَ لِلشُّيوخ: «أَرأَيتُم كَيفَ أَرسَلَ ٱبنُ القَتَّالِ هٰذا لِقَطعِ رَأسي؟ فإِذا دَخَلَ الرَّسول، فأَغلِقوا البابَ وٱدفَعوه بِالباب. أَلَيسَ صَوتُ رِجلَي سَيِّده وَراءَه؟» وبَينَما هو يَتَكَلَّم، إِذا بِالمَلِكِ نازِلٌ إِلَيه وقائل: «ها إِنَّ هٰذا الشَّرَّ مِن قِبَلِ الرَّبّ، فماذا أَنتَظِرُ مِنَ الرَّبِّ بَعدَ ذٰلك؟». ثُمَّ قالَ أَليشاع: «إِسمَعوا كَلامَ الرَّبّ: هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: إِنَّه في مِثلِ السَّاعةِ مِن غدٍ يُباعُ مِكْيالُ السَّميذِ بِمِثْقال ومِكْيالا الشَّعيرِ بِمِثقالٍ في بابِ السَّامِرة». فأَجابَ رَجُلَ اللهِ الضَّابِطُ الَّذي كانَ المَلِكُ يَستَنِدُ إِلى يَدِه: «ولَو فَتَحَ الرَّبُّ نَوافِذَ السَّماء، هل يَتِمُّ ذٰلك؟» فأَجابَه: «إِنَّكَ ستَرَى ذٰلك بِعَينَيكَ، ولٰكِنَّكَ لا تَأكُلُ مِنه». وكانَ أَربَعَةُ رِجالٍ بُرصٍ عِندَ مَدخَلِ الباب. فقالَ بَعْضُهم لِبَعض: «لِماذا نُقيمُ هٰهُنا إِلى أَن نَموت؟ إِن قُلنا: نَدخُلُ المَدينة، ففي المَدينَةِ مَجاعة، فنَموتُ هُناك. وإِن أَقَمنا هٰهُنا، مُتْنا. والآن، هَلُمَّ نَمْضي إِلى مُعَسكَرِ أَرام. فإِن أَبقَوا علَينا عِشْنا، وإِن أَماتونا مُتْنا». فقاموا وَقتَ الشَّفَق، ومَضَوا إِلى مُعَسكَرِ أَرام، فبَلَغوا إِلى طَرَفِ مُعَسكَرِ الأَرامِيِّين، فلَم يَكُنْ هُناكَ أَحَد. وذٰلك أَنَّ الرَّبَّ كانَ قد أَسمَعَ في مُعَسكَرِ الأَرامِيِّينَ صَوتَ مَركَباتٍ وَصوتَ خَيلٍ وصَوتَ جَيشٍ عَظيم. فقالَ بَعضُهم لِبَعْض: «هُوَذا مَلِكُ إِسْرائيلَ قدِ ٱستَأجَرَ علَينا مُلوكَ الحِثِّيِّينَ ومُلوكَ المِصرِيِّين، لِيَزحَفوا علَينا». فقاموا وهَرَبوا عِندَ الشَّفَق، وتَرَكوا خِيامَهم وخَيلَهم وحَميرَهم، وبَقِيَ المُعَسكَرُ على حالِه، ونَجَوا بِأَنفُسِهم. فجاءَ أُولٰئِكَ البُرصُ إِلى طَرَفِ المُعَسكَر، ودَخَلوا إِحْدى الخِيام، وأَكَلوا وشَرِبوا وأَخَذوا مِن هُناكَ فِضَّةً وذَهَبًا ولِباسًا، ومَضَوا وخَبَأوها. ثُمَّ عادوا ودَخَلوا خَيمَةً أُخْرى وأَخَذوا مِن هُناكَ ما كانَ ومَضَوا بِه وخَبَأوه. ثُمَّ قالَ بَعضُهم لِبَعْض: «لَيسَ ما نَصنَعُه قَويمًا. إِنَّ يَومَنا هٰذا يَومُ بُشْرى ونَحنُ ساكِتون. فإنِ ٱنتَظَرنا إِلى أَن يُضيءَ الصُّبْحُ، أُنزِلَ بِنا العِقاب. فتَعالَوا الآنَ نَدخُلُ ونَحمِلُ الخَبَرَ إِلى بَيتِ المَلِك». فجاؤُوا ونادَوا بَوَّابي المَدينةِ وأَخبَروهم قائِلين: «ذَهَبنا إِلى مُعَسكَرِ الأَرامِيِّين، فلَم يَكُنْ هُناكَ أَحَدٌ ولا صَوتُ إِنْسان، إِلاَّ أَنَّ الخَيلَ كانَت مَرْبوطَةً والحَميرَ مَرْبوطَةً والخِيامَ على حالِها». فنادى البَوَّابونَ وحَمَلوا الخَبَرَ إِلى داخِلِ بَيتِ المَلِك. فقامَ المَلِكُ لَيلًا وقالَ لِضُبَّاطِه: «أَنا أَقولُ لَكم ما صَنَعَه الأَرامِيُّونَ لَنا: قد عَلِموا أَنَّنا جائِعون، فخَرَجوا مِنَ المُعَسكَرِ لِيَختَبِئوا في الحَقلِ قائلين: إِذا خَرَجوا مِنَ المَدينَة، قَبَضْنا علَيهم أَحْياءً ودَخَلْنا المَدينَة». فأَجابَ أَحَدُ ضُبَّاطِه وقال: «لِيُؤخَذْ خَمسَةٌ مِنَ الخَيلِ الباقِيَةِ الَّتي تَبَقَّت في المَدينة، فهِي كجُمْهورِ إِسْرائيلَ المُشرِفِ على الهَلاك. نُرسِلُها إِذًا ونَرى». فأَخَذوا مَركَبَتَي خَيلٍ وأَرسَلَها وَراءَ جَيشِ الأَرامِيِّينَ وقال: «أُمْضوا وٱنظُروا». فساروا وَراءَهم وأَمتِعَةً مِمَّا طَرَحَه الأَرامِيُّونَ مِن تَسَرُّعِهم. فرَجَعَ الرُّسُلُ وأَخبَروا المَلِك. فخَرَجَ الشَّعبُ وسَلَبَ مُعَسكَرَ الأَرامِيِّين، فصارَ مِكْيالُ السَّميذِ بِمِثْقال ومِكْيالا الشَّعيرِ بِمِثْقال، كما قالَ الرَّبّ. وكانَ المَلِكُ قد وَكَّلَ على البابِ الضَّابِطَ الَّذي يَستَنِدُ إِلَيه، فداسَه الشَّعبُ في البابِ فمات، كما قالَ رَجُلُ اللهِ الَّذي تَكَلَّمَ، حينَ نَزَلَ المَلِكُ إِلَيه. (فإِنَّه، لَمَّا تَكَلَّمَ رَجُلُ اللهِ إِلى المَلِكِ قائِلًا: «يَكونُ مِكْيالا الشَّعيرِ بِمِثْقال ومِكْيالُ السَّميذِ بِمِثْقالٍ في مِثلِ السَّاعةِ مِن غَدٍ في بابِ السَّامِرَة، وأَجابَ الضَّابِط: ولَو فَتَحَ الرَّبُّ نَوافِذَ في السَّماء، هل يَتِمُّ مِثلُ ذٰلك، قالَ أَليشاع: إِنَّكَ سَتَرى ذٰلك بِعَيْنَيكَ، ولَكِنَّكَ لا تَأكُلُ مِنه». فأَصابَه ذٰلك وداسَه الشَّعبُ في البابِ فمات). وكَلَّمَ أَليشاعُ المَرأَةَ الَّتي أَحْيا ٱبنَها قائِلًا: «قومي فٱمْضي أَنتَ وبَيتُكِ، وأَقيمي حَيثُما تَستَطيعينَ أَن تُقيمي، لأَنَّ الرَّبَّ قد دَعا بِمَجاعةٍ، فهي تَأتي على الأَرضِ سَبعَ سِنين». فقامَتِ المَرأَةُ وفَعَلَت كما قالَ رَجُلُ الله، ومَضَت هي وبَيتُها وأَقامَت في أَرضِ فَلِسْطينَ سَبعَ سَنَوات. وكانَ عِندَ ٱنقِضاءِ السَّنَواتِ السَّبعِ أَنَّ المَرأَةَ عادَت مِن أَرضِ فَلِسْطين، وذَهَبَت تَستَغيثُ بِالمَلِكِ في أَمرِ بَيتِها وحَقلِها. وكانَ المَلِكُ يُكَلِّمُ جيحَزي، خادِمَ رَجُلِ الله، قائلًا: «قُصَّ عَلَيَّ جَميعَ العَظائِمِ الَّتي صَنَعَها أَليشاع». وبَينَما هو يَقُصُّ على المَلِكِ أَنَّه أَحْيا مَيْتًا، إِذا بِالمَرأَةِ الَّتي أَحْيا ٱبنَها تَستَغيثُ بِالمَلِكِ في أَمرِ بَيتِها وحَقلِها. فقالَ جيحَزي: «يا سَيِّديَ المَلِك، هٰذه هي المَرأَةُ وهٰذا هو ٱبنُها الَّذي أَحْياه أَليشاع». فسَأَلَ المَلِكُ المَرأَةَ فأَخبَرَته. فأَعْطاها المَلِكُ أَحَدَ خِصْيانِه وقالَ لَه: «رُدَّ لَها كُلَّ ما هو لَها وَجميعَ غِلالِ حَقلِها، مُذ يَومَ فارَقَتِ الأَرضَ إِلى الآن». وذَهَبَ أَليشاعُ إِلى دِمَشْق، وكانَ بنَهَدَد، مَلِكُ أَرام، مَريضًا. فأُخبِرَ وقيلَ له: «قد وَصَلَ رَجُلُ اللهِ إِلى هٰهُنا». فقالَ المَلِكُ لِحَزائيل: «خُذْ في يَدِكَ هَدِيَّة، وٱذهَبْ لِٱستِقْبالِ رَجُلِ الله، وٱسأَلِ الرَّبَّ بِواسِطَتِه قائِلًا: هل أُشْفى مِن مَرَضي هٰذا؟» فمَضى حَزائيلُ لِٱستِقْبالِه وأَخَذَ في يَدِه هَدِيَّةً وحِمْلَ أَربَعينَ جَمَلًا مِن أَجوَدِ ما في دِمَشْق، وجاءَ ووَقَفَ أَمامَه وقال: «إِنَّ ٱبنَكَ بنَهَدَد، مَلِكَ أَرام، أَرسَلَني إِلَيكَ قائِلًا: هل أُشْفى مِن مَرَضي هٰذا؟» فقالَ لَه أَليشاع: «إِمضِ وقُلْ لَه: ستُشْفى شِفاءً، لٰكِنَّ الرَّبَّ أَراني أَنَّه يَموتُ مَوتًا». ثُمَّ ثَبَّتَ وَجهَه وحَدَّقَ بِه إِلى أَقْصى حَدّ، ثُمَّ بَكى رَجُلُ الله. فقالَ لَه حَزائيل: «ما بالُ سَيِّدي يَبْكي؟» فقال: «لأَنِّي عَلِمتُ بِما ستَصنَعُه بِبَني إِسْرائيلَ مِنَ السُّوء، فإِنَّكَ ستُحرِقُ حُصونَهم بِالنَّار، وتَقتُلُ فِتْيانَهم بِالسَّيف، وتُحَطِّمُ أَطْفالَهم وتَشُقُّ حَوامِلَهم». فقالَ حَزائيل: «مَن عَبدُكَ الكَلبُ حَتَّى يَفعَلَ هٰذا الأَمرَ العَظيم؟» فقالَ أَليشاع: «إِنَّ الرَّبَّ قد أَراني إِيَّاكَ مَلِكًا على أَرام». فٱنصَرَفَ عن أَليشاعَ وجاءَ إِلى سَيِّدِه. فقالَ لَه: «ماذا قالَ لَكَ أَليشاع؟» فقال: «قالَ لي إِنَّكَ تَعيش». ثُمَّ إِنَّه في الغَدِ أَخَذَ حَزائيلُ لِحافًا وغَطَسَه في الماء وبَسَطَه على وَجهِ المَلِكِ فمات. ومَلَكَ حَزائيلُ مَكانَه. وفي السَّنَةِ الخامِسَةِ لِيورامَ بنِ أَحآب، مَلِكِ إِسْرائيل - ويوشافاطُ مالِكٌ على يَهوذا - مَلَكَ يورامُ بنُ يوشافاط، مَلِكِ يَهوذا. وكانَ ٱبنَ ٱثنَتينِ وثَلاثينَ سَنَةً حينَ مَلَك. ومَلَكَ ثَمانِيَ سَنَواتٍ في أُورَشَليم. وسارَ في طَريقِ مُلوكِ إِسْرائيل، على حَسَبِ ما صَنَعَ بَيتُ أَحآب، لأَنَّه كانَ مُتَزَوِّجًا بِٱبنَةِ أَحآب. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ. فلَم يَشإِ الرَّبُّ أَن يُهلِكَ يَهوذا نَظَرًا إِلى داوُدَ عَبدِه، كما كانَ قد قالَ لَه إِنَّه يُعْطيه سِراجًا لَه ولِبَنيه كُلَّ الأَيَّام. وفي أَيَّامِه، تَمَرَّدَ الأَدومِيُّونَ مِن تَحتِ أَيدي يَهوذا وأَقاموا علَيهم مَلِكًا. فعَبَرَ يورامُ إِلى صاعير، ومعَه جَميعُ المَركَبات، ونَهَضَ لَيلًا وضَرَبَ الأَدومِيِّينَ المُحيطينَ بِه ورُؤَساءَ المَركَبات، فهَرَبَ الشَّعبُ إِلى خِيامِه. ولا يَزالُ الأَدومِيُّونَ مُتَمَرِّدينَ مِن تَحتِ أَيدي يَهوذا إِلى يَومِنا هٰذا. وفي ذٰلك الوَقتِ، تَمَرَّدَت لِبنَة. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يورام وكُلُّ ما صَنَعَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وٱضطَجَعَ يورامُ مع آبائِه وقُبِرَ مع آبائِه في مَدينَةِ داوُد. ومَلَكَ أَحَزْيا بنُ يورامَ مَكانَه. في السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ لِيورامَ بنِ أَحآب، مَلِكِ إِسْرائيل، مَلَكَ أَحَزْيا بنُ يُورامَ على يَهوذا. وكانَ أَحَزْيا ٱبنَ ٱثنَتَينِ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَك. ومَلَكَ سَنَةً واحِدَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه عَتَلْيا، بِنتُ عُمْري، مَلِكِ إِسْرائيل. وسارَ في طَريقِ بَيتِ أَحآب، وَصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ كبَيتِ أَحآب، لأَنَّه كانَ مُصاهِرًا لِبَيتِ أَحآب. وذَهَبَ مع يورامَ بنِ أَحآبَ لِقِتالِ حَزائيل، مَلِكِ أَرام، في راموتَ جِلْعاد، فضَرَبَ الأَرامِيُّونَ يورام. فرَجَعَ يورامُ المَلِكُ لِيُعالَجَ في يِزْرَعيلَ مِنَ الجِراحِ الَّتي أَصابَه بِها الأَرامِيُّونَ في الرَّامة، عِندَ مُحارَبَتِه لِحَزائيل، مَلِكِ أَرام. ونَزَلَ أَحَزْيا بنُ يورام، مَلِكُ يَهوذا، لِيَعودَ يورامَ بنَ أَحآبَ في يِزرَعيلَ لأَنَّه كانَ مَريضًا. ودَعا أَليشاعُ النَّبِيُّ أَحَدَ بَني الأَنبِياءِ وقالَ لَه: «أُشدُدْ حَقوَيكَ وخُذْ قارورةَ الزَّيتِ هٰذه في يَدِكَ وٱمضِ إِلى راموتَ جِلْعاد. فإِذا وَصَلتَ إِلى هُناكَ، تَبحَثُ هُناكَ عن ياهوَ بنِ يوشافاطَ بنِ نِمْشي، فٱذهَبْ إِلَيه وأَنهِضْه مِن بَينِ إِخوَتِه وأَدخِلْه مُخدَعًا ضِمنَ مُخدَع. وخُذْ قارورةَ الزَّيتِ وصُبَّ على رَأسِه وقُلْ: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنِّي مَسَحتُكَ مَلِكًا على إِسْرائيل». ثُمَّ ٱفتَحِ البابَ وٱهرُبْ ولا تُبْطِئْ». فمَضى الفَتى، أَيِ النَّبِيُّ الفَتى، إِلى راموتَ جِلْعاد. ووَصَلَ إِلَيها، فإِذا رُؤَساءُ الجَيشِ جالِسون. فقال: «لي إِلَيكَ، أَيُّها الرَّئيسُ، كَلام». فقالَ ياهو: «إِلى مَن مِن جَماعَتِنا؟» فقال: «إِلَيكَ أَيُّها الرَّئيس». فقامَ ياهو ودَخَلَ البَيت. فصَبَّ الفَتى الزَّيتَ على رَأسِه وقالَ لَه: «هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنِّي مَسَحتُكَ مَلِكًا على شَعبِ الرَّبِّ، على إِسْرائيل. فٱضرِبْ بَيتَ أَحآبَ سَيِّدِكَ، فأَنتَقِمَ لِدِماءِ عَبيدِيَ الأَنبِياء ودِماءِ جَميعِ عَبيدِ الرَّبِّ مِن يَدِ إِيزابَل، فيَبيدَ كُلُّ بَيتِ أَحآب وأَقرِضَ مِن أَحآبَ كُلَّ بائِلٍ بِحَائِط، مِن عَبدٍ وطَليق، في إِسْرائيل، وأَجعَلَ بَيتَ أَحآبَ كَبيتِ يارُبْعامَ بنِ نَباط وكبَيتِ بَعْشا بنِ أَحِيَّا. وأَمَّا إِيزابَلُ فتأكُلُها الكِلابُ في حَقلِ يِزْرَعيل، ولا يَدفِنُها دافِن». وفَتَحَ البابَ وهَرَب. فخَرَجَ ياهو إِلى ضُبَّاطِ سَيِّدِه. فقالوا لَه: «أَخَيرٌ؟ لِماذا جاءَكَ هٰذا المَجْنون؟» فقالَ لَهم: «أَنتُم تَعرِفونَ هٰذا الرَّجُلَ ونَغمَتَه». فقالوا: «كَذِب، فأَخبِرْنا». فقالَ لَهم: «كَلَّمَني بِكَذا وكَذا قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنِّي مَسَحتُكَ مَلِكًا على إِسْرائيل». فأَسرَعوا وأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ رداءَه وجَعَلوه تَحتَه عِندَ أَعلى المِنَصَّة، ونَفَخوا في البوقِ وقالوا: «قد مَلَكَ ياهو». وتآمَرَ ياهو بنُ يوشافاطَ بنِ نِمْشي على يورام. (وكانَ يورامُ يَحرِسُ راموتَ جِلْعاد، هو وكُلُّ إِسْرائيلَ، مِن حَزائيلَ، مَلِكِ أَرام، لٰكِنَّ يورامَ المَلِكَ كانَ قد رَجَعَ لِيُعالَجَ في يِزْرَعيلَ مِنَ الجِراحِ الَّتي أَصابَه بِها الأَرامِيُّونَ عِندَ مُحارَبَتِه لِحَزائيل، مَلِكِ أَرام). فقالَ ياهو: «إِن طابَت نُفوسُكم، فلا يَخرُجَنَّ مُفلِتٌ مِنَ المَدينة، فيَمْضِيَ ويُخبِرَ في يِزرَعيل». ورَكِبَ ياهو وذَهَبَ إِلى يِزرَعيل، لأَنَّ يورامَ كانَ مُضطَجِعًا هُناك، وقد نَزَلَ إِلَيه أَحَزْيا، مَلِكُ يَهوذا، لِيَعودَه. وكانَ الرَّقيبُ واقِفًا على البُرجِ في يِزرَعيل، فرَأَى جُمهورَ ياهو مُقبِلين، فقال: «إِنِّي أَرى جُمْهورًا». فقالَ يورام: «خُذْ فارِسًا وأَرسِلْه لِلقائِهم، ولْيَقُلْ: أَسَلام؟» فمَضى الفارِسُ وٱستَقبَلَهم وقال: «هٰكذا قالَ المَلِك: أَسَلام؟» فقالَ ياهو: «ما شأنُكَ والسَّلام؟ دُرْ إِلى وَرائي» فأَخبَرَ الرَّقيبُ وقال: «قد وَصَلَ الرَّسولُ إِلَيهم ولم يَرجِعْ». فوَجَّهَ فارِسًا آخَر، فأَتاهم وقال لَهم: «هٰكذا قالَ المَلِك: أَسَلام؟» فقالَ ياهو: «ما شأنُكَ والسَّلامُ؟ دُرْ إِلى وَرائي». فأَخبَرَ الرَّقيبُ وقال: «قد وَصَلَ إِلَيهم ولم يَرجِعْ، والسَّوقُ يُشبِهُ سَوقَ ياهو بنِ نِمْشي، لأَنَّه يَسوقُ كَالْمَجْنون». فقال يورام: «اُشدُدْ». فشُدَّت مَركَبَتُه وخَرَجَ يورام، مَلِكُ إِسْرائيل، وأَحَزْيا، مَلِكُ يَهوذا، كُلُّ واحِدٍ مِنهما في مَركَبَتِه، خَرَجَا لِٱستِقْبالِ ياهو، فوَجَداه عِندَ حَقلِ نابوتَ اليِزرَعيلِيّ. فلَمَّا رأَى يورامُ ياهو، قالَ له: «أَسَلامٌ يا ياهو؟» فقال: «أَيُّ سَلامٍ، ما دام زِنى إِيزابَلَ أُمِّكَ وسِحرُها الكَثير؟» فعادَ يورامُ إِلى الوَراءِ وهَرَبَ وقالَ لأَحَزْيا: «خِيانَةٌ يا أَحَزْيا». فقَبَضَ ياهو بِيَدِه على القوسِ ورَمى يورامَ بَينَ كَتِفَيه، فنَفَذَ السَّهمُ مِن قَلبِه وسَقَطَ في مَركَبَتِه. فقالَ ياهو لِبِدْقارَ ضابِطِه: «خُذْه وٱطرَحْه في حَقْلِ نابوتَ اليِزرَعيلِيّ، وٱذكُرْ، إِذ كُنتُ راكِبًا أَنا وأَنتَ مَعًا وَراءَ أَحآبَ أَبيه، كَيفَ أَصدَرَ الرَّبُّ علَيه هٰذا الحُكْم: رَأَيتُ حَقًّا بِالأَمسِ دَمَ نابوتَ ودِماءِ بَنيه، يَقولُ الرَّبّ، ولَأُجازِيَنَّكَ في هٰذا الحَقْلِ، يَقولُ الرَّبّ. فالآنَ ٱرفَعْه وٱطرَحْه في الحَقْلِ، على حَسَبِ قَولِ الرَّبّ». ولَمَّا رأَى ذٰلك أَحَزْيا، مَلِكُ يَهوذا، هَرَبَ في طَريقِ بَيتِ البُسْتان، فجَرى ياهو في إِثرِه، وقال: «إِرْموه». فرَمَوه أَيضًا في المَركَبَة، في عَقَبَةِ جورَ الَّتي عِندَ يِبْلَعام. فهَرَبَ إِلى مَجِدُّو وماتَ هُناك. فحَمَلَه خُدَّامُه في المَركَبَةِ إِلى أُورَشَليم ودَفَنوه في قَبرِه مع آبائِه في مَدينةِ داوُد. وفي السَّنَةِ الحادِيَةَ عَشرَةَ لِيورامَ بنِ أَحآب، كانَ أَحَزْيا قد مَلَكَ على يَهوذا. ثُمَّ دَخَلَ ياهو يِزرَعيل. فلَمَّا سَمِعَت إِيزابَل، كَحَلَت عَينَيها وزَيَّنَت رَأسَها وأَطلَّت مِنَ النَّافِذَة. فلَمَّا دَخَلَ ياهو مِنَ الباب، قالَت: «أَسَلامٌ، يا زِمْري، قاتِلَ سَيِّده؟» فرَفَعَ وَجهَه إِلى النَّافِذَةِ وقال: «مَن مَعي؟» فأَطَلَّ ٱثْنانِ أَو ثَلاثَةٌ مِنَ الخِصْيان. فقال: «إِطرَحوها»، فطَرَحوها. فتَرَشَّشَ مِن دَمِها على الحائِطِ وعلى الخَيل، وداسَتْها الخَيل. ثُمَّ دَخَلَ وأَكَلَ وشَرِبَ وقال: «إِهتَمُّوا بِهٰذه المَلْعونَةِ وٱدفِنوها، لأَنَّها بِنتُ مَلِك». فمَضَوا لِيَدفِنوها، فلَم يَجِدوا مِنها إِلاَّ جُمجُمَتَها ورِجلَيها وكَفَّيها. فعادوا وأَخبَروه، فقال: «هٰذا كَلامُ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه على لِسانِ عَبدِه إِيلِيَّا التِّشْبِيِّ قائِلًا: «في حَقْلِ يِزرَعيلَ تأكُلُ الكِلابُ لَحمَ إِيزابَل، وتَكونُ جُثَّةُ إِيزابَلَ كالزِّبلِ على وَجهِ البَرِّيَّةِ في حَقلِ يِزرَعيل، حتَّى لا يُقال: «هٰذه إِيزابَل». وكانَ لأَحآبَ سَبْعونَ ٱبنًا في السَّامِرَة. فكَتَبَ ياهو رَسائِلَ إِلى السَّامِرَة، إِلى رُؤَساءِ يِزرَعيلَ الشُّيوخِ وإِلى مُرَبِّي بَني أَحآبَ قائِلًا: «الآن، عِند وُصولِ رِسالَتي هٰذه إِلَيكم، وبِما أَنَّه عِندَكم بَنو سَيِّدِكم وعِندَكمُ المَركَباتُ والخَيلُ ومَدينَةٌ مُحَصَّنَةٌ والسِّلاح، فٱنظُروا الأَفضَلَ والأَصلَحَ مِن بَني سَيِّدِكم، وأَجلِسوه على عَرشِ أَبيه، وقاتِلوا عن بَيتِ سَيِّدِكم». فخافوا جِدًّا جِدًّا وقالوا: «هُوَذا مَلِكانِ لم يَثبُتا أَمامَه، فكَيفَ نَثبُتُ نَحنُ؟» فأَرسَلَ قَيِّمُ البَيتِ وحاكِمُ المَدينةِ والشُّيوخُ والمُرَبُّونَ إِلى ياهو قائِلين: «إِنَّما نَحنُ عَبيدُكَ، فكُلُّ ما قُلتَ لَنا نَفعَلُه. لا نُقيمُ أَحَدًا مَلِكًا، وما يَحسُنُ في عَينَيكَ فٱفعَلْه». فكَتَبَ إِلَيهم رِسالَةً ثانِيةً يَقولُ فيها: «إِن كُنتُم لي ومِنَ السَّامِعينَ لِكَلامي، فخُذوا رُؤوسَ الرِّجالِ أَبْناءِ سَيِّدِكم وتَعالَوا إِلَيَّ في مِثلِ هٰذه السَّاعةِ مِن غَدٍ إِلى يِزرَعيل». وكانَ بَنو المَلِكِ سَبْعينَ رَجُلًا عِندَ عُظَماءِ المَدينةِ الَّذينَ رَبُّوهم. فلَمَّا وَصَلَتِ الرِّسالَةُ إِلَيهم، أَخَذوا أَبْناءَ المَلِكِ وذَبَحوا الرِّجالَ السَّبْعين، وجَعَلوا رُؤُوسَهم في سِلالٍ وأَرسَلوها إِلَيه في يِزرَعيل. فجاءَ الرَّسولُ وأَخبَرَ ياهوَ قائِلًا: «قد أَتَوا بِرُؤُوسِ بَني المَلِك». فقال: «إِجعَلوها كَومَتَينِ عِندَ مَدخَلِ البابِ إِلى الصَّباح». فلَمَّا كانَ الصَّباح، خَرَجَ ووَقَفَ وقالَ لِكُلِّ الشَّعْب: «أَنتُم أَبْرار. هاءَنَذا قد تآمَرتُ على سَيِّدي وقَتَلتُه، ولٰكِن مَنِ الَّذي قَتَلَ هٰؤُلاءِ أَجْمَعين؟ فٱعلَموا الآنَ أَنَّه لا يَسقُطُ شَيءٌ إِلى الأَرضِ مِن كَلامِ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه الرَّبُّ على بَيتِ أَحآب، وقَد صَنَعَ الرَّبُّ ما تَكَلَّمَ بِه على لِسانِ عَبدِه إِيلِيَّا». ثُمَّ قَتَلَ ياهو جَميعَ الباقينَ مِن بَيتِ أَحآبَ في يِزرَعيل وجَميعَ عُظَمائِه ومُقَرَّبيه وكَهَنَتِه، حتَّى لَم يُبقِ لَه باقِيًا. ثُمَّ قامَ ومَضى ذاهِبًا إِلى السَّامِرَة. فلَمَّا كانَ في الطَّريقِ عِندَ بَيتَ عيقَدَ الرُّعاة، صادَفَ ياهو إِخوَةَ أَحَزْيا، مَلِكِ يَهوذا. فقالَ لَهم: «مَن أَنتُم؟ فقالوا: «نَحنُ إِخوَةُ أَحَزْيا، نَزَلْنا لِنُسَلِّمَ على بَني المَلِكِ وبَني المَلِكَة». فقال: «إِقبِضوا علَيهم أَحْياءً»، فقَبَضوا علَيهم أَحْياءً وذَبَحوهم عِندَ صِهْريجِ بَيتَ عيقَد، وكانوا ٱثنَينِ وأَربَعينَ رَجُلًا لم يُبقِ مِنهم أَحَدًا. ومَضى مِن هُناكَ فلَقِيَ يونادابَ بنَ ريكابَ آتِيًا لِٱستِقْبالِه. فبارَكَه وقالَ لَه: «هل قَلبُكَ مُستَقيمٌ مِثلَ قَلْبي مع قَلبِكَ؟» فقالَ يوناداب: «نَعَم». فقال: «إِن كانَ كذٰلك، فهاتِ يَدَكَ». فناوَلَه يَدَه، فأَصعَدَه معَه على المَركَبَة، وقال: «هَلُمَّ معي وٱنظُرْ غَيرَتي لِلرَّبّ». وأَركَبَه في مَركَبَتِه. ووَصَلَ إِلى السَّامِرَة، فضَرَبَ جَميعَ مَن بَقِيَ لأَحآبَ في السَّامِرَة، حتَّى أَبادَهم، على حَسَبِ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي كَلَّمَ بِه إِيلِيَّا. ثُمَّ جَمَعَ ياهو كُلَّ الشَّعبِ وقالَ لَهم: «إِنَّ أَحآبَ قد عَبَدَ البَعلَ قَليلًا، ولٰكِنَّ ياهو سَيَعبُده كَثيرًا. والآنَ فٱدْعوا إِلَيَّ جَميعَ أَنبِياءِ البَعلِ وعُبَّادِه وجَميعَ كَهَنَتِه، ولا يَتخَلَّفْ مِنهم أَحَد، لأَنَّ لي ذَبيحةً عَظيمةً لِلبَعْل، وكُلُّ مَن تَخَلَّفَ لا يَحْيا». وكانَ ذٰلك مَكيدةً مِن ياهو لِيُهلِكَ عُبَّادَ البَعْل. ثُمَّ قالَ ياهو: «أُدْعوا مَحفِلًا مُقَدَّسًا لِلبَعْل». فنادَوا بِه. وأَرسَلَ ياهو في كُلِّ إِسْرائيل، فأَقبَلَ جَميعُ عُبَّادِ البَعلِ، ولَم يَبقَ أَحَدٌ لم يَأتِ، ودَخَلوا بَيتَ البَعلِ، فٱمتَلَأَ مِنَ الجانِبِ إِلى الجانِب. فقالَ لِقَيِّمِ المَلابِس: «أَخرِجْ مَلابِسَ لِجَميعِ عُبَّادِ البَعْل»، فأَخرَجَ لَهم مَلابِس. ودَخَلَ ياهو ويونادابُ بنُ ريكابَ بَيتَ البَعلِ وقالَ لِعُبَّادِ البَعْل: «إِبحَثوا وٱنظُروا لَعَلَّ بَينَكم هٰهُنا أَحَدًا مِن عَبيدِ الرَّبّ، ولْيَكُنْ عُبَّادُ البَعلِ فَقَط». ثُمَّ دَخَلوا لِيَصنَعوا ذَبائِحَ وَمُحرَقات. وكانَ ياهو قد أَقامَ لَه خارِجًا ثَمانينَ رَجُلًا وقال: «إِن تَرَكَ أَحَدٌ رَجُلًا مِنَ القَومِ الَّذينَ أُسلِمُهم إِلى أَيديكم يَنْجو، تَكونُ نَفسُه بَدَلَ نَفْسِ ذٰلك الرَّجُل». فلَمَّا ٱنتَهى ياهو مِن عَمَلِ المُحرَقَة، قالَ لِلسُّعاةِ والفُرسان: «أُدخُلوا وٱضرِبوهم، ولا يُفلِتْ أَحَد». فضَرَبوهم بِحَدِّ السَّيفِ وطَرَحوهم. ثُمَّ مَضَوا إِلى مَعبَدِ بَيتِ البَعْل، وأَخرَجوا أَنْصابَ بَيتِ البَعلِ وأَحرَقوها. وكَسَروا نُصبَ البَعلِ وهَدَموا بَيتَ البَعْلِ وجَعَلوه مِرْحاضًا إِلى يَومِنا هٰذا. وٱستَأصَلَ ياهو البَعلَ مِن إِسْرائيل، إِلاَّ أَنَّ خَطايا يارُبْعامَ بنِ نباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها، لم يُعرِض ياهو عنها، مِن أَمرِ عِجلَيِ الذَّهَبِ اللَّذَينِ في بَيتَ إِيلَ وفي دان. فقالَ الرَّبُّ لِياهو: «لأَنَّك قد أَحسَنتَ بِعَمَلِ القَويمِ في عَيْنَيَّ وصَنَعتَ كُلَّ ما كانَ في نَفْسي بِبَيتِ أَحآب، فسَيَجلِسُ مِن بَنيكَ إِلى الجيلِ الرَّابِعِ على عَرشِ إِسْرائيل». ولٰكِنَّ ياهو لم يُبالِ بِالسَّيرِ بِحَسَبِ شَريعَةِ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيلَ بِكُلِّ قَلبِه، ولم يُعرِضْ عن خَطايا يارُبْعامَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها. وفي تِلكَ الأَيَّام، اِبتَدَأَ الرَّبُّ يَقتَطِعُ مِن إِسْرائيل، فضَرَبَهم حَزائيلُ في جَميعِ أَراضي إِسْرائيل: مِنَ الأُردُنِّ جِهَةَ مَشرِقِ الشَّمْس، ضَرَبَ كُلَّ أَرضِ جِلْعاد، مِنَ الجادِّيِّينَ والرَّأُوبِينِيِّينَ والمَنَسِّيِّين، مِن عَروعيرَ الَّتي على وادي أَرْنونَ وجِلْعادَ وباشان. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ ياهو وكُلُّ ما صَنَعَه وكُلُّ بَأسِه، أَفَلَيسَت مَكتوبَةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وٱضطَجَعَ ياهو مع آبائه، ودَفَنوه في السَّامِرَة. ومَلَكَ يوآحازَ ٱبنُه مَكانَه. وكانَت أَيَّامُ ياهوَ الَّتي مَلَكَ فيها على إِسْرائيلَ في السَّامِرَةِ ثَمانِيَ وعِشْرينَ سَنَة. ولَمَّا رَأَت عَتَلْيا أُمُّ أَحَزْيا أَنَّ ٱبنَها قد مات، قامَت وأَهلَكَت كُلَّ النَّسلِ المَلَكِيّ. لٰكنَّ يوشاباعَ، ٱبنَةَ المَلِكِ يورامَ وأُختَ أَحَزْيا، أَخَذَت يوآشَ بنَ أَحَزْيا وسَرَقَته مِن بَينَ بَني المَلِكِ الَّذينَ يُقتَلون، هو ومُرضِعَه، ووَضَعَته في مُخدَعِ الأَسِرَّة، وخَبَأوه مِن وَجهِ عَتَلْيا، فلَم يُقتَلْ. فأَقامَ معَها في بَيتِ الرَّبِّ سِتَّ سَنَواتٍ مُختَبِئًا، وعَتَلْيا مالِكَةٌ على تِلكَ الأَرض. ولَمَّا كانَتِ السَّنَةُ السَّابِعَة، أَرسَلَ يوياداعُ وأَخَذَ رُؤَساءَ مِئاتِ الكارِيِّينَ والسُّعاة، وأَدخَلَهم إِلَيه إِلى بَيتِ الرَّبّ، وقَطَعَ معَهم عَهدًا، وٱستَحلَفَهم في بَيتِ الرَّبّ وأَراهُمُ ابنَ المَلِك. وأَمَرَهم وقال: «هٰذا ما تَفعَلونه: الثُّلثُ مِنكم أَنتُمُ الدَّاخِلينَ في السَّبتِ يَتَوَلَّونَ الحِراسَةَ على بابِ المَلِك. والثُّلثُ على بابِ سور، والثُّلثُ على البابِ وَراءَ السُّعاة، فَتَتَوَلَّونَ حِراسَةَ البَيتِ بِالتَّناوُب. والفِرقَتانِ مِنكم، جَميعُ الخارِجينَ في السَّبْت، يَتَوَلَّونَ حِراسَةَ بَيتِ الرَّبِّ في سَبيلِ المَلِك. وتُحيطونَ بِالمَلِكِ مِن حَولِه، كُلُّ واحِدٍ سِلاحُه بِيَدِه. فمَن دَخَلَ بَينَ الصُّفوف، فلْيُقتَلْ. وكونوا مع المَلِكِ في خُروجِه ودُخولِه». ففَعَلَ رُؤَساءُ المِئاتِ كما أَمَرَهم يوياداعُ الكاهِن، وأَخَذوا كُلٌّ مِنهم رِجالَه الدَّاخِلينَ في السَّبتِ مع الخارِجينَ في السَّبْت، وأَتَوا إِلى يوياداعَ الكاهِن. فسَلَّمَ الكاهِنُ إِلى رُؤَساءِ المِئاتِ الرِّماحَ والتُّروسَ الَّتي لِلمَلِكِ داوُدَ الَّتي في بَيتِ الرَّبّ. ووَقَفَ السُّعاةُ كُلُّ رَجُلٍ سِلاحُه في يَدِه مِن جانِبِ البَيتِ الجَنوبيِّ إِلى جانِبِه الشَّمالِيّ، عِندَ المَذبَحِ والبَيتِ حَولَ المَلِكِ، مُحيطينَ بِه. وأَخرَجَ يوياداعُ ٱبنَ المَلِكِ ووَضَعَ علَيه تاجَ المُلْكِ والشَّهادة، فأَقاموه مَلِكًا ومَسَحوه وصَفَّقوا وقالوا: «يَحْيى المَلِك». فسَمِعَت عَتَلْيا ضَجيجَ السُّعاةِ والشَّعْب، فدَخَلَت على الشَّعبِ في بَيتِ الرَّبّ، ونَظَرَت، فإِذا المَلِكُ قائِمٌ على المِنبَر، بِحَسَبِ العادَة، والرُّؤَساءُ وأَصْحابُ الأَبْواقِ عِندَ المَلِكِ وكُلُّ شَعبِ تِلكَ الأَرضِ يَفرَحُ ويَنفُخُ في الأَبْواق. فمَزَّقَت عَتَلْيا ثِيابَها وهَتَفَت: «مُؤامَرَة، مُؤامَرَة». فأَمَرَ يوياداعُ الكاهِنُ رُؤَساءَ المِئاتِ المُقامينَ على الجَيشِ وقالَ لَهم: «أَخرِجوها في وَسَطِ الصُّفوف، وكُلُّ مَن يَتَبَعُها فلْيُقتَلْ بِالسَّيف»، لأَنَّ الكاهِنَ كانَ قد قال: «لا تُقتَلْ في بَيتِ الرَّبّ». فأَلقَوا علَيها الأَيدي. ولَمَّا وَصَلَت في طَريقِ مَدخَلِ الخَيلِ إِلى بَيتِ المَلِك، قُتِلَت هُناكَ. وقَطَعَ بوياداعُ عَهدًا بَينَ الرَّبِّ وبَينَ المَلِكِ والشَّعبِ، على أَن يَكونوا شَعبًا لِلرَّبّ، وكذٰلك بَينَ المَلِكِ والشَّعْب. وجاءَ كُلُّ شَعبِ تِلكَ الأَرضِ إِلى بَيتِ البَعْلِ وهَدَمَه وحَطَّمَ مَذابِحَه وتَمَاثيلَه، وقَتَلَ مَتَّانَ، كاهِنَ البَعلِ، أَمامَ المَذابِح. وأَقامَ الكاهِنُ حَرَسًا على بَيتِ الرَّبّ. وأَخَذَ رُؤَساءَ المِئاتِ والكارِيِّينَ والسُّعاةَ وكُلَّ شَعبِ تِلكَ الأَرضِ، فأَنزَلوا المَلِكَ مِن بَيتِ الرَّبّ، وأَتَوا في طَريقِ بابِ السُّعاةِ إِلى بَيتِ المَلِك. فجَلَسَ يوآشُ على عَرشِ المُلْك. وفَرِحَ كُلُّ شَعبِ تِلكَ الأَرضِ وسَكَنَتِ المَدينَة. وأَمَّا عَتَلْيا فكانوا قد قَتَلوها بِالسَّيفِ في بَيتِ المَلِك. وكانَ يوآشُ ٱبنَ سَبعِ سَنَواتٍ حينَ مَلَك. وفي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِياهو، مَلَكَ يوآش، ومَلَكَ أَربَعينَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه صِبْيَةُ مِن بِئرَ سَبْع. وعَمِلَ يوآشُ ما هو قَويمٌ في عَينَيِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِه، لأَنَّ يوياداعَ الكاهِنَ عَلَّمَه. إِلاَّ أَنَّ المَشارِفَ لم تُزَلْ، بل كانَ الشَّعبُ لا يَزالُ يَذبَحُ ويُحرِقُ البَخورَ على المَشارِف. وقالَ يوآشُ لِلكَهَنَة: «كُلُّ فِضَّةِ الأَقْداسِ، الَّتي يُؤْتَى بِها إِلى بَيتِ الرَّبّ، والفِضَّةُ النَّقدِيَّةُ الَّتي يُؤَدِّيها كُلُّ واحِدٍ بِحَسَبِ التَّقْييم، وكُلُّ الفِضَّةِ الَّتي تَحمِلُ كُلَّ إِنْسانٍ نَفْسُه على التَّبَرُّعِ بِها إِلى بَيتِ الرَّبّ، يأخُذُها الكَهَنَةُ، كُلُّ واحِدٍ مِن عِندِ مَعارِفِه، وهم يُرَمِّمونَ ما تَهَدَّمَ مِنَ البَيت، كُلَّ ما وُجِدَ فيه مُتَهَدِّمًا. وكانَ، في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ والعِشْرينَ لِلمَلِكِ يوآش، أَنَّ الكَهَنَةَ لم يُرَمِّموا ما تَهَدَّمَ مِنَ البَيت. فدَعا المَلِكُ يوآشُ يوياداعَ الكاهِنَ والكَهَنَةَ وقالَ لَهم: «لِماذا لا تُرَمِّمونَ ما تَهَدَّمَ مِنَ البَيت؟ فالآنَ لا تَأخُذوا الفِضَّةَ مِن مَعارِفِكم، ولٰكِن تُسَلِّمونَها لِتَرْميمِ البَيت». فوافَقَ الكَهَنَةُ على أَن لا يَأخُذوا الفِضَّةَ مِنَ الشَّعبِ ولا يُرَمِّموا ما تَهَدَّمَ مِنَ البَيت. فأَخَذَ يوياداعُ الكاهِنُ صُنْدوقًا وثَقَبَ ثَقْبًا في غِطائِه وجَعَلَه بِجانِبِ المَذبَحِ على يَمينِ الدَّاخِلِ بَيتَ الرَّبّ. فكانَ الكَهَنَةُ حُرَّاسُ الأَعْتابِ يَطرَحونَ فيه كُلَّ الفِضَّةِ المُتَبَرَّعِ بِها إِلى بَيتِ الرَّبّ. وكانَ، إِذا رَأَوا أَنَّ الفِضَّةَ قد كَثُرَت في الصُّنْدوق، يَصعَدُ كاتِبُ المَلِكِ وعَظيمُ الكَهَنَةِ ويَصُرَّانِ الفِضَّةَ المَوجودَةَ في بَيتِ الرَّبِّ ويَحسُبانِها. ويُسَلِّمانِ الفِضَّةَ المَحْسوبَةَ إِلى أَيدي مُتَوَلِّي العَمَلِ المُوَكَّلينَ على بَيتِ الرَّبّ، فيُؤَدُّونَها إِلى النَّجَّارينَ والبَنَّائينَ العامِلينَ في بَيتِ الرَّبّ، وإِلى رافِعي الجُدْرانِ ونَحَّاتي الحِجارَة، ولِشِراء أَخْشابٍ وحِجارَةٍ مَنْحوتَة، لِتَرْميمِ ما تَهَدَّمَ مِن بَيتِ الرَّبّ، ولِكُلِّ ما يُنفَقُ على البَيتِ لِتَرْميمِه. إِلاَّ أَنَّه لم يُعمَلْ لِبَيتِ الرَّبِّ طُسوتُ فِضَّةٍ ولا مَقاريضُ ولا كُؤُوسٌ ولا أَبْواقٌ ولا شيءٌ مِن آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّة، مِنَ الفِضَّةِ المُتَبَرَّعِ بِها إِلى بَيتِ الرَّبّ. وإِنَّما كانوا يَدفَعونَها إِلى القائِمينَ بِالعَمَل، فيُرَمِّمونَ بِها بَيتَ الرَّبّ. وكانوا لا يُحاسِبونَ الرِّجالَ الَّذينَ يُسَلِّمونَ الفِضَّةَ إِلى أَيديهِم لِيَدفَعوها إِلى القائِمينَ بِالعَمَل، وإِنَّما كانوا يَتَصَرَّفونَ بِأَمانَة. وأَمَّا فِضَّةُ ذَبيحَةِ الإِثمِ وفِضَّةُ ذَبيحَةِ الخَطيئَة، فلَم يَكُنْ يُؤْتى بِها إِلى بَيتِ الرَّبّ، بل كانَت لِلكَهَنَة. حينَئِذٍ صَعِدَ حَزائيل، مَلِكُ أَرام، فقاتَلَ جَتَّ واستَولى علَيها، ثُمَّ حَوَّلَ حَزائيلُ وَجهَه لِيَصعَدَ إِلى أُورَشَليم. فأَخَذَ يوآش، مَلِكُ يَهوذا، جَميعَ الأَقْداسِ الَّتي قَدَّسَها يوشافاطُ ويورامُ وأَحَزْيا آباؤُه، مُلوكُ يهوذا، وأَقْداسَه وكُلَّ الذَّهَبِ المَوجودِ في خَزائِنِ بَيتِ الرَّبِّ وبَيتِ المَلِك، وأَرسَلَها إِلى حَزائيل، مَلِكِ أَرام، فٱنصَرَفَ هٰذا عن أُورَشَليم. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يوآشَ وكُلُّ ما صَنَعَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وقامَ ضُبَّاطُه وَتآمَروا وقَتَلوا يوآشَ في بَيتَ مِلُّو، في مُنحَدَرِ سِلاَّ. فضَرَبَه يوزاكارُ بنُ شِمْعَتَ ويوزابادُ بنُ شومير، ضابِطاه، فماتَ ودَفَنوه مع آبائِه في مَدينةِ داوُد. ومَلَكَ أَمَصْيا ٱبنُه مَكانَه. في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ والعِشْرينَ لِيوآشَ بنِ أَحَزْيا، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ يوآحازُ بنُ ياهو على إِسْرائيلَ في السَّامِرَةِ سَبعَ عَشرَةَ سَنَة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ وسارَ على خَطايا يارُبْعامَ بنِ نَباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها، ولم يُعرِضْ عنها. فغَضِبَ الرَّبُّ على إِسْرائيل، وأَسلَمَه إِلى يَدِ حَزائيل، مَلِكِ أَرام، وبَنهَدَدَ بنِ حَزائيلَ جَميعَ الأَيَّام. فاستَرْضى يوآحازُ وَجهَ الرَّبّ، فٱستَجابَه الرَّبُّ، لأَنَّه رَأى ضيقَ إِسْرائيلَ الَّذي ضايَقَه بِه مَلِكُ أَرام. وأَعْطى الرَّبُّ إِسْرائيلَ مُخَلِّصًا، فخَرَجَ مِن تَحتِ أَيدي الأَرامِيِّين، وأَقامَ بَنو إِسْرائيلَ في خِيامِهِم، كما كانوا أَمسِ فما قَبلُ. إِلاَّ أَنَّهم لم يُعرِضوا عن خَطايا بَيتِ يارُبْعامَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها، بل ساروا عليها، ولَم يَبرَحِ الوَتَدُ المُقَدَّسُ أَيضًا مُنتَصِبًا في السَّامِرَة. ولم يُبقِ الرَّبُّ لِيوآحازَ سِوى خَمْسينَ فارِسًا وعَشرِ مَركَباتٍ وعَشرَةِ آلافِ راجِل، لأَنَّ مَلِكَ أَرامَ أَبادَهم وجَعَلَهم مِثلَ التُّرابِ الَّذي يُداس. وبَقِيَّةُ أَخبارِ يوآحازَ وكُلُّ ما صَنَعَه، وبَأسُه، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وٱضطَجَعَ يوآحازُ مع آبائِه ودُفِنَ في السَّامِرَة. ومَلَكَ يوآشُ ٱبنُه مَكانَه. وفي السَّنَةِ السَّابِعَةِ والثَّلاثينَ لِيوآش، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ يوآشُ بنُ يوآحازَ على إِسْرائيلَ في السَّامِرَة سِتَّ عَشرَةَ سَنَة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، ولم يُعرِضْ عن جَميعِ خَطايا يارُبْعامَ بنِ نَباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها، وسارَ علَيها. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يوآشَ وكُلُّ ما صَنَعَه، وبَأسُه الَّذي حارَبَ به أَمَصْيا، مَلِكِ يهوذا، أَفَليسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وٱضطَجَعَ يوآشُ مع آبائِه، وجَلَسَ يارُبْعامُ على عَرشِه، ودُفِنَ يوآشُ في السَّامِرَةِ مع مُلوكِ إِسْرائيل. ومَرِضَ أَليشاعُ مَرَضَه الَّذي ماتَ فيه. فنَزَلَ إِلَيه يوآش، مَلِكُ إِسْرائيل، وبَكى على وَجهِه وقال: «يا أَبي، يا أَبي، يا مَركَبَةَ إِسْرائيلَ وفُرْسانَه». فقالَ لَه أَليشاع: «خُذْ قَوسًا وسِهامًا»، فأَخَذَ لَه قَوسًا وسِهامًا. فقالَ لِمَلِكِ إِسْرائيل: «وَتِّرِ القَوس»، فوَتَّرَها. ووَضَعَ أَليشاعُ يَدَه على يَدِ المَلِك. وقال: «إِفتَحِ النَّافِذَةَ مِن جِهَةِ المَشرِق»، ففَتَحَ. فقالَ أَليشاع: «إِرْمِ»، فرَمى. فقال: «سَهمُ نَصرٍ لِلرَّبّ، سَهمُ نَصرٍ على أرام. تَضرِبُ أَرامَ في أَفيقَ حتَّى تُبيدَه». ثُمَّ أَضاف: «خُذِ السِّهام»، فأَخَذَها. فقالَ لِمَلِكِ إِسْرائيل: «إِرْمِ إِلى الأَرض»، فرَمى ثَلاثَ مَرَّاتٍ وتَوَقَّف. فغَضِبَ علَيه رَجُلُ اللهِ وقال: «لَو رَمَيتَ خَمسَ مَرَّاتٍ أَو سِتَّا، لَكُنتَ حينَئِذٍ ضَرَبتَ أَرامَ حتَّى أَبَدتَه. والآنَ فثَلاثَ مَرَّاتٍ فَقَط تَضرِبُ أَرام». ثُمَّ ماتَ أَليشاعُ ودَفَنوه. وكانَ غُزاةُ موآبَ يَدخُلونَ تِلكَ الأَرضَ عِندَ دُخولِ السَّنَة. وكانَ هُناكَ أُناسٌ يَقبُرونَ رَجُلًا، فأَبصَروا الغُزاة، فأَلقَوا الرَّجُلَ المَيتَ في قَبرِ أَليشاعَ وٱنصَرَفوا. فلَمَّا مَسَّ الرَّجُلُ عِظامَ أَليشاع، عاشَ وقامَ على قَدَمَيه. فأَمَّا حَزائيل، مَلِكُ أَرام، فإِنَّه ضايَقَ إِسْرائيلَ جَميعَ أَيَّامِ يوآحاز. فرَأَفَ الرَّبُّ بِهم ورَحِمَهم وعَطَفَ علَيهم نَظَرًا إِلى عَهدِه مع إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب، ولم يُحِبَّ أَن يُبيدَهم، ولم يَطرَحْهم مِن أَمامِ وَجهِه إِلى الآن. ثُمَّ ماتَ حَزائيل، مَلِكُ أَرام، ومَلكَ بَنهَدَدُ ٱبنُه مَكانَه. فعادَ يوآشُ بنُ يوآحاز، وأَخَذَ مِن يَدِ بَنهَدَدَ بنِ حَزائيلَ المُدُنَ الَّتي كانَ قد أَخَذَها مِن يَدِ يوآحازَ أَبيه في الحَرْب. وضَرَبَه يوآشُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وٱستَرَدَّ مُدُنَ إِسْرائيل. وفي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِيوآشَ بنِ يوآحاز، مَلِكِ إِسْرائيل، مَلَكَ أَمَصْيا بنُ يوآش، مَلِكِ يَهوذا. وكانَ ٱبنَ خَمسٍ وعِشْرينَ سَنَةً، حينَ مَلك. ومَلَكَ تِسْعًا وعِشْرينَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه يوعَدَّانُ مِن أُورَشَليم. وصَنَعَ ما هو قَويمٌ في عَينَيِ الرَّبّ، ولٰكِن لا كداوُدَ أَبيه. وعَمِلَ بِحَسَبِ كُلِّ ما صَنَعَه يوآشُ أَبوه. إِلاَّ أَنَّ المَشارِفَ لم تُزَلْ، ولم يَبرَحِ الشَّعْبُ يَذبَحُ ويُحرِقُ البَخورَ على المَشارِف. ولَمَّا ٱستَتَبَّ المُلكُ في يَدِه، قَتَلَ ضُبَّاطَه الَّذينَ قَتَلوا المَلِكَ أَباه. وأَمَّا أَبْناءُ القاتِلينَ فلَم يَقتُلْهم، جَريًا على ما كُتِبَ في سِفرِ شَريعةِ موسى حَيثُ أَمَرَ الرَّبُّ قائِلًا: «لا يُقتَلُ الآباءُ بِالبَنين، ولا يُقتَلُ البَنونَ بِالآباء، بل كُلُّ ٱمرِئٍ بِخَطيئَتِه يُقتَل». وضَرَبَ مِنَ الأَدومِيِّينَ في وادي المِلحِ عَشرَةَ آلاف، وأَخَذَ الصَّخرَةَ في الحَرْبِ ودَعاها يُقتَئيلَ إِلى هٰذا اليَوم. حينَئِذٍ أَرسَلَ أَمَصْيا رُسُلًا إِلى يوآشَ بنِ يوآحازَ بنِ ياهو، مَلِكِ إِسْرائيلَ، قائلًا: «هَلُمَّ نَتَواجَه». فأَرسَلَ يوآش، مَلِكُ إِسْرائيل، إِلى أَمَصْيا، مَلِكِ يَهوذا، قائِلًا: «إِنَّ الشَّوكَ الَّذي في لُبْنانَ أَرسَلَ إِلى الأَرْزِ الَّذي في لُبْنانَ وقال: زَوِّجِ ٱبنَتَكَ لِٱبْني. فمَرَّ وَحشُ الحَقْلِ الَّذي في لُبْنانَ وداسَ الشَّوك. إِنَّكَ قد ضَرَبتَ أَدومَ ضَربَةً، فٱرتَفَعَ بِكَ قَلبُكَ. فٱفتَخِرْ وٱمكُثْ في بَيتِكَ. فلِماذا تَتَعَرَّضُ لِلشَّرِّ فتَسقُطَ أَنتَ ويَهوذا معَكَ؟». فلَم يَسمَعْ أَمَصْيا. فصَعِدَ يوآش، مَلِكُ إِسْرائيل، وتَواجَها، هو وأَمَصْيا، مَلِكُ يَهوذا، في بَيتَ شَمسَ الَّتي لِيَهوذا. فٱنكَسَرَ يَهوذا مِن وَجهِ إِسْرائيل، وهَرَبَ كُلُّ واحِدٍ إِلى خَيمَتِه. وأَمَّا أَمَصْيا، مَلِكُ يَهوذا، ٱبنُ يوآشَ بنِ أَحَزْيا، فقَبَضَ علَيه يوآش، مَلِكُ إِسْرائيل، في بَيتَ شَمْس، وأَتى أُورَشَليم، وهَدَمَ سورَ أُورَشَليم، مِن بابِ أَفْرائيمَ إِلى بابِ الزَّاوِية، على أَربَعِ مِئَةِ ذِراع. وأَخَذَ كُلَّ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وجَميعَ الآنِيَةِ الَّتي وُجِدَت في بَيتِ الرَّبّ وفي خَزائِنِ بَيتِ المَلِك، ورَهائِن، ورَجَعَ إِلى السَّامِرَة. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يوآشَ وما صَنَعَه، وبَأسُه ومُحارَبَتُه لأَمَصْيا، مَلِكِ يَهوذا، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وٱضطَجَعَ يوآشُ مع آبائِه ودُفِنَ في السَّامِرَة مع مُلوكِ إِسْرائيل. ومَلَكَ يارُبْعامُ ٱبنُه مَكانَه. وعاشَ أَمَصْيا بنُ يوآش، مَلِكُ يَهوذا، مِن بَعدِ أَن ماتَ يوآشُ بنُ يوآحاز، مَلِكُ إِسْرائيل، خَمسَ عَشرَةَ سَنَة. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ أَمَصْيا، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وحيكَت علَيه مُؤامَرَةٌ في أُورَشَليم، فهَرَبَ إِلى لاكيش، فأَرسَلوا في إِثرِه إِلى لاكيشَ وقَتَلوه هُناكَ. وحُمِلَ على الخَيلِ ودُفِنَ في أُورَشَليمَ مع آبائِه في مَدينَةِ داوُد. وأَخَذَ كُلُّ شَعبِ يَهوذا عَزَرْيا، وهو ٱبنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَة، فأَقامَه مَلِكًا مَكانَ أَبيه أَمَصْيا. وهو الَّذي أَعادَ بِناءَ أَيلَةَ وٱستَرَدَّها لِيَهوذا، بَعدَما ٱضطَجَعَ أَمَصْيا المَلِكُ مع آبائِه. وفي السَّنَةِ الخامِسَةَ عَشرَةَ لأَمَصْيا بنِ يوآش، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ يارُبْعامُ بنُ يوآش، مَلِكِ إِسْرائيل، في السَّامِرَةِ إِحْدى وأَربَعينَ سَنَة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، ولم يُعرِضْ عن جَميعِ خَطايا يارُبْعامَ بنِ نَباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها. وهو الَّذي رَدَّ حُدودَ إِسْرائيلَ مِن مَدخَلِ حَماةَ إِلى بَحرِ العَرَبَة، على حَسَبِ قَولِ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيلَ الَّذي تَكَلَّمَ بِه على لِسانِ عَبدِه يونانَ بنِ أَمِتَّايَ النَّبِيِّ الَّذي مِن جَتَّ حافِر، لأَنَّ الرَّبَّ رَأَى شَقاءَ إِسْرائيلَ مَريرًا جِدًّا، ولم يَكُنْ لَهم عَبدٌ ولا طَليقٌ لإغاثَةِ إِسْرائيل. ولم يَتَكَلَّمِ الرَّبُّ بِمَحْوِ ٱسمِ إِسْرائيلَ مِن تَحتِ السَّماء، فخَلَّصَه عن يَدِ يارُبْعامَ بنِ يوآش. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يارُبْعامَ وكُلُّ ما صَنَعَه، وبأسُه الَّذي حارَبَ بِه، وٱستِرْجاعُه لإسْرائيلَ دِمَشقَ وحَماةَ الَّتي كانَت لِيَهوذا، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وٱضطَجَعَ يارُبْعامُ مع آبائِه، مع مُلوكِ إِسْرائيل. ومَلَكَ زَكَرِيَّا ٱبنُه مَكانَه. في السَّنَةِ السَّابِعَةِ والعِشْرينَ لِيارُبْعام، مَلِكِ إِسْرائيل، مَلَكَ عَزَرْيا بنُ أَمَصْيا، مَلِكِ يَهوذا. وكانَ ٱبنَ سِتَّ عَشرَةَ سَنَةً حينَ مَلَكَ. ومَلَكَ ٱثنَتَينِ وخَمْسينَ سَنَةً في أُورَشليم. وٱسمُ أُمِّه يَكُلْيا مِن أُورَشَليم. وصَنَعَ ما هو قَويمٌ في عَينَيِ الرَّبّ، على حَسَبِ كُلِّ ما عَمِلَ أَمَصْيا أَبوه. إِلاَّ أَنَّ المَشارِفَ لم تُزَلْ ولم يَبرَحِ الشَّعبُ يَذبَحُ ويُحرِقُ البَخورَ على المَشارِف. فضَرَبَ الرَّبُّ المَلِك، فكانَ أَبرَصَ إِلى يَومِ وَفاتِه. وأَقامَ في بَيتٍ مُنفَرِد. وكانَ يوتامُ ٱبنُ المَلِكِ قَيِّمَ البَيتِ يَحكُمُ شَعبَ تِلكَ الأَرْض. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ عَزَرْيا وكُلُّ ما صَنَعَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وٱضطَجَعَ عَزَرْيا مع آبائِه ودُفِنَ مع آبائِه في مَدينَةِ داوُد. وملَكَ يوتامُ ٱبنُه مَكانَه. في السَّنَةِ الثَّامِنَةِ والثَّلاثينَ لِعَزَرْيا، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ زَكَرِيَّا بنُ يارُبْعام، على إِسْرائيلَ في السَّامِرَةِ سِتَّةَ أَشْهُر. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، كما فَعَلَ آباؤُه، ولم يُعرِضْ عن خَطايا يارُبْعامَ بنِ نَباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها. فتآمَرَ علَيه شَلُّومُ بنُ يابيش، وضَرَبَه أَمامَ الشَّعبِ فقَتَلَه ومَلَكَ مَكانَه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ زَكَرِيَّا مَكْتوبةٌ في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل. ذٰلك ما قالَه الرَّبُّ الَّذي كَلَّمَ بِه ياهُوَ قائِلًا: «سَيَجلِسُ مِن بَنيكَ إِلى الجيلِ الرَّابِعِ على عَرشِ إِسْرائيل». وهٰكذا كان. مَلَكَ شَلُّومُ بنُ يابيشَ في السَّنَةِ التَّاسِعَةِ والثَّلاثينَ لِعُزِّيَّا، مَلِكِ يَهوذا. ومَلَكَ شَهرًا في السَّامِرَة. وصَعِدَ مَنَحيمُ بنُ جادِيَ مِن تِرصَة، وأَتى إِلى السَّامِرَةِ وضَرَبَ شَلُّومَ بنَ يابيشَ في السَّامِرَة، فقَتَلَه ومَلَكَ مَكانَه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ شَلُّومَ ومُؤامَرَتُه الَّتي حاكَها مَكْتوبَةٌ في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل. حينَئِذٍ ضَرَبَ مَنَحيمُ تِفْساحَ وكُلَّ ما فيها وأَراضِيَها مِن تِرصَة، لأَنَّهم لم يَفتَحوا لَه. ضَرَبَها وشَقَّ جَميعَ مَن فيها مِنَ الحَوامِل. في السَّنَةِ التَّاسِعَةِ والثَّلاثينَ لِعَزَرْيا، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ مَنَحيمُ بنُ جادِيَ على إِسْرائيلَ في السَّامِرَةِ عَشرَ سِنين. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، ولَم يُعرِضْ عن خَطايا يارُبْعامَ بنِ نَباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها جَميعَ أَيَّامِه. وجاءَ فول، مَلِكُ أَشُّور، على تِلكَ الأَرْض، فأَعْطى مَنَحيمُ لِفولٍ أَلفَ قِنْطارِ فِضَّة، حتَّى تَكونَ يَدُه معه لإقْرارِ المُلكِ في يَدِه. وحَصَّلَ مَنَحيمُ الفِضَّةَ مِن إِسْرائيل، مِن جَميعِ أَصحابِ الثَّرْوات، لِيُؤَدُّوا إِلى مَلِكِ أَشُّورَ كُلُّ رَجُلٍ خَمْسينَ مِثْقالَ فِضَّة. فٱنصَرَفَ مَلِكُ أَشُّور ولم يُقِمْ في تِلكَ الأَرْض. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ مَنَحيمَ وكُلُّ ما صَنَعَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل؟ وٱضطَجَعَ مَنَحِيمُ مع آبائِه. ومَلَكَ فَقَحْيا ٱبنُه مَكانَه. وفي السَّنَةِ الخَمْسينَ لِعَزَرْيا، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ فَقَحْيا بنُ مَنَحيمَ على إِسْرائيلَ في السَّامِرَةِ سَنَتَين. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، ولَم يُعرِضْ عن خَطايا يارُبْعامَ بنِ نَباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها. فتآمَرَ علَيه فاقَحُ بنُ رَمَلْيا ضابِطُه وضَرَبَه في السَّامِرَةِ في بُرجِ بَيتِ المَلِكِ مع أَرْجوبَ وأَرْبَة، ومعَه خَمْسونَ رَجُلًا مِن بَني جِلْعاد، فقَتَلَه ومَلَكَ مَكانَه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ فَقَحْيا وكُلُّ ما صَنَعَه مَكْتوبَةٌ في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل. وفي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ والخَمْسينَ لِعَزَرْيا، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ فاقَحُ بنُ رَمَلْيا على إِسْرائيلَ في السَّامِرَةِ عِشْرينَ سَنَة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، ولم يُعرِضْ عن خَطايا يارُبْعامَ بنِ نَباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأُها. وفي أَيَّامِ فاقَح، مَلِكِ إِسْرائيل، جاءَ تِجلَتَ فِلْآسَر، مَلِكُ أَشُّور، وأَخَذَ عِيُّونَ وآبَلَ وبَيتَ مَعكَةَ ويانوحَ وقادَشَ وحاصورَ وجِلْعادَ والجَليلَ وكُلَّ أَرضِ نَفْتالي، وجَلاهم إِلى أَشُّور. وتآمَرَ هوشَعُ بنُ إِيلَةَ على فاقَحَ بنِ رَمَلْيا، وضَرَبَه فقَتَلَه. ومَلَكَ مَكانَه في السَّنَةِ العِشْرينَ لِيوتامَ بنِ عُزِّيَّا. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ فاقَحَ وكُلُّ ما صَنَعَه مَكْتوبَةٌ في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ إِسْرائيل. وفي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِفاقَحَ بنِ رَمَلْيا، مَلِكِ إِسْرائيل، مَلَكَ يوتامُ بنُ عُزِّيَّا، مَلِكِ يَهوذا. وكانَ ٱبنَ خَمسٍ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَكَ. ومَلَكَ سِتَّ عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه يَروشا، بِنتُ صادوق. وصَنَعَ القَويمَ في عَينَيِ الرَّبّ، ككُلِّ ما صَنَعَ عُزِّيَّا أَبوه. إِلاَّ أَنَّ المَشارِفَ لم تُزَلْ، ولم يَبرَحِ الشَّعبُ يَذبحُ ويُحرِقُ البَخورَ على المَشارِف. وهو الَّذي بَنى البابَ الأَعْلى لِبَيتِ الرَّبّ. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يوتامَ وكُلُّ ما صَنَعَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وفي تِلكَ الأَيَّام، إِبتَدَأَ الرَّبُّ يُرسِلُ على يَهوذا رَصين، مَلِكَ أَرام، وفاقَحَ بنَ رَمَلْيا. وٱضطَجَعَ يوتامُ مع آبائِهِ ودُفِنَ مع آبائِه في مَدينَةِ داوُدَ أَبيه. ومَلَكَ آحازُ ٱبنُه مَكانَه. وفي السَّنَةِ السَّابِعَةِ عَشرَةَ لِفاقَحَ بنِ رَمَلْيا، مَلَكَ آحازُ بنُ يوتام، مَلِكِ يَهوذا. وكانَ آحازُ ٱبنَ عِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَكَ. ومَلَكَ سِتَّ عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم. ولم يَصنَعِ القَويمَ في عَينَي الرَّبِّ إِلٰهِه مِثلَ داوُدَ أَبيه، بل سار على طَريقِ مُلوكِ إِسْرائيل، حتَّى إِنَّه أَمَرَّ ٱبنَه بِالنَّار، على حَسَبِ قَبائِحِ الأُمَمِ الَّتي طَرَدَها الرَّبُّ مِن وَجهِ بَني إِسْرائيل. وذَبَحَ وأَحرَقَ البَخورَ على المَشارِفِ والإِكرامِ وتَحتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْراء. حينَئِذٍ صَعِدَ رَصين، مَلِكُ أَرام، وفاقَحُ بنُ رَمَلْيا، مَلِكُ إِسْرائيل، إِلى أُورَشَليمَ لِلقِتال، وحاصَرا آحاز، فلَم يَقدِرا على قَهرِه. (وفي ذٰلك الزَّمان، نَقَلَ رَصين، مَلِكُ أَرام، أَيلَةَ إِلى أَرام، وطَرَدَ اليَهودَ مِن أَيلَة، وجاءَ الأَدومِيُّونَ إِلى أيلَة، وأَقاموا هُناكَ إِلى هٰذا اليَوم). وأَرسَلَ آحازُ رُسُلًا إِلى تِجلَتَ فِلآسَر، مَلِكِ أشُّور، قائِلًا: «أَنا عَبدُكَ وٱبنُكَ، فٱصعَدْ وخَلِّصْني مِن يَدِ مَلِكِ أَرامَ ويَدِ مَلِكِ إِسْرائيلَ القائِمَينِ علَيَّ». وأَخَذَ آحازُ ما وُجِدَ مِنَ الفِضَّةِ والذَّهَبِ في بَيتِ الرَّبِّ وخَزائِنِ بَيتِ المَلِك، وأَرسَلَه إِلى مَلِكِ أَشُّورَ هَدِيَّةً. فٱستَجابَه مَلِكُ أَشُّورَ وصَعِدَ إِلى دِمَشقَ فأَخَذَها وجلا سُكَّانَها إِلى قير، وقَتَلَ رَصين. ومَضى المَلِكُ آحازُ لِمُلاقاةِ تِجلَتَ فِلآسَرَ، مَلِكَ أَشُّورَ، في دِمَشق، ورأَى المَذبَحَ الَّذي في دِمَشق. فأَرسَلَ المَلِكُ آحازُ إِلى أُورِيَّا الكاهِنِ صورَةَ المَذبَحِ وتَصْميمَه بِحَسَبِ بِنيَتِه كُلِّها. فبَنى أُورِيَّا الكاهِنُ المَذبَح. وبِحَسَبِ كُلِّ ما أَرسَلَ بِه المَلِكُ آحازُ مِن دِمَشق، كذٰلِكَ صَنَعَ أُورِيَّا الكاهِن، قَبلَ أَن يَعودَ المَلِكُ آحازُ مِن دِمَشْق. ولَمَّا عادَ المَلِكُ آحازُ مِن دِمَشق ورَأَى المَذبَح، اِقتَرَبَ إِلَيه وأَصعَدَ علَيه، وأَحرَقَ مُحرَقَتَه وتَقدِمَتَه وسَكَبَ سَكيبَه ورَشَّ دَمَ ذَبائِحِه السَّلامِيَّةِ على المَذبَح. وأَمَّا مَذبَحُ النُّحاسِ الَّذي أَمامَ الرَّبّ، فقَد نَقَلَه مِن تُجاهِ البَيتِ، مِمَّا بَينَ المَذبَحِ وبَيتِ الرَّبّ، ووَضعَه على جانِبِ المَذبَح، جِهَةَ الشَّمال. وأَمَرَ المَلِكُ آحازُ أُورِيَّا الكاهِنَ قائِلًا: «على المَذبَحِ الكَبيرِ تُحرِقُ مُحرَقَةَ الصُّبحِ وتَقدِمَةَ المَساءِ ومُحرَقَةَ المَلِكِ وتَقدِمَتَه ومُحرَقَةَ كُلِّ شَعبِ هٰذه الأَرضِ وتَقدِمَتَه وسُكُبَه. وجَميعُ دِماءِ المُحرَقاتِ ودِماءِ الذَّبائِحِ تَرُشُّها علَيه. وأَمَّا مَذبَحُ النُّحاسِ فسَأَنظُرُ في شأنِه». فصَنَعَ أُورِيَّا الكاهِنُ بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَه بِه المَلِكُ آحاز. ونَزَعَ المَلِكُ آحازُ أُطُرَ القَواعِدِ وأَزاحَ الحَوضَ عنها وحَطَّ البَحرَ عن ثيرانِ النُّحاسِ الَّتي تَحتَه، ووَضَعَه على مُبَلَّطٍ مِنَ الحِجارَة. وأَمَّا رِواقُ السَّبتِ الَّذي بُنِيَ في البَيت، ومَدخَلُ المَلِكِ الخارِجِيُّ فغَيَّرَهما في بَيتِ الرَّبِّ بِسَبَبِ مَلِكِ أَشُّور. وبَقِيَّةُ أَخبارِ آحازَ مِمَّا صَنَعَه أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وٱضطَجَعَ آحازُ مع آبائِه ودُفِنَ مَعَهم في مَدينَةِ داوُد. ومَلَكَ حِزقِيَّا ٱبنُه مَكانَه. وفي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشرَةَ لِآحاز، مَلِكِ يَهوذا، مَلَكَ هوشَعُ بنُ إِيلَةَ في السَّامِرَةِ على إِسْرائيلَ تِسعَ سَنَوات وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، ولٰكن لا كمُلوكِ إِسْرائيلَ الَّذينَ كانوا قَبْلَه. وصَعِدَ علَيه شَلْمَنآسَر، مَلِكُ أَشُّور. فكانَ هوشَعُ عَبدًا لَه، وكانَ يُؤَدِّي إِلَيه جِزيَة. وعَلِمَ مَلِكُ أَشُّورَ أَنَّ هوشَعَ مُتآمِرٌ علَيه، وقد أَرسَلَ رُسُلًا إِلى سوء، مَلِكِ مِصْر، ولَم يُؤَدِّ الجِزيَةَ إِلى مَلِكِ أَشُّور، كما كانَ يَفعَلُ كُلَّ سَنَة. فقَبَضَ علَيه مَلِكُ أَشُّور وجَعَلَه مُقَيَّدًا في السِّجْن. وصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ على تِلكَ الأَرضِ كُلِّها، وصَعِدَ إِلى السَّامِرَةِ وحاصَرَها ثَلاثَ سَنَوات. وفي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِهوشَع، ٱستَولى مَلِكُ أَشُّورَ على السَّامِرَة، وجَلا إِسْرائيلَ إِلى أَشُّور، وأَسكَنَهم في حَلاحَ وعلى الخابور، نَهرِ جوزان، وفي مُدُنِ ميدِيا. وكانَ ذٰلك لأَنَّ بَني إِسْرائيلَ قد خَطِئوا إِلى الرَّبِّ إِلٰهِهِم الَّذي أَصعَدَهم مِن أَرضِ مِصْرَ، مِن تَحتِ يَدِ فِرعَون، مَلِكِ مِصْر، وعَبَدوا آلِهَةً أُخْرى. وساروا بِحَسَبِ مُمارَساتِ الأُمَمِ الَّتي طَرَدَها الرَّبُّ مِن وَجهِ بَني إِسْرائيل، وعلى ما صَنَعَه مُلوكُ إِسْرائيل. وعَمِلَ بَنو إِسْرائيلَ في الخَفاءِ أُمورًا غَيرَ مُستَقيمةً في حَقِّ الرَّبِّ إِلٰهِهِم، وبَنَوا لَهم مَشارِفَ في جَميعِ مُدُنِهم، مِن بُرجِ الحُرَّاسِ إِلى المَدينَةِ المُحَصَّنَة. وأَقاموا لَهم أَنْصابًا وأَوتادًا مُقَدَّسَةً على كُلِّ أَكَمَةٍ عالِيَةٍ وتَحتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْراء. وأَحرَقوا البَخورَ هُناكَ على جَميعِ المَشارِفِ مِثلَ الأُمَمِ الَّتي جَلاها الرَّبُّ مِن وَجهِهم، وعَمِلوا أَعْمالًا سَيِّئَةً لإسْخاطِ الرَّبّ. وعَبَدوا الأَصْنامَ القَذِرَةَ الَّتي قالَ لَهمُ الرَّبُّ فيها: «لا تَفعَلوا هٰذا الأَمْر». وكانَ الرَّبُّ قد أَشهَدَ على إِسْرائيلَ ويَهوذا، على أَلسِنَةِ جَميعِ الأَنبِياءِ وكُلِّ راءٍ، قائِلًا: «توبوا عن طُرُقِكُمُ السَّيِّئَة، وٱحفَظوا وَصايايَ وفَرائِضي، على حَسَبِ كُلِّ الشَّريعَةِ الَّتي أَوصَيتُ بِها آباءَكم والَّتي بَلَّغتُكم إِيَّاها عن يَدِ عَبيدِيَ الأَنبِياء». فلَم يَسمَعوا وصَلَّبوا رِقابَهم مِثلَ رِقابِ آبائِهِمِ الَّذينَ لم يُؤمِنوا بِالرَّبِّ إِلٰهِهِم. ونَبَذوا فَرائِضَه وعَهدَه الَّذي قَطَعَه مع آبائِهِم والشَّهادَةَ الَّتي أَشهَدَها علَيهم، وساروا وَراءَ الباطِلِ وصاروا باطِلًا وَراءَ الأُمَمِ الَّتي حَولَهم، مِمَّا أَمَرَ الرَّبُّ أَن لا يَفعَلوا مِثلَها، وتَرَكوا جَميعَ وَصايا الرَّبِّ إِلٰهِهم، وَصَنَعوا لَهم عِجلَينِ مِنَ المَسْبوكات، وأَقاموا وَتَدًا مُقَدَّسًا، وسَجَدوا لِجَميعِ قُوَّاتِ السَّماء، وعَبَدوا البَعْل. وأَمَرُّوا بَنيهم وبَناتِهم بِالنَّار، وتَعاطَوا العِرافَةَ والفِراسة، وباعوا أَنفُسَهم لِعَمَلِ الشَّرِّ في عَينَيِ الرَّبِّ لإسْخاطِه. فغَضِبَ الرَّبُّ غَضَبًا شَديدًا على إِسْرائيلَ وأَبعَدَه مِن وَجهِه، ولم يَبْقَ إِلاَّ سِبطُ يَهوذا فقَط. ويَهوذا أَيضًا لم يَحفَظْ وَصايا الرَّبِّ إِلٰهِه، وسارَ بِحَسَبِ مُمارَساتِ إِسْرائيلَ الَّتي صَنَعَها. فنَبَذَ الرَّبُّ جَميعَ ذُرِّيَّةِ إِسْرائيل، وأَذَلَّهم وأَسلَمَهم إِلى أَيدي النَّاهِبينَ حتَّى رَذَلَهم مِن وَجهِه، لأَنَّه شَقَّ إِسْرائيلَ عن بَيتِ داوُد، فأَقاموا يارُبْعامَ بنَ نَباطَ مَلِكًا، فصَرَفَ يارُبْعامُ إِسْرائيلَ عنِ السَّيرِ وَراءَ الرَّبّ، وأَوقَعَه في خَطيئَةٍ عَظيمة. وسارَ بَنو إِسْرائيلَ على جَميعِ خَطايا يارُبْعامَ الَّتي صَنَعها، ولم يُعرِضوا عنها، حتَّى أَبعَدَ الرَّبُّ إِسْرائيلَ مِن وَجهِه، كما قالَ الرَّبُّ على أَلسِنَةِ جَميعِ عَبيدِه الأَنبِياء، وجُلِيَ إِسْرائيلُ مِن أَرضِه إِلى أَشُّورَ إِلى هٰذا اليَوم. وأَتى مَلِكُ أَشُّورَ بِقَومٍ مِن بابِلَ وكوتَ وعَوَّا وحَماةَ وسَفَرْوائيم، وأَسكَنَهم في مُدُنِ السَّامِرَةِ مَكانَ بَني إِسْرائيل، فٱحتَلُّوا السَّامِرَةَ وسَكَنوا مُدُنَها. وكانَ أَنَّهم في بَدءِ إِقامَتِهم هُناكَ لم يَتَّقوا الرَّبّ، فأَرسَلَ الرَّبُّ علَيهم أُسودًا، فكانَت تَقتُلُ مِنهم. فكَلَّموا مَلِكَ أَشُّورَ قائِلين: «إِنَّ الأُمَمَ الَّتي جَلَوتَها وأَسكَنتَها في مُدُنِ السَّامِرَةِ لا تَعرِفُ حُكمَ إِلٰهِ الأَرْض، فأَرسَلَ علَيها أُسودًا، فهي تَقتُلُها لأَنَّها لا تَعرِفُ حُكمَ إِلٰهِ الأَرْض». فأَمَرَ مَلِكُ أَشُّورَ وقال: «أَرسِلوا إِلَيها أَحَدَ الكَهَنَةِ الَّذينَ جَلَوتُهم مِن هُناكَ، فيَذهَبَ ويَسكُنَ هُناكَ ويُعَلِّمَها حُكمَ إِلٰهِ الأَرْض». فأَتى أَحَدُ الكَهَنَةِ الَّذينَ جَلاهم مِنَ السَّامِرَة، وسَكَنَ في بَيتَ إِيل، وأَخَذَ يُعَلِّمُها كَيفَ يَتَّقي الرَّبّ. فأَخَذَت كُلُّ أُمَّةٍ تَعمَلُ آلِهتَها وتَضَعُها في بُيوتِ المَشارِفِ الَّتي عَمِلَها السَّامِريُّون، كُلُّ أُمَّةٍ في مُدُنِها الَّتي سَكَنَتها. فعَمِلَ أَهلُ بابِلَ سُكُّوتَ بَنوت، وأَهلُ كوتَ عَمِلوا نَرْجال، وأَهلُ حَماةَ عَمِلوا أَشيما، والعَوِّيُّونَ عَمِلوا نِبْحازَ وتَرْقاق، وكانَ السَّفَرْوائيمِيُّونَ يُحرِقونَ بَنيهم بِالنَّارِ لأَدرَمَّلِكَ وعَنَمَّلِكَ، إِلٰهَي سَفَرْوائيم. فكانوا يَتَّقونَ الرَّبَّ ويُقيمونَ لَهم مِن لَفيفِهم كَهَنَةَ مَشارِفَ يُقَرِّبونَ لَهم في بُيوتِ المَشارِف. وكانوا يَتَّقونَ الرَّبَّ ويَعبُدونَ آلِهَتَهم كعادَةِ الأُمَمِ الَّتي جَلَوها مِن بَينِهم. وهُم إِلى هٰذا اليَومِ يَعمَلونَ كعاداتِهمِ القَديمة. كانوا لا يَتَّقونَ الرَّبَّ ولا يَعمَلونَ بِحَسَبِ فرائِضِهم وعاداتِهِم، ولا بِحَسَبِ الشَّريعَةِ والوَصِيَّةِ الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ بِها بَني يَعْقوبَ الَّذي سَمَّاه إِسْرائيل. وقد قَطَعَ الرَّبُّ مَعهم عَهدًا وأَمَرَهم قائِلًا: «لا تَتَّقوا آلِهٰةً أُخْرى ولا تَسجُدوا لَها ولا تَعبُدوها ولا تَذبَحوا لَها، بلِ ٱتَّقوا الرَّبَّ الَّذي أَصعَدكم مِن أَرضِ مِصرَ بِقُوَّةٍ عَظيمةٍ وذِراعٍ مَبْسوطةٍ وٱسجُدوا لَه وٱذبَحوا لَه. وٱحفَظوا جَميعَ الأَيَّامِ تِلكَ الفَرائِضَ والأَحكامَ والشَّريعَةَ والوَصِيَّةَ الَّتي كَتَبَها لَكم لِتَعمَلوا بِها، ولا تَتَّقوا آلِهَةً أُخْرى، ولا تَنْسُوا العَهدَ الَّذي قَطَعَه معَكم، ولا تَتَّقوا آلِهَةً أُخْرى، بلِ تَتَّقونَ الرَّبَّ إِلٰهَكم، فهو يُنقِذُكم مِن أَيدي جَميعِ أَعْدائِكم». فلَم يَسمَعوا، بل بِحَسَبِ أَحكامِهمِ القَديمةِ كانوا يَعمَلون. فكانَت تِلكَ الأُمَمُ تَتَّقي الرَّبَّ وتَعبُدُ أَصْنامَهأ، وكذٰلِك بَنوها وبَنو بَنيها، وكَما صَنَع آباؤُها تَصنَعُ هي أَيضًا إِلى هٰذا اليَوم. وفي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِهوشَعَ بنِ إِيلَة، مَلِكِ إِسْرائيل، مَلَكَ حِزقِيَّا بنُ آحاز، مَلِكِ يَهوذا. وكانَ ابنَ خَمسٍ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَكَ، ومَلَكَ تِسعًا وعِشْرينَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه أَبي، بِنتُ زَكَرِيَّا. وصَنَعَ القَويمَ في عَينَيِ الرَّبّ، كَكُلِّ ما صَنَعَ داوُدُ أَبوه. وهو الَّذي أَزالَ المَشارِفَ وحَطَّمَ الأَنْصابَ وقَطَّعَ الأَوتادَ المُقَدَّسةَ وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحاسِ الَّتي كانَ موسى قد صَنَعَها، لأَنَّ بَني إِسْرائيلَ كانوا إِلى تِلكَ الأَيَّامِ يُحرِقونَ البَخورَ وسَمَّوها نَحُشْتان. وٱتَّكَلَ على الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل، ولم يَكُنْ بَعدَه مِثلُه في جَميعِ مُلوكِ يَهوذا ولا في الَّذينَ كانوا مِن قَبلِه. وٱعتَصَمَ بِالرَّبّ ولم يَحِدْ عَنِ السَّيرِ وَراءَه، وحَفِظَ وَصاياه الَّتي أَمَرَ بِها الرَّبُّ موسى. وكانَ الرَّبُّ معَه، وحَيثُما تَوَجَّهَ، كانَ يَتَصَرَّفُ بِحِكمَة. وتَمَرَّدَ على مَلِكِ أَشُّور ولم يَخضَعْ لَه. وضَرَبَ الفَلِسطينِيِّينَ إِلى غَزَّةَ وأَراضيها، مِن بُرجِ الحُرَّاسِ إِلى المَدينَةِ المُحَصَّنة. وفي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلمَلِكِ حِزقِيَّا، الَّتي هي السَّنَةُ السَّابِعَةُ لِهوشَعَ بنِ إِيلَة، مَلِكِ إِسْرائيل، صَعِدَ سَلْمَنآسَر، مَلِكُ أَشُّور، على السَّامِرَةِ وحاصَرَها. وٱستَولَوا علَيها بَعدَ ثَلاثِ سَنَوات. وفي السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِحِزقِيَّا، الَّتي هي السَّنَةُ التَّاسِعَةُ لَهوشَع، مَلِكِ إِسْرائيل، اِستولَى على السَّامِرَة. وجَلا مَلِكُ أَشُّورَ إِسْرائيلَ إِلى أَشُّور، وأَسكَنَه في حَلاحَ وعلى الخابور، نَهرِ جوزان، وفي مُدُنِ ميدِيا، لأَنَّهم لم يَسمَعوا لِقَولِ الرَّبِّ إِلٰهِهم، ونَقَضوا عَهدَه وكُلَّ ما أَوصاهم بِه موسى، عَبدُ الرَّبّ، ولَم يَسمَعوه ولم يَعمَلوا بِه. وفي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشرَةَ لِلمَلِكِ حِزقِيَّا، صَعِدَ سَنْحاريب، مَلِكُ أَشُّور، على جَميعِ مُدُنِ يَهوذا المُحَصَّنَةِ وٱفتَتحَها. فأَرسَلَ حِزقِيَّا، مَلِكُ يَهوذا، إِلى مَلِكِ أَشُّورَ في لاكيش، وقالَ لَه: «قد خَطِئتُ، فٱنصَرِفْ عنِّي، ومَهْما تَفرِضْ علَيَّ أُؤَدِّه إِلَيكَ». ففَرَضَ مَلِكُ أَشُّورَ على حِزِقِيَّا، مَلِكِ يهوذا، ثَلاثَ مِئَةِ قِنْطارِ فِضَّةٍ وثَلاثينَ قِنْطارَ ذَهَب. فأَدَّى إِلَيه حِزقِيَّا كُلَّ الفِضَّةِ الَّتي وُجِدَت في بَيتِ الرَّبِّ وفي خَزائِنِ بَيتِ المَلِك. وفي ذٰلك الزَّمان، نَزَعَ حِزقِيَّا الذَّهبَ عن أَبوابِ هَيكَلِ الرَّبّ وعنِ الدَّعائِمِ الَّتي قد لَبَّسَها حِزقِيَّا، مَلِكُ يَهوذا، وسَلَّمَه إِلى مَلِكِ أَشُّور. وأَرسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ قائدَ القُوَّادِ ورَئيسَ الخِصْيانِ ورَئيسَ السُّقاةِ مِن لاكيشَ إِلى المَلِكِ حِزقِيَّا في جَيشٍ عَظيم، إِلى أُورَشليم. فصَعِدوا ووَصَلوا إِلى أُورَشَليم. ولَمَّا صَعِدوا ووَصَلوا، وَقَفوا عِندَ قَناةِ البِركَةِ العُلْيا الَّتي في طَريقِ حَقلِ القصَّار. ونادَوا المَلِك، فخَرَجَ إِلَيهم أَلْياقيمُ بنُ حِلقِيَّا، قَيِّمُ البَيت، وشَبنَةُ الكاتِب، ويوآحُ بنُ آسافَ المُدَوِّن. فقالَ لَهم رَئيسُ السُّقاة: «قولوا لِحِزقِيَّا: هٰكذا يَقولُ المَلِكُ الكَبير، مَلِكُ أَشُّور: ما هٰذا الِٱتِّكالُ الَّذي ٱتَّكَلتَه؟ قد قُلتَ في نَفسِكَ: إِنَّ مُجَرَّدَ كَلامِ شَفَتَينِ هو بِمَثابَةِ مَشورَةٍ وبَسالَةٍ لخَوضِ الحَرْب. والآنَ فعَلى مَنِ ٱتَّكلتَ حتَّى تَمَرَّدتَ علَيَّ؟ إِنَّكَ إِنَّما ٱتَّكَلتَ على عُكَّازِ هٰذه القَصَبَةِ المَرْضوضة، أَي على مِصرَ الَّتي مَنِ ٱتَّكَأَ علَيها نَشِبَت في كَفِّه وثَقَبَتْها. هٰكذا فِرعَونُ، مَلِكُ مِصرَ، لِجَميعِ الَّذينَ يَتَّكِلونَ علَيه. وإِن قُلتُم لي: إِنَّنا لم نَتَّكِلْ إِلاَّ على الرَّبِّ إِلٰهِنا، أَفَلَيسَ هو الَّذي أَزالَ حِزقِيَّا مَشارِفَه ومَذابِحَه وقالَ لِيَهوذا ولأُورَشَليم: قُدَّامَ هٰذا المَذبَحِ تَسجُدونَ في أُورَشَليم. والآنَ راهِنْ سَيِّدي، مَلِكَ أَشُّور، وأَنا أُعْطيكَ أَلفَي فَرَسٍ، إِنِ ٱستَطَعتَ أَن تَجِدَ لَها فُرْسانًا. وكَيفَ لَكَ أَن تَرُدَّ وَجهَ قائِدٍ واحدٍ مِن صِغارِ ضُبَّاطِ سَيِّدي، وتَتَّكِلَ على مِصرَ لِلحُصولِ على مَركَباتٍ وفُرْسان؟ والآنَ أَتُراني بِدونِ مُوافَقَةِ الرَّبِّ صَعِدتُ على هٰذا المَكانِ لأُدَمِّرَه؟ فالرَّبُّ هو الَّذي قالَ لي: إِصعَدْ على هٰذِه الأَرضِ ودَمِّرْها». فقالَ أَلْياقيمُ بنُ حِلقِيَّا وشَبنَةُ ويوآحُ لِرَئيسِ السُّقاة: «كَلِّمْ عَبيدَكَ بِاللُّغَةِ الآرامِيَّة، فإِنَّنا نَفهَمُها، ولا تُكَلِّمْنا بِاليَهودِيَّةِ على مَسامِعِ الشَّعبِ القائِمِ على السُّور». فقالَ لَهم رَئيسُ السُّقاة: «أَلَعَلَّه إِلى سَيِّدِكَ وإِلَيكَ أَرسَلَني سَيِّدي لأَقولَ هٰذا الكَلام؟ أَلَيسَ إِلى الرِّجالِ القائِمينَ على السُّورِ المُضطَرِّينَ إِلى أَكلِ بِرازِهم وشُربِ بَولِهم معَكم؟». ثُمَّ وَقَفَ رَئيسُ السُّقاةِ فنادى بِصَوتٍ عَظيمٍ بِاليَهودِيَّة، وتَكَلَّمَ وقال: «إِسمَعوا كَلامَ المَلِكِ الكَبير، مَلِكِ أَشُّور. هٰكذا قالَ المَلِك: لا يَخدَعْكُم حِزقِيَّا، لأَنَّه لا يَقدِرُ أَن يُنقِذَكم مِن يَدَيَّ. ولا يَجعَلْكم حِزقِيَّا تتَّكِلونَ على الرَّبِّ بِقَولِه: الرَّبُّ يُنقِذُنا ولا تُسلَمُ هٰذه المَدينَةُ إِلى يَدِ مَلِكِ أَشُّور. لا تَسمَعوا لِحِزقِيَّا، لأَنَّه هٰكذا قالَ مَلِكُ أَشُّور: إِعقِدوا معي صُلْحًا وٱخرُجوا إِلَيَّ وكُلوا كُلُّ واحِدٍ مِن كَرمِه ومن تينَتِه، وٱشرَبوا كُلُّ واحِدٍ ماءَ بِئرِه، حتَّى آتِيَ وآخُذَكم إِلى أَرضٍ مِثلِ أَرضِكم، أَرضِ حِنطَةٍ وخَمرٍ، أَرضِ خُبزٍ وكُرومٍ، أَرضِ زَيتٍ وعَسَل، لِتَعيشوا ولا تَموتوا. فلا تَسمَعوا لِحِزقِيَّا، لأَنَّه يُغْريكم بِقَولِه: الرَّبُّ يُنقِذُنا. أَلَعَلَّ آلِهَةَ الأُمَمِ أَنقَذوا كُلُّ واحِدٍ أَرضَه مِن يَدِ مَلِكِ أَشُّور؟ أَينَ آلِهَةُ حَماةَ وأَرْفاد؟ أَينَ آلِهَةُ سَفَرْوائيمَ وهيناعَ وعُوَّة؟ أَلَعَلَّهما أَنقَذا السَّامِرَةَ مِن يَدي؟ ومَن مِن جَميعِ آلِهَةِ البِلادِ أَنقَذَ أَرضَه مِن يَدي، حتَّى يُنقِذَ الرَّبُّ أُورَشَليمَ مِن يَدي؟». فسَكَتَ الشَّعبُ ولَم يُجِبْه بِكَلِمَة، لأَنَّ المَلِكَ أَمَرَ قائِلًا: «لا تُجيبوه». وعادَ أَلْياقيمُ بنُ حِلقِيَّا، قَيِّمُ البَيت، وشَبنَةُ الكاتِب، ويوآحُ بنُ آسافَ المُدَوِّن، إِلى حِزقِيَّا وثِيابُهم مُمَزَّقَة، وأَخبَروه بِكَلامِ رئيسِ السُّقاة. فلَمَّا سَمِعَ المَلِكُ حِزقِيَّا، مَزَّقَ ثِيابَه ولَبِسَ مِسحًا ودَخَلَ بَيتَ الرَّبّ، وأَرسَلَ أَلْياقيمَ، قَيِّمَ البَيت، وشَبنَةَ الكاتِب، وشُيوخَ الكَهَنَةِ، لابِسينَ المُسوح، إِلى أَشَعْيا النَّبِيِّ ٱبنِ آموص. فقالوا لَه: «هٰكذا قالَ حِزقِيَّا: اليَومَ يَومُ الشِّدَّةِ والعِقاب، يَومُ الهَوان، وقَد بَلَغَتِ الأَجِنَّةُ فَرجَ الرَّحِم، ولا قُوَّةَ لِلوِلادة. فلَعَلَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ يَسمَعُ كُلَّ كَلامِ رَئيسِ السُّقاةِ الَّذي أَرسَلَه مَلِكُ أَشُّورَ سَيِّدُه لِيَشتِمَ الإلٰهَ الحَيَّ، ولَعَلَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ يُعاقِبُ الكَلامَ الَّذي سَمِعَه! فٱرْفَعْ صَلاةً مِن أَجلِ البَقِيَّةِ الَّتي بَقِيَت». فلَمَّا وَصَلَ خُدَّامَ المَلِكِ حِزقِيَّا إِلى أَشَعْيا، قالَ لَهم أَشَعْيا: «هٰكذا تَقولونَ لِسَيِّدِكم: هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: لا تَخَفْ بِسَبَبِ الكَلامِ الَّذي سَمِعتَه، مِمَّا جَدَّفَ بِه علَيَّ عَبيدُ مَلِكِ أَشُّور، فهاءَنَذا أَجعَلُ فيه روحًا، فيَسمَعُ خَبَرًا فيَرجِعُ إِلى أَرضِه، وأُسقِطُه بِالسَّيفِ في أَرضِه». ورَجَعَ رَئيسُ السُّقاة، فوَجَدَ مَلِكَ أَشُّورَ يُقاتِلُ لِبنَة، لأَنَّه سَمِعَ أَنَّه قد رَحَلَ مِن لاكيش. ذٰلك أَنَّه سَمِعَ في شأنِ تِرْهاقَة، مَلِكِ كوش، هٰذا الخَبَر: «قد خَرَجَ لِيُقاتِلَكَ». فعادَ سَنْحاريبُ وأَرسَلَ رُسُلًا إِلى حِزقِيَّا يَقول: «هٰكذا تُكَلِّمونَ حِزقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا، قائلين: لا يَخدَعْكَ إِلٰهُكَ الَّذي أَنتَ مُتَّكِلٌ علَيه قائلًا: إِنَّ أُورَشَليمَ لا تُسلَمُ إِلى يَدِ مَلِكِ أَشُّور. فإِنَّكَ قد سَمِعتَ ما صَنَعَ مُلوكُ أَشُّورَ بِجَميعِ البُلْدانِ وكَيفَ حَرَّموها. أَفأَنتَ تَنْجو؟ أَلَعَلَّ الأُمَمَ الَّتي دَمَّرَها آبائي قد أَنقَذَها آلِهَتُها، كجوزانَ وحارانَ وراصَف، وأَبْناءِ عادانَ الَّذينَ في تَلْأَسَّار؟ أَينَ مَلِكُ حَماة، ومَلِكُ أَرْفاد، ومَلِكُ مَدينَةِ سَفَرْوائيمَ وهيناعَ وعُوَّة؟». فأَخَذَ حِزقِيَّا الرِّسالَةَ مِن يَدِ الرُّسُلِ فقَرَأَها. ثُمَّ صَعِدَ إِلى بَيتِ الرَّبِّ وبَسَطَ الرِّسالَةَ قُدَّامَ الرَّبّ، وصَلَّى أَمامَ الرَّبِّ وقال: «أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، الجالِسُ على الكَروبين، أَنتَ وَحدَكَ إِلٰهُ جَميعِ مَمالِكِ الأَرْض. أَنتَ صَنَعتَ السَّمَواتِ والأَرْض. أَمِلْ أُذُنَيكَ يا رَبِّ وأَصْغِ. إِفْتَحْ يا رَبِّ عَينَيكَ وٱنظُرْ وٱستَمِعْ قَولَ سَنْحاريبَ الَّذي أَرسَلَ يَشتِمُ اللهَ الحَيّ. حَقًّا، يا رَبّ، أَنَّ مُلوكَ أَشُّورَ قد دَمَّروا الأُمَمَ وأَراضِيَها، وأَلقَوا آلِهَتَها في النَّار، لأَنَّها لَيسَت بِآلِهَة، بل هي من صُنعِ أَيدي النَّاس، خَشَبٌ وحِجارَةٌ، فأَبادوها. والآن، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُنا، خَلِّصْنا مِن يَدَيه، لِتَعلَمَ مَمالِكُ الأَرضِ كُلُّها أَنَّكَ أَنتَ الرَّبُّ الإِلٰهُ وَحدَكَ». فأَرسَلَ أَشَعْيا بنُ آموصَ إِلى حِزقِيَّا وقال: «هٰكذا يَقولُ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل: ما صَلَّيتَه إِلَيَّ بِشأنِ سَنْحاريب، مَلِكِ أَشُّور، قد سَمِعتُه. هٰذا هو الكَلامُ الَّذي تَكَلَّمَ بِه الرَّبُّ علَيه: إِحتَقَرَتكَ وسَخِرَت مِنكَ العَذْراءُ ٱبنَةُ صِهْيون، وهَزَّت رَأسَها وَراءَكَ بِنتُ أُورَشَليم. مَن شَتَمتَ وعلى مَن جَدَّفتَ، وعلى مَن رَفَعتَ صَوتَكَ، ورَفَعتَ عَينَيكَ إِلى العَلاء؟ على قُدُّوسِ إِسْرائيل! على لِسانِ رُسُلِكَ شَتَمتَ السَّيِّد، وقُلتَ: بِرُكوبِ مَركَباتي، صَعِدتُ إِلى رُؤُوسِ الجِبال، وإِلى أَقْصى قِمَمِ لُبْنان، فقَطَعتُ أَرفَعَ أَرزِه وخِيارَ سَروِه، ودَخَلتُ أَقصى مَنزِلِه وشَجِرَ جَنَّتِه. حَفَرتُ وشَرِبتُ مِياهًا غَريبَة، وجَفَّفتُ بِأَخامِصِ قَدَمَيَّ جَميعَ أَنيالِ مِصرَ. أَما سَمِعتَ أَنِّي مِنَ القَديمِ صَنَعتُ ذٰلك، مُنذُ الأَيَّامِ القَديمةِ فَرَضتُه والآنَ حَقَّقتُه لِتَحويلِ المُدُنِ المُحَصَّنَةِ إِلى تِلالِ رَدْم. سُكَّانُها قِصارُ الأَيدي، مَذْعورونَ ومُخزَون كعُشبِ الحَقلِ يَكونون، وكَخضِرِ المُروجِ وحَشيشِ السُّطوح، وكالمَلْفوحِ بِالرِّيحِ قَبلَ البُلوغ. إِن قُمتَ أَو جَلَستَ إِن خَرَجتَ أَو دَخَلتَ فأَنا عارِفٌ بِه وكذٰلك عِندَما تَغْتاظُ علَيَّ، فَلأَنَّكَ ٱغتَظتَ علَيَّ ولأَنَّ وَقاحَتَكَ قدِ ٱرتَفَعَت إِلى أُذُنَيَّ. فأَنا جاعِلٌ خِزامَتي في أَنفِكَ ولِجامي في شَفَتَيكَ، وَرادُّكَ في الطَّريقِ الَّتي جِئتَ مِنها. وهٰذه تَكونُ آيَةً لَكَ: يأكُلونَ هٰذه السَّنَةَ خِلفَةً، والسَّنَةَ الثَّانِيَةَ ما لم يُزْرَعْ، والسَّنَةَ الثَّالِثَةَ تَزرَعونَ وتَحصُدونَ وتَغرِسونَ كُرومًا وتأكُلونَ ثِمَارَها. ويَعودُ النَّاجونَ مِن بَيتِ يَهوذا الَّذينَ بَقوا يَتَأَصَّلونَ إِلى أَسفَلُ ويُثمِرونَ إِلى فَوقُ، لأَنَّه مِن أُورَشَليمَ تَخرُجُ بَقِيَّةٌ، وناجونَ مِن جَبَلِ صِهْيون. غَيرَةُ رَبِّ القُوَّاتِ تَفعَلُ هٰذا. لِذٰلِك هٰكذا يَقولُ الرَّبُّ في مَلِكِ أَشُّور: «إِنَّه لا يَدخُلُ هٰذه المَدينة ولا يَرْمي إِلَيها سَهمًا ولا يَتَقَدَّمُ علَيها بِتُرْسٍ ولا يَنصِبُ علَيها مَرْدومًا. لٰكِنَّ في الطَّريقِ الَّتي جاءَ مِنها يَرجِع وإِلى هٰذه المَدينةِ لا يَدخُل، يَقولُ الرَّبّ. فأَحْمي هٰذه المَدينَة، وأُخَلِّصُها بِسَبَبي وبِسَبَب داوُدَ عَبْدي». وكانَ في تِلكَ اللَّيلَةِ أَن خَرَجَ مَلاكُ الرَّبِّ وقَتَلَ مِن عَسكَرِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلفٍ وخَمسَةً وثَمانينَ أَلفًا. فلَمَّا بَكَّروا صَباحًا، إِذا هم جَميعًا جُثَثُ أَمْوات. فرَحَلَ سَنْحاريب، مَلِكُ أَشُّور، ومَضى راجِعًا وأَقامَ في نينَوى. وفيما هو ساجِدٌ في بَيتِ نِصْروكَ إِلٰهِه، قَتَلَه أَدْرَمَّلِكُ وشَرْآصَرُ ٱبْناه بِالسَّيف، وهَرَبا إِلى أَرضِ أَراراط. ومَلَكَ آسَرحَدُّونُ ٱبنُه مَكانَه. وفي تِلكَ الأَيَّام، مَرِضَ حِزقِيَّا مَرَضَ مَوت، فأَتى إِلَيه أَشَعْيا بنُ آموصَ النَّبِيُّ وقالَ لَه: «هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: نَظِّمْ أُمورَ بَيتِكَ، لأَنَّكَ تَموتُ ولا تَعيش». فحَوَّلَ وَجهَه إِلى الحائِطِ وصَلَّى إِلى الرَّبِّ قائِلًا: «أُذكُرْ يا رَبِّ كَيفَ سِرتُ أَمامَكَ بِالحَقِّ وسَلامَةِ القَلْب، وكَيفَ صَنَعتُ الخَيرَ في عَينَيكَ». وبَكى حِزقِيَّا بُكاءً شَديدًا. ولم يَكُنْ أَشَعْيا قد خَرَجَ مِنَ الدَّارِ الوُسْطى، حتَّى كانَ إِلَيه كَلامُ الرَّبِّ قائِلًا: «إِرْجِعْ وقُلْ لِحِزقِيَّا، قائِدِ شَعْبي: هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ داوُدَ أَبيكَ: قد سَمِعتُ صَلاتَكَ ورَأَيتُ دُموعَكَ، وهاءَنَذا أَشْفيكَ، وفي اليَومِ الثَّالِثِ تَصعَدُ إِلى بَيتِ الرَّبّ. وسَأَزيدُكَ على أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشرَةَ سَنَة، وأُنقِذُكَ مِن يَدِ مَلِكِ أَشُّور، أَنتَ وهٰذه المَدينَة، وأَحْمي هٰذه المَدينةَ بِسَبَبي وبِسَبَبِ داوُدَ عَبْدي». فقالَ أَشَعْيا: «خُذوا قُرصَ تين»، فأَخَذوه ووَضَعوه على القُرحِ، فشُفِيَ المَلِك. وقالَ حِزقِيَّا لأَشَعْيا: «ما الآيَةُ على أَنَّ الرَّبَّ يَشْفيني فأَصعَدُ في اليَومِ الثَّالِثِ إِلى بَيتِ الرَّبّ؟» فقالَ أَشَعْيا: «هٰذه آيَةٌ لَكَ مِن قِبَلِ الرَّبِّ على أَنَّ الرَّبَّ يُحَقِّقُ القَولَ الَّذي قالَه: يَتَقَدَّمُ الظِّلُّ عَشرَ دَرَجات، أَم يَرجِعُ عَشرَ دَرَجات؟» فقالَ حِزقِيَّا: «أَمَّا تَقَدُّمُ الظِّلِّ عَشرَ دَرَجاتٍ فأَمرٌ يَسير، لا أَن يَرجِعَ الظِّلُّ إِلى الوَراءِ عَشرَ دَرَجات». فدَعا أَشَعْيا النَّبِيُّ إِلى الرَّبّ، فرَدَّ الرَّبُّ الظِّلَّ إِلى الوَراءِ مِنَ الدَّرَجاتِ العَشرِ الَّتي نَزَلَها في دَرَجِ آحاز. وفي ذٰلك الزَّمان، أَرسَلَ مَروداكَ بلْأَدانُ بنُ بلْأَدان، مَلِكُ بابِل، رَسائِلَ وهَدِيَّةً إِلى حِزقِيَّا، لأَنَّه سَمِعَ أَنَّ حِزقِيَّا مَريض. فٱستَقبَلَ حِزقِيَّا الرُّسُلَ وأَراهم كُلَّ بَيتِ نَفائِسِه، مِن فِضَّةٍ وذَهَبٍ وأَطْيابٍ وزَيْتٍ طَيِّب، وبَيتَ آنِيَتِه وكُلِّ ما وُجِدَ في خَزائِنِه، ولم يَكُنْ شَيءٌ إِلاَّ أَراهم حِزقِيَّا إِيَّاه في بَيتِه وفي كُلِّ سَلطَنَتِه. فدَخَلَ أَشَعْيا النَّبِيُّ على المَلِكِ حِزقِيَّا وقالَ لَه: «ما الَّذي قالَه هٰؤُلاءِ القَوم، ومِن أَينَ أَتَوك؟» فقالَ حِزقِيَّا: «قد أَتَوني مِن أَرضٍ بَعيدة، من بابِل». فقال: «ما الَّذي رَأَوه في بَيتِكَ؟» فقالَ حِزقِيَّا: «كُلُّ شَيءٍ في بَيتي رَأَوه، ولم يَكُنْ في خَزائِني شَيءٌ إِلاَّ أَرَيتُهم إِيَّاه». فقالَ أَشَعْيا لِحِزقِيَّا: «إِسمَعْ قَولَ الرَّبّ: إِنَّها ستَأتي أَيَّامٌ يُؤخَذُ فيها كُلُّ ما في بَيتِكَ، مِمَّا خَزَنَه آباؤُكَ إِلى هٰذا اليَوم، إِلى بابِل، ولا يَبْقى شَيءٌ، قالَ الرَّبّ. ويُؤخَذُ مِن بَنيكَ الَّذينَ يَخرُجونَ مِنكَ، الَّذينَ تَلِدُهم، فيَكونونَ خِصْيانًا في قَصرِ مَلِكِ بابِل». فقالَ حِزقِيَّا لأَشَعْيا: «حَسَنٌ قَولُ الرَّبِّ الَّذي قُلتَه»، إِذ إِنَّه قالَ في نَفسِه: «أَلا يَكونُ لي سَلامٌ وأَمنٌ في أَيَّامي؟». وبَقِيَّةُ أَخْبارِ حِزقِيَّا وكُلُّ بَأسِه وإِنْشاؤُه البِركَةَ والقَناةَ وإِدْخالُه الماءَ إِلى المَدينَة، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وٱضطَجَعَ حِزقِيَّا مع آبائِه. ومَلَكَ مَنَسَّى ٱبنُه مَكانَه. كانَ مَنَسَّى ٱبنَ ٱثنَتَي عَشرَةَ سَنَةً حينَ مَلَكَ، ومَلَكَ خَمْسًا وخَمْسينَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه حَفْصيباه. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ، على حَسَبِ قَبائِحِ الأُمَمِ الَّتي طَرَدَها الرَّبُّ مِن وَجهِ بَني إِسْرائيل. وأَعادَ بناءَ المَشارِفِ الَّتي كانَ قد دَمَّرَها حِزقِيَّا أَبوه، وأَقامَ مَذابِحَ لِلْبَعْل، وصَنَعَ وَتَدًا مُقَدَّسًا، كما فَعَلَ أَحآب، مَلِكُ إِسْرائيل، وسَجَدَ لِجَميعِ قُوَّاتِ السَّماءِ وعَبَدَها. وبَنى مَذابِحَ في بَيتِ الرَّبِّ الَّذي قالَ فيه الرَّبّ: «في أُورَشَليمَ أَجعَلُ ٱسْمي». وبَنى مَذابِحَ لِجَميعِ قُوَّاتِ السَّماءِ في دارَي بَيتِ الرَّبّ. وأَمَرَّ ٱبنَه بِالنَّار، ومارَسَ التَّنْجيمَ والتَّكَهُّن، وٱستَخدَمَ مُستَحضِري الأَرْواحِ والعَرَّافين، وأَكثَرَ مِن صَنعِ الشَّرِّ في عَينَيِ الرَّبِّ لِإسْخاطِه. وأَقامَ تِمْثالَ العَشْتاروتِ الَّذي صَنَعَه، في البَيتِ الَّذي قالَ الرَّبُّ فيه لِداوُدَ ولِسُلَيمانَ ٱبنِه: «في هٰذا البَيتِ وفي أُورَشَليمَ الَّتي ٱختَرتُها مِن جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ أَجعَلُ ٱسْمي لِلأَبَد، ولا أَعودُ أُشَرِّدُ قَدَمَ إِسْرائيلَ مِن الأَرضِ الَّتي وَهَبْتُها لِآبائِهم، على أَن يَجتَهِدوا في العَمَلِ بِكُلِّ ما أَوصَيْتُهم بِه ويَعمَلوا بِه وبكُلِّ الشَّريعَةِ الَّتي أَوصاهم بِها عَبْدي موسى». فلَم يَسمَعوا، بل ضَلَّلَهم مَنَسَّى، فعَمِلوا الشَّرَّ أَكثَرَ مِنَ الأُمَمِ الَّتي دَمَّرَها الرَّبُّ مِن وَجهِ إِسْرائيل. فتَكَلَّمَ الرَّبُّ على أَلسِنَةِ عَبيدِه الأَنبِياءِ قائِلًا: «لأَنَّ مَنَسَّى، مَلِكَ يهوذا، صَنَعَ هٰذه القَبائِح، وفَعَلَ أَسوَأَ مِن كُلِّ ما صَنَعَه الأَمورِيُّونَ قَبلَه، وجَعَلَ يَهوذا أَيضًا يَخطَأُ بِأَصْنامِه القَذِرَة، لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا جالِبٌ على أُورَشَليمَ ويَهوذا شَرًّا كُلُّ مَن سَمِعَ بِه تَطِنُّ أُذُناه. وأَمُدُّ على أُورَشَليمَ حَبْلَ السَّامِرَةِ وشاقولَ بَيتِ أَحآب، وأَمسَحُ أُورَشَليمَ كما يُمسَحُ الصَّحنُ، يُمسَحُ ويُقَلَّبُ على وَجهِه. وأَنبُذُ بَقِيَّةَ ميراثي وأُسلِمُهم إِلى أَيدي أَعْدائِهم، ويَكونونَ غَنيمَةً ونَهْبًا لِجَميعِ أَعْدائِهم، لأَنَّهم صَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيَّ وأَسخَطوني مُنذُ يَومَ خَرَجَ آباؤُهم مِن مِصرَ إِلى هٰذا اليَوم. وسَفَكَ أَيضًا مَنَسَّى دَمًا زَكِيًّا كَثيرًا جِدًّا حتَّى مَلَأَ أُورَشَليمَ مِنَ الجانِبِ إِلى الجانِب، ما عدا خَطيئَتَه الَّتي جَعَلَ يَهوذا يَخطَأُها، فصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ مَنَسَّى وكُلُّ ما صَنَعَه وخَطيئَتُه الَّتي خَطِئَها، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وٱضطَجَعَ مَنَسَّى مع آبائِه وقُبِرَ في بُسْتانِ بَيتِه، بُسْتانِ عُزَّا. ومَلَكَ آمونُ ٱبنُه مَكانَه. وكانَ آمونُ ابنَ ٱثنَتَينِ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَكَ، ومَلَكَ سَنَتَينِ في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه مَشُلاَّمَت، بِنتُ حاروص، مِن يُطبَة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، كما صَنَعَ مَنَسَّى أَبوه، وسارَ على جَميعِ الطُّرُقِ الَّتي سارَ علَيها أَبوه، وعَبَدَ الأَصْنامَ القَذِرَةَ الَّتي عَبَدَها أَبوه وسَجَدَ لَها. وتَرَكَ الرَّبَّ إِلٰهَ آبائِه ولم يَسِرْ على طَريقِ الرَّبّ. فتآمَرَ وُزَراءُ آمونَ علَيه وقَتَلوا المَلِكَ في بَيتِه. فقَتَلَ شَعبُ تِلكَ الأَرضِ جَميعَ الَّذينَ تآمَروا على المَلِكِ آمون، وأَقامَ شَعبُ تِلكَ الأَرضِ يوشِيَّا ٱبنَه مَلِكًا مَكانَه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ آمونَ مِمَّا صَنَعَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ ودُفِنَ في قَبرِه، في بُستانِ عُزَّا. ومَلَكَ يوشِيَّا ٱبنُه مَكانَه. وكانَ يوشِيَّا ٱبنَ ثَماني سَنَواتٍ حينَ مَلَكَ، ومَلَكَ إِحْدى وثَلاثينَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه يَدِيدة، بِنتُ عَدايا، مِن بُصْقَة. وصَنَعَ القَويمَ في عَينَيِ الرَّبّ، وسارَ على جَميعِ طُرُقِ داوُدَ أَبيه، ولم يَحِدْ عَنها يَمنَةً ولا يَسرَةً. وفي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ عَشرَةَ لِلمَلِكِ يوشِيَّا، أَرسَلَ المَلِكُ شافانَ بنَ أَصَلْيا بنِ مَشُلاَّمَ الكاتِبَ إِلى بَيتِ الرَّبِّ قائلًا: «إِصعَدْ إِلى حِلِقِيَّا عَظيمِ الكَهَنَة، فيَحسُبَ الفِضَّةَ الَّتي أُتِيَ بِها إِلى بَيتِ الرَّبّ، مِمَّا جَمَعَه حُرَّاسُ الأَعتابِ مِنَ الشَّعْب، وتُسَلَّمَ إِلى أَيدي مُتَوَلِّي العَمَلِ المُوَكَّلينَ في بَيتِ الرَّبّ، فيَدفَعونَها إِلى المُتَوَلِّينَ العَمَلَ في بَيتِ الرَّبّ، لِتَرْميمِ ما تَهَدَّمَ مِنَ البَيت، إِلى النَّجَّارينَ والبَنَّائينَ ورافِعي الجُدْران، ولِشِراءِ خَشَبٍ وحِجارَةٍ مَنْحوتَةٍ لِتَرْميمِ البَيت، مِن غَيرِ أَن يُحاسِبوهم على الفِضَّةِ المُسَلَّمَةِ إِلى أَيديهم، لأَنَّهم كانوا يَصنَعونَ بِالأَمانَة. فقالَ حِلقِيَّا عَظيمُ الكَهَنَةِ لِشافانَ الكاتِب: «إِنِّي وَجَدتُ سِفرَ الشَّريعَةِ في بَيتِ الرَّبّ». وسَلَّمَ حِلقِيَّا الكاهِنُ السِّفرَ إِلى شافان، فقَرَأَه. فذَهَبَ شافانُ الكاتِبُ إِلى المَلِكِ وعَرَضَ الأَمرَ على المَلِكِ وقال: «قد أَخَذَ رِجالُكَ الفِضَّةَ الَّتي وُجِدَت في البَيتِ وسَلَّموها إِلى أَيدي المُتَوَلِّينَ العَمَلَ المُوكَّلينَ على بَيتِ الرَّبّ». وأَخبَرَ شافانُ الكاتِبُ المَلِكَ وقال: «قد سَلَّمَني حِلقِيَّا الكاهِنُ سِفرًا»، وقَرَأَه شافانُ أَمامَ المَلِك. فلَمَّا سَمِعَ المَلِكُ كَلامَ سِفرِ الشَّريعة، مَزَّقَ ثِيابَه وأَمَرَ حِلقِيَّا الكاهِنَ وأَحيقامَ بنَ شافانَ وعَكْبورَ بنَ ميخا وشافانَ الكاتِبَ وعَسايا، وَزيرَ المَلِكِ، وقال: «إِذهَبوا فٱستَشيروا الرَّبَّ لي ولِلشَّعبِ ولِكُلِّ يهوذا في أَمرِ كَلامِ هٰذا السِّفرِ الَّذي وُجِدَ، لأَنَّه شَديدٌ غَضَبُ الرَّبِّ الَّذي ٱضطَرَمَ علَينا، إِذ إِنَّ آباءَنا لم يَسمَعوا لِكَلامِ هٰذا السِّفرِ فيَعمَلوا بِكُلِّ ما كُتِبَ في أَمرِنا». فذَهَبَ حِلقِيَّا الكاهِنُ وأَحيقامُ وعَكْبورَ وشافانُ وعَسايا إِلى حُلدَةَ النَّبِيَّة، اِمرَأَةِ شَلُّومَ ٱبنِ تِقوَةَ بنِ حَرحاس، حافِظِ الثِّياب. وكانَت مُقيمَةً في أُورَشَليمَ في الحَيِّ الجَديد وكَلَّموها. فقالَت لَهم: «هٰكذا قالَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل: قولوا لِلرَّجُلِ الَّذي أَرسَلَكم إِلَيَّ: هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا جالِبٌ شَرًّا على هٰذا المَكانِ وعلى سُكَّانِه، جالِبٌ كُلَّ كَلامِ السِّفرِ الَّذي قَرَأَه مَلِكُ يَهوذا، لأَنَّهم تَركوني وأَحرَقوا البَخورَ لِآلِهَةٍ أُخْرى، لِإسْخاطي بِجَميعِ أَعمالِ أَيديهم. فٱضطَرَمَ غَضَبي على هٰذا المَكانِ ولَن يَنطَفِئ. وأَمَّا مَلِكُ يَهوذا الَّذي أَرسَلَكم لِتَسأَلوا الرَّبَّ، فهٰكَذا تَقولونَ لَه: هٰكذا قالَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيلَ في أَمرِ الكَلامِ الَّذي سَمِعتَه: لأَنَّه قد رَقَّ قَلبُكَ وٱتَّضَعتَ أَمامَ الرَّبِّ عِندَ سَماعِكَ ما قُلتُه على هٰذا المَكانِ وعلى سُكَّانِه إِنَّهم يَكونونَ مَوضِعَ دَمارٍ ولَعنَة، فمَزَّقتَ ثِيابَكَ وبَكَيتَ أَمامي، فأَنا أَيضًا قد سَمِعتُ، قالَ الرَّبّ. لِذٰلك هاءَنَذا أَضُمُّكَ إِلى آبائِكَ فتَلتَحِقُ بِقَبرِكَ بِسَلام، ولا تَرى عَيناكَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذي أَنا جالِبُه على هٰذا المَكان». فأَعادوا الكَلامَ على المَلِك. فأَرسَلَ المَلِكُ فٱجتَمَعَ إِلَيه جَميعُ شُيوخِ يَهوذا وأُورَشَليم. وصَعِدَ المَلِكُ إِلى بَيتِ الرَّبّ، وجَميعُ رِجالِ يَهوذا وجَميعُ سُكَّانِ أُورَشَليمَ معَه والكَهَنَةُ والأَنبِياءُ وكُلُّ الشَّعبِ مِن الصَّغيرِ إِلى الكَبير، فَتلا على مَسامِعِهم كُلَّ كَلامِ سِفرِ العَهدِ الَّذي وُجِدَ في بَيتِ الرَّبّ. وقامَ المَلِكُ على المِنبَر وقَطَعَ عَهدًا أَمامَ الرَّبِّ على أَنَّهم يَتَّبعونَ الرَّبَّ ويَحفَظونَ وَصاياه وشَهادَتَه وفَرائِضَه بِكُلِّ قُلوبِهم وكُلِّ نُفوسِهم، لِيُثَبِّتوا كَلامَ هٰذا العَهدِ المَكْتوبَ في هٰذا السِّفر. فٱلتَزَمَ الشَّعبُ كُلُّه بِهٰذا العَهْد. وأَمَرَ المَلِكُ حِلقِيَّا عَظيمَ الكَهَنَة وكَهَنَةَ الرُّتبَةِ الثَّانِيَةِ وحُرَّاسَ الأَعْتابِ أَن يُخرِجوا مِن هَيكَلِ الرَّبِّ جَميعَ الأَدَواتِ الَّتي كانَت قد صُنِعَت لِلبَعلِ والعَشْتاروتِ ولِجَميعِ قُوَّاتِ السَّماء. فأَحرَقَها في خارِجِ أُورَشَليمَ في حُقولِ قِدْرون، وحَمَلَ رَمادَها إِلى بَيتَ إِيل. وأَزالَ كَهَنَةَ الأَصْنامِ الَّذينَ أَقامَهم مُلوكُ يَهوذا لِيُحرِقوا البَخورَ على المَشارِفِ في مُدُنِ يَهوذا وحَوالى أُورَشَليم، والَّذينَ كانوا يُحرِقونَ البَخورَ لِلبَعلِ والشَّمسِ والقَمَرِ والأَبْراجِ ولِجَميعِ قُوَّاتِ السَّماء. وأَخرَجَ الوَتَدَ المُقَدَّسَ مِن بَيتِ الرَّبِّ إِلى خارِجِ أُورَشَليم، إِلى وادي قِدْرون. فأَحرَقَه في وادي قِدْرون، وسَحَقَه رَمادًا وذَرَّى رَمادَه على قُبورِ عامَّةِ الشَّعْب. وهَدَمَ بُيوتَ المَأبونينَ الَّتي في بَيتِ الرَّبّ، حَيثُ كانَتِ النِّساءُ يَنسُجنَ ثِيابًا لِلْعَشْتاروت. وٱستَدْعى جَميعَ الكَهَنَةِ مِن مُدُنِ يَهوذا ونَزَعَ حُرمَةَ المَشارِفِ حَيثُ كانَ الكَهَنَةُ يُحرِقونَ البَخور، مِن جَبعَ إِلى بِئرَ سَبْع. وهَدَمَ مَشارِفَ الأَبْوابِ الَّتي عِندَ مَدخَلِ بابِ يَشوع، رَئيسِ المَدينة، الَّتي إِلى يَسارِ الدَّاخِلِ إِلى المَدينة. على أَنَّ كَهَنَةَ المَشارِفِ لم يَكونوا يَصعَدونَ إِلى مَذبحِ الرَّبِّ في أُورَشَليم، بل كانوا يَأكُلونَ الفَطيرَ مع إِخوَتِهم. ونَزَعَ حُرمَةَ توفَتَ الَّتي في وادي بَني هِنُّوم، لِكي لا يُمِرَّ أَحَدٌ ٱبنَه أَوِ ٱبنَتَه بِالنَّارِ لِمولَك. وأَزالَ الخَيلَ الَّتي أَقامَها مُلوكُ يَهوذا لِلشَّمسِ مِن عِندِ مَدخَلِ بَيتِ الرَّبِّ لَدى مُخدَعِ نَتَنْمَلِكَ الخَصِيِّ الَّذي في الأَروِقَة، وأَحرَقَ مَركَباتِ الشَّمسِ بِالنَّار. ودَمَّرَ المَلِكُ المَذابِحَ الَّتي على سَطحِ عِلِّيَّةِ آحاز، والَّتي عَمِلَها مُلوكُ يَهوذا، والمَذابِحَ الَّتي صَنَعَها مَنَسَّى في دارَي بَيتِ الرَّبّ، وأَسرَعَ مِن هُناكَ وذَرَّى غُبارَها في وادي قِدْرون. ونَزَعَ المَلِكُ حُرمَةَ المَشارِفِ الَّتي تُجاهَ أُورَشَليمَ إِلى جَنوبِ جَبَلِ الخَرابِ والَّتي بَناها سُلَيْمانُ، مَلِكُ إِسْرائيل، لِعَشْتاروت، قَبيحَةِ الصَّيدونِيِّين، ولِكَموش، قَبيحَةِ الموآبِيِّين، ولِمِلْكوم، قَبيحَةِ بَني عَمُّون. وحَطَّمَ الأَنْصابَ، وقَطَّعَ الأَوتادَ المُقَدَّسَة، ومَلَأَ أَماكِنَها مِن عِظامِ النَّاس. وقَوَّضَ المَذبَحَ الَّذي في بَيتَ إِيلَ في المَشرَف، والَّذي أَقامَه يارُبْعامُ بنُ نَباطَ الَّذي جَعَلَ إِسْرائيلَ يَخطَأ، ودَمَّرَ المَذبَحَ والمَشرَفَ جَميعًا، وأَحرَقَ المَشرَفَ وحَطَّمَه رَمادًا وأَحرَقَ الوَتَدَ المُقَدَّس. وٱلتَفَتَ يوشِيَّا فرَأَى القُبورَ الَّتي هُناكَ في الجَبَل، فأَرسَلَ وأَخَذَ العِظامَ مِنَ القُبورِ فأَحرَقَها على المَذبَحِ لِيَنزِعَ حُرمَتَه، على حَسَبِ قَولِ الرَّبِّ الَّذي نادى بِه رَجُلُ اللهِ حينَ قامَ يارُبْعامُ عِندَ المَذبَحِ في العيد. ثُمَّ ٱلتَفَتَ ورَفَعَ عَينَيه إِلى قَبرِ رَجُلِ اللهِ الَّذي تَنَبَّأَ بِهٰذه الأُمور، وقال: «ما هٰذه الشَّاهِدَةُ الَّتي أَراها؟» فقالَ لَه أَهلُ المَدينَة: «هي قَبرُ رَجُلِ اللهِ الَّذي جاءَ مِن يَهوذا وتَنَبَّأَ بِهٰذِه الأُمورِ الَّتي فَعَلتَها بِمَذبَحِ بَيتَ إِيل». فقال: «دَعوه ولا يُحرِّكْ أَحَدٌ عِظامَه». فأَبقَوا على عِظامِه وعِظامِ النَّبِيِّ الَّذي جاءَ مِنَ السَّامِرَة. وأَزالَ يوشِيَّا جَميعَ بُيوتِ المَشارِفِ الَّتي في مُدُنِ السَّامِرَةِ والَّتي بَناها مُلوكُ إِسْرائيلَ لإسْخاطِ الرَّبّ، وصَنَعَ بِها مِثلَما صَنَعَ في بَيتَ إِيل. وذَبَحَ جَميعَ كَهَنَةِ المَشارِفِ الَّتي هُناكَ على المَذابِح، وأَحرَقَ عِظامَ النَّاسِ علَيها، ورَجَعَ إِلى أُورَشَليم. وأَمَرَ المَلِكُ كُلَّ الشَّعْبِ وقال: «أَقيموا فِصْحًا لِلرَّبِّ إِلٰهِكم، على ما هو مَكْتوبٌ في سِفرِ العَهدِ هٰذا». ولَم يَكُنْ قد أُقيمَ فِصحٌ مِثلُ هٰذا مُنذُ أَيَّامِ القُضاةِ الَّذينَ قَضَوا في إِسْرائيل، ولا في جَميعِ أَيَّامِ مُلوكِ إِسْرائيلَ ومُلوكِ يَهوذا. ولم يُقَمْ مِثلُ هٰذا الفِصْحِ لِلرَّبِّ في أُورَشَليمَ إِلاَّ في السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشرَةَ لِلمَلِكِ يوشِيَّا. وكذٰلك أَزالَ يوشِيَّا مُستَحضِري الأَرْواحِ والعَرَّافينَ والتَّرافيمَ والأَصْنامَ القَذِرَةَ وجَميعَ القَبائِحِ الَّتي كانَت تُرى في أَرضِ يَهوذا وفي أُورَشَليم، لِكَي يُتِمَّ كَلامَ الشَّريعَةِ المَكْتوبَ في السِّفرِ الَّذي وَجَدَه حِلقِيَّا الكاهِنُ في بَيتِ الرَّبّ. ولم يَكُنْ قَبلَه مَلِكٌ مِثلُه، لأَنَّه أَقبَلَ إِلى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلبِه وكُلِّ نَفْسِه وكُلِّ قُدرَتِه، بِحَسَبِ كُلِّ شَريعَةِ موسى، ولا قامَ بَعدَه مِثلُه. ومع ذٰلك، لم يَنثَنِ الرَّبُّ عنِ ٱضطِرامِ غَضَبِه الشَّديدِ الَّذي غَضِبَه على يَهوذا، بِسَبَبِ كُلِّ ما أَسخَطَه بِه مَنَسَّى. وقالَ الرَّبّ: «أُبعِدُ يَهوذا أَيضًا مِن وَجهي، كما أَبعَدتُ إِسْرائيل، وأَنبُذُ هٰذه المَدينَةَ أُورَشَليمَ الَّتي ٱختَرتُها والبَيتَ الَّذي قُلتُ فيه: يَكونُ ٱسْمي فيه». وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يوشِيَّا وكُلُّ ما صَنَعَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وفي أَيَّامِه صَعِدَ فِرعَونُ نَكْوٌ، مَلِكُ مِصرَ، إِلى مَلِكِ أَشُّور، إِلى نَهرِ الفُرات. فَزَحَفَ المَلِكُ يوشِيَّا لِمُحارَبَتِه، فقَتَلَ فِرعَونُ يوشِيَّا في مَجِدُّو حالَما رآه. فأَركَبَه رِجالُه مَيتًا مِن مَجِدُّو وجاؤُوا بِه إِلى أُورَشَليم، ودَفَنوه في قِبرِه. فأَخَذَ شَعبُ تِلكَ الأَرضِ يوآحازَ بنَ يوشِيَّا فمَسَحه وأَقامَه مَلِكًا مَكانَ أَبيه. وكانَ يوآحازُ ٱبنَ ثَلاثٍ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَكَ، ومَلَكَ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه حَموطال، بِنتُ إِرمِيا، مِن لِبنة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، على حَسَبِ كُلِّ ما صَنَعَ آباؤُه. فقَيَّدَه فِرعَونُ نَكْوٌ في رِبلَةَ مِن أَرضِ حَماة، لِئَلاَّ يَملِكَ في أُورَشَليم. وغَرَّمَ تِلكَ الأَرضَ مِئَةَ قِنطارِ فِضَّةٍ وقِنطارِ ذَهَب. وأَقامَ فِرعَونُ نَكْوٌ أَلْياقيمَ بنَ يوشِيَّا مَلِكًا مَكانَ يوشِيَّا أَبيه، وغَيَّرَ ٱسمَه إِلى يوياقيم، وأَخَذَ يوآحازَ وأَتى بِه إِلى مِصرَ، فماتَ هُناك. وسَلَّمَ يوياقيمُ الفِضَّةَ والذَّهَبَ إِلى فِرعَون، إِلاَّ أَنَّه فَرَضَ على تِلكَ الأَرضِ ضَريبَةً لِدَفعِ الفِضَّةِ بِأَمرِ فِرعَون. وفَرَضَ الفِضَّةَ والذَّهَبَ مِن شَعبِ تِلكَ الأَرضِ، كُلٍّ بِحَسَبِ طاقَتِه، لِيَدفَعَ إِلى فِرعَونَ نَكْوٍ. وكانَ يوياقيمُ ٱبنَ خَمسٍ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَكَ، ومَلَكَ إِحْدى عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه زَبيدة، بِنتُ فَدايا، من رومة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ على حَسَبِ كُلِّ ما فَعَلَ آباؤُه. وفي أَيَّامِه صَعِدَ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، فٱستُعبِدَ لَه يوياقيمُ ثَلاثَ سَنَوات، ثُمَّ عادَ فتَمَرَّدَ علَيه. فأَرسَلَ الرَّبُّ علَيه غُزاةَ الكَلْدانِيِّينَ وغُزاةَ أَرامَ وغُزاةَ موآبَ وغُزاةَ بَني عُمُّون، أَرسَلَهم على يَهوذا لِيُبيدَه، على حَسَبِ قَولِ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه على أَلسِنَةِ عَبيدِه الأَنبِياء. حَدَثَ ذٰلك لِيَهوذا على حَسَبِ أَمرِ الرَّبِّ لِيُبعِدَه مِن وَجهِه بِسَبَبِ خَطايا مَنَسَّى وكُلِّ ما صَنَعَ، وبِسَبَبِ الدَّمِ الزَّكِيِّ الَّذي أَراقَه، إِذ مَلَأَ أُورَشَليمَ دَمًا زَكِيًّا، فلَم يَشَإِ الرَّبُّ أَن يَغفِر. وبَقِيَّةُ أَخبارِ يوياقيم وكُلُّ ما صَنَعَه، أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في سِفرِ أَخبارِ الأَيَّامِ لِمُلوكِ يَهوذا؟ وٱضطَجَعَ يوياقيمُ مع آبائِه، ومَلَكَ يوياكينُ ٱبنُه مَكانَه. ولَم يَعُدْ مَلِكُ مِصرَ يَخرُجُ مِن أَرضِه، لأَنَّ مَلِكَ بابِلَ أَخَذَ مِن وادي مِصرَ إِلى نَهرِ الفُراتِ كُلَّ ما كانَ لِمَلِكِ مِصْر. وكانَ يوياكينُ ٱبنَ ثَماني عَشرَةَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه نَحُشْتا، بِنتُ أَلْناتان، مِن أَورَشَليم. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، على حَسَبِ كُلِّ ما صَنَعَ أَبوه. وفي ذٰلك الزَّمان صَعِدَ ضُبَّاطُ نَبوكَدْنَصَّر، مَلِكِ بابِل، إِلى أُورَشَليم، ودَخَلَتِ المَدينَةُ تَحتَ الحِصار. ووَصَلَ نَبوكَدْنَصَّر، مَلِكُ بابِل، إِلى المَدينَةِ فيما كانَ ضُبَّاطُه يُحاصِرونَها. فخَرَجَ يوياكينُ، مَلِكُ يَهوذا، إِلى مَلِكِ بابِل، هو وأُمُّه وضُبَّاطُه وأَشْرافُه وخِصْيانُه. فأَخَذَه مَلِكُ بابِلَ في السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِن مُلكِه. وأَخرَجَ مِن هُناكَ جَميعَ كُنوزِ بَيتِ الرَّبِّ وكُنوزِ بَيتِ المَلِك، وحَطَّمَ جَميعَ آنِيَةِ الذَّهَبِ الَّتي عَمِلَها سُلَيمان، مَلِكُ إِسْرائيل، لِهَيكَلِ الرَّبِّ، كما قالَ الرَّبّ. وجلا كُلَّ أُورَشَليمَ وجَميعَ الضُّبَّاطِ ورِجالِ الحَرب، أي عَشرَةَ آلافِ مَجلُوّ، وجَلا أَيضًا جَميعَ الحَدَّادينَ والقَفَّالين، ولَم يَبقَ إِلاَّ فُقَراءُ شَعبِ تِلكَ الأَرْض. وجلا يوياكينَ المَلِكَ إِلى بابِل وأُمَّ المَلِكِ وأَزْواجَه وخِصْيانَه وكُلَّ عُظَماءِ تِلكَ الأَرْض، أَخَذَهم مِن أُورَشَليمَ إِلى بابِل، وجَلا جَميعَ رِجالِ الحَربِ وهُم سَبعَةُ آلاف، والحَدَّادينَ والقَفَّالينَ وهم أَلفٌ، جَميعُهم أَبْطالٌ رِجالُ حَرْب، وأَخَذَهم مَلِكُ بابِلَ مَجلُوِّينَ إِلى بابِل. وأَقامَ مَلِكُ بابلَ متَّتْيَه، عَمَّ يوياكين، مَلِكًا مَكانَه، وغَيَّرَ ٱسمَه إِلى صِدقِيَّا. وكانَ صِدقِيَّا ٱبنَ إِحْدى وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ إِحْدى عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم، وٱسمُ أُمِّه حَموطال، بِنتُ إِرْمِيا، مِن لِبنَة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، بِحَسَبِ كُلِّ ما صَنَعَ يوياقيم. وكانَ ذٰلك بِسَبَبِ غَضَبِ الرَّبِّ على أُورَشَليمَ وعلى يَهوذا، حتَّى نَبَذَهم مِن وَجهِه. وتَمَرَّدَ صِدقِيَّا على مَلِكِ بابِل. وفي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِمُلْكِه، في اليَومِ العاشِرِ مِنَ الشَّهرِ العاشِر، زَحَفَ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، هو وجَميعُ جُيوشِه على أُورَشَليم، وعَسْكَرَ عِندَها وبَنى حَولَها تَحْصينات. فصارَتِ المَدينَةُ تَحتَ الحِصارِ إِلى السَّنَةِ الحادِيَةَ عَشرَةَ لِلمَلِكِ صِدقِيَّا. وفي اليَومِ التَّاسِعِ مِنَ الشَّهرِ الرَّابِع، اِشتَدَّ الجوعُ في المَدينَة، ولم يَبقَ خُبزٌ لِشَعبِ تِلكَ الأَرْض. فثَغَروا المَدينَة، وكانَ جَميعُ رِجالِ الحَربِ لَيلًا في طَريقِ البابِ الَّذي بَينَ السُّورَينِ، بِالقُربِ مِن بُستانِ المَلِك، بَينما كانَ الكَلْدانِيُّونَ يُحيطونَ بِالمَدينة. وفي أَثْناءِ ذٰلك، ذَهَبَ المَلِكُ في طَريقِ العَرَبَة. فجَرَى جَيشُ الكَلْدانِيِّينَ في إِثرِه، فأَدرَكوه في بَرِّيَّةِ أَريحا، وقد تَفَرَّقَ عنه كُلُّ جَيشِه. فقَبَضوا علَيه وأَصعَدوه إِلى مَلِكِ بابِلَ في رِبلَة، وتَلَوا علَيه الحُكْم. وذَبَحوا بَني صِدقِيَّا أَمامَ عَينَيه. ثُمَّ فَقَأَ مَلِكُ بابِلَ عَينَي صِدقِيَّا وأَوثَقَه بِسِلسِلَتَينِ مِن نُحاس، وجاؤُوا بِه إِلى بابِل. وفي الشَّهرِ الخامِس، في اليَومِ السَّابِعِ مِنَ الشَّهْر، في السَّنَةِ التَّاسِعَةَ عَشرَةَ لِلمَلِكِ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، قَدِمَ نبوزرادان، رَئيسُ الحَرَس، ضابِطُ مَلِكِ بابِل، إِلى أُورَشَليم. فأَحرَقَ بَيتَ الرَّبِّ وبَيتَ المَلِكِ وجَميعَ بُيوتِ أُورَشَليم، وأَحرَقَ بِالنَّارِ كُلَّ بَيتٍ لِلعُظَماء. وهَدَمَ كُلُّ جَيشِ الكَلْدانِيِّينَ الَّذينَ مع رَئيسِ الحَرَسِ أَسْوارَ أُورَشَليمَ مِمَّا حَولَها. وجلا نَبوزَرادان، رَئيسُ الحَرَس، سائِرَ الشَّعبِ الَّذي بَقِيَ في المَدينَة، والهارِبينَ الَّذينَ هَرَبوا إِلى مَلِكِ بابِل وسائِرَ الجُمْهور. وتَرَكَ رَئيسُ الحَرَسِ، مِن فُقَراءِ الأَرضِ، الكَرَّامينَ والفَلاَّحين. وحَطَّمَ الكَلْدانِيُّونَ أَعمِدَةَ النُّحاسِ الَّتي في بَيتِ الرَّبِّ والقَواعِدَ وبَحرَ النُّحاسِ الَّذي في بَيتِ الرَّبّ، وحَمَلوا نُحاسَها إِلى بابِل. وأَخَذوا القُدورَ والمَجارِفَ والمَقاريضَ والقِصاعَ وجَميعَ أَدَواتِ النُّحاسِ الَّتي كانوا يَخدِمونَ بِها. وأَخَذَ رَئيسُ الحَرَسِ المَجامِرَ والصِّحاف، ما كانَ مِنها ذَهَبًا فالذَّهَب، وما كانَ مِنها فِضَّةً فالفِضَّة. وأَمَّا العَمودَانِ والبَحرُ والقَواعِدُ الَّتي صَنَعَها سُلَيمانُ لِبَيتِ الرَّبّ، فلَم يَكُنْ لِنُحاسِ هٰذه الأَواني مِن وَزْنٍ يُقَدَّر. وكانَ طولُ العَمودِ الواحِدِ ثَمانِيَ عَشرَةَ ذِراعًا وعلَيه تاجٌ مِن نُحاس، وعُلُوُّ التَّاجِ ثَلاثُ أَذرُعٍ، وعلى التَّاجِ حَبيكَةٌ ورُمَّانٌ مِن حَولِها، الكُلُّ مِن نُحاس. وكذٰلك كانَ لِلعَمودِ الثَّاني مع الحَبيكة. وأَخَذَ رَئيسُ الحَرَسِ سَرايا، الكاهِنَ الأَوَّل، وصَفَيْنا، الكاهِنَ الثَّاني، وحُرَّاسَ الأَعْتابِ الثَّلاثَة. وأَخَذَ مِنَ المَدينَةِ خَصِيًّا واحِدًا، وهو الَّذي كانَ مُوَلَّى على رِجالِ الحَرْب، وخَمسَةَ رِجالٍ مِمَّن يُشاهِدونَ وَجهَ المَلِك، والَّذينَ وُجِدوا في المَدينَة، وكاتِبَ قائِدِ الجَيشِ الَّذي كانَ يُجَنِّدُ شَعبَ تِلكَ الأَرْض، وسِتِّينَ رَجُلًا مِن شَعْبِ تِلكَ الأَرْضِ، الَّذينَ وُجدوا في المَدينَة. أَخَذَهم نَبوزرادان، رَئيسُ الحَرَس، وساقَهم إِلى مَلِكِ بابِلَ في رِبلَة. فَضَرَبَهم مَلِكُ بابِل وقَتَلَهم في رِبلَة، في أَرضِ حَماة. وجُلِيَ يَهوذا مِن أَرضِه. وأَمَّا ما بَقِيَ مِنَ الشَّعبِ في أَرضِ يَهوذا، مِمَّن أَبْقاهم نَبوكَدْنَصَّر، مَلِكُ بابِل، فولَّى علَيهم جَدَلْيا بنَ أَحيقامَ بنِ شافان. فلَمَّا سَمِعَ جَميعُ رُؤَساءِ الجُيوشِ، هم ورِجالُهم، أَنَّ مَلِكَ بابِلَ قد وَلَّى جَدَلْيا، أَتَوا إِلى جَدَلْيا في المِصْفاة، وهم إِسْماعيلُ بنُ نَتَنْيا ويوحانانُ بنُ قاريح وسَرايا بنُ تَنْحومَتَ النَّطوفِيُّ ويازَنْيا بنُ المَعكِيّ، هم ورِجالُهم. فحَلَفَ جَدَلْيا لَهم ولِرِجالِهم وقالَ لَهم: «لا تَخافوا مِن عُبودِيَّةِ الكَلْدانِيِّين. أُسكُنوا في هٰذه الأَرضِ وٱخدُموا مَلِكَ بابِل، فيَكونَ لَكم خَيرٌ». وفي الشَّهرِ السَّابِعِ، جاءَ إِسْماعيلُ بنُ نَتَنْيا بنِ أَليشاماع، مِنَ النَّسلِ المَلَكِيّ، وعَشرَةُ رِجالٍ معَه وضَرَبوا جَدَلْيا فمات، وضَرَبوا اليَهودَ والكَلْدانِيِّينَ الَّذين معَه في المِصْفاة. فقامَ كُلُّ الشَّعبِ مِنَ الصَّغيرِ إِلى الكَبيرِ، وقُوَّادُ الجُيوش، وذَهَبوا إِلى مِصْرَ، لأَنَّهم خافوا مِن وَجهِ الكَلْدانِيِّين. وكانَ في السَّنَةِ السَّابِعَةِ والثَّلاثينَ لِجَلاءِ يوياكين، مَلِكِ يَهوذا، في الشَّهرِ الثَّاني عَشَرَ وفي السَّابِعِ والعِشْرينَ مِنه، أَنَّ أَويلَ مَروداك، مَلِكَ بابِل، في السَّنَةِ الَّتي مَلَكَ فيها، عفا عن يوياكين، مَلِكِ يهوذا، فأَطلَقَه مِنَ السِّجْن، وكَلَّمَه بِكَلامٍ طَيِّب، وجَعَلَ عَرشَه أَعْلى مِن عُروشِ المُلوكِ الَّذينَ مَعه في بابِل، وغَيَّرَ ثِيابَ سِجنِه، وبَقِيَ يَتَناوَلُ الطَّعامَ دائمًا أَمامَه كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه. وكانَت لَه مَعيشَةٌ دائِمَةٌ تُعطى لَه مِن عِندِ المَلِك، أَمرُ كُلِّ يَومٍ في يَومِه، كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه. آدَمُ وشيتٌ وأَنوش، وقَينانُ ومَهْلَلْئيلُ ويارَد، وأَخْنوخُ ومَتوشالَحُ ولامَك، ونوحٌ وسامٌ وحامٌ ويافَث. وبَنو يافَث: جومَرُ وماجوجُ ومادايُ وياوانُ وتوبَلُ وماشَكُ وتيراس. وبَنو جومَر: أَشْكَنازُ وديفاتُ وتوجَرمَة. وبَنو ياوان: أَليشَةُ وتَرْشيشُ وكِتِّيمُ ودودائيم. وبَنو حام: كوشٌ ومِصْرائيمُ وفوطٌ وكَنْعان. وبَنو كوش: سَبا وحَويلَةُ وسَبْتا ورَعْما وسَبْتَكا. وبَنو رَعْما: شَبا ودَدان. وكوشٌ وَلَدَ نُمْرود، وهو أَوَّلُ جَبَّارٍ في الأَرض. ومِصْرائيمُ وَلَدَ لوديمَ وعَناميمَ ولَهابيمَ ولَفْتوحيم، وفَتْروسيمَ وكَسْلوحيمَ، الَّذينَ خَرَجَ مِنهُم الفَلسِطينِيُّونَ وكَفْتوريم. وكَنْعانُ وَلَدَ صَيدونَ وبِكَره وحِثًّا واليَبوسِيِّينَ والأَمورِيِّينَ والجِرْجاشِيِّين والحُوِّيِّينَ والعَرْقِيِّينَ والسِّنِيِّين والأَرْوادِيِّينَ والصَّمارِيِّينَ والحَماتِيِّين. وبَنو سام: عَيلامُ وأَشُّورُ وأَرفَكْشادُ ولودٌ وأَرامُ وعوصٌ وحولٌ وجاثَرُ وماشَك. وأَرفَكْشادُ وَلَدَ شالَح، وشالَحُ وَلَدَ عابَر. ووُلِدَ لِعابَرَ ٱبنانِ ٱسمُ أَحدِهِما فالَج، لأَنَّه في أَيَّامِه ٱنَقَسَمَتِ الأَرض، وٱسمُ أَخيه يُقْطان. ويُقْطانُ وَلَدَ أَلْمودادَ وشالَفَ وحَضْرَمَوت ويارَحَ وهَدورامَ وأُوزالَ ودِقلَةَ وعَيبالَ وأَبيمائيلَ وشَبا وأُوفيرَ وحَويلَةَ ويوباب. هٰؤُلاءِ كُلُّهم بَنو يُقْطان. سامٌ وأَرَفكْشادُ وشالَحُ وعابَرُ وفالَجُ ورَعو وسَروجُ وناحورُ وتارَحُ وأَبرامُ وهو إِبْراهيم. وٱبنا إِبْراهيم إِسحٰقُ وإِسْماعيل. وهٰذه سُلالَتُهم: بِكرُ إِسْماعيلَ نَبايوت، ثُمَّ فيدارُ وأَدْبَئيلُ ومِبْسامُ ومِشْماعُ ودومَةُ ومَسَّا وحَدادُ وتَيما ويَطورُ ونافيشُ وقِدمَة. هٰؤُلاءِ بَنو إِسْماعيل. وأَمَّا بَنو قَطورة، سُرِّيَّةِ إِبْراهيمَ فإِنَّها وَلَدَت زِمْرانَ ويُقْشانَ ومَدانَ ومِدْيَنَ ويَشْباقَ وشوحًا. وٱبْنا يُقْشان: شَبا ودَدان. وبَنو مِديَن: عَيفَةُ وعِفْرٌ وحَنوكُ وأَبيداعُ وأَلْداعة. هٰؤُلاءِ كُلُّهم بَنو قَطورَة. ووَلَدَ إِبْراهيمُ إِسحٰق. وٱبنا إِسحٰقَ عيسو وإِسْرائيل. وبَنو عيسو: أَليفازُ ورَعوئيلُ ويَعوشُ ويَعْلامُ وقورَح. وبَنو أَليفاز: تَيمانُ وأَومارُ وصَفْيٌ وجَعْتامُ وقَنازُ وتِمْناعُ وعَماليق. وبَنو رَعوئيل: ناحَتُ وزارَحُ وشَمَّةُ ومِزَّة. وبَنو سِعير: لوطانُ وشوبالُ وصِبْعونُ وعانَةُ وديشونُ وإِيصَرُ وديشان. وٱبْنا لوطان: حوري وهومام. وأُختُ لوطان: تِمْناع. وبَنو شوبال: عَلْيانُ وماناحَتُ وعَيبالُ وشَفْيٌ وأُونام. وٱبْنا صِبْعون: أَيَّةُ وعانَة. وٱبنُ عانَة: ديشون. وبَنو ديشون: حَمْرانُ وأَشْبانُ ويَتْرانُ وكَران. وبَنو إِيصَر: بِلْهانُ وزَعْوانُ ويَعْقان. وٱبْنا ديشان: عوصٌ وأَران. وهٰؤُلاءِ المُلوكُ الَّذينَ مَلَكوا في أَرضِ أَدومَ قَبلَ أَن يَملِكَ مَلِكٌ في بَني إِسْرائيل: بالَعُ بنُ بَعور، وٱسمُ مَدينَتِه دِنْهابَة. وماتَ بالَع، فمَلَكَ مَكانَه يوبابُ بنُ زارَحَ مِن بُصرَة. وماتَ يوباب، فمَلَكَ مَكانَه حوشامُ مِن أَرضِ التَّمانِيِّين. ومات حوشام، فمَلَكَ مَكانَه هَدَدُ بنُ بَدَدَ الَّذي كَسَرَ مِديَنَ في حقولِ موآب، وٱسمُ مَدينَتِه عَويت. وماتَ هَدَد، فمَلَكَ مَكانَه سَملَةُ مِن مَسْريقَة. وماتَ سَملَة، فمَلَكَ مَكانَه شاوُلُ مِن رَحبَةِ النَّهْر. وماتَ شاوُل، فمَلَكَ مَكانَه بَعلَ حانانُ بنُ عَكْبور. وماتَ بَعلَ حانان، فمَلَكَ مَكانَه هَدَد، وٱسمُ مَدينَتِه فاعي، وٱسمُ ٱمرَأَتِه مَهيطَبْئيل، بِنتُ مَطرِد، حَفيدَةِ ميزَهَب. وماتَ هَدَد. وكانَ زُعماءُ أَدوم: الزَّعيمَ تِمْناعَ والزَّعيمَ عُلوَةَ والزَّعيمَ يَتيتَ والزَّعيمَ أُهْليبامَةَ والزَّعيمَ إِيلَةَ والزَّعيمَ فينونَ والزَّعيمَ قَنازَ والزَّعيمَ تَيمانَ والزَّعيمَ مِبْصارَ والزَّعيمَ مَجْديئيلَ والزَّعيمَ عيرام. هٰؤلاءِ زُعَماءُ أَدوم. وهٰؤُلاءُ بَنو إِسْرائيل: رَأُوبينَ وشِمْعونُ ولاوي ويَهوذا ويَسَّاكَرُ وزَبولونُ ودانُ ويوسُفُ وبَنْيامينُ ونَفْتالي وجادٌ وأَشير. وبَنوا يَهوذا: عيرٌ وأَونانُ وشيلَة. ثَلاثَتُهم وُلِدوا لَه مِن بِنتِ شوعِ الكَنْعانِيَّة. وكانَ عيرٌ، بِكرُ يَهوذا، شِرِّيرًا في عَينَيِ الرَّبِّ فأَماتَه. ووَلَدَت لَه تامارُ كَنَّتُه فارَصَ وزارَح. فمَجْموعُ بَني يَهوذا خَمسَة. وٱبْنا فارَص: حَصْرونُ وحامول. وبَنو زارَح: زِمْري وأَيتانُ وهَيمانُ وكَلْكولُ ودارَع. مَجْموعُهم خَمسَة. ومِن بَني كَرْمِيَ عاكار، الَّذي جَلَبَ الشُّؤمَ على إِسْرائيلَ بِتَعَدِّيه في أَمرِ المَحَرَّم. وٱبنُ أَيتان: عَزَرْيا. وبَنو حَصْرونَ الَّذينَ وُلِدوا لَه: يَرَحْمَئيلُ ورامٌ وكَلوباي. ورامٌ وَلَدَ عَمِّيناداب، وعَمِّينادابُ وَلَدَ نَحْشون، رَئيسَ بَني يَهوذا. ونَحْشونُ وَلَدَ سَلْما، وسَلْما وَلَدَ بوعَز، وبوعَزُ وَلَدَ عوبيد، وعوبيدُ وَلَدَ يَسَّى، ويَسَّى وَلَدَ بِكَره أَليآبَ والثَّانِيَ أَبينادابَ والثَّالِثَ شِمْعا والرَّابِعَ نَتَنائيلَ والخامِسَ رَدَّاي والسَّادِسَ أُوصَمَ والسَّابِعَ داوُد، وأُختَيهِم صَرويَةَ وأَبيجائيل. وبَنو صَرويَة: أَبيشايُ ويوآبُ وعَسائيل: ثَلاثَة. وأَبيجائيلُ وَلَدَت عَماسا، وأَبو عَماسا هو ياتَرُ الإِسْماعيلِيّ. وكالِبُ بنُ حَصْرونَ وَلَدَ مِن عَزوبَةَ ٱمرَأَتِه يَريعوت. وهٰؤُلاءِ بَنوها: ياشَرُ وشوبابُ وأَرْدون. وماتَت عَزوبَة، فاتَّخَذَ كالِبُ لَه أَفْراتَة، فوَلَدَت لَه حورًا. وحورٌ وَلَدَ أُوري، وأُوري وَلَدَ بَصْلائيل. ثُمَّ دَخَلَ حَصْرونُ على بِنتِ ماكير، أَبي جِلْعاد، وٱتَّخَذها وهو ٱبنُ سِتِّينَ سَنَة، فوَلَدَت لَه سَجوب. وسجوبُ وَلَدَ يائير. وكانَت لَه ثَلاثٌ وعِشرونَ مَدينَةً في أَرضِ جِلْعاد. فأَخَذَ جَشورُ وأَرامُ مَزارِعَ يائيرَ مِنهم مع قَناةَ وتَوابِعِها، سِتِّينَ مَدينَة. هٰؤُلاءِ كُلُّهم بَنو ماكيرَ أَبي جِلْعاد. وبَعدَ وَفاةِ حَصْرون، دَخَلَ كالِبُ على أَفْراتَة، وكانَت لِحَصْرونَ أَبيه ٱمرَأَةً أَيضًا فَوَلَدَت لَه أَشْحور، أَبا تَقوع. وبَنو يَرَحْمَئيل، بِكرِ حَصْرون: رامُ بِكرُه، ثُمَّ بونَةُ وأَورَنُ وأَوصَمُ وأَحِيَّة. وكانَ لِيَرَحْمَئيلَ ٱمرَأَةٌ أُخْرى ٱسمُها عَطارَة، وهي أُمُّ أَونام. وبَنو رام، بِكرِ يَرَحْمَئيل: ماعَصُ ويامينُ وعاقَر. وٱبْنا أَونام: شَمَّايُ وياداع. وٱبْنا شَمَّاي: نادابُ وأَبيشور. وٱسمُ ٱمرَأَةِ أَبيشور: أَبيحائيل. ووَلَدَت لَه أَحْبانَ وموليد. وٱبْنا ناداب: سالَدُ وأَفَّائيم. وماتَ سالَدُ بِلا بَنين. وٱبنُ أَفَّائيم: يِشْعي، وٱبنُ يِشْعي: شيشان، وٱبنُ شيشان: أَحْلاي. وٱبْنا ياداع، أَخي شَمَّاي: ياتَرُ ويوناتان. وماتَ ياتَرُ بِلا بَنين. وٱبْنا يوناتان: فالَتُ وزازا. هٰؤُلاءِ بَنو يَرَحْمَئيل. ولم يَكُنْ لِشيشانَ بَنون، بل بَنات، وكانَ لِشيشانَ خادِمٌ مِصرِيٌّ ٱسمُه يَرْحاع، فأَعْطى شيشانُ ٱبنَتَه لِيَرحاعَ خادِمِه ٱمرَأَةً، فوَلَدَت لَه عَتَّاي. وعَتَّايُ وَلَدَ ناتان، وناتانُ وَلَدَ زاباد، وزابادُ وَلَدَ أَفْلال، وأَفْلالُ وَلَدَ عوبيد، وعوبيدُ وَلَدَ ياهو، وياهو وَلَدَ عَزَرْيا، وعَزَرْيا وَلَدَ حالَص، وحالَصُ وَلَدَ أَلْعاسة، وأَلْعاسةُ وَلَدَ سِسْماي، وسِسْمايُ وَلَدَ شَلُّوم، وشَلُّومُ وَلَدَ بَقَمْيا، وبَقَمْيا وَلَدَ أَليشاماع. وبَنو كالِب، أَخي يَرَحْمَئيل: ميشاعُ بِكرُه وهو أَبو زيف، وبَنو مَريشَة، أَبي حَبْرون. وبَنو حَبْرون: قورَحُ وتَفُّوحُ وراقَمُ وشامَع. وشامَعُ وَلَدَ راحَم، أَبا يُرْقَعام. وراقَمُ وَلَدَ شَمَّاي. وٱبنُ شَمَّاي هو مَعون، ومَعونُ هو أَبو بَيتَ صور. ووَلَدَت عَيفَةُ، سُرِّيَّةُ كالِب، حارانَ وموصا وجازيز، وحارانُ وَلَدَ جازيز. وبَنو يَهْداي: راجَمُ ويوتامُ وجَيشانُ وفالَطُ وعَيفَةُ وشاعَف. ووَلَدَت مَعكَة، سُرِّيَّةُ كالِب، شابَرَ وتِرحَنَة. ووَلَدَت شاعَف، أَبا مَدمَنَّة، وشَوى، أَبا مَكْبينا وأَبا جِبْعا. وبِنتُ كالِبَ هي عَكسَة. هٰؤُلاءِ بَنو كالِب. بَنو حورٍ، بِكرِ أَفْراتَة: شوبال، أَبو قِريَةَ يَعاريم، وسَلْما، أَبو بَيتَ لَحْم، وحاريف أَبو بَيتَ جادير. وبَنو شوبال، أَبي قِريَةَ يَعاريم: هاروءَة، أَي نِصفُ الماناحْتِيِّين، وعَشائِرُ قِريَةَ يَعاريم: اليِرتِيُّونَ والفوتِيُّونَ والشُّماتِيُّونَ والمِشْراعِيُّون، ومِن هٰؤُلاءِ خَرَجَ الصَّرعِيُّونَ والأَشْتاؤولِيُّون. وبَنو سَلْما: بَيتَ لَحْمُ والنَّطوفِيُّونَ وعَطْروتُ بَيتَ يوآبَ ونِصفُ الماناحْتِيِّينَ والصَّرعِيُّون، وعَشائِرُ السُّفْرين، سُكَّانِ يَعْبيص، والتِّرعِيُّونَ والشِّمعِيُّونَ والسُّوكِيُّون، وهُم القَينِيُّون الخارِجونَ مِن حَمَّة أَبي بَيتَ ريكاب. وهٰؤُلاءِ بَنو داوُدَ الَّذينَ وُلِدوا لَه بِحَبرون: البِكرُ أَمْنونُ مِن أَحينوعَمَ اليِزْرَعيلِيَّة، والثَّاني دانيئيلُ مِن أَبيجائيلَ الكَرمَلِيَّة، والثَّالِثُ أَبْشالومُ، ٱبنُ مَعكَة، بِنتِ تَلْماي، مَلِكِ جَشور، والرَّابِعُ أَدونِيَّا، ٱبنُ حَجِّيت، والخامِسُ شَفَطْيا مِن أَبيطال، والسَّادِسُ يِترَعامُ مِن عَجلَةَ ٱمرَأَتِه. وُلِدَ لَه سِتَّةٌ بِحَبْرون، ومَلَكَ هُناكَ سَبعَ سَنَواتٍ وسِتَّةَ أَشهُر. ومَلَكَ ثَلاثًا وثَلاثينَ سَنَةً بِأُورَشَليم. وهٰؤُلاءِ الَّذينَ وُلِدوا لَه في أُورَشَليم: شِمْعا وشوبابُ وناتانُ وسُلَيمان، أَربَعَتُهم مِن بَتْشوعَ، بِنتِ عَمِّئيل، ويِبْحارُ وأَليشاماعُ وأَليفالَطُ ونوجَهُ ونافَجُ ويافيعُ وأَليشاماعُ وأَلْياداعُ وأَليفالَط: تِسعَة. كُلُّهم بَنو داوُد، ما خَلا بَني السَّرارِيّ. وكانَت تامارُ أُختَهم. وٱبنُ سُلَيمان: رَحَبْعام، وٱبنُه أَبِيَّا، وٱبنُه آسا، وٱبنُه يوشافاط، وٱبنُه يورام، وٱبنُه أَحَزْيا، وٱبنُه يوآش، وٱبنُه أَمَصْيا، وٱبنُه عَزَرْيا، وٱبنُه يوتام، وٱبنُه آجاز، وٱبنُه حِزقِيَّا، وٱبنُه مَنَسَّى، وٱبنُه آمون، وٱبنُه يوشِيَّا. وبَنو يوشِيَّا: البِكرُ يوحانان، والثَّاني يوياقيم، والثَّالِثُ صِدقِيَّا، والرَّابِعُ شَلُّوم. وٱبْنا يوياقيم: يَكُنْيا وصِدقِيَّا. وبَنو يَكُنْيا الأَسير: شَأَلْتيئيلُ ٱبنُه، ثُمَّ مَلْكيرامُ وفَدايا وشَنْأَصَّارُ ويَقَمْيا وهوشاماعُ ونَدَبْيا. وٱبْنا فدايا: زَرُبَّابَلُ وشِمْعي. وبَنو زَرُبَّابَل: مَشُلاَّمُ وحَنَنْيا، وكانَت شَلوميتُ أُختَها، وحَشوبَةُ وأُوهَلُ وبَرَكْيا وحَسَدْيا ويوشَبَ حاسَد: خَمسَة. وٱبنُ حَنَنْيا: فَلَطْيا، وبَنو أَشَعْيا وبَنو رَفايا وبَنو أَرْنانَ وبَنو عوبَدْيا وبَنو شَكَنْيا. وبَنو شَكَنْيا: شَمَعْيا وحَطُّوشُ ويِجْآلُ وباريحُ ونَعَرْيا وشافاط: سِتَّة. وبَنو نَعَرْيا: أَلْيوعَينِيُّ وحِزقِيَّا وعَزْريقام: ثَلاثَة. وبَنو أَلْيوعَينِيَّ: هودايا وأَلْياشيبُ وفَلايا وعَقُّوبُ ويوحانانُ ودَلايا وعَناني: سَبعَة. وبَنو يَهوذا: فارَصُ وحَصْرونُ وكَرْمي وصورٌ وشوبال. ورآيا بنُ شوبالَ وَلَدَ ياحَت، وياحَتُ وَلَدَ أَحومايَ ولاهد. هٰذه عَشائِرُ الصَّرعِيِّين. وهٰؤُلاءِ آباءُ عَيطَم: يِزْرَعيلُ ويِشْما ويِدْباش، وٱسمُ أُختِهِم هَصَّلَلْفوني. وفَنوئيل، أَبو جَدور، وعازَر، أَبو حوشَة. هٰؤُلاءِ بَنو حورٍ، بِكرِ أَفْراتَة، أَبي بَيتَ لَحْم. وكانَ لأَشْحور، أَبي تَقوعَ، ٱمرَأَتان: صَلْأَةُ ونَعرَة. فوَلَدَت لَه نَعرَةُ أَحُزَّامَ وحافَرَ والتَّيمَنِيِّينَ والأَحْشَتارِيِّين. هٰؤُلاءِ بَنو نَعرَة. وبَنو صَلْأَة: صارَتُ وصوحَرُ وأَتْنان. وقوصٌ وَلَدَ عانوبَ وهَصُّوبيبَةَ وعَشائِرَ أَحَرْحيلَ بنِ هاروم. وكانَ يَعْبيصُ أَشهَرَ مِن إِخوَتِه، وسَمَّته يَعْبيصَ قائِلةً: «لأَنِّي وَلَدتُه بِالمَشَقَّة». ودَعا يَعْبيصُ إِلٰهَ إِسْرائيلَ قائِلًا: «لو أَنَّكَ تُبارِكُني وتُوَسِّعُ أَرْضِي وتَكونُ يَدُكَ معي وتَحفَظُني مِنَ الشَّرّ، لِئَلاَّ أَشْقى به». فآتاه اللهُ ما سَأَل. وكَلوبُ، أَخو شوحَة، وَلَدَ مَحير، وهو أَبو أَشْتون. وأَشْتونُ وَلَدَ بَيتَ رافا وفاسيحَ وتَحِنَّة، أَبا عيرَ ناحاش. هٰؤُلاءِ أَهلُ ريكة. وٱبْنا قَناز: عُتْنيئيلُ وسَرايا. وٱبْنا عُتْنيئيل: حَتاتُ ومَعونوتاي. ومَعونوتايُ وَلَدَ عُفرَة، وسَرايا وَلَد يوآب، أَبا وادي الصُّنَّاع، لأَنَّهم كانوا صُنَّاعًا. وبَنو كالِبَ بنِ يَفُنَّة: عيرٌ وإِيلَةُ وناعَم. وٱبنُ إِيلَة: قَناز. وبَنو يَهَلَّلْئيل: زيفٌ وزيفةُ وتيرِيا وأَسَرْئيل. وبَنو عَزرَة: ياتَرُ ومارَدُ وعافَرُ ويالون. وٱتَّخَذَ مارَدُ بِتيَة، فحَبِلَت بِمَريَمَ وشَمَّايَ ويِشْباح، أَبي أَشْتَموع. وٱمرَأَتُه اليَهودِيَّةُ وَلَدَت يارَد، أَبا جَدور، وصابَر، أَبا سوكو، ويَقوتيئيل، أَبا زانوح. هٰؤلاءِ بَنو بِتيَة، بِنتِ فِرعَونَ الَّتي أَخَذَها مارَد. وٱبْنا ٱمرَأَةِ هودِيَّا، وهي أُختُ ناحَم: أَبو قَعيلَة الجَرمِيُّ وأَشتَموعُ المَعكِيّ. وبَنو شيحون: أَمْنونُ ورِنَّةُ وبِنْحانانُ وتيلون. وٱبْنا يِشْعي: زوحيتُ وبَنْزوحيت. وبَنو شيلَةَ بنِ يَهوذا: عير، أَبو ليكة، ولَعْدَة، أَبو مَريشَة، وعَشائِرُ بَيتِ عامِلي الكَتَّانِ النَّاعِمِ مِن بَيتَ أَشْبيع، ويوقيمُ وأَهلُ كَزيبا ويوآشُ وساراف، وهم سادَةُ موآب، وعادوا إلى بَيتَ لَحم (وهٰذه أَحْداثٌ قديمة). هٰؤُلاءِ همُ الخَزَّافونَ وسُكَّانُ نتاعيمَ وجَديرة، وقد أَقاموا هُناكَ مع المَلِكِ في مَشغَلِه. وبَنو شِمْعون: نَموئيلُ ويامينُ وياريبُ وزارَحُ وشاوُل. وٱبنُه شَلُّومُ، وٱبنُه مِبْسام، وٱبنُه مِشْماع. وبَنو مِشْماع: صَموئيلُ، وٱبنُه زَكُّور، وٱبنُه شِمْعي. وكانَ لِشِمْعي سِتَّةَ عَشَرَ ٱبنًا وسِتُّ بَنات. وأَمَّا إِخوَتُه، فلم يَكُنْ لَهم بَنونَ كَثيرون، وكُلُّ عَشائِرِهم لم تَكثُرْ كما كثُرَ بَنو يَهوذا. وكانَ مُقامُهم بِبِئرَ سَبْعَ ومولادَةَ وحَصَرَ شوعالَ وبِلهَةَ وعاصَمَ وتولادَ وبَتوئيلَ وحُرمَةَ وصِقْلاجَ وبَيتَ مَركَبوتَ وحَصَرَ سوسيمَ وبَيتَ بَرْءِيَ وشَعْرائيم. هٰذه كانَت مُدُنُهم إِلى حينَ مَلَكَ داوُد. وقُراهم: عَيطَمُ وعَينَ رِمُّونُ وتوكَنُ وعاشان، وجَميعُ قُراهمُ الَّتي حَولَ هٰذه المُدُنِ إِلى بَعْل. هٰذه مَساكِنُهم وأَنْسابُهم: حَشوبابُ ويَمْليكُ ويوشَةُ بنُ أَمَصْيا، ويوئيلُ وياهو بنُ يوشِبْيا بنِ سَرايا ابنِ عَسيئيل، وأَلْيوعينايُ ويَعْقوبَةُ ويَشوحايُ وعَسايا وعَديئيلُ ويَسيميئيلُ وبَنايا، وزيزا بنُ شِفْعِيَ بنِ أَلُّونَ بنِ يَدايا بنِ شِمْرِيَ بنِ شَمَعْيا. هٰؤُلاءِ المَذْكورونَ بِأَسْمائِهم، وهُم رُؤَساءُ في عَشائِرِهم وبُيوتِ آبائِهِم، ٱمتَدُّوا كَثيرًا، وساروا مِن مَدخَلِ جَدورَ إِلى شَرقِيِّ الوادي في ٱرتِيادِ مَرعًى لِغَنَمِهم. فصادَفوا مَرعًى خَصيبًا صالِحًا، وكانَتِ الأَرضُ واسِعَةَ الأَطْرافِ هادِئَةً مُطْمَئِنَّة، لأَنَّ بَني حامٍ سَكَنوا هُناكَ قَديمًا. وقَدِمَ هٰؤُلاءِ المَكْتوبَةُ أَسْماؤُهم في أَيَّامِ حِزقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، فهَدَموا خِيامَهم وحَرَّموا المَعونِيِّينَ الَّذينَ وُجدوا هُناكَ إِلى هٰذا اليَومِ وأَقاموا مَكانَهم، لأَنَّ هُناكَ مَرعًى لِغَنَمِهم. وسارَ مِنهم مِن بَني شِمْعونَ خَمسُ مِئَةِ رَجُلٍ إِلى جَبَلِ سِعير، وفي مُقَدَّمَتِهم فَلَطْيا ونَعَرْيا ورَفايا وعُزِّيئيل، بَنو يِشْعي. فقَتَلوا باقِيَ مَن نَجا مِن عَماليق، وأَقاموا هُناكَ إِلى هٰذا اليَوم. وبَنو رَأُوبين، بِكرِ إِسْرائيل. وكانَ هو البِكْرَ، إِلاَّ أَنَّه، بِسَبَبِ تَدْنيسِه مَضجَعَ أَبيه، أُعطِيَت بِكرِيَّتُه لِبَني يوسُفَ بنِ إِسْرائيل، فلَم يُحسَبْ بِكرًا. وتَفَوَّقَ يَهوذا على إِخوَتِه، فكانَ مِنه قائِد، وأَمَّا البِكرِيَّةُ فكانَت لِيوسُف. وبَنو رَأُوبين، بِكرِ إِسْرائيل: حَنوكُ وفَلُّو وحَصْرونُ وكَرْمي. وبنو يوئيل: إِبنُه شَمَعْيا، وٱبنُه جوج، وٱبنُه شِمْعي، وٱبنُه ميخا، وٱبنُه رآيا، وٱبنُه بَعْل، وٱبنُه بَئيرَةُ الَّذي جَلاه تِجلَتَ فِلآسَر، مَلِكُ أَشُّور. وهو رَئيسُ الرَّأُوبِينِيِّين. وإِخوَتُه بِحَسَبِ عَشائِرِهم، في الٱنتِسابِ بِحَسَبِ مَواليدِهم: الرَّئيسُ يَعيئيل وزَكَرِيَّا وبالَعُ بنُ عازازَ بنِ شامَعَ بنِ يوئيل. وكانَت مساكِنُه في عَروعيرَ إِلى نَبُوَ وبَعلَ مَعون، وشَرقًا إِلى مَدخَلِ البَرِّيَّة، مِن نَهرِ الفُراتِ، لأَنَّ ماشِيَتَهم كَثُرَت في أَرضِ جِلْعاد. وقاتَلوا الهاجِرِيِّينَ في أَيَّامِ شاوُل، فسَقَطَ الهاجِرِيُّونَ تَحتَ أَيديهم. فسَكَنوا في خِيامِهم في جَميعِ جِهاتِ شَرقِ جِلْعاد. وسَكَنَ بَنو جادٍ مُقابِلَهم في أَرضِ باشانَ إِلى سَلكَة. وكانَ الرَّأسُ يوئيلَ وثانيه شافام، وكانَ يَعْنايُ وشافاطُ في باشان. وإِخوَتُهم بحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم: ميكائيلُ ومَشُلاَّمُ وشابَعُ ويورايُ ويَعْكانُ وزيعٌ وعابَر: سَبعَة. هٰؤُلاءِ بَنو أَبيحائيلَ بنِ حورِيَ بنِ ياروحَ ٱبنِ جِلْعادَ بنِ ميكائيلَ بنِ يَشيشايَ بنِ يَحدُوَ بنِ يوز. وكانَ أَحي بنُ عَبْديئيلَ بنِ جونيَ رَئيسَ بَيتِ آبائهم. وكانَت مَساكِنُهم في جِلْعادَ في باشانَ وتَوابِعِها وفي جَميعِ مَراعي شارونَ إِلى أَقصى حُدودِها. وكُلُّهُمُ ٱنَتَسَبوا في أَيَّامِ يوتام، مَلِكِ يهوذا، وفي أَيَّامِ يارُبْعام، مَلِكِ إِسْرائيل. وكانَ بَنو رَأُوبينَ والجادِيُّونَ ونِصفُ سِبطِ مَنَسَّى، وهم مِن ذَوي البَأسِ رِجالٌ يَحمِلونَ التُّرسَ والسَّيفَ ويَشُدُّونَ القَوس، عارِفونَ بِالقِتال، يَبلُغُ عَدَدُهم أَربَعَةً وأَربَعينَ أَلْفًا وسَبعَ مِئَةٍ وسِتِّينَ مِنَ الخارِجينَ إِلى الحَرْب. فقاتَلوا الهاجِرِيِّينَ ويَطورَ ونافيشَ ونوداب، فٱنتَصَروا علَيهم، وأُسلِمَ إِلى أَيديهمِ الهاجِرِيُّونَ وكُلُّ مَن معَهم، لأَنَّهم صَرَخوا إِلى اللهِ في القِتال، فٱستَجابَهم لأَنَّهُمُ ٱتَّكَلوا علَيه. ونَهَبوا ماشِيَتَهم، خَمْسين أَلفًا مِنَ الجِمال، ومِئَتَينِ وخَمْسينَ أَلفًا مِنَ الغَنَم، وأَلفَينِ مِنَ الحَمير، وأَسَروا مِنَ النَّاسِ مِئَةَ أَلْف. وسَقَطَ قَتْلى كَثيرون، لأَنَّ القِتالَ إِنَّما كانَ مِنَ الله، وأَقاموا مَكانَهم إِلى وَقتِ الجَلاء. وأَقامَ بَنو نِصفِ سِبطِ مَنَسَّى في الأَرضِ مِن باشانَ إِلى بَعْلَ حَرْمونَ وشَنيرَ وجَبَلِ حَرْمون، لأَنَّهم كَثُروا. وهٰؤُلاءِ رُؤُوسُ بُيوتِ آبائِهم: عافَرُ ويِشْعي وأَليئيلُ وعَزْريئيلُ وإِرْمِيا وهودَويا ويَحْديئيل. وكانوا رِجالًا أَبْطالًا ذَوي بَأسٍ شَهيرينَ ورُؤُوسًا لِبُيوتِ آبائِهم. ثُمَّ إِنَّهم خالَفوا إِلٰهَ آبائِهم وزَنَوا بِالسَّيرِ وَراءَ آلِهَةِ أُمَمِ الأَرضِ الَّتي أَبادَها الرَّبُّ مِن أَمامِهم. فأَثارَ إِلٰهُ إِسْرائيلُ روحَ فول، مَلِكِ أَشُّور، ثُمَّ روحَ تِجلَتَ فِلآسَر، مَلِكِ أَشُّور، فجَلا الرَّأُوبينِيِّين الجادِيِّينَ ونِصفَ سِبطِ مَنَسَّى، وأَتى بِهم إِلى صَلاحَ وخابورَ وهارا ونَهرِ جوزان، وهم هُناكَ إِلى هٰذا اليَوم. وبَنو لاوي: جِرْشومُ وقَهاتُ ومَراري. وبَنو قَهات: عَمْرامُ ويِصْهارُ وحَبْرونُ وعُزِّيئيل. وبَنو عَمْرام: هارونُ وموسى ومَريَم. وبَنو هارون: نادابُ وأَبيهو وأَلعازارُ وإِيتامار. وأَلِعازارُ وَلَدَ فِنْحاس، وفِنْحاسُ وَلَدَ أَبيشوع، وأَبيشوعُ وَلَدَ بُقِّي، وبُقِّي وَلَدَ عُزِّي، وعُزِّي وَلَدَ زَرَحْيا، وزَرَحْيا وَلَدَ مَرايوت، ومَرايوتُ وَلَدَ أَمَرْيا، وأَمَرْيا وَلَدَ أَحيطوب، وأَحيطوبُ وَلَدَ صادوق، وصادوقُ وَلَدَ أَحيماعَص، وأَحيماعَصُ وَلَدَ عَزَرْيا، وعَزَرْيا وَلَدَ يوحانان، ويوحانانُ وَلَدَ عَزَرْيا، وهو الَّذي كَهَنَ في البَيتِ الَّذي بَناه سُلَيمانُ في أُورَشَليم. وعَزَرْيا وَلَدَ أَمَرْيا، وأَمَرْيا وَلَدَ أَحيطوب، وأَحيطوبُ وَلَدَ صادوق، وصادوقُ وَلَدَ شَلُّوم، وشَلُّومُ وَلَدَ حِلقِيَّا، وحِلقِيَّا وَلَدَ عَزَرْيا، وعَزَرْيا وَلَدَ سَرايا، وسَرايا وَلَدَ يوصاداق، ويوصاداقُ ذَهَبَ حينَ جَلا الرَّبُّ يَهوذا وأُورَشَليمَ عن يَدِ نَبوكَدنَصَّر. وبَنو لاوي: جِرْشومُ وقَهاتُ ومَراري. وهٰذانِ ٱسْما ٱبنَي جِرْشوم: لِبْني وشِمْعي. وبَنو قَهات: عَمْرامُ ويِصْهارُ وحَبْرونُ وعُزَّيئيل. وٱبْنا مَراري: مَحْلي وموشي. هٰذه عَشائِرُ اللاَّوِيِّينَ بِحَسَبِ آبائِهم. لِجِرْشوم: إِبنُه لِبْني، وٱبنُه ياحَت، وٱبنُه زِمَّة، وٱبنُه يوآح، وٱبنُه عِدُّو، وٱبنُه زارَح، وٱبنُه يأَتْراي. وبَنو قَهات: إِبنُه عَمِّيناداب، وٱبنُه قورَح، وٱبنُه أَسِّير، وٱبنُه أَلْقانة، وٱبنُه أَبِياساف، وٱبنُه أَسِّير، وٱبنُه تاحَت، وٱبنُه أُوريئيل، وٱبنُه عُزِّيَّا، وٱبنُه شاوُل. وٱبْنا أَلْقانَة: عماسايُ وأَحيموت. وٱبْنا أَلْقانة: إِبنُه صوفاي، وٱبنُه ناحَت، وٱبنُه أَليآب، وٱبنُه يَروحام، وٱبنُه أَلْقانة. وٱبْنا أَلقانَة: شَموئيلُ البِكرُ والثَّاني أَبِيَّا. وبَنو مَراري: مَحْلي، وٱبنُه لِبْني، وٱبنُه شِمْعي، وٱبنُه عُزَّا، وٱبنُه شِمْعا، وٱبنُه حَجيَّا، وٱبنُه عَسايا. وهٰؤُلاءِ همُ الَّذينَ أَقامَهم داوُدُ على المُغَنِّينَ في بَيتِ الرَّبّ، بَعدَما ٱستَقَرَّ التَّابوت. وكانوا يقومونَ بِالغِناءِ أَمامَ مَسكِنِ خَيمَةِ المَوعِد، حتَّى بَنى سُلَيمانُ بَيتَ الرَّبِّ في أُورَشَليم، واقِفينَ في خِدمَتِهم بِحَسَبِ نِظامِهم. وهٰؤُلاءِ همُ الواقِفونَ مع بَنيهم: مِن بَني القَهاتِيِّين: هَيمانُ المُغَنِّي ٱبنُ يوئيلَ ٱبنِ شَموئيلَ بنِ أَلْقانَةَ بنِ يَروحامَ بنِ أَليئيلَ ٱبنِ نوحٍ بنِ صوفٍ بنِ أَلْقانَةَ بنِ ماحَتَ بنِ عَماسايَ بنِ أَلْقانَةَ بنِ يوئيلَ بنِ عَزَرْيا بنِ صَفَنْيا بنِ تاحَتَ بنِ أَسِّيرَ بنِ أَبِياسافَ بنِ قورَحَ بنِ يِصْهارَ بنِ قَهاتَ بنِ لاوِيَ بنِ إِسْرائيل. وأَخوه آسافُ الواقِفُ عن يَمينِه، وهو آسافُ ٱبنُ بَرَكْيا بنِ شِمْعا بنِ ميكائيلَ بنِ بَعَسْيا بنِ مَلْكِيَّا بنِ أَتْنايَ بنِ زارَحَ بنِ عَدايا بنِ أَيتانَ ٱبنِ زِمَّةَ بنِ شِمْعي بنِ ياحَتَ بنِ جِرْشومَ بنِ لاوي. وبَنو مَرارِيَ إِخوَتُهم عنِ اليَسار: أَيتانُ بنُ قيشي بنِ عَبْدِيَ بنِ مَلُّوكَ بنِ حَشَبْيا بنِ أَمَصْيا بنِ حِلقِيَّا بنِ أَمْصِيَ بنِ بانِيَ بنِ شامَرَ ٱبنِ مَحْلِيَ بنِ موشِيَ بنِ مَرارِيَ بنِ لاوي. وكانَ إِخوَتُهُمُ اللاَّوِيُّونَ مُنصَرِفينَ إِلى خِدمَةِ مَسكِنِ بَيتِ اللهِ كُلِّها. وكانَ هارونُ وبَنوه يُحرِقونَ القَرابينَ على مَذبَحِ المُحرَقَةِ ومَذبَحِ البَخورِ لِكُلِّ عَمَلِ قُدسِ الأَقْداس ولِلتَّكْفيرِ عن إِسْرائيلَ بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَ بِه موسى عَبدُ الله. وهٰؤُلاءِ بَنو هارون: إِبنُه أَلِعازار، وٱبنُه فِنْحاس، وٱبنُه أَبيشوع، وٱبنُه بُقِّي، وٱبنُه عُزِّي، وٱبنُه زَرَحْيا، وٱبنُه مَرايوت، وٱبنُه أَمَرْيا، وٱبنُه أَحيطوب، وٱبنُه صادوق، وٱبنُه أَحيماعَص. وهٰذه مَساكِنُهم بِحَسَبِ حُدودِ مُخَيَّماتِهم: لِبَني هارون، مِن عَشيرَةِ القَهاتِيِّين (لأَنَّها علَيهم وَقَعَتِ القُرعَة) أَعطَوا حَبْرونَ في أَرضِ يَهوذا وما حَولَها مِنَ المَراعي. وأَمَّا الحُقولُ وقُراها، فأَعْطَوها لِكالِبَ بنِ يَفُنَّة. وأَعْطَوا بَني هارونَ مُدُنَ المَلجَأ: حَبْرونَ ولِبَنَةَ ومَراعِيَها وبَتِّيرَ وأَشتَموعَ ومَراعِيَها وحيلينَ ومَراعِيَها ودَبيرَ ومَراعِيَها وعاشانَ ومَراعِيَها وبَيتَ شَمسَ ومَراعِيَها، ومِن سِبطِ بَنْيامينَ: جَبْعَ ومَراعِيَها وعَلاَّمَتَ ومَراعِيَها وعناتوتَ ومَراعِيَها. جَميعُ مُدُنِهم ثَلاثَ عَشرَةَ مَدينةً بِحَسَبِ عَشائِرِهم. ولِبَني قَهاتَ الباقينَ مِن عَشيرَةِ السِّبطِ أَعطَوا مِن نِصفِ سِبطِ مَنَسَّى عَشْرَ مُدُنٍ بِالقُرعَة. وأَعطَوا بَني جِرْشومَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم، مِن سِبطِ يَسَّاكَرَ وسِبطِ أَشيرَ وسِبطِ نَفْتاليَ وسِبطِ مَنَسَّى في باشان، ثَلاثَ عَشرَةَ مَدينَة. وبَني مَرارِيَ بِحَسَبِ عَشائِرِهم، مِن سِبطِ رَأُوبينَ وسِبطِ جادٍ وسِبطِ زَبولونَ، اِثنَتَي عَشرَةَ مَدينَةً بِالقُرعَة. فأَعْطى بَنو إِسْرائيلَ اللاَّوِيِّينَ هٰذه المُدُنَ ومَراعِيَها. وأَعطَوا بِالقُرعَةِ، مِن سِبطِ بَني يَهوذا وسِبطِ بَني شِمْعونَ وسِبطِ بَني بَنْيامين، هٰذه المُدُنَ الَّتي سَمَّوها بِأَسْماء. وبَعضُ عَشائِرِ بَني قَهاتَ كانَت مُدُنُ أَرضِهم مِن سِبطِ أَفْرائيم، فأَعطَوهم مُدُنَ المَلجَأ: شَكيمَ ومَراعِيَها في جَبَلِ أَفْرائيم، وجازَرَ ومَراعِيَها ويُقْمَعامَ ومَراعِيَها وبَيتَ حورونَ ومَراعِيَها وأَيَّالونَ ومَراعِيَها وجَتَّ رِمُّونَ ومَراعِيَها، ومِن نِصفِ سِبطِ مَنَسَّى، عانيرَ ومَراعِيَها وبَلْعامَ ومَراعِيَها، كُلَّ ذٰلك لِعَشيرَةِ بَني قَهاتَ الباقين. وأَعطَوا بَني جِرْشوم، مِن عَشيرَةِ نِصفِ سِبطِ مَنَسَّى، جَولانَ في باشانَ ومَراعِيَها وعَشْتاروتَ ومَراعِيَها، ومِن سِبطِ يَسَّاكَرَ، قادَشَ ومَراعِيَها ودُبْراتَ ومَراعِيَها وراموتَ ومَراعِيَها وعانيمَ ومَراعِيَها، ومِن سِبطِ أَشير، ماشالَ ومَراعِيَها وعَبْدونَ ومَراعِيَها وحوقوقَ ومَراعِيَها ورَحوبَ ومَراعِيَها، ومِن سِبطِ نَفْتالي، قادَشَ في الجَليلِ ومَراعِيَها وحَمُّونَ ومَراعِيَها وقِريَتائيمَ ومَراعِيَها. ولِبَني مَرارِيَ الباقينَ مِن سِبطِ زَبولون، أَعطَوا رِمُّونُوَ ومَراعِيَها وتابورَ ومَراعِيَها، وفي عِبرِ أُردُنِّ أَريحا، شَرقِيَّ الأُردُنّ، مِن سِبطِ رَأُوبين، باصَرَ في البَرِّيَّةِ ومَراعِيَها ويَهصَةَ ومَراعِيَها وقديموتَ ومَراعِيَها ومَيفَعَتَ ومَراعِيَها، ومِن سِبطِ جادٍ راموتَ في جِلْعادَ ومَراعِيَها ومَحْتائيمَ ومَراعِيَها وحَشْبونَ ومَراعِيَها ويَعْزيرَ ومَراعِيَها. وبَنو يَسَّاكر: تولاعُ وفُوَّةُ وياشوبُ وشِمْرون: أَربَعَة. وبَنو تولاع: عُزِّي ورَفايا ويَريئيلُ ويَحْمايُ ويِبْسامُ وشَموئيل، وكانوا رُؤُوسًا لِبُيوتِ آبائِهم، وهم أَبطالٌ ذَوو بأس، بِحَسَبِ مَواليدِهم. وكانَ عَدَدُهم في أَيَّامِ داوُدَ ٱثنَينِ وعِشْرينَ أَلفًا وسِتَّ مِئة. وٱبنُ عُزِّي: يِزْرَحْيا، وبَنو يِزْرَحْيا: ميكائيلُ وعوبَدْيا ويوئيلُ ويِشِّيَّا: خَمسَةٌ كُلُّهم رُؤَساء. وكانَ لَهم، بِحَسَبِ مَواليدِهم وبُيوتِ آبائِهم، جُيوشُ مُقاتِلين، سِتَّةٌ وثَلاثونَ أَلفًا، لأَنَّهم أَكثَروا مِنَ النِّساءِ والبَنين. وإِخوَتُهم مِن كُلِّ عَشائِرِ يَسَّاكَرَ أَبْطالٌ ذَوو بَأس، ومَجْموعُ المُنتَسِبينَ سَبعَةٌ وثَمانونَ أَلفًا. وبَنْيامين: بالَعُ وباكَرُ ويَديعئيل: ثَلاثَة. وبَنو بالَع: أَصْبونُ وعُزِّي وعُزِّيئيلُ ويَريموتُ وعيري: خَمسَةُ رُؤُوسِ بُيوتِ آباء، أَبطالٌ ذَوو بَأس. وكانَ المُنتَسِبونَ ٱثنَينِ وعِشْرينَ أَلفًا وأَربَعَةً وثَلاثين. وبَنو باكَر: زَميرةُ ويوعاشُ وأَليعازَرُ وأَلْيوعَينايُ وعُمْري ويَريموتُ وأَبِيَّا وعَناتوتُ وعَلامَت. كُلُّ هٰؤُلاءِ بَنو باكَر. وكانَ المُنتَسِبونَ بِحَسَبِ مَواليدِهم رُؤُوسًا لِبُيوتِ آبائِهم أَبْطالًا ذَوي بَأس، عِشْرينَ أَلفًا ومِئَتين. وٱبنُ يَديعَئيل: بِلْهان. وبَنو بِلْهان: يَعيشُ وبَنْيامينُ وأَهودُ وكَنْعَةُ وزَيتانُ وتَرْشيشُ وأَحيشاحَر. كُلُّ هٰؤُلاءِ بَنو يَديعَئيل، رُؤُوسُ الآباء، أَبطالٌ ذَوو بَأس، سَبعَةَ عَشَرَ أَلفًا ومِئَتان، خارِجونَ إِلى الحَربِ والقِتال. وشُفِّيمُ وحُفِّيمُ ٱبْنا عير، وحوشيمُ بنُ أَحير. وبَنو نَفْتالي: يَحْصيئيلُ وجوني وياصَرُ وشَلُّومُ، وهم بَنو بِلْهَة. وٱبنُ مَنَسَّى أَسْريئيلُ الَّذي وَلَدَته سُرِّيَّتُه الأَرامِيَّة: وَلَدَت هٰذه ماكير، أَبا جِلْعاد. وٱتَّخَذَ ماكيرُ ٱمرَأَةً مِن حُفِّيمَ وشُفِّيم، وكانَ لَه أُختٌ ٱسمُها مَعكَة. وٱسمُ ٱبنِ مَنَسَّى الثَّاني صَلُفْحاد، وكانَ لِصَلُفْحادَ بَنات. ووَلَدَت مَعكَةُ، ٱمرَأَةُ ماكيرَ، ٱبنًا فسَمَّته فارَش، وٱسمُ أَخيه شارَش، وٱبناه أُولامُ وراقَم. وٱبنُ أُولامَ: بَدان. هٰؤُلاءِ بَنو جِلْعادَ بنِ ماكيرَ بنِ مَنَسَّى. وأُختُه هَمُّولاكَتُ وَلَدَت إِشْهودَ وأَبيعازَرَ ومَحلَة. وكانَ بَنو شَميداع: أَحْيانَ وشَكيمَ ولِقْحِيَ وأَنيعام. وبَنو أَفْرائيم: شوتالَحُ وبارَدُ ٱبنُه، وتاحَتُ ٱبنُه، وأَلعادَةُ ٱبنُه، وتاحَتُ ٱبنُه، وزابادُ ٱبنُه، وشوتالَحُ ٱبنُه، وعازَرُ وأَلْعاد. فَقَتَلَهم رِجالُ جَتَّ المَولودونَ في تِلكَ الأَرض، لأَنَّهم نَزَلوا لِيَأخُذوا ماشِيَتَهم. فٱنتَحَبَ أَفْرائيمُ أَبوهم أَيَّامًا كثيرة، وأَقبَلَ إِخوَتُه لِيُعَزُّوه. ثُمَّ دَخَلَ على ٱمرَأَتِه فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبنًا فسمَّاه بَريعَةً إذ كانت «في بَيتي بَلِيَّة». وبِنتُه شَأرَة، وهي بَنَت بَيتَ حورونَ السُّفْلى والعُلْيا وأُزِّينَ شَأرَة. ورافَحُ ٱبنُه، وراشَفُ وتالَحُ ٱبنُه، وتاحَنُ ٱبنُه، ولَعْدانُ ٱبنُه، وعَمِّيهودُ ٱبنُه، وأَليشاماعُ ٱبنُه، ونونٌ ٱبنُه، ويَشوعُ ٱبنُه. وأَمْلاكُهم ومَساكِنُهم: بَيتَ إِيلُ وتَوابِعُها، وشَرقًا نَعْران، وغَربًا جازَرُ وتَوابِعُها وشَكيمُ وتَوابِعُها إِلى عَيَّاهَ وتَوابِعِها. وفي أَيدي بَني مَنَسَّى بَيتَ شانُ وتَوابِعُها وتَعْناكُ وتَوابِعُها ومَجِدُّو وتَوابِعُها ودورُ وتَوابِعُها. هُناكَ كانَت مَساكِنُ بَني يوسُفَ بنِ إِسْرائيل. وبَنو أَشير: يَمنَةُ ويِشوَةُ ويِشْوي وبَريعة، وأُختُهم سارَح. وٱبْنا بَريعة: حابَرُ ومَلْكيئيل، وهو أَبو بِرْزائيت. وحابَرُ وَلَدَ يَفْليط وشوميرَ وحوتامَ وشوعا أُختَهم. وبَنو يَفْليط: فاسَكُ وبِمْهالُ وعَشوَت. هٰؤُلاءِ بَنو يَفْليط. وبَنو شامَر: أَحي ورُهجَةُ ويَحُبَّةُ وأَرام. وبَنو هيلامَ أَخيه: صوفاحُ ويَمْناعُ وشالَشُ وعامال. وبَنو صوفاح: سوحٌ وحَرْنافَرُ وشوعالُ وبيري ويِمْرَةُ وباصَرُ وهودٌ وشَمَّا وشِلشَةُ ويِتْرانُ وبَئيرا. وبَنو ياتَر: يَفُنَّة وفِسفَةُ وأَرا. وبَنو عُلاَّ: آرَحُ وحُنِّيئيلُ ورِصْيا. كُلُّ هٰؤُلاءِ بَنو أَشير، رُؤُوسُ بُيوتِ آباءٍ مُنتَخَبون، أَبطالٌ ذَوو بَأس، رُؤُوسُ رُؤَساء. والمُنتَسِبونَ في جَيشِ الحَربِ عَدَدُهم سِتَّةٌ وعِشْرونَ أَلفًا مِنَ الرِّجال. وبَنْيامينُ وَلَدَ بالَعَ بِكرَه والثَّانِيَ أَشْبيلَ والثَّالِثَ أَحرَحَ والرَّابِعُ نوحَةَ والخامِسَ رافا. وكانَ بَنو بالَع: أَدَّارَ وجيرا وأَبيهودَ وأَبيشوعَ ونَعْمانَ وأَحوحَ وجيرا وشَفوفانَ وحورام. وهٰؤُلاءِ بَنو آحود، هٰؤُلاءِ رُؤُوسُ آباءِ سُكَّانِ جَبْع، وقد جَلَوهم إِلى ماناحَت. وهُم: نَعْمانُ وأَحِيَّا وجيرا، وهو الَّذي جَلاهم. ووَلَدَ عُزَّا وأَحيحود. وشَحْرائيمُ وَلَدَ، في حُقولِ موآب، بعد أَن طَلَّقَ حوشيمَ وبَعْرا ٱمرَأَتَيه، وَلَدَ مِن حَودشَ ٱمرَأَتِه: يوبابَ وصِبْيا وميشا ومَلْكامَ ويَعوصَ وشَكْيا ومِرمَة. هٰؤُلاءِ بَنوه وهم رُؤُوسُ آباء. وفي حوشيمَ وَلَدَ أَبيطوبَ وأَلْفاعَل. وبَنو أَلْفاعَل: عابَرُ ومِشْعام وشامَد، وهو الَّذي بنى أُونُوَ ولودَ وتَوابِعَها. وبَريعةُ وشامَع، وهُما رَأسا آباءٍ لِسُكَّانِ أَيَّالون، وهُما اللَّذانِ جَعَلا سُكَّانَ جَتَّ يَهرُبون. وأَخوه شاشاق. ويَريموتُ وزَبَدْيا وعَرادُ وعادَرُ وميكائيلُ ويَشفَةُ ويوحا هم بَنو بَريعة. وزَبَدْيا ومَشُلاَّمُ وحِزْقي وجابَرُ ويِشْمَرايُ ويِزْليئَةُ ويوبابُ هم بَنو أَلْفاعَل. وياقيمُ وزِكْري وزَبْدي. وأَليعينايُ وصِلَّتايُ وأَليئيلُ وعَدايا وبَرايا وشِمرَتُ هم بَنو شِمْعي. ويِشفانُ وعابَرُ وأَليئيلُ وعَبْدونُ وزِكْري وحانانُ وحَنَنْيا وعَيلامُ وعَنْتوتِيَّا ويِفْدَيا وفَنوئيلُ هم بَنو شاشاق. وشَمْشَرايُ وشَحَرْيا وعَتَلْيا ويَعرَشْيا وإِيلِيَّا وزِكْري هم بَنو يَروحام. هٰؤُلاءِ رُؤُوسُ آباءٍ وهم رُؤُوسٌ بِحَسَبِ مَواليدهم. وكانَت مَساكِنُهم في أُورَشَليم. وفي جِبْعونَ سَكَنَ أَبو جِبْعون، وٱسمُ ٱمرَأَتِه مَعكَة. وٱبنُه البِكرُ عَبْدون، ثُمَّ صورٌ وقيشٌ وبَعلٌ ونادابُ وجَدورُ وأَحْيُو وزاكَر. ومِقْلوتُ وَلَدَ شِمأَة. وهُم أَيضًا بالقُربِ مِن إِخوَتِهم كانَت مَساكِنُهم في أُورَشَليمَ مع إِخوَتِهم. ونيرٌ وَلَدَ قيشًا، وقيشٌ وَلَدَ شاوُل، وشاوُلُ وَلَدَ يوناتانَ ومَلْكيشوعَ وأَبيناداب وأَشبَعْل. وٱبنُ يوناتان: مَرِبَّعْل، ومَرِبَّعلُ وَلَدَ ميخا. وبَنو ميخا: فيتونُ ومالَكُ وتأريعُ وآحاز. وآحازُ وَلَدَ يوعَدَّة، ويوعَدَّةُ وَلَدَ علامَتَ وعَزْموتَ وزِمْري، وزِمْري وَلَدَ موصا، وموصا وَلَدَ بِنْعا، وٱبنُه رافة، وٱبنُه أَلْعاسة، وٱبنُه آصيل. ولِآصيلَ سِتَّةُ بَنين، وهٰذه أَسْماؤُهم: عَزْريقامُ وبُكْرو وإِسْماعيلُ وشَعَرْيا وعوبَدْيا وحانان. كُلُّ هٰؤُلاءِ بَنو آصيل. وبَنو عاشَقَ أَخيه: البِكرُ أُولامُ والثَّاني يَعوشُ والثَّالِثُ أَليفالَط. وكانَ بَنو أُولامَ رِجالًا أَبْطالًا ذَوي بَأسٍ يَرْمونَ بِالقَوس، كَثيري البَنينَ وبَني البَنين، مِئَةً وخَمْسين. كُلُّ هٰؤُلاءِ مِن بَني بَنْيامين. وٱنتَسَبَ كُلُّ إِسْرائيل، وهم مَكْتوبونَ في سِفرِ مُلوكِ إِسْرائيل. وجُلِيَ يَهوذا إِلى بابِلَ بِسَبَبِ خِيانَتِه. فكانَ أَوَّلُ مَن سَكَنَ في مِلكِهم ومُدُنِهم إِسْرائيلَ والكَهَنَةَ واللاَّوِيِّينَ والنَّتينِيِّينَ. فسَكَنَ في أُورَشَليمَ مِن بَني يَهوذا وبَني بَنْيامينَ وبَني أَفْرائيمَ ومَنَسَّى. عوتايُ بنُ عَمِّيهودَ بنِ عُمرِيَ بنِ إِمرِيَ بنِ بانِيَ مِن بَني فارَصَ بنِ يَهوذا، ومِنَ الشِّيلونِيِّينَ عسايا البِكرُ وبَنوه، ومِن بَني زارَحَ يَعوئيلُ وإِخوَتُهم، سِتُّ مِئَةٍ وتِسْعون. ومِن بَني بَنْيامينَ سَلُّو بنُ مَشُلاَّمَ بنِ هودَويا ٱبنِ هَسَّنوءَة، ويِبْنَيا بنُ يَروحامَ وإِيلَةُ بنُ عُزِّيَ ٱبنِ مِكرِيَ ومَشُلاَّمُ بنُ شَفَطْيا بنِ رَعوئيلَ بنِ يِبنِيَّا. وإِخوَتُهم بِحَسَبِ مَواليدِهم تِسعُ مِئَةٍ وسِتَّةٌ وخَمْسون. كُلُّ هٰؤُلاءِ الرِّجالِ رُؤُوسُ آباءٍ لِبُيوتِ آبائِهم. ومِنَ الكَهَنَةِ يَدَعْيا ويوياريبُ وياكين وعَزَرْيا بنُ حِلقِيَّا بنِ مَشُلاَّمَ بنِ صادوقَ بنِ مَرايوتَ بنِ أَحيطوب، رَئيسُ بَيتِ الله، وعَدايا ٱبنُ يَروحامَ بنِ فَشْحورَ بنِ مَلكِيَّا ومَعْسايُ بنُ عَديئيلَ بنِ يَحْزيرَةَ بنِ مَشُلاَّمَ بنِ مَشِلِّيميتَ بنِ إِمِّير. وإِخوَتُهم رُؤُوسُ بُيوتِ آبائِهم، أَلفٌ وسَبعُ مِئَةٍ وسِتُّون، أَبطالٌ ذَوو بأسٍ لِلقِيامِ بِخِدمَةِ بَيتِ الله. ومِنَ اللاَّوِيِّينَ شَمَعْيا بنُ حَشُّوبَ بنِ عَزْريقامَ بنِ حَشَبْيا مِن بَني مَراري، وبَقبَقَّارُ وحارَشُ وجالالُ ومَتَّنْيا بنُ ميخا ٱبنِ زِكْرِيَ بنِ آساف، وعوبَدْيا بنُ شَمَعْيا بنِ جالالَ بنِ يَدوتونَ وبَرَكْيا بنُ آسا بنِ أَلْقانَة، السَّاكِنُ في قُرى النَّطوفِيِّين. والبَوَّابونَ شَلُّومُ وعَقُّوبُ وطَلْمونُ وأَحيمانُ وإِخوَتُهم، وكانَ شَلُّومُ الرَّأس، وهو إِلى الآنَ في بابِ المَلِكِ شَرقًا، وهمُ البَوَّابونَ في مُخَيَّماتِ بَني لاوي: شَلُّومُ بنُ قورِيَ بنِ أَبْياسافَ بنِ قورَحَ وإِخوَتُه مِن بَيتِ أَبيه، كانوا مُتَفَرِّغينَ لِلخِدمَةِ وحارِسينَ لأَعتابِ الخَيمَة، وآباؤُهم أُقيموا على مَخَيَّمِ الرَّبِّ حُرَّاسًا لِلمَدخَل. وكانَ فِنحاسُ بنُ أَلِعازارَ رَئيسًا علَيهم مِن قَبلُ (لِيَكُنِ الرَّبُّ معَه). وكانَ زَكَرِيَّا بنُ مَشَلمِيا بَوَّابًا في مَدخَلِ خَيمَةِ المَوعِد. جَميعُ هٰؤُلاءِ، جَميعُ الَّذينَ ٱخْتيروا لِيَكونوا بَوَّابينَ لِلأَعْتاب، مِئَتانِ وٱثْنا عَشَر، وقدِ ٱنتَسَبوا بِحَسَبِ قُراهم. أَقامَهم داوُدُ وصَموئيلُ الرَّائي بِسَبَبِ أَمانَتِهم. فكانوا هم وبَنوهم على أَبْوابِ بَيتِ الرَّبّ، بَيتِ الخَيمَةِ، لِلحِراسة. وكانَ البَوَّابونَ في جِهاتِ الرِّياحِ الأَربع، في الشَّرقِ والغَربِ والشَّمالِ والجَنوب. وكانَ إِخوَتُهمُ السَّاكِنونَ في قُراهم يَأتونَهم لِمُدَّةِ أُسْبوعٍ مِن حينٍ إِلى حين. وأَمَّا أُولَئِكَ الأَربَعَة، رُؤَساءُ البَوَّابين، فكانوا لا يَزالونَ في خِدمَتِهم، وكانَ اللاَّوِيُّونَ على المَخادِعِ وعلى خَزائِنِ بَيتِ الله. وكانوا يَبيتونَ حَولَ بَيتِ الله، إِذ كانَت علَيهم حِراسَتُه وفَتحُه كُلَّ صَباح. ومِنهم مَن كانَ على أَدَواتِ الخِدمَة، وكانوا يَعُدُّونَها عِندَ إِدْخالِها وإِخْراجِها. ومِنهم مَن كانَ على الأَمتِعَة، على كُلِّ أَمتِعَةِ القُدْس، وعلى السَّميذِ والخَمرِ والزَّيتِ والبَخورِ والأَطْياب. ومِن بَني الكَهَنَةِ مَن كانوا يُعِدُّونَ المَزيجَ لِلأَطياب. وكانَ مَتَّتْيا، أَحَدُ اللاَّوِيِّينَ، وهو بِكرُ شَلُّومَ القورَحِيّ، موكولًا إِلَيه قَليُ الأَقْراص. ومِن بَني القَهاتِيِّينَ إِخوَتِهم مَن كانَ على خُبزِ التَّنْضيدِ لِيُهَيِّئوه في كُلِّ سَبْت. فهٰؤُلاءِ همُ المُغَنُّون، رُؤُوسُ آباءِ اللاَّوِيِّينَ في المَخادِع، وكانوا مُعفَينَ، إذ كانَ علَيهِمِ العَمَلُ نَهارًا ولَيلًا. وهٰؤُلاءِ رُؤُوسُ آباءِ اللاَّوِيِّينَ، وهُم رُؤُوسٌ بِحَسَبِ مَواليدِهم، وكانَت مَساكِنُهم في أُورَشَليم. وفي جِبْعونَ سَكَنَ أَبو جِبْعونَ يَعيئيل، وٱسمُ ٱمرَأَتِه مَعكَة، وٱبنُه البِكرُ عَبْدون، ثُمَّ صورٌ وقيشٌ وبَعلٌ ونيرٌ ونادابُ وجَدورُ وأَحْيو وزَكَرِيَّا ومِقْلوت. ومِقْلوتُ وَلَدَ شِمْآم. وهُم أَيضًا بِالقُربِ مِن إِخوَتِهم كانَت مَساكِنُهم في أُورَشَليم مع إِخوَتِهم. ونيرٌ وَلَدَ قيشًا، وقيشٌ وَلَدَ شاوُل، وشاوُلُ وَلَدَ يوناتانَ ومَلْكيشوعَ وأَبينادابَ وأَشبَعْل. وٱبنُ يوناتانُ: مَرِبَّعْل، ومَرِبَّعلُ وَلَدَ ميخا. وبَنو ميخا: فيتونُ ومالَكُ وتَحْريع. وآحازُ وَلَدَ يَعرَة، ويَعرَةُ وَلَدَ عَلامَتَ وعَزَموتَ وزِمْري، وزِمْري وَلَدَ موصا، وموصا وَلَدَ بِنْعا، وٱبنُه رفايا، وٱبنُه أَلْعاسة، وٱبنُه آصيل. وكانَ لِآصيلَ سِتَّةُ بَنين، وهٰذه أَسْماؤُهم: عَزريقامُ وبُكْرو وإِسْماعيلُ وشَعَرْيا وعوبَدْيا وحانان. هٰؤُلاءِ بَنو آصيل. وكانَ الفَلِسطينِيُّونَ يُقاتِلونَ إِسْرائيلَ، فٱنهَزَمَ رِجالُ إِسْرائيلَ مِن وَجهِ الفَلِسطينِيِّين، وسَقَطوا قَتْلى في جَبَلِ الجِلْبوع. فضَيَّقَ الفَلِسطينِيُّونَ على شاوُلَ وبَنيه، وقَتَلَ الفَلِسطينِيُّونَ يوناتانَ وأَبينادابَ ومَلكيشوع، بَني شاوُل. وٱشتدَّ القِتالُ على شاوُل، فأَدرَكَه الرُّماةُ بِالقِسِيِّ وأَثخَنوه بِالجِراح. فقالَ شاوُلُ لِحامِلِ سِلاحِه: «إِستَلَّ سَيفَكَ وٱطعَنِّي بِه، لِئَلاَّ يَأتِيَ هٰؤُلاءِ القُلْفُ ويُشَنِّعوا فِيَّ». فأَبى حامِلُ سِلاحِه، لأَنَّه خافَ خَوفًا شَديدًا، فأَخَذَ شاوُلُ سَيفَه وسَقَطَ علَيه. ولَمَّا رَأَى حامِلُ سِلاحِه أَن قد ماتَ شاوُل، سَقَطَ هو أَيضًا على سَيفِه وماتَ معَه. فماتَ شاوُلُ وثَلاثَةُ بَنيه وكُلُّ بَيتِه مَعًا. ورَأَى جَميعُ رِجالِ إِسْرائيلَ الَّذينَ في الوادي أَنَّهم قد هَرَبوا وأَن قد ماتَ شاوُلُ وبَنوه، فتَرَكوا مُدُنَهم وهَرَبوا، فأتى الفَلِسطينِيُّونَ وأَقاموا فيها. وفي الغَدِ أَتى الفَلِسطينِيُّونَ لِيَسلُبوا القَتْلى، فوَجَدوا شاوُلَ وبَنيه صَرْعى في جَبَلِ الجِلْبوع. فسَلَبوه وأَخَذوا رَأسَه وسِلاحَه وأَرسَلوا يُبَشِّرونَ في أَرضِ الفَلِسطينِيِّينَ في كُلِّ جِهَةٍ في بُيوتِ أَصْنامِهم وفي الشَّعْب. ووَضَعوا سِلاحَه في بَيتِ إِلٰهِهِم وعَلَّقوا جُمجُمَتَه في بَيتِ داجون. وسَمِعَ جَميعُ أَهلِ يابيشَ جِلْعادَ بِكُلِّ ما صَنَعَ الفَلِسطينِيُّونَ بِشاوُل. فنَهَضَ كُلُّ ذي بَأسٍ ورَفَعوا جُثَّةَ شاوُلَ وجُثَثَ بَنيه وأَتَوا بِها إِلى يابيش، ودَفَنوا عِظامَهم تَحتَ البُطمَةِ في يابيش، وصاموا سَبعَةَ أَيَّام. فماتَ شاوُلُ بِمُخالَفَتِه الَّتي خالَفَ بِها الرَّبَّ وكَلِمَةَ الرَّبَّ الَّتي لم يَحفَظْها، ولأَنَّه سأَلَ مُستَحضِرَةَ الأَرْواح، ولم يَستَشِر الرَّبَّ فأَماتَه وحَوَّلَ المُلكَ إِلى داوُدَ بنِ يَسَّى. وٱجتَمَعَ إِسْرائيلُ كُلُّه إِلى داوُدَ في حَبْرونَ قائلين: «هُوَذا نَحنُ عَظمُكَ ولَحمُكَ. حينَ كانَ شاوُلُ مَلِكًا أَمسِ فما قَبلُ، كُنتَ أَنتَ تُخرِجُ وتُدخِلُ إِسْرائيل، وقَد قالَ لَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ: أَنتَ تَرْعى شَعْبي إِسْرائيل، وأَنتَ تَكونُ قائِدًا لِشَعْبي إِسْرائيل». وأَقبَلَ جَميعُ شُيوخِ إِسْرائيلَ إِلى المَلِكِ في حَبْرون، فقَطَعَ مَعَهم داوُدُ عَهدًا في حَبْرونَ أَمامَ الرَّبّ، ومَسَحوا داوُدَ مَلِكًا على إِسْرائيلَ بِحَسَبِ قَولِ الرَّبِّ على لِسانِ صَموئيل. وزَحَفَ داوُدُ وكُلُّ إِسْرائيلَ على أُورَشَليم (هي يَبوس)، حَيثُ كانَ اليَبوسِيُّونَ، سُكَّانُ تِلكَ الأَرض. فقالَ سُكَّانُ يَبوسَ لِداوُد: «إِنَّكَ لا تَدخُلُ إِلى هٰهُنا». لٰكِنَّ داوُدَ ٱستَولى على حِصنِ صِهْيون، وهو مَدينَةُ داوُد، وقال: «أَوَّلُ مَن يَضرِبُ يَبوسِيًّا يَكونُ رَئيسًا وقائِدًا». فكانَ يوآبُ ٱبنُ صَرويَةَ أَوَّلَ مَن صَعِدَ، فصارَ رَئيسًا. وأَقامَ داوُدُ في الحِصْنِ، ولِذٰلك سُمِّيَ مَدينَةَ داوُد. وبَنى المَدينَةَ مِن حَولِه مِن مِلُّوَ فما حَولَها، ورَمَّمَ يوآبُ سائِرَ المَدينَة. وكانَ داوُدُ لا يَزالُ يَتعاظَمُ ورَبُّ القُوَّاتِ معَه. وهٰؤُلاءِ رُؤَساءُ الأَبطالِ الَّذينَ كانوا لِداوُد، مِمَّن صاروا أَقوِياءَ معه في مُلكِه لِيُقيموه مع كُلِّ إِسْرائيلَ مَلِكًا بِحَسَبِ كَلامِ الرَّبِّ في حَقِّ إِسْرائيل. وهٰذه قائمَةُ الأَبطالِ الَّذينَ كانوا لِداوُد: إِشبَعلُ بنُ حَكْموني، رَئيسُ الثَّلاثِيِّين. وقَد أَشرَعَ رُمحَه على ثَلاثِ مِئَةٍ فقَتَلَهم بِمَرَّةٍ واحِدَة. وبَعدَه أَلِعازارُ بنُ دودُوَ الأَحوحِيّ، أَحَدُ الأَبْطالِ الثَّلاثَة، وهو الَّذي كانَ مع داوُدَ في فَسَّ دَميم، والفَلسطينِيُّونَ مُجتَمِعونَ هُناكَ لِلقِتال، وكانَت هُناكَ قِطعَةُ حَقلٍ مَمْلوءَةٌ شَعيرًا، فٱنهَزَمَ الجَيشُ مِن وَجهِ الفَلِسطينِيِّين. فوَقَفوا في وَسَطِ الحَقلِ وأَنقَذوه وضَرَبوا الفَلِسطينِيِّين، وآتاهُمُ الرَّبُّ نَصرًا عَظيمًا. ونَزَلَ ثَلاثَةٌ مِنَ الثَّلاثينَ إِلى الصَّخرِ إِلى داوُدَ في مَغارَةِ عَدُلاَّم، وكانَت قُوَّةٌ فَلِسطينِيَّةٌ مُعَسكِرَةً في وادي رِفائيم. وكانَ داوُدُ حينَئِذٍ في الحِصنِ ومَحرَسٌ لِلفَلِسطينِيِّينَ في بَيتَ لَحْم. فتَأَوَّهَ داوُدُ وقال: «مَن يَسْقيني ماءً مِنَ البِئرِ الَّتي عِندَ بابِ بَيتَ لَحْم؟» فٱختَرَقَ هٰؤُلاءِ الأَبْطالُ الثَّلاثَةُ مُعَسكَرَ الفَلِسطينِيِّين، وٱستَقَوا ماءً مِنَ البِئرِ الَّتي عِندَ بابِ بَيتَ لَحْم، وحَمَلوه وأَتَوا بِه داوُد. فلَم يَشأْ داوُدُ أَن يَشرَبَ مِنه، بل أَراقَه لِلرَّبّ، وقال: «حاشَ لي مِن قِبَلِ إِلٰهي أَن أَفعَلَ هٰذا! أَأَشرَبُ دَمَ هٰؤُلاءِ الرِّجالِ بِثَمَنِ أَنفُسِهم؟ فإِنَّهم بِثَمَنِ أَنفُسِهم جاؤُوا بِه». ولم يُرِدْ أَن يَشرَب. هٰذا ما فَعَلَه هٰؤُلاءِ الأَبطالُ الثَّلاثَة. ثُمَّ أَبْشايُ، أَخو يوآب، وهو رَئيسُ الثَّلاثَة. هٰذا أَشرَعَ رُمحَه على ثَلاثِ مِئَةٍ وقَتَلَهم، وكانَ لَه ٱسمٌ بَينَ الثَّلاثَة. أَوَلَم يَكُنْ أَشَدَّ الثَّلاثَةِ كَرامةً بِالنِّسبَةِ إِلى الٱثنَينِ الآخَرَين، وأَصبَحَ لَهم قائِدًا. إِلاَّ أَنَّه لم يَبلُغْ مَرتَبَةَ الثَّلاثَة. ثُمَّ بَنايا بنُ يوياداع، ٱبنُ ذي بَأسٍ كَثيرِ المآثِر، مِن قَبصَئيل، وهو الَّذي ضَرَبَ بَطَلَي موآب، ونَزَلَ وقَتَلَ أَسَدًا في وَسَطِ جُبٍّ يَومَ ثَلْج. وضَرَبَ رَجُلًا مِصريًّا طولُه خُمسُ أَذرُع، وكانَ في يَدِ المِصرِيِّ رُمحٌ كنَولِ النُّسَّاج، فنازَلَه بِالعَصا وخَطَفَ الرُّمحَ مِن يَدِ المِصرِيِّ وقَتَلَه بِرُمحِه. هٰذا ما فَعَلَه بَنايا بنُ يوياداع، وكانَ لَه ٱسمٌ بَينَ الأَبْطالِ الثَّلاثَة، وكانَ أَشَدَّ الثَّلاثينَ كَرامَةً إِلاَّ أَنَّه لم يَبلُغْ مَرتَبَةَ الثَّلاثَة. فجَعَلَه داوُدُ مِن حَرَسِه الخاصّ. وأَبطالُ البَأس: عَسائيل، أَخو يوآب، وأَلْحانانُ بنُ دودُوَ مِن بَيتَ لَحْم، وشَمُّوتُ الهَرورِيُّ وحالَصُ الفَلونِيُّ وعيرا بنُ عِقِّيشَ التَّقوعِيُّ وأَبيعازَرُ العَناتوتِيُّ وسِبْكايُ الحوشِيُّ وعيلايُ الأَحوحِيُّ ومَهْرايُ النَّطوفِيُّ وحالَدُ بنُ بَعنَةَ النَّطوفِيُّ وإِيتايُ بنُ ريبايَ مِن جَبْعِ بَني بَنْيامينَ وبَنايا الفِرعَتونِيُّ وحورايُ مِن أَودِيَةِ جاعَشَ وأَبيئيلُ العَربَتِيُّ وعَزْموتُ البَحْرومِيُّ وأَليَحْيا الشَّعَلبونِيُّ وبَنو هاشيمَ الجِزونِيُّ ويوناتانُ بنُ شاجِيَ الهَرارِيُّ وأَحِيَّامُ بنُ ساكارَ الهَرارِيُّ وأَليفالُ بنُ أُورُ وحافَرُ المَكيرِيُّ وأَحِيَّا الفَلونِيُّ وحَصْرو الكَرمَلِيُّ ونَعْرايُ بنُ أَزْبايَ ويوئيلُ أَخو ناتانَ ومِبْحارُ بنُ هَجْرِيَ وصالَقُ العَمُّونِيُّ ونَحْرايُ البَئيروتِيُّ، حامِلُ سِلاحِ يوآبَ ٱبنِ صَرويَة، وعيرا اليِترِيُّ وجاريبُ اليِترِيُّ وأُورِيَّا الحِثِّيُّ وزابادُ بنُ أَحْلايَ وعَدينا بنُ شيزا الرَّأوبينيُّ، رَئيسُ الرَّأُوبينِيِّينَ، ومعَه ثَلاثون، وحانانُ بنُ مَعكَةَ ويوشافاطُ المِتنِيُّ وعُزِّيَّا العَشتَروتِيُّ وشاماعُ ويَعيئيلُ ٱبنا حوتامَ العَروعيرِيِّ ويَديعَئيلُ بنُ شِمرِيَ ويوحا أَخوه التِّيصِيُّ وأَليئيلُ المَحْويمِيُّ ويَريبايُ ويوشَويا ٱبنا أَلْناعَمَ ويِتمَةَ الموآبِيُّ وأَليئيلُ وعوبيدُ ويَعْسيئيلُ مِن مَصوبايا. وهٰؤُلاءِ همُ الَّذينَ جاؤوا داوُدَ في صِقْلاج، وهو مُبعَدٌ مِن وَجهِ شاوُلَ بنِ قيش، وكانوا بَينَ الأَبطالِ أَنْصارًا على الحَرْب. وكانوا مُسَلَّحينَ بِالقِسِيّ، وهم يَرْمونَ بِالحِجارَةِ والسَّهامِ عنِ القِسِيِّ بِاليَمينِ واليَسار. فمِن إِخوَةِ شاوُلَ مِن بَنْيامين: الرَّئيسُ أَحيعازَرُ ثُمَّ يوآشُ، ٱبنا أَمْشَماعَةَ الجِبعِيِّ، ويَزيئيلُ وفالَطُ، ٱبنا عَزْموت، وبَراكَةُ وياهو العَناتوتِيُّ، ويِشمَعْيا الجِبْعونِيّ، رَجُلٌ بَطَلٌ مِنَ الثَّلاثِيِّين، وهو على رَأسِ الثَّلاثِيّنيِّين، وإِرميا ويَحْزيئيلُ ويوحانانُ ويوزابادُ الجديرِيُّ، وأَلْعوزايُ ويَريموتُ وبَعَلْيا وشَمَرْيا وشَفَطْيا الحَروفِيُّ، وأَلْقانَةُ ويِشِّيَّا وعَزَرْئيلُ ويوعازَرُ وياشُبْعامُ القورَحِيُّون، ويوعيلَةُ وزَبَدْيا، ٱبنا يَروحامَ مِن جَدور. ومِنَ الجادِيِّينَ ٱنْحازَ إِلى داوُدَ إِلى الحِصنِ في البَرِّيَّةِ، أَبطالُ بَأسٍ رِجالُ حَرْبٍ حامِلو تُروسٍ ورِماح، وُجوهُهم كوُجوهِ الأُسود، وهم كغُزلانِ الجِبالِ خِفَّةً. الرَّئيسُ عازَر، والثَّاني عوبَدْيا، والثَّالِثُ أَليآب، والرَّابِعُ مِشمَنَّة، والخامِسُ إِرمِيا، والسَّادِسُ عَتَّاي، والسَّابِعُ أليئيل، والثَّامِنُ يوحانان، والتَّاسِعُ أَلْزاباد، والعاشِرُ إِرمِيا، والحادي عَشَرَ مَكْبَنَّاي. هٰؤُلاءِ مِن بَني جاد، وهُم قُوَّادُ الجَيش، أَصغَرُهم على مِئَةٍ وأَكبَرُهم على أَلف. وهٰؤُلاءِ همُ الَّذينَ عَبَروا الأُردُنَّ في الشَّهرِ الأَوَّل، وهو طافِحٌ مِن جَميعِ ضِفافِه، وهَزَموا جَميعَ مَن في الأَودِيَّةِ إِلى الشَّرقِ وإِلى الغَرْب. وجاءَ قَومٌ مِن بَني بَنْيامينَ ويَهوذا إِلى الحِصنِ إِلى داوُد، فخَرَجَ داوُدُ لِلِقائِهم وخاطَبَهم قائِلًا: «إِن كانَ مَجيئُكم إِلَيَّ لِلسِّلْمِ ولِمُناصَرَتي، فإِنِّي أَكونُ وإِيَّاكم قَلبًا واحِدًا، وإن كان لِتَسْليمي بِخِيانَةٍ إِلى عَدُوِّي، وما في يَدي عُنْف، فليَرَ إِلٰهُ آبائِنا ويُنْصِفْ». فحَلَّ الرُّوحُ على عَماساي، رَئيسِ الثَّلاثِيِّين، فقال: «نَحنُ لَكَ يا داوُد ومَعَكَ يا ٱبنَ يَسَّى سَلامٌ سَلامٌ لَكَ وسَلامٌ لِمُناصِريكَ لأَنَّ إِلٰهَكَ ناصِرُكَ». فقَبِلَهم داوُدُ وجَعَلَهم مِن رُؤَساءِ العِصابة. وٱنضَمَّ قَومٌ مِن مَنَسَّى إِلى داوُد، حينَ جاءَ مع الفَلِسطينِيِّينَ لِمُحارَبَةِ شاوُل. غَيرَ أَنَّهم لم يُناصِروهم، لأَنَّ أَقْطابَ الفَلِسطينِيِّينَ، بِمَشورَةٍ مِنهم، صَرَفوه قائلين: «إِنَّه بِرُؤُوسِنا يَنضَمُّ إِلى سَيِّدِه شاوُل». وعِندَ ذَهابِه إِلى صِقْلاج، اِنضَمَّ إِلَيه مِن مَنَسَّى: عَدْناحُ ويوزابادُ ويَديعيئيلُ وميكائيلُ ويوزابادُ وأَليهو وصِلْتاي، وهُم رُؤَساءُ أُلوفٍ في مَنَسَّى. وناصَروا داوُدَ على العِصابات، لأَنَّهم كُلَّهم أَبطالُ بَأس، فصاروا قُوَّادًا في الجَيش. وكانَ وَقتَئِذٍ يَأتي داوُدَ، يَومًا فيَومًا، أُناسٌ لِمُناصَرَتِه، حتَّى صاروا مُعَسكَرًا عَظيمًا كمُعَسكَرِ الله. وهٰذا عَدَدُ المُقاتِلينَ المُسَلَّحينَ لِلحَرْب، الَّذينَ أَتَوا إِلى داوُدَ في حَبْرون، لِيُحَوِّلوا إِلَيه مُلكَ شاوُل، على حَسَبِ قَولِ الرَّبّ: بَنو يَهوذا، حامِلو التُّروسِ والرِّماح: سِتَّةُ آلافٍ وثَماني مِئَةِ مُسَلَّحٍ لِلحَرْب، ومِن بَني شِمْعونَ أَبطالُ بَأسٍ لِلحَرْب: سَبعَةُ آلافٍ ومِئَةُ، ومِن بَني لاوي: أَربَعَةُ آلافٍ وسِتُّ مِئَة، ويوياداع، رئيسُ الهارونِيِّين، ومعَه ثَلاثَةُ آلافٍ وسَبعُ مِئَة، وصادوق، وهو فَتًى بَطَلُ بَأسٍ مع بَيتِ أَبيه، وهمُ ٱثنانِ وعِشْرونَ رَئيسًا، ومِن بَني بَنْيامين، إِخوَةِ شاوُل: ثَلاثَةُ آلاف، لأَنَّ أَكثَرَهم كانَ مُوالِيًا لِبَيتِ شاوُل، ومِن بَني أَفْرائيم: عِشْرونَ أَلفًا وثَماني مِئَةٍ، أَبطالُ بأس، رِجالٌ شَهيرونَ في بيوتِ ومِن نِصفِ سِبطِ مَنَسَّى: ثمانِيَةَ عَشَرَ أَلفًا، عُيِّنوا بِأَسمائِهم لِيَأتوا ويُقيموا داوُدَ مَلِكًا، ومِن بَني يَسَّاكَر، مِمَّن لَهم خِبرَةٌ بِالأَوقاتِ وعِلمٌ بِما يَجِبُ أَن يَفعَلَه إِسْرائيل، مِئَتا رئيسٍ وجَميعُ إِخوَتِهم تَحتَ أَمرِهم، ومِن زَبولون، مِمَّن يَخرُجُ إِلى الحَربِ ويَصطَفُّ لِلقِتالِ بِجَميعِ أَدَواتِ الحَرْب: خَمْسونَ أَلفًا لِلمُناصَرَةِ بِعَزيمَةِ القَلْب، ومِن نَفْتالي: أَلفُ رئيسٍ ومعَهم سَبعَةٌ وثَلاثونَ أَلفًا بِالتُّروسِ والرِّماح، ومِن دان: ثَمانِيَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا وسِتُّ مِئَةٍ يَصطَفُّونَ لِلقِتال، وفي أَشير، مِمَّن يَخرُجُ إِلى الحَربِ ويَصطَفُّ لِلقِتال: أَربَعونَ أَلفًا، ومِن عِيرِ الأُردُنّ، مِنَ الرَّأُوبينِيِّينَ والجادِيِّين، ومِن نِصفِ سِبطِ مَنَسَّى: مِئَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا بِجَميعِ أَدواتِ جَيشِ القِتال. جَميعُ رِجالِ الحَربِ أُولٰئِكَ، المُصطَفُّونَ لِلقِتال، أَتَوا إِلى حَبْرونَ بِقُلوبٍ سَليمة، لِيُقيموا داوُدَ مَلِكًا على كُلِّ إِسْرائيل. وكذٰلك بَقِيَّةُ بَني إِسْرائيلَ كانوا قَلبًا واحِدًا لِيُقيموا داوُدَ مَلِكًا. ولَبِثوا هُناكَ مع داوُدَ ثَلاثَةَ أَيَّام، يَأكُلونَ ويَشرَبون، لأَنَّ إِخوَتَهم كانوا قد هَيَّأوا لَهم كُلَّ شَيء. وكذٰلك القَريبونَ مِنهم، حتَّى يَسَّاكَرُ وزَبولونُ ونَفْتالي كانوا يَأتونَهم بِطَعامٍ على الحَميرِ والجِمالِ والبِغالِ والبَقَر: مِن دَقيقٍ وأَقراصِ تينٍ وعَناقيدِ زَبيبٍ وخَمْرٍ وزَيْتٍ وبَقَرٍ وغَنَمٍ بِكَثرَة، لأَنَّه كانَ فَرَحٌ في إِسْرائيل. وعَقَدَ داوُدُ مَشورةً مع رُؤَساءِ الأُلوفِ والمِئات، أَمامَ جَميعِ القُوَّاد. وقالَ داوُدُ لجماعةِ إِسْرائيلَ كُلِّها: «إِن وافَقَ ٱستِحْسانَكم ومَشيئَةَ الرَّبِّ إِلٰهِنا، فلنُرسِلْ في كُلِّ جِهَةٍ إِلى إِخوَتِنا الباقينَ في أَرضِ إِسْرائيلَ كُلِّها وإِلى الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّين، في مُدُنِ مراعيهم، لِيَجتَمِعوا إِلَينا، فنُرجِعَ تابوتَ إِلٰهِنا إِلَينا، لأَنَّنا لم نُبالِ بِه في أَيَّامِ شاوُل». فأَجابَتِ الجَماعَةُ كُلُّها إِلى إِجْراءِ ذٰلك، لأَنَّ الأَمرَ حَسُنَ في عُيونِ الشَّعبِ كافَّةً. فجَمَعَ داوُدُ كُلَّ إِسْرائيلَ، مِن شيحورِ مِصرَ إِلى مَدخَلِ حَماة، لِنَقْلِ تابوتِ اللهِ مِن قِريَةَ يَعاريم. وصَعِدَ داوُدُ وكُلُّ إِسْرائيلَ إِلى بَعلَة، إِلى قِريَةَ يَعاريمَ الَّتي لِيَهوذا، لِيُصعِدوا مِن هُناكَ تابوتَ اللهِ الَّذي يُدْعى بِٱسمِ الرَّبِّ الجالِسِ على الكَروبين. فحَمَلوا تابوتَ اللهِ على عَجَلَةٍ جَديدة، مِن بَيتِ أَبيناداب، وكانَ عُزَّا وأَحْيُو يَقودان العَجَلَة. وكانَ داوُدُ وكُلُّ إِسْرائيلَ يَلعَبونَ أَمامَ اللهِ بِقُوَّتِهم كُلِّها، بالأَغانِيِّ والكِنَّاراتِ والعيدانِ والدُّفوفِ والصُّنوجِ والأَبْواق. فلَمَّا وَصَلوا إِلى بَيدَرِ كيدون، مَدَّ عُزَّا يَدَه لِيُمسِكَ التَّابوت، لأَنَّ الثِّيرانَ كانَت قد تَعَثَّرَت. فٱشتَدَّ غَضَبُ الرَّبِّ على عُزَّا وضَرَبَه، لأَنَّه مَدَّ يَدَه إِلى التَّابوت، فماتَ هُناكَ أَمامَ الله. فغَضِبَ داوُدُ مِن هُجوم الرَّبِّ على عُزَّا، ولِذٰلك دُعِيَ ذٰلك المَكانُ «فَراصَ عُزَّا» إِلى هٰذا اليَوم. وخافَ داوُدُ مِنَ اللهِ في ذٰلك اليَومِ وقال: «كَيفَ آتي بِتابوتِ اللهِ إِلَيَّ؟». ولَم يَمِلْ داوُدُ بِالتَّابوتِ إِلَيه، إِلى مَدينَةِ داود، فأَخَذَه إِلى بَيتِ عوبيدَ أَدومَ الجَتِّيّ. فبَقِيَ تابوتُ اللهِ في بَيتِ عوبيدَ أَدومَ ثَلاثَةَ أَشهُر، فبارَكَ الرَّبُّ بَيتَ عوبيدَ أَدومَ وكُلَّ ما لَه. وأَرسَلَ حيرام، مَلِكُ صور، رُسُلًا إِلى داوُدَ وأَخْشابَ أَرزٍ وبَنَّائينَ ونَجَّارين، لِيَبْنوا لَه بَيتًا. وعَرَفَ داوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قد ثَبَّتَه مَلِكًا على إِسْرائيل، وعَظَّمَ مُلكَه مِن أَجلِ شَعبِه إِسْرائيل. وتَزَوَّجَ داوُدُ أَيضًا زَوجاتٍ في أُورَشَليم، ووَلَدَ داوُدُ أَيضًا بَنينَ وبَنات. وهٰذه أَسْماءُ البَنينَ الَّذينَ وُلِدوا لَه في أُورَشَليم: شَمُّوعُ وشوبابُ وناتانُ وسُلَيْمانُ ويبْحارُ وأَليشوعُ وأَلْفالَطُ ونوجَهُ ونافَجُ ويافيعُ وأَليشاماعُ وبَعَلْياداعُ وأَليفالَط. وسَمِعَ الفَلِسطينِيُّونَ أَنَّ داوُدَ قد مُسِحَ مَلِكًا على كُلِّ إِسْرائيل. فصَعِدَ جَميعُ الفَلِسطينِيِّينَ طالِبينَ نَفسَ داوُد. فبَلَغَ داوُدَ ذٰلك، فخَرَجَ إِلَيهم. وأَتى الفَلِسطينِيُّونَ وٱنتَشَروا في وادي رِفائيم. فسَأَلَ داوُدُ اللهَ وقال: «أَأَصعَدُ على الفَلِسطينِيِّين؟ وهَل تُسلِمُهم إِلى يَدي؟» فقالَ لَه الرَّبّ: «إِصعَدْ، فإِنِّي أُسلِمُهم إِلى يَدِكَ». فصَعِدوا إِلى بَعلَ فَراحيم، فضَرَبَهم داوُدُ هُناكَ وقالَ داوُد: «قد فَتَحَ اللهُ بِيَدي ثُغرَةً في أَعْدائي كالثُّغرَةِ الَّتي تَفتَحُها المِياه». ولِذٰلك سُمِّي ذٰلك المَكانُ «بَعْلَ فَراحيم». وتَرَكوا هُناكَ آلِهَتَهم، فأَمَرَ داوُدُ فأُحرِقَت بِالنَّار. وعادَ الفَلِسطينِيُّونَ فٱنتَشَروا في الوادي. فسَأَلَ داوُدُ اللهَ أَيضًا، فقالَ لَه الله: «لا تَصعَدْ وَراءَهم، بلِ ٱعطِفْ مِن فَوقِهم وأتهِم مِن حِيالِ أَشْجارِ البَلَسان. فإِذا سَمِعتَ صَوتَ خَطَواتٍ في رُؤُوسِ أَشْجارِ البَلَسان، فهَلُمَّ حينَئِذٍ لِلقِتال، لأَنَّ اللهَ يَخرُجُ أَمامَكَ لِضَربِ مُعَسكَرِ الفَلِسطينِيِّين». ففَعَلَ داوُدُ على حَسَبِ ما أَمَرَه الله، وضَرَبوا مُعَسكَرَ الفَلِسطينِيِّينَ مِن جِبْعونَ إِلى جازَر. وذاعَ ٱسمُ داوُدَ في تِلكَ الأَرضِ كُلِّها، وأَوقَعَ الرَّبُّ رُعبَ داوُدَ على جَميعِ الأُمَم. وبَنى داوُدُ لِنَفسِه بُيوتًا في مَدينَةِ داوُد، وهَيَّأَ مَكانًا لِتابوتِ الله، ونَصَبَ له خَيمَة. حينَئِذٍ قالَ داود: «لا يَحمِلْ تابوتَ اللهِ غَيرُ اللاَّوِيِّينَ، لأَنَّ الرَّبَّ إِيَّاهمُ ٱختارَ لِحَملِ تابوتِ اللهِ ولِخِدمَتِه لِلأَبَد». وجَمَعَ داوُدُ كُلَّ إِسْرائيلَ إِلى أُورَشَليم، لإصعادِ تابوتِ الرَّبِّ إِلى المَكانِ الَّذي هَيَّأَه لَه. وجَمَعَ داوُدُ بَني هارونَ واللاَّوِيِّينَ، وهُم: مِن بَني قهات: أُوريئيلُ الرئيسُ وإِخوَتُه: مِئَةٌ وعِشْرون، ومِن بَني مَراري: عَسايا الرَّئيسُ وإِخوَتُه: مِئَتانِ وعِشْرون، ومِن بَني جِرْشوم: يوئيلُ الرَّئيسُ وإِخوَتُه: مِئَةٌ وثَلاثون، ومِن بَني أَليصافان: شَمَعْيا الرَّئيسُ وإِخوَتُه: مِئَتان، ومِن بَني حَبْرون: أَليئيلُ الرَّئيسُ وإِخوَتُه: ثَمانون، ومِن بَني عُزِّيئيل: عمِّينادابُ الرَّئيسُ وإِخوَتُه: مِئَةٌ وٱثنا عَشَر. وٱستَدْعى داوُدُ صادوقَ وأَبْياتارَ الكاهِنَينِ واللاَّوِيِّينَ أُوريئيلَ وعَسايا ويوئيلَ وشَمَعْيا وأَليئيلَ وعَمِّيناداب، وقالَ لَهم: «أَنتُم رؤُوسُ آباءِ اللاَّوِيِّينَ، فقَدِّسوا أَنفُسَكم مع إِخوَتِكم لِتُصعِدوا تابوتَ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيلَ إِلى حَيثُ هَيَّأتُ لَه، فإِنَّه، لأَنَّكم لم تَكونوا هُنا في المَرَّةِ الأُولى، فَتَحَ الرَّبُّ إِلٰهُنا ثُغرَةً بَينَنا لأَنَّنا لم نَستَشِرْه على حَسَبِ المَفْروض». فقَدَّسَ الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ أَنفُسَهم لِيُصعِدوا تابوتَ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل. وحَمَلَ بَنو لاويَ تابوتَ اللهِ على أَكْتافِهم بِالقُضْبان، كما أَمَرَ موسى بِحَسَبِ قَولِ الرَّبّ. وأَمَرَ داوُدُ رُؤَساءَ اللاَّوِيِّينَ أَن يُقيموا إِخوَتَهمُ المُغَنِّينَ على آلاتِ الغِناء، على العيدانِ والكِنَّاراتِ والصُّنوجِ، لِيُسمِعوا أَصْواتَ فَرَحٍ عالِيَة. فأَقامَ اللاَّوِيُّونَ هَيْمانَ بنَ يوئيلَ ومِن إِخوَتِه آسافَ بنَ بَرَكْيا، ومِن بَني مَرارِيَ إِخوَتِهم أَيتانَ بنَ قوشايا، ومعَهم إِخوَتُهمُ الَّذينَ مِنَ المَرتَبَةِ الثَّانِيَة، وهم زَكَرِيَّا ويَعْزيئيلُ وشَميراموتُ ويَحيئيلُ وعُنِّي وأَليآبُ وبَنايا ومَعَسْيا ومَتَّتْيا وأَليفَلْيا ومِقْنِيا وعوبيدَ أَدومُ ويَعيئيلُ البَوَّابون. فكانَ لِلمُغَنِّينَ هَيمانَ وآسافَ وأَيتانَ صُنوجُ نُحاسٍ لِلرَّنين. وكانَ لِزَكَرِيَّا وعَزيئيلَ وشَميراموتَ ويَحيئيلَ وعُنِّي وأَليآبَ ومَعَسْيا وبَنايا عيدانٌ على لَحنِ العَذارى. وكانَ لِمَتَّتْيا وأَليفَلْيا ومِقِنْيا وعوبيدَ أَدومَ ويَعيئيلَ وعَزَرْيا كِنَّاراتٌ لإدارة الغِناءِ على الدَّرَجَةِ الثَّامِنَة. وكانَ كَنَنْيا، رَئيسُ اللاَّوِيِّينَ المُكَلَّفينَ بِنَقلِ التَّابوت، يُشرِفُ على النَّقلِ، لأَنَّه كانَ خَبيرًا بِه. وكانَ بَرَكْيا وأَلْقانَةُ بَوَّابَينِ لِلتَّابوت، وكانَ شَبَنْيا ويوشافاطُ ونَتَنائيلُ وعَماسايُ وزَكَرِيَّا وبَنايا وأَلِعازارُ الكَهَنَةُ يَنفُخونَ في الأَبواقِ قُدَّامَ تابوتِ الله، وكانَ عوبيدَ أَدومُ ويَحِيَّا بَوَّابَينِ لِلتَّابوت. وسارَ داوُدُ وشُيوخُ إِسْرائيلَ وقُوَّادُ الأُلوفِ لِيُصعِدوا تابوتَ عَهدِ الرَّبِّ مِن بَيتِ عوبيدَ أَدومَ بِالفَرَحِ. وأَعانَ اللهُ اللاَّوِيِّينَ حامِلي تابوتَ عَهدِ الرَّبّ، فذَبَحوا سَبعَةَ ثيرانٍ وسَبعَةَ كِباش. وكانَ داوُدُ مُتَسَربِلًا بِرِداءِ كَتَّانٍ ناعِم، وكذٰلك جَميعُ اللاَّوِيِّينَ حامِلي التَّابوتِ والمُغَنُّونَ وكنَنْيا رَئيسُ النَّاقِلين. وكانَ على داوُدَ أَفودٌ مِن كَتَّان. فأَصعَدَ إِسْرائيلُ كُلُّه تابوتَ عَهدِ الرَّبِّ بِالهُتافِ وبِصَوتِ الصُّورِ والأَبْواقِ والصُّنوج، عازِفينَ بِالعيدانِ والكِنَّاراتِ. وكانَ، لَمَّا وَصَلَ تابوتُ عَهدِ الرَّبِّ إِلى مَدينَةِ داوُد، أَنَّ ميكالَ، ٱبنَةَ شاوُل، أَطَلَّت مِنَ النَّافِذَةِ ورَأَتِ المَلِكَ داوُدَ يَطفِرُ ويَرقُصُ، فٱزدَرَته في قَلبِها. وأَدخَلوا تابوتَ اللهِ وأَقاموه في وَسَطِ الخَيمَةِ الَّتي نَصَبَها لَه داوُد، وقَدَّموا مُحرَقاتٍ وذَبائِحَ سَلامِيَّةً أَمامَ الله. ولَمَّا ٱنتَهى داوُدُ مِن إِصعادِ المُحرَقاتِ والذَّبائِحَ السَّلامِيَّة، بارَكَ الشَّعبَ بِٱسمِ الرَّبّ، ووَزَّعَ على كُلِّ واحِدٍ مِن بَني إِسْرائيلَ، رِجالًا ونِساءً، لِكُلِّ واحِدٍ رَغيفَ خُبْزٍ وكَعكَةَ بَلَحٍ وقُرصَ زَبيب. وأَقامَ داوُدُ مِن اللاَّوِيِّينَ خَدَمًا أَمامَ تابوتِ الرَّبّ لِيَذكُروا ويَحمَدوا ويُسَبِّحوا الرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرائيل: آسافَ في الرَّأس، وزَكَرِيَّا بَعدَه، ثُمَّ يَعيئيلَ وشَميراموتَ ويَحيئيلَ ومَتَّتْيا وأَليآبَ وبَنايا وعوبيدَ أَدومَ ويَعيئيل، بِآلاتٍ مِنَ العيدانِ والكِنَّارات. وكانَ آسافُ يَضرِبُ بِالصُّنوج، وبَنايا ويَحْزيئيلُ الكاهِنانِ بِالأَبواقِ دائِمًا أَمامَ تابوتِ عَهدِ الله. في ذٰلك اليَومِ نَفْسِه، عَهِدَ داوُدُ أَوَّلَ مَرَّةٍ إِلى آسافَ وإِخوَتِه بِحَمدِ الرَّبِّ هٰذا: إِحمَدوا الرَّبَّ وٱدْعوا بِٱسمِه، عَرِّفوا في الشُّعوبِ مَآثِرَه. أَنشِدوا لَه وٱعزِفوا، وفي جَميعِ عَجائِبه تَأَمَّلوا. إِفتَخِروا بِٱسمِه القُدُّوس، ولْتَفرَحْ قُلوبُ مُلتَمِسي الرَّبّ. أُطلُبوا الرَّبَّ وعِزَّتَه، إِلتَمِسوا وَجهَه كُلَّ حين. أُذكُروا عَجائِبَه الَّتي صَنَعَها، مُعجِزاتِه وأَحْكامَ فَمِه. يا ذُرِّيَّةَ إِسْرائيلَ عَبدِه، يا بَني يَعقوبَ مُخْتاريه. هو الرَّبُّ إِلْهُنا، أَحْكامُه في الأَرضِ كُلِّها. تَذَكَّروا لِلأَبَدِ عَهدَه، الكَلِمَةَ الَّتي أَوصى بِها إِلى أَلفِ جيل، العَهدَ الَّذي قَطَعَه مع إِبْراهيم، والقَسَمَ الَّذي أَقسَمَه لإسْحٰق، والَّذي جَعَلَه فَريضَةً لِيَعْقوب، وعَهْدًا أَبَدِيًّا لإسْرائيل. قائلًا: أُعْطيكَ أَرضَ كَنْعان، حِصَّةَ ميراثٍ لَكم. وقد كُنتُم نَفَرًا يَسيرًا، وعَدَدًا قَليلًا نُزَلاءَ فيها، يَسيرونَ مِن أُمَّةٍ إِلى أُمَّة، ومِن مَملَكَةٍ إِلى شَعبٍ آخَر، فلم يَدَعْ أَحَدًا يَظلِمُهم، وعاقَبَ مُلوكًا مِن أَجلِهم. لا تَمَسُّوا مُسَحائي ولا تُؤذوا أَنبِيائي. أَنشِدوا لِلرَّبِّ يا أَهلَ الأَرضِ جَميعًا، بَشِّروا مِن يومٍ إِلى يومٍ بِخَلاصِه. حَدِّثوا في الأُمَمِ بِمَجدِه، في جَميعِ الشُّعوبِ بِعَجائِبِه، لأَنَّ الرَّبَّ عَظيمٌ وجَديرٌ بِالتَّسْبيح، ورَهيبٌ فَوقَ جَميعِ الآلِهَة، لأَنَّ جَميعَ آلِهَةِ الشُّعوبِ أَصْنام، والرَّبُّ هو الَّذي صَنَعَ السَّمَوات. البَهاءُ والجَلالُ أَمامَه، العِزَّةُ والٱبتِهاجُ في مَقامِه. أَدُّوا لِلرَّبِّ يا عَشائِرَ الشُّعوب، أَدُّوا لِلرَّبِّ عِزَّةً ومَجدًا. أَدُّوا لِلرَّبِّ مَجدَ ٱسمِه، اِحمِلوا تَقدِمَةً وتَعالَوا إِلى أَمامِه، أُسجُدوا لِلرَّبِّ بِزينَةٍ مُقَدَّسة. إِرتَعِدوا يا أَهلَ الأَرضِ مِن وَجهِه، الدُّنْيا ثابِتَةٌ لن تَتَزَعْزَع. لِتَفرَحِ السَّمَواتِ وتَبتَهِجِ الأَرض، ولْيَقولوا في الأَمَم: «الرَّبُّ مَلَك». لِيَهدِرِ البَحرُ وما فيه، لِتَبتَهِجِ الحُقولُ وكُلُّ ما فيها. حينَئِذٍ تُهَلِّلُ جَميعُ أَشجارِ الغاب أَمامَ وَجهِ الرَّبّ لأَنَّه آتٍ لِيَدينَ الأَرض. إِحمَدوا الرَّبَّ لأَنَّه صالِح، لأَنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. قولوا: «خَلِّصْنا يا إِلٰهَ خَلاصِنا، ومِن بَينِ الأُمَمِ ٱجمَعْنا وأَنقِذْنا لِنَحمَدَ ٱسمَكَ القُدُّوس، ونَفتَخِرَ بِتَسبِحَتِكَ». تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، مِن الأَزَلِ ولِلأَبَد، ولْيَقُلِ الشَّعبُ كُلُّه: «آمين، هَلِّلويا». ثُمَّ تَرَكَ داوُدُ هُناكَ، أَمامَ تابوتِ عَهدِ الرَّبّ، آسافَ وإِخوَتَه لِيَخدِموا أَمامَ التَّابوتِ دائِمًا، أَمرَ كُلِّ يَومٍ في يَومِه. وتَرَكَ أَيضًا عوبيدَ أَدومَ مع إِخوَتِهمِ الثَّمانِيَةِ والسِّتِّينَ. وكانَ عوبيدَ أَدومُ بنُ يَديتونَ وحوسَةُ بَوَّابَين. وأَمَّا صادوقُ الكاهِنُ وإِخوَتُه الكَهَنَة، فتَرَكَهم أَمامَ مَسكِنِ الرَّبِّ في المَشرِقِ الَّذي بِجِبْعون، لِكَي يُصعِدوا مُحرَقاتٍ لِلرَّبِّ على مَذبَحِ المُحرَقَةِ دائِمًا صَباحَ مَساء، بِحَسَبِ كُلِّ ما هو مَكْتوبٌ في شَريعَةِ الرَّبِّ الَّتي أَمَرَ بِها إِسْرائيل. وكانَ معَهم هَيمانُ ويَدوتونُ وسائِرُ المُخْتارينَ الَّذينَ ذُكِرَت أَسْماؤُهم، «لِيَحمَدوا الرَّبَّ، لأَنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه»، وكانَ معَ هَيمانَ ويَدوتونَ صُنوجٌ وأَبواقٌ وآلاتُ غِناءٍ لله يَعزِفونَ بِها. وكانَ بَنو يَدوتونَ بَوَّابين. ثُمَّ ٱنصَرَفَ كُلُّ الشَّعبِ، كُلُّ واحِدٍ إِلى بَيتِه، ورَجَعَ داوُدُ لِيُبارِكَ بَيتَه. ولَمَّا سَكَنَ داوُدُ في بَيتِه، قالَ لِناتانَ النَّبِيّ: «هاءَنَذا مُقيمٌ في بَيتٍ مِن أَرْز، وتابوتُ عَهدِ الرَّبِّ تَحتَ السَّتائِر». فقالَ ناتانُ لِداوُد: «إِصنَعْ كُلَّ ما في قَلبِكَ، لأَنَّ اللهَ معَكَ». فكانَت كَلِمَةُ اللهِ في تِلكَ اللَّيلَةِ إِلى ناتانَ قائلًا: «إِذهَبْ وقُلْ لِعَبْدي داوُد: هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: لا تَبْني لي أَنتَ بَيتًا لِلسُّكْنى. إِنِّي لم أَسكُنْ بَيتًا مُذ يَومَ أَصعَدتُ إِسْرائيلَ إِلى هٰذا اليَوم، ولٰكِنِّي كُنتُ مِن خَيمَةٍ إِلى خَيمَةٍ ومِن مَسكِنٍ إِلى مَسكِن. فهَل تَكَلَّمتُ في كُلِّ مَسيري مع كُلِّ إِسْرائيلَ بِكَلِمَةٍ مع أَحَدِ قُضاةِ إِسْرائيلَ، مِمَّن أَمَرتُه بِأَن يَرْعى شَعْبي قائِلًا: لِماذا لَم تَبْنوا لي بَيتًا مِنَ الأَرْز؟ فقُلِ الآنَ لِعَبدي داوُد: هٰكذا بَقولُ رَبُّ القُوَّات: إِنِّي أَخَذتُكَ مِنَ المَرْعى، مِن وَراءِ الغَنَم، لِتَكونَ رَئيسًا على شَعْبي إِسْرائيل، وكُنتُ معَكَ حَيثُما سِرتَ، وقَرَضتُ جَميعَ أَعدائِكَ مِن أَمامِكَ. وسأُقيمُ لَكَ ٱسمًا كأَسماءِ العُظَماءِ الَّذينَ في الأَرض، وأَجعَلُ مَكانًا لِشَعْبي إِسْرائيل، وأَغرِسُه فيَستَقِرُّ في مَكانِه ولا يَضطَرِبُ مِن بَعدُ، ولا يَعودُ بَنو الإِثمِ يُهلِكونَه، كما كانَ مِن قَبلُ، مِن يَومَ أَقَمتُ قُضاةً على شَعْبي إِسْرائيل، وسأُخضِعُ جَميعَ أَعْدائِكَ. وقَد أَخبَرتُكَ أَنَّ الرَّبَّ يَبْني لَكَ بَيتًا. وإِذا تَمَّت أَيَّامُكَ لِتَنصَرِفَ إِل آبائِكَ، أُقيمُ مَن يَخلُفُكَ مِن نَسلِكَ الَّذي يَكونُ مِن بَنيكَ، وأُثَبِّتُ مُلكَه، فهو يَبْني لي بَيتًا وأَنا أُثَبِّتُ عَرشَه لِلأَبَد. أَنا أَكونُ لَه أَبًا وهو يَكونُ لِيَ ٱبنًا، وأَمَّا رَحمَتي فلا أَنزِعُها عنه كما نَزَعتُها عنِ الَّذي كانَ قَبلَكَ. وأُقيمُه في بَيتي وفي مُلْكي لِلأَبَد، ويَكونُ عَرشُه ثابتًا لِلأَبَد». فكَلَّمَ ناتانُ داوُدَ بِهٰذا الكَلامِ كُلِّه وهٰذه الرُّؤيا كُلِّها. فدَخَلَ المَلِكُ داوُدُ وجَلَسَ أَمامَ الرَّبِّ وقال: «مَن أَنا، أَيُّها الرَّبُّ الإلٰه، وما بَيتي حتَّى بَلَغتَ بِنا إِلى هٰهُنا؟ وقَلَّ هٰذا في عَينَيكَ، أَيُّها الإلٰه، فتَكَلَّمتَ في شَأنِ عَبدِكَ في أَمرِ المُستَقبَلِ البَعيد، وكَتَبتَ لي مَنزِلَةَ آدَمَ الرَّفيعَة، أَيُّها الرَّبُّ الإلٰه. ماذا يَزيدُ لَكَ داوُدُ بَعدُ وأَنتَ قد كَرَّمتَ عَبدَكَ وأَنتَ قد عَرَفتَ عَبدَكَ؟ أَيُّها الرَّبّ، إِنَّكَ لأَجلِ عَبدِكَ وبِحَسَبِ قَلبِكَ عَمِلتَ هٰذا العَمَلَ العَظيمَ كُلَّه لِتُعلِمَ بِجَميعِ تِلكَ العَظائِم. أَيُّها الرَّبُّ، لا مَثيلَ لَكَ ولا إِلٰهَ سِواكَ في كُلِّ ما سَمِعْناه بِآذانِنا. وأَيَّةُ أُمَّةٍ مِثلُ شَعبِكَ إِسْرائيل؟ أَفي الأَرضِ أُمَّةٌ أُخْرى سارَ اللهُ لِيَفتَدِيَها لِنَفسِه شَعبًا، لِتَجعَلَ لَكَ ٱسمًا بِالعَظائِمِ والأَعمالِ الرَّهيبة، بِطَردِكَ أُمَمًا مِن وَجهِ شَعبِكَ الَّذي ٱفتَدَيتَه مِن مِصْر والأُمَم؟ وقد جَعَلتَ شَعبَكَ إِسْرائيلَ شَعبًا لَكَ لِلأَبَد، وأَنتَ يا رَبُّ صِرتَ لَهم إِلٰهًا. والآن، أَيُّها الرَّبّ، لِيَثبُتْ لِلأَبَدِ الكَلامُ الَّذي تَكَلَّمتَ بِه عَن عَبدِكَ وعن بَيتِه، وٱفعَلْ كما قُلتَ، لِيَثبُتَ ٱسمُكَ ويَعظُمَ لِلأَبَد، ويُقال: رَبُّ القُوَّاتِ إِلٰهٌ على إِسْرائيل. ولْيَكُنْ بَيتُ داوُدَ عَبدِكَ ثابِتًا أَمامَكَ، لأَنَّكَ أَنتَ يا إِلٰهي قد أَوحَيتَ إِلى عَبدِكَ بأَن ستَبْني لَه بَيتًا. لِذٰلك تَشَجَّعَ عَبدُكَ لِيُصَلِّيَ أَمامَكَ. والآنَ، أَيُّها الرَّبّ، أَنتَ هو الله، وقد كَلَّمتَ عَبدَكَ بِهٰذا الخَير. فتَعَطَّفِ الآنَ وبارِكْ بَيتَ عَبدِكَ، لِيَكونَ أَمامَكَ لِلأَبَد، لأَنَّكَ أَنتَ، أَيُّها الرَّبّ، قد باركتَ، فهو مُبارَكٌ لِلأَبَد». وكانَ بَعدَ ذٰلك أَنَّ داوُدَ ضَرَبَ الفَلِسطينِيِّينَ وأَذَلَّهم وأَخَذَ جَتَّ وتَوابِعَها مِن أَيدي الفَلِسطينِيِّينَ، وضَرَبَ المُوآبِيِّين، فصارَ المُوآبِيُّونَ رَعايا لِداوُدَ، يُؤَدُّونَ الجِزيَة. وضَرَبَ داوُدُ هَدَدْعازَر، مَلِكَ صوبَةَ في حَماة، وقد كانَ ذاهِبًا لِيُقيمَ سُلطَتَه على نَهرِ الفُرات. وأَخَذَ مِنه داوُدُ أَلفَ مَركَبَةٍ وسَبعَةَ آلافِ فارِسٍ وعِشْرينَ أَلفَ راجِل، وعَرقَبَ داوُدُ خَيلَ جَميعِ المَركَبات، وأَبْقى مِنها مِئَةَ مَركَبَة. فجاءَ أَرامِيُّو دِمَشقَ لِنَجدَةِ هَدَدْعازَر، مَلِكِ صوبَة، فقَتَلَ داوُدُ مِنَ الأَرامِيِّينَ ٱثنَينِ وعِشْرينَ أَلفَ رَجُل. وأَقامَ داوُدُ مُحافِظينَ في أَرامَ دِمَشْق، فصارَ الأَرامِيُّونَ رَعايا لِداوُد، يُؤَدُّونَ الجِزيَة. ونَصَرَ الرَّبُّ داوُدَ حَيثُما تَوَجَّه. وأَخَذَ داوُدُ تُروسَ الذَّهَبِ الَّتي كانَت مع ضُبَّاطِ هَدَدْعازَر وأَتى بها إِلى أُورَشَليم. وأَخَذَ داوُدُ مِن طِبْحاتَ وكونَ، مَدينَتَي هَدَدْعازَر، نُحاسًا كَثيرًا جِدًّا عَمِلَ مِنه سُلَيمانُ بَحرَ النُّحاسِ والأَعمِدَةَ وأَدَواتِ النُّحاس. وسَمِعَ توعو، مَلِكُ حَماة، أَنَّ داوُدَ قد كَسَرَ كُلَّ جَيشِ هَدَدْعازَر، مَلِكِ صوبَة. فأَرسَلَ هَدورامَ ٱبنَه إِلى المَلِكِ داوُدَ لِيُقرِئَه السَّلامَ ويُبارِكَه، لأَنَّه قاتَلَ هَدَدْعازَرَ وكَسَرَه، لأَنَّ هَدَدْعازَرَ كانَت لَه حُروبٌ مع توعو، وفي يَدِ هَدورامَ آنِيَةٌ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والنُّحاس. وهٰذه أَيضًا قَدَّسَها المَلِكُ داوُدُ لِلرَّبّ، فيما أَخَذَه مِن فِضَّةٍ وذَهَبٍ مِن جَميعِ الشُّعوب، مِنَ الأَدومِيِّينَ والمُوآبِيِّينَ وبَني عَمُّونَ الفَلِسطينِيِّينَ والعَمالِقَة. وإِنَّ أَبْشايَ ٱبنَ صَرويَةَ قَتَلَ مِنَ الأَدومِيِّينَ في وادي المِلحِ ثَمانِيَةَ عَشَرَ أَلفًا، وأَقامَ مُحافِظينَ في أَدوم، فصارَ جَميعُ الأَدومِيِّينَ رَعايا لِداوُد. ونَصَرَ الرَّبُّ داوُدَ حَيثُما تَوَجَّه. ومَلَكَ داوُدُ على كُلِّ إِسْرائيل، وكانَ يُجْري حُكمًا وعَدلًا لِكُلِّ شَعبِه. وكانَ يوآبُ ٱبنُ صَرويَةَ على رَأسِ الجَيشِ ويوشافاطُ بنُ أَحيلودَ مُدَوِّنًا، وصادوقُ بنُ أَحيطوبَ وأَبيمَلِكُ بنُ أَبِياتارَ كاهِنَينِ وشوشا كاتِبًا، وبَنايا بنُ يوياداعَ على رأسِ الكَريتِيِّينَ والفَليتِيِّين، وبَنو داوُدَ كانوا الأَوَّلينَ إِلى جانِبِ المَلِك. وكانَ بَعدَ ذٰلك أَن تُوُفِّيَ ناحاش، مَلِكُ بَني عَمُّون، فمَلَكَ ٱبنُه مَكانَه. فقالَ داوُد: «أَصْنَعُ رَحمَةً إِلى حَنونَ بنِ ناحاش، لأَنَّ أَباه صَنَعَ رَحمَةً إِلَيَّ»، وأَرسَلَ داوُدُ رُسُلًا لِيُعَزِّيَه عن أَبيه. فوَصَلَ رِجالُ داوُدَ إِلى أَرضِ بَني عَمُّونَ إِلى حَنونَ لِيُعَزُّوه. فقال رُؤَساءُ بَني عَمُّونَ لِحَنون: «أَتُرى داوُدَ يُكرِمُ أَباكَ في عَينَيكَ حَتَّى أَرسَلَ إِلَيكَ مُعَزِّين؟ أَلَيسَ أَنَّه لِيَفحَصَ الأَرضَ ويُقَلِّبَها ويَتَجَسَّسَها جاءَكَ رِجالُه؟». فقَبَضَ حَنونُ على رِجالِ داوُدَ وحَلَقَ لَهم وقَطَعَ ثِيابَهم مِنَ الوَسَطِ إِلى أَعْجازِهم، ثُمَّ صَرَفَهم. فأُتِيَ داوُدُ وأُخبِرَ بِأَمرِ الرِّجال، فأَرسَلَ لِلِقائِهم، لأَنَّ الرِّجالَ كانوا خَجِلينَ جِدًّا. وقالَ المَلِك: «أُمكُثوا في أَريحا حتَّى تَنبُتَ لِحاكم، ثُمَّ ٱرجِعوا». ولَمَّا رَأَى بَنو عَمُّونَ أَنَّهم قد أَصبَحوا مَمْقوتينَ عِندَ داوُد، أَرسَلَ حَنونُ وبَنو عَمُّونَ أَلفَ قِنْطارٍ مِنَ الفِضَّةِ لِيَستَأجِروا لَهم مَركَباتٍ وفُرْسانًا مِن أَرامِيِّي ما بَينَ النَّهرَينِ وأَرامِيِّي مَعكَةَ ومِن صوبا. فٱستأجَروا لَهمُ ٱثنَينِ وثَلاثينَ أَلفَ مَركَبَةٍ ومَلِكَ مَعكَةَ وقَومَه، فجاؤُوا وعَسكَروا تُجاهَ ميدَبا، وٱجتَمَعَ بَنو عَمُّونَ مِن مُدُنِهم وجاؤُوا لِلقِتال. فلَمَّا أُخبِرَ داوُد، أَرسَلَ يوآبَ وجَيشَ الأَبْطالِ كُلَّه. فخَرَجَ بَنو عَمُّونَ وٱصطَفُّوا لِلقِتالِ عِندَ مَدخَلِ المَدينَة، والمُلوكُ الَّذينَ جاؤُوا كانوا على حِدَةٍ في الحُقول. فرَأَى يوآبُ أَنَّ القِتالَ مُصَوَّبٌ إِلَيهِ مِنَ الأَمامِ والخَلْف، فٱخْتارَ قَومًا مِن نُخبَةِ إِسْرائيلَ كُلِّها وصَفَّهم لِلِقاءِ الأَرامِيِّينَ، وجَعَلَ بَقِيَّةَ الجَيشِ تَحتَ يَدِ أَبْشايَ أَخيه، فٱصطَفُّوا لِلِقاءِ بَني عَمُّون. وقال: «إِن قَوِيَ عَلَيَّ الأَرامِيُّون، تَكونُ أَنتَ لي نَجدَة، وإِن قَوِيَ عَلَيكَ بَنو عَمُّون، فأَنا أَنجُدُكَ. فتَشَدَّدْ ولْنَتَجَلَّدْ لأَجلِ شَعبِنا ولأَجلِ مُدُنِ إِلٰهِنا، ولْيَصنَعِ الرَّبُّ ما حَسُنَ في عَينَيه». ثُمَّ تَقَدَّمَ يوآبُ والشَّعبُ الَّذي معَه إِلى مُقابِلِ الأَرامِيِّينَ لِلقِتال، فٱنهَزَموا مِن وَجهِه. ورَأَى بَنو عَمُّونَ أَن قدِ ٱنهَزَمَ الأَرامِيُّون، فٱنهَزَموا هم أَيضًا مِن وَجهِ أَبْشايَ أَخيه ودَخَلوا المَدينة، فعادَ يوآبُ إِلى أُورَشَليم. فلَمَّا رَأَى الأَرامِيُّونَ أَنَّهم قدِ ٱنكَسَروا أَمامَ إِسْرائيل، أَرسَلوا رُسُلًا وأَخرَجوا الأَرامِيِّينَ الَّذينَ في عِبرِ النَّهرِ إِلى القِتال، وفي مُقَدَّمَتِهم شوفاك، قائِدُ جَيشِ هَدَدْعازَر. وأُخبِرَ داوُد، فجَمَعَ كُلَّ إِسْرائيلَ وعَبَرَ الأُردُنَّ وزَحَفَ علَيهم وٱصطَفَّ إزاءَهم، اِصطَفَّ داوُدُ لِلِقاءِ الأَرامِيِّينَ لِلقِتالِ وحارَبوه. فٱنهَزَمَ الأَرامِيُّونَ مِن وَجهِ إِسْرائيل، وأَهلَكَ داوُدُ مِنَ الأَرامِيِّينَ سَبعَةَ آلافِ مَركَبَةٍ وأَربَعينَ أَلفَ راجِلٍ، وقَتَلَ شوفاكَ، قائِدَ الجَيش. فلَمَّا رَأَى رَعايا هَدَدْعازَرَ أَنَّهمُ ٱنكَسَروا أَمامَ إِسْرائيل، صالَحوا داوُدَ وٱستُعبِدوا لَه. ولَم يَشَإِ الأَرامِيُّونَ أَن يَعودوا إِلى نَجدَةِ بَني عَمُّون. ولَمَّا كانَ مَدارُ السَّنَة، في وَقتِ خُروجِ المُلوكِ إِلى الحَرْب، قادَ يوآبُ قِوى الجَيشِ فأَهلَكَ أَرضَ بَني عَمُّون، وجاءَ وحاصَرَ رَبَّة. وأَمَّا داوُد، فبَقِيَ في أُورَشَليم. فضَرَبَ يوآبُ رَبَّةَ وهَدَمَها. وأَخَذَ داوُدُ تاجَ مِلْكامَ عن رَأسِه فوَجَدَ وَزنَه قِنطارًا مِنَ الذَّهَب، وفيه حِجارَةٌ كَريمة، فوُضِعَ على رَأسِ داوُد. وأَخرَجَ مِنَ المَدينَةِ غَنيمةً وافِرَةً جِدًّا. وأَخرَجَ الشَّعبَ الَّذي فيها وجَعَلَه على المَناشير على نَوارِجِ الحَديدِ وفُؤُوسِ الحَديد، وهٰكذا صَنَعَ داوُدُ بِجَميعِ مُدُنِ بَني عَمُّون. ورَجَعَ داوُدُ وكُلَّ الشَّعبِ إِلى أُورَشَليم. وكانَ بَعدَ ذٰلك أَن نَشِبَت حَربٌ في جازَرَ مع الفَلِسطينِيِّين. فقَتَلَ حينَئِذٍ سِبْكايُ الحوشِيُّ سِفَّايَ مِن بَني رِفائيم، فأُذِلُّوا. ثُمَّ كانَت أَيضًا حَربٌ مع الفَلِسطينِيِّين. فقَتَلَ أَلْحانانُ بنُ ياعيرَ لَحمِيَ أَخا جُلْياتَ الجَتِّيّ، وكانَت عَصا رُمحِه كنَولِ النُّسَّاج. وكانَت أَيضًا حَربٌ في جَتّ، وكانَ رَجُلٌ طَويلُ القامَةِ سُداسِيُّ الأَصابِع، أَي لَه أَربَعٌ وعِشْرونَ إصبَعًا، وهو أَيضًا مِن بَني رافاة. وكانَ يُعَيِّرُ إِسْرائيل، فقَتَلَه يوناتانُ بنُ شِمْعا، أَخي داوُد. هٰؤُلاءِ بَنو رافاةَ في جَتّ، فسَقَطوا بِيَدِ داوُدَ وأَيدي رِجالِه. ونَهَضَ الشَّيطانُ على إِسْرائيل، فحَرَّضَ داوُدَ على إِحصاءِ إِسْرائيل. فقالَ داوُدُ لِيوآبَ ولِرُؤَساءِ الشَّعْب: «إِذهَبوا وأَحْصوا إِسْرائيلَ مِن بِئْرَ سَبعَ إِلى دان، وٱرفَعوا إِلَيَّ عَدَده فأَعلَم». فقالَ يوآب: «لِيَزِدِ الرَّبُّ شَعبَه أَمْثالَه مِئَةَ ضِعْف. أَلَيسوا كُلُّهم، يا سَيِّدي المَلِك، عَبيدًا لِسَيِّدي؟ فلِمَ يَطلُبُ سَيِّدي هٰذا الأَمرَ ولِمَ يَكونُ ذَنبٌ على إِسْرائيل؟». لٰكِنَّ كَلامَ المَلِكِ تَغَلَّبَ على يوآب. فخَرَجَ يوآبُ وجالَ في إِسْرائيلَ كُلِّه، ثُمَّ عادَ إِلى أُورَشَليم. ورَفَعَ يوآبُ أَرقامَ إِحصاءِ الشَّعبِ إِلى داوُد، فكانَ مَجْموعُ إِسْرائيلَ أَلفَ أَلفٍ ومِئَةَ أَلفِ رَجُلٍ مُستَلِّ سَيف، ويَهوذا أَربَعَ مِئَةِ أَلفٍ وسَبْعينَ أَلفَ رَجُلٍ مُستَلِّ سَيف. فأَمَّا اللاَّوِيُّونَ والبَنْيامِيُّون، فلَم يُحصِهم بَينَهم، لأَنَّ أَمرَ المَلِكِ كانَ مَكْروهًا لَدى يوآب. وساءَ ذٰلك في عَينَيِ الله، فضَرَبَ إِسْرائيل. فقال داوُدُ لله: «قد خَطِئتُ جِدًّا فيما صَنَعتُ هٰذا الأَمْر، والآنَ ٱغفِرْ إِثمَ عَبدِكَ، لأَنِّي بِحَماقَةٍ كَبيرَةٍ تَصَرَّفتُ». وكَلَّمَ الرَّبُّ جادًا، رائِيَ داوُدَ، قائِلًا: «إِمضِ وقُلْ لِداوُدَ مُخاطِبًا: هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: إِنِّي عارِضٌ علَيكَ ثَلاثًا، فٱختَرْ لِنَفسِكَ واحِدَةً مِنْها فأُنزِلَها بِكَ». فأَتى جادٌ إِلى داوُدَ وأَخبَرَه: «كذا قالَ الرَّبّ: تَخَيَّرْ، إِمَّا ثَلاثَ سَنَواتِ مَجاعة، وإِمَّا ثَلاثَةَ أَشهُرٍ تَهرُبُ فيها أَمامَ أَعْدائِكَ وسَيفُ أَعْدائِكَ يُدرِكُكَ، وإِمَّا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ يَكونُ فيها سَيفُ الرَّبِّ وطاعونٌ في الأَرض، ومَلاكُ الرَّبِّ يُدَمِّرُ في جَميعِ أَراضي إِسْرائيل. فٱنظُرِ الآنَ فيما أُجيبُ بِه مُرسِلي مِنَ الكَلام». فقالَ داوُدُ لِجاد: «قد ضاقَ بِيَ الأَمرَ جِدًّا، فلَأَقَعُ في يَدِ الرَّبِّ لأَنَّ مَراحِمَه كَثيرةٌ جِدًّا، ولا أَقَعُ في يَدِ النَّاس». فبَعَثَ الرَّبُّ الطَّاعونَ في إِسْرائيل، فسَقَطَ مِن إِسْرائيلَ سَبْعونَ أَلفَ رَجُل. وأَرسَلَ اللهُ مَلاكًا إِلى أُورَشَليم لِيُدَمِّرَها. وفيما كانَ يُدَمِّرُها، نَظَرَ الرَّبُّ فنَدِمَ على الشَّرِّ وقالَ لِلمَلاكِ المُهلِك: «كَفى، فكُفَّ الآنَ يَدَكَ». فوَقَفَ مَلاكُ الرَّبِّ عِندَ بَيدَرِ أُرْنانَ اليَبوسِيّ. ورَفَعَ داوُدُ عَينَيه فرأَى مَلاكَ الرَّبِّ واقِفًا بَينَ الأَرضِ والسَّماء وبِيَدِه سَيفُه مَسْلولًا مَمْدودًا على أُورَشَليم، فٱرتَمى داوُدُ والشُّيوخُ لابِسوا المُسوحِ على وُجوهِهم. وقالَ داوُدُ للهِ: «أَلَم أَكُنْ أَنا الَّذي أَمَرتُ بإِحْصاءِ الشَّعبِ وأَنا الَّذي خَطِئتُ وأَسَأتُ؟ فأَمَّا أُولٰئِكَ الخِرافُ فماذا فَعَلوا؟ فلْتَكُنْ علَيَّ يَدُكَ أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي وعلى بَيتِ أَبي، لا على شَعبِكَ لِتَضرِبَه». فأَمَرَ مَلاكُ الرَّبِّ جادًا أَن يُبَلِّغَ داوُدَ أَن يَصعَدَ ويُقيمَ مَذبَحًا لِلرَّبِّ في بَيدرِ أُرنانَ اليَبوسِيّ. فصَعِدَ داوُدُ كما قالَ جادٌ الَّذي تَكَلَّمَ بِٱسمِ الرَّبّ. وٱلتَفَتَ أُرْنانُ فرَأَى المَلاكَ وكانَ معَه بَنوه الأَربَعَةُ فٱختَبَأوا، وكانَ أُرْنانُ يَدوسُ الحِنطَة. فلَمَّا جاءَ داوُدُ إِلى أُرْنان، نَظَرَ أُرْنانُ فرَأَى داوُد، فخَرَجَ مِنَ البَيدَرِ وسَجَدَ لَه بِوَجهِه إِلى الأَرض. فقالَ داوُدُ لأُرْنان: «أَعطِني مَكانَ البَيدَرِ فأَبنِيَ فيه مَذبَحًا لِلرَّبّ. بِثَمَنٍ كامِلٍ تُعْطيني إِيَّاه فتَكُفَّ الضَّربَةُ عنِ الشَّعْب». فقالَ أُرْنانُ لِداوُد: «خُذْه لَكَ ولْيَفْعَلْ سَيِّدي المَلِكُ ما يَحسُنُ في عَينَيه. أُنظُرْ! قد أَعطَيتُ البَقَرَ لِلمُحرَقات والنَّوارِجَ لِلحَطَب والحِنطَةَ لِلتَّقْدِمَة، قد أَعطَيتُ كُلَّ شَيء». فقالَ المَلِكُ داوُدُ لأُرْنان: «كَلاَّ، بل أَشتَري مِنكَ بِثَمَنٍ كامِل، لأَنِّي لا آخُذُ ما لَكَ لِلرَّبِّ فأُصعِدَ مُحرَقَةً مَجَّانِيَّة». وأَدَّى داوُدُ إِلى أُرْنانَ عنِ المَكانِ وَزْنَ سِتِّ مِئَةِ مِثْقالٍ مِنَ الذَّهَب. وبَنى هُناكَ داوُدُ مَذبَحًا لِلرَّبّ، وأَصعَدَ مُحرَقاتٍ وذَبائِحَ سَلامِيَّة، ودَعا إِلى الرَّبِّ فأَجابَه بِنارٍ مِنَ السَّماءِ على مَذبَحِ المُحرَقَة. وأَمَرَ الرَّبُّ المَلاكَ فرَدَّ سَيفَه إِلى غِمدِه. في ذٰلك الزَّمان، حينَ رَأَى داوُدُ أَنَّ الرَّبَّ ٱستَجابَه في بَيدَرِ أُرْنانَ اليَبوسِيّ، ذَبَحَ هُناك، لأَنَّ مَسكِنَ الرَّبِّ الَّذي عَمِلَه موسى في البَرِّيَّةِ ومَذبَحَ المُحرَقَةِ كانا في ذٰلك الوَقتِ في مَشرَفِ جِبْعون. لٰكِنَّ داوُدَ لم يَستَطِعْ أَن يَمضِيَ إِلى هُناكَ لِيَسأَلَ الله، لأَنَّه خافَ مِن سَيفِ مَلاكِ الرَّبّ. فقالَ داوُد: «هٰذا بَيتُ الرَّبِّ الإلٰه، وهٰذا مَذبَحُ المُحرَقَةِ لإسْرائيل». وأَمَرَ داوُدُ أَن يُجمَعَ النُّزَلاءُ الَّذينَ في أَرضِ إِسْرائيل، وأَقامَ قَلاَّعينَ لِيَقلَعوا حِجارَةً تُنحَتُ لِبِناءِ بَيتِ الله. وخَزَنَ داوُدُ حَديدًا كَثيرًا لِلمَسامير، لِمصاريعِ الأَبوابِ والوُصَل، ونُحاسًا كَثيرًا يَفوقُ الوَزْن، وخَشَبَ أَرزٍ لا يُحْصى، لأَنَّ الصَّيدونِيِّينَ والصُّورِيِّينَ أَحضَروا خَشَبَ أَرزٍ بِكَثرَةٍ إِلى داوُد. وقالَ داوُد: «إِنَّ سُلَيمانَ ٱبْني صَبِيٌّ غَضّ، والبَيتَ الَّذي يُبْنى لِلرَّبِّ عَظيمُ الذِّكرِ والمَجْدِ جِدًّا في كُلِّ الأَرض، فأَنا أَخزُنُ لَه». وخَزَنَ داوُدُ بِكَثرَةٍ قَبلَ وَفاتِه. ثُمَّ إِنَّه دَعا سُلَيمانَ ٱبنَه وأَوصاه بِأَن يَبنِيَ بَيتًا لِلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل. وقالَ داوُدُ لِسُلَيمان: «يا بُنَيَّ، كانَ في قَلْبي أَن أَبنِيَ بَيتًا لِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهي. غَيرَ أَنَّه صارَ إِلَيَّ كَلامُ الرَّبِّ قائِلًا: إِنَّكَ قد سَفَكتَ دَمًا كَثيرًا وقُمتَ بِحُروبٍ كَثيرة، فلا تَبْني أَنتَ بَيتًا لِٱسْمي، لأَنَّكَ قد سَفَكتَ دِماءً كَثيرَةً على الأَرضِ أَمامي فهُوذا قد وُلِدَ لَكَ ٱبنٌ يَكونُ رَجُلَ راحَة، وأَنا أُريحُه مِن جَميعِ أَعْدائِه مِن حَولِه، لأَنَّ ٱسمَه سُلَيمان، وأَمنَحُ السَّلامَ والهُدوءَ لإسْرائيلَ في أَيَّامِه. فهو يَبْني بَيتًا لاسْمي، وهو يَكونُ لِيَ ٱبنًا وأَنا أَكونُ لَه أَبًا، وأُثَبِّتُ عَرشَ مُلكِه على إِسْرائيلَ لِلأَبَد. فالآنَ يا بُنَيَّ، لِيَكُنِ الرَّبُّ معكَ فتَنْجَحَ في بِناءِ بَيتِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، كما تَكَلَّمَ عنكَ. ولْيُؤْتِكَ الرَّبُّ فَهْمًا وبَصيرة، ولْيوصِكَ بإِسْرائيلَ لِتَحفَظَ شَريعَةَ الرَّبِّ إِلٰهِكَ. حينَئِذٍ تَنجَحُ إِذا حَرِصتَ أَن تَعمَلَ بِالفَرائِضِ والأَحْكامِ الَّتي أَمَرَ بِها الرَّبُّ موسى في حَقِّ إِسْرائيل. فتَشَدَّدْ وتَشَجَّعْ، ولا تَخَفْ ولا تَفزَعْ. وهاءَنَذا في بُؤسي قد خَزَنتُ لِبَيتِ الرَّبِّ مِئَةَ أَلفِ قِنْطارٍ مِنَ الذَّهَبِ وأَلفَ أَلفِ قِنطارٍ مِنَ الفِضَّة، ومِنَ النُّحاسِ والحَديدِ ما يَفوقُ الوَزنَ لِكَثرَتِه، وخَزَنتُ أَخْشابًا وحِجارَة، وأَنتَ تَزيدُ علَيها. وعِندَكَ صُنَّاعٌ كَثيرونَ لِلعَمَل. قَلاَّعونَ ونَقَّاشو حَجَرٍ وخَشَبٍ وكُلُّ ماهِرٍ في كُلِّ عَمَل. أَمَّا الذَّهَبُ والفِضَّةُ والنُّحاسُ والحَديد، فما لا يُحْصى. فقُمْ وٱعمَلْ، ولْيَكُنِ الرَّبُّ معَكَ». وأَوصى داوُدُ جَميعَ رُؤَساءِ إِسْرائيلَ بِأَن يُساعِدوا سُلَيمانَ ٱبنَه قائِلًا: أَلَيسَ الرَّبُّ إِلٰهُكم معَكم، وقَد أَراحَكم مِن كُلِّ جِهَة، إِذ أسلَمَ سُكَّانَ الأَرضِ إِلى يَدي وخَضَعَتِ الأَرضُ أَمامَ الرَّبِّ وأَمامَ شَعْبِه. فَوَجِّهوا الآنَ قُلوبَكم ونُفوسَكم لِٱلتِماسِ الرَّبِّ إِلٰهِكم، وقوموا وٱبْنوا مَقدِسَ الرَّبِّ الإلٰه، لِلمَجيءِ بِتابوتِ عَهدِ الرَّبِّ وآنِيَةِ اللهِ المُقَدَّسَةِ إِلى البَيتِ المَبنِيِّ لِٱسمِ الرَّبّ». ولَمَّا شاخَ داوُدُ وشَبِعَ أَيَّامًا، أَقامَ سُلَيمانَ ٱبنَه مَلِكًا على إِسْرائيل. وجَمَعَ كُلَّ رُؤَساءِ إِسْرائيلَ والكَهَنَةَ واللاَّوِيِّين. فأُحصِيَ اللاَّوِيُّونَ مِن ٱبن ثَلاثينَ سَنَةً فما فَوق، فكانَ عدَدُهم واحِدًا فواحِدًا ثَمَانِيَةً وثَلاثينَ أَلفًا. مِنهُم أَربَعةٌ وعِشْرونَ أَلفًا مُناظِرونَ على عَمَلِ بَيتِ الرّبّ، وسِتَّةُ آلافٍ كَتَبَةٌ وقُضاة، وأَربَعَةُ آلافِ بَوَّابون، وأَربَعَة آلافٍ مُسَبِّحونَ لِلرَّبِّ على الآلاتِ الَّتي صُنِعَت لِلتَّسْبيح. فقَسَّمَهم داوُدُ فِرَقًا بِحَسَبِ بَني لاوِي: جِرْشونَ وقَهاتَ ومَراري. فكانَ لِلجِرْشونِيِّينَ لَعْدانُ وشِمْعي. وبَنو لَعْدان: الرَّأسُ يَحيئيل، ثُمَّ زيتامُ ويوئيل، ثَلاثَة. وبَنو شِمعي: شَلوميتُ وحَزيئيلُ وهارانُ، ثَلاثة. هٰؤُلاءِ رُؤَساءُ الآباءِ لِلَعْدان. وبَنو شِمْعي: ياحَتُ وزينا ويَعوشُ وبَريعة. هٰؤُلاءِ بَنو شِمْعي، أَربَعَة. وكانَ ياحَتُ الأَوَّلَ وزيزا الثَّاني، فأَمَّا يَعوشُ وبَريعة، فلَم يَكُنْ لَهُما بَنونَ كَثيرون، فكانوا في الإِحصاءِ بَيتَ أَبٍ واحِد. وبَنو قَهات: عَمْرامُ ويِصْهارُ وحَبْرونُ وعُزِّيئيل، أَربَعَة. وبَنو عَمْرام: هارونُ وموسى. وأُفرِدَ هارونُ لِيُقَدِّسَ قُدسَ الأَقْداسِ هو وبَنوه للأَبَد، ويُحرِقَ البَخورَ أَمامَ الرَّبّ، ويَخدُمَه ويُبارِكَ بِٱسمِه لِلأَبَد. فأَمَّا موسى، رَجُلُ الله، فسُمِّيَ بَنوه بِٱسمِ سِبطِ لاوي. وٱبْنا موسى: جِرْشومُ وأَليعازَر، وٱبنُ جِرْشوم: شَبوئيلُ الأَوَّل، وٱبنُ أَليعازَر: رَحَبْيا الأَوَّل. ولم يَكُنْ لأَليعازَرَ بَنونَ آخَرون، وأَمَّا بَنو رَحَبْيا فكانوا كَثيرينَ جِدًّا. وٱبنُ يِصْهار: شلوميتُ الأَوَّل. وبَنو حَبْرون: يَرِيَّا الأَوَّلُ وأَمَرْيا الثَّاني ويَحْزيئيلُ الثَّالِثُ ويَقَمْعامُ الرَّابِع. وٱبْنا عُزِّيئيل: ميكَةُ الأَوَّلُ ويِشِّيَّا الثَّاني. وٱبنا مَراري: مَحْلي وموشي، وٱبنا مَحْلي: أَلِعازارُ وقيش. وماتَ أَلِعازارُ ولم يَكُنْ لَه بَنون، بل بَنات، فأَخَذَهُنَّ إِخوَتُهُنَّ بَنو قيش. وبنو موشي: مَحْلي وعادَرُ ويَريموت، ثَلاثة. هٰؤُلاءِ بَنو لاوي بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم رُؤُوسُ الآباء، كما أُحْصوا بِعَدَدِ الأَسماءِ واحِدًا فَواحِدًا، ووُلِّيَ القِيامَ بِخِدمَةِ بَيتِ الرَّبِّ مَن كانَ ٱبنَ عِشْرينَ سَنَةً فما فَوق. لأَنَّ داوُدَ قال: «إِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرائيلَ قد أَراحَ شَعبَه، فهو يَسكُنُ في أُورَشَليمَ لِلأَبَد. فلا يَكونُ على اللاَّوِيِّينَ بَعدَ اليَومِ أَن يَحمِلوا المَسكِنَ ولا أَمتِعَتَه لِخِدمَتِه». فأُحصِيَ بَنو لاوِيَ بِحَسَبِ كَلامِ داوُدَ الأَخير، مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنَةً فما فَوق، فكانوا يَقِفونَ تَحتَ أَيدي بَني هارونَ لِخِدمَةِ بَيتِ الرَّبِّ في الدَّارَينِ والمَخادِع، وفي أمرِ تَطْهيرِ كُلِّ شَيءٍ مُقَدَّس، والقِيامِ بِخِدمَةِ بَيتِ الله، ولأَمرِ خُبزِ التَّنْضيدِ وسَميذِ التَّقدِمَةِ وأَقراصِ الفَطير، وما يُعمَلُ على الصَّاجِ وما يُشَرَّب، ولِكُلِّ كَيلٍ وقِياس، ولِلقِيامِ كُلَّ صَباحٍ لِحَمدِ الرَّبِّ وتَسْبيحهِ، وكذٰلك كُلَّ مَساء، ولإصعادِ كُلِّ مُحرَقاتِ الرَّبِّ في السُّبوتِ وفي رُؤُوسِ الشُّهورِ والأَعيادِ المَعْدودَةِ بِحَسَبِ التَّرْتيبِ المَفْروضِ علَيهم دائِمًا أَمامَ الرَّبّ، ولِكَي يَتَوَلَّوا الإِشْرافَ على خَيمَةِ المَوعِدِ والإِشْرافَ على القُدسِ والإشرافَ على بَني هارونَ إِخوَتِهم في خِدمَةِ بَيتِ الرَّبّ. وهٰذِه فِرَقُ بَني هارون: بَنو هارون: نادابُ وأَبيهو وأَلِعازارُ وإِيتامار. وماتَ نادابُ وأَبيهو أَمامَ أَبيهما ولم يَكُنْ لَهما بَنون، فكانَ أَلِعازارُ وإِيتامارُ كَهَنَة. وقَسَّمَهم داوُدُ إِلى فِرَق، هم وصادوقَ مِن بَني أَلِعازار، وأَحيمَلِكَ مِن بَني إِيتامار، وأَحْصاهم بِحَسَبِ خِدمَتِهم. ووُجِدَ لِبَني أَلِعازارَ رُؤَساءُ أَبْطالٍ أَكثَرُ مِن بَني إِيتامار. فقُسِّمَ بَنو أَلِعازارَ رُؤَساءَ لِبَيتِ آبائِهم فكانوا سِتَّةَ عَشَر، وبَنو إِيتامارَ لِبَيتِ آبائِهم فكانوا ثَمَانِيَة. قُسِّموا بِالقُرعَةِ، هٰؤُلاءِ مع هٰؤُلاءِ، لأَنَّ رُؤَساءَ القُدسِ ورُؤَساءَ بَيتِ اللهِ كانوا مِن بَني أَلِعازارَ وبَني إِيتامار. وسَجَّلَهم شَمَعْيا بنُ نَتَنائيلَ الكاتِبُ مِنَ اللاَّوِيِّينَ أَمامَ المَلِكِ والرُّؤَساءِ وصادوقَ الكاهِنِ وأَحيمَلِكَ بنِ أَبِياتارَ ورُؤَساءِ آباءِ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ، فأُخِذَ بَيتُ أَبٍ واحِدٍ لأَلِعازارَ وأُخِذَ واحِدٌ لِإيتامار. فوَقَعَتِ القُرعَةُ الأُولى على يوياريبَ والثَّانِيَةُ على يَدَعْيا والثَّالِثَةُ على حاريمَ والرَّابِعَةُ على سَعوريمَ والخامِسَةُ على مَلكِيَّا والسَّادِسَةُ على مِيَّامين والسَّابِعَةُ على هِقُّوصَ والثَّامِنَةُ على أَبِيَّا والتَّاسِعَةُ على يَشوعَ والعاشِرَةُ على شَكَنْيا والحادِيَةَ عَشرَةَ على أَلْياشيبَ والثَّانِيَةَ عَشرَةَ على ياقيم والثَّالِثَةَ عَشرَةَ على حُقَّةَ والرَّابِعَةَ عَشرَةَ على يَشَبْآبَ والخامِسَةَ عَشرَةَ على بِلْجَةَ والسَّادِسَةَ عَشرَةَ على إِمِّير والسَّابِعَةَ عَشرَةَ على حِزيرَ والثَّامِنَةَ عَشرَةَ على هَقْصيصَ والتَّاسِعَةَ عَشرَةَ على فَقَحْيا والعِشْرونَ على يَحَزْقيئيلَ والحادِيَةُ والعِشْرونَ على ياكينَ والثَّانِيَةُ والعِشْرونَ على جامول والثَّالِثَةُ والعِشْرونَ على دَلايا والرَّابِعَةُ والعِشْرونَ على مَعَزْيا. هٰؤُلاءِ همُ الَّذينَ أُحصوا بِحَسَبِ خِدمَتِهم لِلدُّخولِ إِلى بَيتِ الرَّبِّ بِحَسَبِ ما رَسَمَه لَهم هارونُ أَبوهم، كما أَمَرَه الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل. وأَمَّا سائِرُ بَني لاوي، فمِن بَني عَمْرامَ: شوبائيل، ومِن بَني شوبائيل: يَحَدْيا. وأَمَّا رَحَبْيا، بَنو رَحَبْيا، فالأَوَّلُ: يِشِّيَّا. ومِنَ اليِصْهارِيِّين: شَلوموت، ومن بَني شلوموت: ياحَت. وبَنو حَبْرون: يَرِيَّا والثَّاني أَمَرْيا والثَّالِثُ يَحْزيئيلُ والرَّابِعُ يَقَمْعام. وٱبنُ عُزِّيئيل: ميخا، ومِن بَني ميخا: شامير. وأَخو ميخا: يِشِّيَّا، ومِن بَني يِشِّيَّا: زَكَرِيَّا. وٱبنا مَراري: مَحْلي وموشي، وبنو يَعزِيَّا: إِبنُه. ومِن بَني مَراري بِيَعزِيَّا ٱبنِه: شوهَمُ وزَكُّورُ وعِبْري. ومِن مَحْلي: أَلِعازار، ولم يَكُنْ لَه بَنون. وأَمَّا قيش، فٱبنُ قيش: يَرَحْمَئيل. وبَنو موشي: مَحْلي وعادَرُ ويَريموت. هٰؤُلاءِ بَنو اللاَّوِيِّينَ بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم. وأَلقَوا هم أَيضًا قُرَعًا على مِثالِ إِخوَتِهم بَني هارونَ أَمامَ داوُدَ المَلِكِ وصادوقَ وأَحيمَلِكَ ورُؤَساءِ آباءِ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ، وكانَ الآباءُ الرُّؤَساءُ على حَدِّ إِخوَتِهم الأَصاغِر. وأَفرَدَ داوُدُ ورُؤَساءُ الجيشِ لِلخدِمَةِ بَني آسافَ وهَيمانَ ويَدوتونَ المُتَنَبِّئينَ على صَوتِ الكِنَّاراتِ والعيدانِ والصُّنوج. وهٰذا عَدَدُ الرِّجالِ بِهٰذه الخِدمَة: مِن بَني آساف: زَكُّورُ ويوسُفُ ونَتَنْيا وأَشَرْئيلةُ، وكانَ بَنو آسافَ تَحتَ يَدِ آسافَ المُتَنَبِّئِ تَحتَ يَدَيِ المَلِك. ولِيَدوتونَ بنو يَدوتون: جَدَلْيا وصَري وأَشَعْيا وحَشَبْيا ومَتَّتْيا، كانوا سِتَّةً تَحتَ يَدِ أَبيهم يَدوتونَ المُتَنَبِّئِ على صَوتِ الكِنَّاراتِ لأَجلِ الحَمدِ والتَّسبيحِ لِلرَّبّ. ولِهَيْمَانَ بَنو هَيمان: بُقِّيَّا ومَتَّنْيا وعُزِّيئيلَ وشَبوئيلُ ويَريموتُ وحَنَنْيا وحَناني وأَلِياتَةُ وجِدَّلْتي ورومَمْتي عازَرُ ويُشْبَقاشَةُ ومَلُّوتي وهوتيرُ ومَحْزيؤُوت. جَميعُ هٰؤُلاءِ بَنو هَيْمانَ، رائي المَلِك، يَنفُخونَ في البوقِ لِكَلامِ الله. ورَزَقَ الرَّبُّ هَيمانَ أَربَعَةَ عَشَرَ ٱبنًا وثَلاثَ بَنات. كُلُّ هٰؤُلاءِ تَحتَ يَدِ أَبيهم لِلغِناءِ في بَيتِ الرَّبِّ بِالصُّنوجِ والعيدانِ والكِنَّاراتِ، لِخِدَمَةِ بَيتِ الله، تَحتَ يَدِ المَلِكِ وآسافَ ويَدوتونَ وهَيمان. وكانَ عَدَدُهم مع إِخوَتِهمِ الَّذينَ تَعَلَّموا الغِناءَ لِلرَّبّ، وكُلُّهم ماهِرون، مِئَتينِ وثَمانِيَةً وثمانين. وأَلقَوا قُرَعَ التَّرتيبِ، على حَدٍّ واحِدٍ الصَّغيرُ والكَبير، والمُعَلِّمُ والتِّلْميذ، فوَقَعَتِ القُرعَةُ الأُولى على آساف؛ أي على يُوسف، والثَّانِيَةُ على جَدَلْيا وإِخوَتِه وبَنيه وكانوا ٱثنَي عَشَر، والثَّالِثَةُ على زَكُّورَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والرَّابِعَةُ على يِصْريَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والخامِسَةُ على نَتَنْيا وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والسَّادِسَةُ على بُقِّيَّا وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والسَّابِعَةُ على يَشَرْئيلَةَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والثَّامِنَةُ على أَشَعْيا وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والتَّاسِعَةُ على مَتَّتْيا وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والعاشِرَةُ على شِمْعي وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والحادِيَةَ عَشرَةَ على عَزَرْئيلَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والثَّانِيَةَ عَشرَةَ على حَشَبْيا وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والثَّالِثَةَ عَشَرَةَ على شوبائيلَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والرَّابِعَةُ عَشرَةَ على مَتَّتْيا وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والخامِسَةَ عَشرَةَ على يَريموتَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر والسَّادِسَةَ عَشرَةَ على حَنَنْيا وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَرَ، والسَّابِعَةَ عَشرَةَ على يُشبَقاشَةَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والثَّامِنَةَ عَشرَةَ على حَناني وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والتَّاسِعَةَ عَشرَةَ على مِلُّوتي وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والعِشْرونَ على أَلِيَّاتَةَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والحادِيَةُ والعِشْرونَ على هوتيرَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والثَّانِيَةُ والعِشْرونَ على جِدَّلْتي وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والثَّالِثَةُ والعِشْرونَ على مَحزِيوتَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر، والرَّابِعَةُ والعِشْرونَ على رومَمْتي عازرَ وبَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ٱثنَي عَشَر. وأَمَّا فِرَقُ البَوَّابين، فمِنَ القورَحِيِّين: مَشَلَمْيا بنُ قوري مِن بَني أَبِياساف. وكانَ لِمَشَلَمْيا بَنون: البِكرُ زَكَرَيَّا والثَّاني يَديعَئيلُ والثَّالِثُ زَبَدْيا والرَّابِعُ يَتْنيئيلُ والخامِسُ عَيلامُ والسَّادِسُ يوحانانُ والسَّابِعُ أَلْيوعَيناي. وكانَ لِعوبيدَ أَدومَ بَنون: البِكرُ شَمَعْيا والثَّاني يوزابادُ والثَّالِثُ يوآحُ والرَّابِعُ ساكارُ والخامِسُ نَتَنائيلُ والسَّادِسُ عَمِّيئيلُ والسَّابِعُ يَسَّاكَرُ والثَّامِنُ فَعُلْتاي، لأَنَّ اللهَ بارَكَه. ولِشَمَعْيا ٱبنِه وُلِدَ بَنونَ تَسَلَّطوا في بَيتِ آبائِهم، لأَنَّهم كانوا أَبطالَ بَأس. وبَنو شَمَعْيا: عُتْني ورَفائيلُ وعوبيدُ وأَلْزابادُ، وأَخواه رَجُلا بأسٍ أَليهو وسَمَكْيا. كُلُّ هٰؤُلاءِ مِن بَني عوبيدَ أَدوم، وكانوا هم وبَنوهم وإِخوَتُهم رِجالَ بَأسٍ، أَقوِياءَ في الخِدمَة، وهمُ ٱثنانِ وسِتُّونَ لِعوبيدَ أَدوم. وكانَ لِمَشَلَمْيا بَنونَ وإِخوَةٌ رِجالُ بَأس، وكانوا ثَمَانِيَةَ عَشَر. وكانَ لِحوسَةَ مِن بَني مَرارِيَ بَنون: الأَوَّلُ شِمعري - ومع أَنَّه لم يَكُنْ بِكرًا جَعَلَه أَبوه رَأسًا - والثَّاني حِلقِيَّا والثَّالِثُ طَبَلْيا والرَّابِعُ زَكَرِيَّا. فمَجْموعُ بَني حوسَةَ وإِخوَتِه ثَلاثَةَ عَشَر. وكانَ لِفِرَقِ البَوَّابينَ هٰؤُلاءِ، بِحَسَبِ رُؤَساءِ رِجالِهم، وَظائِفُ على حَدِّ إِخوَتِهم لِلخِدمَةِ في بَيتِ الرَّبّ. فأَلقَوا قُرَعًا، الصَّغيرُ كالكَبير، بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم، لِكُلٍّ مِنَ الأَبواب. فوَقَعَتِ القُرعَةُ: لِجِهَةِ الشَّرقِ على شَلَمْيا، ولِزَكَرِيَّا ٱبنِه الحَكيمِ في المَشورَةِ أَلقَوا قُرَعًا، فوَقَعَتِ القُرعَةُ علَيه لِلشَّمال، ولِعوبيدَ أَدومَ لِلجَنوب، ولِبَنيه لِلمَخازِن، ولِشُفِّيمَ وحوسَةَ لِلغَربِ مع بابِ شَلاَّكَت، في الطَّريقِ الصَّاعِد، وكان مَحرَسٌ يُقابِلُ مَحرَسًا. وكانَ اللاَّوِيُّونَ مِن جِهَةِ الشَّرقِ سِتَّة، ومِن جِهَةِ الشَّمالِ أَربَعَةً لِكُلِّ يَوم، ومِن جِهَةِ الجَنوبِ أَربَعَةً لِكُلِّ يَوم، ومن جِهَةِ المَخازِنِ ٱثنَينِ ٱثنَينِ، ومِن جِهَةِ الرِّواقِ إِلى الغَربِ أَربَعَةً في الطَّريقِ وٱثنَينِ في الرِّواق. هٰذه فِرَقُ البَوَّابينَ مِن بَني القورَحِيِّينَ ومِن بَني مَراري. وأَمَّا اللاَّوِيُّونَ فأَحِيَّا على خَزائِنِ بَيتِ اللهِ وخَزائِنَ الأَقْداس. وأَمَّا بَنو لَعْدان، وهم بَنوه مِنَ الجِرْشونِيِّين، فكانَ اليَحيئيلِيُّونَ رُؤَساءَ آباءِ لَعْدانَ الجِرْشونِيّ. وٱبنا يَحيئيلي: زيتامُ ويوئيلُ أَخوه على خَزائِنِ بَيتِ الرَّبّ. ومِنَ العَمْرامِيِّينَ واليِصْهارِيِّينَ والحَبْرونِيِّينَ والعُزيئيلِيِّين: كانَ شَبوئيلُ بنُ جِرْشومَ بنِ موسى رَئيسًا على الخَزائِن. وإِخوَتُه مِن أَليعازَر: إِبنُه رَحَبْيا، وٱبنُه أَشَعْيا، وٱبنُه يورام، وٱبنُه زِكْري، وٱبنُه شَلوميت. وكانَ شَلوميتُ هٰذا وإِخوَتُه على جَميعِ خَزائِنِ الأَقْداسِ الَّتي قَدَّسَها داوُدُ المَلِكُ ورُؤَساءُ الآباءِ ورُؤَساءُ الأُلوفِ والمِئينَ ورُؤَساءُ الجَيش، (مِمَّا قَدَّسوه مِنَ الحُروبِ والغَنائِمِ لِتَرميمِ بَيتِ الرَّبّ)، وكُلِّ ما قَدَّسَه صَموئيلُ الرَّائي وشاوُلُ بنُ قيشٍ وأَبْنيرُ بنُ نيرٍ ويوآبُ ٱبنُ صَروية. كُلُّ مُقَدَّسٍ كانَ تَحتَ يَدِ شَلوميتَ وإِخوَتِه. وكانَ مِنَ اليِصْهارِيِّينَ كَنَنْيا وبَنوه لِلعَمَلِ الخارِجِيِّ في إِسْرائيلَ كَتَبَةً وقُضاة. ومِنَ الحَبْرونِيِّينَ حَشَبْيا وإِخوَتُه، أَلفٌ. وسَبعُ مِئَةٍ ذَوو بَأسٍ، كانوا مُوَكَّلينَ على إِسْرائيلَ في عِبرِ الأُردُنِّ غَربًا، في كُلِّ عَمَلِ الرَّبِّ وفي خِدمَةِ المَلِك. ومِنَ الحَبْرونِيِّينَ: يَرِيَّا أَوَّلُ الحَبْرونِيِّين. في السَّنَةِ الأَربَعينَ لِمُلكِ داوُد، بُحِثَ في مَواليدِ آبائِهم، فوُجِدَ فيهم أَبْطالُ بَأسٍ في يَعْزيرَ جِلْعاد. وإِخوَةُ يَرِيَّا أَلْفانِ وسَبْعُ مِئَةٍ ذَوو بَأسٍ ورُؤَساءُ آباء، فوَكَّلَهم داوُدُ المَلِكُ على الرَّأُوبينِيِّينَ والجادِيِّينَ ونِصفِ سِبطِ مَنَسَّى، في جَميعِ أُمورِ اللهِ وأُمورِ المَلِك. وبَنو إِسْرائيلَ بِحَسَبِ عَدَدِهم: رُؤَساءُ الآباءِ ورُؤَساءُ الأُلوفِ والمِئينَ وكَتَبَتُهمُ الَّذينَ يَخدُمونَ المَلِكَ في كُلِّ أُمورِ الفِرَقِ مِنَ الآتينَ والذَّاهِبينَ شَهرًا فشَهرًا لِكُلِّ شُهورِ السَّنَة، كُلُّ فِرقَةٍ مِنهم كانَت أَربَعَةً وعِشْرينَ أَلفًا. وكانَ على الفِرقَةِ الأُولى لِلشَّهرِ الأَوَّل: ياشُبْعامُ بنُ زَبْديئيلَ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. وهو مِن بَني فارَص، وكانَ رَئيسًا لِجَميعِ رُؤَساءِ الجُيوشِ لِلشَّهرِ الأَوَّل. وعلى فِرقَةِ الشَّهرِ الثَّاني: دودايُ الأَحوحِيُّ ومِن فِرقَتِه مِقْلوتُ القائِدُ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. ورَئيسُ الجَيشِ الثَّالِثِ لِلشَّهرِ الثَّالِث: بَنايا بنُ يوياداعَ الكاهِنُ الرَّئيسُ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. وهو بَنايا بَطَلُ الثَّلاثين، وكانَ على الثَّلاثين، ومِن فِرقَتِه: عَمِّزابادُ ٱبنُه. والرَّابِعُ لِلشَّهرِ الرَّابِع: عَسائيل، أَخو يوآب، وزَبَدْيا ٱبنُه بَعدَه وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. والخامِسُ لِلشَّهرِ الخامِس: الرَّئيسُ شَمْحوتُ اليِزْراحِيُّ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. والسَّادِسُ لِلشَّهرِ السَّادِس: عيرا بنُ عُقِّيشَ التَّقوعِيُّ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. والسَّابِعُ لِلشَّهرِ السَّابِع: حالَصُ الفَلونِيُّ مِن بَني أَفْرائيمَ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. والثَّامِنُ لِلشَّهرِ الثَّامِن: سِبْكايُ الحوشِيُّ مِنَ الزَّارَحِيِّينَ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. والتَّاسِعُ لِلشَّهرِ التَّاسِع: أَبيعازَرُ العَناتوتِيُّ مِن بَنْيامينَ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. والعاشِرُ لِلشَّهرِ العاشِر: مَهْرايُ النَّطوفِيُّ مِنَ الزَّارَحِيِّينَ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. والحادي عَشَرَ لِلشَّهرِ الحادي عَشَر: بَنايا الفِرعَتونِيُّ مِن بَني أَفْرائيمَ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. والثَّاني عَشَرَ لِلشَّهرِ الثَّاني عَشَر: حَلْدايُ النَّطوفِيُّ مِن عُتْنيئيلَ وفِرقَتُه، أَربَعَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا. وكانَ على أَسباطِ إِسْرائيلَ لِلرَّأُوبينيِّين: القائُدُ أَليعازَرُ بنُ زِكْري، ولِلشَّمْعونِيِّينَ: شَفَطْيا بنُ مَعكَة، ولِلاَّوِيِّين: حَشَبْيا بنُ قَموئيل، ولِلهارونِيِّين: صادوق، ولِيَهوذا: أَليهو، مِن إِخوَةِ داوُد، ولِيَسَّاكَر: عُمْري بنُ ميكائيل، ولِزَبولون: يِشْمَعْيا بنُ عوبَدْيا، ولِنَفْتالي: يَريموتُ بنُ عَزْريئيل، ولِبَني أَفْرائيم: هوشَعُ بنُ عَزَزْيا، ولِنِصفِ سِبطِ مَنَسَّى: يوئيلُ بنُ فَدايا، ولِنِصفِ سِبطِ مَنَسَّى في جِلْعاد: يِدُّو بنُ زَكَرِيَّا، ولِبَنْيامين: يَعْسيئيلُ بنُ أَبْنير، ولِدان: عَزَرْئيلُ بنُ يَروحام. هٰؤُلاءِ رُؤَساءُ أَسْباطِ إِسْرائيل. ولم يُحصِ داوُدُ عَدَدَ الَّذينَ مِنِ ٱبنِ عِشْرينَ سَنَةً فما دون، لأَنَّ الرَّبَّ قالَ إِنَّه يُكَثِّرُ إِسْرائيلَ كنُجومِ السَّماء. وٱبتَدَأَ يوآبُ ٱبنُ صَرويَةَ في الإحصاء، ولم يُتِمَّه، لأَنَّه كانَ بِسَبَبِ ذٰلك السُّخطُ على إِسْرائيل، ولم يُدَوَّنِ العَدَدُ في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ لِلمَلِكِ داوُد. وكانَ على خَزائِنِ المَلِك: عَزْموتُ بنُ عَديئيل، وعلى خَزائِنِ الحُقولِ والمُدُنِ والضِّياعِ والحُصون: يوناتانُ بنُ عُزِّيَّا، وعلى عُمَّالِ المَزارِعِ في فِلاحَةِ الأَرض: عَزْري بنُ كَلوب، وعلى الكُروم: شِمْعي الرَّامي، وعلى ما في الكُرومِ مِن خَزائِنِ الخَمْر: زَبْدي الشَّفْمِيّ، وعلى الزَّيتونِ والجُمَّيزِ اللَّذَينِ في السَّهْل: بَعلَ حانانُ الجَديرِيّ، وعلى خَزائِنِ الزَّيت: يوعاش، وعلى البَقَرِ الَّذي يَرْعى في شارون: شِطْرايُ الشَّارونِيّ، وعلى البَقَرِ الَّذي في الأَودِيَة، شافاطُ بنُ عَدْلاي، وعلى الجِمال: أُوبيلُ الإِسْماعيليّ، وعلى الأُتُن: يَحَدْيا الميرونوتِيّ، وعلى الغَنَم: يازيزُ الهَجْرِيّ. كُلُّ هٰؤُلاءِ رُؤَساءُ الأَمْوالِ الَّتي لِلمَلِكِ داوُد. ويوناتان، عَمُّ داوُد، كانَ مُشيرًا، وهو رَجُلٌ حَكيمٌ وكاتِب، وكانَ يَحيئيلُ بنُ حَكْموني مع بَني المَلِك. وكانَ أَحيتوفَلُ مُستَشارًا لِلمَلِك، وحوشايُ الأَركِيُّ صَديقَ المَلِك. وخَلَفَ أَحيتوفَلَ يوياداعُ بنُ بَنايا وأَبِياتار، وكانَ يوآبُ رَئيسَ جَيشِ المَلِك. وجَمَعَ داوُدُ في أُورَشَليمَ جَميعَ رُؤَساءِ إِسْرائيل، رُؤَساءَ الأَسْباطِ ورُؤَساءَ الفِرَقِ الَّذينَ يَخدُمونَ المَلِك، ورُؤَساءَ الأَلوفِ ورُؤَساءَ المِئينَ والوُكَلاءَ على جَميعِ أَمْوالِ المَلِكِ وقُطْعانِه، وأَبْناءَه والخِصْيانَ والأَبْطال، وجَميعَ ذَوي البأس. وقامَ داوُدُ المَلِكُ على قَدَمَيه وقال: «إِستَمِعوا لي، يا إِخوَتي وشَعْبي. قد كانَ في قَلْبي أَن أَبْنِيَ بَيتَ راحَةٍ لِتابوتِ عَهدِ الرَّبِّ ولِمَوطِئِ قَدَمَي إِلٰهِنا، وقد خَزَنتُ لِلبِناء. فقالَ لِيَ الله: أَنتَ لا تَبْني بَيتًا لِٱسمي، لأَنَّكَ رَجُلُ حُروب، وقد سَفَكتَ الدِّماء. وقدِ ٱخْتارنِيَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، مِن كُلِّ بَيتِ أَبي، لأَكونَ مَلِكًا على إِسْرائيل، لِلأَبَد، لأَنَّه قدِ ٱختارَ يَهوذا قائِدًا، ومِن بَيتِ يَهوذا بَيتَ أَبي، ومِن بَني أَبي رَضِيَ عَنِّي فمَلَّكَني على كُلِّ إِسْرائيل، ومِن بَنِيَّ كُلِّهم - لأَنَّ الرَّبَّ رَزَقَني بَنينَ كَثيرين - إِخْتارَ سُلَيمانَ ٱبْني لِيَجلِسَ على عَرشِ مُلكِ الرَّبِّ على إِسْرائيل. وقالَ لي: إِنَّ سُلَيمانَ ٱبنَكَ هو يَبْني بَيتي ودوري، لأَنِّي إِيَّاه ٱختَرْتُ لِيَ ٱبنًا، وأَنا أَكونُ لَه أَبًا، وأُثَبِّتُ مُلكَه لِلأَبَد، إِن ثَبَتَ على العَمَلِ بِوَصايايَ وأَحْكامي كما في هٰذا اليَوم. فالآن، على عيونِ كُلِّ إِسْرائيل، جَماعَةِ الرَّبّ، وعلى مِسمَعِ إِلٰهِنا، اِحفَظوا وتَفَحَّصوا جَميعَ وَصايا الرَّبِّ إِلٰهِكم، لِتَرِثوا الأَرضَ الطَّيِّبَةَ وتورِثوها لِبَنيكم مِن بَعدِكم لِلأَبَد. وأَنتَ يا سُلَيمانُ ٱبْني، فٱعرِفْ إِلٰهَ أَبيكَ وٱعبُدْه بِقَلبٍ سَليمٍ ونَفسٍ راغِبَة، لأَنَّ الرَّبَّ يَفحَصُ جَميعَ القُلوب، ويَفهَمُ جَميعَ خَواطِرِ الأَفْكار. إِذا طَلَبتَه يَدَعُكَ تَجِدُه، وإِن تَرَكتَه يَنبِذُكَ لِلأَبَد. والآنَ ٱنظُرْ! إِنَّ الرَّبَّ قدِ ٱختارَكَ لِتَبنِيَ بَيتًا لِلمَقدِس، فتَشَدَّدْ وٱعمَلْ». ثُمَّ أَعْطى داوُدُ سُلَيمانَ ٱبنَه شَكلَ الرِّواقِ وأَبنِيَتِه وخَزائِنِه وعَلاليه ومَخادِعِه الدَّاخِلِيَّةِ وبَيتِ الكَفَّارة، وشَكلَ كُلِّ ما كانَ عِندَه في نَفْسِه مِن دورِ بَيتِ الرَّبِّ وجَميعِ المَخادِعِ حَولَه وخَزائِنِ الأَقْداس، وفِرَقِ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ وكُلِّ عَمَلِ خِدمَةِ بَيتِ الرَّبّ، وجَميعِ أَمتِعَةِ خِدمَةِ بَيتِ الرَّبّ، والذَّهَبِ بِالوَزْنِ لِجَميعِ آنِيَةِ كُلٍّ مِنَ الخَدَمات، ولِجَميعِ آنِيَةِ الفِضَّةِ بِالوَزْن، لِجَميعِ آنِيَةِ كُلٍّ مِنَ الخَدَمات، وبِالوَزْنِ لِمَنائِرِ الذَّهَبِ وسُرُجِها الذَّهَبِيَّة، لِكُلِّ مَنارَةٍ بِالوَزْن، ولِكُلٍّ مِن سُرُجِها، ولِمَنائِرِ الفِضَّةِ بِوَزنِ المَنائِرِ وسُرُجِها، على حَسَبِ خِدمَةِ كُلٍّ مِنَ المَنائِر، وذَهَبًا بِالوَزنِ لِمَوائِدِ خُبزِ التَّنْضيدِ لِكُلٍّ مِنَ المَوائِد، وفِضَّةً لِلمَوائِدِ الفِضِّيَّة، وذَهَبًا خالِصًا لِلمَناشِلِ والكُؤُوسِ والأَباريقِ والأَقْداح، ذَهَبًا بِالوَزنِ لِكُلٍّ مِنَ الأَقْداح، ولأَقْداحِ الفِضَّةِ بِالوَزنِ لِكُلٍّ مِنَ الأَقْداح، وذَهَبًا مُصَفًّى لِمَذبَحِ البَخورِ بِالوَزْن، ورَسْمَ العَجَلَةِ وكَروبَيِ الذَّهَبِ الباسِطَينِ أَجنِحَتَهما والمُظَلِّلَينِ تابوتَ عَهدِ الرَّبّ. وقال: «كُلُّ ذٰلك في كِتابَةٍ بِيَدِ الرَّبِّ الَّذي أَفهَمَني جَميعَ أَعْمالِ هٰذا الشَّكْل». وقالَ داوُدُ لِسُلَيمانَ ٱبنِه: «تَشَدَّدْ وتَشَجَّعْ وٱعمَلْ. لا تَخَفْ ولا تَفزَعْ، لأَنَّ الرَّبَّ الإلٰهَ إِلٰهي معكَ، لا يُهمِلُكَ ولا يَترُكُكَ، حَتَّى تُتِمَّ كُلَّ أَعْمالِ خِدمَةِ بَيتِ الرَّبّ. وهٰذه فِرَقُ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ لِكُلِّ خِدمَةِ بَيتَ الله، ومعَكَ في كُلِّ العَمَلِ كُلُّ مُتَطَوِّعٍ ماهِرٍ لِكُلِّ خِدمَة، والرُّؤَساءُ والشَّعبُ كُلُّه تَحتَ جَميعِ أَوامِرِكَ». وقالَ داوُدُ المَلِكُ لِلجَماعَةِ كُلِّها: «إِنَّ سُلَيمانَ ٱبنِيَ الَّذي ٱخْتارَه وَحدَه اللهُ صَغيرٌ غَضّ، والعَمَلَ عَظيم، لأَنَّ الصَّرحَ لَيسَ لِبَشَر، بل لِلرَّبِّ الإلٰه. وأَنا قد خَزَنتُ بِكُلِّ وُسْعي لِبَيتِ إِلَهِيَ الذَّهَبَ لِما هو مِن ذَهَب، والفِضَّةَ لِمَا هو مِن فِضَّة، والنُّحاسَ لِما هو مِن نُحاس، والحَديدَ لِما هو مِنْ حَديد، والخَشَبَ لِما هو مِن خَشَب، وحِجارَةَ الجَزعِ وحِجارَةَ التَّرْصيعِ وحِجارَةً كَحْلاءِ ومُبَرقَشةَ، وكُلَّ نَوعٍ مِنَ الحِجارَةِ الكَريمة وحِجارَةً مِنَ الرَّخامِ بِكَثرَة. لا بل، لِرَغبَتي في بَيتِ إِلٰهي، وَهَبتُ لِبَيتِ إِلٰهي مالِيَ الخاصَّ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّة، عِلاوَةً على كُلِّ ما خَزَنتُه لِبَيتِ القُدْس: ثَلاثَةَ آلافِ قِنْطارِ ذَهَبٍ مِن ذَهَبِ أُوفير، وسَبعَةَ آلافِ قِنْطارِ فِضَّةٍ مُصَفَّاةٍ لِتَلْبيسِ جُدْرانِ الأَبنِيَة، الذَّهَبَ لِمَا هو مِن ذَهَب، والفِضَّةَ لِمَا هو مِن فِضَّة، لِكُلِّ عَمَلٍ يَعمَلُه أَرْبابُ الصَّنائِع. فمَنِ المُتَطَوِّعُ مِنكم لِيَتَبَرَّعَ اليَومَ لِلرَّبّ؟ حينَئِذٍ تَبَرَّعَ رُؤَساءُ الآباءِ ورُؤَساءُ أَسْباطِ إِسْرائيلَ ورُؤَساءُ الأُلوفِ والمِئينَ مع رُؤَساءُ عَمَلِ المَلِك، وقَدَّموا لِخِدمَةِ بَيتِ اللهِ مِنَ الذَّهَبِ خَمسَةَ آلافِ قِنْطارٍ وعَشرَةَ آلافِ دِرهَم، ومِنَ الفِضَّةِ عَشرَةَ آلافِ قِنْطار، ومِن النُّحاسِ ثَمانِيَةَ عَشَرَ أَلفَ قِنْطار، ومِنَ الحَديدِ مِئَةَ أَلفِ قِنْطار. والَّذينَ وُجِدَ عِندَهم حِجارَة، قَدَّموها لِخَزينَةِ بَيتِ الرَّبِّ عن يَدِ يَحيئيلَ الجِرْشونِيّ. ففَرِحَ الشَّعبُ لِتَبَرُّعِهم، لأَنَّهم إِنَّما تَبَرَّعوا لِلرَّبِّ بِقَلبٍ سَليم، وفَرِحَ داوُدُ المَلِكُ أَيضًا فَرَحًا عَظيمًا. وبارَكَ داوُدُ الرَّبَّ على عُيونِ كُلِّ الجَماعَة، وقالَ داوُد: «مُبارَكٌ أَنتَ، أَيُّها الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيلَ أَبينا، مِنَ الأَزَلِ ولِلأَبَد. لَكَ، يا رَبُّ، العَظَمَةُ والجَبَروتُ والجَلالُ والبَهاءُ والمَهابة، لأَنَّ لَكَ كُلَّ ما في السَّماءِ والأَرض، ولَكَ المُلْكَ، أَيُّها الرَّبّ، وقدِ ٱرتَفَعتَ على الجَميعِ إطْلاقًا. مِن لَدُنكَ الغِنى والمَجْد، وأَنتَ تَسودُ الجَميع، وفي يَدِكَ القُدرَةُ والجَبَروت، وفي يَدِكَ تَعْظيمُ كُلِّ شَيءٍ وتَعْزيزُه. فالآنَ، يا إِلٰهنا، نَحمَدُكَ ونُسَبِّحُ ٱسمَ جَلالِكَ. ولٰكِن ما أَنا وما شَعْبي حتَّى نَستَطيعَ أَن نَتَبَرَّعَ هٰكذا؟ وإِنَّما كُلُّ شَيءٍ مِنكَ، ومِن يَدِكَ أَعطَيناكَ، لأَنَّنا إِنَّما نَحنُ نُزَلاءُ لَدَيكَ وغُرَباءُ كَجميعِ آبائِنا، وأَيَّامُنا كالظِّلِّ على الأَرض، ولَيسَ مِن رجاء. أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُنا، إِنَّ كُلَّ هٰذه الثَّروَةِ الَّتي خَزَنَّاها لِنَبنِيَ لَكَ بَيتًا لِٱسمِكَ القُدُّوس، إِنَّما هي مِن يَدِكَ، وكُلُّ شَيءٍ لَكَ. وأَنا أَعلَمُ، يا إِلٰهي، أَنَّكَ تَمتَحِنُ القَلْبَ وتَرْضى بِالِٱستِقامة. أَمَّا أَنا فبِٱستِقامَةِ قَلْبي تَبَرَّعتُ بِكُلِّ هٰذه، وقَد رَأَيتُ الآنَ بِفَرَحٍ شَعبَكَ الحاضِرَ هُنا يَتَبَرَّعُ لَكَ. أَيُّها الرَّبُّ، إِلٰهُ إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ وإِسْرائيلَ آبائِنا، اِحفَظْ هٰذا لِلأَبَدِ في خَواطِرِ أَفْكارِ قُلوبِ شَعبِكَ، ووَجِّهْ قُلوبَهم نَحوَكَ. وهَبْ لِسُلَيمانَ ٱبْني قلبًا سَليمًا لِيَحفَظَ وَصاياكَ وشَهادَتَكَ وفَرائِضَكَ، ويَعمَلَ بِذٰلِك كُلِّه، ولِيَبنِيَ الصَّرحَ الَّذي خَزَنتُ لَه». وقالَ داوُدُ لِكُلِّ الجَماعة: «بارِكوا الرَّبَّ إِلٰهَكم»، فبارَكَتِ الجَماعَةُ كُلُّها الرَّبَّ، إِلٰهَ آبائِهم، وٱرتَمَوا وسَجَدوا لِلرَّبِّ ولِلمَلِك. وذَبَحوا لِلرَّبِّ ذَبائِحَ، وأَصعَدوا مُحرَقَاتٍ لِلرَّبِّ في غَدِ ذٰلك اليَوم: أَلفَ ثَورٍ وأَلفَ كَبشٍ وأَلفَ حَمَلٍ، مع سُكُبِها، وذَبائِحَ كَثيرَةً لِكُلِّ إِسْرائيل. وأَكَلوا وشَرِبوا أَمامَ الرَّبِّ في ذٰلِك اليَومِ بِفَرَحٍ عَظيم، وأَقاموا سُلَيمانَ بنَ داوُدَ مَلِكًا مَرَّةً ثانِيَةً ومَسَحوه لِلرَّبِّ قائِدًا وصادوقَ كاهِنًا. فجَلَسَ سُلَيمانُ على عَرشِ الرَّبِّ مَلِكًا مكانَ داوُدَ أَبيه، فنَجَحَ، وأَطاعَه كُلُّ إِسْرائيلَ، وجَميعُ الرُّؤَساءِ والأَبْطالِ وجَميعُ بَني داوُدَ أَيضًا خَضَعوا لِسُلَيمانَ المَلِك. وعَظَّمَ الرَّبُّ سُلَيمانَ جِدًّا في عُيونِ إِسْرائيلَ كُلِّه، وجَعَلَ علَيه مِن مَهابَةِ المُلكِ ما لم يَكُنْ على مَلِكٍ مِن قَبلِه في إِسْرائيل. مَلَكَ داوُدُ بنُ يَسَّى على إِسْرائيلَ كُلِّه، وكانَت مُدَّةُ مُلكِه على إِسْرائيلَ أَربَعينَ سَنَة. مَلَكَ بِحَبْرونَ سَبعَ سِنين، ومَلَكَ بِأُورَشَليمَ ثَلاثًا وثَلاثين. ثُمَّ ماتَ بِشَيبَةٍ صالِحَة، وقد شَبِعَ مِنَ الأَيَّامِ والغِنى والمَجْد، ومَلَكَ سُلَيمانُ ٱبنُه مَكانَه. وأَخْبارُ داوُدَ المَلِكِ الأُولى والأَخيرةُ مَكْتوبَةٌ في أَخبارِ صَموئيلَ الرَّائي وناتانَ النَّبِيِّ وجادٍ الرَّائي، مع كُلِّ ما كانَ مِن مُلكِه وبَأسِه والسَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ الَّتي مَرَّ بِها هو وإِسْرائيلُ وجَميعُ مَمالِكِ البِلاد. وتَأَيَّدَ سُلَيمانُ بنُ داوُدَ في مُلكِه، وكانَ الرَّبُّ إِلٰهُه معَه، ورَفَعَ شَأنَه كَثيرًا. وكَلَّمَ سُلَيمانُ كُلَّ إِسْرائيل، رُؤَساءَ الأُلوفِ والمِئينَ والقُضاةَ وكُلَّ رَئيسٍ في كُلِّ إِسْرائيلَ في رُؤَساءِ الآباء. ومَضى سُلَيمانُ، ومعَه الجَماعَةُ كُلُّها، إِلى المَشرَفِ الَّذي بِجِبْعون، لأَنَّه هُناكَ كانَت خَيمَةُ مَوعِدِ اللهِ الَّتي صَنَعَها موسى عَبدُ الرَّبِّ في البَرِّيَّةِ. وأَمَّا تابوتُ الله، فإِنَّ داوُدَ كانَ قد أَصعَدَه مِن قَريَةَ يَعاريمَ إِلى المَكانِ الَّذي هَيَّأَه لَه، لأَنَّه كانَ قد نَصَبَ لَه خَيمَةً في أُورَشَليم. أَمَّا مَذبَحُ النُّحاسِ الَّذي صَنَعَه بَصْلائيلُ بنُ أُورِيَ بنِ حور، فكانَ هُناكَ أَمامَ مَسكِنِ الرَّبّ، حَيث كانَ سُلَيمانُ والجَماعَةُ يأتونَ لِيَستَشيروه. وصَعِدَ سُلَيمانُ هُناكَ إِلى مَذبَحِ النُّحَاسِ الَّذي في خَيمَةِ المَوعِدِ أَمامَ الرَّبّ، وأَصعَدَ علَيه أَلفَ مُحرَقَة. وفي تِلكَ اللَّيلَة، تراءَى اللهُ لِسُلَيمانَ وقالَ لَه: «أُطلُبْ ما أُعْطيكَ». فقالَ سُلَيمانُ للهِ: «قد صَنَعتَ إِلى داوُدَ أَبي رَحمَةً عَظيمَةً ومَلَّكتَني مَكانَه. فالآن، أَيُّها الرَّبُّ الإلٰه، لِيَتَحَقَّقْ كَلامُكَ لِداوُدَ أَبي، لأَنَّك مَلَّكتَني على شَعبٍ كَثيرٍ كتُرابِ الأَرض. فهَبْ لِيَ الآنَ حِكمَةً ومَعرِفَةً لأَخرُجَ وأَدخُلَ أَمامَ هٰذا الشَّعب، لأَنَّه مَنِ الَّذي يَستَطيعُ أَن يَحكُمَ شَعبَكَ هٰذا العَظيم؟». فقالَ اللهُ لِسُلَيمان: «بِما أَنَّ هٰذا كانَ في قَلبِكَ ولم تَسَلْ غِنًى وثَروَةً ومَجدًا، ولم تَطلُبْ نُفوسَ مُبغِضيكَ ولا أَيَّامًا كَثيرَة، بل سَأَلتَ لَكَ الحِكمَةَ والمَعرِفَةَ لِتَحكُمَ شَعْبِيَ الَّذي مَلَّكتُكَ علَيه، فقَد أُعْطيتَ الحِكمَةَ والمَعرِفَةَ، وسأُعْطيكَ غِنًى وثَروَةً ومَجدًا لم يَكُنْ مِثلُها لِلمُلوكِ مِن قَبلِكَ ولَن يَكونَ مِن بَعدِكَ». فجاءَ سُلَيمانُ مِن مَشرَفِ جِبْعونَ إِلى أُورَشَليم، مِن أَمامِ خَيمَةِ المَوعِد، ومَلَكَ على إِسْرائيل. وجَمَعَ سُلَيمانُ مَركَباتٍ وخَيلًا، فكانَ لَه أَلفٌ وأَربَعُ مِئَةِ مَركَبَةٍ وٱثْنا عَشَرَ أَلْفَ فَرَس، فأَقامَها في مُدُنِ المَركَباتِ وعِندَ المَلِكِ في أُورَشَليم. وجَعَلَ المَلِكُ الفِضَّةَ والذَّهَبَ في أُورَشَليمَ مِثلَ الحِجارَة، وجَعَلَ الأَرزَ مِثلَ الجُمَّيزِ الَّذي في السَّهلِ كَثرَةً، وكانَتِ الخَيلُ تُجلَبُ لِسُلَيمانَ مِن مِصرَ ومِن قُوى، وكانَ تُجَّارُ المَلِكِ يَشتَرونَ مِن قُوى بِثَمَنٍ مُعَيَّن. وكانوا يُصعِدونَ ويَجلبُونَ المَركَبَةَ مِن مِصرَ بِسِتِّ مِئَةٍ مِنَ الفِضَّةِ والفَرَسَ بِمِئَةٍ وخَمْسين. وهٰكذا كانَ شَأْنُ جَميعِ مُلوكِ الحِثِّيِّينَ ومُلوكِ أَرام، فقَد كانوا يَجلُبونَ عن يَدِهم. وأَمَرَ سُلَيمانُ بِبِناءِ بَيتٍ لِٱسمِ الرَّبِّ وبَيتٍ لَمُلكِه. وأَحصى سُلَيمانُ سَبْعينَ أَلفَ رَجُلٍ يَحمِلونَ الأَثْقال، وثَمانينَ أَلفَ رَجُلٍ يَقلَعونَ الحِجارَةَ في الجَبَل، وثَلاثَةَ آلافٍ وسِتَّ مِئَةِ رَجُلٍ يُشرِفونَ علَيهم. وأَرسَلَ سُلَيمانُ إِلى حورام، مَلِكِ صور، قائِلًا: «كما فَعَلتَ مع داوُدَ أَبي وأَرسَلتَ لَه أَرزًا لِيَبْنِيَ لَه بَيتًا لَيَسكُنَ فيه، تَفعَلُ معي، فإِنِّي أَبْني بَيتًا لِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهي لأُقَدِّسَه لَه وأُحرِقَ أَمامَه بَخورًا عَطِرًا، ولِتَنْضيدِ الخُبزِ على الدَّوام، ولِلمُحرَقاتِ صَباحَ مَساءَ في السُّبوتِ وفي رُؤُوسِ الشُّهورِ وفي أَعْيادِ الرَّبِّ إِلٰهِنا مِمَّا على إِسْرائيلَ لِلأَبَد. والبَيتُ الَّذي أَنا أَبْنيه بَيتٌ عَظيم، لأَنَّ إِلٰهَنا عَظيمٌ فوقَ جَميعِ الآلِهَة. فمَنِ الَّذي يَستَطيعُ أَن يَبنِيَ لَه بَيتًا، والسَّمَواتُ وسَمَواتُ السَّمَواتِ لا تَسَعُه؟ ومَن أَنا حتَّى أَبنِيَ لَه بَيتًا إِلاَّ لأُحرِقَ أَمامَه البَخور؟ فالآنَ أَرسِلْ إِلَيَّ رَجُلًا ماهِرًا في عَمَلِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والنُّحاسِ والحَديدِ والأُرجُوانِ والقِرمِزِ والبِرْفيرِ البَنَفسَجِيّ، عالِمًا في النَّقْشِ، مع الصُّنَّاعِ الَّذينَ عِنْدي في يَهوذا وفي أُورَشَليم والَّذينَ أَعَدَّهم داوُدُ أَبي. وأَرسِلْ إِلَيَّ أَخْشابَ أَرزٍ وسَروٍ وصَندَلٍ مِن لُبْنان، لأَنِّي أَعلَمُ أَنَّ خُدَّامَكَ عالِمونَ في قَطعِ الخَشَبِ مِن لُبْنان، وهٰؤُلاءِ خُدَّامي مع خُدَّامِكَ. فلْيُعِدُّوا لي أَخْشابًا بِكَثرَة، لأَنَّ البَيتَ الَّذي أَبْنيه عَظيمٌ عَجيب. وأَنا أُعطي الحَطَّابينَ الَّذينَ يَقطَعونَ الخَشَبَ عِشْرينَ أَلفَ كُرٍّ مِنَ الحِنطَةِ طَعامًا لِخُدَّامِكَ، وعِشْرينَ أَلفَ كُرٍّ مِنَ الشَّعير، وعِشْرينَ أَلفَ بَثٍّ مِنَ الخَمْر، وعِشْرينَ أَلفَ بَثٍّ مِنَ الزَّيت». فأَجابَ حورام، مَلِكُ صور، بِرِسَالَةٍ إِلى سُلَيمانَ يَقول: «إِنَّ الرَّبَّ، مِن حُبِّه لِشَعبِه، أَقامَكَ علَيه مَلِكًا». وأَضافَ حورام: «تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، صانِعُ السَّمَواتِ والأَرض، الَّذي أَعْطى داوُدَ المَلِكَ ٱبنًا حَكيمًا، صاحِبَ فَهمٍ وبَصيرة، لِيَبنِيَ بَيتًا لِلرَّبِّ وبَيتًا لِمُلكِه. والآنَ فقَد أَرسَلتُ رَجُلًا ماهِرًا صاحِبَ فَهمٍ، اِسمُه حورامَ أَبي، وهو ٱبنُ ٱمرَأَةٍ مِن بَناتِ دان، وأَبوه رَجُلٌ مِن صور، عالِمٌ في عَمَلِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والنُّحاسِ والحَديدِ والحَجَرِ والخَشَبِ والأُرجُوانِ والبِرْفيرِ البَنَفْسَجِيِّ والكَتَّانِ النَّاعِمِ والقِرمِزِ وصِناعَةِ كُلِّ نَقْشٍ ومُختَرِعٌ كُلَّ مَشْروعٍ يُعَرضُ علَيه، مع صُنَّاعِكَ وصُنَّاعِ سَيِّدي داوُدَ أَبيكَ. والآنَ فلْيُرْسِلْ سَيِّدي إِلى خُدَّامِه الحِنطَةِ والشَّعيرَ والزَّيتَ والخَمرَ مِمَّا تَكَلَّمَ بِه. ونَحنُ نَقطَعُ الخَشَبَ مِن لُبْنانَ بِحَسَبِ كُلِّ حاجَتِكَ ونُرسِلُه إِلَيكَ على أَطْوافٍ في بَحرِ يافا، وأَنتَ تُصعِدُه إِلى أُورَشَليم. وأَحصى سُلَيمانُ جَميعَ النُّزَلاءِ الَّذينَ في أَرضِ إِسْرائيل، بَعدَ إِحْصاءِ داوُدَ أَبيه لَهم، فكانوا مِئَةً وخَمْسينَ أَلفًا وثَلاثَةَ آلافٍ وسِتَّ مِئة. فجَعَلَ مِنهم سَبْعينَ أَلفَ حامِلِ أَثْقال، وثَمانينَ أَلفَ قالِعِ حِجارَةٍ في الجَبَل، وثَلاثَةَ آلافٍ وسِتَّ مِئَةٍ يُشرِفونَ على عَمَلِ القَوم. وبَدَأَ سُلَيمانُ في بِناءِ بَيتِ الرَّبِّ في أُورَشَليم، في جَبَلِ المورِيَّا، حَيثُ تَراءى لِداوُدَ أَبيه، في المَكانِ الَّذي أَعَدَّه داوُد، في بَيدَرِ أُرْنانَ اليَبوسِيّ. فبَدَأَ في البِناءِ في الشَّهرِ الثَّاني، في السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلكِه. وكانَتِ الأُسُسُ الَّتي وَضَعَها سُلَيمانُ لِبِناءِ بَيتِ اللهِ سِتِّينَ ذِراعًا طولًا، بِالذِّراعِ على القِياسِ القَديم، وعِشْرينَ ذِراعًا عَرضًا، والرِّواقُ مِن أَمامُ عِشْرينَ ذِراعًا طولًا على مُحاذاةِ عَرضِ البَيت، ومِئَةً وعِشْرينَ عُلُوًّا، ولَبَّسَه مِن داخِلٍ بِذَهَبٍ خالِص. والبَيتُ العَظيمُ لَبَّسَه خَشَبَ سَرْوٍ، ثُمَّ لَبَّسَه ذَهَبًا حَسَنًا، وجَعَلَ علَيه نَخيلًا وسَلاسِل، ورَصَّعَ البَيتَ بِحِجارةٍ كَريمَةٍ لِلزِّينَة. وكانَ الذَّهَبُ مِن ذَهَبِ فَرْوائيم. ولَبَّسَ البَيتَ ذَهَبًا، عَوارِضَه وأَعْتابَه وجُدْرانَه ومَصاريعَه، ونَقَشَ كَروبينَ على الجُدْران. وصَنَعَ بَيتَ قُدسِ الأَقْداسِ على مُحاذاةِ عَرضِ البَيت، فكانَ عِشْرينَ ذِراعًا طولًا وعِشْرينَ ذِراعًا عَرضًا، ولَبَّسَه ذَهَبًا حَسَنًا سِتَّ مِئَةِ قِنْطار. وكانَ وَزنُ الذَّهَبِ لِلمَساميرِ خَمْسينَ مِثقالًا، ولَبَّسَ العَلالِيَّ ذَهَبًا. وصَنَعَ في بَيتِ قُدسِ الأَقْداسِ كَروبَينِ صِياغَةً، ولَبَّسَهما بِذَهَب. وأَجنِحَةُ الكَروبَينِ طولُها عِشْرونَ ذِراعًا، الجَناحُ الواحِدُ خَمْسُ أَذرُعٍ يَمَسُّ حائِطَ البَيت، والجَناحُ الآخَرُ خَمسُ أَذرُعٍ يَمَسُّ جَناحَ الكَروبِ الآخَر، وجَناحُ الكَروبِ الآخَرِ خَمسُ أَذرُعٍ يَمَسُّ حائِطَ البَيت، والجَناحُ الآخَرُ خَمسُ أَذرُعٍ يَتَّصِلُ بِجَناحِ الكَروبِ الآخَر. وأَجنِحَةُ هٰذَينِ الكَروبَينِ مُنبَسِطَةٌ عِشْرونَ ذِراعًا، وهُما واقِفانِ على أَرجُلِهِما ووُجوهُهما إِلى البَيت. وصَنَعَ الحِجابَ مِن بِرْفيرٍ بَنَفسَجِيٍّ وأُرجُوانٍ وقِرمِزٍ وكَتَّانٍ ناعم، ورَسَمَ علَيه كَروبين. وصَنَعَ أَمامَ البَيتِ عَمودَينِ طولُهما خَمسٌ وثَلاثونَ ذِراعًا، والتَّاجانِ اللَّذانِ على رُؤُوسِهما خَمسُ أَذرُع. وصَنَعَ سَلاسِلَ كما في المِحْراب، وجَعَلَها على رُؤُوسِ العَمودَين، وصَنَعَ مِئَةَ رُمَّانَةٍ وجَعَلَها في السَّلاسِل. ونَصَبَ العَمودَينِ أَمامَ الهَيكَل، واحِدًا عنِ اليَمينِ وواحِدًا عنِ اليَسار، وسَمَّى الأَيمَنَ بِٱسمِ ياكينَ والأَيسَرَ بِٱسمِ بوعَز. وصَنَعَ مَذبَحَ نُحَاسٍ طولُه عِشْرونَ ذِراعًا وعَرضُه عِشْرونَ ذِراعًا وعُلُوُّه عَشرُ أَذرُع. وصَنَعَ البَحرَ مَسْبوكًا مُستَديرًا، قُطرُه مِن شَفَةٍ إِلى شَفَةٍ عَشرُ أَذرُع، وعُلُوُّه خَمسُ أَذرُع، ومُحيطُه خَيطٌ بِثَلاثينَ ذِراعًا. ومِن تَحتِه، مِن كُلِّ جِهَة، أَشْباهُ ثيرانٍ تُحيطُ بِه، لِكُلِّ ذِراعٍ عَشَرَةٌ على صَفَّينِ مُحيطَينِ بِالبَحرِ كُلِّه، والثِّيرانُ مَسْبوكَةٌ معَه في سَبْكِه. وكانَ قائِمًا على ٱثنَي عَشَرَ ثَورًا، ثَلاثَةٌ مِنها وُجوهُها نَحوَ الشَّمال، وثَلاثَةٌ نَحوَ الغَرْب، وثَلاثَةٌ نَحوَ الجَنوب، وثَلاثَةٌ نَحوَ الشَّرْق، والبَحرُ علَيها، وجَميعُ مُؤَخَّراتِها إِلى الدَّاخِل. وكانَ سَمكُه شِبرًا وشَفَتُه كشَفَةِ كأسٍ على مِثالِ زَهَرِ السُّوسَن، يأخُذُ ويَسَعُ ثَلاثَةَ آلافِ بَثّ. ثُمَّ صَنَعَ عَشرَةَ أَحْواض، فجَعَلَ خَمسَةً مِنها عنِ اليَمينِ وخَمسَةً عنِ اليَسار، لِلاغتِسال، كانوا يَغسِلونَ فيها ما يُصعَدُ مُحرَقَةً، وكانَ البَحرُ لِٱغتِسالِ الكَهَنَة. وصَنَعَ مَنائِرَ الذَّهَبِ العَشرَ بِحَسَبِ ما رُسِم، وجَعَلَها في الهَيكَل، خَمسًا عنِ اليَمينِ وخَمسًا عنِ اليَسار. وصنَعَ عَشْرَ مَوائِدَ وجَعَلَها في الهَيكَل، خَمسًا عنِ اليَمينِ وخَمسًا عنِ اليَسار. وصَنَعَ مِئَةَ كَأسٍ مِن ذَهَب. وصَنَعَ دارَ الكَهَنَةِ والدَّارَ الكَبيرَة ومَصاريعَ الدَّار، ولَبَّس مَصاريعَها بِنُحاس. وجَعَلَ البَحرَ في الجانِبِ الأَيمَنِ إِلى الشَّرقِ مِن جِهَةِ الجَنوب. وصَنَعَ حورامُ القُدورَ والمَجارِفَ والكُؤُوس، وٱنتَهى حورامُ مِنَ العَمَلِ الَّذي عَمِلَه لِلمَلِكِ سُلَيمانَ في بَيتِ الله: العَمودَينِ وقالَبَيِ التَّاجَينِ اللَّذَينِ على رُؤُوسِ العَمودَين، والحَبيكَتَينِ المُغَطِّيَتَينِ لِقَالَبَيِ التَّاجَينِ اللَّذَينِ على رُؤُوسِ العَمودَين، والرُّمَّاناتِ الأَربَعِ مِئَةٍ الَّتي لِلحَبيكَتَين، صَفَّينِ مِنَ الرُّمَّانِ لِكُلِّ حَبيكَة، لِتَغطِيَةِ التَّاجَينِ اللَّذَينِ على العَمودَين. وصَنَعَ القواعِدَ والأَحواضَ الَّتي على القَواعِد، والبَحرَ الوَحيدَ والثِّيرانَ الِٱثنَي عَشَرَ الَّتي تَحتَه، والقُدورَ والمَجارِفَ والمَناشِل. وصَنَعَ حورامُ أَبي جَميعَ أَدَواتِها لِلمَلِكِ سُلَيمان، لأَجلِ بَيتِ الرَّبّ، مِن نُحاسٍ مَصْقول. سَبَكَها المَلِكُ في بُقعَةِ الأُردُنِّ في أَرضٍ خَزَفِيَّة، بَينَ سُكُّوتَ وصَريدة. وصَنَعَ سُلَيمانُ كُلَّ هٰذه الأَدَوات، وكانَت كَثيرةً جِدًّا، حتَّى كانَ وَزنُ النُّحاسِ لا يُقَدَّر. وصَنَعَ سُلَيمانُ جَميعَ أَدَواتِ بَيتِ اللهِ ومَذبَحَ الذَّهَبِ والموائِدَ، وعلَيها الخُبزُ المُقَدَّس، والمَنائِرَ وسُرُجَها لِتوقَدَ، بِحَسَبِ ما رُسِمَ، أَمامَ المِحْرَاب، مِن ذَهَبٍ خالِص، والأَزْهارَ والسُّرُجَ والمَقاصَّ مِنَ الذَّهَب (مِن ذَهَبٍ خالِصٍ مَحْض)، والمَقاريضَ والكُؤُوسَ والقِصاعَ والمَجامِرَ مِن ذَهَبٍ خالِص، ومَدخَلَ البَيتِ ومَصاريعَه الدَّاخِلِيَّةَ (لِقُدسِ الأَقْداس) ومَصاريعَ البَيتِ (لِلهَيكَل) مِن ذَهَب. ولَمَّا أُكمِلَ كُلُّ العَمَلِ الَّذي صَنَعَه سُلَيمانُ لأَجلِ بَيتِ الرَّبّ، أَدخَلَ سُلَيمانُ أَقْداسَ داوُدَ أَبيه مِنَ الفِضَّةِ والذَّهَبِ والأَدَوات، وجَعَلَها في خَزائِنِ بَيتِ الله. حينَئِذٍ جَمَعَ سُلَيمانُ إِلَيه في أُورَشَليمَ شُيوخَ إِسْرائيلَ وجَميعَ رُؤَساءِ الأَسباطِ وعُظَماءِ آباءِ بَني إِسْرائيل، لِيُصعِدوا تابوتَ عَهدِ الرَّبِّ مِن مَدينَةِ داوُدَ الَّتي هي صِهْيون. فٱجتَمَعَ إِلى المَلِكِ جَميعُ رِجالِ إِسْرائيلَ في العيد، في الشَّهرِ السَّابِع. وجاءَ جَميعُ شُيوخِ إِسْرائيل، وحَمَلَ اللاَّوِيُّونَ التَّابوت، وأَصعَدوا التَّابوتَ وخَيمَةَ المَوعِد، وجَميعُ أَمتِعَةِ القُدسِ الَّتي في الخَيمَةِ أَصعَدَها الكَهَنَةُ اللاَّوِيُّون. وكانَ المَلِكُ سُلَيمانُ وكُلُّ جَماعَةِ إِسْرائيلَ الَّتي ٱجتَمَعَت إِلَيه أَمامَ التَّابوتِ يَذبَحونَ مِن الغَنَمِ والبَقَرِ ما لا يُحصى ولا يُعَدُّ لِكَثرَتِه. وأَدخَلَ الكَهَنَةُ تابوتَ عَهدِ الرَّبِّ إِلى مَكانِه في مِحْرابِ البَيت، في قُدسِ الأَقْداس، تَحتَ أَجنِحَةِ الكَروبَين. وكانَ الكَروبانِ باسِطَينِ أَجنِحَتَهما على مَوضِعِ التَّابوتِ يُظَلِّلانِ التَّابوتَ وقُضْبانَه مِن فَوقُ. وكانَتِ القُضْبانُ طَويلَةً حتَّى كانَت رُؤُوسُها تُرى مِنَ التَّابوتِ في أَعلى مُقَدَّمِ قُدسِ الأَقْداس، ولم تَكُنْ تُرى مِن خارِج، وهي هُناكَ إِلى هٰذا اليَوم. ولم يَكُنْ في التَّابوتِ إِلاَّ اللَّوحانِ اللَّذانِ جَعَلَهما موسى في حوريب، حَيثُ عاهَدَ الرَّبُّ بَني إِسْرائيلَ عِندَ خُروجِهم مِن مِصْر. وكانَ، لَمَّا خَرَجَ الكَهَنَةُ مِنَ القُدس لأَنَّ جَميعَ الكَهَنَةِ المَوجودينَ تَقَدَّسوا مِن دونِ أَن يُراعى تَقْسيمُ الفِرَق، وكانَ جَميعُ اللاَّوِيِّينَ المُغَنِّينَ، آسافُ وهَيمانُ ويَدوتونُ مع بَنيهم وإِخوَتهم، لابِسينَ الكَتَّانَ النَّاعِم، ومَعهمُ الصُّنوجُ والعيدانُ والكِنَّارات، وقد وَقَفوا شَرقِيَّ المَذبَح، ومعَهم مِئَةٌ وعِشْرونَ كاهِنًا، يَنفُخونَ في الأَبْواق، وكانَ النَّافِخونَ في الأَبواقِ والمُغَنُّونَ كرَجُلٍ واحِد، وهم يُسمِعونَ صَوتًا واحِدًا في التَّسْبيحِ والحَمدِ لِلرَّبّ. وعِندَما رَفَعوا الصَّوتَ بِالأَبْواقِ والصُّنوجِ وآلاتِ الطَّرَبِ قائلين: «سَبِّحوا الرَّبَّ، فإِنَّه صالِح، لأَنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه» - إمتَلَأَ البَيتُ بالغَمام: هو بَيتُ الرَّبّ فلَم يَستَطِعِ الكَهَنَةُ أَن يَقِفوا لِلخِدمَةِ بِسَبَبِ الغَمام، لأَنَّ مَجدَ الرَّبِّ قد مَلأَ بَيتَ الله. حِينَئِذٍ قالَ سُلَيمان: «قالَ الرَّبُّ إِنَّه يَسكُنُ في الغَيمِ المُظلِم. وإِنِّي قد بَنَيتُ لَكَ بَيتَ سُكْنى، مَكانًا لِسُكْناكَ لِلأَبَد». وأَدارَ المَلِكُ وَجهَه وبارَكَ جَماعَةَ إِسْرائيل كُلَّها، وكانَت جَماعَةُ إِسْرائيلَ كُلُّها واقِفَة. وقال: «تَبارَكَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، الَّذي تَكَلَّمَ بِفَمِه مع داوُدَ أَبي وحَقَّقَ بِيَدِه قال: مُنذُ يَومَ أَخرجتُ شَعْبي مِن أَرضِ مِصْر، ولم أَختَرْ مَدينَةً مِن جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ لِيُبْنى فيها بَيتٌ يَكونُ ٱسْمي فيه، ولم أَختَرْ إِنْسانًا لِيَكونَ قائِدًا لِشَعْبي إِسْرائيل. لَكِنِّي ٱختَرتُ أُورَشَليمَ لِيَكونَ ٱسْمي فيها، وٱختَرتُ داوُدَ لِيَكونَ على رَأسِ شَعْبي إِسْرائيل. وقد كانَ في قَلبِ داوُدَ أَبي أَن يَبنِيَ بَيتًا لِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل. فقالَ الرَّبُّ لِداوُدَ أَبي: لأَنَّه كانَ في قَلبِكَ أَن تَبنِيَ بَيتًا لِٱسْمي، فأَحسَنتَ حَيثُ كانَ ذٰلك في قَلبِك. ولٰكِن لا أَنتَ تَبْني البَيت، بل ٱبنُكَ الَّذي يَخرُجُ مِن صُلبِكَ هو يَبْني بَيتًا لِٱسْمي. وقد أَتَمَّ الرَّبُّ القَولَ الَّذي قالَه، وقُمتُ أَنا مَكانَ داوُدَ أَبي وجَلَستُ على عَرشِ إِسْرائيل، كما قالَ الرَّبّ، وبَنَيتُ البَيتَ لِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل، وجَعَلتُ هُناكَ التَّابوتَ الَّذي فيه عَهدُ الرَّبِّ الَّذي قَطَعَه لِبَني إِسْرائيل». ثُمَّ قامَ أَمامَ مَذبَحِ الرَّبّ، أَمامَ كُلِّ جَماعَةِ إِسْرائيل، وبَسَطَ يَدَيه. وكانَ سُلَيمانُ قد صَنَعَ مِنبَرًا مِن نُحاسٍ وأَقامَهُ وَسَطَ الدَّار، طولُه خَمسُ أَذرُعٍ وعَرضُه خَمسُ أَذرُعٍ وعُلُوُّه ثَلاثُ أَذرُع. فوقَفَ علَيه، ثُمَّ جَثا على رُكبَتَيه أَمامَ جَماعَةِ بَني إِسْرائيلَ كُلِّها، وبَسَطَ يَدَيه نَحوَ السماء وقال: «تَبارَكَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، الَّذي تَكَلَّمَ بِفَمِه مع داوُدَ أَبي وحَقَّقَ بِيَدِه قال: الَّذي حَفِظَ لِعَبدِه، داوُدَ أَبي ما كَلَّمَه بِه، فتَكَلَّمَ بِفَمِه وحَقَّقَ بِيَدِه، كما هو اليَوم. والآن، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، ٱحفَظْ لِعَبدِكَ داوُدَ أَبي ما كَلَّمتَه بِه قائلًا: لا يَنقَطِعُ لَكَ رَجُلٌ مِن أَمامي يَجلِسُ على عَرشِ إِسْرائيل، إِن حَفِظَ بَنوكَ طَريقَهم سائِرينَ على شَريعَتي، كما سِرتَ أَنتَ أَمامي. والآن، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، لِيَتَحَقَّقْ قَولُكَ الَّذي كَلَّمتَ بِه عَبدَكَ داوُد. فإِنَّه هل يَسكُنُ اللهُ حَقًّا مع الإِنْسانِ على الأَرض؟ إِنَّ السَّمَواتِ وسَمَواتِ السَّمَواتِ لا تَسَعُكَ، فكَيفَ هٰذا البَيتُ الَّذي بَنَيتُه؟ إِلتَفِتْ إِلى صَلاةِ عَبدِكَ وتَضَرُّعِه، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، وٱسمَعِ الهُتافَ والصَّلاةَ اللَّذَينِ يُصَلِّي بِهما عَبدُكَ أَمامَك. لِتَكُنْ عَيناكَ مَفتوحَتَينِ على هٰذا البَيتِ النَّهارَ واللَّيلَ على المَكانِ الَّذي قُلتَ إِنَّكَ تَجعَلُ ٱسمَكَ فيه لِتَسمَعَ الصَّلاةَ الَّتي يُصَلِّيها عَبدُكَ نَحوَ هٰذا المَكان. وٱستَجِبْ تَضَرُّعَ عَبدِكَ وشَعبِكَ إِسْرائيل، إِذا صَلُّوا نَحوَ هٰذا المَكان، وٱسمَعْ أَنتَ مِن مَكانِ سُكْناكَ في السَّماء، وإِذا سَمِعتَ فٱغفِرْ. إِذا أَساءَ أَحَدٌ إِلى قَريبِه وأُوجِبَ علَيه يَمينُ اللَّعنَة، وأَتى لِيَحلِفَ أَمامَ مَذبَحِكَ في هٰذا البَيت، فٱسمَعْ أَنتَ مِنَ السَّماء، وٱعْمَلْ وٱقْضِ بَينَ عَبيدِكَ بِأَن تَحكُمَ على الشِّرِّير، وتَجعَلَ سُلوكَه على رَأسِه وتُنصِفَ البارَّ وتُعطِيَه بِحَسَبِ بِرِّه. وإِذا ٱنهَزَمَ شَعبُكَ إِسْرائيلُ أَمامَ أَعْدائِه بِسَبَبِ خَطيئَتِه إِلَيك، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيكَ وحَمَدَ ٱسمَكَ وصَلَّى وتَضَرَّعَ إِلَيكَ في هٰذا البَيت، فٱسمَعْ أَنتَ مِن السَّماءِ وٱغفِرْ خَطيئَةَ شَعبِكَ إِسْرائيل، وأَرجِعْه إِلى الأَرضِ الَّتي أَعطَيتَها لَه ولِآبائِه. وإذا ٱحتَبَسَتِ السَّماءُ ولم يَكُنْ مَطَرٌ بِسَبَبِ خَطيئَتِه إِلَيكَ وصَلَّى نَحوَ هٰذا المَكان، وحَمَدَ ٱسمَكَ ورَجَعَ عن خَطيئَتِه، لأَنَّكَ أَذلَلتَه، فٱسمَعْ أَنتَ مِنَ السَّماءِ وٱغفِرْ خَطيئَةَ عَبيدِكَ وشَعبِكَ إِسْرائيل، وعَلِّمْه الطَّريقَ الصَّالِحَ الَّذي يَسيرُ فيه، وأَنزِلْ مَطَرًا على أَرضِكَ الَّتي أَعطيتَ شَعبَكَ إِيَّاها ميراثًا. وإِذا حَدَثَ في الأَرضِ مَجاعَةٌ أَو طاعونٌ أَو صَدَأٌ أَو ذُبولٌ أَو جَرادٌ أَو دَبًى، أو إِذا حاصَرَه أَعداؤُه في مُدُنِه، ومَهْما ٱبتُلِيَ بِه مِن ضَربَةٍ أَو مَرَض، فكُلُّ صَلاةٍ وكُلُّ تَضَرُّعٍ مِن أَيَّ إِنْسانٍ كانا مِن كُلِّ شَعبِكَ إِسْرائيلَ، الَّذي يَعرِفُ كُلُّ واحِدٍ ضَربَتَه وأَلَمَه، فيَبسُطُ يَدَيه نَحوَ هٰذا البَيت، فٱسمَعْ أَنتَ مِنَ السَّماء، مَكانِ سُكْناكَ، وٱغفِرْ وٱجزِ كُلَّ واحِدٍ بِحَسَبِ طُرُقِه، لأَنَّكَ تَعرِفُ قَلبَه ولأَنَّكَ أَنتَ وَحدَكَ تَعرِفُ قُلوبَ بَني البَشَر، لِيَتَّقوكَ ويَسيروا على طُرُقِكَ كُلَّ الأَيَّامِ يَحيَونَ فيها على وَجهِ الأَرضِ الَّتي أَعطَيتَ آباءَنا إِيَّاها. وكذٰلك الغَريبُ الَّذي لَيسَ مِن شَعبِكَ إِسْرائيلَ والآتي مِن أَرضٍ بَعيدَةٍ مِن أَجلِ ٱسمِكَ العَظيمِ ويَدِكَ القَديرَةِ وذِراعِكَ المَبْسوطَة، فيَأتي ويُصَلِّي في هٰذا البَيت، فٱسمَعْ أَنتَ مِنَ السَّماء، مِن مَكانِ سُكْناكَ، وٱصنَعْ بِحَسَبِ كُلِّ ما يَدْعوكَ فيه الغَريب، لِتَعرِفَ جَميعُ شُعوبِ الأَرضِ ٱسمَكَ وتَتَّقِيكَ مِثلَ شَعبِكَ إِسْرائيل، وتَعلَمَ أَنَّ ٱسمَكَ قد أُطلِقَ على هٰذا البَيتِ الَّذي بَنَيتُه. وإِذا خَرَجَ شَعبُكَ إِلى الحَرْبِ على أَعْدائِه، في الطَّريقِ الَّذي تُرسِلُه فيه، وصَلَّى إِلَيكَ جِهَةَ هٰذه المَدينَةِ الَّتي ٱختَرتَها والبَيتِ الَّذي بَنَيتُه لِٱسمِكَ، فٱسمَعْ أَنتَ مِنَ السَّماءِ صَلاتَه وتَضَرُّعَه وأَنصِفْه. وإِذا خَطِئَ إِلَيكَ، لأَنَّه لَيسَ إِنسانٌ لا يَخطَأ، وغَضِبتَ علَيه وأَسلَمتَه إِلى أَعْدائِه، وجَلاه جالوه إِلى أَرضٍ بَعيدَةٍ أَو قَريبَة، ثُمَّ عادَ إِلى نَفسِه في الأَرضِ الَّتي جُلِيَ إِلَيها فتابَ وتَضَرَّعَ إِلَيكَ في أَرضِ جَلائِه وقال: قد خَطِئتُ، قد أَثِمتُ، قد أَسأتُ، ورَجَعَ إِلَيكَ بِكُلِّ قَلبِه ونَفْسِه في أَرضِ جَلائِه، حَيثُ جَلَوه، وصَلَّى جِهَةَ أَرضِه الَّتي أَعطَيتَ آباءَه إِيَّاها، والمَدينَةِ الَّتي ٱختَرتَها، والبَيتِ الَّذي بَنَيتُه لِٱسمِكَ، فٱسمَعْ مِنَ السَّماء، مَكانِ سُكْناكَ، صَلاتَه وتَضَرُّعَه، وأَنصِفْه، وٱغفِرْ لِشَعبِكَ الَّذي خَطِئَ إِلَيك. الآنَ يا إِلٰهي، فَلْتَكُنْ عَيناكَ مَفْتوحَتَينِ وأُذُناكَ مُصغِيَتَينِ إِلى الدُّعاءِ في هٰذا المَكان. وقُمِ الآنَ أَيُّها الرَّبُّ الإلٰه إِلى مَكانِ راحَتِكَ أَنتَ وتابوتُ عِزَّتِكَ ولْيَلْبَسْ، أَيُّها الرَّبُّ الإِلٰهُ، كَهَنَتُكَ الخَلاص ولْيَفْرَحْ أَصفِياؤُكَ بِالخَير. أَيُّها الرَّبُّ الإلٰه، لا تَرُدَّ وَجهَ مَسيحِكَ، وٱذكُرْ مَراحِمَ داوُدَ عَبدِكَ». ولَمَّا أَتَمَّ سُلَيمانُ الصَّلاة، نَزَلَتِ النَّارُ مِنَ السَّماءِ وأَكَلَتِ المُحرَقَةَ والذَّبائِح، ومَلأَ مَجدُ الرَّبِّ البَيت. فلَم يَستَطِعِ الكَهَنَةُ أَن يَدخُلوا بَيتَ الرَّبّ، لأَنَّ مَجدَ الرَّبِّ مَلأَ بَيتَ الرَّبّ. وكانَ جَميعُ بَني إِسْرائيلَ يُعايِنونَ نُزولَ النَّارِ ومَجدَ الرَّبِّ على البَيت، فجَثَوا ووُجوهُهم إِلى الأَرضِ على البَلاط، وسَجَدوا وحَمَدوا الرَّبَّ، فإِنَّه صالِح، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. وكانَ المَلِكُ وكُلُّ الشَّعبِ يَذبَحونَ ذَبائِحَ أَمامَ الرَّبّ. وذَبَحَ المَلِكُ سُلَيمانُ ذَبائِح: إِثنَينِ وعِشْرينَ أَلفًا مِنَ البَقَرِ ومِئَةً وعِشْرينَ أَلفًا مِنَ الغَنَم، ودَشَّنَ المَلِكُ وكُلُّ الشَّعبِ بَيتَ الله. وكانَ الكَهَنَةُ واقِفينَ في مَكانِهم واللاَّوِيُّونَ بِآلاتِ غِناءِ الرَّبِّ الَّتي صَنَعَها داوُدُ المَلِكُ لِحَمدِ الرَّبّ، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه، حين كانَ داوُدُ يُسَبِّحُ عن يَدِهم. وكانَ الكَهَنَةُ يَنفُخونَ في الأَبواقِ تُجاهَهم، وكُلُّ إِسْرائيلَ واقِف. وقَدَّسَ سُلَيمانُ وَسَطَ الدَّارِ الَّتي أَمامَ بَيتِ الرَّبّ، لأَنَّه قَرَّبَ المُحرَقاتِ وشُحومَ الذَّبائِحِ السَّلامِيَّةِ هُناكَ، لأَنَّ مَذبَحَ النُّحاسِ الَّذي صَنَعَه سُلَيمانُ لم يَكُنْ يَسَعُ المُحرَقاتِ والتَّقادِمَ والشُّحوم. وأَقامَ سُلَيمانُ العيدَ في ذٰلك الوَقتِ في سَبعَةِ أَيَّام، ومعَه كُلُّ إِسْرائيل، جَماعَةٌ عَظيمَةٌ جِدًّا، مِن مَدخَلِ حَماةَ إِلى وادي مِصْر. وفي اليَومِ الثَّامِن، أَقاموا مَحفِلًا، لأَنَّهم دَشَّنوا المَذبَحَ في سَبعَةِ أَيَّامٍ وعَيَّدوا سَبعَةَ أَيَّام. وفي اليَومِ الثَّالِثِ والعِشْرينَ مِنَ الشَّهرِ السَّابِع، صَرَفَ سُلَيمانُ الشَّعبَ إِلى خِيامِه فَرِحًا طَيِّبَ القَلْبِ، بِسَبَبِ ما صَنَعَه الرَّبُّ مِنَ الخَيْرِ لِداوُدَ وسُلَيْمَانَ وإِسْرائيلَ شَعْبِه. وٱنتَهى سُلَيمانُ مِن بِناءِ بَيتِ الرَّبّ وبِناءِ بَيتِ المَلِك، وكُلُّ ما خَطَرَ في قَلبِ سُلَيمانَ أَن يَعمَلَه في بَيتِ الرَّبِّ وفي بَيتِه قد نَجَحَ فيه. وتَراءَى الرَّبُّ لِسُلَيمانَ لَيلًا وقالَ له: «قد سَمِعتُ صَلاتَكَ وٱختَرتُ لي هٰذا المَكانَ بَيتَ ذَبيحَة. إِن حَبَستُ السَّماءَ فلَم يَكُنْ مَطَر، أَو أَمَرتُ الجَرادَ بِأَكلِ الأَرض، أَو بَعَثتُ الطَّاعونَ في شَعْبي، فإِن تَذَلَّلَ شَعبي الَّذي دُعِيَ بِٱسْمي وصَلَّى وٱلتَمَسَ وَجْهي وتابَ عن طُرُقِه الشِّرِّيرة، فإِنِّي أَسمَعُ مِنَ السَّماءِ وأَغفِرُ خَطيئَتَه وأَشْفي أَرضَه. والآن ستَكونُ عَينايَ مَفتوحَتَينِ وأُذُنايَ مُصغِيَتَينِ إِلى الصَّلاةِ المُقامَةِ في هٰذا المَكان. فمُنذُ الآنَ ٱختَرتُ هٰذا البَيتَ وقَدَّستُه لِيَكونَ ٱسْمي فيه لِلأَبَد، وستَكونُ عَينايَ وقَلْبي هُناكَ كُلَّ الأَيَّام. وأَنتَ، إِن سِرتَ أَمامي كما سارَ داوُدُ أَبوكَ، وعَمِلتَ بِكُلِّ ما أَمَرتُكَ بِه وحَفِظتَ فَرائِضي وأَحْكامي، أُثَبِّتُ عَرشَ مُلكِكَ، كما عاهَدتُ داوُدَ أَباكَ قائِلًا: لا يَنقَطِعُ لَكَ رَجُلٌ يَتَسَلَّطُ على إِسْرائيل. وإِنِ ٱرتَدَدتُم وتَرَكتُم فَرائِضي ووَصايايَ الَّتي جَعَلتُها أَمامَكم وذَهَبتُم وعَبَدتُم آلِهَةً أُخْرى وسَجَدتُم لَها، فإِنِّي أَقلَعُهم مِن أَرضِيَ الَّتي أَعطَيتُهم إِيَّاها، وهٰذا البَيتُ الَّذي قَدَّستُه لِٱسْمي أَنبِذُه مِن أَمامِ وَجْهي وأَجعَلُه حَدِيثًا وسُخرِيَّةً بَينَ الشُّعوبِ بِأَسرِها. وهٰذا البَيتُ الَّذي كانَ عالِيًا جِدًّا لِكُلِّ مَن كانَ يَمُرُّ بِه يَكونُ خَرابًا، ويَقولُ المارّ: لِمَاذا فَعَلَ الرَّبُّ هٰكذا بِهٰذه الأَرضِ وهٰذا البَيت؟ فيُجاب: لأَنَّهم تَرَكوا الرَّبَّ إِلٰهَ آبائِهِمِ الَّذي أَخرَجَهم مِن أَرضِ مِصرَ، وٱعتَصَموا بِآلِهَةٍ أُخْرى وسَجدوا لَها وعَبَدوها، لِذٰلك أَنزَلَ بِهم كُلَّ هٰذا البَلاء». وكانَ بَعدَ عِشْرينَ سَنَةً مِن بِناءِ سُلَيمانَ بَيتَ الرَّبِّ وبَيتَه، أَنَّ المُدُنَ الَّتي أَعطاها حورامُ لِسُلَيمانَ أَعادَ سُلَيمانُ بِناءَها وأَسكَنَ فيها بَني إِسْرائيل. وزَحَفَ سُلَيمانُ على حَماةِ صوبَةَ وٱستَولى علَيها. وأَعادَ بِناءَ تَدمُرَ في البَرِّيَّة، وجَميعَ مُدُنِ الخَزْنِ الَّتي بَناها في حَماة، وأَعادَ بِناءَ بَيتَ حورونَ العُلْيا وبَيتَ حورونَ السُّفْلى، مَدينَتَينِ مُحَصَّنَتَينِ بِالأَسْوارِ والأَبوابِ والمَغاليق، وبَعلَتَ وجَميعَ مُدُنِ الخَزْنِ الَّتي كانَت لِسُلَيمان، وجَميعَ مُدُنِ المَركَباتِ ومُدُنِ الخَيل، وكُلَّ ما أَحبَّ سُلَيمانُ أَن يَبنِيَ في أُورَشَليمَ ولُبْنانَ وكُلِّ أَرضِ سَلطَنَتِه. فسَخَّرَ الشَّعبَ الَّذي بَقِيَ مِنَ الحِثِّيِّينَ والأَمورِيِّينَ والفِرِزِّيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّينَ الَّذينَ لم يَكونوا مِن إِسْرائيل، بَنيهمِ الَّذينَ بَقوا مِن بَعدِهم في الأَرض، والَّذينَ لم يَقرِضْهم بَنو إِسْرائيل، فَرَضَ علَيهم سُلَيمانُ سُخرَةً إِلى هٰذا اليَوم. وأَمَّا بَنو إِسْرائيل، فلم يَجعَلْ سُلَيمانُ مِنهم عَبيدًا لِعَمَلِه، لأَنَّهم رِجالُ حَربٍ له وقُوَّادٌ وضُبَّاطٌ ورُؤَساءُ لِمَركَباتِه وفُرْسانِه. وهٰؤُلاءِ همُ الرُّؤَساءُ المُحافِظونَ الَّذينَ لِلمَلِكِ سُلَيمان: مِئَتانِ وخَمْسونَ رَجُلًا مُسَلَّطونَ على القَوم. وأَصعَدَ سُلَيمانُ ٱبنَةَ فِرعَونَ مِن مَدينَةِ داوُدَ إِلى البَيتِ الَّذي بَناهُ لَها، لأَنَّه قال: «لا تَسكُنُ زَوجَةٌ لي في بَيتِ داوُد، مَلِكِ إِسْرائيل، لأَنَّه قُدسٌ دَخَلَه تابوتُ الرَّبّ». حينَئِذٍ أَصعَدَ سُلَيمانُ مُحرَقاتٍ لِلرَّبِّ على مَذبَحِ الرَّبِّ الَّذي بَناه أَمامَ الرِّواقِ لِلإصْعادِ علَيه، بِحَسَبِ وَصِيَّةِ موسى، رَسْمَ كُلِّ يَومٍ في يَومِه وفي السُّبوتِ ورُؤُوسِ الشُّهورِ وفي الأَعياد، ثَلاثَ مَرَّاتٍ في السَّنَة، في عيد الفطيرِ وعيدِ الأَسابيعِ وعيدِ الأَكواخ. وأَقامَ، بِحَسَبِ تَرْتيبِ داوُدَ أَبيه، فِرَقَ الكَهَنَةِ في خِدمَتِهم واللاَّوِيِّينَ في وَظائِفِهم لِيُسَبِّحوا ويَخدُموا أَمامَ الكَهَنَة، رَسْمَ كُلِّ يَومٍ في يَومِه، والبَوَّابينَ بِفِرَقِهم عِندَ بابٍ فباب، لأَنَّها هٰكذا كانَت وَصِيَّةُ داوُد، رَجُلِ الله. فلَم يُعْدَلْ عن وَصِيَّةِ المَلِكِ لِلكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ في كُلِّ أَمرٍ وفي الخَزائِن. وأُنجِزَ عَمَلُ سُلَيمانَ كُلُّه مُنذُ يَومِ تَأسيسِ بَيتِ الرَّبِّ إِلى نِهايَتِه، وهٰكذا أُكمِلَ بَيتُ الرَّبّ. ثُمَّ ذَهَبَ سُلَيمانُ إِلى عَصْيونَ جابَرَ وإِلى أَيلَة، على شاطِئِ البَحرِ في أَرضِ أَدوم. وأَرسَلَ لَه حورامُ، عن أَيدي رِجالِه، سُفُنًا ورِجالًا عارِفينَ بِالبَحر. فأَتَوا أُوفيرَ مع رِجالِ سُلَيمان، وأَخَذوا مِن هُناكَ أَربَعَ مِئَةٍ وخَمْسينَ قِنطارًا مِنَ الذَّهَب، وأَتَوا بِها سُلَيمانَ المَلِك. وسَمِعَت مَلِكَةُ سَبَأَ بِخَبَرِ سُلَيمان، فقَدِمَت لِتَختَبِرَ سُلَيمانَ بِأَلْغازٍ في أُورَشَليم، في مَوكِبٍ عَظيمٍ جِدًّا، ومَعها جِمالٌ مُحَمَّلَةٌ أَطْيابًا وذَهَبًا كَثيرًا وحِجارَةً كَريمَة، وأَتَت إِلى سُلَيمانَ وكَلَّمَته بِكُلِّ ما كانَ في خاطِرِها. ففَسَّرَ لَها سُلَيمانُ جَميعَ أَسئِلَتِها، ولم يَخْفَ على سُلَيمانَ شَيءٌ لم يُفَسِّرْه لَها. ورَأَت مَلِكَةُ سَبَأَ حِكمَةَ سُلَيمانَ والبَيتَ الَّذي بَناه، وطَعامَ مائِدَتِه ومَسكِنَ مُوَظَّفيه وقِيامَ خُدَّامِه ولِباسَهم وسُقاتَه ولِباسَهم، ومُحرَقاتِه الَّتي كانَ يُصعِدُها في بَيتِ الرَّبّ، فلم يَبْقَ فيها روح. وقالَت لِلمَلِك: «صَدَقَ الكَلامُ الَّذي سَمِعتُه في أَرضي عن أَقْوالِكَ وعن حِكمَتِكَ، ولم أُصَدِّقْ ما قيلَ لي حتَّى قَدِمتُ ورَأَيتُ بِعَينَيَّ، فإِذا بي لم أُخْبَرْ بِنِصفِ حِكمَتِكَ الكَثيرة، فقَد زِدتَ على الخَبَرِ الَّذي سَمِعتُه. طوبى لِرِجالِكَ وطوبى لِخُدَّامِكَ هٰؤُلاءِ القائِمينَ دائِمًا أَمامَكَ يَسمَعونَ حِكمَتَكَ. تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ الَّذي رَضِيَ عنكَ وأَجلَسَكَ على عَرشِه مَلِكًا لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ، فإِنَّه بِسَبَبِ حُبِّ إِلٰهِكَ لإسْرائيل، لِيُثَبِّتَه لِلأَبَد، أَقامَكَ مَلِكًا علَيه لِتُجرِيَ الحَقَّ والبِرّ». وأَعطَتِ المَلِكَ مِئَةً وعِشْرينَ قِنْطارَ ذَهَبٍ وأَطْيابًا كَثيرَةً جِدًّا وحِجارَةً كَريمَة، ولم يَكُنْ مِثلُ ذٰلك الطِّيبِ الَّذي وَهَبَته مَلِكَةُ سَبَأَ لِلمَلِكِ سُلَيمان. وإِنَّ رِجالَ حورامَ ورِجالَ سُلَيمانَ، الَّذينَ كانوا يَجلُبونَ الذَّهَبَ مِن أُوفير، جاؤُوا بِخَشَبِ صَندَلٍ وحِجارَةٍ كَريمَة، فصَنَعَ المَلِكُ مِن خَشَبِ الصَّندَلِ أَرضِيَّةً لِبيتِ الرَّبِّ وبَيتِ المَلِكِ وكِنَّاراتٍ وعيدانًا لِلمُغَنِّين، ولم يُرَ مِثلُ ذٰلك قَطُّ في أَرضِ يهوذا. وأَعْطى المَلِكُ سُلَيمانُ مَلِكَةَ سَبَأَ كُلَّ ما عَبَّرَت عن رَغبَتِها فيه، زِيادةً على ما قَدِمَت بِه على المَلِك. فٱنصَرَفَت وعادَت إِلى أَرضِها هي وحاشِيَتُها. وكانَ وزنُ الذَّهَبِ الَّذي وَرَدَ على سُلَيمانَ في سَنَةٍ واحِدَةٍ سِتَّ مِئَةٍ وسِتَّةً وسِتِّينَ قِنْطارَ ذَهَب، ما عدا الوارِدَ مِن الجَوَّالينَ التِّجارِيِّينَ ومِن رِبحِ التُّجَّارِ وجَميعِ مُلوكِ العَرَبِ ووُلاةِ البِلادِ الَّذينَ كانوا يَأتونَ سُلَيمانَ بِالذَّهَبِ والفِضَّة. فعَمِلَ المَلِكُ سُلَيمانُ مِئَتَي مِجنَبٍ مِن ذَهَبٍ مَطْروق، لِلمِجنَبِ الواحِدِ سِتُّ مِئَةِ مِثقالِ ذَهَبٍ مُرَكَّب، وعَمِلَ أَيضًا ثلاثَ مِئَةِ تُرسٍ مِن ذَهَبٍ مَطْروق، لِلتُّرسِ الواحِدِ ثَلاثَةُ قَناطيرِ ذَهَبٍ مُرَكَّب، وجَعَلَها المَلِكُ في بَيتِ غابَةِ لُبْنان. وعَمِلَ المَلِكُ عَرشًا كَبيرًا مِن عاج، ولَبَّسَه ذَهَبًا خالِصًا. وكانَ لِلعَرشِ سِتُّ دَرَجاتٍ مع مَوطِئٍ مِنَ الذَّهَب، كُلُّها مُتَّصِلَةٌ بِالعَرش، وعلى جانِبَيِ المَقعَدِ يَدانِ مِن هُنا ومِن هُناك، وأَسَدانِ واقِفانِ عِندَ اليَدَين. وهُناكَ ٱثْنا عَشَرَ أَسَدًا واقِفَةٌ على الدَّرَجاتِ السِّتِّ مِن هُنا ومِن هُناكَ، لم يُصْنَعْ لِهٰذا العَرْشِ نظيرٌ في جَميعِ المَمالِك. وكانَت جَميعُ آنِيَةِ شُربِ المَلِكِ سُلَيمانَ ذَهَبًا، وجَميعُ آنِيَةِ بَيتِ غابَةِ لُبْنانَ كانَت مِن ذَهَبٍ خالِص، لم يَكُنْ فيها فِضَّة، إِذ لم تَكُن الفِضَّةُ تُحسَبُ شَيئًا في أَيَّامِ سُلَيمان. لأَنَّ المَلِكَ كانَت لَه سُفُنٌ تَذهَبُ إِلى تَرْشيش، مع رِجالِ حورام، فكانَت سُفُنُ تَرْشيشَ تَأتي مَرَّةً في كُلِّ ثَلاثِ سِنين، حامِلَةً ذَهَبًا وفِضَّةً وعاجًا وقُرودًا وطَواويس. وعَظُمَ المَلِكُ سُلَيمانُ على جَميعِ مُلُوكِ الأَرضِ في الغِنى والحِكمَة. وكانَت جَميعُ مُلوكِ الأَرضِ تَلتَمِسُ مُواجَهَةَ سُلَيمانَ لِتَسمَعَ حِكمَتَه الَّتي أَودَعَها اللهُ في قَلبِه، وكانَ كُلُّ واحِدٍ يَأتيه بِهَداياه مِن آنِيَةِ فِضَّةٍ وآنِيَةِ ذَهَبٍ ولِباسٍ وسِلاحٍ وأَطْيابٍ وخَيلٍ وبِغالٍ في كُلِّ سَنَة. وكانَ لِسُلَيمانَ أَربَعَةُ آلافِ إِسطَبْلٍ لِخَيلِ المَركَبات، وٱثنا عَشَرَ أَلفَ فَرَسٍ، فأَقامَها في مُدُنِ المَركَباتِ وعِندَ المَلِكِ في أُورَشَليم. وكانَ مُتَسَلِّطًا على جَميعِ المُلوك، مِنَ النَّهرِ إِلى أَرضِ الفِلَسطينِيِّينَ وإِلى حُدودِ مِصْر. وجَعَلَ المَلِكُ الفِضَّةَ في أُورَشَليمَ مِثلَ الحِجارة، وجَعَلَ الأَرزَ مِثلَ الجُمَّيزِ الَّذي في السَّهْلِ كَثرَةً. وكانَتِ الخَيلُ تُجلَبُ لِسُلَيمانَ مِن مِصرَ ومِن جَميعِ البِلاد. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ سُلَيمانَ الأُولى والأَخيرَة أَفَلَيسَت مَكْتوبةً في أَخبارِ ناتانَ النَّبِيِّ وفي نُبُوَّةِ أَحِيَّا الشِّيلونِيِّ وفي رُؤَى يَعدُوَ الرَّائي على يارَبْعامَ بنِ نَباط. ومَلَكَ سُلَيمانُ بِأُورَشَليمَ على كُلِّ إِسْرائيلَ أَربَعينَ سَنَة. وٱضطَجَعَ سُلَيمانُ مع آبائِه ودُفِنَ في مَدينَةِ داوُدَ أَبيه، ومَلَكَ رَحَبْعامُ ٱبنُه مَكانَه. ومَضَى رَحَبْعامُ إِلى شَكيم، لأَنَّه كانَ قدِ ٱجتَمَعَ كُلُّ إِسْرائيلَ في شَكيمَ لِيُمَلِّكَه. وسَمِعَ يارُبْعامُ بنُ نَباطَ، وهو في مِصرَ لأَنَّه كانَ قد هَرَبَ مِن وَجهِ سُلَيمانَ المَلِك، فَرَجَعَ مِن مِصْر. فبَعَثوا إِلَيه ودَعَوه، فأَقبَلَ يارُبْعامُ، هو وكُلُّ إِسْرائيل، وخاطَبوا رَحَبْعامَ قائلين: «إِنَّ أَباكَ قد ثَقَّلَ نَيرَنا، فخَفِّفِ الآنَ مِن عُبودِيَّةِ أَبيكَ الشَّاقَةِ ونيرِه الثَّقيلِ الَّذي وَضَعَه علَينا، فنَخدُمَكَ». فقالَ لَهم: «عودوا إِلَيَّ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّام». فٱنصَرَفَ الشَّعْب. فشاوَرَ المَلِكُ رَحَبْعامُ الشُّيوخَ الَّذينَ كانوا يَقِفونَ أَمامَ سُلَيمانَ أَبيه في حَياتِه وقالَ لَهم: «بِماذا تُشيرونَ أَن أُجيبَ هٰذا الشَّعب؟». فأَجابوه قائلين: «إِن كُنتَ طَيِّبًا مع هٰذا الشَّعبِ وأَرضَيتَه وكَلَّمتَه كَلامًا حَسَنًا، فإِنَّهم يَكونونَ لَكَ عَبيدًا كُلَّ الأَيَّام». فأَهمَلَ مَشورَةَ الشُّيوخِ الَّذينَ أَشاروا علَيه، وشاوَرَ الفِتْيانَ الَّذينَ نَشأُوا معَه وكانوا يَقِفونَ أَمامَه، وقالَ لَهم: «ما الَّذي تُشيرونَ بِه أَنتُم علَيَّ أَن أُجيبَ هٰذا الشَّعبَ الَّذي كَلَّمَني قائلًا: خَفِّفْ مِنَ النِّيرِ الَّذي وَضَعَه أَبوكَ علَينا؟». فكَلَّمَه الفِتْيانُ الَّذينَ نَشَأُوا معَه وقالوا: «قُلْ لِهٰذا الشَّعبِ الَّذي خاطَبَكَ قائِلًا: أَبوكَ ثَقَّلَ نيرَنا، وأَنتَ فخَفِّفْ عَنَّا: هٰكذا تَقولُ لَهم: إِنَّ خِنصِري أَغلَظُ مِن مَتنِ أَبي. والآن فإِنَّ أَبي حَمَّلَكُم نيرًا ثَقيلًا، وأَنا أَزيدُ على نيرِكم. أَبي أَدَّبَكم بِالسِّياط، وأَنا بِالعَقارِب». وأَقبَلَ يارُبْعامُ وكُلُّ الشَّعبِ إِلى رَحَبْعامَ في اليَومِ الثَّالِث، كما تَكَلَّمَ المَلِكُ حَيثُ قال: «عودوا إِلَيَّ في اليَومِ الثَّالِث». فأَجابَهمُ المَلِكُ بِكَلامٍ جافٍ، وأَهمَلَ المَلِكُ رَحَبْعامُ مَشورَةَ الشُّيوخ، وأَجابَهم بِحَسَبِ مَشورَةِ الفِتْيانِ وقال: «أُثَقِّلُ نيرَكم وأَزيدُ علَيه. أَبي أَدَّبَكم بِالسِّياط، وأَنا بِالعَقارِب»، ولم يَسمَعِ المَلِكُ لِلشَّعْب، لأَنَّ سَيرَ الأُمورِ كانَ مِن قِبَلِ الله، لِيُتِمَّ الرَّبُّ كَلامَه الَّذي كَلَّمَ بِه يارُبْعامَ بنَ نَباط، على لِسانِ أَحِيَّا الشِّيلونِيّ، ورأَى كُلُّ إِسْرائيلَ أَنَّ المَلِكَ لن يَسمَعَ لَهم. فأَجابَ الشَّعبُ المَلِكَ قائِلًا: «أَيُّ نَصيبٍ لَنا مع داوُد، ولَيسَ لَنا ميراثٌ مع ٱبنِ يَسَّى. كُلُّ واحِدٍ إِلى خَيمَتِه، يا إِسْرائيل، والآن فدَبِّرْ أَمرَ بَيتِكَ، يا داوُد». ورَجَعَ كُلُّ إِسْرائيلَ إِلى خِيامِه. فأَمَّا بَنو إِسْرائيلَ المُقيمونَ في مُدُنِ يَهوذا، فمَلَكَ علَيهم رَحَبْعام. وأَرسَلَ المَلِكُ رَحَبْعامُ هَدورامَ المُوَكَّلَ على السُّخرَة، فرَجَمَه بَنو إِسْرائيلَ بِالحِجارَة فمات. فٱضطُرَّ المَلِكُ رَحَبْعامُ إِلى الصُّعودِ على مَركَبَتِه لِيَهرُبَ إِلى أُورَشَليم. وتَمَرَّدَ إِسْرائيلُ على بَيتِ داوُدَ إِلى هٰذا اليَوم. ووَصَلَ رَحَبْعامُ إِلى أُورَشَليم، وجَمَعَ بَيتَ يَهوذا وبَنْيامين، وكانوا مِئَةً وثَمانينَ أَلفًا، مُنتَخَبين، رِجالَ حَرب، لِيُحارِبوا إِسْرائيلَ ويَرُدُّوا المَملَكَةَ إِلى رَحَبْعام. فكانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلى شَمَعْيا، رَجُلِ اللهِ، قائِلًا: «كَلِّمْ رَحَبْعامَ بنَ سُلَيمان، مَلِكَ يَهوذا، وكُلَّ إِسْرائيلَ الَّذي في يَهوذا وبَنْيامينَ قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: لا تَصعَدوا ولا تُقاتِلوا إِخوَتَكم، وٱرجِعوا كُلُّ رَجُلٍ إِلى بَيتِه، فإِنَّه مِن قِبَلي حَدَثَ هٰذا الأَمْر». فأَذعَنوا لِكَلامِ الرَّبِّ وكَفُّوا عنِ الخُروجِ على يارُبْعام. وأَقامَ رَحَبْعامُ في أُورَشَليم، وبَنى مُدُنًا حَصينَةً في يهوذا. وبَنى بَيتَ لَحمَ وعَيطَمَ وتَقوعَ وبَيتَ صورَ وسوكُوَ وعَدُلاَّمَ وجَتَّ ومَريشَةَ وزيفَ وأَدورائيمَ ولاكيشَ وعَزيقَةَ وصُرعَةَ وأَيَّالونَ وحَبْرونَ الَّتي في يَهوذا وبَنْيامين، مُدُنًا مُحَصَّنَة. حَصَّنَها تَحصينًا وجَعَل فيها قُوَّادًا وخَزائِنَ طَعامٍ وزَيتٍ وخَمر ومَجانِبَ ورِماحًا في كُلِّ مَدينَة، وحَصَّنَها جِدًّا، وكانَ معَه يَهوذا وبَنْيامين. وقَدِمَ إِلَيه الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ الَّذينَ في كُلِّ إِسْرائيلَ مِن جَميعِ أَراضيهم، لأَنَّ اللاَّوِيِّينَ تَرَكوا مَراعِيَهم وأَمْلاكَهم وأَتَوا إِلى يَهوذا وأُورَشَليم، لأَنَّ يارُبْعامَ وبَنيه أَبعَدوهم مِن كَهَنوتِ الرَّبّ. وأَقامَ لَه كَهَنَةً لِلمَشارِفِ ولِلتُّيوسِ ولِلعُجولِ الَّتي صَنَعَها. وكانَ الَّذينَ وَجَّهوا قُلوبَهم لِٱلتِماسِ الرَّبِّ إِلٰه إِسْرائيلَ، مِن جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ، يَأتونَ إِلى أُورَشَليمَ لِيَذبَحوا لِلرَّبِّ إِلٰهِ آبائِهم. فأَيَّدوا مَملَكَةَ يَهوذا وآزَروا رَحَبْعامَ بنَ سُلَيمانَ ثَلاثَ سَنَوات، لأَنَّهم ساروا في طَريقِ داوُدَ وسُلَيمانَ ثَلاثَ سَنَوات. وتَزَوَّجَ رَحَبْعامُ مَحلَة، بِنتَ يَريموتَ بنِ داوُد وأَبيحائيلَ بِنتِ أَليآبَ بنِ يَسَّى، فوَلَدَت لَه بَنين: يَعوشَ وشَمَرْيا وزاهَم. وبَعدَها تَزَوَّجَ مَعكَة، بِنتَ أَبْشالوم، فوَلَدَت لَه أَبِيَّا وعَتايَ وزيزا وشَلوميت. وأَحَبَّ رَحَبْعامُ مَعكَة، بِنتَ أَبْشالوم، على جَميعِ زَوجاتِه وسَرارِيِّه، لأَنَّه ٱتَّخَذَ ثَماني عَشَرَةَ زَوجَةً وسِتِّينَ سُرِّيَّة، ووَلَدَ ثَمانِيَةً وعِشْرينَ ٱبنًا وسِتِّينَ بِنتًا. وأَقامَ رَحَبْعامُ أَبِيَّا ٱبنَ مَعكَةَ رَئيسًا مُتَقَدِّمًا على إِخوَتِه، لأَنَّه نَوى أَن يُمَلِّكَه. وتَصَرَّفَ بِفِطنَةٍ ففَرَّقَ بَعضَ بَنيه في أَرضِ يَهوذا وبَنْيامينَ كُلِّها، في جَميعِ المُدُنِ المُحَصَّنَة، وأَغدَقَ علَيهمِ الزَّاد وأَخذَ لَهم جُمْهورًا مِنَ النِّساء. ولَمَّا ٱستَقَرَّ مُلكُ رَحَبْعامَ وتَقَوَّى، تَرَكَ رَحَبْعامُ شَريعَةَ الرَّبّ، هو وكُلُّ إِسْرائيلَ معَه. ولَمَّا كانَتِ السَّنَةُ الخامِسَةُ لِلمَلِكِ رَحَبْعام، صَعِدَ شيشاقُ، مَلِكُ مِصْرَ، على أُورَشَليم، لأَنَّهم خانوا الرَّبّ، في أَلفٍ ومِئَتَي مَركَبَةٍ وسِتِّينَ أَلفَ فارِس، وكانَ عَدَدُ الشَّعبِ الَّذي جاءَ معَه مِن مِصرَ، مِنَ اللُّوبِيِّينَ والسُّكِّيِّينَ والكوشِيِّين، لا يُحْصى. وٱستَولى على المُدُنِ المُحَصَّنَةِ الَّتي في يَهوذا ووَصَلَ إِلى أُورَشَليم. فأَقبَلَ شَمَعْيا النَّبِيُّ إِلى رَحَبْعامَ ورُؤَساءِ يَهوذا الَّذينَ ٱجتَمَعوا في أُورَشَليم، مِن وَجهِ شيشاق، وقالَ لهم: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: أَنتُم تَرَكتُموني، وأَنا أَيضًا تَرَكتُكم في يَدِ شيشاق». فٱتَّضَعَ رُؤَساءُ إِسْرائيلَ والمَلِكُ وقالوا: «بارٌّ الرَّبّ». فلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهم قدِ ٱتَّضَعوا، كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى شَمَعْيا قائِلًا: «إِنَّهم قدِ ٱتَّضَعوا فلا أُهلِكُهم، بل أُوتيهمِ النَّجاةَ عن قريب، ولا يَنصَبُّ حَنَقي على أُورَشَليمَ عن يَدِ شيشاق، لٰكِنَّهم يَكونونَ عَبيدًا لَه لِيُمَيِّزوا بَينَ عُبودِيَّتي وعُبودِيَّةِ مَمالِكِ البِلاد». فصَعِدَ شيشاقُ، مَلِكُ مِصرَ، على أُورَشَليم، وأَخَذَ ما في خَزائِنِ بَيتِ الرَّبِّ وخَزائِن بَيتِ المَلِك، وأَخذَ كُلَّ شَيء، وأَخذَ تُروسَ الذَّهَبِ الَّتي صَنَعها سُلَيمان. فصَنَعَ المَلِكُ رَحَبْعامُ مكانَها تُروسًا مِن نُحاس، وجَعَلَها في أَيدي رُؤَساءِ السُّعاةِ الحارِسينَ بابَ بَيتِ المَلِك. وكانَ، إِذا دَخَلَ المَلِكُ بَيتَ الرَّبّ، يَأتي السُّعاةُ ويَحمِلونَها ثُمَّ يَرُدُّونَها إِلى غُرفَةِ السُّعاة. فلَمَّا ٱتَّضَعَ المَلِكُ، اِرتَدَّ عنه غَضَبُ الرَّبّ، فلَم يُهلِكْه هَلاكًا تامًّا، لأَنَّه لم يَزَل في يَهوذا أُمورٌ صالِحَة. وتَقَوَّى المَلِكُ رَحَبْعامُ في أُورَشَليم، ومَلَكَ وكانَ ٱبنَ إِحْدى وأَربَعينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ سَبعَ عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم، المَدينَةِ الَّتي ٱخْتارَها الرَّبُّ مِن بَينِ جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيل، لِيَجعَلَ ٱسمَه هُناك. وٱسمُ أُمِّه نِعمَةُ العَمُّونِيَّة. وصَنَعَ الشَّرّ، لأَنَّه لم يُوَجِّهْ قَلبَه لِٱلتِماسِ الرَّبّ. وأَخْبارُ رَحَبْعامَ الأُولى والأَخيرَةُ أَفَلَيسَت مَكْتوبَةً في أَخْبارِ شَمَعْيا النَّبِيِّ وعِدُّوَ الرَّائي بِالٱنتِساب. وكانَت بَينَ رَحَبْعامَ ويارَبْعامَ حُروبٌ كُلَّ الأَيَّام. وٱضطَجَعَ رَحَبْعامُ مع آبائِه وقُبِرَ في مَدينَةِ داوُد. ومَلَكَ أَبِيَّا ٱبنُه مَكانَه. في السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِلمَلِكِ يارُبْعام، مَلَكَ أَبِيَّا على يَهوذا. مَلَكَ ثَلاثَ سَنَواتٍ في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه ميكايا، بِنتُ أُوريئيلَ مِن جَبْع. وكانَت حَربٌ بَينَ أَبِيَّا ويارُبْعام، فشَنَّ أَبِيَّا القِتالَ بِجَيشٍ مِن أَبْطالِ حَربٍ - أَربَعِ مِئَةِ أَلفِ رَجُلٍ مُنتَخَبين - وٱصطَفَّ علَيه يارُبْعامُ بِثَماني مِئَةِ أَلفٍ، مُنتَخَبينَ مِن أَبطالِ بَأس. ووَقَفَ أَبِيَّا على جَبَلِ صَمارائيمَ الَّذي في جَبَلِ أَفْرائيم، وقال: «أَصْغوا إِلَيَّ يارُبْعامُ وإِسْرائيلُ كافَّةً. أَلا تَعلَمونَ أَنَّ الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، قد أَعْطى مُلكَ إِسْرائيلَ لِداوُدَ لِلأَبَد، لَه ولِبَنيه، بِعَهدِ مِلْح؟ فقامَ يارُبْعامُ بنُ نَباطَ، خادِمُ سُلَيمانَ بنِ داوُد، وتَمَرَّدَ على سَيِّده. وٱجتَمَعَ إِلَيه رِجالٌ لا خَيرَ فيهم تافِهون، وتَغَلَّبوا على رَحَبْعامَ بنِ سُلَيمان، وكانَ رَحَبْعامُ فَتًى ضَعيفَ القَلْب، فلم يَثبُتْ أَمامَهم. وأَنتُمُ الآنَ تَزعُمونَ أَنَّكُم تُقاوِمونَ مُلكَ الرَّبِّ الَّذي في يَدِ بَني داوُد، وأَنتُم جُمْهورٌ عَظيم، ومعَكم عُجولُ الذَّهَبِ الَّتي صَنَعَها لَكم يارُبْعامُ آلِهَةً. أَما طَرَدتُم كَهَنَةَ الرَّبّ، بَني هارونَ واللاَّوِيِّين، وأَقَمتُم لأَنفُسِكم كَهَنَةً نَظيرَ أُمَمِ الأَرْض: فكُلُّ مَن جاءَ لِيُكَرِّسَ نَفْسَه بِثَورٍ مِنَ البَقَرِ وسَبعَةِ كِباشٍ يَصيرُ كاهِنًا لِمَن لَيسَ بإِلٰه. أَمَّا نَحنُ فالرَّبُّ هو إِلٰهُنا ولَم نَترُكْه، والكَهَنَةُ القائِمونَ بِخِدمَةِ الرَّبِّ هم بَنو هارون، واللاَّوِيُّونَ مُنصَرِفونَ إِلى عَمَلِهم، وهم يُحرِقونَ لِلرَّبِّ، كُلَّ صَباحٍ وكُلَّ مَساء، مُحرَقاتٍ وبَخورًا عَطِرًا، والخُبزُ المُقَدَّسُ على المائِدَةِ النَّقِيَّة، ومنارَةُ الذَّهَبِ تُوقَدُ سُرُجُها كُلَّ مَساء، لأَنَّنا نَحفَظُ ما يَجِبُ تُجاهَ الرَّبِّ إِلٰهنا، وأَمَّا أَنتُم فتَرَكتُموه. وهُوَذا اللهُ معَنا رَئيسًا لَنا، وَكَهَنَتُه وأَبواقُ الهُتافِ لِلهُتافِ علَيكم. يا بَني إِسْرائيل، لا تُحارِبوا الرَّبَّ، إِلٰهَ آبائِكم، فإِنَّكم لا تَنجَحون». أَمَّا يارُبْعامُ فإِنَّه أَقامَ كَمينًا يَدورُ لِيأتِيَ مَن وَرائِهم، فكانوا هم قُدَّامَ يَهوذا والكَمينُ وَراءَهم. فٱلتَفَتَ يَهوذا، فإِذا القِتالُ مِن أَمامِهم ومِن خَلفِهم، فصَرَخوا إِلى الرَّبّ، ونَفَخَ الكَهَنَةُ في الأَبْواق. وهَتَفَ رِجالُ يَهوذا، وعِند هُتافِ رِجالِ يَهوذا، ضَرَبَ اللهُ يارُبْعامَ وكُلَّ إِسْرائيلَ أَمامَ أَبِيَّا ويَهوذا. فٱنهَزَمَ بَنو إِسْرائيلَ مِن وَجهِ يَهوذا، وأَسلَمَهمُ اللهُ إِلى أَيديهم. فضَرَبَهم أَبِيَّا وشَعبُه ضَربَةً شَديدة، فسَقَطَ قَتْلى مِن إِسْرائيل: خَمسُ مِئَةِ أَلفِ رَجُلٍ مُنتَخَبون. فٱتَّضَعَ بَنو إِسْرائيل في ذٰلك الوَقْت، وٱعتَزَّ بَنو يَهوذا، لأَنَّهمُ ٱتَّكَلوا على الرَّبِّ إِلٰهِ آبائِهم. وجَدَّ أَبِيَّا في إِثرِ يارُبْعام، وأَخَذَ مِنه مُدُنًا، وهي بَيتَ إِيلُ وتَوابِعُها ويَشانَةُ وتَوابِعُها وعَفْرائينُ وتَوابِعُها. ولم يُحافِظْ يارُبْعامُ على قُوَّته بَعدَ ذٰلك في أَيَّامِ أَبِيَّا، وضَرَبَه الرَّبُّ فمات. وتَشَدَّدَ أَبِيَّا وتَزَوَّجَ أَربَعَ عَشرَةَ ٱمرَأَةً ووَلَدَ ٱثنَينِ وعِشْرينَ ٱبنًا وسِتَّ عَشرَةَ بِنتًا. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ أَبِيَّا وطُرُقُه وأَقْوالُه مَكْتوبَةٌ في مِدراشِ النَّبِيِّ عِدُّو. وٱضطَجَعَ أَبِيَّا مع آبائِه وقُبِرَ في مَدينَةِ داوُد. ومَلَكَ آسا ٱبنُه مَكانَه. وهَدَأَت تِلكَ الأَرضُ في أَيَّامِه عَشرَ سِنين. وصَنَعَ آسا ما هو خَيرٌ وقَويمٌ في عَينَيِ الرَّبِّ إِلٰهِه. فأَزالَ مَذابِحَ الغَريبِ والمَشارِف، وحَطَّمَ الأَنْصابَ وقَطَّعَ الأَوتادَ المُقَدَّسَة، وأَمَرَ بَني يَهوذا أَن يَلتَمِسوا الرَّبَّ إِلٰهَ آبائِهم وأَن يَعمَلوا بِالشَّريعَةِ والوَصِيَّة، وأَزالَ، مِن جَميعِ مُدُنِ يَهوذا، المَشارِفَ ومَذابِحَ البَخور. وهَدَأَتِ المَملَكَةُ في أَيَّامِه. وبَنى مُدُنًا مُحَصَّنَةً في يَهوذا، لأَنَّ الأَرضَ هَدَأَت، ولم تَكُنْ لَه حَربٌ في تِلكَ السِّنين، لأَنَّ الرَّبَّ أَراحَه. فقالَ لِبَني يَهوذا: «لِنَبْنِ هٰذه المُدُنَ ونُحَصِّنْها بِأَسوارٍ وأَبْراجٍ وأَبْوابٍ ومَغاليق، ما دامَتِ الأَرضُ أَمامَنا، فكَما أَنَّنا ٱلتَمَسنا الرَّبَّ إِلٰهنا، كذٰلك ٱلتَمَسْناه فأَراحَنا مِن كُلِّ جِهَة». فبَنَوا ونَجَحوا. وكانَ لِآسا جَيشٌ يَحمِلُ التُّروسَ والرِّماح، يَبلُغُ عَدَدُه ثَلاثَ مِئَةِ أَلفٍ مِن يَهوذا ومِئَتَينِ وثَمَانينَ أَلفًا مِن بَنْيامين، مِمَّن يَحمِلونَ التُّروسَ ويَشُدُّونَ القِسِيّ، كُلُّهم أَبْطالُ بَأس. فخَرَجَ علَيهم زارَحُ الكوشِيُّ بِأَلفِ أَلفٍ مِنَ الجَيشِ وثَلاثِ مِئَةِ مَركَبَةٍ ووَصَلَ إِلى مَريشة. فخَرَجَ آسا علَيه وٱصطَفَّا لِلقِتالِ في وادي صَفاتَةَ عِندَ مَريشَة. فدَعا آسا الرَّبَّ إِلٰهَه وقال: «لا فَرقَ لَدَيك أَن تَنصُرَ الكَثيرينَ أَو مَن لا قُوَّةَ لَهم، فٱنصُرْنا أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُنا، لأَنَّنا علَيكَ نَعتَمِدُ وبِٱسمِكَ أَتَينا على هٰذا الجُمْهور. يا رَبّ، أَنتَ إِلٰهُنا، لا يَقْوى علَيكَ بَشَر». فضَرَبَ الرَّبُّ الكوشِيِّينَ أَمامَ آسا، فٱنهَزَمَ الكوشِيُّون. وطارَدَهم آسا والشَّعبُ الَّذي معَه إِلى جَرار، فسَقَطَ الكوشِيُّونَ حتَّى لم يَبقَ مِنهم حَيّ، لأَنَّهُم ٱنكَسَروا أَمامَ الرَّبِّ وأَمامَ جَيشِه. فأَخَذوا غَنيمَةً عَظيمَةً جِدًّا. وضَرَبَوا جَميعَ المُدُنِ المُحيطَةِ بِجَرار، لأَنَّ رُعبَ الرَّبِّ حَلَّ على الجَميع، ونَهَبوا جَميعَ المُدُن، وقد كانَ فيها غَنائِمُ كثيرة. وضَرَبوا أَيضًا حَظائِرَ الماشِيَة، وأَخَذوا كثيرًا مِنَ الغَنَمِ والإِبِل، ثُمَّ رَجَعوا إِلى أُورَشَليم. وحَلَّ روحُ الرَّبِّ على عَزَريا بنِ عوديد. فخَرَجَ لِمُلاقاةِ آسا وقالَ لَه: «أَصْغوا إِلَيَّ، يا آسا وكُلَّ يَهوذا وبَنْيامين. إِنَّ الرَّبَّ معَكم ما دُمتُم أَنتُم معَه، وإِنِ ٱلتَمَستُموه فإِنَّه يَدَعُكم تَجِدونَه، وإِن تَرَكتُموه فإِنَّه يَترُكُكم، وسيَكونُ إِسْرائيلُ أَيَّامًا كَثيرَةً بِلا إِلٰهٍ حَقّ، وبِلا كاهسنٍ مُعَلِّمٍ وبِلا شَريعة. لٰكِنَّه في ضيقِه يَرجِعُ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل، ويَلتَمِسُه والرَّبُّ يَدَعُه يَجِدُه. ولا سَلامَ في تِلكَ الأَزمِنَةِ لِلخارِجِ والدَّاخِل، بل تَكونُ ٱضطِراباتٌ كَثيرَةٌ على جَميعِ سُكَّانِ تِلكَ الأَرْض، وتَسحَقُ أُمَّةٌ أُمَّةً ومَدينَةٌ مَدينةً، لأَنَّ اللهَ يُبَلبِلُهم بِكُلِّ شِدَّة، وأَنتُم فتَشَدَّدوا ولا تَتَراخَ أَيديكم، لأَنَّ لأَعْمالِكم ثَوابًا». فلَمَّا سَمِعَ آسا هٰذه الكَلِماتِ ونُبُوَّةَ عوديدَ النَّبِيّ، تَشَدَّدَ وأَزالَ الأَقْذارَ مِن كُلِّ أَرضِ يَهوذا وبَنْيامينَ ومِنَ المُدُنِ الَّتي ٱستَولى علَيها مِن جَبَلِ أَفْرائيم، وجَدَّدَ مَذبَحَ الرَّبِّ الَّذي قُدَّامَ رِواقِ الرَّبّ. وجَمَعَ كُلَّ بَني يَهوذا وبَنْيامينَ والمُقيمينَ معَهم مِن أَفْرائيمَ ومَنَسَّى ومِن شِمْعون، لأَنَّ كَثيرينَ مِن بَني إِسْرائيلَ ٱنضَمُّوا إِلَيه، لَمَّا رَأَوا أَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَه معَه. فٱجتَمَعوا جَميعًا في أُورَشَليمَ في الشَّهرِ الثَّالِث، في السَّنَةِ الخامِسَةَ عَشرَةَ مِن مُلكِ آسا، وذَبَحوا لِلرَّبِّ في ذٰلك اليَومِ مِنَ الغَنيمَةِ الَّتي جاؤُوا بِها سَبعَ مِئَةِ ثَورٍ وسَبعَةَ آلافِ شاة، وتَعاهدوا على أَن يَلتَمِسوا الرَّبَّ إِلٰهَ آبائِهم بِكُلِّ قُلوبِهم وكُلِّ نُفوسِهم. فكُلُّ مَن لا يَلتَمِسُ الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، يُقتَل، مِنَ الصَّغيرِ وحتَّى الكَبير، رَجُلًا كانَ أَوِ ٱمرَأَة. وأَقسَموا لِلرَّبِّ بِصَوتٍ عالٍ وبِهُتافٍ وأَبواقٍ وقُرون. وفَرِحَ جَميعُ بَني يَهوذا بِالقَسَم، لأَنَّهم أَقسَموا بِكُلِّ قُلوبِهم وٱلتَمَسوه بِكُلِّ رِضاهم، فجَعَلَهم يَجِدونَه وأَراحَهمُ الرَّبُّ مِن حَولِهم. وعن مَعكَةَ، جَدَّةِ آسا المَلِكِ، أَيضًا نَزَعَ لَقَبَ المَلِكَةِ الأُمّ، لأَنَّها صَنَعَت قَضيبًا لِوَتَدٍ مُقَدَّس، فحَطَّمَ آسا قَضيبَه ودَقَّه وأَحرَقَه في وادي قِدْرون. وأَمَّا المَشارِفُ فلَم تُزَلْ مِن إِسْرائيل، إِلاَّ أَنَّ قَلبَ آسا كانَ مُخلِصًا كُلَّ أَيَّامِه. وجاءَ بِأَقْداسِ أَبيه وأَقْداسِه إِلى بَيتِ اللهِ مِن فِضَّةٍ وذَهَبٍ وأَوانٍ. ولم يَكُنْ حَربٌ إِلى السَّنَةِ الخامِسَةِ والثَّلاثينَ مِن مُلكِ آسا. في السَّنَةِ السَّادِسَةِ والثَّلاثينَ مِن مُلكِ آسا، صَعِدَ بَعْشا، مَلِكُ إِسْرائيل، على يَهوذا وحَصَّنَ الرَّامة، لِكَي لا يَدَعَ أَحَدًا يَخرُجُ أَو يَدخُلُ إِلى آسا، مَلِكِ يَهوذا. فأَخرَجَ آسا فِضَّةً وذَهَبًا مِن خَزائِنِ بَيتِ الرَّبِّ وبَيتِ المَلِك، وأَرسَلَهما إِلى بَنهَدَد، مَلِكِ أَرام، السَّاكِنِ في دِمَشق، وقال: «إِنَّ بَيني وبَينَكَ وبَينَ أَبي وأَبيكَ عَهدًا، وهاءَنَذا مُرسِلٌ إِلَيكَ فِضَّةً وذَهَبًا، فهَلُمَّ وٱنقُضْ عَهدَكَ مع بَعْشا، مَلِكِ إِسْرائيل، فيَنصَرِفَ عَنِّي». فسَمِعَ بَنهَدَدُ لِلمَلِكِ آسا وأَرسَلَ قُوَّادَ جُيوشِه إِلى مُدُنِ إِسْرائيل، فضَرَبوا عِيُّونَ ودانَ وآبَلَ مائيمَ وجَميعَ مَخازِنِ مُدُنِ نَفْتالي. فلَمَّا سَمِعَ بَعْشا، كَفَّ عن تَحصينِ الرَّامَةِ وأَوقَفَ عَمَلَه. فأَخَذَ آسا المَلِكُ كُلَّ يَهوذا، فحَمَلوا حِجارَةَ الرَّامَةِ وخَشَبَها، مِمَّا حَصَّنَها بِه بَعْشا وحَصَّنَ بِها جَبْعَ والمِصْفاة. في ذٰلك الوَقْتِ دَخَلَ حَناني الرَّائي على آسا، مَلِكِ يَهوذا، وقالَ لَه: «لأَنَّكَ ٱعتَمَدتَ على مَلِكِ أَرام، ولم تَعْتَمِد على الرَّبِّ إِلٰهِكَ، لِذٰلك أَفلَتَ جَيشُ مَلِكِ أَرامَ مِن يَدِكَ. أَلَم يَكُنِ الكوشِيُّونَ واللُّوبِيُّونَ جَيشًا كَثيرًا بِمَركَباتٍ وخَيلٍ كَثيرةٍ جِدًّا؟ فِيما أَنَّكَ ٱعتَمَدتَ على الرَّبّ، أَسلَمَهم إِلى يَدِكَ. فإِنَّ عَينَي الرَّبِّ تَجولانِ في كُلِّ الأَرضِ حتَّى يَتَشَدَّدَ مُخلِصو القُلوبِ أَمامَه. فلَقَد تَصَرَّفتَ بِحَماقَةٍ في هٰذا. فمِنَ الآنَ تَكونُ علَيكَ حُروب». فغَضِبَ آسا على الرَّائي ووَضَعَه في المِقطَرَة، لأَنَّه سَخِطَ علَيه بِسَبَبِ ذٰلك. وعَنَّفَ آسا بَعضًا مِنَ الشَّعْبِ في ذٰلك الوَقْت. وأَخْبارُ آسا الأُولى والأَخيرَةُ ها هي مَكْتُوبَةٌ في سِفْرِ مُلوكِ يَهوذا وإِسْرائيل. ومَرِضَ آسا في رِجلَيه في السَّنَةِ التَّاسِعَةِ والثَّلاثينَ مِن مُلكِه، حَتَّى ٱشتَدَّ مَرَضُه في الغايَة، وفي مَرَضِه أَيضًا لم يَستَشِرِ الرَّبَّ، بلِ الأَطِبَّاء. وٱضطَجَعَ آسا مع آبائِه وماتَ في السَّنَةِ الحادِيَةِ والأَربَعينَ مِن مُلكِه. ودُفِنَ في قِبرِه الَّذي حَفَرَه لِنَفْسِه في مَدينَةِ داوُد، فأَضجَعوه في سَريرٍ كانَ مَمْلوءًا أَطْيابًا وأَصْنافًا عَطِرَةً، بِحَسَبِ صُنعِ العَطَّارين. وعَمِلوا لَه حَريقَةً عَظيمَةً جِدًّا. ومَلَكَ يوشافاطُ ٱبنُه مَكانَه وتَقَوَّى على إِسْرائيل. وجَعَلَ جَيشًا في جَميعِ مُدُنِ يَهوذا المُحَصَّنَة، وأَقامَ مُحافِظينَ في أَرضِ يَهوذا وفي مُدُنِ أَفْرائيمَ الَّتي ٱستَولى علَيها آسا أَبوه. وكانَ الرَّبُّ مع يوشافاط، لأَنَّه سارَ في طُرُقِ داوُدَ أَبيه الأُولى، ولم يَلتَمِسِ البَعْل، بلِ ٱلتَمَسَ إِلٰهَ أَبيه وسارَ على وَصاياه، لا على حَسَبِ أَعْمالِ إِسْرائيل. فثَبَّتَ الرَّبُّ المُلكَ في يَدِه وقَدَّمَ كُلُّ يَهوذا هَدايا لِيوشافاط، فكانَ لَه غِنًى ومَجدٌ عَظيم. وتَحَمَّسَ قَلبُه في طُرُقِ الرَّبّ، وأَزالَ المَشارِفَ والأَوتادَ المُقَدَّسَةَ أَيضًا مِن يَهوذا. وفي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِن مُلكِه، أَرسَلَ ضُبَّاطَه بَنْحائيلَ وعوبَدْيا وزَكَرِيَّا ونَتَنائيلَ وميخا لِيُعَلِّموا في مُدُنِ يَهوذا، ومَعَهم مِنَ اللاَّوِيِّينَ شَمَعْيا ونَتَنْيا وزَبَدْيا وعَسائيلُ وشَميراموتُ ويوناتانُ وأَدونِيَّا وطوبِيَّا وطوبَ أَدونِيَّا اللاَّوِيُّون، ومعَهم أَليشاماعُ ويورامُ الكاهِنان. فعَلَّموا في يَهوذا، ومعَهم سِفْرُ شَريعَةِ الرَّبّ، وطافوا في جَميعِ مُدُنِ يَهوذا يُعَلِّمونَ الشَّعب. وكانَ رُعبُ الرَّبِّ على جَميعِ مَمالِكِ الأَرْضِ الَّتي حَولَ يَهوذا، فلَم يُحارِبوا يوشافاط. ومِنَ الفَلِسطينِيِّينَ مَن حَمَلَ إِلى يوشافاط هَدايا وفِضَّةً جِزْيَةً. وكذٰلك العَرَبُ ساقوا إِلَيه مِنَ الغَنَمِ سَبعَةَ آلافٍ وسَبعَ مِئَةِ كَبْشٍ وسَبعَةَ آلافٍ وسَبعَ مِئَةِ تَيس. وما زالَ يوشافاطُ يَتَعاظَمُ في الغايَة، وبَنى في يَهوذا قِلاعًا ومُدُنَ خَزْن. وكانَت لَه مَرافِقُ كَثيرَةٌ في مُدُنِ يَهوذا. وكانَ لَه في أُورَشَليمَ رِجالُ حَربٍ، أَبْطالُ بأسٍ. وهٰذا إِحْصاؤُهم بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم: مِن يَهوذا رُؤَساءُ أُلوف: الرَّئيسُ عَدنَة، ومعَه مِن أَبْطالِ البَأسِ ثَلاثُ مِئَةِ أَلْف. وإِلى جانِبِه الرَّئيسُ يوحانان، ومعَه مِئَتانِ وثَمَانونَ أَلفًا. وإِلى جانِبِه عَمَسْيا بنُ زِكْرِي المُتَطَوِّعُ لِلرَّبّ، ومعَه مِئَتا أَلفِ بَطَلِ بَأس. ومِن بَنْيامينَ: أَلْياداع، بَطَلُ بَأس، ومعَه مِئَتا أَلفٍ مُسَلَّحونَ بِالقِسِيِّ والتُّروس. وإِلى جانِبِه يوزاباد، ومعَه مِئَةٌ وثَمَانونَ أَلفًا مُجَهَّزونَ لِلحَرْب. هٰؤُلاءِ خادِمونَ لِلمَلِك، ما عَدا الَّذينَ جَعَلَهُمُ المَلِكُ في المُدُنِ المُحَصَّنَةِ في كُلِّ يَهوذا. وكانَ لِيوشافاطَ غِنًى ومَجدٌ عَظيم. وصاهَرَ أَحآب. وٱنحَدَرَ بَعدَ سِنينَ إِلى أَحآب في السَّامِرَة، فذَبَحَ أَحآبُ غَنَمًا وبَقَرًا بِكَثْرَةٍ لَه ولِلقَومِ الَّذينَ معَه، وحَرَّضَه على الصُّعودِ إِلى راموتَ جِلْعاد. وقالَ أَحآب، مَلِكُ إِسْرائيل، لِيوشافاط، مَلِكِ يَهوذا: «أَتَمْضي معي إِلى راموتَ جِلْعاد؟» فأَجابَه: «إِنَّما نَفْسي كنَفسِكَ وشَعْبي كشَعبِكَ، ونَحنُ معَكَ في الحَرْب». وقال يوشافاطُ لِمَلِكِ إِسْرائيل: «إِلتَمِسِ اليَومَ كَلامَ الرَّبّ». فجَمَعَ مَلِكُ إِسْرائيلَ الأَنبِياءَ، أَربَعَ مِئَةِ رَجُلٍ، وقالَ لَهم: «أَنَمْضي إِلى راموتَ جِلْعادَ لِلقِتالِ أَم أَمتَنِع؟» فقالوا: «إِصعَدْ، فإِنَّ اللهَ مُسلِمُها إِلى يَدِ المَلِك». فقالَ يوشافاط: «أَلَم يَعُدْ هُنا نَبِيٌّ لِلرَّبّ، فنَلتَمِسَ بِواسِطَتِه؟». فقالَ مَلِكُ إِسْرائيلَ لِيوشافاط: «إِنَّه لا يَزالُ رَجُلٌ واحِدٌ نَلتَمِسُ الرَّبَّ بِواسِطَتِه، ولٰكِنِّي أُبغِضُه لأَنَّه لا يَتَنَبَّأُ علَيَّ بِخَير، بل بِشَرٍّ كُلَّ أَيَّامِه، وهو ميخا ٱبنُ يِمْلا». فقالَ يوشافاط: «لا يَتَكَلَّمِ المَلِكُ هٰكذا». فدَعا مَلِكُ إِسْرائيلَ أَحَدَ الخِصْيانِ وقال: «عَلَيَّ بِميخا بنِ يِمْلا». وكانَ مَلِكُ إِسْرائيلَ ويوشافاط، مَلِكُ يَهوذا، جالِسَينِ كُلُّ واحِدٍ على عَرشِه، لابِسَينِ لِباسَهما، وكانا في البَيدَرِ عِندَ مَدخَلِ بابِ السَّامِرَة، وجَميعُ الأَنبِياءِ يَتَنَبَّأونَ أَمامَهما. وكانَ صِدقِيَّا ٱبنُ كَنعَةَ قد صَنَعَ لِنَفْسِه قُرونَ حَديد، فقال: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: بِهٰذه تَنطِحُ الأَرامِيِّينَ حَتَّى يَفنَوا». وكانَ جَميعُ الأَنبِياءِ يَتَنَبَّأونَ هٰكذا قائلين: «إِصعَدْ إِلى راموتَ جِلْعادَ فتَفوز، فإِنَّ الرَّبَّ مُسلِمُها إِلى يَدِ المَلِك». وإِنَّ الرَّسولَ الَّذي مَضى لِيَدعُوَ ميخا خاطَبَه قائِلًا: «إِنَّ الأَنبِياءَ قد تَكَلَّموا بِفَمٍ واحِدٍ بِخَيرٍ لِلمَلِك. فلْيَكُنْ كَلامُكَ كَكَلامِ واحِدٍ مِنهم، وتَكَلَّمْ بَخِير». فقال ميخا: «حَيٌّ الرَّبّ! لن أَقولَ إِلاَّ ما يَقولُه الرَّبُّ لي». وأَتى إِلى المَلِك، فقالَ لَه المَلِك: «يا ميخا، أَنَمْضي إِلى راموتَ جِلْعادَ لِلقِتالِ أَم أَمتَنِع؟». فقال: «إِصعَدوا فتَفوزوا، فإِنَّهم يُسلَمونَ إِلى أَيديكم». فقالَ لَه المَلِك: «كم مَرَّةٍ أَستَحلِفُكَ أَلاَّ تُكَلَّمَني إِلاَّ بِالحَقِّ بِٱسمِ الرَّبّ؟». فقال: رَأَيتُ كُلَّ إِسْرائيلَ مُبَدَّدًا على الجِبالِ كالغَنَمِ الَّتي لا راعِيَ لَها. فقالَ الرَّبّ: لَيسيَ لِهٰؤُلاءِ سَيِّد. فلْيَرْجِعْ كُلٌّ مِنهم إِلى بَيتِه بِسَلام». فقالَ مَلِكُ إِسْرائيلَ لِيوشافاط: «أَلَم أَقُلْ لَكَ إِنَّه لا يَتَنَبَّأُ علَيَّ بِخَير، بل بِشَرّ؟». فقال ميخا: «إِسمَعوا كَلامَ الرَّبّ: رَأَيتُ الرَّبَّ جالِسًا على عَرشِه وجَميعُ قُوَّاتِ السَّماءِ واقِفَةٌ على يَمينِه وشِمالِه. فقالَ الرَّبّ: مَن يُغْوي أَحآب، مَلِكَ إِسْرائيل، حتَّى يَصعَدَ ويَسقُطَ في راموتَ جِلْعاد؟» فقالَ هٰذا كذا وقالَ ذاكَ كذا. ثُمَّ خَرَجَ روحٌ ووَقَفَ أَمامَ الرَّبِّ وقال: أَنا أُغْويه. فقالَ لَه الرَّبّ: بِماذا؟ فقال: أَخرُجُ وأَكونُ روحَ كَذِبٍ في أَفْواهِ جَميعِ أَنبِيائِه. فقالَ الرَّبّ: إِنَّكَ تُغْويه وتَنجَح، فٱخرُجْ وٱصنَعْ هٰكذا. والآنَ فقَد جَعَلَ الرَّبُّ روحَ كَذِبٍ في أَفْواهِ أَنبِيائِكَ هٰؤُلاءِ، والرَّبُّ تَكَلَّمَ عليكَ بِشَرّ». فتَقَدَّمَ صِدقِيَّا بنُ كَنعَةَ ولَطَمَ ميخا على خَدِّه وقال: «مِن أَيَّ طَريقٍ عَبَرَ روحُ الرَّبِّ مِنِّي لِيُكَلِّمَكَ؟» فقالَ ميخا: «ستَرى هٰذا يَومَ تَدخُلُ فيه مُخدَعًا ضِمنَ مُخدَعٍ لِتَختَبِئ». فقالَ مَلِكُ إِسْرائيل: «خُذوا ميخا ورُدُّوه إِلى آمون، رَئيسِ المَدينة، ويوآشَ، ٱبنِ المَلِك. وقولوا: هٰكذا أَمَرَ المَلِك: ضَعوا هٰذا في السِّجْنِ وغَذُّوه بِخُبزِ الضِّيقِ وماءِ الضِّيق، إِلى أَن أَرجِعَ بِسَلام». فقالَ ميخا: «إِن رَجَعتَ بِسَلام، فلَم يَتَكَلَّمِ الرَّبُّ فِيَّ». وقال: إِسمَعي أَيَّتُها الشُّعوبُ جَمْعاء». ثُمَّ صَعِدَ مَلِكُ إِسْرائيلَ ويوشافاط، مَلِكُ يهوذا، إِلى راموتَ جِلْعاد. فقالَ مَلِكُ إِسْرائيلَ لِيوشافاط: «أَنا أَتَنَكَّرُ وأَذهَبُ إِلى القِتال. وأَمَّا أَنتَ فٱلبَسْ لِباسَكَ». فتَنَكَّرَ مَلِكُ إِسْرائيلَ وذَهَبَ إِلى القِتال. وأَمَرَ مَلِكُ أَرامَ رُؤَساءَ مَركَباتِه قائِلًا: «لا تُحارِبوا صَغيرًا ولا كَبيرًا إِلاَّ مَلِكَ إِسْرائيلَ وَحدَه». فلَمَّا رأَى رُؤَساءُ المَركَباتِ يوشافاط، قالوا: «هو مَلِكُ إِسْرائيل»، فأَحاطوا بِه لِيُقاتِلوه. فصَرَخَ يوشافاط، فأَغاثَه الرَّبُّ ورَدَّهمُ اللهُ عَنه. ولَمَّا رَأَى رُؤَساءُ المَركَباتِ أَنَّه لَيسَ بِمَلِكِ إِسْرائيل، رَجَعوا عنه. وإِنَّ رَجُلًا رَمى قَوسَه غَيرَ مُتَعَمِّدٍ، فأَصابَ مَلِكَ إِسْرائيلَ بَينَ مَفاصِلِ الدِّرع. فقالَ لِسائِقِ مَركَبَتِه: «عُدْ إِلى الوَراءِ وٱخرُجْ بي مِنَ الحَومَة، فإِنِّي قد جُرِحَتُ». وٱشتَدَّ القِتالُ في ذٰلك اليَوم، ومَلِكُ إِسْرائيلَ واقِفٌ بِمَركَبَتِه مُقابِلَ أَرامَ إِلى المَساء. وماتَ عِندَ غُروبِ الشَّمْس. ورَجَعَ يوشافاط، مَلِكُ يَهوذا، بِسَلامٍ إِلى بَيتِه في أُورَشَليم. فخَرَجَ لِلِقائِه ياهو بنُ حَنانِيَ الرَّائي وقالَ لِلمَلِكِ يوشافاط: «أَيُنصَرُ الشِّرِّيرُ وتُحِبُّ مُبغِضي الرَّبّ؟ فلِذٰلك علَيكَ الغَضَبُ مِن قِبَلِ الرَّبّ. غَيرَ أَنَّه قد وُجِدَت فيكَ أُمورٌ صالِحَة، فإِنَّكَ أَزَلتَ الأَوتادَ المُقَدَّسَةَ مِن هٰذه الأَرض، وهَيَّأتَ قَلبَكَ لِٱلتِماسِ الله». وسَكَنَ يوشافاطُ في أُورَشَليم، ثُمَّ عادَ وتَفَقَّدَ الشَّعبَ مِن بِئرَ سَبعَ إِلى جَبَلِ أَفْرائيم، ورَدَّه إِلى الرَّبِّ، إِلٰهِ آبائِه. وأَقامَ قُضاةً في تِلكَ الأَرض، في جَميعِ مُدُنِ يَهوذا المُحَصَّنَة، في مَدينَةٍ فمَدينَة. وقالَ لِلقُضاة: «أُنظُروا ما أَنتُم فاعِلون، فإِنَّكم لَستُم تَقْضونَ لِبَشَر، بل لِلرَّبّ، وهو معَكم في إِصدارِ الحُكْم. والآن، لِتَكُنْ مَخافَةُ الرَّبِّ علَيكم، وٱحتَرِسوا مِمَّا تَعمَلون، لأَنَّه لا ظُلمَ عِندَ الرَّبِّ إِلٰهِنا ولا مُحاباةَ وُجوهٍ ولا أَخذَ رِشوَة». وأَقامَ يوشافاطُ أَيضًا في أُورَشَليمَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ والكَهَنَةِ ومِن رُؤَساءِ آباءِ إِسْرائيل، لإصْدارِ أَحْكامِ الرَّبِّ ولِمُحاكَمَةِ سُكَّانِ أُورَشَليم. وأَوصاهم قائِلًا: «هٰكذا تَفعَلون: بِتَقْوى الرَّبّ، بِأَمانَةٍ وبِقَلبٍ سَليم. وأَيُّ دَعْوى رُفِعَت إِلَيكم مِن إِخوَتِكُمُ السَّاكِنينَ في مُدُنِهم، سواءٌ أَكانَت قَضِيَّةَ دَمٍ أَو شَريعَةٍ أَو وَصِيَّةٍ أَو فَرائِضَ وأَحْكام، فأَنذَروهم بِأَن لا يَأثَموا إِلى الرَّبّ، فيَكونَ الغَضَبُ علَيكم وعلى إِخوَتِكم. هٰكذا ٱفعَلوا فلا يَكونَ علَيْكم إِثْم. وهٰذا أَمَرْيا الكاهِنُ رَئيسٌ علَيكم في جَميعِ أُمورِ الرَّبّ، وزَبَدْيا بنُ إِسْماعيلَ رَئيسٌ على بَيتِ يَهوذا في جَميعِ أُمورِ المَلِك، واللاَّوِيُّونَ كَتَبَةٌ أَمامَكم. فتَشَدَّدوا وٱعمَلوا، ولْيَكُنِ الرَّبِّ معَكم بِالخَير». وأَتى بَعدَ ذٰلك بَنو موآبَ وبَنو عَمُّون، ومعَهم مِنَ المَعونِيِّينَ لِمُقاتَلَةِ يوشافاط. فأَتى قَومٌ وأَخبَروا يوشافاطَ وقالوا لَه: «قد خَرَجَ علَيكَ جُمْهورٌ كَثيرٌ مِن عِبْرِ البَحرِ مِن أَدوم، وها هم في حَصُّونَ تامارَ الَّتي هي عَينَ جَدْي». فخافَ يوشافاطُ وحَوَّلَ وَجهَه يَلتَمِسُ الرَّبّ، ونادى بِصَومٍ في كُلِّ يَهوذا. فٱجتَمَعَ بَنو يَهوذا لِيَتَضَرَّعوا إِلى الرَّبّ، مُقبِلينَ مِن جَميعِ مُدُنِ يَهوذا لِلتَضَرُّعِ إِلى الرَّبّ. فوَقَفَ يوشافاطُ في جَماعَةِ يَهوذا وأُورَشَليمَ في بَيتِ الرَّبّ، أَمامَ الدَّارِ الجَديدَة، وقال: «أَيُّها الرَّبّ، إِلٰهُ آبائِنا، أَلَستَ أَنتَ الإلٰهَ في السَّماء، وأَنتَ المُتَسَلِّطَ على جَميعِ مَمالِكِ الأُمَم، وفي يَدِكَ القُوَّةُ والجَبَروت، فلا أَحَدَ يَثبُتُ أَمامَك؟ أَلَستَ أَنتَ إِلٰهَنا الَّذي طَرَدتَ سُكَّانَ هٰذه الأَرضِ مِن وَجهِ شَعبِكَ إِسْرائيل، وأَعطَيتَها لِنَسْلِ إِبْراهيمَ خَليلِكَ لِلأَبَد؟ فسَكَنوا فيها وبَنوا لَكَ فيها مَقدِسًا لِٱسمِكَ قائلين: إِذا نَزَلَ بِنا شَرٌّ مِن سَيفِ عِقابٍ أَو طاعونٍ أَو مَجاعة، ووَقَفْنا أَمامَ هٰذا البَيتِ وأَمامَكَ، لأَنَّ ٱسمَكَ في هٰذا البَيت، وصَرَخْنا إِليكَ في ضيقِنا، فأَنتَ تَستَجيبُ وتُخَلّص. والآن فهٰؤُلاءِ بَنو عَمُّونَ والموآبِيُّونَ وأَهلُ جَبَلِ سِعير، الَّذينَ لم تَدَعْ إِسْرائيلَ يَجْتاحُهم عِندَ مَجيئِه مِن أَرضِ مِصرَ، فحادَ عنهم ولم يُبِدْهم، ها إِنَّهم يُكافِئونَنا بِمَجيئِهم لِطَردِنا مِن ميراثِكَ الَّذي أَورَثتَنا إِيَّاه. يا إِلٰهَنا، أَلا تَقْضي علَيهم، إِذ لا قُوَّةَ لَنا أَمامَ هٰذا الجَمعِ العَظيمِ الآتي علَينا، ولا نَعلَمُ ماذا نَصنَع، وإِنَّما عُيونُنا إِلَيك». وكانَ جَميعُ بَني يَهوذا واقِفينَ أَمامَ الرَّبِّ بِأَطْفالِهم ونِسائِهم وأَولادِهم. فحَلَّ روحُ الرَّبِّ، في وَسْطِ الجَماعَةِ، على يَحْزيئيلَ بنِ زَكَرِيَّا بنِ بَنايا بنِ يَعيئيلَ بنِ مَتَّنْيا اللاَّوِيِّ مِن بَني آساف. فقال: «أَصْغوا يا بَني يَهوذا جَميعَكم ويا سُكَّانَ أُورَشَليم، وأَنتَ أَيُّها المَلِكُ يوشافاط. هٰكذا قالَ الرَّبُّ لَكم: لا تَخافوا ولا تَفزَعوا أَمامَ هٰذا الجُمهورِ العَظيم، لأَنَّ المَعركَةَ لَيسَت لَكم، بل للهِ. إِنزِلوا غَدًا علَيهم، وها هم صاعِدونَ في مُرتَقى صيص، فتَجِدونَهم في أَقصى الوادي جِهَةَ بَرِّيَّةِ يَروئيل. لَيسَ علَيكم أَن تُحارِبوا، وإِنَّما قِفوا وتَمَركَزوا فتَرونَ خَلاصَ الرَّبِّ معَكم. يا بَني يَهوذا وأُورَشَليم، لا تَخافوا ولا تَفزَعوا. أُخرُجوا غَدًا لِمُلاقاتِهم، والرَّبُّ معَكم». فٱنْحنى يوشافاطُ بِوَجهِه إِلى الأَرض، وٱرتَمى جَميعُ بَني يَهوذا وسُكَّانُ أُورَشَليمَ قُدَّامَ الرَّبِّ ساجِدينَ لِلرَّبّ. ووَقَفَ اللاَّوِيُّونَ مِن بَني القهاتِيِّينَ ومِن بَني القورَحِيِّينَ لِيُسَبِّحوا الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، بِصَوتٍ عالٍ جِدًّا. ثُمَّ بَكَّروا في الصَّباح، وخَرَجوا إِلى بَرِّيَّةِ تَقوع، وعِند خُروجِهم وَقَفَ يوشافاطُ وقال: «أَصغوا إِلَيَّ، يا بَني يَهوذا ويا سُكَّانَ أُورَشَليم. آمِنوا بِالرَّبِّ إِلٰهِكم فتَأمَنوا، آمِنوا بِأَنبِيائِه فتَنجَحوا». وتَشاوَرَ مع الشَّعبِ وأَقامَ مُغَنِّينَ لِلرَّبِّ ومُسَبِّحينَ في حُلَلٍ مُقَدَّسة، لِيَسيروا في مُقَدِّمَةِ المُقاتِلينَ ويَقولوا: «إِحمَدوا الرَّبِّ، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه». ولَمَّا أَخَذوا في الهُتافِ والتَّسبيح، أَقامَ كَمينًا على بَني عَمُّونَ والمُوآبِيِّينَ وأَهلِ جَبَلِ سِعير، الَّذينَ خَرَجوا على يَهوذا، وٱنهَزَموا. وقامَ بَنو عَمُّونَ والموآبِيُّونَ على سُكَّانِ جَبَلِ سِعيرَ لِيُحَرِّموهم ويُبيدوهم. ولَمَّا ٱنتَهَوا مِن سُكَّانِ سِعير، تَعاونوا بَعضُهم على إِهلاكِ بَعْض. فلَمَّا وَصَلَ بَنو يَهوذا إِلى مَطَلٍّ جِهَةَ البَرِّيَّة، تَطَلَّعوا نَحوَ الجُمْهور، فإِذا هم جُثَثٌ صَرْعى على الأَرض، ولم يَكُنْ مِنهم ناجٍ. فأَقبَلَ يوشافاطُ وشَعبُه لِسَلْبِ غَنائِمِهم، فوَجَدوا بَهائِمَ وأَمْوالًا كَثيرَة وثِيابًا وأَمتِعَةً ثَمِينَة، فسَلَبوا أَكثَرَ مِمَّا أَمكَنَهم حَملُه، وبَقوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ يَسلُبونَ الغَنيمة، لأَنَّها كانَت كَثيرَة. وفي اليَومِ الرَّابِع، اِجتَمَعوا في وادي البَرَكَة، لأَنَّهم هُناكَ بارَكوا الرَّبّ. فمِن ثَمَّ دُعِيَ ذٰلك المَكانُ وادِيَ البَرَكَةِ إِلى هٰذا اليَوم. ثُمَّ رَجَعوا كُلُّ رَجُلٍ مِن يَهوذا وأُورَشَليم، ويوشافاطُ في مُقَدِّمَتِهم، عائِدينَ إِلى أُورَشَليمَ بِالفَرَح، لأَنَّ الرَّبَّ فَرَّحَهم مِن أَعدائِهم، ودَخَلوا أُورَشَليمَ بِالعيدانِ والكِنَّاراتِ والأَبواقِ إِلى بَيتِ الرَّبّ. فحَلَّ رُعبُ اللهِ على جَميعِ مَمالِكِ تِلكَ الأَرض، لَمَّا سَمِعوا بِأَنَّ الرَّبَّ حارَبَ أَعْداءَ إِسْرائيل. وهَدَأَت مَملَكَةُ يوشافاط، لأَنَّ إِلٰهَه أَراحَه مِن كُلِّ جِهَة. ومَلَكَ يوشافاطُ على يَهوذا، وكانَ ٱبنَ خَمسٍ وثَلاثينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ في أُورَشَليمَ خَمسًا وعِشْرينَ سَنَة. وٱسمُ أُمِّه عَزوبة، بِنتُ شِلْحي. وسارَ في طُرُقِ أَبيه آسا ولم يَحِد عنها، وصَنَعَ ما هو قَويمٌ في عَينَيِ الرَّبّ. وأَمَّا المَشارِفُ فلَم تُزَلْ، ولم يَكُنِ الشَّعبُ قد وَجَّهَ قَلبَه نَحوَ إِلٰهِ آبائِه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يوشافاطَ الأُولى والأَخيرَةُ هي مَكْتوبَةٌ في أَخْبارِ ياهو بنِ حَناني، وقَد دُوِّنَت في سِفرِ مُلوكِ إِسْرائيل. وبَعدَ هٰذا، حالَفَ يوشافاط، مَلِكُ يَهوذا، أَحَزْيا، مَلِكَ إِسْرائيل، الَّذي أَساءَ في أَعْمالِه. حالَفَه لِبِناءِ سُفُنٍ تَذهَبُ إِلى تَرْشيش، فبَنَيناها في عِصْيونَ جابَر. فَتَنَبَّأَ أَليعازَرُ بنُ دوداوا مِن مَريشَةَ على يوشافاطَ قائِلًا: «لأَنَّكَ حالَفتَ أَحَزْيا، فإِنَّ الرَّبَّ قد فَتَحَ ثُلمَةً في أَعْمالِكَ». فتَحَطَّمَتِ السُّفُنُ ولم يُمكِنْ ذَهابُها إِلى تَرْشيش. وٱضطَجَعَ يوشافاطُ مع آبائِه وقُبِرَ معَهم في مَدينَةِ داوُد. ومَلَكَ يورامُ ٱبنُه مَكانَه. وكانَ لِيورامَ إِخوَةٌ مِن بَني يوشافاط، وهم عَزَرْيا ويَحيئيلُ وزَكَرِيَّا وعَزَرْيا وميكائيلُ وشَفَطْيا، كُلُّ هٰؤُلاءِ بَنو يوشافاط، مَلِكِ إِسْرائيل. وأَعطاهم أَبوهم عَطايا كَثيرَةً مِن فِضَّةٍ وذَهَبٍ وتُحَف، مع مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ في يَهوذا. وأَمَّا المُلكُ فأَعْطاهُ لِيورام، لأَنَّه كانَ البِكْر. فلَمَّا جَلَسَ يورامُ على عَرشِ أَبيه وٱستَقَرَّ مُلكُه، قَتَلَ إِخوَتَه كُلَّهم بِالسَّيف، مع جَماعةٍ مِن رُؤَساءِ إِسْرائيل. وكانَ يورامُ ٱبنَ ٱثنَتَينِ وثَلاثينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ ثَمانِيَ سِنينَ في أُورَشَليم. وسارَ في طَريقِ مُلوكِ إِسْرائيل، على حَسَبِ ما صَنَعَ بَيتُ أَحآب، لأَنَّه كانَ مُتَزَوِّجًا بٱبنَةِ أَحآب. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ. لٰكِنَّ الرَّبَّ لم يَشَأْ أَن يُهلِكَ بَيتَ داوُدَ بِسَبَبِ العَهدِ الَّذي قَطَعَه لِداوُد، كما كانَ قد قالَ لَه إِنَّه يُعطيه سِراجًا لَه ولِبَنيه كُلَّ الأَيَّام. وفي أَيَّامِه خَرَجَ الأَدومِيُّونَ مِن تَحتِ أَيدي يَهوذا وأَقاموا علَيهم مَلِكًا. فعَبَرَ يورامُ مع رُؤَسائِه وجَميعِ مَركَباتِه ونَهَضَ لَيلًا وضَرَبَ الأَدومِيِّينَ المُحيطينَ بِه ورُؤَساءَ المَركَبات. ولا يَزالُ الأَدومِيُّونَ خارِجينَ مِن تَحتِ أَيدي يَهوذا إِلى يَومِنا هٰذا. وفي ذٰلك الوَقْت، خَرَجَت لِبنَةُ مِن تَحتِ يَدِه، لأَنَّه تَرَكَ الرَّبَّ، إِلٰهَ آبائِه. وهو أَيضًا أَقامَ مَشارِفَ في جِبالِ يَهوذا وحَمَلَ سُكَّانَ أُورَشَليمَ على الزِّنى وضَلَّلَ يَهوذا. فوَصَلَت إِلَيه كِتابَةٌ مِن إِيلِيَّا النَّبِيِّ قائِلًا: «هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ داوُدَ أَبيكَ: لأَنَّكَ لم تَسِرْ في طُرُقِ يوشافاطَ أَبيكَ وفي طُرُقِ آسا، مَلِكِ يَهوذا، بل سِرتَ في طَريقِ مُلوكِ إِسْرائيل، وحَمَلتَ يَهوذا وسُكَّانَ أُورَشَليمَ على أَن يَزْنوا كما زَنى بَيتُ أَحآب، وقَتَلتَ أَيضًا إِخوَتَكَ، بَيتَ أَبيكَ، الَّذينَ هم خَيرٌ مِنكَ، فها هُوَذا الرَّبُّ يَضرِبُ شَعبَكَ ضَربَةً عَظيمَة، مع بَنيكَ وأَزْواجِكَ وجَميعِ أَمْوالِكَ، ويَضرِبُكَ أَنتَ بِأَمْراضٍ كَثيرَة، بمَرَضٍ في أَمْعائِكَ حتَّى تَخرُجَ أَمْعاؤُكَ بِسَبَبِ المَرَضِ يَومًا فيَومًا». وأَثارَ الرَّبُّ على يورامَ روحَ الفَلِسطينِيِّينَ والعَرَبِ الَّذينَ بِقُربِ الكوشِيِّين. فزَحَفوا على يَهوذا وٱجْتاحوها ونَهَبوا كُلَّ ما وُجِدَ مِنَ الأَموالِ في بَيتِ المَلِك، وأَسَروا بَنيه ونِساءَه، فلم يَبْقَ لَه ٱبنٌ إِلاَّ يوآحاز، أَصغَرُ بَنيه. وبَعدَ هٰذا كُلِّه، ضَرَبَه الرَّبُّ في أَمْعائِه بِداءٍ عُضال. فكانَ ذٰلِك يَومًا فيومًا، وبَعدَ ٱنقِضاءِ سَنَتَين، خَرَجَت أَمْعاؤُه بِسَبَبِ أَمْراضِه فماتَ بآلامٍ قاسِيَة. ولم يَعْمَلْ لَه شَعبُه حَريقَةً مِثلَ حَريقَةِ آبائِه. وكانَ ٱبنَ ٱثنَتَينِ وثَلاثينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ في أُورَشَليمَ ثَمانِيَ سِنين، وذَهَبَ غَيرَ مَأسوفٍ علَيه. ودَفَنوه في مَدينَةِ داوُد، ولٰكِن لا في مَقابِرِ المُلوك. فأَقامَ سُكَّانُ أُورَشَليمَ أَحَزْيا ٱبنَه مَلِكًا مَكانَه، لأَنَّ العِصابَةَ الَّتي جاءَت مع العَرَبِ إِلى المُعَسكَرِ قَتَلَت جَميعَ الأَبْكار، فمَلَكَ أَحَزْيا بنُ يورام، مَلِكِ يَهوذا. وكانَ أَحَزْيا ٱبنَ ٱثنَتَينِ وأَربَعينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ سَنَةً واحِدَةً في أُورَشَليم، وٱسمُ أُمِّه عَتَلْيا، بِنتُ عُمْري. وسارَ هو أَيضًا في طُرُقِ بَيتِ أَحآب، لأَنَّ أُمَّه كانَت تُشيرُ علَيه بِفِعلِ الشَّرّ. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ كبَيتِ أَحآب، لأَنَّهم كانوا يُشيرونَ علَيه، بَعدَ مَوتِ أَبيه، لِهَلاكِه. فسارَ بِحَسَبِ شَورَتِهم وخَرَجَ مع يورامَ بنِ أَحآب، مَلِكِ إِسْرائيل، لِمُقاتَلَةِ حَزائيل، مَلِكِ أَرام، في راموتَ جِلْعاد. فضَرَبَ الأَرامِيُّونَ يورام. فرَجَعَ لِيُعالَجَ في يِزْرَعيلَ مِنَ الجِراحِ الَّتي أَصابوه بِها في راموتَ، عِندَ مُقاتَلَتِه لِحَزائيل، مَلِكِ أَرام. ونَزَلَ عَزَرْيا بنُ يورام، مَلِكُ يَهوذا، لِيَعودَ يورامَ بنَ أَحآبَ في يِزرَعيلَ في مَرَضِه. فكانَ هَلاكُ أَحَزْيا مِن قِبَلِ اللهِ بِمَجيئِه إِلى يورام، لأَنَّه كما جاءَ، خَرَجَ مع يورامَ على ياهو بنِ نِمْشِيَ الَّذي مَسَحَه الرَّبّ، لِيَقرِضَ بَيتَ أَحآب. فحَدَثَ أَنَّه، لَمَّا كانَ ياهو قاضِيًا على بَيتِ أَحآب، وَجَدَ رُؤَساءَ يَهوذا وبَني إِخوَةِ أَحَزْيا الخادِمينَ لأَحَزْيا، فقَتَلَهم. وبَحَثَ عن أَحَزْيا فأَمسَكوه، وهو مُختَبِئٌ في السَّامِرَة، وجاؤُوا بِه إِلى ياهو، فقَتَلوه ودَفَنوه، لأَنَّهم قالوا: «إِنَّه ٱبنُ يوشافاطَ الَّذي ٱلتَمَسَ الرَّبَّ بِكُلِّ قَلبِه»، فلم يَبْقَ لِبَيتِ أَحَزْيا مَن يَقدِرُ أَن يَقبِضَ على زِمامِ المُلْك. فلَمَّا رَأت عَتَلْيا، أُمُّ أَحَزْيا، أَنَّ ٱبنَها قد مات، قامَت وأَبادَت كُلَّ النَّسلِ المَلَكِيِّ مِن بَيتِ يَهوذا. لٰكِنَّ يوشَبعَت، ٱبنَةَ المَلِك، أَخَذَت يوآشَ بنَ أَحَزْيا وسَرَقَته مِن بَينِ بَني المَلِكِ المَقْتولين، ووَضَعَته هو ومُرضِعَه في مُخدَعِ الأَسِرَّة. وهٰكذا فإِنَّ يوشَبعَت، بِنتَ المَلِكِ يورام، زَوجَةَ يوياداعَ الكاهِن (لأَنَّها كانَت أُختَ أَحَزْيا)، خَبَأَته مِن وَجهِ عَتَلْيا، فلم تَقْتُلْه. فأَقامَ معَهم في بَيتِ اللهِ سِتَّ سَنَواتٍ مُختَبِئًا، وعَتَلْيا مالِكَةٌ على تِلكَ الأَرض. ولَمَّا كانَتِ السَّنَةُ السَّابِعَة، تَشَدَّدَ يوياداعُ وأَخَذَ معه رُؤَساءَ المِئاتِ عَزَرْيا بنَ يَروحامَ وإِسْماعيلَ بنَ يوحانانَ وعَزَرْيا بنَ عوبيدَ ومَعَسْيا بنَ عَدايا وأَليشافاطَ بنَ زِكْري وقَطَعَ معهم عَهدًا. فجالوا في يَهوذا وجَمَعوا اللاَّوِيِّينَ مِن جَميعِ مُدُنِ يَهوذا ورُؤَساءِ آباءِ إِسْرائيل، وجاؤُوا إِلى أُورَشَليم. فقَطَعَتِ الجَماعَةُ كُلُّها عَهدًا في بَيتِ اللهِ مع المَلِك، وقالَ لَهم يوياداع: «هُوَذا ٱبنُ المَلِكِ يَملِك، كما قالَ الرَّبُّ في بَني داوُد. هٰذا ما تَفعَلونه: الثُّلثُ مِنكُم أَنتُمُ الكَهَنَةَ واللاَّوِيِّينَ الدَّاخِلينَ لِخِدمَةِ السَّبْتِ يَكونونَ بَوَّابينَ على الأَعتاب، والثُّلثُ عِندَ بَيتِ المَلِك، والثُّلثُ عِندَ بابِ الأَساس، وكُلُّ الشَّعبِ في دورِ بَيتِ الرَّبّ. ولٰكِن، لا يَدخُلْ بَيتَ الرَّبِّ غَيرُ الكَهَنَةِ والَّذينَ يَخدُمونَ مِنَ اللاَّوِيِّين، هم يَدخُلونَ لأَنَّهم مُقَدَّسون، وكُلُّ الشَّعبِ يَحفَظُ أَحْكامَ الرَّبّ. ويُحيطُ اللاَّوِيُّونَ بِالمَلِكِ مِن حَولِه، كُلُّ واحِدٍ سِلاحُه بِيَدِه، فمَن دَخَلَ البَيتَ فلْيُقْتَلْ. وكونوا مع الملِكِ في دُخولِه وخُروجِه». ففَعَلَ اللاَّوِيُّون وكُلُّ يَهوذا بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَهم بِه يوياداعُ الكاهِن، وأَخَذوا كُلٌّ مِنهم رِجالَه الدَّاخِلينَ لِخِدمَةِ السَّبْتِ مع الخارِجينَ مِنها، لأَنَّ يوياداعَ الكاهِنَ لم يَصرِفْ أَيَّةً مِنَ الفِرَق. وسَلَّمَ يوياداعُ الكاهِنُ لِرُؤَساءِ المِئاتِ الرِّماحَ والتُّروسَ والمَجانِبَ الَّتي لِلمَلِكِ داوُدَ والَّتي في بَيتِ الله. وأَقامَ كُلَّ الشَّعبِ، كُلُّ واحِدٍ سِلاحُه بِيَدِه مِن جانِبِ البَيتِ الأَيمَنِ إِلى جانِبِه الأَيسَر، عِندَ المَذبَحِ والبَيت، حَولَ المَلِك، مُحيطينَ بِه. وأَخرَجوا ٱبنَ المَلِكِ ووَضَعوا علَيه تاجَ المُلكِ والشَّهادة، فأَقاموه مَلِكًا، ومَسَحَه يوياداعُ وبَنوه وقالوا: «يَحْيى المَلِك». فسَمِعَت عَتَلْيا ضَجيجَ الشَّعبِ وهو يَركُضُ ويَهتِفُ لِلمَلِك. فدَخَلَت على الشَّعبِ في بَيتِ الرَّبّ، ونَظَرَت، فإِذا المَلِكُ قائِمٌ على مِنبَرِه عِندَ المَدخَل، والرُّؤَساءُ وأَصْحابُ الأَبْواقِ بِالقُربِ مِنَ المَلِكِ وكُلُّ شَعبِ تِلكَ الأَرضِ يَفرَحُ ويَنفُخُ في الأَبْواق، والمُغَنُّونَ بِآلاتِ الطَّرَبِ مُشرِفونَ على التَّسْبيح، فمَزَّقَت عَتَلْيا ثِيابَها وقالَت: «مُؤامَرَة، مُؤامَرَة». فأَمَرَ يوياداعُ الكاهِنُ رُؤَساءَ المِئاتِ المُقامينَ على الجَيْشِ وقالَ لَهم: «أَخرِجوها في وَسَطِ الصُّفوف، وكُلُّ مَن يَتبَعُها فليُقْتَلْ بِالسَّيف»، لأَنَّ الكاهِنَ كانَ قد قال: «لا تَقتُلوها في بَيتِ الرَّبّ». فأَلقَوا علَيها الأَيدي عِندَ وُصولِها مِن مَدخَلِ بابِ الخَيلِ إِلى بَيتِ المَلِك وقَتَلوها هُناك. وقَطَعَ يوياداعُ عَهدًا بَينَه وبَينَ كُلِّ الشَّعبِ والمَلِكِ على أَن يَكونوا شَعبًا لِلرَّبّ. وجاءَ كُلُّ الشَّعبِ إِلى بَيتِ البَعْلِ وهَدَمَه وحَطَّمَ مَذابِحَه وتَماثيلَه، وقَتَلَ مَتَّان، كاهِنَ البَعْل، أَمامَ المَذابِح. وأَقامَ يوياداعُ حَرَسًا في بَيتِ الرَّبّ، تَحتَ أَيدي الكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ الَّذينَ وَزَّعَهم داوُدُ على بَيتِ الرَّبّ، لِيُصعِدوا مُحرَقاتِ الرَّبّ، كما كُتِبَ في شَريعَةِ موسى، بِفَرَحٍ وتَرَنُّم، كما رَسَمَ داوُد. وأَقامَ البَوَّابينَ على أَبْوابِ بَيتِ الرَّبّ، لِئَلاَّ يَدخُلَه نَجِسٌ في أَيِّ حالٍ مِنَ الأَحْوال. وأَخَذَ رُؤَساءَ المِئاتِ والعُظَماءَ والمُسَلَّطينَ على الشَّعْبِ وكُلَّ شَعبِ تِلكَ الأَرض، وأَنزَلَ المَلِكَ مِن بَيتِ الرَّبّ، وأَتَوا مِن البابِ الأَعْلى إِلى بَيتِ المَلِك، وأَجلَسوا المَلِكَ على عَرشِ المُلْك. وفَرِحَ كُلُّ شَعبِ تِلكَ الأَرضِ وسَكَنَتِ المَدينَة. أَمَّا عَتَلْيا فكانوا قد قَتَلوها بِالسَّيف. وكانَ يوآشُ ٱبنَ سَبعِ سَنَواتٍ حينَ مَلَكَ، ومَلَكَ أَربَعينَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه صِبيَةُ مِن بِئرَ سَبْع. وصَنَعَ يوآشُ ما هو قَويمٌ في عَينَيِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ يوياداعَ الكاهِن. وٱتَّخَذَ لَه يوياداعُ ٱمرَأَتَين، ووَلَدَ بَنينَ وبَنات. وكانَ بَعدَ ذٰلك أَن عَزَمَ يوآشُ على تَجْديدِ بَيتِ الرَّبّ. فجَمَعَ الكَهَنَةَ واللاَّوِيِّينَ وقالَ لَهم: «أُخرُجوا إِلى مُدُنِ يَهوذا وٱجمَعوا فِضَّةً مِن كُلِّ إِسْرائيلَ لِتَرْميمِ بَيتِ إِلٰهِكم سَنَةً فسَنَة، وعَجِّلوا أَنتُمُ الأَمْر». فلَم يُعَجِّلِ اللاَّوِيُّون. فٱستَدْعى المَلِكُ يوياداعَ الرَّئيسَ وقالَ لَه: «لِمَ لم تُطالِبِ اللاَّوِيِّينَ بِأَن يَأخُذوا مِن يَهوذا وأُورَشَليمَ ما رَسَمَه موسى، عَبدُ الرَّبّ، على جَماعَةِ إِسْرائيلَ لأَجلِ خَيمَةِ الشَّهادَة؟ فإِنَّ عَتَلْيا الأَثيمَةَ وبَنيها قد هَدَموا بَيتَ اللهِ وجَعلوا جَميعَ أَقْداسِ بَيتِ الرَّبِّ لِلبَعْل». وأَمَرَ المَلِك، فصَنَعوا صُنْدوقًا ووَضَعوه عِندَ بابِ بَيتِ الرَّبِّ خارِجًا، ونادَوا في يَهوذا وأُورَشَليمَ بِأَن يُؤتى إِلى الرَّبِّ بِما رَسَمَه موسى عَبدُ اللهِ على إِسْرائيلَ في البَرِّيَّة. ففَرِحَ جَميعُ الرُّؤَساءِ وكُلُّ الشَّعب، وأَتَوا وأَلْقَوا في الصُّندوقِ حتَّى ٱمتَلَأَ. وكان، إِذا أُحضِرَ الصُّنْدوقُ إِلى ديوانِ المَلِكِ عن يَدِ اللاَّوِيِّينَ ورَأَوا أَنَّ الفِضَّةَ كَثيرَة، يَدخُلُ كاتِبُ المَلِكِ ومُعاوِنُ رَئيسِ الكَهَنَة، ويُفَرِّغانِ الصُّنْدوق، ثُمَّ يَأخُذانِه ويَرُدَّانِه إِلى مَكانِه. وهٰكذا كانوا يَفعَلونَ يَومًا فيَومًا حتَّى جَمَعوا مِنَ الفِضَّةِ شَيئًا كَثيرًا. فسَلَّمَها المَلِكُ ويوياداعُ إِلى مُتَوَلِّي عَمَلِ خِدمَةِ بَيتِ الرَّبّ. فٱستَخدَموا نَحَّاتينَ ونَجَّارينَ لِيُرَمِّموا بَيتَ الرَّبّ، وصُنَّاعَ حَديدٍ ونُحاسٍ لِيُرَمِّموا بَيتَ الرَّبّ. فعَمِلَ مُتَوَلُّو العَمَلِ وتَقَدَّمَ عَمَلُ التَّرْميمِ بِأَيديهم، وأَعادوا بَيتَ اللهِ على رَسمِه ومَكَّنوه. ولَمَّا ٱنتَهَوا، أَحضَروا بَقِيَّةَ الفِضَّةِ إِلى أَمامِ المَلِكِ ويوياداع، فصَنَعوا مِنها آنِيَةً لِبَيتِ الرَّبّ، آنِيَةً لِلخِدمَةِ ولِلمُحرَقاتِ، وقِصاعًا وآنِيَةَ ذَهَبٍ وفِضَّة. فكانَت تُصعَدُ المُحرَقاتُ في بَيتِ الرَّبِّ دائمًا كُلَّ أَيَّامِ يوياداع. وشاخَ يوياداعُ وشَبِعَ أَيَّامًا ومات، وكانَ ٱبنَ مِئَةٍ وثَلاثينَ سَنَةً حينَ مات. فدَفَنوه في مَدينَةِ داوُدَ مع المُلوك، لأَنَّه صَنَعَ خَيرًا في إِسْرائيلَ وفي حَقِّ اللهِ وبَيتِه. وبَعدَ وَفاةِ يوياداع، أَقبَلَ رُؤَساءُ يَهوذا وسَجَدوا لِلمَلِك، فسَمِعَ لَهمُ المَلِك. فتَرَكوا بَيتَ الرَّبِّ إِلٰهِ آبائِهم وعَبَدوا الأَوتادَ المُقَدَّسَةَ والأَصْنام، فكانَ الغَضَبُ على يَهوذا وأُورَشَليمَ بِسَبَبِ إِثمِهم هٰذا. فأُرسِلَ إِلَيهم أَنبِياءُ لِيَرُدُّوهم إِلى الرَّبّ، وأَشهَدوا علَيهم فلم يَسمَعوا. فشَمِلَ روحُ اللهِ زَكَرِيَّا بنَ يوياداعَ الكاهِن، فوَقَفَ أَمامَ الشَّعبِ وقالَ لَهم: «هٰكذا قالَ الله: لِمَ تَتَعَدَّونَ وَصايا الرَّبّ؟ إِنَّكم لا تَنْجَحون، لأَنَّكم تَرَكتُمُ الرَّبَّ فتَرَكَكَم». فتآمَروا علَيه ورَجَموه بالحِجارَةِ بِأَمرِ المَلِكِ في دارِ بَيتِ الرَّبّ. ولَم يَذكُرْ يوآشُ المَلِكُ الرَّحمَةَ الَّتي صَنَعَها إِلَيه يوياداع، أَبو زَكَرِيَّا، بل قَتَلَ ٱبنَه، فقالَ هٰذا عِندَ مَوتِه: «الرَّبُّ يَرى ويُطالِب». وكانَ عِندَ مَدارِ السَّنَةِ أَنْ صَعِدَ علَيه جَيشُ أَرامَ فزَحَفَ على يَهوذا وأُورَشَليمَ وأَهلَكَ جَميعَ رُؤَساءِ الشَّعْبِ وأَرسَلَ كُلَّ غَنائِمِه إِلى مَلِكِ دِمَشْق. وكانَ جَيشُ أَرامَ قد جاءَ في عَدَدٍ قَليل، ومع ذٰلك أَسلَمَ الرَّبُّ إِلى يَدِه جَيشًا عَظيمًا جِدًّا، لأَنَّهم تَرَكوا الرَّبَّ إِلٰهَ آبائِهم، ونَفَّذَ في يوآشَ أَحْكامًا. ولَمَّا ٱنصَرَفَ أَرامُ عنه، وقد تَرَكَه مُثخَنًا بِالجِراح، تآمَرَ علَيه حاشِيَتُه بِسَبَبِ دَمِ ٱبنِ يوياداعَ الكاهِن، وقَتَلوه على سَريرِه فمات، ودَفَنوه في مَدينَةِ داوُد، ولٰكِن لم يَدفِنوه في مَقابِرِ الملوك. وكانَ مِمَّن تآمَرَ علَيه: زابادُ ٱبنُ شِمْعاتَ العَمُّونِيَّةِ ويوزابادُ ٱبنُ شِمْريتَ الموآبِيَّة. وأَمَّا بَنوه وكَثرَةُ ما قيلَ علَيه وتَرْميمُ بَيتِ الله، فذٰلكَ مَكْتوبٌ في مِدْراش سِفرِ المُلوك. ومَلَكَ أَمَصْيا ٱبنُه مَكانَه. وكانَ أَمَصْيا ٱبنَ خَمسٍ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ تِسْعًا وعِشْرينَ سَنَةً في أُورَشَليم، وٱسمُ أُمِّه يوعَدَّانُ مِن أُورَشَليم. وصَنَعَ ما هو قَويمٌ في عَينَيِ الرَّبّ، ولٰكن لا بِقَلبٍ سَليم. ولَمَّا ٱستَقَرَّ لَه المُلْك، قَتَلَ رِجالَه الَّذينَ قَتَلوا المَلِكَ أَباه. وأَمَّا أَبْناؤُهم فلَم يَقْتُلْهم، جَرْيًا على ما كُتِبَ في الشَّريعَة، في سِفرِ موسى حَيثُ أَمَرَ الرَّبُّ قائلًا: «لا يَموتُ الآباءُ بِالبَنين، ولا يَموتُ البَنونَ بِالآباء، بل كُلُّ ٱمرِئٍ بِخَطيئَتِه يَموت». وجَمَعَ أَمَصْيا بَني يَهوذا وأَقامَهم بُيوتَ آباءٍ ورِئاساتِ أُلوفٍ ورِئاساتِ مِئينَ لِكُلِّ يَهوذا وبَنْيامين، وأَحْصاهُم مِن سِنِّ عِشْرينَ سَنَةً فما فَوق. فكانوا ثَلاثَ مِئَةِ أَلفٍ مُنتَخَبينَ يَخرُجونَ إِلى الحَرْبِ ويَحمِلونَ الرُّمْحَ والتُّرْس. وٱستَأجَرَ مِن إِسْرائيلَ مِئَةَ أَلفِ بَطَلِ بَأسٍ بِمِئَةِ قِنْطارٍ مِنَ الفِضَّة. فجاءَه رَجُلُ اللهِ قائِلًا: «أَيُّها المَلِك، لا يَذهَبْ جَيشُ إِسْرائيلَ معَكَ، لأَنَّ الرَّبَّ لَيسَ مع إِسْرائيلَ ولا بَني أَفْرائيمَ كافَّةً، أَو، بِالعَكسِ، تَقَدَّمْ وتَشَدَّدْ لِلقِتال، فإِنَّ اللهَ يُعَثِّرُكَ في وَجه العَدُوِّ، لأَنَّ لله قُدرَةً على الإِعانَةِ وعلى التَّعْثير». فقالَ أَمَصْيا لِرَجُلِ الله: «فما أَفعَلُ بِمِئَةِ القِنْطارِ الَّتي أَعطَيتُها لِعِصابَةِ إِسْرائيل؟». فأَجابَ رَجُلُ الله: «إِنَّ لِلرَّبِّ أَن يُعطِيَكَ أَكثَرَ مِن ذٰلك». فأَفرَدَ أَمَصْيا العِصابَةَ الَّتي جاءَته مِن أَفْرائيم، لِتَعودَ إِلى مَكانِها، وغَضِبَت غَضَبًا شَديدًا على يَهوذا ورَجَعَت إِلى مَكانِها وهي في حِدَّةِ الغَضَب. وأَمَّا أَمَصْيا فتَشَدَّدَ وخَرَجَ بِشَعْبِه ومَضى إِلى وادي المِلْح، وضَرَبَ مِن بَني سِعيرَ عَشرَةَ آلاف. وأَسَرَ بَنو يَهوذا عَشرَةَ آلافٍ أَحْياءً وأَتَوا بِهِم رَأسَ الصَّخرَةِ وطَرَحوهم مِن رَأسِ الصَّخرَةِ فتَحَطَّموا بِأَجمَعِهم. فأَمَّا بَنو العِصابَةِ الَّذينَ صَرَفَهم أَمَصْيا لِكي لا يَذهَبوا معَه إِلى القِتال، فأَغاروا على مُدُنِ يَهوذا، مِن السَّامِرَةِ إِلى بَيتَ حورون، وضَرَبوا مِنهم ثَلاثَةَ آلافِ رَجُلٍ وأَخَذوا غَنائِمَ كَثيرة. وكانَ بَعدَ أَن رَجَعَ أَمَصْيا مِن ضَربِ الأَدومِيِّين، أَنَّه جاءَ بِآلِهَةِ بَني سِعيرَ وأَقامَها آلِهَةً لَه وسَجَدَ أَمامَها وأَحرَقَ لَها البَخور. فغَضِبَ الرَّبُّ غَضَبًا شَديدًا على أَمَصْيا، فأَرسَلَ إِلَيه نَبِيًّا فقالَ لَه: «لِماذا ٱلتَمَستَ آلِهَةَ هٰذا الشَّعبِ الَّتي لم تُنقِذْ شَعبَها مِن يَدِكَ؟». وفيما هو يَتَكَلَّمُ معَه، قالَ لَه أَمَصْيا: «أَلَعَلَّنا جَعَلْناكَ مُستَشارَ المَلِك؟ كُفَّ، فلِماذا يَضرِبونَكَ؟». فكَفَّ النَّبِيُّ وقال: «قد عَلِمتُ أَنَّ اللهَ قد عَزَمَ على هَلاكِكَ، لأَنَّكَ فَعَلتَ هٰذا ولَم تَسمَعْ لِمَشورَتي». ثُمَّ عَقَدَ أَمَصْيا، مَلِكُ يَهوذا، مَشورَةً وأَرسَلَ إِلى يوآشَ بنِ يوآحازَ بنِ ياهو، مَلِكِ إِسْرائيل، قائِلًا: «هَلُمَّ نَتَواجَه». فأَرسَلَ يوآش، مَلِكُ إِسْرائيل، إِلى أَمَصْيا، مَلِكِ يَهوذا، قائِلًا: «إِنَّ الشَّوكَ الَّذي في لُبْنانَ أَرسَلَ إِلى الأَرزِ الَّذي في لُبْنانَ وقال: زَوِّجِ ٱبنَتَكَ لِٱبْني. فمَرَّت وَحشُ البَرِّيَّةِ الَّتي في لُبْنانَ وداستِ الشَّوك. قد قُلتَ إِنَّكَ قد ضَرَبتَ أَدوم، فٱرتَفَعَ بِكَ قَلبُكَ لِلٱفتِخار. فٱمكُثِ الآنَ في بَيتِكَ، فلِماذا تَتَعَرَّضُ لِلشَّرِّ فتَسقُطَ أَنتَ ويَهوذا مَعَكَ؟». فلَم يَسمَعْ أَمَصْيا، لأَنَّ ذٰلك كانَ مِنَ اللهِ لِيُسلِمَهم، لأَنَّهُمُ ٱلتَمَسوا آلِهَةَ أَدوم. فصَعِدَ يوآش، مَلِكُ إِسْرائيل، وتَواجَها، هو وأَمَصْيا، مَلِكُ يَهوذا، في بَيتِ شَمسَ الَّتي لِيَهوذا. فٱنكَسَرَ يَهوذا في وَجهِ إِسْرائيل، وهَرَبَ كُلُّ واحِدٍ إِلى خَيمَتِه. وأَمَّا أَمَصْيا، مَلِكُ يَهوذا، ٱبنُ يوآشَ بنِ يوآحاز، فقَبَضَ علَيه يوآش، مَلِكُ إِسْرائيل، في بَيتَ شَمْس، وأَتى بِه إِلى أُورَشَليم، وهَدَمَ سورَ أُورَشَليم، مِن بابِ أَفْرائيمَ إِلى بابِ الزَّاوِيَة، على أَربَعِ مِئَةِ ذِراع. وأَخَذَ كُلَّ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وجَميعَ الآنِيَةِ الَّتي وُجِدَت في بَيتِ اللهِ، عِندَ عوبيدَ أَدوم، وخَزائِنَ بَيتِ المَلِكِ ورَهائِن، ورَجَعَ إِلى السَّامِرَة. وعاشَ أَمَصْيا بنُ يوآش، مَلِكُ يَهوذا، مِن بَعدِ أَن ماتَ يوآشُ بنُ يوآحاز، مَلِكُ إِسْرائيل، خَمسَ عَشرَةَ سَنَة. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ أَمَصْيا الأُولى والأَخيرة أَفَليسَت مَكْتُوبَةً في سِفرِ مُلوكِ يَهوذا وإِسْرائيل؟ وكانَ، مُنذُ حادَ أَمَصْيا عنِ السَّيرِ وَراءَ الرَّبّ، أَن حيكَت علَيه مُؤَأمَرَةٌ في أُورَشَليم، فهَرَبَ إِلى لاكيش، فأَرسَلوا في إِثرِه إِلى لاكيش، وقَتَلوه هُناكَ. وحُمِلَ على الخَيلِ ودُفِنَ مع آبائِه في مَدينَةِ يَهوذا. وأَخَذَ كُلُّ شَعبِ يَهوذا عُزِّيَّا، وهو ٱبنُ سِتَّ عَشرَةَ سَنَة، فأَقامَه مَلِكًا مَكانَ أَبيه أَمَصْيا. وهو الَّذي أَعادَ بِناءَ أَيلَةَ وٱستَرَدَّها لِيَهوذا، بَعدَما ٱضطَجَعَ المَلِكُ مع آبائِه. وكانَ عُزِّيَّا ٱبنَ سِتَّ عَشرَةَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ ٱثنَتَينِ وخَمْسينَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه يَكُلْيا مِن أُورَشَليم. وصَنَعَ ما هو قَويمٌ في عَينَيِ الرَّبّ، على حَسَبِ كُلِّ ما عَمِلَه أَمَصْيا أَبوه. وٱلتَمَسَ اللهَ في أَيَّامِ زَكَرِيَّا الَّذي كانَ لَه خِبرَةٌ في رُؤَى الله، وفي أَيَّامِ ٱلتِماسِه لِلرَّبِّ أَنجَحَه الله. وخَرَجَ وحارَبَ الفَلِسطينِيِّينَ وهَدَمَ سورَ جَتَّ وسورَ يَبنَةَ وسورَ أَشْدود، وبَنى مُدُنًا في أَرضِ أَشْدودَ وعِندَ الفَلِسطينِيِّينَ. ونَصَرَه اللهُ على الفَلِسطينِيِّينَ وعلى العَرَبِ المُقيمينَ في جورَ بَعْلَ وعلى المَعونِيِّين. وأَدَّى المَعونِيُّونَ جِزيَةً إِلى عُزِّيَّا، وٱمتَدَّت سُمعَتُه إِلى مَدخَلِ مِصْر، لأَنَّه تَقَوَّى في الغاية. وبَنى عُزِّيَّا أَبْراجًا في أُورَشَليم، عِندَ بابِ الزَّاوِيَةِ وعِندَ بَابِ الوادي وعِندَ الزَّاوِيَةِ وحَصَّنها. وبَنى أَبْراجًا في البَرِّيَّة، وحَفَرَ آبارًا كَثيرة، إِذ كانَت لَه ماشِيَةٌ كَثيرَةٌ في السَّهلِ والنَّجْد، وحَرَّاثونَ وكَرَّامونَ في الجِبالِ وفي الجِنان، لأَنَّه كانَ مُحِبًّا لأَعْمالِ الأَرض. وكانَ لِعُزِّيَّا جَيشُ حَرْبٍ يَخرُجُ لِلقِتال فَوجًا فَوجًا بِحَسَبِ عَدَدِ الرِّجالِ المُحصَينَ عن يَدِ يَعيئيلَ الكاتِبِ ومَعَسْيا المُدَوِّن، تَحتَ يَدِ حَنانِيَّا، أَحَدِ رُؤَساءِ المَلِك. وكانَ عَدَدُ جَميعِ رُؤَساءِ الآباءِ مِن أَبْطالِ البَأسِ أَلفَينِ وسِتَّ مِئَة. وتَحتَ أَيديهم قُوَّةٌ عَسكَرِيَّةٌ مِن ثَلاثِ مِئَةِ أَلفٍ وسَبعَةِ آلافٍ وخَمْسِ مِئَةٍ يُقاتِلونَ بِبَأسٍ شديدٍ لِمُناصَرَةِ المَلِكِ على العَدُوّ. وجَهَّزَ عُزِّيَّا لَهم، لِلجَيشِ كُلِّه، تُروسًا ورِماحًا وخُوَذًا ودُروعًا وقِسِيًّا وحِجارَةَ مَقاليع. وصَنَعَ في أُورَشَليمَ مَنجَنيقاتٍ ٱختَرَعَها رِجالٌ حُذَّاقٌ لِتَكونَ على الأَبْراجِ وعلى الزَّوايا لِرَمْيِ السِّهامِ والحِجارَةِ الضَّخمَة. وٱمتَدَّت سُمعَتُه إِلى بَعيد، إِذ كانَت لَه نُصرَةٌ عَجيبَةٌ حتَّى أَصبَحَ مُقتَدِرًا. ولَمَّا أَصبَحَ مُقتَدِرًا، تَشامَخَ قَلبُه حتَّى فَسَد، وخالَفَ الرَّبَّ إِلٰهَه ودَخَلَ هَيكَلَ الرَّبِّ لِيُحرِقَ البَخورَ على مَذبَحِ البَخور. فدَخَلَ عَزَرْيا الكاهِنُ وَراءَه ومعَه ثَمانونَ كاهِنًا لِلرَّبِّ ذَوو بَأس، فقاوَموا عُزِّيَّا المَلِكَ وقالوا لَه: «لَيسَ لَكَ يا عُزِّيَّا أَن تُحرِقَ البَخورَ لِلرَّبّ، وإِنَّما ذٰلك لِلكَهَنَةِ بَني هارونَ المُقَدَّسينَ لإحْراقِ البَخور. أُخرُجْ مِنَ القُدسِ، لأَنَّكَ خالَفتَ ولَيسَ لَكَ مِن كَرامَةٍ لَدى الرَّبِّ الإلٰه». فسَخِطَ عُزِّيَّا، وكانَت في يَدِه مِبخَرَةٌ لإحْراقِ البَخور. وعِندَ سُخطِه على الكَهَنَة، طَلَعَ البَرَصُ في جَبهَتِه قُدَّامَ الكَهَنَةِ في بَيتِ الرَّبّ، وهو على مَذبَحِ البَخور. فٱلتَفَتَ إِلَيه عَزَرْيا، رَئيسُ الكَهَنَةِ، وسائِرُ الكَهَنَة، فإِذا هو أَبرَصُ في جَبهَتِه. فأَسرَعوا في إِخْراجِه مِن هُناك، وهو أَيضًا كانَ مُستَعجِلًا لِلخُروج، لأَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَه. وبَقِيَ عُزِّيَّا المَلِكُ أَبرَصَ إِلى يَومِ وَفاتِه، وسَكَنَ أَبرَصَ في بَيتٍ مُنفَرِدٍ، لأَنَّه كانَ مَفْصولًا عن بَيتِ الرَّبّ. وكانَ ٱبنُه يوتامُ على بَيتِ المَلِكِ يَحكُمُ شَعبَ تِلكَ الأَرض. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ عُزِّيَّا الأُولى والأَخيرَةِ كَتَبَها أَشَعْيا بنُ آموصَ النَّبِيّ. وٱضطَجَعَ عُزِّيَّا مع آبائِه ودَفَنوه مع آبائِه في الحَقلِ المُجاوِرِ لِمَقبَرَةِ المُلوك، لأَنَّهم قالوا: «إِنَّه أَبرَص». ومَلَكَ يوتامُ ٱبنُه مَكانَه. كانَ يوتامُ ٱبنَ خَمسٍ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَكَ، ومَلَكَ سِتَّ عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه يَروشَة، بِنتُ صادوق. وصَنَعَ القَويمَ في عَينَيِ الرَّبِّ ككُلِّ ما صَنَعَ عُزِّيَّا أَبوه، إِلاَّ أَنَّه لم يَدخُلْ هَيكَلَ الرَّبّ. وكانَ الشَّعبُ لا يَزالُ يَعمَلُ الفَساد. وهو الَّذي بَنى البابَ الأَعلى لِبَيتِ الرَّبّ، وبَنى كَثيرًا على سورِ عوفَل، وبَنى مُدُنًا في جَبَلِ يَهوذا، وبَنى في الغاباتِ حُصونًا وأَبْراجًا. وقاتَلَ مَلِكَ بَني عَمُّونَ وتَغَلَّبَ علَيه، فأَدَّى لَه بَنو عَمُّونَ في تِلكَ السَّنَةِ مِئَةَ قِنْطارِ فِضَّةٍ وعَشرَةَ آلافِ كُرٍّ مِنَ الحِنطَةِ وعَشرَةَ آلافٍ مِنَ الشَّعير. وأَدَّى لَه بَنو عَمُّونَ ذٰلك في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ والثَّالِثَة. وتَقَوَّى يوتام، لأَنَّه قَوَّمَ طُرُقَه أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يوتامَ وجَميعُ حُروبِه ومَشاريعِه هي مَكْتوبَةٌ في سِفرِ مُلوكِ إِسْرائيلَ ويَهوذا. وكانَ ٱبنَ خَمسٍ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ سِتَّ عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱضطَجَعَ يوتامُ مع آبائِه ودَفَنوه في مَدينَةِ داوُد. ومَلَكَ آحازُ ٱبنُه مَكانَه. كانَ آحازُ ٱبنَ عِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ سِتَّ عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليمَ، ولم يَصنَعِ القَويمَ في عَينَيِ الرَّبّ، مِثلَ داوُدَ أَبيه، بل سارَ في طُرُقِ مُلوكِ إِسْرائيل، وصَنَعَ أَيضًا مَسْبوكاتٍ لِلبَعْل. وأَحرَقَ البَخورَ في وادي ٱبنِ هِنُّوم، وأَمرَّ بَنيه بالنَّار، على حَسَبِ قَبائِحِ الأُمَمِ الَّتي طَرَدَها الرَّبُّ مِن وَجهِ بَني إِسْرائيل، وذَبَحَ وأَحرَقَ البَخورَ على المَشارِفِ والتِّلالِ وتَحتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْراء. فأَسلَمَه الرَّبُّ إِلٰهُه إِلى يَدِ مَلِكِ الأَرامِيِّين، فضَرَبوه وأَسَروا مِنه جَمْعًا عَظيمًا وجاؤُوا بِه إِلى دِمَشق. وأُسلِمَ أَيضًا إِلى يَدِ مَلِكِ إِسْرائيل، فضَرَبَه ضَربَةً عَظيمَة. وقَتَلَ فاقَحُ بنُ رَمَلْيا في يَهوذا مِئَةً وعِشْرينَ أَلفًا في يَومٍ واحِد، كُلُّهم ذَوو بَأس، لأَنَّهم تَرَكوا الرَّبَّ إِلٰهَ آبائِهم. وقَتَلَ زِكْري، بَطَلُ أَفْرائيم، معَسْيا ٱبنَ المَلِكِ وعَزْريقامَ قَيِّمَ البَيتِ وأَلْقانَةَ ثانِيَ المَلِك. وأَسَرَ بَنو إِسْرائيلَ مِن إِخوَتِهم مِئَتَي أَلفٍ مِنَ النِّساءِ والبَنينَ والبَنات، وسَلَبوا أَيضًا مِنهم غَنائِمَ كَثيرة وجاؤُوا بِالغَنائِمِ إِلى السَّامِرَة. وكانَ هُناكَ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ ٱسمُه عوديد، فخَرَجَ لِلِقاءِ الجَيش، وهو قادِمٌ إِلى السَّامِرَة، وقالَ لَهم: «إِنَّه بسَبَبِ غَضَبِ الرَّبِّ إِلٰهِ آبائِكم على بَني يَهوذا أَسلَمَهم إِلى أَيديكم فقَتَلتُموهم بِسُخطٍ بَلَغَ السَّماء. والآنَ فإِنَّكم عازِمونَ على إِخضاعِ بَني يَهوذا وأُورَشَليمَ عَبيدًا وإِماءً لَكم. أَفَلَستُم أَنتُمُ الآثِمينَ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِكم؟ فالآنَ ٱسمَعوا لي ورُدُّوا الأَسْرى الَّذينَ أَسَرتُموهم مِن إِخوَتِكم، لأَنَّ غَضَبَ الرَّبِّ مُضطَرِمٌ علَيكم». فقامَ بَعضٌ مِن رُؤَساءِ بَني أَفْرائيم، وهم عَزَرْيا بنُ يوحانانَ وبَرَكْيا بنُ مَشِلَّموتَ ويَحَزقِيَّا ٱبنُ شَلُّومَ وعَمَاسا بنُ حِدْلايَ، على الَّذينَ قَدِموا مِنَ الحَربِ وقالوا لَهم: «لا تُدخِلوا الأَسرى إِلى هٰهُنا، لأَنَّه يَكونُ علَينا إِثمٌ أَمامَ الرَّبّ، وأَنتُم عازِمونَ أَن تَزيدوا على خَطاينا وآثامِنا، فإِنَّ إِثمَنا عَظيمٌ والغَضَبَ مُضطَرِمٌ على إِسْرائيل». فتَخَلَّى المُسَلَّحونَ عنِ الأَسْرى والسَّلَبِ قُدَّامَ الرُّؤَساءِ والجَماعَةِ كُلِّها، وقامَ الرِّجالُ الّذينَ عُيِّنوا بِأَسمائِهم وأَخَذوا الأَسرى وأَلبَسوا مِنَ السَّلَبِ جَميعَ العُراةِ بَينَهم وكَسَوهم وأَلبَسوهم أَحذِيَةً وأَطعَموهم وسَقوهم ودَهَنوهم، وحَمَلوا جَميعَ العُرْجانِ مِنهم على حَمير، وجاؤُوا بِهِم إِلى أَريحا، مَدينَةِ النَّخل، إِلى إِخوَتِهم، ثُمَّ رَجَعوا إِلى السَّامِرَة. في ذٰلك الوَقْت، أَرسَلَ المَلِكُ آحازُ إِلى مُلوكِ أَشُّورَ لِيُنجِدوه، وقد زَحَفَ الأَدومِيُّونَ وضَرَبوا يَهوذا وأَخذوا أَسْرى. وٱنتَشَرَ الفَلِسطينِيُّونَ في مُدُنِ السَّهلِ ونَقَبِ يَهوذا، وٱستَولَوا على بَيتِ شَمسَ وأَيَّالونَ وجَديروتَ وسوكُوَ وتَوابِعِها وتِمْنَةَ وتَوابِعِها وجِمْزُوَ وتَوابِعِها، وسَكَنوا هُناك، لأَنَّ الرَّبَّ أَذَلَّ يَهوذا بِسَبَبِ آحاز، مَلِكِ إِسْرائيل، لأَنَّه أَطلَقَ العِنانَ لِيَهوذا وخالَفَ الرَّبَّ مُخالَفَةً شَديدَة. فزَحَفَ علَيه تجلَتَ فِلآسَر، مَلِكُ آشُّور، وضَيَّقَ علَيه ولم يُؤَيِّدْه. فأَخَذَ آحازُ قِسمًا مِن بَيتِ الرَّبِّ وبَيتِ المَلِكِ ومِنَ الرُّؤَساء، وأَعْطاه لِمَلِكِ أَشُّور، فلم يُجدِه ذٰلك نَفعًا. وفي وَقتِ التَّضييقِ علَيه، اِزْدادَ المَلِكُ آحازُ هٰذا مُخالَفَةً لِلرَّبّ، فذَبَحَ لِآلِهَةِ دِمَشقَ الَّتي ضَرَبَته وقال: «بِمَا أَنَّ آلِهَةَ مُلوكِ أَرامَ تَنصُرُهم، فأَنا أَذبَحُ لَها فتَنصُرُني»، ولَكِنَّها كانَت مَعثَرَةً لَه ولِكُلِّ إِسْرائيل. وجَمَعَ آحازُ آنِيَةَ بَيتِ اللهِ وحَطَّمَها، وأَغلَقَ أَبْوابَ بَيتِ الرَّبّ، وصَنَعَ لَه مَذابِحَ في كُلِّ زاوِيَةٍ في أُورَشَليم. وفي كُلِّ مَدينَةٍ لِيَهوذا، مَدينَةٍ فمَدينَة، أَقامَ مَشارِفَ لِيُحرِقَ البَخورَ لِآلِهَةٍ أُخْرى، وأَسخَطَ الرَّبَّ إِلٰهَ آبائِه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِه وجَميعُ مَشاريعِه الأُولى والأَخيرَةِ هي مَكْتوبَةٌ في سِفرِ مُلوكِ يَهوذا وإِسْرائيل. وٱضطَجَعَ آحازُ مع آبائِه ودَفَنوه في مَدينَةِ داوُد، في أُورَشَليم، ولم يُدخِلوه مَقابِرَ مُلوكِ إِسْرائيل. ومَلَكَ حِزقِيَّا ٱبنُه مَكانَه. كانَ حِزقِيَّا ٱبنَ خَمسٍ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَكَ، ومَلَكَ تِسعًا وعِشْرينَ سَنَةً في أُورَشَليم. وٱسمُ أُمِّه أَبِيَّة، بِنتُ زَكَرِيَّا. وصَنَعَ القَويمَ في عَينَيِ الرَّبِّ ككُلِّ ما صَنَعَ داوُدُ أَبوه. وفي السَّنَةِ الأُولى مِن مُلكِه، في الشَّهرِ الأَوَّل، فَتَحَ حِزقِيَّا أَبْوابَ بَيتِ الرَّبِّ ورَمَّمَها. وأَدخَلَ الكَهَنَةَ واللاَّوِيِّينَ وجَمَعَهم في السَّاحَةِ الشَّرقِيَّةِ وقالَ لَهم: «إِسمَعوا لي أَيُّها اللاَّوِيُّون. قَدِّسوا الآنَ أَنفُسَكم وقَدِّسوا بَيتَ الرَّبِّ، إِلٰهِ آبائِكم، وأَخرِجوا القَبيحَةَ مِنَ القُدْس، لأَنَّ آباءَنا قد خالَفوا وفَعَلوا الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ إِلٰهِنا وتَرَكوه وحَوَّلوا وُجوهَهم عن مَسكِنِ الرَّبِّ ووَلَّوا أَدْبارَهم، وأَغلَقوا أَبْوابَ الرِّواقِ وأَطفَأوا المَصابِيح، ولَم يُحرِقوا البَخور، ولَم يُصعِدوا مُحرَقَةً في القُدْسِ لإلٰهِ إِسْرائيل. فلِذٰلك كانَ غَضَبُ الرَّبِّ على يَهوذا وأُورَشَليم، وجَعَلهم عُرضَةً لِلرُّعبِ والدَّهَشِ والصَّفير، كما أَنتُم تَرَونَ بِأَعيُنِكم. هُوَذا آباؤُنا قد سَقَطوا بِالسَّيف، وأَبناؤُنا وبَناتُنا ونِساؤُنا في الأَسْرِ بِسَبَبِ ذٰلك. والآنَ فإِنَّ في نَفْسي أَن أَقطَعَ عَهدًا مع الرَّبّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، حتَّى يُحَوِّلَ عنَّا حِدَّةَ غَضَبِه. يا بَنِيَّ، لا تَتَهاوَنوا الآن، لأَنَّ اللهَ قدِ ٱخْتارَكم لِتَقِفوا أَمامَه حتَّى تَعبُدوه وتَكونوا لَه خادِمينَ ومُحرِقينَ البَخور». فقامَ اللاَّوِيُّون: ماحَتُ بنُ عَماسايَ ويوئيلُ ٱبنُ عَزَرْيا مِن بَني القَهاتِيِّين، ومِن بَني مَراري: قيشُ بنُ عَبْدِيَ وعَزَرْيا بنُ يَهْلَلَئيل، ومِنَ الجِرْشونِيِّين: يوآحُ بنُ زِمَّةَ وعادَنُ بنُ يوآحُ، ومِن بَني أَليصافان: شِمري ويَعيئيل، ومِن بَني آساف: زَكَرِيَّا ومَتَّنْيا، ومِن بَني هَيمان: يَحيئيلُ وشِمْعي، ومِن بَني يَدوتون: شَمَعْيا وعُزِّيئيل. وجَمَعوا إِخوَتَهم وتَقَدَّسوا وأَتَوا بِحَسَبِ أَمرِ المَلِكِ وكَلامِ الرَّبِّ لِيُطَهِّروا بَيتَ الرَّبّ. ودَخَلَ الكَهَنَةُ إِلى داخِلِ بَيتِ الرَّبِّ لِيُطَهِّروه، وأَخرَجوا كُلَّ نَجاسَةٍ وَجَدوها في هَيكَلِ الرَّبِّ إِلى دارِ بَيتِ الرَّبّ، فأَخَذَها اللاَّوِيُّونَ لِيَحمِلوها خارِجًا إِلى وادي قِدْرون. وٱبتَدَأُوا في اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ الأَوَّلِ بِالتَّقْديس. وفي اليَومِ الثَّامِنِ مِنَ الشَّهرِ وَصَلوا إِلى رِواقِ الرَّبّ، وقَدَّسوا بَيتَ الرَّبِّ في ثَمانِيَةِ أَيَّام، وٱنتَهَوا في اليَومِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ الأَوَّل. ثُمَّ ذَهَبوا إِلى حِزقِيَّا المَلِكِ ودَخَلوا علَيه وقالوا: «قد طَهَّرْنا بَيتَ الرَّبِّ كُلَّه ومَذبَحَ المُحرَقَةِ وجَميعَ آنِيَتِه ومائِدَةَ التَّنْضيدِ مع جَميعِ آنِيَتِها. وجَميعُ الآنِيَةِ الَّتي نَبَذَها المَلِكُ آحازُ في مُلكِه، حينَ خالَفَ الرَّبّ، أَعَدْناها إِلى مَكانِها وقَدَّسْناها، وها هي أَمامَ مَذبَحِ الرَّبّ». فبَكَّرَ حِزقِيَّا المَلِكُ وجَمَعَ رُؤَساءَ المَدينَة، وصَعِدَ إِلى بَيتِ الرَّبّ. فجاؤُوا بِسَبعَةِ ثيرانٍ وسَبعَةِ كِباشٍ وسَبعَةِ حُمْلانٍ وسَبعَةِ تُيوسٍ لِذَبيحَةِ الخَطيئَةِ عنِ المَملَكَةِ وعنِ القُدْسِ وعن يَهوذا، فأَمَرَ الكَهَنَةَ بَني هارونَ بِأَن يُصعِدوا المُحرَقاتِ على مَذبَحِ الرَّبّ. فذَبَحوا الثِّيران، وأَخَذَ الكَهَنَةُ الدَّمَ ورَشُّوه على المَذبَح، ثُمَّ ذَبَحوا الكِباشَ ورَشُّوا الدَّمَ على المَذْبَح، ثُمَّ ذَبَحوا الحُمْلانَ ورَشُّوا الدَّمَ على المَذبَح. ثُمَّ قَدَّموا تُيوسَ ذَبيحَةِ الخَطيئَةِ أَمامَ المَلِكِ والجَماعَة، ووَضَعوا أَيدِيَهم علَيها. وذَبَحَها الكَهَنَةُ وجَعَلوا مِن دَمِها ذَبيحَةَ خَطيئَةٍ تَكْفيرًا عن كُلِّ إِسْرائيل، لأَنَّ المَلِكَ أَمَرَ بِالمُحرَقَةِ وذَبيحَةِ الخَطيئَةِ لأَجلِ كُلِّ إِسْرائيل. وأَقامَ اللاَّوِيِّينَ في بَيتِ الرَّبِّ بِصُنوجٍ وعيدانٍ وكِنَّارات، بِحَسَبِ ما رَسَمَ داوُدُ وجادٌ، رائي المَلِك، وناتانُ النَّبِيّ، لأَنَّه أَمرُ الرَّبِّ على لِسانِ أَنبِيائِه. فوَقَفَ اللاَّوِيُّونَ بِآلاتِ داوُدَ والكَهَنَةُ بِالأَبْواق. وأَمَرَ حِزقِيَّا بإِصعادِ المُحرَقَةِ على المَذبَح، وعِندَ الشُّروعِ في المُحرَقَةِ ٱبتَدَأَ نَشيدُ الرَّبِّ بِالأَبْواقِ وآلاتِ داوُد، مَلِكِ إِسْرائيل. فسَجَدَتِ الجَماعَةُ بِأَسرِها وأَنشَدَ المُنشِدونَ ونَفَخَ النَّافِخونَ في الأَبْواق، كُلُّ ذٰلك إِلى أَن تَمَّتِ المُحرَقَة. ولَمَّا ٱنتَهَوا مِنَ المُحرَقَة، جَثا المَلِكُ وجَميعُ مَن مَعَه وسَجَدوا. وأَمَرَ حِزقِيَّا المَلِكُ والرُّؤَساءُ اللاَّوِيِّينَ بِأَن يُسَبِّحوا الرَّبَّ بِكَلامِ داوُدَ وآسافَ الرَّائي، فسَبَّحوا بِفَرَحٍ وٱنحَنَوا وسَجَدوا. فتَكَلَّمَ حِزقِيَّا وقال: «الآنَ كَرَّستُم أَنفُسَكم لِلرَّبّ، فتَقَدَّموا وقَدِّموا ذَبائِحَ وقَرابينَ شُكْرٍ في بَيتِ الرَّبّ». فقَدَّمَتِ الجَماعَةُ ذَبائِحَ وقَرابينَ شُكْر، وقَدَّمَ كُلُّ مُتَبَرِّعٍ مُحرَقات. وكانَ عَدَدُ المُحرَقاتِ الَّتي قَدَّمَتها الجَماعَةُ سَبْعين ثَوْرًا ومِئَةَ كَبشٍ ومِئَتَي حَمَل: كُلُّ هٰذه المُحرَقاتِ لِلرَّبّ. وكانَتِ الذَّبائِحُ المُقَدَّسَةُ سِتَّ مِئَةِ ثَورٍ وثَلاثَةَ آلافِ شاة. وكان الكَهَنَةُ أَقَلَّ مِن أَن يَقدِروا على سَلخِ المُحرَقاتِ كُلِّها، فساعَدَهم إِخوَتُهمُ اللاَّوِيُّونَ حَتَّى تَمَّ العَمَل، وحَتَّى قَدَّسَ الكَهَنَةُ أَنفُسَهم، لأَنَّ اللاَّوِيِّينَ كانوا أَكثَرَ ٱستِقامَةِ قَلْبٍ مِنَ الكَهَنَةِ في تَقْديسِ أَنفُسِهم. وكانَتِ المُحرَقاتُ بِكَثرَةٍ مع شُحومِ الذَّبائِحِ السَّلامِيَّةِ وسُكُبِ المُحرَقات، وهٰكذا أُعيدَت خِدمَةُ بَيتِ الرَّبّ. وفَرِحَ حِزقِيَّا وكُلُّ الشَّعبِ بأَنَّ اللهَ أَعَدَّ الشَّعبَ لِلعَمَلِ بِسُرعَة. ثُمَّ أَرسَلَ حِزقِيَّا رُسُلًا إِلى كُلِّ إِسْرائيلَ ويَهوذا، وكَتَبَ رَسائِلَ أَيضًا إِلى أَفْرائيمَ ومَنَسَّى بِأَن يَأتوا إِلى بَيتِ الرَّبِّ في أُورَشَليم، لِيُقيموا فِصحًا لِلرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل. وعَقَدَ المَلِكُ مَشورَةً مع رُؤَسائِه وسائِرِ الجَماعَةِ في أُورَشَليم وٱتَّفَقوا على أَن يُقيموا الفِصحَ في الشَّهرِ الثَّاني، لأَنَّهم لم يَقدِروا على إِقامَتِه في وَقتِه، إِذ لم يَكُنْ قد تَقَدَّسَ مِنَ الكَهَنَةِ ما يَكْفي، ولا كانَ الشَّعبُ قدِ ٱجتَمَعَ في أُورَشَليم. فحَسُنَ الأَمرُ في عَينَيِ المَلِكِ وفي عُيونِ الجَماعَةِ كافَّةً، وأَصدَروا أَمرًا بِأَن يُنادى في كُلِّ إِسْرائيل، مِن بِئرَ سَبعَ إِلى دان، بِأَن يَأتوا لإقامَةِ الفِصحِ لِلرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، في أُورَشَليم، لأَنَّهم لم يَكونوا كَثيرينَ في إِقامَتِه، على حَسَبِ المَكْتوب. فمَضى السُّعاةُ بِرَسائِلَ مِن يَدِ المَلِكِ ورُؤَسائِه إِلى كُلِّ إِسْرائيلَ ويَهوذا، بِحَسَبِ أَمرِ المَلِك، قائلين: «يا بَني إِسْرائيل، إِرجِعوا إِلى الرَّبّ، إِلٰهِ إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ وإِسْرائيل، فيَرجِعَ إِلى مَن بَقِيَ مِنكم مِمَّن نَجا مِن أَيدي مُلوكِ أَشُّور. ولا تَكونوا كآبائِكم وإِخوَتِكُم الَّذينَ خالَفوا الرَّبّ، إِلٰهَ آبائِهم، فأَسلَمَهم إِلى الدَّمار، كما أَنتُم تَرَون. والآنَ فلا تُصَلِّبوا رِقابَكم مِثلَ آبائِكم، بلِ ٱخضَعوا لِلرَّبّ، وهَلُمُّوا إِلى قُدسِه الَّذي قَدَّسه لِلأَبَد، وٱعبُدوا الرَّبَّ إِلٰهَكم لِيُحَوِّلَ عنكم حِدَّة غَضَبِه. فإِنَّكم، إِن رَجَعتُم إِلى الرَّبّ، يَجِدُ إِخوَتُكم وبَنوكم رَأفَةً لَدى الَّذينَ أَسَروهم، ويَرجِعونَ إِلى هٰذه الأَرض، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكم حَنونٌ رَحيم، فلا يَصرِفُ وَجهَه عنكُم، إِن رَجَعتُم إِلَيه». ومَضى السُّعاةُ يَعبُرونَ مِن مَدينَةٍ إِلى مَدينَة، في أَرضِ أَفْرائيمَ ومَنَسَّى إِلى زَبولون. فهَزَأُوا بِهم وسَخِروا مِنهم. إِلاَّ أَنَّ قَومًا مِن أَشيرَ ومَنَسَّى وزَبولونَ ٱتَّضَعوا وجاؤُوا إِلى أُورَشَليم. وأَمَّا بَنو يَهوذا فكانَت يَدُ اللهِ معهم فأَعطاهم قَلبًا واحِدًا لِيَعمَلوا بِأَمرِ المَلِكِ والرُّؤَساءِ على حَسَبِ كَلامِ الرَّبّ. فٱجتَمَعَ في أُورَشَليمَ شَعبٌ كَثيرٌ لِيُعَيِّدوا عيدَ الفَطيرِ في الشَّهرِ الثَّاني. فكانَت جَماعَةً كَثيرةً جِدًّا. وقاموا وأَزالوا المَذابِحَ الَّتي في أُورَشَليم، وجَميعُ آنِيَةِ إِحْراقِ البَخورِ أَزالوها وأَلقَوها في وادي قِدْرون. وذَبَحوا الفِصحَ في الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ الثَّاني. وخَجِلَ الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ فتَقَدَّسوا وأَدخَلوا المُحرَقاتِ إِلى بَيتِ الرَّبّ. ووَقَفوا في مَواقِفِهم بِحَسَبِ ما رُسِمَ علَيهم، وَفقًا لِشَريعَةِ موسى، رَجُلِ الله. وكانَ الكَهَنَةُ يَرُشُّونَ الدَّمَ المَأخوذَ مِن أَيدي اللاَّوِيِّين، لأَنَّ كَثيرينَ مِنَ الجماعَةِ لم يَكونوا قد تَقَدَّسوا، فكانَ اللاَّوِيُّونَ مُكَلَّفينَ بِذَبحِ الفِصْحِ عن كُلِّ واحِدٍ غَيرِ طاهِرٍ لِيُقَدِّسوه لِلرَّبّ. وكانَ جُمهورٌ كَثيرٌ مِنَ الشَّعْب، مِن أَفْرائيمَ ومَنَسَّى ويَسَّاكَرَ وزَبولون، لم يَتَطَهَّروا بل أَكَلوا الفِصحَ على خِلافِ ما كُتِب. فصَلَّى لأَجلِهم حِزقِيَّا قائِلًا: «لِيَغفِرِ الرَّبُّ الصَّالِحُ لِكُلِّ مَن وَجَّهَ قَلبَه لِٱلتِماسِ اللهِ الرَّبِّ، إِلٰهِ آبائِه، ولَو لم يَكُنْ على الطَّهارَةِ اللاَّزِمَةِ لِلقُدْس». فسَمِعَ الرَّبُّ لِحزِقِيَّا وعَفا عنِ الشَّعْب. فأَقامَ بَنو إِسْرائيلَ، الَّذينَ وُجِدوا في أُورَشَليم، عيدَ الفَطيرِ سَبعَةَ أَيَّامٍ بِفَرَحٍ عَظيم، وكانَ الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ يُسَبِّحونَ الرَّبَّ يَومًا فيَومًا بِآلاتِ الرَّبِّ القَوِيَّة. وخاطَبَ حِزقِيَّا قُلوبَ جَميعِ اللاَّوِيِّين، أُولي حُسنِ الفِطنَةِ في خِدمَةِ الرَّبّ، وأَكَلوا حِصَّتَهم في العيدِ سَبعَةَ أَيَّام، وهُم يَذبَحونَ ذَبائِحَ سَلامِيَّة، ويَحمَدونَ الرَّبَّ، إِلٰهَ آبائِهم. ثُمَّ تَشاوَرَتِ الجَماعَةُ كُلُّها أَن يَقْضوا سَبعَةَ أَيَّامٍ أُخْرى، فقَضَوا سَبعَةَ أَيَّامٍ بِالفَرَحِ، لأَنَّ حِزقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا، قَدَّمَ لِلجَماعَةِ أَلفَ ثَورٍ وسَبعَةَ آلافِ شاة، والرُّؤَساءَ قَدَّموا لِلجَماعَةِ أَلفَ ثَورٍ وعَشرَةَ آلافِ شاة، فتَقَدَّسَ كَثيرٌ مِنَ الكَهَنَة. وفَرِحَت جَماعَةُ يَهوذا كُلُّها مع الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ وسائِرِ الجَماعَةِ الَّتي أَتَت مِن إِسْرائيل، والنُّزَلاءِ الَّذينَ قَدِموا مِن أَرضِ إِسْرائيل، والمُقيمينَ في يَهوذا. فكانَ فَرَحٌ عَظيمٌ في أُورَشَليم، حتَّى إِنَّه مِن أَيَّامِ سُلَيمانَ بنِ داوُد، مَلِكِ إِسْرائيل، لم يَكُنْ مِثلُ ذٰلك في أُورشَليم. ثُمَّ قامَ الكَهَنَةُ اللاَّوِيُّونَ وبارَكوا الشَّعْب، فسُمِعَ صَوتُهم وبَلَغَت صَلاتُهم مَسكِنَ قُدسِه في السَّماء. ولَمَّا تَمَّ هٰذا كُلُّه، خَرَجَ جَميعُ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ وُجِدوا في مُدُنِ يَهوذا، وحَطَّموا الأَنْصاب، وقَطَّعوا الأَوتادَ المُقَدَّسة، ودَمَّروا المَشارِفَ والمَذابِحَ مِن كُلِّ يَهوذا وبَنْيامينَ ومِن أَفْرائيمَ ومَنَسَّى على وَجهٍ تامّ، ثُمَّ رَجَعَ بَنو إِسْرائيلَ كُلُّ واحِدٍ إِلى مِلكِه ومَدينَتِه. وأَعادَ حِزقِيَّا فِرَقَ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ بِحَسَبِ فِرَقِهم، كُلَّ واحِدٍ بِحَسَبِ خِدمَتِه: الكَهَنَةَ واللاَّوِيِّينَ لِلمُحرَقاتِ والذَّبائِحِ السَّلامِيَّةِ والخِدمَةِ والحَمدِ والتَّسْبيحِ في أَبْوابِ مُعَسكَرِ الرَّبّ. وأَعطى المَلِكُ حِصَّةً مِن مالِه لِلمُحرَقات، مُحرَقاتِ الصَّباحِ والمَساء، ومُحرَقاتِ السُّبوتِ ورُؤُوسِ الشُّهورِ والأَعْياد، كما هو مَكْتوبٌ في شَريعَةِ الرَّبّ. وأَمَرَ الشَّعبَ السَّاكِنَ في أُورَشَليمَ بِأَن يُعْطِيَ الكَهَنَةَ واللاَّوِيِّينَ حِصَّتَهم، حتَّى يَتَمَسَّكوا بِشَريعَةِ الرَّبّ. فلَمَّا شاعَ الأَمر، قَدَّمَ بَنو إِسْرائيلَ شَيئًا كَثيرًا مِن بَواكيرِ الحِنطَةِ والنَّبيذِ والزَّيتِ والعَسَلِ وكُلِّ غَلَّةِ الأَرض، وجاؤُوا بِعُشرِ الكُلِّ وافِرًا. وكٰذلك بَنو إِسْرائيلَ ويَهوذا السَّاكِنونَ في مُدُنِ يَهوذا أَتَوا بِعُشورِ البَقَرِ والغَنَمِ وعُشْرِ الأَقْداسِ الَّتي قُدِّسَت لِلرَّبِّ إِلٰهِهم، وأَلقَوها كَومَةً كَومَةً. وفي الشَّهرِ الثَّالِث، اِبتَدأُوا بِجَمْعِ الكُوَم، وأَتَمُّوها في الشَّهرِ السَّابِع. فلَمَّا أَتى حِزقِيَّا والرّؤَساءُ ورَأَوا الكُوَم، بارَكوا الرَّبَّ وشَعبَه إِسْرائيل. وسَأَلَ حِزقِيَّا الكَهَنَةَ واللاَّوِيِّينَ عنِ الكُوَم، فأَجابَه عَزَرْيا، رَئيسُ كَهَنَةِ بَيتِ صادوقَ وقال: «مُنذُ بوشِرَ في التَّقدِمَةِ في بَيتِ الرَّبّ، كانَ لَنا شِبعٌ مِنَ الطَّعام، وفَضَلَ عَنَّا شيءٌ كَثير، لأَنَّ الرَّبَّ بارَكَ هٰذا الشَّعب، والَّذي فَضَلَ هو هٰذا القَدرُ الكَبير». فأَمَرَ حِزقِيَّا بِتَهيئَةِ مَخادِعَ في بَيتِ الرَّبّ، فهَيَّأُوها، وأَتَوا بِالتَّقادِمِ والعُشورِ والأَقْداسِ بِأَمانَة. وكانَ علَيها كَنَنْيا اللاَّوِيُّ رَئيسًا، وكانَ شِمْعي أَخوه مُعاوِنًا. وكانَ يَحيئيلُ وعَزَرْيا وناحَتُ وعَسائيلُ ويَريموتُ ويوزابادُ وأَليئيلُ ويِسْمَكْيا وماحَتُ وبَنايا مُناظِرينَ تَحتَ يَدِ كَنَنْيا وشِمْعي أَخيه، بِأَمرِ حِزقِيَّا المَلِكِ وعَزَرْيا رَئيسِ بَيتِ الله. وكانَ قوري بنُ يِمنَةَ اللاَّوِيُّ البَوَّابُ جِهَةَ الشَّرقِ على قَرابينِ اللهِ الطَّوعِيَّةِ لِتَوزيعِ تَقدِمَةِ الرَّبِّ وقُدسِ الأَقْداس. وكانَ تَحتَ يَدِه عادَنُ وبَنْيامينُ ويَشُوعُ وشَمَعْيا وأَمَرْيا وشَكَنْيا في مُدُنِ الكَهَنَةِ بِأَمانَة، لِيُوَزِّعوا على إِخوَتِهم بِحَسَبِ فِرَقِهم، على الكَبيرِ والصَّغير، فَضلًا عنِ المُنتَسِبينَ مِنَ الذُّكور، مِن أبنِ ثَلاثِ سَنَواتٍ فما فَوق، وعلى كُلِّ مَن يَدخُلُ بَيتَ الرَّبّ، أَمرَ كُلِّ يَومٍ في يَومِه، لِلقِيامِ بِوَظائِفِهم بِحَسَبِ فِرَقِهم، وعلى المُنتَسِبينَ مِنَ الكَهَنَةِ بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم، ومِنَ اللاَّوِيِّينَ مِن ٱبنِ عِشْرينَ سَنَةً فَما فَوقُ، في وَظائِفِهم بِحَسَبِ فِرَقِهم، وعلى المُنتَسِبينَ مِن أَطْفالِهم جَميعًا ونِسائِهم وبَنيهم وبَناتِهم في كُلِّ الجَماعَة، لأَنَّهم كانوا يُقَدِّسونَ أَنفُسَهم بِأَمانَة. وأَمَّا بَنو هارونَ الكَهَنَةُ الَّذينَ في حُقولِ ومَراعي مُدُنِهم، في كُلِّ مَدينَةٍ فمَدينة، فعُيِّنَ مِنهم رِجالٌ بِأَسْمائِهم لِيُوَزِّعوا الحِصَصَ على جَميعِ الذُّكورِ مِنَ الكَهَنَةِ وجَميعِ المُنتَسِبينَ مِنَ اللاَّوِيِّين. وهٰكذا فَعَلَ حِزقِيَّا في كُلِّ يَهوذا، وعَمِلَ ما هو صالِحٌ ومُستَقيمٌ وحَقٌّ أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهَه. وكُلُّ عَمَلٍ قامَ بِه لِخِدمَةِ بَيتِ اللهِ ولِلشَّريعَةِ والوَصِيَّةِ مُلتَمِسًا إِلٰهَه قامَ بِه بِكُلِّ قَلبِه ونَجَح. وبَعدَ أَعمالِ الأَمانَةِ هٰذه، زَحَفَ سَنْحاريب، مَلِكُ أَشُّور، وٱجْتاحَ يَهوذا وعَسكَرَ عِندَ المُدُنِ المُحَصَّنَةِ ونَوى أَن يَفتَتِحَها. فلَمَّا رأَى حِزقِيَّا أَنَّ سَنْحاريبَ قد أَتى قاصِدًا مُحارَبَةَ أُورَشَليم، عَقَدَ مَشورَةً مع رُؤَسائِه وأَبْطالِه في سَدِّ مِياهِ العُيونِ الَّتي في خارِجِ المَدينَة، فأَيَّدوه. فٱجتَمَعَ شَعبٌ كَثيرٌ وسَدُّوا جَميعَ العُيونِ والنَّهرَ الجارِيَ في وَسَطِ الأَرضِ قائِلين: «لِمَ يَأتي مُلوكُ أَشُّورَ ويَجِدونَ مِياهًا غَزِيرة؟». ثُمَّ تَشَدَّدَ وأَعادَ بِناءَ كُلِّ ما كانَ مَهْدومًا مِنَ السُّور، وعلَّى الأَبْراج، وبَنى سورًا آخَرَ في الخارِج، وحَصَّنَ مِلُّو، مَدينَةَ داوُد، وصَنَعَ حِرابًا وتُروسًا بِكَثرَة. وأَقامَ قُوَّادَ حَربٍ على الشَّعبِ وجَمَعَهم إِلَيه في ساحَةِ بابِ المَدينَة، وخاطَبَ قُلوبَهم قائِلًا: «تَشَدَّدوا وتَشَجَّعوا، ولا تَرتَعِدوا في وَجهِ مَلِكِ أَشُّور، ولا في وَجهِ كُلِّ الجُمْهورِ الَّذي معَه، لأَنَّ معَنا أَكثَرَ مِمَّن معَه. لَيسَ معَه إِلاَّ ذِراعُ بَشَر، ومعَنا الرَّبُّ إِلٰهُنا يَنْصُرُنا ويُحارِبُ حُروبَنا». فتَشَدَّدَ الشَّعبُ بِكَلامِ حِزقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا. وبَعدَ ذٰلك، أَرسَلَ سَنْحاريب، مَلِكُ أَشُّور، رِجالَه إِلى أُورَشَليم، وهو عِندَ لاكيشَ بِكُلِّ قُوَّاتِه، إِلى حِزقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، وإِلى جَميعِ بَني يَهوذا الَّذينَ في أُورَشَليم، قائلًا: «هٰكذا قالَ سَنْحاريب، مَلِكُ أَشُّور: عَلامَ تَتَوَكَّلونَ حتَّى تُقيموا في الحِصارِ في أُورَشَليم؟ أَلَيسَ أَنَّ حِزقِيَّا يُغْويكم لِيُسلِمَكم لِلمَوتِ جوعًا وعَطَشًا، بِقولِه: إِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَنا يُنقِذُنا مِن يَدِ مَلِكِ أَشُّور؟ أَلَيسَ حِزقِيَّا هٰذا هو الَّذي أَزالَ مَشارِفَه ومَذابِحَه وكَلَّمَ يَهوذا وأُورَشَليمَ قائِلًا: أَمامَ مَذبَحٍ واحِدٍ تَسجُدونَ وعلَيه تُحرِقونَ البَخور؟ أَما تَعلَمونَ ما فَعَلتُ أَنا وآبائي بِجَميعِ شُعوبِ البِلاد؟ فهَل كانَت آلِهَةُ أُمَمِ تِلكَ البِلادِ تَقدِرُ أَن تُنقِذَ أَرضَها مِن يَدي؟ فمَن مِن جَميعِ آلِهَةِ تِلكَ الأُمَمِ الَّتي حَرَّمَها آبائي قَدِرَ على إِنْقاذِ شَعبِه مِن يَدي، حتَّى يَقدِرَ إِلٰهُكم أَن يُنقِذَكم مِن يَدي؟ فلا يَخدَعْكُمُ الآنَ حِزقِيَّا ولا يُغوِكم بِذٰلك، ولا تُصدِّقوه، لأَنَّه لم يَقْدِرْ إِلٰهُ أُمَّةٍ أَو مَمْلَكَةٍ أَن يُنقِذَ شَعبَه مِن يَدي ومِن أَيدي آبائي، أَفإِلٰهُكم بِالحَرِيِّ يُنقِذُكم مِن يَدي؟». وفيما كانَ رِجالُه لا يزالونَ يَتَكَلَّمونَ على الرَّبِّ الإلٰهِ وعلى عَبدِه حِزقِيَّا، كَتَبَ سَنْحاريبُ رِسالَةَ شَتْمٍ لِلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيلَ وتَكَلَّمَ علَيه قائِلًا: «كما أَنَّ آلِهَةَ أُمَمِ البِلادِ لم تُنْقِذْ شُعوبَها مِن يَدي، فإِلٰهُ حِزقِيَّا أَيضًا لا يُنقِذُ شَعبَه مِن يَدي». وصَرَخَ رِجالُ سَنْحاريبَ بِصَوتٍ عَظيمٍ بِاليَهودِيَّةِ نَحوَ شَعبِ أُورَشَليمَ الَّذي على السُّورِ لِيُخَوِّفوه ويُرعِبوه، حتَّى يَستَولوا على المَدينَة. وتَكَلَّموا على إِلٰهِ أُورَشَليمَ بِمِثْلِ كَلامِهم على آلِهَةِ شُعوبِ الأَرضِ، صُنعِ أَيدي النَّاس. فصَلَّى حِزقِيَّا المَلِكُ وأَشَعْيا بنُ آموصَ النَّبِيُّ لأَجلِ ذٰلك وصَرَخا إِلى السَّماء، فأَرسَلَ الرَّبُّ مَلاكًا، فأَبادَ كُلَّ بَطَلِ بَأسٍ وقائدٍ ورَئيسٍ في مُعَسكَرِ مَلِكِ أَشُّور، فرَجَعَ بِخِزي وَجهٍ إِلى أَرضِه. ولَمَّا دَخَلَ بَيتَ إِلٰهِه، قَتَلَه هُناكَ بِالسَّيفِ بَعضُ الَّذينَ خَرَجوا مِن صُلْبِه. وخَلَّصَ الرَّبُّ حِزقِيَّا وسُكَّانَ أُورَشَليمَ مِن يَدِ سَنْحاريب، مَلِكِ أَشُّور، ومِن أَيدي الجَميع، وأَراحَهم مِن كُلِّ جِهَة. وجاءَ كَثيرونَ بِتَقدِمَةٍ لِلرَّبِّ في أُورَشَليمَ وبِتُحَفٍ لحِزقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، وعَظُمَ بَعدَ ذٰلك في عُيونِ جَميعِ الأُمَم. وفي تِلكَ الأَيَّام، مَرِضَ حِزقِيَّا مَرَضَ المَوت، فصَلَّى إِلى الرَّبِّ فكَلَّمه وأَعْطاه آيَة. إِلاَّ أَنَّ حِزقِيَّا لم يُقابِلْ ما أُنعِمَ بِه علَيه، لأَنَّ قَلبَه تَشامَخَ. فلِذٰلك كانَ الغَضَبُ علَيه وعلى يَهوذا وأُورَشَليم. ثُمَّ ٱتَضَعَ حِزقِيَّا مِن تَشامُخِ قَلبِه، هو وسُكَّانُ أُورَشَليم، فلَم يَحِلَّ بِهم غَضَبُ الرَّبِّ في أَيَّامِ حِزقِيَّا. وكانَ لحِزقِيَّا غِنًى ومَجدٌ عَظيمٌ جِدًّا، وعَمِلَ لِنَفسِه خَزائِنَ لِلفِضَّةِ والذَّهَبِ والحِجارَةِ الكَريمَةِ والأَطْيابِ والتُّروسِ ولِكُلِّ مَتاعٍ نَفيس، ومَخازِنَ لِغَلَّةِ الحِنطَةِ والنَّبيذِ والزَّيت، وإِسطَبلاتٍ لِكُلِّ نَوعٍ مِنَ البَهائِمِ وحَظائِرَ لِلماشِيَة. وأَنشأَ له مُدُنًا وقُطْعانًا كَثيرَةً مِنَ الغَنَمِ والبَقَر، لأَنَّ اللهَ رَزَقَه مالًا كَثيرًا جِدًّا. وحِزقِيَّا هو الَّذي سَدَّ مَخرَجَ الماءِ الأَعْلى في جيحون، وأَجْراه أَسفَلَ إِلى غَربيِّ مَدينَةِ داوُد. ونَجَحَ حِزقِيَّا في أَعْمالِه كُلِّها، حتَّى في أَمرِ سُفَراءِ رُؤَساءِ بابِلَ الَّذينَ أُرسِلوا إِلَيه لِيَسأَلوه عنِ الآيَةِ الَّتي حَدَثَت في تِلكَ الأَرض، فإِنَّ الرَّبَّ أَهمَلَه ٱمتِحانًا لَه لِيَعرِفَ كُلَّ ما في قَلبِه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ حِزقِيَّا ومَبَرَّاتُه مَكْتُوبَةٌ في رُؤْيا أَشَعْيا بنِ آموصَ النَّبِيِّ وفي سِفرِ مُلوكِ يَهوذا وإِسْرائيل. وٱضطَجَعَ حِزقِيَّا مع آبائِه ودُفِنَ في عَقَبَةِ قُبورِ بَني داوُد. وأَكرَمَه كُلُّ يَهوذا وسُكَّانِ أُورَشَليمَ إِكْرامًا عَظيمًا عِندَ مَوتِه. ومَلَكَ مَنَسَّى ٱبنُه مَكانَه. كانَ مَنَسَّى ٱبنَ ٱثنَتَي عَشرَةَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ خَمسًا وخَمْسينَ سَنَةً في أُورَشَليم. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، على حَسَبِ قَبائِحِ الأُمَمِ الَّتي طَرَدَها الرَّبُّ مِن وَجهِ بَني إِسْرائيل. وعادَ وبَنَى المَشارِفَ الَّتي كانَ حِزقِيَّا أَبوه قد دَمَّرَها، وأَقامَ مَذابِحَ لِلبَعْل، وصَنَعَ أَوتادًا مُقَدَّسَة، وسَجَدَ لِجَميعِ قُوَّاتِ السَّماءِ وعَبَدها. وبَنى مَذابِحَ في بَيتِ الرَّبِّ الَّذي قالَ عنه الرَّبّ: «في أُورَشَليمَ يَكونُ ٱسْمي لِلأَبَد». وبَنى مَذابِحَ لِجَميعِ قُوَّاتِ السَّماءِ في دارَي بَيتِ الرَّبّ. وأَمَرَّ بَنيه في النَّارِ في وادي ٱبنِ هِنُّوم، ومارَسَ التَّنْجيمَ والكِهانَةَ والسِّحْر، وٱستَخدَمَ مُستَحضِري الأَرْواحِ والعَرَّافين، وأَكثَرَ مِن صُنعِ الشَّرِّ في عَينَيِ الرَّبِّ لإسْخاطِه. وأَقامَ تِمْثالَ الصَّنَمِ الَّذي صَنَعَه في بَيتِ اللهِ، الَّذي قالَ اللهُ فيه لِداوُدَ ولِسُلَيمانَ ٱبنِه: «في هٰذا البَيتِ وفي أُورَشَليمَ الَّتي ٱختَرتُها مِن جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ أَجعَلُ ٱسمِي لِلأَبَد. ولا أَعودُ أَزيحُ قَدَمَ إِسْرائيلَ مِنَ الأَرضِ الَّتي خَصَّصتُ بِها آباءَهم، على أَن يَجتَهِدوا في العَمَلِ بِكُلِّ ما أَوصَيتُهم بِه على لِسانِ موسى، بِكُلِّ الشَّريعَةِ والفَرائِضِ والأَحْكام. فأَضَلَّ مَنَسَّى يَهوذا وسُكَّانَ أُورَشَليم، فعَمِلوا أَقبَحَ مِن شَرِّ الأُمَمِ الَّتي دَمَّرَها الرَّبُّ مِن وَجهِ بَني إِسْرائيل. فكَلَّمَ الرَّبُّ مَنَسَّى وشَعْبَه فلَم يَسمَعوا. فجَلَبَ الرَّبُّ علَيهم قُوَّادَ جَيشِ مَلِكِ أَشُّور، فأَخَذوا مَنَسَّى بِالكَلاليبِ وأَوثَقوه بسِلسِلَتَينِ مِن نُحاسٍ وأَخَذوه إِلى بابِل. ولَمَّا كانَ في الضِّيق، اِستَرْضى وَجهَ الرَّبِّ إِلٰهِه وٱتَّضَعَ جِدًّا أَمامَ إِلٰهِ آبائِه، وصَلَّى إِلَيه فٱستَجابَه وسَمِعَ لِتَضَرُّعِه ورَدَّه إِلى أُورَشَليمَ إِلى مُلكِه، فعَلِمَ مَنَسَّى أَنَّ الرَّبَّ هو الإلٰه. وبَعدَ هٰذا أَعادَ بِناءَ سورٍ خارِجٍ لِمَدينَةِ داوُد، على غَربِيِّ جيحون، في الوادي، إِلى مَدخَلِ بَيتِ السَّمَك، وحَوَّطَ بِه عوفَلَ ورَفَعَه جِدًّا، وجَعَلَ قُوَّادَ جَيشٍ في جَميعِ مُدُنِ يَهوذا المُحَصَّنَة. وأَزالَ آلِهَةَ الغَريبِ والصَّنَمَ مِن بَيتِ الرَّبِّ وجَميعَ المَذابِحِ الَّتي كانَ قد بَناها في جَبَلِ بَيتِ الرَّبِّ وفي أُورَشَليم، وأَلْقاها خارِجَ المَدينَة. ورَمَّمَ مَذبَحَ الرَّبِّ وذَبَحَ علَيه ذَبائِحَ سَلامِيَّةً وذَبائِحَ شُكْر، وأَمَرَ بَني يَهوذا بِأَن يَعبُدوا الرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرائيل. إِلاَّ أَنَّ الشَّعبَ ما زالَ يَذبَحُ على المَشارِف، ولٰكِن لِلرَّبِّ إِلٰهِه. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ مَنَسَّى وصَلاتُه إِلى إِلٰهِه وكَلامُ الرَّائينَ الَّذينَ كَلَّموه بِٱسمِ الرَّبّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، هي في أَخْبارِ مُلوكِ إِسْرائيل. وأَمَّا صَلاتُه والٱستِجابَةُ لَه وخَطيئَتُه كُلُّها ومُخالَفَتُه والأَماكِنُ الَّتي بَنى فيها مَشارِفَ ونَصَبَ أَوتادًا مُقَدَّسَةً ومَنْحوتات، قَبلَ أَن يَتَّضِعَ، فهي مَكْتوبَةٌ في أَخْبارِ حوزاي. وٱضطَجَعَ مَنَسَّى مع آبائِه وقُبِرَ في بَيتِه. ومَلَكَ آمونُ ٱبنُه مَكانَه. وكانَ آمونُ ٱبنَ ٱثنَتَينِ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَكَ، ومَلَكَ سَنَتَينِ في أُورَشَليم. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، كما صَنَعَ مَنَسَّى أَبوه، وذَبَحَ آمونُ لِجَميعِ المَنْحوتاتِ الَّتي عَمِلَها مَنَسَّى أَبوه وعَبَدَها. ولم يَتَّضِعْ أَمامَ الرَّبِّ كما ٱتَّضَعَ مَنَسَّى أَبوه، بل أَكثَرَ آمونُ مِنَ الإِثْم. فتآمَرَ علَيه حاشِيَتُه وقَتَلوه في بَيتِه. فقَتَلَ شَعبُ تِلكَ الأَرضِ جَميعَ الَّذينَ تآمَروا على المَلِكِ آمون، وأَقاموا يوشِيَّا ٱبنَه مَلِكًا مَكانَه. كانَ يوشِيَّا ٱبنَ ثَماني سَنَواتٍ حينَ مَلَك، ومَلَكَ إِحدى وثَلاثينَ سَنَةً في أُورَشَليم. وصَنَعَ القَويمَ في عَينَيِ الرَّبّ، وسارَ على طُرُقِ داوُدَ أَبيه، ولم يَحِدْ عنها يَمنَةً ولا يَسرَةً. وفي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِن سِني مُلكِه، وهو لا يَزالُ فَتًى، أَخَذَ يَلتَمِسُ إِلٰهَ داوُدَ أَبيه. وفي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشرَةَ ٱبتَدَأَ يُطَهِّرُ يَهوذا وأُورَشَليمَ مِنَ المَشارِفِ والأَوتادِ المُقَدَّسَةِ والمَنْحوتاتِ والمَسْبوكات. فدَمَّروا أَمامَه مَذابِحَ البَعْل، مع مَذابِحَ البَخورِ الَّتي علَيها، وقَطَّعَ الأَوتادَ المَقَدَّسَة، وحَطَّمَ المَنْحوتاتِ والمَسْبوكات، وسَحَقَها وذَرَّاها على وَجهِ قُبورِ الَّذينَ كانوا يَذبَحونَ لَها. وأَحرَقَ عِظامَ الكَهَنَةِ على مَذابِحِهم فطَهَّرَ يَهوذا وأُورَشَليم. وفي مُدُنِ مَنَسَّى وأَفْرائيمَ وشِمْعونَ إِلى نَفْتالي فَتَّشَ بُيوتَهمُ الَّتي حَولَها، ودَمَّرَ المَذابِحَ والأَوتادَ المُقدَّسة، وسَحَقَ المَنْحوتاتِ غُبارًا، وكَسَّرَ جَميعَ مَذابِحِ البَخورِ مِن كُلِّ أَرضِ إِسْرائيل، ورَجَعَ إِلى أُورَشَليم. وفي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشرَةَ مِن مُلكِه، لَمَّا طَهَّرَ تِلكَ الأَرضَ والبَيت، أَرسَلَ شافانَ بنَ أَصَلْيا ومَعَسْيا، رَئيسَ المَدينَة، ويوآحَ بنَ يوآحازَ المُدَوِّنَ لِتَرْميمِ بَيتِ الرَّبِّ إِلٰهِه. فأَتَوا حِلقِيَّا عَظيمَ الكَهَنَة، وأَدَّوا إِلَيه الفِضَّةَ الَّتي أُتِيَ بِها إِلى بَيتِ الله، مِمَّا جَمَعَه اللاَّوِيُّون، حُرَّاسُ الأَعْتاب، مِن أَيدي مَنَسَّى وأَفْرائيمَ ومِن كُلِّ بَقِيَّةِ إِسْرائيلَ وكُلِّ يَهوذا وبَنْيامين، ورَجَعوا إِلى أُورَشَليم، وسَلَّموها إِلى أَيدي المُتَوَلِّينَ العَمَلَ المُوَكَّلينَ على بَيتِ الرَّبّ، فجَعَلَها صانِعو العَمَلِ في بَيتِ الرَّبِّ لِتَرْميمِ البَيتِ وتَمْكينِه. أَعطَوها لِلنَّجَّارينَ والبَنَّائينَ لِيَشتَروا حِجارَةً مَنحوتَةً وخَشَبًا لِلوَصْلِ ولِجُسورِ البُيوتِ الَّتي تَرَكَها مُلوكُ يَهوذا خَرابًا. وكانَ الرِّجالُ يَعمَلونَ العَمَلَ بِأَمانَة، والمُوَكَّلونَ علَيهم ياحَتُ وعوبَدْيا اللاَّوِيَّانِ مِن بَني مَراري وزَكَرِيَّا ومَشُلاَّمُ مِن بَني القَهاتِيِّين لأَجلِ المُناظَرَة، ومِنَ اللاَّوِيِّينَ كُلُّ ماهِرٍ بِآلاتِ الطَّرَب. وكانوا مُناظِرينَ على الحَمَّالينَ وعلى جَميعِ الَّذينَ كانوا يَعمَلونَ العَمَلَ في كُلٍّ مِنَ الخَدَمات. وكانَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ كَتَبَةٌ ومُدَوِّنونَ وبَوَّابون. ولَمَّا أَخرَجوا الفِضَّةَ الَّتي أُتِيَ بِها إِلى بَيتِ الرَّبّ، وَجَدَ حِلقِيَّا الكاهِنُ سِفرَ شَريعَةِ الرَّبِّ الَّذي بِيَدِ موسى فتَكَلَّمَ حِلقِيَّا وقالَ لِشافانَ الكاتِب: «إِنِّي وَجَدتُ سِفرَ الشَّريعَةِ في بَيتِ الرَّبّ». وسَلَّمَ حِلقِيَّا السِّفرَ إِلى شافان. فأَتى شافانُ بِالسِّفرِ إِلى المَلِكِ وعَرَضَ الأَمرَ أَيضًا على المَلِكِ وقال: «كُلُّ ما وُكِلَ إِلى عَبيدِكَ يَعمَلونَه، وقد دَفَعوا الفِضَّةَ الَّتي وُجِدَت في بَيتِ الرَّبّ وسَلَّموها إِلى أَيدي المُوَكَّلينَ والمُتَوَلِّينَ العَمَل». وأَخبَرَ شافانُ الكاتِبُ المَلِكَ وقال: «قد سَلَّمني حِلقِيَّا الكاهِنُ سِفرًا»، وقَرأَه شافانُ أَمامَ المَلِك. فلَمَّا سَمِعَ المَلِكُ كَلامَ الشَّريعَة، مَزَّقَ ثِيابَه، وأَمَرَ المَلِكُ حِلقِيَّا وأَحيقامَ بنَ شافانَ وعَبْدونَ بنَ ميخا وشافانَ الكاتِبَ وعَسايا، وَزيرَ المَلِك، وقال: «إِذهَبوا فٱستَشيروا الرَّبَّ لي ولِلْباقينَ في إِسْرائيلَ ويَهوذا في أَمرِ كَلامِ السِّفرِ الَّذي وُجِد، لأَنَّه عَظيمٌ غَضَبُ الرَّبِّ الَّذي ٱنصَبَّ علَينا، لأَنَّ آباءَنا لم يَحفَظوا كَلامَ الرَّبِّ فيَعمَلوا بِكُلِّ ما كُتِبَ في هٰذا السِّفْر». فذَهَبَ حِلقِيَّا ورِجالُ المَلِكِ إِلى حُلدَةَ النَّبِيَّة، اِمرَأَةِ شَلُّومَ بنِ تُقهَتَ بنِ حَسدَة، حافِظِ الثِّياب، وكانَت مُقيمَةً في أُورَشَليمَ في الحَيِّ الجَديد، وكَلَّموها في ذٰلك. فقالَت لَهم: «هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: قولوا لِلرَّجُلِ الَّذي أَرسَلَكم إِلَيَّ: هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنذا جالِبٌ شَرًّا على هٰذا المَكانِ وعلى سُكَّانِه، جَميعَ اللَّعَناتِ المَكْتوبَةِ في السِّفرِ الَّذي قُرِئَ أَمامَ مَلِكِ يَهوذا، لأَنَّهم تَرَكوني وأَحرَقوا البَخورَ لِآلِهَةٍ أُخْرى، لِإسْخاطي بِجَميعِ أَعْمالِ أَيديهم، فٱنصَبَّ غَضَبي على هٰذا المَكانِ ولن يَنطَفِئ. وأَمَّا مَلِكُ يَهوذا الَّذي أَرسَلَكم لِتَسأَلوا الرَّبّ، فهٰكَذا تَقولونَ لَه: هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، في أَمرِ الكَلامِ الَّذي سَمِعتَه: لأَنَّه قد رَقَّ قَلبُكَ وٱتَّضَعتَ أَمامَ اللهِ عِندَ سَماعِكَ كَلامَه على هٰذا المَكانِ وعلى سُكَّانِه، وٱتَّضَعتَ أَمامي، فمَزَّقتَ ثِيابَكَ وبَكَيتَ أَمامي، فأَنا أَيضًا قد سَمِعتُ، قالَ الرَّبّ. فهاءَنَذا أَضُمُّكَ إِلى آبائِكَ فتَلتَحِقُ بِقَبرِكَ بِسَلام، ولا تَرى عَيناكَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذي أَنا جالِبُه على هٰذا المَكانِ وعلى سُكَّانِه». فأَعادوا الكَلامَ على المَلِك. فأَرسَلَ المَلِكُ وجَمَعَ شُيوخَ يَهوذا وأُورَشَليمَ كافَّةً، وصَعِدَ المَلِكُ إِلى بَيتِ الرَّبّ، هو وجَميعُ رِجالِ يَهوذا وسُكَّانُ أُورَشَليمَ والكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ وكُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الكَبيرِ إِلى الصَّغير، فتَلا على مَسامِعِهم كُلَّ كَلامِ سِفرِ العَهدِ الَّذي وُجِدَ في بَيتِ الرَّبّ. وقامَ المَلِكُ على مِنبَرِه وقَطَعَ عَهدًا أَمامَ الرَّبِّ على أَنَّهم يَتَّبِعونَ الرَّبَّ ويَحفَظونَ وَصاياه وشَهادَتَه وفَرائِضَه بِكُلِّ قُلوبِهم وكُلِّ نُفوسِهم، لِيَعمَلوا بِكَلامِ العَهدِ المَكْتوبِ في هٰذا السِّفْر، وأَلزَمَ بِه جَميعَ الَّذينَ كانوا في أُورَشَليمَ وبَنْيامين. ففَعَلَ سُكَّانُ أُورَشَليمَ بِحَسَبِ عَهدِ الله، إِلٰهِ آبائِهم. وأَزالَ يوشِيَّا كُلَّ القَبائِحِ مِن جَميعِ بِلادِ بَني إِسْرائيل، وأَرغَمَ جَميعَ الَّذينَ وُجِدوا في إِسْرائيلَ على عِبادَةِ الرَّبِّ إِلٰهِهم، فلم يَحيدوا كُلَّ أَيَّامِه عنِ السَّيرِ وَراءَ الرَّبِّ، إِلٰهِ آبائِهم. وأَقامَ يوشِيَّا في أُورَشَليمَ فِصحًا لِلرَّبّ، وذَبَحوا الفِصحَ في الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ الأَوَّل. وأَعادَ الكَهَنَةَ إِلى وَظائِفهم وثَبَّتَهم على خِدمَةِ بَيتِ الرّبّ، وقالَ للاَّوِيِّينَ الَّذينَ كانوا يُعَلِّمونَ كُلَّ إِسْرائيلَ والَّذينَ كانوا مُقَدَّسينَ لِلرَّبّ: «ضعوا تابوتَ القُدسِ في البَيتِ الَّذي بَناه سُلَيمانُ بنُ داوُد، مَلِكُ إِسْرائيل، فلَم يَعُدِ التَّابوتُ حِملًا لأَكْتافِكم. والآنَ فٱخدِموا الرَّبَّ إِلٰهَكم وشَعبَه إِسْرائيل، وٱستَعِدُّوا، بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِكم وفِرَقِكم، كما رَسَمَ داوُد، مَلِكُ إِسْرائيل، وكما كَتَبَ سُلَيمانَ ٱبنُه، وقوموا في القُدسِ على حَسَبِ أَقْسامِ بُيوتِ آباءِ إِخوَتِكم بَني الشَّعْب، وأَقْسامِ بَيتِ أَبي اللاَّوِيِّين. وٱذبَحوا الفِصحَ وتَقَدَّسوا، وهَيِّئوه لإخوَتِكم لِيُقيموه بِحَسَبِ ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ موسى». وقَدَّمَ يوشِيَّا إِلى بَني الشَّعبِ غَنَمًا مِنَ الحُمْلانِ والجِداء، كُلَّ ذٰلك لِلفِصحِ لِجَميعِ المَوجودينَ، فكانَ عَدَدُها ثَلاثينَ أَلفًا، وقَدَّمَ أَيضًا ثَلاثَةَ آلافٍ مِنَ البَقَر: هٰذه مِن أَموالِ المَلِك. وقَدَّمَ الرُؤَساءُ تَقادِمَ طَوعِيَّةً لِلشَّعْبِ ولِلكَهَنَةِ واللاَّوِيِّين. فأَعطى حِلقِيَّا وزَكَرِيَّا ويَحيئيل، رُؤَساءُ بَيتِ الله، لِلكَهَنَةِ لأَجلِ الفِصْحِ، أَلفَينِ وسِتَّ مِئَةٍ مِنَ الغَنَمِ وثَلاثَ مِئَةٍ مِنَ البَقَر. وكونَنْيا وشَمَعْيا ونَتَنائيلُ أَخواه وحَشَبْيا ويَعيئيلُ ويوزاباد، رُؤَساءُ اللاَّوِيِّين، قَدَّموا لِلاَّوِيِّين، لأَجلِ الفِصحِ، خَمسَةَ آلافٍ مِنَ الغَنَمِ وخَمسَ مِئَةٍ مِنَ البَقَر. فنُظِّمَتِ الخِدمَةُ ووَقَفَ الكَهَنَةُ في مَواقِفِهم واللاَّوِيُّونَ في فِرَقِهم بِحَسَبِ أَمرِ المَلِك، وذَبَحوا الفِصحَ ورَشَّ الكَهَنَةُ الدَّمَ المأخوذَ مِن أَيدي اللاَّوِيِّين، وكانَ اللاَّوِيُّونَ يَسلُخون. وأَفرَدوا المُحرَقَةَ لِيُعطوا بَني الشَّعبِ بِحَسَبِ أَقامِ بُيوتِ الآباء، حتَّى يُقَرِّبوا لِلرَّبّ، كما كُتِبَ في سِفرِ موسى. وهٰكذا فَعَلوا بِالبَقَر. وشَوَوا الفِصحَ على النَّارِ بِحَسَبِ ما رُسِم. وأَمَّا الأَقْداسُ فطَبَخوها في القُدورِ والمَراجِلِ والطَّواجِن، وقَدَّموها بِسُرعَةٍ لِكُلِّ بَني الشَّعْب. وبَعدَ ذٰلك، هَيَّأُوا الفِصحَ لأَنفُسِهم ولِلكَهَنَة، لأَنَّ الكَهَنَةَ بَني هارونَ بَقوا يُصعِدونَ المُحرَقاتِ والشُّحومَ إِلى اللَّيل، ولِذٰلك هَيَّأَ اللاَّوِيُّونَ لأَنفُسِهم ولِلكَهَنَةِ بَني هارون. ووَقَفَ المُغَنُّونَ بَنو آسافَ في مَواقِفِهم بِحَسَبِ أَمرِ داوُدَ وآسافَ وهَيمانَ ويَدوتون، رائي المَلِك، والبَوَّابونَ عِندَ بابٍ فبابٍ لا يَبرَحونَ مِن خِدمَتِهم، لأَنَّ إِخوَتَهمُ اللاَّوِيِّينَ هَيَّأُوا لَهم كُلَّ شَيء. فنُظِّمَت خِدمَةُ الرَّبِّ كُلُّها في ذٰلك اليَومِ لإقامَةِ الفِصحِ ولإصْعادِ المُحرَقاتِ على مَذبَحِ الرَّبِّ بِحَسَبِ أَمرِ المَلِكِ يوشِيَّا. ومَن وُجِدَ مِن بَني إِسْرائيلَ أَقامَ الفِصحَ في ذٰلك الوَقتِ وعيدَ الفَطيرِ سَبعَةَ أَيَّام. ولم يُقَمْ فِصْحٌ مِثلُ هٰذا في إِسْرائيلَ مُنذُ أَيَّامِ صَموئيلَ النَّبِيِّ ولا أَقامَ جَميعُ مُلوكِ إِسْرائيلَ مِثْلَ هٰذا الفِصحِ الَّذي أَقامَه يوشِيَّا والكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ وكُلُّ يَهوذا ومَن وُجِدَ مِن إِسْرائيلَ وسُكَّانُ أُورَشَليم. وأُقيمَ هٰذا الفِصحُ في السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشرَةَ مِن مُلكِ يوشِيَّا. وبَعدَ هٰذا كُلِّه، لَمَّا هَيَّأَ يوشِيَّا البَيت، صَعِدَ نَكْوٌ، مَلِكُ مِصرَ، لِلقِتالِ في كَركَميشَ عِندَ الفُرات، فخَرَجَ يوشِيَّا لِمُلاقاتِه. فأَرسَلَ إِلَيه نَكْوٌ رُسُلًا يَقول: «ما لي ولكَ، يا مَلِكَ يَهوذا؟ أَنا لَستُ أَخرُجُ اليَومَ علَيكَ، بل على بَيتٍ آخَرَ أُحارِبُه، لأَنَّ اللهَ أَمَرَني أَن أُبادِر. فكُفَّ عن مُقاوَمَةِ اللهِ الَّذي معي لِئلاَّ يُهلِكَكَ». فلَم يُحَوِّلْ يوشِيَّا وَجهَه عنه، بل تَنَكَّرَ لِمُحارَبَتِه ولم يَسمَعْ لِكَلِماتِ نَكْوٍ عن فَمِ الله، وجاءَ لِلقِتالِ في سَهلِ مَجِدُّو. فرَمى الرُّماةُ نَحوَ المَلِكِ يوشِيَّا، فقالَ المَلِكُ لِرِجالِه: «أُنقُلوني، فإِنِّي قد أُثخِنتُ بِالجِراح». فنَقَلَه رِجالُه مِنَ المَركَبَة، ووَضَعوه في مَركَبَةٍ أُخْرى كانَت لَه، وجاؤُوا بِه إِلى أُورَشَليم، فماتَ ودُفِنَ في مَقابِرِ آبائِه. فناحَ كُلُّ يَهوذا وأُورَشَليمَ على يوشِيَّا. ورَثى إِرْمِيا يوشِيَّا، ونَدَبَ جَميعُ المُغَنِّينَ والمُغَنِّياتِ يوشِيَّا في مَراثيهِم إِلى هٰذا اليَوم، وجَعَلوها سُنَّةً في إِسْرائيل، وهي مَكْتوبَةٌ في المَراثي. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يوشِيَّا ومَبَرَّاتُه، على حَسَبِ ما كُتِبَ في شَريعَةِ الرَّبّ، وأَخْبارُه الأُولى والأَخيرَةُ مَكْتوبَةٌ في سِفرِ مُلوكِ إِسْرائيلَ ويَهوذا. فأَخَذَ شَعبُ تِلكَ الأَرضِ يوآحازَ بنَ يوشِيَّا وأَقامَه مَلِكًا مَكانَ أَبيه في أُورَشَليم. وكانَ يوآحازُ ٱبنَ ثَلاثٍ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ في أُورَشَليم. فعَزَلَه مَلِكُ مِصرَ في أُورَشَليم، وغَرَّمَ تِلكَ الأَرضَ مِئَةَ قِنْطارِ فِضَّةٍ وقِنْطارَ ذَهَب. وأَقامَ مَلِكُ مِصرَ أَلْياقيمَ أَخاه مَلِكًا على يَهوذا وأُورَشَليم، وغَيَّرَ ٱسمَه إِلى يوياقيم، وأَخَذَ نَكوٌ يوآحازَ أَخاه وأَتى بِه إِلى مِصْر. وكانَ يوياقيمُ ٱبنَ خَمسٍ وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ إِحدى عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم، وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ إِلٰهِه. فصَعِدَ علَيه نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، وأَوثَقَه بِسِلسِلَتَينِ مِن نُحاسٍ لِيَسوقَه إِلى بابِل. وأَخَذَ نَبوكَدنَصَّرُ آنِيَةً مِن بَيتِ الرَّبِّ إِلى بابِل، ووَضَعَها في هَيكَلِه في بابِل. وبَقِيَّةُ أَخْبارِ يوياقيمَ وقَبائِحُه الَّتي عَمِلَها وما أُخِذَ علَيه مَكْتوبَةٌ في سِفرِ مُلوكِ إِسْرائيلَ ويَهوذا. ومَلَكَ يوياكينُ ٱبنُه مَكانَه. وكانَ يوياكينُ ٱبنَ ثماني سَنَواتٍ حينَ مَلَك، ومَلَكَ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ وعَشرَةَ أَيَّامٍ في أُورَشَليم، وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ. وعِندَ مَدارِ السَّنَة، أَرسَلَ المَلِكُ نَبوكَدنَصَّر، فجاءَ بِه إِلى بابِل، مع نَفائِسِ آنِيَةِ بَيتِ الرَّبّ، وأَقامَ صِدقِيَّا أَخاه مَلِكًا على يَهوذا وأُورَشَليم. وكانَ صِدقِيَّا ٱبنَ إِحْدى وعِشْرينَ سَنَةً حينَ مَلَك، ومَلَكَ إِحْدى عَشرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ إِلٰهِه، ولم يَتَّضِعْ أَمامَ إِرمِيا النَّبِيِّ المُتَكَلِّمِ عن لِسانِ الرَّبّ. وتَمَرَّدَ أَيضًا على المَلِكِ نَبوكَدنَصَّرَ الَّذي كانَ قد حَلَّفَه بِالله، فصَلَّبَ عُنُقَه وقَسَّى قَلبَه عنِ الرُّجوعِ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل. وأَكثَرَ جَميعُ رُؤَساءِ الكَهَنَةِ والشَّعبُ مِنْ المُخالَفَة، بِحَسَبِ جَميعِ قَبائِحِ الأُمَم، ونَجَّسوا بَيتَ الرَّبِّ الَّذي قَدَّسَه في أُورَشَليم. فأَرسَلَ إِلَيهمِ الرَّبُّ، إِلٰهُ آبائِهم، رُسُلًا بِلا مَلل، لأَنَّه أَشفَقَ على شَعْبِه وعلى مَسكِنِه. فسَخِروا مِن رُسُلِ الله، وٱزدَرَوا كَلامَه وهَزِئوا مِن أَنبِيائِه، حتَّى ثارَ غَضَبُ الرَّبِّ على شَعْبِه، حتَّى لم يَبْقَ عِلاج. فأَصعَدَ الرَّبُّ علَيهم مَلِكَ الكَلْدانِيِّين، فقَتَلَ فِتْيانَهم بِالسَّيفِ في بَيتِ مَقدِسِهم، ولم يُشفِق على فَتًى أَو عَذْراء، ولا على شَيخٍ أَو أَشيَب، بل أَسلَمَ الجَميعَ إِلى يَدِه. وجَميعُ آنِيَةِ بَيتِ اللهِ، الكَبيرَةِ والصَّغيرة، وخَزائِنُ بَيتِ الرَّبِّ وخَزائِنُ المَلِكِ ورُؤَسائِه أَخَذَها بِأَسرِها إِلى بابِل. وأَحرَقوا بَيتَ الله، ودَمَّروا سورَ أُورَشَليم، وأَحرَقوا جَميعَ قُصورِها بِالنَّار، وأَتلَفوا كُلَّ نَفيسٍ مِن آنِيَتها. والَّذينَ نَجَوا مِنَ السَّيفِ جَلاهم إِلى بابِل، حَيثُ صاروا عَبيدًا لَه ولِبَنيه، حتَّى قامَت مَملَكَةُ فارِس. فتَمَّ ما تَكَلَّمَ بِه الرَّبُّ بِفَمِ إِرمِيا، حتَّى ٱستَوفَتِ الأَرضُ سُبوتَها، لأَنَّها تَعَطَّلَت كُلَّ أَيَّامِ خَرابِها إِلى ٱنقِضاءِ سَبعينَ سَنَة. وفي السَّنَةِ الأُولى لِقورُش، مَلِكِ فارِس، لِكَي يَتِمَّ ما تَكَلَّمَ بِه الرَّبُّ على لِسانِ إِرمِيا، نَبَّهَ الرَّبُّ روحَ قورُش، مَلِكِ فارِس، فأَطلَقَ نِداءً في مَملَكَتِه كُلِّها وكِتاباتٍ أَيضًا، قائِلًا: «هٰكذا قالَ قورُش، مَلِكُ فارِس: جَميعُ مَمالِكِ الأَرضِ قد أَعطانيها الرَّبُّ، إِلٰهُ السَّمَوات، وأَوكَلَ إِلَيَّ أَن أَبنِيَ لَه بَيتًا في أُورَشَليمَ الَّتي في يَهوذا. فمَن كانَ مِنكم مِن شَعبِه أَجمَع، فالرَّبُّ إِلٰهُه معَه، فليَصْعَدْ». وفي السَّنَةِ الأُولى لِقورُش، مَلِكِ فارِس، لِكَي يَتِمَّ ما تَكَلَّمَ بِه الرَّبُّ على لِسانِ إِرمِيا، أَثارَ الرَّبُّ روحَ قورُش، مَلِكِ فارِس، فأَطلَقَ نِداءً في مَملَكَتِه كُلِّها وكِتاباتٍ أَيضًا، قائِلًا: «هٰكذا قالَ قورُش، مَلِكُ فارِس: جَميعُ مَمالِكِ الأَرضِ قد أَعْطانيها الرَّبُّ، إِلٰهُ السَّمَوات، وأَوصاني بِأَن أَبنِيَ لَه بَيْتًا في أُورَشَليمَ الَّتي بِيَهوذا. فمَن كانَ مِنكُم مِن شَعبِه أَجمَع، فإِلٰهُه يَكونُ معَه، فليَصعَدْ إِلى أُورَشَليمَ الَّتي في يَهوذا ويَبْنِ بَيتَ الرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، وهو الإِلٰهُ الَّذي في أُورَشَليم. وكُلُّ مَن بَقِيَ في أَحَدِ الأَمكِنَةِ حَيثُ هو نَزيلٌ هُناكَ، فلْيَمُدَّه أَهلُ مَكانِه بِالفِضَّةِ والذَّهَبِ والمالِ والبَهائِم، فَضلًا عَمَّا يَتَبَرَّعونَ بِه لِبَيتِ اللهِ الَّذي في أُورَشَليم». فقامَ رُؤَساءُ آباءِ يَهوذا وبَنْيامينَ والكَهَنَةُ واللاَّوِيُّون، مع كُلِّ مَن أثارَ اللهُ روحَه، لِيَصعَدوا لِبِناءِ بَيتِ الرَّبِّ الَّذي في أُورَشَليم. وكُلُّ مَن كانوا حَولَهم أَمَدُّوهم بآنِيَةٍ مِنَ الفِضَّةِ وبِالذَّهِبِ والمالِ والبَهائِم وأَشْياءَ ثَمينَة، فَضلًا عن كُلِّ ما تَبَرَّعوا بِه. وأَخرَجَ المَلِكُ قورُشُ آنِيَةَ بَيتِ الرَّبِّ الَّتي كانَ نَبوكَدنَصَّرُ قد أَخرَجَها مِن أُورَشَليمَ ووَضَعَها في بَيتِ إِلٰهِه. أَخرَجَها قورُش، مَلِكُ فارِس، على يَدِ مِترَداتَ الخازِن، وعَدَّها لِشِشْبَصَّر، رَئيسِ يَهوذا. وهٰذا عَدَدُها: ثَلاثونَ طَستًا مِنَ الذَّهَب، وأَلفُ طَستٍ مِنَ الفِضَّة، وتِسعَةٌ وعِشْرونَ سِكِّينًا، وثَلاثونَ كأسًا مِنَ الذَّهَب، وأَلفُ كَأْسٍ مِنَ الفِضَّة، مِنها أَربَعُ مِئَةٍ وعِشْرَةٌ مِن الرُّتبَةِ الثَّانِيَة، وأَلفٌ مِن آنِيَةٍ أُخْرى. فمَجْموعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ خَمسَةُ آلافٍ وأَربَعُ مِئَةٍ، أَصعَدَها شِشْبَصَّرُ عِندَ إِصْعادِ أَهلِ الجَلاءِ مِن بابِلَ إِلى أُورَشَليم. وهٰؤُلاءِ بَنو الإِقْليمِ الَّذينَ صَعِدوا مِنَ الجَلاء، مِمَّن جَلاهم نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، إِلى بابِل، ورَجَعوا إِلى أُورَشَليمَ ويَهوذا، كُلُّ واحِدٍ إِلى مَدينَتِه، والَّذينَ جاؤُوا مع زَرُبَّابَل ويَشوعَ ونَحَمْيا وسَرايا ورَعَلْيا ومَرْدَكايَ وبِلْشانَ ومِسْفارَ وبِجْوايَ ورَحومَ وبَعْنَة. عَدَدُ رِجالِ شَعبِ إِسْرائيل: بَنو فَرْعوش: أَلْفانِ ومِئَةٌ وٱثْنانِ وسَبْعونَ، وبَنو شَفَطْيا: ثَلاثُ مِئَةٍ وٱثْنانِ وسَبْعون، وبَنو آرَح: سَبعُ مِئَةٍ وخَمسَةٌ وسَبْعون، وبَنو فَحَتَ موآبَ مِن بَني يَشوعَ ويوآب: أَلْفانِ وثَماني مِئَةٍ وٱثْنا عَشَر، وبَنو عَيْلام: أَلفٌ ومِئَتانِ وأَربَعَةٌ وخَمْسون، وبَنو زَتُّو: تِسعُ مِئَةٍ وخَمسَةٌ وأَربَعون، وبَنو زِكَّاي: سَبعُ مِئَةٍ وسِتُّون، وبَنو باني: سِتُّ مِئَةٍ وٱثْنانِ وأَربَعون، وبَنو بيباي: سِتُّ مِئَةٍ وثَلاثَةٌ وعِشْرون، وبَنو عَزْجاد: أَلفٌ ومِئَتانِ وٱثْنانِ وعِشْرون، وبَنو أَدونيقام: سِتُّ مِئَةٍ وسِتَّةٌ وسِتُّون، وبَنو بِجْواي: أَلفانِ وسِتَّةٌ وخَمْسون، وبَنو عادين: أَربَعُ مِئَةٍ وأَرْبَعَةٌ وخَمْسون، وبَنو آطيرَ لِحِزقِيَّا: ثَمانِيَةٌ وتِسْعون، وبَنو بيصاي: ثَلاثُ مِئَةٍ وثَلاثَةٌ وعِشْرون، وبَنو يورَة: مِئَةٌ وٱثنا عَشَر، وبَنو حَشوم: مِئَتانِ وثَلاثَةٌ وعِشْرون، وبَنو جِبَّار: خَمسَةٌ وتِسْعون، وبَنو بَيتَ لَحْم: مِئَةٌ وثَلاثَةٌ وعِشْرون، ورِجالُ نُطوفَة: سِتَّةٌ وخَمْسون، ورِجالُ عَناتوت: مِئَةٌ وثَمانِيَةٌ وعِشْرون، وبَنو عَزْموت: إِثنانِ وأَربَعون، وبَنو قِريَةَ يَعاريمَ وكَفيرَةَ وبَئيروت: سَبعُ مِئَةٍ وثَلاثونَ وأَربَعون، وبَنو الرَّامةِ وجَبْعَ: سِتُّ مِئَةٍ وواحِدٌ وعِشْرون، ورِجالُ مِكْماس: مِئَةٌ وٱثنانِ وعِشْرون، ورِجالُ بَيتَ إِيلَ والعَيّ: مِئَتانِ وثَلاثَةٌ وعِشْرون، وبَنو نَبو: إِثنانِ وخَمْسون، وبَنو مَجْبيش: مِئَةٌ وسِتَّةٌ وخَمْسون، وبَنو عَيلامَ الآخَر: أَلفٌ ومِئَتانِ وأَربَعَةٌ وخَمْسون، وبَنو حاريم: ثَلاثُ مِئَةٍ وعِشْرون، وبَنو لودٍ وحاديدَ وأُونو: سَبعُ مِئَةٍ وخَمسَةٌ وعِشْرون، وبَنو أَريحا: ثَلاثُ مِئَةٍ وخَمسَةٌ وأَربَعون، وبَنو سَناءَة: ثَلاثَةُ آلافٍ وسِتُّ مِئَةٍ وثَلاثون. وأَمَّا الكَهَنَة، فبَنو يَدَعْيا، أَي بَيتُ يَشوع: تِسعُ مِئَةٍ وثَلاثَةٌ وسَبْعون، وبَنو إِمِّير: أَلفٌ وٱثنانِ وخَمْسون، وبَنو فَشْحور: أَلفٌ ومِئَتانِ وسَبعَةٌ وأَربَعون، وبَنو حاريم: أَلفٌ وسَبعَةَ عَشَر. وأَمَّا اللاَّوِيُّون، فبَنو يَشوعَ وقَدْميئيلَ وبنُّوِي وهودَوْيا: أَربَعَةٌ وسَبْعون. والمُغَنُّونَ بَنو آساف: مِئَةٌ وثَمانِيَةٌ وعِشْرون. وبَنو البَوَّابين، بَنو شَلُّومَ وبَنو آطيرَ وبَنو طَلْمونَ وبَنو عَقُّوبَ وبَنو حَطيطا وبَنو شوبايَ: المَجْموعُ مِئَةٌ وتِسعَةٌ وثَلاثون. والنَّتينِيُّون: بَنو صيحا وبَنو حَسوفا وبَنو طَبَّاعوت. وبَنو قيروسَ وبَنو سيعَها وبَنو فادون وبَنو لَبانَة وبَنو حَجابَةَ وبَنو عَقُّوب وبَنو حاجابَ وبَنو شَمْلايَ وبَنو حانانَ وبَنو جِدِّيلَ وبَنو جاحَرَ وبَنو رآيا وبَنو رَصينَ وبَنو نَقودا وبَنو جَزَّامَ وبَنو عُزَّا وبَنو فاسيحَ وبَنو بيسايَ وبَنو أَسنَةَ وبَنو مَعونيمَ وبَنو نَفوسيمَ وبَنو بَقْبوقَ وبَنو حَقوفا وبَنو حَرْحور وبَنو بَصْلوتَ وبَنو مَحيدا وبَنو حَرْشا وبَنو بَرْقوسَ وبَنو سيسَرا وبَنو تامَح وبَنو نَصيحَ وبَنو حَطيفا. وبَنو عَبيدِ سُلَيْمان: بَنو سوطايَ وبَنو السُّوفارَتِ وبَنو فَرودا وبَنو يَعلَةَ وبَنو دَرْقونَ وبَنو جِدِّيلَ وبَنو شَفَطْيا وبَنو حَطِّيلَ وبَنو فوكارَتَ الصَّبائيمِ وبَنو آمي. فمَجْموعُ النَّتينِيِّينَ وبَني عَبيدِ سُلَيمان: ثَلاثُ مِئَةٍ وٱثنانِ وتِسْعون. وهٰؤُلاءِ الَّذينَ صَعِدوا مِن تَلِّ المِلْحِ وتَلِّ حَرْشا وكَروبَ وأَدَّانَ وإِمِّير، ولَم يَستَطيعوا أَن يُثبِتوا بُيوتَ آبائِهم ونَسْلَهم هل هو مِن إِسْرائيل: بَنو دَلايا وبَنو طوبِيَّا وبَنو نَقودا: سِتُّ مِئَةٍ وٱثنانِ وخَمْسون، ومِن بَني الكَهَنَة: بَنو حَبَيَّا وبَنو القوص وبَنو بَرزِلاَّيَ الَّذي ٱتَّخَذَ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ بَرزِلاَّيَ الجِلْعاديّ، فدُعِيَ بِٱسمِه. هٰؤُلاءِ بَحَثوا عن كِتابَةِ أَنْسابِهم فلم توجَد، ففُصِلوا عنِ الكَهَنوتِ لأَنَّهم أَنْجاس، وأَمَرَهُم التِّرْشاثا أَن لا يَأكُلوا مِن قُدسِ الأَقْداسِ إِلى أَن يَقومَ كاهِنٌ لِلأُوريمِ والتُّوميم. فيَكونُ مَجْموعُ الجَماعَةِ ٱثنَينِ وأَربَعينَ أَلفًا وثَلاثَ مِئَةٍ وسِتِّين، ما عَدا عَبيدَهم وإِماءَهم وهم سَبعَةُ آلافٍ وثَلاثُ مِئَةٍ وسَبعَةٌ وثَلاثون، ولَهم مِئَتانِ مِنَ المُغَنِّينَ والمُغَنِّيات. وخَيلُهم سَبعُ مِئَةٍ وسِتَّةٌ وثَلاثون، وبِغالَهم مِئَتانِ وخَمسَةٌ وأَربَعون، وجمالُهم أَربَعُ مِئَةٍ وخَمسَةٌ وثَلاثون، وحَميرُهم سِتَّةُ آلافٍ وسَبعُ مِئَةٍ وعِشْرون. وإِنَّ بَعضَ رُؤَساءِ الآباء، لَمَّا وَصَلوا إِلى بَيتِ الرَّبِّ الَّذي في أُورَشَليم، تَبَرَّعوا لِبَيتِ اللهِ لِيُعيدوا بِناءَه في مَكانِه. فأَعطَوا، على حَسَبِ وُسْعِهم، لِخَزينَةِ العَمَل، واحِدًا وسِتِّينَ أَلفَ دِرهَمٍ مِنَ الذَّهَب، وخَمسَةَ آلافِ مِنًا مِنَ الفِضَّة، ومِئَةَ قَميصٍ لِلكَهَنَة. فسَكَنَ الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ وبَعضٌ مِنَ الشَّعبِ والمُغَنُّونَ والبَوَّابونَ والنَّتينِيُّونَ في مُدُنِهم، وسائِرُ بَني إِسْرائيلَ في مُدُنِهم. ولَمَّا كانَ الشَّهْرُ السَّابِع، وبَنو إِسْرائيلَ في مُدُنِهم، اِجتَمَعَ الشَّعبُ كرَجُلٍ واحِدٍ إِلى أُورَشَليم. فقامَ يَشوعُ بنُ يوصاداقَ وإِخوَتُه الكَهَنَةُ وزَرُبَّابَلُ بنُ شَأَلْتيئيلَ وإِخوَتُه، وبَنَوا مَذبَحَ إِلٰهِ إِسْرائيلَ لِيُصعِدوا علَيه مُحْرَقاتٍ، كما كُتِبَ في شَريعَةِ موسى، رَجُلِ الله. وأَقاموا المَذبَحَ على قَواعِدِه، مع ما كانَ علَيهم مِنَ الذُّعْرِ مِن شُعوبِ الأَرض، وأَصعَدوا علَيه مُحرَقاتٍ لِلرَّبّ، مُحرَقاتِ الصَّباحِ والمَساء. وأَقاموا عيدَ الأَكْواخ، كما كُتِب، والمُحرَقَةَ اليَومِيَّةَ بِالعَدَدِ، على حَسَبِ ما رُسِم، أَمرَ كُلِّ يَومٍ في يَومِه، وبَعدَ ذٰلك أَقاموا المُحرَقَةَ الدَّائِمَةَ ومُحرَقاتِ رُؤُوسِ الشُّهورِ وجَميعِ أَعْيادِ الرَّبِّ المُقَدَّسَةِ وكُلِّ مَن تَبَرَّعَ لِلرَّبّ. مِنَ اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ السَّابِع، اِبْتَدَأُوا يُصعِدونَ مُحرَقاتٍ لِلرَّبّ، وهَيكَلُ الرَّبِّ لم يَكُنْ قد أُسِّس. وأَعطَوا فِضَّةً لِلنَّحَّاتينَ والنَّجَّارينَ وطَعامًا وشَرابًا وزَيتًا لِلصَّيدونِيِّينَ والصُّورِيِّين، لِيَأتوا بِخَشَبِ الأَرزِ مِن لُبْنانَ إِلى بَحرِ يافا، بِموجِبِ إِذنِ قورُش، مَلِكِ فارِس، لَهم. وفي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِن وُصولِهم إِلى بَيتِ اللهِ في أُورشَليمَ في الشَّهرِ الثَّاني، شَرَعَ زَرُبَّابَلُ بنُ شأَلْتيئيلَ ويَشوعُ بنُ يوصاداقَ وبَقِيَّةُ إِخوَتِهمِ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ وكُلُّ مَن قَدِمَ مِنَ الجَلاءِ إِلى أُورَشَليم، شَرَعوا في العَمَلِ وأَقاموا اللاَّوِيِّينَ، مِن سِنِّ عِشْرينَ سَنَةً فما فَوق، لِلإشْرافِ على عَمَلِ بَيتِ الرَّبّ. فقامَ يَشوعُ وبَنوه وإِخوَتُه وقَدْميئيلُ وبَنوه هودِيَّا كرَجُلٍ واحِدٍ للإشْرافِ على عامِلي العَمَلِ في بَيتِ الله، وبَنو حينادادَ وبَنوهم وإِخوَتُهمُ اللاَّوِيُّون. ولَمَّا أَسَّسَ البَنَّاؤُونَ هَيكَلَ الرَّبّ، قامَ الكَهَنَةُ في مَلابِسِهمِ، ومعَ الأَبْواقِ، واللاَّوِيُّونَ بَنو آسافَ بِالصُّنوج، لِيُسَبِّحوا الرَّبَّ بِحَسَبِ سُنَّةِ داوُد، مَلِكِ إِسْرائيل. ورَنَّموا بِالتَّسْبيحِ والحَمْدِ لِلرَّبِّ «فإِنَّه صالِح، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه» على إِسْرائيل، وهَتَفَ كُلُّ الشَّعبِ هُتافًا عَظيمًا، وهم يُسَبِّحونَ الرَّبَّ بِسَبَبِ تَأْسيسِ بَيتِ الرَّبّ. وإِنَّ كَثيرينَ مِنَ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ ورُؤَساءِ الآباءِ والشُّيوخِ الَّذينَ كانوا قد رَأَوا البَيتَ الأَوَّل، لَمَّا وُضِعَ أَساسُ هٰذا البَيتِ أَمامَ عُيونِهم، بَكَوا بِصَوتٍ عَظيم، وهَتَفَ كَثيرونَ بِالفَرَح، رافِعينَ أَصْواتَهم. فلم يَستَطِعْ أَحَدٌ أَن يُمَيِّزَ صَوتَ هُتافِ الفَرَحِ مِن صَوتِ بُكاءِ الشَّعْب، لأَنَّ الشَّعبَ كانَ يَهتِفُ هُتافًا عَظيمًا، حتَّى كانَ الصَّوتُ يُسمَعُ مِن بَعيد. وسَمِعَ أَعْداءُ يَهوذا وبَنْيامينَ بِأَنَّ بَني الجَلاءِ يَبْنونَ هَيكَلًا لِلرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، فأَقبَلوا على زَرُبَّابَلَ ورُؤَساءِ الآباءِ وقالوا لَهم: «نَحنُ نَبْني معَكم، لأَنَّنا نَلتَمِسُ إِلٰهَكم مِثلَكم، ونَحنُ نَذبَحُ لَه مِن أَيَّامِ أَسَرحَدُّون، مَلِكِ أَشُّور، الَّذي أَصعَدَنا إِلى هُنا». فقالَ لَهم زَرُبَّابَلُ ويَشوعُ وسائِرُ رُؤَساءِ آباءِ إِسْرائيل: «لَيسَ لَكم ولَنا أَن نَبنِيَ مَعًا بَيتًا لإلٰهِنا، بل نَحنُ نَبْني لِلرَّبِّ، إِلٰهِ إِسْرائيل، كما أَمَرَنا المَلِكُ قورُش، مَلِكُ فارِس». وكانَ شَعبُ تِلكَ الأَرضِ يُخمِدونَ هِمَّةَ شَعبِ يَهوذا ويُرعِبونَهم لِلكَفِّ عنِ البِناء، وٱستَأجَروا مُشيرينَ ضِدَّهم لإبْطالِ مَشْروعِهِم جَميعَ أَيَّامِ قورُش، مَلِكِ فارِس، إِلى أَن مَلَكَ دارِيوس، مَلِكُ فارِس. وفي مُلكِ أَحْشورُش، في أَوَّلِ مُلكِه، كَتَبوا شَكْوى على سُكَّانِ يَهوذا وأُورَشَليم. وفي أَيَّامِ أَرتَحْشَشْتا، كَتَبَ بِشْلامُ ومِتْرَداتُ وَطبْئيلُ وسائِرُ زُمَلائِهم إِلى أَرْتَحْشَشْتا، مَلِكِ فارِس. وكانَ خَطُّ الرِّسالَةِ بِالآرامِيَّة، ولُغَتُها الأَرامِيَّة. وكَتَبَ رَحومُ الحاكِمُ وشِمْشايُ الكاتِبُ رِسالَةً على أُورَشَليمَ إِلى أَرْتَحْشَشْتا المَلِكِ، هٰذا نَصُّها: «مِن رَحومَ الحاكِمِ وشِمْشايَ الكاتِبِ وسائِرِ زُمَلائِها القُضاةِ والسُّفَراءِ والمُوَظَّفينَ الفُرْسِ والأَركَوِيِّينَ والبابِلِيِّينَ والشُّوشَنكِيِّين - أَيِ العَيلامِيِّين - وسائِرِ الأُمَمِ الَّتي جَلاها أَسنَفَّرُ العَظيمُ الجَليل، وجَعَلَها في مُدُنِ السَّامِرَة، وبَقِيَّةِ الَّذينَ في عِبرِ النَّهر، أَمَّا بَعْد: هٰذه نُسخَةُ الرِّسالَةِ الَّتي بَعَثوا بِها: «إِلى أَرتَحْشَشْتا المَلِك، مِن عَبيدِكَ القَومِ الَّذينَ في عِبرِ النَّهْر. أَمَّا بَعْد. لِيَكُنْ مَعْلومًا لَدى المَلِكِ أَنَّ اليَهودَ الَّذينَ صَعِدوا مِن عِندِكَ إِلَينا وأَتَوا إِلى أُورَشَليم، ويَبْنونَ المَدينَةَ المُتَمَرِّدَةَ الشِّرِّيرَة، ويُرَمِّمونَ أَسْوارًا، بَعدَ أَن أَحاطوا أَساسَها بِسور. لِيَكُنْ مَعْلومًا لَدى المَلِكِ أَنَّه، إِن بُنِيَت هٰذه المَدينَةُ ورُمِّمَت أَسْوارُها، لا يُؤَدُّونَ الخَراجَ ولا الجِزْيَةَ ولا الضَّريبَة، فيَلحَقُ ضَرَرٌ بِدَخْلِ المُلوك. وحَيثُ إِنَّنا نَأْكُلُ مِلحَ القَصْر، لا يَليقُ بِنا أَن نَرى إِهانَةً تُوَجِّهُ إِلى المَلِك، فأَرسَلْنا وأَعلَمْنا المَلِك، لِيُبْحَثَ في كِتابِ ذِكْرَياتِ آبائِكَ فتَجِدَ في كِتابِ الذِّكْرياتِ وتَعلَمَ أَنَّ هٰذه المَدينَةَ مَدينَةٌ مُتَمَرِّدَةٌ مُسيئَةٌ إِلى المُلوكِ والأَقاليم، وأَنَّهم قد أَثاروا فيها فِتَنًا في قَديمِ الزَّمان، ولِذٰلِكَ خَرِبَت هٰذه المَدينَة. ونُعلِمُ المَلِكَ أَنَّه، إِن أُعيدَ بِناءُ هٰذه المَدينَةِ ورُمِّمَت أَسْوارُها، لا يَكونُ لَكَ نَصيبٌ في عِبرِ النَّهْرِ هٰذا». فأَرسَلَ المَلِكُ الجَوابَ يَقول: «إِلى رَحومَ الحاكِمِ وشِمْشايَ الكاتِبِ وسائِرِ زُمَلائِهما السَّاكِنينَ في السَّامِرَةِ وسائِرِ الَّذينَ في عِبرِ النَّهْر، سَلام. أَمَّا بَعْد، فإِنَّ الرِّسالَةَ الَّتي بَعَثتُم بِها إِلَينا قد قُرِئَت أَمامَنا في تَرجَمَتِها. وقد أَمَرتُ فبُحِثَ ووُجِدَ أَنَّ هٰذه المَدينَةَ مِن قَديمِ الزَّمانِ قامَت على المُلوك، وكانَ فيها تَمَرُّدٌ وفِتنَة. وقد كانَ على أُورَشَليمَ مُلوكٌ أَقوِياءُ تَسَلَّطوا على كُلِّ عِبرِ النَّهْر، وأُدِّيَ لَهمُ الخَراجُ والجِزيَةُ والضَّريبَة. فالآنَ أَصدِروا أَمرًا بِكَفِّ هٰؤُلاءِ الرِّجال، فلا تُبْنى هٰذه المَدينَة، حتَّى يَصدُرَ أَمرٌ مِنِّي. وٱحذَروا أَن تَتَهاوَنوا في تَنْفيذِ هٰذا، لِئَلاَّ يَتَفاقَمَ الشَّرُّ لأَذى المُلوك». فلَمَّا تُلِيَت نُسخَةُ رِسالَةِ المَلِكِ أَرتَحْشَشْتا أَمامَ رحومَ وشِمْشايَ الكاتِبِ وزُمَلائِهما، بادَروا في الذَّهابِ إِلى أُورَشَليمَ إِلى اليَهود، وكَفُّوهم بِالعُنْفِ والقُوَّة. فتَعَطَّلَ عَمَلُ بَيتِ اللهِ الَّذي في أُورَشَليم، وبَقِيَ مُتَوَقِّفًا إِلى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِن مُلكِ دارِيوس، مَلكِ فارِس. فتَنَبَّأَ حَجَّايُ النَّبِيُّ وزَكَرِيَّا بنُ عِدُّوَ النَّبِيُّ لِليَهودِ الَّذينَ في يَهوذا وأُورَشَليم، بِٱسمِ إِلٰهِ إِسْرائيلَ الَّذي علَيهم. فقامَ حينَئِذٍ زَرُبَّابَلُ بنُ شألْتيئيلَ ويَشوعُ بنُ يوصاداق، وشَرَعا في بِناءِ بَيتِ اللهِ الَّذي في أُورَشَليم، ومعَهما أَنبِياءُ اللهِ يُعاوِنونَهما. حينَئِذٍ جاءَهم تَتْنايُ، والي عِبرِ النَّهْر، وشَتَرَبُزْنايُ وزُمَلاؤُهما وسَأَلوهما: «مَن أَذِنَ لَكم في بِناءِ هٰذا البَيتِ وتَرْميمِ هٰذه الخَشَبِيَّة؟». فسأَلوهم عن أَسْمَاءِ الرِّجالِ القائِمينَ بِهٰذا البِناء. وكانَت على شُيوخِ اليَهودِ عَينُ إِلٰهِهم، فلَم يَكُفُّوهم، رَيثَما يَرفَعونَ الأَمرَ إِلى دارِيوس ويأتِي على ذٰلك. ونُسخَةُ الرِّسالَةِ الَّتي بَعَثَ بِها تَتْنايُ، والي عِبرِ النَّهْر، وشَتَرَبُزْنايُ وزُمَلاؤُه والسُّفَراءُ الَّذينَ في عِبرِ النَّهرِ إِلى دارِيوسَ المَلِك بَعَثوا إِلَيه بِبَيانٍ هٰذا نَصُّه: «إِلى دارِيوسَ المَلِكِ كامِلُ السَّلام. لِيَكُنْ مَعْلومًا لَدى المَلِكِ أَنَّنا ٱنطَلَقْنا إِلى بِلادِ يَهوذا، إِلى بَيتِ اللهِ العَظيمِ الَّذي يُبْنى بِحِجارَةٍ ضَخمَة، وقد وُضِعَ الخَشَبُ في الأَسْوار، والعَمَلُ مُعَجَّلٌ فيه، وهو يَتَقَدَّمُ على أَيديهم. حينَئِذٍ سأَلْنا أُولٰئِكَ الشُّيوخَ وقُلْنا لَهم: مَنِ الَّذي أَذِنَ لَكم في بِناءِ هٰذا البَيتِ وتَرْميمِ هٰذه الخَشَبِيَّة؟ وسَأَلْنا عن أَسْمائِهم لِنُعلِمَكَ ونَكتُبَ أَسْماءَ الرِّجالِ الَّذينَ هم رُؤَساؤُهم. فأَجابوا بِهٰذا الكلامِ قائلين: نَحنُ عَبيدُ إِلٰهِ السَّمَواتِ والأَرض، وإِنَّنا نُعيدُ بِناءَ البَيتِ الَّذي بُنِيَ مِن قَبلُ مِن سِنينَ كَثيرة، والَّذي بَناه مَلِكٌ عَظيمٌ لإسرائيلَ وأَنجَزَه. ولٰكِن، بَعدَ أَنْ أَسخَطَ آباؤُنا إِلٰهَ السَّمَوات، أَسلَمَهم إِلى يَدِ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِلَ، الكَلْدانِيِّ الَّذي هَدَمَ هٰذا البَيتَ وجَلا الشَّعبَ إِلى بابِل. وفي السَّنَةِ الأُولى لِقورُش، مَلِكِ بابِل، أَصدَرَ المَلِكُ قُورُشُ أَمرًا بِبِناءِ بَيتِ اللهِ هٰذا. وآنِيَةُ بَيتِ اللهِ الذَّهَبُ والفِضَّةُ الَّتي أَخرَجَها نَبوكَدنَصَّرُ مِنَ الهَيكَلِ الَّذي في أُورَشَليمَ وأَدخَلَها هَيكَلَ بابِل، أَخرَجَها قورُشُ المَلِكُ مِن هَيكَلِ بابِل، وسُلِّمَت إِلى المُسَمَّى بِشِشْبَصَّرَ الَّذي كانَ قد أَقامَه والِيًا، وقالَ لَه: خُذْ هٰذه الآنِيَةَ وٱذْهَبْ وٱنزِلْ بِها إِلى الهَيكَلِ الَّذي في أُورَشَليم، ولْيُعَدْ بِناءُ بَيتِ اللهِ في مَكانِه. حينَئِذٍ جاءَ شِشْبَصَّرُ هٰذا ووَضَعَ أَساسَ بَيتِ اللهِ الَّذي في أُورَشَليم. ومِن ذٰلك الوَقتِ إِلى الآنَ كانَ يُبْنى ولَم يُكمَلْ بَعْد. فالآن، إِن حَسُنَ عِندَ المَلِك، فلْيُبْحَثْ في بَيتِ خَزائِنِ المَلِكِ، الَّذي هُناكَ في بابِل، هل أُصدِرَ أَمرٌ من قورُشَ المَلِكِ بإِعادَةِ بِناءِ بَيتِ اللهِ هٰذا في أُورَشَليم، ولْيُبَلِّغْنا المَلِكُ إِرادَتَه في ذٰلك». حينَئِذٍ أَصدَرَ دارِيوسُ المَلِكُ أَمرًا، فبُحِثَ في بَيتِ الخَزائِنِ حَيثُ كانَتِ المَحْفوظاتُ مَوضوعَةً في بابِل. فوُجِدَ في أَحْمَتا، في القَصْرِ الَّذي في بِلادِ ميدِيا، سِفرٌ مَكْتوبٌ فيه هٰكذا: مُذَكِّرة: في السَّنَةِ الأُولى لِقورُشَ المَلِك، أَصدَرَ قورُشُ المَلِكُ أَمرًا في حَقِّ بَيتِ اللهِ في أُورَشَليم، أَن يُعادَ بِناءُ البَيتِ مَكانًا تُذبَحُ فيه ذَبائح، ولْيُبقَ على أُسُسِه. يَكونُ عُلُوُّه سِتِّينَ ذِراعًا وعَرضُه سِتُّونَ ذِراعًا، وتكونُ لَه ثَلاثَةُ صُفوفٍ مِن حِجارَةٍ ضَخمَة، وصَفٌّ واحِدٌ مِن خَشَب، والنَّفَقَةُ على بَيتِ المَلِك. ولْتُرَدَّ أَيضًا آنِيَةُ بَيتِ اللهِ الذَّهَبُ والفِضَّةُ الَّتي أَخرَجَها نَبوكَدنَصَّرُ مِنَ الهَيكَلِ الَّذي في أُورَشَليم وذَهَبَ بِها إلى بابِل، تُرَدَّ وتُرجَعْ إِلى الهَيْكَلِ الَّذي في أُورَشَليمَ إِلى مَكانِها، وتوضَعْ في بَيتِ الله. فالآن، يا تَتْناي، والي عِبرِ النَّهْر، وشَتَرَبُزْنايُ وزُمَلاءَهما، السُّفَراءَ الَّذينَ في عِبرِ النَّهْر، اِبتَعِدوا مِن هُناك. دَعوا والِيَ اليَهودِ وشُيوخَ اليَهودِ يَعمَلون، ولْيُبْنَ بَيتُ اللهِ هٰذا في مَكانِه. وقد صَدَرَ أَمرٌ مِنِّي بِما ستَعمَلونَ مع شُيوخِ اليَهودِهٰؤُلاءِ في بِناءِ بَيتِ اللهِ هٰذا. إِنَّه مِن مالِ المَلِك، مِن خَراجِ عِبرِ النَّهر، تُعْطى النَّفَقَةُ كامِلَةً لِهٰؤُلاءِ الرِّجالِ لِئَلاَّ يَتَعَطَّلوا. وما يَحْتاجونَ إِلَيه مِنَ العُجولِ والكِباشِ والحُمْلانِ لِمُحرَقاتِ إِلٰهِ السَّمَواتِ ومِنَ الحِنطَةِ والمِلحِ والخَمرِ والزَّيت، بِحَسَبِ قَولِ الكَهَنَةِ الَّذينَ في أُورَشَليم، فليُعْطَ لَهم يَومًا فيَومًا بِلا تَقْصير، لِيُقَرِّبوا ذَبائِحَ رائِحَةِ رِضًى لإلٰهِ السَّمَوات، ويُصَلُّوا لأَجلِ حَياةِ المَلِكِ وبَنيه. وقَد أَصدَرتُ أَمرًا أَنَّ كُلَّ مَن يُخالِفُ هٰذا الأَمرَ تُقلَعُ عارِضَةٌ مِن بَيتِه وتُنصَبُ ويُعَلَّقُ علَيها مَصْلوبًا، ويَكونُ بَيتُه بِسَبَبِ ذٰلك مَوحِلًا. واللهُ الَّذي أَحَلَّ ٱسمَه هُناكَ يُدَمِّرُ كُلَّ مَلِكٍ وشَعبٍ يَمُدُّ يَدَه لِلتَّعَدِّي على هٰذا الأَمرِ وهَدْمِ بَيتِ اللهِ هٰذا الَّذي في أُورَشَليم. أَنا دارِيوسَ قد أَمَرتُ، فلْيُنَفَّذْ تَمامًا». ففَعَلَ تَتْناي، والي عِبرِ النَّهْر، وشَتَرَبُزْنايُ وزُمَلاؤُهما تَمامًا بِحَسَبِ ما أَرسَلَ دارِيوسُ المَلِك. وبَنى شُيوخُ اليَهودِ ونَجَحوا، بِفَضلِ نُبُوَّةِ حَجَّايَ النَّبِيِّ وزَكَرِيَّا بنِ عِدُّو، وأَكمَلوا البِناءَ على حَسَبِ أَمرِ إِلٰهِ إِسْرائيلَ وأَمرِ قورُشَ ودارِيوسَ وأَرتَحْشَشْتا، مُلوكِ فارِس. فأُنجِزَ هٰذا البَيتُ في اليَومِ الثَّالِثِ والعِشْرينَ مِن شَهرِ آذار، مِن السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِن مُلكِ دارِيوسَ المَلِك. ودَشَّنَ بَنو إِسْرائيلَ، الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ وسائِرُ بَني الجَلاءِ، بَيتَ اللهِ هٰذا بِفَرَح. وقَرَّبوا، عِندَ تَدْشينِ بَيتِ اللهِ هٰذا، مِئَةَ ثَورٍ ومِئَتَي كَبشٍ وأَربَعَ مِئَةِ حَمَلٍ وتُيوسَ ذَبيحَةِ خَطيئَةٍ عن كُلِّ إِسْرائيل، اِثْنَي عَشَرَ تَيسًا، على عَدَدِ أَسْباطِ إِسْرائيل. وأَقاموا الكَهَنَةَ في فِرَقِهم واللاَّوِيِّينَ في أَقْسامِهم على خِدمَةِ اللهِ الَّتي في أُورَشَليم، كما كُتِبَ في سِفرِ موسى. وأَقامَ بَنو الجَلاءِ الفِصحَ في الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ الأَوَّل. ولأَنَّ بَني الجَلاءِ لم يَتَطَهَّروا جَميعًا، تَطَهَّرَ اللاَّوِيُّونَ كَرَجُلٍ واحِدٍ وذَبَحوا الفِصحَ لِجَميعِ بَني الجَلاءِ ولإخوَتِهِمِ الكَهَنَةِ ولأَنفُسِهم. فأَكَلَه بَنو إِسْرائيلَ الَّذينَ رَجَعوا مِنَ الجَلاءِ وكُلُّ مَنِ ٱنضَمَّ إِلَيهم وأَعرَضَ عن نَجاسَةِ أُمَمِ الأَرضِ، لِٱلتِماسِ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل. وأَقاموا عيدَ الفَطيرِ سَبعَةَ أَيَّامٍ بِفَرَح، لأَنَّ الرَّبَّ فَرَّحَهم وأَمالَ قَلبَ مَلِكِ أَشُّورَ إِلَيهم، لِيُشَدِّدَ أَيدِيَهم في عَمَلِ بَيتِ اللهِ، إِلٰهِ إِسْرائيل. وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداث، على عَهْدِ أَرْتَحْشَشْتا، مَلِكِ فارِس، أَنَّ عَزْرا بنَ سرايا بنِ عَزَرْيا بنِ حِلقِيَّا بنِ شَلُّومَ بنِ صادوقَ بنِ أَحيطوبَ بنِ أَمَرْيا بنِ عَزَرْيا بنِ مَرايوتَ بنِ زَرَحْيا بنِ عُزِّي بنِ بُقِّي بنِ أَبيشوعَ بنِ فِنْحاسَ بنِ أَلِعازارَ بنِ هارونَ عَظيمِ الكَهَنَة، صَعِدَ عَزْرا هٰذا مِن بابِل، وهو كاتِبٌ ماهِرٌ في شَريعَةِ موسى الَّتي أَعْطاها الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، فلَبَّى المَلِكُ كُلَّ ما طَلَبَه، لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ إِلٰهِه كانَت علَيه. وصَعِدَ قَومٌ مِن بَني إِسْرائيلَ ومِنَ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ والمُغَنِّينَ والبَوَّابينَ والنَّتينِيِّينَ إِلى أُورَشَليم، في السَّنَةِ السَّابِعَةِ لأَرْتَحْشَشْتا المَلِك. فوَصَلَ عَزْرا إِلى أُورَشَليمَ في الشَّهرِ الخامِس، في السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِلمَلِك، لأَنَّه في أَوَّلِ يَومٍ مِنَ الشَّهرِ الأَوَّل، كانَ بَدءُ الصُّعودِ مِن بابِل، وفي أَوَّلِ يَومٍ مِنَ الشَّهرِ الخامِس، وَصَلَ إِلى أُورَشَليم، لأَنَّ يَدَ اللهِ الصَّالِحَةَ كانَت علَيه، لأَنَّ عَزْرا وَجَّه قَلبَه لِدَرسِ شَريعَةِ الرَّبِّ والعَمَلِ بِها، ولِيُعَلِّمَ في إِسْرائيلَ الفَرائِضَ والأَحْكام. وهٰذه نُسخَةُ الرِّسالَةِ الَّتي أَعْطاها المَلِكُ أَرْتَحْشَشْتا لِعَزْرا الكاهِنِ الكاتِب، كاتِبِ كَلِماتِ وَصايا الرَّبِّ وفَرائِضَه لإسْرائيل: «مِن أَرْتَحْشَشْتا، مَلِكِ المُلوك، إِلى عَزْرا الكاهِن، كاتِبِ شَريعَةِ إِلٰهِ السَّماء، سَلامٌ كامِل، أَمَّا بَعد. إِنِّي أَصدَرتُ أَمرًا أَنَّ كُلَّ مَن شاءَ في مَملَكَتي، مِن شَعبِ إِسْرائيلَ وكَهَنَتِه واللاَّوِيِّين، أَن يَرجِعَ إِلى أُورَشَليمَ معَكَ، فليَرْجِعْ، لأَنَّكَ قد أُرسِلتَ مِن عِندِ المَلِكِ ومُشيريه السَّبعَة، لِتَتَفَقَّدَ يَهوذا وأُورشَليمَ على حَسَبِ شَريعَةِ إِلٰهِكَ الَّتي بِيَدِكَ وتَأخُذَ الفِضَّةَ والذَّهَبَ اللَّذَينِ تَبَرَّعَ بِهِما المَلِكُ ومُشيروه لإلٰهِ إِسْرائيلَ الَّذي مَسكِنُه في أُورَشَليم، وكُلَّ ما تَجِدُه مِنَ الفِضَّةِ والذَّهَبِ في بِلادِ بابِلَ كُلِّها، مع تَبَرُّعاتِ الشَّعبِ والكَهَنَةِ المُتَبَرِّعينَ لِبَيتِ إِلٰهِهِمِ الَّذي في أُورَشَليم، لِتَشتَرِيَ عاجِلًا بِهٰذِه الفِضَّةِ ثيرانًا وكِباشًا وحُمْلانًا، مع تَقادِمِها وسُكُبِها، وتُقَرِّبَها على مَذبَحِ بَيتِ إِلٰهِكُمُ الَّذي في أُورَشَليم. وكُلُّ ما حَسُنَ عِندَكَ وعِندَ إِخْوانِكَ أَن تَعمَلوه بِما يَفضُلُ مِنَ الفِضَّةِ والذَّهَب، فٱعمَلوه بِحَسَبِ مَشيئَةِ إِلٰهِكم. والآنِيَةُ الَّتي أُعطِيَت لَكَ لِخِدمَةِ بَيتِ إِلٰهِكَ ضَعْها أَمامَ إِلٰهِ أُورَشَليم. وسائِرُ ما يُحْتاجُ إِلَيه في بَيتِ إِلٰهِكَ مِمَّا يَجِبُ علَيكَ أَن تُؤَدِّيَه فأَدِّه مِن بَيتِ خَزائِنِ المَلِك. وأَنا أَرتَحْشَشْتا المَلِكُ قد أَصدَرتُ أَمرًا لِجَميعِ الخُزَّانِ الَّذينَ في عِبرِ النَّهرِ أَن «مَهْما يَطلُبْه مِنكم عَزْرا الكاهِن، كاتِبُ شَريعَةِ إِلٰهِ السَّمَوات، فلْيُقْضَ عاجِلًا إِلى مِئَةِ قِنْطارِ فِضَّةٍ ومِئَةِ كُرِّ قَمْحٍ ومِئَةِ بَثِّ خَمْرٍ ومِئَةِ بَثِّ زَيت، والمِلحُ دونَ تَقْييد. وكُلُّ ما يَأْمُرُ بِه إِلٰهُ السَّمَوات، فلْيُقضَ بِدِقَّةٍ لِبَيتِ إِلٰهِ السَّمَوات، لِكَي لا يَكونَ الغَضَبُ على مَملَكَةِ المَلِكِ وبَنيه. ونُعلِمُكم أَنَّ جَميعَ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ والمُغَنِّينَ والبَوَّابينَ والنّتينِيِّينَ وخُدَّامِ بَيتِ اللهِ هٰذا لا يُؤذَنُ أَن يُضرَبَ علَيهم خَراجٌ ولا جِزيَةٌ ولا ضَريبَة». وأَنتَ يا عَزْرا، بِحَسَبِ حِكمَةِ إِلٰهِكَ الَّتي مَعَكَ، أَقِمْ قُضاةً وحُكَّامًا يَقْضونَ بَينَ كُلِّ الشَّعبِ الَّذي في عِبرِ النَّهْرِ، مِن كُلِّ مَن يَعرِفُ شَريعَةَ إِلٰهِكَ، ومَن لا يَعرِفُها فعَلِّموه إِيَّاها. وكُلُّ مَن لا يَعمَلُ بِشَريعَةِ إِلٰهِكَ وشَريعَةِ المَلِك، فلْيُحْكَمْ علَيه حُكمًا شَديدًا إِمَّا بِالمَوتِ أَو بِالنَّفيِ أَو بِغَرامَةِ مالٍ أَو بالحَبْس. فتَبارَكَ الرَّبُّ، إِلٰهُ آبائِنا، الَّذي أَلْقى مِثلَ هٰذا في قَلبِ المَلِكِ لِتَكْريمِ بَيتِ الرَّبِّ الَّذي في أُورَشَليم، وأَمالَ علَيَّ الرَّحمَةَ أَمامَ المَلِكِ ومُشيريه وجَميعِ رُؤَساءِ المَلِكِ المُقتَدرِين. فتَشَدَّدتُ، لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ إِلٰهي كانَت علَيَّ، وجَمَعتُ مِن إِسْرائيلَ رُؤَساءَ لِيَصعَدوا معي. وهٰؤُلاءِ رُؤَساءُ الآباءِ ونَسَبُ الَّذينَ صَعِدوا معي مِن بابِل، على عَهدِ أَرتَحْشَشْتا المَلِك: مِن بَني فِنْحاسَ جِرْشوم، ومِن بَني إيتامارَ دانِيال، ومِن بَني داوُدَ حَطُّوش، ومِن بَني شَكَنْيا: مِن بَني فَرْعوشَ زَكَرِيَّا، وقَدِ ٱنتَسَبَ معَه مِنَ الذُّكورِ مِئَةٌ وخَمْسون، ومِن بَني فَحَتَ موآبَ أَلْيوعَينايُ بنُ زَرَحْيا ومعَه مِئَتا ذَكَر، ومِن بَني زَتُّو شَكَنْيا ٱبنُ يَحْزيئيل، ومعَه ثَلاثُ مِئَةِ ذَكَر، ومِن بَني عادينَ عابَدُ بنُ يوناتان، ومعَه خَمْسونَ ذَكَرًا، ومِن بَني عَيلامَ أَشَعْيا بنُ عَتَلْيا، ومعَه سَبْعونَ ذَكَرًا، ومِن بَني شَفَطْيا زَبَدْيا بنُ ميكائيل، ومعَه ثَمانونَ ذَكَرًا، ومِن بَني يوآبَ عوبَدْيا بنُ يَحيئيل، ومعَه مِئَتانِ وثَمانِيَةَ عَشَرَ ذَكَرًا، ومِن بَني باني شلوميتُ ٱبنُ يوسِفْيا، ومعَه مِئَةٌ وسِتُّونَ ذَكَرًا، ومِن بَني بابايَ زَكَرِيَّا بنُ باباي، ومعَه ثَمانِيَةٌ وعِشْرونَ ذَكَرًا، ومِن بَني عَزْجادَ يوحانانُ ابنُ أَلقاطان، ومعَه مِئَةٌ وعَشرَةُ ذُكور، ومِن بَني أَدونيقامَ الأَواخِر، وهٰذه أَسْماؤُهم: أَليفالَطُ ويَعيئيلُ وشَمَعْيا، ومعَهم سِتُّونَ ذَكَرًا، ومِن بَني بِجْوايَ عوتايُ وزَكُّور، ومعَهما سَبْعونَ ذَكَرًا. فجَمَعتُهم إِلى النَّهرِ الجاري إِلى أَهْوى، وهُناكَ خَيَّمْنا ثَلاثَةَ أَيَّام. ثُمَّ لَمَحتُ هُناكَ أُناسًا مِنَ الشَّعبِ والكَهَنَة، ولَم أَجِدْ أَحَدًا مِن بني لاوي. فٱستَدعَيتُ أَليعازَرَ وأَريئيلَ وشَمَعْيا وأَلْناتانَ وياريبَ وأَلناتانَ وناتانَ وزَكَرِيَّا ومَشُلاَّمَ الرُّؤَساءَ ويوياريتَ وأَلْناتانَ الحُكَماء. وأَرسَلتُهم إِلى إِدُّوَ الرَّئيس، في المَكانِ المُسَمَّى كَسِفْيا، وأَلقَيتُ في أَفْواهِهم كَلامًا يُخاطِبونَ بِه إِدُّوَ وإِخوَتَه المُكَلَّفينَ بِمَعبَدِ كَسِفْيا، ليُحضِروا إِلَينا خُدَّامًا لِبَيتِ إِلٰهِنا. فأَتَونا، لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ الصَّالِحَةَ كانَت علَينا، بِرَجُلٍ ذي فَهمٍ مِن بَني مَحْلي بنِ لاوِيَ بنِ إِسْرائيلَ وبِشَرَبْيا مع بَنيه وإِخوَتِه، وكانوا ثَمانِيَةَ عَشَر، وحَشَبْيا ومعَه أَشَعْيا مِن بني مَراري وإِخوَتُه وبَنوهم، وكانوا عِشْرين، ومِنَ النَّتينِيِّينَ الَّذينَ عَيَّنَهم داوُدُ والرُّؤَساءُ لخِدمَةِ اللاَّوِيِّينَ، أَتَونا بِمِئَتَينِ وعِشْرينَ نَتينِيًّا كُلُّهم مُدَوَّنونَ بِأَسْمائِهم. فنادَيتُ بِصَومٍ هُناكَ، عِندَ نَهرِ أَهْوى، لِنَتَذَلَّلَ أَمامَ إِلٰهِنا، طالِبينَ إِلَيه طَريقًا سالِمَةً لَنا ولِعِيالِنا ولِجَميعِ أَمْوالِنا. فإِنِّي ٱستَحيَيتُ أَن أَطلُبَ مِنَ المَلِكِ جُنودًا وفُرْسانًا لِيَحْمونا مِنَ العَدُوِّ في الطَّريق، لأَنَّنا قُلْنا لِلمَلِكِ إِنَّ يَدَ إِلٰهِنا على جَميعِ طالِبيه لِلخَيرِ وبَأسَه وغَضَبَه على جَميعِ تارِكيه. فصُمْنا وطَلَبَنا مِن إِلٰهِنا لأَجلِ ذٰلك فٱستَجابَنا. ثُمَّ أَفَردتُ ٱثنَي عَشَرَ مِن رُؤَساءِ الكَهَنَة، بِالإِضافَةِ إِلى شَرَبْيا وحَشَبْيا وعَشرَةٍ مِن إِخوَتِهما، ووَزَنتُ لَهُمُ الفِضَّةَ والذَّهَبَ والآنِيَة، تَقدِمَةً لِبَيتِ إِلٰهِنا قَدَّمَها المَلِكُ ومُشيروه ورُؤَساؤُه وجَميعُ مَن وُجِدَ مِن بَني إِسْرائيل، ووَزَنتُ وسَلَّمتُ إِلى أَيديهم سِتَّ مِئَةٍ وخَمْسينَ قِنْطارَ فِضَّةٍ ومِئَةَ قِنْطارٍ مِن أَواني الفِضَّةِ ومِئَةَ قِنْطارٍ مِنَ الذَّهَب وعِشْرينَ قَصعَةً مِنَ الذَّهَبِ تُساوي أَلفَ دِرهَم وإِناءَينِ مِن نُحاسٍ مَصْقولٍ جَيِّدٍ ثَمينٍ كالذَّهَب. وقُلتُ لَهم: «أَنتُم مُقَدَّسونَ لِلرَّبّ، والآنِيَةُ مُقَدَّسَة، والفِضَّةُ والذَّهَبُ تَبَرُّعٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِ آبائِكم. فٱسهَروا وٱحتَفِظوا بِها إِلى أَن تَزِنوها قُدَّامَ رُؤَساءِ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ ورُؤَساءِ آباءِ إِسْرائيل، في أُورَشَليم، في غُرَفِ بَيتِ الرَّبّ». فأَخَذَ الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ الفِضَّةَ والذَّهَبَ والآنِيَة، بَعدَ أَن وُزِنَت، لِيَذهَبوا بِها إِلى بَيتِ إِلٰهِنا. ثُمَّ رَحَلْنا مِن نَهرِ أَهْوى في الثَّاني عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ الأَوَّل، لِنَذهَبَ إِلى أُورَشَليم، وكانَت يَدُ إِلٰهِنا علَينا، فحَمانا مِن يَدِ العَدُوِّ والكامِنِ في الطَّريق. فوَصَلْنا إِلى أُورَشَليم، وٱستَرَحْنا هُناكَ ثَلاثَةَ أَيَّام. وفي اليَومِ الرَّابِع، وزَنَّا الفِضَّةَ والذَّهَبَ والآنِيَةَ في بَيتِ إِلٰهِنا على يَدِ مَريموتَ بنِ أُورِيَّا الكاهِن، ومعَه أَلِعازارُ بنُ فِنْحاس، ومعَهما يوزابادُ بنُ يَشوعَ ونوعَدْيا بنُ بِنُّويَ اللاَّوِيَّان. كُلُّ ذٰلك بِالعَدَدِ والوَزن، وكُتِبَ الوَزنُ كُلُّه. في ذٰلك الوقت، قَدَّمَ بَنو الجَلاءِ القادِمونَ مِنَ الجَلاءِ مُحرَقاتٍ لإلٰهِ إِسْرائيل: إِثنَي عَشَرَ ثَورًا عن كُلِّ إِسْرائيل، وسِتَّةً وتِسْعينَ كَبْشًا، وٱثنَينِ وسَبْعينَ حَمَلًا، وٱثنَي عَشَرَ تَيسَ ذَبيحَةِ خَطيئَة، الكُلَّ مُحرَقَةً لِلرَّبّ. وسَلَّموا أَوامِرَ المَلِكِ إِلى مَرازِبَةِ المَلِكِ وحُكَّامِ عِبرِ النَّهر، فأَعانوا الشَّعبَ وبَيتَ الله. وبَعدَ أَن تَمَّت هٰذه الأُمور، أَقبَلَ الرُّؤَساءُ إِلَيَّ يَقولون: «إِنَّ شَعبَ إِسْرائيلَ والكَهَنَةَ واللاَّوِيِّينَ لم يَنفَصِلوا عن شُعوبِ الأَرضِ في شَأنِ قَبائِحِهم، أَي عنِ الكَنْعانِيِّينَ والحِثِّيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ واليَبوسِيِّينَ والعَمُّونِيِّينَ والموآبِيِّينَ والمِصرِيِّينَ والأَمورِيِّينَ، لأَنَّهمُ ٱتَّخَذوا مِن بَناتِهم، لَهم ولِبَنيهم، فٱختَلَطَ النَّسلُ المُقَدَّسُ بِشُعوبِ البِلاد، بل يَدُ الرُّؤَساءِ والعُظَماءِ كانَتِ الأُولى في هٰذه المُخالَفَة». فلَمَّا سَمِعتُ هٰذا الكَلام، مَزَّقتُ ثَوبي ورِدائي، ونَتَفتُ شَعرَ رَأسي ولِحيَتي، وجَلَستُ مُتَحَيِّرًا. فٱجتَمَعَ إِلَيَّ كُلُّ مَنِ ٱرتَعَدَ مِن كَلامِ إِلٰهِ إِسْرائيل، بِسَبَبِ مُخالَفَةِ أَهلِ الجَلاء، وجَلَستُ مُتَحَيِّرًا إِلى تَقدِمَةِ المَساء. وعِندَ تَقدِمَةِ المَساء، خَرَجْتُ مِن إِعْيائي وجَثَوتُ على رُكبَتَيَّ بِثَوبي ورِدائي المُمَزَّقَين، وبَسَطتُ يَدَيَّ إِلى الرَّبِّ إِلٰهي، وقُلتُ: «أَللَّهُمَّ، إِنِّي لَمُستَحي خَجَلًا مِن أَن أَرفَعَ إِلَيكَ وَجْهي، يا إِلٰهي، لأَنَّ ذُنوبَنا قد تَكاثَرَت على رُؤُوسِنا، وتَفاقَمَ إِثمُنا إِلى السَّمَوات. مِن أَيَّامِ آبائِنا نَحنُ في إِثمٍ عَظيمٍ إِلى هٰذا اليَوم، وبِسَبَبِ ذُنوبِنا أُسلِمْنا، نَحنُ ومُلوكُنا وكَهَنَتُنا، إِلى أَيدي مُلوكِ الأَرضِ لِلسَّيفِ والأَسْرِ والنَّهْب، ولِخِزْيِ الوُجوهِ كما في هٰذا اليَوم، والآن، فمُنذُ لَحظَةٍ كانَت لَنا رَأفَةٌ مِن لَدُنِ الرَّبِّ إِلٰهِنا، لِيُبقِيَ لَنا ناجينَ ويُعطِيَنا مَلجَأً أَمينًا في مَكانِ قُدسِه، فأَنارَ إِلٰهُنا عُيونَنا وأَعْطانا قَليلًا مِنَ الرَّاحَةِ في عُبودِيَّتِنا، لأَنَّنا إنَّما نَحنُ عَبيد، وفي عُبودِيَّتِنا لم يَترُكْنا إِلٰهُنا، بل أَمالَ علَينا رَحمَةَ مُلوكِ فارِس، لِيَهَبَ لَنا راحةً حتَّى نُعيدَ بِناءَ بَيتِ إِلٰهِنا ونُرَمِّمَ خَرابَه، ولِيُعطِيَنا سِياجًا في يَهوذا وأُورَشَليم. والآنَ، يا إِلٰهَنا، ماذا نَقولُ بَعدَ هٰذا، فإِنَّنا قد أَهمَلْنا وَصاياكَ الَّتي أَمَرتَ بِها على أَلسِنَةِ عَبيدِكَ الأَنبِياءِ قائِلًا: إِنَّ الأَرضَ الَّتي تَذهَبونَ إِلَيها لِتَرِثوها هي أَرضُ رِجسٍ مِن رِجسِ شُعوبِ البِلادِ مِن قَبائِحِها الَّتي مَلَأَتْها بِها مِن أَقْصاها إِلى أَقْصاها بِنَجاسَتِها. والآنَ فلا تُعْطوا بَناتِكم لِبَنيهم ولا تأخُذوا بَناتِهم لِبَنيكم، ولا تَطلُبوا سِلمَهم ولا خَيرَهم لِلأَبَد، لِكَي تتقَوَّوا وتَأكُلوا خَيراتِ الأَرضِ وتُوَرِّثوا بَنيكم مَدى الدَّهْر. وبَعدَ كُلِّ ما حَلَّ بِنا بِسَبَبِ أَفْعالِنا السَّيِّئَةِ وإِثمِنا العَظيم، مع أَنَّكَ، يا إِلٰهَنا، عاقَبتَنا بِأَقَلَّ مِن ذُنوبِنا وأَعطَيتَنا ناجينَ كهٰؤُلاءِ، أَفَنَعودُ ونَنقُضُ وَصاياكَ ونُصاهِرُ شُعوبَ هٰذه القَبائِحِ ولا تَغضَبَ علَينا حتَّى تُفنِيَنا ولا تَكونَ بَقِيَّةٌ ولا ناجون؟ أَيُّها الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، أَنتَ بارٌّ، لأَنَّنا بَقينا ناجينَ كما في هٰذا اليَوم. ها نَحنُ أَمامَكَ بِآثامِنا، لأَنَّنا لا نَستَطيعُ الوُقوفَ أَمامَكَ بِسَبَبِ هٰذا». وبَينَما عَزْرا يُصَلِّي ويَعتَرِفُ باكِيًا، وهو مُنطَرِحٌ قُدَّامَ بَيتِ الله، اِجتَمَعَ إِلَيه مِن إِسْرائيلَ جَمعٌ كَثيرٌ جِدًّا مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والأَولاد، لأَنَّ الشَّعبَ بَكى بُكاءً شَديدًا. فتَكَلَّمَ شَكَنْيا بنُ يَحيئيلَ مِن بَني عَيلامَ وقالَ لِعَزرا: «إِنَّنا لقَد خالَفْنا إِلٰهَنا وأَخَذْنا نِساءً غَريباتٍ مِن شُعوبِ البِلاد، غَيرَ أَنَّه مع ذٰلك لإسْرائيلَ الآنَ رَجاءٌ. لِنَقْطَعَنَّ الآنَ عَهدًا مع إِلٰهِنا على تَسْريحِ جَميعِ النِّساءِ وأَولادِهِنَّ، جَرْيًا على مَشورَةِ سَيِّدي والَّذينَ يَخشَونَ أَمرَ إِلٰهِنا، ولْيَكُنْ ذٰلك بِحَسَبِ الشَّريعة. قُمْ فإِنَّ الأَمرَ إِلَيكَ ونَحنُ معَكَ، فتَجَلَّدْ وٱعْمَل». فقامَ عَزْرا وحَلَّفَ رُؤَساءَ الكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وكُلَّ إِسْرائيلَ على أَن يَفعَلوا بِحَسَبِ هٰذا الكَلام، فحَلَفوا. وقامَ عَزْرا مِن أَمامِ بَيتِ الله، ودَخَلَ غُرفَةَ يوحانانَ بنِ أَلْياشيب، وباتَ هُناكَ، وهو لم يَأكُلْ خُبزًا ولم يَشْرَبْ ماءً، لأَنَّه كانَ يَنوحُ بِسَبَبِ مُخالَفَةِ بَني الجَلاء. فأَطلَقوا نِداءً في يَهوذا وأُورَشَليم، إِلى جَميعِ بَني الجَلاء، أَن يَجتَمِعوا في أُورَشَليم، وأَنَّ كُلَّ مَن لا يَأتي في ثَلاثَةِ أَيَّام، على حَسَبِ مَشورَةِ الرُّؤَساءِ والشُّيوخ، تُحَرَّمُ كُلُّ أَمْوالِه ويُفصَلُ هو عن جَماعَةِ أَهلِ الجَلاء. فٱجتَمَعَ رِجالُ يَهوذا وبَنْيامينَ كافَّةً في أُورَشَليمَ في ثَلاثَةِ أَيَّام، في الشَّهرِ التَّاسِع، في العِشْرينَ مِنَ الشَّهْر، وجَلَسَ كُلُّ الشَّعبِ في ساحَةِ بَيتِ اللهِ مُرتَعِدِينَ مِن هٰذا الأَمرِ ومِنَ الأَمْطار. فقامَ عَزْرا الكاهِنُ وقال لَهم: «إِنَّكم قد خالَفَتُم وٱتَّخَذتُم نِساءً غَريبات، لِتَزيدوا في إِثمِ إِسْرائيل. فٱحمَدوا الآنَ الرَّبَّ إِلٰهَ آبائِكم وٱعمَلوا بِما يُرْضيه، وٱنفَصِلوا عن شُعوبِ الأَرضِ والنِّساءِ الغَريبات». فأَجابَتِ الجَماعَةُ بِأَسرِها وقالَت بِصَوتٍ عظيم: «حَسَن، كما قُلتَ نَفعَل. إِلاَّ أَنَّ الشَّعبَ كَثير، والوَقتَ وَقتُ أَمْطار، فلا طاقَةَ لَنا أَن نَقِفَ في الخارِج، ولَيسَ العَمَلُ عَمَلَ يَومٍ أَوِ ٱثنَين، لأَنَّ الَّذينَ عَصوا في هٰذا الأَمرِ كَثيرون. فليَقُمِ الآنَ رُؤَساؤُنا ولْيَعمَلوا بِٱسمِ الجَماعَةِ كُلِّها: وجَميعُ الَّذينَ ٱتَّخَذوا نِساءً غَريباتٍ في مُدُنِنا فلْيَأتوا في أَوقاتٍ مُسَمَّاة، ومعَهم شُيوخُ كُلِّ مَدينَةٍ وقُضاتُا، حتَّى يُصرَفَ عَنَّا غَضَبُ إِلٰهِنا بِسَبَبِ هٰذا الأَمر». فلَم يُقاوِمْ هٰذا الأَمرَ إِلاَّ يوناتانُ بنُ عَسائيلَ ويَحَزْيا بنُ تِقوَة، وأَيَّدَهما مَشُلاَّمُ وشَبْتائي اللاَّوِيّ. ففَعَلَ بَنو الجَلاءِ كذٰلك، وأَفرَدَ عَزْرا الكاهِنُ رُؤَساءَ الآباءِ بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِهم، وكُلُّهم مُسَمَّونَ بِأَسْمائِهم، فجَلَسوا في اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ العاشِرِ لِفَحصِ هٰذا الأَمْر. وٱنتَهَوا مِن جَميعِ الرِّجالِ الَّذينَ ٱتَّخَذوا نِساءً غَريباتٍ في اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ الأَوَّل. فوُجِدَ بَينَ بَني الكَهَنَةِ الَّذينَ ٱتَّخَذوا نِساءً غَريباتٍ: مِن بَني يَشوعَ بنِ يوصاداقَ وإِخوَتِه: مَعَسْيا وأَليعازَرُ وياريبُ وجَدَلْيا. فوَعَدوا بِقَسَمٍ أَن يُسَرِّحوا نِساءَهم، وقَرَّبوا كَبشًا مِنَ الغَنَمِ عن إِثمِهم. ومِن بَني إِمِّير: حَناني وزَبَدْيا، ومِن بَني حاريم: مَعَسْيا وإِيلِيَّا وشَمَعْيا ويَحيئيلُ وعُزِّيَّا، ومِن بَني فَشْحور: أَلْيوعَينايُ ومَعَسْيا وإِسْماعيلُ ونَتَنائيلُ ويوزابادُ وأَلْعاسَة، ومِنَ اللاَّوِيِّين: يوزابادُ وشِمْعي وقَلايا، وهو قَليطا، وفَتَحْيا ويَهوذا وأَليعازر، ومِنَ المُغَنِّين: أَلْياشيب، ومِنَ البَوَّابين: شَلُّومُ وطالَمُ وأُوري، ومِن إسْرائيل: مِن بَني فَرْعوش: رَمْيا ويَزِيَّا ومَلكِيَّا ومِيَّامينُ وأَلِعازارُ ومَلكِيَّا وبَنايا، ومِن بَني عَيلام: مَتَّنْيا وَزَكَرِيَّا ويَحيئيلُ وعَبْدي ويَريمونُ وإِيلِيَّا، ومِن بَني زَتُّو: أَلْيوعَينايُ وأَلْياشيبُ ومَتَّنْيا ويَريموتُ وزابادُ وعَزيزا، ومِن بَني باباي: يوحانانُ وحَنَنْيا وزُبَّايُ وعَتْلاي، ومِن بَني باني: مَشُلاَّمُ ومَلُّوكُ وعَدايا وياشوبُ وشآلُ وراموت، ومِن بَني فَحَتَ موآبُ عَدْنا وكَلالُ وبَنايا ومَعَسْيا ومَتَّنْيا وبَصْلائيلُ وبِنُّوِي ومَنَسَّى، ومِن بَني حاريم: أَليعازَرُ ويَشِّيَّا ومَلكِيَّا وشَمَعْيا وشِمْعونُ وبَنْيامينُ ومَلُّوكُ وشَمَرْيَا، ومِن بَني حَشُّوم: مَتَّنايُ ومَتَّاتَةُ وزابَدُ وأَليفالَطُ ويَريمايُ ومَنَسَّى وشِمْعي، ومِن بَني باني: مَعْدايُ وعَمْرامُ وأُوئيل وبَنايا وبَدايا وكَلوهي ووَنْيا ومَريموتُ وأَلْياشيب ومَتَّنْيا ومَتَّنايُ ويَعْسو وباني وبِنُّوِي وشِمْعي وشَمَلْيا وناتانُ وعَدايا ومَكَنْدَبايُ وشاشايُ وشارايُ وعَزَرْئيلُ وشَلَمْيا وشَمَرْيا وشَلُّومُ وأَمَرْيا ويوسُف، ومِن بَني نَبو: يَعيئيلُ ومَتَّنْيا وزابادُ وزَبينا ويَدُّو ويوئيلُ وبَنايا. جَميعُ هٰؤُلاءِ ٱتَّخَذوا نِساءً غَريبات، وكانَ مِنهُنَّ مَن وَلَدنَ لَهم بَنين. كلامُ نَحَمْيا بنِ حَكَلْيا: في شَهرِ كِسْلو، في السَّنَةِ العِشْرين، إِذ كُنتُ في قَلعَةِ شوشَن، قَدِمَ حَناني، أَحَدُ إِخوَتي، هو ورِجالٌ مِن يَهوذا، فٱستَخبَرتُهم عنِ اليَهودِ الَّذينَ نَجَوا، مِمَّن بَقِيَ مِنَ الجَلاء، وعن أُورَشَليم. فقالوا لي: «إِنَّ البَقِيَّةَ الَّتي بَقِيَت مِنَ الجَلاءِ هُناكَ في البِلاد هي في شَقاءٍ شَديدٍ وعار، وإِنَّ سورَ أُورَشَليمَ مُتَهَدِّمٌ وأَبْوابَها قد أُحرِقَت بِالنَّار». فلَمَّا سَمِعتُ هٰذا الكَلام، جَلَستُ أَبْكي وأَنُوحُ أَيَّامًا، وصُمتُ وصَلَّيتُ أَمامَ إِلٰهِ السَّمَوات. وقُلتُ: «أَيُّها الرَّبّ، إِلٰهُ السَّمَوات، الإِلٰهُ الجَبَّارُ العَظيمُ الرَّهيب، الحافِظُ العَهدَ والرَّحمَةَ لِمُحِبِّيه وحافِظي وصاياه، لِتَكُنْ أُذُناكَ مُصغِيَتَينِ وعَيناكَ ناظِرَتَينِ لِتَسمَعَ صَلاةَ عَبدِكَ الَّتي أُصَلِّيها اليَومَ أَمامَكَ نَهارًا ولَيلًا عن بَني إِسْرائيلَ عَبيدِكَ، مُعتَرِفًا بِخَطايا بَني إسْرائيلَ الَّتي خَطِئْنا بِها إِلَيكَ، فإِنِّي أَنا وبَيتُ أَبي قد خَطِئنا. لقَد أَسَأْنا إِساءَةً إِلَيكَ، ولم نَحفَظْ وَصاياكَ وفَرائِضَكَ وأَحْكامَكَ الَّتي أَمَرتَ بِها موسى عَبدَكَ. أُذكُرِ الكَلامَ الَّذي أَمَرتَ بِه موسى عَبدَكَ قائِلًا: إِن خالَفتُم فإِنِّي أُشَتِّتُكم بَينَ الشُّعوب، وإِن رَجَعتُم إِلَيَّ وحَفِظتُم وَصايايَ وعَمِلتُم بِها، ولَو كانَ مَنفِيُّوكم في أَقصى السَّماء، فإِنِّي أَجمَعُهم مِن هُناكَ وأَرُدُّهم إِلى المَكانِ الَّذي ٱختَرتُه لأُقيمَ ٱسْمي فيه. فهٰؤُلاءِ عَبيدُكَ وشَعبُكَ الَّذينَ ٱفتَدَيتَهم بِقُدرَتِكَ العَظيمةِ ويَدِكَ العَزيزة. يا رَبّ، فلتَكُنْ أُذُناكَ مُصغِيَتَينِ إِلى صَلاةِ عَبدِكَ وصَلَواتِ عَبيدِكَ الَّذينَ يَهوَونَ مَخافَةَ ٱسمِكَ، ووَفِّقْ عَبدَكَ اليَومَ وهَبْ لَه رَحمَةً في عَينِ هٰذا الرَّجُل». وكُنتُ إِذ ذاكَ ساقِيَ المَلِك. وفي شَهرِ نيسان، في السَّنَةِ العِشْرينَ لأَرتَحْشَشْتا المَلِك، كانَ أَمامَه خَمْر، فأَخَذتُ الخَمرَ وناوَلتُ المَلِك، ولم أَكُن قَليلَ الحُظوَةِ لَدَيه. فقالَ لِيَ المَلِك: «ما بالُ وَجهِكَ مُكتَئِبًا، وأَنتَ لَستَ بِمَريض؟ ما هٰذا إِلاَّ كآبَةُ قَلْب». فخِفتُ خَوفًا شَديدًا وقُلتُ لِلمَلِك: «يَحْيا المَلِكُ لِلأَبَد. كَيفَ لا يَكونُ وَجْهي مُكْتَئِبًا، والمَدينَةُ، مَكانُ مَقابِرِ آبائي، قد خَرِبَت وأَبوابُها قد أُحرِقَت بِالنَّار؟». قالَ المَلِك: «فما بُغيَتُكَ؟». فصَلَّيتُ إِلى إِلٰهِ السَّماء، ثُمَّ قُلتُ لِلمَلِك: «إِذا حَسُنَ لَدى المَلِكِ وكانَ لِعَبْدِكَ حُظوَةٌ أَمامَكَ، تُرسِلُني إِلى يَهوذا، إِلى مَدينَةِ مَقابِرِ آبائي، لأُعيدَ بِناءَها». فقالَ لِيَ المَلِك، والمَلِكَةُ جالِسَةٌ إِلى جانِبِه: «إِلى مَتى يَكونُ سَفَرُكَ ومَتى تَعود؟». وحَسُنَ لَدى المَلِكِ أَن يُرسِلَني، فضَرَبتُ لَه مَوعِدًا. وقُلتُ لِلمَلِك: «إِن حَسُنَ لَدى المَلِك، فلْتُعْطَ لي رَسائِلُ إِلى الوُلاةِ في عِبرِ النَّهْر، لِيدَعوني أَجتازُ حتَّى أَصِلَ إِلى يَهوذا، ورِسالَةٌ إِلى آساف، حارِسِ غابِ المَلِك، لِيُعطِيَني خَشَبًا لِعَوارِضِ أَبوابِ قَلعَةِ البَيتِ وأَسْوارِ المَدينَةِ والبَيتِ الَّذي سأُقيمُ فيه». فأَعْطاني المَلِك، لأَنَّ يَدَ إِلٰهي الصَّالِحَةَ كانَت علَيَّ. فذَهَبتُ إِلى الوُلاةِ في عِبرِ النَّهر، وسَلَّمتُ إِلَيهم رَسائِلَ المَلِك. وكان المَلِكُ قد أَرسَلَ معي ضُبَّاطًا مِنَ الجَيشِ وفُرْسانًا. فلَمَّا سَمِعَ سَنبَلَّطُ الحورونِيُّ وطوبِيًّا المُوَظَّفُ العَمُّونِيّ، اِستاءا ٱستِياءً شَديدًا مِن أَنَّ رَجُلًا جاءَ يَبتَغي لِبَني إِسْرائيلَ خَيرًا. فوَصَلتُ إِلى أُورَشَليم، ومَكَثتُ هُناكَ ثَلاثَةَ أَيَّام. ثُمَّ قُمتُ لَيلًا ومَعي نَفَرٌ قَليل، ولَم أُكاشِفْ أَحَدًا بِما أَلْقى إِلٰهي في قَلْبي أَن أَفعَلَه في أُورَشَليم. ولم تَكُنْ معي دابَّةٌ إِلاَّ الدَّابَّةُ الَّتي كُنتُ راكِبَها. وخَرَجتُ لَيلًا مِن بابِ الوادي، نَحوَ عَينِ التِّنِّينِ وبابِ الزِّبْل، وجَعَلتُ أَتَفَقَّدُ أَسوارَ أُورَشَليمَ المُتَهَدِّمَةَ وأَبوابَها المُحتَرِقَةَ بِالنَّار. ثُمَّ عَبَرتُ إِلى بابِ العَينِ وإِلى بِركَةِ المَلِك، فلَم يَكُنْ لِلدَّابَةِ الَّتي تَحْتي مَكانٌ تَجوزُ علَيه. ثُمَّ صَعِدتُ مِن طَريقِ الوادي لَيلًا وأَنا أَتَفَقَّدُ السُّور، وعُدتُ ودَخَلتُ مِن بابِ الوادي ورَجَعتُ. ولم يَعلَمِ الحُكَّامُ إِلى أَينَ ذَهَبتُ ولا ما أَنا فاعِل، ولا كُنتُ قد أَعلَمتُ اليَهودَ والكَهَنَةَ والأَشْرافَ والحُكَّامَ وسائِرَ المَسْؤُولين. فقُلتُ لَهم: «إِنَّكم تَرَونَ ما نَحنُ فيه مِنَ الشَّقاء، كَيفَ خَرِبَت أُورَشَليمُ وٱحتَرَقَت أَبْوابُها بِالنَّار، فهَلُمُّوا لِنَبنِيَ سورَ أُورَشَليم ولا نَكونَ عارًا بَعدَ اليَوم». وأَعلَمتُهم أَنَّ يَدَ إِلٰهي الصَّالِحَةَ علَيَّ ونَقَلتُ لَهم أَيضًا كَلامَ المَلِكِ الَّذي كَلَّمَني بِه. فقالوا: «لِنَنْهَضْ ونَبْنِ»، وشَدَّدوا أَيدِيَهم لِلخَير. فلَمَّا سَمِعَ سَنبَلَّطُ الحورونِيُّ وطوبِيَّا المُوَظَّفُ العَمَّونِيُّ وجاشَمُ العَرَبيّ، سَخِروا مِنَّا وٱزدَرَونا وقالوا: «ما الَّذي أَنتُم صانِعون؟ أَتَتَمَرَّدونَ على المَلِك؟». فأَجبتُهم وقُلتُ لَهم: «إِنَّ نَجاحَنا بإِلٰهِ السَّمَوات، ونَحنُ عَبيدُه نَقومُ ونَبْني، وأَنتُم لَيسَ لَكم مِن نَصيبٍ ولا حَقٍّ ولا ذِكرٍ في أُورَشَليم». فقامَ أَلْياشيبُ عَظيمُ الكَهَنَةِ مع إِخوَتِه الكَهَنَة، وبَنَوا بابَ الغَنَم، وهم قَدَّسوه وأَقاموا مِصْراعَيه، وقَدَّسوه إِلى بُرجِ المِئَة، بُرجِ حَنَنْئيل. وبِجانِبِه بَنى رَجالُ أَريحا، وبِجانِبِهم بَنى زَكُّورُ بنُ إِمْري. فأَمَّا بابُ الحوت، فبَناه بَنو السَّناءَة، وهم سَقَّفوه ورَكَّبوا مِصْراعَيه وأَقْفالَه ومَغاليقَه. وبِجانِبِهم رَمَّمَ مَريموتُ بنُ أُورِيَّا بنِ القوص. وبِجانِبِهم رَمَّمَ مَشُلاَّمُ بنُ بَرَكْيا بنِ مَشيزَبْئيل. وبِجانِبِهم رَمَّمَ صادوقُ بنُ بَعْتا. وبِجانِبِهم رَمَّمَ التَّقوعِيُّون، إِلاَّ أَنَّ أَشْرافَهم لم يَحْنوا أَعْناقَهم لِخِدمَةِ سادَتِهم. والبابُ العَتيقُ رَمَّمَه يوياداعُ بنُ فاسيحَ ومَشُلاَّمُ بنُ بَسودَيا، وهُما سَقَّفاه ورَكَّبا مِصْراعَيه وأَقفالَه ومَغاليقَه. وبِجانِبِهما رَمَّم مَلَطْيا الجِبْعونِيُّ ويادوقُ الميرونوتِيُّ مِن أَهلِ جِبْعونَ والمِصْفاة، لِحِسابِ والي عِبرِ النَّهْر. وبِجانِبِه رَمَّمَ عُزِّيئيلُ ٱبنُ حَرْهايا مِنَ الصَّاغة. وبِجانِبِه رَمَّمَ حَنَنْيا مِنَ العَطَّارين. ومَكَّنوا أُورَشَليمَ إِلى السُّورِ العَريض. وبِجانِبِهم رَمَّمَ رَفايا بنُ حور، رَئيسُ نِصفِ مِنطَقَةٍ مِن أُورَشَليم. وبِجانِبِهم رَمَّمَ يَدايا بنُ حارومافَ قُبالَةَ بَيتِه. وبِجانِبِه رَمَّمَ حَطُّوشُ بنُ حَشَبْنَيا. ورَمَّمَ مَلكِيَّا بنُ حاريمَ وحَشُّوبُ بنُ فَحَتَ مُوآبِ القِطاعَ الثَّاني إِلى بُرجِ التَّنانير. وبِجانِبِه رَمَّمَ شَلُّومُ بنُ اللُّوحيش، رئيسُ نِصفِ مِنطَقَةٍ مِن أُورَشَليم، هو وبَناتُه. وبابُ الوادي رَمَّمَه حانونُ وسُكَّانُ زانوح: بَنَوه ورَكَّبوا مِصْراعَيه وأَقفالَه ومَغاليقَه، وبَنوا أَلفَ ذِراعٍ مِنَ السُّورِ إِلى بابِ الزِّبْل. أَمَّا بابُ الزِّبْلِ فرَمَّمَه مَلكِيَّا بنُ ريكاب، رَئيسُ مِنطَقَةِ بَيتِ الكَرْم: بَناه ورَكَّبَ مِصْراعَيه وأَقْفالَه ومَغاليقَه. وبابُ العَينِ رَمَّمَه شَلُّونُ بنُ كُلْحوزي، رَئيسُ مِنطَقَةِ المِصْفاة: بَناه وسَقَّفَه ورَكَّبَ مِصْراعَيه وأَقْفالَه ومَغاليقَه، وبَنى حائِطَ بِركَةِ سِلْوامَ عِندَ حديقَةِ المَلِك، إِلى الدَّرَجِ النَّازِلَةِ مِن مَدينَةِ داوُد. وبَعدَه رَمَّمَ نَحَمْيا بنُ عَزْبوق، رئيسُ نِصفِ مِنطَقَةٍ مِن بَيتَ صور، إِلى حِيالِ مَقابِرِ داوُدَ والبِركَةِ الٱصطِناعِيَّةِ وبَيتِ الأَبْطال. وبَعدَه رَمَّمَ اللاَّوِيُّونَ رحومُ بنُ باني. وبِجانِبِه رَمَّمَ حَشَبْيا، رَئيسُ نِصفِ مِنطَقَةِ مِن قَعيلَة، لِمِنطَقَتِه. وبَعدَه رَمَّمَ إِخوَتُهم بِنوِيُّ بنُ حيناداد، رَئيسُ نِصفِ مِنطَقَةٍ مِن قَعيلة. وبِجانِبِه رَمَّمَ عازَرُ بنُ يشوع، رَئيسُ المِصْفاة، مَسافَةً أُخْرى قُبالَةَ عَقَبَةِ بَيتِ السِّلاح، عِندَ الزَّاوِيَة. وبَعدَه جَدَّ باروكُ بنُ زَبَّاي، ورَمَّمَ مَسافَةً أُخْرى مِن عِندِ الزَّاوِيَّةِ إِلى بابِ بَيتِ أَلْياشيبَ عَظيمِ الكَهَنَة. وبَعدَه رَمَّمَ مَريموتُ بنُ أُورِيَّا ابنِ القوصِ مَسافَةً أُخْرى مِن عِندِ بابِ بَيتِ أَلْياشيبَ إِلى آخِرِ بَيتِ أَلْياشيب. وبَعدَه رَمَّمَ الكَهَنَةُ رِجالُ الأَماكِنِ المُجاوِرَة. وبَعدَه رَمَّمَ بَنْيامينُ وحَشُّوبُ قُبالَةَ بَيتِهما. وبَعدَهما رَمَّمَ عَزَرْيا بنُ مَعَسْيا بنِ عَنَنْيا عِنْدَ بَيتِه. وبَعدَه رَمَّمَ بِنُّوِي بنُ حنادادَ مَسافَةً أُخْرى، مِن بَيتِ عَزَرْيا إِلى الزَّاوِيَةِ وإِلى القُرنَة، وفالالُ بنُ أُوزايَ مِن قُبالَةِ الزَّاوِيَةِ والبُرجِ الَّذي يَبرُزُ عِندَ بَيتِ المَلِكِ الأَعْلى الَّذي بِالقُربِ مِن دار الحَرَس. وبَعدَه فَدايا بنُ قَرْعوش - وكانَ النَّتينِيُّونَ يُقيمونَ بِعوفَل - رَمَّمَ إِلى مُقابِلِ بابِ الماءِ نَحوَ الشَّرقِ والبُرجِ البارِز. وبَعدَه رَمَّمَ التَّقوِعِيُّونَ مَسافَةً أُخْرى مُقابِلَ البُرجِ العَظيمِ البارِزِ إِلى سورِ عوفَل. ومِن فَوقِ بابِ الخَيل، رَمَّمَ الكَهَنَة، كُلُّ واحِدٍ قُبالَةَ بَيتِه. وبَعدَهم رَمَّمَ صادوقُ بنُ إِمِّيرَ قُبالَةَ بَيتِه. وبَعدَه رَمَّمَ شَمَعْيا بنُ شَكَنْيا، حارِسُ بابِ الشَّرْق. وبَعدَه رَمَّمَ حَنَنْيا بنُ شَلَمْيا وحانون، سادِسُ بَني صالاف، مَسافَةً أُخْرى. وبَعدَه رَمَّمَ مَشُلاَّمُ بنُ بَرَكْيا قُبالَةَ مُخدَعِه. وبَعدَه رَمَّمَ مَلكِيَّا مِنَ الصَّاغَة، إِلى بَيتِ النّتينِيِّينَ والتُّجَّار، مُقابِلَ بابِ المُناظَرَة، إِلى عِلِّيَّةِ القُرنَة. وما بَينَ عِلِّيَّةِ القُرنَةِ وبابِ الغَنَمِ رَمَّمَه الصَّاغَةُ والتُّجَّار. ولَمَّا سَمِعَ سَنبَلَّطُ أَنَّنا آخِذونَ في بِناءِ السُّور، غَضِبَ وحَنِقَ حَنَقًا شَديدًا وسَخِرَ مِنَ اليَهود. وتَكَلَّمَ أَمامَ إِخوَتِه وجَيشِ السَّامِرَةِ وقال: «ماذا يَفْعَلُ أُولٰئِكَ اليَهودُ الأَشقِياء؟ هل يَبْنون؟ هل يَذبَحون؟ هل يُتِمُّونَ في يَومٍ واحِد؟ هل يُحْيونَ الحِجارَةَ مِن كُوَمِ التُّرابِ وهي مُحْتَرِقَة؟». وكانَ عِندَه طوبِيَّا العَمُّونِيّ، فقال: «بل إِنَّ ما يَبْنونَه، لو وَثَبَ ثَعلَب، لَهَدَمَ سورَ حِجارَتِهم». إِسمَعْ يا إِلٰهَنا، فإِنَّنا قد أَصبَحْنا هُزُؤًا، ورُدَّ عارَهم على رُؤُوسِهم وٱجعَلْهم غَنيمَةً في أَرضِ أَسرِهم، ولا تَستُرْ إِثمَهم ولا تَمْحُ خَطيئَتَهم مِن أَمامِكَ، لأَنَّهم قد أَطلَقوا شَتائِمَهم في وَجهِ البَنَّائين. فبَنَينا السُّور، وٱتَّصَلَ السُّورُ كُلُّه إِلى نِصفِ عُلُوِّه، وكانَ لِلشَّعبِ عَزيمَةٌ في العَمَل. ولَمَّا سَمِعَ سَنبَلَّطُ وطوبِيَّا والعَرَبُ والعَمُّونِيُّونَ والأَشْدودِيُّونَ بِأَنَّ أَسْوارَ أُورَشَليمَ قد تَقَدَّمَ تَرْميمُها وأَنْ قد أُخِذَ في سَدِّ الثُّلَم، غَضِبوا غَضَبًا شَديدًا، وتآمَروا كُلُّهم مَعًا على أَن يَأتوا ويُحارِبوا أُورَشَليمَ ويُنزِلوا بِها شَرًّا. فصَلَّينا إِلى إِلٰهِنا وأَقَمْنا إِزاءَهم حُرَّاسًا نَهارًا ولَيلًا حَذَرًا مِنهم. وقالَ بَنو يَهوذا: «إِنَّ قُوَّةَ الحَمَّالينَ قد ضَعُفَت، والأَنقاضَ كَثيرَة، ولَيسَ في طاقَتِنا أَن نَبِنيَ السُّور». وقالَ أَعْداؤُنا: «لا يَعلَموا ولا يُبصِروا إِلاَّ وقَد أَصبَحْنا في وَسْطِهم، فنَقتُلُهم ونُعَطِّلُ العَمَل». فجاءَ اليَهودُ المُقيمونَ بِجوارِهم وأَنْذَرونا عَشرَ مَرَّاتٍ مِن جَميعِ الأَماكِنِ الَّتي هم فيها بِأَن نَعودَ مِن أُورَشَليمَ إِلَيهم. فأَقَمتُ الشَّعبَ في أَسفَلِ المَكانِ وَراءَ السُّورِ وعلى الأَماكِنِ المَكْشوفَة، أَقَمُته على حَسَبِ عَشائِرِه، بِسُيوفِهم ورِماحهم وقِسِيِّهم. ونَظَرتُ ونَهَضتُ وقُلتُ لِلأَشْرافِ والحُكَّامِ ولِسائِرِ الشَّعْب: «لا تَخافوهم، بلِ ٱذكُروا الرَّبَّ العَظيمَ الرَّهيب، وقاتِلوا عن إِخْوانِكم وبَنيكم وبَناتِكم ونِسائِكم وبُيوتِكم». ولَمَّا سَمِعَ أَعداؤُنا بِأَنَّنا قد أُعلِمْنا وأَنَّ اللهَ أَبطَلَ مَشورَتَهم، رَجَعْنا كُلُّنا إِلى السُّور، كُلُّ واحِدٍ إِلى عَمَلِه. ومِن ذٰلك اليَوم، كانَ النِّصفُ مِن رِجالي يَعمَلونَ العَمَل، والنِّصفُ الآخَرُ مُتَسَلِّحًا بالرِّماحِ والتُّروسِ والقِسِيِّ والدُّروع، وكانَ الرُّؤَساءُ وَراءَ كُلِّ بَيتِ يَهوذا الَّذي كانَ يَبْني السُّور. وكانَ حامِلو الأَثْقالِ يَحمِلونَ عامِلينَ بِاليَدِ الواحِدَة، وقد أَمسَكوا الحِرابَ بِاليَدِ الأُخْرى. وكانَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ البَنَّائينَ يَبْني، وهو مُتَقَلِّدٌ سَيفَه على حَقَوَيه، وكانَ النَّافِخُ في البوقِ معي. فقُلتُ لِلأَشْرافِ والحُكَّامِ ولِسائِرِ الشَّعْب: «إِنَّ العَمَلَ عَظيمٌ مُتَّسِع، ونَحنُ مُتَفَرِّقونَ على السُّور، بَعيدونَ بَعضُنا عن بَعْض. فالمَكانُ الَّذي تَسمَعونَ مِنه صَوتَ البوق، هُناكَ تَجتَمِعونَ إِلَينا. إِلٰهُنا يُقاتِلُ عَنَّا». فكُنَّا نَعمَلُ العَمَل، وكانَ النِّصفُ يَحمِلُ الرِّماحَ مِن طُلوعِ الفَجرِ إِلى ظُهورِ النُّجوم. وفي ذٰلك الوَقتِ، قُلتُ لِلشَّعبِ أَيضًا: «لِيَبِتْ كُلُّ واحِدٍ مع خادِمِه في وَسَطِ أُورَشَليم، لِيَكونوا لَنا في اللَّيلِ حَرَسًا وفي النَّهارِ عُمَّالًا». ولَم أَكُنْ أَنا ولا إِخْواني ولا رِجالي ولا الحَرَسُ الَّذينَ يَسيرونَ وَرائي نَنزِعُ ثِيابَنا واحِدًا فواحِدًا إِلاَّ لِلٱغتِسال. وكانَت شَكْوى عَظيمةٌ مِنَ الشَّعبِ ونِسائِهم على إِخْوانِهمِ اليَهود. فمِن قائِل: «نَحنُ وبنونا وبَناتُنا كَثيرون. فهَلُمُّوا نَشتَري حِنطَةً لِنأكُلَ ونَعيش»، ومِن قائِل: «إِنَّنا رَهَنَّا حُقولَنا وكُرومَنا وبُيوتَنا لِنَشتَرِيَ حِنطَةً في المَجاعة»، ومِن قائِل: «إِنَّنا ٱقتَرَضنا فِضَّةً لِتَأدِيَةِ خَراجِ المَلِكِ على حُقولِنا وكُرومِنا، والآن، فإِنَّ لَحمَنا كلَحمِ إِخْوانِنا وبَنينا كَبنيهم، وها نَحنُ نُسلِمُ بَنينا وبَناتِنا إِلى العُبودِيَّة، وقدِ ٱستُعبِدَ بَعضُ بَناتِنا، ولا طاقَةَ في أَيدينا، وحُقولُنا وكُرومُنا أَصبَحَت لِغَيرِنا». فلَمَّا سَمِعتُ شَكْواهم وهٰذه الكَلِمات، غَضِبتُ غَضَبًا شَديدًا، فشاوَرتُ نَفْسي وعَنَّفتُ الأَشْرافَ والحُكَّامَ وقُلتُ لَهم: «تُثَقِّلونَ كُلُّ واحِدٍ على أَخيه»، وٱستَدعَيتُ علَيهم جَماعَةً كَبيرَة، وقُلتُ لَهم: «نَحنُ ٱفتَدَينا على قَدرِ طاقَتِنا إِخْوانَنا اليَهودَ الَّذينَ بيعوا لِلأُمَم، فإِذا أَنتُم أَيضًا تَبيعونَ إِخْوانَكُم ولَنا يُباعون». فسَكَتوا ولم يَستَطيعوا جَوابًا. وقُلتُ: «لَيسَ ما تَعمَلون بِحَسَن، فهَلاَّ تَسيرونَ بِمَخافَةِ إِلٰهِنا تَجَنُّبًا لِعارِ الأُمَمِ أَعْدائِنا. وأَنا أَيضًا وإِخوَتي ورِجالي قد أَقرَضناهم فِضَّةً وحِنطَةً، فَلْنَتْرُكْ هٰذا الدَّيْن، ورُدُّوا إِلَيهم في هٰذا اليَومِ حُقولَهم وكُرومَهم وزَيتونَهم وبُيوتَهم، فَضلًا عنِ الواحِدِ في المِئَةِ مِنَ الفِضَّةِ والحِنطَةِ والخَمرِ والزَّيتِ الَّذي تُطالِبونَهم بِه». فقالوا: «نَرُدُّ، ولا نُطالِبُهم بِه، وكما تَقولُ فنَحنُ نَفعَل». فدَعَوتُ الكَهَنَةَ وحَلَّفتُهم على أَن يَفْعَلوا بمُقْتَضى هٰذا الكَلام، ثُمَّ نَفَضتُ حِضْني وقُلتُ: «هٰكذا يَنفُضُ اللهُ كُلَّ إِنْسانٍ لا يَفي بِهٰذا الكَلامِ مِن بَيتِه ومِن مِلكِه، وهٰكذا يَكونُ مَنْفوضًا وفارِغًا». فقالَتِ الجَماعَةُ كُلُّها: «آمين»، وسَبَّحَتِ الرَّبّ، وعَمِلَ الشَّعبُ وَفقًا لِهٰذا الكَلام. ثُمَّ إِنِّي مُنذُ يَومَ أُمِرتُ أَن أَكونَ والِيًا في أَرضِ يَهوذا، مِنَ السَّنَةِ العِشْرينَ إِلى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ والثَّلاثينَ لأَرتَحْشَشْتا المَلِك، أَيِ ٱثنَتَي عَشَرَةَ سَنَة، لم آكُلْ أَنا ولا إِخوَتي خُبزَ الوالي. وأَمَّأ الوُلاةُ الأَوَّلونَ الَّذينَ كانوا قَبْلي، فثَقَّلوا على الشَّعْب، وكانوا يأخُذونَ مِنهُ مِنَ الخُبزِ والخَمرِ، فَضلًا عن الفِضَّة، ما يَزيدُ على أَربَعينَ مِثْقالًا مِنَ الفِضَّة، بل رِجالُهم أَيضًا كانوا يَتَسَلَّطونَ على الشَّعْب. أَمَّا أَنا فلَم أفعَلْ مِثلَ ذٰلك خَشيَةً لله، وإِنَّما تَمَسَّكتُ بِعَمَلِ هٰذا السُّور، ولم نَشتَرِ حَقلًا، وكانَ جَميعُ رِجالي مُجتَمِعينَ هُناكَ لِلعَمَل. وكانَ على مائِدَتي مِنَ اليَهودِ والحُكَّامِ مِئَةٌ وخَمْسونَ رَجُلًا، فَضلًا عمَّن قَدِمَ إِلَينا مِنَ الأُمَمِ الَّتي حَولَنا. وكانَ يُهَيَّأُ لي في كُلِّ يَومٍ ثَورٌ وسِتَّةٌ مِن خِيارِ الغَنَم، ما عَدا الطُّيور، وفي كُلِّ عَشرَةِ أَيَّامٍ مِن جَميعِ أَنْواعِ الخَمرِ شَيءٌ كثير. ومع هٰذا لم أَطلُبْ خُبزَ الوالي، لأَنَّ العَمَلَ قد ثَقُلَ على هٰذا الشَّعْب. فٱذكُرْني أَللَّهُمَّ بِالخَيرِ على كُلِّ ما صَنَعتُه إِلى هٰذا الشَّعْب. ولَمَّا سَمِعَ سَنبَلَّطُ وطوبِيَّا وجاشَمُ العَرَبِيُّ وسائِرُ أَعْدائِنا بِأَنِّي قد أَعَدتُ بِناءَ السُّور، ولم تَبْقَ فيه ثُلمَة، مع أَنِّي لم أَكُنْ وَقتَئِذٍ قد رَكَّبتُ المَصاريعَ في الأَبْواب، أَرسَلَ إِلَيَّ سَنبَلَّطُ وجاشَمُ يَقولان: «هَلُمَّ نَتَلاقَى مَعًا في كَفيرين، في سَهلِ أُونو»، وقَد أَضمَرا لِيَ السُّوء. فوَجَّهتُ إِلَيهما رُسُلًا وقُلتُ لَهما: «إِنِّي قائِمٌ بِعَمَلٍ كَبير، فلا أَستَطيعُ النُّزول، مَخافَةَ أَن يَتَعَطَّلَ العَمَلُ إِذا تَرَكتُه ونَزَلتُ إِلَيكما». فأَرسَلا إِلَيَّ بِمِثْلِ ذٰلك أَربَعَ مَرَّات، وأَجَبتُهم بِمِثلِ هٰذا. فأَرسَلَ إِلَيَّ سَنبَلَّطُ بِمِثْلِ ذٰلك مَرَّةً خامِسَةً مع خادِمِه بِرِسالَةٍ مَفْتوحَةٍ في يَدِه، مَكْتوبٍ فيها: «قد سُمِعَ في الأُمَمِ، وجاشَمُ يَقول: إِنَّكَ أَنتَ واليَهودَ مُضمِرونَ التَّمَرُّد، ولِذٰلك أَنتَ تَبْني السُّور، لِتَكونَ مَلِكًا علَيها، بِحَسَبِ ما رُوِيَ. بل قد أَقَمتَ أَنبِياءَ لِيُنادوا لَكَ في أُورَشَليمَ قائلين: «إِنَّ في يَهوذا مَلِكًا». وهٰذا الكَلامُ سيُسمَعُ الآنَ عِندَ المَلِك، فهَلُمَّ الآنَ لِنتَشاوَرَ مَعًا». فأَرسَلتُ إِلَيه قائِلًا: «لَيسَ الأَمرُ كما تَقول، وإِنَّما هو كَلامٌ تَختَلِقُه أَنتَ من قَلبِكَ». وكانوا جَميعًا يُخَوِّفونَنا قائلين: «إِنَّ أَيدِيَهم قد ضَعُفَت عنِ العَمَل، فلَن يَتِمَّ». فشَدِّدِ الآنَ يَدَيَّ. ثُمَّ دَخَلتُ بَيتَ شَمَعْيا بنِ دَلايا بنِ مَهيطَبْئيل، وكانَ مَشْغولًا، فقال: «لِنَجتَمِعْ في بَيتِ الله، في داخِلِ الهَيكَل، ونُغْلِقْ أَبْوابَ الهَيكَل، لأَنَّهم آتونَ لِيَقتُلوكَ، إِنَّهم في اللَّيلِ يَأتونَ لِيَقتُلوكَ». فقُلتُ: «أَرَجُلٌ مِثْلي يَهرُبُ ومِثْلي يَدخُلُ الهَيكَلَ فيَحْيا؟ لا أَدخُل». ثُمَّ تَحَقَّقتُ فإِذا إِنَّه لَيسَ اللهُ مُرسِلَه، بل إِنَّما هو نَطَقَ بِالنُّبُوَّةِ علَيَّ، لأَنَّ طوبِيَّا وسَنبَلَّطَ قدِ ٱستَأجَراه. وإِنَّما ٱستُؤجِرَ لِكَي أَخافَ وأَفعَلَ هٰكذا وأَخطَأَ، فيَكونَ ذٰلك لدَيهما سُمعَةً قَبيحَةً لِيُعَيِّراني. أُذكُرْ أَللَّهُمَّ طوبِيَّا وسَنبَلَّطَ بِحَسَبِ أَعْمالِهما هٰذه ونوعادِيَّةَ النَّبِيَّةَ وسائِرَ الأَنبِياءِ الَّذينَ أَرادوا أَن يُخَوِّفوني. وكانَ إِنْجازُ السُّورِ في الخامِسِ والعِشْرينَ مِن أَيلول، أَي في ٱثنَينِ وخَمْسينَ يَومًا. ولَمَّا سَمِعَ جَميعُ أَعْدائِنا، خافَت جَميعُ الأُمَمِ الَّتي حَولَنا فسَقَطَت في عَينِ نَفسِها وعَلِمَت أَنَّ هٰذا العَمَل إِنَّما جَرى بِفَضلِ إِلٰهِنا. وكذٰلك كَثُرَت رَسائِلُ أَشْرافِ اليَهودِ في تِلكَ الأَيَّامِ إِلى طِوبِيَّا ورَسائِلُ طوبِيَّا إِلَيهم، لأَنَّ كَثيرينَ في يَهوذا حالَفوه، لأَنَّه صِهْرُ شَكَنْيا بنِ آرَح، ولأَنَّ يوحانانَ ٱبنَه أَخَذَ بِنتَ مَشُلاَّمَ بنِ بَرَكْيا. وكانوا أَيضًا يُثْنونَ على حَسَناتِه أَمامي ويَنقُلونَ كَلامي إِلَيه. وأَرسَلَ طوبِيَّا رَسائِلَ لِتَخْويفي. ولَمَّا بُنِيَ السُّور، ورَكَّبتُ المَصاريع، أُقيمَ البَوَّابونَ (والمُغَنُّونَ واللاَّوِيُّون). أَقَمتُ حَنانِيَ أَخي وحَنَنْيا، رَئيسَ القَلعَة، على أُورَشَليم، لأَنَّه رَجُلٌ أَمينٌ وكانَ أَكثَرَ خَشيَةً للهِ مِن كَثيرين. وقُلتُ لَهما: «لا تُفتَحْ أَبوابُ أُورَشَليمَ إِلى أَن تَحْمى الشَّمْس، ولْتُغلَقِ الأَبْوابُ وتُقفَلْ، والنَّاسُ واقِفون». وأَقَمتُ حُرَّاسًا مِن سُكَّانِ أُورَشَليم، كُلَّ واحِدٍ في مَحرَسِه، وكُلَّ واحِدٍ قُبالَةَ بَيتِه. وكانَتِ المَدينَةُ واسِعَةً وكَبيرَة، والشَّعبُ قَليلًا في وَسَطِها، ولم تَكُنِ البُيوتُ قد بُنِيَت. فأَلْقى إِلٰهي في قَلْبي أَن أَجمَعَ الأَشرافَ والحُكَّامَ والشَّعبَ للإحْصاءِ بِحَسَبِ النَّسَب. فوَجَدتُ سِفرَ نَسَبِ الَّذينَ صَعِدوا أَوَّلًا، فإِذا هو مَكْتوبٌ فيه: هٰؤُلاءِ بَنو البِلادِ الَّذينَ صَعِدوا مِن الجَلاء، مِمَّن جَلاهم نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابل، ورَجَعوا إِلى أُورَشَليمَ ويَهوذا، كُلُّ واحِدٍ إِلى مَدينَته. جاؤُوا مع زَرُبَّابَلَ ويَشوعَ ونَحَمْيا وعَزَرْيا ورَعَمْيا ونَحْمانِيَ ومَرْدَكايَ وبِلْشانَ ومَسْفارَتَ وبِجْوايَ ونَحومَ وبَعتَة. عَدَدُ رِجالِ شَعبِ إِسْرائيل: بَنو فَرْعوش: أَلفانِ ومِئَةٌ وٱثْنانِ وسَبْعون، وبَنو شَقَطْيا: ثَلاثُ مِئَةٍ وٱثنانِ وسَبْعون، وبَنو آرَح: سِتُّ مِئَةٍ وٱثنانِ وخَمْسون، وبَنو فَحَتَ موآبَ مِن بَني يَشوعَ ويوآب: أَلفانِ وثماني مِئَةٍ وثَمانِيَةَ عَشَر، وبَنو عَيلام: أَلفٌ ومِئَتانِ وأَربَعَةٌ وخَمْسون، وبَنو زَتُّو: ثَماني مِئَةٍ وخَمسَةٌ وأَربعون، وبَنو زَكَّاي: سَبعُ مِئَةٍ وسِتُّون، وبَنو بِنُّوِي: سِتُّ مِئَةٍ وثَمانِيَةٌ وأَربعون، وبَنو بيباي: سِتُّ مِئَةٍ وثَمَانِيَةٌ وعِشْرون، وبَنو عَزْجاد: أَلفانِ وثَلاثُ مِئَةٍ وٱثنانِ وعِشْرون، وبَنو أَدونيقام: سِتُّ مِئَةٍ وسَبعَةٌ وسِتُّون، وبَنو بِجْواي: أَلفانِ وسَبعَةٌ وسِتُّون، وبَنو عادين: سِتُّ مِئَةٍ وخَمسَةٌ وخَمْسون، وبَنو آطيرَ لِحِزقِيَّا: ثَمانِيَةٌ وتِسْعون، وبَنو حَشوم: ثَلاثُ مِئَةٍ وثَمانِيَةٌ وعِشْرون، وبَنو بيصاي: ثَلاثُ مِئَةٍ وأَربَعَةٌ وعِشْرون، وبَنو حاريف: مِئَةٌ وٱثنا عَشَر، وبَنو جِبْعون: خَمسَةٌ وتِسْعون، ورِجالُ بَيتَ لَحمَ ونَطوفَة: مِئَةٌ وثَمانِيَةٌ وثَمَانون، ورِجالُ عَناتوت: مِئَةٌ وثَمانِيَةٌ وعِشْرون، ورِجالُ بَيتَ عَزْموت: إِثنانِ وأَربَعون، ورِجالُ قِريَةَ يَعاريمَ وكَفيرَةَ وبَئيروت: سَبعُ مِئَةٍ وثَلاثَةٌ وأَربَعونَ، ورِجالُ الرَّامَةِ وجَبْع: سِتُّ مِئَةٍ وواحِدٌ وعِشْرون، ورِجالُ مِكْماس: مِئَةٌ وٱثنانِ وعِشْرون، ورِجالُ بَيتَ إِيلَ والعَيّ: مِئَةٌ وثَلاثَةٌ وعِشْرون، ورِجالُ نبُوَ الأُخْرى: إِثنانِ وخَمْسون، وبَنو عَيلامَ الآخَر: أَلفٌ ومِئَتانِ وأَربَعَةٌ وخَمْسون، وبَنو حاريم: ثَلاثُ مِئَةٍ وعِشْرون، وبَنو أَريحا: ثَلاثُ مِئَةٍ وخَمسَةٌ وأَربَعون، وبَنو لودَ وحاديدَ وأُونو: سَبعُ مِئَةٍ وواحِدٌ وعِشْرون، وبَنو سناءَة: ثَلاثَةُ آلافٍ وتِسعُ مِئَةٍ وثَلاثون. وأَمَّا الكَهَنَة، فبَنو يَدَعْيا مِن بَيتِ يَشوع: تِسعُ مِئَةٍ وثَلاثَةٌ وسَبْعون، وبَنو إِمِّير: أَلفٌ وٱثنانِ وخَمْسون، وبَنو فَشْحور: أَلفٌ ومِئَتانِ وسَبعَةٌ وأَربَعون، وبَنو حاريم: أَلفٌ وسَبعَةَ عَشَر. وأَمَّا اللاَّوِيُّون، فبَنو يَشوعَ لِقَدْميئيل مِن بَني هودَوْيا: أَربَعَةٌ وسَبْعون. والمُغَنُّونَ بَنو آساف: مِئَةٌ وثَمانِيَةٌ وأَربَعون. والبَوَّابونَ بَنو شَلُّومَ وبَنو آطيرَ وبَنو طَلْمونَ وبَنو عَقُّوبَ وبَنو حَطيطا وبَنو شوباي: مِئَةٌ وثَمانِيَةٌ وثَلاثون. والنَّتينِيُّونَ بَنو صيحا وبَنو حَسوفا وبَنو طَبَّاعوت وبَنو قيروسَ وبَنو سيعا وبَنو فادونَ وبَنو لَباتا وبَنو حَجابا وبَنو سَلْمايَ وبَنو حانانَ وبَنو جدِّيلَ وبَنو جاحَرَ وبَنو رآيا وبَنو رَصينَ وبَنو نَقودا وبَنو جَزَّامَ وبَنو عُزَّا وبَنو فاسيح وبَنو بيسايَ وبَنو مَعونيمَ وبنو نَفوسيمَ وبَنو بَقْبوقَ وبَنو حَقوقا وبَنو حَرْحور وبَنو بَصْليتَ وبَنو مَحيدا وبَنو حَرْشا وبَنو بَرْقوسَ وبَنو سيسَرا وبَنو تامَحَ وبَنو نَصيحَ وبَنو حَطيفا. وبَنو عَبيدِ سُلَيمان: بَنو سوطايَ وبَنو سوفارَتَ وبَنو فَريدا وبَنو يَعْلا وبَنو دَرْقونَ وبَنو جِدِّيل وبَنو شَفَطْيا وبَنو حَطِّيلَ وبَنو فوكارَتَ مِن صبائيمَ وبَنو آمون. فمَجْموعُ النَّتينِيِّينَ وبَني عَبيدِ سُلَيمان: ثَلاثُ مِئَةٍ وٱثنانِ وتِسْعون. وهٰؤُلاءِ الَّذينَ صَعِدوا مِن تَلِّ المِلْحِ وتَلِّ حَرْشا وكَروبَ وأَدُّونَ وإِمِّير، ولم يَستَطيعوا أَن يُثبِتوا بُيوتَ آبائِهم ونَسَبَهم هل هم مِن إِسْرائيل: بَنو دَلايا وبَنو طوبِيَّا وبَنو نَقودا: سِتُّ مِئَةٍ وٱثنانِ وأَربَعون، ومِنَ الكَهَنَة: بَنو حَبايا وبَنو القوصِ وبَنو زِلاَّيَ الَّذي ٱتَّخَذَ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ بَرزِلاَّيَ الجِلْعادِيِّ فدُعِيَ بِٱسمِه. هٰؤُلاءِ بَحَثوا عن كِتابَةِ أَنْسابِهم فلَم توجَدْ ففُصِلوا عنِ الكَهَنوت، وأَمَرَهُمُ التِّرْشاتا أَن لا يأكُلوا مِن قُدسِ الأَقْداسِ إِلى أَن يَقومَ كاهِنٌ لِلأُوريمِ والتُّوميم. فمَجْموعُ الجَماعة: إِثنانِ وأَربَعونَ أَلفًا وثَلاثُ مِئَةٍ وسِتُّون، ما عدا عَبيدَهم وإِماءَهم، وهم سَبعَةُ آلافٍ وثلاثُ مِئَةٍ وسَبعَةٌ وثَلاثون، ولَهم مِئَتانِ وخَمسَةٌ وأَربَعونَ مِنَ المُغَنِّينَ والمُغَنِّيات. والجِمال: أَربَعُ مِئَةٍ وخَمسَةٌ وثَلاثون، والحَمير: سِتَّةُ آلافٍ وسَبعُ مِئَةٍ وعِشْرون. وإِنَّ بَعضَ رُؤَساءِ الآباءِ أَعطَوا لِلعَمَل، فأَعْطى التِّرْشاتا لِلخَزينَةِ أَلفَ دِرهَمِ ذَهَب، وخَمْسينَ كَأسًا وثَلاثينَ قَميصًا لِلكَهَنَةِ وخَمسَ مِئَةِ مِنًا مِنَ الذَّهَب. ومِن رُؤَساءِ الآباءِ مَن أَعْطى لِخَزينَةِ العَمَل: عِشْرينَ أَلفَ دِرهَمٍ مِنَ الذَّهَب، وأَلفَينِ ومِئَتَي مَنًا مِنَ الفِضَّة. والَّذي أَعْطاه سائِرُ الشَّعْب: عِشْرونَ أَلفَ دِرهَمٍ مِنَ الذَّهَب، وأَلْفا مَنًا مِنَ الفِضَّة. وسَبعَةٌ وسِتُّونَ قَميصًا لِلكَهَنَة. فسَكَنَ الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ والبَوَّابونَ والمُغَنُّونَ وبَعضٌ مِنَ الشَّعبِ والنَّتينِيُّونَ وكُلُّ إِسْرائيلَ في مُدُنِهم. ولَمَّا كانَ الشَّهرُ السَّابِع، وبَنو إِسْرائيلَ في مُدُنِهم، إِجتَمَعَ الشَّعبُ كُلُّه كرَجُلٍ واحِدٍ في السَّاحَةِ الَّتي أَمامَ بابِ المِياه، وتَكَلَّموا مع عَزْرا الكاتِبِ في إِحْضارِ سِفرِ شَريعَةِ موسى الَّتي أَمَرَ بِها الرَّبُّ إِسْرائيل. فأَحضَرَ عَزْرا الكاهِنُ الشَّريعَةَ أَمامَ الجَماعَةِ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ وكُلِّ ذي فَهْم، لِيَسمَعَ في اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهرِ السَّابِع وقَرَأَ فيه في السَّاحَةِ الَّتي أَمامَ بابِ المِياه، مِنَ الصُّبحِ إِلى نِصفِ النَّهار، أَمامَ الرِّجالِ والنِّساءِ وكُلِّ ذي فَهم، وآذانُ كُلِّ الشَّعبِ مُصغِيَةٌ إِلى سِفْرِ الشَّريعة. وقامَ عَزْرا الكاتِبُ على مِنبَرٍ مِن خَشَبٍ مَصْنوعٍ لِذٰلك، وقامَ بِجانِبِه مَتَّتْيا وشامَعُ وعَنايا وأُورِيَّا وحِلقِيَّا ومَعَسْيا عن يَمينِه، وفَدايا وميشائيلُ ومَلْكِيَّا وحَشومُ وحَشْبَدَّانَةُ وزَكَرِيَّا ومَشُلاَّمُ عن يَسارِه. وفَتَحَ عَزْرا السِّفرَ على عُيونِ كُلِّ الشَّعْب، لأَنَّه كانَ فَوقَ الشَّعبِ كُلِّه، ولَمَّا فَتَحَه وَقَفَ الشَّعبُ كُلُّه. وبارَكَ عَزْرا الرَّبَّ الإلٰهَ العَظيم، فأَجابَ كُلُّ الشَّعْب: «آمين، آمين»، رافِعينَ أَيِديَهم، وٱرتَمَوا وسَجَدوا بوُجوهِهِم لِلرَّبِّ إِلى الأَرض. (وكانَ يَشوعُ وباني وشَرَبْيا ويامينُ وعَقُّوبُ وشَبْتايُ وهودِيَّا ومَعَسْيا وقَليطا وعَزَرْيا ويوزابادُ وحانانُ وفَلايا واللاَّوِيُّونَ يَشرَحونَ الشَّريعَةَ لِلشَّعب، والشَّعبُ في مَوقِفه). فقَرَأُوا في سِفرِ شَريعَةِ اللهِ مُتَرجِمينَ وشارِحينَ المَعْنى حتَّى فَهِموا القِراءة. (ثُمَّ إِنَّ نَحَمْيا الَّذي هو التَّرْشاتا) وعَزْرا الكاهِنَ الكاتِبَ (واللاَّوِيِّينَ الَّذينَ كانوا يُعَلِّمونَ الشَّعْب) قالَ لِكُلِّ الشَّعْب: «هٰذا يَومٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكم، فلا تَنوحوا ولا تَبْكوا»، وكانَ الشَّعبُ كُلُّه يَبْكي عِندَ سَماعِه كَلِماتِ الشَّريعَة. وقالَ لَهم: «أُمْضوا كُلوا المُسَمَّنات، وٱشرَبوا الحُلْوَ، ووَزِّعوا حِصَصًا على الَّذينَ لم يُهَيَّأْ لَهم، لأَنَّه يَومٌ مُقَدَّسٌ لِرَبِّنا. فلا تَحزَنوا، لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ حِصنُكم». وكانَ اللاَّوِيُّونَ يُسَكِّتونَ كُلَّ الشَّعبِ قائلين: «أُسكُتوا، لأَنَّه يَومٌ مُقَدَّس، ولا تَحزَنوا». فٱنصَرَفَ كُلُّ الشَّعبِ لِيَأكُلَ ويَشرَبَ ويُوَزِّعَ حِصَصًا ويَفَرَحَ فَرَحًا عَظيمًا، لأَنَّه فَهِمَ الكَلِماتِ الَّتي عَلَّموه إِيَّاها. وفي اليَومِ الثَّاني، اِجتَمَعَ رُؤَساءُ آباءِ كُلِّ الشَّعبِ والكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ إِلى عَزْرا الكاتِب، لِيَتَفَهَّموا كَلِماتِ الشَّريعَة، فوَجَدوا مَكْتوبًا في الشَّريعَةِ الَّتي أَمَرَ الرَّبُّ بِها على لِسانِ موسى أَنْ لِيَسكُنْ بَنو إِسْرائيلَ الأَكْواخَ في عيدِ الشَّهرِ السَّابِع، ولْيُسمِعوا ويُنادوا في جَميعِ مُدُنِهم وفي أُورَشَليمَ قائلين: «أُخرُجوا إِلى الجَبَل، وَأتوا بِأَغْصانٍ مِنَ الزَّيتونِ والعُتمِ والآسِ والنَّخيلِ وأَغْصانِ أَشْجارٍ كَثيفةٍ لِصَنْعِ الأَكْواخ، كما هو مَكْتوب». فخَرَجَ الشَّعبُ وأَتى بِالأَغْصانِ وصَنَعَ لَه أَكْواخًا، كُلُّ واحِدٍ على سَطْحِه وفي دارِه وفي دورِ بَيتِ اللهِ وساحَةِ بابِ المِياهِ وساحَةِ بابِ أَفْرائيم. وصَنَعَت كُلُّ الجَماعَةِ الَّتي عادَت مِنَ الجَلاءِ أَكْواخًا وأَقامَت فيها. وكانَ مِن أَيَّامِ يَشوعَ بنِ نونٍ إِلى ذٰلك اليَومِ أَنَّ بَني إِسْرائيلَ لم يَعمَلوا مِثلَ ذٰلك، فكانَ فَرَحٌ عَظيمٌ جِدًّا. وكانوا يَقرَأُونَ في سِفرِ شَريعَةِ اللهِ كُلَّ يَوم، مِنَ اليَومِ الأَوَّلِ إِلى اليَومِ الأَخير، وأَقاموا العيدَ سَبعَةَ أَيَّام، وفي اليَومِ الثَّامِنِ كانَ مَحفِلٌ على حَسَبِ ما رُسِم. وفي اليَومِ الرَّابِعِ والعِشْرينَ مِن هٰذا الشَّهْر، اِجتَمَعَ بَنو إِسْرائيلَ لِيَصوموا، وعلَيهم مُسوحُ وتُراب. وٱنفَصَلَ نَسلُ إِسْرائيلَ عن جَميعِ بَني الغُرَباء، ووَقَفوا وٱعتَرَفوا بِخَطاياهم وآثامِ آبائِهم. وقاموا في مَواقِفِهم وقَرَأُوا في سِفرِ شَريعَةِ الرَّبِّ إِلٰهِهِمُ رُبعَ النَّهار، وفي الرُّبعِ الآخَرِ كانوا يَحمَدونَ الرَّبَّ إِلٰهَهم ويَسجُدونَ لَه. ثُمَّ قامَ على مِنبَرِ اللاَّوِيِّينَ يَشوعُ وباني وقَدْميئيلُ وشَبَنْيا وبُنِّي وشَرَبْيا وباني وكَناني، وصَرَخوا بِصَوتٍ عَظيمٍ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِهم. وقالَ اللاَّوِيُّونَ يَشوعُ وقَدْميئيلُ وباني وحَشَبْنَيا وشَرَبْيا وهودِيَّا وشَبَنْيا وفَتَحْيا: «قوموا بارِكوا الرَّبَّ إِلٰهَكم مِنَ الأَبَدِ ولِلأَبَد»: لِيُبارِكوا ٱسمَ مَجدِكَ المُتَعالي على كُلِّ بَرَكَةٍ وتَسْبيح. أَنتَ يا رَبُّ وَحدَكَ صَنَعتَ السَّمَوات، وسَماءَ السَّمَواتِ وكُلَّ قُوَّاتِها، والأَرضَ وكُلَّ ما علَيها، والبِحارَ وكُلَّ ما فيها، وأَنتَ مُحْيي هٰذه، وقُوَّاتُ السَّماءِ تَسجُدُ لَكَ. أَنتَ الرَّبُّ الإِلٰهُ الَّذي ٱختَرتَ أَبْرام، وأَخرَجتَه مِن أُورِ الكَلْدانِيِّين، وجَعَلتَ ٱسمَه إِبْراهيم. وقد وَجَدتَ قَلبَه أَمينًا أَمامَكَ، وقَطَعتَ معه عَهدًا على أَن تُعطِيَه أَرضَ الكَنْعانِيِّين والحِثِّيِّينَ والأَمورِيِّين والفَرِزِّيِّينَ واليَبوسِيِّينَ والجِرْجاشِيِّين، وتُعطِيها لِنَسْلِه، وقد حَقَّقتَ وَعدَكَ لأَنَّكَ بارّ. ثُمَّ رأَيتَ مَذَلَّةَ آبائِنا في مِصرَ، وسَمِعتَ صُراخَهم عِندَ بَحرِ القَصَب. فصَنَعتَ آياتٍ وخَوارِقَ في فِرعَونَ، وجَميعِ عَبيدِه وكُلِّ شَعبِ أَرضِه، لأَنَّكَ عَلِمتَ أَنَّهم تَعَجرَفوا علَيهم، وأَقَمتَ لَكَ ٱسمًا كما في هٰذا اليَوم. وفَلَقتَ البَحرَ أَمامَهم، فجازوا في وَسَطِ البَحرِ على اليَبَس، وطَرَحتَ مُطارِديهم في الأَعْماق، كحَجَرٍ في مِياهٍ طاغِيَة. وأَرشَدتَهم بِعَمودِ الغَمامِ في النَّهار، وبِعَمودِ النَّارِ في اللَّيل، لِيُنيرَ لَهُمُ الطَّريقَ الَّتي يَسيرونَ فيها. ونَزَلْتَ على جَبَلِ سيناء، وخاطَبتَهم مِنَ السَّماء، وأَعطيتَهم أَحْكامًا مُستَقيمة، وشَرائِعَ حَقٍّ وفَرائِضَ ووصايا صالِحَة. وعَرَّفتَهم سَبتَك المُقَدَّس، وأَمَرتَهم بِوَصايا وفَرائِضَ وشَرائِع، على لِسانِ موسى عَبدِكَ. ورَزَقتَهم خُبزًا مِنَ السَّماء في جوعِهمِ، ومِياهًا مِنَ الصَّخرِ أَخرَجتَ لَهم في عَطَشِهم، وأَمَرتَهم أَن يَدخُلوا لِيَرِثوا الأَرضَ الَّتي رَفَعتَ يَدَكَ مُقسِمًا أَن تُعطِيَها لَهم. فتَعَجرَفوا هم آباؤُنا، وقَسَّوا أَعْناقَهم ولم يُطيعوا أَوامِرَكَ. وأَبَوا أَن يَسمَعوا، ولَم يَتَذَكَّروا عَجائِبَكَ الَّتي صَنَعتَ معهم وقَسَّوا أَعْناقَهم، وعَزَموا على الرُّجوعِ إِلى عُبودِيَّتِهم في مِصر، وأَنتَ إِلٰهٌ غَفورٌ حَنونٌ رَحيم، طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الرَّحمَة، فلَم تَترُكْهم. ولَمَّا صَنَعوا لَهم عِجلًا مَسْبوكًا، وقالوا: «هٰذا إِلٰهُكمُ الَّذي أَصعَدَكم مِن مِصرَ»، وجَدَّفوا تَجْديفاتٍ عظيمة، أَنتَ بِمَراحِمِكَ الكَثيرَةِ لم تَترُكْهم في البَرِّيَّة، فلم يُفارِقْهم عَمودُ الغَمامِ نَهارًا لِيُرشِدَهم في الطَّريق، ولا عَمودُ النَّارِ لَيلًا، لِيُنيرَ علَيهم في الطَّريقِ الَّتي يَسيرونَ فيها. ووَهَبتَ لَهم روحَكَ الصَّالِحَ لِيُفَطِّنَهم، ولم تُمسِكْ مَنَّكَ عن أَفواهِهم، وأَعطَيتَهم ماءً في عَطَشِهم. أَربَعينَ سَنَةً عُلتَهم في البَرِّيَّة، فلَم يُعوِزْهم شَيءٌ، وثِيابُهم لم تَبْلَ، وأَرُجلُهم لم تَتَوَرَّم، ووَهَبتَ لَهم مَمالِكَ وشَعوبًا، وقَسَّمتَ لَهم أَراضِيَ بَعيدَة، فوَرِثوا أَرضَ سيحونَ، مَلِكِ حَشْبون، وأَرضَ عوجٍ، مَلِكِ باشان. وكَثَّرتَ أَولادَهم كنُجومِ السَّماء، وأَدخَلتَهم إِلى الأَرضِ الَّتي وَعَدتَ آباءَهم أَن يَدْخُلوا إِلَيها ويَرِثوها. فأَتى البَنونَ ووَرِثوا الأَرض، وأَخضَعتَ أَمامَهم سُكَّانَ أَرضِ الكَنْعانِيِّين، وأَسلَمتَهم مع مُلوكهم وشُعوبِ الأَرض، إِلى أَيديهم لِيَفعَلوا بِهم كما يُحِبُّون. فٱستَولَوا على مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ وأَرضٍ مُخصِبَة، ووَرِثوا بُيوتًا مَملوءَةً كُلَّ خَير، وآبارًا مَحْفورَةً وكُرومًا وزَيتونًا، وأَشجارًا ذاتَ ثَمَرٍ بِكَثرَة، وأَكَلوا وشَبِعوا وسَمِنوا، وتَنَعَّموا بِجودِكَ العَظيم. ثُمَّ عَصَوكَ وتَمَرَّدوا علَيكَ، ونَبَذوا شَريعَتَكَ وَراءَهم، وقَتَلوا أَنبِياءَكَ الَّذينَ أَشهَدوا علَيهم لِيَردُّوهم وجَدَّفوا تَجْديفاتٍ عَظيمَة. فأَسلَمتَهم إِلى أَيدي مُضايِقيهم فضايَقوهم، وفي وَقتِ ضيقِهم صَرَخوا إِلَيكَ، فسَمِعتَ أَنتَ مِنَ السَّماء، وبِحَسَبِ مَراحِمِكَ الكَثيرَة أَعطَيتَهم مُخَلِّصين، فخَلَّصوهم مِن أَيدي مُضايِقيهم. فلَمَّا ٱستَراحوا عادوا إِلى عَمَلِ الشَّرِّ أَمامَك، فتَرَكتَهم في أَيدي أَعْدائِهم فتَسَلَّطوا علَيهم، فعادوا وصَرَخوا إِلَيكَ، وأَنتَ مِنَ السَّماءِ ٱستَجَبتَ ونَجَّيتَهم، بِحَسَبِ كَثرَةِ مَراحِمِكَ مَرَّاتٍ كَثيرَة. وأَشهَدتَ علَيهم لِتَرُدَّهم إِلى شَريعَتِكَ، فتَعَجرَفوا ولم يَسمَعوا لِوَصاياكَ، وخَطِئوا في أَحْكامِكَ الَّتي إِذا عَمِلَ بِها الإِنْسانُ يَحْيا بِها، ونَصَبوا كَتِفًا مُتَمَرِّدَةً، وقَسَّوا رِقابَهم ولم يَسمَعوا. فصَبَرتَ علَيهم سِنينَ كَثيرة، وأَشهَدتَ علَيهم بِروحِكَ على أَلسِنَةِ أَنْبِيائِكَ فلَم يُصْغوا، فأَسلَمتَهم إِلى أَيدي شُعوبِ الأَرض. ولَكِنَّكَ لِكَثرَةِ مَراحِمِكَ لم تُبِدْهم، ولَم تَترُكْهم لأَنَّكَ إِلٰهٌ حَنونٌ رَحيم. فالآنَ يا إِلٰهَنا الإلٰهَ العَظيم، القادِرَ الرَّهيبَ الحافِظَ العَهدِ والرَّحمَة، لا تَصغُرْ أَمامَكَ كُلُّ هٰذه المَشَقَّةِ الَّتي نالَتْنا نَحنُ ومُلوكَنا ورُؤَساءَنا، وكَهَنَتَنا وأَنبِياءَنا وآباءَنا وكُلَّ شَعبِكَ، مُنذُ أَيَّامِ مُلوكِ أَشُّورَ إِلى هٰذا اليَوم. وأَنتَ بارٌّ في كُلِّ ما حَلَّ بِنا، لأَنَّكَ بِالحَقِّ عَمِلتَ ونَحنُ أَثِمْنا. ومُلوكُنا ورُؤَساؤُنا وكَهَنَتُنا وآباؤُنا لم يَعمَلوا بِشَريعَتِكَ، ولَم يُصْغوا لِوَصاياكَ وشَهادَتِكَ الَّتي أَشهَدتَ علَيهم، ولا عَمِلوا لَكَ في مُلكِهم، ولا في خَيرِكَ العَظيم الَّذي أَعطَيتَهم إِيَّاه، والأَرضِ الواسِعَةِ المُخصِبَةِ الَّتي جَعَلتَها أَمامَهم، ولم يَتوبوا عن طُرُقِهمِ الشِّرِّيرَة. ها نَحنُ اليَومَ عَبيد والأَرضُ الَّتي أَعطَيتَها لِآبائِنا، لِيأكُلوا ثَمَرَها وخَيرَها، نَحنُ عَبيدٌ فيها. وغَلَّتُها إِنَّما تَكثُرُ لِلمُلوكِ اللَّذينَ وَلَّيتَهم علَينا بِسَبِبِ خَطايانا، وهم مُتَسَلِّطونَ على أَبْدانِنا، وعلى بَهائِمِنا كما يَشاؤُون، ونَحنُ في ضيقٍ شَديد. ... وبِسَبَبِ هٰذا كُلِّه، نَحنُ نَقطَعُ عَهدًا ونَخُطُّه، ورُؤَساؤُنا واللاَّوِيُّونَ والكَهَنَةُ يَختِمون... والَّذينَ خَتَموا: نَحَمْيا التِّرْشانا ابنُ حَكَلْيا وصِدِقيَّا وسَرايا وعَزَرْيا وإِرمِيا وفَشْحورُ وأَمَرْيا ومَلْكِيَّا وحَطُّوشُ وشَبَنْيا ومَلُّوكُ وحاريمُ ومَريموتُ وعويَدْيا ودانِيالُ وجِنْتونُ وباروكُ ومَشُلاَّمُ وأَبِيَّا ومِيَّامينُ ومَعَزْيا وبِلْجايُ وشَمَعْيا. هؤُلاءِ همُ الكَهَنَة. واللاَّوِيُّونَ: يَشوعُ بنُ أَزَنْيا وبِنُّوِي مِن بَني حينادادَ وقَدْميئيلُ وإِخوَتُهم شَبَنْيا وهودِيَّا وقَليطا وفَلايا وحانانُ وميخا ورَحوبُ وحَشَبْيا وزَكُّورُ وشَرَبْيا وشَبَنْيا وهودِيَّا وباني وبَنينو. ورُؤساءُ الشَّعبِ: فَرعوشُ وفَحَتَ موآبُ وعَيلامُ وزَتُّو وباني وبُنِّي وعَزْجادُ وبيبايُ وأَدونِيَّا وبِجْوايُ وعادينُ وآطيرُ وحِزقِيَّا وعَزُّورُ وهودِيَّا وحَشومُ وبيصايُ وحاريفُ وعَناتوتُ ونيبايُ ومَجْفيعاشُ ومَشُلاَّمُ وحَزيرُ ومَشيزَبْئيلُ وصادوقُ ويَدُّوعُ وفَلَطْيا وحانانُ وعَنايا وهوشَعُ وحَنَنْيا وحَشوبُ واللُّوحيشُ وفِلْحا وشوبيقُ ورَحومُ وحَشَبَتَةُ ومَعَسْيا وأَحِيَّا وحانانُ وعانانُ ومَلُّوكُ وحاريمُ وبَعنَة. وباقي الشَّعبِ مِنَ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ والبَوَّابينَ والمُغَنِّينَ والنَّتينِيِّينَ وجَميعُ الَّذينَ ٱنفَصَلوا عن شُعوبِ البِلادِ وٱعتَنَقوا شَريعَةَ الله، ونِساؤُهم وبَنوهم وبَناتُهم، كُلُّ صاحِبِ مَعرِفَةٍ وفَهْم، اِنضَمُّوا إِلى إِخوَتِهم وأَشْرافِهم، ودَخَلوا في يَمينِ لَعنَة، على أَن يَسيروا في شَريعَةِ اللهِ الَّتي أُعطِيَت على لِسانِ موسى، عَبدِالله، ويَحفَظوا جَميعَ وَصايا الرَّبِّ سَيِّدِنا وأَحْكامِه وفَرائِضِه. وأَن لا نُعْطِيَ بَناتِنا لِشُعوبِ الأَرض، ولا نَأخُذَ بَناتِهم لِبَنينا، ولا نَشتَرِيَ في السَّبتِ ولا في يَومٍ مُقَدَّسٍ مِن شُعوبِ الأَرضِ الَّتي تَأتي بِبَضائِعَ أَو حُبوبٍ في يَومِ السَّبتِ لِتَبيعَها، وأَن نَترُكَ في السَّنَةِ السَّابِعَةِ غِلالَ الأَرضِ والمُطالَبَةَ بِكُلِّ دَين، ونُقيمَ على أَنْفُسِنا الفَرائِضَ التَّالِيَة: أَن نُؤَدِّيَ عن أَنفُسِنا ثُلثَ مِثْقالٍ في السَّنَةِ لِخِدمَةِ بَيتِ إِلٰهِنا: أَي لِخُبزِ التَّنْضيدِ والتَّقدِمَةِ الدَّائِمَةِ والمُحرَقَةِ الدَّائِمَةِ لِذَبائِحِ السُّبوتِ ورُؤُوسِ الشُّهورِ والأَعْيادِ ولِلأَقداسِ وذَبائِحِ الخَطيئَةِ لِلتَّكْفيرِ عن إِسْرائيل، ولِكُلِّ خِدمَةٍ في بَيتِ إِلٰهِنا. ثُمَّ أَلقَينا قُرَعًا بَينَ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ والشَّعبِ على قُرْبانِ الحَطَب، لأَجلِ إِدْخالِه إِلى بَيتِ إِلٰهِنا بِحَسَبِ بُيوتِ آبائِنا، في أَوقاتٍ مُسَمَّاةٍ سَنَةً فسَنَة، لإيقادِه على مَذبَحِ الرَّبِّ إِلٰهِنا، بِحَسَبِ ما هو مَكْتوبٌ في الشَّريعَة. ونُقيمُ على أَنفُسِنا أَن نَحمِلَ بَواكيرَ أَرضِنا وبَواكيرَ ثِمارِ كُلِّ شَجَرٍ سَنَةً فَسَنَةً إِلى بَيْتِ الرَّبّ، وأَبْكارَ بَنينا وبَهائِمِنا، على ما هو مَكْتوبٌ في الشَّريعة، وأَبْكارَ بَقَرِنا وغَنَمِنا لِتَقْديمِها إِلى بَيتِ إِلٰهِنا لِلكَهَنَةِ الَّذينَ يَخدُمونَ في بَيتِ إِلٰهِنا، وأَن نَحمِلَ أَوائِلَ عَجينِنا وتَقادِمِنا وثَمَرِ كُلِّ شَجَر، وأَوائِلَ النَّبِيذِ والزَّيتِ إِلى الكَهَنَة، إِلى غُرَفِ بَيتِ إِلٰهِنا، وأَعْشارَ أَرضِنا إِلى اللاَّوِيِّين. فيَكونُ لِلاَّوِيِّينَ جِبايَةُ العُشْرِ في جَميعِ مُدُنِ عِبادَتِنا، ويكونُ كاهِنٌ مِن بَني هارونَ مع اللاَّوِيِّينَ في جِبايَةِ العُشْر، ويُؤَدِّي اللاَّوِيُّونَ عُشرَ الأَعْشارِ لِبَيتِ إِلٰهِنا في غُرَفِ بَيتِ الخَزْن، لأَنَّه إِلى هٰذه الغُرَفِ يَحمِلُ بَنو إِسْرائيلَ وبَنو لاوي تَقادِمَ الحِنطَةِ والنَّبيذِ والزَّيت، حَيثُ آنِيَةُ القُدسِ والكَهَنَةُ الخادمونَ والبَوَّابونَ والمُغَنُّون، فلا نَترُكَ بَيتَ إِلٰهِنا. وسَكَنَ رُؤَساءُ الشَّعبِ في أُورَشَليم، وبَقِيَّةُ الشَّعبِ أَلْقى قُرَعًا على أَن يُحضِرَ واحِدًا مِن عَشَرَةٍ لِيَسكُنَ في أُورَشَليم، مَدينَةِ القُدْس، ويَبْقى التِّسعَةُ في سائِرِ المُدُن. وبارَكَ الشَّعبُ جَميعَ الرِّجالِ الَّذينَ تَقَدَّموا طَوعًا لِيَسكُنوا في أُورَشَليم. وهٰؤُلاءِ رُؤَساءُ الأَقاليمِ الَّذينَ سَكَنوا في أُورَشَليمَ ومُدُنِ يَهوذا، أَقامَ كُلُّ واحِدٍ في مِلكِه في مُدُنِهم: بَنو إِسْرائيلَ والكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ والنَّتينِيُّونَ وبَنو عَبيدِ سُلَيْمان. فسَكَنَ في أُورَشَليم، مِن بَني يَهوذا وبَني بَنْيامين: فمِن بَني يَهوذا: عَتايا بنُ عُزِّيَّا بنِ زَكَرِيَّا بنِ أَمَرْيا بنِ شَفَطْيا بنِ مَهْلَلْئيلَ مِن بَني فارَص، ومَعَسْيا بنُ باروكَ بنِ كُلْحوزِيَ بنِ حَزايا بنِ عَدايا بنِ يوياريبَ بنِ زَكَرِيَّا ٱبنِ الشِّيلونِيّ. فمَجْموعُ بَني فارَصَ الَّذينَ سَكَنوا في أُورَشَليم: أَربَعُ مِئَةٍ وثَمَانِيَةٌ وسِتُّونَ رَجُلًا ذَوو بَأس. وهٰؤُلاءِ بَنو بَنْيامين: سَلُّو بنُ مَشُلاَّمَ بنِ يوعيدَ بنِ فَدايا بنِ قولايا بنِ مَعَسْيا بنِ إِيتيئيلَ ٱبنِ أَشَعْيا. وبَعدَه جَبَّايُ وسَلاَّي: تِسعُ مِئَةٍ وثَمانِيَةٌ وعِشْرون. وكانَ يوئيلُ بنُ زِكْري رَئيسًا علَيهم ويَهوذا بنُ السَّنوءَةِ نائِبَ رَئيسِ المَدينَة. ومِنَ الكَهَنَة: يَدَعْيا بنُ يوياريبَ وياكينُ وسَرايا بنُ حِلقِيَّا بنِ مَشُلاَّمَ بنِ صادوقَ بنِ مَرايوتَ بنِ أَحيطوب، رَئيسُ بَيتِ الله، وإِخوَتُهمُ الَّذينَ باشَروا العَمَلَ في البَيت: ثَماني مِئَةٍ وٱثنانِ وعِشْرون، وعَدايا بنُ يروحامَ ٱبنِ قلَلْيا بنِ أَمْصِيَ بنِ زَكَرِيَّا بنِ فَشْحورَ بنِ مَلكِيَّا وإِخوَتُه رُؤَساءُ الآباء: مِئَتانِ وٱثنانِ وأَربَعون، وعَمَشْسايُ بنُ عَزَرْئيلَ بنِ أَحْزايَ بنِ مَشِلِّيموتَ بنِ إِمِّير، وإِخوَتُهم أَبطالٌ ذَوو بأس: مِئَةٌ وثَمانِيَةٌ وعِشْرون، والرَّئيسُ علَيهم زَبْديئيلُ بنُ جَدوليم. ومِنَ اللاَّوِيِّينَ: شَمَعْيا بنُ حَشوبَ بنِ عَزْريقامَ بنِ حَشَبْيا بنِ بُنِّي، وشَبْتايُ ويوزاباد، وهم مِن رُؤَساءِ اللاَّوِيِّينَ على العَمَلِ الخارِجِيِّ لِبَيتِ الله، ومَتَّنْيا بنُ ميخا بنِ زَبْدِيَ ٱبنِ آساف، رَئيسُ التَّسْبيحِ الَّذي كانَ يُنشِدُ الحَمدَ في الصَّلاة، وبَقبُقْيا الثَّاني بَينَ إِخوَتِه وعَبْدا بنُ شَمُّوعَ بنِ جالالَ بنِ يَدوتون. فمَجْموعُ اللاَّوِيِّينَ في المَدينَةِ المُقَدَّسة: مِئَتانِ وأَربَعَةٌ وثَمَانون. ومِنَ البَوَّابينَ، عَقُّوبُ وطَلْمونُ وإِخوَتُهمَا، حُرَّاسُ الأَعْتاب: مِئَةٌ وٱثنانِ وسَبْعون. وبَقِيَّةُ إِسْرائيلَ مِنَ الكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ في جَميعِ مُدُنِ يَهوذا، كُلُّ واحِدٍ في ميراثِه. أَمَّا النَّتينِيُّون، فأَقاموا بِعوفَل، وكانَ علَيهم صيحا وجِشْفا. وكانَ رَئيسُ اللاَّوِيِّينَ في أُورَشَليمَ عُزِّيَ بنَ باني بنِ حَشَبْيا بنِ مَتَّنْيا بنِ ميخا، مِن بَني آسافَ المُغَنِّينَ المُنصَرِفينَ إِلى خِدمَةِ بَيتِ الله، لأَنَّ المَلِكَ أَمَرَ في شأنِهم بِأَن يَكونَ لِلمُغَنِّينَ عَمَلٌ يُفرَضُ يَومًا فيَومًا. وكانَ فَتَحْيا ٱبنُ مَشيزَبْئيلَ مِن بَني زارَحَ بنِ يَهوذا تَحتَ يَدِ المَلِكِ في جَميعِ أُمورِ الشَّعْب. وفي القُرى مع حُقولِها، سَكَنَ بَعضُ بَني يَهوذا: في قِريَةَ أَربَعَ وتَوابِعِها وديبونَ وتَوابِعِها ويَقَبْصَئيلَ وقُراها ويَشوعَ ومولادَةَ وبَيتَ فالَطَ وحَصَرَ شوعالَ وبِئرَ سَبْعَ وتَوابِعِها وصِقْلاجَ ومَكونَةَ وتَوابِعِها وعَينَ رِمُّونَ وصُرعَةَ ويَرْموتَ وزانوحَ وعَدُلاَّمَ وقُراها ولاكيشَ وحُقولِها وعَزيقَةَ وتَوابِعِها، فسَكَنوا مِن بِئرَ سَبْعَ إِلى وادي هِنُّوم. وبَنو بَنْيامينَ سَكَنوا مِن جَبْعَ إِلى مِكْماشَ وعَيَّا وبَيتَ إِيلَ وتَوابِعِها، في عناتوتَ ونوبَ وعَنَنْيا وحاصورَ والرَّامَةِ وجِتَّائيمَ وحاديدَ وصَبوعيمَ ونَبَلاَّطَ ولودَ وأُونُوَ ووادي الصُّنَّاع. وكانَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ فِرَقٌ ذَهَبَت مِن يَهوذا إِلى بَنْيامين. وهٰؤلاءِ الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ الَّذينَ صَعِدوا مع زَرُبَّابَلَ بنِ شأَلْتيئيل ويَشوع: سَرايا وإِرمِيا وعَزْرا وأَمَرْيا ومَلُّوكَ وحَطُّوشُ وشَكَنْيا ورَحومُ ومَريموتُ وعِدُّو وجِنْتُوي وأَبِيَّا ومِيَّامينُ ومَعَدْيا وبِلجَةُ وشَمَعْيا ويوياريبُ ويَدَعْيا وسَلُّو وعاموقُ وحِلقِيَّا ويَدَعْيا. هٰؤُلاءِ رُؤَساءُ الكَهَنَةِ وإِخوَتُهم في أَيَّامِ يَشوع. واللاَّوِيُّون: يَشوعُ وبِنُّوِي وقَدْميئيلُ وشَرَبْيا ويَهوذا ومَتَّنْيا الّشذي كانَ على التَّسْبيح، هو وإِخوَتُه. وبَقْبُقْيا وعُنِّي، مع أَنَّهما أَخَواهم، كانا تَحتَ تَصَرُّفِهم لِلحِراسة. ويَشوعُ وَلَدَ يوياقيم، ويوياقيمُ وَلَدَ أَلْياشيب، وأَلْياشيبُ وَلَدَ يوياداع، ويوياداعُ وَلَدَ يوناتان، ويوناتانُ وَلَدَ يَدُّوع. وفي أَيَّامِ يوياقيم، كانَ الكَهَنَةُ رُؤَساءُ الآباءِ لِسرايا: مَرايا، ولِإرمِيا: حَنَنْيا، ولِعَزْرا: مَشُلاَّم، ولأَمَرْيا: يوحانان، ولِمَليكو: يوناتان، ولِشَبَنْيا: يوسُف، ولِحاريم: عَدْنا، ولِمَرايوت: حَلْقاي، ولِعِدُّو: زَكَرِيَّا، ولِجِنَّتون: مَشُلاَّم، ولأَبِيَّا: زِكْري، ولِمِنْيامين... ولِموعَدْيا: فِلْطاي، ولِبِلْجَة: شَمُّوع، ولِشَمَعْيا: يوناتان، ولِيوياريب: مَتْناي، ولِيَدَعْيا: عُزِّي، ولِسَلاَّي: قَلاَّي، ولِعاموق: عابَر، ولِحِلِقِيَّا: حَشَبْيا، ولِيَدَعْيا: نَتَنائيل. وكانَ اللاَّوِيُّونَ، في أَيَّامِ أَلْياشيبَ ويوياداعَ ويوحانانَ ويَدّوع، مُسَجَّلينَ رُؤَساءَ آباءَ، وكذٰلك الكَهَنَةُ في عَهدِ دارِيوسَ الفارِسِيّ. وأَمَّا بَنو لاوي، رُؤَساءُ الآباء، فكانوا مُسَجَّلينَ في سِفرِ أَخْبارِ الأَيَّامِ إِلى أَيَّامِ يوحانانَ ٱبنِ أَلْياشيب. وكانَ رُؤَساءُ اللاَّوِيِّين: حَشَبْيا وشَرَبْيا ويَشوعُ بنُ قَدْميئيل وإِخوَتَهمُ الَّذينَ بإِزائهم لِلحَمدِ والتَّسْبيح، وَفقًا لأَمرِ داوُد، رَجُلِ الله، فِرقَةً قُبالَةَ فِرقَة. وكانَ مَتَّنْيا وبَقْبُقْيا وعوبَدْيا ومَشُلاَّمُ وطَلْمونُ وعَقُّوبُ بَوَّابينَ يَتَوَلَّونَ حِراسَةَ الخَزائِنِ عِندَ الأَبْواب. هٰؤُلاءِ كانوا في أَيَّامِ يوياقيمَ بنِ يَشوعَ بنِ يوصاداقَ وأَيَّامِ نَحَمْيا الوالي وعَزْرا الكاهِنِ الكاتِب. فلَمَّا دُشِّنَ سورُ أُورَشَليم، طُلِبَ اللاَّوِيُّونَ مِن جَميعِ أَماكِنِهم أُن يَحضُروا إِلى أُورَشَليم، لِيُدَشِّنوا بِالفَرَحِ والحَمدِ والغِناءِ بِالصُّنوجِ والعيدانِ والكِنَّارات. فٱجتَمَعَ بَنو المُغَنِّينَ مِن المِنطَقَةِ المُحيطَةِ بِأُورَشَليمَ ومِن قُرى النَّطوفِيِّين، وبَيتِ الجِلْجالِ وحُقولِ جَبْعَ وعَزْموت، لأَنَّ المُغَنِّينَ كانوا قد بَنَوا لأَنفُسِهم قُرًى حَولَ أُورَشَليم. وتَطَهَّرَ الكَهَنَةُ واللاَّوِيُّونَ، وطَهَّروا الشَّعبَ والأَبْوابَ والسُّور. فأَصعَدتُ رُؤَساءَ يَهوذا على السُّور، وعَيَّنتُ جَوقَتَينِ عظيمَتَين. فسارَتِ الجَوقَةُ الأُولى جِهَةَ اليَمينِ على السُّورِ نَحوَ بابِ الزِّبْل. وبَعدَها سارَ هوشَعْيا ونِصْفُ رُؤَساءِ يَهوذا، وعَزَرْيا وعَزْرا ومَشُلاَّمُ ويَهوذا وبَنْيامينُ وَشَمَعْيا وإِرمِيا. ومِن بَني الكَهَنَةِ بِالأَبْواق: زَكَرِيَّا بنُ يوناتانَ بنِ شَمَعْيا بنِ مَتَّنْيا بنِ ميخا بنِ زَكُّورِ ٱبنِ آساف، وإِخوَتُه: شَمَعْيا وعَزَرْئيلُ ومَلَلايُ وجِلَلايُ ومَعايُ ونَتَنائيلُ ويَهوذا وحَناني بِآلاتِ طَرَبِ داوُد، رَجُلِ الله، وعَزْرا الكاتِبُ قُدَّامَهم. فصَعِدوا عِندَ بابِ العَينِ الَّذي مُقابِلَهم على دَرَجِ مَدينَةِ داوُدُ، عِندَ مَطلَعِ السُّور، فَوقَ بَيتِ داوُد، إِلى بابِ المِياه، جِهَةَ المَشرِق. وسارَتِ الجَوقَةُ الأُخْرى قُبالَتَهم، وأَنا وَراءَها ونِصفُ الشَّعبِ على السُّور، مِن فَوقِ بُرجِ التَّنانير، إِلى السُّورِ العَريض، ومِن فَوقِ بابِ أَفْرائيمَ والبابِ العَتيقِ وبابِ السَّمَكِ وبُرجِ حَنَنْئيلُ وبُرجِ المِئَةِ إِلى بابِ الغَنَم، ووَقَفوا في بابِ الحَرَس. ووَقَفَتِ الجَوقَتانِ في بَيتِ الله، وأَنا ونِصفُ الرُّؤَساءِ معي، والكَهَنَةُ أَلْياقيمُ ومَعَسْيا ومِنْيامينُ وميخا وأَلْيوعاني وزَكَرِيَّا وحَنَنْيا بِالأَبْواق، ومَعَسْيا وشَمَعْيا وأَلِعازارُ وعُزِّي ويوحانانُ ومَلِكيَّا وعَيْلامُ وعازَرُ، وأَشادَ المُغَنُّونَ بِأَصْواتِهم بِتَوجيهِ يِزْرَحْيا. وفي ذٰلك اليَوم، ذَبَحوا ذَبائِحَ عَظيمة، وفرحوا، لأَنَّ اللهَ فَرَّحَهم فَرَحًا عَظيمًا، وفَرِحَتِ النِّساءُ والأَولاد، وسُمِعَ فَرَحُ أُورَشَليمَ مِن بَعيد. وأُقيمَ في ذٰلك اليَومِ رِجالٌ على غُرَفِ الخَزينَةِ وعلى التَّقادِمِ والبَواكيرِ والعُشور، لِيَجمَعوا مِن حُقولِ المُدُنِ حِصَصَ الشَّريعَةِ للكَهَنَةِ واللاَّوِيِّين، لأَنَّ بَني يَهوذا فَرِحوا بِالكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ القائمينَ بِخِدمَتِهم. وقامَ المُغَنُّونَ والبَوَّابونَ بِخِدمَةِ إِلٰهِهم وخِدمَةِ التَّطْهير، على حَسَبِ أَمرِ داوُدَ وسُلَيْمانَ ٱبنِه، لأَنَّه مِن أَيَّامِ داوُدَ وآساف، مِن القِدَم، كانَ رَئيسُ مُغَنِّينَ وأَغانِيُّ تَسْبيحٍ وحَمدٍ لله. وكانَ كُلُّ إِسْرائيلَ، في أَيَّامِ زَرُبَّابَلَ ونَحَمْيا، يُؤَدِّي حِصَصَ المُغَنِّينَ والبَوَّابين، أَمرَ كُلِّ يَومٍ في يَومِه. وكانوا يُعْطونَ التَّقادِمَ المُقَدَّسَةَ لِلاَّوِيِّين، وكانَ اللاَّوِيُّونَ يُعْطونَها لِبَني هارون. في ذٰلك اليَوم، قُرِئَ في سِفرِ موسى على مَسامِعِ الشَّعْب، فوُجِدَ فيه مَكْتوبًا: «لا يَدخُلِ العَمُّونِيُّونَ ولا الموآبِيُّونَ في جَمَاعَةِ اللهِ لِلأَبَد، لأَنَّهم لم يَتَلَقَّوا بَني إِسْرائيلَ بِالخُبزِ والماء، بلِ ٱستَأجَروا علَيهم بِلْعامَ لِيَلعَنَهم، فحَوَّلَ إِلٰهُنا اللَّعنَةَ بَرَكَة». فلَمَّا سَمِعوا الشَّريعة، فَصَلوا كُلَّ غَريبٍ مِن إِسْرائيل. وكانَ قَبلَ ذٰلك أَلْياشيبُ الكاهِنُ مُوَلًّى على غُرَفِ بَيتِ إِلٰهِنا، وكانَ ذا قَرابَةٍ لِطوبِيَّا. فصَنَعَ لَه غُرفَةً كَبيرةً، حَيثُ كانَت مِن قَبلُ توضَعُ التَّقدِمَةُ والبَخورُ والآنِيَةُ وعُشورُ الحِنطَةِ والنَّبيذُ والزَّيت، ما كانَ مَفْروضًا لِلاَّوِيِّينَ والمُغَنِّينَ والبَوَّابين، وما كانَ يُقَدَّمُ لِلكَهَنَة. وفي هٰذه المُدَّةِ كُلِّها، لم أَكُنْ أَنا في أُورَشَليم، لأَنِّي في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ والثَّلاثِينَ لأَرتَحشَشْتا، مَلِكِ بابِل، ذَهَبتُ إِلى المَلِك، وبَعدَ أَيَّامٍ ٱستَأذَنتُ مِنَ المَلِك، وعُدتُ إِلى أُورَشَليم، وعَلِمتُ بِالشَّرِّ الَّذي فَعَلَه أَلْياشيبُ لِصالِحِ طوبِيَّا، حَيثُ أَعَدَّ لَه غُرْفَةً في دورِ بَيتِ الله. فساءَني ذٰلك جِدًّا، وطَرَحتُ جَميعَ آنِيَةِ بَيتِ طوبِيَّا مِنَ الغُرفَةِ خارِجًا، وأَمَرتُ فطَهَّرتُ الغُرَف، وأَعَدتُ إِلى هُناكَ آنِيَةَ بَيتِ اللهِ مع التَّقدِمَةِ والبَخور. وعَلِمتُ أَنَّ حِصَصَ اللاَّوِيِّينَ لم تُؤَدَّ وأَنَّ اللاَّوِيِّينَ والمُغَنِّينَ القائمينَ بِالخِدمَةِ قدِ ٱنصَرَفوا كُلُّ واحِدٍ إِلى حَقلِه، فوَبَّختُ الحُكَّامَ وقُلتُ: «لِمَ أَترُكُ بَيتَ الله؟». ثُمَّ جَمَعتُهم وأَقَمتُهم في مَواضِعِهم. وأَتى كُلُّ يَهوذا بِعُشْرِ الحِنطَةِ والنَّبيذِ والزَّيتِ إِلى الخَزائِن. فأَقَمتُ خُزَّانًا على الخَزائِن، وهم شَلَمْيا الكاهِنُ وصادوقُ الكاتِب، ومِنَ اللاَّوِيِّينَ فَدايا، ومعَهم حانانُ بنُ زَكُّورَ بنِ مَتَّنْيا، لأَنَّهم كانوا يُعَدُّونَ مِنَ الأُمَناء، وكانوا يَتَوَلَّونَ التَّوزيعَ على إِخوَتِهم. أُذْكُرْني أَللَّهُمَّ لِهٰذا، ولا تَمحُ مَبَرَّاتِيَ الَّتي صَنَعتُها إِلى بَيتِ إِلٰهي وفي خِدمَتِه. وفي تِلكَ الأَيَّام، رَأَيتُ في يَهوذا قَومًا يَدوسونَ في المَعاصِرِ في السَّبْت، ويَأتونَ بِحُزَمٍ يَحمِلونَها على الحَميرِ وبِخَمْرٍ أَيضًا وعِنَبٍ وتينٍ وكُلِّ حِمْلٍ مِمَّا كانوا يَأتونَ بِه إِلى أُورَشَليمَ في يَومِ السَّبْت، فأَشهَدتُ علَيهم يَومَ بَيعِهمِ الطَّعام. وكانَ الصُّورِيُّونَ المُقيمونَ في أُورَشَليمَ يَأتونَ بِالسَّمَكِ وكُلِّ نَوعٍ مِنَ المَبيعات، ويَبيعونَ في يَومِ السَّبتِ لِبَني يَهوذا في أُورَشَليم. فوَبَّختُ شُرَفاءَ يَهوذا وقُلتُ لَهم: «ما هٰذا الشَّرُّ الَّذي تَفعَلونَه فتُدَنِّسونَ يَومَ السَّبْت؟ أَلَم يَفعَلْ آباؤُكم هٰكذا، فجَلَبَ إِلٰهُنا كُلَّ هٰذا الشَّرِّ علَينا وعلى هٰذه المَدينَة، وأَنتُم تَزيدونَ الغَضَبَ على إِسْرائيلَ بِتَدْنيسِكُم السَّبت؟». ولَمَّا أظلَمَت أَبْوابُ أُورَشَليمَ قَبلَ السَّبْت، أَمَرتُ بإِغْلاقِ المَصاريع، وأَوصَيتُ بِأَن لا تُفتَحَ إِلاَّ بَعدَ السَّبْت، وأَقَمتُ بَعضَ رِجالي على الأَبوابِ لِئَلاَّ يُدخَلَ بِحِمْلٍ في يَومِ السَّبْت. فباتَ التُّجَّارُ وباعَةُ جَميعِ البَضَائِعِ خارِجَ أُورَشَليمَ مَرَّةً أَو مَرَّتَين. فأَشهَدتُ علَيهم وقُلتُ لَهم: «لِماذا تَبيتونَ أَمامَ السُّور؟ إِن عُدتُم، فإِنِّي أُلْقي علَيكمُ الأَيدي». فمِن ذٰلك الوَقْت، لم يَعودوا يَأتونَ في السَّبْت. وأَمَرتُ اللاَّوِيِّينَ بِأَن يَتَطَهَّروا ويَأتوا ويَحرِسوا الأَبْواب، لِيُقَدِّسوا يَومَ السَّبْت. أُذْكُرْني أَللَّهُمَّ لِهٰذا أَيضًا وٱرحَمْني بِحَسَبِ كَثرَةِ رَحمَتِكَ. وفي تِلكَ الأَيَّامِ أَيضًا، رَأَيتُ يَهودًا قد تَزَوَّجوا نِساءً أَشْدودِيَّاتٍ وعَمُّونِيَّاتٍ ومُوآبِيَّات، وكانَ نِصفُ أَولادِهم يَتَكَلَّمونَ بِلُغَةِ أَشْدود، ولم يَكونوا يُحسِنونَ التَّكَلُّمَ بِاليَهودِيَّة، بل بِلِسانِ هٰذا أَو ذاكَ الشَّعْب. فوَبَّختُهم ولَعَنتُهم وضَرَبتُ مِنهم رِجالًا ونَتَفتُ شَعرَهم، وٱستَحلَفتُهم بِاللهِ قائِلًا: «لا تُعْطوا بَناتِكم لِبَنيهم ولا تَأخُذوا بَناتِهم لِبَنيكم ولا لَكم. أَلَيسَ بِهٰذا خَطِئَ سُلَيْمان، مَلِكُ إِسْرائيل، مع أَنَّه لم يَكُنْ في كَثيرٍ مِنَ الأُمَمِ مَلِكٌ مِثلُه وكانَ مَحْبوبًا عِندَ الله، وقد أَقامَه اللهُ مَلِكًا على كُلِّ إِسْرائيل، فأَوقَعَته هو أَيضًا النِّساءُ الغَريباتُ في الخَطيئَة؟ أَوَنَسمَعُ في شأنِكم أَنَّكم تَفعَلونَ هٰذا الشَّرَّ العَظيمَ كُلَّه وتُخالِفونَ إِلٰهَنا بِتَزَوُّجِ النِّساءِ الغَريبات؟». وكانَ واحِدٌ مِن بَني يوياداعَ بنِ أَلْياشيبَ عَظيمِ الكَهَنَةِ صِهرًا لِسَنبَلَّطَ الحورونِيّ، فطَرَدتُه مِن عِنْدي. أُذكُرْهم أَللَّهُمَّ لأَنَّهم نَجَّسوا الكَهَنوتَ وعَهدَ الكَهَنوتِ واللاَّوِيِّين. فطَهَّرتُهم مِن كُلِّ غَريب، ووضَعتُ أَنظِمَةً لِلكَهَنَةِ واللاَّوِيِّين، لِكُلِّ واحِدٍ في خِدمَتِه، وفي أَمرِ قُرْبانِ الحَطَب، في الأَوقاتِ المُسَمَّاةِ والبَواكير، فٱذكُرْني أَللَّهمَّ بِالخَير. كانَ رَجُلٌ في أَرضِ عوصٍ ٱسمُه أَيّوب، وكانَ هٰذا الرَّجُلُ كامِلًا مُستَقيمًا يَتَّقي اللهَ ويُجانِبُ الشَّرّ. ووُلِدَ لَه سَبعَةُ بَنينَ وثَلاثُ بَنات. وكانَ يَملِكُ سَبعَةَ آلافٍ مِنَ الغَنَم وثَلاثَةَ آلافٍ مِنَ الإِبل وخَمسَ مِئَةِ فَدَّانِ بَقَر وخَمسَ مِئَةِ أَتان، ولَه خَدَمٌ كَثيرونَ جِدًّا. وكانَ ذٰلكَ الرَّجُلُ أَعظَمَ أَبْناءِ المَشرِقِ جَميعًا. وكانَ بَنوه يَذهَبونَ فيُقيمونَ مَأدُبةً في بَيتِ كُلٍّ مِنهم في يَومِه، ويَبعَثونَ فيَدْعونَ أَخَواتِهِمِ الثَّلاثَ لِيَأكُلْنَ ويَشرَبنَ مَعَهم. فإِذا تَمَّ مَدارُ أَيَّامِ المَأدُبة، كانَ أَيُّوبُ يَدْعوهُم ويُطَهِّرُهم، ثُمَّ يُبَكِّرُ في الصَّباحِ فيُصعِدُ مُحرَقاتٍ لِعَدَدِهم جَميعًا، لأَنَّ أَيُّوبَ كانَ يَقول: «لَعَلَّ بَنِيَّ خَطِئوا فَجَدَّفوا على اللهِ في قُلوبِهم». هٰكَذا كانَ أَيُّوبُ يَصنَعُ كُلَّ الأَيَّام. وٱتَّفَقَ يَومًا أَن دَخَلَ بَنو اللهِ لِيَمثُلوا أَمامَ الرَّبّ، ودَخَلَ الشَّيطانُ أَيضًا بَينَهم. فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «مِن أَينَ أَقبَلتَ؟» فأَجابَ الشَّيطانُ وقالَ لِلرَّبّ: «مِنَ الطَّوافِ في الأَرضِ والتَّرَدُّدِ فيها». فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «أَمِلتَ بالَكَ إِلى عَبْدي أَيُّوب؟ فإِنَّه لَيسَ لَه مَثيلٌ في الأَرْض. إِنَّه رَجُلٌ كامِلٌ مُستَقيم يَتَّقي اللهَ ويُجانِبُ الشَّرّ». فأَجابَ الشَّيطانُ وقالَ لِلرَّبّ: «أَمَجَّانًا يَتَّقي أَيُّوبُ الله؟ أَلَم تَكُنْ سَيَّجتَ حَوْلَه وحَولَ بَيتِه وحَولَ كُلِّ شَيءٍ لَه مِن كُلِّ جِهَة، وقد بارَكتَ أَعْمَالَ يَدَيه، فانتَشَرَت ماشِيَتُه في الأَرض. ولٰكِنِ ٱبسُطْ يَدَكَ وٱمسَسْ كُلَّ ما لَه فتَرى أَلا يُجَدِّفُ عَلَيكَ في وَجهِكَ». فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «ها إِنَّ كُلَّ شَيءٍ لَه في يَدِكَ، ولٰكِن إِلَيه لا تَمدُدْ يَدَك». وخَرَجَ الشَّيطانُ مِن أَمامِ وَجهِ الرَّبّ. وٱتَّفَقَ يَومًا أَنَّ بَنيه وبَناتِه كانوا يَأكُلونَ ويشرَبونَ خَمرًا في بَيتِ أَخيهِمِ البِكْر. فأَقبَلَ رَسولٌ إلى أَيُّوبَ وقال: «كانَتِ البَقَرُ تَحرُثُ والأُتُنُ تَرْعى بِجانِبِها، فهَجَمَ علَيها أَهْلُ سَبَأ وأَخَذوها، وقَتَلوا الخَدَم بِحَدِّ السَّيف، وأَفلَتُّ أَنا وَحْدي لأُخْبِرَكَ». وبَينَما هو يَتَكَلَّم، أَقبَلَ آخَرُ فقال: «قد سَقَطَت نارُ اللهِ مِنَ السَّماء وأَحرَقَتِ الغَنَمَ والخَدَمَ وأَكَلَتهم، وأَفلَتُّ أَنا وَحْدي لأُخبِرَك». وبَينَما هو يَتَكلَّم، أَقبَلَ آخَرُ فقال: «قد تَوزَّعَ الكَلْدانِيُّونَ إِلى ثَلاثِ فِرَق، وأَغاروا على الإِبلِ فأَخَذوها، وقَتَلوا الخَدَمَ بِحَدِّ السَّيف، وأَفلَتُّ أَنا وَحْدي لأُخبِرَك». وبَينَما هو يَتَكَلَّم، أَقبَلَ آخَرُ فقال: «كانَ بَنوكَ وبَناتُكَ يأكُلونَ ويَشرَبونَ خَمرًا في بَيتِ أَخيهِمِ البِكْر، فإِذا بِريحٍ شَديدةٍ قد هَبَّت مِن وَراءِ البَرِّيَّة وصَدَمَت زَوايا البَيتِ الأَربَع، فسَقَطَ على الشُّبّانِ فماتوا، وأَفلَتُّ أَنا وَحْدي لأُخبِرَك». فقامَ أَيُّوبُ وشَقَّ رِداءَه وحَلَقَ شَعرَ رَأسِه وٱرتَمى إِلى الأَرضِ وسَجَدَ، وقال: «عُرْيانًا خَرَجتُ مِن جَوفِ أُمّي وعُرْيانًا أَعودُ إِلَيه. الرَّبُّ أَعْطى والرَّبُّ أَخَذَ. فلْيَكُنِ ٱسمُ الرَّبِّ مُبارَكًا». في هٰذا كُلِّه لم يَخطَأْ أَيُّوب ولم يَقُلْ في اللهِ غَباوَة. ثُمَّ ٱتَّفَقَ يَومًا أَن دَخَلَ بنو اللهِ لِيَمثُلوا أَمامَ الرَّبّ، ودَخَلَ الشَّيطانُ أَيضًا بَيْنَهُم لِيَمثُلَ أَمامَ الرَّبّ. فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «مِن أَينَ أَقبَلتَ؟» فأَجابَ الشَّيطانُ وقالَ لِلرَّبّ: «مِنَ الطَّوافِ في الأَرضِ والتَّرَدُّدِ فيها». فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «أَمِلتَ بالَكَ إِلى عَبْدي أَيُّوب؟ فإِنَّه لَيسَ لَه مَثيلٌ في الأَرْض. إِنَّه رَجُلٌ كامِلٌ مُستَقيم يَتَّقي اللهَ ويُجانِبُ الشَّرّ، وإِلى الآنَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمالِه، وقَد حَرَّضتَني على ٱبتِلاعِه بِدونِ سَبَب». فأَجابَ الشَّيطانُ وقالَ لِلرَّبّ: «جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وكُلُّ ما يَملِكُه الإِنسانُ يَبذُلُه عن نَفسِه. ولٰكِنِ ٱبسُطْ يَدَكَ وٱمسَسْ عَظْمَه ولَحْمَه، فتَرى أَلا يُجَدِّفُ عَلَيكَ في وَجهِكَ». فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «ها إِنَّه في يَدِكَ، ولٰكِنِ ٱحتَفِظْ بِنَفسِه». فخَرَجَ الشَّيطانُ مِن أَمامِ وَجهِ الرَّبّ. وضَرَبَ الشَّيطانُ أَيُّوبَ بِقَرْحٍ خَبيثٍ مِن أَخمَصِ قَدَمِه إِلى قِمَّةِ رَأسِه. فأَخَذَ لَه خَزَفَةً لِيَحتَكَّ بِها وهو جالِسٌ على الرَّماد. فقالَت لَه ٱمرَأَتُه: «أَإِلى الآنَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمالِكَ؟ جَدِّفْ على اللهِ ومُتْ». فقالَ لَها: «إِنَّما كَلامُكِ كَلامُ إِحْدى الحَمْقاوات. أَنَقبَلُ الخَيرَ مِنَ اللهِ ولا نَقبَلُ مِنه الشَّرّ؟» في هٰذا كُلِّه لم يَخطَأْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيه. وسَمِعَ ثَلاثَةُ أَصدِقاءَ لأَيُّوبَ بِكُلِّ ما أَصابَه مِنَ البَلْوى، فأَقبَلَ كُلٌّ مِن مَكانِه، أَليفازُ التَّيمانِيّ وبِلدَدُ الشُّوحِيّ وصوفَرُ النَّعماتِيّ، وٱتَّفَقوا على أَن يأتوا فيَرْثوا لَه ويُعَزُّوه. فرَفَعوا أَبْصارَهم مِن بَعيدٍ فلَم يَعرِفوه. فرَفَعوا أَصْواتَهم وبَكوا، وشَقَّ كُلٌّ مِنهُم رِداءَه وذَرُّوا تُرابًا نَحوَ السَّماءِ فوق رُؤُوسِهم. وجَلَسوا معَه على الأَرضِ سَبعَةَ أَيَّامٍ وسَبعَ لَيالٍ، ولم يُكَلِّمْه أَحَدٌ بِكَلِمَة، لأَنَّهم رَأَوا أَنَّ كآبَتَه كانَت شَديدةً جِدًّا. بَعدَ ذٰلك فَتَحَ أَيُّوبُ فَمَه ولَعَنَ يَومَه وتَكَلَّمَ أَيُّوبُ وقال: «لا كانَ نَهارٌ وُلِدتُ فيه ولا لَيلٌ قال: قد حُبِلَ بِرَجُل! لِيَكُنْ ذٰلك النَّهارُ ظَلامًا، ولا رَعاهُ اللهُ مِن فَوقُ ولا أَشرَقَ علَيه نور! لِتُطالِبْ بِه الظُّلُماتُ وظِلالُ المَوت، ولْيَستَقِرَّ علَيه غَمام، ولْتُرَوِّعْه كَواسفُ النَّهار! وذٰلك اللَّيلُ لِيَشْمَلْه الظَّلام، ولا يُضَمَّ إِلى أَيَّامِ السَّنَة، ولا يَدخُلْ في عَدَدِ الشُّهور! لِيَكُنْ ذٰلك اللَّيلُ عاقِرًا، ولا يُسمَعْ فيه هُتاف! لِيَشْتِمْه لاعِنو اليَوم، المُستَعِدُّونَ لإيقاظِ لاوِياثان! لِتُظلِمْ كَواكِبُ شَفَقِه، ولْيَتَرَقَّبِ النُّورَ فلا يَكون، ولا يَرَ أَجْفانَ الفَجْر! لأَنَّه لم يُغلِقْ عَلَيَّ أَبوابَ البَطْن، ولَم يَستُرِ الشَّقاءَ عن عَينَيَّ. لِمَ لَم أَمُتْ مِنَ الرَّحِم، ولم تَفِضْ روحي عِندَ خُروجي مِنَ البَطْن؟ لِماذا صادَفتُ رُكبَتَينِ تَقبَلانِني وثَدْيَينِ يُرضِعانني؟ إِذَن لَكُنتُ الآنَ أَضَّجِعُ فأَسكُن، ولَكُنتُ أَنامُ فأَستَرِيح معَ مُلوكِ الأَرضِ ومُشيريها الَّذينَ ٱبتَنَوا لأَنفُسِهم خَرائِب، أو مَعَ أُمَراءَ لَهم ذَهَب، وقَد مَلَأُوا بُيوتَهم فِضَّة، أَو كسِقطٍ مَغْمورٍ فلَم أَحْيَ، ومِثلَ أَجِنَّةٍ لم يَرَوا النُّور. هُناكَ يَكُفُّ الأَشْرارُ عنِ الِٱضطِراب، وهُناكَ يَستَريحُ مُنهَكو القُوى. هُناكَ الأَسْرى جَميعًا في قَرار، ولا يَسمَعونَ صِياحَ المُسَخِّر. هُناكَ الصَّغيرُ والكَبير، والعَبدُ مُعتَقًا مِن مَولاه. لِمَ يُعْطى لِلشَّقِيِّ نور، وحَياةٌ لِذَوي النُّفوسِ المُرَّة، المُتَوَقِّعينَ لِلمَوتِ فلا يَكون، الباحِثينَ عنه أَكثَرَ مِنهم مِنَ الدَّفائِن، الَّذينَ يَفرَحونَ حتَّى الِٱبتهاج ويُسَرُّونَ إِذا وَجَدوا قَبرًا؟ لِمَ يُعْطى رَجُلٌ حُجِبَ طَريقُه، وسَيَّجَ اللهُ مِن حَولِه؟ فإِنَّ التَّنَهُّدَ طَعامٌ لي، وزَئيري يَنصَبُّ كالمِياه. لأَنَّ ما كُنتُ أَخْشاه قد أَتاني، وما فَزِعتُ مِنه قد جاءَ إِلَيَّ. فلا طُمَأنينَةَ لي ولا قَرارَ ولا راحة وقد داهَمَني الِٱضطِراب». فأَجابَ أَليفازُ التَّيمانِيُّ وقال: «إِن أَلقَينا إِلَيكَ كَلِمَةً فهَل يَشُقُّ علَيك؟ ولٰكِن مَن يَستَطيعُ أَن يَحبِسَ أَقْوالَه؟ إِنَّكَ قد أَدَّبتَ كَثيرين، وشَدَّدتَ أيدِيًا مُستَرخِية، وأَنهَضَت أَقْوالُك العاثِرين، وثَبَّتَّ الرُّكَبَ المُرتَعِشَة. أَمَّا الآنَ فنَزَلَت بِكَ البَلْوى فوَنَيتَ، مَسَّتكَ فذُعِرتَ. أَلَيسَت تَقْواكَ هي مُعتَمَدَكَ، وكَمالُ طُرُقِكَ هو رَجاءَكَ؟ أُذكُرْ هَل هَلَكَ أَحَدٌ وهو بَريء، وأَينَ دُمِّرَ أَهلُ الِٱستِقامة؟ بل رَأَيتُ أَنَّ الَّذينَ يَحرُثونَ الإِثْمَ ويَزرَعونَ المَشَقَّةَ هم يَحصُدونَهما. نَفخَةُ اللهِ تُهلِكُهم، وريحُ غَضَبِه تُفْنيهم. زَئيرُ الأَسَدِ وصَوتُ النَّمِر وأَنْيابُ الأَشْبالِ حُطِّمَت. يَهلِكُ اللَّيثُ لِعَدَمِ الفَريسة، وصِغارُ اللَّبُؤَةِ تَتَبَدَّد. لقَد أُسِرَّ إِلَيَّ بِكَلِمة، فأَحَسَّت أُذُني مِنها هَمْسًا. في كَوابيسِ رُؤَى اللَّيل، عِندَ وُقوعِ السُّباتِ على الأَنام، أَخَذَني الرُّعبُ والرِّعدَة، فأَرجَفا عِظامي كُلَّها. مَرَّت ريحٌ على وَجْهي، فٱقشَعَرَّ شَعَرُ جَسَدي. ثُمَّ وَقَفَ ولم أَعرِفْ مَنظَرَه، كأَنَّه صورَةٌ تُجاهَ عَينَيَّ، فكانَ سُكوتٌ ثمَّ صَوتٌ أَسمَعُه: أَيَكونُ الإِنْسانُ بارًّا أَمامَ الله، أَمِ الرَّجُلُ طاهِرًا أَمامَ صانِعِه؟ ها إِنَّه لا يَأْتَمِنُ عَبيدَه، وإِلى مَلائِكَتِه يَنسِبُ غَباوَةً. فكَيفَ الَّذينَ يَسكُنونَ بُيوتًا مِن طين، وفي التُّرابِ أَساسُهم؟ إِنَّهم يُسحَقونَ سَحْقَ العُثّ. بَينَ صَباحٍ ومَساءٍ يُحَطَّمون، غَيرَ مُبالًى بِهم لِلأَبَدِ يَهلِكون. أَلَم تُقتَلَعْ حِبالُ خِيامِهم؟ إِنَّهم يَموتونَ ولا حِكمَةَ لَهم». أُدعُ، فهَل لَكَ مَن يُجيب؟ إِلى أَيٍّ مِنَ القِدِّيسينَ تَلتَفِت فإِنَّ الغَبِيَّ يَقتُلُه الكَرْب، والأَبلَهَ يُميتُه الحَسَد. إِنِّي رَأَيتُ الغَبِيَّ يَتَأَصَّل، ثُمَّ لم أَلبَثْ أَن لَعَنتُ مَسكِنَه. يَبعُدُ بَنوه عنِ الخَلاص. يُسحَقونَ في البابِ ولا مُنقِذَ لَهم. يأكُلُ الجائِعُ حَصيدَه خَطْفًا مِن بَينِ الأَشْواك ويَبتَلِعُ العَطْشى ثَروَتَه. فإِنَّ الإِثمَ لا يَبرُزُ مِنَ التُّراب، ولا المَشَقَّةُ تَنبُتُ مِنَ الأَرْض. فالإِنْسانُ يولَدُ لِلشَّقاء، كما يولَدُ الشَّرَرُ لِيُحَلِّقَ في الطَّيَران. أَمَّا أَنا فإِلى اللهِ أَتَوَسَّل، وإِلَيه أَرفَعُ قَضِيَّتي: الَّذي يَصنَعُ عَظائِمَ لا تُسبَر وعَجائِبَ لا تُحْصى، الَّذي يُفيضُ الغَيثَ على وَجهِ الأَرْض، ويُرسِلُ المِياهَ على وَجهِ الحُقول. وإِذا أَرادَ أَن يَرفَعَ الوُضَعاءَ إِلى العَلاء، وأَن يَرتَفِعَ المَحْزونونَ إِلى الخَلاص، يُبطِلُ خُطَطَ المُحْتالين، فلا تُتِمُّ أَيديهِم حِيَلَهم، ويَصْطادُ الحُكَماءَ بِٱحتِيالِهم، فتَسقُطُ مَشورةُ الماكِرين. في النَّهارِ يكتَفونَ بِالظَّلام، وفي الظَّهيرَةِ يَجُسُّونَ كأَنَّهم في اللَّيل. يُخَلِّصُ المِسْكينَ مِن سَيفِ أَفْواهِهم، ومِن يَدِ المُقتَدِر. فيَكونُ لِلبائسِ رَجاء، والظُّلمُ يَسُدُّ فاه. طوبى للأُنْسانِ الَّذي يُوَبِّخُه الله، فلا تَنبُذَنَّ تَأديبَ القَدير. فإِنَّه يَجرَحُ ويَعصِب، يَضرِبُ ويَداه تَشْفِيان. في سِتِّ شَدائِدَ يُنقِذُكَ وفي السَّابِعَةِ لا يَمَسُّكَ سوء. في المَجاعَةِ يَفْديكَ مِنَ المَوت، وفي القِتالِ مِن حَدِّ السَّيف. مِن سَوطِ اللِّسانِ تَستَتِر، ولا تَخْشى الدَّمارَ إِذا وَقَع. تَسخَرُ بِالدَّمارِ والفاقة، ولا تَخْشى مِن وُحوشِ الأَرض لأَنَّ لَكَ عَهدًا مع حِجارَةِ الحُقول، ووُحوشُ البَرِّيَّةِ تُسالِمُكَ. وتَعلَمُ أَنَّ خَيمَتَكَ أَمْنٌ، وتَتَفَقَّدُ مُلكَكَ فلا يَنقُصُ شَيء. وتَعلَمُ أَنَّ ذُرِّيَّتَكَ تَكثُر، وأَنَّ خَلَفَكَ كعُشبِ الأَرْض، وتَدخُلُ القَبرَ في شَيبَةٍ وافِيَة، كما يُرفَعُ الكُدسُ في أَوانِه. هٰذا ما فَحَصْناه وهو الحَقّ، فٱسمَعْه وٱنتَفِعْ بِه». فأَجابَ أَيُّوبُ وقال: «لَيتَ كَرْبي وُزِنَ، وبُؤسي رُفِعَ مَعَه في ميزان! ولٰكِنَّهما أَثقَلُ مِن رَملِ البِحار. فلِذٰلكَ أَلْغو في كَلامي لأَنَّ سِهامَ القَديرِ فِيَّ يَمتَصُّ روحي سُمَّها، وأَهْوالَ اللهِ ٱصطَفَّت علَيَّ. أَيَنهَقُ الحِمارُ الوَحْشِيُّ على العُشْبِ، أَو يَخورُ الثَّورُ على عَلَفِه؟ أَيُؤكَلُ التَّفِهُ بِغَيرِ مِلْحٍ أَم هل يَكونُ لِزُلالِ البَيضِ طَعْمٌ؟ إِنَّ نَفْسي تَعَافُ أَن تَمَسَّهما إِنَّما هُما كخُبزيَ القَذِر. مَن لي بِأَن أُوتى سُؤلي، ويَهَبَ لِيَ اللهُ رَجائي لَيرْضَ اللهُ فيُحَطِّمَني، وَلْيُطْلِقْ يَدَه فيَستَأصِلَني! فتَبْقى لي تَعزِيةٌ أَبتَهِجُ بِها في عَذابٍ لا يَرفُق، لأَنِّي لم أَجحَدْ أَقْوالَ القُدُّوس. ما عَسى قُوَّتي حَتَّى أَنْتَظِر، وكَم بَقائي حَتَّى أُصبِّرَ نَفْسي؟ أَقُوَّةُ الحِجارةِ قُوَّتي أَم لَحْمي مِن نُحاس؟ أَلَم يَكُنْ لي أَيُّ عَونٍ في نَفْسي وكُلُّ فِطنَةٍ قد أُقصِيَت عَنِّي؟ إِنَّ قَريبَ اليائِسِ هو الَّذي يَرحَمُه، وإِلاَّ فَقَد نَبَذَ مَخافَةَ القدير. قد غَدَرَني إِخْواني كسَيلٍ، كَمَجْرى الأَودِيَةِ العابِرَةِ الَّتي أَظْلَمَت مِنَ الجَمْدِ، وٱستَتَرَ فيها الثَّلْجُ. في فَصْلِ الجَفافِ لا تَصمُت، ويَومَ الحَرِّ تَجِفُّ مِن مَكانِها. تَحيدُ القَوافِلُ عن طَريقها، تَتَوَغَّلُ في المَتاهي فتَهلِك. تَرَقَّبَتها قَوافِلُ تَيماء، ورَجَتها مَواكِبُ سَبَأ. فخابَ أَمَلُهم لأَنَّهم وَثِقوا، بَلَغوا إِلَيها فخَجِلوا. هٰكذا أَنتُمُ الآنَ: لا شَيء، رَأَيتُم بَلِيَّتي ففَزِعتُم. أَلَعَلِّي قُلتُ لَكم: أَعْطوني وجودوا علَيَّ بِشَيءٍ مِن أَمْوالِكم. ونَجُّوني مِن يَدِ المُضايِق، وٱفْدوني مِن أَيْدي المُغتَصِبين؟ عَلِّموني وأَنا أَصمُت، بَيِّنوا لي في أَيِّ شَيءٍ ضَلَلْتُ. ما أَوقَعَ كَلِماتِ الحَقّ! وَلٰكِن في أَيِّ شَيءٍ مَلامَتُكم؟ أَفي أَنْفُسِكم أَن تَلوموني على كَلِمات؟ فإِنَّ كَلِماتِ اليائِسِ لِلرِّيح. هل تَقتَرِعونَ على اليَتيمِ أَيضًا وتُتاجِرونَ بِصَديقِكم؟ فتَلَطَّفوا الآنَ وٱلتَفِتوا إِلَيَّ، فإِنِّي في وُجوهِكم لا أَكذِب. عودوا ولا تَظلِموا، عودوا فإِنَّ بِرِّي ثابِت. هَل مِن ظُلمٍ على لِساني، أَم ذَوقي لا يُمَيِّزُ البُؤسَ؟ أَلَيسَت حَياةُ الإِنْسانِ في الأَرضِ تَجَنُّدًا وكأَيَّامِ أَجيرٍ أَيَّامُه؟ مِثلَ العَبدِ المُشْتاقِ إِلى الظِّلِّ، والأَجيرِ المُنتَظِرِ أُجرَتَه. هٰكذا أُورِثتُ أَشهُرَ باطِل، ولَيالي مَشَقَّةٍ قُدِّرَت لي. إِذا ٱضَّجَعتُ قُلتُ: مَتى أَقوم؟ وعلى ٱمتِدادِ اللَّيلِ أَشبَعُ بَلْبالًا إِلى الفَجْر. قدِ ٱكتَسى لَحْمي دودًا وقِشْرَ تُراب، وتَشَقَّقَ جِلْدي وقاح. أَيَّامي أَسرَعُ مِنَ المَكُّوك، وقد نَفِدَت لِفُقْدانِ الخُيوط. تَذَكَّرْ أَنَّ حَياتي هَباء. إِنَّ عَيني تَرى خَبَرًا. طَرْفُ ناظِري لا يَراني مِن بَعدُ، وعَيناكَ تَطلُباني فلا أَكون. إِنَّ الغَمامَ يَتَبَدَّدُ ويَعبُر، وكذا الهابِطُ إِلى مَثْوى الأَمْواتِ لا يَصعَد. لا يَعودُ إِلى بَيتِه، ومَكانُه لا يَعرِفُه مِن بَعدُ. لِذٰلِكَ لا أَحبِسُ فَمي، بل أَتَكَلَّمُ في ضيقِ روحي وأَشْكو في مَرارةِ نَفْسي. أَبَحرٌ أَنا أَم تِنِّين، حتَّى تَجعَلَ حَولي حَرَسًا؟ إِن قُلتُ: سَريري يُفَرِّجُ عنِّي، ومَضْجَعي يُخَفِّفُ شَكْوايَ رَوَّعتَني بِأَحْلام، وبِرُؤًى ذَعَرتَني. حتَّى تُؤثِرَ نَفْسِيَ الخَنْق، والمَوتَ بَدَلَ عِظامي. لَقَدِ ٱضمَحلَلتُ فلا حَياةَ لي لِلأَبَد. كُفَّ عنِّي فإِنَّما أَيَّامي نَفَس. ما الإِنسانُ حتَّى تَستَعظِمَه، وتُميلَ إِلَيه قَلبَكَ، وتَتَفَقَّدَه كُلَّ صَباح، وتَمتَحِنَه كُلَّ لَحظَة؟ إِلى مَتى لا تَصرِفُ طَرفَكَ عنِّي، ولا تُمهِلُني رَيثَما أَبلَعُ ريقي؟ إِذا خَطِئتُ فماذا فَعَلتُ لَكَ، يا رَقيبَ البَشَر؟ ولِمَ جَعَلتَني هَدَفًا لَكَ حتَّى صِرتُ عِبئًا علَيكَ؟ ولِمَ لا تَتَحَمَّلُ مَعصِيَتي ولا تَنقُلُ عَنِّي إِثْمي؟ فإِنِّي لا أَلبَثُ أَن أَضَّجعَ في التُّراب فتُبَكِّرُ في طَلَبي فلا أَكون». فأَجابَ بِلدَدُ الشُّوحِيُّ وقال: «إِلى متى أَنتَ تَنطِقُ بِمِثْلِ هٰذا، وأَقْوالُ فَمِكَ كريحٍ عاصفة؟ أَلعَلَّ اللهَ يُحَرِّفُ القَضاء، أَمِ القَديرُ يُحَرِّفُ العَدْل؟ إِن كانَ بَنوكَ قد خَطِئوا إِلَيه، فقَد أَسلَمَهم إِلى يَدِ مَعصِيَتِهم. أَمَّا أَنتَ فإِن بَكَرتَ إِلى الله، وٱلتَمَستَ رَحمَةَ القَدير، وكُنتَ طاهِرًا مُستَقيمًا، فإِنَّه يَسهَرُ علَيكَ ويُعيدُكَ إِلى مَقَرِّ بِرِّكَ. فَتَكونُ حالَتُكَ الأُولى وَضيعةً، وَتَكونُ حالَتُكَ الأَخيرةُ مُزدَهِرَة. إِسأَلِ الأَجْيالَ السَّالِفة، أَصْغِ إِلى خِبرَةِ آبائِهم، فإِنَّنا نَحنُ بَنو أَمْسِ ولا عِلمَ لَنا، إِنَّما أَيَّامُنا ظِلٌّ على الأَرْض. أَمَّا هم فيُعَلِّمونَكَ ويُكَلِّمونَكَ ومِن قُلوبِهم يُخرِجونَ أَقْوالًا. أَيَنْمو البَرْدِيُّ مِن غَيرِ المُستَنقَع أَم تَنشَأُ الأَسَلَةُ حَيثُ لا مِياه؟ مع أَنَّه يَخضَرُّ ولا يُقطَع، يَذْوي قَبلَ سائِرِ النَّبات. كذٰلك تَكونُ سُبُلُ مَن يَنْسى الله، وأَمَلُ الكافِرِ يَزول. تَتَقَطَّعُ ثِقَتُه بِنَفسِه، وأَمانُه بَيتُ عَنكَبوت. يَستَنِدُ إِلى بَيتِه ولَيسَ بِثابِت، ويَتَمَسَّكُ بِه وهو غَيرُ قائِم. إِنَّما هو شَجَرَةٌ تَخضَرُّ تُجاهَ الشَّمْس، وتَنبَسِطُ أَغْصانُها على بُسْتانِها. وتَشْتَبِكُ عُروقُها في الحَصى، وتَتَوَغَّلُ في جَوفِ الصُّخور. ولٰكِنَّها إِذا ٱستُؤصِلَت مِن مَكانِها، أَنكَرَها قائلًا: لم أَرَكِ قَطّ. ذٰلك سُرورُ مَصيرها، ومِن تُربَتِها تَنشَأُ أُخْرى. فاللهُ لا يَرذُلُ الكامِل، ولا يأخُذُ بِأَيدي المُجرِمين. إِلى أَن يَملأَ فَمَكَ ضَحِكًا وشَفَتَيكَ تَهَلُّلًا. ويُكْسى مُبغِضوكَ خَجَلًا وخَيمَةُ الأَشْرارِ لا تَكون». فأَجابَ أَيُّوبُ وقال: قد عَلِمتُ يَقينًا أَنَّ الأَمرَ كذٰلِك، فكَيفَ يَكونُ الإِنسانُ بارًّا أَمامَ الله؟ فإِن طابَ لَه أَن يُخاصِمَه، لم يُجِبْه عن واحِدٍ مِن أَلْف. إِنَّه حَكيمُ القَلْبِ شَديدُ البَأس، فمَن ذا الَّذي يَتَصَلَّبُ أَمامَه ويَسلَم؟ يُزَحزِحُ الجِبالَ ولا تَشعُر، وفي غَضَبِه يَقلِبُها. ويُزَعزِعُ الأَرضَ مِن مَكانِها، فتَرتَجِفُ أَعمِدَتُها. يأمُرُ الشَّمسَ فلا تُشرِق، ويَختِمُ على الكَواكِب. هو الباسِطُ السَّمَواتِ وَحدَه والسَّائِرُ على مُتونِ البَحْر، خالِقُ بَناتِ النَّعْشِ والجَوزاء والثُّرَيَّا وأَخاديرِ الجَنوب. صانِعُ عَظائِمَ لا تُسبَر وعَجائِبَ لا تُحْصى. يَمُرُّ بي فلا أُبصِرُه، ويَجْتازُ فلا أَشعُرُ بِه. إِن سَلَبَ فمَن ذا يَرُدُّه، أَو مَن يَقولُ لَه: ماذا تَفعَل؟ اللهُ لا يَرُدُّ غَضَبَه وأَعْوانُ رَهَبَ يَرتَمونَ تَحتَه. فكَيفَ أَنا أَجيبُه، أَو أَخْتارُ حُجَجي علَيه؟ فإِنِّي لو كُنتُ بارًّا لا أُجيب، وإِنَّما أَلتَمِسُ رَحمَةَ دَيَّاني. لو دَعَوتُه فأَجابَني، لَما آمَنتُ أَنَّه أَصْغى إِلى صَوتي. ذٰلك الَّذي يَسحَقُني في الزَّوبَعة، ويُثخِنُني بِالجِراحِ بِغَيرِ عِلَّة. لا يَترُكُني آخُذُ نَفَسي، وإِنَّما يُجَرِّعُني مَرارات. أَمَّا قُوَّةُ القاهِرِ فإِنَّها لَه، وأَمَّا القَضاءُ فمَن ذا يَستَدْعيه؟ إِن كُنتُ بارًّا فإِنَّ فَمي يُؤَثِّمُني، أَو كامِلًا فإِنَّه يُجَرِّمُني. وهَبْني كامِلًا فإِنِّي لا أَعرِفُ نَفْسي. قد سَئِمتُ حَياتي. الأَمرُ واحِدٌ ولِذٰلك قُلتُ: إِنَّه يُفْني الكامِلَ والشِّرِّيرَ على السَّواء. مَتى تُنزِلُ الكارِثَةُ مَوتًا فُجائِيًّا يَسخَرُ مِن يأسِ الأَبرِياء. إِن اُسلِمَتِ الأَرضُ إِلى يَدَيِ الشِّرِّير، حَجَبَ اللهُ وُجوهَ قُضاتِها. إِن لم يَكُنْ هو فمَن يَكون؟. أَيَّامي أَسرَعُ مِن عَدَّاء قد فَرَّت ولم تُصِبْ خَيرًا. قد مَرَّت كسُفُنِ البَرْدِيّ، كالعُقابِ المُنقَضِّ على طَعامِه. إِن قُلتُ: سأَنْسى شَكْوايَ وأُطلِقُ وَجْهي وأَبتَسِم. تَخَوَّفتُ مِن جَميعِ آلامي لِعِلْمي بِأَنَّكَ لا تُبَرِّئُني. إن كُنتُ مُستَذنَبًا، فلِماذا أَتعَبُ عَبَثًا؟ لو ٱغتَسَلتُ بِالثَّلْجِ ونَقَّيتُ كَفَّيَّ بِالحُرُض، لَغَطَستَني في الهُوَّة، حتَّى تَعافَني ثِيابي. إِنَّه لَيسَ بإِنْسانٍ مِثْلي فأُجاوِبَه، حَتَّى نَمثُلَ كِلانا أَمامَ القَضاء. لو كانَ بَينَنا حَكَمٌ يَجعَلُ يَدَه على كِلَينا، لرَفَعَ عَنِّي عَصاه ولَما رَوَّعَني رُعبُه. حينَئذٍ أَتَكَلَّمُ ولا أَخافُه لأَنِّي لَستُ كذٰلكَ في نَظَري. لقَد سَئِمَت نَفْسي حَياتي. أُطلِقُ شَكْوايَ وأَتَكَلَّمُ بِمَرارةِ نَفْسي. أَقولُ لله: لا تُؤَثِّمْني. أَعلِمْني على أَيِّ شيءٍ تُخاصِمُني. أَيَحسُنُ لَدَيكَ أَن تَظلِمَني، أَن تَنبُذَ صُنعَ يَدَيكَ، وتُعينَ مَشورَةَ الأَشْرار؟ أَلَكَ عَينانِ جَسَدِيَّتان؟ أَلَعَلَّكَ تَنظُرُ نَظَرَ البَشر؟ أَكأَيَّامِ إِنْسانٍ أَيَّامُكَ أَم كأَعْوامِ رَجُلٍ أَعْوامُكَ، حتَّى تَبحَثَ عن إِثْمي وتَفحَصَ عن خَطيئَتي؟ على عِلمِكَ بأَنِّي لَستُ مُذنِبًا وأَنَّه لا مُنقِذَ لي مِن يَدِكَ. يَداكَ جَبَلَتاني وصَوَّرتاني بِجُملَتي، والآنَ تَبتَلِعُني! أُذكُرْ أَنَّكَ قد صَوَّرتَني مِثلَ الطِّين، فإِلى التُّرابِ تُعيدُني. أَلَم تَكُنْ قد صَبَبتَني كاللَّبَنِ الحَليب، وجَمَّدتَني كالجُبْنِ وكَسَوتَني جِلدًا ولَحمًا وحَبَكتَني بِعِظامٍ وعَصَب، وحَياةً ونِعمَةً آتَيتَني وحَفِظَت عِنايَتُكَ روحي؟ وقد كَتَمتَ هٰذه في قَلبِكَ وإِنِّي لَأَعلَمُ أَنَّها في نَفسِكَ. إِذا خَطِئتُ تُراقِبُني، ولا تُبَرِّئُني مِن إِثْمي، إِذا أَذنَبتُ فالوَيلُ لي. وإِن بَرَرتُ فلا أَرفَعُ رَأسي لِما جُرِّعتُه مِنَ العار ولِلبُؤسِ الَّذي ٱنتَشَيتُ منه. وإِنِ ٱرتَفَعَ رَأسي تَصْطادُني كاللَّيث، ثُمَّ تَعودُ فتَصولُ علَيَّ. تُجَدِّدُ هَجَماتِكَ في وَجْهي، وتُشَدِّدُ غَضَبَكَ عَلَيَّ، وجُيوشُك تَتَناوَبُ ضِدِّي. لِمَ أَخرَجَتني مِنَ الجَوف؟ إِذَن لَكانَت تَفيضُ روحي ولا تَراني عَين. ولَكُنتُ كأَنِّي لم أَكُنْ قَطُّ فأُقادُ مِنَ البَطْنِ إِلى القَبْرِ. أَلَيسَت أَيَّامي إِلى حين؟ فلْيَكُفَّ ويُخفِّفْ عنِّي فأَبْتَسِمَ قَليلًا. قَبلَ أَن أَنصَرِفَ ٱنصِرافَ مَن لا يَأُوب، إِلى أَرضِ ظُلمَةٍ وظِلالِ مَوت. أَرضِ ظَلامٍ كاللَّيل، وظِلالِ مَوتٍ وعَدَمِ نِظام، حَيثُ النُّورُ كالظَّلام». فأَجابَ صوفَرُ النَّعْماتِيُّ وقال: «أَلعَلَّ كَثرَةَ الكَلام لا يُجابُ علَيها أَم يَكونُ الحَقُّ لِلرَّجُلِ المُفَوَّه؟ أَلَعَلَّ صَلَفَكَ يُفحِمُ البَشَر، أَم تَتَهَكَّمُ وما من أَحَدٍ يُسَفِّهُكَ؟ تقول: تَعْليمي طاهِر، وأَنا نَزيهٌ في عَينَيكَ. ولٰكِن يا لَيتَ اللهَ يَتَكلَّم، ويَفتَحُ شَفَتَيه لِإجابَتِكَ. ويُخبِرُكَ بِأَسْرارِ الحِكمَة، - الَّتي تُحَيِّرُ كُلَّ فِطنَة - فتَعلَمَ أَنَّ اللهَ قد تَسامَحَ عن شيءٍ من إِثمِكَ. أَلَعَلَّكَ تَسبِرُ غَورَ الله أَم تَبلُغُ إِلى كَمالِ القَدير؟ هو عُلُوُّ السَّمَواتِ فماذا تَفعَل؟ وهو أَعمَقُ مِن مَثْوى الأَمْواتِ فماذا تَدْري؟ مَداه أَطوَلُ مِنَ الأَرْض، وأَعرَضُ مِنَ البَحْر. إِن مَرَّ وسَجَنَ وجَمَعَ قُضاتَه، فمَن يَرُدُّه؟، فإِنَّه يَعرِفُ أَصْحابَ الباطِل، ويُبصِرُ الإِثْمَ أَفلا يَفطَن؟ بِذٰلك يَتَعَقَّلُ الجاهِل، وكجحشِ الحِمارِ الوَحشِيِّ يولَدُ الإِنسان. وأَنتَ إِن ثَبَّتَّ قَلبَكَ وبَسَطتَ إِلَيه كَفَّيكَ وأَبعَدتَ الإِثْمَ الَّذي في يَدِكَ ولم يَحِلَّ الظُّلْمُ في خَيمَتِكَ. فحينَئِذٍ تَرفَعُ وَجهًا لا عَيبَ فيه، وتَكونُ راسِخًا ولا تَفزَع. وتَنْسى مَشَقَّتَكَ أَو تَذكُرُها مِثلَ مِياهٍ قد عَبَرَت. وتَكونُ مُدَّةُ حَياتِكَ أَشرَقَ مِنَ الظَّهيرة، وظُلمَتُكَ مِثلَ الصَّباح، وتَطمَئِنُّ لِوُجودِ الرَّجاء، وبَعدَ الخِزْيِ تَضَّجِعُ في أَمان. وتَستَقِرُّ ولا يُرَوِّعُكَ أَحَد، بل كَثيرونَ يَستَعطِفونَ وَجهَكَ. أَمَّا عُيونُ الأَشْرارِ فتَكِلّ، وكُلُّ مَلجَإٍ لَهم يَبيد ورَجاءُهم في فَيضِ أَرْواحِهم». فأَجابَ أَيُّوبُ وقال: إِنَّكم في الحَقيقةِ صَوتُ الشَّعْب، وفي مَوتِكم تَموتُ الحِكمَة. غَيرَ أَنَّ لي عَقلًا كما لَكم، لا أُقَصِّرُ عنكم في شَيء، ومَنِ الَّذي يَفوتُه مِثلُ هٰذه؟ أَصبَحتُ أُضْحوكَةً لأَصدِقائي، وأَنا أَدْعو إِلى اللهِ فيَستَجيبُني. إِنَّ البارَّ الكامِلَ لَأُضْحوكة. العُسرُ في رَأيِ المَيسورينَ إِهانة، فهي مُعدَّةٌ لِمَن زَلَّت قَدَمُه. خِيامُ اللُّصوصِ في سَلام، والطُّمأنينةُ لِمُسخِطي الله، لِكُلِّ مَن يَقبِضُ على اللهِ في يَدِه. ولَكِنِ ٱسأَلِ البَهائِمَ فُتَعلِّمَكَ، وطُيورَ السَّماءِ فتُخبِرَكَ. خاطِبِ الأَرضَ فتُلَقِّنَكَ، وأَسْماكَ البَحرِ تُحَدِّثُكَ. فأَيٌّ مِنها جَميعًا لا يَعلَمُ أَنَّ ذٰلك إِنَّما صَنَعَته يَدُ الرَّبّ. الَّذي في يَدِه نَفْسُ كُلِّ حَيٍّ وأَرْواحُ البَشَرِ أَجمَعين؟. أَلَيسَتِ الأُذُنُ تُمَيِّزُ الأَقْوال، كما يَذوقُ الحَنَكُ الطَّعام؟ وإِنَّما الحِكمَةُ عِندَ الأَشيَب، والفِطنَةُ في طولِ الأَيَّام. اللهُ عِندَه الحِكمَةُ والجَبَروت، ولَه المَشورَةُ والفِطنَة. ما هَدَمَه لا يُبنى، ومَن أَغلَقَ علَيه لا يُفتَحُ لَه. يَحبِسُ المِياهَ فتَجِفّ، أَو يُطلِقُها فتُخَرِّبُ الأَرض. عِندَهُ العِزَّةُ والفِطنَة، ولَه الضَّالُ ومَن يُضِلُّه. يَسوقُ المُشيرينَ مُجَرَّدين، ويَجعَلُ القُضاةَ مَجانين. يَحُلُّ قَبضَةَ المُلوك، فيَربِطُ إِزارًا على أَحْقائِهم. يَسوقُ الكَهَنَةَ مُجَرَّدين، ويَقلِبُ الرَّاسِخين. يَقطَعُ أَلسِنَةَ الثِّقات، ويَسلُبُ ذَوقَ الشُّيوخ. يَصُبُّ العارَ على الكُرَماء، ويُرخي مَناطِقَ الأَقوِياء. يُجَلِّي مِنَ الظُّلمَةِ أَعْماقَها، ويُبْرِزُ ظِلالَ المَوتِ إِلى النُّور. يُنْمي الأُمَمَ ثُمَّ يُبيدُها، ويَفسَحُ لِلشُّعوبِ ثُمَّ يَمْحوها. يَذهَبُ بِأَلْبابِ الَّذينَ يَسودونَ شَعبَ الأَرض، ويُضِلُّهم في تيهٍ لا طَريقَ فيه. فيَتَلَمَّسونَ في الظُّلمَةِ ولَيسَ نور، ويُرَنِّحُهم تَرَنُّحَ السَّكْران. ذٰلك كُلُّه قد رَأَته عَيني، وسَمِعَته أُذُني وفَطِنَت لَه. وما تَعلَمونَ فإِنِّي أَنا أَيضًا أَعلَمُه، لا أُقَصِّرُ عنكُم في شَيء. لٰكِنِّي إِنَّما أُخاطِبُ القَدير، وأَوَدُّ أَن أُجادِلَ الله. أَمَّا أَنتُم فإِنَّما تَطْلونَ بِالكَذِب، وطِبُّكم لا قيمةَ لَه. مَن لي بِأَن تَسكُتوا، فيَكونَ لَكم في ذٰلِك حِكمَة. إِسمَعوا حُجَجي، وأَصْغوا إِلى دَعاوى شَفَتَيَّ. أَلإرضاءِ اللهِ تَتَكَلَّمونَ بِالظُّلْمِ، أَم لأَجْلِه تَنطِقونَ بالخِداع؟ أَلَعَلَّكم تُحابونَه، أَم عنِ اللهِ تُخاصِمون؟ أَيَحسُنُ أَن يَفحَصَكم، أَم أَنتُم تَخدَعونَه كما يُخدَعُ الإِنْسان؟ بل لِيُوَبِّخَنَّكم على مُحاباتِكُم الخَفِيَّة. أَلا يُرعِبُكم جَلالُه، ويَقَعُ علَيكم ذُعرُه؟ إِنَّ ما تَذكُرونَه أَمْثالٌ مِن رَماد، وحُصونُكم حُصونٌ مِن طين. أُسكُتوا عنِّي فأَتَكلَّم، مَهْما أَصابَني. لِمَ آخُذُ لَحْمي بِأَسْناني، وأَجعَلُ نَفْسي في كَفِّي؟ إِنَّه ولَو قَتَلَني أَبْقى بِلا أَمَل، لَكِنِّي أَحتَجُّ عن طُرُقي أَمامَه. وذٰلك يَكونُ خَلاصي، لأَنَّ الكافِرَ لا يَقومُ أَمامَه. فٱسمَعوا كَلامي وما أُبَيِّنُه على مَسامِعِكم، فإِنِّي قد أَعدَدتُ الدَّعْوى وأَنا عالِمٌ بِأَنِّي سأَكونُ بارًّا مَنِ الَّذي يُحاجِجُني؟ فإِنِّي لا أَلبَثُ أَن أَسكُتَ وتَفيضَ روحي. أَمرَينِ لا تَفْعَلْ بي، فحينَئذٍ لا أَتَوارى عن وَجهِكَ. أَبعِدْ عنِّي يَدَكَ ولا يُرَوِّعْني رُعبُكَ. أُدعُ فأُجيب، أَو فَلْأُخاطِبْكَ أَنا فتُجاوِبَني. ما الَّذي لي مِنَ الآثامِ والخَطايا؟ أَعلِمْني مَعصِيَتي وخَطيئَتي. لِمَ تُواري وَجهَكَ وتَعُدُّني عَدُوًّا لَكَ؟ أَتُرَوِّعُ وَرَقَةً مَنْثورة وتُطارِدُ قَشَّةً يابِسة؟ فإِنَّكَ تَكتُبُ علَيَّ أُمورًا مَريرة وتُلحِقُ بي آثامَ صِبائي. وتَجعَلُ رِجلَيَّ في مِقطَرَة، وتُراقِبُ جَميعَ طُرُقي وتَخُطُّ حَولَ باطِنِ قَدَمَيَّ. وهٰذا الرَّجُلُ يَبْلى كشَيءٍ مُسَوِّس، وكَثَوبٍ قد أَكَلَه العُثّ. الإِنْسان مَولودُ المَرأَة، قَليلُ الأَيَّامِ كَثيرُ الشَّقاء. كَزَهرٍ يَنبُتُ ثُمَّ يَذْوي، وكَظِلٍّ يَبرَحُ ولا يَقِف. إِنَّكَ على مِثلِ هٰذا فَتَحتَ عَينَيكَ وإِيَّايَ قُدتَ لِلتَّحاكُمِ مَعَكَ. مَن يأتي بِطاهِرٍ مِن نَجِس؟ لا أَحَد!. فإِذا كانَت أَيَّامُه مَحْدودة، وعَدَدُ شُهورِهِ مُعَيَّنًا عِندَكَ وقَد قَضَيتَ لَه أَجَلًا لا يَتَعَدَّاه. فٱصرِفْ طَرفَكَ عنه لِيَستَريح، إِلى أَن يَفِيَ نَهارَه كالأَجير. الشَّجَرَةُ لَها رَجاء، فإِنَّها إِذا قُطِعَت تُخلِفُ أَيضًا، وفِراخُها لا تَزول. وإِذا تَعَتَّقَ في الأَرضِ أَصلُها وماتَ في التُّرابِ جَذرُها. فمِنِ ٱستِرْواحِ الماءِ تُفَرِّخ، وتُنبِتُ فُروعًا كالغَريسة. أَمَّا الرَّجُلُ فإِذا ماتَ بَقِيَ بِلا حِراك، وٱبنُ آدَمَ متى فاضَت روحُه فأَينَ يوجَد؟ البَحرُ تَنفَدُ مِياهُه، والنَّهرُ يَنضُبُ ويَجِفّ. والإِنسانُ يَضَّجِعُ فلا يَقوم، إِلى أَن تَزولَ السَّمَوات. لا يَستَيقِظونَ ولا يَنبَعِثونَ مِن مَنامِهم. مَن لي بِأَن تُخفِيَني، وتُوارِيَني في مَثْوى الأَمْوات، حتَّى يَجْتازَ غَضَبُكَ، وأَن تَضرِبَ لي أَجَلًا ثُمَّ تَتَذَكَّرَني. إِذا ماتَ الرَّجُلُ أَفَيَحْيا؟ إِذَن لَٱنتَظَرتُ كُلَّ أَيَّامِ تَجَنُّدي، حتَّى يَحينَ ٱبتِدالي. فإِنَّكَ تَدْعوني فأُجيبُكَ، وتَتوقُ إِلى صُنعِ يَدَيكَ. أَمَّا الآنَ فإِنَّكَ تُحْصي خَطَواتي، ولا تَرصُدُ خطايايَ. تَختِمُ على مَعصِيَتي في صُرَّةٍ وتَستُرُ إِثْمي. الجَبَلُ يَسقُطُ ويَنْهار، والصَّخرُ يَتَزَحزَحُ عن مَكانِه. والحِجارَةُ تَبْريها المِياه، وتَجرُفُ سُيولُها تُرابَ الأَرْض، وأَنْتَ تُفْني رَجاءَ الإِنْسان. تُرهِقُه على الدَّوامِ فيَمْضي، تُشَوِّهُ وَجهَه ثُمَّ تَصرِفُه. أَيُكرَمُ بَنوه؟ لا يَعلَم، أَم يُهانونَ؟ لا يَدْري. عَلَيه وَحدَه يَتَوَجَّعُ جَسَدُه، وعلَيه وَحدَه تَنوحُ روحُه». فأَجابَ أَليفازُ التَّمانِيُّ وقال: «أَلَعَلَّ الحَكيمَ يُجيبُ عن عِلمٍ باطِل، ويَمْلَأُ جَوفَه ريحًا شَرقِيَّة. فيُحاجُّ بِكَلامٍ لا يُفيد، وبأَقْوالٍ لا قيمَةَ لَها؟ بل أَنتَ تَهدِمُ التَّقْوى، وتَنقُضُ عِبادَةَ الله، وإِثْمُكَ يُعَلِّمُ فَمَكَ، وأَنتَ تُؤثِرُ لِسانَ الماكِرين. إِنَّ فَمَكَ هو يُؤَثِّمُكَ، لا أَنا، وشَفَتَيكَ تَشْهدانِ علَيكَ. أَلَعَلَّكَ وُلِدتَ أَوَّلَ البَشَر، أَم أُبدعتَ قَبلَ التِّلال؟ أَلَعَلَّكَ أَصغَيتَ في مَجلِسِ الله، أَم قدِ ٱحتَكَرتَ الحِكمَة؟ ما الَّذي تَعلَمُه أَنتَ ولا نَعلَمُه، أَم ماذا فَهِمتَ وخَفِيَ علَينا؟ فرُبَّ أَشيَبَ عِندَنا وشَيخٍ أَكبَرَ سِنًّا مِن أَبيكَ. أَيَسيرةٌ لَدَيكَ تَعزِياتُ الله ومُلايَنَتُه لَكَ بِالكَلام؟ عَلامَ يَستَهْويكَ قَلبُكَ، وإِلامَ يَغمِزُ طَرفُكَ، حتَّى تُوَجِّهَ على اللهِ غَيظَكَ ويَنفُثَ فَمُكَ أَقْوالًا؟ ما الإِنْسانُ حتَّى يَطهُرَ أَو مَولودُ المرأَةِ حتَّى يَكونَ بارًّا؟ ها إِنَّ قِدِّيسيه لا يَأتَمِنُهم، والسَّمَواتِ غَيرُ طاهِرَةٍ في عَينَيه. فكَم بالأَحْرى القَبيحُ الفاسِد، الإِنْسانُ الَّذي يَشرَبُ الإِثْمَ كالماء. إِنِّي أُبَيِّنُ لَكَ فٱسمَعْ لي وبِما رَأَيتُ أُحَدِّثُكَ. وبِما أَخبَرَ بِه الحُكَماءُ عن آبائِهم ولم يَكْتُموه. الَّذينَ أُعْطوا الأَرضَ وَحدَهم، ولم يَدخُلْ بَينَهم غَريب. الشِّرِّيرُ يَتَمَلمَلُ كُلَّ الأَيَّام، وسِنونَ مَعْدودةٌ ٱدُّخِرَت لِلجائِر. صَوتُ الأَهْوالِ في أُذُنَيه، وفي السَّلامِ يُفاجِئُه المُجْتاح. لا يَأمَنُ أَن يَخرُجَ مِنَ الظُّلمَة، لأَنَّ السَّيفَ يَتَرَصَّدُه. يُعَدُّ قوتًا لِلنُّسورِ ويَعلَمُ أَنَّه مُهَيَّأٌ لِلهَلاك. يَومُ الظَّلامِ يُفزِعُه، والشِّدَّةُ والضِّيقُ يُداهِمانِه، كَمَلِكٍ مُعتَدٍّ لِلنِّزال. لأَنَّه مَدَّ على اللهِ يَدَه، وتَجَبَّرَ على القَدير، وأَغارَ علَيه بِعُنُقٍ سامِدة، تَحتَ أَظهُرِ تُروسِه الغَليظَة. وقد كَسا السِّمَنُ وَجهَه، وغَشَّى الشَّحمُ كُليَتَيه. فٱستَوطَنَ مُدُنًا خَرِبَة، بُيوتًا لا مُقيمَ فيها، عن قَليلٍ ستَكونُ رُجُمًا. لَن يَغتَنِيَ ولن تَثبُتَ ثَروَتُه ولن تَنتَشِرَ في الأَرضِ أَمْوالُهم. لن يُفلِتَ مِنَ الظُّلمَة، واللَّهيبُ يُجَفِّفُ أَغْصانَه، وبِنَفخَةِ فَمِ اللهِ يَزول. لا يَعتَمِدَنَّ على الوَهْمِ وهو المُنخَدِع، ويَكونُ الوَهمُ أُجرَتَه. قَبلَ الأَوانِ يَذْوي، وأَغْصانُه لا تَخضَرّ. يُساقِطُ كالكَرمَةِ حِصرِمَه، ويَنقُضُ كالزَّيتونَةِ زَهَرَه. لأَنَّ جَماعَةَ الكافِرِ عَقيمة، وخِيامَ الرَّشوَةِ تَأكُلُها النَّار. مَن حَبِلَ بِالمشَقَّةِ وَلَدَ الإِثْم، وأَحْشاؤُه تُدَبِّرُ المَكيدَة». فأَجابَ أَيُّوبُ وقال: «كَثيرًا ما سَمِعتُ مِثلَ هٰذا إِنَّما أَنتُم بِأَجمَعِكم مُعَزُّونَ مُتعِبون: تَقولون: مَتى يَنتَهي كَلامُكَ الفارِغ، وما الَّذي يُغْريكَ بِالمُجاوَبَة؟ أَنا أَيضًا أُخاطِبُكم كما تُخاطِبونَني، لَو كانت أَنفُسُكم في مَوضِعِ نَفْسي. ولَلَفَّقتُ لَكم أَقْوالًا وهَزَزتُ عَلَيكم رَأسي ولَشَجَّعتُكم بِفَمي ورَفَقَت بِكم تَعزِيَةُ شَفَتَيَّ. إِذا تَكَلَّمتُ لم يَسكُنْ وَجَعي، أَو صَمَتُّ فهَل يَبرَحُني؟ لقَد أَجهَدَني الآن فإِنَّكَ رَوَّعتَ جماعَتي كُلَّها. حَفَرتَ لي غُضونًا تَشهَدُ علَيَّ هُزالي يَقومُ علَيَّ ويَشهَدُ في وَجْهي. مَزَّقني غَضَبُه وهاجَمَني، صَرَفَ علَيَّ بِأَسْنانِه، وعَدُوِّي حَدَّدَ عَينَيه علَيَّ. فَغَروا علَيَّ أَفْواهَهم ولَطَموا خَدِّي تَعْييرًا وتَجَمَّعوا علَيَّ جُملَةً. أَسلَمَني اللهُ إلى الظَّالِم، وبَينَ أَيدي الأَشْرارِ أَلْقاني. كُنتُ في هُدوءٍ فهَشَّمَني، أَخَذَ بِقَفايَ فحَطَّمَني ونَصَبَني هَدَفًا لَه. تَكتَنِفُني سِهامُه، يَشُقُّ بِها كُلَيتَيَّ ولا يُشفِق، ويُريقُ مَرارتي على الأَرْض. يَفْتَحُ فِيَّ ثُغرَةً على ثُغرَة، ويَهجُمُ علَيَّ هُجومَ الجَبَّار. لقَد لَفَّقتُ على جِلْدي مِسْحًا ومَرَّغتُ في التُّرابِ جَبْهَتي. إِحمَرَّ وَجْهي مِنَ البُكاء، وغَشِيَ جَفنَيَّ ظِلالُ المَوت. على أَنَّ يَدَيَّ لا عُنفَ فيهِما وصَلاتي طاهِرَة. أَيَّتُها الأَرضُ لا تَستُري دَمي ولا يَكُنْ لِصُراخي قَرار. لِي مُنذُ الآنَ شاهِدٌ في السَّماء، ومُحامٍ عَنِّي في الأَعالي. إِنَّ السَّاخِرينَ مِنِّي هم أَصدِقائي، ولٰكِن إِلى اللهِ تَفيضُ عَينايَ. فليُدافِعْ هو عن رَجُلٍ في صِراعٍ مع الله، كما يُدافِعُ ٱبنُ بَشَرٍ عن صَديقِه. فإِنَّ سَنَواتي المَعْدودَةَ تَمْضي، فأَركَبُ طَريقًا لا أَعودُ مِنه. قدِ ٱضمَحَلَّت روحي وٱنطَفَأَت أَيَّامي وإِنَّما لِيَ المَقابِر. إِنَّما الهازِئونَ حَولي، على عَداوَتِهم تَسهَرُ عَيني. إِجعَلْ كَفالَتي لَدَيكَ فمَنِ الَّذي يَصفُقُ على يَدي؟. فإِنَّكَ قد حَجَبتَ قُلوبَهم عنِ الفِطنَة، لِذٰلك لا تَرفَعُهم. مَن دَعا الأَصدِقاءَ إِلى التَّقْسيم، تُصابُ أَعيُنُ بَنيه بِالكَلال. نَصَبوني لِلشُّعوبِ مَثَلًا، وكُنتُ مَن بَصَقوا في وَجهِه. كَلَّت عَيني مِنَ الكآبَة وصارَت أَعْضائي كُلُّها ظِلًّا. حينَئذٍ يَدهَشُ المُستَقيمون، ويَقومُ الطَّاهِرُ على الكافِر. ويَلزَمُ البارُّ طَريقَه ويَزْدادُ النَّقِيُّ اليَدَينِ قُوَّةً. أَمَّا أَنتُم فٱرجِعوا وتَعالَوا بِأَجمَعِكم، فَلا أَجِدُ فيكم حَكيمًا. أَيَّامي قَدِ ٱنقَضَت ومَقاصِدي تَقَطَّعَت، وهي آمالُ قَلْبي. يَدَّعونَ أَنَّ اللَّيلَ نَهار، وأَنَّ النُّورَ قَريبٌ وأَنا أَمامَ الظَّلام. ما رَجائي؟ إِنَّما مَثْوى الأَمواتِ بَيتي وفي الظَّلامِ بَسَطتُ مَضْجَعي. قُلتُ لِلفَسادِ: أَنتَ أَبي، ولِلدَّيدانِ: أَنتِ أُمِّي وأُخْتي. إِذَنْ أَينَ رَجائي؟ رَجائي مَن يَراه؟ معي تَنزِلُ إِلى مَثْوى الأَمْوات، أَلا نَنزِلُ مَعًا إِلى التُّراب؟» فأَجابَ بِلدَدُ الشُّوحِيُّ وقال: «إِلامَ تَجعَلانِ حَدًّا لِلكَلام؟ تَأَمَّلا وبَعدَ ذٰلك نَتَكَلَّم. ما بالُنا نُحسَبُ كالبَهائِم، ونُستَقذَرُ في أَعيُنِكما؟ يا مَن يُمَزِّقُ نَفسَه في غَيظِه، أَفتُهجَرُ الأَرضُ مِن أَجلِكَ، أَم يُزَحزَحُ الصَّخرُ مِن مَكانِه؟ إِنَّ نورَ الشِّرِّيرِ يَنطَفِئ، ولَهيبَ نارِه لا يُضيء. يُظلِمُ النُّورُ في خَيمَتِه، ويَنطَفِئُ مِصْباحُه علَيه. تَضيقُ خَطَواتُ قُوَّتِه، وتُعَثِّرُه تَدابيرُه، لأَنَّ رِجلَيه تُساقُ إِلى الشِّباك، فيَخْطو على عُيونِها. يأخُذُ الفَخَّ بِعَقبِه، ويَشُدُّ علَيه الشَّرَك، فإِنَّ حَبلًا مَطْمورٌ لَه في الأَرْض، والمِصيَدَةَ على طَريقِه. تُرَوِّعُه الأَهْوالُ مِن كُلِّ جانِب، وتَتَعَقَّبُ خُطاه. قُوَّتُه جائِعة، والمُصيبَةُ قائِمَةٌ بِجانِبِه. تأكُلُ أَعْضاءَ جَسَدِه، ويأكُلُ بِكْرُ المَوتِ أَعْضاءَه. يُنزَعُ مِن أَمانِ خَيمَتِه، ويُساقُ إِلى مَلِكِ الأَهْوال. يُقامُ في خَيمَتِه الَّتي لم تَعُدْ لَه، ويُمطَرُ مِلكُه كِبْريتًا. تَجِفُّ أُصولُه مِن أَسفَل، وتُقطَعُ فُروعُه مِن فَوقُ. يَزولُ ذِكرُه مِنَ الأَرْض، ولا يَكونُ لَه ٱسمٌ في البِلاد. يُدحَرُ مِنَ النُّورِ إِلى الظَّلام، ويُنْفى مِنَ المَسْكونَة، ولا تَكونُ لَه ذُرِّيَّةٌ ولا خَلَفٌ بَينَ قَومِه، ولا يَبْقى في مَنازِلِه باقٍ فتَندَهِشُ مِن يَومِه المَغارِب، وتَقشَعِرُّ مِنه المَشارِق. هٰكَذا تَكونُ مَساكِنُ الشِّرِّير، وهٰذا مُقامُ مَن لا يَعرِفُ الله». فأَجابَ أَيُّوبُ وقال: «إِلى متى تُعَذِّبونَ نَفْسي وتَسحَقونَني بِأَقْوالِكم؟ هٰذه عَشْرُ مَرَّاتٍ عَيَّرتُموني فيها ولا تَخجَلونَ أَن تُعَنِّفوني. وهَبوني في الواقِعِ قد ضَلَلتُ فضَلالي يَعْنيني وَحْدي، وأَنتُم إِذا كُنتُم في الواقِعِ تَستَكبِرونَ علَيَّ وتُوَبِّخونَني بِعاري، فٱعلَموا أَنَّ اللهَ هو الَّذي آذاني، ولَفَّ علَيَّ شَبَكَتَه. ها إِنِّي أَصرُخُ على العُنْفِ فلا أُجابُ وأَستَغيثُ ولَيسَ مِن قضاء. قد سدَّ عَلَيَّ الطَّريقَ فلا أَجوز، وغَطَّى سُبُلي بِالظُّلُمات. عَرَّاني مِن مَجْدي ونَزَعَ إِكْليلَ رأْسي. هَدَّمَني مِن كُلِّ جِهَةٍ فرَحَلتُ، وٱستَأصَلَ رَجائي ٱستِئصالَ الشَّجَرَة، وٱضطَرَمَ علَيَّ غَضَبُه، وعَدَّني مِن أَعْدائِه. زَحَفَ غُزاتُه زَحفَةً واحِدَة، شَقُّوا علَيَّ طَريقَهم وخَيَّموا حَولَ خَيمَتي. أَبعَدَ إِخْواني عنِّي، فٱعتَزَلَتْني مَعارِفي. خَذَلَني ذَوو قَرابَتي والَّذينَ أَلِفتُهم قد نَسوني. حَسِبَني نُزَلاءُ بَيتي وإِمائي غَريبًا وأَصبَحتُ أَجنَبِيًّا في أَعيُنِهم. دَعَوتُ عَبْدي فلَم يُجِبْ وبِفَمي تَضَرَّعتُ إِلَيه. قد صارَ نَفَسي خَبيثًا عِندَ ٱمرَأَتي وأَمسَيتُ مُنتِنًا لأَبْناءِ أَحْشائي. حتَّى الصِّبْيانُ ٱزدَرَوني أَقومُ فيتَكَلَّمونَ علَيَّ. قد مَقَتَني أُمَناءُ سِرِّي والَّذينَ أَحبَبتُهمُ ٱنقَلَبوا علَيَّ. لَصِقَت عِظامي بِلَحْمي ونَجَوتُ بِجِلدِ أَسْناني. إِرحَموني ٱرحَموني أَنتُم يا أَصدِقائي، فإِنَّ يَدَ اللهِ قد مَسَّتْني. لِمَ تُطارِدونَني مِثلَ الله، ولا تَشبَعونَ مِن لَحْمي؟ مَن لي بِأَن تُكتَبَ أَقوالي ومَن لي بِأَن تُحفَرَ في سِفْرٍ. بإِزْميلٍ مِن حَديدٍ وبِالرَّصاص، أَن تُنقَشَ في الصَّخرِ لِلأَبَد؟ فادِيَّ حَيٌّ وسَيَقومُ الأَخيرَ على التُّراب. وبَعدَ أَن يَكونَ جِلْدي قد تَمَزَّق، أُعايِنُ اللهَ في جَسَدي. أُعايِنُه أَنا بِنَفْسي وعَينايَ تَرَيانِه لا غَيري قد فَنِيَت كُلْيَتايَ في داخِلي. إِن قُلتُم: كَيفَ نُطارِدُه، لِنَجِدَ علَيه أَصلًا لِدَعْوى؟ ولٰكِن خافوا لأَنفُسِكم مِنَ السَّيْف، فإِنَّ الغَيظَ يَستَوجِبُ السَّيف، فتَعلَمونَ أَن هُناكَ قَضاءً». فأَجابَ صوفَرُ النَّعماتِيُّ وقال: «لِذٰلِكَ تَعودُ بي خَواطِري وبِسَبَبِها ما بي مِنَ الٱضطِراب. لقد سَمِعتُ تأديبًا يُهينُني فلَقَّنَتني روحُ فِطنَتي جَوابًا. أَلَم تَعلَمْ هٰذا أَنَّ مُنذُ الدَّهر، مُنذُ أَن جُعِلَ البَشَرُ على الأَرْض، طَرَبَ الأَشْرارِ قَريبُ الزَّوال، وفَرَحَ الكافِرِ لَمحَةُ بَصَر فإِنَّه ولوِ ٱرتَفَعَت قامَتُه إِلى السَّماء، ونَطَحَت هامَتُه الغُيوم، يَهلِكُ لِلأَبَدِ كبِرازِه، فيَقولُ الَّذينَ يَرَونَه: أَينَ هو؟ يَطيرُ كالحُلْمِ فلا يوجَد، ويَضمَحِلُّ كرُؤيا اللَّيل. والعَينُ الَّتي لَمَحَته لا تَعودُ تَلمَحُه، ولا يَراهُ مَكانُه مِن بَعد. بَنوه يوفونَ المَساكينَ حَقَّهم، ويَداه تَرُدَّانِ ما سَلَبَه. عِظامُه مَليئةٌ بِعُنُفوانِ شَبابِه، ومَعَه تَضَّجِعُ في التُّراب. إِذا حَلا الشَّرُّ بِفَمِه، وخَبَّأَه تَحتَ لِسانِه. وٱدَّخَرَه ولم يُلقِه، بل حَبَسَه في داخِلِ حَنَكِه. فإِنَّ طَعامَه هٰذا يَتَحَوَّلُ في أَمْعائِه إِلى سُمِّ صِلٍّ في جَوفِه. أَلأَمْوالُ الَّتي ٱبتَلَعَها يَقيئُها، فاللهُ يَستَخرِجُها مِن جَوفِه. رَضَعَ سُمَّ الأَصْلال، فقَتَلَه لِسانُ الأَفْعى. لن يَرَى سَواقيَ الزَّيت، وأَنْهارًا وسُيولًا مِن عَسَلٍ ولَبَنٍ حَليب. يَرُدُّ كَسبَه ولا يَلتَهِمُه، ومِن كَسْبِ تِجارَتِه لا يَتَمَتَّع، لأَنَّه سَحَقَ المَساكينَ وخَذَلَهم، وسَرَقَ بَيتًا ولم يَبنِه. وإِذا لم يَعرِفِ القَناعَةَ في جَوفِه، فإِنَّه لا يَنْجو بِنَفائِسِه. لم يُبقِ نَهَمُه على شَيءٍ، لِذٰلِكَ نُعْماه لا تَثبُت. في إِبَّانِ السَّعَةِ تُصيبُه الشِّدَّة، وتَقَعُ علَيه يَدُ كُلِّ بَلِيَّة. حينَ يَمْلَأُ بَطنَه، يُرسِلُ اللهُ علَيه نارَ غَضَبِه، ويُمطِرُها علَيه طَعامًا. إِن فَرَّ مِن سِلاحِ الحَديد، تَختَرِقُه قَوسُ النُّحاس. يَنزِعُ السَّهمَ فيَخرُجُ مِن ظَهرِه، وإِذا خَرَجَ النَّصلُ البارِقُ مِن كَبِدِه غَشِيَته الأَهْوال. كُلُّ ظَلامٍ مُدَّخَرٌ لَه في مَخابِئِه، وتَأكُلُه نارٌ لم يُنفَخْ فيها، وتُتلِفُ ما بَقِيَ في خَيمَتِه. تَكشِفُ السَّمَواتُ عن إِثمِه، والأَرضُ تَقومُ علَيه. تُسلَبُ غِلالُ بَيتِه وتَجْري كالمِياهِ في يَومِ الغَضَب. ذلٰكَ نَصيبُ الرَّجُلِ الشِّرِّير، ميراثُه مِن عِندِ اللهِ بِأَمرِه تَعالى». فأَجابَ أَيُّوبُ وقال: «إِسمَعوا قَولي سَماعًا، ولْتَكُنْ لي مِنكُم هٰذه التَّعزِيَة. إِصبِروا علَيَّ فأَتَكَلَّم، وبَعدَ كَلامي تَسخَرون. أَلعَلَّ شَكْوايَ مِن إِنْسان؟ وإِلاَّ فلِماذا لا أَكونُ قَصيرَ البال؟ إِلتَفِتوا إِلَيَّ وٱندَهِشوا وٱجعَلوا أَيدِيَكم على أَفْواهِكم. فإِنِّي كُلَّما تَذَكَّرتُ ٱرتَعتُ، وأَخَذَ جِسمِيَ الِٱرتِعاش. لِماذا يَحْيا الأَشرارُ ويَشيخونَ ويَعظُمُ ٱقتِدارُهم؟ ذُرِّيَّتُهم قائِمةٌ أَمامَهم على أَيَّامِهم وخَلَفُهم لَدى أَعيُنِهم. بُيوتُهم آمِنَةٌ مِنَ الخَوف، وعَصا اللهِ لا تَعْلوهم. ثَورُهم يُلقِحُ ولا يُخطِئ، وبَقَرَتُهم تَلِدُ ولا تُسقِط. يُسَرِّحونَ صِبْيانَهم كالغَنَم، وأَطْفالُهم يَرقُصون. يُنشِدونَ بِالدُّفِّ والكِنَّارة، ويَطرَبونَ بِصَوتِ المِزْمار. يَقطَعونَ أَيَّامَهم في السَّعادة، ثُمَّ في لَحظَةٍ يَهبِطونَ إِلى مَثْوى الأَمْوات. مع أَنَّهم يَقولونَ لله: إِبتَعِدْ عَنَّا، فإِنَّ مَعرِفَةَ طُرُقِكَ لا نَبتَغيها. مَنِ القَديرُ حتَّى نَعبُدَه، وما فائِدَتُنا أَن نَتَوَسَّلَ إِلَيه؟ أَلَيسَت سَعادَتُهم في أَيديهم؟ يَقولون: بُعدًا عَنَّا لِمَكايَدِ الأَشْرار! أَيَنطَفِئُ غالِبًا مِصْباحُ الأَشْرار، وتَحِلُّ المُصيبَةُ علَيهم، ويَقسِمُ اللهُ غَضَبَه لِكُلٍّ نَصيبًا؟ فيُمْسونَ كالتِّبنِ في وَجهِ الرِّيح، وكالعُصافَةِ الَّتي تَذهَبُ بِها الزَّوبَعة. أَيَدَّخِرُ اللهُ عِقابَ الشِّرِّيرِ لِبَنيه؟ بل فلْيُكافِئْه فَيَعلَم. ولْتَرَ عَيناه دَمارَه، ولْيَشرَبْ مِن غَضَبِ القَدير. لأَنَّه ما بُغيَتُه في بَيتِه مِن بَعدِه وقد قُطِعَ عَدَدُ شُهورِه؟ أَفاللهُ يُلَقَّنُ عِلمًا، وهو الَّذي يَدينُ أَهلَ العَلاء؟ هٰذا يَموتُ في عِزِّ قُوَّتِه، وقَد غَمَرَته السَّعادَةُ والطُّمَأنينة، والسِّمَنُ يَكْسو جَنبَيه، وعِظامُه مَليئَةٌ بِالنُّخاع. وذاكَ يَموتُ في مَرارَةِ نَفسِه ولم يَذُقْ هَناءً. وكِلاهُما يَضَّجِعانِ في التُّراب، فيَكْسوهما الدُّود. إِنِّي لَأَعلَمُ أَفْكارَكم، وبِما تَنسِبونَه إِلَيَّ ظُلمًا. فإِنَّكم تَقولون: أَينَ دارُ المُغتَصِب، وأَينَ خَيمَةُ مَساكِنِ الأَشْرار؟ هَلاَّ سأَلتُم عابِري الطَّريق، حتَّى لا تُنكِروا إِشاراتِهم؟ في يَومِ المُصيبَةِ يُبقى على الشِّرِّير، وفي يَومِ الغَضَبِ يوضَعُ في أَمان. فمَنِ الَّذي يُبَيِّنُ لَه طَريقَه، ومَن يُكافِئُه على ما صَنَع؟ يُساقُ إِلى المَقابِر، وعلى قَبرِه يُسهَر. يَطيبُ لَه مَدَرُ الوادي، ووراءَه يَسيرُ كُلُّ النَّاس، وأَمامَه جُمْهورٌ لا يُحْصى. فما بالُكم تُعَزُّونَني عَبَثًا، وما بَقِيَت أَجوِبَتُكم إِلاَّ خِداعًا؟». فأَجابَ أَليفازُ التَّيمانِيُّ وقال: «أَلَعَلَّ الرَّجُلَ يَنفَعُ الله، إِذ إِنَّ الحَكيمَ لا يَنفَعُ إِلاَّ نَفسَه؟ هل مِن بُغيَةٍ لِلقَديرِ أَن تَكونَ بارًّا، ومِن كَسْبٍ لَه أَن تَكونَ كامِلَ الطُّرُق؟ أَمِن أَجلِ تَقْواكَ يُحاجُّكَ أَو يُرافِقُكَ إِلى القضاء؟ أَلَيسَ شَرُّكَ جَسيمًا وآثامُكَ لا حَدَّ لَها؟ فإِنَّكَ ٱرتَهَنتَ مِن أَخيكَ بِغَيرِ حَقّ، وسَلَبتَ العُراةَ ثِيابَهم ولم تَسْقِ المُنهَكَ ماءً، ومَنَعتَ الخُبزَ عنِ الجائع، فأَصبَحَتِ الأَرضُ لِذي الذِّراع، ومَرْفوعُ الجاهِ أَقامَ فيها. صَرَفتَ الأَرامِلَ فارِغات، وأَذرُعُ اليَتامى حُطِّمَت. لِذٰلِك تُحيطُ بِكَ الفِخاخ، ويُرَوِّعُكَ رُعبٌ مُفاجِئ، أَو ظُلمَةٌ لا تُبصِرُ فيها، أَو غَمرُ ماءٍ يَعْلوكَ. أَلَيسَ اللهُ في أَعْلى السَّمٰوات؟ فٱنظُرْ ذُروَةَ الكَواكِبِ ما أَعْلاها. وقد قُلتَ: ماذا يَعلَمُ الله؟ أَمِن وَراءِ الغَيمِ المُظلِمِ يَدين الغُيومُ سِترٌ لَه فلا يَرى، وعلى قُبَّةِ السَّمٰواتِ يَتَمَشَّى. أَلَعَلَّكَ تَلزَمُ سَبيلَ القِدَمِ الَّذي وَطِئَه أَصْحابُ الإِثْم، الَّذينَ قُرِضوا قَبلَ أَوانِهم، وٱندَفَقَ السَّيلُ على أَساسِهم، القائِلينَ لله: إبتَعِدْ عَنَّا. وماذا يَصنَعُ بِنا القَدير، وهو قد مَلَأَ بُيوتَهم طَيِّبات؟ - فبُعدًا عنِّي لِمَكايِدِ الأَشْرار - يَرى الأَبْرارُ فيَفرَحون، والبَريءُ يَستَهزِئُ بِهم: أَلَم يَنقَرِضْ مُقاوِمونا، وقد أَكَلَتِ النَّارُ يُسرَهم؟ فصالِحْه وسالِمْه، فبِذٰلكَ تَعودُ إِلَيكَ الطَّيِّبات. وتَلَقَّ الشَّريعَةَ مِن فَمِه، وأَودِعْ أَقْوالَه في قَلبِكَ، فإِنَّكَ إِن تُبتَ إِلى القَديرِ يُعادي عُمْرانُكَ، وإِن أَبعَدتَ الإِثمَ عن خَيمَتِكَ وأَلقَيتَ إِلى التُّرابِ سَبائِكَكَ وإِلى حَصى الأَودِيَةِ ذَهَبَ أُوفير، يَكونُ القَديرُ سَبائِكَكَ وأَكْوامَ فِضَّةٍ لَكَ. حينَئِذٍ تَكونُ لَذَّتُكَ في القَدير، وتَرفَعُ إِلى اللهِ وَجهَكَ وتَدْعو إِلَيه فيُجيبُكَ وتوفي نُذورَكَ وتَعزِمُ على أَمرٍ فيَتِمُّ لَكَ. وعلى سُبُلِكَ يُشرِقُ نور، ومَن أُذِلَّ تَقولُ له: إِنهَضْ، فيُخَلِّصُ اللهُ الخاشِعَ الطَّرْف، ويُنَجِّي مَن لَيسَ بِبَريء، فيَنْجو بِبِرِّ كَفَّيكَ». فأَجابَ أَيُّوبُ وقال: «اليَوم أَيضًا شَكْوايَ مُرَّة، ويَدي أَثقَلَت على أَنيني. مَن لي بأَن أَعلَمَ أَينَ أَجِدُه، فآتِيَ إِلى سُكْناه. وأَعرِضَ قَضِيَّتي أَمامَه وأَملأَ فمي حُجَجًا وأَعرِفَ كَلِماتِ إِجابَتِه وأَتَفَهَّمَ ما يَقولُ لي؟ أَبِعَظَمَةِ جَبَروتِه يُحاجُّني؟ لا بل يَعطِفُ علَيَّ. إِذَن لحاجَّه المُستَقيم، ولنَجَوتُ مِن عِندِ قاضِيَّ فائِزًا. لٰكِنِّي أَسيرُ شَرْقًا فلا يوجَد، وغَربًا فلا أُبصِرُه. يَعمَلُ في الشَّمالِ فلا أُدرِكُه، ويَستَتِرُ في الجَنوبِ فلا أَراه. أَمَّا هو فيَعلَمُ سَبيلي، وإِذا ٱمتَحَنَني بَرَزتُ كالذَّهَب، لأَنَّ قَدَمي لَزِمَت خُطاه، وقد حَفِظتُ سَبيلَه، ووَصِيَّةُ شَفَتَيه لم أَحِدْ عنها، ولم أَنبِذْ ما فُرِضَ علَيَّ، وٱدَّخَرتُ أَقْوالَ فَمِه. لٰكِنَّه فَريدٌ فمَن يَرُدُّه؟ وما أَحَبَّت نَفسُه فَعَل، فهو يُنَفِّذُ ما فُرِضَ علَيَّ، ومِثلُ هٰذه عِندَها الكثير. لِذٰلك أَفزَعُ أَمامَه، وكُلَّما فَكَّرتُ ٱرتَعَبتُ مِن حَضرَتِه، فإِنَّ اللهَ قد أَوهَنَ قَلْبي، والقَديرَ رَوَّعَني لأَنِّي لم أَضمَحِلَّ قَبلَ حُلولِ الظَّلام، ولٰكِنَّه غَشَّى وَجْهي بِالظُّلْمَة. لِماذا لا يَدَّخِرُ القَديرُ أَزمِنَةً، وعارِفوه لا يَشهَدونَ أَيَّامَه؟ فإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَنقُلونَ الحُدود، ويَسلُبونَ القُطْعانَ ويَرعَونَها. يَسوقونَ حِمارَ الأَيتام، ويَرتَهِنونَ ثَورَ الأَرمَلة. يُبعِدونَ المُعوِزينَ عن الطَّريق، فيَختَبِئُ مَساكينُ الأَرضِ جَميعًا. ها هُم كالحَميرِ الوَحشِيَّةِ في البَرِّيَّة، يَخرُجونَ إِلى عَمَلِهم، مُبَكِّرينَ إِلى الفَريسة، ولَهمُ البَرِّيَّةُ طَعامٌ لِبَنيهِم. يَحصُدونَ حَقلًا لَيسَ لَهم، ويَقطِفونَ كَرْمَ الشِّرِّير. يبيتونَ عُراةً بِلا لِباس، لا غِطاءَ لَهم في البَرْد، فَيُبَلَّلونَ مِن مَطَرِ الجِبال، لا مأوًى لَهم فيَلتَصِقونَ بِالصُّخور. يَخطَفونَ اليَتيمَ عنِ الثُّدِيّ، ويَرتَهِنونَ على المِسْكين، فيَذهَبونَ عُراةً لا لِباسَ لَهم، ويَحمِلونَ الحُزَمَ وهُم جائِعون. يَعصُرونَ الزَّيتونَ في الرَّحى، ويَدوسونَ في المَعصَرَةِ وهم عِطاش. في المَدينَةِ أُناسٌ يَنتَحِبون، وأَنْفاسُ المَجْروحينَ تَستَغيث واللهُ لا يَلتَفِتُ إِلى الصَّلاة. وآخَرونَ تَمَرَّدوا على النُّور ولم يَعرِفوا طُرُقَه، ولا ٱستَقَرُّوا في سُبُلِه. عِندَ طُلوعِ النُّورِ يَقومُ القاتِل، ويَقتُلُ المُعوِزَ والمِسْكين، وفي اللَّيلِ يَكونُ لِصًّا. وعَينُ الزَّاني تَتَرَقَّبُ العَتَمَة، يَقولُ في نَفْسِه: لا تُبصِرُني عَين، فيَجعَلُ بُرقُعًا على وَجهِه. يَنقُبونَ البُيوتَ في الظَّلام، ويُغلِقونَ على أَنفُسِهم في النَّهار، فلا يَعرِفونَ النُّور، لأَنَّ الصُّبحَ وظِلَّ المَوتِ شَيءٌ واحِدٌ لَهم إِذ إِنَّهُمُ ٱعتادوا أَهْوالَ ظِلِّ المَوت. يَنْسابونَ أَخِفَّاءَ على وَجهِ المِياه. أَمْلاكُهم مَلْعونةٌ على الأَرْض، لا يَتَوَجَّهُ أَحَدٌ إِلى كُرومِهم. القَحْطُ والقَيْظُ يَبتَلِعانِ مِياهَ الثَّلْج، وهٰكذا مَثْوى الأَمْواتِ يَبتَلِعُ الخاطِئين، تَنْساه الرَّحِمُ ويَتَذَوَّقُه الدُّود، ولا يَعودُ يُذكَر، والإِثْمُ يُحَطَّمُ كالشَّجَرَة. يُسيءُ إِلى العاقِرِ الَّتي لا تَلِد، ولا يُحسِنُ إِلى الأَرمَلَة. لٰكِنَّ الَّذي بِقُوَّتِه يَجُرُّ المُقتَدرِين يَقومُ فَلا يأمَنونَ على حَياتِهم. يُؤتيهمِ الطُّمَأنينَةَ فَيَرْتاحونَ إِلَيها، إِلاَّ أَنَّ عَينَيه على طُرُقِهم. تَرَفَّعوا قَليلًا ثُمَّ لم يَكونوا. إِنْهاروا وحُصِدوا كسائِرِ النَّاس، وقُطِعوا كرُؤُوسِ السَّنابِل. وإِلاَّ فمَن إِذًا يُكَذِّبُني ويَجعَلُ كَلامي لا شَيء». فأَجابَ بِلدَدُ الشُّوحِيُّ وقال: «لَه السُّلْطانُ والفَزَع، لِمُحِلِّ السَّلامِ في أَعاليه. هل مِن عَدَدٍ لِجُنودِه، أَم هَل مِن أَحَدٍ لا يُشرِقُ علَيه نورُه؟ كَيفَ يَكونُ الإِنْسانُ بارًّا لَدى الله، أَو مَولودُ المَرأَةِ طاهِرًا؟ ها إِنَّ القَمَرَ نَفسَه غَيرُ مُنيرٍ في عَينَيه، والكَواكِبَ لا نَقاءَ لَها فكَيفَ إِذًا الإِنسانُ الدُّودة وٱبنُ آدَمَ اليَرَقانة؟». فأَجابَ أَيُّوبُ وقال: «كَيفَ أَعَنتَ مَن لا قُوَّةَ لَه، وخَلَّصتَ ذِراعًا لا قُدرَةَ لَها؟ وكَيفَ أَشَرتَ على مَن لا حِكمَةَ لَه، وكَشَفتَ لَه تَدابيرَ كَثيرة؟ إِلى مَن وَجَّهتَ الكَلام وروحُ مَنِ ٱنبَثَقَ مِنكَ؟ تَرتَعِدُ الأَشْباح مِن تَحتِ المِياهِ وسُكَّانِها. مَثْوى الأَمْواتِ مَكْشوفٌ لَدَيه، والهاوِيَةُ لا حِجابَ علَيها. يَمُدُّ الشَّمالَ على الخَواء، ويُعلِّقُ الأَرضَ على العَدَم. يَخزُنُ المِياهَ في غُيومِه، فلا يَتَخَرَّقُ الغَمامُ تَحتَها. يَحجُبُ وَجهَ عَرشِه، وقد نَشَرَ علَيه غَمامَه. رَسَمَ دائِرَةً على وَجهِ المِياه، نَحوَ مُلْتَقى النُّورِ والظَّلام. أَعمِدَةُ السَّماءِ تَتَزَعْزَع، وتَفزَعُ من زَجْرِه. بِقُوَّتِه هَيَّجَ البَحْرَ وبِفِطنَتِهِ حَطَّمَ رَهَب. بِنَفَسِه كَنَسَ السَّمٰوات ويَدُه طَعَنَتِ الحَيَّةَ الهارِبَة. تِلكَ أَبْعادُ طُرُقِه وهَمسٌ خَفيفٌ نَسمَعُه مِن كَلامِه. أَمَّا رَعدُ جَبَروتِه فمَن يُدرِكُه؟». وعادَ أَيُّوبُ إِلى ضَربِ مَثَلِه فقال: «حَيٌّ اللهُ الَّذي يَرفُضُ حَقِّي والقَديرُ الَّذي مَرَّرَ نَفْسي. ما دامَ نَفَسي فِيَّ وروحُ اللهِ في أَنْفي لَن تَنطِقَ بِالسُّوءِ شَفَتايَ، ولا يُتَمتِمُ لِساني بِالبُهتان. حاشى لي أَن أُبَرِّرَكم. إِلى أَن تَفيضَ روحي لا أُقلِعُ عن كَمالي. تَمَسَّكتُ بِبِرِّي فلا أُرْخيه، لأَنَّ ضَميري لا يَخجَلُ على يَومٍ مِن أَيَّامي. فَلْيَكُنْ عَدُوِّي كالشِّرِّير، ومُقاوِمي كالمُسيء. فإِنَّه ما عَسى خَيطُ الكافِر، إِذا قَطَعَه الله ونَزَعَ حَياتَه! أَفَيسمَعُ اللهُ صُراخَه إِذا نَزَلَ بِه ضيق، أَم تَكونُ لَه لَذَّةٌ بِالقَدير ويَدْعو إِلى اللهِ في كُلِّ حين؟ إِنِّي أُعَلِّمُكم قُدرَةَ الله ولا أَكتُمُ ما عِندَ القَدير، فإِنَّكم جَميعًا قد عايَنتُم فما بالُكم تَنطِقونَ بِالباطِل؟ هٰذا نَصيبُ الرَّجُلِ الشِّرِّيرِ عِندَ الله، وميراثُ الظَّالمينَ الَّذي يَنالونَه مِنَ القَدير. إِن كَثُرَ بَنوه فلِلسَّيْف، وذُرِّيَّتُه لا تَشبَعُ خُبزًا والباقونَ يُدفَنونَ بِالوَباء، وأَرامِلُه لا يَبْكينَ علَيهم. إِذا كَنَزَ الفِضَّةَ مِثلَ التُّراب، وكَدَّسَ المَلابِسَ كالطِّين، فلْيُكَدِّسْها فالبارُّ يَلبَسُها، والفِضَّةُ يَرِثُها البَريء. بَنى مِثلَ العُثَّةِ بَيتَه وكالنَّاطورِ الَّذي يَنصِبُ كوخَه. يَضَّجِعُ غَنِيًّا ولا يُدفَن، يَفتَحُ عَينَيه ولا يَكون. تُدرِكُه الأَهْوالُ كالمِياه، وفي اللَّيلِ تَخطَفُه الزَّوبَعة. تَأخُذُه السَّمومُ فيَذهَب، وتَقتَلِعُه مِن مَقَرِّه. تَهْوي علَيه ولا تُشفِق، وهو هارِبٌ مِن يَدَيها فيُصَفَّقُ علَيه بِالكَفَّينِ ويُصفَرُ علَيه مِن كُلِّ مَكان. إِنَّ لِلفِضَّةِ مَناجِم، ولِلذَّهَبِ مَكانًا يُنَقَّى فيه. والحَديدُ يُستَخرَجُ مِنَ التُّراب، والحَجَرُ المَصْهورُ يَصيرُ نُحاسًا. جَعَلوا لِلظُّلمَةِ حَدًّا، وبَحَثوا في كُلِّ زاويَة عنِ الحَجَرِ الَّذي في الظَّلامِ وظِلالِ المَوت. حَفَروا نَفَقًا بَعيدًا عنِ المَساكِن، وعنِ الأَماكِنِ الَّتي نَسِيَتها القَدَم، فهُم على بُعدٍ مِنَ النَّاسِ يَتَدَلَّونَ مُرتَجِحينَ. أَلأَرضُ الَّتي يَخرُجُ مِنها الخُبزُ ٱنقَلَبَ ما تَحتَها كما بِالنَّار. صَخرُها مَكانُ السَّفير، وفيها أَترِبَةُ الذَّهَب. سَبيلٌ لم يَعرِفْه الكاسِر، ولم تُبصِرْه عَينُ النَّسْر، ولَم تَطَأْه الضَّواري ولم يَسلُكْه الأَسَد. بَسَطوا أَيدِيَهم إِلى الصَّوَّان، وقَلَّبوا الجِبالَ مِن أُصولِها. في الصُّخورِ حَفَروا أَنْفاقًا وكُلُّ ثَمينٍ عُيونُهم رَأَته. فَحَصوا يَنابيعَ الأَنْهار وأَخرَجوا المَكْنوناتِ إِلى النُّور. أَمَّا الحِكمَةُ فأَينَ توجَد، والفِطنَةُ أَينَ مَقَرُّها؟ لا يَعرِفُ الإِنسانُ قيمَتَها ولا وُجودَ لَها في أَرضِ الأَحْياء. الغَمرُ قالَ: لَيسَت فِيَّ والبَحرُ قالَ: لَيسَت عِنْدي. لا يُعْطى الإِبْريزُ بَدَلًا مِنها ولا توزَنُ الفِضَّةُ ثَمَنًا لَها ولا يُساويها ذَهَبُ أُوفير ولا الجَزْعُ الكَريمُ ولا السَّفير، ولا يُقاسُ بِها الذَّهَبُ ولا الزُّجاج ولا تُبدَلُ بِأَواني الذَّهَبِ الخالِص. لا يُذكَرُ معها المَرْجانُ ولا البِلَّور، وٱستِخْراجُ الحِكمَةِ يَفوقُ ٱستِخْراجَ اللَّآلِئ. لا يُقاسُ بِها ياقوتُ كوشَ الأَصفَر، ولا يُساويها الذَّهَبُ الخالِص. لٰكِن مِن أَينَ تَأتي الحِكمَة، والفِطنَةُ أَينَ مَقَرُّها؟ إِنَّها مَحْجوبةٌ عن عَينَي كُلِّ حَيّ، ومُتَوارِيَةٌ عن طَيرِ السَّماء. الهاوِيَةُ والمَوتُ قالا: قَد بَلَغَ مَسامِعَنا خَبَرُها. اللهُ يُبصِرُ سُبُلَها وهو عالِمٌ بِمَكانِها لأَنَّه يَنظُرُ إِلى أَقاصي الأَرْض ويَرى جَميعَ ما تَحتَ السَّمٰوات. وحينَ جَعَلَ لِلرِّيحِ وَزنًا، وعايَرَ المِياهَ بِمِقْدار، وجَعَلَ أَحْكامًا لِلمَطَر وسَبيلًا لِلرُّعودِ القاصِفَة، حينَئِذٍ رَآها وأَخبَرَ بِها وثَبَّتَها وسَبَرَها وقالَ لِلْبَشَر: ها إِنَّ مَخافَةَ الرَّبِّ هيَ الحِكمَة وٱجتِنابَ الشَّرِّ هو الفِطنَة». وعادَ أَيُّوبُ إِلى ضَربِ مَثَلِه فقال: «مَن لي بِمِثلِ الشُّهورِ السَّالِفة، ومِثْلِ الأَيَّامِ الَّتي كانَ اللهُ فيها حافِظي حينَ كانَ مِصْباحُه يُضيءُ على رأسي فأَسلُكُ الظُّلمَةَ في نورِه حينَ كُنتُ في أَيَّامِ خَريفي وكانَ اللهُ يُجالِسُني في خَيمَتي والقَديرُ لم يَزَلْ معي وصِبيَتي يُحيطونَ بي، وأَغسِلُ قَدَمَيَّ بِاللَّبَنِ الحَليب والصَّخرُ يُفيضُ لي أَنْهارًا مِنَ الزَّيت، وأَخرُجُ إِلى بابِ المَدينة، وأَتَّخِذُ في السَّاحَةِ مَجلِسي. يَراني الشُّبَّانُ فيَتَوارَون، والشُّيوخُ يَقِفونَ مُنتَصِبين. الأَعْيانُ يُمسِكُونَ عنِ الكَلام، ويَجعَلونَ أَيدِيَهم على أَفْواهِهم. يَتَخافَتُ صَوتُ الرُّؤَساء، وتَلصَقُ أَلسِنَتُهم بِأَحناكِهم. وإِذا سَمِعَتني أُذُنٌ هَنَّأَتْني، وإِذا رأَتْني عَينٌ شَهِدَت لي، لأَنِّي كُنتُ أُنَجِّي المِسْكينَ المُستَغيث واليَتيمَ الَّذي لا مُعينَ لَه، فتَحِلُّ علَيَّ بَرَكَةُ المائِت، وأَجعَلُ قَلبَ الأَرمَلَةِ يَتَهَلَّل. لَبِستُ البِرَّ فكانَ لِباسي وكانَ حَقِّي حُلَّةً وتاجًا لي. كُنتُ عَينًا لِلأَعْمى ورِجلًا لِلأَعرَج وكُنتُ أَبًا لِلمساكين، أَستَقْصي قَضِيَّةَ مَن لم أَعرِفْه، وأُحَطِّمُ أَنْيابَ الظَّالِم وأَنزِعُ فَريسَتَه مِن بَينِ أَسْنانِه. وكُنتُ أَقولُ إِنِّي سأَموتُ في عُشِّي، وكالرَّملِ أَزْدادُ أَيَّامًا وجُذوري مُنفَتِحةٌ على المِياه، والنَّدى يَبيتُ على أَغْصاني، وقد تَجَدَّدَ مَجْدي لَدَيَّ، وٱزْدادَت قَوسي قُوَّةً في يَدي. يَستَمِعونَ لي مُنتَظِرين، ويُنصِتونَ لِمَشورَتي، وعلى كَلامي لا يَزيدون، وأَقْوالي تَقطُرُ علَيهم. يَنتَظِرونَني كَما يُنتَظَرُ الغَيث، ويَفتَحونَ أَفْواهَهم كأَنِّي مُتَأَخِّرُ المَطَر. أَبتَسِمُ لَهم فلا يُصَدِّقون، ولا يَفوتُهم نورُ وَجْهي. أَخْتارُ طَريقَهم فأَجلِسُ في الصَّدْر، وأَحِلُّ حلولَ المَلِكِ مِنَ الجَيش، والمُعَزِّي مِنَ المَحْزونين. أَمَّا الآنَ فقَد ضَحِكَ مِنِّي مَن يَصغُرُني في الأَيَّام مَن كُنتُ آنَفُ أَن أَجعَلَ آباءَهم معَ كِلابِ غَنَمي. وبِقُوَّةِ أَيديهِم فماذا كُنتُ أَصنَعُ، وقد فَقَدوا أَشُدَّهم؟ جَفَّفَهمُ العَوَزُ والجوع، أُولٰئِكَ الَّذينَ يَهرُبونَ إِلى القِفار، إِلى الظَّلامِ والدَّمارِ والخَراب، ويَقطِفونَ المُلاَّحَ بَينَ الشِّيح، وخُبزُهم جِذرُ الرَّتَم. يُطرَدونَ مِنَ الحَضَر، ويُصاحُ علَيهم أَمْثالَ اللُّصوص، فيَسكُنونَ في مُنحَدَراتِ الأَودِيَة، وفي مَغاوِرِ التُّرابِ والصُّخور. يَنهَقونَ بَينَ الشِّيح، ويَتَكَدَّسونَ تَحتَ الأَشْواك. أَبْناءُ أَحمَقَ وأَبْناءُ مَن بِلا ٱسمٍ قد دُحِروا مِنَ الأَرْض. أَمَّا الآنَ فصِرتُ لَهم أُغنِيَّةً، وأَصبَحتُ عِندَهم مَثَلًا وقدِ ٱشمَأَزُّوا مِنِّي وٱبتَعَدوا عنِّي ولا يَحتَشِمونَ أَن يَبصُقوا في وَجْهي. وإِذا أَرْخى اللهُ وَتَري وأَذَلَّني، أَطلَقوا عِنانَهم في وَجْهي. قامَ السَّفَلَةُ عن يَميني يُعَثِّرونَ قَدَمَيَّ، ويُمَهِّدونَ إِلَيَّ سُبُلَ المُصيبة، ويَقطَعونَ علَيَّ الطَّريق، ويُساهِمونَ في هَلاكي ولا يَحْتاجونَ إِلى مُعين. كأَنَّما يَدخُلونَ مِن ثُغرَةٍ واسِعة، ويَتَدهوَرونَ بَينَ الرَّدْم. قد تَهافَتَت علَيَّ الأَهْوال، وطَرَدَت كَرامَتي كالرِّيح، وتَلاشى خَلاصي كالغُيوم. والآنَ تَنْهالُ نَفْسي علَيَّ وأَيَّامُ بُؤسٍ أَخَذَتني. في اللَّيلِ يَنخُرُ هٰذا عِظامي مِن فَوقي، والَّذينَ يَقرِضونَني لا يَنامون. قَبَضَ الأَلَمُ على لِباسي بِقُوَّة، وشَدَّني كما يَشُدُّني قَميصي. أَلْقاني في الوَحْل فأَشبَهتُ التُّرابَ والرَّماد. إِلَيكَ أَصرُخُ فما تُجيبُني وتَوَقَّفتُ فحدَّقتَ فِيَّ. أَصبَحتَ لي عَدُوًّا قاسِيًا وبِقُوَّةِ يَدِكَ حَمَلتَ علَيَّ. خَطَفتَني وعلى الرِّيح أَركَبتَني وأَذابَتني العاصِفَة. فعَلِمتُ أَنَّكَ إِلى المَوتِ تُعيدُني، إِلى دارِ ميعادِ كُلِّ حَيّ لا شَكَّ أَنَّ اليَدَ لا تُمَدُّ إِلى الخَراب وفي الٱنْهِيارِ تأتي النَّجدَة أَلَم أَبكِ لِمَنِ ٱشتَدَّ علَيه يَومُه؟ أَلَم تَرْثِ نَفْسي لِلمِسكين؟ لٰكِن حينَ تَوَقَّعتُ الخَير غَشِيَني الشَّرّ، وحينَ ٱنتَظَرتُ النُّورَ غَشِيَني الظَّلام. فارَت أَحْشائي ولَم تَهدَأْ، وبادَرَتْني أَيَّامُ الشَّقاء. أَمْشي مَسْفوعًا لا مِنَ الشَّمسِ أَقومُ في الجَماعةِ مُستَغيثًا. صِرتُ أَخًا لِبَناتِ آوى ورَفيقًا لِلنَّعام. إِسوَدَّ جِلْدي علَيَّ وٱحتَرَقَ عَظْمي مِنَ الحُمَّى. صارَت كِنَّارتي لِلنِّياحة ومِزْماري لِصَوتِ البُكاء. قد عاهَدتُ عَينَيَّ أَن لا أُحَدِّقَ في عَذْراء فما يَكونُ النَّصيبُ مِن عِندِ اللهِ مِن فَوق والميراثُ مِن عِندِ القَديرِ مِنَ الأَعالي؟ أَلَيستِ البَلِيَّةُ لِلظَّالِم والمُصيبَةُ لِفاعِلي الآثام؟ أَلَيسَ هو يُبصِرُ طُرُقي ويُحْصي جَميعَ خَطَواتي؟ هل سِرتُ في الباطِل وأَسرَعَت رِجْلي إِلى المَكيدَة؟ لِيَزِنِّي في ميزانِ البِرّ فيَعرِفَ اللهُ سَلامَتي. إِن حادَت خَطَواتي عنِ السَّبيل أَو سار قَلْبي وَراءَ عَينَيَّ أَو عَلِقَ بِراحَتي عَيب فلأَزْرَعْ أَنا ويأكُلْ آخَر، ولتُستَأصَلْ فُروعي. إِن كانَ قَلبي قد هامَ بٱمرَأَة أَو تَرَصَّدتُ على بابِ قَريبي فلْتَطحَنِ ٱمرَأَتي لِآخَر ولْيَقَعْ علَيها آخَرون فإِنَّها فاحِشَة جَريمةٌ تُرفَعُ إِلى القُضاة، نارٌ تأكُلُ حتَّى إِلى الهاوِيَة وتَستَأصِلُ غَلَّتي بِأَسرِها. إِن كُنتُ ٱستَهَنتُ بِحَقِّ عَبْدي أَو أَمَتي في دَعْواهما عَلَيَّ فماذا أَصنَعُ حينَ يَقومُ الله وكَيفَ أُجيبُه حينَ يُحَقِّق؟ أَوَلَيسَ الَّذي صَنَعَني في البَطنِ هو صَنَعَهما ووَاحِدٌ كَوَّنَنا في الرَّحِم؟ هل مَنَعْتُ البائِسينَ طَلَبَهم أَو أَكلَلتُ عَينَ الأَرمَلة أَو أَكَلتُ كِسرَتي وَحْدي ولم يأكُلْ مِنها اليَتيم؟ بل مُنذُ صِبايَ شَبَّ مَعي كأَنِّي أَبوه، ومِن بَطنِ أُمِّي هَدَيتُه. هل رَأَيتُ هالِكًا مِنَ العُرْيِ أَو مِسكينًا لا كُسوَةَ لَه ولَم تُبارِكْني كُليَتاه، وقدِ ٱستَدفَأَ بِجِزَّةِ غَنَمي. وإِن رَفَعتُ يَدي على اليَتيم عالِمًا بِأَنَّ القَضاءَ يَسنُدُني، فَلتَسقُطْ كَتِفي مِن كاهِلي ولْتُكْسَرْ ذِراعي مِن مَفصِلِها، فإِنَّ مُصيبَةَ اللهِ تُفزِعُني ولا قُدرَةَ لي أَمامَ جَلالِه. هل جَعَلتُ في الذَّهَبِ ثِقَتي أَم قُلتُ لِلإبْريزِ: أَنتَ أَمْني؟ هل فَرِحتُ بِأَنَّ غِنايَ جَزيل وأَنَّ يَدي قد أَصابَت كَثيرًا؟ هل نَظَرتُ إِلى الشَّمسِ حينَ سَطَعَت أَو إِلى القَمَرِ يَسيرُ بِالبَهاء فٱفتَتَن قَلْبي سِرًّا وأَرسَلَت يَدي إِلَيهِما قُبلَةً مِن فَمي؟ إِنَّها جَريمةٌ تُرفَعُ إِلى القُضاة لأَنِّي أَكونُ قد كَفَرتُ بِاللهِ العَلِيّ. هل فَرِحتُ بِهَلاكِ مُبغِضي أَو شَمِتُّ إِذا نالَه سوء؟ بل لم أَدَعْ فَمي يَخطَأ بِأَن يَطلُبَ نَفسَه بِلَعنَة. أَلَم يَكُنْ أَهلُ خَيمَتي يَقولون: مَن يَأتي بِأَحَدٍ لم يَشبَعْ مِن لَحمِ مائِدَتِه؟ إِنَّه لم يَبِتْ غَريبٌ في الخارِج، بل كُنتُ أَفتَحُ بابي لِٱبنِ السَّبيل. هل كَتَمتُ مَعصِيَتي كما يَفعَلُ النَّاس إِضْمارًا لِلإثْمِ في صَدْري، إِذ خِفتُ مِنَ الجُمْهور وخَشيتُ ٱحتِقارَ العَشائر، فصَمَتُّ ولَم أَخرُجْ إِلى الباب؟ مَن لي بِمَن يَسمَعُني؟ هٰذا تَوقيعي فليُجِبْني القَدير. والكِتابُ الَّذي كَتَبَه خَصْمي فلأَحمِلَنَّه على كَتِفي ولَأَعصِبَنَّه تاجًا لِرَأسي. أُبَيِّنُ لَه عَدَدَ خَطَواتي وأَتَقَدَّمُ إِلَيه تَقَدُّمَ رَئيس. إِن صَرَخَت علَيَّ أَرْضي وبَكَتْ مَعَها أَخاديدُها أَو أَكَلتُ غَلَّتَها بِلا فِضَّة أَو قَضَيتُ على نُفوسِ أَرْبابِها، فليَنبُتِ العَوسَجُ فيها بَدَلَ الحِنطَة والشَّوكُ بَدَلَ الشَّعير». تَمَّت أَقْوالُ أَيّوب. فأَمسَكَ هٰؤُلاءِ الرِّجالُ الثَّلاثَةُ عن مُحاوَرَةِ أَيُّوبَ لِٱعتِقادِه نَفْسَه بارًّا. فغَضِبَ أَليهو بنُ بَرَكْئيلَ البوزِيّ، مِن عشيرةِ رام. غَضِبَ غَضَبًا شَديدًا على أَيُّوبَ، لِزَعمِه أَنَّه أَبَرُّ مِنَ الله. وغَضِبَ غَضَبًا شَديدًا على أَصدِقائِه الثَّلاثة، لأَنَّهم لم يَجِدوا جَوابًا، ومع ذٰلك فقَد أَثَّموا أَيُّوب. وكان أَليهو قد ٱنتَظَرَ أَيُّوبَ مُمسِكًا عنِ الكَلام، لأَنَّ الآخَرينَ كانوا أَكبَرَ مِنه سِنًّا. فلَمَّا رأَى أَليهو أَنَّه لم يَبقَ جَوابٌ في أَفواهِ الرِّجالِ الثَّلاثَة، غَضِبَ غَضَبًا شَديدًا، وأَجابَ أَليهو بنُ بَرَكْئيلَ البوزيُّ وقال: «إِنِّي صَغيرٌ في الأَيَّام وأَنتُم شُيوخ. لِذٰلك تَراجَعتُ وهِبتُ أَن أُبدِيَ لَكم عِلْمي. وقُلت إِنَّ السِّنَّ تَتَكَلَّم وكَثرَةَ السِّنينَ تُخبِرُ بِالحِكمَة. لٰكِنَّ في البَشَرِ روحًا ونَسمَةَ القَديرِ تَجعَلُهم أَذْكياء. لَيسَ المُسِنُّونَ همُ الحُكَماء ولا الشُّيوخُ همُ الفَطِنونَ لِلحَقّ. لِذٰلِك قُلتُ: إسمَعوا لي فأُبدِيَ أَنا أَيضًا عِلْمي. فإِنِّي ٱنتَظَرتُ أَقْوالَكم وأَصغَيتُ إِلى حُجَجِكم مُدَّةَ بَحثِكم عَنِ الكَلِمات. وإِلَيكم رَكَّزتُ ٱنتِباهي فلَم يَكُنْ فيكم مَن أَفحَمَ أَيُّوب مُجيبًا على كَلامِه. لا تقولوا: إِنَّنا وَجَدنا الحِكمَة إِنَّما اللهُ راذِلُه لا الإِنْسان. لم يَرصِفْ علَيَّ الكَلِمات فلا أُجيبُه بأَقْوالِكم. لقَد تَحَيَّروا ولم يُجيبوا، وقد سُلِبَت مِنهُمُ الكَلِمات فٱنتَظَرتُ لأَنَّهم لم يَتَكَلَّموا وتَوَقَّفوا فلم يُجيبوا مِن بَعدُ. والآنَ أُجيبُ أَنا بِدَوري وأُبْدي أَنا أَيضًا عِلْمي، فإِنِّي مَليءٌ بِالكَلِمات وروحٌ باطِنِيٌّ يُضايِقُني. إِنَّ جَوفي كَخَمرٍ لا مَخرَجَ لَها كَمِنْفاخِ حَدَّادٍ يَكادُ يَنشَقّ. لَأَتَكَلَّمَنَّ فيُفرَجَ عنِّي أَفتَحُ شَفَتَيَّ وأُجيب. لا أُحابي إِنْسانًا ولا أَتمَلَّقُ بَشَرًا بِالأَلْقاب لأَنِّي لا أَعرِفُ التَّمَلُّق وإِلاَّ فإِنَّ صانِعي يَذهَبُ بي بَعدَ قَليل. فٱسمَعْ يا أَيُّوبُ أَقْوالي وٱصغِ إِلى كَلامي كُلِّه. إِنِّي فَتَحتُ فَمي ولِساني نَطَقَ في حَنَكي. إِنَّما كَلامي مِن قَلبٍ مُستَقيم وشَفَتايَ تَنطِقانِ بِعِلمٍ صادِق. روحُ اللهِ هو الَّذي صَنَعَني ونَسَمَةُ القَديرِ أَحيَتْني. أَجِبْني إِنِ ٱستَطَعتَ تأَهَّبْ أَمامي وٱنتَصِبْ. إِنَّما أَنا نَظيرُكَ عِندَ الله مِن طينٍ جُبِلتُ أَنا أَيضًا. فلا رُعْبي يَروعُكَ ولا سُلْطاني يَثقُلُ علَيكَ. لَكِنَّكَ قُلتَ على أُذُنَيَّ - وقد سَمِعتُ ما نَطَقتَ بِه -: «إِنِّي طاهِرٌ بِلا مَعصِيَة إِنِّي نَقِيٌّ ولا إِثمَ فِيَّ. وإِنَّما هو يَجِدُ عِلَلًا علَيَّ ويَحسَبُني عَدُوًّا لَه. يَجعَلُ رِجلَيَّ في مِقطَرَة ويَتَرَصَّدُ جَميعَ سُبُلي». فأُجيبُكَ أَنَّكَ في هٰذا غَيرُ مُحِقّ فإِنَّ اللهَ أَكبَرُ مِنَ الإِنْسان. فَما بالُكَ تُخاصِمُه؟ أَلأَنَّه لا يُجيبُ عن جَميعِ أَعْمالِه؟ إِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ بِطَريقة ثُمَّ بِأُخْرى ولا نَشعُرُ بِذٰلك. في حُلْمٍ، في رُؤيا اللَّيل، حينَ يَقَعُ السُّباتُ على الأَنام وهم نائِمونَ على مَضاجِعِهم. حينَئذٍ يَفتَحُ آذانَ النَّاس ويَختِمُ على إِنْذارِهم لِيَصرِفَ الإِنسانَ عن عَمَلِه ويَمحُوَ الكِبرِياءَ عنِ الرَّجُل فيَقِيَ نَفسَه مِنَ الهُوَّة وحَياتَه مِن عُبورِ القَناة. يُؤَدَّبُ بِالأَلَمِ على مَضجَعِه وفي عِظامِه صِراعٌ شَديد. تَعافُ حَياتُه الخُبْز ونَفْسُه لَذيذَ الطَّعام. يَذوبُ لَحمُه عنِ العِيان وتُعَرَّى عِظامُه المَخفِيَّة، وقَد دَنَت نَفسُه مِنَ الهُوَّة وحَياتُه مِنَ المُهلِكين. إِن وُجِدَ مَلاكٌ شَفيعٌ لَه وَسيطٌ مِن بَينِ الأَلْف لِيُعلِمَ الإِنسانَ بِواجِبِه ويَرحَمَه ويَقول: أَعْفِه مِنَ الهُبوطِ في الهُوَّة فقَد وَجَدتُ فِديَة. يَصيرُ جَسَدُه أَغَضَّ مِنه وهو صَبِيّ ويَعودُ إِلى أَيَّامِ شَبابِه ويَدْعو إِلى اللهِ فيَرْضى عَنه. حينَئذٍ يُعايِنُ وَجهَه بِالهُتاف فيُعيدُ إِلى الإِنسانِ بِرَّه. فيُرَنِّمُ بَينَ النَّاسِ ويقول: قد خَطِئتُ وحِدتُ عن الِٱستِقامة ولم يَجِزني بلِ ٱفتَدى نَفْسي مِن المُرورِ بِالهُوَّة وحَياتي تُبصِرُ النُّور. هٰذا كُلُّه يَفعَلُه الله بِالإِنْسانِ مَرَّتَينِ وثَلاثًا لِيُعيدَ نَفسَه مِنَ الهُوَّة ويُنيرَها بِنورِ الأَحْياء. فأَصغِ يا أَيُّوبُ وٱستَمِعْ لي وٱسكُتْ فأَتَكَلَّمَ أَنا وإِن كانَت عِندَكَ كَلِماتٌ فأَجِبْني تَكَلَّمْ، أُحِبُّ أَن أُبَرِّرَكَ وإِلاَّ فٱستَمِعْ لي أَنتَ فأُعَلِّمَكَ الحِكمَة». فواصَلَ أَليهو كَلامَه وقال: «إِسمَعوا أَقْوالي أَيُّها الحُكَماء وأَصْغوا إِلَيَّ يا أَصْحابَ المَعرِفَة فإِنَّ الأُذُنَ تَختَبِرُ الأَقْوال كما يَذوقُ الحَنَكُ الطَّعام. لَنا أَن نُمَيِّزَ ما هو حَقّ، ولْنَعلَمْ فيما بَينَنا ما هو حَسَن. قالَ أَيُّوب: «إِنِّي بارّ لٰكِنَّ اللهَ قد رَفَضَ حَقِّي. أُكَذَّبُ والحَقُّ لي وسَهمُه فِيَّ مُستَعصٍ وأَنا بِلا مَعصِيَة. أَيُّ رَجُلٍ كأَيُّوب يَشرَبُ الهُزْءَ كالماء ويَمْشي في عِشرَةِ فاعِلي الآثام ويَسيرُ مع ذَوي الشُّرور. فقَد قالَ إِنَّه لا يَنفَعُ الرَّجُلَ أَن يَكونَ هَواه في الله. لِذٰلكَ ٱسمَعوا لي يا أُولي الأَلْباب: حاشَ للهِ مِنَ الشَّرّ ولِلقَديرِ مِنَ الظُّلْم فإِنَّه يَجْزي الإِنْسانَ على حَسَبِ أَفْعالِه ويُعامِلُ الإِنسانَ على حَسَبِ سَبيلِه. لا شَكَّ أَنَّ اللهَ لا يأتي بِالشَّرّ والقَديرَ لا يُحَرِّفُ الحقّ. مَنِ الَّذي وَكَّلَه بِالأَرْض ومَنِ الَّذي كَلَّفَه بِالدُّنْيا كُلِّها؟ ولو لم يَلتَفِتْ إِلاَّ إِلى نَفْسِه وٱستَجمَعَ روحَه ونَسَمَتَه لَفاضَت روحُ جَميعِ البَشَرِ مَعًا وعادَ الإِنسانُ إِلى التُّراب. فإِن كُنتَ ذا فَهمٍ فٱسمَع هٰذا وأَصغِ إِلى صَوتِ أَقْوالي. أَلَعَلَّ مَن يُبغِضُ الحَقَّ يَحكُم أَم تُؤَثِّمُ البارَّ العَظيم؟ القائِلَ لِلمَلِك: يا عَديمَ الخَير! ولِلعُظَماء: يا أَشْرار! الَّذي لا يُحابي الرُّؤَساء ولا يُفَضِّلُ الغَنِيَّ على البائِس، لأَنَّهم جَميعًا أَعْمالُ يَدَيه. يُفاجِئُهمُ المَوتُ في نِصفِ اللَّيل ويَتَزَعزَعُ الشَّعبُ ويَهلِك، ويُستَأصَلُ المُقتَدِرُ بِغَيرِ عَناء لأَنَّ عَينَيه على طُرُقِ الإِنْسان، وهو يُبصِرُ جَميعَ خَطَواتِه. لا ظُلمَةٌ ولا ظِلالُ مَوت يَتوارى فيها فاعِلو الآثام لأَنَّ اللهَ لا يَضرِبُ لِلأُنْسانِ مَوعِدًا لِيَمثُلَ أَمامَه في الفَضاء، بل يُحَطِّمُ العُظَماءَ مِن غَيرِ بَحْث ويُقيمُ آخَرينَ مَكانَهم. ذٰلك بِأَنَّه يَعلَمُ بِأَعْمالِهم ويَقلِبُهم في لَيلَةٍ فيُسحَقون. يَصفَعُهم كأَشْرارٍ على مَشهَدِ النَّاس فإِنَّهم إِنَّما ٱبتَعَدوا عنه ولم يَفهَموا شَيئًا مِن طُرُقِه حَتَّى رُفِعَ إِلَيه صُراخُ المِسْكين وهو يَسمَعُ صُراخَ المَساكين. فإِنَّه إِذا سَكَنَ فمَن يُؤَثِّمُه؟ وإِن حَجَبَ وَجهَه فمَن يُبصِرُه؟ وعلى أُمَّةٍ أَو على البَشَرِ كذٰلك يُقيمُ إِنْسانًا كافرًا مَلِكًا مِن بَينِ مُضَلِّلي الشَّعْب. إِن قيلَ لله: تَحَمَّلتُ العِقاب، فلَن أَعودَ إِلى ٱرتِكابِ الشَّرّ فأَرِني ما لم أُبصِرْه وإِن كُنتُ قد فَعَلتُ إِثْمًا فلَن أَعودَ إِلى فِعلِه. أَفي رَأيِكَ أَنَّ علَيه أَن يُعاقِب؟ بِما أَنَّكَ تَرفُضُ أَحْكامَه إِذ لَكَ الِٱختِيارُ ولَيسَ لي فتَكَلَّمْ بِما تَعلَم. بل قد يَقولُ لي أُولو الأَلْباب والرَّجُلُ الحَكيمُ الَّذي يَستَمِعُني: إِنَّ أَيُّوبَ يَتَكَلَّمُ بِلا عِلْم وكَلامُه لَيسَ عن فِطنَة. إِذَنْ فليُمتَحَنْ أَيُّوبُ حَتَّى النِّهاية بِسَبَبِ أَجوِبَتِه الَّتي هي أَجوِبَةُ أَهْلِ الآثام. فإِنَّه يَزيدُ على خَطيئَتِه مَعصِيَة فيَزرَعُ الرَّيبَةَ بَينَنا ويُكثِرُ أَقْوالَه على الله». وواصَلَ أَليهو كَلامَه وقال: أَتَحسَبُ مِنَ العَدلِ أَن تَقولَ: «أَنا أَبَرُّ مِنَ الله؟» قُلتَ: «ماذا يُفيدُكَ وأَيُّ نَفعٍ لي أَلاَّ أَخطَأ؟» أَنا أُجيبُكَ بِالكَلام: أَنتَ وأَصدِقاءَكَ مَعَك. تَطَلَّعْ إِلى السَّماءِ وٱنظُرْ وتَأَمَّلِ الغُيومَ: إِنَّها أَرفَعُ مِنكَ. فإِن خَطِئتَ فماذا تُؤَثِّر فيه؟ وإِن أَكثَرتَ مِنَ المَعاصي فماذا تُلحِقُ بِه؟ وإِن كُنتَ بارًّا فبِماذا تَمُنُّ علَيه وماذا يأخُذُ مِن يَدِكَ؟ إِنَّما شَرُّكَ يَضُرُّ إِنْسانًا مِثلَكَ، وبِرُّكَ يَنفَعُ ٱبنَ آدم. مِن كَثرَةِ الظُّلمِ يَصرُخون، ومِن أَذرُعِ العُظَماءِ يَستَغيثون. ولٰكِن لا يَقولون: أَينَ اللهُ الَّذي صَنَعَني والَّذي يُنعِمُ بِالتَّرنيمِ لَيلًا الَّذي رَفَعَنا على بَهائِمِ الأَرضِ عِلمًا وعلى طُيورِ السَّماءِ حِكمةً. حينَئِذٍ يَصرُخونَ ولا يُجيب بِسَبَبِ تَشامُخِ الأَشْرار. إِنَّ اللهَ لا يَسمَعُ لِلْباطِل فإِنَّ القَديرَ لا يَلتَفِتُ إِلَيه. وكَم بِالأَحْرى حينَ تَقول: لا أَراه. دَعْوايَ بَينَ يَدَيه فأَنتَظِرُهُ. أَمَّا الآنَ فلأَنَّه لم يَفتَقِدْ بِغَضَبِه ولم يُبالِ بِغَباوَةِ الإِنْسان، فلَقَد فَتَحَ أَيُّوبُ فَمَه بِالباطِل وأَكثَرَ مِنَ الكَلامِ عن غيرِ عِلْم». ثُمَّ واصَلَ أَليهو كَلامَه وقال: «إِصبِرْ علَيَّ قَليلًا فأُبَيِّنُ لَكَ فإِنَّ لي عنِ اللهِ أَقْوالًا أُخْرى. إِنِّي أَتَّخِذُ عِلْمي مِن بُعْدٍ وأُعطي البِرَّ لِصانِعي. في الحقيقةِ لَيسَ في أَقْوالي كَذِب بل لَدَيكَ رَجُلٌ كامِلٌ في العِلْم. ها إِنَّ اللهَ قَديرٌ لا يَزْدَري أَحَدًا، قَديرٌ بِعَزيمةِ قَلْبِه، لا يُحْيي الشِّرِّير، ويُنصِفُ المَساكين. لا يَصرِفُ عَينَيه عنِ البارّ، وإِن كانَ مع المُلوكِ على العَرْش، حَيثُ أَجلَسَهم لِلأَبَد فتَشامَخوا. وإِذا أُوثِقوا بِالقُيود وأُخِذوا في حِبالِ الشَّقاء يُخبِرُهم بِأَعْمالِهم ومَعاصيهم في تَجَبُّرِهم، ويَفتَحُ آذانَهم لِلتَّأديب ويَأمُرُهم بِالإِقْلاعِ عنِ الإِثْم. فإِن سَمِعوا وأَطاعوا قَضَوا أَيَّامَهم في الهناء وسِنيهم في التَّنَعُّم، وإِن لم يَسمَعوا عَبَروا القَناة وفاضَت أَرْواحُهم وهُم لا يَعلَمون. لٰكِنَّ كُفَّارَ القُلوبِ يَدَّخِرونَ غَضَبَهم ولا يَستَغيثونَ حينَ يُقَيِّدُهم. تَموتُ نُفوسُهم في الصِّبا وتَنتَهي حَياتُهم بَينَ المأبونين. أَمَّا المِسْكينُ فيُخَلِّصُه بِبُؤسه، وبِالضَّغْطِ يَفتَحُ أُذُنَه. وأَنتَ أَيضًا يُبعِدُكَ عن فَمِ الشِّدَّة إِلى مَكانٍ رَحْبٍ لا ضيقَ فيه وأَطعِمَةُ مائِدَتِكَ مليئَةٌ بالدَّسَم. ولٰكِنَّكَ مَليءُ بِحُكمِ الشِّرِّير فالحُكمُ والقضاءُ يُمسِكانِكَ. إِحذَرْ أَن تَستَهوِيَكَ الوَفَرة وأَن تَحيدَ بِسَبَبِ رَشوَةٍ وافِرة. أَيَكْفيكَ يُسرُكَ؟ لا، ولا الذَّهَب ولا جَميعُ أَرْكانِ القُوَّة. لا تَتَشَوَّقْ إِلى اللَّيل حَيثُ تَزولُ الشُّعوبُ فَجأَةً، إِحذَرْ أَن تَتَّجِهَ إِلى الإِثْم فإِنَّ ذٰلك ما فَضَّلتَه على البُؤْس. إِنَّ اللهَ مُتعالٍ بِقُدرَتِه فمَن يُمَاثِلُه في المُعَلِّمين؟ مَن سَنَّ لَه طَريقَه أَو قالَ له: «قد فَعَلتَ شَرًّا؟» أُذكُرْ أَن تُعَظِّمَ عَمَلَه الَّذي يُرَنِّمُ به الأَنام. كُلُّ بَشَرٍ يَراه، والإِنْسانُ يُبصِرُه مِن بَعيد. إِنَّ اللهَ عَظيمٌ فَوقَ ما نَعلَم وعَدَدُ سِنيه لا يُحْصى. يَجذِبُ قَطَراتِ الماء ثُمَّ يُرَشِّحُها مَطَرًا لِسَيلِه، الَّذي تُفيضُه الغُيوم وتَصُبُّه على جُمْهورِ البَشَر. فهَل مَن يَفهَمُ ٱنتِشارَ الغُيوم وقَصْفَ كوخِه؟. نَشَرَ بَرقَه حَولَه وغَمَرَ أُسُسَ البَحْر. إِنَّه بِذٰلك يَدينُ الشُّعوب ويَرزُقُهم طَعامًا وافِرًا. يَكْسو كَفَّيهِ بِالبَرْق ويأمُرُ لَه بِهَدَف، ورَعدُه يُنبِئُ بِقُدومِه والقَطيعُ نَفسُه يَشعُرُ بِٱقتِرابِه. فلِذٰلكَ ٱرتَعَشَ قَلْبي ووَثَبَ مِن مَكانِه. إِسمَعوا قَصْفَ صَوتِه والدَّوِيَّ الخارِجَ مِن فَمِه. يُطلِقُه تَحتَ جَميعِ السَّمٰوات وبَرقُه يَبلُغُ إِلى أَطْرافِ الأَرْض ووَراءَه يُزَمجِرُ صَوت يَرعُدُ بِصَوتِ جَلالِه، ولا يُمسِكُ صَواعِقَه إِذا سُمِعَ صَوتُه. يَرعُدُ اللهُ وما أَعجَبَ صَوتَه يَصنَعُ عَظائِمَ لا تَعلَمُها. يَقولُ لِلثَّلجِ: أُسقُطْ على الأَرْض ولِوابِلِ المَطَرِ، لِوابِلِ أَمْطارِ عِزَّتِه فيَختِمُ على يَدِ كُلِّ بَشَر، لِيَعلَمَ البَشَرُ ما صَنَعَه، ويَدخُلُ الوَحشُ عَرينَه ويَستَقِرُّ في مَأواه. تَخرُجُ الزَّوبَعَةُ مِن خِدْرِها والبَردُ من رِياحِ الشَّمال. بِنَسمَةِ اللهِ يَحدُثُ الجَليد ويَتَجَمَّدُ سَطحُ المِياه. ثُمَّ إِنَّه يَشحَنُ الغُيومَ بِالنَّدى. والغَمامُ يَنشُرُ بَرْقَه فيَطوفُ مُتَقَلِّبًا كما يُديرُه لِيَفعَلَ كُلَّ ما يَأمُرُه بِه على وَجهِ مَعْمورِ الأَرْض، إِمَّا لأَجلِ قَبيلةٍ أو لأَجلِ أَرضِه أَو لأَجلِ رَحمةٍ يُحَقِّقُه. فأَصغِ إِلى هٰذا يا أَيُّوب وقِفْ وتأَمَّلْ عَجائِبَ الله. أَتعلَمُ كَيفَ يَتَحَكَّمُ اللهُ فيها وكَيفَ يَجعَلُ بَرقَ غَمامِه يَلمَع؟ أَتَعلَمُ مُوازَنَةَ الغُيوم عَجائِبَ المَعرِفَةِ التَّامَّة؟ أَنتَ الَّذي ثِيابُه دافِئَة حينَ تَسكُنُ الأَرضُ مِن هُبوبِ الجَنوب، أَتَستَطيعُ أَن تَبسُطَ معه الغُيوم، وهي صُلبَةٌ كالمِرآةِ المَسْبوكة؟ عَلِّمْنا ماذا نَقولُ لَه فإِنَّنا لا نُحاجُّ بِسَبَبِ الظَّلام. هل يُنقَلُ إِلَيه إِذا تَكَلَّمتُ؟ هل يُبَلَّغُ إِذا تَكَلَّمَ إِنْسان؟ والآنَ لا يُرى نورُه، إِذ إِنَّ الغُيومَ تُعَتِّمُه، ثُمَّ تَمُرُّ الرِّيح فتُبَدِّدُها. مِنَ الشَّمالِ يأتي الذَّهَب وحَولَ اللهِ بَهاءٌ مَهيب. إِنَّنا لا نُدرِكُ القَدير الرَّفيعَ القُوَّةِ والعَدْل الكَثيرَ البِرِّ والَّذي لا يَظلِم. فلِذٰلك يَرهَبُه الأَنام ولا يُبالي بِكُلِّ حَكيمِ قَلْب». فأَجابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ العاصِفَةِ وقال: «مَن هٰذا الَّذي يُسَوِّدُ تَدْبيري بِأَقْوالٍ لَيسَت مِنَ العِلمِ بِشَيء؟ شُدَّ وَسْطَكَ وكُنْ رَجُلًا إِنِّي سائِلُكَ فأَخبِرْني. أَينَ كُنتَ حينَ أَسَّستُ الأَرْض؟ تَكَلَّمْ إِن كُنتَ عالِمًا بالفِطنَة. مَن وَضَعَ مَقاديرَها إِن كُنتَ تَعلَم أَم مَن مَدَّ الحَبلَ علَيها؟ على أَيِّ شَيءٍ غُرِزَت قواعِدُها أَم مَن وَضَعَ حَجَرَ زاوِيَتِها، إِذ كانَت كَواكِبُ الصُبحِ تُرَنِّمُ جَميعًا وكُلُّ بَني اللهِ يَهتِفون؟ ومَن حَجَزَ البَحرَ بِمِصراعَين، حينَ ٱندَفَعَ خارِجًا مِنَ الرَّحِم، إِذ جَعَلتُ الغَمامَ لِباسًا لَه والغَيمَ المُظلِمَ قِماطًا وفَرَضتُ عليه حُكْمي وجَعَلتُ لَه مَغاليقَ ومِصراعَين وقُلتُ: إِلى هُنا تأتي ولا تَتَعَدَّى وهُنا يَقِفُ طُغْيانُ أَمواجِكَ؟ أَأَنتَ في أَيَّامِكَ أَمَرتَ الصُّبْح وعَرَّفتَ الفَجرَ مَكانَه لِيأخُذَ بِأَطْرافِ الأَرْض فيُنفَضَ الأَشْرارُ عنها؟ تَتَحَوَّلُ كطينِ الخاتَم فيَقومُ كُلُّ شَيءٍ كأَنَّه مَكسُوٌّ بِالثِّياب ويُحرَمُ الأَشْرارُ نورَهم وتُحَطَّمُ الذِّراعَ المُرتَفِعة. هل وَصَلتَ إِلى يَنابيعِ البَحْر أَم جُلتَ في أَعْماقِ الغَمْر؟ هل كُشِفَت لَكَ أَبْوابُ المَوت أَم عايَنتَ أَبْوابَ ظِلالِ المَوت؟ هل أَحَطتَ بِعَرضِ الأَرض؟ أَخبِرْ إِن كُنتَ عالِمًا بِكُلِّ ذٰلك. أَينَ الطَّريقُ إِلى مَقَرِّ النُّور؟ والظُّلْمَةُ أَينَ مَوضِعُها لِتَذهَبَ بِهما إِلى أَرضِهما وتَعرِفَ طُرُقَ مَسكِنِهما. تَعرِفُها لأَنَّك كُنتَ قد وُلِدتَ وعَدَدُ أَيَّامِكَ كَثير. هل وَصَلتَ إِلى مَخازِنِ الثَّلْج أَم عايَنتَ مَخازِنَ البَرَد الَّتي ٱدَّخَرتُها لأَوانِ الشِّدَّة لِيَومِ الحَربِ والقِتال؟ بِأَيِّ طَريقٍ يَتَوَزَّعُ النُّور وتَنتَشِرُ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ على الأَرْض؟ مَن شَقَّ قَناةً لِوابِلِ المَطَر وطَريقًا لِقَصفِ الرَّعْد لِيُمطِرَ على أَرضٍ لا إِنْسانَ فيها على قَفرٍ لا بَشَرَ فيه لِيُروِيَ القِفارَ المُقفِرة ويُنبِتَ فيها العُشْب؟ هل مِن أَبٍ لِلمَطَر أَم مَن وَلَدَ قَطَراتِ النَّدى؟ مِن بَطنِ مَن خَرَجَ الجَليد ومَن وَلَدَ صَقيعَ السَّماء؟ تَتَجَمَّدُ المِياهُ كالحِجارة ويَتَماسَكُ وَجهُ الغَمْر. أَأَنتَ تَشُدُّ عُقَدَ الثُّرَيَّا أَم أَنتَ تَحُلُّ حِبالَ الجَوزاء؟ أَتُطلِعُ النُّجومَ في أَوقاتِها وتَهْدي النَّعشَ مع بَناتِه؟ هل عَلِمتَ أَحْكامَ السَّمٰوات أَم جَعَلتَ لَها سُلْطانًا على الأَرْض؟ أَتَرفَعُ صَوتَكَ إِلى الغُيوم فيُغَطِّيكَ غَمْرُ ماء؟ أَتُرسِلُ البُروقَ فتَنطَلِق وتَقولُ لَكَ: «لَبَّيكَ؟» مَن وَضَعَ الحِكمَةَ في أَبي المِنجَل، أَم مَن أَعْطى الدِّيكَ الفِطنَة؟ مَن يُحْصي الغُيومَ بِحِكمَتِه ومَن يُميلُ زِقاقَ السَّمٰوات، إِذ يَتَلَبَّدُ التُّراب ويَتلاصَقُ المَدَر؟ أَتَصْطادُ لِلَّبُؤَةِ فَريسَتَها وتُشبِعُ شَهِيَّةَ أَشْبالِها حينَ تَربِضُ في العَرائِن وتَقعُدُ في أَجَمَتِها كامِنَة؟ مَن يَرزُقُ الغُرابَ صَيدَه إِذ تَنعَبُ فِراخُه إِلى الله وتَهيمُ لِعَوَزِ القُوت؟ هل عَلِمتَ مَتى تَلِدُ وُعولُ الصُّخور أَم رَقَبتَ مَخاضَ الأَيائِل؟ هل حَسَبتَ أَشهُرَ حَمْلِها وعَلِمتَ أَوانَ وَضعِها؟ تَجثِمُ فتَدْفَعُ أَولادَها وتَتَخَلَّصُ مِن مَخاضِها. ثُمَّ تَقْوى أَولادُها وتَكبَر وتَخرُجُ إِلى البَرِّيَّةِ ولا تَعودُ إِلَيها. مَن أَطلَقَ سَراحَ حِمَارِ الوَحْش ومَن حَلَّ وُثُقَ الأَخدَرِيّ؟ جَعَلتُ البَرِّيَّةَ بَيتَه والأَرضَ المالِحَةَ مَساكِنَه. يَضحَكُ على جَلَبَةِ المُدُن ولا يَسمَعُ صِياحَ الحَمَّار. يَرْتادُ مَرْعاه في الجِبال ويَلتَمِسُ كُلَّ خَضِر. أَيَرْضى الثَّورُ الوَحشِيُّ أَن يَخدُمَكَ أَم يَبيتُ عِندَ مَعلَفِكَ؟ أَتَربِطُه بِحَبلٍ إِلى خَطِّ المِحْراث، أَم يُمَشِّطُ الأَودِيَةَ وَراءَكَ؟ أَتَتَّكِلُ على قُوَّتِه العَظيمَة وتُفَوِّضُ إِلَيه أَعْمَالَكَ؟ أَتَأتَمِنُه أَن يَستَغِلَّ ما زَرَعتَ ويَجمَعَ بَيدَرَكَ؟ جَناحُ النَّعامَةِ يُرَفرِف ولا يُضاهي قَوادِمَ اللَّقلَقِ وريشَها، فإِنَّها تَترُكُ بَيضَها على الأَرْض وتَحضُنُه على التُّراب وتَنْسى أَنَّ الرِّجلَ تَطَأُه وأَنَّ وَحشَ البَرِّيَّةِ يَدوسُه. تَقْسو على فِراخِها كأَنَّها لَيسَت لَها فلا تَأسَفُ مِن ضَياعِ تَعَبِها، لأَنَّ اللهَ أَذهَبَ عنها الحِكمَة ولم يَرزُقْها الفَهْم. لكِن إِذا ٱرتَفَعَت إِلى العُلُوّ تَضحَكُ على الفَرَسِ وراكِبِه. أَأَنتَ الَّذي يُعْطي الفَرَسَ قُوَّةً ويُقَلِّدُ عُنُقَه ٱرتِعاشًا ويوثِبُه كالجَراد؟ إِنَّ مَهابَةَ صَهيلِه تُفزِع. يُكدِفُ في الوادي ويَمرَحُ نَشاطًا ويَقتَحِمُ لِلِقاءِ السِّلاح. يَضحَكُ على الذُّعْرِ ولا يَرهَب ولا يَنهَزِمُ مِنَ السَّيف. تُصَلصِلُ علَيه الجَعَبَة وسِنانُ الرُّمحِ والمِزْراق. في هَيَجانِه وفَورِه يَلتَهِمُ الأَرْض ولا يَملِكُ نَفْسَه إِذا هَتَفَ البوق. إِذا نُفِخَ في البوقِ يَقولُ: ها! ويَستَشعِرُ القِتالَ عن بُعْد وصِياحَ القُوَّادِ والهُتاف. أَبِفِطنَتِكَ يَطيرُ البازي في الجَوّ ويَبسُطُ جَناحَيه نَحوَ الجَنوب أَم بِأَمرِكَ يُحَلِّقُ العُقاب ويَجعَلُ وَكرَه في العَلاء؟ مَسكِنُه الصَّخرُ وفيه مَبيتُه وعلى أَنفِ الصَّخرِ مَعقِلُه. مِن هُناكَ يَبحَثُ عن قوتِه وعَيناه تَرَيانِه مِن بَعيد. فِراخُه تَعُبُّ الدِّماء وحَيثُما كانَتِ القَتْلى فهُناكَ يَكون». ووَاصَلَ الرَّبُّ كَلامَه إِلى أَيُّوبَ وقال: «هل يُخاصِمُ القَديرَ لائِمُه ويُجيبُ اللهَ مُوَبِّخُه؟» فأَجابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ وقال: «تَكَلَّمتُ بِطَيشٍ فبماذا أُجيبُكَ؟ إِنِّي أَجعَلُ يَدي على فَمي. قد تَكَلَّمتُ مُرَّةً فلا أُجيب ومَرَّتَينِ فلا أَزيد». فأَجابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ العاصِفَةِ وقال: «شُدَّ وَسْطَكَ وكُنْ رَجُلًا إِنِّي سائِلُكَ فأَخبِرْني: أَلَعلَّكَ تَنقُضُ قضائي؟ أَتُؤَثِّمُني لِتُبَرِّرَ نَفْسَكَ؟ أَلَكَ مِثلُ ذِراعِ الله؟ أَتَرعُدُ بِمِثْلِ صَوتِه؟ فَتَزَيَّنْ بِالعَظَمَةِ والسُّمُوّ، وتَسَربَلْ بِالمَهابَةِ والكَرامة. صُبَّ فُيوضَ غَضَبِكَ وٱنظُرْ إِلى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وٱخفِضْه. أُنظُرْ إِلى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وذَلِّلْه وٱسحَقِ الأَشْرارَ في مَواضِعِهم. إِطمِرْهُم في التُّرابِ مَعًا وٱحبِسْ وُجوهَهم في الحُفرَة. حينَئِذٍ أَمدَحُكَ أَنا أَيضًا لأَنَّ يَمينَكَ تُخَلِّصُكَ. أُنظُرْ إِلى بَهيموتَ الَّذي صَنَعتُه مِثلَكَ إِنَّه يَأكُلُ العُشبَ مِثلَ الثَّور. قُوَّتُه في مَتنَيه وشِدَّتُه في عَضَلِ بَطنِه. يَشُدُّ ذَنَبَه كالأَرْز وأَعْصابُ فَخذَيه مَحْبوكة. عِظامُه أَنابيبُ مِن نُحاس وأَضْلاعُه حَديدٌ مُطَرَّق. هو أَوَّلُ طُرُقِ اللهِ في الخَلْق وصانِعُه يُعمِلُ السَّيفَ فيه. فالجِبالُ تُخرِجُ لَه الطَّعام وحَولَه تَلعَبُ جَميعُ وُحوشِ البَرِّيَّة. يَربِضُ تَحتَ عَرائِسِ النِّيل ويَختَبِئُ تَحتَ القَصَبِ في المُستَنقَع. تُخَيِّمُ علَيه عَرائِسُ النِّيلِ بِظِلِّها ويُحيطُ بِه صَفْصافُ الوادي. إِن طَغى علَيه النَّهرُ لم يَحفَلْ. هو مُطمَئِنٌّ ولَوِ ٱندَفَقَ أُردُنٌّ في فَمِه. فمَن يَصطادُه مُواجَهَةً ويَثقُبُ أَنفَه بِأَوتاد. أَمَّا لَوِياثان أَفتُمسِكُه بِشِصّ، أَم تَربِطُ لِسانَه بِحَبْل؟ أَتَجعَلي في أَنْفِه أَسَلَة وتَثقُبُ فَكَّه بِكُلاَّب؟ أَيُكثِرُ إِلَيكَ مِنَ التَّضَرُّعات أَم يُخاطِبُكَ بِالِٱستِعْطاف؟ أَيَقطَعُ مَعَكَ عَهْدًا فتَتَّخِذُه لَكَ عَبْدًا مُؤَبَّدًا؟ أَتُلاعِبُه كالعُصْفور وتَربِطُه لُعبَةً لِبَناتِكَ؟ أَيُتاجِرُ بِه شُرَكاء ويُوَزِّعونَه على التُّجَّار؟. أَتُسخِنُ جِلدَه بِالأَسِنَّة ورَأسَه بِحِرابِ الحوت؟ ضَعْ يَدَكَ علَيه: تَذَكَّرِ القِتالَ فلَن تَعود. لقَد خابَ أَمَلُ صَيَّادِه أَفلا يُصرَعُ الإِنسانُ لِمُجَرَّدِ رُؤيَتِه؟ لا يَجرُؤُ أَحَدٌ أَن يُثيرَه فمَنِ الَّذي يَقِفُ أَمامَ وَجْهي؟ مَن بادَأَني بِنِعمَةٍ فأُوفِيَ لَه؟ وكُلُّ ما تَحتَ السَّمٰواتِ هو لي. إِنِّي لا أَسكُتُ عن وَصْفِ أَعْضائِه وبَيانِ مآثِرِه وحُسنِ بِنيَتِه. مَن كَشَفَ مُقَدَّمَ لِباسِه ومَن يَدخُلُ بَينَ صَفَّي دِرعِه؟ مَن فَتَحَ مِصْراعَي فَمِه؟ إِنَّ دائِرَةَ أَسْنانِه هائِلَة. ظَهرُه صُفوفُ تُروس مَخْتومةٍ بِخَتمٍ مُلَزَّز، يَنضَمُّ بَعضُها إِلى بَعْض فلا تَتَسَلَّلُ الرِّيحُ بَينَها. كُلٌّ مِنها مُلتَصِقَةٌ بِالأُخْرى، فهِي مُتَماسِكَةٌ لا تَنفَصِل. عُطاسُه يَقدَحُ النُّور وعَيناه كأَجْفانِ الفَجْر. تَخرُجُ مِن فَمِه مَشاعِل ويَتَطايَرُ مِنه شَرَرُ النَّار. ومِن مِنخَرَيه يَنبَعِثُ دُخان كأَنَّه مِن قِدْرٍ تَغْلي على النَّار. نَفَسُه يُضرِمُ الجَمْر ومِن فَمِه يَخرُجُ لَهيب. في عُنُقِه تَكمُنُ القُوَّة وأَمامَه يَعْدو الهَوْل. مَطاوي لَحمِه مُتَلاصِقَة مَسْبوكةٌ علَيه لا تَتَزحزَح. قَلبُه صُلْبٌ كالحَجَر وقاسٍ كالرَّحى السُّفْلى. عِندَ نُهوضِه تَرْتاعُ الآلِهة، ومِنَ الذُّعرِ يَنصَرِفون. لا يَثبُتُ السَّيفُ الَّذي يُصيبُه ولا الرُّمحُ ولا المِزْراقُ ولا السِّنان. يَحسَبُ الحَديدَ تِبْنًا والنُّحاسَ خَشَبًا مُسوِّسًا. لا يُهزِمُه صاحِبُ القَوس وحِجارَةُ المِقْلاعِ تَنقَلِبُ قَشًّا. يَحسَبُ المِطرَقَةَ قَشًّا ويَضحَكُ على ٱهتِزازِ الحَربَة. مِن تَحتِه شَقَفٌ مُحَدَّد. كالمُشطِ يَزحَفُ على الطِّين. يُغْلي الهاوِيَةَ كالمِرجَل ويُحَوِّلُ البَحرَ إِلى قِدرِ طيب. يَخُطُّ وراءَه سبيلًا نَيِّرًا فيُحسَبُ الغَمْرُ شَعَرًا أَشيَب. لَيسَ لَه في الأَرضِ مَثيل، وقد طُبِعَ على عَدَمِ الخَوف. يُسَدِّدُ نَظَرَه إِلى كُلِّ مُتَعالٍ وهو مَلِكٌ على جَميعِ بَني الكِبرِياء». فأَجابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ وقال: «قد عَلِمتُ أَنَّك قادِرٌ على كُلِّ شَيء فلا يَستَحيلُ علَيكَ مُراد. مَن ذا الَّذي يُخْفي التَّدْبيرَ في غَيرِ عِلْم؟ إِنِّي قد أخبَرتُ مِن غَيرِ أَن أُدرِك بِعَجائِبَ تَفوقُني ولا أَعلَم. إِسمَعْ فأَتَكَلَّم، أَسأَلُكَ فأَخبِرْني. كُنتُ قد سَمِعتُكَ سَمعَ الأُذُن أَمَّا الآنَ فعَيني قد رَأَتكَ. فلِذٰلك أَرجعُ عن كَلامي وأَندَمُ في التُّرابِ والرَّماد». وكانَ، بَعدَ أَن كَلَّمَ الرَّبُّ أَيُّوبَ بِهٰذا الكَلامِ، أَن قالَ لأَليفازَ التَّيمانِيّ: «إِنَّ غَضَبي قدِ ٱضطَرَمَ علَيكَ وعلى كِلا صاحِبَيكَ، لأَنَّكم لم تَتَكَلَّموا علَيَّ بِحَسَبِ الحَقِّ كعَبْدي أَيُّوب. فخُذوا الآنَ لَكم سَبعَةَ ثيرانٍ وسَبعَةَ كِباش، وٱذهَبوا إِلى عَبْدي أَيُّوب، وأَصعِدوا مُحرَقةً عنكم، وعَبْدي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِن أَجلِكم، فإِنِّي أَرفَعُ وَجهَه ولا أُعامِلُكم بِحَسَبِ حَماقَتِكم، لأَنَّكم لم تَتَكلَّموا علَيَّ بِحَسَبِ الحَقِّ كَعَبْدي أَيُّوب». فذَهَبَ أَليفازُ التَّمانِيُّ وبِلدَدُ الشُّوحِيُّ وصوفَرُ النَّعماتِيّ، وصَنَعوا ما أَمَرهمُ الرَّبُّ، ورَفَعَ الرَّبُّ وَجهَ أَيُّوب. وأَعادَ الرَّبُّ لأَيُّوبَ مَكانَتَه، لأَنَّه صلَّى لأَجلِ أَصدِقائِه. وزادَ اللهُ أَيُّوبَ ضِعفَ ما كانَ لَه قَبلًا. وزارَه جَميعُ إِخوَتِه وأَخَواتِه وكُلُّ مَن كانَ يَعرِفُه مِن قَبلُ، وأَكَلوا معَه خُبزًا في بَيتِه، ورَثَوا لَه وعَزَّوه عن كُلِّ المُصيبَةِ الَّتي أَنزَلَها الرَّبُّ بِه، وأَهْدى لَه كُلٌّ مِنهم فِضَّةً وخُرصًا مِن ذَهَب. وبارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكثَرَ مِن أُولاه. فكانَ لَه مِنَ الغَنَمِ أَربَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، ومِنَ الإِبلِ سِتَّةُ آلاف، وأَلفُ فَدَّانٍ مِنَ البَقَر وأَلفُ أَتان. وكانَ لَه سَبعَةُ بَنينَ وثَلاثُ بَنات. وسَمَّى الأُولى يَمَامة والثَّانِيَةَ صَبْرًا والثَّالِثَةَ قَرنَ كُحْل. ولم توجَدْ نِساءٌ في الحُسْنِ كبَناتِ أَيُّوبَ في الأَرضِ كُلِّها. وأَعطاهُنَّ أَبوهُنَّ ميراثًا بَينَ إِخوَتِهنَّ. وعاشَ أَيُّوبُ بَعدَ هٰذا مِئَةً وأَربَعينَ سَنَةً، ورأَى بَنيه وبَني بَنيه إِلى أَربَعَةِ أَجْيال. ثُمَّ ماتَ أَيُّوبُ شَيخًا كَبيرًا قد شَبِعَ مِنَ الأَيَّام. طوبى لِمَن لا يَسيرُ على مَشورَةِ الشِّرِّيرين، ولا يَتَوَقَّفُ في طَريقِ الخاطِئين، ولايَجلِسُ في مَجلِسِ السَّاخِرين، بل في شَريعةِ الرَّبِّ هَواه، وبِشَريعَتِه يُتَمتِمُ نَهارَه ولَيلَه. فيَكونُ كالشَّجَرَةِ المَغْروسةِ على مَجاري المِياه، تُؤْتي ثَمَرَها في أَوانِه، ووَرَقُها لا يَذبُلُ أَبدًا. فكُلُّ ما يَصنَعُه يَنجَح. لَيسَ الأَشْرارُ كذٰلك. بل إِنَّهم كالعُصافةِ الَّتي تَذْروها الرِّياح. لِذٰلك لا يَنتَصِبُ في الدَّينونةِ الأَشْرار، ولا الخاطِئونَ في جَماعةِ الأَبْرار، فإِنَّ الرَّبَّ عالِمٌ بِطَريقِ الأَبْرار، وإِنَّ إِلى الهلاكِ طَريقَ الأَشْرار. لِمَاذا ٱرتَجَّتِ الأُمَم، وبِالباطِلِ تَمتَمَتِ الشُّعوب؟ مُلوكُ الأرضِ قاموا، والعُظَماءُ على الرَّبِّ ومَسيحِه تآمَروا: «لِنَكسِرْ قُيودَهما، ولْنُلْقِ عَنَّا نيرَهما». السَّاكِنُ في السَّمَواتِ يَضحَك، والسَّيِّدُ بِهم يَهزَأ. بِغَضَبِه حينَئِذٍ يُخاطِبُهم، وبِسُخطِه يُرَوِّعُهم: «إِنِّي مَسَحتُ مَلِكي، على جَبَلي المُقَدَّسِ صِهْيون». أُعلِنُ حُكمَ الرَّبّ: «قالَ لي: أَنتَ ٱبْني، وأَنا اليَومَ وَلَدتُكَ. سَلْني فأُعطِيَكَ الأُمَمَ ميراثًا، وأَقاصِيَ الأَرضِ مِلْكًا. بِعَصًا مِن حديدٍ تُكَسِّرُهم، وكإِناءِ خَزَّافٍ تُحَطِّمُهم». أَيُّها المُلوكُ الآنَ تَعَقَّلوا، ويا قُضاةَ الأَرضِ ٱتَّعِظوا. اُعبُدوا الرَّبَّ بِخِشيَة، وقَبِّلوا قَدَمَيه بِرِعدَة. لِئَلاَّ يَغضَبَ فتَضِلُّوا الطَّريق، لأَنَّه سُرْعانَ ما يَضطَرِمُ غَضَبُه. فطوبى لِجَميعِ الَّذينَ بِه يَعتَصِمون. مَزْمورٌ. لِداود. عِندَ فِرارِه مِن وَجهِ أَبْشالوم ٱبنِه. يا رَبِّ، ما أكثَرَ مُضايِقِيَّ! وكَثيرونَ القائِمونَ عَلَيَّ. كَثيرونَ يَقولونَ فِيَّ: «لا خَلاصَ لَه بإِلٰهِه». وأَنتَ يا رَبِّ، إِنَّكَ تُرسٌ لي، إِنَّكَ مَجْدي ورافِعُ رأسي. صُراخًا إلى الرَّبِّ أَصرُخ، ومن جَبَلِ قُدسِه يُجيبُني. أَضَّجِعُ أَنا وأَنام، وأَستَيقِظُ لأَنَّ الرَّبَّ يُسنِدُني. لا أَخافُ رِبْواتِ الشُّعوبِ الَّتي ٱصطَفَّت علَيَّ مِن حَولي. قُمْ يا رَبِّ، خَلِّصْني يا إِلٰهي، فإِنَّكَ لَطَمتَ جَميعَ أَعْدائي، وحَطَّمتَ أَسْنانَ الأَشْرار. مِنَ الرَّبِّ الخَلاص. على شَعبِكَ بَرَكَتُكَ. لإمامِ الغِناء. على ذَواتِ الأَوتار. مَزْمور. لِداوُد. في دُعائي أَجِبْني، يا إِلٰهَ بِرِّي. في الضِّيقِ فرَّجتَ عنِّي، فٱرْحَمْني وٱستَمِعْ إلى صَلاتي. يا بَني البَشَر، حَتَّامَ يَكونُ مَجْدي عارًا، وحَتَّامَ الباطلَ تُحِبُّونَ والكَذِبَ تَبتَغون؟ إِعلَموا أَنَّ الرَّبَّ قد صَنَعَ العَجائِبَ لِصَفِيِّه. الرَّبُّ يَسمَعُ حينَ أَدْعوه. إِرتَعِدوا ولا تَخطَأُوا، في قُلوبِكم تَحَدَّثوا، وعلى مَضاجِعِكم كونوا صامِتين. ذَبائِحَ بِرٍّ اِذبَحوا، وإِلى الرَّبِّ ٱطمَئِنُّوا. كَثيرونَ يَقولون: «مَن يُرينا الخَير»؟ أَطلِعْ علَينا نورَ وَجهِك، يا ربّ. جَعَلتَ في قَلْبي سُرورًا أَعظَمَ مِن سُرورِهم، حينَ تَكثُرُ حِنطَتُهم ونَبيذُهم. بِسلامٍ أَضَّجعُ ومِن ساعَتي أَنام، لأَنَّكَ وَحدَكَ يا رَبُّ في أَمانٍ تُسكِنُني. لإمامِ الغِناء. على ذَواتِ النَّفْخ. مَزْمور. لِداود. إِلى أَقْوالي يا رَبِّ أَصْغِ، وشَكْوايَ تَبَيَّنْ، أَنصِتْ إِلى صَوتِ صُراخي، يا مَلِكي وإِلٰهي، فإِنِّي إِلَيكَ أُصلِّي. يا رَبِّ، في الصَّباحِ تَسمَعُ صَوتي، وفي الصَّباحِ أَتأَهَّبُ لَكَ وأَتَرَقَّب، لأَنَّكَ لَستَ إِلٰهًا يَهْوى الشَّرَّ، ولا يُجاوِرُكَ الشِّرِّير، ولا يَقِفُ السُّفَهاءُ أَمامَ عَينَيكَ، وقد أَبغَضتَ جَميعَ فَعَلَةِ الآثام. تُهلِكُ النَّاطِقينَ بِالكَذِب. سافِكُ الدِّماءِ والماكِرُ يَمقُتُه الرَّبّ. وأَنا بِكَثَرةِ رَحمَتِكَ أَدخُلُ بَيتَكَ، وبِخَشيَتِكَ أَسجُدُ في هَيكَلِ قُدسِكَ. يا رَبِّ، في بِرِّكَ أَرْشِدْني، بِسَبَبِ الَّذينَ يَتَرَصَّدونَني، وطَريقُكَ قَوِّمْه أَمامي. فإِنَّه لا صِدْقٌ في أَفْواهِهم، والدَّمارُ ملءُ بَواطِنِهم، حَناجِرُهم قُبورٌ مُفَتَّحةٌ، وبِأَلسِنَتِهم يَتَمَلَّقون. اللَّهُمَّ عامِلْهم مُعامَلَةَ المُجرِمين، ولْيُخفِقوا في مُؤامَراتِهم، ولِكَثَرةِ مَعاصيهمِ ٱطْرُدْهُم، لأَنَّهم عَليكَ قد تَمَرَّدوا. وَليَفرَحْ جَميعُ المُعتَصِمينَ بِكَ، ولْيُهَلِّلوا لِلأَبَد. أَنتَ تُظَلِّلُهم فيَبتَهِجُ بِكَ مَن يُحِبُّونَ ٱسمَكَ. إِنَّكَ أَنتَ تُبارِكُ البارَّ، يا رَبُّ، ومِثلَ التُّرْسِ بِرِضاكَ تُحيطُه. لإمامِ الغِناء. على ذَواتِ الأَوتار. على الدَّرَجةِ الثَّامِنة. مَزْمور. لِداود. في غَضَبِكَ، يا رَبِّ، لا تُوَبِّخْني، وفي سُخطِكَ لا تُؤَدِّبْني. إِرحَمْني يا رَبِّ فلا قُوَّةَ لي، وٱشفِني يا رَبِّ، فإِنَّ عِظامي قد تَزَعزَعَت، ونَفْسِيَ ٱضطَرَبَت كَثيرًا. وأَنتَ يا رَبِّ فإِلى مَتى؟ عُدْ يا رَبِّ ونَجِّ نَفْسي، ولأَجلِ رَحمَتِكَ خَلِّصْني، فإِنَّه لَيسَ في المَوتِ مَن يَذكُرُكَ. ومَن في مَثْوى الأَمواتِ يَحمَدُكَ؟ قد تَعِبتُ مِن تَنَهُّدي، في كُلِّ لَيلَةٍ أُرْوي سَريري، وبِدُموعي أُبَلِّلُ فِراشي. أَكَلَ الغَمُّ عَيني، وهَرِمْتُ بَينَ جَميعِ مُضايِقِيَّ. إِلَيكُم عَنِّي يا جَميعَ فَعَلَةِ الآثام، فإِنَّ الرَّبَّ سَمِعَ صَوتَ بُكائي. سَمِعَ الرَّبُّ تَضَرُّعي. الرَّبُّ يَتَقَبَّلُ صَلاتي. فلْيَخْزَ جَميعُ أَعْدائي ويَضطَرِبوا، ولْيَتَراجَعوا بَغتَةً في خِزْيِهم. رِثاء. لداود أَنشَدَه لِلرَّبّ في شَأنِ كوشٍ البَنْيامينيّ. بكَ ٱعتَصَمتُ أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، فمِن جَميعِ الَّذينَ يُلاحِقونَني خَلِّصْني وأَنْقِذْني، لِئَلاَّ يَفتَرِسَ كالأَسَدِ نَفْسي. هو الَّذي يَختَطِفُ ولا مُنقِذ. أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، إِن كُنتُ قد صَنَعتُ ذٰلك، أَو كانَ في كَفَّيَّ ظُلْمٌ، أَو كافأتُ بِالشَّرِّ مَن أَحسَنَ إِلَيَّ، وأَبقَيتُ على مُضايِقٍ ظالِم. فليُلاحِقِ العَدُوُّ نَفْسي ويُدْرِكْها، ولْيَطَأْ في الأَرضِ حَياتي، وليُسكِنْ في التُّرابِ مَجْدي. قُمْ يا رَبُّ في غَضَبِكَ، وٱنتَصِبْ بِوَجهِ حَنَقِ مُضايِقِيَّ، وٱستَيقِظْ يا إِلٰهي. إِنَّكَ أَمَرتَ بِالقَضاء. فلتُحِطْ بِكَ جَماعةُ الأُمَم، وٱجلِسْ فَوقَها في الأَعالي. إِنَّ الرَّبَّ يَدينُ الشُّعوب. فٱحكُمْ لي يا رَبِّ بِحَسَبِ بِرِّي، وعلى نَحوِ بَراءَتي. لِيَكُفَّ شَرُّ الأَشْرار، أَمَّا أَنتَ فثَبِّتِ الأَبْرار. إِنَّكَ فاحِصُ القُلوبِ والكُلى، أَيُّها الإِلٰهُ البارّ. إِنَّ تُرْسي عِندَ الله، مُخَلِّصِ القُلوبِ المُستَقيمة اللهُ دَيَّانٌ بارّ، كُلَّ يَومٍ يَتَوَعَّدُ مَن لا يَتوب. يَصقُلُ سَيفَه، ويَشُدُّ قَوسَه ويُسَدِّدُها. فلَه يُعِدُّ عُدَّةَ المَوت، ويَجعَلُ مِن سِهامِه نيرانًا. هُوَذا المُتَمَخِّضُ بِالآثامِ، حَبِلَ بِالعَناءِ ووَلَدَ الكَذِب. حَفَرَ حُفرَةً وعَمَّقَها، فسَقَطَ في الهُوَّةِ الَّتي حَفَرَها. على رأسِه يَرتَدُّ عَناؤُه، وعلى هامَتِه يَهبِطُ عُنفُه. أَحمَدُ الرَّبَّ على بِرِّه، وأَعزِفُ لٱسمِ الرَّبِّ العَلِيّ. لإمامِ الغِناء. على الجِتِّيَّة. مَزْمور. لِداود. أَيُّها الرَّبُّ سَيِّدُنا، ما أَعظَمَ ٱسمَكَ في الأَرضِ كُلِّها! لَأُعَظِّمَنَّ جَلالَكَ فَوقَ السَّمَوات. بِأَفْواهِ الأَطْفالِ والرُّضَّع، أَعدَدتَ لَكَ حِصنًا، أَمامَ خُصومِكَ، لِتَقضِيَ على العَدُوِّ والمُنتَقِم. عِندَما أَرى سَمَواتِكَ صُنعَ أَصابِعِكَ، والقَمَرَ والكَواكِبَ الَّتي ثَبَّتَّها، ما الإنْسانُ حَتَّى تَذكُرَه، وٱبنُ آدَمَ حَتَّى تَفتَقِدَه؟ دونَ الإلٰهِ حَطَطتَه قَليلًا، بِالمَجدِ والكَرامةِ كلَّلتَه، على صُنعِ يَدَيكَ وَلَّيتَه، وكُلُّ شَيءٍ تَحتَ قَدَميه جَعَلتَه، الغَنَمَ والبَقَرَ كُلَّها، حتَّى بَهائِمَ البَرِّيَّة، وطَيرَ السَّماءِ وسَمَكَ البَحْرِ، ما يَجوبُ سُبُلَ البِحار. أَيُّها الرَّبُّ سَيِّدُنا، ما أَعظَمَ ٱسمَكَ في الأَرضِ كُلِّها! لإمامِ الغِناء. على لَحن «المَوت في سَبيلِ الٱبن». مَزمور. لِداود يا رَبِّ بِكُلِّ قَلْبي أَحمَدُكَ، وأُحَدِّثُ بِجَميعِ عجائِبِكَ. أَفرَحُ وأَبتَهِجُ بِكَ، أَعزِفُ، أَيُّها العَلِيُّ، لٱسمِكَ. عِندَ ٱرتِدادِ أَعْدائي إِلى الوَراء، يَعثُرونَ ويَبيدونَ مِن أَمامِ وَجهِكَ، حينَ حَكَمتَ لي وَقَضَيتَ، جالِسًا على العَرشِ دَيَّانًا عادِلًا. قَمَعتَ الأُمَمَ وأَبَدتَ الشِّرِّير، مَحَوتَ ٱسمَهم أَبَدَ الدُّهور. العَدُوُّ قُضِيَ علَيه، خَرابٌ لِلأَبَد. دَمَّرتَ مُدُنًا فٱضمَحَلَّ ذِكرُها. أَمَّا الرَّبُّ فلِلأَبَدِ يَجلِسُ، وقد وَطَّدَ عَرشَه لِلقَضاء، فهو يَقضي لِلدُّنْيا بالبِرّ، وبِالٱستِقامةِ يَدينُ الأُمَم. ولْيَكُنِ الرَّبُّ حِصْنًا لِلمَظْلوم، حِصْنًا في زَمَنِ الضِّيق، فيَتَوَكَّلَ عَلَيكَ مَن يَعرِفون ٱسمَكَ، لأَنَّكَ، يا رَبُّ، لا تَخذُلُ مُلتَمسيكَ. إِعزِفوا لِلرَّبِّ ساكِنِ صِهْيون، وأَعلِنوا في الشُّعوبِ مآثِرَه، فإِنَّ المُطالِبَ بِالدِّماءِ يَذكُرُهم، وصُراخَ الوُضَعاءِ لا يَنْسى. لأَجلِ مُبْغِضِيَّ ٱرحَمْني يا رَبِّ، وٱنْظُر إِلى بُؤْسي يا رافِعي مِن أَبْوابِ المَوت، لِكَي أُحَدِّثَ بِجَميعِ تَسابيحِكَ، في أَبْوابِ ٱبنَةِ صِهْيون، وأَبتَهِجَ بِخَلاصِكَ. تَوَرَّطَتِ الأُمَمُ في الهُوَّةِ الَّتي حَفَرَت، وعَلِقَت أَرجُلُها في الشِّباكِ الَّتي طَمَرَت، أَظهَرَ الرَّبُّ نَفسَه وأَصدَرَ القَضاء، وأُخِذَ الشِّرِّيرُ بِمَا فَعَلَت يَدَاه. لِيَرجِعِ الأَشْرارُ إِلى مَثْوى الأَمْوات، وجَميعُ الأُمَمِ الَّذينَ نَسوا الله، فإِنَّ المِسْكينَ لا يُنْسى على الدَّوام، ورَجاءَ البائِسينَ لا يَنقَطِعُ لِلأَبَد. قُمْ يا رَبُّ ولا يَقْوَ الإِنْسان، ولْتُدَنِ الأُمَمُ في حَضرَتِكَ. يا رَبُّ، أَلْقِ الرُّعبَ علَيها، ولْتَعْلَمِ الأُمَمُ أَنَّها بَشَر. لِماذا يا رَبُّ تَقِفُ بَعيدًا، وفي زَمَنِ الضِّيقِ تَحتَجِب؟ الشِّرِّيرُ بِكِبريائِهِ يُلاحِقُ البائِس، فلْيُؤخَذْ بِالمَكايِدِ الَّتي دَبَّرَها. فالشِّرِّيرُ بِشَهَواتِ نَفْسِه يَفتَخِر، والطَّمَّاعُ يَلعَنُ الرَّبَّ وبِه يَستَهين. إِنَّ الشِّرِّيرَ الشَّامِخَ بِأَنفِه لا يَبحَثُ عن شَيءٍ. وجُملَةُ أَفْكارِه أَنْ لا إِلٰه. في كُلِّ حينٍ تَنجَحُ مَساعيه، وفَوقَ مَدارِكِه أَحْكامُكَ، وعلى جَميعِ خُصومِه يَنفُثُ ٱزدِراءً. قالَ في قَلبِه: «لَن أَتَزَعزَع، مِن جيلٍ إِلى جيلٍ لا بأسَ عَلَيَّ»، ف - فَمُه مَمْلوءٌ لَعنَةً ومَكْرًا وعُنفًا، وتحتَ لِسانِه إِثمٌ وعَناء. يَجلِسُ في مَكامِنِ القَصَب، وفي المَخابِئِ يَقتُلُ البَريء. عَيناه تُراقِبانِ البائِس، يَتَرَبَّصُ في المَخبَإِ كالأَسدِ في أَجَمَتِه، يَتَرَبَّصُ لِيَخطَفَ البائِس، يَخطَفُ البائِسَ بِجَرِّه إِلى شِباكِه. مُقَرفِصًا قابِعًا يُراقِب، فيَقَعُ المِسْكينُ في قَبضَتِه. قالَ في قَلبِه: «اللهُ يَنْسى، يَحجُبُ وَجهَه فلا يَرى أَبَدًا». قُمْ أَيُّها الرَّبُّ الإِلٰهُ وٱرفَعْ يَدَكَ، ولا تَنْسَ الوُضَعاء. لِمَ ٱستهانَ الشِّرِّيرُ بِالله، وقالَ في قَلبِه: «إِنَّكَ لا تُطالِب»؟ رَأَيتَ أَنتَ الغَمَّ والعَناء، وتَنظُرُ لِتَجعَلَهما في يَدِكَ. إِلَيكَ البائِسُ يُسَلِّمُ أَمرَه، واليَتيمُ كُنتَ أَنت نَصيرَه. حَطِّمْ ذِراعَ الشِّرِّيرِ الخَبيث، تَطلُبْ شَرَّه فلا تَجِدُه. الرَّبُّ مَلِكٌ أَبَدَ الدُّهور. مِن أَرضِه الأُمَمُ ٱنقَرَضَتْ. قد سَمِعتَ يا رَبُّ بُغيَةَ الوُضَعاء، وأَمَلتَ أُذُنَكَ فثَبَّتَّ قُلوبَهم، لِتَقضِيَ لِليَتيمِ والمَظْلوم، فلا يَعودَ مِنَ الأَرضِ إِنسانٌ إِلى الطُّغْيان. لإمامِ الغِناء. لِداود. بالرَّبِّ ٱعتَصَمتُ فكَيفَ تَقولونَ لي: «أُهرُبْ كالعُصْفورِ إِلى جَبَلِكَ. فإِنَّ الأَشْرارَ يَشُدُّونَ قَوسَهم، وعلى الوَتَرِ يُسَدِّدونَ سَهمَهم، لِيَرْمَوا في الدُّجَى القُلوبَ المُستَقيمة. إِذا ما الأُسُسُ ٱنهارَت، فماذا يَصنَعُ البارُّ»؟ الرَّبُّ في هَيكَلِ قُدْسِه، الرَّبُّ في السَّماءِ عَرشُه، عَيناه تُبصِرانِ العالَم، وجَفْناه يَتَفحَّصانِ بَني آدَم. الرَّبُّ يَتَفَحَّصُ البارَّ والشِّرِّير، ومَن يُحِبُّ العُنفَ فيُبغِضُه. يُمطِرُ على الأَشْرارِ كِبْريتًا وجَمْرَ نار، وريحُ السَّمومِ نَصيبُ كُؤُوسِهم، لأَنَّ الرَّبَّ بارٌّ يُحِبُّ البِرّ، والمُستَقيمونَ يُشاهِدونَ وَجهَه. لإمامِ الغِناء. على الدَّرَجَةِ الثَّامِنَة، مَزْمور. لِداود. خَلِّصْ يا رَبُّ، فإِنَّ الصَّفِيَّ قدِ ٱنقَرَض، والأَمينَ مِن بَني آدَمَ قد زال. كُلُّ ٱمرِئٍ يُكَلِّمُ صاحِبَه بِالباطِل، وبِشِفاهٍ تَتَمَلَّقُ وقُلوبٍ تَزدَوِجُ يَتَكَلَّمون. لِيَسْتَأصِلِ الرَّبُّ جَميعَ الشِّفاهِ المُتَمَلِّقة، واللِّسانَ النَّاطِقَ بِالكَلامِ المُفَخَّم، ومَن قالوا: «بأَلسِنَتِنا نَنتَصِر، شِفاهُنا مَعنا فمَن يَسودُنا؟». مِن أَجْلِ ٱغْتِصابِ البائِسينَ وتَنَهُّدِ المَساكين، أَقومُ الآنَ، يَقولُ الرَّبّ، وأُنعِمُ بِالخلاصِ على مَن إِلَيه يَتوقون. أَقوالُ الرَّبِّ أَقوالٌ طاهِرة، فِضَّةٌ مَصْهورةٌ في بوتَقَةٍ مِن تُراب صُفِّيَت سَبعَ مَرَّات. أَنتَ يا رَبُّ تَحفَظُنا، ولِلأَبَدِ مِن هٰذا الجيلِ تَحْمينا. إِنَّ الأَشرارَ في كُلِّ ناحِيَةٍ يَطوفون، في حينِ رَذالةُ بَني آدَمَ تَتَفاقَم. لإمامِ الغِناء. مزمور. لِداود. إِلامَ يا رَبُّ، أَلِلأَبَدِ تَنْساني؟ إِلامَ تَحجُبُ وَجهَكَ عَنِّي؟ إِلامَ أُودِعُ نَفْسِيَ الهُموم، ولَيلَ نهارَ قَلبِيَ الغُموم؟ إِلامَ علَيَّ يَتَغَلَّبُ عَدُوِّي؟ أُنظُرْ وٱستَجِبْ لي أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، وأَنِرْ عَينَيَّ لِئَلاَّ أَنامَ نَومةَ المَوت. فيَقولَ عَدُوِّي: «علَيه قَويتُ»، وٱبتَهَجَ مُضايِقِيَّ لأَنِّي تَزَعزَعتُ. وأَنا تَوَكَّلتُ على رَحمَتِكَ، ويَبتَهِجُ قَلْبي بِخَلاصِكَ. أُنشِدُ لِلرَّبِّ لأَنَّهُ أَحسَنَ إِلَيَّ، وأَعزِفُ لٱسمِ الرَّبِّ العَلِيِّ. لإمامِ الغِناء. لِداود. قالَ الجاهِلُ في قَلبِه: «لَيسَ إِلٰه». فَسَدَت أَعْمالُهم وقَبُحت، ولَيسَ مَن يَصنَعُ الصالِحات. مِنَ السَّماءِ أَطَلَّ الرَّبُّ على بَني آدَم، لِيَرى هل مِن عاقِلٍ يَلتَمِسُ الله. لقدِ ٱرتَدُّوا جَميعًا ففَسَدوا، ولَيسَ مَن يَصنَعُ الصَّالِحاتِ ولا واحِد. أَلَم يَعلَمْ جَميعُ فَعَلَةِ الإِثمِ الَّذينَ يَأكُلونَ شَعْبي، كما يُؤكَلُ الخُبزُ ولا يَدْعونَ الرَّبّ؟ هُناكَ يَرتَعِبونَ رُعْبًا حَيثُ لا رُعْبٌ، لأَنَّ اللهَ مع جيلِ الأَبْرار. تَعيبونَ مَقاصِدَ البائِس، والرَّبُّ مُعتَصَمُه. مِن صِهْيونَ مَن يأتي إِسْرائيلَ بِالخَلاص؟ حينَ يَرُدُّ الرَّبُّ أَسْرى شَعْبِه، يَبتَهِجُ يَعْقوبُ ويَفْرَحُ إِسْرائيل. مزمور. لِداود. يا رَبُّ، مَن يُقيمُ في خَيمَتِكَ، ومَن يَسكُنُ في جَبَلِ قُدسِكَ؟ السَّالِكُ طَريقَ الكَمالِ وفاعِلُ البِرِّ، والمُتَكَلِّمُ مِن قَلْبِه بِالحَقِّ، مَن بِلِسانِه لا يَغْتاب، وبِصاحِبِه لا يَصْنَعُ شَرًّا، وبِقَريبِه لا يُنزِلُ عارًا. الرَّذيلُ حَقيرٌ في نَظَرِه، ومَن يَتَّقونَ الرَّبَّ يُكرِمُهم، وإِن أَقسَمَ، مُضِرًّا بِنَفْسِه، لم يُخلِفْ. لا يُقرِضُ بالرِّبى فِضَّتَه، ولا يَقبَلُ على البَريءِ الرَّشوَة. فمَن عَمِلَ بِذٰلكَ لا يَتَزَعزَعُ لِلأَبَد. بِصَوتٍ خافِت. لِداود. أَللَّهُمَّ ٱحفَظْني فإِنِّي بِكَ ٱعتَصَمتُ. قُلتُ لِلرَّبِّ: «أَنتَ سَيِّدي، ولا خَيرَ لي سِواكَ». وَلا خيرَ لي في الآلِهَةِ الّذين في هٰذِه الأَرْضِ، أُولَئك يتسلَّطونَ على جَميعِ الّذينَ يُحبُّونَهم، كَثُرت أَصْنامُهم، والنَّاسُ وراءَهم يتهافَتون. أَمّا أَنا فَدَمًا لها لا أَسْكُب، وبِشَفَتَيَّ أَسماءَها لا أَذْكُر. الرَّبُّ كَأسي وحِصَّةُ ميراثي، أَنتَ الضَّامِنُ لِنَصيبي. حِبالُ التَّقسيمِ وَقَعَت لي في نعيم، وهو لي ميراثٌ جَليل. أُبارِكُ الرَّبَّ الَّذي نَصَحَ لي، حتَّى في اللَّيالي تُنذِرُني كُلْيَتايَ. جَعَلتُ الرَّبَّ كُلَّ حينٍ أَمامي، إِنَّه عن يميني فلَن أَتَزَعْزَع. لِذٰلك فَرِحَ قَلْبي وٱبتَهَجَت نَفْسي، حتَّى جَسَدي ٱستَقَرَّ في أَمان، لأَنَّكَ لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي، ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهُوَّة. ستُبَيِّنُ لي سَبيلَ الحَياة. أَمامَ وَجهِكَ فَرَحٌ تامّ، وعن يَمينِكَ نَعيمٌ على الدَّوام. صَلاة. لِداود. يا رَبِّ، لِلعَدْلِ ٱسْتَمِعْ ولِصُراخي أَنْصِتْ، وإِلى صَلاتي أَصْغِ فلا غِشَّ في شَفَتَيَّ. لِيَصدُرْ قَضائي مِن لَدُنْكَ، فتَرى الاستِقامَةَ عَيناكَ. قد سَبَرتَ قَلْبي وٱفتَقَدتَني لَيلًا، وبِالنَّارِ مَحَّصْتَني فلَم تَجِدْ شَيئًا، وأَفْكاري لم تَتَجاوَزْ فَمي، كما يَفعَلُ النَّاس. بِحَسَبِ كَلامِ شَفَتَيكَ لَزِمتُ الطُّرُقَ الَّتي فَرَضتَها، فَثبِّتْ في سُبُلِكَ خُطايَ لِئَلاَّ تَزِلَّ قَدَمايَ. اللَّهُمَّ إِنِّي دَعَوتُكَ لأَنَّكَ تُجيبُني، فأَمِلْ أُذُنَكَ إِلَيَّ وٱسْتَمِعْ قَولي. أَفِضْ مَراحِمَكَ يا مُخَلِّصَ المُعتَصِمينَ بيَمينِكَ مِنَ المُعْتَدين. إِحْفَظْني حِفْظَ الحَدَقَةِ، إِنْسانِ العَين وبِظِلِّ جَناحَيكَ ٱستُرْني. مِن وَجهِ الأَشْرارِ الَّذينَ يَبطِشونَ بي، والأَعداءِ الَّذينَ يُحاصِرونَني طالِبينَ نَفْسي. أَغلَقوا بِالشَّحْمِ قُلوبَهم، وبِالكِبرِياءِ نَطَقَت أفواهُهم، ها إِنَّهم يَتَقدَّمونَ عَليَّ ويُحيطونَ بي، وإِلَيَّ يُحَدِّقونَ لِيَصرَعوني. يُشبِهونَ الأَسَدَ المُتَلَهِّفَ لِلافتِراس، والشِّبلَ الرَّابِضَ في المَخبَأ. قُمْ يا رَبِّ ووَاجِهْه وٱصرَعْه، وبِسَيفِكَ نَجِّ مِنَ الشِّرِّيرِ نَفْسي، وبِيَدِكَ يا رَبُّ أَنقِذْها مِن بَني البَشَرِ الَّذينَ إِنَّما حَظُّهم مِن هٰذه الدُّنيا. فٱملأْ بُطونَهم مِن ذَخائِرِكَ، فيَشبَعَ بَنوهم ويَترُكوا لأَطفالِهم فَضَلاتِهم. أَمَّا أَنا فبِالبِرِّ أُشاهِدُ وَجهَكَ، وعِندَ اليَقظَةِ أَشبَعُ مِن صورَتِكَ. لإمامِ الغِناء، لِعَبدِ الرَّبِّ داود. كَلَّمَ الرَّبُّ بِكَلامِ هٰذا النَّشيد يَومَ أَنقَذَه الرَّبُّ مِن أيدي جَميعِ أَعْدائِه ومِن يَدِ شاوُل، فقال: أُحِبُّكَ يا رَبُّ، يا قُوَّتي، يا مُخَلِّصي، مِنَ العُنْفِ خَلَّصْتَني. الرَّبُّ صَخرَتي وحِصْني ومُنقِذي، إِلٰهي الصَّخرُ بِه أَعتَصِم. تُرْسي وقُوَّةُ خَلاصي ومَلْجإِي. أَدعو الرَّبَّ سُبْحانَه، فأَنْجو مِن أَعْدائي. أَمْواجُ المَوتِ غَمَرَتني، وسُيولُ بَليعالَ رَوَّعَتني، وحَبائِلُ مَثْوى الأَمواتِ حاطَتْني، وشِباكُ المَوتِ ٱستَبَقَتني. في ضيقي الرَّبَّ دَعَوتُ، وإِلَيه إِلٰهي صَرَختُ، فسَمِعَ صَوتي مِن هَيكَلِه، وبَلَغَ صُراخي مِسمَعَيه. تَزعزَعَتِ الأَرضُ وتَزَلزَلَت، وأُسُسُ الجِبالِ ٱرتَعَدت، ومِن غَضَبِه ٱرتَجَّت. دُخانٌ صَعِدَ مِن أَنْفِه، ونارٌ آكِلَةٌ مِن فَمِه، وجَمْرٌ ٱتَّقَدَ مِنه. أَمالَ السَّمَواتِ ونَزَل، والغَيمُ المُظلِمُ تَحتَ قَدَمَيه رَكِبَ على كَروبٍ وطارَ، وحَلَّقَ على أَجنِحَةِ الرِّياح. أَقامَ مِنَ الظُّلمَةِ حِجابًا لَه، ومِن ظَلامِ المِياهِ وظُلُماتِ الغُيومِ خَيمَةً حَولَه. أَمامَ بَهائِه مَرَّتِ الغُيوم: بَرَدٌ وجَمْرُ نار. أَرعَدَ الرَّبُّ مِنَ السَّماء، وأَطلَقَ العَلِيُّ صَوتَه. أَرسَلَ سِهامَه فبَدَّدَهم، وبُروقَه فَهَزَمَهم. أَعماقُ البَحرِ ٱنكَشَفَت، وأُسُسُ الكَونِ ٱنجَلَت، لِصَوتِ وَعيدِكَ يا رَبُّ، ولِهُبوبِ ريحِ مِنخَرَيكَ. يُرسِلُ مِن عَلْيائِه فيأخُذُني، ومِنَ البِحارِ يَنتَشِلُني، مِن عَدُوِّيَ الجَبَّارِ يُنقِذُني، مِن مُبغِضِيَّ، لأَنَّهم أَقْوى مِنِّي. في يَومِ بَلِيَّتي دَهَموني، فكانَ الرَّبُّ سَنَدي. إِلى الرُّحْبِ أَخرَجَني، ولأَنَّهُ يُحِبِّني خَلَّصَني. الرَّبُّ بِحَسَبِ بِرِّي كافَأَني، وبِطَهارَةِ يَدَيَّ أَثابَني. لأَنِّي حَفِظتُ طُرُقَ رَبِّي، ولم أَصنَعْ شَرًّا بَعيدًا عن إلٰهي. ولأَنَّ أَحكامَه كُلَّها أَمامي، وفَرائِضَه لم أُبعِدْها عنِّي. بل كُنتُ معَه كامِلًا، ومِنَ الإِثْمِ صُنْتُ نَفْسي. الرَّبُّ بِحَسَبِ بِرِّي كافَأَني، وطَهارتي أَمامَ عَينَيه. مع الصَّفِيِّ تكونُ صَفيًّا، ومع الكامِلِ تَكونُ كامِلًا. مع الطَّاهِرِ تكونُ طاهِرًا، ومع المُعوَجِّ تكونُ مُلْتَوِيًا، لأَنَّكَ تُخَلِّصُ الشَّعبَ البائِس، وتُخفِضُ أَنْظارَ المُتَرَفِّعين. لأَنَّكَ أَنتَ تُوقِدُ سِراجي، إِلٰهي أَنِرْ ظُلْمَتي، فإِنِّي بِكَ أَقتَحِمُ الحُصون، وبإِلٰهي أَتَسَلَّقُ الأَسْوار. اللهُ طريقُه كامِل، وقَولُ الرَّبِّ مُمَحَّص، هو تُرسٌ لِكُلِّ مَن بِه يَعتَصِم. فمَن إِلٰهٌ غَيرُ رَبِّنا، ومَن صَخرَةٌ سِوى إِلٰهِنا؟ اللهُ الَّذي بِالقُوَّةِ يُسَربِلُني، ويَجعَلُ كامِلًا سَبيلي. يَجعَلُ كالأَيِّلِ رِجْلَيَّ، وعلى المَشارِفِ يُقيمُني. يُعَلِّمُ يَدَيَّ القِتال، وذِراعَيَّ شَدَّ قَوسِ النُّحاس. تُرْسَ خَلاصِكَ تُعْطيني، ويَمينُكَ تَعضُدُني، وعلى الدَّوامِ تَستَجيبُ لي. تُوَسِّعُ خَطَواتي تَحْتي، ولَم تَتَزَعْزَعْ قَدَمايَ. أُطارِدُ أَعْدائي فأُدْرِكُهم، ولا أَعودُ حتَّى أُفْنِيَهم. أَضرِبُهم فلا يَستَطيعونَ النُّهوض، وتَحتَ قَدَمَيَّ يَسقُطون. تُسَربِلُني بالقُوَّةِ لِلقِتال، وتَصرَعُ مُناهِضِيَّ تَحتَ قَدَمَيَّ. ولَّيتَني ظُهورَ أَعْدائي، وأَمَّا مُبغِضِيَّ فإِنِّي أُبيدُهم. يَصرُخونَ ولا مُنقِذ، يَصرُخونَ إِلى الرَّبِّ ولا يَستَجيبُ لَهم. كالغُبارِ في مَهَبِّ الرِّيحِ أَسحَقُهم، وكما يُداسُ وَحْلُ الطُّرُقاتِ أَدوسُهم. مِن مُخاصَماتِ الشَّعبِ تُنَجِّيني، ورأسًا على الأُمَمِ تُقيمُني. شَعْبٌ لم أَعرِفْه يَخدُمُني. بَنو الغُرَباءِ يَتَمَلَّقونَ لي، حالَما يَسمَعونَني يُطيعونَني. بَنو الغُرباءِ يَخورون، ومِن حُصونِهم مُرتَعِدينَ يَخرُجون. حَيٌّ الرَّبُّ وتَبَارَكَ صَخرَتي، وتَعالى إِلٰهُ خَلاصي. اللهُ الَّذي يُتيحُ لِيَ الِٱنتِقام، ويُخضِعُ لِيَ الشُّعوب. تُنَجِّيني مِن أَعْدائي الحانِقين، وفَوقَ المُعتَدينَ علَيَّ تَرفَعُني، ومِن رَجُلِ العُنْفِ تُنْقِذُني. لِذا يا رَبُّ، بَينَ الأُمَمِ أَحمَدُكَ، وأَعزِفُ لٱسمِكَ: يُكثِرُ من الخَلاصِ لِمَلِكِه، ويَصنَعُ رَحمَةً لِمَسيحِه، لِداودَ ونَسْلِه لِلأَبَد. لإمامِ الغِناء. مزمور. لِداود. السَّمَواتُ تُحدِّثُ بِمَجْدِ الله، والجَلَدُ يُخبِرُ بِمَا صَنَعَت يَداه. النَّهارُ لِلنَّهارِ يُعلِنُ أَمرَه، واللَّيلُ لِلَّيلِ يُذيعُ خبَرَه. لا حَديثٌ ولا كَلام، ولا صَوتٌ يَسمَعُه الأَنام، بل في الأَرضِ كُلِّها سُطورٌ بارِزة، وكَلِماتٌ إِلى أَقاصي الدُّنْيا بَيِّنة. هُناكَ لِلشَّمسِ نَصَبَ خَيمةً، وهي كالعَريسِ الخارِجِ مِن خِدرِه، وكالجَبَّارِ تَبتَهِجُ في عَدْوِها. مِن أَقاصي السَّماءِ خُروجُها، وإِلى أَقاصيها مَدارُها، ولا شَيءَ في مأمَنٍ مِن حَرِّها. شَريعَةُ الرَّبِّ كامِلَةٌ تُنعِشُ النَّفْسَ، شَهادةُ الرَّبِّ صادِقةٌ تُعَقِّلُ البَسيط. أَوامِرُ الرَّبِّ مُستَقيمةٌ تُفَرِّحُ القُلوب، وَصِيَّةُ الرَّبِّ صافِيَةٌ تُنيرُ العُيون. مَخافةُ الرَّبِّ طاهِرَةٌ تَثبُتُ لِلأَبَد، وأَحْكامُ الرَّبِّ حَقُّ وعَدْلٌ على السَواء. هي أَشْهى مِنَ الذَّهَبِ ومِن أَخلَصَ الإِبْريز، وأَحْلى مِنَ العَسَلِ ومِن قَطْرِ الشِّهاد، وعَبدُكَ أَيضًا يَستَنيرُ بِها، وفي حِفْظِها ثَوابٌ عَظيم. مَنِ الَّذي يَتَبَيَّنُ زَلاَّتِه؟ مِنَ الخَفايا طَهِّرْني. وٱحفَظْ مِنَ الكِبرياءِ عَبدَكَ فلا تَتَسَلَّطَ علَيَّ حينَئِذٍ أَكونُ كامِلًا ومِن مَعصِيَةٍ عَظيمةٍ مُطَهَّرًا. لِتَكُنْ أَقْوالُ فَمي وخَواطِرُ قَلْبي مَرضِيَّةً لَدَيكَ أَيُّها الرَّبُّ صَخرَتي وفادِيَّ. لإمامِ الغِناء. لِداود. لِيَستَجِبْ لَكَ الرَّبُّ في يَومِ الضِّيق، ولْيَحمِكَ ٱسمُ إِلٰهِ يَعْقوب! لِيُرسِلْ مِن مَقدِسِه إِلَيكَ نُصْرَةً، ولْيَكُنْ لَكَ مِن صِهْيونَ عَضْدًا! لِيَذْكُرْ جَميعَ تَقادِمِكَ، ويَستَطِبْ مُحرَقَتَكَ! لِيُعطِكَ على حَسَبِ قَلبِكَ، ويُحَقِّقْ كُلَّ مُقصَدٍ لَكَ! لِنُهَلِّلْ بِخَلاصِكَ، ونَرفَعِ الرَّايةَ بِٱسمِ إِلٰهِنا! لِيُحَقِّقِ الرَّبُّ جَميعَ طَلِباتِكَ! الآنَ عَلِمتُ أَنَّ الرَّبَّ يُخَلِّصُ مَسيحَه، مِن سَماءِ قُدْسِه يَستَجيبُ لَه، بِمَآثرِ يَمينِه الخَلاصيَّة. هٰؤُلاءِ بِالمَرْكَباتِ وأُولاءِ بِالخُيول، أَمَّا نَحنُ فٱسمَ الرَّبِّ إِلٰهِنا نَدْعو، هُم تَرَنَّحوا وسَقَطوا، ونَحنُ قُمْنا وٱنْتَصَبْنا. يا رَبُّ خَلِّصِ المَلِكَ، وٱستَجِبْ لَنا يَومَ نَدْعوكَ. لإمامِ الغِناء. مزمور. لِداود. يا رَبُّ، يَفرَحُ المَلِكُ بِقُوَّتِكَ، وما أَشَدَّ ٱبتِهاجَه بِخَلاصِكَ. أَعطَيتَه بُغيَةَ قَلبِه، ولم تَحرِمْه أُمنِيَةَ شَفَتَيه. بِبَركاتِ الخَيرِ بادَرتَه، وبِتاجٍ مِن إِبْريزٍ تَوَّجتَ رأسَه. سأَلَكَ الحَياةَ فوَهَبتَها له: أَيَّامًا طِوالًا أَبَدَ الدُّهور. خَلاصُكَ يُوليه مَجدًا عَظيمًا، تُلْقي علَيه جَلالًا وبَهاءً، لأَنَّكَ تَجعَلُه بَرَكاتٍ لِلأَبَد، تَسُرُّه سُرورًا أَمامَ وَجهِكَ، لأَنَّ المَلِكَ على الرَّبِّ يَتَوَكَّل، وبِرَحمةِ العَلِيِّ لا يَتَزَعزَع. يَدُكَ تصِلُ إِلى جَميعِ أَعْدائِكَ، ويَمينُكَ إِلى مُبْغِضيكَ. تَجعَلُهم كَتَنُّورِ نارٍ، يَومَ يَتَجَلَّى وَجهُكَ. إِنَّ الرَّبَّ بِغَضَبِه يَبتَلِعُهم، والنَّارَ تأكُلُهم. مِنَ الأَرضِ تُبيدُ نَسْلَهم، ومِن بَني آدَمَ ذُرِّيَّتَهم. إِذا أَرادوا بِكَ شَرًّا ودَبَّروا مَكيدةً، لم يَستَطيعوا شَيئًا لأَنَّكَ تَجعَلُهم يُوَلُّونَ الأَدْبار، وإِلى وجُوهِهم تُسَدِّدُ الأَوتار. إِنهَضْ يا رَبُّ بِعِزَّتِكَ، نُنشِدُ ونَعزِفُ لِجَبَروتِكَ. لإمامِ الغِناء. على «أَيِّلةِ الصُّبْح». مزمور. لِداود. إِلٰهي إِلٰهي، لِماذا تَرَكتَني؟ هَيهاتِ أَن تُخَلِّصَني كَلِماتُ زَئيري! إِلٰهي، في النَّهارِ أَدْعو فلا تُجيب، وفي اللَّيلِ لا سَكينَةَ لي. أَمَّا أَنتَ فإِنَّكَ قُدُّوس، جالِسٌ في تَسابيحِ إِسْرائيل. عَليكَ تَوَكَّلَ آباؤُنا، تَوَكَّلوا فنَجَّيتَهم. إِلَيكَ صَرَخوا فَنَجَوا، وعَلَيكَ تَوَكَّلوا فلم يَخزَوا. أَمَّا أَنا فدودَةٌ لا إِنْسان، عارٌ عِندَ البَشَرِ ورَذالةٌ في الشَّعْب. جَميعُ الَّذينَ يَرَونَني يَسخَرونَ بي، ويَفغَرونَ الشِّفاهَ ويَهُزُّونَ الرُّؤُوس: «إِلى الرَّبِّ سَلَّمَ أَمرَه فلْيُنَجِّهْ، ولأَنَّهُ يُحِبُّه فلْيُنقِذْه». أَنتَ مِنَ البَطْنِ أَخرَجتَني، وعلى ثَدْيَي أُمِّي طَمأَنتَني. عَليكَ مِنَ الرَّحِمِ أُلْقيتُ، ومِن بَطْنِ أُمِّي أَنتَ إِلٰهي. لا تَتَباعَدْ عنِّي، فقدِ ٱقتَرَبَ الضِّيقُ ولا مُعين. ثيرانٌ كثيرةٌ أَحاطَت بي، وضَواري باشانَ حاصَرَتني، فَغَرَت أَشْداقَها علَيَّ، أُسودًا مُفتَرِسَةً مُزَمجِرة. مِثْلَ الماءِ ٱنسَكَبتُ، وتَفَكَّكَت جميعُ عِظامي. مِثلَ الشَّمْعِ صارَ قَلْبي، وذابَ في وَسْطِ أَحْشائي. كالخَزَفِ جَفَّ حَلْقي، ولِساني لَصِقَ بِفَكِّي، وفي تُرابِ المَوتِ أَضجَعْتَني. كِلابٌ كَثيرةٌ أَحاطَت بي، زُمرَةٌ مِنَ الأَشْرارِ أَحدَقَت بي. ثَقَبوا يَدَيَّ ورِجلَيَّ. وأَحصَوا كُلَّ عِظامي، وهم يَنظُرونَ ويَرَونَني. يَقتَسِمونَ بَينَهم ثِيابي، ويَقتَرِعونَ على لِباسي. وأَنتَ يا رَبُّ، لا تَتَباعَد، يا قُوَّتي، أَسرِعْ إِلى نُصرَتي. مِنَ السَّيفِ أَنقِذْ نَفْسي، ومِن يَدِ الكَلْبِ وَحيدتي. مِن شِدْقِ الأَسَدِ، ومِن قُرونِ الثَّورِ خَلِّصْني. لقَد أَجَبتَني. سأُبَشِّرُ إِخوَتي بِٱسمِكَ، وفي وَسْطِ الجَماعةِ أُسَبِّحُكَ. «يا أَتقِياءَ الرَّبِّ سَبِّحوه، ويا ذُرِّيَّةَ يَعْقوبَ كافَّةً مَجِّدوه. ويا ذُرِّيَّةَ إِسْرائيلَ كافَّةً ٱخشَوه». فإِنَّه لم يَزدَرِ بُؤسَ البائِسِ ولم يَستَقبِحْه، ولا حَجَبَ عنه وَجهَه، وإِذا صَرَخَ إِلَيه كانَ سَميعًا. مِن لَدُنكَ تَسْبيحي في الجماعةِ العَظيمة، سأُوفي بِنُذوري أَمامَ أَتقِيائِه. سيأكُلُ الوُضَعاءُ ويَشبَعون، ويُسَبِّحُ الرَّبَّ مُلتَمِسوه. لِتَحْيَ قُلوبُكم لِلأَبَد. جَميعُ أَقاصي الأَرضِ تَتَذَكَّر، وإِلى الرَّبِّ تَتوب، وجَميعُ عَشائِرِ الأُمَمِ أَمامَه تَسجُد، لأَنَّ المُلكَ لِلرَّبِّ وهو يَسودُ الأُمَم. لَه وَحدَه يَسجُدُ جَميعُ عُظَماءِ الأَرض، وأَمامَه يَجْثو جَميعُ الهابِطينَ إِلى التُّراب. لَه تَحْيا نَفْسي، وإِيَّاه تَعبُدُ ذُرِّيَّتي. يُخبِرونَ بِالرَّبِّ الجيلَ الَّذي سيَأتي، ويُبَشِّرونَ بِبِرِّه الشَّعبَ الَّذي سيُولَد: لأَنَّه قد صَنَعَ صَنيعًا. مزمور. لِداود. الرَّبُّ راعِيَّ فما مِن شَيءٍ يُعوِزُني، في مَراعٍ نَضيرةٍ يُريحُني. مِياهَ الرَّاحةِ يورِدُني، ويُنعِشُ نَفْسي، وإِلى سُبُلِ البِرِّ يَهْديني إِكْرامًا لٱسمِه. إِنِّي ولَو سِرتُ في وادي الظُّلُمات، لا أَخافُ سُوءًا لأَنَّكَ مَعي. عَصاكَ وعُكَّازُكَ يُسَكِّنانِ رَوعي. تُعِدُّ مائِدةً أَمامي، تُجاهَ مُضايِقِيَّ، وبِالزَّيتِ تُطَيِّبُ رأسي فتَفيضُ كأسي. الخَيرُ والرَّحمَةُ يلازِماني جَميعَ أَيَّامِ حَياتي، وسُكْنايَ في بَيتِ الرَّبِّ طَوالَ أَيَّامي. لِداود. مزمور. لِلرَّبِّ الأَرضُ وكُلُّ ما فيها، الدُّنْيا وساكِنوها، لأَنَّه على البِحارِ أَسَّسَها، وعلى الأَنْهارِ أَرْساها. مَن ذا الَّذي يَصعَدُ جَبَلَ الرَّبِّ، ومَنْ ذا الَّذي يُقيمُ في مَقَرِّ قُدْسِه؟ النَّقِيُّ الكَفَّينِ والطَّاهِرُ القَلْبِ، الَّذي لم يَحمِلْ على الباطِلِ نَفسَه، ولم يَحْلِفْ خادِعًا. بَرَكَةً يَنالُ مِن لَدُنِ الرَّبِّ، وبِرًّا مِن إِلهِ خَلاصِه. ذٰلك جيلُ مَن يَطلُبونَه، مَن يَلتَمِسونَ وَجهَكَ يا إِلٰهَ يَعْقوب. إِرْفَعْنَ رُؤُوسَكُنَّ أَيَّتُها الأَبْواب، وٱرتَفِعْنَ أَيَّتُها المَداخِلُ الأَبَدِيَّة، فيَدخُلَ مَلِكُ المَجْد. مَن هٰذا مَلِكُ المَجْد؟ هو الرَّبُّ العَزيزُ الجَبَّار، الرَّبُّ الجَبَّارُ في القِتال. إِرفَعْنَ رُؤُوسَكُنَّ أَيَّتُها الأَبْواب، وٱرتَفِعْنَ أَيَّتُها المَداخِلُ الأَبَدِيَّة، فيَدخُلَ مَلِكُ المَجْد. مَن هٰذا مَلِكُ المَجْد؟ رَبُّ القُوَّاتِ هو مَلِكُ المَجْد. لِداود. إِلَيكَ يا رَبِّ أَرفَعُ نَفْسي، إِلٰهي عَليكَ تَوَكَّلتُ فلا أَخْزَ، ولا يَشمَتْ بي أَعْدائي، فجَميعُ الَّذينَ يَرجونَكَ لا يَخزَون، ولْيَخْزَ مَن على ٱسمِ الباطِلِ يَغدُرون. يا رَبّ طُرُقَكَ عَرِّفْني، وسُبُلَكَ علِّمْني. إِلى حَقِّكَ ٱهدِني وعَلِّمْني، فإِنَّكَ أَنتَ إِلٰهُ خَلاصي، وإِيَّاكَ رَجَوتُ النَّهارَ كُلَّه. يا رَبِّ ٱذكُرْ حَنانَكَ ومَراحِمَكَ، فإِنَّها قائِمةٌ مُنذُ أَزَلِكَ. أَمَّا مَعاصِيَّ وخطايا شَبابي فلا تَذكُرْ، بل على حَسَبِ رَحمَتِكَ ٱذْكُرْني، مِن أَجلِ صَلاحِكَ يا رَبِّ. الرَّبُّ صالِحٌ مُستَقيم، لِذٰلكَ يُرشِدُ الخاطِئينَ في الطَّريق، ويَهْدي الوُضَعاءَ إِلى الحَقِّ، ويُعَلِّمُ البائسينَ طَريقَه. سُبُلُ الرَّبِّ جَميعُها رَحمَةٌ وحَقٌّ، لِمَن يَحفَظونَ عَهدَه ووَصاياه. مِن أَجلِ ٱسمِكَ يا رَبُّ، ٱغفِرْ إِثْمي، فإِنَّه عَظيم. مَن هو الرَّجُلُ الَّذي يَتَّقي الرَّبَّ؟ فإِنَّه يُرشِدُه في الطَّريقِ الَّذي يَخْتار، فتَسكُنُ نَفْسُه في الخَيرِ، وذُرِّيَّتُه تَرِثُ الأَرض. سِرُّ الرَّبِّ لِمَن يَتَّقونَه، ولَهم يُعلنُ عَهدَه. عَينايَ في كُلِّ حينٍ إِلى الرَّبِّ، لأَنَّه مِنَ الشِّباكِ يُخرِجُ رِجلَيَّ. إِلَيَّ ٱلتَفِتْ وٱرحَمْني، فإِنِّي وَحيدٌ بائِس. فَرِّجْ مَضايِقَ قَلْبي، ومِن شَدائِدي ٱنتَشِلْني. أُنظُرْ إِلى بُؤسي وعَنائي، وٱمْحُ كُلَّ آثامي. وٱنظُرْ إِلى أَعْدائي فقَد كَثُروا، وأَبغَضوني بُغضًا عنيفًا. أَنقِذْني وٱحفَظْ نَفْسي، لن أَخْزى، فإِنِّي بِكَ ٱعتَصَمتُ. لِيَحمِني الكَمالُ والِٱستِقامة، فإِيَّاكَ رَجَوتُ يا رَبِّ. اللَّهُمَّ ٱفتَدِ إِسْرائيلَ، مِن جَميعِ مَضايِقِه. لِداود. أَنصِفْني يا رَبُّ فإِنِّي في الكَمالِ سِرتُ، وعلى الرَّبِّ تَوَكَّلتُ فلا أَنثَني. إِسبِرْ يا رَبُّ غَوري وٱختَبِرْني، مَحِّصْ بِالنَّارِ كُلْيَتَيَّ وقَلْبي، فإِنَّ نُصبَ عَينَيَّ رَحمَتَكَ، وأَسلُكُ طَريقَ حَقِّكَ. أَهلَ الباطِلِ لم أُجالِسْ، والمُرائينَ لم أُساير. جَماعَةَ الأَشرارِ أَبغَضتُ، وأَهلَ السُّوءِ لم أُجالِسْ. بِالطَّهارةِ أَغسِلُ يَدَيَّ، وبِمَذبَحِكَ أُطَوِّفُ يا رَبِّ، لأُسمِعَ صَوتَ الحَمدِ، وأُحَدِّثَ بِجَميعِ عَجائِبِكَ. أَحبَبتُ، يا رَبُّ، جَمال بَيتِكَ، ومُقامَ سُكْنى مَجدِكَ. لا تَجمَعْ مع الخاطِئينَ نَفْسي، ولا معَ رِجالِ الدِّماءِ حَياتي. أُولٰئِكَ الَّذينَ بأَيديهم فَحْشاء، ومِلْءُ يَمينِهم رِشوَة. أَمَّا أَنا فالكَمالَ أَبتَغي، فٱفتَدِني وٱرحَمْني. في الطَّريقِ المُستَقيمِ قامَت رِجْلي، وفي الجَماعةِ أُبارِكُ الرَّبّ. لِداود. الرَّبُّ نوري وخَلاصي فمِمَّن أَخاف؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَياتي فمِمَّن أَفزَع؟ إِذا تَقَدَّمَ عَلَيَّ الأَشْرارُ لِيأكُلوا لَحْمي، مُضايِقِيَّ وأَعْدائي، فإِنَّهم يَعثُرونَ ويَسقُطون. إِذا ٱصطَفَّ عَلَيَّ عَسكَرٌ فلا يَخافُ قَلْبي، وإِن قامَ علَيَّ قِتالٌ، ففي ذٰلك ثِقَتي. واحِدَةً سألتُ الرَّبَّ وإِيَّاها أَلتَمِس، أَن أُقيمَ ببَيتِ الرَّبِّ جَميعَ أَيَّامِ حياتي، لِكَي أُعايِنَ نَعيمَ الرَّبِّ وأَتأمَّلَ في هَيكَلِه. لأَنَّه في خَيمَتِه يَومَ الشَّرِّ يَخبَأُني، وبِسِترِ خِبائِه يَستُرُني وعلى صَخرَةٍ يَرفَعُني، فحينَئذٍ يَعْلو رأسي فَوقَ أَعْدائي مِن حَولي، وذَبائحَ هُتافٍ أَذبَحُ في خَيمَتِه. أَعزِفُ لِلرَّبِّ وأُنشِد. إِستَمِعْ يا رَبِّ، إِنِّي أَصْرُخُ صُراخًا، فٱرحَمْني وٱستَجِبْ لي. فيكَ قالَ قلبي: «إِلتَمِسْ وَجهَه»، وَجهَكَ يا رَبِّ أَلتَمِس. لا تَحجُبْ وَجهَكَ عنِّي، ولا تَنبِذْ بِغَضَبٍ عَبدَكَ. ناصِرًا كُنتَ لي فلا تَخْذُلْني، ولا تَترُكْني يا إِلٰهَ خَلاصي. إِذا تَرَكَني أَبي وأُمِّي، فالرَّبُّ يَقبَلُني. طَريقَكَ يا رَبُّ عَلِّمْني، وسَبيلَ الٱستِقامَةِ ٱهدِني، مِن أَجلِ مُضايِقِيَّ. لا تُسلِمْني إِلى شَهوَةِ مُضايِقِيَّ، فإِنَّ شُهودَ زورٍ يَنفُثونَ العُنْفَ قد قاموا علَيَّ. آمَنتُ، سأُعايِنُ صَلاحَ الرَّبِّ في أَرضِ الأَحْياء، أُرجُ الرَّبَّ وتَشَدَّدْ، ولْيَتَشَجَّعْ قَلبُكَ وٱرجُ الرَّبّ. لِداود. إِلَيكَ يا رَبِّ أَصرُخ، يا صَخرتي، لا تَتَصامَمْ عنِّي، لِئَلاَّ تَصمُتَ عنِّي، فأُشبِهَ الهابِطينَ في الهاوِيَة. إِسْتَمِعْ لِصَوتِ تَضَرُّعي حين أَصرُخُ إِلَيكَ، وأَرفَعُ يَدَيَّ إِلى قُدْسِ أَقْداسِكَ. لا تَجُرَّني معَ الأَشْرار، وفَعَلَةِ الآثام، مَن يُسالِمونَ قَريبَهم بأَلسِنَتِهم، والشَّرُّ كامِنٌ في قُلوبِهم. بأَفْعالِهم وبِخُبثِ أَعمالِهم جازِهِم، وبِصُنعِ أيديهم كافِئْهم، ورُدَّ علَيهم أَجْرَهم. فإِنَّهم لم يَعرِفوا أَفعالَ الرَّبِّ ولا صَنيعَ يَدَيه، فهو يُدَمِّرُهم ولا يَبْنيهم. تَباركَ الرَّبُّ، فقد سَمِعَ لِصَوتِ تَضَرُّعي. الرَّبُّ عِزَّتي وتُرْسي، وعلَيه ٱتَّكَلَ قَلْبي فنُصِرتُ وٱبتَهَجَ قَلْبي، وبِنَشيدي أَحمَدُه. الرَّبُّ عِزَّةٌ لِشَعْبِه، وحِصنُ خَلاصٍ لِمَسيحِه. خَلِّصْ شَعبَكَ وبارِكْ ميراثَكَ، وٱرعَهم وٱرفَعْهم لِلأَبَد. مزمور. لِداود. قَدِّموا لِلرَّبِّ يا أَبناءَ اللهِ، قَدِّموا لِلرَّبِّ مَجدًا وعِزًّا، قَدِّموا لِلرَّبِّ مَجدَ ٱسمِه، أُسجُدوا لِلرَّبِّ في بَهاءِ قُدْسِه. صَوتُ الرَّبِّ على المِياه، إِلٰهُ المَجدِ أَرعَد، الرَّبُّ على المِياهِ الغَزيرة. صَوتُ الرَّبِّ بِالقُوَّة، صَوتُ الرَّبِّ بِالبَهاء. صَوتُ الرَّبِّ يُحَطِّمُ الأَرْز، يُحَطِّمُ الرَّبُّ أَرزَ لُبْنان. يَجعَلُ لُبْنانَ يَقفِزُ قَفزَ العِجْلِ، وسِرْيونَ يَثِبُ وُثوبَ وَلَدِ الثَّور. صَوتُ الرَّبِّ يَقُدُّ شُهُبَ نار. صَوتُ الرَّبِّ يُزَلزِلُ البَرِّيَّة، يَزَلزِلُ الرَّبُّ بَرِّيَّةَ قادِش. صَوتُ الرَّبِّ يُزَعزِعُ البُطمَ، ويُعَرِّي الغابات، وكُلٌّ يقولُ في هَيكَلِه: «لَه المَجْد». جَلَسَ الرَّبُّ على الطُّوفان، جَلَسَ الرَّبُّ مَلِكًا لِلأَبَد. الرَّبُّ يُؤْتي العِزَّةَ شَعبَه، الرَّبُّ يُبارِكُ بِالسَّلامِ شَعبَه. مزمور. نَشيدٌ لِتَدْشينِ البَيت. لِداود. أُعَظِّمُكَ يا رَبُّ لأَنَّكَ ٱنتَشَلتَني، ولم تُشْمِتْ بي أَعْدائي. أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، إِلَيكَ صَرَختُ فشَفَيتَني. يا رَبُّ مِن مَثْوى الأَمْواتِ أَصعَدتَ نَفْسي، ومِن بَينِ الهابِطينَ في الهاوِيَةِ أَحيَيتَني. لِلرَّبِّ ٱعزِفوا يا أَصفِياءَه، وٱسمَه القُدُّوسَ ٱحمَدوا، فإِنَّ غَضَبَه لَحظَةٌ ورِضاه مَدى حَياة، في المَساءِ يَحِلُّ البُكاءُ وفي الصَّباحِ التَّهْليل. في طُمَأنينَتي قلتُ: «لن أَتَزَعْزَعَ لِلأَبَد». بِرِضاكَ ثَبَّتَّني، يا رَبُّ، في جِبالِ عِزِّي. ثُمَّ حَجَبتَ وَجهَكَ فنالَ الرَّوعُ مِنِّي. إِلَيكَ يا رَبِّ أَصرُخ، وإِلى الرَّبِّ أَتَضَرَّع. ما الفائِدَةُ مِن دَمي ومِن هُبوطي في الهُوَّة؟ أَلَعَلَّ التُّرابَ يَحمَدُكَ ويُخبِرُ بِحَقِّكَ؟ إِستَمِعْ يا رَبِّ وٱرحَمْني، كُن يا رَبِّ نَصيرًا لي. إِلى رَقصٍ حَوَّلتَ نَدْبي، وخَلَعتَ مِسْحي وبِالسُّرورِ زنَرتَني. لِكَي يَعزِفَ لَكَ قَلْبي ولا يَسكُت، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، لِلأَبَدِ أَحمَدُكَ. لإمامِ الغِناء. مزمور. لِداود. بِكَ ٱعتَصَمتُ يا رَبِّ، فلا أَخْزَ لِلأَبَد. بِبِرِّكَ نَجِّني. أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ وأَسْرِعْ إِلى إِنْقاذي، وكُنْ لي صَخرَةَ حِصْنٍ وبَيْتًا مَنيعًا لِخلاصي. فإِنَّكَ أَنتَ صَخرَتي وحِصْني، ولأَجلِ ٱسمِكَ أَرشِدْني وٱهدِني. مِنَ الشِّباكِ الَّتي طَمَروها لي أَخرِجْني، لأَنَّكَ أَنتَ قُوَّتي. في يَدَيكَ أَستَودِعُ روحي، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ الحَقِّ أَنتَ ٱفتَدَيتَني. عُبَّادَ أَوثانِ الباطِلِ أَبغَضتَ. أَمَّا أَنا فعلى الرَّبِّ تَوَكَّلتُ. أَفرَحُ بِرَحمَتِكَ وأَبتَهِج، لأَنَّكَ رَأَيتَ بُؤسي، وعَلِمتَ مَضايِقَ نَفْسي، وإِلى يَدِ العَدُوِّ لم تُسلِمْني، بل أَقَمتَ في الرُّحبِ قَدَمَيَّ. يا رَبِّ ٱرحَمْني فإِنِّي في ضيقٍ، وقد أَكَلَ الغَمُّ عَيني وحَلْقي وأَحْشائي، وفَنِيَت بِالحَسرَةِ حياتي وبالأَنينِ أَعْوامي، ومِن إِثمي وَهَنَت قُوَّتي وبَلِيَت عِظامي. صِرتُ عارًا عِندَ جَميعِ مُضايِقِيَّ، وكَرَهًا لدى جيراني، وفَزَعًا لِمَعارِفي، ومَن رَأَوني في السَّاحَةِ هَرَبوا مِنِّي. إِنِّي كَمَيتٍ نَسِيَتْه القُلوب، ومِثلَ سَقَطِ المَتاعِ أَمسَيتُ. سَمِعتُ المَذَمَّةَ مِن كَثيرين، والهَولُ مِن كُلِّ جانِب. تآمَروا جميعًا علَيَّ، مُصَمِّمينَ على أَخذِ نَفْسي. أَمَّا أَنا فعَلَيكَ تَوَكَّلتُ يا رَبِّ، قُلتُ: «إِنَّكَ أَنتَ إِلٰهي». في يَدِكَ ساعاتُ عُمْري، فمِن أَيدي أَعْدائي ومِن مُضطَهِدِيَّ أَنقِذْني. أَنِرْ بِوَجهِكَ على عَبدِكَ، وخَلِّصْني بِرَحمَتِكَ. يا رَبِّ، لا أَخْزَ، فإِنِّي دَعَوتُكَ، بل لِيَخْزَ الأَشرار، ولْيَهبِطوا إِلى مَثْوى الأَمْواتِ صامِتين. لِتَخرَسْ شِفاهُ الكَذِبِ الَّتي تَنطِقُ بالصَّلَفِ على البارِّ بِكِبْرٍ وٱزدِراء. يا رَبُّ ما أَعظَمَ صَلاحَكَ، إِدَّخَرتَه لِلمُتَّقينَ لَكَ، وللمُعتَصِيمنَ بِكَ جَعَلتَه، تُجاهَ بَني آدم. في سِتْرِ وَجهِكَ تَستُرُ هم مِنَ النَّاسِ ودَسائِسِهم، وفي خَيمَةٍ تَصونُهم مِن مُخاصَمةِ الأَلسِنَة. تَبارَكَ الرَّبُّ فإِنَّه آتاني عجائبَ رَحمَتِه، في مَدينةٍ حَصينة. في جَزَعي كُنتُ أَقول: «إِنِّي مِن أَمامِ عَينَيكَ ٱنقَطَعتُ». ولٰكِنَّكَ سَمِعتَ صَوتَ تَضَرُّعي، عِندَما إِلَيكَ صَرَختُ. أَحِبُّوا الرَّبَّ يا جَميعَ أَصفِيائِه، فالرَّبُّ يَحرُسُ المُؤمِنين، ويُبالِغُ في جَزاءِ المُتَكَبِّرين. تَشَدَّدوا ولْتَتَشَجَّعْ قُلوبُكم، يا جَميعَ الَّذينَ يَرْجونَ الرَّبّ. لِداود. تعليم. طوبى لِمَن مَعصِيَتُه غُفِرَت، وخَطيئَتُه سُتِرَت. طوبى لِمَن لا يَحسُبُ علَيه الرَّبُّ إِثْمًا، ولا في روحِه خِداع. حينَ سَكَتُّ بَلِيَت عِظامي، وأَنا أَزأَرُ طَوالَ نَهاري. لأَنَّ يَدَكَ ثَقُلَت علَيَّ نَهارًا وليلًا، تَحَوَّلَ قَلْبي إِلى هَشيمٍ في قَيظِ الصَّيف. أَبَحتُكَ خَطيئَتي وما كَتَمتُ إِثْمي، قُلتُ: «أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِمَعاصِيَّ»، وأَنتَ رَفَعتَ وِزْرَ خَطيئَتي. لِذٰلك يُصَلِّي إِلَيكَ كُلُّ صَفيٍّ في أَوانِ الضِّيق، حتَّى وإن طَغَتِ المِياهُ الغزيرة، لَما ٱستَطاعَت إِلَيه سَبيلا. أنتَ سِترٌ لي، مِن الضِّيقِ تَقيني، وبِتَرانيمِ النَّجاةِ تُحيطُني. إِنِّي أُعَلِّمُكَ وأُرشِدُكَ في الطَّريقِ الَّذي تَسلُكُه وأَكونُ ناصِحًا لَكَ، وعَيني تَرْعاكَ. لا تَكُنْ كالفَرَسِ والبَغْلِ بِغَيرِ فَهْم، بِشَكيمةٍ ورَسَنٍ يُكبَحُ جِماحُهما، لِكَي لا يقتَرِبا مِنكَ. ما أَكثَرَ أَوجاعَ الشِّرِّير. أَمَّا المُتَوَكِّلُ على الرَّبِّ فالرَّحمَةُ تَحوطُه. إِفرَحوا بِالرَّبِّ وٱبتَهِجوا أَيُّها الأَبْرار، وهَلِّلوا يا مُستقيمي القُلوبِ أَجمَعين. هَلِّلوا لِلرَّبِّ أَيُّها الأَبْرار، فإِنَّ التَّسبيحَ يَجدُرُ بِالمُستَقيمين. إِحمَدوا الرَّبَّ بِالكِنَّارة، وٱعزِفوا له على عودٍ عُشارِيِّ الأَوتار. أَنشِدوا لَه نَشيدًا جَديدًا، أَحسِنوا العَزفَ مع الهُتاف. فإِنَّ كلِمةَ الرَّبِّ مُستَقيمة، وجَميعَ صُنعِه أَمانة. يُحِبُّ البِرَّ والحَقّ، ومِن رَحمَةِ الرَّبِّ ٱمتَلأَتِ الأَرض. بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَوات، وبِروحِ فَمِه صُنِعَ كُلُّ جَيشِها. يَجمَعُ مِياهَ البِحارِ وكأنَّها سَدّ، ويَجعَلُ الغِمارَ في أَحْواض. فلْتَخْشَ الرَّبَّ الأَرضُ كُلُّها، ولْيَهَبْه جَميعُ سُكَّانِ الدُّنْيا. إِنَّه قالَ فكان، وأَمَرَ فَوُجِد. الرَّبُّ يُحبِطُ مَساعِيَ الأُمَم، ويُبطِلُ أَفكارَ الشُّعوب. أَمَّا مَساعي الرَّبِّ فلِلأَبَدِ قائِمة، وأَفْكارُ قَلبِه مدى الأَجيالِ باقِيَة. طوبى لِلأُمَّةِ الَّتي كانَ لَها الرَّبُّ إِلٰهًا، ولِلشَّعبِ الَّذي ٱختارَه لَه ميراثًا. الرَّبُّ مِنَ السَّمَواتِ نَظَر، فرأَى جَميعَ بَني البَشَر. مِن مَقَرِّ سُكْناه راقَبَ سُكَّانَ الأَرضِ أَجمَعين. هو وَحدَه جابِلُ قُلوبِهم، ومُطَّلِعٌ على جَميعِ أَعْمالِهم. لا يَنجو المَلِكُ بِجَيشِه العَديد، ولا يُنقَذُ الجَبَّارُ بِبَأسِه الشَّديد. الفَرَسُ باطِلٌ لِلنَّجاة، وما بِقُوَّتِه العَظيمَةِ خَلاص. عَينُ الرَّبِّ على مَن يَتَّقونَه، على مَن يَرجونَ رَحمَتَه لِيُنقِذَ مِنَ المَوتِ نُفوسَهم، وفي الجوعِ يُحيِيَهم. تَنتَظِرُ الرَّبَّ نُفُوسُنا، فهو نُصرَتُنا وتُرسُنا. بِه تَفرَحُ قُلوبُنا، وعلى ٱسمِه القُدُّوسِ تَوَكَّلْنا. لِتَكُنْ عَلَينا يا رَبُّ رَحمَتُكَ، بِحَسَبِ رَجائِنا لَكَ. لِداود. حينَ تَظاهَرَ بِالجُنونِ أَمامَ أَبيمَلِك، فطَرَدَه فٱنصَرَف. أُبارِكُ الرَّبَّ في كُلِّ حين، وتَسبِحَتُه في فمي على الدَّوام. بِالرَّبِّ تَفتَخِرُ نَفْسي، لِيَسمَعِ الوُضَعاءُ ويَفرَحوا. عَظِّموا الرَّبَّ معي تَعْظيمًا، ولْنُشِدْ بِٱسمِه جَميعًا. إِلتَمَستُ الرَّبَّ فأَجابَني، ومِن جَميعِ أَهْوالي أَنقَذَني. تأَمَّلوا فيه تُشرِقْ جِباهُكم، ولا تَخْزَ وُجوهُكم. دَعا بائِسٌ والرَّبُّ سَمِعَه، ومِن جَميعِ مَضايِقِه خَلَّصَه. يُعَسكِرُ مَلاكُ الرَّبِّ حَولَ مُتَّقيه ويُنَجِّيهم. ذوقوا وٱنظُروا ما أَطيَبَ الرَّبَّ، طوبى لِلرَّجُلِ المُعتَصِمِ بِه. إِتَّقوا الرَّبَّ يا قِدِّيسيه، وما مِن شَيءٍ يُعوِزُ مُتَّقيه. الأَغنِياءُ ٱفتَقَروا وجاعوا، ومُلتَمِسو الرَّبِّ ما مِن خَيرٍ يُعوِزُهم. هَلُمُّوا أَيُّها البَنونَ ولِيَ ٱستَمِعوا، مَخافةَ الرَّبِّ أُعَلِّمُكم. مَن ذا الَّذي يَهْوى الحياة، ويُحِبُّ الأَيَّامَ لِيَرى فيها الخَيرات؟ مِنَ الشَّرِّ صُنْ لِسانَكَ، ومِن كَلامِ الغِشِّ شفَتَيكَ. جانِبِ الشَّرَّ وٱصنعِ الخَيرَ، وٱبتَغِ السَّلامَ وٱسْعَ إِلَيه. عَينا الرَّبِّ على الأَبْرار، وأُذُناه إِلى صُراخِهم. وَجهُ الرَّبِّ على صانِعي الشَّرّ، لِيَمحُوَ مِن الأَرضِ ذِكرَهم. - الأَبرارُ صَرَخوا والرَّبُّ سَمِعَهم، ومِن جَميعِ مَضايِقِهم أَنقَذَهم. الرَّبُّ قَريبٌ مِن مُنكَسِري القُلوب، ويُخَلِّصُ مُنسَحِقي الأَرْواح. البارُّ كثيرةٌ مَصائِبُه، والرَّبُّ مِن جَميعِها يُنقِذُه. يَحفَظُ عِظامَه كُلَّها، فلا يَنكَسِرُ واحِدٌ منها. الشِّرِّيرُ بِشَرِّه يَموت، ومُبغِضو البارِّ يُعاقَبون. يَفتَدي الرَّبُّ نُفوسَ عَبيدِه، وجَميعُ المُعتَصِمينَ بِه لا يُعاقَبون. لِداود. خاصِمْ يا رَبِّ مَن يُخاصِمُني، وقاتِلْ مَن يُقاتِلُني. خُذْ تُرْسًا ومِجنَبًا، وٱنهَضْ إِلى نُصْرَتي. إِسحَبْ رُمْحًا وحَربَةً على مُطارِدِيَّ، قُلْ لِنَفْسي: «أَنا خَلاصُكِ». لِيَخْزَ طالِبو نَفْسي ويَفتَضحوا، ولْيَرتَدَّ إِلى الوَراءِ مُضْمِرو الشَّرِّ لي ويَخجَلوا. لِيَكونوا كالعُصافةِ تُجاهَ الرِّيح، ولْيَدحَرْهم مَلاكُ الرَّبّ. لِيَكُنْ طَريقُهم ظُلمَةً ومَزلَقَةً، ولْيُطارِدْهم مَلاكُ الرَّبّ. فإِنَّهم بِلا سَبَبٍ نَصَبوا شِباكَهم لي، وبِلا سَبَبٍ حَفَروا هُوَّةً لِنَفْسي. يُدرِكُهمُ الهَلاكُ وهُم لا يَشعُرون، وتَصْطادُهمُ الشِّباكُ الَّتي نَصَبوها، وفي الهُوَّةِ يَقَعون. أَمَّا نَفْسي فبِالرَّبِّ تَبتَهِج، وبِخَلاصِه تَفرَح. جَميعُ عِظامي تَقول: «مَن مِثلُكَ أَيُّها الرَّبُّ، مُنقِذُ البائسِ مِمَّن هو أَقْوى مِنه، مُنقِذُ البائسِ والمِسْكينِ مِمَّن يَسلُبُهما؟». شُهودُ عُنفٍ عَلَيَّ يَقومون، وعَمَّا لا أَعلَمُ إِيَّايَ يَسأَلون. يُجازونَني عنِ الخَيرِ شَرًّا، فتُمْسي حَياتي عقيمة. وأَنا عِندَ مَرَضِهم كانَ لِباسي مِسْحًا، وكُنتُ بِالصَّومِ أُذَلِّلُ نَفْسي، وكانت صَلاتي إِلى باطني تَعود. وكُنتُ أَسلُكُ معَهم سُلوكي مع أَخٍ وصَديق، وكُنتُ مُطرِقًا في الحِداد، كمَن على أُمِّه يَنوح. أَمَّا هم فعِندَ زَلَّتي شَمِتوا وتَجَمَّعوا، غُرَباءُ تَجَمَّعوا عَلَيَّ ولم أَعلَمْ، مَزَّقوا ولم يَكُفُّوا. مع الفُجَّارِ يَسخَرون، وعلَيَّ الأَسنانَ يَصرِفون. يا سَيِّد، إِلامَ تَنظُرُ هذا؟ مِن مَفاسِدِهمِ ٱنتَشِلْ نَفْسي، ومِن بَينِ الأَشبالِ وَحيدتي. في جَماعةٍ عظيمةٍ أَحمَدُكَ، وفي شَعْبٍ كَثيرٍ أُسَبِّحُكَ. لا يَشمَتْ بي مَن يُعادوني ظُلْمًا، ولا يَتَغامَزْ علَيَّ مَن يُبغضونَني باطِلًا، فإِنَّهم بِالسَّلامِ لا يَتَكَلَّمون، وعلى الَّذينَ في الأَرضِ يُسالِمون، وكَلامَ مَكرٍ يُضمِرون، وعَلَيَّ فَغَروا أَفواهَهم قائِلين: «ها! ها! قد رأَت عُيونُنا». قد رأيتَ يا رَبُّ فلا تَسْكُتْ، يا سَيِّدُ فلا تَتَباعَدْ عنِّي. إِستَيْقِظْ وقُمْ لِحَقِّي، لِقَضِيَّتي يا إِلٰهي وسَيِّدي. إِقضِ لي بِحَسَبِ برِّكَ أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، فلا يَشمَتوا بي. لا يَقولوا في قُلوبِهم: «نِعِمَّا لِنُفوسِنا»، ولا يَقولوا: «لقَدِ ٱبتَلَعناه». لِيَخْزَ الشَّامِتونَ بِشَقائي ويَخْجلوا جَميعًا، ولِيَلْبَسِ المُتَعظِّمونَ علَيَّ الخِزيَ والعار. لِيُهَلِّلْ مَن يَهوَونَ بِرِّي ويَفرَحوا، ولْيَقولوا كُلَّ حين: «عَظيمٌ الرَّبُّ الَّذي يَهْوى سَلامَ عَبدِه». لِساني يُتَمتِمُ بِبِرِّكَ، والنَّهارَ كُلَّه بِتَسبِيحِكَ. لإمامِ الغِناء. لِعَبدِ الرَّبِّ داود. تُوَسوِسُ المَعصِيةُ لِلشِّرِّير في صَميمِ قَلبِه، فإِنَّ مَخافةَ اللهِ لَيسَت نُصبَ عَينَيه، لأَنَّه تَمَلَّقَ نَفسَه، حتَّى لا يَجِدَ إِثمَه مُمْقوتًا في عَينَيه. كَلامُ فمِه إِثمٌ وخِداع، وقد عَدَلَ عنِ التَّعَقُّلِ والإِحْسان. في الإِثمِ على مَضجَعِه يُفَكِّر، وفي طَريقٍ غيرِ صالحٍ يَقِف، وعنِ الشَّرِّ لا يُعرِضُ. يا رَبُّ في السَّماءِ رَحمَتُكَ، وإِلى الغُيومِ أَمانَتُكَ. مِثلُ جِبالِ اللهِ بِرُّكَ، وغَمْرٌ عَظيمٌ أَحْكامُكَ. وأَنتَ، يا رَبُّ، تُخَلِّصُ البَشَرَ والبَهائِم. اللَّهُمَّ ما أَثمَنَ رَحمَتَكَ! إِنَّ بَني آدَمَ يَعتَصِمونَ بِظِلِّ جَناحَيكَ. مِن دَسَمِ بَيتِكَ يَشبَعون، ومِن نَهرِ نَعيمِكِ تَسْقيهم، لأَنَّ يَنْبوعَ الحَياةِ عِندَكَ ونُعايِنُ النُّورَ بِنورِكَ. أَدِمْ رَحمَتَكَ لِمَن يَعرِفونَكَ، ولِلقُلوبِ المُستَقيمةِ بِرَّكَ. لا تَصِلْ إِلَيَّ قَدَمُ المُتَكَبِّر، ولا تَطرُدْني يَدُ الأَشْرار! هُناكَ سَقَطَ فَعَلَةُ الآثام، نُكِسوا ولم يَستَطيعوا القِيام. لِداود. على الأَشْرارِ لا تَستَشِطْ، ومِن فَعَلَةِ السُّوءِ لا تَغَرْ، فإِنَّهم كالعُشبِ سُرْعانَ ما يَذْوون، وكأَخضَرِ الكَلأُ يَذْبُلون. تَوَكَّلْ على الرَّبِّ ومارِسِ الإِحْسان، أُسكُنِ الأَرضَ وٱرعَ بِأَمان، ولْتَنعَمْ بِالرَّبِّ نَفسُكَ، فيُعطِيَكَ بُغيَةَ قَلبِكَ. فَوِّضْ إِلى الرَّبِّ طَريقَكَ، وتَوَكَّلْ علَيه، وهو يُدَبِّرُ أَمرَكَ. يُظهِرُ كالنُّورِ بِرَّكَ، وكالظَّهيرةِ حَقَّكَ. أُصمُتْ أَمامَ الرَّبِّ وٱنتَظِرْه. لا تَستَشِطْ على النَّاجِحِ في مَسْعاه، على الرَّجُلِ الَّذي يكيدُ مَكايِدَه. كُفَّ عنِ الغَضَبِ ودَعِ السُّخْطَ، لا تَسْتَشِطْ، فما هٰذا إِلاَّ سوء. فإِنَّ الأَشْرارَ يُستَأصَلون، وأَمَّا الَّذينَ يَرْجونَ الرَّبَّ فالأَرضَ يَرِثون. الشِّرِّيرُ عَمَّا قَليلٍ لا يَكون، تَبحَثُ عن مَكانِه فلا يَكون. أَمَّا الوُضَعاءُ فالأَرضَ يَرِثون، وبِسلامٍ وَفيرٍ يَنعَمون. الشِّرِّيرُ لِلبارِّ يَكيد، وعلَيه يَصرِفُ الأَسْنان. والسَّيِّدُ يَضحَكُ مِنه، وقَد رأى أَنَّ يَومَه آتٍ. قدِ ٱستَلَّ الأَشْرارُ السُّيوفَ وشَدُّوا الأَقْواس لِيَصرَعوا البائِسَ والمِسْكين، ويَذبَحوا ذَوي الطَّريقِ المُستَقيم. سُيوفُهم في قُلوبِهم تَجوز، وقِسِيُّهم تَنكَسِر. إِنَّ اليَسيرَ عِندَ الأَبْرار خَيرٌ مِن الوَفيرِ عِندَ الأَشْرار، لأَنَّ الأَشرارَ تَنكَسِرُ سَواعِدُهم، أَمَّا الأَبْرارُ فالرَّبُّ يَعضُدُهم. يَعرِفُ الرَّبُّ أَيَّامَ الكامِلين، وميراثُهم يَبْقى أَبَدَ الآبِدين. في زَمانِ السُّوءِ لا يَخزَون، وفي أَيَّامِ الجوعِ يَشبَعون. أَمَّا الأَشرارُ فيَهلِكون، أَعْداءُ الرَّبِّ كَنَضرَةِ المُروجِ يَتَلاشَون، كالدُّخانِ يَتَلاشَون. ل - يَستَقرِضُ الشِّرِّيرُ ولا يَفي، أَمَّا البارُّ فيَرأَفُ ويُعْطي. مَن يُبارِكُهم فالأَرضَ يَرِثون، ومَن يَلعَنُهم يُستَأصَلون. الرَّبُّ يُثَبِّتُ خَطَواتِ الإِنْسان، وعن طَريقِه يَرْضى إِذا سَقَطَ فلا يَبْقى صَريعًا، لأَنَّ الرَّبَّ آخِذٌ بِيَدِه. كُنتُ شابًّا وقد شِختُ، ولم أَرَ بارًّا مَتْروكًا، ولا نَسلَه يَلتَمِسُ خُبزًا. طَوالَ النَّهارِ يَرأَفُ ويُقرِض، ونَسلُه مُبارَك. جانِبِ الشَّرَّ وٱصنَعِ الخَيرَ، يَكُنْ لَكَ مَسكِنٌ لِلأَبَد. فإِنَّ الرَّبَّ يُحِبُّ الحقَّ، ولا يَترُكُ أَصفِياءَه. أَمَّا الأَثَمَةُ فِللأَبَدِ يَهلِكون، ونَسْلُ الأَشْرارِ يُستأصَلون والأَبْرارُ يَرِثونَ الأَرض، ويَسكُنونَها لِلأَبَد. فَمُ البارِّ بِالحِكمةِ يُتَمتِم، ولِسانُه بالحَقِّ يَنطِق. شَريعةُ إِلٰهِه في قَلبِه، فلا يَتَزَعزَعُ في خَطَواتِه. الشِّرِّيرُ يَتَرَصَّدُ البارَّ، ويَلتَمِسُ قَتلَه لٰكِنَّ الرَّبَّ لا يَترُكُه في يَدِه، وإِذا حوكِمَ لا يَدَعُه يُدان. أُرْجُ الرَّبَّ وٱحْفَظْ طَريقَه، يَرفَعْ شأنَكَ لِتَرِثَ الأَرض، وتَرَ الأَشرارَ يُستَأصَلون. رَأَيتُ الشِّرِّيرَ عاتِيًا، كأَرزِ لُبْنانَ مُرتَفِعًا. ثُمَّ مَرَرتُ فلَم يَكُن لَه أَثَر، وبَحَثتُ عنه فلم يَكُن لَه وُجود. راقِبِ الكامِلَ وٱنظُرْ إِلى المُستَقيم، فإِنَّ لِلمُسالِمِ ذُرِّيَّةً باقِيَة. أَمَّا العُصاةُ فكُلُّهم يُدَمَّرون، وذُرِّيَّةُ الأَشرارِ يُستَأْصَلون. مِنَ الرَّبِّ خَلاصُ الأَبْرار، هو حِصنٌ لَهم في أَوانِ الضِّيق. يَنصُرُهمُ الرَّبُّ ويُنَجِّيهم، مِنَ الأَشرارِ يُنَجِّيهم، ويُخَلِّصُهم لأَنَّهم بِه ٱعتَصَموا. مزمور. لِداود. لِلتَّذكير. يا رَبِّ بِسُخطِكَ لا تُوَبِّخْني، وبِغَضَبِكَ لا تُؤَدِّبْني، فإِنَّ سِهامَكَ عَلَيَّ هَوَت، ويَدَكَ علَيَّ سَقَطَت. مِن غَضَبِكَ لا صِحَّةَ في جَسَدي، ومِن خَطيئَتي لا سَلامَةَ في عِظامي. آثامي جاوَزَت رأسي، وثَقُلَت كحِمْلٍ أَثْقَلَ مِن طاقَتي. جُروحي أَنتَنَت وقاحَت، مِن جَرَّاءِ حَماقَتي. إِنحَنَيتُ جِدًّا وتَحَدَّبتُ، وبِالحِداد طَوالَ النَّهارِ مَشَيتُ. إِمتَلأَت كُلْيَتايَ ٱلتِهابًا، ولا صِحَّةَ في جَسَدي. وَهَنتُ جِدًّا وٱنسَحَقتُ، ومِن زَئيرِ قَلْبي زَمجَرتُ. أَيُّها السَّيِّد، بُغيَتي كُلُّها أَمامَكَ، وتَنَهُّدي لا يَخْفى علَيكَ. يَخفِقُ قَلْبي وقُوَّتي تُفارِقُني، وحتَّى نُورُ عَينَيَّ لم يَبقَ معي. وَقَفَ أَحِبَّائي ورِفاقي، مُتَنَحِّينَ عن ضَربَتي، ووَقَفَ بَعيدًا أَقارِبي طالِبو نَفْسي نَصَبوا الشِّباك، والمُلتَمِسونَ شَرِّي نَطَقوا بِالهَلاك، وتَمتَموا بِالمَكايِدِ طَوالَ النَّهار. أَمَّا أَنا فكالأَصَمِّ لا يَسمَع، وكالأَخرَسِ لا يَفتَحُ فاه، وكُنتُ كَمَن لا سَمعَ لَه، ولَيسَ مِن رَدٍّ في فَمِه. لأَنِّي إِيَّاكَ رَجَوتُ يا رَبِّ، وأَنتَ تُجيبُ أَيُّها السَّيِّدُ إِلٰهي، فإِنِّي قلتُ: «لا يَشمَتوا بي، وإِذا زَلَّت قَدَمي لا يَتَعَظَّموا علَيَّ». وأَنا قَريبٌ مِنَ الزَّلَل، ووَجَعي أَمامي في كُلِّ حين. وأُخْبِرُ بِإِثمي، وأَقلَقُ لِخَطيئَتي. مَن بِلا سَبَبٍ يُعادوني كَثيرون، ومَن ظُلْمًا يُبغِضوني عديدون، ومَن عنِ الخَيرِ بِالشَّرِّ جازَوني، ولأَنِّي أَسْعى إِلى الصَّلاحِ عادَوني. لا تَترُكْني أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، ولا تَتَباعَدْ عنِّي. أَسرِعْ إِلى نُصْرتي، أَيُّها السَّيِّدُ خَلاصي. لإمامِ الغِناء. ليَدوتون. مزمور. لِداود. قُلتُ: «إِنِّي أُحافِظُ على طُرُقي، لِئَلاَّ أَخطَأَ بِلِساني. أَحفَظُ كِمامةً على فَمي، ما دامَ الشِّرِّيرُ أَمامي». خَرِستُ ساكِتًا وصَمَتُّ، فهاجَ وَجَعي مِن نَجاحِه. تَوَهَّجَ قَلْبي في داخِلي، واتَّقَدَتِ النَّارُ فِيَّ مِن شِدَّةِ أَنيني، فأَطلَقتُ لِساني. يا رَبِّ، أَعلِمْني أَجَلي، وما طولُ أَيَّامي، فأَعرِفَ ما أَشَدَّ زَوالي. إِنَّكَ جَعَلتَ أَيَّامي أَشْبارًا، وعُمْري أَمامَكَ هَباءً. ما الإِنْسانُ القائِمُ إِلاَّ هَباء. وما الإِنسانُ السَّائِرُ إِلاَّ ظِلّ، وما الخَيراتُ الَّتي يُكَدِّسُها إِلاَّ هَباء، ولا يَدْري مَن يَجمَعُها. والآنَ فماذا أَنتَظِرُ أَيُّها السَّيِّد؟ ولا رَجاءَ لي إِلاَّ فيكَ. مِن جَميعِ مَعاصِيَّ أَنقِذْني، وعارًا لِلأَحمَقِ لا تَجعَلْني. لقَد خَرِستُ ولا أَفتَحُ فَمي، لأَنَّكَ أَنتَ الفَعَّال. إِصرِفْ عنِّي ضَرَباتِكَ، فقَد فَنِيتُ مِن بَطْشِ يَدِكَ. بِالتَّوبيخِ على الإِثْمِ أَدَّبتَ الإِنْسان، أَتلَفْتَ كالعُثِّ مُشْتَهاه، ما الإِنْسانُ إِلاَّ هَباء. إِستَمِعْ يا رَبِّ لِصَلاتي، وأَصغِ إِلى صُراخي، ولا تَسكُتْ عن دُموعي، فإِنِّي عِندَك ضَيفٌ، وكَجَميعِ آبائي مُقيم. إِصرِفْ طَرْفَكَ عنِّي فأَتَنَفَّس، قَبلَ أَن أَمضِيَ فلا أَكون. لإمامِ الغِناء. لداود. مزمور. رَجَوتُ الرَّبَّ رَجاءً، فحَنا علَيَّ وسَمِعَ صُراخي، وأَصعَدَني مِن هاوِيَة الهَلاك، ومِن طينِ الأَوحال، وأَقامَ على الصَّخرِ قَدَمَيَّ، وثَبَّتَ خَطَواتي. وجَعَلَ في فمي نَشيدًا جَديدًا، تَسْبِحةً لإلٰهِنا. يَرى الكَثيرونَ ويَرهَبون، وعلى الرَّبِّ يَتَّكِلون. طوبى لِلإِنْسانِ الَّذي جَعَلَ الرَّبَّ لَه وَكيلًا، ولم يَلتَفِتْ إِلى المُتَكَبِّرين، والمُنْحازينَ إِلى الكَذِب. ما أَكثَرَ ما صَنَعتَ، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي! لَنا عَجائِبُكَ وتَدابيرُكَ فما لَكَ مِن مَثيل. فلَو أَرَدتُ أن أُخبِرَ بِها وأَتَحَدَّث، لَكانَت أَكثَرَ مِن أن تُحْصى. ذَبيحةً وتَقدِمَةً لم تَشَأْ، لَكِنَّكَ فَتَحتَ أُذُنَيَّ، ولم تَطْلُبْ مُحرَقَةً وذَبيحَةَ خَطيئة. حينَئِذٍ قُلتُ: هاءَنَذا آتٍ، فقَد كُتِبَ علَيَّ في طَيِّ الكِتاب: هَوايَ أَن أَعمَلَ بِمَشيئَتِكَ يا أَلله، شَريعَتُكَ في صَميمِ أَحْشائي. قد بَشَّرتُ بِالبِرِّ في الجَماعةِ العَظيمة، ولم أَحبِسْ شَفَتَيَّ يا رَبِّ وأَنتَ العَليم. في صَميمِ قَلْبي لم أَكتُمْ بِرَّكَ، بل تَحَدَّثتُ بأَمانَتِكَ وخَلاصِكَ، وعنِ الجَماعةِ العَظيمة لم أُخْفِ رَحمَتَكَ وحَقَّكَ. وأَنتَ يا رَبِّ لا تَحبِسْ عنِّي مَراحِمَكَ، بل تَحفَظُني رَحمَتُكَ وحَقُّكَ على الدَّوام. شُرورٌ لا عَدَدَ لَها أَحاطَت بي، وآثامي أَدرَكَتْني فلَم أَستَطِعْ أَن أُبصِر، وصارَت أَكثَرَ مِن شَعَرِ رأسي، وقَلْبي قد هَجَرَني، إِرتَضِ يا رَبِّ وأَنقِذْني، أَسرِعْ يا رَبِّ إِلى نُصرَتي. لِيَخْزَ مَن يَطلُبونَ لِلهَلاكِ نَفْسي ويَخجَلوا، ومَن يَرغَبونَ في مَساءَتي لِيَرتَدُّوا إِلى الوَراءِ ويَفتَضِحوا. ومَن يَسخَرونَ مِنِّي ويَقولونَ: ها! ها! فلْيَندَهِشوا لِخِزْيِهم. لِيُسَرَّ بِكَ ويَفْرَحْ جَميعُ الَّذينَ يَلتَمِسونَكَ، ولْيَقُلْ دَومًا مُحِبُّو خَلاصِكَ: «تَعظَّمَ الرَّبّ». وأَنا بائِسٌ مِسْكين، السَّيِّدُ يَهتَمُّ لي. أَنتَ نُصرَتي ومُخَلِّصي، فلا تُبطِئْ يا إِلٰهي. لإمامِ الغِناء. مزمور. لِداود. طوبى لِمَن يُعْنى بِالضَّعيف، فالرَّبُّ في يَومِ السُّوءِ يُنقِذُه. الرَّبُّ يَحفَظُه ويُحْييه وفي الأَرضِ يُسعِدُه: فإِلى رَغبَةِ أَعدائِه لم تُسلِمْه. الرَّبُّ على سَريرِ الوَجَعِ يَعضُدُه. إِنَّكَ تُسَوِّي فِراشَ أَسْقامِه. أنا قُلتُ: «يا رَبِّ ٱرحَمْني، وٱشْفِ نَفْسي فإِنِّي إِلَيكَ خَطِئتُ». أَعْدائي بِالشَّرِّ علَيَّ يَتَكَلَّمون: «مَتى يَموتُ وٱسمُه يَبيد؟» إِن دَخَلَ أَحَدٌ لِيَراني تَكَلَّمَ بِالباطِل، وقَلبُه يَجمَعُ فَوقَ الإِثْمِ إِثْمًا، ثمَّ يَخْرُجُ ولا يَكُفُّ عنِ الكَلام. جَميعُ مُبغِضيَّ علَيَّ يَتَهامَسون، والشَّرَّ لي يُضمِرون: «مَرَضٌ خَبيثٌ سَرى فيه، أَمَّا وقدِ ٱضَّجَعَ فلَن يَقوم». وحتَّى صَديقي الحَميمُ الَّذي ٱتَّكَلْتُ علَيه، فأَكَلَ خُبْزي، هو رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَه. وأَنتَ يا رَبِّ ٱرحَمْني، وأَقِمْني فأَجزِيَهم. بِهٰذا أَعلَمُ أَنَّ هَواكَ فِيَّ، أَن لا يَشمَتَ بي عَدُوِّي. إِنَّكَ في سَلامَتي أَيَّدتَني، وأَمامَكَ لِلأَبَدِ ثَبَّتَّني. تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، مُنذُ الأَزَلِ ولِلأَبَد. آمين ثُمَّ آمين. لإمامِ الغِناء. تَعليم. لِبَني قورح. كما يَشْتاقُ الأَيِّلُ إِلى مَجاري المِياه، كذٰلِكَ تَشْتاقُ نَفْسي إِلَيكَ يا أَلله. ظَمِئَت نَفْسي إِلى الله، إِلى الإلٰهِ الحَيّ. متى آتي وأَحضُرُ أَمامَ الله؟ قد كانَ لي دَمْعي خُبزًا نَهارًا ولَيلًا، إِذ قيلَ لي طولَ يَومي: «أَينَ إِلٰهُك؟» أَذكُرُ هٰذا فأُفيضُ نَفْسي علَيَّ: إِنِّي أَعبُرُ مع الجُمْهورِ وأَقصِدُ بِهِم بَيتَ الله، بِصَوتِ تَهْليلِ وحَمْدِ المُعَيِّدين. لِماذا تَكتَئِبينَ يا نَفْسي وعلَيَّ تنوحين؟ إِرتَجي اللهَ فإِنِّي سأَعودُ أَحمَدُه، وهو خَلاصُ وَجْهي وإِلٰهي. تَكتَئِبُ نَفسي فِيَّ فلِذٰلِكَ أَذْكُرُكَ: مِن أَرضِ الأُردُنِّ وجِبالِ حَرْمون، مِن جَبَلِ مِصْعار. غَمْرٌ يُنادي غَمْرًا على صَوتِ شَلاَّلاتِكَ، جَميعُ مِياهِكَ وأَمواجِكَ قد جازَت علَيَّ. في النَّهارِ يأمُرُ الرَّبُّ رَحمَتَه، وفي اللَّيلِ نَشيدُه عِنْدي صَلاةٌ لإلٰهِ حَياتي. أَقولُ للهِ صَخرَتي: «لِمَاذا نَسيتَني، ولِمَاذا أَسيرُ بالحِدادِ مِن مُضايَقَةِ العَدُوّ؟». عِندَ تَرَضُّضِ عِظامي عَيَّرَني مُضايِقِيَّ، بِقَولِهم لِيَ النَّهارَ كُلَّه: «أَينَ إِلٰهُكَ؟» لِماذا تَكتئِبينَ يا نَفْسي وعَلَيَّ تنوحين؟ إِرتَجي اللهَ فإِنِّي سأعودُ أَحمَدُه، وهو خَلاصُ وَجْهي وإِلٰهي. أَللَّهُمَّ أَنصِفْني ودافِعْ عن قَضِيَّتي مع قَوْمٍ غَيرِ أَصفِياء، ومِن صاحِبِ الكَيدِ والإِثْمِ نَجِّني. فإِنَّكَ أَنتَ إِلٰهُ حِصْني، فلِماذا نَبَذتَني؟ ولِماذا أَسيرُ بِالحِدادِ مِن مُضايَقَةِ الأَعْداء؟ أَرسِلْ نورَكَ وحَقَّكَ فهما يَهدِياني إِلى جَبَلِ قُدسِكَ وإِلى مَساكِنِكَ يوصِلاني. فأَدخُلُ إِلى مَذبَحِ الله، إِلى إِلٰهِ فَرَحي وٱبتِهاجي، وبِالكِنَّارةِ أَحمَدُكَ يا أَللهُ إِلٰهي. لِماذا تَكتَئِبينَ يا نَفْسي وعلَيَّ تَنوحين؟ إِرتَجي اللهَ فإِنِّي سأَعودُ أَحمَدُه، وهو خَلاصُ وَجْهي وإِلٰهي. لإمامِ الغِناء. لِبَني قورَح. تعليم. أَللَّهُمَّ، سمِعْنا بآذانِنا، وحَدَّثَنا آباؤُنا بِالعَمَلِ الَّذي عَمِلتَه في أَيَّامِهم، في الأَيَّامِ القَديمة، بِيَدِكَ أَنتَ. حَرَمتَ أُمَمًا ميراثَهم لِتَغرِسَهم، وأَسأتَ إِلى شُعوبٍ لِتُوَسِّعَهم، إِذ لا بِسَيفِهم وَرِثوا الأَرضَ، ولا ذِراعُهم نَصَرَتهم، بل يَمينُكَ وذِراعُكَ ونورُ وَجهِكَ، لأَنَّكَ رَضيتَ عنهم. أَنتَ مَلِكي، يا إِلٰهي، فمُرْ بِٱنتِصاراتِ يَعْقوب. بِكَ نَدحَرُ مُضايِقينا، وبِٱسمِكَ نَدوسُ القائِمينَ علَينا. فإِنِّي لَستُ على قَوسي أَعتَمِدُ، ولا بِسَيفي أَنتَصِر، بل أَنتَ الَّذي تَنصُرُنا على مُضايِقينا، وتُخْزي مُبغِضينا. باللهِ هَلِّلْنا طَوالَ النَّهار، وٱسمَكَ نَحمَدُ على الدَّوام. لَكِنَّكَ نَبَذتَنا وأَخزَيتَنا، ولم تَعُدْ تَخرُجُ وجُيوشَنا. تَرُدُّنا مِن وَجهِ المُضايِقِ على أَعْقابِنا، ومُبغِضونا يسلِبونَ على هَواهم. كالغَنَمِ مأكَلًا تُسلِمُنا، وبَينَ الأُمَمِ شتَّتَّنا. تَبيعُ شَعبَكَ بِلا مال، وفي ثَمَنِهم لَم تَربَحْ. تَجعَلُنا عارًا لِجيرانِنا، هُزُؤًا وسُخرِيَّةً لِمَن حَولَنا. تَجعَلُنا مَثَلًا في الأُمَم، هَزَّ رُؤُوسٍ في الشُّعوب. عاري طولَ النَّهارِ أَمامي، والخَجَلُ يُغَطِّي وَجْهي مِن صَوتِ الشَّاتِمِ والمُجَدِّف، ومِن وَجهِ العَدُوِّ والمُنتَقِم. هٰذا كُلُّه حَلَّ بِنا، وما نَسيناكَ ولا نَقَضنا عَهدَكَ. لم تَرتَدَّ إِلى الوَراءِ قُلوبُنا، ولا حادَت عن سَبيلِكَ خَطَواتُنا، ومع ذٰلِكَ ففي مَقَرِّ بَناتِ آوى حَطَّمتَنا، وبِالظُّلُماتِ لَفَفتَنا. لو نَسينا ٱسمَ إِلٰهِنا، وإِلى إِلٰهٍ غَريبٍ بَسَطْنا أَكُفَّنا أَلم يَكُنِ اللهُ قد عَلِمَ بِذٰلِكَ، وهُو العالِمُ بِخَفايا القُلوب؟ إِنَّنا مِن أَجلِكَ نُماتُ طَوالَ النَّهار، ونُعَدُّ غَنَمًا لِلذَّبْح. قُمْ أَيُّها السَّيِّد، لِماذا تَنامُ؟ إِستَيقِظْ ولا تَنْبِذْ على الدَّوام. لِماذا تَحجُبُ وَجهَكَ، وتَنْسى بُؤسَنا وضيقَنا؟ فإِنَّ نُفوسَنا بِالتُّرابِ تَمَرَّغَت، وبُطونَنا بِالأَرضِ لَصِقَت. فقُم لِنُصرَتِنا، ومِن أَجلِ رَحمَتِكَ ٱفتَدِنا. لإمامِ الغِناء. على لَحْن السُّوسَن. لِبَني قورَح. تَعْليم. نَشيد حُبّ. جاشَ قَلْبي بِطَيِّبِ الكَلام، لَأُحَدِّثَنَّ المَلِكَ بِأَعْمالي. لِساني قَلَمُ كاتِبٍ رَشيق. إِنَّكَ أَجمَلُ بني آدم، والظَّرفُ على شَفَتَيكَ ٱنسَكَب. فلِذٰلِكَ بارَكَكَ اللهُ لِلأَبَد. تَقَلَّدْ سَيفَكَ على جَنبِكَ أَيُّها الجَبَّار، بِالجَلالِ والبَهاءِ سِرْ وٱركَبْ، في سَبيلِ الحَقِّ والدَّعةِ والبِرّ. أُشدُدْ قَوسَكَ يَجعَلْ يُمْناكَ مُخيفة، نِبالُكَ مَسْنونةٌ وشُعوبٌ تحتَكَ يَسقُطون، وأَعْداءُ المَلِكِ تَنخَلِعُ قُلوبُهم. عَرشُكَ يا اللهُ أَبَدَ الدُّهور، وصَولَجانُ مُلكِكَ صَولَجانُ ٱستِقامة. أَحبَبتَ البِرَّ وأَبغَضتَ الشَّرّ. لِذٰلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلٰهُكَ، بِزَيتِ ٱلابتِهاجِ دونَ أَصْحابِكَ. ثِيابُكَ كُلُّها مُرٌّ وعودٌ وصَبْر. مِن قُصورِ العاجِ تُطرِبُكَ الأَوتار. مِن بَينِ كَرائِمِكَ بَناتُ المُلوك، قامَت مَلِكَةٌ عن يَمينِكَ بِذَهَبِ أُوفير إِسمَعي يا بِنتُ وٱنظُري وأَميلي أُذُنَكِ، إِنسَي شَعبَكِ وبَيتَ أَبيكِ فيَصْبُوَ المَلِكُ إِلى حُسنِكِ. إِنَّه سَيِّدُكِ فلَه ٱسجُدي. وبِنتُ صورَ وأَغنياءُ الشَّعْبِ يستَعطِفونَ بِالهَدايا وَجهَكِ. بِنتُ المَلِكِ لِباسُها مِن نَسائِجِ الذَّهَب، تُزَفُّ إِلى المَلِكِ إِلى الدَّاخِل وفي إِثْرِها عَذارى. وصَائِفُها يُحضَرنَ إِلَيكَ. يُزفَفْنَ بِفَرَحٍ وٱبتِهاج، ويَدخُلْنَ إِلى قَصرِ المَلِك. يَكونُ بَنوكَ عِوَضًا مِن آبائِكَ، تُقيمُهم رُؤساءَ على الأَرضِ كُلِّها. سأَذكُرُ ٱسمَكَ مِن جيلٍ إلى جيل، لِذٰلك تَحمَدُكَ الشُّعوبُ أَبَدَ الدُّهور. لإمامِ الغِناء. لِبَني قورَح. على لَحْن «العَذارى». نشيد. أَللهُ مُعتَصَمٌ لَنا وعِزَّةٌ، نُصرَةٌ نَجِدُها دائمًا في المَضايِق. لِذٰلك لا نَخْشى إِذا الأَرضُ تَقَلَّبَت، والجِبالُ في جَوفِ البِحارِ تَزَعزَعَت، إِذا عَجَّت مِياهُها وجاشَت، والجِبالُ بِطُمُوِّها رَجَفَت (رَبُّ القُوَّاتِ مَعَنا، إِلٰهُ يَعْقوبَ حِصْنٌ لَنا). هُناكَ نَهرٌ فُروعُه تُفرِحُ مَدينةَ الله، أَقدَسَ مَساكِنِ العَلِيّ. أَللهُ في وَسَطِها فلَن تَتَزَعزَع، أَللهُ عِندَ ٱنبِثاقِ الصُّبحِ يَنصُرُها. الأُمَمُ ضَجَّت والمَمالِكُ زُعزِعَت، فرَفَعَ صَوتَه والأَرضُ ٱنحَلَّت. رَبُّ القُوَّاتِ مَعَنا، إِلٰهُ يَعقوبَ حِصْنٌ لَنا. هَلُمُّوا فٱنظُروا أَعمالَ الرَّبِّ، مَن يُقيمُ في الأَرضِ ذُهولًا. يُزيلُ الحُروبَ حتَّى مِن أَقاصي الأَرض، يُحَطِّمُ الأَقْواسَ ويُكَسِّرُ الرِّماح، ويُحرِقُ التُّروسَ بِالنَّار. كُفُّوا وٱعلَموا أَنِّي أَنا الله، المُتَعالي على الأُمَمِ، المُتَعالي على الأَرض. رَبُّ القُوَّاتِ مَعَنا، إِلٰهُ يَعْقوبَ حِصْنٌ لَنا. لإمامِ الغِناء. لِبَني قورَح. مزمور. صَفِّقي بِالأَيدي يا جَميعَ الشُّعوب، إِهتِفي للهِ بِصَوتِ التَّهْليل، فإِنَّ الرَّبَّ عَلِيٌّ رَهيب، على جَميعِ الأَرضِ مَلِكٌ عَظيم، يُخضِعُ الشُّعوبَ تَحتَنا، والأُمَمَ تَحتَ أَقْدامِنا. إِختارَ لَنا ميراثَنا، فَخرَ يَعْقوبَ الَّذي أَحبَّه. صَعِدَ اللهُ بِالهُتاف، أَلرَّبُّ بِصَوتِ البوق. إِعزِفوا لإلٰهِنا ٱعزِفوا، إِعزِفوا لِمَلِكِنا ٱعزِفوا. فإِنَّ اللهَ مَلِكُ الأَرضِ كُلِّها. إِعزِفوا لَه بِمَهارة. أَللهُ على الأُمَمِ مَلَك، أَللهُ على عَرشِ قُدْسِه جَلَس. إِجتَمَعَ أَشرافُ الشُّعوب: هم شَعبُ إِلٰهِ إِبْراهيم، لأَنَّ للهِ تُروسَ الأَرضِ، وهو المُتَعالي جِدًّا. نَشيد. مزمور. لِبَني قورَح. الرَّبُّ عَظيمٌ وجَديرٌ بِالتَّسبيحِ الكَثير، في مَدينَةِ إِلٰهِنا، جَبَلِ قُدسِه، البَهِيِّ الطَّلعَة، بَهجةِ الأَرضِ كُلِّها. جَبَلُ صِهْيونَ، أَقاصي الشَّمال، مَدينةُ المَلِكِ العظيم. أَللهُ في قُصورِها، أَظهَرَ نَفسَه حِصْنًا. هُوَذا المُلوكُ قد تَحالَفوا، ومُجتَمِعين زَحَفوا. رأَوا فبُهِتوا، ذُعِروا فهَرَبوا. أَخَذتهم هُناكَ الرِّعدَة، كما يأخُذُ المَخاضُ الوالِدَة. كأَنَّها ريحٌ شَرقِيَّة، تُحَطِّمُ سُفُنَ تَرْشيش. كَما سَمِعْنا، كذٰلِكَ رأَينا، في مَدينةِ رَبِّ القُوَّات، في مدينةِ إِلٰهِنا. إِنَّ اللهَ يُوَطِّدُها لِلأَبَد. أَللَّهُمَّ تَأَمَّلنا في رَحمَتِكَ، في وَسَطِ هَيكَلِكَ. تَسبِحَتُكَ يا أَللهُ مِثلُ ٱسمِكَ، تَبلُغُ أَقاصِيَ أَرضِكَ. يَمينُكَ مَمْلوءَةٌ بِرًّا. جَبَلُ صِهْيونَ يَفْرَح، وبَناتُ يَهوذا تَبتَهِج، مِن أَجلِ أَحْكامِكَ. طوفوا بِصِهْيونَ ودوروا حَولَها، وٱحْصوا بُروجَها. عَلِّقوا قُلوبَكم بِأَسْوارِها، وتأَمَّلوا في قُصورِها. لِتُخبِروا الأَجْيالَ القادِمة، بِأَنَّ اللهَ هو إِلٰهُنا، مَدى الدَّهْرِ ولِلأَبَد، وهو يُرشِدُنا أَبَدَ الدُّهور. لإمامِ الغِناء. لِبَني قورَح. مزمور. إِسمَعوا هٰذا يا جَميعَ الشُّعوب، أَصْغوا يا جَميعَ سُكَّانِ العالَم. يا بَني العامَّةِ ويا بَني الخاصَّة، الغَنِيَّ والفَقيرَ على السَّواء. إِنَّ فَمي يَنطِقُ بِالحِكمة، وقَلْبي يُتَمتِمُ بِمَا يُعقَل. أَميلُ أُذُني إِلى المَثَل، وأَحُلُّ بِالكِنَّارةِ لُغْزي. لِماذا أَخافُ في أَيَّامِ السُّوء؟ الإِثْمُ يَتَعَقَّبُني ويُحيطُ بي: إِنَّهم على ثَروَتِهم يَتَّكِلون، وبِوَفرَةِ غِناهم يَفتَخِرون. لا يَفتَدي أَخٌ أَخاه، ولا يُعطي اللهَ فِداه: فِديَةُ نُفوسِهم باهِظة، وهي لِلأَبَدِ ناقِصَة. أَفبَعدَ ذٰلِكَ لِلأَبَدِ يَحْيا، والهُوَّةَ لا يَرى؟ بل يَرى الحُكَماءَ يَموتون، الجاهِلَ والغَبِيَّ كِلاهُما يَهلِكان، فيَترُكانِ ثَروَتَهما لِلآخَرين. قُبورُهم لِلأَبَدِ بُيوتُهم، وهي مِن جيلٍ إلى جيلٍ مَساكِنُهم، وبِأَسْمائِهم دَعَوا أَراضِيَهم. الإِنسانُ في التَّرَفِ لا يَفهَم، بل يُشبِهُ البَهائمَ العَجْماء، تِلكَ طريقُ المُعتَدِّينَ بِأَنفُسِهم، وعاقِبَةُ الرَّاضينَ بِمَصيرِهم. كالغَنَمِ تُرِكوا في مَثْوى الأَمْوات، والمَوتُ يَرْعاهم، والمُستَقيمونَ يَسودونَهم. في الصَّباحِ تَتَلاشى صورَتُهم، ومَثْوى الأَمواتِ سُكْناهم. لٰكِنَّ اللهَ يَفْتَدي نَفْسي، مِن يَدِ مَثْوى الأَمواتِ يأخُذُني. لا تَخَفْ إِذا ٱغتَنى الإِنْسان، وٱزدادَ بَيتُه مَجدًا، فإِنَّه إِذا ماتَ لا يأخُذُ شَيئًا، ولا يَنزِلُ مَجدُه وَراءَه. ونَفسُه الَّتي في حَياتِه بارَكَها - وتُحمَدُ أَنتَ على إِحسانِكَ إِلى نَفْسِكَ - تَنضَمُّ إِلى جيلِ آبائِه الَّذينَ لَن يَرَوا النُّورَ أَبَدًا. أَلإنسانُ في التَّرَفِ لا يَفْهَم، بل يُشبِهُ البَهائِمَ العَجْماء. مزمور. لِآساف. تَكَلَّمَ الرَّبُّ إِلٰهُ الآلِهَة، ودَعا الأَرضَ مِن مَشرِقِ الشَّمسِ إِلى مَغرِبِها، مِن صِهْيونَ كامِلَةِ الجَمالِ أَللهُ سَطَع، إِلٰهُنا يأتي ولا يَصمُت. قُدَّامَه نارٌ آكِلَة، وحَولَه عاصِفَةٌ شَديدة. يُنادي السَّماءَ مِن فَوقُ، والأَرضُ لِيَدينَ شَعبَه: «إِجمَعوا لي أَصْفِيائي، الَّذينَ بالذَّبيحةِ قَطَعوا عَهْدي». السَّمَواتُ تُخبِرُ بِعَدلِه، لأَنَّ اللهَ هو الدَّيَّان. «إِسمَعْ يا شَعْبي فأُكَلِّمَكَ، يا إِسْرائيلُ فأَشهَدَ علَيكَ. إِنِّي أَنا اللهُ إِلٰهُكَ. على ذَبائِحِكَ لا أُوَبِّخُكَ، وأَمامي في كُلِّ حينٍ مُحرَقاتُكَ. لا آخُذُ عِجلًا مِن بَيتِكَ، ولا تُيوسًا من حَظائِرِكَ. فإِنَّ لي جَميعَ وُحوشِ الغاب، وأُلوفَ البَهائِمِ الَّتي في الجِبال. أَعرِفُ جَميعَ طُيورِ السَّماء، ولي حَيَوانُ الحُقول. إِن جُعتُ فلا أُخبِرُكَ، فإِنَّ لِيَ الدُّنْيا وما فيها. وهل أَنا مِن لَحمِ الثِّيرانِ آكِل وهل أَنا لِدَمِ التُّيوسِ شارِب؟ إِذْبَحْ للهِ ذَبيحَةَ حَمْدٍ، وأَوفِ العَلِيَّ نُذورَكَ، يَومَ الضِّيقِ أدعُني، فأُنَجِّيَكَ وتُمَجِّدَني». أَمَّا الشِّرِّيرُ فاللهُ يَقولُ لَه: «ما لَكَ تُحَدِّثُ بِفَرائِضي، وعلى لِسانِكَ تَجعَلُ عَهْدي، وأَنتَ قد أَبغَضتَ التَّأديبَ، ونَبَذتَ كَلامي وَراءَكَ؟ إِذا رأَيتَ سارِقًا رَكَضتَ معَه، ومع الزُّناةِ نَصيبُكَ. أَطلَقتَ فَمَكَ لِلشَّرِّ، ولِسانُكَ يَحوكُ الخِداع. جَلَستَ فَتَكَلَّمتَ على أَخيكَ، وشوَّهتَ سُمعَةَ ٱبنِ أُمِّكَ. صَنَعتَ هٰذا أَفأَسكُت؟ أَتَظُنُّ أَنِّي مِثلُكَ؟ لَأُوَبِّخَنَّكَ وأَضعَنَّ كُلَّ شيءٍ نُصْبَ عَينَيكَ. إِفهَموا إِذًا يا مَن نَسوا الله، لِئَلاَّ أَفتَرِسَ ولا مُنقِذ. مَن يُقَرِّبُ ذَبيحَةَ الحَمْدِ يُمَجِّدُني، ومَنِ ٱستَقامَ طَريقُه أُريه خَلاصَ الله». لإمامِ الغِناء. مزمور لِداود. عندما أَتاه ناتانُ النَّبِيّ بِسَبَبِ دُخولِه على بَتشابَع. إِرحَمْني يا أَللهُ بِحَسَبِ رَحمَتِكَ، وبِكَثرَةِ رأفَتِكَ ٱمْحُ مَعاصِيَّ. زِدْني غُسْلًا مِن إِثْمي، ومِن خَطيئَتي طَهِّرْني. فإِنِّي عالِمٌ بِمَعاصِيَّ، وخَطيئَتي أَمامي في كُلِّ حين. إِلَيكَ وَحدَكَ خَطِئتُ، والشَّرَّ أَمامَ عَينَيكَ صَنَعتُ. فتَكونُ عادِلًا إِذا تَكَلَّمتَ، وتكونُ نَزيهًا إِذا قَضَيتَ. إِنِّي في الإِثْمِ وُلِدتُ، وفي الخَطيئةِ حَبِلَت بي أُمِّي. أَحبَبتَ الحقَّ في أَعْماقِ النَّفْس، وعَلَّمتَني الحِكمَةَ في الخِفْيَة. نَقِّني بِالزُّوفى فأَطهُر، إِغسِلْني فأَفوقَ الثَّلجَ بَياضًا. أَسمِعْني سُرورًا وفَرَحًا، فتَبتَهِجَ العِظامُ الَّتي حَطَّمتَها. أُحجُبْ وَجهَكَ عن خَطايايَ، وٱمحُ جَميعَ آثامي. قَلبًا طاهِرًا ٱخلُقْ فِيَّ يا أَلله، ورُوحًا ثابِتًا جَدِّد في باطِني. مِن أَمامِ وَجهِكَ لا تَطرَحْني، وروحُكَ القُدُّوسُ لا تَنزِعْه مِنِّي. أُردُدْ لي سُرورَ خَلاصِكَ، فيُؤَيِّدَني روحٌ كَريم. أُعَلِّمُ العُصاةَ طُرُقَك فيَتوبُ إِلَيكَ الخاطِئون. أَنقِذْني مِنَ الدِّماءِ يا أَللهُ إِلٰهُ خَلاصي، فيَهتِفَ لِساني بِبِرِّكَ. أَيُّها السَّيِّدُ ٱفتَحْ شَفَتَيَّ، فيُخبِرَ فَمي بِتَسبِحَتِكَ. فإِنَّكَ لا تَهْوى الذَّبيحة، وإِذا قَرَّبتُ مُحرَقةً فلا تَرتَضي بِها. إِنَّما الذَّبيحةُ للهِ روحٌ مُنكَسِر، القَلبُ المُنكَسِرُ المُنسَحِقُ لا تَزْدَريه يا أَلله. أَحسِنْ بِرِضاكَ إِلى صِهْيون، فٱبنِ أَسوارَ أُورَشَليم. حينَئذٍ تَرْضى بِذَبائحِ البِرِّ - بالمُحرَقَةِ والتَّقدِمةِ التَّامَّة - حينَئذٍ يُقَرِّبونَ على مَذبَحِكَ العُجول. لإمامِ الغِناء. تعليم. لِداود. عِندَما جاءَ دوئيجُ الأَدومِيُّ وأَخبَرَ شاوُلَ وقالَ له: «قد أَتى داودُ إِلى بَيتِ أَحيمَلِك». لِمَ تَفتَخِرُ بِالشَّرِّ يا جَبَّارَ العار، والنَّهارَ كُلَّه تُضمِرُ الدَّمار؟ لِسانُكَ كالموسى المَسْنونة، أَيُّها العامِلُ بِالخِداع. الشَّرُّ أَحَبُّ إِلَيكَ مِنَ الخَير، والكَذِبُ مِنَ التَّكَلُّمِ بِالصِّدْق. تُحِبُّ كُلَّ كَلامٍ نَهَّاش، أَيُّها اللِّسانُ الخَدَّاع. لِذا فاللهُ لِلأَبَدِ يُدَمِّرُكَ، يَقْبِضُ علَيكَ ومِنَ الخَيمَةِ يَقتَلِعُكَ، ومِن أَرضِ الأَحْياءِ يَستَأصِلُكَ. فيَرى الأَبْرارُ ويَخافون، وعلَيه يَضحَكون: «هٰذا الَّذي لم يَتَّخِذِ اللهَ حِصْنًا، بل على كَثرَةِ غِناهُ ٱتَّكَل، وبِجَرائِمِه ٱعتَزَّ». أَمَّا أَنا فكالزَّيتونةِ الغَضَّةِ في بَيتِ الله على رَحمَةِ اللهِ تَوَكَّلتُ مدى الدَّهرِ ولِلأَبَد. لِلأَبَدِ أَحمَدُكَ لأَنَّكَ فَعَلتَ، وأَرْجو ٱسمَكَ لأَنَّه صالِحٌ لَدى أَصفِيائِكَ. لإمامِ الغِناء. لِلمَرَض. تعليم. لِداود. قالَ الجاهِلُ في قَلبِه: «لَيسَ إِلٰه». فسَدَت أَعمالُهم وقَبُحَت، ولَيسَ مَن يَصنَعُ الصَّالِحات. أَطَلَّ اللهُ مِنَ السَّماءِ على بَني آدَم، لِيَرى هل مِن عاقِلٍ يَلتَمِسُ الله. قدِ ٱرتَدُّوا جَميعًا فَفَسَدوا، ولَيسَ مَن يَصنَعُ الصَّالِحاتِ ولا واحدِ. أَلا يَدْري فَعَلَةُ الإِثْمِ الَّذينَ يأكُلونَ شَعْبي، كما يُؤكَلُ الخُبزُ ولا يَدْعونَ الله؟ هُناكَ يَرتَعِبونَ رُعْبًا حَيثُ لا رُعْبٌ، لأَنَّ اللهَ يُبَدِّدُ عِظامَ مُحاصِرِكَ. لقَد أَخزَيْتَهم لأَنَّ اللهَ نَبَذَهم. مَنِ الَّذي يأتي مِن صِهْيونَ بِالخَلاصِ لإسْرائيل؟ حينَ يَرُدُّ اللهُ أَسْرى شَعبِه، يَبتَهِجُ يَعْقوبُ ويَفرَحُ إِسْرائيل. لإمامِ الغِناء. على ذَواتِ الأَوتار. تعليم. لِداود. عِندَما أَتى الزِّلفِيُّونَ وقالوا لِشاوُل: «أَلَم يَختَبِئْ داودُ عِندَنا»؟ أَللَّهُمَّ بِٱسمِكَ خَلِّصْني، وبِجَبَروتِكَ أَنصِفْني. أَللَّهُمَّ ٱستَمِعْ لِصَلاتي، وأَصغِ إِلى أَقْوالِ فَمي. فإِنَّ غُرَباءَ قاموا عَلَيَّ، وأَشِدَّاءَ طَلَبوا نَفْسي. لم يَجعَلوا اللهَ أَمامَهم. ها إِنَّ اللهَ يَنصُرُني، والسَّيِّدَ مع الَّذينَ يُسانِدونَ نَفْسي. لِيَرتَدَّ الشَّرُّ على مَن يَتَرَصَّدونَ لي، وبِحَقِّكَ يا رَبِّ دَمِّرْهم. عَن طيبِ خاطِرٍ أُقَرِّبُ لَكَ الذَّبائِح، وأَحمَدُ ٱسمَكَ لأَنَّه صالِح فإِنَّه مِن كُلِّ ضيقٍ أَنقَذَني، وعَيني شَمِتَت بِأَعْدائي. لإمامِ الغِناء. على ذَواتِ الأَوتار. تعليم. لِداود. أَللَّهُمَّ أَصْغِ إِلى صَلاتي، ولا تَحتَجِبْ عن تَضَرُّعي. أَصْغِ إِلَيَّ وٱستَجِبْ لي، فإِنِّي أَهْذي في شَكْوايَ. وأَئِنُّ مِن صَرخَةِ الأَعْداء ومِن صَيحةِ الأَشْرار، لأَنَّهم يُلْقونَ علَيَّ الآثام وبِغَضَبٍ يَضطَهِدونَني. يَتَلَوَّى قَلْبي في باطِني وأَهْوالُ المَوتِ تَتَساقَطُ علَيَّ. تَمَلَّكَني الخَوفُ والرِّعدَة وغَمَرَني الارتِعاش. فقُلتُ: «مَن لي بِجَناحٍ كالحَمامة فأَطيرَ وأَحُطَّ؟» حينَئِذٍ أَبتَعِدُ هارِبًا وفي البَرِّيَّةِ أَبيت. أُسرِعُ فأَجِدُ لي مَلجَأً مِنَ الرِّيحِ المُقتَلِعَةِ ومِنَ الزَّوبَعة. بَلبِلْ أَيُّها السَّيِّدُ أَلسِنَتَهم وفَرِّقْها، فقَد رأَيتُ العُنفَ والخِصامَ في المَدينة يَحومانِ فَوقَ أَسْوارِها لَيلَ نَهار، وفي وَسَطِها الإِثْمُ والشَّقاء. الدَّمارُ في داخِلِها والظُّلْمُ والمَكرُ لا يَبرَحانِ ساحَتَها. لَو أَنَّ عَدُوًّا عَيَّرني لِٱحتَمَلتُه، ولَو أَنَّ مُبْغِضي تَعاظَمَ عَليَّ لَتوارَيتُ عنه. ولَكِنَّكَ أَنتَ، يا نِدِّي وأَليفي وأَنيسي، يا مَن تَربِطُني بِه أَحْلى مُعاشَرة حين كُنَّا مَعًا في بَيتِ اللهِ نَسير. فليَنقَضَّ المَوتُ عليهِم ويَهبِطوا إِلى مَثْوى الأَمْواتِ أَحْياء، لأَنَّ الشُّرورَ في مَساكِنِهم وفي وَسْطِهِم. أَمَّا أَنا فاللهَ أَدْعو والرَّبُّ يُخَلِّصُني. في المَساءِ والصَّباحِ وعِندَ الظَّهيرة أَشْكو وأَئِنُّ فيَسمَعُ صَوتي. إِفتَدى نَفْسي بِسَلام، مِنَ القِتالِ الَّذي قامَ علَيَّ: فكَثيرونَ بِالقُربِ مِنِّي. يَسمَعُ اللهُ فيُذِلُّهم، وهو على عَرشِه مُنذُ الأَزَل. أَمَّا هم فلا يَتَغَيَّرون، واللهَ لا يَخافون. أَلْقى عَدُوِّي يَدَيه على حُلَفائِه، وٱنتَهَكَ حُرمَةَ عَهدِه. فَمُه أَليَنُ مِنَ الزُّبْد، وقَلبُه يَشُنُّ القِتال. كَلِماتُه أَرَقُّ مِنَ الزَّيت، وهي سُيوفٌ مَسْلولة. أَلقِ على الرَّبِّ حِملَكَ، وهو يَعولُكَ، ولا يَدَعُ البارَّ يَتَزَعْزَعُ لِلأَبَد. إِلى جُبِّ الهاوِيَة أَنتَ يا أَللهُ تُنزِلُهم، رِجالَ الدِّماءِ والخِداع، قَبلَ أَن تَنتَصِفَ أَعْمارُهم. أَمَّا أَنا فعلَيكَ أَتَوَكَّل. لإمامِ الغِناء. على لَحن «ظُلْمُ الأُمَراءِ البَعيدين». لِداود. بِصَوتٍ خافِت. عِندَما قَبَضَ علَيه الفَلِسطينِيّونَ في جَتَّ. إِرْحَمني يا أَللهُ، فإِنَّ الإِنسانَ يُرهِقُني، والمُقاتِلَ طَوالَ النَّهارِ يُضايِقُني. طَوالَ النَّهارِ يُرهِقُني الَّذينَ يَتَرَصَّدونَني، فقَد كَثُرَ مَن في المُرتَفَعاتِ يُقاتِلونَني. علَيكَ أَتَوَكَّلُ يَومَ أَخاف، على اللهِ الَّذي بِكَلِمَتِه أُشيد، على اللهِ تَوَكَّلتُ فلا أَخاف، وما يَصنَعُ بِيَ البَشَر؟ طَوالَ النَّهارِ يُعَرقِلونَ أُموري، وجَميعُ أَفكارِهم فِيَّ إِلى الشَّرِّ مُتَّجِهَة. يَتَجَمَّعونَ ويَختَبِئونَ وآثاري يَقتَفون، كأَنَّهم في نَفْسي طامِعون. أَللَّهُمَّ أَبِسَبَبِ إِثمِهِم يُفلِتون؟ في غَضَبِكَ أَذِلَّ الشُّعوب. قد عَدَدتُ خَطَواتي التَّائِهة، فٱجعَلْ دُموعي في قِربَتِكَ. أَوَلَيسَت في سِفرِكَ؟ حينَئذٍ يَرتَدُّ أَعْدائي يَومَ دُعائي، وأَنا أَعلَمُ أَنَّ اللهَ مَعي. على اللهِ الَّذي بِكَلِمَتِه أُشيد، على الرَّبِّ الَّذي بِكَلِمَتِه أُشيد، على اللهِ تَوَكَّلتُ فلا أَخاف، وماذا يَصنَعُ بِيَ الإِنْسان؟ أَللَّهُمَّ علَيَّ نُذورٌ لَكَ. سأُوفي ذَبائِحَ حَمْدٍ لَكَ، لأَنَّكَ مِنَ المَوتِ أَنقَذتَ نَفْسي، حتَّى أَسيرَ أَمامَ اللهِ في نورِ الأَحْياء. لإمامِ الغِناء. «لا تُدَمِّر». لِداود. بِصَوتٍ خافِت. عِندَما هَرَبَ مِن وَجهِ شاولَ إِلى المغارة. إِرحَمْني يا أَللهُ ٱرحَمْني، فإِنَّ نَفْسي بِكَ ٱعتَصَمَت. بِظِلِّ جَناحَيكَ أَعتَصِم، إِلى أَن تَعبُرَ المُصيبَة. أَدْعو الإلٰهَ العَلِيَّ، أَلإلٰهَ الَّذي أَتَمَّها علَيَّ. فلْيُرسِلْ مِنَ السَّماءِ ويُخَلِّصْني، ويُخْزِ مَن يُرهِقُني. لِيُرسِلِ اللهُ رَحمَتَه وحَقَّه. نَفْسي بَينَ الأُسودِ مُضَّجِعة، الأُسودِ الَّتي تَفتَرِسُ بَني آدَم. أَنْيابُها رِماحٌ وسِهام، أَلسِنَتُها سُيوفٌ حادَّة. أَللَّهُمَّ ٱرتَفِعْ على السَّمَوات، ولْيَكُنْ مَجدُكَ على الأَرضِ كُلِّها. نَصَبوا شِباكًا لِخَطَواتي، فرَزَحَت نَفْسي. حَفَروا أَمامي هُوَّةً، فوَقَعوا فيها. قَلْبي مُستَعِدٌّ يا أَلله، قَلْبي مُستَعِدٌّ. إِنِّي أُنشِدُ وأَعزِف، إِستَيقِظْ يا مَجْدي، إِستَيقِظْ أَيُّها العودُ والكِنَّارة، سأُوقِظُ السَّحَر. أَحمَدُكَ أَيُّها السَّيِّدُ في الشُّعوب، وأَعزِفُ لَكَ في الأُمَم، فقَد عَظُمَت رَحمَتُكَ إِلى السَّمَوات، وحَقُّكَ إِلى الغُيوم. اِرتَفِعْ أَللَّهُمَّ على السَّمَوات، ولْيَكُنْ مَجدُكَ على الأَرضِ كُلِّها. لإمامِ الغِناء. «لا تُدَمِّرْ». لِداود. بِصَوتٍ خافِت. أَحَقٌّ، أَيُّها الأَربابُ، أَنَّكم بِالعَدلِ تَنطِقون، وبَني آدَمَ بِالاستِقامةِ تَحكُمون؟ كَلاَّ! بَلِ السُّوءَ في قُلوبِكم تَفعَلون، وعُنفَ أَيدِيكم في الأَرضِ تَزِنون. مِنَ الرَّحِمِ زاغَ الأَشْرار، ومِنَ البَطْنِ ضَلَّ الكاذِبون. لَهم سَمٌّ كسَمِّ الحَيَّة، كالأَفْعى الصَّمَّاءِ الَّتي تَسُدُّ أُذُنَها، فلا تَسمَعُ صَوتَ الحُواة، ولا سِحْرَ ساحِرٍ بارِع. أَللَّهُمَّ ٱهرُسْ أَسْنانَهم في أَفْواهِهم، وحَطِّمْ أَيُّها الرَّبُّ أَنيابَ الأَشْبال. لِيَسيلوا كالمِياهِ الجارِية، ولْيَذبُلوا كالعُشبِ المَدْعوس. كالحَلَزونِ الَّذي يَذوبُ ماشِيًا، وكسِقْطِ المَرأَةِ الَّذي لم يَرَ الشَّمْس. قَبلَ أَن يَنبِتوا أَشْواكًا كالعَوسَج: الأَخضَرُ مِنه والجافُّ فلْيَجرُفْه الغَضَبُ العاصِف. يَفرَحُ البارُّ إِذا رأَى الٱنتِقام، يَغسِلُ قَدَمَيه بِدَمِ الشِّرِّير. فيُقال: «إِنَّ لِلبارِّ ثَمَرًا، إِنَّ في الأَرضِ إِلٰهًا دَيَّانًا». لإمامِ الغِناء. «لا تُدَمِّرْ». لِداود. بِصَوتٍ خافِت. عِندَما وَجَّهَ شاولُ رُسُلًا يَتَرَصَّدونَ بَيتَه لِيَقتُلوه. أَللَّهُمَّ، مِن أَعْدائي أَنقِذْني، ومِنَ الَّذينَ يَقومونَ علَيَّ ٱحْمِني. مِن فَعَلَةِ الإِثْمِ أَنقِذْني، ومِن رِجالِ الدِّماءِ خَلِّصْني. ها هُم لِنَفسي كَمَنوا، المُقتَدِرونَ علَيَّ ٱجتَمَعوا، ولا مَعصِيَةَ لي ولا خَطيئَة. أَمَّا هم فَيُسرِعونَ ويَتَأَهَّبون، فإِنِّي بِدونِ إِثْمٍ يا رَبُّ. فٱنهَضْ لِلِقائي وٱنظُرْ. وأَنتَ أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّاتِ، إِلٰهُ إِسْرائيل. إِستَيقِظْ فٱفتَقِدْ جَميعَ الأُمَم، لا تَرحَمِ الغادِرينَ بالآثام. في المَساءِ يَرجِعون، وكالكِلابِ يَنبَحون، وفي المَدينةِ يَطوفون. ها هُم بِأَفواهِهم يَستَفيضون، وبَينَ شِفاهِهم سُيوفٌ، ومَن يَسمَع؟ وأَنتَ يا ربُّ تَضحَكُ مِنهم، وتَهزَأُ بِجَميعِ الأُمَم. أَنتَ عِزِّي وإِلَيكَ أَتَطَلَّع، أَللهُ حِصْني. إِلٰهُ رَحمَتي يُقبِلُ إِلَيَّ، أَللهُ يُريني الَّذينَ يَتَرَصَّدونَني. لا تَقتُلْهم لِئَلاَّ يَنْسى شَعْبي، بل شَتِّتْهم بِقُدرَتِكَ، وطارِدْهم، أَيُّها السَّيِّدُ تُرسُنا. خَطيئَةُ أَفْواهِهم كَلامُ شِفاهِهم: فلْيُؤخَذوا في تَكَبُّرِهم، لأَنَّهم بِاللَّعنَةِ والكَذِبِ يَتَحَدَّثون. أَفْنِ بِغَضَبكَ، أَفْنِ فلا يَكونوا، حتَّى يَعلَمَ النَّاسُ أَنَّ اللهَ يَسود، في بَيتِ يَعْقوبَ إِلى أَقاصي الأَرض. عِندَ المَساءِ يَرجِعون، وكالكِلابِ يَنبَحون، وفي المَدينةِ يَطوفون. وفي طَلَبِ الطَّعامِ يَتَشَتَّتون، وإِن لم يَشبَعوا يُدَمدِمون. وأَنا أُنشِدُ لِعِزَّتِكَ، وأُهَلِّلُ في الصَّباحِ لِرَحمَتِكَ، لأَنَّكَ كُنتَ لي حِصْنًا، وفي يَومِ ضيقي مَلجَأً. أَنتَ عِزِّي ولَكَ أَعزِف، أَللهُ حِصْني وإِلٰهُ رَحمَتي. لإمامِ الغِناء. على لَحْن «سَوسَنُ الشَّهادة». بِصَوتٍ خافِت. لِداود. للتعليم. عِندَما حارَبَ أَرامَ النَّهرَين وأَرامَ صوبة، فرَجَعَ يوآبُ وضَرَبَ أدومَ في وادي المِلْح، وكانوا ٱثنَي عَشَرَ أَلْفًا. أَللَّهُمَّ نَبَذتَنا وكَسَرتَنا، وغَضِبتَ، ولٰكِن عُدْ إِلَينا. زَلزَلتَ الأَرضَ وصَدَّعتَها. إِنَّها مُتَزَعزِعَةٌ فَداوِ صُدوعَها. أَرَيتَ شَعبَكَ الشَّدائِد، وسَقَيتَنا خَمرَ التَّرَنُّح. أَعطَيتَ مُتَّقيكَ رايةً، لِيَهرُبوا مِن وَجهِ الأَقْواس. لِكَي يَخلُصَ أَحِبُّاؤُكَ، خَلِّص بِيَمينِكَ وٱستَجِبْ لَنا. أَللهُ تَكَلَّمَ في قُدسِه: فأَبتَهِجُ وأُقَسِّمُ شَكيم، وأَقيسُ وادِيَ سُكُّوت. لي جِلْعادُ ولي مَنَسَّى، وأَفْرائيمُ خُوذَةُ رأسي، ويَهوذا صَولَجانُ مُلْكي. موآبُ وِعاءٌ أَغتَسِلُ فيه، على أَدومَ أُلْقي نَعْلي. على فَلِسطينَ هُتافُ ٱنتِصاري. إِلى المَدينةِ الحَصينةِ مَن يَقودُني، وإِلى أَدومَ مَن يَهْديني، إِلاَّ أَنتَ يا أَللهُ الَّذي نَبَذتَنا، ولم تَخرُجْ يا أَللهُ وجُيوشَنا؟ هَبْ لَنا نُصرَةً على المُضايِق، فالخَلاصُ مِنَ الإِنسانِ عَدَم. بِبَأسٍ نَعمَلُ بِعَونِ الله، وهو يَدوسُ مُضايِقينا. لإمامِ الغِناء. على ذَواتِ الأَوتار. لِداود. أَللَّهُمَّ ٱستَمِعْ لِصُراخي، أَصغِ إِلى صَلاتي. مِن أَقاصي الأَرضِ أَدعوكَ، إِذا حارَ فُؤادي فٱهدِني إِلى الصَّخرَةِ الَّتي فَوقَ مُتَناوَلي. فإِنَّكَ كُنتَ لي مُعتَصَمًا، وفي وَجهِ العَدُوِّ بُرجًا حَصينًا. لَيتَني أَسكُنُ مَدى الدُّهورِ في خَيمَتِكَ، وأَعتَصِمُ بِسِتْرِ جَناحَيكَ. فإِنَّكَ يا أَللهُ سَمِعتَ نُذوري، أَعطَيتَ خائِفي ٱسمِكَ ميراثًا. زِدِ المَلِكَ أَيَّامًا على أَيَّامِه، ولْتَكُنْ سِنوه جيلًا بَعدَ جيل. لِيَجلِسْ على العَرشِ أَمامَ اللهِ لِلأَبَد، ولْيَحْفَظْه الحقُّ والرَّحمَة. هٰكذا أَعزِفُ أَبَدَ الدَّهرِ لِٱسمِكَ، وافِيًا يَومًا فيَومًا نُذوري. لإمامِ الغِناء... يَدوتون. مزمور. لِداود. إِلى اللهِ وَحدَه تَطمَئِنُّ نَفْسي، ومِن عِندِه خَلاصي. هو وَحدَه صَخرَتي وخَلاصي، هو حِصْني فلا أَتَزعزَع. إِلامَ تَهجُمونَ على إِنْسان، وتَهدِمونَه بِأَجمَعِكم، كحائِطٍ مائلٍ وجِدارٍ مُنْهار؟ لِيَحُطُّوا من شَأنِه يتآمَرون، والكَذِبَ يَهوَون. بِأَفواهِهم يُبارِكون، وفي باطِنِهم يَلعَنون. إِلى اللهِ وَحدَه ٱطمَئِنِّي يا نَفْسي، فإِنَّ مِنه رَجائي. هو وَحدَه صَخرَتي وخَلاصي، هو حِصْني فلا أَتَزَعزَع. عِندَ اللهِ خَلاصي ومَجْدي، وفي اللهِ صَخرَةُ عِزِّي ومُعتَصَمي. تَوَكَّلوا علَيه أَيُّها الشَّعبُ كُلَّ حين، وٱسكُبوا أَمامَه قُلوبَكم. إِنَّ اللهَ مُعتَصَمٌ لَنا. لَيسَ بَنو آدَمَ إِلاَّ هَباءً، ولَيسَ بَنو البَشَرِ إِلاَّ كَذِبًا. إِذا وُزِنوا مُجتَمِعين، وُجِدوا أَخَفَّ مِنَ الهَباء. على العُنفِ لا تَتَّكِلوا، وبِالنَّهْبِ لا تَغْتَرُّوا. إِذا وَفَرَت ثَروَتُكم، فلا تُعَلِّقوا بِها قُلوبَكم. مَرَّةً تَكَلَّمَ الله، ومَرَّتَينِ سَمِعتُ أَنَّ العِزَّةَ لله. لَكَ الرَّحمَةُ أَيُّها السَّيِّد، فإِنَّكَ تُجازي الإِنسانَ بِحَسَبِ عَمَلِه. مزمور. لِداود. عِندَما كانَ في بَرِّيَّةِ يَهوذا. أَللَّهُمَّ أَنتَ إِلٰهي إِلَيكَ بكَرتُ، إِلَيكَ ظَمِئَت نَفْسي وتاقَ جَسَدي. كأَرضٍ قاحِلةٍ مُجدِبَةٍ لا ماءَ فيها. كذٰلِكَ في القُدسِ شاهَدتُكَ، لأَرى عِزَّتَكَ ومَجدَكَ. أَطيَبُ مِنَ الحَياةِ رَحمَتُكَ. وإِيَّاكَ تُسَبِّحُ شَفَتايَ. وكذٰلِكَ في حَياتي أُبارِكُكَ، وأَرفَعُ كَفَّيَّ بِٱسمِكَ. كمِن شَحْمٍ ودَسَمٍ تَشبَعُ نَفْسي، وبِشفاهِ التَّهْليلِ يُشيدُ فَمي. إِذا ذَكَرتُكَ على مَضجَعي، تَمتَمتُ بِكَ في الهَجَعات، لأَنَّكَ كُنتَ لي نُصرَةً، فأُهَلِّلُ في ظِلِّ جَناحَيكَ. عَلِقَت بِكَ نَفْسي، ويَمينُكَ سَانَدَتني. أَمَّا الَّذينَ يَطلُبونَ نَفْسي لِيُهلِكوها، فلْيَهبِطوا إِلى أَسافِلِ الأَرض، ولْيُسلَموا إِلى حَدِّ السَّيف، ولْيكونوا نَصيبًا لِبَناتِ آوى. أَمَّا المَلِكُ فبِاللهِ يَفرَح، وكُلُّ مَن يَحلِفُ بِه يَفتَخِر، وتُسَدُّ أَفواهُ النَّاطِقينَ بِالكَذِب. لإمامِ الغِناء. مزمور. لِداود. أَللَّهُمَّ ٱسمَعْ صَوتَ شَكْوايَ، ومِن هَولِ العَدُوِّ ٱحفَظْ حَياتي. أُستُرْني مِن عِصابةِ الأَشْرار، ومِن زُمرَةِ فَعَلَةِ الآثام. مَن كالسَّيفِ سَنُّوا الأَلسِنَة، وسَدَّدوا السَّهامَ ومُرَّ الكَلام، لِيَرْموا البَريءَ خِفيَةً، يَرمونَه بَغتَةً ولا يَخافون. عَزائِمَهم على أَمرٍ شِرِّيرٍ يُشَدِّدون، في نَصْبِ الشِّباكِ حِسابًا يَحسُبون، قائلين: «مَن يُبصِر، وخَفايانا مَن يَسبِر»؟ يَسبِرُها ذاكَ الذي يَسبِرُ باطِنَ الإِنسانِ وأَعماقَ القُلوب. رَماهُمُ اللهُ بِسَهمٍ، فكانَت ضَرَباتُهم مُباغِتةً، وأَوقَعَهم بِسَبَبِ أَلسِنَتِهم، وكُلُّ مَن يَراهم يَهُزُّ رأسَه. فيَخافُ كُلُّ إِنْسان، ويُخبِرُ بِعَمَلِ الله، ويَفطَنُ لِصَنيعِه. بِالرَّبِّ يَفرَحُ البارُّ وبِه يَعتَصِم، وجَميعُ القُلوبِ المُستَقيمةِ بِه تَفتَخِر. لإمامِ الغِناء. مزمور. لِداود. نَشيد. أَللَّهُمَّ في صِهْيونَ يَجدُرُ بِكَ التَّسْبيح، وإِلَيكَ يوفى بِالنُّذور. إِلَيكَ يا مُستَمِعَ الصَّلاة، مسارُ كُلِّ بَشَر. لقد غَلَبَ علَيَّ أَمرُ الآثام، ولٰكِنَّكَ لِمَعاصِينا غَفور. فطوبى لِمَن تَخْتارُه وتُقَرِّبُه، فيَسكُنُ في دِيارِكَ، فنَشبَعُ مِن خَيراتِ بَيتِكَ، ومِن قُدْسِ هَيكَلِكَ. بأَعاجبَ مِنَ البِرِّ تَستَجيبُ لَنا، يا إِلٰهَ خَلاصِنا، يا مُعتَمَدَ أَقاصي الأرضِ كُلِّها، والجُزُرِ البَعيدة. يا مَن بِقُوَّتِه يُوَطِّدُ الجِبال، ويَتَسَربَلُ بِالِٱقتِدار، ويَسكُنُ عَجيجَ البِحار، وهَديرَ الأَمواجِ وصَخَبَ الشُّعوب. السَّاكِنونَ في الأَقاصي يَخافونَ آياتِكَ، وبِفَضلِكَ تُهَلِّلُ أَبوابُ الصَّباحِ والمَساء. اِفتَقَدتَ الأرضَ وسَقَيتَها، وبِالغِنى غَمَرتَها. نَهرُ اللهِ ٱمتَلأَ مِياهًا، ولِلنَّاسِ تُعِدُّ الحِنطَة. فكذٰلِكَ أَعدَدتَ الأَرْض. تُرَوِّي أَتلامَها وتُسَوِّي أَخاديدَها، بِالوابِلِ تُبَلِّلُها وتُبارِكُ نَبْتَها. تُكلِّلُ العامَ بِجودِكَ، وتَقطُرُ بِالدَّسَمِ آثارُكَ. مَراعي البَرِّيَّةِ تَقطُر، والتِّلالُ بِالبَهجَةِ تَتَسَربَل. المُروجُ بِالغَنَمِ تَكْتَسي، والأَودِيَةُ بِالحِنْطَةِ تَتَوَشَّح، فيَهتِفونَ ويُنشِدون. لإمامِ الغِناء. نشيد. مزمور. إِهتِفوا للهِ يا أَهلَ الأرضِ جَميعًا، إِعزِفوا لِمَجدِ ٱسمِه وٱجعَلوا تَسْبيحَه تَمْجيدًا. قولوا للهِ: «ما أَرهَبَ أَعْمالَكَ، لِعِظَمِ عِزَّتِكَ يَتَمَلَّقُ أَعداؤُكَ. كُلُّ الأَرضِ تَسجُدُ لَكَ، وتَعزِفُ لَكَ، تَعزِفُ لِٱسمِكَ». هَلُمُّوا فٱنظُروا أَعْمالَ اللهِ المَرْهوبِ في صَنيعِه إِلى بَني آدَم. إِلى يَبَسٍ حَوَّلَ البَحرَ، وبِالأَرجُلِ عَبَروا النَّهْرَ. هُناكَ فَرِحْنا بِه. بِجَبَروتِه يَسودُ لِلأَبَد، وعَيناه تُراقِبانِ الأُمَم، فلا يَتَشامخُ المُتَمَرِّدون. بارِكي إِلٰهَنا أَيَّتُها الشُّعوب، وأَسمِعي صَوتَ تَسْبيحِه. هو الَّذي جَعَلَ في الحَياةِ نُفوسَنا، ولم يُسلِمْ إِلى الزَّلَلِ أَقْدامَنا. أَللَّهُمَّ لقَدِ ٱمتَحَنتَنا، وتَمْحيصَ الفِضَّةِ مَحَّصتَنا. في المِصيَدَةِ أَوقَعْتَنا، وأَثْقَلتَ كَواهِلَنا. أَركَبتَ على رُؤُوسِنا إِنْسانًا، فخُضْنا النَّارَ والماء، ثُمَّ أَخرَجتَنا فٱنتَعَشْنا. أَدخُلُ بَيتَكَ بِالمُحرَقات، وأُوفيكَ نُذوري، الَّتي تَلَفَّظَت بِها شَفَتايَ، ونَطَقَ بها في الضِّيقِ فَمي. أُصعِدُ لَكَ مُحرَقاتٍ سِمانًا، مع دُخانِ الكِباش. أُقَرِّبُ بَقَرًا وتُيوسًا. هَلُمُّوا ٱسمَعوا يا مَن يَتَّقونَ اللهَ جَميعًا، فأُحَدِّثَكم بِمَا صَنَعَ لِنَفْسي. إِيَّاهُ دَعَوتُ بِفَمي، وعَظَّمتُ بِلِساني. لو كُنتُ رأيتُ إِثمًا في قَلْبي لَما ٱستَمَعَ السَّيِّدُ لي. ولَكِنَّ اللهَ قدِ ٱستَمَعَ لي، وأَصْغى إِلى صَوتِ صَلاتي. تَبارَكَ اللهُ الَّذي لم يَرُدَّ صَلاتي، ولا رَحمَتَه عنِّي. لإمامِ الغِناء. على ذَواتِ الأَوتار. مزمور. نشيد. لِيَرحَمْنا اللهُ ولْيُبارِكْنا، ولْيُضِئْ بِوَجهِه علَينا! لِكَي يُعرَفَ في الأرضِ طَريقُكَ، وفي جَميعِ الأُمَمِ خَلاصُكَ. لِتَحمَدْكَ الشُّعوبُ يا أَلله، لِتَحمَدْكَ الشُّعوبُ جميعًا! لِتَفرَحِ الأُمَمُ وتُهَلِّلْ، لأَنَّكَ بِالعَدْلِ تَدينُ العالَمين. بِالِٱستِقامةِ تَدينُ الشُّعوب، وفي الأَرضِ تَهْدي الأُمَم. لِتَحْمَدْكَ الشُّعوبُ يا أَلله، لِتَحْمَدْكَ الشُّعوبُ جَميعًا! أَلأَرضُ أَعطَت غلَّتَها، فلْيُبارِكْنا اللهُ إِلٰهُنا، لِيُبارِكْنا الله، ولْتَخشَه أَقاصي الأَرضِ جَميعُها! لإمامِ الغِناء. لِداود. مزمور. نشيد. لِيَقُمِ اللهُ فيَتَشَتَّتَ أَعْداؤُه، ويَهرُبَ مِن وَجهِه مُبغِضوه. كما يَتَبَدَّدُ الدُّخانُ تُبَدِّدُهم، وكما يَذوبُ الشَّمعُ أَمامَ النَّار، أَمامَ اللهِ يَهلِكُ الأَشْرار. لَكِنَّ الأَبرارَ يَفرَحون، وأَمامَ اللهِ يَبتَهِجون، ومِنَ الفَرَحِ يَطرَبون. أَنشِدوا للهِ وٱعزِفوا لِٱسمِه، مَهِّدوا لِلرَّاكِبِ على الغَمام. الرَّبُّ ٱسمُه فٱبتَهِجوا أَمامَه. أَبو اليَتامى ومُنصِفُ الأَرامل، هو اللهُ في مَقَرِّ قُدسِه. اللهُ يُسكِنُ الوَحيدَ بَيتًا، ويُخرِجُ الأَسيرَ إِلى الرَّخاء. أَمَّا المُتَمَرِّدونَ ففي الأَرضِ القاحِلَةِ يُقيمون. أَللَّهُمَّ حينَ خَرَجتَ قُدَّامَ شَعبِكَ، عِندَما دُسْتَ القِفار. رَجَفَتِ الأَرضُ وقَطَرَتِ السَّماءُ مِن وَجهِ الله، إِلٰهِ سيناءَ، إِلٰهِ إِسْرائيل. مَطَرَ هِباتٍ أَنزَلتَ يا أَلله، وميراثَكَ المُرهَقَ شَدَّدتَ. أَقامَت فيه، يا أَللهُ، رَعِيَّتُكَ، وقَد أَعدَدتَه لِلبائسِ بجودِكَ. السَّيِّدُ يُصدِرُ أَمرًا، يُبَشِّرُ بِجَيشٍ جَرَّار. مُلوكُ الجُيوشِ يَهرُبونَ يَهرُبون، ورَبَّةُ البَيتِ تُقَسِّمُ الغَنيمة. بَينَما أَنتُم في الحَظائِرِ مُضَّجِعون، أَجنِحَةُ الحَمامةِ بِالفِضَّةِ تَكتَسي، وريشُها بِالذَّهَبِ النَّضير. عِندَما كانَ القَديرُ يُبَدِّدُ المُلوك، كانَتِ السَّماءُ تُثلِجُ على جَبَلِ صَلْمون. جَبَلُ باشانَ جَبَلُ الله، جَبَلُ باشان جَبَلُ القِمَم. أَيَّتُها الجِبالُ الشَّامِخات، لِماذا تَحسُدينَ الجَبَلَ الَّذي ٱبتَغاه اللهُ لِسُكْناه؟ فالرَّبُّ يَسكُنُه على الدَّوام. مَركَباتُ اللهِ رِبْواتٌ وأُلوفٌ مُؤَلَّفة. السَّيِّدُ فيها وسيناءُ في المَقدِس. صَعِدتَ إِلى العُلى وأَسَرتَ أَسْرى، وأَخَذتَ البَشَرَ، حَتَّى المُتَمَرِّدينَ، هَدايا، لِيَكونَ لِلرَّبِّ الإلٰهِ سُكْناه. تَبارَكَ السَّيِّدُ يَومًا فيَومًا، فإِنَّ إِلٰهَ خَلاصِنا يَتَوَلاَّنا. لَنا اللهُ إِلٰهُ خَلاص، ولِلرَّبِّ السَّيِّدِ مَخارِجُ المَوت. يُهَشِّمُ اللهُ رُؤُوسَ أَعْدائِه، والهامةَ الشَّعْراءَ لِلسَّائِرِ على آثامِه. قال السَّيِّدُ: «مِن باشانَ أَرُدُّ، مِن أَعْماقِ البِحارِ أَرُدُّ». لِكَي تَدوسَ رِجلُكَ الدِّماء، ويَكونَ لأَلسِنَةِ كِلابِكَ نَصيبٌ مِنَ الأَعْداء. رَأَوا مَواكِبَكَ يا أَلله، مَواكِبَ إِلٰهي ومَلِكي في المَقدِس. المُغَنُّونَ في الأَمامِ والعازِفونَ في الوَراء، وفي الوَسَطِ العَذارى يَنقُرْنَ الدُّفوف. بارَكوا اللهَ في الجَماعات، الرَّبَّ مِن يَنابيعِ إِسْرائيل. في الطَّليعَةِ بَنيامينُ الصَّغير، يَقودُ رُؤَساءَ يَهوذا في ثِيابٍ مُوَشَّاة، ورُؤَساءَ زَبولونَ ورُؤَساءَ نَفْتالي. أَللَّهُمَّ مُرْ بِحَسَبِ عِزَّتِكَ، العِزَّةِ الَّتي مِن أَجْلِنا أَعمَلتَها. مِن أَجلِ هَيكَلِكَ فَوقَ أُورَشَليم، يَحمِلُ المُلوكُ إِلَيكَ الهَدايا. أُزجُرْ وَحشَ القَصَب، وعِصابَةَ الثِّيرانِ وشُعوبَ العُجول، يَخضَعونَ لَكَ بِقِطَعِ فِضَّة. شَتِّتِ الشُّعوبَ الَّتي تَهْوى الحُروب. مِن مِصْرَ يأتي العُظَماء، وكوشٌ تَبسُطُ يَدَيها إِلى الله. يا مَمالِكَ الأَرضِ للهِ أَنشِدي، لِلسَّيِّدِ ٱعزِفي. لِلرَّاكِبِ على السَّمٰوات، على قَديمِ السَّمٰوات. إِنَّه يَرفَعُ الصَّوتَ، صَوتَ العِزَّة: إِرفعي العِزَّةَ لله. فعلى إِسرائيلَ جَلالُه، وفي الغُيومِ عِزَّتُه. أَللهُ رَهيبٌ مِن مَقدِسِه. إِلٰهُ إِسْرائيلَ هو الَّذي يُعْطي، يُعْطي الشَّعبَ العِزَّةَ والقُوَّة. تَبارَكَ الله! لإمامِ الغِناء. على لَحنِ «السَّوسَن». لِداود. أَللَّهُمَّ خَلِّصْني، فإِنَّ المِياهَ قد بَلَغَت حَلْقي. غَرِقتُ في مُوحِلٍ عَميقٍ ولا مُستَقَرّ، بَلَغتُ إِلى قَعرِ المِياهِ والسَّيلُ غَمَرَني. عَييتُ في صُراخي وٱلتَهَبَ حَلْقي، وكَلَّت عَينايَ مِنِ ٱنتِظاري لإلٰهي. زادَ على عَدَدِ شَعَرِ رأسي عَدَدُ الَّذينَ بِلا سَبَبٍ أَبغَضوني، وقَويَ مَن يُريدون هَلاكي مَن بِالكَذِبِ عادَوني، أَفأَرُدُّ الآنَ ما لم أَختَطِف؟ أَللَّهُمَّ أَنتَ عالِمٌ بِحَماقَتي، ولم تَخْفَ علَيكَ آثامي. لا يَخجَلْ مِنِّي مَن يَرجونَكَ، أَيُّها السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات، ولا يَخْزَ مِنِّي مَن يَلتَمِسونَكَ، يا إِلٰهَ إِسْرائيل. فإِنِّي تَحَمَّلتُ العارَ مِن أَجلِكَ، وغَطَّى الخَجَلُ وَجْهي. صِرتُ لإخوَتي غَريبًا، ولِبَني أُمِّي أَجنَبِيًّا، لأَنَّ غَيرةَ بَيتِكَ أَكَلَتني، وتَعْييراتِ مُعَيِّريكَ وَقَعَت علَيَّ. إِن ذَلَّلتُ بِالصَّومِ نَفْسي، صارَ ذٰلِكَ عارًا علَيَّ. وإِنِ ٱتَّخَذتُ المِسْحَ لِباسًا، صِرتُ عِندَهُم مَثَلًا، وعِندَ الجالِسينَ بِالبابِ حَديثًا، ولِشُرَّابِ المُسكِراتِ أُغْنِيات. أَمَّا أَنا فإِلَيكَ صَلاتي في أَوانِ الرِّضى، يا رَبِّ. فٱستَجِبْ لي بِكَثرَةِ رَحمَتِكَ، وبِحَقِّ خَلاصِكَ. أَنقِذْني مِنَ الوَحْلِ فلا أَغرَق، نَجِّني مِن مُبغِضِيَّ ومِن قَعْرِ المِياه، فلا يَغمُرْني سَيلُ المِياه، ولا تَبتَلِعْني الأَعْماق، ولا تُطبِقِ البِئْرُ عَليَّ فَمَها. إِستَجِبْ لي يا رَبِّ فصالِحةٌ رَحمَتُكَ، اِلتَفِتْ إِلَيَّ بِحَسَبِ وَفرَةِ رأَفَتِكَ، ولا تَحجُبْ وَجهَكَ عن عَبدِكَ. أَسرِعْ وٱستَجِبْ لي فإِنِّي في ضيق. أُدْنُ مِن نَفْسي وفُكَّها، مِن أَجلِ أَعْدائي ٱفتَدِني. أَنتَ عالِمٌ بِعاري وخِزْيي وخَجَلي، وأَمامَكَ جَميعُ الَّذينَ يُضايِقوني. العارُ حَطَّمَ قَلْبي ولا عِلاج، فَرَجَوْتُ العَطفَ فلَم يَكُنْ، والعَزاءَ فلَم أَجِدْ. جَعَلوا في طَعامي سَمًّا، وسَقَوني في عَطَشي خَلًّا. لِتَكُنْ مائِدَتُهم أَمامَهم فَخًّا، وخَيراتُهم شِباكًا. لِتُظْلِم عُيونُهم فلا يُبصِروا، وٱحْنِ ظُهورَهم في كُلِّ حين. صُبَّ علَيهم سُخطَكَ، ولْتُدرِكْهم نارُ غَضَبِكَ. لِتَصِرْ حَظائِرُهم خَرابًا، ولا يَكُنْ في خِيامِهم ساكِن. فإِنَّهمُ طارَدوا مَن أَنتَ ضَرَبتَ، وعلى أَلَمِ جَريحِكَ زادوا. وزِدْ على إِثْمِهم إِثْمًا، فلا يَدخُلوا في بِرِّكَ. مِن سِفرِ الحَياةِ فلْيُمحَوا، ومعَ الأَبرارِ لا يُكتَبوا. إِنِّي بائِسٌ مُتَوَجِّع، فلْيَحمِني خَلاصُكَ يا أَللهُ. أُشيدُ بٱسمِ اللهِ بِالنَّشيد، وبِالحَمْدِ أُعَظِّمُه. فذٰلك أَحَبُّ إِلى الرَّبِّ مِنَ الثِّيران، مِنَ العُجولِ ذَوي القُرونِ والأَظْلاف. رأى الوُضَعاءُ ففَرِحوا، لِتَحْيَ قُلوبُكم أَيُّها السَّاعونَ إِلى الله. لأَنَّ الرَّبَّ لِلمَساكينِ يَستَمِع، وأَسْراه لم يَزدَرِ. لِتُسَبِّحْه الأَرضُ والسَّمٰوات، والبِحارُ وكُلُّ ما يَدُبُّ فيها. فإِنَّ اللهَ يُخَلِّصُ صِهْيون، ويَبْني مُدُنَ يَهوذا، فيَسكُنونَ هُناكَ ويَرِثونَها. وذُرِّيَّةُ عَبيدِه يَرِثونَها، ومُحِبُّو ٱسمِه فيها يَسكُنون. لإمامِ الغِناء. لِداود. لِلتَّذْكير. أَللَّهُمَّ أَسرِعْ إِلى إِنْقاذي، يا رَبِّ إِلى نُصرَتي. لِيَخْزَ طالِبو نَفْسي ويَخجَلوا، ولْيَرتَدَّ الرَّاغِبونَ في مَساءَتي إِلى الوَراءِ ويَفتَضِحوا. والَّذينَ يَسخَرونَ مِنِّي، فليَندَهِشوا لِخِزيِهم. وليُسَرَّ بِكَ ويَفرَحْ جَميعُ الَّذينَ يَلتَمِسونَكَ، ولْيَقُلْ دَومًا مُحِبُّو خَلاصِكَ: اللهُ عَظيم. وأَنا بائِسٌ مِسْكين، فأَسرِعْ إِلَيَّ يا أَلله. أَنتَ نُصرَتي ومُخَلِّصي، فلا تُبْطئْ يا رَبِّ. بِكَ يا رَبِّ ٱعتَصَمتُ، فلا أَخزَ لِلأَبَد. لِبِرِّكَ أَنقِذْني ونَجِّني، أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ وخَلِّصْني. كُنْ لي صَخرَةَ حِصْنٍ أَلتَجِئُ إِلَيها في كُلِّ حين، فقَد أَمَرتَ بِتَخْليصي، لأَنَّكَ صَخرَتي وحِصْني. أَللَّهُمَّ نَجِّني مِن يَدِ الشِّرِّير، ومِن كَفِّ الفاسِقِ العَنيف. فإِنَّكَ أَنتَ أَيُّها السَّيِّدُ رَجائي، وأَنتَ أَيُّها الرَّبُّ مُنذُ صِبايَ مُعتَمَدي. مِنَ الرَّحِمِ علَيكَ ٱعتَمَدتُ، ومِن بَطنِ أُمِّي أَنتَ أَخرَجتَني، ولَكَ في كُلِّ حينٍ تَسْبيحي. قد صِرتُ مُعجِزَةً لِكَثيرين، وأَنتَ مُعتَصَمي العزيز. يَمتَلِئُ فَمي مِن تَسْبيحِكَ، النَّهارَ كُلَّه مِن بَهائِكَ. لا تَنبِذْني في زَمَنِ شَيخوخَتي، ولا في وَهَنِ قُوَّتي تَتْرُكْني، فإِنَّ أَعدائي علَيَّ يَتَكلَّمون، والمُتَرَصِّدينَ لِنَفْسي مَعًا يَتَآمَرون. يَقولون: «إِنَّ اللهَ قد تَرَكَه، فلاحِقوه وأَمسِكوه فلَيسَ لَه مُنقِذ». أَللَّهُمَّ لا تَبتَعِدْ عنِّي، يا إِلٰهي أَسرِعْ إِلى نُصرَتي. لِيَخْزَ المُعادونَ لِنَفْسي ويَفْنَوا، ولْيَلْتَحِفِ العارَ والفَضيحةَ طالِبو مَساءتي. أَمَّا أَنا فأَنتَظِرُكَ في كُلِّ حين، وأُضاعِفُ لَكَ التَّسْبيح. فَمي يُحَدِّثُ بِبِرِّكَ، طَوالَ النَّهارِ بِخَلاصِكَ. أَنتَقِلُ الآنَ إِلى مآثِرِ السَّيِّدِ الرَّبّ، لأَذكُرَ بِرَّكَ الفَريد. أَللَّهُمَّ مُنذُ حَداثَتي أَنتَ عَلَّمتَني، ولِلأَبَدِ أُخبِرُ بِعَجائِبِكَ. حتَّى في شَيخوخَتي وفي شَيبَتي، يا أَللهُ لا تَترُكْني، فأُخبِرَ الأَجْيالَ الآتِيَةَ بِذِراعِكَ وبِجَبَروتِكَ، فبِرُّكَ أَللَّهُمَّ إِلى العُلى. أَنتَ الَّذي صَنَعَ العَظائم، فمَن مِثلُكَ يا أَلله؟ أَنتَ الَّذي أَراني كَثيرًا، مَضايِقَ كَثيرةً وشُرورًا. لٰكِنَّكَ تَعودُ فتُحْييني، ومِن أَعماقِ الأَرضِ تُصعِدُني، تَزيدُ في قَدْري، وتَرجِعُ فتُعَزِّيني. على آلةِ العودِ أَحمَدُكَ يا إِلٰهي، وأَحمَدُ حَقَّكَ، وعلى الكِنَّارَةِ أَعزِفُ لَكَ، يا قُدُّوسَ إِسْرائيل. حينَ أَعزِفُ لَكَ تُهَلِّلُ لَكَ شَفَتايَ، ونَفْسي الَّتي ٱفتَدَيتَها. ولِساني أَيضًا يُتَمتِمُ بِبِرِّكَ طَوالَ النَّهار، لأَنَّ طالِبي مَساءَتي أَخَذَهمُ الخِزْيُ والعار. لِسُليمان. أَللَّهُمَّ، هَب لِلمَلِكِ حُكمَكَ، ولِٱبنِ المَلِكِ عَدلَكَ، فيَقضِيَ بِالبِرِّ لِشَعبِكَ، وبِالإنصافِ لِوُضَعائِكَ. لِتَحمِلِ الجِبالُ لِلشَّعبِ سَلامًا، والتِّلالُ بِرًّا، وُضعاءُ الشَّعبِ يُنصِفُهم، وبَنو المَساكينِ يُخَلِّصُهم. والظَّالِمونَ يَسحَقُهم. يَبقى تَحتَ الشَّمسِ والقَمَر، مِن جيلٍ إِلى جيل. يَنزِلُ كالمَطَرِ على العُشْب، وكالرَّذاذِ الَّذي يَسْقي الأَرض. البِرُّ في أَيَّامِه يُزهِر، والسَّلامُ يَعُمُّ إِلى أَن يَزولَ القَمَر، ويَملِكُ مِنَ البَحرِ إِلى البَحرِ، ومِن النَّهرِ إِلى أَقاصي الأَرْض. أَمامَه أَهلُ البادِيَةِ يَركَعون، وأَعْداؤُه التُّرابَ يَلحَسون. مُلوكُ تَرْشيشَ والجُزُرِ الجِزيَةَ يُؤَدُّون، ومُلوكُ شَبَأَ وسَبَأَ الهَدايا يُقَدِّمون. جَميعُ المُلوكِ لَه يَسجُدون، وكُلُّ الأُمَمِ لَه يَخدُمون. لأَنَّه يُنقِذُ المِسْكينَ المُستَغيث، والبائِسَ الَّذي بِلا نَصير. يَعطِفُ على الكَسيرِ والمِسْكين، ويُخَلِّصُ نُفوسَ المَساكين. مِنَ الظُّلْمِ والعُنفِ يَفتَدي نُفوسَهم، ودَمُهم في عَينَيه ثَمين، لِيَحيَ ويُعْطَ ذَهَبَ شَبَأ. في كُلِّ حينٍ يَدْعونَ لَه، وطَوالَ النَّهارِ يُبارِكونَه. وَفُرَتِ الحِنطَةُ في البِلاد، وتَمَوَّجَت على رُؤُوسِ الجِبال، كلُبنانَ إِذ أَخرَجَ ثِمارَه وأَزْهارَه، وإِذ أَخرَجَتِ الأَرضُ عُشبَها! إِسمُه لِلأَبَد يَكون، وتَحتَ الشَّمسِ يَدوم. تَتَبارَكُ به قَبائِلُ الأَرضِ كُلُّها، وتُهَنِّئُه الأُمَمُ جَميعُها. تَبارَكَ الرَّبُّ الإِلٰهُ إِلٰهُ إِسْرائيل، الصَّانِعُ العَجائبَ وَحدَه، وتَبارَكَ لِلأَبَدِ ٱسمُه المجيد، ولْتَمتَلِئِ الأَرضُ كُلُّها مِن مَجدِه. آمين ثُمَّ آمين. تَمَّت صَلَواتُ داوُدَ بنِ يَسَّى. مزمور. لِآساف. أَجَل، ما أَطيَبَ اللهَ لإسْرائيل، لِذَوي القُلوبِ الطَّاهِرَة. أَمَّا أَنا فقَد أَوشَكَت أَن تعثُرَ قَدَمايَ، وكادَت أَن تَزِلَّ خُطايَ. لأَنِّي غِرْتُ مِنَ السُّفَهاء، حينَ رأيتُ رَخاءَ الأَشْرار. فإِنَّهم لا أَوجاعَ لَهم حتَّى المَوت، وأَبْدانُهم سَمينة. لَيسوا في عَناءٍ كالنَّاس، ولا يُصابونَ مع البَشَر. فالكِبرِياءَ لِذٰلكَ تَطَوَّقوا، وثَوبَ العُنْفِ ٱكْتَسَوا. فآثامُهم مِنَ الشَّحمِ خارِجَة، وقُلوبُهم بِالمِكرِ طافِحة. بِالشَّرِّ يَتَكَلَّمونَ ساخِرين، وبِالظُّلمِ يَتَحَدَّثونَ مُتَشامِخين، يَجعَلونَ في السَّماءِ أَفْواهَهم، وتَسْعى في الأَرضِ أَلسِنَتُهم. لِذَلك يَتَحَوَّلُ شَعْبي إِلَيهم، ويُجَرَّعون مِياهًا طافِحة، ويَقولونَ: «كيف يَكونُ اللهُ عالِمًا، وهل مِن عِلمٍ عِندَ العَلِيّ؟» ها هُمُ الأَشْرارُ دائِمًا آمِنون، وأَمْوالًا يَزْدادون. باطِلًا إِذًا نَقَّيتُ قَلْبي، وغَسَلتُ بِالطَّهارةِ كَفَّيَّ. وحينَ ضُرِبتُ النَّهارَ كُلَّه، وأُدِّبتُ في كُلِّ صَباح، لو قُلتُ مِثلَ هٰذا الحَديث، لَغَدرتُ بِجيلِ أَبنائِكَ. ولقَد فَكَّرتُ لأُدرِكَ ذٰلك، لَكِنَّه عَسُرَ في عَينَيَّ، إِلى أَن دَخَلتُ أَقْداسَ الله، وتأَمَّلتُ في آخِرَتِهم. أَجَل، في المَزالِقِ جَعَلتَهم، وفي المَهالِكِ أَوقَعتَهم. كَيفَ صاروا في لَحظةٍ إِلى الدَّمار! إِنقَرَضوا ومِنَ الأَهْوالِ بادوا. كحُلْمٍ عِندَ اليَقظَةِ، يا سَيِّدي، تَحتَقِرُ خِيالَهم عِندَ ٱستيقاظِكَ. لقَد قَسا قَلْبي ووُخِزَت كُلْيَتايَ، وأَنا غَبِيٌّ ولا عِلمَ لي، وقد صِرتُ عِندَكَ كالبَهيمة، وأَنا معَكَ في كُلِّ حين وأَنتَ أَخَذتَ بِيَدي اليُمْنى. بِمَشورَتِكَ تَهْديني، ووَراءَ المَجدِ تأخُذُني. مَن لي في السَّماء؟ ومعكَ على الأَرضِ لا أَهْوى شيئًا. فَنِيَ جَسَدي وقَلْبي: أَللهُ لِلأَبَدِ صَخرَةُ قَلْبي ونَصيبي. أَلا إِنَّ مَن يَبتَعِدونَ عنكَ يَهلِكون، وتُدَمِّرُ مَن علَيكَ يَزْنون. ولي أَنا يَطيبُ التَّقَرُّبُ إِلى الله، وقد جَعلتُ في السَّيِّدِ الرَّبِّ مُعتَصَمي، لأُحَدِّثَ بِجَميعِ أَعمالِكَ. تعليم. لِآساف. أَللَّهُمَّ، لِماذا لِلأَبَدِ نَبَذتَنا؟ ولِماذا على غَنَمِ مَرْعاكَ ٱشتَعَلَ غَضَبُكَ؟ أُذكُرْ جَماعَتَكَ الَّتي مُنذُ القِدَمِ ٱقتَنَيتَها، وسِبْطَ ميراثٍ لَكَ ٱفتَدَيتَها، وجَبَلَ صِهيونَ الَّذي فيه سَكَنت. إِرفَعْ خَطَواتِكَ إِلى الأطْلالِ الدَّائمة، ففي القُدسِ أَتلَفَ العَدُوُّ كُلَّ شيء. زَمجَرَ خُصومُكَ في وَسَطِ مَجالِسِكَ، ورَفَعوا راياتِهم شِعارًا. شوهِدوا، كَمَن يَرفَعُ فأسًا، على أَدغالٍ مِنَ الشَّجَر. يُحَطِّمونَ المَنْقوشاتِ جَميعًا، بِالفَأسِ والمَطارِق. أَسلَموا إِلى النَّارِ مَقدِسَكَ، ودَنَّسوا حتَّى الأَرضَ مَسكِنَ ٱسمِكَ. قالوا في قُلوبِهم: «لِنَسحَقْهم بِضَربَةٍ قاضِيَة»، وأَحرَقوا في الأَرضِ مَجالِسَ اللهِ جَميعًا. آياتُنا لم نَعُدْ نَراها ولم يَبقَ نَبِيٌّ، ولَيسَ عِندَنا مَن يَعلَمُ إِلى مَتى. أَللَّهُمَّ إِلى مَتى يُعَيِّرُنا المُضايِق، وبِٱسمِكَ يَستَهينُ العَدُوُّ على الدَّوام؟ لِماذا تَكُفُّ يَدَكَ، وتَبْقى مُحتَضِنًا يَمينَكَ؟ على أَنَّكَ مَلِكي مُنذُ القِدَم، وصانِعُ الخَلاصِ في وَسَطِ الأَرض. أَنتَ شَقَقتَ البَحرَ بِعِزَّتِكَ، وحَطَّمتَ على المِياه رُؤُوسَ التَّنانين. أَنتَ هَشَّمتَ رُؤُوسَ لَوياتان، وأَعطَيتَه لِلوُحوشِ مأكَلًا. أَنتَ فَجَّرتَ عَينًا وسَيلًا، أَنتَ جَفَّفتَ أَنهارًا لا تَجِفُّ مِياهُها. لَكَ النَّهارُ ولَكَ اللَّيل، أَنتَ أَحكَمتَ الشَّمسَ والنُّور. أَنتَ وَضَعتَ حُدودَ الأَرضِ جَميعَها، وصَنَعتَ الصَّيفَ والشِّتاء. أُذكُرْ يا رَبُّ أَنَّ العَدُوَّ يُجَدِّف، وشَعبًا جاهِلًا ٱستَهانَ بِٱسمِكَ. لا تُسلِمْ إِلى الوَحشِ نَفْسَ يَمَامَتِكَ، ولا تَنْسَ على الدَّوامِ حَياةَ بائِسيكَ. أُنظُرْ إِلى العَهدِ فقدِ ٱمتَلأَت مَخابِئُ الأَرضِ ومآوي العُنْف. لا يَرجِعَنَّ المَظلُومُ مَخزِيًّا، ولْيُسَبِّحْ لِٱسمِكَ البائسُ المِسْكين. أَللَّهُمَّ قُمْ ودافِعْ عن قَضِيَّتِكَ، وٱذكُرْ تَجْديفَ الجاهِلِ طَوالَ النَّهارِ علَيكَ. لا تَنْسَ ضَجيجَ خُصومِكَ، ولا الجَلَبَةَ المُرتَفِعةَ على الدَّوامِ في مُقاوِميكَ. لإمامِ الغِناء. «لا تُدَمِّرْ». مزمور. لِآساف. نشيد. نَحمَدُكَ يا أَللهُ نَحمَدُكَ، بِالدُّعاءِ إِلى ٱسمِكَ والتَّحَدُّثِ بِعَجائِبِكَ. عِندَما أَضرِبُ مَوعِدًا، أَحكُمُ بِالِٱستِقامة. تَنْهارُ الأَرضُ وجميعَ سُكَّانِها، وأَنا الَّذي أُثَبِّتُ أَعمِدَتَها. قُلتُ لِلسُّفَهاءِ: لا تَسفَهوا، ولِلأَشْرارِ: بِأُنوفِكم لا تَشمَخوا. لا تُبالِغوا في الشُّموخِ بِأُنوفِكم، لا تَتَكَلَّموا بِصَلَفِ أَعْناقِكم. لَيسَ هُناكَ مَشرِقٌ ولا مَغرِب، ولا سُهولٌ ولا جِبال، بلِ اللهُ هو الدَّيَّان، يَضَعُ هٰذا ويَرفَعُ ذاكَ. لأَنَّ بِيَدِ الرَّبِّ كأسًا، مَزيجُها مَمْلوءٌ نَبيذًا مُختَمِرًا. يَصُبُّ مِنها، وجَميعُ أَشرارِ الأرضِ يَمُصُّون ثُمالَتَها ويَشرَبونَها. أَمَّا أَنا فأُخبِرُ به لِلأَبَد، وأَعزِفُ لِإلٰهِ يَعْقوب. وأُحَطِّمُ قُوَّةَ الأَشْرار، فتَرتَفِعُ قُوَّةُ البارّ. لإمامِ الغِناء. على ذَواتِ الأَوتار. مزمور. لِآساف. نشيد. أَللهُ مَعْروفٌ في يَهوذا، وٱسمُه عَظيمٌ في إِسْرائيل، وفي شَليمَ خَيمَتُه، وفي صِهْيونَ مَقَرُّه. هُناكَ كَسَّرَ بَريقَ الأَقْواس، والتُّرسَ والسَّيفَ والقِتال. إِنَّكَ نَيِّرٌ وقَدير، مِن جِبالِ الغَنيمة. سُلِبَ أَقوِياءُ القُلوب، ناموا نَومَهم، وكُلُّ رِجالِ البَأسِ خانَتهم سَواعِدُهم. مِنِ ٱنتِهارِكَ يا إِلٰهَ يَعْقوب، جَمَدَتِ المَركَباتُ والخُيول. أَنتَ رَهيبٌ، فمَن يَقِف أَمامَ وَجهِكَ عِندَ غَضَبِكَ؟ مِنَ السَّماءِ أَسَمعتَ حُكمًا، فخافَتِ الأَرضُ وسَكَنَت. عِندَما قامَ اللهُ لِلقَضاء، لِيُخَلِّصَ وُضَعاءَ الأَرضِ جَميعًا. غَضَبُ الإِنسانِ يَحمَدُكَ، والنَّاجونَ مِنَ الغَضَبِ تَتَمَنطَقُ بِهِم. أُنذُروا وأَوفوا لِلرَّبِّ إِلٰهِكم، وكُلُّ الَّذينَ حَولَه حَمَلوا لِلرَّهيبِ هَدايا. هو يَقطَعُ أَنْفاسَ الرُّؤَساء، وهو الرَّهيبُ عِندَ مُلوكِ الأَرض. لإمامِ الغِناء. على «يَدوتون». لِآساف. مزمور. إِلى اللهِ صَوتي فأَصرُخ، إِلى اللهِ صَوتي فإِلَيَّ يُصْغي. في يَومِ ضيقي ٱلتَمَستُ السَّيِّد. في اللَّيلِ ٱنبَسَطَت يَدي ولم تَكِلّ. ونَفْسي أَبَت أَن تَتَعَزَّى. أَذكُرُ اللهَ فتئِنُّ نَفْسي، أَتأَمَّلُ فيُغْشى على روحي. أَمسَكتَ أَجْفانَ عَينَيَّ. إِضطَرَبتُ فلَم أَتَكَلَّم. فكَّرتُ في الأَيَّامِ القَديمة، في السِّنينَ الغابِرة. في اللَّيلِ أَذكُرُ مَعْزوفَتي، أَتأَمَّلُ بِقَلْبي ويَبحَثُ روحي. أَلِلأَبَدِ يَنبِذُ السَّيِّد، ولا يَرضى مِن بَعْدُ؟ أَلِلأَبَدِ ٱنقَضَت رَحمَتُه، وإِلى جيلٍ فجيلٍ ٱنتَهَت كَلِمَتُه؟ أَنَسِيَ اللهُ رأفَتَه، أَم حَبَسَ مِنَ الغَضَبِ أَحشاءَه؟ فقُلتُ: «هٰذا ما يَحُزُّ في نَفْسي. يَمينُ العَلِيِّ تَغَيَّرَت». أَذكُرُ أَعْمالَ الرَّبِّ، أَذكُرُ عَجائِبَكَ القَديمة، وأُتَمتِمُ بِجَميعِ أَفعالِكَ، وأَتأَمَّلُ في أَعمالِكَ. أَللَّهُمَّ سُبُلُكَ قَداسة. أَيُّ إِلٰهٍ عَظيمٌ مِثلُ الله؟ أَنتَ الإِلٰهُ الصَّانِعُ العَجائب، وبِعِزَّتِكَ قد أَخْبَرْتَ الشُّعوب. بِذِراعِكَ ٱفتَدَيتَ شَعبَكَ، بَني يَعْقوبَ ويوسُف. رأَتكَ المِياهُ يا أَلله، رأَتكَ المِياهُ فرَجَفَت، والغِمارُ ٱرتَعَدَت. الغُيومُ سَكَبَتِ المِياه، والسُّحُبُ رَفَعَتِ الأَصْوات، وسِهامُكَ تَطايَرَت. صَوتُ رَعدِكَ يُدَوِّي. البُروقُ أَضاءَتِ الدُّنْيا، والأَرضُ ٱرتَعَدَت وتَزَلزَلَت. في البَحرِ طَريقُكَ، وفي المِياهِ الغَزيرةِ سُبُلُكَ، ولا تُعرَفُ آثارُكَ. هَدَيتَ شَعبَكَ كالغَنَم، بِيَدِ موسى وهارون. تَعليم. لِآساف. أَصغِ يا شَعْبي إِلى شَريعَتي، أَمِلْ أُذُنَيكَ إِلى أَقْوالِ فَمي. أَفتَحُ فَمي بِالأَمْثال، وأَفيضُ بِأَلْغازِ الزَّمَنِ القَديم. ما سَمِعْناه وعَرَفْناه، وما أَخبَرَنا به آباؤُنا، لا نَكتُمُه عن بَنيهم، بل نُخبِرُ بِه الجيلَ الآتي: تَسابيحَ الرَّبِّ وعِزَّتَه، وعَجائِبَه الَّتي صَنَعَها، لأَنَّه أَقامَ شَهادةً في يَعْقوب، ووَضَعَ شَريعةً في إِسْرائيل. وأَوصى آباءَنا أَن يُعَلِّموها أَبناءَهم، لِكَي يَعلَمَ الجيلُ الآتي، البَنونَ الَّذينَ سيُولَدون. فيَقوموا ويُخبِروا أَبْناءَهم، حتَّى يَضَعوا ثِقَتَهم في الله، ولا يَنْسَوا أَعمالَ الرَّبّ، بل يَحفَظوا وَصاياه. ولا يَكونوا مِثلَ آبائِهم، الجيلِ العاصي المُتَمَرِّد، الجيلِ الَّذي لم يَثبُتْ قَلبُه، ولا كانَ أَمينًا للهِ روحُه. إِنَّ بَني أَفْرائيمَ النَّبَّالةَ الماهِرين، في يَومِ القِتالِ أَدبَروا. لم يَحفَظوا عَهدَ الله، وأَبَوا أَن يَسيروا في شَريعَتِه. ونَسُوا أَعْمالَه وعَجائِبَه الَّتي أَراهم، إِذ صَنَعَ العَجائِبَ أَمامَ آبائِهم، في أَرضِ مِصرَ، في حُقولِ صُوعَن. فَلَقَ البَحرَ فجَعَلَهم يَعبُرون، وأَقامَ المِياهَ كأَنَّها أَسْوار. وهَداهم بِالغَمامِ في النَّهار، وفي اللَّيلِ كُلِّهِ بِضَوءِ النَّار. فَلَقَ الصُّخورَ في البَرِّيَّة، فسَقاهم كأَنَّما مِن غِمارٍ غَزيرة، وأَخرَجَ سَواقِيَ مِنَ الصَّخرَة، وأَجْرى المِياهَ كالأَنْهار. وعادوا يَخطَأونَ إِلَيه، ويَتَمرَّدونَ على العَلِيِّ في البَرِّيَّة. وجَرَّبوا اللهَ في قُلوبِهم، سائِلينَ طَعامًا لأَنفُسِهم. فَتَكلَّموا على اللهِ وقالوا: «أَيَقدِرُ اللهُ أَن يُعِدَّ في البَرِّيَّةِ مائِدة؟ إِنَّه ضَرَبَ الصَّخرَة، فسالَتِ المِياهُ وفاضَتِ السُّيول، فهَل يَقدِرُ أَيضًا أَن يُعطِيَ خُبزًا، أَو يُعِدَّ لِشَعبِه لَحمًا؟». فسَمِعَ الرَّبُّ فثارَ ثائِرُه. فاشتَعَلَتِ النَّارُ على يَعْقوب، وثارَ الغَضَبُ على إِسْرائيل، لأَنَّهم لم يُؤمنوا بِالله، ولا ٱتَّكَلوا على خَلاصِه. ثُمَّ أَمَرَ الغُيومَ مِنَ العَلاء، وفَتَح أَبْوابَ السَّماء، وأَمطَرَ علَيهمِ المَنَّ لِيَأكُلوا، وأَعطاهم حِنطَةَ السَّماء، فأَكَلَ الإِنْسانُ خُبزَ الأَقوِياء، وأَرسَلَ إِلَيهم زادًا حتَّى شَبِعوا. بَعَثَ في السَّماءِ ريحًا شَرقِيَّة، وساقَ بِقُدرَتِه ريحًا جَنوبِيَّة، فأَمطَرَ علَيهم لُحومًا كالتُّراب، وطُيورًا كَرَمْلِ البِحار، وأَسقَطَها في وَسَطِ مُخَيَّمِهم حَولَ مَنازِلِهم. فأَكَلوا وشَبِعوا تَمامًا، وأَتاهم بِمَا يَشتَهون، ولم يُسَكِّنوا مُشْتَهاهم، وطَعامُهم ما زالَ في أَفْواهِهم، حتَّى ثارَ فيهم غَضَبُ الله، وقَتَلَ الأَقوِياءَ مِنهم، وصَرَعَ شَبابَ إِسْرائيل. مع هٰذا كُلِّه عادوا يَخطَأون، ولم يُؤمِنوا بِعَجائِبِه فأَفْنى أَيَّامَهم بِنَفخَة، وسِنيهم بِمَخافَة. ولَمَّا كان يَقتُلُهم، كانوا يَلتَمِسونَه ويَتوبون، وإِلى اللهِ يَبتَكِرون، ويَذكُرونَ أَنَّ اللهَ صَخرَتُهم، وأَنَّ الإلٰهَ العَلِيَّ فاديهِم. فخَدَعوه بِأَفْواهِهم، وكَذَبوا علَيه بِأَلسِنَتِهم. أَمَّا قُلوبُهم فلم تَكُنْ معَه، ولا آمَنوا بِعَهدِه. وهو رَحيمٌ يَغفِرُ الإِثمَ ولا يُهلِك، وكَثيرًا ما يَرُدُّ غَضَبَه، ولا يُثيرُ كُلَّ سُخطِه، ويَذكُرُ أَنَّهم بَشَر، نَفَسٌ يَذهَبُ ولا يعود. كم مَرَّةٍ تَمَرَّدوا في البَرِّيَّةِ علَيه، وفي القِفارِ أَغضَبوه، وعادوا فجَرَّبوا الله، وأَحزَنوا قُدُّوسَ إِسْرائيل. لم يَذكُروا يَدَه، يَومَ ٱفتَداهم مِنَ المُضايِق. هو الَّذي جَعَلَ في مِصرَ آياتِه، وفي حُقولِ صُوعَنَ مُعجِزاتِه، فحَوَّلَ أَنْهارَهم إِلى دِماء، وسواقِيَهم لِكَيلا يَشرَبوا. أَرسَلَ علَيهم ذُبابًا فأَكَلَهم، وضَفادِعَ فأَهلَكَتهم، وأَسلَمَ إِلى الدَّبى غَلاَّتِهم، وإِلى الجَرادِ ثَمَرَ أَتْعابِهم. أَهلَكَ بِالبَرَدِ كُرومَهم، وبِالصَّقيعِ جُمَّيزَهم، وأَسلَمَ إِلى البَرَدِ بَهائِمَهم، وإِلى الحَريقِ قُطْعانَهم. أَرسَلَ علَيهم نارَ غَضَبِه، السُّخْطَ والحَنَقَ والشِّدَّة، أَرسَلَ مَلائِكَةً مُهلِكين. شَقَّ لِغَضَبِه طَريِقًا. لم يَحفَظْ مِنَ المَوتِ نُفوسَهم، وأَسلَمَ إِلى الوَباءِ حَياتَهم، وضَرَبَ كُلَّ بِكرٍ في مِصرَ، بَواكيرَ الرُّجولَةِ في خيامِ حام. ثُمَّ رَحَّلَ شَعبَه كالغَنَم، وساقَهم كالقَطيعِ في البَرِّيَّة، وهَداهم في أمانٍ فلم يَخافوا، ووارى البَحرُ أَعْداءَهم. وأَدخَلَهم أَرضَ قُدسِه، الجَبَلَ الَّذي ٱقتَنَته يَمينُه، وطَرَدَ الأُمَمَ مِن وُجوهِهِم، وجَعَلَ بِحَبلِ القُرعَةِ ميراثًا لَهم، وأَسكَنَ أَسْباطَ إِسْرائيلَ في خِيامِهم. وجَرَّبوا اللهَ العَلِيَّ وتَمَرَّدوا، ولم يَحفَظوا شَهادَتَه وٱرتَدُّوا فغَدَروا كآبائِهم، وٱنقَلَبوا كالقَوسِ الخادِعة. وأَسخَطوه بِمَشارِفِهم، وأَغاروه بِتَماثِيلِهم. سَمِعَ اللهُ فثار ثائِرُه، ونَبَذَ إسرائيلَ نَبْذًا، وهَجَرَ مَسكِنَ شيلو، الخَيمةَ الَّتي نَصَبَها بَينَ النَّاس. وأَسلَمَ إِلى الأَسْرِ عِزَّتَه، وإِلى يَدِ المُضايِقِ جَلالَه، وأَسلَمَ إِلى السَّيفِ شَعبَه، وغَضِبَ على ميراثِه. أَكَلَتِ النَّارُ شَبابَهم، ولم يُزَغرَدْ لِعَذاراهم. بِالسَّيفِ سَقَطَ كَهَنتُهم، وما بَكَت أَرامِلُهم. كالنَّائِمِ ٱستَيقَظَ السَّيِّد، وكالجَبَّارِ الَّذي فَرِحَ بِالخَمْر، فضَرَبَ أَعْداءَه في أَدْبارِهم، وجَعَلَهم عارًا أَبَدَ الدُّهورِ. ونَبَذَ خَيمَةَ يوسُف، ولم يَخْتَرْ سِبْطَ أَفْرائيم، بلِ اخْتارَ سِبْطَ يَهوذا، جَبَلَ صِهْيونَ الَّذي أَحَبَّ، وبَنى مَقدِسَه كالعُلى، كالأَرضِ الَّتي أَسَّسَها لِلأَبَد. وٱختارَ داوُدَ عَبدَه، ومِن حَظائرِ الغَنَمِ أَخَذَه، مِن خَلْفِ المُرضِعاتِ أَتى بِه، لِيَرْعى يَعْقوبَ عَبدَه وإِسْرائيلَ ميراثَه. فرَعاهم بِسلامَةِ قَلْبِه، وهَداهم بِفِطْنَةِ يَدَيه. مزمور. لِآساف. أَللَّهُمَّ، قد دَخَلَتِ الأُمَمُ ميراثَكَ، نَجَّسَت هَيكَلَ قُدسِكَ، جَعَلَت أُورَشَليمَ أَطْلالًا. أَسلَمَت جُثَثَ عَبيدِكَ طَعامًا لِطُيورِ السَّماء، ولُحومَ أَصفِيائِكَ لِوُحوشِ الأَرض. سَفَكَت دِماءَهم كالماءِ حَولَ أُورَشَليم، ولم يَكُنْ مَن يُواري الثَّرى. صِرْنا عارًا لِجيرانِنا، هُزُؤًا وسُخرِيَّةً لِلَّذينَ حَولَنا. إِلامَ يا رَبُّ؟ أَعلى الدَّوامِ تَغضَب، وكالنّارِ تَتَّقِدُ غَيرَتُكَ؟ صُبَّ غَضَبَكَ على الأُمَمِ الَّتي ما عَرَفَتكَ، وعلى المَمالِكِ الَّتي لم تَدْعُ بِٱسمِكَ، فإِنَّها قد أَكَلَت يَعْقوب، وخَرَّبَت مَسكِنَه. لا تَنسِبْ إِلَينا آثامَ الأَقْدَمين، أَسرِعْ، ولْتُبادِرْنا مَراحِمُكَ، فقد ذُلِّلْنا تَذليلًا. أُنصُرْنا يا إِلٰهَ خَلاصِنا إِكرامًا لِمَجدِ ٱسمِكَ، وأَنقِذْنا وٱغفِرْ خَطايانا مِن أَجلِ ٱسمِكَ. لِمَ تَقولُ الأُمَمُ: «أَينَ إِلهُهم»؟ لِيُعْرَفْ عِندَ الأُمَمِ وأَمامَ عُيونِنا، الثَّأرُ لِدِماءِ عَبيدِكَ المَسْفوكة، ولْيَبلُغْ إِلى أَمامِكَ تَنَهُّدُ الأسير. بِعَظَمَةِ ذِراعِكَ أَبقِ أَبْناءَ المَوت. أُردُدْ على جيرانِنا العارَ الَّذي عَيَّروكَ بِه، سَبعَةَ أَضْعافٍ في أَحضانِهم أَيُّها السَّيِّد، ونَحنُ شَعبَكَ وغَنَمَ رَعِيَّتِكَ، لِلأَبَدِ نَحمَدُكَ، إِلى جيلٍ فجيلٍ نُحَدِّثُ بِتَسْبِحَتِكَ. لإمامِ الغِناء. على «السَّوسَن». شهادة. لِآساف. مزمور. يا راعِيَ إِسْرائيلَ، أَصغِ، يا هادِيَ يوسُفَ كالقطيع، يا جالِسًا على الكَروبينَ، أَشرِقْ. أَمامَ أَفْرائيمَ وبَنْيامينَ ومَنَسَّى، أَيقِظْ جَبَروتَكَ وهَلُمَّ لِخَلاصِنا. أَللَّهُمَّ أَرجِعْنا، وأَنِرْ علَينا بِوَجهِكَ فنَخلُص. أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّات، إِلى مَتى تَغضَبُ على صَلاةِ شَعبِكَ؟ لقَد أَطعَمتَهم خُبزَ الدُّموع، وسَقَيتَهم فَيضًا مِنَ العَبَرات. جَعَلتَنا مَثارَ نِزاعٍ لِجيرانِنا، وٱستَهزَأَ بِنا أَعداؤُنا. يا إِلٰهَ القُوَّاتِ أَرجِعْنا، وأَنِرْ علَينا بِوَجهِكَ فنَخلُص. مِن مِصرَ ٱقتَلَعتَ كَرمَةً، ولِتَغرِسَها طَرَدتَ أُمَمًا، مَهَّدتَ لَها فأَصَّلَت أُصولَها، ومَلأَتِ الأَرض. ظِلُّها غَطَّى الجِبال، وأَغصانُها أَرْزَ الله. إِلى البَحرِ مَدَّت قُضْبانَها، وإِلى النَّهرِ فِراخَها. لِماذا كَسَرتَ سِياجَها، فقَطَفَها كُلُّ عابِرِ سَبيل؟ خِنْزيرُ الغابِ أَتلَفَها، ووَحشُ الحُقولِ رَعاها. إِرْجِعْ يا إِلٰهَ القُوَّات، تَطَلَّعْ مِنَ السَّماءِ وٱنظُرْ، وٱفتَقِدْ هٰذه الكَرمَة، وٱحْمِ ما غَرَسَت يَمينُكَ. أَحرَقوها بِالنَّارِ كأَنَّها نُفاية. مِن تَجَهُّمِ وَجهِكَ يَهلِكون. لِتَكُنْ يَدُكَ على رَجُلِ يَمينِكَ، على ٱبنِ الإِنسانِ الَّذي أَيَّدتَه لَكَ. فلا نَرتَدَّ عنكَ. تُحْيينا فنَدْعو بِٱسمِكَ. أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّاتِ أَرجِعْنا، أَنِرْ علَينا بِوَجهِكَ فنَخلُص. لإمامِ الغِناء. على الجِتِّيَّة. لِآساف. هَلِّلوا للهِ عِزَّتِنا، إِهتِفوا لإلٰهِ يَعْقوب. خُذوا في العَزْفِ وٱضرِبوا بِالدُّف، وبِالكِنَّارةِ الرَّخيمةِ والعود. أُنفُخوا في البوقِ عِندَ رأسِ الشَّهْر، وفي أَوانِ البَدْرِ لِيَومِ عيدِنا. فإِنَّه فَريضَةٌ على إِسْرائيل، وحُكمٌ لإلٰهِ يَعْقوب. جَعَلَه شَهادةً في يوسُف، عِندَ خُروجِه على أَرضِ مِصْر. سَمِعتُ لِسانًا لم أَكُنْ أَعرِفُه: «حَطَطتُ الحِمْلَ عن كاهِلِه، وٱنصَرَفَت يَداه عنِ القُفَّة. في الضِّيقِ دَعَوتَني فأَنقَذتُكَ، مِن حِجابِ الرَّعدِ ٱستَجَبتُ لَكَ. عِندَ مياهِ مَريبةَ ٱمتَحَنتُكَ. إِسمَعْ يا شَعْبي فأُشهِدَ علَيكَ، يا إِسْرائيلُ لوِ ٱستَمَعتَ لي. لا يَكُنْ عِندَكَ إِلٰهٌ غَريب، ولا تَسْجُدْ لإلٰهٍ دَخيل، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ، الَّذي أَصعَدَكَ مِن أَرضِ مِصْر، فأَوْسِعْ فَمَكَ لأَملأَه. لَكِنَّ شَعْبي لم يَسْمَع لِصَوتي، وإِسْرائيلَ لم يُرِدْني، فأَسلَمتُهم إِلى إِصْرارِ قُلوبِهم، يَسيرونَ على هَواهم. لو سَمِعَ لي شَعْبي، وسَلَكَ إِسْرائيلُ طُرُقي، لَأَذلَلتُ في لَمْحِ البَصَرِ أَعْداءَهم، ورَدَدتُ يَدي على مُضايِقيهم. ولَتَمَلَّقَ لَه مُبغِضو الرَّبِّ، وكانَ ذٰلك مَصيرُهم لِلأَبَد، مِن لُبابِ الحِنطَةِ أَطعَمتُه، ومِن عَسَلِ الصَّخرَةِ أَشبَعتُه». مزمور. لِآساف. أَللهُ في جَماعةِ اللهِ قائِم، في وَسْطِ الآلِهَةِ يَقْضي: «إِلى مَتى بِالظُّلْمِ تَقْضون، ووُجوهَ الأَشْرارِ تُحابون؟ أُحكُموا لِلكَسيرِ واليَتيم، وأَنصِفوا البائِسَ والفَقير، نَجُّوا الكَسيرَ والمِسْكين، وأَنقِذوه مِن أَيدي الأَشْرار. لا يَعلَمونَ ولا يَفهَمون، وفي الظُّلمَةِ يَسيرون، فتُزَلزَلُ أُسُسُ الأَرضِ كُلُّها. قد قُلتُ: أَنتُم آلِهَة، وبَنو العَلِيِّ كُلُّكم، كَلاَّ! بل كالبَشَرِ تَموتون، وكَرَجُلٍ واحدٍ، أَيُّها الرُّؤَساءُ، تَسقُطون». قُمْ، يا أَللهُ، ودِنِ الأَرضَ، فإِنَّكَ أَنتَ وارِثٌ لِلأُمَمِ جَميعًا. نَشيد. مزمور. لِآساف. أَللَّهُمَّ لا تَظَلَّ ساكِتًا. لا تَصمُتْ ولا تَهدَأْ يا أَلله، فإِنَّ أَعداءَكَ يُزَمجِرون، ومُبغِضيكَ الرُّؤُوسَ يَرفَعون. لِشَعبِكَ المَكايِدَ يَحوكون، وعلى مَحمِيِّيكَ يَتآمَرون. قالوا: «هَلُمَّ نَمحُهم مِنَ الأُمَم، فلا يُذكَرِ ٱسمُ إِسْرائيلَ مِن بَعدُ». بِقَلبٍ واحِدٍ تَشاوَروا، وعلَيكَ عَهدًا قَطَعوا. خِيامُ أَدومَ والإِسماعيلِيُّون، وموآبُ والهاجَرِيُّون. وجَبالُ وعَمُّونُ وعَماليق، وفَلِسْطينُ مع سُكَّانِ صور، وأَشُّورُ أَيضًا ٱنضَمَّ إِلَيهم، وصارَ لِبَني لوطٍ ذِراعًا. إِصْنَعْ بِهم ما بِمِديَنَ وسيسَرا، ويابينَ في وادي قِيشون، مَن أُبيدوا في عَينَ دور، ولِلأَرضِ أَمسَوا سَمادًا. إِجعَلْ مِثلَ عوريبَ وزَئيبَ رُؤَساءَهم، وزابَحَ وصَلْمُنَّاعَ جَميعَ أُمَرائِهم، مَن قالوا: «لِنَرِثْ مَساكِنَ الله». أَللَّهُمَّ ٱجعَلْهُم كالزَّوبَعة، وكالقَشِّ في مَهَبِّ الرِّيح. وكما تُحرِقُ النَّارُ الغابة، ويُضرِمُ اللَّهيبُ الجِبال، كذٰلك طارِدْهم بِعاصِفَتِكَ، ورَوِّعْهم بِزَوبَعَتِكَ. إِمْلأْ وُجوهَهم عارًا، فيَلتَمِسوا ٱسمَكَ يا رَبُّ. لِيَخْزَوا ويَرتاعوا لِلأَبَد، ولْيَخْجَلوا ويَهلِكوا، فيَعلَموا أَنَّكَ أَنتَ وَحدَكَ ٱسمُكَ الرَّبُّ، المُتَعالي على الأَرضِ كُلِّها. لإمامِ الغِناء. على الجِتِّيَّة. لِبَني قورَح. مزمور. ما أَحبَّ مساكِنَكَ يا رَبَّ القُوَّات، تَشْتاقُ وتَذوبُ نَفْسي إِلى دِيارِ الرَّبّ، ويُهَلِّلُ قَلْبي وجِسْمي لِلإلٰهِ الحَيّ. العُصْفورُ وَجَدَ له مَأوى، واليَمامَةُ عُشًّا تَضَعُ فيه أَفْراخَها عِندَ مَذابِحِكَ، يا رَبَّ القُوَّات، مَلِكي وإِلٰهي. طوبى لِسُكَّانِ بَيتِكَ، فإِنَّهم لا يَكُفُّونَ عن تَسْبيحِكَ. طوبى لِلَّذينَ بِكَ عِزَّتُهم، ففي قُلوبِهم مَراقٍ إِلَيكَ. إِذا مَرُّوا بِوادي البَلَسان، جَعَلوا مِنه يَنابيع، وباكورَةُ الأَمطارِ تَغمُرُهم بِالبَرَكات. مِن ذُروَةٍ إِلى ذُروَةٍ يَسيرون، حتَّى يَتَجَلَّى اللهُ لَهم في صِهْيون. أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّات، اِستَمِعْ صَلاتي وأَصْغِ يا إِلٰهَ يَعْقوب. أَللَّهُمَّ يا تُرسَنا ٱنظُرْ، وإِلى وَجهِ مَسيحِكَ تَطَلَّعْ. إِنَّ يَومًا في دِيارِكَ خَيرٌ من أَلْفٍ كما أَشاء، والوُقوفَ في عَتَبَةِ بَيتِ إِلٰهي خَيرٌ مِنَ السُّكْنى في خِيامِ الأَشْرار. الرَّبُّ الإِلٰهُ سورٌ وتُرْسٌ، يَهَبُ النِّعمَةَ والمَجْد، لا يَمنَعُ الخيرَ عنِ السَّائرينَ في الكَمال. طوبى للإنسانِ المُتَّكِلِ علَيكَ يا رَبَّ القُوَّات. لإمام الغِناء. لِبَني قورَح. مزمور. رَضيتَ يا رَبُّ عن أَرضِكَ، رَدَدتَ أَسْرى يَعْقوب. رَفَعتَ عن شَعبِكَ آثامَه، سَتَرتَ جَميعَ خَطاياه. سَحَبتَ كُلَّ سُخطِكَ، ورَجَعتَ عن سَورةِ غَضَبِكَ. أَرجِعْنا يا إِلٰهَ خَلاصِنا، وٱصرِفْ غَيظَكَ عنَّا. أَلِلأَبَدِ تَغضَبُ علَينا؟ أَإِلى جيلٍ فجيلٍ تُطيلُ غَضَبَكَ؟ أَلا تعودُ تُحْيينا، فيَفرَحَ بِكَ شَعبُكَ؟ أَرِنا يا رَبُّ رَحمَتَكَ، وهَبْ لَنا خَلاصَكَ. إِنِّي أَسمَعُ ما يَتَكَلَّمُ بِه الله. لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ بالسَّلام، بالسَّلامِ لِشَعبِه ولأَصفِيائِه، فلا يَعودوا إِلى الحَماقة. قَريبٌ خَلاصُه مِمَّن يَتَّقونَه، لِيَحِلَّ المَجدُ في أَرْضِنا. الرَّحمَةُ والحَقُّ تَلاقَيا، البِرُّ والسَّلامُ تَعانَقا. مِنَ الأَرضِ نَبَتَ الحَقّ، ومِنَ السَّماءِ تَطَلَّعَ البِرّ. إِنَّ الرَّبَّ يُعْطي الخَيرات، وأَرضَنا تُعْطي ثَمَرَها. أَمامَه البِرُّ يَسير، وبِخَطَواتِه يَشُقُّ الطَّريق. صلاة. لِداود. أَمِلْ يا رَبِّ أُذُنَكَ وٱستَجِبْ لي، فإِنِّي بائِسٌ مِسْكين. إِحفَظْ نَفْسي فإِنِّي صَفِيّ، خَلِّصْ أَنتَ، إِلٰهي، عَبدَكَ المُتَّكِلَ علَيكَ. إِرحَمْني أَيُّها السَّيِّد، فإِنِّي طَوالَ النَّهارِ أَصرُخُ إِلَيكَ. فَرِّحْ نَفْسَ عَبدِكَ، فإِلَيكَ أَيُّها السَّيِّدُ رَفَعتُ نَفْسي. لأَنَّكَ أَيُّها السَّيِّدُ صالِحٌ غَفور، وافِرُ الرَّحمَةِ لِجَميعِ الصَّارِخينَ إِلَيكَ. أَصْغِ يا رَبِّ إِلى صَلاتي، وأَنصِتْ إِلى صَوتِ تَضَرُّعي. في يَومِ ضيقي إِلَيكَ أَصرُخ، لأَنَّكَ تَستَجيبُ لي. لَيسَ في الآلِهَةِ مِثلُكَ أَيُّها السَّيِّد، ولا شَيءٌ كَأَعمالِكَ. جَميعُ الأُمَمِ الَّتي صَنَعتَها تأتي وتَسجُدُ أَمامَكَ، أَيُّها السَّيِّدُ وتُمَجِّدُ ٱسمَكَ. لأَنَّكَ عَظيمٌ وصانِعُ العَجائب، وَحدَكَ أَنتَ الله. عَلِّمْني يا رَبُّ طُرُقَكَ، فأَسيرَ في حَقِّكَ. وَحِّدْ قَلْبي فأَخافَ ٱسمَكَ. أَيُّها السَّيِّدُ إِلٰهي بِكُلِّ قَلْبي أَحمَدُكَ، ولِلأَبَدِ أُمَجِّدُ ٱسمَكَ. لأَنَّ رَحمَتَكَ علَيَّ عَظيمة، وقد أَنقَذتَ نَفْسي مِن عُمْقِ مَثْوى الأَمْوات. أَللَّهُمَّ عَلَيَّ المُتَكَبِّرونَ قاموا، وجَماعَةُ أَشِدَّاءَ نَفْسي طَلَبوا، ولم يَجْعَلوكَ نُصبَ عُيونِهم. وأَنتَ، أَيُّها السَّيِّدُ، إِلٰهٌ رَحيمٌ رَؤُوف، طَويلُ الأَناةِ ووافِرُ الحَقِّ والرَّحمَة. إِلتَفِتْ إِلَيَّ وٱرحَمْني. هَبْ لِعَبدِكَ قُوَّةً مِنكَ، وخَلِّصِ ٱبنَ أَمَتِكَ. إِصنَعْ مَعي آيةً لِلخَير، فيَرى مُبغِضِيَّ ويَخزَوا، لأَنَّكَ أَنتَ يا رَبُّ نَصَرتَني وعَزَّيتَني. لِبَني قورَح. مزمور. نشيد. على الجِبالِ المُقَدَّسةِ أَساسُها. الرَّبُّ يُؤثِرُ أَبوابَ صِهْيون، على جَميعِ مَساكِنِ يَعْقوب. لقد قيلَتِ الأَمجادُ فيكِ، يا مَدينةَ الله. أَذكُرُ رَهَبَ وبابِلَ لِمَعارِفي، هُوَذا فَلِسْطينُ وصورُ مع كوش: «فيها وُلِدَ فُلان». أَمَّا صِهْيونُ فيُقالُ فيها: «كُلُّ إِنسانٍ وُلِدَ فيها» والعَلِيُّ هو الَّذي ثَبَّتَها. الرَّبُّ يُدَوِّنُ في سِجِلِّ الشُّعوب أَنَّ فُلانًا وُلِدَ فيها. فيَقولُ المُرَنِّمونَ والرَّاقِصون: «فيكِ جَميعُ يَنابيعي». نَشيد. مَزمور. لِبَني قورَح. لإمامِ الغِناء. لِلمَرَض. لِلحُزْن. تعليم. لِهَيمانَ الأَزْراحي. أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ خلاصي، في النَّهارِ صَرَختُ وأَنا في اللَّيلِ أَمامَكَ. لِتَبلُغْ صَلاتي إِلى أَمامِكَ، أَمِلْ أُذُنَكَ إِلى صُراخي. فقد شَبِعَت مِنَ البَلايا نَفْسي، ولامَسَت مَثْوى الأَمواتِ حَياتي. حُسِبتُ مع المُنحَدِرينَ في الجُبِّ، صِرتُ كَرَجُلٍ لا قُوَّةَ لَه. فِراشي بَينَ الأَمْوات مِثْلُ القَتْلى الرَّاقِدينَ في القُبور. مَن عُدتَ لا تَذكُرُهم، وهم مِن يَدِكَ مُنتَزَعون. جَعَلتَني في الجُبِّ الأَسفَل، في الأَعماقِ والظُّلُمات. علَيَّ ثَقُلَ غَضَبُكَ، وضايَقتَني بِجَميعِ أَمْواجِكَ. أَبعَدتَ عنِّي مَعارِفي، ولَهم قَبيحةً جَعَلتَني. قد أُغلِقَ علَيَّ فلا مَخرَجَ لي، ذابَت مِنَ البُؤسِ عَيني. إِلَيكَ يا رَبِّ طَوالَ النَّهارِ صَرَختُ، وإِلَيكَ كَفَّيَّ بَسَطتُ. «أَلِلأَمْواتِ تَصنَعُ العَجائِب، أَم يَقومُ الأَشْباحُ لِيَحمَدوكَ؟ أَفي القبرِ يُحَدَّثُ بِرَحمَتِكَ، وفي الهاوِيَةِ بِأَمانَتِكَ؟ أَفي الظُّلمَةِ تُعرَفُ عَجائِبُكَ، وفي أَرضِ النِّسْيانِ بِرُّكَ؟». إِلَيكَ يا رَبِّ أَصرُخ، وإِلَيكَ في الصَّباحِ تُبادِرُ صَلاتي. لِمَ يا رَبِّ تَنبِذُ نَفْسي، وتَحجُبُ وَجهَكَ عَنِّي؟ مِسْكينٌ أَنا ومُنازِعٌ مُنذُ طُفولَتي، وقد قاسَيتُ أَهْوالَكَ فعَييت. جازَ علَيَّ غَضَبُكَ، وأَفنَتني مَخاوِفُكَ. كالمِياهِ أَحاطَت بي طَوالَ النَّهار، وأَطبَقَت علَيَّ في آنٍ واحِد. أَبعَدتَ عنِّي المُحِبَّ والرَّفيق، فلَيسَ لي سِوى الظَّلامِ أَنيس. تَعليم. لأَيتانَ الأَزْراحي. بِمَراحِمِ الرَّبِّ لِلأَبَدِ أَتَغَنَّى، وإِلى جيلٍ فجيلٍ أُعلِنُ بِفَمي أَمانَتَكَ، لأَنَّكَ قُلتَ: «الرَّحمَةُ تُبْنى لِلأَبَد، وفي السَّمَواتِ ثَبَّتَّ أَمانَتَكَ. مع مُخْتاري عَهْدًا قَطَعتُ، ولِداوُدَ عَبْدي أَقسَمتُ. لَأُثَبِّتَنَّ نَسلَكَ لِلأَبَد، ولَأَبنِيَنَّ عَرشَكَ مَدى الأَجْيال». فتُشيدُ السَّمٰواتُ يا رَبُّ بِعَجيبَتِكَ، وفي جَماعةِ القِدِّيسينَ بِأَمانَتِكَ. ومَن في الغُيومِ يُشابِهُ الرَّبّ، أَو مَن بَينَ أَبْناءِ الآلِهَةِ يُمَاثِلُ الرَّبّ؟. اللهُ رَهيبٌ في مَجلِسِ القِدِّيسين، عَظيمٌ ومَهيبٌ عِندَ جَميعِ مَن حَولَه. مَن مِثلُكَ أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّات؟ أَنتَ قَوِيٌّ يا رَبُّ وأَمانَتُكَ مِن حَولِكَ. مُتَسَلِّطٌ أَنتَ على طُغْيانِ البِحار، وأَنتَ تُسَكِّنُ أَمْواجَها عِندَ ٱرتِفاعِها. أَنتَ مِثْلَ القَتيلِ سَحَقتَ رَهَب، وبِذِراعِ عِزَّتِكَ بَدَّدتَ أَعْداءَك. لَكَ السَّمٰواتُ ولَكَ الأَرضُ أَيضًا، أَنتَ أَسَّستَ الدُّنْيا وما فيها. أَنتَ خَلَقتَ الشَّمالَ والجَنوب، لِٱسمِكَ يُهَلِّلُ تابورُ وحَرمون. ذاتُ جَبَروتٍ ذِراعُكَ، قَوِيَّةٌ يَدُكَ ورَفيعَةٌ يَمينُكَ. البِرُّ والإِنْصافُ قاعِدَةُ عَرشِكَ، الرَّحمَةُ والحَقُّ يَسيرانِ أَمامَ وَجهِكَ. طوبى لِلشَّعبِ الَّذي يَعرِفُ الهُتاف. يا رَبُّ، بِنورِ وَجهِكَ يَسيرون. بِٱسمِكَ طَوالَ النَّهارِ يَبتَهِجون، وبِبِرِّكَ يَنتَصِبون. لأَنَّكَ أَنتَ فَخرُ عِزَّتِهم، وبِرِضاكَ تُعَزِّزُ قُوَّتَنا، لأَنَّ لِلرَّبِّ تُرسَنا، ولِقُدُّوسِ إِسْرائيلَ مَلِكَنا. خاطَبتَ قديمًا أَصفِياءَكَ في رُؤْيا وقُلتَ: «إِنِّي نَصَرتُ جَبَّارًا، ورَفَعتُ مِن بَينِ الشَّعبِ مُخْتارًا. وَجَدتُ داوُدَ عَبْدي، ومَسَحتُه بِزَيتِ قَداسَتي. معَه تَثبُتُ يَدي، وذِراعي أَيضًا تُقَوِّيه. العَدُوُّ لا يَخدَعُه، وٱبنُ الإِثْمِ لا يُذِلُّه، وأَسحَقُ مِن أَمامِ وَجهِه مُضايِقيه، وأَضرِبُ مُبغِضيه. معَه أَمانَتي ورَحمَتي، وبِٱسمي تَعتزُّ قُوَّتُه، فأَجعَلُ على البَحرِ يَدَه، وعلى الأَنهارِ يَمينَه. يَدْعوني قائلًا: «أَنتَ أَبي، وإِلٰهي وصَخرَةُ خَلاصي». وأَنا أَجعَلُه بِكْرًا، فَوقَ مُلوكِ الأَرضِ عَلِيًّا. لِلأَبَدِ أَحفَظُ لَه رَحمَتي، وأَبْقى معه أَمينًا لِعَهدي. أَجعَلُ نَسلَه أَبَدِيًّا، وعَرشَه مِثْلَ أَيَّامِ السَّماء. إِن تَرَكَ بَنوه شَريعَتي، ولم يَسيروا على أَحْكامي، إِنِ ٱنتَهَكوا فَرائِضي، ولم يَحفَظوا وَصايايَ، أَفتَقِدُ بِالعَصا مَعصِيَتَهم، وبِالضَّرَباتِ إِثْمَهم. لَكِنِّي لا أَقطَعُ عنه رَحمَتي، ولا أَخونُ أَمانَتي. لا أَنتَهِكُ عَهْدي، ولا أُغَيِّرُ ما خَرَجَ مِن شَفَتي. أَقسَمتُ مَرَّةً بِقَداسَتي، أَلاَّ أَكذِبَ على داوُد. لَيَدومَنَّ نَسلُه لِلأَبَد، وعَرشُه كالشَّمسِ أَمامي. مِثلَ القَمَرِ يَكونُ لِلأَبَدِ ثابِتًا، وشاهِدًا في الغُيومِ أَمينًا». لَكِنَّكَ نَبَذتَ ورَذَلتَ، وعلى مَسيحِكَ غَضِبتَ. عن عَهدِ عَبدِكَ أَعرَضتَ، وتاجَه في التُّرابِ دَنَّستَ. حَطَّمتَ أَسْياجَه كُلَّها، وجَعَلتَ حُصونَه خَرابًا، سَلَبَه كُلُّ عابِرِ سَبيل، وصارَ عارًا لِجيرانِه. أَعلَيتَ يَمينَ مُضايِقيه، فَرَّحتَ جَميعَ أَعْدائِه، رَدَدتَ حَدَّ سَيفِه، ولم تَنصُرْه في القِتال. وَضَعتَ حَدًّا لِبَهائِه، وإِلى الأَرضِ نَكَّستَ عَرشَه، قَصَّرتَ أَيَّامَ شَبابِه، وبالخِزْيِ شَمِلتَه. إِلامَ يا رَبُّ؟ أَعلى الدَّوامِ تَتَوارى، وكالنَّارِ سُخطُكَ يَستَعِر؟ أُذكُرْني: ما مُدَّةُ حَياتي، ولأَيِّ عَدَمٍ خَلَقتَ جَميعَ بَني آدَم. أَيُّ إِنْسانٍ يَحْيا ولا يَرى المَمات؟ ومَن يُنَجِّي نَفسَه من يَدِ مَثْوى الأَمْوات؟ أَيُّها السَّيِّد، أَينَ مَراحِمُكَ الأُولى، الَّتي لأَجلِها أَقسَمتَ لِداوُدَ بِأَمانَتِكَ؟ أُذكُرْ أَيُّها السَّيِّدُ عارَ عبيدِكَ، ما أَحمِلُ في حِضْني من هٰذه الشُّعوبِ الغَفيرة. هٰكذا يا رَبُّ عَيَّرَ أَعْداؤُكَ، عَيَّروا آثارَ مَسيحِكَ. تَبارَكَ الرَّبُّ لِلأَبَد. آمين ثُمَّ آمين. صلاة لموسى رَجُلِ الله. أَيُّها السَّيِّد، كُنتَ لَنا مَلْجَأً جيلًا فجيلًا. مِن قَبلِ أَن وُلِدَتِ الجِبال، وكَوَّنتَ الأَرضَ والدُّنيا، مِنَ الأَزَلِ ولِلأَبَدِ أَنتَ الله. تُعيدُ الإِنسانَ إِلى الغُبار، وتقول: «عودوا يا بَني آدَم». فإِنَّ أَلفَ سَنَةٍ في عَينَيكَ كيَومِ أَمْسِ العابِر، وكهَجْعَةٍ مِنَ اللَّيل. تَغمُرُهم بِالرُّقاد، فيَصيروا كالعُشبِ النَّابِتِ في الصَّباح. في الصَّباحِ يُزهِرُ ويَنبُت، وفي المَساءِ يَذبُلُ ويَيبَس. مِن غَضَبِكَ فَنينا، وبِسُخطِكَ ٱرتَعْنا. جَعَلتَ آثامَنا تُجاهَكَ، وخَفايانا في نورِ وَجهِكَ. بِسُخطِكَ اِنحَطَّت أَيَّامُنا كُلُّها، وأَفنَينا سِنينا زفيرًا. أَيَّامُ سِنينا سَبْعونَ سَنَة، وإِذا كُنَّا أَقوِياءَ فثَمانون، وجُلُّها عَناءٌ وشَقاء، تَمُرُّ سَريعًا ونَحنُ نَطير. مَن ذا الَّذي يُدرِكُ شِدَّةَ غَضَبِكَ، ومَن ذا الَّذي يَخْشى حِدَّةَ سُخطِكَ؟ عَلِّمنا كَيفَ نَعُدُّ أَيَّامَنا، فنَنفُذَ إِلى قَلبِ الحِكمَة. إِرجِعْ يا رَبُّ! حتَّى متى؟ تَرَأَّفْ بِعَبيدِكَ. بِرَحمَتِكَ أَشبِعْنا في الصَّباح، فنُهَلِّلَ ونَفرَحَ كُلَّ أَيَّامِنا. فَرِّحْنا بِقَدْرِ الأَيَّامِ الَّتي فيها أَذلَلْتَنا، والسِّنينَ الَّتي فيها السُّوءَ رأَينا. لِيَظْهَرْ لِعَبيدِكَ صُنعُكَ، وعلى أَبْنائِهم بَهاؤُكَ، ولْيَكُنْ لُطفُ الرَّبِّ إِلٰهِنا علَينا، وثَبِّتْ عَمَلَ أَيدينا. السَّاكِنُ في كَنَفِ العَلِيِّ يَبيتُ في ظِلِّ القَدير، يَقولُ لِلرَّبِّ: «أَنتَ مُعتَصَمي وحِصْني، إِلٰهي الَّذي علَيه أَتَوَكَّل». هو الَّذي يُنقِذُكَ مِن فَخِّ الصَّيَّاد، ومِنَ الوَباءِ الفَتَّاك. يُظَلِّلُكَ بِريشِه، وتَعتَصِمُ تَحتَ أَجنِحَتِه، وحَقُّه يكونُ لَكَ تُرسًا ودِرْعًا. فلا تَخْشى اللَّيلَ وأَهوالَه، ولا سَهْمًا في النَّهارِ يَطير، ولا وَباءً في الظَّلامِ يَسْري، ولا آفَةً في الظَّهيرةِ تَفتُك. يَسقُطُ عن جانِبِكَ أَلْفٌ، وعن يَمينِكَ عَشَرَةُ آلاف، ولا شَيءٌ يُصيبُكَ. حَسبُكَ أَن تَنظُرَ بِعَينَيكَ، فتُعايِنَ جَزاءَ الأَشْرار، لأَنَّكَ قُلتَ: «الرَّبُّ مُعتَصَمي»، وجَعَلتَ العَلِيَّ لَكَ مَلْجَأً. الشَّرُّ لا يَنالُكَ، ولا تَدْنو الضَّربَةُ مِن خَيمَتِكَ: لأَنَّه أَوصى مَلائِكَتَه بِكَ، لِيَحفَظوكَ في جَميعِ طُرُقِكَ. على أَيديهم يَحمِلونَكَ، لِئَلاَّ تَصدِمَ بِحَجَرٍ رِجلَكَ. تَطَأُ الأَسَدَ والأَفْعى، تَدوسُ الشِّبلَ والتِّنِّين. أُنَجِّيه لأَنَّه تَعَلَّقَ بي، أَحْميه لأَنَّه عَرَفَ ٱسْمي. يَدعوني فأُجيبُه، أَنا معه في الضِّيقِ فأُنقِذُه وأُمَجِّدُه. بِطولِ الأَيَّامِ أُشبِعُه، وأُريه خلاصي. مزمور. نَشيد. لِيَومِ السَّبْت. صالِحٌ الحَمدُ لِلرَّبِّ، والعَزْفُ لِٱسمِكَ أَيُّها العَلِيّ، والإِخْبارُ بِرَحمَتِكَ في الصَّباح، وبَأمانَتِكَ في اللَّيالي، على عُشارِيِّ الأَوتارِ والعود، وعلى تَقاسيمِ الكِنَّارة. لأَنَّكَ يا رَبُّ بِصُنعِكَ فَرَّحتَني، ولأَعمالِ يَدَيكَ أُهَلِّل. ما أَعظَمَ يا رَبُّ أَعْمالَكَ، وما أَعمَقَ أَفكارَكَ! الغَبِيُّ لا يَعلَمُ هٰذا، والجاهِلُ لا يَفهَمُه. إِذا الأَشْرارُ كالعُشْبِ نَبَتوا، وجَميعُ فَعَلَةِ الإِثْمِ أَزهَروا، فما ذٰلِكَ إِلاَّ لِيُستَأصَلوا أَبَدًا، وأَنتَ يا رَبُّ مُتَعالٍ دائمًا أَبَدًا. فها إِنَّ أَعداءَكَ يَبيدون، وجَميعَ فَعَلَةِ الإِثْمِ يَتَبَدَّدون. كقُوَّةِ الثَّورِ تُعَزِّزُ قُوَّتي، وبِزَيتٍ طريءٍ تُبَلِّلُني. تَنظُرُ عَيني إِلى الَّذينَ يَتَرَصَّدونَني، وتَسمَعُ أُذُنايَ الأَشْرارَ القائمينَ علَيَّ. البارُّ كالنَّخلِ يَسْمو، ومِثلَ أَرزِ لُبنانَ يَنْمو. مَن في بَيتِ الرَّبِّ يُغرَسون، في دِيارِ إِلٰهِنا يَنبُتون. ما زالوا في المَشيبِ يُثمِرون، وفي الِٱزدِهارِ والنَّضارَةِ يَظَلُّون، لِيُخبِروا بأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقيم، فهو صَخرَتي ولا ظُلْمَ فيه. الرَّبُّ مَلَكَ والجَلالَ لَبِس، لَبِسَ الرَّبُّ العِزَّةَ وتَمَنطَقَ بِها. والدُّنْيا ثابِتَةٌ لا تَتَزَعْزَع. مُنذُ البَدءِ عَرشُكَ ثابِت، مُنذُ الأَزَلِ أَنتَ أَنتَ. رَفَعَتِ الأَنهارُ يا رَبُّ، رَفَعَتِ الأَنهارُ صَوتَها، رَفَعَتِ الأَنْهارُ عَجيجَها. أَكثَرَ مِن صَوتِ المِياهِ الغَزيرة، بل أَكثَرَ عَظَمَةً مِنَ البِحارِ الطَّاغِيَة. الرَّبُّ في العُلى عَظيم. شَهادَتُكَ صادِقَةٌ جِدًّا. بِبَيتِكَ تَليقُ القَداسَة، يا رَبُّ طولَ الأَيَّام. يا إِلٰهَ الِٱنتِقام يا رَبُّ، يا إِلٰهَ الِٱنتِقامِ أَشرِقْ. يا دَيَّانَ الأَرضِ ٱنتَصِبْ، ورُدَّ الجَزاءَ لِلمُتَكَبِّرين. إِلى متى الأَشْرارُ يا رَبُّ، إِلى متى الأَشْرارُ يَبتَهِجون؟ يُفيضُ جَميعُ فَعَلَةِ الآثام، وبِوَقاحةٍ يَنطِقونَ ويَفتَخِرون. شَعبَكَ يا رَبُّ يَسحَقون، وميراثَكَ يُذِلُّون، الأَرمَلَةَ والنَّزيلَ يَقتُلون، واليَتيمَ يَذبَحون. ويَقولون: «إِنَّ الرَّبَّ لا يُبصِر، وإِلٰهَ يَعْقوبَ لا يَفطَن». يا أَغبِياءَ الشَّعْبِ ٱفطَنوا، ويا أَيُّها الجُهَّالُ متى تَعقِلون؟ مَن غَرَسَ الأُذُنَ أَفَلا يَسمَع؟ وإِذا كَوَّنَ العَينَ أَفلا يُبصِر؟ مَن أَدَّبَ الأُمَمَ أَفلا يُعاقِب؟ وهو الَّذي يُعَلِّمُ البَشَرَ المَعرِفَة. إِنَّ الرَّبَّ يَعلَمُ أَفكارَ البَشَر، ويَعلَمُ أَنَّها هَباء. يا رَبُّ، طوبى لِلَّذي تُؤَدِّبُه، ومِن شَريعَتِكَ تُعَلِّمُه، لِتُريحَه في أَيَّامِ السُّوء، إِلى أَن تُحفَرَ هُوَّةٌ لِلشِّرِّير. لأَنَّ الرَّبَّ لا يَهجُرُ شَعبَه، ولا يَترُكُ ميراثَه. سيَعودُ إِلى البِرِّ القَضاء، ويَتبَعُ القَضاءَ كُلُّ قَلبٍ مُستَقيم. على الأَشرارِ مَن يَقومُ معي؟ وعلى فَعَلَةِ الإِثمِ مَن يَقِفُ مَعي؟ لَو لم يَكُنِ الرَّبُّ نُصرَتي، لَأَوشَكَت أَن تَسكُنَ مَثْوى الصَّمْتِ نَفْسي. إِن قُلتُ: «زَلَّت قَدَمي»، رَحمَتُكَ يا رَبِّ تُسانِدُني. لمَّا كَثُرَتِ الهُمومُ في داخِلي، بِتَعزِياتِكَ طابَت نَفْسي. أَتُحالِفُكَ مَحكَمةُ الجَرائِم، مُختَلِقَةً عُقوباتٍ تُخالِفُ الشَّريعة؟ إِنَّهم نَفْسَ البارِّ يُهاجِمون، وعلى الدَّمِ الزَّكِيِّ يَحكُمون. لَكِنَّ الرَّبَّ يَكونُ حِصْنًا لي، وإِلٰهي يكونُ صَخرَةَ ٱعتِصامي. يَرُدُّ علَيهِم إِثْمَهم، وبِشَرِّهِم يُسكِتُهم. الرَّبُّ إِلٰهُنا يُسكِتُهم. هَلُمُّوا نُهَلِّلُ لِلرَّبّ، نَهتِفُ لِصَخرَةِ خَلاصِنا. نُبادِرُ إِلى وَجهِه بِالشُّكْران، ونَهتِفُ لَه بِالأَناشيد. فإِنَّ الرَّبَّ إِلٰهٌ عَظيم، وعلى جَميعِ الآلِهَةِ مَلِكٌ عَظيم. هو الَّذي بِيَدِه أَعماقُ الأَرض، ولَه قِمَمُ الجِبال، لَه البَحرُ وهو صَنَعَه، ويَداه جَبَلَتا اليَبَس. هَلُمُّوا نَسجُدُ ونَركَعُ لَه، نَجْثو أَمامَ الرَّبِّ صانِعِنا. فإِنَّه هو إِلٰهُنا، ونَحنُ شَعبُ مَرْعاه وغَنَمُ يَدِه. أَليومَ إِذا سَمِعتُم صَوتَه، فلا تُقَسُّوا قُلوبَكم كما في مَريبة. وكما في يَومِ مَسَّة في البَرِّيَّة حَيثُ آباؤُكمُ ٱمتَحَنوني، وٱختَبَروني وكانوا يَرَونَ أَعْمالي. أَربَعينَ سَنَةً سَئِمتُ ذٰلِكَ الجيل، وقُلتُ: «هُم شَعبٌ ضَلَّت قُلوبُهم». ولم يَعرِفوا سُبُلي، حتَّى أَقسَمتُ في غَضَبي، أَن لَن يَدْخُلوا في راحَتي. أَنشِدوا لِلرَّبِّ نَشيدًا جَديدًا، أَنشِدوا لِلرَّبِّ يا أَهلَ الأَرضِ جَميعًا. أَنشِدوا لِلرَّبِّ وبارِكوا ٱسمَه، بَشِّروا مِن يَومٍ إِلى يَومٍ بِخَلاصِه. حَدِّثوا في الأُمَمِ بِمَجدِه، في جَميعِ الشُّعوبِ بِعَجائِبه. لأَنَّ الرَّبَّ عَظيمٌ وجَديرٌ بِالتَّسبيح، ورَهيبٌ فَوقَ جَميعِ الآلِهَة. لأَنَّ جَميعَ آلِهَةِ الشُّعوبِ أَصْنام، والرَّبَّ هو الَّذي صَنَعَ السَّمٰوات. البَهاءُ والجَلالُ أَمامَه، العِزَّةُ والمَجدُ في مَقدِسِه. قَدِّموا لِلرَّبِّ يا عَشائِرَ الشُّعوب، قَدِّموا لِلرَّبِّ عِزَّةً ومَجدًا. قَدِّموا لِلرَّبِّ مَجدَ ٱسمِه، إِحمِلوا تَقدِمةً وتَعالَوا إِلى دِيارِه. أُسجُدوا لِلرَّبِّ بِزينَةٍ مُقَدَّسة، إِرتَعِدوا يا أَهلَ الأَرْضِ مِن وَجهِه. قولوا في الأُمَم: «الرَّبُّ مَلَكَ»، الدُّنْيا ثابِتَةٌ لن تَتَزَعزَع. يَدينُ الشُّعوبَ بِالِٱستِقامة. لِتَفرَحِ السَّمٰواتُ وتَبتَهِج الأَرْض، لِيَهدِرِ البَحرُ وما فيه. لِتَبتَهِجِ الحُقولُ وكُلُّ ما فيها، حينَئذٍ تُهَلِّلُ جَميعُ أَشجارِ الغاب. أَمامَ وَجهِ الرَّبِّ لأَنَّه آتٍ، آتٍ لِيَدينَ الأَرْض. يَدينُ الدُّنْيا بِالبِرّ، والشُّعوبَ بأَمانَتِه. الرَّبُّ مَلَكَ فلتَبتَهِجِ الأَرض، ولْتَفْرَحِ الجُزُرُ الكَثيرة! الغَمَامُ والغَيمُ المُظلِمُ مِن حَولِه، والبِرُّ والحَقُّ قاعِدَةُ عَرشِه. النَّارُ تَسيرُ أَمامَه، وتُحرِقُ مِن حَولِها خُصومَه. بُروقُه أَضاءَتِ الدُّنْيا، ورَأَتِ الأَرضُ فٱرتَعَدَت. ذابَتِ الجِبالُ كالشَّمعِ مِن وَجهِ الرَّبّ، مِن وَجهِ سَيِّدِ الأَرضِ كُلِّها. حَدَّثَتِ السَّمٰواتُ بِبِرِّه، ورَأَت جَميعُ الشُّعوبِ مَجدَه. لِيَخْزَ جَميعُ عُبَّادِ المَنْحوت، المُفتَخِرينَ بِالأَوثان. أُسجُدوا لَه يا جَميعَ الآلِهَة. سَمِعَت صِهْيونُ ففَرِحَت، وبَناتُ يَهوذا ٱبتَهَجَت، مِن أَجلِ أَحْكامِكَ يا رَبّ. لأَنَّكَ أَنتَ يا رَبُّ عَلِيٌّ على الأَرضِ كُلِّها، مُتَعالٍ جِدًّا على الآلِهَةِ جَميعِهم. يا مُحِبِّي الرَّبِّ كونوا لِلشَّرِّ مُبغِضين. فهو يَحفَظُ نُفوسَ أَصْفِيائِه، مِن أَيدي الأَشْرارِ يُنقِذُهم. أَشرَقَ النُّورُ على الأَبْرار، والفَرَحُ على مُستَقيمي القُلوب. أَيُّها الأَبْرارُ بِالرَّبِّ ٱفرَحوا، وبِذِكرِه القُدُّوسِ أَشيدوا. مزمور. أَنشِدوا لِلرَّبِّ نَشيدًا جَديدًا، فإِنَّه صَنَعَ العَجائِب. الخَلاصُ بِيَمينِه، بِذِراعِه القُدُّوسة. كَشَفَ الرَّبُّ خَلاصَه، لِعُيونِ الأُمَمِ كَشَفَ بِرَّه. ذَكَرَ رَحمَتَه وأَمانَتَه لِبَيتِ إِسْرائيل، فرأَت جَميعُ أَقاصي الأَرضِ خَلاصَ إِلٰهِنا. إِهتِفوا لِلرَّبِّ يا أَهلَ الأَرضِ جَميعًا، إِندَفِعوا بِالعَزفِ وبِالتَّهْليل، إِعزِفوا لِلرَّبِّ بالكِنَّارة، بالكِنَّارةِ وصَوتِ التَّرْنيم. إِهْتِفوا بِالأَبْواقِ وصَوتِ الصُّور، أَمامَ الرَّبِّ المَلِك. لِيَهدِرِ البَحرُ وما فيه، والدُّنْيا وسُكَّانُها. لِتُصَفِّقِ الأَنهار، ولْتُهَلِّلِ الجِبالُ جَميعًا أَمامَ الرَّبّ. فإِنَّه آتٍ لِيَدينَ الأَرض. يَدينُ الدُّنْيا بِالبِرّ، والشُّعوبَ بِالِٱستِقامة. الرَّبُّ مَلَكَ فالشُّعوبُ تَرتَعِد، هو جالِسٌ على الكَروبينَ فالأَرضُ تَتَزَعْزَع. الرَّبُّ عَظيمٌ في صِهْيون، ومُتَعالٍ على جَميعِ الشُّعوب. لِيُحمَدِ ٱسمُكَ العَظيمُ الرَّهيب، فإِنَّه قُدُّوسٌ قَدير. أَنتَ المَلِكُ المُحِبُّ لِلحَقّ، فإِنَّكَ أَنتَ أَقَمتَ الِٱستِقامة. وأَجرَيتَ في يَعْقوبَ الحَقَّ والعَدل. عَظِّموا الرَّبَّ إِلٰهَنا، وٱسجُدوا لِمَوطِئِ قَدَمَيه، فإِنَّه قُدُّوس. موسى وهارونُ بَينَ كَهَنَتِه، وصَموئيلُ بَينَ مَن يَدْعونَ بِٱسمِه. كانوا يَدْعونَ الرَّبَّ، وكانَ يُجيبُهم. في عَمودِ الغَمامِ كَلَّمَهم، حَفِظوا شَهادَتَه والفَرائِضَ الَّتي آتاهم. أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُنا إِنَّكَ أَجَبْتهَم. كُنتَ إِلٰهًا مُسامِحًا، ومِن مَساوِئِهِم مُنتَقِمًا. عَظِّموا الرَّبَّ إِلٰهَنا، وٱسجُدوا لِجَبَلِ قُدْسِه فإِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَنا قُدُّوس. مزمور. لِلحَمد. إِهتِفوا لِلرَّبِّ يا أَهلَ الأَرضِ جَميعًا. أُعبُدوا الرَّبَّ بِالفَرَح، أُدخُلوا إِلى أَمامِه بِالتَّهْليل. إِعلَموا أَنَّ الرَّبَّ هو الله. هو صَنَعَنا ونَحنُ لَه، نَحنُ شَعبُه وغَنَمُ مَرْعاه. أُدخُلوا أَبوابَه بِالشُّكْران، ودِيارَه بِالتَّسْبيح. إِحمَدوه وبارِكوا ٱسمَه. فإِنَّ الرَّبَّ صالِحٌ ولِلأَبَدِ رَحمَتُه، وإِلى جيلٍ فجيلٍ أَمانَتُه. لِداوُد. مزمور. الرَّحمَةَ والقَضاءَ أُنشِد، لَكَ يا رَبُّ أَعزِف. أَتَقَدَّمُ في سَبيلِ الكامِلين، فمَتى تأتي إِلَيَّ؟ في كَمالِ قَلْبي أسير، في وسَطِ بَيتي. لا أَضَعُ نُصبَ عَينَيَّ شيئًا تافِهًا، أَبغَضتُ عَمَلَ الجاحِدينَ فلا يَعلَقُ بي. القَلبُ المُلتَوي فلْيَبتَعِدْ عنِّي، والشِّرِّيرُ لا أَعرِفُه. المُغْتابُ لِقَريبِه بِالخَفاءِ أُسكِتُه، ومُتَشامِخُ العَينِ مُنتَفِخُ القَلبِ لا أُطيقُه. عَينايَ على أُمَناءِ الأَرضِ لِيَسكُنوا معي، السَّائِرُ في طَريقِ الكَمالِ هو يَخدُمُني. العامِلُ بِالمَكرِ لا يَسكُنُ في بَيتي، والنَّاطِقُ بِالكَذِبِ لا يَقِفُ أَمامَ عَينَيَّ. في كُلِّ صَباحٍ أُسكِتُ أَشرارَ الأَرضِ كُلَّهم حتَّى يَنقَرِضَ مِن مَدينةِ الرَّبِّ جَميعُ فَعَلَةِ الآثام. صَلاةٌ مِن أَجلِ بائِسٍ يُفرِغُ في ضيقِه شَكْواه أَمامَ الرَّبّ. يا رَبِّ ٱستَمِعْ صَلاتي، ولْيَبلُغْ إِلَيكَ صُراخي. في يَومِ ضيقي لا تَحْجُبْ عنِّي وَجهَك، أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَك. أَسرِعْ إِلى إِجابَتي يَومَ أَدْعوك. فأَيَّامي كالدُّخانِ تَلاشَت، وعِظامي كالوَقودِ ٱضْطَرَمَت. أُصيبَ ويَبِسَ كالعُشْبِ قَلْبي، حتَّى نَسيتُ أَن آكُلَ خُبْزي. مِن صَوتِ تأَوُّهي، لَصِقَ جِلْدي بِعَظْمي. شابَهتُ بَجَعَةَ البَرِّيَّة، صِرتُ مِثلَ بومَةِ الأَخرِبة. سَهِرتُ ونُحتُ كالعُصْفورِ، المُنفَرِدِ على الأَسْطِحَة. طَوالَ النَّهارِ عَيَّرَني أَعْدائي، وفي حَنَقِهم علَيَّ يَلعَنونَني. أَكَلتُ الرَّمادَ مِثلَ الخُبْزِ، ومَزَجتُ بِالدُّموعِ شَرابي بِسَبَبِ غَضَبِكَ وسُخْطِكَ، فإِنَّكَ رَفَعتَني ثُمَّ طَرَحتَني. أَيَّامي كظِلٍّ مائِل، وقد يَبِسْتُ كالعُشْب. وأَنتَ يا رَبُّ جالِسٌ لِلأَبَد، وذِكرُكَ باقٍ إِلى جيلٍ فجيل. ستَقومُ وتَرأَفُ بِصِهْيون، فقد حانَ أَن تَتَحَنَّنَ علَيها، وقد آنَ الأَوان. إِنَّ عَبيدَكَ أَحبُّوا حِجارَتَها، وحَنُّوا على تُرابِها. وستَخْشَى الأُمَمُ ٱسمَ الرَّبِّ، وجَميعُ مُلوكِ الأَرضِ مَجدَك. إِذا بَنى الرَّبُّ صِهْيون، تَجلَّى في مَجدِه وٱلتَفَتَ إِلى صَلاةِ المَسْلوب، وما ٱزدَرى دُعاءَه. فلْيُكتَبْ هٰذا لِلجيلِ الآتي، ويُسَبِّحِ الرَّبَّ شَعبٌ سيُخلَق. الرَّبُّ مِن عُلُوِّ قُدسِه تَطَلَّع، ومِنَ السَّماءِ إِلى الأَرضِ نَظَر لِيَسمَعَ تَنَهُّدَ الأَسير، ويُطلِقَ سَراحَ أَبْناءِ المَوت حتَّى يُحَدَّثَ بِٱسمِ الرَّبِّ في صِهْيون، وبِتَسْبِحَتِه في أُورَشليم عِندَ ٱجتِماعِ الشُّعوبِ والمَمالِك، لِكَي يَعبُدوا الرَّبّ. في الطَّريقِ أَوهَنَ قُوَّتي، وقَصَّرَ أَيَّامي. أَقولُ: يا إِلٰهي لا تَرفَعْني في نِصفِ أَيَّامي، إِلى جيلٍ فجيلٍ سِنوكَ. في البَدْءِ أَسَّستَ الأَرضَ، والسَّمٰواتُ صُنعُ يَدَيك. هي تَزولُ وأَنتَ تَبْقى، وكُلُّها كالثَّوبِ تَبْلى وكما يُغَيَّرُ الثَّوبُ تُغَيِّرُها، وأَنتَ أَنتَ وسِنوكَ لا تَنتَهي. بنو عَبيدِكَ يَسكُنون، وذُرِّيَّتُهم تَبْقى أَمامَك. لِداود. بارِكي الرَّبَّ يا نَفْسي، ويا جَميعَ ما في داخِلِيَ ٱسمَه القُدُّوس. بارِكي الرَّبَّ يا نَفْسي، ولا تَنسَي جَميعَ إِحساناتِه. هو الَّذي يَغفِرُ جَميعَ آثامِكِ، ويَشْفي جَميعَ أَمْراضِكِ. يَفتَدي مِنَ الهُوَّةِ حَياتَكِ، ويُكَلِّلُكِ بِالرَّحمَةِ والرَّأفة. يُشبِعُ سِنيكِ خيرًا، فَيَتَجَدَّدُ كالعُقابِ شَبابُكِ. الرَّبُّ الَّذي يُجْري البِرَّ والحَقَّ، لِجَميعِ المَظْلومين. عَرَّفَ موسى طُرُقَه، وبَني إِسْرائيلَ مآثِرَه. الرَّبُّ رؤُوفٌ رَحيم، طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الرَّحمَة. لا على الدَّوامِ يُخاصِم، ولا لِلأَبَدِ يَحقِد، لا على حَسَبِ خَطايانا عامَلَنا، ولا على حَسَبِ آثامِنا كافَأَنا. بل كٱرتِفاعِ السَّماءِ عنِ الأَرضِ، عَظُمَت رَحمَتُه على الَّذينَ يَتَّقونَه كبُعْدِ المَشْرِقِ عنِ المَغرِب، أَبعَدَ عنَّا مَعاصِيَنا. كما يَرأَفُ الأَبُ ببَنيه، يَرأَفُ الرَّبُّ بِمَن يَتَّقونَه لأَنَّه عالِمٌ بِجِبلَتِنا، وذاكِرٌ أَنَّنا تُراب. الإِنسانُ كالعُشْبِ أَيَّامُه، وكزَهرِ الحَقْلِ يُزهِر. هَبَّت علَيه ريحٌ فلَم يَكُنْ، ولم يَعُدْ يَعرِفُه مَوضِعُه. ورَحمَةُ الرَّبِّ مُنذُ الأَزَل، ولِلأَبَدِ على الَّذينَ يَتَّقونَه، وبِرُّه لِبَني البَنين، الحافِظينَ عَهدَه، الذَّاكِرينَ أَوامِرَه لِيَعمَلوا بِها. الرَّبُّ أَقَرَّ عَرشَه في السَّماء، ومَلكوتُه يَسودُ الجَميع. بارِكوا الرَّبَّ يا مَلائِكَتَه، الجَبابِرَةَ الأَشِدَّاء، العامِلينَ بِأَوامِرِه، عِندَ سَماعِ كَلِمَتِه. بارِكوا الرَّبَّ يا جَميعَ قوَّاتِه، يا خُدَّامَه العامِلينَ بِرِضاه. بارِكي الرَّبَّ يا جَميعَ مَخْلوقاتِه، في كُلِّ مَواضِعِ سُلْطانِه. بارِكي الرَّبَّ يا نَفْسي. بارِكي الرَّبَّ يا نَفْسي، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي لقد عَظُمتَ جِدًّا. تَسَربَلتَ البَهاءَ والجَلال، أَنتَ المُلتَحِفُ بِالنُّورِ كرِداء، الباسِطُ السَّماءَ كالسِّتارة، البانِي عُلِّيَّاتِه على المِياه، الجاعِلُ الغَمَامَ مَركَبَةً لَه، السَّائِرُ على أَجنِحَةِ الرِّياح، الجاعِلُ مِنَ الرِّياحِ رُسُلَه، ومِن لَهيبِ النَّارِ خُدَّامَه. المؤسِّسُ الأَرضَ على قواعِدها، فلا تَتَزَعزَعُ أَبَدَ الدُّهور. كَسَوتَها الغَمرَ لِباسًا، على الجِبالِ وَقَفَتِ المِياه. عِندَ زَجرِكَ تَهرُب، وعِندَ صَوتِ رَعدِكَ تَهطُل. تَعْلو الجِبالَ وتَنزِلُ إِلى الأَوْدِيَة، إِلى المَوضِعِ الَّذي حَدَّدتَ لَها. جَعَلتَ لَها حَدًّا لا تُجاوِزُه، فلا تَعودُ تُغَطِّي وَجهَ الأَرض. أَنتَ مُفَجِّرُ العُيونِ في الوِهاد، فتَسيلُ بَينَ الجِبال. تَسْقي جَميعَ وُحوشِ البَرِّيَّة، وبِها تُرْوي حَميرُ الوَحْشِ عَطَشَها. عِندَها تَسكُنُ طُيورُ السَّماء، وتُغَرِّدُ مِن بَينِ الأَغْصان. من عُلِّيَّاتِكَ تَسْقي الجِبال، ومن ثَمَرِ أَعْمالِكَ تَشبَعُ الأَرض. تُنبِتُ لِلبَهائِمِ كَلًا، ولِخِدمَةِ البَشَرِ خُضَرًا. لإخْراجِ خُبزٍ مِنَ الأَرض، وخَمرٍ تُفَرِّحُ قَلبَ الإِنْسان. لِكَي يُنَضِّرَ الزَّيتَ الوُجوه، ويُسنِدَ الخُبزُ قَلبَ الإِنْسان. تَشبَعُ أَشْجارُ الرَّبِّ، أَرزُ لُبْنانَ الَّذي غَرَسَه. هُناكَ تُعَشِّشُ العَصافير، وبَيتٌ لِلَّقلَقِ في رُؤُوسِها. الجِبالُ الشَّامِخَةُ لِلوُعول، والصُّخورُ مُعتَصَمٌ لِلوَبار. صَنَعَ القَمَرَ لِلأَوقات، والشَّمْسُ عَرَفَت غُروبَها. تُلْقي الظَّلامَ فإِذا اللَّيل، فيه تَسْعى جَميعُ وحُوشِ الغاب. تَزأَرُ الأَشبالُ في طَلَبِ الفَريسة، وٱلتِماسِ طَعامِها مِنَ الله. تُشرِقُ الشَّمسُ فتَنسَحِب، وفي مَآويها تَربِض. يَخرُجُ الإِنسانُ إِلى شُغلِه، وإِلى عَمَلِه حتَّى المَساء. ما أَعظَمَ أَعْمالَكَ يا رَبّ. لقد صَنَعتَ جَميعَها بِالحِكمة، فٱمتَلأَتِ الأَرضُ مِن خَيراتِكَ. هٰذا البَحرُ العَظيمُ المُتَرامي الأَطْراف. هُناكَ دَبيبٌ لا حَدَّ لَه، مِن حَيَواناتٍ صِغارٍ وكِبار. هُناكَ تَجْري السُّفُن، ولَوِياتانُ الَّذي كَوَّنتَه لِتَسخَرَ مِنه. الجَميعُ يَرْجونَكَ، لِتُعطِيَهم طعامَهم في أَوانِه. تُعْطيهم فيَلتَقِطون، تَبسُطُ يَدَكَ فخيرًا يَشبَعون. تَحجُبُ وَجهَكَ فيَرْتاعون. تَسحَبُ أَرْواحَهم فيَموتون، وإِلى تُرابِهم يَعودون. تُرِسلُ رُوحَكَ فيُخلَقون، وتُجَدِّدُ وَجهَ الأَرض. لِيَكُنْ مَجدُ الرَّبِّ لِلأَبَد، لِيَفرَحِ الرَّبُّ بأَعْمالِه. يَنظُرُ إِلى الأَرضِ فتَرتَعِد، يَمَسُّ الجِبالَ فتُدَخِّن. أُنشِدُ لِلرَّبِّ مُدَّةَ حَياتي، أَعزِفُ لله ما دُمتُ. لِيَطِبْ لَه كَلامي! أَمَّا أَنا فبِالرَّبِّ أَفرَح. لِيَنقَرِضْ مِنَ الأَرضِ الخاطِئون، ولا يَبْقَ فيها الأَشْرار. بارِكي الرَّبَّ يا نَفْسي. هَلِّلويا! إِحمَدوا الرَّبَّ وٱدْعوا بِٱسمِه، عَرِّفوا في الشُّعوبِ مَآثِرَه. أَنشِدوا لَه وٱعزِفوا، وفي جَميعِ عَجائِبِه تأَمَّلوا. إِفتَخروا بٱسمِه القُدُّوس، ولْتَفْرَحْ قُلوبُ مُلتَمِسي الرَّبّ. أُطلُبوا الرَّبَّ وعِزَّتَه، إِلتَمِسوا وَجهَه كُلَّ حين. أُذكُروا عَجائِبَه الَّتي صَنَعها، مُعجِزاتِه وأَحكامَ فَمِه. يا ذُرِّيَّةَ إِبْراهيمَ عَبدِه، ويا بَني يَعقوبَ مُختاريه. هو الرَّبُّ إِلٰهُنا، في الأَرضِ كُلِّها أَحكامُه. يَتَذَكَّرُ لِلأَبَدِ عَهدَه، الكَلِمَةَ الَّتي أَوصى بِها إِلى أَلفِ جيل. العَهدَ الَّذي قَطَعَه مع إِبْراهيم، والقَسَمَ الَّذي أَقسَمَه لإسحٰق. والَّذي جَعَلَه فَريضَةً لِيَعْقوب، وعَهدًا أَبَدِيًّا لإسْرائيل، قائلًا: «أُعْطيكَ أَرضَ كَنْعان، حِصَّةَ ميراثٍ لَكم». وقد كانوا نَفَرًا يَسيرًا، وعَدَدًا قليلًا نُزَلاءَ فيها، يَسيرونَ مِن أُمَّةٍ إِلى أُمَّة، ومِن مَملَكَةٍ إِلى شَعبٍ آخَر. فلَم يَدَعْ أَحَدًا يَظلِمُهم، وعاقَبَ مُلوكًا مِن أَجلِهِم: «لا تَمَسُّوا مُسَحائي، ولا تُؤذوا أَنْبِيائي». ودَعا بِالجوعِ على الأَرض، وقَطَعَ سَنَدَ الخُبزِ كُلَّه. أَرسَلَ أَمامَهم رَجُلًا: يوسُفَ الَّذي بيعَ لِلعُبودِيَّة. أَلَّموا بِالقُيودِ رِجلَيه، في الحَديدِ دَخَلَ عُنُقُه. إِلى أَن تَتِمَّ نُبوءَتُه، وتُمَحِّصَه كَلِمَةُ الرَّبّ. أَرسَلَ المَلِكُ فحَلَّه، سُلْطانُ الشُّعوبِ فأَطلَقَه. أَقامَه سَيِّدًا على بَيتِه، وسُلْطانًا على جَميعِ أَمْوالِه. لِيُعَلِّمَ عُظَماءَه بِنَفسِه، ويَجعَلَ مِن شُيوخِه حُكَماء. ثُمَّ جاءَ إِسْرائيلُ إِلى مِصرَ، ونَزَلَ يَعْقوبُ في أَرضِ حام. فأَنْمى شَعبَه كَثيرًا، وجَعَلَه أَقْوى مِن مُضايِقيه. حَوَّلَ قُلوبَهم حتَّى أَبغَضوا شَعبَه، ومَكروا بِعَبيدِه. أَرسَلَ موسى عَبدَه، وهارونَ الَّذي ٱخْتارَه. فأَجرَيا بَينَهُمُ الآياتِ الَّتي ذَكَرَها، والمُعجِزاتِ في أَرضِ حام. أَرسَلَ الظُّلمَةَ فأَظلَمَتِ الأَرض، ولم يَتَمَرَّدوا على كَلامِه. حَوَّلَ مِياهَهم إِلى دِماء، وأَهلَكَ أَسْماكَهم. عَجَّت أَرضُهم بِالضَّفادِع، حتَّى في مَخادِعِ مُلوكِهم. قالَ فجاءَ الذُّباب، والبَعوضُ على جَميعِ بِلادِهم. جَعَلَ أَمْطارَهم بَرَدًا، ونارًا تَلتَهِبُ في أَرضِهم، وضَرَبَ كُرومَهم وتينَهم، وكَسَّرَ أَشْجارَ بِلادِهم. قالَ فجاءَ مِنَ الجَرادِ، والجُندُبِ ما لا يُحْصى، فأَكَلَ كُلَّ عُشْبٍ في أَرضِهم، وأَكَلَ ثِمارَ أَرضِهم. وضَرَبَ كُلَّ بِكْرٍ في أَرضِهم، وبَواكيرَ كُلِّ رُجولَةٍ فيهم. بِفِضَّةٍ وذَهَبٍ أَخرَجَهم، ولم يَكُنْ مِن مُتَعَثِّرٍ في أَسباطِهم. فَرِحَت مِصرُ بِخُروجِهم، لأَنَّ رُعبَهم حَلَّ علَيها. بَسَطَ غَمامًا سِترًا لَهم، ونارًا في اللَّيلِ تُضيءُ لَهم. طَلَبوا فأَنزَلَ السَّلْوى علَيهم، ومِن خُبزِ السَّماءِ أَشبَعهم. فَتَحَ الصَّخْرَةَ فسالَتِ المِياه، وجَرَت في القِفارِ أَنْهارًا. لأَنَّه ذَكَرَ كَلِمَتَه القُدُّوسَة، لإبْراهيمَ عَبدِه، وأَخرَجَ شَعبَه بِالِٱبتِهاج، ومُخْتاريه بِالتَّهْليل. ومَنَحَهم أَراضِيَ الأُمَم، فَورِثوا ما تَعِبَت فيه الشُّعوب، لِكَي يَحفَظوا فَرائِضَه، ويَعمَلوا بَشَرائِعِه. هَلِّلويا! هَلِّلويا! إِحمَدوا الرَّبَّ لأَنَّه صالِح، لأَنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. مَن ذا الَّذي يُحَدِّثُ بِمَآثِرِ الرَّبّ، ويُسمِعُ تَسبِحَتَه كُلَّها؟ طوبى لِمَن يَحفَظونَ الحَقّ، لِمَن يَعمَلون بِالبِرِّ في كُلِّ حين! أُذكُرْني يا ربُّ نَظَرًا لِرِضاكَ عن شَعبِكَ، اِفتَقِدْني بِخَلاصِكَ، لِكَي أُعايِنَ سَعادَةَ مُخْتاريكَ، وأَفرَحَ بِفَرَحِ أُمَّتِكَ، وأَفتَخِرَ مع ميراثِكَ. قد خَطِئْنا نَحنُ وآباؤُنا، الإِثمَ والشَّرَّ ٱرتَكَبْنا. آباؤُنا في مِصرَ لم يَفطَنوا لِعَجائِبِكَ، ولم يَتَذَكَّروا وافِرَ مَراحِمِكَ، بل تَمَرَّدوا على العَلِيِّ، عِندَ بَحرِ القَصَب، فخَلَّصَهم مِن أَجْلِ ٱسمِه، لِيُعَرِّفَ جَبَروتَه. وزَجَرَ بَحرَ القَصَبِ فجَفَّ، وسَيَّرهم في الغِمارِ كما في القِفار، وخَلَّصَهم مِن يَدِ المُبغِضين، وٱفتَداهم مِن يَدِ الأَعْداء. وغَطَّتِ المِياهُ مُضايِقيهم، فلم يَبقَ مِنهم أَحَد، فآمَنوا بِكَلامِه، وأَنشَدوا تَسبِحَتَه. سُرْعانَ ما نَسُوا أَعْمالَه، ولم يَنتَظِروا تَدْبيرَه. في البَرِّيَّةِ ٱشتَهَوا شَهوَةً، وفي القَفرِ جَرَّبوا الله. فلَبَّى طَلَبَهم، وأَرسَلَ الحُمَّى في نُفوسِهم. حَسَدوا موسى في المُخَيَّم، وهارونَ قِدِّيسَ الرَّبّ. فٱنفَتَحَتِ الأَرضُ وٱبتَلَعَت داتان، وغَطَّت جَماعةَ أَبيرام، وٱشتَعَلَت نارٌ في جَماعَتِهم، لَهيبٌ أَحرَقَ الأَشْرار. صَنَعوا عِجْلًا في حوريب، وسَجَدوا لِصَنَمٍ مَسْبوك. وٱستَبدَلوا بِمَجدِهم، صورةَ ثَورٍ آكِلِ عُشْب. نَسُوا اللهَ مُخَلِّصَهم، صانِعَ العَظائِمِ في مِصْر. العَجائِبِ في أَرضِ حام، المَخاوِفِ عِندَ بَحرِ القَصَب. فنَوى أَن يُبيدَهم، لَولا أَنَّ موسى مُخْتارَه وَقَفَ في الثُّلمَةِ أَمامَه، لِيَرُدَّ غَضَبَه عن إِهْلاكِهم. ورَفَضوا أَرضًا شَهِيَّةً، غَيرَ مُؤمِنينَ بِكَلِمَتِه. في خِيامِهم تَذَمَّروا، وإِلى صَوتِ الرَّبِّ لم يَستَمِعوا. فرَفَعَ يَدَه مُقسِمًا، لَيُسقِطَنَّهم في البَرِّيَّة، ويُسقِطَنَّ ذُرِّيَّتَهم في الأُمَم، ويبدِّدَنَّهم في البلاد. فتَعَلَّقوا بِبَعْلَ فَغور، وأَكَلوا ذَبائِحَ المَوتى، وأَسخَطوه بِأَعْمالِهم، فداهَمَتهُمُ الضَّربَة. فقامَ فِنْحاسُ وقَضى، فكَفَّتِ الضَّربَةُ عَنهم. فعُدَّ له ذٰلِكَ بِرًّا، جيلًا فجيلًا لِلأَبَد. ثُمَّ أَغضَبوه على مِياهِ مَريبة، فأَصابَ موسى سوءٌ بِسَبَبِهم، لأَنَّهم تَمَرَّدوا علَيه، فَفَرَّطَت شَفَتاه بِالكَلام. لم يُبيدوا الشُّعوبَ، الَّتي كَلَّمَهُم الرَّبُّ علَيها، بلِ ٱختَلَطوا بِالأُمَم، وتَعَلَّموا أَعْمالَها. وعَبَدوا أَصْنامَها، فكانَ لَهم ذٰلِك فَخًّا، وذَبَحوا بَنيهم وبَناتِهم لِلشَّياطين. وسَفَكوا دمًا زَكِيًّا، دَمَ بَنيهم وبَناتِهم الَّذينَ ذَبَحوهم لأَصْنامِ كَنْعان، فتَدَنَّسَتِ الأَرضُ بِالدِّماء. وتَنَجَّسوا بِأَعْمالِهم، وزَنَوا بِأَفْعالِهم، فغَضِبَ الرَّبُّ على شَعبِه، وٱستَقبَحَ ميراثَه. وأَسلَمَهم إِلى أَيدي الأُمَم، فتَسَلَّطَ علَيهم مُبغِضوهم، وضايَقَهم أَعْداؤُهم، فأُذِلُّوا تَحتَ أَيديهم. مَرَّاتٍ كَثيرةً أَنقَذَهم. لٰكِنَّهم تَمَرَّدوا على تَدْبيرِه، وٱنحَطُّوا بآثامِهم، فنَظَرَ إِلى ضيقِهم، عِندَ سَماعِه صُراخَهم. تَذَكَّرَ عَهدَه لَهم، وأَشفَقَ بِحَسَبِ مَراحِمِه الوافِرَة، وأَنالَهم رأفَةً، عِندَ جَميعِ الَّذينَ أَسَروهم. خَلِّصْنا أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُنا، ومِن بَينِ الأُمَمِ ٱجمَعْنا، لِنَحمَدَ ٱسمَكَ القُدُّوس، ونَفتَخِرَ بِتَسبِحَتِكَ. تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، مِنَ الأَزَلِ ولِلأَبَد. ولْيَقُلِ الشَّعبُ كُلُّه: آمين. هلِّلويا! إِحمَدوا الرَّبَّ لأَنَّه صالِح، لأَنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. لِيقُلْ ذٰلِكَ مُفْتَدو الرَّبِّ، الَّذينَ ٱفتَداهم مِن يَدِ المُضايِق، وجَمَعهم مِنَ البُلْدان، مِنَ المَشرِقِ والمَغرِبِ والشَّمالِ والجَنوب. تاهوا في بَرِّيَّةٍ مُقفِرَة، ولم يَجِدوا سَبيلًا إِلى مَدينةٍ مأهولَة. جِياعٌ عِطاشٌ، تَخورُ نُفوسُهم فيهم. فصَرَخوا إِلى الرَّبِّ في ضيقِهم، فأَنقَذَهُم مِن شَدائِدِهم، وأَسلَكَهم سَبيلًا مُستَقيمًا، لِيَسيروا إِلى مَدينةٍ مأهولة. فلْيَحمَدوا الرَّبَّ لأَجلِ رَحمَتِه، وعَجائِبِه لِبَني البَشَر. فإِنَّه أَرْوى الحَلْقَ العَطْشان، ومَلأَ البَطْنَ الجائِعَ خَيرًا. كانوا مُقيمينَ في الظُّلمَةِ وظِلالِ المَوت، أَسْرى البُؤسِ والحَديد، لِتَمَرُّدِهم على أَقْوالِ الله، وٱستِهانَتِهِم بِتَدبيرِ العَلِيّ. فأَذَلَّ قُلوبَهم بِالعَناء، سَقَطوا ولا مُعين. فصَرَخوا إِلى الرَّبِّ في ضيقِهم، فخَلَّصَهم مِن شَدائدِهم. أَخرَجَهم مِنَ الظُّلمَةِ وظِلالِ المَوت، وحَطَّمَ قُيودَهم. فلْيَحمَدوا الرَّبَّ لأَجلِ رَحمَتِه، وعَجائِبِه لِبَني البَشَر. فإِنَّه كَسَّرَ أَبوابَ النُّحاس، وحَطَّمَ مَغاليقَ الحَديد. كانوا مَرْضى في طَريقِ مَعصِيَتِهم، وأَشْقِياءَ في آثامِهم. تَعافُ نُفوسُهم كُلَّ طَعام، فيُلامِسونَ أَبوابَ المَوت. فصَرَخوا إِلى الرَّبِّ في ضيقِهم، فخَلَّصَهم مِن شَدائِدِهم. أَرسَلَ كَلِمَتَه فشَفاهم، ومِنَ الهُوَّةِ أَنقَذَ حَياتَهم. فلْيَحمَدوا الرَّبَّ لأَجلِ رَحمَتِه وعَجائِبِه لِبَني البَشَر، ولْيَذبَحوا ذَبائِحَ الحَمْدِ، ولْيُحَدِّثوا بِأَعْمالِه بِالتَّهْليل. كانوا يَخوضونَ البَحرَ في السُّفُن، يَسعَونَ لِلعَمَلِ في المِياهِ الغَزيرة. همُ الَّذينَ عايَنوا أَعمالَ الرَّبِّ وعَجائِبَه في الغِمار. قالَ فقامَت ريحٌ عاصِفة، ورَفَعَت أَمْواجَه. يَصعَدونَ إِلى السَّماءِ ويَهبِطونَ إِلى الأَعْماق، فتَذوبُ نُفوسُهم مِنَ الشُّرور. يَدورون ويَتَرَنَّحونَ كالسَّكْران، وقدِ ٱبتُلِعَت حِكمَتُهم كُلُّها. فصَرَخوا إِلى الرَّبِّ في ضيقِهم، فأَخرَجَهم مِن شَدائِدِهم. حَوَّلَ الزَّوبَعَةَ إِلى سَكينة، فسَكَتَتِ الأَمْواج، ففَرِحوا عِندَما سَكَنَت، وهَداهم ميناءَ بُغيَتِهم. فلْيَحمَدوا الرَّبَّ لأَجلِ رَحمَتِه، وعجائبِه لِبَني البَشَر، ولْيُعَظِّموه في جَماعَةِ الشَّعْب، ولْيُسَبِّحوه في مَجلِسِ الشُّيوخ. يُحَوِّلُ الأَنهارَ إِلى قِفار، ويَنابيعَ المِياهِ إِلى أَرضٍ عَطْشى، وأَرضَ الثِّمار إِلى أَرضٍ مالِحَة، بِسَبَبِ شَرِّ سُكَّانِها. يُحَوِّلُ القِفارَ إِلى غُدْران، والأَرضَ القاحِلَةَ إِلى عُيونِ مِياه، ويُسكِنُ هُناكَ الجِياع، فيُنشِئونَ مَدينةً لِلسُّكْنى. ويَزرَعونَ حُقولًا ويَغرِسونَ كُرومًا، فتُثمِرُ لَهم غِلالًا، ويُبارِكُهم فيَكثُرونَ جِدًّا، وبَهائِمُهم أَيضًا لا يُقَلِّلُها. ثُمَّ يَقِلُّونَ ويَنْهارون، تَحتَ وَطأَةِ السُّوء والغَمّ. يَصُبُّ الِٱحتِقارَ على النُّبَلاء، ويُضِلُّهم في تيهٍ لا طَريقَ فيه. ويُنهِضُ المِسْكينَ مِنَ البُؤس، ويَجعَلُ العَشائِرَ مِثْلَ قُطْعانِ الغَنَم. فيَرى المُستَقيمونَ ويَفرَحون، وكُلُّ ظُلْمٍ يَسُدُّ فَمَه. مَن هو حَكيمٌ فلْيَحفَظْ هٰذه الأُمور، ولْيَفطَنْ لِمَراحِمِ الرَّبّ. نَشيد. مزمور. لِداود. قَلْبي مُستَعِدٌّ يا أَلله. إِنِّي أُنشِدُ وأَعزِف، إِستَيقِظْ يا مَجْدي إِستَيقِظْ أَيُّها العودُ والكِنَّارة، سأُوقِظُ السَّحَر. أَحمَدُكَ أَيُّها الرَّبُّ في الشُّعوب، وأَعزِفُ لَكَ في الأُمَم، فقَد عَظُمَت رَحمَتُكَ فَوقَ السَّمٰوات، وحَقُّكَ إِلى الغُيوم. ٱرتَفِعْ أَللَّهُمَّ على السَّمٰوات، ولْيَكُنْ مَجدُكَ على الأَرضِ كُلِّها، لِكَي يَخلُصَ أَحِبَّاؤُكَ، خَلِّصْ بِيَمينِكَ وٱستَجِبْ لي. أَللهُ تَكَلَّمَ في قُدسِه: فأَبتَهِجُ وأُقَسِّمُ شَكيم، وأَقيسُ وادِيَ سُكُّوت. لي جِلْعادُ ولي مَنَسَّى، وأَفْرائيمُ خُوذَةُ رأسي، ويَهوذا صَولَجانُ مُلْكي. موآبُ وِعاءٌ أَغْتَسِلُ فيه، على أَدومَ أُلْقي نَعْلي، على فَلِسطينَ هُتافُ ٱنتِصاري. إِلى المَدينَةِ الحَصينَةِ مَن يَقودُني، وإِلى أَدومَ مَن يَهْديني. إِلاَّ أَنتَ يا أَللهُ الَّذي نَبَذتَنا، ولم تَخرُجْ يا أَللهُ في جُيوشِنا؟ هَبْ لَنا نُصرَةً على المُضايِق، فالخَلاصُ مِنَ الإِنسانِ عَدَم. بِبَأسٍ نَعمَلُ بِعَونِ الله، وهو يَدوسُ مُضايِقينا. لإمامِ الغِناء. لِداود. مَزمور. يا إِلٰهَ تَسبِحَتي لا تَصمُت، فقَدِ ٱنفَتَحَ فَمُ الخِداعِ علَيَّ وفَمُ الشِّرِّير. بِلِسانٍ كاذِبٍ خاطَبوني، بِكَلامِ بُغْضٍ أَحاطوني، وبِلا سَبَبٍ قاتَلوني. مُقابِلَ حُبِّي لَهم يَتَّهِمونَني، في حينِ أَنِّي لَستُ إِلاَّ صَلاة. وكافَأُوني الشَّرَّ بِالخَير، والبُغضَ بِالمَحَبَّة. «أَقِمْ علَيه شِرِّيرًا، ولْيَقِفْ مُتَّهِمٌ عن يَمينِه. إِذا حوكِمَ فليَخرُجْ مُذنِبًا، لِتَكُنْ صَلاتُه خَطيئَة. لِتَكُنْ أَيَّامُه قَليلة، ولْيَتَوَلَّ مَنصِبَه آخَر. لِيَكُنْ بَنوه يَتامى، وٱمرأَتُه أَرمَلَة. ولْيَتَشَرَّدْ بَنوه ويَستَعْطوا، ومِن أَخرِبَتِهم فلْيُطرَدوا. لِيَستَولِ المُقرِضُ على كُلِّ ما حولَه، ولْيَسلِبِ الغُرَباءُ ثَمَرَ تَعَبِه. لا يَكُنْ مَن يُبْقي لَه الرَّحمَة، ولا مَن يَتَحَنَّنُ على أَيتامِه. لِيُستَأصَلْ نَسلُه، ولْيُمحَ في الجيلِ الآتي ٱسمُه. لِيُذْكَرْ إِثْمُ آبائِه عِندَ الرَّبّ، ولا تُمْحَ خَطيئَةُ أُمِّه. بل لِيَكونوا أَمامَ الرَّبِّ في كُلِّ حين، ولْيُستَأصَلْ مِنَ الأَرضِ ذِكرُهم». لأَنَّه لم يَذكُرْ أَن يَصنَعَ الرَّحمَة، بل طارَدَ إِنسانًا بائِسًا مِسْكينًا، لِيَقتُلَ مُنسَحِقَ القَلْب، وأَحَبَّ اللَّعنَةَ فلْتُدرِكْه، ولم يَهْوَ البَرَكَةَ فلْتَبتَعِدْ عنه. لَبِسَ اللَّعنَةَ رِداءً، فلتَدخُلْ في أَحْشائِه ماءً. وفي عِظامِه زَيتًا. لِتَكُنْ لَه ثَوبًا يَلتَفُّ بِه، وزُنَّارًا بِه يَتَمَنطَقُ كُلَّ حين. لِتَكُنْ هٰذه أُجرَةً مِنَ الرَّبِّ لِلَّذينَ يَتَّهِمونَني، ويَتكلَّمونَ بِالسُّوءِ على ٱسْمي. وأَنتَ أَيُّها الرَّبُّ السَّيِّد، عامِلْني لأَجلِ ٱسمِكَ. أَنقِذْني لأَنَّ رَحمَتَكَ صالِحَة. فإِنِّي بائِسٌ مِسْكين، وقَلْبي في داخِلي جَريح. كالظِّلِّ إِذا مالَ أَمْضي، وكالجَرادِ أَنتَفِض. مِن كَثرَةِ الصَّومِ تَنثَني رُكْبَتايَ، ومِنَ الضُّعفِ يَهزَلُ جَسَدي. وقد صِرتُ لَهم عارًا. نَظَروا إِلَيَّ فهَزُّوا رُؤُوسَهم. أُنصُرْني أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، وبِحَسَبِ رَحمَتِكَ خَلِّصْني. ولْيَعلَموا أَنَّ هٰذه يَدُكَ، وأَنَّكَ أَنتَ يا رَبُّ صَنَعتَ هٰذا. هم يَلعَنونَ وأَنتَ تُبارِك، لِيَقوموا! لَكِنَّهم سيَخزَونَ فَيَفرَحُ عَبدُكَ. لِيَلبَسِ الَّذينَ يَتَّهِمونَني الفَضيحة، ويَكتَسوا خِزيَهم كالرِّداء. أَحمَدُ الرَّبَّ حَمدًا كَثيرًا بِفَمي، وبَينَ الجُموعِ أُسَبِّحُه، لأَنَّه قائِمٌ عن يَمينِ المِسْكين، لِيُخَلِّصَ نَفسَه مِن قُضاتِها. لِداود. مزمور. قال الرَّبُّ لِسَيِّدي: «إِجلِسْ عن يَميني، حتَّى أَجعَلَ أَعداءَكَ مَوطِئًا لِقَدَمَيكَ». يَمُدُّ الرَّبُّ مِن صِهْيونَ صولَجانَ عِزَّتِكَ، فَتَسَلَّطْ في وَسْطِ أَعْدائِكَ. لَكَ الرِّئاسَةُ يَومَ وُلِدتَ، في بَهاءِ القَداسةِ مِنَ الرَّحِمِ، مِنَ الفَجرِ وَلَدتُكَ. أَقسَمَ الرَّبُّ ولَن يَندَم، أَن أَنتَ كاهِنٌ لِلأَبَدِ على رُتبَةِ مَلْكيصادَق. السَّيِّدُ عن يَمينِكَ، يُحَطِّمُ المُلوكَ يَومَ غَضَبِه. يَدينُ الأُمَمَ ويَملأُها جُثَثًا، ويُحَطِّمُ الرُّؤُوسَ في الأَرضِ الواسِعة. في الطَّريقِ مِنَ الوادي يَشرَب، فلِذٰلكَ يَرفَعُ رأسَه. هَلِّلويا! أَحمَدُ الرَّبَّ بِكُلِّ قَلْبي، في مَجلِسِ المُستَقيمينَ وفي الجَماعة. أَعْمالُ الرَّبِّ عَظيمة، يَبحَثُ فيها كُلُّ مَن يَهْواها. صُنعُه بَهاءٌ وجَلال، وبِرُّه يَدومُ لِلأَبَد. أَقامَ لِعَجائِبِه ذِكرًا، الرَّبُّ رَؤُوفٌ رَحيم. أَعْطى الَّذينَ يَتَّقونَه طَعامًا، ذَكَرَ مدى الدَّهرِ عَهْدَه. أَظهَرَ لِشَعبِه قُوَّةَ أَعْمالِه، فأَعْطاه ميراثَ الأُمَم. بِرٌّ وحَقٌّ أَعْمالُ يَدَيه، أَوامِرُه أَمينةٌ كُلُّها. ثابِتَةٌ مَدى الدَّهْرِ ولِلأَبَد، مَقضِيَّةٌ بِالحَقِّ والِٱستِقامة. أَرسَلَ الفِداءَ لِشَعبِه، أَوصى لِلأَبَدِ بِعَهدِه. اِسمُه قُدُّوسٌ رَهيب. رَأسُ الحِكمَةِ مَخافَةُ الرَّبّ، حُسنُ الفِطنَةِ لِمَن يَعمَلونَ بِها. تَسبِحَتُه لِلأَبَدِ تَدوم. هَلِّلويا! طوبى لِلرَّجُلِ الَّذي يَتَّقي الرَّبّ، ويَهْوى وَصاياه جِدًّا. تَكونُ ذُرِّيَّتُه في الأَرضِ مُقتَدِرة، وجيلُ المُستَقيمينَ مُبارَك. في بَيتِه يَكونُ المالُ والغِنى، وبِرُّه يَدومُ لِلأَبَد. أَشرَقَ النُّورُ في الظُّلمَةِ للمُستَقيمين، هو رَؤُوفٌ رَحيمٌ بارّ. طوبى لِلرَّجُلِ الَّذي يَرأَفُ ويُقرِض، ويُدَبِّرُ بِالحَقِّ أُمورَه، لأَنَّه لن يَتَزَعزَعَ لِلأَبَد، وذِكرُ البارِّ يَكونُ لِلأَبَد. لا يَخشى خَبَرَ السُّوء، ثابتٌ قَلبُه مُتَّكِلٌ على الرَّبّ. قَلبُه ثابِتٌ فلا يَخاف، حتَّى إِذا نَظَرَ إِلى مُضايِقيه. وَزَّعَ وأَعْطى المَساكين. فبِرُّه يَدومُ لِلأَبَد، وقُوَّتُه تَزْدادُ مَجدًا. والشِّرِّيرُ يَرى فيَغضَب، يَصرِفُ أَسْنانَه ويَذوب. وبُغيَةُ الأَشْرارِ في زَوال. هَلِّلويا! يا عَبيدَ الرَّبِّ سَبِّحوا، لِٱسمِ الرَّبِّ سَبِّحوا، لِيَكُنِ ٱسمُ الرَّبِّ مُبارَكًا، مِنَ الآنَ ولِلأَبَد. مِن مَشرِقِ الشَّمسِ إِلى مَغرِبِها، اِسمُ الرَّبّ مُسبَّح. تَعالى الرَّبُّ على جَميعِ الأُمَم، وفَوقَ السَّمٰواتِ مَجدُه! مَن مِثلُ الرَّبِّ إِلٰهِنا، الجالِسِ في الأعالي، الَّذي تَنازَلَ ونَظَر، إِلى السَّمٰواتِ والأَرض؟ يُنهِضُ المِسْكينَ مِنَ التُّراب، ويُقيمُ الفَقيرَ مِنَ الأَقْذار، لِيُجلِسَه مع العُظَماء، عُظَماءِ شَعبِه. يُجلِسُ عاقِرَ البَيتِ، أُمَّ بَنينَ مَسْرورة. هَلِّلويا! عِندَ خُروجِ إِسْرائيلَ مِن مِصْر، وبَيتِ يَعْقوبَ مِن شَعبٍ أَعجَمِيّ، صارَ يَهوذا مَقدِسَه، وإِسْرائيلُ سَلطَنَتَه. البَحرُ رأَى فهَرَب، الأُردُنُّ إِلى الوَراءِ رَجَع. الجِبالُ وَثَبَت كالكِباش، والتِّلالُ كالحُمْلان. ما لَكَ يا بَحرُ تَهرُب، ويا أُردُنُّ إِلى الوَراءِ تَرجِع، ويا جِبالُ تَثِبينَ كالكِباش، ويا تِلالُ كالحُمْلان؟ إِرتَعِدي يا أَرضُ مِن وَجهِ السَّيِّد، مِن وَجهِ إِلٰهِ يَعْقوب، الَّذي يُحَوِّلُ الصَّخرَ إِلى غُدْران، والصَّوَّانَ إِلى عُيونِ ماء. لا لَنا يا رَبُّ لا لَنا، بل لِٱسمِكَ أَعْطِ المَجْد، لأَجْلِ رَحمَتِكَ وحَقِّكَ. لِمَ تَقولُ الأُمَم: «أَينَ إِلٰهُهم»؟ إِنَّ إِلٰهَنا في السَّماء، صَنَعَ كُلَّ ما شاء. أَوثانُهم فِضَّةٌ وذَهَب، صُنعُ أَيدي البَشَر. لَها أَفْواهٌ ولا تَتَكَلَّم، لَها عُيونٌ ولا تُبصِر. لَها آذانٌ ولا تَسمع، لَها أُنوفٌ ولا تَشُمّ. لَها أَيدٍ ولا تَلمُس، لَها أَرجُلٌ ولا تَمشي. ولا بِحَناجِرِها تُتَمتِم. مِثْلَها يَصيرُ صانِعوها، وجَميعُ المُتَّكِلينَ علَيها. يا بَيتَ إِسْرائيلَ ٱتَّكِلوا على الرَّبّ، فهو نُصرَتُهم وتُرسُهم، يا بَيتَ هارونَ ٱتَّكِلوا على الرَّبّ، فهو نُصرَتُهم وتُرسُهم. أَيُّها المُتَّقونَ لِلرَّبِّ اِتَّكِلوا على الرَّبّ، فهو نُصرَتُهم وتُرسُهم. الرَّبُّ ذَكَرَنا ويُبارِكُنا. يُبارِكُ بَيتَ إِسْرائيل، يُبارِكُ بَيتَ هارون يُبارِكُ المُتَّقينَ لِلرَّبّ، الصِّغارَ مع الكِبار. زادَكُم الرَّبُّ عَدَدًا، أَنتُم وبَنيكم! علَيكُم بَرَكَةُ الرَّبِّ، صانِعِ السَّمٰواتِ والأَرض. إِنَّما السَّماءُ سَماءُ الرَّبّ، والأَرضُ جَعَلَها لِبَني البَشَر. لَيسَ الأَمْواتُ يُسَبِّحونَ الرَّبّ، ولا جَميعُ الهابِطينَ إِلى الصَّمت. أَمَّا نَحنُ فالرَّبَّ نُبارِك، مِنَ الآنَ ولِلأَبَد. هَلِّلويا! أَحبَبتُ الرَّبَّ لأَنَّه يَسْمَعُ، صَوتَ تَضَرُّعي. قد أَمالَ أُذُنَه إِلَيَّ، يَومَ دَعَوتُه. حَبائِلُ الموتِ أَحاطَت بي، وشِباكُ مَثْوى الأَمْواتِ أَدرَكَتْني، فلَقيتُ الضِّيقَ والغَمّ. بِٱسمِ الرَّبِّ دَعَوتُ، آهِ يا رَبِّ، نَجِّ نَفْسي. الرَّبُّ رَؤُوفٌ بارّ، وإِلٰهُنا رَحْمان. الرَّبُّ يَحفَظُ البُسَطاء، كُنتُ ضَعيفًا فخَلَّصَني. عودي يا نَفْسي إِلى راحَتِكِ، فإِنَّ الرَّبَّ قد أَحْسَنَ إِلَيكِ، لأَنَّه أَنقَذَ مِنَ المَوتِ نَفْسي، ومِنَ الدَّمْعِ عَينَيَّ، ومِنَ الزَّلَلِ قَدَمَيَّ. سأَسيرُ أَمامَ الرَّبِّ، في أَرضِ الأَحْياء. آمَنتُ حتَّى حينَ قُلتُ: «إِنَّ بُؤسي لَشَديد». أَنا القائِلَ في ٱضطِرابي: «كُلُّ إِنْسانٍ كاذِب». ماذا أَرُدُّ إِلى الرَّبِّ، عن كُلِّ ما أَحسَنَ بِه إِلَيَّ؟ أَرفَعُ كأسَ الخَلاص، وأَدْعو بِٱسمِ الرَّبّ. أُوفي نُذوري لِلرَّبّ، أَمامَ كُلِّ شَعبِه. يَشُقُّ على الرَّبِّ، مَوتُ أَصْفِيائِه. آهِ يا رَبِّ، فإِنِّي عَبدُكَ، عَبدُكَ وٱبنُ أَمَتِكَ. لقد حَلَلتَ قُيودي، فلَكَ أَذبَحُ ذَبيحَةَ الحَمْدِ، وبٱسمِ الرَّبِّ أَدْعو. أُوفي نُذوري لِلرَّبِّ، أَمامَ كُلِّ شَعبِه، في دِيارِ بَيتِ الرَّبِّ، في وَسَطِكِ يا أُورَشَليم. هَلِّلويا! سَبِّحي الرَّبَّ يا جَميعَ الأُمَم، وٱمدَحيه يا جَميعَ الشُّعوب، لأَنَّ رَحمَتَه علَينا عَظيمة، وصِدقَ الرَّبِّ قائمٌ أَبَدًا. هَلِّلويا! إِحمَدوا الرَّبَّ لأَنَّه صالِح، لأَنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. لِيقُلْ بَيتُ إِسْرائيل: إِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. لِيَقُلْ بَيتُ هارون: إِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. لِيَقُلِ المُتَّقونَ لِلرَّبّ: إِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. في الضِّيقِ دَعوتُ الرَّبَّ، فٱستَجابَ الرَّبُّ لي وفي الرُّحْبِ أَقامَني. الرَّبُّ معي فلا أَخاف، وماذا يَصنَعُ بِيَ البَشَر؟ الرَّبُّ معي بَينَ ناصِرِيَّ، فأَرى خَيبَةَ مُبغِضِيَّ. الِٱعتِصامُ بِالرَّبِّ، خَيرٌ مِنَ الِٱتِّكالِ على البَشَر. الِٱعتِصامُ بِالرَّبِّ، خَيرٌ مِنَ الِٱتِّكالِ على العُظَماء. أَحاطَت بي جَميعُ الأُمَم، بِٱسمِ الرَّبِّ أُقَطِّعُها. أَحاطَت بي ثُمَّ أَحاطَت بي، بٱسمِ الرَّبِّ أُقَطِّعُها. أَحاطَت بي كالنَّحْلِ، وٱنطَفَأت كنارِ الشَّوك. بِٱسمِ الرَّبِّ أُقَطِّعُها. دَفَعَتني دَفَعَتني لِكَي أَسقُط، لٰكِنَّ الرَّبَّ نَصَرَني. الرَّبُّ قُوَّتي ونَشيدي، لقد كانَ لي خَلاصًا. صَوتُ تَهْليلٍ وخَلاص، في خِيامِ الأَبْرار. يَمينُ الرَّبِّ بِبَأسٍ عَمِلَت. يَمينُ الرَّبِّ ٱرتَفَعَت، يَمينُ الرَّبِّ بِبَأسٍ عَمِلَت. لا أَموتُ بل أَحْيا، وبِأَعْمالِ الرَّبِّ أُحَدِّث. أَدَّبَني الرَّبُّ تأديبًا، لٰكِنَّه إِلى المَوتِ لم يُسلِمْني. إِفتَحوا لي أَبوابَ البِرّ، فأَدخُلَ وأَحمَدَ الرَّبّ. هٰذا بابُ الرَّبِّ، فيه يَدخُلُ الأَبْرار. أَحمَدُكَ لأَنَّكَ أَحبَبتَني، وخَلاصًا كُنتَ لي. الحَجَرُ الَّذي رَذَلَه البَنَّاؤُون، قد صارَ رأسَ الزَّاوِيَة. مِن عِندِ الرَّبِّ كانَ ذٰلك، وهو عَجَبٌ في أَعيُنِنا. هٰذا هو اليَومُ الَّذي صَنَعَه الرَّبُّ، فلْنَبتَهِجْ ونَفرَحْ فيه. إِمنَحِ الخَلاصَ يا رَبُّ ٱمنَحْ، إِمنحِ النَّصرَ يا رَبُّ ٱمنَحْ. تَبارَكَ الآتي بٱسمِ الرَّبِّ، نُبارِكُكم مِن بَيتِ الرَّبِّ. الرَّبُّ هو اللهُ وقد أَنارَنا. فرُصُّوا المَواكِبَ والأَغْصانُ في أَيديكم، حتَّى قُرونِ المَذبَح. أَنتَ إِلٰهي فأَحمَدُكَ، أَللَّهُمَّ إِنِّي أُعَظِّمُكَ. إِحمَدوا الرَّبَّ لأَنَّه صالِح، لأَنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. طوبى لِلكامِلينَ في سُلوكِهم، لِلسَّائرينَ في شَريعةِ الرَّبّ. طوبى لِلَّذينَ يَحفَظونَ شَهادَتَه، وبِكُلِّ قُلوبِهِم يَلتَمِسونَه. وأَعمالَ الظُّلْمِ لا يَعمَلون، بل في طُرُقِه يَسيرون. أَنتَ أَوصَيتَ بِأَوامِرِكَ، كَي تُحفَظَ حِفْظًا كامِلًا. لَيتَ طُرُقي تَثبُت، لِحِفْظِ فَرائِضِكَ! حينَئذٍ لا أَخْزى، إِذا نَظَرتُ إِلى جَميعِ وَصاياكَ. أَحمَدُكَ بِقَلبٍ مُستَقيم، إِذا تَعَلَّمتُ أَحْكامَ عَدلِكَ. إِنِّي أَحفَظُ فَرائِضَكَ!، فلا تَترُكْني تَمامًا. بِمَ يُطَهِّرُ الفَتى سَبيلَه؟ بِحِفظِه كَلِمَتَكَ. بِكُلِّ قَلْبي ٱلتَمَستُكَ، فلا تُضَلِّلْني بَعيدًا عن وَصاياكَ. في قَلْبي أَخفَيتُ أَقْوالَكَ، لِكَي لا أَخطَأَ إِلَيكَ. مُبارَكٌ أَنتَ يا رَبُّ، عَلِّمْني فَرائِضَكَ. بِشَفَتَيَّ حَدَّثتُ، بِأَحْكامِ فَمِكَ كُلِّها. في طَريقِ شَهادَتِكَ سُرِرتُ سُرورًا يَفوق كُلَّ غِنى. إِنِّي في أَوامِرِكِ أَتَأَمَّل، وفي سُبُلِكَ أَنظُر. أَتَنَعَّمُ بِفَرائِضِكَ، فلا أَنْسى كَلِمَتَكَ. أَحْسِنْ إِلى عَبدِكَ فأَحْيا، وأَحفَظَ كَلِمَتَكَ. إِفتَحْ عَينَيَّ فأُبصِرَ، عَجائِبَ شَريعَتِكَ. أَنا في الأَرضِ نَزيل، فلا تَحجُبْ عنِّي وَصاياكَ. ذابَت نَفْسي مِنَ الرَّغبَةِ، في أَحكامِكَ كُلَّ حين. إِنَّكَ زَجَرتَ المُتَكَبِّرينَ، المَلاعينَ الَّذينَ ضَلُّوا بَعيدًا عن وَصاياكَ. إِصرِفْ عنِّي الخِزْيَ والعار، فقَد حَفِظتُ شَهادَتَكَ. لَئِن جَلَسَ الرُّؤَساءُ وتَكَلَّموا عَلَيَّ، يَتَأَمَّلُ عَبدُكَ في فَرائِضِكَ. شَهادَتُكَ أَيضًا نَعيمي، وفَرائِضُكَ رِجالُ مَشوَرتي. لقَد لَصِقَت بِالتُّرابِ نَفْسي، فأَحْيِني بِحَسَبِ كَلِمَتِكَ. حَدَّثتُ بِطُرُقي فأَجَبتَني، فَرائِضَكَ عَلِّمْني. فَهِّمْني طَريقَ أَوامِرِكَ، فأَتَأَمَّلَ في عَجائِبِكَ. مِنَ الغَمِّ ذابَت نَفْسي دُموعًا، فأَنهِضْني بِحَسَبِ كَلِمَتِكَ. طَريقَ الكَذِبِ أَبعِدْ عَنِّي، وبِشَريعَتِكَ أَنعِمْ علَيَّ. إِنِّي ٱختَرتُ طَريقَ الحَقّ، إِمتَثَلتُ لأَحْكامِكَ. بِشَهادتِكَ يا رَبِّ تَعَلَّقتُ، فلا تُخَيِّبْ أَمَلي. في طَريقِ وَصاياكَ أَركُض، لأَنَّكَ تَشرَحُ قَلْبي. عَلِّمْني يا رَبُّ طَريقَ فَرائِضِكَ، فأَحفَظَه إِلى النِّهاية. فَهِّمْني فأَرْعى شَريعَتَكَ، وأَحفَظَها بِكُلِّ قَلْبي. سَيِّرْني في سَبيلِ وَصاياكَ، فإِنَّ فيها هَوايَ. أَمِلْ قَلْبي إِلى شَهادَتِكَ، لا إِلى المَكاسِب. عنِ النَّظَرِ إِلى الباطِلِ ٱصرِفْ عَينَيَّ، وبِكَلِمَتِكَ أَحْيِني. أَنجِزْ لِعَبدِكَ قَولَكَ، فهو لِلَّذينَ يَخافونَكَ. إِصرِفْ عنِّي العارَ الَّذي أَخافُه، لأَنَّ أَحكامَكَ صالِحة. لقَد رَغِبتُ في أَوامِرِكَ، فأَحْيِني بِبِرِّكَ. لِتَأْتِني يا رَبُّ رَحمَتُكَ، وخَلاصُكَ بِحَسَبِ قَولِكَ فأَرُدَّ بِكَلِمَةٍ على مُعَيِّري، لأَنِّي ٱتَّكلتُ على كَلِمَتِكَ. لا تَنزِعْ مِن فَمي كَلِمَةَ الحَقّ، فإِنِّي رَجَوتُ أَحْكامَكَ. سأَحفَظُ شَريعَتَكَ في كُلِّ حين، مَدى الدَّهرِ ولِلأَبَد. وأَسيرُ في الرُّحْبِ، لأَنِّي ٱلتَمَستُ أَوامِرَكَ. وأَنطِقُ بِشهادَتِكَ، أَمامَ المُلوكِ ولا أَخْزى. وأَتَنَعَّمُ بِوَصاياكَ، الَّتي أَحبَبتُها حُبًّا شَديدًا. وأَرفَعُ كَفَّيَّ إِلى وَصاياكَ، وأَتَأَمَّلُ في فَرائِضِكَ. أُذْكُرْ لِعَبدِكَ كَلِمَتَكَ، الَّتي جَعَلتَني أَرْجوها. هٰذه تَعزِيَتي في بُؤْسي، أَنَّ قَولَكَ يُحْييني. إِنَّ المُتَكَبِّرينَ سَخِروا بي كَثيرًا، لَكِنِّي عن شَريعَتِكَ لم أَحِدْ. تَذَكَّرتُ أَحكامَكَ الدَّائِمَة، فتَعَزَّيتُ يا رَبِّ، أَخَذَني الحَنَقُ بِسَبَبِ الأَشْرارِ، الَّذينَ تَرَكوا شَريعَتَكَ. كانَت فَرائِضُكَ أَناشيدَ لي، في دارِ غُربَتي. يا رَبِّ ذَكَرتُ في اللَّيلِ ٱسمَكَ، وحَفِظتُ شَريعَتَكَ. ذٰلك هو نَصيبي، أَن أَرْعى أَوامِرَكَ. أَقول: نَصيبي، يا رَبِّ، أَن أَحفَظَ كَلامَكَ. بِكُلِّ قَلْبيَ ٱستَرضَيتُ وَجهَكَ، تَحَنَّنْ علَيَّ بِحَسَبِ قَولِكَ. فَكَّرتُ في طُرُقي، ورَدَدتُ قَدَمَيَّ إِلى شَهادَتِكَ. أَسرَعتُ ولم أُبطِئْ، إِلى حِفْظِ وَصاياكَ. حَبائِلُ الأَشْرارِ ٱلتَفَّت علَيَّ، ولم أَنْسَ شَريعَتَكَ. في نِصفِ اللَّيلِ أَقومُ لِحَمدِكَ، لأَجْلِ أَحكامِ بِرِّكَ. إِنِّي رَفيقٌ لِكُلِّ مَن يَتَّقونَكَ، ويَحفَظونَ أَوامِرَكَ. مِن رَحمَتِكَ يا رَبُّ ٱمتَلأَتِ الأَرضُ، فعَلِّمْني فَرائِضَكَ. لقد أَحسَنتَ إِلى عَبدِكَ، يا رَبُّ بِحَسَبِ كَلِمَتِكَ. عَلِّمْني الحُكمَ الصَّائِبَ والمَعرِفَة، فإِنِّي قد آمَنتُ بِوَصاياكَ. كُنتُ ضالًّا قَبلَ أَن أُذَلَّل، والآنَ أَنا حافِظٌ لِقَولِكَ. حَسَنٌ أَنتَ ومُحسِنٌ، فَعَلِّمْني فَرائِضَكَ. إِنَّ المُتَكَبِّرينَ لَطَّخوني بِالكَذِب، وأَنا بِكُلِّ قَلْبي أَرْعى أَوامِرَكَ. غَلُظَت مِثلَ الشَّحْمِ قُلوبُهم، وأَنا تَنَعَّمتُ بِشَريعَتِكَ. حَسَنٌ لي أَنِّي ذُلِّلتُ، حتَّى أَتَعَلَّمَ فَرائِضَكَ. شَريعةُ فَمِكَ خَيرٌ لي، مِن أُلوفِ ذَهَبٍ وفِضَّة. يَداكَ صَنَعَتاني وثَبَّتَاني، أَفهِمْني فأَتَعَلَّمَ وَصاياكَ. يُبصِرُني الَّذينَ يَتَّقونَكَ فيَفرَحون، لأَنِّي أَرْجو كَلِمَتَكَ. عَلِمتُ يا رَبُّ أَنَّ أَحْكامَكَ بِرٌّ، وأَنَّكَ بِالحَقِّ ذَلَّلتَني. فلْتَكُنْ رَحمَتُكَ تَعزِيَةً لي، بِحَسَبِ قَولِكَ لِعَبدِكَ. ولْتَأْتِني رَأفَتُكَ فأَحْيا، لأَنَّ شَريعَتَكَ هي نَعيمي. لِيَخْزَ المُتَكَبِّرونَ لأَنَّهم بِالكَذِبِ يُرهِقوني، وأَنا أَتَأَمَّلُ في أَوامِرِكَ. لِيَرجِعْ إِلَيَّ الَّذينَ يَتَّقونَكَ، ويَعرِفونَ شَهادَتَكَ. لِيَكُنْ قَلْبي كامِلًا في فَرائِضِكَ، لِكَي لا أَخْزى. ذابَت نَفْسي شَوقًا إِلى خَلاصِكَ، فرَجَوتُ كَلِمَتَكَ. كَلَّت عَينايَ ٱنتِظارًا لِقَولِكَ، وأَنا أَقول: متى تُعَزِّيني؟ قد صِرتُ كالزِّقِّ في الدُّخان، لم أَنْسَ فَرائِضَكَ. كَم تَكونُ أَيَّامُ عَبدِكَ؟ متى تُجْري حُكْمًا على مُطارِدِيَّ؟ حَفَرَ لِيَ المُتَكَبِّرون حُفَرًا، لَيسَت على حَسَبِ شَريعَتِكَ. جَميعُ وَصاياكَ أَمانة. بِالكَذِبِ طارَدوني فٱنصُرْني. كادوا يُفْنوني مِنَ الأَرضِ، لَكِنِّي لم أَتْرُكْ أَوامِرَكَ. أَحْيِني بِحَسَبِ رَحمَتِكَ، فأَحفَظَ شَهادَةَ فَمِكَ. لِلأَبَدِ يا رَبُّ كَلِمَتُكَ، في السَّماءِ ثابِتَة. إِلى جيلٍ فَجيلٍ أَمانَتُكَ. قد ثَبَّتَّ الأَرضَ فهي قائِمة. بِأَحْكامِكَ يَقومُ إِلى اليَومِ كُلُّ شَيء، لأَنَّ كُلَّ شَيءٍ عَبدٌ لَكَ. لَولا أَنَّ شَريعَتَكَ هي نَعيمي، لَهَلَكتُ في بُؤسي. لا أَنسى أَوامِرَكَ لِلأَبَد، لأَنَّكَ بِها أَحيَيتَني. أَنا لَكَ فخَلِّصْني، لأَنِّي ٱلتَمَستُ أَوامِرَكَ. يَتَرَقَّبُني الأَشْرارُ لِيُهلِكوني، أَمَّا أَنا فأَتَبَصَّرُ في شَهادتِكَ. رأَيتُ حَدًّا لِكُلِّ كَمال، أَمَّا وَصِيَّتُكَ فما أَرحَبَها! كم أُحِبُّ شَريعَتَكَ! فهي تأَمُّلي النَّهارَ كُلَّه. وَصِيَّتُكَ جَعَلَتني أَحكَمَ مِن أَعْدائي، لأَنَّها لي لِلأَبَد. صِرتُ أَعقَلَ مِن جَميعِ مُعَلِّمِيَّ، لأَنَّ شَهادَتَكَ هي تأَمُّلي. أَصبَحتُ أَفطَنَ مِنَ الشُّيوخ، لأَنِّي رَعَيتُ أَوامِرَكَ. عن كُلِّ سَبيلِ سوءٍ مَنَعتُ قَدَمَيَّ، لِكَي أَحفَظَ كَلِمَتَكَ. عن أَحكامِكَ لم أَحِدْ، لأَنَّكَ أَنتَ عَلَّمتَني. ما أَعذَبَ قَولَكَ في حَلْقي! هو أَحْلى مِنَ العَسَلِ في فَمي. بِأَوامِرِكَ صِرتُ فَطِنًا، فلِذٰلِكَ أَبغَضتُ كُلَّ سَبيلِ كَذِب. كَلِمَتُكَ مِصْباحٌ لِقَدَمي، ونورٌ لِسَبيلي. أَقسَمتُ وسأُنجِز، أَن أَحفَظَ أَحكامَ بِرِّكَ. قد ذُلِّلتُ لِلْغاية، فأَحْيِني يا رَبِّ بِحَسَبِ كَلِمَتِكَ. إِرتَضِ يا رَبِّ بِقُربانِ فَمي، وأَحكامَكَ عَلِّمْني. نَفْسي على كَفِّي في كُلِّ حين، وأَنا لم أَنْسَ شَريعَتَكَ. نَصَبَ الأَشْرارُ فَخًّا لي، وأَنا لم أَضِلَّ عن أَوامِرِكَ. وَرِثتُ شَهادَتَكَ لِلأَبَد، لأَنَّها سُرورُ قَلْبي. أَمَلتُ قَلْبي لأَعمَلَ بِفَرائِضِكَ، فإِنَّها الثَّوابُ لِلأَبَد. أَبغَضتُ القُلوبَ المُنقَسِمَة، وأَحبَبتُ شَريعَتَكَ. أَنتَ سِتْري وتُرْسي، وكَلِمَتُكَ رَجائي. إِلَيكُم عنِّي أَيُّها الأَشرار، فأَرْعى وَصايا إِلٰهي. أُعضُدْني بِحَسَبِ قَولِكَ فأَحْيا، ولا تُخَيِّبْ أَمَلي. كُنْ سَنَدي فأَخلُص، وأَنظُرْ في فَرائِضِكَ كُلَّ حين. إِستَهَنتُ بكُلِّ الَّذينَ ضَلُّوا عن فَرائِضِكَ، لأَنَّ مَكرَهم كُلَّه كَذِب. عَدَدتَ جَميعَ أَشْرارِ الأَرضِ خَبَثًا، فلِذٰلك أَحبَبتُ شَهادَتَكَ. إِرتَعَشَ جِسْمي مِن رَهبَتِكَ، وخِفتُ مِن أَحْكامِكَ. لقَد أَقَمتُ الحُكْمَ والبِرَّ، فلا تُسلِمْني إِلى الجائِرينَ علَيَّ. كُنْ لِعَبدِكَ كَفيلًا بِالخَير، لِئَلاَّ يَجورَ علَيَّ المُتَكَبِّرون. كَلَّت عَينايَ ٱنتِظارًا لِخَلاصِكَ، ولأَقوالِ بِرِّكَ. عامِلْ عَبدَكَ بِحَسَبِ رَحمَتِكَ، وعَلِّمْني فَرائِضَكَ. أَنا عَبدُكَ أَفهِمْني، فأَعرِفَ شَهادَتَكَ. آنَ أَوانَ العَمَلِ يا رَبّ، فإِنَّهم قد خالَفوا شَريعَتَكَ. لِذٰلك أَحبَبتُ وَصاياكَ، أَكثَرَ مِنَ الذَّهَبِ والإِبْريز. ولِذٰلك ٱستَصوَبتُ جَميعَ أَوامِرِكَ، وأَبغَضتُ كُلَّ سَبيلِ كَذِب. شَهادَتُكَ عَجيبة، لِذٰلك رَعَتها نَفْسي. شَرْحُ كَلامِكَ، مُنير، يُعْطي البُسَطاءَ فِطنَةً. فتَحتُ فَمي وتَنَشَّقتُ، لأَنِّي إِلى وَصاياكَ تَشَوَّقتُ. إِلتَفِتْ إِلَيَّ وٱرحَمْني، بِحَسَبِ عَدلِكَ لِلَّذينَ يُحِبُّونَ ٱسمَكَ. ثَبِّتْ خَطَواتي في قَولِكَ، فلا يَتَسَلَّطَ علَيَّ مِنَ الإِثْمِ شَيءٌ. إِفتَدِني مِن ظُلْمِ الإِنْسان، فأَحفَظَ أَوامِرَكَ. أَضِئْ بِوَجهِكَ على عَبدِكَ، وعَلِّمْني فَرائِضَكَ. فاضَت عَينايَ مَجاريَ مِياه، لأَنَّهم لم يَحفَظوا شَريعَتَكَ. بارٌّ أَنتَ يا رَبُّ، ومُستَقيمٌ في أَحْكامِكَ. أَوصَيتَ بِشَهادَتِكَ، عَدلًا، وفي الأَمانةِ غايةً. الغَيرَةُ أَفنَتْني، لأَنَّ مُضايِقِيَّ نَسُوا كَلِمَتَكَ. مُمَحَّصٌ جِدًّا قَولُكَ، فأَحَبَّه عَبدُكَ. صَغيرٌ أَنا حَقير، لَكِنِّني لم أَنْسَ أَوامِرَكَ. بِرٌّ لِلأَبَدِ عَدالَتُكَ، وحَقٌّ شَريعَتُكَ. أَدرَكَني ضيقٌ وشِدَّة، لَكِنَّ وَصاياكَ نَعيمي. شَهادَتُكَ بِرٌّ لِلأَبَد، أَفْهِمْني فأَحْيا. دَعَوتُ بِكُلِّ قَلْبي فأَجِبْني يا رَبُّ، فإِنِّي أَرْعى فَرائَضَكَ. إِيَّاكَ دَعَوتُ، خَلِّصْني، فأَحفَظَ شَهادَتَكَ. سَبَقتُ الفَجرَ وصَرَختُ، وكَلِمَتَكَ رَجَوتُ. سَبَقَت عَينايَ الهَجَعات، لِلتَّأَمُّلِ في قَولِكَ. إِستَمِعْ صَوتي بِحَسَبِ رَحمَتِكَ، أَحْيِني يا رَبُّ بِحَسَبِ أَحْكامِكَ. إِقتَرَبَ المُطارِدونَ مِنَ الفاحِشَة، وٱبتَعَدوا عن شَريعَتِكَ. وأَنتَ يا رَبُّ قريب، وجَميعُ وَصاياكَ حَقّ. مُنذُ القِدَمِ عَلِمتُ مِن شَهادَتِكَ، أَنَّكَ لِلأَبَدِ أَسَّستَها. أُنظُرْ إِلى بُؤسي وأَنقِذْني، فإِنِّي لم أَنسَ شَريعَتَكَ. دافِعْ عن قَضِيَّتي وٱفتَدِني، وبِحَسَبِ قَولِكَ أَحْيِني. إِنَّ الخَلاصَ بَعيدٌ عنِ الأَشْرار، لأَنَّهم لم يَلتَمِسوا فَرائِضَكَ. مَراحِمُكَ كَثيرَةٌ أَيُّها الرَّبّ، فأَحْيِني بِحَسَبِ أَحْكامِكَ. مُطارِدِيَّ ومُضايِقِيَّ كَثيرون، وأَنا لم أَحِدْ عن شَهادَتِكَ. رأَيتُ الخَوَنَةَ فمَقَتُّهم، لأَنَّهم لم يَحفَظوا قَولَكَ. أُنظُرْ كَيفَ أَحببتُ أَوامِرَكَ، أَحْيِني يا رَبِّ بِحَسَبِ رَحمَتِكَ. حَقٌّ أَصلُ كَلِمَتِكَ، ولِلأَبَدِ كُلُّ حُكْمِ بِرِّكَ. رُؤَساءُ طارَدوني بِلا سَبَب، ولم يَفْزَعْ قَلْبي إِلاَّ مِن كَلِمَتِكَ. سُرِرتُ بِقَولِكَ، كَمَن أَصابَ غَنيمةً وافِرة. أَبغَضتُ الكَذِبَ وٱستَقبَحتُه، وما أَحْبَبتُ إِلاَّ شَريعَتَكَ. سَبْعَ مَرَّاتٍ في النَّهارِ سَبَّحتُكَ، على أَحْكامِ بِرِّكَ. سَلامٌ وافِرٌ لِمُحِبِّي شَريعَتِكَ، ولَيسَ لَهم حَجَرُ عِثار. إِنتَظَرتُ يا رَبِّ خَلاصَكَ، وعَمِلتُ بِوَصاياكَ. نَفْسي حَفِظَت شَهادَتَكَ، وقد أَحبَبتُها حُبًّا شَديدًا. حَفِظتُ أَوامِرَكَ وشَهادَتَكَ، لأَنَّ جَميعَ طُرُقي أَمامَكَ. يا رَبُّ، لِيقْتَرِبْ صُراخي مِن وَجهِكَ، أَفْهِمْني، بِحَسَبِ كَلِمَتِكَ. لِيَبلُغْ تَضَرُّعي إِلى أَمامِ وَجهِكَ، أَنقِذْني بِحَسَبِ قَولِكَ. لِتَفِضْ شَفَتايَ تَسْبيحًا، لأَنَّكَ تُعَلِّمُني فَرائِضَك. لِيُشِدْ لِساني بقَولِكَ، فبِرٌّ جَميعُ وَصاياك. لِتَكُنْ يَدُكَ نُصرَةً لي، فإِنِّي ٱختَرتُ أَوامِرَكَ. لقد رَغِبتُ في خَلاصِكَ يا رَبُّ، وشَريعَتُكَ هي نَعيمي. لِتَحْيَ نَفْسي وتُسَبِّحْكَ، ولْتَنصُرْني أَحْكامُكَ. لقد ضَلَلتُ كالخَروفِ الضَّالّ، فٱبحَثْ عن عَبدِكَ، لأَنِّي لم أَنْسَ وَصاياكَ. نَشيدُ المَراقي. إِلى الرَّبِّ صَرَختُ في ضيقي، فأَجابَني. يا رَبِّ أَنقِذْ نَفْسي مِنَ الشِّفاهِ الكاذِبة، ومِن لِسانِ الخِداع. ماذا يُعْطى لَكَ وماذا يُزادُ لَكَ، يا لِسانَ الخِداع؟ سِهامُ الجَبَّارِ مَسْنونةٌ بِجَمْرِ الرَّتَم. وَيلٌ لي فإِنِّي في ماشَكَ نَزَلتُ، وفي خِيامِ قيدارَ سَكَنتُ. ما أَطوَلَ سُكْنى نَفْسي، مع الَّذينَ يُبغِضونَ السَّلام. إِنِّي إِذا تَكَلَّمتُ فلِلسِّلْمِ، أَمَّا هم فلِلحَرْب. نَشيدُ المَراقي. أَرفَعُ عَينَيَّ إِلى الجِبال، مِن أَينَ تأتي نُصرَتي؟ نُصرَتي مِن عِندِ الرَّبِّ، صانِعِ السَّمٰواتِ والأَرض. لا تَرَكَ قَدَمَكَ تَزِلُّ، ولا نامَ حارِسُكَ! ها إِنَّ حارِسَ إِسرائيلَ، لا يَغْفو ولا يَنام. الرَّبُّ حارِسٌ لَكَ، الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ إِلى يَمينِكَ، فلا تُصيبُكَ الشَّمسُ في النَّهار، ولا القَمَرُ في اللَّيل. يَحرُسُكَ الرَّبُّ مِن كُلِّ سوء، هو يَحرُسُ نَفسَكَ. الرَّبُّ يَحرُسُكَ في ذَهابِكَ وإِيابِكَ، مِنَ الآنَ ولِلأَبَد. نَشيدُ المَراقي. لِداود. فَرِحتُ حينَ قيلَ لي: «لِنَذهَبْ إِلى بَيتِ الرَّبّ». تَوَقَّفَت أَقْدامُنا، في أَبْوابِكِ يا أُورَشَليم. أُورَشَليم المَبنِيَّةُ كَمدينةٍ، في وَحدَةٍ مُتَماسِكة. إِلى هُناكَ صَعِدَتِ الأَسْباطُ، أَسْباطُ الرَّبّ، عَمَلًا بِسُنَّةٍ في إِسْرائيل، لِكَي يَحمَدوا ٱسمَ الرَّبّ. هُناكَ نُصِبَت عُروشٌ لِلقَضاء، عُروشُ بَيتِ داوُد. أُطلُبوا السَّلامَ لأُورَشَليم. السَّكينَةُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَكِ! السَّلامُ في أَسوارِكِ، والسَّكينَةُ في قُصورِكِ! لأَجلِ إِخوَتي وأَخِلاَّئي، لَأَدْعُوَنَّ لَكِ بِالسَّلام لأَجلِ بَيتِ الرَّبِّ إِلٰهِنا، أَلتَمِسُ لَكِ السَّعادة. نَشيدُ المَراقي. إِلَيكَ رَفَعتُ عَينَيَّ، يا ساكِنَ السَّمٰوات. كما يَرفَعُ العَبيدُ عُيونَهم إِلى يَدِ سادَتِهم، وكما تَرفَعُ الأَمَةُ عَينَيها إِلى يَدِ سَيِّدَتِها، كذٰلِك عُيونُنا إِلى الرَّبِّ إِلٰهِنا، حَتَّى يَتَحَنَّنَ علَينا. تَحَنَّنْ علَينا يا رَبُّ، تَحَنَّنْ علَينا، فقَد شَبِعْنا هَوانًا ولقَد شَبِعَت نُفوسُنا، مِن هُزْءِ المُتْرَفين. (الهَوانُ لِلمتُكَبِّرين). نَشيدُ المَراقي. لِداود. لَو لم يَكُنِ الرَّبُّ مَعَنا - لِيَقُلْها إِسْرائيل - لو لم يَكُنِ الرَّبُّ مَعَنا، عِندَما قامَ البَشَرُ علَينا، لَٱبتَلَعونا ونَحنُ أَحْياء، عِندَ ٱضطِرامِ غَضَبِهم علَينا. لَغَمَرَتنا المِياه، لَجازَ السَّيلُ على نُفوسِنا، لَجازَت على نُفوسِنا، المِياهُ الطَّاغِية. تَبارَكَ الرَّبُّ الَّذي لم يَجعَلْنا فَريسَةً لأَسنانِهم. نَجَت نُفوسُنا مِثلَ العُصْفور، مِن فَخِّ الصَّيَّادين. الفَخُّ ٱنكَسَرَ ونَحنُ نَجَونا. نُصرَتُنا بِٱسمِ الرَّبِّ، صانِعِ السَّمٰواتِ والأَرْض. نَشيدُ المَراقي. الَّذينَ على الرَّبِّ يَتَّكِلون، هم كَجَبَلِ صِهيونَ غَيرِ المُتَزَعزِع، الثَّابِتِ لِلأَبَد. أُورَشَليمُ تُحيطُ بِها الجِبال، والرَّبُّ يُحيطُ بِشَعْبِه مِنَ الآنَ ولِلأَبَد. لأَنَّ صَولَجان الشَّرِّ، لن يَستَقِرَّ على حِصَّةِ الأَبْرار، لِكَي لا يَمُدَّ الأَبرارُ، أَيدِيَهم إِلى الآثام. أَحسِنْ يا رَبُّ إِلى أَهلِ الصَّلاح، وإِلى ذَوي القُلوبِ المُستَقيمة. أَمَّا الَّذينَ يَحيدونَ إِلى سُبُلِهِمِ المُعوَجَّة، فلْيَسُقْهُمُ الرَّبُّ مع فَعَلَةِ الآثام. السَّلامُ على إِسْرائيل! نَشيدُ المَراقي. حينَ رَدَّ الرَّبُّ أَسْرى صِهْيون، كُنَّا كالحالِمين حينَئِذٍ ٱمتَلأَت أَفْواهُنا ضَحِكًا، وأَلسِنَتُنا تَهْليلًا. حينَئِذٍ قيلَ في الأُمَم: «إِنَّ الرَّبَّ عَظَّمَ الصَّنيعَ إِلَيهم». إِنَّ الرَّبَّ عَظَّمَ الصَّنيعَ إِلَينا، فَصِرْنا فَرِحين. أُردُدْ يا رَبُّ أَسْرانا، مِثلَ السُّيولِ في النَّقَب. الَّذينَ بِالدُّموعِ يَزرَعون، بِالتَّهْليلِ يَحصُدونَ. يَنطَلِقُ فيَسيرُ باكِيًا، وهو يَحمِلُ البَذْرَ. يَعودُ فيَأتي مُهَلِّلًا، وهو يَحمِلُ حُزَمَه. نَشيدُ المَراقي. لِسُلَيمان. إِن لم يَبْنِ الرَّبُّ البَيتَ، فباطِلًا يَتعَبُ البَنَّاؤُون. إِن لم يَحرُسِ الرَّبُّ المَدينة، فباطِلًا يَسهَرُ الحارِسون. باطِلٌ لَكم أَن تُبَكِّروا في القِيام، وتَتَأَخَّروا في المَنام، آكِلينَ خُبزَ المَتاعِب، واللهُ يَرزُقُ حَبيبَه وهو نائم. ها إِنَّ البَنينَ ميراثٌ مِنَ الرَّبّ، وثَمَرَةَ البَطْنِ ثَوابٌ مِنه. كالسِّهامِ في يَدِ الجَبَّار، هٰكَذا يَكونُ أَبْناءُ سِنِّ الشَّباب. طوبى لِلرَّجُلِ الَّذي مَلأَ جَعبَتَه مِنهم! فإِنَّهم لا يَخزَونَ، إِذا رافَعوا ضِدَّ أَعْدائِهم عِندَ الأَبْواب. نَشيدُ المَراقي. طوبى لِجَميعِ الَّذينَ يَتَّقونَ الرَّبّ، وفي سُبُلِه يَسيرون. إِنَّكَ تأكُلُ مِن تَعَبِ يَدَيكَ، فالطُّوبى والخَيرُ لَكَ! إِمرَأَتُكَ مِثلُ كَرمَةٍ مُثمِرَة، في جَوانِبِ بَيتِكَ. بَنوكَ كغِراسِ الزَّيتون، حَولَ مائِدَتِكَ. هٰكذا يُبارَكُ الرَّجُلُ، الَّذي يَتَّقي الرَّبّ. لِيُبارِكْكَ الرَّبُّ مِن صِهْيون. فتَرى أُورَشَليمَ تَنعَمُ بِالخَيرات، جَميعَ أَيَّامِ حَياتِكَ. وترى بَني أَبْنائِكَ! والسَّلامُ على إِسْرائيل! نَشيدُ المَراقي. كثيرًا ما ضايَقوني مُنذُ حَداثَتي - لِيَقُلْها إِسْرائيل - كثيرًا ما ضايَقوني مُنذُ حَداثَتي، ولم يَقدِروا علَيَّ. على ظَهْري حَرَثَ الحارِثون، وطَوَّلوا أَتْلامَهم. الرَّبُّ البارُّ، حَطَّمَ نيرَ الأَشْرار. فلْيَخْزَ كُلُّ الَّذينَ يُبغِضونَ صِهْيون، ولْيَرتَدُّوا إِلى الوَراء. لِيَكونوا كعُشْبِ السُّطوح، الَّذي يَيبَسُ قَبلَ أَن يُقلَع. الَّذي لم يَملأُ الحاصِدُ كفَّه مِنه، ولا حازِمُ الحُزَمِ حِضنَه، ولا يَقولُ العابِرون: «بَرَكَةُ الرَّبِّ علَيكم!». بارَكْناكُم بِٱسمِ الرَّبّ. نَشيدُ المَراقي. مِنَ الأَعْماقِ صَرَختُ إِلَيكَ يا رَبّ، يا سَيِّدُ ٱستَمِعْ صَوتي. لِتَكُنْ أُذُناكَ مُصغِيَتَينِ إِلى صَوتِ تَضَرُّعي. إِن كُنتَ يا رَبُّ لِلآثامِ مُراقِبًا، فمَن يَبْقى، يا سَيِّدُ، قائِمًا؟ إِنَّ المَغفِرَةَ عِندَكَ، لِكَي تَكونَ المَهابَةُ لَكَ. إِنتَظَرتُ الرَّبَّ، ٱنتَظَرَته نَفْسي، ورَجَوتُ كَلِمَتَكَ. تَرَقُّبُ نَفْسي لِلرَّبِّ، أَشَدُّ مِن تَرَقُّبِ الرُّقَباءِ لِلصُّبْح. لِيَكُنْ إِسْرائيلُ راجِيًا لِلرَّبِّ، أَشَدَّ مِنَ الرُّقَباءِ لِلصُّبْح. فإِنَّ عِندَ الرَّبِّ الرَّحمَة، وعِندَه وَفرَةَ الفِداء. وهو يَفتَدي إِسْرائيلَ، مِن جَميعِ آثامِه. نَشيدُ المَراقي. لِداوُد. يا رَبُّ، لم يَستَكبِرْ قَلْبي، ولا ٱستَعلَت عَينايَ، ولم أَسلُكْ طَريقَ المَعالي، ولا طَريقَ العَجائِبِ مِمَّا هو أَعْلى مِنِّي، بل أُسَكِّنُ نَفْسي وأُسكِتُها. مِثْلَ مَفْطومٍ عِندَ أُمِّه، مِثْلَ مَفْطومٍ هٰكذا نَفْسي علَيَّ. لِيَكُنْ إِسْرائيلُ راجِيًا لِلرَّبِّ، مِنَ الآنَ ولِلأَبَد. نَشيدُ المَراقي. أُذكُرْ يا رَبُّ داوُد، وكُلَّ ما عاناه. القَسَم الَّذي لِلرَّبِّ أَقسَمَه، والنَّذْرَ الَّذي لِعَزيزِ يَعْقوبَ نَذَرَه: «لن أَدخُلَ الخَيمةَ بَيتي، ولن أَعلُوَ سَريرَ مَضجَعي، ولن أُعطِيَ عَينَيَّ نَومًا، ولا أَجْفاني رُقادًا، إِلى أَن أَجِدَ لِلرَّبِّ مُقامًا، ولِعَزيزِ يَعْقوبَ مَسكِنًا». ها قد سَمِعْنا أَنَّه في أَفْراتَة، قد وَجَدْناه في حُقولِ الغاب. لِنَدخُلْ إِلى مَسكِنِ الرَّبِّ، لِنَسجُدْ لِمَوطِئِ قَدَمَيه. قُمْ يا رَبُّ إِلى مَكانِ راحَتِكَ، أَنتَ وتابوتُ عِزَّتِكَ. كَهَنَتُكَ البِرَّ يَلبَسون، وأَصفِياؤُكَ يُهَلِّلون. مِن أَجلِ داوُدَ عَبدِكَ، لا تَرُدَّ وَجهَ مَسيحِكَ. أَقسَمَ الرَّبُّ لِداوُد، وهي حَقيقةٌ لَن يَرتَدَّ عَنها أَبَدًا: «مِن ثَمَرَةِ بَطنِكَ، أُجلِسُ على العَرْشِ الَّذي لَكَ. إِن حَفِظَ بَنوكَ عَهْدي، وشَهادَتي الَّتي أُعَلِّمُهم إِيَّاها. فبَنوهم أَيضًا لِلأَبَدِ يَجلِسون، على العَرشِ الَّذي لَكَ». فإِنَّ الرَّبَّ ٱخْتارَ صِهْيون، وٱشْتَهاها لَه مَسكِنًا: «هذا هو مَكانُ راحَتي لِلأَبَد، هٰهُنا أَسكُنُ لأَنِّي ٱشتَهَيتُه. أُبارِكُ طَعامَها بَرَكَةً، أُشبِعُ مَساكينَها خُبزًا. أُلبِسُ كَهَنَتَها الخَلاص، وأَصْفِياؤُها يُهَلِّلونَ تَهْليلًا. هُناكَ أُقيمُ لِداوُدَ نَسْلًا، وأُعِدُّ لِمَسيحي سِراجًا. أُلبِسُ أَعْداءَه خِزْيًا، وتاجُه علَيه يُزهِر». نَشيدُ المَراقي. لِداوُد. أَلا ما أَطيَبَ، ما أَحْلى، أَن يَسكُنَ الإِخوَةُ مَعًا! هو كالزَّيتِ الطَّيِّبِ على الرَّأْسِ، والنَّازِلِ على اللِّحْيَة، النَّازِلِ على لِحيَةِ هارون، على أَطْرافِ ثِيابِه. هو كَنَدى حَرْمون، النَّازِلِ على جِبالِ صِهْيون. هُناكَ أَوصى الرَّبُّ بِالبَرَكَة، والحياةِ لِلأَبَد. نَشيدُ المَراقي. هَلُمُّوا! بارِكوا الرَّبَّ، يا جَميعَ عَبيدِ الرَّبّ، الواقِفينَ في بَيتِ الرَّبِّ، في دِيارِ بَيتِ إِلٰهِنا. في اللَّيالي ٱرفَعوا أَيدِيَكم إِلى القُدْس، وبارِكوا الرَّبّ. لِيُبارِكْكَ الرَّبُّ مِن صِهْيون، صانِعُ السَّمٰواتِ والأَرض. هَلِّلويا! سَبِّحوا ٱسمَ الرَّبِّ، سَبِّحوا يا عَبيدَ الرَّبّ، الواقِفينَ في بَيتِ الرَّبِّ، في دِيارِ بَيتِ إِلٰهِنا. سَبِّحوا الرَّبَّ فإِنَّه صالِح، إِعزِفوا لِٱسمِه فإِنَّه لَذيذ. لأَنَّ الرَّبَّ قدِ ٱخْتارَ لَه يَعْقوب، وإِسْرائيلَ خاصَّةً لَه. لقد عَلِمتُ أَنَّ الرَّبَّ عَظيم، وأَنَّ سَيِّدَنا فَوقَ جَميعِ الآلِهَة. كُلَّ ما شاءَ الرَّبُّ صَنَع، في السَّمٰواتِ والأَرْض، في البِحارِ وجَميعِ الغِمار. مِن أَقْصى الأَرْضِ يُصعِدُ الغُيوم، ولِلمَطَرِ يُحدِثُ البُروق، ومِن خَزائِنِه يُخرِجُ الرِّيح. هو الَّذي ضَرَبَ أَبْكارَ مِصْر، مِنَ النَّاسِ إِلى البَهائِم، وأَرسَلَ آياتٍ ومُعجِزات، في وَسَطِكِ يا مِصْر، على فِرعَونَ وعلى جَميعِ عَبيدِه. هو الَّذي ضَرَبَ أُمَمًا كَثيرة، وقَتَلَ مُلوكًا عُظَماء: سيحونَ مَلِكَ الأَمورِيِّين، وعوجًا مَلِكَ باشان، وسائِرَ مَمالِكِ كَنْعان. وأَعْطى أَرضَهم ميراثًا، ميراثًا لإسرائيلَ شَعبِه. يا رَبُّ، لِلأَبَدِ ٱسمُكَ، يا رَبُّ إِلى جيلٍ فجيلٍ ذِكرُكَ. إِنَّ الرَّبَّ يُنصِفُ شَعبَه، ويَرأَفُ بِعَبيدِه. أَوثانُ الأُمَمِ فِضَّةٌ وذَهَب، صُنعُ أَيدي البَشَر. لَها أَفواهٌ ولا تَتَكَلَّم، لَها عُيونٌ ولا تُبصِر. لَها آذانٌ ولا تُصْغي، ولَيسَ في أَفْواهِها نَسَمَة. مِثْلَها يَكونُ صانِعوها، وجَميعُ المُتَّكِلينَ علَيها. بارِكوا الرَّبَّ يا بَيتَ إِسْرائيل، بارِكوا الرَّبَّ يا بَيتَ هارون. بارِكوا الرَّبَّ يا بَيتَ لاوي، بارِكوا الرَّبَّ يا مَن يَتَّقونَ الرَّبّ. تَبارَكَ الرَّبُّ مِن صِهْيون، السَّاكِنُ في أُورَشَليم. هَلِّلويا! إِحمَدوا الرَّبَّ فإِنَّه صالِح، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. إِحمَدوا إِلٰهَ الآلِهَة، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. إِحمَدوا سَيِّدَ السَّادة، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. صانِعَ العَجائِبِ العِظامِ وَحدَه، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. صانِعَ السَّمٰواتِ بِفِطنَة، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. باسِطَ الأَرضِ على المِياه، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. صانِعَ النَّـيِّراتِ العِظام، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. الشَّمسِ لِحُكْمِ النَّهار، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. والقَمَرِ والكَواكِبِ لِحُكمِ اللَّيل، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. ضارِبَ مِصْرَ في أَبْكارِها، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. مُخرِجَ إِسْرائيلَ مِن بَينِهم، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وذِراعٍ مَبْسوطة، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. قاسِمَ بَحرِ القَصَبِ إِلى قِسْمَين، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. مُجيزَ إِسْرائيلَ في وَسَطِه، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. موقِعَ فِرعَونَ وجَيشِه، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. مُسَيِّرَ شعبِه في البَرِّيَّة، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. ضارِبَ مُلوكٍ عُظَماء، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. وقاتِلَ مُلوكٍ مُقتَدِرين، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. سيحونَ مَلِكِ الأَمورِيِّين، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. وعوجٍ مَلِكِ باشان، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. ومُعطِيَ أَرضِهم ميراثًا، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. ميراثًا لإسرائيلَ عَبدِه، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. هو الَّذي ذَكَرَنا في مَذَلَّتِنا، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. وٱنتَشَلَنا مِن مُضايِقينا، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. الَّذي يَرزُقُ كُلَّ ذي بَشَرٍ خُبزَه، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. إِحمَدوا إِلٰهَ السَّمٰوات، فإِنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه. على أَنهارِ بابِلَ هُناكَ جَلَسْنا، فبَكَينا عِندَما صِهْيونَ تَذَكَّرْنا. على الصَّفْصافِ في وَسَطِها، عَلَّقْنا كِنَّاراتِنا. هُناكَ سأَلَنا الَّذينَ أَسَرونا نَشيدًا، والَّذينَ عَذَّبونا طَرَبًا: «أَنشِدوا لَنا مِن صِهْيونَ نَشيدًا». كَيفَ نُنشِدُ نشيدَ الرَّبّ، ونَحنُ في أَرضِ الغُربَة؟ إِن نَسيتُكِ يا أُورَشَليم، فلتُشَلَّ يَميني. ولْيَلْتَصِقْ لِساني بِحَنَكي، إِن لم أَذكُرْكِ، إِن لم أَرفَعْ أُورَشَليمَ، إِلى أَوجِ فَرَحي. أُذكُرْ يا رَبُّ بَني أَدومَ، في يَومِ أُورَشَليم، القائِلينَ: ٱنسُفوا، حتَّى أَساسَها ٱنسُفوا. يا ٱبنَةَ بابِلَ الصَّائِرَةَ إِلى الدَّمار، طوبى لِمَن يُجازيكِ على ما جازَيتِنا بِه. طوبى لِمَن يُمسِكُ أَطْفالَكِ، ويَضرِبُ بِهمِ الصَّخرَة! لِداوُد. أَحمَدُكَ بِكُلِّ قَلْبي، فإِنَّكَ ٱستَمَعتَ لأَقْوالِ فَمي. أَمامَ المَلائِكَةِ أَعزِفُ لَكَ، أَسجُدُ نَحوَ هَيكَلِ قُدسِكَ. وأَحمَدُ ٱسمَكَ لأَجْلِ رَحمَتِكَ وحَقِّكَ، لأَنَّكَ عَظَّمتَ قَولَكَ فَوقَ كُلِّ ٱسمٍ لَكَ. قد أَجَبتَني يَومَ دَعَوتُكَ، وزِدتَ نَفْسي قُوَّةً. يا رَبُّ جَميعُ مُلوكِ الأَرْضِ يَحمَدونَكَ، حينَ يَسمَعونَ أَقْوالَ فَمِكَ، ويُنشِدونَ طُرُقَ الرَّبِّ: «لأَنَّ مَجدَ الرَّبِّ عَظيم. الرَّبُّ تَعالى ونَظَرَ إِلى المُتَواضِع، أَمَّا المُتَكَبِّرُ فيَعرِفُه مِن بَعيد». إِذا سِرتُ فيما بَينَ المَضايِق، فإِنَّكَ تُحْييني بِالرُّغمِ مِن غَضَبِ أَعْدائي. تَمُدُّ يَدَكَ فتُخَلِّصُني يَمينُكَ. الرَّبُّ يُتِمُّها علَيَّ. يا رَبُّ، لِلأَبَدِ رَحمَتُكَ، فلا تُهمِلْ أَعْمالَ يَدَيكَ. لإمامِ الغِناء. لِداوُد. مزمور. يا رَبِّ قد سَبَرْتَني فَعَرَفْتَني، عَرَفْتَ جُلوسي وقِيَامي. فَطِنتَ مِن بَعيدٍ لأَفْكاري، قَدَّرتَ حَرَكاتي وسَكَناتي، وأَلِفتَ جَميعَ طُرُقي. قَبلَ أَن يَكونَ الكَلامُ على لِساني، أَنتَ يا رَبُّ عَرَفتَه كُلَّه. مِن وَراءُ ومِن قُدَّامُ طَوَّقتَني، وجَعَلتَ علَيَّ يَدَكَ. عِلمٌ عَجيبٌ فَوقَ طاقَتي، أَرفَعُ مِن أن أُدرِكَه. أَينَ أَذهَبُ مِن روحِكَ، وأَينَ أَهرُبُ مِن وَجهِكَ؟ إِن صَعِدتُ إِلى السَّماءِ فأَنتَ هُناكَ، وإِنِ ٱضَّجَعتُ في مَثْوى الأَمواتِ فأَنتَ حاضِر. إِنِ ٱتَّخَذتُ أَجنِحَةَ الفَجْرِ، وسَكَنتُ أَقاصِيَ البَحْرِ، فهُناكَ أَيضًا يَدُكَ تَهْديني، ويَمينُكَ تُمسِكُني. وإِن قُلتُ: «لِتُغَطِّني الظُّلمَة، وليَكُنِ اللَّيلُ زُنَّارًا حَولي». حَتَّى الظُّلمَةُ لَيسَت ظُلمَةً عِندَكَ، واللَّيلُ يُضيءُ كالنَّهار. أَنتَ الَّذي كَوَّنَ كُليَتَيَّ، ونَسَجَني في بَطْنِ أُمِّي. أَحمَدُكَ لأَنَّكَ أَعجَزتَ فأَدهَشتَ. عَجيبةٌ أَعْمالُكَ. نَفْسي أَنْتَ تَعرِفُها حَقَّ المَعرِفَة، لم تَخْفَ عِظامي علَيْكَ، حينَ صُنِعتُ في الخَفاء، وطُرِّزتُ في أَسافِلِ الأَرْض. رأَتْني عَيناكَ جَنينًا، وفي سِفرِكَ كُتِبَت جَميعُ الأَيَّامِ وصُوِّرَت، قَبْلَ أَن توجَد. أَللَّهُمَّ ما أَصعَبَ أَفكارَكَ علَيَّ، وما أَكثَرَ مَجْموعَها! أَعُدُّها فتَزيدُ على الرِّمال، وإِذا ٱستَيقَظتُ لا أَزالُ معَكَ. أَللَّهُمَّ لَيتَكَ تَقتُلُ الشِّرِّير!، أُبعُدوا عنِّي يا رِجالَ الدِّماء، الَّذينَ بِالمَكْرِ يَذكُرونَكَ، ويَستَخِفُّونَ بِأَفكارِكَ. أَلَم أُبغِضْ يا رَبُّ مُبغِضيكَ؟، أَلَم أَمقُتْ مُقاوِميكَ؟ إِنِّي أَبغَضتُهم بُغضًا تامًّا، وصاروا لي أَعْداءً. أَللَّهُمَّ ٱسبِرْني وٱعرِفْ قَلْبي، إِمتَحِنِّي وٱعرِفْ هُمومي. وٱنظُرْ هل مِن سَبيلِ سوءٍ فِيَّ، وٱهْدِني سَبيلَ الأَبَد. لإمامِ الغِناء. مزمور. لِداوُد. يا رَبُّ، مِن إِنسانِ السُّوءِ أَنقِذْني، ومِن رَجُلِ العُنفِ ٱحمِني. فقَد فَكَّروا بِالسَّيِّئاتِ في قُلوبِهم، وكُلَّ يَومٍ يُثيرونَ الحُروب. سَنُّوا كالحَيَّةِ أَلسِنَتَهم، سُمُّ الأَفْعى تَحتَ شِفاهِهم. يا رَبُّ، مِن يَدِ الشِّرِّيرِ ٱحفَظْني، ومِن رَجُلِ العُنفِ ٱحمِني، فقد فَكَّروا في أَن يُعَثِّروا خَطَواتي. أَخْفى لِيَ المُتَكَبِّرونَ فَخًّا وحَبائِل، تَحتَ قَدَمَيَّ بَسَطوا شَبَكَة. وبِجانِبِ الطَّريقِ مَدُّوا لي أَشْراكًا. قُلتُ لِلرَّبِّ: أَنتَ إِلٰهي، أَصْغِ يا رَبُّ إِلى صَوتِ تَضَرُّعي. أَيُّها الرَّبُّ السَّيِّد، يا عِزَّةَ خَلاصي، إِنَّكَ ظَلَّلتَ يَومَ القِتالِ على رأسي. يا رَبُّ، لا تُلَبِّ أَهواءَ الأَشْرار، ولا تُنجِحْ مَكايِدَهم. لا يَرفَعِ المُضَيِّقونَ علَيَّ رُؤُوسَهم، ولِيَغْمُرْهم خُبثُ شِفاهِهم! لِيَنزِلْ علَيهم جَمْرُ نار، ولْيُلقَوا في الهُوَّةِ فلا يَنْهَضوا. لا يَثبُتْ على الأَرضِ طَويلُ اللِّسان، وأَمَّا رَجُلُ العُنفِ فلْيَصطَدْه الشَّرُّ حتَّى الهَلاك! قد عَلِمتُ أَنَّ الرَّبَّ يُجْري الحُكْمَ لِلبائسين، والقَضاءَ لِلمَساكين. أَجَل، الأَبرارُ يَحمَدونَ ٱسمَكَ، والمُستَقيمونَ يُقيمونَ أَمامَكَ. مزمور. لِداود. يا رَبِّ، إِلَيكَ صَرَختُ فأَسْرِعْ إِلَيَّ، أَصْغِ إِلى صَوتي حينَ أَصرُخُ إِلَيكَ. لِتَكُنْ صَلاتي بَخورًا أَمامَكَ، ورَفْعُ كَفَّيَّ تَقدِمةَ مَساء. أَقِمْ يا رَبِّ حارِسًا على فَمي، وراقِبْ بابَ شَفَتَيَّ. لا تُمِلْ قَلْبي إِلى الإِساءَة، إِلى ٱرتِكابِ أَعْمالِ الشَّرّ، مع الرِّجالِ فَعَلَةِ الآثام. حاشى لي أَن آكُلَ مِن طَيِّباتِهم! لِيَضرِبْني البارُّ رَحمَةً مِنه ويُوَبِّخْني، ولا يُزَيِّنْ زَيتُ الشِّرِّيرِ رأسي، لِئَلاَّ أَشتَرِكَ في سَيِّئاتِهم. أَسلَموا إِلى سُلْطانِ الصَّخْرَةِ قاضِيَهم، همُ الَّذينَ سُرُّوا بأَقْوالي: «كالرَّحى المُتَحَطِّمةِ على الأَرضِ، تَبَدَّدَت عِظامُنا عِندَ فَمِ مَثْوى الأَمْوات». إِلَيكَ عَينايَ أَيُّها الرَّبُّ السَّيِّد، بِكَ ٱعتَصَمتُ فلا تَسفِكْ نَفْسي. إِحفَظْني مِن قَبضَةِ الفَخِّ الَّذي نَصَبوه لي، ومِن شِباكِ فَعَلَةِ الآثام. يَسقُطُ الأَشرارُ معًا في شِباكِهم، على حينِ أَعبُرُ أَنا سَبيلي. تَعْليم. لِداود. حينَ كانَ في المَغارة. صلاة. بِصَوتي إِلى الرَّبِّ أَصرُخ، بِصَوتي إِلى الرَّبِّ أَتَضَرَّع. أَسكُبُ أَمامَه شَكْوايَ، وأَكشِفُ أَمامَه عن ضيقي. إِذا ما خارَت روحي، أَنتَ تَعلَمُ سَبيلي. في الطَّريقِ الَّذي أَنا سالِكُه، أَخفَوا لي فَخًّا. أُنظُرْ إِلى اليَمينِ وأَبصِرْ: لا أَحَدٌ يَعرِفُني. تَوارى المَلجَأُ عنِّي، لَيسَ مَن يَسأَلُ عن نَفْسي. إِليكَ صَرَختُ يا رَبِّ، قُلتُ: «أَنتَ مُعتَصَمي، في أَرضِ الأَحْياءِ أَنتَ نَصيبي». أَصغِ إِلى صُراخي، فقَد ذُلِّلتُ تَذْليلًا. أَنقِذْني مِن مُطارِدِيَّ، لأَنَّهم أَقْوى مِنِّي. أَخرِجْ مِنَ السِّجنِ نَفْسي، لِكَي أَحمَدَ ٱسمَكَ. الأَبْرارُ يَتَحَلَّقونَ حَولي، لأَنَّكَ أَحسَنتَ إِلَيَّ. مزمور. لِداود. يا رَبِّ ٱسمَعْ صَلاتي، أَصْغِ إِلى تَضَرُّعي. بأَمانَتِكَ، بِبِرِّكَ ٱستَجِبْ لي. ولا تَدخُلْ في قَضاءٍ مع عَبدِكَ، فإِنَّه لا يُبَرَّرُ أَحَدٌ مِنَ الأَحْياءِ أَمامَكَ. إِنَّ العَدُوَّ طارَدَ نَفْسي، وسَحَقَ إِلى الأَرْضِ حَياتي. وفي الظُّلُماتِ أَسكَنَني، كالَّذينَ ماتوا لِلأَبَد. قد خارَت فِيَّ روحي، وٱرتَعَبَ قَلْبي في باطِني. الأَيَّامَ القَديمَةَ تَذَكَّرتُ، بأَفْعالِكَ كُلِّها تَمتَمتُ، وفي أَعمالِ يَدَيكَ تأَمَّلتُ. بَسَطتُ يَدَيَّ إِلَيكَ، نَفْسي كأَرضٍ مُتَعَطِّشَةٍ إِلَيكَ. أَسرِعْ وأَجِبْني يا رَبِّ، فقد فَنِيَت روحي. لا تَحجُبْ وَجهَكَ عنِّي، لِئَلاَّ أَكونَ كالهابِطينَ في الحُفرَة. أَسمِعْني في الصَّباحِ رَحمَتَكَ، فإِنِّي تَوَكَّلتُ علَيكَ. عَرِّفْني الطَّريقَ الَّذي أَسلُكُه، فإِنِّي إِلَيكَ رَفَعتُ نَفْسي. أَنقِذْني يا رَبِّ مِن أَعْدائي، فإِنِّي بِكَ أَحتَمي. عَلِّمْني أَن أَعمَلَ ما يُرْضيكَ، لأَنَّكَ أَنتَ إِلٰهي. لِيَهْدِني رُوحُكَ الصَّالِح، في أَرضٍ سَوِيَّة. مِن أَجلِ ٱسمِكَ يا رَبُّ تُحْييني، بِبِرِّكَ تُخرِجُ مِنَ الضِّيقِ نَفْسي، وبِرَحمَتِكَ تُدَمِّرُ أَعْدائي، وتُهلِكُ جَميعَ الَّذينَ يُضايِقونَ نَفْسي، لأَنِّي أَنا عَبدُكَ. لِداود. تَبارَكَ الرَّبُّ صَخرَتي، الَّذي يُعَلِّمُ يَدَيَّ الحَربَ، وأَصابِعِيَ القِتال. إِنَّه حِمايَتي وحِصْني، ومَعقِلي ومُنقِذي، وتُرْسي وبِه ٱعتَصَمتُ، فأَخضَعَ الشُّعوبَ تَحْتي. ما الإِنسانُ يا رَبُّ حتَّى تَعرِفَه، وٱبنُ الإِنْسانِ حتَّى تُفَكِّرَ فيه؟ إِنَّما الإِنْسانُ شِبْهُ هَباء، وأَيَّامُه كَظِلٍّ عابِر. أَمِلْ سَمَواتِكَ وٱنزِلْ، مُسَّ الجِبالَ فتُدَخِّن، أَبرِقْ بِبُروقِكَ وشَتِّتْهم، أَرسِلْ سِهامَكَ وبَدِّدْهم. أَرسِلْ يَدَيكَ مِن عَلْيائِكَ وٱنتَشِلْني، وأَنقِذْني مِن غَزيرِ المِياه، مِن أَيدي بَني الغُرَباء. مَن نَطَقَت بالباطِل أَفْواهُهم، ويَمينُ كَذِبٍ يَمينُهم. أَللَّهُمَّ، نَشيدًا جَديدًا أُنشِدُ لَكَ، بِالعودِ العُشارِيِّ أَعزِفُ لَكَ. أَنتَ المُعْطِيَ المُلوكَ نَصْرًا، والمُنتَشِلَ داوُدَ عَبدَكَ. مِن سَيفِ الشَّرِّ ٱنتَشِلْني، ومِن أَيدي بَني الغُرَباءِ أَنقِذْني، الَّذينَ نَطَقَت بِالباطِلِ أَفْواهُهم، ويَمينُ كَذِبٍ يَمينُهم. لِيَكُنْ بَنونا كغِراسٍ يَنْمونَ في شَبَابِهم، وبَناتُنا كتَماثيلِ زَوايا، أَمثِلَةٍ لِلقُصور. أَهْراؤُنا مُمتَلِئَة، تَفيضُ مِن جَميعِ الأَصْناف. غَنَمُنا آلافٌ ورِبْوات، في أَرْيافِنا. ماشِيَتُنا مُحَمَّلَة. لا ثُلمَةَ ولا مَهرَبَ عِندَنا، ولا صُراخَ في ساحاتِنا. طوبى لِشَعْبٍ تِلكَ حالُهم، طوبى لِشَعْبٍ الرَّبُّ إِلٰهُهم. تَسْبيحة. لِداود. يا إِلٰهي المَلِكُ أُعَظِّمُكَ، وأَبَدَ الدُّهورِ أُبارِكُ ٱسمَكَ. في كُلِّ يَومٍ أُبارِكُكَ، وأَبَدَ الدُّهورِ أُسَبِّحُ ٱسمَكَ. الرَّبُّ عَظيمٌ ومُسَبَّحٌ جِدًّا، ولا حَدَّ لِعَظَمَتِه. مِن جيلٍ إِلى جيلٍ يُسبِّحونَ أَعْمالَكَ، ويُخبِرونَ بِمآثِرِكَ. أَتأَمَّلُ في بَهاءِ مَجدِ جَلالِكَ، وفي أَمرِ عَجائِبِكَ. يَتَكَلَّمونَ بِعِزَّةِ مَخاوِفِكَ، وأُحَدِّثُ بِعَظائِمِكَ. بِذِكْرِ وَفرَةِ صَلاحِكَ يُفيضون، وبِبِرِّكَ يُهَلِّلون. الرَّبُّ رَحيمٌ رَؤُوف، طَويلُ الأَناةِ وعَظيمُ الرَّحمَة. الرَّبُّ يَرأَفُ بِالجَميع، ومَراحِمُه على كُلِّ أَعْمالِه. لِتَحمَدْكَ يا رَبُّ جَميعُ أَعْمالِكَ، ولْيُبارِكْكَ أَصْفِياؤُك! لِيُحَدِّثوا بِمَجدِ مَلَكوتِكَ، ولْيَنْطِقوا بِجَبَروتِكَ! لِكَي يُعَرِّفوا بَني البَشَرِ مآثِرَكَ، ومَجدَ بَهاءِ مَلَكوتِكَ. إِنَّ مَلَكوتَكَ مَلَكوتُ جَميعِ الدُّهور، وسُلْطانَكَ في كُلِّ جيلٍ فجيل. الرَّبُّ أَمينٌ في كُلِّ أَقْوالِه، وبارٌّ في جَميعِ أَعْمالِه. الرَّبُّ يُسانِدُ جَميعَ السَّاقِطين، ويُنهِضُ كُلَّ الرَّازِحين. عُيونُ الجَميعِ تَرْجوكَ، لِتَرزُقَهم طَعامَهم في أَوانِه. تَبسُطُ يَدَكَ، فتُشبِعُ كُلَّ حَيٍّ رَغبَتَه. الرَّبُّ بارٌّ في كُلِّ طُرُقِه، وصَفِيٌّ في جَميعِ أَعْمالِه. الرَّبُّ قَريبٌ مِن جَميعِ الَّذينَ يَدْعونَه، مِن جَميعِ الَّذينَ بِالحَقِّ يَدْعونَه. يَصنَعُ ما يُرْضي الَّذينَ يَتَّقونَه، يَسمَعُ صُراخَهم ويُخَلِّصُهم. الرَّبُّ يَحفَظُ جَميعَ مُحِبِّيه، ويَستأصِلُ جَميعَ الأَشْرار. بِتَسبيحِ الرَّبِّ يَنطِقُ فَمي، وكُلُّ ذي جَسَدٍ يُبارِكُ ٱسمَه القُدُّوس، مَدى الدَّهرِ ولِلأَبَد. هَلِّلويا! سَبِّحي الرَّبَّ يا نَفْسي، أُسَبِّحُ الرَّبَّ طولَ حَياتي، ما دُمتُ حَيًّا أَعزِفُ لإلٰهي. لا تَتَّكِلوا على العُظَماء، ولا على ٱبنِ آدَمَ الَّذي لا خَلاصَ عِندَه، مَن تَخرُجُ روحُه فيَعودُ إِلى تُرابِه، يَومَئِذٍ تَتَلاشى أَفْكارُه. طوبى لِمَن إِلٰهُ يَعقوبَ نُصرَتُه، في الرَّبِّ إِلٰهِه رجاؤُه. صانِعِ السَّمٰواتِ والأَرضِ، والبَحْرِ وكُلِّ ما فيها، حافِظِ الحَقَّ لِلأَبَد، مُجْري الحُكْمِ لِلمظْلومين، رازِقِ الجِياعِ خُبزًا، الرَّبُّ يَحُلُّ قُيودَ الأَسْرى. الرَّبُّ يَفتَحُ عُيونَ العُمْيان، الرَّبُّ يُنهِضُ الرَّازِحين. الرَّبُّ يُحِبُّ الأَبْرار، الرَّبُّ يَحفَظُ النُّزَلاء. ويُؤَيِّدُ اليَتيمَ والأَرمَلَة، ويُضِلُّ الأَشْرارَ في طَريقِهم. يَملِكُ الرَّبُّ لِلأَبَد، إِلٰهُكِ يا صِهْيونَ إِلى جيلٍ فجيل. هَلِّلويا! سَبِّحوا الرَّبَّ فالعَزْفُ لإلٰهِنا يَطيب، والتَّسبيحُ لَه يَلَذُّ وبِه يَليق. الرَّبُّ يَبْني أُورَشَليم، ويَجمَعُ المَنفِيِّينَ مِن إِسْرائيل، فإِنَّه يَشفي مُنكَسِري القُلوب، ويُضَمِّدُ جِراحَهم. يُحْصي عَدَدَ الكَواكِب، ويَدْعوها كُلَّها بِأَسْمائِها. إِلٰهُنا عَظيمٌ شَديدُ القُوَّة، ولا قِياسَ لإدْراكِه. الرَّبُّ يُؤَيِّدُ الوُضَعاء، ويُذِلُّ الأَشْرارَ حتَّى الأَرض. غَنُّوا لِلرَّبِّ حامِدين، إِعزِفوا لإلٰهِنا بِالكِنَّارة، فإِنَّه يُجَلِّلُ السَّماءَ بالغُيوم، ويُهَيِّئُ المَطَرَ لِلأَرْض، ويُنبِتُ العُشبَ في الجِبال، والزَّرعَ لِمَنفَعَةِ الإِنْسان. يَرزُقُ البَهائِمَ طَعامَها، وفِراخَ الغِرْبانِ حينَ تَصرُخ. لا يَجعَلُ في قُوَّةِ الفَرَسِ هَواه، ولا في ساقَيِ الإِنسانِ رِضاه. إِنَّما رِضا الرَّبِّ عنِ الَّذينَ يَتَّقونَه، عنِ الَّذينَ يَرْجونَ رَحمَتَه. إِمدَحي الرَّبَّ يا أُورَشَليم، سَبِّحي إِلٰهَكِ يا صِهْيون. فإِنَّه مَكَّنَ مَغاليقَ أَبْوابِكِ، وبارَكَ أَبْناءَكِ في وَسَطِكِ. يَجعَلُ حُدودَكِ سَلامًا، ومِن لُبابِ الحِنْطَةِ يُشبِعُكِ. يُرسِلُ إِلى الأَرْضِ كَلِمَتَه، فيُسرِعُ قَولُه في عَدْوِه. يُعْطي الثَّلْجَ كأَنَّه صوف، ويَنثُرُ الصَّقيعَ كأَنَّه رَماد. يُلْقي جَليدَه فُتاتًا، فمَن يَقِفُ تُجاهَ بَرْدِه؟ يُرسِلُ كَلِمَتَه فيُذيبُها، يُهِبُّ ريحَه فتَسيلُ المِياه. يوحي كَلِمَتَه إِلى يَعْقوب، فَرائِضَهُ وأَحكامَه إِلى إِسْرائيل. لم يُعامِلْ هٰكذا أُمَّةً مِنَ الأُمَم، ولم تَعرِفْ أَحْكامَه. هَلِّلويا! هَلِّلويا! سَبِّحوا الرَّبَّ مِنَ السَّمَوات، سَبِّحوه في الأَعالي. سَبِّحوه يا جَميعَ مَلائِكَتِه، سَبِّحيه يا جَميعَ قَوَّاتِه. سَبِّحيه أَيَّتُها الشَّمسُ والقَمَر، سَبِّحيه يا جَميعَ كَواكِبِ النُّور. سَبِّحيه يا سَماءَ السَّمَوات، ويا أَيَّتُها المِياهُ الَّتي فَوقَ السَّمَوات. فلْتُسَبِّحِ ٱسمَ الرَّبِّ، فإِنَّه هو أَمَرَ فخُلِقَت، وأَقامَها إِلى الدَّهرِ وإِلى الأَبَد، سَنَّ سُنَّةً لن تَزول. سَبِّحي الرَّبَّ مِنَ الأَرْضِ، أَيَّتُها التَّنانينُ وجَميعُ الغِمار، النَّارُ والبَرَدُ، والثَّلجُ والضَّباب، الرِّيحُ العاصِفَةُ المُنَفِّذَةُ لِكَلِمَتِه. الجِبالُ وجَميعُ التِّلال، الشَّجَرُ المُثمِرُ وجَميعُ الأَرْز، الوُحوشُ وجَميعُ البَهائِم، الحَيَواناتُ الدَّابَّةُ والطُّيورُ المُجَنَّحة. مُلوكُ الأَرضِ وجَميعُ الشُّعوب، الرُّؤَساءُ وجَميعُ قُضاةِ الأَرْض، والشُّبَّانُ والعَذارى، والشُّيوخُ والأَحْداث. لِيُسَبِّحوا ٱسمَ الرَّبِّ فإِنَّ ٱسمَه عالٍ دونَ سِواه، وجَلالَه فَوقَ الأَرضِ والسَّمَوات قد عَظَّمَ قُوَّةَ شَعبِه. فالتَّسْبيحُ في أَفْواهِ جَميعِ أَصْفِيائِه بَني إِسْرائيلَ الشَّعبِ المُقَرَّبِ إِلَيه. هَلِّلويا. هَلِّلويا! أَنشِدوا لِلرَّبِّ نَشيدًا جَديدًا، تَسبِحَتُه في جَماعَةِ الأَصْفِياء. لِيَفرَحْ إِسْرائيلُ بِصانِعِه! لِيَبتَهِجْ بَنو صِهْيونَ بِمَلِكِهم! لِيُسَبِّحوا ٱسمَه بِالرَّقْص! لِيَعزِفوا لَه بِالدُّفِّ والكِنَّارة! فإِنَّ الرَّبَّ يَرْضى عن شَعبِه، يُزَيِّنُ الوُضَعاءَ بِخَلاصِه. يَبتَهِجُ الأَصفِياءُ بالمَجْد، يُهَلِّلونَ على أَسِرَّتِهم. تَعْظيمُ اللهِ مِلْءَ حُلوقِهِم، وسَيفٌ ذو حَدَّينِ بِأَيديهم. لإنْزالِ الِٱنتِقامِ بِالأُمَم، والعِقابِ بِالشُّعوب، لِرَبطِ مُلوكِها بِالقُيود، وأَشْرافِها بِكُبولٍ مِن حَديد، لِتَنْفيذِ الحُكْمِ المَكْتوبِ فيهم: هٰذا فَخرٌ لِجَميعِ أَصْفِيائِه. هَلِّلويا! هَلِّلويا! سَبِّحوا اللهَ في قُدسِه، سَبِّحوه في جَلَدِ عِزَّتِه. سَبِّحوه لأَجْلِ مَآثِرِه، سَبِّحوه لأَجْلِ وَفرَةِ عَظَمَتِه. سَبِّحوه بِصَوتِ البوق، سَبِّحوه بِالعودِ والكِنَّارة. سَبِّحوه بِالدُّفِّ والرَّقْص، سَبِّحوه بِالأَوتارِ والمِزْمار. سَبِّحوه بِصُنوجِ الرَّنين، سَبِّحوه بِصُنوجِ الهُتاف. كُلُّ نَسَمَةٍ فلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ. هَلِّلويا! أَمْثالُ سُلَيْمانَ بنِ داوُد، مَلِكِ إِسْرائيل: لِمَعرِفَةِ الحِكمَةِ والتَّأديب، لِلتَّفَطُّنِ لأَقْوالِ الفِطْنَة، لِلٱستِفادةِ مِن تأديبِ التَّعَقُّل، - البِرِّ والحَقِّ والِٱستِقامة -، لإعطاءِ السُّذَّج دَهَاءً والفَتى عِلْمًا وتَدَبُّرًا يَسمَعُ الحَكيمُ فيَزْدادُ تَعْليمًا، والفَطينُ يَكتَسِبُ سِياسةً. لِلتَّفَطُّنِ لِلمَثَلِ والتَّعْريض، لِكَلِمَاتِ الحُكَماءِ وأَلْغازِهم. مَخافَةُ الرَّبِّ رَأسُ العِلْم، والحِكمَةُ والتَّأديبُ يَستَهينُ بِهِما الأَغْبِياء. إِسمَعْ، يا بُنَيَّ، تَأديبَ أَبيكَ ولا تَنبِذْ تَعْليمَ أُمِّكَ. فإِنَّهما إِكْليلُ نِعمَةٍ لِرَأسِكَ وأَطْواقٌ لِعُنُقِكَ. يا بُنَيَّ، إِنِ ٱستَغْواكَ الخاطِئون فلا تَقبَلْ، إِن قالوا: «هَلُمَّ مَعَنا نَكْمُنُ لِسَفكِ الدَّم ونَتَرَصَّدُ لِلبَريءِ من دونِ سَبَب، نَبتَلِعُهم كَمَثْوى الأَمْواتِ أَحْياءً وأَصِحَّاءَ كالهابِطينَ في الجُبِّ، فنُصيبُ كُلَّ مالٍ نَفيس ونَملأُ بُيوتَنا غَنيمةً. تُلْقي قُرعَتَكَ فيما بَينَنا ويَكونُ لِجَميعِنا كيسٌ واحِد». يا بُنَيَّ، فلا تَسِرْ معَهم في طَريقِهم، وٱمنَعْ قَدَمَكَ عن دَربِهم. فإِنَّ أَقْدامَهم تَسْعى إِلى الشَّرّ وتُسرِعُ إِلى سَفْكِ الدِّماء. فإِنَّه باطِلًا تُنصَبُ الشَّبَكَةُ أَمامَ عَينَي كُلِّ ذي جَناح. وإِنَّما هم لِدِمائِهم يَكمُنون ولأَنْفُسِهم يَتَرَصَّدون. تِلكَ سُبُلُ كُلِّ حَريصٍ على السَّلْب، فإِنَّه يَذهَبُ بِأَنفُسِ أَرْبابِه. الحِكمَةُ تُنادي في الشَّوارِع، وفي السَّاحاتِ تُطلِقُ صَوتَها. في رُؤُوسِ الأَسْوارِ تَصرُخ، وفي مَداخِلِ أَبْوابِ المَدينةِ تَقولُ أَقْوالَها: «إِلى مَتى، أَيُّها السُّذَّج، تُحِبُّونَ السَّذاجة، والسَّاخِرونَ يَبتَغونَ السُّخرِيَّة، والجُهَّالُ يُبْغِضونَ العِلْم؟ إِنِ ٱرتَدُّوا لِتَوبيخي ها إِنِّي أُفيضُ علَيكُم رُوحي، وأُعلِمُكم كَلامي. لٰكِن، إِذ قد دَعَوتُ فأَبَيتُم، ومَدَدتُ يَدي فلَم يَكُنْ مَن يَلتَفِت، ونَبَذتُم كُلَّ مَشورَةٍ مِنِّي وتَوبيخي لم تَقبَلوه. فأَنا أَيضًا أَضحَك عِندَ نَكبَتِكم، وأَهزَأُ عِندَ حُلولِ ذُعرِكم. إِذا حَلَّ كعاصِفَةٍ ذُعرُكمْ، ونَزَلَت كالزَّوبَعةِ نَكبَتُكم، وحَلَّ بِكُمُ الضِّيقُ والشِّدَّة. حينَئِذٍ يَدْعونَني فلا أُجيب، يَبتَكِرونَ إِلَيَّ فلا يَجِدونَني، بِما أَنَّهم مَقَتوا المَعرِفَة، ولم يَخْتاروا مَخافَةَ الرَّبّ. ولم يَقبَلوا مَشورَتي، وٱستَهانوا بِكُلِّ تَوبيخٍ مِنِّي، فيَأكُلونَ مِن ثَمَرَةِ سُلوكِهم، ومِن مَشوراتِهم يَشبَعون. إِنَّ ضَلالَ السُّذَّجِ يَقتُلُهم، وٱستِهْتارَ الجُهَّالِ يُهلِكُهم، والسَّامِعُ لي يَسكُنُ في أَمان، مُطمَئِنًّا مِن ذُعرِ السُّوء. يا بُنَيَّ، إِن قَبِلتَ أَقْوالي، وصُنتَ عِندَكَ وَصايايَ، مُصغِيًا بِأُذُنِكَ إِلى الحِكمَة، ومائِلًا قَلبَكَ إِلى الفَهْم. إِن نادَيتَ الفِطنَة، وأَطلَقتَ إِلى الفَهمِ صَوتَكَ، إِنِ ٱلتَمَستَه كالفِضَّة، وبَحَثتَ عَنه كالدَّفائِن، فحينَئِذٍ تَفطَنُ لِمَخافَةِ الرَّبِّ، وتَجِدُ مَعرِفَةَ الله. لأَنَّ الرَّبَّ يُؤتي الحِكمَة، ومِن فَمِه العِلمُ والفِطنَة، يَدَّخِرُ لِلمُستَقيمينَ مَعونةً، وهو تُرسٌ لِلسَّائِرينَ بِالكمال. يَحْمي سُبُلَ العَدْل، ويَحفَظُ طَريقَ أَصْفِيائِه. حينَئِذٍ تَفطَنُ لِلبِرِّ والعَدْل، والِٱستِقامةِ وكُلِّ سَبيلٍ صالِح. فإِنَّ الحِكمَةَ تَدخُلُ قَلبَكَ، ونَفسَكَ تَلتَذُّ بِالعِلْم. والتَّدَبُّرَ يَحفَظُكَ والفِطنَةَ تَحْميكَ، فتُنقِذُكَ مِن طَريقِ السُّوء، مِنَ الإِنْسانِ النَّاطِقِ بِالخَدائع، مِنَ الَّذينَ يَترُكونَ سُبُلَ الِٱستِقامة، لِيَسيروا في طُرُقِ الظُّلمَة. ويَفرَحونَ بِصَنعِ الشَّرِّ، ويَبتَهِجونَ بِمَخادِعِ السُّوء، الَّذينَ سُبُلُهم مُعوَجَّة وطُرُقُهم مُلتَويَة. فتُنقِذُك أَيضًا مِنَ المَرأَةِ الأَجنَبِيَّة، من الغَريبَةِ الَّتي تَتَمَلَّقُ بِكَلامِها، الَّتي تَرَكَت رَفيقَ صِباها، ونَسِيَت عَهدَ إِلٰهِها، فمالَ إِلى المَوتِ بَيتُها، وإِلى الأَشْباحِ سُبُلُها. جَميعُ الدَّاخِلِينَ إِلَيها لا يَعودون وسُبُلَ الحَيَاةِ لا يُدرِكون. هٰكذا تَسيرُ في طَريقِ الأَخْيار، وتَحفَظُ سُبُلَ الأَبْرار، لأَنَّ المُستَقيمينَ يَسكُنونَ الأَرْض، والسُّلَماءَ يُبقَونَ فيها. أَمَّا الأَشْرارُ فيُستَأصَلونَ مِنَ الأَرْض، والغادِرونَ يُقتَلعونَ مِنها. يا بُنَيَّ، لا تَنْسَ تَعْليمي، ولْيَحْفَظْ قَلبُكَ وَصاياي، فإِنَّها تَزيدُكَ طولَ أَيَّامٍ وسِني حَياةٍ وسَلامَة. لا تُفارِقْكَ الرَّحمَةُ والحَقّ، بَلِ ٱشدُدْهما في عُنُقِكَ وٱكتُبْهما على لَوحِ قَلبِكَ، فتَنالَ الحُظوَةَ وحُسنَ التَّعَقُّل عِندَ اللهِ والنَّاس. تَوَكَّلْ على الرَّبِّ بِكُلِّ قَلبِكَ ولا تَعتَمِدْ على فِطنَتِكَ. إِعرِفْه في كُلِّ طُرُقِكَ فهو يُقَوِّمُ سُبُلَكَ. لا تَكُنْ حَكيمًا في عَينَي نَفسِكَ. إِتَّقِ الرَّبَّ وجانِبِ الشَّرّ. فيَكونَ شِفاءً في جِسمِكَ ورَيًّا في عِظامِكَ. أَكرِمِ الرَّبَّ مِن مالِكَ ومِن بَواكيرِ جَميعِ غِلالِكَ. فتَمتَلِئَ أَهْراؤُكَ قَمحًا وتَفيضَ مَعاصِرُكَ خَمرًا. يا بُنَيَّ، لا تَرذُلْ تَأديبَ الرَّبّ، ولا تَسأَمْ مِن توبيخِه، فإِنَّ الَّذي يُحِبُّه الرَّبُّ يُوَبِّخُه، كأَبٍ يُوَبِّخُ ٱبنًا يَرْضى عنه. طوبى للأُنْسانِ الَّذي وَجَدَ الحِكمَة، وللأُنْسانِ الَّذي نالَ الفِطنَة، فإِنَّ تِجارَتَها خَيرٌ مِن تِجارةِ الفِضَّة، ورِبْحَها يَفوقُ الذَّهَب. هِيَ أَكرَمُ مِنَ اللآلِئ، وكُلُّ نَفائِسِكَ لا تُساويها. طولُ الأَيَّامِ في يَمينِها والغِنى والمَجدُ في يَسارِها. طُرُقُها طُرُقُ نِعمَةٍ وجَميعُ سُبُلِها سَلام. هِيَ شَجَرَةُ الحَياةِ لِلمُتَعَلِّقينَ بها ومَن تَمَسَّكَ بِها فلَه الطُّوبَى. الرَّبُّ بِالحِكمَةِ أَسَّسَ الأَرض، وبالفِطنَةِ ثَبَّتَ السَّمَوات. بِعِلمِه تَفَجَّرَتِ الغِمار والغُيومُ قَطَرَت نَدًى. يا بُنَيَّ، ٱحفَظِ التَّبَصُّرَ والتَّدَبُّر، ولا يَبتَعِدا عن عَينَيكَ، فيَكونا حَياةً لِنَفسِكَ ونِعمَةً لِعُنُقِكَ. حينَئِذٍ تَسيرُ في طَريقِكَ بِأَمان، وقَدَمُكَ لا تَعثُر. إِذا ٱضَّجَعتَ فلا تَفزَع، بل تَضَّجِعُ ويَكونُ نَومُكَ عَذْبًا. لا تَخْشَ مِنَ الفَزَعِ المُفاجِئ ولا مِن هُجومِ الأَشْرار، لأَنَّ الرَّبَّ يَكونُ لَكَ سَنَدًا ويَحفَظُ رِجلَكَ مِنَ الفَخّ. لا تَمنَعِ الإِحْسانَ عن أَهلِه، إِذا كانَ في يَدِكَ أَن تَصنَعَه. لا تَقُلْ لِقَريبِكَ: «إِذهَبْ وعُدْ فأُعْطِيَكَ غَدًا»، إِذا كانَ الشَّيءُ عِندَكَ. لا تَدُسَّ على قَريبِكَ شَرًّا، وهو ساكِنٌ مَعَكَ آمِنًا. لا تُخاصِمْ أَحَدًا من دونِ سَبَب، ما لم يَكُنْ قد عامَلَكَ بِشَرّ. لا تَغَرْ مِن رَجُلِ العُنْف، ولا تَختَرْ مِن طُرُقِه شَيئًا لأَنَّ المُلْتَوِيَ قَبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ، ولِلمُستَقيمينَ مَوَدَّتُه. لَعنَةُ الرَّبِّ في بَيتِ الشِّرِّير، أَمَّا مَنزِلُ الأَبْرارِ فهو يُبارِكُه. يَسخَرُ مِنَ السَّاخِرين، ولِلمُتَواضِعينَ يُعْطي النِّعْمَة. الحُكَماءُ يَرِثونَ المَجْد والجُهَّالُ يَنالون العار. إِسمَعوا، أَيُّها البَنونَ، تأديبَ الأَب، وأَصْغوا لِتَعرِفوا الفِطنَة، فإِنِّي مَنَحتُكم عِلمًا صالِحًا: فلا تُهمِلوا تَعْليمي. إِنِّي كُنتُ ٱبْنًا لأَبي، غَضًّا ووَحيدًا لدى أُمِّي، وكانَ يُعَلِّمُني ويَقولُ لي: «لِيُحرِزْ قَلبُكَ كَلامي. إِحفَظْ وَصايايَ فتَحْيا. إِكتَسِبِ الحِكمةَ، اِكتَسِبِ الفِطنَة، لا تَنْسَ ولا تَمِلْ عن أَقْوالِ فَمي. لا تُهمِلْها فتَحفَظَكَ، أَحْبِبْها فتَحمِيَكَ. رَأْسُ الحِكمَةِ ٱكتَسِبِ الحِكمَة، وبِكُلِّ ما كَسَبتَ ٱكتَسِبِ الفِطنَة. إِرفَعْها فتُعلِيَكَ، إِذا عانَقتَها فإِنَّها تُمَجِّدُكَ. تَجعَلُ على رَأسِكَ إِكْليلَ نِعمَةٍ وتوليكَ تاجَ جَلال. إِسْمَعْ، يا بُنَيَّ، وٱقبَلْ أَقْوالي، فتَكثُرَ لَكَ سِنو الحَياة. على طَريقِ الحِكمَةِ دَلَلتُكَ وفي سَبيلِ الِٱستِقامةِ أَسلَكتُكَ فلا تَضيقُ خُطاكَ في سَيرِكَ وإِذا أَسرَعتَ فلا تَعثُر. تَمَسَّكْ بِالتَّأديبِ، لا تُطلِقْه، إِحفَظْه فإِنَّه حَياةٌ لَكَ. في سَبيلِ الأشْرارِ لا تَدخُلْ وفي طَريقِ أَهلِ السُّوءِ لا تَمْشِ. حِدْ عنه ولا تَعبُرْ فيه تَحَوَّلْ عنه وٱعبُرْ. فإِنَّهم لا يَنامونَ إِذا لم يُسيئوا ويُسلَبونَ النَّومَ إِذا لم يُعَثِّروا. لقد أَكَلوا خُبزَ الشَّرّ، وشَرِبوا خَمرَ عُنْف. أَمَّا سَبيلُ الأَبْرارِ فمِثلُ نورِ الفَجْرِ الَّذي يَزْدادُ سُطوعًا إِلى رائِعَةِ النَّهار، وطَريقُ الأَشْرارِ كالظَّلام، فلا يَعلَمونَ بِأَيِّ شَيءٍ يَعثُرون. يا بُنَيَّ، أَصغِ إِلى كَلامي، أَمِلْ أُذُنَكَ إِلى أَقْوالي. لا تَبتَعِدْ عن عَينَيكَ، إِحفَظْها في داخِلِ قَلبِكَ فإِنَّها حَياةٌ لِلَّذينَ يَجِدونَها وشِفاءٌ لِكُلِّ جَسَد. صُنْ قَلبَكَ أَكثَرَ مِن كُلِّ ما تَحفَظ، فإِنَّ مِنه تَنبَثِقُ الحَياة. إِنْفِ عنكَ خِداعَ الفَم، وخُبثُ الشَّفَتَينِ أَبْعِدْه عنكَ. لِتَنظُرْ عَيناكَ إِلى الأَمام، ولْتَكُنْ أَجْفانُكَ سَديدةً قُدَّامَكَ. تَبَصَّرْ في سَبيلِ قَدَمَيكَ فتَثبُتَ جَميعُ طُرُقِكَ. لا تَمِلْ يَمنَةً ولا يَسرَةً، أَبْعِدْ قَدَمَكَ عنِ الشَّرّ. يا بُنَيَّ، أَصغِ إِلى حِكمَتي وأَمِلْ أُذُنَكَ إِلى فِطنَتي، لِكَي تَحفَظَ التَّدابير، وتَرْعى شَفَتاكَ العِلْم لأَنَّ شَفَتَيِ الأَجنَبِيَّة تَقطُرانِ شَهْدًا وسَقفَ حَلقِها أَليَنُ مِنَ الزَّيت، لٰكِنَّ عاقِبَتَها مُرَّةٌ مِثلَ العَلقَم، حادَّةٌ كسَيفٍ ذي حَدَّين. قَدَماها تنحَدِران إِلى المَوت وخَطَواتُها تَبلُغُ مَثْوى الأَمْوات. لا تَتَبَصَّرُ في سَبيلِ الحَياة بل طُرُقُها تائِهةٌ ولا تَعرِفُها. فاسمَعوا لِيَ الآنَ أَيُّها البَنون، ولا تَحيدوا عن أَقْوالِ فَمي. أَبعِدْ طَريقَكَ عنها ولا تَدنُ مِن بابِ بَيتِها لِئَلاَّ تُسلِمَ كَرامَتَكَ لِلآخَرين، وسِنيكَ لِلَّذي لا يَرحَم، لِئَلاَّ يَشبَعَ الأَجانِبُ مِن أَمْوالِكَ وتُمسِيَ أَتْعابُكَ في بَيتِ الغَريب، فتَنوحَ في أَواخِرِكَ إِذا بَلِيَ لَحمُكَ وجَسَدُكَ وتَقول: «كَيفَ مَقَتُّ التَّأديب، وٱستَهانَ قَلْبي بِالتَّوبيخ، ولم أَستَمِعْ لِصَوتِ الَّذينَ علَّموني ولا أَمَلتُ أُذُنَيَّ إِلى الَّذينَ أَدَّبوني، حَتَّى لقَد كِدتُ أَكونُ في أَشَدِّ الشَّرِّ في وَسْطِ المَحفِلِ والجَماعة». إِشرَبْ ماءً في جُبِّكَ ومَعينًا مِمَّا في بِئرِكَ فلا تَفيضَ يَنابيعُكَ إِلى الخارِج، أَنْهارَ مِياهٍ في السَّاحات. لِتَكُنْ لَكَ وَحدَكَ لا لأَجانِبَ مَعَكَ. لِيَكُنْ يَنْبوعُكَ مُبارَكًا. وٱفرَحْ بِٱمرَأَةِ حَداثَتِكَ. لِتَكُنْ لَكَ أَيِّلَةَ نِعمَةٍ ووَعلَةَ نِعمَة، يُرْويكَ ثَدْياها كُلَّ حين وبِحُبِّها تَهيمُ على الدَّوام. ولِمَ تَهيمُ، يا بُنَيَّ، بِالأَجنَبِيَّة، وتَحتَضِنُ الغَريبَة؟ فإِنَّ طُرُقَ الإِنْسانِ تُجاهَ عَينَيِ الرَّبّ، وهو يَتَبَصَّرُ في جَميعِ سُبُلِه. الشِّرِّيرُ آثامُه تَأخُذُه وبِحَبائِلِ خَطيئَتِه يَعلَقُ. مِن عَدَمِ التَّأديبِ يَموت وبِفَرطِ حَماقَتِه يَهيم. يا بُنَيَّ، إِن كَفَلتَ قَريبَكَ وصَفَقتَ كَفَّكَ معَ أَجنَبِيّ وٱشتَبَكتَ بأَقوالِ فَمِكَ وأُخِذتَ بِكَلامِكَ، فٱفعَلْ هٰذا يا بُنَيَّ فتَتَخَلَّص، إِذ قد صِرتَ في يَدِ قَريبِكَ: إِذهَبِ ٱجثُ لِقَريبِكَ وأَلِحَّ علَيه. لا تُعْطِ عَينَيكَ وَسَنًا ولا أَجْفانَكَ نَومًا. تَخَلَّصْ كالظَّبْيِ مِنَ اليَد، وكالعُصْفورِ مِن يَدِ الصَّيَّاد. إِذْهَبْ إِلى النَّملَةِ أَيُّها الكَسْلان. أُنظُرْ إِلى طُرُقِها وكُنْ حَكيمًا. إِنَّها لَيسَ لها قائِدٌ ولا مُشرِفٌ ولا حاكِم وتُعِدُّ في الصَّيفِ طَعامَها وتَجمَعُ في الحَصادِ غِذاءَها. إِلى مَتى تَرقُدُ أَيُّها الكَسْلان؟ مَتى تَنهَضُ مِن نَومِكَ؟ قَليلٌ مِنَ النَّوم، قَليلٌ مِنَ الغَفْوِ قَليلٌ مِنَ التَّكَتُّفِ لِلرُّقاد، فيَأتي عَوَزُكَ كَجَوَّالٍ وفاقَتُكَ كرَجُلٍ مُتَسَلِّح. رَجُلٌ لا خَيرَ فيه رَجُلٌ أَثيم فإِنَّه يَسْعى بِخِداعِ الفَم. يَغمِزُ بِعَينيه ويُشيرُ بِرِجلَيه ويُومِئُ بِأَصابِعِه. في قَلْبِه الخَدائع، يَدُسُّ الشَّرَّ في كُلِّ حينٍ ويُلْقي النِّزاع. فلِذٰلكَ يُفاجِئُه الهَلاك، ويُحطَّمُ على الفَورِ ولا عِلاج. سِتَّةٌ يُبغِضُها الرَّبُّ والسَّابِعَةُ قَبيحةٌ عِندَه: العَينانِ المُتَرفِّعَتان واللِّسانُ الكاذِب، واليَدانِ السَّافِكَتانِ الدَّمَ الزَّكِيَّ، والقَلبُ المُضمِرُ أَفْكارَ الإِثْم، والرِّجْلانِ المُسارِعَتانِ في الجَرْيِ إِلى السُّوء، وشاهِدُ الزُّورِ الَّذي يَنفِثُ الأَكاذيب، ويُلْقي النِّزاعَ بَينَ الإِخْوَة. إِحفَظْ يا بُنَيَّ وَصِيَّةَ أَبيكَ ولا تَنبِذْ تَعْليمَ أُمِّكَ. إِعْقِدْهما في قَلبِكَ كُلَّ حين، وٱعصِبْهما في عُنُقِكَ. هُما يَهدِيانِكَ في سَيرِكَ ويُحافِظانِ علَيكَ في رُقادِكَ وإِذا ٱستَيقَظتَ فهُما يُحَدِّثانِكَ. لأَنَّ الوَصِيَّةَ مِصْباح والتَّعليمَ نور، وتَوبيخَ التَّأديبِ طَريقُ الحَياة، لِكَي تَحفَظَكَ مِنَ المَرأَةِ الشِّرِّيرة، ومِن تَمَلُّقِ لِسانِ الغَريبة. لا تَشتَهِ في قَلبِكَ جَمالها ولا تَفتِنْكَ بِجَفْنَيها فإِنَّ المَرأَةَ الزَّانِيَةَ تَرْضى بِرَغيفِ خُبْزٍ وذَاتَ البَعْلِ تَبحَثُ عن حَياةٍ كَريمة. أَيَأخُذُ إِنْسانٌ نارًا في حِضنِه ولا تَحتَرِقَ ثِيابُه؟ أَم يَمْشي أَحَدٌ على الجَمْرِ ولا تَكتَويَ قَدَماه؟ هٰكذا الدَّاخِلُ على ٱمرَأَةِ قَريبِه. كُلُّ مَن مَسَّها لا يُتَغاضى عنه. لا يُحتَقَرُ السَّارِقُ إِذا سَرَق لِيُشبِعَ نَفسَه وهو جائع، وهو إِن أُخِذَ أَدَّى سَبعَةَ أَضْعاف وأَعْطى كُلَّ أَمْوالِ بَيْتِه. أَمَّا الزَّاني بِٱمرَأَةٍ فإِنَّه فاقِدُ الرُّشْد، لا يَصنَعُ هٰذا إِلاَّ مُهلِكُ نَفْسِه. يَلْقى ضَربًا وعارًا وفَضيحَتُه لا تُمْحى، لأَنَّ الغَيرَةَ تُلهِبُ الزَّوج، فلا يُشفِقُ في يَومِ الِٱنتِقام. لا يَقبَلُ فِديَةً. ولا يَقنَعُ وإِن أَكثَرتَ الرِّشوَة. يا بُنَيَّ، اِحفَظْ أَقْوالي وٱدَّخِرْ عِندَكَ وَصاياي. إِحفَظْ وَصايايَ فتَحْيا وتَعْليمي كإِنْسانِ عَينِكَ. أُشدُدْها على أَصابِعِكَ، أُكتُبْها على لَوحِ قَلبِكَ. قُلْ لِلحِكْمَةِ: «أَنتِ أُخْتي» وٱدعُ الفِطنَةَ ذاتَ قَرابةٍ لَكَ لِكَي تَحفَظَكَ مِنَ المَرأَةِ الأَجنَبِيَّة، مِنَ الغَريبَةِ الَّتي تَتَمَلَّقُ بِكَلامِها. فإِنِّي أَطلَلتُ مِن نافِذَةِ بَيتي من وَراءِ شُبَّاكي فرَأَيتُ بَينَ السُّذَّج، ولاحَظتُ بَينَ الشُّبَّانِ فَتًى فاقِدَ الرُّشْد، عابِرًا في الشَّارِعِ عِندَ زاوِيَتِها وسائِرًا في طَريقِ بَيتِها في الغَسَقِ عِندَ المَساء، في قَلبِ اللَّيلِ في الظَّلام. فإِذا بِٱمرأَةٍ قد لَقِيَته، ولِباسُها لِباسُ زانِيَةٍ خَبيثَةِ القَلْب صَخَّابةٌ طامِحَةٌ لا تَستَقِرُّ قَدَماها في بَيتِها. تارةً في الشَّارِعِ وتارةً في السَّاحات، وتكمُنُ عِندَ كُلِّ زاوِيَة. فأَمسَكَته وقَبَّلَته وقَسَّت وَجهَها وقالَت له: «كانت علَيَّ ذَبائحُ سَلامِيَّة، واليَومَ وَفَيتُ نُذوري. فلِذٰلك خَرَجتُ لِلِقائِكَ باحِثَةً عن وَجهِكَ فوَجَدتُكَ. وقد فَرَشتُ سَريري بِمَفْروشاتٍ مِن كَتَّانٍ مُلَوَّنٍ مِن مِصْر. ورَشَشتُ مَضجَعي بِالمُرّ، والعودِ والدَّارَصيني. هَلُمَّ نَرتَوي مِنَ الحُبِّ إِلى السَّحَر، ونَتَمَتَّعُ بِمَلَذَّاتِ الغَرام. فإِنَّ الزَّوجَ لَيسَ في البَيت، قد ذَهَبَ في سَفَرٍ إِلى بَعيد. أَخَذَ صُرَّةَ الفِضَّةِ بِيَدِه، في يَومِ البَدرِ يَعودُ إِلى بَيتِه». فٱستَمالَته بِكَثرَةِ فُنونِها وٱستَهوَته بِتَمَلُّقِ شَفَتَيها. فٱنطَلَقَ لِوَقتِه في إِثرِها، إِنطِلاقَ الثَّورِ إِلى الذَّبْح أَو الأَيِّلِ العالِقِ في الشَّبَكة، حتَّى يَنفُذَ السَّهمُ مِن كَبِدِه، مِثلَ عُصْفورٍ يُسرِعُ إِلى الفخّ، ولا يَدري أَنَّه يَسْعى إِلى هَلاكِه. فٱسمَعوا لِيَ الآنَ أَيُّها البَنون، وأَصْغوا إِلى أَقْوالِ فَمي. لا يَمِلْ قَلبُكَ إِلى طُرُقِها ولا تَهِمْ في سُبُلِها فإِنَّها صَرَعَت كَثيرينَ جَرْحى وكُلُّ مَن قَتَلَته كانَ مِنَ الأَقوِياء. إِنَّ بَيتَها طَريقُ مَثْوى الأَمْوات المُنحَدِرُ إِلى أَخاديرِ المَوت. هلِ الحِكمَةُ لا تُنادي والفِطنَةُ لا تُطلِقُ صَوتَها؟ إِنَّها واقِفَةٌ في رُؤُوسِ المشارِفِ على الطَّريق، وفي مُفتَرَقِ الدُّروب. بِجانِبِ الأَبْوابِ عِندَ ثَغْرِ المَدينَة، في مَدخَلِ المَنافِذِ تَهتِف: «إِيَّاكم أَيُّها النَّاسُ أُنادي وإِلى بَني البَشَرِ أُوَجِّهُ صَوتي. إِفْهَموا الدَّهاءَ أَيُّها السُّذَّج، إِفطَنوا فِطنَةَ القَلبِ أَيُّها الجُهَّال. إِسمَعوا فإِنِّي أَنطِقُ بِالعَظائِم، وٱفتِتاحُ شَفَتَيَّ ٱستِقامة. بِالحَقِّ يُتَمتِمُ فَمي والشَّرُّ تَستَقبِحُه شَفَتايَ. كُلُّ أَقْوالِ فَمي بِرٌّ لَيسَ فيها ٱلتِواءٌ وعِوَج. كُلُّها سَدادٌ عِندَ الفَطِن، وٱستِقامةٌ عِندَ الَّذينَ وَجَدوا المَعرِفَة. إِخْتاروا تَأديبي لا الفِضَّة، وفَضَّلوا العِلمَ على الذَّهَبِ الخالِص. فإِنَّ الحِكمَةَ خَيرٌ مِنَ اللآلِئ، وكُلُّ النَّفائِسِ لا تُساويها». أَنا الحِكمَةَ أُساكِنُ الدَّهاء، وأَجِدُ عِلمَ التَّدابير. (مَخافَةُ الرَّبِّ بُغضُ الشَّرّ)، الكِبرِياءُ والزَّهوُ وطَريقُ السُّوء، وفَمُ الخَدائِعِ قد أَبغَضتُها. لِيَ المَشورَةُ والتَّوفيق، أَنا الفِطنَةُ، لِيَ الجَبَروت. بِيَ المُلوكُ يَملِكون، والعُظَماءُ يَشتَرِعونَ ما هو عَدلٌ. بِيَ الرُّؤَساءُ يَرأَسون، والزُّعَماءُ وجَميعُ القُضاةِ الشَّرعِيِّين. أَنا أُحِبُّ الَّذينَ يُحِبُّونَني، والمُبتَكِرونَ إِلَيَّ يَجِدونَني. مَعِيَ الغِنى والمَجْد والأَمْوالُ الثَّابِتَةُ والبِرّ. ثَمَري خَيرٌ مِنَ الذَّهَبِ والإِبْريز، وغَلَّتي أَفضَلُ مِنَ الفِضَّةِ الخالِصة. أَسيرُ في طَريقِ البِرّ، في وَسَطِ سُبُلِ العَدْل، لِكَي أُورِثَ الَّذينَ يُحِبُّونَني الخَير، وأَملأَ خَزائِنَهم. الرَّبُّ خَلَقَني أُولى طُرُقِه، قَبلَ أَعمالِه مُنذُ البَدْء. مِنَ الأَزَلِ أُقِمتُ مِنَ الأَوَّلِ مِن قَبلِ أَن كانَتِ الأَرْض. وُلِدتُ حين لم تَكُنِ الغِمار، واليَنابيعُ الغَزيرَةُ المِياه، قَبلَ أَن غُرِسَتِ الجِبال، وقَبلَ التِّلالِ وُلِدتُ، إِذ لم يَكُنْ قد صَنَعَ الأَرْض والحُقولَ وأَوَّلَ عَناصِرِ العالَم. حينَ ثَبَّتَ السَّمَواتِ كُنتُ هُناك، وحينَ رَسَمَ دائِرَةً على وَجهِ الغَمْر، حينَ جَمَّدَ الغُيومَ في العَلاء، وحَبَسَ يَنابيعَ الغَمْر. حينَ وَضَعَ لِلبَحرِ حَدَّه - فالمِياهُ لا تَتَعدَّى أَمرَه - وحينَ رَسَمَ أُسُسَ الأَرْض. وكنتُ عِندَه طِفْلًا وكُنتُ في نَعيمٍ يَومًا فَيَومًا - أَلعَبُ أَمامَه في كُلِّ حين، أَلعَبُ على وَجهِ أَرضِه، ونَعيمي مع بَني البَشَر. فٱسمَعوا لِيَ الآنَ أَيُّها البَنون، فطوبى لِلَّذينَ يَحفظونَ طُرُقي. إسمَعوا التَّأديبَ وكونوا حُكَماء، ولا تُهمِلوه. طوبى لِلأُنْسانِ الَّذي يَسمَعُ لي ساهِرًا عِندَ مَصاريعي يَومًا فيَومًا، حافِظًا عَضائِدَ أَبْوابي. فإِنَّه مَن وَجَدَني وَجَدَ الحَياة، ونالَ رِضًى مِنَ الرَّبّ، ومَن أَخطَأَ إِلَيَّ ظَلَمَ نَفسَه. كُلُّ مَن يُبغِضُني يُحِبُّ المَوت. الحِكمَةُ بَنَت بَيتَها ونَحَتت أَعمِدَتَها السَّبعَة. ذَبَحَت ذَبائِحَها ومَزَجَت خَمرَها، وأَعَدَّت أَيضًا مائِدَتَها. أَرسَلَت جَوارِيَها تُنادي على مُتونِ مَشارِفِ المَدينَة: «مَن كانَ ساذِجًا فليَمِلْ إِلى هُنا». وتَقولُ لِكُلِّ فاقِدِ الرُّشْد: «هَلُمُّوا كُلوا مِن خُبْزي وٱشرَبوا مِنَ الخَمْرِ الَّتي مَزَجتُ. أُترُكوا السَّذاجَةَ فتَحيَوا، أُسلُكوا طَريقَ الفِطنَة». مَن أَدَّبَ السَّاخِرَ لَحِقَه العار، ومَن وَبَّخَ الشِّرِّيرَ أَدرَكَه خِزْيُه. لا تُوَبِّخِ السَّاخِرَ لِئَلاَّ يُبغِضَكَ، وَبِّخِ الحَكيمَ فيُحِبُّكَ. أَفِدِ الحَكيمَ فيَصيرَ أَحكَم عَلِّمِ البارَّ فيَزْدادَ فائِدةً. أَوَّلُ الحِكمَةِ مَخافَةُ الرَّبّ، وعِلمُ القُدُّوسِ الفِطنَة. فإِنَّها بي تَكثُرُ أَيَّامُكَ وتَزْدادُ لَكَ سِنو الحَياة. إِن كُنتَ حَكيمًا فلِنَفسِكَ وإِن كُنتَ ساخِرًا فعَلَيكَ وَحدَكَ. المَرأَةُ الجاهِلَةُ صَخَّابَة، ساذِجَةٌ لا تَدْري شَيئًا. تَجلِسُ عِندَ بابِ بَيتِها على كُرسِيٍّ في مَشارِفِ المَدينَة، لِتَدعُوَ عابِري الطَّريق المُستَقيمينَ في سُبُلِهم: «مَن كان ساذِجًا فَليَمِلْ إِلى هُنا». وتَقولُ لِكُلِّ فاقِدِ الرُّشْد: «إِنَّ المِياهَ المَسْروقَةَ عَذْبَة، والخُبزَ المُختَلَسَ لَذيذ». وهو لا يَدْري أَنَّ الأَشْباحَ هُناك، وأَنَّ نُدَماءَها في أَعْماقِ مَثْوى الأَمْوات. أَمثالُ سُلَيمان: أَلِٱبنُ الحَكيمُ يَسُرُّ أَباه، والِٱبنُ الجاهِلُ غَمٌّ لأُمِّه. كُنوزُ الحَرامِ لا تَنفَع، والبِرُّ يُنقِذُ مِن المَوت. الرَّبُّ لا يُجيعُ نَفْسَ البارّ، أَمَّا شَهوَةُ الأَشْرارِ فيَرُدُّها. مَن عَمِلَ بِكَفٍّ وانِيَةٍ ٱفتَقَر، وأَيدي المُجِدِّينَ تَغتَني. مَن جَمَعَ في الصَّيفِ فهُوَ ٱبنٌ عاقِل، ومَن نامَ في الحَصادِ فهُوَ ٱبنُ العار. البَرَكاتُ لِرَأسِ البارّ، وأَفواهُ الأَشْرارِ تَستُرُ العُنْف. ذِكرُ البارِّ بَرَكَة، وٱسمُ الأَشْرارِ يَبْلى. الحَكيمُ القَلبِ يَقبَلُ الوَصايا، والغَبِيُّ الشَّفَتَينِ يَنْهار. مَن سارَ بِالِٱستِقامةِ فهُو يَسيرُ بِأَمان، ومَن عَوَّجَ طُرُقَه يُعرَف. الغامِزُ بِالعَينِ يَجلِبُ المَتاعِب، والغَبِيُّ الثَّرثارُ يَنْهار. فَمُ البارِّ يَنبوعُ حَياة، وأَفْواهُ الأَشْرارِ تَسْتُرُ العُنْف. البُغْضُ يُثيرُ النِّزاع، والحُبُّ يَستُرُ جَميعَ المَعاصي. في فَمِ الفَطِنِ توجَدُ الحِكمَة، والعَصا على ظَهْرِ فاقِدِ الرُّشْد. الحُكَماءُ يَكنِزونَ العِلْم، وفَمُ الغَبِيِّ دَمارٌ قَريب. مالُ الغَنِيِّ مَدينَةُ عِزَّتِه، وفَقرُ المَساكينِ دَمارُهم. عَمَلُ البارِّ لِلحَياة، وغَلَّةُ الشِّرِّيرِ لِلخَطيئَة. مَن حَفِظَ التَّأديبَ فهُو في طَريقِ الحَياة، ومَن أَهمَلَ التَّوبيخَ فهُو ضالّ. مَن سَتَرَ البُغضَ فشَفَتاه كاذِبَتان، ومَن جاهَرَ بِالنَّميمةِ فهُو جاهِل. كَثرَةُ الكَلامِ لا تَخْلو مِن زَلَّة، ومن ضَبَطَ شَفَتَيه فهُو عاقِل. لِسانُ البارِّ فِضَّةٌ خالِصة، وقُلوبُ الأَشْرارِ كَشَيءٍ خَسيس. شَفَتا البارِّ تَرعَيانِ كَثيرين، والأَغبِياءُ يَموتونَ من فِقْدان الرُّشْد. بَرَكَةُ الرَّبِّ تُغْني، والجَهْدُ لا يُضيفُ إِلَيها شَيئًا. إِرتِكابُ الفاحِشَةِ عِندَ الجاهِل كاللَّعِب، وكذٰلِكَ الحِكمَةُ لِذي الفِطنَة. ما يَخافُه الشِّرِّيرُ يَحِلُّ علَيه، وما يَبْتَغيه الأَبْرارُ يُعْطى لَهم. تَعبُرُ الزَّوْبَعةُ فيَزولُ الشِّرِّير، أَمَّا البارُّ فمُؤَسَّسٌ لِلأَبَد. كالخَلِّ لِلأَسْنانِ والدُّخانِ لِلعَينَين، كَذٰلِكَ الكَسْلانُ لِمَن أَرسَلَه. مَخافَةُ الرَّبِّ تَزيدُ الأَيَّام، وسِنو الأَشْرارِ تَقصُر. أَمَلُ الأَبْرارِ فَرَح، ورَجاءُ الأَشْرارِ يَهلِك. طَريقُ الرَّبِّ حِصنٌ لِلسَّليم، والدَّمارُ لِفاعلي الآثام. البارُّ لا يَتَزعزَعُ لِلأَبَد، والأَشْرارُ لا يَسكُنونَ الأَرض. فَمُ البارِّ يُنبِتُ الحِكمَة، ولِسانُ الخَدائِعِ يُقطَع. شَفَتا البارِّ تعرِفانِ المَرضِيَّ، وأَفْواهُ الأَشْرارِ تَعرِفُ الخَدائِع. ميزانُ الغِشِّ قَبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ، والمِعيارُ الوافي رِضاه. حَيثُما دَخَلَ الِٱعتِدادُ بِالنَّفْسِ دَخَلَ العار، ومعَ المُتواضِعينَ الحِكمَة. كَمالُ المُستَقيمينَ يُرشِدُهم، وفَسادُ الغادِرينَ يُدَمِّرُهم. لا يَنفَعُ المالُ في يَومِ الغَضَب، والبِرُّ يُنقِذُ مِنَ المَوت. بِرُّ السَّليم يُقَوِّمُ طَريقَه، والشِّرِّيرُ يَسقُطُ بِشَرِّه. بِرُّ المُستَقيمينَ يُنقِذُهم، والغادِرونَ يُصْطادونَ بِشَهوَتِهم. إِذا ماتَ الإِنْسانُ الشِّرِّيرُ هَلَكَ معَه الرَّجاء، وأَمَلُ الغِنى يَبيد. البارُّ يَتَخَلَّصُ مِن الضِّيق، والشِّرِّيرُ يَحِلُّ مَكانَه. بِالفَمِ يُدَمِّرُ الكافِرُ قَريبَه، وبِالعِلمِ يَتَخَلَّصُ الأَبْرار. بِسَعادةِ الأَبْرارِ تَبتَهِجُ المَدينة، وعِندَ هَلاكِ الأَشْرارِ هُتاف. ببَرَكَةِ المُستَقيمينَ تَرتَفِعُ المَدينة، وبِأَفْواهِ الأَشْرارِ تَتَحَطَّم. فاقِدُ الرُّشدِ يَحتَقِرُ قَريبَه، وذو الفِطنَةِ يَسكُت. السَّاعي بِالنَّميمَةِ يُفْشي السِّرّ، والأَمينُ الرُّوحِ يَكتُمُ الأَمْر. بِفِقْدانِ السِّياسَةِ يَسقُطُ الشَّعْب، والخَلاصُ بِكَثرَةِ المُسْتَشارين. مَن كَفَلَ الأَجنَبِيَّ بُلِيَ أَيَّ بَلاء، ومَن كَرِهَ الصَّفَقَةَ كانَ في أَمان. ذاتُ الحُسْنِ تَحصُلُ على المَجد، وذَوو القُوَّةِ يَحصُلونَ على الغِنى. ذو الرَّحمَةِ يُحسِنُ إِلى نَفسِه، وذو القَساوَةِ يُسيءُ إِلى جَسَدِه. الشِّرِّيرُ يَصنَعُ عَمَلَ الخَيبَة، وزارعُ البِرِّ لَه ثَوابٌ مُؤَمَّن. مَن أَقامَ البِرَّ فلِلْحَياة، ومَنِ ٱتَّبَعَ الشَّرَّ فلِمَوتِه. المُعوَجُّونَ في القَلبِ قَبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ، والكامِلونَ في الطَّريقِ هم رِضاه. لا رَيبَ أَنَّ الشِّرِّيرَ لا يُزَكَّى، وأَنَّ ذُرِّيَّةَ الأَبْرارِ تَنْجو. المَرأَةُ الجَميلةُ العارِيَةُ مِنَ الفَهْمِ حَلقَةٌ مِن ذَهَبٍ في أَنفِ خِنْزير. إِنَّما بُغيَةُ الأَبْرارِ هو الخَير، وتَوَقُّعُ الأَشْرارِ هو الغَضَب. رُبَّ مُبَذِّرٍ يَزْدادُ مالُه ومُقْتَصِدٍ فَوقَ الحَدِّ، لا تَكونُ عاقِبَتُه إِلاَّ الفاقَة. النَّفْسُ الَّتي تُبارِكُ تَزدَهِر، والَّذي يُرْوي يُرْوى. الَّذي يَحتَكِرُ الحِنطَةَ يَلعَنُه الشَّعْب. والبَرَكَةُ على رَأسِ البائع. مَن يَبتَكِرْ إِلى الخَيرِ يَلتَمِسِ الرِّضى، ومَن يَبتَغِ الشَّرَّ فالشَّرُّ يَلحَقُه. مَنِ ٱتَّكَلَ على غِناه يَسقُط، والأَبْرارُ يَنبُتونَ كأَوراقِ الشَّجَر. مَن أَقلَقَ بَيتَه فميراثُه الرِّيح، والغَبِيُّ يَصيرُ عَبدًا لِحَكيمِ القَلْب. ثَمَرَةُ البارِّ شَجَرَةُ الحَياة، والحكيمُ يَجذِبُ إِلَيه النُّفوس. إِذا كانَ البارُّ يُجْزى في الأرض، فكَم بِالأَحْرى الشِّرِّيرُ والخاطِئ. الَّذي يُحِبُّ التَّأديبَ يُحِبُّ العِلْم، والَّذي يُبغِضُ التَّوبيخَ بَليد. الصَّالِحُ يَنالُ رِضًى مِنَ الرَّبّ، وإِنْسانُ المَكايِدِ يُدينُه الرَّبّ. لا يَثبُتُ الإِنْسانُ بِالشَّرِّ، أَمَّا أَصْلُ الأَبْرارِ فلا يَتَزَعزَع. المَرأَةُ الفاضِلَةُ إِكْليلٌ لِزَوجِها، وذاتُ الفَضائِحِ كنَخْرٍ في عِظامِه. أَفْكارُ الأَبْرارِ عَدْلٌ، وحِيَلُ الأَشْرارِ مَكْرٌ. كَلامُ الأَشْرارِ كَمينُ دَم، وفَمُ المُستَقيمينَ يُنقِذُهم. يُقلَبُ الأَشْرارُ فلا يَكونون، وبَيتُ الأَبْرارِ يَستَقِرّ. الإِنسانُ يُحمَدُ بِتَعَقُّلِه، وذو القَلْبِ المُنحَرِفِ يُزْدرى. وضيعٌ ولَه عَبدٌ خَيرٌ مِن مُتَبَجِّحٍ ولَيسَ لَه خُبْز. البارُّ يَعرِفُ حاجاتِ بَهائِمِه، أَمَّا أَحْشاءُ الأَشْرارِ فقاسِيَة. مَن يَفْلَحْ أَرضَه يَشْبَعْ خُبزًا، ومَن يَسعَ وَراء الأَوهامِ فهو فاقِدُ الرُّشْد. الشِّرِّيرُ يَشتَهي حُصنَ الأَشْرار، وأَصلُ الأَبْرارِ يَثبُت. في مَعصِيَةِ الشَّفَتَينِ فَخُّ الشِّرِّير، والبارُّ يَخرُجُ مِنَ الضِّيق. الإِنْسانُ مِن ثَمَرِ فَمِه يَشبَعُ خَيرًا، ومُكافأَةُ أَيدي البَشَرِ تُؤَدَّى إِلَيهِم. طَريقُ الغَبِيِّ مُستَقيمٌ في عَينَيه، أَمَّا الحَكيمُ فيَستَمِعُ المَشورة. الغَبِيُّ يُعرَفُ غَيظُه في حينِه، والحَذِرُ يَستُرُ الِٱحتِقار. النَّاطِقُ بِالحَقِّ يُبْدي البِرّ، والشَّاهِدُ بِالزُّورِ يُبدي المَكْر. رَبَّ ذي هَذْرٍ كَضَرَباتِ سَيف، وأَلسِنَةُ الحُكَماءِ عِلاج. شَفَةُ الحَقِّ تَثبُتُ لِلأَبَد، ولِسانُ الزُّورِ إِنَّما هو إِلى حين. المَكرُ في قُلوبِ الَّذينَ يُضمِرونَ الشَّرّ، وللمُشيرينَ بِالسِّلْمِ فَرَح. لا تُصيبُ البارَّ مُصيبَةٌ، والأَشْرارُ يَمتَلِئونَ شَرًّا. شَفَتا الزُّورِ قَبيحةٌ عِندَ الرَّبّ، والعامِلونَ بِالصِّدقِ رِضاه. الحَذِرُ مِنَ البَشَرِ يَكتُمُ عِلمَه، وقُلوبُ الجُهَّالِ تُنادي بِغَباوَتِهم. أَيدي المُجِدِّينَ تَسود، واليَدُ الوانِيَةُ تَخدُمُ تَحتَ السُّخرَة. الغَمُّ في قَلبِ الإِنْسانِ يُحَطِّمُه، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تُفَرِّحُه. البارُّ يَفوقُ قَريبَه، وطَريقُ الأَشْرارِ يُضِلُّهم. الكَسْلانُ لا يَشْوي صَيدَه، والمُجِدُّ هو مالٌ ثمين. في طَريقِ البِرِّ حَياة، وسَبيلُ الغَباوةِ هو إِلى المَوت. الِٱبنُ الحَكيمُ يَسمَعُ تَأديبَ أَبيه، وأَمَّا السَّاخِرُ فلا يَسمَعُ التَّوبيخ. أَلإنسانُ مِن ثَمَرِ فَمِه يَأكُلُ خَيرًا، ونَفْسُ الغادِرينَ تَأكُلُ العُنْف. مَن ضَبَطَ فَمَه صانَ نَفسَه، ومَن فَغَرَ شَفَتَيه فحَظُّه الدَّمار. نَفسُ الكَسْلانِ تَشْتَهي ولا تَنال، ونَفْسُ المُجِدِّ تَزدَهِر. البارُّ يُبغِضُ كَلامَ الزُّور، والشِّرِّيرُ يَفضَحُ ويُخجِل. البِرُّ يَصونُ كامِلَ الطَّريق، والخَطِيئَةُ تُهلِكُ الشِّرِّير. رُبَّ مُتَظاهِرٍ بِالغِنى ولا شَيءَ لَه، ومُتَظاهِرٍ بِالفَقرِ ولَه مالٌ جَزيل. فِداءُ نَفْسِ الإِنْسانِ غِناه، والمُعوِزُ لا يَسمَعُ التَّوبيخ. نورُ الأَبْرارِ يُبهِج، وسِراجُ الأَشْرارِ يَنطَفِئ. المُشاجَرَةُ إِنَّمَا تَنشَأُ عنِ الِٱعتِدادِ بِالنَّفْس، والحِكمَةُ مع المُشاوِرين. المالُ المُقْتَنى مِنَ الباطِلِ يَتَناقص، ومَن جَمَعَه شيئًا فشَيئًا يَزْداد. الأَمَلُ المُماطَلُ بِه يُمرِضُ القَلْب، والبُغيَةُ الحاصِلَةُ شَجَرَةُ حَياة. مَنِ ٱستَهانَ بِالكَلِمَةِ يَبيد، ومَن هابَ الوَصِيَّةَ يَسلَم. تَعْليمُ الحَكيمِ يَنبوعُ حَياة، لِيَجتَنِبَ فِخاخَ المَوت. حُسنُ التَّعَقُّلِ يَأتي بِالنِّعمَة، وطَريقُ الغادِرينَ قاسِيَة. كُلُّ حَذِرٍ يَعمَلُ بِعِلمٍ، والجاهِلُ يُظهِرُ غَباوَتَه. الرَّسولُ الشِّرِّيرُ يَقَعُ في السُّوء، والسَّفيرُ الأَمينُ شِفاء. العَوَزُ والعارُ لِمَن يُهمِلُ التَّأديب، والَّذي يُراعي التَّوبيخَ يُكرَم. البُغيَةُ الحاصِلَةُ عَذبَةٌ لِلنَّفْس، وٱجتِنابُ الشَّرِّ قَبيحَةٌ عِندَ الجُهَّال. مُسايِرُ الحُكَماءِ يَصيرُ حَكيمًا، ومُؤانِسُ الجُهَّالِ يَصيرُ شِرِّيرًا. الشَّرُّ يُطارِدُ الخاطِئين، والخَيرُ يُجازي الأَبْرار. الصَّالِحُ يورِثُ بَني البَنين، وثَروَةُ الخاطِئِ مُدَّخَرةٌ لِلبارّ. في حَرْثِ الفُقَراءِ طَعامٌ كَثير، ورُبَّ مُتلَفٍ مِن عَدَمِ الإِنْصاف. مَن لم يَستَعْمِلُ عَصاه يُبغِضُ ٱبنَه، والَّذي يُحِبُّه يَبتَكِرُ إِلى تَأديبِه. البارُّ يأكُلُ فتَشبَعُ نَفْسُه، أَمَّا بَطنُ الشِّرِّيرِ فلا يَشبَع. المَرأَةُ الحَكيمةُ تَبْني بَيتَها، والغَبِيَّةُ تَهدِمُه بِيَدَيها. السَّائِرُ بِٱستِقامَتِه يَتَّقي الرَّبّ، وذو الطُّرُقِ المُلتَوِيَةِ يَستَهينُ بِه. في فَمِ الغَبِيِّ قَضيبٌ لِكِبرِيائِه، وشِفاهُ الحُكَماءِ تَحفَظُهم. حَيثُ لا تَكونُ بَقَرٌ فالمِعلَفُ فارِغ، وبِقُوَّةِ الثَّورِ غِلالٌ كَثيرة. الشَّاهِدُ الأَمينُ لا يَكذِب، وشاهِدُ الزُّورِ يَنفُثُ الكَذِب. السَّاحِرُ يَلتَمِسُ الحِكْمَةَ فلا يَجِدُها، والعِلمُ لِلفَطِنِ مُتَيَسِّر. إِبتَعِدْ عنِ الإِنْسانِ الجاهِل، ولا تَمِلْ عن شِفاهِ العِلْم. حِكمَةُ الحَذِرِ التَّنَبُّهُ لِطَريقِه، وغَباوَةُ الجُهَّالِ مَكرُهم. الأَغبِياءُ يَسخَرونَ مِنَ الذَّبيحَةِ عن الخَطيئة، وبَينَ المُستَقيمينَ الرِّضى. القَلْبُ يَعرِفُ مَرارةَ نَفسِه، ولا يُشارِكُ فَرَحَه غَريب. بَيتُ الأَشْرارِ يُدَمَّر، وخَيمَةُ المُستَقيمينَ تُزهِر. رُبَّ طَريقٍ يَستَقيمُ في عَينَيِ الإِنْسان، وأَواخِرُه طُرُقٌ إِلى المَوت. في الضَّحِكِ نَفْسِه يَكتَئِبُ القَلْب، وعاقِبَةُ الفَرَحِ غَمّ. مَنِ ٱرتَدَّ قَلبُه يَشبَعُ مِن طُرُقِه، والإِنْسانُ الصَّالِحُ مِن أَعْمالِه. السَّاذِجُ يُصَدِّقُ كُلَّ كَلام، والحَذِرُ يَفطَنُ لِخُطاه. الحَكيمُ يَخْشى الشَّرَّ ويَتَجَنَّبُه، والجاهِلُ يَغضَبُ ويَثِقُ بِنَفْسِه. القَصيرُ الأَناةِ يَعمَلُ بِغَباوَة، والإِنسانُ ذو الدَّهاءِ يُبغَض. السُّذَّجُ يَرِثونَ الغَباوة، والحَذِرونَ يُتَوَّجونَ بِالعِلْم. الأَشْرارُ يَسجُدونَ أَمامَ الأَخْيار، وذوو السُّوءِ لَدى أَبْوابِ البارّ. المُعوِزُ مُبغَضٌ حتَّى عِندَ صَديقِه، وأَحِبَّاءُ الغَنِيِّ كَثيرون. مَنِ ٱستَهانَ بِقَريبِه يَخطَأ، والَّذي يَرحَمُ المَساكينَ طوبى لَه. الَّذينَ يَكيدونَ الشَّرَّ أَما هم في الضَّلال؟ والرَّحمَةُ والحَقُّ لِلَّذينَ يَسعَونَ إِلى الخَير. في كُلِّ تَعَبٍ يَكونُ الرِّبْح، وما في كَلامِ الشَّفَتَيْنِ إِلاَّ العَوَز. تاجُ الحُكَماءِ غِناهم، أَمَّا إِكْليلُ الجُهَّالِ فهُو الغَباوَة. شاهِدُ الحَقِّ يُنقِذُ النُّفوس، ورَجُلُ المَكْرِ يَنفُثُ الكَذِب. في مَخافَةِ الرَّبِّ أَمنٌ راسِخ، ولِبَنيه يَكونُ مُعتَصَم. مَخافَةُ الرَّبِّ يَنبوعُ الحَياة، لِٱجتِنابِ فِخاخِ المَوت. في كَثرَةِ الشَّعبِ فَخرُ المَلِك، وفي ٱنقِراضِ الأُمَّةِ دَمارُ الأَمير. الطَّويلُ الأَناةِ كَثيرُ الفِطنَة، والقَصيرُ الصَّبرِ يُشيدُ بِغَباوَتِه. سَكينةُ القَلبِ حَياةُ الأَجْساد، والحَسَدُ نَخَرُ العِظام. مَن يَظلِمِ الفَقيرَ يُهِنْ خالِقَه، والَّذي يُمَجِّدُه يَرحَمُ المِسْكين. الشِّرِّيرُ بِشَرِّه يُصرَع، والبارُّ بِكَمالِه يَعتَصِم. في قَلبِ الفَطِنِ تَستَقِرُّ الحِكمَة، ولكِنَّها لا تُعرَفُ بَينَ الجُهَّال. البِرُّ يُعْلي الأُمَّة وعارُ الشُّعوبِ الخَطيئة. رِضا المَلِكِ على العَبدِ العاقِل، وسُخطُه على ذي القَبائح. الجَوابُ اللَّيِّنُ يَرُدُّ الحَنَق، والكَلامُ المُؤلِمُ يُثيرُ الغَضَب. أَلسِنَةُ الحُكَماءِ تُزَيِّنُ العِلْم، وأَفْواهُ الجُهَّالِ تَفيضُ بِالغَباوة. عَينا الرَّبِّ في كُلِّ مَكان، تُراقِبانِ الأَشْرارَ والأَخْيار. سَكينَةُ اللِّسانِ شَجَرَةُ حَياة، والفَسادُ فيه ٱنكِسارٌ في الرُّوح. الغَبِيُّ يَستَهينُ بِتَأديبِ أَبيه، ومَن راعى التَّوبيخَ كانَ حَذِرًا. في بَيتِ البارِّ كَنزٌ عَظيم، وغَلَّةُ الشِّرِّيرِ فيها قَلَق. شِفاهُ الحُكَماءِ تَنشُرُ العِلْم، وقُلوبُ الجُهَّالِ لَيسَت كذٰلِك. ذَبيحَةُ الأَشْرارِ قَبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ، وصَلاةُ المُستَقيمينَ رِضاه. طَريقُ الشِّرِّيرِ قَبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ، أَمَّا السَّاعي إِلى البِرِّ فهُو يُحِبُّه. تأديبٌ شَديدٌ لِتارِكِ السَّبيل، والَّذي يُبغِضُ التَّوبيخَ يَموت. مَثْوى الأَمواتِ والهاوِيَةُ تُجاهَ الرَّبّ، فكَم بِالأَحْرى قُلوبُ بَني البَشَر. السَّاخِرُ لا يُحِبُّ أَن يُوَبَّخ، وإِلى الحُكَماءِ لا يَذهَب. القَلبُ الفَرِحُ يُبهِجُ الوَجْه، وبِأَلَمِ القَلْبِ يَنكَسِرُ الرُّوح. القَلْبُ الفَطِنُ يَلتَمِسُ العِلْم، وأَفْواهُ الجُهَّالِ تَرْعى الغَباوة. جَميعُ أَيَّامِ البائِسِ رَديئَة، وطيبُ القَلبِ وَليمةٌ دائِمة. القَليلُ مع مَخافَةِ الرَّبِّ، خَيرٌ مِن كَنزٍ عَظيمٍ مع الٱضطِراب. أَكلَةٌ مِنَ البُقولِ مع المَحبَّة، خَيرٌ مِن ثَورٍ مَعْلوفٍ مع البَغْضاء. الإِنْسانُ الغَضوبُ يُثيرُ النِّزاع، والطَّويلُ الأَناةِ يُسَكِّنُ الخِصام. طَريقُ الكَسْلانِ كسِياجِ أَشْواك، وسَبيلُ المُستَقيمينَ مُمَهَّد. الِٱبنُ الحَكيمُ يُفَرِّحُ أَباه، والجاهِلُ مِنَ البَشَرِ يَستَهينُ بِأُمِّه. الغَباوَةُ فَرَحٌ لِفاقِدِ الرُّشْد، والإِنْسانُ الفَطِنُ يَستَقيمُ في سَيرِه. بِعَدَمِ المُشاوَرَةِ تَفشَلُ المَقاصِد، وبِكَثرَةِ المُشيرينَ تُحَقَّق. يُسَرُّ الإِنسانُ بِجَوابِ فَمِه، والكَلِمَةُ في وَقتِها ما أَحْلاها. لِلعاقِلِ سَبيلُ حَياةٍ إِلى فَوق، لِكَي يَحيدَ عن مَثْوى الأَمْوات مِن تَحتُ. الرَّبُّ يُدَمِّرُ بَيتَ المُتَكَبِّرين، ويَنصِبُ مَعالِمَ الأَرمَلَة. أَفْكارُ الشِّرِّيرِ قبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ، والأَقْوالُ اللَّطيفةُ طاهِرَة. كُلُّ حَريصٍ على الكَسْبِ يُقلِقُ بَيتَه، والَّذي يَكرَهُ الهَدايا يَحْيا. قَلبُ البارِّ يَتَرَوَّى في الجَواب، وأَفْواهُ الأَشْرارِ تَطْفَحُ بِالخَبائِث. الرَّبُّ بَعيدٌ مِنَ الأَشْرار، وسامِعٌ لِصَلاةِ الأَبْرار. نُورُ العُيونِ يُفَرِّحُ القُلوب، والخَبَرُ السَّارُّ يُسَمِّنُ العِظام. الأُذُنُ الَّتي تَسمَعُ تَوبيخَ الحَياة، تَستَقِرُّ بَينَ الحُكَماء. مَن يَرفُضِ التَّأديبَ يَحتَقِرْ نَفْسَه، ومَن يَستَمِعِ التَّوبيخَ يَملِكْ قَلبَه. مَخافَةُ الرَّبِّ تَأديبُ حِكمَة، وقَبْلَ المَجْدِ التَّواضُع. لِلأُنْسانِ إِعْدادُ القَلْب، ومِنَ الرَّبِّ جَوابُ اللِّسان. جَميعُ طُرُقِ الإِنْسانِ طاهِرَةٌ في عَينَيه، والرَّبُّ وازِنُ الأَرْواح. فَوِّضْ إِلى الرَّبِّ أَعْمالَك، فتُحَقَّقَ مَقاصِدُكَ. الرَّبُّ صَنَعَ كُلَّ شَيءٍ لِغايَتِه، والشِّرِّيرَ أَيضًا لِيَومِ السُّوء. كُلُّ مُتَرَفِّعِ القَلْبِ قَبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ، فلا يُتَغَاضى عنه في آخِرِ الأَمْر. بِالرَّحمَةِ والحَقِّ يُكَفَّرُ الإِثْم، وبمَخافَةِ الرَّبِّ يُحادُ عنِ الشَّرّ. إِذا رَضِيَ الرَّبُّ عن طُرُقِ الإِنْسان، رَدَّ أَعْداءَه إِلى مُصالَحَتِه. القَليلُ معَ البِرِّ، خَيرٌ مِنَ الغِلالِ الكَثيرَةِ بِغَيرِ عَدْل. قَلبُ الإِنْسانِ يُفَكِّرُ في طَريقِه، والرَّبُّ يُثَبِّتُ خَطَواتِه. على شَفَتَيِ المَلِكِ وَحْيٌ، في القَضاءِ لا يَتَعَدَّى فَمُه. لِلرَّبِّ قَبَّانُ القِسْطِ وكِفَّتاه، كُلُّ مَعاييرِ الكيسِ عَمَلُه. إِرتِكابُ الشَّرِّ قَبيحَةٌ عِندَ المُلوك، لأَنَّه بِالبِرِّ يُثَبَّتُ العَرْش. رِضَا المَلِكِ شِفاهُ العَدْل، وهو يُحِبُّ كَلامَ المُستَقيمين. غَضَبُ المَلِكِ رَسولُ المَوت، والإِنْسانُ الحَكيمُ يَستَعطِفُه. في نورِ وَجهِ المَلِكِ حَياة، ورِضْوانُه كغَيمِ مَطَرِ الرَّبيع. إِقتِناءُ الحِكْمَةِ خَيرٌ مِنَ الذَّهَب، وٱقتِناءُ الفِطنَةِ أَفضَلُ مِنَ الفِضَّة. جادَّةُ المُستَقيمينَ تَميلُ عنِ الشَّرّ، والَّذي يَحفَظُ نَفْسَه يَسهَرُ على طَريقِه. قَبلَ التَّحَطُّمِ الكِبرِياء، وقَبلَ السُّقوطِ تَرَفُّعُ الرُّوح. تَواضُعُ الرُّوحِ مع الوُضَعاء، خَيرٌ مِن ٱقتِسامِ الغَنيمَةِ مع المُتَكَبِّرين. المُمعِنُ في الكَلامِ يَجِدُ السَّعادة، والمُتَوَكِّلُ على الرَّبِّ طوبى لَه! الحَكيمُ القَلبِ يُدْعَى فَطِنًا، وعُذوبَةُ الشَّفَتَينِ تَزيدُ الفائِدَة. العَقْلُ يَنْبوعُ حَياةٍ لِصاحِبِه، وتأديبُ الأَغبِياءِ غَباوَة. قَلبُ الحَكيمِ يُفَطِّنُ فَمَه، ويَزيدُ شَفَتَيه تَعْليمًا. الأَقْوالُ اللَّطيفَةُ شَهْدُ عَسَل، عُذوبَةٌ لِلنَّفْسِ وشِفاءٌ لِلعِظام. رُبَّ طَريقٍ يَستَقيمُ في عَينَيِ الإِنْسان، وأَواخِرُه طُرُقٌ إِلى المَوت. شَهِيَّةُ العامِلِ تَعمَلُ لَه لأَنَّ فَمَه يَحُثُّه، الَّذي لا خَيرَ فيه يَحفِرُ الشَّرّ، وعلى شَفَتَيه شِبْهُ نارٍ مُتَّقِدة. إِنْسانُ الخَدائعِ يُثيرُ الخِصام، والنَّمَّامُ يُفَرِّقُ الأَصحاب. إِنْسانُ العُنْفِ يُغْوي قَريبَه، ويُسَيِّرُه في طَريقٍ غَيرِ صالِح. مَن أَغمَضَ عَينَيه فلِكَي يُفَكِّرَ في الخَدائِع، ومَن عَضَّ على شَفَتِه فقَد أَتَمَّ الشَّرّ. الشَّيبَةُ إِكْليلُ فَخرٍ، تَجِدُها في طَريقِ البِرّ. الطَّويلُ الأَناةِ خَيرٌ مِنَ الجبَّار، والَّذي يُسَيطِرُ على روحِه أَفضَلُ مِمَّن يَأخُذُ مَدينَة. تُلْقى القُرَعُ في الحِضْن، ومِنَ الرَّبِّ جَميعُ أَحْكامِها. لُقمَةٌ يابِسَةٌ ومعَها طُمَأنينَة خَيرٌ مِن بَيتٍ مَمْلوءٍ ذَبائِحَ، ومَعها خِصام. العَبدُ العاقِلُ يَسودُ الِٱبنَ ذا الفَضائِح، ويُقاسِمُ الإِخوَةَ في الميراث. المِذوَبُ لِلفِضَّةِ والبوتَقَةُ لِلذَّهَب، ومُمتَحِنُ القُلوبِ هو الرَّبّ. الشِّرِّيرُ يُصْغي إِلى شَفَةِ الإِثْم، والكاذِبُ يُنصِتُ إِلى لِسانِ الفَساد. المُستَهزِئُ بِالمُعوِزِ يُهينُ خالِقَه، والشَّامِتُ بِالمُصيبَةِ لا يُتَغاضى عنه. إِكْليلُ الشُّيوخِ بَنو البَنين، وفَخرُ البَنينَ آباؤُهم. شَفَةٌ فاضِلَةٌ لا تَليقُ بِالأَحمَق، وأَقَلُّ مِنها الشَّفَةُ الكاذِبَةُ بِالأَمير. الهَدِيَّةُ طِلسَمٌ في عَينَيِ صاحِبِها، فحَيثُما تَوَجَّه يَنجَح. الَّذي يَستُرُ الإِهانَةَ يَرْعى الصَّداقَة، والَّذي يُعيدُ الكَلامَ فيها يُفَرِّقُ الأَصْحاب. التَّوبيخُ يُؤَثِّرُ في الفَطِن، أَكثَرَ مِن مِئَةِ ضَربَةٍ في الجاهِل. الشِّرِّيرُ لا يَلتَمِسُ إِلاَّ التَّمَرُّد، فيُرسَلُ علَيه مَلاكٌ قاسٍ. اللِّقاءُ بِدُبَّةٍ فَقَدَت صِغارَها، ولا اللِّقاءُ بِجاهِلٍ في غَباوَتِه. مَن كافأَ الخَيرَ بِالشَّرّ، فلَن يَبتَعِدَ الشَّرُّ عن بَيتِه. إِبتِداءُ النِّزاعِ ثُغرَةٌ مَفْتوحَةٌ لِلمِياه، فدَعِ الخِصامَ قَبلَ أَن يَشتَبِكَ. مُبَرِّرُ الإِثمِ ومُؤَثِّمُ البارّ، كِلاهُما قَبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ. لِماذا يَكونُ بِيَدِ الجاهِلِ مال؟ أَلِٱقتِناءِ الحِكمَةِ ولا رُشْدَ له؟ الصَّديقُ يُحِبُّ في كُلِّ حين، ويُولَدُ الأَخُ لِوَقتِ الضِّيق. الإِنْسانُ الفاقِدُ الرُّشْدِ يَصفِقُ الكَفَّ ويَكفَلُ صَديقه كَفالَةً. مَن يُحِبِّ المُشاجَرَةَ يُحِبِّ المَعصِية، ومَن يُعْلِ بابَه يَلتَمِسِ التَّحَطُّم. ذو القَلبِ المُعوَجِّ لا يُصيبُ خَيرًا، وذو اللِّسانِ المُلْتوي يَقَعُ في الشَّرّ. مَن وَلَدَ الجاهِلَ فلِغَمِّه، وأَبو الأَحمَقِ لا يَفرَح. القَلبُ المَسْرورُ يُحَسِّنُ الصِّحَّة، والرُّوحُ المُنكَسِرُ يُجَفِّفُ العِظام. الشِّرِّيرُ يَأخُذُ الهَدِيَّةَ مِنَ الحِضْن، لِيُعَوِّجَ سُبُلَ القَضاء. في وَجهِ الفَطِنِ الحِكمَة، وعَينا الجاهِلِ في أَقاصي الأَرْض. الِٱبْنُ الجاهِلُ غَمٌّ لأَبيه، ومَرارَةٌ لِلَّتي وَلَدَته. لا يَحسُنُ أَن يُغَرَّمَ البارّ، وضَربُ الأُمَراءِ يُخالِفُ الحَقّ. ذو العِلمِ يَحبِسُ أَقْوالَه، وذو الفِطنَةِ حَذِرُ الرُّوح. حَتَّى الغَبِيُّ إِذا صَمَتَ يُحسَبُ حَكيمًا، ومَن ضَمَّ شَفَتَيه يُحسَبُ فَطِنًا. المُنفَرِدُ يَلتَمِسُ بُغيَتَه، ويَغْتاظُ مِن كُلِّ مُساعَدَة. لا يَهْوى الجاهِلُ الفِطنَة، بل كَشْفَ ما في قَلبِه. إِذا دَخَلَ الشِّرِّيرُ دَخَلَ الِٱزدِراء، ومع العارِ تَأتي الإِهانَة. كَلِماتُ فَمِ الإِنْسانِ مِياهٌ عَميقة، ومَعينُ الحِكمَةِ نَهرٌ فائض. لا تَحسُنُ مُحاباةُ الشِّرِّير لِهَضمِ حَقِّ البارِّ في القَضاء. شَفَتا الجاهِلِ تَدخُلانِ في الخِصام، وفَمُه يَدْعو إِلى الضَّرَبات. فَمُ الجاهِلِ دَمارُه وشَفَتاه فَخٌّ لِنَفسِه. كَلِماتُ النَّمَّامِ كقِطَعِ الحَلْوى، فهي تَنزِلُ إِلى أَخاديرِ الجَوف. كذٰلك المُتَراخي في عَمَلِه هو أَخو المُدَمِّر. إِسْمُ الرَّبِّ بُرجُ عِزَّة، إِلَيه يُسرِعُ البارُّ وفيه يَتَحَصَّن. مالُ الغَنِيِّ مَدينةُ عِزَّتِه، وهو في بالِه كسورٍ شامِخ. قَبلَ التَّحَطُّمِ يَتَرَفَّعُ قَلبُ الإِنْسان، وقَبلَ المَجدِ التَّواضُع. مَن رَدَّ الجَوابَ قَبلَ أَن يَسمَع، فهُو ذو غَباوَةٍ وفَضيحة. روحُ الإِنْسانِ يُسنِدُه في مَرَضِه، أَمَّا الرُّوحُ المُنكَسِرُ فمَنِ الَّذي يُنهِضُه؟ القَلبُ الفَطِنُ يَكتَسِبُ العِلْم، وأُذُنُ الحُكَماءِ تَلتَمِسُ المَعرِفَة. هَدِيَّةُ الإِنْسانِ تُمَهِّدُ لَه، وتَهْديه إِلى أَمامِ العُظَماء. يبدو أَوَّلُ المُشتَكينَ أَنَّه البَريء، ثُمَّ يُقبِلُ خَصمُه ويُحَقِّقُ في الأَمْر. القُرعَةُ تُزيلُ المُنازَعات، وتَجزِمُ بَينَ المُقتَدِرينَ أَنفُسِهم. الأَخُ المُهانُ أَمنَعُ مِن مَدينَةٍ مُحَصَّنة، والمُنازَعاتُ كأَقْفالِ قَصْر. مِن ثَمَرِ فَمِ الإِنْسانِ يَشبَعُ جَوفُه، مِن غَلَّةِ شَفَتَيه يَشبَع. المَوتُ والحَياةُ في يَدِ اللِّسان، والَّذينَ يُحِبُّونَه يَأكُلونَ ثِمارَه. مَن وَجَدَ زَوجَةً وَجَدَ خَيرًا، ونَالَ رِضًى مِن لَدُنِ الرَّبّ. المُعوِزُ يَتَكَلَّمُ بِالتَضَرُّع، والغَنِيُّ يُجاوِبُ بِالغِلاظَة. رُبَّ أَصدِقاءَ يَقودونَ إِلى الدَّمار، ورُبَّ مُحِبٍّ أَقرَبُ مِنَ الأَخ. المُعوِزُ السَّائِرُ في كَمالِه خَيرٌ مِنَ المُنحَرِفِ الشَّفَتَينِ وهو جاهِل. الحَمِيَّةُ مِن دونِ عِلمٍ غَيرُ صالِحة، ومَن يُسرِعْ بِالقَدَمِ يُخطِئ. غَباوَةُ الإِنسانِ تُفسِدُ طَريقَه، وقَلبُه يَحنَقُ على الرَّبّ. الغِنى يُكثِرُ الأَصدِقاء، والفَقيرُ يُفارِقُه صَديقُه. شاهِدُ الزُّورِ لا يُتَغاضى عنه، ونافِثُ الأَكاذيبِ لا يُفلِت. كَثيرونَ يَستَعطِفونَ وَجهَ الشَّريف، وكُلٌّ يُصادِقُ صاحِبَ العَطايا. جَميعُ إِخوَةِ المُعوِز يُبغِضونَه، فكم بِالأَحْرى أَصدِقاؤُه يَبتَعِدونَ عنه. يَسْعى لأَقوالٍ ولَيسَ منها شَيء... مَن حَصَلَ على رُشدٍ أَحَبَّ نَفسَه، ومَن حَفِظَ الفِطنَةَ وَجَدَ خَيرًا. شاهِدُ الزُّورِ لا يُتَغاضى عنه، ونافِثُ الأَكاذيبِ يَهلِك. لا يَليقُ بِالجاهِلِ التَّرَف، ولا بالعَبدِ أَن يَسودَ الرُّؤَساء. عَقلُ الإِنْسانِ طولُ أَناتِه، وفَخرُه أَن يَتَخَطَّى الإِهانة. حَنَقُ المَلِكِ كَزَئيرِ الشِّبْل، ورِضاه كالنَّدى على العُشْب. الِٱبنُ الجاهِلُ كارِثَةٌ لأَبيه، ومُشاجَراتُ المَرأَةِ كَوَكْفٍ لا يَنقَطِع. البَيتُ والمالُ ميراثٌ مِنَ الآباء، والمَرأَةُ العاقِلَةُ مِنَ الرَّبّ. الكَسَلُ يُلْقي في سُبات، والنَّفْسُ المُتراخِيَةُ تَجوع. حافِظُ الوَصِيَّةِ يَحفَظُ نَفسَه، والمُتَهاوِنُ بِطُرُقِها يَموت. مَن يَرحَمِ الفَقيرَ يُقرِضِ الرَّبّ، فهُو يُجازيه على صَنيعِه. أَدِّبِ ٱبنَكَ ما دامَ فيه أَمَل، ولا تَغْضَبْ حتَّى تَقتُلَه. مَن أَفرَطَ في الغَضَبِ تَحَمَّلَ الغَرامَة، لٰكِنَّكَ إِن أَعفَيتَه تَزيدُ في شَرِّه. إِسمَعِ المَشورةَ وٱقبَلِ التَّأديب، لِكي تَصيرَ حَكيمًا في أَواخِرِكَ. في قَلبِ الإِنْسانِ أَفْكارٌ كَثيرة، لٰكِنَّ مَشورةَ الرَّبِّ هي تُحَقَّق. ما يُرْجى مِنَ الإِنْسانِ رَحمَتُه، والمُعوِزُ خَيرٌ مِنَ الكَذَّاب. مَخافةُ الرَّبِّ تُؤَدِّي إِلى الحَياة، وصاحِبُها يَبيتُ شَبْعانَ لا يَزورُه الشَّرّ. الكَسْلانُ يَغمِسُ يَدَه في الطَّبَق، لا يوصِلُها ولا إِلى فَمِه. إِضرِبِ السَّاخِرَ فيصيرَ السَّاذِجُ حَذِرًا، ووَبِّخِ الفَطِنَ فَيَفطَنَ لِلعِلم. مَن أَساءَ مُعامَلَةَ أَبيه وطَرَدَ أُمَّه، فهُو ٱبنُ الخِزْيِ والعار. كُفَّ يا بُنَيَّ عنِ الإِصْغاءِ إِلى التَّأديب، فتَنصَرِفَ عن أَقوالِ المَعرِفَة. شاهِدٌ لا خَيرَ فيه يَسخَرُ بِالحَقِّ، وأَفْواهُ الأَشْرارِ تَبتَلِعُ الإِثْم. قد أُعِدَّتِ العُقوباتُ لِلسَّاخِرين، والضَّرَباتُ لِظُهورِ الجُهَّال. في الخَمرِ السُّخرِيَّةُ وفي المُسكِرِ الجَلَبَة، كُلُّ مَن هامَ بِهما فلَيسَ بِحَكيم. هَيبَةُ المَلِكِ كَزَئيرِ الشِّبْل، مَن يُغضِبْه يَخطَأْ إِلى نَفسِه. مَجدٌ لِلأُنْسانِ ٱبتِعادُه عنِ الخِصام، وكُلُّ غَبِيٍّ يَثورُ ثائِرُه. الكَسْلانُ لا يَحرُقُ في الخَريف، ويَطلُبُ عِندَ الحَصادِ فلا يَجِدُ شَيئًا. المَشورَةُ في قَلبِ الإِنْسانِ ماءٌ عَميق، وذو الفِطنَةِ يَستَقيه. كَثيرونَ مِنَ البَشَرِ يُنادونَ كُلُّ واحِدٍ بِصَلاحِه، أَمَّا الإِنْسانُ الأَمينُ فمَن يَجِدُه؟ البارُّ السَّائِرُ في كَمالِه، طوبى لِبَنيه مِن بَعدِه! المَلِكُ الجالِسُ على عَرشِ العَدْلِ، يُبَدِّدُ كُلَّ شَرٍّ بِنَظَرِه. مَنِ الَّذي يَقول: «إِنِّي زَكَّيتُ قَلْبي، وتَطَهَّرتُ مِن خَطيئَتي»؟ مِكْيالٌ ومِكْيال، مِعْيارٌ ومِعْيار، كِلاهُما قَبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ. الفَتى بَتَصَرُّفِه يُعرَفُ، هل عَمَلُه طاهِرٌ ومُستَقيم. الأُذُنُ تَسمَعُ والعَينُ تُبصِر، والرَّبُّ صَنَعَ كِلتَيهما. لا تُحِبِّ النَّومَ لِئَلاَّ تَفتَقِر، إِفتَحْ عَينَيكَ تَشبَعْ خُبزًا. يَقولُ المُشْتري: «رَديءٌ رَديء»، فإِذا مَضى لِسَبيلِه إِذا بِه يُهَلِّل. الذَّهَبُ مَوجودٌ واللآلِئُ كَثيرة، وشِفاهُ العِلمِ شيءٌ نَفيس. خُذْ ثَوبَه فإِنَّه كَفِلَ غَريبًا، ولأَجْلِ الأَجانِبِ خُذْ مِنه رَهنًا. خُبزُ الكَذِبِ لَذيذٌ لِلأُنْسان، وبَعدَ ذٰلك يَمتَلِئُ فَمُه حَصًى. بِالمَشورَةِ تُحَقِّقُ المَقاصِد، وبِالحِيَلِ مارِسِ الحَرْب. السَّاعي بِالنَّميمةِ يُفْشي الأَسْرار، فلا تُخالِطْ فاغِرَ الشَّفَتَين. مَن يَلعَنْ أَباه أَو أُمِّه، يَنطَفِئْ سِراجُه في قَلبِ الظَّلام. رُبَّ ميراثٍ يُقْتَنى على عَجَلٍ في البَدْء، وعاقِبَتُه لا تَكونُ مُبارَكة. لا تَقُلْ: «أُجازي بِالشَّرّ»، بلِ ٱنتَظِرِ الرَّبَّ فيُخَلِّصَكَ. مِعْيارٌ ومِعْيارٌ قَبيحَةٌ عِندَ الرَّبّ، وميزانُ الغِشِّ لَيسَ بِصالِح. مِنَ الرَّبِّ خَطَواتُ الرَّجُل، أَمَّا الإِنْسانُ فكَيفَ يَفهَمُ طَريقَه؟ فَخٌّ لِلأُنْسانِ أَن يَلْغُوَ قائلًا: هذا مُقدَّس، وبَعدَ ذٰلِكَ النَّظَرُ في النُّذور. المَلِكُ الحَكيمُ يُبَدِّدُ الأَشْرار، ويَرُدُّ علَيهم الدُّولاب. نَسَمَةُ البَشَرِ سِراجُ الرَّبّ، وهو يَفحَصُ جَميعَ أَخاديرِ الجَوف. الرَّحمَةُ والحَقُّ يَحفَظانِ المَلِك، ويَسنُدُ عَرشَه بالرَّحمَة. فَخرُ الشُّبَّانِ قُوَّتُهم، وبَهاءُ الشُّيوخِ المَشيب. رُضوضُ الجُرْحِ دَواءٌ لِلشَّرّ، وكَذا الضَّرَباتُ في أَخاديرِ الجَوف. قَلبُ المَلِكِ في يَدِ الرَّبِّ سَواقي ماء، فحَيثُما شاءَ يُميلُه. كُلُّ طَريقٍ لِلأُنْسانِ مُستَقيمٌ في عَينَيه، ووازِنُ القُلوبِ هو الرَّبّ. إِجْراءُ العَدلِ والحَقّ، أَفضَلُ عِندَ الرَّبِّ مِنَ الذَّبيحة. تَرَفُّعُ العَينَينِ ٱنتِفاخُ القَلْب، سِراجُ الأَشْرارِ الخَطيئَة. أَفكارُ المُجِدِّ إِنَّما هي لِلرِّيحْ، وكُلُّ عَجولٍ إِنَّما هو لِلعَوَز. تَحْصيلُ الكُنوزِ بِلِسانِ الكَذِب، بُطْلٌ زائِلٌ لِمُلتَمِسي المَوت. عُنفُ الأَشْرارِ يَجرُفُهم، لأَنَّهم أَبَوا إِجْراءَ الحَقّ. طَريقُ الإِنسانِ الأَثيمِ مُعوَجّ، أَمَّا البَريءُ فعَمَلُه مُستَقيم. السُّكْنى في زاوِيَةِ سَطْحٍ، خَيرٌ مِنِ ٱمرَأَةٍ مُنازِعَةٍ وبَيتٍ مُشتَرَك. نَفْسُ الشِّرِّيرِ تَرغَبُ في الإِساءَة، فقَريبُه لا يَنالُ حُظوَةً في عَينَيه. إِذا غُرِّمَ السَّاخِرُ صارَ السَّاذِجُ حَكيمًا، وكَذا إِذا عُلِّمَ الحَكيمُ تَقَبَّلَ العِلْم. يَتَأَمَّلُ البارُّ بَيتَ الشِّرِّير، ويُلْقي الأَشْرارَ في السُّوء. مَن سَدَّ أُذُنَه عن صُراخِ الضَّعيف، فهُو أَيضًا يَصرُخُ ولا يُسمَعُ لَه. العَطِيَّةُ في الخَفاءِ تُخمِدُ الغَضَب، والرِّشوَةُ في الحِضْنِ تُسَكِّنُ السُّخْطَ الشَّديد. إِجراءُ الحَقِّ فَرَحٌ لِلبارّ وفَزَعٌ لِفاعِلِي الآثام. الإِنْسانُ الَّذي يَضِلُّ عن طَريقِ التَّعَقُّل، يَسكُنُ في جَماعةِ الأَشْباح. مُحِبُّ اللَّذَّةِ يَقَعُ في العَوَز، ومُحِبُّ الخَمْرِ والزَّيتِ لا يَغتَني. الشِّرِّيرُ فِديَةُ البارّ، والغادِرُ فِديَةُ المُستَقيمين. السُّكْنى في أَرضٍ مُقفِرَة خَيرٌ مِنَ السُّكْنى مع ٱمرَأَةٍ مُنازِعَةٍ شَرِسَة. في مَنزِلِ الحَكيمِ كَنزٌ شَهِيٌّ وزَيت، لٰكِنَّ الجاهِلَ مِنَ البَشَرِ يَبتَلِعُه. مَن سَعى إِلى العَدْلِ والرَّحمَة، يَجِدُ الحَياةَ والعَدلَ والمَجْد. الحَكيمُ يَتَسَوَّرُ مَدينَةَ البَواسِل، ويَنقُضُ قُوَّةَ مُعتَمَدِها. مَن حَفِظَ فَمَه ولِسانَه، حَفِظَ مِنَ الضِّيقِ نَفسَه. ذو التَّكَبُّرِ والِٱنتِفاخِ يُسَمَّى ساخِرًا، لأَنَّه يَعمَلُ بِتَكَبُّرٍ زائِد. رَغبَةُ الكَسْلانِ تَقتُلُه، لأَنَّ يَدَيه تأبَيانِ العَمَل. الشِّرِّيرُ النَّهارَ كُلَّه يَطمَعُ طَمَعًا، والبارُّ يُعْطي ولا يَبخُل. ذَبيحَةُ الأَشْرارِ قَبيحة، فكَم بِالأَحْرى إِذا قَدَّموها بِالإِثْم. شاهِدُ الزُّورِ يَهلِك، والإِنسانُ المُصْغي لَه الكَلامُ أَبدًا. الإِنْسانُ الشِّرِّيرُ يُصَلِّبُ وَجهَه، أَمَّا المُستَقيمُ فيُثَبِّتُ طَريقَه. لَيسَ مِن حِكمَةٍ ولا فِطنَة، ولا مَشورَةٍ أَمام الرَّبّ. الفَرَسُ مُعَدٌّ لِيَومِ القِتال، أَمَّا النَّصرُ فمِنَ الرَّبّ. الصِّيتُ أَفضَلُ مِنَ الغِنَى الكَثير، والحُظوَةُ خَيرٌ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّة. الغَنِيُّ والفَقيرُ تَلاقَيا والرَّبُّ صَنَعَ كِلَيهما. الحَذِرُ يَرى الشَّرَّ فيَختَفي، والسُّذَّجُ يَعبُرونَ ويُغَرَّمون. ثَوابُ التَّواضُعِ مَخافةُ الرَّبّ، الغِنى والمَجدُ والحَياة. إِنَّ في طَريقِ الأَعوَجِ أَشْواطًا وفِخاخًا، فالحافِظُ لِنَفسِه يَبتَعِدُ عنها. دَرِّبِ الفتَى بِحَسَبِ طَريقِه، فمَتى شاخَ لَن يَحيدَ عنه. الغَنيُّ يَسودُ المُعوِزين، والمُقتَرِضُ عَبدٌ لِلمُقرِض. مَن زَرَعَ الظُّلمَ يَحصُدُ السُّوء، وعَصا حَنَقِه تَفْنى. الصَّالِحُ العِينِ يُبارَك، لأَنَّه أَعْطى مِن خُبزِه لِلفَقير. أُطرُدِ السَّاخِرَ فيَخرُجَ النِّزاع، ويَسكُنَ الخِصامُ والشَّتْم. مَن أَحَبَّ طاهِرَ القَلْبِ، وعلى شَفَتَيه نُعومةٌ فالمَلِكُ خَليلُه. عَينا الرَّبِّ تُحافِظانِ على المَعرِفة، وهو يُخْزي كَلامَ الغادِر. قالَ الكَسْلانُ: «إِنَّ في الخارِجِ أَسَدًا، وفي وَسَطِ الشَّارِعِ أُقتَل». أَفْواهُ الأَجنَبِيَّاتِ حُفرَةٌ عَميقة، فمَن سَخِطَ الرَّبُّ علَيه يَسقُطُ فيها. الغَباوَةُ مُتَأَصِّلَةٌ في قَلبِ الفَتى، لٰكِنَّ عَصا التَّأديبِ تُبعِدُه عنها. مَن ظَلَمَ الفَقيرَ زادَه غِنًى، ومَن أَعْطى الغَنِيَّ أَفقَرَه. أَمِلْ أُذُنَكَ وٱسمَعْ كَلامَ الحُكَماء، ووَجِّهْ قَلبَكَ إِلى عِلْمي، فإِنَّه لَذيذٌ إِذا حَفِظتَه في باطِنِكَ، وإِذا ثَبَتَ كُلُّه على شَفَتَيْكَ. لِيَكونَ ٱتِّكالُكَ على الرَّبِّ، اليَومَ علَّمتُكَ أَنتَ. أَلَم أَكتُبْ لَكَ ثَلاثينَ فَصلًا مِنَ المَشوراتِ والعِلْم، لأُعلِمَكَ حَقيقةَ أَقوالِ الحَقّ، لِتَرُدَّ أَقوالَ الحَقِّ لِلَّذينَ أَرسَلوكَ؟ لا تَسلُبِ الفَقيرَ لأَنَّه فَقير، ولا تَسحَقِ البائِسَ عِندَ الباب، فإِنَّ الرَّبَّ يُخاصِمُ لِخُصومَتِهما، ويَخطَفُ نُفوسَ الَّذينَ خَطَفوهما. لا تُصاحِبِ الرَّجُلَ الغَضوب، ولا تُسايِرِ الإِنسانَ الحَنِق، لِئَلاَّ تَتَعَلَّمَ سُبُلَه وتأخُذَ لِنَفسِكَ فَخًّا. لا تَكُنْ مِمَّن يَصفِقونَ الكَفّ، ويَكفَلونَ الدُّيون، إِن لم يَكُنْ لَكَ ما تَرُدُّ، فلِمَ يُؤخَذُ فِراشُكَ مِن تَحتِكَ؟ لا تُزِحِ المَعالِمَ القَديمةَ، الَّتي وَضَعَها آباؤُكَ. أَرَأَيتَ الإِنسانَ الَّذي يَجِدُّ في عَمَلِه؟ إِنَّه يَقِفُ أَمامَ المُلوك، ولا يَقِفُ أَمامَ المَغْمورين. إِذا جَلَستَ تأكُلُ مع ذي سُلطَة، فتَأَمَّلْ أَشَدَّ التَّأمُّلِ في ما هو أَمامَكَ وضَعْ سِكِّينًا لِحَنجَرَتِكَ، إِن كُنتَ ذا شَرَه. لا تَشتَهِ طَيِّباتِه فإِنَّها طَعامٌ خادِع. لا تَتْعَبْ لِتَحصَلَ على الغِنى، كُفَّ عنِ التَّفكيرِ فيه. أَتُطيرُ عَينَيكَ إِلَيه، فلا يَكون. إِنَّ الغِنى قد صَنَعَ لِنَفسِه جَناحَين، وطارَ كالعُقابِ إِلى السَّماء. لا تَأكُلْ خُبزَ حَسودِ العَين، ولا تَشتَهِ طَيِّباتِه، فإِنَّه كما نَوى في نَفْسِه كذٰلِكَ يَكون. يَقولُ لَكَ: «كُلْ وٱشرَبْ»، وقَلبُه لَيسَ مَعَكَ. لُقمَتُكَ الَّتي أَكَلتَها تَتَقَيَّأُها، وتُضيعُ كَلِماتِكَ العَذْبَة. لا تَتَكَلَّمْ في أُذُنَيِ الجاهِل، فإِنَّه يَستَهينُ بِما في أَقْوالِكَ مِنَ التَّعَقُّل. لا تُزِحِ المَعالِمَ القَديمة، ولا تَدخُلْ حُقولَ الأَيتام، فإِنَّ فادِيَهم مُقتَدِر، وهو يُخاصِمُ لِخُصومَتِهم مَعَك. وَجِّهْ قَلبَكَ لِلتَّأديب، وأُذُنَيكَ لأَقوالِ العِلْم. لا تُقَصِّرْ في تَأديبِ الوَلَد، إِنَّكَ إِن ضَرَبتَه بِالعَصا لا يَموت. تَضرِبُه بِالعَصا فتُنقِذُ نَفسَه مِن مَثْوى الأَمْوات. يا بُنَيَّ، إِن كانَ قَلبُكَ حَكيمًا، يَفرَحُ قَلْبي أَنا أَيضًا وتَبتَهِجُ كُلْيَتايَ، إِذا نَطَقَت شَفَتاكَ بِالِٱستِقامة. لا يَغَرْ قَلبُكَ مِنَ الخاطِئين، بل كُنْ في مَخافَةِ الرَّبِّ طَوالَ النَّهار، فإِنَّكَ إِن حَفِظتَها فهُناكَ العاقِبَة، وٱنتِظارُكَ لا يَخيب. إِسْمَع يا بُنَيَّ وكُنْ حَكيمًا، وأَرْشِدْ قَلبَكَ في الطَّريق. لا تَكُنْ بَينَ المُدمِنينَ لِلخَمْر، والمُلتَهِمينَ لِلَّحْم، فإِنَّ المُدمِنَ والمُلتَهِمَ يَفتَقِران، والنَّومَ يُلبِسُ الثِّيابَ البالِيَة. إِسمَعْ لأَبيكَ الَّذي وَلَدَكَ، ولا تَستَهِنْ بِأُمِّكَ إِذا شاخَت. إِشتَرِ الحَقَّ ولا تَبِعْه، وكَذا الحِكمَةَ والتَّأديبَ والفِطنَة. أَبو البارِّ يَبتَهِجُ ٱبتِهاجًا، ووَالِدُ الحَكيمِ يَفرَحُ بِه. فَلْيَفْرَحْ أَبوكَ وأُمُّكَ ولْتَبْتَهِجْ والِدَتُكَ، يا بُنَيَّ، أَعطِني قَلبَكَ، ولْتَطِبْ عَيناكَ بِطُرُقي: فإِنَّ الزَّانِيَةَ حُفرَةٌ عَميقَة، والغَريبَةَ بِئرٌ ضَيِّقة، وهي أَيضًا كلِصٍّ تَكمُن، وتُكَثِّرُ الغادِرينَ في الأَنام. لِمَنِ «الوَيْلُ»؟ لِمَن «وا أسفاه»؟ لِمَنِ المُشاجَرات؟ لِمَنِ الشَّكْوى؟ لِمَنِ الضَّرَباتُ مِن دونِ سَبَب؟ لِمَن إِظْلامُ العَينَين؟ لِلَّذينَ يُدمِنونَ الخَمْر، لِلَّذينَ يَدخُلونَ لِيَذوقوا المَمْزوج. لا تَنظُرْ إِلى الخَمْرِ إِذا ٱحمَرّت، وأَبدَت في الكَأْسِ حَبَبَها، إِنَّها تَسوغُ مَريئَةً. لٰكِنَّها في الآخِرِ تَلسَعُ كالحَيَّة، وتَنفُثُ سُمَّها كالأَفْعى. تَرى عَيناكَ الغَرائِب، ويَنطِقُ قَلبُكَ بِالهَذَيان، وتَكونُ كمُضطَجِعٍ في عُرضِ البَحْر، أَو كنائمٍ على رَأسِ السَّارِيَة، وتقولُ: «ضَرَبوني ولم أَتَوَجَّعْ، رَضَّضوني ولَم أَشعُرْ، مَتى أَستَيقِظُ فأَعودُ إِلى طَلَبِها». لا تَغَرْ مِن أَهلِ الشَّرّ، ولا تَشتَهِ أَن تَكونَ معَهم، فإِنَّ قُلوبَهم تُضمِرُ العُنْف، وشِفاهَهم تَنطِقُ بِالضَّرَر. بِالحِكمَةِ يُبْنى البَيت وبِالفِطنَةِ يُثَبَّت، وبِالعِلمِ تَمتَلِئُ الأَهْراءُ مِن كُلِّ مالٍ نَفيسٍ شَهِيّ. الرَّجُلُ الحَكيمُ ذو عِزَّة، والإِنْسانُ العالِمُ يَزيدُ في قُوَّتِه، لأَنَّكَ بِالحِيَلِ تُمارِسُ حَربَكَ، وبِكَثرَةِ المُشيرينَ نَصرُكَ. الحِكمَةُ عالِيَةٌ على الغَبِيّ، عِندَ البابِ لا يَفتَحُ فَمَه. المُفَكِّرُ في الإِساءَةِ يُدْعى صاحِبَ مَكايِد. مَقصِدُ الغَباوَةِ الخَطيئَة، والسَّاخِرُ قَبيحَةٌ عِندَ البَشَر، إِنِ ٱستَرخَيتَ في يَومِ الضِّيق، ضاقَت قُوَّتُك. أَنقِذِ المَسوقينَ إِلى المَوت، وحافِظْ على المَقودينَ إِلى القَتْل. إِن قُلتَ: «نَحنُ لا عِلمَ لَنا»، أَفَلَعَلَّ وازِنَ القُلوبِ لا يَفهَم، والسَّاهِرَ على نَفسِكَ لا يَعلَم، فيرُدَّ على البَشَرِ مِثلَ عَمَلِهم؟ يا بُنَيَّ، كُلِ العَسَلَ فإِنَّه لَذيذ، كُلِ الشَّهدَ فإِنَّه حُلوٌ في حَلْقِكَ. إِعْلَمْ، كذٰلِكَ تَكونُ الحِكمَةُ لِنَفسِكَ، إِن وَجدتَها فهُناكَ العاقِبَة، وٱنتِظارُكَ لا يَخيب. لا تَكمُنْ أَيُّها الشِّرِّيرُ على مَنزِلِ البارّ، ولا تُخَرِّبْ مَقَرَّه، فإِنَّ البارَّ يَسقُطُ سَبعَ مَرَّاتٍ ويَنهَض. أَمَّا الأَشْرارُ فيَعثُرونَ في المُصيبة. إِذا سَقَطَ عَدُوُّكَ فلا تَفْرَحْ، وإِذا عَثَرَ فلا يَبْتَهِجْ قَلبُكَ، لِئَلاَّ يرى الرَّبُّ ويَسوءَ الأَمرُ في عَينَيه، فيَرُدَّ عنه غَضَبَه. لا تَغضَبْ على ذَوي السُّوء، ولا تَغَرْ مِنَ الأَشْرار لأَنَّه لَيسَ لِذي السُّوءِ مِن عاقِبَة ومِصباحُ الأَشْرارِ يَنطَفِئ. يا بُنَيَّ ٱتَّقِ الرَّبَّ والمَلِك، لا تُعاشِرِ المُتَقَلِّبين، فإِنَّ مُصيبَتَهم تَقَعُ بَغتَةً، ومَنِ الَّذي يَعلَمُ سِني هَلاكِهم؟ هٰذه أَيضًا لِلحُكَماء: مُراعاةُ الوُجوهِ في القَضاء لَيسَت في شيءٍ مِنَ الصَّلاح. مَن يَقولُ لِلشِّرِّير: «إِنَّكَ بارّ»، تَلعَنُه الشُّعوبُ وتَمقُتُه الأُمَم. أَمَّا الَّذينَ يُوَبِّخونَه فيَنعَمونَ وعلَيهم بَرَكَةُ الخَير. مَن يُجيبُ بِكَلامٍ سَديد يُقَبِّلُ الشَّفَتَين. هَيِّئْ عَمَلَكَ في الخارِج، وأَعدِدْه في حَقلِكَ، وبَعدَ ذٰلك ٱبنِ بَيتَكَ. لا تَشْهَدْ على قَريبِكَ بِلا سَبَب، أَفتَخدَعُ بِشَفَتَيكَ؟ لا تَقُلْ: «كَما صَنَعَ بي هكذا أَصْنَعُ بِه، أَرُدُّ لِلأُنْسانِ مِثلَ عَمَلِه». إِنِّي مَرَرتُ بِحَقلِ الكَسْلان، وبِكَرْمِ الإِنْسانِ الفاقِدِ الرُّشْد، فإِذا العَوسَجُ قد عَلاه كُلَّه، والشَّوكُ غَطَّى وَجهَه، وجِدارُ حِجارَتِه قدِ ٱنهدَمَ. فنَظَرتُ فوَعَيتُ في قَلبي، ورَأَيتُ فٱستَفَدتُ تأديبًا: قَليلٌ مِنَ النَّوم، قَليلٌ مِنَ الغَفْوِ، قَليلٌ مِنَ التَّكَتُّفِ لِلرُّقاد، فيَأتي عَوَزُكَ كَجَوَّالٍ وفاقَتُكَ كَرَجُلٍ مُتَسَلِّح. هٰذه أَيضًا أَمثالُ سُلَيمانَ الَّتي نَقَلَها رِجالُ حِزِقيَّا، مَلِكِ يَهوذا. مَجدُ اللهِ كَتمُ الأَمرِ، ومَجدُ المُلوكِ فَحصُ الأَمْر. السَّماءُ لِلعُلُوِّ والأَرضُ لِلعُمْق، وقُلوبُ المُلوكِ لا تُفحَص. أَزِلِ الخَبَثَ مِنَ الفِضَّة، فيَخرُجَ ما يُصاغُ إِناءً. أَزِلِ الشِّرِّيرَ مِن أَمامِ المَلِك، فيُثَبَّتَ بِالعَدلِ عَرشُه. لا تَفتَخِرْ أَمامَ المَلِك، وفي مَكانِ العُظَماءِ لا تَقِفْ، فإِنَّه خَيرٌ أَن يُقالَ لَكَ: «إِصعَدْ إِلى هنا» مِن أَن تُحَطَّ أَمامَ الأَمير. ما رأَته عَيناكَ لا تُبرِزْه عاجِلًا إِلى الدَّعْوى، وإِلاَّ فماذا تَصنَعُ في آخِرِ الأَمْر، حينَ يُخْزيكَ قَريبُكَ؟ خاصِمْ لِخُصومَتِكَ مع قَريبِكَ، ولا تَبُحْ بِسِرِّ غَيرِكَ، لِئَلاَّ يُهينَكَ السَّامِع، فلا تَزولَ مَذَمَّتُكَ. الكَلامُ المَنْطوقُ بِه في أَوانِه تُفَّاحٌ مِن ذَهَبٍ مع نُقوشٍ مِن فِضَّة. المُوَبِّخُ الحَكيمُ لِلأُذُنِ الواعِيَة حَلقَةٌ مِن ذَهَبٍ وحَلْيٌ مِن إِبْريز. السَّفيرُ الأَمينُ لِمُرسِليه مِثلَ بَرْدِ الثَّلْجِ في يَومِ الحَصاد لأَنَّه يُنعِشُ نُفوسَ سادَتِه. المُفتَخِرُ بِعَطِيَّةِ زور إِنَّما هو غَيمٌ وريحٌ ولَيسَ هُناكَ مَطَر. بِطولِ الأَناةِ يُستَعطَفُ الحاكِم، واللِّسانُ اللَّيِّنُ يَكسِرُ العِظام. إِذا وَجَدتَ عَسَلًا فكُلْ ما يَكْفيك، لِئَلاَّ تَتَّخِمَ فَتَتَقَيَّأ. لا تُكثِرْ نَقلَ القَدَمِ إِلى بَيتِ قَريبِكَ، لِئَلاَّ يَسأَمَ مِنكَ فيَكرَهَكَ. الإِنسانُ الَّذي يَشهَدُ زورًا على قَريبِه إِنَّما مِطرَقَةٌ وسَيفٌ وسَهمٌ مَسْنون. التَّوَكُّلُ على الخادِعِ في يَومِ الضِّيق سِنٌّ مَنْخورةٌ ورِجْلٌ مَشْلولة. كَنَزْعِ الثِّيابِ في أَوانِ البَرْد، وكالخَلِّ على الجُرْح، هٰكذا مَن يُغَنِّي الأَغانِيَّ لِقَلبٍ مُصاب. إِن جاعَ عَدُوُّكَ فأَطعِمْه خُبزًا، وإن عَطِشَ فٱسقِه ماءً فإِنَّكَ تَركُمُ على هامَتِه جَمْرًا، والرَّبُّ يُجازيك. ريحُ الشَّمالِ تُوَلِّدُ المَطَر، واللِّسانُ الهامِسُ يَلِدُ الوَجهَ العَبوس. السُّكْنى في زاوِيَةِ سَطحٍ خَيرٌ مِنِ ٱمرَأَةٍ مُنازِعَةٍ وبَيتٍ مُشتَرَك. الخَبَرُ الصَّالِحُ مِن أَرضٍ بَعيدة مِياهٌ بارِدَةٌ لِحَلقٍ ظامِئ. البارُّ المُتَعَثِّرُ أَمامَ الشِّرِّير مَعينٌ مَدوسٌ ويَنْبوعٌ مُلَوَّث. الإِكْثارُ مِن أَكلِ العَسَلِ غَيرُ صالِح، ولا البَحثُ عن المَجدِ تِلْوَ المَجْد. الإِنْسانُ الَّذي لا يَضبِطُ روحَه مَدينَةٌ مُنهَدِمَةٌ بِلا سور. كالثَّلجِ في الصَّيفِ والمَطَرِ في الحَصاد، هٰكذا لا يَليقُ المَجدُ بِالجاهِل. كالعُصْفورِ الهارِبِ والسُّنونُو الطَّائِر، هٰكذا اللَّعنَةُ بِلا سَبَبٍ لا تُصيب. لِلفَرَسِ السَّوطُ ولِلحِمارِ اللِّجام، ولِظُهورِ الجُهَّالِ العَصا. لا تُجاوِبِ الجاهِلِ بِحَسَبِ غَباوَتِه، لِئَلاَّ تَكونَ أَنتَ نَظيرَه. جاوِبِ الجاهِلَ بِحَسَبِ غَباوَتِه، لِئَلاَّ يَكونَ حَكيمًا في عَينَيه. مَن أَرسَلَ كَلامًا على لِسانِ جاهِل، فإِنَّما يَقطَعُ الرِّجلَينِ ويَتَجَرَّعُ العُنْف. ساقا الأَعرَجِ واهِيَتان، وكَذا المَثَلُ في أَفْواهِ الجُهَّال. مَثَلُ مَن يُكرِمُ الجاهِل كَمَثَلِ مَن يَربِطُ الحَصى بِالمِقْلاع. كَشَوكٍ في يَدِ سَكْران، هٰكذا المَثَلُ في فَمِ الجُهَّال. كالنَّابِلِ الَّذي يَجرَحُ كُلَّ إِنْسان هٰكذا مَن يَستَأجِرُ الجاهِلَ والمارَّة. ككَلْبٍ عائِدٍ على قَيئِه، هٰكذا الجاهِلُ المُكَرِّرُ غَباوَتَه. أَرَأَيتَ الإِنْسانَ الحَكيمَ في عَينَيه؟ إِنَّ الأَمَلَ في الجاهِلِ أَكثَرُ مِنه. قالَ الكَسْلانُ: «إِنَّ في الطَّريقِ لَيثًا، إِنَّ في الشَّوارِعِ أَسَدًا». البابُ يَدورُ على مَفاصِلِه، والكَسْلانُ على فِراشِه. الكَسْلانُ يَغمِسُ يَدَه في الطَّبَق، يُتعِبُه إِيصالُها إِلى فَمِه. الكَسْلانُ أَحكَمُ في عَينَيه، مِن سَبعَةٍ يُجيبونَ بِسَداد. مَن مَرَّ فتَدَخَّلَ في خُصومَةٍ لا تَعْنيه، كَمَنْ يأخُذُ كَلبًا بِأُذُنَيه. كَمَجْنونٍ يَرْمي سِهامَ نارٍ ومَوت، هٰكذا الإِنْسانُ الَّذي يَخدَعُ قَريبَه، ثُمَّ يَقول: «أَلَم أَكُنْ مازِحًا؟». بِٱنقِطاعِ الحَطَبِ تَنطَفِئُ النَّار، وبِزَوالِ النَّمَّامِ يَسكُنُ النِّزاع. الفَحْمُ على الجَمْرِ والحَطَبُ عل النَّار، هٰكذا صاحِبُ النِّزاعِ لإضرامِ الخُصومة. كَلِماتُ النَّمَّامِ كَقِطَعِ الحَلْوى، فهيَ تَنزِلُ إِلى أَخاديرِ الجَوف. الشِّفاهُ المُتَوَهِّجَةُ والقَلبُ الشِّرِّير فِضَّةٌ ذاتُ خَبَثٍ على خَزَف. بِشَفَتَيهِ يَتَنَكَّرُ المُبغِض، وفي باطِنِه يَجعَلُ المَكْر. إِذا لاطَفَكَ بِصَوتِه فلا تُصَدِّقْه، فإِنَّ في قَلبِهِ سَبعَ قَبائِح. وإِن أُخفِيَ البُغضُ بِالمُخادَعَة، فخُبثُه يُكشَفُ في الجَماعة. مَن يَحفِرْ حُفْرَةً يَسقُطْ فيها، ومَن يُدَحرِجْ حَجَرًا يَرْجِعْ علَيه. لِسانُ الزُّورِ يُبغِضُ ضَحاياه، وفَمُ التَّمَلُّقِ يَجلُبُ السُّقوط. لا تَفتَخِرْ بِيَومِ الغَد، فإِنَّكَ لا تَعلَمُ ماذا يَلِدُ اليَوم. لِيَمدَحْكَ الغَريبُ لا فَمُكَ، الأَجنَبِيُّ لا شَفَتاكَ. الحَجَرُ ثَقيلٌ والرَّملُ باهِظ، وغَضَبُ الغَبِيِّ أَثقَلُ مِنهُما. الحَنَقُ قاسٍ والغَضَبُ نَزِق، وأَمَّا الحَسَدُ فمَنِ الَّذي يَقِفُ أَمامَه؟ التَّوبيخُ المُجاهَرُ بِه، خَيرٌ مِنَ الحُبِّ المُضمَر. جُروحُ المُحِبِّ أَمينَة، وقُبَلُ المُبغِضِ خائِنَة. النَّفْسُ الشَّبْعى تَدوسُ الشَّهْدَ، ولِلنَّفْسِ الجائِعَةِ كُلُّ مُرٍّ حُلْوٌ. كالعُصْفورِ الَّذي يَشرُدُ مِن عُشِّه، هٰكذا الإِنْسانُ الَّذي يَشرُدُ مِن وَطَنِه. الزَّيتُ والبَخورُ يُفَرِّحانِ القَلْب، وعُذوبَةُ الصَّديق مِن مَشورَةِ النَّفْس. لا تَترُكْ صَديقَكَ ولا صَديقَ أَبيك، ولا تَدخُلْ بَيتَ أَخيكَ في يَومِ بُؤسِكَ. جارٌ قَريبٌ خَيرٌ مِن أَخٍ بعيد. يا بُنَيَّ، كُن حَكيمًا وفَرِّحْ قَلْبي، فأُجيبَ مُعَيِّريَّ بِكَلِمَة. الحَذِرُ يَرى الشَّرَّ فيَختَفي، والسُّذَّجُ يَعبُرونَ ويَغَرَّمون. خُذْ ثَوبَه فإِنَّه كَفِلَ غَريبًا، ولأَجلِ الأجانِبِ خُذْ مِنه رَهْنًا. مَن بارَكَ قَريبَه بِصَوتٍ جَهيرٍ، في الصَّباحِ باكِرًا، تُحسَبُ بَرَكَتُه لَعنَةً. الوَكْفُ المُتَواصِلُ في يَومٍ مُمطِر، والمَرأَةُ المُنازِعَةُ سِيَّان. مَن ضَبَطَها فإِنَّما يَضبِطُ الرِّيح، ويَقبِضُ بِيَمينِه على زَيت. الحَديدُ يَصقُلُ الحَديد، والإِنْسانُ يُصقَلُ تُجاهَ صَديقِه. مَن يَحرُسْ تينَةً يَأْكُلْ مِن ثَمَرِها، ومَن يَسهَرْ على سَيِّدِه يُمَجَّدْ. كما أَنَّ الماءَ يَعكِسُ الوَجْه، كذٰلك قَلبُ الإِنْسانِ يَعكِسُ الإِنْسان. مَثْوى الأَمواتِ والهاوِيَةُ لا يَشبَعان، وكذا عَينا الإِنْسانِ لا تَشْبَعان. المِذوَبُ لِلفِضَّةِ والبوتَقَةُ لِلذَّهَب، وقيمَةُ الإِنْسانِ بِحَسَبِ سُمعَتِه. لو دَقَقتَ الغَبِيَّ في هاوَنٍ، بَينَ الحُبوبِ وبِالمِطرَقَة، لَما فارَقَته غَباوَتُه. إِعرِفْ حَقَّ المَعرِفَةِ أَحْوالَ غَنَمِكَ، ووَجِّه قَلبَكَ إِلى قُطْعانِكَ. فإِنَّ الغِنى لا يَدومُ أَبدًا، ولا التَّاجُ يَبْقى إِلى جيلٍ فَجيل. إِذا رُفِعَ الحَشيشُ وظَهَرَ العُشْب، وجُمِعَ كَلأُ الجِبال. تَكونُ الكِباشُ مَلْبوسَكَ والتُّيوسُ ثَمَنَ حَقْلٍ، وحَسبُكَ لَبَنُ المَعِزِ طَعامًا لَكَ، وقوتًا لِبَيتِكَ ومَعيشَةً لِجَواريك. هَرَبَ الشِّرِّيرُ ولا مَن يُطارِدُه، أَمَّا الأَبْرارُ فكشِبلٍ يَطمَئِنُّون. إِذا عصَت أَرضٌ كَثُرَ رُؤَساؤُها، وبإِنسانٍ فَطِنٍ عَليمٍ يَطولُ ٱستِقْرارُها. الرَّجُلُ المُعوِزُ الظَّالِمُ لِلفُقَراء، مَطَرٌ كاسِحٌ لا طَعامَ معَه. الَّذينَ يُهمِلونَ الشَّريعَةَ يَحمَدونَ الشِّرِّير، والَّذينَ يَحفَظونَ الشَّريعَةَ يَسخَطونَ علَيه. النَّاسُ الأَشْرارُ لا يَفطَنونَ لِلحَقّ، والَّذينَ يَلتَمِسونَ الرَّبَّ يفطَنونَ لِكُلِّ شيء. المُعوِزُ السَّائِرُ في كَمالِه، خَيرٌ مِن مُعوَجِّ الطُّرُقِ وهو غَنِيّ. مَن يَحفَظِ الشَّريعَةَ فهُو ٱبنٌ فَطِن، ومَن يُعاشِرِ الخُلَعَاءَ يُخجِلْ أَباه. مَن كَثَّرَ مالَه بِالرِّبى والفائِدة، جَمَعَه لِمَن يَرحَمُ الفُقَراء. مَن يَصرِفْ أُذُنَه عن سَماعِ الشَّريعة، فصَلاتُه أَيضًا قَبيحة. مَن يُضلِلِ المُستَقيمينَ في طَريقِ السُّوء، فهُو يَسقُطُ في هُوَّتِه والكامِلونَ يَرِثونَ خَيرًا. الغَنِيُّ حَكيمٌ في عَينَيه، والفَقيرُ الفَطِنُ يَفحَصُه. إِذا ٱبتَهَجَ الأَبْرارُ كانَ فَخرٌ عَظيم، وإِذا قامَ الأَشْرارُ تَوارى النَّاس. مَن كَتَمَ مَعاصِيَه لم يَنجَحْ، ومَنِ ٱعتَرَفَ بِها وأَقلَعَ عنها يُرحَم. طوبى لِلأُنْسانِ الَّذي يَخْشى في كُلِّ حين، أَمَّا الَّذي يُقَسِّي قَلبَه فيَسقُطُ في السُّوء. الشِّرِّيرُ الَّذي يَحكُمُ شَعبًا ضَعيفًا، أَسَدٌ يَزأَرُ ودُبٌّ يَثِب. القائِدُ الَّذي لا فِطنَةَ لَه يُكثِرُ المَظالِم، والَّذي يُبغِضُ الكَسْبَ يُطيلُ أَيَّامَه. الإِنسانُ المُرتَكِبُ سَفْكَ دَم، يَهرُبُ إِلى الجُبّ: فلا يُمسِكُه أَحَد. مَن سارَ بِالسَّلامَةِ يَخلُص، والمُعوَجُّ ذو الطَّريقَينِ يَسقُطُ في إِحْداهما. مَن يَفلَحْ أَرضَه يَشبَعْ خُبزًا، ومَن يَسْعَ وَراءَ التَّوافِهِ يَشبَعْ فاقَةً. الرَّجُلُ الأَمينُ كَثيرُ البَرَكات، والمُغْتَني على عَجَلٍ لا يُتَغاضى عنه. مُراعاةُ الوُجوهِ غَيرُ صالِحَة، وبِسَبَبِ كِسرَةِ خُبزٍ يَخطَأُ الرَّجُل. ذو العَينِ الشِّرِّيرَةِ يَتَهافَتُ على المال، ولا يَعلَمُ أَنَّ العَوَزَ يُدرِكُه. مَن وَبَّخَ إِنْسانًا على طَريقِه، نالَ في الآخِرِ حُظوَةً، أَكثَرَ مِمَّن يُمَلِّقُ بِاللِّسان. الَّذي يَسلُبُ أَباه وأُمَّه ويَقولُ: لا مَعصِيَة، فهو شَريكٌ للإنسانِ المُدَمِّر. الجَشِعُ النَّفسِ يُثيرُ النِّزاع، والمُتَوَكِّلُ على الرَّبِّ يَزدَهِر. مَنِ ٱتَّكَلَ على قَلبِه فهو جاهِل، والسَّائِرُ بِحِكمَةٍ يَنْجو. مَن أَعْطى المُعوِزَ لم تُدرِكْه الفاقة، ومَن أَغْضى عَينَيه عنه فعَلَيه لَعَناتٌ كَثيرة. إِذا قَامَ الأَشْرارُ تَوارى النَّاس، وإِذا هَلَكوا تَكاثَرَ الأَبْرار. مَن وُبِّخَ فصَلَّبَ عُنُقَه، يُحَطَّمُ بَغتَةً ولا عِلاج. إِذا تَكاثَرَ الأَبْرارُ فَرِحَ الشَّعْب، وإِذا تَسَلَّطَ الشِّرِّيرُ ٱنتَحَبَ الشَّعْب. الإِنْسانُ الَّذي يُحِبُّ الحِكمَةَ يُفَرِّحُ أَباه، والَّذي يُعاشِرُ الزَّواني يُتلِفُ مالَه. المَلِكُ بِالعَدلِ يُثَبِّتُ الأَرْض، وصاحِبُ الِٱبتِزازِ يُخَرِّبُها. الرَّجُلُ الَّذي يَتَمَلَّقُ لِقَريبِه، يَنصِبُ شَبَكَةً لِخَطواتِه. في مَعصِيَةِ الإِنْسانِ الشِّرِّيرِ فَخّ، والبارُّ يُرَنِّمُ فَرِحًا. البارُّ يَعرِفُ قَضِيَّةَ الفُقَراء، والشِّرِّيرُ لا يَفطَنُ لِمَعرِفَتِها. النَّاسُ السَّاخِرونَ يُلْقونَ الفِتنَةَ في المَدينَة، والحُكَماءُ يَصرِفونَ عنها الغَضَب. الحَكيمُ الَّذي يُخاصِمُ غَبِيًّا، غَضِبَ أَم ضَحِكَ، لا يَجِدُ راحَةً. رِجالُ الدِّماءِ يُبغِضونَ السَّليم، والمُستَقيمونَ يَسعَونَ إِلَيه. الجاهِلُ يُخرِجُ كُلَّ ما في صَدرِه، والحَكيمُ يَكبَحُه ويُسَكِّنُه. إِذا كانَ السُّلْطانُ يُصْغي إِلى كَلامِ الكَذِب، كانَ خَدَمُه كُلُّهم أَشْرارًا. الفَقيرُ ورَجُلُ المَظالِمِ تَلاقَيا، الرَّبُّ يُنيرُ أَعيُنَ كِلَيهما. المَلِكُ الَّذي يَحكُمُ لِلفُقَراءِ بِالحَقّ، يُثَبِّتُ عَرشُه لِلأَبَد. العَصا والتَّوبيخُ يَهَبانِ حِكمَةً، والفَتى المُهمَلُ يُخْزي أُمَّه. إِذا تَكاثَرَ الأَشْرارُ تَكاثَرَتِ المَعاصي، والأَبْرارُ يَرَونَ سُقوطَهم. أَدِّبِ ٱبنَكَ فيُريحَكَ، ويَهَبَ لِنَفسِكَ المَسَرَّة. إِذا لم تَكُنْ هُناكَ رُؤيا، كانَ الشَّعبُ مُطلَقَ العِنان، والَّذي يَحفَظُ الشَّريعَةَ طوبى لَه. بِالكَلامِ لا يُؤَدَّبُ العَبْد، لأَنَّه وإِن فَهِمَ لا يُجيب. أَرَأَيتَ الإِنسانَ المُتَسَرِّعَ في كَلامِه؟ إِنَّ الأَمَلَ في الجاهِلِ أَكثَرُ مِنه. مَن دَلَّلَ عَبدَه مُنذُ صِباه، وَجَدَه في آخِرِ الأَمرِ عاصِيًا. الإِنْسانُ الغَضوبُ يُثيرُ النِّزاع، وذو السُّخْطِ كَثيرُ المَعاصي. كِبرِياءُ الإِنْسانِ تَضَعُه، والمُتَواضِعُ بِالرُّوحِ يَحصُلُ على الكَرامَة. الَّذي يُقاسِمُ السَّارِقَ يُبغِضُ نَفسَه، يَسمَعُ اللَّعْنَ ولا يُخبِرُ بِه. خَشيَةُ البَشَرِ تُلْقي فَخًّا، والمُتَّكِلُ على الرَّبِّ هو في أَمان. كَثيرونَ يَلتَمِسونَ وَجهَ المُتَسَلِّط، ومِن الرَّبِّ الحَقُّ لِكُلِّ إِنْسان. الإِنْسانُ الشِّرِّيرُ قَبيحَةٌ عِندَ الأَبْرارِ، والمُستَقيمُ الطَّريقِ قَبيحَةٌ عِندَ الشِّرِّير. أَقْوالُ آجورَ بنِ ياقَةَ المَسَّاوِيّ. تَصْريح: قَولُ الرَّجُلِ المُسمَّى إِيتيئيل، إِنِّي بواسِطَةِ إِيتيئيلَ صِرتُ قادِرًا. فإِنِّي أَبلَدُ النَّاس ولَيسَت لي فِطنَةُ البَشَر، ولم أَتَعَلَّمِ الحِكمَة ولا عَرَفتُ عِلمَ القُدُّوس. مَنِ الَّذي صَعِدَ إِلى السَّماءِ ونَزَل، ومَنِ الَّذي جَمَعَ الرِّيحَ في راحَتَيه؟ ومَنِ الَّذي صَرَّ المِياهَ في ثَوبٍ؟ ومَنِ الَّذي أَقامَ جَميعَ أَقاصي الأَرْض؟ ما ٱسمُهُ وٱسمُ ٱبنِه إِن عَلِمتَ؟ كُلُّ قَولٍ للهِ مُمَحَّص، هو تُرسٌ لِلمُعتَصِمينَ بِه. لا تَزِدْ على كَلامِه لِئَلاَّ يُوَبِّخَكَ فتُكَذَّب. شَيئَينِ سَأَلتُكَ، فلا تَمنَعْني إِيَّاهما قَبلَ أَن أَموت: أَبعِدْ عنِّي الباطِلَ وكَلامَ الكَذِب، لا تُعطِني الفَقرَ ولا الغِنى، بلِ ٱرزُقْني مِنَ الطَّعامِ ما يَكْفيني، لِئَلاَّ أَشبَعَ فأَجحَدَ وأَقولَ: «مَنِ الرَّبّ؟» أَو أَفتَقِرَ فأَسرِقَ وأَعتَدِيَ على ٱسمِ إِلٰهي. لا تَشْكُ عَبدًا إِلى سَيِّدِه، لِئَلاَّ يَلعَنَكَ فتَكونَ أَثيمًا. رُبَّ جيلٍ يَلعَنُ أَباه ولا يُبارِكُ أُمَّه. رُبَّ جيلٍ طاهِرٍ في عَينَيه، وهو لم يَتَنَقَّ مِن قَذَرِه. رُبَّ جيلٍ مُتَرَفِّعِ العُيون ومُتعالي الجُفون. رُبَّ جيلٍ أَسْنانُه سُيوفٌ وأَنْيابُه سَكاكين، لِيأكُلَ البائِسينَ عنِ الأَرْض، والمَساكينَ مِن بَينِ البَشَر. لِلعَلَقَةِ بنْتانِ تَقولانِ: «هاتِ هاتِ». ثَلاثٌ لا تَشبَع وأَربَعٌ لا تَقول: «كَفى»: مَثْوى الأَمواتِ والرَّحِمُ العَقيمة، والأَرضُ الَّتي لا تَشبَعُ ماءً، والنَّارُ التي لا تَقول: «كَفى». العَينُ المُستَهزِئَةُ بِالأَب، والمُستَخِفَّةُ بِطاعَةِ الأُمِّ إِذا شاخَت، تَفقَأُها غِربانُ الوادي، وتَأكُلُها فِراخُ العُقاب. ثَلاثَةٌ يُعجِزُني فَهمُها، وأَربَعَةٌ لا أَعلَمُها: طَريقُ العُقابِ في السَّماء، وطَريقُ الحَيَّةِ على الصَّخْر، وطَريقُ السَّفينَةِ في عُرضِ البَحْر، وطَريقُ الرَّجُلِ مع العَذْراء كذٰلِك طَريقُ المَرأَةِ الزَّانِيَة: تَأكُلُ وتَمسَحُ فَمَها، وتَقول: «ما ٱرتَكَبتُ إِثْمًا». تَحتَ ثَلاثَةٍ تَرتَجُّ الأَرْض، وتَحتَ أَربَعَةٍ لا تَستَطيعُ الِٱحتِمال: تَحتَ عَبدٍ إِذا مَلَك، وأَحمَقَ إِذا شَبِعَ مِنَ الطَّعام، وتَحتَ مَمْقوتَةٍ إِذا صارَت لِرَجُل، وأَمَةٍ إِذا وَرِثَت مَولاتَها. أَربَعَةٌ هي الصُّغْرى في الأَرْض، لَكِنَّها أَحكَمُ الحُكَماء: النَّمْلُ أُمَّةٌ لا عِزَّة لَها، لٰكِنَّه يُعِدُّ في الصَّيفِ طَعامَه. والوِبارُ أُمَّةٌ لا قُوَّةَ لَها، لٰكِنَّها تَجعَلُ في الصُّخورِ بُيوتَها. والجَرادُ لا مَلِكَ لَه، لٰكِنَّه يَخْرُجُ بِأَسرِه سِرْبًا سِرْبًا. والعَظايَةُ تُمسِكُها بِالأَيدي، وهي في قُصورِ المُلوك. ثَلاثَةٌ تُحسِنُ السَّيْر، وأَربَعَةٌ تُحسِنُ المِشيَة: اللَّيثُ جَبَّارُ البَهائِم، وهو لا يَتَراجَعُ مِن وَجهِ أَحَد، والدِّيكُ المُقَوَّسُ الظَّهْر، والتَّيْسُ والمَلِكُ الَّذي على رأسِ قَومِه. إِن حَمُقتَ بِرَفعِ نَفسِكَ وفَكَّرتَ في الشَّرّ، فضَعْ يَدَكَ على فَمِكَ. إِنَّ عَصرَ اللَّبَنِ الحَليبِ يُخرِجُ الزُّبدَة، وعَصرَ الأَنفِ يُخرِجُ الدَّم، وعَصرَ الغَضَبِ يُخرِجُ الخِصام. أَقْوالُ لَموئيل، مَلِكِ مَسَّا، أَدَّبَته بِها أُمُّه: ماذا أَقولُ لَكَ يا بُنَيَّ، يا ٱبنَ أَحْشائي، يا ٱبنَ نُذوري؟ لا تُسَلِّمْ قُوَّتَكَ إِلى النِّساء، ولا طُرُقَكَ إِلى مُبيداتِ المُلوك. لَيسَ لِلمُلوكِ، يا لَموئيل، لَيسَ لِلمُلوكِ أَن يَشرَبوا الخَمْر، ولا لِلعُظَماءِ أَن يَشرَبوا المُسكِر، لِئَلاَّ يَشرَبوا فيَنسَوا الشَّرائِع، ويُحَرِّفوا قَضِيَّةَ كُلِّ أَبْناءِ البُؤس. أَعْطوا المُسكِرَ لِلمُشرِفِ على المَوت، والخَمرَ لِذَوي النُّفوسِ المُرَّة. فيَشرَبوا ويَنْسَوا شَقاءَهم، ولا يَعودوا يَذكُرونَ عَناءَهم. إِفتَحْ فَمَكَ لأَجلِ الأَخرَس، في قَضِيَّةِ كُلِّ أَبْناءِ الخِذْلان. إِفتَحْ فَمَكَ وٱحْكُمْ بِالعَدْل. وأَنصِفِ البائِسَ والمِسْكين. مَن يَجِدُ المَرأَةَ الفاضِلة؟ إِنَّ قيمَتَها فَوقَ اللآلِئ. قَلبُ زَوجِها يَثِقُ بِها، فلا تُعوزِهُ الغَنيمة. تأتيه بِالخَيرِ دونَ الشَّرّ، جَميعَ أَيَّامِ حَياتِها. تَلتَمِسُ صوفًا وكَتَّانًا، وتَعمَلُ بِحِذْقِ كَفَّيها. فتَكونُ كسُفُنِ التَّاجِر، تَجلُبُ طَعامَها مِن بَعيد. تَقومُ واللَّيلُ مُخَيِّم، وتُعْطي طَعامًا لِبَيتِها، ولِجَواريها أَعْمالَهُنَّ. تَتَأَمَّلُ حَقلًا فتَشْتَريه، وبِثَمَرِ كَفَّيها تَغرِسُ كَرمًا. تَشُدُّ وَسْطَها بِالقُوَّة، وتُشَدِّدُ ذِراعَيها. تَذوقُ ما أنجَحَ تِجارَتَها، فلا يَنطَفِئُ في اللَّيلِ سِراجُها. تُلْقي يَدَيها على المِكَبّ، وأَنامِلُها تُمسِكُ المِغزَل. تَبسُطُ كَفَّيها إِلى البائس، وتَمُدُّ يَدَيها إِلى المِسْكين. لا تَخافُ على بَيتِها مِنَ الثَّلْج، لأَنَّ أَهلَ بَيتِها جَميعَهم لابِسونَ ثِيابًا مُضاعَفة. تَصنَعُ لِنَفسِها أَغطِيَةً، ولِباسُها الكَتَّانُ النَّاعِمُ والأُرجُوان. زَوجُها مَعْروفٌ في الأَبْواب، حَيثُ يَجلِسُ بَينَ شُيوخِ البَلَد. تَصنَعُ ثِيابًا وتَبيعُها، وتَعرِضُ زَنانيرَ على الكَنْعاني. لِباسُها العِزُّ والبَهاء، وهي تَضحَكُ لِليَومِ الآتي. تَفتَحُ فَمَها بِالحِكمة، وعلى لِسانِها تَعْليمُ الرَّحمَة. تُراقِبُ طُرُقَ بَيتِها، ولا تَأكُلُ خُبزَ الكَسَل. يَقومُ بَنوها ويُهَنِّئونَها، ويَقومُ زَوجُها فيَمدَحُها: «بَناتٌ كَثيراتٌ قُمنَ بِالمَآثِر، أَمَّا أَنتِ ففُقتِهِنَّ جميعًا». الحُسنُ غُرورٌ والجَمالُ باطِل، والمَرأَةُ المُتَّقِيةُ لِلرَّبِّ هي الَّتي تُمدَح. أُعْطوها مِن ثَمَرِ يَدَيها، ولْتَمدَحْها في الأَبْوابِ أَعْمالُها. أَقْوالُ الجامِعَةِ، ٱبنِ داودَ، المَلِكِ في أُورَشَليم: باطِلُ الأَباطيل، يَقولُ الجامِعة، باطِلُ الأَباطيل، كُلُّ شَيءٍ باطِل. أَيُّ فائِدَةٍ لِلأُنْسانِ مِن كُلِّ تَعَبِه الَّذي يُعانيه تَحتَ الشَّمْس؟ جيلٌ يَمْضي وجيلٌ يأتي، والأَرضُ قائِمَةٌ أَبَدَ الدُّهور. والشَّمسُ تَشرُقُ والشَّمسُ تَغرُب، ثُمَّ تُسرِعُ إِلى مَكانِها ومِنه تَطلَع. تَذهَبُ الرِّيحُ إِلى الجَنوبِ وتَدورُ إِلى الشَّمال، تَدورُ وتَدورُ ذاهِبَةً، ثُمَّ إِلى مَدارِها تَعود. جَميعُ الأَنْهارِ تَجْري إِلى البَحْرِ، والبَحرُ لَيسَ بِمَلْآن، ثُمَّ إِلى المَكانِ الَّذي جَرَت منه الأَنْهار، هُناكَ تَعودُ فتَجْري أَيضًا. جَميعُ الأَموالِ تُعْيي، فلا يَستَطيعُ الإِنسانُ الكَلام. لا تَشبَعُ العَينُ مِنَ النَّظَر، ولا تَمتَلِئُ الأُذُنُ مِنَ السَّمَّاع. ما كانَ فهُو الَّذي سيَكون، وما صُنِعَ فهُو الَّذي سَيُصنَع، فلَيسَ تَحتَ الشَّمسِ شَيءٌ جَديد. رُبَّ أَمرٍ يُقالُ فيه: «أُنظُرْ، هٰذا جديد»، بل قد كانَ في الدُّهورِ الَّتي كانَت قَبلَنا. لَيسَ مِن ذِكْرٍ لِما سَبَق، ولا مِن ذِكْرٍ لِما سيَكون، عِندَ الَّذينَ يأتونَ مِن بَعدُ. أَنا الجامِعَةَ مَلَكتُ على إِسْرائيلَ بِأُورَشَليم، فوَجَّهتُ قَلْبي لِيَطلُبَ ويَبحَثَ بِالحِكمةِ عن كُلِّ ما صُنِعَ تَحتَ السَّماء، فإِذا هو عَمَلٌ رَدِيءٌ جَعَلَه اللهُ لِبَني البَشَر لِيَعمَلوه. رَأَيتُ جَميعَ الأَعْمالِ الَّتي عُمِلَت تَحتَ الشَّمْس، فإِذا كُلُّ شَيءٍ باطِلٌ وسَعيٌ وَراءَ الرِّيح. المُلْتَوي لا يُمكِنُ أَن يُقَوَّم، والنَّاقِصُ لا يُمكِنُ أَنْ يُحْصَى. لقَد ناجَيتُ قَلْبي قائِلًا: «هاءَنَذا قد أَنمَيتُ وزِدتُ الحِكمَةَ، فَوقَ كُلِّ مَن كانَ قَبْلي بِأُورَشَليم، وأَكثَرَ قَلْبي مِن تَذَوُّقِ الحِكمَةِ والمَعرِفَة، ووَجَّهتُ قَلْبي إِلى مَعرِفَةِ الحِكمَة، ومَعرِفَةِ الجُنونِ والحَماقة، فعَرَفتُ أَنَّ هٰذا أَيضًا سَعْيٌ وَراءَ الرِّيح. لأَنَّ في كَثرَةِ الحِكمَةِ كَثرَةَ الغَمّ، ومَنِ ٱزْدادَ عِلْمًا فقَدِ ٱزْدادَ أَلَمًا». ثُمَّ ناجَيتُ قَلْبي قائِلًا: «هَلُمَّ فأُذيقَكَ الفَرَح فترى السَّعادة، وإِذا هٰذا أَيضًا باطِل». في الضَّحِكِ قُلتُ: «مَجْنون»، وفي الفَرَحِ: «ماذا يَنفَع؟». عَزَمتُ في قَلْبي أَن أُسلِمَ جَسَدي لِلخَمْر، وقَلْبي مُنصَرِفٌ إِلى الحِكمَة، وأَن أَلزَمَ الحَماقَةَ، حتَّى أَرى ما يَصلُحُ لِبَني البَشَرِ أَن يَصنَعوه تَحتَ السَّماءِ طَوالَ أَيَّامِ حَياتِهم. فصَنَعتُ أَعْمالًا عَظيمة وبَنَيتُ لي بُيوتًا وغَرَستُ لي كُرومًا وأَنشَأتُ لي جَنَّاتٍ وفَراديس وغَرَستُ فيها أَشْجارًا مِن كُلِّ ثَمَر. وصَنَعتُ لي بِرَكَ ماءٍ لأَسقِيَ بِها الغَرائِسَ النَّامِيَةَ الأَشْجار. وٱقتَنَيتُ عَبيدًا وإِماءً فكانَ بَيتي عامِرًا بِالبَنين، ورُزِقتُ مَواشِيَ كَثيرةً مِنَ البَقَرِ والغَنَم، حَتَّى فُقتُ جَميعَ الَّذينَ كانوا قَبْلي بِأُورَشَليم. وجَمَعتُ لي فِضَّةً وذَهَبًا، أَمْوالَ المُلوكِ والأَقاليم، وٱتَّخَذتُ لي مُغَنِّينَ ومُغَنِّياتٍ ومَلَذَّاتِ بَني البَشَرِ وٱمرَأَةً ونِساء. فزدتُ عَظَمَةً وتَفَوَّقتُ على جَميعِ الَّذينَ كانوا قَبْلي بِأُورَشَليم، والحِكمَةُ أَيضًا بَقِيَت لي. وكُلُّ ما ٱبتَغَته عَينايَ لم أَحرِمْهما مِنه، ولا مَنَعتُ قَلْبي مِنَ الفَرَحِ شَيئًا. بل فَرِحَ قَلْبي مِن كُلِّ عَمَلي وكانَ ذٰلك نَصيبي مِن عَمَلي كُلِّه. ثُمَّ ٱلتَفَتُّ إِلى جَميعِ أَعْمالي الَّتي عَمِلَتها يَدايَ، وإِلى ما عانَيتُ مِنَ التَّعَبِ في عَمَلِها، فإِذا كُلُّ شَيءٍ باطِلٌ وسَعيٌ وَراءَ الرِّيح، ولا فائِدَةَ في شيءٍ تَحتَ الشَّمْس. ثُمَّ ٱلتَفَتُّ لأَنظُرَ في الحِكمَةِ والجُنونِ والحَمَاقة، وماذا يَفعَلُ الإِنسانُ الَّذي يَخلُفُ المَلِكَ غَيرَ ما قد فُعِل؟ فرَأَيتُ أَنَّ الحِكمَةَ أَفضَلُ مِنَ الحَماقَة كَما أَنَّ النُّورَ أَفضَلُ مِنَ الظُّلمَة. لِلحَكيمِ عَينانِ في رَأسِه، أَمَّا الجاهِلُ فيَسيرُ في الظُّلمَة، لٰكِنِّي عَلِمتُ أَنَّ مَصيرًا واحِدًا يَنتَظِرهُما. فقُلتُ في قَلْبي: «إِنَّ مَصيرَ الجاهِلِ هو مَصيري أَنا أَيضًا، إِذَن فلِمَ حِكمَتي هٰذه؟»، فقُلتُ في قَلْبي: «هٰذا أَيضًا باطِل»، فإِنَّه لَيسَ مِن ذِكْرٍ لِلحَكيمِ ولِلجاهِلِ كِلَيهِما لِلأَبَد، إِذ في الأَيَّامِ الآتِيَةِ كُلُّ شَيءٍ يُنْسى، وفي الحَقيقَةِ يَموتُ الحَكيمُ كالجاهِل! فكَرِهتُ الحَياةَ إِذ قد ساءَني العَمَلُ الَّذي يُعمَلُ تَحتَ الشَّمْس، لأَنَّه كُلَّه باطِلٌ وسَعْيٌ وَراءَ الرِّيح. وكَرِهتُ كُلَّ ما عانَيتُ تَحتَ الشَّمسِ مِن تَعَبي الَّذي سأَترُكُه لِلإنسانِ الَّذي يَخلُفُني: ومَن يَدْري هل يَكونُ حَكيمًا أَو أَحمَق؟ مع أَنَّه سيَتَسَلَّطُ على كُلِّ عَمَلي الَّذي أَفرَغتُ فيه تَعَبي وحِكمَتي تَحتَ الشَّمْس: هٰذا أَيضًا باطِل. فٱنثَنَيتُ على قَلْبي يائِسًا مِن كُلِّ التَّعَبِ الَّذي عانَيتُه تَحتَ الشَّمْس، لأَنَّه رُبَّ إِنْسانٍ كانَ تَعَبُه بِحِكمَةٍ وعِلمٍ ونَجاح، ثُمَّ تَرَكَ نَصيبَه لأُنْسانٍ لم يَتعَبْ فيه: هٰذا أَيضًا باطِلٌ وشَرٌّ عَظيم. ماذا يَكونُ للأُنْسانِ مِن كُلِّ تَعَبِه، ومِن كَدِّ قَلبِه الَّذي عاناه تَحتَ الشَّمْس؟ لأَنَّ أَيَّامَه كُلَّها مُؤلِمَة وأَعمالَه غَمّ، حَتَّى في اللَّيلِ لا يَستَريحُ قَلبُه، هٰذا أَيضًا باطِل. لا خَيْرَ للإنسانِ إِلاَّ أَن يَأكُلَ ويَشرَبَ ويُذيقَ نَفسَه الهَناءَ بِتَعَبِه. فإِنِّي رَأَيتُ أَنَّ هٰذا أَيضًا مِن يَدِ الله، فَمَن تُرى يَأكُلُ ويَشرَبُ إِلاَّ مِن يَدِه؟ إِنَّ اللهَ يُؤتي الإِنْسانَ الصَّالِحَ أَمامَه حِكمَةً وعِلمًا وفَرَحًا، ويُؤتي الخاطِئَ عَناءَ الجَمْعِ والإِدِّخار، حتَّى يُعطِيَ كُلَّ شَيءٍ لِمَن هو صالِحٌ أَمامَ الله. لِكُلِّ أَمرٍ أَوان، ولِكُلِّ غَرَضٍ تَحتَ السَّماءِ وَقْت، لِلوِلادَةِ وَقتٌ ولِلمَوتِ وَقْت، لِلغَرْسِ وَقتٌ ولِقَلْعِ المَغْروسِ وَقْت، لِلقَتْلِ وَقْتٌ ولِلمُداواةِ وَقْت، لِلهَدْمِ وَقتٌ ولِلبِناءِ وَقْت، لِلبُكاءِ وَقتٌ ولِلضَّحِكِ وَقْت، لِلنَّحيبِ وَقتٌ ولِلرَّقْصِ وَقْت، لِرَمْيِ الحِجارَةِ وَقتٌ ولِجَمْعِ الحِجارَةِ وَقْت، لِلمُعانَقَةِ وَقتٌ وللإمْساكِ عنِ المُعانَقَةِ وَقْت، لِلبَحثِ وَقتٌ ولِلإضاعَةِ وَقْت، لِلحِفْظِ وَقتٌ ولِلرَّمْيِ وَقْت، لِلتَّمْزيقِ وَقتٌ ولِلخِياطَةِ وَقْت، لِلصَّمْتِ وَقتٌ ولِلنُّطقِ وَقْت، لِلحُبِّ وَقْتٌ ولِلبُغْضِ وَقْت، لِلحَرْبِ وَقْتٌ ولِلصُّلْحِ وَقْت. فأَيُّ فائِدَةٍ لِلعامِلِ مِمَّا يُعانيه؟ إِنِّي رَأَيتُ العَمَلَ الَّذي جَعَلَه اللهُ لِبَني البَشَرِ لِيَعمَلوه: صَنَعَ كُلَّ شَيءٍ حَسَنًا في وَقتِه، وجَعَلَ الأَبَدَ في قُلوبِهم، مِن غَيرِ أَن يُدرِكَ الإِنسانُ أَعْمالَ الله، مِنَ البِدايَةِ إِلى النِّهاية. فعَلِمتُ أَنَّه لا خَيرَ للإنسان، سِوى أَن يَفرَحَ وتَطيبَ نَفسُه في حَياتِه، وأَنَّ كُلَّ إِنسانٍ يأكُلُ ويَشرَب، ويَذوقُ هَناءَ كُلِّ تَعَبِه، إِنَّما ذٰلك عَطِيَّةٌ مِنَ الله. وعَلِمتُ أَنَّ كُلَّ ما يَعمَلُه اللهُ يَدومُ لِلأَبَد، لا يُزادُ علَيه ولا يُنقَصُ مِنه، وقد عَمِلَه اللهُ لِيَخشَوه. ما كانَ قَبْلًا فهُو الآن، وما سَيَكونُ كانَ قَبْلًا، واللهُ يَبحَثُ عنِ المُضطَهَد. ورَأَيتُ أَيضًا تَحتَ الشَّمْس: في مَكانِ الحَقِّ شَرًّا وفي مَكانِ البِرِّ شِرِّيرًا. فقُلتُ في قَلْبي: «إِنَّ البارَّ والشِّرِّيرَ يَدينُهما الله، لأَنَّ لِكُلِّ غَرَضٍ وَقتًا، لٰكِن على كُلِّ عَمَلٍ حِساب». وقُلتُ في قَلْبي: «في شأنِ بَني البَشَر: فلِيَمتَحِنَهمُ الله، ويَرَوا أَنَّهم بَهائِم، لأَنَّ مَصيرَ بَني البَشَرِ هو مَصيرُ البَهيمة، ولَهما مَصيرٌ واحِد: كما تَموتُ هي يَموتُ هو، ولِكِليهِما نَفَسٌ واحِد. فلَيسَ الإِنسانُ أَفضَلَ مِنَ البَهيمَة، لأَنَّ كُلَّ شَيءٍ باطِل، كُلُّ شَيءٍ يَذهَبُ إِلى مَكانٍ واحِد. كانَ كُلُّ شَيءٍ مِنَ التُّراب. وكُلُّ شَيءٍ إِلى التُّرابِ يَعود. مَن يَدْري هل نَفَسُ بَني البَشَرِ يَصعَدُ إِلى العَلاء، ونَفَسُ البَهيمَةِ يَنزِلُ إِلى الأَسفَل، إِلى الأَرْض؟ فرَأَيتُ أَنَّه لا شيءَ خَيرٌ مِن أَن يَفرَحَ الإِنْسانُ بِأَعْمالِه. ذٰلِكَ نَصيبُه، لأَنَّه مَنِ الَّذي يَذهَبُ بِه لِيَرى ما سَيَكونُ بَعدَه»؟ ثُمَّ التَفَتُّ فرَأَيتُ جَميعَ المَظالِمِ الَّتي تُرتَكَبُ تَحتَ الشَّمْس، وإِذا بِدُموعِ المَظْلومينَ ولا مُعَزِّيَ لَهم، وفي أَيدي ظالِميهم قُدرَةٌ ولا مُعَزِّيَ لَهم. فهَنَّأتُ الأَمواتَ الَّذينَ ماتوا، ولا الأَحياءَ الَّذينَ لا يَزالونَ أَحْياء. وخَيرٌ مِنهم جَميعًا مَن لو يوجَدْ حَتَّى الآن، لأَنَّه لم يَرَ العَمَلَ الشِّرِّيرَ الَّذي يُعمَلُ تَحتَ الشَّمْس. ورَأَيتُ أَنَّ كُلَّ التَّعَبِ وكُلَّ نَجاحِ العَمَل، إِنَّما هو حَسَدُ الإِنسانِ لِقَريبِه: هٰذا أَيضًا باطِلٌ وسَعْيٌ وراءَ الرِّيح. الجاهِلُ يَتَكَتَّفُ ويأكُلُ لَحمَه. مِلءُ كَفٍّ راحةً خَيرٌ مِن مِلءِ كَفَّينِ تَعَبًا في السَّعْيِ وَراءَ الرِّيح. ثُمَّ التَفَتُّ فرَأَيتُ باطِلًا آخَرَ تَحتَ الشَّمْس: واحِدًا لَيسَ لَه ثانٍ، لَا ٱبنٌ ولا أَخ، ولا نِهايَةَ لِكُلِّ تَعَبِه ولا تَشبَعُ عَيناه مِنَ الغِنى: «لِمَن أَتعَبُ وأَحرِمُ نَفْسيَ الهَناء؟»، هٰذا أَيضًا باطِلٌ وأَمرٌ سَيِّئ. إِثْنانِ خَيرٌ مِن واحِد، لأَنَّ لَهما خَيرَ جَزاءٍ عن تَعَبِهما. إِذا سَقَطَ أَحَدُهما أَنهَضَه صاحِبُه، والوَيلُ لِمَن هو وَحدَه فسَقَط، إِذ لَيسَ هُناكَ آخَرُ يُنهِضُه. وكذٰلك إِذا ٱضطَجَعَ ٱثْنانِ كانَ لَهما دِفْءٌ، أَمَّا الواحِدُ فكَيفَ يَدْفأ؟ وإِن كانَ أَحَدٌ يَغلِبُ واحِدًا، فإِنَّ الِٱثنَينِ يُقاوِمانِه، والخَيطُ المِثَلَّثُ لا يَنقَطِعُ سَريعًا. وَلَدٌ مِسْكينٌ وحَكيم خَيرٌ مِن مَلِكٍ شَيخٍ وجاهِلٍ لا يَقبَلُ التَّنبيه. حَتَّى ولَو خَرَجَ مِنَ السِّجنِ إِلى المُلْك، ووُلِدَ في المُلْكِ فَقيرًا، فإِنِّي أَرى جَميعَ الأَحْياءِ الَّذينَ يَمْشونَ تَحتَ الشَّمس، مع الوَلَدِ الثَّاني القائِمِ مَقامَه. ولا حَدَّ لِكُلِّ الشَّعْبِ، لِجَميعِ الواقِفينَ بَينَ يَدَيه. لٰكِنَّ خُلَفاءَه لا يَفرَحونَ به: هٰذا أَيضًا باطِلٌ وسَعْيٌ وَراءَ الرِّيح. إِحتَرِزْ لِقَدَمَيكَ إِذا أَقبَلتَ إِلى بَيتِ الله، فإِنَّ الِٱقتِرابَ لِلٱستِماع خَيرٌ مِن تَقْديمِ ذَبيحَةِ الجُهَّالِ الَّذينَ لا يَعرِفونَ أَنَّهم يَصنَعونَ الشَّرّ. لا تَعجَلْ بِفَمِكَ ولا يُسارِعْ قَلْبُكَ إِلى إِلْقاءِ كَلامٍ أَمامَ الله، فإِنَّ اللهَ في السَّماءِ وأَنتَ على الأَرْض. فلْتَكُنْ كَلِماتُكَ قَليلة، فإِنَّ الحُلْمَ مِن كَثرَةِ الِٱنشِغال، وكذا قَولُ الجَهلِ مِن كَثرَةِ الكَلام. إِذا نَذَرتَ نَذْرًا للهِ فلا تُؤَجِّل وَفاءً، فإِنَّه لا يَرْضى عنِ الجُهَّال، فأَوفِ ما نَذَرتَ، أَن لا تَنذِرَ خَيرٌ مِن أَن تَنذِرَ ولا تَفي. لا تَدَعْ فَمَكَ يُلْقي جَسَدَكَ في الخَطيئَة، ولا تَقُلْ أَمامَ الرَّسولِ إِنَّه سَهْوٌ. فلِماذا يَسخَطُ اللهُ مِن قَولِكَ فيُبيدَ عَمَلَ يَدَيكَ؟ فإِنَّ في كَثرَةِ الأَحْلامِ أَباطيلَ وكَثرَةَ كَلام، فٱخْشَ الله. إِن رَأَيتَ ظُلمَ الفَقير وما يُخالِفُ العَدْلَ والحَقَّ في بَعْضِ الأَقاليم، فلا تَعْجَب مِنَ الأَمْرِ فإِنَّ فَوقَ العالي أَعْلى مِنه يَسهَر، وفَوقَهما مَن هو أَعلى مِنهما. وفائِدَةُ الأَرضِ لِلجَميع، والحُقولُ تَخدُمُ المَلِك. الَّذي يُحِبُّ الفِضَّةَ لا يَشبَعُ مِنَ الفِضَّة، والَّذي يُحِبُّ الثَّروَةَ لا يَجْني ثَمَرَها. هٰذا أَيضًا باطِل. إِذا زادَتِ الخَيراتُ زادَ الَّذينَ يأكُلونَها، فأَيُّ رِبْحٍ لِمالِكها إِلاَّ أَن يَنظُرَ إِلَيها بِعَينَيه؟ نَومُ العامِلِ عَذْبٌ سَواءٌ أَكَلَ كَثيرًا أَم قَليلًا، وشِبَعُ الغَنِيِّ لا يَدَعُه يَنام. شَرٌّ مُؤلِمٌ رَأَيتُه تَحتَ الشَّمْس: غِنًى مُدَّخَرٌ لِشَقاءِ مالِكِه. فتَلِفَ هٰذا الغِنى في مَشْروعٍ خاسِر، ووَلَدَ ٱبْنًا لن يَكونَ في يَدِه شَيء. عُرْيانًا خَرَجَ مِن جَوفِ أُمِّه، هٰكذا يَعودُ فيَذهَبُ كما أَتى، ولن يَأخُذَ شَيئًا مِن تَعَبِه، لِيَذهَبَ بِه في يَدِه. وهٰذا أَيضًا شَرٌّ مُؤلِم: أَنَّه كما أَتى كذٰلكَ يَذهَب. فأَيَّةُ مَنفَعَةٍ لَه مِن أَنَّه تَعِبَ سُدًى، وقد قَضى جَميعَ أَيَّامِه يَأكُلُ في الظَّلام، ومع كَثرَةِ الغَمِّ والمَرَضِ والحَنَق؟ فرَأَيتُ أَنَّ الأَحسَنَ والأَليَقَ بِه أَن يَأكُلَ ويَشرَب، ويَذوقَ هَناءَ كُلِّ تَعَبِه الَّذي عاناه تَحت الشَّمْس، مُدَّةَ أَيَّامِ حياتِه الَّتي يَمنَحُه اللهُ إِيَّاها، فإِنَّما هٰذا نَصيبُه. على أَنَّ كُلَّ إِنْسانٍ رَزَقَه اللهُ غِنًى وأَمْوالًا، وأَباحَه أَن يأكُلَ مِنها، ويأخُذَ نَصيبَه ويَفرَحَ بِتَعَبِه، إِنَّما ذٰلِكَ عَطِيَّةٌ مِنَ الله. حينَئِذٍ لا يُكثِرُ مِن ذِكرِ أَيَّامِ حَياتِه، لأَنَّ اللهَ يَشغُلُ قَلبَه بِالفَرَح. شَرٌّ رَأَيتُه تَحتَ الشَّمْس، وهو عَظيمٌ على الإِنْسان: إِنْسانٌ رَزَقَه اللهُ غِنًى وأَمْوالًا ومَجدًا، فلَم يَكُنْ لِنَفسِه عَوَزٌ مِن كُلِّ ما يَشتَهي. لٰكِنَّ اللهَ لم يَدَعْه يأكُلُ مِن ذٰلِك، وإِنَّما يأكُلُه غَريب: هٰذا باطِلٌ وداءٌ خَبيث. إن وَلَدَ إِنْسانٌ مِئَةَ وَلَدٍ، وعاشَ عُمرًا طَويلًا وكَثُرَت أَيَّامُ سِنيه، ولم تَشبَعْ نَفسُه مِنَ الخَير، ولم يَكُنْ لَه قَبرٌ، فأَقولُ إِنَّ السِّقطَ خَيرٌ مِنه. فإِنَّه أَتى باطِلًا وذَهَبَ إِلى الظَّلام، وفي الظَّلامِ يُدفَنُ ٱسمُه، وهو لم يَرَ الشَّمسَ ولم يَعرِفْها، فلِهٰذا راحَةٌ أَكثَرَ مِن ذاكَ. ولَو أَنَّه عاشَ ضِعفَي أَلفِ سَنَةٍ ولم يَرَ خَيرًا، أَلَيسَ جَميعُهم يَذهَبونَ إِلى مَكانٍ واحِد؟ كُلُّ تَعَبِ الإِنسانِ لِفَمِه، أَمَّا شَهِيَّتُه فلا تَشبَع. ما فَضلُ الحَكيمِ على الجاهِل، وفَضلُ الفَقيرِ الَّذي يُحسِنُ السُّلوكَ أَمامَ الأَحْياء؟ هو أَنَّ ما تَرى العَينُ خَيرٌ مِمَّا تَسْعى إِلَيه الشَّهْوة. هٰذا أَيضًا باطِلٌ وسَعيٌ وَراءَ الرِّيح. كُلُّ ما هو في الوُجودِ قد سُمِّي بِٱسمِه سَلَفًا. ومَعْروفٌ ما هو الإِنْسان: فلا يَستَطيعُ مُحاكَمَةَ مَن هو أَقْوى مِنه. إِنَّ كَثرَةَ الكَلامِ إِنَّما تُكثِرُ الباطل، فأَيُّ فائِدَةٍ لِلأُنْسان؟ فإِنَّه مَن يَدْري ما هو خَيرٌ لِلإنسانِ في الحَياة، مُدَّةَ حَياتِه الباطِلَةِ الَّتي يَقْضيها كالظِّلّ؟ ومَن يُخبِرُ الإِنسانَ بِما يَكونُ فيما بَعدُ تَحتَ الشَّمْس؟ الصِّيتُ خَيرٌ مِنَ الطِّيب، ويَومُ المَوتِ خَيرٌ مِن يَومِ الوِلادَة. الذَّهابُ إِلى بَيتِ النِّياحَة خَيرٌ مِنَ الذَّهابِ إِلى بَيتِ الوَليمة، لأَنَّ ذاكَ نِهايَةُ جَميعِ البَشَر، والحَيُّ يُوَجِّهُ قَلبَه إِلَيه. الغَمُّ خَيرٌ مِنَ الضَّحِك، لأَنَّه بِعُبوسِ الوَجهِ يُصلَحُ القَلْب. قَلبُ الحُكَماءِ في بَيتِ النِّياحَة، وقَلبُ الجُهَّالِ في بَيتِ الفَرَح. سَماعُ التَّوبيخِ مِنَ الحَكيم خَيرٌ مِن سَماعِ تَرْنيمِ الجُهَّال، لأَنَّه كَصَوتِ الشَّوكِ تَحتَ القِدْرِ، كذٰلك ضَحِكُ الجاهِل. هٰذا أَيضًا باطِل. الظُّلمُ يُحَمِّقُ الحَكيم، والعَطِيَّةُ تُهلِكُ القَلْب. آخِرُ الأَمرِ خَيرٌ مِن أَوَّلِه، وطولُ الأَناةِ خَيرٌ مِن تَشامُخِ الرُّوح. لا تَعْجَلْ إِلى الغَضَبِ في قَلبِكَ، لأَنَّ الغَضبَ يَستَقِرُّ في صُدورِ الجُهَّال. لا تَقُلْ: لِمَ ٱتَّفَقَ أَنْ كانَتِ الأَيَّامُ الأُولى خَيرًا مِن هٰذا؟»، فإِنَّه لَيسَ عن حِكمَةٍ سُؤالُكَ هٰذا. الحِكمَةُ حَسَنَةٌ كالميراث، وتَنفَعُ لِناظري الشَّمْس، لأَنَّ ظِلَّ الحِكمَةِ كظِلِّ الفِضَّة، وفائِدَةَ المَعرِفَةِ أَنَّ الحِكمَةَ تُحْيي أَصْحابَها. أُنظُرْ إِلى عَمَلِ الله: مَنِ الَّذي يَستَطيعُ أَن يُقَوِّمَ ما قد لَوى؟ في يَومِ السَّرَّاءِ كُن مَسْرورًا، وفي يَومِ الضَّرَّاءِ تأَمَّلْ: إِنَّ اللهَ صَنَعَ هٰذه وتِلكَ، لِئَلاَّ يَطَّلِعَ الإِنسانُ على شَيءٍ مِمَّا يَكونُ فيما بَعدُ. وهٰذا كُلُّه رَأَيتُه في أَيَّامِ أَباطيلي: بارٌّ يَهلِكُ في بِرِّه وشِرِّيرٌ تَطولُ أَيَّامُه في شَرِّه. لا تَكُنْ بارًّا بإِفْراط، ولا تَكُنْ حكيمًا فَوقَ ما يَنبغي، فلِماذا تُهلِكُ نَفْسَكَ؟ لا تَكُنْ شِرِّيرًا بإِفْراط، ولا تَكُنْ جاهِلًا، لِئَلاَّ تَموتَ قَبلَ ساعَتِكَ. يَحسُنُ أَن تُمسِكَ بِهٰذا، دونَ أَن تَكُفَّ يَدَكَ عن ذاك فإِنَّ مَن يَخْشى اللهَ يَجِدُ كِلَيهما. الحِكمَةُ تُؤَيِّدُ الحَكيمَ أَكثَرَ مِن عَشَرَةِ ذَوي سُلْطانٍ في المَدينة. ما مِن بارٍّ على الأَرضِ يَصنَعُ الخَيرَ مِن دونِ أَن يَخطأَ. لا تُوَجِّه قَلبَكَ إِلى كُلِّ كَلامٍ يُقال، لِئَلاَّ تَسمَعَ عَبدَكَ يَلعَنُكَ، فإِنَّ قَلبَكَ عالِمٌ بِأَنَّكَ أَنتَ أَيضًا كَثيرًا ما لَعَنتَ غَيرَكَ. كُلُّ ذٰلك ٱختَبَرتُه بِالحِكمة. قُلتُ: «أَصيرُ حَكيمًا»، فتَباعَدَتِ الحِكمَةُ عنِّي. بَعيدٌ ما في الوُجود وعَميقٌ عَميق، فمَن يَجِدُه؟ فجُلتُ بِقَلْبي لأَعلَمَ وأَبحَث، وأَلتَمِسَ الحِكمَةَ وحَقيقَةَ الأُمور، لأَعلَمَ أَنَّ الشَّرَّ جَهلٌ والجُنونَ غَباوة. فوَجَدتُ أَنَّ ما هو أَمَرُّ مِنَ المَوت هي المَرأَةُ لأَنَّها فَخّ، ولأَنَّ قَلبَها شَبَكَةٌ ويَداها قُيود. مَن كانَ صالِحًا أَمامَ اللهِ يَنْجو مِنها، وأَمَّا الخاطِئُ فيَعلَقُ بِها. يَقولُ الجامِعة: أُنظُرْ! هٰذا ما وَجَدتُه بِتَأَمُّلي الأُمورَ واحِدًا واحِدًا، لِكَي أَجِدَ حَقيقَتَها الَّتي لم تَزَلْ نَفْسي تَطلُبُها ولم أَجِدْها: إِنِّي وَجَدتُ رَجُلًا واحِدًا بَينَ أَلْفٍ وٱمرَأَةً واحِدَةً بَينَ أُولٰئِكَ كُلِّهِنَّ لم أَجِدْ. إِنَّما وَجَدتُ هٰذا أَنَّ اللهَ صَنَعَ البَشَرَ مُستَقيمين، أَمَّا هم فبَحَثوا عن أَسْبابٍ كَثيرة. مَن هو كالحَكيم؟ ومَن يَدْري تَفسيرَ الأمور؟ حِكمَةُ الإِنسانِ تُنيرُ وَجهَه، فتَتَغَيَّرُ صَلابَةُ وَجهِه. إِحفَظْ أَمرَ المَلِك، ومِن أَجلِ يَمينِ الله لا تَعجَلْ في الِٱنصِرافِ عن وَجهِه، ولا تُصِرَّ على أَمرٍ سَيِّئ فإِنَّه يَصنَعُ كُلَّ ما شاء. لأَنَّ كَلامَ المَلِكِ ذو سُلْطان، فمَن يَقولُ لَه: «لِمَ فَعَلتَ؟». مَن يَحفَظِ الوَصِيَّةَ يَعرِفْ شَيئًا مِنَ الشَّرّ، وقَلْبُ الحَكيمِ يَعرِفُ الزَّمانَ والقَضاء، إِذ لِكُلِّ غَرَضٍ زَمانٌ ثُمَّ قَضاء، لأَنَّ شَرَّ البَشَرِ عَظيمٌ علَيهم، ولا يَدْرونَ ما سَيَكون، ومَنِ الَّذي يُخبِرُهم بِما سَيَكون؟ لَيسَ لأَحَدٍ سُلْطانٌ على الرِّيحِ فَيَضبِطَه، ولا سُلطانٌ على يَومِ المَوت، ولا إِعْفاءٌ مِنَ القِتال، ولا يُنَجِّي الأَشرارَ شَرُّهم. هٰذا كُلُّه رَأَيتُه، ووَجَّهتُ قَلْبي إِلى كُلِّ عَمَلٍ يُصنَعُ تَحتَ الشَّمْس، حينَ يَتَسَلَّطُ الإِنْسانُ على إِنْسانٍ لِضَرَرِه. هٰكذا رَأَيتُ أَشْرارًا دُفِنوا، وذَهَبوا عنِ المَكانِ المُقَدَّس فنُسِيَ في المَدينةِ أَنَّهم قد فَعَلوا ذٰلك، هٰذا أَيضًا باطِل. ولَمَّا كانَ الحُكمُ على العَمَلِ الشِّرِّير لا يُنفَّذُ بِسُرعَة، إِمتَلأَت قُلوبُ بَني البَشَرِ رَغبَةً في فِعْلِ الشَّرّ. الخاطِئُ يَصنَعُ الشَّرَّ مِئَةَ مَرَّةٍ ويُطيلُ أَيَّامَه، ولٰكِنِّي أَعلَمُ أَنَّ المُتَّقينَ للهِ الَّذينَ يَخشَونَ وَجهَه سَينالونَ خَيرًا، وأَنَّ الشِّرِّيرَ لن يَنالَ خَيرًا، وكالظِّلِّ لن يُطيلَ أَيَّامَه، لأَنَّه لا يَخْشى وَجهَ الله. هُناكَ باطِلٌ يُجْرى على الأَرْض: أَبْرارٌ يُعامَلونَ بِعَمَلِ الأَشْرار، وأَشْرارٌ يُعامَلونَ بِعَمَلِ الأَبْرار، فقُلتُ: «هٰذا أَيضًا باطِل». فمَدَحتُ الفَرَح، لأَنَّه لَيسَ للأُنْسانِ خَيرٌ تَحتَ الشَّمْس غَيرَ أن يأكُلَ ويَشرَبَ ويَفرَح. فهٰذا ما يُرافِقُه في تَعَبِه أَيَّامَ حَياتِه الَّتي مَنَحها اللهُ إِيَّاها تَحتَ الشَّمْس. لَمَّا وَجَّهتُ قَلْبي إِلى مَعرِفَةِ الحِكمَة، وإِلى تَأَمُّلِ العَمَلِ الَّذي يَتِمُّ على الأَرْض (لأَنَّه لا يَذوقُ النَّومَ في عَينَيه، لا في النَّهارِ ولا في اللَّيل) رَأَيتُ مِن جِهَةِ أَعْمالِ اللهِ كُلِّها أَنَّ الإِنسانَ لا يَستَطيعُ أن يَجِدَ العَمَلَ الَّذي يُعمَلُ تَحتَ الشَّمس، ومَهْما جَدَّ في الطَّلَبِ فلا يَجِد. حتَّى الحَكيمُ، وإن زَعَمَ أَنَّه يَعلَم، لا يَستَطيعُ أَن يَجِد. هٰذا كُلُّه وَجَّهتُ قَلْبي إِلَيه، وٱختَبَرتُهُ كُلَّه: أَنَّ الأَبْرارَ والحُكَماءَ وأَعْمالَهم في يَدِ الله، حتَّى إِنَّ الإِنْسانَ لا يَعرِفُ الحُبَّ أَوِ البُغْض، فكِلاهُما باطِلٌ أَمامَه، لِلجَميعِ مَصيرٌ واحِد: لِلبارِّ والشِّرِّير: لِلصَّالِحِ والطَّالِح، لِلطَّاهِرِ والنَّجِس، لِلذَّابِحِ ولِغَيرِ الذَّابِح. الصَّالِحُ مِثلُ الخاطِئ والَّذي يَحلِفُ كالَّذي يَتَّقي الحَلِف. وشَرُّ ما يَجْري تَحتَ الشَّمْسِ أَن يَكونَ لِلجَميعِ مَصيرٌ واحِد، فتَمتَلِئُ قُلوبُ بَني البَشَرِ مِنَ الخُبْث، وصُدورُهم مِنَ الجُنونِ في حَياتِهم، وفيما بَعدُ يَصيرونَ إِلى الأَمْوات. مع أَنَّ الَّذي لَه صِلَةٌ بِجَميعِ الأَحْياء لَه رَجاء، لأَنَّ الكَلْبَ الحَيَّ خَيرٌ مِنَ الأَسَدِ المَيْت. والأَحْياءُ يَعلَمونَ أَنَّهم سيَموتون أَمَّا الأَمْواتُ فلا يَعلَمونَ شَيئًا، ولم يَبقَ لَهم جَزاءٌ، إِذ قد نُسِيَ ذِكرُهم. حُبُّهم وبُغضُهم وغَيرَتُهم قد هَلَكَت، ولَيسَ لَهم نَصيبٌ لِلأَبَد في كُلِّ ما يَجْري تَحتَ الشَّمْس. فٱذهَبْ وكُلْ خُبزَكَ بِفَرَح، وٱشرَبْ خَمرَكَ بِقَلبٍ مَسْرور، لأَنَّ اللهَ قد رَضِيَ عن أَعْمالِكَ. لِتَكُنْ ثِيابُكَ بَيضاءَ في كُلِّ حين، ولا يَنقُصِ الطِّيبُ عن رَأسِكَ. تَمَتَّعْ بِالعَيشِ مع المَرأَةِ الَّتي أَحبَبتَها جَميعَ أَيَّامِ حَياتِكَ الباطِلَة، الَّتي أُوتيتَها تَحتَ الشَّمس، جَميعَ أَيَّامِكَ الباطِلَة، فإِنَّ ذٰلك نَصيبُكَ في الحياة، وفي التَّعَبِ الَّذي تُعانيه تَحتَ الشَّمْس. كُلُّ ما تَصِلُ إِلَيه يَدُكَ مِن عَمَل فٱعمَلْه بِقُوَّتِكَ، فإِنَّه لا عَمَلَ ولا حُسْبانَ ولا عِلمَ ولا حِكمَةَ في مَثْوى الأَمْواتِ الَّذي أَنتَ صائِرٌ إِلَيه. إِلتَفَتُّ فرَأَيتُ تَحتَ الشَّمْس أَن لَيسَ الجَرْيُ لِلخَفيف، ولا القِتالُ لِلأَبْطال ولا الخُبزُ لِلحُكَماء، ولا الغِنى لِذَوي الفِطنَة ولا الحُظْوَةُ لِلعُلَماء: لأَنَّ الآوِنَةَ والطَّوارِئَ تُفاجِئُهم كافَّةً. إِنَّ الإِنْسانَ لا يَعلَمُ وَقتَه فإِنَّه كالأَسْماكِ الَّتي تُؤخَذُ بِشَبَكَةٍ مُهلِكَة، وكالعَصافيرِ الَّتي تُصْطادُ بِفِخاخ، كذٰلك يُؤخَذُ بَنو البَشَرِ في وَقتِ السُّوء حينَ يَقَعُ علَيهم بَغتَةً. رَأَيتُ أَيضًا حِكمةً تَحتَ الشَّمس، وكانَت عَظيمةٌ لَدَيَّ: مَدينةٌ صَغيرةٌ فيها رِجالٌ قَليلون، أَقبَلَ علَيها مَلِكٌ عَظيمٌ وحاصَرَها، وبَنى علَيها حُصونًا كَبيرة، فوَجَدَ فيها رَجُلًا مِسْكينًا حَكيمًا، فنَجَّى المَدينَةَ بِحِكمَتِه، ثُمَّ لم يَذكُرْ أَحَدٌ ذٰلك الرَّجُلَ المِسْكين. فقُلتُ: «إِنَّ الحِكمَةَ خَيرٌ مِنَ القُوَّة، ومعَ ذٰلك فحِكمَةُ المِسْكينِ مُزْدراة، وكَلامُه غَيرُ مَسْموع. كَلامُ الحُكَماءِ المَسْموعُ في السَّكينَة أَفضَلُ مِن صُراخِ ذي السُّلْطانِ بَينَ الجُهَّال. الحِكمَةُ خَيرٌ مِن آلاتِ الحَرْب. وخاطِئٌ واحِدٌ يُضيعُ خَيرًا جَزيلًا. الذُّبابُ المَيتُ يُخَمِّرُ طيبَ العَطَّار، وقَليلٌ مِنَ الحَماقَة يَفوقُ وَزنَ الحِكمَةِ والمَجْد. قَلبُ الحَكيمِ يَتَّجِهُ نَحوَ اليَمين، وقَلبُ الجاهِلِ نَحوَ الشِّمال. فإِذا مَشى الجاهِلُ في الطَّريقِ يَنقُصُ رُشدُه، ويَقولُ لِكُلِّ واحِدٍ إِنَّه أَحمَق. إِذا ثارَ عَليكَ روحُ المُتَسَلِّطِ فلا تَترُكْ مَكانَكَ، فإِنَّ السَّكينَةَ تُجَنِّبُ خَطايا عَظيمة. شَرٌّ رَأَيتُه تَحتَ الشَّمس، كأَنَّه السَّهْوُ الصَّادِرُ مِن قِبَلِ ذي السُّلْطان: الحَماقَةُ أُقيمَت في مَراتِبَ عالِيَة، والأَغْنِياءُ قاعِدونَ في مَكانٍ مُنحَطّ. رَأَيتُ عَبيدًا على الخَيل، وأُمَرَاءَ ماشينَ على الأَرضِ كالعَبيد. مَن يَحفِرْ حُفرَةً يَسقُطْ فيها، ومَن يَنقُضْ جِدارًا تَلدَغْه حَيَّة. مَن يَقلَعْ حِجارةً يُجْرَحْ بِها، ومَن يُشَقِّقْ حَطَبًا يَتَعَرَّضْ لِلخَطَر. إِذا كَلَّ الحَديدُ ولم يُشحَذْ حَدُّه، فلا بُدَّ مِن مُضاعَفَةِ القُوَّة. والحِكمَةُ تأتي بِالنَّجاح. إِذا كانَتِ الحَيَّةُ تَلدَغُ إِن لم تَرْقَ فلا فائِدَةَ لِلرَّاقي. كَلامُ فَمِ الحَكيمِ حُظوَة، وشَفَتا الجاهِلِ تُهلِكانِه. أَوَّلُ كَلامِ فَمِه حَماقَة، وآخِرُ ما في فَمِه جُنونٌ خَبيث. الأَحمَقُ يُكثِرُ مِنَ الكَلام، لٰكِنَّ الإِنْسانَ لا يَعلَمُ ماذا سَيَكون، والَّذي يَكونُ بَعدَه مَن يُخبِرُه بِه؟ عَمَلُ الجُهَّالِ يُتعِبُهم، وهم لا يَعرِفونَ أَن يَذهَبوا إِلى المَدينَة. وَيلٌ لَكِ أَيَّتُها الأَرض، إِذا كان مَلِكُكِ وَلَدًا، وأُمَراءُكِ يأكُلونَ في الصَّباح، وطوبى لَكِ أَيَّتُها الأَرض، إِذا كانَ مَلِكُكِ ٱبنَ أَحْرار وأُمَراءُك يأكُلونَ في الوَقْتِ لِنَيلِ القُوَّةِ لا لِلشُّرْب. بِتَكاسُلِ اليَدينِ يَتَفَكَّكُ السَّقفُ، وبِتَراخيهما يَكِفُ البَيت. المَآدِبُ تُعَدُّ لِلضَّحِك والخَمْرُ تُفَرِّحُ الأَحْياء، ولِلفِضَّةِ جَوابٌ على كُلِّ شَيء. لا تَلعَنِ المَلِكَ ولَو في فِكرِكَ، ولا تَلعَنِ الغَنِيَّ ولَو في غُرفَةِ نَومِكَ، فإِنَّ طائِرَ السَّماءِ يَنقُلُ الصَّوت، وذا الجَناحِ يُخبِرُ بِالكَلام. أَلقِ خُبزَكَ على وَجهِ المِياه، فإِنَّكَ تَجِدُه بَعدَ أَيَّامٍ كَثيرة. أَعْطِ قِسْمًا مِمّا لَكَ لِسَبعَةٍ، بل لِثَمانِيَة، فإِنَّكَ لا تَدْري أَيُّ شَرٍّ يَكونُ على الأَرْض. إِذا ٱمتَلأَتِ الغُيومُ مِنَ المَطَر، تَصُبُّه على الأَرْض، وإِذا وَقَعَتِ الشَّجَرَةُ جِهَةَ الجَنوب، أَو جِهَةَ الشَّمال، فحَيثُ تَقَعُ الشَّجَرَةُ هُناكَ تَكون. مَن يَرصُدِ الرِّيحَ لا يَزرَعْ، ومَن يَرقُبِ الغُيومَ لا يَحْصُد. كَما أَنَّكَ لا تَدْري ما هو مَسلَكُ الرِّيح، وكَيفَ تَتَكَوَّنُ العِظامُ في جَوفِ الحامِل، كذٰلك لا تَدْري عَمَلَ اللهِ صانِعِ كُلِّ شَيء. إِزرَعْ زَرعَكَ في الصَّباح، ولا تُرِحْ يَدَكَ في المَساء، فإِنَّكَ لا تَدْري أَهٰذا يَنجَحُ أَم ذاكَ أَم كِلاهُما حَسَنانِ على السَّواء. النُّورُ عَذْبٌ والعَينُ تَلتَذُّ بِالنَّظَرِ إِلى الشَّمْس، إن عاشَ الإِنْسانُ سِنينَ كَثيرَة، فلْيَفْرَحْ فيها جَميعًا، ولْيَتَذَكَّرْ أَيَّامَ الظُّلْمَةِ أَنَّها سَتَكونُ كَثيرة: فإِنَّ كُلَّ ما يأتي باطِل. فٱفرَحْ أَيُّها الشَّابُّ في صِباك، ولْيُسعِدْكَ قَلبُكَ في أَيَّامِ شَبابِكَ، وسِرْ في طُرُقِ قَلبِكَ وبِحَسَبِ رُؤيَةِ عَينَيكَ. لٰكِنِ ٱعلَمْ أَنَّ اللهَ مِن أَجلِ هٰذه كُلِّها سيُحضِرُكَ لِتُدانَ علَيها. فأَقصِ الغَمَّ عن قَلبِكَ وأَبعِدِ السُّوءَ عن جَسَدِكَ. فإِنَّ الصِّبا ورَبيعَ العُمرِ باطِلان. وٱذكُرْ خالِقَكَ في أَيَّامِ شَبابِكَ، قَبلَ أَن تأتيَ أَيَّامُ السُّوءِ وتَرِدَ السِّنونَ الَّتي فيها تَقول: «لَيسَ لي فيها لَذَّة»، قَبلَ أَن تُظلِمَ الشَّمسُ والنُّور، والقَمَرُ والكَواكِب، وتَعودَ الغُيومُ بَعدَ المَطَر، يَومَ يَرتَعِشُ حُرَّاسُ البَيت، ويَنحَني رِجالُ البَأس، وتَكُفُّ اللَّواتي على المِطحَنَةِ لِقِلَّتِهِنَّ، ويُخَيِّمُ الظَّلامُ على النَّاظِراتِ مِنَ النَّوافِذ، ويُغلَقُ البابُ على الشَّارِع، ويَنخَفِضُ صَوتُ المِطحَنَة، ويَقومُ الإِنسانُ عِندَ صَوتِ العُصْفور، وتَسكُتُ جَميعُ بَناتِ الأَغانيّ، ويَفزَعُ الإِنسانُ مِنَ الصُّعود، ويَتَخَوَّفُ في الطَّريق. واللَّوزُ مُزهِرٌ والجَرادُ مُثقَل، ويَتفَهُ الأَصَف، لأَنَّ الإِنسانَ يَنطَلِقُ إِلى دارِ أَبَدِيَّتِه، ويَدورُ النَّادِبونَ في الشَّارِع، قَبلَ أَن يَنقَطِعَ حَبلُ الفِضَّة، ويَنكَسِرَ كوبُ الذَّهَب، وتَتَحَطَّمَ الجَرَّةُ عِندَ العَين، وتَنقَصِفَ البَكَرَةُ على البِئْر، فيَعودَ التُّرابُ إِلى الأَرْضِ حَيثُ كان، ويَعودَ النَّفَسُ إِلى اللهِ الَّذي وَهَبَه. باطِلٌ الأَباطيل، يَقولُ الجامِعة، كُلُّ شَيءٍ باطِل. لم يَقتَصِرِ الجامِعَةُ على أَن يَكونَ حكيمًا، بل عَلَّمَ الشَّعبَ ووَزَنَ وبَحَثَ ونَظَّمَ أَمثالًا كَثيرة، جَدَّ الجامِعَةُ في طَلَبِ أَقْوالٍ تُعجِب، وكَتَبَ بِٱستِقامةٍ كَلِماتِ حَقّ. إِنَّ كَلِماتِ الحُكَماءِ كالمَناخِس، وكالأوتادِ الَّتي ضَرَبَها أَصْحابُ المَجْموعات والَّتي وَهَبَها راعٍ واحِد. بَقِيَ، يا بُنَيَّ، أَن تكونَ على عِلمٍ بأَنَّه لا نِهايَةَ لِتَأليفِ كُتُبٍ كَثيرة، وبأنَّ الدَّرسَ الكَثيرَ يُتعِبُ الجَسَد. خاتِمَةُ الكَلام: كُلُّ شَيءٍ مَسْموع. إِتَّقِ اللهَ وٱحفَظْ وَصاياه فإِنَّ هٰذا هو الإِنْسانُ كُلُّه، لأَنَّ اللهَ سيُحضِرُ كُلَّ عَمَلٍ، فيَدينُ كُلَّ خَفِيٍّ، خَيرًا كانَ أَم شَرًّا. نَشيدُ الأناشيدِ لِسُلَيمَان. لِيُقِبِّلْني بِقُبَلِ فَمِه، فإِنَّ حُبَّكَ أَطيَبُ مِنَ الخَمْر. أَطْيابُكَ طَيِّبَةُ الرَّائِحة، وٱسمُكَ طِيبٌ مُراق، فلذٰلكَ أَحبَّتكَ العَذارى. إِجذِبْني وَراءَكَ فنَجْري. قد أَدخَلَني المَلِكُ أَخاديرَه. نَبتَهِجُ بِكَ ونَفرَح، ذاكِرينَ حُبَّكَ أَكثَرَ مِنَ الخَمْر. إِنَّهم على صَوابٍ إِذ يُحِبُّونَكَ. أَنا سوداءُ، لَكِنَّني جَميلَةٌ يا بَنَاتِ أُورَشَليم، كخِيامِ قيدار، كسُرادِقِ سَلْمى. لا تَلتَفِتْنَ إِلى كَوني سَوداء، فإِنَّ الشَّمسَ قد جَعَلَتني سَمْراء. قد غَضِبَ علَيَّ بَنو أُمِّي، فجَعَلوني ناطورةً لِلكُروم، والكَرْمُ الَّذي لي لم أَنطُرْه. أَخبِرْني يا مَن تُحِبُّه نَفْسي: أَينَ تَرْعى وأَينَ تُربِضُ عِندَ الظَّهيرة؟ لِئَلاَّ أَكونَ تائِهةً، عِندَ قُطْعانِ أَصْحابِكَ. إِن كُنتِ لا تَعرِفينَ، أَيَّتُها الجَميلَةُ بَينَ النِّساء، فٱخرُجي في إِثْرِ الغَنَم، وٱرعَي جِداءَكِ عِندَ مَساكِنِ الرُّعاة. لقَد شَبَّهتُكِ، يا خَليلَتي، بِفَرسي في مَركَباتِ فِرعَون. ما أَجمَلَ خَدَّيكِ بَينَ العُقود، وعُنُقَكِ بَينَ القَلائِد فنَصنَعُ لَكِ عُقودًا مِنَ الذَّهَب، مع جُمَانٍ مِنَ الفِضَّة. بَينَما المَلِكُ في حاشِيَتِه، أَفاحَ نارَديني رائِحَتَه. حَبيبي صُرَّةُ مُرٍّ لي، بَينَ ثَديَيَّ يَبيت. حَبيبي عُنْقودُ حِنَّاءَ لي في كُرومِ عَينِ جَدْيَ. جَميلَةٌ أَنتِ يا خَليلَتي، جَميلَةٌ أَنتِ وعَيناكِ حَمامَتان. جَميلٌ أَنتَ يا حَبيبي وعَذْبٌ وفِراشُنا رَيَّان. عَوارِضُ بَيتِنا أَرزٌ وأَكسِيَتُه سَرْوٌ. أَنا نَرجِسُ الشَّارون وسُوسَنَةُ الأَودِيَة. كالسُّوسَنَةِ بَينَ الشَّوك، كذٰلكَ خَليلَتي بَينَ البَنات. كالتُّفَّاحَةِ في أَشْجارِ الغابة، كذٰلكَ حَبيبي بَينَ البَنين. في ظِلِّه ٱشتَهَيتُ الجُلوس، وثَمَرُه حُلْوٌ في حَلْقي. أَدخَلَني بَيتَ الخَمْرِ، ورايَتُه علَيَّ هي الحُبّ. أسنِدُوني بِأَقْراصٍ مِنَ الزَّبيب، أَنعِشوني بِالتُّفَّاحِ فقَد أَسقَمَني الحُبّ. شِمَالُه تَحتَ رَأسي ويَمينُه تُعانِقُني. أَستَحلِفُكُنَّ يا بَناتِ أُورَشَليم، بِظِباءٍ، بأَيائِلِ الحُقول، أَن لا توقِظْنَ ولا تُنَبِّهْنَ الحُبَّ حَتَّى يَشاء. صَوتُ حَبيبي. هُوَذا مُقبِل، وهو يَطفِرُ على الجِبالِ ويَقفِزُ على التِّلال. حَبيبي يُشبِهُ ظَبْيًا أَو شادِنَ أَيِّلَة، هُوَذا واقِفٌ وَراءَ حائِطِنا، يَتَطَلَّعُ مِنَ النَّوافِذ ويَتَرَصَّدُ مِنَ الشَّبابيك. حَبيبي تَكَلَّمَ وقالَ لي: «قومي يا خليلتي، يا جَميلَتي، وهَلُمِّي. فإِنَّ الشِّتاءَ قد مَضى، والمَطَرَ وَقَفَ وزال. قد ظَهَرَتِ الزُّهورُ في الأَرْض، ووافى أَوانُ الأَغانِي، وسُمِعَ صَوتُ اليَمَامةِ في أَرضِنا. التِّينةُ أَخرَجَت بَكائِرَها، والكُرومُ أَزهَرَت وأَفاحَت رائِحَتها. فقومي يا خَليلَتي، يا جَميلَتي، وهَلُمِّي. يا حَمَامَتي الَّتي في نخاريبِ الصَّخر، وفي خَفايا المُنحَدَرات، أَريني مُحَيَّاكِ، أَسمِعيني صَوتَكِ، فإِنَّ صَوتَكِ لَطيفٌ ومُحَيَّاكِ جَميل». صيدوا لَنا الثَّعالِب، الثَّعالِبَ الصِّغار الَّتي تُتلِفُ الكُروم، فإِنَّ كُرومَنا قد أَزهَرَت. حَبيبي لي وأَنا لَه، هو الَّذي يَرْعى بَينَ السُّوسَن. قَبلَ أَن تَنسِمَ ريحُ النَّهار، وتَنهَزِمَ الظِّلال، عُدْ يا حَبيبي وكُنْ كالظَّبْي، أَو كشادِنِ الأَيِّلَةِ على جِبالِ باتَر. في اللَّيالي على فِراشي ٱلتَمَستُ مَن تُحِبُّه نَفْسي، إِلتَمَستُه فما وَجَدتُه. أَنهَضُ وأَطوفُ في المَدينة، في الشَّوارِعِ وفي السَّاحات، أَلتَمِسُ مَن تُحِبُّه نَفْسي، إِنِّي التَمَستُه فما وَجَدتُه. صادَفَني الحُرَّاسُ الطَّائِفونَ في المَدينة: «أَرَأَيتُم مَن تُحِبُّه نَفْسي؟» فما إِن تَجاوَزتُهم، حَتَّى وَجَدتُ مَن تُحِبُّه نَفْسي، فأَمسَكتُه ولَن أُطلِقَه حَتَّى أُدخِلَه بَيتَ أُمِّي وخِدرَ مَن حَبِلَت بي. أَستَحلِفُكُنَّ يا بَناتِ أُورَشَليم، بِظِباءٍ، بِأَيائِلِ الحُقول، أَن لا تُوقِظْنَ ولا تُنَبِّهْنَ الحُبَّ حَتَّى يَشاء. مَن هٰذِه الطَّالِعَةُ مِنَ البَرِّيَّة كأَعمِدَةٍ مِن دُخانٍ مُعَطَّرٍ بِالمُرِّ والبَخور، وبِجَميعِ مَساحيقِ التَّاجر؟ هُوَذا سَريرُ سُلَيمانَ، حَولَه سِتُّونَ بَطَلًا مِن أَبْطالِ إِسْرائيل. جَميعُهم قابِضونَ على السُّيوف، مُدَرَّبونَ على الحَرْب. كُلٌّ مِنهم سَيفُه على فَخِذِه بِسَبَبِ أَهْوالِ اللَّيل. المَلِكُ سُلَيمانُ صَنَعَ لِنَفْسِه تَخْتًا مِن خَشَبِ لُبْنان، صَنَعَ أَعمِدَتَه فِضَّةً ومُتَّكَأَه ذَهَبًا ومَقعَدَه أُرجُوانًا وداخِلُه مُرصَّعٌ بِالأَبْنوس. أُخرُجْنَ يا بَناتِ أُورَشَليم، وٱنظُرْنَ المَلِكَ سُلَيمان، بِالتَّاجِ الَّذي تَوَّجَته بِه أُمُّه، في يَومِ عُرسِه وفي يَومِ فَرَحِ قَلبِه. جَميلَةٌ أَنتِ، يا خَليلَتي، جَميلةٌ أَنتِ وعَيناكِ كَحمامَتَينِ مِن وَراءِ نِقابِك، وشَعْرُكِ كقَطيعِ مَعَز، يَهبِطُ مِن جَبَلِ جِلْعاد. أَسْنانُكِ كقَطيعِ خِرافٍ مَجْزوزة، قد صَعِدَت مِنَ الِٱغتِسال، كُلُّ واحِدَةٍ مِنها مُتئِم وما فيها عاقِر. شَفَتاكِ كخَيطٍ مِنَ القِرمِز، وكَلامُكِ عَذْبٌ. خَدَّاكِ كنِصفَي رُمَّانة، مِن وَراءِ نِقابِكِ. عُنُقُكِ كبُرْجِ داوُد، المَبنِيِّ لِلسِّلاح، عُلِّقَ فيه أَلفُ مِجَنّ، جَميعُ تُروسِ الأَبْطال. ثَدْياكِ كشادِنَي ظَبيَة، تَوأَمَينِ يَرعَيانِ بَينَ السَّوسَن. قَبلَ أَن تَنسِمَ ريحُ النَّهار وتَنهَزِمَ الظِّلال، أَنطَلِقُ إِلى جَبَلِ المُرّ وإِلى تَلِّ البَخور. كُلُّكِ جَميلَةٌ يا خَليلَتي ولا عَيبَ فيكِ. هَلُمِّي مَعي مِن لُبْنانَ أَيَّتُها العَروس، هَلُمِّي مَعي مِن لُبْنان. أُترُكي رأسَ أَمانَة، رأسَ سَنيرَ وحَرْمون، مِن مَرابِضِ الأُسود مِن جِبالِ النُّمور. قد خَلَبتِ قَلْبي يا أُخْتِيَ العَروس، قد خَلَبتِ قَلْبي بإِحْدى عَينَيكِ، وبِحَلقَةٍ مِن عِقدِكِ. ما أَجمَلَ حُبَّكِ يا أُختِيَ العَروس! إِنَّ حُبَّكِ أَلَذُّ مِنَ الخَمْر، ورائِحَةَ أَطْيابِكِ فَوقَ جَميعِ الأَطْياب. شَفَتاكِ تَقطُرانِ شَهْدًا أَيَّتُها العَروس، وتَحتَ لِسانِكِ عَسَلٌ ولَبَنٌ حَليب، ورائِحَةُ ثِيابِكِ كرائِحَةِ لُبْنان. أُختِيَ العَروسُ جَنَّةٌ مُقفَلَة، جَنَّةٌ مُقفَلةٌ ويَنبوعٌ مَخْتوم. قَنَواتُكِ فِردَوسُ رُمَّان، مع كُلِّ ثَمَرٍ لَذيذ، وحِنَّاءُ مع نارَدين. نارَدينٌ وزَعْفَران، قَصَبٌ ودارَصينِيّ، مع كُلِّ شَجَرِ البَخور، مُرٌّ وعودٌ مع أَفخَرِ الأَطْياب. يَنْبوعُ جَنَّاتٍ وبِئرُ مِياهٍ حَيَّة، وأَنْهارٌ مِن لُبْنان. هُبِّي يا شَمال وهَلُمِّي يا جَنوب، إِنسِمي على جَنَّتي، فتَنسَكِبَ أَطيابُها. لِيأتِ حَبيبي إِلى جَنَّتِه، ولْيَأْكُلْ ثَمَرَه اللَّذيذ. قد أَتَيتُ إِلى جَنَّتي يا أُختِيَ العَروس، وقَطَفتُ مُرِّي مع أَطْيابي، وأَكَلتُ شَهْدي مع عَسَلي، وشَرِبتُ خَمْري مع لَبَني. كُلوا أَيُّها الأَخِلاَّءُ ٱشرَبوا، وٱسكَروا أَيُّها الأَحِبَّاء. إِنِّي نائِمَةٌ وقَلْبي مُستَيقِظ، إِذا بِصَوتِ حَبيبي قارِعًا أَنِ ٱفتَحي لي يا أُخْتي يا خَليلَتي، يا حَمامَتي يا كامِلَتي فإِنَّ رَأسي قدِ ٱمْتَلَأَ مِنَ النَّدى، وخَصائِلي مِن قَطَراتِ اللَّيل. قد نَزَعتُ ثَوبي فكَيفَ أَلبَسُه؟ قد غَسَلتُ رِجلَيَّ فكَيفَ أُوَسِّخُهما؟ حَبيبي أَرسَلَ يَدَه مِنَ الثَّقْب، فتَحَرَّكَت لَه أَحْشائي، فقُمتُ لأَفتَحَ لِحَبيبي، وكانَت يَدايَ تَقطُرانِ مُرًّا، وأَصابِعي بِالمُرِّ السَّائِلِ على مِقبَضِ المِزْلاج. ففَتَحتُ لِحَبيبي، لَكِنَّ حَبيبي وَلَّى ومَضى. نَفْسي فاضَت من تَواريه. إِلتَمَستُه فما وَجَدتُه، ودَعَوتُه فلم يُجبْني. صادَفَني الحُرَّاسُ الطَّائِفونَ في المَدينَة، فضَرَبوني وجَرَحوني وحُرَّاسُ الأَسْوارِ نَزَعوا عَنِّي رِدائي. أَستَحلِفُكُنَّ يا بَناتِ أُورَشَليم: إِن وَجَدتُنَّ حَبيبي، بِماذا تُخبِرْنَه؟ بِأَنَّ الحُبَّ قد أَسقَمَني. ما فَضلُ حَبيبِكِ على حَبيبٍ آخَر، أَيَّتُها الجَميلَةُ في النِّساء؟ ما فَضلُ حَبيبِكِ على حَبيبٍ آخَر حَتَّى تَستَحْلِفينا هكذا؟ حَبيبي أَبيَضُ أَصهَب، عَلَمٌ بَينَ أُلوف. رَأسُه ذَهَبٌ خالِصٌ وإِبْريز، وخَصائِلُه كَسَعَفِ النَّخْل حالِكَةٌ كالغُراب. عَيناه كحمامَتَينِ على أَنْهارِ المِياه، تَغتَسِلانِ بِاللَّبَنِ الحَليب، وهُمَا جاثِمتانِ على الحَوض. خَدَّاه كَرَوضَةِ أَطْياب وزَهْراءِ رَياحين، وشَفَتاه سوسَنٌ تَقطُرانِ مُرًّا سائلًا. يَداهُ حَلْقَتانِ مِن ذَهَب، مُرَصَّعَتانِ بِالزَّبَرجَد، وبَطنُه كُتلَةُ عاج يغَشِّيه السَّفير. ساقاهُ عَمودا رُخام، مَوضوعانِ على قاعِدَتَينِ مِن إِبْريز وطَلعَتُه كلُبْنان، هو مُخْتارٌ كالأَرْز، حَلْقُه كُلُّه عُذوبَة، بل هو شَهِيٌّ بِجُملَتِه. هٰذا حَبيبي وهٰذا خَليلي، يا بَناتِ أُورَشَليم. أَينَ ذَهَبَ حَبيبُكِ، أَيَّتُها الجَميلَةُ في النِّساء؟ إِلى أَينَ تَوَجَّهَ حَبيبُكِ فنَلتَمِسَه معَكِ؟ حَبيبي نَزَلَ إِلى جَنَّتِه، إِلى رَوضَةِ الأَطْياب، لِيَرْعى في الجَنَّات، ويَجمَعَ السُّوسَن. أَنا لِحَبيبي وحَبيبي لي، هو الَّذي يَرْعى بَينَ السُّوسَن. جَميلَةٌ أَنتِ يا خَليلَتي كتِرصَة، وحَسْناءُ كأُورَشَليم، ومَرْهوبةٌ كصُفوفٍ تَحتَ الرَّايات. حَوِّلي عَنِّي عَينَيكِ فقَد غَلَبَتاني. شَعْرُكِ كقَطيعِ مَعَز يَهبِطُ مِن جِلْعاد. أَسنانُكِ كقَطيعِ خِرافٍ قد صَعِدَت مِنَ الٱغتِسال. كُلُّ واحِدَةٍ مِنها مُتئِمٌ وما فيها عاقِر. خَدَّاكِ كنِصفَي رُمَّانَة، مِن وَراءِ نِقابِكِ. المَلِكاتُ سِتُّونَ والسَّرارِيُّ ثَمَانون (والأَبْكارُ لا عَدَدَ لَهُنَّ). لَكِنَّ حَمامَتي كامِلَتي وَحيدة، هي وَحيدةٌ لأُمِّها، مُفَضَّلَةٌ لِوالِدَتِها. رَأَتها البَناتُ فهنَّأنَها، رَأَتها المَلِكاتُ والسَّرارِي، فأَثنَينَ علَيها. مَن هٰذه المُشرِفَةُ كالصُّبْح، الجَميلَةُ كالقَمَر، المُخْتارةُ كالشَّمْس، المَرْهوبةُ كصُفوفٍ تَحتَ الرَّايات؟ نَزَلتُ إِلى جَنَّةِ الجَوْز، لأَنظُرَ إِلى بَراعِمِ الوادي، وأَرى هَل أَزهَرَ الكَرْمُ ونَوَّرَ الرُّمَّان. فلَم أَشعُرْ إِلاَّ وقَد أُركِبتُ مَركَباتِ شَعْبي الشَّريف. عودي عودي أَيَّتُها الشُّولَمِيَّة، عودي عودي فنَنظُرَ إِليكِ لِماذا تَنظُرونَ إِلى الشُّولَمِيَّة، كإِلى الرَّاقِصَةِ بَينَ الجَوقَتَين؟ ما أَجمَلَ قَدَمَيكِ بِالحِذاء، يا بِنتَ الأَمير! خاصِرَتاكِ المُستديرتانِ كعُقودٍ صُنعِ يَدٍ حاذِقَة. سُرَّتُكِ كأسٌ مُدَوَّرَة، لا يَنقُصُ مَزيجُها، وبَطنُكِ كَومَةُ حِنطَةٍ يُسَيِّجُها السُّوسَن. ثَدْياكِ كشادِنَي ظَبيَةٍ تَوأَمَين، عُنُقُكِ كبُرْجٍ مِنَ العاج، وعَيناكِ بِرْكَتا حَشْبون، عِندَ بابِ بَتْ رَبيم، وأَنفُكِ كبُرْجِ لُبْنان، النَّاظِرِ نَحوَ دِمَشْق. رَأسُكِ علَيكِ مِثلُ الكَرمَل وشَعَرُ رَأسِكِ كأُرجُوان: مَلِكٌ مُقَيَّدٌ بالخَصائِل، ما أَجمَلَكِ وما أَشْهاكِ أَيُّها الحُبُّ في المَلَذَّات! قامَتُكِ مِثلُ النَّخلَة، وثَدْياكِ مِثْلُ العَناقيد. قُلتُ: أَصعَدُ إِلى النَّخلَة، وأُمسِكُ بِأَقْراطِها لِيَكُنْ ثَدْياكِ كَعَناقيدِ الكَرْم، ورائِحَةُ نَفَسِكِ كالتُّفَّاح وحَلقُكِ كخَمرٍ طَيِّبَة! تَسوغُ الخَمرُ لِحَبيبي، وتَسيلُ على شِفاهِ النائمين. أَنا لِحَبيبي وأَشْواقُه إِلَيَّ هَلُمَّ يا حَبيبي، لِنَخرُجْ إِلى الحُقول، ولْنَبِتْ في القُرى فنُبَكِّرَ إِلى الكُروم، ونَنظُرَ هل أَفرَخَ الكَرْم وهَل تَفَتَّحَت زُهورُه وهَل نَوَّرَ الرُّمَّان، وهُناكَ أَبذُلُ لَكَ حُبِّي. اللُّفَّاحُ قد نَشَرَ رائِحَتَه وعِندَ أَبْوابِنا أَلَذُّ الثِّمَار، الحَديثَةُ منها والقَديمة، لَكَ ٱدَّخَرتُها يا حَبيبي. مَن لي بِكَ كأَخٍ لي قد رَضَعَ ثَديَ أُمِّي فأَجدَكَ في الخارِج وأُقَبِّلَكَ بِغَيرِ أَن يَحتَقِروني، ثُمَّ آخُذَكَ وأَدخُلَ بِكَ إِلى بَيتِ أُمِّي فتُعَلِّمَني. وأَنا أَسْقيكَ الخَمرَ المُطَيَّبة، وعَصيرَ رُمَّاني. شِمَالُه تَحتَ رأسي ويَمينُه تُعانِقُني. أَستَحلِفُكُنَّ يا بَناتِ أُورَشَليم أَن لا توقِظْنَ ولا تُنَبِّهنَ الحُبَّ حتَّى يَشاء. مَن هٰذه الطَّالِعَةُ مِنَ البَرِّيَّة، المُستَنِدَةُ على حَبيبِها؟ لقَد نَبَّهتُكِ تَحتَ شَجَرَةِ التُّفَّاح، هُناكَ وضَعَتكِ أُمُّكِ، هُناكَ وَضَعَتكِ والِدَتُكِ. إِجْعَلْني كخاتَمٍ على قَلبِكَ، كخاتَمٍ على ذِراعِكَ فإِنَّ الحُبَّ قَوِيٌّ كالمَوت، والهَوى قاسٍ كمَثْوى الأَمْوات، سِهامُه سِهامُ نار، ولَهيبُ الرَّبّ، المِياهُ الغَزيرةُ لا تَستَطيعُ أَن تُطفِئَ الحُبّ، والأَنْهارُ لا تَغمُرُه. ولَو بَذَلَ الإِنسانُ كُلَّ مالِ بَيتِه في سَبيلِ الحُبّ لَٱحتُقِرَ ٱحتِقارًا. لَنا أُختٌ صَغيرَةٌ ولَيسَ لَها ثَدْيان، فماذا نَصنَعُ بِأُخْتِنا يَومَ يُحْكى بِأَمرِها؟ إِن كانَ سورًا بَنَينا علَيه شُرَفًا مِن فِضَّة، وإِن كانَت بابًا أَلْبَسْناهُ لَوحًا مِنَ الأَرْز. أَنا سورٌ وثَدْيايَ كبُرجَين، فأَنا في عَينَيه كمَن وَجَدَتِ السَّلام. كانَ لِسُلَيمانَ كَرمٌ بِبَعلَ هامون، فَسَلَّمَ الكَرمَ إِلى النَّواطير على أَن يُؤَدِّيَ كُلٌّ مِنهم أَلفًا مِنَ الفِضَّةِ عن ثَمَرِه. إِنَّ كَرْمي الَّذي لي هو أَمامي، لَكَ أَلفٌ يا سُلَيمان ولِنَواطيرِ ثَمَرِه مِئَتان. أَيَّتُها الجالِسَةُ في الجَنَّات، إِنَّ الأَصْحابَ يُصْغونَ فأَسمِعيني صَوتَكِ. أُهرُبْ يا حَبيبي وكُنْ كالظَّبْيِ أَو كشادِنِ الأَيِّلَةِ على جِبالِ الأَطْياب. رُؤيا أَشَعْيا بنِ آموص، الَّتي رَآها على يَهوذا وأُورَشَليم، في أَيَّامِ عُزِّيَّا ويوتامَ وآحازَ وحِزقِيَّا، مُلوكِ يَهوذا. إِستَمِعي أَيَّتُها السَّمٰوات وأَنصِتي أَيَّتُها الأَرض، فإِنَّ الرَّبَّ قد تَكَلَّم. إِنِّي رَبَّيتُ بَنينَ وكَبَّرتُهم، لٰكِنَّهم تَمَرَّدوا علَيَّ. عَرَفَ الثَّورُ مالِكَه والحِمارُ مَعلَفَ صاحِبِه، لٰكِنَّ إِسْرائيلَ لم يَعرِفْ وشَعْبي لم يَفهَمْ. وَيلٌ لِلأُمَّةِ الخاطِئَة، الشَّعبِ المُثقَلِ بِالآثام، ذُرِّيَّةِ أَشْرارٍ وبَنينَ فاسِدين. إِنَّهم تَرَكوا الرَّبّ، وٱستَهانوا بِقُدُّوسِ إِسْرائيل، وٱرتَدُّوا على أَعْقابِهم. عَلامَ تُضرَبونَ أَيضًا إِذا ٱزدَدتُم تَمَرُّدًا؟ الرَّأسُ كُلُّه مَريض والقَلبُ كُلُّه سَقيم. مِن أَخمَصِ القَدَمِ إِلى الرَّأس لا صِحَّةَ فيه، بل جُروحٌ ورُضوضٌ وقُروحٌ مَفْتوحة لم تُعالَجْ ولم تُعصَبْ ولَم تُلَيَّنْ بِدُهْن. أَرضُكم خَرابٌ ومُدُنُكم مُحرَقَةٌ بِالنَّار، وأَرضُكم يَأكُلُها الغُرَباءُ أَمامَكم، والخَرابُ كتَدْميرِ الغُرَباء. فبَقِيَت بِنتُ صِهْيونَ ككوخٍ في كَرْم، كمَبيتٍ في أَرضِ قِثَّاء، كمَدينَةٍ قد حُوصِرَت. لَولا أَنَّ رَبَّ القُوَّاتِ تَرَكَ لَنا بَقِيَّةً يَسيرة، لَصِرْنا مِثْلَ سَدومَ وأَشبَهْنا عَمورَة. إِسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يا قُوَّادَ سَدوم، أَصْغِ إِلى تَعْليمِ إِلٰهِنا يا شَعبَ عَمورَة. ما فائِدَتي مِن كَثرَةِ ذَبائِحِكم، يَقولُ الرَّبّ؟ قد شَبِعتُ مِن مُحرَقاتِ الكِباش وشَحمِ المُسَمَّنات، وأَصبَحَ دَمُ الثِّيرانِ والحُمْلانِ والتُّيوسِ لا يُرْضيني. حينَ تَأتونَ لِتَحضُروا أَمامي، مَنِ الَّذي ٱلتَمَسَ هٰذه مِن أَيديكم حتَّى تَدوسوا دِياري؟ لا تَعودوا تأتوني بِتَقدِمَةٍ باطِلَة، إِنَّما إِحراقُ البَخورِ قَبيحَةٌ لَدَيَّ. رَأسُ الشَّهرِ والسَّبتُ والدَّعوةُ إِلى الحَفلِ لا أُطيقُها، إِنَّما هي إِثمٌ وٱحتِفال. رُؤُوسُ شُهورِكم وأَعيادُكم كَرِهَتها نَفْسي، صارَت عَلَيَّ حِملًا وقد سَئِمتُ ٱحتِمالَها. فحينَ تَبسُطونَ أَيدِيَكم أَحجُبُ عَينَيَّ عنكم، وإِن أَكثَرتُم مِنَ الصَّلاةِ لا أَستَمِعُ لَكم، لأَنَّ أَيدِيَكم مَمْلوءَةٌ مِنَ الدِّماء. فٱغتَسِلوا وتَطَهَّروا، وأَزيلوا شَرَّ أَعْمالِكم مِن أَمامِ عَينَيَّ، وكُفُّوا عنِ الإِساءَة. تَعَلَّموا الإِحسانَ وٱلتَمِسوا الحَقّ، قَوِّموا الظَّالِمَ وأَنصِفوا اليَتيم، وحاموا عنِ الأَرمَلَة. تَعالَوا نَتَناقَش، يَقولُ الرَّبّ، لَو كانَت خَطاياكم كالقِرمِزِ تَبيَضُّ كالثَّلْج، ولو كانَت حَمْراءَ كالأُرجُوان تَصيرُ كالصُّوف. إِن شِئتُم أَن تَسمَعوا فإِنَّكم تأكُلونَ طَيِّباتِ الأَرض، وإِن أَبَيتُم وتَمَرَّدتُم فالسَّيفُ يأكُلُكم، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ قد تَكَلَّم. كيفَ صارَتِ المَدينَةُ الأَمينَةُ زانِيَة؟ لقَد كانَت مَمْلوءَةً عَدلًا، وفيها كانَ مَبيتُ البِرّ، أَمَّا الآنَ فإِنَّما فيها قَتَلَة. فِضَّتُكِ صارَت خَبَثًا وشَرابُكِ مُزِجَ بِماء. رُؤَساؤُكِ عُصاةٌ وشُرَكاءُ لِلسَّرَّاقين، كُلٌّ يُحِبُّ الرَّشوَةَ ويَسْعى وَراءَ الهَدايا. لا يُنصِفونَ اليَتيم، ودَعْوى الأَرمَلَةِ لا تَبلُغُ إِلَيهم. فلِذٰلكَ قالَ السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات عَزيزُ إِسْرائيل: لَأَثأَرَنَّ مِن خُصومي وأَنتَقِمَنَّ مِن أَعْدائي، وأَرُدُّ يَدي علَيكِ، وأُحرِقُ خَبَثَكِ كما بِالحُرُض وأَنزِعُ نُفاياتِكِ كُلَّها، وأُرجِعُ قُضاتَكِ كما في الأَوَّل، ومُشيريكِ كما في الِٱبتِداء، وبَعدَ ذٰلك تُدعَينَ مَدينَةَ البِرِّ، البَلدَةَ الأَمينَة. تُفتَدى صِهيونُ بِالحَقّ والرَّاجِعونَ مِنها بِالبِرّ. والعُصاةُ والخاطِئونَ يُحَطَّمونَ جَميعًا، والَّذينَ تَرَكوا الرَّبَّ يُفنَون. فإِنَّهم سيَخزَونَ مِن البُطمِ الَّذي شُغِفتُم بِه، وأَنتُم تَخجَلونَ مِنَ الجِنانِ الَّتي ٱختَرتُموها، فإِنَّكم تَصيرونَ كبُطمَةٍ ذَوَت أَوراقُها، وكجَنَّةٍ لا ماءَ فيها. ويَصيرُ الجَبَّارُ مُشاقَةً وعَمَلُه شَرارة، فيَحتَرِقانِ كِلاهُما مَعًا ولَيسَ مَن يُطفِئ. الكَلامُ الَّذي رآه أَشَعْيا بنُ آموصَ على يَهوذا وأُورَشَليم: ويَكونُ في آخرِ الأَيَّام أَنَّ جَبَلَ بَيتِ الرَّبِّ يُوَطَّدُ في رَأسِ الجِبالِ ويَرتَفِعُ فَوقَ التِّلال، وتَجْري إِلَيه جَميعُ الأُمَم، وتَنطَلِقُ شُعوبٌ كَثيرةٌ وتَقول: هَلُمُّوا نَصعَدْ إِلى جَبَلِ الرَّبّ، إِلى بَيتِ إِلٰهِ يَعْقوب، وهو يُعَلِّمُنا طُرُقَه فنَسيرُ في سُبُلِه، لأَنَّها مِن صِهْيونَ تَخرُجُ الشَّريعَة، ومِن أُورَشَليمَ كَلِمَةُ الرَّبّ. ويَحكُمُ بَينَ الأُمَم ويَقْضي لِلشُّعوبِ الكَثيرة، فيَضرِبونَ سُيوفَهم سِكَكًا ورِماحَهم مَناجِل، فلا تَرفَعُ أُمَّةٌ على أُمَّةٍ سَيفًا، ولا يَتَعَلَّمونَ الحَربَ بَعدَ ذٰلك. هَلُمُّوا يا بَيتَ يَعْقوب، لِنَسِرْ في نورِ الرَّبّ. نَبَذتَ شَعبَكَ، بَيتَ يَعْقوب، لأَنَّهم مَمْلوءونَ مِمَّا هو مِنَ المَشرِق. يُمارِسونَ التَّنجيمَ كالفِلَسطينِيِّين، ويُعاهِدونَ بَني الغُرَباء. قدِ ٱمتَلَأَت أَرضُه فِضَّةً وذَهَبًا فلا حَدَّ لِكُنوزِه، قدِ ٱمتَلَأَت أَرضُه خَيلًا فلا حَدَّ لِمَركَباتِه. قدِ ٱمتَلَأَت أَرضُه أَوثانًا، فيَسجُدونَ لِمَصْنوعاتِ أَيديهم، لِما صَنَعَت أَصابِعُهم. فلِذٰلك يُوضَعُ ٱبنُ آدَمَ ويُحَطُّ الإِنْسان فلا تَرفَعْهم. أُدخُلْ في الصَّخرِ وتَوارَ في التُّراب، مِن أَمامِ رُعبِ الرَّبِّ ومِن بَهاءِ عَظَمَتِه. عُيونُ البَشَرِ المُتَشامِخَةُ تُخفَض، وتَرَفُّعُ الإِنْسانِ يوضَع، ويَتَعالى الرَّبُّ وَحدَه في ذٰلك اليَوم. فإِنَّه يَومُ رَبِّ القُوَّات على كُلِّ مُتَكَبِّرٍ ومُتَعالٍ، وعلى كُلِّ مُرتَفِعٍ فيُحَطّ. وعلى كُلِّ أَرْزِ لُبْنانَ العالي المُرتَفِع، وكُلِّ بَلُّوطِ باشان، وعلى جَميعِ الجِبالِ العالِيَة وجَميعِ التِّلالِ المُرتَفِعَة، وعلى كُلِّ بُرجٍ شامِخ وكُلِّ سورٍ حَصين، وعلى جَميعِ سُفُنِ تَرْشيش وعلى جَميعِ مَراكِبِ التَّنَزُّه. وسيوضَعُ تَشامُخُ ٱبنِ آدَم، ويُحَطُّ تَرَفُّعُ الإِنْسان، ويَتَعالى الرَّبُّ وَحدَه في ذٰلك اليَوم، وتَزولُ الأَوثانُ بِتَمامِها. ولْيَدخُلوا في مَغاوِرِ الصَّخْرِ وفي شُقوقِ التُّراب، مِن أَمامِ رُعبِ الرَّبِّ ومِن بَهاءِ عَظَمَتِه، حينَ يَقومُ لِيُزَلزِلَ الأَرْض. في ذٰلك اليَومِ يُلْقي الإِنْسانُ أَوثانَ فِضَّتِه وأَوثانَ ذَهَبِه، الَّتي صَنَعوها لَه لِيَسجُدَ لَها لِلمَناجِذِ والخَفافيش، لِيَدخُلَ في حُفَرِ الصَّخْرِ وفي صُدوعِ الصَّفا، مِن أَمامِ رُعبِ الرَّبِّ ومِن بَهاءِ عَظَمَتِه، حينَ يَقومُ لِيُزَلزِلَ الأَرْض. فكُفُّوا عنِ الإِنْسان فلَيسَ في أَنفِه سِوى نَسَمَة، فَبِكَمْ يُحسَبُ هو؟ هُوَذا السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات، يُزيلُ مِن أُورَشَليمَ ومِن يَهوذا السَّنَدَ والرُّكنَ، كُلَّ سَنَدِ خُبزٍ وكُلَّ سَنَدِ ماء، البَطَلَ ورَجُلَ الحَرْب، القاضِيَ والنَّبِيَّ والعَرَّافَ والشَّيخ، قائِدَ الخَمْسينَ والوَجيه، والمُشيرَ والحَكيمَ في الصَّنائع والخَبيرَ في الرُّقيَة. وأَجعَلُ الصِّبْيانَ رُؤَساءَ لَهم، وأَولادُ الشَّوارِعِ يَتَسَلَّطونَ علَيهم، ويَدفَعُ الشَّعبُ، الواحِدُ مِنهمُ الآخَر والإِنسانُ قَريبَه، ويَهجُمُ الصَّبِيُّ على الشَّيخ واللَّئيمُ على الكَريم، حينَئِذٍ يُمسِكُ الإِنْسانُ أَخاه في بَيتِ أَبيه قائِلًا: إِنَّ لَكَ رِداءً فكُنْ قائِدًا لَنا، وهٰذا الخَرابُ يَكونُ تَحتَ يَدِكَ. فيُجيبُ في ذٰلك اليَومِ قائِلًا: لَستُ أَنا بِعاصِبِ جُروح، لَيسَ في بَيتي خُبزٌ ولا رِداء، فلا تَجعَلوني قائدًا لِلشَّعْب، فإِنَّ أُورَشَليمَ عَثَرَت ويَهوذا سَقَطَت، لأَنَّ أَلسِنَتَهم وأَفْعالَهم على الرَّبّ، تَحَدِّيًا لِنَظَراتِ مَجدِه. مُحاباةُ وجُوهِهم تَشهَدُ علَيهم، فإِنَّهم يُجاهِرونَ بِخَطيئَتِهم كسَدوم، ولا يَستُرونَها، فوَيلٌ لَهم، فإِنَّهم جَلَبوا الشَّرَّ على أَنفُسِهم. قولوا في البارِّ إِنَّه سَعيد، لأَنَّه يأكُلُ مِن ثَمَرَةِ أَفْعاله. وَيلٌ لِلشِّرِّيرِ المُسيء فإِنَّ جَزاءَ يَدَيه يُؤَدَّى إِلَيه. شَعْبي مُسَخِّروه يَسلُبونَه والمُرابونَ يَتَسَلَّطونَ علَيه. يا شَعْبي، إِنَّ مُرشِديكَ يُضِلُّونَكَ، وقد أَفسَدوا سَبيلَ طُرُقِكَ. الرَّبُّ ٱنتَصَبَ لِلِٱتِّهام وقامَ لِيَدينَ الشُّعوب. الرَّبُّ يَدخُلُ في المُحاكَمة مع شُيوخِ شَعبه ورُؤَسائِهم: «إِنَّكم أَنتُم أَتْلَفْتُمُ الكَرْم، وسَلْبُ البائِسِ في بُيوتِكم. ما بالُكم تَسحَقونَ شَعْبي وتَسحَقونَ وُجوهَ المَساكين»، يقولُ السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات؟ ويَقولُ الرَّبّ: لأَنَّ بَناتِ صِهْيونَ ٱخْتالَت، فمَشَينَ مَمْدوداتِ الأَعْناق غامِزاتٍ بِالعُيون، مَشَينَ وقارَبْنَ الخَطْوَ في مِشيَتِهنَّ، وجَلجَلْنَ بِخَلاخِلِ أَقْدامِهِنَّ، فسَيُصلِعُ السَّيِّدُ هاماتِ بَناتِ صِهْيون، ويُعَرِّي الرَّبُّ رُؤُوسَهُنَّ. في ذٰلك اليَوم يُزيلُ السَّيِّدُ زينَةَ الخَلاخِلِ والشُّموسِ والأَهِلَّة، والأَشْنافِ والأَساوِرِ والرُّعَلِ والعَصائِب، والأَحْجالِ والسُّيورِ وآنِيَةِ الطِّيبِ، والأَحْراز والخَواتِمِ وحَلَقاتِ الأُنوف، والثِّيابِ الفاخِرَةِ والمعاطِفِ والشَّالاتِ والأَكْياس، والمَرايا والأَقمِصَةِ والتِّيجانِ والأَردِيَة. ويَكونُ لَهنَّ النَّتنُ بَدَلَ الطِّيب والحَبلُ بَدَلَ الزُّنَّار، والقَرَعُ بَدَلَ تَجْعيدِ الشَّعَر، وحِزامُ المِسْحِ بَدَلَ الوِشاح، والكَيُّ بَدَلَ الجَمال. يَسقُطُ رِجالُكِ بِالسَّيف وأَبْطالُكِ في القِتال، وتَئِنُّ أَبْوابُها نائِحةً، وهي تَقعُدُ إِلى الأَرضِ مُجرَّدة. وفي ذٰلك اليَوم، تَتنازَعُ سَبعُ نِساءٍ رَجُلًا واحِدًا، ويَقُلنَ: «إِنَّنا نَأكُلُ خُبزَنا ونَلبَسُ مَعاطِفَنا، إِنَّما نُسَمَّى بِٱسمِكَ فٱنزِعْ عنَّا عارَنا». في ذٰلك اليَوم يَكونُ نَبتُ الرَّبِّ بَهاءً ومَجدًا، وثَمَرَةُ الأَرضِ فَخرًا وزينةً لِمَن نَجا مِن إِسْرائيل. ومَن أُبقِيَ في صِهْيونَ وتُرِكَ في أُورَشَليم، يُقال لَه قِدِّيس، كُلُّ مَن كُتِبَ لِلحَياةِ في أُورَشَليم. وإِذا غَسَلَ السَّيِّدُ قَذَرَ بَناتِ صِهْيونَ، ونَظَّفَ دِماءَ أُورَشَليمَ مِن وَسَطِها بِرُوحِ القَضاءِ وروحِ الإِحْراق، خَلَقَ الرَّبُّ على كُلِّ مَكانٍ في جَبَلِ صِهْيونَ وعلى مَحافِلِها غَمامًا في النَّهارِ ودُخانًا، وضِياءَ نارٍ مُلتَهِبَةٍ في اللَّيل. فيَكونُ على كُلِّ المَجدِ كَنَفٌ، وكوخٌ ظِلًّا في النَّهارِ مِنَ الحَرّ، ومُعتَصَمًا وسِترًا مِنَ السَّيلِ والمَطَر. لَأُنشِدَنَّ لِحَبيبي نَشيدَ مَحْبوبي لِكَرمِه. كانَ لِحَبيبي كَرْمٌ في رابِيَةٍ خَصيبة، وقد قَلَّبَه وحَصَّاه وغَرَسَ فيه أَفضَلَ كَرمه، وبَنى بُرجًا في وَسَطِه وحَفَرَ فيه مَعصَرَةً، وٱنتَظَرَ أَن يُثمِرَ عِنَبًا فأَثمَرَ حِصرِمًا بَرِّيًّا. فالآنَ يا سُكَّانَ أُورَشَليم ويا رِجالَ يَهوذا، أُحكُموا بَيني وبَينَ كَرْمي. أَيُّ شَيءٍ يُصنَعُ لِلكَرْمِ ولَم أَصنَعْه لِكَرْمي؟ فما بالِيَ ٱنتَظَرتُ أَن يُثمِرَ عِنَبًا، فأَثمَرَ حِصرِمًا بَرِّيًّا؟ فالآنَ لَأُعلِمَنَّكم ما أَصنَعُ بِكَرْمي. أُزيلُ سِياجَه فيَصيرُ مَرعًى، وأَهدِمُ جِدارَه فيَصيرُ مَداسًا، وأَجعلُهُ بورًا لا يُقضَبُ ولا تُقلَعُ أَعشابُه، فيَطلُعُ فيه الحَسَكُ والشَّوك، وأُوصِي الغُيومَ أَلاَّ تُمطِرَ علَيه مَطَرًا. لأَنَّ كَرمَ رَبِّ القُوَّاتِ هو بَيتُ إِسْرائيل، وأُناسُ يَهوذا هم غَرْسُ نَعيمِه، وقدِ ٱنتَظَرَ الحَقَّ فإِذا سَفكُ الدِّماء، والبِرَّ فإِذا الصُّراخ. وَيلٌ لِلَّذينَ يَصِلونَ بَيتًا بِبَيت، ويَقرِنونَ حَقلًا بِحَقْل، حتَّى لم يَبقَ أَيُّ مَكان، فتَسكُنونَ وَحدَكم في وَسَطِ الأَرض. على مَسمَعٍ مِنِّي، أَقسَمَ رَبُّ القُوَّات: إِنَّ بُيوتًا كَثيرةً ستُخرَب، عَظيمةً وجَميلةً مِنها تَبْقى بِغَيرِ ساكِن. فعَشَرَةُ فَدادينَ كَرمًا تُخرِجُ بَثًّا واحِدًا، وبَذرُ عُمِرٍ يُخرِجُ إِيفَة. وَيلٌ لِلقائِمينَ مِنَ الصَّباحِ في طَلَبِ المُسكِرات، المُتَأَخِّرينَ إِلى المَساء والخَمرُ تُلهِبُهم، وفي مآدِبِهمِ الكِنَّارَةُ والعود والدُّفُّ والمِزْمارُ والخَمْر، ولا يَلتَفِتونَ إِلى عَمَلِ الرَّبّ، ولا يَرَونَ صُنعَ يَدَيه. لِذٰلك جُلِيَ شَعْبي لِعَدَمِ المَعرِفَة، وأَصبَحَ خاصَّتُه مِن أَهلِ المَجاعة، ويَبِسَت عامَّتُه مِنَ العَطَش. فوَسَّعَ مَثْوى الأَمْواتِ حَلقَه، وفَتَحَ بِلا حَدٍّ فَمَه، فيَنحَدِرُ فيه وُجَهاؤُه وعامَّتُه، وجُمْهورُه وكُلُّ مُبتَهِجٍ فيه، ويُوضَعُ ٱبنُ آدَمَ ويُحَطُّ الإِنْسان، وتُخفَضُ عُيونُ المتكبِّرين. ويَتَعالى رَبُّ القُوَّاتِ بِالقَضاء، ويَتَقَدَّسُ الإِلٰهُ القُدُّوسُ بِالبِرّ، وتَرْعى الحُمْلانُ كما في مَراعيها، وأَطْلالُ المُترَفينَ يَلتَهِمُها الغُرَباء. وَيلٌ لِلَّذينَ يَجُرُّونَ الإِثمَ بِحِبالِ الباطِل، والخَطيئَةَ بِمِثْلِ أَمْراسِ المَركَبَة، القائِلين: «لِيُبادِرْ ولْيُعَجِّلْ في عَمَلِه حتَّى نَرى، ولْيَقتَرِبْ ويَحضُرْ تَدبيرُ قُدُّوسِ إِسْرائيلَ حتَّى نَعلَم». وَيلٌ لِلقائِلينَ لِلشَّرِّ خَيرًا ولِلخَيرِ شَرًّا، الجاعِلينَ الظُّلمَةَ نورًا والنُّورَ ظُلمَة، الجاعِلينَ المُرَّ حُلْوًا والحُلْوَ مُرًّا. وَيلٌ لِلَّذينَ هم حُكَمَاءُ في أَعيُنِ أَنفُسِهم، عُقَلاءُ أَمامَ وُجوهِهم. وَيلٌ لِلَّذينَ هم أَبْطالُ في شُربِ الخَمْر، وذَوو بَأسٍ في مَزْجِ المُسكِرات، المُبَرِّئينَ الشِّرِّيرَ لأَجلِ رَشوَة، والحارِمينَ البارَّ بِرَّه. فلِذٰلك كما يَلتَهِمُ لَهيبُ النَّارِ القَشّ، وكما يَفْنى الحَشيشُ المُلتَهِب، يَكونُ أَصلُهم كالنَّتْن، وبُرعُمُهم يَتَناثَرُ كالتُّراب، لأَنَّهم نَبَذوا شَريعةَ رَبِّ القُوَّات، وٱستَهانوا بِكَلِمَةِ قُدُّوسِ إِسْرائيل. فٱضطَرَمَ غَضَبُ الرَّبِّ على شَعبِه، فمَدَّ يَدَه علَيه وضَرَبَه، فرَجَفَتِ الجِبالُ وصارَت جُثَثُهم، كالزِّبلِ في وَسَطِ الشَّوارِع. ومع هٰذا كُلِّه لم يَرتَدَّ غَضَبُه، ويَدُه لا تَزالُ مَمْدودة. فيَرفَعُ رايَةً لأُمَّةٍ بَعيدة، ويُصَفِّرُ لَها مِن أَقْصى الأَرْض، فإِذا بِها مُقبِلَةٌ بِسُرعَةٍ وخِفَّة. لَيسَ فيها مُنهَكٌ ولا عاثِر، لا تَنعَسُ ولا تَنام، لا يُحَلُّ زُنَّارُ حَقْوَيها ولا يُفَكُّ رِباطُ نَعْلَيها. سِهامُها مُحَدَّدَة وجَميعُ قِسِيِّها مَشْدودَة. تُحسَبُ حَوافِرُ خَيلِها صَوَّانًا ومَركَباتُها إِعْصارًا. لَها زَئيرٌ كاللَّبُؤَة وهي تَزأَرُ كالأَشْبال، وتُزَمجِرُ وتُمسِكُ الفَريسَة، وتَخطَفُها ولَيسَ مَن يُنقِذ، فتُزَمجِرُ علَيه في ذٰلك اليَوم كزَمجَرَةِ البَحْر. وتَنظُرُ إِلى الأَرضِ فإِذا بِالظَّلامِ والضِّيق وقَد أَظلَمَ النُّورُ في غَمامٍ حالِك. في السَّنَةِ الَّتي ماتَ فيها المَلِكُ عُزِّيَّا، رأيتُ السَّيِّدَ جالسًا على عَرشٍ عالٍ رَفيع، وأَذْيالُه تَملأُ الهَيكَل. مِن فَوقِه سَرافونَ قائمون، سِتَّةُ أَجنِحَةٍ لِكُلِّ واحِد، بِٱثنَينِ يَستُرُ وَجهَه وبٱثنَينِ يَستُرُ رِجلَيه وبٱثنَينِ يَطير. وكانَ هٰذا يُنادي ذاكَ ويَقول: «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوس، رَبُّ القُوَّات، الأَرضُ كُلُّها مَمْلوءَةٌ مِن مَجدِه». فتَزَعزَعَت أُسُسُ الأَعْتابِ مِن صَوتِ المُنادي، وٱمتَلأَ البَيتُ دُخانًا. فقُلتُ: «وَيلٌ لي، قد هَلَكتُ لأَنِّي رَجُلٌ نَجِسُ الشَّفَتَين، وأَنا مُقيمٌ بَينَ شَعبٍ نَجِسِ الشِّفاه، وقَد رَأَت عَينايَ المَلِكَ رَبَّ القُوَّات». فطارَ إِلَيَّ أَحَدُ السَّرافين، وبِيَدِه جَمرَةٌ أَخَذَها بِمِلقَطٍ مِنَ المَذبَح ومَسَّ بِها فَمي وقال: «ها إِنَّ هٰذه قد مَسَّت شَفَتَيكَ، فأُزيلَ إِثمُكَ وكُفِّرَت خَطيئَتُكَ». وسَمِعتُ صَوتَ السَّيِّدِ قائلًا: «مَن أُرسِل، ومَن يَنطَلِقُ لنا؟» فقُلتُ: «هاءَنذا فأَرسِلْني». فقال: «إِذهَبْ وقُلْ لِهٰذا الشَّعْب: إِسمَعوا سَماعًا ولا تَفهَموا، وٱنظُروا نَظَرًا ولا تَعرِفوا. غَلِّظْ قَلبَ هٰذا الشَّعْب، وثَقِّلْ أُذُنَيه وأَغمِضْ عَينَيه، لِئَلاَّ يُبصِرَ بِعَينَيه ويَسمَعَ بِأُذُنَيه، ويَفهَمَ بِقَلبِه ويَرجِعَ فيُشْفى». فقُلتُ: «إِلى مَتى أَيُّها السَّيِّد؟» فقال: «إِلى أَن تَصيرَ المُدُنُ خَرابًا بِغَيرِ ساكِن، والبُيوتُ بِغَيرِ إِنْسان، والأَرضُ خَرابًا مُقفِرًا ويُقصِيَ الرَّبُّ البَشَرَ وتَبْقى في الأَرضِ وَحشَةٌ عَظيمة. وإِن بَقِيَ فيها العُشرُ مِن بَعدُ، فإِنَّها تَعودُ وتَصيرُ إِلى الدَّمار، ولٰكِن كالبُطمَةِ والبَلُّوطَةِ الَّتي، بَعدَ قطعِ أَغْصانِها، يَبْقى جِذعٌ، فيَكونُ جِذعُها زَرْعًا مُقَدَّسًا». وفي أَيَّامِ آحازَ بنِ يوتامَ بنِ عُزِّيَّا، مَلِكِ يَهوذا، صَعِدَ رَصين، مَلِكُ أَرام، وفاقَحُ بنُ رَمَلْيا، مَلِكُ إِسْرائيل، إِلى أُورَشَليمَ لِمُحارَبَتِها، فلَم يَقدِرا على مُحارَبَتِها. وأُخبِرَ بَيتُ داوُدَ وقيل: «إِنَّ أَرامَ قد حَلَّ في أَفْرائيم». فٱضطَرَبَ قَلبُه وقَلبُ شَعبِه ٱضطِرابَ شَجَرِ الغابِ في وَجهِ الرِّيح. فقالَ الرَّبُّ لأَشَعْيا: «أُخرُجْ لِلِقاءِ آحاز، أَنتَ وشآرَ ياشوبُ ٱبنُكَ، إِلى آخِرِ قَناةِ البِركَةِ العُلْيا، إِلى طَريقِ حَقلِ مُنَظِّفِ الثِّياب، وقُلْ لَه: تَنَبَّهْ وكُنْ هادِئًا، ولا تَخَفْ ولا يَضعُفْ قَلبُكَ مِن ذَنَبَي هاتَينِ الجَمرتَينِ المُدَخِّنَتَين بِسَبَبِ ٱضطِرامِ غَضَبِ رَصين، مَلِكِ أَرام، وٱبنِ رَمَلْيا. فإِنَّ أَرامَ وأَفْرائيمَ وٱبنَ رَمَلْيا قد تآمَروا عَلَيكَ بِالسُّوءِ قائلين: لِنَصعَدْ على يَهوذا ونُرَوِّعْه ونُحَطِّمْه تَحتَنا ونُمَلِّكْ فيه ٱبنَ طابَئيل. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: لا يَقومُ الأَمرُ ولا يَكون، لأَنَّ رَأسَ أَرامَ هو دِمَشْق ورَأسَ دِمَشقَ هو رَصين. وبَعدَ خَمسٍ وسِتِّينَ سَنَة يُحَطَّمُ أَفْرائيمُ فلا يَبْقى شَعبًا، ولأَنَّ رَأسَ أَفْرائيمَ هو السَّامِرة ورَأسَ السَّامِرَةِ هو ٱبنُ رَمَلْيا، وأَنتُم إِن لم تُؤمِنوا فلَن تأمَنوا». وعادَ الرَّبُّ فكَلَّمَ آحازَ قائِلًا: «سَلْ لِنَفسِكَ آيةً مِن عِندِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، سَلْها إِمَّا في العُمْقِ، وإِمَّا في العَلاءِ مِن فَوق». فقالَ آحاز: «لا أَسأَلُ ولا أُجَرِّبُ الرَّبّ». فقالَ أَشَعْيا: «إِسمَعوا يا بَيتَ داوُد. أَقليلٌ عِندَكم أَن تُسئِموا النَّاسَ حتَّى تُسئِموا إِلٰهي أَيضًا؟ فلِذٰلك يُؤتيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُه آيَةً: ها إِنَّ الصَّبِيَّةَ تَحمِلُ فتَلِدُ ٱبنًا وتَدْعو ٱسمَه عِمَّانوئيل. يَأكُلُ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا إِلى أَن يَعرِفَ أَن يَرذُلَ الشَّرَّ ويَخْتارَ الخَير، لأَنَّه قَبلَ أَن يَعرِفَ الصَّبِيُّ أَن يَرذُلَ الشَّرَّ ويَخْتارَ الخَير، تُهجَرُ الأَرضُ الَّتي أَنتَ تَخافُ مَلِكَيها. سيَجلُبُ الرَّبُّ علَيكَ وعلى شَعبِكَ وعلى بَيتِ أَبيكَ أَيَّامًا لم تَأتِ مِن يَومِ ٱنفَصَلَ أَفْرائيمُ عن يَهوذا (مَلِكِ أَشُّور). في ذٰلك اليَوم، يُصَفِّرُ الرَّبُّ لِلذُّبابِ الَّذي في أَقْصى أَنْهارِ مِصْر، ولِلنَّحلِ الَّذي في أَرضِ أَشُّور، فتُقبِلُ وتَحِلُّ كُلُّها في أَودِيَةِ الوِهاد، وفي نَخاريبِ الصَّخرِ وعلى كُلِّ عُلَّيقَة، وفي المَوارِدِ بِأَسرِها. وفي ذٰلك اليَوم، يَحلِقُ السَّيِّدُ بِموسًى، مُستَأجَرَةٍ في عِبرِ النَّهر (مع مَلِكِ أَشُّور)، الرَّأسَ وشعَرَ الرِّجلَين واللِّحيَةُ أَيضًا تُزال. وفي ذٰلك اليوم، يُرَبِّي كُلُّ واحِدٍ عِجلَةً مِنَ البَقَرِ وشاتَين، ولِكَثرَةِ الحَليبِ يأكُلُ اللَّبَن، لأَنَّ اللَّبَنَ والعَسَلَ يأكُلُهما كُلُّ مَن يُبْقى في الأَرض. وفي ذٰلك اليَوم، كُلُّ مَوضِعٍ كانَ فيه أَلفُ كَرمَة بِأَلفٍ مِنَ الفِضَّة يَصيرُ حَسَكًا وشَوكًا، ولا يُدخَلُ إِلى هُناكَ إِلاَّ بِالسِّهامِ والقَوْس، لأَنَّ الأَرضَ كُلَّها تَكونُ حَسَكًا وشَوكًا. وجَميعُ الجِبالِ الَّتي كانَت تُقَلَّب لا تَدخُلُها مَخافةً مِنَ الحَسَكِ والشَّوك، بل تُسَرَّحُ فيها الثِّيرانُ ويَدوسُها الغَنَم». وقالَ لِيَ الرَّبّ: «خُذْ لَكَ لَوحَةً كَبيرة، وٱكتُبْ فيها بِقَلَمِ النَّاس: مَهيرْ شالالْ حاشْ بازْ، فأَخَذْتُ لِنَفْسي شاهِدَينِ أَمينَين: أُورِيَّا الكاهِنَ وزَكَرِيَّا بنَ بَرَكْيا». ودَنَوتُ مِنَ النَّبِيَّة، فحَمَلَت وَوَلَدَتِ ٱبنًا. فقالَ لِيَ الرَّبّ: «أُدعُ ٱسمَه مَهيرْ شالالْ حاشْ باز، فإِنَّه، قَبلَ أَن يَعرِفَ الصَّبِيُّ أَن يُنادِيَ: يا أَبَتِ ويا أُمِّي، تُحمَلُ ثَروَةُ دِمَشقَ وغَنيمَةُ السَّامِرَةِ إِلى أَمامِ مَلِكِ أَشُّور». وعادَ الرَّبُّ يُكَلِّمُني قائِلًا: «لأَنَّ هٰذا الشَّعبَ قد نَبَذَ مِياهَ سِلْوامَ الجارِيَةَ رُوَيدًا رُوَيدًا، وفَرِحَ بأَمرِ رَصينَ وٱبنِ رَمَلْيا، فلِذٰلك ها إِنَّ السَّيِّدَ يُعْلي علَيهم مِياهَ النَّهرِ العَظيمَةِ الغَزيرَة (مَلِكَ أَشُّورَ وكُلَّ مَجدِه)، فيَعْلو على جَميعِ مَجاريه، ويَطْفو على جَميعِ شُطوطِه، ويَمُرُّ يَهوذا ويَطفَحُ ويَعبُرُ ويَبلُغُ إِلى العُنُق، وبَسْطُ جَناحَيه يَملأُ سَعَةَ أَرضِكَ، يا عِمَّانوئيل. تَحَطَّمي أَيَّتُها الشُّعوب وٱنسَحِقي، أَصْغي يا جَميعَ أَقاصي الأَرض. تَحَزَّمي وٱنسَحِقي، تَحَزَّمي وٱنسَحِقي. دَبِّري تَدْبيرًا فيَبطُل، تَكَلَّمي كَلامًا فلا يَثبُت لأَنَّ اللهَ مَعنا. فإِنَّه هٰكذا كَلَّمَني الرَّبُّ عِندَما قَبَضَ علَيَّ بِيَدِه، ورَدَّني عن السَّيرِ في طَريقِ هٰذا الشَّعبِ قائلًا: «لا تقولوا مُؤَامَرَةً لِكُلِّ ما يَقولُ لَه هٰذا الشَّعبُ مُؤامَرَة، ولا تَخافوا خَوفَهم ولا تَفزَعوا. قَدِّسوا رَبَّ القُوَّات، ولْيَكُنْ هو خَوفَكم وفَزَعَكم، فيَكونَ لَكم قُدسًا، وحَجَرَ صَدْمٍ وصَخرَ عِثارٍ لِبَيتَي إِسْرائيل، وفَخًّا وشَبَكَةً لِساكِني أُورَشَليم، فيَعثُرُ بِه كَثيرونَ ويَسقُطون، ويَتَحَطَّمونَ ويُصْطادونَ ويُؤخَذون. أَغلِقْ على الشَّهادة، وٱختُمْ على التَّعليمِ في تَلاميذي. إِنِّي أَنتَظِرُ الرَّبَّ الحاجِبَ وَجهَه عن بَيتِ يَعْقوب وأَتَوَكَّلُ علَيه. هاءَنَذا والأَبْناءَ الَّذينَ أَعْطانيهمِ الرَّبُّ، آياتٍ وعَلاماتٍ في إِسْرائيل من لَدُنْ رَبِّ القُوَّات، السَّاكِنِ في جَبَلِ صِهْيون. فإِذا قالوا لَكم: إِسأَلوا مُستَحضِري الأَرْواح والعَرَّافينَ المُهَمهِمين المُتَمتِمين: أَليسَ كُلُّ شَعبٍ يَسأَلُ آلِهَتَه؟ ويُسأَلُ الأَمْواتُ عنِ الأَحْياء لِلتَّعليمِ والشَّهادة؟ حَقًّا بِهٰذا الكَلامِ يُنطَقُ، لأَنَّه لا فَجرَ لَه. ويَعبُرُ في الأَرضِ مَظْلومًا جائعًا، وفي جوعِه يَستَشيطُ غَضَبًا، ويَلعَنُ مَلِكَه وإِلٰهَه ويَلتَفِتُ إِلى فَوق، ويَنظُرُ إِلى الأَرضِ فإِذا الشِّدَّةُ والظُّلمَة، ولَيلُ الضِّيق ودَيجورُ الٱنحِلال. فلَيسَ لَيلٌ لِلَّتي كانَت في الضِّيق. في الزَّمانِ الأَوَّل أَذَلَّ أَرضَ زَبولونَ وأَرضَ نَفْتالي. وأَمَّا في الزَّمانِ الأخير فسيُمَجِّدُ طَريقَ البَحر. عِبرَ الأُردُنِّ، جَليلَ الأُمَم. الشَّعبُ السَّائِرُ في الظُّلْمَةِ أَبصَرَ نورًا عَظيمًا، والمُقيمونَ في بُقعَةِ الظَّلام أَشرَقَ علَيهمِ النُّور. كَثَّرتَ لَه الأُمَّة، وَفَّرتَ لَها الفَرَح، يَفرَحون أَمامَكَ كالفَرَحِ في الحِصاد، كٱبتِهاجِ الَّذينَ يَتَقاسَمونَ الغَنيمة. لأَنَّ نيرَ ثِقْلِها وعَصا كَتِفِها وقَضيبَ مُسَخِّرِها قد كسَّرتَها كما في يَومِ مِديَن، إِذ كُلُّ حِذاءٍ يُحدِثُ جَلَبَة، وكُلُّ ثَوبٍ مُتَلَطِّخٍ بِالدِّماء يَصيرانِ لِلحَرْقِ ووَقودًا لِلنَّار. لأَنَّه قد وُلِدَ لَنا وَلَدٌ وأُعطِيَ لَنا ٱبنٌ، فصارَتِ الرِّئاسَةُ على كَتِفِه، ودُعِيَ ٱسمُه عَجيبًا مُشيرًا، إِلٰهًا جَبَّارًا، أَبا الأَبَدِ، رَئيسَ السَّلام، لِنُمُوِّ الرِّئاسة ولِسَلامٍ لا ٱنقِضاءَ لَه على عَرشِ داوُدَ ومَملَكَتِه، لِيُقِرَّها ويُوَطِّدَها بِالحَقِّ والبِرّ مِنَ الآنَ وللأَبَد. غَيرَةُ رَبِّ القُوَّاتِ تَصنَعُ هٰذا. السَّيِّدُ أَرسَلَ كَلِمَةً على يَعْقوب، فوَقَعَت على إِسْرائيل. فعَرَفها الشَّعبُ كُلُّه، أَفْرائيمُ وسُكَّانُ السَّامِرَة، القائِلونَ بِزَهوٍ وقَلبٍ مُتَكَبِّر: اللَّبنُ تَساقَط فسَنَبْني بِحِجارَةٍ مَنْحوتة. الجُمَّيزُ قُطِعَ فسَنَعْتاضُ عنه بِالأَرْز. أَثارَ الرَّبُّ علَيه خُصومَ رَصين وحَرَّضَ أَعْداءَه: أَرامَ مِنَ الشَّرقِ وفِلَسْطينَ مِنَ الغَرْب، فٱلتَهَموا إِسْرائيلَ بِكُلِّ أَفْواهِهم. مع هٰذا كُلِّه لم يَرتَدَّ غَضَبُه، ولم تَزَلْ يَدُه مَمْدودة. فلَم يَتُبِ الشَّعبُ إِلى مَن ضَرَبَه، ولم يَلتَمِسْ رَبَّ القُوَّات، فقَطَعَ الرَّبُّ مِن إِسْرائيلَ الرَّأسَ والذَّنَب، السَّعَفَ والبَردِيَّ في يَومٍ واحِد. (الشَّيخُ والوَجيهُ هو الرَّأس والنَّبِيُّ الَّذي يُعَلِّمُ بِالكَذِب هو الذَّنَب)، والمُرشِدونَ لِهٰذا الشَّعبِ هم يُضِلُّونَه والمُرشَدونَ مِنه يُضَلُّون. فلِذٰلك لا يَرْضى السَّيِّدُ عن شُبَّانِه، ولا يَرحَمُ أَيتامَهم ولا أَرامِلَهم، لأَنَّهم جَميعًا كافِرونَ وفاعلو سوء، وكُلُّ فَمٍ يَنطِقُ بِالحَماقة. مع هٰذا كُلِّه لم يَرتَدَّ غَضَبُه ولم تَزَلْ يَدُه مَمْدودة. لأَنَّ الشَّرَّ يُحرِقُ كالنَّار، يَلتَهِمُ الحَسَكَ والشَّوك، ويُشعِلُ النَّارَ في أَدْغالِ الغابَة، فَيتَصاعَدُ عَمودُ دُخان. بِغَضَبِ رَبِّ القُوَّاتِ ٱضطَرَمَتِ الأَرْض، فكانَ الشَّعبُ مِثلَ وَقودِ النَّار، لا يُشفِقُ واحِدٌ على أَخيه، فيَقطَعُ عنِ اليَمينِ ولا يَزالُ جائِعًا، ويَلتَهِمُ عنِ الشِّمالِ ولا يَشبَع. يَلتَهِمُ كُلُّ واحِدٍ لَحمَ مُساعِده. منَسَّى يَلتَهِمُ أَفْرائيم، وأَفْرائيمُ يَلتَهِمُ مَنَسَّى، وكِلاهما يَقومانِ على يَهوذا. مع هٰذا كُلِّه لم يَرتَدَّ غَضَبُه، ولم تَزَل يَدُه مَمْدودة. وَيلٌ لِلَّذينَ يَشتَرِعونَ فَرائِضَ الإِثْم، والَّذينَ يَكتُبونَ كِتابةَ الظُّلْم، لِيَرُدُّوا الضُّعَفاءَ عن إِجْراءِ الحُكْم، ويَسلُبوا حَقَّ وُضَعاءِ شَعْبي، لِتَكونَ الأَرامِلُ غَنيمةً لَهم ويَنهَبوا اليَتامى. فماذا تَصنَعونَ في يَومِ العِقاب، وفي الهَلاكِ الآتي مِن بَعيد؟ وإِلى مَن تَلجَأُون لِلنَّجدَة، وأَينَ تَتْرُكونَ ثَروَتَكم؟ ما لم يَنحَنوا بَينَ الأَسرى، فإِنَّهم يَسقُطونَ بَينَ القَتْلى. مع هٰذا كُلِّه لم يَرتَدَّ غَضَبُه، ولم تَزَلْ يَدُه مَمْدودة. وَيلٌ لأَشُّورَ، قضيبِ غَضَبي، إِنَّ سُخْطي عَصًا في أَيديهِم. على أُمَّةٍ كافِرَةٍ أَرسَلتُه، وأَمَرتُه على شَعبٍ حَلَّ عليه غَضَبي، لِيَسلُبَ السَّلْبَ ويَنهَبَ النَّهْب، ويَدوسَهم كوَحْلِ الشَّوارِع. لٰكِنَّه لم يَكُنْ يَرى هٰكذا، ولا كانَ هٰذا فِكرَ قَلبِه، بل كان في قَلبِه أَن يُبيدَ ويَستَأصِلَ أُمَمًا لا تُحْصى، لأَنَّه كانَ يَقول: أَلَيسَ أُمَرائي جَميعُهم مُلوكًا؟ أَلَيسَ كَلْنو مِثْلَ كَركَميش وحَمَاةُ مِثلَ أَرفَد والسَّامِرَةُ مِثلَ دِمَشْق؟ كما أَصابَت يَدي مَمَالِكَ الأَوثان، وفيها مَنْحوتاتٌ أَكثَرُ مِمَّا في أُورَشَليمَ والسَّامِرَة، وكما صَنَعتُ بِالسَّامِرَةِ وأَصْنامِها، أَفلا أَصنَعُ كذٰلك بِأُورَشَليمَ وأَصْنامِها؟ ويَكونُ، بَعدَ ٱستِكْمَالِ السَّيِّدِ عَمَلَه كُلَّه في جَبَلِ صِهْيونَ وفي أُورَشَليم، أَنِّي أُعاقِبُ ثَمَرَةَ قَلبِ مَلِكِ أَشُّورَ المُتَكَبِّرِ وٱفتِخارَ عَينَيه الطَّامِحَتَين. فإِنَّه قال: بِقُوَّةِ يَدي عَمِلتُ وبحِكمَتي لأَنِّي فَطِن فَنَقَلتُ حُدودَ الشُّعوبَ ونَهَبتُ كُنوزَهم وأَخضَعتُ السُّكَّانَ كما يَفعَلُ ذو بَطْش وقد أَصابَت يَدي ثَروَةَ الشُّعوبِ مِثلَ عُشٍّ، وكَمن يَجمَعُ البَيضَ المُهمَل أَنا جَمَعتُ الأَرضَ بِأَسرِها، ولم يَكُنْ مَن يُحَرِّكُ جَناحًا أَو يَفتَحُ فمًا أَو يُزَقزِق. أَتَفْتَخِرُ الفَأْسُ على مَن يَقطَعُ بِها، أَو يَتَكَبَّرُ المِنْشارُ على مَن يُحَرِّكُه، كأَنَّ القَضيبَ يُحَرِّكُ رافِعيه، وكأَنَّ العَصا تَرفَعُ ما لَيسَ بِخَشَب؟ فلِذٰلك يُرسِلُ السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات على سِمانِه هُزالًا، وتَحتَ مَجدِه يَشتَعِلُ الحريقُ كحَريقِ نار، ويَكونُ نورُ إِسْرائيلَ نارًا وقُدُّوسُه لَهيبًا، فيُحرِقُ ويَلتَهِمُ شَوكَه وحَسَكَه في يَومٍ واحِد، ويُفْني مَجدَ غابِه وجَنَّتِه مِنَ النَّفْسِ إِلى الجَسَد، فيُضْحي كسَقيمٍ يَذوب. وما يَبْقى مِن شَجَرِ الغابةِ يَكونُ قَليلًا، حتَّى إِنَّ صَبِيًّا يُدَوِّنُه. وفي ذٰلك اليَوم، لا تَعودُ بَقِيَّةُ إِسْرائيلَ والنَّاجونَ مِن بَيتِ يَعْقوبَ يَعتَمِدونَ على مَن ضَرَبَهم، وإِنَّما يَعتَمِدونَ على الرَّبِّ، قُدُّوسِ إِسْرائيلَ حَقًّا. والبَقِيَّةُ تَرجِع، بَقِيَّةُ يَعْقوب، إِلى اللهِ الجَبَّار. إِنَّه، وإِن كانَ شَعبُكَ، يا إِسْرائيل، كرَملِ البَحْر، إِنَّما تَرجِعُ بَقِيَّةٌ مِنه، فقَد قُضِيَ بِفَناءٍ يَفيضُ فيه البِرّ، لأَنَّ السَّيِّدَ رَبَّ القُوَّاتِ يُجْري الفَناءَ الَّذي قَضاه في وَسَطِ الأَرضِ كُلِّها. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات: لا تَخَفْ مِن أَشُّور يا شَعْبي، يا ساكِنَ صِهيون، إِذا ضَرَبَكَ بِالقَضيبِ ورَفَعَ علَيكَ العَصا (على طَريقَةِ ما فَعَلَ بِمِصْر)، فإِنَّه عَمَّا قَليلٍ يَنتَهي السُّخْط. لٰكِنَّ غَضَبي يَنقَلِبُ إِلى تَدْميرِهم، ويَرفَعُ علَيه رَبُّ القُوَّاتِ مِجلَدًا، كما ضُرِبَت مِديَنُ عِندَ صَخرِ عوريب، وتَكونُ عَصاه على البَحْر، ويَرفَعُها على طَريقَةِ ما فَعَلَ بِمِصْر. وفي ذٰلك اليَومِ يُزالُ ثِقْلُه عن كَتِفِكَ ونيرُه عن عُنُقِكَ، ويَتَحَطَّمُ النِّيرُ بِسَبَبِ الدُّهْن. قد وَصَلَ إِلى عَيَّت وعَبَرَ إِلى مِجْرون، وأَودَعَ أَمتِعَتَه عِندَ مِكْماش. عَبَروا المَعبَرَ وباتوا في جَبْع، وٱرتَعَدَت رامةُ وفَرَّت جَبعَةُ شاوُل. إِصهِلي بِصَوتِكِ يا بِنتَ جَلِّيم، أَصْغي يا لاييشَة يا عَناتوتُ البائِسة. مَدْمينةُ قد هَرَبَت، وسُكَّانُ الجَبيمِ قدِ ٱتَّخَذوا مَلجَأً، اليَومَ لا زالَ يَقِفُ في نوب يُحَرِّكُ يَدَه، نَحوَ جَبَلِ بِنتِ صِهْيونَ وأَكَمَةِ أُورَشَليم. هُوَذا السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات، يُقَضِّبُ الأَغْصانَ بِعُنْف، فكُلُّ مُرتَفِعِ القامةِ يُقطَع، وكُلُّ شامِخٍ يُحَطّ. تُقطَعُ أَدْغالُ الغابِ بِالحَديد، وبِيَدِ ذي بَطْشٍ يَسقُطُ لُبْنان. ويَخرُجُ غُصنٌ مِن جِذعِ يَسَّى، ويَنْمي فَرعٌ مِن أُصولِه، ويَحِلُّ علَيه روحُ الرَّبّ، روحُ الحِكمَةِ والفَهْم، روحُ المَشورَةِ والقُوَّة، روحُ المعرفةِ وتَقوى الرَّبّ، ويوحي لَه تَقْوى الرَّبّ، فلا يَقْضي بِحَسَبِ رُؤيةِ عَينَيه، ولا يَحكُمُ بِحَسَبِ سَماعِ أُذُنَيه، بل يَقْضي لِلضُّعَفاءِ بِالبِرّ، ويَحكُمُ لِبائِسي الأَرضِ بِالِٱستِقامة، ويَضرِبُ الأَرضَ بِقَضيبِ فَمِه، ويُميتُ الشِّرِّيرَ بِنَفَسِ شَفَتَيه. ويَكونُ البِرُّ حِزامَ حَقْوَيه، والأَمانَةُ حِزامَ خَصرِه، فيَسكُنُ الذِّئبُ مع الحَمَل، ويَربِضُ النَّمِرُ مع الجَدْيِ، ويَعلِفُ العِجلُ والشِّبلُ معًا، وصَبِيٌّ صَغيرٌ يَسوقُهما. تَرْعى البَقَرَةُ والدُّبُّ مَعًا، ويَربِضُ أَولادُهما معًا، والأَسَدُ يَأكُلُ التِّبنَ كالثَّور، ويَلعَبُ الرَّضيعُ على حُجرِ الأَفْعى، ويَضَعُ الفَطيمُ يَدَه في جُحرِ الأَرقَم. لا يُسيئونَ ولا يُفسِدون في كُلِّ جَبَلِ قُدْسي، لأَنَّ الأَرضَ تَمتَلِئُ مِن مَعرِفَةِ الرَّبّ، كما تَغمُرُ المِياهُ البَحْرَ. وفي ذٰلك اليَومِ أَصلُ يَسَّى، القائِمُ رايَةً لِلشُّعوب، إِيَّاه تَلتَمِسُ الأُمَم، ويَكونُ مَكانُ راحَتِه مَجدًا. وفي ذٰلك اليَومِ يَعودُ السَّيِّد، فيَمُدُّ يَدَه ثانيةً لِيَفتَدِيَ بَقِيَّةَ شَعبِه، مَن بَقِيَ مِنهم في أَشُّورَ ومِصرَ، وفَتْروسَ وكوشَ وعَيلام، وشِنْعارَ وحَماةَ وجُزُرِ البَحْر. ويَنصِبُ رايَةً لِلأُمَم، ويَجمَعُ المَنفِيِّينَ من إِسْرائيل، ويَضُمُّ المُشَتَّتينَ مِن يَهوذا، مِن أَربَعَةِ أَطْرافِ الأَرْض. فيَزولُ حَسَدُ أَفْرائيم، ويُستأصَلُ أَعْداءُ يَهوذا، فلا أَفْرائيمُ يَحسُدُ يَهوذا، ولا يَهوذا يُعادي أَفْرائيم. ويَطيرونَ على أَكْتافِ الفِلَسطينِيِّينَ نَحوَ الغَرْب، ويَنهَبونَ بَني المَشرِقِ مَعًا، ويَكونُ أَدومُ وموآبُ تَحتَ أَيديهِم، ويُطيعُهم بَنو عَمُّون. ويُدَمِّرُ الرَّبُّ خَليجَ بَحرِ مِصْر، ويَهُزُّ يَدَه على النَّهرِ بِريحِه الحارَّة، ويَشُقُّه سَبعَةَ جَداوِل، فيُعبَرُ بِالأَحذِيَة. ويَكونُ طَريقٌ لِبَقِيَّةِ شَعبِه، مَن بَقِيَ مِنهم مِن أَشُّور كما كانَ لإسْرائيل، يَومَ صَعِدَ مِن أَرضِ مِصْر. فتَقولُ في ذٰلك اليَوم، أَحمَدُكَ يا رَبِّ لأَنَّكَ غَضِبتَ علَيَّ. لٰكِنِ ٱرتَدَّ غَضَبُكَ وعَزَّيتَني. هُوَذا اللهُ خَلاصي فأَطمَئِنُّ ولا أَفزَع، الرَّبُّ عِزِّي ونَشيدي، لقد كانَ لي خَلاصًا. وتَستَقونَ المِياهَ مِن يَنابيعِ الخَلاصِ مُبتَهِجين، وتَقولونَ في ذٰلك اليَوم: إحمَدوا الرَّبَّ وٱدْعوا بِٱسمِه، عَرِّفوا في الشُّعوبِ أَعْمالَه، وٱذكُروا أَنَّ ٱسمَه قد تَعالى. أَشيدوا لِلرَّبِّ فإِنَّه قد صَنَعَ عَظائم، لِيُعَرِّفْ ذٰلك في الأَرضِ كُلِّها. إِهتِفي وٱبتَهجي يا ساكِنَةَ صِهْيون، فإِنَّ قُدُّوسَ إِسْرائيلَ في وَسْطِكِ عَظيم. قَولٌ على بابِلَ رآه أَشَعْيا بنُ آموص: إِنصِبوا رايَةً على جَبَلٍ أَقرَع، إِرفَعوا الصَّوتَ إِلَيهم. هُزُّوا أَيدِيَكم لِيَدخُلوا مِن أَبْوابِ الأَشْراف. إِنِّي أَمَرتُ مُقَدَّسِيَّ، ودَعَوتُ أَبْطالي لِغَضَبي، ظافِرِيَّ المُفتَخِرين. في الجِبالِ صَوتُ جُمْهور، كصَوتِ شَعبٍ عَظيم، صَوتُ جَلَبَةِ مَمالِكِ الأُمَمِ المُجتَمِعَة، ورَبُّ القُوَّاتِ يَستَعرِضُ جَيشَ القِتال. مِن أَرضٍ بَعيدَةٍ، مِن أَقاصي السَّمٰوات، يَأتي الرَّبُّ وأَدَواتُ سُخطِه لِتَدْميرِ الأَرضِ كُلِّها. وَلوِلوا فإِنَّ يَومَ الرَّبِّ قَريب، قادِمٌ قُدومَ ٱجتِياحٍ مِن لَدُنِ القَدير. فلِذٰلك تَستَرخي كُلُّ يَد، ويَذوبُ قَلبُ كُلِّ إِنْسان، فيَفزَعونَ ويَأخُذُهمُ الطَّلقُ والمَخاض، ويَتَضَوَّرونَ كالَّتي تَلِد، ويَنظُرونَ بَعضُهم إِلى بَعْضٍ مَبْهوتين، ووجُوهُهم مِثلُ اللَّهيب. هُوَذا يَومُ الرَّبِّ قد حَضَرَ قاسِيًا، يَومُ سُخطٍ وٱضطِرامِ غَضَب، لِيَجعَلَ الأَرضَ خَرابًا ويُبيدَ خَطَأَتَها مِنها. لأَنَّ كَواكبَ السَّماءِ ونُجومَها لا تَبعَثُ نورَها، والشَّمسَ تُظلِمُ في طُلوعِها، والقَمَرَ لا يُضيءُ بِنورِه. وأُعاقِبُ الدُّنيا بِشَرِّها والأَشْرارَ بِآثامِهم، وأَردَعُ صَلَفَ المُتَكَبِّرين وأَحُطُّ تَجَبُّرَ الطُّغاة. أَجعَلُ الإِنْسانَ أَندَرَ مِنَ الإِبْريز، والبَشَرَ أَندَرَ مِن ذَهَبِ أُوفير، لِذٰلك سأُزَعزِعُ السَّماء، وتَتَزَلزَلُ الأَرضُ عن مَقَرِّها، في سُخطِ رَبِّ القُوَّات، وفي يَومِ ٱضطِرامِ غَضَبِه. فيَكونُ الإِنسانُ كالظَّبيِ المُطارَد، وكغَنَمٍ لَيسَ لَها مَن يَجمَعُها، فكُلُّ واحِدٍ يَتَوَجَّهُ إِلى شَعبِه، ويَهرُبُ إِلى أَرضِه. وكُلُّ مَن صودِفَ طُعِن، وكُلُّ مَن أُخِذَ سَقَطَ بِالسَّيف. وأَطْفالُهم يُسحَقونَ بِمَرْأًى مِنهم، وبُيوتُهم تُنهَبُ ونِساؤُهم تُغتَصَب. هاءَنذا أُثيرُ علَيهِمِ الميدِيِّينَ الَّذينَ لا يُبالونَ بِالفِضَّة، ولا يَهوَونَ الذَّهَب. قِسِيُّهم تَسحَقُ الصِّبْيان، ولا يَرحَمونَ ثَمرَةَ البَطْن، ولا تُشفِقُ عُيونُهم على البَنين. فبابِلُ زينَةُ المَمالِك، وبَهاءُ فَخرِ الكَلْدانِيِّين، تَصيرُ كسَدومَ وعَمورَةَ اللَّتَينِ قَلَبَهما الله، فلا تُسكَنُ أَبَدًا، ولا تُعمَرُ إِلى جيلٍ فجيل، ولا يَضرِبُ أَعْرابِيُّ فيها خَيمَةً، ولا يَربِضُ هُناكَ رُعاة، بل وُحوشُ القَفرِ تَربِضُ هُناك. والبومُ يَملأُ بُيوتَهم، وبَناتُ النَّعامِ تأوي هُناك، والتُّيوسُ تَرقُصُ هُناك، والضَّبعُ تَعْوي في قُصورِها، وبَناتُ آوى في هَياكِلِ نَعيمِها. أَجَلُها قَريبٌ وأَيَّامُها لا تَطول. فإِنَّ الرَّبَّ سيَرحَمُ يَعْقوب، ويَعودُ فيَخْتارُ إِسْرائيل، ويُريحُه في أَرضِه، ويَنضَمُّ النَّزيلُ إِلَيه ويُشارِكُ بَيتَ يَعْقوب، وتَأخُذُه شُعوبٌ وتأتي بِه إِلى مَكانِه، فيَمتَلِكُها بَيتُ إِسْرائيلَ في أَرضِ الرَّبِّ عَبيدًا وإِماءً، ويَسْبي الَّذينَ سَبَوه ويَتَسَلَّطُ على الَّذينَ ظَلَموه. فيَومَ يُريحُكَ الرَّبُّ مِن أَلَمِكَ وٱضطِرابِكَ، ومِنَ العُبودِيَّةِ القاسِيَةِ الَّتي ٱستُعبِدتَ بِها، تُجاهِرُ بِهٰذا المَثَلِ على مَلِكِ بابِلَ وتَقول: «كَيفَ زالَ الظَّالِمُ وزالَ الرُّعْب؟ كَسَرَ الرَّبُّ عَصا الأَشْرار، وقَضيبَ المُتَسَلِّطين، الَّذينَ ضَرَبوا الشُّعوبَ بِحَنَق ضَربًا لم يَنقَطِعْ. وتَسَلَّطوا على الأُمَمِ بِغَضَب، مُطارِدينَ إِيَّاها بِلا رَحمَة. قدِ ٱستَراحَتِ الأَرضُ كُلُّها وسَكَنَت، وٱندَفَعوا بالهُتاف حتَّى السَّرْوُ وأَرزُ لُبْنانَ يَشمَتانِ بِكَ: مُنذُ ٱضطَجَعتَ لم يَصعَد علَينا مَن يَقطَعُنا»، مَثْوى الأَمْواتِ مِن أَسفَل إِرتَعَدَ مِنكَ عِندَ قُدومكَ، وأَيقَظَ لَكَ الأَشْباح جَميعَ عُظَماءِ الأَرْض، وأَقامَ جَميعَ مُلوكِ الأُمَمِ عن عُروشِهم. فتَكَلَّمَ جَميعُهم قائلينَ لَكَ: «إِنَّكَ أَنتَ أَيضًا مَرِضتَ مِثلَنا وصِرتَ مُماثِلًا لَنا. أُهبِطَت عَظَمَتُكَ، وصَوتُ عيدانِكَ إِلى مَثْوى الأَمْوات، تَحتَكَ يُفرَشُ السُّوس وغِطاؤُكَ الدُّود. كَيفَ سَقَطتِ مِنَ السَّماء أَيَّتُها الزُّهرَةُ، اِبنُ الصَّباح؟ كَيفَ حُطّمتَ إِلى الأَرْض يا قاهِرَ الأُمَم؟ قد قُلتَ في قَلبِكَ: إِنِّي أَصعَدُ إِلى السَّماء، أَرفَعُ عَرْشي فَوقَ كَواكِبِ الله، وأَجلِسُ على جَبَلِ الجَماعة، في أَقاصي الشَّمال. أَصعَدُ فَوقَ أَعالي الغُيوم، وأَكونُ شَبيهًا بِالعَلِيّ. بَل تُهبَطُ إِلى مَثْوى الأَمْوات، إِلى أَقاصي الجُبّ». الَّذينَ يَرَونَكَ يَتَفَرَّسونَ فيكَ ويَتَأَمَّلون: «أَهٰذا هو الإِنسانُ الَّذي زَعزَعَ الأَرضَ وزَلزَلَ المَمالِك؟ جَعَلَ الدُّنْيا مِثلَ بَرِّيَّة وحَطَّمَ مُدُنَها، ولم يُطلِقْ أَسْراه إِلى بُيوتِهم. جَميعُ مُلوكِ الأُمَمِ كافَّةً قدِ ٱضطَجَعوا بِالكَرامَةِ كُلُّ واحِدٍ في بَيتِه. أَمَّا أَنتَ فطُرِحتَ عن قَبرِكَ كفَرْعٍ قبيح، ومِن حَولِكَ قَتْلى مَطْعونونَ بِالرِّماح هابِطونَ إِلى حِجارَةِ الجُبِّ كالجُثَّةِ المَدوسة. لا تَجتَمِعْ وإِيَّاهم في المَدفَن، لأَنَّك دَمَّرتَ أَرضَكَ وقَتَلتَ شَعبَكَ. لا تُذكرُ لِلأَبَدِ ذُرِّيَّةُ فاعِلي السُّوء. هَيِّئوا لِبَنيه الذَّبحَ بِسَبَبِ إِثمِ آبائِهم. لا يَقوموا ولا يَرِثوا الأَرْض ولا يَمْلَأُوا وَجهَ المَسْكونةِ مُدُنًا». فأَقومُ علَيهم يَقولُ رَبُّ القُوَّات وأَستأصِلُ مِن بابِلَ الِٱسمَ والبَقِيَّةَ والذُّرِّيَّةَ والعَقِب يَقولُ الرَّبّ وأَجعَلُها ميراثًا لِلقَنافِذ ومُستَنقَعاتٍ لِلمِياه وأَكنُسُها بِمِكنَسَةِ الإِبادة، يَقولُ رَبُّ القُوَّات. إِنَّ رَبَّ القُوَّاتِ أَقسَمَ قائلًا: الَّذي نَوَيتُه هو سيَكون الَّذي قَضَيتُه هو سَيَتِمّ: سأُحَطِّمُ أَشُّورَ في أَرْضي وأَدوسُه على جِبالي فيُزالُ عنهم نيرُه ويُزالُ ثِقلُه عن أَكْتافِهم. هٰذا هو القَضاءُ الَّذي قَضَيتُه على كُلِّ الأَرْض، وهٰذه هي اليَدُ المَمْدودةُ على كُلِّ الأُمَم، فإِنَّ رَبَّ القُوَّاتِ قد قضى فمَنِ الَّذي يُخالِف، ويَدُه مَمْدودةٌ فمَنِ الَّذي يَرُدُّها؟ في السَّنَةِ الَّتي ماتَ فيها المَلِكُ آحاز، كانَ هٰذا القَول: لا تَفرَحي يا فِلَسْطينُ بِأَسرِها بِأَنَّ قَضيبَ ضارِبِكِ قدِ ٱنكَسَر فإِنَّه مِن أَصلِ الحَيَّةِ يَخرُجُ الأَرقَم ونَسلُه يَكونُ تِنِّينًا طَيَّارًا. وسيَرْعى أَضعَفُ النَّاس ويَربِضُ المَساكينُ مُطمَئِنِّين وأَنا أُميتُ نَسلَكِ بِالجوع وهو يَقتُلُ بَقِيَّتَكِ. وَلوِلْ أَيُّها الباب أُصرُخي أَيَّتُها المَدينة. لِتَخُرْ عَزيمَتُكِ يا فِلَسطينُ بِأَسرِها لأَنَّ دُخانًا آتٍ مِنَ الشَّمال ولَيسَ مَن يَفِرُّ في تَجَمُّعاتِه. بِماذا يُجابُ رُسُلُ الأُمَّة؟ إِنَّ الرَّبَّ أَسَّسَ صِهْيون، وبِها يَعتَصِمُ بائِسو شَعبِه. قَولٌ على مُوآب: دُمِّرَت عارَ مُوآبُ لَيلًا فسَكَتَت، ودُمِّرَت قيرَ مُوآبُ لَيلًا فسَكَتَت. ديبونُ أَيضًا صَعِدَت إِلى البَيت، إِلى المَشارِفِ لِلبُكاء. مُوآبُ يُوَلوِلُ على نَبو وميدابا في كُلِّ رأسٍ قَرَع وكُلُّ لِحيَةٍ مَقْصوصة. تَحَزَّموا بالمُسوحِ في شَوارِعِهم. كُلٌّ يُوَلوِلُ على السُّطوحِ وساحاتِها ويَفيضُ بِالبُكاء. حَشْبونُ وأَلْعالَةُ تَصرُخان، وأَصْواتُهما تُسمَعُ إِلى ياهَص. لِذٰلك مُتَسَلِّحو موآبَ يَصيحون، ونَفْسُه فيه تَرتَعِش. قَلْبي يَصرُخُ على مُوآب، وهارِبوه وَصَلوا إِلى صوعَر، إِلى عِجلَتَ شَليشِيَّة. فإِنَّهم يَصعَدونَ بِالبُكاءِ في عَقَبَةِ اللُّوحيت، ويَرفَعونَ صُراخَ ٱنكِسارٍ في طريقِ حورونائيم. فإِنَّ مِياهَ نِمْريمَ نَضَبَت، ويَبِسَ العُشبُ وفَنِيَ الخَضيرُ ولم يَبقَ رُطْب. لِذٰلك يَحمِلونَ إِلى نَهرِ الصَّفْصافِ الثَّروَةَ الَّتي أَنشَأوها مع ذَخَائِرِهم. فقَد شَمِلَ الصُّراخُ أَرضَ موآب، وبَلَغَ إِلى أَجْلائيمَ وبِئرِ إِيليم. مِياهُ ديمونَ ٱمتَلأَت دَمًا، وسَأَزيدُ ديمونَ ضَرَبات، أَسَدًا لِمَن نَجا مِن مُوآب ولِبَقِيَّةِ الأَرض. أَرسِلوا الحُمْلانَ إِلى مُتَسَلِّطِ الأَرض، مِن سيلَعَ في البَرِّيَّة، إِلى جَبَلِ بِنتِ صِهْيون. وتكونُ بَناتُ موآبَ عِندَ مَعابِرِ أَرْنون، كالطَّائِرِ الهارِبِ والعُشِّ المُبَعثَر. هاتي مَشورَة، اِتَّخِذي قَرارًا، إِجعَلي ظِلَّكِ في الظَّهيرَةِ كاللَّيل. أُستُري المَنفِيِّينَ، ولا تَكشِفي عنِ الهارِبين، لِيسكُنْ مَعَكِ مَنفِيُّو موآب. كوني لَهم سِترًا مِن وَجْهِ المُدَمِّر، حينَ يَزولُ الظَّالِمُ ويَنتَهي الدَّمار، ويَفْنى الَّذي يَدوسُ الأَرْض. فإِنَّه بِالرَّحمَةِ يُثَبَّتُ العَرْش، ويَجلِسُ علَيه بِالأَمانَةِ في خَيمَةِ داوُد، قاضٍ يَبتَغي الحَقَّ ويُبادِرُ إِلى البِرّ. قد سَمِعْنا بِتَكَبُّرِ موآبَ الشَّديد، بِتَعَجرُفِه وتَكَبُّرِه وحَنَقِه وثَرثَرَتِه السَّخيفة. فلِذٰلِك يُوَلوِلُ موآبُ على موآب. جَميعُهم يُوَلوِلون. تَئِنُّونَ مُنكَسِري القُلوب، على أَقْراصِ زَبيبِ قيرَحَراسَت، فقد ذَبَلَت حُقولُ حَشْبونَ وكَرْمُ سِبحَةَ الَّذي صَرَعَت عَناقيدُه الطَّيَّبَةُ سادَةَ الأُمَم، وبَلَغَت فُروعُه إِلى يَعْزير، وساحَت في البَرِّيَّة وٱمتَدَّت وجازَتِ البَحْر. لِذٰلك أَبْكي بُكاءَ يَعْزيرَ على كَرْمِ سِبمَة. إِنِّي أَسْقيكِ بِدَمْعي يا حَشْبونُ ويا أَلعالَة، لأَنَّه عن قِطافِكِ وحِصادِكِ زالَ الهُتاف. وزالَ الفَرَحُ والِٱبتِهاجُ مِنَ البُسْتان، فلا هُتافَ ولا صِياحَ في الكُروم، ولا يَدوسُ دائِسٌ خَمرًا في المَعاصِر، فإِنِّي قد سَكَّتُّ الهُتاف. فلِذٰلك تَهتَزُّ أَحْشائي على مُوآبَ كالكِنَّارة وقَلْبي على قيرَحارَس. ويُرى مُوآبُ وقد خارَت قِواه في المَشرَف، ويَدخُلُ مَقدِسَه لِيُصَلِّي، لٰكِنَّه لا يَستَطيع. هٰذا هو القَولُ الَّذي قالَه الرَّبُّ على مُوآبَ آنَذاك. أَمَّا الآنَ فتَكَلَّمَ الرَّبُّ قائِلًا: بَعدَ ثَلاثِ سَنَواتٍ هي كسِني الأَجير، يُذَلُّ مَجدُ موآبَ مع جُمْهورِه العَظيم، وتَكونُ بَقِيَّةٌ قَليلَةٌ ويَسيرةٌ شَيئًا لا يُعتَدُّ بِه. قَولٌ على دِمَشق: ها إِنَّ دِمَشقَ تُزالُ مِن بَينِ المُدُن، فتَكونُ رُكامًا مِنَ الأَنْقاض. مُدُنُ عَروعيرَ تُهجَرُ فتَكونُ لِلقُطْعان، تَربِضُ فيها ولا أَحَدَ يُقلِقُها. يَزولُ الحِصنُ مِن أَفْرائيم والمُلكُ مِن دِمَشْق، وبَقِيَّةُ أَرامَ يَصيرُ مَجدُها كمَجدِ بَني إِسْرائيل، يَقولُ رَبُّ القُوَّات. وفي ذٰلك اليَوم يَصيرُ مَجدُ يَعْقوبَ ضَعيفًا، وسِمَنُ لَحمِه هَزيلًا، فيَكونُ كَما عِندَ جَمْعِ حَصادِ القَمْح، وكما عِندَ جَمعِ السَّنابِلِ في الذِّراع، ويَصيرُ كمَن يَلقُطُ سَنابِل في وادي رَفائيم. وتَبْقى فيه قُصاصَة، كما عِندَ نَفضِ زَيتونَة، فحَبَّتانِ أَو ثَلاثٌ في رَأسِ غُصْنٍ، وأَربَعٌ أَو خَمسٌ في فُروعِ ذاتِ الثَّمَر، يَقولُ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل. في ذٰلك اليَومِ يَلتَفِتُ الإِنسانُ إِلى صانِعِه، وتَنظُرُ عَيناه إِلى قُدُّوسِ إِسْرائيل، ولا يَلتَفِتُ إِلى المَذابِحِ صُنعِ يَدَيه، ولا يَنظُرُ إِلى ما صَنَعَت أَصابِعُه، ولا إِلى الأَوتادِ المُقَدَّسة، ولا إِلى مَذابِحِ البَخور. في ذٰلك اليَومِ تَكونُ مُدُنُ المَلجأ كالأَغصانِ والقِمَمِ المَتْروكةِ الَّتي تَرَكوها مِن وَجهِ بَني إِسْرائيل فصارَت خَرابًا. لأَنَّكِ نَسيتِ إِلٰهَ خَلاصِكِ، ولم تَتَذَكَّري صَخرَةَ مَلجَإِكِ، لِذٰلك تَغرِسينَ غَرسَ نَعيم، وتَزْرَعين الغُصنَ الغَريب. يَومَ تَغرِسينَه تُنْمينَه، وفي الصَّباحِ تَجعَلين زَرعَكِ يُزهِر، ولٰكِنَّ الغَلَّةَ تَذهَبُ يَومَ المَرَضِ والأَلَمِ العُضال. وَيلٌ! ضَجيجُ شُعوبٍ كَثيرة تَضِجُّ ضَجيجَ البِحار، وعَجيجُ أُمَمٍ تَعِجُّ عَجيجَ المِياهِ الكَثيرة، (ولأُمَمٍ تَعِجُّ عَجيجَ المِياهِ الكَثيرة) يَزجُرُها فتَفِرُّ بَعيدًا. وتُطرَدُ كعُصافَةِ الجِبالِ تُجاهَ الرِّيح، وكالإِعصارِ تُجاهَ الزَّوبَعة. إِذا كانَ المَساءُ حَلَّ الرُّعْب، ثُمَّ لا يَطلَعُ الصَّباحُ إِلاَّ وقد زال، هٰذا نَصيبُ ناهِبينا وحَظُّ سالِبينا. وَيلٌ لأَرضِ حَفيفِ الأَجنِحَة، الَّتي في عِبرِ أَنْهارِ كوش، أَنتِ الباعِثَةَ رُسُلًا في البَحْر، في قَوارِبِ البَردِيِّ على وَجهِ المِياه. أُمْضوا أَيُّها الرُّسُلُ السِّراع، إِلى أُمَّةٍ مَمْشوقَةٍ سَمْراء، إِلى شَعبٍ مَرْهوبٍ هُنا وفي البَعيد، إِلى أُمَّةٍ قَوِيَّةٍ شَديدَةِ الوَطْء، تَقطَعُ الأَنْهارُ أَرضَها. يا جَميعَ سُكَّانِ الدُّنْيا وقاطِني الأَرْض، إِذا رُفِعَتِ الرَّايَةُ على الجِبالِ فٱنظُروا، وإِذا نُفِخَ في البوقِ فٱسمَعوا. فإِنَّه هٰكذا قالَ لِيَ الرَّبّ: أَنا صامِتٌ أَنظُرُ مِن مَكاني، في الحَرِّ اللاَّفِحِ فَوقَ النُّور، وفي غَيمِ نَدًى في حَرِّ الحَصاد. لأَنَّه قَبلَ الحَصادِ حينَ يَتِمُّ النَّبْت، ويَصيرُ الزَّهَرُ حِصرِمًا قارَبَ النُّضْج، تُقطَعُ القُضْبانُ بِالمَناجِل، وتُنزَعُ الأَغْصانُ وتُقضَب، وتُترَكُ كُلُّها لِجَوارِحِ الجِبال، ولِبَهائِمِ الأَرْض، وتَصْطافُ علَيها الجَوارِح، وتَشْتو علَيها جَميعُ بَهائِمِ الأَرْض. في ذٰلك الزَّمان، تُقَدَّمُ هَدايا لِرَبِّ القُوَّات، مِنَ الشَّعبِ المَمْشوقِ الأَسمَر، الشَّعبِ المَرْهوبِ هُنا وفي البَعيد، الأُمَّةِ القَوِيَّةِ الشَديدَةِ الوَطْء، الَّتي تَقطَعُ الأَنْهارُ أَرضَها، إِلى مَقَرِّ ٱسمِ رَبِّ القُوَّات، جَبَلِ صِهْيون. قَولٌ عل مِصر: هُوَذا الرَّبُّ يَركَبُ على غَيمٍ سَريع ويَدخُلُ مِصرَ، فتَضطَرِبُ أَوثانُ مِصرَ مِن وَجهِه، ويَذوبُ قَلبُ مِصرَ في داخِلِها. وأُحَرِّضُ مِصرَ على مِصرَ، فيُقاتِلُ الإِنسانُ أَخاه والرَّجُلُ صَديقَه، مَدينةٌ مَدينَةً ومَملَكَةٌ مَمْلَكَة. ويُهَراقُ روحُ مِصرَ في داخِلها، وأُبَلبِلُ مَشورَتَها، فيَسأَلونَ الأَوثانَ والسَّحَرَة، ومُستَحضِري الأَرْواحِ والعَرَّافين. وأُسلِمُ مِصرَ إِلى يَدِ سَيِّدٍ قاسٍ، ومَلكٌ صَلْبٌ يَتَسَلَّطُ علَيها، يَقولُ السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات. وتَنضُبُ المِياهُ مِنَ البَحْر، ويَجِفُّ النَّهرُ ويَيبَس وتُنتِنُ الأَنْهار، وتَتَناقَصُ جَداوِلُ مِصرَ وتَجِفّ، فيَذْوي القَصَبُ والبَرْدِيّ، والمُروجُ على النِّيل، على ضِفافِ النِّيل، وجَميعُ مَزارِعِ النِّيل، تَيبَسُ وتَتَبَرَّدُ ولا تَكون. فيَنتَحِبُ الصَّيَّادون، ويَنوحُ كُلُّ الَّذينَ يُلْقونَ الشِّصَّ في النِّيل، ويَتَحَسَّرُ الَّذينَ يُلْقونَ الشَّبَكَةَ على وَجهِ المِياه. ويَخْزى صُنَّاعُ الكَتَّانِ المُهَلهَل، ويَصفَرُّ الحاكة، ويَصيرُ حاكَتُها مَصْروعين، وكُلُّ العامِلينَ بِالأُجرَةِ مُكتَئبي النُّفوس. أَجَل، رُؤَساءُ صوعَنَ أَغْبِياء، ومَشورَةُ مُشيري فِرعَونَ الحُكَماءِ سَخيفَة، فكَيفَ تَقولونَ لِفِرعَون: «أَنا ٱبنُ الحُكَماءِ ٱبنُ المُلوكِ الأَقدَمين؟» أَينَ حُكَماؤُكَ؟ لِيُخبِروكَ ولْيَعْلَموا ماذا قَضى رَبُّ القُوَّاتِ على مِصر. قد جُنَّ رُؤَساءُ صوعَن، وانخَدَعَ رُؤَساءُ نوف، وأَضَلَّ مِصرَ حِجارُ الأَساسِ في قَبائِلِها. مَزَجَ الرَّبُّ في داخِلِها روحَ دُوار، فأَضَلُّوا مِصرَ في جَميعِ أَعْمَالِها، كالسَّكْرانِ التَّائِهِ في قَيئِه، فلا يَبْقى لِمِصرَ عَمَلٌ يَعمَلُه فيها الرَّأسُ أَوِ الذَّنَب، السَّعَفُ أَوِ القَصَب. في ذٰلك اليَوم، تَكونُ مِصرُ مِثلَ النِّساء، فتَرتَعِشُ وتَرتَعِبُ مِن رَفعِ يَدِ رَبِّ القُوَّاتِ الَّتي يَرفَعُها علَيها. وتَكونُ أَرضُ يَهوذا لِمِصرَ رُعيًا، فكُلَّما تُذكَرُ أَمامَها، تَرتَعِبُ مِن تَدْبيرِ رَبِّ القُوَّاتِ الَّذي قضاه علَيها. في ذٰلك اليَوم، تَكونُ خَمسُ مُدُنٍ في أَرضِ مِصْر. تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعان، وتَحلِفُ بِرَبِّ القُوَّات، يُقالُ لإحْداها مَدينَةُ الشَّمْس. في ذٰلك اليَوم، يَكونُ مَذبَحٌ لِلرَّبِّ في داخِلِ أَرضِ مِصْر ونُصُبٌ بِجانِبِ حُدودِها لِلرَّبّ، فيَكونُ عَلامةً وشَهادةً لِرَبِّ القُوَّاتِ في أَرضِ مِصْر، لأَنَّهم يَصرُخونَ إِلى الرَّبِّ أَمامَ المُضايِقين، فيُرسِلُ لَهم مُخَلِّصًا ومُدافِعًا فيُنقِذُهم. ويُعَرِّفُ الرَّبُّ نَفْسَه إِلى مِصْر، فتَعرِفُ مِصرُ الرَّبَّ في ذٰلك اليَوم، وتَعبُدُه بِالذَّبيحَةِ والتَّقدِمَة، ويَنذُرونَ لِلرَّبِّ نُذورًا ويوفونَ بِها. يَضرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ، يَضرِبُ ويَشْفي، فتَرجِعُ إِلى الرَّبِّ فيَستجيبُها ويَشْفيها. في ذٰلك اليَوم، يَكونُ طَريقٌ مِن مِصرَ إِلى أَشُّور، فتَأتي أَشُّورُ إِلى مِصرَ ومِصرُ إِلى أَشُّور، وتَعبُدُ مِصرُ الرَّبَّ مع أَشُّور. في ذٰلك اليَوم، يَكونُ إِسرائيلُ ثالِثًا لِمِصرَ وأَشُّور، وبَرَكَةً في وَسَطِ الأَرْض، فيُبارِكُه رَبُّ القُوَّاتِ قائِلًا: مُبارَكٌ شَعْبي مِصرُ وصُنعُ يَدي أَشُّور وميراثي إِسْرائيل. في السَّنَةِ الَّتي زَحَفَ فيها قائِدُ القُوَّادِ على أَشْدود، وقَد أَرسَلَه سَرْجون، مَلِكُ أَشُّور، وحارَبَ أَشْدودَ وأَخَذَها، في ذٰلك الزَّمانِ تَكَلَّمَ الرَّبُّ على لِسانِ أَشَعْيا بنِ آموصَ قائِلًا: «إِذهَبْ وحُلَّ المِسحَ عَن حَقْوَيكَ، وٱخلَعْ نَعلَيكَ عن قَدَمَيكَ». ففَعَلَ كذٰلك ومَشى عارِيًا حافِيًا. فقالَ الرَّبّ: «كما مَشى عَبْدي أَشَعْيا عارِيًا حافِيًا ثَلاثَ سَنَوات، فكانَ آيَةً وعَلامَةً على مِصرَ وكوش، كذٰلك يَسوقُ مَلِكُ أَشُّورَ أَسْرى مِصرَ ومَجلُوِّي كوش، الصِّبْيانَ والشُّيوخَ، عُراةً حُفاةً مَكْشوفَةً أَدْبارُهم، عَورَةَ مِصْر، فيَفزَعونَ ويَخزَونَ بِكوشَ رَجائِهم بِمِصرَ فَخرِهم، ويَقولُ سُكَّانُ هٰذا السَّاحِلِ في ذٰلك اليَوم: «هٰذا ما آلَ إِلَيه رَجاؤُنا الَّذي ٱلتَجَأنا إِلَيه لِلنَّجدَة، لِنَنجُوَ مِن مَلِكِ أَشُّور. فكَيفَ نُفلِتُ نَحنُ؟». قَولٌ على بَرِّيَّةِ البَحْر، كما تَمُرُّ الزَّوابِعُ في الجَنوب، كذٰلك يأتي مِنَ البَرِّيَّة، مِن أَرضٍ مُخيفة. كُشِفَت لي رُؤيا قاسِيَة: «الخائِنُ يَخونُ والمُدَمِّرُ يُدَمِّر. إِصعَدي يا عَيلام، حاصِري يا ميدِيا». إِنِّي سَكَّنتُ كُلَّ نُواحٍ مِنها. فلِذٰلك ٱمْتَلأَت كُلْيَتايَ أَلَمًا، وأَخَذَني المَخاضُ كمَخاضِ الَّتي تَلِد. أُرهِقتُ حتَّى إِنِّي لا أَسمَع، وٱرتَعتُ حتَّى إِنِّي لا أُبصِر. ضَلَّ قَلْبي وٱعتَراني الِٱرتِعاش، فصارَ الشَّفَقُ الَّذي أَتوقُ إِلَيه رُعبًا. ها إِنَّ المائِدَةَ تُعَدّ والبُسُطَ تُفرَش، وهم يأكُلونَ ويَشرَبون. قوموا أَيُّها الرُّؤَساءُ وٱمسَحوا التُّروس، فإِنَّه هٰكذا قالَ لِيَ السَّيِّد: «إِذْهَبْ فأَقِمِ الرَّقيبَ وليُخبِرْ بِما جَرى. فيَرى رَكْبًا، أَزْواجَ فُرْسان، رُكَّابَ حَميرٍ ورُكَّابَ جِمال، فيُصْغي إِصْغاءً شَديدًا». ثُمَّ يَصرُخُ الرَّقيب: «إِنِّي قائِمٌ على المَرصَدِ دائمًا في النَّهار، وواقِفٌ على المَحرَسِ طولَ اللَّيالي، فإِذا بِرَكْبٍ مِنَ الرِّجال وأَزْواجِ فُرْسانٍ قد أَقبَلوا». ثُمَّ عادَ وقال: «سَقَطَت سَقَطَت بابِل، وحُطِّمَت إِلى الأَرضِ جَميعُ مَنْحوتاتِ آلِهَتِها». يا مَن دُستُه، يا ٱبنَ بَيدَري، إِنَّ الَّذي سَمِعتُه مِن رَبِّ القُوَّاتِ إِلٰهِ إِسْرائيل قد أَخبَرتُكم بِه. قَولٌ على دومة: يُصرَخُ إِلَيَّ مِن سِعير: «يا حارِس، ما الوَقتُ مِنَ اللَّيل؟ يا حارِس، ما الوَقتُ مِنَ اللَّيل؟» فقالَ الحارس: «الصَّباحُ آتٍ واللَّيلُ أَيضًا، إِن سأَلتُم فٱسأَلوا. إِرجِعوا تَعالَوا». قَولٌ على العَرَبَة: في الغابَةِ في العَرَبَةِ تَبيتون، يا قَوافِلَ الدَّدانِيِّين. هاتوا الماءَ لِلِقاءِ العَطْشان، يا سُكَّانَ أَرضِ تَيماء. إِستَقبِلوا الهارِبَ بِالخُبْز، فإِنَّهم قد هَرَبوا مِن أَمامِ السُّيوف، مِن أَمامِ السَّيفِ المَسْلول، والقَوسِ المَشْدودةِ وشِدَّةِ القِتال. لأَنَّه هٰكذا قالَ لِيَ السَّيِّد: «بَعدَ سَنَةٍ كسِني الأَجير، يَفْنى كُلُّ مَجدِ قيدار، وباقي عَدَدِ أَصْحابِ القِسِيِّ مِن أَبْطالِ بَني قيدار يُصبِحُ شَيئًا قَليلًا، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرائيلَ قد تَكَلَّم». قَولٌ على وادي الرُّؤيا: ما لَكِ قد صَعِدتِ كُلُّكِ إِلى السُّطوح؟ أَيَّتُها المُمتَلِئَةُ جَلَبَةً، المَدينَةُ العَجَّاجَةُ البَلدَةُ المُبتَهِجَة. لَيسَ قَتْلاكِ قَتْلى السَّيف، ولا مَوتى القِتال. جَميعُ قُوَّادِكِ هَرَبوا مَعًا، وأُسِروا دونَ أَن يَرموا بِالقَوس، وأُسِرَ مَعًا كُلُّ مَن وُجِدوا، وهم مُنهَزِمونَ بَعيدًا. فلِذٰلك قُلت: «تَحَوَّلوا عنِّي، فأَبكِيَ بُكاءً مُرًّا. لا تُلِحُّوا في تَعزِيَتي عن دَمارِ بِنتِ شَعْبي». هُوَذا يَومُ هَزيمةٍ وٱنسِحاقٍ وبَلبَلَة، مِن لَدُنِ رَبِّ القُوَّات. في وادي الرُّؤيا قُوِّضَتِ الأَسْوار، وصُرِخَ إِلى الجِبال. إِنَّ عَيلامَ قد حَمَلَ الجَعبَة، في مَركباتٍ بِرِجالٍ وفُرْسان، وجَرَّدَ قيرٌ التُّروس. فنُخبَةُ أَودِيَتِكَ مَلأْى بِالمَركَبات، والفُرسانُ مُصطَفُّون أَمامَ الباب. قد رُفِعَت حِمايةُ يَهوذا. في ذٰلك اليَومِ ٱلتَفَتِّ إِلى سِلاحِ بَيتِ الغابة، ورأَيتُم ثُلَمَ مَدينَةِ داوُدَ قد تَكاثَرَت، وجَمَعتُم مِياهَ البِركَةِ السُّفْلى، وعَدَدتُم بُيوتَ أُورَشَليم، وهَدَمتُمُ البُيوتَ لِتَحْصينِ السُّور، وصَنَعتُم بُحَيرةً بَينَ السُّورَين، لِمِياهِ البِركَةِ العَتيقة، ولم تَلتَفِتوا إِلى الَّذي فَعَلَ ذٰلك، ولا نَظَرتُم إِلى الَّذي كَوَّنَه مِن زَمَنٍ بَعيد. في ذٰلك اليَومِ دَعا السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات إِلى البُكاءِ والنَّحيب، وحَلْقِ الشَّعَرِ والتَحَزُّمِ بِالمِسْح. وإِذا بِالفَرَحِ والسُّرور، وذَبحِ البَقَرِ ونَحرِ الغَنَم، وأَكْلِ اللَّحمِ وشُربِ الخَمْر: «لِنَأكُلْ ونَشرَبْ فإِنَّنا غَدًا نَموت». فأَوحى إِلى أُذُني رَبُّ القُوَّات: «لن يُكَفَّرَ عنكم هٰذا الإِثمُ حتَّى تَموتوا»، يَقولُ السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات: إِذهَبْ فٱدخُلْ إِلى ذٰلك الوَكيل، إِلى شَبْنا قَيِّمِ البَيت، وقُلْ: «ما لَكَ هُنا ومَن لَكَ هنا، حتَّى نَحَتَّ لَكَ قَبرًا هُنا؟» أَيُّها النَّاحِتُ لَه قَبرًا رَفيعًا، الحافِرُ في الصَّخرِ مَسكِنًا لَه، هُوَذا الرَّبُّ، يا رَجُلُ، يَقذِفُ بِكَ قَذفًا ويَقبِضُ علَيكَ قَبضًا. يُدَحرِجُكَ دَحرَجَةَ الكُرَة، إِلى أَرضٍ واسِعَةِ الأَطْراف. هُناكَ تَموتُ وهُناكَ تَكونُ مَركَباتُ مَجدِكَ، يا عارَ بَيتِ سَيِّدِكَ، وأَطرُدُكَ عن مَنصِبِكَ وعن مَقامِكَ تُخلَع. وفي ذٰلك اليَومِ أَدْعو عَبْدي أَلْياقيمَ بنَ حِلقِيَّا، وأُلبِسُه حُلَّتَكَ وأَشُدُّهُ بِزُنَّارِكَ، وأَجعَلُ سُلْطانَكَ في يَدِه، فيَكونُ أَبًا لِساكني أُورَشَليمَ ولِبَيتِ يَهوذا، وأَجعَلُ مِفْتاحَ بَيتِ داوُدَ على كَتِفِه، يَفتَحُ فلا يُغلِقُ أَحَد، ويُغلِقُ فلا يَفتَحُ أَحَد. وأَغرِسُه وَتِدًا في مَكانٍ مَتين، فيَكونُ عَرشَ مَجدٍ لِبَيتِ أَبيه، ويُعَلِّقونَ عليه كُلَّ مَجدِ بَيتِ أَبيه، الأَبْناءَ والأَحْفادَ وجَميعَ الآنِيَةِ الصَّغيرة، مِن آنِيَةِ الكُؤُوسِ إِلى جَميعِ آنِيَةِ الجِرار. في ذٰلك اليَوم، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، يُنزَعُ الوَتِدُ المَغْروسُ في المَكانِ المَتين، ويَنكَسِرُ ويَسقُط، فيُبادُ الحِملُ الَّذي علَيه، لأَنَّ الرَّبَّ قد تَكَلَّم. قَولٌ على صور: وَلوِلي يا سُفُنَ تَرْشيش، فقَد دُمِّرَت صورُ حتَّى لم يَبْقَ بَيتٌ عِندَ وُصولِهِم مِن أَرضِ كِتِّيمَ. أُخبِروا بِذٰلك. يا تُجَّارَ صَيدونَ ويا سُكَّانَ الجَزيرة. الَّذينَ عَبَرَ رُسُلُهمُ البِحارَ، دَهِشوا، وكانَت غَلَّتُها زَرعَ شيحور، وحَصادَ النِّيلِ على مِياهٍ غَزيرة، وكانَت هي مَتجَرَةَ الأُمَم. إِخزَي يا صَيدون، فإِنَّ البَحرَ (حِصنَ البَحرِ)، قد تَكَلَّمَ قائلًا: «إِنِّي لم أَحبَلْ ولَم أَلِدْ، ولم أُرَبِّ فِتْيانًا ولم أُكَبِّرْ فَتَيات». عِندَ سَماعِ مِصرَ بِالخَبَرِ يَرْتاعون، عِندَ سَماعِهم بِخَبَرِ صور. أُعبُروا إِلى تَرْشيش، وَلوِلوا يا سُكَّانَ الجَزيرة. أَهٰذه مَدينَتُكمُ المُبتَهِجَة، الَّتي تَرْقى إِلى الأَيَّامِ الأُولى، ورِجْلاها تَنقُلانِها إِلى سُكْنًى بَعيدة؟ مَن قَضى ذٰلك على صورَ الَّتي تُتَوِّجُ المُلوك، وتُجَّارُها أُمَراء ومُتاجِروها كِرامُ الأَرْض؟ رَبُّ القُوَّاتِ هو قَضى ذٰلك، لِيُذِلَّ كِبرِياءَ كُلِّ بَهاء، ويُهينَ كِرامَ الأَرْض. فيضي في أَرضِكِ كالنِّيل، يا بِنتَ تَرْشيش، فلا مانِعَ بَعدَ اليَوم. مَدَّ يَدَه على البَحرِ وزَعزَعَ المَمالِك. أَمَرَ الرَّبُّ على كَنْعانَ بِتَدْميرِ حُصونِها، وقال: لا تَعودينَ تَفتَخِرين، أَيَّتُها العَذْراءُ المَهْتوكَة، بِنتُ صَيدون. قومي فٱعبُري إِلى كِتِّيم، هُناكَ أَيضًا لا راحةَ لكِ. ها هي ذي أَرضُ الكَلْدانِيِّين، الشَّعبِ الَّذي لم يَكُنْ، فأَسَّسَها أَشُّورُ لوُحوشِ القِفار. قد أَقاموا بُروجَهم، دَمَّروا قُصورَها فجُعِلَت خَرابًا. وَلولي يا سُفُنَ تَرْشيش، فإِنَّ حِصنَكم قد دُمِّر. وفي ذٰلك اليَوم، تُنْسى صورُ سَبْعينَ سَنَةً، كأَيَّامِ مَلِكٍ واحِد، وبَعدَ السَّبْعينَ سَنَةً يَكونُ لِصورَ مِثلُ أُغنِيَّةِ الزَّانِيَة: «خُذي الكِنَّارةَ وطوفي في المَدينة، أَيَّتُها الزَّانِيَةُ المَنسِيَّة. أَحسِني العَزْفَ، أَكثِري الغِناء، لِكَي تُذكَري». وبَعدَ السَّبْعينَ سَنَةً، يَفتَقِدُ الرَّبُّ صور، فتَعودُ إِلى أُجورِها فتَزْني مع جَميعِ مَمَالِكِ العالَمِ على وَجهِ الأَرض، وتَصيرُ تِجارَتُها وأُجورُها قُدسًا لِلرَّبّ، لا تُخَزَّنُ ولا تُدَّخَر، لأَنَّ تِجارَتَها تَكونُ لِلسَّاكِنينَ أَمامَ الرَّبّ، لِيَأكلوا ويَشبَعوا ويَلبَسوا الثِّيابَ الفاخِرة. ها إِنَّ الرَّبَّ يُخَرِّبُ الأَرضَ ويُدَمِّرُها، ويَقلِبُ وَجهَها ويُبَدِّدُ سُكَّانَها، فيَكونُ الكاهِنُ كالشَّعْب، والسَّيِّدُ كالعَبْدِ والسَّيِّدَةُ كخادِمَتِها، والبائِعُ كالشَّاري والمُقتَرِضُ كالمُقرِض والدَّائِنُ كالمَدْيون. تُخَرَّبُ الأَرضُ تَخْريبًا وتُسلَبُ سَلْبًا، لأَنَّ الرَّبَّ قد تَكَلَّمَ بِذٰلك الكَلام. ناحَتِ الأَرضُ وبَلِيَت، وذَبُلَتِ الدُّنْيا وبَلِيَت. ذَبُلَت نُخبَةُ شَعبِ الأَرض. تَدَنَّسَتِ الأَرضُ تَحتَ سُكَّانِها، لأَنَّهم تَعَدَّوا الشَّرائِع ونَقَضوا الحُكمَ ونَكَثوا العَهدَ الأَبَدِيّ. فلِذٰلك أَكَلَتِ اللَّعنَةُ الأَرض، وعوقِبَ السَّاكِنونَ فيها، ولِذٰلك ٱحتَرَقَ سُكَّانُ الأَرض، فبَقِيَ نَفَرٌ قَليل. ناحَ النَّبيذُ وذَبُلَ الكَرْم، وتَنَهَّدَ جَميعُ فَرِحي القُلوب. بَطَلَ طَرَبُ الدُّفوف، ونالَت جَلَبَةُ المُبتَهِجين، وبَطَلَ طَرَبُ الكِنَّارة. لا تُشرَبُ الخَمرُ على الغِناء، وأَصبَحَ المُسكِرُ مُرًّا لِشارِبيه. حُطِّمَت مَدينَةُ الباطِل، وأُغلِقَ كُلُّ بَيتٍ عنِ الدُّخول. يُصرَخُ في الشَّوارِعِ لِطَلَبِ الخَمْر، فقَد غابَ كُلُّ فَرَحٍ وٱنتَفى طَرَبُ الأَرض. بَقِيَ الدَّمارُ في المَدينة، وحُطِّمَ البابُ رَدْمًا، لأَنَّه هٰكذا يَكونُ في وَسَطِ الأَرضِ بَينَ الشُّعوب، كما إِذا نُفِضَت زَيتونة، وكالخُصاصَةِ إِذا تَمَّ القِطاف. هٰؤُلاءِ يَرفَعونَ أَصْواتَهم بِالهُتاف، لَدى عَظَمَةِ الرَّبِّ يَهتِفونَ مِنَ الغَرْب: «فلِذٰلك في الأَنْوارِ مَجِّدوا الرَّبّ، في جُزُرِ البَحرِ، ٱسمَ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل». مِن أَطْرافِ الأَرضِ سَمِعْنا تَسابيح: «الفَخرُ لِلبارّ». فقُلتُ: «تَبًّا لي تَبًّا، وَيلٌ لي». الخَوَنَةُ يَخونون، الخَوَنَةُ يَخونونَ خِيانَةً. الرُّعبُ والحُفرَةُ والفَخُّ علَيكَ يا ساكِنَ الأَرض، فالهارِبُ مِن صَوتِ الرُّعبِ يَسقُطُ في الحُفرَة، والصَّاعِدُ مِنَ الحُفرَةِ يُؤخَذُ بِالفَخّ، لأَنَّ نَوافِذَ العَلاءِ قد تَفَتَّحت، وأُسُسَ الأَرضِ قد تَزَلزَلَت. رُضَّتِ الأَرضُ رَضًّا، وٱهتَزَّتِ الأَرضُ ٱهتِزازًا، وتَزَعزَعَتِ الأَرضُ تَزَعزُعًا. تَرَنَّحَت كما يَتَرَنَّحُ السَّكْران، وٱضطَرَبَت مِثلَ الكوخ. ثَقُلَت علَيها مَعصِيَتُها، فسَقَطَت ولا تَعودُ تَقوم، وفي ذٰلك اليَومِ يَفتَقِدُ الرَّبُّ جُندَ العَلاءِ في العَلاء، ومُلوكَ الأَرضِ على الأَرض، فيُجمَعونَ كما يُجمَعُ الأَسْرى في الجُبّ، ويُغلَقُ علَيهم في السِّجن، وبَعدَ أَيَّامٍ كَثيرةٍ يُفتَقَدون. فيَخجَلُ القَمَرُ وتَخْزى الشَّمْس، لأَنَّ رَبَّ القُوَّاتِ يَملِكُ في جَبَلِ صِهْيون وفي أُروشَليم، ومَجدَه أَمامَ شُيوخِه. أَيُّها الرَّبُّ أَنتَ إِلٰهي، أُعَظِّمُكَ وأَحمَدُ ٱسمَكَ، لأَنَّكَ صَنَعتَ تَدابيرَ عَجيبة، هي مُنذُ القِدَمِ أَمانَةٌ وصِدْق. جَعَلتَ مِنَ المَدينَةِ كَومةً، ومِنَ البَلدَةِ الحَصينَةِ خَرابًا. قَصرُ الغُرَباءِ لم يَعُدْ مَدينة، فلا يُبْنى لِلأَبَد. فلِذٰلك يُمَجِّدُكَ الشَّعبُ القَوِيّ، وتَتَّقيكَ مَدينَةُ الأُمَمِ المُخيفة، لأَنَّكَ كُنتَ حِصنًا لِلضَّعيف، حِصْنًا لِلمِسْكينِ في ضيقِه، مُعتَصَمًا مِنَ السَّيلِ ظِلًّا مِنَ الحَرّ، فإِنَّ روحَ الظَّالِمينَ كانَ كالسَّيلِ المُندَفِعِ على الحائِط. كالحَرِّ في القَفْرِ يَخفِضُ جَلَبَةَ الغُرَباء: الحَرُّ في ظِلِّ الغَمام يَخِفّ، وغِناءُ الظَّالِمِينَ يَتَلاشى. وفي هٰذا الجَبَلِ سيَضَعُ رَبُّ القُوَّات لِجَميعِ الشُّعوبِ مَأدُبَةَ مُسَمَّنات، مَأدُبَةَ خَمرَةٍ مُعَتَّقَة، مُسَمِّناتٍ ذاتِ مُخٍّ ونَبيذٍ مُرَوَّق. ويُزيلُ مِن هٰذا الجَبَل وَجهَ الغِطاءِ المُغَطِّي جَميعَ الشُّعوب، والحِجابِ المُحَجِّبِ جَميعَ الأُمَم، ويُزيلُ المَوتَ على الدَّوام، ويَمسَحُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الدُّموعَ، عن جَميعِ الوُجوه، ويَرفَعُ عارَ شَعبِه عن كُلِّ الأَرض، لأَنَّ الرَّبَّ قد تَكَلَّم. فيُقال في ذٰلك اليَوم: هُوَذا إِلٰهُنا، الَّذي ٱنتَظَرْناه وهو يُخَلِّصُنا، هُوَذا الرَّبُّ الَّذي ٱنتَظَرْناه، فلنَبتَهِجْ ونَفرَحْ بِخَلاصِه. لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ تَستَقِرُّ في هٰذا الجَبَل، ويُداسُ موآبُ تَحتَه، كما يُداسُ التِّبنُ في ماءِ الزِّبْل، ويَبسُطُ يَدَيه في الوَسَط، كما يَبسُطُها السَّابِحُ في سِباحَتِه، ويَحُطُّ الرَّبُّ كِبرِياءَه مع حَرَكاتِ يَدَيه. يَصرَعُ حَصينَ أَسوارِكَ المَنيعَةِ ويَخفِضُها، ويُلصِقُها بِالأَرضِ إِلى التُّراب. في ذٰلك اليَومِ يُنشَدُ هٰذا النَّشيدُ في أَرضِ يَهوذا: لَنا مَدينةٌ حَصينة، جَعَلَ لَنا خَلاصًا أَسْوارًا ومِترَسة. إِفتَحوا الأَبْواب، ولْتَدخُلِ الأُمَّةُ البارَّةُ الحافِظَةُ لِلأَمانة. إِنَّ عَزْمَها لَثابِت: إِنَّكَ تَرْعاها بِالسَّلامِ السَّلام، لأَنَّها علَيكَ تَوَكَّلَت. تَوَكَّلوا على الرَّبِّ لِلأَبَد، فإِنَّ الرَّبَّ هو صَخرَةُ الدُّهور. لقَد خَفَضَ السَّاكِنينَ في عَلاء، وحَطَّ المَدينَةَ المَنيعَة، حَطَّها إِلى الأَرضِ وأَلصَقَها بِالتُّراب، فتَدوسُها الأقْدام، قَدَما البائِسِ وخُطى الضُّعَفاء. سَبيلُ البارِّ ٱستِقامة، تَشُقُّ لِلبارِّ طَريقًا مُستَقيمة. في سَبيلِ أَحْكامِكَ يا رَبُّ ٱنتَظَرْناك، إِلى ٱسمِكَ وذِكرِكَ ٱشتِياقُ النَّفْس. نَفْسي في اللَّيلِ ٱشتاقَتْكَ، وروحي في داخِلي تَبتَكِرُ إِلَيكَ، لأَنَّه حينَ تَكونُ أَحكامُكَ في الأَرض، يَتَعَلَّمُ البِرَّ سُكَّانُ المَسْكونة. إِن أُعفِيَ عنِ الشِّرِّيرِ مِن دونِ أَن يَتعَلَّمَ البِرّ، صَنَعَ الإِثْمَ في أَرضِ الِٱستِقامَة، ولَم يَرَ جَلالَ الرَّبّ. أَيُّها الرَّبُّ، يَدُكَ مُرتَفِعةٌ وهم لا يَرَون، فلْيَرَوا غَيرَتَكَ على الشَّعبِ ولْيَخزَوا، ولْتَلتَهِمِ النَّارُ أَعْداءَكَ. يا رَبُّ، إِنَّكَ تُحِلُّ السَّلامَ لَنا، لأَنَّ كُلَّ أَعْمالِنا أَنتَ تَعمَلُها لَنا. أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُنا، تَسَلَّطَ علَينا أَرْبابٌ سِواك، لٰكِنِ ٱسمَكَ وَحدَكَ سنَذكُر. الأَمْواتُ لا يَحْيونَ والأَشْباحُ لا يَقومون، فإِنَّكَ قد عاقَبتَهم ودَمَّرتَهم، وأَبَدتَ كُلَّ ذِكْرٍ لَهم. لٰكِنَّكَ أَنمَيتَ الأُمَّةَ يا رَبّ، أَنمَيتَ الأُمَّةَ وتَمَجَّدتَ. أَبعَدتَ جَميعَ حُدودِ الأَرض. يا رَبُّ، إِنَّهم في ضيقِهِمِ ٱلتَمَسوكَ، سَكَبوا شَكْواهم عِندَ تَأديبِكَ لَهم. كَما أَنَّ الحُبْلى الَّتي قارَبَتِ الوِلادة، تَتَضَوَّرُ وتَصرُخُ في مَخاضِها فهٰكذا كُنَّا أَمامَكَ يا رَبّ. حَبِلْنا وتَضَوَّرنا وكأَنَّنا وَلَدْنا ريحًا، فلَم نَجعَلْ خَلاصًا في الأَرض، ولم يولَدْ سُكَّانُ الدُّنْيا. ستَحْيا مَوتاكَ وتَقومُ جُثَثُهم، إِستَيقِظوا وهَلِّلوا يا سُكَّانَ التُّراب، فإِنَّ نَداكَ نَدى النُّور، وستَلِدُ الأَرضُ الأَشْباح. هَلُمَّ يا شَعْبي وٱدخُلْ مَخادِعَكَ، وأَغْلِقْ أَبْوابَكَ علَيك. تَوارَ قَليلًا إِلى أَن يَجوزَ السُّخْط. فإِنَّه هُوَذا الرَّبُّ يَخرُجُ مِن مَكانِه، لِيُعاقِبَ إِثمَ سُكَّانِ الأَرض، فتَكشِفُ الأَرضُ عن دِمائِها، ولا تَعودُ تَستُرُ قَتْلاها. في ذٰلك اليَومِ يُعاقِبُ الرَّبُّ، بِسَيفِه القاسي العَظيمِ الشَّديد، لاوِياثانَ الحَيَّةَ الهارِبة، ولاوِياثانَ الحَيَّةَ المُلتَوِية، ويَقتُلُ التِّنِّينَ الَّذي في البَحْر. في ذٰلك اليَومِ غَنُّوا لَها، لِلكَرمَةِ اللَّذيذة. أَنا الرَّبُّ حارِسُها في كُلِّ لَحظَةٍ أَسْقيها، ولِئَلاَّ يُساءَ إِلَيها أَحرُسُها لَيلًا ونَهارًا. لا غَصَبَ فِيَّ، فمَن قاوَمَني بِالحَسَكِ والشَّوك، أَهجُمُ علَيهما بِالقِتالِ وأُحرِقُهما جَميعًا. وإِلاَّ فلِيَتَمَسَّكْ بِمَلجَإِي، ولْيَعْمَلْ مَعي سِلْمًا، ولْيُسالِمْني. وفيما بَعدُ يَتَأَصَّلُ يَعْقوب، ويَنبُتُ ويُزهِرُ إِسْرائيل، ويَملأُ وَجْهَ الدُّنْيا ثِمَارًا. هل ضَرَبَه كما ضَرَبَ ضارِبَه، أَم قُتِلَ كما قُتِلَ قاتِلوه؟ حينَ طَرَدتَها وطَلَّقتَها حاكَمتَها. طَرَدَها بِريحِه الشَّديدة، في يَومِ السَّموم. فبِذٰلك يُكَفِّرُ عن إِثمِ يَعْقوب، وهٰذا ثَمَرُه كُلُّه: مَحوُ خَطيئَتِه، إِذ يَجعَلُ جَميعَ حِجارةِ المَذبَح، كحِجارَةِ الكِلْسِ المُفَتَّتة، إِذ لا تَقومُ الأَوتادُ المُقَدَّسة، ولا مَذابِحُ البَخور، لأَنَّ المَدينَةَ الحَصينَةَ تُعزَل، والمَسكِنَ يُنبَذُ ويُترَكُ كالقَفْر. هُناكَ يَرْعى العِجْلُ، وهُناكَ يَربِضُ ويَقرِضُ أَغْصانَها. ومتى يَبِسَت فُروعُها تُكَسَّر، وتَأتي النِّساءُ فتوقِدُها، لأَنَّه شَعبٌ لا فَهمَ لَه. لِذٰلك لا يَرحَمُه صانِعُه، ولا يَرأَفُ بِه مُكَوِّنُه. وفي ذٰلك اليَومِ يَدوسُ الرَّبُّ قَمحَه، مِن مَجْرى النَّهرِ إِلى وادي مِصْر، وأَنتُم تُلقَطونَ واحِدًا فواحِدًا، يا بَني إِسْرائيل. وفي ذٰلك اليَومِ يُنفَخُ في بوقٍ عَظيم، ويَأتي الهالِكونَ في أَرضِ أَشُّور، والمَنفِيُّونَ في أَرضِ مِصرَ ويَسجُدونَ لِلرَّبّ، في جَبَلِ القُدْسِ في أُورَشَليم. وَيلٌ لِتاجِ كِبرِياءِ السَّكارى مِن أَفْرائيم، ولِلزَّهرَةِ الذَّاوِيَةِ، بَهاءِ فَخرِه، الَّتي على رَأسِ الوادي الخَصيب، وَيلٌ للمَصْروعينَ بِالخَمْر. هُوَذا شَديدٌ قَوِيٌّ في خِدمَةِ السَّيِّد، كإِعْصارٍ ذي بَرَدٍ وزَوبَعَةٍ مُهلِكَة، كإِعْصارٍ ذي مِياهٍ غَزيرةٍ طاغِيَة، تَصرَعُ إِلى الأَرضِ صَرعًا عَنيفًا. فتَدوسُه الأَقْدام، تاجُ كِبرِياءِ السُّكارى مِن أَفْرائيم، وتَكونُ الزَّهرَةُ الذَّاوِيَةُ، بَهاءُ فَخرِه، الَّتي على رَأسِ وادي السِّمان، كباكورَةِ التِّينِ قَبلَ الصَّيف، يَراها الرَّائي فيَبتَلِعُها وهي في يَدِه. في ذٰلك اليَومِ يَكونُ رَبُّ القُوَّات، تاجَ بَهاءٍ وإِكليلَ فَخرٍ لِبَقِيَّةِ شَعبِه، وروحَ عَدلٍ لِمَن يَجلِسُ لِلقَضاء، وبَأسًا لِلَّذينَ يَرُدُّونَ القِتالَ إِلى الباب. وهٰؤُلاءِ أَيضًا ضَلُّوا بِالخَمْر، وتاهوا بِالمُسكِر: الكاهِنُ والنَّبِيُّ ضَلاَّ بِالمُسكِر، وغَرِقا في الخَمْر. تاها مِنَ المُسكِر وضَلاَّ في الرُّؤيا، وتَرَنَّحا في ٱتِّخاذِ القَرار. كُلُّ الموائِدِ ٱمتَلأَت مِنَ القَيءِ القَذِر، فلم يَبْقَ مَكان. لِمَن تُرى يُعَلِّمُ العِلمَ ولِمَن يُلَقِّنُ البَلاغ؟ لِلْمَفْطومينَ عنِ اللَّبَن، لَلمَفْصولينَ عن الثُّديّ؟ حينَ يَقول: وَصِيَّةٌ على وَصِيَّة، ثُمَّ وَصِيَّةٌ على وَصِيَّة، فَرضٌ على فَرْضٍ، ثُمَّ فَرضٌ على فَرْض، شَيءٌ مِن هُنا وشَيءٌ مِن هُناك. إِنَّ الرَّبَّ سيُكَلِّمُ هٰذا الشَّعْبَ بِشِفاهٍ تَتَلَعثَمُ ولِسانٍ غَريب. وهو الَّذي قالَ لَهم: «هٰذه هي الرَّاحةُ فأَريحوا التَّعِب، وهٰذا هو مَكانٌ هادِئ»، فأَبَوا أَن يَسمَعوا. لِذٰلك سيَكونُ كَلامُ الرَّبِّ لَهم: وَصِيَّةٌ على وَصِيَّةٍ، ثُمَّ وَصِيَّةٌ على وَصِيَّة، فَرضٌ على فَرْضٍ، ثُمَّ فَرضٌ على فَرْض، شَيءٌ مِن هُنا وشَيءٌ مِن هُناك، لِكَي يَذهَبوا ويَسقُطوا إِلى الوَراء، فيُحَطَّموا ويُصْطادوا فيُؤخَذوا. فٱسمَعوا كَلامَ الرَّبِّ أَيُّها النَّاسُ السَّاخِرون، المُتَسَلِّطونَ على هٰذا الشَّعْبِ الَّذي في أُورَشَليم. قُلتُم: «قد قَطَعْنا عَهدًا مع المَوت، وعَقَدنا حِلفًا مع مَثْوى الأَمْوات، فالسَّوطُ الطَّاغي إِذا عَبَرَ لا يَغْشانا، لأَنَّنا جَعَلْنا الكَذِبَ مَلجَأً لَنا، وٱستَتَرنا بِالبُهْتان». لِذٰلك قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: ها إِنِّي واضِعٌ حَجَرًا في صِهْيون، حَجَرًا مُمتَحِنًا، رَأسَ زاوِيَةٍ كَريمًا، أَساسًا مُحكَمًا، مَن آمَنَ بِه لَن يَتَزَعزَع. وأَجعَلُ مِنَ الحَقِّ حَبْلًا لِلقِياس، ومِن البِرِّ مِقياسَ التَّسوِيَة. أَمَّا مَلجَأُ الكَذِبِ فيَجرُفُه البَرَد، وتَطْفو المِياهُ على مَأْواه. وعَهدُكم مع المَوتِ يُلْغى، وحِلفُكم مع مَثْوى الأَمْواتِ لا يقوم، فالسَّوطُ الطَّاغي إِذا عَبَرَ يَدوسُكم. إِذا عَبَرَ يَأخُذُكم لأَنَّه يَعبُرُ صَباحًا فَصباحًا نَهارًا ولَيلًا، وتَلْقينُ البَلاغِ وَحدَه يُخيف. فالمَضجَعُ يَقصُرُ عنِ المُمتَدِّ علَيه، والغِطاءُ يَضيقُ عنِ المُلتَفِّ بِه، لأَنَّه كما فَعَلَ في جَبَلِ فَراصيمَ، يَقومُ الرَّبّ، وكما فَعَلَ في وادي جِبْعونَ يَغضَب، فيَعمَلُ عَمَلَه، عَمَلَه الغَريب، ويَفعَلُ فِعلَه، فِعلَه الخَفِيّ. فلا تَكونوا الآنَ مِنَ السَّاخِرين، لِئَلاَّ تتَشَدَّدَ قُيودُكم، فإِنِّي سَمِعتُ بِحُكمٍ مُبرَم، مِن لَدُنِ السَّيِّدِ رَبِّ القُوَّات، على الأَرضِ كُلِّها. أَصْغوا وٱسمَعوا صَوتي، إِنتَبِهوا وٱسمَعوا قَولي. أَكُلَّ يَومٍ يَحرُثُ الحارِثُ لِيَزرَع، ويَنقُبُ ويُمَشِّطُ أَرضَه؟ أَلَيسَ إِذا سَوَّى وَجهَها يَبذُرُ الشُّونيزَ ويَذُرُّ الكَمُّون، ويُلْقي الحِنطَةَ والدُّخنَ والشَّعير، في مكانٍ مُحَدَّدٍ والعَلَسَ في طَرَفِه؟ إِلٰهُه عَلَّمَه هٰذه الطَّريقة ولَقَّنَه إِيَّاها. فالشُّونيزُ لا يُدرَسُ بِالنَّورَج، ولا تُدارُ بكَرةُ العَجَلَةِ على الكَمُّون، بل بِالعَصا يُخبَط، والكَمُّونُ بِالقَضيب. تُضرَبُ الحِنطَةُ ولٰكِن لا تُداسُ دَوسًا، ويُحَرَّكُ علَيه دَولابُ العَجَلَةِ بِخَيلِها ولا تُسحَق، هٰذا أَيضًا خَرَجَ مِن عِندِ رَبِّ القُوَّات وهو عَجيبُ المَشورَةِ عَظيمُ المَهارة. وَيلٌ لأَريئيلَ أَريئيل، المَدينَةِ الَّتي خَيَّمَ داوُدُ فيها. زيدوا سَنَةً على سَنَة، ولْتَدُرِ الأَعْياد. إِنِّي أُضَيِّقُ على أَريئيل، فيَكونُ تَنَهُّدٌ ونَحيب، لٰكِنَّها تَكونُ لي كأَريئيل. وأُخَيِّمُ علَيكِ مُحيطًا بِكِ، وأُضَيِّقُ عَليكِ بِالمَحارِس، وأُقيمُ علَيكِ بُروجًا، فتُحَطِّينَ وتَتَكَلَّمينَ مِنَ الأَرض، ومِن أَسفَلِ التُّرابِ تَنطِقينَ، ويَكونُ صَوتُكِ كصَوتِ الرُّوحِ الآتي مِنَ الأَرض، وكَلامُكِ كهَمْسٍ مِنَ التُّراب. ويَكونُ جُمْهورُ غُرَبائِكِ كالغُبارِ الدَّقيق، وجُمْهورُ ظالِمِيكِ كالعُصافةِ العابِرَة. ويَكونُ على الفَورِ بَغتَةً ٱفتِقادُ رَبِّ القُوَّات، بِرَعدٍ وزَلْزالٍ وصَوتٍ عَظيم، مع زَوبَعةٍ وعاصِفَةٍ ولَهيبِ نارٍ آكِلَة. فيَكونُ كالحُلمِ كرُؤيا اللَّيل، جُمْهورُ جَميعِ الأُمَمِ المُقاتِلَةِ لأَريئيل، وجَميعِ الَّذينَ يُحارِبونَها مع بُروجِ الحِصار ويُضَيِّقونَ علَيها. وكما أَنَّ الجَوعانَ يَحلُمُ أَنَّه آكِل، ثُمَّ يَستَيقِظُ وحَلقُه خاوٍ، وكما أنَّ العَطْشانَ يَحلُمُ أَنَّه شارِب، ثُمَّ يَستَيقِظُ وإِذا هو مُنهَكٌ وحَلقُه ظامِئ، كذٰلك يَكونُ جُمْهورُ جَميعِ الأُمَمِ، الَّتي تُقاتِلُ جَبَلَ صِهْيون. تَوالَوا ودَهِشوا، تَعامَوا وٱعمَوا. قد سَكِروا ولَيسَ مِنَ الخَمْر، وتَرَنَّحوا ولَيسَ مِنَ المُسكِر. فإِنَّ الرَّبَّ قد سَكَبَ علَيكم روحَ سُبات، وأَغمَضَ عُيونَكم (عُيونَ الأَنبِياء)، وحَجَبَ رُؤُوسَكم (رُؤُوسَ الرَّائين). فصارَت لَكم جَميعُ الرُّؤى كأَقوالِ كِتابٍ مَخْتومٍ يُناوِلونَه لِمَن يَعرِفُ القِراءَةَ قائلين: «إِقرأ هٰذا»، فيَقول: «لا أَستَطيع، لأَنَّه مَخْتوم». ثُمَّ يُناوَلُ الكِتابُ لِمَن لا يَعرِفُ القِراءَة، ويُقالُ لَه: «إِقرَأ هٰذا»، فيَقول: «لا أَعرِفُ القِراءَة». فقالَ السَّيِّد: بِما أَنَّ هٰذا الشَّعبَ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِفَمِه، ويُكرِمُني بِشَفَتَيه وقَلبُه بَعيدٌ مِنِّي، وبِما أَنَّ مَخافَتَه لي وَصِيَّةُ بَشَرٍ تَعَلَّمَها، لِذٰلك هاءَنَذا أَعودُ فأَصنَعُ بِهٰذا الشَّعبِ عَجَبًا عُجابًا، فحِكمَةُ حُكَمائِه تَزول، وعَقْلُ عُقَلائِه يَحتَجِب. وَيلٌ لِلَّذينَ يَكتُمونَ في الأَعْماق، عنِ الرَّبِّ مَشورَتَهم، فأَعْمالُهم في الظَّلامِ وهم يَقولون: «مَن يَرانا ومَن يَعلَمُ بنا؟» يا لَعِوَجِكم! أَيُحسَبُ الجابِلُ كالطِّين، حتَّى يَقولَ المَصْنوعُ في صانِعِه: «لم يَصنَعْني»، ويقولَ المَجْبولُ في جابِلِه: «لا عَقلَ لَه»؟ أَلَيسَ عَمَّا قَليلٍ يَتَحَوَّلُ لُبْنانُ جَنَّةً، والجَنَّةُ تُحسَبُ غابًا؟ وفي ذٰلك اليَومِ يَسمَعُ الصُّمُّ أَقْوالَ الكِتاب، وتُبصِرُ عُيونُ العُمْيانِ بَعدَ الدَّيجورِ والظَّلام، ويَزْدادُ البائِسونَ سُرورًا بِالرَّبّ، ويَبتَهِجُ المَساكينُ مِنَ البَشَرِ بِقُدُّوسِ إِسْرائيل، لأَنَّ الظَّالِمَ قدِ ٱنقَرَض، والسَّاخِرَ قد فَنِيَ، وٱستُؤصِلَ جَميعُ الَّذينَ يَسهَرونَ لأَجلِ الإِثْم، الَّذينَ يُجَرِّمونَ الإِنْسانَ بِسَبَبِ كَلِمَة، ويَنصِبونَ الفَخَّ لِمَن يَحكُمُ عِندَ الباب، ويَستَميلونَ البارَّ بِأَباطيلِهم. لِذٰلك هٰكذا قالَ لِبَيتِ يَعْقوب الرَّبُّ الَّذي ٱفتَدى إِبْراهيم: إِنَّ يَعْقوبَ بَعدَ الآنَ لا يَخْزى، ولا يَصفَرُّ وَجهُه، ولٰكِن مَتى رَأَى أَولادَه، الَّذينَ هم أَعْمالُ يَدي في وَسَطِه، فإِنَّهم يُقَدِّسونَ ٱسْمي، ويُقَدِّسونَ قُدُّوسَ يَعْقوب، ويَخشَونَ إِلٰهَ إِسْرائيل، والضَّالُّونَ بِالرُّوحِ يَعلَمونَ الفِطنَة، والمُتَذَمِّرونَ يَتَلَقَّنونَ التَّعْليم. وَيلٌ لِلبَنينَ العاصين، يَقولُ الرَّبّ، الَّذينَ يُقيمونَ مَشْروعًا لَيسَ مِنِّي، ويَقطَعونَ عَهدًا لَيسَ مِن روحي، لِيَزيدوا خَطيئَةً على خَطيئَة، الَّذينَ يَنطَلِقونَ نازِلينَ إِلى مِصْر، ولم يَسأَلوا فَمي، لِكَي يَحتَموا بِحِمايَةِ فِرعَون، ويَعتَصِموا بِظِلِّ مِصْر. ستَكونُ لَكم حِمايَةُ فِرعَونَ خِزيًا، والِٱعتِصامُ بِظِلِّ مِصرَ عارًا. لأَنَّ رُؤَساءَه قد ذَهَبوا إِلى صوعَن، وبَلَغَ رُسُلُه إِلى حانيس، فلَقوا جَميعُهم الخِزْيَ، عِندَ شَعبٍ لا يَنفَعُهم، لا عَونَ مِنه ولا مَنفَعَة، إِنَّما مِنه الخِزيُ والخَجَل. قَولٌ على بَهائِمِ النَّقَب: في أَرضِ الشِّدَّةِ والضِّيق، الَّتي مِنها اللَّبُؤَةُ والأَسَد، والأَفْعى والتِّنِّينُ الطَّيَّار، يَحمِلونَ أَمْوالَهم على ظُهورِ الجِحاش، وكُنوزَهم على أَسنِمَةِ الجِمال، إِلى شَعبٍ لا يَنفَعُهم. فإِنَّ مِصرَ نُصرَتُها باطِلٌ وعَبَث، لِذٰلك دَعَوتُها رَهَبَ الرَّاكِدَة. فهَلُمَّ الآنَ وٱكتُبْ ذٰلك على لَوحٍ أَمامَهم وٱرسُمْه في سِفْر، لِيَكونَ لِليَومِ الأَخير، دائمًا ولِلأَبَد، لأَنَّ هٰذا الشَّعبَ مَرَدَةٌ بَنونَ كَذَبَة، يأبَون أَن يَسمَعوا تَعليمَ الرَّبّ، يَقولونَ لِلرَّائينَ: «لا تَرَوا»، ولِلأَنْبِياءِ: «لا تَرَوا لنا ما هو حَقّ، بل كَلِّمونا كَلامًا مَلِقًا، وٱنظُروا أَوهامًا. حيدوا عنِ الطَّريق، ميلوا عنِ السَّبيل، أَبعِدوا مِن أَمامِنا قُدُّوسَ إِسْرائيل». لِذٰلك هٰكذا قالَ قُدُّوسُ إِسْرائيل: بِما أَنَّكم نَبَذتُم هٰذه الكَلِمة، وتَوَكَّلتُم على الظُّلمِ وٱلإلتِواء، وٱعتَمَدتُم علَيهما. لِذٰلك يَكونُ هٰذا الإِثمُ لَكم، كصَدْعٍ يَحصُلُ فيَتَضَخَّمُ في سورٍ عالٍ، فيَحدُثُ ٱنهِدامُه بَغتَةً على الفَور، فيَنهَدِمُ مِثلَ إِناءِ الخَزَّافين، الَّذي يُسحَقُ بِغَيرِ رِفْق، فلا يوجَدُ في مَسْحوقِه شَقَفَة، لأَخذِ نارٍ مِنَ المَوقِد، أَو لِغَرفِ ماءٍ مِنَ الجُبّ. لأَنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّد، الرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرائيل: في التَّوبَةِ والرَّاحَةِ كانَ خَلاصُكم، وفي الطُّمَأنينَةِ والثِّقَةِ كانَت قُوَّتُكم، لٰكِنَّكم لم تَشاءُوا، وقُلتُم: «لا بل على الخَيلِ نَهرُب»، فلِذٰلك تَهرُبون، «وعلى الجِيادِ نَركَب»، فلِذٰلك يُسرِعُ مُطارِدوكم. أَلفٌ مَعًا تُجاهَ تَهْديدِ واحِد، وتُجاهَ تَهْديدِ خَمسَةٍ تَهرُبون، حتَّى تُترَكوا كسارِيَةٍ على رَأسِ الجَبَل، وكرايَةٍ على التَّلَّة. لِذٰلك يَنتَظِرُ الرَّبُّ لِيَرحَمَكم، ولِذٰلك يَتَعالى لِيَرأَفَ بِكم، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهُ عَدْلٍ، لِجَميعِ الَّذينَ يَنتَظِرونَه. فيا شَعبَ صِهْيونَ السَّاكِنَ في أُورَشَليم، لا تَبكِ بُكاءً، بل يَرحَمُكَ رَحمةً عِندَ صَوتِ صُراخِكَ، حالَما يَسمَعُكَ يَستَجيبُ لَكَ. فيُعْطيكمُ السَّيِّدُ خُبزَ الضِّيقِ وماءَ الشِّدَّة، ولا يَتَوارى مُعَلِّمُكَ بَعدَ اليَوم، بل تَرى عَيناكَ مُعَلِّمَكَ، وأُذُناكَ تَسْمَعانِ كَلِمَةَ قائِلٍ مِن وَرائِكَ: هٰذا هو الطَّريقُ فٱسلُكوه، إِذا يامَنتُم وإِذا ياسَرتُم، وتَستَنجِسونَ صَفائِحَ تَماثيلِكَ مِنَ الفِضَّة، وغِشاءَ مَسْبوكاتِكَ مِنَ الذَّهَب، وتُبَدِّدُها كفَرْزِ حَيض، وتَقولُ لَها: إِبتعِدي، ويَرزُقُ مَطَرَه لِزَرعِكَ الَّذي تَزرَعُ بِه الأَرْض، والخُبزُ الَّذي مِن غَلَّةِ الأَرْض، يَكونُ دَسِمًا سَمينًا. وفي ذٰلك اليَومِ تَرْعى ماشِيَتُكَ، في مُروجٍ فَسيحة، والثِّيرانُ والجِحاشُ الَّتي تَحرُثُ الأَرض، تأكُلُ عَلَفًا مُمَلَّحًا، مُذَرًّا بِالرَّفْشِ والمِذْرى. ويَكونُ على كُلِّ جَبَلٍ شامِخ، وكُلِّ تَلَّةٍ عالِيَة، سواقٍ وجَداوِلُ مِياه، يَومَ القَتْلِ العَظيمِ حينَ تَسقُطُ الأَبْراج. ويَصيرُ نورُ القَمَرِ كنورِ الشَّمْس، ونورُ الشَّمْسِ يَصيرُ سَبعَةَ أَضْعاف، كنورِ سَبعَةِ أَيَّام، يَومَ يَجبُرُ الرَّبُّ كَسرَ شَعبِه، ويَشْفي جُرحَ ضَربَتِه. هُوَذا ٱسمُ الرَّبِّ آتٍ مِن بَعيد، غَضَبُه مُضطَرِمٌ ووَعيده شَديد، وشَفَتاه مُمتَلِئتانِ سُخطًا، ولِسانُه كنارٍ آكِلَة، ونَفَسُه كسَيلٍ طاغٍ يَبلُغُ إِلى العُنُق، فيُغَربِلُ الأُمَمَ بِغِرْبالِ الدَّمار، ويَكونُ لِجامَ تَضْليلٍ في فُكوكِ الشُّعوب. سيَكونُ لَكم نَشيدٌ كما في لَيلَةِ تَقْديسِ العيد، وفَرَحُ قَلبٍ كمَن يَسيرُ على صَوتِ المِزْمار، ذاهِبًا إِلى جَبَلِ الرَّبّ، إِلى صَخرِ إِسْرائيل. وسيُسمِعُ الرَّبُّ جَلالَ صَوتِه، ويُري نُزولَ ذِراعِه، في سَورةِ غَضَبٍ ولَهيبِ نارٍ آكِلَة، وصاعِقَةٍ ووابِلٍ وحِجارَةِ بَرَد. لأَنَّه مِن صَوتِ الرَّبِّ يَفزَعُ أَشُّور، وبِالقَضيبِ يُضرَب، وكُلُّ وَقَعاتِ العَصا المُعَدَّةِ لَه، الَّتي يُنزِلُها الرَّبُّ علَيه، تَكونُ بِالدُّفوفِ والكِنَّارات، ويُحارِبُه حُروبًا بِيَدٍ مَرْفوعة، لأَنَّ توفَتَ مُعَدَّةٌ مِنَ الأَمسِ، مُهَيَّأَةٌ لِلمَلِكِ أَيضًا عَميقةٌ واسِعَة، مِلؤُها نارٌ وحَطَبٌ كَثير، ونَسَمَةُ الرَّبِّ كسَيلٍ مِن كِبْريتٍ تُضرِمُها. وَيلٌ لِلنَّازِلينَ إِلى مِصرَ لِلٱستِنْصار، المُعتَمِدينَ على الخَيل، المُتَوَكَلِّينَ على المَركَباتِ لأَنَّها كثيرة، وعلى الفُرْسانِ لأَنَّهم أَقوِياءُ جِدًّا، الَّذينَ لا يَلتَفِتونَ إِلى قُدُّوسِ إِسْرائيل، ولا يَلتَمِسونَ الرَّبّ. هو أَيضًا حَكيمٌ فيَجلُبُ الشَّرّ، ولا يَرجِعُ عن كَلامِه، بل يَقومُ على بَيتِ الأَشْرار، وعلى نُصرَةِ فاعِلي الآثام. إِنَّما مِصرُ بَشَرٌ لا إِلٰه، وخَيلُهم جَسَدٌ لا روح، فإِذا مَدَّ الرَّبُّ يَدَه عَثَرَ النَّاصِر، وسَقَطَ المَنْصورُ وفَنوا كُلُّهم مَعًا. لأَنَّه هٰكذا قالَ لِيَ الرَّبّ: كما يَزأَرُ الأَسَدُ والشِّبلُ على فَريسَتِه، وإِذا تَنادى علَيه جَماعةٌ مِنَ الرُّعاة، لا يَفزَعُ مِن صَوتِهم ولا يَنثَني مِن جَلَبَتِهم، كذٰلك يَنزِلُ رَبُّ القُوَّات، لِلمُحارَبَةِ على جَبَلِ صِهْيون، على تَلَّتِه، وكالطُّيورِ الطَّائِرَة يَحْمي رَبُّ القُوَّاتِ أُورَشَليم، يَحْمي فيُنقِذُ ويَعْفو فيُنَجِّي. توبوا إِلى الَّذي تَمادى بَنو إِسْرائيلَ في عِصْيانِهم لَه. لأَنَّه في ذٰلك اليَومِ يَنبِذُ كُلُّ واحِدٍ أَوثانَه مِنَ الفِضَّة وأَوثانَه مِنَ الذَّهَب الَّتي صَنَعَتها لَكم أَيديكمُ الخاطِئة، ويَسقُطُ أَشُّورُ بِسَيفٍ لا بِسَيفِ إِنْسان، ويَلتَهِمُه سَيفٌ لا سَيفُ إِنْسان، فيَهرُبُ مِنَ السَّيف، ويَكونُ شُبَّانُه لِلسُّخرَة، ويَهجُرُ صَخرَه مِنَ الفَزَع، ويَرتَعِبُ أُمَراءُه ويَترُكونَ الرَّاية، يَقولُ الرَّبُّ الَّذي لَه نارٌ في صِهْيونَ وتَنُّورٌ في أُورَشَليم. ها إِنَّ المَلِكَ يَملِكُ بِالبِرّ، والرُّؤَساءَ يَرأَسونَ بِالحَقّ، ويَكونُ كُلُّ إِنْسانٍ كمَخْبَإٍ مِنَ الرِّيح وسِتْرٍ مِنَ السَّيل، كمَجاري مِياهٍ في قَفْرٍ، وكظِلِّ صَخرٍ عَظيمٍ في أَرضٍ مُجدِبَة، ولا تُغمَضُ عُيونُ النَّاظِرين، وآذانُ السَّامِعينَ تُصْغي، وقُلوبُ المُتَسَرِّعينَ تَفقَهُ العِلْم، وأَلسِنَةُ اللُّكْنِ تُسرِعُ في الكَلامِ بِفَصاحة. وفيما بَعدُ لا يُدْعى الجاهِلُ شَريفًا، ولا يُقالُ لِلماكِرِ نَبيل. لأَنَّ الجاهِلَ يَتَكَلَّمُ بِالجَهْل، وقَلبُه يَهتَمُّ بِالإِثْمِ لِيَعمَلَ بِالكُفْر، ويَتَكَلَّمُ بِالضَّلالِ على الرَّبّ، لِيَترُكَ حَلْقَ الجائِع فارِغًا، ويَمنَعَ العَطْشانَ أَن يَشرَب. وأَمَّا الماكِرُ فأَعْمالُ مَكرِه خَبيثة، يُضمِرُ المَكايِدَ لِيُهلِكَ البائسينَ بِأَقوالِ زور، في حينِ أَنَّ المِسْكينَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامِ الحَقّ. أَمَّا الشَّريفُ ففي المَكارِمِ يُفَكِّر، وبِالمَكارِمِ يَقوم. أَيَّتُها النِّساءُ المُستَهتِرات، قُمْنَ وٱسمَعنَ صَوتي. أَيَّتُها البَناتُ المُعتَدَّاتُ بأَنفُسِهنَّ، أَصْغينَ إِلى قَولي. إِنَّكُنَّ بَعدَ أَيَّامٍ وسَنَة، تَضطَرِبنَ أَيَّتُها المُعتَدَّاتُ بأَنفُسِهنَّ، لأَنَّ القِطافَ يَتلَف والحَصادَ لا يَأتي. إِرتَعِدنَ أَيَّتُها المُستَهتِرات، اِضطَرِبنَ أَيَّتُها المُعتَدَّاتُ بِأَنفُسِهنَّ، تَجَرَّدنَ وتَعَرَّينَ وٱشدُدنَ أَوساطَكُنَّ، إِلطِمنَ على الثُّدِيِّ، بِسَبَبِ الحُقولِ الشَّهِيَّةِ والكَرْمِ المُثمِر. إِنَّ الشَّوكَ والحَسَكَ يَطلَعانِ على أَرضِ شَعبي، بل على جَميعِ بُيوتِ الفَرَح، وعلى البَلدَةِ المَرِحَة. القَصرُ يُهجَر، والمَدينَةُ الصَّاخِبَةُ تُخْلى. وعوفَلُ وبُروجُ الرَّصدِ يَكونانِ مَغاوِرَ لِلأَبَد، مَمرَحًا لِحَميرِ الوَحْش ومَرعًى لِلقُطْعان. إِلى أَن يُفاضَ علَينا الرُّوحُ مِنَ العَلاء، فتَصيرُ البَرِّيَّةُ جَنَّةً، وتُحسَبُ الجنَّةُ غابًا، ويَسكُنُ الحَقُّ في البَرِّيَّة، ويَستَمِرُّ البِرُّ في الجنَّة، ويَكونُ عَمَلُ البِرِّ سَلامًا، وفِعلُ البِرِّ راحةً وطُمَأنينَةً لِلأَبَد. ويَسكُنُ شَعبي في مَقَرِّ السَّلام، وفي مَساكِنِ الطُّمَأنينَة، وفي أَماكِنِ الجَلَبَة، ويَسقُطُ البَرَدُ في مُنحَدَرِ الغاب، والمَدينَةُ تُحَطُّ حَطًّا. طوبى لَكم أَيُّها الزَّارِعونَ عِندَ كُلِّ ماء، المُسَرِّحونَ قَوائِمَ الثَّورِ والحِمار. وَيلٌ لَكَ أَيُّها المُدَمِّرُ وأَنتَ لم تُدَمَّر، والخائِنُ وأَنتَ لم تُخَنْ، إِنَّكَ حينَ تَكُفُّ عنِ التَّدْميرِ تُدَمَّر، وحينَ تَفرَغُ مِن الخِيانةِ تُخان. يا رَبُّ ٱرحَمْنا، إِيَّاكَ ٱنتَظَرنا، فكُنْ ذِراعَهم في كُلِّ صَباح، وكُنْ خَلاصَنا في وَقتِ الضِّيق. مِن صَوتِ الضَّجيجِ هَرَبَتِ الشُّعوب، وعِندَ ٱرتِفاعِ صَوتِكَ تَبَدَّدَتِ الأُمَم. فتُجمَعُ غَنيمَتُكم جَمعَ الجَراد، ويُتَواثَبُ علَيها تَواثُبَ الجُندُب. تَعَظَّمَ الرَّبُّ لأَنَّه ساكِنٌ في العَلاء، وقد مَلَأَ صِهْيونَ حَقًّا وبِرًّا. ويَكونُ أَمانةَ أَيَّامِكَ، ووَفرَةَ خَلاصٍ وحِكمَةً وعِلمًا، وتَكونُ مَخافَةُ الرَّبِّ كَنزَه. ها إِنِّي أُريهِم نَفْسي: لقَد صَرَخوا في الخارِج، ورُسُلُ السَّلامِ يَبْكونَ بُكاءً مُرًّا. قد دُمِّرَتِ المَسالِك وٱنقَطَعَ عابِرُ السَّبيل، نَقَضَ العَهدَ وٱزدَرى الشُّهود، ولَم يُبالِ بِالإِنْسان. ناحَتِ الأَرضُ وذَبُلَت، وخَجِلَ لُبْنانُ وذَوى، وصارَ الشَّارونُ كالقَفْر، وٱرتَعَدَ باشانُ والكَرمَل. أَلآنَ أَقومُ، يَقولُ الرَّبّ، أَلآنَ أَرتَفِع، أَلآنَ أَتَعالى، تَحبَلونَ بِالحَشيشِ وتَلِدونَ القَشّ، ونَفَسُكم نارٌ تأكُلُكم. وتَكونُ الشُّعوبُ كمُحتَرِقِ الكِلْس، وكشَوكٍ مَقْطوعٍ يُحرَقُ بِالنَّار. إِسمَعوا أَيُّها القاصونَ ما صَنَعتُ، وٱعرِفوا أَيُّها الدَّانونَ جَبَروتي. قد فَزِعَ الخاطِئونَ في صِهْيون، والرِّعدَةُ أَخَذَتِ الكُفَّار. مَن مِنَّا يَسكُنُ في النَّارِ الآكِلَة؟ ومَن مِنَّا يَسكُنُ في المَواقِدِ الأَبَدِيَّة؟ السَّالِكُ بِالبِرِّ والمُتَكَلِّمُ بِالِٱستِقامة، الرَّافِضُ مَكاسِبَ المَظالِم، والنَّافِضُ كَفَّيه مِن قَبْضِ الرَّشوَة، السَّادُّ أُذُنَه عن خَبَرِ الدَّم، والمُغمِضُ عَينَيه عن رُؤيَةِ الشَّرّ، فهو يَسكُنُ في الأَعالي، وحِماه مَعاقِلُ الصُّخور، خُبزُه مَرْزوقٌ وماؤُه مَكْفول. ستُبصِرُ عَيناكَ المَلِكَ في بَهائِه، وتَرَيانِ الأَرضَ الواسِعَة. قَلبُكَ يَتَذَكَّرُ مَخاوِفَه: «أَينَ المُحاسِبُ أَينَ الوَزَّان؟ أَينَ الَّذي عَدَّ البُروج؟» لا تَرى الشَّعبَ الوَقِح، الشَّعبَ الغامِضَ اللُّغَةِ فلا يُدرَكُ مَعْناها، الأَلكَنَ اللِّسانِ حتَّى لا يُفهَم. أُنظُرْ إِلى صِهْيونَ مَدينةِ أَعْيادِنا، لِتَرَ عَيناكَ أُورَشَليمَ مَسكِنًا مُطمَئِنًّا، خَيمَةً لا تُفَكُّ ولا تُقلَعُ أَوتادُها لِلأَبَد، ولا يَنقَطِعُ حَبلٌ مِن حِبالِها، بل لَنا هُناكَ الرَّبُّ العَظيم، ومَكانُ أَنهارٍ وجَداوِلَ واسِعَةِ الأَطْراف، لا تَسيرُ فيها سَفينَةٌ ذاتُ مَقاذيف، ولا يَجْتازُ فيها مَركَبٌ عَظيم، (لأَنَّ الرَّبَّ قاضِينا، الرَّبَّ مُشتَرِعُنا، الرَّبَّ مَلِكُنا فهو يُخَلِّصُنا). قدِ ٱستَرخَت حِبالُكِ، فلا تَشُدُّ قاعِدَةَ السَّارية، ولا تَرفَعُ الرَّاية، حينَئِذٍ تُقَسَّمُ غَنيمةٌ وافِرَة، والعُرجُ يَنهَبونَ نَهبًا. فلا يَقولُ ساكِنٌ: «إِنِّي مَريض»، والشَّعبُ المُقيمُ فيها يُنزَعُ عنه الإِثْم. إِقتَرِبي أَيَّتُها الأُمَمُ لِلٱستِماع، وأَصْغي أَيَّتُها الشُّعوب. لِتَسمَعِ الأَرضُ ومِلْؤُها، الدُّنْيا وكُلُّ ما تُخرِجُه، فإِنَّ سُخْطَ الرَّبِّ على جَميعِ الأُمَم، وغَضَبَه على كُلِّ جَيشِها، وقد حَرَّمَها وأَسلَمَها إِلى الذَّبْح. فتُطرَحُ قَتْلاهم ويَنبَعِثُ النَّتنُ مِن جِيَفِهم، وتَسيلُ الجِبالُ من دِمائِهم، وتَنحَلُّ قُوَّاتُ السَّماءِ كُلُّها، وتُطْوى السَّمَواتُ كسِفْرٍ وتَذْوي قُوَّاتُها كافَّةً، كما يَذْوي الوَرَقُ السَّاقِطُ مِنَ الكَرْم، وكما يَذْوي ما يَسقُطُ مِنَ التِّين. إِنَّ سَيفي قدِ ٱرتَوى في السَّماء، وهُوَذا يَنزِلُ على أَدوم، على شَعبٍ حَرَّمتُه لِلقَضاء. قدِ ٱمتَلأَ سَيفُ الرَّبِّ دَمًا، وسُمِّنَ مِنَ الشَّحْم، مِن دَمِ الحُمْلانِ والتُّيوس، مِن شَحمِ كُلى الكِباش، لأَنَّ لِلرَّبِّ ذَبيحةً في بُصرَة، وقَتْلًا عَظيمًا في أَرضِ أَدوم. ويَسقُطُ مَعَهمُ البَقَرُ الوَحشِيُّ، والعُجولُ مع الثِّيران، فتُرْوَى أَرضُهم مِنَ الدَّم، ويُسَمَّنُ تُرابُهم مِنَ الشَّحْم، لأَنَّ لِلرَّبِّ يَومَ الِٱنتِقام، وسَنَةَ الجَزاءِ في دَعْوى صِهْيون. وتَنقَلِبُ أَنْهارُها زِفْتًا وتُرابُها كِبْريتًا، وتَكونُ أَرضُها زِفتًا مُشتَعِلًا. لا تَنطَفِئُ لَيلًا ولا نَهارًا، ودُخانُها يَصعَدُ مَدى الدَّهر، ومِن جيلٍ إِلى جيلٍ تَخرَب، وإِلى أَبَدِ الآبِدينَ لا يَجْتازُ فيها أَحَد. وتَرِثُها البَجَعَةُ والقُنفُذ، ويَسكُنُ فيها البومُ والغُراب، ويَمُدُّ علَيها حَبلَ الخَواء، ومِقْياسُ تَسوِيَةِ الخَلاء. لا يَبْقى هُناكَ مِنَ الأَشْرافِ مَن يُدْعى لِلمُلْك، وجَميعُ أُمَرائِه يَنقَرِضون، ويَطلَعُ الشَّوكُ في قُصورِها، والقُرَّاصُ والعَوسَجُ في حُصونِها، وتَكونُ مأوًى لِبَناتِ آوى، ومَسرَحًا لِبَناتِ النَّعام، وتُلاقي وُحوشُ القَفْرِ الضِّباع، ويَصيحُ الأَشعَرُ بِصاحِبِه، وهُناكَ تَقِرُّ ليليت، وتَجِدُ لِنَفسِها مَكانًا مُريحًا، وهُناكَ تُوَكِّر القَفَّازَةُ وتَبيض، وتَحضُنُ وتُفَرِّخُ تَحتَ ظِلِّها، وهُناكَ أَيضًا تَجتَمِعُ الحَدَأَة، كُلٌّ مع صاحِبَتِها. إِبحَثوا في كِتابِ الرَّبِّ وٱقرَأُوا. لا يُعدَمُ مِن هٰذه شَيء، ولا يَفقِدُ أَحَدٌ مِنها صاحِبَه، لأَنَّه هو الَّذي بِفَمي يأمُر، وروحُه هو الَّذي جَمَعَها، وهو أَوقَعَ لَها القُرعَة، ويَدُه قَسَمَت لَها الأَرضَ بِالحَبْل، فهي تَرِثُها مَدى الدَّهر، وتَسكُنُ هُناكَ جيلًا بَعدَ جيل. لِتَفرَحِ البَرِّيَّةُ والقَفْر، ولْتَبْتَهِجِ الباديَةُ وتُزهِرْ كالنَّرجِس لِتُزهِرْ أَزْهارًا، وتَبتَهِجِ ٱبتهاجًا مع هُتاف. قد أُوتِيَت مَجدَ لُبْنان، وبَهاءَ الكَرمَلِ والشَّارون، فهم يَرَونَ مَجدَ الرَّبِّ وبَهاءَ إِلٰهِنا. قَوُّوا الأَيدِيَ المُستَرخِيَة، وشَدِّدوا الرُّكَبَ الواهِنَة. قولوا لِفَزِعي القُلوب: «تَقَوَّوا ولا تَخافوا، هُوَذا إِلٰهُكم، النَّقمَةُ آتِيَة، هٰذه مُكافأَةُ الله، هو يَأتي فيُخَلِّصُكم». حينَئِذٍ تَتَفَتَّحُ عُيونُ العُمْيان، وآذانُ الصُّمِّ تَتَفَتَّح، وحينَئِذٍ يَقفِزُ الأَعرَجُ كالأَيِّل، ويَهتِفُ لِسانُ الأَبكَم، فقَدِ ٱنفَجَرَتِ المِياهُ في البَرِّيَّة، والأَنْهارُ في البادِيَة، الأَرضُ الحامِيَةُ تَنقَلِبُ غَديرًا، والمَعطَشَةُ ينابيعَ مِياه، ويَكونُ مَأوى بَناتِ آوى الَّذي يَربِضنَ فيه، حَظيرَةَ قَصَبٍ وبَرْدِيّ. ويَكونُ هُناكَ مَسلَكٌ وطَريق، يُقالُ لَه الطَّريقُ المُقَدَّس، لا يَعبُرُ فيه نَجِس، بل إِنَّما هو لَهم. مَن سَلَكَ هٰذا الطَّريق، حتَّى الجُهَّال لا يَضِلّ. لا يَكونُ هُناكَ أَسَد، ولا يَصعَدُ إِلَيه وَحشٌ مُفتَرِس، ولا يُوجَدُ هُناك، بل يَسيرُ فيه المُخَلَّصون، والَّذينَ فَداهُمُ الرَّبُّ يَرجِعون، ويَأتونَ إِلى صِهْيونَ بِهُتاف، ويَكونُ على رُؤُوسِهم فَرَحٌ أَبَدِيّ، ويُرافِقُهمُ السُّرورُ والفَرَح، وتَنهَزِمُ عَنهمُ الحَسرَةُ والتَّأَوُّه. وفي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشرَةَ لِلمَلِكِ حِزقِيَّا، صَعِدَ سَنْحاريبُ، مَلِكُ أَشُّور، على جَميعِ مُدُنِ يَهوذا المُحَصَّنَةِ وٱفتَتَحَها. فأَرسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ رَئيسَ السُّقاةِ مِن لاكيشَ إِلى أُورَشَليم، إِلى المَلِكِ حِزقِيَّا، في جَيشٍ عَظيم. فوَقَفَ عِندَ قَناةِ البِركَةِ العُلْيا، في طَريقِ حَقلِ القَصَّار. فخَرَجَ إِلَيه أَلْياقيمُ بنُ حِلقِيَّا، قَيِّمُ البيت، وشَبْنا الكاتبُ ويوآحُ بنُ آسافَ المُدَوِّن. فقالَ لَهم رَئيسُ السُّقاة: «قولوا لِحِزقِيَّا: هٰكذا يقولُ المَلِكُ الكَبير، مَلِكُ أَشُّور: ما هٰذا الِٱتِّكالُ الَّذي ٱتَّكَلتَه؟ قد قُلتَ في نَفسِكَ: إِنَّ مُجَرَّدَ كَلامِ شَفَتَينِ هو بِمَثابَةِ مَشورةٍ وبَسالَةٍ لِخَوضِ الحَرْب. والآنَ فَعلى مَنِ ٱتَّكَلتَ حتَّى تَمَرَّدتَ علَيَّ؟ إِنَّكَ إِنَّما ٱتَّكَلتَ على عُكَّازِ هٰذه القَصَبَةِ المَرْضوضة، أي على مِصرَ الَّتي مَنِ ٱتَّكأَ علَيها نَشِبَت في كفِّه وثَقَبَتها. هٰكذا فِرعَونُ، مَلِكُ مِصرَ، لِجَميعِ الَّذينَ يَتَّكِلونَ علَيه. وإِن قُلتَ لي: إِنَّنا لم نَتَّكِلْ إِلاَّ على الرَّبِّ إِلٰهِنا، أَفَلَيسَ هو الَّذي أَزالَ حِزقِيَّا مَشارِفَه ومَذابِحَه وقالَ لِيَهوذا ولأُورَشَليم: قُدَّامَ هٰذا المَذبَحِ تَسجُدون. والآنَ راهِنْ سَيِّدي مَلِكَ أَشُّور، وأَنا أُعطيكَ أَلفَي فَرَس، إِنِ ٱستَطَعتَ أَن تَجِدَ لَها فُرْسانًا. وكَيفَ لَكَ أَن تَرُدَّ وَجهَ قائدٍ واحِدٍ مِن صِغارِ ضُبَّاطِ سَيِّدي، وتَتَّكِلَ على مِصرَ لِلحُصولِ على مَركَباتٍ وفُرْسان؟ والآنَ أَتُراني بِدونِ مُوافَقَةِ الرَّبِّ صَعِدتُ على هٰذه الأَرضِ لأُدَمِّرَها؟ فالرَّبُّ هو الَّذي قالَ لي: إِصعَدْ على هٰذه الأَرضِ ودَمِّرْها». فقالَ أَلْياقيمُ وشَبْنا ويوآحُ لِرَئيسِ السُّقاة: «كَلِّمْ عَبيدَكَ بِاللُّغَةِ الآرامِيَّةِ فإِنَّنا نَفهَمُها، ولا تُكَلِّمْنا بِاليَهودِيَّةِ على مَسامِعِ الشَّعبِ القائِمِ على السُّور». فقالَ رَئيسُ السُّقاة: «أَلَعَلَّه إِلى سَيِّدِكَ وإِلَيكَ أَرسَلَني سَيِّدي لأَقولَ هٰذا الكَلام؟ أَلَيسَ إِلى الرِّجالِ القائِمينَ على السُّور، المُضطَرِّينَ إِلى أَكلِ بِرازِهم وشُربِ بَولِهم معكم؟». ثُمَّ وَقَفَ رَئيسُ السُّقاةِ فنادى بِصَوتٍ عَظيمٍ بِاليَهودِيَّةِ وقال: «إِسمَعوا كَلامَ المَلِكِ الكَبير، مَلِكِ أَشُّور. هٰكذا قالَ المَلِك: لا يَخدَعْكم حِزقِيَّا، لأَنَّه لا يَقدِرُ أَن يُنقِذَكم، ولا يَجعَلْكم حِزقِيَّا تَتَّكِلونَ على الرَّبِّ قائِلًا: الرَّبُّ يُنقِذُنا ولا تُسلَمُ هٰذه المَدينَةُ إِلى يَدِ مَلِكِ أَشُّور. لا تَسمَعوا لِحِزقِيَّا، لأَنَّه هٰكذا قالَ مَلِكُ أَشُّور: إِعقِدوا مَعي صُلحًا وٱخرُجوا إِلَيَّ وكُلوا كُلُّ واحِدٍ مِن كَرمِه ومِن تينَتِه، وٱشرَبوا كُلُّ واحِدٍ ماءَ بِئرِه، حَتَّى آتِيَ وآخُذَكم إِلى أَرضٍ مِثلِ أَرضِكم، أَرضِ حِنطَةٍ وخَمرٍ، أَرضِ خُبزٍ وكُروم. فلا يُغرِكم حِزقِيَّا قائلًا: الرَّبُّ يُنقِذُنا. أَلَعَلَّ آلِهَةَ الأُمَمِ أَنقَذوا كُلُّ واحِدٍ أَرضَه مِن يَدِ مَلِكِ أَشُّور؟ أَينَ آلِهَةُ حَماةَ وأَرْفاد؟ أَينَ آلِهَةُ سَفَرْوائيم؟ أَلَعَلَّها أَنقَذَتِ السَّامِرَةَ مِن يَدي؟ ومَن مِن جَميعِ آلِهَةِ تِلكَ البِلادِ أَنقَذَ أَرضَه مِن يَدي، حَتَّى يُنقِذَ الرَّبُّ أُورَشَليمَ مِن يَدي؟». فسَكَتوا ولم يُجيبوه بِكَلِمَة، لأَنَّ المَلِكَ أَمَرَ قائِلًا: «لا تُجيبوه». وعادَ أَلْياقيمُ بنُ حِلقِيَّا، قَيِّمُ البَيت، وشَبْنا الكاتبُ ويوآحُ بنُ آسافَ المُدَوِّن، إِلى حِزقِيَّا وثِيابُهم مُمَزَّقة، وأَخبَروه بِكَلامِ رئيسِ السُّقاة. فَلَمَّا سَمِعَ المَلِكُ حِزقِيَّا، مَزَّقَ ثِيابَه ولَبِسَ مِسحًا ودَخَلَ بَيتَ الرَّبّ. وأَرسَلَ أَلْياقيم، قَيِّمَ البَيت، وشَبْنا الكاتِبَ وشُيوخَ الكَهَنَة، لابِسينَ المُسوح، إِلى أَشَعْيا النَّبِيِّ ٱبنِ آموص. فقالوا لَه: «هٰكذا قالَ حِزقِيَّا: اليَومُ يَومُ الشِّدَّةِ والعِقاب، يَومُ الهَوان، وقد بَلَغَتِ الأَجِنَّةُ فَرجَ الرَّحِم، ولا قُوَّةَ لِلوِلادة. فلَعَلَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ يَسمَعُ كَلامَ رَئيسِ السُّقاةِ الَّذي أَرسَلَه مَلِكُ أَشُّورَ سَيِّدُه لِيَشتِمَ الإلٰهَ الحَيّ، ولَعَلَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ يُعاقِبُ الكَلامَ الَّذي سَمِعَه، فٱرفَعْ صَلاةً مِن أَجلِ البَقِيَّةِ الَّتي بَقِيَت». فلَمَّا وَصَلَ خُدَّامُ المَلِكِ حِزقِيَّا إِلى أَشَعْيا، قالَ لَهم أَشَعْيا: «هٰكذا تَقولونَ لِسَيِّدِكم: هٰكذا يقولُ الرَّبّ: لا تَخَفْ بِسَبَبِ الكَلامِ الَّذي سَمِعتَه، مِمَّا جَدَّفَ بِه علَيَّ عَبيدُ مَلِكِ أَشُّور، فإِنِّي أَجعَلُ فيه روحًا، فيَسمَعُ خَبَرًا فيَرجِعُ إِلى أَرضِه، وأُسقِطُه بِالسَّيفِ في أَرضِه». ورَجَعَ رَئيسُ السُّقاة، فوَجَدَ مَلِكَ أَشُّورَ يُقاتِلُ لِبنَة، لأَنَّه سَمِع أَنَّه قد رَحَلَ مِن لاكيش. ذٰلك بأَنَّه سَمِعَ في شأنِ تِرْهاقة، مَلِكِ كوش، هٰذا الخَبَر: «قد خَرَجَ لِيُقاتِلَكَ». فلَمَّا سَمِعَ ذٰلك، أَرسَلَ رُسُلًا إِلى حِزقِيَّا يَقول: «هٰكذا تُكَلِّمونَ حِزقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا، قائلين: لا يَخدَعْكَ إِلٰهُكَ الَّذي أَنتَ مُتَكِّلٌ علَيه قائلًا: إِنَّ أُورَشَليمَ لا تُسلَمُ إِلى يَدِ مَلِكِ أَشُّور. فإِنَّكَ قد سَمِعتَ ما صَنَعَ مُلوكُ أَشُّورَ بِجَميعِ البُلْدانِ وكَيفَ حَرَّموها، أَفأَنتَ تَنْجو؟ أَلَعَلَّ الأُمَمَ الَّتي دَمَّرَها آبائي قد أنقَذَتها آلِهَتُها، كجوزانَ وحارانَ وراصَفَ وأَبْناءِ عادانَ الَّذينَ في تَلْأَسَّار؟ أَينَ مَلِكُ حَماة وملكُ أَرْفاد ومَلِكُ مَدينَةِ سَفَرْوائيمَ وهيناعَ وعُوَّة؟». فأَخَذَ حِزقِيَّا الرِّسالَةَ مِن يَدِ الرُّسُلِ فقَرَأَها، ثُمَّ صَعِدَ إِلى بَيتِ الرَّبّ، وبَسَطَ الرِّسالةَ قُدَّامَ الرَّبّ. وصَلَّى أَمامَ الرَّبِّ قائلًا: «يا رَبَّ القُوَّات، إِلٰهَ إِسْرائيل، الجالِسَ على الكَروبين، أَنتَ وَحدَكَ إِلٰهُ جَميعِ مَمالِكِ الأَرض، أَنتَ صَنَعتَ السَّمٰواتِ والأَرض. أَمِلْ أُذُنَيكَ يا رَبِّ وأَصغِ، إِفتَحْ يا رَبِّ عَينَيكَ وٱنظُرْ، وٱستَمِعْ جَميعَ أَقْوالِ سَنْحاريب، الَّتي أَرسَلَ يَشتِمُ بِها اللهَ الحَيّ. حَقًّا، يا رَبِّ، أَنَّ مُلوكَ أَشُّورَ قد دَمَّروا جَميعَ البُلْدانِ وأَراضِيَها، وأَلقَوا آلِهَتَها في النَّار، لأَنَّها لَيسَت بآلِهَة، بل هي مِن صُنعِ أَيدي النَّاس، خَشَبٌ وحِجارة، فأبادوها. والآنَ، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُنا، خَلِّصْنا مِن يَدَيه لِتَعلَمَ مَمالِكُ الأَرضِ كُلُّها أَنَّكَ أَنتَ الرَّبُّ وَحدَك». فأَرسَلَ أَشَعْيا بنُ آموصَ إِلى حِزقِيَّا وقال: «هٰكذا يَقولُ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل: ما صَلَّيتَه إِلَيَّ في شَأنِ سَنْحاريب، مَلِكِ أَشُّور، قد سَمِعتُه. هٰذا هو الكَلامُ الَّذي تَكَلَّمَ بِه الرَّبُّ علَيه: اِحتَقَرَتكَ وسَخِرَت مِنكَ العَذْراءُ بِنتُ صِهْيون، وهَزَّت رَأسَها وَراءَكَ بِنتُ أُورَشَليم. مَن شَتَمتَ وعلى مَن جَدَّفتَ، وعلى مَن رَفَعتَ صَوتَكَ، ورَفَعتَ عَينَيكَ إِلى العَلاء؟ على قُدُّوسِ إِسْرائيل، على لِسانِ عَبيدِكَ شَتَمتَ السَّيِّد، وقُلتَ: «بِكَثرَةِ مَركَباتي، صَعِدتُ إِلى رُؤوسِ الجبال، وإِلى أَقْصى قِمَمِ لُبْنان، فقَطَعتُ أَرفَعَ أَرزِه وخِيارَ سَروِه، وبَلَغتُ إِلى مُرتَفَعِه الأَقصى وإِلى شَجَرِ جَنَّتِه. حَفَرتُ وشَرِبْتُ مِياهًا، وجَفَّفتُ بِأَخامِصِ قَدَمَيَّ، جَميعَ أَنْيالِ مِصرَ». أَما سَمِعتَ أَنِّي مِنَ القَديمِ صَنَعتُ ذٰلك، مُنذُ الأَيَّامِ القَديمةِ فَرَضتُه والآنَ حَقَّقتُه؟ لِتَحْويلِ المُدُنِ المُحَصَّنةِ إِلى تِلالِ رَدْم. سُكَّانُها قِصارُ الأَيدي، مَذْعورونَ ومُخْزَون، كعُشبِ الحَقلِ يَكونون، وكَخَضِرِ المُروجِ وحَشيشِ السُّطوح، وكالمَلْفوحِ بِالرِّيح قَبلَ البُلوغ. إِن قُمتَ أَو جَلَستَ، إِن خَرَجتَ أَو دَخَلتَ، فأَنا عارِفٌ بِه، وكذٰلك عِندَما تَغْتاظُ علَيَّ، فلأَنَّكَ ٱغتَظتَ عَلَيَّ، ولأَنَّ وَقاحَتَكَ قدِ ٱرتَفَعَت إِلى أُذُنَيَّ، فأَنا جاعِلٌ خِزامَتي في أَنفِكَ، ولِجامي في شَفَتَيكَ، ورادُّكَ في الطَّريقِ الَّتي جِئتَ مِنها. وهٰذه تَكونُ آيَةً لَكَ: يأكُلونَ هٰذه السَّنَةَ خِلفَةً، والسَّنَةَ الثَّانِيَةَ ما لم يُزرَع، والسَّنَةَ الثَّالِثَةَ تَزرَعونَ وتَحصُدون، وتَغرِسونَ كُرومًا وتأكُلونَ ثِمارَها. ويَعودُ النَّاجونَ مِن بَيتِ يَهوذا، الَّذينَ بَقوا يَتَأَصَّلونَ إِلى أَسفَل، ويُثمِرونَ إِلى فَوق، لأَنَّه من أُورَشَليمَ تَخرُجُ بَقِيَّة، وناجونَ مِن جَبَلِ صِهْيون. غَيرَةُ رَبِّ القُوَّاتِ تَفعَلُ هٰذا. لِذٰلك هٰكذا يَقولُ الرَّبُّ في مَلِكِ أَشُّور: إِنَّه لا يَدخُلُ هٰذه المَدينة، ولا يَرْمي إِلَيها سَهمًا، ولا يَتَقَدَّمُ علَيها بِتُرْس، ولا يَنصِبُ علَيها مَرْدومًا، لٰكِن في الطَّريقِ الَّتي جاءَ مِنها يَرجِع، وإِلى هٰذه المَدينَةِ لا يَدخُل، يَقولُ الرَّبّ فأَحْمي هٰذه المَدينَةَ وأُخَلِّصُها بِسَبَبي، وبِسَبَبِ داوُدَ عَبْدي». وخَرَجَ مَلاكُ الرَّبِّ وقَتَلَ مِن عَسكَرِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلفٍ وخَمسَةً وثَمَانينَ أَلفًا. فَلَمَّا بَكَّروا صَباحًا، إِذا هم جَميعًا جُثَثُ أَمْوات. فرَحَلَ سَنْحاريب، مَلِكُ أَشُّور، ومَضى راجِعًا، وأَقامَ في نينَوى. وفيما هو ساجِدٌ في بَيتِ نِصْروكَ إِلٰهه، قَتَلَه أَدرَمَّلِكُ وشَرْآصَرُ ٱبْناه بِالسَّيف، وهَرَبا إِلى أَرضِ أَراراط. ومَلَكَ آسَرحَدُّونَ ٱبنُه مَكانَه. وفي تِلكَ الأَيَّامِ، مَرِضَ حِزقِيَّا مَرَض مَوت، فأتى إِلَيه أَشَعْيا بنُ آموصَ النَّبِيُّ وقالَ له: «هٰكذا يَقولُ الرَّبّ: نَظِّمْ أُمورَ بَيتِكَ، لأَنَّكَ تَموتُ ولا تَعيش». فحَوَّلَ حِزقِيَّا وَجهَه إِلى الحائِطِ وصَلَّى إِلى الرَّبِّ قائلًا: «أُذكُرْ يا رَبِّ كَيفَ سِرتُ أَمامَكَ بِالحَقِّ وسَلامةِ القَلْب، وكَيفَ صَنَعتُ الخَيرَ في عَينَيكَ». وبَكى حِزقِيَّا بُكاءً شَديدًا. فكانَ كَلامُ الرَّبِّ إِلى أَشَعْيا قائلًا: «إِذهَبْ وقُلْ لِحِزقِيَّا: هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ داوُدَ أَبيكَ: إِنِّي قد سَمِعتُ صَلاتَكَ ورَأَيتُ دُموعَكَ، وهاءَنَذا أَزيدُكَ على أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشرَةَ سَنَة، وأُنقِذُكَ مِن يَدِ مَلِكِ أَشُّور، أَنتَ وهٰذه المَدينة، وأَحْمي هٰذه المَدينة. وهٰذه آيَةٌ لَكَ مِن قِبَلِ الرَّبِّ على أَنَّ الرَّبَّ يُحَقِّقُ القَولَ الَّذي قالَه: هاءَنَذا أَرُدُّ الظِّلَّ مِنَ الدَّرَجاتِ الَّتي نَزَلَتها الشَّمسُ في دَرَجِ آحازَ عَشرَ دَرَجاتٍ إِلى الوَراء». فَرجَعَتِ الشَّمسُ عَشْرَ دَرَجاتٍ كانَت قد نَزَلَتها. كِتابَةٌ لِحِزقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، حينَ مَرِضَ وشُفِيَ مِن مَرَضِه: إِنِّي قُلتُ في مُنتَصَفِ أَيَّامي، ذاهِبٌ إِلى أَبْوابِ مَثْوى الأَمْوات، قد حُرِمتُ بَقِيَّةَ سِنِيَّ. قُلتُ: لا أَرى الرَّبّ، الرَّبَّ في أَرضِ الأَحْياء، ولا أَعودُ أَنظُرُ البَشَر، بَينَ سُكَّانِ الفانِيَة، قدِ ٱنقَلَعَ مَسكِني، ونُفِيَ عنِّي كَخَيمَةِ الرَّاعي. طَوَيتُ حَياتي كالحائِك، فَصَلَني عنِ السَّدى. مِنَ النَّهارِ إِلى اللَّيلِ أَنتَ تُفْنيني. صَرَختُ حتَّى الصَّباح، أَنَّه كالأَسَدِ يُهَشِّمُ جَميعَ عِظامي. مِنَ النَّهارِ إِلى اللَّيلِ أَنتَ تُفْنيني. أُزَقزِقُ كالسُّنونو الرَّحَّال، وأَنوحُ كالحَمامة. قد كَلَّت عَينايَ مِنَ النَّظَرِ إِلى العَلاء، يا رَبِّ، إِنِّي مَظْلوم، فكُنْ لي كَفيلًا. ماذا أَقولُ فإِنَّه تَكَلَّم، وهو الَّذي فَعَل؟ سأَمْشي الهُوَينا جَميعَ سِنِيَّ بِمَرارةِ نَفْسي. أَيُّها السَّيِّد، لِيَحْيَ روحي مِن هٰذا الكلام وبِالنِّسبَةِ إِلى تِلكَ الأَفْعال، فعافِني وأَحْيِني، ها إِنَّ مَرارتي تَحَوَّلَت إِلى هَناء، لأَنَّكَ نَجَّيتَ نَفْسي مِن هُوَّةِ الهَلاك، ونَبَذتَ جَميعَ خَطايايَ وَراءَ ظَهرِكَ. فإِنَّ مَثْوى الأَمواتِ لا يَحمَدُكَ، والمَوتَ لا يُسَبِّحُكَ، والَّذينَ يَهبِطونَ إِلى الجُبِّ، لا يَرْجونَ أَمانَتَكَ. بلِ الحَيُّ هو يَحمَدُكَ كما أَنا اليَوم، والأَبُ يُعَرِّفُ البَنينَ أَمانَتَكَ. يا رَبِّ خَلِّصْني فنَعزِفُ بِذَواتِ أَوتارِنا، جَميعَ أَيَّامِ حَياتِنا في بَيتِ الرَّبّ. (وقالَ أَشَعْيا: «لِيُؤخَذْ قُرصُ تين، ولْتُضَمَّدْ بِه القَرحَة، فيَبرَأ». وقالَ حِزقِيَّا: «ما الآيةُ على أَنِّي سأَصعَدُ إِلى بَيتِ الرَّبّ؟»). وفي ذٰلك الزَّمان، أَرسَلَ مَروداكَ بلْأَدانُ ٱبنُ بلْأَدان، مَلِكُ بابل، رَسائِلَ وهَدِيَّةً إِلى حِزقِيَّا، لأَنَّه سَمِعَ أَنَّه مَرِضَ وعوفِيَ. ففَرِحَ بِهم حِزقِيَّا وأَراهُم بَيتَ نَفائِسِه مِن فِضَّةٍ وذَهَبٍ وأَطْيابٍ وزَيتٍ طَيِّب، وكُلَّ بَيتِ آنِيَته وكُلَّ ما وُجِدَ في خَزائِنِه، لم يَكُنْ شَيءٌ إِلاَّ أَراهم حِزقِيَّا إِيَّاه في بَيتِه وفي كُلِّ سَلطَنَتِه. فدَخَلَ أَشَعْيا النَّبِيُّ على المَلِكِ حِزقِيَّا وقالَ لَه: «ما الَّذي قالَه هٰؤُلاءِ القَوم، ومِن أَينَ أَتَوكَ؟» فقالَ حِزقِيَّا: «قد أَتَوني مِن أَرضٍ بَعيدَةٍ، مِن بابِل». فقال: «ما الَّذي رَأَوه في بَيتِكَ؟» فقالَ حِزقِيَّا: «كُلُّ شَيءٍ في بَيتي رَأَوه، ولم يَكُنْ في خَزائِني شَيءٌ إِلاَّ أَرَيتُهم إِيَّاه». فقالَ أَشَعْيا لِحِزقِيَّا: «إِسمَعْ قَولَ رَبِّ القُوَّات: إِنَّها ستَأتي أَيَّامٌ يُؤخَذُ فيها كُلُّ ما في بَيتِكَ، مِمَّا خَزَنَه آباؤُكَ إِلى هٰذا اليَوم، إِلى بابل، ولا يَبْقى شَيءٌ، قالَ الرَّبّ، ويُؤخَذُ مِن بَنيكَ الَّذينَ يَخرُجونَ مِنكَ، الَّذينَ تَلِدُهم، فيكونونَ خِصْيانًا في قَصرِ مَلِكِ بابل». فقالَ حِزقِيَّا لأَشَعْيا: «حَسَنٌ قَولُ الرَّبِّ الَّذي قُلتَه». إِذ إِنَّه قالَ في نَفْسِه: «سيَكونُ سَلامٌ وأَمْنٌ في أَيَّامي». «عَزُّوا عَزُّوا شَعْبي، يَقولُ إِلٰهُكم. خاطِبوا قَلبَ أُورَشَليم، ونادوها بأَن قد تَمَّ تَجَنُّدُها. وكُفِّر إِثمُها ونالَت مِن يَدِ الرَّبِّ ضِعفَينِ عن جَميعِ خَطاياها». صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: «أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ، وٱجعَلوا سُبُلَ إِلٰهِنا في الصَّحْراءِ قَويمة. كُلُّ وادٍ يَرتَفِع، وكُلُّ جَبَلٍ وتَلٍّ يَنخَفِض، والمُنعَرِجُ يُقَوَّم، ووَعرُ الطَّريقِ يَصيرُ سَهلًا، ويَتَجَلَّى مَجدُ الرَّبِّ ويُعايِنُه كُلُّ بَشَر، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ قد تَكَلَّم». صَوتُ قائِلٍ: «نادِ»، فقال: «ماذا أُنادي؟» «كُلُّ بَشَرٍ عُشْبٌ، وكُلُّ جَمالِه كزَهْرِ البَرِّيَّة. العُشبُ يَيبَسُ وزَهرُه يَذْوي، إِذا هَبَّ فيه روحُ الرَّبّ (إِنَّ الشَّعبَ عُشبٌ حَقًّا). العُشبُ يَيبَسُ وزَهرُه يَذْوي، وأَمَّا كَلِمَةُ إِلٰهِنا فتَبْقى لِلأَبَد». إِصعَدي إِلى جَبَلٍ عالٍ، يا مُبَشِّرَةَ صِهْيون. إِرفَعي صَوتَكِ بِقُوَّة، يا مُبَشِّرَةَ أُورَشَليم. إِرفَعيه ولا تَخافي. قولي لِمُدُنِ يَهوذا: «هُوَذا إِلٰهُكم». هُوَذا السَّيِّدُ الرَّبُّ يَأتي بِقُوَّة، وذِراعُه تُمدُّه بِالسُّلْطان، هُوَذا جَزاؤُه معَه وأُجرتُه قُدَّامَه. يَرْعى قَطيعَه كالرَّاعي، يَجمَعُ الحُمْلانَ بِذِراعِه، ويَحمِلُها في حِضنِه، ويَسوقُ المُرضِعاتِ رُوَيدًا. مَنِ الَّذي قاسَ بِكَفِّه المِياه، ومَسَحَ بِشِبرِه السَّمٰوات، وكالَ بِالثُّلثِ تُرابَ الأَرض، ووَزَنَ الجِبالَ بِالقَبَّانِ والتِّلالَ بِالميزان؟ مَنِ الَّذي أَرشَدَ روحَ الرَّبّ، أَو كانَ لَه مُشيرًا فعَلَّمَه؟ مَنِ الَّذي ٱستَشارَه فأَفهَمَه، وعَلَّمَه سَبيلَ الحَقّ، فلَقَّنَه المَعرِفَة وعَلَّمَه طَريقَ الفَهم؟ ها إِنَّ الأُمَمَ تُحسَبُ كنُقطَةٍ مِن دَلْوٍ، وكحَبَّةِ تُرابٍ في ميزان، ها إِنَّ الجُزُرَ كذَرَّةٍ يَرفَعُها، ولُبْنانَ غَيرُ كافٍ لِلوَقود، وحَيَوانَه غَيرُ كافٍ لِلمُحرَقَة. جَميعُ الأُمَمِ أَمامَه كلا شَيء، تُحسَبُ لَدَيه أَقَلَّ مِنَ العَدَمِ والخَواء. فبِمَن تُشَبِّهونَ الله وأَيُّ شِبهٍ تُعادِلونَه بِه؟ إِنَّ التِّمثالَ يَسبِكُه الصَّانِع، ويَمُدُّ الصَّائِغُ علَيه صَفائِحَ مِنَ الذَّهَب، ويَصوغُ لَه سَلاسِلَ مِنَ الفِضَّة. ومَن أَعوَزَته تَقدِمَة، اِخْتارَ عودًا لا يَنخَر، وطَلَبَ لَه صانِعًا حاذِقًا، لِيَنصِبَ مِنه تِمْثالًا لا يَتَزَعزَع. أَما تَعلَمونَ أَوَلَم تَسمَعوا؟ أَما بَلَغَكم مِنَ البَدءِ؟ أَما فِهِمتُم أُسُسَ الأَرض؟ إِنَّه جالِسٌ على كُرَةِ الأَرض، وسُكَّانُها كالجَراد. يَبسُطُ السَّمٰواتِ كالنَّسيج، ويَمُدُّها كَخيمةٍ لِلسُّكْنى. يَجعَلُ الزُّعَماءَ كلا شَيء، ويُصَيِّرُ قُضاةَ الأَرضِ كخَواء. يَكادونَ لا يُغرَسون ولا يُزرَعون، ولا يَتَأَصَّلُ في الأَرضِ جِذرُهم، حتَّى يَهُبَّ علَيهم فيَيبَسوا، وتَرفَعَهمُ الزَّوبَعةُ كالقَشّ. فبِمَن تُشَبِّهونَني فأُساوِيَه، يَقولُ القُدُّوس؟ إِرفَعوا عُيونَكم إِلى العَلاءِ وٱنظُروا: مَن الَّذي خَلَقَ هٰذه: الَّذي يُخرِجُ قُوَّاتِها بِعَدَد، ويَدْعوها جَميعًا بِأَسْمائِها، لِعَظَمَةِ قُدرَتِه وشِدَّةِ قُوَّتِه، فلا يَنقُصُ أَحَدٌ مِنها. فلِمَ تَقولُ يا يَعْقوب، وتَتَكَلَّمُ يا إِسْرائيل: «طريقي تَخْفى على الرَّبّ، وحَقِّي يَفوتُ إِلٰهي؟» أَما عَلِمتَ أَوَما سَمِعتَ أَنَّ الرَّبَّ إِلٰهٌ سَرمَدِيّ، خالقُ أَقاصي الأَرض، لا يَتعَبُ ولا يُعْيي ولا يُسبَرُ فَهمُه. يُؤْتي التَّعِبَ قُوَّةً، ولِفاقِدِ القُدرَةِ يُكثِرُ الحَول. الفِتْيانُ يَتعَبونَ ويُعيَون. والشُّبَّانُ يَعثُرونَ عِثارًا. أَمَّا الرَّاجونَ لِلرَّبّ، فيَتَجَدَّدونَ قُوَّةً، يَرتَفِعونَ بِأَجنِحَةٍ كالعِقْبان، يَعْدونَ ولا يُعْيَون، يَسيرونَ ولا يَتعَبون. أَنصِتي إِلَيَّ أَيَّتُها الجُزُر، ولْتَتَجَدَّدِ الشُّعوبُ قُوَّةً. لِتَدنُ ثُمَّ لِتَتَكَلَّمْ. لِنَتَقَدَّمْ مَعًا لِلقَضاء. مَنِ الَّذي أَنهَضَ مِنَ المَشرِق ذٰاكَ الَّذي دَعاه البِرُّ لِيَتبَعَه، وجَعَلَ الأُمَمَ بَينَ يَدَيه، وأَخضَعَ لَه المُلوك، وسَيفُه جَعَلَهم كالتُّراب، وقَوسُه كالتِّبنِ المُذَرَّى؟ يُطارِدُهم ويَعبُرُ سالِمًا، في سَبيلٍ لم يَسلُكْه بِقَدَمَيه. مَنِ الَّذي فَعَلَ وصَنَع؟ الدَّاعي الأَجْيالَ مِنَ البَدْء. أَنا الرَّبَّ، أَنا الأَوَّل، ومع الآخِرينَ أَنا هو. رَأَتِ الجُزُرُ فخافَت، إِرتَعَدَت أَقاصي الأَرضِ فدَنَت وأَقبَلَت. كُلُّ واحِدٍ يُعينُ صاحِبَه، ويَقولُ لأَخيه: «تَشَدَّد». فالصَّانِعُ يُشَدِّدُ الصَّائغ، والصَّاقِلُ بِالمِطرَقةِ مَن يَضرِبُ على السَّنْدان، قائلًا في اللِّحام: «هو جَيِّد»، ثُمَّ يُثَبِّتُه بِمَساميرَ لِئَلاَّ يَتَزَعزَع. أَمَّا أَنتَ يا إِسْرائيلُ عَبْدي، ويا يَعْقوبُ الَّذي ٱختَرتُه، نَسْلَ إِبْراهيمَ خَليلي، يا مَن أَخَذتُه مِن أَقاصي الأَرض، ودَعَوتُه مِن أَقْطارِها، وقُلتُ لَه: «أَنتَ عَبْدي، إِختَرتُكَ ولم أَنبِذْكَ»، فلا تَخَفْ فإِنِّي معَكَ، ولا تَتَلَفَّتْ فأَنا إِلٰهُكَ، قد قَوَّيتُكَ ونَصَرتُكَ، وعَضَدتُكَ بِيَمينِ بِرِّي. كُلُّ الغاضِبينَ علَيكَ، يَخزَونَ ويَخجَلون، والنَّاسُ خُصومُكَ يَصيرونَ كلا شَيءٍ ويَهلِكون. تَلتَمِسُ مُشاجِريكَ فلا تَجِدُهم، ومُحارِبوكَ يَصيرونَ كلا شَيءٍ ومِثلَ العَدَم، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ إِلٰهَكَ آخُذُ بِيَمينِكَ، قائِلًا لَك: «لا تَخَفْ فأَنا أَنصُرُكَ»، لا تَخَفْ يا دودةَ يَعْقوب، ويا هامَةَ إِسْرائيل، فإِنِّي أَنا أَنصُرُكَ، يَقولُ الرَّبّ، وفاديكَ هو قُدُّوسُ إِسْرائيل. هاءَنَذا قد جَعَلتُكَ نَورَجًا، سِكَّةً جديدَةً ذاتَ أَسْنان، فتَدوسُ الجِبالَ وتَسحَقُها، وتَجعَلُ التِّلالَ كالعُصافَة. تُذَرِّيها فتَذهَبُ الرِّيحُ بِها، وتُبَدِّدُها الزَّوبَعَة، فتَبتَهِجُ أَنتَ بِالرَّبّ، وتَفتَخِرُ بِقُدُّوسِ إِسْرائيل. البائِسونَ والمَساكين، يَلتَمِسونَ ماءً ولَيسَ ماء. قد جَفَّت أَلسِنَتُهم مِنَ العَطَش. أَنا الرَّبَّ أَستَجيبُ لَهم، أَنا إِلٰهَ إِسْرائيلَ لا أَترُكُهم. أَفتَحُ الأَنهارَ على الرَّوابي الجَرْداء، والعُيونَ في وَسَطِ الأَودِيَة. أَجعَلُ البَرِّيَّةَ غُدْرانَ مِياه، والأَرضَ القاحِلَةَ يَنابيعَ مِياه. أَجعَلُ في البَرِّيَّةِ الأَرْزَ، والسَّنْطَ والآسَ وشَجَرَ الزَّيتون، وأَجعَلُ في البادِيَةِ السَّرْوَ، والدَّرْدارَ والبَقْسَ جَميعًا، لِكَي يَرَوا ويَعلَموا، ويَتَأَمَّلوا ويَفهَموا جَميعًا، أَنَّ يَدَ الرَّبِّ صَنَعَت ذٰلك، وقُدُّوسَ إِسْرائيلَ خَلَقَه. هاتوا دَعْواكم، يَقولُ الرَّبّ، قَدِّموا حُجَجَكم، يَقولُ مَلِكُ يَعْقوب. لِيَتَقَدَّموا ويُخبِرونا بالحَوادِث، أَخبِروا بِالسَّالِفاتِ ما هي، فنَتَأَمَّلَها ونَعلَمَ مُنتَهاها، أَو أَسمِعونا المستَقبَلات. أَخبِروا بِما سيَأتي فيما بَعد، فنَعلَمَ أَنَّكم آلِهَة، وٱفعَلوا خَيرًا أَو شَرًّا، فنَنظُرَ جَميعًا ونَرى. ها إِنَّكم أَقَلُّ مِن لا شَيء، وعَمَلُكم أَقَلُّ مِنَ العَدَم. إِنَّما اختِيارُكم قُبْح. قد أَنهَضتُه مِنَ الشَّمالِ فأَتَى. ومِن مَشرِقِ الشَّمسِ يَدْعو بِٱسْمي، ويَطَأُ الحُكَّامَ مِثلَ الوَحْل، وكالخَزَّافِ يَدوسُ الطِّين. مَنِ الَّذي أَخبَرَ مِنَ البَدْءِ حَتَّى نَعلَم ومِن قَبلُ حتَّى نَقول: قد صَدَق؟ ولٰكِن لَيسَ مِن مُخبِرٍ ولا مُسمِع، ولا سامِعٍ لأَقْوالِكم. أَنا أَوَّلُ مَن قالَ لِصِهْيون: «ها هُم، ها هُم» وأَعْطى أُورَشَليمَ بَشيرًا، ونَظَرتُ فلم يَكُنْ أَحَد، ولم يوجَدْ مِنهم مُشيرٌ، إِذا سَأَلتُه يُجيبُ بِكَلِمَة. ها إِنَّهم جَميعَهم باطِل، وأَعْمالُهم عَدَم، ومَسْبوكاتُهم ريحٌ وخَواء. هُوَذا عَبدِيَ الَّذي أَعضُدُه، مُخْتارِيَ الَّذي رَضِيَت عنه نَفْسي، قد جَعَلتُ روحي علَيه، فهو يُبْدي الحَقَّ لأُمَم. لا يَصيحُ ولا يَرفَعُ صَوتَه، ولا يُسمِعُ صَوتَه في الشَّوارِع. القَصَبَةُ المَرْضوضةُ لن يَكسِرَها، والفَتيلةُ المُدَخِّنَةُ لن يُطفِئَها، يُبْدي الحَقَّ بأَمانَة. لا يَني ولا يَنثَني إِلى أَن يُحِلَّ الحَقَّ في الأَرض، فلِشَريعَتِه تَنتَظِرُ الجُزُر. هٰكذا قالَ اللهُ الرَّبّ، خالِقُ السَّمٰواتِ وناشِرُها، باسِطُ الأَرضِ مع ما يَنبُتُ مِنها، الَّذي يُعْطي الشَّعبَ علَيها نَسَمَةً، والسَّائِرينَ فيها روحًا: «أَنا الرَّبَّ دَعَوتُكَ في البِرّ، وأَخَذتُ بِيَدِكَ وجَبَلتُكَ. وجَعَلتُكَ عَهدًا لِلشَّعبِ ونورًا لِلأُمَم، لِكَي تَفتَحَ العُيونَ العَمْياء، وتُخرِجَ الأَسيرَ مِنَ السِّجْن، والجالِسينَ في الظُّلمَةِ مِن بَيتِ الحَبْس». أَنا الرَّبُّ وهٰذا ٱسْمي، ولا أُعْطي لِآخَرَ مَجْدي، ولا لِلمَنْحوتاتِ حَمْدي. الأَوائِلُ قد أَتَت فأُخبِرُكم بِالمُحدَثات، فأَنا أُخبِرُكم بِالمُحدَثات. أَنشدوا لِلرَّبِّ نَشيدًا جَديدًا، تَسبِحَةً لَه مِن أَقاصي الأَرض، يا رُوَّادَ البَحرِ وكُلِّ ما فيه، ويا أَيَّتُها الجُزُرُ وسُكَّانَها. لِتَرفَعِ البَرِّيَّةُ ومُدُنُها صَوتَها، والحَظائِرُ الَّتي يَسكُنُها قيدار، ولْيَهتِفْ سُكَّانُ الصَّخرَة، ولْيَصيحوا مِن رُؤُوسِ الجِبال. لِيُؤَدُّوا المَجدَ لله، ويُخبِروا بِحَمدِه في الجُزُر. الرَّبُّ كجَبَّارٍ يَبرُز، وكرَجُلِ قِتالٍ يُثيرُ غَيرَتَه، ويَصرُخُ صَرخَةَ إِنْذار، ويَزعَقُ ويَتَجَبَّرُ على أَعْدائِه: «سَكَتُّ مُطَوَّلًا وصَمَتُّ وضَبَطتُ نَفْسي، فالآنَ أَئِنُّ كالَّتي تَلِدُ وأَتَنَهَّدُ وأَلهَث. أُخَرِّبُ الجِبالَ والتِّلال، وأُيَبِّسُ كُلَّ عُشْبِها، وأَجعَلُ الأَنْهارَ جُزُرًا، وأُجَفِّفُ الغُدْران. وأُسَيِّرُ العُمْيانَ في طَريقٍ لم يَعرِفوه، وأُسلِكُهم مَسالِكَ لم يَعهَدوها، وأَجعَلُ الظُّلمَةَ نورًا أَمامَهم، والمُلتَوَياتِ مُستَقيمة. هٰذه الأُمورُ سأَصنَعُها ولا أَترُكُهم. قدِ ٱرتَدُّوا إِلى الوَراءِ وخَزِيَ خِزْيًا المُتَوَكِّلونَ على المَنْحوتات، القائِلونَ لِلمَسْبوكاتِ: أَنتُنَّ آلِهَتُنا». أَيُّها الصُّمُّ ٱسمَعوا، أَيُّها العُمْيانُ ٱنظُروا وأَبصِروا. مَن هو أَعْمى إِلاَّ عَبْدي، أَو أَصَمُّ كرَسولِيَ الَّذي أَرسَلتُه؟ (مَن هو أَعْمى كمُسالِمي ومَن هو أَعْمى كعَبدِ الرَّبّ؟). رَأَيتَ أُمورًا كَثيرَةً ولم تَحفَظْها. يَفتَحُ أُذُنَيه ولا يَسمَع، أَرادَ الرَّبُّ، بِسَبَبِ بِرِّه، بِأَن يُعَظِّمَ الشَّريعَةَ ويُكرِمَها. وها هُوَذا شَعبٌ مَنْهوبٌ مَسْلوب. قدِ ٱصطيدوا كُلُّهم في الحُفَر، وخُبِئوا في بُيوتِ الحَبْس. صاروا نَهْبًا ولَيسَ مَن يُنقِذ، وسَلَبًا ولَيسَ مَن يَقول: «رُدَّ إِلَيهم». مَن مِنكُم يُنصِتُ لِذٰلك، ويُصْغي ويَستَمِعُ لِما سيَأتي؟ مَنِ الَّذي جَعَلَ يَعْقوبَ سَلَبًا، وإِسْرائيلَ نَهْبًا؟ أَلَيسَ الرَّبَّ الَّذي خَطِئنا إِلَيه، لأَنَّهم أَبَوا أَن يَسيروا في طُرُقِه، ويَسمَعوا شَريعَتَه؟ فصَبَّ علَيه سَورَةَ غَضَبِه مع شِدَّةِ القِتال، فأَلهَبَه مِن كُلِّ جِهَةٍ ولم يَفهَم، وأَحرَقَه ولم يَخطُرْ لَه بِبال. والآنَ هٰكذا قالَ الرَّبُّ، خالِقُكَ يا يَعْقوب وجابِلُكَ يا إِسْرائيل: لا تَخَفْ فإِنِّي قَدِ ٱفتَدَيتُكَ، ودَعَوتُكَ بِٱسمِكَ، إِنَّكَ لي. إِذا عَبَرتَ المِياهَ فإِنِّي مَعَكَ، أَوِ الأَنْهارَ فلا تَغمُرُكَ، وإِذا سِرتَ في النَّارِ فلا تَكتَوي، ولا يَلفَحُكَ اللَّهيب، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ، قُدُّوسُ إِسْرائيلَ مُخَلِّصُكَ، وقد جَعَلتُ مِصرَ فِديَةً عنكَ، وكوشَ وسَبَأَ بَدَلًا مِنكَ، إذ قد صِرتَ كَريمًا في عَينَيَّ، ومَجيدًا فإِنِّي أَحبَبتُكَ، وأُسلِمُ أُناسًا بَدَلًا مِنكَ، وشُعوبًا بَدَلًا مِن نَفسِكَ. لا تَخَفْ فإِنِّي مَعَكَ، وسآتي بِنَسلِكَ مِنَ المَشرِق، وأَجمَعُكَ مِنَ المَغرِب. أَقولُ لِلشَّمالِ: هاتِ، ولِلجَنوبِ: لا تَمنَع. هَلُمَّ بِبَنِيَّ مِن بَعيد، وبِبَناتي مِن أَقاصي الأَرض، كُلِّ مَن يُدْعى بِٱسْمي، ومَن لِمَجْدي خَلَقتُه وجَبَلتُه وصَنَعتُه. أَخرِجِ الشَّعبَ الأَعْمى ولَه عَينان، والأَصَمَّ ولَه أُذُنان. لِتَجتَمِعْ كُلُّ الأُمَمِ جَميعًا، ولْتَحتَشِدِ الشُّعوب. مَنِ الَّذي فيهم أَنبَأَ بِذٰلك وأَسمَعَنا بِالأَوائِل؟ فلْيُقَدِّموا شُهودَهم حتَّى يَكونوا على حَقّ، ولْيَسمَعْهمُ النَّاسُ ويَقولوا: هٰذا حقّ. أَنتُم شُهودي، يَقولُ الرَّبّ، وعَبدِيَ الَّذي ٱختَرتُه، لِكَي تَعلَموا وتُؤمِنوا بي، وتَفهَموا أَنِّي أَنا هو: لم يُكَوَّنْ إِلٰهٌ قَبْلي ولا يَكونُ بَعْدي. أَنا أَنا الرَّبُّ ولا مُخَلِّصَ غَيري. أَنا أَخبرتُ وخَلَّصتُ وأَسمَعتُ. لا غَريبَ فيكم، وأَنتُم شُهودي، يَقولُ الرَّبّ، وأَنا الله. ومُنذُ اليَومِ أَنا هو، ولا مُنقِذَ مِن يَدي، أَفعَلُ ومَن يَرُدّ؟ هٰكذا قالَ الرَّبُّ فاديكُم قُدُّوسُ إِسْرائيل: لأَجلِكم أَرسَلتُ حَملَةً على بابِل، وسأُهبِطُهم جَميعًا فيهرُبون، حتَّى الكَلْدانِيِّينَ في سُفُنِ هُتافِهم. أَنا الرَّبُّ قُدُّوسُكم، خالِقُ إِسْرائيلَ ومَلِكُكم. هٰكذا قالَ الرَّبُّ، الفاتِحُ في البَحرِ طَريقًا، وفي المِياهِ الطَّاغِيَةِ مَسْلَكًا، المُخرِجُ المَركَباتِ والخَيل، والعَسكَرَ وذَوي البأس، فيَضَّجِعونَ ولا يقومون، وخَمَدوا وكفَتيلَةٍ ٱنطفَأُوا: لا تَتَذَكَّروا الأَوائِل، ولا تَتَأَمَّلوا القَدائم. هاءَنَذا آتي بالجَديد، ولقَد نَبَتَ الآنَ فَلا تَعرِفونَه؟ أَجعَلُ في البَرِّيَّةِ طَريقًا، وفي القَفرِ أَنْهارًا. يُمَجِّدُني وَحشُ البَرِّيَّة، بَناتُ آوى وبَناتُ النَّعام، لأَنِّي أَجعَلُ مِياهًا في البَرِّيَّة، وأَنْهارًا في القَفْرِ لأَسقِيَ شَعْبي، مُخْتاري، الشَّعبَ الَّذي جَبَلتُه لي، فهم يُحَدِّثونَ بِحَمْدي. لٰكِنَّكَ لم تَدعُني يا يَعْقوب، وسَئِمتَني يا إِسْرائيل، لم تَأتِني بِحَمَلِ مُحرَقاتِكَ، ولم تُكرِمْني بِذبائِحِكَ، وأَنا لم أَستَعبِدْكَ بِتَقدِمَة، ولا أَسأَمتُكَ بِبَخور. لم تَشتَرِ لي بِالفِضَّةِ قَصَبَ طيبٍ، ولم تُروِني مِن شَحمِ ذَبائِحِكَ، بل أَنتَ ٱستَعبَدتَني بِخَطاياكَ، وأَسأَمتَني بِآثامِكَ. أَنا أَنا الماحي مَعاصِيَكَ لأَجْلي، وخَطاياكَ لا أَذكُرُها. ذَكِّرْني فنَتَحاكَمَ مَعًا، وٱحسُبْ أَنتَ لِكَي تُبَرِّرَ نَفسَكَ. أَبوكَ الأَوَّلُ خَطِئَ. ووُسَطاؤُكَ عَصَوني، فأَلحَقتُ العارَ بِرُؤَساءِ القُدْسِ، وأَسلَمتُ يَعْقوبَ إِلى التَّحْريم، وإِسْرائيلَ إِلى الشَّتائِم. والآنَ ٱسمَعْ يا يَعْقوبُ عَبْدي، ويا إِسْرائيلُ الَّذي ٱختَرتُه، هٰكذا قالَ الرَّبُّ صانِعُكَ، وجابِلُكَ مِنَ البَطنِ والَّذي يُعينُكَ: لا تَخَفْ يا يَعْقوبُ عَبْدي، ويا يَشورونُ الَّذي ٱختَرتُه، فإِنِّي أُفيضُ المِياهَ على العَطْشان، والسُّيولَ على اليَبَس. أُفيضُ روحي على ذُرِّيَّتِكَ، وبَرَكَتي على سُلالَتِكَ، فيَنبُتونَ كما بَينَ العُشْب، كالصَّفْصافِ على مَجاري المِياه. هٰذا يَقولُ: أَنا لِلرَّبّ، وهٰذا يَتَسَمَّى بِٱسمِ يَعْقوب، وهٰذا يَكتُبُ على يَدِه: لِلرَّبّ، ويَتَلَقَّبُ بِٱسمِ إِسْرائيل. هٰكذا قالَ الرَّبُّ مَلِكُ إسْرائيل، وفاديه رَبُّ القُوَّات: أَنا الأَوَّلُ وأَنا الآخِر، ولا إِلٰهَ غَيري. ومَن مِثْلي؟ فلْيُنادِ، ويُخبِرْ بِالأَمرِ ويَعرِضْه علَيَّ، مُنذُ أَنشأتُ شَعبًا عريقًا في القِدَم، وأَحْداثًا آتِيَة، فلْيُخبِروه بِها. لا تَرْتاعوا ولا تَضطَرِبوا، أَلَم أُسمِعْكم مِن ذٰلك الوَقتِ وأُخبِرْكم؟ أَنتُم شُهودي، فهَل مِن إِلٰهٍ غَيري؟ ما مِن صَخرٍ ولا عِلمَ لي بِه. صُنَّاعُ التَّماثيلِ كُلُّهم باطِل، ومُشتَهَياتُهم لا فائِدَةَ فيها، وشُهودُها لا يُبصِرونَ ولا يَفهَمون فيَخزَون. مَن الَّذي يُكَوِّنُ إِلٰهًا أَو يَسبِكُ تِمْثالًا لِغَيرِ فائِدة؟ إِنَّ جَميعَ أَتْباعِه يَخزَونَ لأَنَّ الصُّنَّاعَ بَشَر. لِيَجتَمِعوا كُلُّهم ولْيَمْثُلوا. إِنَّهم يَرْتاعونَ ويَخزَونَ جَميعًا. الحَدَّادُ يَصنَعُ قَدومًا على الجَمْرِ ويُهَيِّئُها بِالمَطارِق ويَصوغُها بِقُوَّةِ ذِراعِه، ثُمَّ يَجوع فلا تَبْقى لَه قُوَّة، ولا يَشرَبُ ماءً وقد تَعِب. وحَفَّارُ الخَشَبِ يَمُدُّ الخَيط ويَرسُمُ الصُّورَةَ بِالطَّبْشورة ويُسَوِّيها بِالمِنحَت ويَرسُمُها بِالبِرْكار ويَصنَعُها على شكلِ إِنْسانٍ وجَمالِ بَشَرٍ لِتُقيمَ في البَيت. قَطَعَ لَه أَرْزًا وأَخَذَ سِندِيانةً وبُطمَةً تَرَكَهما تَنميانِ لَه بَينَ أَشْجارِ الغاب، وغَرَسَ صَنَوبَرَةً فأَنْماها المَطَر. ثُمَّ يَكونُ ذٰلك لِلأُنْسانِ وَقودًا يأخُذُ مِنه لِيَستَدفِئ، أَو يوقِدُه لِكَي يَخبِزَ خُبزًا، أَو يَعمَلُ مِنه إِلٰهًا يَرتَمي أَمامَه ويَصنَعُ مِنه تِمْثالًا ويَسجُدُ لَه. يُحرِقُ نِصفَه بِالنَّار، وعلى نِصفِه يَشْوي لَحْمًا، ثُمَّ يأكُلُ ما شُوِيَ ويَشبَعُ ويَستَدفِئُ ويَقول: «آه! قدِ ٱستَدفَأتُ ورَأَيتُ نارًا». ويَصنَعُ بَقِيَّتَه إِلٰهًا تِمْثالًا يَسجُدُ لَه ويَرتَمي فيُصَلِّي إِلَيه ويقول: «أَنقِذْني، فإِنَّما أَنتَ إِلٰهي». لا يَعلَمونَ ولا يَفهَمون، لأَنَّه قد غُشِّيَ على عُيونِهِم لِئَلاَّ يُبصِروا وعلى قُلوبِهم لِئَلاَّ يَفهَموا. لا يَرجِعُ إِلى قَلبِه، ولا عِلمَ لَه ولا فَهْمَ لِيَقول: «إِنِّي قد أَحرَقتُ نِصفَه بِالنَّار، وخَبَزتُ خُبزًا على جَمرِه وشَوَيتُ لَحمًا وأَكَلتُ، أَفَأَضَعُ مِن بَقِيَّتِه قَبيحةً؟ أَفأَسجُدُ لِقِطْعَةِ خَشَب؟» إِنَّه يَتَعَلَّقُ بِالرَّماد، فقَد أَزاغَه قَلبُه المَغْرور، فلا يُنقِذُ نَفْسَه ولا يَقول: «أَما في يَميني كَذِب؟». أُذكُرْ هٰذه يا يَعْقوب، ويا إِسْرائيلُ، فإِنَّكَ عَبْدي، قد جَبَلتُكَ فأَنتَ عَبْدي، يا إِسْرائيلُ، لن أَنْساكَ، مَحَوتُ كالسَّحابِ مَعاصِيَكَ، وكالغَمامِ خَطاياكَ. إِرجِعْ إِلَيَّ فقَدِ ٱفتَدَيتُكَ. إِهتِفي أَيَّتُها السَّمٰوات، لأَنَّ الرَّبَّ قد فَعَل. أُصرُخي يا أَعْمَاقَ الأَرض، إِندَفِعي بِالهُتافِ أَيَّتُها الجِبال، والغاباتُ وكُلُّ شَجَرٍ فيها، لأَنَّ الرَّبَّ قدِ ٱفتَدى يَعْقوب، وتَمَجَّدَ بِإِسْرائيل. هٰكذا قالَ الرَّبُّ فاديكَ، وجابِلُكَ مِنَ البَطْن: أَنا الرَّبُّ صانِعُ كُلِّ شَيء، ناشِرُ السَّمٰواتِ وَحْدي، وباسِطُ الأَرضِ: فمَن كانَ معي؟ مُبطِلُ آياتِ الضَّارِبينَ بِالفَأل، ومُحَمِّقُ العَرَّافين، ورادُّ الحُكَماءِ إِلى الوَراء، ومُحَوِّلُ عِلمِهم إِلى غَباوة، مُؤَيِّدُ كَلامِ عَبدِه، ومُتَمِّمُ مَقاصِدِ رُسُلِه، القائِلُ لأُورَشَليم: «ستُعمَرين»، ولِمُدُنِ يَهوذا: «ستُبنَين، وأَنا أُقيمُ المُتَهَدِّمَ مِنها»، القائلُ لِلْهاوِيَة: «إِنشَفي، أَنا أُجَفِّفُ أَنْهارَكِ»، القائِلُ لِقُورَش: «أَنتَ راعِيَّ، مُتَمِّمُ كُلِّ ما أَشاء». والقائِلُ لأُورَشَليم: «ستُبنَين»، ولِلهَيكَل: «ستُؤَسَّس». هٰكذا قالَ الرَّبُّ لِمَسيحِه: لقُورُشَ الَّذي أَخَذتُ بِيَمينِه، لأُخضِعَ الأُمَمَ بَينَ يَدَيه، وأَحُلَّ أَحْقاءَ المُلوك، لأَفتَحَ أَمامَه المَصاريع، ولا تُغلَقَ الأَبْواب. إِنِّي أَسيرُ قُدَّامَكَ، فأُقَوِّمُ المُعوَجّ، وأُحَطِّمُ مَصاريعَ النُّحاس، وأُكَسِّرُ مَغاليقَ الحَديد، وأُعْطيكَ كُنوزَ الظُّلمَةِ ودَفائِنَ المَخابِئ لِتَعلَمَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ الَّذي دَعاكَ بِاسمِكَ، إِلٰهُ إِسْرائيل. لأَجلِ عَبْدي يَعْقوب، وإِسْرائيلَ مُخْتاري، دَعَوتُكَ بِٱسمِكَ ولَقَّبتُكَ، وأَنتَ لم تَعرِفْني. أَنا الرَّبُّ ولَيسَ مِن رَبٍّ آخَر، لَيسَ مِن دوني إِلٰه. شَدَدتُكَ بِزُنَّار، وأَنتَ لم تَعرِفْني، لِكَي يَعلَموا مِن مَشرِقِ الشَّمسِ ومِن مَغرِبِها أَنَّه لَيسَ غَيري. أَنا الرَّبُّ ولَيسَ مِن رَبٍّ آخَر. أَنا مُبدِعُ النُّورِ وخالِقُ الظَّلام، وصانِعُ الهَناءِ وخالِقُ الشَّقاء، أَنا الرَّبُّ صانِعُ هٰذه كُلِّها. أُقطُري أَيَّتُها السَّمٰواتُ مِن فَوق، ولْتُمطِرِ الغُيومُ البِرّ، لِتَنفَتِحِ الأَرضُ وليُبَرعِمِ الخَلاص، ولْيَنبُتِ البِرُّ أَيضًا. أَنا الرَّبُّ خَلَقتُ ذٰلك. وَيلٌ لِمَن يُخاصِمُ جابِلَه، وهو خَزَفَةٌ مِن خَزَفِ الأَرض. أَيَقولُ الطِّينُ لِجابِلِه: «ماذا تَصنَع أَو عَمَلُكَ لَيسَ لَه يَدان؟» وَيلٌ لِمَن يَقولُ لأَبٍ: «ماذا تَلِد؟» ولِٱمرَأَةٍ: «ماذا تَضَعين؟» هٰكذا قالَ الرَّبّ: قُدُّوسُ إِسْرائيلَ وجابِلُه: إِسأَلوني عَمَّا سَيَأتي، أَمَّا بَنِيَّ وعَمَلُ يَدَيَّ، أَفتُراكم توصونَني في أَمرِهم؟ أَنا صَنَعتُ الأَرضَ، وخَلَقتُ البَشَرَ علَيها. يَدايَ بَسَطَتا السَّمٰوات، وأَنا أَمَرتُ جَميعَ قُوَّاتِها. أَنا أَقَمتُه لِلبِرّ، وسأُقَوِّمُ جَميعَ طُرُقِه، هو يَبْني مَدينَتي ويُطلِقُ مَجلُوِّيَّ، بلا ثَمَنٍ ولا رَشوَة، قالَ رَبُّ القُوَّات. هٰكذا قالَ الرَّبّ: سَعيُ مِصرَ وتِجارَةُ كوش، وأَهلُ سبَأَ الطِّوالُ القامة، يَعبُرونَ إِلَيكَ ويَكونونَ لَكَ. يَسيرونَ وَراءَكَ ويَعبُرونَ بِالقُيود، ويَرتَمونَ أَمامَكَ ويَتَضَرَّعونَ إِلَيكَ، قائِلين: إِنَّما اللهُ فيكَ، ولَيسَ مِن إِلٰهٍ آخَر، والآلِهَةُ عَدَم. إِنَّكَ لإلٰهٌ مُحتَجِب، يا إِلٰهَ إِسْرائيلَ المُخَلِّص. لقد خَزَوا وخَجِلوا كُلُّهم مَعًا، ذَهَبَ صُنَّاعُ الأَصْنامِ بِالخَجَل. أَمَّا إِسْرائيلُ فيُخَلَّصُ بِالرَّبِّ خَلاصًا أَبَدِيًّا، إِنَّكُم لا تَخزَونَ ولا تَخجَلون إِلى أَبَدِ الدُّهور، لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبُّ خالِقُ السَّمٰوات، هو اللهُ جابلُ الأَرضِ وصانِعُها، الَّذي أَقَرَّها ولم يَخلُقْها خَواءً، بل جَبَلَها لِلسُّكْنى: إِنِّي أَنا الرَّبُّ ولَيسَ مِن رَبٍّ آخَر. لم أَتَكَلَّمْ في الخُفْيَة، في مَكانٍ مُظلِمٍ مِنَ الأَرض، ولم أَقُلْ لِذُرِّيَّةِ يَعْقوب: إلتَمِسوني في الخَواء، أَنا الرَّبُّ المُتَكَلِّمُ بِالبِرّ، المُخبِرُ بِالِٱستِقامة. إِجتَمِعوا وهَلُمُّوا وتَقَدَّموا جَميعًا، يا أَيُّها النَّاجونَ مِنَ الأُمَم، لا عِلمَ لِلَّذينَ يَحمِلونَ تِمْثالَهُمُ الخَشَبِيّ، ويُصَلُّونَ لإلٰهٍ لا يُخَلِّص. أَخبِروا وقَدِّموا بَراهينَكم، ولْيَتَشاوَروا مَعًا. مَنِ الَّذي أَسمَعَ بِهٰذه مِنَ القَديم وأَخبَرَ بِها مِن ذٰلك الزَّمان؟ أَلَستُ أَنا الرَّبّ؟ فإِنَّه لَيسَ مِن رَبٍّ آخَر، لا إِلٰهَ غَيري، إِلٰهٌ بارٌّ مُخَلِّصٌ، لَيسَ سِوايَ. تَوَجَّهوا إِلَيَّ فتَخلُصوا يا جَميعَ أَقاصي الأَرض، فإِنِّي أَنا اللهُ ولَيسَ مِن إِلٰهٍ آخر. بِذاتي أَقسَمتُ ومِن فَمي خَرَجَ البِرّ، كَلِمَةٌ لا رُجوعَ عَنها، ستَجْثو لي كُلُّ رُكبَة، ويُقسِمُ بي كُلُّ لِسان، سَيَقولون فِيَّ: بِالرَّبِّ وَحدَه البِرُّ والقُوَّة، وإِلَيه يَأتي جَميعُ الَّذينَ غَضِبوا علَيه فيَخزَون. بِالرَّبِّ تَتَبَرَّرُ وتَفتَخِر، كُلُّ ذُرِّيَّةِ إِسْرائيل. قد رَكَعَ بالٌ وٱنْحَنى نَبو، وصارَت أَصنامُهم على حَيَواناتٍ وبَهائِم. إِنَّ مَحْمولاتِكمُ الَّتي تُقِلُّونَها هي لَها حِملٌ مُنهِك، إِنحَنَت ورَكَعَت جَميعًا، ولم تَستَطِعْ أَن تُنَجِّيَ الحِمْل، هي أَنفُسُها ذَهَبَت إِلى الأَسْر. إِسمَعوا لي يا بَيتَ يَعْقوب، ويا بَقِيَّةَ بَيتِ إِسْرائيل، الَّذينَ أُقِلُّوا مِنَ البَطْنِ وحُمِلوا مِنَ الرَّحِم. إِلى شَيخوخَتِكم أَنا أَنا، وإِلى مَشيبِكم أَحتَمِلُكم، أَنا صَنَعتُكم فأَنا أَحمِلُكم، أَنا أَحتَمِلُكم وأُنَجِّيكم. بِمَن تُشَبِّهونَني وتُعادِلونَني وبِمَن تُقارِنونَني فنَتَشابَه؟ يُفرِغونَ الذَّهَبَ مِنَ الكيس، ويَزِنونَ الفِضَّةَ بِالميزان، ويَستَأجِرونَ صانِعًا فيَصنَعُ إِلٰهًا، فيَسجُدونَ له ويَرتَمون أَمامَه. يَحمِلونَه على الكَتِف، ويُقِلُّونَه ويَجعَلونَه مَكانَه، فيَنتَصِبُ لا يَبرَحُ مِن مَكانِه، بل يَصرُخُ إِلَيه صارِخٌ فلا يُجيب، ولا يُخَلِّصُه مِن ضيقِه. أُذكُروا ذٰلك وكونوا رِجالًا، وتَأَمَّلوا بِقُلوبِكم أَيُّها العُصاة، أُذكُروا الأَوائِلَ مُنذُ الأَزَل، فإِنِّي أَنا اللهُ ولَيسَ مِن إِلٰهٍ آخَر، أَنا اللهُ ولَيسَ مِن إِلٰهٍ مِثْلِي. أَنا المُخبِرُ مُنذُ البَدءِ بِما سَيَأتي، ومِنَ القَديمِ بِما لم يَكُن، قائلًا: إِنَّ تَدْبيري يُحَقَّق، وإِنِّي أَصنَعُ كُلَّ ما أَشاء. أَدْعو مِنَ المَشرِقِ كاسِرًا، ومِنَ الأَرضِ البَعيدةِ رَجُلَ تَدْبيري. قد قُلتُ وسَأُتِمّ، ورَسَمتُ وسأَفعَل. إِسمَعوا لي يا قُساةَ القُلوب، البَعيدينَ عنِ البِرّ، قَرَّبتُ بِرِّي فلا يَبعُد، وخَلاصي فلا يُبطِئ، وسأَجعَلُ في صِهْيونَ الخَلاص، ولإسْرائيلَ يَكونُ فَخْري. إِنزِلي وٱقعُدي على التُّراب، أَيَّتُها البِكرُ بِنتُ بابِل، أُقعُدي على الأَرضِ، فإِنَّه لا عَرشَ لَكِ يا بِنتَ الكَلْدانِيِّينَ، ولا تُدْعَينَ مِن بَعدُ ناعِمَةً مُترَفَة. خُذي الرَّحى وٱطحَني الدَّقيق، إِكشِفي نِقابَكِ وشَمِّري الذَّيل، وٱكشِفي عنِ السَّاقِ وٱعبُري الأَنْهار. ستَنكَشِفُ عَورَتُكِ ويَظهَرُ عارُكِ، إِنِّي أَنتَقِمُ ولا يَمنَعُني أَحَد. إِنَّ فادِيَنا هو رَبُّ القُوَّات، وٱسمُه قُدُّوسُ إِسْرائيل. أُقعُدي صامِتَةً وٱدخُلي في الظَّلام، يا بِنْتَ الكَلْدانِيِّين، فإِنَّكِ لا تُدعَينَ سَيِّدَةَ المَمالِكِ مِن بَعدُ. قد غَضِبتُ على شَعْبي وأَلحَقتُ العارَ بِميراثي، وأَسلَمتُهم إِلى يَدِكِ، فلَم تَصنَعي إِلَيهم رَحمَةً، بل ثَقَّلتِ على الشَّيخِ نَيرَكِ جِدًّا، وقُلتِ: «لِلأَبَدِ أَكونُ سَيِّدَةً»، فما وَعَيتِ هٰذه في قَلبِكِ ولا ذَكَرتِ عاقِبَتَها. فٱسمَعي الآنَ هٰذا أَيَّتُها المُتَنَعِّمَة، السَّاكِنَةُ في أَمانٍ، القائِلَةُ في قَلبِها: «أَنا ولَيسَ غَيري، لن أَبْقى أَرمَلَة، ولن أَعرِفَ الثُّكلَ». سيَأتي علَيكِ كِلا الأَمرَينِ بَغتَةً، في يَومٍ واحِدٍ الثُّكلُ والإِرْمال، فيَنقَضَّانِ علَيكِ بِشِدَّتِهما، بِالرَّغمِ مِن أَنْواعِ سِحرِكِ، وقُوَّةِ رُقاكِ الكَثيرة، قد وَثِقتِ بِخُبثِكِ، وقُلتِ: «لا يَراني أَحَد». حِكمَتُكِ وعِلمُكِ هُما أَزاغاكِ، فقُلتِ في قَلبِكِ: «أَنا ولَيسَ غَيري». فسيَأتي علَيكِ شَرٌّ لا تَعلَمينَ كيف تَتَدارَكينَه، وتَنزِلُ علَيكِ كارِثَةٌ لا تَستَطيعينَ تَجَنُّبَها، ويَأتي علَيكِ بَغتَةً هَلاكٌ لا تَعرِفينَ بِه. أُمكُثي على رُقاكِ وأَنْواعِ سِحرِكِ، الَّذي تَعِبتِ لأَجلِه مُنذُ صِباكِ، عَساكِ أَن تَستَفيدي، وعَساكِ أَن تَصيري ذاتَ رُعْب. قد أَعيَيتِ مِن كَثرَةِ مَشوراتِكِ، فَلْيَقِفِ المُنَجِّمونَ النَّاظِرونَ في الكَواكِب، المُعَرِّفونَ عن رُؤُوسِ الشُّهور، ولْيُخَلِّصوكِ مِمَّا هو آتٍ علَيكِ. إِنَّهم سيَصيرونَ كالقَشّ، فتُحرِقُهمُ النَّار، ولا يُنقِذونَ أَنفُسَهم مِن يَدِ اللَّهيب، ولا تَبْقى جَمرَةٌ يُستَدفَأُ علَيها، ولا نارٌ يُقعَدُ أَمامَها، هٰذا مَصيرُ كُلِّ ما تَعِبتِ لأَجلِه. إِنَّ سَحَرَتَكِ الَّذينَ هم مُنذُ صِباكِ، تَشَرَّدوا كُلٌّ مِنهم إِلى ناحِيَتِه، ولَيسَ مَن يُخَلِّصُكِ. إِسمَعوا هٰذا يا بَيتَ يَعْقوب، المَدعُوِّينَ بِٱسمِ إِسْرائيل، الخارِجينَ مِن مِياهِ يَهوذا، المُقسِمينَ بِٱسمِ الرَّبّ، الذَّاكِرينَ إِلٰهَ إِسْرائيل، بِغَيرِ حَقٍّ ولا بِرّ. وقد دَعَوا أَنفُسَهم مِن مَدينَةِ القُدْس، وٱعتَمَدوا على إِلٰهِ إِسْرائيلَ، الَّذي ٱسمُه رَبُّ القُوَّات. أَخبَرتُ بِالأَوائِلِ مُنذُ ذٰلك الزَّمان، مِن فَمي خَرَجَت وأَسمَعتُ بِها. بَغتَةً عَمِلتُ فحَدَثَت. لِعِلْمي بِأَنَّكَ قاسٍ، ورَقَبَتُكَ عِرقٌ مِن حَديد، وجَبهَتُكَ مِن نُحاس، أَخبَرتُكَ بِهٰذه مُنذُ ذٰلك الزَّمان، ومِن قَبلِ أَن تَحدُثَ أَسمَعتُكَ إِيَّاها، لِئَلاَّ تَقول: «صَنَمي صَنَعَها، ومَنْحوتي ومَسْبوكي أَمَرَ بِها». قد سَمِعتَ فَرَأَيتَها كُلَّها، وأَنتُم أَفَلا تُخبِرونَ بِها؟ أَسمَعتُكَ بِمُحدَثاتٍ مُنذُ الآن، وبِمَكْنوناتٍ لم تَعرِفْها. الآنَ خُلِقَت لا مِن ذٰلك الزَّمان، وقَبلَ اليَومِ لم تَسمَعْ بِها، لِئَلاَّ تَقول: «هاءَنَذا قد عَرَفتُها». لم تَسمَعْ ولم تَعرِفْ، ومُنذُ ذٰلك الزَّمانِ لم تَنفَتِحْ أُذُنَكَ، فإِنِّي عَلِمتُ أَنَّكَ تَغدُرُ غَدْرًا، ومِنَ البَطنِ سُمِّيتَ عاصِيًا. أَمَّا أَنا فلأَجْلِ ٱسْمي أُؤَخِّرُ غَضَبي، ولأَجلِ حَمْدي أُمسِكُ عنكَ، لِئَلاَّ أَستَأصِلَكَ. ها قد مَحَّصتُكَ لا لِلفِضَّة، وٱمتَحَنتُكَ في بوتَقَةِ العَناء. مِن أَجْلي مِن أَجْلي عَمِلتُ فكَيفَ أُدَنِّس؟ وكَرامَتي لا أُعْطيها لِغَيري. إِسمَعْ لي يا يَعْقوب، ويا إِسْرائيلُ الَّذي دَعَوتُه، أَنا هو، أَنا الأَوَّلُ وأَنا الآخِر. يَدي أَسَّسَتِ الأَرض، ويَميني بَسَطَتِ السَّمَوات. أَدْعوهُنَّ فيَقِفنَ جَميعًا. إِجتَمِعوا كُلُّكم وٱسمَعوا، مَن مِنهم أَخبَرَ بِهٰذه؟ إِنَّ الَّذي أَحَبَّه الرَّبّ هو يَقْضي مَشيئَتَه على بابِل، وذِراعُه هي الَّتي تَكونُ على الكَلْدانِيِّين. أَنا أَنا تَكَلَّمتُ ودَعَوتُه، وأَتَيتُ بِه، وسيَنجَحُ طَريقُه. تَقَدَّموا إِلَيَّ وٱسمَعوا هٰذه: إِنِّي مِنَ البَدءِ لم أَتَكَلَّمْ في خُفْيَة. أَنا مِن قَبلِ أَن يَحدُثَ الأَمرُ كنتُ هُناك، والآنَ أَرسَلَني السَّيِّدُ الرَّبُّ هو وروحُه. هٰكذا قالَ الرَّبُّ فاديكَ، قُدُّوسُ إِسْرائيل: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ الَّذي يُعَلِّمُكَ ما يَنفَع، ويَهْديكَ الطَّريقَ الَّذي تَسيرُ فيه. لَيتَكَ أَصغَيتَ إِلى وَصاياي، فكانَ سَلامُكَ كالنَّهرِ، وبِرُّكَ كأَمْواجِ البَحْر، وكانَت ذُرِّيَّتُكَ كالرَّمْل، وسُلالَةُ أَحْشائِكَ كحَصاة، فلم يَنقَرِضْ ولم يَبِدِ ٱسمُه مِن أَمامي. أُخرُجوا مِن بابِل، أُهرُبوا مِنَ الكَلْدانِيِّينَ، بِصَوتِ الهُتاف أَخبِروا بِهٰذا ونادوا بِه، أَذيعوه إِلى أَقاصي الأَرض. قولوا: قدِ ٱفتدى الرَّبُّ عَبدَه يَعْقوب. ولم يَعطَشوا في القِفارِ الَّتي سَيَّرَهم فيها، بل فَجَّرَ لَهمُ المِياهَ مِنَ الصَّخْرِ، شَقَّ الصَّخرَ ففاضَتِ المِياه، لا سَلامَ لِلأَشْرار، يَقولُ الرَّبّ. إِسمَعي لي أَيَّتُها الجُزُر، وأَصْغي أَيَّتُها الشُّعوبُ البَعيدة: إِنَّ الرَّبَّ دَعاني مِنَ البَطْنِ، وذَكَرَ ٱسْمي مِن أَحْشاءِ أُمِّي، وجَعَلَ فَمي كَسَيفٍ ماضٍ، وفي ظِلِّ يَدِه خَبَأَني، وجَعَلَني سَهمًا مُحَدَّدًا، وفي جَعبَتِه سَتَرَني، وقالَ لي: «أَنتَ عَبْدي يا إِسْرائيل، فإِنِّي بِكَ أَتَمَجَّد». فقُلتُ: «إِنِّي باطِلًا تَعِبتُ، وسُدًى وعَبَثًا أَتلَفتُ قُوَّتي». إِلاَّ أَنَّ حَقِّي عِندَ الرَّبّ، وأَجْري عِندَ إِلٰهي. والآنَ قالَ الرَّبُّ الَّذي جَبَلَني مِنَ البَطنِ عَبدًا لَه، لأَرُدَّ يَعْقوبَ إِلَيه، فيَجتَمِعَ إِلَيه إِسْرائيل، فأكونَ مُمَجَّدًا في عَينَيِ الرَّبّ، ويَكونَ إِلٰهي عِزَّتي. قالَ: «قَليلٌ أَن تَكونَ لي عَبدًا، لتُقيمَ أَسْباطَ يَعْقوب، وتَرُدَّ المَحْفوظينَ مِن إِسْرائيل. إِنِّي قد جَعَلتُكَ نورًا لِلأُمَم، لِيَبلُغَ خَلاصي إِلى أَقاصي الأَرض»، هٰكذا قالَ الرَّبّ، فادي إِسْرائيلَ وقُدُّوسُه، لِلَّذي هو مَرْذولُ النَّفْس، وقَبيحةُ الأُمَم، لِعَبدِ الطُّغاة: مُلوكٌ يَنظُرونَ ويَقومون، ورُؤَساءُ يَسجُدونَ لأَجلِ الرَّبِّ الأَمين وقُدُّوسِ إِسْرائيلَ الَّذي ٱخْتارَكَ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِستَجَبتُ لَكَ في وَقتِ الرِّضى، وأَعَنتُكَ في يَومِ الخَلاص، وجَبَلتُكَ وجَعَلتُكَ عَهدًا لِلشَّعْب، لِتُنهِضَ الأَرضَ وتُوَرِّثَ المَواريثَ المُدَمِّرة، لِتَقولَ لِلأَسْرى: «أُخرُجوا»، ولِلَّذينَ في الظُّلْمَةِ: «إِظْهَروا»، فيَرعونَ في الطُّرُق، ويَكونُ مَرْعاهم في كُلِّ الرَّوابي الجَرْداء. لا يَجوعونَ ولا يَعْطَشون، ولا تَلفَحُهمُ السَّمومُ ولا الشَّمْس، لأَنَّ راحِمَهم يَهْديهم، وإِلى يَنابيعِ المِياهِ يورِدُهم. أَجعَلُ جَميعَ جِبالي طَريقًا وسُبُلي مُرتَفِعَة. هٰؤُلاءِ مِن بَعيدٍ يأتون، وهٰؤُلاءِ مِنَ الشَّمالِ والغَرْب، وهٰؤُلاءِ مِن أَرضِ السِّنِيِّين. إِهتِفي أَيَّتُها السَّمٰوات وٱبتَهِجي أَيَّتُها الأَرض، وٱندَفِعي بِالهُتافِ أَيَّتُها الجِبال، فإِنَّ الرَّبَّ قد عَزَّى شَعبَه ورَحِمَ بائِسيه. قالَت صِهْيون: «تَرَكَني الرَّبّ، ونَسِيَني سَيِّدي». أَتَنْسى المَرأَةُ رَضيعَها، فلا تَرحَمُ ٱبنَ بَطِنها؟ حتَّى ولَو نَسِيَتِ النِّساء، فأَنا لا أَنْساكِ. هاءَنَذا على كَفَّيَّ نَقَشتُكِ، وأَسْوارُكِ أَمامَ عَينَيَّ في كُلِّ حين. بَنَّاؤُوكِ أَسرَعُ مِن هادِميكِ، ومُخَرِّبوكِ يَرحَلونَ عنكِ. إِرفَعي طَرفَكِ إِلى ما حَولَكِ وٱنظُري، قدِ ٱجتَمَعوا كُلُّهم وجاؤُوكِ. حَيٌّ أَنا، يَقولُ الرَّبّ، إِنَّكِ تَلبَسينَهم جَميعًا كالحُلِيّ، وتَتَزَنَّرينَ بِهم كالعَروس. لأَنَّ أَخرِبَتَكِ وقِفارَكِ وأَرضَ دَمارِكِ، تَضيقُ الآنَ عنِ السُّكَّان، والَّذينَ ٱبتَلَعوكِ يَبتَعِدون. وبَنو ثُكلِكِ أَيضًا يَقولون، على مَسمَعٍ مِنكِ: «المَكانُ ضَيِّقٌ عَنِّي فأَفسِحي لي لأَسكُن»، فتَقولينَ في قلبِكِ: «مَن وَلَد لي هٰؤُلاءِ وأَنا ثَكْلى وعاقِر ومَجلُوَّةٌ ومَنفِيَّة؟ ومَن رَبَّى هٰؤُلاءِ وهاءَنَذا تُرِكتُ وَحْدي؟ فهٰؤُلاءِ أَينَ كانوا؟» هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أَرفَعُ إِلى الأُمَمِ يَدي، ولِلشُّعوبِ أَنصِبُ رايَتي، فيَأتونَ بِبَنيكِ في حُضونِهم، وبَناتُكِ يُحمَلنَ على أَكْتافِهم. ويَكونُ المُلوكُ لَكِ مُرَبِّين، وأَميراتُهم لَكِ مُرضِعات، وعلى وُجوهِهم إِلى الأَرضِ يَسجُدونَ لَكِ، ويَلحَسونَ تُرابَ قَدَمَيكِ، فتَعلَمينَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ، الَّذي لا يَخْزى مُنتَظِروه. أَتُؤخَذُ الغَنيمَةُ مِنَ الجَبَّار، أَو يُفلِتُ الأَسيرُ مِنَ الطَّاغي؟ لٰكِن هٰكذا قالَ الرَّبّ: بل يُؤخَذُ الأَسيرُ مِنَ الجَبَّار، وتُفلِتُ غَنيمةُ الطَّاغي، وإِنِّي أُخاصِمُ مُخاصِمَكِ وأُخَلِّصُ بَنيكِ، وأُطعِمُ ظالمِيكِ مِن لَحمِهم، ويَسكَرونَ مِن دَمِهم كمِنَ النَّبيذ، فيَعلَمُ كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنا الرَّبُّ مُخَلِّصُكِ، وأَنَّ فادِيَكِ عَزيزُ يَعْقوب. هٰكذا قالَ الرَّبّ: أَينَ كِتابُ طَلاقِ أُمِّكم، الَّذي طَلَّقتُها بِه؟ أَم لأَيٍّ مِن دائِنِيَّ بِعتُكم؟ إِنَّما آثامُكم باعَتْكم، ومَعاصيكم طَلَّقَت أُمَّكم، فما بالي أَتَيتُ ولَيسَ مِن أَحَد، ودَعوتُ ولَيسَ مِن مُجيب. أَفَقَصُرَت يَدي قُصورًا عنِ الِٱفتِداء، ولم تَكُنْ لي طاقَةٌ بِالإِنْقاذ؟ هاءَنَذا بِزَجْري أُجَفِّفُ البَحْر، وأَجعلُ الأَنْهارَ قَفرًا، يُنتِنُ سَمَكُها لِعَدَمِ الماء، ويَموتُ مِنَ العَطَش. أُلبِسُ السَّمٰواتِ سَوادًا، وأَجعَلُ كُسوَتَهنَّ المِسْح. آتاني السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسانَ تِلْميذ، يَبعَثُ كَلِمَةً لأَعرِفَ أَن أَسنُدَ المُعْيي. يُنَبِّهُ أُذُني صَباحًا فصَباحًا لأَسمَعَ كتِلْميذ. السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ أُذُني، فلم أَعصِ ولا رَجَعتُ إِلى الوَراء. أَسلَمتُ ظَهْري لِلضَّارِبين وخَدِّي لِلنَّاتِفين، ولم أَستُرْ وَجْهي عنِ الإِهاناتِ والبُصاق، السَّيِّدُ الرَّبُّ يَنصُرُني، لِذٰلك لم أَخجَلْ مِنَ الإِهانة، ولِذٰلك جَعَلتُ وَجْهي كالصَّوَّان، وأَنا عالِمٌ بِأَنِّي لا أَخْزى. مُبَرِّري قَريبٌ فمَنِ الَّذي يُخاصِمُني؟ فلْنَمثُلْ مَعًا، مَن صاحِبُ دَعْوى عَليَّ؟ فليَتَقَدَّمْ إِلَيَّ. ها إِنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ يَنصُرُني، فمَنِ الَّذي يُجَرِّمُني؟ ها إِنَّهم جميعًا كلِباسٍ يَبلَون، العُثُّ يأكُلُهم، مَن مِنكُم يَخافُ الرَّبّ، فلْيَسمَعْ صَوتَ عَبدِه، ومَن يَسيرُ في الظُّلُماتِ ولا ضَوءَ لَه، فلْيَتَوَكَّلْ على ٱسمِ الرَّبّ، ولْيَعتَمِدْ على إِلٰهه. يا جَميعَ مُوقِدي النَّار، والمُتَزَنِّرينَ بِالجِذاء، أُدخُلوا في لَهيبِ نارِكم، وفي الجِذاءِ الَّتي أَضرَمتُم، هٰذا لَكم من يَدي، إِنَّكم في الأَلَمِ تَضَّجِعون. إِسمَعوا لي أَيُّها المُتَّبِعونَ لِلبِرّ، المُلتَمِسونَ لِلرَّبّ، أُنظُروا إِلى الصَّخرِ الَّذي نُحِتُّم مِنه، وإِلى المَقلَعِ الَّذي ٱقتُلِعتُم مِنه. أُنظُروا إِلى إِبْراهيمَ أَبيكم، وإِلى سارةَ الَّتي وَلَدَتكم، فإِنَّه كانَ وَحيدًا حينَ دَعَوتُه، وبارَكتُه وكَثَّرتُه. قد عَزَّى الرَّبُّ صِهْيون، وعَزَّى كُلَّ أَخرِبَتِها، وجَعَلَ بَرِّيَّتَها كعَدْن، وقَفْرَها كَجَنَّةِ الرَّبّ، سيَكونُ فيها السُّرورُ والفَرَح، والحَمْدُ وصَوتُ الأَلْحان. أَصغِ إِلَيَّ يا شَعْبي، وأَنصِتي إِلَيَّ يا أُمَّتي، فإِنَّ الشَّريعَةَ تَخرُجُ مِنِّي، وحَقِّي أَجعَلُه نورًا لِلشُّعوب. بِرِّي قَريبٌ وخَلاصي قد ظَهَر، وذِراعايَ تَدينانِ الشَّعوب. إِيَّايَ تَنتَظِرُ الجُزُر، وذِراعي تَرْجو. إِرفَعوا إِلى السَّمٰواتِ عُيونَكم، وٱنظُروا إِلى الأَرضِ مِن تَحتُ، فإِنَّ السَّمٰواتِ كالدُّخانِ تَتَبَدَّد، والأَرضَ كالثَّوبِ تَبْلى، وسُكَّانُها يَموتونَ كالذُّباب، أَمَّا خَلاصي فيَكونُ لِلأَبَد، وبِرِّي لا يُصرَع. إِسمَعوا لي يا عارِفي البِرّ، الشَّعبَ الَّذي في قَلبِه شَريعَتي، لا تَخافوا إِهانَةَ النَّاس، ومِن شَتائِمِهم لا تَرْتاعوا، لأَنَّه كالثَّوبِ يَأكُلُهمُ العُثّ، وكالصُّوفِ يَقرِضُهمُ السُّوس. أَمَّا بِرِّي فيَبْقى لِلأَبَد، وخَلاصي إِلى جيلِ الأَجْيال. إِستَيقِظي ٱستَيقِظي، إِلبَسي العِزَّةَ يا ذِراعَ الرَّبّ، إِستَيقِظي كما في قَديمِ الأَيَّام، وأَجْيالِ الدُّهور. أَلَستِ أَنتِ الَّتي سَحَقتِ رَهَب، وطَعَنتِ التِّنِّين؟ أَلَستِ أَنتِ الَّتي جَفَّفتِ البَحرَ، مِياهَ الغَمرِ العَظيم، فجَعَلتِ أَعْمَاقَ البَحرِ طَريقًا، يَعبُرُ فيه المُفتَدَون؟ فالَّذينَ ٱفتَداهمُ الرَّبُّ سيَرجِعون، ويأتونَ إِلى صِهْيونَ بِهُتاف، ويَكونُ على رُؤُوسِهم فَرَحٌ أَبَدِيّ، ويُرافِقُهمُ السُّرورُ والفَرَح، وتَنهَزِمُ عنهمُ الحَسرَةُ والتَّأَوُّه. أَنا أَنا مُعَزِّيكم فمَن أَنتَ، حتَّى تَخافَ مِن إِنْسانٍ يَموت، ومِنِ ٱبنِ آدَمَ يَصيرُ كالعُشْب، وقد نَسيتَ الرَّبَّ صانِعَكَ، الَّذي بَسَطَ السَّمٰواتِ وأَسَّسَ الأَرض، وما زِلتَ تَفزَعُ كُلَّ يَومٍ مِن غَضَبِ المُضايِق، حينَ يَستَعِدُّ لِلتَّدْمير، فأَينَ غَضَبُ المُضايِق؟ عَمَّا قَريبٍ يُفرَجُ عنِ المُنحَني، ولا يَموتُ في الهُوَّةِ ولا يَنقُصُ خُبزُه. إِنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ، الَّذي يَهَيِّجُ البَحرَ فتَهدِرُ أَمْواجُه. رَبُّ القُوَّاتِ ٱسمُه. وقد جَعَلتُ كَلامي في فَمِكَ، وبِظِلِّ يَدي سَتَرتُكَ، لِتَغرِسَ السَّمٰواتِ وتُؤَسِّسَ الأَرض، وتَقولَ لِصِهْيونَ: أَنتِ شَعْبي. تَيَقَّظي تَيَقَّظي، قومي يا أُورَشَليم، الَّتي شَرِبَت مِن يَدِ الرَّبِّ كأسَ غَضَبِه شَرِبَت وجَرِعَت ثُمالَةَ كَأسِ التَّزَلُّج. لَيسَ مَن يُرشِدُها، مِن كُلِّ البَنينَ الَّذينَ وَلَدَتهم، ولا مَن يأخُذُ بِيَدِها، مِن كُلِّ البَنينَ الَّذينَ رَبَّتهم. مُصيبَتانِ أَصابَتاكِ، فمَنِ الَّذي يَرْثي لَكِ؟ الدَّمارُ والتَّحَطُّمُ والجوعُ والسَّيف، فمَن أَنا حتَّى أُعَزِّيَكِ؟ بَنوكِ قد أُغمِيَ علَيهم، فهُم مُضطَجِعونَ في رَأسِ كُلِّ شارِع، كالظَّبْيِ في الشِّباك، وقد أَفعَمَهم غَضَبُ الرَّبِّ وزَجْرُ إِلٰهِكِ. فٱسمَعي أَيَّتُها البائِسة، السَّكْرى لا مِنَ الخَمْر. هٰكذا قالَ سَيِّدُكِ، الرَّبُّ إِلٰهُكِ الَّذي يُدافِعُ عن شَعبِه: هاءَنَذا قد أَخَذتُ مِن يَدِكِ، كأسَ التَّرَنُّحِ، ثُمالَةَ كأسِ غَضَبي، فلا تَعودينَ تَشرَبينَه، فسأَجعَلُه في يَدِ مُعَذِّبيكِ، الَّذينَ قالوا لَكِ نَفسِكِ: إنحَني حتَّى نَعبُر، فجَعَلتِ ظَهرَكِ كالأَرض، وكالطَّريقِ لِلعابِرين. إِستَيقِظي ٱستَيقِظي، إِلبَسي عِزَّكِ يا صِهْيون، إِلبَسي ثِيابَ فَخرِكِ يا أُورَشَليم، يا مَدينَةَ القُدْس، فإِنَّه لا يَعودُ يَدخُلُكِ أَقلَفُ ولا نَجِس. أُنفُضي الغُبارَ عنكِ، قومي ٱجلِسي يا أُورَشَليم، حُلَّت قُيودُ عُنُقُكِ، أَيَّتُها الأَسيرَةُ بِنتُ صِهْيون. فإِنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: مَجَّانًا بُعتُم وبِغَيرِ فِضَّةٍ تُفدَون. لأَنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: نَزَلَ شَعْبي إِلى مِصرَ في القَديم، لِيُقيمَ هُناكَ، وفي آخِرِ الأَمْرِ ظَلَمَه أَشُّور. والآنَ ماذا لي هُناك؟ يَقولُ الرَّبّ، فإِنَّ شَعْبي قد أُخِذَ مَجَّانًا، وزعُمَاءَه يَصرُخونَ مِنَ الأَلَم، يَقولُ الرَّبّ، وٱسْمي لا يَزالُ يُستَهانُ به كُلَّ يَوم، لِذٰلك يَعرِفُ شَعْبيَ ٱسْمي في ذٰلك اليَوم، لأَنِّي أَنا القائِل: «هاءَنَذا حاضِر». ما أَجمَلَ على الجِبالِ قَدَمَيِ المُبَشِّر، المُخبِرِ بِالسَّلامِ المُبَشِّرِ بِالخَير، المُخبِرِ بِالخَلاص، القائِلِ لِصِهْيون: «قد مَلَكَ إِلٰهُكِ». أَصْواتُ رُقَبائِكِ! قد رَفَعوا أَصْواتَهم وهم يَهتِفونَ جَميعًا، لأَنَّهم يَرَونَ عِيانًا الرَّبَّ راجِعًا إِلى صِهْيون. إِندَفِعي بِالهُتافِ جَميعًا يا أَخرِبَةَ أُورَشَليم، فإِنَّ الرَّبَّ قد عَزَّى شَعبَه وٱفتَدى أُورَشَليم. كَشَفَ الرَّبُّ عن ذِراعِ قُدسِه، على عُيونِ جَميعِ الأُمَم، فتَرى كُلُّ أَطْرافِ الأَرضِ خَلاصَ إِلٰهِنا. إِنصَرِفوا ٱنصَرِفوا، أُخرُجوا مِن هُناك، لا تَمَسُّوا نَجِسًا، أُخرُجوا مِن وَسَطِها، تَطَهَّروا يا حامِلي آنِيَةِ الرَّبّ. فإِنَّكم لا على عَجَلٍ تَخرُجون، ولا كمَن يَهرُبُ تَسيرون، بل أَمامَكم يَسيرُ الرَّبّ، ويَجمَعُكم إِلٰهُ إِسْرائيل. هُوَذا عَبْدي يُوَفَّق، يَتَعالى ويَرتَفِعُ ويَتَسامى جِدًّا. كما أَنَّ كَثيرينَ ذُعِروا في شأنِكَ، هٰكذا لم يَعُدْ مَنظَرُه مَنظَرَ إِنْسان، وصورتُه صورَةَ بَني آدَم. هٰكذا تَنتَفِضُ أُمَمٌ كَثيرة، وأَمامَه يَسُدُّ المُلوكُ أَفْواهَهم، لأَنَّهم رَأَوا ما لم يُخبَروا به، وعايَنوا ما لم يَسمَعوا بِه. مَنِ الَّذي آمَنَ بِما سَمِعَ مِنَّا، ولِمَن كُشِفَت ذِراعُ الرَّبّ؟ فإِنَّه نَبَتَ كفَرْعٍ أَمامَه، وكأَصلٍ مِن أَرضٍ قاحِلَة، لا صورَةَ لَه ولا بَهاءَ فنَنظُرَ إِلَيه، ولا مَنظَرَ فنَشتَهِيَه. مُزدَرًى ومَتْروكٌ مِنَ النَّاس، رَجُلُ أَوجاعٍ وعارِفٌ بِالأَلم، ومِثلُ مَن يُستَرُ الوَجهُ عنه، مُزدَرًى فلَم نَعبَأْ بِه. لقَد حَمَلَ هو آلامَنا وٱحتَمَلَ أَوجاعَنا، فحَسِبْناه مُصابًا مَضْروبًا مِنَ اللهِ ومُذَلَّلًا. طُعِنَ بِسَبَبِ مَعاصينا وسُحِقَ بِسَبَبِ آثامِنا، نَزَلَ بِه العِقابُ مِن أَجلِ سَلامِنا، وبجُرحِه شُفينا. كُلُّنا ضَلَلْنا كالغَنَم، كُلُّ واحِدٍ مالَ إِلى طَريقِه، فأَلقى الرَّبُّ علَيه إِثمَ كُلِّنا. عُومِلَ بِقَسوَةٍ فتَواضَع، ولم يَفتَحْ فاهُ، كحَمَلٍ سيقَ إِلى الذَّبْحِ، كنَعجَةٍ صامِتَةٍ أَمامَ الَّذينَ يَجُزُّونَها، ولم يَفتَحْ فاهُ، بالإِكْراهِ وبِالقَضاءِ أُخِذَ، فمَن يُفَكِّرُ في مَصيرِه؟ قدِ ٱنقَطَعَ مِن أَرضِ الأَحْياء، وبِسَبَبِ مَعصِيَةِ شَعْبي ضُرِبَ حتَّى المَوت، فجُعِلَ قَبرُه مع الأَشْرار، وضَريحُه مع الأَغنِياء، مع أَنَّه لم يَصنَعْ عُنفًا، ولم يوجَدْ في فَمِه مَكْر. والرَّبُّ رَضِيَ أَن يَسحَقَ ذاك الَّذي أَمرَضَه، فإِذا قَرَّبَت نَفسُه ذَبيحَةَ إِثمٍ، يَرى ذُرِّيَّةً وتَطولُ أَيَّامُه، ورِضى الرَّبِّ يَنجَحُ عن يَدِه. بِسَبَبِ عَناءِ نَفْسِه يَرى النُّور، ويَشبَعُ بِعِلمِه، يُبَرِّرُ عَبْدِيَ البارُّ الكَثيرين، وهو يَحتَمِلُ آثامَهم. فلِذٰلك أَجعَلُ لَه نَصيبًا بَينَ العُظَماء، وغَنيمةً مع الأَعِزَّاء، لأَنَّه أَسلَمَ نَفْسَه لِلمَوت، وأُحصِيَ مع العُصاة، وهو حَمَلَ خَطايا الكَثيرين، وشَفَعَ في مَعاصيهم. إِهتِفي أَيَّتُها العاقِرُ الَّتي لم تَلِدْ، إِندَفِعي بالهُتاف وٱصرُخي، أَيَّتُها الَّتي لم تَتَمَخَّض، فإِنَّ بَني المَهْجورة أَكثَرُ مِن بَني المُتَزَوِّجَة، قالَ الرَّبّ. وَسِّعي مَوضِعَ خَيمَتِكِ، ولْيَبسُطوا جُلودَ مَساكِنِكِ، ولا تَمْنَعيهم. طَوِّلي أَطْنابَكِ وثَبِّتي أَوتادَكِ، فإِنَّكِ تَتَجاوَزينَ إِلى اليَمينِ وإِلى الشَّمال، ويَرِثُ نَسلُكِ الأُمَمَ ويُعَمِّرُ المُدُنَ الخَرِبَة. لا تَخافي فإِنَّكِ لا تَخزَين، ولا تَخجَلي فإِنَّكِ لا تَفتَضِحين، لأَنَّكِ ستَنسَينَ خِزْيَ صِباكِ، ولا تَذكُرينَ عارَ إِرْمالِكِ مِن بَعدُ. لأَنَّ زَوجَكِ هو صانِعُكِ، الَّذي رَبُّ القُوَّاتِ ٱسمُه، وفاديكِ هو قُدُّوسُ إِسْرائيل، يُدْعى إِلٰهَ الأَرضِ كُلِّها. وقَد دَعاكِ الرَّبُّ، كٱمرَأَةٍ مَهْجورةٍ كَئيبَةِ الرُّوح. وهل تُرذَلُ زَوجَةُ الصِّبا؟ يَقولُ إِلٰهُكِ، هُنَيهَةً هَجَرتُكِ وبِمَراحِمَ عَظيمَةٍ أَضُمُّكِ. في سَورَةِ غَضَبٍ حَجَبتُ وَجْهي عنكِ لَحْظَةً، وبِرَأفَةٍ أَبَدِيَّةٍ أَرحَمُكِ، قالَ الرَّبُّ فاديكِ. فذٰلك يَكونُ لَدَيَّ كأَيَّامِ نوح، حينَ أَقسَمتُ أَلاَّ تَعبُرَ مِياهُ نوحٍ على الأَرْض، وكذٰلك أُقسِمُ أَلاَّ أَغضَبَ علَيكِ وأَلاَّ أَزجُرَكِ. وإِنِ ٱبتَعَدَتِ الجِبالُ وتَزَعزَعَتِ التِّلال، فإِنَّ رَأفَتي لن تَبتَعِدَ عنكِ، وعَهدَ سَلامي لن يَتَزَعزَع، قالَ الرَّبُّ راحِمُكِ. أَيَّتُها البائِسَةُ أُلْعوبَةُ الرِّياح، غَيرُ المُتَعَزِّية، هاءَنَذا أُكَحِّلُ حِجارَتَكِ وأُؤَسِّسُكِ باللاَّزَوَرْد، وأَجعَلُ شُرَفَكِ ياقوتًا وأَبْوابَكِ حِجارَةً لامِعَة، وكُلَّ مُحيطِكِ حجارةً كَريمة. وجَميعُ بَنيكِ يَكونونَ تَلامِذَةَ الرَّبّ، وسَلامُ بَنيكِ يَكونُ عَظيمًا، تُثَبَّتينَ في البِرّ، وتَبعُدينَ عنِ الظُّلمِ فإِنَّكِ لا تَخافين، وعنِ الدَّمارِ فإِنَّه لا يَدْنو مِنكِ. إِن هُجِمَ علَيكِ فلَيسَ مِن عِنْدي، ومَن هَجَمَ علَيكِ يَسقُطُ أَمامَكِ. ها إِنِّي أَنا خَلَقتُ الحَدَّاد، الَّذي يَنفُخُ الجَمرَ في النَّار، ويُخرِجُ أَداةً لِعَمَلِه، وأَنا خَلَقتُ المُدَمِّرَ لِلإبادة، كُلُّ سِلاحٍ صُنِعَ علَيكِ لا يَنجَح، وكُلُّ لِسانٍ يَقومُ علَيكِ في القَضاءِ، تَرُدِّينَه مُجَرَّمًا. هٰذا ميراثُ عَبيدِ الرَّبّ، وبِرُّهم مِنِّي، يَقولُ الرَّبّ. أَيُّها العِطاشُ جَميعًا، هَلُمُّوا إِلى المِياه، والَّذينَ لا فِضَّةَ لَهم، هَلُمُّوا ٱشتَروا وكُلوا، هَلُمُّوا ٱشتَروا بِغيرِ فِضَّةٍ ولا ثَمَن، خَمْرًا ولَبَنًا حَليبًا، لِمَاذا تَزِنونَ فِضَّةً لِما لَيسَ بِخُبْز، وتَتعَبونَ لِما لا شِبَعَ فيه؟ إِسمَعوا لي سماعًا وكُلوا الطَّيِّب، ولْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ نُفوسُكم. أَميلوا آذانكم وهَلُمُّوا إِلَيَّ، إِسمَعوا فتَحْيا نُفوسُكم، فإِنِّي أُعاهِدُكم عَهدًا أَبَدِيًّا، على الخَيراتِ الَّتي وُعِدَ بِها داوُد. هاءَنَذا جَعَلتُه لِلشُّعوبِ شاهِدًا، لِلشُّعوبِ قائِدًا وآمِرًا. ها إِنَّكَ تَدْعو أُمَّةً لم تَكُنْ تَعرِفُها، وإِلَيكَ تَسْعى أُمَّةٌ لم تَكُنْ تَعرِفُكَ، بِسَبَبِ الرَّبِّ إِلٰهِكَ، وقُدُّوسِ إِسْرائيلَ الَّذي مَجَّدَكَ. إِلتَمِسوا الرَّبَّ ما دامَ يوجَد، أُدْعوه ما دامَ قَريبًا. لِيَترُكِ الشِّرِّيرُ طَريقَه والأَثيمُ أَفْكارَه، ولْيَرجِعْ إِلى الرَّبِّ فيَرحَمَه، وإِلى إِلٰهِنا فإِنَّه يُكثِرُ العَفْو، فإِنَّ أَفكاري لَيسَت أَفْكارَكم، ولا طُرُقُكم طُرُقي، يَقولُ الرَّبّ. كما تَعْلو السَّمٰواتُ عنِ الأَرض، كذٰلك طُرُقي تَعْلو عن طُرُقِكم، وأَفْكاري عن أَفْكارِكم، لأَنَّه كما يَنزِلُ المَطَرُ والثَّلجُ مِنَ السَّماء، ولا يَرجِعُ إِلى هُناك، دونَ أَن يُروِيَ الأَرض، ويَجعَلَها تُنتِجُ وتُنبِت، لِتؤتِيَ الزَّارِعَ زَرعًا والآكِلَ طَعامًا، فكذٰلك تَكونُ كَلِمَتي، الَّتي تَخرُجُ مِنَ فمي: لا تَرجِعُ إِلَيَّ فارِغة، بل تُتِمُّ ما شِئتُ وتَنجَحُ فيما أَرسَلْتُها لَه. فإِنَّكم بِفَرَحٍ تَخرُجون، وبِسَلامٍ تُعادون، والجِبالُ والتِّلالُ تَندفِعُ بِالهُتافِ أَمامَكم، وجَميعُ أَشْجارِ الحُقولِ تُصَفِّقُ بِالأَيدي. مَكانَ العُلَّيقِ يَنبُتُ السَّروُ، ومَكانَ القُرَّاصِ يَنبُتُ الآس، ويَكونُ ذٰلك لِلرَّبِّ ٱسمًا. وآيَةً أَبَدِيَّةً لا تَنقَرِض. هٰكذا قالّ الرَّبّ: حافِظوا على الحَقِّ وأَجْروا البِرّ، فقَدِ ٱقتَرَبَ خَلاصي أَن يَجيءَ، وبِرِّي أَن يَتَجَلَّى. طوبى لِلإنسانِ العامِلِ بِذٰلك، ولِٱبْنِ آدَمَ المُتَمَسِّكِ بِه، الَّذي يُحافِظُ على السَّبتِ فلا يَنتَهِكُه، ويَحفَظُ يَدَه مِن فِعلِ كُلِّ شَرّ. لا يَقُلِ ٱبنُ الغَريبِ الَّذي ٱنضَمَّ إِلى الرَّبّ: «إِنَّ الرَّبَّ يَفصِلُني عن شَعبِه»، ولا يَقُلِ الخَصِيّ: «ها أَنا شَجَرَةٌ يابِسَة». فإِنَّه هٰكذا قالَ الرَّبُّ لِلخِصْيان: الَّذينَ يُحافِظونَ على سُبوتي، ويُؤثِرونَ ما رَضيتُ بِه ويَتَمَسَّكونَ بِعَهْدي، أُعْطيهم في بَيتي وداخِلَ أَسْواري، نُصُبًا وٱسمًا خَيرًا مِنَ البَنينَ والبَنات، وأُعْطي كُلَّ واحِدٍ مِنهم ٱسمًا أَبَدِيًّا لا يَنقَرِض. وبَنو الغَريبِ المُنضَمُّونَ إِلى الرَّبِّ، لِيَخدُموه ويُحِبُّوا ٱسمَ الرَّبِّ ويَكونوا لَه عَبيدًا، كُلُّ مَن حافَظَ على السَّبتِ ولم يَنتَهِكْه، وتَمَسَّكَ بِعَهْدي، آتي بِهم إِلى جَبَلِ قُدْسي، وأُفَرِّحُهم في بَيتِ صَلاتي، وتَكونُ مُحرَقاتُهم وذَبائِحُهم، مَرضِيَّةً على مَذبَحي، لأَنَّ بَيتي بَيتَ صَلاةٍ يُدْعى، لِجَميعِ الشُّعوب. يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، الَّذي يَجمَعُ مَنفِيِّي إِسْرائيل: سأجمَعُ آخَرينَ أَيضًا إِلى مَجْموعيه. هَلُمِّي يا جَميعَ وُحوشِ الحُقولِ إِلى الأَكْل، ويا جَميعَ وُحوشِ الغاب، فإِنَّ رُقَباءَه كُلَّهم عُمْيانٌ لا عِلمَ لَهم، وكُلَّهم كِلابٌ بُكْمٌ لا يَستَطيعونَ النُّباح، حالِمونَ مُضطَجِعونَ مُحِبُّونَ لِلنَّوم. كِلابٌ نَهِمَةُ الأَخْلاقِ لا تَعرِفُ الشَّبَع، رُعاةٌ لا يَعرِفونَ التَّمْييز، كُلُّهم يَميلونَ إِلى طَريقِهم، وكُلُّ واحِدٍ إِلى مَكاسِبِه عن آخِرِهم. هَلُمُّوا آتي بِخَمرٍ ونَمتَلِئُ مِنَ المُسكِر، ويَكونُ الغَدُ كاليَومِ، بل أَعظَمَ مِنه كَثيرًا. هَلَكَ البارُّ ولم يُبالِ أَحَد، وأُزيلَ أَهلُ التَّقْوى ولم يَفْطَنْ أَحَد أَنَّه بِسَبَبِ الشَّرِّ أُزيلَ البارّ. لٰكِنَّ السَّلامَ سيَأتي، والسَّائِرونَ بِالِٱستِقامة، يَستَقِرُّونَ في مَضاجِعِهم. أَمَّا أَنتُم فٱقتَرِبوا إِلى هُنا، يا بَني السَّامِرَة، نَسْلَ الفاسِقِ والزَّانِيَة. بِمَن تَسخَرونَ وعلى مَن تَفتَحونَ أَفْواهَكم، وتَدلَعونَ أَلسِنَتَكم؟ أَلَستُم أَولادَ المَعصِيَةِ ونَسْلَ الكَذِب، المُثيرينَ أَنفُسَهم عِندَ البُطْم، تَحتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْراء، الذَّابِحينَ أَولادَهم في الأَودِيَة، تَحتَ شُقوقِ الصَّخْر؟ حِجارَةُ الوادي المَصْقولَةُ نَصيبُكِ، هي هي حِصَّتُكِ، لَها سَكَبتِ السَّكيبَ وأَصعَدتِ التَّقدِمَة، أَعن هٰذه أَرْضى؟ على جَبَلٍ عالٍ شامِخٍ جَعَلتِ مَضجَعَكِ، إِلى هُناكَ أَيضًا صَعِدتِ لِتَذبَحي الذَّبائِح، وَراءَ البابِ والدِّعامَةِ جَعَلتِ تَذْكارَكِ، لأَنَّكِ تَعَرَّيتِ بَعيدًا عَنِّي، وعَلَوتِ مَضجَعَكِ ووَسَّعتِه، وعَقَدتِ لكِ عَهدًا، مع الَّذينَ أَحبَبتِ مَضجَعَهم، حينَ رَأَيتِ نَصْبَهم، وقَرَّبتِ الزَّيتَ إِلى مولَك، وكَثَّرتِ أَطْيابَكِ، وأَرسَلتِ سُفَراءَكِ إِلى بَعيد، وٱنحَطَطتِ إِلى مَثْوى الأَمْوات. لِكَثرَةِ سَيرِكِ أَعيَيتِ، ولم تَقولي: «يَئِستُ». استَعَدتِ قُوَّةَ يَدِكِ، لِذٰلك لم تَضعُفي. فمِمَّن خَشيتِ وخِفتِ حتَّى كَذَبتِ؟ فإِنَّكِ لم تَذكُريني ولم تُبالي بي. أَلَم أَكُنْ ساكِتًا وذٰلك مِنَ الأَزَل؟ فأَنتِ لِهذا لا تَخافينَني. أُخبِرُ بِبرِّكِ وبِأَعْمالِكِ فلا تَنفَعُكِ. إِذا صَرَختِ فلتُنقِذْكِ مَجْموعاتُكِ، لٰكِنَّ الرِّيحَ ستَرفَعُها جَميعًا، والنَّسيمَ يَذهَبُ بِها، أَمَّا الَّذي يَعتَصِمُ بي، فيَملِكُ الأَرضَ ويَرِثُ جَبَلَ قُدْسي. ويُقال: مَهِّدوا مَهِّدوا أَعِدُّوا الطَّريق، إِرفَعوا العِثارَ مِن طَريقِ شَعْبي، لأَنَّه هٰكذا قالَ العَلِيُّ الرَّفيع، ساكِنُ الخُلودِ الَّذي قُدُّوسٌ ٱسمُه: «أَسكُنُ في العَلاءِ وفي القُدْس، ومع المُنسَحِقِ والمُتَواضِعِ الرُّوح، لأُحيي أَرْواحَ المتواضِعين، وأُحيِيَ قُلوبَ المُنسَحِقين، فإِنِّي لا لِلأَبَدِ أُخاصِم، ولا على الدَّوامِ أَغضَب، لِئَلاَّ يَضعَفْ الرُّوحُ أَمامي، والنَّسَماتُ الَّتي صَنَعتُها. إِنِّي لإثمِ مَكاسِبِه، غَضِبتُ وضَرَبتُه. إِحتَجَبتُ وغَضِبتُ، فذَهَبَ عاصِيًا في طَريقِ قَلبِه. رَأَيتُ طُرُقَه فسأَشْفيه وأَهْديه، وأَرُدُّ العَزاءَ لَه، وأَخلُقُ لِلنَّائِحينَ عِندَه ثَمَرَةَ الشَّفَتَين: السَّلامَ السَّلامَ لِلبَعيدِ ولِلقَريب، قالَ الرَّبُّ، وأَشفيه». وأَمَّا الأَشْرارُ فكالبَحرِ الهائج، الَّذي لا يُمكِنُ أَن يَهدأ، ومِياهُه تَقذِفُ بِوَحْلٍ وطين، «لا سَلامَ لِلأَشْرارِ، قالَ إِلٰهي». نادِ بِمِلْءِ فَمِكَ ولا تُمسِكْ، إِرفَعْ صَوتَكَ كالبوق، وأَخبِرْ شَعْبي بِمَعصِيَتِه، وبَيْتَ يَعْقوبَ بِخَطاياه. إِنَّهم يَلتَمِسونَني يَومًا فيَومًا، ويَرومونَ مَعرِفَةَ طُرُقي، كأَنَّهم أُمَّةٌ تَعمَلُ بِالبِرّ، ولم تُهمِلْ حَقَّ إِلٰهِها. يَسأَلونَني أَحْكامَ البِرّ، ويَرومونَ التَّقَرُّبَ إِلى الله. «ما بالُنا صُمْنا وأَنتَ لم تَرَ، وعَذَّبنا أَنفُسَنا وأَنتَ لم تَعلَمْ؟» في يَومِ صَومِكم تَجِدونَ مَرامَكم، وتُعامِلونَ بِقَسوَةٍ جَميعَ عُمَّالِكُم. إِنَّكم لِلخُصومةِ والمُشاجَرَةِ تَصومون، ولِتَضرِبوا بِلَكمَةِ الشَّرّ. لا تَصوموا كاليَوم، لِتُسمِعوا أَصْواتَكم في العَلاء. أَهٰكذا يَكونُ الصَّومُ الَّذي فَضَّلتُه، اليَومُ الَّذي فيه يُعَذِّبُ الإِنْسانُ نَفْسَه. أَإِذا حَنى رأسَه كالقَصَب، وٱفتَرَشَ المِسحَ والرَّماد، تُسَمِّي ذٰلك صَومًا ويَومًا مَرضِيًّا لِلرَّبّ؟ أَلَيسَ الصَّومُ الَّذي فَضَّلتُه هو هٰذا: حَلُّ قُيودِ الشَّرِّ وفَكُّ رُبُطِ النِّير، وإِطْلاقُ المَسْحوقينَ أَحْرارًا، وتَحْطيمُ كُلِّ نير؟ أَليسَ هو أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ، وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ، وإِذا رَأَيتَ العُرْيانَ أَن تَكسُوَه، وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ؟ حينَئِذٍ يَبزُغُ كالفَجرِ نورُكَ، ويَندَبُ جُرحُكَ سَريعًا، ويَسيرُ بِرُّكَ أَمامَكَ، ومَجدُ الرَّبِّ يَجمَعُ شَملَكَ. حينَئِذٍ تَدْعو فيَستَجيبُ الرَّبّ، وتَستَغيثُ فيَقول: هاءَنَذا، إِن أَزَلتَ مِن أَبْنائِكَ النِّير، والإِشارَةَ بِالإِصبَعِ والنُّطقَ بالسُّوء. إِذا تَخَلَّيتَ عن لُقمَتِكَ لِلجائِع، وأَشبَعتَ الحَلقَ المُعَذَّب، يُشرِقُ نورُكَ في الظُّلمَة، ويَكونُ دَيجورُكَ كالظُّهْر، ويَهْديكَ الرَّبُّ في كُلِّ حين، ويُشبِعُ نَفْسَكَ في الأَرضِ القاحِلَة، ويُقَوِّي عِظامَكَ فتَكونُ كَجَنَّةٍ رَيَّا، وكيَنْبوعِ مِياهٍ لا تَنضُب. وبِفَضلِكَ يَبْنونَ أَخرِبَةَ قَديمِ الأَيَّام، وأَنتَ تُقيمُ أُسُسَ الأَجْيال، وتُدْعى سادَّ الثُّلْمة، ومُرَمِّمَ الأَزِقَّةِ لِلسُّكْنى. إِن كَفَفتَ عنِ ٱنتِهاكِ السَّبت، عن قَضاءِ مَرامِكَ في يَومِيَ المُقَدَّس، ودَعَوتَ السَّبتَ نَعيمًا ومُقَدَّسَ الرَّبِّ مُكَرَّمًا، وكَرَّمتَه غَيرَ مُباشِرٍ فيه أَعْمالَك، ولا واجِدٍ مُرامَكَ ولا ناطِقٍ بِكَلامٍ على كَلام، فحينَئِذٍ تَتَنَعَّمُ بِالرَّبّ، وأَنا أُركِبُكَ على مَشارِفِ الأَرض، وأُطعِمُكَ ميراثَ يَعْقوبَ أَبيكَ، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ قد تَكَلَّم. يَدُ الرَّبِّ لا تَقصُرُ عنِ الخَلاص، وأُذُنُه لا تَثقُلُ عن السَّماع، لٰكِنَّ آثامَكم فَرَّقَت بَينَكم وبَينَ إِلٰهِكم، وخَطاياكم حَجَبَت وَجهَه عنكم فلا يَسمَع، لأَنَّ أَكُفَّكم تَلَطَّخَت بِالدَّم، وأَصابِعَكم بِالإِثْم، وشِفاهَكم نَطَقَت بِالكَذِب، وأَلسِنَتَكم تمتَمَت بِالإِثْم. لَيسَ مِن مُدَّعٍ بِالبِرّ، ولا مُحاكِمٍ بِالصِّدْق. يَتَّكِلونَ على الخَواءِ ويَنطِقونَ بِالباطِل، يَحبَلونَ بِالظُّلمِ ويَلِدونَ الإِثْم. يَنقُفونَ بَيضَ الحَيَّات، ويَنسِجونَ خُيوطَ العَنْكَبوت. وبَيضُهم مَن أَكَلَ مِنه يَموت، وما كُسِرَ مِنه يَنشَقُّ عن أَفْعى. خُيوطُهم لا تَصيرُ ثَوبًا، ولا يَكتَسونَ بِأَعْمالِهم، لأَنَّ أَعْمالَهم أَعْمالُ إِثْم، وفِعْلِ العُنْفِ في أَكُفِّهم. أَرجُلُهم تَسْعى إِلى الشَّرّ، وتُسارِعُ إِلى سَفكِ الدَّمِ البَريء. أَفْكارُهم أَفْكارُ الإِثْم، وفي مَسالِكِهم دَمارٌ وتَحْطيم. لم يَعرِفوا طَريقَ السَّلام، ولا حَقَّ في سُبُلِهم. قد جَعَلوا دُروبَهم مُعوَجَّة، كُلُّ مَن سَلَكها لا يَعرِفُ السَّلام. لِذٰلك ٱبتَعَدَ الحَقُّ عَنَّا، ولم يُدرِكْنا البِرّ. نَتَرَقَّبُ النُّورَ فإِذا بِالظَّلام، والضِّياءَ فإِذا بِنا سائِرون في الدَّيجور. نَتَجَسَّسُ الحائِطَ كالعُمْيان، وكَمَن لا عَيْنَيْنَ لَه نَتَجَسَّس. نَعْثُرُ في الظَّهيرَةِ كما في العَتمَة، ونَحنُ بَينَ الأَصِحَّاءِ كأَنَّنا أَمْوات. نَزأَرُ كُلُّنا كالأَدْباب ونَنوحُ كالحَمام. نَتَرَقَّبُ الحَقَّ ولا يَكون، والخَلاصَ وقدِ ٱبتَعَدَ عنَّا، لأَنَّ مَعاصِيَنا قد كَثُرَت تُجاهَكَ، وخَطايانا شاهِدَةٌ علَينا، لأَنَّ مَعاصِيَنا معَنا وآثامَنا قد عَرَفْناها: العِصْيانَ والكَذِبَ على الرَّبّ، والِٱرتِدادَ مِن وَراءِ إِلٰهِنا، والنُّطقَ بِالظُّلمِ والتَّمَرُّد، والحَبَلَ بِكَلامِ الكَذِب، والتَّمتَمَةَ بِه في القَلْب. فٱرتَدَّ الحُكمُ إِلى الوَراء، ووَقَفَ البِرُّ بَعيدًا، لأَنَّ الحَقَّ عَثَرَ في السَّاحة، والِٱستِقامَةَ لم تَقدِرْ على الدُّخول، وصارَ الحَقُّ مَفْقودًا، والمُعرِضُ عن الشَّرِّ مَسْلوبًا. وقد رأَى الرَّبُّ فساءَ في عَينَيه، أَن لا يَكونَ حُكمٌ هُناكَ، ورأى أَنَّه لَيسَ هُناكَ إِنْسان، ودَهِشَ أَن لا يَتَدَخَّلَ أَحَد فذِراعُه هي أَنجَدَته وبِرُّه هو أَيَّدَه. فلَبِسَ البِرَّ كدِرْع، وخَوذَةَ الخَلاصِ على رَأسِه، وٱرتَدَى ثِيابَ الِٱنتِقامِ لِباسًا، وتَجَلبَبَ بِالغَيرَةِ رِداءً. على حَسَبِ الأَعمالِ هٰكذا يَجْزي: فالغَضَبُ بخُصومِه والِٱنتِقامُ لأَعْدائِه، ويَجْزي الجُزُرَ الِٱنتِقام. فيَخشَونَ مِنَ المَغرِبِ ٱسمَ الرَّبّ، ومِن مَشرِقِ الشَّمسِ مَجدَه، فإِنَّه يَأتي كنهْرٍ مُنحَصِر، تَدفَعُه ريحُ الرَّبّ. ويَأتي الفادي إِلى صِهْيون، وإِلى الرَّاجِعينَ عنِ المَعصِيَةِ مِن يَعْقوب، يَقولُ الرَّبّ. وأَنا فهٰذا عَهْدي معَهم، قالَ الرَّبّ: روحي الَّذي علَيكَ وكَلامِيَ الَّذي جَعَلتُه في فَمِكَ لا يَزولُ مِن فَمِكَ، ولا مِن فَمِ نَسلِكَ، ولا مِن فَمِ نَسْلِ نَسلِكَ، قالَ الرَّبُّ، مِنَ الآنَ ولِلأَبَد. قومي ٱستنيري فإِنَّ نورَكِ قد وافى، ومَجدَ الرَّبِّ قد أَشرَقَ علَيكِ. ها إِنَّ الظُّلْمَةَ تُغَطِّي الأَرض، والغَمامَ المُظلِمَ يَشمُلُ الشُّعوب، ولٰكِن عليكِ يُشرِقُ الرَّبّ، وعلَيكِ يَتَراءَى مَجدُه، فتَسيرُ الأُمَمُ في نورِكِ، والمُلوكُ في ضِياءِ إِشْراقِكِ. إِرفَعي عَينَيكِ إِلى ما حَولَكِ وٱنظُري، كُلُّهُمُ ٱجتَمَعوا وأَتوا إِلَيكِ. بَنوكِ مِن بَعيدٍ يَأتون، وبَناتُكِ يُحمَلنَ على الوَرْك. حينَئذٍ تَنظُرينَ وتَتَهَلَّلين، ويَخفُقُ قَلْبُكِ ويَنشَرِح، فإِلَيكِ تَتَحَوَّلُ ثَروَةُ البَحْر، وإِلَيكِ يأتي غِنى الأُمَم. كَثرَةُ الإِبِلِ تُغَطِّيكِ، بُكْرانُ مِديَنَ وعيفَة، كُلُّهم مِن شَبَأَ يَأتون، حامِلينَ ذَهَبًا وبَخورًا، يُبَشِّرونَ بِتَسابيحِ الرَّبّ. كُلُّ غَنَمِ قيدارَ تَجتَمِعُ إِلَيكِ، وكِباشُ نَبايوتَ تَخدُمُكِ. تَصعَدُ على مَذبَحِ رِضايَ، وأُمَجِّدُ بَيتَ جَلالي. مَن هٰؤُلاءِ الطَّائِرونَ كالغَمام، وكالحَمامِ إِلى أَعْشاشِها. إِنَّ الجُزُرَ تَنتَظِرُني، وسُفُنَ تَرْشيشَ في المُقَدِّمة، لِتَأتِيَ بِبَنيكِ مِن بَعيد، ومعَهم فِضَّتُهم وذَهَبُهم، لِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِكِ، ولِقُدُّوسِ إِسْرائيلَ لأَنَّه قد مَجَّدَكِ. وبَنو الغُرَباءِ يَبْنونَ أَسْوارَكِ، ومُلوكُهم يَخدُمونَكِ، لأَنِّي في غَضَبي ضَرَبتُكِ، وفي رِضايَ رَحِمتُكِ. وتَنفَتِحُ أَبْوابُكِ دائِمًا، لا تُغلَقُ نَهارًا ولا لَيلًا، لِيُؤتى إِلَيكِ بِغِنى الأُمَم، وتُحضَرَ إِلَيكِ مُلوكُهم، لأَنَّ الأُمَّة والمَملَكَةَ، الَّتي لا تَعمَلُ لَكِ تَهلِك، والأُمَمَ تُخرَبُ خَرابًا، مَجدُ لُبْنانَ يَأتي إِلَيكِ، السَّرْوُ والسِّنْدِيانُ والبَقْسُ جَميعًا، لِزينَةِ مَكانِ قُدْسي، وأُمَجِّدُ مَوطِئَ قَدَمَيَّ. وبَنو الَّذينَ عَذَّبوكِ يَأتونَ إِلَيكِ مُنحَنين، ويسجُدُ لأَخامِصِ قَدَمَيكِ، كُلُّ مَنِ ٱستَهانَ بِكِ، ويَدْعونَكِ «مَدينَةَ الرَّبّ»، «صِهْيونَ قُدُّوسِ إِسْرائيل»، وبَدَلًا مِن أَن تَكوني مَهْجورة، مَكْروهَةً لا يَمُرُّ بِكِ أَحَد، سأَجعَلُكِ فَخرَ الدُّهور وسرورَ جيلٍ فجيل. وتَرضَعينَ لَبَنَ الأُمَم، وتَرضَعينَ ثُدِيَّ المُلوك، وتَعلَمينَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ مُخَلِّصُكِ، وفاديكِ عَزيزُ يَعْقوب. آتي بِالذَّهَبِ بَدَلَ النُّحاس، وآتي بِالفِضَّةِ بَدَلَ الحَديد، وبالنُّحاسِ بَدَلَ الخَشَب، وبِالحَديدِ بَدَلَ الحِجارة، وأَجعَلُ قَضاءَكِ سَلامًا، ومِن طُغاتِكِ بِرًّا. لا يُسمَعُ مِن بَعدُ بِالعُنْفِ في أَرضِكِ، ولا بِالدَّمارِ ولا التَّحطيمِ في أَرضِكِ، بل تَدْعينَ أَسْوارَكِ «خَلاصًا»، وأَبْوابَكِ «تَسْبيحًا»، لا تَكونُ الشَّمسُ مِن بَعدُ، نورًا لَكِ في النَّهار، ولا يُنيرُكِ القَمَرُ بَضِيائِه في اللَّيل، بلِ الرَّبُّ يَكونُ لَكِ نورًا أَبَدِيًّا، وإِلٰهُكِ يَكونُ جَلالَكِ. لا تَغرُبُ شَمسُكِ مِن بَعدُ، وقَمَرُكِ لا يَنقُص، لأَنَّ الرَّبَّ يَكونُ لَكِ نورًا أَبَدِيًّا، وتَكونُ أَيَّامُ مَناحَتِكِ قدِ ٱنقَضَت، ويَكونُ شَعبُكِ كُلُّه أَبْرارًا، ولِلأَبَدِ يَرِثُ الأَرض، هو فَرعُ غَرْسي، وعَمَلُ يَدَيَّ وبِه أَتَمَجَّد. القَليلُ يَصيرُ أَلفًا، والصَّغيرُ يَصيرُ أُمَّةً عَظيمة، أَنا الرَّبَّ أُعَجِّلُ ذٰلك في ميقاتِه. روحُ السَّيِّد الرَّبِّ علَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَني، وأَرسَلَني لأُبَشِّرَ الفُقَراء، وأَجبُرَ مُنكَسِري القُلوب، وأُنادِيَ بِإِفْراجٍ عنِ المَسبِيِّين، وبِتَخلِيَةٍ لِلمَأسورين، لأُعلِنَ سَنَةَ رِضًا عِندَ الرّبّ، ويَومَ ٱنتِقامٍ لإلٰهِنا، وأُعَزِّيَ جَميعَ النَّائحين. (لأَجعَلَ لِنائحي صِهْيون) لأَمنَحَهمُ التَّاجَ بَدَلَ الرَّماد، وزَيتَ الفرَحِ بَدَلَ النَّوح، وحُلَّةَ التَّسْبيحِ بَدَلَ روحِ الإِعْياء، فيُدعَونَ بُطْمَ البِرّ، وأَغْراسًا لِلرَّبِّ يَتَمَجَّدُ بِها، ويَبْنونَ أَخرِبَةَ الماضي، ويُشَيِّدونَ مُدَمَّراتِ قَديمِ الأَيَّام، ويُجَدِّدونَ المُدُنَ المُخَرَّبَة، ومُدَمَّراتِ جيلٍ فجيل. ويَقِفُ الأَجانِبُ ويَرعَونَ غَنَمَكم، ويَكونُ بَنو الغَريبِ حُرَّاثَكم وكَرَّاميكم. أَمَّا أَنتُم فتُدعَونَ كَهَنَةَ الرَّبّ، ويُقالُ لَكم خَدَمَةُ إِلٰهِنا، تأكُلونَ غِنى الأُمَم وبِمَجدِها تَفتَخِرون. بَدَلَ أَن يُضاعَفَ خَجَلُكم، وبَدَلَ الخِزْيِ الَّذي يَهتِفونَ أَنَّه نَصيبُهم، يَرِثونَ في أَرضِهم ميراثًا مُضاعَفًا، وفَرَحٌ أَبَدِيٌّ يَكونُ لَهم. لأَنِّي أَنا الرَّبُّ مُحِبُّ الحَقّ، مُبغِضُ النَّهبِ والظُّلْم، فأُعْطيهمِ المُكافَأَةَ في الحَقّ، وأُعاهِدُهم عَهدًا أَبَدِيًّا. وستُعرَفُ ذُرِّيَّتُهم في الأُمَم، وسُلالَتُهم بَينَ الشُّعوب، فكُلُّ مَن رآهم يَعرِفُهم، لأَنَّهم ذُرِّيَّةٌ بارَكَها الرَّبّ. أُسَرُّ سُرورًا في الرَّبّ، وتَبتَهِجُ نَفْسي في إِلٰهي، لأَنَّه أَلبَسَني ثِيابَ الخَلاص، وشَمِلَني بِرِداءِ البِرّ، كالعَريسِ الَّذي يَتَعَصَّبُ بِالتَّاج، وكالعَروسِ الَّتي تَتَحَلَّى بِزينَتِها، فكما أَنَّ الأَرضَ تُخرِجُ نَباتَها، والجَنَّةَ تُنبِتُ مَزْروعاتِها، كذٰلك السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنبِتُ البِرّ، والتَّسبِحَةَ أَمامَ جَميعِ الأُمَم. إِنِّي لأَجْلِ صِهْيونَ لا أَسكُت، ولأَجْلِ أُورَشَليمَ لا أَهْدَأ، حتَّى يَخرُجَ كضِياءٍ بِرُّها، وكمَشعَلٍ مُتَّقِدٍ خَلاصُها. فتَرى الأُمَمُ بِرَّكِ، وجَميعُ المُلوكِ مَجدَكِ، وتُدعَينَ بِٱسمٍ جَديد، يُعَيِّنُه فَمُ الرَّبّ، وتَكونينَ إِكْليلَ فَخْرٍ في يَدِ الرَّبّ، وتاجَ مُلكٍ في كَفِّ إِلٰهِكِ. لا يُقالُ لَكِ مِن بَعدُ: «المَهْجورة»، ولأَرضِكِ لا يُقالُ مِن بَعدُ: «الدَّمار»، بل تُدْعَينَ: «رِضايَ فيها»، وأَرضُكِ تُدْعى «المُتَزوِّجة»، لأَنَّ الرَّبَّ يَرْضى عَنكِ، وأَرضَكِ تَكونُ مُتَزَوِّجة. فكَما أَنَّ شابًّا يَتَزَوَّجُ بِكرًا، كذٰلك بَنوكِ يَتَزَوَّجونَكِ، وكسُرورِ العَريسِ بِالعَروس، يُسَرُّ بِكِ إِلٰهُكِ. على أَسْوارِكِ يا أُورَشَليم أَقَمتُ حُرَّاسًا، لا يَسكُتونَ نَهارًا ولا لَيلًا، يا ذاكِري الرَّبِّ لا تَتَوَقَّفوا، ولا تَدَعوه يَتَوَقَّف، حَتَّى يُقِرَّ أُورَشَليم، ويَجعَلَها تَسبِحَةً في الأرض. أَقسَمَ الرَّبُّ بِيَمينِه وبِذِراعِ عِزَّتِه: «لا أَجعَلَنَّ حِنطَتَكِ، مِن بَعدُ طَعامًا لأَعْدائِكِ، ولا يَشرَبَنَّ بَنو الغَريبِ، نَبيذَكِ الَّذي تَعِبتِ فيه. بلِ الَّذينَ جَمَعوا الحِنطَة هم يأكُلونَها ويُسَبِّحونَ الرَّبّ، والَّذينَ جَمَعوا قِطافَ العِنَب هم يَشرَبونَه في دِيارِ قُدْسي». أُعْبُروا ٱعبُروا بِالأَبْواب، هَيِّئوا طَريقَ الشَّعْب، مَهِّدوا مَهِّدوا السَّبيل، حَصُّوه مِنَ الحِجارة، ارفَعوا الرَّايَةَ لِلشُّعوب، هٰذا ما أَسمَعَه الرَّبُّ إِلى أَقاصي الأَرض: قولوا لِٱبنَةِ صِهْيون: هُوَذا خَلاصُكِ آتٍ، هُوَذا جَزاؤُه معَه وأُجرَتُه أَمامَه. وهُمْ يُدعَونَ «الشَّعبَ المُقَدَّس»، «مُفتَدَيِ الرَّبّ»، وأَنتِ تُدعَينَ «المَطْلوبَة»، «المَدينَةَ غيرَ المَهْجورة». مَن ذا الآتي مِن أَدوم، بِثِيابٍ قِرمِزِيَّةٍ مِن بُصْرَة، هٰذا الَّذي يَتَباهى بِلباسِه، ويَختالُ بِكَثرَةِ قُوَّتِه؟ «أَنا المُتَكَلِّمُ بِالبِرّ، الكَثيرُ الخَلاص». ما بالُ لِباسِكَ أَحمَر، وثِيابِكَ كدائِسِ المَعصَرَة؟ دُستُ المَعصَرَةَ وَحْدي، ومِنَ الشُّعوبِ لم يَكُنْ مَعي أَحَد. وَطِئتُهم بِسُخْطي ودُستُهم بِغَضَبي، فٱنتَضَحَ عَصيرُهم على ثِيابي، فلَطَّختُ مَلْبوسي كُلَّه، لأَنَّه كانَ في قَلْبي يَومُ ٱنتِقام، وبَلَغَت سَنَةُ فِدائي، وقَد نَظَرتُ ولم يَكُنْ مَن يَنصُر، ودَهِشتُ ولم يَكُنْ مَن يَعضُد، فأَنجَدَتْني ذِراعي، وغَضَبي هو أَيَّدَني، فدُستُ الشُّعوبَ في سُخْطي، وأَسكَرتُهم في غَضَبي، وأَسَلتُ في الأَرضِ عَصيرَهم. أَذكُرُ نِعَمَ الرَّبِّ وتَسْبيحَ الرَّبّ، لأَجلِ كُلِّ ما كافَأَنا بِه الرَّبّ، ولأَجلِ كَثرَةِ خَيرِه إِلى بَيتِ إِسْرائيل، الَّذي كافَأَهم بِه بِحَسَبِ مَراحِمِه وكَثرَةِ نِعَمِه، إِذا قال: إِنَّهم شَعْبي حَقًّا، بَنونَ لا يَخدَعون، فصارَ لَهم مُخَلِّصًا في جَميعِ مَضايِقِهم، تَضايَقَ ومَلاكُ وَجهِه خَلَّصهم، بِمَحَبَّتِه وشَفَقَتِه ٱفتَداهم، ورَفَعَهم وحَمَلَهم كُلَّ الأَيَّامِ القَديمة. لٰكِنَّهم تَمَرَّدوا وأَغضَبوا روحَه القُدُّوس، فٱنقَلَبَ علَيهم عَدُوًّا وقاتَلَهم. ثُمَّ ذَكَرَ شَعبُه الأَيَّامَ القَديمةَ وموسى. أَينَ الَّذي أَصعَدَهم مِنَ البَحْر، مع رُعاةِ غَنَمِه؟ أَينَ الَّذي جَعَلَ في داخِلِه روحَه القُدُّوس؟ الَّذي سَيَّرَ عن يَمينِ موسى ذِراعَ بَهائِه، وفَلَقَ المِياهَ أَمامَهم، لِيَجعَلَ لَه ٱسمًا أَبَدِيًّا، الَّذي سَيَّرَهم في الغِمار، كفَرَسٍ في البَرِّيَّةِ فلم يَعثُروا، كالمَواشي الَّتي تَنزِلُ في الوادي، كذٰلك روحُ الرَّبِّ أَراحَهم. هٰكذا هَدَيتَ شَعبَكَ، لِتَجعَلَ لَكَ ٱسمًا بَهِيًّا. تَطَلَّعْ مِنَ السَّماءِ وٱنظُرْ، مِن سُكْنى قُدسِكَ وبَهائِكَ. أَينَ غَيرَتُكَ وجَبَروتُكَ؟ هلِ ٱحتَبَسَ ٱرتِعاشُ أَحْشائِكَ ومَراحِمُكَ لي؟ فإِنَّكَ أَنتَ أَبونا، إِبْراهيمُ لم يَعرِفْنا، وإِسْرائيلُ لم يَعلَمْ بِنا. أَنتَ يا رَبُّ أَبونا، مُنذُ الأَزَلِ ٱسمُكَ فادينا. لِمَ ضَلَّلتَنا يا رَبُّ عن طُرُقِكَ، وقَسَّيتَ قُلوبَنا عن خَشيَتِكَ؟ إِرجِعْ إِلَينا مِن أَجْلِ عَبيدِكَ، أَسْباطِ ميراثِكَ. وَقتًا قَليلًا وَرِثَ شَعبُ قُدسِكَ، أَعْداؤُنا داسوا مَقدِسَكَ. مِن زَمَنٍ بَعيدٍ لم تَتَسَلَّطْ علَينا، ولم نُدعَ بِٱسمِكَ. لَيتَكَ تَشُقُّ السَّمٰواتِ وتَنزِل، فتَسيلُ الجِبالُ مِن وَجهِكَ. كما تُضرِمُ النَّارُ الهَشيم، وتُغْلي النَّارُ المِياه، لِكَي تُعَرِّفَ خُصومَكَ ٱسمَكَ، فتَرتَعِدَ الأُمَمُ مِن وَجهِكَ، حينَ تَصنَعُ مَخاوِفَ لم تَنْتَظِرْها، (نَزَلتَ ومِن وَجهِكَ سالتِ الجِبال). مُنذُ الأَزَلِ لم يَسمَعوا ولم يُصْغوا، ولم تَرَ عَينٌ إِلٰهًا ما خَلاكَ، يَعمَلُ لِلَّذينَ يَنتَظِرونَه. لاقَيتَ المَسْرورَ بِعَمَلِ البِرّ، أُولٰئِكَ الَّذينَ يَذكُرونَكَ في طُرُقِكَ. لٰكِنَّكَ غَضِبتَ لأَنَّنا خَطِئْنا، ولٰكِنَّنا مُنذُ الأَزَلِ بِهٰذه الطُّرُقِ نُخَلَّص. وكُنَّا كُلُّنا كالنَّجِس، وبِرُّنا كُلُّه كثَوبِ الطَّامِث، وكُلُّنا ذَبَلْنا كالوَرَق، وآثامُنا كالرِّيح ذَهَبَت بِنا، ولم يَبقَ مَن يَدْعو بِٱسمِكَ، ولا يَنتَبِهُ لِيَتَمَسَّكَ بِكَ، حتَّى حَجَبتَ وَجهَكَ عَنَّا، وجَعَلتَنا نَذوبُ بِقُوَّةِ إِثمِنا. والآنَ يا رَبُّ أَنتَ أَبونا، نَحنُ الطِّينُ وأَنتَ جابِلُنا، ونَحنُ جَميعًا عَمَلُ يَدِكَ. لا تَغضَبْ يا رَبُّ كَثيرًا، ولا تَذكُرِ الإِثمَ لِلأَبَد. أُنظُرْ، إِنَّنا جَميعًا شَعبُكَ. قد صارَت مُدُنُ قُدسِكَ قَفْرًا، صِهْيونُ صارَت قَفرًا، وأُورَشَليمُ دَمارًا. بَيتُ قُدسِنا وفَخرِنا، الَّذي سَبَّحَكَ فيه آباؤُنا، قد أُحرِقَ بِالنَّار، وجَميعُ مُشتَهَياتِنا صارَت خَرابًا. أَعلى هٰذا تَضبِطُ نَفسَكَ يا رَبّ، وتَصمُتُ وتُذَلِّلُنا كَثيرًا؟ إِنِّي ٱعتَلَنتُ لِمَن لم يَسألوا عَنِّي، ووَجَدَني الَّذينَ لَم يَطلُبوني. قُلتُ: «هاءَنَذا هاءَنَذا»، لأُمَّةٍ لم تَدعُ بِٱسْمي. بَسَطتُ يَدَيَّ طَوالَ النَّهارِ لِشَعبٍ عاصٍ، يَسلُكُ طَريقًا غيرَ صالِحٍ على هَواه، شَعبٍ يُغضِبُني، في وَجْهي كُلَّ حين، يَذبَحُ في الجَنائِن، ويُحرِقونَ البَخورَ على الآجُرّ، يُقيمُ في القُبور ويَبيتُ في المَغاوِر، يَأكُلُ لَحمَ الخِنْزير، وآنِيَتُه مَرَقُ قَبائح. يَقول: «قِفْ عِندَكَ، لا تَلمُسْني، فإِنِّي لَكَ قُدُّوس». هٰذه الكَلِماتُ دُخانٌ في أَنْفي، نارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ النَّهار. هُوَذا مَكْتوبٌ أَمامي: إِنِّي لا أَصمُتُ حَتَّى أُحاسِب، أُحاسِبَ في أَحْضانِهم آثامَكم وآثامَ آبائِكم مَعًا، قالَ الرَّبّ. الَّذينَ أَحرَقوا البَخورَ على الجِبال، وأَهانوني على التِّلال، فسأَكيلُ أَوَّلًا أَعْمالَهم في أَحْضانِهم. هٰكذا قالَ الرَّبّ: كما يوجَدُ النَّبيذُ في عُنْقود، فيَقولُ قائِلٌ: «لا تُتلِفْه، فإِنَّ فيه بَرَكَة»، كذٰلك أَصنَعُ لأَجلِ عَبيدي، لِئَلاَّ أُتلِفَ الجَميع. وسأُخرِجُ مِن يَعْقوبَ نَسلًا، ومِن يَهوذا وارِثًا لِجِبالي، فيَرِثُها مُخْتارِيَّ، وعَبيدي يَسكُنونَ هُناك، ويَكونُ الشَّارونَ مَأوى غَنَم، ووادِي عَكورَ مَربِضَ بَقَر، لِشَعبيَ الَّذي ٱلتَمَسَني. وأَنتُمُ الَّذينَ تَرَكوا الرَّبّ، ونَسوا جَبَلَ قُدْسي، الَّذينَ يُهَيِّئونَ المائِدَةَ لِجَدّ، ويُعِدُّونَ المَمْزوجَ لِمَناة، فسأُعِدُّكم لِلسَّيف، وتَركَعونَ جَميعُكم لِلذَّبْح، لأَنِّي دَعَوتُ ولم تُجيبوا، تَكَلَّمتُ فلَم تَسمَعوا، وصَنَعتُمُ الشَّرَّ في عَينَيَّ، وما لم أَشإِ ٱختَرتُم. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: ها إِنَّ عَبيدي يأكُلون وأَنتُم تَجوعون، ها إِنَّ عَبيدي يَشرَبونَ وأَنتُم تَعطَشون، ها إِنَّ عَبيدي يَفرَحونَ وأَنتُم تَخزَون، ها إِنَّ عَبيدي يَهتِفونَ مِن طيبِ القَلْب، وأَنتُم تَصرُخونَ مِن كآبَةِ القَلْب، وتُوَلوِلونَ مِنِ ٱنكِسارِ الرُّوح، وتُخَلِّفونَ ٱسمَكم، لَعنَةً لِمُخْتارِيَّ: «أَماتَكَ السَّيِّدُ الرَّبّ»، لٰكِنَّه يَدْعو عَبيدَه بٱسمٍ آخَر. فالَّذي يَتَبارَكُ على الأَرض، يَتَبارَكُ بِإِلٰهِ آمين، والَّذي يَحلِفُ على الأَرض، يَحلِفُ بِإِلٰهِ آمين، لأَنَّ المَضايِقَ الأُولى تُنْسى، وتُستَرُ عن عَينَيَّ، لأَنِّي هٰكذا أَخلُقُ سَمَواتٍ جَديدة وأَرضًا جَديدة، فلا يُذكَرُ الماضي، ولا يَخطُرُ على البال. بل تَهَلَّلوا وٱبتَهِجوا لِلأَبَدِ بِما أَنا أَخلُق، فإِنِّي هاءَنَذا أَخلُقُ أُورَشَليمَ لِلٱبتِهاج، وشَعبَها لِلسُّرور، وأَبتَهِجُ بِأُورَشَليمَ وأُسَرُّ بِشَعْبي، ولا يُسمَعُ فيها مِن بَعدُ صَوتُ بُكاء، ولا صَوتُ صُراخ. لا يَموتُ هُناكَ مَن بَعدُ طِفلُ أَيَّام، ولا شَيخٌ لم يَستَكمِلْ أَيَّامَه، لأَنَّ صَغيرَ السِّنِّ يَموتُ وهو ٱبنُ مِئَةِ سَنَة، والَّذي يَموتُ دونَ مِئَةِ سَنَةٍ فإِنَّه مَلْعون. ويَبْنونَ بُيوتًا ويَسكُنونَ فيها، ويَغرِسونَ كُرومًا ويأكُلونَ ثَمَرَها. لا يَبْنونَ ويَسكُنُ آخَر، ولا يَغرِسونَ ويَأكُلُ آخَر، لأَنَّ أَيَّامَ شَعْبي كأَيَّامِ الشَّجَر، ومُخْتارِيَّ يَتَمَتَّعونَ بِأَعْمالِ أَيديهم. لا يَتعَبونَ باطِلًا ولا يَلِدونَ لِلرُّعْب، لأَنَّهم ذُرِّيَّةُ مُبارَكي الرَّبّ، وسُلالَتُهم معَهم. قَبلَ أَن يَدعُوَ أُجيب، وبَينَما هم يَتَكلَّمونَ أَستَجيب. الذِّئبُ والحَمَلُ يَرعَيانِ معًا، والأَسَدُ كبَقَرٍ يأكُلُ التِّبْن، أَمَّا الحَيَّةُ فالتُّرابُ يَكونُ طَعامَها، لا يُسيئونَ ولا يُفسِدون، في جَبَلِ قُدْسي كُلِّه، قالَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: السَّمَاءُ عُرْشي والأَرضُ مَوطِئُ قَدَمَيَّ، فأَيَّ بَيتٍ تَبْنونَ لي، وأَيُّ مَكانٍ يَكونُ مَقَرَّ راحَتي؟ كُلُّ هٰذه يَدي صَنَعَتها، فهٰكذا كانَت كُلُّها، يَقولُ الرَّبّ. لٰكِن إِلى هٰذا أَنظُر: إِلى المِسْكينِ المُنسَحِقِ الرُّوح، المُرتعِدِ من كَلِمَتي. يَنحَرونَ ثَورًا ويَقتُلونَ إِنسانًا، يَذبَحونَ شاةً وَيكْسِرُونَ عُنْقَ كَلْبٍ، يُصعِدونَ دَمَ خِنْزيرٍ تَقدِمَةً، يُقيمونَ ذِكْرى بَخورٍ ويُبارِكونَ وَثَنًا. هٰؤُلاءِ أَيضًا ٱختاروا طُرُقَهم، وبأَرْجاسِهم سُرَّت نُفوسُهم. فأَنا أَيضًا أَخْتارُ ما يَضُرُّهم، وأَجلُبُ علَيهم ما يَخشَون، لأَنِّي دَعَوتُ ولم يُجيبوا، وتَكَلَّمتُ ولم يَسمَعوا، وصَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيَّ، ولما لم أَشَإِ ٱخْتاروا. إِسمَعوا كَلامَ الرَّبّ، أَيُّها المُرتَعِدونَ مِن كَلِمَتِه. قالَ إِخوَتُكمُ الَّذينَ أَبغَضوكم، ونَبَذوكم لأَجلِ ٱسْمي: «لِيَتَمَجَّدِ الرَّبُّ ولْنَرَ فَرَحَكم»، لٰكِنَّهم يَخزَون. صَوتُ جَلَبَةٍ مِنَ المَدينة، صَوتٌ مِنَ الهَيكَل، صَوتُ الرَّبِّ الَّذي يَجْزي أَعْداءَه الِٱنْتِقام. قَبلَ أَن تَتَمَخَّضَ وَلَدَت، قَبلَ أَن يَأخُذَها الطَّلْقُ وَضَعَت ذَكَرًا. مَنِ الَّذي سَمِعَ بِمِثْلِ هٰذا، ومَنِ الَّذي رأَى مِثلَ هٰذه؟ أَتُنتَجُ أَرضٌ في يَومٍ واحِد، أَم تولَدُ أُمَّةٌ في مَرَّةٍ واحِدة؟ فإِنَّ صِهْيونَ ما إِن تَمَخَّضَت، حَتَّى وَلَدَت بَنيها. أَأَفتَحُ الرَّحِمَ ولا أُوَلِّد، يَقولُ الرَّبّ، أَم أَنا المُوَلِّدَ أُغلِقُ الرَّحِم؟ قالَ إِلٰهُكَ. إفرَحوا مع أُورَشَليم، وٱبتَهجوا بِها يا جَميعَ مُحِبِّيها، سُرُّوا معَها سُرورًا، يا جَميعَ النائِحينَ علَيها، لِكَي تَرضَعوا وتَشبَعوا مِن ثَدْيِ تَعازيها، وتَحلُبوا وتَتَنَعَّموا مِن دِرَّةِ مَجدِها، لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أُميلُ إِلَيها السَّلامَ كالنَّهْر، ومَجدَ الأُمَمِ كالوادي الطَّافِح، فتَرضَعونَ وعلى الوَرْكِ تُحمَلون، وعلى الرُّكبَتَينِ تُدَلَّلون. كإِنسانٍ تُعَزِّيه أُمُّه، كذٰلك أَنا أُعَزِّيكم وفي أُورَشَليمَ تُعَزَّون، وتَنظُرونَ فتُسَرُّ قُلوبُكم، وتُزهِرُ عِظامُكم كالعُشْب، وتُعرَفُ يَدُ الرَّبِّ أَنَّها مع عَبيده، ويَغضَبُ على أَعْدائِه، لأَنَّه هُوَذا الرَّبُّ يَأتي في النَّار، ومَركَباتُه كالزَّوبَعة، ليُروِيَ غَليلَ غَضَبِه بِحَنَق، وتَهْديدَه بِلَهيبِ نار. لأَنَّ الرَّبَّ بِالنَّارِ والسَّيفِ يُحاكِمُ كُلَّ بَشَر، ويَكونُ قَتْلى الرَّبِّ كَثيرين. إِنَّ الَّذينَ يُقَدِّسونَ أَنفُسَهم ويُطَهِّرونَها في الجَنائِن، وَراءَ واحِدٍ في الوَسَط، ويأكُلونَ لَحمَ الخِنْزير والحَيَوانِ النَّجِسِ والفَأْر، يَفنَونَ معًا، يَقولُ الرَّبّ. أَمَّا أَنا فنَظَرًا إلى أَعْمالِهم وأَفْكارِهم، قد حانَ أَن أَحشُرَ جَميعَ الأُمَمِ والأَلسِنَةِ، فتأتي وتَرى مَجْدي. وأَجعَلُ بَينَهم آيَةً وأُرسِلُ ناجينَ مِنهم إِلى الأُمَم، إِلى تَرْشيشَ وفولَ ولود، الَّتي تَشُدُّ القِسِيِّ، وتوبَلَ وياوانَ والجُزُرِ البَعيدةِ الَّتي لم تَسمَعْ بِسُمعَتي ولم تَرَ مَجْدي، فيُنادونَ بِمَجْدي بَينَ الأُمَم ويَأتونَ بِجَميعِ إِخوَتِكم مِن جَميعِ الأُمَمِ تَقدِمَةً لِلرَّبّ، على الخَيلِ والمَركَباتِ والهَوادِجِ والبِغالِ والمَحامِل، إِلى جَبَلِ قُدْسي أُورَشَليم، قالَ الرَّبّ، كما يَأتي بَنو إِسْرائيلَ بِالتَّقدِمَةِ في إِناءٍ طاهِرٍ إِلى بَيتِ الرَّبّ. ومِنها أَيضًا أَتَّخِذُ كَهَنَةً ولاوِيِّين، قالَ الرَّبّ. لأَنَّه كما أَنَّ السَّمَواتِ الجَديدة، والأَرضَ الجَديدةَ الَّتي أَصنَعُها، تَدومُ أَمامي، يَقولُ الرَّبّ، فكذٰلك تَدومُ ذُرِّيَّتُكم وٱسمُكم. ومِن رَأسِ شَهرٍ إِلى رَأسِ شَهْر، ومِن سَبتٍ إِلى سَبْت، كُلُّ بَشَرٍ يَأتي، لِيَسجُدَ أَمامي، قالَ الرَّبّ. ويَخرُجونَ ويَرونَ جُثَثَ النَّاسِ الَّذينَ عَصَوني، لأَنَّ دودَهم لا يَموت، ونارَهم لا تُطفَأ، ويَكونونَ رُذالَةً لِكُلِّ بَشَر. كَلامُ إِرْمِيا بنِ حِلقِيَّا، مِنَ الكَهَنَةِ الَّذينَ في عَناتوتَ بِأَرضِ بَنْيامين، كانَت إِلَيه كَلِمَةُ الرَّبِّ في أَيَّامِ يوشِيَّا بنِ آمون، مَلِكِ يَهوذا، في السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشرَةَ مِن مُلكِه. ثُمَّ كانَت في أَيَّامِ يوياقيمَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، إِلى آخِرِ السَّنَةِ الحادِيَةَ عَشرَةَ لِصِدقِيَّا بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، إِلى جَلاءِ أُورَشَليمَ، في الشَّهرِ الخامِس. فكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قائلًا: قَبلَ أَن أُصَوِّرَكَ في البَطنِ عَرَفتُكَ، وقَبلَ أَن تَخرُجَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّستُكَ، وجَعلتُكَ نَبِيًّا لِلأُمَم. فقُلتُ: «آهِ أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، هاءَنَذا لا أَعرِفُ أَن أَتَكَلَّمَ لأَنِّي وَلَد». فقالَ لِيَ الرَّبّ: لا تَقُلْ: «إِنِّي وَلَد»، فإِنَّكَ لِكُلِّ ما أُرسِلُكَ لَه تَذهَب، وكُلَّ ما آمُرُكَ بِه تَقول. لا تَخَفْ مِن وُجوهِهم، فإِنِّي مَعَكَ لأُنقِذَكَ، يَقولُ الرَّبّ، ثُمَّ مَدَّ الرَّبُّ يَدَه ولَمَسَ فَمي وقالَ لِيَ الرَّبّ: هاءَنَذا قد جَعَلتُ كَلامي في فَمِكَ. أُنظُرْ، إِنِّي أَقَمتُكَ اليَومَ على الأُمَمِ وعلى المَمالِك، لِتَقلَعَ وتَهدِم، وتُهلِكَ وتَنقُض، وتَبنِيَ وتَغرِس. وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قائلًا: «ماذا أَنتَ ترى يا إِرمِيا؟» فقُلتُ: «إِنِّي راءٍ غُصنَ شَجَرَةٍ ساهِرَة». فقالَ لِيَ الرَّبّ: «قد أَحسَنتَ فيما رَأَيتَ، فإِنِّي أَنا ساهِرٌ على كَلِمَتي لأَصنَعَها». وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ ثانِيَةً قائلًا: «ماذا أَنتَ تَرى؟» فقُلتُ: «إِنِّي أَرى قِدرًا تَغْلي ووَجهُها مِن جِهَةِ الشَّمال». فقالَ لِيَ الرَّبّ: مِنَ الشَّمالِ تَكونُ فاتِحَةُ الشَّرّ، على جَميعِ سُكَّانِ الأَرض، لأَنِّي هاءَنَذا داعٍ، جَميعَ عَشائِرِ مَمالِكِ الشَّمال، يَقولُ الرَّبّ، فيَأتونَ ويَنصِبُ كُلٌّ مِنهم عَرشَه، عِندَ مَدخَلِ أَبوابِ أُورَشَليم، وعلى جَميعِ أَسْوارِها مِن حَولِها، وعلى جَميعِ مُدُنِ يَهوذا. وأَتْلو علَيهم أَحْكامي، على جَميعِ شَرِّهم لأَنَّهم تَرَكوني، وأَحرَقوا البَخورَ لِآلِهَةٍ أُخْرى، وسَجَدوا لِصُنعِ أَيديهم. وأَنتَ فٱشدُدْ حَقْوَيكَ، وقُمْ وكَلِّمْهم بِكُلِّ ما آمُرُكَ بِه. لا تَفزَعْ مِن وُجوهِهم، وإِلاَّ أَفزَعتُكَ أَمامَهم. فإِنِّي هاءَنَذا قد جَعَلتُكَ اليَومَ، مَدينَةً حَصينَةً وعَمودًا مِن حَديد، وأَسْوارًا مِن نُحاس، على كُلِّ الأَرض، على مُلوكِ يَهوذا ورُؤَسائِه، وكَهَنَتِه وشَعبِ الأَرض، فيُحارِبونَكَ ولا يَقوَونَ علَيكَ، لأَنِّي مَعَكَ، يَقولُ الرَّبُّ، لأُنقِذَكَ. وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قائِلًا: إِذهَبْ وٱصرُخْ على مَسامِعِ أُورَشَليمَ قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: قد تَذَكَّرتُ لَكَ مَوَدَّةَ صِباكَ، مَحَبَّةَ خِطبَتِكَ، لَمَّا كُنتَ تَسيرُ وَرائي في البَرِّيَّة، في أَرضٍ لا زَرْعَ بِها. كانَ إِسْرائيلُ قُدسًا لِلرَّبّ، وباكورَةَ غَلَّتِه. كُلُّ الَّذينَ أَكَلوه أَثِموا، وأَتى علَيهِمِ الشَّرُّ، يَقولُ الرَّبّ. إِسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يا بَيتَ يَعْقوب، ويا جَميعَ عَشائِرِ بَيتِ إِسْرائيل. هٰكذا قالَ الرَّبّ: ماذا وَجَدَ فِيَّ آباؤُكم مِنَ الظُّلْم، حتَّى ٱبتَعَدوا عنِّي، وساروا وَراءَ الباطِلِ وصاروا باطِلًا؟ ولم يَقولوا: «أَينَ الرَّبُّ الَّذي أَصعَدَنا مِن أَرضِ مِصْر، وسارَ بِنا في البَرِّيَّة، في أَرضِ قِفارٍ وحُفَر، في أَرضٍ قاحِلَةٍ وظِلالِ مَوت، في أَرضٍ ما جاز فيها إِنْسان، ولا سَكَنَها بَشَر؟» فقَد أَدخَلتُكم أَرضَ جِنان، لِتَأكُلوا ثِمارَها وطَيِّباتِها، لٰكِنَّكم دَخَلتُم ونَجَّستُم أَرْضي، وجَعلتُم ميراثي قَبيحَة. الكَهَنَةُ لم يَقولوا: «أَينَ الرَّبّ؟» وأَصْحابُ الشَّريعَةِ لم يَعرِفوني، والرُّعاةُ عَصَوني والأَنبِياءُ تَنَبَّأوا بِالبَعْل، وساروا وراءَ ما لا فائِدَةَ فيه. فلِذٰلك أَتَّهِمُكم، يَقولُ الرَّبّ، وأَتَّهِمُ بَني بَنيكم. أُعبُروا إِلى جُزُرِ كِتِّيمَ وٱنظُروا، وأَرسِلوا إِلى قيدارَ وتَبَيَّنوا مِن كَثَب، وٱنظُروا هل حَدَثَ مِثْلُ هٰذا، هلِ استَبدَلَت أُمَّةٌ آلِهَتَها، مع أَنَّها لَيسَت بآلِهَة؟ أَمَّا شَعْبي فٱستَبدَلَ مَجدَه، بِما لا فائِدَةَ فيه. تَعَجَّبي أَيَّتُها السَّمَواتُ مِن هٰذا، وٱقشَعِرِّي وٱرتَعِبي جِدًّا، يَقولُ الرَّبّ. فإِنَّ شَعْبي صَنَعَ شَرَّين: تَرَكوني أَنا يَنْبوعَ المِياهِ الحَيَّة، وحَفَروا لأَنفُسِهم آبارًا، آبارًا مُشَقَّقَةً لا تُمسِكُ الماء. أَعَبدٌ إِسرائيلُ أَم هو مَولودُ بَيت؟ ما بالُه صارَ غَنيمة؟ علَيه زَأَرَتِ الأَشْبال وأَطلَقَت أَصْواتَها، وجَعَلَت أَرضَه دَمارًا، ومُدُنُه ٱحتَرَقَت فلا ساكِنَ فيها. وبَنو نوفَ وتحفَنْحيس أَيضًا، حَلَقوا هامَتَكِ. أَلَم تَجلُبي هٰذا علَيكِ، بِأَنَّكِ تَرَكتِ الرَّبَّ إِلٰهَكِ، حينَ كانَ يُسَيِّرُكِ في الطَّريق؟ والآنَ ما لَكِ وطَريقَ مِصْر، لِتَشرَبي مِياهَ شيحور؟ وما لَكِ وطَريقَ أَشُّور، لِتَشرَبي مِياهَ النَّهْر؟ إِنَّ شَرَّكِ يُؤَدِّبُكِ، وٱرتِداداتِكِ تُبَكِّتُكِ، فٱعلَمي وٱنظُري أَنَّ تَركَكِ الرَّبَّ إِلٰهَكِ شَيءٌ سَيِّئٌ ومُرّ، وأَنَّ مَهابَتي لَيسَت فيكِ، يَقولُ السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات. مُنذُ القِدَمِ كَسَرتِ نيرَكِ، وقَطَعتِ رُبُطَكِ وقُلتِ: «لا أَخدُم»، فإِنَّكِ على كُلِّ تَلَّةٍ عالِيَة، وتَحتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْراءَ، ٱضَّجَعتِ زانِيَة. وإِنِّي غَرَستُكِ أَفضَلَ كَرمَة، كُلُّها مِن زَرعٍ أَصيل، فكَيفَ تَحَوَّلتِ لي، إِلى نَباتٍ بَرِّيٍّ وإِلى كَرمَةٍ هَجينة؟ إِنَّكِ وإِنِ ٱغتَسَلتِ بِالنَّطْرون، وأَكثَرتِ مِنَ الأَشْنان، لا تَزالينَ مُلَطَّخَةً بِإِثمِكِ أَمامي، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. كَيفَ تقولينَ: «لم أَتَنَجَّسْ، ولم أَتبَعِ البَعْل؟»، أُنظُري طَريقَكِ في الوادي، إِعرِفي ما صَنَعتِ أَيَّتُها النَّاقَةُ الخَفيفَة، الهائِمَةُ في طُرُقِها، أَتانٌ وَحشِيَّةٌ مُعاوِدَةُ البَرِّيَّة، في شِدَّةِ شَهوَتِها تَستَنشِقُ الرِّيح، فَمَن يَرُدُّ ضَبعَتَها؟ كُلُّ طالِبيها لا يَتعَبون، إِنَّهم يَجِدونَها في شَهْرِها. إِمنَعي رِجلَكِ مِنَ الحَفاء، وحَلقَكِ مِنَ الظَّماء، بل قُلتِ: «كَلاَّ، لا فائِدَةَ في ذٰلك، لأَنِّي أَحبَبتُ الغُرَباء، ووَراءَهُم أَسير». كما يُخْزى السَّارِقُ حينَ يُضبَط، كذٰلك خَزِيَ بَيتُ إِسْرائيل، هم ومُلوكُهم ورُؤَساؤُهم، وكَهَنَتُهم وأَنبِياؤُهم، القائِلونَ لِلخَشَب: «أَنتَ أَبي»، ولِلحَجَر: «أَنتَ وَلَدتَني». إِنَّهم قد وَلَّوني ظُهورَهم لا وُجوهَهم، وفي وَقتِ بَلْواهم يَقولون: «قُمْ وخَلِّصْنا». فأَينَ آلِهَتُكَ الَّذينَ صَنَعْتَهُم لَكَ؟ فلْيَقوموا لَعَلَّهم يُخَلِّصونَكَ في وَقتِ بَلْواكَ، فإِنَّ آلِهَتَكَ يا يَهوذا هم على عَدَدِ مُدُنِكَ. لِمَ تَتَّهِمونَني؟ إِنَّكم جَميعًا عَصَيتُموني، يَقولُ الرَّبّ. باطِلًا ضَرَبتُ أَبْناءَكم، فإِنَّهم لم يَقبَلوا تأديبًا. أَكَلَ سَيفُكم أَنبِياءَكم، كالأَسَدِ المُهلِك. أَيُّها الجيل، أُنظُروا إِلى كَلِمَةِ الرَّبّ، هل كُنتُ قَفرًا لإسْرائيل، أَم أَرضَ ظَلامٍ حالِك؟ فما بالُ شَعْبي قال: «قد شَرَدْنا فلا نَعودُ نَأتي إِلَيكَ؟» أَتَنْسى العَذْراءُ حِليَتَها، والعَروسُ زُنَّارَها؟ أَمَّا شَعْبي فنَسِيَني أَيَّامًا لا تُحْصى. ما أَمهَرَكِ في تَمْهيدِ الطَّريقِ لِطَلَبِ المَحَبَّة، ولِذٰلك حتَّى في الشَّرِّ جَعَلتِ طُرُقَكِ مَعْروفة، وفي أَذْيالِكِ أَيضًا وُجِدَ دَمُ المَساكينِ والأَبرِياء، ولم تَجِديهم يَنقُبون، وفَوقَ كُلِّ ذٰلك قُلتِ: «إِنِّي بريئة فلِذٰلك ٱرتَدَّ عنِّي غَضَبُه». بل هاءَنَذا أُحاكِمُكِ على قَولِكِ: «لم أَخطَأ»، ما أَسرَعَكِ في الذَّهابِ بِتَغييرِكِ طَريقَكِ! إِنَّكِ ستَخزَينَ مِن مِصرَ، كما خَزيتِ مِن أَشُّور. مِن هُناكَ أَيضًا تَخرُجين، ويَداكِ على رَأسِكِ، لأَنَّ الرَّبَّ نَبَذَ ثِقاتِكِ، فلا تَنجَحينَ معَهم. يُقال: إِذا طَلَّقَ الرَّجُلُ ٱمرَأَتَه، فذَهَبَت مِن عِندِه وصارَت لِرَجُلٍ آخَر، فهَل يَرجِعُ إِلَيها مِن بَعدُ؟ أَلا تَتَدَنَّسُ تِلكَ الأَرضُ تَدَنُّسًا؟ وأَنتِ فقَد زَنَيتِ مع أَخِلاَّءَ كَثيرين، أَفَتَرجِعينَ إِلَيَّ، يَقولُ الرَّبّ. إِرفَعي عَينَيكِ إِلى التِّلالِ الجَرْداء، وٱنظُري هل مِن مَكانٍ لم توطَإِي فيه. لقَد قَعَدتِ لَهم على الطُّرُقات، كالأَعْرابِيِّ في البادِيَة، ودَنَّستِ الأَرضَ بِزِناكِ وشَرِّكِ. فٱحتُبِسَ رَذاذُ المَطَر، ولَم يَكُنْ مَطَرُ الرَّبيع، وصارَت جَبَهتُكِ جَبهَةَ ٱمرَأَةٍ زانِيَة، وأَبَيتِ أَن تَستَحْيي. أَلَستِ تَدْعينَني مُنذُ الآن: «يا أَبَتِ، أَنتَ رَفيقُ صِباي؟ هل يَحقِدُ لِلأَبَد، أَو يَحفَظُ الضَّغينةَ على الدَّوام؟» هٰكذا تَكَلَّمتِ، ثُمَّ صَنَعتِ الشَّرَّ ما ٱستَطَعتِ. وقالَ لِيَ الرَّبُّ في أَيَّامِ يوشِيَّا المَلِك: هل رأَيتَ ما فَعَلَتِ المُرتَدَّةُ إِسْرائيل، كَيفَ ذَهَبَت إِلى كُلِّ جَبَلٍ عالٍ وإِلى تَحتِ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْراء وزَنَت هُناك؟ وبَعدَ أَن صَنَعَت ذٰلك كُلَّه قُلتُ في نَفْسي: «تَرجِعُ إِلَيَّ»، فلم تَرجِعْ. فرَأَت ذٰلك أُختُها الغادِرَةُ يَهوذا. لقَد رَأَتْ أَنِّي بِسَبَبِ زِنى المُرتَدَّةِ إِسْرائيلَ قد طَلَّقتُها وأَعطَيتُها كِتابَ طَلاق، فلَم تَخْشَ الغادِرَةُ يَهوذا أُختُها، بل ذَهَبَت وزَنَت هي أَيضًا، وبِجَلَبَةِ زِناها تَدَنَّسَت مع الأَرضِ وزَنَت معَ الحَجَرِ ومعَ الخَشَب. ومع هٰذا كُلِّه، فلَم تَرجِعْ إِلَيَّ أُختُها الغادِرَةُ يَهوذا بِكُلِّ قَلبِها، بل بِالكَذِبِ، يَقولُ الرَّبّ. وقالَ لِيَ الرَّبّ: إِنَّ المُرتَدَّةَ إِسْرائيلَ قد كانَت أَبَرَّ مِنَ الغادِرَةِ يَهوذا. إِذهَبْ فنادِ بِهٰذه الكَلِماتِ جِهَةَ الشَّمالِ وقُلْ: إِرجِعي أَيَّتُها المُرتَدَّةُ إِسْرائيل، يَقولُ الرَّبّ، فلا أَقلِبُ وَجْهي علَيكم، لأَنِّي رَحيمٌ، يَقولُ الرَّبّ، لا أَحقِدُ لِلأَبَد، وإِنَّما ٱعرِفي إِثمَكِ، لأَنَّكِ عَصَيتِ الرَّبَّ إِلٰهَكِ، وشَقَّيتِ طُرُقَكِ لِلغُرَباء، تَحتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْراء، ولم تَسمَعوا لِصَوتي، يَقولُ الرَّبّ. إِرجِعوا أَيُّها البَنونَ المُرتَدُّون، يَقولُ الرَّبّ، فإِنِّي سَيِّدٌ لَكم، فآخُذُكم واحِدًا مِن مَدينَةٍ وٱثنَينِ مِن عَشيرةٍ وآتي بِكم إِلى صِهْيون، وأُعْطيكم رُعاةً على وَفقِ قَلْبي، فيَرعَونَكم بِعِلمٍ وفِطنَة. وحينَ تَكثُرونَ وتَنْمونَ في الأَرضِ في تِلكَ الأَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، لا يَعودونَ يَقولون: «تابوتُ عَهدِ الرَّبّ»، ولا يَخطُرُ لَهم بِبال، ولا يَذكُرونَه ولا يَفتَقِدونَه ولا يُصنَعُ غَيرُه مِن بَعدُ. في ذٰلك الزَّمان، يَدْعونَ أُورَشَليمَ «عَرشَ الرَّبّ»، وتَجتَمِعُ إِلَيها كُلُّ الأُمَمِ بِٱسمِ الرَّبِّ في أُورَشَليم، ولا يَسيرونَ مِن بَعدُ على تَصَلُّبِ قُلوبِهمِ الشِّرِّيرة. في تِلكَ الأَيَّام، يَذهَبُ بَيتُ يَهوذا إِلى بَيتِ إِسْرائيل، ويَأتونَ مَعًا مِن أَرضِ الشَّمالِ إِلى الأَرضِ الَّتي وَرَّثتُها لِآبائِكم. وأَنا قُلتُ في نَفْسي: كَيفَ أَجعَلُكِ بَينَ البَنين، وأُعْطيكِ الأَرضَ الشَّهِيَّةَ، ميراثَ زينَةِ زيناتِ الأُمَم. ثُمَّ قُلتُ في نَفْسي: ولا تَرتَدِّينَ عنِ السَّيرِ وَرائي. تَدْعينَني: «يا أَبَتِ»، لٰكِن كما أَنَّ المَرأَةَ تَغدُرُ بِخَليلِها، كذٰلكَ غَدَرتُم بي، يا بَيتَ إِسْرائيل، يَقولُ الرَّبّ. صَوتٌ سُمِعَ في الرَّوابيَ الجَرْداء، بُكاءٌ وتَضَرُّعٌ مِن بَني إِسْرائيل، لأَنَّهم عَوَّجوا طَريقَهم، ونَسوا الرَّبَّ إِلٰهَهم. إِرجِعوا أَيُّها البَنونَ المُرتَدُّون، فأَشفِيَ ٱرتِداداتِكم. ها نَحنُ نَأتي إِلَيكَ، لأَنَّكَ أَنتَ الرَّبُّ إِلٰهُنا. إِنَّما الَّذي مِنَ التِّلالِ زور، ومِنَ الجِبالِ ضَجيج، وإِنَّما خَلاصُ إِسْرائيلَ في الرَّبِّ إِلٰهِنا. مُنذ صِبانا أَكَلَ الخِزيُ تَعَبَ آبائِنا، غَنَمَهم وبَقَرَهم وبَنيهم وبَناتِهم. لِنَضَّجِعْ في خِزيِنا ولْيُغَطِّنا خَجَلُنا، لأَنَّنا خَطِئنا إِلى الرَّبِّ إِلٰهِنا، نَحنُ وآباؤُنا مِن صِبانا إِلى يَومِنا هٰذا، ولم نَسمَعْ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِنا. إن رَجَعتَ، يا إِسْرائيل، يَقولُ الرَّبّ، إِن رَجَعتَ إِلَيَّ، ونَزعتَ أَقْذارَكَ مِن أَمامِ وَجْهي، ولم تَشرُدْ، وكانَ حَلفُكَ - حَيٌّ الرَّبّ - بِالحَقِّ والحُكمِ والبِرّ، تَبارَكَتِ الأُمَمُ بِه وبِه ٱفتَخَرَت. لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبُّ، لِرِجالِ يَهوذا ولأُورَشَليم: إِحرِثوا لَكم بورًا، ولا تَزرَعوا بَينَ الشَّوك. إِختَتِنوا لِلرَّبِّ وأَزيلوا قُلَفَ قُلوبِكم، يا رِجالَ يَهوذا وسُكَّانَ أُورَشَليم، لِئَلاَّ يَخرُجَ غَضَبي كالنَّار، فيُحرِقُ ولَيسَ مِن مُطْفِئ، بِسَبَبِ شَرِّ أَعْمالِكم. أَخبِروا في يَهوذا وأَسمِعوا في أُورَشَليم، تَكَلَّموا وٱنفُخوا في البوقِ في الأَرض. نادوا بِمِلءِ أَفْواهِكم وقولوا: إِجتَمِعوا فنَدخُلَ إِلى المُدُنِ الحَصينة. إِرفَعوا الرَّايَةَ نَحوَ صِهْيون، أُهرُبوا ولا تَقِفوا، فإِنِّي جالِبٌ شَرًّا مِنَ الشَّمال، وتَحْطيمًا شَديدًا. طَلَعَ الأَسَدُ مِن دَغلِه، ومُهلِكُ الأُمَمِ زَحَفَ وخَرَجَ مِن مَكانِه، لِيَجعَلَ أَرضَكَ دَمارًا، فتُخرَبُ مُدُنُكَ وتَبْقى مِن غَيرِ ساكِن. لِذٰلك تَحَزَّموا بِالمُسوح، ونوحوا ووَلوِلوا، فإِنَّ ٱضطِرامَ غَضَبِ الرَّبِّ، لم يَنصَرِفْ عنَّا. في ذٰلك اليَومِ، يَقولُ الرَّبّ، يَضعُفُ قَلبُ المَلِكِ وقُلوبُ الرُّؤَساء، ويَتَعَجَّبُ الكَهَنَةُ ويُبهَتُ الأَنبِياء. فقُلتُ: «آهِ، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، لقَد خَدَعتَ هٰذا الشَّعبَ وأُورَشَليمَ خِداعًا، قائلًا: سيَكونُ لَكم سَلام، وها إِنَّ السَّيفَ قد بَلَغَ الحَلْق»، في ذٰلك الزَّمان. يُقالُ لِهذا الشَّعْبِ ولأُورَشَليم: رِيحٌ لافِحَةٌ مِن التِّلالِ الجَرْداءِ في البَرِّيَّة، نَحوَ بِنتِ شَعْبي، لا لِلتَّذرِيَةِ ولا لِلتَّنقِيَة. ريحٌ عاصِفَةٌ تَهُبُّ لي، وحينَئِذٍ أَلفُظُ أَنا أَيضًا أَحْكامي علَيهم. ها إِنَّه يَصعَدُ كغَمام، ومَركَباتُه كالزَّوبَعة، وخَيلُه أَخَفُّ مِن العُقْبان. وَيلٌ لَنا، فلَقد دُمِّرْنا. إِغسِلي مِنَ الشَّرِّ قَلبَكِ، يا أُورَشَليمُ لِكَي تَخلُصي. إِلى مَتى تَبيتُ في داخِلِكِ، أَفكارُكِ الأَثيمة؟ صَوتُ مُخبِرٍ مِن دان، ومُسمِعٍ بِالبَلْوى مِن جَبَلِ أَفْرائيم. ذَكِّروا الأُمَمَ وأَسمِعوا في أُورَشَليم: حُرَّاسٌ يُقبِلونَ مِن أَرضٍ بَعيدة، وقد أَطلَقوا أَصْواتَهم على مُدُنِ يَهوذا. أَحاطوا بِها كنَواطيرَ الحُقول، لأَنَّها تَمَرَّدَت علَيَّ، يَقولُ الرَّبّ. سلُوكُكِ وأَعْمالُكِ جَرَّت علَيكِ ذٰلك، هٰذا شَرُّكِ وهو مرّ، وقد أَصابَكِ في قَلبِكِ. وا أَحْشائي، وا أَحْشائي، إِنِّي أَتَوَجَّع، وا جُدْرانَ قَلْبي، إِنَّ قَلْبي يَجيشُ فِيَّ فلا أَسكُت! لأَنَّ نَفْسي قد سَمِعَت صَوتَ البوقِ وهُتافَ القِتال. قد نادوا بِتَحْطيمٍ على تَحْطيم، لأَنَّ الأَرضَ كُلَّها دُمِّرَت. دُمِّرَت خِيامي بَغتَةً وجُلودي في لَحظَة. إِلى مَتى أَرى الرَّايَة وأَسمَعُ صَوتَ البوق. إِنَّ شَعْبي غَبِيّ، وهم لا يَعرِفونَني، إِنَّما هم حَمْقى لا فَهمَ لهم، هم ماهِرونَ بِالشَّرِّ ولا دِرايَةَ لَهم لِلخَير. نَظَرتُ إِلى الأَرضِ فإِذا هي خاوِيَةٌ خالِيَة، وإِلى السَّمٰواتِ فلَم يَكُنْ فيها مِن نور. نَظَرتُ إِلى الجِبالِ فإِذا هي تَرتَجِف، وجَميعُ التِّلالِ تَتَزَعزَع. نَظَرتُ فلم يَكُنْ إِنْسان، وكُلُّ طُيورِ السَّماءِ قدِ ٱنهَزَمَت. نَظَرتُ فإِذا بالجَنَّةِ قد صارَت بَرِّيَّة، وجَميعُ مُدُنِها هُدِمَت مِن وَجهِ الرَّبّ، مِن وَجهِ ٱضطِرامِ غَضبِه. فإِنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: ستُدَمَّرُ الأَرضُ كُلُّها، لٰكِنِّي لا أُفْنيها. فلِذٰلك تَنوحُ الأَرضُ، وتُظلِمُ السَّمٰواتُ مِن فَوق، لأَنِّي قد تَكَلَّمتُ وعَزَمتُ، فلا أَندَمُ ولا أَرجِعُ عنه. من صَوتِ الفارِسِ والرَّامي بِالقَوسِ، فَرَّت جَميعُ المُدُن، وأَتَوا إِلى المَغاوِر، وتَوَغَّلوا في الأَدْغال. كُلُّ مَدينَةٍ مَهْجورة، لا يَسكُنُها إِنْسان، وأَنتِ، أَيَّتُها المُدَمَّرة، ماذا تَصنَعين؟ حتَّى لو لَبِستِ القِرمِز، وتَحَلَّيتِ بِحُلِيِّ الذَّهَب، ووَسَّعتِ بِالكُحلِ عَينَيكِ، فباطِلًا تَتَجَمَّلين. العُشَّاقُ رَذَلوكِ، إِنَّما يَطلُبونَ نَفسَكِ. قد سَمِعتُ صَوتًا كصَوتِ الماخِض، وصَوتًا مِثلَ شِدَّةِ الَّتي تَلِدُ بِكرَها، صَوتَ بِنتِ صِهْيونَ تَنتَحِب، وتَبسُطُ كَفَّيها وَيلٌ لي، أَعيَت نَفْسي أَمامَ القاتِلين. طوفوا في شَوارِعِ أُورَشَليم، وٱنظُروا وأَدرِكوا وفَتِّشوا في ساحاتِها، هل تَجِدونَ إِنسانًا، هل يوجَدُ مَن يَعمَلُ لِلْحَقّ، ويَطلُبُ الأَمانَةَ فأَغْفِرَ لَها، فإِنَّهم، وإِن قالوا: «حَيٌّ الرَّبّ»، إِنَّما يَحلِفونَ زورًا. أَيُّها الرَّبُّ، أَلَيسَت عَيناكَ على الأَمانة؟ قد ضَرَبتَهم فلَم يَشعُروا. أَفنَيتَهم فأَبَوا أَن يَقبَلوا التَّأديب، وصَلَّبوا وُجوهَهم أَكثَرَ مِن الصَّخر، وأَبَوا أَن يَتوبوا. فقُلتُ في نَفْسي: «إِنَّهم مَساكينُ حَمْقى، يَجهَلونَ طَريقَ الرَّبِّ وحَقَّ إِلٰهِنا، فأَذهَبُ إِلى العُظَماءِ وأُكَلِّمُهم، لأَنَّهم يَعرِفونَ طَريقَ الرَّبِّ وحَقَّ إِلٰهِنا». فإِذا هٰؤُلاءِ جَميعًا قد كَسَروا النِّير، وقَطَعوا الرُّبُط. فلِذٰلك يَضرِبُهم أَسَدُ الغاب، ويُدَمِّرُهم ذِئبُ القِفار، ويَسهَرُ النَّمِرُ حَولَ مُدُنِهم، فكُلُّ مَن خَرَجَ مِنها يُفتَرَس، لأَنَّ معاصِيَهم قد تَكاثَرَت، وٱرتِداداتِهم قد تَعاظَمَت. كَيفَ أَغفِرُ لَكِ وقد تَرَكَني بَنوكِ، وحَلَفوا بِما لَيسَ إِلٰهًا، وحينَ أَشبَعتُهم فَسَقوا، وإِلى بَيتِ الزَّانِيَةِ تَهافَتوا. صاروا أَحصِنَةً مُعَلَّفةً هائمة، كُلٌّ يَصهَلُ على ٱمرَأَةِ قَريبِه. أَفلا أُعاقِبُ على هٰذه، يَقولُ الرَّبّ، ولا تَنتَقِمُ نَفْسي مِن أُمَّةٍ مِثلِ هٰذه؟ إِصعَدوا على سُطوحِها ودَمِّروا، ولٰكِن لا تُفْنوا. إِنتَزِعوا أَغْصانَها، فإِنَّها لَيسَت لِلرَّبّ، فقَد غَدَرَ بي غَدرًا بَيتُ إِسْرائيل، وبَيتُ يَهوذا، يَقولُ الرَّبّ. جَحَدوا الرَّبَّ وقالوا: «لا وُجودَ لَه، فلا يَنزِلُ بِنا شَرّ ولا نَرى سَيفًا ولا جوعًا. والأَنبِياءُ إِنَّما هم ريح، والكَلِمَةُ لَيست فيهم، فَليَكُنْ ذٰلك نَصيبَهم». لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّات: بِما أَنَّكم تَكَلَّمتُم بِهٰذا الكَلام، فهاءَنَذا أَجعَلُ كَلِماتي في فَمِكَ نارًا، وهٰذا الشَّعبَ حَطَبًا فتَلتَهِمُه، هاءَنَذا أَجلُبُ علَيكم أُمَّةً مِن بَعيد، يا بَيتَ إِسْرائيل، يَقولُ الرَّبّ، أُمَّةً قَوِيَّةً أُمَّةً قَديمة، أُمَّةً لَستَ تَعرِفُ لِسانَها، ولا تَفهَمُ ما تَتَكَلَّمُ بِه. جَعبَتُها مِثلَ قَبرٍ مَفْتوح، كُلُّهم أَبطال. فيَأكُلونَ حِصادَكَ وخُبزَكَ، ويَأكُلونَ أَبْناءَكَ وبَناتِكَ، ويَأكُلونَ غَنَمَكَ وبَقَرَكَ، ويَأكُلونَ كَرمَكَ وتينَكَ، ويُدَمِّرونَ بِالسَّيفِ مُدُنَكَ الحَصينةَ، الَّتي أَنتَ مُتَوَكِّلٌ علَيها. ولٰكِن في تِلكَ الأَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، لا أُفْنيكم. وإِذا قُلتُم: «لماذا صَنَعَ الرَّبُّ إِلٰهُنا بِنا هٰذه كُلَّها»، تَقولُ لَهم: «كما أَنَّكم تَرَكتُموني وعَبَدتُم آلِهَةً غَريبَةً في أَرضِكم، كذٰلك تُستَعبَدونَ لِلغُرَباءِ في أَرضٍ لَيسَت لَكم». أَخبِروا بِهٰذا في بَيتِ يَعْقوب، وأَسمِعوا بِه في يَهوذا قائلين: إِسمَعوا هٰذا أَيُّها الأَغبِياء، الشَّعبُ الفاقِدُ اللُّبّ، الَّذي لَه عُيونٌ ولا يُبصِر، ولَه آذانٌ ولا يَسمَع. أَلا تَخشَونَني، يَقولُ الرَّبّ؟ أَلا تَرتَعِدونَ مِن وَجْهي، وقد جَعَلتُ الرَّملَ حَدًّا لِلبَحْر، حاجِزًا أَبَدِيًّا لا يَتَعَدَّاه، فأَمواجُه تَلتَطِمُ ولا طاقَةَ لَها، تَهدِرُ ولا تَتَعَدَّاه. لٰكِنَّ هٰذا الشَّعبَ لَه قَلبٌ عاصٍ مُتَمَرِّد، فٱبتَعَدوا ومَضَوا ولم يَقولوا في قُلوبِهم: لِنَخْشَ الرَّبَّ إِلٰهَنا الَّذي يَمنَحُ مَطَرَ الخَريف ومَطَرَ الرَّبيعِ في حينِه، ويَحفَظُ لَنا أَسابيعَ الحِصادِ المَوقوتة. آثامُكم عَكَّرَت هٰذه الأُمور، وخَطاياكم مَنَعَتِ الخَيرَ عنكم. لأَنَّه قد وُجِدَ بَينَ شَعْبي أَشْرار، يَرصُدونَ وهُم لاطِئونَ كالصَّيَّادين، قد نَصَبوا الفَخَّ فيَقتَنِصونَ النَّاس. كالقَفَصِ المَمْلوءِ طُيورًا، كذٰلك ٱمتَلأَت بُيوتُهم مِنَ الخِداع، فلِذٰلك عَظُموا وٱغتَنَوا. إِنَّهم سِمانٌ بَرَّاقون، وهم يَتَعَدَّونَ حُدودَ الشَّرّ، ولا يُنصِفونَ الحقَّ، حَقَّ اليَتيم، وينَجَحونَ ولا يُجرونَ حُكمَ المَساكين. أَعلى هٰذه لا أُعاقِبُ، يَقولُ الرَّبّ، ومِن أُمَّةٍ مِثلِ هٰذه لا تَنتَقِمُ نَفْسي؟ قد حَدَثَ في الأَرضِ أَمرٌ مُدهِشٌ فَظيع. الأَنبِياءُ يَتَنَبَّأُونَ زورًا، والكَهَنَةُ يَتَسَلَّطونَ على هَواهم، وشَعْبي يُحِبُّ مِثلَ هٰذه الأُمور، فماذا تَصنَعونَ في النِّهاية؟ أُهرُبوا يا بَني بَنْيامين مِن داخِلِ أُورَشَليم، وٱنفُخوا في البوقِ في تَقوَع، وٱنصِبوا عَلامَةً في بَيتِ الكَرْم، فإِنَّه قد أَشرَقَ مِن الشَّمال شَرٌّ وتَحْطيمٌ عَظيم. هاءَنَذا أُدَمِّرُ الجَميلة، المُترَفَةَ بِنْتَ صِهْيون، فيَأتي إِلَيها الرُّعاةُ بِقُطْعانِهم، ويَضرِبونَ خِيامَهم علَيها مِن حَولِها، ويَرعَونَ كُلُّ واحِدٍ في مَكانِه. أَعلِنوا علَيها حَربًا مُقَدَّسة، قوموا نَصعَدْ عِندَ الظَّهيرَة. ويلٌ لَنا فإِنَّ النَّهارَ قد مال، وظِلالَ المَساءِ قدِ ٱمتَدَّت. قوموا نَصعَدْ في اللَّيل، ونَهدِمْ قُصورَها، فإِنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، اقطَعوا خَشَبًا وٱركُموا على أُورَشَليمَ مَرْدومًا. هٰذه هي المَدينةُ الَّتي ستُفتَقَد، الَّتي لَيسَ فيها إِلاَّ ظُلْم، كما أَنَّ البِئرَ تُنبِعُ مِياهَها، فكذٰلك هي تُنبِعُ شَرَّها. فيها يُسمَعُ بِالعُنفِ والنَّهْب، وأَمامي كُلَّ حينٍ مَرَضٌ وضَربَة. تأَدَّبي يا أُورَشَليم، لِئَلاَّ تَتَحَوَّلَ عَنكِ نَفْسي، لِئَلاَّ أَجعَلَكِ دَمارًا، أَرضًا لا تُسكَن. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: لِيُعَفِّروا بَقِيَّةَ إِسْرائيلَ تَعْفيرَ الكَرمَة. رُدَّ يَدَكَ كالقاطِفِ إِلى الأَغصان، مَن ذا أُكَلِّم، ومَن أُشهِدُ علَيه فيَسمَعوا، ها إِنَّ آذانَهم غُلْفٌ، فلا يَستَطيعونَ الإِصْغاء، ها إِنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صارَت لَهم عارًا لا يَهوَونَها. فٱمتَلأتُ مِن سُخطِ الرَّبّ، فأَرهَقَني ٱحتِمالُه. صُبَّه على أَطْفالِ الشَّوارِع، وعلى مَجلِسِ الشُّبَّانِ جَميعًا، لأَنَّه يُؤخَذُ الرَّجُلُ مع المَرأَة، والشَّيخُ الَّذي سيَشبَعُ مِنَ الأَيَّام، وتَصيرُ بُيوتُهم لِآخَرين، وكذٰلك الحُقولُ والنِّساءُ جَميعًا، لأَنِّي أَمُدُّ يَدي على سُكَّانِ الأَرض، يَقولُ الرَّبّ، لأَنَّهم مِن صَغيرِهم إِلى كَبيرِهم يَطمَعونَ جَميعًا في المَكاسِب، مِنَ النَّبيِّ وحَتَّى الكاهِن يَأتونَ الكَذِبَ جَميعًا، ويُداوونَ كَسرَ شَعْبي بِٱستِخْفاف، قائلين: «سَلامٌ سلام» ولا سَلام. هل خَزوا لأَنَّهمُ ٱقتَرَفوا القَبيحة، بل لم يَخزَوا خِزيًا ولم يَعرِفوا الخَجَل، فلِذٰلك سيَسقُطونَ مع السَّاقِطين، وعِندَ ٱفتِقادي يَعثُرون، قالَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: قِفوا في الطُّرُقِ وٱنظُروا، وٱسأَلوا عنِ المَسالِكِ القَويمة، ما هو الطَّريقُ الصَّالِحُ وسيروا فيه، فتَجِدوا راحةً لِنُفوسِكم، فقالوا: «لا نسير». أَقَمتُ علَيكم رُقَباءَ: «أَصْغوا إِلى صَوتِ البوق»، فقالوا: «لا نُصْغي». لِذٰلك ٱسمَعي أَيَّتُها الأُمَم، وٱعلَمي أَيَّتُها الجَماعةُ ماذا يُصيبُهم. إِسمَعي أَيَّتُها الأَرض، هاءَنَذا أَجلُبُ شَرًّا على هٰذا الشَّعْب، ثَمَرَةَ أَفْكارِهم، لأَنَّهم لم يُصْغوا إِلى كَلامي، وٱزدَرَوا شَريعَتي. ما لي والبَخورُ الآتي مِن شبأ، وقَصَبُ الأَطْيابِ مِن أَرضٍ بَعيدة؟ إِنَّ مُحرِقاتِكم غَيرُ مَرضِيَّة، وذَبائِحَكم لا تَلَذُّ لي. فلِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أَجعَلُ لِهٰذا الشَّعبِ مَعاثِر، فيَعثُرُ بِها الآباءُ والبَنونَ جَميعًا، ويَهلِكُ بِها الجارُ وصَديقُه. هٰكذا قالَ الرَّبّ: هُوَذا شَعبٌ مُقبِلٌ مِن أَرضِ الشَّمال، وأُمَّةٌ عَظيمةٌ ناهِضَةٌ مِن أَقاصي الأَرض، قابِضونَ على القَوسِ والحَربَة، قُساةٌ لا يَرحَمون، صَوتُهم كهَديرِ البَحر، وعلى الخُيولِ راكِبونَ مُصطَفُّون، كرَجُلٍ واحِدٍ لِلمَعرَكَة، ضِدَّكِ يا بِنتَ صِهْيون. بَلَغَنا خَبَرُهم، ٱستَرخَت أَيدينا، أَخَذَنا ضيقٌ، مَخاضٌ كالَّتي تَلِد. لا تَخرُجوا إِلى الحُقول، ولا تسيروا في الطَّريق، فإِنَّ سَيفَ العَدُوِّ هَولٌ مِن كُلِّ جِهَة. يا بِنتَ شَعْبي شُدِّي المِسْحَ، وتَمَرَّغي في الرَّماد. أَقيمي مَناحَةَ وَحيدٍ، نَحيبًا مُرًّا، لأَنَّ المُدَمِّرَ يَحِلُّ بِنا بَغتَةً، جَعَلتُكَ مُمتَحِنًا، أَنتَ الحِصْن، فتَعلَمُ وتَمتَحِنُ طَريقَهم، كُلُّهم عُصاةٌ مُتَمَرِّدون، ساعونَ بِالنَّميمة. إِنَّما هم نُحاسٌ وحَديد، كُلُّهم مُفسِدون. المِنفاخُ يَنفُخ، والرَّصاصُ بِالنَّارِ يَفْنى، وباطِلًا يُمَحَّصون، فالخَبَثُ لا يُفرَز. يُدعَونَ فِضَّةً مَنْبوذة، لأَنَّ الرَّبَّ نَبَذَهم. الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرِميا مِن عِندِ الرَّبِّ قائلًا: قِفْ بِبابِ بَيتِ الرَّبّ، ونادِ هُناكَ بِهٰذا الكَلامِ، فتَقول: إِسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يا جَميعَ بَني يَهوذا الدَّاخِلينَ في هٰذه الأَبوابِ لِيَسجُدوا لِلرَّبّ: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: أَصلِحوا طُرُقَكم وأَعْمالَكم، فأُسكِنَكم في هٰذا المَكان. لا تَتَّكِلوا على قَولِ الكَذِبِ قائلين: «هٰذا هَيكَلُ الرَّبِّ، هَيكَلُ الرَّبِّ، هَيكَلُ الرَّبّ». فإِنَّكم إِن أَصلَحتُم طُرُقَكم وأَعْمالَكم وأَجرَيتُمُ الحُكمَ بَينَ الإِنسانِ وقَريبِه، إِن لم تَظلِموا النَّزيلَ واليَتيمَ والأَرمَلَة، ولم تَسفِكوا الدَّمَ البَريءَ في هٰذا المَكان، ولم تَسيروا وَراءَ آلِهَةٍ أُخْرى لِشَرِّكم، فإِنِّي أُسكِنُكم في هٰذا المَكان، في الأَرضِ الَّتي أَعطَيتُها لِآبائِكم مِنَ الأَزلِ إِلى الأَبَد. ها إِنَّكم تَتَّكِلونَ على كَلامِ الكَذِبِ الَّذي لا فائِدَةَ فيه. أَتَسرِقونَ وتَقتُلونَ وتَزْنونَ وتَحلِفونَ بِالزُّورِ وتُحرِقونَ البَخورَ لِلبَعلِ وتَسيرونَ وَراءَ آلِهَةٍ أُخْرى لم تَعرِفوها، ثُمَّ تَأتونَ وتَقِفونَ أَمامي في هٰذا البَيتِ الَّذي دُعِيَ بِٱسْمي، وتَقولون: «إِنَّنا مُنقَذون!» حتَّى تَصنَعوا جَميعَ تِلكَ القَبائح؟ أَفصارَ هٰذا البَيتُ الَّذي دُعِيَ بِٱسْمي مَغارةَ لُصوصٍ أَمامَ عُيونِكم؟ بل هٰذا ما رَأَيتُ أَنا، يَقولُ الرَّبّ. ولٰكِنِ ٱذهَبوا إِلى مَكانِيَ الَّذي في شيلُوَ، الَّذي أَسكَنتُ ٱسْمي فيه أَوَّلًا، وٱنظُروا ما صَنَعتُ بِه بِسَبَبِ شَرِّ شَعْبي إِسْرائيل. والآن، بِما أَنَّكم عَمِلتُم هٰذه الأَعْمال، يَقولُ الرَّبّ، وقد كَلَّمتُكم بِلا مَلَلٍ ولم تَسمَعوا، ودَعَوتُكم ولم تُجيبوا. فسأَصنَعُ بِهٰذا البَيتِ الَّذي دُعِيَ بِٱسْمي والَّذي أَنتُم مُتَّكِلونَ علَيه، وبِالمَكانِ الَّذي أَعطَيتُه لَكم ولِآبائِكم كما صَنَعتُ بِشيلو، وأَنبِذُكم عن وَجْهي كما نَبَذتُ جَميعَ إِخوَتِكم، كُلَّ ذُرِّيَّةِ أَفْرائيم. وأَنتَ فلا تُصَلِّ لأَجلِ هٰذا الشَّعب، ولا تَرفَعْ صُراخًا ولا صَلاةً لأَجلِهِم، ولا تَشفَعْ إِلَيَّ فإِنِّي لا أَسمَعُ لَكَ. أَلا تَرى ماذا يَصنَعونَ في مُدُنِ يَهوذا وفي شَوارِعِ أُورَشَليم؟ البَنونَ يَلتَقِطونَ الحَطَب، والآباءُ يُوقِدونَ النَّار، والنِّساءُ يَعجِنَّ الدَّقيق، لِيَصنَعوا أَقْراصًا لِمَلِكَةِ السَّماء، ويَسكُبوا سُكُبًا لِآلِهَةٍ أُخْرى، لِكَي يُسخِطوني. أَتُراهم يُسخِطونَني أَنا، يَقولُ الرَّبّ؟ أَلَيسوا يُسخِطونَ أَنفُسَهم لِخِزْيِ وُجوهِهم؟ فلِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هُوَذا غَضَبي وسُخْطي يَنصَبُّ على هٰذا المَكان، على البَشَرِ وعلى البَهائم، على شَجَرِ الحُقولِ وعلى ثَمَرِ الأَرض، فيَتَّقِدُ ولا يُطفَأ. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: أَضيفوا مُحرَقاتِكم إِلى ذَبائِحِكم، وكُلوا لَحمَها، فإِنِّي لم أُكَلِّمْ آباءَكم ولم آمُرْهم يَومَ أَخرَجتُهم مِن أَرضِ مِصرَ في شَأنِ مُحرَقَةٍ ولا ذَبيحَة، وإِنَّما أَمَرتُهم بِهٰذا الأَمرِ قائلًا: إِسمَعوا لِصَوتي فأَكونَ لَكم إِلٰهًا وتَكونوا لي شَعْبًا، وسيروا في كُلِّ طَريقٍ أَمَرتُكم بِه، لِكَي يَكونَ لَكم خَير. فلَم يَسمَعوا ولم يُميلوا آذانَهم، بل ساروا على مَشوراتِهم، في تَصَلُّبِ قُلوبِهِمِ الشِّرِّيرة، وٱتَّجَهوا إِلى الوَراءِ، لا إِلى الأَمام. مِن يَومَ خَرَجَ آباؤُكم مِن أَرضِ مِصرَ إِلى هٰذا اليَوم، ما زِلتُ أُرِسلُ إِلَيكُم جَميعَ عبيدِيَ الأَنبِياءِ بِلا مَلَل، فلَم يَسمَعوا لي ولم يُميلوا آذانَهم، بل صلَّبوا رِقابَهم، وزادوا في عَمَلِ الشَّرِّ على آبائِهم. فتُكَلِّمُهم بِهٰذه الكَلِماتِ كُلِّها فلا يَسمَعونَ لَكَ، وتَدْعوهم فلا يُجيبونَكَ. فتَقولُ لَهم: هٰذه هي الأُمَّةُ الَّتي لم تَسمَعْ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهها ولَم تَقبَلِ التَّأديب. قد ذَهَبَت عَنهُمُ الأَمانَةُ وٱنقَطَعَت عن أَفْواهِهم. جُزِّي شَعَرَ نَذرِكِ وٱرْمي بِه، وأَنشِدي رِثاءً على الرَّوابِيَ الجَرْداء، لأَنَّ الرَّبَّ قد نَبَذَ ورَفَضَ جيلَ غَضَبِه. لأَنَّ بَني يَهوذا قد صَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيَّ، يَقولُ الرَّبّ. جَعَلوا أَقْذارَهم في البَيتِ الَّذي دُعِيَ بِٱسْمي ليُنَجِّسوه، وبَنَوا مَشارِفَ توفَتَ الَّتي بِوادي ٱبنِ هِنُّوم، لِيُحرِقوا بَنيهم وبَناتِهم بِالنَّار، وهو ما لم آمُرْ بِه ولم يَخطُرْ بِبالي. لِذٰلك ها إِنَّها تأتي أَيَّامٌ، يَقولُ الرَّبّ، لا يُقالُ فيها توفَتُ ولا وادي ٱبنِ هِنُّوم، بل وادي القَتْل، ويَدفِنونَ في توفَتَ لِعَدَمِ تَوَفُّرِ المَكان، وتَصيرُ جُثَثُ هٰذا الشَّعبِ مأكَلًا لِطُيورِ السَّماءِ ولِبهائِم الأَرض، ولَيسَ مَن يُفزِعُها. وأُبطِلُ مِن مُدُنِ يَهوذا ومِن شَوارِعِ أُورَشَليمَ صَوتَ الطَّرَبِ وصَوتَ الفَرَح، صَوتَ العَريسِ وصَوتَ العَروس، لأَنَّ الأَرضَ تَصيرُ خَرابًا. في ذٰلك الزَّمان، يَقولُ الرَّبّ، يُخرِجونَ عِظامَ مُلوكِ يَهوذا وعِظامَ رُؤَسائِه وعِظامَ الكَهَنَةِ وعِظامَ الأَنبِياءِ وعِظامَ سُكَّانِ أُورَشَليمَ مِن قُبورِهم، ويَنشُرونَها تُجاهَ الشَّمسِ والقَمَرِ وكُلِّ قُوَّاتِ السَّماءِ الَّتي أَحَبُّوها وعَبَدوها وساروا وَراءَها وٱلتَمَسوها وسَجَدوا لَها، فلا تُجمَعُ ولا تُدفَن، وتَكونُ زِبلًا على وَجهِ الأَرض. ويُفَضَّلُ المَوتُ على الحَياةِ عِندَ جَميعِ البَقِيَّة، الباقينَ مِن هٰذه العَشيرةِ الشِّرِّيرة، الباقينَ في جَميعِ الأَماكِنِ الَّتي طَرَدتُهم إِلَيها، يَقولُ رَبُّ القُوَّات. وتَقولُ لَهم: هٰكذا قالَ الرَّبّ: أَيَسقُطونَ فلا يَنهَضون، ويَرتَدُّونَ فلا يَتوبون؟ ما بالُ هٰذا الشَّعبِ، ما بالُ أُورَشَليمَ قد تَمادَت في ٱرتِدادِها؟ إِنَّهم تَمَسَّكوا بِالمَكْرِ وأَبَوا أَن يَتوبوا. إِنِّي أَصغَيتُ وٱستَمَعتُ، فإِذا هم يَتَكَلَّمون بِما لا يَليق، ولَيسَ مَن يَندَمُ على شَرِّه قائلًا: «ماذا صَنَعتُ؟» بل كُلُّ واحِدٍ يَعودُ إِلى مَسْعاه، كفَرَسٍ يَندَفِعُ في القِتال. اللَّقلَقُ في السَّماءِ يَعرِفُ مَواقيتَه، واليَمامَةُ والخُطَّافُ والكُركِيُّ تُراعي وَقتَ مجيئِها، أَمَّا شَعْبي فلا يَعرِفُ حُكمَ الرَّبّ. كَيفَ تقولون: «نَحنُ حُكَماء وشَريعَةُ الرَّبِّ مَعنا؟» إِنَّ قَلَمَ الكَتَبَةِ الكاذِبَ حَوَّلَها إِلى الكَذِب. سيَخْزى الحُكَماءُ ويَفزَعون ويُؤخَذون. ها إِنَّهم نَبَذوا كَلِمَةَ الرَّبّ، فأَيَّةُ حِكمَةٍ لَهم؟ لِذٰلك أُعْطي نِساءَهم لِآخَرين، وحُقولَهم لِلوارِثين لأَنَّهم مِن صَغيرِهم إِلى كَبيرِهم، يَطمَعونَ جَميعًا في المَكاسِب، مِنَ النَّبِيِّ وحَتَّى إلى الكاهِن، يَأتونَ الكَذِبَ جَميعًا، ويُداوونَ كَسرَ بِنتِ شَعْبي بِٱستِخْفاف، قائلين: «سَلامٌ سلام»، ولا سَلام. هل خَزوا لأَنَّهمُ ٱقتَرَفوا القَبيحة؟ بل لم يَخزَوا خِزيًا ولم يَعرِفوا الخَجَل، فلِذٰلك سيَسقُطونَ مع السَّاقِطين، وعِندَ ٱفتِقادي يَعثُرون، قالَ الرَّبّ. سأُبيدُهم إِبادةً، يَقولُ الرَّبّ، لا عِنَبَ في الكَرمَةِ ولا تينَ في التِّينة. والوَرَقُ قد ذَوى، وأَجعَلُ علَيهم مَن يَدوسُهم. لِماذا تَبْقى بِلا حِراك؟ تَجَمَّعوا، فنَدخُلَ المُدُنَ الحَصينَة ونَظَلَّ ساكِتينَ هُناكَ، فإِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَنا قد أَسكَتَنا، وسَقانا ماءَ سُمٍّ، لأَنَّنا خَطِئنا إِلى الرَّبّ. إِنتَظَرنا السَّلامَ فلم يَكُنْ خَير، وأَوانَ الشِّفاءِ فإِذا الرُّعْب، مِن دانَ سُمِعَ نَخيرُ خَيلِه، ومِن صَوتِ صَهيلِ جِيادِه اِرتَجَفَتْ كُلُّ الأَرض، فقَدِموا وٱلتَهَموا الأَرضَ ومِلْأَها، المَدينَةَ وسُكَّانَها. هاءَنَذا أَبعَثُ فيكم حَيَّاتٍ أَراقِم، لا تُرْقى فتَلدَغُكم، يَقولُ الرَّبّ. لا دَواءَ لِحَسرَتي، فإِنَّ قَلْبي فِيَّ سَقيم. هُوَذا صَوتُ ٱستِغاثَةِ بِنتِ شَعْبي، مِن أَرضٍ بَعيدة. أَلَيسَ الرَّبُّ في صِهْيون؟ أَلَيسَ مَلِكُها فيها؟ (لِماذا أَسخَطوني بِمَنْحوتاتِهم وبِأَباطيلِ الغَريب؟) مَضى الحِصادُ وٱنْقَضى الصَّيف، ونَحنُ لم نَخلُصْ. على كَسْرِ بِنتِ شَعْبي ٱنكَسَرتُ، وغُمِمتُ وأَخَذَني الدَّهَش. أَلَيسَ مِن بَلَسانٍ في جِلْعاد، أَولَيسَ مِن طَبيبٍ هُناك؟ فلِماذا لا يَلتَئِمُ جُرحُ بِنتِ شَعْبي؟ مَن يُحَوِّلُ رَأْسي إِلى مِياه، وعَينَيَّ إِلى يَنْبوعِ دُموع، فأَبْكيَ نَهارًا ولَيلًا على قَتْلى بِنتِ شَعْبي؟ مَن لي بِمَبيتِ مُسافِرينَ في البَرِّيَّة، فأَترُكَ شَعْبي وأَنصَرِفَ عنه، فإِنَّهم جَميعًا فُسَّاقٌ وعِصابَةُ غادِرين. يُوَثِّرونَ قِسِيَّ أَلسِنَتِهم بِالكَذِب، فإِنَّهم لا لِلصِّدقِ يَتَقَوَّونَ في الأَرض، بل مِن شَرٍّ إِلى شَرٍّ يَذهَبون، وإِيَّايَ لا يَعرِفون، يَقولُ الرَّبّ لِيَحذَرْ كُلُّ واحِدٍ مِن صَديقِه، ولا يَتَّكِلْ على أَحَدٍ مِن إِخوَتِه، فإِنَّ كُلَّ أَخٍ يُريدُ أَن يأخُذَ مَكانَ أَخيه، وكُلَّ صَديقٍ يَسْعى بِالنَّميمة، وكُلًّا يَخدَعُ صَديقَه، ولا يَتَكَلَّمونَ بِالصِّدْق، بل عَوَّدوا أَلسِنَتَهمُ النُّطقَ بِالكَذِبِ والإِثْم، وهم عاجِزونَ عنِ التَّوبَة. في وَسَطِ المَكْرِ وبِالمَكْرِ، يأبَونَ أَن يَعرِفوني، يَقولُ الرَّبّ. لِذٰلك هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: هاءَنَذا أُمَحِّصُهم وأَمتَحِنُهم، وإِلاَّ فكَيفَ أَصنَعُ لأَجلِ بِنتِ شَعْبي؟ أَلسِنَتُهم سِهامٌ قاتِلة، في أَفْواهِهم يَنطِقونَ بِالمَكْر، ويُكَلِّمونَ أَصدِقاءَهم بِالسَّلام، وفي بَواطِنِهم يَكمُنون لَهم. أَعلى هٰذه لا أُعاقِبُهم، يَقولُ الرَّبّ، أَم مِن أُمَّةٍ مِثلِ هٰذه لا تَنتَقِمُ نَفْسي؟ على الجِبالِ أَرفَعُ البُكاءَ والنَّدْب، والرِّثاءَ على مَراعِيَ البَرِّيَّة، لأَنَّها قدِ ٱحتَرَقَت فلا يَجْتازُ فيها أَحَد، ولا يُسمَعُ فيها صَوتُ ماشِيَتِه. مِن طُيورِ السَّماءِ إِلى البَهائِم، فَرَّت كُلُّها وذَهَبَت. سأَجعَلُ أُورَشَليمَ أَكْوامًا، ومأوًى لِبَناتِ آوى، وأَجعَلُ مُدُنَ يَهوذا قَفْرًا، لا ساكِنَ فيها. مَنِ الإِنْسانُ الحَكيمُ فيَفهَمَ هٰذا؟ ومَن كَلَّمَه فَمُ الرَّبِّ فيُخبِر؟ لِماذا بادَتِ الأَرضُ وٱحتَرَقَت، فصارَت كالبَرِّيَّةِ لا يَجْتازُ فيها أَحَد؟ فقالَ الرَّبّ: بِما أَنَّهم تَرَكوا شَريعَتي الَّتي جَعَلتُها أَمامَهم ولم يَسمَعوا لِصَوتي ولم يَسيروا علَيها، بل ساروا وَراءَ تَطَلُّبِ قُلوبِهم ووراءَ البَعْل، مِمَّا عَلَّمهم آباؤُهم، لِذٰلك هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا أُطعِمُ هٰذا الشَّعبَ مَرارةً وأَسْقيهم ماءَ سُمّ، وأُشَتِّتُهم في الأُمَمِ الَّتي لم يَعرِفوها هم ولا آباؤُهم، وأُطلِقُ في إِثرِهمِ السَّيفَ حتَّى أُفنِيَهم. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: فَكِّروا ونادوا النَّادِبات، لِيَأْتينَ وٱبعَثوا إِلى الماهِرات، لِيُقبِلْنَ ولْيُسرِعنَ ويَرفَعْنَ النَّدبَ علَينا، ولْتَفِضْ عُيونُنا بِالدُّموع، وتَسِلْ جُفونُنا بِالمِياه. سُمِعَ صَوتُ النَّدْبِ مِن صِهْيون، «كَيفَ دُمِّرْنا وخَزينا جِدًّا. لقَد فارَقْنا الأَرض، لأَنَّهم هَدَموا مَساكِنَنا». فٱسمَعنَ أَيَّتُها النِّساءُ كَلِمَةَ الرَّبّ، ولْتَلتَقِطْ آذانُكُنَّ كَلِمَةَ فَمِه، وعَلِّمنَ بَناتِكُنَّ النَّدْب، ولْتُعَلِّمْ كُلُّ واحِدَةٍ صاحِبَتَها الرِّثاء: «صَعِدَ المَوتُ إِلى كُوانا، ودَخَلَ قُصورَنا، لِيَستَأصِلَ الطِّفلَ مِنَ الشَّارِع، والشُّبَّانَ مِنَ السَّاحات. تَكَلَّمْ، هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّ جُثَثَ البَشَرِ تَسقُط، كزِبْلٍ على وَجهِ الحَقْل، وكالحُزمَةِ وَراءَ الحاصِد، ولا يَكونُ مَن يَلتَقِط». هٰكذا قالَ الرَّبّ: لا يَفتَخِرِ الحَكيمُ بِحِكمَتِه، ولا يَفتَخِرِ الجَبَّارُ بِجَبَروتِه، ولا يَفتَخِرِ الغَنِيُّ بِغِناه، بل بِهٰذا لِيَفْتَخِرِ المُفتَخِر، بِأَنَّه يَفهَمُ ويَعرِفُني لأَنِّي أَنا الرَّبُّ المُجْري الرَّحمَةَ والحُكمَ والبِرَّ في الأَرض، لأَنَّ فيها رِضايَ، يَقولُ الرَّبّ. ها إِنَّها تَأتي أَيَّامٌ، يَقولُ الرَّبّ، أُعاقِبُ فيها كُلَّ المَخْتونين في أَجْسادِهم: مِصرَ ويَهوذا وأَدومَ وبَني عَمُّونَ وموآب، وكُلَّ مَقْصوصي السَّوالِف، السَّاكِنينَ في البَرِّيَّة، لأَنَّ كُلَّ الأُمَمِ قُلْف، وكُلَّ بَيتِ إِسْرائيلَ غُلْفُ القُلوب. إِسمَعوا الكَلِمَةَ الَّتي تَكَلَّمَ بِها الرَّبُّ علَيكم يا بَيتَ إِسْرائيل. هٰكذا قالَ الرَّبُّ: لا تَتَعَلَّموا طَريقَ الأُمَم، ولا تَفزَعوا مِن آياتِ السَّماءِ، الَّتي تَفزَعُ مِنها الأُمَم، لأَنَّ مُمارَساتِ الأُمَمِ باطِلة، فإِنَّما هو خَشَبٌ مَقْطوعٌ مِنَ الغابَة، تَصنَعُه يَدُ النَّحَّاتِ بِالإِزْميل، يُزَيَّنُ بِالفِضَّةِ والذَّهَب، بِالمَساميرِ والمَطارِقِ يُثَبَّتُ لِئَلاَّ يَتَحَرَّك. فيكونُ كالفَزَّاعةِ في حَقلٍ مِنَ الخِيار فلا يَتَكلَّم ويُحمَلُ حَملًا لأَنَّه لا يَمْشي. فلا تَخافوا مِن مِثلِ هٰذه الأَصْنام فإِنَّها لا تُسيءُ ولا في وَسعِها أَيضًا أن تُحسِن. لا نَظيرَ لَكَ يا رَبّ عَظيمٌ أَنتَ وعَظيمٌ ٱسمُكَ في الجَبَروت. مَن لا يَخْشاكَ يا مَلِكَ الأُمَم؟ لأَنَّه بِكَ يَليقُ ذٰلك، فبَينَ جَميعِ حُكَماءِ الأُمَم، وفي المَمالِكِ بِأَسرِها لا نَظيرَ لَكَ. جَميعُهم بَليدونَ حَمْقى، وتَعليمُ الأَصْنامِ خَشَبٌ هو. إِنَّها فِضَّةٌ مَطْروقةٌ مَجْلوبةٌ مِن تَرْشيش، وذَهَبٌ مِن أُوفاز، فإِنَّما هي صُنعُ النَّحَّات، ومِن يَدَيِ الصَّائِغ، ولِباسُها البِرْفيرُ البَنَفْسَجِيُّ والأُرْجُوان، فهِيَ بِجُملَتِها مِن صُنعِ الصَّانِعين. أَمَّا الرَّبُّ فهو الإلٰهُ الحَقّ، الإِلٰهُ الحَيُّ والمَلِكُ الأَزَلِيّ. مِن سُخطِه تَتَزلزَلُ الأَض، والأُمَمُ لا تُطيقُ غَضَبَه، (هٰكذا تَقولونَ فيها: «الآلِهَةُ الَّتي لم تَصنَعِ السَّمَواتِ والأَرضَ تُبادُ مِنَ الأَرضِ ومِن تَحتِ هٰذه السَّمَوات»). هو الَّذي صَنَعَ الأَرضَ بِقُوَّتِه، وثَبَّتَ الدُّنْيا بِحِكْمَتِه، وبَسَطَ السَّمَواتِ بِفِطنَتِه. إِن نادى بِصَوتِه ضَجَّتِ المِياهُ في السَّماء! وأَصعَدَ الغُيومَ مِن أَقْصى الأَرض، ويُحدِثُ البُروقَ لِلمَطَر، ويُخرِجُ الرِّيحَ مِن خَزائِنِه. كُلُّ بَشَرٍ لِقِلَّةِ العِلمِ صارَ بَليدًا، وكُلُّ صائِغٍ يَخْزى بِالتِّمْثال، لأَنَّ مَسْبوكَه كَذِبٌ ولا روحَ فيه. إِنَّما هٰذه باطِلَةٌ وصُنعٌ مُضحِك، وفي وَقتِ عِقابِهم تَهلِك. لَيسَ مِثلَ هٰذه نَصيبُ يَعْقوب، لأَنَّه هو جابِلُ الكُلّ، وإِسْرائيلُ هو سِبطُ ميراثِه، ورَبُّ القُوَّاتِ ٱسمُه. إِجمَعي مِن الأَرضِ مَتاعَكِ، أَيَّتُها القاعِدَةُ تَحتَ الحِصار، لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أَقذِفُ سُكَّانَ الأَرضِ، هٰذه المَرَّةَ إِلى بَعيد، وأُضَيِّقُ علَيهم حتَّى يَجِدوا. «وَيلٌ لي على كَسْري! إِنَّ ضَربَتي لا شِفاءَ مِنها، فقُلتُ: هٰذا أَلَمي وعلَيَّ ٱحتِمالُه. خَيمَتي دُمِّرَت وجَميعُ أَطْنابي قُطِّعَت، بَنِيَّ خَرَجوا عنِّي ولا وُجودَ لَهم. لَيسَ مَن يَضرِبُ خَيمَتي مِن بَعدُ، ويَنصِبُ جُلودي». لأَنَّ الرُّعاةَ صاروا بَليدين، والرَّبُّ لم يَلتَمِسوا، فلِذٰلك لم يَفهَموا، وجَميعُ رَعِيَّتِهم تَشَتَّتَت. إِسمَعوا الإِشاعةَ، ها قد وَصَلَت، وزَلْزالٌ عَظيمٌ مِن أَرضِ الشَّمال، لِيَجعَلَ مُدُنَ يَهوذا دَمارًا، مَأوى لِبَناتِ آوى. إِنِّي عالِمٌ يا رَبُّ أَنَّه لَيسَ لِلبَشَرِ طَريقُه، ولَيسَ لِلإنسانِ الَّذي يَسير أَن يُسَدِّدَ خُطاه. أَدِّبْني يا رَبُّ ولٰكِن بِالحِقّ، لا بِغَضَبِكَ لِئَلاَّ تُقَلِّلَ عَدَدي، بل صُبَّ غَضَبَكَ على الأُمَمِ الَّتي لم تَعرِفْكَ، وعلى العَشائِرِ الّتي لم تَدعُ بِٱسمِكَ، فإِنَّها ٱلتَهَمَت يَعْقوب، إِلتَهَمَته وأَفنَته ودَمَّرَت مَسكِنَه. الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرْمِيا مِن لَدُنِ الرَّبِّ قائِلًا: إِسمَعوا كَلِماتِ هٰذا العَهْد، وكَلِّموا رِجالَ يَهوذا وسُكَّانَ أُورَشَليم، وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ الرَّبّ، إلٰهُ إِسْرائيل: مَلْعونٌ الإِنْسانُ الَّذي لا يَسمَعُ كَلِماتِ هٰذا العَهدِ، الَّذي أَوصَيتُ بِه آباءَكم يَومَ أَخرَجتُهم مِن أَرضِ مِصرَ، مِن أَتُّونِ الحَديد، قائلًا: إِسمَعوا لِصَوتي وٱعمَلوا بِهٰذه، على حَسَبِ كُلِّ ما أَنا موصيكم بِه فتَكونوا لي شَعبًا وأَكونَ لَكم إِلٰهًا، لِكَي أَفِيَ بِالقَسَمِ الَّذي أَقسَمتُه لِآبائِكم بِأَن أُعطِيَهم أَرضًا تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا كما في هٰذا اليَوم. فأَجَبتُ وقُلتُ: آمين، يا رَبّ. فقالَ لِيَ الرَّبّ: نادِ بِكُلِّ هٰذه الكَلِمَاتِ في مُدُنِ يَهوذا وفي شَوارِعِ أُورَشَليم، قائِلًا: إِسمَعوا كَلِماتِ هٰذا العَهدِ وٱعمَلوا بِها. فإِنِّي أَشهَدتُ على آبائِكم إِشْهادًا مُذ يَومَ أَصعَدتُهم مِن أَرضِ مِصرَ إِلى هٰذا اليَومِ بِلا مَلَل، قائلًا: إِسمَعوا لِصَوتي. فلم يَسمَعوا ولم يُميلوا آذانَهم، بل سارَ كُلٌّ منهم على تَصَلُّبِ قَلبِه الشِّرِّير، فجَلَبتُ علَيهم كُلَّ كَلِمَاتِ هٰذا العَهْدِ الَّذي أَوصَيتُ بِالعَمَلِ به ولم يَعمَلوا بِه. وقالَ لِيَ الرَّبّ: قد وُجِدَت مُؤامَرَةٌ في رِجالِ يَهوذا وسُكَّانِ أُورَشَليم. قد رَجَعوا إِلى آثامِ آبائِهمِ الأَوَّلينَ الَّذينَ أَبَوا أَن يَسمَعوا لِكَلِماتي، فهُم أَيضًا ساروا وَراءَ آلِهَةٍ أُخْرى لِيَعبُدوها، ونَقَضَ بَيتُ إِسْرائيلَ وبَيتُ يَهوذا عَهدِيَ الَّذي عاهَدتُ بِه آباءَهم. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أَجلُبُ علَيهم شَرًّا لا يَستَطيعونَ التَّخَلُّصَ مِنه، فيَصرُخونَ إِلَيَّ ولا أَسمَعُ لَهم. فتَذهَبُ مُدُنُ يَهوذا وسُكَّانُ أُورَشَليم ويَصرُخونَ إِلى الآلِهَةِ الَّتي هم مُحرِقونَ لها البَخور، فلا تُخَلِّصُهم في وَقتِ بَلْواهم. فإِنَّه على عَدَدِ مُدُنِكَ كانَ عَدَدُ آلِهَتِكَ يا يَهوذا، وعلى عَدَدِ شَوارِعِ أُورَشَليم، نَصَبتُم مَذابِحَ لِلخِزْيِ، مَذابِحَ لِتُحرِقوا البَخورَ لِلبَعْل. وأَنتَ فلا تُصَلِّ لأَجلِ هٰذا الشَّعب، ولا تَرفَعْ لأَجلِهم دُعاءً ولا صَلاةً، فإِنِّي لا أَسمَعُ لَهم وَقتَ صُراخِهم إِلَيَّ بِسَبَبِ بَلْواهم. ما بالُ حَبيبَتي في بَيتي؟ وقد صَنَعتِ المَكايِد، أَلعَلَّ النُّذورَ واللَّحمَ المُقَدَّسَ تَنقُلُ عنكِ بَلْواكِ فتَبتَهِجين؟ زَيتونَةً خَضْراءَ جَميلة ذاتَ ثَمَرٍ رائِع، هٰكذا قد سَمَّاكِ الرَّبّ، ثُمَّ عِندَ صَوتِ جَلَبَةٍ عَظيمة. أَضرَمَ في وَرَقِها نارًا فحُطِّمَت أَغْصانُها. ورَبُّ القُوَّاتِ الَّذي غَرَسَكِ قد تَكَلَّمَ علَيكِ بِشَرٍّ لأَجلِ شَرِّ بَيتِ إِسْرائيلَ وبَيتِ يَهوذا، الَّذي صَنَعوه لِيُسخِطوني بِإِحْراقِهمِ البَخورَ لِلبَعْل. قد أَعلَمَني الرَّبُّ فعَلِمتُ. حينَئِذٍ أَرَيتَني أَعْمالَهم. وكُنتُ أَنا كَحَمَلٍ أَليفٍ يُساقُ إِلى الذَّبْح، ولم أَعْلَمْ فَكَّروا علَيَّ أَفْكارًا: «لنُتلِفِ الشَّجَرَةَ مع ثَمَرِها ولْنَستَأصِلْه مِن أَرضِ الأَحْياء، ولا يُذكَرِ ٱسمُه مِن بَعدُ. فيا رَبَّ القُوَّاتِ الحاكِمَ بِالبِرّ، الفاحِصَ الكُلى والقُلوب، سأَرى ٱنتِقامَكَ مِنهم، لأَنِّي إِلَيكَ أَبحتُ بِقَضِيَّتي. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبُّ على رِجالِ عناتوتَ الَّذينَ يَطلُبونَ نَفسَكَ قائلين: «لا تَتَنَبَّأْ بِٱسمِ الرَّبّ، لِكَي لا تَموتَ بِأَيدينا». لِذٰلك هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: هاءَنَذا أُعاقِبُهم، فالشُّبَّانُ مِنهم يَموتونَ بِالسَّيف، وبَنوهم وبَناتُهم يَموتونَ بِالجوع، ولا تَكونُ مِنهم بَقِيَّة، لأَنِّي أَجلُبُ شَرًّا على رِجالِ عناتوتَ في سَنَةِ مُعاقَبَتِهم. أَبَرُّ أَنتَ يا رَبُّ مِن أَن أَتَّهِمَكَ، لَكِنِّي سَأَتَكَلَّمُ معكَ بِما هو حَقّ. لِماذا يَنجَحُ طَريقُ الأَشْرار، ويَطمَئِنُّ جَميعُ الغادِرينَ غَدرًا؟ غَرَستَهم فتَأَصَّلوا ونَمَوا حتَّى أَثمَروا. أَنتَ قَريبٌ مِن أَفْواهِهم، وبَعيدٌ عن كُلاهم. وأَنتَ يا رَبُّ قد عَرَفتَني ورَأَيتَني، وٱمتَحَنتَ قَلْبي لَدَيكَ. إِفرِزْهم كَغَنَمٍ لِلذَّبْح، وخَصِّصهم لِيَومِ القَتْل. (إِلى مَتى تَنوحُ الأَرض، ويَيبَسُ عُشبُ الحُقولِ كُلِّها؟ إِنَّها لِشَرِّ سُكَّانِها، هَلَكَتِ البَهائِمُ والطُّيور) لأَنَّهم قالوا: لا يَرى مُستَقبَلَنا. إِن كُنتَ جارَيتَ المُشاةَ فأَعيَوكَ، فكَيفَ تُباري الخَيل؟ وإِن كُنتَ مُطمَئِنًّا في أَرضِ سَلام، فكَيفَ تَفعَلُ في أَدْغالِ الأُردُنّ؟ لأَنَّه حتَّى إِخوَتُكَ وأَهلُ بَيتِ أَبيكَ هم أَيضًا غَدَروا بِكَ وصَرَخوا في إِثرِكَ بِمِلْءِ أَفْواهِهم، فلا تَأتَمِنْهم إِذا كَلَّموكَ بِالخَير. تَرَكتُ بَيتي وهَجَرتُ ميراثي، وأَسلَمتُ مَحْبوبةَ نَفْسي إِلى أَكُفِّ أَعْدائِها. صارَ لي ميراثي كأَسَدٍ في الغابة، رَفَعَ علَيَّ صَوتَه، لِذٰلك كَرِهتُه. أَجارِحٌ مُلَوَّنُ الرِّيشِ ميراثي، والجَوارِحُ علَيه مِن كُلِّ جِهَة؟ هَلُمِّي تَجَمَّعي يا جَميعَ وُحوشِ الحُقول، تَعالَي إِلى الِٱلْتِهام. رُعاةٌ كَثيرونَ أَتلَفوا كَرْمي وداسوا نَصيبي، وجَعَلوا نَصيبِيَ الشَّهِيَّ قَفْرًا خَرِبًا، جَعَلوه خَرابًا خَرابًا يَنتَحِبُ أَمامي، قد خُرِّبَتِ الأَرضُ كُلُّها، ولَيسَ مَن يُبالي. على جَميعِ التِّلالِ الجَرْداءِ في البَرِّيَّة أَتى المُدَمِّرون (لأَنَّ لِلرَّبِّ سَيفًا يَلتَهِم) مِن أَقصى الأَرضِ إِلى أَقْصى الأَرض، ولا سَلامَ لأَحَدٍ مِنَ البَشَر. زَرَعوا حِنطَةً فحَصَدوا شَوكًا، أَعيَوا ولم يَنتَفِعوا. إِخزَوا مِن غَلاَّتِكم بِسَبَبِ سَورَةِ غَضَبِ الرَّبّ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: على جَميعِ جيرانِيَ الأَشْرارِ الَّذينَ يَمَسُّونَ الميراثَ الَّذي وَرَّثتُه لِشَعْبي إِسْرائيل، هاءَنَذا أَقْتَلِعُهم مِن أَرضِهم وأَقتَلِعُ بَيتَ يَهوذا مِن بَيتِهم. وبَعدَ ٱقتِلاعي لَهم، أَعودُ فأَرحَمُهم وأُرجِعُهم كُلًّا إِلى ميراثِه وكُلًّا إِلى أَرضِه. فإِن تَعَلَّموا طُرُقَ شَعْبي والحَلِفَ بِٱسْمي «حَيٌّ الرَّبّ»، كما عَلَّموا شَعْبي الحَلِفَ بِالبَعْل، فإِنَّهم يُبنَونَ فيما بَينَ شَعْبي. وإِن لم يَسمَعوا، فإِنِّي أَقتَلِعُ تِلكَ الأُمَّةَ ٱقتِلاعًا وأُبيدُها، يَقولُ الرَّبّ. هٰكذا قالَ لِيَ الرَّبّ: «إِذْهَبْ وٱشتَرِ لَكَ حِزامًا مِن كَتَّان، وٱشدُدْه على حَقْوَيكَ ولا تَضَعْه في الماء». فٱشتَرَيتُ الحِزامَ بِحَسَبِ كَلِمَةِ الرَّبّ، وشَدَدتُه على حَقْوَيَّ. فكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ ثانِيَةً قائِلًا: «خُذِ الحِزامَ الَّذي ٱشتَرَيتَه، الَّذي على حَقْوَيكَ، فقُمْ وٱذهَبْ إِلى الفُرات، وأَخْفِه هُناكَ في نُخْروبِ الصَّخْر». فذَهَبتُ وأَخفَيتُه عِندَ الفُرات، كما أَمَرَني الرَّبّ. وبَعدَ أَيَّامٍ كَثيرة، قالَ لِيَ الرَّبّ: «قُمْ فٱذهَبْ إِلى الفُرات، وخُذْ مِن هُناكَ الحِزامَ الَّذي أَمَرتُكَ أَن تُخفِيَه هُناكَ». فذَهَبتُ إِلى الفُرات، وحَفَرتُ وأَخَذتُ الحِزامَ مِنَ المَوضِعِ الَّذي أَخفَيتُه فيه، فإِذا بِالحِزام قد تَلِف، فلم يَعُدْ يَصلُحُ لِشَيء. فصارَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «هٰكَذا قالَ الرَّبّ: إِنِّي كذٰلك أُتلِفُ كِبرِياءَ يَهوذا وكِبرِياءَ أُورَشَليمَ العَظيمة. وهٰذا الشَّعبُ الشِّرِّيرُ الَّذي يأبى أَن يَسمَعَ لِكَلامي، سائِرًا على تَصَلُّبِ قَلْبه، ويَسيرُ وَراءَ آلِهَةٍ أُخْرى لِيَعبُدَها ويَسجُدَ لَها، يَكونُ مِثلَ هٰذا الحِزامِ الَّذي لم يَعُدْ يَصلُحُ لِشَيء. فإِنَّه كما أَنَّ الحِزامَ يَلتَصِقُ بِحَقْوَيِ الإِنْسان، فكذٰلك أَلصَقتُ بي جَميعَ بَيتِ إِسْرائيلَ وجَميعَ بَيتِ يَهوذا، يَقولُ الرَّبّ، لِيَكونوا لي شَعبًا وٱسمًا وحَمدًا وفَخرًا، لٰكِنَّهم لم يَسمَعوا». فتَقولُ لَهم هٰذا الكَلام: هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: «كُلُّ إِبْريقٍ يَمتَلِئُ خَمرًا». فيَقولونَ لَكَ: «أَلَسنا نَعرِفُ أَنَّ كُلَّ إِبْريقٍ يَمتَلِئُ خَمرًا؟» فتَقولُ لَهم: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أَملَأُ سُكرًا جَميعَ سُكَّانِ هٰذه الأَرضِ، والمُلوكَ الجالِسينَ على عَرشِ داوُد، والكَهَنَةَ والأَنبِياءَ وجَميعَ سُكَّانِ أُورَشَليم، وأُحَطِّمُهم الواحِدَ على أَخيه، الآباءَ والبَنينَ جَميعًا، يَقولُ الرَّبّ، ولا أُشفِقُ ولا أَرْثي ولا أَرحَمُ في إِهْلاكِهم». فٱسمَعوا وأَصْغوا، لا تَتَكَبَّروا، لأَنَّ الرَّبَّ قد تَكَلَّم. أَدُّوا التَّمجيدَ لِلرَّبِّ إِلٰهِكم، قَبلَ أَن يُخَيِّمَ الظَّلام، وقَبلَ أَن تَعثُرَ أَقْدامُكم، على جبالِ الشَّفَق. تَتَرَقَّبونَ النُّورَ فيُحَوِّلُه إِلى ظِلِّ مَوت، ويَجعَلُه غَمامًا مُظلِمًا. فإِن لم تَسمَعوا لِهٰذا، تَبْكي نَفْسي في الخُفْيَةِ بِسَبَبِ كِبرِيائِكم، وتَدمَعُ عَيني دَمْعًا وتَذرِفُ الدُّموع، لأَنَّ قَطيعَ الرَّبِّ يُجْلى. قُلْ لِلمَلِكِ ولِلمَلِكَةِ الأُمّ: تَواضَعا وٱجلِسا، لأَنَّه قد نَزَلَ ما على رَأسَيكما، إِكْليلُ فَخرِكما. أُغلِقَت مُدُنُ النَّقَبِ ولا فاتِحَ لَها. أُجلِيَت يَهوذا بِجُملَتِها، أُجلِيَت عن آخِرِها. إِرفَعي عَينَيكِ وٱنظُري المُقبِلينَ مِنَ الشَّمال، أَينَ القَطيعُ الَّذي أُعطِيَ لَكِ؟ أَينَ غَنَمُ فَخرِكِ؟ ماذا تَقولينَ إِذا عاقَبَكِ مَن عَلَّمتِهم أَوَّلُ مَن يأتي علَيكِ أُلَفاؤُكِ، أَفَلا يأخُذُكِ المَخاضُ كالمَرأَةِ الَّتي تَلِد؟ وإِن قُلتِ في قَلبِكِ: لِماذا أَصابَتْني هٰذه؟ فلِكَثرَةِ إِثمِكِ كُشِفَت أَذْيالُكِ فٱغتُصِبتِ، هل يُغَيِّرُ الحَبَشِيُّ جِلدَه والنَّمِرُ رَقَطَه؟ وأَنتُم، فهَل تَقتَدِرونَ أَن تَصنَعوا الخَير وأَنتُم مُعْتادونَ الشَّرَّ؟ إِنِّي سأُشَتِّتُهم كالقَشِّ، الَّذي تَذهَبُ بِه ريحُ البَرِّيَّة. هٰذا نَصيبُكِ والقِسمَةُ المَكيلَةُ لَكِ مِن لَدُني، يَقولُ الرَّبّ لأَنَّكِ نَسيتِني وتَوَكَّلتِ على الكَذِب. فأَنا أَيضًا رَفَعتُ أَذْيالَكَ على وَجهِكِ، فظَهَرَ عارُكِ، فِسقُكِ وصَهيلُكِ وفُحشُ زِناكِ، على التِّلالِ وفي الحقولِ رَأيتُ أَقْذارَكِ، وَيلٌ لَكِ يا أُورَشَليم، إِنَّكِ لا تَطهُرين، فإِلى مَتى بَعدُ؟ كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتي كانت إِلى إِرِميا في شأنِ الجفاف: ناحَت يَهوذا وٱنحَطَّت أَبْوابُها، وهي في الحِدادِ على التُّراب، وصُراخُ أُورَشَليمَ قدِ ٱرتَفَع. أَشْرافُها أَرسَلوا أَصاغِرَها لِلْماء، فأَتَوا الجِبابَ فلم يَجِدوا ماءً، فرَجَعوا بآنِيَتِهم فارِغة، فخَزوا وخَجِلوا وغَطَّوا رُؤُوسَهم. لأَنَّ الأَرضَ تَشَقَّقت، ولأَنَّه ما كانَ مَطَرٌ على الأَرض، خَزِيَ الحُرَّاثُ وغَطُّوا رُؤُوسَهم. فحتَّى الأَيِّلَةُ وَلَدَت في الحَقْلِ وتَرَكَت وَليدَها، لأَنَّه لم يَكُنْ مِن كَلأ. والحَميرُ الوَحشِيَّةُ وَقَفَت على التِّلالِ الجَرْداء، وٱستَنشَقَتِ الرِّيحَ كبَناتِ آوى، فكَلَّت عُيونُها، لأَنَّه لم يَكُنْ مِن عُشْب. إِن كانتَ آثامُنا تَشهَدُ علَينا، يا رَبُّ فلأَجلِ ٱسمِكَ ٱفعَلْ، فإِنَّ ٱرتِداداتِنا قد كَثُرَت، وإِلَيكَ خَطِئْنا. يا رَجاءَ إِسْرائيل، ومُخَلِّصَه وَقتَ الضِّيق، لِماذا تَكونُ كنَزيلٍ في الأَرضِ، وكمسافِرٍ يَميلُ إِلى مَبيت. لِماذا تَكونُ كالرَّجُلِ المُتَحَيِّر، كالجَبَّارِ الَّذي لا يَقدِرُ أَن يُخَلِّص، وأَنتَ فيما بَينَنا يا رَبّ، وبِٱسمِكَ دُعينا فلا تَتَخَلَّ عنَّا. هٰكذا قالَ الرَّبُّ لِهٰذا الشَّعْب: لقَد أَحَبُّوا أَن يَشرُدوا، ولم يَكُفُّوا أَرجُلَهم، فلم يَرضَ الرَّبُّ عنهم، ويَذكُرُ الآنَ إِثمَهم ويُعاقِبُ خَطاياهم. وقالَ لِيَ الرَّبّ: «لا تُصَلِّ مِن أَجلِ هٰذا الشَّعبِ لِلخَير. إِذا صاموا فلا أَسمَعُ صُراخَهم، وإِذا أَصعَدوا مُحرَقةً وتَقدِمَةً فلا أَرْضى عَنهم، بل أُفْنيهم بالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون». فقُلت: «آهِ أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ! ها إِنَّ الأَنبِياءَ يَقولونَ لَهم: إِنَّكم لا تَرَونَ سَيفًا، ولا يَحِلُّ بِكم جوع، بل أَجعَلُ لَكم سَلامَ حَقٍّ في هٰذا المَكان». فقالَ لِيَ الرَّبّ: «إِنَّ الأَنبِياءَ يَتَنَبَّأونَ بِٱسْمي كَذِبًا، وأَنا لم أُرسِلْهم ولم آمُرْهم ولم أُكَلِّمْهم. إِنَّما يَتَنَبَّأُونَ لَكم بِرُؤيا كاذِبَة وبِالعِرافَةِ والباطِلِ ومَكرِ قُلوبِهم. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبُّ: إِنَّ الأَنبِياءَ المُتَنَبِّئينَ بِٱسْمي وأَنا لم أُرسِلْهم، وهم يَقولونَ: لا يَكونُ في هٰذه الأَرضِ سَيفٌ ولا جوع، إِنَّ هٰؤُلاءِ الأَنبِياءِ بِالسَّيفِ والجوعِ يُفنَون، ويَكونُ الشَّعبُ الَّذي هم مُتَنَبِّئونَ لَه مَطْروحًا في شَوارِعِ أُورَشَليمَ مِنَ الجوعِ والسَّيف، ولا يَكونُ لَه دافِن، هو ونِساؤُه وبَنوه وبَناتُه، وأَصُبُّ علَيه شَرَّه». وتَقولُ لَهم هٰذا الكَلام: لِتَذرِفْ عَينايَ الدُّموعَ لَيلًا ونَهارًا ولا تَكُفَّا، فإِنَّ العَذْراءَ بِنتَ شَعْبي، قد تَحَطَّمَت تَحْطيمًا شَديدًا، بِضَربَةٍ لا شِفاءَ مِنها. إِن خَرَجتُ إِلى الحَقْل، فإِذا القَتْلى بِالسَّيف، وإِن دَخَلتُ المَدينة، فإِذا المُتَضَوِّرونَ جوعًا، فحَتَّى النَّبِيُّ والكاهِنُ طافا في الأَرضِ لا يَفهَمانِ شَيئًا. هل نَبَذتَ يَهوذا نَبْذًا، وسَئِمَت نَفسُكَ صِهْيون؟ ما بالُكَ ضَرَبتَنا فلا شِفاءَ لَنا؟ إِنتَظَرنا السَّلامَ فلا خَير، ووَقتَ الشِّفاءِ فإِذا الرُّعْب. عَرَفْنا يا رَبُّ شَرَّنا وإِثمَ آبائِنا، لأَنَّنا إِلَيكَ خَطِئْنا. لا تَنبِذْنا لأَجلِ ٱسمِكَ، ولا تَستَخِفَّ بِعَرشِ مَجدِكَ، أُذكُرْ ولا تَنقُضْ عَهدَكَ معَنا. هل بَينَ أَصْنامِ الأُمَمِ مَن يُمطِر، أَم هلِ السَّمَواتُ تَمنَحُ الرَّذاذ؟ أَلَستَ أَنتَ الرَّبَّ إلٰهَنا؟ وإِيَّاكَ نَنتَظِرُ لأَنَّكَ أَنتَ صَنَعتَ هٰذه جَميعَها. وقالَ لِيَ الرَّبّ: لو أَنَّ موسى وصَموئيلَ وَقَفا أَمامي، لَما رَجَعَت نَفْسي إِلى هٰذا الشَّعْب. فٱطرَحْهم عن وَجْهي ولْيَخرُجوا. وإِذا قالوا لَكَ: إِلى أَينَ نَخرُج؟ فقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ الرَّبّ: الَّذينَ لِلمَوتِ فإِلى المَوت، والَّذينَ لِلسَّيفِ فإِلى السَّيف، والَّذينَ لِلْجوع فإِلى الجوع، والَّذينَ لِلجَلاءِ فإِلى الجَلاء. وأُوَكِّلُ بِهم أَربَعَةَ أَصْناف، يَقولُ الرَّبّ: السَّيفَ لِلقَتْلِ والكِلابَ لِلجَرِّ وطُيورَ السَّماءِ وبَهائِمَ الأَرضِ لِلٱلْتِهام ولِلإتْلاف، وأَجعَلُ مِنهم مَوضوعَ ذُعرٍ في جَميعِ مَمالِكِ الأَرضِ بِسَبَبِ منَسَّى بنِ حِزقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، وما صَنَعَ في أُورَشَليم. فمَن يُشفِقُ علَيكِ يا أُورَشَليم، ومَن يَرْثي لَكِ، ومَن يَميلُ لِيَسأَلَ عن سَلامَتِكِ؟ إِنَّكِ رَفَضتِني، يَقولُ الرَّبّ، وٱرتَدَدتِ إِلى الوَراء، فمَدَدتُ يَدي علَيكِ وأَتلَفتُكِ، فقَد مَلِلتُ العَفوَ عنكِ، وذَرَّيتُهم بِالمِذْراة، عِندَ أَبْوابِ الأَرض. لقَد أَثكَلتُ وأَبَدتُ شَعْبي، ولم يَرجِعوا عن طُرُقِهم. قد كَثُرَت لَدَيَّ أَرامِلُهم، أَكثَرَ مِن رَملِ البِحار. سأَجلُبُ على الأُمِّ الشَّابَّ المُدَمِّرَ عِندَ الظَّهيرَة، وأُوقِعَ علَيها بَغتَةً الهَولَ والرُّعْب. قدِ ٱنحَطَّت والِدَةُ السَّبعَة، وفاضَت روحُها، وغابَت شَمسُها والنَّهارُ باقٍ، فنالَها الخِزيُ والعار، وسأُسلِمُ بَقِيَّتَهم إِلى السَّيف، أَمامَ أَعْدائِهم، يَقولُ الرَّبّ. وَيلٌ لي يا أُمِّي لأَنَّكِ وَلَدتِني، رَجُلَ خِصامٍ ورَجُلَ نِزاعٍ لِلأَرضِ كُلِّها. لم أُقرِضْ ولم يُقْرِضْني أَحَد، والكُلُّ يَلعَنُني. قالَ الرَّبّ: إِنِّي مُقسِم: سأُحَرِّرُكَ لِخَيرِكَ، وأَجعَلُ العَدُوَّ يَتَضَرَّعُ إِلَيكَ، في أَوانِ البَلْوى وأَوانِ الضِّيق، هل يُحَطِّمُ الحَديدُ. حَديدَ الشَّمالِ والنُّحاس؟ سأُسلِمُ غِناكَ وكُنوزَكَ لِلسَّلْب، ثَمَنًا لِجَميعِ خَطاياكَ في كُلِّ أَرضِكَ، وأَجعَلُكَ عَبدًا لأَعْدائِكَ، في أَرضٍ لم تَعرِفْها، لأَنَّ نارًا شَبَّت في أَنْفي، فتَتَّقِدُ علَيكم. إِنَّكَ يا رَبِّ قد عَرَفتَني، فٱذكُرْني وٱفتَقِدْني، وٱنتَقِمْ لي مِن مُضطَهِديَّ. لا تَجعَلْني ضَحِيَّةً بِسَبَبِ طولِ أَناتِكَ، اِعلَمْ أَنِّي ٱحتَمَلتُ العارَ لأَجلِكَ. حينَ كانَت كَلِماتُكَ تَبلُغُ إِلَيَّ كُنتُ أَلتَهِمُها فكانَت لي كَلِمَتُكَ سُرورًا وفَرَحًا في قَلْبي لأَنِّي بِٱسمِكَ دُعيتُ، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّات. لم أَجلِسْ في جَماعَةِ الضَّاحِكينَ مُمازِحًا، بل تَحتَ يَدِكَ جَلَستُ مُنفَرِدًا، لأَنَّكَ مَلَأْتَني غَضَبًا. لِماذا صارَ أَلَمي دائِمًا، وضَربَتي مُعضِلَةً تَأبى الشِّفاء؟ إِنَّكَ صِرتَ لي كيَنْبوعٍ كاذِب كمِياهٍ لا يُعتَمَدُ علَيها. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِن رَجَعتَ أَرجَعتُكَ، فتَقِفُ بَينَ يَدَيَّ، وإِن أَخرَجتَ النَّفيسَ مِنَ الخَسيس، صِرتَ كفَمي، فهُم يَرجِعونَ إِلَيكَ، وأَمَّا أَنتَ فلا تَرجِعُ إِلَيهم. وسأَجعَلُكَ تُجاهَ هٰذا الشَّعبِ سورًا مِن نُحاسٍ حَصينًا، فيُحارِبونَكَ ولا يَقدِرونَ علَيكَ، لأَنِّي مَعَكَ لأُخَلِّصَكَ وأُنقِذَكَ، يَقولُ الرَّبّ. فسأُنقِذُكَ مِن أَيدي الأَشْرار، وأَفتَديكَ مِن أَكُفِّ الظَّالِمين. وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائلًا: لا تَتَّخِذْ لَكَ ٱمرَأَةً، ولا يَكُنْ لَكَ بَنونَ ولا بَناتٌ في هٰذا المَكان، فإِنَّه هٰكذا قالَ الرَّبُّ على البَنينَ والبَناتِ المَولودينَ في هٰذا المَكانِ وعلى أُمَّهاتِهمِ اللَّواتي وَلَدَتهم وآبائِهمِ الَّذينَ وَلَدوهم في هٰذه الأَرض: إِنَّهم سيَموتونَ بِالأَمْراضِ ولا يُندَبونَ ولا يُدفَنون، بل يَكونونَ زِبلًا على وجهِ الأَرض، ويَفنَونَ بِالسَّيفِ وبالجوع، وتَكونُ جُثَثُهم طَعامًا لِطُيورِ السَّماءِ وبَهائِم الأَرض. فإِنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: لا تَدخُلْ بَيتَ الحُزْن، ولا تَذهَبْ إِلَيه لِلنَّدْب، ولا تُعَزِّهم، فإِنِّي قد أَزَلتُ سَلامي عن هٰذا الشَّعب، يَقولُ الرَّبّ، ورَأفَتي ومَراحِمي، فيَموتُ الكِبارُ والصِّغارُ في هٰذه الأَرضِ ولا يُدفَنونَ ولا يُندَبون، ولا يُخَدِّشُ النَّاسُ أَنفُسَهم ولا يَحلِقونَ شَعرَهم لأَجلِهم، ولا يَكسِرونَ خُبزًا في المَناحةِ تَعزيةً لَهم عنِ المَيْت، ولا يَسْقونَهم كأسَ السِّلْوانِ عن أَبٍ لَهم أَو أُمّ. ولا تَدخُلْ بَيتَ المَأدُبَةِ لِتَجلِسَ معَهم وتَأكُلَ وتَشرَب، فإِنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا مُبطِلٌ مِن هٰذا المَكانِ، أَمامَ عُيونِكم وفي أَيَّامِكم، صَوتَ الطَّرَبِ وصَوتَ الفَرَح، صَوتَ العَريسِ وصَوتَ العَروس. وإِذا أَخبَرتَ هٰذا الشَّعبَ بِجَميعِ هٰذه الكَلِماتِ وقالوا لَكَ: «لِماذا تَكَلَّمَ الرَّبُّ علَينا بِكُلِّ هٰذه البَلْوى العَظيمة وما إِثمُنا وما خَطيئَتُنا الَّتي خَطِئنا بِها إلى الرَّبِّ إِلٰهِنا؟»، تَقولُ لَهم: «لأَنَّ آباءَكم تَرَكوني، يَقولُ الرَّبّ، وساروا وَراءَ آلِهَةٍ أُخْرى وعَبَدوها وسَجَدوا لَها وتَرَكوني ولم يَحفَظوا شَريعَتي. وقد عَمِلتُم أَنتُمُ الشَّرَّ أَكثَرَ مِن آبائِكم. فهُوَذا كُلٌّ منكم قد سارَ على تَصَلُّبِ قَلبِه الشِّرِّير، غَيرَ سامِعٍ لي. فأَقذِفُكم مِن هٰذه الأَرضِ إِلى أَرضٍ لم تَعرِفوها أَنتُم ولا آباؤُكم، فهُناكَ تَعبُدونَ آلِهَةً أُخَر نَهارًا ولَيلًا، يَقولُ الرَّبّ، لأَنِّي لا أَمنَحُكم رَحمَة». لِذٰلك ها إِنَّها تَأتي أَيَّامٌ، يَقولُ الرَّبّ، لا يُقالُ فيها مِن بَعدُ: «حَيٌّ الرَّبُّ الَّذي أَصعَدَ بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصْر» بل: «حَيٌّ الرَّبُّ الَّذي أَصعَدَ بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِ الشَّمال ومِن جَميعِ الأَراضي الَّتي نَفاهم إِلَيها»، وأُرجِعُهم إِلى أَرضِهِمِ الَّتي أَعطَيتُها لِآبائِهم. هاءَنَذا مُرسِلٌ صَيَّادينَ كَثيرين، يَقولُ الرَّبّ، فيَصْطادونَهم، وبَعدَ ذٰلك أُرسِلُ قَنَّاصينَ كَثيرين، فيَقنِصونَهم عن كُلِّ جَبَلٍ وعن كُلِّ تَلٍّ ومِن شُقوقِ الصَّخْر، لأَنَّ عَينَيَّ على جَميعِ طُرُقِهم، فلَيسَت بِمُستَتِرَةٍ عن وَجْهي ولا إِثمُهم بِخَفيٍّ عن عَينَيَّ، فأَجْزيهم أَوَّلًا ضِعفَ إِثمِهم وخَطيئَتِهم، لأَنَّهم دَنَّسوا أَرْضي ومَلأُوا ميراثي مِن جُثَثِ أَقْذارِهم وقَبائِحِهم. أَيُّها الرَّبُّ عِزِّي وحِصْني، ومَلْجَإي في يَومِ الضِّيق إِلَيكَ تَأتي الأُمَمُ مِن أَقاصي الأَرضِ وتقول: لم يَرِثْ آباؤُنا إِلاَّ الكَذِبَ والباطِلَ وما لا فائِدَةَ فيه. هل يَصنَعُ البَشَرُ لأَنفُسِهم آلِهَةً. وهي لَيسَت بِآلِهَة؟ فلِذٰلك هاءَنَذا أُعَرِّفُهم، هٰذه المَرَّةَ أُعَرِّفُهم يَدي وجَبَروتي فيَعرِفونَ أَنَّ ٱسمي هو الرَّبّ. خَطيئَةُ يَهوذا مَكْتوبة، بِقَلَمٍ مِن حَديدٍ، بِرَأسٍ مِن أَلْماس، مَنقوشَةٌ على أَلْواحِ قُلوبِهم، وقُرونِ مَذابِحِهم. كما يَذكُرونَ بَنيهم، يَذكُرونَ مَذابِحَهم وأَوتادَهمُ المُقَدَّسة، عِندَ الأَشْجارِ الخَضْراء على التِّلالِ العالِيَة. على الجِبالِ وفي الحُقول، إِنِّي أَجعَلُ غِناكَ وجَميعَ كُنوزِكَ لِلسَّلْب، ومَشارِفَكَ أَيضًا بِسَبَبِ خَطيئَتِكَ في كُلِّ أَرضِكَ، وتَترُكُ الميراثَ الَّذي أَعطَيتُكَ إِيَّاه، بورًا بِسَبَبِ خَطيئَتِكَ، وأَجعَلُكَ عَبدًا لأَعْدائِكَ، في أَرضٍ لم تَعْرِفْها، لأَنَّكم أَضرَمتُم نارًا في أَنْفي، فهي تَتَّقِدُ لِلأَبَد. هٰكذا قالَ الرَّبّ: مَلْعونٌ الرَّجُلُ الَّذي يَتَّكِلُ على البَشَر، ويَجعَلُ مِنَ اللَّحمِ ذِراعًا لَه، وقَلبُه يَنصَرِفُ عنِ الرَّبّ. فيَكونُ كالعَرعَرِ في البادِيَة، فلا يَرى الخَيرَ إِذا أَقبَل، بل يَسكُنُ الرَّمْضاءَ في البَرِّيَّة، الأَرضَ المَالِحَةَ الَّتي لا ساكِنَ فيها. مُبارَكٌ الرَّجُلُ الَّذي يَتَّكِلُ على الرَّبّ، ويَكونُ الرَّبُّ مُعتَمَدَه. فيَكونُ كالشَّجَرَةِ المَغْروسَةِ على المِياه، تُرسِلُ أُصولَها إِلى مَجْرى النَّهْر، فلا تَخافُ الحَرَّ إِذا أَقبَل، بل يَبْقى وَرَقُها أَخضَر، وفي سَنَةِ الجَفافِ لا خَوفَ علَيها، ولا تَكُفُّ عن إِعْطاءِ الثَّمَر. القَلبُ أَخدَعُ كُلِّ شَيء، وأَخبَثُه فمَن يَعرِفُه؟ أَنا الرَّبَّ أَفحَصُ القُلوب، وأَمتَحِنُ الكُلى، فأَجْزي الإِنْسانَ بِحَسَبِ طُرُقِه، وثَمَرِ أَعْمالِه. الحَجَلَةُ تَحضُنُ ما لم تَبِضْ، كذٰلك مَن يَجمَعُ الغِنى بِغَيرِ حَقّ، لٰكِنَّه يَترُكُه في مُنتَصَفِ أَيَّامِه، وفي آخِرَتِه يَكونُ أَحمَق. يا عَرشَ المَجدِ السَّنِيِّ مُنذُ البَدْء، ومَقَرَّ مَقدِسِنا، يا رَجاءَ إِسْرائيلَ، يا رَبّ، إِنَّ جَميعَ الَّذينَ يَترُكونَكَ يَخزَون، والَّذينَ يَنصَرِفونَ عنكَ يُكتَبونَ في التُّراب، لأَنَّهم تَرَكوا يَنْبوعَ المِياهِ الحَيَّة، تَرَكوا الرَّبّ. إِشفِني يا رَبُّ فأُشْفى، خَلِّصْني فأُخَلَّص، لأَنَّكَ أَنتَ تَسبِحَتي. ها إِنَّهم يَقولونَ لي: أَينَ كَلِمَةُ الرَّبِّ؟ فلْتَأتِ. أَمَّا أَنا فلَم أَتهَرَّبْ، عن كَوني راعِيًا وَراءَكَ، ولَم أَتَمَنَّ اليَومَ المَشْؤوم، وأَنتَ قد عَلِمتَ ما خَرَجَ مِن شَفَتَيَّ، فإِنَّه كانَ أَمامَ وَجهِكَ. لا تَكُنْ لي رُعْبًا، أَنتَ مُعتَصَمي في يَومِ البَلْوى. لِيَخْزَ مُضطَهِدِيَّ ولا أَخْزَ أَنا، لِيَرتَعِبوا هم ولا أَرتَعِبْ أَنا. أُجلُبْ علَيهم يَومَ البَلْوى، وحَطِّمْهم تَحْطيمًا مُضاعَفًا. هٰكذا قالَ لِيَ الرَّبّ: إِذهَبْ وقِفْ بِبابِ بَني الشَّعبِ الَّذي مِنه يَدخُلُ مُلوكُ يَهوذا ويَخرُجون، وبِسائِرِ أَبْوابِ أُورَشَليم، وقُلْ لَهم: إِسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبِّ، يا مُلوكَ يَهوذا ويا جَميعَ بَني يَهوذا ويا كُلَّ سُكَّانِ أُورَشَليمَ الدَّاخِلينَ مِن هٰذه الأَبواب. هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِحذَروا لأَنفُسِكم مِن أَن تَحمِلوا حِمْلًا في يَومِ السَّبْتِ وتَدخُلوا بِه مِن أَبْوابِ أُورَشَليم، ولا تَخرُجوا بِحِمْلٍ مِن بُيوتِكم في يَومِ السَّبت، ولا تَعمَلوا عَمَلًا، بل قَدِّسوا يَومَ السَّبتِ كما أَمَرتُ آباءَكم. فلَم يَسمَعوا ولم يُميلوا آذانَهم، بل قَسَّوا رِقابَهم لِئَلاَّ يَسمَعوا ولِئَلاَّ يَقبَلوا التَّأْديب. إِن أَنتُم سَمِعتُم لي سَماعًا، يَقولُ الرَّبّ، ولم تَدخُلوا بِحِمْلٍ مِن أَبوابِ هٰذه المَدينَةِ في يَومِ السَّبت، بل قَدَّستُم يَومَ السَّبْتِ حتَّى لا تَعمَلوا فيه مِنَ العَمَلِ شَيئًا، فإِنَّه يَدخُلُ مِن أَبْوابِ هٰذه المَدينَةِ المُلوكُ والرُّؤَساءُ وهم جالِسونَ على عَرشِ داوُد، راكِبونَ على مَركَباتٍ وخَيلٍ مع الرُّؤَساءِ ورِجالِ يَهوذا وسُكَّانِ أُورَشَليم، وتُسكَنُ هٰذه المَدينَةُ لِلأَبَد. ويَأتونَ مِن مُدُنِ يَهوذا ومِن حَولِ أُورَشَليمَ ومِن أَرضِ بَنْيامينَ ومِنَ السَّهْلِ ومِنَ الجَبَلِ ومِنَ النَّقَب. ويَدخُلونَ بِمُحرَقَةٍ وذَبيحَةٍ وتَقدِمَةٍ وبَخورٍ وبِذَبيحَةِ شُكرٍ إِلى بَيتِ الرَّبّ. وإِن لم تَسمَعوا لي بِأَن تُقَدِّسوا يَومَ السَّبْت فلا تَحمِلوا حِملًا وتَدخُلوا بِه مِن أَبْوابِ أُورَشَليمَ في يَومِ السَّبْت، فإِنِّي أُضرِمُ نارًا في أَبْوابِها فتَلتَهِمُ قُصورَ أُورَشَليمَ ولا تُطفَأ. الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرْمِيا مِن لَدُنِ الرَّبِّ قائلًا: «قُمْ وٱنزِلْ إِلى بَيتِ الخَزَّاف، وهُناكَ أُسمِعُكَ كَلامي». فنَزَلتُ إِلى بَيتِ الخَزَّاف، فإِذا هو يَعمَلُ على المِخرَطَة، فوَقَعَ عُطلٌ في الإِناءِ الَّذي كانَ الخَزَّافُ يَصنَعُه مِنَ الطِّينِ في يَدِه، فعادَ وصَنَعَه إِناءً آخَرَ كما حَسُنَ في عَينَيه أَن يَصْنَعَه. فكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قائلًا: أَما أَستَطيعُ أَن أَصنَعَ بِكُم كهٰذا الخَزَّاف، يا بَيتَ إِسْرائيل، يَقولُ الرَّبّ؟ هُوَذا مَثَلُ الطِّينِ في يَدِ الخَزَّافِ مَثَلُكم في يَدي، يا بَيتَ إِسْرائيل. إِنِّي تارَةً أَتَكَلَّمُ على أُمَّةٍ وعلى مَملَكةٍ لأَقلَعَ وأَهدِمَ وأُهلِك، فإِن رَجَعَت تِلكَ الأُمَّةُ عن شَرِّها الَّذي بِسَبَبِه تَكَلَّمتُ علَيها، فإِنِّي أَندَمُ على الشَّرِّ الَّذي فَكَّرتُ في صُنعِه بِها، وتارَةً أَتَكَلَّمُ على أُمَّةٍ وعلى مَملَكَةٍ لأَبنيَ وأَغرِس، فإِن صَنَعَتِ الشَّرَّ في عَينَيَّ ولم تَسمَعْ لِصَوتي، فإِنِّي أَندَمُ على الخَيرِ الَّذي قُلتُ إِنِّي أَصنَعُه إِلَيها. فالآنَ كَلِّمْ رِجالَ يَهوذا وسُكَّانَ أُورَشَليمَ قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: «هاءَنَذا أَنْوي علَيكم شَرًّا وأُفَكِّرُ علَيكم أَفْكارًا، فٱرجِعوا كُلٌّ مِنكم عن طَريقِه الشِّرِّير، وأصلِحوا طُرُقَكم وأَعْمالَكم». فيَقولون: «قد يَئِسْنا، وإِنَّما نَسيرُ وَراءَ أَفْكارِنا، وكُلُّ مِنَّا يَعمَلُ بِتصَلُّبِ قَلبِه الشِّرِّير». فلِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِسأَلوا بَينَ الأُمَمِ مَن سَمِعَ بِمِثْلِ هٰذا، لقد صَنَعَت عَذْراءُ إِسْرائيلَ أَمرًا يُقشَعَرُّ مِنه جِدًّا. هل يَخْلو صَخْرُ القَديرِ مِن ثَلْجِ لُبْنان، أَم تَنضُبُ المِياهُ الغَريبَةُ البارِدَةُ الجارِيَة؟ لٰكِنَّ شَعْبي قد نَسِيَني وأَحرَقَ البَخورَ لِلْباطِل، وعُثِّرَ في طُرُقِه، في السُّبُلِ القَديمَة، حتَّى يَسيرَ في مَسالِك، في طَريقٍ غَيرِ مُمَهَّد، لِتُجعَلَ أَرضُه خَرابًا وصَفيرًا أَبَدِيًّا، فكُلُّ مَن يَمُرُّ بِها يَدهَشُ ويَهُزُّ رَأسَه. كريحٍ شَرقِيَّةٍ أُشَتِّتُه أَمامَ العَدُوّ، وأُريه ظَهْري لا وَجْهي في يَومِ البَلِيَّة. فقالوا: «هلُمُّوا نَتآمَرُ على إِرْمِيا، فإِنَّ الشَّريعَةَ لا تَبيدُ بِلا كاهِن. ولا المَشورَةُ بِلا حَكيم، ولا الكَلِمَةُ بِلا نَبِيّ. هَلُمُّوا نَضرِبُه بِاللِّسانِ ولا نُصْغي إِلى جَميعِ كَلِماتِه». أَصْغِ أَنتَ يا رَبُّ إِلَيَّ، وٱسمَعْ أَصواتَ خُصومي. أيُجازى الخَيرُ بِالشَّرّ؟ فإِنَّهم حَفَروا حُفرَةً لِنَفْسي. أُذْكُرْ أَنِّي وَقَفتُ أَمامَكَ، لأَتَكَلَّمَ مِن أَجلِهم بِالخَير، وأَصرِفَ عَنهم غَضَبَكَ، فلِذٰلك أَسلِمْ بَنيهم إِلى الجوع، وٱدفَعْهم إِلى حَدِّ السَّيف، ولْتَكُنْ نِساؤُهم ثَكالى وأَرامِل، ولْيَكُنْ رِجالُهم ضَحايا الطَّاعون، ولْيُضرَبْ شُبَّانُهم بِالسَّيفِ في القِتال. لِيُسمَعْ صُراخٌ مِن بيوتِهم، حينَ تَجلُبُ علَيهم عِصابَةَ لُصوص، لأَنَّهم حَفَروا حُفرَةً لِيَأخُذوني، وأَخفَوا لِرِجلَيَّ فِخاخًا. وأَنتَ يا رَبِّ قد عَلِمتَ كُلَّ مُؤَامَرَتِهم علَيَّ بِالمَوت، فلا تَغْفِرْ إِثمَهم، ولا تَمْحُ خَطيئَتَهم مِن أَمامِكَ، ولْيَعثُروا أَمامَكَ، وعامِلْهم في أَوانِ غَضَبِكَ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِذْهَبْ وٱشتَرِ إِبْريقَ خَزَّاف، ومَعَكَ مِن شُيوخِ الشَّعبِ ومِن شُيوخِ الكَهَنَة، وٱخرُجْ إِلى وادي ٱبنِ هِنُّومَ الَّذي عِندَ مَدخِ بابِ الفَخَّار، ونادِ هُناكَ بِالكَلامِ الَّذي أُكَلِّمُكَ بِه، وقُلْ: إِسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يا مُلوكَ يَهوذا ويا سُكَّانَ أُورَشَليم. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا أَجلُبُ على هٰذا المَكانِ شَرًّا، كُلُّ مَن سَمِعَ بِه تَطِنُّ أُذُناه، لأَنَّهم تَرَكوني وشَوَّهوا هٰذا المَكان، وأَحرَقوا فيه البَخورَ لِآلِهَةٍ أُخْرى لم يَعرِفوها هم ولا آباؤُهم ولا مُلوكُ يَهوذا، ومَلأُوا هٰذا المَكانَ مِن دَمِ الأَبرِياء، وبَنَوا مَشارِفَ البَعْلِ لِيُحرِقوا بَنيهم بِالنَّارِ مُحرَقاتٍ لِلبَعْل، مِمَّا لم آمُرْ بِه ولم أَتَكَلَّمْ بِه ولم يَخطُرْ بِبالي. لِذٰلك ها إِنَّها تَأتي أَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، لا يُدْعى فيها هٰذا المَكانُ مِن بَعدُ توفَتَ ووادِيَ ٱبنِ هِنُّوم، بل وادِيَ القَتْل. وأَجعَلُ تَدْبيرَ يَهوذا وأُورَشَليمَ في هٰذا المَكانِ باطِلًا وأُسقِطُهم بِالسَّيفِ أَمامَ أَعْدائِهم وبِأَيدي طالِبي نُفوسِهم، وأُسلِمُ جُثَثَهم طَعامًا لِطُيورِ السَّماءِ ولِبَهائِمِ الأَرض. وأَجعَلُ هٰذه المَدينَةَ خَرابًا وصَفيرًا، فكُلُّ مَن يَمُرُّ بِها يَدهَشُ ويُصَفِّرُ على جَميعِ ضَرَباتِها. وأُطعِمُهم لَحمَ بَنيهم ولَحمَ بَناتِهم، وكُلٌّ مِنهم يَأكُلُ لَحمَ صاحِبِه في الشِّدَّةِ والضِّيقِ الَّتي يُضايِقُهم بِها أَعْداؤُهم وطالِبو نُفوسِهم. ثُمَّ تَكسِرُ الإِبْريقَ على أَعيُنِ الرِّجالِ الذَّاهِبينَ مَعَكَ، وتَقولُ لَهم: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: كذٰلِك أَكسِرُ هٰذا الشَّعبَ وهٰذه المَدينة، كما يُكسَرُ إِناءُ الخَزَّافِ الَّذي لا يُمكِنُ أَن يُجبَرَ مِن بَعدُ، ويَدفِنونَهم في توفَتَ لأَنَّه لا مَكانَ لِلدَّفْن. هٰكذا أَصنَعُ بِهٰذا المَكان، يَقولُ الرَّبّ، وبِسُكَّانِه وأَجعَلُ هٰذه المَدينةَ مِثلَ توفَت، وتَكونُ بُيوتُ أُورَشَليمَ وبُيوتُ مُلوكِ يَهوذا كمكانِ توفَتَ نَجِسَةً: جَميعُ البُيوتِ الَّتي أَحرَقوا البَخورَ على سُطوحِها لِقُوَّاتِ السَّماءِ كافَّةً، وسَكَبوا سُكُبًا لِآلِهَةٍ أُخرى. وعادَ إِرمِيا مِن تَوفَتَ حَيثُ كانَ قد أَرسَلَه الرَّبُّ لِيَتَنَبَّأ، ووَقَفَ في فِناءِ بَيتِ الرَّبِّ وقالَ لِكُلِّ الشَّعْب: «هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا أَجلُبُ على هٰذه المَدينَةِ وعلى جَميعِ تَوابِعِها كُلَّ الشَّرِّ الَّذي تَكَلَّمتُ بِه علَيها، لأَنَّهم قَسَّوا رِقابَهم لِئَلاَّ يَسمَعوا لِكَلامي». وإِنَّ الكاهِنَ فَشْحورَ بنَ إِمِّير، وهو الرَّئيسُ الأَوَّلُ في بَيتِ الرَّبّ، سَمِعَ إِرمِيا يَتَنَبَّأُ بِهٰذه الكَلِمات، فضَرَبَ فَشْحورُ إِرمِيا النَّبِيّ، وجَعَلَه في المِقطَرَةِ الَّتي بِبابِ بَنْيامينَ الأَعْلى الَّذي عِندَ بَيتِ الرَّبّ. وفي الغَدِ أَخرَجَ فَشْحورُ إِرمِيا مِنَ المِقطَرَة. فقالَ لَه إِرمِيا: «لَن يَدْعُوَ الرَّبُّ ٱسمَكَ فَشْحور، بل «هَولًا مِن كُلِّ جانِب»، لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أُسلِمُكَ إِلى الهَول، أَنتَ وجَميعَ أَحِبَّائِكَ، فيَسقُطونَ بِسَيفِ أَعْدائِهم، وعَيناكَ تَرَيان، وأُسلِمُ يَهوذا كافَّةً إِلى يَدِ مَلِكِ بابِل، فيَجْلوهم إِلى بابِل ويَضرِبُهم بِالسَّيف. وأُسلِمُ كُلَّ ثَروَةِ هٰذه المَدينة وكُلَّ تَعَبِها وكُلَّ نَفائِسِها وكُلَّ كُنوزِ مُلوكِ يَهوذا إِلى أَيدي أَعْدائِها، فيَنهَبونَها ويَأخُذونَها ويَذهَبونَ بِها إِلى بابِل. وأَنتَ يا فَشْحورُ وجَميعُ سُكَّانِ بَيتِكَ تَمْضونَ إِلى الجَلاء، وتَدخُلُ بابِل، وتَموتُ هُناكَ وتُدفَنُ هُناكَ أَنتَ وكُلُّ أَحِبَّائِكَ الَّذينَ تَنَبَّأتَ لَهم بِالكَذِب». قد استَغوَيتَني يا رَبُّ فٱستُغْويت، قَبَضتَ علَيَّ فغَلَبتَ، صِرتُ ضُحكَةً كُلَّ النَّهار، فكُلُّ واحِدٍ يَستَهِزئُ بي، لأَنِّي كُلَّما تَكَلَّمتُ فإِنَّما أَصيح، وأُنادي بِالعُنفِ والدَّمار، فصارَ لي كَلامُ الرَّبِّ عارًا، وسُخرِيَّةً طولَ النَّهار. فقُلتُ: لا أَذكُرُه، ولا أَعودُ أَتَكَلَّمُ بِٱسمِه، لٰكِنَّه كانَ في قَلْبي كنارٍ محرِقَة، قد حُبِسَت في عِظامي، فأَجهَدَني ٱحتِمالُها، ولَم أَقْوَ على ذٰلك. سَمِعتُ النَّميمَةَ مِنَ الكَثيرين: «الهَولَ مِن كُلِّ جانِب! إِشتَكوا فنَشتَكيَ علَيه»، أَصدِقائي الحَميمونَ كُلُّهم، يَتَرَقَّبونَ سُقوطي: «لَعَلَّه يُستَقْوى فنَقْوى علَيه، ونَنتَقِمُ مِنه». لٰكِنَّ الرَّبَّ معي كجَبَّارٍ مُخيف، فلِذٰلك يَسقُطُ مُضطَهدِيَّ ولا يَقْوَون. يَخزَونَ لأَنَّهم لا يَنجَحون، وخَجَلُهم يَبْقى لِلأَبَدِ ولا يُنْسى. فيا رَبَّ القُوَّاتِ فاحِصَ البارّ، وناظِرَ الكُلى والقُلوب، سأَرى ٱنتِقامَكَ مِنهم، لأَنِّي إِلَيكَ بُحتُ بِقَضِيَّتي. أَنشِدوا لِلرَّبِّ، سَبِّحوا الرَّبّ، لأَنَّه أَنقَذَ نَفسَ المِسْكين، مِن أَيدي فاعِلي الشَّرّ. مَلْعونٌ اليَومُ الَّذي وُلِدتُ فيه، اليَومُ الَّذي وَلَدَتني فيه أُمِّي، لا يَكُن مُبارَكًا، مَلْعونٌ الإِنْسانُ الَّذي بَشَّرَ أَبي قائِلًا: «وُلِدَ لَكَ ٱبنٌ ذَكَر». وغَمَرَه بِالفَرَح. ولْيَكُنْ ذٰلك الإِنْسانُ كالمُدُنِ الَّتي قَلَبَها الرَّبُّ ولم يَندَم، ولْيَسمَعِ الصُّراخَ في الصَّباح، والهُتافَ عِندَ الظَّهيرَة، لأَنَّه لم يُمِتْني مِنَ الرَّحِم، حتَّى تَكونَ لي أُمِّي قَبرًا، ورَحِمُها حامِلًا لِلأَبَد. لِماذا خَرَجتُ مِنَ الرَّحِم، لأَرَى المَشَقَّةَ والحَسرَة، وتَفْنى أَيَّامي في الخِزْي؟ الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرمِيا مِن لَدُنِ الرَّبّ، لَمَّا أَرسَلَ إِلَيه المَلِكُ صِدقِيَّا فَشْحورَ بنَ مَلْكِيَّا والكاهِنَ صَفَنْيا بنَ مَعَسْيا، قائِلًا: «إِسأَلِ الرَّبَّ مِن أَجلِنا، فإِنَّ نبوكدنَصَّر، مَلِكَ بابِل، يُحارِبُنا، لَعَلَّ الرَّبَّ يَصنَعُ مَعَنا مِثلَ جَميعِ عَجائِبِه، فيَبتَعِدَ عنَّا». فقالَ لَهم إِرمِيا: «هٰكذا تَقولونَ لِصِدقِيَّا: هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا أَرُدُّ آلاتِ الحَربِ الَّتي بِأَيديكم والَّتي تُحارِبونَ بِها مَلِكَ بابِلَ والكَلْدانِيِّينَ المُضَيِّقينَ علَيكم مِن خارِجِ السُّور، وأَجمَعُها في وَسَطِ هٰذه المَدينة، وأُحارِبُكم أَنا بِيَدٍ مَبْسوطةٍ وذِراعٍ قَوِيَّة وبِغَضبٍ وسُخْطٍ وغَيظٍ شَديد، وأَضرِبُ سُكَّانَ هٰذه المَدينة، النَّاسَ والبَهائِم، فيَموتونَ بِطاعونٍ شَديد. وبَعدَ ذٰلك، يَقولُ الرَّبّ، أُسلِمُ صِدقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا، وعَبيدَه والشَّعبَ ومَن بَقِيَ في هٰذه المَدينةِ مِن الطَّاعونِ ومِنَ السَّيفِ ومِنَ الجُوع، إِلى يَدِ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، وإِلى أَيدي أَعْدائِهم وأَيدي طالِبي نُفوسِهم، فيَقتُلُهم بِحَدِّ السَّيف، لا يَعطِفُ علَيهم ولا يُشفِقُ ولا يَرحَم». وقُلْ لِهٰذا الشَّعْب: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أَجعَلُ أَمامَكم طَريقَ الحَياةِ وطَريقَ المَوت. فالَّذي يُقيمُ في هٰذه المَدينَةِ يَموتُ بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون، والَّذي يَخرُجُ ويَلجَأُ إِلى الكَلْدانِيِّينَ المُضَيِّقينَ علَيكم يَحْيا وتَكونُ لَه نَفْسَه غَنيمة. فإِنِّي جَعَلتُ وَجْهي على هٰذه المَدينَةِ لِلشَّرِّ لا لِلخَير، يَقولُ الرَّبّ، فتُسلَمُ إِلى يَدِ مَلِكِ بابِل، فيُحرِقُها بِالنَّار». وقُلْ لِبَيتِ مَلِكِ يَهوذا: إِسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبّ. يا بَيتَ داوُد، هٰكذا قالَ الرَّبّ: أَجْروا الحُكمَ في الصَّباح، وأَنقِذوا المَسْلوبَ مِن يَدِ الظَّالِم، لِئَلاَّ يَخرُجَ غَضَبي كالنَّار، فيُحرِقَ ولَيسَ مِن مُطفِئ، بِسَبَبِ شَرِّ أَعْمالِكم. هاءَنَذا عَلَيكِ يا ساكِنَةَ الوادي، يا صَخرَةَ السَّهلِ، يَقولُ الرَّبّ، يا مَن يَقولونَ: «مَنِ الَّذي يَنقَضُّ علَينا، ومَنِ الَّذي يَدخُلُ إِلى مَآوينا؟» بل أَنا أُعاقِبُكم، بِحَسَبِ ثِمَارِ أَعْمَالِكم، يَقولُ الرَّبّ، وأُوقِدُ نارًا في غابَتِها، فتَلتَهِمُ كُلَّ ما حَولَها. هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنزِلْ إِلى بَيتِ مَلِكِ يَهوذا، وتَكَلَّمْ هُناكَ بِهٰذا الكَلام، وقُلْ: إِسمَعْ كَلِمَةَ الرَّبّ، يا مَلِكَ يَهوذا، الجالِسَ على عَرشِ داود، أَنتَ وعَبيدُكَ وشَعبُكَ الدَّاخِلونَ مِن هٰذه الأَبْواب. هٰكذا قالَ الرَّبّ: أَجْروا الحُكمَ والبِرَّ وأَنقِذوا المَسْلوبَ مِن يَدِ الظَّالِم، ولا تَتَحاملوا على النَّزيلِ واليَتيمِ والأَرمَلَة، ولا تُعَنِّفوهم، ولا تَسفِكوا الدَّمَ الزَّكِيَّ في هٰذا المَكان. فإِنَّكم، إِن عَمِلتُم بِهٰذا الكَلام، فمُلوكٌ جالِسونَ على عَرشِ داوُد، راكِبونَ على مَركَباتٍ وخَيل، يَدخُلونَ مِن أَبْوابِ هٰذا البَيت، هم وعَبيدُهم وشَعبُهم. وإِن لم تَسمَعوا هٰذا الكَلام، فبِنَفْسي أَقسَمتُ، يَقولُ الرَّبّ، إِنَّ هٰذا البَيتَ يَكونُ خَرابًا. فإِنَّه هٰكذا قالَ الرَّبُّ على بَيتِ مَلِكِ يَهوذا: أَنتَ لي جِلْعادُ ورَأسُ لُبْنان، لَأَجعَلَنَّكَ قَفرًا ومُدُنًا لا ساكِنَ فيها، وأُخَصِّصُ علَيكَ مُهلِكين، كُلُّ واحِدٍ مع مَعَدَّاتِه، فيَقطَعونَ نُخبَةَ أَرزِكَ ويُلْقونَها في النَّار. فتَمُرُّ أُمَمٌ كَثيرةٌ بِهٰذه المَدينة، فيَقولُ كُلٌّ لِصاحِبِه: «لِماذا صَنَعَ الرَّبُّ هٰكذا بِهٰذه المَدينَةِ العَظيمة؟» فيَقولون: «لأَنَّهم تَرَكوا عَهدَ الرَّبِّ إِلٰهِهم وسَجَدوا لِآلِهَةٍ أُخْرى وعَبَدوها». لا تَبْكوا على المَيتِ ولا تَرْثوه، بلِ ٱبْكوا بُكاءً على الذَّاهِبِ، الَّذي لا يَرجِعُ مِن بَعدُ، ولا يَرى مَسقَطَ رَأسِه. لأَنَّه هٰكذا تَكَلَّمَ الرَّبُّ على شَلُّومَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، الَّذي مَلَكَ مَكانَ يوشِيَّا أَبيه وخَرَجَ مِن هٰذا المَكان: إِنَّه لا يَرجِعُ إِلى هٰهُنا مِن بَعدُ، بل في المَكانِ الَّذي جُلِيَ إِلَيه هُناكَ يَموت، ولا يَعودُ يَرى هٰذه الأَرض. وَيلٌ لِمَن يَبْني بَيتَه بِغَيرِ بِرّ، وعُلِّيَّاتِه بِغَيرِ حَقّ، ويَستَخدِمُ قَريبَه بِلا أُجرَة، ولا يُعْطيه ثَمَنَ عَمَلِه، ويَقول: «أَبْني لي بَيتًا واسِعًا، وعُلِّيَّاتٍ فَسيحة»، ففَتَحَ لِنَفْسِه النَّوافِذَ، وسَقَّفَه بالأَرزِ ودَهَنَه بِالأَحمَر، أَيَكونُ مُلكُكَ بأَن تُفاخِرَ بِالأَرْز؟ أَما أَكَلَ أَبوكَ وشَرِب، وأَجْرى الحَقَّ والبِرّ، وحينَئِذٍ طابَ لَه كُلُّ شَيء. لقَد أَجْرى الحُكمَ لِلْبائِسِ والمِسْكين، وحينَئِذٍ كانَ كُلُّ شَيءٍ حَسَنًا، أَلَيسَت هٰذه هي المَعرِفَةُ لي؟ يَقولُ الرَّبّ. أَمَّا أَنتَ فإِنَّما عَيناكَ وقَلبُك، على المَكاسِبِ وسَفكِ الدَّمِ البَريء، والظُّلمِ والعُنْفِ لِٱرتِكابِها. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبُّ لِيوياقيمَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا: لا يَندُبونَه قائلين: «آهًا يا أَخي أو آهًا يا أُخْتي!»، ولا يَندُبونَه قائلين: «آهًا واسَيِّداه أَو آهًا وا جَليلاه!»، بل يُطمَرُ طَمرَ الحِمار، مَجْرورًا مَطْروحًا بَعيدًا عن أَبْوابِ أُورَشَليم. إِصعَدي إِلى لُبْنانَ وٱصرُخي، وفي باشانَ ٱرفَعي صَوتَكِ، وٱصرُخي مِنَ العَباريم، فإِنَّ جَميعَ مُحِبِّيكِ تَحَطَّموا. كَلَّمتُكِ في طُمَأنينَتِكِ، فقُلتِ: «لا أَسمَع»، هٰذا طَريقُكِ مُنذُ صِباكِ، إِنَّكِ لم تَسمَعي لِصَوتي. ستَرْعى الرِّيحُ جَميعَ رُعاتِكِ، ويَمْضي مُحِبُّوكِ إِلى الجَلاء، فتَخزَينَ حينَئِذٍ وتَخجَلين، بِسَبَبِ كُلِّ شَرِّكِ. يا ساكِنَةَ لُبْنان، المُتَّخِذَةَ في الأَرزِ عُشَّها، ما أَشَدَّ ما يَكونُ ٱنتِحابُكِ، حينَ يَأخُذُكِ المَخاضُ والوَجَعُ كالَّتي تَلِد! حَيٌّ أَنا، يَقولُ الرَّبّ، لو كانَ كُنْيا بنُ يوياقيم، مَلِكِ يَهوذا، خاتَمًا في يَدِيَ اليُمْنى، لنَزَعتُهُ مِنها. سأُسلِمُكَ إِلى أَيدي طالِبي نَفسِكَ وأَيدي الَّذينَ تَفزَعُ مِن وُجوهِهم، وإِلى يَدِ نَبوكدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، وأَيدي الكَلْدانِيِّين، وأُقذِفُكَ أَنتَ وأُمَّكَ الَّتي وَلَدَتكَ إِلى أَرضٍ أُخْرى حَيثُ لم تولَدا، وهُناكَ تموتان. والأَرضُ الَّتي تَطمَحُ أَنفُسُهما إِلى الرُّجوعِ إِلَيها لا يَرجِعان إِلَيها. أَوِعاءُ خَزَفٍ مُزْدرًى مَكْسور، هٰذا الرَّجُلُ كُنْيا، أَم إِناءٌ غَيرُ مَرْغوبٍ فيه؟ ما بالُه قُذِفَ هو وذُرِّيَّتُه، وأُلْقوا إِلى أَرضٍ لم يَعْرِفوها؟ يا أَرضُ يا أَرضُ يا أَرضُ، اِسمَعي كَلِمَةَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: سَجِّلوا هٰذا الإِنْسان: «عَقيمًا رَجُلًا لم يَنجَحْ في أَيَّامِه»، فلَن يَنجَحَ مِن ذُرِّيَّتِه أَحَد، في الجُلوسِ على عَرشِ داوُد، والتَّسَلُّطِ في يَهوذا مِن بَعدُ. وَيلٌ لِلرُّعاةِ الَّذينَ يُبيدونَ ويُشَتِّتونَ غَنَمَ رَعِيَّتي، يَقولُ الرَّبّ. لِذٰلِك هٰكذا تَكَلَّمَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، على الرُّعاةِ الَّذينَ يَرعَونَ شَعْبي: إِنَّكم قد شَتَّتُّم غَنَمي وطَرَدتُموها ولم تَفتَقِدوها. فهاءَنَذا أَفتَقِدُ علَيكم شَرَّ أَعْمالِكُم، يَقولُ الرَّبّ، وأَجمَعُ بَقِيَّةَ غَنَمي مِن جَميعِ الأَراضي الَّتي طَرَدتُها إِلَيها، وأَرُدُّها إِلى مَراعيها، فتُثمِرُ وتَكثُر. وأُقيمُ علَيها رُعاةً يَرعَونَها، فلا تَعودُ تَخافُ وتَفزَع، ولا يَكونُ مِنها مَفْقود، يَقولُ الرَّبّ. ها إِنَّها ستأتي أَيَّامٌ، يَقولُ الرَّبّ، أُقيمُ فيها لِداوُدَ نَبْتًا بارًّا، ويَملِكُ مَلِكٌ يَتَصَرَّفُ بِفِطنَة، ويُجري الحُكمَ والبِرَّ في الأَرض. في أَيَّامِه يُخَلَّصُ يَهوذا، ويَسكُن إِسْرائيلُ في أَمان. والِٱسمُ الَّذي سيُدْعى بِه، هو «الرَّبُّ بِرُّنا». لِذٰلك ها إِنَّها ستَأتي أَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، لا يَقولونَ فيها مِن بَعدُ: «حَيٌّ الرَّبُّ الَّذي أَصعَدَ بَني إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصْر»، بل: «حَيٌّ الرَّبُّ الَّذي أَصعَدَ ذُرِّيَّةَ بَيتِ إِسْرائيل، وأَتى بِهم مِن أَرضِ الشَّمالِ ومِن جَميعِ الأَراضي الَّتي دَفَعتُهم إِلَيها، فسَكَنوا في أَرضِهم». على الأَنبياء: قدِ ٱنكَسَرَ قَلْبي في داخِلي، ورَجَفَت كُلُّ عِظامي، وصِرتُ كإِنْسانٍ سَكْران، وكرَجُلٍ غَلَبَته الخَمْر بِسَبَبِ الرَّبِّ، وبِسَبَبِ كَلِماتِ قُدسِه. لأَنَّ الأَرضَ ٱمتَلأَت مِنَ الفُسَّاق، وناحَت بِسَبَبِ اللَّعنَة، ويَبِسَت مَراعي البرِّيَّة، وصارَت مَساعيهِم شِرِّيرة، وبَسالَتُهم ظالِمة. لأَنَّ النَّبِيَّ والكاهِنَ كافِران، وفي بَيتي وَجَدتُ شَرَّهما، يَقولُ الرَّبّ: لِذٰلك يَكونُ طَريقُهما كمَزلَقة، فيُدفَعانِ إِلى الظَّلامِ ويَسقُطانِ فيه، لأَنِّي أَجلُبُ علَيهما شَرًّا، في سَنَةِ عِقابِهما، يَقولُ الرَّبّ. ففي أَنبِياءِ السَّامِرَةِ رَأَيتُ الغَباوَة: تَنَبَّأُوا بِالبَعلِ وأَضَلُّوا شَعْبي إِسْرائيل. وفي أَنبِياءِ أُورَشَليم رَأَيتُ ما يُقشَعَرُّ مِنه: الفِسْقَ والسُّلوكَ في الكَذِب، شَدَّدوا أَيدي فَعَلَةِ الشَّرّ، لِئَلاَّ يَرجِعوا كُلُّ واحِدٍ عن سوئِه، فصاروا كُلُّهم كَسدوم، وصارَ سُكَّانُها كعَمورة. لِذٰلِكَ هٰكذا تَكَلَّمَ رَبُّ القُوَّات على الأَنبِياء: هاءَنَذا أُطعِمُهم مَرارَة، وأَسْقيهم ماءَ سُمّ، لأَنَّه مِن أَنبِياءِ أُورَشَليم، خَرَجَ الكُفرُ إِلى كُلِّ الأَرض. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: لا تَسمَعوا لِكَلامِ الأَنبِياءِ، الَّذينَ يَتَنَبَّأونَ لَكم ويَخدَعونَكم. يَتَكَلَّمونَ بِرُؤْيا قُلوبِهم، لا بِما يَخرُجُ مِن فَمِ الرَّبّ. يَقولونَ لِلَّذينَ يَحتَقِرونَني: «قد تَكَلَّمَ الرَّبّ، فسيَكونُ لَكم سَلام»، ولِكُلِّ مَن يَسيرُ على تَصَلُّبِ قَلبِه، يَقولون: «لا تَحِلُّ بِكم بَلْوى». لأَنَّه مَن وَقَفَ في مَجلِسِ الرَّبّ، ورَأَى وسَمِعَ كَلِمَتَه؟ مَنِ الَّذي أَصْغى إِلى كَلِمَتِه وٱستَمَعَها؟ ها إِنَّ زَوبَعَةَ سُخطِ الرَّبِّ قد خَرَجَت، وعاصِفَةً هائِجَةً قد ثارَت، على رُؤُوسِ الأَشْرار. فلا يَرجِعُ غَضَبُ الرَّبّ، حتَّى يَفعَلَ وحتَّى يُتِمَّ مُرادَ قَلبِه. في آخِرِ الأَيَّامِ تَفهَمون: إِنِّي لم أُرِسلِ الأَنبِياء وها إِنَّهم يَركُضون، ولَم أُكَلِّمْهم وها إِنَّهم مُتَنَبِّئون. ولو وَقَفوا في مَجلِسي، وأسمَعوا شَعْبي كَلامي، لَكانوا أَرجَعوهم عن طَريقِهمِ الشِّرِّير، وعن شَرِّ أَعْمالِهم. أَإِلٰهٌ أَنا عن قُربٍ، يَقولُ الرَّبّ، ولَستُ إِلٰهًا عن بُعْد؟ أَيَخْتَبِئُ إِنسانٌ في الخَفايا، وأَنا لا أَراه، يَقولُ الرَّبّ؟ أَلَستُ مالِئَ السَّمٰواتِ والأَرض، يَقولُ الرَّبّ؟ إِنِّي سَمِعتُ ما قالَه الأَنبِياءُ المُتَنَبِّئونَ بِٱسمي كَذِبًا قائلين: «لقَد حَلَمتُ، لقَد حَلَمتُ». إِلى مَتى يَكونُ ذٰلك في قُلوبِ الأَنبِياءِ المُتَنَبِّئينَ بِالكَذِب والمُنبِئينَ بِمَكرِ قُلوبِهم، والَّذينَ يَقصِدونَ أَن يُنْسوا شَعْبِيَ ٱسمي، بِأَحْلامِهمِ الَّتي يَقُصُّها كُلٌّ مِنهم على صاحِبِه، كما نَسِيَ آباؤُهمُ ٱسْمي لأَجْلِ البَعْل؟ النَّبِيُّ الَّذي عِندَه حُلمٌ فليَقُصَّه، والَّذي عِندَه كَلِمَتي فلْيَتَكَلَّمْ بِها بِالحَقّ. أَيُّ صِلَةٍ بَينَ التِّبنِ والحِنطَة، يَقولُ الرَّبّ؟ أَلَيسَت كَلِمَتي كالنَّار، يَقولُ الرَّبّ وكالمِطرَقَةِ الَّتي تُحَطِّمُ الصَّخْر؟ لِذٰلك هاءَنَذا على الأَنبِياء، يَقولُ الرَّبّ، الَّذينَ يَسرِقونَ كَلامي كُلُّ واحِدٍ مِن صاحِبِه. هاءَنَذا على الأَنبِياء، يَقولُ الرَّبّ، الَّذينَ يَستَخدِمونَ أَلسِنَتَهم ويَقولونَ أَقْوالًا نَبَوِيَّة. هاءَنَذا على الَّذينَ يَتَنَبَّأُونَ بِأَحْلامٍ كاذِبَة، يَقولُ الرَّبّ، ويَقُصُّونَها ويُضِلُّونَ شَعْبي بِأَكاذيبِهم وعُجبِهم، وأَنا لم أُرسِلْهم ولم آمُرْهم، وهم لا يَنفَعونَ هٰذا الشَّعبَ في شيءٍ، يَقولُ الرَّبّ. إِذا سَأَلَكَ هٰذا الشَّعبُ أَو نَبِيٌّ أَو كاهِنٌ قائلًا: «ما حِمْلُ الرَّبّ»، فقُلْ لَهم: «أَنتُم حِملٌ فأَنا أُلقيكم عنِّي، يَقولُ الرَّبّ»، والنَّبِيُّ والكاهِنُ والشَّعبُ الَّذي يَقول: «حِمْلُ الرَّبّ»، أَفتَقِدُ ذٰلك الإِنسانَ هو وبَيتَه. قولوا هٰكذا كُلٌّ مِنكم لصاحِبِه وكُلٌّ لأَخيه: «بِماذا أَجابَ الرَّبُّ» أو «بِماذا تَكَلَّمَ الرَّبّ؟» أَمَّا حِمْلُ الرَّبِّ فلا تَذكُروه مِن بَعدُ، فإِنَّ كَلِمَةَ الإِنسانِ تَكونُ حِملَه، إِذ قد حَوَّلتُم كَلامَ الإلٰهِ الحَيّ، رَبِّ القُوَّاتِ إِلٰهِنا. هٰكذا قُلْ لِلنَّبِيّ: «بِماذا أَجابَ الرَّبُّ» أَو «بِماذا تَكَلَّمَ الرَّبّ؟» فإن قُلتُم: «حِملُ الرَّبّ»، فهٰكذا قالَ الرَّبّ: بِسَبَبِ قولِكم «حِملُ الرَّبّ»، بَعدَما أَرسَلتُ إِلَيكم قائلًا: لا تقولوا: «حِمْلَ الرَّبّ»، لِذٰلك هاءَنَذا أَرفَعُكم رَفْعًا وأَنبِذُكم عن وَجْهي أَنتُم والمَدينَةَ الَّتي أَعطَيتُها لَكم ولِآبائِكم، وأَجعَلُ علَيكم عارًا أَبَدِيًّا وخِزْيًا أَبَدِيًّا لن يُنْسى. أَرانِيَ الرَّبُّ قُفَّتَي تينٍ مَوضوعَتَينِ أَمامَ هَيكَلِ الرَّبّ، بَعدَ أَن جَلا نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، يَكُنْيا بنَ يوياقيم، مَلِكَ يَهوذا، ورُؤَساءَ يَهوذا والحَدَّادينَ والقَفَّالينَ مِن أُورَشَليم، وأَتى بِهم إِلى بابِل. وكانَ في القُفَّةِ الأُولى تينٌ طَيِّبٌ جِدًّا كباكورَةِ التِّين، وفي القُفَّةِ الثَّانِيَةِ تينٌ خَبيثٌ جِدًّا لا يُمكِنُ أَكلُه مِن خَباثَتِه. فقالَ لِيَ الرَّبّ: «ماذا تَرى يا إِرِميا؟» فقُلتُ: «تينًا، التِّينُ الطَّيِّبُ مِنه طَيِّبٌ جِدًّا، والخَبيثُ خَبيثٌ جِدًّا لا يُمكِنُ أَكلُه مِن خَباثَتِه». فكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: مِثْلَ هٰذا التِّينِ الطَّيِّبِ أَجعَلُ نَظَري إِلى مَجلُوِّي يَهوذا الَّذينَ أَرسَلتُهم مِن هٰذا المَكانِ إِلى أَرضِ الكَلْدانِيِّينَ لِخَيرِهم، وأَجعَلُ عَينَيَّ علَيهم لِخَيرِهم، وأُرجِعُهم إِلى هٰذه الأَرض، وأَبْنيهم ولا أَهدِمُهم، وأَغرِسُهم ولا أَقلَعُهم. وأُعطيهم قَلبًا لِيَعرِفوا أَنِّي أَنا الرَّبّ، ويَكونونَ لي شَعبًا وأَكونُ أَنا لَهم إِلْهًا، لأَنَّهم يَرجِعونَ إِلَيَّ بِكُلِّ قُلوبِهم. أَمَّا التِّينُ الخَبيثُ الَّذي لا يُمكِنُ أَكلُه مِن خَباثَتِه، فهٰكَذا قالَ الرَّبّ: كذٰلك أَجعَلُ صِدقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا، ورُؤَساءَه وبَقِيَّةَ أُورَشَليم، الَّذينَ بَقوا في هٰذه الأَرضِ والسَّاكِنينَ في أَرضِ مِصر، أَجعَلُهم مَوضِعَ رُعبٍ وبَلْوى لِجَميعِ مَمالِكِ الأَرض، وعارًا ومَثَلًا وأُحْدوثَةً ولَعَنَةً في جَميعِ الأَماكِنِ الَّتي دَفَعتُهم إِلَيها. وأُرسِلُ علَيهمِ السَّيفَ والجوعَ والطَّاعونَ، حتَّى يَفنَوا في الأَرضِ الَّتي أَعطَيتُها لَهم ولِآبائِهم. الكَلَمِةُ الَّتي كانت إِلى إِرِميا على كُلِّ شَعبِ يَهوذا في السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيوياقيمَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، (وهي السَّنَةُ الأُولى لِنَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل). تَكَلَّمَ بِها إِرِميا النَّبِيُّ على كُلِّ شَعبِ يَهوذا وجَميعِ سُكَّانِ أُورَشَليمَ، قائِلًا: مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ عَشرَةَ لِيوشِيَّا بنِ آمون، مَلِكِ يَهوذا، إِلى هٰذا اليَوم، هٰذه هي الثَّالِثَةُ والعِشْرونَ الَّتي فيها كانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبّ، فكَلَّمتُكم بِلا مَلَل، (ولم تَسمَعوا. وقَد أَرسَلَ الرَّبُّ إِلَيكم كُلَّ عَبيدِه الأَنبِياء، فلَم تَسمَعوا ولَم تُميلوا آذانَكم لِتَسمَعوا). قُلتُ: إِرجِعوا كُلُّ واحِدٍ عن طَريقِه الشِّرِّيرِ وعن شرِّ أَعْمالِكم، فتَسكُنونَ في الأَرضِ الَّتي أَعْطاها الرَّبُّ لَكم ولِآبائِكم مِنَ الأَزَلِ إِلى الأَبَد (ولا تَسيروا وَراءَ آلِهَةٍ أُخْرى لِتَعبُدوها وتَسجُدوا لَها، ولا تُسخِطوني بِصُنعِ أَيديكم فلا أُسيءَ إِلَيكم)، فلم تَسمَعوا لي (يَقولُ الرَّبّ، إِسْخاطًا لي بِصُنعِ أَيديكم لِبَلْواكم). لِذٰلك هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: بِما أَنَّكم لم تَسمَعوا لِكَلامي، فهاءَنَذا أُرسِلُ وآخُذُ جَميعَ عَشائِرِ الشَّمال، (يَقولُ الرَّبّ، حَولَ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، عَبْدي) وآتي بِها على هٰذه الأَرضِ وعلى جَميعِ سُكَّانِها (وعلى هٰذه الأُمَمِ مِن حَولِها) وأُحَرِّمُهم وأَجعَلُهم دَهَشًا وصَفيرًا وأَخرِبَةً أَبَدِيَّة، وأُزيلُ مِنهم صَوتَ الطَّرَبِ وصَوتَ الفَرَح، صَوتَ العَريسِ وصَوتَ العَروس، صَوتَ الرَّحى ونورَ السِّراج. وتَكونُ هٰذه الأَرضُ كُلُّها خَرابًا ودَهَشًا، وتُستَعبَدُ هٰذه الأُمَمُ لِمَلِكِ بابِلَ سَبْعينَ سَنَة. (وعِندَ ٱنقِضاءِ السَّبْعينَ سَنَةً، أَفتَقِدُ مَلِكَ بابِلَ وتِلكَ الأُمَّة، يَقولُ الرَّبّ، بِسَبَبِ إِثمِهم، وأَرضَ الكَلْدانِيِّين، وأَجعَلُها دَمارًا أَبَدِيًّا)، وأَجلُبُ على تِلكَ الأَرضِ جَميعَ الكَلامِ الَّذي تَكَلَّمتُ بِه علَيها، كُلَّ ما كُتِبَ في هٰذا الكِتاب. ما تَنَبَّأَ بِه إِرِميا على جَميعِ الأُمَم. (لأَنَّ أُمَمًا كَثيرةً ومُلوكًا عُظَماءَ يَستَعبِدونَهم أَيضًا، فأُجازيها بِحَسَبِ أَفْعالِها وأَعْمالِ أَيديها). لأَنَّه هٰكذا قالَ لِيَ الرَّبّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: خُذْ كأسَ خَمرِ الغَضَبِ هٰذه مِن يَدِي وٱسقِها جَميعَ الأُمَمِ الَّتي أُرسِلُكَ إِلَيها، فتَشرَبُ وتَتَرَنَّحُ وتَتَجَنَّنُ مِنَ السَّيفِ الَّذي سأُرسِلُه بَينَها. فأَخَذتُ الكَأسَ مِن يَدِ الرَّبّ، وسَقَيتُها جَميعَ الأُمَمِ الَّتي أَرسَلَني الرَّبُّ إِلَيها: (أُورَشَليمَ ومُدُنَ يَهوذا ومُلوكَها ورُؤَساءَها لأَجعَلَها خَرابًا ودَهَشًا وصَفيرًا ولَعنَةً كما في هٰذا اليَوم)، وفِرعَونَ، مَلِكَ مِصرَ، وعَبيدَه ورُؤَساءَه وكُلَّ شَعبِه، وخَليطَ الأَجانِبِ كُلِّه (وجَميعَ مُلوكِ أَرضِ عوص) وجَميعَ مُلوكِ أَرضِ فَلِسْطينَ وأَشقَلونَ وغَزَّةَ وعَقْرونَ وبَقِيَّةَ أَشْدود، وأَدومَ وموآبَ وبَني عَمُّون، و(جَميعَ) مُلوكِ صور و(جَميعَ) مُلوكِ صَيدونَ ومُلوكِ الجُزُرِ الَّتي في عِبرِ البَحْر، ودَدانَ وتَيماءَ وبوزَ وجَميعَ مَقْصوصي السَّوالِف، وجَميعَ مُلوكِ العَرَبِ (وجَميعَ مُلوكِ القَبائِل) السَّاكِنينَ في البَرِّيَّة، (وجَميعَ مُلوكِ زِمْري) وجَميعَ مُلوكِ عَيلام وجَميعَ مُلوكِ ميدِيا، وجَميعَ مُلوكِ الشَّمال، دانِيَهُم وقاصِيَهم، كُلَّ واحِدٍ بَعدَ أَخيه، وكُلَّ مَمالِكِ الأَرضِ الَّتي على وَجهِ الدُّنْيا، (ومَلِكُ شيشاك يَشرَبُ بَعدَهم). وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِشرَبوا وٱسكَروا وقيئوا وٱسقُطوا ولا تَقوموا أَمامَ السَّيفِ الَّذي سأُرسِلُه بَينَكم. وإِذا أَبَوا أَن يَأخُذوا الكَأسَ مِن يَدِكَ لِيَشرَبوا، فقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: بل تَشرَبونَ شُربًا، فهاءَنَذا أَشرَعُ في الإِساءَةِ إِلى المَدينَةِ الَّتي دُعِيَ ٱسْمي علَيها، أَفتَكونونَ أَنتُم أَبرِياء؟ لن تَكونوا أَبرِياء، لأَنِّي أَدْعو السَّيفَ على جَميعِ سُكَّانِ الأَرض، يَقولُ رَبُّ القُوَّات. وأَنتَ فَتَنَبَّأ علَيهم بِكُلِّ هٰذا الكَلامِ وقُلْ لَهم: الرَّبُّ مِنَ العَلاءِ يَزأَر، ومِن مَسكِنِ قُدسِه يُطلِقُ صَوتَه، يَزأَرُ زَئيرًا على مَرْعاه، وكدائِسي العِنَبِ يَجهَرُ بِهُتاف، على جَميعِ سُكَّانِ الأَرض. بَلَغَتِ الجَلَبَةُ إِلى أَقاصي الأَرض، لأَنَّ لِلرَّبِّ دَعْوى مع الأُمَم، فحاكَمَ جَميعَ البَشَر، وأَسلَمَ الأَشْرارَ إِلى السَّيف، يَقولُ الرَّبّ. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: هُوذا الشَّرُّ خارِجٌ مِن أُمَّةٍ إِلى أُمَّة، وزَوبَعَةٌ عَظيمةٌ تَثورُ مِن أَطْرافِ الأَرض. ويَكونُ قَتْلى الرَّبِّ في ذٰلك اليَومِ، مِن أَقصى الأَرضِ إِلى أَقصى الأَرض. لا يُندَبونَ. ولا يُجمَعونَ ولا يُدفَنون. بل يَكونونَ زِبْلًا على وَجهِ الأَرض. وَلوِلوا أَيُّها الرُّعاةُ وٱصرُخوا، وتَمَرَّغوا في التُّرابِ يا رُؤَساءَ القَطيع، لأَنَّ أَيَّامَكم قد تَمَّت لِلذَّبْح، ولِلتَّشتيتِ حين تَسقُطونَ كآنِيَةٍ شَهِيَّة ويَزولُ كُلُّ مَلجَإٍ عنِ الرُّعاة، وكُلُّ نَجاةٍ عن رُؤَساءِ القَطيع. صَوتُ صُراخِ الرُّعاةِ ووَلوَلَةِ رُؤَساءِ القَطيع، لأَنَّ الرَّبَّ دَمَّرَ مَرْعاهم وٱستَولى السُّكوتُ على مَراعي السَّلام، مِن سَورَةِ غَضَبِ الرَّبّ، هَجَرَ كالشِّبلِ عَرينَه، لأَنَّ أَرضَهم صارَت خَرابًا، مِن حَنَقِ السَّيفِ الفَتَّاك، ومِن سَورَةِ غَضَبِه. في بَدْءِ مُلكِ يوياقيمَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، كانَ هٰذا الكَلامُ مِن لَدُنِ الرَّبِّ، قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: قِفْ في دارِ بَيتِ الرَّبّ، وتَكَلَّمْ على جَميعِ مُدُنِ يَهوذا القادِمَةِ لِلسُّجودِ في بَيتِ الرَّبّ، بِجَميعِ الكَلامِ الَّذي أَمَرتُكَ أَن تُكَلِّمَهم بِه ولا تُسقِطْ كَلِمَة، لَعَلَّهم يَسمَعونَ ويَرجِعونَ، كُلٌّ مِنهم عن طَريقِه الشِّرِّير، فأَندَمَ على الشَّرِّ الَّذي أَنا نَوَيتُ أَن أَصنَعَه بهم بِسَبَبِ شَرِّ أَعْمالِهم، وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِن لم تَسمَعوا لي فتَسيروا على شَريعَتي الَّتي جَعَلتُها أَمامَكم، وتَسْمَعوا لِكَلامِ عَبيدِيَ الأَنبِياءِ الَّذينَ أَرسَلتُهم إِلَيكم بِلا مَلَل ولَم تَسمَعوا لَهم، فإِنِّي أَجعَلُ هٰذا البَيتَ نَظيرَ شيلو، وأَجعَلُ هٰذه المَدينَةَ لَعنَةً لِجَميعِ أُمَمِ الأَرض. فسَمِعَ الكَهَنَةُ والأَنبِياءُ وكُلُّ الشَّعبِ إِرِميا يَتَكَلَّمُ بِهٰذا الكَلامِ في بَيتِ الرَّبّ. فلَمَّا فَرَغَ إِرِميا مِنَ التَّكَلُّمِ بِجَميعِ ما أَمَرَه الرَّبُّ أَن يُكَلِّمَ بِه الشَّعبَ كُلَّه، قَبَضَ علَيه الكَهَنَةُ والأَنبِياءُ وكُلُّ الشَّعبِ وقالوا: «لَتموتَنَّ مَوتًا! لِماذا تَنَبَّأتَ بِٱسمِ الرَّبِّ قائِلًا: إِنَّ هٰذا البَيتَ يَكونُ نَظيرَ شيلو وهٰذه المَدينَةَ تَصيرُ خَرابًا لا ساكِنَ فيها؟». وٱجتَمَعَ الشَّعبُ كُلُّه على إِرِميا في بَيتِ الرَّبّ. فسَمِعَ رُؤَساءُ يَهوذا بِهٰذا الكَلام، فصَعِدوا مِن بَيتِ المَلِكِ إِلى بَيتِ الرَّبّ، وجَلَسوا في مَدخَلِ بابِ الرَّبِّ الجَديد. فقالَ الكَهَنَةُ والأَنبِياءُ لِلرُّؤَساءِ ولِكُلِّ الشَّعب: «إِنَّ هٰذا الرَّجُلَ يَستَوجِبُ المَوت، لأَنَّه تَنَبَّأَ على هٰذه المَدينَةِ كما سَمِعتُم بِآذانِكم». فأَجابَ إِرِميا جَميعَ الرُّؤَساءِ وكُلَّ الشَّعْبِ قائِلًا: «إِنَّ الرَّبَّ قد أَرسَلَني لأَتَنَبَّأَ على هٰذا البَيتِ وعلى هٰذه المَدينَةِ بِجَميعِ الكَلامِ الَّذي سَمِعتُموه. فالآنَ أَصلِحوا طُرُقَكم وأَعْمالَكم وٱسمَعوا لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكم، فيَندَمَ الرَّبُّ على الشَّرِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه علَيكم. أَمَّا أَنا فهاءَنَذا في أَيديكم، فٱصنَعوا بي كما يَصلُحُ ويَحسُنُ في أَعيُنِكم. لٰكِنِ ٱعلَموا يَقينًا أَنَّكم، إِن قَتَلتُموني، تَجعَلونَ دَمًا بَريئًا علَيكم وعلى هٰذه المَدينةِ وعلى سُكَّانِها، لأَنَّ الرَّبَّ أَرسَلَني حَقًّا إِلَيكم لأَتَكَلَّمَ على مَسامِعِكم بِهٰذا الكَلامِ كُلِّه». فقالَ الرُّؤَساءُ وكُلُّ الشَّعبِ لِلكَهَنَةِ والأَنبِياء: «هٰذا الرَّجُلُ لا يَستَوجِبُ حُكمَ المَوت، لأَنَّه بِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِنا كَلَّمَنا». فقامَ رِجالٌ مِن شُيوخِ تِلكَ الأَرضِ وكَلَّموا كُلَّ جَماعةِ الشَّعبِ قائلين: «إِنَّ ميخا المورَشْتِيَّ تَنَبَّأَ في أَيَّامِ حِزقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، وكَلَّمَ كُلَّ شَعبِ يَهوذا قائِلًا: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: صِهْيونُ كحَقْلٍ تُحرَث، وأُورَشَليمُ أَطْلالًا تَصير، وجَبَلُ البَيتِ مَشارِفَ غاب. أَفأَماتَه حِزقِيَّا، مَلِكُ يَهوذا وكُلُّ يَهوذا؟ أَما خَشِيَ الرَّبَّ وٱستَرْضى وَجهَ الرَّبّ، فنَدِمَ الرَّبُّ على الشَّرِّ الَّذي تَكَلَّمَ بهِ علَيهم؟ أَمَّا نَحنُ فإِنَّنا الجالِبونَ على نُفوسِنا شَرًّا عَظيمًا». وكانَ أَيضًا رَجُلٌ يَتَنَبَّأُ بِٱسمِ الرَّبّ، وهو أُورِيَّا بنُ شَمَعْيا مِن قَريَةِ يَعاريم، فتَنَبَّأَ على هٰذه المَدينةِ وعلى هٰذه الأَرضِ بِمِثلِ جَميعِ كَلامِ إِرِميا. فسَمِعَ كَلامَه المَلِكُ يوياقيمُ وكُلُّ أَبْطالِه وكُلُّ الرُّؤَساء، فسَعى المَلِكُ إِلى قَتلِه، فسَمِعَ أُورِيَّا بِذٰلك فخافَ وهَرَبَ وذَهَبَ إِلى مِصر. فأَرسَلَ المَلِكُ يوياقيمُ رِجالًا إِلى مِصرَ، أَلْناتانَ بنَ عَكْبور ونَفَرًا يَصحَبونَه إِلى مِصْر. فأَخرَجوا أُورِيَّا مِن مِصرَ وأَتَوا بِه إِلى المَلِكِ يوياقيم، فقَتَلَه بِالسَّيف، وطَرَحَ جُثَّتَه في قُبورِ عامَّةِ الشَّعْب. أَمَّا إِرِميا فكانَت معَه يَدُ أَحيقامَ بنَ شافان، لِئَلاَّ يُسلَمَ إِلى أَيدي الشَّعبِ فيَقتُلوه. (في بَدْءِ مُلكِ يوياقيمَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، كانَت هٰذه الكَلِمَةُ إِلى إِرِميا مِن لَدُنِ الرَّبِّ قائِلًا): هٰكذا قالَ لِيَ الرَّبّ: إِصنَعْ لَكَ رُبُطًا ونيرًا وٱجعَلْها على عُنُقِكَ، وأَرسِلْ بِها إِلى مَلِكِ أَدومَ ومَلِكِ موآبَ ومَلِكِ بَني عَمُّونَ ومَلِكِ صورَ ومَلِكِ صَيدون، بِأَيدي الرُّسُلِ القادِمينَ إِلى أُورَشَليم، إِلى صِدقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا. ومُرْهم أَن يَقولوا لِسادَتِهم: «هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: هٰكذا تَقولونَ لِسادَتِكم: أَنا صَنَعتُ الأَرضَ والبَشَرَ والبَهائِمَ الَّتي على وَجهِ الأَرض، بِقُوَّتي العَظيمَةِ وبِذراعِيَ المَبْسوطَة، وأَعطَيتُها لِمَن حَسُنَ في عَينَيَّ. والآنَ قد أَسلَمتُ أَنا جَميعَ هٰذه الأَراضي إِلى يَدِ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، عَبْدي، وأَعطَيتُه أَيضًا وُحوشَ الحَقْلِ لِتَخدِمَه، (فتَخدِمُه جَميعُ الأُمَمِ وتَخدِمُ ٱبنَه وٱبنَ ٱبنِه، إِلى أَن يَبلُغَ أَوانُ أَرضِه أَيضًا، وتَستَعبِدُه أُمَمٌ كَثيرةٌ ومُلوكٌ عُظَمَاء). والأُمَّةُ والمَملَكَةُ الَّتي لا تَخدِمُ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكَ بابِل، وكُلُّ مَن لا يَجعَلُ عُنُقَه تَحتَ نيرِ مَلِكِ بابِل، فإِنِّي أَفتَقِدُ تِلكَ الأُمَّةَ بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون، يَقولُ الرَّبّ، إِلى أَن أُفنِيَها بِيَدِه. فلا تَسمَعوا لأَنبِيائِكم وعَرّافيكم وحالِميكم ومُنَجِّميكم وسَحَرَتِكمُ الَّذينَ يُكَلِّمونَكم قائِلين: إِنَّكم لا تَخدِمونَ مَلِكَ بابِل. فإِنَّهم إِنَّما يَتَنَبَّأونَ لَكم بِالكَذِب لِيُبعِدوكم عن أَرضِكم ولأَدفَعَكم فتَهلِكوا. أَمَّا الأُمَّةُ الَّتي تَضَعُ عُنُقَها تَحتَ نَيرِ مَلِكِ بابِلَ وتَخدِمُه، فإِنَّي أُقِرُّها في أَرضِها، يَقولُ الرَّبّ، فتَحرُثُها وتَسكُنُ فيها». وكَلَّمتُ صِدقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا، بِكُلِّ هٰذا الكَلامِ قائِلًا: «ضَعوا أَعْناقَكم تَحتَ نيرِ مَلِكِ بابل، وٱخدِموه مع شَعْبِه فتَحيَوا. (فلِماذا تَموتُ أَنتَ وشَعبُكَ بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون، كما تَكَلَّمَ الرَّبُّ على الأُمَّةِ الَّتي لا تَخدِمُ مَلِكَ بابِل؟). فلا تَسمَعوا لِكَلامِ الأَنبِياءِ الَّذينَ يُكَلِّمونَكم قائِلين: لا تَخدِموا مَلِكَ بابِل، فإِنَّهم إِنَّما يَتَنَبَّأُونَ لَكم بِالكَذِب، لأَنِّي لم أُرسِلْهم، يَقولُ الرَّبّ، وقد تَنَبَّأُوا بِٱسْمي كَذِبًا، لأَدفَعَكم فتَهلِكوا أَنتُم والأَنبِياءُ الَّذينَ تَنَبَّأُوا لَكم». وكَلَّمتُ الكَهَنَةَ وكُلَّ هٰذا الشَّعبِ قائلًا: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: لا تَسمَعوا لِكَلامِ أَنبِيائِكمُ الَّذينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكم قائِلين: ها إِنَّ آنِيَةَ بَيتِ الرَّبِّ يُؤتى بِها مِن بابِلَ عن قَريب، فإِنَّهم إِنَّما يَتَنَبَّأُونَ لَكم بِالكَذِب. (لا تَسمَعوا لَهم، بلِ ٱخدِموا مَلِكَ بابِلَ فتَحيَوا، فلِماذا تَصيرُ هٰذه المَدينَةُ خَرابًا؟). وإِن كانوا أَنبِياءَ وكانَت عِندَهم كَلِمَةُ الرَّبّ، فلْيَشفَعوا لَدى رَبِّ القُوَّات، لِئَلاَّ يَذهَبَ إِلى بابِلَ ما بَقِيَ مِنَ الآنِيَةِ في بَيتِ الرَّبِّ وبَيتِ مَلِكِ يَهوذا وفي أُورَشَليم. لأَنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّاتِ على (الأَعمِدَةِ والبَحرِ والقَواعِدِ) وسائِرِ الآنِيَةِ الباقِيَةِ في هٰذه المَدينة، مِمَّا لم يَأخُذْه نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، لَمَّا جَلا يَكُنْيا بنَ يوياقيم، مَلِكِ يَهوذا، مِن أُورَشَليم إِلى بابِل (وكُلَّ أَشْرافِ يَهوذا وأُورَشَليم). هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل، ما بَقِيَ مِنَ الآنِيَةِ في بَيتِ الرَّبِّ وبَيتِ مَلِكِ يَهوذا وفي أُورَشَليم: إِنَّه سيُذهَبُ بِها إِلى بابِل (وتَكونُ هُناكَ إِلى يَومِ ٱفتِقادي لَهم)، يَقولُ الرَّبّ. (فأُصعِدُها وأُرجِعُها إِلى هٰذا المَكان)». في هٰذه السَّنَة، في بَدْءِ مُلكِ صِدقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، في السَّنَةِ الرَّابِعَة، في الشَّهرِ الخامِس، كَلَّمَني حَنَنْيا بنُ عَزُّور، النَّبِيُّ الَّذي مِن جِبْعون، في بَيتِ الرَّبِّ أَمامَ الكَهَنَةِ وكُلِّ الشَّعبِ قائلًا: «هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنِّي قد كَسَرتُ نيرَ مَلِكِ بابِل، وبَعدَ مُدَّةِ سَنَتَين، أُرجِعُ إِلى هٰذا المَكانِ كُلَّ آنِيَةِ بَيتِ الرَّبِّ الَّتي أَخَذَها نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، مِن هٰذا المَكان، وذَهَبَ بِها إِلى بابِل، أُرجِعُ إِلى هٰذا المَكانِ يَكُنْيا بنُ يوياقيم، مَلِكَ يَهوذا، وكُلَّ مَجلُوِّي يَهوذا الَّذينَ ذَهَبوا إِلى بابِل، يَقولُ الرَّبّ، لأَنِّي سأَكسِرُ نيرَ مَلِكِ بابِل». فأَجابَ إِرِميا النَّبِيُّ حَنَنْيا النَّبِيَّ أَمامَ الكَهَنَةِ وأَمامَ كُلِّ الشَّعبِ الواقِفينَ في بَيتِ الرَّبّ، وقالَ إِرِميا النَّبِيّ: «آمين! لِيَصنَعِ الرَّبُّ هٰكذا! لِيُتِمَّ الرَّبُّ كَلامَكَ الَّذي تَنَبَّأتَ بِه ويُرجِعْ آنِيَةَ بَيتِ الرَّبِّ وجَميعَ المَجلُوِّينَ مِن بابِلَ إِلى هٰذا المَكان. لٰكِنِ ٱسمَعْ هٰذه الكَلِمَةَ الَّتي أَتَكَلَّمُ بِها على مِسمَعَيكَ وعلى مَسامِعِ كُلِّ الشَّعْب: إِنَّ الأَنبِياءَ الَّذينَ كانوا قَبْلي وقَبلَكَ مُنذُ قَديمِ الزَّمَنِ تَنَبَّأُوا على أَراضٍ كَثيرةٍ ومَمالِكَ عَظيمةٍ بِالحَربِ والشَّرِّ والطَّاعون. أَمَّا النَّبِيُّ الَّذي تَنَبَّأَ بِالسَّلام، فعِندَما يَتِمُّ كَلامُ النَّبِيِّ يُعرَفُ أَنَّ ذٰلك النَّبِيَّ أَرسَلَه الرَّبُّ حَقًّا». فأَخَذَ حَنَنْيا النَّبِيُّ النِّيرَ عن عُنُقِ إِرِمْيا النَّبِيِّ وكَسَرَه. وقالَ حَنَنْيا أَمامَ كُلِّ الشَّعْب: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: كذٰلِكَ أَكسِرُ نيرَ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، بَعدَ سَنَتَينِ مِنَ الزَّمانِ عن أَعناقِ جَميعِ الأُمَم». وذَهَبَ إِرِمْيا النَّبِيُّ في سَبيلِه. فكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرِميا، بَعدَ أَن كَسَرَ حَنَنْيا النَّبِيُّ النِّيرَ عن عُنُقِ إِرِمْيا النَّبِيِّ، قائِلًا: «إِذْهَبْ وقُلْ لِحَنَنْيا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّكَ قد كَسَرتَ نيرًا مِن خَشَب، فستَصنَعُ عِوَضَها نيرًا مِن حَديد، لأَنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنِّي جَعَلتُ نيرًا مِن حَديدٍ على أَعْناقِ جَميعِ هٰذه الأُمَم، لِتَخدِمَ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكَ بابل، (فتَخدِمُه وقد أَعطَيتُه أَيضًا وُحوشَ الحَقْل)». فقالَ إِرِميا لِحَنَنْيا النَّبِيّ: «إِسمَعْ يا حَنَنْيا، إِنَّ الرَّبَّ لم يُرسِلْكَ، وأَنتَ قد جَعَلتَ هٰذا الشَّعبَ يَعتَمِدُ على الكَذِب. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أَنْفيكَ عن وَجهِ الأَرض، فإِنَّكَ في هٰذه السَّنةِ تَموت (لأَنَّكَ تَكَلَّمتَ بِالعِصْيانِ على الرَّبّ)». فماتَ حَنَنْيا النَّبِيُّ في تِلكَ السَّنَة، في الشَّهرِ السَّابِع. هٰذا نَصُّ الكِتابِ الَّذي أَرسَلَ بِه إِرِميا النَّبِيُّ مِن أُورَشَليمَ إِلى بَقِيَّةِ شُيوخِ الجَلاءِ وإِلى الكَهَنَةِ والأَنبِياءِ وإِلى كُلِّ الشَّعبِ الَّذي جَلاه نَبوكَدنَصَّرُ مِن أُورَشَليمَ إِلى بابِل، بَعدَ أَن خَرَجَ مِن أُورَشَليمَ يَكُنْيا المَلِكُ والمَلِكَةُ الأُمُّ والخِصْيانُ ورُؤَساءُ يَهوذا وأُورَشَليمَ والحَدَّادونَ والقَفَّالون، عن يَدِ أَلْعاسَةَ بنِ شافانَ وجَمَرْيا ٱبنِ حِلقِيَّا اللَّذَينِ أَرسَلَهما إِلى بابِلَ صِدقِيَّا، مَلِكُ يَهوذا، إِلى نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابل، قائِلًا: «هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل، لِجَميعِ المَجلُوِّينَ الَّذينَ جَلَوتُهم مِن أُورَشَليمَ إِلى بابِل: أُبْنوا بُيوتًا وٱسكُنوا وٱغرِسوا جَنائِنَ وكُلوا مِن ثَمَرِها. إِتَّخِذوا نِساءً ولِدوا بَنينَ وبَناتٍ، وٱتَّخِذوا لأَبْنائِكم نِساءً وٱجعَلوا بَناتِكم لِرِجال، ولْيَلِدْنَ بَنينَ وبَنات، وتَكاثَروا هُناكَ ولا تَقِلّوا. وٱطلُبوا سَلامَ المَدينةِ الَّتي جَلَوتُكم إِلَيها، وصَلُّوا مِن أَجلِها إِلى الرَّبّ، فإِنَّه بِسَلامِها يَكونُ لَكم سَلام. لأَنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: لا يُضِلَّنَّكم أَنبِياؤُكمُ الَّذينَ بَينَكم وعَرَّافوكم، ولا تَسمَعوا لِحالِميكُم الَّذينَ تَسأَلونَهم أَحْلامًا. فإِنَّهم إِنَّما يَتَنَبَّأُونَ لَكم بِٱسْمي كَذِبًا، وأَنا لم أُرسِلْهم، يَقولُ الرَّبّ. لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: عِندَ ٱنقِضاءِ سَبْعينَ سَنَةً في بابِل، أَفتَقِدُكم وأُتِمُّ لَكم كَلِمَتي الصَّالِحَةَ بإِرجاعِكم إِلى هٰذا المَكان، لأَنِّي أَعلَمُ أَنَّ أَفْكارِيَ الَّتي أُفَكِّرُها في شَأنِكم، يَقولُ الرَّبّ، هي أَفْكارُ سَلامٍ لا بَلْوى، لأَمنَحَكم بَقاءً ورَجاءً. فتَدْعونَني وتَذهَبونَ وتُصَلُّونَ إِلَيَّ فأَستَمِعُ لَكم، وتَلتَمِسونَني فتَجِدونَني، إِذا طَلَبتُموني بِكُلِّ قُلوبِكم، وأَدَعُكم تَجِدونَني، (يَقولُ الرَّبّ، وأُرجِعُ أَسْراكم وأَجمَعُكم مِن بَينِ كُلِّ الأُمَمِ ومِن جَميعِ الأَماكنِ الَّتي دَفَعتُكم إِلَيها، يَقولُ الرَّبّ، وأُرجِعُكم إِلى المَكانِ الَّذي جَلَوتُكم مِنه). لأَنَّكم قُلتُم: إِنَّ الرَّبَّ أَقامَ لَنا أَنبِياءَ في بابِل. فهٰكذا يَقولُ الرَّبُّ على المَلِكِ الجالِسِ على عَرشَ داوُدَ وعلى كُلِّ الشَّعبِ السَّاكِنِ في هٰذه المَدينَةِ مِن إِخوَتِكمُ الَّذينَ لم يَخرُجوا معَكم في الجَلاء، هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: هاءَنَذا أُرسِلُ علَيهمِ السَّيفَ والجوعَ والطَّاعون، وأَجعَلُهم كرَديءِ التِّينِ الَّذي لا يُمكِنُ أَكلُه لِخَباثَتِه، وأُطارِدُهم بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون، وأَجعَلُهم مَوضِعَ رُعبٍ في جَميعِ مَمالِكِ الأَرض ولَعنَةً ودَهَشًا وصَفيرًا وعارًا عِندَ جَميعِ الأُمَمِ الَّتي دَفَعتُهم إِلَيها، بِما أَنَّهم لم يَسمَعوا لِكَلامي، يَقولُ الرَّبّ، الَّذي أَرسَلتُ بِه عَبيدِيَ الأَنبِياءَ إِلَيهم بِلا مَلَل، وأَنتُم لم تَسمَعوا لَهم، يَقولُ الرَّبّ. وأَنتُم فٱسمَعوا لِكَلامِ الرَّبّ، يا جَميعَ المَجلُوِّينَ الَّذينَ أَرسَلتُهم مِن أُورَشَليمَ إِلى بابِل. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل، على أَحآبَ بنِ قولايا وصِدقِيَّا بنِ مَعَسْيا اللَّذَينِ يَتَنَبَّآنِ لَكم بِٱسْمي كَذِبًا. هاءَنَذا أُسلِمُهما إِلى يَدِ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، فيَضرِبُهما أَمامَ عُيونِكم، وتُؤخَذُ مِنهما لَعنَةٌ بَينَ جَميعِ مَجلُوِّي يَهوذا الَّذينَ في بابِل، فيُقال: جَعَلَكَ الرَّبُّ كصِدقِيَّا وكأَحآبَ اللَّذَينِ شَواهما مَلِكُ بابِلَ بِالنَّار، لأَنَّهما صَنَعا فاحِشَةً في إِسْرائيل، وزَنَيا مع نِساءِ قَريبِهما، وتَكَلَّما بِٱسْمي، كَلامًا كاذِبًا لم آمُرْهما بِه. إِنِّي أَعلَمُ وأَشهَد، يَقولُ الرَّبّ». وكَلِّمْ أَيضًا شَمَعْيا النَّحْلاميّ قائِلًا: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: بِما أَنَّكَ أَرسَلتَ بِٱسمِكَ كُتُبًا إِلى كُلِّ الشَّعبِ الَّذي في أُورَشَليم وإِلى صَفَنْيا بنِ مَعَسْيا الكاهِن وإِلى جَميعِ الكَهَنَةِ قائِلًا: إِنَّ الرَّبَّ قد جَعَلَكَ كاهِنًا مَكانَ يوياداعَ الكاهِن، لِتَوَلِّي الإِشْرافِ في بَيتِ الرَّبِّ على كُلِّ رَجُلٍ مَجْنونٍ ومُتَنَبِّئٍ، فتَجعَلُه في المِقطَرَةِ والأَغْلال. والآنَ فما بالُكَ لم تَزجُرْ إِرْمِيا العَناتوتِيَّ الَّذي يَتَنَبَّأُ لَكم؟ فإِنَّه أَرسَلَ إِلَينا في بابِلَ قائِلًا: إِنَّ الجَلاءَ طويل، فٱبْنوا بُيوتًا وٱسكُنوا وٱغرِسوا جَنائِنَ وكُلوا مِن ثَمَرِها»... (وكان صَفَنْيا الكاهِنُ قد تَلا هٰذا الكِتابَ على أُذُنَي إِرمِيا النَّبِيّ). فكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا قائِلًا: أَرسِلْ إِلى جَميعِ المَجلُوِّينَ قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبُّ لِشَمَعْيا النَّحْلامِيّ: بِما أَنَّ شَمَعْيا تَنَبَّأَ لَكم وأَنا لم أُرسِلْه، وجَعَلكم تَعتَمِدونَ على الكَذِب، فلِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أُعاقِبُ شَمَعْيا النَّحْلامِيَّ وذُرِّيَّتَه، فلا يكونُ لَه مَن يُقيمُ بَينَ هٰذا الشَّعْب، ولا يَرى الخَيرَ الَّذي سأَصنَعُه إِلى شَعْبي، يَقولُ الرَّبّ، لأَنَّه تَكَلَّمَ بِالتَّمَرُّدِ على الرَّبّ. الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرمِيا مِن لَدُنِ الرَّبِّ قائلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: أُكتُبْ لَكَ جَميعَ الكَلِماتِ الَّتي كَلَّمتُكَ بِها في كِتاب. فها إِنَّها تَأتي أَيَّامٌ، يَقولُ الرَّبّ، أُرجِعُ فيها أَسْرى شَعْبي إِسْرائيلَ (ويَهوذا)، قالَ الرَّبّ، وأُرجِعُهم إِلى الأَرضِ الَّتي أَعطَيتُها لِآبائِهم فيَرِثونَها. وهٰذا هو الكَلامُ الَّذي كَلَّمَ بِه الرَّبُّ إِسْرائيلَ (ويَهوذا): هٰكذا قالَ الرَّبّ: سَمِعنا صَوتَ ٱرتِعاد، فَزَعٌ لا سَلام، اِسأَلوا وٱنظُروا هل يَلِدُ الذَّكَر، ولٰكِن ما بالي أَرى كُلَّ رَجُلٍ، يَداه على خَصْرَيه كالَّتي تَلِد، وكُلَّ الوُجوهِ تَحَوَّلَت إِلى الصُّفرَة؟ آهِ إِنَّ ذٰلك اليَومَ عَظيمٌ ولَيسَ مِثلُه، وهو وَقتُ ضِيقٍ على يَعْقوب، لٰكِنَّه سيُخَلَّصُ مِنه. (وفي ذٰلك اليَومِ، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، أَكسِرُ نيرَه عن عُنُقِكَ وأَقطَعُ رُبُطَكَ، ولا يَستَعبِدُه الغُرَباءُ مِن بَعدُ، بل يَخدِمونَ الرَّبَّ إِلٰهَهم وداوُدَ مَلِكَهمُ الَّذي أُقيمُه لَهم). وأَنتَ فلا تَخَفْ يا عَبْدي يَعْقوب، يَقولُ الرَّبّ، ولا تَفزَعْ يا إِسْرائيل، فإِنِّي أُخَلِّصُكَ مِنَ الغُربَة، وذُرِّيَّتَكَ مِن أَرضِ جَلائِهم، فيَرجِعُ يَعْقوبُ ويَستَقِرُّ في الرَّاحَةِ والطُّمَأنينَة ولا يُرعِبُه أَحَد، لأَنِّي مَعَكَ، يَقولُ الرَّبّ، لأُخَلِّصَكَ، فإِنِّي أُفْني جَميعَ الأُمَمِ الَّتي شَتَّتُّكَ بَينَها، وأَمَّا أَنتَ فلا أُفْنيكَ، بل أُؤَدِّبُكَ بِالحَقِّ ولا أُبَرِّئُكَ تَبرِئَةً، لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّ ٱنكِسارَكِ مُعضِل، وضَربَتَكِ لا شِفاءَ مِنها. لَيسَ مَن يُدافِعُ عن قَضِيَّتِكِ، ولا عِلاجَ لِقَرحِكِ ولا التِئامَ لجُرحِكِ. جَميعُ مُحِبِّيكِ نَسوكِ ولم يَطلُبوكِ، لأَنِّي ضَرَبتُكِ ضَربَ عُدُوٍّ تَأديبًا قاسِيًا (بِسَبَبِ عِظَمِ إِثمِكِ وكَثرَةِ خَطاياكِ). لِماذا تَصرُخينَ مِنِ ٱنكِسارِكِ؟ وداءُكِ مُعضِل. بِسَبَبِ عِظَمِ إِثمِكِ وكَثرَةِ خَطاياكِ، صَنَعتُ بِكِ ذٰلك، لٰكِنَّ جَميعَ الَّذينَ يَلتَهِمونَكِ يُلتَهَمون، وجَميعَ الَّذينَ يُضايِقونَكِ يَذهَبونَ إِلى الجَلاء، ويَكونُ ناهِبوكِ نَهْبًا، وأَجعَلُ سالِبيكِ سَلَبًا. فإِنِّي سأَلأَمُ جُرحَكِ، وأَشْفيكِ مِن ضَرَباتِكِ، يَقولُ الرَّبّ، أَنتِ المَدعُوَّةَ «مَطْرودة»، «صِهْيونَ الَّتي لا طالِبَ لَها». هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أُعيدُ بِناءَ خِيامِ يَعْقوب، وأَرحَمُ مَساكِنَه، وتُبْنى المَدينَةُ على تَلِّها، ويُؤَسَّسُ القَصرُ على مَكانِه. ويَخرُجُ مِنهم نَشيدُ الشُّكْر وأَصواتُ الطَّرِبين، وأُكَثِّرُهم فلا يَقِلُّون، وأُكرِمُهم فلا يَذِلُّون. ويَكونُ بَنوه كما في قَديمِ الزَّمَن، وجَماعَتُه تَثبُتُ أَمامي، وأُعاقِبُ جَميعَ مُضايِقيه، ويَكونُ كبيرُه مِنه، وسُلْطانُه يَخرُجُ مِن بَينِه، وأُقَرِّبُه فيَدْنو إِلَيَّ، فإِنَّه مَن ذا الَّذي يَرهَنُ نَفْسَه بِدُنُوِّه إِلَيَّ، يَقولُ الرَّبّ؟ وتَكونونَ لي شَعبًا، وأَكونُ لَكم إِلٰهًا. ها إِنَّ زَوبَعَةَ سُخطِ الرَّبِّ قد خَرَجَت، وعاصِفَةً هائِجَة قد ثارَت على رُؤُوسِ الأَشْرار. إِنَّه لا يَرجِعُ غَضَبُ الرَّبّ، حتَّى يَفعَلَ وحتَّى يُتِمَّ مَقاصِدَ قَلبِه. في آخِرِ الأَيَّامِ تَفهَمون. في ذٰلك الزَّمان، يَقولُ الرَّبّ، أَكونُ إِلٰهًا لِجَميعِ عَشائِرِ إِسْرائيل، وهم يَكونونَ لي شَعبًا. هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّ شَعبَ النَّاجينَ مِنَ السَّيفِ قد نالَ حُظوَةً في البَرِّيَّة، وإِسْرائيلَ يَمْضي إِلى راحَتِه. مِن بَعيدٍ تَراءَى لِيَ الرَّبّ، أَحبَبتُكِ حُبًّا أَبَدِيًّا، فلِذٰلك ٱجتَذَبتُكِ بِرَحمَة، سأَبْنيكِ أَيضًا فتُبنَينَ، يا عَذْراءَ إِسْرائيل، وتَتَزَيَّنينَ أَيضًا بِدُفوفِكِ، وتَبرُزينَ في رَقصِ الطَّرِبين. وتَغرِسينَ أَيضًا كُرومًا في جِبالِ السَّامِرَة، (فيَغرِسُ الغارِسونَ ويأكُلونَ بَواكيرَها) لأَنَّه سيَكونُ يَومٌ يُنادي فيه الرُّقَباءُ في جَبَلِ أَفْرائيم: «قوموا نَصعَدْ إِلى صِهْيون، إِلى الرَّبِّ إِلٰهِنا». لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: هَلِّلوا لِيَعْقوبَ بِالفَرَح، وٱهتِفوا لِرَأسِ الأُمَم. أَسمِعوا وسَبِّحوا وقولوا: «خَلِّصْ أَيُّها الرَّبُّ شَعبَكَ، بَقِيَّةَ إِسْرائيل». هاءَنَذا أُعيدُهم مِن أَرضِ الشَّمال، وأَجمَعُهم مِن أَطْرافِ الأَرض، وفيهمِ الأَعْمى والأَعرَج، الحُبْلى والوالِدَةُ جَميعًا. جَمعٌ عَظيمٌ يَرجِعُ إِلى هُنا. يَأتونَ باكينَ وأَهْديهم مُتَضَرِّعين، وأُسَيِّرُهم إِلى مَجاري المِياه، في طَريقٍ مُستَقيمٍ حَيثُ لا يَعثُرون، لأَنِّي أَبٌ لإسْرائيلَ وأَفْرائيمُ بكرٌ لي. إِسمَعي كَلِمَةَ الرَّبِّ أَيَّتُها الأُمَم، وأَخبِري في الجُزُرِ البَعيدَةِ وقولي: «الَّذي فَرَّقَ إِسْرائيلَ يَجمَعُه ويَحفَظُه، كما يَحفَظُ الرَّاعي قَطيعَه». فإِنَّ الرَّبَّ قدِ ٱفتَدى يَعْقوب، وفَكَّه مِن يَدِ مَن هو أَقْوى مِنه، فيَأتونَ ويَهتِفونَ في مُرتَفَعِ صِهْيون، ويَجْرونَ إِلى طَيِّباتِ الله، إِلى القَمحِ والنَّبيذِ والزَّيت، وأَولادِ الغَنَمِ والبَقَر، وتَكونُ نُفوسُهم كجَنَّةٍ رَيَّا، ولا يَعودونَ يَذوبون. حينَئِذٍ تَفرَحُ العَذْراءُ بِالرَّقْص، والشُّبَّانُ والشُّيوخُ مَعًا، وأُحَوِّلُ نَوحَهم إِلى طَرَب، وأُعَزِّيهم وأُفَرِّحُهم بَعدَ غَمِّهم، وأُرْوي حُلوقَ الكَهَنَةِ مِنَ الدَّسَم، وشَعْبي يَشبَعُ مِن طَيِّباتي، يَقولُ الرَّبّ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: صَوتٌ سُمِعَ في الرَّامَة، نَدبٌ وبُكاءٌ مُرّ، راحيلُ تَبْكي على بَنيها، وقد أَبَت أَن تَتَعَزَّى عن بَنيها، لأَنَّهم زالوا عنِ الوجود. هٰكذا قالَ الرَّبّ: كُفِّي صَوتَكِ عنِ البُكاء، وعَينَيكِ عن ذَرْفِ الدُّموع، فإِنَّ لِعَمَلِكِ أَجرًا، يَقولُ الرَّبّ، وإِنَّهم سيَرجِعونَ مِن أَرضِ العُدُوّ. مُستَقبَلُكِ رَجاءٌ، يَقولُ الرَّبّ، وسيَرجِعُ البَنونَ إِلى أَرضِهم. سَمِعتُ أَفْرائيمَ يَنتَحِبُ قائلًا: أَدَّبتَني فتَأَدَّبتُ كالعِجلِ غَيرِ المُرَوَّض، أَرجِعْني فأَرجِعْ، فإِنَّكَ أَنتَ الرَّبُّ إِلٰهي. بَعدَ ٱرتِدادي نَدِمتُ، وبَعدَ تَعَلُّمي صَفَقتُ على فَخِذي. خَزَيتُ وخَجِلتُ، لأَنِّي حَمَلتُ عارَ صِبايَ. أَيكونُ أَفْرائيمُ ٱبنًا لي عَزيزًا، وَلَدًا أَتَنَعَّمُ بِه؟ فإِنِّي كُلَّما تَحَدَّثتُ عنه، لا أَنفَكُّ أَذكُرُه، فلِذٰلك ٱهتَزَّت لَه أَحْشائي، سأَرحَمُه رَحمَةً، يَقولُ الرَّبّ. إِنصِبي لكِ أَوتادًا، إِجعَلي لَكِ مَعالِم، وَجِّهي قَلبَكِ إِلى السَّبيل، إِلى الطَّريقِ الَّذي سِرتِ فيه. إِرجِعي يا عَذْراءَ إِسْرائيل، إِرجِعي إِلى مُدُنِكِ هٰذه. إِلى مَتى أَنتِ زائِغَة، أَيَّتُها البِنتُ المُرتَدَّة؟ فإِنَّ الرَّبَّ قد خَلَقَ شَيئًا جَديدًا في الأرض: أُنْثى تُحيطُ بِرَجُل. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: سيُقالُ أَيضًا هٰذا القَولُ في أَرضِ يهوذا وفي مُدُنِه، حينَ أُرجِعُ أَسْراهم: بارَكَكَ الرَّبُّ، يا مَقَرَّ البِرّ، يا جَبَلَ القُدْس. ويَسكُنُ فيها يَهوذا وجَميعُ مُدُنِه، الحُرَّاثُ والَّذينَ يُسَرِّحونَ القُطْعان، لأَنِّي أُرْوي النَّفسَ المُنهَكَة، وأَملَأُ كُلَّ نَفْسٍ ذائِبة. فعِندَئِذٍ ٱستَيقَظتُ ورَأَيتُ، وقد لَذَّ لي نَومي. ها إِنَّها تأتي أَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، أَزرَعُ فيها بَيتَ إِسْرائيلَ وبَيتَ يَهوذا بِزَرعِ بَشَرٍ وبِزَرعِ بَهائم. وكما سَهِرتُ علَيهم لأَقلَعَ وأَهدِمَ وأَنقُضَ وأُهلِكَ وأُسيءَ، كذٰلك أَسهَرُ علَيهم لأَبنِيَ وأَغرِس، يَقولُ الرَّبّ. في تِلكَ الأَيَّام، لا يُقالُ بَعدُ: إِنَّ الآباءَ أَكَلوا الحِصرِم، وأَسْنانَ البَنينَ ضَرِسَت. بل كُلُّ واحِدٍ بإِثمِه يَموت، وكُلُّ إِنْسانٍ يأكُلُ الحِصرِم، تَضرَسُ أَسْنانُه. ها إِنَّها تَأتي أَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، أَقطَعُ فيها مع بَيتِ إِسْرائيلَ (وبَيتِ يَهوذا) عَهدًا جَديدًا، لا كالعَهدِ الَّذي قَطَعتُه مع آبائِهم، يَومَ أَخَذتُ بِأَيديهِم لإخرِجَهم مِن أَرضِ مِصْرَ لأَنَّهم نَقَضوا عَهْدي مع أَنِّي كُنتُ سَيِّدَهم، يَقولُ الرَّبّ. ولٰكِنَّ هٰذا العَهدَ الَّذي أَقطَعُه مع بَيتِ إِسْرائيلَ بَعدَ تِلكَ الأَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، هو أَنِّي أَجعَلُ شَريعَتي في بَواطِنِهم وأَكتُبُها على قُلوبِهم، وأَكونُ لَهم إِلٰهًا وهم يَكونونَ لي شَعبًا. ولا يُعَلِّمُ بَعدُ كُلُّ واحِدٍ قَريبَه وكُلُّ واحِدٍ أَخاه قائِلًا: «إِعرِفِ الرَّبّ»، لأَنَّ جَميعَهم سيَعرِفونَني مِن صَغيرِهم إِلى كَبيرِهم، يَقولُ الرَّبّ، لأَنِّي سأَغفِرُ إِثمَهم ولن أَذكُرَ خَطيئَتَهم مِن بَعدُ. هٰكذا قالَ الرَّبُّ، الجاعِلُ الشَّمسَ نورًا في النَّهار، وأَحكامَ القَمَرِ والكَواكِبِ نورًا في اللَّيل، الَّذي يُثيرُ البَحرَ فتَهدِرُ أَمْواجُه، رَبُّ القُوَّاتِ ٱسْمُه. إِن زالَت هٰذه الأَحكامُ مِن أَمامي، يَقولُ الرَّبّ، فذُرِّيَّةُ إِسْرائيلَ أَيضًا تَكُفُّ، عن أن تَكونَ أُمَّةً لَدَيَّ جَميعَ الأَيَّام. هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِن أَمكَنَ أَن تُقاسَ السَّمَواتُ مِن فَوقُ ويُفحَصَ عن أُسُسِ الأَرضِ مِن تَحتُ فأَنا أَيضًا أَنبِذُ جَميعَ ذُرِّيَّةِ إِسْرائيل، بِسَبَبِ كُلِّ ما صَنَعوا، يَقولُ الرَّبّ. ها إِنَّها تَأتي أَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، تُبْنى فيها المَدينةُ لِلرَّبِّ مِن بُرجِ حَنَنْئيلَ إِلى بابِ الزَّاوِيَة، ويَخرُجُ خَيطُ القِياسِ قُبالَتَه على تَلَّةِ جارِب، ثُمَّ يَستَديرُ إِلى جوعة. ويَكونُ كُلُّ وادي الجُثَثِ والرَّمادِ وجَميعُ الحُقولِ إِلى نَهرِ قِدْرون، وإِلى زاوِيَةِ بابِ الخَيلِ جِهَةَ المَشرِقِ، قُدْسًا لِلرَّبّ، فلا تُقلَعُ ولا تُنقَضُ لِلأَبَد. الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرمِيا مِن لَدُنِ الرَّبّ، في السَّنَةِ العاشِرَةِ لِصِدقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، وهي السَّنَةُ الثَّامِنَةَ عَشرَةَ لِنَبوكَدنَصَّر. وكانَ حينَئِذٍ جَيشُ مَلِكِ بابِلَ يُحاصِرُ أُورَشَليم، وكانَ إِرمِيا النَّبِيُّ مَحْبوسًا في دارِ الحَرَسِ الَّذي في بَيتِ مَلِكِ يَهوذا، حَيثُ حَبَسَه صِدقِيَّا، مَلِكُ يَهوذا، قائِلًا: «لِماذا تَتَنَبَّأُ قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أُسلِمُ هٰذه المَدينةَ إِلى يَدِ مَلِكِ بابِلَ فيَأخُذُها، وصِدقِيّا، مَلِكُ يَهوذا، لا يُفلِتُ مِن أَيدي الكَلْدانِيِّين، بل يُسلَمُ إِلى يَدِ مَلِكِ بابِل، ويُخاطِبُه فمًا إِلى فَم، وعَيناه تَنظُرانِ عَينَيه، ويَذهَبُ بِصِدقِيَّا إِلى بابِل، فيكونُ هُناكَ (إِلى أَن أَفتَقِدَه، يَقولُ الرَّبّ. وإِن حارَبتُمُ الكَلْدانِيِّين، فإِنَّكم لا تَنجَحون)». فقالَ إِرمِيا: إِنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ كانَت إِلَيَّ قائِلًا: ها إِنَّ حَنَمْئيلَ بنَ شَلُّومَ عَمِّكَ يَأتيكَ قائِلًا: «إِشتَرِ لَكَ حَقلِيَ الَّذي بِعَناتوت، إِذ لَكَ حَقُّ الفَكِّ لِلشِّراءِ». فأَتاني حَنَمْئيلُ ٱبنُ عَمِّي، على حَسَبِ كَلِمَةِ الرَّبّ، إِلى دارِ الحَرَس، وقالَ لي: «إِشتَرِ حَقلِيَ الَّذي بِعَناتوتَ مِن أَرضِ بَنْيامين، إِذ لَكَ حَقُّ الإِرثِ ولَكَ حَقُّ الفَكّ، فٱشتَرِه لَكَ». فعَرَفتُ أَنَّها كَلِمَةُ الرَّبّ. فٱشتَرَيتُ الحَقلَ الَّذي بِعَناتوتَ مِن حَنَمْئيلَ ٱبنِ عَمِّي، ووَزَنتُ لَه الفِضَّة: سَبعَةَ عَشَرَ مِثْقالًا مِنَ الفِضَّة، وكَتَبتُ صَكًّا وخَتَمتُه، وأَشهَدتُ شُهودًا ووَزَنتُ الفِضَّةَ بِالميزان، وأَخَذتُ صَكَّ الشِّراءِ المَخْتوم (وفيه البُنودُ والشُّروط) والصَّكِّ المَفْتوح، وسَلَّمتُ صَكَّ الشِّراءِ إِلى باروكَ بنِ نيرِيَّا بنِ مَحَسْيا أَمامَ حَنَمْئيلَ ابنِ عَمِّي، وعُيونِ الشُّهودِ الَّذينَ وَقَّعوا على صَكِّ الشِّراء، وعُيونِ جَميعِ اليَهودِ الجالِسينَ في دارِ الحَرَس. وأَمَرتُ باروكَ أَمامَهم قائِلًا: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: خُذْ هٰذَينِ الصَّكَّين، صَكَّ الشِّراءِ المَخْتومَ والصَّكَّ المَفْتوح، وٱجعَلْهما في إِناءٍ مِن خَزَفٍ لِيَدوما أَيَّامًا كَثيرة، فإِنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنَّهم فيما بَعدُ يَشتَرونَ بُيوتًا وحُقولًا وكُرومًا في هٰذه الأَرض». وصَلَّيتُ إِلى الرَّبّ، بَعدَما سَلَّمتُ صَكَّ الشِّراءِ إِلى باروكَ بنِ نيرِيَّا، وقُلتُ: «آهِ أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، ها إِنَّكَ صَنَعتَ السَّمَواتِ والأَرضَ بِقُوَّتِكَ العَظيمةِ وذِراعِكَ المَبْسوطة، ولَيسَ علَيكَ أَمرٌ عَسير. أَنتَ الصَّانِعُ رَحمَةً إِلى الأُلوف، والمُعاقِبُ إِثمَ الآباءِ في أَحْضانِ بَنيهِم مِن بَعدِهم، الإِلٰهُ العَظيمُ الجَبَّارُ الَّذي رَبُّ القُوَّاتِ ٱسْمُه. عَظيمٌ أَنتَ في المَقاصِد وقَديرٌ في العَمَل، وعَيناكَ مَفْتوحتانِ على جَميعِ طُرُقِ بَني آدم، لِتُجازِيَ كُلًّا على حَسَبِ طُرُقِه وثِمارِ أَعْمالِه. وقد صَنَعتَ آياتٍ وخَوارِقَ في أَرضِ مِصرَ إِلى هٰذا اليَوم، وفي إِسْرائيلَ وبَينَ سائِرِ البَشَر، وأنشأتَ لَكَ ٱسمًا كما في هٰذا اليَوم، وأَخرَجتَ شَعبَكَ إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصرَ بِآياتٍ وخَوارِق، وبِيَدٍ قَديرَةٍ وذِراعٍ مَبْسوطةٍ ورُعبٍ شَديد، وأَعطَيتَهم هٰذه الأَرض الَّتي أَقسَمتَ لِآبائِهم أَن تُعْطِيَهم إِيَّاها، أَرضًا تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا. فدَخَلوها ووَرِثوها، ولم يَسمَعوا لِصَوتِكَ ولم يَسيروا على شَريعَتِكَ، وكُلُّ ما أَمَرتَهم أَن يَصنَعوا لم يَصنَعوه، فأَنزَلتَ بِهم كُلَّ هٰذا الشَّرّ. ها إِنَّ المَتارِسَ قد بَلَغَت إِلى المَدينَةِ لأَخذِها، والمَدينَةُ تُسلَمُ إِلى أَيدي الكَلْدانِيِّينَ مُحارِبيها بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون، وما تَكَلَّمتَ بِه قد وَقَعَ وها أَنتَ تَراه. وقد قُلتَ لي، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ: إِشتَرِ الحَقلَ بِالفِضَّة، وأَشهِدْ شُهودًا، والمَدينَةُ أُسلِمَت إِلى أَيدي الكَلْدانِيِّين». وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا قائِلًا: ها إِنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُ كُلِّ بَشَر، أَعَلَيَّ أَمرٌ عَسير؟ فلِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أُسلِمُ هٰذه المَدينَةَ إِلى أَيدي الكَلْدانِيِّينَ وإِلى يَدِ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، فيَأخُذُها، ويَدخُلُ الكَلْدانِيُّونَ، مُحارِبو هٰذه المَدينة، ويُضرِمونَ هٰذه المَدينَةَ بِالنَّار، ويُحرِقونَها هي وبُيوتَها الَّتي أَحرَقوا البَخورَ على سُطوحِها لِلبَعْلِ وسَكَبوا سُكُبًا لِآلِهَةٍ أُخْرى لِيُسخِطوني. فإِنَّ بَني إِسْرائيلَ وبَني يَهوذا إِنَّما هم صانِعو شَرٍّ في عَينَيَّ مُنذُ صِباهم، إِذ أَسخَطَني بَنو إِسْرائيلَ بِعَمَلِ أَيديهم، يَقولُ الرَّبّ، لأَنَّ هٰذه المَدينَةَ كانَت لي مَوضِعَ غَضَبٍ وحَنَق، مِن يَومَ بَنَوها إِلى هٰذا اليَوم، حتَّى أُبعِدَها مِن أَمامِ وَجْهي، بِسَبَبِ كُلِّ شَرِّ بَني إِسْرائيلَ وبَني يَهوذا الَّذي صَنَعوه لِيُسخِطوني هم ومُلوكُهم ورُؤَساؤُهم وكَهَنتُهم وأَنبِياؤُهم ورِجالُ يَهوذا وسُكَّانُ أُورَشَليم، ووَلَّوني ظُهورَهم، لا وُجوهَهم. وقَد عَلَّمتُهم بلا مَلَل، لٰكِنَّهم لم يَسمَعوا لي ولم يَقبَلوا التَّأديب، ونَصَبوا أَقْذارَهم في البَيتِ الَّذي دُعِيَ بِٱسمي لِيُنَجِّسوه، وبَنَوا مَشارِفَ البَعلِ الَّتي في وادي ٱبنِ هِنُّوم، لِيُجيزوا بَنيهم وبَناتِهم في النَّارِ لِمَولَك، وهٰذا ما لم آمُرْهم بِه ولم يَخطُرْ بِقَلْبي أَن يَصنَعوا هٰذه القَبيحةَ ويُؤَثِّمونَ يَهوذا. والآنَ لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، على هٰذه المَدينَةِ الَّتي أَنتُم قائلونَ إِنَّها قد أُسلِمَت إِلى يَدِ مَلِكِ بابِلَ بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون: هاءَنَذا أَجمَعُهم مِن جَميعِ الأَراضي الَّتي دَفَعتُهم إِلَيها بِغَضَبي وحَنَقي وسُخْطيَ الشَّديد، وأُرجِعُهم إِلى هٰذا المَكان، وأُسكِنُهم في الطُّمَأنينَة، فيكونونَ لي شَعبًا وأَكونُ لَهم إِلٰهًا، وأُعْطيهم قَلبًا واحِدًا وطَريقًا واحِدًا لِيَتَّقوني جَميعَ الأَيَّامِ لِخَيرِهم وخَيرِ بنيهم مِن بَعدِهم. وأَقطَعُ معَهم عَهدًا أَبَدِيًّا أَنِّي لا أَرجِعُ عنهم، بل أُحسِنُ إِلَيهم وأَجعَلُ مَخافَتي في قُلوبِهم لِكَي لا يَبتَعِدوا عنِّي، وأُسَرُّ بِالإِحسانِ إِلَيهم، وأَغرِسُهم في هٰذه الأَرضِ بِالحَقِّ بِكُلِّ قَلْبي وكُلِّ نَفْسي. لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: كما أَنِّي جَلَبتُ على هٰذا الشَّعبِ كُلَّ هٰذا الشَّرِّ العَظيم، كذٰلك أَجلُبُ لَهم كُلَّ الخَيرِ الَّذي أُكَلِّمُهم بِه، فتُشتَرى حُقولٌ في هٰذه الأَرضِ الَّتي أَنتُم قائلونَ (إِنَّها مُقفِرَةٌ لا بَشَرَ فيها ولا بَهائم، وأُسلِمَت إِلى أَيدي الكَلْدانِيِّين)، تُشتَرى حُقولٌ بِالفِضَّة، ويُكتَبُ ذٰلك في الصُّكوكِ وتُختَم، ويُشهَدُ الشُّهودُ في أَرضِ بَنْيامينَ وفيما حَولَ أُورَشَليمَ وفي مُدُنِ يَهوذا، مُدُنِ الجَبَلِ ومُدُنِ السَّهلِ ومُدُنِ النَّقَب، لأَنِّي أُرجِعُ أَسْراهم، يَقولُ الرَّبّ. وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا ثانِيَةً وهو لا يَزالُ مَحْبوسًا في دارِ الحَرَسِ، قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبُّ الَّذي يَصنَعُ ما يَقول ويُكَوِّنُه ويُثَبِّتُه، الرَّبُّ ٱسمُه. أُدعُني فأُجيبَكَ وأُخبِرَكَ بِعَظائِمَ ومُستَحيلاتٍ لم تَعْرِفْها. فإِنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، على بُيوتِ هٰذه المَدينَةِ وبُيوتِ مُلوكِ يَهوذا الَّتي ستُهدَمُ بِسَبَبِ المَتارِسِ والسَّيف، وعلى الماضينَ إِلى مُحارَبَةِ الكَلْدانِيِّين، لِيَمْلَأُوا المَدينةَ مِن جُثَثِ البَشَرِ الَّذينَ ضَرَبتُهم في غَضَبي وسُخْطي وحَجَبتُ وَجْهي عن هٰذا المَدينةِ بِسَبَبِ كُلِّ شَرِّهم. هاءَنَذا أَلأَمُ جُرحَها وأَشْفيها فأَشْفيهم وأُبْدي لَهم وَفرَةَ سَلامٍ وحَقّ، وأُرجِعُ أَسْرى يَهوذا وأَسْرى إِسْرائيل، وأَبْنيهم كما في البَدْء، وأُطَهِّرُهم مِن كُلِّ إِثمِهمِ الَّذي خَطِئوا بِه إِلَيَّ، وأَغفِرُ كُلَّ ذُنوبِهمِ الَّتي خَطِئوا بِها إِلَيَّ وعَصَوني. وأُورَشَليمُ تَكونُ لِيَ ٱسمَ طَرَبٍ وتَسبِحَةً وٱفتِخارًا لَدى جَميعِ أُمَمِ الأَرضِ الَّتي تَسمَعُ بِكُلِّ الخَيرِ الَّذي أَصنَعُه إِلَيها، فتَخافُ وتَرتَعِدُ بِسَبَبِ كُلِّ الخَيرِ وكُلِّ السَّلامِ اللَّذَينِ سأَصنَعُهما إِلَيها. هٰكذا قالَ الرَّبّ: سيُسمَعُ بَعدَ اليَومِ في هٰذا المَكانِ الَّذي أَنتُم قائِلونَ إِنَّه خَرابٌ، لا إِنْسانَ فيه ولا بَهيمة، وفي مُدُنِ يَهوذا وفي شَوارِعِ أُورَشَليمَ المُدَمَّرَةِ الَّتي لا إِنْسانَ فيها ولا بَهيمة، سيُسمَعُ صَوتُ الطَّرَبِ وصوَتُ الفَرَح، صَوتُ العَريسِ وصَوتُ العَروس، أَصْواتُ القائلين: «إِحمَدوا رَبَّ القُوَّات، لأَنَّ الرَّبَّ صالِحٌ، لأَنَّ لِلأَبَدِ رَحمَتَه»، وأَصْواتُ الَّذينَ يُقَدِّمونَ ذَبيحَةَ الشُّكْرِ في بَيتِ الرَّبّ، لأَنِّي أُرجِعُ أَسْرى تِلكَ الأَرضِ كما كانَت علَيه في البَدْءِ، قالَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: سيَكونُ بَعدَ اليَومِ في هٰذا المَكانِ الخَرِب، الَّذي لا إِنْسانَ فيه ولا بَهيمة، وفي جَميعِ مُدُنِه، مَراعي يُربِضُ فيها الرُّعاةُ غَنَمَهم. وفي مُدُنِ الجَبَلِ ومُدُنِ السَّهلِ ومُدُنِ النَّقَب، وفي أَرضِ بَنْيامينَ وما حَولَ أُورَشَليم، وفي مُدُنِ يَهوذا، تَمُرُّ الغَنَمُ بَعدَ اليَومِ تَحتَ يَدَيِ المُحْصي، قالَ الرَّبّ. ها إِنَّها تَأتي أَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، أُتِمُّ فيها الكَلامَ الصَّالِحَ الَّذي تَكَلَّمتُ بِه في شَأنِ بَيتِ إِسْرائيلَ وبَيتِ يَهوذا: في تِلكَ الأَيَّامِ وذٰلك الزَّمان، أُنبِتُ لِداوُدَ نَبْتًا بارًّا، فيُجري الحُكمَ والبِرَّ في الأَرض. في تِلكَ الأَيَّامِ يُخَلَّصُ يَهوذا، وتَسكُنُ أُورَشَليمُ في الطُّمَأنينَة، ستُدْعى بِه: «الرَّبُّ بِرُّنا». لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: لا يَنقَطِعُ لِداوُدَ رَجُلٌ يَجلِسُ على عَرشِ بَيتِ إِسْرائيل، ولا يَنقَطِعُ لِلكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ مِن أَمامي رَجُلٌ يُصعِدُ مُحرَقَةً ويُحرِقُ البَخورَ تَقدِمَةً ويَذبَحُ ذَبيحَةً كُلَّ الأَيَّام. وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِن أَمكَنَ أَن تَنقُضوا عَهْدي مع النَّهارِ وعَهْدي مع اللَّيل، حتَّى لا يَكونَ اللَّيلُ ولا النَّهارُ في أَوانِهما، أَمكَنَ أَيضًا أَن يُنقَضَ عَهْدي مع داوُدَ عَبْدي، حتَّى لا يَكونَ لَه ٱبنٌ مالِكٌ على عَرشِه، ومع اللاَّوِيِّينَ الكَهَنَةِ خُدَّامي. كما أَنَّ قُوَّاتِ السَّماءِ لا تُعَدُّ ورَملَ البَحرِ لا يُكل. كذٰلك أُكَثِّرُ ذُرِّيَّةَ داوُدَ عَبْدي واللاَّوِيِّينَ الخادِمينَ لي. وكانَت كَلِمَةُ الرَّبُّ إِلى إِرمِيا قائلًا: أَلَم تَرَ ما تَكَلَّمَ بِه هٰذا الشَّعبُ قائِلًا: «إِنَّ العَشيرَتَينِ اللَّتَينِ ٱخْتارَهُما الرَّبُّ قد نَبَذَهما»، فٱحتَقَروا شَعْبي، حتَّى لا يَكونَ بَعدَ اليَومِ أُمَّةً أَمامَهم. هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِن لم يَكُنْ هُناكَ عَهْدي مع النَّهارِ واللَّيل، ولم أَجعَلْ فَرائِضَ لِلسَّمَواتِ والأَرض، فإِنِّي أَنبِذُ أَيضًا ذُرِّيَّةَ يَعْقوبَ وداوُدَ عَبْدي، حتَّى لا أَتَّخِذَ مِن ذُرِّيَّتِه مُتَسَلِّطينَ على ذُرِّيَّةِ إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب، لأَنِّي أُرجِعُ أَسْراهم وأَرحَمُهم. الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرمِيا مِن لَدُنِ الرَّبّ، حينَ كانَ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، وكُلُّ جَيشِه وجَميعُ مَمالِكِ الأَرضِ الَّتي تَحتَ يَدِه وجَميعُ الشُّعوبِ يُحارِبونَ أُورَشَليمَ وسائِرَ مُدُنِها، قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِذهَبْ فكَلِّمْ صِدقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا، وقُلْ لَه: هٰكذا قالَ الرَّبّ: ها إِنِّي أُسلِمُ هٰذه المَدينَةَ إِلى يَدِ مَلِكِ بابِل، فيُحرِقُها بِالنَّار، وأَنتَ لا تُفلِتُ مِن يَدِه، بل تُؤخَذُ وتُجعَلُ في قَبضَتِه، وتَرَى عَيناكَ عَينَي مَلِكِ بابِل، ويُكَلِّمُ فَمُه فَمَكَ، وتَذهَبُ إِلى بابِل. ولٰكِنِ ٱسمَعْ كَلِمَةَ الرَّبِّ، يا صِدقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا. هٰكذا قالَ الرَّبُّ عنكَ: إِنَّكَ لا تَموتُ بِالسَّيف، بل تَموتُ بِسَلام، والأَطْيابُ الَّتي أُحرِقَت لِآبائِكَ المُلوكِ الأَوَّلينَ الَّذينَ كانوا قَبلَكَ يُحرَقُ لَكَ مِثلُها ويَندُبونَكَ بـ«واسَيِّداه»، لأَنِّي بِهٰذا الكَلامِ تَكَلَّمتُ، يَقولُ الرَّبّ. فكَلَّمَ إِرمِيا النَّبِيُّ صِدقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا، بِكُلِّ هٰذا الكَلامِ في أُورَشَليم، حينَ كانَ جَيشُ مَلِكِ بابِلَ يُحارِبُ أُورَشَليمَ وكُلَّ ما بَقِيَ مِن مُدُنِ يَهوذا، وهو لاكيشُ وعزيقَة، لأَنَّ هاتَينِ هما اللَّتانِ بَقِيَتا مِن مُدُنِ يَهوذا، وهما مَدينَتان مُحَصَّنَتان. الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرمِيا مِن لَدُنِ الرَّبّ، بَعدَ أَن قَطَعَ المَلِكُ صِدقِيَّا عَهدًا مع كُلِّ الشَّعبِ الَّذي في أُورَشَليم، على المُناداةِ بإِعتاقٍ لَه، حتَّى يُطلِقَ كُلُّ واحِدٍ عَبدَه وأَمَتَه، العِبرانِيَّ والعِبرانِيَّة، حُرَّين، فلا يَستَعبِدَ أَحَدٌ يَهودِيًّا مِن إِخوَتِه. فقَبِلَ جَميعُ الرُّؤَساءِ وكُلُّ الشَّعبِ الَّذينَ دَخَلوا في العهد أَن يُطلِقَ كُلُّ واحِدٍ عَبدَه وأَمَتَه حُرَّين، حتَّى لا يَستَعبِدَهما بَعدَ اليَوم، فقَبِلوا وأَطلَقوا. لٰكِنَّهم عادوا بَعدَ ذٰلك فأَعادوا العَبيدَ والإِماءَ الَّذينَ أَطلَقوهم أَحْرارًا فأَخضَعوهم عَبيدًا وإِماءً. فكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا مِن لَدُنِ الرَّبِّ قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنِّي قَطَعتُ عَهدًا مع آبائِكم يَومَ أَخرَجتُهم مِن أَرضِ مِصرَ، مِن دارِ العُبودِيَّة، قائِلًا: عِندَ ٱنقِضاءِ سَبعِ سِنين، أَطلِقوا كُلُّ واحِدٍ أَخاه العِبرانِيَّ الَّذي باعَ نَفْسَه لَكَ وخَدَمَكَ سِتَّ سِنين، فتُطلِقُه مِن عِندَكَ حُرًّا. فلَم يَسمَع لي آباؤُكم ولم يُميلوا آذانَهم وقد تُبتُم أَنتُمُ اليَومَ وصَنَعتُمُ القَويمَ في عَينَيَّ، مُنادينَ بالإِعْتاقِ كُلُّ واحِدٍ لِقَريبِه، وقَطَعتُم عَهدًا أَمامي في البَيتِ الَّذي دُعِيَ بِٱسمي. ثُمَّ عُدتُم فدَنَّستُمُ ٱسْمي وأَعدتُم كُلُّ واحِدٍ عَبدَه وكُلُّ واحِدٍ أَمَتَه مِمَّن أَطلَقتُموهم أَحْرارًا لأَنفُسِهم، فأَخضَعتُموهم لِيَكونوا لَكم عَبيدًا وإِماءً. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّكم لم تَسمَعوا لِمناداتي بِأَن يُعتِقَ كُلُّ واحِدٍ أَخاه وكُلُّ واحِدٍ قَريبَه. فهاءَنَذا أُنادي لَكم بالإِعْتاق، يَقولُ الرَّبّ، لِلسَّيفِ والطَّاعونَ والجوع، وأَجعَلُكم مَوضِعَ رُعبٍ في جَميعِ مَمالِكِ الأَرض. وأَجعَلُ النَّاسَ الَّذين نَقَضوا عَهْدي، الَّذينَ لم يُتِمُّوا كَلِماتِ العَهدِ الَّذي قَطَعوه أَمامي، حينَ قَطَعوا العِجلَ شَطرَينِ وجازوا بَينَ قِطعَتَيه، رُؤَساءَ يَهوذا ورُؤَساءَ أُورَشَليمَ والخِصْيانَ والكَهَنَةَ وكُلَّ شَعبِ تِلكَ الأَرضِ الَّذينَ جازوا بَينَ قِطعَتَيِ العِجل، أُسلِمُهم إِلى أَيدي أَعْدائِهم وإِلى أَيدي طالِبي نُفوسِهم، فتَكونُ جُثَثُهم طَعامًا لِطُيورِ السَّماءِ ولِبَهائِمِ الأَرض. وأُسلِمُ صِدقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا، ورُؤَساءَه إِلى أَيدي أَعْدائِهم وأَيدي طالِبي نُفوسِهم وأَيدي جَيشِ مَلِكِ بابِلَ الذَّي ٱنصَرَفَ عنكم. هاءَنَذا آمُرُهم، يَقولُ الرَّبّ، وأُرجِعُهم إِلى هٰذه المَدينة، فيُحارِبونَها ويَأخُذونَها ويُحرِقونَها بِالنَّار، وأَجعَلُ مُدُنَ يَهوذا مُقفِرَةً لا ساكِنَ فيها. الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرمِيا مِن لَدُنِ الرَّبِّ في أَيَّامِ يوياقيمَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، قائلًا: «إِذهَبْ إِلى بَيتِ الرِّيكابِيِّينَ وكَلِّمْهم وٱدخُلْ بِهم إِلى بَيتِ الرَّبّ، إِلى أَحَدِ الغُرَف، وٱسقِهم خَمرًا». فأَخَذتُ يازَنْيا بنَ إِرمِيا بنِ حَبَصِّينِيا وإِخوَتَه وجَميعَ بَنيه وبَيتَ الرِّيكابِيِّينَ كافَّةً، ودَخَلتُ بِهم إِلى بَيتِ الرَّبّ، إِلى غُرفَةِ بَني حانانَ بنِ يَجدَلْيا رَجُلِ اللهِ، الَّذي بِجانَبِ غُرفَةِ الرُّؤَساءِ الَّتي مِن فَوقِ غُرفَةِ مَعَسْيا بنِ شَلُّوم، حارِسِ الأَعْتاب، وجَعَلتُ أَمامَ بَني بَيتِ الرِّيكابِيِّينَ جِرارًا مَلأَى مِنَ الخَمْرِ وكُؤوسًا، وقُلتُ لَهم: «إِشرَبوا خَمرًا». فقالوا: «نَحنُ لا نَشرَبُ خَمرًا، لأَنَّ يونادابَ بنَ ريكابَ أَبانا أَمَرَنا قائلًا: لا تَشرَبوا خَمرًا أَنتُم ولا بَنوكم لِلأَبَد، ولا تَبْنوا بَيْتًا ولا تَزرَعوا زَرعًا ولا تَغرِسوا كَرمًا، ولا يَكُنْ لَكم مِن ذٰلك شَيء، بلِ ٱسكُنوا في الخِيامِ طولَ أَيَّامِكم، لِكَي تَحيَوا أَيَّامًا كَثيرةً على وَجهِ الأَرضِ الَّتي أَنتُم فيها نازِلون. فسَمِعنا لِصَوتِ يونادابَ ٱبنِ ريكابَ، أَبينا في كُلِّ ما أَمَرَنا بِه، أَن لا نَشرَبَ خَمرًا طولَ أَيَّامِنا نَحنُ ونِساؤُنا وبَنونا وبَناتُنا، وأَن لا نَبنِيَ بُيوتًا لِنَسكُنَها ولا يَكونَ لَنا كَرمٌ ولا حَقلٌ ولا زَرْع، وسكَنَّا في الخِيام، وسَمِعنا وعَمِلنا بِكُلِّ ما أَمَرَنا بِه يونادابُ أَبونا. فلَمَّا صَعِدَ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، إِلى تِلكَ الأَرضِ، قُلنا: هَلُمُّوا نَدْخُلْ أُورَشَليمَ مِن وَجهِ جَيشِ الكَلْدانِيِّين ومِن وَجهِ جَيشِ أَرام، فسَكَنَّا في أُورَشَليم». فكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا قائلًا: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِذهَبْ وقُلْ لِرِجالِ يَهوذا ولِسُكَّانِ أُورَشَليم: أَلا تَقبَلونَ تَأديبًا فتَسمَعوا لِكَلامي، يَقولُ الرَّبّ؟ قد أُتِمَّ كَلامُ يونادابَ بنِ ريكابَ، الَّذي أَمَرَ بِه بَنيه أَن لا يَشرَبوا خَمرًا، فلَم يَشرَبوا إِلى هٰذا اليَوم، لأَنَّهم سَمِعوا لأَمرِ أَبيهم. أَمَّا أَنا فكَلَّمتكُم بِلا مَلَلٍ فلَم تَسمَعوا لي. وقَد أَرسَلتُ إِلَيكم جَميعَ عَبيدِيَ الأَنبِياءِ بِلا مَلَلٍ قائِلًا: إِرجِعوا كُلُّ واحِدٍ عن طَريقِه الشِّرِّير، وأَصلِحوا أَعْمالَكم، ولا تَسيروا وَراءَ آلِهَةٍ أُخْرى لِتَعْبُدوها، فتَسكُنوا في الأَرضِ الَّتي أَعطَيتُها لَكم ولِآبائِكم، فلَم تُميلوا آذانَكم ولا سَمِعتُم لي. لقَد أَتَمَّ بَنو يونادابَ بنِ ريكابَ أَمرَ أَبيهِمِ الَّذي أَمَرَهم بِه. أَمَّا هٰذا الشَّعبُ فلَم يَسمَعْ لي. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنِّي جالِبٌ على يَهوذا وعلى جَميعِ سُكَّانِ أُورَشَليمَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذي تَكَلَّمتُ بِه علَيهم، لأَنِّي كَلَّمتُهم فلَم يَسمَعوا ودَعَوتُهم فلَم يُجيبوا. وقالَ إِرمِيا لِبَيتِ الرِّيكابِيِّين: «هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: بِما أَنَّكم سَمِعتُم لأَمرِ يونادابَ أَبيكم وحَفِظتُم جَميعَ أَوامِرِه وعَمِلتُم بِجَميعِ ما أَمَرَكم به، لِذٰلك هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: لا يَنقَطِعُ لِيونادابَ بنِ ريكابَ رَجُلٌ يَقِفُ أَمامي طولَ الأَيَّام». وفي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيوياقيمَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، كانَ هٰذا الكَلامُ إِلى إِرمِيا مِن لَدُنِ الرَّبِّ قائلًا: «خُذْ لَكَ سِفرًا وٱكتُبْ فيه كُلَّ الكَلامِ الَّذي كَلَّمتُكَ بِه على إِسْرائيلَ وعلى يَهوذا وعلى جَميعِ الأُمَم، مِن يَومَ كَلَّمتُكَ مِن أَيَّامِ يوشِيَّا إِلى هٰذا اليَوم، لَعَلَّ بَيتَ يَهوذا يَسمَعونَ بكُلِّ الشَّرِّ الَّذي فكَّرتُ أَن أَصنَعَه بِهم فيَرجِعوا كُلُّ واحِدٍ عن طَريقِه الشِّرِّير، فأَغفِرَ إِثمَهم وخَطيئَتَهم». فدَعا إِرمِيا باروكَ بنَ نيرِيَّا، فكتَبَ باروكُ في سِفرِ إِرمِيا كُلَّ كَلامِ الرَّبِّ الَّذي كَلَّمَه بِه. وأَمَرَ إِرمِيا باروكَ قائِلًا: هُناكَ ما يَمنَعُني، لا أَستَطيعُ الذَّهابَ إِلى بَيتِ الرَّبّ، فٱذهَبْ أَنتَ وٱقرَأْ في السِّفرِ الَّذي كتَبتَه عن فَمي كَلامَ الرَّبِّ على مَسامِعِ الشَّعبِ في بَيتِ الرَّبِّ يَومَ الصَّوم، وٱقرَأْه أَيضًا على مَسامِعِ جَميعِ بَني يَهوذا القادِمينَ مِن مُدُنِهم، لَعَلَّ تَضَرُّعَهم يَصِلُ إِلى أَمامِ الرَّبّ، ويَرجِعونَ كُلُّ واحِدٍ عن طَريقِه الشِّرِّير، فإِنَّ غَضَبَ الرَّبِّ وسُخطَه، الَّذي تَكَلَّمَ بِه على هٰذا الشَّعبِ، عَظيم». ففَعَلَ باروكُ بنُ نيرِيَّا بِكُلِّ ما أَمَرَه بِه إِرمِيا النَّبِيّ، وقَرَأَ في الكِتابِ كَلامَ الرَّبِّ في بَيتِ الرَّبّ. وكانَ في السَّنَةِ الخامِسَةِ لِيوياقيمَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يهوذا، في الشَّهرِ التَّاسِع، قد نودِيَ بِصَومٍ أَمامَ الرَّبِّ لِكُلِّ شَعبِ أُورَشَليمَ وكُلِّ الشَّعبِ الآتي مِن مُدُنِ يَهوذا إِلى أُورشَليم. فقَرَأَ باروكُ في الكِتابِ كَلامَ إِرمِيا في بَيتِ الرَّبّ، في غُرفَةِ جَمَرْيا بنِ شافانَ الكاتِب، في الدَّارِ العُلْيا، عِندَ مَدخَلِ بابِ بَيتِ الرَّبِّ الجَديدِ على مَسامِعِ كُلِّ الشَّعْب. فلَمَّا سَمِعَ ميخا بنُ جَمَرْيا بنِ شافانَ كُلَّ كَلامِ الرَّبِّ مِنَ الكِتاب، نَزَلَ إِلى بَيتِ المَلِك، إِلى غُرفَةِ الكاتِب، فإِذا بِالرُّؤَساءِ كُلِّهم جالِسونَ هُناكَ: أَليشاماعَ الكاتِبِ ودَلايا بنِ شَمَعْيا وأَلْناتانَ بنِ عَكْبورَ وجَمَرْيا بنِ شافانَ وصِدقِيَّا بنِ حَنَنْيا وسائِرِ الرُّؤَساء، فأَخبَرَهم ميخا بِكُلِّ الكَلامِ الَّذي سَمِعَه، عِندَما قَرَأَ باروكُ في الكِتابِ على مَسامِعِ الشَّعْب. فأَرسَلَ جَميعُ الرُّؤَساءِ إِلى باروكَ يَهودِيَ بنِ نَتَنْيا بنِ شَلَمْيا ٱبنِ كوشِيَ قائِلًا: «خُذْ بِيَدِكَ السِّفرَ الَّذي قَرَأتَ فيه على مَسامِعِ الشَّعبِ وتَعالَ». فأَخَذَ باروكُ ٱبنُ نيرِيَّا السِّفرَ بِيَدِه وذَهَبَ إِلَيهم. فقالوا لَه: «إِجلِسْ وٱقرَأْ ذٰلك على مَسامِعِنا». فقَرَأَ باروكُ على مَسامِعِهم. فلَمَّا سَمِعوا كُلَّ هٰذا الكَلام، نَظَرَ بَعضُهم إِلى بَعضٍ مُرتَعِشينَ وقالوا لِباروك: «لِنُخبِرَنَّ المَلِكَ بِكُلِّ هٰذا الكَلام». وسأَلوا باروكَ قائِلين: «أَخبِرْنا كَيفَ كَتَبتَ كُلَّ هٰذا الكَلامِ عن فَمِه». فقالَ لَهم باروك: «كانَ يُمْلي علَيَّ كُلَّ هٰذا الكَلامِ عن لِسانِه، وأَنا أَخُطُّه في الكِتابِ بِالحِبْر». فقالَ الرُّؤَساءُ لِباروك: «إِذهَبْ وٱختَبِئْ أَنتَ وإِرمِيا، ولا يَعرِفْ أَحَدٌ أَينَ أَنتُما». وذَهَبوا إِلى المَلِك، إِلى الدَّار، بَعدَ أَن أَودَعوا السِّفرَ في غُرفَةِ أَليشاماعَ الكاتِب، وقَصُّوا كُلَّ الأَمرِ على مِسمَعَيِ المَلِك. فأَرسَلَ المَلِكُ يَهودِيَ لِيَأخُذَ السِّفرَ، فأَخَذَه مِن غُرفَةِ أَليشاماعَ الكاتِب، وقَرَأَه يَهوديَ على مِسمَعَيِ المَلِكِ ومَسامِعِ جَميعِ الرُّؤَساءِ الواقِفينَ لَدى المَلِك. وكانَ المَلِكُ جالِسًا في بَيتِ مَشْتاه في الشَّهرِ التَّاسِع، والمَنقَلُ أَمامَه مُتَّقِد. فكُلَّما كانَ يَهوديَ يَقرَأُ ثَلاثَةَ أَعمِدَةٍ أَو أَربَعَة، كانَ المَلِكُ يَقُصُّها بِسِكِّينِ الكاتِب، ويُلْقيها في النَّارِ الَّتي في المَنقَل، حتَّى فَنِيَ كُلُّ السِّفرِ في النَّارِ الَّتي في المَنقَل. ولَم يَفزَعوا ولم يُمَزِّقوا ثِيابَهم، لا المَلِكُ ولا أَحَدٌ مِن حاشِيَتِه الَّذينَ سَمِعوا كُلَّ هٰذا الكَلام. وكانَ أَلْناتانُ ودَلايا وجَمَرْيا قد أَلَحُّوا على المَلِكِ بِأَن لا يُحرَقَ السِّفْرُ، فلَم يَسمَعْ لَهم. ثُمَّ أَمَرَ المَلِكُ يَرَحمَئيل، ٱبنَ المَلِك، وسَرايا بنَ عَزْريئيلَ وشَلَمْيا بنَ عَبدَئيلَ أَن يَقبِضوا على باروكَ الكاتِبِ وإِرمِيا النَّبِيّ، فأَخْفاهما الرَّبّ. وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا، بَعدَ أَن أَحرَقَ المَلِكُ السِّفرَ والكَلامَ الَّذي كَتَبَه باروكُ عن فَمِ إِرمِيا قائِلًا: «عُد وخُذْ لَكَ سِفرًا آخَر، وٱكتُبْ فيه كُلَّ الكَلامِ الأَوَّلِ الَّذي كانَ في السِّفرِ الأَوَّلِ الَّذي أَحرَقَه يوياقيم، مَلِكُ يهوذا، وتَقولُ على يوياقيم، مَلِكِ يَهوذا: هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّكَ قد أَحرَقتَ هٰذا السِّفرَ قائِلًا: لِماذا كَتَبتَ فيه وقُلتَ: لَيَأتِيَنَّ مَلِكُ بابِلَ ولَيُدَمِّرَنَّ هٰذه الأَرضَ ويُخْليها مِنَ النَّاسِ والبَهائم. فلِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبُّ على يوياقيم، مَلِكِ يهوذا: إِنَّه لا يَكونُ لَه مَن يَجلِسُ على عَرشِ داوُد، وتَكونُ جُثَّتُه مَطْروحةً لِلحَرِّ في النَّهارِ والبَردِ في اللَّيل. وأُعاقِبُه وأُعاقِبُ ذُرِّيَّتَه وعَبيدَه على إِثمِهم وأَجلُبُ علَيهم وعلى سُكَّانِ أُورَشَليمَ وعلى رِجالِ يَهوذا كُلَّ الشَّرِّ الَّذي تَكَلَّمتُ بِه علَيهم ولم يَسمَعوا». فأَخَذَ إِرمِيا سِفرًا آخَرَ وسَلَّمَه إِلى باروكَ بنِ نيرِيَّا الكاتِب، فكَتَبَ فيه عن لِسانِ إِرمِيا كُلَّ كَلامِ الكِتابِ الَّذي أَحرَقَه يوياقيم، مَلِكُ يَهوذا، بِالنَّار، وزيدَ عليه أَيضًا كَلامٌ كَثيرٌ مِثلُه. ومَلَكَ المَلِكُ صِدقِيَّا بنُ يوشِيَّا مَكانَ كُنْيا ٱبنِ يوياقيم، لأَنَّ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكَ بابِل، مَلَّكَه على أَرضِ يَهوذا. ولم يَسمَعْ هو ولا رَعاياه ولا شَعْبُ تِلكَ الأَرضِ لِكَلامِ الرَّبِّ الَّذي تَكَلَّمَ بِه على لِسانِ إِرمِيا النَّبِيّ. وأَرسَلَ المَلِكُ صِدقِيَّا يوكَلَ بنَ شَلَمْيا وصَفَنْيا بنَ مَعَسْيا الكاهِنَ إِلى إِرمِيا النَّبِيَّ قائِلًا: «صَلِّ مِن أَجلِنا إِلى الرَّبِّ إِلْهِنا». وكانَ إِرمِيا يَدخُلُ ويَخرُجُ بَينَ الشَّعْب، إِذ لم يَكونوا قد جَعَلوه في السِّجْن. وكانَ جَيشُ فِرعَونَ قد خَرَجَ مِن مِصْر، فسَمِعَ الكَلْدانِيُّونَ المُحاصِرونَ لأُورَشَليمَ بِخَبَرِهم، فٱنصَرَفوا عن أُورَشَليم. فكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا النَّبِيِّ قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: هٰكذا تَقولونَ لِمَلِكِ يَهوذا الَّذي أَرسَلَكم إِلَيَّ لِتَسأَلوني: ها إِنَّ جَيشَ فِرعَونَ الَّذي خَرَجَ لإنجادِكم يَرجِعُ إِلى أَرضِه إِلى مِصْرَ، والكَلْدانِيِّينَ يَرجِعونَ ويُحارِبونَ هٰذه المَدينةَ ويأخُذونَها ويُحرِقونَها بِالنَّار. هٰكذا قالَ الرَّبّ: لا تَخدَعوا أَنفُسَكم قائلين: إِنَّ الكَلْدانِيِّينَ سيَذهَبونَ عنَّا، فإِنَّهم لا يَذهَبون. فإِنَّه، وإِن قَتَلتُم كُلَّ جَيشِ الكَلْدانِيِّينَ الَّذينَ يُحارِبونَكم وبَقِيَ مِنهم رِجالٌ قد طُعِنوا، هٰؤُلاءِ يَقومون، كُلُّ واحِدٍ في خَيمَتِه، ويُحرِقونَ هٰذه المَدينَةَ بِالنَّار. ولَمَّا ٱنصَرَفَ جَيشُ الكَلْدانِيِّينَ عن أُورَشَليمَ بِسَبَبِ جَيشِ فِرعَون، خَرَجَ إِرميا مِن أُورَشَليمَ لِيَذهَبَ إِلى أَرضِ بَنْيامينَ لِيَأخُذَ هُناكَ نَصيبَه بَينَ الشَّعْب. فلَمَّا وَصَلَ إِلى بابِ بَنْيامين، كانَ هُناكَ رَئيسُ المَحرَس، وٱسمُه يِرئِيَّا بنُ شَلَمْيا ٱبنِ حَنَنْيا. فقَبَضَ على إِرميا النَّبِيِّ قائِلًا: «أَنتَ هارِبٌ إِلى الكَلْدانِيِّين». فقالَ إِرمِيا: «كَذِب! لَستُ هارِبًا إِلى الكَلْدانِيِّين». فلَم يَسمَعْ لَه يِرئِيَّا وقَبَضَ علَيه وأَتى بِه إِلى الرُّؤَساء. فسَخِطَ الرُّؤَساءُ على إِرمِيا وضَرَبوه وحَبَسوه في بَيتِ يوناتانَ الكاتِب، لأَنَّهم جَعَلوا مِن ذٰلك البَيتِ سِجْنًا. فدَخَلَ إِرمِيا إِلى الجُبِّ المُقَبَّب، وأَقامَ هُناكَ أَيَّامًا كَثيرة. ثُمَّ أَرسَلَ المَلِكُ صِدقِيَّا وأَخَذَه، وسَأَلَه المَلِكُ في بَيتِه سَرًّا وقال: «هل مِن كَلِمَةٍ مِن لَدُنِ الرَّبّ؟» فقالَ إِرمِيا: «نَعَم»، وأَضاف: «إِنَّكَ ستُسلَمُ إِلى يَدِ مَلِكِ بابِل». وقالَ إِرمِيا لِلمَلِكِ صِدقِيَّا: «بِمَاذا خَطِئتُ إِلَيكَ وإِلى رِجالِكَ وإِلى هٰذا الشَّعبِ حتَّى أَلقَيتُموني في السِّجْن؟ وأَينَ أَنْبِياؤُكمُ الَّذينَ تَنَبَّأُوا لَكم قائِلين: إِنَّ مَلِكَ بابِلَ لا يَأتي علَيكم ولا على هٰذه الأَرض. والآنَ ٱسمَعْ يا سَيِّدِيَ المَلِك. لِيَصِلْ تَضَرُّعي إِلى أَمامِكَ، فلا تُعِدْني إِلى بَيتِ يوناتانَ الكاتِب، لِئَلاَّ أَموتَ هُناك». فأَمَرَ المَلِكُ صِدقِيَّا أَن يُحرَسَ إِرمِيا في دارِ الحَرَس، وأَن يُعْطى لَه رَغيفٌ مِنَ الخُبزِ كُلَّ يَومٍ مِن سوقِ الخَبَّازين، إِلى أَن يَنفَدَ الخُبزُ كُلُّه مِنَ المَدينة. فأَقامَ إِرمِيا في دارِ الحَرَس. وسَمِعَ شَفَطْيا بنُ متَّانَ وجَدَلْيا بنُ فَشْحورَ ويوكَلُ بنُ شَلَمْيا وفَشْحورُ بنُ مَلْكِيَّا الكَلامَ الَّذي كانَ إِرمِيا يُكَلِّمُ بِه كُلَّ الشَّعبِ قائِلًا: «هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّ الَّذي يَبْقى في هٰذه المَدينَةِ يَموتُ بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون، والَّذي يَخرُجُ إِلى الكَلْدانِيِّينَ يَحْيا وتَكونُ لَه نَفْسُه غَنيمةً فيَحْيا. هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّ هٰذه المَدينَةَ ستُسلَمُ إِلى أَيدي جَيشِ مَلِكِ بابِل، فيَأخُذُها». فقالَ الرُّؤَساءُ لِلمَلِك: «لِيُقتَلْ هٰذا الرَّجُل، فإِنَّه إِنَّما يُرْخي أَيدي رِجالِ القِتالِ الباقينَ في هٰذه المَدينَةِ وأَيدي كُلِّ الشَّعْب، حينَ يُكَلِّمُهم بِهٰذا الكَلام، لأَنَّ هٰذا الرَّجُلَ لا يَطلُبُ لِهٰذا الشَّعبِ سَلامًا، بل بَلْوًى». فقالَ المَلِكُ صِدقِيَّا: «ها إِنَّه في أَيديكم، لأَنَّ المَلِكَ لا يَستَطيعُ معَكم شَيئًا»: فأَخَذوا إِرمِيا وأَلقَوه في جُبِّ مَلكِيَّا ٱبنِ المَلِكِ الَّذي في دارِ الحَرَس، ودَلَّوا إِرمِيا بِحِبال. ولم يَكُنْ في الجُبِّ ماء، بل وَحْلٌ فغاصَ إِرمِيا في الوَحْل. فسَمِعَ عَبدَ مَلِكُ الكوشِيُّ، أَحَدُ الخِصْيانِ، وهو في بَيتِ المَلِك، أَنَّهم جَعَلوا إِزمِيا في الجُبّ، وكانَ المَلِكُ جالِسًا بِبابِ بَنْيامين. فخَرَجَ عَبدَ مَلِكُ مِن بَيتِ المَلِك، وكَلَّمَ المَلِكَ قائِلًا: «يا سَيِّدِيَ المَلِك، إِنَّ أُولٰئِكَ الرِّجالَ قد أَساءُوا في كُلِّ ما صَنَعوا بإِرمِيا النَّبِيِّ الَّذي أَلقَوه في الجُبّ، فهو يَموتُ جوعًا هُناك، إِذ لم يَبْقَ في المَدينَةِ خُبْز». فأَمَرَ المَلِكُ عَبدَ مَلِكَ الكوشِيَّ قائِلًا: «خُذْ مِن هُنا ثَلاثينَ رَجُلًا تَحتَ يَدِكَ وأَخرِجْ إِرمِيا النَّبِيَّ مِنَ الجُبِّ قَبلَ أَن يَموت». فأَخَذَ عَبدَ مَلِكُ الرِّجالَ تَحتَ يَدِه ودَخَلَ إِلى بَيتِ المَلِك، إِلى تَحتِ الخِزانَةِ، وأَخَذَ مِن هُناكَ ثِيابًا رَثَّةً وخِرَقًا بالِيَة، ودَلاَّها إِلى إِرمِيا إِلى الجُبِّ بِحِبال. وقالَ عَبدَ مَلِكُ الكوشِيُّ لإرمِيا: «ضَعِ الثِّيابَ الرَّثَّةَ والخِرَقَ البالِيَةَ تَحتَ إِبطَيكَ مِن تَحتِ الحِبال». فصَنَعَ إِرمِيا كذٰلك. ورَفَعوا إِرمِيا بِالحِبال، وأَخرَجوه مِنَ الجُبّ. وأَقامَ إِرمِيا في دارِ الحَرَس. ثُمَّ أَرسَلَ المَلِكُ صِدقِيَّا وأَخَذَ إِرمِيا النَّبِيَّ إِلَيه في المَدخَلِ الثَّالِثِ الَّذي في بَيتِ الرَّبّ، وقالَ المَلِكُ لإرمِيا: «أَسأَلُكَ عن أَمْرٍ، فلا تَكتُمْ عنِّي شَيئًا». فقالَ إِرمِيا لِصِدِقيَّا: «إِن أَخبَرتُكَ، أَفلا تُقتُلُني قَتلًا؟ وإِن أَشَرتُ علَيكَ فلا تَسمَعُ لي». فحَلَفَ المَلِكُ صِدقِيَّا لإرمِيا سِرًّا قائِلًا: «حَيٌّ الرَّبُّ الَّذي وَهَبَ لَنا هٰذه الحَياة، إِنِّي لا أَقتُلُكَ ولا أُسلِمُكَ إِلى أَيدي أُولٰئِكَ النَّاسِ الَّذينَ يَطلُبونَ نَفْسَكَ». فقالَ إِرمِيا لِصِدقِيَّا: «هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ القُوَّات، إِن خَرَجتَ وأَسلَمتَ نَفسَكَ إِلى رُؤَساءِ مَلِكِ بابِل، تَحْيا نَفْسُكَ، وهٰذه المَدينَةُ لا تُحرَقُ بِالنَّار، وأَنتَ وأَهْلُ بَيتِكَ تَحيَون. ولٰكِن إِن لم تُسلِمْ نَفْسَكَ إِلى رُؤَساءِ مَلِكِ بابِل، فهٰذه المَدينَةُ تُسلَمُ إِلى أَيدي الكَلْدانِيِّينَ فيُحرِقونَها بِالنَّار، وأَنتَ لا تُفلِتُ مِن أَيديهم». فقالَ المَلِكُ صِدقِيَّا لإرمِيا: «إِنِّي أَخافُ مِنَ اليَهودِ الَّذينَ هَرَبوا إِلى الكَلْدانِيِّين، فلَقَد أُسلَمُ إِلى أَيديهم فيَسخَروا مِنِّي». فقالَ إِرمِيا: «إِنَّكَ لا تُسلَمُ إِلى أَيديهم، اِسمَعْ لِصَوتِ الرَّبِّ الَّذي أُكَلِّمُكَ بِه، فيَكونَ لَكَ خَيرٌ وتَحْيا نَفْسُكَ. لٰكِن إِن أَبَيتَ أَن تُسلِمَ نَفسَكَ، فهٰذا هو الأَمرُ الَّذي أَرانيه الرَّبّ: إِنَّ جَميعَ النِّساءِ اللَّواتي بَقينَ في بَيتِ مَلِكِ يَهوذا يُخرَجُ بِهِنَّ إِلى رُؤَساءِ مَلِكِ بابِل، فيَقُلْنَ: أَصدقاؤُكَ الأَحِمَّاءُ، خَدَعوكَ وغَلَبوكَ، فغاصَت رِجْلاكَ في المَوحِل، وهمُ ٱنصَرَفوا عنكَ. وجَميعُ نِسائِكَ وبَنوكَ يُخرَجونَ إِلى الكَلْدانِيِّين، وأَنتَ لا تُفلِتُ مِن أَيديهم، بل تُؤخَذُ بِيَدِ مَلِكِ بابِل، وهٰذه المَدينةُ تُحرَقُ بِالنَّار». فقالَ صِدقِيَّا لإرميا: «لا يَعلَمْ أَحَدٌ بِهٰذا الكَلامِ لِئَلاَّ تَموت. وإِذا سَمِعَ الرُّؤَساءُ بِأَنِّي كَلَّمتُكَ وأَتَوكَ وقالوا لَكَ: أَخْبِرْنا ماذا قُلتَ لِلمَلِكِ وماذا قالَ لَكَ المَلِك، ولا تَكْتُمْه عنَّا فلا نَقتُلَكَ، فقُلْ لَهم: إِنِّي وَضَعتُ تَضَرُّعي أَمامَ المَلِكِ لِئَلاَّ يُعيدَني إِلى بَيتِ يوناتانَ لأَموتَ هُناك». فأَتى جَميعُ الرُّؤَساءِ إِلى إِرمِيا وسَأَلوه فأَخبَرَهم بِجَميعِ الكَلامِ الَّذي أَمَرَ بِه المَلِك، فتَرَكوه وشَأنَه لأَنَّه لم يُسمَعْ مِنَ الحَديثِ شَيء. وأَقامَ إِرمِيا في دارِ الحَرَسِ إِلى يَومَ أُخِذَت أُورَشَليم. وكانَ ذٰلك لَمَّا أُخِذَت أُورَشَليم. في السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِصِدقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، في الشَّهرِ العاشِر، أَتى نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، وجَميعُ جَيشِه إِلى أُورشَليمَ وحاصَروها، وفُتِحَتِ المَدينَةُ في السَّنَةِ الحادِيَةَ عَشرَةَ لِصِدقِيَّا، في الشَّهرِ الرَّابِع، في التَّاسِعِ مِنَ الشَّهْر، ودَخَلَ جَميعُ رُؤَساءِ مَلِكِ بابِل وجَلَسوا بِالبابِ الأَوسط، وهم نِرْجَلَ شَرأَصَرُ وسَمجَرَ نَبو وسَرسَكيمُ الرَّبْسَريسُ ونِرجَلَ شَرأَصَرُ الرَّبْماجُ وسائِرُ رُؤَساءِ مَلِكِ بابِل. فلَمَّا رَآهم صِدقِيَّا، مَلِكُ يَهوذا، وجَميعُ رِجالِ الحَرْب، هَرَبوا وخَرَجوا مِنَ المَدينَةِ لَيلًا، مِن طَريقِ بُسْتانِ المَلِك، مِنَ البابِ الَّذي بَينَ السُّورَين، وذَهَبَ صِدقِيَّا، في طَريقِ العَرَبَة. فجَرى جَيشُ الكَلْدانِيِّينَ في إِثْرِهم، فأَدرَكوا صِدقِيَّا في بَرِّيَّةِ أَريحا، فأَخَذوه وأَصعَدوه إِلى نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، في رِبلَةَ بِأَرضِ حَماة، فتَلا علَيه الحُكْم. وذَبَحَ مَلِكُ بابِلَ بَني صِدقِيَّا في رِبلَةَ أَمامَ عَينَيه، وذَبَحَ مَلِكُ بابِلَ جَميعَ أَشْرافِ يَهوذا، وفَقَأَ عَينَي صِدقِيَّا وأَوثَقَه بِسِلسِلَتَينِ مِن نُحاسٍ لِيَذهَبَ بِه إِلى بابِل. وأَحرَقَ الكَلْدانِيُّونَ بَيتَ المَلِكِ وبُيوتَ الشَّعبِ بِالنَّار، وهَدَموا أَسوارَ أُورَشَليم، وسائِرُ الشَّعبِ الَّذي بَقِيَ في المَدينَةِ والهارِبونَ الَّذينَ هَرَبوا إِلَيه وسائِرُ الشَّعبِ الَّذي بَقِيَ جَلاهم نَبوزَرادان، رَئيسُ الحَرَسِ، إِلى بابِل. أَمَّا شَعبُ المَساكين، مِمَّن لم يَكُنْ لَهم شَيء، فتَرَكَهم نَبوزَرادان، رَئيسُ الحَرَس، في أَرضِ يَهوذا، وأَعْطاهم كُرومًا وحُقولًا في ذٰلك اليَوم. وأَوصى نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، نَبوزَرادان، رَئيسَ الحَرَس، في إِرمِيا قائِلًا: «خُذْه وٱجعَلْ عَينَيكَ علَيه ولا تَضَعْ بِه مِنَ الشَّرِّ شَيئًا، بلِ ٱعمَلْ لَه كما يَقولُ لَكَ». فأَرسَلَ نَبوزَرادان، رَئيسُ الحَرَس، ونَبوشَزْبان، رَئيسُ الخِصْيان، ونِرجَلَ شَرْأَصَرُ الرَّبْماج وسائِرُ عُظَماءِ مَلِكِ بابِل، أَرسَلوا وأَخَذوا إِرمِيا مِن دارِ الحَرَس، وسَلَّموه إِلى جَدَلْيا بنِ أَحيقامَ بنِ شافان، لِيَذهَبَ بِه إِلى البَيت، فأَقامَ بَينَ الشَّعْب. وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا، لَمَّا كانَ مَحْبوسًا في دارِ الحَرَسِ، قائِلًا: «إِذهَبْ وكَلِّمْ عَبدَ مَلِكَ الكوشِيَّ قائِلًا: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل. إِنِّي جالِبٌ كَلامي على هٰذه المَدينةِ لِلشَّرِّ، لا لِلخَير، فيَتِمُّ أَمامَكَ في ذٰلك اليَوم. وإِنِّي أُنقِذُكَ في ذٰلك اليَوم، يَقولُ الرَّبّ، فلا تُسلَمُ إِلى أَيدي النَّاسِ الَّذينَ تَخافُ مِنهم، بل أُنجِّيكَ نَجاةً فلا تَسقُطُ بِالسَّيف، وتَكونُ لَكَ نَفسُكَ غَنيمة، لأَنَّكَ تَوَكَّلتَ علَيَّ، يَقولُ الرَّبّ». الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرمِيا مِن لَدُنِ الرَّبّ، بَعدَ أَن أَطلَقَه نَبوزَرادان، رَئيسُ الحَرَس، مِنَ الرَّامة، حينَ كانَ قد أَخَذَه مُكَبَّلًا بِالقُيودِ بَينَ جَميعِ مَجلُوِّي أُورَشَليمَ ويَهوذا الَّذينَ جُلوا إِلى بابِل. أَخَذَ رَئيسُ الحَرَسِ إِرمِيا وقالَ لَه: «إِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ قد تَكَلَّمَ بِهٰذا الشَّرِّ على هٰذا المَكان، وقد جَلَبَه وصَنَعَ الرَّبُّ كما قال، لأَنَّكم خَطِئتُم إِلى الرَّبّ، ولم تَسمَعوا لِصَوتِه، فتَمَّ علَيكم هٰذا الأَمْر. والآنَ هاءَنَذا قد حَلَلتُكَ اليَومَ مِنَ القُيودِ الَّتي على يَدِكَ، فإِن حَسُنَ في عَينَيكَ أَن تأتِيَ مَعي إِلى بابِل، فهَلُمَّ فإِنِّي أَجعَلُ عَينَيَّ علَيكَ، وإِن ساءَ في عَينَيكَ أَن تَأتِيَ مَعي إِلى بابِل، فلا تَأتِ. أُنظُر! إِنَّ الأَرضَ كُلَّها بَينَ يَدَيكَ، فحَيثُما حَسُنَ في عَينَيكَ ووافَقَكَ أَن تَذهَبَ فٱذهَبْ». ولم يَكُنْ قدِ ٱنصَرَف، فقالَ لَه: «إِنصَرِفْ إِلى جَدَلْيا ٱبنِ أَحيقامَ بنِ شافانَ الَّذي وَلاَّه مَلِكُ بابِلَ على مُدُنِ يَهوذا، وأَقِمْ معَه بَينَ الشَّعْب، أَو فٱذهَبْ حَيثُما وافَقَكَ أَن تَذهَب». وأَعْطاه رَئيسُ الحَرَسِ زادًا وهَدِيَّةً وأَطلَقَه. فأَتى إِرمِيا إِلى جَدَلْيا بنِ أَحيقامَ في المِصْفاة، وأَقامَ مَعه بَينَ الشَّعبِ الباقي في الأَرض. ولَمَّا سَمِعَ جَميعُ رُؤَساءِ الجُيوشِ الَّذين في الحُقولِ، هم ورِجالُهم، أَنَّ مَلِكَ بابِلَ قد وَلَّى جَدَلْيا بنَ أَحيقامَ على تِلكَ الأَرضِ ووَكَلَ إِلَيه الرِّجالَ والنِّساءَ والأَطْفالَ ومَساكينَ الأَرض، مِمَّن لم يُجْلَ إِلى بابِل، أَتَوا جَدَلْيا في المِصْفاة، وهم إِسْماعيلُ بنُ نَتَنْيا ويوحانانُ ويوناتان، ٱبْنا قاريح، وسَرايا بنُ تَنْحومَت، وبَنو عوفِيَ النَّطوفِيّ، ويازَنْيا بنَ المَعكِيّ، هم ورِجالُهم. فحَلَفَ جَدَلْيا بنُ أَحيقامَ بنِ شافانَ لَهم ولِرجالِهم قائِلًا: «لا تَخافوا مِن خِدمَةِ الكَلْدانِيِّين. أُسكُنوا في هٰذِه الأَرضِ وٱخدِموا مَلِكَ بابِل، فيَكونَ لَكم خَير. هاءَنَذا ساكِنٌ في المِصْفاةِ لأَقِفَ أَمامَ الكَلْدانِيِّينَ الَّذينَ يَأْتونَ إِلَينا. أَمَّا أَنتُم فٱستَغِلُّوا الخمرَ والفَواكِهَ والزَّيت، وضَعوها في آنِيَتِكم، وٱسكُنوا في مُدُنِكمُ الَّتي أَخَذتُموها». وكذٰلك جَميعُ اليَهودُ الَّذينَ في موآبَ وبَينَ بَني عَمُّونَ وفي أَدوم، والَّذينَ في كُلِّ الأَراضي، لَمَّا سَمِعوا أَنَّ مَلِكَ بابِلَ قد تَرَكَ بَقِيَّةً لِيَهوذا ووَلَّى علَيهم جَدَلْيا بنَ أَحيقامَ بنِ شافان، رَجَعوا مِن جَميعِ الأَماكِنِ الَّتي دُفِعوا إِلَيها، وأَتَوا إِلى أَرضِ يَهوذا، إِلى جَدَلْيا في المِصْفاة، وٱستَغَلُّوا مِنَ الخَمرِ والفَواكِهِ شَيئًا كَثيرًا جِدًّا. وإِنَّ يوحانانَ بنَ قاريحَ وجَميعَ قُوَّادِ الجُيوشِ الَّذينَ في الحُقولِ أَتَوا جَدَلْيا في المِصْفاةِ وقالوا لَه: «هل عَلِمتَ أَنَّ بَعْليسَ، مَلِكَ بَني عَمُّون، قد أَرسَلَ إِسْماعيلَ بنَ نَتَنْيا لِيَقتُلَكَ؟». فلَم يُصَدِّقْهم جَدَلْيا بنُ أَحيقام. فكَلَّمَ يوحانانُ ٱبنُ قاريحَ جَدَلْيا سِرًّا في المِصْفاةِ قائِلًا: «دَعْني أَذهَبُ فأَقْتُلُ إِسْماعيلَ بنَ نَتَنْيا، ولا يَعلَمُ أَحَد. لِماذا يَقتُلُكَ فيَتَبَدَّدُ جَميعُ اليَهودِ المُجْتَمِعينَ إِليكَ وتَهلِكَ بَقِيَّةُ يَهوذا؟». فقالَ جَدَلْيا بنُ أَحيقامَ لِيوحانانَ بنِ قاريح: «لا تَفْعَلْ هٰذا الأَمْر. إِنَّكَ تَتَكَلَّمُ على إِسْماعيلَ كَذِبًا». وفي الشَّهرِ السَّابِع، جاءَ إِسْماعيلُ بنُ نَتَنْيا بنِ أَليشاماع، مِنَ النَّسلِ المَلَكِيّ، وبَعضُ عُظَماءِ المَلِكِ وعَشَرَةُ رِجالٍ معه إِلى جَدَلْيا بنِ أَحيقامَ في المِصْفاة، وأَكَلوا مَعه طَعامًا في المِصْفاة. ثُمَّ قامَ إِسماعيلُ بنُ نَتَنْيا والعَشَرَةُ الرِّجالُ الَّذينَ معَه وضَرَبوا جَدَلْيا بنَ أَحيقامَ بنِ شافانَ بِالسَّيفِ وقَتَلوه، وهو الَّذي وَلاَّه مَلِكُ بابِلَ على تِلكَ المِنطَقَة. وضَرَبَ إِسْماعيلُ جَميعَ اليَهودِ الَّذينَ كانوا معَه، أَي مع جَدَلْيا في المِصْفاة، والكَلْدانِيِّينَ الَّذينَ وُجدوا هُناكَ وكانوا رِجالَ حَرْب. وفي اليَومِ الثَّاني بَعدَ قَتْلِ جَدَلْيا، ولم يَكُنْ أَحَدٌ قد عَلِمَ بِه، أَتى رِجالٌ مِن شَكيمَ ومِن شيلوَ ومِنَ السَّامِرَة، وهم ثَمانونَ رَجُلًا مُحَلَّقي اللِّحى مُمَزَّقي الثِّيابَ مُخَدَّشين، وبِأَيديهِم تَقدِمَةٌ وبَخورٌ لِيُقَرِّبوهما إِلى بَيتِ الرَّبّ. فخَرَجَ إِسْماعيلُ بنُ نَتَنْيا لِلِقائِهم مِنَ المِصْفاة، وكانَ يَسيرُ باكِيًا. ولَمَّا لَقِيَهم، قالَ لَهم: «هَلُمُّوا إِلى جَدَلْيا بنِ أَحيقام». فلَمَّا دَخَلوا إِلى وَسَطِ المَدينة، ذَبَحَهم إِسْماعيلُ بنُ نَتَنْيا وأَلْقاهم في وَسَطِ الجُبّ، هو والرِّجالُ الَّذينَ معَه. وكانَ بَينَهم عَشرَةُ رِجالٍ قالوا لإسْماعيل: «لا تَقتُلْنا فإِنَّ لَنا مُؤَنًا مَدْفونَةً في الحُقول، مِن حِنطَةٍ وشَعيرٍ وزَيتٍ وعَسَل». فعَدَلَ عن قَتلِهم بَينَ إِخوَتِهم. وكانَ الجُبُّ الَّذي أَلْقى فيه إِسْماعيلُ جَميعَ جُثَثِ الرِّجالِ الَّذينَ قَتَلَهم هو جُبَّ جَدَلْيا الَّذي صَنَعَه المَلِكُ آسا لِصَدِّ بَعْشا، مَلِكِ إِسْرائيل، فَمَلَأَه إِسْماعيلُ ٱبنُ نَتَنْيا بِالقَتْلى. وسَبَى إِسْماعيلُ كُلَّ بَقِيَّةِ الشَّعبِ الَّذي في المِصْفاة، وبَناتِ المَلِكِ وكُلَّ الشَّعبِ الباقي في المِصفاة، الَّذي وَكَلَه نَبوزَرادان، رَئيسُ الحَرَس، إِلى جَدَلْيا بنِ أَحيقام. فسَباهم إِسْماعيلُ بنُ نَتَنْيا، وذَهَبَ عابِرًا إِلى بَني عَمُّون. فسَمِعَ يوحانانُ بنُ قاريحَ وجَميعُ قُوَّادِ الجُيوشِ الَّذينَ معَه بِكُلِّ الشَّرِّ الَّذي صَنَعَه إِسْماعيلُ بنُ نَتَنْيا. فأَخَذوا جَميعَ الرِّجالِ وذَهَبوا لِيُقاتِلوا إِسْماعيلَ بنَ نَتَنْيا، فصادَفوه عِندَ المِياهِ الغَزيرَةِ الَّتي بِجِبْعون. فلَمَّا رأَى كُلُّ الشَّعبِ الَّذي مع إِسْماعيلَ يوحانانَ بنَ قاريح وجَميعَ قُوَّادِ الجُيوشِ الَّذينَ معَه فَرِحوا، وٱرتَدَّ كُلُّ الشَّعبِ الَّذي سَباه إِسْماعيلُ مِنَ المِصفاة، ورَجَعوا وٱنضَمُّوا إِلى يوحانانَ بنِ قاريح. أَمَّا إِسْماعيلُ بنُ نَتَنْيا فأَفلَتَ مع ثَمانِيَةِ رِجالٍ مِن وَجهِ يوحانان، وذَهَبَ إِلى بَني عَمُّون. فأَخَذَ يوحانانُ بنُ قاريحَ وجَميعُ قُوَّادِ الجُيوشِ الَّذينَ معَه كُلَّ بَقِيَّةِ شَعبِ المِصْفاةِ الَّذي ٱستَرَدَّه مِن إِسْماعيلَ بنِ نَتَنْيا، بَعدَ أَن قَتَلَ هٰذا جَدَلْيا بنَ أَحيقام، وهم أَبْطالٌ ورِجالُ حَربٍ ونِساءٌ وأَطْفالٌ وخِصْيان، مِمَّن أَرجَعَهم مِن جِبْعون. فساروا وتَوَقَّفوا في خانِ كِمْهامَ الَّتي بِجانِبِ بَيتَ لَحْم، لِيَنطَلِقوا ويَذهَبوا إِلى مِصْر، مِن وَجهِ الكَلْدانِيِّين، لأَنَّهم خافوا مِنهم بِسَبَبِ قَتْلِ إِسْماعيلَ بنِ نَتَنْيا لِجَدَلْيا بنِ أَحيقامَ الَّذي ولاَّه مَلِكُ بابِلَ على كُلِّ تِلكَ الأَرض. وتَقَدَّمَ جَميعُ قُوَّادِ الجُيوشِ ويوحانانُ ٱبنُ قاريح ويازَنْيا بنُ هوشَعْيا وكُلُّ الشَّعبِ مِنَ الصَّغيرِ إِلى الكَبير، وقالوا لإرمِيا النَّبِيّ: «لِيَصِلْ تَضَرُّعُنا إِلى حَضرَتِكَ، وصَلِّ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكَ لأَجلِنا ولأَجلِ كُلِّ هٰذِه البَقِيَّة، فإِنَّنا بَقينا قَليلًا مِن كَثير، كما تَرانا عَيناكَ. ولْيُخبِرْنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ بِالطَّريقِ الَّذي نَسيرُ علَيه وبِالأَمرِ الَّذي نَعمَلُه». فقالَ لَهم إِرمِيا النَّبِيّ: «لقد سَمِعتُ. هاءَنَذا أُصَلِّي إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكم بِحَسَبِ كَلامِكم، وكُلُّ الكَلامِ الَّذي يُجيبُكم بِه الرَّبُّ أُخبِرُكم بِه ولا أَكتُمُ عنكم شَيئًا». فقالوا لإرمِيا: «لِيَكُنِ الرَّبُّ شاهِدَ حَقٍّ وأَمانَةٍ علَينا، إِن لَم نَفعَلْ بِحَسَبِ كُلِّ الكَلامِ الَّذي يُرسِلُكَ بِه الرَّبُّ إِلْهُكَ إِلَينا. إِن خَيرًا وإِن شَرًّا، فإِنَّنا نَسمَعُ لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِنا الَّذي نَحنُ مُرسِلوكَ إِلَيه، لِكَي يَكونَ لَنا خَيرٌ إِذا سَمِعْنا لِصَوتِ الرَّبِّ إِلْهِنا». وبَعدَ عَشَرَةِ أَيَّام، كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا. فدَعا يوحانانَ بنَ قاريحَ وجَميعَ قُوَّادِ الجُيوشِ الَّذينَ معَه وكُلَّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغيرِ إِلى الكَبير، وقالَ لَهم: «هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، الَّذي أَرسَلتُموني إِلَيه لأَضَعَ تَضَرُّعَكم أَمامَه: إِن سَكَنتُم في هٰذِه الأَرض، فأَنا أَبْنيكم ولا أَنقُضُ وأَغرِسُكم ولا أَقلَع، لأَنِّي قد نَدِمتُ على الشَّرِّ الَّذي صَنَعتُه بِكم. لا تَخافوا مِن مَلِكِ بابِلَ الَّذي أَنتُم خائفونَ مِنه. لا تَخافوا مِنه، يَقولُ الرَّبّ، لأَنِّي معَكم لأُخَلِّصَكم وأُنقِذَكم مِن يَده. فأُنيلُكم رَحمَةً فيَرحَمُكم ويُرجِعُكم إِلى أَرضِكم. وإِن قُلتُم: لا نَسكُنُ في هٰذِهِ الأَرض، ولم تَسمَعوا لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكم، قائِلين: لا، بل نَذهَبُ إِلى أَرضِ مِصرَ حَيثُ لا نَرى قِتالًا ولا نَسمَعُ صَوتَ بوقٍ ولا نَجوعُ إِلى خُبْزٍ فنُقيمُ هُناك، فٱسمَعوا الآنَ كَلامَ الرَّبّ، يا بَقِيَّةَ يَهوذا. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنْ صَمَّمتُم على الذَّهابِ إِلى مِصْرَ وذَهَبتُم لِتَنزِلوا هُناك، فالسَّيفُ الَّذي تَخافونَ مِنه يُدرِكُكم هُناكَ في أَرضِ مِصْر، والجوعُ الَّذي تَخشَونَه يَتَعَقَّبُكم هُناكَ في مِصرَ، وهُناكَ تَموتون. وجَميعُ النَّاسِ الَّذينَ عَزَموا على الذَّهابِ إِلى مِصرَ لِلنُّزولِ هُناكَ يَموتونَ بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون، ولا يَبْقى مِنهم باقٍ ولا شَريدٌ مِنَ الشَّرِّ الَّذي أَجلُبُه علَيهم، لأَنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: كما ٱنصَبَّ غَضَبي وسُخْطي على سُكَّانِ أُورَشَليم، كذٰلك يَنصَبُّ سُخْطي علَيكم، إِذا ذَهَبتُم إِلى مِصرَ، فيُدعى علَيكم وتَكونونَ دَهَشًا ولَعنَةً وعارًا، ولا تَرَون هٰذا المَكانَ بَعدَ اليَوم. قد قالَ لَكمُ الرَّبّ: يا بَقِيَّةَ يَهوذا، لا تَذهَبوا إِلى مِصْر. فٱعلَموا يَقينًا أَنِّي قد أَنذَرتُكمُ اليَوم، فإِنَّكم قد أَضلَلتُم أَنفُسَكم، حينَ أَرسَلتُموني إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكم قائِلين: صَلِّ إِلى الرَّبِّ إِلْهِنا لأَجلِنا، وكُلُّ ما يُقولُه الرَّبُّ إِلٰهُنا أَخْبِرْنا بِه فنَعمَلَه. وقد أَخبَرتُكمُ اليَومَ فلَم تَسمَعوا لِصَوتِ الرَّبِّ إِلٰهِكم ولا لِشَيءٍ مِمَّا أَرسَلَني بِه إِلَيكم. فالآنَ ٱعلَموا يَقينًا أَنَّكم تَموتونَ بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون، في المَكانِ الَّذي أَرَدتُم أَن تَذهَبوا إِلَيه لِتَنزِلوا هُناك». ولَمَّا فَرَغَ إِرمِيا مِن خِطابِه لِكُلِّ الشَّعبِ بِهٰذا الكَلامِ كُلِّه، كَلامِ الرَّبِّ إِلٰهِهِمِ الَّذي أَرسَلَه بِه إِلٰهُهُم إِلَيهم، قالَ عَزَرْيا بنُ هوشَعْيا ويوحانانُ ٱبنُ قاريحَ وجَميعُ الرِّجالِ المُعتَدِّينَ بِأَنفُسِهم لإرمِيا: «إِنَّكَ تَكَلَّمتَ بِالكَذِب، والرَّبُّ إِلٰهُنا لم يُرسِلْكَ قائِلًا: لا تَذهَبوا إِلى مِصْرَ لِتَنزِلوا هُناك. وإِنَّما حَرَّضَكَ باروكُ بنُ نيرِيَّا علَينا لِنُسلَمَ إِلى أَيدي الكَلْدانِيِّينَ ونُقتَلَ ونُجْلى إِلى بابِل». ولَم يَسمَعْ يوحانانُ بنُ قاريحَ وجَميعُ قُوَّادِ الجُيوشِ وكُلُّ الشَّعبِ لِصَوتِ الرَّبِّ بالإِقامةِ في أَرضِ يَهوذا. وأَخَذَ يوحانانُ بنُ قاريحَ وجَميعُ قُوَّادِ الجُيوشِ كُلَّ بَقِيَّةِ يَهوذا الَّذينَ رَجَعوا مِن بَينِ جَميعِ الأُمَمِ الَّتي دُفِعوا إِلَيها لِيُقيموا بِأَرضِ يَهوذا، الرِّجالَ والنِّساءَ والأَطْفالَ وبَناتِ المَلِكِ وسائِرَ النُّفوس، مِمَّن تَرَكَهم نَبوزَرادان، رَئيسُ الحَرَس، مع جَدَلْيا بنِ أَحيقامَ بنِ شافانَ وإِرمِيا النَّبِيَّ وباروكَ بنَ نيرِيَّا. وذَهَبوا إِلى أَرضِ مِصْر، إِذ لم يَسمَعوا لِصَوتِ الرَّبّ، وٱنتَهَوا إِلى تَحْفَنْحيس. وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِرمِيا في تَحْفَنْحيسَ قائِلًا: «خُذْ بِيَدِكَ حِجارَةً كَبيرةً وٱطمِرْها مع طينٍ في البَلاطِ الَّذي عِندَ مَدخَلِ بَيتِ فِرعَونَ بِتَحفَنْحيس، أَمامَ عُيونِ رِجالٍ مِنَ اليَهود، وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا أُرسِلُ وآخُذُ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكَ بابِل، عَبْدي، وأَجعَلُ عَرشَه فَوقَ هٰذه الحِجارَةِ الَّتي طَمَرتُها، ويَبسُطُ قُبَّةَ عَرشِه مِن فَوقِها. فيَأتي ويَضرِبُ أَرضَ مِصْر: الَّذينَ لِلمَوتِ فإِلى المَوت، والَّذينَ لِلأَسْرِ فإِلى الأَسْر، والَّذينَ لِلسَّيفِ فإِلى السَّيف. وأُضرِمُ نارًا في بُيوتِ آلِهَةِ مِصْر، وهو يُحرِقُها ويَسْبيها، ويَتَسَربَلُ بِأَرضِ مِصرَ كما يَتَسَربَلُ الرَّاعي بِرِدائِه ويَخرُجُ مِن هُناكَ بِسَلام. ويُحَطِّمُ مِسَلاَّتِ بَيتِ الشَّمِس الَّتي في أَرضِ مِصرَ، ويُحرِقُ بُيوتَ آلِهَةِ مِصرَ بِالنَّار». الكَلِمَةُ الَّتي كانَت إِلى إِرمِيا على جَميعِ اليَهودِ السَّاكِنينَ في أَرضِ مِصْر، الَّذينَ يَسكُنونَ مِجْدولَ وتَحْفَنْحيسَ ونوفَ وأَرضَ فَتْروس، قائِلًا: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: قد رَأَيتُم كُلَّ الشَّرِّ الَّذي جَلَبتُه على أُورَشَليمَ وعلى جَميعِ مُدُنِ يَهوذا، وها هِيَ اليَومَ خَرِبَةٌ لا ساكِنَ فيها، بِسَبَبِ شَرِّهمِ الَّذي صَنَعوه لِيُسخِطوني بِذَهابِهم لِيُحرِقوا البَخورَ ويَعبُدوا آلِهَةً أُخْرى لم يَعرِفوها هم ولا أَنتُم ولا آباؤُكم. وقَد أَرسَلتُ إِلَيكم جَميعَ عَبيدِيَ الأَنبِياءِ بِلا مَلَلٍ قائِلًا: لا تَصنَعوا قَبيحَةً مِثلَ هٰذه، فإِنِّي أَمقُتُها. ولم يَسمَعوا ولم يُميلوا آذانَهم لِيَرجِعوا عن شَرِّهم ولا يُحرِقوا البُخورَ لِآلِهَةٍ أُخْرى. فٱنصَبَّ سُخْطي وغَضَبي وٱضطَرَمَ في مُدُنِ يَهوذا وفي شَوارِعِ أُورَشَليم، فصارَت خَرِبَةً مُقفِرَةً كما في هٰذا اليَوم. فالآنَ هٰكذا قالَ الرَّبّ، إِلٰهُ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: لِماذا تَضَعونَ هٰذا الشَّرَّ العَظيمَ بِأَنفُسِكم، لِيَنقَرِضَ مِنكُم الرَّجُلُ والمَرأَة، والوَلَدُ والرَّضيع، مِن بَينِ يَهوذا، حتَّى لا تَبْقى لَكم بَقِيَّة، فتُسخِطوني بِأَعمالِ أَيديكم، مُحرِقينَ البَخورَ لِآلِهَةٍ أُخْرى في أَرضِ مِصرَ الَّتي أَتَيتُموها لِتَنزِلوا هُناكَ وتَنقَرِضوا وتَصيروا لَعنَةً وعارًا في جَميعِ أُمَمِ الأَرض؟ أَنَسيتُم شُرورَ آبائِكم وشُرورَ مُلوكِ يَهوذا وشُرورَ نِسائِهم وشُرورَكم وشُرورَ نِسائِكُمُ الَّتي صُنِعَت في أَرضِ يَهوذا وفي شَوارِعِ أُورَشَليم؟ فلم تَنسَحِقْ قُلوبُهم إِلى هٰذا اليَوم، ولم يَخْشَوا، ولم يَسيروا على شَريعَتي وفَرائضي الَّتي جَعَلتُها أَمامَكم وأَمامَ آبائِكم. فلِذٰلك هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا أَنقَلِبُ علَيكم لِلشَّرِّ ولِٱنقِراضِ جَميعِ يهوذا، وآخُذُ بَقِيَّةَ يَهوذا الَّذينَ عَزَموا على الذَّهابِ إِلى أَرضِ مِصرَ لِيَنزِلوا هُناك، وسَيفنَون جَميعًا في أَرضِ مِصرَ، ويَسقُطونَ بِالسَّيفِ والجوع، ويَفنَونَ مِنَ الصَّغيرِ إِلى الكَبير، ويَموتونَ بِالسَّيفِ والجوع، ويَصيرونَ دُعاءً علَيكم ودَهَشًا ولَعنَةً وعارًا. وأَفتَقِدُ السَّاكِنينَ في مِصرَ، كما ٱفتَقَدتُ أُورَشَليمَ بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون. ولا يَكونُ باقٍ ولا شَريدٌ لِبَقِيَّةِ يَهوذا الَّذينَ ذَهَبوا إِلى أَرضِ مِصرَ لِينَزِلوا هُناكَ ثُمَّ يَرجِعوا إِلى أَرضِ يَهوذا الَّتي تَطمَحُ نُفوسُهم إِلى الرُّجوعِ إِلَيها لِيَسكُنوا فيها، لأَنَّه لا يَرجِعُ إِلاَّ بَقِيَّةٌ قَليلة. فأَجابَ إِرمِيا جَميعُ الرِّجالِ العارِفينَ أَنَّ نِساءَهم يُحرِقونَ البَخورَ لِآلِهَةٍ أُخْرى، وجَميعُ النِّساءِ الواقِفاتِ في جَماعةٍ عَظيمة (وكُلُّ الشَّعبِ السَّاكِنِ في أَرضِ مِصرَ في فَتْروس)، قائلين: «إِنَّ الكَلامَ الَّذي كَلَّمتَنا بِه بِٱسمِ الرَّبّ، لا نَسمَعُ لَكَ فيه، بل نَعمَلُ بِحَسَبِ كُلِّ كَلامٍ يَخرُجُ مِن أَفْواهِنا، مُحرِقينَ البَخورَ لِمَلِكَةِ السَّماء، وساكِبينَ لَها سُكُبًا، كما عَمِلْنا نَحنُ وآباؤُنا ومُلوكُنا ورُؤَساؤُنا في مُدُنِ يَهوذا وشوارِعِ أُورَشَليم، فشَبِعْنا خُبزًا وكُنَّا بِخَيرٍ ولم نَرَ شَرًّا. ولٰكِن، مُنذُ أَهمَلْنا إِحْراقَ البَخورِ لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ وسَكْبَ السُّكُبِ لَها، صِرْنا مُحْتاجينَ إِلى كُلِّ شيء، وفَنينا بِالسَّيفِ والجوع». وقالَتِ النِّساء: «ونَحنُ، حينَ نُحرِقُ البَخورَ لِمَلِكَةِ السَّماءِ ونَسكُبُ لَها سُكُبًا، أَبِدونِ عِلمِ رِجالِنا نَصنَعُ لَها أَقْراصًا تُمَثِّلُها ونَسكُبُ لَها سُكُبًا؟». فكَلَّمَ إِرمِيا كُلَّ الشَّعبِ، الرِّجالَ والنِّساءَ وسائِرَ الشَّعبِ الَّذينَ أَجابوه بِهٰذا الكَلامِ، قائِلًا: «أَليسَ البَخورُ الَّذي أَحرَقتُموه في مُدُنِ يَهوذا وفي شَوارِعِ أُورَشَليم، أَنتُم وآباؤُكم ومُلوكُكم ورُؤَساؤُكم وشَعبُ هٰذه الأَرضِ هو الَّذي ذَكَرَه الرَّبُّ وخَطَرَ بِقَلبِه؟ فلَم يَستَطِعِ الرَّبُّ الِٱحتِمالَ بَعدَ ذٰلك بِسَبَبِ شَرِّ أَعْمالِكم وما صَنَعتُم مِنَ القَبائح، فصارَت أَرضُكم خَرابًا ودَهَشًا ولَعنَةً، لا ساكِنَ فيها كما في هٰذا اليَوم. فيما أَنَّكم أَحرَقتُمُ البَخورَ وخَطِئتُم إِلى الرَّبِّ ولم تَسمَعوا لِصَوتِ الرَّبّ، ولم تَسيروا على شَريعَتِه وفَرائِضِه وشَهادَتِه، فلِذٰلك حَلَّ بِكم كُلُّ هٰذا الشَّرِّ كما في هٰذا اليَوم». ثُمَّ قالَ إِرمِيا لِكُلِّ الشَّعبِ ولِجَميعِ النِّساء: «إِسمَعوا كَلامَ الرَّبِّ، يا جَميعَ بَني يَهوذا الَّذينَ في أَرضِ مِصْر. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: أَنتُم ونِساؤُكم قد تَكَلَّمتُم بِأَفْواهِكم وأَتمَمتُم بِأَيديكم قائلين: لِنَقضِيَنَّ نُذورَنا الَّتي نَذَرْناها بِأَن نُحرِقَ البَخورَ لِمَلِكَةِ السَّماء، ونَسكُبَ لَها سُكُبًا. أَوفينَ نُذورَكُنَّ إِذًا، إِقْضينَ نُذورَكُنَّ. ولٰكِنِ ٱسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبِّ، يا جَميعَ بَني يَهوذا السَّاكِنينَ في أَرضِ مِصْر: هاءَنَذا أَقسَمتُ بِٱسْمي العَظيم، قالَ الرَّبّ، لا يُذكَرُ ٱسْمي بَعدَ اليَومِ في فَمِ أَحَدٍ مِن يَهوذا قائِلًا: حَيٌّ السَّيِّدُ الرَّبُّ في كُلِّ أَرضِ مِصْر. هاءَنَذا أَسهَرُ علَيهم لِلشَّرِّ لا لِلخَير، فيَفْنى جَميعُ رِجالِ يَهوذا الَّذينَ في أَرضِ مِصرَ بِالسَّيفِ والجوع، حتَّى يَنقَرِضوا. ويَرجِعُ ناجونَ مِنَ السَّيفِ مِن أَرضِ مِصرَ إِلى أَرضِ يَهوذا، نَفَرًا قَليلًا، فتَعلَمُ كُلُّ بَقِيَّةِ بَني يَهوذا الَّذينَ أَتوا إِلى أَرضِ مِصرَ لِيَنزِلوا هُناكَ كَلامَ مَن يَتِمّ: أَكلامي أَم كَلامُهم. وهٰذه عَلامَةٌ لَكم، يَقولُ الرَّبّ، على أَنِّي أَفتَقِدُكم في هٰذا المَكان، لِكَي تَعلَموا أَنَّ كَلامي علَيكم لِلشَّرِّ سيَتِمّ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أُسلِمُ فِرعونَ حُفرَعَ، مَلِكَ مِصرَ، إِلى أَيدي أَعْدائِه وطالِبي نَفْسِه، كما أَسلَمتُ صِدقِيَّا، مَلِكَ يَهوذا، إِلى يَدِ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، عَدُوِّه وطالِبِ نَفْسِه». الكَلامُ الَّذي كَلَّمَ بِه إِرمِيا النَّبِيُّ باروكَ بنَ نيرِيَّا، حينَ كَتَبَ هٰذا الكَلامَ في كِتابٍ عن فَمِ إِرمِيا، في السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيوياقيمَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، قائِلًا: هٰكذا قالَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، فيكَ يا باروك. قد قُلتَ: وَيلٌ لي، لأَنَّ الرَّبَّ زادَني غَمًّا على أَلَمي. قد أَعيَيتُ مِن تَنَهُّدي، ولَم أَجِدْ راحَة. هٰكذا تَقولُ لَه: هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا ناقِضٌ ما بَنَيتُه وقالِعٌ ما غَرَستُه، وذٰلك لِكُلِّ هٰذه الأَرض. وأَنتَ تَلتَمِسُ لِنَفسِكَ العَظائم؟ لا تَلتَمِسْها، فإِنِّي هاءَنَذا جالِبٌ شَرًّا على كُلِّ بَشَر، يَقولُ الرَّبّ. أَمَّا أَنتَ فأَهَبُ لَكَ نَفْسَكَ غَنيمةً في جَميعِ الأَماكنِ الَّتي تَذهَبُ إِلَيها. كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتي كانَت إِلى إِرمِيا النَّبِيِّ على الأُمَم. على مِصرَ. على جَيشِ فِرعَونَ نَكْوٍ، مَلِكِ مِصرَ، الَّذي كانَ عِندَ نَهرِ الفُراتِ في كَركَميش، الَّذي ضَرَبَه نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، في السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيوياقيمَ بنِ يوشِيَّا، مَلِكِ يَهوذا. أَعِدُّوا التُرسَ والمِجنَب، وٱزحَفوا لِلقِتال، شُدُّوا على الخَيل، وٱركَبوا أَيُّها الفُرْسان، وٱنتَصِبوا بِخوذِكم، أُصقُلوا الرِّماحَ وٱلبَسوا الدُّروع. ما بالي رَأَيتُهم فَزِعين، مُتَراجِعينَ إِلى الوَراء. ضُرِبَ أَبطالُهم، وٱنهَزَموا ٱنهِزامًا ولم يَلتَفِتوا. والهَولُ مِن كُلِّ جانِب، يَقولُ الرَّبّ. لا يَهرُبِ الخَفيف، ولا يُفلِتِ البَطَل، في الشَّمالِ بِجانِبِ نَهرِ الفُرات، عَثَروا وسَقَطوا. مَن هٰذا الَّذي يَرتَفِعُ كالنِّيل، وتَلتَطِمُ أَمْواجُه كالأَنْهار؟ مِصرُ كالنِّيلِ تَرتَفِع، وكالأَنْهارِ تَلتَطِمُ أَمْواجُها، وتَقول: «أَرتَفِعُ وأُغَطِّي الأَرض، وأُبيدُ المُدُنَ والسَّاكِنينَ فيها. إِصعَدي أَيَّتُها الخَيْل، وٱنقَضِّي أَيَّتُها المَركَبات، ولْيَبرُزِ الأَبْطالُ، أَهلُ كوشٍ وفوط القابِضونَ على التُّروس، وأَهلُ لودي المُسَدِّدونَ السِّهام. هٰذا اليَومُ يَومُ السَّيِّدِ رَبِّ القُوَّات، يَومُ ٱنتِقامٍ لِيَنتَقِمَ مِن أَعْدائِه. فالسَّيفُ يأكُلُ ويَشبَع، ويَرتَوي مِن دِمائِهم، لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ القُوَّاتِ ذَبيحَةً في أَرضِ الشَّمالِ عِندَ نَهرِ الفُرات. إِصعَدي إِلى جِلْعادَ وخُذي بَلسانًا، أَيَّتُها العَذْراءُ بِنتُ مِصرَ. إِنَّكِ باطِلًا تُكثِرينَ مِن الأَدوِيَة، إِذ لا ٱلتِئامَ لِجُرحِكِ. قد سَمِعَتِ الأُمَمُ بفَضيحَتِكِ، ومَلَأَ الأَرضَ صِياحُكِ، لأَنَّ البَطَلَ عَثَرَ بِالبَطَل، فسَقَطا كِلاهُما معًا. الكَلامُ الَّذي كَلَّمَ بِه الرَّبُّ إِرمِيا النَّبِيَّ، حينَ قَدِمَ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، لِيَضرِبَ أَرضَ مِصْر: أَخبِروا في مِصرَ وأَسمِعوا في مِجْدول، ونادوا في نوفَ وفي تَحْفَنْحيس. قولوا: قِفي وٱستَعِدِّي، فإِنَّ السَّيفَ قد أَكَلَ ما حَولَكِ. لِماذا هَرَبَ أَپيس، ولَم يَقِفْ ثَورُكِ؟ لأَنَّ الرَّبَّ طَرَدَه. ما أَكثَرَ الَّذينَ عَثَّرَهم! سَقَطَ كُلُّ رَجُلٍ على صاحِبِه، وقالوا: «قوموا نَرجِعُ إِلى شَعبِنا، وإِلى مَسقَطِ رُؤُوسِنا، مِن وَجهِ السَّيفِ الفَتَّاك». سَمُّوا فِرعَونَ، مَلِكَ مِصرَ، «جَلَبَةً ولكنَّ الفُرصَةَ تَفوتُها». حَيٌّ أَنا، يَقولُ المَلِكُ، الَّذي رَبُّ القُوَّاتِ ٱسمُه، يَصِلُ كتابورَ بَينَ الجِبال، ومِثلَ الكَرمَلِ المُطِلِّ على البَحْر. أَعِدِّي العُدَّةَ لِلجَلاء، أَيَّتُها السَّاكِنَةُ، بِنتُ مِصْر، فإِنَّ نوفَ تصيرُ خَرابًا، ودَمارًا لا ساكِنَ فيها. مِصرُ عِجلَةٌ رائِعَةُ الجَمال، دَهَمَتها مِنَ الشَّمالِ نُعَرَة، ومُرتَزِقَتُها أَيضًا في وَسَطِها، كعُجولٍ مُسَمَّنَة. قد وَلَّوا هارِبينَ جَميعًا ولم يُقاوِموا، فقَد وافى يَومُ بَلِيَّتِهم ووَقتُ ٱفتِقادِهم. صَوتُها كالحَيَّةِ يَسْري، لأَنَّهم زاحِفونَ بِجَيشِهم، وبِفُؤوسٍ آتونَ علَيها كالحَطَّابين. قَطَعوا غابَها، يَقولُ الرَّبّ، وإِن كانَ مُمتَنِعًا، لأَنَّهم أَكثَرُ مِنَ الجَراد، حتَّى لا عَدَدَ لَهم. بِنتُ مِصرَ أُخزِيَت، وأُسلِمَت إِلى أَيدي شَعبِ الشَّمال. قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلْهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا أَفتَقِدُ آمونَ نُوَ وفِرعَونَ ومِصرَ وآلِهَتَها ومُلوكَها، فِرعَونَ وجَميعَ المُتَوَكِّلينَ علَيه، وأُسلِمُهم إِلى أَيدي طالِبي نُفوسِهم، إِلى يَدِ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، وأَيدي رِجالِه. وهي، بَعدَ ذٰلك، تَعودُ مَسْكونَةً، كما كانَت في الأَيَّامِ القَديمة، يَقولُ الرَّبّ. وأَنتَ لا تَخَفْ يا عَبْدي يَعْقوب، ولا تَفْزَعْ يا إِسْرائيل، لأَنِّي أُخَلِّصُكَ مِنَ الغُربَة، وذُرِّيَّتَكَ مِن أَرضِ جَلائِهم، فيَرجِعُ يَعْقوبُ ويَستَقِرُّ في الرَّاحةِ والطُمَأنينة ولا يُرعِبُه أَحَد. وأَنتَ فلا تَخَف يا عَبْدي يَعْقوب، يَقولُ الرَّبّ، فإِنِّي مَعَكَ وسأُفْني جَميعَ الأُمَمِ الَّتي دَفَعتُكَ إِلَيها. وأَمَّا أَنتَ فلا أَفْنيكَ، بل أُؤَدِّبُكَ بِالحَقِّ ولا أُبَرِّئُكَ تَبرِئَةً. كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتي كانَت إِلى إِرمِيا النَّبِيِّ على الفَلِسطينِيِّين، قَبلَ أَن يَضرِبَ فِرعَونُ غَزَّة. هٰكذا قالَ الرَّبّ: ها إِنَّ مِياهًا تَرتَفِعُ مِنَ الشَّمال، وتَصيرُ نَهرًا طافِحًا، فتَغمُرُ الأَرضَ ومِلْأَها، المَدينَةَ وسُكَّانَها، فيَصرُخُ البَشَر، ويُوَلوِلُ جَميعُ سُكَّانِ الأَرض، مِن صَوتِ وَقْعِ حَوافِرِ جِيادِه، ومِن جَلَبَةِ مَركَباتِه وضَجيجِ دَواليبِه، حتَّى لا يَلتَفِتَ الآباءُ إِلى البَنين، مِنِ ٱستِرْخاءِ الأَيدي، بِسَبَبِ اليَومِ الآتي، لِدَمارِ جَميعِ الفَلِسطينِيِّين، لِٱستِئْصالِ كُلِّ باقٍ يَنصُرُهم، مِن صورَ وصَيدون، لأَنَّ الرَّبَّ يُدَمِّرُ الفَلِسْطينِيِّين بَقِيَّةَ جَزيرَةِ كَفْتور. أَتى الصَّلَعُ على غَزَّة، وسَكَتَت أَشْقَلونُ وبَقِيَّةُ العَناقِيِّين. إِلى مَتى تُخَدِّشينَ جَسَدَكِ؟ يا سَيفَ الرَّبِّ، إِلى مَتى لا تَكُفّ، عُدْ إِلى غِمدِكَ وٱستَرِحْ وٱهدَأ، كَيفَ يَكُفُّ وقد أَمَرَه الرَّبّ؟ إِلى أَشقَلونَ وإِلى السَّاحِل، إِلى هُناكَ واعَدَه الرَّبّ. على موآب. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: وَيلٌ لِنَبوَ لأَنَّها دُمِّرَت، وقِريَتائيمُ أُخزِيَت وأُخِذَت، وأُخزِيَ الحِصنُ وٱرتَعَب، قد زالَ فَخرُ موآب. على حَشْبونَ فَكَّروا شَرًّا: هَلُمُّوا نَستأْصِلُها مِنَ الأُمَم. وأَنتِ أَيضًا يا مَدْمينُ ستَصمُتين، والسَّيفُ يَتَعَقَّبُكِ. صَوتُ صُراخ مِن حورونائيم: «خَرابٌ وتَحَطُّمٌ عَظيم». قد تَحَطَّمت موآب، وأَسمَعَ صِغارُها صُراخًا، لأَنَّه في عَقَبَةِ اللُّوحيت، يَرتَفِعُ بُكاءٌ على بُكاء، وفي مُنحَدَرِ حورونائيم، سُمِعَت شِدَّةُ صُراخِ الٱنكِسار، أُهرُبوا وٱنْجوا بِنُفوسِكم، وكونوا كالعَرعَرِ في البَرِّيَّة. بِما أَنَّكِ قد تَوَكَّلتِ على أَعْمالِكِ وكُنوزِكِ، فستُؤخَذينَ أَنتِ أَيضًا، ويَذهَبُ كموشُ إِلى الجَلاء، هو وكَهَنَتُه ورُؤَساؤُه جَميعًا، ويأتي المُدَمِّرُ على كُلِّ مَدينة، ولا تَنْجو مَدينة، يُبيدُ الوادي ويُدَمِّرُ السَّهْل، كما قالَ الرَّبّ. أَعْطوا موآبَ جَناحًا لِتَطيرَ وتَخرُج، فإِنَّ مُدُنَها تَصيرُ مُقفِرَةً لا ساكِنَ فيها. (مَلْعونٌ مَن عَمِلَ عَمَلَ الرَّبِّ بِتَوانٍ، ومَلْعونٌ مَن مَنَعَ سَيفَه عَنِ الدَّم). موآبُ في ٱطمِئْنانٍ مُنذُ صِباه، ومُستَقِرٌّ على ثُمالَتِه، لم يُفَرَّغْ مِن إِناءٍ إِلى إِناء، ولم يَذهَبْ إِلى الجَلاء، ولِذٰلك بَقِيَ طَعمُه فيه، ولم تَتَغَيَّرْ رائِحَتُه. لِذٰلك ها إِنَّها ستَأتي أَيَّامٌ، يَقولُ الرَّبّ، أُرسِلُ فيها إِلَيه مُصَفِّينَ يُصَفُّونَه ويُفَرِّغونَ آنِيَتَه ويُحَطِّمونَ جِرارَه، فيَخجَلُ موآبُ مِن كَموش، كما خَجِلَ بَيتُ إِسْرائيلَ مِن بَيتَ إِيلَ الَّذي ٱتَّكلوا علَيه. كَيفَ تَقولونَ: «إِنَّنا أَبْطال، ورِجالُ بَأسٍ في القِتال؟». لقَد دُمِّرَ موآبُ وصَعِدوا إِلى مُدُنِه، ونُخبَةُ شُبَّانِه نَزَلوا إِلى الذَّبْح، يَقولُ المَلِكُ الَّذي رَبُّ القُوَّاتِ ٱسمُه. دَنَت نَكبَةُ موآب، وأَسرَعَت بَلِيَّتُه جِدًّا. إِرْثوه يا جَميعَ الَّذينَ حَولَه، وجَميعَ الَّذينَ يَعرِفونَ ٱسمَه، قولوا: «كَيفَ ٱنكَسَرَتِ العَصا الصُّلْبة والصَّولَجانُ البَهِيّ؟» إِنزِلي مِنَ المَجدِ وٱقعُدي في العَطَش، أَيَّتُها السَّاكِنَةُ بِنتُ ديبون، فإِنَّ مُدَمِّرَ موآبَ قد صَعِدَ إِلَيكِ، وهَدَّمَ حُصونَكِ. قِفي في الطَّريقِ وتَرَقَّبي، يا ساكِنَةَ عَروعير. إِسأَلي الهارِبَ والمُفلِت، قولي: «ماذا جَرى؟» «خَزِيَ موآبُ لأَنَّه خُرِّب، فوَلوِلوا وٱصرُخوا. أَخبِروا في أَرْنون أَنَّ موآبَ قد دُمِّر». وقد وافى القَضاءُ على أَرضِ السَّهْل، على حولونَ ويَهصَةَ وميفَعَت، وديبونَ ونَبُوَ وبَيتَ دِبْلاتائيم، وقِريَتائيمَ وبَيتَ جامولَ وبَيتَ مَعون، وقَرِيُّوتَ وبُصْرَةَ وسائِرِ مُدُنِ أَرضِ موآبَ البَعيدَةِ والقَريبة. «صُرِعَت قُدرَةُ موآب، وحُطِّمَت ذِراعُه، يَقولُ الرَّبّ». أسكِروه فإِنَّه قد تَعاظَمَ على الرَّبّ، فلْيَتَمَرَّغْ موآبُ في قَيْئِهِ ويَكُنْ هو أَيضًا أُضْحوكَة. أَلَم يَكُنْ إِسْرائيلُ أُضْحوكَةً عِندَكَ؟ هل وُجِدَ بَينَ اللُّصوص حتَّى تَهُزَّ رَأسَكَ، كُلَّما تَكَلَّمتَ علَيه؟ «أُترُكوا المُدُنَ وأَقيموا بَينَ الصُّخور، يا سُكَّانَ موآب وكونوا كالحَمامةِ الَّتي تُعَشِّش، في أَطْرافِ شَفا الهُوَّة. قد سَمِعْنا بِتَكَبُّرِ مُوآبَ الشَّديد، بِتَشامُخِه وتَكَبُّرِه وتَعَجْرُفِه وتَرَفُّعِ قَلبِه. قد عَلِمتُ، يَقولُ الرَّبّ، حَنَقَه، وثَرثَرَتَه الفارِغَةَ وأَعْمالَه الفارِغة. لِذٰلك أُوَلوِلُ على مُوآب، وأَصرُخُ على بَني موآبَ جَميعًا، وعلى أَهلِ قيرَحارَسَ يَنوحون. أُكثِرُ مِن بُكائي على يَعْزير، أَبْكي علَيكَ يا كَرْمَ سِبحَة، الَّذي أَغْصانُه جازَتِ البَحْر، بَلَغَت إِلى بَحْرِ يَعْزير. فإِنَّه على حِصادِكَ وقِطافِكَ ٱنقَضَّ المُدَمِّر، وزالَ الفَرَحُ والٱبتِهاج مِنَ الجَنَّةِ، مِن أَرضِ موآب، وأَنضَبتُ الخَمرَ مِنَ المَعاصِر، فلا يَدوسُ دائِسٌ بِهُتاف، بل لا يَكونُ هُناكَ هُتاف». إِنَّهم بِسَبَبِ صُراخِ حَشْبونَ أَطلَقوا أَصْواتَهم إِلى أَلْعالَة، وإِلى ياهَصَ، مِن صوعَرَ إِلى حورونائيمَ وعِجلَتَ شَليشِية. ومِياهُ نِمْريمَ أَيضًا قد نَضَبَت. وأُزيلُ مِن موآب، يَقولُ الرَّبّ، مُصعِدَ التَّقدِمَةِ في المَشرَقِ ومُحرِقَ البَخورِ لِآلِهَتِه. لِذٰلِكَ ٱنتَحَبَ قَلْبي على موآبَ كالمِزْمارِ وأَنَّ فُؤادي كالنَّاي على رِجالِ قيرَحارَسَ ولِذٰلك ضاعَ مَكسَبُهم. في كُلِّ رَأسٍ قَرَع، وكُلُّ لِحيَةٍ مَقْصوصة، وعلى كُلِّ الأَيدي خُدوش، وعلى الأَوساطِ مُسوح. على جَميعِ سُطوحِ موآبَ وعلى ساحاتِه كُلِّها نَدْب، لأَنِّي قد حَطَّمتُ موآبَ كإِناءٍ غَيرِ مَرْغوبٍ فيه. يَقولُ الرَّبّ. فوَلوِلوا كَيفَ كُسِرَ موآب، كَيْفَ وَلَّى ظَهرَه بِخِزْي، فكانَ موآبُ أُضْحوكَةً ورُعبًا عِندَ جَميعِ الَّذينَ حَولَه. هٰكذا قالَ الرَّبّ: (ها إِنَّه يَطيرُ كالعُقاب ويَبسُطُ جَناحَيه إِلى موآب). لقَد أُخِذَتِ المُدُن ودُهِمَتِ الحُصون (وقُلوبُ الأَبْطالِ في موآب تَكونُ في ذٰلك اليَومِ كقَلبِ ٱمْرَأَةٍ ماخِض)، ويَنقَرِضُ موآبُ مِن بَينِ الشُّعوب، لأَنَّه تَعاظَمَ على الرَّبّ. الرُّعبُ والحُفرَةُ والفَخّ، علَيكَ يا ساكِنَ موآب، يَقولُ الرَّبّ. فالهارِبُ مِن وَجهِ الرُّعْبِ يَسقُطُ في الحُفرَة، والصَّاعِدُ مِنَ الحُفرَةِ يُؤخَذُ بِالفَخّ، لأَنِّي أَجلُبُ علَيه، على موآب، سَنَةَ ٱفتِقادِه، يَقولُ الرَّبّ. في ظِلِّ حَشْبونَ وَقَفَ، الهارِبونَ لا قُوَّةَ لَهم، لٰكِنَّ نارًا خَرَجَت مِن حَشْبون، ولَهيبًا مِن بَيتِ سيحون، وأَكَلَت صُدغَي موآب، وهامَةَ بَني الجَلَبَة. وَيلٌ لَكَ يا موآب! هَلَكَ شَعبُ كَموش، إِذ أُخِذَ بَنوكَ إِلى الجَلاء، وبَناتُكَ إِلى السَّبْي. لٰكِنِّي أُعيدُ أَسْرى موآب في آخِرِ الأَيَّامِ، يَقولُ الرَّبّ. إِلى هُنا الحُكمُ على موآب. إِلى بَني عَمُّون. هٰكذا قالَ الرَّبّ: أَلَيسَ لإسْرائيلَ بَنون، أَو لا وارِثَ لَه؟ فما بالُ مِلْكومَ قد ورِثَ جادًا، وسَكَنَ شَعبُه في مُدُنِه؟ لِذٰلك ها إِنَّها تأتي أَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، أُسمِعُ فيها صِياحَ القِتالِ في رَبَّةِ بَني عَمُّون فتَصيرُ تَلَّ دَمار، وتُحرَقُ تَوابِعُها بِالنَّار، ويَرِثُ إِسْرائيلُ وَرَثَتَه، قالَ الرَّبّ. وَلوِلي يا حَشْبون، فإِنَّ العَيَّ قد دُمِّرَت، أُصرُخنَ يا بَناتِ رَبَّة، وتَحَزَّمنَ بِالمُسوح، وٱندُبْنَ وطُفنَ عِندَ الأَسِيجَة، فإِنَّ مِلْكومَ يَذهَبُ إِلى الجَلاء، هو وكَهَنَتُه ورُؤَساؤُه جَميعًا. ما بالُكِ تَفتَخِرينَ بأَودِيَتِكِ، قائلةً إِنَّ وادِيَكِ جارٍ؟ أَيَّتُها البِنتُ المُرتَدَّة، المُتَوَكِّلَةُ على كُنوزِها، القائلة: «مَنِ الَّذي يَأتي علَيَّ؟» هاءَنَذا أُوتي علَيكِ الرُّعْبَ، يَقولُ السَّيِّد، رَبُّ القُوَّات، مِن جَميعِ ما حَوالَيكِ، فتُدفَعونَ كُلُّ واحِدٍ على وَجهِه، وما مِن أَحَدٍ يَجمَعُ الهارِبين. (ولٰكِن بَعدَ ذٰلك، أُعيدُ أَسْرى بَني عَمُّون، يَقولُ الرَّبّ). إِلى أَدوم. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: أَلا تَزالُ الحِكمَةُ في تَيمان؟ هل زالَتِ المَشورَةُ عنِ العُقَلاء، وفَسَدَت حِكمَتُهم؟ أُهرُبوا وَلُّوا، وٱختَبِئوا يا سُكَّانَ دَدان، لأَنِّي قد جَلَبتُ على عيسُوَ البَلِيَّة، وَقتَ ٱفتِقادي لَه. لو أَنَّ القاطِفينَ أَتَوكَ، لَما كانوا أَبقَوا خُصاصة، أَوِ السُّرَّاقُ لَيلًا، لَما كانوا قَنِعوا بِخَطفِ ما يَكْفيهم. لأَنِّي أَنا عَرَّيتُ عيسو، كَشَفتُ خَفاياه فلا يَستَطيعُ أَن يَختَبِئ. دُمِّرَت ذُرِّيَّتُه وإِخوَتُه وجيرانُه، فزالَ عنِ الوُجود. أُترُكْ أَيتامَكَ فإِنِّي أُحْييهم. ولْتَتَوكَّلْ علَيَّ أَرامِلُكَ. لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبّ: ها إِنَّ الَّذينَ لم يَكُنْ مِن حَقِّهم أُن يَشرَبوا الكَأسَ يَشرَبونَها شُرْبًا، أَفأَنتَ تُبَرَّأُ تَبرِئَةً؟ لا تُبَرَّأ، بل تَشرَبُ شُربًا. لأَنِّي بِنَفْسي أَقسَمتُ، يَقولُ الرَّبّ، إِنَّ بُصرَةَ تَصيرُ دَهَشًا وعارًا وخَرابًا ولَعنَةً، وإِنَّ جَميعَ مُدُنِها تَصيرُ أَخْرِبَةً أَبَدِيَّة. سَمِعتُ بَلاغًا مِن لَدُنِ الرَّبّ، وأُرسِلَ مُنادٍ إِلى الأُممِ قائِلًا: «إِجتَمِعوا وٱزحَفوا علَيها، وقوموا لِلقِتال!»، إِنِّي هاءَنَذا قد جَعَلتُكَ صَغيرًا في الأُمَم، صَغيرًا بَينَ البَشَر. أَغْواكَ تَهْويلُكَ وٱعتِدادُ قَلبِكَ، أَيُّها السَّاكِنُ في شُقوقِ الصَّخْرِ، المُتَمَسِّكُ بمُرتَفعاتِ الرَّابِيَة. إِنَّكَ وإِن أَعلَيتَ عُشَّكَ كالعُقاب، أُنزِلُكَ مِن هُناكَ، يَقولُ الرَّبّ. ويَكونُ أَدومُ دَهَشًا، فكُلُّ مَن يَمُرُّ بِه يَدهَشُ ويُصَفِّرُ على جَميعِ ضَرَباتِه، كما قُلِبَت سَدومُ وعَمورَةُ وما جاوَرَهما، قالَ الرَّبّ، فلا يَسكُنُ هُناكَ إِنْسانٌ ولا يَنزِلُ فيها ٱبنُ بَشَر. ها إِنَّه كأَسَدٍ يَصعَد، مِن أَدْغالِ الأُردُنِّ إِلى المَرْعى الدَّائم. في لَحظَةٍ أَجعَلُه يَركُضُ مِن هُنا، لأُقيمَ مَن أَخْتارُه. فإِنَّه مَن مِثْلي ومَن يُحاكِمُني، ومَنِ الرَّاعي الَّذي يُقاوِمُني؟ لِذٰلك ٱسمَعوا تَدْبيرَ الرَّبّ، الَّذي نَواه على أَدوم، والأَفْكارَ الَّتي فَكَّرَ فيها، على سُكَّانِ تَيمان. إِنَّ صِغارَ الغَنَمِ نَفسَها تُجَرُّ، ومَرْعاها يَدهَشُ مِن ذٰلك. مِن صَوتِ سُقوطِها تَزَلزَلَتِ الأَرض، وصُراخُها سُمِعَ صَوتُه في بَحرِ القَصَب. ها إِنَّه يَرتَفِعُ كالعُقاب، ويَبسُطُ جَناحَيه على بُصرَة، فتَصيرُ قُلوبُ أَبطالِ أَدوم، في ذٰلك اليَومِ مِثلَ قَلبِ الماخِض. إِلى دِمَشْق، خَزِيَت حَماةُ وأَرْفاد، سَمِعوا بِخَبَرِ سوءٍ فذابوا مِنَ الخَوف. في البَحرِ ٱضطِرابٌ، لا يُمكِنُ أَن يَهدَأ. إِستَرخَت دِمَشقُ ووَلَّت هارِبَة، أَخَذَتها الرِّعدَةُ (وأَدرَكَها الضِّيقُ والمَخاضُ كالَّتي تَلِد). كَيفَ لم تُهجَرْ، مَدينَةُ تَسبِحَتي وبَلدَةُ مَسَرَّتي؟ يَسقُطُ شُبَّانُها في ساحاتِها، ويَهلِكُ جَميعُ رِجالِ القِتال، في ذٰلك اليَومِ يَقولُ رَبُّ القُوَّات. وأُضرِمُ نارًا في سورِ دِمَشْق، فتَلتَهِمُ قُصورَ بَنهَدَد. إِلى قيدارَ ومَمالِكِ حاصورَ الَّتي ضَرَبَها نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، هٰكذا قالَ الرَّبّ: قوموا ٱصعَدوا إِلى قيدار، ودَمِّروا أَبْناءَ المَشرِق، لِتُؤخَذْ خِيامُهم وغَنَمُهم، وجُلودُهم وجَميعُ أَدَواتِهم، ولْيُستَولَ على إِبلِهم، ولْيُنادَ عَليهم: «الهَولُ مِن كُلِّ جانِب». أُهرُبوا سَريعًا وٱشرُدوا، وٱختَبِئوا يا سُكَّانَ حاصور، يَقولُ الرَّبّ، لأَنَّ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكَ بابِل، قد نَوى تَدْبيرًا وفكَّرَ فِكرًا عَلَيكم: «قوموا ٱصعَدوا على أُمَّةٍ مُطمَئِنَّةٍ ساكِنَةٍ في أَمان، يَقولُ الرَّبّ، لا أَبْوابَ لَها ولا مَزاليج، سُكْناها في العُزلَة. تَصيرُ إِبلُهم نَهْبًا، ومَواشيهِم الكَثيرَةُ سَلَبًا»، وأُذُرِّي لِكُلِّ ريحٍ، أُولٰئِكَ المَقْصوصي السَّوالِف، ومِن كُلِّ جانِبٍ، أَجلُبُ بَلِيَّتَهم، يَقولُ الرَّبّ. فتَصيرُ حاصورُ مَأوى لِبَناتِ آوى مُقفِرَةً لِلأَبَد، لا يَسكُنُ هُناكَ إِنْسان، ولا يَنزِلُ فيها ٱبنُ بَشَر. كَلامُ الرَّبّ الَّذي كانَ إِلى إِرمِيا النَّبِيِّ في عَيلام، في مَطلَعِ مُلكِ صِدقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، قائِلًا: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: هاءَنَذا أُحَطِّمُ قَوسَ عَيلام، أَساسَ قُدرَتِهم، وأَجلُبُ على عَيلامَ الرِّياحَ الأَربَع، مِن أَطْرافِ السَّماءِ الأَربَعة، وأُذَرِّيهم لِتِلكَ الرِّياحِ كُلِّها، ولا تَكونُ أُمَّةٌ إِلاَّ ويَأتيها، مَطْرودونَ مِن عَيلام، وأُحِلُّ بِعَيلامَ الذُّعْرَ، مِن وَجهِ أَعدائِهم ومِن وَجهِ طالِبي نُفوسِهم، وأَجلُبُ علَيهمِ الشَّرَّ، وسَورَةَ غَضَبي، يَقولُ الرَّبّ، وأُطلِقُ في إِثرِهمِ السَّيفَ، إِلى أَن أُفنِيَهم، وأَجعَلُ عَرْشي في عَيلام، وأُهلِكُ مِن هُناكَ المَلِكَ والرُّؤَساء، يَقولُ الرَّبّ. لٰكِنِّي في آخِرِ الأَيَّام أُرجِعُ أَسْرى عَيلام، يَقولُ الرَّبّ. الكَلِمَةُ الَّتي تَكَلَّمَ بِها الرَّبّ على بابِلَ وعلى أَرضِ الكَلْدانِيِّين، على لِسانِ إِرمِيا النَّبِيّ: أَخبِروا في الأُمَمِ وأَسمِعوا، وٱرفَعوا الرَّايَةَ وأَسمِعوا. لا تَكتُموا، قولوا: أُخِذَت بابِلُ وأُخزِيَ بالٌ، خُرِّبَ مَروداك، (أُخزِيَت أَصنامُها وخُرِّبَت أَقْذارُها). فإِنَّ أُمَّةً صَعِدَت علَيها مِنَ الشَّمال، فتَجعَلُ أَرضَها دَمارًا لا ساكِنَ فيها. مِنَ البَشَرِ إِلى البَهائِم، شَرَدوا ومَضَوا جَميعًا. في تِلكَ الأَيَّام، وفي ذٰلك الزَّمان، يَقولُ الرَّبّ، يَأتي بَنو إِسْرائيل (هم وبَنو يَهوذا مَعًا) وهم يَسيرونَ ويَبْكونَ بُكاءً، ويَلتَمِسونَ الرَّبَّ إِلٰهَهم. يَسأَلونَ عن صِهْيون، وعلَيها يُقبِلونَ بِوجُوهِهم: «هَلُمُّوا ٱنضَمُّوا إِلى الرَّبّ، بِعَهدٍ أَبَدِيٍّ لا يُنْسى». كانَ شَعْبي خِرافًا ضالَّة، رُعاتُهم أَضَلُّوهم وتاهوا بِهم في الجِبال، فذَهبوا مِن جَبَلٍ إِلى أَكَمَة، ونَسوا مَربِضَهم. وكُلُّ مَن صادَفَهمُ ٱفتَرَسَهم، ومُضايِقوهم قالوا: «لا ذَنْبَ علَينا، لأَنَّهم خَطِئوا إِلى الرَّبِّ مَقَرِّ البِرّ، الرَّبِّ رَجاءِ آبائِهم». أُهرُبوا مِن وَسَطِ بابِل، ومِن أَرضِ الكَلْدانِيِّينَ ٱخرُجوا، وكونوا كالتُّيوسِ على رَأسِ القَطيع، فإِنِّي هاءَنَذا مُنهِضٌ ومُصعِدٌ على بابِل، جُمْهورَ أُمَمٍ عَظيمةٍ مِن أَرضِ الشِّمال، فيَصطَفُّونَ علَيها وهٰكذا تُؤخَذ. سِهامُهم كسِهامِ بَطَلٍ خَبير، لا يَرجِعُ فارِغًا. فتَصيرُ أَرضُ الكَلْدانِيِّينَ سَلَبًا، وجَميعُ سالِبيها يَشْبَعون، يَقولُ الرَّبّ. إِفرَحوا وٱبتَهِجوا يا ناهِبي ميراثي، وٱقفِزوا كعِجلَةٍ في العُشْب، وٱصهَلوا كالجِياد. لقَد خَزِيَت أُمُّكم جِدًّا، وخَجِلَت والِدَتُكم. ها إِنَّها الأَخيرَةُ بَينَ الأُمَم، بَرِّيَّةٌ قاحِلَةٌ مُقفِرَة، ومِن سُخطِ الرَّبِّ لا تُسكَن، بل تَكونُ بِأَسرِها خَرابًا، فكُلُّ مَن يَمُرُّ بِبابِل، يَدهَشُ ويُصَفِّرُ على جَميعِ ضَرَباتِها. إِصطَفُّوا على بابِلَ مِن كُلِّ جانِب، يا جَميعَ مُسَدِّدي القِسِيّ، أُرموا علَيها، لا تُبقوا على السِّهام، فإِنَّها خَطِئَت إِلى الرَّبّ. صيحوا علَيها مِن كُلِّ جانِب، مَدَّت يَدَها وٱنْهارَت أَعمِدَتُها، وهُدِمَت أَسْوارُها، لأَنَّ ذٰلك ٱنتِقامُ الرَّبّ، فٱنتَقِموا مِنها، وكما فَعَلَتِ ٱفعَلوا بِها. إستَأصِلوا الزَّارِعَ مِن بابِل، ومُعمِلَ المِنجَلِ وَقتَ الحِصاد. مِن وَجهِ السَّيفِ الفَتَّاك، كُلُّ واحِدٍ يَتَّجِهُ إِلى شَعبِه ويَهرُبُ إِلى أَرضِه. كانَ إِسْرائيلُ شاةً ضالَّةً تُطارِدُها الأُسود، أَوَّلُها مَلِكُ أَشُّورَ ٱفتَرَسه، وآخِرُها نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، هَشَّمَ عِظامَه. لِذٰلك هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا أَفْتَقِدُ مَلِكَ بابِلَ وأَرضَه، كما ٱفتَقَدتُ مَلِكَ أَشُّور. وأُرجِعُ إِسْرائيلَ إِلى مَرْعاه، فيَرْعى في الكَرمَلِ وباشان، وتَشبَعُ نَفْسُه في جَبَلِ أَفْرائيمَ وجِلْعاد. في تِلكَ الأَيَّام، وفي ذٰلك الزَّمان، يَقولُ الرَّبّ، يُطلَبُ إِثمُ إِسْرائيلَ فلا يَكون، وخَطيئَةُ يَهوذا فلا توجَد، لأَنِّي أَغفِرُ لِمَن أُبْقيه. «إِصعَدْ إِلى أَرضِ مَراتائيم، وإِلى سُكَّانِ فَقود، خَرِّبْ وحَرِّمْ ما وَراءَهم، يَقولُ الرَّبّ، وٱعمَلْ بِكُلِّ ما أَمَرتُكَ بِه». صَوتُ قِتالٍ في الأَرضِ وتَحطيمٌ عَظيم، كَيفَ كُسِرَت وحُطِّمَت، مِطرَقَةُ الأَرضِ بِأَسرِها؟ كَيفَ صارَت بابِلُ دَهَشًا عِندَ الأُمَم؟ نَصَبتُ لَكِ فَخًّا فَأُخِذْتِ، يا بابِلُ، ولم تَشعُري. لقَد وُجِدتِ فقُبِضَ عَليكِ، لأَنَّكِ تَحَدَّيتِ الرَّبّ. فَتَحَ الرَّبُّ خِزانَتَه وأَخرَجَ آلاتِ غَضَبِه، لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ القُوَّاتِ، عَمَلًا في أَرضِ الكَلْدانِيِّين: «هَلُمُّوا علَيها مِن كُلِّ جِهَة، وٱفتَحوا أَهْراءَها، وكَدِّسوها حُزَمًا وحَرِّموها، ولا تَكُنْ لَها بَقِيَّة، أُقتُلوا جَميعَ ثيرانِها، ولْيَنزِلوا لِلذَّبْح. وَيلٌ لَهم لأَنَّه قد أَتى يَومُهم، وَقتُ ٱفتِقادِهم». صَوتُ الهارِبين المُفلِتينَ مِن أَرضِ بابِل، لِكَي يُخبِروا في صِهْيون بِٱنتِقامِ الرَّبِّ إِلٰهِنا، اِنتِقامِ هَيكَلِه. إِستَدْعوا إِلى بابِلَ الرُّماة، جَميعَ مُسَدِّدي القِسِيّ، وعَسكِروا علَيها مِن كُلِّ جانِب، ولا يَكُنْ مُفلِت. جازوها بِحَسَبِ أَفْعالِها، وكَجميعِ ما عَمِلَتِ ٱعمَلوا بِها، فإِنَّها ٱعتَدَّت بِنَفْسِها على الرَّبّ، على قُدُّوسِ إِسْرائيل. لِذٰلك يَسقُطُ شُبَّانُها في ساحاتِها، ويَهلِكُ جَميعُ رِجالِ القِتالِ في ذٰلك اليَوم، يَقولُ الرَّبّ. هاءَنَذا علَيكَ أَيُّها «الٱعتِدادُ بِالنَّفْس»، يَقولُ السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات، لأَنَّه قد أَتى يَومُكَ وَقتُ ٱفتِقادِكَ. سيَعثُرُ «الٱعتِدادُ بِالنَّفْسِ» ويَسقُط، ولَيسَ أَحَدٌ يُنهِضُه، وأُوقِدُ نارًا في مُدُنِه، فتَلتَهِمُ كُلَّ ما حَولَه. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: إِنَّ بَني إِسْرائيلَ مَظْلومون (وبَني يَهوذا مَعَهم) وجَميعُ الَّذينَ أَسَروهم يُمسِكونَهم، وقَد أَبَوا أَن يُطلِقوهم. لٰكِنَّ فادِيَهم قَوِيّ، رَبُّ القُوَّاتِ ٱسمُه، فهو يُخاصِمُ لِخصومَتِهم، لِكَي يُريحَ الأَرض ويُرعِشَ سُكَّانَ بابِل. السَّيفُ على الكَلْدانِيِّين، يَقولُ الرَّبّ، وعلى سُكَّانِ بابِل، وعلى رُؤَسائِها وعلى حُكَمائِها، السَّيفُ على عَرَّافيها فلْيَهْذوا، السَّيفُ على أَبْطالِها فلْيَفزَعوا. السَّيفُ على خَيلِها وعلى مَركَباتِها، وعلى جَميعِ الخَليطِ الَّذي في وَسَطِها، فلْيَصيروا كالنِّساء. السَّيفُ على كُنوزِها فلْتُنْهَب، الجَفافُ على مِياهِها فلْتَنضُبْ، لأَنَّها أَرضُ مَنْحوتات، وقد فَقَدوا الرُّشدَ بِأَهْوالِهم. لِذٰلك تَسكُنُها وُحوشُ القَفْر، مع بَناتِ آوى، وتَأوي إِلَيها بَناتُ النَّعام، ولا تُسكَنُ بَعدَ اليَومِ لِلأَبَد، ولا تُعمَرُ مِن جيلٍ إِلى جيل. كما قَلبَ اللهُ سَدومَ وعَمورة، وما جاوَرَهما، يَقولُ الرَّبّ، فلا يَسكُنُ هُناكَ إِنْسان، ولا يَنزِلُ فيها ٱبْنُ بَشَر. هُوَذا شَعبٌ مُقبِلٌ مِنَ الشَّمال، وأُمَّةٌ عَظيمة، ومُلوكٌ كَثيرون ناهِضونَ مِن أَقاصي الأَرض، قابِضونَ على القَوسِ والحَربَة، قُساةٌ لا يَرحَمون، صَوتُهم كَهديرِ البَحْر، وعلى الخيولِ راكِبون، مُصطَفُّونَ كرَجُلٍ واحِدٍ لِلمَعرَكَة، ضِدَّكِ يا بِنتَ بابِل، بَلَغَ خَبَرَهُم مَلِكَ بابِل، فٱستَرخَت يَداه، وأَخَذَه ضيقٌ ومَخاضٌ كالَّتي تَلِد، ها إِنَّه كأَسَدٍ يَصعَد، مِن أَدْغالِ الأُردُنِّ إِلى المَرْعى الدائِم. في لَحظَةٍ أَجْعَلُه يَركُضُ مِن هُنا، لأُقيمَ مَن أَختارُه، فإِنَّه مَن مِثْلي ومَن يُحاكِمُني، ومَنِ الرَّاعي الَّذي يُقاوِمُني؟ لِذٰلك ٱسمَعوا تَدْبيرَ الرَّبّ، الَّذي نَواه على بابِل، والأَفْكارَ الَّتي فَكَّرَ فيها، على أَرضِ الكَلْدانِيِّين. إِنَّ صِغارَ الغَنَمِ نَفْسَها تُجَرّ، والمَرْعى يَدهَشُ مِن ذٰلك. مِن صَوتِ الٱستيلاءِ على بابِل، تَزَلزَلَتِ الأَرضُ وسُمِعَ الصُّراخُ بَينَ الأُمَم. هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أُثيرُ على بابل، وعلى سُكَّانِ قَلبِ مُقاوِمِيَّ ريحًا مُهْلِكَة، وأُرسِلُ إِلى بابِلَ غُرَباء، فيُذَرُّونَها ويُخَرِّبونَ أَرضَها، لأَنَّهم يَكونونَ علَيها، مِن حَولِها في يَومِ البَلْوى، لا يُسَدِّدِ المُسَدِّدُ قَوسَه، ولا يَتَبَختَرْ بِدِرعِه، لا تُشفِقوا على شُبَّانِها، حَرِّموا جَميعَ جَيْشِها، يَسقُطُ قَتْلى في أَرضِ الكَلْدانِيِّين، ومَطْعونونَ في شَوارِعِها. فإِنَّ إِسْرائيلَ ويَهوذا، لم يَتَرَمَّلا مِن إِلٰهِهِما، مِن رَبِّ القُوَّات، وإِن مُلِئَت أَرضُهما إِثمًا، على قُدُّوسِ إِسْرائيل. أُهرُبوا مِن وَسَطِ بابِل، (وٱنْجوا كُلُّ واحِدٍ بِنَفْسِه). لا تَهلِكوا بإِثمِها، فإِنَّ هٰذا وَقتُ ٱنتِقامٍ لِلرَّبّ، فهو يَجْزي مُكافأَتَها. كانَت بابِلُ كأسَ ذَهَبٍ بِيَدِ الرَّبّ، تُسكِرُ كُلَّ الأَرض، مِن خَمرِها شَرِبَتِ الأُمَم، ولِذٰلك فَقَدَت رُشدَها. بَغتَةً سَقَطَت بابِلُ وحُطِّمَت، وَلوِلوا علَيها، خُذوا بَلَسانًا لِوَجَعِها لَعَلَّها تَشْفى. عالَجْنا بابِلَ فلَم تَشفَ. أُهجُروها ولْنَذْهَب كُلُّ واحِدٍ إِلى أَرضِه، فإِنَّ الحُكمَ علَيها بَلَغَ إِلى السَّمَوات، ورُفِعَ إِلى الغُيوم. الرَّبُّ أَظهَرَ بِرَّنا، فهَلُمُّوا نُخبِرُ في صِهْيونَ بِعَمَل الرَّبِّ إِلٰهِنا. سُنُّوا السِّهامَ وأَمسِكوا التُّروس، فإِنَّ الرَّبَّ قد أَثارَ روحَ مُلوكِ ميدِيا، وقد أَضمَرَ على بابِلَ أَن يُدَمِّرَها، لأَنَّه ٱنتِقامُ الرَّبِّ، ٱنتِقامُ هَيكَلِه. على أَسْوارِ بابِلَ ٱنصِبوا الرَّاية، وشَدِّدوا الحِراسَةَ وأَقيموا الرُّقَباء، وهَيِّئوا المَكامِنَ فإِنَّ الرَّبَّ قد أَضمَرَ، وأَتَمَّ ما تَكَلَّمَ بِه على سُكَّانِ بابِل. أَيَّتُها القائِمَةُ على المِياهِ الغَزيرَة، الكَثيرَةُ الكُنوز، قد حانَ أَجَلُكِ وحَدُّ مَكاسِبِكِ، بِنَفْسِه أَقسَمَ رَبُّ القُوَّات: أَمَلأُكِ رِجالًا كالجَنادِب، فيَصيحونَ علَيكِ بِهُتافِ الٱنتِصار. هو الَّذي صَنَعَ الأَرضَ بِقُوَّتِه، وثَبَّتَ الدُّنْيا بِحِكمَتِه، وبَسَطَ السَّمَواتِ بِفِطنَتِه. إِن نادى بِصَوتِه ضُمَّتِ المِياهُ في السَّماء، وأَصعَدَ الغُيومَ مِن أَقْصى الأَرض، ويُحدِثُ البُروقَ لِلمَطَر، ويُخرِجُ الرِّيحَ مِن خَزائِنِه. كُلُّ بَشَرٍ لِقِلَّةِ العِلمِ صارَ بَليدًا، وكُلُّ صائِغٍ يَخْزى بِالتِّمْثال، لأَنَّ مَسْبوكَه كَذِبٌ لا روحَ فيه. إِنَّما هٰذه باطِلَةٌ وصُنعٌ مُضحِك. وفي وَقتِ عِقابِهم تَهلِك. لَيسَ مِثلَ هٰذِهِ نَصيبُ يَعْقوب، لأَنَّه هو جابِلُ الكُلّ، وإِسْرائيلُ هو عَصا ميراثِه، ورَبُّ القُوَّاتِ ٱسمُه. كُنتَ لي مِطرَقَةً، آلَةَ حَرْب، فطَرَّقتُ بِكَ الأُمَمَ ودَمَّرتُ بِكَ المَمالِك. وطَرَّقتُ بِكَ الفَرَسَ وراكِبَه، وطَرَّقتُ بِكَ المَركَبَةَ وراكِبَها. وطَرَّقتُ بِكَ الرَّجُلَ والمَرأَة، وطَرَّقتُ بِكَ الشَّيخَ والوَلَد، وطَرَّقتُ بِكَ الفَتى والفَتاة. وطَرَّقتُ بِكَ الرَّاعِيَ وقَطيعَه، وطَرَّقتُ بِكَ الحارِثَ وفَدَّانَه، وطَرَّقتُ بِكَ الحُكَّامَ والوُلاة. فإِنِّي أُجازي بابِلَ وجَميعَ سُكَّانِ أَرضِ الكَلْدانِيِّينَ بِكُلِّ شَرِّهمِ الَّذي صَنَعوه بِصِهيونَ أَمامَ عُيونِكم، يَقولُ الرَّبّ. هاءَنَذا علَيكَ، يَقولُ الرَّبّ، أَيُّها الجَبَلُ المُدَمِّر الَّذي يُدَمِّرُ كُلَّ الأَرض، فأَمُدُّ يَدي علَيكَ وأُدَحرِجُكَ مِنَ الصُّخور، وأَجعَلُكَ جَبَلًا مُشْتَعِلًا، فلا يُؤْخَذُ مِنكَ حَجَرٌ لِلزَّاوِيَة، ولا حَجَرٌ لِلأُسُس، بل تَكونُ أَخرِبَةً أَبَدِيَّة، يَقولُ الرَّبّ. إِنصِبوا الرَّايَةَ في الأَرض، وٱنفُخوا في البوقِ في الأُمَم. خَصِّصوا علَيها الأُمَم، ونادوا علَيها مَمَالِكَ أَراراطَ، ومِنِّي وأَشْكَناز، وَلُّوا علَيها مُجَنِّدًا، وأَخرِجوا علَيها الخَيلَ كالجَنادِبِ الحَرْشاء. خَصِّصوا علَيها الأُمَمَ ومُلوكَ ميدِيا، وحُكَّامَها وجَميعَ وُلاتِها وكُلَّ أَرضِ سُلْطانِها، فَتُزَلْزِلُ الأَرضُ وتَرتَعِد، لأَنَّ أَفْكارَ الرَّبِّ تَتِمُّ على بابِل، لِتَجعَلَ أَرضَ بابِلَ مُقفِرَة، لا ساكِنَ فيها. كَفَّ أَبْطالُ بابِلَ عنِ القِتال، وأَقاموا في الحُصون، ونَفَدَت شَجاعَتُهم وصاروا نِساءً، وٱحتَرَقَت مَساكِنُها وحُطِّمَت مَزاليجُها. يَسْعى السَّاعي لِلِقاءِ السَّاعي، والمُخبِرُ لِلِقاءِ المُخبِر، لِيُخبِرَ مَلِكَ بابِل، بِأَنَّ مَدينَتَه أُخِذَت عن آخِرِها، وأَنَّ المَعابِرَ ٱستولِيَ علَيها، والمَعاقِلَ أُحرِقَت بِالنَّار، ورِجالَ القِتالِ ٱرْتاعوا، لأَنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلٰهُ إِسْرائيل: بِنتُ بابِلَ كَبَيْدَرٍ عِندَما تُداس، وبَعدَ قَليلٍ يأتي أَوانُ حِصادِها. إِلتَهَمَني نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، وأَفْناني وجَعَلَني إِناءً فارِغًا، إِبتَلَعَني كالتَّنِّين، ومَلَأَ جَوفَه مِن طَيِّباتي، ثُمَّ نَفاني. «على بابِلَ العُنفُ النَّازِلُ في جَسَدي»، تَقولُ ساكِنَةُ صِهْيون، «ودَمي على سُكَّانِ أَرضِ الكَلْدانِيِّين»، تَقولُ أُورَشَليم. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا أُخاصِمُ لِخُصومَتِكِ وأَنتَقِمُ ٱنتِقامَكِ، وأُجَفِّفُ بَحرَها وأُنضِبُ يَنْبوعَها، وتَصيرُ بابِلَ كَومَةَ حِجارَة، ومأْوًى لِبَناتِ آوى، ودَهَشًا وصَفيرًا، لا ساكِنَ فيها. إِنَّهم يَزأَرونَ جَميعًا كالأَشْبال، ويُزَمجِرونَ كصِغارِ الأُسود، عِندَ ٱحتِدامِهم أُعِدُّ لَهم شَرابًا، وأُسكِرُهم لِكَي يَمرَحوا، ثُمَّ يَناموا نَومًا أَبَدِيًّا، فلا يَستَيقِظوا، يَقولُ الرَّبّ. وأُنزِلُهم كالحُمْلانِ لِلذَّبْح، وكالكِباشِ مع التُّيوس. كَيفَ أُخِذَت شيشاك، وأُمسِكَت فَخرُ كُلِّ الأَرض؟ كَيفَ صارَت بابِلُ دَهَشًا بَينَ الأُمَم؟ طَلَعَ البَحرُ على بابِل، فغَمَرَها بِهَديرِ أَمْواجِه. صارَت مُدُنُها دَمارًا، أَرضًا قاحِلَةً مُقفِرَة، أَرضًا لا يَسكُنُ فيها إِنْسان، ولا يَمُرُّ بِها ٱبنُ بَشَر. إِنِّي أَفتَقِدُ بالًا في بابِل، وأُخرِجُ مِن فَمِه ما ٱبتَلَع، ولا تَجْري إِلَيه الأُمَمُ بَعدَ اليَوم، وسورُ بابِلَ أَيضًا يَسقُط. أُخرُجْ مِن وَسَطِها يا شَعْبي، ولْيَنجُ كُلُّ واحِدٍ بِنَفْسِه، مِن سَورَةِ غَضَبِ الرَّبّ. ولا تَضعُفْ قُلوبُكم فتَخافوا عِندَ الخَبَرِ الَّذي يُسمَعُ في الأَرض: فإِنَّه يَرِدُ خَبَرٌ في سَنَة، وبَعدَ ذٰلك في سَنَةٍ خَبَرٌ آخَر: عُنفٌ في الأرض، ومُتَسَلِّطٌ على مُتَسَلِّط. لِذٰلك ها إِنَّها تَأتي أَيَّام، أَفتَقِدُ فيها مَنْحوتاتِ بابِل، فتَخْزى كُلُّ أَرضِها، ويَسقُطُ قَتْلاها جَميعًا في وَسَطِها، وتَهتِفُ على بابِلَ السَّمَواتُ والأَرض، وكُلُّ ما فيها، لأَنَّ المُدَمِّرينَ يَأْتونَها مِنَ الشَّمال، يَقولُ الرَّبّ، تَسقُطُ بابِلُ هي أَيضًا، يا قَتْلى إِسْرائيل، كما أَنَّه بِبابِلَ، سَقَطَ قَتْلى مِنَ الأَرضِ كُلِّها. يا أَيُّها الَّذينَ أَفلَتوا مِنَ السَّيف، هَلُمُّوا، لا تَقِفوا. أُذكُروا الرَّبَّ في الغُربَة، ولْتَخطُرْ أُورَشَليمُ بِقُلوبِكم. «قد خَزينا لأَنَّنا سَمِعْنا الإِهانة، وغَطَّى الخَجَلُ وجُوهَنا، لأَنَّ الغُرَباءَ زَحَفوا، على أَقْداسِ بَيتِ الرَّبّ». لِذٰلك ها إِنَّها تَأتي أَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، أَفتَقِدُ فيها مَنْحوتاتِها، وفي كُلِّ أَرضِها يَئِنُّ الجَرْحى. إِنَّ بابِلَ، وإِنِ ٱرتَفَعَت إِلى السَّماء، ومَنَّعَت أَعالِيَ حِصنِها، مِن عِنْدي يَزحَفُ علَيها المُدَمِّرون، يَقولُ الرَّبّ. صَوتُ صُراخٍ مِن بابِل، وتَحْطيمٌ عَظيمٌ مِن أَرضِ الكَلْدانِيِّين، لأَنَّ الرَّبَّ دَمَّرَ بابِل، وأَزالَ مِنها الصَّوتَ العَظيم، وقد هَدَرَت أَمْواجُهم كالمِياهِ الغَزيرة، ودَوَّت جَلَبَةُ أَصْواتِهم، لأَنَّ مُدَمِّرًا زَحَفَ علَيها، على بابِل، فأَبْطالُها أُخِذوا وقِسِيُّهم كُسِرَت، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهُ المُكافَأَةِ يَجْزي جَزاءً. أُسكِرُ رُؤَساءَها وحُكَماءَها، وحُكَّامَها ووُلاتَها وأَبْطالَها فيَنامونَ نَومًا أَبَدِيًّا ولا يَستَيقِظون، يَقولُ المَلِكُ الَّذي رَبُّ القُوَّاتِ ٱسمُه. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: أَسْوارُ بابِلَ العَريضَةُ تُقَوَّضُ تَقْويضًا، وأَبْوابُها الشَّامِخَةُ تُحرَقُ بِالنَّار، فيَذهَبُ تَعَبُ الشُّعوبِ سُدًى، وتَجهَدُ الأُمَمُ لِلنَّار. الكَلامُ الَّذي أَمَرَ بِه إِرمِيا النَّبِيُّ سَرايا بنَ نيرِيَّا بنِ مَحَسْيا، لَمَّا ذَهَبَ مع صِدقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، إِلى بابِل، في السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلكِه، وكانَ سَرايا رَئيسَ المُخَيَّم. كَتَبَ إِرمِيا في كِتابٍ واحِدٍ كُلَّ الشَّرِّ الَّذي سيَأتي على بابِل، كُلَّ ذٰلك الكَلامِ المَكْتوبِ على بابِل. وقالَ إِرمِيا لِسَرايا: «إِذا وَصَلتَ إِلى بابِل، تَنظُرُ أَن تَتلُوَ كُلَّ هٰذا الكَلام. وقُلْ: أَيُّها الرَّبّ، أَنتَ تَكَلَّمتَ على هٰذا المَكانِ أَن يُدَمَّر، فلا يَكونَ فيه ساكِن، لا إِنْسانٌ ولا بَهيمة، بل يَكونُ أَخرِبَةً أَبَدِيَّة. ومَتى فَرَغتَ مِن تِلاوَةِ هٰذا الكِتاب، فٱربِطْ بِه حَجَرًا وأَلقِه في وَسَطِ الفُرات، وقُلْ: كذٰلك تَغرَقُ بابِل، ولا تَنهَضُ مِنَ الشَّرِّ الَّذي أَجلُبُه علَيها». إِلى هُنا كَلامُ إِرمِيا. وكان صِدقِيَّا ٱبنَ إِحْدى وعِشْرينَ سَنَةً حين ملكَ، ومَلَكَ إِحْدى عَشَرَةَ سَنَةً في أُورَشَليم، وٱسمُ أُمِّه حَموطال، بِنتُ إِرمِيا، مِن لِبنَة. وصَنَعَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ، بِحَسَبِ كُلِّ ما صَنَعَ يوياقيم، وكانَ ذٰلك بِسَبَبِ غَضَبِ الرَّبّ على أُورَشَليمَ وعلى يَهوذا، حتَّى نَبذَهم مِن وَجهِه. وتَمَرَّدَ صِدقِيَّا على مَلِكِ بابِل. وفي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِمُلكِهِ، في اليَومِ العاشِرِ مِنَ الشَّهْر العاشِر، زَحَفَ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكُ بابِل، هو وجَميعُ جُيوشِه على أُورَشَليمِ، وعَسكَروا عِندَها وبَنَوا حَولَها تَحْصينات، فصارَتِ المَدينَةُ تَحتَ الحِصارِ إِلى السَّنَةِ الحادِيَةَ عَشرَةَ لِلمَلِكِ صِدقِيَّا. وفي اليَومِ التَّاسِعِ مِنَ الشَّهرِ الرَّابِع، اِشتَدَّ الجوعُ في المَدينَة، ولم يَبْقَ خُبزٌ لِشَعبِ تِلكَ الأَرض. فثَغَروا المَدينَة، وهَرَبَ جَميعُ رِجالِ الحَرْب، وخَرَجوا مِنَ المَدينَة، لَيلًا في طَريقِ البابِ الَّذي بَينَ السُّورَين، بِالقُربِ مِن بُستانِ المَلِك، بَينَما كان الكَلْدانِيُّونَ يُحيطونَ بِالمَدينة، وذَهَبوا في طَريقِ العَرَبَة. فجَرى جَيشُ الكَلْدانِيِّينَ في إِثرِ المَلِك، فأَدرَكوا صِدقِيَّا في بَرِّيَّةِ أَريحا، وقد تَفَرَّقَ عنه كُلُّ جَيشِه. فقَبَضوا علَيه، وأَصعَدوه إِلى مَلِكِ بابِلَ في رِبلَةَ بِأَرضِ حَماة، وتَلا علَيه الحُكْم. وذَبَحَ مَلِكُ بابِلَ بَني صِدقِيَّا أَمامَ عَينَيه، وذَبَحَ أَيضًا جَميعَ رُؤَساءِ يَهوذا في رِبلَة. وفَقَأَ عَينَي صِدقِيَّا وأَوثَقَه بِسِلسِلَتَينِ مِن نُحاس، وجاءَ بِه مَلِكُ بابِل إِلى بابِل، وجَعَلَه في بَيتِ الحَرَسِ إِلى يَومِ مَوتِه. وفي الشَّهرِ الخامِس، في اليَومِ العاشِرِ مِنَ الشَّهْر، في السَّنَةِ التَّاسِعَةِ عَشرَةَ لِلمَلِكِ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل، قَدِمَ إِلى أُورَشَليمَ نَبوزرادان، رَئيسُ الحَرَس، الواقِفُ أَمامَ مَلِكِ بابِل، وأَحرَقَ بَيتَ الرَّبِّ وبَيتَ المَلِكِ وجَميعَ بُيوتِ أُورَشَليمَ، وأَحرَقَ بِالنَّارِ كُلَّ بَيتٍ لِلْعُظَماء، وهَدَمَ كُلُّ جَيشِ الكَلْدانِيِّينَ الَّذينَ مع رَئيسِ الحَرَسِ جَميعَ أَسْوارِ أُورَشَليمَ مِمَّا حَولَها. وجَلا نَبوزَرادانُ، رَئيسُ الحَرَس، (بَعضًا مِن مَساكينِ الشَّعب) وسائِرَ الشَّعبِ الَّذي بَقِيَ في المَدينَةِ والهارِبينَ الَّذينَ هَرَبوا إِلى مَلِكِ بابِل، وسائِرَ الصُّنَّاع. وتَرَكَ رَئيسُ الحَرَسِ مِن فُقَراءِ الأَرضِ الكَرَّامينَ والفَلاَّحين. وحَطَّمَ الكَلْدانِيُّونَ أَعمِدَةَ النُّحاسِ الَّتي في بَيتِ الرَّبِّ والقَواعِدَ وبَحرَ النُّحاسِ الَّذي في بَيتِ الرَّبّ، وحَمَلوا كُلَّ نُحاسِها إِلى بابِل. وأَخَذوا القُدورَ والمَجارفَ والمَقاريضَ والكُؤُوسَ والقِصاعَ وجَميعَ أَدَواتِ النُّحاسِ الَّتي كانوا يَخدُمونَ بِها. وأَخَذَ رَئيسُ الحَرَسِ الطُّسوتَ والمَجامِرَ والكُؤُوسَ والقُدورَ والمَناراتِ والقِصاعَ والأَقْداح، ما كانَ مِنها ذَهَبًا فالذَّهَب، وما كانَ مِنها فِضَّةً فالفِضَّة. وأَمَّا العَمودانِ والبَحرُ والٱثْنا عَشَرَ ثَورًا مِن نُحاس، الَّتي تَحتَ القَواعِدِ الَّتي صَنَعَها المَلِكُ سُلَيمانُ لِبَيتِ الرَّبّ، فلَم يَكُنْ لِنُحاسِ هٰذه الأَواني مِن وَزْنٍ يُقَدَّر. وكانَ العَمودانِ طولُ الواحِدِ ثَمانِيَ عَشرَةَ ذِراعًا ومُحيطُه خَيطًا ٱثنَتَي عَشرَةَ ذِراعًا وسُمكُه أَربَعَ أَصابِع، وهو أَجوَف. وعلَيه تاجٌ مِن نُحاس، وعُلُوُّ التَّاجِ الواحِدِ خَمسُ أَذرُع، وعلى التَّاجِ حَبيكَةٌ ورُمَّانٌ مِن حَولِها، الكُلُّ مِن نُحاس، وكذٰلك كانَ العَمودُ الثَّاني والرُّمَّانات. وكانَتِ الرُّمَّاناتُ سِتًّا وتِسْعين على الجَوانِب، وجُملَةُ الرُّمَّاناتِ مِئَةً على الحَبيكَةِ مِن حَولِها. وأَخَذَ رَئيسُ الحَرَسِ سَرايه الكاهِنَ الأَوَّلَ، وصَفَنْيا الكاهِنَ الثَّانِيَ، وحُرَّاسَ الأَعْتابِ الثَّلاثَة. وأَخَذَ مِنَ المَدينَةِ خَصِيًّا واحِدًا، وهو الَّذي كانَ مُوَلًّى على رِجالِ الحَرْب، وسَبعَةَ رِجالٍ مِمَّن يُشاهِدونَ وَجهَ المَلِك والَّذينَ وُجِدوا في المَدينَة، وكاتِبَ قائِدِ الجَيشِ الَّذي كانَ يُجَنِّدُ شَعبَ تِلكَ الأَرض، وسِتِّينَ رَجُلًا مِن شَعبِ تِلكَ الأَرضِ الَّذينَ وُجِدوا في داخِلِ المَدينة، أَخَذَهم نَبوزَرادان، رَئيسَ الحَرَس، وساقَهم إِلى مَلِكِ بابِلَ في رِبلَة، فضَرَبَهم مَلِكُ بابِلَ وقَتَلَهم في رِبلَةَ في أَرضِ حَماة. وجُلِيَ يَهوذا مِن أَرضِه. هٰذا عَدَدُ السُّكَّانِ الَّذينَ جَلاهم نَبوكَدنَصَّر: في السَّنَةِ السَّابِعَةِ ثَلاثَةُ آلافٍ وثَلاثَةٌ وعِشْرونَ مِن بَني يَهوذا، وفي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشرَةَ لِنَبوكَدنَصَّر: مِن أُورَشَليم: ثَماني مِئَةٍ وٱثْنَانِ وثَلاثونَ نَفْسًا، وفي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ والعِشْرينَ لِنَبوكَدنَصَّر، جَلا نَبوزَرادان، رَئيسُ الحَرَس، مِن بَني يَهوذا سَبعَ مِئَةٍ وخَمسَةً وأَربَعين. فيَكونُ مَجْموعُ النُّفوسِ أَربَعَةَ آلافٍ وسِتَّ مِئَة. وكانَ في السَّنَةِ السَّابِعَةِ والثَّلاثينَ لِجَلاءِ يوياكين، مَلِكِ يَهوذا، في الشَّهرِ الثَّاني عَشَر، في الخامِسِ والعِشْرينَ مِنه، أَنَّ أَويلَ مروداك، مَلِكَ بابِل، عَفا عن يوياكين، مَلِكِ يَهوذا، وأَخرَجَه مِنَ السِّجْن، وكَلَّمَه بِكَلامٍ طَيِّب، وجَعَلَ عَرشَه أَعْلى مِن عُروشِ المُلوكِ الَّذينَ معَه في بابِل، وغَيَّرَ ثِيابَ سِجنِه، وبَقِيَ يَتَناوَلُ الطَّعامَ دائمًا أَمامَه كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه. وكانَت لَه مَعيشَةٌ دائِمَةٌ تُعْطى لَه مِن عِندِ مَلِكِ بابِل، أَمرُ كُلِّ يَومٍ في يَومِه إِلى يَومِ مَماتِه، كُلَّ أَيَّامِ حَياتِه. كَيفَ جَلَسَت وَحدَها، المَدينَةُ الآهِلَةُ بِالشَّعب؟ صارَت كأَرمَلَةٍ، العَظيمةُ في الأُمَم، السَّيِّدَةُ في البُلْدان، صارَت تَحتَ الجِزْيَة. تَبْكي بُكاءً في اللَّيل، ودُموعُها على خَدَّيها، لا مُعَزِّيَ لَها، بَينَ جَميعِ مُحِبِّيها، كُلُّ أَصدِقائِها غَدَروا بِها، وصاروا لَها أَعْداءً. جَلَت يَهوذا لِلشَّقاء، وشِدَّةِ العُبودِيَّة، سَكَنَت في الأُمَم، ولم تَجِدِ الرَّاحَة، جَميعُ طارِديها أَدرَكوها، بَينَ المَضايِق. طُرُقُ صِهْيونَ نائِحة، لِعَدَمِ القادِمينَ إِلى الأَعْياد، وجَميعُ أَبوابِها مُقفِرة. كَهَنَتُها مُتَنَهِّدون، وعَذاراها مُتَحَسِّرات، وهي في مَرارة. مُضايِقوها تَغَلَّبوا علَيها، وأَعداؤها مُطمَئِنُّون، لأَنَّ الرَّبَّ آلَمَها، لِكَثرَةِ مَعاصيها. أَطفالُها ساروا مَسبِيِّين، أَمامَ وَجهِ المُضايِق. وزالَ عن بِنتِ صِهْيون، كُلُّ بَهائِها. صارَ رُؤَساؤُها كأَيائِل، لم تَجِدْ مَرعًى. فساروا ولا قُوَّةَ لَهم، أَمامَ وَجهِ الطَّارِد. تَذَكَّرَت أُورَشَليم، في أَيَّامِ بُؤسِها وشَقائِها، عِندَما وَقَعَ شَعبُها في يَدِ المُضايِق، ولم يَنصُرْها أَحَد. رَآها المُضايِقون، فضَحِكوا مِن زَوالِها. خَطِئَت أُورَشَليمُ خَطيئةً، لِذٰلك صارت نَجِسَة. جَميعُ مُكْرِميها ٱزدَرَوها، لأَنَّهم رَأَوا عَورَتَها. أَمَّا هي فتَنَهَّدَت، وٱلتَفَتَت إِلى الوَراء. نَجاسَتُها في ذُيولِها، لم تَتَذَكَّرْ عاقِبَتَها، فإِذا بِها في ٱنحِطاطٍ عجيب، لا مُعَزِّيَ لَها. «أُنظُرْ يا رَبُّ إِلى بُؤسي، فإِنَّ العَدُوَّ تَعاظَم». ي - بَسَطَ العَدُوُّ يَدَه، على جَميعِ نَفائِسِها، فإِنَّها رَأَتِ الأُمَمَ، يَدخُلونَ مَقدِسَها، مِمَّن أَمَرتَ أَن لا يَدخُلوا، في مَجمَعٍ لَها. كُلُّ شَعبِها مُتَنَهِّدون، مُلتَمِسونَ طَعامًا، بَذَلوا نَفائِسَهم لِلأَكْل، وإِنْعاشِ النَّفْس. «أُنظُرْ يا رَبُّ وتَأَمَّلْ، كَيفَ صِرتُ مُزْدَراة». يا جَميعَ عابِري الطَّريق، تَأَمَّلوا وٱنظُروا، هَل مِن أَلَمٍ كأَلَمي، الَّذي أَصابَني، الَّذي آلَمَني به الرَّبّ، في يَومِ ٱضطِرامِ غَضَبِه. مِنَ العَلاءِ أَرسَلَ نارًا، في عِظامي أَنزَلَها. نَصَبَ شَبَكَةً لِرِجلَيَّ، فرَدَّني إِلى الوَراء. جَعَلني مُقفِرَة، سَقيمَةً كُلَّ النَّهار. راقَبَ مَعاصِيَّ، فٱحتَبَكَت في يَدِه. نيرُه على عُنُقي، أَوهَنَ قُوَّتي. أَسلَمَني السَّيِّدُ إِلى أَيدٍ، لا أَستَطيعُ مُقاوَمَتَها. س - نَبَذَ السَّيِّدُ مِن وَسَطي، جَميعَ أَبْطالي، دَعا علَيَّ جَماعةً، لِيُحَطِّمَ شُبَّاني، داسَ السَّيِّدُ المَعصَرَة، على العَذْراءِ بِنتِ يَهوذا. على هٰذه أَنا باكِيَة، وعَينايَ تَذرِفانِ الدُّموع، فقدِ ٱبتَعَدَ عَنِّي المُعَزِّي، الَّذي يُنعِشُ نَفْسي. بَنِيَّ دُمِّروا، لأَنَّ العَدُوَّ قد غَلَب. بَسَطَت صِهْيونُ يَدَيها، ولا مُعَزِّيَ لَها. أَرسَلَ الرَّبُّ على يَعْقوب، مُضايِقينَ لَه مِن حَولِه. صارَت أُورَشَليمُ، بَينَهم كالنَّجِسَة. ص - عادِلٌ الرَّبُّ، لأَنِّي عَصَيتُ أَمرَه، إِسمَعوا يا جَميعَ الشُّعوب، وٱنظُروا وَجَعي. عَذارايَ وشُبَّاني، مَضَوا إِلى الجَلاء. دَعَوتُ مُحِبِّيَّ، فخَدَعوني. كَهَنَتي وشُيوخي فاضَت أَرْواحُهم في المَدينَة، وهم يَلتَمِسونَ غِذاءً، لِيُنعِشوا نُفوسَهم. أُنظُرْ يا رَبُّ فإِنِّي في ضيق، أَحْشائي جائِشة، وقَلْبي مُضطَرِبٌ في باطِني، لأَنِّي عَصَيتُ عِصْيانًا. السَّيفُ يُثكِلُ في الخارِج، وكالمَوتِ في البَيت. إِسمَعْ أَنِّي أَتَنَهَّد، فلَيسَ مَن يُعَزِّيني. جَميعُ أَعْدائي سَمِعوا بِمُصيبَتي فشَمِتوا، لأَنَّكَ أَنتَ فَعَلتَ. أُجلُبِ اليَومَ الَّذي نادَيتَ بِه، فيَصيروا مِثْلي. لِيَبلُغْ كُلُّ شَرِّهم إِلى أَمامِكَ، وٱفعَلْ بِهِم، كما فَعَلتَ بي، بِسَبَبِ جَميعِ مَعاصِيَّ، فإِنَّ تَنَهُّدي كَثير، وقَلْبي سَقيم. كَيفَ أَظلَمَ السَّيِّدُ، بِنتَ صِهْيونَ بِغَضَبه، وطَرَحَ مِنَ السَّماءِ إِلى الأَرضِ، فَخرَ إِسْرائيل، ولم يَذكُرْ مَوطِئَ قَدَمَيه، في يَومِ غَضَبِه. أَزالَ السَّيِّدُ ولم يُشفِق، جَميعَ مَساكِنِ يَعْقوب. هَدَّمَ بِسُخطِه، حُصونَ بِنتِ يَهوذا، وأَلصَقَها بِالأَرْض، أَلحَقَ العارَ بِالمُلكِ والرُّؤَساء. حَطَّمَ في سَورَةِ غَضَبِه، كُلَّ قُوَّةٍ لإسْرائيل. رَدَّ يَمينَه إِلى الوَراء، مِن وَجهِ العَدُوّ. وأَضرَمَ في يَعْقوبَ مِثلَ نارٍ مُلتَهِبة، ٱلتَهَمَت ما حَولَها. سَدَّدَ قَوسَه كعَدُوٍّ، وٱنتَصَبَت يَمينُه، مِثلَ خَصْمٍ، فيَقتُلُ كُلَّ شَهِيٍّ لِلعُيون، على خَيمَةِ بِنتِ صِهْيون، أَفرَغَ كنارٍ سُخطَه. صارَ السَّيِّدُ كعَدُوٍّ، أَزالَ إِسْرائيل. أَزالَ جَميعَ قُصورِها، ودَمَّرَ حُصونَها. أَكثَرَ في بِنتِ يَهوذا، النَّوحَ والنَّحيب. خَلَعَ سِياجَه كما يُخلَعُ سِياجُ البُسْتان، ودَمَّرَ مَكانَ لِقائِه. أَنْسى الرَّبُّ في صِهْيون، العيدَ والسَّبْت، ونَبَذَ بِسُخطِ غَضَبِه، المَلِكَ والكاهِن. أَبعَدَ السَّيِّدُ مَذبَحَه، وأَعرَضَ عن مَقدِسِه. أَسلَمَ إِلى يَدِ العُدُوّ، أَسْوارَ قُصورِها. أَطلَقوا أَصْواتَهم في بَيتِ الرَّبّ، كما في يَومِ عيد. عَزَمَ الرَّبُّ أَن يُدَمِّرَ، سورَ بِنتِ صِهْيون، مَدَّ الحَبلَ ولَم يَرْدُدْ يَدَه، حتَّى أَزالَ كُلَّ شَيء. «أَينَ القَمحُ والخَمْر؟»، إِذ غُشِيَ علَيهم كالجَرْحى، في ساحاتِ المَدينَة، إِذ أُريقَت نُفوسُهم، فأَبْكى المِترَسَةَ والسُّور فذَبَلا جَميعًا. غاصَت في الأَرضِ أَبْوابُها، أَبادَ وحَطَّمَ مَزاليجَها. مَلِكُها ورُؤَساؤُها بَينَ الأُمَم، ولم يَبْقَ مِن شَريعَة. حَتَّى أَنبِياؤُها لا يَنالونَ رُؤْيا مِن لَدُنِ الرَّبّ. شُيوخُ بِنتِ صِهْيون، جَلَسوا على الأَرضِ صامِتين. ذَرُّوا تُرابًا على رُؤُوسِهم، وشَدُّوا مُسوحًا. عَذارى أُورَشَليم، طَأطَأنَ رُؤُوسَهُنَّ إِلى الأَرْض. كَلَّت عَينايَ مِنَ الدُّموع، وجاشَت أَحْشائي. أُريقَت كَبِدي على الأَرض، لِتَحَطُّمِ بِنتِ شَعْبي، إِذ غُشِيَ على الطِّفلِ والرَّضيع، في ساحاتِ المَدينَة. قالوا لأُمَّهاتِهم: أَين الخُبزُ والخَمرُ، إِذْ غُشِيَ علَيهم كالجَرْحى، في ساحاتِ المَدينَة، إِذا أُريقَتَ نُفوسُهم، على حُضونِ أُمَّهاتِهم؟ بِماذا أُمَثِّلُكِ وماذا أُشَبِّهُ بكِ، يا بِنتَ أُورَشَليم؟ ماذا أُساوي بِكِ فأُعَزِّيَكِ، أَيَّتُها العَذْراءُ بِنتُ صِهْيون؟ لأَنَّ تَحَطُّمَكِ عَظيمٌ كالبَحْر، فمَن ذا يَشْفيكِ؟ أَنبِياؤُكِ رَأَوا لَكِ الباطِلَ والبَهرَج. لم يَكشِفوا عن إِثمِكِ، لِيُبَدِّلوا مَصيرَكِ. بل رَأَوا لَكِ أَقْوالَ وَحْيٍ، أَباطيلَ وغَوايات. جَميعُ عابِري الطَّريق، صَفَّقوا علَيكِ بِالكَفَّين، صَفَروا وهَزُّوا رُؤُوسَهم، على بِنتِ أُورَشَليم: «أَهٰذه هي المَدينَةُ الَّتي يَدْعونَها، بارِعَةَ الجَمالِ بَهجَةَ الأَرضِ كُلِّها»؟ جَميعُ أَعْدائِكِ فَغَروا عَلَيكِ أَفْواهَهم، صَفَروا وصَرَفوا الأَسْنان، قالوا: قدِ ٱبتَلَعْناها. هٰذا هو اليَومُ الَّذي ٱنتَظَرناه، قد وَجَدْناه ورَأَيناه»، صَنَعَ الرَّبُّ ما قَصَدَه، وحَقَّقَ قَولَه، القَولَ الَّذي قَضاه مُنذُ قَديمِ الأَيَّام. هَدَّمَ ولم يُشفِقْ. فأَشمَتَ بِكِ العَدُوَّ، وأَعلَى قَرْنَ مُضايِقِكِ. أُصرُخِي إِلى السَّيِّد، يا سورَ بِنتِ صِهْيون. إِذرِفي الدُّموعَ كالنَّهرِ، نَهارًا ولَيلًا. لا تَهدَإي، ولا تَسكُنْ حَدَقَةُ عَينِكِ. قومي ٱهتِفي لَيلًا، في أَوَّلِ الهَجَعات. أَريقي كالماءِ قَلبَكِ، أَمامَ وَجهِ السَّيِّد. إِرفَعي إِلَيه كَفَّيكِ، لأَجلِ حَياةِ أَطْفالِكِ، (الَّذينَ غُشِيَ علَيهم مِنَ الجوع في رأسِ كُلِّ شارِع). أُنظُرْ يا رَبُّ وتأَمَّلْ: مَن صَنَعتَ بِه هٰكذا؟ أتأكُلُ النِّساءُ ثَمَرَةَ أَحْشائِهِنَّ، أَطْفالَ الدَّلال؟ أَيُقتَلُ في مَقدِسِ السَّيِّد، الكاهِنُ والنَّبِيّ؟ إِنطَرَح على الأَرضِ في الشَّوارِع، الفَتى والشَّيخ. عَذارايَ وشُبَّاني، بالسَّيفِ سَقَطوا. قَتَلتَ في يَومِ غَضَبِكَ، ذَبَحتَ ولم تُشفِقْ. دَعَوتَ كما في يَومِ عيد، الأَهْوالَ مِن كُلِّ جِهَة، فلَم يَكُنْ في يَومِ غَضَبِ الرَّبّ، مُفلِتٌ ولا باقٍ حَيًّا. الَّذينَ دَلَّلتُهم ورَبَّيتُهم، أَفْناهم عَدُوِّي. أَنا الرَّجُلُ الَّذي رأى البُؤْسَ، تَحتَ عَصا غَضَبِه. قادَني وسَيَّرَني في الظَّلام، ولم يَكُنْ هُناكَ نور. عَلَيَّ وَحْدي يَمُدُّ يَدَه، ويُعيدُها النَّهارَ كُلَّه. أَبْلى لَحْمي وجِلْدي، وهَشَّمَ عِظامي. بَنى علَيَّ وأَحاطَني، بِمَرارَةٍ ومَشَقَّة. أَسكَنَني في الظُّلُمات، مِثلَ المَوتى مِن قَديم. سَيَّجَ علَيَّ فلا أَخرُج، وثَقَّلَ قُيودي. إِنَّه ولو صَرَختُ وٱستَغَثتُ، يَصُدُّ صَلاتي. سَيَّجَ على طُرُقي بِالحَجَرِ المَنْحوت، وسَدَّ سُبُلي. هو لي دُبٌّ في الكَمين، وأَسَدٌ في المِرْصاد. أَضَلَّ طُرُقي ومَزَّقَني، وجَعَلَني قَفْرًا. سَدَّدَ قَوسَه ونصَبَني، هَدَفًا لِلسَّهْم. خَرَقَ كُليَتَيَّ، بِسِهامِ جَعبَتِه. صِرتُ أُضْحوكَةً لِجَميعِ شَعْبي، وأُغنِيَّةً لَهم طَوالَ النَّهار. جَرَّعَني مَرارات، أَرْواني العَلْقَم. كَسَّرَ بِالحَصى أَسْناني، وأَطعَمَني رَمادًا، فأُبعِدَت نَفْسي عنِ السَّلام، ونَسيتُ الهَناء. وقُلتُ: «زالَت ثِقَتي، ورَجائي الَّذي مِنَ الرَّبّ». أُذكُرْ بُؤْسي وتَشَرُّدي، العَلقَمَ والسُّمّ. تَتَذَكَّرُ تَتَذَكَّرُ نَفْسي، وتَنْهارُ فِيَّ. هٰذا ما أُرَدِّدُ في قَلْبي، فلِذٰلك أَرْجو. مَراحِمُ الرَّبِّ لم تَنْتَهِ، لأَنَّ رَأفَتَه لا تَزول. هي جَديدةٌ في كُلِّ صَباح، وأَمانَتُه عَظيمة. قالَت نَفْسي: «الرَّبُّ نَصيبي، فلِذٰلك أَرْجوه». الرَّبُّ صالِحٌ لِلَّذينَ يَنتَظِرونَه، للنَّفْسِ الَّتي تَلتَمِسُه. خَيرٌ أَن يُنتَظَرَ بِسُكوتٍ، خَلاصُ الرَّبّ. خَيرٌ لِلرَّجُلِ أَن يَحمِلَ النِّيرَ في صِباه. لِيَجلِسْ وَحدَه ويَسكُتْ، حين يَفرِضُه الرَّبُّ علَيه. لِيَجعَلْ في التُّرابِ فَمَه، عَسى أَن يَكونَ لَه أَمَل. لِيَعرِضْ خَدَّه لِمَن يَلطِمُه، ولْيشبَعْ إِهانَةً. لأَنَّه لا يَنبِذُ السَّيِّدُ لِلأَبَد. فإِنَّه ولَو آلَمَني يَرحَم، بِحَسَبِ كَثرَةِ رأفَتِه. ولَيسَ مِن قَلبِه يُذِلُّ، ويُؤالِمُ بَني البَشَر. إِذا سُحِقَ تَحتَ الأَرجُلِ، جَميعُ أَسْرى الأَرْض، أَو حُرِّفَ حَقُّ الرَّجُلِ، أَمامَ وَجهِ العَلِيّ، وإِذا ظُلِمَ الإِنْسانُ في دَعْواه، أَفَما يَرى السَّيِّد؟ مَنِ الَّذي تَكَلَّمَ فكانَ الأَمْر، دونَ أَن يَأمُرَ السَّيِّد؟ أَلَيسَ مِن فمِ العَلِيِّ، يَخرُجُ الشَّرُّ والخَير؟ فلِماذا يَتَذَمَّرُ الإِنسان؟ فليَتَجَبَّرْ على خَطيئَتِه. لِنَفحَصْ طُرُقَنا ونَختَبِرْها، ونَرجِعْ إِلى الرَّبّ. لِنَرفَعْ قُلوبَنا معَ الأَيدي، إِلى اللهِ في السَّمٰوات. إِنَّنا عَصَينا وتَمَرَّدْنا، وأَنتَ لم تَغفِر. إِلتَحَفتَ بِالغَضَبِ وطارَدتَنا. قَتَلتَ ولم تُشفِقْ، إِلتَحَفتَ بِغَمامٍ، لِئَلاَّ تَعبُرَ الصَّلاةُ إِلَيكَ. جَعَلتَنا نُفايَةً ورُذالَة، بَينَ الشُّعوب. جَميعُ أَعْدائِنا، فَتَحوا علَينا أَفْواهَهم. حَلَّ بِنا الرُّعبُ والهَلاك، والدَّمارُ والتَّحَطُّم. عَيني تَسيلُ بِأَنْهارِ مِياه، على تَحَطُّمِ بِنتِ شَعْبي. عَيني تَقطُرُ ولا تَسكُت، لأَنَّه لا قَرارَ لَها. إِلى أَن يَطَّلِعَ الرَّبُّ، ويَنظُرَ مِنَ السَّماء. عَيني تُعَذِّبُ نَفْسي، بِسَبَبِ بَناتِ مَدينَتي. قد صادَني أَعْدائي صَيدًا، كعُصْفورٍ مِن دونِ سَبَب. أَنزَلوا حَياتي إِلى الجُبّ، ودَحرَجوا علَيَّ حَجَرًا. فاضَتِ المِياهُ فَوقَ رَأسي، وقُلتُ: «قد هَلَكتُ». دَعَوتُ بِٱسمِكَ يا رَبِّ، مِن أَعْماقِ الجُبّ. سَمِعتَ صَوتي فلا تَصُمَّ أُذُنَك، عن صَلاتي وٱستِغاثَتي. إِقتَرَبتَ يَومَ دَعَوتُكَ، قُلتَ: «لا تَخَفْ». دافَعتَ أَيُّها السَّيِّدُ عن قَضِيَّتي، وٱفتَدَيتَ حَياتي قد رَأَيتَ يا رَبُّ ظُلامَتي، فأَجرِ ليَ الحُكْم. رَأَيتَ ٱنتِقامَهم كُلَّه، وجَميعَ أَفكارِهم علَيَّ. سَمِعتَ إِهانَتَهم يا رَبِّ، وجَميعَ أَفْكارِهِم علَيَّ. كَلامُ مُقاوِمِيَّ وتآمُرُهم، علَيَّ اليَومَ كُلَّه. أُنظُرْ جُلوسَهم وقِيامَهم: إِنِّي أُغنِيَّةٌ لَهم. إِجزِهِم جَزاءً يا رَبِّ، بِحَسَبِ أَعمالِ أَيديهم. إِجعَلْ على قُلوبِهم غِشاوَة، ولْتَحِلَّ بِهِمِ لَعنَتُكَ. طارِدْهم بِغَضَبِكَ وأَبِدْهم، مِن تَحتِ سَمَواتِ الرَّبّ. كَيفَ كَدُرَ الذَّهَبُ، وتَغَيَّرَ النُّضارُ الخالِص. وتَبَعثَرَت حِجارةُ القُدْسِ، في رأسِ كُلِّ شارِع؟ بنو صِهْيونَ الكِرامُ، المَوزونونَ بِالإِبْريز، كَيفَ حُسِبوا آنِيَةً مِن فَخَّار، عَمَلَ يَدَيِ الخَزَّاف؟ حتَّى بَناتُ آوى كَشَفَتِ الثُّدِيَّ، وأَرضَعَت صِغارَها. أَمَّا بِنتُ شَعْبي فقاسِيَة، كالنَّعامِ في البَرِّيَّة. لَصِقَ لِسانُ الرَّضيع، بِحَنَكِه مِنَ العَطَش. الأَطفالُ طَلَبوا خُبزًا، ولم يَكُنْ مَن يَكسِرُه لَهم. الَّذينَ يأكُلونَ الطَّيِّبات، هلَكوا في الشَّوارِع. والَّذينَ رُبُّوا في القِرمِز، اِحتَضَنوا المَزابِل. فصارَ إِثمُ بِنتِ شَعْبي، أَعظَمَ مِن خَطيئَةِ سَدوم. الَّتي قُلِبَت في لَحظَةٍ، ولم تُمَدَّ إِلَيها يَد. كانَ شُبَّانُها أَنْقى مِنَ الثَّلْج، وأَنصَعَ مِنَ اللَّبَنِ الحَليب. وأَجْسامُهم أَشَدَّ حُمرَةً مِنَ المَرْجان، وبَشَرَتُهم لازَوَرْد. أَصبَحَت هَيئَتُهم أَكلَحَ مِنَ السُّخام، فلَم يُعرَفوا في الشَّوارِع. لَصِقَت جُلودُهم بِعِظامِهم، ويَبِسَت كالخَشَب. كانَت قَتْلى السَّيْفِ، أَحسَنَ حالًا مِن قَتْلى الجوع. لأَنَّ هٰؤُلاءِ كانوا يَذوبون، مِن قِلَّةِ غِلالِ الحُقول. أَيدي النِّساءِ الحَنونات، طَبَخَت أَولادَهُنَّ. فكانوا لَهُنَّ طَعامًا، في تَحَطُّمِ بِنتِ شَعْبي. أَنفَذَ الرَّبُّ سُخطَه، وصَبَّ سَورَةَ غَضَبِه. فأَضرَمَ نارًا في صِهْيون، فٱلتَهَمَت أُسُسَها. لم يَكُنْ مُلوكُ الأَرضِ، وجَميعُ سُكَّانِ الدُّنْيا لِيُصَدِّقوا. أَنَّ المُضايِقَ والعَدُوَّ، يَدخُلانِ أَبْوابَ أُورَشَليم. بِسَبَبِ خَطايا أَنْبِيائِها، وآثامِ كَهَنَتِها. الَّذينَ سَفَكوا في وَسَطِها، دَمَ الأَبْرار. تاهوا كعُمْيانٍ في الشَّوارِع، تَلَطَّخوا بِالدَّم، حَتَّى لم يُطِقْ أَحَدٌ، أَن يَلمُسَ مَلابِسَهم. نادَوهم: «تَنَحَّوا، هُناكَ نَجِس، تَنَحَّوا تَنَحَّوا، لا تَلمُسوا». فإِن هَرَبوا وتاهوا في الأُمَم، لم يَستَطيعوا الإِقامَةَ بَينَها. وَجهُ الرَّبِّ فَرَّقَهم، ولا يَعودُ يَنظُرُ إِلَيهم. فلا يَكونُ هُناكَ إِكْرامٌ لِلكَهَنَة، ولا رأفَةٌ بِالشُّيوخ. كَلَّت عُيونُنا، مِن تَرَقُّبِ نُصرَةٍ باطِلة، تَرَصَّدْنا تَرَصُّدًا، أُمَّةً لا خَلاصَ فيها. تَصَيَّدوا خُطانا، حَتَّى لا نَذهَبَ إِلى ساحاتِنا. قدِ ٱقتَرَبَت آخِرَتُنا وتَمَّت أَيَّامُنا، لأَنَّ عاقِبَتَنا قد وافَت. كانَ مُطارِدونا أَخَفَّ، مِن عِقْبانِ السَّماء. جَدُّوا في إِثرِنا على الجِبال، وكَمَنوا لَنا في البَرِّيَّة. نَسَمَةُ أُنوفِنا، مَسيحُ الرَّبّ، أُخِذَ في حُفَرِهم. ذٰلك الَّذي قُلْنا فيه: «في ظِلِّه نَحْيا بَينَ الأُمَم». إِطرَبي وٱفرَحي يا بِنتَ أَدوم، السَّاكِنَةَ في أَرضِ عوص. علَيكِ أَيضًا تَمُرُّ الكَأسُ، فتَسكَرينَ وتَتَعَرَّينَ. قد زالَ إِثمُكِ يا بِنتَ صِهْيون، إِنَّه لن يَعودَ يُجْليكِ. سيُعاقِبُ إِثمَكِ يا بِنتَ أَدوم، ويَكشِفُ عن خَطاياكِ. أُذكُرْ يا رَبِّ ما حَلَّ بِنا، أُنظُرْ وعايِنْ عارَنا. قدِ ٱنتَقَلَ ميراثُنا إِلى الغُرَباء، وبُيوتُنا إِلى الأَجانِب. صِرْنا يَتامى لا أَبَ لَنا، وأُمُّهاتُنا كالأَرامِل. بِالفِضَّةِ شَرِبْنا ماءَنا، وبِالثَّمَنِ يَصِلُ حَطَبُنا. بِالنِّيرِ على أَعناقِنا طُرِدْنا، تَعِبْنا ولَم نُعْطَ راحةً. إِلى مِصرَ بَسَطْنا اليَد، وإِلى أَشُّورَ لِنَشبَعَ خُبزًا. آباؤُنا خَطِئوا فزالوا عن الوُجود، ونَحنُ نَحمِلُ آثامَهم. عَبيدٌ تَسَلَّطوا علَينا، وما مِن أَحَدٍ يُخَلِّصُنا مِن أَيديهم. بِمُخاطَرَةِ حَياتِنا نأْتي بِخُبْزِنا، هارِبينَ مِنَ السَّيفِ في البَرِّيَّة. جِلدُنا كتَنُّورٍ ٱحتَرَق، لِتَضَوُّرِنا مِنَ الجوع. قدِ ٱغتَصَبوا النِّساءَ في صِهْيون، والعَذارى في مُدُنِ يَهوذا. بِأَيديهم عُلِّقَ الرُّؤَساء، ولم يَكَرِّموا وُجوهَ الشُّيوخ. الشُّبَّانُ حَمَلوا الرَّحى، والفِتْيانُ عَثَروا تَحتَ الخَشَب. ٱنقَطَعَ الشُّيوخُ عنِ الباب، والشُّبَّانُ عن أَغانِيِّهم. قد ٱنقَطَعَ سُرورُ قُلوبِنا، وٱنقَلَبَ رَقصُنا مَناحَةً. سَقَطَ تاجُ رَأسِنا، ويلٌ لَنا لأَنَّنا خَطِئنا. لِهٰذا سَقُمَت قُلوبُنا، ولِهٰذا أَظلَمَت عُيونُنا: لأَنَّ جَبَلَ صِهْيونَ موحِشٌ، فبَناتُ آوى تَتَرَدَّدُ فيه. أَنتَ يا رَبُّ ثابِتٌ لِلأَبَد، وعَرشُكَ مِن جيلٍ إِلى جيل. لِماذا تَنْسانا على الدَّوام، وتَخذُلُنا طولَ الأَيَّام؟ أَرجِعْنا يا رَبُّ إِلَيكَ فنَرجِع، جَدِّدْ أَيَّامَنا كما كانَت في القِدَم. إِن لَم تَنبِذْنا نَبْذًا، ولَم تَغْضَبْ علَينا جِدًّا. في السَّنَةِ الثَّلاثين، في الشَّهرِ الرَّابِع، في الخامِسِ مِنَ الشَّهْر، وأَنا بَينَ المَجلُوِّينَ على نَهرِ كَبار، اِنفَتَحَتِ السَّمٰوات، فرَأَيتُ رُؤًى إِلٰهِيَّة. في الخامِسِ مِنَ الشَّهْر، وهي السَّنَةُ الخامِسَةُ مِن جَلاءِ المَلِكِ يوياكين، كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى حَزقِيالَ بنِ بوزِيَ الكاهِن، في أَرضِ الكَلْدانِيِّين، على نَهرِ كَبار، وكانَت علَيه هُناكَ يَدُ الرَّبّ. فنَظَرتُ فإِذا بِريحٍ عاصِفٍ مُقبِلَةٌ مِنَ الشَّمال، وغَمامٍ عَظيمٍ ونارٍ مُتَواصِلَة، ولِلغَمامِ ضِياءٌ مِن حَولِه، ومِن وَسَطِها ما يُشبِهُ اللَّمَعانَ القِرمِزِيَّ مِن وَسَطِ النَّار. ومِن وَسَطِها شِبْهُ أَربَعَةِ حَيَوانات، وهٰذا مَنظَرُها: لَها هَيئَةُ بَشَر. ولِكُلِّ واحِدٍ أَربَعَةُ وُجوه، ولِكُلِّ واحِدٍ أَربَعَةُ أَجنِحَة، وأَرجُلُها أَرجُلٌ مُستَقيمة، وأَقْدامُ أَرجُلِها كقَدَمِ رِجلِ العِجْل، وهي تَبرُقُ مِثْلَ النُّحاسِ الصَّقيل. ومِن تَحتِ أَجنِحَتِها أَيدي بَشَرٍ على أَربَعَةِ جَوانِبِها، وكذٰلِكَ وُجوهُها وأَجنِحَتُها لأَربَعَتِها. أَجنِحَتُها مُتَّصِلَةٌ واحِدٌ بِالآخَر. والحَيواناتُ لا تَعْطِفُ حينَ تَسير، فكُلُّ واحِدٍ مِنها يَسيرُ أَمامَ وَجهِه. أَمَّا هَيئَةُ وجُوهِها فهو وَجهُ بَشَرٍ ووَجهُ أَسَدٍ عنِ اليَمينِ لأَربَعَتِها، ووَجهُ ثَورٍ عنِ الشِّمالِ لأَربَعَتِها، ووَجهُ عُقابٍ لأَربَعَتِها. وُجوهُها وأَجنِحَتُها مُنفَصِلَةٌ مِن فَوقُ، لِكُلِّ واحِدٍ جَناحانِ مُتَّصِلانِ أَحَدُهما بِالآخَر، وجَناحانِ يَستُرانِ أَجْسامَها. وكانَت تَسيرُ كُلُّ واحِدٍ مِنها أَمامَ وَجهِه، وإِلى حَيثُ الرُّوحُ يُوَجِّهُ السَّيرَ كانَت تَسير، ولا تَعطِفُ حينَ تَسير. أَمَّا هَيئَةُ الحَيَواناتِ فمَنظَرُها كَجَمراتِ نارٍ مُتَّقِدَة، كمَنظَرِ مَشاعِلَ وهي تَسيرُ بَينَ الحَيَوانات، ولِلنَّارِ ضِياء، ومِنَ النَّارِ يَخرُجُ بَرْق. والحَيَواناتُ تُجْري وتَرجِعُ ومَنظَرُها كالبَرْق. فنَظَرتُ الحَيَوانات، فإِذا بِدولابٍ واحِدٍ على الأَرضِ بِجانِبِ الحَيَواناتِ ذَواتِ الوُجوهِ الأَربَعَة. مَنظَرُ الدَّواليبِ وصُنعُها كلَمَعانِ الزَّبَرجَد، ولأَربَعَتِها شَكلٌ واحِد، ومَنظَرُها وصُنعُها كأَنَّما كانَ الدُّولابُ في وَسَطِ الدُّولاب. فعِندَ سَيرِها تَسيرُ على جَوانِبِها الأربَعَة، ولا تَعطِفُ حينَ تَسير. أَمَّا دَوائِرُها فعالِيَةٌ وهائِلَة، ودَوائِرُها مَلأَى عُيونًا مِن حَولِها لأَربَعَتِها. وعِندَ سَيرِ الحَيَواناتِ تَسيرُ الدَّواليبُ بِجانِبِها، وعِندَ ٱرتِفاعِ الحَيَواناتِ عنِ الأَرضِ تَرتَفِعُ الدَّواليب، وإِلى حَيثُ الرُّوحُ يُوَجِّهُ السَّيرَ كانَت تَسير، والدَّواليبُ تَرتَفِعُ معَها، لأَنَّ روحَ الحَيَوانِ في الدَّواليب. فعِندَ سَيرِ تِلكَ تَسيرُ هٰذه، وعِندَ وقُوفِها تَقِف، وعِندَ ٱرتِفاعِها عنِ الأَرضِ تَرتَفِعُ الدَّواليبُ مَعها، لأَنَّ روحَ الحَيَوانِ في الدَّواليب. وكانَ على رُؤُوسِ الحَيَواناتِ شِبهُ جَلَدٍ كلَمَعانِ البِلَّورِ الهائِل، مُنبَسِطٍ على رُؤُوسِها مِن فَوق، وتَحتَ الجَلَدِ أَجنِحَتُها مُستَقيمَةٌ الواحِدُ نَحوَ الآخَر. لِكُلِّ واحِدٍ ٱثْنانِ يَستُران أَجْسامَها مِن جِهَة، ولِكُلِّ واحِدٍ ٱثْنانِ يَستُرانِها مِن جِهَةٍ أُخْرى. وسَمِعتُ صَوتَ أَجنِحَتِها كصَوتِ مِياهٍ غَزيرَة، كصَوتِ القَدير. فعِندَ سَيرِها كانَ صَوتُ جَلَبَةٍ كصَوتِ مُعَسكَر، وعِندَ وُقوفِها كانَت تُرْخي أَجنِحَتَها. وعِندَ وُقوفِها وهِي مُرخِيَةٌ أَجنِحَتَها، كانَ صَوتٌ مِن فَوقِ الجَلَدِ الَّذي على رُؤُوسِها. وفَوقَ الجَلَدِ الَّذي على رُؤُوسِها كمَنظَرِ حَجَرِ اللاَّزَوَردِ في هَيئَةِ عَرش، وعلى هَيئَةِ العَرْشِ هَيئَةٌ كَمَنظَرِ بَشَرٍ علَيه مِن فَوق. ورَأَيتُ كَلَمَعانِ القِرمِز، كَمَنظَرِ نارٍ بِالقُربِ مِنه مُحيطًا بِه، مِمَّا يُشبِهُ وَسَطَه إِلى فَوق. ومِمَّا يُشبِهُ وَسَطَه إِلى تَحتُ رَأَيتُ كَمَنظَرِ نارٍ والضِّياءُ يُحيطُ بِه. وكانَ مَنظَرُ هٰذا الضِّياءِ مِن حَولِه مِثلَ مَنظَرِ قوسِ الغَمامِ في يَومِ مَطَر. هٰذا مَنظَرٌ يُشبِهُ مَجدَ الرَّبّ. فنَظَرتُ وسَقَطتُ على وَجْهي وسَمِعتُ صَوتَ مُتَكَلِّم. فقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنسان، قُمْ على قَدَمَيكَ فأَتَكَلَّمَ معَكَ». فدَخَلَ فِيَّ الرُّوح، لَمَّا تَكَلَّمَ معي وأَقامَني على قَدَمَيَّ وسَمِعتُ المُتَكَلِّمَ معي. فقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِنِّي مُرسِلُكَ إِلى بَني إِسْرائيل، إِلى أُناسٍ مُتَمَرِّدينَ قد تَمَرَّدوا علَيَّ، فقَد عَصَوني هم وآباؤُهم إِلى هٰذا اليَومِ نَفْسِه. فأُرسِلُكَ إِلى البَنينَ الصِّلابِ الوُجوهِ القُساةِ القُلوب، فتَقولُ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: سَواءٌ أَسَمِعوا أَم لم يَسمَعوا، - فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد - سيَعلَمونَ أَنَّ بَينَهم نَبِيًّا. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، فلا تَخَفْ مِنهم ولا تَخَفْ مِن كَلامِهم، لأَنَّهم يَكونونَ معَكَ عُلَّيقًا وشَوكًا، ويَكونُ جُلوسُكَ على العقارِب. مِن كَلامِهم لا تَخَفْ ومِن وُجوهِهم لا تَرتَعِبْ، فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد. فكَلِّمْهم بِكَلامي، سَواءٌ أَسَمِعوا أَم لم يَسمَعوا، فإِنَّهم تَمَرُّد. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنسان، فٱسمَعْ ما أُكَلِّمُكَ بِه، لا تَكُنْ تَمَرُّدًا كبَيتِ التَمَرُّد. إِفتَحْ فَمَكَ وكُلْ ما أُناوِلُكَ». فنَظَرتُ فإِذا بِيَدٍ قد مُدَّت إِلَيَّ وإِذا بِسِفرٍ فيها، فنَشَرَه أَمامي، وهو مَكْتوبٌ فيه مِنَ الوَجهِ والظَّهْر، وقَد كُتِبَت فيه مَراثٍ ونُواحٌ ووَيْل. فقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، كُلْ ما أَنتَ واجِد، كُلْ هٰذا السِّفْرَ وٱذهَبْ فكَلِّمْ بَيتَ إِسْرائيل». ففَتَحتُ فَمي فأَطعَمَني ذٰلك السِّفر، وقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، أَطعِمْ جَوفَكَ وٱمْلَأْ أَحْشاءَكَ مِن هٰذا السِّفرِ الَّذي أَنا مُناوِلُكَ». فأكَلتُه فصارَ في فَمي كالعَسَلِ حَلاوة. فقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، ٱذهَبْ وٱمْضِ إِلى بَيتِ إِسْرئيلَ وكَلِّمْهم بِكَلامي، فإِنَّكَ لَستَ مُرسَلًا إِلى شَعبٍ غامِضِ اللُّغَةِ ثَقيلِ اللِّسان، بل إِلى بَيتِ إِسْرائيل، لا إِلى شُعوبٍ كَثيرةٍ غامِضَةِ اللُّغَةِ وثَقيلَةِ اللِّسانِ لا تَفهَمُ كَلامَها. ولو أَنِّي أَرسَلتُكَ إِلَيها لَسَمِعَت لَك. فأَمَّا بَيتُ إِسْرائيلَ فيَأبَونَ أَن يَسمَعوا لَكَ، لأَنَّهم يأبَونَ أَن يَسمَعوا لي، لأَنَّ بَيتَ إِسْرائيلَ بأَسرِهم صِلابُ الجِباهِ وقُساةُ القُلوب. هاءَنَذا قد جَعَلتُ وَجهَكَ صُلبًا كوُجوهِهم وجَبهَتَكَ صُلبَةً كجِباهِهم. لقَد جَعَلتُ جَبهَتَكَ مِثلَ الماسِ وأَصلَبَ مِنَ الصَّوَّان، فلا تَخَفْ مِنهم ولا تَرتَعِبْ مِن وُجوهِهم، فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد». وقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، جَميعُ الكَلامِ الَّذي أُكَلِّمُكَ بِه خُذْه في قَلبِكَ وٱسمَعْه بأُذُنَيكَ، وٱذهَبْ وٱمْضِ إِلى المَجلُوِّين، إِلى بَني شَعبِكَ، وكَلِّمْهم وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ، سَواءٌ أَسَمِعوا أَم لم يَسمَعوا». ثُمَّ رَفَعَني الرُّوح، فسَمِعتُ خَلْفي صَوتَ جَلَبَةٍ عَظيمة: «تبارَكَ مَجدُ الرَّبِّ في مَكانِه». كانَ هٰذا الصَّوتُ صَوتَ أَجنِحَةِ الحَيَواناتِ المُقابِلَةِ الواحِدُ الآخَر، وصَوتَ الدَّواليبِ معَها، وصَوتَ جَلَبَةٍ عَظيمة. ثُمَّ رَفَعَني الرُّوحُ وذَهَبَ بي، فمَضَيتُ وأَنا في المَرارَةِ وفي غَيظِ روحي، ويَدُ الرَّبِّ شَديدَةٌ علَيَّ. فوَصَلتُ إِلى المَجلُوِّينَ في تَلّ أَبيب، إِلى السَّاكِنينَ على نَهرِ كَبار، حَيثُ كانَت سُكْناهم، فأَقَمتُ هُناكَ سَبعَةَ أَيَّامٍ وأَنا مَدْهوش بَينَهم. وبَعدَ الأَيَّامِ السَّبعَة، كانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِنِّي جَعَلتُكَ رَقيبًا لِبَيتِ إِسْرائيل. فٱسمَعِ الكَلِمَةَ مِن فَمي وأَنذِرْهِم عَنِّي. فإِذا قُلتُ لِلشِّرّير: إِنَّكَ تَموتُ مَوتًا ولم تُنذِرْه أَنتَ ولم تَتَكَلَّمْ مُنذِرًا الشِّرِّيرَ بِشَرِّ طَريقِه لِيَحْيا، فذٰلك الشِّرِّيرُ يَموتُ في إِثْمه، لٰكِنِّي مِن يَدِكَ أَطلُبُ دَمَه. أَمَّا إِذا أَنذَرتَ الشِّرِّيرَ ولم يَتُبْ مِن شَرِّه ومِن طَريقِه الشِّرِّير، فهو يَموتُ في إِثمِه، لٰكِنَّكَ تَكونُ قد خَلَّصتَ نَفسَكَ. وإِذا رَجَعَ البارُّ عن بِرّه وأَثِمَ، فإِنِّي أَجعَلُ أَمامَه مَعثَرَةً فيَموت. لأَنَّكَ لم تُنذِرْه يَموتُ في خَطيئَتِه ولا يُذكَرُ ما عَمِلَه مِنَ البِرّ، لٰكِنَّ مِن يَدِكَ أَطلُبُ دَمَه. أَمَّا إِذا أَنذَرتَ البارَّ بِأَن لا يَخطَأَ ولم يَخطَإِ البارّ، فهو يَحْيا حَياةً، لأَنَّه أُنذِرَ وأَنتَ تَكونُ قد خَلَّصتَ نَفْسَكَ». وكانَت علَيَّ هُناكَ يَدُ الرَّبِّ وقالَ لي: «قُمْ فٱخرُجْ إِلى السَّهلِ وهُناكَ أُكَلِّمُكَ». فقُمتُ وخَرَجتُ إِلى السَّهْل، فإِذا بِمَجدِ الرَّبِّ واقِفًا هُناكَ، كالمَجدِ الَّذي رَأَيتُه على نَهرِ كَبار، فسَقَطتُ على وَجْهي. فدَخَلَ فيَّ الرُّوح وأَقامَني على قَدَمَيَّ وكَلَّمَني وقالَ لي: «إِمضِ وأَغْلِقْ علَيكَ في داخِلِ بَيتِكَ. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، ها إِنَّها تُجعَلُ علَيكَ قُيودٌ وتوثَقُ بِها، فلا تَخرُجُ فيما بَينَهم. وأُلصِقُ لِسانَكَ بِحَنَكِكَ فتَكونُ أَبكَم، ولا تَكونُ لَهم مُوَبِّخًا لأَنَّهم بَيتُ تَمَرُّد. وحينَ أُكَلِّمُكَ أَفتَحُ فَمَكَ فتَقولُ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: مَن أَرادَ أَن يَسمَعَ فلْيَسمَعْ، ومَن أَرادَ أَلاَّ يَسمَعَ فلا يَسمَعْ، فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد». «وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، فخُذْ لَكَ لَبِنَةً وٱجعَلْها أَمامَكَ وٱرسُمْ علَيها مَدينَةَ أُورَشَليم، وأَقِمْ علَيها حِصارًا وٱبنِ علَيها تَحْصيناتٍ وٱركُمْ علَيها مِترَسَةً وأَقِمْ علَيها مُعَسكَراتٍ وٱنصِبْ علَيها كِباشًا مِن حَولِها. وأَنتَ فخُذْ لَكَ صاجًا مِن حَديد، وٱجعَلْه سورًا مِن حَديدٍ بَينَكَ وبَينَ المَدينة، وثَبِّتْ وَجهَكَ علَيها، فتَصيرَ تَحتَ الحِصارِ فتُحاصِرُها. تِلكَ آيَةٌ لِبَيتِ إِسْرائيل. وأَنتَ فاضَّجِعْ على جَنبِكَ الأَيسَر، وٱجعَلْ إِثمَ بَيتِ إِسْرائيلَ علَيه، فعلى حَسَبِ عَدَدِ الأَيَّامِ الَّتي فيها تَضَّجِعُ علَيه تَحمِلُ إِثمَهم. وقد جَعَلتُ لَكَ عَدَدَ سنِي إِثمِهم عَدَدَ أَيَّام: ثَلاثَ مِئَةٍ وتِسْعينَ يَومًا، فتَحمِلُ فيها إِثمَ بَيتِ إِسْرائيل. وبَعدَ ٱنقِضائِها ٱضَّجِعْ ثانِيَةً على جَنبِكَ الأَيمَن، فتَحمِلُ إِثمَ بَيتِ يَهوذا أَربَعينَ يَومًا، فقَد جَعَلتُ لَكَ كُلَّ يَومٍ بِسَنَة. فثَبِّتْ وَجهَكَ على حِصارِ أُورَشَليمَ وذِراعُكَ مَكْشوفَةٌ وتَنَبَّأْ علَيها. وهاءَنَذا قد جَعَلتُ علَيكَ قُيودًا، فلا تَنقَلِبُ مِن جَنْبٍ إِلى جَنْب، حتَّى تَنقَضِيَ أَيَّامُ حِصارِكَ. وأَنتَ فخُذْ لَكَ حِنطَةً وشَعيرًا وفولًا وعَدَسًا ودُخْنًا وعَلَسًا، وٱجعَلْها في وِعاءٍ واحِد، وٱصنَعْ لَكَ مِنها خُبزًا على عَدَدِ الأَيَّامِ الَّتي تَضَّجِعُ فيها على جَنبِكَ، وكُلْ مِنه ثَلاثَ مِئَةٍ وتِسْعينَ يَومًا. وطَعامُكَ الَّذي تَأكُلُه لِيَكُنْ بِالوَزنِ عِشْرينَ مِثْقالًا في كُلِّ يَوم، حينًا بَعدَ حينٍ تَأكُلُه. وٱشرَبِ الماءَ بِمِقْدارِ سُدسِ ٱلهين، حينًا بَعدَ حينٍ تَشرَبُه. وكُلْ قُرصًا مِنَ الشَّعير، وٱطبُخْه بِبِرازِ الإِنْسانِ أَمامَ أَعيُنِهم». وقالَ الرَّبّ: «هٰكذا يَأكُلُ بَنو إِسْرائيلَ خُبزَهم نَجِسًا بَينَ الأُمَمِ الَّتي أَدفَعُهم إِلَيها». فقُلتُ: «آه، أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، إِنَّ نَفْسي لم تَتَنَجَّسْ، وإِنِّي مِن صِبايَ إِلى الآنَ لم آكُلْ مَيتَةً أَو فَريسة، ولم يَدْخُلْ فَمي لَحمٌ قَبيح». فقالَ لي: «ها إِنِّي قد جَعَلتُ لَكَ رَجيعَ البَقَرِ عِوَضَ بِرازِ الإِنْسان، فتَصنَعُ خُبزَكَ علَيه». وقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، هاءَنَذا أَقطَعُ سَنَدَ الخُبزِ في أُورَشَليم، فيأكُلونَ الخُبزَ بالوَزنِ وبِالغَمّ، ويَشرَبونَ الماءَ بِالمِقْدارِ والذُّعر، لِكَي يُعوِزَهمُ الخُبزُ والماءُ ويَذعَرَ كُلُّ واحِدٍ ويَتَعَفَّنوا بِإِثمِهم». «وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، فخُذْ لَكَ سَيفًا ماضِيًا كموسى حَلاَّق، وأَمرِرْها على رَأسِكَ وعلى لِحيَتِكَ، وخُذْ لَكَ ميزانًا تَزِنُ بِه الشَّعَرَ وتُقَسِّمُه، وأَحرِقْ بِالنَّارِ ثُلثًا مِنه في وَسَطِ المَدينَة، على حَسَبِ ٱنقِضاءِ أَيَّامِ الحِصار، وخُذْ ثُلثًا وٱضرِبْ علَيه بِالسَّيفِ فيما حَولَها، وذَرِّ ثُلثًا لِلرِّيح، وأَنا أَستَلُّ السَّيفَ وَراءَهم. وخُذْ مِن ذٰلك عَدَدًا قَليلًا وصُرَّه في ذَيلِكَ. وخُذْ مِنه أَيضًا وأَلقِه في وَسَطِ النَّار، وأَحرِقْه بِالنَّار. مِن هُناكَ تَخرُجُ نارٌ على كُلِّ بَيتِ إِسْرائيل». هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هٰذه أُورَشَليمُ قد جَعَلتُها في وَسْطِ الأُمَمِ ومِن حَولِها البُلْدان، فعَصَت أَحْكامي بِشَرِّها أَكثَرَ مِنَ الأُمَم، وفَرائِضي أَكثَرَ مِنَ البُلْدانِ الَّتي مِن حَولِها، لأَنَّهم نَبَذوا أَحْكامي ولم يَسيروا على فَرائِضي. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّكم أَحدَثتُم جَلَبَةً أَكثَرَ مِنَ الأُمَمِ الَّتي مِن حَولِكم ولم تَسيروا على فَرائضي ولم تَعمَلوا بِحَسَبِ أَحْكامي ولا عَمِلتُم بِحَسَبِ أَحكامِ الأُمَمِ الَّتي مِن حَولِكم، لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا علَيكِ وسأُجري أَحكامًا في وَسَطِكِ أَمامَ عُيونِ الأُمَم، وأَفعَلُ بِكِ ما لم أَفعَلْ وما لا أَعودُ أَفعَلُ مِثلَه بِسَبَبِ جَميعِ قَبائِحِكِ. فالآباءُ يَأكُلونَ البَنينَ في وَسَطِكِ، والبَنونَ يَأكُلونَ آباءَهم. وأُجْري فيكِ أَحكامًا وأُذَرِّي جَميعَ بَقِيَّتِكِ لِكُلِّ ريح. حَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، بِما أَنَّكِ نَجَّستِ مَقدِسي بِجَميعِ أَقْذارِكِ وجَميعِ قَبائِحِكِ، فأَنا أَيضًا أُمِرُّ الموسى، ولا تَعطِفُ عَيني ولا أُشفِق. فثُلثٌ مِنكِ يَموتونَ بِالطَّاعونِ ويَفنَونَ بِالجوعِ في وَسَطِكِ، وثُلثٌ يَسقُطونَ بِالسَّيفِ مِن حَولِكِ، وثُلثٌ أُذَرِّيهم لِكُلِّ ريح، وأَستَلُّ السَّيفَ وَراءَهم، فيَتِمُّ غَضَبي وأُريحُ مِنهم وأَنتَقِم، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ في غَيرَتي حينَ أُتِمُّ غَضَبي فيهم. وأَجعَلُكِ خَرابًا وعارًا في الأُمَمِ الَّتي مِن حَولِكِ على عَينَي كُلِّ عابِر، فتَكونينَ عارًا وإِهانَةً وعِبرَةً ودَهَشًا لِلأُمَمِ الَّتي مِن حَولِكِ، حينَ أُجْري فيكِ أَحْكامًا بِغَضَبٍ وسُخْطٍ وتوبيخاتِ سُخْط. أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ. حينَ أُرسِلُ علَيهم سِهامَ الجوعِ الخَبيثَةَ لِلتَّدْمير، - الَّتي أُرسِلُها لِدَمارِكم - وأُضيفُ علَيكمُ الجوع، وأُحَطِّمُ لَكم سَنَدَ الخُبز، وأُرسِلُ علَيكمُ الجوعَ والوُحوشَ الضَّارِيَةَ فتُثكِلُكِ، ويَجْتازُ فيكِ الطَّاعونُ والدَّم، وأَجلُبُ علَيكِ السَّيف. أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ. وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: يا ٱبنَ الإِنْسان، إِجعَلْ وَجهَكَ إِلى جِبالِ إِسْرائيلَ وتَنَبَّأْ علَيها، وقُلْ: يا جِبالَ إِسْرائيلَ ٱسمَعي كَلِمَةَ السَّيِّدِ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِلجِبالِ والتِّلال، لِلأَنهار والأَودِيَة: هاءَنَذا أَجلُبُ علَيكم سَيفًا وأُدَمِّرُ مَشارِفَكم، فتُهدَمُ مَذابِحُكم وتُحَطَّمُ مَذابِحُ بَخورِكم وأُسقِطُ قَتْلاكم أَمامَ قَذاراتِكم، وأُلْقي جُثَثَ بَني إِسْرائيلَ أَمامَ قَذاراتِكم، وأُذَرِّي عِظامَكم حَولَ مَذابِحِكم. في جَميعِ مَساكِنِكم، تُخَرَّبُ المُدُنُ وتُقَوَّضُ المَشارِف، لِكَي تُخَرَّبَ مَذابِحُكم فتُكَفِّر، وتُحَطِّمَ وتُنسَخَ قَذاراتُكم وتُقَوَّضَ مَذابِحُ بَخورِكم وتُمْحى أَعْمالُكم. والقَتيلُ يَسقُطُ في وَسطِكم، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. لٰكِنِّي أُبْقي بَقَيَّةً لِيَكونَ لَكم مُفلِتونَ مِنَ السَّيفِ بَينَ الأُمَم، إِذ تُذَرَّونَ في البُلْدان، فيَذكُرُني مُفلِتوكم بَينَ الأُمَمِ الَّتي يُسبَونَ إِلَيها، إِذ أَسحَقُ قُلوبَهمُ الزَّانِيَةَ الَّتي حادت عنِّي وعُيونَهمُ الَّتي زَنَت في السَّيرِ وَراءَ قَذاراتِهم، فيَكرَهونَ أَنفُسَهم بِسَبَبِ الشُّرورِ الَّتي صَنَعوها في جَميعِ قَبائِحِهم، ويَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ وأَنِّي لم أَتَكَلَّمْ عَبَثًا بِأَن أَضَعَ بِهم هٰذا الشَّرّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: «إِصفِقْ بِيَدِكَ وٱخبِطْ بِرِجلِكَ وقُلْ: آهِ مِن جَميعِ قَبائِحِ بَيتِ إِسْرائيلَ الشَّرِّيرة، فإِنَّهم سيَسقُطونَ بِالسَّيفِ والجوعِ والطَّاعون. البَعدُ يَموتُ بِالطَّاعون، والقَريبُ يَسقُطُ بِالسَّيف، والباقي والمَحْفوظُ يَموتانِ بِالجوع، فأُتِمُّ غَضَبي فيهم. وتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ حينَ يَكونُ قَتْلاهم في وَسَطِ قَذاراتِهم حَولَ مَذابِحِهم، على كُلِّ تَلَّةٍ عالِيَةٍ وفي جَميعِ قِمَمِ الجِبالِ وتَحتَ كُلِّ شَجَرةٍ خَضْراءَ وكُلِّ بَلُّوطَةٍ مُلتَفَّة، حَيثُ كانوا يَقَرِّبونَ رائِحَةَ رِضًا لِجَميعِ قَذاراتِهم، وأَمُدُّ يَدي علَيهم وأَجعَلُ الأَرضَ خَرِبَةً مُقفِرَة، مِنَ البَرِّيَّةِ إِلى رِبلَة في جَميعِ مَساكِنِهم، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لأَرضِ إِسْرائيل: إِنَّها النِّهاية. قد أَتَتِ النِّهايَةُ على أَربَعَةِ أَطرافِ الأَرض. الآنَ النِّهايَةُ علَيكِ، فأُرسِلُ غَضَبي علَيكِ وأَدينُكِ بِحَسَبِ سُلوكِكِ وأَجعَلُ علَيكِ جَميعَ قَبائِحِكِ، ولا تَعطِفُ علَيكِ عَيني ولا أُشفِق، بل أَجعَلُ علَيكِ سُلوكَكِ، وتَكونُ قَبائِحُكِ في وَسَطِكِ، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بَلاءٌ لا نَظيرَ لَه، هُوَذا بَلاءٌ قد أَتى. النِّهايَةُ قد أَتَت، قد أَتَتِ النِّهايَة، قدِ ٱنتَهى الدَّورُ إِلَيكَ يا ساكِنَ الأَرض. قد حانَ الوَقتُ وٱقتَرَبَ اليَوم. إِضطِرابٌ، لا هُتافٌ في الجِبال. الآنَ عَمَّا قَريبٍ أَصُبُّ غَضَبي عَلَيكِ وأُتِمُّ سُخْطي فيكِ وأَدينُكِ بِحَسَبِ سُلوكِكِ وأَجعَلُ علَيكِ جَميعَ قَبائِحِكِ، ولا تَعطِفُ عَيني ولا أُشفِق، بل على حَسَبِ سُلوكِكِ أُعامِلُكِ وقَبائِحُكِ تَكونُ في وَسَطِكِ، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ الضَّارِب. ها إِنَّ اليَومَ قد أَتى والدَّورَ قد بَلَغ. قد أَزهَرَتِ العَصا ونَبَتَ الِٱعتِدادُ بِالنَّفْس. قد ٱنتَصَبَ العُنفُ عَصا شرّ، فلَم يَبْقَ منهم شَيءٌ ولا مِن جُمْهورِهم، وزالَت جَلَبَتُهم ولم يَبْقَ فيهم بَهاء. قد حانَ الوَقْتُ وبَلَغَ اليَوم، فلا يَفرَحَنَّ الشَّاري ولا يَحزَنَنَّ البائع، فإِنَّ السُّخطَ على جُمْهورِها. فالبائِعُ لا يَستَرِدُّ ما باع، وإِن بَقوا في قَيدِ الحَياة، لأَنَّ الرُّؤيا على جَميعِ جُمْهورِها لا يُرجَعُ عنها، ولَيسَ أَحَدٌ يَحفَظُ حَياتَه بِسَبَبِ إِثمِه. قد نَفَخوا بِالبوق وجَهَّزوا كُلَّ شَيء، ولٰكِن لَيسَ مَن يَذهَبُ إِلى القِتال، لأَنَّ سُخْطي على جَميعِ جُمْهورِها. السَّيفُ في الخارِج، والطَّاعونُ والجوعُ في الدَّاخِل، فالَّذي في الحَقلِ يَموتُ بِالسَّيف، والَّذي في المَدينةِ يَأكُلُه الجوعُ والطَّاعون. ويُفلِتُ المُفلِتونَ مِنهم ويَذهَبونَ إِلى الجِبال، وجَميعُهم كحَمامِ الأَودِيَةِ يَهدِرونَ كُلُّ واحِدٍ على إِثمِه. جَميعُ الأَيدي تَستَرْخي وجَميعُ الرُّكَبِ تَسيلُ كالماء. ويَتَحَزَّمونَ بِالمُسوح، ويَغْشاهمُ الِٱرتِعاش، ويَكونُ على جَميعِ الوُجوهِ خِزْيٌ وعلى جَميعِ رُؤُوسِهم قَرَع. يُلْقونَ فِضَّتَهم في الشَّوارِع، وذَهَبُهم يَصيرُ رِجْسًا، لا تَقدِرُ فِضَّتُهم وذَهَبُهم على إِنْقاذِهم في يَومِ غَضَبِ الرَّبّ، ولا يُشبِعونَ حَلقَهم ولا يَملَأُونَ جَوفَهم، لأَنَّ في ذٰلك مَعثَرَةَ إِثمِهم. وقد جَعَلوا زينَةَ حُلِيِّهم زَهوًا وصَنَعوا مِنها تَماثيلَ قَبائِحِهم وأَقْذارِهم، فلِذٰلك سأجعَلُ مِنها رِجْسًا لَهم. وسأُسلِمُها إِلى أَيدي الغُرَباءِ نَهْبًا ولأَشْرارِ الأَرضِ سَلَبًا فيُدَنِّسونَها وأُحَوِّلُ وَجْهي عنهم فيُدَنِّسونَ كَنْزي، واللُّصوصُ يَدخُلونَها ويُدَنِّسونَها. إِصنَعْ سِلسِلَةً، فإِنَّ الأَرضَ قدِ ٱمتَلَأَت مِن أَحْكامِ الدَّم، وٱمتَلَأَتِ المَدينةُ عُنفًا. فسأَجلُبُ أُمَمًا شِرِّيرة، فتَرِثُ بُيوتَهم، وأُزيلُ زَهْوَ المُقتَدِرين، فتَتَدَنَّسُ مَقادِسُهم. إِنَّ الرُّعبَ آتٍ، فهُم يَلتَمِسونَ السَّلامَ فلا يَكون. تأتي كارِثَةٌ على كارِثَة، ويَأتي خَبَرٌ على خَبَر، فيَلتَمِسونَ رُؤيا مِن النَّبِيّ، وتَذهَبُ الشَّريعَةُ عنِ الكاهِنِ والمَشورَةُ عنِ الشُّيوخ. المَلِكُ يَحزَنُ والرَّئيسُ يَتَسَربَلُ بِالدَّهَش، وأَيدي شَعبِ الأَرضِ تَرتَجِف. بِحَسَبِ سُلوكِهم أَصنَعُ بِهم وبِحَسَبِ أَحْكامِهم أَحكُمُ علَيهم، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. في السَّنَةِ السَّادِسَة، في الشَّهرِ السَّادِس، في الخامِسِ مِنَ الشَّهْر، وأَنا جالِسٌ في بَيتي، وشُيوخُ يَهوذا جالِسونَ أَمامي، وَقَعَت علَيَّ هُناكَ يَدُ السَّيِّدِ الرَّبّ. فنَظَرتُ فإِذا بِشِبهِ مَنظَرِ نار. مِن مَنظَرِ وَسَطِه إِلى الأَسفَلِ نار، ومِن وَسَطِه إِلى فَوقُ مِثلُ مَنظَرِ لَمَعانٍ كسُطوعِ القِرمِز. فأرسَلَ شَكلَ يَدٍ وأَخَذَني بِناصِيَةِ رَأسي، ورَفَعَني الرُّوحُ بَينَ الأَرضِ والسَّماء، وأَتى بي إِلى أُورَشَليمَ في رُؤًى إِلٰهِيَّة، إِلى مَدخَلِ البابِ الدَّاخِلِيِّ المُتَّجِهِ نَحوَ الشَّمال، حَيثُ مَنصِبُ صَنَمِ الغَيرَةِ الحامِلِ على الغَيرَة، فإِذا بِمَجدِ إِلٰهِ إِسْرائيلَ هُناكَ كالمَنظَرِ الَّذي رَأَيتُه في السَّهْل. فقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، اِرفَعْ عَينَيكَ نَحوَ طَريقِ الشَّمال». فرَفَعتُ عَينَيَّ نَحوَ طريقِ الشَّمال، فإِذا عن شَمالِ بابِ المَذبَحِ صَنَمُ الغَيرَةِ هٰذا في المَدخَل. فقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، أَرَأَيتَ ما يَصنَعون، القَبائِحَ العَظيمَةَ الَّتي يَصنَعُها بَيتُ إِسْرائيلَ هُنا لأَبتَعِدَ عن مَقدِسي؟ ولٰكِن عُدْ تَرَ قَبائِحَ أَعظَم». ثُمَّ أَتى بي إِلى مَدخَلِ الدَّار، فنَظَرتُ فإِذا بِخَرْقٍ في الحائط. فقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، أُنقُبِ الحائِط». فنَقَبتُ الحائط، فإِذا بِمَدخَل. فقالَ لي: «أُدخُلْ وٱنظُرِ القَبائِحَ الخَبيثَةَ الَّتي يَصنَعونَها هُنا». فدَخَلتُ ونَظَرتُ، فإِذا كُلُّ شَكلٍ مِنَ الزَّحَّافاتِ والبَهائِمِ القَذِرَةِ وجَميعُ قَذاراتِ بَيتِ إِسْرائيلَ مَرْسومةً على الحائِطِ على مُحيطِه، وقد وَقَفَ أَمامَها سَبْعونَ رَجُلًا مِن شُيوخِ بَيتِ إِسْرائيل، وفي وَسْطِهم يازَنْيا بنُ شافانَ واقِفًا، وكُلُّ واحِدٍ مِبخَرَتُه بِيَدِه، وقد صَعِدَت غَمامَةٌ عَطِرَةٌ مِنَ البَخور. فقالَ لي: «أَرَأَيتَ، يا ٱبنَ الإِنْسانِ، ما يَصنَعُه شُيوخُ بَيتِ إِسْرائيلَ في الظَّلام، كُلُّ واحِدٍ في مُخدَعِ مَنْحوتِه؟ فإِنَّهم يَقولون: الرَّبُّ لا يَرانا، الرَّبُّ قد هَجَرَ الأَرض». وقالَ لي: «عُدْ تَرَ قَبائِحَ أَعظَمَ يَصنَعونَها». ثُمَّ أَتى بي إِلى مَدخَلِ بابِ بَيتِ الرَّبِّ الَّذي هو جِهَةَ الشَّمال، فإِذا هُناكَ بِنِساءٍ جالِساتٍ يَبْكينَ على تَمُّوز. فقالَ لي: «أَرَأَيتَ يا ٱبنَ الإِنْسان؟ عُدْ تَرَ قَبائِحَ أَعظَمَ مِن هٰذه». ثُمَّ أَتى بي إِلى دارِ بَيتِ الرَّبِّ الدَّاخِلِيَّة، فإِذا عِندَ مَدخَلِ هَيكَلِ الرَّبِّ، بَينَ الرِّواقِ والمَذبَح، نَحوُ خَمسَةٍ وعِشرينَ رَجُلًا ظُهورُهم إِلى هَيكَلِ الرَّبِّ ووُجوهُهم نَحوَ الشَّرْق، وهُم يَسجُدونَ لِلشَّمْسِ نَحوَ الشَّرْق. فقالَ لي: «أَرَأَيتَ يا ٱبنَ الإِنْسان؟ أَقَليلٌ لِبَيتِ يَهوذا أَن يَصنَعوا مِنَ القَبائِحِ ما صَنَعوه هُنا؟ فإِنَّهم مَلَأُوا الأَرضَ عُنفًا وعادوا يُسخِطونَني، وها هم يُقَرِّبونَ الغُصنَ إِلى أُنوفِهم. فأَنا أَيضًا أُعامِلُهم بِالغَضَب. لا تَعطِفُ عَيني ولا أُشفِق. وإِذا صَرَخوا على مِسمَعَيَّ بِصَوتٍ عَظيم، فلا أَستَمِعُهم». وصَرَخَ على مِسمَعَيَّ بِصَوتٍ عَظيمٍ قائِلًا: «قدِ ٱقتَرَبَ عِقابُ المَدينَة، وكُلُّ واحِدٍ أَداةُ تَدْميرِه بِيَدِه». وإِذا بِسِتَّةِ رِجالٍ مُقبِلينَ مِن طَريقِ البابِ الأَعْلى المُتَّجِهِ نَحوَ الشَّمال، وكُلُّ واحِدٍ أَداةُ تَحْطيمِه بِيَدِه، وفي وَسْطِهم رَجُلٌ لابِسٌ كَتَّانًا، وعلى وَسَطِه دَواةُ كاتِب. فدَخَلوا ووَقَفوا بِجانِب مَذبَحِ النُّحاس. فصَعِدَ مَجدُ إِلٰهِ إِسْرائيلَ عنِ الكَروبِ الَّذي كانَ علَيه، إِلى عَتَبَةِ البَيت، ونادى الرَّجُلَ اللاَّبِسَ الكَتَّانَ الَّذي على وَسَطِه دَواةُ الكاتِب، وقالَ لَه الرَّبّ: «إِجتَزْ في وَسَطِ المَدينة، في وَسَطِ أُورَشَليم، وٱرسُمْ صَليبًا على جِباهِ الرِّجالِ الَّذينَ يَتَنَهَّدونَ ويَنتَحِبونَ على كُلِّ القَبائِحِ الَّتي صُنِعَت في وَسَطِها». وقالَ لأَولٰئِكَ على مَسمَعٍ مِنِّي: «إِجْتازوا في المَدينَةِ وَراءَه وٱضرِبوا. لا تَعْطِفْ عُيونُكم ولا تُشفِقوا. أُقتُلوا الشَّيخَ والشَّابَّ والعَذراءَ والطِّفلَ والنِّساءَ حَتَّى الفَناء، ولٰكن كُلُّ مَن علَيه الصَّليبُ لا تَدْنوا مِنه. إِبتَدِئوا مِن مَقدِسي». فٱبتَدَأُوا مِنَ الرِّجالِ الشُّيوخِ الَّذينَ أَمامَ البَيت. وقالَ لَهم: «نَجِّسوا البَيتَ وٱملَأُوا الأَفنِيَةَ مِنَ القَتْلى. أُخرُجوا». فخَرَجوا وضَرَبوا في المَدينة. وبَينَما كانوا يَضرِبون، بَقيتُ أَنا فسَقَطتُ على وَجْهي وصَرَختُ وقُلتُ: «آهِ أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، أَتُهلِكُ جَميعَ بَقِيَّةِ إِسْرائيلَ في صَبِّ غَضَبِكَ على أُورَشَليم؟» فقالَ لي: «إِنَّ إِثمَ بَيتِ إِسْرائيلَ ويَهوذا عَظيمٌ جِدًّا جِدًّا، وقَدِ ٱمتَلَأَتِ الأَرضُ دِماءً وٱمتَلَأتِ المَدينَةُ ٱنحِرافًا، لأَنَّهم قالوا: إِنَّ الرَّبَّ قد هَجَرَ الأَرضَ وإِنَّ الرَّبَّ لا يَرى. فعَيني أَنا أَيضًا لا تَعطِفُ ولا أُشفِق، بل أَجعَلُ سُلوكَهم على رُؤُوسِهم». وإِذا بِالرَّجُلِ اللاَّبِسِ الكَتَّانَ الَّذي دَواتُه على وَسَطِه قد قَدَّمَ البَيانَ قائِلًا: «إِنِّي فَعَلتُ كما أَمَرتَني». ونَظَرتُ فإِذا على الجَلَدِ الَّذي على رُؤُوسِ الكَروبينَ مِثلُ حَجَرِ اللاَّزَوَرد، كَمَنظَرِ هَيئَةِ عَرْشٍ قد تَراءى فَوقَهم وكَلَّمَ الرَّجُلَ اللاَّبِسَ الكَتَّانَ وقال: «أُدخُلْ في خِلالِ المَركَبَةِ تَحتَ الكَروب، وٱملَأْ راحَتَيكَ جَمرَ نارٍ مِن بَينِ الكَروبين، وذَرِّ على المَدينة». فدَخَلَ أَمامَ عَينَيَّ. وكانَ الكَروبونَ واقِفينَ عن يَمينِ البَيت، حينَ دَخَلَ الرَّجُل، والغَمامُ مالِئٌ الفِناءَ الدَّاخِلِيّ، وقدِ ٱرتَفَعَ مَجدُ الرَّبِّ عنِ الكَروبِ إِلى عَتَبَةِ البَيت، فٱمتَلَأَ البَيتُ مِنَ الغَمام وٱمتَلَأَ الفِناءُ مِن ضِياءِ مَجدِ الرَّبّ. وكانَ صَوتُ أَجنِحَةِ الكَروبينَ يُسمَعُ إِلى الفِناءِ الخارِجِيّ كصَوتِ اللهِ القَديرِ حينَ يَتَكَلَّم. فلَمَّا أَمَرَ الرَّجُلَ اللاَّبِسَ الكَتَّانَ قائِلًا: «خُذْ نارًا مِن خِلالِ المَركَبَةِ مِن بَينِ الكَروبين»، دَخَلَ الرَّجُلُ ووَقَفَ بِجانِبِ الدُّولاب، فمَدَّ الكَروبُ يَدَه مِن بَينِ الكَروبينَ إِلى النَّارِ الَّتي بَينَ الكَروبين، ورَفَعَ مِنها وجَعَلَ في راحَتَيِ اللاَّبِسِ الكَتَّان، فأَخَذَ وخَرَجَ. فظَهَرَ في الكَروبينَ شَكلُ يَدِ بَشَرٍ تَحتَ أَجنِحَتِهم. ونَظَرتُ فإِذا بِأَربَعَةِ دَواليبَ بِجانِبِ الكَروبين، بِجانِبِ كَروبٍ دولابٌ وبِجانِبِ كَروبٍ آخَرَ دولابٌ آخَر، ومَنظَرُ الدَّواليبِ كلَمَعانِ حَجَرِ الزَّبَرجَد. أَمَّا مَنظَرُها فلأَربَعَتِها هَيئَةٌ واحِدَة، كأَنَّما كانَ الدُّولابُ في وَسَطِ الدُّولاب. فعِندَ سَيرِها تَسيرُ على جَوانِبِها الأَربَعَة، ولا تَعطِفُ حينَ تَسير، بل إِلى المَكانِ الَّذي يَتَوَجَّهُ إِلَيه الرَّأسُ تَسيرُ وَراءَه، ولا تَعطِفُ حينَ تَسير. وأَجْسامُهم كُلُّها وظُهورُهم وأَيديهم وأَجنِحَتُهم والدَّواليبُ مَلَأَى عُيونًا مِن حَولِها، وذٰلك لِدَواليبِهمِ الأَربَعَة. وسُمِّيَتِ الدَّواليبُ «الجَلجال» على مَسمَعٍ مِنِّي. ولِكُلِّ واحِدٍ أَربَعَةُ وُجوه: وَجهُ الأَوَّلِ وَجهُ الكَروب، ووَجهُ الثَّاني وَجهُ إِنْسان، والثَّالِثُ وَجهُ أَسَد، والرَّابِعُ وَجهُ عُقاب. ثُمَّ ٱرتَفَعَ الكَروبون. هٰذا هو الحَيَوانُ الَّذي رَأَيتُه عِندَ نَهرِ كَبار. وعِندَ سَيرِ الكَروبين، تَسيرُ الدَّواليبُ بِجانِبِهم، وعِندَ رَفعِ الكَروبينَ أَجنِحَتَهم لِيَرتَفِعوا عنِ الأَرض، لا تَعطِفُ الدَّواليبُ عن جانِبِهم، وعِندَ وُقوفِهم تَقِف، وعِندَ ٱرتِفاعِهم تَرتَفِعُ معَهم، لأَنَّ روحَ الحَيَوانِ فيها. وخَرَجَ مَجدُ الرَّبِّ مِن على عَتَبَةِ البَيتِ ووَقَفَ على الكَروبين. فرَفَعَ الكَروبونَ أَجنِحَتَهم وٱرتَفَعوا عنِ الأَرضِ على عَينَيَّ، وعِندَ خُروجِهم كانَتِ الدَّواليبُ معهم، ووَقَفوا عِندَ مَدخَلِ بابِ بَيْتِ الرَّبِّ الشَّرقيّ، ومَجدُ إِلٰهِ إِسْرائيلَ علَيهم مِن فَوق. هٰذا هو الحَيَوانُ الَّذي رَأَيتُه تَحتَ إِلٰهِ إِسْرائيلَ عِندَ نَهرِ كَبار، وعَلِمتُ أَنَّهم كَروبون. لِكُلِّ واحِدٍ أَربَعَةُ وُجوه، ولِكُلِّ واحِدٍ أَربَعَةُ أَجنِحَة، وتَحتَ أَجنِحَتِهم شِبْهُ أَيدي بَشَر. أَمَّا هَيئَةُ وُجوهِهم فهي الوُجوهُ نَفسُها الَّتي رَأَيتُها على نَهرِ كَبار، وكانَت هٰذه مَناظِرُهم وذَواتُهم. وكانَ كُلُّ واحِدٍ يَسيرُ لِوَجهِه. ورَفَعَني الرُّوحُ وأَتى بي إِلى بابِ بَيتِ الرَّبِّ الشَّرقِيِّ المُتَّجِهِ إِلى الشَّرْق، فإِذا عِندَ مَدخَلِ البابِ خَمسَةٌ وعِشْرونَ رَجُلًا. ورَأَيتُ في وَسَطِهم يازَنْيا بنَ عَزُّورَ وفَلَطْيا بنَ بَنايا مِن رُؤَساءِ الشَّعْب. فقالَ لِيَ الرَّبّ: «يا ٱبنَ الإِنْسان، هٰؤُلاءِ همُ الرِّجالُ المُفَكِّرونَ بِالإِثْمِ المُشيرونَ بِمَشورةٍ خَبيثَةٍ في هٰذه المَدينة، القائلون: أَلَيسَ بِناءُ البُيوت قَريبًا؟ هيَ القِدرُ ونَحنُ اللَّحْم. لِذٰلك تَنَبَّأْ علَيهم، تَنَبَّأْ يا ٱبنَ الإِنْسان». ووَقَعَ علَيَّ روحُ الرَّبِّ وقالَ لي: «قُلْ: هٰكذا قالَ الرَّبّ، هٰكذا قُلتُم يا بَيتَ إِسْرائيل، وما يَخطُرُ بِبالِكم قد عَلِمتُه. لقَد أَكثَرتُم قَتْلاكم في هٰذه المَدينَة. ومَلَأتُمْ شَوارِعَها مِنَ القَتْلى. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنَّ قَتْلاكمُ الَّذينَ أَلقَيتُم في وَسَطِها همُ اللَّحمُ وهي القِدرُ، وأَنتُم سأُخرِجُكم مِن وَسَطِها. قد فَزِعتُم مِنَ السَّيف، فأَنا أَجلُبُ علَيكمُ السَّيف، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، وأُخرِجُكم مِن وَسَطِها وأُسلِمُكم إِلى أَيدي الغُرَباء، وأُجْري فيكم أَحْكامًا. بِالسَّيفِ تَسقُطون، وعِندَ حُدودِ إِسْرائيلَ أَحكُمُ علَيكم، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. هي لا تَكونُ لَكم قِدرًا، وأَنتُم لا تَكونونَ اللَّحمَ في وَسَطِها، بل عِندَ حُدودِ إِسْرائيلَ أَحكُمُ علَيكم، فتَعلَمون أَنِّي أَنا الرَّبُّ الَّذي لم تَسيروا على فرائِضِه ولم تَعمَلوا بِأَحْكامِه، بل عَمِلتُم بِحَسَبِ أَحْكامِ الأُمَمِ الَّتي حَولكم». وبَينَما أَنا أَتَنَبَّأ، ماتَ فَلَطْيا بنُ بَنايا، فسَقَطتُ على وَجْهي وصَرَختُ بِصَوتٍ عَظيمٍ وقُلتُ: «آهِ أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، أَتُفْني بَقِيَّةَ إِسْرائيل؟». فكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِخوَتُكَ، إِخوَتُكَ ذَوو قَرابَتِكَ وجَميعُ بَيتِ إِسْرائيلَ كافَّةً، الَّذينَ قالَ لَهم سُكَّانُ أُورَشَليم: إِبتَعِدوا عنِ الرَّبّ، فلَنا أُعطِيَت هٰذه الأَرضُ ميراثًا، قُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ، بِما أَنِّي أَبعَدتُهم في الأُمَم، وشَتَّتُهم في الأَراضي، فأَنا كُنتُ لَهم مَقدِسًا مُدَّةً يَسيرةً في الأَراضي الَّتي أَتَوها. فلِذٰلك قُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي سأَجمَعُكم مِن بَينِ الشُّعوب، وأَحشُدُكم مِنَ الأَراضي الَّتي شُتِّتُّم فيها وأُعْطيكم أَرضَ إِسْرائيل، فيَأتونَها ويَنزِعونَ جَميعَ أَرْجاسِها وجَميعَ قَبائِحِها مِنها. وأُعطيهِم قَلبًا آخَر، وأَجعَلُ فيهم روحًا جَديدًا، وأَنزِعُ مِن لَحْمِهم قَلبَ الحَجَرِ وأُعْطيهِم قَلبًا مِن لَحْم، لِكَي يَسيروا على فَرائضي ويَحفَظوا أَحْكامي، ويَعمَلوا بِها فيَكونونَ لي شَعبًا وأَكونُ لَهم إِلٰهًا. أَمَّا الَّذينَ قُلوبُهم تَسيرُ نَحوَ قُلوبِ أَرْجاسِهم وقَبائِحِهم، فأَجعَلُ سُلوكَهم على رُؤُوسِهم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». ثُمَّ رَفَعَ الكَروبونَ أَجنِحَتَهم، والدَّواليبُ معَهم، ومَجدُ إِلٰهِ إِسْرائيلَ علَيهم مِن فَوق. وصَعِدَ مَجدُ الرَّبِّ عن وَسَطِ المَدينَة، ووَقَفَ على الجَبَلِ الَّذي عن شَرقِ المَدينَة. ورَفَعَني الرُّوحُ وأَتى بي إِلى أَرضِ الكَلْدانِيِّين، إِلى المَجلُوِّينَ في الرُّؤيا بِروحِ الله، وصَعِدَت عنِّي الرُّؤيا الَّتي رَأَيتُها. فكَلَّمتُ المَجلُوِّينَ بِجَميعِ أُمورِ الرَّبّ الَّتي أَرانيها. وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، أَنتَ ساكِنٌ في وَسْطِ بَيتِ تَمَرُّد، لَهم عُيونٌ لِيَرَوا ولا يَرَون، ولَهم آذانٌ لِيَسمَعوا ولا يَسمَعون، لأَنَّهم بَيتُ تَمَرُّد. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، فأَعِدَّ العُدَّةَ لِلجَلاء، وٱجلُ نَهارًا أَمامَ عُيونِهم، اُجلُ عن مَكانِكَ إِلى مَكانٍ آخَرَ أَمامَ عُيونِهم، لَعَلَّهم يَرَونَ أَنَّهم بَيتُ تَمَرُّد. وأَخرِجْ عُدَّتَكَ كعُدَّةِ جَلاءٍ نَهارًا أَمامَ عُيونِهم، ثُمَّ تَخرُجُ أَنتَ مَساءً أَمامَ عُيونِهم خُروجَ جَلاء. أَمامَ عُيونِهمِ ٱنقُبْ لَكَ الحائِطَ وأَخرِجْ مِنه. وأَمامَ عُيونِهمِ ٱحمِلْ على كَتِفِكَ. أَخرِجْ في الظَّلام، وغَطِّ وَجهَكَ ولا تَرَ الأَرض، فإِنِّي جَعَلتُكَ آيَةً لِبَيتِ إِسْرائيل». فصَنَعتُ كما أُمِرتُ: أَخرَجتُ العُدَّةَ كعُدَّةِ جَلاءٍ نَهارًا، وعِندَ المَساءِ نَقَبتُ الحائِطَ بِيَدي وأَخرَجتُ في الظَّلام، وحَمَلتُ على كَتِفي أَمامَ عُيونِهم. وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبُّ في الصَّباحِ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، أَلَم يَقُلْ لَكَ بَيتُ إِسْرائيل، بَيتُ التَّمَرُّد: ماذا تَصنَع؟ فقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنَّ هٰذا القَولَ على الرَّئيسِ في أُورَشَليم وعلى جَميعِ بَيتِ إِسْرائيلَ الَّذينَ هم في وَسْطِهم. قُلْ: أَنا آيَةٌ لَكم. إِنَّه كما صَنَعتُ، كذٰلك يُصنَعُ بِهم: يَذهَبونَ إِلى الجَلاءِ والأَسْر. والرَّئيسُ الَّذي في وَسْطِهم يَحمِلُ على كَتِفِه في الظَّلامِ ويَخرُج، ويُنقَبُ الحائِطُ لِلإخْراجِ مِنه، وهو يُغَطِّي وَجهَه، لأَنَّه لا يَرى الأَرضَ بِعَينَيه. وأَبسُطُ شَبَكَتي علَيه فيُؤخَذُ في أُحْبولَتي، وآتي بِه إِلى بابِل، إِلى أَرضِ الكَلْدانِيِّينَ ولا يَراها ويَموتُ هُناكَ. وجَميعُ الَّذينَ حَولَه، حَرَسُه وكُلُّ جُيوشِه، أُذَرِّيهم لِكُلِّ ريح، وأَستَلُّ السَّيفَ وَراءَهم، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ، حينَ أُشَتِّتُهم في الأُمَمِ وأُذَرِّيهم في الأَراضي. وأُبْقي مِنهم نَفَرًا مَعْدودًا مِنَ السَّيفِ والجوعِ والطَّاعون، لِكَي يُخبِروا بِجَميعِ قَبائِحِهم في الأُمَمِ الَّتي يَأتونَ إِلَيها، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، كُلْ خُبزَكَ بِٱرتِعاش وٱشرَبْ ماءَكَ بِٱرتِعادٍ وغَمّ، وقُلْ لِشَعبِ الأَرض: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ على سُكَّانِ أُورَشَليمَ في أَرضِ إِسْرائيل: إِنَّهم سيَأكُلونَ خُبزَهم بِغَمّ، ويَشرَبونَ ماءَهم بِذُعْر، لِكَي تُقفِرَ أَرضُها مِن مِلئِها بِسَبَبِ عُنفِ جَميعِ السَّاكِنِينَ فيها. والمُدُنُ المَسْكونَةُ تَخرَب، والأَرضُ تَصيرُ قَفرًا فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، ما هٰذا المَثَلُ السَّائِرُ بَينَكم على أَرضِ إِسْرائيل؟ تَقولون: الأَيَّامُ تَطول وكُلُّ رُؤيا تَزول. لِذٰلك قُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي سأُبطِلُ هٰذا المَثَل، فلا يَعودونَ يَضرِبونَه في إِسْرائيل، بل قُلْ لَهم: الأَيَّامُ تَقتَرِبُ وكُلُّ رُؤيا تَتِمّ، لأَنَّه لا يَكونُ بَعدَ اليَومِ رُؤيا باطِلَةٌ ولا عِرافَةٌ خادِعَةٌ في وَسْطِ بَيتِ إِسْرائيل، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ أَتَكَلَّمُ بِما أَتَكَلَّم، وهٰذا ما يَتِمُّ ولا يُؤَخَّرُ بَعدَ اليَوم، بل في أَيَّامِكم، يا بَيتَ التَّمَرُّد، أَقولُ كَلِمَةً وأُتِمُّها، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، هُوَذا بَيتُ إِسْرائيلَ يَقولون: إِنَّ الرُّؤيا الَّتي هو يَراها هي إِلى أَيَّامٍ كَثيرة، ونُبوءَتَه إِلى أَزمِنَةٍ بَعيدة. لِذٰلك قُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنَّه لا يُؤَخِّرُ بَعدَ اليَومِ مِن كَلامي شَيء، والكَلِمَةُ الَّتي أَتَكَلَّمُ بِها تَتِمّ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، تَنَبَّأْ على أَنبِياءِ إِسْرائيلَ الَّذينَ يَتَنَبَّأون، وقُلْ لِلمُتَنَبِّئينَ مِن عِندِ أَنفُسِهم: إِسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: وَيلٌ لِلأَنبِياءِ الحَمْقى الَّذينَ يَسيرونَ وَراءَ روحِهم ولم يَرَوا شَيئًا. أَنبِياؤُكَ يا إِسْرائيلُ كالثَّعالِبِ في الأَخرِبَة. لم تَصعَدوا إِلى الثُّلمَة، ولم تُشَيِّدوا جِدارًا لِبَيتِ إِسْرائيل، لِلثَّباتِ في القِتالِ في يَومِ الرَّبّ. باطِلَةٌ رُؤاهم وكاذِبَةٌ عِرافَتُهم، هم القائلون: «يَقولُ الرَّبّ»، والرَّبُّ لم يُرسِلْهم، والمُنتَظِرونَ أَن تَتِمَّ كَلِمَتُهم. أَما تَرَونَ رُؤيا باطِلَةً وتَنطِقونَ بِعِرافَةٍ كاذِبَة، وأَنتُم تَقولون: «يَقولُ الرَّبّ»، وأَنا لم أَتَكَلَّم؟ لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: لأَنَّكم تَكَلَّمتُم بِالباطِل ورَأَيتُم كَذِبًا، لِذٰلك هاءَنَذا عليكم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فتَكونُ يَدي على الأَنبِياءِ الَّذينَ رُؤياهمُ الباطِل، وعِرافَتُهمُ الكَذِب، فلا يَكونونَ في مَجلِسِ شَعْبي، ولا يُكتَبونَ في كِتابِ بَيتِ إِسْرائيل، ولا يَدخُلونَ أَرضَ إِسْرائيل، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا السَّيِّدُ الرَّبّ، لأَنَّهم أَضَلُّوا شَعْبي بِقَولِهم: «سَلام»، ولا سَلام، فكانَ هو يَبْني حائِطًا وهم يُطَيِّنونَه بِالطِّلاء. قُلْ للمُطَيِّنينَ بِالطِّلاء: سيَسقُط. إِنَّه سيَكونُ مَطَرٌ مِدْرار، أَمَّا أَنتِ أَيَّتُها الحِجارَة، فسيَسقُطُ البَرَد وتَثورُ ريحٌ عاصِف، فلا يَلبَثُ الحائِطُ أَن يَسقُط. أَفَلا يُقالُ لَكم: أَينَ الطِّلاءُ الَّذي طَيَّنتُم بِه؟ لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي أُثيرُ ريحًا عاصِفًا بِسُخْطي ومَطَرًا مِدْرارًا بِغَضَبي وحِجارَةَ بَرَدٍ بِسُخْطي لِلإفْناء. فأَهدِمُ الحائِطَ الَّذي طَيَّنتُموه بِالطِّلاء، وأُلصِقُه بِالأَرضِ فيَنكَشِفُ أَساسُه ويَسقُط، وتَفنَونَ أَنتُم فيه، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. وإِذا أَتمَمتُ غَضَبي على الحائِطِ وعلى مُطَيِّنيه بِالطِّلاء، أَقولُ لَكم: أَينَ الحائِطُ وأَينَ مُطَيِّنوه أَنبِياءُ إِسْرائيلَ المُتَنَبِّئونَ على أُورَشَليم، الرَّاؤُونَ لَها رُؤيا سَلام، ولا سَلام، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، اِجعَلْ وَجهَكَ إِلى بَناتِ شَعبِكَ اللَّواتي يَتَنَبَّأنَ مِن عِندِ أَنفُسِهِنَّ، وتَنَبَّأْ علَيهِنَّ، وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: وَيلٌ لِلَّواتي يَخِطْنَ شَرائِطَ لِكُلِّ مِرفَقِ يَد، ويَصنَعنَ مَناديلَ لِرَأسِ كُلِّ قامةٍ لِٱصطِيادِ النُّفوس. أَفَتَصطَدنَ نُفوسَ شَعْبي وتُحْيينَ نُفوسَكُنَّ، وتُدَنِّسْنَني عِندَ شَعْبي لِبِضْعِ حَفَناتِ شَعيرٍ وكِسَرِ خُبْز، حتَّى تُمِتْنَ نُفوسًا لا تَموت، وتُحْيينَ نُفوسًا لا تَحْيا، بِكَذِبِكُنَّ على شَعْبيَ السَّامِعِ لِلكَذِب؟ لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا على شَرائِطِكُنَّ الَّتي تَصطَدنَ بِها النُّفوسَ كالطُّيور، فأُمَزِّقُها عن أَذرُعِكُنَّ وأُطلِقُ النُّفوسَ الَّتي تَصطَدنَها كالطُّيور، وأُمَزِّقُ مَناديلَكُنَّ، وأُنقِذُ شَعْبي مِن أَيديكُنَّ، فلا يَكونُ بَعدَ اليَومِ في أَيديكُنَّ لِلصَّيد، فتَعلَمنَ أَنِّي أَنا الرَّبّ، لأَنَّكُنَّ كَسَرتُنَّ قَلبَ البارِّ بِالكَذِب، وأَنا لم أُحزِنْه، وشَدَّدتُنَّ يَدَيِ الشِّرِّيرِ، لِئَلاَّ يَرجِعَ عن طَريقهِ الشِّرِّيرِ فيَحْيا. لِذٰلك لا تَرينَ الباطِل، ولا تَنطِقنَ بِالعِرافَةِ بَعدَ اليَوم، وأُنقِذُ شَعْبي مِن أَيديكُنَّ، فتَعلَمنَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». وأَتاني رِجالٌ مِن شُيوخِ إِسْرائيلَ وجَلَسوا أَمامي. فكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِنَّ هٰؤُلاءِ الرِّجالَ قد أَصعَدوا قَذاراتِهم إِلى قُلوبِهم، وجَعَلوا مَعثَرَةَ إِثمِهم تُجاهَ وُجوهِهم. أَفأَدَعهُم يَسأَلونَني؟ لِذٰلك كَلِّمْهم وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: كُلُّ رَجُلٍ مِن بَيتِ إِسْرائيلَ أَصعَدَ قَذاراتِه إِلى قَلبِه وجَعَلَ مَعثَرَةَ إِثمِه تُجاهَ وَجهِه، ثُمَّ أَتى إِلى النَّبِيّ، فإِنِّي أَنا الرَّبَّ أُجيبُه بِسَبَبِ كَثرَةِ قَذاراتِه، لِكَي يُؤخَذَ بَيتُ إِسْرائيلَ بِقُلوبِهم، همُ المُرتَدُّونَ عنِّي بِسَبَبِ جَميعِ أَوساخِهم. لِذٰلك قُلْ لِبَيتِ إِسْرائيل: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِرجِعوا وأَعرِضوا عن قَذاراتِكم وٱصرِفوا وُجوهَكم عن جَميعِ قَبائِحِكم. فإِنَّه أَيُّ رَجُلٍ مِن بَيتِ إِسْرائيلَ ومِنَ النُّزَلاءِ المُقيمينَ في إِسْرائيلَ ٱرتَدَّ عنِ السَّيرِ وَرائي وأَصعَدَ قَذاراتِه إِلى قَلبِه وجَعَلَ مَعثَرَةِ إِثمِه تُجاهَ وَجهِه، ثُمَّ أَتى إِلى النَّبِيِّ لِيَسأَلَني بِه، فإِنِّي أَنا الرَّبَّ أُجيبُه بِنَفْسي، وأَجعَلُ وَجْهي ضِدَّ ذٰلك الإِنْسان، وأَجعَلُه آيَةً ومَثَلًا، وأَفصِلُه مِن بَينِ شَعْبي، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. وإِذا أُغوِيَ النَّبِيُّ وتَكَلَّمَ بِكَلام، فأَكونُ أَنا الرَّبَّ قد أَغوَيتُ ذٰلك النَّبِيّ، وسأَمُدُّ يَدي علَيه وأُبيدُه مِن بَينِ شَعْبي إِسْرائيل، وهم يَحمِلونَ إِثمَهم، ويَكونُ إِثمُ النَّبِيِّ كإِثمِ الَّذي يَسأَل، لِكَي لا يَضِلَّ عنِّي بَيتُ إِسْرائيلَ بَعدَ اليَوم، ولا يَتَنَجَّسوا بَعدَ اليَومِ بِجَميعِ مَعاصيهم، بل يَكونوا لي شَعبًا وأَكونَ لَهم إِلٰهًا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِذا خَطِئَت إِلَيَّ أَرضٌ وخالَفَت مُخالَفةً، ومَدَدتُ يَدي علَيها وحَطَّمتُ مِنها سَنَدَ الخُبزِ وأَرسَلتُ علَيها الجوعَ وقَرَضتُ مِنها البَشَرَ والبَهائم، وكانَ فيها هٰؤُلاءِ الرِّجالُ الثَّلاثَة، نوحٌ ودانيلُ وأَيُّوب، لَكانوا بِبِرِّهم يُنقِذونَ أَنفُسَهم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وإِن أَجَزتُ في الأَرضِ وَحشًا ضارِيًا فأَثكَلَها فصارَت مُقفِرَةً لا عابِرَ فيها بِسَبَبِ الوَحْش، وكانَ فيها هؤُلاءِ الرِّجالُ الثَّلاثَة، فحَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، إِنَّهم لا يُنقِذونَ لَها بَنينَ ولا بَنات، لٰكِن هم وَحدَهم يُنقَذون، والأَرضُ تَصيرُ مُقفِرَة. أَو إِذا جَلَبتُ سَيفًا على تِلكَ الأَرضِ وقُلتُ: لِيَجتَزِ السَّيفُ في الأَرض، وقَرَضتُ مِنها البَشَرَ والبَهائم، وكانَ فيها هٰؤُلاءِ الرِّجالُ الثَّلاثَة، فحَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، إِنَّهم لا يُنقِذونَ لَها بَنينَ ولا بَنات، بل هم وَحدَهم يُنقَذون. أَو إِذا أَرسَلتُ طاعونًا على تِلكَ الأَرضِ وصَبَبتُ غَضَبي علَيها بِالدَّمِ لأَقرِضَ مِنها البَشَرَ والبَهائم، وكانَ فيها نوحٌ ودانيلُ وأَيّوب، فحَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، لا يُنقِذونَ لَها ٱبنًا ولا ٱبنَةً، بل بِبِرِّهم يُنقِذونَ أَنفُسَهم. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: مع أَنِّي أَرسَلتُ أَحْكامِيَ الأَربَعَةَ الشَّديدة، السَّيفَ والجوعَ والوَحشَ الضَّارِيَ والطَّاعونَ على أُورَشَليمَ لأَقرِضَ مِنها البَشَرَ والبَهائم، ها إِنَّه يَبْقى فيها ناجونَ بَنونَ وبَناتٌ يُخرَجون: ها إِنَّهم يَخرُجونَ إِلَيكم، فتَرَونَ طَريقَهم وأَعْمالَهم، وتَتَعَزَّونَ عنِ الشَّرِّ الَّذي جَلَبتُه على أُورَشَليم، عن جَميعِ ما جَلَبتُه علَيها. وهم يُعَزُّونَكم حينَ تَرَونَ طَريقَهم وأَعْمالَهم، فتَعلَمونَ أَنِّي لم أَصنَعْ عَبَثًا كُلَّ ما صَنَعتُه فيها، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، بِماذا يَفضُلُ خَشَبُ الكَرمِ على كُلِّ خَشَبِ غُصْنٍ في أَشْجارِ الغابَة؟ أَيُؤخَذُ مِنه خَشَبٌ لِصُنعِ غَرَضٍ ما أَو يُؤخَذُ مِنه وَتِدٌ لِيُعَلَّقَ علَيه شَيءٌ ما؟ ها إِنَّه جُعِلَ مَأكَلًا لِلنَّار، فأَكَلَتِ النَّارُ طَرَفَيه وٱحتَرَقَ وَسَطُه، أَفَيصلُحُ لِغَرَضٍ ما؟ ها إِنَّه، حينَ كانَ صَحيحًا، لم يُصنَعْ مِنه شَيءٌ ما، فبِالأَحْرى، بَعدَ أَن أَكَلَته النَّارُ وٱحتَرَقَ، أَفيُصنَعُ مِنه بَعدَ ذٰلك غَرَضٌ ما؟ لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: كخَشَبِ الكَرْمِ بَينَ أَشْجارِ الغابة، الَّذي جَعَلتُه مَأكَلًا لِلنَّار، كذٰلك جَعَلتُ سُكَّانَ أُورَشَليم. فأَجعَلُ وَجْهي علَيهم حتَّى، إِذا خَرَجوا مِنَ النَّار، تَأكُلُهمُ النَّار، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ، حينَ أَجعَلُ وَجْهي علَيهم. وأَجعَلُ الأَرضَ مُقفِرَةً، لأَنَّهم خالَفوا مُخالَفَةً، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، أَخبِرْ أُورَشَليمَ بِقَبائِحِها، وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لأُورَشَليم: أَصلُكِ ومَولِدُكِ مِن أَرضِ الكَنْعانِيِّين، وأَبوكِ أَمورِيٌّ وأُمُّكِ حِثِّيَّة. أَمَّا مَولِدُكِ فإِنَّكِ يَومَ وُلِدتِ لم تُقطَعْ سُرَّتُكِ ولم تُغسَلي بِالماءِ تَنْظيفًا، ولَم تُمَلَّحي بِالمِلْح، ولم تُلَفِّي بِالقُمُط. لم تَعطِفْ عَليكِ عَينٌ فيُصنَعَ لَكِ شَيءٌ مِن ذٰلكَ ويُشفَقَ علَيكِ، بل طُرِحتِ على وَجهِ الحَقْلِ قَرَفًا مِنكِ يَومَ وُلِدتِ. فمَرَرتُ بِكِ ورَأَيتُكِ مُتَخَبِّطَةً بِدَمِكِ، فقُلتُ لَكِ في دَمِكِ: عيشي. وجَعَلتُكِ رِبْواتٍ كنَبتِ الحَقْل، فنَمَيتِ وكَبِرتِ وبَلَغتِ سِنَّ ذُروَةِ الجَمال، فنَهَدَ ثَدْياكِ ونَبَتَ شَعَرُكِ، لٰكِنَّكِ كُنتِ عُرْيانَةً عُريًا. فمَرَرتُ بِكِ ورَأَيتُكِ، فإِذا زَمانُكِ زَمانُ الحُبّ، فبَسَطتُ ذَيلَ رِدائي علَيكِ وسَتَرتُ عَورَتَكِ، وأَقسَمتُ لَكِ ودَخَلتُ معَكِ في عَهْدٍ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فصِرتِ لي. فغَسَلتُكِ بِالماءِ ونَظَّفتُ دَمَكِ الَّذي عَليكِ، ثُمَّ مَسَحتُكِ بِالزَّيت، وأَلبَستُكِ وَشْيًا ونَعَلتُكِ بِجِلْدٍ ناعِم، وحَزَّمتُكِ بِالكَتَّانِ النَّاعِمِ وكَسَوتُكِ بِالحَرير، وحَلَّيتُكِ بِالحُلِيّ، وجَعَلتُ أَساوِرَ في يَدَيكِ وطَوقًا في عُنُقِكِ. وجَعَلَتُ حَلقَةً في أَنفِكِ وقُرطَينِ في أُذُنَيكِ وإِكْليلَ فَخرٍ على رَأسِكِ. فتَحَلَّيتِ بِالذَّهَبِ والفِضَّة، وكانَ مَلْبوسُكِ الكَتَّانَ النَّاعِمَ والحَريرَ والوَشْيَ، وأَكَلَتِ السَّميذَ والعَسَلَ والزَّيت، وكُنتِ في مُنتَهى الجَمالِ حتَّى صَلَحتِ لِلمُلْك. فذاعَ ٱسمُكِ في الأُمَمِ لِجَمالِكِ، لأَنَّه كانَ كامِلًا بِبَهائِيَ الَّذي جَعَلتُه علَيكِ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. لٰكِنَّكِ ٱتَّكَلتِ على جَمالِكِ وزَنَيتِ بِما لَكِ مِنَ السُّمعَة، وسَكَبتِ فَواحِشَكِ على كُلِّ عابِرٍ قائِلَةً: لِيَكُنْ لَه ذٰلك. وأَخَذتِ مِن ثِيابِكِ فصَنَعتِ لَكِ مَشارِفَ مُبَرقَشَة، وزَنَيتِ فيها، لا جَرى ذٰلك ولا حَصَل! وأَخَذتِ أَدَواتِ فَخرِكِ مِن ذَهَبي وفِضَّتِي الَّتي أَعطَيتُها لَكِ، فصَنَعتِ لكِ تماثيلَ ذُكورٍ وزَنَيتِ بِها. وأَخَذتِ ثِيابَكِ المُوَشَّاةَ فكَسَوتِها وجَعَلتِ أَمامَها زَيتي وبَخوري. وخُبزِيَ الَّذي أَعطَيتُه لَكِ والسَّميذُ والزَّيتُ والعَسَلُ الَّذي أَطعَمتُكِ إِيَّاه جَعَلتِها أَمامَها رائِحَةَ رِضًى. وهٰكذا كان، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وأَخَذتِ أَبْناءَكِ وبَناتِكِ الَّذينَ وَلَدتِهم لي فَذَبحتِهم لَها طَعامًا. أَفكانَت فَواحِشُكِ أَمرًا يَسيرًا؟ إِنَّكِ ذَبَحتِ بَنِيَّ وسَلَّمتِهِم لِيُمَرَّروا في النَّارِ لأَجلِها؟ وفي جَميعِ قَبائِحِكِ وفَواحِشِكِ، لم تَذكُري أَيَّامَ صِباكِ، حينَ كُنتِ عُرْيانَةً عُريًا مُتَخَبِّطَةً بِدَمِكِ. وكانَ، بَعدَ كُلِّ شَرِّكِ، وَيلٌ وَيلٌ لَكِ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، أَنَّكِ بَنَيتِ لَكِ قُبَّةً وصَنَعتِ لَكِ مُرتَفَعًا في كُلِّ ساحة. في رَأسِ كُلِّ طَريقٍ بَنَيتِ مُرتَفَعَكِ وقَبَّحتِ جَمالَكِ وفَرَّجتِ رِجلَيكِ لِكُلِّ عابِرٍ وأَكثَرتِ فَواحِشَكِ، وزَنَيتِ مع بَني مِصرَ جيرانِكِ الغِلاظِ البَدَن، وأَكثَرتِ فَواحِشَكِ لِتُسخِطيني. فهاءَنَذا قد مَددتُ يَدي علَيكِ، وأَنقَصتُ حِصَّتَكِ وأَسلَمتُكِ إِلى جَشَعِ مُبغِضاتِكِ بَناتِ فَلِسْطينَ اللَّواتي خَجِلْنَ مِن سُلوكِكِ الفاجِر. وإِذ كُنتِ لم تَشبَعي، زَنَيتِ مع بَني أَشُّور، زَنَيتِ معَهم ولم تَشبَعي، وأَكثَرتِ فَواحِشَكِ في أَرضِ تُجَّار، في أَرضِ الكَلْدانِيِّين، وبِهٰذا أَيضًا لم تَشبَعي. ما كانَ أَوهى قَلبَكِ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، حينَ فَعَلتِ هٰذا كُلَّه فِعلَ ٱمرَأَةٍ زانِيَةٍ سَليطة، وبَنَيتِ قُبَّتَكِ في رَأسِ كُلِّ طَريق، وصَنَعتِ مُرتَفَعَكِ في كُلِّ ساحة، ولم تَكوني كالزَّانِيَةِ الَّتي تَسْعى وَراءَ الأُجرَة، بل كالمَرأةِ الفاسِقَةِ الَّتي تَأخُذُ أَجانِبَ مَكانَ رَجُلِها. كُلُّ الزَّواني يُعطَينَ هَدايا، أَمَّا أَنتِ فأَعطَيتِ هَداياكِ لِكُلِّ في مُحِبِّيكِ، ورَشَوتِهم لِيَأتوكِ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ لأَمرِ فَواحِشِكِ، ففَعَلتِ في ذٰلك على خِلافِ النِّساءِ بِأَنَّكِ تَزْنينَ ولم يَسعَ أَحَدٌ وَراءَكِ لِلزِّنى، وتُعْطينَ أُجرَةً ولم يُعْطَ لَكِ أُجرَة، فأَنتِ إِذًا على الخِلاف. لِذٰلِك، أَيَّتُها الزَّانِيَة، اِسمَعي كَلِمَةَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي لِكَونِكِ أَنفَقتِ نُحاسَكِ وكَشَفتِ عَورَتَكِ في فَواحِشِكِ على مُحبِّيكِ وعلى جَميعِ قَذاراتِ قَبائِحِكِ، وبِسَبَبِ دِماءِ بَنيكِ الَّذينَ بَذَلتِهم لَها، لِذٰلِكَ هاءَنَذا أَجمَعُ جَميعَ مُحِبِّيكِ الَّذينَ لَذِذتِ لَهم وجَميعَ الَّذينَ أَحبَبتِهم، مع جميعِ الَّذينَ أَبغَضتِهم، أَجمَعُهم علَيكِ مِن كُلِّ ناحِيَة، وأَكشِفُ عَورَتَكِ لَهم، فيَرَونَ عَورَتَكِ كُلَّها. وأَحكُمُ علَيكِ بِما يُحكَمُ على الفاسِقاتِ وسافِكاتِ الدِّماء، وأَجعَلُكِ دَمًا لِلغَضَبِ والغَيرَة. وأُسلِمُكِ إِلى أَيديهم فيَنقُضونَ قُبَّتَكِ ويَهدِمونَ مُرتَفَعَكِ، ويُجَرِّدونَكِ مِن ثِيابِكِ ويَأخُذونَ أَدَواتِ فَخرِكِ ويُغادِرونَكِ عُريانَةً عُرْيًا، ويَجلُبونَ علَيكِ الجَماعَةَ ويَرجُمونَكِ بِالحِجارةِ ويَطعَنونَكِ بِسُيوفهم، ويُحرِقونَ بُيوتَكِ بِالنَّار، ويُجْرونَ علَيكِ أَحْكامًا أَمامَ عُيونِ نِساءٍ كَثيرة، فأَكُفُّكِ عنِ الزِّنى ولا تُعْطينَ أُجرَةً بَعدَ اليَوم، وأُريحُ غَضَبي منكِ وتَزولُ غَيرَتي عنكِ، فأَهدَأُ ولا أَسخَطُ بَعدَ اليَوم. بِما أَنَّكِ لم تَذكُري أَيَّامَ صِباكِ، بل أَسخَطتِني في جَميعِ هٰذه، فأَنا أَيضًا أَجعَلُ سُلوكَكِ على رَأسِكِ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. أَلَم تُضيفي الفُجورَ إِلى جَميعِ قَبائِحِكِ؟ ها إِنَّ كُلَّ ضارِبِ مَثَلٍ يَضرِبُ مَثَلًا علَيكِ قائِلًا: مِثلُ الأُمِّ بِنتُها. إِنَّما أَنتِ ٱبنَةُ أُمِّكِ الَّتي عافَت رَجُلَها وبَنيها، وأَنتِ أُختُ أَخَواتِكِ اللَّواتي عِفنَ رِجالَهُنَّ وبَنيهِنَّ. إِنَّ أُمَّكُنَّ حِثِّيَّةٌ وأَباكُنَّ أَمورِيّ. فأُختُكِ الكُبْرى هي السَّامِرَةُ مع تَوابِعِها، السَّاكِنَةُ عن يَسارِكِ، وأُختُكِ الصُّغْرى السَّاكِنَةُ عن يَمينِكِ هي سَدومُ وتَوابِعُها. وأَنتِ لم تَقتَصِري على القَليلِ مِنَ السَّيرِ في طُرُقِهِنَّ وصُنعِ مِثلِ قبائِحِهنَّ، بل زِدتِ علَيهِنَّ فَسادًا في كُلِّ سُلوكِكِ. حَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، إِنَّ سَدومَ أَختَكِ لم تَصنَعْ هي وتَوابِعُها مِثلَ ما صَنَعتِ أَنتِ وتَوابِعُكِ. هٰذا كانَ إِثمُ سَدومَ أُختِكِ. إِنَّ الكِبرِياءَ والشَّبَعَ مِنَ الخُبْزِ وطُمَأنينَةَ الهُدوءِ كانَت فيها وفي تَوابِعِها، ولَم تُساعِدْ يَدَ البائِسِ والمِسْكين، وتَشامَخْنَ وصَنَعنَ القَبيحَةَ أَمامي، فأَبعَدتُهنَّ حالَما رَأَيتُ ذٰلك. والسَّامِرَةُ لم تَخطَأْ نِصفَ خَطاياكِ. كُنتِ أَكثَرَ قَبائِحَ مِنهُنَّ، فبَرَّرتِ أُختَيكِ بِجَميعِ قَبائِحِكِ الَّتي صَنَعتِها. فٱحمِلي أَنتِ أَيضًا خَجَلَكِ، يا مَن تَوَسَّطَت لأَخَواتِها، فإِنَّهنَّ، بِسَبَبِ خَطاياكِ الَّتي بِها فُقتِهِنَّ قَبيحَةً، قد أَصبَحْنَ أَبَرَّ مِنكِ، فٱخزَي أَنتَ أَيضًا وٱحمِلي خَجَلَكِ، إِذ قد بَرَّرتِ أَخَواتِكِ. وإِنِّي سأُعيدُ أَسْراهُنَّ، أَسْرى سَدومَ وتَوابِعِها وأَسْرى السَّامِرَةِ وتَوابِعِها، ويَكونُ أَسْرى السَّامِرَةِ وتَوابِعِها، ويَكونُ أَسْرى مَجلُوِّيكِ في وَسطِهنَّ، لِكَي تَحمِلي خَجَلَكِ وتَخجَلي مِن كُلِّ ما صَنَعتِ بِتَعزِيَتِكِ لَهُنَّ. فأَخَواتُكِ سَدومُ وتَوابِعُها يُعَدنَ إِلى قَديمِهِنَّ، والسَّامِرَةُ وتَوابِعُها يُعَدنَ إِلى قَديمِهِنَّ، وأَنتَ وتَوابِعُكِ تَعُدنَ إِلى قَديمِكنَّ. أَلَم يكُنْ ذِكرُ سَدومَ أُختِكِ في فَمِكِ يَومَ تَكَبُّرِكِ، قَبلَ أَن يُكشَفَ خُبثُكِ كما كُشِفَ حينَما عَيَّرَتكِ بَناتُ أَرامَ وجَميعُ مَن حَولَها مِن بَناتِ فَلِسْطينَ اللَّواتي ٱحتَقَرنَكِ مِن كُلِّ جِهَة؟ ستَحمِلينَ فُجورَكِ وقَبائِحَكِ، يَقولُ الرَّبّ. لأَنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي أَصنَعُ بِكِ كما صَنَعتِ، إِذِ ٱزدَرَيتِ يَمينَ اللَّعنَةِ لِتَنقُضي العَهْد، وأَذكُرُ أَنا عَهْدي معكِ في أَيَّامِ صِباكِ، وأُقيمُ لَكِ عَهدًا أَبَدِيًّا، وتَذكُرينَ أَنتِ سُلوكَكِ وتَخجَلين، حينَ تَقبَلينَ أَخَواتِكِ اللَّواتي هُنَّ أَكبَرُ مِنكِ مع اللَّواتي هُنَّ أَصغَرُ مِنكِ، وسأَجعَلُهُنَّ لَكِ بَنات، ولٰكِن مِن غَيرِ أَن أَلتَزِمَ بِعَهْدي معَكِ. وأُقيمُ عَهْدي معَكِ فتَعلَمينَ أَنِّي أَنا الرَّبّ، لِكَي تَذكُري فتَخزَي ولا تَفتَحي فَمَكِ بَعدَ اليَومِ بِسَبَبِ خَجَلِكِ، حينَ أَغفِرُ لَكِ جَميعَ ما فَعَلتِ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِعرِضْ لُغزًا وٱضرِبْ مَثَلًا لِبَيتِ إِسْرائيل، وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنَّ العُقابَ العَظيم، ذا الجَناحَينِ العَظيمَين، الطَّويلَ القَوادِم، المُمتَلِئَ ريشًا، المُوَشَّى، قد أَتى لُبْنانَ وأَخَذَ ناصِيَةَ الأَرز، وأقتَطَعَ عالِيَ أَغْصانِه وأَتى بِها إِلى أَرضِ تُجَّار، ووَضَعَها في مَدينَةِ تُجَّار. وأَخَذَ مِن بِزرِ الأَرضِ وجَعَلَه في حَقلِ زَرْعٍ وغَرَسَه كنَبتِ الصَّفْصافِ على مِياهٍ غَزيرة، فنَبَتَ وصارَ كَرمَةً مُنتَشِرَةً مُتَواضِعَةَ القامة، لِكَي تَنعَطِفَ أَغْصانُها إِليه وتَكونَ أُصولُها تَحتَه. فصارَت كَرمَةً وأَنشَأَت شُعَبًا وأَفرَخَت فُروعًا. وكانَ عُقابٌ آخَرُ عَظيم، ذو جَناحَينِ عَظيمَين، كَثيرُ الرِّيش، فإِذا بِهٰذه الكَرمَةِ عَطَفَت أُصولَها إِلَيه ومَدَّت إِليه أَغْصانَها لِكَي يَسقِيَها خارِجَ الأَرضِ الَّتي غُرِسَت فيها. غُرِسَت في حَقلٍ جَيِّدٍ على مِياهٍ غَزيرَةٍ لِتُنبِتَ أَفْنانًا وتَحمِلَ ثَمَرًا وتَصيرَ كَرمَةً جَليلَة. قُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: أَتُراها تَنجَح؟ أَفَلا تُقلَعُ أُصولُها ويُقطَعُ ثَمَرُها فتَيبَسُ بَراعِمُها النَّابِتَة؟ إِنَّها تَيبَسُ ولا حاجَةَ إِلى ذِراعٍ عَظيمَةٍ أَو شَعبٍ كَثيرٍ لِنَزعِها عن أُصولِها. أَفَتَنجَحُ وقَد غُرِسَت؟ أَفلا تَيبَسُ يُبْسًا، إِذا مَسَّتْها الرِّيحُ الشَّرقِيَّة؟ إِنَّها لَتَيبَسُ في الأَرضِ الَّتي نَبَتَت فيها». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «قُلْ لِبَيتِ التَّمَرُّد: أَلا تَعلَمونَ ما ذٰلك؟ قُلْ: ها إِنَّ مَلِكَ بابِلَ قد أَتى أُورَشَليم، وأَخَذَ مَلِكَها ورُؤَساءَها وأَتى بِهم إِلَيه إِلى بابِل، وأَخَذَ مِن زَرعِ المُلكِ وقَطَعَ معَه عَهدًا وأَدخَلَه في يَمينِ لَعنَة، وأَخَذَ عُظَماءَ الأَرض، لِتَكونَ المَملَكَةُ مُتَواضِعَةً ولا تَطمَح، بل تَحفَظَ عَهدَه وتَثبُت. لٰكِنَّه تَمَرَّدَ علَيه بِإِرسالِه رُسُلَه إِلى مِصرَ لِيُعْطوه خَيلًا ورِجالًا كَثيرين. أَفالَّذي صَنَعَ ذٰلك يَنجَحُ ويُفلِت؟ إِنَّه قد نَقَضَ العَهدَ، أَفيُفلِت؟ حَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، إِنَّه في مَكانِ المَلِكِ الَّذي مَلَّكَه، الَّذي ٱزْدَرى هو يَمينَ لَعنَتِه ونَفَضَ عَهدَه عِندَه في بابِلَ يَموت، وفِرعَونُ، ولَو بِجَيشٍ عَظيمٍ وجَمعٍ كثير، لا يَستَطيعُ لَه شَيئًا في القِتال، حينَ يُرَكَمُ مَرْدومٌ وتُبْنى تَحْصيناتٌ لِقَرضِ نُفوسٍ كَثيرة. قدِ ٱزدَرى يَمينَ اللَّعنَةِ لِيَنقُضَ العَهْد، وها إِنَّه قد ناوَلَ يَدَه، لٰكِنَّه، بَعدَ أَن صَنَعَ كُلَّ ذٰلك، لا يُفلِت. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: حَيٌّ أَنا، إِنَّ يَمينَ لَعنَتي الَّتي ٱزدَراها وعَهدِيَ الَّذي نَقَضَه أَجعَلُهُما على رَأسِه، وأَبسُطُ شَبَكَتي علَيه فيُؤخَذُ في أُحْبولَتي وآتي بِه إِلى بابِلَ وأُحاكِمُه هُناكَ على مُخالَفَتِه الَّتي خالَفَني بِها. وجَميعُ مَلاجئِه مع جَميعِ جُيوشِه يَسقُطونَ بِالسَّيف، والباقونَ يُذَرَّونَ لِكُلِّ ريح، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي سآخُذُ مِن ناصِيَةِ الأرزِ العالي لأَغرِسَها. أَقتَطِعي مِن عالي أَغْصانِه غُصْنًا غَضًّا وأَغرِسُه أَنا على جَبَلٍ شامِخٍ شاهِق. في جَبَلِ إِسْرائيلَ العالي أَغرِسُه فيُنشِئُ أَفْنانًا ويُثمِرُ ثَمَرًا ويَصيرُ أَرزًا جَليلًا، فيَأوي تَحتَه كُلُّ طائِر، كُلُّ ذي جَناحٍ يَأوي في ظِلِّ أَغْصانِه. فتَعلَمُ جَميعُ أَشْجارِ الحُقولِ أَنِّي أَنا الرَّبَّ وَضَعتُ الشَّجَرَ المُرتَفِعَ ورَفَعتُ الشَّجَرَ الوَضيع، وأَيْبَستُ الشَّجَرَ الرَّطبَ وأَنبَتُّ الشَّجَرَ اليابِس. أَنا الرَّبَّ قُلتُ وفَعَلتُ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: ما بالُكم تَضرِبونَ هٰذا المَثَلَ على أَرضِ إِسْرائيلَ قائِلين: إِنَّ الآباءَ أَكَلوا الحِصرِم، وأَسْنانَ البَنينَ ضَرِسَت. حَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، لا يَكونُ لَكم بَعدَ اليَومِ أَن تَضرِبوا هٰذا المَثَلَ في إِسْرائيل. إِنَّ جَميعَ النُّفوسِ هي لي. كَمَثَلِ نَفْسِ الأَبِ مَثَلُ نَفْسِ الِٱبن، كِلْتاهُما لي. النَّفْسُ الَّتي تَخطَأُ هي تَموت. فالإِنْسانُ، إِذا كانَ بارًّا وأَجْرى الحَقّ والبِرَّ ولَم يَأكُلْ على الجِبال، ولَم يرفَعْ عَينَيه إِلى قَذاراتِ بَيتِ إِسْرائيل، ولَم يُنَجِّس ٱمرَأَةَ قَريبِه، ولَم يَدنُ مِنِ ٱمرَأَةٍ طامِث، ولم يَظلِمْ أَحدًا ورَدَّ لِلمَديون رَهنَه ولم يَخْتَلِسْ خُلسَةً، وأَعْطى خُبزَه لِلجائِعِ وكَسا العُرْيانَ ثَوبًا، ولم يُعطِ بِالفائِدَةِ ولَم يَأخُذْ رِبًى، وكَفَّ يَدَه عنِ الإِثْمِ وأَجْرى قَضاءَ الحَقِّ بَينَ الإِنْسانِ والإِنْسان، وسارَ على فَرائضي وحَفِظَ أَحْكامي لِلعَمَلِ بِها، فبِما أَنَّه بارٌّ يَحْيا حَياةً، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. فإِن وَلَدَ ٱبنًا عَنيفًا سَفَّاكًا لِلدِّماءِ يَصنَعُ شَيئًا مِن ذٰلك، وهو لم يَصنَعْ شَيئًا مِنه، ويَأكُلُ على الجِبالِ ويُنَجِّسُ ٱمرَأَةَ قَريبِه ويَظلِمُ البائِسَ والمِسْكينَ ويَختَلِسُ خُلسَةً ولا يَرُدُّ الرَّهنَ ويَرفَعُ عَينَيه إِلى القَذَاراتِ ويَصنَعُ القَبيحة، ويُعْطي بِالفائِدَةِ ويَأخُذُ رِبًى، أَفَيَحْيا؟ إِنَّه لا يَحْيا، بل بِما أَنَّه قد صَنَعَ جَميعَ تِلكَ القَبائِح، يَموتُ مَوتًا ويَكونُ دَمُه علَيه. فإِذا هو وَلَدَ ٱبنًا فرَأَى جَميعَ خَطايا أَبيه الَّتي صَنَعَها، رَآها لٰكِنَّه لم يَصنَعْ مِثْلَها، فلَم يَأكُلْ على الجِبال، ولم يَرفَعْ عَينَيه إِلى قَذاراتِ بَيتِ إِسْرائيل، ولم يُنَجِّسِ ٱمرَأَةَ قَريبِه، ولم يَظلِمْ أَحَدًا ولم يَرتَهِنْ رَهْنًا ولم يَخْتَلِسْ خُلسَةً وأَعْطى خُبزَه لِلْجائعِ وكَسا العُرْيانَ ثَوبًا، وكَفَّ يَدَه عنِ البائِس، ولم يَأخُذْ فائِدَةً ولا رِبًى، وأَجْرى أَحْكامي وسارَ على فَرائِضي، فإِنَّه لا يَموتُ بإِثمِ أَبيه، بل يَحْيا حَياةً. أَمَّا أَبوه، فبِما أَنَّه ٱغتَصَبَ ٱغتِصابًا وٱختَلَسَ مِن أَخيه خُلسَةً وصَنَعَ ما هو غَيرُ صالِحٍ بَينَ شَعبِه، فهُوذا يَموتُ بِإِثمِه. فتَقولون: لِماذا لا يَحمِلُ الِٱبنُ إِثمَ الأَب؟ بِما أَنَّ الِٱبنَ كانَ مُجرِيًا الحَقَّ والبِرَّ وحافِظًا جَميعَ فَرائضي وعامِلًا بِها، فإِنَّه يَحْيا حَياةً. النَّفْسُ الَّتي تَخطَأُ هي تَموت. الِٱبنُ لا يَحمِلُ إِثمَ الأَبِ والأَبُ لا يَحمِلُ إِثمَ الِٱبْن. بِرُّ البارِّ علَيه يَكون، وشَرُّ الشِّرِّيرِ علَيه يَكون. والشِّرِّيرُ، إِذا رَجَعَ عن جَميعِ خَطاياه الَّتي صَنَعَها وحَفِظَ جَميعَ فرائضي وأَجْرى الحَقَّ والبِرّ، فإِنَّه يَحْيا حَياةً ولا يَموت. جَميعُ مَعاصيه الَّتي صَنَعَها لا تُذكَرُ لَه، وبِبِرِّه الَّذي صَنَعَه يَحْيا. أَلعَلَّ هَوايَ في مَوتِ الشِّرِّير؟ يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. أَلَيسَ في أَن يَتوبَ عن طُرُقِه فيَحْيا؟ إِذا ٱرتَدَّ البارُّ عن بِرِّه وصَنَعَ الإِثمَ وعَمِلَ مِثلَ كُلِّ القَبائِحِ الَّتي يَعمَلُها الشِّرِّير، أَفيَحْيا؟ بل كُلُّ بِرِّه الَّذي صَنَعَه لا يُذكَر، وبِمُخالَفَتِه الَّتي خالَفَها وخَطيئَتِه الَّتي خَطِئَها يَموت. فتَقولون: لَيسَ طَريقَ السَّيِّدِ بِمُستَقيم. إِسمَعوا يا بَيتَ إِسْرائيل: أَطَريقي غَيرُ مُستَقيم؟ أَلَيسَت طُرُقُكم هي غَيرُ المُستَقيمة؟ إِذا ٱرتَدَّ البارُّ عن بِرِّه وصَنَعَ الإِثْمَ وماتَ فيه، فإِنَّه بإِثمِه الَّذي صَنَعَه يَموت. وإِذا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عن شَرِّه الَّذي صَنَعَه وأَجْرى الحَقَّ والبِرّ، فإِنَّه يُحْيِي نَفْسَه. إِنَّه قد رَأى وتابَ عن جَميعِ مَعاصيه الَّتي صَنَعَها، لِذٰلك يَحْيا حَياةً ولا يَموت. فيَقولُ بَيتُ إِسْرائيل: لَيسَ طَريقُ السَّيِّدِ بِمُستَقيم، أَطُرُقي غَيرُ مُستَقيمة، يا بَيتَ إِسْرائيل؟ أَلَيسَت طُرُقُكم هي غَيرُ المُستَقيمة؟ فلِذٰلك أَدينُكم كُلَّ واحِدٍ بِحَسَبِ طَريقِه، يا بَيتَ إِسْرائيل، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فٱرجِعوا وأَعرِضوا عن جَميعِ مَعاصيكم، فلا يَكونَ الإِثمُ مَعثَرَةً لكم. إِنبِذوا عنكم جَميعَ مَعاصيكمُ الَّتي عَصَيتُم بِها وٱصنَعوا لَكم قَلبًا جَديدًا وروحًا جَديدًا. فلِماذا تَموتونَ، يا بَيتَ إِسْرائيل؟ فإِنَّه لَيسَ هَوايَ في مَوتِ مَن يَموت، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فٱرجِعوا وٱحيَوا. وأَنتَ فنادِ بِرِثاءٍ على رُؤَساءِ إِسْرائيلَ وقُلْ: أُمُّكِ، يا لَها مِن لَبُؤَةٍ بَينَ الأُسود! رَبَضَت في وَسَطِ الأَشْبالِ ورَبَّت صِغارَها وأَنشَأت واحِدًا مِن صِغارِها فصارَ شِبْلًا وتَعَلَّمَ ٱفتِراسَ الفَريسَةِ وٱلتِهامَ النَّاس. فسَمِعَت بِه الأُمَمُ فأُخِذَ في هُوَّتِهم، فقادوه بِكَاليبَ إِلى أَرضِ مِصْر. فلَمَّا رأَت أَنَّها قدِ ٱنتَظَرَت وخابَ أَمَلُها أَخَذَت آخَرَ مِن صِغارِها وأَقامَته شِبلًا. فسارَ بَينَ الأُسودِ وصارَ شِبلًا، وتَعَلَّمَ ٱفتِراسَ الفَريسَةِ وٱلتِهامَ النَّاس، ودَمَّرَ قُصورَهم وخَرَّبَ مُدُنَهم، فأَقفَرَتِ الأَرضُ ومِلْؤُها مِن صَوتِ زَئيرِه. فأَقاموا علَيه الأُمَمَ مِمَّا حَولَه مِنَ البِلاد وبَسَطوا علَيه شَبَكَتَهم فأُخِذَ في هُوَّتِهم فجَعَلوه في قَفَصٍ بِكَلاليب، وأَتَوا بِه إِلى مَلِكِ بابِل، أَتَوا بِه إِلى الحُصون لِئَلاَّ يُسمَعَ صَوتُه مِن بَعدُ على جِبالِ إِسْرائيل. أُمُّكَ كانَت تُشبِهُ الكَرمَة، غُرِسَت على المِياه، فصارَت كَثيرَةَ الثِّمارِ والأَفْنان مِن غَزارَةِ المِياه، وصارَت لَها قُضبانٌ صُلْبَة صَوالِجَةٌ لِلسَّلاطين، وٱرتَفَعَت قامَتُها بَينَ الغُيوم، فنَظَروا إِلَيها لِٱرتِفاعِها وكَثرَةِ أَغْصانِها. ثُمَّ إِنَّها قُلِعَت بِغَضَب، وطُرِحَت على الأَرْض، فأَيبَسَتِ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ ثَمَرَتَها، وكُسِّرَت قُضْبانُها الصُّلبَةُ وٱلتَهَمَتها النَّار. وهي الآنَ مَغْروسَةٌ في البَرِّيَّة، في أَرضٍ قاحِلَةٍ عَطْشى. فخَرَجَ مِن غُصنِها نارٌ إِلتَهَمَت ثَمَرَتَها، فلَم يَبْقَ فيها غُصنٌ صُلْب، صَولَجانٌ لِلتَّسَلُّط. هٰذا رِثاءٌ، وكان لِلرِّثاء». في السَّنَةِ السَّابِعَة، في الشَّهرِ الخامِس، في العاشِرِ مِنَ الشَّهْر، أَتى رِجالٌ مِن شُيوخٍ إِسْرائيلَ لِيَسأَلوا الرَّبّ، فجَلَسوا أَمامي. فكانتَ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، كَلِّمْ شُيوخَ إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: أَلِتَسأَلوني أَنتُم آتون؟ حَيٌّ أَنا! لا أَدَعُكم تَسأَلونَني، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. هَلاَّ تَدينُهم؟ هَلاَّ تَدينُ، يا ٱبنَ الإِنْسان؟ عَرِّفْهم قَبائِحَ آبائِهم وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ. إِنِّي يَومَ ٱختَرتُ إِسْرائيلَ ورَفَعتُ يَدي إِلى ذُرِّيَّةِ بَيتِ يَعْقوب، وتَعَرَّفتُ إِلَيهم في أَرضِ مِصرَ، ورَفَعتُ يَدي إِلَيهم قائِلًا: أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم، في ذٰلك اليَومِ رَفَعتُ يَدي إِلَيهم على أَن أُخرِجَهم مِن أَرضِ مِصرَ إِلى الأَرضِ الَّتي ٱستَطلَعتُها لَهم، الَّتي تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا، وهي زينَةُ جَميعِ الأَراضي. وقُلتُ لَهم: إِنبِذوا كُلُّ واحِدٍ أَرْجاسَ عَينَيه، ولا تَتَنَجَّسوا بِقَذاراتِ مِصر. أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. فتَمَرَّدوا علَيَّ وأَبَوا أَن يَسمَعوا لي، ولم يَنبِذوا كُلُّ واحِدٍ أَرْجاسَ عَينَيه ولم يَترُكوا قَذاراتِ مِصْر. فقُلتُ: إِنِّي أَصُبُّ غَضَبي علَيهم وأُتِمُّ سُخْطي فيهم في وَسَطِ أَرضِ مِصْر. لٰكِنِّي عَمِلتُ لأَجلِ ٱسْمي لِئَلاَّ يَتَدَنَّسَ على عُيونِ الأُمَمِ الَّتي هم بَينَها، الَّتي عَرَّفتُ نَفْسي إِلَيهم على عُيونِها لأُخرِجَهم مِن أَرضِ مِصْر. فأَخرَجتُهم مِن أَرضِ مِصرَ وأَتَيتُ بِهم إِلى البَرِّيَّة، وأَعطَيتُهم فَرائِضي وعَرَّفتُهم أَحْكامِيَ الَّتي على الإِنسانِ أَن يَعمَلَ بِها لِيَحْيا بِها. وأَعطَيتُهم أَيضًا سُبوتي لِتَكونَ عَلامةً بَيني وبَينَهم، لِيَعلَموا أَنِّي أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُهم. لٰكِنَّ بَيتَ إِسْرائيلَ تَمَرَّدوا علَيَّ في البَرِّيّة، فلم يَسيروا على فَرائِضي ورَفَضوا أَحْكامِيَ الَّتي مَن عَمِلَ بِها يَحْيا بِها، وٱنتَهَكوا سُبوتي جِدًّا، فقُلتُ: إِنِّي أَصُبُّ غَضَبي علَيهم في البَرِّيَّةِ لأُفنِيَهم. لٰكِنِّي عَمِلتُ لأَجلِ ٱسْمي لِئَلاَّ يُنتَهَكَ أَمامَ عُيونِ الأُمَمِ الَّتي أَخرَجتُهم أَمامَ عُيونِها، ورَفَعتُ يَدي إِلَيهِم في البَرِّيَّةِ على أَن لا آتِيَ بِهم إِلى الأَرضِ الَّتي أَعطَيتُها لَهم، الَّتي تَدُرُّ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا، وهي زينَةُ جَميعِ الأَراضي، لأَنَّهم رَفَضوا أَحْكامي ولم يَسيروا على فَرائِضي وٱنتَهَكوا سُبوتي، إِذ كانَت قُلوبُهم تَسيرُ وَراءَ قَذاراتِهم. لٰكِنَّ عَيني عَطَفَت علَيهم مِنَ التَّدْمير، فلَم أُفنِهم في البَرِّيَّة. وقُلتُ لِبَنيهم في البَرِّيَّة: لا تَسيروا على فَرائضِ آبائِكم ولا تَحفَظوا أَحكامَهم ولا تَتَنَجَّسوا بِقَذاراتِهم. أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم، فسيروا على فَرائِضي وٱحفَظوا أَحْكامي وٱعمَلوا بِها، وقَدِّسوا سُبوتي فتَكونَ عَلامَةً بَيني وبَينَكم لِكَي تَعلَموا أَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم. لٰكِنَّ البَنينَ تَمَرَّدوا علَيَّ ولم يَسيروا على فَرائِضي، وأَحْكامِيَ الَّتي مَن يَعمَلُ بِها يَحْيا بِها لم يَحفَظوها لِيَعمَلوا بِها، وٱنتَهَكوا سُبوتي. فقُلتُ: إِنِّي أَصُبُّ غَضَبي علَيهم لأُتِمَّ سُخْطي فيهم في البَرِّيَّة. لٰكِنِّي رَدَدتُ يَدي وعَمِلتُ لأَجلِ ٱسْمي لِئَلاَّ يَتَدَنَّسَ أَمامَ عُيونِ الأُمَمِ الَّتي أَخرَجتُهم أَمامَ عُيونِها، ورَفَعتُ يَدي إِلَيهم في البَرِّيَّةِ على أَن أُشَتِّتَهم بَينَ الأُمَم وأُذَرِّيَهم في الأَراضي، لأَنَّهم لم يَعمَلوا بِأَحْكامي ورَفَضوا فَرائِضي وٱنتَهَكوا سُبوتي وكانَت عُيونُهم وَراءَ قَذاراتِ آبائِهم. فأَعطَيتُهم فَرائِضَ غَيرَ صالِحَةٍ وأَحْكامًا لا يَحيَونَ بِها، ونَجَّستُهم بِعَطاياهم بِتَمْريرِهم في النَّارِ كُلَّ فاتِحِ رَحِم، لِكَي أُرعِبَهم حتَّى يَعلَموا أَنِّي أَنا الرَّبّ. لِذٰلك كَلِّمْ بَيتَ إِسْرائيلَ، يا ٱبنَ الإِنْسان، وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِهٰذا أَيضًا جَدَّفَ علَيَّ آباؤُكم، إِذ خالَفوني مُخالَفَةً، بِأَنَّهم لَمَّا أَتَيتُ بِهم إِلى الأَرضِ الَّتي رَفَعتُ يَدي على أَن أُعطِيَها لَهم ورَأَوا كُلَّ تَلَّةٍ عالِيَةٍ وكُلَّ شَجَرَةٍ مُلتَفَّةً، ذَبَحوا هُناكَ ذَبائِحَهم وقَدَّموا هُناكَ قُرْبانَ إِسْخاطِهم لي ووَضَعوا هُناكَ رائِحَةَ رِضاهُم وسَكَبوا هُناكَ سُكُبَهم. فقُلتُ لَهم: ما هو المَشرَفُ الَّذي أَنتُم آتونَ إِلَيه؟ فسُمِّيَ «بامة» إِلى هٰذا اليَوم. لِذٰلك قُلْ لِبَيتِ إِسْرائيل: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: أَتَكونونَ تَتَنَجَّسونَ في طَريقِ آبائِكم وتَزْنونَ بِالسَّيرِ وَراءَ أَقْذارِهم، وبِتَقْديمِ عَطاياكم وتَمْريرِ أَبْنائِكم في النَّار، تَتَنَجَّسونَ مع جَميعِ قَذَاراتِكم إِلى اليَوم، وأَدَعَكم تَسأَلونَني، يا بَيتَ إِسْرائيل؟ حَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، لا أَدَعُكم تَسأَلونَني. وما خَطَرَ بِبالِكم لا يَكونُ البَتَّة. تَقولون: إِنَّنا نَكونُ كالأُمَم، كعشائِرِ الأَراضي، عامِلينَ لِلخَشَبِ والحَجَر. لٰكِن حَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، إِنِّي بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وذِراعٍ مَبْسوطَةٍ وغَضَبٍ مَصْبوبٍ أَملِكُ علَيكم، وأُخرِجُكم مِن بَينِ الشُّعوب، وأَجمَعُكم مِنَ الأَراضي الَّتي شُتِّتُّم فيها بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وذِراعٍ مَبْسوطَةٍ وغَضَبٍ مَصْبوب. وآتي بِكم إِلى بَرِّيَّةِ الشُّعوب، وأُحاكِمُكم هُناكَ وَجهًا إِلى وَجْه. كما حاكَمتُ آباءَكم في بَرِّيَّةِ أَرضِ مِصر، كذٰلك أُحاكِمُكم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وأُمَرِّرُكم تَحتَ العَصا وأُدخِلُكم في رِباطِ العَهْد، وأَفرِزُ عنكمُ المُتَمَرِّدينَ والعاصينَ علَيَّ وأُخرِجُهم مِن أَرضِ غُربَتِهم، لٰكِنَّهم لا يَدخُلونَ أَرضَ إِسْرائيل، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. وأَنتُم يا بَيتَ إِسْرائيل، هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِذهَبوا وٱعمَلوا كُلَّ واحِدٍ لِقَذاراتِه، وفيما بَعدُ فإِنَّكم ستَسمَعونَ لي ولا تَعودونَ تُدَنِّسونَ ٱسْمِيَ القُدُّوسَ بِتَقادِمِكم وقَذاراتِكم. لأَنَّه في جَبَلِ قُدْسي، في جَبَلِ إِسْرائيلَ العالي، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، هُناكَ يَعمَلُ لي كُلُّ بَيتٍ إِسْرائيلَ بِأَجمَعِهم في الأَرض، وهُناكَ أَرْضى عنهم، وهُناكَ أَطلُبُ تَقادِمَكم وباكوراتِ عَطاياكم مع جَميعِ مُقَدَّساتِكم. أَرْضى عنكم بِرائِحَةِ رِضًى، إِذ أُخرِجُكم مِن بَينِ الشُّعوب، وأَجمَعُكم مِنَ الأَراضي الَّتي شَتَّتُّكم فيها، وأَتَقَدَّسُ فيكم على عُيونِ الأُمَم، فتَعَلمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ، حينَ آتي بِكم إِلى أَرضِ إِسْرائيل، إِلى الأَرضِ الَّتي رَفَعتُ يَدي على أَن أُعطِيَها لِآبائِكم. وتَذكُرونَ هُناكَ طُرُقَكم وجَميعَ أَعْمالِكُمُ الَّتي تَنَجَّستُم بِها، فتَكرَهونَ أَنفُسَكم لِجَميعِ الشُّرورِ الَّتي صَنَعْتُموها. وتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ، حينَ أَصنَعُ معَك لأَجْلِ ٱسْمي، لا بِحَسَبِ طُرُقِكُمُ الشِّرِّيرَةِ وأَعْمالِكمُ الفاسِدَة، يا بَيتَ إِسْرائيل، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، اِجعَلْ وَجهَكَ نَحوَ اليَمين، وتَكَهَّنْ على الجَنوب، وتَنَبَّأْ على غابَةِ حَقلِ النَّقَب، وقُلْ لِغابَةِ النَّقَب: إِسمَعي كَلِمَةَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أُضرِمُ فيكِ نارًا، فتَلتَهِمُ فيكِ كُلَّ شَجَرٍ رَطْبٍ وكُلَّ شَجَرٍ يابِس، ولا يُطفَأُ لَهيبُها المُشتَعِل، وتُحرَقُ بِها جَميعُ الوُجوهِ مِنَ النَّقَبِ إِلى الشَّمال، فيَرى كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنا الرَّبَّ أَوقَدتُها فلا تُطفَأ. فقُلتُ: آهِ أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، ها إِنَّهم يَقولونَ لي: أَلَيسَ هو ضارِبَ الأَمْثال؟» وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: يا ٱبنَ الإِنْسان، اِجعَلْ وَجهَكَ إِلى أُورَشَليم، وتَكَهَّنْ على المَقادِس، وتَنَبَّأْ على أَرضِ إِسْرائيل، وقُلْ لأَرضِ إِسْرائيل: هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا علَيكِ فأُجَرِّدُ سَيفي مِن غِمدِه وأَقرِضُ مِنكِ البارَّ والشِّرِّير، لأَنَّه لأَقرِضَ مِنكِ البارَّ والشِّرِّيرَ يَتَجَرَّدُ سَيفي مِن غِمدِه على كُلِّ بَشَرٍ مِنَ النَّقَبِ إِلى الشَّمال، فيَعلَمُ كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنا الرَّبَّ قد جَرَّدتُ سَيفي مِن غِمدِه فلا يَعودُ إِلَيه. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسانِ تَأَوَّهْ، بِظَهرٍ مَقْصومٍ وبِمَرارَةٍ تَأَوَّهْ أَمامَ عُيونِهم. فإِذا قالوا لَكَ: مِمَّا أَنتَ مُتَأَوِّه؟ فقُلْ: بِسَبَبِ خَبَرٍ آتٍ يَذوبُ كُلُّ قَلْبٍ وتَستَرْخي كُلُّ يَدٍ ويَني كُلُّ روحٍ وتَسيلُ كالماءِ كُلُّ رُكْبَة. هل إِنَّه قد أَتى وسيُحَقَّق، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، تَنَبَّأْ وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: قُلْ: السَّيفُ السَّيفُ قد حُدِّدَ وصُقِل، قد حُدِّدَ لِيَذبَحَ ذَبحًا، وصُقِلَ لِيَكونَ لَه بَريق (هل نَفرَحُ بِأَنَّ صَولَجانَ ٱبْني يَزدَري كُلَّ صَولَجان؟) أَعْطى الرَّبُّ السَّيفَ لِلصَّقْل، حتَّى يُمسَكَ بِالكَفّ. لقد حُدِّدَ هٰذا السَّيفُ وصُقِلَ لِيُجعَلَ في يَدِ القاتِل. أُصرُخْ ووَلْوِلْ يا ٱبنَ الإِنْسان، فإِنَّه يَكونُ على شَعْبي وعلى جَميعِ رُؤَساءِ إِسْرائيل. يُسلَمونَ إِلى السَّيفِ مع شَعْبي، لِذٰلك ٱصفِقْ على فَخِذِكَ، فإِنَّه ماذا تَكونُ المِحنَة لَو لم يَكُنِ الصَّولَجانُ المُزدَري، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان تَنَبَّأْ وٱضرِبْ كَفًّا على كَفّ، لِيَعُدِ السَّيفُ ثَلاثَ مَرَّات، سَيفُ القَتْلى، سَيفُ القَتيلِ العَظيمِ المُطَوِّقُ لَهم، لِكَي تَذوبَ القُلوبُ وتَتَكاثَرَ المَعاثِر. جَعَلتُ على جَميعِ أَبْوابِها هَولَ السَّيفِ المُهَيَّإِ لِلبَريقِ والمَحْفوظِ لِلذَّبْح. رَكِّز الهُجومَ إِلى اليَمين وٱنتَبِهْ إِلى اليَسارِ حَيثُ المجابَهة، وأَنا أَيضًا أَضرِبُ كَفِّي على كَفِّي، وأُريحُ غَضَبي، أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، اِجعَلْ لَكَ طَريقَينِ لِمَجيءِ سَيفِ مَلِكِ بابِل. مِن أَرضٍ واحِدَةٍ يَخرُجُ الِٱثنان. وٱجعَلْ عَلامَةً، اِجعَلْها في رَأسِ طَريقِ المَدينة. وٱجعَلْ طَريقًا لِمَجيءِ السَّيفِ إِلى رَبَّةِ بَني عَمُّون وإِلى يَهوذا في أُورَشَليمَ الحَصينة، فإِنَّ مَلِكَ بابِلَ قد وَقَفَ عِندَ المُفتَرَق، في رَأْسِ الطَّريقَين، لِيَقومَ بِالعِرافة، فهَزَّ السِّهامَ وسَأَلَ التَّرافيمَ ونَظَرَ في الكَبِد. فإِذا العِرافَةُ في يَمينِه أُورَشَليم، لِيَنصِبَ الكِباشَ ويَأمُرَ بِالذَّبْحِ ويَرفَعَ الصَّوتَ بِالصِّياح: لِيَنصِبَ الكِباشَ على الأَبْواب ويَركُمَ المَرْدومَ ويَبْنِيَ التَّحْصينات، فيَكونُ ذٰلك لَدَيهم بِمَنزِلَةِ عِرافَةٍ باطِلَة، إِذ كانَ أَمامَ عُيونِهم قَسَمٌ مُعلَن. لٰكِنَّه يُذَكِّرُ بِالإِثْمِ لِيأخُذَهم بِه. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنَّكم بِسَبَبِ تَذْكيرِكم إِثمَكم، إِذ جاهَرتُم بِمَعاصِيكم، حتَّى بَدَت خَطاياكم في جَميعِ أَعْمالِكم، بِسَبَبِ تَذَكُّرِهم لَكم ستُؤخَذونَ بِالقُوَّة. وأَنتَ أَيُّها النَّجِسُ الشِّرِّير، رَئيسُ إِسْرائيل، الَّذي أَتى يَومُه عِندَ بُلوغِ الإِثمِ غايَتَه، هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: تُنزَعُ العِمامَةُ ويُرفَعُ التَّاج. هٰذه الحالُ لا تَبْقى، بل يُرفَعُ الوَضيعُ ويُوضَعُ الرَّفيع. خَرابٌ خَرابٌ خَراب، هٰذا ما سأَصنَعُه. لم يَكُنْ مِثلُ هٰذه الحال، إِلى أَن يَأتِيَ الَّذي لَه الحُكمُ، فأَجعَلُه لَه. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، تَنَبَّأْ وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ على بَني عَمّونَ وعلى تَعْييرِهم: قُلْ: السَّيفُ السَّيفُ مُجَرَّدٌ لِلْذَّبْحِ مَصْقولٌ غايَةَ الصَّقْلِ لِلبَريق. فعِندَ رُؤياكَ الباطِلَةِ وعِرافَتِكَ بِالكَذِب، لِتُجعَلَ، أَيُّها السَّيفُ، على أَعْناقِ الأَنْجاسِ الأَشْرارِ الَّذينَ أَتى يَومُهم عِندَ بُلوغِ الإِثمِ غايَتَه. أَرجِعْه إِلى غِمدِه، فإِنِّي أَدينُكَ في المَكانِ الَّذي خُلِقتَ فيه، في أَرضِ أَصلِكَ. أَصُبُّ علَيكَ سُخْطي وأَنفُخُ علَيكَ نارَ غَضَبي، وأُسلِمُكَ إِلى أَيدي أُناسٍ أَغبِياءَ صانِعي مَهالِك، فتَكونُ مَأكَلًا لِلنَّار، ويَكونُ دَمُكَ في وَسَطِ الأَرضِ ولا تُذكَر، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ. وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، هَلاَّ تَدين، هَلاَّ تَدينُ مَدينَةَ الدِّماءِ وتُعلِمُها بِجَميعِ قَبائِحِها. فقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: المَدينَةُ الَّتي تَسفِكُ الدَّمَ في وَسَطِها يَأتي وَقتُها، فإِنَّها تَصنَعُ قَذاراتٍ لِتَتَنَجَّسَ بِها. لقَد أَثِمتِ بِدَمِكِ الَّذي سَفَكتِه، وتَنَجَّستِ بِقَذاراتِكِ الَّتي صَنَعتِها، فأَدنَيتِ أَيَّامَكِ وبَلَغتِ إِلى سِنيكِ، فلِذٰلك قد جَعَلتُكِ عارًا لِلأُمَمِ وسُخرَةً لِجَميعِ الأراضي. الدَّانِياتُ مِنكِ والقاصِياتُ عنكِ يَسخَرنَ مِنكِ، أَيَّتُها النَّجِسَةُ الِٱسمِ الكَثيرةُ الِٱضطِراب. ها إِنَّ رُؤَساءَ إِسْرائيلَ كانوا فيكِ لِسَفكِ الدَّم، كُلُّ واحِدٍ على ما أَطاقَت ذِراعُه. فيكِ أَهانوا أَبًا وأُمًّا، وفي وَسَطِكِ عامَلوا النَّزيلَ بِالظُّلم، وفيكِ جاروا على اليَتيمِ والأَرمَلَة. لقدِ ٱزدَرَيتِ أَقْداسي وٱنتَهَكتِ سُبوتي. رِجالُ نَميمَةٍ كانوا فيكِ لِسَفْكِ الدَّم، وفيكِ أَكَلوا على الجِبال، وفي وَسَطِكِ صَنَعوا الفُجور. فيكِ مَن كَشَفَ عَورَةَ أَبيه وفيكِ أُذِلَّتِ المُتَنَجِّسَةُ بِطَمثِها. واحِدٌ صَنَعَ مع ٱمرَأَةِ قَريبِه ما هو قَبيحَة، وواحِدٌ نَجَّسَ كَنَّتَه بِفُجور، وواحِدٌ أَذَلَّ فيكِ أُختَه بِنتَ أَبيه. فيكِ أُخِذَتِ الرَّشوَةُ لِسَفْكِ الدَّم، وأَنتِ أَخَذتِ الفائِدَةَ والرِّبى، وٱغتَصَبتِ قَريبَكِ بِالكَسْبِ، ونَسيتِني، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. فهاءَنَذا أَضرِبُ كَفِّي على كَسبِكِ الَّذي ٱتَّخَذتِه وعلى الدَّمِ المَسْفوكِ في وَسَطِكِ. فهَل يَثبُتُ قَلبُكِ أَو تَقْوى يَداكِ، أَيَّامَ أُجْري أَمْري معَكِ. أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ وسأَفعَل. أُشَتِّتُكِ بَينَ الأُمَم وأُذَرِّيكِ في الأَراضي وأُزيلُ نجاسَتَكِ مِنكِ، وأَتَدَنَّسُ بِكِ على عُيونِ الأُمَم، فتَعلَمينَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِنَّ بَيتَ إِسْرائيلَ قد صاروا لَدَيَّ خَبَثًا، فجَميعُهم نُحاسٌ وقِصْديرٌ وحَديدٌ ورَصاصٌ في وَسَطِ الأَتُّون، وهُم خَبَثُ فِضَّة. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّكم جَميعًا قد صِرتُم خَبَثًا، لِذٰلك هاءَنَذا أَجمَعُكم في وَسَطِ أُورَشَليم جَمْعَ الفِضَّةِ والنُّحاسِ والحَديدِ والرَّصاصِ والقِصْديرِ في وَسَطِ الأَتُّون، لأَنفُخَ علَيها النَّارَ حتَّى أُذيبَها. هٰكذا أَجمَعُكم في غَضَبي وسُخْطي وأَدَعُكم هُناكَ وأُذيبُكم. أَحشُدُكم وأَنفُخُ علَيكم في نارِ سُخْطي وأُذيبُكم في وَسَطِها. كما تُسبَكُ الفِضَّةُ في وَسَطِ الأَتُّون، كذٰلك تُذابونَ في وَسَطِها، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبَّ صَبَبتُ غَضَبي عَلَيكم». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، قُلْ لَها: إِنَّكِ أَرضٌ غَيرُ مُطَهَّرة، لم تُمْطَرْ في يَومِ الغَضَب. في وَسَطِها مُؤامَرَةُ أَنبِيائِها. كأَسَدٍ زائِرٍ مُفتَرِسِ فَريسَةٍ قدِ ٱلتَهَموا النُّفوسَ وأَخذوا المالَ والنَّفيس، وكَثَّروا الأَرامِلَ في وَسَطِها. كَهَنتُها تَعَدَّوا شَريعَتي ودَنَّسوا أَقْداسي، ولم يُمَيِّزوا بَينَ المُقدَّسِ والحَلال، ولم يُعلِموا الفَرقَ بَينَ النَّجِسِ والطَّاهِر، وحَجَبوا عُيونَهم عن سُبوتي، فتَدَنَّستُ في وَسْطِهم. ورُؤَساءُها في وَسَطِها كالذِّئابِ المُفتَرِسَةِ الفَريسَة، سافِكينَ الدَّم، مُهلِكينَ النُّفوس، لِكَي يَكسِبوا كَسْبًا. وأَنْبِياؤُها طَيَّنوا لَهم بِالطِّلاءِ بِرُؤياهمُ الباطِلَةِ وعِرافَتِهم لَهم بِالكَذِبِ قائلين: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ، والرَّبُّ لم يَتَكَلَّم. جاروا جَورًا على شَعبِ الأَرض، وٱختَلَسوا خُلسَةً وظَلَموا البائِسَ والمِسْكين، وجاروا على النَّزيلِ بِغَيرِ حَقّ. وقد بَحَثتُ بَينَهم عن رَجُلٍ يُشَيِّدُ جِدارًا ويَقِفُ على الثُّلمَةِ أَمامي، مُدافِعًا عن الأَرضِ لِكَي لا أُدَمِّرَها، فلَم أَجِدْ. فصَبَبتُ علَيهم سُخْطي وأَفنَيتُهم بِنارِ غَضَبي، وجَعَلتُ سُلوكَهم على رُؤُوسِهم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، كانَتِ ٱمرَأَتانِ ٱبنَتا أُمٍّ واحِدَة، فزَنَتا في مِصرَ، زَنَتا في صِباها. هُناكَ دَغدَغوا ثُدَيَّهما، وهُناكَ داعَبوا نُهودَ بَكارَتِهما. أَمَّا أَسْماؤُهُما فٱسمُ الكُبْرى أُهلَة، وٱسمُ أُختِها أُهْليبَة. وكانَتا لي ووَلَدَتا بَنينَ وبَنات. أَسْماؤُهما: أُهلَةُ هي السَّامِرَة، وأُهلَيبَةُ هي أُورَشَليم. فزَنَت أُهلَةُ مع أَنَّها لي وعَشِقَت مُحِبِّيها بَني أَشُّورَ جيرانَها، مِن لابِسي البِرْفيرِ البَنَفسَجِيِّ والحُكَّامِ والوُلاة، وجَميعُهم فِتْيانٌ وِسامٌ وفُرسانٌ راكِبو خَيل. وأَباحَت نَفْسَها لِٱرتِكابِ الفَواحِشِ معَهم، مع جَميعِ نُخبَةِ بَني أَشُّور، وتَنَجَّسَت بِقَذاراتِ جَميعِ الَّذينَ عَشِقَتهم، ولَم تُقلِعْ عن فَواحِشَ ٱتَّخَذَتها مِن مِصرَ، حينَ ضاجَعوها في صِباها وداعَبوا نَهدَي بَكارَتِها وأَفرَغوا فَواحِشَهم علَيها. لِذٰلك أَسلَمتُها إِلى أَيدي مُحِبِّيها، إِلى أَيدي بَني أَشُّورَ الَّذينَ عَشِقَتهم. هم كَشَفوا عَورَتَها وأَخَذوا بَنيها وبَناتِها وقَتَلوها بِالسَّيف، فصارَت شَهيرةً بَين النِّساء، وأَجرَوا علَيها الأَحْكام. فرَأَت أُختُها أُهْليبَة، فزادت علَيها فَسادًا في عِشقِها، وفاقَت فَواحِشُها فَواحِشَ أُختِها، فعَشِقَت بَني أَشُّور، مِنَ الحُكَّامِ والوُلاةِ جيرانِها، لابِسي الثِّيابِ الفاخِرَة، والفُرْسانِ راكِبي الخيل، وجَميعُهم فِتْيانٌ وِسام. فرَأَيتُ أَنَّها قد تَنَجَّسَت وأَنَّ لِكِلتَيهما طَريقًا واحِدًا. لٰكِنَّها زادَت على فَواحِشِها، فإِنَّها رأَت رِجالًا مَنْقوشينَ على الحائِط، صُوَرَ كَلْدانِيِّينَ مُلَوَّنَةً بِالقِرمِز، ومُتَحَزِّمينَ بِأَحزِمَةٍ على أَحْقائِهم، وعلى رُؤُوسِهم عَمائِمُ مُتَهَدِّلَة، ولِجَميعِهم مَنظَرُ ضُبَّاطٍ وشِبْهُ بَني بابِلَ الكَلْدانِيِّينَ في أَرضِ مَولِدِهم. فعَشِقَتهم حالَ لَمحِ عَينَيها، وأَرسَلَت إِلَيهم رُسُلًا إِلى أَرضِ الكَلْدانِيِّين. فأَتى إِلَيها بَنو بابِلَ لأَجلِ مَضجَعِ الحُبّ، ونَجَّسوها بِفَواحِشِهم، فتَنَجَّسَت بهم ثُمَّ سَئِمَتهُم نَفْسُها. وكَشَفَت فَواحِشَها وكَشَفَت عَورَتَها فسَئِمَتها نَفْسي، كما سَئِمَت نَفْسي أُخْتَها. وأَكثَرَت فَواحِشَها ذاكِرَةً أَيَّامَ صِباها الَّتي زَنَت فيها في أَرضِ مِصْر، وعَشِقَت خُلَعاءَ بَدَنُهم بَدَنُ حَميرٍ وَمنِيُّهم مَنِيُّ خَيْل. وٱبتَغَيتِ فُجورَ صِباكِ، حينَ داعَبَ المِصرِيُّونَ نَهدَيكِ، مُدَغدِغينَ ثَديَي صِباكِ. لِذٰلك يا أُهْليبة، هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أُثيرُ علَيكِ مُحِبِّيكِ الَّذينَ سَئِمَتهم نَفْسُكِ وآتي بِهم علَيكِ مِن كُلِّ جِهَة، مِن بَني بابِلَ وجَميعِ الكَلْدانِيِّينَ والَّذينَ مِن فَقودَ وشوعَ وقوعَ وجَميعِ بَني أَشُّورَ معَهم، وهم فِتْيانٌ وِسام، وكُلُّهم حُكَّامٌ ووُلاة، وكُلُّهم ضُبَّاطٌ وأَعْيانٌ وراكِبو خَيل، فيَأتونَ علَيكِ مُجَهَّزينَ بِالمَركَباتِ والعَجَلاتِ وبِجَمعٍ مِنَ الشُّعوب، ويُقيمونَ علَيكِ المِجنَبَ والتُّرسَ والخوذَةَ مِن كُلِّ جِهَة، وأَجعَلُ بَينَ أَيديهمِ الحُكمَ فيَدينونَكِ بِحَسَبِ أَحْكامِهم. وأَجعَلُ غَيرَتي علَيكِ فيُعامِلونَكِ بِغَضَب، ويَنزِعونَ أَنفَكِ وأُذُنَيكِ، وتَسقُطُ بَقِيَّتُكِ بِالسَّيف، ويأخُذونَ أَبْناءَكِ وبَناتِكِ، وبَقِيَّتُكِ تَلتَهِمُها النَّار. ويَنزِعونَ عنكِ ثِيابَكِ ويَأخُذونَ أَدَواتِ فَخرِكِ، وأُبطِلُ فُجورَكِ عنكِ وزِناكِ عن أَرضِ مِصْر، فلا تَرفَعينَ عَينَيكِ إِلَيهم ولا تَذكُرينَ مِصرَ بَعدَ اليَوم. لأَنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أُسلِمُكِ إِلى يَدِ مَن أَبغَضتِ، إِلى يَدِ الَّذينَ سئِمَتهُم نَفْسُكِ، فيُعامِلونَكِ بِبَغضاء، ويَأخُذونَ كُلَّ ثَمَرِ تَعَبِكِ، ويَترُكونَكِ عُرْيانةً عُرْيًا، فتَنكَشِفُ عَورَةُ زِناكِ وفُجورُكِ وفَواحِشُكِ. يُصنَعُ بِكِ ذٰلك بِسَبَبِ زِناكِ في السَّيرِ وَراءَ الأُمَم، بِأَن تَنَجَّستِ بِقَذاراتِها. إِنَّكِ سِرتِ في طَريقِ أُختِكِ، فأَجعَلُ كأسَها في يَدِكِ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: تَشرَبينَ كأسَ أُختِكِ كأسًا عَميقَةً واسِعة، فتَكونُ لِلضَّحِكِ والهُزْءِ لِعِظَمِ ٱتِّساعِها، فتَمتَلِئينَ سُكْرًا وغَمًّا. كَأسُ دَهَشٍ ودَمار، كأسُ أُختِكِ السَّامِرَة، تَشرَبينَها وتُفرِغينَها، وتَقضَمينَ خَزَفَها، وتُمَزِّقينَ ثَديَيكِ، لأَنِّي قد تَكَلَّمتُ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّكِ نَسيتِني ونَبَذتِني وَراءَ ظَهرِكِ، فتَحَمَّلي أَنتِ أَيضًا فُجورَكِ وفَواحِشَكِ». وقالَ لِيَ الرَّبّ: يا ٱبنَ الإِنْسان، هَلاَّ تَدينُ أُهلَةَ وأُهليبَة، وتُخبِرُهما بِقَبائِحِهما، فإِنَّهما فَسَقَتا وفي أَيديهما دَم. فَسَقَتا مع قَذاراتِهما، وبَنوهما الَّذينَ وَلَدَتاهم لي مَرَّرَتاهم بِالنَّارِ طَعامًا لَها. وصَنَعَتا بي هٰذا أَيضًا: نَجَّسَتا مَقدِسي في ذٰلك اليَومِ وٱنتَهَكَتا سُبوتي. ولَمَّا ذَبَحَتا بَنيهما لِقَذاراتِهما، دَخَلتا مَقدِسي في اليَومِ نَفْسِه ولِتَنتَهِكاه، وها إِنَّهما صَنَعَتا هٰكذا في وَسَطِ بَيتي. وأَرسَلَتا أَيضًا تَستَدعِيانِ رِجالًا قادِمينَ مِن بَعيد، إِذ أُرسِلَ إِلَيهم رَسول، وها إِنَّهم قد أَتَوا. فٱغتَسَلتِ لأَجلِهم وكَحَلَتِ عَينَيكِ وتَحَلَّيتِ بِالحُلِيّ، وجَلَستِ على سَريرٍ فاخِرٍ أَمامَه مائِدَةً مُهَيَّأَةٌ وَضَعتِ علَيها بَخوري وزَيتي. وكانَ صَوتُ جُمْهورٍ من المُستَهتِرينَ يُسمَعُ عِندَها مِن كَثرَةِ النَّاسِ الَّذينَ أُتِيَ بِهم مِنَ البَرِّيَّة، وجَعَلوا أَساوِرَ في أَيديهما وتاجَ فَخرٍ على رُؤُوسِهما. فقُلتُ في الَّتي بَلِيَت في الفِسْق: الآنَ يَزْنونَ مَعَها أَيضًا، ويَدخُلونَ علَيها دُخولَهم على ٱمرَأَةٍ زانِيَة. هٰكذا دَخَلوا على أُهلَةَ وأُهْليبَةَ المَرأَتَينِ الفاجِرَتَين. لٰكِنَّ الرِّجالَ الأَبْرارَ يَحكُمونَ علَيهما حُكمَ الزَّواني وحُكمَ سَفَّاكاتِ الدِّماء، لأَنَّهُما فاسِقَتانِ وفي أَيديهما دَم. فإِنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: لِتُستَدْعَ علَيهما جَماعةٌ ولْتُسلَما إِلى الذُّعرِ والنَّهْب، فتَرجُمُهما الجَماعَةُ بِالحِجارة وتُقَطِّعُهما بِسُيوفِها ويَقتُلونَ بَنيهما وبَناتهما ويُحرِقونَ بُيوتَهما بِالنَّار. فأُبطِلُ الفُجورَ مِن تِلكَ الأَرضِ وتُنذَرُ جَميعُ النِّساءِ ولا يَصنَعنَ مِثلَ فُجورِكما. ويَجعَلونَ فُجورَكما علَيكما، فتَحمِلانِ خَطايا قَذاراتكما وتَعلَمانِ أَنِّي أَنا السَّيِّدُ الرَّبّ. وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ في السَّنَةِ التَّاسِعَة، في الشَّهرِ العاشِر، في العاشِرِ مِنَ الشَّهرِ، قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، أُكتُبْ لَكَ تاريخَ هٰذا اليَوم، هٰذا اليَومِ نَفْسِه، فإِنَّ مَلِكَ بابِلَ قد ٱنقَضَّ على أُورَشَليمَ في هٰذا اليَومِ نَفْسِه، وٱضرِبْ مَثَلًا لِبَيتِ التَّمَرُّد، وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: ضَعِ القِدرَ ضَعِ القِدرَ ضَعْها، وصُبَّ فيها ماءً، وٱجمَعْ فيها قِطَعًا، كُلَّ قِطعَةٍ طَيِّبَة، الفَخِذَ والكَتِف، وٱملَأْها مِن أَفضَلِ العِظام. وخُذْ مِن أَفضَلِ الغَنَم، وكَوِّمِ العِظامَ في أَسفَلِها، وأَغلِها إِغْلاءً، حتَّى تُطبَخَ عِظامُها في وَسَطِها. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: وَيْلٌ لِمَدينَةِ الدِّماء، القِدْرِ الَّتي زِنْجارُها فيها، ولم يَخرُجْ زِنْجارُها مِنها. أَفرِغْها قِطعَةً قِطعَة، دونَ أَن تَقَعَ القُرعَةُ علَيها، لأَنَّ دَمَها في وَسَطِها، على الصَّخرِ العادي أَلقَته، ولم تُسفِكْه على الأَرض، فيُوارى التُّراب. لِكَي أُثيرَ الغَضَب، وأَنتَقِمَ ٱنتِقامًا، جَعَلتُ دَمَها على الصَّخرِ العاري لِئَلاَّ يُوارى. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّب: وَيلٌ لِمَدينَةِ الدِّماء، فإِنِّي أَنا أَيضًا أُضَخِّمُ المَحرَقَة. أكثِرِ الحَطَبَ وأَضرِمِ النَّار وأَفنِ اللَّحْم، ورَكِّزِ المَرَقَ وَلتُحرَقِ العِظام، ثُمَّ ضَعْها على جَمرِها فارِغَة، لِكَي تُحْمى ويَحمَرَّ نُحاسُها، فيَذوبَ قَذَرُها في وَسَطِها، ويَزولَ زِنْجارُها. لٰكِنَّ القِدرَ أَتعَبَتِ الجُهود، ولم يَخرُجْ مِنها زِنْجارُها الكَثير، فليَزُلْ بِالنَّارِ زِنْجارُها. إِنَّ في نَجاسَتِكِ فُجورًا، لأَنِّي أَرَدتُ أَن أُطَهِّرَكِ فلَم تَطهُري ولَن تَطهُري بَعدَ اليَومِ مِن نَجاسَتِكِ، إِلى أَن أُريحَ فيكِ غَضَبي. أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ وسيَتِمُّ ذٰلك. أَفعَلُ ولا أَنثَني ولا أَعطِفُ ولا أَندَم، بل على حَسَبِ سُلوكِكِ وأَعْمالِكِ يَدينونَكِ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، هاءَنَذا آخُذُ عنكَ مُشْتَهى عَينَيكَ بِضَربَة، فلا تَندُبْ ولا تَبكِ ولا تَذرِفْ دَمعَة. تَنَهَّدْ ساكِتًا ولا تُقِمْ مناحَةً على المَيت، بلِ ٱعصِبْ علَيكَ عِمامَتَكَ، وٱجعَلْ حِذاءَكَ في رِجلَيكَ، ولا تُلَثِّمْ شارِبَيكَ، ولا تَأكُلْ خُبزَ النَّاس». فكَلَّمتُ الشَّعبَ في الصَّباح، وماتَتِ ٱمرَأَتي في المَساء، فصَنَعتُ في الصَّباحِ كما أُمِرتُ. فقالَ لِيَ الشَّعْب: «أَلا تُخبِرُنا ما نَحنُ وهٰذا الَّذي أَنتَ صانِعُه؟». فقُلتُ لَهم: «قد كانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: قُلْ لِبَيتِ إِسْرائيل: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أُدَنِّسُ مَقدِسي، فَخرَ عِزَّتِكم ومُشْتَهى عُيونِكم وشَوقَ نُفوسِكم، وبَنوكم وبَناتُكمُ الَّذينَ تَرَكتُم يَسقُطونَ بِالسَّيف. فتَصنَعونَ كما صَنَعتُ: لا تُلَثِّمونَ الشَّارِبَينِ ولا تَأكُلونَ خُبزَ النَّاس، وتَكونُ عَمائِمُكم على رُؤُوسِكم وأَحذِيَتُكم في أَرجُلِكم، ولا تَندُبونَ ولا تَبْكون، بل تَتَعَفَّنونَ بِآثامِكم وتَئِنُّونَ كُلُّ واحِدٍ أَمامَ أَخيه. فيَكونُ حَزقِيالُ لَكم آيَةً. مِثلَ كُلِّ ما صَنَعَ تَصنَعون، وحين يَقَعُ الأَمرُ تَعلَمونَ أَنِّي أَنا السَّيِّدُ الرَّبّ. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، ها إِنَّه يَومَ آخُذُ عنهم عِزَّتَهم وسُرورَ فَخرِهم ومُشْتَهى عُيونِهم وما تَسْمو إِلَيه نُفوسُهم مِن بَنيهم وبَناتِهم، في ذٰلك اليَومِ يَأتي إِلَيكَ المُفلِتُ لِيُخبِرَكَ، وفي ذٰلك اليَومِ يَنفَتِحُ فَمُكَ لِلمُفلِتِ وتَتَكَلَّم، ولا تَكونُ أَبكَم، فتَكونُ لَهم آيَةً، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِجعَلْ وَجهَكَ إِلى بَني عَمُّونَ وتَنَبَّأْ علَيهم، وقُلْ لِبَني عَمُّون: إِسمَعوا كَلِمَةَ السَّيِّدِ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّكِ قُلتِ: هَهْ على مَقدِسي لأَنَّه دُنِّس، ولأَرضِ إِسْرائيلَ لأَنَّها أَقفَرَت، ولِبَيتِ يَهوذا لأَنَّهم ذَهَبوا إِلى الجَلاء. لِذٰلك هاءَنَذا أَجعَلُكِ لأَبْناءِ المَشرِقِ ميراثًا فيُقيمونَ مُخَيَّماتِهم فيكِ ويَجعَلونَ فيكِ مَساكِنَهم ويأكُلونَ ثَمَرَكِ ويَشرَبونَ لَبَنَكِ الحَليب. وأَجعَلُ رَبَّةَ مَرعًى لِلإبل، وأَرضَ بَني عَمُّونَ مَربِضًا لِلغَنَم، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. فإِنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّكَ صَفَّقتَ بِيَدَيكَ وخَبَطتَ بِرِجلَيكَ وشَمِتَّ بِكُلِّ ٱحتِقارٍ ومِن كُلِّ قَلبِكَ بِأَرضِ إِسْرائيل، لِذٰلك هاءَنَذا أَمُدُّ يَدي علَيكَ وأَجعَلُكَ نَهْبًا لِلأُمَم، وأَقرِضُكَ مِنَ الشُّعوب، وأُبيدُكَ مِنَ الأَراضي وأُهلِكُكَ، فتَعلَمُ أَنِّي أَنا الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّ موآبَ وسِعيرَ قالَتا: ها إِنَّ بَيتَ يَهوذا كَجَميعِ الأُمَم، لِذٰلك هاءَنَذا أَفتَحُ مُرتَفَعاتِ موآبَ والمُدُن، مُدُنَها عن آخِرِها، أَفتَحُ بَهاءَ الأَرض: بَيتَ يَشيموتَ وبَعلَ مَعوثَ وقِريَتائيم، لأَبناءِ المَشرِقِ مع بَني عَمُّون، أَجعَلُها ميراثًا، لِكَي لا يُذكَرَ بَنو عَمُّونَ في الأُمَم، وأُجري أَحْكامًا على مُوآب، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّ أَدومَ قد عَمِلَ بِالِٱنتِقام، فٱنتَقَمَ مِن بَيتِ يَهوذا وٱرتَكَبَ إِثمًا، إِذِ ٱنتَقَموا مِنهم، لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي أَمُدُّ يَدي على أَدوم، وأَقرِضُ مِنه البَشَرَ والبَهائم، وأَجعَلُه خَرابًا. مِن تَيمانَ إِلى دَدانَ يَسقُطونَ بِالسَّيف، وأَجعَلُ ٱنتِقامي مِن أَدومَ في أَيدي شَعْبي إِسْرائيل، فيَفعَلونَ بِأَدومَ بِحَسَبِ غَضَبي وسُخْطي، فيَعرِفونَ ٱنتِقامي، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّ الفَلِسطينِيِّينَ قد عَمِلوا بِالِٱنتِقام، فٱنتَقَموا بِاحتِقارٍ مِن كُلِّ قُلوبِهم لِلتَّدْميرِ عن عَداوَةٍ قَديمة، لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أَمُدُّ يَدي على الفَلِسطينِيِّين، وأَقرِضُ الكَريتِيِّين، وأُبيدُ بَقِيَّةَ ساحِلِ البَحْر، وأُجْري علَيهمِ ٱنتِقامًا عَظيمًا بِتَوبيخاتِ غَضَب، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ، حينَ أَجعَلُ ٱنتِقامي علَيهم». وفي السَّنَةِ الحادِيَةِ عَشرَةَ، في الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْر، كانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، بِمَا أَنَّ صورَ قالَت على أُورَشَليم: هَهْ، قدِ ٱنكَسَرَت مَصاريعُ الشُّعوبِ وتَحَوَّلَت إِلَيَّ، فأَنا أَمتَلِئ، أَمَّا هي فقد دُمِّرَت. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا علَيكِ يا صور، فأُصعِدُ علَيكِ أُمَمًا كَثيرة، كما يُصعِدُ البَحرُ أَمواجَه، فيُدَمِّرونَ أَسْوارَ صور، ويَهدِمونَ بُروجَها، وأَجرُفُ تُرابَها، وأَجعَلُها صَخرًا عارِيًا، فتَصيرُ مَنشَرًا لِلشِّباكِ في وَسَطِ البَحْر، لأَنِّي أَنا تَكَلَّمتُ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، وتَكونُ نَهْبًا لِلأُمَم. وبَناتُها اللَّواتي في الحُقولِ يُقتَلنَ بِالسَّيف، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. لأَنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أَجُلُب على صورَ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكَ بابِل، مِنَ الشَّمال، مَلِكَ المُلوك، بِخَيلٍ ومَركَباتٍ وفُرسانٍ وجَمعٍ وشَعبٍ كَثير، فيَقتُلُ بَناتِكِ في الحُقولِ بِالسَّيف، ويَجعَلُ علَيكِ تَحْصينات ويَركُمُ علَيكِ مِترَسَةً ويَرفَعُ علَيكِ تُرسًا، ويُلْقي على أَسوارِكِ صَدَماتِ كِباشِه، ويَهدِمُ بُروجَكِ بِأَدواتِ حَربِه. ولِكَثرَةِ خَيلِه يُغَطِّيكِ غُبارُها، ومِن صَوتِ الفُرسانِ والعَجَلاتِ والمَركَبات، تَرتَعِشُ أَسْوارُكِ، إِذ يَدخُلُ أَبْوابَكِ دُخولَ مَدينَةٍ قد ثُغِرَت. وحَوافِرُ خَيلِه تَدوسُ جَميعَ شَوارِعِكِ، ويَقتُلُ شَعبَكِ بِالسَّيف، وأَنصابُ عِزَّتِكِ تَهبِطُ إِلى الأَرض، ويَسلُبونَ ثَروَتَكِ ويَنهَبونَ تِجارَتَكِ ويَنقُضونَ أَسْوارَكِ ويَهدِمونَ بُيوتَكِ الفَخْمة، ويُلْقونَ حِجارَتَكِ وخَشَبَكِ وتُرابَكِ في وَسَطِ المِياه. وأُبطِلُ جَلَبَةَ أَناشيدِكِ، وصَوتُ كِنَّاراتِكِ لا يُسمَعُ بَعدَ اليَوم. وأَجعَلُكِ صَخرًا عارِيًا، فتَكونينَ مَنشَرَ شِباك، ولا تُبنَينَ بَعدَ اليَوم، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِصور: أَلَيسَ مِن صَوتِ سُقوطِكِ، إِذا أَنَّتِ الجَرْحى ووَقَعَ القَتْلُ في وَسَطِكِ، تَرتَعِشُ الجُزُر، ويَنزِلُ جَميعُ رُؤَساءِ البَحرِ عن عُروشِهم ويَخلَعونَ أَردِيَتَهم ويَنزِعونَ ثِيابَهمُ المُوَشَّاة ويَلبَسونَ الرِّعدَة، ويَجلِسونَ على الأَرض، ويَرتَعِدونَ كُلَّ لَحظَةٍ ويَدهَشونَ عليكِ، ويَرفَعونَ لَكِ الرِّثاء، ويَقولونَ لَكِ: كَيفَ هَلَكتِ أَيَّتُها المَعْمورَةُ مِنَ البِحار، المَدينَةُ الشَّهيرة، الَّتي كانَت ذاتَ قُوَّة، في البَحرِ هي وسُكَّانُها الَّذينَ أَلقَوا رُعبَهم على جَميعِ سُكَّانِها. والآنَ فالجُزُرُ تَرتَعِدُ يَومَ سُقوطِكِ، وتَفزَعُ جُزُرُ البَحرِ مِن نِهايَتِكِ. لأَنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: حينَ أَجعَلُكِ مَدينَةً خَرِبَة، كالمُدُنِ الَّتي لا ساكِنَ فيها، وأُصعِدُ علَيكِ الغَمرَ فتُغَطِّيكِ المِياهُ الغَزيرة، أُهبِطُكِ مع الهابِطينَ في الجُبِّ إِلى شَعبِ الزَّمانِ القَديم، وأُسكِنُكِ في الأَرضِ السُّفْلى كأَخرِبَةِ الزَّمانِ القَديمِ مع الهابِطينَ في الجُبّ، لِكَي لا تُعمَري ولا تَنتَصِبي في أَرضِ الأَحْياء. حينَئِذٍ أَجعَلُكِ مَوضِعَ رُعبٍ، فلا تَكونين، وتُطلَبينَ فلا توجَدينَ بَعدَ اليَومِ لِلأَبَد، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، إِرفَعْ رِثاءً لصور، وقُلْ لِصورَ السَّاكِنَةِ عِندَ مَداخِلِ البَحر، تاجِرَةِ الشُّعوبِ في جُزُرٍ كَثيرة: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: يا صورُ، إِنَّكِ قُلتِ: أَنا كامِلَةُ الجَمال. حُدودُكِ في قَلبِ البِحار، وبانوكِ أَكمَلوا جَمالَكِ. بِسَرْوٍ مِن سَنير بَنَوا لكِ كُلَّ أَلْواحِكِ، وأَخَذوا أَرزَةً مِن لُبْنان، لِيَصنَعوا سارِيَةً علَيكِ. صَنَعوا مَقاذيفَكِ مِن بَلُّوطِ باشان، ومَتنَكِ مِن عاجٍ مُرَصَّعٍ في الشَّرْبين مِن جُزُرِ كِتِّيم. الكَتَّانُ النَّاعِمُ المُوَشَّى مِن مِصرَ، كانَ شِراعَكِ لِيَكونَ رايَةً لَكِ. والبِرْفيرُ البَنَفسَجِيُّ والأُرجُوان مِن جُزُرِ أَليشَةَ كانا غِطاءَكِ سُكَّانُ صَيدونَ وأَرْواد كانوا قَذَّافينَ لَكِ، وحُكَماؤُكِ يا صورُ الَّذينَ فيكِ هم بَحَّارَتُكِ. شُيوخُ جِبْلَ وحُكَماؤُكِ كانوا فيكِ جَلافِطَةً لِصُدوعِكِ، وجَميعُ سُفُنِ البَحرِ ومَلاَّحوها كانوا فيكِ لِتَرْويجِ بَضائِعِكِ. فارِسُ ولودٌ وفوطٌ كانوا في جَيشِكِ رِجالَ حَربِكِ، وعَلَّقوا فيكِ التُّرسَ والخوذَة، هم أَفادوكِ بَهاءً. بَنو أَرْوادَ مع جَيشِكِ كانوا على أَسْوارِكِ مِن حَولِكِ، والجَمَّادونَ كانوا في بُروجِكِ وعَلَّقوا تُروسَهم على أَسْوارِكِ مِن حَولِكِ. هم أَكمَلوا جَمالَكِ. كانَت تَرْشيشُ تُتاجِرُ معَكِ لِوَفرَةِ كُلِّ غِنًى، فكانَت تُقايِضُ سِلَعَكِ بِالفِضَّةِ والحَديدِ والقِصْديرِ والرَّصاص. ياوانُ وتوبَلُ وماشَك كانَت تُتاجِرُ معَكِ، فتُقايِضُ بَضائِعَكِ بِالعَبيدِ وآنِيَةِ النُّحاس. وكانَ بَيتُ توجَرمة يُقايِضُ سِلَعَكِ بِالخَيلِ والجِيادِ والبِغال. وكانَ الرُّودانيمُ يُتاجِرونَ معَكِ، وكانَت جُزُرٌ كَثيرةٌ مِن زَبائِنِكِ، فكانَت تُسَلِّمُكِ قُرونَ العاجِ والأَبَنوسِ قِياضًا لَكِ. وكانَت أَرامُ تُتاجِرُ معَكِ لِوَفرَةِ مَصْنوعاتِكِ، فكانَت تُقايِضُ سِلَعَكِ بالبَهرَمانِ والأُرجُوانِ والوَشْيِ والكَتَّانِ والمَرْجانِ والياقوت. وكانَ يَهوذا وأَرضُ إِسْرائيلَ تُتاجِرُ معَكِ، فتُقايِضُ بَضائِعَكِ بِحِنطَةِ مِنِّيتَ والدُّخنِ والعَسَلِ والزَّيتِ والبَلَسان. وكانَت دِمَشقُ تُتاجِرُ معَكِ لِوَفرَةِ مَصْنوعاتِكِ، لِوَفرَةِ كُلِّ غِنًى، وتُزَوِّدُكِ بِخَمرِ حَلْبونَ وبِالصُّوفِ الأَبيَض. وكانَت ويدانُ وياوانُ تُقايِضانِ سِلَعَكِ مِن أُوزالَ بِالحَديدِ المُطَرَّقِ والسَّليخَةِ وقَصَبِ الذَّريرَة. وكانَت دَدانُ تُتاجِرُ معَكِ بالنَّمارِقِ لِلرُّكوب. وكانَ العَرَبُ وجَميعُ رُؤَساءِ قيدارَ مِن زَبائِنِكِ، فكانوا يُتاجِرونَ معَكِ بِالحُمْلانِ والكِباشِ والتُّيوس. وكانَ تُجَّارُ شَبَأَ ورَعمَةَ يُتاجِرونَ معَكِ، فيُقايِضونَ سِلَعَكِ بأَفضَلِ كُلِّ طيبٍ وبِكُلِّ حَجَرٍ كَريمٍ وبِالذَّهَب. وكانَ حارانُ وكَنَّةُ وعادانُ وتُجَّارُ شَبَأَ وأَشُّورَ وكِلمَدَ يُتاجِرونَ معَكِ، يُتاجِرونَ معَكِ بِالثِّيابِ الفاخِرَةِ وبأَردِيَةٍ مِنَ البِرْفيرِ البَنَفْسَجِيّ والوَشْيِ وبِالبُسُطِ المُلَوَّنَةِ والحِبالِ المَفْتولَةِ بإِحْكام، يُزَوِّدونَ بِها أَسْواقَكِ. وكانَت سُفُنُ تَرْشيشَ ناقِلَةَ بَضائِعِكِ. لقَدِ ٱمتَلَأتِ وثَقُلَ حِملُكِ في قَلبِ البِحار. القَذَّافونَ أَتَوا بِكِ إِلى مِياهٍ غَزيرَة، فحَطَّمَتكِ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ في قَلبِ البِحار. غِناكِ وسِلَعُكِ وبَضائِعُكِ ومَلاَّحوكِ وبَحَّارَتُكِ وجَلافِطَةُ صُدوعِكِ وسَماسِرَةُ تِجارَتِكِ وجَميعُ رِجالِ حَربِكِ الَّذينَ فيكِ، وكُلُّ الجَمْعِ الَّذي في وَسَطِكِ يَسقُطونَ في قَلبِ البِحارِ يَومَ سُقوطِكِ. مِن صَوتِ صُراخِ بَحَّارَتِكِ تَرتَعِشُ سَواحِلُكِ. فجَميعُ ضابِطي المَقاذيفِ والمَلاَّحونَ وجَميعَ البَحَّارَة، يَنزِلونَ مِنَ السُّفُن، ويَقِفونَ على البَرّ، ويُسمِعونَ علَيكِ أَصْواتَهم، ويَصرُخونَ بِمَرارة، ويَحْثونَ فَوقَ رُؤُوسِهم تُرابًا، ويَتَمرَّغونَ في الرَّماد، ويَحلِقونَ شَعَرَ رُؤُوسِهم علَيكِ، ويَتَحَزَّمونَ بِالمُسوح، ويَبْكونَ علَيكِ بِمَرارَةِ النَّفْسِ نَحيبًا مُرًّا. وفي نَوحِهم يَرفَعونَ الرِّثاءَ علَيكِ، ويَرْثونَكِ قائِلين: مَن كانَ شَبيهًا بِصور في وَسَطِ البَحر؟ بإِنْزالِ سِلَعِكِ مِنَ البِحار، أَبَعتِ شُعوبًا كَثيرة وبِوَفرَةِ أَمْوالِكِ وبَضائِعِكِ، أَغنَيتِ مُلوكَ الأَرض. ها إِنَّ الأَمواجَ حَطَّمَتكِ في أَعْماقِ المِياه، فسَقَطَت بَضائِعُكِ وكُلُّ جَمعِكِ في وَسَطِكِ. جَميعُ سُكَّانِ الجُزُرِ دَهِشوا علَيكِ، ومُلوكُهمُ ٱقشَعَرَّت شُعورُهم، وٱمتُقِعَت وُجوهُهم، والتُّجَّارُ في الشُّعوبِ صَفَّروا علَيكِ، وقد صِرتِ مَوضِعَ رُعْب، فلا تَكونينَ لِلأَبَد». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، قُلْ لِرَئيسِ صور: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: لأَنَّ قَلبَكَ قد تَشامَخَ، فقُلتَ: إِنِّي إِلٰه، وعلى عَرشِ إِلٰهٍ جَلَستَ في قَلبِ البِحار، وأَنتَ بَشَرٌ لا إِلٰه، ولٰكِن جَعَلتَ قَلبَكَ كقَلبِ إِلٰه. ها أَنتَ أَحكَمُ مِن دانيل، وما دونَكَ سِرٌّ مَسْتور. بِحِكمَتِكَ وفِطنَتِكَ ٱقتَنَيتَ يُسْرًا، وجَمَعتَ ذَهَبًا وفِضَّةً في خَزائِنِكَ. بِكَثرَةِ حِكمَتِكَ في مُتاجَرَتِكَ، كَثَّرتَ يُسرَكَ فتَشامَخَ قَلبُكَ مِن يُسرِكَ. فلِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّكَ جَعَلتَ قَلبَكَ مِثلَ قَلبِ إِلٰه، لِذٰلك هاءَنَذا أَجلُبُ علَيكَ الغُرَباءَ أَظلَمَ الأُمَم، فيُجَرِّدونَ سُيوفَهم على جَمالِ حِكمَتِكَ ويُدَنِّسونَ بَهاءَكَ. يُنزِلونَكَ في الهُوَّة، فتَموتُ مَوتَ القَتْلى في قَلبِ البِحار. أَفتَقولُ: إِنِّي إِلٰهٌ أَمامَ الَّذي يَقتُلُكَ، وأَنتَ بَشَرٌ لا إِلٰهٌ في يَدِ قاتِلِكَ؟ إِنَّكَ تَموتُ مَوتَ القُلفِ بِيَدِ الغُرَباء لأَنِّي أَنا تَكَلَّمتُ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِرفَعْ رِثاءً على مَلِكِ صور، وقُلْ لَه: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: أَنتَ خاتَمُ الكَمال، مُمتَلِئُ حِكمَةً وكامِلٌ جَمالًا. كُنتَ في عَدنٍ، جَنَّةِ الله، وكانَ كُلُّ حَجَرٍ كَريمٍ كِساءً لَكَ مِنَ الياقوتِ الأَحمَرِ والياقوتِ الأَصفَر، والماسِ والزَّبَرجَدِ والجَزْعِ، واليَشْبِ واللاَّزَوَرد، والبَهرَمانِ والزُّمُرُّد، وصُنعُ دُفوفِكَ ومَزاميرِكَ مِن ذَهَب، هُيِّئَت يَومَ خُلِقتَ. كُنتَ كَروبًا مُنبَسِطًا مُظَلِّلًا، أَقَمتُكَ في جَبَلِ اللهِ المُقَدَّس، وتَمَشَّيتَ في وَسَطِ حِجارَةِ النَّار. كامِلٌ أَنتَ في طُرُقِكَ، مِن يَومِ خُلِقتَ إِلى أَن وُجِدَ فيكَ إِثْم. مِن كَثرَةِ مُتاجَرَتِكَ ٱمتَلَأَ باطِنُكَ عُنفًا وخَطِئتَ فَدَنَّسْتُكَ مُبعِدًا إِيَّاكَ عن جَبَلِ الله، وأَبَدتُكَ أَيُّها الكَروبُ المُظَلِّل من بَينِ حِجارَةِ النَّار. تَشامَخَ قَلبُكَ مِن جَمالِكَ، وأَفسَدتَ حِكمَتَكَ مِن بَهائِكَ، فطَرَحتُكَ إِلى الأَرض، وجَعَلتُكَ أَمامَ المُلوكِ لِيَنظُروا إِلَيكَ. بِكَثرَةِ آثامِكَ وظُلمِ مُتاجَرَتِكَ، دَنَّستَ مَقادِسَكَ، فأَخرَجتُ مِن وَسَطِكَ نارًا فأَكَلَتكَ، وجَعَلتُكَ رَمادًا على الأَرض، على عَينِ كُلِّ مَن يَنظُرُ إِلَيكَ. جَميعُ عارِفيكَ في الشُّعوبِ دَهِشوا علَيكَ، وصِرتَ مَوضِعَ رُعْبٍ فلا تَكونُ لِلأَبَد». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، اِجعَلْ وَجهَكَ نَحوَ صَيدونَ وتَتَبَّأْ علَيها، وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا علَيكِ يا صَيدون، فسأَتَمَجَّدُ في وَسَطِكِ، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ، حينَ أُجْري فيها أَحْكامًا وأَتَقَدَّسُ فيها. وأرسِلُ فيها الطَّاعونَ والدَّمَ في شَوارِعِها، فيَسقُطُ القَتْلى في وَسَطِها بِالسَّيفِ الَّذي علَيها مِن كُلِّ جِهَة، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. ولا يَكونُ بَعدَ اليَومِ لِبَيتِ إِسْرائيلَ عُلَّيقٌ ناخِزٌ ولا شَوكٌ موجِعٌ مِن جَميعِ المُحتَقِرينَ لَهم مِن حَولِهم، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا السَّيِّدُ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي، حينَ أَجمَعُ بَيتَ إِسْرائيلَ مِن بَينِ الشُّعوبِ الَّتي شُتِّتوا فيها، أَتَقَدَّسُ فيهم أَمامَ عُيونِ الأُمَم، ويَسكُنونَ في أَرضِهِمِ الَّتي أَعطَيتُها لِعَبْدي يَعْقوب، ويَسكُنونَ فيها آمِنين، ويَبْنَونَ بُيوتًا ويَغرِسونَ كُرومًا، ويَسكُنونَ آمِنين، حينَ أُجْري أَحْكامًا على جَميعِ المُحتَقِرينَ لَهم مِن حَولِهم، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُهم». في السَّنَةِ العاشِرَة، في الشَّهرِ العاشِر، في الثَّاني عَشَرَ مِنَ الشَّهْر، كانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، اِجعَلْ وَجهَكَ نَحوَ فِرعَونَ، مَلِكِ مِصرَ، وتَنَبَّأْ علَيه وعلى مِصرَ كُلِّها. تَكَلَّمْ وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا علَيكَ يا فِرعَونُ، مَلِكَ مِصرَ، التِّنِّينُ العَظيمُ الرَّابِضُ في وَسَطِ أَنْيالِه، الَّذي قال: إِنَّ أَنْيالي هي لي، وأَنا صَنَعتُ نَفْسي. سأَجعَلُ كَلاليبَ في فَكَّيكَ، وأُلصِقُ سَمَكَ أَنيالِكَ بِحَراشِفِكَ، وأُصعِدُكَ مِن وَسَطِ أَنْيالِكَ، وجَميعُ سَمَكِ أَنْيالِكَ يَلصَقُ بِحَراشِفِكَ. وأَطرَحُكَ في البَرِّيَّةِ، أَنتَ وجَميعَ سَمَكِ أَنْيالِكَ، فتَسقُطُ على وَجهِ الحُقول، ولا تُلقَطُ ولا تُلَمّ، فإِنِّي قد جَعَلتُكَ مَأكَلًا لِوُحوشِ الأَرضِ وطُيورِ السَّماء، فيَعلَمُ جَميعُ سُكَّانِ مِصرَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. لأَنَّكَ كُنتَ سَنَدًا مِن قَصَبٍ لِبَيتِ إِسْرائيل فإِذا أَمسَكوكَ بِالكَفّ، تَحَطَّمتَ فمَزَّقتَ مِنهمُ الكَتِفَ كُلَّها وإِذا ٱستَنَدوا إِلَيكَ، ٱنكَسَرتَ فزَعزَعتَ مِنهمُ الكُلى كُلَّها. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أَجلُبُ علَيكَ السَّيف، فأَفرِضُ فيكَ البَشَرَ والبَهائم، وتَكونُ أَرضُ مِصرَ دَهَشًا وخَرابًا، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ، ذٰلك لأَنَّه قال: النِّيلُ لي وأَنا صَنَعتُه. لِذٰلك هاءَنَذا علَيكَ وعلى أَنْيالِكَ، فأَجعَلُ أَرضَ مِصرَ قِفارًا خَرِبَةً ودَمارًا، مِن مِجْدولَ إِلى أَسْوانَ وإِلى حُدودِ كوش، لا تَجْتازُ فيها رِجلُ بَشَر، ولا تَجْتازُ فيها رِجلُ بَهيمة، ولا تُسكَنُ أَربَعينَ سَنَة. وأَجعَلُ أَرضَ مِصرَ مُقفِرَةً بَينَ الأَراضي المُقفِرَة، فمُدُنُها بَينَ المُدُنِ الخَرِبَةِ تَكونُ مُقفِرَةً أَربَعينَ سَنَة، وأُشَتِّتُ مِصرَ بَينَ الأُمَمِ وأُذَرِّيها في الأَراضي. وهٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي بَعدَ أَربَعينَ سَنَةً أَجمَعُ مِصرَ مِنَ الشُّعوبِ الَّتي شُتِّتَت بَينَها، وأُعيدُ أَسْرى مِصرَ، أُعيدُهم إِلى أَرضِ فَتْروس، إِلى أَرضِ مَولِدِهم، فيَكونونَ هُناكَ مَملَكَةً مُتَواضِعَة. تَكونُ مِصرُ مُتَواضِعَةً بَينَ المَمالِك، ولا تَرتَفِعُ بَعدَ اليَومِ على الأُمَم، فإِنِّي أُقَلِّلُها لِئَلاَّ تَتَسَلَّطَ على الأُمَم. فلا تَكونُ بَعدَ اليَومِ لِبَيتِ إِسْرائيلَ مُعتَمَدًا يُذَكِّرُهم إِثمَهم، بِتَحَوِّلِهم إِلَيها، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا السَّيِّدُ الرَّبّ». وفي السَّنَةِ السَّابِعَةِ والعِشْرين، في الشَّهرِ الأَوَّل، في الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْر، كانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِنَّ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكَ بابِل، قدِ ٱستَخدَمَ جَيشَه لِعَمَلٍ عَظيمٍ أَنزَلَه بِصور. فٱنسَلَخَ كُلُّ رَأسٍ وسُحِجَت كُلُّ كَتِف، ولم يَنَلْ، لا هو ولا جَيشُه، أُجرَةً مِن صورَ لِقاءَ العَمَلِ الَّذي أَنزَلَه بِها. لذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أُعْطي نَبوكَدنَصَّر، مَلِكَ بابِل، أَرضَ مِصرَ، فيَأخُذُ ثَروَتَها ويَسلُبُ سَلَبَها ويَنهَبُ نَهْبَها، فيَكونُ ذٰلك رِبْحًا لِجَيشِه. لقَد أَعطَيتُه أَرضَ مِصرَ عُمالَةً لَه لِقاءَ عَمَلِه، فإِنَّهم عَمِلوا لأَجلي، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. في ذٰلك اليَومِ أُنْمي قُوَّةَ بَيتِ إِسْرائيل، وأُطلِقُ لِسانَكَ فيما بَينَهم، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، تَنَبَّأْ وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: وَلوِلوا: يا لَه مِن يَوم، فلَقَدِ ٱقتَرَبَ اليَومُ، ٱقتَرَبَ يَومُ الرَّبّ، يَومُ غَمامٍ، وَقتُ الأُمَم. السَّيفُ يَأتي مِصر، والمَخاضُ يَأخُذُ كوش، حينَ يَسقُطُ القَتْلى في مِصر، وتُؤخَذُ ثَروَتُها وتُهدَمُ أُسُسُها. فكوشُ وفوطُ ولود، وجَميعُ الخَليطِ وكوب، وبَنو أَرضِ العَهْد، يَسقُطونَ معَهم بِالسَّيف. هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّ مُؤَيِّدي مِصرَ يَسقُطون، وكِبرِياءَ عِزَّتِها تَنَحَطّ. مِن مِجْدولَ إِلى أَسْوان، يَسقُطونَ فيها بِالسَّيف، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. فتُقفِرُ بَينَ الأَراضي المُقفِرَة، وتَكونُ مُدُنُها بَينَ المُدُنِ الخَرِبَة، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ، حينَ أَجعَلُ النَّارَ في مِصْر، فيُكسَرُ جَميعُ أَنْصارِها. في ذٰلك اليَومِ يَخرُجُ مِن عِنْدي رُسُلٌ في سُفُنٍ لِيُرَوِّعوا كوشَ المُطمَئِنَّة، فيَأخُذُهمُ المَخاضُ كما في يَومِ مِصرَ، لأَنَّ الأَمرَ قد وَقَع. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي سأُزيلُ ثَروَةَ مِصرَ بِيَدِ نَبوكَدنَصَّر، مَلِكِ بابِل. وهو وشَعبُه معَه، وهم أَظلَمُ الأُمَم، يُجلَبونَ لِتَدْميرِ الأَرْض، فيُجَرِّدونَ سُيوفَهم على مِصرَ ويَمْلَأُونَ الأَرضَ بِالقَتْلى. وأَجعَلُ الأَنْيالَ يَبَسًا، وأَبيعُ الأَرضَ إِلى أَيدي الأَشْرار، وأُخَرِّبُ الأَرضَ وما فيها بِأَيدي الغُرَباء، أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: سأُبيدُ القَذاراتِ وأُزيلُ الأَصْنامَ مِن نوف، ولا يَكونُ بَعدَ اليَومِ رَئيسٌ في أَرضِ مِصْر، وأُلْقي الخَوفَ في أَرضِ مِصْر، وأُخَرِّبُ فَتْروسَ وأَجعَلُ النَّارَ في صوعَن، وأُجْري الأَحْكامَ في نو. وأَصُبُّ غَضَبي على صينَ، حِصنِ مِصْر، وأَقرِضُ جُمْهورَ نو. وأَجعَلُ النَّارَ في مِصر، فتَتَضَوَّرُ صينُ تَضَوُّرًا، وتُشَقُّ نو وتَكونُ نوفُ في المَضايِقِ كُلَّ يَوم. شُبَّانُ أُونَ وفيباسَتَ يَسقُطونَ بِالسَّيف، والمُدُنُ تَذهَبُ إِلى الأَسْر. وفي تَحْفَنحيسَ يُظلِمُ النَّهار، حينَ أُحَطِّمُ هُناكَ أَنْيارَ مِصر، فتَزولُ فيها كِبرِياءُ عِزَّتِها، ويَغْشاها غَمامٌ وتَذهَبُ بَناتُها إِلى الأَسْر، وأُجْري أَحْكامًا في مِصر، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». وفي السَّنَةِ الحادِيَةَ عَشرَةَ، في الشَّهْرِ الأَوَّل، في السَّابِعِ مِنَ الشَّهْر، كانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِنِّي كَسَرتُ ذِراعَ فِرعَون، مَلِكِ مِصر، وها إِنَّها لم تُضَمَّدْ بِأَن تُجعَلَ علَيها الأَدوِيَة، وتُوضَعَ الرُّبُطُ وتُضَمَّد، حتَّى تَقْوى على قَبْضِ السَّيف. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا على فِرعَون، مَلِكِ مِصر، فأَكسِرُ ذِراعَيه، الصَّحيحَة والمَكْسورَة، وأُسقِطُ السَّيفَ مِن يَدِه، وأُشَتِّتُ مِصرَ بَينَ الأُمَم، وأُذَرِّيها في الأَراضي. وأُقوِّي ذِراعَ مَلِكِ بابِل، وأَجعَلُ سَيفي بِيَدِه وأَكسِرُ ذِراعَي فِرعَون، فيَئِنُّ أَنينَ الجَريحِ أَمامَه. وأُقَوِّي ذِراعَي مَلِكِ بابِل. أَمَّا ذِراعا فِرعَونَ فتَسقُطان، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ، حينَ أَجعَلُ سَيفي بِيَدِ مَلِكِ بابِل، فيَمُدُّه على أَرضِ مِصْر. وأُشَتِّتُ مِصرَ بَينَ الأُمَم، وأُذَرِّيها في الأَراضي، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». وفي السَّنَةِ الحادِيَةَ عَشرَةَ، في الشَّهرِ الثَّالِث، في الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْر، كانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، قُلْ لِفِرعَون، مَلِكِ مِصرَ، ولِجُمْهورِه: مَن شابَهتَ في عَظَمَتِكَ؟ ها هي سَروَةٌ، أَرزَةٌ بِلُبْنان، بَهيجَةُ الأَفْنانِ وارِفَةُ الظِّلِّ شامِخَةُ القامة، وقد كانَت ذُروَتُها بَينَ الغُيوم، المِياهُ عَظَّمَتها والغَمرُ رَفَعَها، مُجرِيًا أَنْهارَها مِن حَولِ مَغرِسِها، ومُرسِلًا مَجارِيَها، إِلى جَميعِ أَشْجارِ الحُقول. فلِذٰلك ٱرتَفَعت قامَتُها، فَوقَ جَميعِ أَشْجارِ الحُقول، وكَثُرَت أَغْصانُها، وٱمتَدَّت فُروعُها مِن كَثرَةِ المِياه. في أَغْصانِها عَشَّشَت، جَميعُ طُيورِ السَّماء، وتَحتَ فُروعِها وَلَدَت، جَميعُ حَيَواناتِ الحُقول، وفي ظِلِّها سَكَنَت، جَميعُ الأُمَمِ الكَثيرة. فصارَت بَهيجَةً في عَظَمَتِها، وفي طولِ أَغْصانِها لأَنَّ أَصلَها كانَ على مِياهٍ غَزيرة. فالأَرزُ لم يُساوِها في جَنَّةِ الله، والسَّرْوُ لم يُشابِهْ أَغْصانَها، والدُّلبُ لم يَكُنْ كفُروعِها، وكُلُّ شَجَرٍ في جَنَّةِ الله، لم يُشابِهْها في بَهجَتِه. فإِنِّي صَنَعتُها بَهيجَةً بِكَثرَةِ أَغْصانِها، فغارَت مِنها جَميعُ أَشْجارِ عَدْنٍ الَّتي في جَنَّةِ الله. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّها تَشامَخَت بِقامَتِها وجَعَلَت ذُروَتَها بَينَ الغُيوم، وتَرَفَّعَ قَلبُها في تَشامُخِها، فقَد أَسلَمتُها إِلى يَدِ جَبَّارِ الأُمَم، فسيَصنَعُ بِها بِحَسَبِ شَرِّه، وقد طَرَدتُها. فقطَّعَها الغُرَباء، وهُم أَظلَمُ الأُمَم، وطَرَحوها في الجِبال، فسَقَطَت أَغْصانُها في جَميعِ الأَودِيَة، وتَكَسَّرَت فُروعُها في جَميعِ مَجاري الأَرْض، وٱبتَعَدَت مِن ظِلِّها جَميعُ شُعوبِ الأَرضِ وغادَروها. على حُطامِها تَسكُنُ جَميعُ طُيورِ السَّماء وبَينَ فُروعِها تَكونُ جَميعُ حَيَواناتِ الحُقول. فلا يَتَشامَخْ كُلُّ شَجَرٍ على المِياه، ولا يَجعَلْ ذُروَتَه بَينَ الغُيوم، ولا يَنتَصِبْ إِلَيه كُلُّ مَسقِيٍّ بِالماء، لأَنَّ جَميعَهم أُسلِموا إِلى المَوت، إِلى الأَرضِ السُّفْلى، فيما بَينَ بَني البَشَر، مع الهابِطينَ في الجُبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي، في يَومِ هُبوطِها إِلى مَثْوى الأَمْوات، أَقَمتُ مَناحَة. غطَّيتُ علَيها الغَمرَ ومَنَعتُ أَنْهارَه، فحُبِسَتِ المِياهُ الغَزيرَة، وأَلبَستُ لُبْنانَ حِدادًا علَيها، وٱصفَرَّت بِسَبَبِها جَميعُ أَشْجارِ الحُقول. مِن صَوتِ سُقوطِها أَرعَشتُ الأُمَم، حينَ أَهبَطتُها إِلى مَثْوى الأَمْواتِ مع الهابِطينَ في الجُبّ، فتَعَزَّى في الأَرضِ السُّفْلى جَميعُ أَشْجارِ عَدْن، نُخبَةُ لُبْنانَ وخِيارُه، كُلُّ مَسقِيٍّ بِالماء. تِلكَ أَيضًا هَبَطَت معَها إِلى مَثْوى الأَمْوات، إِلى قَتْلى السَّيف، وكذٰلك أَنْصارُها السَّاكِنونَ في ظِلِّها في وَسْطِ الأُمَم. مَن شابَهتَ هٰذه المُشابَهَةَ في المَجدِ والعَظَمَةِ بَينَ أَشْجار عَدْن؟ فها إِنَّكَ قد أُهبِطتَ مع أَشْجارِ عَدْنٍ إِلى الأَرضِ السُّفْلى، فتَضَّجِعُ بَينَ القُلْفِ مع قَتْلى السَّيف. هٰذا هو فِرعَونُ وجَميعُ جُمهورِه، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وفي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشرَةَ، في الشَّهرِ الثَّاني عَشَر، في الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْر، كانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، نادِ بِرثاءٍ على فِرعَون، مَلِكِ مِصرَ، وقُلْ لَه: لقَد هَلَكتَ يا شِبلَ الأُمَم، وأَنتَ مِثلُ تِنِّينٍ في البِحار، فنَطَحتَ في أَنْهارِكَ، وكَدَّرتَ المِياهَ بِرِجلَيكَ ووَطِئتَ أَنْهارَها. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: أَبسُطُ شَبَكَتي علَيكَ، مع جُمْهورِ شُعوبٍ كَثيرَة، فتُصعِدُكَ في شَبَكَتي، وأَطرَحُكَ على الأَرض، وأَقذِفُكَ على وَجهِ الحُقول، وأُقيمُ علَيكَ جَميعَ طُيورِ السَّماء، وأُشبِعُ مِنكَ حَيَواناتِ الأَرضِ كُلَّها، وأَجعَلُ لَحمَكَ على الجِبال، وأَملَأُ الأَودِيَةَ مِن جيفَتِكَ، وأَسْقي الأَرضَ مِن سَيلِكَ، مِن دَمِكَ، على الجِبال، وتَمتَلِئُ مِنكَ المَجاري. وعِندَ ٱنطِفائِكَ أُغَطِّي السَّمَوات، وأُلبِسُ الكَواكِبَ حِدادًا، وأُغَطِّي الشَّمسَ بِغَمام، والقَمَرُ لا يُنيرُ بِنورِه، وجَميعُ نَـيِّراتِ النُّورِ في السَّماء، أُلبِسُها حِدادًا علَيكَ، وأَجعَلُ الظُّلمَةَ على أَرضِكَ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وأَحزِنُ قُلوبَ شُعوبٍ كَثيرة، حينَ آتي بِخَبَرِ تَحَطُّمِكَ في الأُمَم، إِلى أَراضٍ لم تَعْرِفْها، وأُدهِشُ علَيكَ شُعوبًا كَثيرة، ويَقشَعِرُّ علَيكَ شَعَرُ مُلوكِها، حينَ أَستَطيرُ سَيفي تُجاهَ وُجوهِهم، ويَرتَعِدونَ كُلَّ لَحظَةٍ كُلُّ واحِدٍ على نَفْسِه في يَومِ سُقوطِكَ. لأَنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنَّ سَيفَ مَلِكِ بابِلَ يأتي علَيكَ، فأُسقِطُ جُمْهورَكَ بِسُيوفِ جَبابِرَة، هم كُلُّهم أَظلَمُ الأُمَم، فيُدَمِّرونَ زَهْوَ مِصرَ، ويَهلُكُ جُمْهورُها كُلُّه، وأُبيدُ جَميعَ بَهائِمِها، عنِ المِياهِ الغَزيرة، ولا تُكَدِّرُها رِجلُ بَشَرٍ مِن بَعدُ، ولا تُكَدِّرُها حَوافِرُ البَهائم. حينَئِذٍ أَجعَلُ مِياهَهم صافِيَة، وأُجْري أَنْهارَهم كالزَّيت، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. حينَ أَجعَلُ أَرضَ مِصرَ مُقفِرَة، فتُقفِزُ الأَرضُ مِمَّا فيها، إِذ أَضرِبُ جَميعَ سُكَّانِها، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. هٰذا رِثاءٌ فيَرْثونَ بِه، بَناتُ الأُمَمِ يَرْثينَ بِه، يَرْثينَ بِه مِصرَ وكُلَّ جُمْهورِها، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». ففي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشرَةَ، في الخامِسِ عَشَرَ مِنَ الشَّهْر، كانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، وَلْوِلْ على جُمْهورِ مِصرَ وأَهبِطْه، هو وبَناتِ الأُمَمِ الجَليلَة، إِلى الأَرضِ السُّفْلى مع الهابِطينَ في الجُبّ. مَن الَّذي فُقتَه ظَرْفًا؟ إِهبِطْ وٱضَّجِعْ مع القُلْف. إِنَّهم سَقَطوا بَينَ القَتْلى بِالسَّيف. أُسلِمَت إِلى السَّيفِ فٱنزِعها هي وكُلَّ جُمْهورِها. يُكَلِّمُه مِن وَسَطِ مَثْوى الأَمواتِ أَقوِياءُ الجَبابِرَةِ الَّذينَ قد هَبَطوا مع أَنصارِه وٱضَّجَعوا وهم قُلْفٌ قَتْلى بِالسَّيف. هُناكَ أَشُّورُ وكُلُّ جَمعِها. مِن حَولِها قُبورُهم، كُلُّهم قَتْلى سَقَطوا بِالسَّيف. وقد جُعِلَت قُبورُها في أَعْماقِ الجُبّ، وجَمعُها مِن حَولِ قَبرِها. كُلُّهم قَتْلى سَقَطوا بِالسَّيف، وقَد أَلقَوا الرُّعبَ في أَرضِ الأَحْياء. هُناكَ عَيلامُ وكُلُّ جُمْهورِها مِن حَولِ قَبْرِها. كُلُّهم قَتْلى سَقَطوا بِالسَّيف، وهَبَطوا وهم قُلفٌ إِلى الأَرضِ السُّفْلى، وقد أَلقَوا الرُّعبَ في أَرضِ الأَحْياء، ثُمَّ حَمَلوا خَجَلَهم مع الهابِطينَ في الجُبّ. في وَسْطِ القَتْلى، جَعَلوا لَها مَضجَعًا بَينَ كُلِّ جُمْهورِها. مِن حَولِها قُبورُهم. كُلُّهم قُلفٌ قَتْلى بِالسَّيف، لأَنَّهم أَلقَوا رُعبَهم في أَرضِ الأَحْياء، ثُمَّ حَمَلوا خَجَلَهم مع الهابِطينَ في الجُبّ، وجُعِلوا فيما بَينَ القَتْلى. هُناكَ ماشَكُ، وتوبَلُ وكُلُّ جُمْهورِها. مِن حَولِها قُبورُهم. كُلُّهم قُلْفٌ قَتْلى بِالسَّيف، لأَنَّهم أَلقَوا رُعبَهم في أَرضِ الأَحْياء. ولم يَضَّجِعوا مع الجَبابِرَةِ الَّذينَ سَقَطوا مِنَ الزَّمانِ القَديم، وهَبَطوا إِلى مَثْوى الأَمْواتِ مع أَدَواتِ حَربِهِم، وجَعَلوا سُيوفَهم تَحتَ رُؤُوسِهم، وكانَت آثامُهم على عِظامِهم، لأَنَّ رُعبَ الجَبابِرَةِ كانَ في أَرضِ الأَحْياء. وأَنتَ فتُحَطَّمُ بَينَ القُلْف، وتَضَّجِعُ مع القَتْلى بِالسَّيف. هُناكَ أَدومُ ومُلوكُها وكُلُّ رُؤَسائِها الَّذينَ جُعِلوا، مع شَجاعَتِهم، بَينَ القَتْلى بِالسَّيف. فيَضَّجِعونَ مع القُلفِ ومع الهابِطينَ في الجُبّ. هُناكَ أُمَراءُ الشَّمالِ كُلُّهم وجَميعُ الصَّيدونِيِّينَ الَّذينَ هَبَطوا خَجِلين، على الرُّغمِ مِن جَبَروتِهمِ المُخيف، وٱضَّجَعوا وهم قُلفٌ مع القَتْلى بِالسَّيف، وحَمَلوا خَجَلَهم مع الهابِطينَ في الجُبّ. يَراهم فِرعَونُ فيَتَعَزَّى عن كُلِّ جُمْهورِه القَتْلى بِالسَّيف - فِرعَونُ وكُلُّ جَيشِه -، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. لأَنِّي أَلقَيتُ رُعبَه في أَرضِ الأَحْياء، سيُضجَعُ فِرعَونُ وكُلُّ جُمْهورِه في وَسْطِ القُلْفِ مع القَتْلى بالسَّيف، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، كَلِّمْ بَني شَعبِكَ وقُلْ لَهم: إِذا جَلَبتُ على أَرضٍ سَيفًا، فأَخَذَ شَعبُ تِلكَ الأَرضِ رَجُلًا مِن بَينِهم وجَعَلوه لَهم رَقيبًا، فرأَى السَّيفَ آتِيًا إِلى تِلكَ الأَرض، ونَفَخَ في البوقِ وأَنذَرَ الشَّعْب، فسَمِعَ السَّامِعُ صَوتَ البوقِ ولم يُبالِ، ثُمَّ أَتى السَّيفُ وأَخَذَه، فإِنَّ دَمَه يَكونُ على رَأسِه. إِنَّه سَمِعَ صَوتَ البوقِ ولم يُبالِ، فدَمُه يَكونُ علَيه. لٰكِنَّه إِذا بالى بِالأَمرِ، يُنَجِّي نَفْسَه. فإِذا رأى الرَّقيبُ السَّيفَ آتِيًا ولم يَنفُخْ في البوقِ ولم يُنذِرِ الشَّعْب، فأَتى السَّيفُ وأَخَذَ نَفْسًا مِنهم، فتِلكَ تَكونُ قد أُخِذَت في إِثمِها، لٰكِنِّي مِن يَدِ الرَّقيبِ أَطلُبُ دَمَها. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، فقَد جَعَلتُكَ رَقيبًا لِبَيتِ إِسْرائيل، فتَسمَعُ الكَلِمَةَ مِن فَمي وتُنذِرُهم عنِّي. فإِذا قُلتُ لِلشِّرِّير: يا شِرِّير، إِنَّكَ تَموتُ مَوتًا، ولم تَتَكَلَّمْ أَنتَ مُنذِرًا الشِّرِّيرَ بِطَريقِه، فذٰلك الشِّرِّيرُ يَموتُ في إِثمِه، لٰكِنِّي مِن يَدِكَ أَطلُبُ دَمَه. أَمَّا إِذا أَنذَرتَ الشِّرِّيرَ بِطَريقِه لِيَرجِعَ عنه ولم يَرجِعْ عن طَريقِه، فهو يَموتُ في إِثمِه، لٰكِنَّكَ تَكونُ قَد خَلَّصتَ نَفْسَكَ. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، فقُلْ لِبَيتِ إِسْرائيل: هٰكذا تَكَلَّمتُم قائِلين: إِنَّ مَعاصِيَنا وخَطايانا علَينا، ونَحنُ بِها نَتَعَفَّن، فكَيفَ نَحْيا؟ قُلْ لَهم: حَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، لَيسَ هَوايَ أَن يَموتَ الشِّرِّير، بل أَن يَرجِعَ عن طَريقِه فيَحْيا. إِرجِعوا ٱرجِعوا عن طُرُقِكُمُ الشِّرِّيرة، فلِمَ تَموتونَ يا بَيتَ إِسْرائيل؟ وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، فُقُلْ لِبَني شَعبِكَ: إِنَّ بِرَّ البارِّ لا يُنقِذُه في يَومِ مَعصِيَتِه، وشَرَّ الشِّرِّيرِ لا يُعَثِّرُه في يَومِ رُجوعِه عن شَرِّه، والبارَّ لا يَستَطيعُ أَن يَحْيا في بِرِّه في يَومِ خَطيئَتِه. إِذا قُلتُ لِلبارِّ إِنَّه يَحْيا حَياةً فتَوَكَّلَ على بِرِّه وصَنَعَ الإِثْم، فإِنَّ كُلَّ بِرِّه لا يُذكَرُ وبِإِثمِه الَّذي صَنَعَه يَموت. وإِذا قُلتُ لِلشِّرِّير: إِنَّكَ تَموتُ مَوتًا، فإِن رَجَعَ عن خَطيئَتِه وأَجْرى الحَقَّ والبِرّ، ورَدَّ الرَّهن، ذٰلك الشِّرِّير، وأَعادَ ما ٱختَلَسَه، وسارَ على فَرائِضِ الحَياةِ مِن دونِ أَن يَصنَعَ إِثْمًا، فإِنَّه يَحْيا حَياةً ولا يَموت. جَميعُ خَطاياهُ الَّتي خَطِئَها لا تُذكَرُ لَه. إِنَّه أَجْرى الحَقَّ والبِرَّ فيَحْيا حَياةً. وبَنو شَعبِكَ يَقولون: لَيسَ طَريقُ السَّيِّدِ بِمُسْتَقيم، بل طَريقُهم هو غَيرُ المُستَقيم. إِذا ٱرتَدَّ البارُّ عن بِرِّه وصَنَعَ الإِثْم، فإِنَّه يَموتُ بِه. وإِذا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عن شَرِّه وأَجْرى الحَقَّ والبِرّ، فإِنَّه يَحْيا بِهِما. وتَقولون: لَيسَ طَريقُ السَّيِّدِ بِمُستَقيم، بل إِنِّي أَدينُكم كُلَّ واحِدٍ على طُرُقِه يا بَيتَ إِسْرائيل». وفي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشرَةَ مِن جَلائِنا، في الشَّهرِ العاشِر، في الخامِسِ مِنَ الشَّهْر، أَتى إِلَيَّ المُفلِتُ مِن أُورَشَليمَ قائِلًا: «قد ضُرِبَتِ المَدينَة». وقد كانَت علَيَّ يَدُ الرَّبِّ في المَساء، قَبلَ أَن يَأتِيَ المُفلِت، وفَتَحَ الرَّبُّ فَمي، حينَ أَتى إِلَيَّ في الصَّباح، فٱنفَتَحَ فَمي ولم أَبقَ أَبكَم. وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِنَّ سُكَّانَ تِلكَ الأَخرِبَةِ في أَرضِ إِسْرائيلَ يَتَكَلَّمونَ قائلين: كانَ إِبْراهيمُ وَحدَه ووَرِثَ الأَرض، ونَحنُ كَثيرونَ فقَد أُعْطينا الأَرضَ ميراثًا. لِذٰلك قُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنَّكم تَأكُلونَ بِدَم، وتَرفَعونَ عُيونَكم إِلى قَذاراتِكم، وتَسفِكونَ الدَّم، أَفَتَرِثونَ الأَرض؟ إِنَّكمُ ٱعتَمَدتُم على سُيوفِكم، وصَنَعتُمُ القَبيحَة، ونَجَّستُم كُلُّ رَجُلٍ ٱمرَأَةَ قَريبِه، أَفتَرِثونَ الأَرض؟ هٰكذا تَقولُ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: حَيٌّ أَنا! إِنَّ الَّذينَ في الأَخرِبَةِ يَسقُطونَ بِالسَّيف، والَّذي على وَجهِ الحُقولِ أَجعَلُه مَأكَلًا لِلوُحوش، والَّذينَ في الحُصونِ والمَغاوِرِ يَموتونَ بِالطَّاعون. وأَجعَلُ الأَرضَ خَرِبَةً ومُقفِرَة، وأُزيلُ كِبرِياءَ عِزَّتِها، فتَصيرُ جِبالُ إِسْرائيلَ مُقْفِرَةً لا عابِرَ فيها، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ، حينَ أَجعَلُ الأَرضَ خَرِبَةً ومُقفِرَة، بِسَبَبِ جَميعِ قَبائِحِهمِ الَّتي صَنَعوها. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، إِنَّ بَني شَعبِكَ يَتَحادَثونَ علَيكَ بِجانِبِ الجُدْرانِ وعلى أَبْوابِ البُيوت، ويَتَكَلَّمُ الواحِدُ مع الآخَرِ والرَّجُلُ مع أَخيه قائِلًا: هَلُمُّوا فٱسمَعوا ما الكَلِمَةُ الخارِجَةُ مِن لَدُنِ الرَّبّ. فشَعْبي يَدخُلُ إِلَيكَ دُخولَ جُمْهور، ويَجلِسُ أَمامَكَ ويَستَمِعُ كَلامَكَ، لٰكِنَّه لا يَعمَلُ بِه، لأَنَّه بِفَمِه يُبْدي تَمَلُّقًا، لٰكِنَّ قَلبَه يَسْعى وَراءَ المَكاسِب. وإِنَّما أَنتَ لَه كأُغنِيَّةِ حُبٍّ مِن ذي صَوتٍ مُطرِبٍ يُحسِنُ العَزْف، فيَستَمِعُ كَلامَكَ ولا يَعمَلُ بِه. لٰكِن، عِندَ وُقوعِ الأَمر، وها إِنَّه قد وَقَع، يَعلَمونَ أَنَّ نَبِيًّا كانَ بَينَهم». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، تَنَبَّأْ على رُعاةِ إِسْرائيل، تَنَبَّأْ وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِلرُّعاة: وَيلٌ لِرُعاةِ إِسْرائيلَ الَّذينَ يَرعَونَ أَنفُسَهم. أَلَيسَ على الرُّعاةِ أَن يَرعَوا الخِراف؟ إِنَّكم تَأكُلونَ الأَلْبانَ وتَلبَسونَ الصُّوفَ وتَذبَحونَ السَّمين، لٰكِنَّكم لا تَرعَونَ الخِراف. الضِّعافُ لم تُقَوُّوها والمَريضَةُ لم تُداوُوها والمَكْسورَةُ لم تَجبُروها والشَّارِدَةُ لم تَرُدُّوها والضَّالَةُ لم تَبحَثوا عنها، وإِنَّما تَسَلَّطتُم علَيها بِقَسوَةٍ وقَهْر. فأَصبَحَت مُشَتَّتَةً مِن غَيرِ راعٍ، وصارَت مَأكَلًا لِجَميعِ وُحوشِ الحُقولِ وهي مُشَتَّتَة. لقد تاهَت خِرافي في جَميعِ الجِبالِ وعلى كُلِّ تَلَّةٍ عالِيَة، وشُتِّتَت خِرافي على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها، ولَيسَ مَن يَنشُدُ ولا مَن يَبحَث. لِذٰلك أَيُّها الرُّعاةُ ٱسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبّ. حَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. بِما أَنَّ خِرافي صارَت نَهْبًا وأَصبَحَت خِرافي مَأكَلًا لِكُلِّ وَحشِ الحُقولِ مِن غَيرِ راعٍ، ولم يَنشُدْ رُعاتي خِرافي، بل رَعى الرُّعاةُ أَنفُسَهم، وخِرافي لم يَرعَوها، لِذٰلك أَيُّها الرُّعاةُ ٱسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا على الرُّعاة، فأَطلُبُ خِرافي من أَيديهم وأَكُفُّهم عن رَعْيِ الخِراف، فلا يَرْعى الرُّعاةُ أَنفُسَهم بَعدَ اليَوم، وأُنقِذُ خِرافي مِن أَفْواهِهم، فلا تَكونُ لَهم مَأكَلًا. لأَنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أَنشُدُ خِرافي وأَفتَقِدُها أَنا. كما يَفتَقِدُ الرَّاعي قَطيعَه يَومَ يَكونُ في وَسَطِ خِرافِه المُنتَشِرَة، كذٰلك أَفتَقِدُ أَنا خِرافي وأُنقِذُها مِن جَميعِ المَواضِعِ الَّتي شُتِّتَت فيها يَومَ الغَيمِ والغَمامِ المُظلِم، وأُخرِجُها مِن بَينِ الشُّعوب، وأَجمَعُها مِنَ الأَراضي وآتي بِها إِلى أَرضِها وأَرْعاها على جِبالِ إِسْرائيلَ وفي الأَودِيَةِ وفي جَميعِ مساكِنِ الأَرض. في مَرعًى صالِحٍ أَرْعاها وفي جِبالِ إِسْرائيلَ العالِيَةِ يَكونُ مَرْعاها. هُناكَ تَربِضُ في حَظيرَةٍ صالِحَة، وتَرْعى في مَرعًى دَسِمٍ على جِبالِ إِسْرائيل. أَنا أَرْعى خِرافي وأَنا أَربِضُها، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فأَبحَثُ عن الضَّالَّةِ وأَرُدُّ الشَّارِدَةَ وأَجبُرُ المَكْسورَةَ وأُقَوِّي الضَّعيفَةَ وأُهلِكُ السَّمينَةَ والقَوِيَّة، وأَرْعاها بِعَدْل. وأَنتُنَّ يا خِرافي، هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أَحكُمُ بَينَ شاةٍ وشاة، بَينَ الكِباشِ والتُّيوس. أَما يَكْفيكُنَّ أَن تَرعَينَ المَرْعى الصَّالح، ثُمَّ تَدُسْنَ بِأَرجُلِكُنَّ باقيَ مَراعيكُنَّ وأَن تَشرَبْنَ الصَّافِيَ مِن المِياه، فتُعَكِّرنَ ما بَقِيَ بِأَرجُلِكُنَّ، فتَرْعى خِرافي مَدوسَ أَرجُلِكُنَّ وتَشرَبُ مُعَكَّرَ أَقْدامِكُنَّ؟ لِذٰلك هٰكذا قالَ لَهُنَّ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أَحكُمُ بَينَ الشَّاةِ السَّمينَةِ والشَّاةِ الهَزيلة، لأَنَّكُنَّ دَفَعتُنَّ بِالجَنْبِ والكَتِف، ونَطَحتُنَّ بِقُرونِكُنَّ كُلَّ ضَعيفَةٍ إِلى أَن شَتَّتُّنَّها إِلى خارِج. فأُخَلِّصُ خِرافي ولا تَكونُ بَعدَ اليَومِ نَهْبًا، وأَحكُمُ بَينَ شاةٍ وشاة. وأُقيمُ علَيها راعِيًا آخَرَ لِيَرْعاها، عَبْدي داوُد، فهو يَرْعاها وهو يَكونُ راعِيَها. وأَنا الرَّبَّ أَكونُ لَهم إِلٰهًا، وعَبْدي داوُدُ يَكونُ في وَسْطِهم رَئيسًا. أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ. وأَقطَعُ لَهم عَهدَ سَلام، وأَكُفُّ الوَحشَ الضَّارِيَ عنِ الأَرض، فيَسكُنونَ في البَرِّيَّةِ آمِنين، ويَنامونَ في الغاب. وأَغرِسُهم وتَكونُ بَرَكَةٌ حَولَ تَلَّتي، وأُنزِلُ المَطَرَ في أَوانِه، فيَكونُ مَطَرَ بَرَكَة. ويُعْطي شَجَرُ الحُقولِ ثَمَرَه، والأَرضُ تُعْطي غَلَّتَها، ويَكونونَ على أَرضِهم آمِنين، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ حينَ أُحَطِّمُ قُضْبانَ نيرِهم، وأُنقِذُهم مِن أَيدي الَّذينَ ٱستَعبَدوهم. ولا يَكونونَ بَعدَ اليَومِ نَهْبًا لِلأُمَم، ووَحشُ الأَرضِ لا يَأكُلُهم، فيَسكُنونَ آمنين، ولا أَحَدَ يُرَوِّعُهم. وأُقيمُ لَهم مَغرِسًا عَظيمَ الِٱسم، فلا يَكونونَ بَعدَ اليَومِ فَريسَةً لِلْجوعِ في الأَرض، ولا يَحمِلونَ بَعدَ اليَومِ تَعْييرَ الأُمَم، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُهم معَهم، وأَنَّهم شَعْبي بَيتُ إِسْرائيل، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وأَنتُنَّ يا خِرافَ مَرْعايَ، بَشَرٌ أَنتُنَّ، وأَنا إِلٰهُكم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، اِجعَلْ وَجهَكَ نَحوَ جَبَلِ سِعيرَ وتَنَبَّأْ علَيه، وقُلْ لَه: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا علَيكَ يا جَبَلَ سِعير، فأَمُدُّ يَدي علَيكَ وأَجعَلُكَ خَرِبًا مُقفِرًا. أَجعَلُ مُدُنَكَ خَرِبَة، وتَصيرُ أَنتَ مُقفِرًا، فتَعلَمُ أَنِّي أَنا الرَّبّ. وبِما أَنَّ لَكَ عَداوةً أَبَدِيَّة، فأَسلَمتَ بَني إِسْرائيلَ إِلى يَدِ السَّيفِ في وَقتِ بَلِيَّتهم، عِندَ بُلوغِ الإِثمِ غايَتَه، لِذٰلك حَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، إِنِّي أُسلِمُكَ إِلى الدَّم، والدَّمُ يَتَعَقَّبُكَ. لقَد أَبغَضتَ رَوابِطَ الدَّم، فالدَّمُ يَتَعَقَّبُكَ. وأَجعَلُ جَبَلَ سِعيرَ خَرِبًا مُقفِرًا، وأَقرِضُ مِنه الذَّاهِبَ والآئِب، وأَملَأُ جِبالَه مِن قَتْلاه، وفي تِلالِكَ وأَودِيَتِكَ وجَميعِ مَجاريكَ يَسقُطُ القَتْلى بِالسَّيف. أَجعَلُكَ أَخرِبَةً أَبَدِيَّة، فلا تُسكَنُ مُدُنُكَ، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. وبِما أَنَّكَ قُلتَ: إِنَّ الأُمَّتَينِ والأَرضَينِ هما لي فأَرِثُهما، وقد كانَ الرَّبُّ هُناك، لِذٰلك حَيٌّ أَنا، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، إِنِّي أُعامِلُكَ بِمِثْلِ ما عامَلتَ بِه مِن غَضَبِكَ وغَيرَتِكَ، بُغْضًا مِنكَ لَهم، فأُعَرِّفُ نَفْسي إِلَيهم، إِذ أَدينُكَ، فتَعلَمُ أَنِّي أَنا الرَّبَّ قد سَمِعتُ جَميعَ تَعْييراتِكَ الَّتي تَكَلَّمتَ بِها على جِبالِ إِسْرائيلَ قائِلًا: إِنَّها قد أُقفِرَت وجُعِلَت لَنا مَأكَلًا، فتَعَظَّمتُم علَيَّ بِأَفْواهِكُم وأَكثَرتُم علَيَّ أَقْوالَكم وأَنا سَمِعتُ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: عِندَ فَرَحِ الأَرضِ كُلِّها أَجعَلُكَ مُقفِرًا. كما شَمِتَّ بِميراثِ بَيتِ إِسْرائيلَ أَنَّه أَقفَر، كذٰلك أَصنَعُ بِكَ فتَصيرُ مُقفِرًا يا جَبَلَ سِعير، أَنت وكُلُّ أَدومَ بِأَجمَعِها، فيُعلَمُ أَنِّي أَنا الرَّبّ. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، تَنَبَّأ على جِبالِ إِسْرائيلَ وقُلْ: يا جِبالَ إِسْرائيل، اِسمَعي كَلِمَةَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّ العَدُوَّ قد قالَ علَيكِ: صَهْ، قد صارَتِ المَشارِفُ الأَبَدِيَّةُ ميراثًا لَنا، لِذٰلك تَنَبَّأْ وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّهم دَمَّروكِ وطَمِعوا بِكِ مِن كُلِّ جِهَة، لِكَي تَصيري ميراثًا لِسائِرِ الأُمَم، وتَناوَلَتكِ أَلسِنَةُ النَّاسِ ومَذَمَّةُ الشَّعْب، لِذٰلك، يا جِبالَ إِسْرائيل، اِسمَعي كَلِمَةَ السَّيِّدِ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِلجِبالِ والتِّلالِ والمَجاري والأَودِيَةِ ولِلأَخرِبَةِ المُقفِرَة، ولِلمُدُنِ المَهْجورَةِ الَّتي صارَت نَهْبًا وهُزُؤًا لِسائِرِ الأُمَمِ الَّتي مِن حَولِها. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي بِنارِ غَيرَتي تَكَلَّمتُ على سائِرِ الأُمَمِ وعلى أَدومَ كُلِّها، الَّتي جَعَلَت أَرْضي لَها ميراثًا، بِشَماتَةِ كُلِّ قَلبِها وٱحتِقارِ نَفسِها، لِنَهْبِ مَرْعاها. لِذٰلك تَنَبَّأْ على أَرضِ إِسْرائيل، وقُلْ لِلجِبالِ والتِّلالِ والمَجاري والأَودِيَة: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا قد تَكَلَّمتُ بِغَيرَتي وغَضَبي، لأَنَّكِ حَمَلتِ تَعْييرَ الأُمَم. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنِّي رَفَعتُ يَدي مُقسِمًا على أَنَّ الأُمَمَ الَّتي مِن حَولِكِ هي تَحمِلُ تَعييرَها. أَمَّا أَنتِ يا جِبالَ إِسْرائيل، فتُنبِتينَ أَفْنانَكِ وتُثمِرينَ ثَمَرَكِ لِشَعبي إِسْرائيل، لأَنَّ مَجيئَه قدِ ٱقتَرَب. فهاءَنَذا إِلَيكِ فأَلتَفِتُ إِلَيكِ فتُحرَثينَ وتُزرَعين، وأُكَثِّرُ علَيكِ البَشَر، كُلَّ بَيتِ إِسْرائيلَ بِأَجمَعِهم، فتُسكَنُ المُدُنُ وتُبْنى الأَخرِبَة. وأُكَثِّرُ علَيكِ البَشَرَ والبَهائِم، فيَكثُرونَ ويُثمِرون، وأَجعَلُكِ آهِلَةً كما في قَديمِ أَيَّامِكِ، وأُوليكِ ما هو خَيرٌ مِن أَوائِلِكِ، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. وأُسَيِّرُ علَيكِ البَشَرَ شَعْبي إِسْرائيل، فيَرِثونَكِ وتَكونينَ لَهم ميراثًا، ولا تَعودينَ تُثكِلينَهم. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: بِما أَنَّهم قالوا لَكِ أَنَّكِ قد كُنتِ آكِلَةً لِلبَشَر ومُثكِلَةً لأُمَمِكِ، لِذٰلِكَ لا تَأكُلينَ بَشَرًا بَعدَ اليَوم، ولا تُثكِلينَ أُمَّتَكِ بَعدَ اليَوم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. ولا أُسمِعُكِ بَعدَ اليَومِ تَعْييرَ الأُمَم، ولا تَحمِلينَ هَوانَ الشُّعوبِ بَعدَ اليَوم، ولا تُعثِّرينَ أُمَّتَكِ بَعدَ اليَوم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، إِنَّ بَيتَ إِسْرائيل، لَمَّا سَكَنوا في أَرضِهم، نَجَّسوها بِسُلوكِهم وأَعْمالِهم، وصارَ سُلوكُهم كَنَجاسَةِ الطَّمثِ أَمامي. فصَبَبتُ غَضَبي علَيهم بِسَبَبِ الدَّمِ الَّذي سَفَكوه على الأَرض، ولأَنَّهم نَجَّسوها بِقَذاراتِهم، وشَتَّتُّهم بَينَ الأُمَم، فتَذَرَّوا في الأَراضي. على مُقتَضى طَريقِهم وأَعْمالِهم دُنتُهم. فلَمَّا دَخَلوا بَينَ الأُمَمِ الَّتي دَخَلوا بَينَها، دَنَّسوا ٱسمِيَ القُدُّوس، إِذ قيلَ فيهم: هٰذا شَعبُ الرَّبِّ وقد خَرَجَ مِن أَرضِه. فعَطَفتُ على ٱسْمِيَ القُدُّوسِ الَّذي دَنَّسه بَيتُ إِسْرائيلَ في الأُمَمِ الَّتي دَخَلوا بَينَها. لِذٰلك قُلْ لِبَيتِ إِسْرائيل: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: لَيسَ لأَجلِكم أَنا فاعِلٌ، يا بَيتَ إِسْرائيل، بل لأَجلِ ٱسمِيَ القُدُّوسِ الَّذي دَنَّستُموه في الأُمَمِ الَّتي دَخَلتُم بَينَها. فأُقَدِّسُ ٱسمِيَ العَظيمَ الَّذي دُنِّسَ في الأُمَمِ الَّتي دَنَّستُموه فيما بَينها، فتَعلَمُ الأُمَمُ أَنِّي أَنا الرَّبّ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، حينَ أَتَقَدَّسُ فيكم على عُيونِها. وآخُذُكم مِن بَينِ الأُمَم، وأَجمَعُكم مِن جَميعِ الأَراضي وآتي بِكم إِلى أَرضِكم. وأَرُشُّ عليكم ماءً طاهِرًا، فتَطهُرونَ مِن كُلِّ نَجاسَتِكم، وأُطَهِّرُكم مِن جَميعِ قَذاراتِكم. وأُعْطيكم قَلبًا جَديدًا وأَجعَلُ في أَحْشائكم روحًا جَديدًا وأَنزِعُ مِن لَحمِكم قَلبَ الحَجَر، وأُعْطيكم قَلبًا مِن لَحْم، وأَجعَلُ روحي في أَحْشائِكم وأَجعَلُكم تَسيرونَ على فَرائِضي وتَحفَظونَ أَحْكامي وتَعمَلونَ بِها. وتَسكُنونَ في الأَرضِ الَّتي أَعطَيتُها لِآبائِكم، وتَكونونَ لي شَعبًا وأَكونُ لَكم إِلٰهًا. وأُخَلِّصُكم مِن كُلِّ نَجاسَتِكم، وأَدْعو الحِنطَةَ وأُكَثِّرُها، ولا أُلْقي علَيكمُ الجوع. وأُكَثِّرُ ثَمَرَ الشَّجَرِ وغَلَّةَ الحَقْل، لِئَلاَّ يَنالَكم بَعدَ اليَومِ عارُ الجوعِ في الأُمَم. وتَذكُرونَ سُلوكَكمُ الشِّرِّير وأَعْمالَكم غَيرَ الصَّالِحَة، فتَكرَهونَ أَنفُسَكم بِسَبَبِ آثامِكم وقَبائِحِكم. ولَستُ لأَجلِكم أَعمَلُ ذٰلك، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فٱعلَموا وٱخزَوا وٱخجَلوا من سُلوكِكم، يا بَيتَ إِسْرائيل. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنَّه يَومَ أُطَهِّرُكم مِن جَميعِ آثامِكم، أُعمِرُ المُدُنَ وتُبْنى الأَخرِبَة، وتُحرَثُ الأَرضُ المُقفِرَة، بَعدَ أَن كانَت خَرابًا على عَينَي كُلِّ عابِر، فيَقولون: قد صارَت هٰذه الأَرضُ المُقفِرَةُ كَجَنَّةِ عَدْنٍ والمُدُنُ الخَرِبَةُ المُقفِرَةُ المُنهَدِمَةُ حَصينَةً مَسْكونَة، وتَعلَمُ الأُمَمُ الَّتي أُبقِيَت مِن حَولِكم أَنِّي أَنا الرَّبَّ بَنَيتُ ما كانَ مُنهَدِمًا وغَرَستُ ما كانَ مُقفِرًا. أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ وصَنَعتُ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: عن هٰذا أَيضًا أُجيبُ بَيتَ إِسْرائيلَ السَّائِلينَ أَن أَصنَعَه لَهم. إِنِّي أُكَثِّرُهم كَخِرافٍ مِنَ البَشَر، كخِرافٍ مُقَدَّسَة، كخِرافِ أُورَشَليم في أَعْيادِها، فتَمتَلِئُ المُدُنُ الخَرِبَةُ مِن خِرافِ البَشَر، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». وكانَت علَيَّ يَدُ الرَّبّ، فأَخرَجَني بِروحِ الرَّبّ، ووَضَعَني في وَسَطِ السَّهْلِ وهو مُمتَلِئٌ عِظامًا، وأَمَرَّني علَيها مِن حَولِها، فإِذا هي كَثيرَةٌ جِدًّا على وَجهِ السَّهْل، وإِذا بِها يابِسَةٌ جِدًّا. فقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، أَتُرى تَحْيا هٰذه العِظام؟» فقُلتُ: «أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، أَنتَ تَعلَم». فقالَ لي: «تَنَبَّأْ على هٰذه العِظامِ وقُلْ لَها: أَيَّتُها العِظامُ اليابِسَة، اِسمَعي كَلِمَةَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِهٰذه العِظام: هاءَنَذا أُدخِلُ فيكِ روحًا فتَحيَين. أَجعَلُ علَيكِ عَصَبًا وأُنشِئُ علَيكِ لَحمًا وأَبسُطُ علَيكِ جِلدًا وأَجعَلُ فيكِ روحًا فتَحيَينَ وتَعلَمينَ أَنِّي أَنا الرَّبّ». فتَنَبَّأتُ كما أُمِرتُ، فكانَ صَوتٌ عِندَ تَنَبُّؤي، وإِذا بِٱرتِعاش، فتَقارَبَتِ العِظامُ كُلُّ عَظم إِلى عَظمِه. ونَظَرتُ فإِذا بِالعَصَبِ واللَّحمِ قد نَشَأَا علَيها، وبُسِطَ الجِلدُ علَيها مِن فَوقُ ولم يَكُنْ بِها روح. فقالَ لي: «تَنَبَّأْ لِلرُّوح، تَنَبَّأْ يا ٱبنَ الإِنْسانِ وقُلْ لِلرُّوح: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هَلُمَّ أَيُّها الرُّوحُ مِن الرِّياحِ الأَربَع، وهُبَّ في هٰؤُلاءِ المَقْتولينَ فيَحيَوا». فتَنَبَّأتُ كما أَمَرَني، فدَخَلَ فيهمِ الرُّوح، فعاشوا وقاموا على أَقْدامِهم جَيشًا عَظيمًا جِدًّا جِدًّا. فقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، هٰذه العِظامُ هي بَيتُ إِسْرائيلَ بِأَجمَعِهم. ها هم قائِلون: قد يَبِسَت عِظامُنا وهَلَكَ رَجاؤُنا وقُضِيَ علَينا. لِذٰلك تَنَبَّأ وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا أَفتَحُ قُبورَكم وأُصعِدُكم مِن قُبورِكم يا شَعْبي، وآتي بِكم إِلى أَرضِ إِسْرائيل، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ، حينَ أَفتَحُ قُبورَكم وأُصعِدُكم مِن قُبورِكم يا شَعْبي. وأَجعَلُ روحي فيكم فتَحيَون، وأُقِرُّكم في أَرضِكم، فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبَّ تَكَلَّمتُ وصَنَعتُ، يَقولُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، فخُذْ لَكَ خَشَبَةً واحِدَة، وٱكتُبْ علَيها: يَهوذا وإِسْرائيلُ أَصْحابُه. وخُذْ خَشَبَةً أُخْرى وٱكتُبْ علَيها: يوسُفُ (خَشَبَةُ أَفْرائيم) وكُلُّ بَيتِ إِسْرائيلَ أَصْحابِه. وقَرِّبهُما الواحِدَةَ مِنَ الأُخْرى، حتَّى تَصيرا لَكَ خَشَبَةً واحِدَة، فتَصيرانِ واحِدَةً في يَدِكَ. وإِذا كَلَّمَكَ بَنو شَعبِكَ قائلين: أَلا تُخبِرُنا ما تُريدُ بِهٰذا؟ فقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا آخُذُ خَشَبَةَ يوسُفَ (الَّتي في يَدِ أَفْرائيم) وأَسْباطَ إِسْرائيلَ أَصحابَه وأَجعَلُهم على خَشَبَةِ يَهوذا وأَصنَعُهم خَشَبَةً واحِدَة، فيَكونونَ واحِدًا في يَدي. والخَشَبَتانِ اللَّتانِ كَتَبتَ علَيهما تَكونانِ في يَدِكَ أَمامَ عُيونِهم. وقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا آخُذُ بَني إِسْرائيلَ مِن بَينِ الأُمَمِ الَّتي ذَهَبوا إِلَيها وأَجمَعُهم مِن كُلِّ جِهَة، وآتي بِهم إِلى أَرضِهم، وأَجعَلُهم أُمَّةً واحِدَةً في هٰذه الأَرض، في جِبالِ إِسْرائيل، ومَلِكٌ واحِدٌ يَكونُ مَلِكًا لِجَميعِهم، ولا يَكونونَ بَعدَ اليَوم أُمَّتَين، ولا يَنقَسِمونَ بَعدَ اليَومِ إِلى مَملَكَتَينِ أَبَدًا. ولا يَتَنَجَّسونَ بَعدَ اليَومِ بِقَذاراتِهم وبِقَبائِحِهم وجَميعِ مَعاصيهم، وأُخَلِّصُهم مِن جَميعِ ضَلالاتِهم الَّتي خَطِئوا فيها وأُطَهِّرُهم، فيَكونونَ لي شَعبًا وأَكونُ لَهم إِلٰهًا، وعَبْدي داوُدُ يَكونُ مَلِكًا علَيهم، وراعٍ واحِدٌ يَكونُ لِجَميعِهم، ويَسيرونَ على أَحْكامي ويَحفَظونَ فَرائضي ويَعمَلونَ بِها. ويَسكُنون في الأَرضِ الَّتي أَعطَيتُها لِعَبْدي يَعْقوب والَّتي سَكَنَ فيها آباؤُكم، فيَسكُنونَ فيها هم وبَنوهم وبَنو بَنيهم لِلأَبَد، وداوُدُ عَبْدي يَكونُ رَئيسًا لَهم لِلأَبَد. وأَقطَعُ لَهم عَهدَ سَلام. عَهدٌ أَبَدِيٌّ يَكونُ معَهم، وأُقيمُهم وأُكَثَّرُهم وأَجعَلُ مَقدِسي في وَسطِهم لِلأَبَد. ويَكونُ مَسكِني فَوقَهم وأَكونُ لَهم إِلٰهًا ويَكونونَ لي شَعبًا. فتَعلَمُ الأُمَمُ أَنِّي أَنا الرَّبُّ المُقَدَّسُ لإسْرائيل، حينَ يَكونُ مَقدِسي في وَسطِهم لِلأَبَد». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قائِلًا: «يا ٱبنَ الإِنْسان، اِجعَلْ وَجهَكَ نحوَ جوج، في أَرضِ ماجوج، رَئيسِ وقائِدِ ماشَكَ وتوبَل، وتَنَبَّأْ علَيه، وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا علَيكَ يا جوج، رَئيسَ ماشَكَ وتوبَل وقائِدَهما، فأُعيدُكَ على عَقِبَيكَ وأَجعَلُ كَلاليبَ في فَكَّيكَ، وأُخرِجُكَ أَنتَ وجَميعَ جَيشِكَ خَيلًا وفُرسانًا مِن كُلِّ لابِسِ ثِيابٍ فاخِرَة، جَمعًا كَثيرًا، ذا مَجانِبَ وتُروسٍ مِن كُلِّ قابِضِ سَيف. ومعَهم فارِسُ وكوشٌ وفوط، وكُلُّهم ذَوو تُروسٍ وخُوَذ. ومعَكَ جومَرُ وجَميعُ جُيوشِه وبَيتُ توجَرْمَةَ في أَقاصي الشَّمالِ وجَميعُ جُيوشِهم وشُعوبٌ كَثيرَة. فٱستَعِدَّ وأَعدِدْ لِنَفسِكَ، أَنتَ وكُلُّ جَمعِكَ المُجتَمِعينَ إِلَيكَ، وكُنْ لَهم خَفيرًا، فإِنَّكَ بَعدَ أَيَّامٍ كَثيرةٍ تَؤمَر، وفي آخِرِ السِّنينَ تَأتي إِلى الأَرضِ النَّاجِيَةِ مِنَ السَّيفِ والمَجْموعَةِ مِن شُعوبٍ كَثيرةٍ في جِبالِ إِسْرائيل، الَّتي كانَت مُقْفِرَةً كُلَّ حين، ثُمَّ أُخرِجَت هٰذه الأَرضُ مِنَ الشُّعوب، وفيها يَسكُنونَ جَميعُهم آمِنين، فتَصعَدُ وتَأتي كعاصِفَة، وتَكونُ كغَمامٍ يُغَطِّي الأَرض، أَنتَ وجَميعُ جُيوشِكَ وشُعوبٌ كَثيرةٌ معَكَ. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: في ذٰلك اليَوم، تَخطُرُ على قَلبِكَ أُمورٌ وتُفَكِّرُ فِكرَ سوء، وتَقول: أَصعَدُ إِلى أَرضِ المُدُنِ غَيرِ المُسَوَّرة، وآتي الهادِئينَ السَّاكِنينَ في أَمْنٍ، الَّذينَ يَسكُنونَ جَميعًا بِغَيرِ سور، ولَيسَ لَهم مَزاليجُ ولا مَصاريع، لِكَي تَسلُبَ السَّلَبَ وتَنهَبَ النَّهْبَ وتُعيدَ يَدَكَ على الأَخرِبَةِ المَسْكونَةِ والشَّعبِ المَجْموعِ مِنَ الأُمَم والحاصِلِ على المَاشِيَةِ والأَمْوال، والَّذي يَسكُنُ في وَسَطِ الأَرض. إِنَّ شَبَأَ ودَدانَ وتُجَّارَ تَرْشيشَ وجَميعَ أَشْبالِها يَقولونَ لَكَ: أَجِئتَ لِتَسلُبَ السَّلَب؟ أَوَجَمَعتَ جَمعَكَ لِتَنهَبَ النَّهْبَ وتَحمِلَ الفِضَّةَ والذَّهَب، وتَأخُذَ الماشِيَةَ والأَمْوالَ وتَسلُبَ سَلَبًا عَظيمًا؟ لِذٰلك تَنَبَّأْ يا ٱبنَ الإِنْسان، وقُلْ لِجوج: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: أَلَستَ في ذٰلك اليَوم، حينَ يَسكُنُ شَعْبي إِسْرائيلُ في أَمنٍ، تَذهَب، فتَأتي مِن مَكانِكَ، مِن أَقاصي الشَّمال، ومعَكَ شُعوبٌ كَثيرة، كُلُّها مِن راكِبي خَيل، جَمعٌ عَظيمٌ وجَيشٌ كَثير، وتَصعَدُ على شَعْبي إِسْرائيلَ كغَمامٍ يُغَطِّي الأَرض؟ إِنَّكَ في آخِرِ الأَيَّامِ تَكون، فآتي بِكَ على أَرْضي، لِكَي تَعرِفَني الأُمَم، حينَ أَتَقَدَّسُ بِكَ أَمامَ عُيونِها، يا جوج. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: أَلَستَ أَنتَ الَّذي تَكَلَّمتُ علَيه في الأَيَّامِ القَديمةِ على أَلسِنَةِ عَبيدي أَنبِياءِ إِسْرائيلَ المُتَنَبِّئينَ في تِلكَ الأَيَّامِ وطَوالَ السِّنينَ بِأَنِّي سأَجلُبُكَ علَيهم. في ذٰلك اليَوم، يَومِ يأتي جوجٌ على أَرضِ إِسْرائيل، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، يَطلَعُ سُخْطي في أَنْفي. وفي غَيرَتي ونارِ غَضَبي تَكَلَّمتُ: لَيَكونَنَّ في ذٰلك اليَومِ ٱرتِعاشٌ عَظيمٌ على أَرضِ إِسْرائيل، فيَرتَعِشُ مِن وَجْهي سَمَكُ البَحرِ وطَيرُ السَّماءِ ووَحشُ الحُقولِ وجَميعُ الزَّحَّافاتِ الَّتي تَدِبُّ على الأَرضِ وجَميعُ البَشَرِ الَّذينَ على وَجهِ الأَرض، وتَندَكُّ الجِبالُ وتَسقُطُ مُنحَدَراتُها، وكُلُّ سورٍ يَسقُطُ إِلى الأَرض. لٰكِنِّي أَدْعو السَّيفَ علَيه في جَميعِ جبالي، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فيَكونُ سَيفُ كُلِّ رَجُلٍ على أَخيه. وأُحاكِمُه بِالطَّاعونِ والدَّمِ والمَطَرِ الهاطِلِ وحِجارَةِ البَرَد، وأُمطِرُ النَّارَ والكِبْريتَ علَيه وعلى جُيوشِه وعلى الشُّعوبِ الكَثيرَةِ الَّتي معَه، فأَتَعَظَّمُ وأَتَقَدَّسُ وأُعَرِّفُ نَفْسي على عُيونِ أُمَمٍ كَثيرة، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، تَنَبَّأْ على جوجٍ وقُلْ: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هاءَنَذا علَيكَ يا جوج، رَئيسَ ماشَكَ وتوبَل وقائِدَهما، فأُعيدُكَ على عَقِبَيكَ وأَقودُكَ وأُصعِدُكَ مِن أَقاصي الشَّمال، وآتي بِكَ إِلى جِبالِ إِسْرائيل، وأُحَطِّمُ قَوسَكَ في يَدِكَ اليُسْرى وأُسقِطُ سِهامَكَ مِن يَدِكَ اليُمْنى. على جِبالِ إِسْرائيلَ تَسقُطُ أَنتَ وجَميعُ جُيوشِكَ والشُّعوبُ الَّتي معَكَ، ولِلجَوارِحِ ولِكُلِّ ذي جَناحٍ ولِوُحوشِ الحُقول قد جَعَلتُكَ مأكَلًا. على وَجهِ الحُقولِ تَسقُطُ لأَنِّي تَكَلَّمتُ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وأُرسِلُ نارًا على ماجوج، وعلى السَّاكِنينَ في الجُزُرِ آمِنين، فيَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ. وأُعَرِّفُ ٱسمِيَ القُدُّوسَ في وَسْطِ شَعْبي إِسْرائيل، ولا أَدَعُ ٱسمِيَ القُدُّوسَ يُدَنَّسُ بَعدَ اليَوم، فتَعلَمُ الأُمَمُ أَنِّي أَنا الرَّبُّ وأَنا القُدُّوسُ في إِسْرائيل. ها إِنَّ الأَمرَ قد وَقَعَ وتَمَّ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، هٰذا هو اليَومُ الَّذي تَكَلَّمتُ عليه. فيَخرُجُ سُكَّانُ مُدُنِ إِسْرائيل، ويُضرِمونَ النَّارَ ويَكونُ وَقودُهمُ السِّلاحَ والتُّروسَ والمَجانِبَ والقِسِيَّ والسِّهامَ وعِصِيَّ اليَدِ والرِّماح. بِها يُضرِمونَ النَّارَ سَبعَ سَنَوات. فلا يَحمِلونَ الحَطَبَ مِنَ الحُقول، ولا يَقطَعونَه مِنَ الغاب، لأَنَّهم يُضرِمونَ النَّارَ بِالسِّلاح، ويَسلُبونَ الَّذينَ سَلَبوهم ويَنهَبونَ الَّذينَ نَهَبوهم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وفي ذٰلك اليَوم، أَجعَلُ لِجوجٍ مَكانًا شَهيرًا، قَبرًا بإِسْرائيل، وادِيَ العَباريمِ في شَرقِ البَحْر، في الوادي الَّذي يَحولُ دونَ العابِرين، فيَدفِنونَ هُناكَ جوجًا وجَميعَ جُمْهورِه، ويُسَمُّون المَكانَ وادِيَ جُمْهورِ جوج. ويَدفِنُهم بَيتُ إِسْرائيلَ سَبعةَ أَشهُر، ليُطَهِّروا الأَرْض. جَميعُ شَعبِ الأَرضِ يَدفِنونَهم، فيَكونُ لَهم ذٰلك مَفخَرَةً، يَومَ أَتَمَجَّد، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. ويُعَيِّنونَ جَوَّالينَ في الأَرضِ رِجالًا مُداوِمينَ لِيَدفِنوا، مع العابِرين، جُثَثَ الباقينَ على وَجهِ الأَرضِ لِيُطَهِّروها. بَعدَ سَبعَةِ أَشهُرٍ يَبحَثون، فيَجولُ الجَوَّالونَ في الأَرض، فإِذا رَأَى أَحَدٌ مِنهم عَظْمَ بَشَر، بَنى بِجانِبِه وَتَدًا، إِلى أَن يَدفِنَه الدَّافِنونَ في وادي جُمْهورِ جوج (هَمونَةُ هي ٱسمُ مَدينَةٍ أَيضًا) ويُطَهِّروا الأَرض. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: قُلْ لِكُلِّ ذي جَناحٍ ولِكُلِّ وُحوشِ الحُقول: إِجتَمِعي وهَلُمِّي وٱحتَشِدي مِن كُلِّ جِهَةٍ إِلى ذَبيحَتي الَّتي أَنا ذابِحُها لَكِ ذَبيحَةٍ عَظيمَة، على جِبالِ إِسْرائيل، فتأكُلي لَحْمًا وتَشرَبي دَمًا. تَأكُلينَ لَحمَ الجَبابِرَة، وتَشرَبينَ دَمَ رُؤَساءِ الأَرض، مِن كِباشٍ وحُمْلانٍ وتُيوسٍ وعُجولٍ كُلُّها مِن مُسَمَّناتِ باشان. وتأكُلينَ شَحْمًا إِلى الشِّبَع، وتَشرَبينَ دَمًا إِلى السُّكْرِ مِن ذَبيحَتِيَ الَّتي ذَبَحتُها لَكِ. وتَشْبَعونَ على مائِدَتي مِنَ الخَيلِ ورُكَّابِها والجَبابِرَةِ وكُلِّ رَجُلِ حَرْب، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. فأَجعَلُ مَجْدي في الأُمَم، وتَرى جَميعُ الأُمَمَ حُكمِيَ الَّذي أَجرَيتُه ويدِيَ الَّتي وَضَعتُها علَيها. ومِن ذٰلك اليَومِ فما بَعدُ يَعلَمُ بَيتُ إِسْرائيلَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُهم، وتَعلَمُ الأُمَمُ أَنَّ بَيتَ إِسْرائيلَ إِنَّما ذَهَبوا إِلى الجَلاءِ بِسَبَبِ إِثمِهم، لأَنَّهم خالَفوني فحَجَبتُ وَجْهي عنهم وأَسلمتُهم إِلى أَيدي مُضايقيهم، فسَقَطوا بِالسَّيفِ جَميعًا. على مُقتَضى نَجاسَتِهم ومَعاصيهم صَنَعتُ بِهم وحَجَبتُ وَجْهي عنهم. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: الآنَ أَرُدُّ أَسْرى يَعْقوب، وأَرحَمُ جَميعَ بَيتِ إِسْرائيل، وأَغارُ على ٱسمِيَ القُدُّوس. ويَنسَونَ خَجَلَهم وكُلَّ مُخالَفَتِهمِ الَّتي خالَفوني بِها عِندَ سُكْناهم في أَرضِهم آمِنين، لا أَحَدَ يُرَوِّعُهم. حينَ أُعيدُهم مِن بَينِ الشُّعوب وأَجمَعُهم مِن أَراضي أَعْدائِهم وأَتَقَدَّسُ فيهم على عُيونِ الأُمَمِ الكَثيرة، يَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُهم بِجَلائي إِيَّاهم إِلى الأُمَمِ ثُمَّ جَمْعي إِيَّاهم إِلى أَرضِهم، بِحَيثُ لا أُبْقي هُناكَ مِنهم أَحَدًا بَعدَ اليَوم، ولا أَحجُبُ وَجْهي عنهم بَعدَ اليَوم، لأَنِّي أَكونُ قد أَفَضتُ روحي على بَيتِ إِسْرائيل، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». في السَّنَةِ الخامِسَةِ والعِشرينَ مِن جَلائِنا، في رَأسِ السَّنة، في العاشِرِ مِنَ الشَّهْر، في السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشرَةَ بَعدَ أَن ضُرِبَتِ المَدينَة، في ذٰلك اليَومِ نَفْسِه، كانَت علَيَّ يَدُ الرَّبّ، وأَتى بي إِلى هُناكَ. في رُؤًى إِلٰهِيَّةِ أَتى بي إِلى أَرضِ إِسْرائيلَ ووَضَعَني على جَبَلٍ شامِخٍ جِدًّا، علَيه كبِناءِ مَدينَةٍ مِن جِهَةِ الجَنوب. فأَتى بي إِلى هُناك، فإِذا بِرَجُلٍ مَنظَرُه كَمَنظَرِ النُّحاس، وبِيَدِه حَبلُ كَتَّانٍ وقَصَبَةُ قِياس، وهو واقِفٌ بِالباب. فقالَ لِيَ الرَّجُل: «يا ٱبنَ الإِنْسان، اُنظُرْ بِعَينَيكَ وٱسمَعْ بأُذُنَيكَ وٱنتَبِهْ لِكُلِّ ما أُريكَ إِيَّاه، فإِنَّكَ لِكَي تَراه أُتِيَ بِكَ إِلى هُنا، وكُلُّ ما تَراه فأَخبِرْ بِه بَيتَ إِسْرائيل». فإِذا بِحائِطٍ في خارِجِ البَيتِ على مُحيطِه، وبِيَدِ الرَّجُلِ قَصَبَةُ القِياس، وهي سِتُّ أَذرُع، وذِراعُها ذِراعٌ وشِبْر، فقاسَ سُمكَ البُنْيانِ فكانَ قَصَبَة، وعُلُوُّه فكانَ قَصَبَة. وأَتى إِلى البابِ المُتَّجِهِ نَحوَ الشَّرْق، وصَعِدَ في دَرَجاتِه، وقاسَ عَتَبَةَ البابِ فكانَت قَصَبَةً عَرْضًا، أَي لِلعَتَبَةِ الأُولى قَصَبَةٌ واحِدَةٌ عَرْضًا. ثُمَّ قاسَ الغُرفَة فكانَت قَصَبَةً طولًا وقَصَبَةً عَرْضًا وما بَينَ الغُرَفِ خَمْسَ أَذرُع. وكانَت عَتَبَةُ البابِ بِجانِبِ رِواقِ البابِ مِن الدَّاخِلِ قَصَبَة. وقاسَ رِواقَ الباب فكانَ ثَمانِيَ أَذرُع، وكانت أَعمِدَتُه ذِراعَين. ورِواقُ البابِ هٰذا مِنَ الدَّاخِل. وكانَت مَقاصيرُ البابِ الَّذي نَحوَ الشَّرقِ ثَلاثًا مِن هُنا وثَلاثًا مِن هُناك، ولِلثَّلاثِ قِياسٌ واحِد، ولأَعمِدَتِها قِياسٌ واحِدٌ مِن هُنا ومِن هُناك. وقاسَ عَرضَ مَدخَلِ البابِ فكانَ عَشرَ أَذرُع، وكانَ طولُ البابِ ثَلاثَ عَشرَةَ ذِراعًا. وأَمامَ الغُرَفِ حاجِزٌ لَه ذِراعٌ مِن هُنا وذِراعٌ مِن هُناك، ولِكُلِّ غُرفَةٍ سِتُّ أَذرُعٍ مِن هُنا وسِتُّ أَذرُعٍ مِن هُناك. وقاسَ البابَ مِن سَطحِ الغُرفَةِ إِلى سَطحِها الآخَرَ فكانَ خَمْسًا وعِشْرينَ ذِراعًا. وكانَ بابُ الغُرفَةِ الواحِدَةِ قُبالَةَ بابِ الأُخْرى. وجَعَلَ لِلأَعمِدَةِ سِتِّينَ ذِراعًا، وكانَتِ الأَعمِدَةُ على مُحيطِ دارِ الباب. وكانَ خَمْسونَ ذِراعًا مِن واجِهَةِ بابِ الدُّخولِ إِلى واجِهَةِ رِواقِ البابِ الدَّاخِلِيّ. وكانَت لِلغُرَفِ نَوافِذُ مُشَبَّكَة وكذٰلك لأَعمِدَتِها مِن داخِلِ البابِ على مُحيطِه. وكانَ لِلرِّواقِ على كُلِّ مُحيطِه نَوافِذُ وعلى الأَعمِدَةِ نَخيل. وأَتى بي إِلى الدَّارِ الخارِجيَّة، فإِذا بِغُرَفٍ ومُجَزِّعٍ قد صُنِعَ لِلدَّارِ على مُحيطِها، وعلى المُجَزَّعِ ثَلاثونَ غُرفَة. وكانَ المُجَزَّعُ عِندَ مَناكِبِ الأَبْواب وكانَ عَرضُه طولَ الأَبْواب: هٰذا المُجَزَّعُ الأَسفَل. وقاسَ العَرضَ مِن واجِهَةِ البابِ الأَسفَلِ إِلى الواجِهَةِ الخارِجِيَّةِ مِنَ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ فكانَ مِئَةَ ذِراعٍ مِن جِهَةِ الشَّرْقِ وكذٰلِكَ مِن جِهَةِ الشَّمال. وأَمَّا البابُ المُتَّجِهُ نَحوَ الشَّمالِ والَّذي لِلدَّارِ الخارِجِيَّة، فقاسَ طولَه وعَرضَه. فكانَت غُرَفُه، وهي ثَلاثٌ مِن هُنا وثَلاثٌ مِن هُناك، وأَعمِدَتُه ورِواقُه على قِياسِ البابِ الأَوَّل. فطولُه خَمْسونَ ذِراعًا وعَرضُه خَمسٌ وعِشْرونَ ذِراعًا. وكانَت نَوافِذُه ورِواقُه ونَخيلُه على قِياسِ البابِ الَّذي يَتَّجِهُ نَحوَ الشَّرْق، ويُصعَدُ إِلَيه في سَبعِ دَرَجاتٍ ورِواقُه أَمامَها. وكانَ بابُ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ قُبالَةَ البابِ جِهَةَ الشَّمالِ كما هو جِهَةَ الشَّرْق. وقاسَ مِن بابٍ إِلى باب، فكانَ مِئَةَ ذِراع. وذَهَبَ بي نَحوَ الجَنوب، فإِذا بِبابٍ نَحوَ الجَنوب، فقاسَ أَعمِدَتَه ورِواقَه فكانَتِ الأَقيِسَةُ نَفْسَها. وكانَت لَه نَوافِذ ولِرِواقِه أَيضًا على مُحيطِه كتِلكَ النَّوافِذ، وكانَ طولُه خَمْسينَ ذِراعًا وعَرضُه خَمْسًا وعِشْرينَ ذِراعًا. وكانَ سُلَّمُه سَبعَ دَرَجاتٍ ورِواقُه أَمامَها، ولَه نَخيلٌ واحِدَةٌ مِن هُنا وواحِدَةٌ مِن هُناكَ على أَعمِدَتِه. وكانَ لِلدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ بابٌ نَحوَ الجَنوب. وقاسَ مِن بابٍ إِلى بابٍ نَحوَ الجَنوب فكان مِئَةَ ذِراع. وأَتى بي إِلى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ مِن بابِ الجَنوب، وقاسَ بابَ الجَنوبِ فكانَ كتِلكَ الأَقيِسَة، وكانَت غُرَفُه وأَعمِدَتُه ورِواقُه كتِلكَ الأَقيِسَة، ولَه ولِرِواقِه نَوافِذُ على مُحيطِه، وطولُه خَمْسونَ ذِراعًا وعَرضُه خَمسٌ وعِشْرونَ ذِراعًا، وعلى مُحيطِه أَروِقَةٌ طولُها خَمسٌ وعِشْرونَ ذِراعًا وعَرضُها خَمسُ أَذرُع. وكانَ رِواقُه بِحِذاءِ الدَّارِ الخارِجِيَّة، وعَلى أَعمِدَتِه نَخيل، وكانَ سُلَّمُه بِثَماني دَرَجات. وأَتى بي إِلى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ نَحوَ الشَّرْق، وقاسَ البابَ فكانَ كتِلكَ الأَقيِسَة. وكانَت غُرَفُه وأَعمِدَتُه ورِواقُه كتِلكَ الأَقيِسَة، ولَه ولِرِواقِه نَوافِذُ على مُحيطِه، وطولُه خَمْسونَ ذِراعًا وعَرضُه خَمسٌ وعِشْرونَ ذِراعًا. وكانَ رِواقُه بِحِذاءِ الدَّارِ الخارِجِيَّة، وعلى أَعمِدَتِه نَخيلٌ مِن هنا ومِن هناك، وكانَ سُلَّمُه بِثَماني دَرَجات. وأَتى بي إِلى بابِ الشَّمالِ وقاسَه فكانَ كتِلكَ الأَقيِسَة. وكانَت غُرَفُه وأَعمِدَتُه ورِواقُه والنَّوافِذُ الَّتي على مُحيطِه كتِلكَ الأَقيِسَة، وطولُه خَمْسونَ ذِراعًا وعَرضُه خَمسٌ وعِشْرونَ ذِراعًا. وكانَ رِواقُه بِحِذاءِ الدَّارِ الخارِجِيَّة، وعلى أَعمِدَتِه نَخيلٌ مِن هُنا ومِن هُناك، وكانَ سُلَّمُه بِثَماني دَرَجات. وكانَت غُرفَةٌ مَدخَلُها عِندَ أَعمِدَةِ الأَبْواب، وهُناكَ تُغسَلُ المُحرَقَة. وكانَ في رِواقِ البابِ طاوِلَتانِ مِن هُنا وطاوِلَتانِ مِن هُناكَ لِتُذبَحَ علَيها المُحرَقَةُ وذَبيحَةُ الخَطيئَةِ وذَبيحَةُ الإِثْم. وكانَ في الجانِبِ الخارِجِيّ لِلصَّاعِدِ إِلى مَدخَلِ بابِ الشَّمالِ طاوِلَتان، وفي الجانِبِ الآخَرِ الَّذي عِندَ رِواقِ البابِ طاوِلَتان. وكانَت أَربَعُ طاوِلاتٍ مِن هُنا وأَربَعُ طاوِلاتٍ مِن هُناكَ عِندَ جانِبِ الباب، أَي ثَماني طاوِلاتٍ يُذبَحُ علَيها. وكانَت أَيضًا أَربَعُ طاوِلاتٍ لِلمُحرَقَةِ مِن حِجارَةٍ مَنْحوتَة، طولُها ذِراعٌ ونِصْفٌ وعَرضُها ذِراعٌ ونِصْفٌ وعُلُوُّها ذِراع، توضَعُ علَيها الأَدَواتُ الَّتي تُذبَحُ بِها المُحرَقَةُ والذَّبيحَة. وكانَت أَزْواجُ الكَلاليبِ مُثَبَّتَةً في الدَّاخِلِ على مُحيطِه، وعلى الطَّاوِلاتِ يوضَعُ لَحمُ القُرْبان. وكانَ في خارِجِ البابِ الدَّاخِلِيِّ غُرَفٌ لِلمُرَنِّمين، وكانَت بِجانِبِ بابِ الشَّمال، ووُجوهُها نَحوَ الجَنوب. وكانَ هُناكَ غُرفَةٌ بِجانِبِ الشَّرق، وكان وَجهُها نَحوَ الشَّمال. وقالَ لي: «هٰذه الغُرفَةُ الَّتي وَجهُها نَحوَ الجَنوبِ هي لِلكَهَنَةِ المُتَوَلِّينَ خِدمَةَ البَيت. والغُرفَةُ الَّتي وَجهُها نَحوَ الشَّمالِ هي لِلكَهَنَةِ المُتَوَلِّينَ خِدمَةَ المَذبَح، وهم بَنو صادوقَ المُقَرَّبونَ إِلى الرَّبِّ مِن بَينِ بَني لاوي لِيَخدُموه». وقاسَ الدَّارَ فكانَت مِئَةَ ذِراعٍ طولًا ومِئَةَ ذِراعٍ عَرضًا، أَي مُرَبَّعة. وكانَ المَذبَحُ أَمامَ البَيت. وأَتى بي إِلى رِواقِ البَيت، وقاسَ أَعمِدَةَ الرَّواق، فكانَت خَمسَ أَذرُعٍ مِن هُنا وخَمسَ أَذرُعٍ مِن هُناك، وكانَ عَرضُ البابِ ثَلاثَ أَذرُعٍ مِن هُنا وثَلاثَ أَذرُعٍ مِن هُناك. وكانَ طولُ الرِّواقِ عِشْرينَ ذِراعًا وعَرضُه إِحْدى عَشرَةَ ذِراعًا، ويُصعَدُ إِلَيه بِعَشرِ دَرَجات. وكانَ عِندَ الأَعمِدَةِ رُكْنان، واحِدٌ مِن هُنا وواحِدٌ مِن هُناكَ. وأَتى بي إِلى الهَيكَل، وقاسَ الأَعمِدَة، فكانَت سِتَّ أَذرُعٍ عَرضًا مِن هُنا وسِتَّ أَذرُعٍ عَرضًا مِن هُناك، وهو عَرضُ الخَيمَة. وكانَ عَرضُ المَدخَلِ عَشرَ أَذرُعٍ وجَوانِبُ المَدخَلِ خَمسَ أَذرُعٍ مِن هُنا وخَمسَ أَذرُعٍ مِن هُناك. وقاسَ الهَيكَلَ فكانَ أَربَعينَ ذِراعًا طولًا وعِشْرينَ ذِراعًا عَرضًا. وأَتى إِلى الدَّاخِلِ وقاسَ عَمودَ المَدخَل، فكانَ ذِراعَين، وقاسَ المَدخَلَ فكانَ سِتَّ أَذرُع، وقاسَ عَرضَ المَدخَلِ فكانَ سَبعَ أَذرُع. وقاسَ طولَه فكانَ عِشْرينَ ذِراعًا وقاسَ عَرضَه فكانَ عِشْرينَ ذِراعًا مُقابِلَ وَجهِ الهَيكَل، وقالَ لي: «هٰذا قُدسُ الأَقْداس». وقاسَ حائِطَ البَيت، فكانَ سِتَّ أَذرُع، وقاسَ عَرضَ البِناءِ الجانِبِيِّ فكانَ أَربَعَ أَذرُعٍ حَولَ البَيتِ مِن كُلِّ جِهَة. وكانَتِ الحُجَرُ مُتَراكِبَةً في ثَلاثِ طَبَقاتٍ كُلٌّ مِنها بِثَلاثينَ حُجرَة، وكانَت داخِلَةً في الحائط، وكانَ حائِطُ بِناءِ الحُجَرِ مِن حَولِه مُتَرَكِّبًا، ولم يَكُن حائِطُ البَيتِ مُتَرَكِّبًا. وكانَتِ الحُجَرُ تَتَّسِعُ في إِحاطَتِها بِقَدرِ ما كانَت صاعِدَة، لأَنَّ مُحيطَ البَيتِ كانَ صاعِدًا مِن حَولِ البَيت. لِذٰلك كانَ البَيتُ مِن فَوقُ أَوسَع، ويُصعَدُ مِن أَسفَلِه إِلى أَعْلاه بِأَوسَطِه. ورَأَيتُ حَولَ البَيتِ مُرتَفَعًا، وكانَ هٰذا المُرتَفَعُ قاعِدَةَ الحُجَر، وكانَ قِياسُه قَصَبَةً تامَّةً مِن سِتِّ أَذرُعٍ نَحوَ الزَّاوِيَة. وكانَ سُمكُ حائِطِ الحُجَرِ مِن خارِجٍ خَمسَ أَذرُع. وكانَت هُناكَ فُسحَةٌ فارِغَةٌ على طولِ بِناءِ حُجَرِ البَيت. وكانَ العَرضُ بَينَ الغُرَفِ عِشْرينَ ذِراعًا مِن حَولِ البَيتِ على مُحيطِه. وكانَ مَدخَلُ الحُجَرِ عِندَ الفُسحَةِ الفارِغَةِ مَدخَلًا نَحوَ الشَّمالِ ومَدخَلًا نَحوَ الجَنوب، وكانَ عَرضُ الفُسحَةِ الفارِغَةِ خَمسَ أَذرُعٍ على مُحيطِ البَيت. وكانَ عَرضُ البِناءِ الَّذي على وَجهِ السَّاحَةِ المُنفَصِلَةِ جِهَةَ الغَربِ سَبْعينَ ذِراعًا، وكانَ سُمكُ حائِطِ البِناءِ خَمسَ أَذرُعٍ على المُحيط، وطولُه تِسْعينَ ذِراعًا. وقاسَ البَيتَ فكانَ مِئَةَ ذِراعٍ طولًا، وقاسَ السَّاحَةَ المُنفَصِلَةَ والبِناءَ وحيطانَه فكانَت مِئَةَ ذِراعٍ طولًا. وكانَ عَرضُ وَجهِ البَيتِ والسَّاحَةِ المُنفَصِلَةِ مِن جِهَةِ الشَّرقِ مِئَةَ ذِراع. وقاسَ طولَ البِناءِ الَّذي على وَجهِ السَّاحَةِ المُنفَصِلَةِ في مُؤَخِّرِها وقاسَ مَماشِيَها مِن هُنا ومِن هُناكَ فكانَت مِئَةَ ذِراع. وكانَ داخِلُ الهَيكَلِ وأَروِقَةُ الدَّار والعَتَباتُ والنَّوافِذُ المُشَبَّكةُ والمَماشي الَّتي حَولَ الجَوانِبِ الثَّلاثَةِ أَمامَ العَتَبَةِ مُلَبَّسَةً بِأَلْواحِ الخَشَبِ على كُلِّ المُحيط، مِنَ الأَرضِ إِلى النَّوافِذ. وكانَتِ النَّوافِذُ مُغَطَّاة. وأَمَّا ما فَوقَ المَدخَلِ إِلى داخِلِ البَيتِ وخارِجِه وعلى مُحيطِ الحائِطِ كُلِّه، مِن الدَّاخِلِ ومِن الخارِج، فقد كانَ لَه أَقيِسَة. وكانَ مَصْنوعًا فيه كَروبونَ ونَخيل، بَينَ كَروبٍ وكَروبٍ نَخلَة. وكانَ لِلكَروبِ وَجْهان، وَجهُ بَشَرٍ إِلى النَّخلَةِ مِن هُنا ووَجهُ شِبلٍ إِلى النَّخلَةِ مِن هُناك. هٰكذا كانَ مَصْنوعًا في كُلِّ البَيتِ على مُحيطِه. ومِنَ الأَرضِ إِلى ما فَوقَ المَدخَلِ كانَ مَصْنوعًا كَروبونَ ونَخيل، وكذٰلك على حائِطِ الهَيكَل. وكانَت دِعامَتا الهَيكَلِ مُرَبَّعَتَين. وكانَ أَمامَ المَقدِسِ كمَنظَرِ مَذبَح، مَذبَحٍ مِن خَشَبٍ عُلُوُّه ثَلاثُ أَذرُعٍ وطولُه ذِراعان، وزَواياه وقاعِدَتُه وجُدْرانُه مِن خَشَب. وقالَ لي: «هٰذه هي المائدَةُ الَّتي أَمامَ الرَّبّ». ولِلهَيكَلِ والمَقدِسِ بابان، ولِهٰذَينِ البابَينِ مِصْراعانِ مُتَحَرِّكان، مِصْراعانِ لِلبابِ الواحِدِ ومِصْراعانِ لِلبابِ الآخَر. وكانَ مَصْنوعًا (على أَبوابِ الهَيكَلِ) كَروبونَ ونَخيل، كما هو مَصْنوعٌ على الحيطان. وكانَت كُنَّةٌ مِن خَشَبٍ على وَجهِ الرِّواقِ مِنَ الخارِج ونَوافِذُ مُشَبَّكَةٌ ونَخيلٌ مِن هُنا ومِن هُناكَ على جَوانِبِ الرِّواقِ وعلى حُجَرِ البَيتِ والكِنان. وأَخرَجَني إِلى الدَّارِ الخارِجِيَّةِ نَحوَ الشَّمال، وأَدخَلَني إِلى الغُرفَةِ الَّتي تُجاهَ السَّاحَةِ المُنفَصِلَةِ وتُجاهَ البِناءِ جِهَةَ الشَّمال. وكانَ الطُّولُ عِندَ الوَجهِ مِئَةَ ذِراعٍ مع مَدخَلِ الشَّمال، والعَرضُ خَمْسينَ ذِراعًا. وتُجاهَ العِشْرينَ ذِراعًا الَّتي لِلدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ وتُجاهَ المُجَزَّعِ الَّذي لِلدَّارِ الخارِجِيَّةِ مَمْشى قُبالَةَ المَمْشى ذي الطَّبَقاتِ الثَّلاث. وأَمامَ الغُرَفِ مَمَرٌّ بِعَشْرِ أَذرُعٍ عَرضًا، ونَحوَ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ كانَ مَمَرٌّ بِذِراعٍ عَرضًا، وكانَت مَداخِلُها جِهَةَ الشَّمال. والغُرَفُ العُلْيا ضَيِّقة، لأَنَّ المَماشي أَكَلَت مِن هٰذه، وأَضيَقُ مِن أَسافِلِ البِناءِ ومِن أَواسِطِه، إِذ هي ثَلاثُ طَبَقاتٍ ولَيسَ لَها أَركانٌ كأَركانِ الدُّور، لِذٰلك كانَت أَصغَرَ مِمَّا تَحتَها مِن الأَواسِطِ والَّتي في الأَرض. والجِدارُ الَّذي في الخارِجِ عِندَ الغُرَفِ نَحوَ الدَّارِ الخارِجِيَّةِ طولُه خَمْسونَ ذِراعًا أَمامَ الغُرَف، لأَنَّ طولَ الغُرَفِ الَّتي عِندَ الدَّارِ الخارِجِيَّةِ خَمْسونَ ذِراعًا، وقد كانَ أَمامَ الهَيكَلِ مِئَةُ ذِراع. ومِن تَحتِ هٰذه الغُرَفِ مَدخَلٌ مِنَ الشَّرْقِ حَيثُ يُدخَلُ إِلَيها مِنَ الدَّارِ الخارِجِيَّة. وفي عَرضِ جِدارِ الدَّارِ نَحوَ الشَّرق، أَمامَ السَّاحَةِ المُنفَصِلَةِ وأَمامَ البِناء، كانَت غُرَف، وأَمامَها طَريقٌ كما لِلغُرَفِ الَّتي نَحوَ الشَّمال مِن حَيثُ الطُّولُ والعَرضُ وجَميعُ المَخارِجِ والتَّقْسيمُ والأَبْواب. وعلى مِثالِ أَبْوابِ الغُرَفِ الَّتي نَحوَ الجَنوب، كانَ بابٌ في رَأسِ الطَّريق، وهو الطَّريقُ الَّذي أَمامَ جِدارٍ مُتَّجِهٍ نَحوَ الشَّرقِ حَيثُ يُدخَلُ إِلَيها. وقالَ لي: «إِنَّ غُرَفَ الشَّمالِ وغُرَفَ الجَنوبِ الَّتي أَمامَ السَّاحَةِ المُنفَصِلَةِ هي غُرَفٌ مُقَدَّسة. هُناكَ يَأكُلُ الكَهَنَةُ المُتَقَرِّبونَ مِنَ الرَّبِّ أَقْداسَ الأَقْداس، وهُناكَ توضَعُ أَقْداسُ الأَقْداس، أَيِ التَّقدِمَةُ وذَبيحَةُ الخَطيئَةِ وذَبيحَةُ الإِثم، لأَنَّ المَكانَ مُقَدَّس. وإِذا دَخَلَ الكَهَنَة، فلا يَخرُجونَ مِنَ القُدسِ إِلى الدَّارِ الخارِجِيَّة، بل يَضَعونَ هُناكَ ثِيابَهمُ الَّتي يَخدُمونَ بِها لأَنَّها مُقَدَّسَة، ويَلبَسونَ ثِيابًا أُخْرى، ويَتَقَدَّمونَ إِلى المَكانِ الخاصِّ بِالشَّعب». ولمَّا أَتَمَّ أَقيِسَةَ البَيتِ الدَّاخِلِيّ، أَخرَجَني مِن طَريقِ البابِ المُتَّجِه نَحوَ الشَّرق، وقاسَ البَيتَ على مُحيطِه. قاسَ جهَةَ الشَّرقِ بِقَصَبَةِ القِياس، فكانَت خَمسَ مِئَةِ قَصَبَةٍ بِقَصَبَةِ القِياسِ على المُحيط. وقاسَ جِهَةَ الشَّمال، فكانَت خَمسَ مِئَةِ قَصَبَةٍ بِقَصَبَةِ القِياسِ على المُحيط. وقاسَ جِهَةَ الجَنوب، فكانَت خَمسَ مِئَةِ قَصَبَةٍ بِقَصَبةِ القِياس. وٱنعَطَفَ إِلى جِهَةِ الغَربِ وقاسَها، فكانَت خَمسَ مِئَةِ قَصَبَةٍ بِقَصَبَةِ القِياس. قاسَه مِنَ الجِهاتِ الأَربَع، وكانَ لَه حائِطٌ على مُحيطِه طولُه خَمسُ مِئَةٍ وعَرضُه خَمسُ مِئَة، لِلفَصلِ بَينَ القُدسِ وغَيرِ المقدَّس. وذَهَبَ بي إِلى الباب، إِلى البابِ المُتَّجِهِ نَحوَ الشَّرق. فإِذا بِمَجدِ إِلٰهِ إِسْرائيلَ قد أَتى مِن جِهَةِ الشَّرق، وصَوتُه كصَوتِ مِياهٍ غَزيرَة، والأَرضُ قد تَلأْلأَت مِن مَجدِه. والرُّؤْيَا الَّتي رَأَيتُها كانَت كالرُّؤْيا الَّتي كُنتُ قد رَأَيتُها حينَ أَتَيتُ لِتَدْميرِ المَدينة، وكالرُّؤْيا الَّتي كُنتُ قد رَأَيتُها عِندَ نَهرِ كَبار، فسَقَطتُ على وَجْهي. ودَخَلَ مَجدُ الرَّبِّ إِلى البَيتِ مِن البابِ المُتَّجِهِ نَحوَ الشَّرْق. فحَمَلَني الرُّوحُ ودَخَلَ إِلى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّة، فإِذا بِمَجدِ الرَّبِّ قد مَلأَ البَيت. وسَمِعتُ أَحَدًا يُكَلِّمُني مِنَ البَيت، وكانَ رَجُلٌ واقِفًا بِجانِبي، وقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، هٰذا مَكانُ عَرْشي ومَكانُ أَخامِصِ قَدَمَيَّ والَّذي أَسكُنُ فيه في وَسْطِ بَني إِسْرائيلَ لِلأَبَد، ولا يُنَجِّسُ بَعدَ اليَومِ بَيتُ إِسْرائيلَ ٱسمِيَ القُدُّوسَ لا هم ولا مُلوكُهم بِزِناهم وبِجُثَثِ مُلوكِهم وأَنْصابِ قُبورِهم، وبِجَعلِهم عَتَبَتَهم لَدى عَتَبَتي ودَعائِمَهم بِجانِبِ دَعائمي، ولَيسَ بَيني وبَينَهم إِلاَّ الحائِط، فنَجَّسوا ٱسمِيَ القُدُّوسَ بِقَبائِحِهِمِ الَّتي صَنَعوها، فأَفنَيتُهم بِغَضَبي. فلْيُبعِدوا الآنَ زِناهم وجُثَثَ مُلوكِهم عَنِّي فأَسكُنَ في وَسْطِهم لِلأَبَد. وأَنتَ يا ٱبنَ الإِنْسان، فصِفِ البَيتَ لِبَيتِ إِسْرائيل، ولْيَخجَلوا مِن آثامِهم (ولْيَقيسوا رَسمَه). فإِن خَجِلوا مِن كُلِّ ما صَنَعوا، فعَلِّمْهم صورَةَ البَيتِ وهَيئَتَه ومَخارِجَه ومداخِلَه وجَميعَ صُوَرِه وفَرائِضِه وجَميعَ سُنَنِه وشَرائِعِه، وٱكتُبْها على عُيونِهم ولْيَحفَظوا صورَتَه كُلَّها وجَميعَ فَرائِضِه ويَعمَلوا بِها. هٰذه شَريعَةُ البَيت: على رأسِ الجَبَل، كُلُّ الأَرضِ على مُحيطِه هي قُدسُ أَقْداس (هٰذه هي شَريعَةُ البَيت). وهٰذه أَقيِسَةُ المَذبَحِ بِالأَذرُع، والذِّراعُ ذِراعٌ وشِبْر: الحِضنُ ذِراعٌ والعَرضُ ذِراع، وحَرفُه إِلى شَفَتِه مِن حَولِه شِبْر. هٰذا هو طَرَفُ المَذبَح. ومِنَ الحِضنِ عِندَ الأَرضِ إِلى القاعِدَةِ السُّفْلى ذِراعان، والعَرضُ ذِراع. ومِنَ القاعِدَةِ الصَّغيرَةِ إِلى القاعِدَةِ الكَبيرَةِ أَربَعُ أَذرُع، والعَرضُ ذِراع. والمَوقِدُ أَربَعُ أَذرُع، وفَوقَ المَوقِدِ أَربَعَةُ قُرون. والمَوقِدُ ٱثْنَتا عَشرَةَ طولًا في ٱثنَتَي عَشرَةَ عَرضًا، فهو مُرَبَّعٌ على جَوانِبِه الأَربَعَة. والقاعِدَةُ أَربَعَ عَشرَةَ طولًا وأَربَعَ عَشرَةَ عَرضًا على جَوانِبِه الأَربَعَة. والحَرفُ مِن حَولِه نِصفُ ذِراع، وحِضنُه ذِراعٌ مِن حَولِه، ودَرَجاتُه تُجاهَ الشَّرْق». وقالَ لي: «يا ٱبنَ الإِنْسان، هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هٰذه فَرائِضُ المَذبَحِ يَومَ يُصنَعُ لإصْعادِ المُحرَقَةِ علَيه ولِرَشِّ الدَّمِ علَيه. تُعْطي الكَهَنَةَ اللاَّوِيِّينَ هم مِن ذُرِّيَّةِ صادوق، المُقتَرِبينَ إِلَيَّ لِيَخدُموني، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، عِجلًا مِنَ البَقَرِ لِذَبيحَةِ الخَطيئَة، وتَأخُذُ مِن دَمِه وتَجعَلُه على القُرونِ الأَربَعَةِ وعلى أَربَعِ زَوايا القاعِدَةِ وعلى الحَرْفِ مِن حَولِه، فتُزيلُ عنه الخَطيئَةَ وتُكَفِّرُ عنه. وتَأخُذُ عِجلَ ذَبيحَةِ الخَطيئَةِ فيُحرَقُ في مَوضِعٍ مُعَيَّنٍ مِنَ البَيتِ خارِجَ المَقدِس. وفي اليَومِ الثَّاني، تُقَرِّبُ تَيسًا مِنَ المَعَزِ صَحيحًا لِذَبيحَةِ الخَطيئَة، فتُزالُ الخَطيئَةُ عنِ المَذبَحِ كما أُزيلَت بالعِجْل. ومتى فَرَغتَ مِن إِزالَةِ الخَطيئة، فقَرِّبْ عِجلًا مِنَ البَقَرِ صَحيحًا وكَبشًا مِنَ الغَنَمِ صَحيحًا، قَرِّبْهُما أَمامَ الرَّبّ، ولْيُلقِ الكَهَنَةُ علَيهما مِلْحًا ويُصعِدوهما مُحرَقَةً لِلرَّبّ. سَبعَةَ أَيَّامٍ تُقَرِّبُ في كُلِّ يَومٍ تَيسَ ذَبيحَةِ الخَطيئَة، ويُقَرِّبونَ عِجلًا مِنَ البَقَرِ وكَبشًا مِنَ الغَنَمِ صَحيحَين. وسَبعَةَ أَيَّامٍ يُكَفِّرونَ عنِ المَذبَحِ ويُطَهِّرونَه ويُكَرِّسونَه. ومتى تَمَّت هٰذه الأَيَّام، ففي اليَومِ الثَّامِنِ فما بَعدُ، يُقَرِّبُ الكَهَنَةُ على المَذبَحِ مُحرَقاتِكم وذَبائِحَكمُ السَّلامِيَّة، فأَرضى عنكم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ». ورَجَعَ بي إِلى بابِ المَقدِسِ الخارِجِيّ المُتَّجِهِ نَحوَ الشَّرْق، وكانَ مُغلَقًا. فقالَ لِيَ الرَّبّ: «إِنَّ هٰذا البابَ يَكونُ مُغلَقًا، لا يُفتَحُ ولا يَدخُلُ مِنه إِنْسان، لأَنَّ الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، قد دَخَلَ مِنه، فيَكونُ مُغلَقًا. لٰكِنَّ الرَّئيسَ هو يَجلِسُ فيه لِتَناوُلِ الطَّعامِ أَمامَ الرَّبّ، فيَدخُلُ مِن طَريقِ رِواقِ البابِ ويَخرُجُ مِنَ الطَّريقِ نَفْسِه». وأَتى بي مِن بابِ الشَّمالِ إِلى أَمامِ البَيت، فنَظَرتُ فإِذا بِمَجدِ الرَّبِّ قد مَلأَ بَيتَ الرَّبّ، فسَقَطتُ على وَجْهي. فقالَ لِيَ الرَّبّ: «يا ٱبنَ الإِنْسان، اِنتَبِهْ وٱنظُرْ بِعَينَيكَ وٱسمَعْ بِأُذُنَيكَ كُلَّ ما أُكَلِّمُكَ بِه في جَميعِ فَرائضِ بَيتِ الرَّبِّ وجَميعِ شَرائِعِه، وٱنتَبِه لِلقُبولِ في البَيتِ ولِجَميعِ المُبعَدينَ عنِ المَقدِس. وقُلْ لِلمُتَمَرِّدين، لِبَيتِ إِسْرائيل: هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: كَفاكم جَميعُ قَبائِحِكم، يا بَيتَ إِسْرائيل، وإِدْخالُكم بَني الغُرَباءِ القُلْفَ القُلوب، القُلْفَ الأَجْساد، لِيَكونوا في مَقدِسي ويُدَنِّسوا بَيتي، وتَقْريبُكم طَعامي، الشَّحمَ والدَّم، ونَقضُكم عَهْدي بِجَميعِ قَبائِحِكم، ولم تَقوموا بِخِدمَةِ أَقْداسي، بل أَقَمتُم مَن يَقومونَ بِالخِدمَةِ عنكم في مَقدِسي. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: لا يَدخُلُ مَقدِسي ٱبنُ غَريبٍ أَقلَفُ القَلبِ أَقلَفُ الجَسَدِ مِن جَميعِ بَني الغُرَباءِ الَّذينَ بَينَ بَني إِسْرائيل. لٰكِنَّ اللاَّوِيِّينَ، الَّذينَ ٱبتَعَدوا عنِّي عِندَ ضَلالِ إِسْرائيل، الَّذينَ ضَلُّوا عنِّي وَراءَ قَذاراتِه، يَحمِلونَ إِثمَ أَنفُسِهم، ويَكونونَ في مَقدِسي خُدَّامًا مُتَوَلِّينَ أَبْوابَ البَيتِ وخادِمينَ البَيت. هم يَذبَحونَ المُحرَقَةَ والذَّبيحةَ لِلشَّعْب، وهم يَقِفونَ أَمامَه لِيَخدُموه، لأَنَّهم خَدَموه أَمامَ أَوساخِه وكانوا لِبَيتِ إِسْرائيلَ مَعثَرَةً لِلإثْم. فلِذٰلِكَ رَفَعتُ يَدي علَيهِم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فيَحمِلونَ إِثمَهم، ولا يَقتَرِبونَ إِلَيَّ لِيَكونوا كَهَنَةً ولِلٱقتِرابِ إِلى أَقْداسي وقُدسِ الأَقْداس، فيَحمِلونَ خَجَلَهم وقَبائِحَهمُ الَّتي صَنَعوها. وأَجعَلُهم يَقومونَ بِخِدمَةِ البَيتِ في كُلِّ خِدمَتِه وكُلِّ ما يُصنَعُ فيه. أَمَّا الكَهَنَةُ اللاَّوِيُّون، بَنو صادوقَ، الَّذينَ قاموا بِخِدمَةِ مَقدِسي حينَ ضَلَّ عَنِّي بَنو إِسْرائيل، فهُم يَقتَرِبونَ إِلَيَّ لِيَخدُموني، ويَقِفونَ أَمامي لِيُقَرِّبوا لِيَ الشَّحمَ والدَّم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وهم يَدخُلونَ مَقدِسي، وهم يَقتَرِبونَ إِلى مائِدَتي لِخِدمَتي، ويَقومونَ بِخِدمَتي. وإِذا دَخَلوا أَبْوابَ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّة، يَلبَسونَ ثِيابًا مِن كَتَّان، ولا يَكونُ علَيهم صوفٌ حينَ يَخدُمونَ في أَبْوابِ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ أَو في البَيت. فتَكونُ عَمائِمُ مِن كَتَّانٍ على رُؤُوسِهم وسَراويلاتٌ مِن كَتَّانٍ على أَوساطِهم، ولا يَتَمَنطَقونَ على العَرَق. وإِذا خَرَجوا إِلى الدَّارِ الخارِجِيَّةِ إِلى الشَّعْب، يَنزِعونَ ثِيابَهمُ الَّتي يَخدُمونَ بِها ويَضَعونَها في غُرَفِ القُدْس، ويَلبَسونَ ثِيابًا أُخْرى، لِئَلاَّ يُقَدِّسوا الشَّعبَ بِثيابِهم. ولا يَحلِقونَ رُؤُوسَهم، ولا يُرسِلونَ لَهم خُصَلًا، بل يقُصُّونَ شَعَرَ رُؤُوسِهم. ولا يَشرَبُ كاهِنٌ خَمرًا عِندَ دُخولِه إِلى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّة. ولا يَتَزَوَّجونَ أَرمَلَةً ولا مُطَلَّقَة، بل يَتَّخِذونَ أَبْكارًا مِن ذُرِّيَّةِ بَيتِ إِسْرائيلَ أَو أَرمَلَةً قد أَرمَلَت عن كاهِن. ويُعَلِّمونَ شَعْبيَ التَّمْييزَ بَينَ المُقَدَّسِ وغَيرِ المُقَدَّسِ ويُعَرِّفونَهمُ النَّجِسَ مِنَ الطَّاهِر. وعِندَ الدَّعاوى هم يَقِفونَ لِلحُكْم، وبِحَسَبِ أَحْكامي يَحكُمون، ويَحفَظونَ شَرائعي وفَرائضي في جَميعِ أَعْيادي، ويُقَدِّسونَ سُبوتي. ولا يَدخُلونَ على مَيِّتٍ مِنَ البَشَرِ لِئَلاَّ يَتَنَجَّسوا. ولٰكِنَّ لَهم أَن يَتَنَجَّسوا بِأَبٍ وأُمٍّ وٱبنٍ وٱبنَةٍ وأَخٍ وأُختٍ لم تَصِرْ لِرَجُل. وبَعدَ تَطْهيرِه يَحسُبونَ لَه سَبعَةَ أَيَّام. وفي يَومِ دُخولِه إِلى القُدْس، إِلى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّة، لِيَخدُمَ في القُدْس، يُقَرِّبُ ذَبيحَةَ خَطيئَتِه، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. ويَكونُ لَهم ذٰلك ميراثًا فإِنِّي أَنا ميراثُهم، فلا تُعْطونَهم مِلْكًا في إِسْرائيل، فإِنِّي أَنا مِلكُهم. التَّقدِمَةُ وذَبيحَةُ الخَطيئَةِ وذَبيحَةُ الإِثْمِ هم يَأكُلونَها، وكُلُّ مُحَرَّمٍ في إِسْرائيلَ لَهم يَكون. وأَوَّلُ كُلِّ باكورةٍ مِن كُلِّ شَيء وكُلُّ تَقدِمَةٍ مِن كُلِّ ما تُقَدِّمونَه يَكونُ لِلكَهَنَة. وأَوَّلُ عَجينِكم تَجعَلونَه لِلكاهِنِ لِيُحِلَّ البَرَكَةَ على بَيتِكَ. وكُلُّ مَيتَةٍ أَو فَريسةٍ مِنَ الطُّيورِ والبَهائِمِ لا يَأكُلُ مِنها الكَهَنَة. وإِذا قَسَّمتُمُ الأَرضَ بِالقُرعَةِ ميراثًا، تُقَدِّمونَ مِنَ الأَرضِ تَقدِمَةً مُقَدَّسَةً لِلرَّبّ، طولُها خَمسَةٌ وعِشْرونَ أَلفَ ذِراعٍ وعَرضُها عَشَرَةُ آلاف. هٰذه تَكونُ مَقَدَّسَةً في جَميعِ حُدودِها مِن حَولِها. ومِن هٰذه، مُرَبَّعٌ مِن خَمسِ مِئَةِ ذِراعٍ في خَمسِ مِئَةٍ على المُحيطِ يَكونُ لِلقُدْس، وخَمْسونَ ذِراعًا تَكونُ مِنطَقَةً لَه مِن حَولِه. ومِن هٰذه المِساحَةِ تَقيسُ طولَ خَمسَةٍ وعِشْرينَ أَلفَ ذِراعٍ وعَرضَ عَشَرَةِ آلاف، وهُناكَ يَكونُ المَقدِس، قُدسُ الأَقْداس. وهٰذا يَكونُ المَكانَ المُقَدَّسَ مِنَ الأَرض، ويَكونُ لِلكَهَنَةِ خُدَّامِ المَقدِسِ، المُقتَرِبينَ لِيَخدُموا الرَّبّ، ويَكونُ لَهم مَوضِعًا لِبُيوتِهم ومَكانًا مُقَدَّسًا لِلمَقدِس. ويَكونُ لِلاَّوِيِّينَ، خُدَّامِ البَيتِ، خَمسَةٌ وعِشْرونَ أَلفَ ذِراعٍ طولًا وعَشَرَةُ آلافٍ عَرضًا، ويَكونُ لَهم مِلْكُ مُدُنٍ لِسُكْناهم. وتَجعَلونَ مِلكَ المَدينَةِ خَمسَةَ آلافِ ذِراعٍ عَرضًا وخَمسَةَ وعِشْرينَ أَلفًا طولًا بِالقُربِ مِن نَصيبِ المَقدِس، فيَكونُ لِكُلِّ بَيتِ إِسْرائيل. وتَجعَلونَ لِلرَّئيسِ ما على جانِبَيِ نَصيبِ المَقدِسِ ومَلِكِ المَدينَة، على طولِ نَصيبِ المَقدِسِ وعلى طولِ ملِكِ المَدينَة، مِن جِهَةِ الغَربِ إِلى الغَرْب، ومِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى الشَّرْق، ويَكونُ طولُ المَلِكِ مُساوِيًا لطولِ أَحَدِ النَّصيبَينِ مِن حُدودِ الغَربِ إِلى حُدودِ شَرقِ الأَرض. فذٰلك يَكونُ مِلكَه في إِسْرائيل، فلا يَعودُ رُؤَسائي يَظلِمونَ شَعْبي، بل يُعطونَ الأَرضَ لِبَيتِ إِسْرائيلَ لأَسْباطِهم. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: كَفاكُم يا رُؤَساءَ إِسْرائيل، كُفُّوا عنِ العُنفِ والِٱغتِصاب، وأَجْروا الحَقَّ والبِرّ، وٱرفَعوا عن شَعْبي تَعَدِّياتِكم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. لِتَكُنْ لَكم مَوازينُ عَدْلٍ وإِيفَةُ عَدْلٍ وبَثُّ عَدْل. ولْيَكُنْ لِلإيفَةِ والبَثِّ مِقْدارٌ واحِد، بِحَيثُ يَسَعُ البَثُّ عُشرَ الحُمِرِ والإِيفَةُ عُشرَ الحُمِر، فيَكونُ مِقْدارُهما على الحُمِر. ويَكونُ لَكمُ المِثْقالُ عِشْرينَ دانَقًا والمَنُّ عِشْرينَ مِثْقالًا وخَمسَةً وعِشْرينَ مِثْقالًا وخَمسَةَ عَشَرَ مِثْقالًا. وهٰذه هي التَّقدِمَةُ الَّتي تُقَدِّمونَها: سُدسُ إِيفَةٍ مِن حُمِرِ حِنطَة، وسُدسُ إِيفَةٍ مِن حُمِرِ شَعير. ورَسْمُ الزَّيْتِ هو بَثّ، والبَثُّ عَشرٌ مِنَ الكُرّ، وعَشَرَةُ بُثوثٍ حُمِر. وشاةُ غَنَمٍ مِن كُلِّ مِئَتَينِ مِن مَراعي إِسْرائيلَ تَكونُ لِلتَّقدِمَةِ والمُحرَقَةِ والذَّبائِحِ السَّلامِيَّةِ لِلتَّكْفيرِ عنهم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وعلى كُلِّ شَعبِ الأَرضِ تَكونُ هٰذه التَّقدِمَةُ لِرَئيسِ إِسْرائيل. وعلى الرَّئيسِ تَكونُ المُحرَقاتُ والتَّقدِمَةُ والسَّكيبُ في الأَعْيادِ ورُؤُوسِ الشُّهورِ والسُّبوتِ في جَميعِ ٱحتِفالاتِ بَيتِ إِسْرائيل، وهو يُقَرِّبُ ذَبيحَةَ الخَطيئَةِ والتَّقدِمَةَ والمُحرَقَةَ والذَّبيحَةَ السَّلامِيَّةَ لِلتَّكْفيرِ عن بَيتِ إِسْرائيل. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: في الشَّهْرِ الأَوَّل، في الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْر، تأخُذُ عِجلًا مِنَ البَقَرِ صَحيحًا لِتُزيلَ الخَطيئَةَ عنِ المَقدِس. ويَأخُذُ الكاهِنُ مِن دَمِ ذَبيحَةِ الخَطيئَة، ويَجعَلُه على دَعائِمِ البَيتِ وعلى أَربَعِ زَوايا قاعِدَةِ المَذبَحِ وعلى دعائِمِ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّة. وهٰكذا تَصنَعُ في السَّابِعِ مِنَ الشَّهرِ نَفْسِه عن كُلِّ مَن خَطِئَ سَهوًا أَو طَيشًا، وهٰكذا تُكَفِّرونَ عنِ البَيت. وفي الشَّهرِ الأَوَّل، في اليَومِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْر، يَكونُ لَكمُ الفِصْح، عيدُ سَبعَةَ أَيَّامٍ يُؤكَلُ فيها الفَطير. فيُقَرِّبُ الرَّئيسُ في ذٰلك اليَومِ عن نَفْسِه وعن كُلِّ شَعبِ الأَرضِ عِجلَ ذَبيحَةِ خَطيئَة. وفي سَبعَةِ أَيَّامِ العيد، يُقَرِّبُ المُحرَقَةَ لِلرَّبّ، سَبعَةَ عُجولٍ وسَبعَةَ كِباشٍ صَحيحَةٍ كُلَّ يَومٍ مِنَ الأَيَّامِ السَّبعَة، وذَبيحَةَ خَطيئَةٍ تَيسَ مَعَزٍ كُلَّ يَوم. ويُقَرِّبُ التَّقدِمَةَ إِيفَةً لِلعِجْلِ وإِيفَةً لِلكَبْشِ وهينًا مِنَ الزَّيتِ لِكُلِّ إِيفة. وفي الشَّهرِ السَّابِع، في اليَومِ الخامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ في العيد، يُقَرِّبُ سَبعَةَ أَيَّامٍ أَمثالَ هٰذه مِن ذَبيحَةِ الخَطيئَةِ والمُحرَقَةِ والتَّقدِمَةِ والزَّيت. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنَّ بابَ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ المُتَّجِهَ نَحوَ الشَّرقِ يَكونُ مُغلَقًا سِتَّةَ أَيَّامِ العَمَل، وفي يَومِ السَّبتِ يُفتَح، وفي يَومِ رَأسِ الشَّهرِ يُفتَح. ويَدخُلُ الرَّئيسُ البابَ مِن طَريقِ رِواقِه الخارِجِيّ، ويَقِفُ عِندَ دِعامَةِ الباب، ويُقَرِّبُ الكَهَنَةُ مُحرَقَتَه وذَبيحَتَه السَّلامِيَّة، وهو يَسجُدُ على عَتَبَةِ الباب ثُمَّ يَخرُج، ولا يُغلَقُ البابُ إِلى المَساء. ويَسجُدُ شَعبُ تِلكَ الأَرضِ عِندَ مَدخَلِ هٰذا البابِ في السُّبوتِ وفي رُؤوسِ الشُّهورِ أَمامَ الرَّبّ. والمُحرَقَةُ الَّتي يُقَرِّبُها الرَّئيسُ لِلرَّبِّ في يَومِ السَّبتِ تَكونُ سِتَّةَ حُمْلانٍ صَحيحَةٍ وكَبشًا صَحيحًا. والتَّقدِمَةُ لِلكَبْشِ إِيفَة، والتَّقدِمَةُ لِلحُمْلانِ ما تَهَبُ يَدُه مع هينٍ مِنَ الزَّيتِ لِكُلِّ إِيفَة. وفي يَومِ رَأسِ الشَّهرِ عِجلٌ مِنَ البَقَرِ صَحيحٌ وسِتَّةُ حُمْلانٍ وكَبشٌ تَكونُ صَحيحَة. ويُقَرِّبُ تَقدِمَةً إِيفَةً لِلعِجلِ وإِيفَةً لِلكَبش، وقَدرَ ما نالَت يَدُه لِلحُمْلانِ وهينًا مِنَ الزَّيتِ لِكُلِّ إِيفَة. وإِذا دَخَلَ الرَّئيس، فإِنَّه يَدخُلُ مِن طَريقِ رِواقِ الباب، ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ الطَّريقِ نَفْسِه. وإِذا دَخَلَ شَعبُ تِلكَ الأَرضِ إِلى أَمامِ الرَّبِّ في الِٱحتِفالات، فالَّذي يَدخُلُ مِن طَريقِ بابِ الشَّمالِ لِيَسجُد يَخرُجُ مِن طَريقِ بابِ الجَنوب، والَّذي يَدخُلُ مِن طَريقِ بابِ الجَنوبِ يَخرُجُ مِن طَريقِ بابِ الشَّمال، فلا يَرجِعُ مِن طَريقِ البابِ الَّذي دَخَلَ مِنه، بل يَخرُجُ مِمَّا يُقابِلُه. والرَّئيسُ يَكونُ في وَسْطِهم: فمَتى دَخَلوا دَخَل، ومَتَى خَرَجوا خَرَج. وفي الأَعْيادِ والِٱحتِفالات، تَكونُ التَّقدِمَةُ إِيفَةً لِلعِجلِ وإِيفَةً لِلكَبشِ وما تَهَبُ يَدُه لِلحُمْلانِ، مع هينٍ مِنَ الزَّيتِ لِكُلِّ إِيفة. وإِذا قَرَّبَ الرَّئيسُ قُرْبانًا طَوعِيًّا مُحرَقَةً أَو ذَبيحَةً سَلامِيَّةً طَوعِيَّةً لِلرَّبّ، يُفتَحُ لَه البابُ المُتَّجِهُ نَحوَ الشَّرْق، فيُقَرِّبُ مُحرَقَتَه وذَبيحَتَه السَّلامِيَّة، كما يُقَرِّبُ في يَومِ السَّبْت، ثُمَّ يَخرُجُ ويُغلَقُ البابُ بَعدَ خُروجِه. وتُقَرِّبُ حَمَلًا حَولِيًّا صَحيحًا فصَباحًا، وتُقَرِّبُ علَيه تَقدِمَةً صَباحًا فصَباحًا سُدسَ إِيفَةٍ ومِنَ الزَّيتِ ثُلثَ هينٍ لِرَشِّ السَّميذِ تَقدِمَةً لِلرَّبّ، فَرائِضَ أَبَدِيَّةً دائِمَة. فيُقَرِّبونَ الحَمَلَ والتَّقدِمَةَ والزَّيتَ صَباحًا فصَباحًا مُحرَقَةً دائِمَة. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِذا أَعْطى الرَّئيسُ واحِدًا مِن بَنيه عَطِيَّة، فهي ميراثُه، فتَكونُ لِبَنيه وتَكونُ ملِكًا لَهم بِالوِراثَة. وإِذا أَعْطى واحِدًا مِن عَبيدِه عَطِيَّةً مِن ميراثِه، فهي تَكونُ لَه إِلى سَنَةِ الإِعْتاق، ثُمَّ تَرجِعُ لِلرَّئيس. أَمَّا ميراثُه فيَكونُ لِبَنيه. ولا يَأخُذُ الرَّئيسُ مِن ميراثِ الشَّعبِ مُغتَصِبًا مِلكَهم، بل مِن مِلكِه يُوَرِّثُ بَنيه، لِئَلاَّ يُشَتَّتَ شَعْبي كُلُّ واحِدٍ بَعيدًا عن مِلكِه. وأَتى بي مِنَ المَدخَلِ الَّذي على جانِبِ البابِ إِلى غُرَفِ القُدسِ الَّتي لِلكَهَنَةِ والمُتَّجِهَةِ نَحوَ الشَّمال، فإِذا هُناكَ مَوضِعٌ في الآخِرِ نَحوَ الغَرْب. فقالَ لي: «هٰذا المَوضِعُ الَّذي يَطبُخُ فيه الكَهَنَةُ ذَبيحَةَ الإِثمِ وذَبيحَةَ الخَطيئَةِ ويُنضِجونَ التَّقدِمَة، لِئَلاَّ يَخرُجوا بِها إِلى الدَّارِ الخارِجِيَّةِ فيُقَدِّسوا الشَّعْب». وخَرَجَ بي إِلى الدَّارِ الخارِجِيَّة، وأَمَرَّني على زَوايا الدَّارِ الأَربَع، فإِذا في كُلِّ زاوِيَةٍ مِنَ الدَّارِ دار. وفي زَوايا الدَّارِ الأَربَعِ دورٌ صَغيرةٌ طولُها أَربَعونَ ذِراعًا وعَرضُها ثَلاثون، ولِلأَربَعِ قِياسٌ واحِد، ولأَربَعِها جُدْرانٌ على مُحيطِها، وقَد صُنِعَت مَواقِدُ في أَسفَلِ الجُدْرانِ على المُحيط. فقالَ لي: «هٰذه المَطابِخُ الَّتي يَطبُخُ فيها خُدَّامُ البَيتِ ذَبيحَةَ الشَّعْب». ورَجَعَ بي إِلى مَدخَلِ البَيت، فإِذا بِمِياهٍ تَخرُجُ مِن تَحتِ البَيتِ نَحوَ الشَّرْق، لأَنَّ وَجهَ البَيتِ نَحوَ الشَّرق، والمِياهَ تَنزِلُ مِن تَحتُ مِن جانِبِ البَيتِ الأَيمَنِ عن جَنوبِ المَذبَح. وخَرَجَ بي مِن طَريقِ بابِ الشَّمال، ودارَ بي في الطَّريقِ الخارِجِيِّ إِلى البابِ الخارِجِيِّ المُتَّجِهِ نَحوَ الشَّرْق، فإِذا بِالمِياهِ تَجْري مِنَ الجانِبِ الأَيمَن. ولَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ نَحوَ الشَّرْق، كانَ بِيَدِه حَبْل، فقاسَ أَلفَ ذِراعٍ وعَبَرَ بِيَ المِياه، فوَصَلَتِ المِياهُ إِلى الكَعبَين. ثُمَّ قاسَ أَلفًا وعَبَرَ بِيَ المِياه، فوَصَلَتِ المِياهُ إِلى الرُّكبَتَين. ثُمَّ قاسَ أَلفًا وعَبَرَ بي، فوَصَلَتِ المِياهُ إِلى الوَسَط. ثُمَّ قاسَ أَلفًا فإِذا بِنَهرٍ لم أَقدِرْ على عُبورِه، لأَنَّ المِياهَ صارَت طاغِيَة، وكانَت مِياهَ سِباحَةٍ ونَهرًا لا يُعبَر. فقالَ لي: «أَرَأَيتَ يا ٱبنَ الإِنْسان؟». وذَهَبَ بي ورَجَعَ بي إِلى شاطِئِ النَّهْر. ولَمَّا رَجَعتُ، إِذا على شاطِئِ النَّهْرِ أَشْجارٌ كَثيرةٌ جِدًّا مِن هُنا ومِن هُناك. فقالَ لي: «إِنَّ هٰذه المِياهَ تَخرُجُ نَحوَ المِنطَقَةِ الشَّرقِيَّة، وتَنزِلُ إِلى العَرَبَة وتَتَّجِهُ إِلى البَحْر. وحين تَنصَبُّ المِياهُ في البَحرِ تُصبِحُ مِياهُه طَيِّبَة. وكُلُّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ حَيثُ يَبلُغُ مَجْرى النَّهْرِ تَحْيا، ويَكونُ السَّمَكُ كَثيرًا جِدًّا، لأَنَّ هٰذه المِياهَ تَبلُغُ إِلى هُناكَ وتُصبِحُ طَيِّبَة، فكُلُّ ما يَبلُغُ إِلَيه النَّهرُ يَحْيا. ويَقِفُ على الشَّاطِئِ الصَّيَّادونَ مِن عَينَ جَدْيَ إِلى عَينَ عَجَلائيم، فيَكونُ مَنشَرًا لِلشِّباك، ويَكونُ سَمَكُه على أَصْنافِه كسَمَكِ البَحرِ العَظيم كَثيرًا جِدًّا. أَمَّا مُستَنقَعاتُه وبِرَكُه فلا تُصبِحُ طَيِّبَة، بل تُحفَظُ لِلمِلْح. وعلى النَّهرِ على شاطِئِه مِن هُنا ومِن هُناكَ يَنبُتُ كُلُّ شَجَرٍ يُؤكَل، ولا يَذبُلُ وَرَقُه ولا يَنقَطِعُ ثَمَرُه، بل كُلِّ شَهرٍ يُؤتى بَواكير، لأَنَّ مِياهَه تَخرُجُ مِنَ المَقدِس، فيَكونُ ثَمَرُه لِلطَّعامِ ووَرَقُه لِلعِلاج». هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هٰذه هي الحُدودُ الَّتي فيها تَرِثونَ الأَرضَ على حَسَبِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ الِٱثنَي عَشَر، ولِيوسُفَ سَهْمان. تَرِثونَ كُلُّ واحِدٍ مِثلَ سَهمِ أَخيه مِن هٰذه الأَرضِ الَّتي رَفَعتُ يَدي على أَن أُعطِيَها لِآبائِكُم فتَقَعُ لَكم ميراثًا. وهٰذه حُدودُ الأَرضِ مِن جِهَةِ الشَّمال: مِنَ البَحرِ الكَبيرِ على طَريقِ حَتْلونَ وأَنتَ آتٍ إِلى صَدَد، وحَماةُ وبيروتَةُ وسِبْرائيمُ الَّتي بَينَ أَرضِ دِمَشقَ وأَرضِ حَماة، وحَصَرَتيكونُ الَّتي عِندَ حُدودِ حَوران. وتَكونُ الحُدودُ مِن البَحرِ إِلى حَصَرَعَينون، فتَكونُ حُدودُ دِمَشقَ وحُدودُ حَماةَ نَحوَ الشَّمال. هٰذه هي جِهَةُ الشَّمال. وتَكونُ جِهَةُ الشَّرقِ مِمَّا بَينَ حَورانَ ودِمَشقَ وما بَينَ جِلْعادَ وأَرضِ إِسْرائيلَ عِندَ الأُردُنّ. ويَكونُ الأُردُنُّ حُدودًا إِلى البَحرِ الشَّرقِيِّ عِندَ تامار. هٰذه هي جِهَةُ الشَّرْق. وتَقيسونَ جِهَةَ الجَنوبِ مِن تامارَ إِلى ماءِ مَريبَةَ في قادِش، ومِنَ النَّهرِ إِلى البَحرِ الكَبير. هٰذه هي جِهَةُ اليَمينِ جَنوبًا. وأَمَّا جِهَةُ الغَربِ فهي البَحرُ الكَبيرُ مِنَ الحُدودِ إِلى ما قُدَّامُ وأَنتَ آتٍ إِلى حَماة. هٰذه هي جِهَةُ الغَرْب. فتُقَسِّمونَ هٰذه الأَرضَ لَكم على حَسَبِ أَسْباطِ إِسْرائيل، تُقَسِّمونَها بِالقُرعَةِ ميراثًا لَكم ولِلنُّزَلاءِ المُقيمينَ فيما بَينَكم، الَّذينَ وَلَدوا بَنينَ فيما بَينَكم، فيَكونونَ لَكم كٱبنِ البَلَدِ في بَني إِسْرائيل، ويَقَعُ لَهم ميراثٌ معَكم فيما بَينَ أَسْباطِ إِسْرائيل. والسِّبطُ الَّذي يَكونُ فيه النَّزيلُ مُقيمًا هُناكَ تُعْطونَه ميراثَه، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وهٰذه أَسماءُ الأَسْباطِ مِن أَقْصى الشَّمالِ على طولِ طَريقِ حَتْلونَ وأَنتَ آتٍ إِلى حَماة وحَصَرَعَينان، فتَكونُ حُدودُ دِمَشقَ نَحوَ الشَّمالِ على طولِ حَماة. فيَكونُ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لِدان: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ دانٍ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لأَشير: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ أَشيرَ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لِنَفْتالي: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ نَفْتاليَ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لِمَنَسَّى: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ مَنَسَّى مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لأَفْرائيم: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ أَفْرائيمَ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لِرَأُوبين: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ رَأُوبينَ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لِيَهوذا: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ يَهوذا مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ تَكونُ التَّقدِمَةُ الَّتي تُقَدِّمونَها خَمسَةً وعِشْرينَ أَلفَ ذِراعٍ في العَرضِ والطُّول، كأَحَدِ الأَنصِبَةِ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَرب. ويَكونُ المَقدِسُ في وَسَطِها. والتَّقدِمَةُ الَّتي تُقَدِّمونَها لِلرَّبِّ يَكونُ طولُها خَمسَةً وعِشْرينَ أَلْفَ ذِراعٍ وعَرضُها عَشَرَةَ آلاف. والتَّقدِمَةُ المُقَدَّسَةُ الَّتي لِلكَهَنَةِ تَكونُ نَحوَ الشَّمالِ خَمسَةً وعِشْرينَ أَلفًا ونَحوَ الغَربِ عَشَرَةَ آلافٍ عَرضًا ونَحوَ الشَّرقِ عَشَرَةَ آلافٍ عَرضًا ونَحوَ الجَنوبِ خَمسَةً وعِشْرينَ أَلفًا طولًا، ويَكونُ مَقدِسُ الرَّبِّ في وَسَطِها. وهي تَكونُ لِلكَهَنَةِ المُقَدَّسينَ مِن بَني صادوق، الَّذينَ قاموا بِخِدمَتي ولم يَضِلُّوا عِندَ ضَلالِ بَني إِسْرائيل، كما ضَلَّ اللاَّوِيُّون. فتَكونُ لَهم تَقدِمَةً مِن تَقدِمَةِ الأَرض، قُدسَ أَقْداس، عِندَ أَرضِ اللاَّوِيِّين. ولِلاَّوِيِّينَ تَكونُ أَرضٌ كأَرضِ الكَهَنَةِ طولُها خَمسَةٌ وعِشْرونَ أَلفَ ذِراعٍ وعَرضُها عَشَرَةُ آلاف. فيَكونُ الطُّولُ كُلُّه خَمسَةً وعِشْرينَ أَلفًا والعَرضُ عَشَرَةَ آلاف. ولا يَبيعونَ مِنه ولا يُبدِلون، فلا تُنقَلُ عَقاراتُ الأَرضِ لأَنَّها مُقَدَّسَةٌ لِلرَّبّ. والآلافُ الخَمسَةُ الباقِيَةُ عَرضًا في طولِ الخَمسَةِ والعِشْرينَ أَلفًا تَكونُ غَيرَ مُقَدَّسَةٍ لِلمَدينَة، سُكْنى ومَرعًى، وتَكونُ المَدينَةُ في وَسَطِها. وهٰذه أَقيِسَتُها: مِن جِهَةِ الشَّمالِ خَمسُ مِئَةٍ وأَربَعَةُ آلاف، ومِن جِهَةِ الجَنوبِ خَمسُ مِئَةٍ وأَربَعَةُ آلاف، ومِن جِهَةِ الشَّرقِ خَمسُ مِئَةٍ وأَربَعَةُ آلاف، ومِن جِهَةِ الغَربِ خَمسُ مِئَةٍ وأَربَعَةُ آلاف. ويَكونُ مَرْعى المَدينَةِ نَحوَ الشَّمالِ مِئَتَينِ وخَمْسين، ونَحوَ الجَنوبِ مِئَتينِ وخَمْسين، ونَحوَ الشَّرقِ مِئَتَينِ وخَمْسين، ونَحوَ الغَربِ مِئَتَينِ وخَمْسين. والباقي في الطُّولِ قُبالَةَ التَّقدِمَةِ المُقَدَّسة، عَشَرَةُ آلافٍ نَحوَ الشَّرْق، وعَشَرَةُ آلافٍ نَحوَ الغَرْب، وهو قُبالَةَ التَّقدِمَةِ المُقَدَّسَة، وغَلَّتُه تَكونُ طَعامًا لِعُمَّالِ المَدينة. وعُمَّالُ المَدينَةِ يَحرُثونَها ويَكونونَ مِن جَميعِ أَسباطِ إِسْرائيل. والتَّقدِمَةُ كُلُّها، والَّتي هي خَمسَةٌ وعِشْرونَ أَلفًا في خَمسَةٍ وعِشْرينَ أَلفًا، مُرَبَّعَةً تُقَدِّمونَها تَقدِمَةً مُقَدَّسَةً ومِلكًا لِلمَدينة. والباقي يَكونُ لِلرَّئيسِ مِمَّا على جانِبَيِ التَّقدِمَةِ المُقَدَّسَةِ ومِلكِ المَدينَةِ. وأَمَّا ما على طولِ الخَمسَةِ والعِشْرينَ أَلفًا الَّتي لِلتَّقدِمَةِ إِلى حُدودِ الشَّرْق، وكذٰلك مِن الغَربِ ما على طولِ الخَمسَةِ والعِشْرينَ أَلفًا إِلى حُدودِ الغَرْب، فيَكونُ نَصيبًا لِلرَّئيس. فتَكونُ التَّقدِمَةُ المُقَدَّسَةُ ومَقدِسُ البَيتِ في وَسَطِه. وما عَدا مِلكَ اللاَّوِيِّينَ ومِلكَ المَدينَةِ اللَّذَينِ في وَسَطِ ما هو لِلرَّئيسِ فما بَينَ أَرضِ يَهوذا وأَرضِ بَنْيامينَ، يَكونُ لِلرَّئيس. وباقي الأَسْباطِ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لِبَنْيامين: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ بَنْيامينَ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لِشِمْعون: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ شِمْعونَ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لِيَسَّاكَر: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ يَسَّاكَر مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لِزَبولون: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ زَبولونَ مِن جِهَةِ الشَّرقِ إِلى جِهَةِ الغَربِ لِجاد: نَصيبٌ واحِد. وعلى حُدودِ جادٍ مِن جِهَةِ الجَنوبِ يَمينًا، تَكونُ الحُدودُ مِن تامارَ إِلى مِياهِ مَريبَةَ في قادِش، ومِنَ النَّهرِ إِلى البَحرِ الكَبير. هٰذه هي الأَرضُ الَّتي تُقَسِّمونَها ميراثًا لأَسْباطِ إِسْرائيل، وهٰذه هي أَنصِبَتُهم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. وهٰذه مَخارِجُ المَدينَةِ مِن جِهَةِ الشَّمال: قِياسُها أَربَعَةُ آلافٍ وخَمسُ مِئَة. وأَبوابُ المَدينَةِ بِحَسَبِ أَسْمَاءِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ ثَلاثَةُ أَبْوابٍ نَحوَ الشَّمال: بابُ رأُوبينَ واحِد، وبابُ يَهوذا واحِد، وبابُ لاوِيَ واحِد. ومِن جِهَةِ الشَّرْق: أَربَعَةُ آلافٍ وخَمسُ مِئَة. والأَبوابُ ثَلاثَة: بابُ يوسُفَ واحِد، وبابُ بَنْيامينَ واحِد، وباب دانٍ واحِد. ومِن جِهَةِ الجَنوب: أَربَعَةُ آلافٍ وخَمسُ مِئَة. والأَبوابُ ثَلاثَة: بابُ شِمْعونَ واحِد، وبابُ يَسَّاكَرَ واحِد، وبابُ زَبولونَ واحِد. ومِن جِهَةِ الغَرْب: أَربَعَةُ آلافٍ وخَمسُ مِئَة. والأَبوابُ ثَلاثَة: بابُ جادٍ واحِد، وبابُ أَشيرَ واحِد، وبابُ نَفْتالِيَ واحِد. فيَكونُ المُحيطُ ثَمانِيَةَ عَشَرَ أَلفَ ذِراع. ويَكونُ ٱسمُ المَدينَةِ مِن ذٰلك اليَومِ «الرَّبُّ هُناكَ». كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتي كانَت إِلى هوشَعَ بنِ بَئيري، في أَيَّامِ عُزِّيَّا ويوتامَ وآحازَ وحِزقِيَّا، مُلوكِ يَهوذا، وفي أَيَّامِ يارُبْعامَ بنِ يوآش، مَلِكِ إِسْرائيل. بَدءُ كَلامِ الرَّبِّ بِلِسانِ هوشَع. قالَ الرَّبُّ لِهوشَع: «إِنطَلِقْ فٱتَّخِذْ لَكَ ٱمرَأَةَ زِنًى وأَولادَ زِنًى، فإِنَّ الأَرضَ تَزْني زِنًى بِٱرتِدادِها عنِ الرَّبّ». فٱنطَلَقَ وٱتَّخَذَ جومَر، بِنتَ دِبْلائيم. فحَبِلَت ووَلَدَت لَه ٱبنًا. فقالَ لَه الرَّبّ: «سَمِّه يِزْرَعيل، فإِنِّي بَعدَ قَليلٍ أُعاقِبُ بَيتَ ياهو على دِماءِ يِزرَعيل، وأُزيلُ مُلكَ بَيتِ إِسْرائيل. وفي ذٰلك اليَومِ أَكسِرُ قَوسَ إِسْرائيلَ في وادي يِزرَعيل». ثُمَّ حَبِلَت ثانِيَةً ووَلَدَت بِنتًا، فقالَ لَه الرَّبّ: «سَمِّها غَيرَ مَرْحومة، فإِنِّي لا أَعودُ أَرحَمُ بَيتَ إِسْرائيل، صافِحًا عنهم صَفحًا. أَمَّا بَيتُ يَهوذا، فأَرحَمُهم وأُخَلِّصُهم بِالرَّبِّ إِلٰههم، ولا أُخَلِّصُهم بِالقَوسِ ولا السَّيفِ ولا القِتالِ ولا الخَيلِ ولا الفُرْسان». ثُمَّ فَطَمَت غَيرَ مَرْحومَة، وحَبِلَت ووَلَدَتِ ٱبنًا. فقالَ الرَّبّ: «سَمِّه لَيسَ بِشَعْبي، فإِنَّكم لَستُم بِشَعْبي وأَنا لا أَكُونُ لَكم إِلٰهًا». وسَيكونُ عَدَدُ بَني إِسْرائيلَ كرَملِ البَحْرِ الَّذي لا يُقاسُ ولا يُعَدّ، وسَيكونُ في المَكانِ الَّذي قيلَ لَهم فيه «لَستُم بِشَعْبِي» أَنَّه يُقالُ لَهم فيه: «أَبْناءُ اللهِ الحَيّ». ويَجتَمِعُ بَنو يَهوذا وبَنو إِسْرائيلَ معًا، ويَجعَلونَ لَهم رَأسًا واحِدًا، ويَملأُونَ الأَرْض، فإِنَّ يَومَ يِزرَعيلَ يَومٌ عَظيم. قولوا لإخوَتِكم: «شَعْبي»، ولأَخَواتِكم: «مَرْحومَة». حاكِموا أُمَّكم، حاكِموا، فإِنَّها لَيسَتِ ٱمرَأَتي ولا أَنا زوجها. لِتَنزِعْ مِن وَجهِها زِناها، ومِن بَينِ ثَدْيَيها فِسْقَها، وإِلاَّ جَرَّدتُها عُرْيانة، ورَدَدتُها كما كانَت يَومَ ميلادِها، وجَعَلتُها كالصَّحْراء، وصَيَّرتُها كأَرضٍ قاحِلة، وأَمَتُّها بِالعَطَش، ولم أَرحَمْ بَنيها لأَنَّهم بَنو زِنًى، لأَنَّ أُمَّهم زَنَت، والَّتي حَبِلَت بِهِم جَلَبَت على نَفسِها العار، لأَنَّها قالَت: أَنطَلِقُ وَراءَ عُشَّاقي الَّذينَ يُعْطونَني خُبْزي ومائي وصوفي وكَتَّاني وزَيتي وشَرابي. لِذٰلك هاءَنَذا أَسُدُّ طَريقَكِ بِالشَّوك: وأُسَيِّجُه بِسِياج، فلا تَجِدُ سُبُلَها، فتَجْري وَراءَ عُشَّاقِها فلا تُدرِكُهم، وتَطلُبُهم فلا تَجِدُهم، فتقول: أَنطَلِقُ وأَرجِعُ إِلى زَوجِيَ الأَوَّل، لأَنِّي كُنتُ حينَئذٍ خَيرًا مِن الآن. إِنَّها لم تَعلَمْ أَنِّي أَنا أَعطَيتُها القَمحَ والنَّبيذَ والزَّيت، وأَكثَرتُ لَها الفِضَّةَ والذَّهَب، فجَعَلوها لِلبَعْل. ولِذٰلك أَعودُ فآخُذُ قَمْحي في حينِه، ونَبيذي في أَوانِه، وأَنزِعُ صوفي وكَتَّاني اللَّذَينِ هُما لِسَترِ عَورَتِها. والآنَ أَكشِفُ فاحِشَتَها على عُيونِ عُشَّاقِها، ولا يُنقِذُها أَحَدٌ مِن يَدي. وأُبطِلُ كُلَّ فَرَحِها وأَعْيادِها، ورُؤُوسِ شُهورِها وسُبوتِها وكُلَّ ٱحتِفالاتِها، وأُدَمِّرُ كَرمَتَها وتينَتَها مِمَّا قالَت: هُما أُجرَتي أَعْطانيها عُشَّاقي. وأَجعَلُ مِنهما غابَةً فتَأكُلُهما وُحوشُ البَرِّيَّة. وأُعاقِبُها على أَيَّامِ البَعْليمِ الَّذينَ أَحرَقَتِ البَخورَ لَهم، وتَزَيَّنَت بِخَواتِمِها وحُلِيِّها، وٱنطَلَقَت وَراءَ عُشَّاقِها ونِسِيَتْني، يَقولُ الرَّبّ. لِذٰلك هاءَنَذا أَستَغْويها، وآتي بِها إِلى البَرِّيَّةِ وأُخاطِبُ قَلبَها، ومِن هُناكَ أَرُدُّ إِلَيها كُرومَها، وأَجعَلُ مِن وادي عَكورَ بابَ رَجاء، فتُجيبُ هُناكَ كما في أَيَّامِ صِباها، وفي يَومِ صُعودِها مِن مِصْر. وفي ذٰلك اليَومِ، يَقولُ الرَّبّ، تَدْعينَني «زوجي»، ولا تَدْعينَني بَعدَ ذٰلك «بَعْلي». فإِنِّي أُزيلُ أَسماءَ البَعْليمِ مِن فَمِها، فلا تُذكَرُ مِن بَعدُ بِأَسْمائِها. وأَقطَعُ لَه عَهدًا في ذٰلك اليَوم، مع وُحوشِ البَرِّيَّةِ وطُيورِ السَّماء، والحَيَواناتِ الَّتي تَدِبُّ على الأَرْض، وأَكسِرُ القَوسَ والسَّيفَ والحَربَ مِنَ الأَرْض، وأُريحُهم في أَمان. وأَخطُبُكِ لي لِلأَبَد، أَخطُبُكِ بِالبِرِّ والحَقِّ والرَّأفَةِ والمَراحِم، وأَخطُبُكِ لي بِالأَمانَةِ، فتَعرِفينَ الرَّبّ. ويَكونُ في ذٰلك اليَومِ أَنِّي أُجيب، يَقولُ الرَّبّ، أُجيبُ السَّمٰوات، وهُنَّ يُجِبنَ الأَرض، والأَرضُ تُجيبُ القَمحَ والنَّبيذَ والزَّيت، وهُنَّ يُجِبنَ، يِزرَعيل. وأَزرَعُها لي في الأَرض وأَرحَمُ غَيرَ مَرْحومَة، وأَقولُ لِلَيسَ بِشَعْبي: «أَنتَ شَعْبي»، وهو يقول: «أَنتَ إِلٰهي». ثُمَّ قالَ لِيَ الرَّبّ: «إِنطَلِقْ أَيضًا وأَحبِبِ ٱمرَأَةً يُحِبُّها زَوجُها، وهي فاسِقَة، كما يُحِبُّ الرَّبُّ بَني إِسْرائيل، وهم يَلتَفِتونَ إِلى آلِهَةٍ أُخْرى ويُحِبُّونَ أَقْراصَ الزَّبيب». فٱشتَرَيتُها بِخَمسَةَ عَشَرَ مِنَ الفِضَّة وبِحُمِرٍ ونِصفِ حُمِرٍ مِنَ الشَّعير. وقُلتُ لَها: «إِنَّكِ تَبقَينَ لي أَيَّامًا كَثيرة، ولا تَزْنينَ ولا تَكونينَ لِرَجُل، وأَنا أَكونُ كذٰلِكَ معَكِ»، لأَنَّ بَني إِسْرائيلَ يَبقَونَ أَيَّامًا كَثيرةً لا مَلِكَ لَهم ولا رَئيسَ ولا ذَبيحَةَ ولا نُصُبَ ولا أَفودَ ولا ترافيم. وبَعدَ ذٰلك يَرجِعُ بَنو إِسْرائيلَ ويَطلُبونَ الرَّبَّ إِلٰهَهم وداوُدَ مَلِكَهم، ويَلتَفِتونَ بَهَيبَةٍ إِلى الرَّبِّ وجودَتِه في آخِرِ الأَيَّام. إِسمَعوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يا بَني إِسْرائيل، فإِنَّ لِلرَّبِّ دَعْوًى على سُكَّانِ الأَرْض، إِذ لَيسَ في الأَرضِ حَقٌّ ولا رَحمَة، ولا مَعرِفَةٌ لله، بل قد فاضَتِ اللَّعنَةُ والكَذِب، والقَتلُ والسَّرِقَةُ والزِّنى، والدِّماءُ تُلامِسُ الدِّماء. لِذٰلك تَنوحُ الأَرضُ ويَذبُلُ كُلُّ ساكِنٍ فيها، مع وُحوشِ البَرِّيَّةِ وطُيورِ السَّماء، بل أَسماكُ البَحرِ أَيضًا تَزول. ومع ذٰلك فلا يَرفَعْ أَحَدٌ دَعْوًى، ولا يُوَبِّخْ أَحَد، فأَنا أَرفَعُ علَيكَ دَعْوى، أَيُّها الكاهِن. إِنَّكَ تَعثُرُ في النَّهار، ويَعثُرُ النَّبِيُّ أَيضًا مَعكَ في اللَّيل، وأُدَمِّرُ أُمَّكَ. لقَد دُمِّرَ شَعْبي لِعَدَمِ المَعرِفَة، فبِما أَنَّكَ نَبَذتَ المَعرِفَة، فأَنا أَنبِذُكَ عن كَهَنوتي، وبِما أَنَّكَ نَسيتَ تَعْليمَ إِلٰهِكَ، فأَنا أَيضًا أَنْسى أَبناءَكَ. على حَسَبِ كَثرَتِهم خَطِئوا إِلَيَّ، فسأُبَدِّلُ مَجدَهم هَوانا. خَطيئَةَ شَعْبي يأكُلون، وبِذَنبِه يَطمَعون، فيَصيرُ مَثَلُ الشَّعبِ مَثَلَ الكاهِن، فأُعاقِبُه على طُرُقِه وأَرُدُّ علَيه أَعْمالَه، فيَأكُلونَ ولا يَشبَعون ويَزْنونَ ولا يَتَكاثَرون، لأَنَّهم تَرَكوا الرَّبَّ وٱنصَرَفوا إِلى الزِّنى. الخَمرُ والنَّبيذُ يَستَهوِيانِ القَلْب. شَعْبي يَسأَلُ بِخَشَبَتِه وعَصاه تُخبِرُه، لأَنَّ رُوحَ الزِّنى أَضَلَّهم، فزَنَوا بِالٱرتِدادِ عن إِلٰهِهم. يَذبَحونَ على رُؤُوسِ الجِبال، ويُحرِقونَ البَخورَ على التِّلال، تَحتَ البَلُّوطِ والحَوْرِ والبُطْم، لأَنَّ ظِلَّها حَسَن. فلِذٰلكَ، إِذا زَنَت بَناتُكم وفَسَقَت كَنَّاتُكم، لن أُعاقِبَ بَناتِكم على زِناهُنَّ، ولا كَنَّاتِكم على فِسقِهِنَّ، لأَنَّهم قدِ ٱنفَرَدوا بِالزَّواني، وذَبَحوا مع البَغايا، فالشَّعبُ الَّذي لا يَفطَنُ يَنْهار. إِن كُنتَ أَنتَ تَزْني يا إِسْرائيل، فلا يَأثَمْ يَهوذا ولا تَذهَبوا إِلى الجِلْجال، ولا تَصعَدوا إِلى بَيتَ آوِن، ولا تَحلِفوا بِـ«حَيٌّ الرَّبّ»! فلَقَد جَمَحَ إِسْرائيلُ جِماحَ البَقَرَة، فهَل يَرْعاهُمُ الرَّبُّ الآن كالحَمَلِ في الرِّحاب؟ إِنَّ أَفْرائيمَ حَليفُ الأَوثانِ فدَعوه وشأنَه. إِذا صَحَوا مِن سُكرِهم زَنَوا زِنًى، ورُؤَساؤُهم يُحِبُّونَ الهَوان. تَصِرُّهمُ الرِّيحُ في أَجنِحَتِها، فيَخجَلونَ مِن ذَبائِحِهم. إِسمَعوا هٰذا أَيُّها الكَهَنَة، وأَصْغوا يا بَيتَ إِسْرائيل، وأَنصِتوا يا بَيتَ المَلِك، فإِنَّ علَيكم أَن تُجْروا القَضاء، ولٰكِنَّكم كُنتُم فَخًّا في المِصْفاة، وشَبَكَةً مَبْسوطَةً على تابور. لقَد عَمَّقوا حُفرَةَ شِطِّيم، فأَنا أُؤَدِّبُهم جَميعًا. إِنِّي عَرَفتُ أَفْرائيم ولم يَخفَ علَيَّ إِسْرائيل. لقَد زَنَيتَ الآنَ يا أَفْرائيمَ، ولقَد تَنَجَّسَ إِسْرائيل. أَعْمالُهم لا تَدَعُهم يَتوبونَ إِلى إِلٰهِهم، لأَنَّ روحَ زِنًى في وَسْطِهم ولم يَعرِفوا الرَّبّ. كِبرِياءُ إِسْرائيلَ تَشهَدُ علَيه في وَجهِه، وإِسْرائيلُ وأَفْرائيمُ يَعثُرانِ بِذَنبِهما، ويَعثُرُ يَهوذا أَيضًا معَهما. بِغَنَمِهم وبِقَرِهم يَنطَلِقونَ لِيَطلُبوا الرَّبّ، فلا يَجِدونَه، إِذ إِنَّه تَخَلَّصَ مِنهم. لقَد غَدَروا بِالرَّبّ، لأَنَّهم وَلَدوا بَنينَ حَرام، فالآنَ يَلتَهِمُهم رَأسُ الشَّهرِ مع ميراثِهم. أُنفُخوا في البوقِ في جَبعَة، وفي الصُّورِ في رامَة، وٱهتِفوا في بَيتَ آوِن، وَراءَكَ يا بَنْيامين. أَفْرائيمُ يَصيرُ دَمارًا في يَومِ العِقاب، وفي أَسْباطِ إِسْرائيل أَعلَنتُ أَمرًا أَكيدًا. كانَ رُؤَساءُ يَهوذا كالَّذينَ يَنقُلونَ الحُدود، فلأَصُبَّنَّ حَنَقي علَيهم كالماء. أَفْرائيمُ مَظْلومٌ ومَهْضومُ الحَقّ، لأَنَّه شَرَعَ يَسْعى إِلى الباطِل. وأَنا كالعُثِّ لأَفْرائيم، وكالنَّخرِ لِبَيتِ يَهوذا. رأَى أَفْرائيمُ مَرَضَه ويَهوذا قَرحَه، فٱنطَلَقَ أَفْرائيمُ إِلى أَشُّور، وأَرسَلَ إِلى المَلِكِ العَظيم، لٰكِنَّه هو لا يَستَطيعُ أَن يَشفِيَكم، ويُزيلَ عنكُمُ القَرْح، لأَنِّي أَنا لأَفْرائيمَ كالأَسَد، ولِبَيتِ يَهوذا كالشِّبْل. أَنا أَنا أَفتَرِسُ وأَمْضي، وأَخطَفُ ولا مُنقِذ. أَمْضي وأَرجِعُ إِلى مَكاني، إِلى أَن يَعتَرِفوا بِذَنبِهم ويَلتَمِسوا وَجْهي. إِنَّهم في ضيقِهم يَبتَكِرونَ إِلَيَّ. هَلُمُّوا نَرجِعُ إِلى الرَّبّ، لأَنَّه هو ٱفتَرَسَ وهو يَشْفينا، هو ضَرَبَ وهو يَعصِبُ جِراحَنا. بَعدَ يَومَينِ يُحْيينا، وفي اليَومِ الثَّالِثِ يُقيمُنا فنَحْيا أَمامَه. لِنَعلَمْ ونُتابِعْ مَعرِفَةَ الرَّبّ. طُلوعُه ثابِتٌ كالفَجْرِ فسَيَأتي إِلَينا كالمَطَر، كمَطَرِ الرَّبيعِ الَّذي يَرْوي الأَرْض. ماذا أَصنَعُ إِلَيكَ يا أَفْرائيم؟ ماذا أَصنَعُ إِلَيكَ يا يَهوذا؟ إِنَّ رَحمَتَكم كغَمامِ الصَّباح، وكالنَّدى الَّذي يَزولُ باكِرًا. لِذٰلك نَحَتُّهم بِالأَنبِياء، وقَتَلتُهم بِأَقوالِ فَمي. وقَضائي يُشرِقُ كالنُّور. فإِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحة، مَعرِفَةَ اللهِ أَكثَرَ مِنَ المُحرَقات. أَمَّا هم فمِثْلَ آدَمَ نَقَضوا عَهْدي، هُناكَ غَدَروا بي. جِلْعادُ مَدينَةُ فاعِلي الآثام، فيها آثارٌ مِن دَم. وكما يَكمُنُ اللُّصوصُ لإنسان، فكذٰلك عِصابَةُ كَهَنَةٍ يَقتُلونَ في طَريقِ شَكيم، لأَنَّهم صانِعو الفاحِشَة. رَأَيتُ في بَيتِ إِسْرائيلَ ما يُقشَعَرُّ مِنه، هُناكَ زِنى أَفْرائيمَ وتَنَجُّسُ إِسْرائيل. ولَكَ أَيضًا يا يَهوذا جُعِلَ حِصاد عِندَما أَرُدُّ شَعْبي مِنَ الجَلاء. حينَ كُنتُ أَشْفي إِسْرائيل، اِنكَشَفَ إِثمُ أَفْرائيمَ ومَساوِئُ السَّامِرَة، فإِنَّهم عَمِلوا الكَذِب، فالسَّارِقُ يَدخُلُ البَيت، والعِصابَةُ تَجْتاحُ الخارِج، ولا يَقولونَ في قُلوبِهم، إِنِّي أَتَذَكَّرُ كُلَّ شَرِّهم، والآنَ فقَد أَحاطَت بِهم أَعْمالُهم، وصارَت أَمامَ وَجْهي. يَسُرُّونَ المَلِكَ بِشَرِّهم والرُّؤَساءَ بِكَذبِهِم. كُلُّهم فُسَّاقٌ كالتَّنُّورِ المُحْمى، الَّذي يَكُفُّ الخَبَّازُ عن تَذكِيَتِه، مُنذُ عَجنِ الدَّقيقِ إِلى ٱختِمارِه. في يَومِ مَلِكِنا مَرِضَ الرُّؤَساءُ مِن سَورَةِ الخَمر، وهُوَ مَدَّ يَدَه إِلى السَّاخِرين، لأَنَّهمُ ٱقتَرَبوا، وقُلوبُهم مَمْلوءَةٌ كيدًا، كالتَّنُّورِ الَّذي نامَ خَبَّازُه اللَّيلَ كُلَّه، وتأَجَّجَ في الصَّباحِ كنارٍ مُلتَهِبَة. كُلُّهُم حَموا كالتَّنُّورِ وأَكَلوا قُضاتَهم، وجَميعُ مُلوكِهم سَقَطوا، ولم يَكُنْ فيهم مَن يَدْعو إِلَيَّ. أَفْرائيمُ قدِ ٱختَلَطَ في الشُّعوب، أَفْرائيمُ قد صارَ رَغيفًا لم يُقَلَّب، أَكَلَ الغُرَباءُ قُوَّتَه ولَم يَعلَمْ، وبَيَّضَ الشَّيْبُ شَعرَه ولم يَعلَمْ. (كِبرِياءُ إِسْرائيلَ تَشهَدُ علَيه، ولم يَتوبوا إِلى الرَّبِّ إِلٰهِهم، ولم يَلتَمِسوه مع كُلِّ ذٰلك). وكانَ أَفْرائيمُ كَحمامَةٍ ساذَجَةٍ لا لُبَّ لَها، فدَعَوا مِصرَ وٱنطَلَقوا إِلى أَشُّور. أَينَما ذَهَبوا أَبسُطُ علَيهم شَبَكَتي، وأُهبِطُهم كطُيورِ السَّماء، وأُؤَدِّبُهم حينَ أَسمَعُهم يَجتَمِعون. وَيلٌ لَهم لأَنَّهم هَرَبوا عنِّي، تَبًّا لَهم لأَنَّهم عَصَوني. فأَنا أَفْديهم وهم يَتَكَلَّمونَ علَيَّ بِالكَذِب؟ ولم يَصرُخوا إِلَيَّ في قُلوبِهم، بل يُوَلوِلونَ في مَضاجِعِهم، من أَجلِ القَمحِ والنَّبِيذِ يَتَخَدَّشون، ولٰكِنَّهُم يَرتَدُّونَ عنِّي. أَنا رَوَّضتُ وقَوَّيتُ أَذرُعَهم، ولٰكِنَّهُم فَكَّروا علَيَّ بِالشَّرّ. إِنَّهم يَتوبون، لٰكِن لا إِلى العَلاء. هم كالقَوسِ الخادِعَة سيَسقُطُ رُؤَساؤُهم بِالسَّيف، بِسَبَبِ لَعنَةِ أَلسِنَتِهم، ويُسخَرُ مِنهم في أَرضِ مِصْر. كالعُقابِ يَنَقضُّ الوَيلُ على بَيتِ الرَّبّ إِلى فَمِكَ بوقًا! فإِنَّهم نَقَضوا عَهْدي وعَصَوا شَريعَتي. يَصرُخونَ إِلَيَّ: «اللَّهُمَّ قد عَرَفْناكَ نَحنُ إِسْرائيل». إِسْرائيلُ نَبَذَ الخَيرَ، فسيُطارِدُه العَدُوّ. نَصَبوا مُلوكًا ولٰكِن لا مِن قِبَلي، وأَقاموا رُؤَساءَ وأَنا لم أَدْرِ، ومِن فِضَّتِهم وذَهَبِهم صَنَعوا لأَنفُسِهم أَصْنامًا لِٱنقِراضِهم. قد نُبِذَ عِجلُكِ أَيَّتُها السَّامِرَة، وٱضطَرَمَ غَضَبي علَيهم، فإِلى مَتى لا يُمكِنُهم أَن يَعودوا أَبْرِياء؟ إِنَّه هو أَيضًا مِن إِسْرائيل، صَنَعَه صانِعٌ فلَيسَ بإِلٰه، فإِنَّه سيَصيرُ شَظايا. فلأَنَّهم يَزرَعونَ الرِّيحَ فسيَحصُدونَ الزَّوبَعة: ساقٌ لا سُنبُلَ لَها ولا تُخرِجُ دَقيقًا، وإِن أَخرَجَت، إِلتَهَمَه الغُرَباء. لقَدِ ٱلتُهِمَ إِسْرائيل، صاروا الآنَ بَينَ الأُمَم، كشَيءٍ لا يَرغَبُ فيه، لأَنَّهم صَعِدوا إِلى أَشُّور، مِثلَ حِمارِ الوَحشِ المُنفَرِدِ بِنَفسِه، أَفْرائيمُ ٱشتَرى عُشَّاقًا، فليَشْتَرِ مِنهم في الأُمَم، سأَجمَعُهمُ الآن، وبَعدَ قَليلٍ يُعانونَ مِن ثِقَلِ مَلِكِ الرُّؤَساء. حينَ أَكثَرَ أَفْرائيمُ مِنَ المَذابِحِ لِلخَطيئة، صارَت لَه المَذابِحُ لِلخَطيئَة، فلَو كَتَبتُ لَه الآلافَ مِن شَريعَتي، لَحُسِبَت أَمرًا غَريبًا. أَمَّا الذَّبائِحُ المُقَدَّمَةُ لي، فيَذبَحونَها ويَأكُلونَ لَحمَها، لٰكِنَّ الرَّبَّ لا يَرْضى عنها، بل يَذكُرُ الآنَ ذَنبَهم، ويُعاقِبُهم على خَطاياهم: فإِنَّهم إِلى مِصرَ يَرجِعون. نَسِيَ إِسْرائيلُ صانِعَه وبَنى القُصور، ويَهوذا أَكثَرَ مِنَ المُدُنِ الحَصينة، لٰكِنِّي أُلْقي نارًا في مُدُنِه، فتَأكُلُ أَبْراجَها. لا تَفْرَحْ، يا إِسْرائيل حتَّى الٱبتِهاجِ كالشُّعوب، فقَد زَنَيتَ بِٱرتِدادِكَ عن إِلٰهِكَ، وأَحبَبتَ الأُجرَةَ على جَميعِ بَيادِرِ الحِنطَة. أَلبَيدَرُ والمَعصَرَةُ لا يُطعِمانِهم، والنَّبيذُ يُخَيِّبُهم. لا يَسكُنونَ في أَرضِ الرَّبّ، بل يَرجِعُ أَفْرائيمُ إِلى مِصر، وفي أَشُّورَ يأكُلونَ النَّجِس. لا يَسكُبونَ لِلرَّبِّ خَمرًا، ولا تَلَذُّ لَه ذَبائِحُهم، بل تَكونُ لَهم كخُبزِ النَّائِحين، الَّذي كُلُّ مَن أَكَلَ مِنه يَتَنَجَّس. لأَنَّ خُبزَهم يَكونُ لأَنفُسِهم، ولا يَدخُلُ بَيتَ الرَّبّ. ماذا تَصنَعونَ يَومَ الٱحتِفال، ويَومَ عيدِ الرَّبّ؟، ها إِنَّهم رَحَلوا بَعيدًا عنِ الخَراب. فمِصرُ تَجمَعُهم وموفُ تَدفِنُهم، والقُرَّاصُ يَرِثُ ثَمينَ فِضَّتِهم، والشَّوكُ يَمتَدُّ إِلى خِيامِهم. قد أَتَت أَيَّامُ العِقاب، أَتَت أَيَّامُ الثَّواب. لِيَعلَمْ إِسْرائيلُ أَنَّ النَّبِيَّ غَبِيّ، ورَجُلَ الرُّوحِ مَجْنون، بِحَسَبِ جَسامةِ ذَنبِكَ تَشتَدُّ العَداوة. رَقيبُ أَفْرائيمَ مع إِلٰهي، وهو النَّبِيّ، لَه نُصِبَ فَخٌّ على جَميعِ طُرُقِه، فكانَتِ العَداوَةُ في بَيتِ إِلٰهِه. تَوَغَّلوا في الفسادِ كما في أَيَّامِ جَبعَة: فهو يَذكُرُ ذَنبَهم ويُعاقِبُهم على خَطاياهم. وَجَدتُ إِسْرائيلَ كعِنَبٍ في البَرِّيَّة، ورَأَيتُ آباءَكم كالباكورَةِ في التِّين أَوَّلَ أَوانِها. أَمَّا هم فوَصَلوا إِلى بَعلَ فَغور، ونَذَروا أَنفُسَهم لِلعار، فصاروا مَكْروهينَ كأَحْبابِهم. أَفرائيمُ كالطَّائِرِ يَطيرُ مَجدُه، مُنذُ الوِلادَةِ والبَطْنِ والحَبَل. وإِذا رَبَّوا بَنيهم، فإِنِّي أُثكِلُهم قَبلَ أَن يَكونوا رِجالًا، والوَيلُ لَهم أَيضًا إِذا ٱنصَرَفتُ عنهم. حينَ رَأَيتُ أَفْرائيمَ، بَدا وكأَنَّه بُستانُ نَخلٍ مَغْروسٍ في مَرْج، ولٰكِنَّ أَفرائيمَ سيُخرِجُ بَنيه إِلى القاتِل. أَعطِهم يا رَبُّ... ماذا تُعْطي؟ أَعطِهم رَحِمًا عَقيمًا وأَثداءً جافَّة. مَساوِئُهم كُلُّها في الجِلْجال، هُناكَ أَبغَضتُهم، لِسوءِ أَعْمالِهم أَطرُدُهم مِن بَيتي، ولا أَعودُ أُحِبُّهم، جَميعُ رُؤَسائِهم عُصاة. لقَد ضُرِبَ أَفْرائيمُ وجَفَّ أَصلُهم، فلا يَأتونَ بِثَمَر، وإِن وَلَدوا، فإِنِّي أَقتُلُ ثِمَارَ بُطونِهِمِ الشَّهِيَّة. إِلٰهي يَنبُذُهم لأَنَّهم لم يَسمَعوا لَه، فيَكونونَ تائهينَ بَينَ الأُمَم. إِنَّ إِسْرائيلَ كَرمَةٌ وافِرَة، يُثمِرُ ثَمَرًا لِنَفسِه. وعلى حَسَبِ كَثرَةِ ثَمَرِه كَثَّرَ المَذابِح، وعلى حَسَبِ حُسنِ أَرضِه حَسَّنَ الأَنْصاب. تَقَسَّمَت قُلوبُهم، فالآنَ يُكَفِّرون، هو يُحَطِّمُ مَذابِحَهم ويُخَرِّبُ أَنْصابَهم. فالآنَ يَقولون: «لَيسَ لَنا مَلِك، لأَنَّنا لم نَخْشَ الرَّبّ، فماذا يَصنَعُ لَنا المَلِك؟» تَكَلَّموا كَلامًا وأَقسَموا باطِلًا وقَطَعوا عَهدًا، ويَنبُتُ الحَقُّ كَنَبتِ سُمٍّ، على أَتْلامِ الحُقول. على عِجلِ بيتَ آوِنَ يَرتَعِدُ سُكَّانُ السَّامِرَة، لأَنَّ شَعبَه وكهَنَتَه كانوا يَنوحون علَيه، فلْيَبتَهِجوا بِمَجدِه بَعدَ أَن نُفِيَ عنَّا. فهو أَيضًا يُحمَلُ إِلى أَشُّور، هَدِيَّةً للْمَلِكِ العَظيم، فيَنالُ أَفْرائيمُ عارًا، ويَخجَلُ إِسْرائيلُ مِن دَسائِسِه. السَّامِرَةُ دُمِّرَت، ومَلِكُها كالقَشَّةِ على وَجهِ المِياه. وستُدَمَّرُ مَشارِفُ آوِن، خَطيئَةُ إِسْرائيلَ هٰذه، والشَّوكُ والحَسَكُ يَعلُوانِ مَذابِحَهم، فيَقولونَ لِلجِبالِ: «غَطِّينا»، ولِلتِّلالِ: «أُسقُطي علَينا». مُنذُ أَيَّامِ جَبعَةَ خَطِئتَ يا إِسْرائيل، وهُناكَ تَوَقَّفوا. أَفَلا يُدرِكُ القِتالُ أَبْناءَ الظُّلْمِ في جَبعَة؟ إِنِّي مُصَمِّمٌ على تَأديبِهم، وسيَجتَمِعُ الشُّعوبُ علَيهم، لِتَمَسُّكِهم بِذَنْبِهم. أَفْرائيمُ عِجلَةٌ مُرَوَّضَةٌ تُحِبُّ دَوسَ الحُبوب، وأَنا جَعَلتُ نيرًا على عُنُقِها الجَميل. سأَشُدُّ أَفْرائيم، ويهوذا يَحرُثُ ويَعْقوبُ يُمَشِّط. إِزرَعوا لأَنفُسِكم بِالبِرّ، تَحصُدوا بِحَسَبِ الرَّحمَة. أُحرُثوا لأَنفُسِكم بورًا، فقَد حانَ أَن تَلتَمِسوا الرَّبّ، إِلى أَن يَأتِيَ ويُمطِرَ البِرَّ علَيكم. لقَد حَرَثتُمُ الشَّرَّ وحَصَدتُمُ الظُّلْم، وأَكَلتُم ثَمَرَ الكَذِب. بِما أَنَّكَ تَوَكَّلتَ على طَريقِكَ، وعلى كَثرَةِ بَواسِلِكَ، فستَقومُ الجَلَبَةُ في شَعبِكَ، وتُخَرَّبُ جَميعُ حُصونِكَ، كما خَرَّبَ شَلمَنُ بَيتَ أَرْبيل، في يَوْمِ القِتال إِذ سُحِقَتِ الأُمُّ على البَنين. هٰكذا صَنَعَت بِكم بَيتَ إِيل، بِسَبَبِ شَرِّ خُبثِكم، فعِندَ الفَجرِ يَزولُ مَلِكُ إِسْرائيلَ زَوالًا. لَمَّا كانَ إِسْرائيلُ صَبِيًّا أَحبَبتُه، ومِن مِصرَ دَعَوتُ ٱبْني. يَدْعونَهم لٰكِنَّهم يُعرِضونَ عنهم، ذابِحينَ لِلبَعلِ ومُحرِقينَ البَخور، أَنا دَرَّجتُ أَفْرائيمَ وحَمَلتُهم على ذِراعي، لٰكِنَّهم لم يَعلَموا أَنِّي ٱهتَمَمتُ بِهم. بِحِبالِ البَشَرِ، بِرَوابِطِ الحُبِّ ٱجتَذَبتُهم وكُنتُ لَهم كمَن يَرفَعُ الرَّضيعَ إِلى وَجنَتَيه، وٱنحَنَيتُ علَيه وأَطعَمتُه، لن يَرجِعَ إِلى أَرضِ مِصْر، وأَشُّورُ هو يَكونُ مَلِكَه. وبِما أَنَّهم أَبَوا أَن يَرجِعوا إِلَيَّ، سيَجولُ السَّيفُ في مُدُنِهم ويُفْني مَغاليقَها، ويَلتَهِمُهم بِسَبَبِ مَقاصِدِهم. إِنَّ شَعْبي تَشَبَّثَ بالٱرْتِدادِ عنِّي. دَعَوه إِلى العَلاءِ وما مِن أَحَدٍ يَنهَض. كَيفَ أَهجُرُكَ يا أَفْرائيم، وكَيفَ أُسلِمُكَ يا إِسْرائيل؟ كَيفَ أُعامِلُكَ كأَدمَة، وأُصَيِّرُكَ كصَبوئيم؟ قدِ ٱنقَلَبَ فيَّ فُؤادي وٱضطَرَمَت أَحْشائي. لا أُطلِقُ حِدَّةَ غَضَبي، ولا أَعودُ إِلى تَدْميرِ أَفْرائيم، لأَنِّي أَنا اللهُ لا إِنْسان، والقُدُّوسُ في وَسْطِكَ، فلَن آتِيَ ساخِطًا. يَسيرونَ وَراءَ الرَّبِّ وهو كالأَسَدِ يَزأَر، وإِذا هو زَأَر يُهرَعُ البَنونَ مِنَ الغَربِ مُرتَعِدين، يُهرَعونَ مُرتَعِدينَ كالعُصفورِ مِن مِصر، وكالحَمامَةِ مِن أَرضِ أَشُّور، فأُسكِنُهم في بُيوتِهم، يَقولُ الرَّبّ. أَحاطَ بي أَفْرائيمُ بِالكَذِب، وبَيتُ إِسْرائيلَ بِالمَكْر، (ويَهوذا لا يَزالُ مع الله، وهو أَمينٌ مع القُدُّوس). أَفْرائيمُ يَرْعى الرِّيح، ويَسْعى وَراءَ السَّمومِ طَوالَ النَّهار، يُكثِرُ مِنَ الكَذِبِ والعُنْف: يَقطَعونَ عَهدًا مع أَشُّور، ويُحمَلُ الزَّيتُ إِلى مِصْر. لِلرَّبِّ دَعْوًى على يَهوذا، وعِقابٌ على يَعْقوبَ بِحَسَبِ طُرُقِه، فعَلى حَسَبِ أَعْمالِه يَرُدُّ علَيه. مِنَ البَطنِ أَخَذَ مَكانَ أَخيه، وفي رُجولَتِه صارَعَ الله. صارَعَ مَلاكًا وغَلَبَه، وبَكى وتَضَرَّعَ إِلَيه، وفي بَيتَ إِيلَ وَجَدَه وهُناكَ تَكَلَّمَ معَنا. الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّات، الرَّبُّ لَقَبُه. وأَنتَ فبِفَضلِ إِلٰهِكَ تَعود: فٱحفَظِ الرَّحمَةَ والحَقّ. وٱرجُ اللهَ كُلَّ حين، كَنْعانُ بِيَدِه ميزانُ الغِشِّ ويُحِبُّ الظُّلْم. قالَ أَفْرائيم: «لقَدِ ٱغتَنَيتُ ووَجَدتُ لِنَفْسي ثَروَةً، وفي جَميعِ مَكاسِبي، لا يَجِدُ أَحَدٌ ذَنبًا قد يَكونُ خَطيئَة». أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِن أَرضِ مِصر، سأُسكِنُكَ أَيضًا في الخِيام، كما في أَيَّامِ المَوعِد، وسأُكَلِّمُ الأَنبِياءَ وأُكثِرُ مِنَ الرُّؤَى، وعلى أَلسِنَةِ الأَنبِياءِ أَتَكَلَّمُ بِالأَمْثال. إِذا كانَ جِلْعادُ إِثمًا، فلَيسوا هم سِوى باطِل، في الجِلْجالِ ذَبَحوا ثيرانًا، ولِذٰلك فمَذابِحُهم كُوَمٌ مِنَ الحِجارَة، على أَتْلامِ الحُقول. هَرَبَ يَعْقوبُ إِلى حَقْلِ أَرام وخَدَمَ إِسْرائيلُ لأَجلِ ٱمرَأَةٍ، ولأَجلِ ٱمرَأَةٍ رَعى القَطيع، وعن يَدِ نَبِيٍّ، أَصعَدَ الرَّبُّ إِسْرائيلَ مِن مِصر، وعن يَدِ نَبِيٍّ حُفِظ. أَسخَطَه أَفْرائيمُ أَمَرَّ الإِسْخاط، فسيُلْقي سَيِّدُه دِماءَه عليه، ويَرُدُّ علَيه إِهانَتَه. حينَ تَكَلَّمَ أَفْرائيمُ أَلْقى الرُّعْب، كانَ رَفيعَ الشَّأنِ في إِسْرائيل، فأَثِمَ بِالبَعلِ ومات. والآنَ لا يَزالونَ يَخطَأُون، ويَصنَعونَ لَهم صُوَرًا مَسْبوكة، وبفِضَّتِهم على قَدْرِ حِذقِهم، يَصنَعونَ أَصْنامًا كُلُّها أَعمالُ صُنَّاع، وفي شأنِهم يُقال: رِجالٌ ذابِحونَ يُقَبِّلونَ عُجولًا. لِذٰلِك يَكونونَ كغَمامِ الصَّباح، وكالنَّدى الَّذي يَزولُ باكِرًا، وكالعُصافَةِ المَخْطوفَةِ مِنَ البَيدر، وكالدُّخانِ مِنَ النَّافِذَة. لٰكِنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكَ مِن أَرضِ مِصْر، فلَستَ تَعرِفُ إِلٰهًا غَيري، وما مِن مُخَلِّصٍ سِوايَ. إِنِّي عَرَفتُكَ في البَرِّيَّةِ في أَرضِ الظَّماء. عِندَ مَرْعاهم شَبِعوا، وشَبِعوا فطَمَحَت قُلوبُهم ولِذٰلك نَسوني، فكُنتُ لَهم كالأَسَد، وكالنَّمِرِ أَتَرَصَّدُهم على الطَّريق. هَجَمتُ علَيهم كالدُّبَّةِ الثَّاكِل، ومَزَّقتُ حُجُبَ قُلوبِهم، وٱلتَهَمتُهم هُناكَ كاللَّبُؤَة، فمَزَّقَهم وَحشُ البَرِّيَّة. هَلَكتَ يا إِسْرائيل ولا عَونَ لَكَ إِلاَّ فِيَّ. أَينَ مَلِكُكَ لِيُخَلِّصَكَ في جَميعِ مُدُنِكَ؟ أَينَ قُضاتُكَ الَّذينَ قُلتَ فيهم: «أَعطِني مَلِكًا ورُؤَساءَ؟» أَعطَيتُكَ مَلِكًا في غَضَبي، وأَستَرِدُّه في حَنَقي. ذَنْبُ أَفْرائيمَ مَصْرورٌ وخَطيئَتُه مُدَّخَرة. مَخاضُ الَّتي تَلِدُ يَحِلُّ بِه، لٰكِنَّه ٱبنٌ غَيرُ حَكيم، حانَ وَقتُه فلا يَخرُجُ مِن فُتحَةِ الرَّحم. أَفأَفتَديهم مِن يَدِ مَثْوى الأَموات، وأَفُكُّهم مِنَ المَوت؟ أَينَ أَوبِئَتُكَ أَيُّها المَوت، وأَينَ آفَتُكَ يا مَثْوى الأَموات؟ إِنَّ الشَّفَقَةَ تَتَوارى عن عَينَيَّ، وإِن أَثمَرَ أَفْرائيمُ بَينَ إِخوَتِه، تَأتي ريحُ الشَّرق، تَطلَعُ ريحُ الرَّبِّ مِنَ البَرِّيَّة، فيَجِفُّ يَنْبوعُه ويَنضُبُ مَعينُه، وتَنهَبُ الرِّيحُ كَنزَ كُلَّ شَيءٍ ثَمين. السَّامِرَةُ سَوفَ تَدفَعُ الثَّمَن لأَنَّها تَمَرَّدَت على إِلٰهِها. يَسقُطونَ بِالسَّيف، ويُسحَقُ أَطْفالُهم وتُشَقُّ حَوامِلُهم. عُدْ، يا إِسْرائيلُ، إِلى الرَّبِّ إِلٰهِكَ، فإِنَّكَ بِذَنبِكَ عَثَرتَ. خُذوا معَكم كَلامًا وعودوا إِلى الرَّبّ، قولوا له: «إِرفَعْ كُلَّ ذَنْبٍ وٱقبَلِ الخَير، فنَنذُرُ شِفاهَنا بَدَلَ العُجول. أَشُّورُ لا يُخَلِّصُنا ولا نَركَبُ الخَيل، ولا نَقولُ بَعدَ الآنَ لِصُنعِ أَيدينا: «إِلٰهَنا»، فيكِ يَجِدُ اليَتيمُ رَحمَةً. أَشفيهم مِنِ ٱرتِدادِهم وأُحِبُّهم بِسَخاء، لأَنَّ غَضَبي ٱنصَرَفَ عنه. أَكونُ لإسْرائيلَ كالنَّدى، فيُزهِرُ كالسَّوسَنِ ويَغرِزُ جُذورَه كلُبْنان، وتَنتَشِرُ فُروعُه، ويَكونُ بَهاؤُه كالزَّيتونِ ورائِحَتُه كلُبْنان، فيَرجِعونَ ليَجلِسوا في ظِلِّي ويُحيونَ الحِنطَة، ويُزهِرونَ كالكَرمَة، فيَكونُ ذِكرُه كَخَمْرِ لُبْنان. يا أَفْرائيمُ، ما لي ولِلأَوثانِ بَعدَ اليَوم؟ أَنا أُجيبُه وأَرْعاه، أَنا الَّذي كالسَّروَةِ الخَضْراء، ومِنِّي يَخرُجُ ثَمَرُكَ. مَن هو حَكيمٌ فيَفطَنَ لِهٰذه الأَشْياء، وفَهيمٌ فيَعلَمَها؟ لأَنَّ طُرُقَ الرَّبِّ مُستَقيمةٌ والأَبْرارُ يَسلُكونَها. وأَمَّا العُصاةُ فيَعثُرونَ فيها. كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتي كانَت إِلى يوئيلَ بنِ فَتوئيل. إِسمَعوا هٰذا أَيُّها الشُّيوخ، وأَصْغوا يا جَميعَ سُكَّانِ الأَرْض: هل حَدَثَ هٰذا في أَيَّامِكم، أَو في أَيَّامِ آبائِكم؟ أَخبِروا بِه أَبْناءَكم، ولْيُخبِرْ أَبْناؤُكم أَبْناءَهم، وأَبْناؤُهُمُ الجيلَ الآتي. فَضلَةُ القارِضِ أَكَلَها الجَراد، وفَضلَةُ الجَرادِ أَكَلَها اللاَّحِس، وفَضلَةُ اللاَّحِسِ أَكَلَها القاضِم. إِستَيقِظوا أَيُّها السُّكارى وٱبْكوا، ووَلوِلوا يا جَميعَ شُرَّابِ الخَمر، على العَصيرِ فإِنَّه ٱنقَطَعَ عن أَفْواهِكم. لأَنَّ أُمَّةً صَعِدَت على أَرْضي، هي مُقتَدِرَةٌ ولا عَدَدَ لَها، أَسْنانُها أَسنانُ الأَسَد، ولَها أَنْيابُ اللَّبُؤَة، فحَوَّلَت كَرمَتي إِلى خَراب، وتينَتي إِلى حُطام، قَشَّرَتها ونَبَذَتها فٱبيَضَّت أَغْصانُها. نوحي كعَذراءَ مُتَحَزِّمَةٍ بِالمِسْح، على زَوجِ صِباها. قدِ ٱنقَطَعَتِ التَّقدِمَةُ والسَّكيب عن بَيتِ الرَّبّ، وٱنتَحَبَ الكَهَنَةُ خُدَّامُ الرَّبّ. خَرِبَتِ الحُقولُ وٱنتَحَبَتِ الأَرض، لأَنَّ القَمحَ خَرِب، والنَّبيذَ جَفَّ والزَّيتَ نَضَب. إِخجَلوا أَيُّها الحَرَّاثون، ووَلوِلوا أَيُّها الكَرَّامون، على الحِنطَةِ والشَّعير، لأَنَّ حِصادَ الحَقلِ قد تَلِف. الكَرمَةُ جَفَّت والتِّينَةُ ذَبَلت، والرُّمَّانُ وحتَّى النَّخيلُ والتُّفَّاح، وجَميعُ أَشْجارِ الحُقولِ يَبِسَت، فذَوَى السُّرورُ عن بَني البَشَر. تَحَزَّموا ونوحوا أَيُّها الكَهَنَة، وَلوِلوا يا خُدَّامَ المَذبَح، تَعالَوا فبيتوا بِالمُسوح يا خُدَّامَ إِلٰهي، لأَنَّه قدِ ٱمتَنَعَ عن بَيتِ إِلٰهِكم، التَّقدِمَةُ والسَّكيب. أَوصوا بِصَومٍ مُقَدَّس، ونادوا بِٱحتِفال، إِجمَعوا الشُّيوخ، وجَميعَ سُكَّانِ الأَرْض، إِلى بَيتِ الرَّبِّ إِلٰهِكم، وٱصرُخوا إِلى الرَّبّ. يا لَليَوم! فإِنَّ يَومَ الرَّبِّ قَريب، فيَأتي كالدَّمارِ مِن عِندِ القَدير. أَلَم يَنقَطِعِ الطَّعامُ أَمامَ عُيونِنا، والفَرَحُ والٱبتِهاجُ مِن بَيتِ إِلٰهِنا؟ قد يَبِسَتِ الحُبوبُ تَحتَ أَطْيانِها، وخَرِبَتِ المَخازِنُ وٱنهَدَمَتِ الأَهْراء، لأَنَّ القَمحَ قد ذَوى، كم أَنَّتِ البَهيمَة، وهامَت قُطْعانُ البَقَر، إِذ لَيسَ لَهُنَّ مَرْعًى، وحَتَّى قُطْعانُ الغَنَمِ هَلَكَت. إِلَيكَ يا رَبِّ أَصرُخ، لأَنَّ النَّارَ ٱلتَهَمَت مُروجَ البَرِّيَّة، واللَّهيبَ أَحرَقَ جَميعَ أَشْجارِ الحُقول. وبَهائِمُ الحُقولِ أَيضًا تَشْتاقُ إِلَيكَ، لأَنَّ مَجارِيَ المِياهِ قد جَفَّت، والنَّارَ ٱلتَهَمَت مُروجَ البَرِّيَّة. أُنفُخوا في البوقِ في صِهْيون، وٱهتِفوا في جَبَلِ قُدْسي، ولْيَرْتَعِدْ جَميعُ سُكَّانِ الأَرض، فإِنَّ يَومَ الرَّبِّ آتٍ وهو قَريب، يَومَ ظُلمَةٍ ودَيجور، يَومَ غُيومٍ وغَمامٍ مُظلِم. كما يَنتَشِرُ الفَجرُ على الجِبال، شَعبٌ كَثيرٌ مُقتَدِر، لم يَكُنْ لَه شَبيهٌ مُنذُ الأَزَل، ولَن يَكونَ لَه مِن بَعدُ، إِلى سِني جيلٍ وجيل. قُدَّامَه النَّارُ تَأكُل، وخَلفَه اللَّهيبُ يُحرِق، قُدَّامَه الأَرضُ كَجنَّةِ عَدنٍ، وخَلفَه قَفرُ خَراب، ولا يَنْجو مِنه شَيء. كمَنظَرِ الخَيلِ مَنظَرُه، ومِثلَ الفُرسانِ يُسرِعون. كَصوتِ المَركَبات على رُؤُوسِ الجِبالِ يَقفِزون، كَصوتِ لَهيبِ النَّارِ الآكِلَة القَشّ، وكشَعْبٍ مُقتَدِرٍ مُصطَفٍّ لِلقِتال. مِن وَجهِه يَرتَعِدُ الشُّعوب، وجَميعُ الوُجوهِ قد شَحُبَت. كالأَبْطالِ يُسرِعون، وكرِجالِ الحَربِ يَتَسَلَّقونَ السُّور، وكُلٌّ مِنهم يَسيرُ في طَريقِه، ولا يَحيدُ عن سُبُلِه، ولا يُزاحِمُ أَحَدٌ أَخاه، بل يَسيرونَ كُلُّ واحِدٍ في طَريقِه، ومِن خِلالِ السِّهامِ يَهجُمون، ولا يَتَبَدَّدون. يَثِبونَ إِلى المَدينَة، ويُسرِعونَ إِلى السُّور، ويَصعَدونَ إِلى البُيوت، ويَدخُلونَ مِنَ النَّوافِذِ كالسَّارِق. مِن وَجهِه ٱرتَعَدَتِ الأَرض، ورَجَفَتِ السَّمٰوات، وأَظلَمَتِ الشَّمسُ والقَمَر، وسَحَبَتِ الكَواكِبُ ضِياءَها، وجَهَرَ الرَّبُّ بِصَوتِه أَمامَ جَيشِه، لأَنَّ عَسكَرَه كَثيرٌ جِدًّا، مُقتَدِرٌ يُنَفِّذُ كَلِمَتَه، لأَنَّه عَظيمٌ يَومُ الرَّبِّ وهائِلٌ جِدًّا، فمَنِ الَّذي يُطيقُه؟ فالآنَ، يَقولُ الرَّبّ: «إِرجِعوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلوبِكم، وبِالصَّومِ والبُكاءِ والٱنتِحاب». مَزِّقوا قُلوبَكم لا ثِيابَكم، وٱرجِعوا إِلى الرَّبِّ إِلٰهكم، فإِنَّه حَنونٌ رَحيم، طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الرَّحمَة، ونادِمٌ على الشَّرّ. لَعَلَّه يَرجِعُ ويَندَم، ويُبْقي وَراءَه بَرَكَةً وتَقدِمَةً، وسَكيبًا لِلرَّبِّ إِلٰهِكم، أُنفُخوا في البوقِ في صِهْيون، وأَوصوا بِصَومٍ مُقَدَّس، ونادوا بِٱحتِفال. إِجمَعوا الشَّعبَ وقَدِّسوا الجَماعَة، وٱجمَعوا الشُّيوخ، وٱجمَعوا الأَطفالَ وراضِعي الأَثْداء، ولْيَخرُجِ العَريسُ مِن مُخدَعِه، والعَروسُ مِن خِدرِها. بَينَ الرِّواقِ والمَذبَح، لِيَبْكِ الكَهَنَةُ خُدَّامُ الرَّبّ، ولْيَقولوا: «أَشفِقْ يا رَبُّ على شَعبِكَ، ولا تَجْعَلْ ميراثَكَ عارًا، فتَسخَرُ مِنهُمُ الأُمَم، لِماذا يُقالُ في الشُّعوبِ: أَينَ إِلٰهُهم». لقَد غارَ الرَّبُّ على أَرضِه، وأَشفَقَ على شَعْبِه. وأَجابَ الرَّبُّ وقالَ لِشَعْبِه: «هاءَنَذا مُرسِلٌ إِلَيكُم، القَمحَ والنَّبيذَ والزَّيت فتَشبَعون مِنها، ولا أَجعَلُكم بَعدَ اليَوم عارًا في الأُمَم، بل أُبعِدُ الشَّمالِيَّ عنكم، وأَدحَرُه إِلى أَرضٍ قاحِلَةٍ مُقفِرَة، ومُقَدَّمَتُه إِلى بَحرِ الشَّرْق، ومُؤَخَّرتُه إِلى بَحرِ الغَرْب، فيَصعَدُ نَتنُه ورائِحَتُه الخَبيثَة، (لأَنَّه قد تَعاظَمَ في عَمَلِه). لا تَخافي أَيَّتُها الأَرض، بلِ ٱفرَحي وٱبتَهِجي، فإِنَّ الرَّبَّ قد تَعاظَمَ في عَمَلِه. لا تَخافي يا بَهائِمَ الحُقول، فإِنَّ مَراعِيَ البَرِّيَّةِ قدِ ٱخضَرَّت، والشَّجَرَ حَمَلَ ثَمَرَه، والتِّينَةَ والكَرمَةَ أَعطَيَتا ثَروَتهما. يا بَني صِهيونَ ٱفرَحوا وٱبتَهِجوا بِالرَّبِّ إِلٰهِكم، لأَنَّه أَعْطاكم مَطَرَ الخَريفِ لأَجْلِ البِرّ، وأَنزَلَ لَكمُ المَطَر، مَطَرَ الخَريفِ ومَطَرَ الرَّبيع، كما في الشَّهرِ الأَوَّل. فستَمتَلِئُ البَيادِرُ قَمْحًا، وتَفيضُ المَعاصِرُ نَبيذًا وزَيتًا، وأُعَوِّضُكمُ السِّنينَ الَّتي ٱلتَهَمَها الجَراد، واللاَّحِسُ والقاضِمُ والقارِض، جَيشِيَ العَظيمُ الَّذي أَرسَلتُه علَيكم، فتَأكُلونَ أَكلًا وتَشبَعون، وتُسَبِّحونَ ٱسمَ الرَّبِّ إِلٰهِكم، الَّذي صَنَعَ العَجائِبَ لَكم، (ولا يَخْزى شَعْبي لِلأَبَد). فتَعلَمونَ أَنِّي في وَسْطِ إِسْرائيل، وأَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم، ولَيسَ هُناكَ غَيري، ولا يَخْزى شَعْبي لِلأَبَد. وسيَكونُ بَعدَ هٰذه أَنِّي أُفيضُ روحي على كُلِّ بَشَر، فيَتَنَبَّأَ بنوكم وبَناتُكم، ويَحلُمُ شُيوخُكم أَحْلامًا، ويَرى شُبَّانُكم رُؤًى، وعلى العَبيدِ والإِماءِ أَيضًا، أُفيضُ روحي في تِلكَ الأَيَّام، وأَجعَلُ الآياتِ في السَّماءِ وعلى الأَرضِ دَمًا ونارًا وأَعمِدَةَ دُخان، فتَنقَلِبُ الشَّمسُ ظَلامًا والقَمَرُ دَمًا، قَبلَ أَن يَأتِيَ يَومُ الرَّبِّ العَظيمُ الرَّهيب. ويَكونُ أَنَّ كُلَّ مَن يَدْعو بِٱسمِ الرَّبِّ يَخلُص، لأَنَّه في جَبَلِ صِهْيون وفي أُورَشَليم، يَكونُ ناجون، كما قالَ الرَّبّ، وفي الباقينَ أُحْياءً مَن يَدْعوهمُ الرَّبّ. كَلامُ عاموسَ الَّذي كانَ مِن مُرَبِّي الماشِيَةِ في تَقُوَع، مِمَّا رَآه على إِسْرائيلَ في أَيَّامِ عُزِّيَّا، مَلِكِ يَهوذا، وفي أَيَّامِ يارُبْعامَ بنِ يوآش، مَلِكِ إِسْرائيل، قَبلَ الزَّلزالِ بِسَنَتَين. قال: الرَّبُّ يَزأَرُ مِن صِهْيون، ويَجهَرُ بِصَوتِه مِن أُورَشَليم، فتَنتَحِبُ مَراعِي الرُّعاة، ويَجِفُّ رَأسُ الكَرمَل. هٰكذا قالَ الرَّبّ: «بِسَبَبِ مَعاصي دِمَشقَ الثَّلاث وبِسَبَبِ الأَربَعِ لا أَرجِعُ عن حُكْمي، لأَنَّهم داسوا جِلْعاد بِنَوارِجَ مِن حَديد. فأُرسِلُ نارًا على بَيتِ حَزائيل، فتَلتَهِمُ قُصورَ بَنهَدَد وأَكسِرُ قُفْلَ دِمَشْق، وأَستَأصِلُ السَّاكِنَ مِن بُقعَةَ آوِن، والقابِضَ على الصَّولَجانِ مِن بَيتَ عَدْن، ويُجْلى شَعبُ أَرامَ إِلى قير». قالَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: «بِسَبَبِ مَعاصي غَزَّةَ الثَّلاث، وبِسَبَبِ الأَربَعِ لا أَرجِعُ عن حُكْمي، لأَنَّهم جَلَوهم عن آخِرِهم، لِيُسلِموهم إِلى أَدوم. فأُرسِلُ نارًا في سورِ غَزَّة، فتَلتَهِمُ قُصورَها، وأَستَأصِلُ السَّاكِنَ مِن أَشْدود، والقابِضَ على الصَّولَجانِ مِن أَشقَلون، وأَرُدُّ يَدي على عَقْرون، فتَهلِكُ بَقِيَّةُ فَلِسْطين»، قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: «بِسَبَبِ مَعاصي صورَ الثَّلاث، وبِسَبَبِ الأَربعِ لا أَرجِعُ عن حُكْمي لأَنَّهم أَسلَموا إِلى أَدومَ مَجلُوِّينَ عن آخِرِهم ولم يَذكُروا عَهدَ الإِخوَة فأُرسِلُ نارًا في سورِ صور فتَلتَهِمُ قُصورَها». هٰكذا قالَ الرَّبّ: «بِسَبَبِ مَعاصي أَدومَ الثَّلاث، وبِسَبَبِ الأَربَعِ لا أَرجِعُ عن حُكْمي، لأَنَّه طارَدَ بِالسَّيفِ أَخاه، وخَنَقَ كُلَّ شَفَقَةٍ فيه، وجَعَلَ غَضَبَه يَفتَرِسُ لِلأَبَد، وحَفِظَ حَنَقَه على الدَّوام. فأُرسِلُ نارًا في تَيمان، فتَلتَهِمُ قُصورَ بُصْرَة». هٰكذا قالَ الرَّبّ: «بِسَبَبِ مَعاصي بَني عَمُّونَ الثَّلاث وبِسَبَبِ الأَربَعِ لا أَرجِعُ عن حُكْمي، لأَنَّهم شَقُّوا حَوامِلَ جِلْعاد، لِيُوَسِّعوا أَرضَهم. فأُضرِمُ نارًا في سورِ رَبَّة، فتَلتَهِمُ قُصورَها، مع هُتافٍ في يَومِ القِتال، وعاصِفَةٍ في يَومِ الزَّوبَعة، ويَذهَبُ مَلِكُهم إِلى الجَلاء، هو ورُؤَساؤُه مَعًا»، قالَ الرَّبّ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: «بِسَبَبِ مَعاصي موآبَ الثَّلاث، وبِسَبَبِ الأَربَعِ لا أَرجِعُ عن حُكْمي، لأَنَّه أَحرَقَ عِظامَ مَلِكِ أَدوم، حتَّى صارَت كِلْسًا. فأُرسِلُ نارًا على موآب، فتَلتَهِمُ قُصورَ قَرِيُّوت، فيَموتُ موآبُ بِجَلَبَة، وبِهُتافٍ وصَوتِ البوق، وأَستأصِلُ القاضِيَ مِن وَسْطِه، وأَقتُلُ جَميعَ رُؤَسائِه معَه»، قالَ الرَّبّ». هٰكذا قالَ الرَّبّ: «بِسَبَبِ مَعاصي يَهوذا الثَّلاث، وبِسَبَبِ الأَربَعِ لا أَرجِعُ عن حُكْمي، لأَنَّهم نَبَذوا شَريعةَ الرَّبّ، ولم يَحفَظوا فَرائِضَه، وأَضَلَّتهُم أَكاذيبُهم الَّتي سارَ وَراءَها آباؤُهم. فأُرسِلُ نارًا على يَهوذا، فتَلتَهِمُ قُصورَ أُورَشَليم». هٰكذا قالَ الرَّبّ: «بِسَبَبِ مَعاصي إِسْرائيلَ الثَّلاث، وبِسَبَبِ الأَربَعِ لا أَرجِعُ عن حُكْمي، لأَنَّهم باعوا البارَّ بِالفِضَّة، والمِسْكينَ بِنَعلَين، لأَنَّهم يَدوسونَ رُؤُوسَ الضُّعَفاء، على تُرابِ الأَرْض، ويُحرِّفونَ طَريقَ الوُضَعاء، ويَدخُلُ الرَّجُلُ وأَبوه على الصَبِيَّةِ الواحِدَة، لِيُدَنِّسا ٱسمِيَ القُدُّوس. ويَتَمَدَّدونَ على ثِيابٍ مَرْهونة، بِجانِبِ كُلِّ مَذبَح، ويَشرَبونَ خَمرَ المُغَرَّمين، في بَيتِ إِلٰهِهم. وأَنا قَرَضتُ مِن وُجوهِهمِ الأَمورِيِّينَ الَّذينَ مِثلُ قاماتِ الأَرزِ قاماتُهم، وصَلابَتُهم كالبَلُّوط، وقَرَضتُ ثِمارَهم مِن فَوقُ، وجُذورَهم مِن تَحتُ. وأَصعَدتُكم أَنا مِن أَرضِ مِصر، وسِرتُ بِكُم في البَرِّيَّةِ أَربَعين سَنة، لأُورِثَكم أَرضَ الأَمورِيِّين، وأَقَمتُ مِن بَنيكم أَنبِياء، ومِن شُبَّانِكم نُذَراء. أَفَلَيسَ الأَمرُ كذٰلك يا بَني إِسْرائيل؟ يَقولُ الرَّبّ، فسَقَيتُمُ النُّذَراءَ خَمرًا، وأَمرتُمُ الأَنبِياءَ قائِلينَ: لا تَتَنَبَّأُوا. هاءَنَذا أَسحَقُكُم في مَواضِعِكم، كما تَسحَقُ العَجَلَةُ المَمْلوءَةُ حُزَمًا، فيَستَحيلُ الهَرَبُ على خَفيفِ القَدَم، والقَوِيُّ لا يُشَدِّدُ قُوَّتَه، والبَطَلُ لا يُنقِذُ نَفْسَه، والقابِضُ على القَوسِ لا يَثبُت وخَفيفُ القَدَمِ لا يَنْجو، وراكِبُ الخَيلِ لا يُنقِذُ نَفْسَه، والشَّديدُ القَلبِ بَينَ الأَبْطال، يَفِرُّ عُرْيانًا في ذٰلك اليَوم»، يَقولُ الرَّبّ. إِسمَعوا هٰذه الكَلِمَةَ الَّتي تَكَلَّمَ بِها الرَّبُّ، علَيكم، يا بَني إِسْرائيل، على جَميعِ العَشيرَةِ الَّتي أَصعَدتُها مِن أَرضِ مِصرَ، قائِلًا: إِيَّاكم وَحدَكم عَرَفتُ، مِن بَينِ جَميعِ عَشائِرِ الأَرْض، فلِذٰلك سأُعاقِبكُم، على جَميعِ ذُنوبِكم. أَيَسيرُ ٱثْنانِ مَعًا إِن لم يَتَّفِقا؟ أَيَزأَرُ الأَسَدُ في الغابَة ولَيسَ لَه فَريسة، أَم يَجهَرُ الشِّبلُ بِصَوتِه مِن عَرينِه، إِن لم يَأخُذْ شَيئًا؟ أَيَسقُطُ العُصفورُ في الفَخِّ على الأَرض، ولَيسَ هُناكَ مِن فَخّ، أَم يَرتَفِعُ الفَخُّ عن الأَرض، ولم يُمسِكْ شَيئًا؟ أَيُنفَخُ في البوقِ في المَدينة، ولا يَرْتاعُ الشَّعْب، أَم يَكونُ في المَدينةِ شَرّ، ولم يَفعَلْه الرَّبّ؟ لأَنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لا يَفعَلُ شَيئًا، ما لم يَكْشِفْ سِرَّه لِعَبيدِه الأَنْبِياء. زَأَرَ الأَسَدُ فمَن لا يَخاف؟ تَكَلَّمَ الرَّبُّ فمَن لا يَتَنَبَّأ؟ نادوا على القُصورِ في أَشْدود، وعلى القُصورِ في أَرضِ مِصْر، وقولوا: إِجتَمِعوا على جِبالِ السَّامِرة، وٱنظُروا الإِضطِراباتِ الكَثيرَةَ في داخِلِها، والمَظالِمَ في وَسَطِها، فإِنَّهم لم يَعرِفوا العَمَلَ بِٱستِقامة، يَقولُ الرَّبّ، بل يَخزُنونَ في قُصورِهمِ العُنفَ والدَّمار. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّد الرَّبّ: عَدُوٌّ يُحيطُ بِالأَرْض، تُحَطُّ عِزَّتُكَ عَنكَ فتُسلَبُ قُصورُكَ. هٰكذا قالَ الرَّبّ: كما يُنقِذُ الرَّاعي مِن فَمِ الأَسَد قائِمَتَينِ أَو طَرَفًا مِنَ الأُذُن، هٰكذا يُنقَذُ بَنو إِسْرائيل، الجالِسونَ في السَّامِرَة، في زاوِيَةِ سرير، وفي أَريكَةٍ دِمَشقِيَّة. إِسمَعوا وٱشهَدوا على بَيتِ يَعْقوب، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِلٰهُ القُوَّات، فإِنِّي يَومَ أُعاقِبُ إِسْرائيلَ على مَعاصيه، أُعاقِبُ أَيضًا مَذابِحَ بَيتَ إِيل، فتُقطَعُ قُرونُ المَذبَح، وتَسقُطُ إِلى الأَرْض، وأَضرِبُ البَيتَ الشَّتوِيّ مع البَيتِ الصَّيفِيّ، وتُخرَبُ بُيوتُ العاج، وتَزولُ البُيوتُ الفاخِرَة، يَقولُ الرَّبّ: إسمَعنَ هٰذه الكلمة، يا بَقَرَات باشان اللَّواتي في جَبَلِ السَّامِرَة، الظَّالِمَاتِ لِلضُّعَفاء، والسَّاحِقاتِ لِلمَساكين، والقائِلاتِ لِسادَتِهِنَّ: هاتوا فنَشرَب. أَقسَمَ السَّيِّدُ الرَّبُّ بقَداسَتِه قائِلًا: ستَأتي علَيكُنَّ أَيَّام، تُرفَعنَ فيها بِالكَلاليب، ومَن يَأتي بَعدَكُنَّ بِشُصوصِ السَّمَك، فتَخرُجنَ مِنَ الثُّغَر، كُلُّ واحِدَةٍ على وَجهِها، وتُطرَحْنَ إِلى حَرْمون، يَقولُ الرَّبّ. هَلُمُّوا إِلى بَيتَ إِيلَ وٱعْصُوا، وفي الجِلْجالِ أَكثِروا مِنَ المَعاصي، وأْتوا في الصَّباحِ بِذَبائِحِكم، وفي كُلِّ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ بِعُشورِكم، وأَحرِقوا مِنَ الخَميرِ ذَبيحَةَ شُكْرٍ، ونادوا بِتَقادِمَ طَوعِيَّةٍ وأَعلِنوها، لأَنَّكم هٰذا ما أَحبَبتُم، يا بَني إِسْرائيل، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. فإِنِّي أَنا أَيضًا جَعَلتُ لَكم أَسْنانًا نَقِيَّةً في جَميعِ مُدُنِكم، وعَوَزَ الخُبزِ في جَميعِ أَماكِنِكم، ولم ترجِعوا إِلَيَّ، يَقولُ الرَّبّ. وأَنا أَيضًا مَنَعتُ المَطَرَ عَنكم، وقد بَقِيَ لِلحَصادِ ثَلاثَةُ أَشهُر، وأَمطَرتُ على مَدينَةٍ، ولم أُمْطِرْ على أُخْرى. وأُمطِرَ على حَقلٍ، ولم يُمطَرْ على آخَرَ فجَفَّ، ومَضَت مَدينَتانِ أَو ثَلاثٌ مُتَرَنِّحاتٍ إِلى مَدينَةٍ أُخْرى لِيَشرَبوا ماءً، فلم يَرتَوُوا. ولم تَرجِعوا إِلَيَّ، يَقولُ الرَّبّ. فضَرَبتُكم بِالصَّدَإِ والذُّبول، ويَبَّستُ جَنَّاتِكم وكُرومَكم، وأَكَلَ الجَرادُ تينَكم وزَيتونَكم، ولم تَرجِعوا إِلَيَّ، يَقولُ الرَّبّ: فأَرسَلتُ علَيكم طاعونًا كطاعونِ مِصر، وقَتَلتُ بِالسَّيفِ شُبَّانَكم وخَيْلُكم تُسلَب، وأَصعَدتُ نَتانَةَ مُعَسكَرِكم إِلى أُنوفِكم، ولم تَرجِعوا إِلَيَّ، يَقولُ الرَّبّ. فقَلَبتُكم كما قَلَبَ اللهُ سَدومَ وعَمورة، فكُنتُم كَجَمرَةٍ مُنتَشَلَةٍ مِنَ الحَريق، ولم تَرجِعوا إِلَيَّ، يَقولُ الرَّبّ. لِذٰلك هٰكذا أَصنَعُ بِكَ يا إِسْرائيل، وبِما أَنِّي أَصنَعُ بِكَ هٰذا، فٱستَعِدَّ لِلِقاءِ إِلٰهِكَ يا إِسْرائيل. لأَنَّه هو مُكَوِّنُ الجِبالِ وخالِقُ الرِّيح، ومُخبِرُ الإِنسانِ ما أَفْكارُه، جاعِلُ الفَجرِ ظَلامًا، وواطِئُ مَشارِفِ الأَرض، وٱسمُه الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّات. إِسمَعوا هٰذه الكَلِمَةَ الَّتي أَنا منادٍ بِها علَيكم رِثاءً، يا بَيتَ إِسْرائيل: قد سَقَطَت عَذْراءُ إِسْرائيل، فلا تَعودُ تَقوم. قد طُرِحَت إِلى أَرضِها، فلَيس مَن يُنهِضُها. لأَنَّه هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِنَّ المَدينَةَ الَّتي تُخرِجُ أَلفًا تَبْقى على مِئَة، والَّتي تُخرِجُ مِئَةً تَبْقى على عَشَرَةٍ لِبَيتِ إِسْرائيل. لأَنَّه هٰكذا قالَ الرَّبُّ لِبَيتِ إِسْرائيل: أُطلُبوني فتَحيَوا، ولا تَطلُبوا بَيتَ إِيل، ولا تَذهَبوا إِلى الجِلْجال، ولا تَعبُروا إِلى بِئرَ سَبْعَ، فإِنَّ الجِلْجالَ تُجْلى جَلاءً وبَيتَ إِيلَ تَصيرُ عَدَمًا. أُطلُبوا الرَّبَّ فتَحْيَوا، لِئَلاَّ يَنَقَضَّ كالنَّارِ على بَيتِ يوسُف، فتَلتَهِم، ولَيسَ مَن يُطفِئُ في بَيتَ إِيل. يُحَوِّلونَ الحَقَّ إِلى مَرارة، ويَطرَحونَ البِرَّ إِلى الأَرْض. إِنَّه خالِقُ الثُّرَيَّا والجَوزاء، ومُحَوِّلُ الظُّلُماتِ صَباحًا، ومُعَتِّمُ النَّهارِ كاللَّيل، الَّذي يَدْعو مِياهَ البَحر، فيُفيضُها على وَجهِ الأَرْض، وٱسمُه الرَّبّ. الَّذي يُثيرُ الدَّمارَ على القَوِيّ، فيَحِلُّ الدَّمارُ على الحِصْن. لقَد أَبغَضوا المُوَبِّخَ في الباب، ومَقَتوا المُتَكَلِّمَ بِنَزاهة، لِذٰلك بِما أَنَّكم تَدوسونَ الضَّعيف، وتَأخُذونَ مِنه حِمْلَ قَمْحٍ، فأَنتُمْ تَبْنونَ بُيوتًا مِن حَجَرٍ مَنْحوت، ولا تَسكُنونَ فيها، وتَغرِسونَ كُرومًا شَهِيَّةً، ولا تَشرَبون خَمرَها. فإِنِّي عالِمٌ بِمَعاصِيكمُ الكَثيرة، وخَطاياكمُ العَظيمة، تُضايِقونَ البارَّ وتَرتَشون، وتُحَرِّفونَ حَقَّ المَساكينِ في الباب. لِذٰلك يَسكُتُ العاقِلُ في هٰذا الزَّمان، لأَنَّه زَمانُ سوء. فٱطلُبوا الخَيرَ لا الشَّرَّ لِتَحيَوا، فيَكونَ الرَّبُّ، إِلٰهُ القُوَّاتِ معَكم كما قُلتُم. أَبغِضوا الشَّرَّ وأَحِبُّوا الخَير، وأَقيموا الحَقَّ في الباب، فعَسى الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّات، أَن يَرأَفَ بِبَقِيَّةِ يوسُف. لِذٰلك هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِلٰهُ القُوَّات: في جَميعِ السَّاحاتِ يَكونُ نُواح، وفي جَميعِ الشَّوارِعِ يُقالُ: وَيلٌ وَيل، ويُدْعى الحارِثُ إِلى الإِنتِحاب، والعارِفونَ بِالنَّحيبِ إِلى النُّواح. ويَكونُ في جَميعِ الكُرومِ نُواح، لأَنِّي أَجوزُ في وَسطِكَ، قالَ الرَّبّ. وَيلٌ لِلتَّوَّاقينَ إِلى يَومِ الرَّبّ، ماذا يَكونُ لَكم يَومُ الرَّبّ؟ يَكونُ ظُلمَةً لا نورًا. كإِنْسانٍ يَهرُبُ مِن وَجهِ الأَسَد، فيَلْقاه الدُّبّ، فيَدخُلُ البَيتَ ويُسنِدُ يَدَه إِلى الحائِط، فتَلحَسُه الحَيَّة. أَلَيسَ يَومُ الرَّبِّ ظُلمَةً لا نورًا؟ بل هو مُظلِمٌ لا ضِياءَ لَه. لقَد أَبغَضتُ أَعْيادَكم ونَبَذتُها، ولم تَطِبْ لِيَ ٱحتِفالاتُكم. إِذا أَصعَدتُم لي مُحرَقات... وتَقادِمُكم لا أَرتَضي بِها، ولا أَتَطَلَّعُ إِلى الذَّبائِحِ السَّلامِيَّة مِن مُسَمَّناتِكم. أَبعِدْ عنِّي جَلَبَةَ أَناشيدِكَ، فلا أَسمَعْ عَزفَ عيدانِكَ، بل لِيَجْرِ الحَقُّ كالمِياه، والبِرُّ كنَهرٍ لا يَنقَطِع. هل قَرَّبتُم لي ذَبائِحَ وتَقادِم، أَربَعينَ سَنَةً في البَرِّيَّةِ يا بَيتَ إِسْرائيل؟ بل حَمَلتُم سِكُّوتَ مَلِكَكم، وكَيوانَ كَوكَبَ إِلٰهِكم، ذَينِكَ التِّمثالَينِ اللَّذَينِ صَنَعتُموهما لَكم. فسأجْليكم إِلى ما وَراءَ دِمَشق، قالَ الرَّبُّ الَّذي ٱسمُه إِلٰهُ القُوَّات. وَيلٌ لِلمُطمَئِنِّينَ في صِهْيون، والآمِنينَ في جَبَلِ السَّامِرَة، لِوُجَهاءِ أُولى الأُمَم، الَّذينَ يَذهَبُ إِلَيهم بَيتُ إِسْرائيل! أُعبُروا إِلى كَلنَةَ وٱنظُروا، وسيروا مِن هُناكَ إِلى حَماةَ العَظيمة، ثُمَّ ٱنزِلوا إِلى جَتِّ فَلِسْطين: أَأَنتُم أَفضَلُ مِن تِلكَ المَمالِك، أَم أَرضُكم أَوسَعُ مِن أَرضِهم؟ إِنَّكم تَستَبعِدونَ يَومَ السُّوء، وتُقَرِّبونَ سِيادَةَ العُنْف، يَضَّجِعونَ على أَسِرَّةٍ مِن عاج، ويَنبَطِحونَ على أَرائِكِهم، ويأكُلونَ الحُمْلانَ مِنَ الغَنَم، والعُجولَ المُخْتارَةَ مِنَ المَعلَف، ويَرتَجِلونَ على صَوتِ العود، ومِثلَ داودَ يَختَرِعونَ آلاتِ الطَّرَب، ويَشرَبونَ الخَمرَ بِالكُؤُوس، ويَدَّهِنونَ بِالأَدهانِ النَّفيسَة، ولا يَكتَئِبونَ لِٱنكِسارِ يوسُف. لِذٰلك يُجلَونَ الآنَ في رَأسِ المَجلُوِّين، فيَزولُ فُجورُ المُنبَطِحين. لقَد أَقسَمَ السَّيِّدُ الرَّبُّ بِنَفسِه، يَقولُ الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّات: إِنِّي أَكرَهُ صَلَفَ يَعْقوب وأُبغِضُ قُصورَه، فلَأُسلِمَنَّ المَدينَةَ ومِلأَها. فيَكونُ، إِذا بَقِيَ عَشَرَةُ أُناسٍ في بَيتٍ واحِد، أَنَّهم يَموتون. ويأخُذُ المَيتَ عَمُّه ومُحرِقُه لِيُخرِجَ العِظامَ مِنَ البَيت، ويَقولُ لِمَن هو في مُؤَخَّرِ البَيت: «أَعِندَكَ أَحَدٌ بَعدُ؟» فيَقول: «لا»، فيَقول: «صَه! فإِنَّه لا يُذكَرُ ٱسمُ الرَّبّ». فها إِنَّ الرَّبَّ يَأمُر، ويَجعَلُ البَيتَ الكَبيرَ حُطامًا، والبَيتَ الصَّغيرَ صُدوعًا. أَتركُضُ الخَيلُ على الصَّخر، أَو يُحرَثُ الصَّخرُ بِالبَقَر، حتَّى تُحَوِّلوا الحَقَّ إِلى سُمٍّ، وثَمَرَ البِرِّ إِلى مَرارة؟ إِنَّكم تَفرَحونَ بِلودابار، وتَقولون: «أَلَم نَكُنْ بِقُوَّتِنا أَخَذْنا قَرْنائيم؟» هاءَنَذا أُقيمُ علَيكم أُمَّةً، يا بَيتَ إِسْرائيل، يَقولُ الرَّبُّ إِلٰهُ القُوَّات، فيُضايِقونَكم مِن مَدخَلِ حَماة، إِلى وادي العَرَبَة. هٰكذا أَرانِيَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِذا بِه يُكَوِّنُ جَرادًا في بَدءِ طُلوعِ خِلفَةِ النَّبات، وكانَتِ الخِلفَةُ الَّتي بَعدَ حَصادِ المَلِك. فلَمَّا فَرَغَ مِن أَكلِ عُشبِ الأَرضِ، قُلتُ: «أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، اِغفِرْ، فَكَيْفَ يَقومُ يَعْقوب، فإِنَّه صَغير»؟ فنَدِمَ الرَّبُّ على ذٰلك وقال: «لا يكون». هٰكذا أَرانِيَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِذا بِالسَّيِّدِ الرَّبِّ يَدْعو إِلى المُحاكَمَةِ بِالنَّار، فأَكَلَتِ الغَمرَ العَظيمَ وأَكَلَتِ الحُقول. فقُلتُ: «أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ: «كُفَّ، فكَيفَ يَقومُ يَعْقوب، فإِنَّه صَغير»؟ فنَدِمَ الرَّبُّ على ذٰلك وقالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: «وذٰلك أَيضًا لا يَكون». هٰكذا أَراني: إِذا بِالسَّيِّدِ قد وَقَفَ عِندَ حائِطٍ مِنَ الفولاذ، وبِيَدِه مِطْمار. فقالَ لِيَ الرَّبّ: «ماذا أَنتَ راءٍ، يا عاموس»؟ فقُلتُ: «مِطْمارًا». فقالَ السَّيِّد: «هاءَنَذا أَجعَلُ مِطْمارًا في وَسْطِ شَعْبي إِسْرائيل، ولا أَعودُ أَعْفو عنه. فتُدَمَّرُ مَشارِفُ إِسحٰقَ وتُخَرَّبُ مَقادِسُ إِسْرائيل، وأَقومُ على بَيتِ يارُبْعامَ بِالسَّيف». فأَرسَلَ أَمَصْيا، كاهِنُ بَيتَ إِيل، إِلى يارُبْعام، مَلِكِ إِسْرائيل، قائِلًا: «إِنَّ عاموسَ يَتآمَرُ علَيكَ في وَسْطِ بَيتِ إِسْرائيل. لا تُطيقُ الأَرضُ ٱحتِمالَ جَميعِ كَلامِه، لأَنَّه هٰكذا قالَ عاموس! يارُبْعامُ بِالسَّيفِ يَموت، وإِسْرائيلُ يُجْلى عن أَرضِه جَلاءً». وقالَ أَمَصْيا لِعاموس: «أَيُّها الرَّائي، انطَلِقْ وٱهرُبْ إِلى أَرضِ يَهوذا، وكُلْ هُناكَ خُبزَكَ وتَنَبَّأْ هُناك. وأَمَّا بَيتَ إِيل، فلا تَعُدْ تَتَنَبَّأُ فيها، لأَنَّها مَقدِسُ المَلِكِ وبَيتٌ مِن بُيوتِ المُلْك». فأَجابَ عاموسُ وقالَ لأَمَصْيا: «إِنِّي لَستُ نَبِيًّا ولا ٱبنَ نَبِيٍّ، إِنَّما أَنا راعي بَقَرٍ وواخِزُ جُمَّيز. فأَخَذَني الرَّبُّ مِن وَراءِ الغَنَمِ وقالَ لِيَ الرَّبّ: إِنطَلِقْ وتَنَبَّأْ لِشَعبي إِسْرائيل. فالآنَ ٱسمَعْ كَلِمَةَ الرَّبّ. أَنتَ تقول: لا تَتَنَبَّأ على إِسْرائيل، ولا تُفِضْ على بَيتِ إِسحٰق. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنَّ ٱمرَأَتَكَ تَزْني في المَدينة، وبَنيكَ وبَناتِكَ يَسقُطونَ بِالسَّيف، وأَرضَكَ تُقسَمُ بِالحَبْلِ، وتَموتُ أَنتَ في أَرضٍ نَجِسَة، وإِسْرائيلُ يُجْلى عن أَرضِه جَلاءً». هٰكذا أَرانِيَ السَّيِّدُ الرَّبّ: إِذا بِسَلَّةِ فَواكِهَ صَيفِيَّة. فقال: «ماذا أَنتَ راءٍ، يا عاموس»؟ فقُلتُ: «سَلَّةَ فَواكِهَ صَيفِيَّة». فقالَ لِيَ الرَّبّ: «قد أَتَتِ النِّهايَةُ لِشَعْبي إِسْرائيل، فلا أَعودُ أَعْفو عَنه، فتَصيرُ أَغانِيُّ القَصرِ وَلْوالًا، في ذٰلك اليَومِ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، وتَكثُرُ الجُثَث، وتُلْقى في كُلِّ مَكانٍ بِصَمْت». إِسمَعوا هٰذا يا دائِسي الفَقير، لإفناءِ وُضَعاءِ الأَرْض، قائلين: مَتى يَمْضي رأسُ الشَّهر، فنَبيعَ الحُبوب، والسَّبتُ فنُصَرِّفَ القَمْح، مُصَغِّرينَ الإيفَةَ ومُكَبِّرينَ المِثْقال، ومُستَعمِلينَ مَوازينَ غِشّ، مُشتَرينَ الضُّعَفاءَ بِالفِضَّة والفَقيرَ بِنَعلَين، وبائِعينَ نُفايَةَ القَمْح؟ أَقسَمَ الرَّبُّ بِفَخْرِ يَعقوب: لا أَنْسى عَمَلًا مِن أَعْمالِهم لِلأَبَد. أَفَلا تَرجُفُ الأَرضُ بِسَبَبِ ذٰلك، ويَنوحُ كُلُّ ساكِنٍ فيها؟ تَطْمو كُلُّها كالنِّيل، وتَطفَحُ ثُمَّ تَنخَفِضُ كنيلِ مِصْر. ويَكونُ في ذٰلك اليَوم، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، أَنِّي أُغَيِّبُ الشَّمسَ عِندَ الظَّهيرَة، وأُعَتِّمُ الأَرضَ في رائِعَةِ النَّهار، وأُحَوِّلُ أَعْيادَكم نَوحًا، وجَميعَ أَناشيدِكم رِثاءً، وأَضَعُ المِسحَ على كُلِّ حَقْوٍ، والقُرَعَ على كُلِّ رَأس، وأَجعَلُها كمَناحَةٍ على وَحيد، ونِهايَتَها كيومٍ مَرير. ها إِنَّها سَتَأتي أَيَّامٌ، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، أُرسِلُ فيها الجوعَ على الأَرْض، لا الجوعَ إِلى الخُبزِ ولا العَطَشَ إِلى الماء، بل إِلى ٱستِماعِ كَلِمَةِ الرَّبّ. فيَمضونَ مُتَرَنِّحينَ من بَحرٍ إِلى بَحْر، ومِنَ الشَّمالِ إِلى المَشرِق، ويَطوفونَ في طَلَبِ كَلِمَةِ الرَّبّ، فلا يَجِدونَها. في ذٰلك اليَومِ يُغْمى على العَذارى الحِسان، وعلى الشُّبَّانِ مِنَ العَطَش. إِنَّ الَّذينَ يَحلِفونَ بإِثْمِ السَّامِرَة، ويَقولون: «حَيٌّ إِلٰهُكَ يا دان، وحَيَّةٌ طَريقُ بِئرَ سَبِعَ»، يَسقُطونَ ولا يَقومونَ بَعدَ ذٰلك. رَأَيتُ السَّيِّدَ واقِفًا على المَذبَح، فقال: إِضرِبْ تاجَ العَمود، ولْتَرتَجِفِ الأَعْتاب، حَطِّمْها على رُؤُوسِهم جَميعًا، وسأَقتُلُ بَقِيَّتَهم بِالسَّيف، فلا يَهرُبُ مِنهم هارِب، ولا يَنْجو مِنهم ناجٍ، إِن خَرَقوا مَثْوى الأَمْوات، فمِن هُناكَ تَأخُذُهم يَدي، أَو صَعِدوا إِلى السَّماء، فمِن هُناكَ أُنزِلُهم، وإِنِ ٱختَبَأُوا في رَأسِ الكَرمَل، فمِن هُناكَ أَبحَثُ فآخُذُهم، أَوِ ٱستَتَروا مِن أَمامِ عَينَيَّ في قَعرِ البَحر، فمِن هُناكَ آمُرُ الحَيَّةَ فتَلسَعُهم. وإِن ذَهَبوا أَسْرى أَمامَ وُجوهِ أَعْدائِهم، فهُناكَ آمُرُ السَّيفَ فيَقتُلُهم، وأَجعَلُ عَينَيَّ علَيهم لِلشَّرِّ لا للخَير. إِنَّ السَّيِّدَ رَبَّ القُوَّات هو الَّذي يَمَسُّ الأَرضَ فتَذوب، ويَنوحُ جَميعُ السَّاكِنينَ فيها، وتَطْمو كُلُّها كالنِّيل، ثُمَّ تَنخَفِضُ كنيلِ مِصْر. أَلباني في السَّماءِ عُلِّياتِه، والمُؤَسِّسُ على الأَرْضِ قُبَّتَه، الَّذي يَدْعو مِياهَ البَحرِ، فيُفيضُها على وَجهِ الأَرض، وٱسمُه الرَّبّ. أَلَستُم لي كبَني الكوشِيِّين، يا بَني إِسْرائيل، يَقولُ الرَّبّ؟ أَلَم أُصعِدْ إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصرَ، والفَلِسطينِيِّينَ مِن كَفْتور، وأَرامَ مَن قير ها إِنَّ عَينَيِ السَّيِّدِ الرَّبِّ على المَملَكَةِ الخاطِئَة، فأُبيدُها عن وَجهِ الأَرْض، إِلاَّ أَنِّي لا أُبيدُ بَيتَ يَعْقوب إِبادَةً، يَقولُ الرَّبّ. فإِنِّي هاءَنَذا آمُرُ وأَهُزُّ بَيتَ إِسْرائيلَ في جَميعِ الأُمَمِ هَزَّ الحِنطَةِ في الغِرْبال، فلا تَسقُطُ حَصاةٌ على الأَرْض، وبِالسَّيفِ يَموتُ جَميعُ خاطِئي شَعْبِيَ القائِلون: «إِنَّ الشَّرَّ لا يَقتَرِبُ ولا يُدرِكُنا». في ذٰلك اليَومِ، أُقيمُ كوخَ داوُدَ الَّذي سَقَط، وأَسُدُّ ثُلَمَه وأُقيمُ أَنْقاضَه وأُعيدُ بِناءَه، كما كانَ في الأَيَّامِ القَديمة، لِكي يَرِثوا بَقِيَّةَ أَدوم، وجَميعَ الأُمَمِ الَّتي أُطلِقَ ٱسْمي علَيها، يَقولُ الرَّبُّ الصَّانِعُ هٰذا. ها إِنَّها تَأتي أَيَّامٌ، يَقولُ الرَّبّ، يُدرِكُ فيها الحارِثُ الحاصِد، ودائِسُ العِنَبِ باذِرَ الزَّرْع، وتَقطُرُ الجِبالُ نَبيذًا وتَسيلُ جَميعُ التِّلال، وأَرُدُّ أَسْرى إِسْرائيل، فيَبْنونَ المُدُنَ المُخَرَّبَةَ ويَسكُنونَها، ويَغرِسونَ كُرومًا ويَشرَبونَ مِن خَمرِها، ويُنشِئونَ جَنَّاتٍ ويأكُلونَ مِن ثَمَرِها، وأَغرِسُهم على أَرضِهم، ولا يُقتَلَعونَ فيما بَعدُ مِن أَرضِهم الَّتي أَعطَيتُهم إِيَّاها، قال الرَّبُّ إِلٰهُكَ. رُؤيا عوبَدْيا. هٰكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ في أَدوم، وقد سَمِعْنا بَلاغًا مِن لَدُنِ الرَّبّ، وأُرسِل رَسولٌ إِلى الأُمَمِ قائلًا: «قوموا ولْنَقُمْ علَيه لِلقِتال». هاءَنذا قد جَعَلتُكَ صَغيرًا في الأُمَم، إِنَّكَ حَقيرٌ جِدًّا. لقد أَغْواكَ الِٱعتِدادُ بِنَفسِكَ، أَيُّها السَّاكِنُ في نَخاريبِ الصَّخْر، والَّذي مَسكِنُه المُرتَفَعات، والقائِلُ في قَلبِه: «مَن يُنزِلُني إِلى الأَرْض؟» إِنَّكَ ولوِ ٱرتَفَعتَ كالعُقاب، وجَعَلتَ عُشَّكَ بَينَ الكَواكِب، مِن هُناكَ أُنزِلُك، يَقولُ الرَّبّ. لَو أَنَّ السُّرَّاقَ أَتَوكَ أَوِ النَّاهِبينَ لَيلًا، فيا لَدَمارِكَ! أَما يَسرِقونَ ما يَكْفيهم؟ لو أَنَّ القاطِفينَ أَتوكَ، أَما كانوا أَبقَوا إِلاَّ خُصاصَةً؟ كَيفَ فُتِّشَ عيسو وفُحِصَت خَباياه؟ جَميعُ مُحالِفيكَ طَرَدوكَ إِلى الحُدود، وخَدَعَكَ مُسالِموكَ، وسَيطروا عَلَيكَ وأَكَلوا خُبزَكَ، جَعَلوا فَخًّا مِن تَحتِكَ. إِنَّه لا فَهْمَ فيه أَلَيس في ذٰلك اليَومِ، يَقولُ الرَّبّ، أَنِّي أُبيدُ الحُكَماءَ مِن أَدوم، والفَهمَ مِن جَبَلِ عيسو؟ فيَفزَعُ أَبْطالُكَ يا تَيمان، لِكَي يَنقَرِضَ كُلُّ رَجُلٍ مِن جَبَلِ عيسو. بِسَبَبِ قَتلِكَ وعُنفِكَ لأَخيكَ يَعْقوب، سيَغْشاكَ العارُ وتَنقَرِضُ لِلأَبَد. فإِنَّكَ يَومَ وَقَفتَ تُجاهَه، يَومَ سَلَبَ الغُرَباءُ أَمْوالَه، ودَخَلَ الأَجانِبُ أَبْوابَه، وأَلْقَوا القُرعَةَ على أُورَشَليم، كُنتَ أَنتَ أَيضًا كواحِدٍ مِنهم. فلا تَشمَتْ بِيَومِ أَخيكَ، بِيَومِ مُصيبَتِه، ولا تَفرَحْ بِسَبَبِ بَني يَهوذا، في يَومِ هَلاكِهم، ولا تَتَعَظَّمْ بِفَمِكَ في يَومِ الضِّيق. لا تَدخُلْ بابَ شَعْبي في يَومِ بَلِيَّتِه، ولا تَشمَتْ أَنتَ أَيضًا بكارِثَتِه في يَومِ بَلِيَّتِه، ولا تُلقِ يَدَكَ على ثَروَتِه في يَومِ بَلِيَّتِه، ولا تَقِفْ على المَفرَقِ لِتَقرِضَ النَّاجين، ولا تُسلِمِ الباقينَ أَحْياءً مِنه في يَومِ الضِّيق. فإِنَّ يَومَ الرَّبِّ قَريبٌ على جَميعِ الأُمَم، فكما فَعَلتَ يُفعَلُ بِكَ، ويَعودُ ٱنتِقامُكَ على رأسِكَ. وكما شَرِبتُم على جَبَلِ قُدْسي تَشرَبُ جَميعُ الأُمَمِ كُلَّ حين، يَشرَبونَ ويَكتَظُّون. ويَكونونَ كأَنَّهم لم يَكونوا. وفي جَبَلِ صِهْيونَ يَكونُ ناجون، - ويَكونُ المَكانُ قُدسًا - ويَرِثُ بَيتُ يَعْقوبَ الَّذينَ وَرِثوهم، ويَكونُ بَيتُ يَعْقوبَ نارًا، وبَيتُ يوسُفَ لَهيبًا، وبَيتُ عيسو قَشًّا، فيُضرِمونَهم ويأكُلونَهم، ولا يَكونُ باقٍ حَيًّا مِن بَيتِ عيسو، لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّم. ويَرِثُ النَّقَبُ جَبَلَ عيسو، والسَّهلُ فَلِسْطين، ويَرِثونَ أَرضَ أَفْرائيمَ وأَرضَ السَّامِرَة، ويَرِثُ بَنْيامينُ جِلْعاد، ويَرِثُ مَجلُوُّو هٰذا الجَيشِ مِن بَني إِسْرائيل، ما للكَنْعانِيِّينَ إِلى صَرفَت، ومَجلُوُّو أُورَشَليمَ الَّذينَ في سَفارَد، مُدُنَ النَّقَب، ويَصعَدُ مُخَلِّصونَ على جَبَلِ صِهْيون، لِيَدينوا جَبَلَ عيسو ويَكونُ المُلكُ لِلرَّبّ. كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى يونانَ بنِ أَمِتَّايَ قائِلًا: «قُمِ ٱنطَلِقْ إِلى نينَوى المَدينَةِ العَظيمة، ونادِ علَيها، فإِنَّ شَرَّها قد صَعِدَ إِلى أَمامي». فقامَ يونانُ لِيَهرُبَ إِلى تَرْشيش مِن وَجهِ الرَّبّ، فنَزَلَ إِلى يافا، فوَجَدَ سَفينَةً سائِرةً إِلى تَرْشيش. فدَفَعَ أُجرَتَها ونَزَلَ فيها لِيَذهَبَ مَعهم إِلى تَرْشيشَ مِن وَجهِ الرَّبّ. فأَلْقى الرَّبُّ ريحًا شَديدةً على البَحْر، فكانَت عاصِفَةٌ عَظيمةٌ في البَحْر، فأَشرَفَتِ السَّفينَةُ على الِٱنكِسار. فخافَ المَلاَّحونَ وصَرَخوا كُلٌّ إِلى إِلٰهِه، وأَلقَوا الأَمتِعَةَ الَّتي في السَّفينَةِ إِلى البَحْرِ لِيُخَفِّفوا عَنهم. أَمَّا يونان، فكانَ قد نَزَلَ إِلى جَوفِ السَّفينَةِ وٱضَّجَعَ وٱستَغرَقَ في النَّوم. فدَنا مِنه رَئيسُ البَحَّارَةِ وقالَ لَه: «ما بالُكَ مُستَغرِقًا في النَّوم؟ قُمْ فٱدعُ إِلى إِلٰهِكَ لَعَلَّ اللهَ يُفَكِّرُ فينا فلا نَهلِك». وقالَ بَعضُهم لِبَعْض: «هٰلُمُّوا نُلقِ قُرَعًا لِنَعلَمَ بِسَبَبِ مَن أَصابَنا هٰذا الشَّرّ». فأَلقَوا قُرَعًا، فوَقَعَتِ القُرعَةُ على يونان. فقالوا له: «أَخبِرْنا بِسَبَبِ مَن أَصابَنا هٰذا الشَّرّ. ما عَمَلُكَ ومِن أَينَ جِئتَ وما أَرضُكَ ومِن أَيِّ شَعبٍ أَنت»؟ فقالَ لَهم: «أَنا عِبْرانِيّ، وإِنِّي أَتَّقي الرَّبّ، إِلٰهَ السَّمٰوات، الَّذي صَنَعَ البَحرَ واليَبَس». فخافَ الرِّجالُ خَوفًا شَديدًا وقالوا لَه: «لِمَاذا صَنَعتَ ذٰلك؟» وقد عَلِموا أَنَّه هارِبٌ مِن وَجهِ الرَّبّ، لأَنَّه أَخبَرَهم. وقالوا لَه: «ماذا نَصنَعُ بِكَ حَتَّى يَسكُنَ البَحرُ عنَّا؟» وكانَ البَحرُ يَزْدادُ هِياجًا». فقالَ لَهم: «خُذوني وأَلْقوني إِلى البَحرِ فيَسكُنَ البَحرُ عنكم، فإِنِّي عالِمٌ أَنَّ هٰذه العاصِفَةَ العَظيمَةَ إِنَّما حلَّت بِكم بِسَبَبي». وكان الرِّجالُ يُجَذِّفونَ لِيَرجِعوا إِلى اليابِسَة، فلَم يَسْتَطيعوا لأَنَّ البَحرَ كانَ يَزْدادُ هِياجًا علَيهم. فدَعَوا إِلى الرَّبِّ وقالوا: «أَيُّها الرَّبّ، لا نَهلِكَنَّ بِسَبَبِ نَفْسِ هٰذا الرَّجُل، ولا تَجْعَلْ علَينا دَمًا بَريئًا، فإِنَّكَ أَنتَ، أَيُّها الرَّبُّ، قد صَنَعتَ كما شِئتَ». ثُمَّ أَخَذوا يونانَ وأَلقَوه إِلى البَحْر، فوَقَفَ البَحرُ عن هَيَجانِه. فخافَ الرِّجالُ الرَّبَّ خَوفًا شَديدًا، وذَبَحوا ذَبيحَةً لِلرَّبِّ ونَذَروا نُذورًا. فأَعَدَّ الرَّبُّ حوتًا عَظيمًا لِٱبتِلاعِ يونان. فكانَ يونانُ في جَوفِ الحوتِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وثَلاثَ لَيالٍ. فصَلَّى يونانُ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِه مِن جَوفِ الحوتِ، وقال: إِلى الرَّبِّ صَرَختُ في ضيقي فأَجابَني، مِن جَوفِ مَثْوى الأَمواتِ ٱستَغَثتُ، فسَمِعتَ صَوتي قد طَرَحتَني في العُمْقِ في قَلبِ البِحار، فالنَّهرُ أَحاطَ بي. جَميعُ مِياهِكَ وأَمواجِكَ جازَت علَيَّ. فقُلتُ: إِنِّي طُرِدتُ مِن أَمامِ عَينَيكَ لٰكِنِّي سأَعودُ أَنظُرُ هَيكَلَ قُدسِكَ. قد غَمَرَتْني المِياهُ إِلى حَلْقي، وأَحاطَ بِيَ الغَمر، والْتَفَّ الخَيزُرانُ حَولَ رأسي. نَزَلتُ إِلى أُصولِ الجِبال، إِلى أَرضٍ أُغلِقَت علَيَّ مَزاليجُها لِلأَبَد، لٰكِنَّكَ أَصعَدتَ حَياتي مِنَ الهُوَّة، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي. عِندَما غُشِيَ على نَفْسي تَذَكَّرتُ الرَّبَّ، فبَلَغَت إِلَيكَ صلاتي إِلى هَيكَلِ قُدسِكَ. إِنَّ الَّذينَ يَعبُدونَ أَوثانَ الباطِل، فلْيَكُفُّوا عن عِبادَتِهم. أَمَّا أَنا فبِصَوتِ شَكرٍ أَذبَحُ لَكَ، وما نَذَرتُه أُوفي بِه. مِنَ الرَّبِّ الخَلاص! فأَمَرَ الرَّبُّ الحوتَ، فقَذَفَ يونانَ إِلى اليابِسَة. وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى يونانَ ثانِيَةً قائِلًا: «قُمِ ٱنطَلِقْ إِلى نينَوى المَدينةِ العَظيمة، ونادِ علَيها المُناداةَ الَّتي أُكَلِّمُكَ بِها». فقامَ يونانُ وٱنطَلَقَ إِلى نينَوى بِحَسَبِ كَلِمَةِ الرَّبّ، وكانَت نينَوى مَدينَةً عَظيمةً جِدًّا، يَقتَضي ٱجتِيازُها ثَلاثَةَ أَيَّام. فدَخَلَ يونانُ أَوَّلًا إِلى المَدينةِ مَسيرَةَ يَومٍ واحِد، ونادى وقال: «بَعدَ أَربَعينَ يَومًا تَنقَلِبُ نينَوى». فآمَنَ أَهلُ نينَوى بِالله، ونادَوا بِصَومٍ ولَبِسوا مُسوحًا مِن كَبيرِهم إِلى صَغيرِهم. وبَلَغَ الخَبَرُ مَلِكَ نينَوى، فقامَ عن عَرشِه، وأَلْقى عنه رِداءَه وٱلتَفَّ بِمِسْحٍ وجَلَسَ على الرَّماد. وأَمَرَ أَن يُنادى ويُقالَ في نينَوى بِقَرارِ المَلِكِ وعُظَمائِه: «لا يَذُقْ بَشَرٌ ولا بَهيمةٌ ولا بَقَرٌ ولا غَنَمٌ شَيئًا، ولا تَرْعَ ولا تَشرَبْ ماءً، ولْيَلتَفَّ البَشَرُ والبَهائِمُ بِمُسوح، ولْيَدْعوا إِلى اللهِ بِشِدَّة، ولْيَرجِعْ كُلُّ واحِدٍ عن طَريقِه الشِّرِّيرِ وعنِ العُنفِ الَّذي بِأَيديهم، لَعَلَّ اللهَ يَرجِعُ ويَندَمُ ويَرجِعُ عنِ ٱضطِرامِ غَضَبِه، فلا نَهلِك». فرَأَى اللهُ أَعْمالَهم وأَنَّهم رَجَعوا عن طَريقِهمِ الشِّرِّير. فنَدِمَ اللهُ على الشَّرِّ الَّذي قالَ إِنَّه يَصنَعُه بِهم، ولم يَصنَعْه. فساءَ الأَمرُ يونانَ مَساءَةً شَديدَةً وغَضِب. وصَلَّى إِلى الرَّبِّ وقال: «أَيُّها الرَّبّ، أَلَم يَكُنْ هٰذا كَلامي وأَنا في أَرْضي؟ ولِذٰلك بادَرتُ إِلى الهَرَبِ إِلى تَرْشيش، فإِنِّي عَلِمتُ أَنَّكَ إِلٰهٌ رَؤُوفٌ رَحيمٌ طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الرَّحمَةِ ونادِمٌ على الشَّرّ. فالآن، أَيُّها الرَّبّ، خُذْ نَفْسي مِنِّي، فإِنَّه خَيرٌ لي أَن أَموتَ مِن أَن أَحْيا». فقالَ الرَّبّ: «أَبِحَقٍّ غَضَبُكَ؟» وخَرَجَ يونانُ مِنَ المَدينَةِ وجَلَسَ شَرقِيَّ المَدينَة، وصَنَعَ لَه هُناكَ كوخًا وجَلَسَ تَحتَه في الظِّلّ، رَيثَما يَرى ماذا يُصيبُ المَدينَة. فأَعَدَّ الرَّبُّ الإِلٰهُ خِروَعَةً فٱرتَفَعَت فوقَ يونان، لِيَكونَ على رَأسِه ظِلٌّ فيُنقِذَه مِنَ الضَّرر، ففَرِحَ يونانُ بِالخِروَعَةِ فَرَحًا عَظيمًا. ثُمَّ أَعَدَّ اللهُ دودَةً عِندَ طُلوعِ الفَجرِ في الغَد، ولَسَعَتِ الخِروَعَةَ فيَبِسَت. فلَمَّا أَشرَقَتِ الشَّمسُ أَعَدَّ اللهُ ريحًا شَرقِيَّةً حارَّة، فضَرَبَتِ الشَّمسُ على رَأسِ يونان، فأُغمِيَ علَيه، فتَمَنَّى المَوتَ لِنَفسِه وقال: «خَيرٌ لي أَن أَموتَ مِن أَن أَحْيا». فقالَ اللهُ لِيونان: «أَبِحَقٍّ غَضَبُكَ بِسَبَبِ الخِروَعَة؟» فقال: «بِحَقٍّ غَضَبي حتَّى المَوت». فقالَ الرَّبّ: «لقَد أَشفَقتَ أَنتَ على الخِروَعَةِ الَّتي لم تَتعَبْ فيها ولم تُرَبِّها، والَّتي نَبَتَت بِنتَ لَيلَة، ثُمَّ هَلَكَت بِنتَ لَيلَة، أَفَلا أُشفِقُ أَنا على نينَوى المَدينَةِ العَظيمةِ الَّتي فيها أَكثَرُ مِنِ ٱثنَتَي عَشرَةَ رِبْوَةً مِن أُناسٍ لا يَعرِفونَ يَمينَهم مِن شِمَالِهم، ما عدا بَهائِمَ كَثيرة؟». كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتي كانَت إِلى ميخا يَهوذا، مِمَّا رآه على السَّامِرَةِ وأُورَشَليم. المورَشْتِيِّ في أَيَّامِ يوتامَ وآحازَ وحِزقِيَّا، مُلوك. إِسمَعوا يا جَميعَ الشُّعوب، وأَصْغي أَيَّتُها الأَرضُ ومِلؤُها، ولْيَكُنِ الرَّبُّ شاهِدًا علَيكم، السَّيِّدُ مِن هَيكَلِ قُدسِه. لأَنَّه هُوَذا الرَّبُّ يَخرُجُ مِن مَكانِه، ويَنزِلُ ويَطَأُ مَشارِفَ الأَرض. فتَذوبُ الجِبالُ. تَحتَه وتَنشَقُّ الأَودِيَة، كالشَّمعِ مِن أَمامِ النَّار، وكالمِياهِ الَّتي تَجْري في مُنحَدَر. كُلُّ ذٰلك بِسَبَبِ مَعصِيَةِ يَعْقوب، وخَطايا بَيتِ إِسْرائيل، وما مَعصِيَةُ يَعْقوب؟ أَلَيسَتِ السَّامِرَة؟ وما مَشارِفُ يَهوذا؟ أَلَيسَت أُورَشَليم؟ سأَجعَلُ السَّامِرَةَ أَطْلالًا في الحَقْل ومَغارِسَ كُروم، وأُدَحرِجُ حِجارَتها إِلى الوادي، وأَكشِفُ عن أُسُسِها، فتُحَطَّمُ جَميعُ مَنْحوتاتِها، وتُحرَقُ جَميعُ أُجورِها بِالنَّار، وأَجعَلُ جَميعَ أَصنامِها دَمارًا، لأَنَّها جَمَعَتها مِن أُجرَةِ زانِيَة، فستَرجِعُ إِلى أُجرَةِ زانِية. لِذٰلك أَنتَحِبُ وأُوَلوِل، وأَمْشي حافِيًا عُرْيانًا، وأُقيمُ ٱنتِحابًا كبَناتِ آوى، ونَوحًا كبَناتِ النَّعام، لأَنَّ ضَربَتَها قد أَعضَلَت، ووَصَلَت إِلى يَهوذا، ولامَسَت بابَ شَعْبي، حتَّى أُورَشَليم. لا تُخبِروا في جَتَّ ولا تَبْكوا بُكاءً، وفي بَيتَ عُفرَةَ تَمَرَّغوا بِالعَفَر. جوزي يا ساكِنَةَ شافير وعارُكِ عُرْيان، إِنَّ ساكِنَةَ صَأنانَ لم تَخرُج، سيَأخُذُ مِنكُم نَحيبُ إِيصَلَ سَنَدَه. لأَنَّ ساكِنَةَ ناروتَ ٱنتَظَرَتِ الخَير، فنَزَلَ الشَّرُّ مِن عِندِ الرَّبّ، إِلى بابِ أُورَشَليم. شُدِّي الجِياد إِلى المَركَبَة يا ساكِنَة لاكيش، هُنا كانَ بَدءُ الخَطيئَةِ لِبِنتِ صِهْيون، لأَنَّ مَعاصِيَ إِسْرائيلَ وُجِدَت فيكِ. لِذٰلك تَهَبينَ هَدايا وَداعٍ لِمورَشَةَ جَتّ، وبُيوتُ أَكذيبَ تَكونُ أَكاذيبَ، على مُلوكِ إِسْرائيل وإِلَيكِ أَيضًا آتي بِالفاتِحِ، يا ساكِنَةَ مَريشَة، فيَصِلُ إِلى عَدُلاَّمَ مَجدُ إِسْرائيل، إِحلِقي وجُزِّي شَعرَكِ لأَجلِ بَني مَلَذَّاتِكِ، وَسِّعي قَرعَكِ كالعُقاب، فإِنَّهم ذَهَبوا عنكِ إِلى الجَلاء. وَيلٌ لِلَّذينَ يُفَكِّرونَ في الإِثْم، ويَنْوونَ الشَّرَّ في مَضاجِعِهم، ثُمَّ في نورِ الصَّباحِ يَصنَعونَه، إِذ هو في طاقَةِ أَيديهم. يَشتَهونَ حُقولًا فيغتَصِبونَها، وبُيوتًا فيَستَولونَ علَيها، ويَظلِمونَ الرَّجُلَ وبَيتَه والإِنْسانَ وميراثَه. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: هاءَنَذا مُفَكِّرٌ على هٰذه العَشيرةِ بِشَرّ، لا تُحَوِّلونَ عنه أَعْناقَكم، ولا تَمْشونَ مُتَشامِخين، لأَنَّه زَمانُ شَرّ. في ذٰلك اليَومِ يُضرَبُ فيكم مَثَل، ويُناحُ نَوحًا ويُقال: لقَد دُمِّرنا تَدْميرًا، وقد بادَلَ نَصيبَ شَعبِه. فكَيفَ يَتَحَرَّكُ في ٱتِّجاهي، لِكَي يُعيدَ حُقولَنا الَّتي يُقَسِّمُها؟ لِذٰلك لا يَكونُ لَكَ مَن يُلْقي الحَبْلَ في قُرعَةٍ في جَماعةِ الرَّبّ. لا تَتَنَبَّأوا! إِنَّهم يَتَنَبَّأُون، لا يُتَنَبَّأْ هٰكَذا فإِنَّ العارَ لا يُصيبُنا. أَصحيحٌ ما يُقالُ في بَيتِ يَعْقوب: هل قَصُرَ روحُ الرَّبّ؟ أَهٰذه أَعْمالُه؟ أَلَيسَت أَقْوالي صالِحة، مع السَّالِكِ بِالِٱستِقامة؟ لٰكِنَّ شَعْبي قامَ بِالأَمسِ كعَدُوّ: مِن فَوقِ الثَّوبِ تَخلَعونَ رداءَ، العابِرينَ بأَمانٍ الرَّاجِعينَ مِنَ القِتال. وتَطرُدونَ نِساءَ شَعْبي مِن بَيتِ مَلَذَّاتِهِنَّ، وتَأْخُذونَ بَهائي مِن أَطْفالِهِنَّ لِلأَبَد. قوموا ٱذهَبوا فإِنَّها لَيسَت أَرضَ راحة، بل بِسَبَبِ نجاسَتِها تُدَمَّرُ تَدْميرًا هائِلًا، لو كانَ رَجُلٌ يَذهَبُ مع الرِّيح، ويَتَكَلَّمُ بالكَذِب: «إِنِّي أَتَنَبَّأُ لَكَ عنِ الخَمرِ والمُسكِر»، لَكانَ هو نَبِيَّ هٰذا الشَّعْب. سأَجمَعُكَ جَميعًا يا يَعْقوب، وأَضُمُّ بَقِيَّةَ إِسْرائيل، وأَجعَلُهم معًا كغَنَمِ الحظيرة، مِثلَ القَطيعِ في وَسَطِ مَرْعاه، فتَرتَفِعُ جَلَبَةُ رِجالِهِم. صَعِدَ فاتِحُ الثُّغرَةِ أَمامَهم، فثَغَروا وجازوا البابَ وخَرَجوا مِنه، ومَلِكُهم يَعبُرُ أَمامَهم، والرَّبُّ في مُقَدَّمتِهم. وأَقول: إِسمَعوا يا رُؤَساءَ يَعْقوب، وقُوَّادَ بَيتِ إِسْرائيل: أَما يَنبَغي لكم أَن تَعرِفوا الحقّ؟ أَيُّها المُبغِضونَ الخَيرَ والمُحِبُّونَ الشَّرّ، النَّازِعونَ جُلودَهم عنهم، ولُحومَهم عن عِظامِهم، الَّذينَ يَأكُلونَ لُحومَ شَعْبي، ويَسلَخون جُلودَهم عنهم، ويُهَشِّمونَ عِظامَهم، ويُقَطِّعونَهم كما في القِدْر، وكاللَّحمِ في وَسَطِ المِرجَل. حينَئِذٍ يَصرُخونَ إِلى الرَّبِّ فلا يُجيبُهم، بل يَحجُبُ وَجهَه عنهم في ذٰلك الزَّمان، لأَنَّهم أَساءوا أَعْمالَهم. هٰكذا قالَ الرَّبُّ على الأَنبِياء الَّذينَ يُضِلُّونَ شَعْبي، ويَعَضُّونَ بِأَسنانِهم ويُنادونَ بِالسَّلام، ومَن لا يُلقِمُهم في أَفْواهِهم، يَشُنُّونَ علَيه حَربًا مُقَدَّسة. لِذٰلك يَكونُ لَكمُ اللَّيلُ دونَ رؤيا، والظُّلمَةُ دونَ عِرافة، وتَغرُبُ الشَّمسُ على الأَنبِياء، ويُظلِمُ علَيهمِ النَّهار، فيَخْزى الرَّاؤونَ ويَخجَلُ العَرَّافون، وجَميعُهم يُلثِّمونَ شِفاهَهم، لأَنَّه لَيسَ جَوابٌ مِنَ الله. لٰكِنِّي ٱمتَلأتُ قُوَّةً، (بِرُوحِ الرَّبّ) وحَقًّا وبأسًا، لأُخبِرَ يَعْقوبَ بِمَعصِيَتِه، وإِسرائيلَ بِخَطيئَتِه. إِسمَعوا هٰذا يا رُؤَساءَ بَيتِ يَعْقوب، وقُوَّادَ بَيتِ إِسْرائيل، الَّذينَ يَمقُتونَ الحَقّ، ويُعَوِّجونَ كُلَّ ٱستِقامة، الَّذينَ يَبْنونَ صِهْيونَ بِالدِّماء، وأُورَشَليمَ بِالظُّلْم، إِنَّما رُؤَساؤُها يَحكُمونَ بِالرَّشوَة، وكَهَنَتُها يُعَلِّمونَ بِالأُجرَة، وأَنبِياؤُها يُمارِسونَ العِرافَةَ بالفِضَّة، ويَعتَمِدونَ على الرَّبِّ قائِلين: أَلَيسَ الرَّبُّ في وَسْطِنا، فلا تَحِلُّ بِنا الشُّرور؟ لِذٰلك بِسَبَبكم ستُحرَثُ صِهيونُ كَحَقل، وتَصيرُ أُورَشَليمُ أَطْلالًا، وجَبَلُ البَيتِ مَشارِفَ غاب. ويَكونُ في آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيتِ الرَّبّ يُوَطَّدُ في رَأسِ الجِبال ويَرتَفِعُ فَوقَ التِّلال، وتَجْري إِلَيه الشُّعوب، وينَطَلِقُ أُمَمٌ كثيرونَ ويَقولون: هٰلُمُّوا نَصعَدْ إِلى جَبَلِ الرَّبّ، وبَيتِ إِلٰهِ يَعْقوب، وهو يُعَلِّمُنا طُرُقَه فنَسيرُ في سُبُلِه، لأَنَّها مِن صِهْيونَ تَخرُجُ الشَّريعة، ومِن أُورَشَليمَ كَلِمَةُ الرَّبّ. ويَحكُمُ بَينَ الشُّعوبِ الكَثيرين، ويَقْضي لِلأُمَمِ الأَقوِياءِ حتَّى في البَعيد، فيَضرِبونَ سُيوفَهم سِكَكًا، ورِماحَهم مَناجِل، فلا تَرفَعُ أُمَّةٌ على أُمَّةٍ سَيفًا، ولا يَتَعَلَّمونَ الحَربَ مِن بَعدُ. ويُقيمُ كُلُّ واحِدٍ تَحتَ كَرمَتِه، وتَحتَ تينَتِه ولا أَحَدَ يُقلِقُه، لأَنَّ فَمَ رَبِّ القُوَّاتِ قد تَكَلَّم. فإِنَّ جَميعَ الشُّعوبِ يَسيرون، كُلُّ واحِدٍ بِٱسمِ إِلٰهِه، أَمَّا نَحنُ فنَسيرُ بِٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِنا، دائِمًا أَبَدًا. في ذٰلك اليَومِ، يقولُ الرَّبّ، أَجمَعُ العَرْجاءَ وأَضُمُّ اضَّالَّة، والَّتي أَسأتُ مُعامَلَتَها، وأَجعَلُ مِنَ العَرْجاءِ بَقِيَّة، ومِنَ المُقْصاةِ أُمَّةً قَوِيَّة، فيَملِكُ الرَّبُّ علَيهم في جَبَلِ صِهْيون، مِن الآنَ ولِلأَبَد. وأَنتِ يا بُرجَ القَطيع، يا عوفَلَ بِنتِ صِهْيون، إِلَيكِ يأتي ويَعود، السُّلطانُ الأَوَّل، مُلكُ بِنتِ أُورَشَليم. فلماذا تَصرُخينَ الآنَ صُراخًا، أَلَيسَ فيكِ مَلِك؟ أَهَلَكَ مُشيرُكِ حَتَّى أَخَذَكِ المَخاضُ كالَّتي تَلِد؟ تَمَخَّضي وٱدفَعي يا بِنتَ صِهْيونَ كالَّتي تَلِد، فإِنَّكِ الآنَ تَخرُجينَ مِنَ المَدينة، وتَسكُنينَ في الحُقول وتَسيرينَ إِلى بابِل. هُناكَ تُنقَذينَ وهُناكَ يَفتَديكِ الرَّبّ مِن أَيدي أَعْدائِكِ. والآنَ فَقَدِ ٱجتَمَعَ علَيكِ أُمَمٌ كَثيرونَ يَقولون: لِتُدَنَّسْ ولْتَتَمَتَّعْ عُيونُنا بِصِهْيون. لٰكِنَّهم لم يَعرِفوا أَفْكارَ الرَّبّ، ولا فَهِموا قَصدَه، فإِنَّه قد جَمَعَهم كالحُزَمِ على البَيدَر. قومي فَدوسي يا بِنتَ صِهْيون، فإِنِّي أَجعَلُ قَرنَكِ حَديدًا، وأَظلافَكِ نُحاسًا، فتَسحَقينَ شُعوبًا كثيرين، وتُحَرِّمينَ لِلرَّبِّ مَكاسِبَهم، ولِسَيِّدِ الأَرضِ كُلِّها ثَروَتَهم. خَدِّشي الآنَ نَفسَكِ يا بِنتَ العِصابة، لقد أَلْقى علَينا الحِصار، فهُم يَضرِبونَ بالقَضيب، على خَدِّ قاضي إِسْرائيل. وأَنتِ يا بَيتَ لَحمُ أَفْراتَة، إِنَّكِ أَصغَرُ عَشائِرِ يَهوذا، ولٰكِن مِنكِ يَخرُجُ لي، مَن يَكونُ مُتَسَلِّطًا على إِسْرائيل، وأُصولُه مُنذُ القَديم، مُنذُ أَيَّامِ الأَزَل. لِذٰلك يَترُكُهم إِلى حينِ تَلِدُ الوالِدَة، فتَرجِعُ بَقِيَّةُ إِخوتِه إِلى بَني إِسْرائيل، ويَقِفُ ويَرْعى بِعِزَّةِ الرَّبّ، وبِعَظَمَةِ ٱسمِ الرَّبِّ إِلٰهِه، فيَكونونَ ساكِنين لأَنَّه حينَئِذٍ يَتَعاظَمُ إِلى أَقاصي الأَرض. ويَكونُ هٰذا سَلامًا، وإِذا أَتى أَشُّورُ أَرضَنا ووَطِئَ قُصورَنا، نُقيمُ علَيه سَبعَةَ رُعاةٍ وثَمَانِيَةَ أُمَراءِ بَشَر. فيَرعَونَ أَرضَ أَشُّورَ بِالحُسام، وأَرضَ نِمْرودَ بِالسَّيفِ المَشْهور، ويُنقِذُ مِن أَشُّور إِذا أَتى أَرضَنا ووَطِئَ حُدودَنا. وتَكونُ بَقِيَّةُ يَعْقوب، في وَسْطِ شُعوبٍ كَثيرين، كالنَّدى مِن عِندِ الرَّبّ، وكالوابِلِ على العُشْب، الَّذي لا يَرْجو مِنَ الإِنسانِ شَيئًا، ولا يَنتَظِرُ شَيئًا مِن بَني البَشَر. وتَكونُ بَقِيَّةُ يَعْقوبَ بَينَ الأُمَم، في وَسْطِ شُعوبٍ كَثيرين، كالأَسَدِ بَينَ بَهائِمِ الغاب، وكالشِّبلِ بَينَ قُطْعانِ الغَنَم، إِذا جازَ يَدوسُ ويَفتَرِسُ ولا مُنقِذ. ستَرتَفِعُ يَدُكَ على مُضايِقيك، فجَميعُ أَعدائِكَ يُستَأصَلون، ويَكونُ في ذٰلكَ اليَومِ، يَقولُ الرَّبّ، أَنِّي أَستَأصِلُ خَيلَكَ مِن وَسْطِكَ، وأُبيدُ مَركَباتِكَ، وأَستَأصِلُ مُدُنَ أَرضِكَ، وأُحَطِّمُ جَميعَ حُصونِكَ، وأَستَأصِلُ السِّحرَ مِن يَدِكَ، فلا يَكونُ لَكَ مِن مُنَجِّم. وأَستأصِلُ مَنْحوتاتِكَ، ونُصُبَكَ مِن وَسْطِكَ، فلا تَعودُ تَسجُدُ لِعَمَلِ يَدَيكَ. وأَقتَلِعُ أَوتادَكَ المُقَدَّسَةَ مِن وَسطِكَ، وأُبيدُ مُدُنَكَ. وبِغَضَبٍ وحَنَقٍ أُجْري الِٱنتِقام، على الأُمَمِ الَّتي لم تَسمَعْ. إِسمَعوا ما يَقولُ الرَّبّ، قُمْ إِلى الدَّعْوى أَمامَ الجِبال، ولْتَسمَعِ التِّلالُ صَوتَكَ. إِسمَعي أَيَّتُها الجِبالُ دَعْوى الرَّبّ، ويا أُسُسَ الأَرضِ الخالِدَة، فإِنَّ لِلرَّبِّ دَعوًى مع شَعبِه، وهو يُرافِعُ على إِسْرائيل. يا شَعْبي ماذا صَنَعتُ بِكَ، وبِمَ أَسأَمتُكَ؟ أَجِبْني. فإِنِّي أَصعَدتُكَ مِن أَرضِ مِصْر، وٱفتَدَيتُكَ مِن دارِ العُبودِيَّة، وأَرسَلتُ أَمامَكَ موسى وهارونَ ومَريَم. يا شَعْبي ٱذكُرْ ما ٱئْتَمَرَ بِه بالاقُ مَلِكُ مُوآب، وما أَجابَه بِلْعامُ بنُ بَعور، مِن شِطِّيمَ إِلى الجِلْجال، لِكَي تَعلَمَ مبرّاتِ الرَّبّ. بِماذا أَتَقَدَّمُ إِلى الرَّبّ وأَنحَني للهِ العَلِيّ؟ أَبِمُحرقاتٍ أَتَقَدَّمُ إِلَيه وبِعُجولٍ حَولِيَّة؟ أَيَرْضى الرَّبُّ بِأُلوفِ الكِباش، ورِبْواتِ أَنْهارِ الزَّيت؟ أَأَبذُلُ بِكْري عن مَعصِيَتي، وثَمرَةَ بَطْني عن خَطيئَةِ نَفْسي؟ قد بَيَّنَ لَكَ أَيُّها الإِنسانُ ما هو صالِح، وما يَطلُبُ مِنكَ الرَّبّ. إِنَّما هو أَن تُجرِيَ الحُكْمَ وتُحِبَّ الرَّحمَة، وتَسيرَ بِتَواضُعٍ مع إِلٰهِكَ. صَوتُ الرَّبِّ يُنادي المَدينة، وذو حِكمَةٍ مَن يَهابُ ٱسمَكَ. فٱسمَعا أَيَّتُها العَشيرةُ ويا جَماعَة المَدينة، أَلا تَزالُ في بَيتِ الشِّرِّير كُنوزُ الشَّرّ، والإِيفَةُ المُصَغَّرَةُ المَلْعونة؟ أَأَكونُ طاهِرًا وعِنْدي ميزانُ الشَّرّ، وكيسُ مَعاييرِ الغِشّ؟ إِنَّ أَغنِياءَها قدِ ٱمتَلأوا عُنفًا، وسُكَّانَها نَطَقوا بِالكَذِب، وأَلسِنَتُهم في أَفْواهِهم ماكِرَة. فأَنا أَيضًا قد ضَرَبتُكَ ضَربةً مُعضِلة، ودَمَّرتُكَ بِسَبَبِ خَطاياكَ، فأَنتَ تَأكُلُ ولا تَشبَع، وجوعُكَ في جَوفِكَ، وتَدَّخِرُ ولا تُخَلِّص، وما خَلَّصتَه أُسلِمُه إِلى السَّيف. وأَنتَ تَزرَعُ ولا تَحصُد، وأَنتَ تَدوسُ الزَّيتونَ ولا تَدَّهِنُ بِالزَّيت، وتَدوسُ النَّبيذَ ولا تَشرَبُ الخَمْر. قد حَفِظتَ فَرائِضَ عُمْري، وجَميعَ عاداتِ بَيتِ أَحآب، وسِرتُم على مَشوراتِهم، لأُسلِمَكَ إِلى الدَّمار، وأُسلِمَ سُكَّانَها إِلى السُّخرِيَّة، فتَتَحَمَّلونَ عارَ شَعْبي. وَيلٌ لي فإِنِّي قد صِرتُ لمَوسِمِ جَنْيِ الصَّيف، كمَوسِمِ خُصاصةِ القِطاف، لا عُنقودَ لِلأَكْل، ولا باكورةَ تينٍ تَشْتهيها نَفْسي. قد زالَ الصَّفِيُّ عنِ الأَرض، ولَيسَ في البَشَرِ مُستَقيم. جَميعُهم يَكْمُنونَ لِلدِّماء، وكُلٌّ مِنهم يَصْطادُ أَخاه بِالشِّباك. إِنَّما اليَدانِ لِإتمامِ الشَّرّ. الرَّئيسُ مُتَطَلِّب، والقاضي يَقْضي بِالأُجرَة، والكَبيرُ يَتَكَلَّمُ بِهَوى نَفسِه، وكُلُّهم يَحوكونَه. أَفضَلُهم كالحَسَك، والمُستَقيمُ مِنهم شَرٌّ مِن سِياجِ الأَشْواك، في اليَومِ الَّذي أَخبَرَ عنه رُقَباؤُكَ، أَتى ٱفتِقادُكَ. الآنَ يَكونُ ٱضطِرابُهم. لا تَأمَنْ صَديقًا ولا تَثِقْ بأَليف، وٱحفَظْ مَداخِلَ فَمِكَ، مِنَ الَّتي تَنامُ في حِضنِكَ. فإِنَّ الِٱبنَ يَستَخِفُّ بِأَبيه، والِٱبنَةَ تَقومُ على أُمِّها، والكَنَّةَ على حَماتِها، فيَكونُ أَعْداءَ الإِنْسانِ أَهلُ بَيتِه. أَمَّا أَنا فأَتَرَقَّبُ الرَّبّ، وأَجعَلُ رَجائي في إِلٰه خَلاصي، فيَسمَعُني إِلٰهي. لا تشمَتي بي يا عَدُوَّتي، فإِنِّي إِذا سَقَطتي أَقوم، وإِذا سَكَنتُ في الظَّلام، يَكونُ الرَّبُّ نورًا لي. إِنِّي أَحتَمِلُ سُخطَ الرَّبّ، لأَنِّي خَطِئتُ إِلَيه، إِلى أَن يُدافِعَ عن قَضِيَّتي ويُنصِفَني، فيُخرِجُني إِلى النُّورِ وأَرى بِرَّه. وتَرى عَدُوَّتي فيَغْشاها الخِزْي، القائِلَةُ لي: أَينَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ؟ إِنَّ عَينَيَّ تَنظُرانِ إِلَيها، حينَ تُداسُ كوَحَلِ الأَسْواق. هٰذا يَومُ بِناءِ أَسْوارِكِ، في هٰذا اليَومِ تُوَسَّعُ الحُدود. في هٰذا اليَومِ يَأتي إِلَيكِ، مِن أَشُّورَ ومِن مُدُنِ مِصْرَ، ومِن مِصرَ إِلى النَّهْرِ، ومِن البَحرِ إِلى البَحْر، ومِنَ الجَبَلِ إِلى الجَبَل. وتَكونُ الأَرضُ دَمارًا، على سُكَّانِها ثَمَرَةً لأَعْمالِهم. إِرعَ شَعبَكَ بِعَصاكَ، غَنَمَ ميراثِكَ، السَّاكِنينَ وَحدَهم في الغاب، في وَسَطِ الجَنَّة، فلْيَرعَوا في باشانَ وجِلْعاد، كما في الأَيَّامِ القَديمة، كما في أَيَّامِ خُروجِكَ مِن مِصْرَ أُريه العَجائِب، فيَرى الأُمَمُ ويَخْزَون مِن قُوَّتِهم كُلِّها، ويَضَعونَ أَيدِيَهم على أَفْواهِهم، وتَصَمُّ آذانُهم، ويَلحَسونَ التُّرابَ كالحَيَّة، كزَحَّافاتِ الأَرْض، ويَخرُجونَ مِن حُصونِهم مُرتَعِدين، إِلى الرَّبِّ إِلْهِنا، ويَفزَعونَ ويَخافونَكَ. مَن هو إِلٰهٌ مِثلُكَ حامِلٌ لِلآثام، وصافِحٌ عنِ المَعاصي لِبَقِيَّةِ ميراثِه، لا يُشَدِّدُ غَضَبَه لِلأَبَد لأَنَّه يُحِبُّ الرَّحمَة. سيَعودُ فيَرأفُ بِنا ويَدوسُ آثامَنا، وتَطرَحُ في أَعْماقِ البَحرِ، جَميعَ خَطاياهم. تَمنَحُ يَعْقوبَ الصِّدْقَ وإِبْراهيمَ الرَّحمَة، كما أَقسَمتَ لِآبائِنا مُنذُ الأَيَّامِ القَديمة. قَولٌ على نينَوى. سِفرُ رُؤْيا نَحومَ الأَلْقوشِيّ. الرَّبُّ إِلٰهٌ غَيورٌ ومُنتَقِم، الرَّبُّ مُنتَقِمٌ وذو غَضَب. الرَّبُّ مُنتَقِمٌ مِن خُصومِه، وحاقِدٌ على أَعْدائِه. الرَّبُّ طويلُ الأَناةِ وعَظيمُ القُوَّة، ولا يَتغاضى عن شَيء. الرَّبُّ طريقُه في الزَّوبَعَةِ والعاصِفَة، والغَمامُ غُبارُ قَدَمَيه. يَزجُرُ البَحرَ فيُجَفِّفُه، ويُنضِبُ جَميعَ الأَنْهار. ... قد ذَبَلَ باشانُ والكَرمَل، وذَبَلَ زَهَرُ لُبْنان. تَزَلزَلَتِ الجِبالُ مِنه وذابَتِ التِّلال، وٱرتَفَعَتِ الأَرضُ أَمامَه، والدُّنْيا وجَميعُ ساكِنيها. مَن يَقِفُ أَمامَ سُخطِه، ومَن يُقاوِمُ ٱضطِرامَ غَضَبِه؟ قد ٱنصَبَّ حَنَقُه كالنَّار، وتَحَطَّمَت مِنه الصُّخور. الرَّبُّ صالِحٌ وحِصنٌ في يَومِ الضِّيق، وعالِمٌ بِالمُعتَصِمينَ بِه، وإِن وافى الطُّوفان، يُفْني مقاوميه، ويَتَعَقَّبُ أَعْداءَه في الظَّلام. ماذا تُفَكِّرونَ على الرَّبّ؟ إِنَّه سيُفْني، والضِّيقُ لا يَنتَصِبُ ثانِيَةً. كدَغلِ شَوكٍ مُتَشابِكٍ يُؤكَلون، كالقَشِّ اليابِسِ تَمامًا. مِنكِ خَرَجَ المُفَكِّرُ بِالسُّوءِ على الرَّبّ، المُتَآمِرُ بِأُمورٍ لا خَيرَ فيها. هٰكذا قالَ الرَّبّ: «إِنَّهم وإن كانوا سالِمينَ وفي هٰذه الكَثرَة، يُجَزُّونَ ويَعبُرون. قد أَذلَلْتُكِ فلا أَعودُ أُذِلُّكِ، بل أَكسِرُ الآنَ نيرَه عنكِ وأُقَطِّعُ قُيودَكِ. وأَنتَ فإِنَّ الرَّبَّ يأمُرُ علَيكَ، أَن لا يُزرَعَ مِنِ ٱسمِكَ فيما بَعدُ، ومِن بَيتِ آلِهَتِكَ، أَستَأصِلُ المَنْحوتاتِ والمَسْبوكات، وهُناكَ أَجعَلُ قَبرَكَ لأَنَّكَ صِرتَ حَقيرًا. ها إِنَّ على الجِبالِ قَدَمَيِ المُبَشِّر المُسمِعِ بِالسَّلام، يا يَهوذا عَيِّدْ أَعْيادَكَ وأَوفِ نُذورَكَ، فإِنَّه لا يَعودُ مَن لا خَيرَ فيه إِلى المُرورِ بِكَ، فقَدِ ٱنقَرَضَ كُلُّه. قد صَعِدَ المُخَرِّبُ أَمامَ وَجهِكِ، فٱحرُسي الحِصنَ وٱرقُبي الطَّريق، وشُدِّي وَسْطَكِ، وٱجمَعي قُوَّتَكِ كُلَّها، (فإِنَّ الرَّبَّ أَعادَ فَخرَ يَعْقوب، مِثلَ فَخْرِ إِسْرائيل، لأَنَّ السَّالِبينَ سَلَبوهم وأَتلَفوا أَغْصانَهم). تُروسُ أَبْطالِهم مُحمَرَّة، والبَواسِلُ علَيهمِ القِرمِز، في يَومِ تَجْهيزِها فولاذُ المَركَباتِ نار، وسَرْوُ الرِّماحِ يَهتَزّ. تَهيجُ المَركَباتُ في الشَّوارِع، وتَندَفِعُ في السَّاحات. مَنظَرُها مِثلُ المَشاعِلِ وهي تَجْري كالبُروق. يُنادي الأَبطالُ أَبْطالَهم فيَتَعَثَّرونَ في مَشيِهم، ويُسرِعونَ إِلى سورِها، والآلَةُ الحامِيَةُ مُعدَّة. قدِ ٱنفَتَحَت أَبوابُ الأَنْهار، وٱنْهارَ القَصْر. يُخطَفُ تِمْثالُها ويُساق، وإِماؤُها يَتَنَهَّدنَ كصَوتِ الحَمام، ويَقرَعنَ صُدورَهُنَّ. ونينَوى كبِركَةِ مِياهٍ مُنذُ كانَت، وإِذا بِهم يَهرُبون. قِفوا قِفوا ولٰكِن لَيسَ مَن يَلتَفِت. إِنهَبوا الفِضَّةَ ٱنهَبوا الذَّهَب، فإِنَّه لا نِهايَةَ لِلذَّخائِر، وهي ثَروَةٌ مِنَ النَّفائِس. نَهْبٌ وسَلْبٌ وتَدْمير، والقُلوبُ ذائِبَةٌ والرُّكَبُ مُرتَخِيَة، وفي جَميعِ الكُلى ٱرْتِعاش، وجَميعُ الوُجوهِ قد شَحُبَت. أَينَ عَرينُ الأُسودِ ومَرْعى الأَشْبال، حين كانَ الأَسَدُ يَذهَب، فتَبْقى اللَّبُؤَةُ وجِرْوُ الأَسَد، ولا أَحَدَ يُفزِعُهما؟ كانَ الأَسَدُ يَفتَرِسُ لأَجلِ صِغارِه، ويَخنُقُ لِلَبؤَاتِه، ويَملأُ كُهوفَه فَريسةً، وعَرائِنَه لُحومًا مُقَطَّعة. هاءَنَذا إِلَيكِ، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، فأُحرِقُ مَركَباتِكِ دُخانًا، ويَأكُلُ السَّيفُ أَشْبالَكِ، وأَستأَصِلُ مِنَ الأَرضِ فَرائِسَكِ، ولا يُسمَعُ مِن بَعدُ صَوتُ رُسُلِكِ. وَيلٌ لِمَدينَةِ الدِّماء، المُمتَلِئَةِ بِأَسرِها كَذِبًا وخَطْفًا، والَّتي لا تُفارِقُها الفَرائِس! هُوَذا صَوتُ السِّياط، وصَوتُ ٱهتِزازِ الدَّواليب، والخَيلِ العادِيَةِ والمَركَباتِ الواثِبَة، وهُجومُ الفارِسِ ولَهيبُ السَّيف، وبريقُ الرُّمْحِ وكَثرَةُ القَتْلى، وتَراكُمُ الجُثَثِ ولا نِهايَةَ لِلجِيَف، وهم يَعثُرونَ بِجِيَفِهم. لِكَثرَةِ زِنى الزَّانِيَة، الفاتِنَةِ الجَمالِ صاحِبَةِ السِّحْرِ، الَّتي تَبيعُ الأُمَمَ بِزِناها، والعَشائِرَ بِسِحْرِها. هاءَنَذا إِلَيكِ، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، فأَرفَعُ ذُيولَ ثَوبِكِ على وَجهِكِ، وأُري الأُمَمَ عَورَتَكِ والمَمالِكَ هَوانَكِ. وأَقذِفُكِ بِالأَقْذار، وأَفضَحُكِ وأَجعَلُكِ عِبرَةً، فكُلُّ مَن يَراكِ يُعرِضُ عنكِ ويَقول: قد دُمِّرَت نينَوى فمَن يَرْثي لَها ومِن أَينَ أَطلُبُ لَكِ مُعَزِّين؟ هل أَنتِ خَيرٌ مِن نوآمون، الجالِسَةِ بَينَ الأَنْهار (الَّتي حَولَها المِياه)، وسورُها الأَمامِيُّ البَحْرُ وأَسوارُها المِياه. كوشُ ومِصرُ قُوَّتُها اللاَّمُتَناهِيَة، وفوطُ ولوبيمُ في نُصرَتِكِ. فهي أَيضًا ذَهَبَت إِلى الجَلاءِ مَسبِيَّةً، وأَطْفالُها حُطِّموا في رأسِ كُلِّ شارِع، وعلى كِرامِها أَلقَوا القُرَع، وجَميعُ عُظَمائِها أُوثِقوا بِالقُيود. وأَنتِ أَيضًا تَسكَرينَ وتَختَبِئين، وأَنتِ أَيضًا تَطلُبينَ مَلجَأً مِنَ العَدُوّ. جَميعُ حُصونِكِ أَشْجارُ تينٍ بِبَواكيرِها، إِنِ ٱنهَزَّت تَسقُطُ في فَمِ الآكِل. ها إِنَّ شَعبَكِ في داخِلِكِ نِساء، وأَبْوابُ أَرضِكِ تُفتَحُ فَتْحًا لأَعْدائِكِ، والنَّارُ ٱلتَهَمَت مَزاليجَكِ. إِستَقي لَكِ مِياهًا لِلحِصار، وحَصِّني قِلاعَكِ. أُدخُلي في الوَحْلِ ودوسي في الطِّين، وأَمسِكي قالَبَ التَّلْبين. هُناكَ تَلتَهِمُكِ النَّار، ويَستَأصِلُكِ السَّيف، ويَأكُلُكِ كالجُندُب. تَكاثَري كالجُندُب تَكاثري كالجَراد. جَعَلتِ تُجَّارَكِ أَكثَرَ مِن كَواكِبِ السَّماء، كالجُندُبِ الَّذي يَبسُطُ جَناحَيه ويَطير. حُماتُكِ كالجَرادِ وكَتَبَتُكِ كسِربِ جَراد، تُعَسكِرُ على الجُدْرانِ في يَومِ بَرْد، ثُمَّ تُشرِقُ الشَّمْسُ فتَطير، ولا يُعلَمُ أَينَ مَوضِعُها. لقَد نَعَسَ رُعاتُكَ، يا مَلِكَ أَشُّور، ورَقَدَ عُظَماؤُكَ، وتَشَتَّتَ شَعبُكَ على الجِبال، ولَيسَ مَن يَجمَعُهم. ما مِن جَبرٍ لِٱنكِسارَكِ، وجُرحُكَ لا يُشْفى مِنه. كُلُّ مَن يَسمَعُ بِخَبَرِكَ، يُصَفِّقُ علَيكَ بِالكَفَّين، لأَنَّه مَنِ الَّذي لم يَمُرَّ علَيه شَرُّكَ كُلَّ حين؟ القَولُ الَّذي كانَ إِلى حَبَقُّوقَ النَّبِيِّ في رُؤْيا. إِلامَ يا رَبُّ أَستَغيثُ ولا تَسمَع، أَصرُخُ إِلَيكَ مِنَ العُنفِ ولا تُخَلِّص؟ لِماذا تُريني الإِثْمَ، وتَجعَلُني أَنظُرُ إِلى الخَطيئَة والدَّمارُ والعُنْفُ أَمامِي، ويَحدُثُ الخِصامُ ويُقامُ النِّزاع؟ لِذٰلكَ جَمَدَتِ الشَّريعة، ولا يَبرُزُ الحَقُّ أَبَدًا، لأَنَّ الشِّرِّيرَ يُحاصِرُ البارّ، فيَبرُزُ الحَقُّ مُعَوَّجًا. أُنظُروا بَينَ الأُمَمِ وأَبصِروا، تَعَجَّبوا وتَحَيَّروا، فإِنَّ عامِلًا يَعمَلُ في أَيَّامِكم، لا تُصَدِّقونَ إِذا جاءَكمُ الخَبَر. فهاءَنَذا أُثيرُ الكلدانِيِّين، الأُمَّةَ المُرَّةَ المُندَفِعَة، الَّتي تَطوفُ رِحابَ الأَرْض، لِتَمتَلِكَ مَساكِنَ لَيسَت لَها. إِنَّها مَرْهوبَةٌ هائِلة، ومِنها يَبرُزُ حَقُّها وتَشامُخُها. وخَيلُها أَخَفُّ مِنَ النَّمِر، وأَسرَعُ مِنَ الذِّئابِ في المَساء، وفُرْسانُها يَثِبونَ ويَزحَفونَ مِن بَعيد، ويَطيرونَ كالعُقابِ المُنقَضِّ لِلافتِراس. يأتونَ كُلُّهم لِلعُنْف، ووُجوهُهم مُتَّجِهةٌ إِلى الشَّرْق، فيَجمَعونَ الأَسْرى كالرَّمْل. إِنَّه يَهزَأُ مِنَ المُلوك، ويَكونُ الزُّعَماءُ أُضْحوكةً لَه، ويَضحَكُ على كُلِّ حِصْنٍ، ويَركُمُ تُرابًا ويأخُذُه. حينَئِذٍ يَمُرُّ كالرِّيحِ ويَعبُر، أَثيمٌ يَجعَلُ مِن قُوَّتِه إِلٰهَه. أَلَستَ أَنتَ الرَّبَّ مُنذُ القِدَم، إِلٰهي وقُدُّوسي فلا تَموت؟ يا رَبِّ إِنَّكَ لِلحَقِّ جَعَلتَه، ولِلتَّأديبِ صَخرةً أَسَّستَه. عَيناكَ أَطهَرُ مِن أَن تَرى الشَّرّ، ولَستَ تُطيقُ النَّظَرَ إِلى الإِثْم. فلِمَ تَنظُرُ إِلى الغادِرين، ولِمَ تَصمُتُ عِندَما يَبتَلِعُ الشِّرِّيرُ مَن هو أَبَرُّ مِنه؟ وتُعامِلُ البَشَرَ كسَمَكِ البَحْر، كزَحَّفاتٍ لا قائِدَ لَها. إِنَّه يَرفَعُهم جَميعًا بِشِصِّه، ويَجُرُّهم بِشَبَكَتِه ويَجمَعُهم في شَرَكِه، فلِذٰلِكَ يَفرَحُ ويَبتَهِج، ولِذٰلِكَ يَذبَحُ لِشَبَكَتِه، ويُحرِقُ البَخورَ لِشَرَكِه، لأَنَّه بِهِما سَمِنَ نَصيبُه ودَسِمَ طَعامُه. أَفبِسَبَبِ ذٰلك يَستَلُّ سَيفَه، ولا يَزالُ يَقتُلُ الأُمَمَ ولا يَرحَم. على مَحرَسي أَقِف، وعلى مَرصَدي أَنتَصِب، وأُراقِبُ لأَرى ماذا يَقولُ لي، وماذا يُجيبُ عن مُعاتَبَتي. فأَجابَني الرَّبُّ وقال: أُكتُبِ الرُّؤْيا وٱنقُشْها على الأَلْواح، حتَّى يُسرَعَ في قِراءَتِها. فإِنَّها أَيضًا رُؤْيا لِلْميقات، تَصْبو إِلى أَجَلِها ولا تَكذِب. إِن أَبطَأَت فٱنتَظِرْها، فإِنَّها ستَأْتي إِتْيانًا ولا تَتَأَخَّر. النَّفسُ غَيرُ المُستَقيمة غَيرُ أَمينَة، أَمَّا البارُّ فبِأَمانَتِه يَحْيا. فما أَحْرى الإِنسانَ الوَقِح، الَّذي يَفتَخِرُ بِكَونه خائِنًا بأَن لا يَنجَح، وهو الَّذي يُوَسِّع حَلْقَه كَمَثْوى الأَمْوات، ويكونُ كالموتِ ولا يَشبَع، ويَجمَعُ إِلَيه جَميعَ الأُمَم، ويَضُمُّ إِلَيه جَميعَ الشُّعوب. أَلا يَضرِبُ هٰؤُلاءِ كُلُّهم فيه مَثَلًا، وأَلْغازًا ساخِرة؟ يَقولون: وَيلٌ لِلمُكْثِرِ مِمَّا لَيسَ لَه (فإِلى مَتى؟)، ولِلمُثَقِّلِ على نَفْسِه بِالرُّهون، أَلا يَقومُ بَغتَةً دائنوكَ، ويَستَيقِظُ مَن يُطالِبونَكَ، فتَكونَ لَهم نَهْبًا. وبِما أَنَّكَ سَلَبتَ أُمَمًا كَثيرة، فسيَسلُبُكَ جَميعُ بَقِيَّةِ الشُّعوب، بِسَبَبِ دِماءِ البَشَرِ والعُنفِ بالأَرْض، وبِالمَدينَةِ وجَميعِ السَّاكِنينَ فيها. وَيلٌ لِلكاسِبِ المَكاسِب، حَرامًا لِبَيتِه، لِيَجعَلَ عُشَّه العُلُوّ، ويَسلَمَ مِن قَبضَةِ الشَّرّ. إِنَّكَ تَأتَمِرُ لِخِزْيِ بَيتِكَ، صارِعًا شُعوبًا كَثيرة، وخَطِئتَ إِلى نَفْسِكَ. فالحَجَرُ يَصرُخُ مِنَ الحائِط، والعارِضَةُ تُجيبُه مِنَ الخَشَب. وَيْلٌ لِمَن يَبْني مَدينَةً بالدِّماء، ويُؤَسِّسُ بَلدَةً بِالآثام. أَلَيسَ ذٰلك مِن عِندِ رَبِّ القُوَّات: تَتَعَبُ الشُّعوبُ لِلنَّار، وتَجهَدَ الأُمَمُ لِلباطِل؟ لأَنَّ الأَرضَ ستَمتَلِئُ مِن مَعرِفَةِ مَجدِ الرَّبّ، كما تَغمُرُ المِياهُ البَحْر. وَيلٌ لِمَن يَسْقي قَريبَه، مازِجًا مُسكِرَكَ حتَّى يُسكِرَه، لِيَنظُرَ إِلى عَورَتِه، قد شَبِعتَ هَوانًا بَدَلَ المَجْد، فٱشرَبْ أَنتَ أَيضًا وٱكشِفْ عن قُلفَتِكَ، فإِنَّ كأسَ يَمينِ الرَّبِّ تَنقَلِبُ علَيكَ، ويَنقَلِبُ العارُ على مَجدِكَ، لأَنَّ العُنفَ بِلُبنانَ يُغَطِّيكَ، والفَتكَ بِالبَهائِمِ يُفزِعُكَ، بِسَبَبِ دِماءِ البَشَرِ والعُنفِ بِالأَرْض، وبِالمَدينةِ وجَميعِ السَّاكنينَ فيها. ماذا يَنفَعُ المَنْحوتُ حتَّى يَنحِتَه صانِعُه، والمَسْبوكُ، مُعَلِّمُ الكَذِب، حتَّى يَتَّكِلَ علَيه صانِعُه، فيَصنَعَ أَصْنامًا بُكْمًا؟ وَيلٌ لِمَن يَقولُ لِلخَشَبِ: إستَيقِظْ، ولِلحَجَرِ الصَّامِت: تَنَبَّهْ، أَفي طاقَتِه أَن يُعَلِّم؟ إِنَّما هو مَطلِيٌّ بِالذَّهَبِ والفِضَّة، ولا روحَ في باطِنِه البَتَّة. أَمَّا الرَّبُّ فهو في هَيكَلِ قُدسِه، فٱسكُتي أَمامَ وَجهِه يا جَميعَ الأَرض. صلاة حَبَقُّوقَ النَّبِيِّ على لَحنِ الرِّثاء. يا رَبِّ سَمِعتُ بِسُمعَتِكَ فخِفتُ عَمَلَكَ، في وَسَطِ السِّنينَ أَحْيهِ، وفي وَسَطِ السِّنينَ تُعَرِّفُ بِه، وفي الغَضَبِ ٱرحَمْ وٱذكُرْ. أَللهُ يَأتي من تَيمان، والقُدُّوسُ من جَبَلِ فاران. غَطَّى جَلالُه السَّمٰوات، وٱمتَلأَتِ الأَرضُ مِن تَسبِحَتِه. بَهاؤُه يَكونُ كالنُّور، ولَه مِن يَده أَشِعَّة، وهُناكَ تَحتَجِبُ عِزَّتُه. أَمامَ وَجهِه يَسيرُ الطَّاعون، والحُمَّى تَتبَعُ خُطاه. يَقِفُ ويُزَعزِعُ الأَرْض، يَنظُرُ ويُوَثِّبُ الأُمَم، وتَتَفَتَّتُ الجِبالُ الأَزَلِيَّة، وتَنْهارُ التِّلالُ القَديمة، مَسالِكُه الأَزَلِيَّة. رَأَيتُ خِيامَ كوشَ تَحتَ البَلاء، وجُلودَ أَرضِ مِديَنَ تَرجِف. أَعَلى الأَنْهارِ يا رَبُّ يَستَشيطُ غَضَبُكَ، أَو على الأَنْهارِ سُخطُكَ، أَو على البَحرِ حَنَقُكَ، حتَّى تَركَبَ خَيلَكَ مَركَباتِ خَلاصِكَ. تُجَرِّدُ قَوسُكَ تَجْريدًا، والقَسَمُ هو سِهامُ كَلِمَتِكَ. تَشُقُّ الأَرضَ أَنْهارًا، تَراكَ الجبالُ فتَتمَخَّض، ويَجْتازُ إِعصارٌ مائيّ، ويَجهَرُ الغَمرُ بِصَوتِه، ويَرفَعُ يَدَيه إِلى العَلاء. تَقِفُ الشَّمسُ والقَمَرُ في مَنازِلِهما، مِن ضَوءِ سِهامِكَ المُتَطايِرة، ومِن بَهاءِ بَريقِ رُمحِكَ. إِنَّكَ بِسُخطٍ تَطَأُ الأَرْض، وبِغَضَبٍ تَدوسُ الأُمَم. لقد خَرَجتَ لِخَلاصِ شَعبِكَ، لِخَلاصِ مَسيحِكَ، فهَشَّمتَ رأسَ بَيتِ الشِّرِّير، مُعَرِّيًا مِنَ الأَساسِ إِلى السَّقْف. طَعَنتَ بِسِهامِه رُؤُوسَ قُوَّادِه، الهاجِمينَ كالزَّوبَعةِ لِيُشَتِّتوني، الشَّامِتينَ كأَنَّهم يَلتَهِمونَ المِسْكينَ في الخُفْيَة. بِخَيلِكَ وَطِئتَ البَحرَ، وغَلَيانَ المِياهِ الغَزيرة. سَمِعتُ فخَفَقَت أَحْشائي، ورَجَفَت شَفَتايَ مِنَ الصَّوت، ودَخَلَ النَّخَرُ عِظامي، وٱضطَربتُ في مَكاني، لأَنِّي أَنتَظِرُ أَن يَقومَ يَومُ ضيقٍ، على شَعبٍ يُهاجِمُنا. فإِنَّ التِّينَ لا يُزهِر، والكُرومَ لا غِلالَ فيها، وحَصيلةَ الزَّيتونِ تَكذِب، والحُقولَ لا تُخرِجُ طَعامًا. تنقَطِعُ الغَنَمُ مِنَ الحَظيرة، ولا يَكونُ بَقَرٌ في الإِسطَبْل. أَمَّا أَنا فأَتَهَلَّلُ بِالرَّبّ، وأَبتَهِجُ بإِلٰهِ خَلاصي. الرَّبُّ الإِلٰهُ قُوَّتي وهو يَجعَلُ قَدَمَيَّ كالأَيائِل، ويمشِّيني على مَشارفي. لإمامِ الغِناء. على ذَواتِ الأَوتار. كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتي كانَت إِلى صَفَنْيا بنِ يوشِيَّا ٱبنِ آمون، مَلِكِ يَهوذا: كوشِيَ بنِ جَدَلْيا بنِ أَمَرْيا ٱبنِ حِزقِيَّا في أَيَّامِ. لَأُزيلَنَّ كُلَّ شَيءٍ زَوالًا عن وَجهِ الأَرضِ، يَقولُ الرَّبّ. أُزيلُ البَشَرَ والبَهائِم، أُزيلُ طَيرَ السَّماءِ وسَمَكَ البَحْر، ومَعاثِرَ الأَشْرار، وأَستأصِلُ البَشَرَ عن وَجهِ الأَرض، يَقولُ الرَّبّ. وأَمُدُّ يَدي على يَهوذا، وعلى جَميعِ سُكَّانِ أُورَشَليم، وأَستَأصِلُ مِن هٰذا المَكانِ بَقِيَّةَ البَعْل، وأَسماءَ كَهَنَةِ الأَصْنامِ مع الكَهَنَة، والَّذينَ يَسجُدونَ على السُّطوح لِقُوَّاتِ السَّماء، والَّذينَ يَسجُدونَ يَحلِفونَ لِلرَّبّ ويَحلِفونَ بِمَلْكوم، والَّذينَ يَرتَدُّونَ عنِ الرَّبّ، والَّذينَ لا يَطلُبونَ الرَّبَّ ولا يَلتَمِسونَه. أُصمُتوا مِن وَجهِ السَّيِّدِ الرَّبّ، فإِنَّ يَومَ الرَّبِّ قَريب، وقد أَعَدَّ الرَّبُّ ذَبيحَةً، وقَدَّسَ مَدعُوِّيه. فيَكونَ في يَومِ ذَبيحَةِ الرَّبّ، أَنِّي أُعاقِبُ الرُّؤَساءَ وبَني الملِك، وكُلَّ لابِسٍ لِباسًا غَريبًا. وأُعاقِبُ في ذٰلك اليَومِ كُلَّ الَّذينَ يَقفِزونَ فَوقَ العَتَبَة، فيَملأُونَ بَيتَ سَيِّدِهم عُنفًا ومَكْرًا. ويَكونُ في ذٰلك اليَوم، يَقولُ الرَّبّ، صَوتُ صُراخٍ مِن بابِ السَّمَك، ووَلْوالٌ مِنَ الحَيِّ الجَديد، وتَحَطُّمٌ عَظيمٌ مِنَ التِّلال. وَلوِلوا يا سُكَّانَ الهاوَن، فإِنَّ كُلَّ شَعبِ كَنْعانَ قد دُمِّر، وكُلَّ وازِني الفِضَّةِ قدِ ٱنقَرَضوا. ويَكونُ في ذٰلك الزَّمان، أَنِّي أُفَتِّشُ أُورَشَليمَ بِالسُّرُج، وأُعاقِبُ المُنغَمِسينَ في أَقْذارِهم، القائِلينَ في قُلوبِهم لا يأتي الرَّبُّ بِخَيرٍ ولا بِشَرّ. فتَكونُ ثَروَتُهم نَهبًا وبُيوتُهم خَرابًا. فيَبْنونَ بُيوتًا ولا يَسكُنونَ فيها، ويَغرِسونَ كُرومًا ولا يَشرَبونَ خَمْرَها. قَريبٌ يَومُ الرَّبِّ العَظيم، قَريبٌ وسَريعٌ جِدًّا. صَوتُ يَومِ الرَّبِّ مُرٌّ، هُناكَ يَصرُخُ البَطَل. يَومُ حَنَقٍ ذٰلك اليَوم، يَومُ ضيقٍ وشِدَّة، يَومُ خَرابٍ ودَمار، يَومُ ظُلمَةٍ ودَيجور، يَومُ غَيمٍ وغَمامٍ مُظلِم. يَومُ بوقٍ وهُتاف، على المُدُنِ الحَصينة، وعلى بُروجِ الزَّوايا الشَّامِخَة. وأُضَيِّقُ على البَشَرِ فيَمْشونَ كالعُمْيان، لأَنَّهم خَطِئوا إِلى الرَّبّ، وتُسفَكُ دِماؤُهم كالتُّراب، ولُحومُهم كالنُّفاية، فلا تَقدِرُ فِضَّتُهم ولا ذَهَبُهم على إِنْقاذهم. في يَومِ غَضَبِ الرَّبِّ وبِنارِ غَيرَتِه، ستُلتَهَمُ جَميعُ الأَرض، لأَنَّه يُفْني إِفْناءً - وما أَهوَلَه - جَميعَ سُكَّانِ الأَرْض. تَكَدَّسي تَكَدَّسي أَيَّتُها الأُمَّة، الَّتي لا حَياءَ لَها، قَبلَ أَن تُطرَدوا، كالعُصافةِ العابِرَةِ في يَومٍ واحِد، قَبلَ أَن يَحِلَّ بِكمُ اِضطِرامُ غَضَبِ الرَّبّ، (قَبلَ أَن يَحِلَّ بِكم يَومُ غَضَبِ الرَّبّ). إِلتَمِسوا الرَّبّ يا جَميعَ وُضَعاءِ الأَرْض، الَّذينَ نَفَّذوا حُكمَه، ٱلتَمِسوا البِرَّ ٱلتَمِسوا الضَّعَة، فعَسى أن تَستَتِروا في يَومِ غَضَبِ الرَّبّ. فسَتَكونُ غَزَّةُ مَهْجورةً وأَشقَلونُ مُقفِرَة وأَشْدودُ تُطرَدُ عِندَ الظَّهيرة وعَقرونُ تُقلَع وَيلٌ لِسُكَّانِ ساحِلِ البَحْر لأُمَّةِ الكَريتِيِّين! إِنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ علَيكم يا كَنْعانُ أَرضَ الفَلِسطينِيِّين فأُبيدُكِ لِعَدَمِ وُجودِ السُّكَّان. ويَكونُ ساحِلُ البَحرِ مَراعِيَ، ومُروجًا لِلرُّعاةِ وحَظائِرَ لِلغَنَم، ويَكونُ نَصيبًا لِبَقِيَّةِ بَيتِ يَهوذا، فهُناكَ يَرعَون، وفي بَيتِ أَشقَلونَ عِندَ المَساءِ يَربِضون، لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَهم يَفتَقِدُهم، ويُغَيِّرُ مَصيرَهم. قد سَمِعتُ إِهانَةَ موآب، وتَجاديفَ بَني عَمُّون، الَّتي بِها أَهانوا شَعْبي، وتَوَسَّعوا على أَرضِهم. لِذٰلك حَيٌّ أَنا، يَقولُ رَبُّ القُوَّاتِ إِلٰهُ إِسْرائيل، لَيَكونَنَّ موآبُ كسَدوم، وبَنو عَمُّونَ كعَمورة، مِلْكًا لِلشَّوكِ وحُفرَةً لِلمِلْحِ وخَرابًا لِلأَبَد. تَنهَبُهم بَقِيَّةُ شَعْبي، ويَرِثُهم مَن يَبْقى مِن أُمَّتي. يَكونُ هٰذا ثَمَنًا لِكِبرِيائِهم، إِذ أَهانوا شَعبَ رَبِّ القُوَّات، وتَعاظَموا علَيه. الرَّبُّ رَهيبٌ علَيهم، حينَ يَستَأصِلُ جَميعَ آلِهَةِ الأَرْض، ولَه تَسجُدُ جَميعُ جُزُرِ الأُمَم، كُلُّ واحِدٍ مِن مَكانِه. وأَنتُم أَيُّها الكوشِيُّون: إِنَّهم قَتْلى سَيفي. يَمُدُّ يَدَه على الشَّمال، ويُبيدُ أَشُّور، ويَجعَلُ نينوى خَرابًا، قاحِلَةً كالقَفْر، وتَربِضُ في وَسَطِها القُطْعان، وكُلُّ أَنْواعِ الوُحوش، ويَبيتُ على تيجانِ أَعمِدَتِها، البومَةُ والقُنفُذ، وفي النَّافِذَةِ صَوتُ مُغَنٍّ، وفي العَتَبَةِ الخَراب، لأَنَّ ما كانَ مِنَ الأَرزِ قد تَعَرَّى. هٰذه هي المَدينَةُ المَرِحَة، الجالِسَةُ في ٱطمِئْنان، القائِلَةُ في قَلبِها: «أَنا ولَيسَ غَيري». كَيفَ صارَت خَرابًا، مَربِضًا لِلوُحوش، كُلُّ مَن يَمُرُّ بِها، يَصفِرُ ويَهُزُّ يَدَه. وَيلٌ لِلمُتَمَرِّدَةِ الدَّنِسَة، المَدينَةِ الظَّالِمَة! إِنَّها لم تَسمَعِ الصَّوت، ولم تَقبَلِ التَّأْديب، ولم تَتَّكِلْ على الرَّبّ، ولم تَتَقَرَّبْ إِلى إِلٰهِها. رُؤَساؤُها في وَسَطِها أُسودٌ زائِرة، وقُضاتُها ذِئابٌ في المَساء، لا يُبقونَ شَيئًا إِلى الصَّباح. أَنبِياؤُها مُغامِرونَ خَوَنَة، وكَهَنَتُها دَنَّسوا القُدسَ وتَعَدَّوا الشَّريعَة. الرَّبُّ بارٌّ في وَسَطِها، لا يَرتَكِبُ ظُلمًا، وصَباحًا فصَباحًا يُصدِرُ حُكمَه، وعِندَ طُلوعِ النُّورِ لا يُقَصِّر، (أَمَّا الظَّالِمُ فلا يَعرِفُ الخَجَل). إستَأصَلتُ أُمَمًا، فدُمِّرَت بُروجُهمُ الَّتي في الزَّوايا، وخَرَّبتُ شَوارِعَهم، فلَيسَ مِن عابِرٍ فيها، ودُمِّرَت مُدُنُهم، فلَيسَ فيها إِنْسانٌ ولا ساكِن. قُلتُ: «لَعَلَّكِ تَخشَينَني، وتَقبَلينَ التَّأديب، فلا يُستَأصَلُ مَسكِنُها»، وكُلَّما ٱفتَقَدتُها، بَكَّروا وأَفسَدوا جَميعَ أَعْمالِهم. لِذٰلك ٱنتَظِروني، يَقولُ الرَّبّ، إِلى يَومِ أَقومُ كشاهِد، لأَنَّ حُكْمي هو أَن أَجمَعَ الأُمَم، وأَحشُدَ المَمالِك، لأَصُبَّ علَيهم حَنَقي كُلَّ ٱضطِرامِ غَضَبي، (لأَنَّ الأَرضَ كُلَّها، ستُلتَهَمُ بِنارِ غَيرَتي). لأَنِّي حينَئِذٍ أَجعَلُ لِلشُّعوبِ شَفَةً نَقِيَّة، لِيَدْعوا جَميعًا بِٱسمِ الرَّبّ، ولِيَعبُدوه كَتِفًا على كَتِف. مِن عِبرِ أَنْهارِ كوش، المُتَضَرِّعونَ إِلَيَّ مع بَني شَتاتي، يُقَرِّبونَ لي تَقدِمَة. في ذٰلك اليَومِ لا تَخجَلينَ، مِن جَميعِ أَعْمَالِكِ الَّتي عَصَيْتِني بِها، لأَنِّي حينَئِذٍ أَنزِعُ مِن وَسْطِكِ، المُتَباهينَ المُتَكَبِّرين، فلا تَعودين تَتَشامَخينَ في جَبَلِ قُدْسي. وأُبْقي في وَسَطِكِ شَعْبًا وَضيعًا فَقيرًا، فتَعتَصِمُ بِٱسمِ الرَّبِّ بَقِيَّةُ إِسْرائيل، لا يَرتَكِبونَ الظُّلمَ ولا يَنطِقونَ بالكَذِب، ولا يوجَدُ في أَفْواهِهم لِسانُ مَكْرٍ، لأَنَّهم سيَرعَونَ ويَربِضون، ولا أَحَدَ يُفزِعُهم. هَلِّلي يا بِنتَ صِهْيون، إِهتِفْ يا إِسْرائيل، افرَحي وتَهَلَّلي بِكُلِّ قَلبِكِ، يا بِنتَ أُورَشَليم، فقد أَلْغى الرَّبُّ الحُكمَ علَيكِ، وأَبْعَدَ عَدُوَّكِ. في وَسَطِكِ مَلِكُ إِسْرائيلَ الرَّبّ، فلا تَرَينَ شَرًّا مِن بَعدُ. في ذٰلِكَ اليَومِ يُقالُ لأُورَشَليم: «لا تَخافي، ويا صِهْيونُ، لا تَستَرخِ يَداكِ، في وَسَطِكِ الرَّبُّ إِلٰهُكِ، الجَبَّارُ الَّذي يُخَلِّص، ويُسَرُّ بِكِ فَرَحًا، ويُجَدِّدُكِ بِمَحَبَّتِه، ويَبتَهِجُ بِكِ بِالتَّهْليلِ كما في أَيَّامِ العيد. أَبعَدتُ الشَّرَّ عنكِ، لِئَلاَّ تَحمِلي العارَ مِن بَعدُ. هاءَنَذا أُبيدُ جَميعَ الَّذينَ يُذِلُّونَكِ في ذٰلك الزَّمان، وأُخَلِّصُ النَّعجةَ العَرْجاء، وأَجمَعُ النِّعاجَ المَدْحورة، وأَجعَلُ لَهم حَمدًا وٱسمًا، في أَرضِ عارِهم كُلِّها. في ذٰلك الزَّمانِ آتي بكم، سيَكونُ الزَّمانَ الَّذي أَحشُرُكم فيه، لأَنِّي سأَجعَلُ لَكُمُ ٱسمًا وحَمدًا، في جَميعِ شُعوبِ الأَرضِ، عِندَما أَرُدُّكم مِن جَلائِكم، على عُيونِكم»، قال الرَّبّ. في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَدارِيوسَ المَلِك، في الشَّهرِ السَّادِس، في اليَومِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْر، كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ على لِسانِ حَجَّايَ النَّبِيِّ إِلى زَرُبَّابَلَ بنِ شأَلْتيئيل، حاكِمِ يَهوذا، وإِلى يَشوعَ ٱبنِ يوصاداقَ الكاهِنِ العَظيمِ قائِلًا: «هٰكذا تَكَلَّمَ رَبُّ القُوَّاتِ قائِلًا: إِنَّ هٰذا الشَّعبَ قد قال: إِنَّه لم يَبلُغ وَقتُ الذَّهاب، وَقتُ إِعادَةِ بِناءِ بَيتِ الرَّبّ». (فكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ على لِسانِ حَجَّايَ النَّبِيِّ قائِلًا:). أَفحانَ لَكم أَن تَسكُنوا في بُيوتِكُمُ المُسَقَّفَة، وهٰذا البَيتُ خَرِب؟ والآن، هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: فَكِّروا في مَصيرِكم. لقَد زَرَعتُم كَثيرًا وٱستَغلَلتُم قَليلًا. أَكَلتُم ولَم تَشبَعوا. شَرِبتُم ولَم تَرتَوُوا. إكتَسَيتُم ولَم تَدفَأوا. والَّذي يَأخُذُ أُجرَةً يأخُذُها في صُرَّةٍ مَثْقوبَة. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: فَكِّروا في مَصيرِكم. إِصعَدوا إِلى الجَبَلِ وأتوا بِخَشَب، وأَعيدوا بِناءَ البَيت، فأَرْضى بِه وأُظهِرَ فيه مَجْدي، قالَ الرَّبّ. لقَد تَوَقَّعتُم كَثيرًا فإِذا بِقَليل، والغَلَّةُ الَّتي أَتَيتُم بِها إِلى البَيتِ نَفَختُ علَيها. ولِماذا، يَقولُ رَبُّ القُوَّات؟ بِسَبَبِ بَيتِيَ الَّذي هو خَرِب، بَينَما أَنتُم مُسارِعونَ كُلُّ واحِدٍ مِن أَجلِ بَيتِه. لِذٰلك حَبَسَتِ السَّماءُ فَوقَكُمُ النَّدى وحَبَسَتِ الأَرضُ غَلَّتها. ودَعَوتُ بِالقَحَلِ على الأَرضِ وعلى الجِبال، وعلى القَمْحِ والنَّبيذِ والزَّيت، وعلى ما تُنبِتُ الأَرض، وعلى البَشَرِ والبَهائم، وعلى كُلِّ تَعَبِ اليَدَين. فسَمِعَ زَرُبَّابَلُ بنُ شأَلْتيئيل ويَشوعُ بنُ يوصاداقَ الكاهِنُ العَظيم، وكُلُّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ صَوتَ الرَّبِّ إِلٰهِهم وكَلامَ حَجَّايَ النَّبِيّ، بِحَسَبِ ما أَرسَلَه الرَّبُّ إِلٰهُهم، فخافَ الشَّعبُ مِن وَجهِ الرَّبّ. وتَكَلَّمَ حَجَّاي، رَسولُ الرَّبّ، بِحَسَبِ رِسالَةِ الرَّبِّ إِلى الشَّعبِ قائِلًا: «أَنا معَكم، يَقولُ الرَّبّ». ونَبَّهَ الرَّبُّ روحَ زَرُبَّابَلَ ٱبنِ شأَلتيئيل، حاكِمِ يَهوذا، وروحَ يَشوعَ بنِ يوصاداقَ، الكاهِنِ العَظيم، وأَرْواحَ كُلِّ بَقِيَّةِ الشَّعْب، فأَتَوا وباشَروا العَمَلَ في بَيتِ رَبِّ القُوَّاتِ إِلٰهِهم. وكانَ ذٰلك في اليَومِ الرَّابعِ والعِشْرينَ مِنَ الشَّهرِ السَّادِس. في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِداريوسَ المَلِك. في الشَّهرِ السَّابِع، في الحادي والعِشْرينَ مِنَ الشَّهْر، كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ على لِسانِ حَجَّايَ النَّبِيِّ قائِلًا: «كَلِّمْ زَرُبَّابَلَ بنَ شأَلْتيئيل، حاكِمَ يَهوذا، ويَشوعَ بنَ يوصاداقَ، الكاهِنَ العَظيم، وبَقِيَّةَ الشَّعبِ قائِلًا: مَنِ الباقي فيكُم، الَّذي رَأَى هٰذا البَيتَ في مَجدِه الأَوَّل، وكيفَ تَرَونَه الآن؟ أَلَيسَ هو في عُيونِكم كلا شَيء؟ فالآن، تَشَدَّدْ يا زَرُبَّابَل، يَقولُ الرَّبّ، وتَشَدَّدْ يا يَشوعُ بنُ يوصاداقَ، الكاهِنُ العَظيم، وتَشَدَّدوا يا جَميعَ شَعبِ الأَرض، يَقولُ الرَّبّ، وٱعمَلوا لأَنِّي أَنا معَكم، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، على حَسَبِ الكَلِمَةِ الَّتي عاهَدتُكم بِها عِندَ خُروجِكم مِن مِصر، وروحي يُقيمُ فيما بَينَكم، فلا تَخافوا. فإِنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: بَعدَ وَقتٍ قَليلٍ أُزَلزِلُ السَّماءَ والأَرضَ والبَحرَ واليابِسة، وأُزَلزِلُ جَميعَ الأُمَم، وتأتي نَفائِسُ جَميعِ الأُمَم، فأَملأُ هٰذا البَيتَ مَجْدًا، قالَ رَبُّ القُوَّات. لِيَ الفِضَّةُ ولِيَ الذَّهَب، يَقولُ رَبُّ القُوَّات. وسيَكونُ مَجدُ هٰذا البَيتِ الأَخيرُ أَعظَمَ مِنَ الأَوَّل، قالَ رَبُّ القُوَّات. وفي هٰذا المَكانِ أُعْطي السَّلام، يَقولُ رَبُّ القُوَّات». في الرَّابِعِ والعِشْرينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِع، في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدارِيوس، كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ على لِسانِ حَجَّايَ النَّبِيِّ قائِلًا: «هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: إِسأَلِ الكَهَنَة قَرارًا قائِلًا: إِذا حَمَلَ إِنْسانٌ لَحمًا مُقَدَّسًا في ذَيلِ ثَوبِه ولَمَسَ بِذَيلِه خُبزًا أَو طَبيخًا أَو خَمرًا أَو زَيتًا أَو أَيَّ طَعامٍ كان، أَفَيَتَقَدَّس؟» فأَجابَ الكَهَنَةُ وقالوا: «لا». فقالَ حَجَّاي: «إِذا لَمَسَ المُتَنَجِّسُ بِمَيِّتٍ شَيئًا مِن هٰذه، أَفَيَتَنَجَّس؟» فأَجابَ الكَهَنَةُ وقالوا: «يَتَنَجَّس». فأَجابَ حَجَّايُ وقال: «هٰكذا هٰذا الشَّعبُ وهٰكذا هٰذه الأُمَّةُ أَمامي، يَقولُ الرَّبّ، وهٰكذا جَميعُ أَعْمالِ أَيديهم وما يُقَرِّبونَه هُناكَ هو نَجِس. فالآن، فَكِّروا فيما كانَ مِن هٰذا اليَومِ فما بَعدَه، قَبلَ أَن يُوضَعَ حَجَرٌ على حَجَرٍ في هَيكَلِ الرَّبّ. ماذا كُنتُم علَيه؟ كانَ الواحِدُ يأتي إِلى كَومَةِ عِشْرينَ فلا يَكونُ فيها إِلاَّ عَشَرَة، أَو يأتي إِلى المِعصَرَةِ لِيَغرِفَ مِنها خَمْسينَ فلا يَكونُ فيها إِلاَّ عِشْرون. إِنِّي ضَرَبتُكم بِالصَّدَإِ والذُّبولِ والبَرَدِ في جَميعِ أَعْمالِ أَيديكم، ولَم تَتوبوا إِلَيَّ، يَقولُ الرَّبّ. لٰكِن فَكِّروا مِن هٰذا اليَومِ فما بَعدَه (مِنَ اليَومِ الرَّابِعِ والعِشْرينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِع، مِن يَومِ أُسِّسَ هَيكَلُ الرَّبّ، فَكِّروا). هل هُناكَ بَذرٌ حتَّى الآنَ في الأَهْراء؟ وحَتَّى الكَرمَةُ والتِّينَةُ والرُّمَّانُ وشَجَرُ الزَّيتونِ لم يُثمِر. لٰكِن مِن هٰذا اليَومِ أُبارِك». وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ ثانِيَةً إِلى حَجَّاي، في الرَّابِعِ والعِشْرينَ مِنَ الشَّهْرِ، قائِلًا: «كَلِّمْ زَرُبَّابَل، حاكِمَ يَهوذا، قائِلًا: إِنِّي أُزَلزِلُ السَّماءَ والأَرْض، وأَقلِبُ عَرشَ المَمالِك، وأُدَمِّرُ قُدرَةَ مَمالِكِ الأُمَم، وأَقلِبُ المَركَبَةَ ورُكَّابَها، وتَسقُطُ الخَيلُ ورُكَّابُها، كُلُّ واحِدٍ بِسَيفِ أَخيه. في ذٰلك اليَومِ، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، آخُذُكَ يا زَرُبَّابَلُ بنُ شَأَلْتيئيلَ عَبْدي، يَقولُ الرَّبّ، وأَجعَلُكَ كخاتَمٍ فإِنِّي قدِ ٱختَرتُكَ، يَقولُ رَبُّ القُوَّات». في الشَّهرِ الثَّامِن، في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدارِيوس، كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى زَكَرِيَّا (بنِ بَرَكْيا) بنِ عِدُّوَ النَّبِيِّ قائِلًا: إِنَّ الرَّبَّ غَضِبَ غَضَبًا على آبائِكم. فقُلْ لَهم: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: إِرجِعوا إِلَيَّ، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، فأَرجِعَ إِلَيكم، قالَ رَبُّ القُوَّات. لا تَكونوا كآبائِكُمُ الَّذينَ ناداهمُ الأَنبِياءُ الأَوَّلونَ قائلين: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: إِرجِعوا عن طُرُقِكُمُ الشِّرِّيرة وعن أَعْمالِكُمُ الشِّرِّيرة. فلَم يَسمَعوا ولم يُصْغوا إِلَيَّ، يَقولُ الرَّبّ. آباؤُكم أَينَ هم، والأَنبِياءُ هل يَحْيَونَ لِلأَبَد؟ لٰكِنَّ أَقْوالي وفَرائضي الَّتي أَمَرتُ بِها عَبيدِيَ الأَنبِياء أَلَم تُدرِكْ آباءَكُم؟ فرَجَعوا وقالوا: «كما قَصَدَ رَبُّ القُوَّاتِ أَن يَصنَعَ بِنا بِحَسَبِ طُرُقِنا وأَعْمالِنا هٰكذا صَنَعَ بِنا». في اليَومِ الرَّابِعِ والعِشْرينَ مِنَ الشَّهرِ الحادي عَشَر، الَّذي هو شُباط، في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدارِيوس، كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى زَكَرِيَّا بنِ بَرَكْيا بنِ عِدُّوَ النَّبِيِّ قائِلًا: رَأَيتُ في اللَّيلِ رُؤيا، فإِذا بِرَجُلٍ راكِبٍ على فَرَسٍ أَحمَر، وهو واقِفٌ بَينَ الآسِ الَّذي في الهُوَّة، وخَلْفَه أَفْراسٌ حُمرٌ وشُقرٌ وبيض. فقُلتُ: «مَن هٰؤُلاءِ يا سَيِّدي؟» فقالَ لِيَ المَلاكُ المُتَكَلِّمُ مَعي: «أَنا أُريكَ مَن هٰؤُلاءِ». فأَجابَ الرَّجُلُ الواقِفُ بَينَ الآسِ وقال: «هٰؤُلاءِ همُ الَّذينَ أَرسَلَهُمُ الرَّبُّ لِيَطوفوا في الأَرْض». فكَلَّموا مَلاكَ الرَّبِّ الواقِفَ بَينَ الآسِ وقالوا: «قد طُفْنا في الأَرْض، فإِذا الأَرضُ كُلُّها آهِلَةٌ هادِئَة». فأَجابَ مَلاكُ الرَّبِّ وقال: «يا رَبَّ القُوَّات، إِلى مَتى تَرحَمُ أُورَشَليمَ ومُدُنَ يَهوذا الَّتي غَضِبتَ علَيها هٰذه السَّبْعينَ سَنَة؟» فأَجابَ الرَّبُّ المَلاكَ المُتَكَلِّمَ معي بِكَلامِ خَير، كَلامِ تَعْزية. فقالَ لِيَ المَلاكُ المُتَكَلِّمُ معي: «نادِ قائِلًا: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: إِنِّي قد غِرتُ على أُورَشَليمَ وصِهْيونَ غَيرَةً عَظيمة، وقَد غَضِبتُ غَضَبًا عَظيمًا على الأُمَمِ المُمَئِنَّة، ولقَد كانَ غَضَبي قَليلًا، فهُم ساعَدوا على البُؤس. لِذٰلك هٰكذا قالَ الرَّبّ: إِنِّي رَجَعتُ إِلى أُورَشَليمَ بِالمَراحِم، فيُبْنى بَيتي فيها، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، ويُمَدُّ الحَبلُ على أُورَشَليم. ونادِ أَيضًا قائلًا: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: إِنَّ مُدُني ستَعودُ تَفيضُ خَيرًا والرَّبَّ سيَعودُ يُعَزِّي صِهْيونَ ويَخْتارُ أُورَشَليم». ورَفَعتُ عَينَيَّ ورَأَيتُ في الرُّؤيا، فإِذا بِأَربَعَةِ قُرون. فقُلتُ: لِلمَلاكِ المُتَكَلِّمِ مَعي: «ما هٰذه؟» فقالَ لي: «هٰذه هيَ القُرونُ الَّتي نَثَرَت يَهوذا وإِسْرائيلَ وأُورَشَليم». وأَراني الرَّبُّ أَربَعَةَ حَدَّادين. فقُلتُ: «ماذا أَتى هٰؤُلاءِ يَصنَعون؟» فتَكَلَّمَ قائِلًا: هٰذه هِيَ القُرونُ الَّتي نَثَرَت يَهوذا، حتَّى لم يَرفَعْ إِنْسانٌ رأسَه. فأَتى هٰؤُلاءِ لِيُفزِعوهم، لِيَصرَعوا قُرونَ الأُمَمِ الَّتي رَفَعَتِ القَرنَ على أَرضِ يَهوذا لِتَنثُرَها». ورَفَعتُ عَينَيَّ ورَأَيتُ رُؤيا، فإِذا بِرَجُلٍ وبِيَدِه حَبلُ مِساحَة. فقلتُ: «إِلى أَينَ أَنتَ مُنطَلِق؟» فقالَ لي: «لأَمسَحَ أُورَشَليم وأَرى كم عَرضُها وكم طولُها». فإِذا بِالمَلاكِ المُتَكَلِّمِ معي قد تَقَدَّمَ، وتَقَدَّمَ مَلاكٌ آخَرُ لِلِقائِه. فقالَ له: «بادِرْ فكَلِّمْ هٰذا الفَتى قائِلًا: إِنَّ أُورَشَليمَ ستُسكَنُ بِغَيرِ أَسْوارٍ مِن كَثرَةِ البَشَرِ والبَهائِمِ فيها، وأَنا أَكونُ لَها، يَقولُ الرَّبّ، سورَ نارٍ مِن حَولِها ومَجدًا في وَسَطِها. هَيَّا هَيَّا ٱهرُبوا، مِن أَرضِ الشَّمال، يَقولُ الرَّبّ، فإِنِّي قد شَتَّتُّكم، نَحوَ أَربَعِ رِياحِ السَّماء، يَقولُ الرَّبّ. هَيَّا تَخَلَّصي يا صِهْيون، المُساكِنَةُ لِبِنتِ بابِل، فإِنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات، بعد أَن أَرسَلَني المَجدُ إِلى الأُمَمِ الَّتي سَلَبَتكم: مَن يَمَسُّكم يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيني. وهٰاءَنَذا أَرفَعُ يَدي علَيها، فتَكونُ غَنيمةً لِعَبيدِهم، فتَعلَمونَ أَنَّ رَبَّ القُوَّاتِ أَرسَلَني. إِهتِفي وٱفرَحي يا بِنتَ صِهْيون، فهاءَنَذا آتي وأَسكُنُ في وَسَطِكِ، يَقولُ الرَّبّ، فتَنضَمُّ أُمَمٌ كَثيرَةٌ، إِلى الرَّبِّ في ذٰلك اليَوم، وتَكونُ لي شَعبًا فأَسكُنُ في وَسَطِكِ، فتَعلَمينَ أَنَّ رَبَّ القُوَّاتِ أَرسَلَني إِلَيكِ. ويَرِثُ الرَّبُّ يَهوذا، نَصيببَه في الأَرضِ المُقَدَّسة، ويَعودُ ويَخْتارُ أُورَشَليم. لِيَسكُتْ كُلُّ بَشَرٍ أَمامَ وَجهِ الرَّبّ، فإِنَّه قدِ ٱستَيقَظَ مِن مَسكِنِ قُدسِه. وأَراني يَشوعَ الكاهِنَ العَظيمَ واقِفًا أَمامَ مَلاكِ الرَّبّ، والشَّيطانَ واقِفًا عن يَمينِه لِيَتَّهِمَه. فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «زَجَرَكَ الرَّبُّ، يا شَيطان، زَجَرَكَ الرَّبُّ الَّذي ٱخْتارَ أُورَشَليم. أَلَيسَ هٰذا شُعلَةً مُنتَشَلَةً مِنَ النَّار؟» وكانَ يَشوعُ لابِسًا ثِيابًا قَذِرَةً وهو واقِفٌ أَمامَ المَلاك. فأَجابَ وكَلَّمَ الواقِفينَ أَمامَه قائِلًا: «إِنزِعوا عَنه الثِّيابَ القَذِرَة». وقالَ لَه: «أُنظُرْ! إِنِّي قد أَجَزتُ إِثمَكَ عنكَ. فلْتُلبَسْ ثِيابًا فاخِرة». وقُلتُ: ليُجعَلْ تاجٌ طاهِرٌ على رأسِه. فجَعَلوا التَّاجَ الطَّاهِرَ على رَأسِه وأَلبَسوه الثِّيابَ ومَلاكُ الرَّبِّ واقِف. فحَذَّرَ مَلاكُ الرَّبِّ يَشوعَ قائِلًا: «هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: إِن سِرتَ في طُرُقي وحَفِظتَ أَحْكامي، فأَنتَ أَيضًا تَحكُمُ على بَيتي وتُحافِظُ على دِياري، فأُعْطيكَ سَبيلًا إِلى وَسَطِ أُولٰئِكَ الواقِفينَ هُنا». فٱسمَعْ، يا يَشوعُ الكاهِنُ العَظيم، أَنتَ وأَصْحابُكَ الجالِسونَ أَمامَكَ، فإِنَّهم رِجالٌ بُشَراء. هاءَنَذا آتٍ بِعَبدِيَ «النَّبْت». فهُوَذا الحَجَرُ الَّذي جَعَلتُه أَمامَ يَشوع. على هٰذا الحَجَرِ الواحِدِ سَبعُ عُيون. وهاءَنذا أَنقُشُ نَقْشَه»، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، وأُزيلُ إِثمَ هٰذه الأَرضِ في يَومٍ واحِد. في ذٰلك اليَوم، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، يَدْعو كُلُّ واحِدٍ قَريبَه إِلى تَحتِ الكَرمَةِ وإِلى تَحتِ التِّينة». ورَجَعَ المَلاكُ المُتَكَلِّمُ مَعي وأَيقَظَني كرَجُلٍ يوقَظُ مِن نَومِه. وقالَ لي: «ماذا أَنتَ راءٍ؟» فقُلتُ: «إِنِّي نَظَرتُ، فإِذا بِمَنارَةٍ كُلُّها ذَهَب، وخَزَّانُها على رأسِها، وعلَيها سَبعَةُ سُرُجٍ وسَبعَةُ أَلسِنَةٍ لِلسُّرُجِ الَّتي على رأسِها. وبِالقُربِ مِنها زَيتونَتان، إِحْداهما عن يَمينِ الخَزَّانِ والأُخْرى عن يَسارِه». وتَكَلَّمتُ وقُلتُ لِلمَلاكِ المُتَكَلِّمِ معي: «ما هٰذه، يا سَيِّدي؟» فأَجابَ المَلاكُ المُتَكَلِّمُ معي وقالَ لي: «أَلا تَعلَمُ ما هٰذه؟» فقُلتُ: «لا يا سَيِّدي». فأَجابَ وكَلَّمَني قائِلًا: «هٰذه كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى زرُبَّابَلَ قائِلًا: لا بِالقُدرةِ ولا بِالقُوَّة، بل بِروحي، قالَ رَبُّ القُوَّات. ما أَنتَ أَيُّها الجَبَلُ العَظيم؟ أَمامَ زَرُبَّابَلَ تُصبِحُ سَهْلًا. وسيُخرِجُ حَجَرَ الزَّاوِيَة، فيُهتَف: نِعمَةٌ نِعمَةٌ علَيه». وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قائِلًا: يَدا زَرُبَّابَلَ قد أَسَّستا هٰذا البَيت، فيَداه ستُتِمَّانِه، فتَعلَمُ أَنَّ رَبَّ القُوَّاتِ أَرسَلَني إِلَيكم. فمَنِ الَّذي ٱزدَرى يَومَ الأُمورِ الصَّغيرة؟ إِنَّهم سيَفرَحونَ ويَرَونَ حَجَرَ القِصْديرِ بِيَدِ زَرُبَّابَل. هٰذه هي سَبعُ عُيونِ الرَّبِّ الجائِلَةِ في الأَرضِ كُلِّها. وتَكَلَّمتُ وقُلتُ: «ما هاتانِ الزَّيتونَتانِ على يَمينِ المَنارةِ وعلى يَسارِها؟» ثُمَّ تَكَلَّمتُ ثانِيَةً وقُلتُ لَه: «ما غُصْنا الزَّيتونَةِ اللَّذانِ في يَدِ أُنبوبَيِ الذَّهَبِ اللَّذَينِ يُسكَبُ بِهما الذَّهَب؟» فكَلَّمَني قائِلًا: «أَلا تَعلَمُ ما هٰذان؟» فقلت: «لا يا سَيِّدي». فقال: «هٰذان هُما المَسيحانِ الواقِفانِ لَدى رَبِّ الأَرضِ كُلِّها». وعُدتُ ورَفَعتُ عَينَيَّ ورَأَيتُ في الرُّؤيا، فإِذا بِسِفْرٍ طائِر. فقالَ لي: «ماذا أَنتَ راءٍ؟» فقُلتُ: «أَنا راءٍ سِفرًا طائِرًا طولُه عِشْرونَ ذِراعًا وعَرضُه عَشرُ أَذرُع». فقال لي: «هٰذه هي اللَّعنَةُ الخارِجَةُ على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها. فكُلُّ سارِقٍ لا يُتَغاضى عنه على حَسَبِ المَكْتوبِ هُناك، وكُلُّ حالِفٍ لا يُتَغاضى عنه على حَسَبِ المَكْتوبِ هُناك. إِنِّي أَخرَجتُها، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، فتأتي بَيتَ السَّارِقِ وبَيتَ الحالِفِ بِٱسْمي زورًا، وتَبيتُ في وَسَطِ بَيتِه وتُفْنيه مع خَشَبِه وحَجَرِه». وخَرَجَ المَلاكُ المُتَكَلِّمُ معي وقالَ لي: «إِرفَعْ عَينَيكَ وٱنظُرْ ما هٰذه الخارِجَة». فقُلتُ: «ما هي؟». فقال: «هٰذه هي الإِيفَةُ الخارِجَة». وأَضاف: «هٰذه خَطيئَتُهم في كُلِّ الأَرض». وإِذا بأُسطُوانَةِ رَصاصٍ قد رُفِعَت وبٱمرَأَةٍ جالِسَةٍ في وَسَطِ الإِيفَة. فقال: «هٰذه هي الشَّرّ». ثُمَّ أَلْقاها في وَسَطِ الإِيفَة وأَلْقى حَجَرَ الرَّصاصِ في فَمِها. ورَفَعتُ عَينَيَّ ورَأَيتُ في الرُّؤيا، فإِذا بٱمرَأَتَينِ خارِجَتَين، والرِّيحُ في أَجنِحَتِهما، ولَهما أَجنِحَةٌ كأَجنِحَةِ اللَّقلَق. فرَفَعَتا الإِيفَةَ بَينَ الأَرضِ والسَّماء. فقُلتُ لِلمَلاكِ المُتَكَلِّمِ معي: «إِلى أَينَ هما تَحمِلانِ الإِيفَة؟» فقالَ لي: «لِيُبْنى لَها بَيتٌ في أَرضِ شِنْعار، فتُوَطَّدَ وتُقَرَّ هُناكَ على قاعِدَتِها». وعُدتُ ورَفَعتُ عَينَيَّ ورَأَيتُ رُؤيا، فإِذا بِأَربَعِ مَركَباتٍ خارِجاتٍ مِن بَينِ جَبَلَين، والجَبَلانِ جَبَلا نُحاس، وفي المَركَبَةِ الأُولى أَفْراسٌ حُمرٌ وفي المَركَبَةِ الثَّانِيَةِ أَفْراسٌ سود، وفي المَركَبَةِ الثَّالِثَةِ أَفْراسٌ بيض، وفي المَركَبَةِ الرَّابِعَةِ أَفْراسٌ نُمْرٌ وقَوِيَّة. فتَكَلَّمتُ وقُلتُ لِلمَلاكِ المُتَكَلِّمِ معي: «ما هٰذه يا سَيِّدي؟» فأَجابَ المَلاكُ وقالَ لي: «هٰذه رِياحُ السَّماءِ الأَربَعُ الَّتي تَخرُجُ مِنَ الوُقوفِ أَمامَ سَيِّدِ الأَرضِ كُلِّها. فالأَفراسُ السُّودُ الَّتي فيها خَرَجَت إِلى أَرضِ الشَّمال، والبيضُ خَرَجَت خَلفَها، والنُّمرُ خَرَجَت إِلى أَرضِ الجَنوب، خَرَجَت قَوِيَّةً وطَلَبَتِ الذَّهابَ لِتَطوفَ في الأَرض». وأَضاف: «إِذهَبي وطوفي في الأَرض»، فطافَت في الأَرض. فناداني وكَلَّمَني قائِلًا: «أُنظُرْ! إِنَّ الَّتي خَرَجَت إِلى أَرضِ الشَّمالِ قد أَراحَت روحي في أَرضِ الشَّمال». وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قائِلًا: خُذْ مِن أَهلِ الجَلاء، مِن حَلْدايَ ومِن طوبِيَّا ومِن يَدَعْيا، الَّذينَ أَتَوا مِن بابِل، وٱذهَبْ في ذٰلك اليَوم، وٱدخُلْ بَيتَ يوشِيَّا بنِ صَفَنْيا. خُذْ فِضَّةً وذَهَبًا وٱصنَعْ تاجًا وٱجعَلْه على رَأسِ يَشوعَ بنِ يوصاداق، الكاهِنِ العَظيم، وكَلِّمْه قائلًا: هٰكذا تَكَلَّمَ رَبُّ القُوَّاتِ قائِلًا: هُوَذا الرَّجُلُ الَّذي ٱسمُه «النَّبْت». إِنَّه يَنبُتُ مِن حَيثُ هو (ويَبْني هَيكَلَ الرَّبّ). هو يَبْني هَيكَلَ الرَّبّ، وهو يَحمِلُ الجَلال، ويَجلِسُ ويَتَسَلَّطُ على عَرشِه، والكاهِنُ أَيضًا يَكونُ على عَرشِه، وسَلامٌ تامٌّ يَكونُ بَينَهما. والتَّاجُ يَكونُ لِحالَمَ ولِطوبِيَّا ولِيَدَعْيا تَذْكارًا لِكَرَمِ ٱبنِ صَفَنْيا في هَيكَلِ الرَّبّ. ويأتي البَعيدونَ ويَبْنونَ في هَيكَلِ الرَّبّ، فتَعلَمونَ أَنَّ رَبَّ القُوَّاتِ أَرسَلَني إِلَيكم، وسيَكونُ ذٰلك إِن كُنتُم تَسمَعونَ صَوتَ الرَّبِّ إِلٰهِكم سَماعًا. وفي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِدارِيوسَ المَلِك، كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى زَكَرِيَّا في الرَّابِعِ مِنَ الشَّهرِ التَّاسِع، الَّذي هو كِسْلو. وكانَ أَهلُ بَيتَ إِيلَ قد أَرسَلوا شَرْآصَرَ ورَجَمَّلِكَ ورِجالَه لِيَستَرضوا وَجهَ الرَّبّ، لِيُكَلِّموا الكَهَنَةَ الَّذينَ في بَيتِ رَبِّ القُوَّاتِ والأَنبِياءَ قائلين: «أَأَبْكي في الشَّهرِ الخامِسِ مُتَزَهِّدًا، كما كُنتُ أَصنَعُ في هٰذه السِّنينَ الكَثيرة؟». فكانَت إِلَيَّ كَلِمَةُ رَبِّ القُوَّاتِ قائلًا: كَلِّمْ كُلَّ شَعبِ الأَرضِ والكَهَنَةَ قائلًا: «حينَ كُنتُم تَصومونَ وتَنوحونَ في الشَّهرِ الخامِسِ والسَّابِع، وذٰلك في تِلكَ السَّبعينَ سَنَة، هل كانَ صِيامُكم لي أَنا؟ وحينَ تَأكُلونَ وتَشرَبون، أَلا تأكُلونَ لَكم وتَشرَبونَ لَكم؟ أَلَيسَ هٰذا هو الكَلامُ الَّذي نادى بِه الرَّبُّ على أَلسِنَةِ الأَنبِياءِ الأَوَّلين، حينَ كانَت أُورَشَليمُ آهِلَةً هادِئَة، هي ومُدُنُها مِن حَولِها، وكانَ النَّاسُ يَسكُنونَ النَّقَبَ والسَّهْل؟ (وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى زَكَرِيَّا قائِلًا: هٰكذا تَكَلَّمَ رَبُّ القُوَّاتِ قائلًا:) أُحكُموا حُكمَ الحَقّ وٱصنَعوا الرَّحمَةَ والرَّأفَة، كُلُّ إِنْسانٍ إِلى أَخيه. لا تَظلِموا الأَرمَلَةَ واليَتيمَ والنَّزيلَ والبائِس، ولا تُضمِروا شَرًّا في قُلوبِكم، الواحِدُ لأَخيه. فأَبَوا أَن يُصْغوا، ونَصَبوا كَتِفًا عاصِيَة، وثَقَّلوا آذانَهم لِئَلاَّ يَسمَعوا، وجَعَلوا قُلوبَهم كالماس، لِئَلاَّ يَسمَعوا الشَّريعَةَ والكَلامَ الَّذي أَرسَلَه رَبُّ القُوَّاتِ بِروحِه على أَلسِنَةِ الأَنبِياءِ الأَوَّلين. فكانَ غَضَبٌ عَظيمٌ مِن رَبِّ القُوَّات. فكَما نادى هو فلَم يَسمَعوا، كذٰلك نادَوا هم فلَن أَسمَع، قالَ رَبُّ القُوَّات. وسأُبدِّدُهم كالزَّوبَعَةِ في كُلِّ أُمَّةٍ لم يَعرِفوها، فتُدَمَّرُ الأَرضُ من بَعدِهم، لا مارَّ فيها ولا عائد، ويَجعَلونَ الأَرضَ الشَّهِيَّةَ قَفْرًا. وكانَت كَلِمَةُ رَبِّ القُوَّات قائِلًا: هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: غِرتُ على صِهيونَ غَيرةً عظيمة، وبِغَضَبٍ عَظيمٍ غِرتُ علَيها. هٰكذا قالَ الرَّبّ: قد رَجَعتُ إِلى صِهْيون، وسأَسكُنُ في وَسَطِ أُورَشَليم، فتُدْعى أُورَشَليمُ مَدينَةَ الأَمانة، وجَبَلُ رَبِّ القُوَّاتِ الجَبَلَ المُقَدَّس. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: الشُّيوخُ والعَجائِزُ يَعودونَ يَسكُنون في ساحاتِ أُورَشَليم، كُلُّ واحِدٍ عَصاهُ بِيَدِه مِن كَثرَةِ أَيَّامِه، وتَمتَلِئُ ساحاتُ المَدينة بَنينَ وبَناتٍ يَلعَبونَ في ساحاتِها. هٰكذا قال رَبُّ القُوَّات: إِن عَسُرَ الأَمرُ في عُيونِ بَقِيَّةِ هٰذا الشَّعبِ في تِلكَ الأَيَّام، أَفَيَعسُرُ في عَينَيَّ أَيضًا، يَقولُ رَبُّ القُوَّات؟ هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: هاءَنَذا أُخَلِّصُ شَعْبي مِن أَرضِ المَشرِق، ومِن أَرضِ مَغرِبِ الشَّمْس، وآتي بِهم فيَسكُنونَ في وَسَطِ أُورَشَليم، ويَكونونَ لي شَعبًا، وأَكونُ لَهم إِلٰهًا بِالحَقِّ والبِرّ. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: لِتَتَشَدَّدْ أَيديكم، أَيُّها السَّامِعونَ في هٰذه الأَيَّامِ هٰذا الكَلامَ مِن أَفْواهِ الأَنبِياء، يَومَ أُسِّسَ بَيتُ رَبِّ القُوَّاتِ لِيُبْنى الهَيكَل. فإِنَّه، قَبلَ هٰذه الأَيَّام، لم تَكُنْ أُجرَةٌ لِلبَشَر ولا أُجرَةٌ لِلبَهائم ولا سَلامٌ لِمَن خَرَجَ أَو دَخَلَ بِسَبَبِ العَدُوّ، وقَد أَطلَقتُ جَميعَ البَشَر، الواحِدَ على قَريبِه. أَمَّا الآن، فلا أُعامِلُ بَقِيَّةَ هٰذا الشَّعبِ كما في الأَيَّامِ الأُولى، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، بل يَكونُ زَرعُ سَلام. فالكَرمَةُ تُعْطي ثَمَرَها، والأَرضُ تُعطي غَلَّتَها، والسَّماءُ تُعْطي نَداها، وأُوَرِّثُ بَقِيَّةَ هٰذا الشَّعبِ جَميعَ هٰذه. ويَكونُ أَنَّكم كما كُنتُم لَعنَةً في الأُمَم، يا بَيتَ يَهوذا ويا بَيتَ إِسْرائيل، كذٰلك أُخَلِّصُكم فتكونونَ بَرَكَةً، فلا تَخافوا، ولْتَتَشَدَّدْ أَيديكم. فإِنَّه هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: كما قَصَدتُ أَن آتِيَكم بِالشَّرّ، حينَ أَسخَطَني آباؤُكم، قالَ رَبُّ القُوَّات، ولم أَندَم، فكذٰلك رَجَعتُ فقَصَدتُ في هٰذه الأَيَّامِ أَن آتِيَ أُورَشَليمَ وبَيتَ يَهوذا بِالخَير، فلا تَخافوا. وهٰذه هي الأُمورُ الَّتي تَصنَعونها: كَلِّموا كُلُّ واحِدٍ قَريبَه بِالحَقّ، وأَجْروا في أَبْوابِكمُ الحَقَّ وحُكمَ السَّلام، ولا تُضمِروا شَرًّا في قُلوبِكم، الواحِدُ لِقَريبِه، ولا تُحِبُّوا يَمينَ الزُّور، فإِنَّ هٰذه جَميعَها مَقَتُّها، يَقولُ الرَّبّ». وكانَت إِلَيَّ كَلِمَةَ رَبِّ القُوَّاتِ قائلًا: «هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: إِنَّ صَومَ الشَّهرِ الرَّابِعِ وصَومَ الخامِسِ وصَومَ السَّابِعِ وصَومَ العاشِرِ سَيَكونُ لِبَيتِ يَهوذا سُرورًا وفَرَحًا وأَعْيادًا طَيِّبَة. فأَحِبُّوا الحَقَّ والسَّلام». هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: ستَأتي شُعوبٌ أَيضًا وسُكَّانُ مُدُنٍ كَبيرة، ويَسيرُ سُكَّانُ الواحِدَةِ إِلى الأُخْرى قائلين: «لَنَسِرْ سَيرًا لِٱستِرْضاءِ وَجهِ الرَّبّ وٱلتِماسِ رَبِّ القُوَّات. وأَنا أَيضًا أَسير». فتأتي شُعوبٌ كَثيرةٌ وأُمَمٌ قَوِيَّةٌ لِٱلتِماسِ رَبِّ القُوَّاتِ في أُورَشَليم وٱستِرْضاءِ وَجهِ الرَّبّ. هٰكذا قالَ رَبُّ القُوَّات: إِنَّه في تِلكَ الأَيَّام سيَتَمَسَّكُ عَشَرَةُ أُناسٍ مِن جَميعِ أَلسِنَةِ الأُمَمِ بِذَيلِ ثَوبٍ يَهودِيٍّ قائلين: «إِنَّنا نَسيرُ معَكم، فقَد سَمِعْنا أَنَّ اللهَ معَكم». قَوْل. كَلِمَةُ الرَّبِّ في أَرضِ حَدْراكَ، وفي دِمَشقَ راحَتُه، لأَنَّ إِلى الرَّبِّ عَينَ الإِنْسان، وجَميعَ أَسْباطِ إِسْرائيل، وفي حَماةَ أَيضًا مُتاخِمَتِها، وفي صورَ وصَيدون، فإِنَّها حَكيمَةٌ جِدًّا. وبَنَت صورُ حِصْنًا لَها، وكَنَزَتِ الفِضَّةَ كالغُبار، والذَّهَبَ كوَحَلِ الطُّرُقات. هُوَذا السَّيِّدُ يَستَولي علَيها، ويَهدِمُ في البَحرِ سورَها، فتُلتَهمُ بِالنَّار. فتَرى أَشقَلونُ فتَخاف، وغَزَّةُ فتَرتَعِدُ جِدًّا، وعَقْرونَ فإنَّ ٱنتِظارَها قد خُيِّب، ويَهلِكُ المَلِكُ مِن غَزَّة، وأَشقَلونُ لا تُسكَن. ويَسكُنُ النَّغْلُ في أَشْدود، وأَستَأصِلُ زَهْوَ الفِلَسطينِيِّين. وأُزيلُ دِماءَه مِن فَمِه، وأَقْذارَه مِن بَينِ أَسْنانِه، فيَصيرُ هو أَيضًا بَقِيَّةً لإلٰهِنا، ويَكونُ كزَعيمٍ في يَهوذا، وتَكونُ عَقْرونُ كاليَبوسِيّ. وأُعَسكِرُ قُربَ بَيتي على الجَيش، عل المارِّ والعائِد، فلا يَمُرُّ علَيهم مُسَخِّرٌ مِن بَعدُ، فإِنِّي رَأَيتُ الآنَ بِعَينَيَّ. إِبتَهِجي جِدًّا يا بِنتَ صِهْيون، وٱهتِفي يا بِنتَ أُورَشَليم، هُوَذا مَلِكُكِ آتِيًا إِلَيكِ، بارًّا مُخَلِّصًا وَضيعًا، راكِبًا على حِمارٍ وعلى جَحشٍ، ٱبنِ أتان. وأَستَأصِلُ المَركَبَةَ مِن أَفْرائيم، والخَيلَ مِن أُورَشَليم، وتُستَأصَلُ قَوسُ القِتال، ويُكَلِّمُ الأُمَمَ بِالسَّلام، ويَكونُ سُلْطانُه مِنَ البَحرِ إِلى البَحْر، ومِنَ النَّهرِ إِلى أَقاصي الأَرْض. وبِدَمِ عَهدِكِ أَنتِ أَيضًا، أُطلِقُ أَسْراكِ مِنَ الجُبِّ الَّذي لا ماءَ فيه. إِرجِعوا إِلى الحِصنِ يا أَسْرى الرَّجاء، اليَومَ يُخبِرُّ أَنِّي أَرُدُّ علَيكِ ضِعفَين. فإِنِّي شَدَدتُ لي يَهوذا قَوسًا، ومَلَأْتُ لي أَفْرائيمَ سِهامًا، وأَثَرتُ أَبْناءَكِ يا صِهْيون، على أَبْنائِكِ يا ياوان، وجَعَلتُكِ كسَيفِ جَبَّار. الرَّبُّ سيَظهَرُ علَيهم، وسَهمُه يَخرُجُ كالبَرْق، والسَّيِّدُ الرَّبُّ يَنفُخُ في البوق، ويَنطَلِقُ في زَوابِعِ الجَنوب. رَبُّ القُوَّاتِ يَستُرُهم، فيأكُلونَ ويَدوسونَ حِجارَةَ المِقْلاع، ويَشرَبونَ دِماءَهم كأَنَّها خَمْر، ويَمتَلِئونَ كالكأسِ وكزَوايا المَذبَح. والرَّبُّ إِلٰهُهم يُخَلِّصُهم، في ذٰلك اليَومِ كغَنَمِ شَعبِه، مِثلَ حِجارَةِ تاجٍ تَتَلألَأُ على أَرضِه، فإِنَّه ما أَسعَدَه وما أَجمَلَه! القَمحُ يُنْمي الفِتْيان والنَّبيذُ العَذارى. أُطلُبوا مِنَ الرَّبِّ المَطَر، في أَوانِ مَطَرِ الرَّبيع، فيُنشِئُ الرَّبُّ غُيومَ رُعود، ويَرزُقُهم وابلَ المَطَر، وكُلَّ واحِدٍ عُشبًا في حَقلِه. فإِنَّ التَّرافيمَ إِنَّما يَتَكَلَّمونَ بِالباطِل، والعَرَّافينَ يَرَونَ الزُّور. ويَتَكَلَّمونَ بِأَحْلامٍ كاذِبَة، ويُعَزُّونَ عَبَثًا. لِذٰلك رَحَلوا كغَنَمٍ، وعانَوا إِذ لم يَكُنْ راعٍ. فٱضطَرَمَ غَضَبي على الرُّعاة، وأُعاقِبُ التُّيوس. فإِنَّ رَبَّ القُوَّاتِ يَفتَقِدُ قَطيعَه بَيتَ يَهوذا، ويَجعَلُهم كفَرَسِ جَلالِه في القِتال. مِنه حَجَرُ الزَّاوِيَةِ ومِنه الوَتِد، ومِنه قَوسُ القِتال، ومِنه يَخرُجُ جَميعُ الزُّعَماء. ويَكونونَ كالأَبْطالِ الدائسينَ في وَحَلِ الشَّوارِعِ في القِتال، ويُقاتِلونَ لأَنَّ الرَّبَّ معَهم، فيَخْزى راكِبو الخَيل. وأُقَوِّي بَيتَ يَهوذا، وأُخَلِّصُ بَيتَ يوسف، وأُعيدُهم لأَنِّي رَحِمتُهم، فيَكونونَ كأَنِّي لم أَنبِذْهم، لأَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُهم فأَستَجيبُهم. ويَكونُ أَهلُ أَفْرائيمَ كالبَطَل، وتَفرَحُ قُلوبُهم كما مِنَ الخَمْر، ويَرى بَنوهم ويَفرَحون، وتَبتَهِجُ قُلوبُهم بِالرَّبّ. أُصَفِّرُ لَهم وأَجمَعُهم، لأَنِّي ٱفتَدَيتُهم، ويَكثُرونَ كما كانوا. وأَزرَعُهم بَينَ الشُّعوب، ويَذكُرونَني في الأَقاصي، ويُرَبُّونَ بَنيهم ويَرجِعون. وأُعيدُهم مِن أَرضِ مِصر، وأَجمَعُهم مِن أَشُّور، وآتي بِهم إِلى أَرضِ جِلْعاد ولُبْنان، ولا يوجَدُ لَهم مَكانٌ يَسَعُهم. ويَجْتازُ الخَطَرَ مارًّا بِالبَحْر، ويَضرِبُ الأَمْواجَ في البَحْر، وتَجِفُّ أَعْماقُ النِّيل، ويُخفَضُ زَهوُ أَشُّور، ويُبعَدُ صَولَجانُ مِصْر. وأُقَوِّيهم بِالرَّبّ، وبِٱسمِه يَسيرون، يَقولُ الرَّبّ. إِفتَحْ يا لُبْنانُ أَبْوابَكَ، ولْتَلتَهِمِ النَّارُ أَرزَكَ. وَلوِلْ أَيُّها السَّرُو فإِنَّ الأَرزَ قد سَقَط لأَنَّ العُظَماءَ قد دُمِّروا. وَلْوِلْ يا بَلُّوطَ باشان، فإِنَّ الغابَةَ المَنيعَةَ قد صُرِعَت. صَوتُ وَلْوالِ الرُّعاة، لأَنَّ عَظَمَتَهم قد دُمِّرَت. صَوتُ زَئيرِ الأَشْبال، لأَنَّ زَهْوَ الأُردُنِّ قد دُمِّر. هٰكذا قالَ الرَّبُّ إِلٰهي: «إِرعَ غَنَمَ القَتْلِ الَّتي يَقتُلُها مُشْتَروها ولا يُعاقَبون. وكُلُّ مَن يَبيعُها يَقول: تَبارَكَ الرَّبّ، فإِنِّي قدِ ٱغتَنَيتُ، ورُعاتُها لا يُشفِقونَ علَيها. فأَنا أَيضًا لا أُشفِقُ مِن بَعدُ على سُكَّانِ الأَرْض، يَقولُ الرَّبّ، بل هاءَنَذا أُسلِمُ البَشَرَ كُلَّ واحِدٍ إِلى يَدِ قَريبِه وإِلى يَدِ مَلِكِه، فيَسحَقونَ الأَرضَ ولا أُنقِذُ مِن أَيديهِم». فرَعَيتُ غَنَمَ القَتْلِ الَّتي لِتُجَّارِ الغَنَم، وأَخَذتُ لي عَصَوَينِ ٱثنَتَين، فسَمَّيتُ الواحِدَةَ نِعمَة، وسَمِّيتُ الأُخْرى حِبال، ورَعَيتُ الغَنَم، وأَبَدتُ الرُّعاةَ الثَّلاثَةَ في شَهرٍ واحِد. نَفَدَ صَبْري مِنها، ونُفوسُها أَيضًا سَئِمَت مِنِّي. وقُلتُ: «إِنِّي لا أَرْعاكِ، فمَن يُريدُ المَوتَ فلْيَمُت، ومَن يُريدُ الهَلاكَ فلْيَهلِكْ، وأَمَّا البَقِيَّة فلْيَأكُلْ بَعضُها لَحمَ بَعْض». وأَخَذتُ عَصايَ نِعمَةَ وحَطَّمتُها لأَنقُضَ عَهْدِيَ الَّذي قَطَعتُه مع جَميعِ الشُّعوب. فنُقِضَ في ذٰلك اليَوم، وهٰكذا عَلِمَ تُجَّارُ الغَنَمِ المُراقِبونَ لي أَنَّها كَلِمَةُ الرَّبّ. وقُلتُ لَهم: «إِن حَسُنَ في عُيونِكم، فهاتوا أُجرَتي، وإِلاَّ فٱمتَنِعوا»، فوَزَنوا أُجرَتي ثَلاثينَ مِنَ الفِضَّة، فقالَ لِيَ الرَّبّ: «أَلقِها إِلى السَّبَّاكِ ثَمَنًا كَريمًا ثَمَّنوني بِه». فأَخَذتُ الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّة، وأَلقَيتُها في بَيتِ الرَّبِّ إِلى السَّبَّاك. وحَطَّمتُ عَصايَ الأُخْرى حِبال، لأَنقُضَ الإخاءَ بَينَ يَهوذا وإِسْرائيل. وقالَ لِيَ الرَّبّ: «عُدْ فخُذْ لَكَ أَدَواتِ راعٍ غَبِيّ، فهاءَنَذا أُقيمُ راعِيًا في الأَرضِ لا يَفتَقِدُ النَّعجَةَ المُختَفِيَة ولا يَطلُبُ المَفْقودةَ ولا يَجبُرُ المَكْسورة ولا يَعولُ القائم، بل يأكُلُ لَحمَ السِّمانِ ويَنزِعُ أَظْلافَها. وَيلٌ لِلرَّاعي الباطِلِ الَّذي يُهمِلُ الغَنَم لِيَكُنِ السَّيفُ على ذِراعِه وعلى عَينِه اليُمْنى ولْتَيبَس ذِراعُه يُبْسًا ولْتَكِلَّ عَينُه اليُمْنى كَلالَةً». قَول. كَلِمَةُ الرَّبِّ على إِسْرائيل. يَقولُ الرَّبُّ، باسِطُ السَّماءِ ومُؤَسِّسُ الأَرضِ وجابِلُ روحِ الإِنْسانِ في داخِلِه: هاءَنَذا أَجعَلُ أُورَشَليمَ كأسَ تَرَنُّحٍ لِجَميع الشُّعوبِ مِن حَولِها، وعلى يَهوذا أَيضًا أَن يَكونَ في حِصارِ أُورَشَليم. وفي ذٰلك اليَوم، أَجعَلُ مِن أُورَشَليمَ حَجَرًا لِلرَّفْعِ لِجَميعِ الشُّعوب. فكُلُّ مَن يَرفَعُه يَشُقُّ نَفْسَه شَقًّا، ويَجتَمِعُ علَيها جَميعُ أُمَمِ الأَرْض. في ذٰلك اليَوم، يَقولُ الرَّبّ، أَضرِبُ كُلَّ فَرَسٍ بِالحَيرَةِ وراكِبَه بِالجُنون، وأَفتَحُ عَينَيَّ على بَيتِ يَهوذا، وأَضرِبُ جَميعَ خَيلِ الشُّعوبِ بِالعَمى. فيَقولُ زُعَماءُ يَهوذا في قُلوبِهم: «لِيَصِرْ سُكَّانُ أُورَشَليمَ قُوَّةً لي بِرَبِّ القُوَّات». في ذٰلك اليَوم، أَجعَلُ زُعَماءَ يَهوذا كَموقِدِ نارٍ في الحَطَب وكمِشعَلِ نارٍ في الحُزَم، فيَلتَهِمونَ عنِ اليَمينِ وعنِ اليَسارِ جَميعَ الشُّعوبِ مِن حَولِهم، وتَعودُ أُورَشَليمُ تَسكُنُ في مَكانِها بِأُورَشَليم. ويُخَلِّصُ الرَّبُّ خِيَمَ يَهوذا أَوَّلًا، لِئَلاَّ يَتَفَوَّقَ ٱفتِخارُ بَيتِ داوُدَ وٱفتِخارُ ساكِنِ أُورَشَليمَ على يَهوذا. في ذٰلك اليَوم، يَستُرُ الرَّبُّ سُكَّانَ أُورَشَليم، ويَكونُ العاثِرُ مِنهم في ذٰلك اليَومِ كداوُد، ويَكونُ بَيتُ داوُدَ مِثلَ الله، مِثلَ مَلاكِ اللهِ أَمامَهم. ويَكونُ في ذٰلك اليَومِ أَنِّي أَطلُبُ إِبادَةَ جَميعِ الأُمَمِ الزَّاحِفَةِ على أُورَشَليم. وأُفيضُ على بَيتِ داوُدَ وعلى سُكَّانِ أُورَشَليمَ روحَ النِّعمَةِ والتَّضَرُّعات، فيَنظُرونَ إِلَيَّ. أَمَّا الَّذي طَعَنوه فإِنَّهم يَنوحونَ علَيه كما يُناحُ على الوَحيد، ويَبْكونَ علَيه بُكاءً مُرًّا كما يُبْكى على البِكْر. في ذٰلك اليَوم، يَشتَدُّ النُّوحُ في أُورَشَليمَ كنَوحِ هَدَدرِمُّونَ في سَهلِ مَجِدُّون. وتَنوحُ الأَرضُ كُلُّ عَشيرَةٍ على حِدَتِها، عَشيرَةُ بَيتِ داوُدَ على حِدَتِها ونِساؤُهم على حِدَتِهِنَّ، وعَشيرَةُ بَيتِ ناتانَ على حِدَتِها ونِساؤُهم على حِدَتِهِنَّ، وعَشيرَةُ بَيتِ لاوِيَ على حِدَتِها ونِساؤُهم على حِدَتِهِنَّ، وعَشيرَةُ شِمْعي على حِدَتِها ونِساؤُهم على حِدَتِهِنَّ، وسائِرُ عَشائِرِ الباقِيَةِ كُلُّ عَشيرَةٍ على حِدَتِها ونِساؤُهم على حِدَتِهِنَّ. في ذٰلك اليَوم، يَكونُ يَنْبوعٌ مَفْتوحٌ لِبَيتِ داوُدَ ولِسُكَّانِ أُورَشَليم، لِلخَطيئَةِ والرِّجْس. ويَكونُ في ذٰلك اليَوم، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، أَنِّي أَستَأصِلُ أَسْماءَ الأَصْنامِ عنِ الأَرْض، فلا تُذكَرُ مِن بَعدُ، وأُزيلُ الأَنبِياءَ أَيضًا والرُّوحَ النَّجِسَ عنِ الأَرْض. فيَكونُ، إِذا تَنَبَّأَ أَحَدٌ فيما بَعدُ، أَن يَقولَ لَه أَبَواه اللَّذانِ وَلَداه: «لا تَحْيا لأَنَّكَ نَطَقتَ بِالزُّورِ بِٱسمِ الرَّبّ». فحينَ يَتَنَبَّأ، يَطعَنُه أَبوه وأُمُّه اللَّذانِ وَلَداه. ويَكونُ في ذٰلك اليَومِ أَنَّ الأَنبِياءَ يَخزَونَ، كُلُّ واحِدٍ مِن رُؤياه إِذا تَنَبَّأ، ولا يَلبَسونَ رِداءَ الشَّعَرِ لِيَكذِبوا. وإِنَّما يَقول: «لَستُ أَنا نَبِيًّا، أَنا رَجُلٌ حَرَّاثُ أَرْض، لأَنَّ إِنْسانًا ٱقتَناني عَبدًا مُنذُ صِبايَ». فيُقالُ له: «ما هٰذه الجُروحُ في صَدرِكَ؟» فيَقولُ: «هي الَّتي جُرِحتُها في بَيتِ مُحِبِّيَّ». أَيُّها السَّيفُ ٱستَيقِظْ على راعِيَّ، وعلى قَريبي، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، إِضرِبِ الرَّاعِيَ فتَتَبَدَّدَ الخِراف، وأَنا أَرُدُّ يَدي على الصِّغار، ويَكونُ في كُلِّ أَرضٍ، يقول الرَّبّ. إِنَّ ثُلثَينِ مِنها يَنقَرِضانِ ويَهلِكان، والثُّلثُ يُبْقى علَيه فيها، فأُدخِلُ هٰذا الثُّلثَ في النَّار، وأَصهَرُه صَهرَ الفِضَّة، وأَمتَحِنُه ٱمتِحانَ الذَّهَب، هو يَدْعو بِٱسمي وأَنا أَستَجيبُه، أَنا أَقولُ: هو شَعْبي، وهو يَقول: الرَّبُّ إِلٰهي. ها إِنَّ يَومًا لِلرَّبِّ يأتي، وتُقَسَّمُ غَنيمَتُكِ في وَسَطِكِ وأَجمَعُ كُلَّ الأُمَمِ على أُورَشَليمَ لِلقِتال، فتُؤخَذُ المَدينَةُ وتُنهَبُ بُيوتُهم وتوطَأُ نِساؤُهم، ويَخرُجُ نِصفُ المَدينَةِ إِلى الجَلاء، لٰكِن لا تَنقَرِضُ بَقِيَّةُ الشَّعبِ مِنَ المَدينَة. ويَخرُجُ الرَّبُّ ويُحارِبُ تِلكَ الأُمَم، كما يُحارِبُ في يَومِ القِتال. وتَقِفُ قَدَماه في ذٰلك اليَومِ على جَبَلِ الزَّيتونِ الَّذي قُبالَةَ أُورَشَليمَ إِلى الشَّرْق، فيَنشَقُّ جَبَلَ الزَّيتونِ مِن نِصفِه نَحوَ الشَّرْقِ ونَحوَ الغَرْبِ وادِيًا عَظيمًا جِدًّا، ويَنفَصِلُ نِصفُ الجَبَلِ إِلى الشَّمالِ ونِصفُه إِلى الجَنوب. وتَهرُبونَ إِلى وادي جِبالي، لأَنَّ وادِيَ الجِبالِ يَنتَهي إِلى آصَل. تَهرُبونَ كما هَرَبتُم مِنَ الزِّلْزالِ في أَيَّامِ عُزِّيَّا، مَلِكِ يَهوذا، ويأتي الرَّبُّ إِلٰهي وجَميعُ القِدِّيسينَ معَه. وفي ذٰلك اليَوم، لا يَكونُ يَومٌ صافٍ، ثُمَّ يَومٌ غائِم. ويَكونُ يَومٌ واحِد، وهو مَعْلومٌ عِندَ الرَّبّ، ولا يَكونُ نَهارٌ ولا لَيْل، بل يَكونُ وَقتَ المَساءِ نور. ويَكونُ في ذٰلك اليَومِ أَنَّ مِياهًا حَيَّةً تَخرُجُ مِن أُورَشَليم، نِصفُها إِلى بَحرِ الشَّرْقِ ونِصفُها إِلى بَحرِ الغَرْب، وذٰلك صَيفًا وشِتاءً. ويَكونُ الرَّبُّ مَلِكًا على الأَرضِ كُلِّها، وفي ذٰلك اليَوم، يَكونُ رَبٌّ واحِدٌ وٱسمُه واحِد. وتَعودُ كُلُّ الأَرضِ سَهْلًا مِن جَبْعَ إِلى رِمُّونَ في جَنوبِ أُورَشَليم، وتَرتَفِعُ أُورَشَليمُ وتُسكَنُ في مَكانِها مِن بابِ بَنْيامينَ إِلى مَكانِ البابِ الأَوَّلِ وإِلى بابِ الزَّوايا، ومِن بُرجِ حَنَنْئيلَ إِلى مَعاصِرِ المَلِك، ويَسكُنونَ فيها، ولا يَكونُ تَحْريمٌ مِن بَعدُ، فتُسكَنُ أُورَشَليمُ بِالأَمْن. وهٰذه هي الضَّربَةُ الَّتي يَضرِبُ بِها الرَّبُّ جَميعَ الشُّعوبِ الَّتي حارَبَت أُورَشَليم. يُفسِدُ لُحومَهم وهُم واقِفونَ على أَرجُلِهم، وعُيونُهم تَفسُدُ في وُقوبِها، وأَلسِنَتُهم تَفسُدُ في أَفْواهِهم. وفي ذٰلك اليَوم، يَكونُ مِنَ الرَّبِّ ٱضطِرابٌ شَديدٌ فيهم، فيُمسِكُ الواحِدُ يَدَ قَريبِه، فيَرفَعُ الواحِدُ يَدَه على الآخَر. ويَهوذا أَيضًا يُقاتِلُ في أُورَشَليم، وتُجمَعُ ثَروَةُ جَميعِ الأُمَمِ مِن حَولِها: الذَّهَبُ والفِضَّةُ والمَلابِسُ بِكَثرَةٍ عَظيمة. وهٰكذا تَكونُ ضَربَةُ الفَرَسِ والبَغْلِ والجَمَلِ والحِمارِ وسائِرِ البَهائِمِ الَّتي في هٰذه المُعَسكَرات، تَكونُ كتِلكَ الضَّربَة. ويَكونُ أَنَّ جَميعَ الَّذينَ أُبقِيَ علَيهم مِن جَميعِ الأُمَمِ الزَّاحِفَةِ على أُورَشَليم يَصعَدونَ سَنَةً بَعدَ سَنَةٍ لِيَسجُدوا لِلمَلِكِ، رَبِّ القُوَّات، ولِيُعَيِّدوا عيدَ الأَكْواخ. ويَكونُ أَنَّ جَميعَ الَّذينَ لا يَصعَدونَ مِن عَشائِرِ الأَرضِ إِلى أُورَشَليمَ لِيَسجُدوا لِلمَلِكِ، رَبِّ القُوَّات، لا يَنزِلُ علَيهم مَطَر. وعَشيرةُ مِصرَ، إِن كانَت لا تَصعَدُ ولا تَأتي، أَفلا تَنالُها الضَّربَةُ الَّتي يَضرِبُ بِها الرَّبُّ الأُمَمَ الَّتي لا تَصعَدُ لِتُعَيِّدَ عيدَ الأَكْواخ؟ هٰذا يكونُ عِقابُ مِصرَ وعِقابُ جَميعِ الأُمَمِ الَّتي لا تَصعَدُ لِتُعَيِّدَ عيدَ الأَكْواخ. في ذٰلك اليَوم، يَكونُ على جَلاجِلِ الخَيلِ «قُدسٌ لِلرَّبّ»، والقُدورُ في بَيتِ الرَّبِّ تَكونُ كالكؤُوسِ أَمامَ المَذبَح. بل كُلُّ قِدرٍ في أُورَشَليمَ وفي يَهوذا تَكونُ قُدسًا لِرَبِّ القُوَّات. وجَميعُ الذَّابِحينَ يَأتونَ ويَأخُذونَ مِنها ويَطبُخونَ فيها، ولا يَكونُ مِن بَعدُ تاجِرٌ في بَيتِ رَبِّ القُوَّاتِ في ذٰلك اليَوم. قَول. كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى إِسْرائيلَ على لِسانِ مَلاخي: «إِنِّي أَحبَبتُكم»، قالَ الرَّبّ. وتَقولونَ: «بِمَ أَحبَبتَنا»؟ «أَلَيسَ عيسو أَخًا لِيَعْقوب، يَقولُ الرَّبّ؟ وقَد أَحبَبتُ يَعْقوبَ وأَبغَضتُ عيسو، وجَعَلتُ جِبالَه قَفرًا وميراثَه لِبَناتِ آوى البَرِّيَّة». إِن قالَ أَدوم: «قد دُمِّرْنا، ولٰكِن سنَعودُ ونَبْني الأَخرِبَة»، فهٰكَذا قالَ رَبُّ القُوَّات: «لِيَبْنوا هُم، وأَنا أَهدِم، ويُدعَونَ أَرضَ الشَّرِّ والشَّعبَ الَّذي غَضِبَ الرَّبُّ علَيه لِلأَبَد. فتَرى عُيونُكم وتَقولون: الرَّبُّ عَظيمٌ إِلى ما ورَاءَ أَرضِ إِسْرائيل. الِٱبنُ يُكرِمُ أَباه والعَبدُ يُكرِمُ سَيِّدَه. فإِن كُنتُ أَنا أَبًا فأَينَ كَرامَتي؟ وإِن كُنتُ سَيِّدًا فأَينَ مَهابَتي، قالَ لَكم رَبُّ القُوَّات، أَيُّها الكَهَنَةُ المُزدَرونَ ٱسْمي؟ وتَقولون: «بِمَ ٱزدَرَينا ٱسمَكَ؟» «بِأَنَّكم تُقَرِّبونَ على مَذبَحي طَعامًا نَجِسًا، وتَقولون: بِمَ نَجَّسْناكَ؟ بِقَولِكم إِنَّ مائِدَة الرَّبِّ حَقيرة. إِذا قَرَّبتُم بَهيمَةً عَمْياءَ ذَبيحَةً، أَفَلَيسَ ذٰلك شَرًّا؟ وإِذا قَرَّبتُم عَرْجاءَ وسَقيمةً، أَفَليسَ ذٰلك شَرًّا؟ قَرِّبْها لِحاكِمِكَ، أَفَيَرْضى عنكَ أَو يُكرِمُ وَجهَكَ، قالَ رَبُّ القُوَّات؟ فالآنَ ٱستَرْضوا وَجهَ اللهِ لِيَرأَفَ بِنا (فإِنَّ هٰذا قد كانَ مِن أَيديكم). أَلعَلَّه يُكرِمُ وجُوهَكم؟، قالَ رَبُّ القُوَّات. مَن مِنكم يُغلِقُ الأَبْوابَ لِئَلاَّ توقِدوا نارَ مَذبَحي عَبَثًا؟ لَيسَ هَوايَ فيكم، قالَ رَبُّ القُوَّات، ولا أَرْضى تَقدِمَةً مِن أَيديكم، لأَنَّه مِن مَشرِقِ الشَّمسِ إِلى مَغرِبِها ٱسْمي عَظيمٌ في الأُمَم، وفي كُلِّ مَكانٍ تُحرَقُ وتُقَرَّبُ لِٱسْمي تَقدِمَةٌ طاهِرَة، لأَنَّ ٱسْمي عَظيمٌ في الأُمَم، قالَ رَبُّ القُوَّات. أَمَّا أَنتُم فقد دَنَّستُموه بقَولِكم إِنَّ مائِدَةَ الرَّبِّ مُنَجَّسةٌ وطَعامَها مُزْدَرًى. وقُلتُم: «أُنظُروا! ما أَثقَلَ ذٰلك!»، وٱحتَقَرتُموه، قالَ رَبُّ القُوَّات، وأَتَيتُم بِالبَهيمةِ المَسْروقَة، العَرْجاءِ والسَّقيمة، وقَرَّبتُموها تَقدَمَةً. أَفأَرْضى بِهٰذا مِن أَيديكم؟، قال الرَّبّ. مَلْعونٌ الماكِرُ الَّذي عِندَه في قَطيعِه ذَكَر، وهو يَنذِرُ ويَذبَحُ لِلسَّيِّدِ ما هو مَعيب، فإِنِّي مَلِكٌ عَظيم، قالَ رَبُّ القُوَّات، وٱسْمي مَهيبٌ بَينَ الأُمَم. والآن، إِلَيكم هٰذه الوَصِيَّةَ أَيُّها الكَهَنَة: إِن لم تَسمَعوا ولَم تَجعَلوا في قُلوبِكم أَن تُؤَدُّوا مَجدًا لِٱسْمي، قالَ رَبُّ القُوَّات، أُرسِلُ علَيكُمُ اللَّعنَة، وأَلعنُ بَرَكاتِكم، أَلعَنُها لأَنَّكم لم تَجعَلوا ذٰلك في قُلوبِكم. هاءَنَذا أَقطَعُ أَذرُعَكم وأَذْري الرَّوثَ على وُجوهِكم، رَوثَ أَعْيادِكم، ويُذهَبُ بِكم معَه، فتَعلَمونَ أَنِّي أَرسَلتُ إِلَيكُم بِهٰذه الوَصِيَّة، لِيَبْقى عَهْدي مع لاوي، قالَ رَبُّ القُوَّات. كانَ عَهْدي معَه حَياةً وسَلامًا فوَهَبتُهما لَه، وتَقْوى فٱتَّقاني وهابَ ٱسْمي. كانَ في فَمِه تَعْليمُ حَقّ، ولم يوجَدْ إِثمٌ في شَفَتَيه. سار معي بِالسَّلامةِ والِٱستِقامة، ورَدَّ كَثيرينَ عنِ الإِثْم، لأَنَّ شَفَتَيِ الكاهِنِ تَحفَظانِ المَعرِفَة، ومِن فَمِه يَطلُبونَ التَّعْليم، إِذ هو رَسولُ رَبِّ القُوَّات. أَمَّا أَنتُم فحِدتُم عنِ الطَّريقِ وعَثَّرتُم كَثيرينَ بِالتَّعْليم، ونَقَضْتُم عَهدَ لاوي، قالَ رَبُّ القُوَّات. فأَنا أَيضًا جَعَلتُكم حَقيرينَ وأَدنِياءَ عِندَ جَميعِ الشَّعْب، بِقَدْرِ ما أَنَّكم لم تَحفَظوا طُرُقي وحابَيتُمُ الوُجوهَ في تَعْليمِكم. أَلَيسَ لِجَميعِنا أَبٌ واحِد؟ أَلَيسَ إِلٰهٌ واحِدٌ خَلَقَنا؟ فلِمَ يَغدِرُ الواحِدُ بِأَخيه مُدَنِّسًا عَهدَ آبائِنا؟ لقد غَدَرَ يَهوذا وصُنِعَت قَبيحَةٌ في إِسْرائيلَ وفي أُورَشَليم، لأَنَّ يَهوذا دَنَّسَ قُدسَ الرَّبِّ الَّذي أَحَبَّه، وتَزَوَّجَ بِنتَ إِلٰهٍ غَريب. لِيَستَأصِلِ الرَّبُّ، لِلأُنْسانِ الَّذي يَصنَعُ هٰذه، شاهِدَه ومُحامِيَه مِن خِيامِ يَعْقوب، والمُقَرِّبُ تَقدِمَةً لِرَبِّ القُوَّات. وهٰذا ثانِيًا ما صَنَعتُم: غَمَرتُم مَذبَحَ الرَّبِّ بِدُموعِ البُكاءِ والنَّحيب، لأَنَّه لم يَعُدْ يَلتَفِتُ إِلى التَّقدِمة، ولا يَقبَلُ مِن أَيديكُم شيئًا مَرضِيًّا. وتقولون: لِماذا؟ لأَنَّ الرَّبَّ كانَ شاهِدًا بَينَكَ وبَينَ ٱمرَأَةِ صِباكَ الَّتي غَدَرتَ بِها، وهي قَرينَتُكَ وٱمرَأَةُ عَهدِكَ. ولا يَصنَعُ أَحَدٌ ذٰلك إِن كانَ فيه بَقِيَّةُ حَياة. وماذا يَطلُبُ هٰذا الشَّخْصُ؟ نَسْلًا مِنَ الله. فصونوا أَرْواحَكم، ولا تَغدُرْ بِٱمرَأَةِ صِباك. لأَنَّه، إِذا طَلَّقَ أَحَدٌ عن بُغْض، قالَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرائيل، غَطَّى لِباسَه عُنفًا، قالَ رَبُّ القُوَّات. فصونوا أَرْواحَكم ولا تَغدُروا. لقَد أَسأَمتُمُ الرَّبَّ بِكَلامِكم وتَقولون: بِمَ أَسأَمناه؟ بِقَولكم: كُلُّ مَن يَصنَعُ الشَّرَّ فهو صالِحٌ في عَينَيِ الرَّبّ، وبِهم هو يَرتَضي، أَو بِقَولِكُم: أَينَ إِلٰهُ العَدْل؟ هاءَنَذا مُرسِلٌ رَسولي فيُعِدُّ الطَّريقَ أَمامي، ويَأتي فَجأَةً إِلى هَيكَلِه السَّيِّدُ الَّذي تَلتَمِسونَه، ومَلاكُ العَهدِ الَّذي تَرتَضونَ بِه. ها إِنَّه آتٍ، قالَ رَبُّ القُوَّات. فمَنِ الَّذي يَحتَمِلُ يَومَ مَجيئِه ومَنِ الَّذي يَقِفُ عِندَ ظُهورِه؟ فإِنَّه مِثلُ نارِ السَّبَّاكِ وكمَسْحوقٍ مُنَظِّفٍ لِلثِّياب. فيَجلِسُ سابِكًا ومُنَقِّيًا الفِضَّة، فيُنَقِّي بَني لاوي ويُمَحِّصُهم كالذَّهَبِ والفِضَّة، فيَكونونَ لِلرَّبِّ مُقَرَّبينَ تَقدِمَةً بِالبِرّ، وتَكونُ تَقدِمَةُ يَهوذا وأُورَشَليمَ مَرضِيَّةً لِلرَّبّ، كما في الأَيَّامِ الماضِيَةِ والسِّنينَ القَديمة، وأَتَقَرَّبُ مِنكم لِلحُكْمِ، وأَكونُ شاهِدًا سَريعًا على العَرَّافينَ والفاسِقينَ والحالِفينَ زورًا والظَّالِمينَ الأَجيرَ في أُجرَتِه والأَرمَلَةَ واليَتيم، وعلى الَّذينَ يَهضِمونَ حَقَّ النَّزيلِ ولا يَخشَونَني، قالَ رَبُّ القُوَّات. فإِنِّي أَنا الرَّبَّ لا أَتَغَيَّر، وأَنتُم لا تَزالونَ بَني يَعْقوب، ومِن أَيَّامِ آبائِكم حِدتُم عن فَرائِضي ولَم تَحفَظوها. إِرجِعوا إِلَيَّ أَرجِعْ إِلَيكم، قالَ رَبُّ القُوَّات. وتَقولون: كيف نَرجِع؟ أَيَخدَعُ الإِنسانُ الله؟ والحالُ أَنَّكم تَخدَعونَني. وتَقولون: بِمَ خَدَعْناكَ؟ بِالعُشورِ والتَّقادِم. قد لُعِنتُم لَعْنًا، ثُمَّ إِنَّكم تَخدَعونَني أَنتُمُ الأُمَّةَ كُلَّها؟ هاتوا جَميعَ العُشورِ إِلى بَيتِ الخِزانة، لِيَكونَ في بَيتي طَعام، وجَرِّبوني بِذٰلك، قالَ رَبُّ القُوَّات. تَرَوا هل لا أَفتَحُ لَكم نَوافِذَ السَّماءِ وأُفيضُ علَيكم بَرَكَةً لا تَنفَد، وأَنتَهِرُ لأَجلِكمُ الآكِل، فلا يُتلِفُ لَكم ثَمَرَ الأَرضِ ولا تَكونُ لَكمُ الكَرمَةُ عَقيمَةً في الحَقْل، قالَ رَبُّ القُوَّات. فتُهَنِّئُكُم جَميعُ الأُمَم، لأَنَّكم تَكونونَ أَرضًا شَهِيَّة، قالَ رَبُّ القُوَّات. لقدِ ٱشتَدَّت علَيَّ أَقْوالُكم، قالَ الرَّبّ. وتَقولون: بِمَ تَحادَثْنا علَيكَ؟ إِنَّكم قُلتُم: عِبادَةُ اللهِ باطِلة، وما المَنفَعَةُ في حِفظِ أَوامِرِه وفي مَشيِنا بِالحِدادِ أَمامَ رَبِّ القُوَّات؟ والآنَ فإِنَّنا نُهَنِّئُ المُتَكَبِّرين، فإِنَّ صانِعي الشَّرِّ قد أَفلَحوا، جَرَّبوا اللهَ ونَجَوا. حينَئِذٍ تَكَلَّمَ مُتَّقو الرَّبِّ الواحِدُ مع صاحِبِه، وأَصْغى الرَّبُّ وسَمِع: كُتِبَت مُذَكَّرةٌ أَمامَه لِمُتَّقي الرَّبِّ والمُفَكِّرينَ بِٱسمِه. إِنَّهم سيَكونونَ خاصَّتي، قالَ رَبُّ القُوَّات، يَومَ أَعمَلُ وأُشفِقُ علَيهم، كما يُشفِقُ الإِنسانُ على ٱبنِه الَّذي يَخدُمُه. فتَرجِعونَ وتُمَيِّزونَ البارِّ مِنَ الشِّرِّير، والَّذي يَعبُدُ اللهَ مِنَ الَّذي لا يَعبُده. فإِنَّه هُوَذا يأتي اليَومُ المُضطَرِمُ كالتَّنُّور، فيَكونُ جَميعُ المُتَكَبِّرينَ وجَميعَ صانِعي الشَّرِّ قَشًّا، فيُحرِقُهمُ اليَومُ الآتي، قالَ رَبُّ القُوَّات، حتَّى لا يُبقِيَ لَهم أَصلًا ولا غُصنًا. وتُشرِقُ لَكم، أَيُّها المُتَّقونَ لِٱسْمي، شَمسُ البِرِّ، والشِّفاءُ في أَشِعَّتِها، فتَسرَحونَ وتَثِبونَ كعُجولِ المَعلَف، وتَدوسونَ الأَشْرار، وهُم رَمادٌ تَحتَ أَخامِصِ أَقْدامِكم، في اليَومِ الَّذي أَصنَعُه، قالَ رَبُّ القُوَّات. أُذكُروا شَريعةَ موسى عبدِيَ الَّتي أَوصَيتُه بِها في حوريبَ إِلى جَميعِ إِسْرائيل، فَرائِضَ وأَحْكامًا. هاءَنَذا أُرسِلُ إِلَيكم إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبلَ أَن يأتِيَ يَومُ الرَّبِّ العَظيمُ الرَّهيب، فَيَرُدُّ قُلوبَ الآباءِ إِلى البَنينَ وقُلوبَ البَنينَ إِلى آبائِهم، لِئَلاَّ آتِيَ وأَضرِبَ الأَرضَ بِالتَّحْريم. نَسَبُ يسوعَ المسيحِ ٱبنِ داودَ بنِ إِبْراهيم: إِبْراهيم وَلَدَ إِسْحٰق، وإِسْحٰق وَلَدَ يَعْقوب، ويَعْقوب وَلَدَ يَهوذا وإِخوَتَه، ويَهوذا وَلَدَ فارَص وزارَح مِن تامار، وفارَص وَلَدَ حَصْرون، وحَصْرون وَلَدَ أَرام، وأَرام وَلَدَ عَمِّيناداب، وعَمِّناداب وَلَدَ نَحْشون، ونَحْشون وَلَدَ سَلْمون، وسَلْمون وَلَدَ بُوعَز مِن راحاب، وبُوعَز وَلَدَ عُوبيد مِن راعوت، وعُوبيد وَلَدَ يَسَّى، ويَسَّى وَلَدَ المَلِكَ داود، وداود وَلَدَ سُلَيمان مِن أَرْمَلةِ أُورِيَّا، وسُلَيمان وَلَدَ رَحَبْعام، ورَحَبْعام وَلَدَ أَبِيَّا، وأَبِيَّا وَلَدَ آسا، وآسا وَلَدَ يوشافاط، ويوشافاط وَلَدَ يورام، ويورام وَلَدَ عوزِيَّا، وعوزِيَّا وَلَدَ يُوتَام، ويُوتَام وَلَدَ آحاز، وآحاز وَلَدَ حِزْقِيَّا، وحِزْقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى، ومَنَسَّى وَلَدَ آمون، وآمون وَلَدَ يوشِيَّا، ويوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيا وإخوَتَه عِندَ الجَلاءِ إِلى بابِل. وبَعدَ الجَلاءِ إِلى بابِل، يَكُنْيا وَلَدَ شَأَلْتَئيل، وشَأَلْتَئيل وَلَدَ زَرُبَّابَل، وزَرُبَّابَل وَلَدَ أَبيهود، وأَبيهود وَلَدَ أَلْياقيم، وأَلْياقيم وَلَدَ عازور، وعازور وَلَدَ صادوق، وصادوق وَلَدَ آخيم، وآخيم وَلَدَ أَلِيهود، وأَلِيهود وَلَدَ أَلِعازَر، وأَلِعازَر وَلَدَ مَتَّان، ومَتَّان وَلَدَ يَعْقوب، ويَعْقوب وَلَدَ يوسُف زَوجَ مَريمَ الَّتي وُلِدَ مِنها يسوع وهو الَّذي يُقالُ له المسيح. فمَجْموعُ الأَجيالِ مِن إِبْراهيمَ إِلى داود أَربعةَ عَشَرَ جيلاً، ومِن داودَ إِلى الجَلاءِ إِلى بابِل أَربعَةَ عَشَرَ جيلاً، ومِنَ الجَلاءِ إِلى بابِل إِلى المسيح أَربعةَ عَشَرَ جيلاً. أَمَّا أَصل يسوعَ المسيح فكانَ أَنَّ مَريمَ أُمَّه، لَمَّا كانَت مَخْطوبةً لِيُوسُف، وُجِدَت قَبلَ أَن يَتَساكنا حامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس. وكانَ يُوسُفُ زَوجُها بارًّا، فَلَمْ يُرِدْ أَن يَشهَرَ أَمْرَها، فعزَمَ على أَن يُطَلِّقَها سِرًّا. وما نَوى ذلك حتَّى تراءَى له مَلاكُ الرَّبِّ في الحُلمِ وقالَ له: «يا يُوسُفَ بنَ داود، لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِٱمرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ. فإِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وستَلِدُ ٱبنًا فسَمِّهِ يسوع، لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم». وكانَ هٰذا كُلُّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيّ: «ها إِنَّ العَذراءَ تَحْمِلُ فتَلِدُ ٱبنًا يُسمُّونَه عِمَّانوئيل» أَي «اللهُ معَنا». فلمَّا قامَ يُوسُفُ مِنَ النَّوم، فَعَلَ كَما أَمَرَه مَلاكُ الرَّبِّ فأَتى بِٱمرَأَتِه إِلى بَيتِه، على أَنَّه لم يَعرِفْها حتَّى وَلَدَتِ ٱبنًا فسمَّاه يسوع. ولمَّا وُلِدَ يسوعُ في بَيتَ لَحمِ اليهودِيَّة، في أَيَّامِ المَلِكِ هيرودُس، إِذا مَجوسٌ قَدِمُوا أُورَشَليم مِنَ المَشرِقِ وقالوا: «أَينَ مَلِكُ اليهودِ الَّذي وُلِد؟ فقَد رأَينا نَجمَه في المَشرِق، فجِئْنا لِنَسجُدَ لَه». فلَمَّا بلَغَ الخَبَرُ المَلِكَ هيرودُس، اِضطَرَبَ وٱضطَرَبَت معَه أُورَشَليمُ كُلُّها. فجَمَعَ عُظَماءَ الكَهَنَةِ وكَتَبَةَ الشَّعْبِ كُلَّهم وٱستَخْبَرَهم أَينَ يُولَدُ المسيح. فقالوا له: «في بَيْتَ لَحْمِ اليَهودِيَّة، فقَد أُوحِيَ إِلى النَّبِيِّ فكَتَب: «وأَنتِ يا بَيتَ لَحمُ، أَرضَ يَهوذا، لَسْتِ أَصغَرَ وِلاياتِ يَهوذا، فمِنكِ يَخرُجُ الوالي الَّذي يَرْعى شَعْبي إِسرائيل». فدَعا هيرودُسُ المَجوسَ سِرًّا وتَحقَّقَ مِنْهم في أَيِّ وَقْتٍ ظهَرَ النَّجْم. ثُمَّ أَرْسَلَهم إِلى بَيتَ لَحمَ وقال: «إِذْهَبوا فٱبحَثوا عنِ الطِّفْلِ بَحْثًا دَقيقًا، فإِذا وَجَدْتُموه فأَخبِروني لأَذهَبَ أَنا أَيضًا وأَسجُدَ له». فلمَّا سَمِعوا كَلامَ المَلِكِ ذَهَبوا. وإِذا النَّجْمُ الَّذي رأَوهُ في المَشرِقِ يَتَقَدَّمُهم حتَّى بَلَغَ المَكانَ الَّذي فيه الطِّفلُ فوَقَفَ فَوقَه. فلمَّا أَبصَروا النَّجْمَ فَرِحوا فَرَحًا عَظيمًا جِدًّا. ودَخَلوا البَيتَ فرأَوا الطِّفلَ مع أُمِّه مَريم. فجَثَوا له ساجدين، ثُمَّ فتَحوا حَقائِبَهم وأَهْدَوا إِليه ذَهبًا وبَخورًا ومُرًّا. ثُمَّ أُوحِيَ إِلَيهِم في الحُلمِ أَلاَّ يَرجِعوا إِلى هيرودُس، فٱنصَرَفوا في طَريقٍ آخَرَ إِلى بِلادِهم. وكانَ بَعدَ ٱنصِرافِهِم أَنْ تَراءَى مَلاكُ الرَّبِّ لِيوسُفَ في الحُلمِ وقالَ لَه: «قُم فَخُذِ الطِّفْلَ وأُمَّه وٱهرُبْ إِلى مِصْرَ وأَقِمْ هُناكَ حَتَّى أُعْلِمَك، لأَنَّ هيرودُسَ سَيَبْحَثُ عَنِ الطِّفلِ لِيُهلِكَه». فقامَ فأَخَذَ الطِّفْلَ وأُمَّه لَيلاً ولَجَأَ إِلى مِصر. فأَقامَ هُناكَ إِلى وَفاةِ هيرودُس، لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيّ: «مِن مِصرَ دَعَوتُ ٱبني». فلَمّا رأَى هيرودُسُ أَنَّ المَجوسَ سَخِروا مِنه، ٱستَشاطَ غَضَبًا وأَرسَلَ فقَتلَ كُلَّ طِفلٍ في بَيتَ لحمَ وجَميعِ أَراضيها، مِنِ ٱبنِ سَنَتَيْنِ فما دونَ ذلك، بِحَسَبِ الوَقْتِ الَّذي تَحَقَّقَه مِنَ المَجوس. فتمَّ ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيِّ إِرْمِيا: «صَوتٌ سُمِعَ في الرَّامة، بُكاءٌ ونَحيبٌ شَديد: راحيلُ تبكي على بَنيها، وقَد أَبَتْ أَن تَتَعَزَّى، لأَنَّهم زالوا عَنِ الوُجود». وما إِن تُوُفِّيَ هيرودُس حتَّى تراءَى ملاكُ الرَّبِّ في الحُلمِ لِيُوسُفَ في مِصرَ وقالَ له: «قُمْ فَخُذِ الطِّفْلَ وأُمَّه وٱذهَبْ إِلى أَرضِ إِسْرائيل، فقد ماتَ مَن كانَ يُريدُ إِهلاكَ الطِّفْل». فقامَ فأَخَذَ الطِّفْلَ وأُمَّه ودَخَلَ أَرضَ إِسرائيل. لَكِنَّه سَمِعَ أَنَّ أَرخِلاَّوُسَ خَلَفَ أَباهُ هيرودُسَ على اليَهودِيَّة، فخافَ أَن يَذهَبَ إِليها. فأُوحِيَ إِليه في الحُلم، فلجَأَ إِلى ناحِيَةِ الجَليل. وجاءَ مَدينةً يُقالُ لها النَّاصِرَة فسَكَنَ فيها، لِيَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ الأَنبِياء: إِنَّه يُدعى ناصِريًّا. في تِلكَ الأَيَّام، ظَهَرَ يُوحنَّا المَعمَدان يُنادي في بَرِّيَّةِ اليَهودِيَّةِ فيقول: «توبوا، قدِ ٱقتَرَبَ مَلكوتُ السَّموات». فهُوَ الَّذي عَناهُ النَّبِيُّ أَشَعْيا بِقَولِه: «صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ، وٱجعَلوا سُبُلَه قويمة». وكانَ على يُوحنَّا هٰذا لِباسٌ مِن وَبَرِ الإِبِل، وحَولَ وَسَطِه زُنَّارٌ مِن جِلْد. وكانَ طَعامُه الجَرادَ والعَسلَ البَرِّيّ. وكانَتْ تَخرُجُ إِلَيهِ أُورَشَليم وجَميعُ اليهودِيَّةِ وناحيةُ الأُردُنِّ كُلُّها، فيَعتَمِدونَ عَن يَدِه في نَهرِ الأُردُنِّ مُعتَرِفينَ بِخَطاياهم. ورأَى كَثيرًا مِنَ الفِرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقِيِّينَ يُقبِلونَ على مَعمودِيَّتِه، فقالَ لَهم: «يا أَولادَ الأَفاعي، مَن أَراكم سَبيلَ الهَرَبِ مِنَ الغَضَبِ الآتي؟ فأَثمِروا إِذًا ثَمَرًا يَدُلُّ على تَوبَتِكم، ولا يَخطُرْ لَكم أَن تُعَلِّلوا النَّفْسَ فتَقولوا: «إِنَّ أَبانا هُوَ إِبْراهيم». فإِنِّي أَقولُ لَكم إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أَن يُخرِجَ مِن هذِه الحِجارَةِ أَبناءً لإِبراهيم. ها هِيَ ذي الفَأسُ على أُصولِ الشَّجَر، فكُلُّ شجَرَةٍ لا تُثمِرُ ثَمَرًا طَيِّبًا تُقطَعُ وتُلْقى في النَّار. أَنا أُعَمِّدُكم في الماءِ مِن أَجْلِ التَّوبة، وأَمَّا الآتي بَعدِي فهو أَقْوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهْلاً لأَن أَخلَعَ نَعْلَيْه. إِنَّه سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار. بيَدِه المِذْرى يُنقِّي بَيْدَرَه فيَجمَعُ قَمحَه في الأَهراء، وأَمَّا التِّبنُ فيُحرِقُه بنارٍ لا تُطْفأ». في ذٰلِكَ الوَقْت ظَهَرَ يسوع وقَد أَتى مِنَ الجَليلِ إِلى الأُردُنّ، قاصِدًا يُوحنَّا لِيَعتَمِدَ عن يَدِه. فجَعَلَ يُوحنَّا يُمانِعُه فيَقول: «أَنا أَحتاجُ إِلى الاِعتِمادِ عن يَدِكَ، أَوَأَنتَ تَأتي إِلَيَّ؟» فأَجابَه يسوع: «دَعْني الآنَ وما أُريد، فهٰكذا يَحسُنُ بِنا أَن نُتِمَّ كُلَّ بِرّ». فتَرَكَه وما أَراد. وٱعتَمَدَ يسوع وخَرَجَ لِوَقتِه مِنَ الماء، فإِذا السَّمَواتُ قدِ ٱنفَتَحت فرأَى رُوحَ اللهِ يَهبِطُ كأَنَّه حَمامةٌ ويَنزِلُ علَيه. وإِذا صَوتٌ مِنَ السَّمَواتِ يَقول: «هٰذا هُوَ ٱبنِيَ الحَبيبُ الَّذي عَنه رَضِيت». ثُمَّ سارَ الرُّوحُ بِيَسوعَ إِلى البَرِّيَّةِ لِيُجَرِّبَه إِبليس. فصامَ أَربَعينَ يومًا وأَربَعينَ لَيلةً حتَّى جاع. فدَنا مِنه المُجَرِّبُ وقالَ له: «إِن كُنتَ ٱبنَ الله، فمُرْ أَن تَصيرَ هذِه الحِجارَةُ أَرغِفة» فأَجابَه: «مكتوبٌ: ليسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحْيا الإِنْسان بل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِن فَمِ الله». فمَضى بِه إِبليسُ إِلى المَدينَةِ المُقَدَّسة وأَقامَه على شُرفَةِ الهَيكل، وقالَ لَه: «إِن كُنتَ ٱبنَ الله فأَلقِ بِنَفسِكَ إِلى الأَسْفَل، لأَنَّه مَكتوب: «يُوصي مَلائِكتَه بِكَ، فعلى أَيديهم يَحمِلونَكَ، لِئَلاَّ تَصدِمَ بِحَجرٍ رِجلَكَ». فقالَ له يسوع: «مَكْتوبٌ أَيضًا: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ». ثُمَّ مَضى بِه إِبليسُ إِلى جَبَلٍ عالٍ جدًّا وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الدُّنْيا ومَجدَها، وقالَ لَه: «أُعطيكَ هٰذا كُلَّه إِن جَثَوتَ لي ساجِدًا». فقالَ له يسوع: «إِذْهَبْ، يا شَيطان! لأَنَّه مَكتوب: لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ تَسجُد وإِيَّاهُ وَحدَه تَعبُد». ثُمَّ تَرَكَه إِبليس، وإِذا بِمَلائِكةٍ قد دنَوا منهُ وأَخذوا يَخدُمونَه. وبَلَغَ يسوعَ خَبرُ ٱعتِقالِ يوحنَّا، فلَجأَ إِلى الجَليل. ثُمَّ تَركَ النَّاصِرَةَ وجاءَ كَفَرْناحوم على شاطِئِ البَحرِ في بِلادِ زَبولونَ ونَفْتالي فسَكَنَ فيها، لِيَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ النَّبِيِّ أَشَعْيا: «أَرضُ زَبولون وأَرضُ نَفْتالي، طَريقُ البَحرِ، عِبرُ الأُردُنّ، جَليلُ الأُمَم. الشَّعبُ المُقيمُ في الظُّلْمَةِ أَبصَرَ نُورًا عَظيمًا، والمُقيمونَ في بُقْعَةِ المَوتِ وظِلالِه أَشرَقَ عليهِمِ النُّور». وبَدَأَ يسوعُ مِن ذلك الحِين يُنادي فيَقول: «تُوبوا، قدِ ٱقتَرَبَ مَلكوتُ السَّمَوات». وكانَ يسوعُ سائرًا على شاطِئِ بَحرِ الجَليل، فرأَى أَخَوَيْنِ هُما سِمعانُ الَّذي يُقالُ لَه بُطرُس وأَندَراوُس أَخوهُ يُلقِيانِ الشَّبَكَةَ في البَحرِ، لأَنَّهما كانا صَيَّادَيْن. فقالَ لَهما: «إِتْبَعاني أَجعَلْكما صَيَّادَيْ بَشر». فتَرَكا الشِّباكَ مِن ذٰلك الحينِ وتَبِعاه. ثُمَّ مَضى في طَريقِه فرأَى أَخَوَيْنِ آخَرَيْن، هُما يَعْقُوبُ بنُ زَبَدَى ويُوحَنَّا أَخوهُ، معَ أَبيهِما زَبَدى في السَّفينَةِ يُصلِحانِ شِباكَهما، فدَعاهما فتَرَكا السَّفينَةَ وأَباهُما مِن ذٰلك الحينِ وتَبِعاه. وكانَ يَسيرُ في الجَليلِ كُلِّه، يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم ويُعلِنُ بِشارَةَ المَلَكوت، ويَشْفي الشَّعبَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة. فشاعَ ذِكْرُه في سورِيةَ كُلِّها، فأَتَوه بِجَميعِ المَرْضى المُصابينَ بِمُخْتَلِفِ العِلَلِ والأَوجاع: مِنَ المَمْسوسينَ والَّذينَ يُصرَعونَ في رَأسِ الهِلال والمُقعَدينَ فشفاهم. فتَبِعَتْه جُموعٌ كَثيرةٌ مِنَ الجَليلِ والمُدُنِ العَشْرِ وأُورَشَليمَ واليَهودِيَّةِ وعِبْرِ الأُرْدُنّ. فلمَّا رأَى الجُموع، صَعِدَ الجَبَلَ وجَلَسَ، فدَنا إِلَيه تَلاميذُه فشَرَعَ يُعَلِّمُهم قال: «طوبى لِفُقَراءِ الرُّوح، فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات. طوبى لِلوُدَعاء، فإِنَّهم يَرِثونَ الأَرض. طوبى لِلْمَحْزُونين، فإِنَّهم يُعَزَّون. طوبى لِلْجِياعِ والعِطاشِ إِلى البِرّ، فإِنَّهم يُشبَعون. طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون. طوبى لأَطهارِ القُلوب، فإِنَّهم يُشاهِدونَ الله. طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام، فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون. طوبى لِلمُضطَهَدينَ على البِرّ، فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات. طوبى لكم، إِذا شَتَموكم وٱضْطَهدوكم وٱفْتَرَوْا علَيكم كُلَّ كَذِبٍ مِن أَجلي، اِفرَحوا وٱبْتَهِجوا: إِنَّ أَجرَكم في السَّمَواتِ عظيم، فهٰكذا ٱضْطَهدوا الأَنبِياءَ مِن قَبْلِكم. «أَنتُم مِلحُ الأَرض، فإِذا فَسَدَ المِلْح، فأَيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُه؟ إِنَّه لا يَصلُحُ بَعدَ ذٰلك إِلاَّ لأَنْ يُطرَحَ في خارِجِ الدَّار فَيَدوسَه النَّاس. «أَنتُم نورُ العالَم. لا تَخْفى مَدينَةٌ قائمةٌ عَلى جَبَل، ولا يُوقَدُ سِراجٌ وَيُوضَعُ تَحْتَ المِكيال، بَل عَلى المَنارَة، فَيُضِيءُ لِجَميعِ الَّذينَ في البَيْت. هٰكذا فَلْيُضِئْ نُورُكُم لِلنَّاس، لِيَرَوْا أَعمالَكُمُ الصَّالِحَة، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الَّذي في السَّموات. «لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُبْطِلَ الشَّريعَةَ أَوِ الأَنْبِياء: ما جِئْتُ لأُبْطِل، بَل لأُكْمِل. الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن يَزولَ حَرْفٌ أَو نُقْطَةٌ مِنَ الشَّريعَة حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ شَيْء، أَو تزولَ السَّماءُ والأَرض. فمَن خالفَ وَصِيَّةً مِن أَصْغَرِ تِلكَ الوَصايا وعَلَّمَ النَّاسَ أَن يَفعَلوا مِثْلَه، عُدَّ الصَّغيرَ في مَلَكوتِ السَّمَوات. وأَمَّا الَّذي يَعمَلُ بِها ويُعَلِّمُها فذاكَ يُعَدُّ كَبيرًا في ملكوتِ السَّمَوات. «فإِنِّي أقولُ لكم: إِن لم يَزِدْ بِرُّكُم على بِرِّ الكَتَبَةِ والفِرِّيسيِّين، لا تَدخُلوا مَلكوتَ السَّموات. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قيلَ لِلأَوَّلين: «لا تَقْتُلْ، فإِنَّ مَن يَقْتُلُ يَستَوجِبُ حُكْمَ القَضاء». أَمَّا أَنا فأَقولُ لَكم: مَن غَضِبَ على أَخيهِ ٱستَوجَبَ حُكْمَ القَضاء، وَمَن قالَ لأَخيهِ: «يا أَحْمَق» اِستَوجَبَ حُكمَ المَجلِس، ومَن قالَ لَه: «يا جاهِل» اِستَوجَبَ نارَ جَهَنَّم. فإِذا كُنْتَ تُقَرِّبُ قُربانَكَ إِلى المَذبَح وذكَرتَ هُناكَ أَنَّ لأَخيكَ علَيكَ شيئًا، فدَعْ قُربانَكَ هُناكَ عِندَ المَذبَح، وٱذهَبْ أَوَّلاً فصالِحْ أَخاك، ثُمَّ عُدْ فَقَرِّبْ قُربانَك. سارِعْ إِلى إِرضاءِ خَصمِكَ ما دُمْتَ معَه في الطَّريق، لِئَلاَّ يُسلِمَكَ الخَصمُ إِلى القاضي والقاضي إِلى الشُّرطِيّ، فتُلْقى في السِّجْن. الحَقَّ أَقولُ لَكَ: لن تَخْرُجَ مِنه حتَّى تُؤدِّيَ آخِرَ فَلْس. «سَمِعْتُم أَنَّه قيل: «لا تَزْنِ». أَمَّا أَنا فأقولُ لكم: مَن نَظَرَ إِلى ٱمرَأَةٍ بِشَهْوَة، زَنى بِها في قَلْبِه. فإِذا كانت عَينُكَ اليُمنى حَجَرَ عَثْرَةٍ لَكَ، فاقلَعْها وأَلْقِها عَنك، فلأَنْ يَهلِكَ عُضْوٌ مِن أَعضائِكَ خَيْرٌ لَكَ مِن أَن يُلقى جَسَدُكَ كُلُّه في جَهَنَّم. وإِذا كانت يَدُكَ اليُمنى حَجَرَ عَثْرَةٍ لَكَ، فٱقطَعْها وأَلْقِها عنك، فلأَنْ يَهلِكَ عُضوٌ مِن أَعضائِكَ خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَذهَبَ جسدُكَ كُلُّه إِلى جَهَنَّم. «وقَد قيل: «مَن طَلَّقَ ٱمرَأَته، فلْيُعْطِها كِتابَ طَلاق». أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: مَن طَلَّقَ ٱمرَأَتَه، إِلاَّ في حالةِ الفَحْشاء عَرَّضَها لِلزِّنى، ومَن تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةً فقَد زَنى. «سَمِعتُم أَيضًا أَنَّه قِيلَ لِلأَوَّلين: «لا تَحْنَثْ، بل أَوفِ لِلرَّبِّ بِأَيْمانِكَ». أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: لا تَحلِفوا أَبدًا، لا بِالسَّماءِ فهِيَ عَرشُ الله، ولا بِالأَرضِ فهيَ مَوْطِئُ قَدَمَيْه، ولا بِأُورَشَليم فهِيَ مَدينةُ المَلِكِ العَظيم. ولا تَحْلِفْ بِرأسِكَ فأَنتَ لا تَقْدِرُ أَن تَجعَلَ شَعرَةً واحِدَةً مِنه بَيضاءَ أَو سَوداء. فلْيَكُنْ كلامُكم: نعم نعم، ولا لا. فما زادَ على ذٰلك كانَ مِنَ الشِّرِّير. «سَمِعتُم أَنَّه قيل: «العَينُ بِالعَين والسِّنُّ بِالسِّنّ». أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: لا تُقاوِموا الشِّرِّير، بَل مَن لَطَمَكَ على خَدِّكَ الأَيْمَن، فٱعرِضْ لهُ الآخَر. ومَن أَرادَ أَن يُحاكِمَكَ لِيَأخُذَ قَميصَكَ، فٱترُكْ لَه رِداءَكَ أَيضًا. ومَن سَخَّرَكَ أَن تَسيرَ معه ميلاً واحِدًا، فسِرْ معَه ميلَيْن. مَن سَأَلَكَ فأَعطِه، ومَنِ ٱستَقرَضَكَ فلا تُعرِضْ عنه. «سَمِعتُم أَنَّه قِيل: «أَحْبِبْ قَريبَك وأَبْغِضْ عَدُوَّك». أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم، لِتَصيروا بني أَبيكُمُ الَّذي في السَّمَوات، لأَنَّه يُطلِعُ شَمْسَه على الأَشْرارِ والأَخْيار، ويُنزِلُ المَطَرَ على الأَبْرارِ والفُجَّار. فإِن أَحْبَبْتُم مَن يُحِبُّكُم، فأَيُّ أَجْرٍ لكم؟ أَوَلَيسَ الجُباةُ يَفعَلونَ ذٰلك؟ وإِن سَلَّمتُم على إِخوانِكم وَحدَهم، فأَيَّ زِيادةٍ فعَلتُم؟ أَوَليسَ الوَثَنِيُّونَ يَفعَلونَ ذٰلك؟ فكونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويّ كامِل. «إِيَّاكُم أَن تَعمَلوا بِرَّكم بِمَرأًى مِنَ النَّاس لِكَي يَنظُروا إِليكم، فلا يكونَ لكُم أَجرٌ عندَ أَبيكُمُ الَّذي في السَّمَوات. فإِذا تَصَدَّقْتَ فلا يُنْفَخْ أَمامَكَ في البوق، كما يَفعَلُ المُراؤونَ في المَجامِعِ والشَّوارِعِ لِيُعَظِّمَ النَّاسُ شَأنَهم. الحَقَّ أَقولُ لكُم إِنَّهم أَخَذوا أَجرَهم. أَمَّا أَنتَ، فإِذا تَصَدَّقْتَ، فلا تَعْلَمْ شِمالُكَ ما تَفعَلُ يَمينُكَ، لِتكونَ صَدَقَتُكَ في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك. «وإِذا صَلَّيْتُم، فلا تَكونوا كالمُرائين، فإِنَّهُم يُحِبُّونَ الصَّلاةَ قائمينَ في المَجامِعِ ومُلْتَقى الشَّوارِعِ، لِيَراهُمُ النَّاس. الحَقَّ أَقولُ لكُم إِنَّهم أَخَذوا أَجْرَهم. أَمَّا أَنْتَ، فإِذا صَلَّيْتَ فٱدخُلْ حُجْرَتَكَ وأَغْلِقْ علَيكَ بابَها وصَلِّ إِلى أَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك. وإِذا صَلَّيْتُم فلا تُكَرِّروا الكَلامَ عَبَثًا مِثْلَ الوَثَنِيِّين، فهُم يَظُنُّونَ أَنَّهُم إِذا أَكثَروا الكَلامَ يُستَجابُ لهُم. فلا تَتَشَبَّهوا بِهِم، لأَنَّ أَباكُم يَعلَمُ ما تَحتاجونَ إِلَيه قَبلَ أَن تَسأَلوه. «فَصَلُّوا أَنتُم هٰذِه الصَّلاة: أَبانا الَّذي في السَّمَوات، لِيُقَدَّسِ ٱسمُكَ، لِيَأتِ مَلَكوتُكَ، لِيَكُنْ ما تَشاء، في الأَرْضِ كما في السَّماء، أُرْزُقْنا اليومَ خُبْزَ يَومِنا، وأَعْفِنا مِمَّا علَينا، فَقَد أَعْفَينا نَحْنُ أَيْضًا مَن لنا عَلَيه، ولا تترُكْنا نَتَعَرَّضُ لِلتَّجرِبة، بل نَجِّنا مِنَ الشِّرِّير. فإِن تَغفِروا لِلنَّاسِ زَلاَّتِهِم يَغْفِرْ لكُم أَبوكُمُ السَّماويّ وإِن لَم تَغفِروا لِلنَّاسِ لا يَغْفِرْ لكُم أَبوكُم زَلاَّتِكم. «وإِذا صُمتُم فلا تُعبِّسوا كالمُرائين، فإِنَّهم يُكلِّحونَ وُجوهَهُم، لِيَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّهم صائمون. الحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّهم أَخَذوا أَجرَهم. أَمَّا أَنتَ، فإِذا صُمتَ، فٱدهُنْ رأسَكَ وٱغسِلْ وَجهَكَ، لِكَيْلا يَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صائم، بل لأَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك. «لا تَكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزًا في الأَرض، حَيثُ يُفسِدُ السُّوسُ والعُثّ، ويَنقُبُ السَّارِقونَ فيَسرِقون. بلِ ٱكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزًا في السَّماء، حَيثُ لا يُفْسِدُ السُّوسُ والصَّدَأ، ولا يَنقُبُ السَّارِقونَ فيَسرِقوا. فحَيثُ يكونُ كَنزُكَ يكونُ قَلبُكَ. «سِراجُ الجَسَدِ هو العَين. فإِن كانَت عَينُكَ سَليمة، كانَ جَسدُكَ كُلُّه نَيِّرًا. وإِن كانت عَينُكَ مَريضة، كانَ جَسدُكَ كُلُّه مُظلِمًا. فإِذا كانَ النُّورُ الَّذي فيكَ ظَلامًا، فَيا لَه مِن ظَلام! «ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن. لأَنَّه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلزَمَ أَحَدَهُما ويَزدَرِيَ الآخَر. لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا للهِ ولِلمال. «لِذلكَ أَقولُ لكُم: لا يُهِمَّكُم لِلْعَيْشِ ما تَأكُلون ولا لِلجَسَدِ ما تَلبَسون. أَلَيْسَتِ الحَياةُ أَعْظَمَ مِنَ الطَّعام، والجَسَدُ أَعظَمَ مِنَ اللِّباس؟ أُنظُرُوا إِلى طُيورِ السَّماءِ كَيفَ لا تَزرَعُ ولا تَحصُدُ ولا تَخزُنُ في الأَهراء، وأَبوكُمُ السَّماويُّ يَرزُقُها. أَفَلَسْتُم أَنتُم أَثْمَنَ مِنها كَثيرًا؟ ومَنْ مِنكُم، إِذا ٱهْتَمَّ، يَستَطيعُ أَن يُضيفَ إِلى حَياتِه مِقدارَ ذِراعٍ واحِدة؟ «ولماذا يُهِمُّكُمُ اللِّباس؟ إِعتَبِروا بِزَنابقِ الحَقْلِ كيفَ تَنمو، فلا تَجهَدُ ولا تَغزِل. أَقولُ لَكُم إِنَّ سُلَيمانَ نَفْسَهُ في كُلِّ مَجدِه لم يَلبَسْ مِثلَ واحدةٍ مِنها. فإِذا كانَ عُشبُ الحَقْل، وهُوَ يُوجَدُ اليومَ ويُطرَحُ غدًا في التَّنُّور، يُلبِسُه اللهُ هكذا، فما أَحراهُ بأَن يُلبِسَكم، يا قَليلي الإِيمان! «فلا تَهْتَمُّوا فتَقولوا: ماذا نَأكُل؟ أَو ماذا نَشرَب؟ أَو ماذا نَلبَس؟ فهٰذا كُلُّه يَسْعى إِلَيه الوَثَنِيُّون، وأَبوكُمُ السَّماوِيُّ يَعلَمُ أَنَّكم تَحْتاجونَ إِلى هٰذا كُلِّه. فَٱطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هٰذا كُلَّه. لا يُهِمَّكُم أَمرُ الغَد، فالغَدُ يَهتَمُّ بِنَفْسِه. ولِكُلِّ يَومٍ مِنَ العَناءِ ما يَكْفِيه. «لا تَدينوا لِئَلاَّ تُدانوا، فكَما تَدينونَ تُدانون، ويُكالُ لكُم بِما تَكيلون. لِماذا تَنظُرُ إِلى القَذى الَّذي في عَينِ أَخيك؟ والخَشَبَةُ الَّتي في عَينِكَ أَفَلا تَأبَهُ لها؟ بل كَيفَ تَقولُ لأَخيك: «دَعْني أُخرِجُ القَذى مِن عَينِكَ» وها هي ذي الخَشَبَةُ في عَينِكَ. أَيُّها المُرائي، أَخْرِجِ الخَشَبَةَ مِن عَينِكَ أَوَّلاً، وعِندَئِذٍ تُبصِرُ فتُخرِجُ القَذى مِن عَينِ أَخيك. «لا تُعطُوا الكِلابَ ما هُوَ مُقَدَّس، ولا تُلْقوا لُؤلُؤَكُم إِلى الخَنازير، لِئَلاَّ تَدوسَه بِأَرْجُلِها، ثُمَّ تَرْتَدَّ إِلَيكُم فتُمَزِّقَكُم. «إِسأَلوا تُعطَوا، أُطلُبوا تَجِدوا، إِقرَعوا يُفتَحْ لَكُم. لأَنَّ كُلَّ مَن يَسأَلُ يَنال، ومَنْ يَطلُبُ يَجِد، ومَن يَقرَعُ يُفْتَحُ لَه. مَن مِنكُم إِذا سَأَلَه ٱبنُه رَغيفًا أَعطاهُ حَجَرًا، أَو سَأَلَه سَمَكَةً أَعطاهُ حَيَّة؟ فإِذا كُنتُمْ أَنتُمُ الأَشرارَ تَعرِفونَ أَنْ تُعْطُوا العَطايا الصَّالِحَةَ لأَبنائِكُم، فما أَولى أَباكُمُ الَّذي في السَّمَوات بِأَن يُعْطِيَ ما هو صالِحٌ لِلَّذينَ يَسأَلونَه! «فكُلُّ ما أَرَدْتُم أَن يَفْعَلَ النَّاسُ لكُم، اِفعَلوهُ أَنتُم لَهم: هٰذِه هِيَ الشَّريعَةُ والأَنبِياء. «أُدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. فإِنَّ البابَ رَحْبٌ والطَّريقَ المُؤَدِّيَ إِلى الهَلاكِ واسِع، والَّذينَ يَسلُكونَه كَثيرون. ما أَضْيَقَ البابَ وأَحْرَجَ الطَّريقَ المُؤَدِّيَ إِلى الحَياة، والَّذينَ يَهتَدونَ إِلَيهِ قَليلون. «إِيَّاكُم والأَنبِياءَ الكَذَّابين، فإِنَّهم يَأتونَكُم في لِباسِ الخِراف، وهُم في باطِنِهِم ذِئابٌ خاطِفة. من ثِمارِهم تَعرِفونَهم. أَيُجْنى مِنَ الشَّوْكِ عِنَبٌ أَو مِنَ العُلَّيْقِ تين؟ كَذٰلِكَ كُلُّ شَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ تُثمرُ ثِمارًا طَيِّبَة، والشَّجَرَةُ الخَبيثَةُ تُثمِرُ ثِمارًا خَبيثة. فَلَيسَ لِلشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ أَنْ تُثْمِرَ ثِمارًا خَبيثة، ولا لِلشَّجَرَةِ الخَبيثَةِ أَن تُثمِرَ ثِمارًا طَيِّبَة. وكُلُّ شَجَرَةٍ لا تُثْمِرُ ثَمَرًا طَيِّبًا تُقطَعُ وتُلْقى في النَّار. فمِن ثِمارِهِم تَعرِفونَهم. «لَيسَ مَن يقولُ لي: «يا ربّ، يا رَبّ» يَدخُلُ مَلكوت السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات. فَسَوفَ يَقولُ لي كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ في ذٰلكَ اليَوم: «يا ربّ، يا ربّ، أَما بِٱسْمِكَ تَنَبَّأْنا؟ وبِٱسمِكَ طَرَدْنا الشَّياطين؟ وبٱسْمِكَ أَتَيْنا بالمُعْجِزاتِ الكثيرة؟ فأَقولُ لَهم عَلانِيةً: «ما عَرَفْتُكُم قَطّ. إِلَيْكُم عَنِّي أَيُّها الأَثَمَة!» فمَثَلُ مَن يَسمَعُ كَلامي هٰذا فيَعمَلُ به كَمَثَلِ رَجُلٍ عاقِلٍ بَنى بَيتَه على الصَّخْر. فنَزَلَ المَطَرُ وسالتِ الأَودِيَةُ وعَصَفَتِ الرِّياح، فَثارت على ذٰلكَ البَيتِ فلَم يَسقُطْ، لأَنَّ أَساسَه على الصَّخر. ومَثَلُ مَن سَمِعَ كَلامي هٰذا فَلم يَعْمَلْ بِه كَمَثَلِ رَجُلٍ جاهِلٍ بَنى بَيتَه على الرَّمْل. فنَزَلَ المَطَرُ وسالَتِ الأَودِيَةُ وعَصَفَتِ الرِّياح، فضَرَبَت ذٰلكَ البَيتَ فسَقَط، وكانَ سُقوطُه شَديدًا». ولمَّا أَتَمَّ يسوعُ هٰذا الكَلام، أُعجِبَتِ الجُموعُ بتَعليمِه، لأَنَّه كانَ يُعَلِّمُهم كَمَن لَه سُلطان، لا مِثلَ كَتَبَتِهم. ولمَّا نَزَلَ مِنَ الجَبَل، تَبِعَتْه جُموعٌ كَثيرة. وإِذا أَبرَصُ يَدنو منهُ فيَسجُدُ لَه ويقول: «يا رَبّ، إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني». فمَدَّ يسوعُ يَدَه فَلَمَسَه وقال: «قد شِئتُ فَٱبْرَأْ!» فَبرِئَ مِن بَرَصِه لِوَقتِه. فقالَ لَه يسوع: «إِيَّاكَ أَن تُخبِرَ أَحَدًا بِالأَمْر، بلِ ٱذْهَبْ إِلى الكاهِنِ فَأَرِه نَفسَكَ، ثُمَّ قَرِّبْ ما أَمَرَ بِه موسى مِن قُرْبان، شَهادَةً لَدَيهِم». ودخَلَ كَفَرْناحوم، فدَنا مِنه قائِدُ مائةٍ يَتَوَسَّلُ إِلَيه فيَقول: «يا رَبّ، إِنَّ خادِمي مُلقًى على الفِراشِ في بَيْتي مُقعَدًا يُعاني أَشَدَّ الآلام». فقال لَه: «أَأَذْهَبُ أَنا لأَشْفِيَه؟». فأَجابَ قائدُ المائة: «يا رَبّ، لَستُ أَهْلاً لأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقفِي، ولٰكِن يَكْفِي أَن تَقولَ كَلِمَةً فيَبرَأَ خادِمي. فأَنا مَرؤُوسٌ ولي جُندٌ بِإِمرَتي، أَقولُ لِهٰذا: إِذهَبْ! فيَذهَب، ولِلآخَر: تَعالَ! فيأتي، ولِخادِمي: إِفعَلْ هٰذا! فيَفعَلُه». فلَمَّا سَمِعَ يسوعُ كَلامَه، أُعْجِبَ بِه وقالَ لِلَّذينَ يَتبَعونَه: «الحَقَّ أَقولُ لَكم: لَم أَجِدْ مِثْلَ هٰذا الإِيمانِ في أَحَدٍ مِن إِسرائيل. أَقولُ لَكم: سَوفَ يَأتي أُناسٌ كَثيرونَ مِنَ المَشرِقِ والمَغرِب، فَيُجالِسونَ إِبراهيمَ وَإِسحٰقَ ويَعقوب على المائِدةِ في مَلَكوتِ السَّمَوات، وأَمَّا بَنو المَلَكوت فَيُلقَوْنَ في الظُّلمَةِ البَرَّانِيَّة، وهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان» ثُمَّ قالَ يسوعُ لِقائِدِ المِائة: «إِذْهَبْ، وَلْيَكُنْ لَكَ بِحَسَبِ ما آمَنتَ». فَبرِئَ الخادِمُ في تِلكَ السَّاعَة. وجاءَ يسوعُ إِلى بَيتِ بُطرُس، فرأَى حَماتَه مُلقاةً على الفِراشِ مَحمومَة. فَلَمَسَ يَدَها فَفارَقَتْها الحُمَّى، فنَهضَت وأَخذَت تَخدُمُه. ولَمَّا كانَ المَساء، أَتَوه بِكثيرٍ مِنَ المَمسُوسين، فَطَرَدَ الأَرواحَ بِكَلِمَةٍ منه، وشَفى جَميعَ المَرْضى. لِيَتِمَّ ما قيلَ عَلى لِسانِ النَّبِيِّ أَشَعْيا: «هوَ الَّذي أَخَذَ أَسقامَنا وحَمَلَ أَمراضَنا». ورَأى يسوعُ جُموعًا كَثيرَةً حَولَه. فأَمَرَ بِالعُبورِ إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل. فدَنا مِنْهُ كاتِبٌ وقالَ لَه: «يا مُعَلِّم، أَتبَعُكَ حَيثُ تَمضي». فقالَ لَه يسوع: «إِنَّ لِلثَّعالِبِ أَوجِرة، ولِطُيورِ السَّماءِ أَوكارًا، وأَمَّا ٱبنُ الإِنسان فَلَيسَ لَه ما يَضَعُ علَيهِ رَأسَه». وقالَ لَه آخَرُ مِنَ التَّلاميذ: «يا رَبّ، إِيذَنْ لي أَن أَمْضِيَ أَوَّلاً فَأَدْفِنَ أَبي». فقالَ لَه يسوع: «إِتْبَعْني وَدَعِ المَوتى يَدفِنونَ مَوْتاهم». ورَكِبَ السَّفينةَ فَتَبِعَهُ تَلاميذُه. وإِذا البَحرُ قَدِ ٱضطَرَبَ ٱضْطِرابًا شَديدًا حتّى كادَتِ الأَمْواجُ تَغمُرُ السَّفينَة. وأَمَّا هوَ فكانَ نائمًا. فَدنَوا مِنه وأَيقَظوهُ وقالوا لَه: «يا رَبّ، نَجِّنا، لَقَد هَلَكنا». فقالَ لَهم: «ما لَكم خائفين، يا قَليلي الإيمان؟» ثُمَّ قامَ فَزَجَرَ الرِّياحَ والبَحر، فَحَدَثَ هُدوءٌ تامّ. فتَعَجَّبَ النَّاسُ وقالوا: «مَن هٰذا حتَّى تُطيعَه الرِّياحُ والبَحر؟». ولَمَّا بَلَغَ الشَّاطِئَ الآخَرَ في ناحِيَةِ الجَدَرِيِّين، تَلقَّاهُ رَجُلانِ مَمْسوسَانِ خَرَجا مِنَ القُبور، وكانا شَرِسَيْنِ جِدًّا حتَّى لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَمُرَّ مِن تِلكَ الطَّريق. فأَخَذا يَصيحان: «ما لَنا ولَكَ، يا ٱبْنَ الله؟ أَجِئْتَ إِلى هُنا لِتُعَذِّبَنا قَبلَ الأَوان؟» وكانَ يَرْعى على مَسافةٍ مِنْهُما قَطيعٌ كَبيرٌ مِنَ الخَنازير. فَتَوَسَّلَ إِليه الشَّياطينُ قالوا: «إِن طَرَدتَنا فَأَرسِلْنا إِلى قَطيعِ الخَنازير». فقالَ لَهم: «إِذْهَبوا». فخَرَجوا ودَخلوا في الخَنازير، فإِذا القَطيعُ كُلُّه يَثِبُ مِنَ الجُرُفِ إِلى البَحرِ فتَهلِكُ الخَنازيرُ في الماء. فهَرَبَ الرُّعاةُ وذَهَبوا إِلى المَدينَة، وأَخبَروا بِكُلِّ ما حَدَثَ وبِما جَرى لِلمَمسُوسَيْن. فخَرجَتِ المَدينةُ كُلُّها إِلى لِقاء يسوع. ولَمَّا رَأَوهُ سأَلوه أَن يُغادِرَ بَلَدَهم. فَرَكِبَ السَّفينَةَ وعَبرَ البُحَيرَةَ وجاءَ إِلى مَدينتِه. فإِذا أُناسٌ يَأتونَهُ بِمُقعَدٍ مُلقًى على سَرير. فلَمَّا رأَى يسوعُ إِيمانَهم، قالَ لِلمُقعَد: «ثِقْ يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك». فقالَ بَعضُ الكَتَبَةِ في أَنْفُسِهم: «إِنَّ هٰذا لَيُجَدِّف». فعَلِمَ يسوعُ أَفكارَهُم فقال: «لماذا تُفَكِّرونَ السُّوءَ في قُلوبِكُم؟ فأَيُّما أَيسَر؟ أَن يُقال: غُفِرَت لَكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُمْ فَٱمشِ؟ فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ٱبنَ الإِنسانِ لَه في الأَرضِ سُلطانٌ يَغْفِرُ بِه الخَطايا»، ثُمَّ قالَ لِلمُقعَد: «قُمْ فَٱحْمِلْ سَريرَكَ وٱذْهَبْ إِلى بَيْتِكَ». فَقامَ ومَضى إِلى بَيتِه. فلَمَّا رأَتِ الجُموعُ ذٰلِكَ، خافوا ومَجَّدوا اللهَ الَّذي أَولى النَّاسَ مِثلَ هٰذا السُّلطان. ومَضى يسوعُ فَرأَى في طَريقِه رَجُلاً جالِسًا في بَيتِ الجِبايَةِ يُقالُ لَه مَتَّى، فقالَ لَه: «إِتْبَعْني!» فقامَ فَتَبِعَه. وبَينَما هو على الطَّعامِ في البَيت، جاءَ كَثيرٌ مِنَ الجُباةِ والخاطِئين، فجالَسوا يسوعَ وتلاميذَه. فلَمَّا رأَى الفَرِّيسِيُّونَ ذٰلك، قالوا لِتلاميذِه: «لِماذا يَأكُلُ مُعَلِّمُكم مَعَ الجُباةِ والخاطِئين؟» فَسَمِعَ يسوعُ كَلامَهم فقالَ: «لَيسَ الأصِحَّاءُ بِمُحْتاجينَ إِلى طَبيب، بَلِ المَرْضى. فهَلاَّ تَتعلَّمونَ مَعْنى هٰذه الآية: «إِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحَة»، فإِنِّي ما جِئتُ لأَدعُوَ الأَبْرارَ، بَلِ الخاطِئين». فَدنا إِليه تَلاميذُ يُوحنَّا وقالوا لَه: «لِماذا نَصومُ نَحنُ والفِرِّيسيُّون وتَلاميذُكَ لا يَصومون؟» فقالَ لَهم يسوع: «أَيَسْتَطيعُ أَهْلُ العُرسِ أَن يَحزَنوا ما دامَ العَريس بَيْنَهُم؟ ولٰكِن سَتَأتي أَيَّامٌ فيها يُرْفَعُ العَريسُ مِن بَيْنِهم، فَحينَئذٍ يَصومون. ما مِن أَحَدٍ يَجعَلُ في ثَوبٍ عَتيقٍ قِطعَةً مِن نَسيجٍ خام، لأَنَّها تأخُذُ مِنَ الثَّوبِ على مِقْدارِها، فيَصيرُ الخَرقُ أَسوَأ. ولا تُجعَلُ الخَمرَةُ الجَديدَةُ في زِقاقٍ عَتيقة، لِئَلاَّ تَنْشَقَّ الزِّقاقُ فَتُراقَ الخَمرُ وتَتلَفَ الزِّقاق، بل تُجعَلُ الخَمرَةُ الجَديدَةُ في زِقاقٍ جَديدة، فَتَسلَمُ جَميعًا». وبَينَما هو يُكَلِّمُهُم، أَتى أَحَدُ الوُجَهاءِ فسجَد لَه وقال: «إِبنَتي تُوُفِّيَتِ السَّاعة، ولٰكِن تَعالَ وضَعْ يَدَكَ عَليها تَحْيَ». فقامَ يسوعُ فتَبِعَه هو وتَلاميذُه. وإِذا ٱمْرَأَةٌ مَنزوفةٌ مُنْذُ ٱثنَتَيْ عَشْرَةَ سَنةً تَدْنو مِن خَلْف، وَتَلْمِسُ هُدْب رِدائِه، لأَنَّها قالَت في نَفْسِها: «يَكْفي أَن أَلمِسَ رِداءَه فَأَبرأ». فٱلتَفَتَ يسوعُ فَرآها فَقال: «ثِقي يا ٱبنَتي، إِيمانُكِ أَبرَأَكِ». فبَرِئَتِ المَرأَةُ في تِلكَ السَّاعة. ولَمَّا وَصَلَ يسوعُ إِلى بَيتِ الوَجيهِ وَرأَى الزَّمَّارينَ والجَمعَ في ضَجيج، قال: «إِنْصَرِفوا! فالصَّبِيَّةُ لم تَمُت، وإِنَّما هِيَ نائِمَة»، فضَحِكوا مِنه. فلَمَّا أُخرِجَ الجَمْع، دَخَلَ وأَخَذَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ فَنَهَضَت. وذاعَ الخَبرُ في تِلكَ الأَرضِ كُلِّها. ومَضى يسوعُ في طَريقِه فَتَبِعَهُ أَعمَيانِ يَصيحان: «رُحْماكَ يا ٱبْنَ داود!» فلَمَّا دَخَلَ البَيت دنا مِنه الأَعمَيان. فقالَ لَهُما يسوع: أَتُؤمِنانِ بِأَنِّي قادِرٌ على ذٰلِك؟» فقالا لَه: «نَعَم، يا رَبّ». فلَمَسَ أَعْيُنَهما وقال: «فَلْيَكُنْ لَكُما بِحَسَبِ إِيمانِكُما». فٱنفَتَحَت أَعينُهُما. فأَنذَرَهما يسوعُ بِلَهجَةٍ شَديدةٍ قال: «إِيَّاكُما أَن يَعلَمَ أَحَد» ولٰكِنَّهما خَرَجا فَشَهراه في تِلكَ الأَرضِ كُلِّها. وما إِن خَرَجا حتَّى أَتَوه بِأَخرَسَ مَمسُوس. فلَمَّا طُرِدَ الشَّيطانُ تَكَلَّمَ الأَخرَس، فأُعجِبَ الجُموعُ وقالوا: «لَمْ يُرَ مِثْلُ هٰذا قَطُّ في إِسْرائيل!» أَمَّا الفِرِّيسيُّونَ فَقالوا: «إِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطين يَطْرُدُ الشَّياطين». وكانَ يسوعُ يَسيرُ في جَميعِ المُدُنِ والقُرى يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم ويُعلِنُ بِشارةَ المَلَكوت ويَشفِي النَّاسَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة. ورَأَى الجُموعَ فأَخذَتهُ الشَّفَقَةُ علَيهم، لأَنَّهم كانوا تَعِبينَ رازِحين، كَغَنَمٍ لا راعِيَ لَها. فقالَ لتِلاميذِه: «الحَصادُ كَثيرٌ ولٰكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون. فٱسأَلوا رَبَّ الحَصادِ أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه». ودَعا تَلاميذَه الاِثنَي عَشَر، فأَولاهُم سُلطانًا يَطرُدُونَ بِه الأَرواحَ النَّجِسَة ويَشْفونَ النَّاسَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة. وهٰذِهِ أَسْماءُ الرُّسُلِ الاِثنَي عَشَر: أَوَّلُهم سِمعانُ الَّذي يُقالُ لَه بُطرُس، وأَندَراوسُ أَخوه، فيَعقُوبُ بْنُ زَبَدى ويوحنَّا أَخوه، ففِيلِبُّس وبَرتُلُماوُس، فتُوما ومَتَّى الجابي، فيَعقوبُ بْنُ حَلْفى وتَدَّاوُس، فسِمعانُ الغَيور ويهوذا الإِسْخَريُوطيّ ذاكَ الَّذي أَسلَمَه. هٰؤلاءِ الاِثنا عَشَر أَرسلَهُم يسوع وأَوْصاهم قال: «لا تَسلُكوا طَريقًا إِلى الوَثَنِيِّين ولا تَدخُلوا مَدينةً لِلسَّامِرِيِّين، بَلِ ٱذهَبوا إِلى الخِرافِ الضَّالَّةِ من بَيتِ إِسرائيل، وأَعلِنوا في الطَّريق أَنْ قَدِ ٱقتَرَبَ مَلَكوتُ السَّمَوات. إِشْفوا المَرْضى، وأَقيموا المَوتى، وأَبرِئوا البُرْص، وٱطرُدوا الشَّياطين. أَخَذتُم مَجَّانًا فَمَجَّانًا أَعطوا. لا تَقتَنوا نُقودًا مِن ذَهَبٍ ولا مِن فِضَّةٍ ولا مِن نُحاسٍ في زَنانيرِكم، ولا مِزوَدًا لِلطَّريق ولا قَميصَيْن ولا حِذاءً ولا عَصًا، لأَنَّ العامِلَ يَستَحِقُّ طَعامَه. وأَيَّةَ مَدينةٍ أَو قَريةٍ دَخَلتُم، فَٱستَخبِروا عَمَّن فيها أَهْلٌ لِٱستِقْبالِكُم، وأَقيموا عِندَه إِلى أَن تَرحَلوا. وإِذا دَخَلتُمُ البَيتَ فَسَلِّموا علَيه. فإِن كانَ هٰذا البَيتُ أَهلاً، فَليحِلَّ سَلامُكم فيه، وإِن لم يَكُن أَهلاً، فَلْيَعُدْ سَلامُكم إِلَيكم. وإِن لم يَقبَلوكم ولم يَستَمِعوا إِلى كَلامِكم، فٱخرُجوا مِن ذاكَ البَيتِ أَو تِلكَ المَدينة، نافِضينَ الغُبارَ عن أَقدامِكم. الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ أَرضَ سَدومَ وعَمورة سَيكونُ مَصيرُها يَومَ الدَّينونةِ أَخفَّ وَطأَةً مِن مَصيرِ تِلكَ المَدينة. «هاءَنذا أُرسِلُكم كالخِرافِ بَينَ الذِّئاب: فكونوا كالحَيَّاتِ حاذِقين وكالحَمامِ ساذَجين. إِحذَروا النَّاس، فسَيُسلِمونَكم إِلى المَجالس، ويَجلِدونَكم في مَجامِعِهم، وتُساقونَ إِلى الحُكَّامِ والمُلوكِ مِن أَجلي، لِتَشهَدوا لَدَيهِم ولَدى الوَثَنِيِّين. فلا يُهِمَّكم حينَ يُسلِمونَكم كَيفَ تَتَكلَّمونَ أَو ماذا تقولون: فسَيُلْقَى إِليكُم في تلكَ السَّاعةِ ما تَتكلَّمونَ بِه. فلَستُم أَنتُمُ المُتَكَلِّمين، بل رُوحُ أَبيكم يَتَكلَّمُ بِلسانِكم. سَيُسلِمُ الأَخُ أَخاهُ إِلى الموت، والأَبُ ٱبنَه، ويَثورُ الأَبناءُ على والِدِيهم ويُميتونَهم، ويُبغِضُكم جَميعُ النَّاسِ مِن أَجلِ ٱسمي، والَّذي يَثبُتُ إِلى النِّهاية فذاكَ الَّذي يَخلُص. وإِذا طارَدوكم في مدينةٍ فٱهرُبوا إِلى غَيرِها. الحَقَّ أَقولُ لكم: لن تُنهُوا التَّجْوالَ في مُدُنِ إِسْرائيل حتَّى يأتيَ ٱبنُ الإِنسان. «ما مِن تِلميذٍ أَسمَى مِن مُعَلِّمِه، وما مِن خادِمٍ أَسمَى مِن سَيِّدِه. فَحَسْبُ التِّلميذِ أَن يَصيرَ كَمعلِّمِه والخادِمِ كَسيِّدِه، فإِذا لَقَّبوا ربَّ البَيتِ بِبَعلَ زَبول، فَما أَحْراهم بِأَن يَقولوا ذٰلك في أَهْلِ بَيتِه؟ «لا تَخافوهُم إِذًا! فَما مِن مَستُورٍ إِلاَّ سَيُكشَف، ولا مِن مَكتومٍ إِلاَّ سَيُعلَم. والَّذي أَقولُه لَكم في الظُّلُمات، قولوه في وَضَحِ النَّهار. والَّذي تَسمَعونَه في آذانِكم، نادوا بِه على السُّطوح. «لا تَخافوا الَّذينَ يَقتُلونَ الجَسد، ولا يَستَطيعونَ قَتلَ النَّفْس، بل خافوا الَّذي يَقدِرُ على أَنْ يُهلِكَ النَّفْسَ والجَسَدَ جَميعًا في جَهنَّم. أَما يُباعُ عُصفورانِ بِفَلْس؟ ومعَ ذٰلِك لا يَسقُطُ واحِدٌ مِنهُما إِلى الأَرضِ بِغَيرِ عِلمِ أَبيكم. أَمَّا أَنتُم، فشَعَرُ رُؤُوسِكم نَفسُه مَعدودٌ بِأَجمَعِه. لا تَخافوا، أَنتُم أَثمَنُ مِنَ العَصافيرِ جَميعًا. «مَن شَهِدَ لي أَمامَ النَّاس، أَشهَدُ لَه أَمامَ أَبي الَّذي في السَّموات. ومَن أَنْكَرَني أَمامَ النَّاس، أُنكِرُه أَمامَ أَبي الَّذي في السَّمَوات. «لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئتُ لأَحمِلَ السَّلامَ إِلى الأَرض، ما جِئتُ لأَحمِلَ سَلامًا، بل سَيفًا: جِئْتُ لأُفَرِّقَ بَينَ المَرءِ وأَبيه، والبِنْتِ وأُمِّها، والكَنَّةِ وحَماتِها. فيكونُ أَعداءَ الإِنسانِ أَهلُ بَيتِه. «مَن كانَ أَبوه أَو أُمُّه أَحَبَّ إِلَيه مِنِّي، فلَيسَ أَهْلاً لي. ومَن كانَ ٱبنُه أَوِ ٱبنَتُه أَحَبَّ إِلَيه مِنِّي، فلَيسَ أَهْلاً لي. ومَن لم يَحمِلْ صَليبَه ويَتبَعْني، فلَيسَ أَهْلاً لي. مَن حَفِظَ حَياتَه يَفقِدُها، ومَن فَقَدَ حَياتَه في سبيلي يَحفَظُها. مَن قَبِلَكم قَبِلَني أَنا، ومَن قَبِلَني قَبِلَ الَّذي أَرسَلَني. مَن قَبِلَ نَبِيًّا لأَنَّه نَبِيٌّ فَأَجرَ نَبِيٍّ يَنال، ومَن قَبِلَ صِدِّيقًا لأَنَّه صِدِّيقٌ فَأَجرَ صِدِّيقٍ يَنال، ومَن سَقى أَحَدَ هٰؤلاءِ الصِّغارِ، وَلَو كَأسَ ماءٍ بارِدٍ لأَنَّه تِلميذ، فالحقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ أَجرَه لن يَضيع». ولَمَّا أَتمَّ يسوعُ وَصاياه لِتَلاميذِه ٱلاِثنَي عَشَر، ذهَبَ مِن هُناكَ لِيُعَلِّمَ ويُبَشِّرَ في مُدُنِهم. وسَمِعَ يُوحَنَّا وهو في السِّجنِ بِأَعمالِ المسيح، فأَرسَلَ تَلاميذَه يَسأَلُه بِلِسانِهم: «أَأَنتَ الآتي، أَم آخَرَ نَنتَظِر؟» فأَجابَهم يسوع: «إِذهبوا فَأَخبِروا يُوحنَّا بِما تَسمَعونَ وتَرَون: العُميانُ يُبصِرون والعُرْجُ يَمشونَ مَشْيًا سَوِيًّا، البُرصُ يَبرَأُون والصُّمُّ يَسمَعون، والمَوتى يَقومون والفُقراءُ يُبَشَّرون، وطوبى لِمَن لا أَكونُ لَه حَجَرَ عَثْرَة». فلَمَّا ٱنصرَفوا، أَخذَ يسوعُ يقولُ لِلجُموعِ في شَأنِ يُوحنَّا: «ماذا خَرَجتُم إِلى البَرِّيَّةِ تَنظُرون؟ أَقَصَبةً تَهُزُّها الرِّيح؟ بل ماذا خَرَجتُم تَرَون؟ أَرَجُلاً يَلبَسُ الثِّيابَ النَّاعِمَة؟ ها إِنَّ الَّذينَ يَلبَسونَ الثِّيابَ النَّاعِمَةَ هُم في قُصورِ المُلوك. بل ماذا خَرَجتُم تَرَون؟ أَنَبِيًّا؟ أَقولُ لَكم: نَعَم، بل أَفْضَلُ مِن نَبِيّ. فهٰذا الَّذي كُتِبَ في شَأنِه: «هاءَنَذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ الطَّريقَ أَمامَكَ». الحَقَّ أَقولُ لَكم: لم يَظْهَرْ في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِن يُوحَنَّا المَعمَدان، ولٰكِنَّ الأَصغَرَ في مَلَكوتِ السَّمَواتِ أَكبرُ مِنه. فمُنذُ أَيَّامِ يُوحنَّا المَعْمَدانِ إِلى اليَومِ مَلَكوتُ السَّمواتِ يُؤخَذُ بِالجِهاد، والمُجاهِدونَ يَختَطِفونَه. فَجَميعُ الأَنبِياءِ قد تَنَبَّأوا، وكذٰلك الشَّريعة، حتَّى يوحَنَّا. فإِن شِئتُم أَن تَفهَموا، فهُو إِيلِيَّا الَّذي سيَأتي. مَن كانَ لَه أُذُنانِ فَلْيَسْمَعْ! فبِمَن أُشَبِّهُ هٰذا الجِيل؟ يُشبِهُ أَولادًا قاعِدينَ في السَّاحاتِ يَصيحونَ بِأَصْحابِهِم: «زَمَّرْنا لَكم فلَم تَرقُصوا، نَدَبْنا لَكم فلَم تَضرِبوا صُدورَكم». جاءَ يُوحنَّا لا يَأكُلُ ولا يَشرَب فقالوا: لقَد جُنَّ. جاءَ ٱبنُ الإِنسانِ يَأكُلُ ويَشرَب فقالوا: هُوَذا رَجُلٌ أَكولٌ شِرِّيبٌ لِلْخَمْرِ صَدِيقٌ للجُباةِ والخاطِئين. إِلاَّ أَنَّ الحِكمَةَ زَكَّتْها أَعمالُها». ثُمَّ أَخَذَ يُعَنِّفُ المُدُنَ الَّتي جَرَت فيها أَكثرُ مُعجِزاتِه بِأَنَّها ما تابَت فقال: «الوَيلُ لَكِ يا كُورَزين! الوَيلُ لَكِ يا بَيتَ صَيدا! فلَو جَرى في صُورَ وصَيدا ما جرى فيكُما مِنَ المُعجزات، لَتابَتا تَوبةً بِالمِسحِ والرَّمادِ مِن زَمَنٍ بَعيد. على أَنِّي أَقولُ لكم: إِنَّ صُورَ وصَيدا سيَكونُ مَصيرُهما يَومَ الدَّينونَةِ أَخفَّ وَطأَةً مِن مَصيرِكما. وأَنتِ، يا كَفَرناحوم، أَتُراكِ تُرفَعينَ إِلى السَّماء؟ سيُهبَطُ بِكِ إِلى مَثْوى الأَموات. فلَو جَرَى في سَدومَ ما جرى فيكِ مِنَ المُعجِزات، لَبَقِيَت إِلى اليَوم. على أَنِّي أَقولُ لَكم: إِنَّ أَرضَ سَدومَ سَيَكونُ مَصيرُها يَومَ الدَّينونةِ أَخَفَّ وَطأَةً مِن مَصيرِكِ». في ذٰلكَ الوَقتِ تكلَّمَ يسوعُ فقال: «أَحمَدُكَ يا أَبَتِ، رَبَّ السَّمَواتِ والأَرض، على أَنَّكَ أَخفَيتَ هٰذه الأَشياءَ على الحُكَماءِ والأَذكِياء، وكَشفتَها لِلصِّغار. نَعَم يا أَبَتِ، هٰذا ما كانَ رِضاك. قد سَلَّمَني أَبي كُلَّ شَيء، فما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ الاِبنَ إِلاَّ الآب، ولا مِن أَحدٍ يَعرِفُ الآبَ إِلاَّ الِٱبْن ومَن شاءَ الِٱبنُ أَن يَكشِفَه لَه. تَعالَوا إِلَيَّ جَميعًا أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم. إِحمِلوا نيري وتَتَلمَذوا لي فإِنِّي وَديعٌ مُتواضِعُ القَلْب، تَجِدوا الرَّاحَةَ لِنُفوسِكم، لأَنَّ نِيري لَطيفٌ وحِملي خَفيف». في ذٰلك الوَقْتِ مَرَّ يسوعُ في السَّبْتِ مِن بَينِ الزُّروع، فجاعَ تَلاميذُه، فأَخذوا يَقلَعونَ السُّنبُلَ ويَأكُلون. فرآهُمُ الفِرِّيسيُّونَ فقالوا لَه: «ها إِنَّ تَلاميذَك يَفعَلونَ ما لا يَحِلُّ فِعلُه في السَّبْت». فقالَ لَهم: «أَما قَرأتُم ما فَعَل داودُ حينَ جاعَ هوَ والَّذينَ معَه؟ كيف دَخَلَ بَيتَ الله، وكيفَ أَكلوا الخُبز المُقَدَّس، وأَكْلُه لا يَحِلُّ له ولا لِلَّذينَ معه، بل لِلكَهَنةِ وَحدَهم؟ أَوَما قَرأتُم في الشَّريعَةِ أَنَّ الكَهَنَةَ في السَّبتِ يَستَبيحونَ حُرمَةَ السَّبْتِ في الهَيكَلِ ولا ذَنْبَ علَيهم؟ فأَقولُ لكم إِنَّ هَهُنا أَعظَمَ مِنَ الهَيكَل. ولَو فَهِمتُم مَعنى هٰذِه الآية: إِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ ولا الذَّبيحة، لَما حَكَمتُم على مَن لا ذَنْبَ علَيهِم. فَٱبْنُ الإِنسانِ سَيِّدُ السَّبْت». وذَهَبَ مِن هُناكَ فدَخَلَ مَجمَعَهم. فإِذا رَجُلٌ يَدُه شَلاَّء، فسأَلوه: «أَيَحِلُّ الشِّفاءُ في السَّبْت؟» ومُرادُهم أَن يَشكوه. فقالَ لَهم: «مَن مِنكُم، إِذا لم يَكُنْ لَه إِلاَّ خَروفٌ واحدٌ ووقَعَ في حُفرَةٍ يَومَ السَّبْت، لا يُمسِكُه فيُخرِجُه؟ وكمِ الإِنسانُ أَفضَلُ مِنَ الخَروف! لِذٰلكَ يَحِلُّ فِعلُ الخَيرِ في السَّبْت». ثُمَّ قالَ لِلرَّجُل: «أُمدُدْ يَدَكَ» فمَدَّها فعادت صَحيحةً كالأُخرى. فخَرَجَ الفِرِّيسيّونَ يَتآمرونَ علَيه لِيُهلِكوه. فعَلِمَ يسوع فَٱنصرَفَ مِن هناك، وتَبِعَه خَلْقٌ كثير فشَفاهُم جَميعًا ونَهاهم عَن كَشْفِ أَمْرِه لِيَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ النَّبِيِّ أَشَعْيا: «هُوَذا عَبْدِيَ الَّذي ٱختَرتُه، حَبيبيَ الَّذي عَنهُ رَضِيت. سأَجعَلُ رُوحي علَيه فَيُبَشِّرُ الأُمَمَ بِالحَقّ. لن يُخاصِمَ ولن يَصيح، ولَن يَسمَعَ أَحدٌ صَوتَهُ في السَّاحات. القَصَبةُ المَرضوضةُ لن يَكسِرَها، والفَتيلَةُ المُدَخِّنةُ لن يُطفِئَها، حتَّى يَسيرَ بِالحَقِّ إِلى النَّصْر. وفي ٱسمِه تَجعَلُ الأُمَمُ رجاءَها». وأَتَوه بِرَجُلٍ مَمْسوسٍ أَعمى أَخرَس، فشَفاهُ حتَّى إِنَّ الأَخرَسَ تَكَلَّمَ وأَبصَر. فدَهِشَ الجُموعُ كُلُّهم وقالوا: «أَتُرى هٰذا ٱبنَ داود؟» وسَمِعَ الفِرِّيسيُّونَ كَلامَهم فقالوا: «إِنَّ هٰذا لا يَطرُدُ الشَّياطينَ إِلاَّ بِبَعلَ زَبولَ سَيِّدِ الشَّياطين». فعَلِمَ يسوعُ أَفكارَهم فقال لهم: «كُلُّ مَملَكةٍ تَنقَسِمُ على نَفْسِها تَخْرَب، وكُلُّ مَدينةٍ أَو بَيتٍ يَنقَسِمُ على نَفْسِه لا يَثبُت. فإِن كانَ الشَّيطانُ يَطرُدُ الشَّيطان، فقد ٱنقَسَمَ على نَفْسِه، فكَيفَ تَثبُتُ مَملَكتُه؟ وإِن كُنتُ أَنا بِبَعلَ زَبولَ أَطرُدُ الشَّياطين، فَبِمَن يَطرُدُهُم أَبناؤُكم؟ لِذٰلِكَ همُ الَّذينَ سيَحكُمونَ علَيكم. وأَمَّا إِذا كُنتُ أَنا بِروحِ اللهِ أَطرُدُ الشَّياطين، فقد وافاكُم مَلكوتُ الله. «أَم كيفَ يَستطيعُ أَحدٌ أَن يَدخُلَ بَيتَ الرَّجُلِ القَوِيِّ ويَنهَبَ أَمتِعَتَه، إِذا لم يُوثِقْ ذٰلكَ الرَّجُلَ القَوِيَّ أَوَّلاً؟ وعِندَئِذٍ يَنهَبُ بَيتَه. «مَن لَم يَكُنْ معي كانَ عليَّ، ومَن لم يَجمَعْ معي كانَ مُبَدِّدًا. لِذٰلكَ أَقولُ لَكم: كُلُّ خَطيئةٍ وتجديفٍ يُغفَرُ لِلنَّاس، وَأَمَّا التَّجْديفُ على الرُّوح، فلَن يُغفَر. ومَن قالَ كَلِمَةً على ٱبنِ الإِنسانِ يُغفَرُ له، أَمَّا مَن قالَ على الرُّوحِ القُدُس، فَلَن يُغفَرَ لَه لا في هٰذهِ الدُّنيا ولا في الآخِرة. «إِجعَلوا الشَّجَرَةَ طَيِّبَةً يأتِ ثَمَرُها طَيِّبًا. وٱجعَلوا الشَّجَرَةَ خَبيثةً يَأتِ ثَمرُها خَبيثًا. فَمِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرة. يا أَولادَ الأَفاعي، كيفَ لَكم أَن تقولوا كَلامًا طَيِّبًا وأَنتُم خُبَثاء؟ فَمِن فَيضِ القَلْبِ يتكلَّمُ اللِّسان. الإِنْسانُ الطَّيِّبُ مِن كَنزِهِ الطَّيِّبِ يُخرِجُ الطَّيِّب. والإِنْسانُ الخَبيثُ مِن كَنزِهِ الخَبيثِ يُخرِجُ الخَبيث. «أَقولُ لَكم إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ باطِلَةٍ يقولُها النَّاسُ يُحاسَبونَ عَليها يَومَ الدَّينونة. لأَنَّكَ تُزَكَّى بِكَلامِكَ وبِكَلامِكَ يُحكَمُ علَيك». وكَلَّمَهُ بَعضُ الكَتَبَةِ والفِرِّيسيِّينَ فقالوا: «يا مُعلِّم، نُريدُ أَن نَرى مِنكَ آيَة». فأَجابهم: «جِيلٌ فاسِدٌ فاسِقٌ يُطالِبُ بِآية، ولَن يُعْطى سِوى آيةِ النَّبِيِّ يونان. فكما بَقِيَ يُونانُ في بَطنِ الحُوتِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وثَلاثَ لَيال، فكذٰلكَ يَبقى ٱبنُ الإِنسانِ في جَوفِ الأَرضِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيالٍ. رِجالُ نِينَوى يَقومونَ يَومَ الدَّينونةِ معَ هٰذا الجيلِ ويَحكُمونَ عليه، لأَنَّهم تابوا بإِنذار يُونان، وهٰهُنا أَعظَمُ مِن يُونان. مَلِكَةُ التَّيمَنِ تقومُ يَومَ الدَّينونةِ مع هٰذا الجيلِ وتَحكُم علَيه، لأَنَّها جاءَت مِن أَقاصي الأَرضِ لِتَسمَعَ حِكمةَ سُلَيمان، وهَهُنا أَعظَمُ مِن سُلَيمان. «إِنَّ الرُّوحَ النَّجِس، إِذا خَرَجَ مِنَ الإِنسان، هامَ في القِفارِ يَطلُبُ الرَّاحَةَ فلا يَجِدُها، فيقول: «أَرجِعُ إِلى بَيتِيَ الَّذي مِنه خَرَجْت». فيَأتي فيَجِدُه خالِيًا مَكنوسًا مُزَيَّنًا. فيَذهَبُ ويَستَصحِبُ سَبعَةَ أَرواحٍ أَخبَثَ مِنه، فيَدخُلونَ ويُقيمونَ فيه، فتَكونُ حالةُ ذٰلك الإِنسانِ الأَخيرة أَسوأَ مِن حالَتِهِ الأُولى. وهٰكذا يَكونُ مَصيرُ هٰذا الجِيلِ الفاسِد». وبَينَما هو يُكَلِّمُ الجُموع، إِذا أُمُّه وإِخوَتُه قد وَقَفوا في خارِجِ الدَّارِ يُريدونَ أَن يُكَلِّموه، فقالَ لَه بَعضُهم: «إِنَّ أُمَّكَ وإِخوتَكَ واقِفونَ في خارِجِ الدَّار يُريدونَ أَن يُكَلِّموكَ». فأَجابَ الَّذي قالَ لَه ذٰلك: «مَن أَمِّي ومَن إِخوَتي؟» ثُمَّ أَشارَ بِيَدِه إِلى تَلاميذِه وقال: «هٰؤلاءِ هم أُمِّي وإِخوَتي. لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات هو أَخي وأُخْتي وأُمِّي». في ذٰلكَ اليوم خَرَجَ يسوعُ مِنَ البَيت، وجلَسَ بِجانِبِ البَحر. فٱزْدَحَمَت عليهِ جُموعٌ كَثيرة، حتَّى إِنَّه رَكِبَ سَفينةً وجَلَسَ، والجَمْعُ كُلُّه على الشَّاطِئ. فكلَّمَهُم بِالأَمثالِ على أُمورٍ كثيرةٍ قال: «هُوَذا الزَّارِعُ قد خَرَجَ لِيَزرَعَ. وبَينَما هو يَزرَع، وقَعَ بَعضُ الحَبِّ على جانِبِ الطَّريق، فجاءَتِ الطُّيورُ فَأَكَلَتْه. ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على أَرضٍ حَجِرةٍ لم يَكُنْ له فيها تُرابٌ كثير، فنَبَتَ مِن وقتِه لأَنَّ تُرابَه لَم يَكُن عَميقًا. فلمَّا أَشرقَتِ الشَّمسُ ٱحتَرَق، ولَم يَكُن له أَصلٌ فيَبِس. ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الشَّوك فارتَفَعَ الشَّوكُ فخَنقَه. ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الأَرضِ الطَّيِّبة فأَثمَرَ، بَعضُهُ مائة، وبعضُهُ سِتِّين، وبعضُهُ ثَلاثين. فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ!». فدَنا تَلاميذُه وقالوا له: «لِماذا تُكَلِّمُهم بالأَمثال؟» فأَجابَهم: «لأَنَّكم أُعطيتُم أَنتُم أَن تعرِفوا أَسرارَ مَلكوتِ السَّمَوات، وأَمَّا أُولَئِكَ فلم يُعطَوا ذٰلك. لأَنَّ مَن كانَ لَه شَيء، يُعْطى فيَفيض. ومَن ليس لَه شَيء، يُنتَزَعُ منه حتَّى الَّذي له. وإِنَّما أُكَلِّمُهم بِالأَمثال لأَنَّهم يَنظُرونَ ولا يُبصِرون، ولأَنَّهم يَسمَعونَ ولا يَسمَعون ولا هم يَفهَمون. وفِيهِم تَتِمُّ نُبُوءَةُ أَشَعيا حَيثُ قال: «تَسمَعونَ سَماعًا ولا تَفهَمون، وتَنظُرونَ نظَرًا ولا تُبصِرون. فقد غَلُظَ قَلبُ هٰذا الشَّعب، وأَصَمُّوا آذانَهم وأَغمَضوا عُيونَهم لِئَلاَّ يُبصِروا بِعيونِهم ويَسمَعوا بِآذانِهم، ويَفهَموا بِقُلوبِهم ويَرجِعوا. أَفأَشفيهم؟». وأَمَّا أَنتُم، فَطُوبى لِعُيونِكم لأَنَّها تُبصِر، ولآذانِكم لأَنَّها تَسمَع. الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ كثيرًا مِنَ الأَنبِياءِ والصِّدِّيقينَ تَمَنَّوا أَن يَرَوا ما تُبصِرونَ فلَم يَرَوا، وأَن يَسمَعوا ما تَسمَعونَ فلَم يَسمَعوا. «فَاسْمَعوا أَنتم مَثَلَ الزَّارِع: كُلُّ مَن سَمِعَ كَلِمَةَ الملكوت ولم يَفهَمْها، يَأتي الشِّرِّيرُ ويَخطَفُ ما زُرِعَ في قَلبِه: فهٰذا هوَ الَّذي زُرِعَ في جانِبِ الطَّريق. وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرضِ الحَجِرة، فهُو الَّذي يَسمَعُ الكَلِمَة ويَتَقَبَّلُها لِوَقْتِهِ فَرِحًا، ولٰكن لا أَصلَ لَه في نَفْسِه، فلا يَثبُتُ على حالة. فإِذا حَدَثَت شِدَّةٌ أَوِ اضطِهادٌ مِن أَجلِ الكَلِمة عَثَرَ لِوَقْتِه. وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الشَّوك فهُو الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة، ويكونُ لَه مِن هَمِّ الحَياةِ الدُّنْيا وفِتنَةِ الغِنى ما يَخنُقُ الكَلِمة فلا تُخرِجُ ثَمَرًا. وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرضِ الطَّيِّبَة، فهُو الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة ويَفهَمُها فيُثمِرُ ويُعطي بَعضُهُ مائة، وبَعْضُهُ سِتِّين، وبَعضُهُ ثلاثين». وضرَبَ لَهم مَثَلاً آخَرَ قال: «مَثَلُ مَلَكوتِ السَّمَواتِ كَمَثلِ رَجُلٍ زَرَعَ زَرْعًا طَيِّبًا في حَقْلِه. وبَينما النَّاسُ نائمون، جاءَ عَدوُّه فزَرعَ بَعدَه بينَ القَمحِ زُؤانًا وٱنْصَرَف. فلَمَّا نَمى النَّبْتُ وأَخرَجَ سُنبُلَه، ظَهَرَ معَه الزُّؤان. فجاءَ رَبَّ البَيتِ خَدَمُه وقالوا له: «يا رَبّ، أَلَم تَزرَعْ زَرْعًا طَيِّبًا في حَقلِكَ؟ فمِن أَينَ جاءَهُ الزُّؤان؟» فقالَ لَهم: «أَحَدُ الأَعداءِ فَعَلَ ذٰلك». فقالَ له الخَدَم: «أَفَتُريدُ أَن نَذهَبَ فنَجمَعَه؟» فقال: «لا، مَخافَةَ أَن تَقلَعوا القَمْحَ وأَنتُم تَجمَعونَ الزُّؤان، فَدَعوهما يَنبُتانِ معًا إِلى يَومِ الحَصاد، حتَّى إِذا أَتى وَقْتُ الحَصاد، أَقولُ لِلحَصَّادين: إِجمَعوا الزُّؤانَ أَوَّلاً وٱربِطوه حُزَمًا لِيُحرَق. وأَمَّا القَمْح فَٱجمَعوه وَأتوا بِه إِلى أَهرائي». وضَرَبَ لَهم مَثَلاً آخَرَ قال: «مَثَلُ مَلَكوتِ السَّمَوات كَمَثَلِ حَبَّةِ خَردَل أَخذَها رَجُلٌ فَزرعَها في حَقلِه. هِيَ أَصغَرُ البُزورِ كُلِّها، فإِذا نَمَت كانَت أَكبَرَ البُقول، بل صارَت شَجَرَةً حتَّى إِنَّ طُيورَ السَّماءِ تَأتي فتُعَشِّشُ في أَغصانِها». وأَورَدَ لَهم مَثَلاً آخَرَ قال: «مَثَلُ مَلَكوتِ السَّمواتِ كَمَثلِ خَميرةٍ أَخَذَتها ٱمرأَةٌ، فجَعَلتها في ثَلاثَةِ مَكاييلَ مِنَ الدَّقيق حتَّى ٱختَمَرت كُلُّها». هٰذا كُلُّه قالَه يسوعُ لِلجُموعِ بِالأَمثال، ولَم يَقُلْ لَهُم شَيئًا مِن دونِ مَثَل، لِيَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ النَّبِيّ: «أَتَكَلَّمُ بِالأَمثال، وأُعْلِنُ ما كانَ خَفِيًّا مُنذُ إِنشاءِ العالَم». ثُمَّ تَرَكَ الجُموعَ ورَجَعَ إِلى البَيت. فدَنا مِنه تَلاميذُه وقالوا له: «فَسِّرْ لَنا مثَلَ زُؤانِ الحَقْل». فأَجابَهم: «الَّذي يَزرَعُ الزَّرْعَ الطَّيِّبَ هو ٱبنُ الإِنسان، والحَقْلُ هو العالَم والزَّرْعُ الطَّيِّبُ بَنُو المَلَكوت، والزُّؤانُ بَنُو الشِّرِّير، والعَدُوُّ الَّذي زَرَعَه هو إِبليس، والحَصادُ هوَ نِهايَةُ العالَم، والحَصَّادونَ هُمُ المَلائِكة. فكما أَنَّ الزُّؤانَ يُجمَعُ ويُحرَقُ في النَّار، فكذٰلك يكونُ عِندَ نِهايَةِ العالَم: يُرسِلُ ٱبنُ الإِنسانِ مَلائكتَه، فَيَجْمَعونَ مُسَبِّبي العَثَراتِ والأَثَمَةَ كافَّةً، فيُخرِجونَهم مِن مَلَكوتِه، ويَقذِفونَ بِهم في أَتُّونِ النَّار، فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان. والصِّدِّيقونَ يُشِعُّونَ حِينَئذٍ كالشَّمْسِ في مَلَكوتِ أَبيهِم. فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسْمَعْ! «مَثَلُ مَلَكوتِ السَّمَوات كَمَثَلِ كَنْزٍ دُفِنَ في حَقْلٍ وَجدَهُ رَجُلٌ فأَعادَ دَفنَه، ثُمَّ مَضى لِشِدَّةِ فَرَحِه فباعَ جميعَ ما يَملِكُ وٱشتَرى ذٰلكَ الحَقْل. «ومَثَلُ ملكوتِ السَّمَوات كمَثَلِ تاجِرٍ كانَ يَطلُبُ اللُّؤلُؤَ الكريم، فوَجَدَ لُؤلُؤةً ثَمينة، فمضى وباعَ جَميعَ ما يَملِك وٱشتَراها. «ومَثَلُ ملكوتِ السَّمَواتِ كَمَثلِ شَبَكةٍ أُلقِيَت في البَحر فجَمعَت مِن كُلِّ جِنْس. فلَمَّا ٱمتَلأَت أَخرَجَها الصَّيَّادونَ إِلى الشَّاطِئ وجَلَسُوا فجَمَعوا الطَّيِّبَ في سِلالٍ وطَرَحوا الخَبيث. وكذٰلِك يكونُ عِنْدَ نِهايةِ العالَم: يَأتي المَلائِكَةُ فيَفصِلونَ الأَشرارَ عنِ الأَخيار، ويَقذِفونَ بِهم في أَتُّونِ النَّار. فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان. «أَفَهِمتُم هٰذا كُلَّه؟» قالوا لَه: «نَعَم». فقالَ لَهم: «لِذٰلكَ كُلُّ كاتِبٍ تَتَلمَذَ لِمَلكوتِ السَّمَواتِ يُشبِهُ رَبَّ بَيتٍ يُخرِجُ مِن كَنزِه كُلَّ جَديدٍ وقَديم». ولمَّا أَتَمَّ يسوعُ هٰذِه الأَمثال ذَهبَ مِن هُناك وجاءَ إِلى وَطَنِه، وأَخَذَ يُعَلِّمُ النَّاسَ في مَجمَعِهم، حتَّى دَهِشوا وقالوا: «مِنْ أَينَ لَه هٰذِهِ الحِكمَةُ وتِلكَ المُعجِزات؟ أَلَيسَ هٰذا ٱبنَ النَّجَّار؟ أَلَيسَت أُمُّه تُدعى مَريم، وإِخوَتُه يَعقُوبَ ويُوسُفَ وسِمعانَ ويَهوذا؟ أَوَلَيسَ جَميعُ أَخَواتِه عِندَنا؟ فَمِن أَينَ لَه كُلُّ هٰذا؟» وكانَ لَهم حَجَرَ عَثْرَة. فقالَ لَهم يسوع: «لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلاَّ في وَطَنِه وبَيتِه». ولَم يُكثِرْ مِنَ المُعجِزاتِ هُناكَ لِعَدَمِ إِيمانِهم. في ذٰلك الوَقْت سَمِعَ أَميرُ الرُّبْعِ هِيرودُسُ بِذِكْرِ يَسوع، فقالَ لِحاشِيَتِه: «هٰذا يُوحنَّا المَعمَدان، إِنَّه قامَ مِن بَينِ الأَموات، ولِذٰلكَ تَعمَلُ فيهِ القُدرَةُ على إِجراءِ المُعجِزات». ذٰلك بِأَنَّ هيرودُسَ كان قد أَمسَكَ يُوحَنَّا، فأَوثَقَهُ ووَضَعَه في السِّجْن مِن أَجلِ هِيروديّا ٱمرَأَةِ أَخيهِ فِيلبُّس، لأَنَّ يُوحَنَّا كانَ يَقولُ لَه: «إِنَّها لا تَحِلُّ لَكَ». وأَرادَ أَن يَقتُلَه فَخافَ الشَّعبَ لأَنَّهُم كانوا يَعُدُّونَه نَبِيًّا. ولَمَّا ٱحتَفَلَ هِيرودُسُ بِذِكرى مَولِدِه رَقَصتِ ٱبنَةُ هِيروديّا في الحَفْل، فَأَعْجَبَت هِيرودُس، فوَعَدَها مُؤَكِّدًا وَعدَه بِيَمين أَن يُعطِيَها أَيَّ شَيءٍ تَطلُبُه. فلَقَّنَتها أُمُّها فقالت: «أَعطِني هَهُنا على طَبَقٍ رأسَ يُوحَنَّا المَعمَدان». فٱغتَمَّ المَلِكُ ولكنَّه أَمَرَ بإِعطائِها إِيَّاه مِن أَجلِ أَيْمانِه ومُراعاةً لِجُلَسائِه. وأَرسَلَ فقَطَعَ رَأسَ يُوحَنَّا في السِّجْن. وأُتِيَ بِالرَّأسِ على طَبَقٍ فأُعطِيَ لِلصَّبِيَّة، فحمَلَتهُ إِلى أُمِّها. وأَتى تلاميذُ يُوحَنَّا فحَملوا الجُثْمانَ ودَفَنوه، ثُمَّ ذَهَبوا فأَخبَروا يسوع. فلَمَّا سَمِعَ يسوع، اِنصَرَفَ مِن هُناكَ في سَفينَةٍ إِلى مَكانٍ قَفْرٍ يَعتَزِلُ فيه. فعَرَفَ الجُموعُ ذٰلك فتَبِعوهُ مِنَ المُدُنِ سَيرًا على الأَقدام. فلَمَّا نَزلَ إِلى البَرِّ رأَى جَمْعًا كَثيرًا، فأَخَذَتهُ الشَّفَقَةُ علَيهِم، فشَفى مَرضاهُم. ولَمَّا كانَ المَساء، دَنا إِليه تَلاميذُه وقالوا لَه: «المَكانُ قَفْرٌ وقَد فاتَ الوَقْت، فَٱصرِفِ الجُموعَ لِيَذهَبوا إِلى القُرى فيَشتَروا لَهم طَعامًا». فقالَ لَهم يسوع: «لا حاجَةَ بِهِم إِلى الذَّهاب. أَعطوهم أَنتُم ما يَأكُلون». فقالوا لَه: «لَيسَ عِندَنا هَهُنا غَيرُ خَمسَةِ أَرغِفَةٍ وسَمَكَتَيْن». فقالَ: «علَيَّ بِها». ثُمَّ أَمَر الجُموعَ بِالقُعودِ على العُشْب، وأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمَكَتَيْن، ورَفَعَ عَينَيه نَحوَ السَّماء، وباركَ وكسَرَ الأَرغِفة، وناوَلَها تَلاميذَه، والتَّلاميذُ ناوَلوها الجُموع. فأَكلوا كُلُّهم حتَّى شَبِعوا، ورَفعوا ما فَضَلَ مِنَ الكِسَر: إِثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً مُمتَلِئَةً. وكانَ الآكِلونَ خَمسَةَ آلافِ رَجُل، ما عدا النِّساءَ والأَولاد. وأَجبَرَ التَّلاميذَ لِوَقتِه أَن يَركَبوا السَّفينَةَ ويَتَقَدَّموهُ إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل حتَّى يَصرِفَ الجُموع. ولمَّا صرَفَهم صَعِدَ الجَبَلَ لِيُصَلِّيَ في العُزلَة. وكانَ في المساءِ وَحدَهُ هُناك. وأَمَّا السَّفينَةُ فَقَدِ ٱبتَعَدَت عِدَّةَ غَلَواتٍ مِنَ البَرّ، وكانتِ الأَمواجُ تَلطِمُها، لأَنَّ الرِّيحَ كانَت مُخالِفَةً لَها. فعِندَ آخِرِ اللَّيل، جاءَ إِلَيهِم ماشِيًا على البَحْر. فلَمَّا رآه التَّلاميذُ ماشِيًا على البَحْر، اِضطَرَبوا وقالوا: «هٰذا خَيال!» ومِن خَوفِهم صَرَخوا. فبادَرَهم يسوعُ بِقَولِه: «ثِقوا. أَنا هو، لا تَخافوا!» فأَجابَه بُطرس: «يا رَبِّ، إِن كُنتَ إِيَّاه، فمُرني أَن آتِيَ إِلَيكَ على الماء». فقالَ لَه: «تَعالَ!» فنَزَلَ بُطرُسُ مِنَ السَّفينَةِ ومَشى على الماءِ آتِيًا إِلى يسوع. ولٰكِنَّه خافَ عندَما رأَى شِدَّةَ الرِّيح، فَأَخَذَ يَغرَق، فصَرَخ: «يا رَبّ، نَجِّني!» فمَدَّ يسوعُ يَدَه لِوَقْتِه وأَمسكَهُ وهُو يَقولُ له: «يا قَليلَ الإِيمان، لِماذا شَكَكْتَ؟» ولَمَّا رَكِبا السَّفينَة، سَكَنَتِ الرِّيح، فسجَدَ لَه الَّذينَ في السَّفينةِ وقالوا: «أَنتَ ٱبنُ اللهِ حَقًّا!». وعَبَروا حتَّى بلَغوا البَرَّ عندَ جِنَّاسَرِت. فعَرَفَه أَهلُ تِلكَ البَلْدَة، فأَرسَلوا بِالخَبَرِ إِلى تِلكَ النَّاحِيَةِ كُلِّها، فأَتَوْهُ بِجَميعِ المَرْضى. وأَخَذوا يَسأَلونَه أَن يَدَعَهم يَلمِسونَ هُدْبَ رِدائِه فَحَسْبُ، وجَميعُ الَّذينَ لَمَسوه نالوا الشِّفاء. ودَنا إِلى يسوعَ بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ والكَتَبَةِ مِن أُورَشَليم، فقالوا لَه: «لِمَ يُخالِفُ تَلاميذُك سُنَّةَ الشُّيوخ؟ فَهُم لا يَغسِلونَ أَيدِيَهم عِندَ تَناوُلِ الطَّعام». فأَجابَهم: «لِمَ تُخالِفونَ أَنتُم وَصِيَّةَ اللهِ مِن أَجلِ سُنَّتِكم؟ فقد قالَ الله: «أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّكَ»، و«مَنْ لَعَنَ أَباه أَو أُمَّهُ فلْيَمُتْ مَوتًا». وأَمَّا أَنتُم فتَقولون: مَن قالَ لأَبيهِ أَو أُمِّه: كُلُّ شَيءٍ قد أُساعِدُكَ بِه جَعَلتُه قُرْبانًا، فَلَن يَلزَمَه أَن يُكرِمَ أَباه. لَقَد نَقَضتُم كَلامَ اللهِ مِن أَجْلِ سُنَّتِكم. أَيُّها المُراؤُون، أَحسَنَ أَشَعْيا في نُبوءَتِه عَنكم إِذ قال: «هٰذا الشَّعْبُ يُكرِمُني بِشَفَتَيْه، وأَمَّا قَلبُه فبَعيدٌ مِنِّي. إِنَّهُم بالباطِلِ يَعبُدونَني، فلَيسَ ما يُعلِّمونَ مِنَ المَذاهِبِ سِوى أَحكامٍ بَشَرِيَّة». ثُمَّ دَعا الجَمْعَ وقالَ لَهم: «إِسمَعوا وٱفهَموا! لَيسَ ما يَدخُلُ الفَمَ يُنَجِّسُ الإنسان، بل ما يَخرُجُ مِنَ الفَمِ هو الَّذي يُنَجِّسُ الإِنسان». فدَنا التَّلاميذُ وقالوا لَه: «أَتَعلَمُ أَنَّ الفِرِّيسيِّينَ صُدِموا عِندَما سَمِعوا هٰذا الكَلام؟» فأَجابَهم: «كُلُّ غَرْسٍ لم يَغْرِسْهُ أَبي السَّماويُّ يُقلَع. دَعُوهُم وشأنَهُم! إِنَّهُم عُميانٌ يَقودونَ عُميانًا. وإِذا كانَ الأَعمى يَقودُ الأَعمى، سَقَطَ كِلاهُما في حُفْرَة». فقالَ لَه بُطرس: «فَسِّرْ لَنا المَثَل». فأَجابَه: «أَوَأَنتُم حتَّى الآنَ لا فَهْمَ لَكم؟ أَلا تُدرِكونَ أَنَّ ما يَدخُلُ الفَمَ يَنزِلُ إِلى الجَوف، ثُمَّ يُخرَجُ في الخَلاء؟ وأَمَّا الَّذي يَخرُجُ مِنَ الفَم، فإِنَّهُ يَنْبَعِثُ مِنَ القَلْب، وهو الَّذي يُنَجِّسُ الإِنسان. فَمِنَ القَلْبِ تَنْبَعِثُ المَقاصِدُ السَّيِّئَة والقَتْلُ والزِّنى والفُحْشُ والسَّرِقَةُ وشَهادَةُ الزُّورِ والشَّتائِم. تِلك هي الأَشياءُ الَّتي تُنَجِّسُ الإِنسان. أَمَّا الأَكْلُ بِأَيدٍ غَيرِ مَغسولة فلا يُنَجِّسُ الإِنسان». ثُمَّ خَرَجَ يسوعُ مِن هُناكَ وذهَبَ إِلى نَواحي صُورَ وصَيدا. وإِذا ٱمرأَةٌ كَنعانيَّةٌ خارِجَةٌ مِن تِلكَ البِلادِ تَصيح: «رُحْماكَ، يا ربّ! يا ٱبنَ داود؛ إِنَّ ٱبنَتي يَتَخَبَّطُها الشَّيطانُ تَخَبُّطًا شَديدًا». فلَم يُجِبْها بِكَلِمَة. فَدنا تَلاميذُه يَتَوَسَّلونَ إِليهِ فقالوا: «إِصْرِفْها، فإِنَّها تَتبَعُنا بِصِياحِها». فأَجاب: «لَم أُرسَلْ إِلاَّ إِلى الخِرافِ الضَّالَّةِ مِن بَيتِ إِسرائيل». ولٰكِنَّها جاءَت فسَجدَت لَه وقالَت: «أَغِثْني يا رَبّ!» فأَجابَها: «لا يَحسُنُ أَن يُؤخَذَ خُبزُ البَنينَ فيُلْقى إِلى صِغارِ الكِلاب». فقالت: «نَعَم، يا رَبّ! فصِغارُ الكِلابِ نَفْسُها تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ الَّذي يَتساقَطُ عَن مَوائِدِ أَصحابِها». فأَجابَها يسوع: «ما أَعظَمَ إِيمانَكِ أَيَّتُها المَرأَة، فَلْيَكُنْ لَكِ ما تُريدين». فشُفِيَتِ ٱبنَتُها في تِلكَ السَّاعة. ثُمَّ ذَهَبَ يسوعُ مِن هُناك وجاءَ إِلى شاطِئِ بَحرِ الجَليل، فصَعِدَ الجَبَلَ وجَلَسَ هُنالِك. فأَتَت إِلَيه جُموعٌ كَثيرة ومعَهم عُرْجٌ وعُمْيٌ وكُسْحانٌ وخُرْسٌ وغَيرُهم كَثيرون، فطَرحُوهم عِندَ قَدَمَيه فشفاهم. فتَعَجَّبَ الجُموعُ لَمَّا رأَوا الخُرسَ يَتَكَلَّمونَ والكُسْحانَ يَصِحُّونَ والعُرْجَ يَمشونَ مَشيًا سَوِيًّا والعُميَ يُبصِرون. فَمَجَّدوا إِلٰهَ إِسْرائيل. فدَعا يسوعُ تَلاميذَه وقالَ لَهم: «أُشفِقُ عَلى هٰذا الجَمْع، فإِنَّهم مُنذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يُلازِمونَني ولَيسَ عِندَهُم ما يأكُلون. فلا أُريدُ أَن أَصرِفَهم صائمين لِئَلاَّ تَخورَ قُواهُم في الطَّريق». فقالَ لَه التَّلاميذ: «مِن أَينَ لَنا في مَكانٍ قَفْرٍ مِنَ الخُبزِ ما يُشبِعُ مِثلَ هٰذا الجَمْع؟» فقالَ لَهم يسوع: «كَم رَغيفًا عِندَكُم؟» قالوا لَه: «سَبعَةٌ وبَعضُ سَمَكاتٍ صِغار». فأَمرَ الجَمْعَ بِالقُعودِ على الأَرض. ثُمَّ أَخَذَ الأَرغِفَةَ السَّبعَةَ والسَّمَكات، وشكَرَ وكسرَها وناوَلَها تَلاميذَه، والتَّلاميذُ ناوَلوها الجُموع. فأَكَلوا كُلُّهم حتَّى شَبِعوا، ورَفعوا ما فَضَل مِنَ الكِسَر: سَبعَ سِلالٍ مُمتَلِئَة. وكانَ الآكِلونَ أَربَعَةَ آلافِ رَجُل، ما عدا النِّساءَ والأَولاد. ثُمَّ صرَفَ الجُموعَ ورَكِبَ السَّفينَةَ وجاءَ إِلى أَرضِ مَجْدان. ودَنا الفِرِّيسيُّونَ والصَّدُّوقِيُّونَ يُريدونَ أَن يُحرِجوه، فسأَلوه أَن يُرِيَهم آيةً مِنَ السَّماء. فأَجابَهم: «عِنْدَ الغُروبِ تقولون: صَحْوٌ، لأَنَّ السَّماءَ حَمراءُ كالنَّار. وعِندَ الفَجْر: اليَومَ مَطَرٌ، لأَنَّ السَّماءَ حَمراءُ مُغبَرَّة. فمَنظَرُ السَّماءِ تُحسِنونَ تَفسيرَه، وأَمَّا آياتُ الأَوقاتِ فلا تَستَطيعونَ لَها تَفسيرًا. جيلٌ فاسدٌ فاسِقٌ يُطالِبُ بِآيةٍ ولَن يُعطى سِوى آيةِ يونان». ثُمَّ تَرَكَهُم ومَضى. وعَبَرَ التَّلاميذُ إِلى الشاطِئِ المُقابِل، وقَد نَسُوا أَن يَأخُذوا خُبْزًا. فقالَ لَهم يسوع: «تبَصَّروا وٱحذَروا خَميرَ الفِرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقِيِّين». فقالوا في أَنفُسِهم: «ما أَخَذْنا خُبْزًا!» فشَعَرَ يسوعُ بِأَمرِهم فقالَ لَهم: «يا قَليلي الإِيمان، لِماذا تَقولونَ في أَنفُسِكم إِنَّه ليسَ عِندَكم خُبز؟ أَلَم تُدرِكوا حتَّى الآن؟ أَما تَذكُرونَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ لِلخَمْسَةِ الآلافِ وكَم قُفَّةً رفَعتُم؟ والأَرغِفَةَ السَّبعَةَ لِلأَربَعَةِ الآلافِ وكَم سَلَّةً رَفَعتُم؟ كَيفَ لا تُدرِكونَ أَنِّي لَم أُكَلِّمْكم على الخُبْز؟ فَٱحذَروا خَميرَ الفِرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقِيِّين». ففَهِموا عِندَئذٍ أَنَّه لم يأمُرْهم أَن يَحذَروا خَميرَ الخُبز، بل تَعليمَ الفِرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقيِّين. ولَمَّا وصَلَ يسوعُ إلى نواحي قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّس سأَلَ تَلاميذَه: «مَنِ ٱبنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاس؟» فقالوا: «بَعْضُهم يقول: هو يوحَنَّا المَعمَدان، وبَعضُهمُ الآخَرُ يقول: هو إِيلِيَّا، وغيرُهم يقول: هو إِرْمِيا أَو أَحَدُ الأَنبِياء». فقالَ لَهم: «ومَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟» فأَجابَ سِمعانُ بُطرس: «أَنتَ المسيحُ ٱبنُ اللهِ الحَيّ». فأَجابَ يسوع: «طوبى لَكَ يا سِمعانَ بْنَ يونا، فلَيسَ اللَّحمُ والدَّمُ كشَفا لكَ هٰذا، بل أَبي الَّذي في السَّمَوات. وأَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هٰذا سَأَبني كَنيسَتي، فَلَن يَقوى عليها سُلْطانُ المَوت. وسأُعطيكَ مَفاتيحَ مَلَكوتِ السَّمَوات. فما رَبَطتَهُ في الأَرضِ رُبِطَ في السَّمَوات. وما حَلَلتَه في الأَرضِ حُلَّ في السَّمَوات». ثُمَّ أَوصى تلاميذَه بِأَلاَّ يُخبِروا أَحَدًا بِأَنَّه المسيح». وبَدأَ يسوعُ مِن ذٰلِكَ الحينِ يُظهِرُ لِتَلاميذِه أَنَّه يَجِبُ علَيهِ أَن يَذهَبَ إِلى أُورَشَليم ويُعانِيَ آلامًا شَديدة مِنَ الشُّيوخِ وعُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة ويُقتَلَ ويقومَ في اليومِ الثَّالث. فَٱنفَرَدَ بِه بُطرُس وجَعَلَ يُعاتِبُه فيَقول: «حاشَ لَكَ يا رَبّ! لن يُصيبَكَ هٰذا!». فٱلتَفَتَ وقالَ لِبُطرس: «إِنسَحِبْ! وَرائي! يا شَيطان، فأَنتَ لي حَجَرُ عَثْرَة، لأَنَّ أَفكارَكَ لَيسَت أَفكارَ الله، بل أَفكارُ البَشَر». ثُمَّ قالَ يسوعُ لِتَلاميذِه: «مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِهِ ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبَعْني، لأَنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذي يَفقِدُ حَياتَه في سبيلي فإِنَّه يَجِدُها. ماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفسَه؟ وماذا يُعطي الإِنسانُ بَدَلاً لِنَفسِه؟ «فسَوفَ يَأتي ٱبنُ الإِنسانِ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه مَلائِكتُه، فيُجازي يَومَئِذٍ كُلَّ ٱمرِئٍ عَلى قَدْرِ أَعمالِه. الحَقَّ أَقولُ لَكم: مِنَ الحاضِرينَ هٰهُنا مَن لا يَذوقونَ الموتَ حتَّى يُشاهِدوا ٱبنَ الإِنسانِ آتِيًا في مَلَكوتِه». وبَعدَ سِتَّةِ أَيَّام مَضى يسوعُ بِبُطرسَ ويَعقوبَ وأَخيه يوحَنَّا، فٱنفَردَ بِهِم عَلى جَبَلٍ عالٍ، وتَجَلَّى بِمَرأًى مِنهُم، فأَشَعَّ وَجهُه كالشَّمس، وتَلألأَت ثِيابُه كالنُّور. وإِذا موسى وإِيلِيَّا قد تَراءَيا لَهم يُكَلِّمانِه. فخاطَبَ بُطرُسُ يسوعَ قال: «يا رَبّ، حَسَنٌ أَن نَكونَ هٰهُنا، فإِن شِئتَ، نَصَبْتُ هٰهُنا ثَلاثَ خِيَم: واحِدَةً لَكَ وواحِدَةً لِموسى وواحِدَةً لإِيليَّا». وبَينَما هُوَ يَتَكَلَّم إِذا غَمامٌ نَيِّرٌ قد ظلَّلهُم، وإِذا صَوتٌ مِنَ الغَمامِ يقول: «هٰذا هوَ ٱبنيَ الحَبيبُ الَّذي عَنهُ رَضيت، فلَهُ ٱسمَعوا». فلَمَّا سَمِعَ التَّلاميذُ ذٰلك، سَقَطوا على وُجوهِهِم، وقدِ ٱستَولى علَيهِم خَوفٌ شديد. فدنا يسوعُ ولمَسَهم وقالَ لَهم: «قوموا، لا تَخافوا». فَرفَعوا أَنظارَهم، فلَم يَرَوا إِلاَّ يسوعَ وحدَه. وبَينَما هم نازلونَ مِنَ الجَبَل، أَوصاهُم يسوعُ قال: «لا تُخبِروا أَحدًا بِهٰذِهِ الرُّؤيا إِلى أَن يَقومَ ٱبنُ الإِنسانِ مِن بَينِ الأَموات». فسأَلَه التَّلاميذ: «فلِماذا يقولُ الكتَبَةُ إِنَّهُ يَجِبُ أَن يَأتيَ إِيلِيَّا أَوَّلاً؟» فأَجابَهم: «إِنَّ إِيلِيَّا آتٍ وسيُصلِحُ كُلَّ شَيء. ولٰكِن أَقولُ لَكم إِنَّ إِيلِيَّا قد أَتى، فلَم يَعرِفوه، بَل صَنَعوا بِه كُلَّ ما أَرادوا. وكذٰلك ٱبنُ الإِنسانِ سَيُعاني مِنهُمُ الآلام». ففَهِمَ التَّلاميذُ أَنَّه كَلَّمهم على يُوحَنَّا المَعمَدان». ولَمَّا لَحِقوا بِالجَمْع، دَنا مِنهُ رَجُلٌ فَجَثا لَه وقال: «يا رَبّ، أَشفِقْ على ٱبني، فإِنَّه يُصرَعُ في رَأسِ الهِلال، وهو يُعاني آلامًا شديدة: فكثيرًا ما يَقعُ في النَّارِ وكثيرًا ما يَقَعُ في الماء. وقد أَتَيتُ بِه تَلاميذَكَ، فلَم يَستطيعوا أَن يَشفُوه». فأَجابَ يسوع: «أَيُّها الجِيلُ الكافِرُ الفاسِد، حَتَّامَ أَبقى مَعَكم؟ وَإِلامَ أَحتَمِلُكم؟ عَليَّ بِه إِلى هُنا!» وٱنتَهَرَهُ يسوعُ فخَرَجَ مِنه الشَّيطان، فشُفِيَ الطِّفلُ في تِلكَ السَّاعة. فدَنا التَّلاميذُ مِن يسوع وقالوا لَه فيما بَينَهم: «لِماذا لم نَستطِعْ نَحنُ أَن نَطرُدَه؟» فقالَ لَهم: «لِقِلَّةِ إِيمانِكم. الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِن كانَ لَكم مِنَ الإِيمانِ قَدْرُ حَبَّةِ خَردَل قُلتُم لِهٰذا الجَبَل: إِنتَقِلْ مِن هُنا إِلى هُناك، فيَنتَقِل، وما أَعجَزَكُم شَيء. وهٰذا الجِنسُ مِنَ الشَّيطانِ لا يَخرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاةِ والصَّوم». وكانوا مُجتَمِعينَ في الجَليل، فقالَ لَهم يسوع: «إِنَّ ٱبنَ الإِنسانِ سَيُسْلَمُ إِلى أَيدي النَّاس، فيَقتُلُونَه، وفي اليَومِ الثَّالِثِ يَقوم». فحَزِنوا حُزنًا شَديدًا. ولَمَّا وَصَلُوا إِلى كَفَرناحوم، دَنا جُباةُ الدِّرهَمَينِ إِلى بُطرس وقالوا له: «أَما يُؤَدِّي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرهَمَين؟» قالَ: «بلَى». فلَمَّا دَخَلَ البَيت، بادرَه يَسوعُ بِقَولِه: «ما رَأيُكَ، يا سِمعان؟ مِمَّن يَأخُذُ مُلوكُ الأَرضِ الخَراجَ أَوِ الجِزيَة؟ أَمِن بَنيهِم أَم مِنَ الغُرَباء؟» فَقال: «مِنَ الغُرَباء». فقالَ لَه يسوع: «فَالبَنونَ مُعفَون إِذًا. ولٰكِن لا أُريدُ أَن نَكونَ لَهم حَجَرَ عَثرَة، فَٱذهَبْ إِلى البَحرِ وأَلقِ الشِّصَّ، وأَمسِكْ أَوَّلَ سمَكةٍ تَخرُجُ وَٱفْتَحْ فاها تَجِدْ فيه إِستارًا، فَخُذهُ وأَدِّهِ لَهم عنِّي وعَنكَ». وفي تِلكَ السَّاعَة دَنا التَّلاميذُ إِلى يسوعَ وسأَلوه: «مَن تُراهُ الأَكبَرَ في مَلكوتِ السَّمَوات؟» فدَعا طِفلاً فَأَقامَه بَينَهم وقال: «الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِن لم تَرجِعوا فتَصيروا مِثلَ الأَطفال، لا تَدخُلوا مَلكوتَ السَّمَوات. فمَن وضَعَ نَفسَهُ وصارَ مِثلَ هٰذا الطِّفل، فذاك هو الأَكبرُ في مَلَكوتِ السَّموات. ومَن قَبِلَ طِفْلاً مِثلَه إِكْرامًا لِٱسمي، فقَد قَبِلَني أَنا. «وأَمَّا الَّذي يَكونُ حجَرَ عَثرَةٍ لأَحدِ هٰؤلاءِ الصِّغارِ المؤمِنينَ بي فَأَولى بِه أَن تُعلَّقَ الرَّحى في عُنقِه ويُلقى في عُرْضِ البَحْر. الوَيلُ لِلعالَمِ مِن أَسبابِ العَثَرات! ولا بُدَّ مِن وُجودِها، ولٰكِنِ الوَيلُ لِلَّذي يكونُ حَجَرَ عَثرَة! فإِذا كانَت يَدُكَ أَو رِجلُكَ حَجَرَ عَثرَةٍ لَكَ، فٱقْطَعْها وأَلقِها عنكَ، فلأَن تَدخُلَ الحَياةَ وأَنْتَ أَقطَعُ اليدِ أَو أَقطَعُ الرِّجْلِ خَيرٌ لكَ مِن أَن يَكونَ لكَ يدانِ أَو رِجْلانِ وتُلقى في النَّارِ الأَبَدِيَّة. وإِذا كانَت عينُكَ حَجَرَ عَثرَةٍ لَكَ، فَاقْلَعْها وأَلقِها عنكَ، فلأَنْ تَدخُلَ الحَياةَ وأَنتَ أَعوَر خَيرٌ لكَ مِن أَن يكونَ لكَ عَينان وتُلقى في جَهَنَّمِ النَّار. «إِيَّاكُم أَن تَحتَقِروا أَحَدًا مِن هٰؤُلاءِ الصِّغار. أَقولُ لكم إِنَّ ملائكتَهم في السَّمَواتِ يُشاهِدونَ أَبَدًا وَجهَ أَبي الَّذي في السَّمَوات. «ما رَأيُكم؟ إِذا كانَ لِرَجُلٍ مائةُ خَروف فضَلَّ واحِدٌ مِنها، أَفلا يَدَعُ التِّسعَةَ والتِّسعينَ في الجِبال، ويَمضي في طَلَبِ الضَّالّ؟ وإِذا تَمَّ له أَن يَجِدَه فالحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّه يَفرَحُ بِه أَكثَرَ مِنه بِالتِّسعَةِ والتِّسعينَ الَّتي لم تَضِلّ. وهٰكذا لا يَشاءُ أَبوكمُ الَّذي في السَّمَواتِ أَن يَهلِكَ واحِدٌ من هٰؤُلاءِ الصِّغار. «إِذا خَطِئَ أَخوكَ، فَٱذهَبْ إِليهِ وَٱنفَرِدْ بِه ووَبِّخْهُ. فإِذا سَمِعَ لَكَ، فقَد رَبِحتَ أَخاك. وإِن لَم يَسمَعْ لَكَ فَخُذْ معَكَ رَجُلاً أَو رَجُلَين، لِكَي يُحكَمَ في كُلِّ قَضِيَّةٍ بِناءً على كَلامِ شاهِدَينِ أَو ثَلاثَة. فإِن لَم يَسمَعْ لَهما، فأَخبِرِ الكَنيسةَ بِأَمرِه. وإِن لم يَسمَعْ لِلكَنيسَةِ أَيضًا، فَلْيَكُنْ عندَكَ كالوَثَنِيِّ والجابي. «الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما رَبطتُم في الأَرضِ رُبِطَ في السَّماء، وما حَلَلتُم في الأَرضِ حُلَّ في السَّماء. «وأَقولُ لَكم: إِذا ٱتَّفَقَ ٱثنانِ مِنكم في الأَرضِ على طَلَبِ أَيِّ حاجةٍ كانت، حَصلا علَيها مِن أَبي الَّذي في السَّمَوات، فحَيثُما ٱجتَمَعَ ٱثنانِ أَو ثَلاثَةٌ بِٱسمي، كُنتُ هُناكَ بَينَهم». فدَنا بُطرُس وقالَ له: «يا ربّ، كم مَرَّةً يَخطَأُ إِلَيَّ أَخي وَأَغفِرَ لَه؟ أَسَبعَ مَرَّات؟» فقالَ له يسوع: «لا أَقولُ لكَ: سَبعَ مرَّات، بل سَبعينَ مَرَّةً سَبعَ مَرَّات. «لِذٰلكَ مَثَلُ مَلكوتِ السَّمَواتِ كَمَثلِ مَلِكٍ أَرادَ أَن يُحاسِبَ خَدَمَه. فَلَمَّا شَرَعَ في مُحاسَبتِهم أُتِيَ بِواحِدٍ مِنهُم علَيه عَشَرةُ آلافِ وَزْنَة. ولَم يَكُن عندَه ما يُؤَدِّي بِه دَينَه، فَأَمَرَ مَولاهُ أَن يُباعَ هو وٱمرَأَتُه وأَولادُه وجَميعُ ما يَملِك لِيُؤَدَّى دَينُه. فَجَثا لَه الخادِمُ ساجِدًا وقال: «أَمهِلْني أُؤَدِّ لَكَ كُلَّ شَيء». فأَشفَقَ مَولى ذٰلكَ الخادِم وأَطلقَه وأَعفاهُ مِنَ الدَّين. ولَمَّا خَرَجَ ذٰلكَ الخادِمُ لَقِيَ خادِمًا مِن أَصحابِه مَدِينًا له بِمائةِ دِينار. فأَخَذَ بِعُنُقِه يَخنُقُه وهو يَقولُ لَه: «أَدِّ ما علَيكَ». فجَثا صاحِبُه يَتَوَسَّلُ إِلَيه فيَقول: «أَمهِلْني أُؤَدِّهِ لكَ». فلَم يَرضَ، بل ذَهَبَ بِه وأَلقاه في السِّجنِ إِلى أَن يُؤَدِّيَ دَيْنَه. وشَهِدَ أَصحابُه ما جَرى فٱغتَمُّوا كثيرًا، فمَضَوا وأَخبَروا مَولاهم بِكُلِّ ما جَرى. فدَعاهُ مولاهُ وقالَ لَه: «أَيُّها الخادِمُ الشِّرِّير، ذاكَ الدَّيْنُ كُلُّه أَعفَيتُكَ مِنه، لأَنَّكَ سأَلتَني. أَفما كانَ يَجِبُ علَيكَ أَنتَ أَيضًا أَن تَرحَمَ صاحِبَكَ كما رحِمتُكَ أَنا؟» وغَضِبَ مَولاهُ فدَفعَه إِلى الجَلاَّدين، حتَّى يُؤَدِّي لَه كُلَّ دَيْنِه. فَهَكذا يَفعَلُ بِكُم أَبي السَّماويّ، إِن لم يَغفِرْ كُلُّ واحِدٍ مِنكم لأَخيهِ مِن صَميمِ قَلبِه». ولَمَّا أَتمَّ يسوعُ هٰذا الكَلام، تَرَكَ الجَليلَ وَجاءَ بِلادَ اليَهودِيَّةِ عِندَ عِبْرِ الأُردُنّ. فتَبِعَتهُ جُموعٌ كَثيرة، فشفاهم هُناك. فدَنا إِلَيهِ بعضُ الفِرِّيسيِّين وقالوا له لِيُحرِجوه: «أَيَحِلُّ لأَحَدٍ أَن يُطَلِّقَ ٱمرَأَتَهُ لأَيَّةِ عِلَّةٍ كانت؟» فأَجاب: «أَما قَرأتُم أَنَّ الخالِقَ مُنذُ البَدءِ جَعلَهما ذَكَرًا وَأُنثى وقال: لِذٰلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ ٱمرَأَتَه، ويصيرُ الاِثْنانِ جسَدًا واحِدًا. فلا يكونانِ ٱثنَينِ بعدَ ذٰلكَ، بل جَسَدٌ واحد. فما جَمَعَه الله فلا يُفَرِّقنَّه الإِنسان». فقالوا له: «فلِماذا أَمَرَ موسى أَن تُعْطى كِتابَ طَلاقٍ وَتُسَرَّح؟» قالَ لَهم: «مِن أَجْلِ قساوَةِ قُلوبِكم رَخَّصَ لَكم موسى في طَلاقِ نِسائكم، ولَم يَكُنِ الأَمرُ مُنذُ البَدءِ هٰكذا. أَمَّا أَنا فأَقولُ لَكم: مَن طَلَّقَ ٱمرَأَتَه، إِلاَّ لِفَحْشاء، وتَزَوَّجَ غيرَها فقَد زَنى». فقالَ له التَّلاميذ: «إِذا كانَت حالَةُ الرَّجُلِ مَعَ المَرأَةِ هٰكذا، فلا خَيرَ في الزَّواج». فقالَ لَهم: «هٰذا الكَلامُ لا يَفهَمُه النَّاسُ كُلُّهم، بلِ الَّذينَ أُنعِمَ علَيهِم بِذٰلك. فهُناكَ خِصْيانٌ وُلِدوا مِن بُطونِ أُمَّهاتِهم على هٰذِه الحال، وهُناكَ خِصْيانٌ خَصاهُمُ النَّاس، وهُناكَ خِصْيانٌ خَصَوا أَنفُسَهم مِن أَجلِ مَلكوتِ السَّمَوات. فَمَنِ ٱستَطاعَ أَن يَفهَمَ فَليَفهَمْ!». وأَتَوه بِأَطفالٍ لِيَضَعَ يَدَيهِ علَيهِم ويُصلِّي، فَٱنتَهَرهُمُ التَّلاميذ. فقالَ يسوع: «دَعوا الأَطفال، لا تَمنَعوهم أَن يَأتوا إِليَّ، فإِنَّ لأَمثالِ هٰؤُلاءِ مَلكوتَ السَّمَوات». ثُمَّ وَضَعَ يدَيهِ عَليهِم ومَضى في طريقِه. وإِذا بِرَجُلٍ يَدنو فَيقولُ له: «يا مُعلِّم، ماذا أَعمَلُ مِن صالحٍ لأَنالَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟» فقالَ له: «لماذا تَسأَلُني عَنِ الصَّالِح؟ إِنَّما الصَّالِحُ واحِد. فإِذا أَرَدتَ أَن تَدخُلَ الحَياة، فَٱحفَظِ الوَصايا». قالَ له: «أَيَّ وَصايا؟» فقالَ يسوع: «لا تَقتُلْ، لا تَزنِ، لا تَسرِقْ، لا تَشهَدْ بِالزُّور. أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّك»، و«أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ». قالَ له الشَّابّ: «هٰذا كُلُّه قد حَفِظْتُه، فماذا يَنقُصُني؟» قالَ لَه يسوع: «إِذا أَرَدتَ أَن تكونَ كامِلاً، فٱذْهَبْ وبِعْ أَمْوالَكَ وأَعْطِها لِلفُقَراء، فَيكونَ لكَ كَنزٌ في السَّماء، وتَعالَ فٱتبَعْني». فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ هٰذا الكلام، اِنصَرَفَ حزينًا لأَنَّه كانَ ذا مالٍ كثير. فقالَ يسوعُ لِتلاميذِه: «الحقَّ أَقولُ لكم: يَعسُرُ على الغَنِيِّ أَن يَدخُلَ مَلكوتَ السَّمَوات. وأَقولُ لَكم: لأَن يَمُرَّ الجَملُ مِن ثَقْبِ الإِبرةِ أَيسَرُ مِن أَن يَدخُلَ الغَنِيُّ مَلكوتَ الله». فلَمَّا سَمِعَ التَّلاميذُ هٰذا الكلام دَهِشوا دَهَشًا شديدًا وقالوا: «مَن تُراهُ يَقدِرُ أَن يَخلُص؟» فَحَدَّقَ إِلَيهِم يسوعُ وقالَ لهم: «أَمَّا النَّاسُ فهٰذا شَيءٌ يُعجِزُهم، وأَمَّا اللهُ فإِنَّه على كُلِّ شَيءٍ قَدير». فقالَ لَه بُطرس: «ها قد تَرَكْنا نَحنُ كُلَّ شَيءٍ وتَبِعناك، فماذا يكونُ مَصيرُنا؟» فقالَ لهم يسوع: «الحقَّ أَقولُ لكم: أَنتُم الَّذينَ تَبِعوني، متى جلَسَ ٱبنُ الإِنسانِ على عَرشِ مَجدِه عِندما يُجَدَّدُ كُلُّ شَيء، تَجلِسونَ أَنتم أَيضًا على ٱثنَي عَشَرَ عَرْشًا، لِتَدينوا أَسباطَ إِسرائيلَ الاِثنَيْ عَشَر. وكُلُّ مَن تَرَكَ بُيوتًا أَو إِخوةً أَو أَخواتٍ أَو أَبًا أَو أُمًّا أَو بَنينَ أَو حُقولاً لأَجلِ ٱسْمي، يَنالُ مائةَ ضِعْفٍ ويَرِثُ الحَياةَ الأَبَدِيَّة. وكَثيرٌ مِنَ الأَوَّلينَ يصيرونَ آخِرين، وَمِنَ الآخِرينَ أَوَّلين.» «فمَثلُ مَلكوتِ السَّمَوات كَمَثلِ رَبِّ بَيتٍ خَرَجَ عِندَ الفَجرِ لِيَستأجِرَ عَمَلةً لِكَرمِه. فاتَّفقَ معَ العَمَلةِ على دينارٍ في اليَوم وأَرسَلهم إِلى كَرْمِه. ثُمَّ خَرَجَ نَحوَ السَّاعةِ التَّاسِعة، فرأَى عَمَلةً آخَرينَ قائمينَ في السَّاحَةِ بَطَّالين. فقالَ لَهم: «إِذهَبوا أَنتُم أَيضًا إِلى كَرْمي، وسَأُعطيكُم ما كانَ عَدْلاً»، فذَهَبوا. وخرَجَ أَيضًا نَحوَ الظُّهْر ثُمَّ نَحوَ الثَّالِثَةِ بَعدَ الظُّهْر، ففَعلَ مِثلَ ذٰلك. وخَرَجَ نَحوَ الخامِسةِ بَعدَ الظُّهْر، فَلَقِيَ أُناسًا آخَرينَ قائمينَ هُناك، فقالَ لَهم: لِماذا قُمتُم هَهُنا طَوالَ النَّهارِ بَطَّالين؟» قالوا له: «لم يَستأجِرْنا أَحَد». قالَ لَهم: «إِذهَبوا أَنتُم أَيضًا إِلى كَرْمي». ولمَّا جاءَ المساء قالَ صاحِبُ الكَرْمِ لِوَكيلِه: «أُدعُ العَمَلَةَ وٱدفَعْ لَهُمُ الأُجرَة، مُبتَدِئًا بِالآخِرين مُنتَهيًا بِالأَوَّلين». فجاءَ أَصحابُ السَّاعةِ الخامِسةِ بَعدَ الظُّهْر وأَخَذَ كُلٌّ مِنهُم دينارًا. ثُمَّ جاءَ الأَوَّلون، فظَنُّوا أَنَّهم سيَأخُذونَ أَكثَرَ مِن هٰؤُلاء، فَأَخَذَ كُلٌّ مِنهُم أَيضًا دينارًا. وكانوا يأخُذونَه ويقولونَ مُتَذَمِّرينَ على ربِّ البَيت: «هٰؤُلاءِ الَّذينَ أَتَوا آخِرًا لم يَعمَلوا غَيرَ ساعةٍ واحدة، فساوَيتَهم بِنا نحنُ الَّذينَ ٱحتَمَلْنا ثِقَلَ النَّهارِ وَحَرَّه الشَّديد». فأَجابَ واحدًا مِنهُم: «يا صَديقي، ما ظَلَمتُكَ، أَلم تَتَّفِقْ مَعي على دينار؟ خُذْ ما لَكَ وَٱنصَرِفْ. فَهٰذا الَّذي أَتى آخِرًا أُريدُ أَن أُعطِيَهُ مِثلَك: أَلا يَجوزُ لي أَن أَتصرَّفَ بمالي كما أَشاء؟ أَم عَينُكَ حَسودٌ لأَنِّي كريم؟» فهَكذا يَصيرُ الآخِرونَ أَوَّلين والأَوَّلونَ آخِرين». وأَوشَكَ يسوعُ أَن يَصعَدَ إِلى أُورَشَليم، فَانفَرَدَ بِالِٱثنَيْ عَشَر، وقالَ لَهم في الطَّريق: «ها نَحنُ صاعِدونَ إِلى أُورَشليم، فٱبنُ الإِنسانِ يُسلَمُ إِلى عُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبة، فيَحكُمونَ عليه بِالموت ويُسلِمونَه إِلى الوَثنيِّين، لِيَسخَروا مِنهُ ويَجلِدوهُ ويَصلِبوه، وفي اليومِ الثَّالثِ يَقوم». فدَنَت إِليهِ أُمُّ ٱبنَي زَبَدى ومعَها ٱبناها، وسَجَدَت لَه تَسأَلُه حاجة. فقالَ لَها: «ماذا تُريدين؟» قالت: «مُرْ أَن يَجلِسَ ٱبنايَ هٰذانِ أَحدُهما عن يَمينِكَ والآخَرُ عَن شِمالِكَ في مَلَكوتِكَ». فأَجابَ يسوع: «إِنَّكُما لا تَعلَمانِ ما تسأَلان: أَتستطيعانِ أَن تَشرَبا الكأسَ الَّتي سَأَشرَبُها؟» قالا لَه: «نَستَطيع». فقالَ لَهما: «أَمَّا كَأسي فسَوفَ تَشرَبانِها، وأَمَّا الجُلوسُ عن يَميني وعن شِمالي، فلَيسَ لي أَن أَمنَحَه، بل هو لِلَّذينَ أَعدَّهُ لَهم أَبي». وسَمِعَ العَشَرَةُ ذٰلكَ الكلام فٱسْتاؤُوا مِنَ الأَخَوَين. فدَعاهُم يسوعُ إِليهِ وقالَ لَهم: «تَعلَمونَ أَنَّ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وأَنَّ أَكابِرَها يَتسلَّطونَ علَيها. فلا يَكُنْ هٰذا فيكُم، بل مَن أَرادَ أَن يكونَ كبيرًا فيكُم، فَلْيَكُنْ لَكم خادِمًا. ومَن أَرادَ أَن يكونَ الأَوَّلَ فيكُم، فَلْيَكُنْ لَكم عَبدًا: هٰكذا ٱبنُ الإِنسانِ لم يأتِ لِيُخدَم، بَل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفسِه جَماعَةَ النَّاس». وبينَما هم خارِجونَ مِن أَريحا، تَبِعَه جَمعٌ كَثير. وإِذا أَعمَيانِ جالِسانِ على جانِبِ الطَّريق، فلمَّا سَمِعا أَنَّ يسوعَ مارٌّ مِن هُناكَ صاحا: «رُحْماكَ، يا رَبّ، يا ٱبنَ داود!» فَٱنتَهَرَهما الجَمعُ لِيَسكُتا. فصاحا أَشَدَّ الصِّياح: «رُحْماكَ يا رَبّ، يا ٱبنَ داود!» فوقَفَ يسوعُ ودعاهما وقال: «ماذا تُريدانِ أَن أَصنَعَ لَكُما؟»، قالا لَه: «يا رَبّ، أَن تُفتَحَ أَعيُنُنا». فأَشفَقَ يسوعُ عليهِما، ولَمَسَ أَعيُنَهما، فأَبصرا لِوَقتِهما وتَبِعاه. ولمَّا قَرُبوا مِن أُورَشَليم، ووصَلوا إِلى بَيتَ فاجي عِندَ جَبَلِ الزَّيتون، حِينَئذٍ أَرسلَ يسوعُ تِلميذَينِ وقالَ لهما: «إِذهَبا إِلى القَريةِ الَّتي تُجاهَكُما، تَجِدا أَتانًا مَرْبوطةً وجَحْشًا مَعها، فحُلاَّ رِباطَها وَأَتِياني بِهما. فإِن قالَ لَكما قائلٌ شَيئًا، فأَجيبا: «الرَّبُّ مُحتاجٌ إِليهِما»، فيُرسِلُهما لِوَقتِه». وإِنَّما حدَثَ هٰذا لِيَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ النَّبِيّ: «قولوا لِبِنتِ صِهيُون: هُوَذا مَلِكُكِ آتٍ إِلَيكِ وَديعًا راكِبًا على أَتان، وجَحْشِ ٱبنِ دابَّة». فذَهبَ التِّلميذانِ وفعلا كَما أَمرَهما يسوع وأَتيا بِالأَتانِ والجَحْش. ثُمَّ وضَعا علَيهِما ردائَيهِما، فركِبَ يسوع. وكانَ مِنَ النَّاسِ جَمعٌ كَثير، فبَسَطوا أَردِيَتَهم على الطَّريق، وقَطَعَ غَيرُهم أَغصانَ الشَّجَر، ففَرشوا بِها الطَّريق. وكانَتِ الجُموعُ الَّتي تَتقدَّمُه والَّتي تَتبَعُه تَهتِف: «هُوشَعْنا لِٱبنِ داود! تَباركَ الآتي بِٱسمِ الرَّبّ! هُوشَعْنا في العُلى!». ولَمَّا دَخلَ أُورَشَليم ضَجَّتِ المَدينةُ كُلُّها وسأَلت: «مَن هٰذا؟» فَأَجابَتِ الجُموع: «هٰذا النَّبِيُّ يسوع مِن ناصِرةِ الجَليل». ثُمَّ دخَلَ يسوعُ الهَيكَل وطرَدَ جَميعَ الَّذينَ يَبيعونَ ويَشتَرونَ في الهَيكَل، فَقلَبَ طاوِلاتِ الصَّيارِفَة ومَقاعِدَ باعَةِ الحَمَام، وقالَ لَهم: «مَكتوبٌ: «بَيتي بيتَ صَلاةٍ يُدعى وأَنتُم تَجعَلونَه مَغارةَ لُصوص». ودَنا إِليهِ عُميانٌ وعُرْجٌ في الهَيكَلِ فشَفاهم. فلَمَّا رأَى عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ ما أَتى بِه مِنَ الأُمورِ العَجيبة، ورَأَوا الأَطفالَ يَهتِفونَ في الهَيكَل: «هُوشَعْنا لاِبنِ داود!»، اسْتاؤُوا فقالوا لَه: «أَتَسمَعُ ما يقولُ هٰؤُلاء؟» فقالَ لَهم يسوع: «نَعَم، أَما قَرأتُم قَطّ: «على أَلْسِنَةِ الصِّغارِ والرُّضَّعِ أَعدَدتَ لِنَفسِكَ تَسبيحًا؟» ثُمَّ تَركَهم وخَرَجَ مِنَ المَدينةِ إِلى بيتَ عَنْيا فَباتَ فيها. وبينَما هو راجِعٌ إِلى المَدينَةِ عِندَ الفَجْر، أَحَسَّ بِالجوع. فرأَى تِينةً عِندَ الطَّريق فذَهبَ إِلَيها، فلَم يَجِدْ علَيها غَيرَ الوَرَق. فقالَ لَها: «لا يَخرُجَنَّ مِنكِ ثَمرٌ لِلأَبد». فيَبِسَتِ التِّينَةُ مِن وَقْتِها. فلمَّا رأَى التَّلاميذُ ذلك، تَعجَّبوا وقالوا: «كَيفَ يَبِسَتِ التِّينةُ مِن وَقْتِها؟» فأَجابَهم يسوع: «الحَقَّ أَقولُ لكم: إِن كانَ لَكم إِيمانٌ ولم تَشُكُّوا، لا تَفعَلونَ ما فَعَلتُ بِالتِّينَةِ فَحَسْبُ، بل كُنتُم إِذا قُلتُم لهٰذا الجَبَل، قُمْ فٱهبِطْ في البَحر، يَكونُ ذٰلك. فَكُلُّ شَيءٍ تَطلُبونَه وَأَنتُم تُصَلُّونَ بإِيمانٍ تَنالونَه». ودخَلَ الهَيكل، فَدنا إِلَيه عُظَماءُ الكَهَنَةِ وشُيوخُ الشَّعبِ وهوَ يُعَلِّمُ وقالوا لَه: «بِأَيِّ سُلطانٍ تَعمَلُ هٰذِهِ الأَعمال؟ ومَن أَولاكَ هٰذا السُّلطان؟» فأَجابَهم يسوع: «وأَنا أَسأَلُكم سُؤالاً واحِدًا، إِن أَجَبْتُموني عَنه، قُلتُ لَكم بِأَيِّ سُلطانٍ أَعمَلُ هٰذه الأَعْمال: مِن أَينَ جاءَت مَعمودِيَّةُ يوحَنَّا: أَمِنَ السَّماء أَم مِنَ النَّاس؟» فقالوا في أَنفُسِهم: «إِن قُلْنا: مِنَ السَّماء، يَقولُ لَنا: فلِماذا لم تُؤمِنوا بِه؟ وإِن قُلنا: مِنَ النَّاس، نَخافُ الجَمْع، لأَنَّهم كُلَّهم يَعُدُّونَ يوحَنَّا نَبيًّا». فأَجابوا يسوع: «لا نَدري». فقالَ لَهم: «وأَنا لا أَقولُ لَكم بِأَيِّ سُلطانٍ أَعمَلُ هٰذِه الأَعمال. «ما رَأيُكم؟ كانَ لِرَجُلٍ ٱبنان. فدَنا مِنَ الأَوَّلِ وقالَ لَه: «يا بُنَيَّ، اِذهَبِ اليَومَ واعمَلْ في الكَرْم». فأَجابَه: «لا أُريد». ولكِنَّه نَدِمَ بَعدَ ذٰلك فذَهَب. ودَنا مِنَ الآخَرِ وقالَ لَه مِثلَ ذٰلك. فَأَجابَ: «ها إِنِّي ذاهبٌ يا سيِّد!» ولكنَّه لم يَذهَبْ. فأَيُّهما عَمِلَ بِمَشيئَةِ أَبيه؟» فقالوا: «الأَوَّل». قالَ لَهم يسوع: «الحَقَّ أَقولُ لكم: إِنَّ الجُباةَ والبَغايا يَتَقَدَّمونَكم إِلى مَلَكوتِ الله. فَقَد جاءَكُم يوحَنَّا سالِكًا طَريقَ البِرّ، فلَم تُؤمِنوا بِه، وأَمَّا الجُباةُ والبَغايا فآمَنوا بِه. وأَنتُم رَأَيتُم ذٰلك، فلَم تَندَموا آخِرَ الأَمرِ فتُؤمِنوا بِه. «إِسمَعوا مَثَلاً آخَر: غَرَسَ رَبُّ بَيتٍ كَرْمًا، فسيَّجَه وحفَرَ فيه مَعصَرَةً وبَنى بُرجًا وآجَرَه بَعضَ الكرَّامينَ، ثُمَّ سافَر. فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر، أَرسَلَ خَدَمَه إِلى الكَرَّامينَ لِيَأْخُذوا ثَمَرَه. فأَمسَكَ الكرَّامونَ خَدَمَه فضرَبوا أَحدَهم، وقتَلوا غيرَه ورَجَموا الآخَر. فأَرسَل أَيضًا خَدَمًا آخَرينَ أَكثرَ عَددًا مِنَ الأَوَّلين، ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذٰلك. فأَرسَلَ إِلَيهِمِ ابنَهُ آخِرَ الأَمرِ وقال: «سيَهابونَ ٱبْني». فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الاِبنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض: «هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْهُ ونَأخُذْ مِيراثَه». فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْمِ وقَتلوه. فماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْمِ بِأُولٰئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟» قالوا له: «يُهلِكُ هٰؤُلاءِ الأَشرارَ شَرَّ هَلاك، ويُؤجِرُ الكَرْمَ كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه». قالَ لَهم يسوع: «أَما قَرَأتُم قَطُّ في الكُتُب: «الحَجَرُ الَّذي رذَلَه البنَّاؤُونَ هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. مِن عِندِ الرَّبِّ كانَ ذٰلك، وهو عَجَبٌ في أَعيُنِنا». لِذٰلكَ أَقولُ لَكم: «إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنْكُم، ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه. مَن وَقَعَ على هٰذا الحَجَر تَهَشَّم، ومَن وقَعَ عَلَيه هٰذا الحَجَرُ حَطَّمَه». فَلَمَّا سَمِعَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ أَمثالَه، أَدرَكوا أَنَّه يُعَرِّضُ بِهِم في كَلامِه فحاولوا أَن يُمسِكوه، وَلكِنَّهم خافوا الجُموعَ لأَنَّها كانَت تَعُدُّه نَبِيًّا. وكَلَّمهُم يسوعُ بالأَمثالِ مَرَّةً أُخْرى قال: «مَثَلُ مَلكوتِ السَّمَواتِ كَمَثلِ مَلِكٍ أَقامَ وَليمةً في عُرسِ ٱبنِه. فأَرسَلَ خَدَمَه لِيُخبِروا المَدعُوِّينَ إِلى العُرْس فأَبَوا أَن يَأتوا. فأَرسَلَ خَدَمًا آخَرين وأَوعَزَ إِلَيهم أَن «قولوا لِلمَدعُوِّين: ها قد أَعدَدتُ وَليمَتي فذُبِحَت ثِيراني والسِّمانُ مِن ماشِيَتي، وأُعِدَّ كُلُّ شَيء، فتَعالَوا إِلى العُرْس». ولٰكِنَّهم لم يُبالوا، فمِنهُم مَن ذَهَبَ إِلى حَقلِه، ومِنهُم مَن ذَهبَ إِلى تِجارتِه. وأَمسَكَ الآخَرونَ خَدَمَه فشَتَموهم وقَتَلوهم. فَغَضِبَ الملِكُ وأَرسلَ جُنودَه، فأَهلَكَ هٰؤُلاءِ القَتَلة، وأَحرَقَ مَدينَتَهم. ثُمَّ قالَ لِخَدَمِه: «الوَليمَةُ مُعَدّةٌ ولٰكِنَّ المَدعوِّينَ غيرُ مُستَحِقِّين، فَٱذهَبوا إِلى مَفارِقِ الطُّرُق وَٱدعُوا إِلى العُرسِ كُلَّ مَن تَجِدونَه». فخَرَجَ أُولٰئِكَ الخَدَمُ إِلى الطُّرُق، فجمَعوا كُلَّ مَن وجَدوا مِن أَشْرارٍ وأَخيار، فٱمتَلأَت رَدهَةُ العُرْسِ بِالجالِسينَ لِلطَّعام. ودَخَلَ المَلِكُ لِيَنظُرَ الجالِسينَ لِلطَّعام، فرَأَى هُناكَ رَجُلاً لم يَكُنْ لابِسًا لِباسَ العُرْس، فقالَ له: «يا صديقي، كَيفَ دخَلتَ إِلى هُنا، ولَيسَ عليكَ لِباسُ العُرس»؟ فلم يُجِبْ بِشَيءٍ. فقالَ المَلِكُ لِلخَدَم: «شُدُّوا يَدَيه ورِجلَيه، وأَلقوهُ في الظُّلمَةِ البَرَّانِيَّة. فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان». لأَنَّ جَماعَةَ النَّاسِ مَدْعُوُّون، ولكِنَّ القَليلينَ هُمُ المُخْتارون». فذَهبَ الفِرِّيسيُّونَ وعَقَدوا مَجلِسَ شَورى لِيَصطادوه بِكَلِمَة. ثُمَّ أَرسَلوا إِليه تَلاميذَهم والهيرودُسِيِّين يقولونَ له: «يا مُعَلِّم، نَحنُ نَعلَمُ أَنَّكَ صادق، تُعَلِّمُ سَبيلَ اللهِ بِالحَقّ، ولا تُبالي بِأَحَد، لأَنَّكَ لا تُراعي مَقامَ النَّاس. فقُلْ لَنا ما رأيُك: «أَيحِلُّ دَفعُ الجِزيَةِ إِلى قَيصَر أَم لا؟» فشعَرَ يسوعُ بِخُبْثِهم فقال: «لِماذا تُحاوِلونَ إِحراجي، أَيُّها المُراؤُون! أَروني نَقْدَ الجِزيَة». فَأَتَوهُ بِدينار. فقالَ لَهم: «لِمَنِ الصُّورَةُ هٰذه والكِتابة؟» قالوا: «لِقَيصَر». فقالَ لَهم: «أَدُّوا إِذًا لِقَيصَرَ ما لِقَيصر، وللهِ ما لله». فلمَّا سَمِعوا هٰذا الكَلامَ تَعَجَّبوا وتَركوهُ وٱنصَرَفوا. في ذٰلكَ اليَوم دَنا إِليه بَعضُ الصَّدُّوقِيِّين، وهُمُ الَّذينَ يَقولونَ بِأَنَّه لا قيامَة وسأَلوه: «يا مُعَلِّم، قالَ موسى: إِن ماتَ أَحدٌ لَيسَ لَه وَلَد، فَلْيَتَزَوَّجْ أَخوهُ ٱمرَأَتَه ويُقِمْ نَسلاً لأَخيه. وكانَ عندَنا سَبعَةُ إِخْوَة، فَتَزَوَّجَ الأَوَّلُ وتُوُفِّيَ ولَم يَكُنْ لَه نَسْل فترَكَ ٱمرَأَتَه لأَخيه. ومِثلُه الثَّاني والثَّالِثُ حتَّى السَّابع. ثُمَّ ماتتِ المَرأَةُ مِن بعدِهم جَميعًا. ففي القِيامَةِ لأَيٍّ مِنَ السَّبعَةِ تَكونُ ٱمرَأَةً؟ فقَد كانَت لَهم جَميعًا». فأَجابَهم يسوع: «أَنتُم في ضَلالٍ لأَنَّكم لا تَعرِفونَ الكُتُبَ ولا قُدرَةَ الله. ففي القِيامَةِ لا الرِّجالُ يَتَزَوَّجون، ولا النِّساءُ يُزَوَّجنَ، بل يَكونونَ مِثلَ الملائِكَةِ في السَّماء. وأَمَّا قِيامةُ الأَموات، أَفما قَرأتُم ما قالَ اللهُ لكم: «أَنا إِلْهُ إِبْراهيم، وإِلٰهُ إِسحٰق، وإِلٰهُ يَعْقوب». وما كانَ إِلٰهَ أَموات، بل إِلٰهُ أَحياء». وسَمِعَتِ الجُموعُ كَلامَه، فأُعجِبَت بِتَعليمِه. وبلَغَ الفِرِّيسيِّينَ أَنَّه أَفحَمَ الصَّدُّوقِيِّين فَٱجتَمَعوا مَعًا. فسأَلَه واحِدٌ مِنهم لِيُحرِجَه: «يا مُعَلِّم، ما هي الوَصِيَّةُ الكُبرى في الشَّريعة؟» فقالَ لَه: «أَحبِبِ الرَّبَّ إِلٰهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهنِكَ. تِلكَ هي الوَصِيَّةُ الكُبرى والأُولى. والثَّانِيَةُ مِثلُها: أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ. بِهاتَينِ الوَصِيَّتَينِ تَرتَبِطُ الشَّريعَةُ كُلُّها والأَنبِياء». وبَينَما الفِرِّيسيُّونَ مُجتَمِعون سأَلَهم يسوع: «ما رَأيُكم في المسيح؟ إِبنُ مَن هُوَ؟» قالوا له: «إِبنُ داود». قالَ لَهم: «فكيفَ يَدعوه داودُ ربًّا بِوَحْيٍ مِنَ الرُّوحِ فيقول: «قالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: إِجلِسْ عن يَميني حتَّى أَجعَلَ أَعداءَكَ تَحتَ قَدَمَيكَ». فإِذا كان داودُ يَدعوه رَبًّا، فكيفَ يَكونُ ٱبنَه؟» فلَم يَستَطِعْ أَحدٌ أَن يُجيبَه بِكَلِمَة، ولا جَرُؤَ أَحدٌ مُنذُ ذٰلكَ اليَومِ أَن يَسأَلَه عن شَيء. وكَلَّمَ يسوعُ الجُموعَ وتلاميذَه قال: «إِنَّ الكَتَبَةَ والفِرِّيسيِّينَ على كُرسيِّ موسى جالِسون، فَٱفعَلوا ما يَقولونَ لَكم وٱحفَظوه. ولٰكِن أَفعالَهم لا تَفعَلوا، لأَنَّهم يَقولونَ ولا يَفعَلون: يَحزِمونَ أَحمالاً ثَقيلَة ويُلقونَها على أَكتافِ النَّاس، ولٰكِنَّهم يَأبَونَ تَحريكَها بِطَرَفِ الإصبَع وجَميعُ أَعمالِهم يَعمَلونَها لِيَنظُرَ النَّاسُ إِلَيهم: يُعَرِّضونَ عَصائبَهم ويُطوِّلونَ أَهدابَهم ويُحِبُّونَ المَقعَدَ الأَوَّلَ في المآدِب، وصُدورَ المَجالِسِ في المَجامع، وتَلَقِّيَ التَّحِيَّاتِ في السَّاحات، وأَن يَدعُوَهُمُ النَّاسُ «رابي». «أَمَّا أَنتُم فَلا تَدَعوا أَحَدًا يَدْعُوكم «رابي»، لأَنَّ لَكم مُعَلِّمًا واحدًا وأَنتُم جَميعًا إِخوة. ولا تَدْعوا أَحدًا أَبًا لَكم في الأَرض، لأَنَّ لَكم أَبًا واحدًا هو الآبُ السَّماويّ. ولا تَدَعوا أَحَدًا يَدْعُوكم مُرشِدًا، لأَنَّ لَكم مُرشِدًا واحِدًا وهو المسيح. وَلْيَكُنْ أَكبرُكُم خادِمًا لَكم. فمَن رَفَعَ نَفسَه وُضِع، ومَن وَضَع نَفسَه رُفِع. «الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم تُقفِلونَ مَلكوتَ السَّمَواتِ في وُجوهِ النَّاس، فَلا أَنتُم تَدخُلون، ولا الَّذينَ يُريدونَ الدُّخولَ تَدَعونَهم يَدخُلون. الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم تَجوبونَ البَحرَ والبَرَّ لِتَكسِبوا دَخيلاً واحِدًا، فإِذا أَصبَحَ دَخيلاً، جَعلتُموه يَستَوجِبُ جَهَنَّمَ ضِعفَ ما أَنتُم تَستَوجِبون. الوَيلُ لَكم أَيُّها القادَةُ العُميان، فإِنَّكُم تَقولون: «مَن حَلَفَ بالمقَدِس فلَيسَ هٰذا بِشَيء، ومَن حَلَف بِذَهَبِ المَقدِس فهُو مُلْزَم». أَيُّها الجُهَّالُ العُمْيان، أَيُّما أَعظَم؟ الذَّهَبُ أَمِ المَقدِسُ الَّذي قَدَّسَ الذَّهَب؟ وتقولون: «مَن حَلَفَ بِالمَذبَح فلَيسَ هٰذا بِشَيء، ومَن حَلَفَ بِالقُرْبانِ الَّذي على المَذبَح فهُو مُلْزَم». أَيُّها العُميان، أَيُّما أَعظَم؟ القُربانُ أَمِ المَذبَحُ الَّذي يُقَدِّسُ القُربان؟ فمَن حَلَفَ بِالمَذبَح حَلَفَ بِه وبِكُلِّ ما عَليه، ومَن حَلَفَ بِالمَقدِس حَلَفَ بِه وبِالسَّاكِنِ فيه، ومَن حَلَفَ بِالسَّماءِ حَلَفَ بِعَرشِ اللهِ وبِالجالِسِ علَيه. الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّون المُراؤون، فإِنَّكم تُؤَدُّونَ عُشْرَ النَّعْنَع والشُّمْرَةِ والكَمُّون، بَعدَما أَهمَلتُم أَهَمَّ ما في الشَّريعة: العَدلَ والرَّحمَةَ والأَمانة. فهٰذا ما كانَ يَجِبُ أَن تَعمَلوا بِه مِن دونِ أَن تُهمِلوا ذاك. أَيُّها القادَةُ العُميان، يا أَيُّها الَّذينَ يُصَفُّونَ الماءَ مِنَ البَعوضَةِ ويَبتَلِعونَ الجَمَل. الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم تُطَهِّرونَ ظاهِرَ الكَأسِ والصَّحْن، وداخِلُهما مُمتَلِئٌ مِن حَصيلَةِ النَّهْبِ والطَّمَع. أَيُّها الفِرِّيسيُّ الأَعمى، طَهِّر أَوَّلاً داخِلَ الكَأس، لِيَصيرَ الظَّاهِرُ أَيضًا طاهرًا. الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم أَشبَهُ بِالقُبورِ المُكَلَّسَة، يَبدو ظاهِرُها جَميلاً، وأَمَّا داخِلُها فمُمتَلِئٌ من عِظامِ المَوتى وكُلِّ نَجاسَة. وكَذٰلِكَ أَنتُم، تَبدونَ في ظاهِرِكُم لِلنَّاسِ أَبرارًا، وأَمَّا باطِنُكُم فَمُمتَلِئٌ رِياءً وإِثمًا. الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم تَبنونَ قُبورَ الأَنبِياء وتُزَيِّنونَ ضَرائحَ الصِّدِّيقين وتقولون: لو عِشْنا في أَيَّامِ آبائِنا، لما شارَكناهُم في دَمِ الأَنبياء. فَأَنتُم تَشهَدونَ على أَنفُسِكم بِأَنَّكم أَبناءُ قَتَلَةِ الأَنبِياء. فٱملَأُوا أَنتُم مِكيالَ آبائِكُم. أَيُّها الحَيَّاتُ أَولادُ الأَفاعي، كَيفَ لَكم أَن تَهرُبوا مِن عِقابِ جَهَنَّم؟ مِنْ أَجْلِ ذٰلك هاءَنَذا أُرسِلُ إِلَيْكُم أَنبِياءَ وحُكَماءَ وكَتَبَة، فَبَعضَهم تَقتُلونَ وتصلِبون، وبَعضَهم في مَجامِعِكم تَجلِدون ومن مَدينَةٍ إِلى مَدينَةٍ تُطارِدون، حتَّى يَقَعَ عَليكم كُلُّ دمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ في الأَرض، مِن دَمِ هابيلَ الصِّدِّيق إِلى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَكْيا الَّذي قَتَلتُموه بَينَ المَقدِسِ والمَذبَح. الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِنَّ هٰذا كُلَّه سيَقَعُ على هٰذا الجيل. «أُورَشَليم أُورَشَليم، يا قاتِلَةَ الأَنبِياء وراجِمَةَ المُرسَلينَ إِلَيها، كَم مَرَّةٍ أَرَدتُ أَن أَجمَعَ أَبناءَكِ، كما تَجمَعُ الدَّجاجَةُ فِراخَها تَحتَ جَناحَيها! فلَم تُريدوا. هُوَذا بَيتُكم يُترَكُ لَكم قَفْرًا. فإِنِّي أَقولُ لَكُم: لا تَرَونَني بَعدَ اليَومِ حتَّى تَقولوا: «تَبارَكَ الآتي بِٱسمِ الرَّبّ». وخَرَجَ يسوعُ مِنَ الهَيكَل، فدَنا إِليهِ تلاميذُه، وهو سائِرٌ، يَستَوقِفونَ نَظَرَه على أَبنِيَةِ الهَيكَل. فأَجابَهم: «أَتَرونَ هٰذا كُلَّه؟ الحقَّ أَقولُ لَكم: لن يُترَكَ هُنا حَجَرٌ على حَجَر، مِن غَيرِ أَن يُنقَض». وبينَما هو جالسٌ في جَبَلِ الزَّيتون، دَنا مِنه تَلاميذُه فٱنفَرَدوا بِه وسأَلوه: «قُلْ لَنا متى تكونُ هٰذه الأُمور وما عَلامَةُ مَجيئِكَ ونِهايةِ العالَم؟». فأَجابَهم يسوع: «إِيَّاكم أَن يُضِلَّكُم أَحَد! فَسَوفَ يَأتي كثيرٌ مِنَ النَّاسِ مُنتَحِلينَ ٱسْمي يَقولون: «أَنا هو المسيح» ويُضِلُّونَ أُناسًا كثيرين. وستَسمَعونَ بِالحروبِ وبإِشاعاتٍ عنِ الحروب. فإِيَّاكم أَن تَفزَعوا، فلا بُدَّ مِن حُدوثِها، ولٰكن لا تكونُ النِّهايَةُ عِندَئِذٍ. فستَقومُ أُمَّةٌ على أُمَّة، ومَملَكَةٌ على مَملَكة، وتَحدُثُ مَجاعاتٌ وزَلازِلُ في أَماكِنَ كَثيرة. وهٰذا كُلُّه بَدءُ المَخاض. «وسَتُسلَمونَ عِندَئذٍ إِلى الضِّيقِ وتُقتَلون، ويُبغِضُكم جَميعُ الوَثَنِيِّينَ مِن أَجْلِ ٱسْمي. فيَعثُرُ أُناسٌ كثيرون. ويُسلِمُ بَعضُهم بَعضًا ويتباغَضون. ويَظهَرُ كثيرٌ مِنَ الأَنبياءِ الكَذَّابين ويُضِلُّونَ أُناسًا كثيرين. ويَزْدادُ الإِثْم، فتَفتُرُ المَحَبَّةُ في أَكثَرِ النَّاس. والَّذي يَثبُتُ إِلى النِّهايَةِ فذاكَ الَّذي يَخلُص. وستُعلَنُ بِشارَةُ المَلكوتِ هٰذه في المَعمورِ كُلِّه شَهادَةً لَدى الوَثَنِيِّينَ أَجمَعين، وحينَئِذٍ تَأتي النِّهاية. «فإِذا رَأَيتُمُ المُخَرِّبَ الشَّنيعَ الَّذي تَكَلَّمَ عليه النَّبِيُّ دانيال قائمًا في المَكانِ المُقَدَّس (لِيَفهَمِ القارئ)، فَلْيَهْرُبْ إِلى الجِبالِ مَن كانَ عِندَئِذٍ في اليَهودِيَّة. ومَن كانَ على السَّطْح، فلا يَنْزِلْ لِيَأخُذَ ما في بَيتِه. ومَن كانَ في الحَقْل، فلا يَرتَدَّ إِلى الوَراءِ لِيَأخُذَ رِداءَه. الوَيلُ لِلْحَوامِلِ والمُرضِعاتِ في تلكَ الأَيَّام. صلُّوا لِئَلاَّ يَكونَ هَرَبُكم في الشِّتاء أَو في السَّبْت. فستَحدُثُ عِندَئِذٍ شِدَّةٌ عَظيمة لم يَحدُثْ مِثلُها مُنذُ بَدءِ الخَليقَةِ إِلى اليَوم، ولن يَحدُث. ولو لم تُقَصَّرْ تِلكَ الأَيَّام، لَما نَجا أَحَدٌ مِنَ البَشر. ولٰكِن مِن أَجلِ المُختارين، ستُقصَّرُ تلكَ الأَيَّام. فإِذا قالَ لَكم عِندَئذٍ أَحدٌ مِنَ النَّاس: «هاهُوَذا المَسيحُ هُنا» بل «هُنا»، فلا تُصَدِّقوه. فسَيَظْهَرُ مُسَحاءُ دَجَّالون وأَنبِياءُ كَذَّابون، يَأتونَ بِآياتٍ عَظيمَةٍ وأَعاجيبَ حتَّى إِنَّهم يُضِلُّونَ المُختارينَ أَنفُسَهم لو أَمكَنَ الأَمر. فها إِنِّي قد أَنْبَأتُكم. «فإِن قيلَ لَكم: «ها هُوَذا في البَرِّيَّة»، فلا تَخرُجوا إِليها، أَو «ها هُوَذا في المخابئ»، فلا تُصَدِّقوا. وكما أَنَّ البَرقَ يَخرُجُ مِنَ المَشرِقِ ويَلمَعُ حتَّى المَغرِب، فكذٰلِك يَكونُ مَجيءُ ٱبنِ الإِنسان. وحيثُ تَكونُ الجيفَةُ تَتَجَمَّعُ النُّسور. وعلى أَثرِ الشِّدَّةِ في تِلكَ الأَيَّام، تُظلِمُ الشَّمس، والقَمَرُ لا يُرسِلُ ضَوءَه، وتَتَساقَطُ النُّجومُ مِنَ السَّماء، وتَتَزَعزَعُ قُوَّاتُ السَّمَوات. وتَظهَرُ عِندَئِذٍ في السَّماءِ آيةُ ٱبنِ الإِنسان. فتَنتَحِبُ جميعُ قبائِلِ الأَرض، وتَرى ٱبنَ الإِنسانِ آتِيًا على غَمامِ السَّماء في تَمامِ العِزَّةِ والجَلال. ويُرسِلُ ملائِكَتَه ومَعَهُمُ البُوقُ الكَبير، فيَجمَعونَ الَّذينَ ٱختارَهم مِن جِهاتِ الرِّياحِ الأَربَع، مِن أَطرافِ السَّمَواتِ إِلى أَطرافِها الأُخرى. «مِنَ التِّينَةِ خُذُوا العِبْرة: فإِذا لانَت أَغصانُها ونبَتَت أَوراقُها، عَلِمتُم أَنَّ الصَّيفَ قَريب. وكذٰلكَ أَنتُم، إِذا رَأَيتُم هٰذِهِ الأُمورَ كُلَّها، فَٱعلَموا أَنَّ ٱبنَ الإِنسانِ قَريبٌ على الأَبواب. الحَقَّ أَقولُ لَكم: لَن يَزولَ هٰذا الجيلُ حتَّى تَحدُثَ هٰذِه الأُمورُ كُلُّها. السَّماءُ والأَرضُ تَزولان، وكلامي لن يَزول. فَأَمَّا ذٰلكَ اليومُ وتلكَ السَّاعَة، فما مِن أَحَدٍ يَعلَمُهما، لا مَلائكةُ السَّمَواتِ ولا الِٱبنُ إِلاَّ الآبُ وَحْدَه. «وكما كانَ الأَمرُ في أَيَّامِ نوح، فكذٰلكَ يكونُ عِندَ مَجيءِ ٱبنِ الإِنسان. فكَما كانَ النَّاسُ، في الأَيَّامِ التي تَقَدَّمَتِ الطُّوفان، يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتَزوَّجونَ ويُزَوِّجونَ بَناتِهِم، إِلى يَومَ دخَلَ نوحٌ السَّفينَة، وما كانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئًا، حتَّى جاءَ الطُّوفانُ فجَرَفهم أَجمَعين، فكذٰلكَ يَكونُ مَجيءُ ٱبنِ الإِنسان: يَكونُ عِندَئِذٍ رَجُلانِ في الحَقْل، فيُقبَضُ أَحَدُهما ويُترَكُ الآخَر. وتكونُ ٱمرأَتانِ تَطحَنانِ بِالرَّحَى فتُقبَضُ إِحداهما وتُترَكُ الأُخرى. فَٱسهَروا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم. وتَعلَمونَ أَنَّه لو عَرَفَ رَبُّ البَيتِ أَيَّ ساعَةٍ مِنَ اللَّيلِ يَأتي السَّارِق لَسَهِرَ ولم يَدَعْ بَيتَه يُنقَب. لِذٰلكَ كونوا أَنتُم أَيضًا مُستَعِدِّين، ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تَتَوَقَّعونَها يأتي ٱبنُ الإِنسان. «فمَن تُراه الخادِمَ الأَمينَ العاقِل، الَّذي أَقامَه سَيِّدُه على أَهلِ بَيتِه، لِيُعطِيَهُمُ الطَّعامَ في وَقتِه؟ طوبى لِذٰلكَ الخادِمِ الَّذي إِذا جاءَ سَيِّدُه وَجَدَه مُنصَرِفًا إِلى عَمَلِه هٰذا! الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّه يُقيمُه على جَميعِ أَموالِه. أَمَّا إِذا قالَ الخادِمُ الشِّرِّيرُ هٰذا في قَلْبِه: «إِنَّ سَيِّدي يُبطِئ»، وأَخَذَ يَضرِبُ أَصحابَه، ويَأكُلُ ويَشرَبُ مَعَ السِّكِّيرين، فيَأتي سَيِّدُ ذٰلكَ الخادِمِ في يَومٍ لا يَتَوَقَّعُه، وساعَةٍ لا يَعلَمُها، فيَفْصِلُه ويَجزيه جَزاءَ المُنافقين، وهُناكَ البُكاءُ وصريفُ الأَسنان. «عِندَئِذٍ يكون مَثَلُ مَلكوتِ السَّمَواتِ كَمَثلِ عَشْرِ عَذارى أَخَذنَ مَصابيحَهُنَّ وخَرَجنَ لِلِقاءِ العَريس، خَمسٌ مِنهُنَّ جاهِلات، وخَمسٌ عاقِلات. فأَخذَتِ الجاهِلاتُ مَصابيحَهُنَّ ولَم يَأخُذنَ مَعَهُنَّ زَيتًا. وأَمَّا العاقِلات، فَأَخَذنَ معَ مَصابيحِهِنَّ زَيتًا في آنِية. وأَبطَأَ العَريس، فنَعَسنَ جَميعًا ونِمْنَ. وعِندَ نِصْفِ اللَّيل، عَلا الصِّياح: «هُوذا العَريس! فَٱخرُجْنَ لِلِقائِه!» فقامَ أُولٰئِكَ العَذارى جميعًا وهَيَّأنَ مَصابيحَهُنَّ. فَقالتِ الجاهِلاتُ لِلعاقِلات: «أَعطينَنا مِن زَيتِكُنَّ، فإِنَّ مَصابيحَنا تَنطَفِئ». فأَجابَتِ العاقِلات: «لَعَلَّهُ غَيرُ كافٍ لَنا ولَكُنَّ، فَالأَولى أَن تَذهَبنَ إِلى الباعَةِ وتَشْتَرينَ لَكُنّ». وبينَما هُنَّ ذاهِباتٌ لِيَشتَرينَ، وَصَلَ العَريس، فدخَلَت مَعَه المُستَعِدَّاتُ إِلى رَدهَةِ العُرْس وأُغلِقَ الباب. وجاءَت آخِرَ الأَمرِ سائرُ العَذارى فقُلنَ: «يا ربّ، يا ربّ، اِفتَحْ لَنا». فأَجاب: «الحَقَّ أَقولُ لَكُنَّ: إِنِّي لا أَعرِفُكُنَّ!» فَٱسهَروا إِذًا، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة. «فمَثَلُ ذٰلِكَ كمَثَلِ رَجُلٍ أَرادَ السَّفَر، فدعا خَدَمَه وسَلَّمَ إِلَيهِم أَموالَه. فأَعْطى أَحَدَهم خَمسَ وَزَنات والثَّانيَ وَزْنَتَين والآخَرَ وَزْنَةً واحدة، كُلًّا مِنهم على قَدْرِ طاقَتِه، وسافَر. فأَسرَعَ الَّذي أَخَذَ الوَزَناتِ الخَمسَ إِلى المُتاجَرَةِ بِها فرَبِحَ خَمسَ وَزَناتٍ غَيرَها. وكذٰلِكَ الَّذي أَخَذَ وَزْنَتَيْنِ فرَبِحَ وَزْنَتَينِ غَيرَهُما. وأَمَّا الَّذي أَخذَ الوَزْنَةَ الواحِدَة، فإِنَّه ذهَبَ وحفَرَ حُفرَةً في الأَرض ودَفَنَ مالَ سَيِّدِه. وبَعدَ مُدَّةٍ طويلة، رَجَعَ سَيِّدُ أُولٰئِكَ الخَدَمِ وحاسَبَهم. فَدَنا الَّذي أَخَذَ الوَزَناتِ الخَمس، وأَدَّى معَها خَمْسَ وَزَناتٍ وقال: «يا سيِّد، سَلَّمتَ إِليَّ خَمسَ وَزَنات، فإِليكَ معَها خمسَ وَزَناتٍ رَبِحتُها». فقالَ لَه سَيِّدُه: «أَحسَنتَ أَيُّها الخادِمُ الصَّالِحُ الأَمين! كُنتَ أَمينًا على القَليل، فسأُقيمُكَ على الكَثير: أُدخُلْ نَعيمَ سَيِّدِكَ». ثُمَّ دَنا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَتَيْنِ فقال: «يا سَيِّد، سَلَّمتَ إِلَيَّ وَزْنَتَين، فإِليكَ معَهُما وَزْنَتَينِ رَبِحتُهما». فقالَ له سَيِّدُه: «أَحسَنتَ أَيُّها الخادِمُ الصَّالِحُ الأَمين! كُنتَ أَمينًا على القَليل، فسأُقيمُكَ على الكَثير: أُدخُلْ نَعيمَ سَيِّدِكَ». ثُمَّ دَنا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَةَ الواحِدَةَ فقال: «يا سَيِّد، عَرفتُكَ رَجُلاً شَديدًا تَحصُدُ مِن حَيثُ لَم تَزرَعْ، وتَجمَعُ مِن حَيثُ لَم تُوزِّعْ، فخِفتُ وذَهَبتُ فدَفَنتُ وَزْنَتَكَ في الأَرض، فإِليكَ مالَك». فأَجابَه سَيِّدُه: «أَيُّها الخادِمُ الشِّرِّيرُ الكَسْلانُ! عَرَفتَني أَحصُدُ مِن حَيثُ لم أَزرَعْ، وأَجمَعُ مِن حَيثُ لَم أُوزِّعْ، فكانَ عَليكَ أَن تَضَعَ مالي عِندَ أَصْحابِ المَصارِف، وكُنتُ في عَودَتي أَستَرِدُّ مالي معَ الفائِدَة. فخُذوا مِنهُ الوَزْنَة وأَعطوها لِلَّذي معَهُ الوَزَناتُ العَشْر: لأَنَّ كُلَّ مَن كانَ له شَيء، يُعطى فيَفيض. ومَن لَيسَ له شيء، يُنتَزَعُ مِنهُ حتَّى الَّذي له. وذٰلكَ الخادِمُ الَّذي لا خَيرَ فيه، أَلقُوهُ في الظُّلمَةِ البَرَّانِيَّة. فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان. «وإِذا جاءَ ٱبنُ الإِنسانِ في مَجْدِه، تُواكِبُه جَميعُ الملائِكة، يَجلِسُ على عَرشِ مَجدِه، وتُحشَرُ لَدَيهِ جَميعُ الأُمَم، فيَفصِلُ بَعضَهم عن بَعْضٍ، كما يَفصِلُ الرَّاعي الخِرافَ عنِ الجِداء. فيُقيمُ الخِرافَ عن يَمينِه والجِداءَ عن شِمالِه. ثُمَّ يَقولُ المَلِكُ لِلَّذينَ عن يَمينِه: «تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مُنذُ إِنشاءِ العالَم: لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فآويتُموني، وعُريانًا فَكسَوتُموني، ومَريضًا فعُدتُموني، وسَجينًا فجِئتُم إِلَيَّ». فيُجيبُه الأَبرار: «يا رَبّ، متى رَأَيناكَ جائعًا فأَطعَمْناك أَو عَطشانَ فسَقيناك؟ ومتى رأَيناكَ غَريبًا فآويناك أَو عُريانًا فكَسَوناك؟ ومتى رَأَيناكَ مَريضًا أَو سَجينًا فجِئنا إِلَيكَ؟» فيُجيبُهُمُ المَلِك: «الحقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذٰلك لِواحِدٍ مِن إِخوَتي هٰؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه». ثُمَّ يقولُ لِلَّذينَ عنِ الشِّمال: «إِليكُم عَنِّي، أَيُّها المَلاعين، إِلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعدَّةِ لإِبليسَ وملائِكَتِه: لأَنِّي جُعتُ فَما أَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فما سَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فما آوَيتُموني، وعُريانًا فما كَسوتُموني، ومَريضًا وسَجينًا فما زُرتُموني». فيُجيبُه هٰؤلاءِ أَيضًا: «يا رَبّ، متى رَأَيناكَ جائعًا أَو عَطشان، غَريبًا أَو عُريانًا، مَريضًا أَو سَجينًا، وما أَسْعَفْناك؟» فيُجيبُهم: «الحقَّ أَقولُ لَكم: أَيَّما مَرَّةٍ لم تَصنَعوا ذٰلك لِواحِدٍ مِن هٰؤُلاءِ الصِّغار فَلي لم تَصنَعوه». فيَذهَبُ هٰؤُلاءِ إِلى العَذابِ الأَبديّ، والأَبرارُ إِلى الحَياةِ الأَبدِيَّة». ولمَّا أَتَمَّ يَسوعُ هٰذا الكَلامَ كُلَّه، قالَ لِتَلاميذِه: «تَعلَمونَ أَنَّ الفِصحَ يَقَعُ بعدَ يَومَين، فَٱبنُ الإِنسانِ يُسلَمُ لِيُصلَب». وَٱجتَمَعَ حِينَئِذٍ عُظَماءُ الكَهَنَةِ وشُيوخُ الشَّعبِ في دارِ عَظيمِ الكَهَنَةِ، وكان يُدْعى قَيافا. فأَجمَعوا على أَن يُمسِكوا يسوعَ بِحيلَةٍ ويَقتُلُوه، ولٰكنَّهم قالوا: «لا في حَفلَةِ العيد، لِئَلاَّ يَحدُثَ ٱضطِرابٌ في الشَّعْب». وكان يسوعُ في بَيتَ عَنْيا عندَ سِمعانَ الأَبرَص. فدَنَت مِنهُ ٱمرَأَةٌ ومعَها قارورَةُ طيبٍ غالي الثَّمَن، فأَفاضَتهُ على رأسِه وهُو على الطَّعام. فلَمَّا رَأَى التَّلاميذُ ذٰلك، استاؤُوا فقالوا: «لِمَ هٰذا الإِسْراف؟ فقد كانَ يُمكِنُ أَن يُباعَ غالِيًا، فيُعْطى الفُقَراءُ ثَمَنَه». فشعَرَ يسوعُ بِأَمرِهم فقالَ لَهم: «لِماذا تُزعِجونَ هٰذِه المَرأَة؟ فقد عَمِلَت لي عَمَلاً صالِحًا. أَمَّا الفُقَراء فهُم عِندَكم دائمًا أَبدًا، وأَمَّا أَنا فلَستُ عِندَكم دائمًا أَبدًا. وإِذا كانَت قد أَفاضت هٰذا الطِّيبَ على جَسدي، فلأَجْلِ دَفْني صَنَعَت ذٰلك. الحَقَّ أَقولُ لَكم: حيثُما تُعلَنْ هٰذِه البِشارَةُ في العالَمِ كُلِّه، يُحَدَّثْ بِما صَنَعَت إِحياءً لِذِكرِها». فذَهبَ أَحَدُ الِٱثنَيْ عَشَر، ذاكَ الَّذي يُقالُ لَه يَهوذا الإِسخَريوطيّ، إِلى عُظَماءِ الكَهَنَة وقالَ لهم: «ماذا تُعطوني وأَنا أُسلِمُه إِليكم؟» فَجَعلوا له ثَلاثينَ مِنَ الفِضَّة. وأَخَذَ مِن ذٰلِكَ الحينِ يَطلُبُ فُرصَةً لِيُسلِمَه. وفي أَوَّلِ يَومٍ مِنَ الفَطير، دَنا التَّلاميذُ إِلى يسوعَ وقالوا له: «أَينَ تُريدُ أَن نُعِدَّ لَكَ لِتأكُلَ الفِصْح؟» فقال: «إِذهَبوا إِلى المدينَةِ إِلى فُلان وقولوا له: يَقولُ المُعَلِّم: إِنَّ أَجَلي قَريب، وعِندَكَ أُقيمُ الفِصحَ مع تَلاميذي». ففَعلَ التَّلاميذُ كما أَمرَهُم يَسوعُ وأَعَدُّوا الفِصْح. ولمَّا كانَ المَساء، جَلَس لِلطَّعامِ معَ الِٱثنَيْ عَشَر. وبينَما هُم يأكُلون، قال: «الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ واحدًا مِنكُم سيُسلِمُني». فحَزِنوا حُزْنًا شَديدًا، وأَخذَ يسأَلُه كُلٌّ مِنهُم: «أَأَنا هو، يا ربّ؟» فأَجابَ: «الَّذي غَمَسَ يَدَهُ في الصَّحفَةِ مَعي هو الَّذي يُسلِمُني. إِنَّ ٱبنَ الإِنسانِ ماضٍ، كما كُتِبَ في شَأنِه، ولٰكِنِ الوَيلُ لِذٰلِكَ الإِنسانِ الَّذي يُسلَمُ ٱبنُ الإِنسانِ عن يَدِه. فلَو لم يُولَدْ ذٰلكَ الإِنسانُ لَكانَ خَيرًا لَه». فأَجابَ يَهوذا الَّذي سيُسلِمُه: «أَأَنا هو، رابِّي؟» فقالَ له: «هو ما تَقول». وبَينَما هم يَأكُلون، أَخذَ يسوعُ خُبزًا وبارَكَ ثُمَّ كَسَرَه وناوَلَه تلاميذَه وقال: «خُذوا فَكُلوا، هٰذا هُوَ جَسَدي». ثُمَّ أَخَذَ كَأسًا وشَكَرَ وناوَلَهم إِيَّاها قائلاً: «إِشرَبوا مِنها كُلُّكم، فهٰذا هُوَ دَمي، دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجْلِ جَماعَةِ النَّاسِ لِغُفرانِ الخَطايا. أَقولُ لَكم: لَن أَشرَبَ بَعدَ الآن مِن عَصيرِ الكَرْمَةِ هٰذا حَتَّى ذٰلك اليَومِ الَّذي فيهِ أَشرَبُه مَعَكُم جَديدًا في مَلكوتِ أَبي». ثُمَّ سَبَّحوا وخَرَجوا إِلى جَبَلِ الزَّيتون. فقالَ لَهم يسوع: «سأَكونُ لكم جميعًا حَجَرَ عَثرَة في هٰذه اللَّيلَة، فقد كُتِب: «سَأَضرِبُ الرَّاعي فتَتَبدَّدُ خِرافُ القَطيع». ولٰكِن بعدَ قِيامتي أَتَقَدَّمُكم إِلى الجَليل». فأَجابَ بُطرس: «إِذا كُنتَ لَهم جَميعًا حَجَرَ عَثرَة، فلَن تكونَ لي أَنا حَجَرَ عَثرَة». فقالَ له يسوع: «الحَقَّ أَقولُ لَك: في هٰذِه اللَّيلة، قَبلَ أَن يَصيحَ الدِّيك، تُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات». فقالَ له بُطرس: «لَستُ بِناكِرِكَ وإِن وَجَبَ عليَّ أَن أَموتَ معَكَ». وهٰكذا قالَ التَّلاميذُ كُلُّهم. ثُمَّ جاءَ يسوعُ معَهم إِلى ضَيعَةٍ يُقالُ لها جَتسَمانِيَّة، فقالَ لِلتَّلاميذ: «أُمكُثوا هُنا، رَيثَما أَمضي وأُصَلِّي هُناك». ومضى ببُطرسَ وَٱبنَيْ زَبَدى، وجَعَل يَشعُرُ بالحُزْنِ والكآبة. فقالَ لَهم: «نَفسي حَزينَةٌ حتَّى المَوْت. أُمكُثوا هُنا وٱسهَروا مَعي». ثُمَّ أَبعَدَ قَليلاً وسَقَطَ على وَجهِهِ يُصَلِّي فيقول: «يا أَبتِ، إِن أَمكَنَ الأَمْرُ، فَلتَبتَعِدْ عَنِّي هٰذِهِ الكَأس، ولٰكن لا كما أَنا أَشاء، بَل كما أَنتَ تَشاء!» ثُمَّ رَجَعَ إِلى التَّلاميذ فوجَدَهم نائمين، فقالَ لِبُطرس: «أَهكَذا لم تَقْوَوا على السَّهَرِ معي ساعةً واحِدة! إِسهَروا وصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبَة. الرُّوحُ مُندَفع وأَمَّا الجَسدُ فضَعيف». ثُمَّ مَضى ثانيةً وصلَّى فقال: «يا أَبَتِ، إِذا لم يَكُنْ مُمكِنًا أَن تَبتَعِدَ عَنِّي هٰذِه الكَأسُ أَو أَشرَبَها، فَليَكُنْ ما تَشاء». ثُمَّ رَجَعَ فَوجَدَهم نائمين، لأَنَّ النُّعاسَ أَثقَلَ أَعيُنَهم. فترَكَهم ومَضى مَرَّةً أُخْرى وصلَّى ثالِثَةً فرَدَّدَ الكلامَ نَفْسَه. ثُمَّ رَجَعَ إِلى التَّلاميذِ وقالَ لَهم: «ناموا الآنَ وَٱستَريحوا. ها قدِ ٱقتَرَبَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُسلَمُ ٱبنُ الإِنسانِ إِلى أَيدي الخاطئين. قوموا نَنطَلِق! ها قدِ ٱقتَرَبَ الَّذي يُسلِمُني». وبينَما هو يَتَكَلَّم، إِذا بِيَهوذا، أَحدِ الِٱثنَيْ عَشَر، قد وَصَلَ ومعَه عِصابَةٌ كثيرةُ العَدَد تَحمِلُ السُّيوفَ وَالعِصِيّ، أَرسَلَها عُظَماءُ الكَهَنَةِ وشُيوخُ الشَعْب. وكانَ الَّذي أَسلَمَه قد جَعَلَ لَهم علامةً إِذ قال: «هو ذاكَ الَّذي أُقَبِّلُه، فأَمسِكوه». ودَنا مِن وَقتِهِ إِلى يَسوعَ وقال: «السَّلامُ علَيكَ، رابّي»، وقَبَّلَه. فقالَ لَه يسوع: «يا صديقي، اِفْعَلْ ما جِئتَ لَه». فدَنَوا وبَسَطوا أيدِيَهم إِلى يَسوع وأَمسَكوه. وإِذا واحِدٌ مِنَ الَّذينَ مع يسوع قد مَدَّ يَدَه إِلى سَيفِه، فَٱستَلَّه وضَرَبَ خادِمَ عَظيمِ الكَهَنَة، فقطَعَ أُذُنَه. فقالَ لَه يسوع: «إِغْمِدْ سيفَك، فكُلُّ مَن يَأخُذُ بِالسَّيفِ بِالسَّيفِ يَهلِك. أَوَتَظُنُّ أَنَّه لا يُمكِنُني أَن أَسأَلَ أَبي، فَيَمُدَّني السَّاعةَ بِأَكثَرَ مِنِ اثنَيْ عَشَرَ فَيْلَقًا مِنَ المَلائِكَة؟ ولٰكِن كيفَ تَتِمُّ الكُتُبُ الَّتي تقولُ إِنَّ هٰذا ما يَجِبُ أَن يَحدُث؟». في تلكَ السَّاعة قالَ يسوعُ لِلجُموع: «أَعَلى لِصٍّ خَرَجتُم تَحمِلونَ السُّيوفَ وَالعِصِيَّ لِتَقبِضوا عليَّ؟ كُنتُ كُلَّ يَومٍ أَجلِسُ في الهيكلِ أُعَلِّم، فَلم تُمسِكوني. وإِنَّما حَدَثَ ذٰلك كُلُّه لِتَتِمَّ كُتُبُ الأَنبِياء». فتَرَكه التَّلاميذُ كُلُّهم وهَربوا. وأَمَّا الَّذينَ أَمسَكوا يسوع، فإِنَّهم ذَهَبوا بِه إِلى قيافا عَظيمِ الكَهَنَة، وقدِ ٱجتَمَعَ عِندَه الكَتَبَةُ والشُّيوخ. وتَبِعَه بُطرُسُ عن بُعدٍ إِلى دارِ عَظيمِ الكَهَنَة، فدَخَلَها وجلَسَ معَ الخَدَمِ لِيَرى الخاتِمة. وكانَ عُظماءُ الكَهَنَةِ والمَجلِسُ كافَّةً يَطلُبونَ شَهادةَ زورٍ على يسوعَ لِيَحكُموا علَيه بِالمَوت، فلَم يَجِدوا، مع أَنَّه مَثَلَ بَينَ أَيديهِم مِن شُهودِ الزُّورِ عَدَدٌ كَثير. ومَثَلَ آخِرَ الأَمرِ شاهِدانِ فقالا: «هٰذا الرَّجُلُ قال: إِنِّي لَقادِرٌ على نَقضِ هَيكَلِ اللهِ وبِنائِه في ثَلاثَةِ أَيَّام» فقامَ عَظيمُ الكَهَنَةِ وقالَ له: «أَما تُجيبُ بِشَيء؟ ما هٰذا الَّذي يَشهَدُ بِه هٰذانِ علَيك؟» فظَلَّ يسوعُ صامِتًا. فقالَ له عَظيمُ الكَهَنَة: «أَستَحلِفُكَ بِاللهِ الحَيّ لَتَقولَنَّ لَنا هل أَنتَ المسيحُ ٱبنُ الله» فقالَ له يسوع: «هو ما تقول، وأَنا أَقولُ لكم: سَتَرونَ بعدَ اليَومِ ٱبنَ الإِنسانِ جالِسًا عَن يَمينِ القَدير وآتِيًا على غَمامِ السَّماء». فشَقَّ عَظيمُ الكَهَنَةِ ثِيابَه وقال: «لقد جَدَّف، فما حاجَتُنا بَعدَ ذٰلك إِلى الشُّهود؟ ها قد سَمِعتُمُ التَّجْديف. فما رَأيُكُم؟» فأَجابوه: «يَستَوجِبُ المَوت». فبَصَقوا في وَجهِه ولَكَموه، ومِنهُم مَن لَطَمَه، وقالوا: «تَنَبَّأْ لَنا أَيُّها المسيح. مَن ضَربَكَ؟». وكانَ بُطرُسُ جالِسًا في خارِجِ الدَّارِ، في ساحتِها، فدَنَت إِليهِ جارِيةٌ وقالَت: «وأَنتَ أَيضًا كُنتَ مع يسوعَ الجَليليّ». فأَنكَرَ أَمامَ جَميعِ الحاضِرينَ قال: «لا أَدْري ما تَقولين». ثُمَّ مضى إِلى البابِ الكَبير، فرَأَته جارِيةٌ أُخرى فقالت لِمَن كانوا هُناك: «هٰذا الرَّجُلُ كانَ معَ يسوعَ النَّاصِريّ!» فأَنكَرَ ثانِيًا وحَلَفَ قال: «إِنِّي لا أَعرِفُ هٰذا الرَّجُل». وبَعدَ قليلٍ دَنا الحاضِرونَ وقالوا لِبُطرس: «حَقًّا أَنتَ أَيضًا مِنهُم، فإِنَّ لَهجَتَكَ تَفضَحُ أَمرَك». فأَخَذَ يَلعَنُ ويَحلِفُ قال: «إِنِّي لا أَعرِفُ هٰذا الرَّجُل». فصاحَ الدِّيكُ عِندَئذٍ، فتَذَكَّرَ بُطرُسُ كَلِمَةَ يسوعَ إِذ قال: «قَبلَ أَن يَصيحَ الدِّيكُ تُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات»، فخَرَجَ مِن ساحةِ الدَّارِ وبكى بُكاءً مُرًّا. ولمَّا كانَ الفَجْر، عَقَدَ جَميعُ عُظَماءِ الكَهَنَةِ وشُيوخِ الشَّعبِ مَجلِسَ شُورى في أَمرِ يسوعَ لِيَحكُموا عَلَيهِ بِالموت. ثُمَّ أَوثَقوه وساقوه وسلَّموه إِلى الحاكِمِ بيلاطُس. فلَمَّا رأَى يَهوذا الَّذي أَسلَمَه أَن قد حُكِمَ عليه، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ إِلى عُظماءِ الكَهَنَةِ والشُّيوخِ وقال: «خَطِئتُ إِذ أَسلَمتُ دَمًا بَريئًا». فقالوا له: «ما لَنا ولِهٰذا الأَمر؟ أَنتَ وشأنُكَ فيه». فأَلقى الفِضَّةَ عِندَ المَقدِسِ وٱنصرَف، ثُمَّ ذَهَب فشَنَقَ نَفْسَه. فأَخَذَ عُظماءُ الكَهَنَةِ الفِضَّةَ وقالوا: «لا يَحِلُّ وَضْعُها في الخِزانَة لأَنَّها ثَمَنُ دَم». فتَشاوَروا وَٱشتَرَوا بِها حَقلَ الخَزَّافِ مَقبَرَةً لِلغُرباء. ولِهٰذا يُقالُ لِذٰلك الحَقلِ إِلى اليَومِ حَقلُ الدَّم. فتَمَّ ما قيلَ على لِسانِ النَّبِيِّ إِرْمِيا: «وأَخَذوا الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّة وهي ثَمَنُ المُثَمَّن. ثَمَّنَهُ بِها بَنو إِسرائيل، وأَدَّوها عن حَقلِ الخَزَّاف. هٰكذا أَمرَني الرَّبّ». ومَثَلَ يسوعُ في حَضرَةِ الحاكِمِ، فسأَلَه الحاكِم: «أَأَنتَ مَلِكُ اليَهود؟» فقالَ يسوع: «هو ما تَقول». وكانَ عُظماءُ الكَهَنَةِ والشُّيوخُ يَتَّهِمونَه فلا يُجيبُ بِشَيء. فقالَ لَه بيلاطس: «أَما تَسمَعُ بِكَم مِنَ الأُمورِ يَشهَدونَ عليكَ؟» فلَم يُجِبْهُ عن أَيٍّ مِنها حتَّى تَعَجَّبَ الحاكِمُ كثيرًا. وكانَ مِن عادَةِ الحاكِمِ في كُلِّ عيد أَنْ يُطلِقَ لِلجَمْعِ سَجينًا، أَيَّ واحدٍ أَرادوا. وكانَ عِندَهم إِذ ذاكَ سَجينٌ شَهيرٌ يُقالُ لَه يسوعُ بَرْأَبَّا. فبَينَما هُم مُجتَمِعون، قالَ لَهم بيلاطُس: «مَن تُريدونَ أَن أُطلِقَ لكم؟ أَيسوعَ بَرْأَبَّا أَم يسوعَ الَّذي يُقالُ له المسيح؟» وكانَ يَعلَمُ أَنَّهم مِن حَسَدِهم أَسلَموه. وبَينما هو جالِسٌ على كُرْسِيِّ القَضاء، أَرسَلَت إِليه ٱمرَأَتُه تَقول: «دَعْكَ وهٰذا البارّ، لأَنِّي عانَيتُ اليَومَ في الحُلمِ آلامًا شَديدةً بِسَبَبِه». ولٰكِنَّ عُظَمَاءَ الكَهَنَةِ والشُّيوخَ أَقنَعوا الجُموعَ بِأَن يَطلُبوا بَرأَبَّا ويُهلِكوا يسوع. فقالَ لَهُمُ الحاكِم: «أَيُّهما تُريدونَ أَن أُطلِقَ لكم؟» فقالوا: «بَرأَبَّا». قالَ لَهم بيلاطُس: «فماذا أَفعَلُ بِيَسوعَ الَّذي يُقالُ لَه المسيح؟» قالوا جَميعًا: «لِيُصلَبْ!» قال لَهم: «فأَيَّ شَرٍّ فعَل؟». فبالَغوا في الصِّياح: «لِيُصلَبْ!» فلَمَّا رأَى بيلاطُس أَنَّه لم يَستَفِدْ شيئًا، بلِ ٱزدادَ الاضطِراب، أَخَذَ ماءً وغَسَلَ يَدَيْهِ بِمَرأًى مِنَ الجَمعِ وقال: «أَنا بَريءٌ مِن هٰذا الدَّم، أَنتم وشَأنُكم فيه». فأَجابَ الشَّعبُ بِأَجمَعِه: «دَمُه علَينا وعلى أَولادِنا!» فأَطلَقَ لَهم بَرأَبَّا، أَمَّا يسوع فجَلَدَه، ثُمَّ أَسلَمَه لِيُصلَب. فمَضى جُنودُ الحاكِمِ بِيَسوعَ إِلى دارِ الحاكِم وجَمَعوا علَيه الكَتيبَةَ كُلَّها، فجَرَّدوهُ مِن ثِيابِه وجَعَلوا علَيه رِداءً قِرمِزِيًّا، وضَفَروا إِكليلاً مِن شَوكٍ ووَضَعوه على رأسِه، وجَعلوا في يَمينِه قَصَبَة، ثُمَّ جَثَوا أَمامَه وسخِروا مِنهُ فقالوا: «السَّلامُ عليكَ يا مَلِكَ اليَهود». وبَصَقوا علَيه وأَخَذوا القَصَبَةَ وجَعَلوا يَضرِبونَه بِها على رأسِه. وبعدَ ما سَخِروا مِنهُ نَزَعوا عَنهُ الرِّداء، وأَلبَسوه ثيابَه وساقوه لِيُصلَب. وبَينَما هُم خارِجون، صادَفوا رَجُلاً قيرينيًّا ٱسمُه سِمعان، فسَخَّروه أَن يَحمِلَ صَليبَ يسوع. ولَمَّا وصَلوا إلى المَكانِ الَّذي يُقالُ لَه جُلجُثَة، أَي مَكانِ الجُمجُمَة، ناولوهُ خَمرًا مَمْزوجةً بِمَرارَةٍ لِيَشرَبَها. فذاقَها وأَبى أَن يَشرَبَها. فصَلبوهُ ثُمَّ ٱقتَسَموا ثِيابَه مُقتَرِعينَ علَيها. وجَلَسوا هُناكَ يَحرِسونَه. ووَضَعوا فَوقَ رَأسِه عِلَّةَ الحُكمِ علَيه كُتِبَ فيها: «هٰذا يسوعُ مَلِكُ اليَهود». ثُمَّ صُلِبَ معَهُ لِصَّان، أَحَدُهما عَنِ اليَمينِ والآخَرُ عَنِ الشِّمال. وكانَ المَارَّةُ يَشتُمونَه وهُم يَهُزُّونَ رُؤوسهم ويقولون: «يا أَيُّها الَّذي يَنقُضُ الهَيكلَ ويَبنيهِ في ثَلاثَةِ أَيَّام، خَلِّصْ نَفسَكَ إِن كُنتَ ٱبنَ الله، فَٱنزِلْ عَنِ الصَّليب». وكذٰلِكَ كانَ عُظماءُ الكَهَنَةِ يَسخَرونَ فيَقولونَ مَعَ الكَتَبَةِ والشُّيوخ: «خَلَّصَ غَيرَه، ولا يَقدِر أَن يُخَلِّصَ نَفْسَه! هو مَلِكُ إِسرائيل، فَلْيَنزِلِ الآنَ عنِ الصَّليبِ فنُؤمِنَ بِه. إِتَّكَلَ على الله، فَليُنقِذْهُ الآن، إِن كانَ راضِيًا عَنه، فقَد قال: أَنا ٱبنُ الله». وكانَ اللِّصَّانِ المَصلوبانِ معَه هما أَيْضًا يُعَيِّرانِهِ مِثلَ ذٰلك. وخَيَّمَ الظَّلامُ على الأَرضِ كُلِّها مِنَ الظُّهْرِ إِلى السَّاعَةِ الثَّالِثَة، ونحوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَة صَرَخَ يسوعُ صَرخَةً شَديدةً قال: «إِيلي إِيلي لَمَّا شَبَقْتاني؟» أَي: «إِلٰهي، إِلٰهي، لِماذا تَرَكْتَني؟». فسَمِعَ بَعضُ الحاضِرينَ هُناكَ فقالوا: إِنَّه يَدعو إِيليَّا. فأَسرَعَ واحِدٌ مِنهُم لِوَقْتِه وأَخَذَ إِسفَنْجَةً فبَلَّلَها بِالخَلّ، وجَعَلَها على طَرَفِ قَصَبَةٍ وسَقاه. فقالَ سائِرُ الحاضِرين: «دَعْنا نَنْظُرُ هل يَأتي إِيليَّا فيُخَلِّصَه!» وصَرَخَ أَيضًا يسوعُ صَرخةً شديدة، ولَفَظَ الرُّوح. وإِذا حِجابُ المَقدِسِ قَدِ ٱنشَقَّ شَطْرَيْنِ مِنَ الأَعلى إِلى الأَسفَل، وزُلزِلَتِ الأَرضُ وتَصَدَّعَتِ الصُّخور، وتَفَتَّحَتِ القُبور، فقامَ كثيرٌ مِن أَجسادِ القِدِّيسينَ الرَّاقِدين، وخرَجوا مِنَ القُبورِ بعدَ قِيامتِه، فدَخَلوا المدينةَ المُقَدَّسة وتَراءَوا لأُناسٍ كثيرين. وأَمَّا قائدُ المائةِ والرِّجالُ الَّذينَ كانوا معَهُ يَحرِسونَ يسوع، فإِنَّهم لَمَّا رَأَوا الزِلزالَ وما حَدَث، خافوا خَوفًا شَديدًا وقالوا: «كان هٰذا ٱبنَ اللهِ حقًّا». وكانَ هناكَ كثيرٌ مِنَ النِّساءِ يَنظُرنَ عن بُعد، وهُنَّ اللَّواتي تَبِعنَ يسوعَ مِنَ الجليلِ لِيَخدُمنَه، مِنْهُنَّ مَريمُ المِجدَليَّة ومَريمُ أُمُّ يَعقوب ويوسُف، وأُمُّ ٱبنَيْ زَبَدى. وجاءَ عندَ المَساءِ رَجلٌ غَنِيٌّ مِنَ الرَّامةِ ٱسمُه يوسُف، وكانَ هُوَ أَيضًا قد تَتَلمَذَ لِيَسوع. فذَهبَ إِلى بيلاطُسَ وطَلَبَ جُثمانَ يسوع. فأَمَر بيلاطُسُ بِأَن يُسَلَّمَ إِلَيه. فأَخذَ يوسُفُ الجُثْمانَ ولَفَّه في كَتَّانٍ خالِص، ووضَعَه في قَبرٍ لَه جديد كانَ قد حفَرَه في الصَّخْر، ثُمَّ دَحرَجَ حَجَرًا كبيرًا على بابِ القبرِ وانصَرَف. وكانت هُناكَ مَريمُ المِجدَلِيَّة ومَريمُ الأُخرى جالِسَتَينِ تُجاهَ القَبر. وفي الغَد، أَي بَعدَ يَومِ التَّهْيِئَةِ للسَّبْت، ذهبَ عُظماءُ الكَهَنَةِ والفَرِّيسِيُّونَ معًا إِلى بيلاطُس وقالوا له: «يا سَيِّد، تَذَكَّرْنا أَنَّ ذاكَ المُضَلِّلَ قالَ إِذ كانَ حيًّا: سَأَقومُ بعدَ ثلاثَةِ أَيَّام. فَمُرْ بِأَن يُحفَظَ القَبرُ إِلى اليَومِ الثَّالث، لِئَلاَّ يَأتيَ تَلاميذُه فيَسرقوه ويقولوا لِلشَّعْب: قامَ مِن بَينِ الأَموات، فيَكونَ التَّضليلُ الآخِرُ أَسوَأَ مِن الأَوَّل». فقالَ لَهم بيلاطُس: «عِندَكُم حَرَس، فٱذهبوا وٱحفَظوه كما تَرَون». فَذَهبوا وحَفِظوا القَبر، فخَتموا الحَجَرَ وأَقاموا علَيه حَرَسًا. ولمَّا ٱنقَضى السَّبتُ وطَلَعَ فَجرُ يَومِ الأَحد، جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّة ومَريمُ الأُخرى تَنظُرانِ القَبْر. فإِذا زِلزالٌ شَديدٌ قد حَدَثَ. ذٰلك بِأَنَّ مَلاكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ وجاءَ إِلى الحَجَرِ فدَحرَجَه وجَلَسَ علَيه. وكانَ مَنظرُه كالبَرْق ولِباسُه أَبيضَ كالثَّلْج. فارتَعَدَ الحَرَسُ خَوفًا مِنه وصاروا كالأَموات. فقالَ الملاكُ لِلمَرأَتَين: «لا تخافا أَنتُما. أَنا أَعلَمُ أَنَّكُما تَطلُبانِ يسوعَ المَصْلوب. إِنَّه ليسَ هَهُنا، فقَد قامَ كما قال. تَعالَيا فَٱنظُرا المَوضِعَ الَّذي كانَ قد وُضِعَ فيه. وأَسرِعا في الذَّهابِ إِلى تَلاميذِه وقولا لَهم: إِنَّهُ قامَ مِن بَينِ الأَموات، وها هُوذا يَتَقَدَّمُكم إِلى الجَليل، فهناك تَرونَه. ها إِنِّي قد بلَّغتُكما». فتَركَتا القَبرَ مُسرِعَتينِ وهُما في خوفٍ وفَرحٍ عَظيم، وبادَرتا إِلى التَّلاميذِ تَحمِلانِ البُشْرى. وإِذا يسوعُ قد جاءَ لِلِقائِهما فقالَ لَهما: «السَّلامُ علَيكُما!» فتَقَدَّمَتا وأَمسَكَتا قَدَمَيه ساجِدَتَينِ له. فقالَ لَهما يسوع: «لا تَخافا! إِذْهَبا فبَلِّغا إِخوَتي أَن يَمضوا إِلى الجَليل، فهُناكَ يَرَونَني». وبينَما هُما ذاهِبتانِ جاءَ بَعضُ رِجالِ الحَرَسِ إِلى المَدينة، وأَخبَروا عُظَماءَ الكَهَنَةِ بِكُلِّ ما حَدَث. فَٱجتَمعوا هم والشُّيوخ، وبعدَما تَشاوَروا أَعطَوا الجُنودَ مالاً كَثيرًا، وقالوا لَهم: «قولوا إِنَّ تلاميذَه جاؤوا لَيلاً فسَرقوه ونَحنُ نائمون. وإِذا بَلَغَ الخَبَرُ إِلى الحاكِم، أَرضَيناه ودَفَعْنا الأَذى عنكُم». فَأَخذوا المالَ وفعَلوا كما لَقَّنوهم، فَٱنتَشَرَت هٰذِه الرِّوايَةُ بينَ اليهودِ إِلى اليَوم. وأَمَّا التَّلاميذُ الأَحَدَ عَشَر، فذَهبوا إِلى الجَليل، إِلى الجَبَلِ الَّذي أَمَرَهم يسوعُ أَن يَذهَبوا إِليه. فلَمَّا رَأَوهُ سَجَدوا له، ولٰكِنَّ بَعضَهُمُ ٱرْتابوا. فَدَنا يسوعُ وكَلَّمَهم قال: «إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض. فٱذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِٱسْمِ الآبِ والٱبْنِ والرُّوحِ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءَنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم». بَدءُ بِشارَةِ يسوعَ المسيحِ ٱبنِ الله: كُتِبَ في سِفرِ النَّبِيِّ أَشَعْيا: «هاءَنذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ طَريقَكَ. صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وَٱجعَلوا سُبُلَه قَويمة». تَمَّ ذٰلكَ يَومَ ظَهَرَ يَوحَنَّا المَعمَدانُ في البَرِّيَّة، يُنادي بِمَعمودِيَّةِ تَوبَةٍ لِغُفرانِ الخَطايا. وكانَت تَخرُجُ إِليه بِلادُ اليَهودِيَّةِ كُلُّها وجَميعُ أَهلِ أُورَشَليم، فيَعتَمِدونَ عن يَدِه في نَهرِ الأُردُنِّ مُعتَرِفينَ بِخطاياهم. وكان يوحَنَّا يَلبَسُ وَبَرَ الإِبِل وزُنَّارًا مِن جِلْد حَولَ وَسَطِه، وكانَ يَأكُلُ الجَرادَ والعَسَلَ البَرِّيّ. وكانَ يُعلِنُ فيَقول: «يَأتي بَعدي مَن هو أَقوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهلاً لأَن أَنْحَنِيَ فَأَفُكَّ رِباطَ حِذائِه. أَنا عَمَّدتُكم بِالماء، وأَمَّا هُوَ فيُعَمِّدُكم بِالرُّوحِ القُدُس». وفي تلكَ الأَيَّام جاءَ يسوعُ مِن ناصِرَةِ الجَليل، وٱعتَمَدَ عن يَدِ يوحَنَّا في الأُردُنّ. وبَينَما هو خارِجٌ مِنَ الماء رأَى السَّمَواتِ تَنشَقّ، والرُّوحَ يَنزِلُ علَيه كَأَنَّه حَمامة. وٱنطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّمٰواتِ يقول: «أَنتَ ٱبنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضيت». وأَخرَجَه الرُّوحُ عِندَئِذٍ إِلى البرِّيَّة، فأَقامَ فيها أَربَعينَ يَومًا يُجَرِّبُه الشَّيطان وَكانَ معَ الوُحوش، وكانَ المَلائِكَةُ يَخدمُونَه. وبَعدَ ٱعتِقالِ يوحَنَّا، جاءَ يسوعُ إِلى الجَليل يُعلِنُ بِشارَةَ الله، فيَقول: «حانَ الوَقتُ وَٱقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة». وكانَ يسوعُ سائرًا على شاطِئِ بَحرِ الجَليل، فرأَى سِمعانَ وأَخاهُ أَندَراوس يُلقِيانِ الشَّبَكَةَ في البَحر، لأَنَّهما كانا صَيَّادَيْن، فقالَ لَهما: «إِتبَعاني أَجعَلْكما صَيّادَي بَشَر». فتَركا الشِّباكَ لِوَقتِهما وتَبِعاه. وتَقَدَّمَ قَليلاً فرَأَى يَعقوبَ بْنَ زَبَدى وأَخاهُ يوحَنَّا، وهُما أَيضًا في السَّفينَةِ يُصلِحانِ الشِّباك. فدَعاهُما لِوَقتِه فتَركا أَباهُما زَبَدى في السَّفينَةِ معَ الأُجَراءِ وتَبِعاه. ودَخلوا كَفَرناحوم. وما إِن أَتى السَّبْتُ حتَّى دَخَلَ المَجمَعَ وأَخَذَ يُعَلِّم. فأُعجِبوا بِتَعليمِه، لأَنَّه كانَ يُعَلِّمُهم كَمَن له سُلْطان، لا مِثلَ الكَتَبَة. وكانَ في مَجمَعِهِم رَجُلٌ فيهِ رُوحٌ نَجِس، فصاحَ: «ما لَنا ولكَ يا يسوعُ النَّاصِريّ؟ أَجِئتَ لِتُهلِكَنا؟ أَنا أَعرِفُ مَن أَنتَ: أَنتَ قُدُّوسُ الله». فٱنتَهَرَه يسوعُ قال: «إِخْرَسْ وٱخرُجْ مِنه!» فخَبَطَه الرُّوحُ النَّجِس، وصرَخَ صَرخَةً شَديدة، وخرَجَ مِنه، فدَهِشوا جَميعًا حتَّى أَخذوا يَتَساءَلون: «ما هٰذا؟ إِنَّهُ لتَعليمٌ جَديدٌ يُلْقى بِسُلْطان! حتَّى الأَرواحُ النَّجِسَةُ يأمُرُها فَتُطيعُه!» وذاعَ ذِكرُه لِوَقتِه في كُلِّ مَكانٍ من ناحِيَةِ الجَليلِ كُلِّها. ولَمَّا خَرَجوا مِنَ المَجمَع، جاؤُوا إِلى بَيتِ سِمعانَ وأَندَراوس ومعَهم يَعقوبُ ويوحَنَّا. وكانَت حَماةُ سِمعانَ في الفِراشِ مَحمومة، فأَخبَروه بأَمرِها. فدنا مِنها فأَخَذَ بِيَدِها وأَنهَضَها، ففارَقَتْها الحُمَّى، وأَخَذَت تَخدُمُهم. وعِندَ المَساء بَعدَ غُروبِ الشَّمْس، أَخَذَ النَّاسُ يَحمِلونَ إِلَيه جَميعَ المَرْضى والمَمْسوسين. وَٱحتَشَدَتِ المَدينةُ بِأَجمَعِها على الباب. فَشَفى كثيرًا مِنَ المَرْضى المُصابينَ بِمُختَلِفِ العِلَل، وطرَدَ كثيرًا مِنَ الشَّياطين، ولَم يَدَعِ الشَّياطينَ تَتَكَلَّم لأَنَّها عَرَفَتهُ. وقامَ قَبلَ الفَجْرِ مُبَكِّرًا، فخرَجَ وذهَبَ إِلى مَكانٍ قَفْر، وأَخَذَ يُصَلِّي هُناك. فَٱنطَلَقَ سِمْعانُ وأَصْحابُه يَبحَثونَ عَنه، فوَجَدوه. وقالوا له: «جَميعُ النَّاسِ يَطلُبونَكَ». فقالَ لَهم: «لِنَذْهَبْ إِلى مَكانٍ آخَر، إِلى القُرى المُجاوِرَة، لأُبَشِّرَ فيها أَيضًا، فَإِنِّي لِهٰذا خَرَجْت». وسارَ في الجَليلِ كُلِّه، يُبَشِّرُ في مَجامِعِهم ويَطرُدُ الشَّياطين. وأَتاه أَبرَصُ يَتَوَسَّلُ إِليه، فجَثا وقالَ له: «إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني». فأَشفَقَ عليهِ يسوع ومَدَّ يَدَه فلَمَسَه وقالَ له: «قد شِئتُ فَٱبرَأ» فزالَ عَنهُ البَرَصُ لِوَقتِهِ وبَرئَ. فصَرَفَه يسوعُ بَعدَ ما أَنذَرَه بِلَهْجَةٍ شَديدَة فقالَ له: «إِيَّاكَ أَن تُخبِرَ أَحَدًا بِشَيء، بَلِ ٱذهَبْ إِلى الكاهِن فَأَرِهِ نَفْسَك، ثُمَّ قَرِّبْ عن بُرئِكَ ما أَمَرَ بِه موسى، شَهادةً لَدَيهم». أَمَّا هو، فَٱنصَرَفَ وَأَخَذَ يُنادي بِأَعلى صَوتِه ويُذيعُ الخَبَر، فصارَ يسوعُ لا يَستَطيعُ أَن يَدخُلَ مَدينةً عَلانِيَةً، بل كانَ يُقيمُ في ظاهِرِها في أَماكِنَ مُقفِرَة، والنَّاسُ يَأتونَه مِن كُلِّ مَكان. وعادَ بَعدَ بِضعَةِ أَيَّامٍ إِلى كَفَرناحوم، فسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيت. فٱجتَمَعَ مِنهُم عَدَدٌ كثير، ولَم يَبقَ موضِعٌ خالِيًا حتَّى عِندَ الباب، فأَلقى إِلَيهِم كلِمَةَ الله، فأَتَوه بمُقعَدٍ يَحمِلُه أَربَعَةُ رِجال. فلَم يَستَطيعوا الوُصولَ بِه إِليه لِكَثرَةِ الزِّحام. فَنَبشوا عنِ السَّقفِ فَوقَ المَكانِ الَّذي هو فيه، ونَقَبوه. ثُمَّ دَلَّوا الفِراشَ الَّذي كانَ عليه المُقعَد. فلَمَّا رأَى يسوعُ إِيمانَهم، قالَ لِلمُقعَد: «يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك». وكانَ بينَ الحاضِرينَ هُناكَ بَعضُ الكَتَبَة، فقالوا في قُلوبِهم: «ما بالُ هٰذا الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بِذٰلك؟ إِنَّه لَيُجَدِّف. فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه؟» فَعَلِمَ يسوعُ عِندَئِذٍ في سِرِّهِ أَنَّهم يقولونَ ذٰلك في أَنفُسِهم، فسأَلَهم: «لماذا تقولونَ هٰذا في قُلوبِكم؟ فأَيُّما أَيسَر؟ أَن يُقالَ لِلمُقعَد: غُفِرَت لكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُمْ فَٱحمِلْ فِراشَكَ وَٱمشِ؟ فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ٱبنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض»، ثُمَّ قالَ لِلمُقعَد: «أَقولُ لكَ: قُمْ فَٱحمِلْ فِراشَكَ وَٱذهَبْ إِلى بَيتِكَ». فقامَ فحَمَلَ فِراشَه لِوَقتِه، وخَرَجَ بِمَرْأًى مِن جَميعِ النَّاس، حتَّى دَهِشوا جَميعًا ومَجَّدوا اللهَ وقالوا: «ما رَأَينا مِثلَ هٰذا قَطّ». وخَرَجَ ثانِيَةً إِلى شاطِئِ البَحْر، فأَتاه الجَمْعُ كُلُّه، فَأَخذَ يُعَلِّمُهم. ثُمَّ رأَى وهو سائرٌ لاوِيَ بْنَ حَلْفى جالِسًا في بَيتِ الجِباية، فقالَ له: «إِتْبَعْني!» فقامَ فتَبِعَه. وجَلَسَ يسوعُ لِلطَّعامِ عِندَه، وجَلَسَ معَه ومع تَلاميذِه كثيرٌ مِنَ الجُباةِ والخاطِئين، فقد كانَ هُناكَ كثيرٌ مِنَ النَّاس، وكانوا يَتبَعونَه. فلَمَّا رَأى الكَتَبَةُ مِنَ الفِرِّيسيِّينَ أَنَّه يَأكُلُ مَعَ الخاطِئينَ والجُباة، قالوا لِتَلاميذه: «أَيأكُلُ مَعَ الجُباةِ والخاطِئين؟» فسَمِعَ يَسوعُ كلامَهم، فقالَ لهم: «لَيسَ الأَصِحَّاءُ بِمُحْتاجينَ إِلى طَبيب، بلِ الْمَرْضى. ما جِئتُ لأَدعُوَ الأَبرار، بلِ الخاطِئين». وكانَ تَلاميذُ يوحَنَّا والفَرِّيسيُّونَ صائِمين، فأَتاه بَعضُ النَّاسِ وقالوا له: «لِماذا يَصومُ تَلاميذُ يوحَنَّا وتَلاميذُ الفِرِّيسيِّين، وتَلاميذُك لا يَصومون؟» فقالَ لَهم يسوع: «أَيَستَطيعُ أَهلُ العُرسِ أَن يَصوموا والعَريسُ بَينَهم؟ فما دامَ العَريسُ بَينَهم، لا يَستَطيعونَ أَن يَصوموا. ولٰكِن سَتَأتي أَيَّامٌ فيها يُرفَعُ العَريسُ مِن بَينِهم. فعِندئذٍ يَصومونَ في ذٰلك اليَوم. ما مِن أَحَدٍ يَرقَعُ ثَوبًا عَتيقًا بِقُطعَةٍ مِن نَسيجٍ خام، لِئَلاَّ تَأخُذَ القِطعَةُ الجديدَةُ على مِقْدارِها مِن الثَّوبِ وهو عَتيق، فيَصيرُ الخَرقُ أَسوَأ. وما مِن أَحَدٍ يَجعَلُ الخَمرَةَ الجَديدَةَ في زِقاقٍ عَتيقة، لِئَلاَّ تَشُقَّ الخَمرُ الزَّقاق، فتَتلَفَ الخَمرُ والزِّقاقُ معًا. ولٰكِن لِلخَمرَةِ الجَديدة زِقاقٌ جَديدة». ومَرَّ يسوعُ في السَّبتِ مِن بينِ الزُّروعِ، فأَخَذَ تَلاميذُه يَقلَعونَ السُّنبُلَ وهم سائرون. فقالَ له الفِرِّيسيُّونَ: «أُنظُرْ! لِماذا يَفعَلونَ في السَّبْتِ ما لا يَحِلّ؟» فقالَ لهم: «أَما قَرأتُم قَطُّ ما فَعَلَ داوُد، حينَ ٱحتاجَ فجاعَ هو والَّذينَ معَه؟ كَيفَ دخَلَ بَيتَ اللهِ عَلى عَهدِ عَظيمِ الكَهَنَةِ أَبْياتار، فأَكَلَ الخُبزَ المُقَدَّس، وأَعطى مِنه لِلَّذينَ معَه، وأَكْلُه لا يَحِلُّ إِلاَّ لِلكَهَنَة». وقالَ لهم: «إِنَّ السَّبتَ جُعِلَ لِلإِنسان، وما جُعِلَ الإِنسانُ لِلسَّبت. فَٱبنُ الإِنسانِ سَيِّدُ السَّبتِ أَيضًا». ودَخَلَ ثانيَةً بَعضَ المَجامِع وكانَ فيه رَجُلٌ يَدُه شَلاَّء. وكانوا يُراقِبونَه لِيَرَوا هَل يَشفيهِ في السَّبْت ومُرادُهم أَن يَشكوه. فقالَ لِلرَّجُلِ ذي اليَدِ الشَّلاَّء: «قُمْ في وَسْطِ الجَماعة». ثُمَّ قالَ لهم: «أَعَمَلُ الخَيرِ يَحِلُّ في السَّبتِ أَم عَمَلُ الشَّرّ؟ أَتَخليصُ نَفْسٍ أَم قَتْلُها؟» فظَلُّوا صامِتين. فأَجالَ طَرْفَه فيهِم مُغضَبًا مُغتَمًّا لِقَساوةِ قُلوبِهم، ثُمَّ قالَ لِلرَّجُل: «أُمدُدْ يَدَك». فمَدَّها فعادَت يَدُه صَحيحَة. فخَرَجَ الفِرِّيسيُّونَ وتآمَروا علَيه لِوَقْتِهم معَ الهِيرودُسِيِّينَ لِيُهلِكوه. فٱنصَرَفَ يسوعُ إِلى البَحرِ ومعَه تَلاميذُه، وتَبعَه حَشْدٌ كَبيرٌ مِنَ الجَليل، وجَمعٌ كثيرٌ مِنَ اليَهودِيَّة، ومِن أُورَشَليمَ وأَدومَ وعِبرِ الأُردُنّ ونَواحي صورَ وصَيدا، وقد سَمِعوا بِما يَصنَعُ فجاؤوا إِليه. فأَمَرَ تَلاميذَه بِأَن يَجعَلوا له زَورَقًا يُلازِمُه، مَخافَةَ أَن يُضايِقَه الجَمع، لأَنَّه شَفى كَثيرًا مِنَ النَّاس، حتَّى أَصبَحَ كُلُّ مَن بِه عِلَّةٌ يَتَهافَتُ علَيه لِيَلمِسَه. وكانَتِ الأَرواحُ النَّجِسَة، إِذا رَأَته، تَرتَمي على قَدَمَيه وتَصيح: «أَنتَ ٱبنُ الله!» فكانَ يَنهاها بِشِدَّةٍ عن كَشْفِ أَمرِه. وصَعِدَ الجَبَلَ ودَعا الَّذينَ أَرادَهم هو فأَقبلوا إِلَيه. فأَقامَ مِنهُمُ ٱثنَي عَشَرَ لِكَي يَصحَبوه، فيُرسِلُهم يُبَشِّرون، ولَهم سُلْطانٌ يَطرُدونَ بِه الشَّياطين. فأَقامَ الاِثنَيْ عَشَر: سِمْعان ولَقَّبَه بُطرُس، ويَعقوبُ بْنُ زَبَدى ويوحَنَّا أَخو يَعقوب، ولقَّبَهما بَوانَرْجِس، أَي: ٱبنَيِ الرَّعد، وأَندَراوس وفيلِبُّس وبَرتُلُماوُس، ومتَّى وتوما، ويَعقوبُ بْنُ حَلْفى وتَدَّاوُس وسِمْعانُ الغَيور، ويَهوذا الإِسْخَرْيوطيّ، ذاكَ الَّذي أَسلَمَه. وجاءَ إِلى البَيت، فعادَ الجَمعُ إِلى الاِزدِحام، حتَّى لم يَستَطيعوا أَن يَتَناوَلوا طَعامًا. وبَلَغَ الخَبَرُ ذَويه فَخَرَجوا لِيُمسِكوه، لأَنَّهم كانوا يَقولون: «إِنَّه ضائِعُ الرُّشْد». وكانَ الكَتَبَةُ الَّذينَ نَزَلوا مِن أُورَشَليم يَقولون: «إِنَّ فيه بَعلَ زَبول، وإِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين». فدَعاهم وكَلَّمَهم بِالأَمثالِ قال: «كَيفَ يَستَطيعُ الشَّيطانُ أَن يَطرُدَ الشَّيطان؟ فإِذا ٱنقَسَمَت مَملَكَةٌ على نَفْسِها فلا تَستَطيعُ تِلكَ المَملَكَةُ أَن تَثبُت. وإِذا ٱنقَسَمَ بَيتٌ على نَفْسِه، فلا يَستَطيعُ ذٰلك البَيتُ أَن يَثبُت. وإِذا ثارَ الشَّيطانُ على نَفسِه فَٱنقَسَم فلا يَستَطيعُ أَن يَثبُت، بل يَنتَهي أَمرُه. فَما مِن أَحدٍ يَستَطيعُ أَن يَدخُلَ بَيتَ الرَّجُلِ القَوِيِّ وينهَبَ أَمتِعَتَه، إِذا لم يُوثِقْ ذٰلكَ الرَّجُلَ القَوِيَّ أَوَّلاً، فعِندئذٍ يَنهَبُ بَيتَه. «الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ كُلَّ شَيءٍ يُغفَرُ لِبَني البَشَرِ مِن خَطيئَةٍ وتَجْديفٍ مَهما بَلَغَ تَجْديفُهم. وأَمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلا غُفرانَ له أَبدًا، بل هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد». ذٰلك بأَنَّهم قالوا إِنَّ فيه رُوحًا نَجِسًا. وجاءَت أُمُّه وإِخوتُه فوقَفوا في خارِجِ الدَّار، وأَرسَلوا إِليهِ مَن يَدْعوه. وكانَ الجَمعُ جالِسًا حَولَه، فقالوا له: «إِنَّ أُمَّكَ وإِخوَتَكَ في خارِجِ الدَّارِ يَطلُبونَكَ». فأَجابَهم: «مَن أُمِّي وإِخوَتي؟» ثُمَّ أَجالَ طَرفَه في الجالِسينَ حَولَه وقال: «هٰؤُلاءِ هُم أُمِّي وإِخوَتي، لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أَخي وأُخْتي وأُمِّي». وعادَ إِلى التَّعليمِ بِجانِبِ البَحْر، فٱزدَحَمَ علَيه جَمعٌ كثيرٌ جِدًّا، حتَّى إِنَّه رَكِبَ سَفينَةً في البَحرِ وجَلَسَ فيها، والجَمعُ كُلُّه قائِمٌ في البَرِّ على ساحِلِ البَحْر. فعَلَّمَهم بِالأَمثالِ أَشْياءَ كثيرة. وقالَ لَهم في تَعليمِه: «إِسمَعوا! هُوَذا الزَّارعُ خَرَجَ لِيَزرَع. وبَينما هو يَزرَع، وَقَعَ بَعضُ الحَبِّ على جانِبِ الطَّريق، فجاءَتِ الطُّيورُ فأَكَلَتْه. ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على أَرضٍ حَجِرَةٍ لم يَكُنْ فيها تُرابٌ كثير، فنَبَتَ مِن وَقتِه لأَنَّ تُرابَه لم يَكُنْ عَميقًا. فلَمَّا أَشرَقَتِ الشَّمسُ ٱحتَرَقَ، ولم يَكُنْ لَه أَصْلٌ فيَبِس. ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ في الشَّوك، فارتَفَعَ الشَّوكُ وخَنَقَهُ فلَم يُثمِرْ. ووَقَعَتِ الحَبَّاتُ الأُخْرى على الأَرضِ الطَّيِّبَة، فٱرتَفَعَت ونَمَت وأَثمَرَت، بَعضُها ثلاثين، وبَعضُها سِتِّين، وبَعضُها مائة». وقال: «مَن كانَ له أُذُنانِ تَسْمعان فَلْيَسْمَعْ!». فلَمَّا ٱعتَزَلَ الجَمْع، سأَلَه الَّذينَ حَولَه معَ الاِثْنَي عَشَرَ عنِ الأَمثال. فقالَ لَهم: «أَنتُم أُعطيتُم سِرَّ مَلكوتِ الله. وأَمَّا سائرُ النَّاس فكُلُّ شَيءٍ يُلقى إِلَيهِم بِالأَمثال فيَنظُرونَ نَظَرًا ولا يُبصِرون ويَسمَعونَ سَماعًا ولا يَفهَمون لِئَلاَّ يَرجِعوا فَيُغفَرَ لَهم». وقالَ لَهم: «أَما تَفهَمونَ هٰذا المَثَل؟ فكَيفَ تَفهَمونَ سائرَ الأَمثال؟ فمَن كانوا بِجانِبِ الطَّريق حَيثُ زُرِعَتِ الكَلِمة، فهُمُ الَّذينَ يَسمَعونَها فيأتي الشَّيطانُ لِوَقتِه ويَذهَبُ بِالكَلِمَةِ المَزروعَةِ فيهِم. وهٰؤُلاءِ همُ الَّذينَ زُرِعوا في الأَرضِ الحَجِرَة، فإِذا سَمِعوا الكَلِمَةَ قَبِلوها مِن وَقتِهم فَرِحين، ولٰكِن لا أَصلَ لَهم في أَنفُسِهم، فلا يثبُتونَ على حالة. فإِذا حَدَثَت بَعدَ ذٰلك شِدَّةٌ أَوِ ٱضطِهادٌ مِن أَجْلِ الكَلِمة، عَثَروا لِوَقتِهم. وبَعضُهمُ الآخَرُ زُرِعوا في الشَّوك، فهٰؤُلاءِ هُمُ الَّذينَ يَسمَعونَ الكَلِمة، ولٰكِنَّ هُمومَ الحَياةِ الدُّنْيا وفِتنَةَ الغِنى وسائرَ الشَّهَواتِ تُداخِلُهم فَتَخنُقُ الكَلِمة، فلا تُخرِجُ ثَمَرًا. وهٰؤُلاءِ همُ الَّذينَ زُرِعوا في الأَرضِ الطَّيِّبَة، فهُمُ الَّذينَ يَسمَعونَ الكَلِمَةَ ويَتَقَبَّلونَها فيُثمِرونَ الواحِدُ ثَلاثينَ ضِعفًا والآخَرُ سِتِّين وغَيرُه مائةَ». وقالَ لَهم: «أَيأتي السِّراجُ لِيُوضَعَ تَحتَ المِكيالِ أَو تَحتَ السَّرير؟ أَلا يأتي لِيُوضَعَ على المَنارة؟ فما مِن خَفِيٍّ إِلاَّ سَيُظهَر، ولا مِن مَكتومٍ إِلاَّ سَيُعلَن. مَن كانَ له أُذُنانِ تَسْمَعان فَلْيَسْمَعْ!». وقالَ لَهم: «إِنتَبِهوا لِما تَسمَعون! فبِما تَكيلونَ يُكالُ لَكم وتُزادون. لأَنَّ مَن كانَ لهُ شَيء، يُعطَى. ومَن لَيسَ له شَيء، يُنتَزَعُ مِنهُ حتَّى الَّذي له». وقال: «مَثَلُ مَلَكوتِ اللهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ يُلْقي البَذْرَ في الأَرض. فسَواءٌ نامَ أو قامَ لَيلَ نَهار، فالبَذْرُ يَنبُتُ ويَنمي، وهو لا يَدري كيفَ يَكونُ ذٰلك. فَالأَرضُ مِن نَفسِها تُخرِجُ العُشبَ أَوَّلاً، ثُمَّ السُّنبُل، ثُمَّ القَمحَ الَّذي يَملأُ السُّنبُل. فما إِن يُدرِكُ الثَّمَرُ حتَّى يُعمَلَ فيه المِنجَل، لأَنَّ الحَصادَ قد حان». وقال: «بِماذا نُشَبِّهُ مَلَكوتَ الله، أَو بِأَيِّ مَثَلٍ نُمَثِّلُه؟ إِنَّه مِثلُ حَبَّةِ خَردَل: فهِيَ، حينَ تُزرَعُ في الأَرض، أَصغَرُ سائرِ البُزورِ الَّتي في الأَرض. فإِذا زُرِعَت، اِرتَفَعَت وصارَت أَكبَرَ البُقولِ كُلِّها، وأَرسَلَت أَغْصانًا كَبيرة، حتَّى إِنَّ طُيورَ السَّماءِ تَستَطيعُ أَن تُعَشِّشَ في ظِلِّها». وكانَ يُكَلِّمُهُم بِأَمْثالٍ كَثيرةٍ كهٰذِه، لِيُلْقِيَ إِلَيهم كلِمةَ الله، على قَدرِ ما كانوا يَستَطيعونَ أَن يَسمَعوها. ولَم يُكَلِّمْهُم مِن دُونِ مَثَل، فَإِذا ٱنفَرَدَ بِتَلاميذِه فَسَّرَ لَهم كُلَّ شَيء. يسوع يسكّن العاصفة وقالَ لَهم في ذٰلكَ اليومِ نفسِه عندَ المساء: «لِنَعبُرْ إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل». فتَركوا الجَمعَ وساروا به وهُو في السَّفينة، وكانَ معَهُ سُفُنٌ أُخرى. فعَصَفَتْ رِيحٌ شَديدة وأَخَذَتِ الأَمواجُ تَندَفِعُ على السَّفينة حتَّى كادَت تَمتَلِئ. وكانَ هُو في مُؤَخَّرِها نائمًا على الوِسادَة، فأَيقَظوه وقالوا له: «يا مُعَلِّم، أَما تُبالي أَنَّنا نَهلِك؟» فٱستَيقَظَ وزَجَرَ الرِّيحَ وقالَ لِلبَحْر: «أُسكُتْ! إِخرَسْ!» فسكَنتِ الرِّيحُ وحدَثَ هُدوءٌ تامّ. ثُمَّ قالَ لَهم: «ما لَكم خائفينَ هٰذا الخَوف؟ أَإِلى الآنَ لا إِيمانَ لَكم؟» فخافوا خَوفًا شَديدًا وقالَ بَعضُهُم لِبَعْض: «مَن تُرى هٰذا حتَّى تُطيعَه الرِّيحُ والبحر؟». ووَصلوا إِلى الشَّاطِئِ الآخَرِ مِنَ البَحرِ إِلى ناحِيَةِ الجَراسِيِّين. وما إِن نَزَل مِنَ السَّفينَةِ حَتَّى تلقَّاه رَجُلٌ فيه روحٌ نَجِسٌ قد خَرَجَ مِنَ القُبور. وكانَ يُقيمُ في القُبور، ولا يَقدِرُ أَحدٌ أَن يَضبِطَه حتَّى بِسِلسِلة. فكَثيرًا ما رُبِطَ بِالقُيودِ والسَّلاسِل فقَطَّعَ السَّلاسِلَ وكَسَّرَ القُيود. ولَم يَكُنْ أَحَدٌ يَقوى على قَمعِه. وكانَ طَوالَ اللَّيلِ والنَّهارِ في القُبورِ والجِبال، يَصيحُ ويُرَضِّضُ جسمَه بالحِجارة. فلمَّا رأَى يسوعَ عن بُعْدٍ أَسْرَعَ إِليه وسَجَدَ له وصاحَ بِأَعلى صَوتِه: «ما لي ولَكَ، يا يَسوعَ ٱبنَ اللهِ العَلِيّ؟ أَستَحْلِفُكَ بِالله لا تُعَذِّبْني». لأَنَّ يَسوعَ قالَ له: «أَيُّها الرُّوحُ النَّجِس، أُخرُجْ مِنَ الرَّجُل». فسأَلَه: «ما ٱسْمُكَ؟» فقالَ له: «إِسمي جَيش، لأَنَّنا كَثيرون». ثُمَّ سأَلَه مُلِحًّا أَلاَّ يُرسِلَهم إِلى خارِجِ النَّاحِية. وكانَ يَرْعى هُناكَ في سَفْحِ الجَبَلِ قَطيعٌ كَبيرٌ مِنَ الخَنازير. فَتَوَسَّلَت إِلَيهِ الأَرواحُ النَّجِسَةُ قالَت: «أَرسِلْنا إِلى الخَنازير فنَدخُلَ فيها»، فأَذِنَ لها. فخَرَجَتِ الأَرواحُ النَّجِسَة ودَخَلَت في الخَنازير، فوَثَبَ القَطيعُ مِنَ الجُرُفِ إِلى البَحْر، وعَدَدُه نَحوُ أَلْفَين، فغَرِقَتِ الخَنازيرُ في البَحْر. فهَرَبَ الرُّعاةُ ونَقَلوا الخَبَرَ إِلى المَدينةِ والمزارِع، فجاءَ النَّاسُ لِيَرَوا ما جرى. فَلَمَّا وَصَلوا إِلى يسوع، شاهَدوا الرَّجُلَ الَّذي كانَ مَمسوسًا جالِسًا لابِسًا صَحيحَ العَقْل، ذاكَ الَّذي كانَ فيه جَيشٌ مِنَ الشَّياطين، فَخافوا. فأَخبَرَهمُ الشُّهودُ بِما جَرى لِلمَمْسوس وبِخَبَرِ الخَنازير. فأَخَذوا يَسأَلونَ يسوعَ أَن يَنصَرِف عن بَلَدِهم. وبَينَما هُوَ يَركَبُ السَّفينَة، سَأَلَه الَّذي كانَ مَمْسوسًا أَن يَصحَبَه. فلَم يَأذَنْ له، بل قالَ له: «إِذْهَبْ إِلى بَيتِكَ إِلى ذَويكَ، وأَخبِرْهم بِكُلِّ ما صَنَعَ الرَّبُّ إِلَيكَ وبِرَحْمَتِه لَكَ». فمَضى وأَخَذَ يُنادي في المُدُنِ العَشْرِ بِكُلِّ ما صَنَعَ يسوعُ إِلَيه، وكانَ جَميعُ النَّاسِ يَتَعَجَّبون. ورجَعَ يسوعُ في السَّفينَةِ إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل، فٱزدَحَمَ علَيه جَمعٌ كثير، وهو على شاطِئِ البَحْر. فجاءَ أَحَدُ رُؤَساءِ المَجْمَعِ ٱسمُه يائِيرس. فلَمَّا رآهُ ٱرتَمى على قَدَمَيْه، وسأَلَه مُلِحًّا قال: «إِبنَتي الصَّغيرةُ مُشرِفَةٌ على المَوت. فتَعالَ وضَعْ يَدَيكَ علَيها لِتَبرَأَ وتَحيا». فذَهبَ معَه وتَبِعَه جَمْعٌ كثيرٌ يَزحَمُه. وكانت هُناكَ ٱمرأَةٌ مَنزوفَةٌ مُنذُ ٱثنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، قد عانَت كثيرًا مِن أَطِبَّاءَ كَثيرين، وأَنفَقَت كُلَّ ما عِندَها فلَم تَستَفِدْ شَيئًا، بل صارت مِن سَيِّئٍ إِلى أَسوَأ. فلمَّا سَمِعَت بِأَخبارِ يسوع، جاءَت بَينَ الجَمعِ مِن خَلْفُ ولَمَسَت رِداءَه، لأَنَّها قالت في نَفسِها: «إِن لَمَسْتُ ولَو ثِيابَه بَرِئْتُ». فجَفَّ مَسيلُ دَمِها لِوَقتِه، وأَحَسَّت في جِسمِها أَنَّها بَرِئَت مِن عِلَّتِها. وشَعَرَ يسوعُ لِوَقْتِه بِالقُوَّةِ الَّتي خَرجَت مِنه، فٱلتَفَتَ إِلى الجَمعِ وقال: «مَن لَمَسَ ثِيابي؟» فقالَ له تلاميذُه: «تَرى الجَمْعَ يَزحَمُكَ وتقول: مَن لَمَسَني؟» فأَجالَ طَرْفَه لِيَرَى الَّتي فَعلَت ذٰلك. فخافَتِ المَرأَةُ وٱرتَجَفَت لِعِلمِها بِما حدَثَ لَها، فَجاءَت وٱرتَمَت على قَدَمَيه وٱعتَرَفَت بالحَقيقَةِ كُلِّها. فقالَ لَها: «يا ٱبنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ، فَٱذهَبي بِسَلام، وتَعافَي مِن عِلَّتِكِ». وبَينَما هُو يَتَكَلَّم، وَصَلَ أُناسٌ مِن عِندِ رَئيسِ المَجمَعِ يقولون: «إِبنَتُكَ ماتَت فلِمَ تُزعِجُ المُعَلِّم؟» فلَم يُبالِ يسوعُ بهٰذا الكَلام، بل قالَ لِرئيسِ المَجمَع «لا تَخَفْ، آمِنْ فَقَط». ولَم يَدَعْ أَحَدًا يَصحَبُه إِلاَّ بُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنَّا أَخا يَعقوب. ولَمَّا وَصَلوا إِلى دارِ رئيسِ المَجمَع، شَهِدَ ضَجيجًا وأُناسًا يَبكونَ ويُعْوِلون. فدَخلَ وقالَ لَهم: «لِماذا تَضِجُّونَ وتَبكون؟ لم تَمُتِ الصَّبِيَّة، وإِنَّما هِيَ نائمة»، فَضَحِكوا مِنهُ. أَمَّا هو فأَخرَجَهم جَميعًا وسارَ بِأَبي الصَّبِيَّةِ وأُمِّها والَّذينَ كانوا معَه ودخَلَ إِلى حَيثُ كانَتِ الصَّبيَّة. فأَخَذَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ وقالَ لها: «طَليتا قوم!» أَي: يا صَبِيَّة أَقولُ لكِ: قومي. فقامَتِ الصَّبِيَّةُ لِوَقتِها وأَخَذَت تَمْشي، وكانتِ ٱبنَةَ ٱثنَتَي عَشْرَةَ سَنَة. فَدَهِشوا أَشَدَّ الدَّهَش. فأَوصاهم مُشَدِّدًا علَيهِم أَلاَّ يَعلَمَ أَحَدٌ بذٰلك، وأَمَرَهُم أَن يُطعِموها. وٱنصَرَفَ مِن هُناكَ وجاءَ إِلى وَطَنِه يَتبَعُه تَلاميذُه. ولمَّا أَتى السَّبت أَخذَ يُعَلِّمُ في المَجمَع، فَدَهِشَ كثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوه، وقالوا: «مِن أَينَ له هٰذا؟ وما هٰذِه الحِكمَةُ الَّتي أُعطِيَها حتَّى إِنَّ المُعجِزاتِ المُبِينَةَ تَجري عن يَدَيه؟ أَلَيسَ هٰذا النَّجَّارَ ٱبنَ مَريَم، أَخا يَعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان؟ أَوَلَيسَت أَخَواتُه عِندَنا هٰهُنا؟» وكانَ لَهم حَجَرَ عَثرَة. فقالَ لهم يسوع: «لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلاَّ في وَطَنِه وأَقارِبِه وبَيتِه». ولَم يَستَطِعْ أَن يُجرِيَ هُناكَ شَيْئًا مِنَ المُعجزات، سِوى أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيهِ على بَعضِ المَرْضى فَشَفاهم. وكانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عَدَمِ إِيمانِهم. ثُمَّ سارَ في القُرى المُجاوِرَةِ يُعَلِّم. ودَعا الاِثنَيْ عَشَر وأَخَذَ يُرسِلُهُمُ ٱثنَينِ ٱثنَيْن، وأَولاهُم سُلْطانًا على الأَرواحِ النَّجِسَة. وأَوصاهُم أَلاَّ يَأخُذوا لِلطَّريق شَيئًا سِوى عَصًا: لا خُبزًا ولا مِزوَدًا ولا نَقدًا مِن نُحاسٍ في زُنَّارِهم، بل: لِيَشُدّوا النِّعالَ على أَقدامِهم، «ولا تَلبَسوا قميصَين»، وقالَ لَهم: «وحيثُما دَخَلتُم بَيتًا، فأَقيموا فيه إِلى أَن تَرحَلوا. وإِن لم يَقبَلْكُم مَكانٌ ولَم يَستَمِعْ فيه النَّاسُ إِليكم، فارْحَلوا عنهُ نافِضينَ الغُبارَ مِن تَحتِ أَقدامِكم شَهادَةً علَيهم». فمَضَوا يَدْعونَ النَّاسَ إِلى التَّوبَة، وطرَدوا كَثيرًا مِنَ الشَّياطين، ومَسَحوا بِالزَّيْتِ كَثيرًا مِنَ المَرْضى فَشَفَوْهم. وسَمِعَ المَلِكُ هِيرُودُس بِأَخبارِه، لأَنَّ ٱسمَه أَصبَحَ مَشهورًا، وكانَ أُناسٌ يقولون: «إِنَّ يوحنَّا المَعمَدانَ قامَ مِن بَينِ الأَموات، ولِذٰلك تَعمَلُ فيه القُدرَةُ على إِجراءِ المُعجِزات» وقالَ آخرون: «إِنَّه إِيليَّا». وقالَ غَيرُهم: «إِنَّه نَبِيٌّ كَسائِرِ الأَنبِياء». فلَمَّا سَمِعَ هيرودُس قال: «هٰذا يوحَنَّا الَّذي قَطَعْتُ أَنا رأسَه قد قام». ذٰلِكَ بِأَنَّ هيرودُسَ هٰذا كانَ قد أَرسَلَ إِلى يوحَنَّا مَن أَمْسَكَه وأَوثَقَه في السِّجْن، مِن أَجْلِ هيرودِيَّا ٱمرَأَةِ أَخيهِ فيلِبُّس لأَنَّه تَزَوَّجَها. فكانَ يوحَنَّا يقولُ لِهيرودُس: «لا يَحِلُّ لَكَ أَن تَأخُذَ ٱمرَأَةَ أَخيك». وكانَت هيرودِيَّا ناقِمَةً عليه تُريدُ قَتْلَه فلا تَستَطيع، لأَنَّ هيرودُسَ كانَ يَهابُ يوحَنَّا لِعِلمِه أَنَّه رَجُلٌ بارٌّ قدِّيس. وكان يَحْميهِ. وإِذا ٱستَمَعَ إِليه، وقَعَ في حَيرةٍ كَبيرة، وكانَ مع ذٰلِكَ يَسُرُّه الإِصغاءُ إِليه. وجاءَ يومٌ مُوافِقٌ إِذ أَقامَ هيرودُسُ في ذِكْرى مَولِدِه مَأدُبَةً لِلأَشرافِ والقُوَّادِ وأَعْيانِ الجَليل. فدَخَلَتِ ٱبنَةُ هيرودِيَّا هٰذه ورَقَصت، فأَعجَبَت هيرودُسَ وجُلَساءَه. فقال المَلِكُ لِلصَّبيَّة: «أُطلُبي مِنِّي ما شِئْتِ أُعطِكِ». وأَقسَمَ لَها: «لَأُعطِيَنَّكِ كُلَّ ما تَطلُبينَ مِنِّي، ولَو نِصفَ مَملَكَتي». فخَرَجَت وسأَلَت أُمَّها: «ماذا أَطلُب؟» فقالت: «رأسَ يوحَنَّا المَعمَدان». فدَخَلَت مُسرِعَةً إِلى المَلِكِ وطَلَبَت فقالَت: «أُريدُ أَن تُعطِيَني في هٰذِه السَّاعَةِ على طَبَقٍ رأسَ يوحَنَّا المَعمَدان». فٱغتَمَّ المَلِك، ولٰكِنَّه مِن أَجلِ أَيمانِه ومُراعاةً لِجُلَسائه، لم يَشأ أن يَرُدَّ طَلَبها. فأَرسَلَ المَلِكُ مِن وَقتِه حاجِبًا وَأَمَرَه بِأَن يَأتِيَ بِرَأسِه. فمَضى وقطَعَ رَأسَه في السِّجْن، وأَتى بِرأسِ يوحَنَّا على طَبَق، فأَعطاه لِلصَّبِيَّة والصَّبِيَّةُ أَعطَتْه لأُمِّها. وبَلَغَ الخَبَرُ تَلاميذَه، فجاؤوا فَحمَلوا جُثمانَه ووَضَعوه في قَبْر. وٱجتَمَعَ الرُّسُلُ عِندَ يسوع، وأَخبَروه بِجَميعِ ما عَمِلوا وعلَّموا. فقالَ لهم: «تَعالَوا أَنتم إِلى مَكانٍ قَفرٍ تَعتَزِلونَ فيه، وٱستَريحوا قَليلاً». لأَنَّ القادِمينَ والذَّاهِبينَ كانوا كَثيرينَ حَتَّى لم تَكُنْ لَهم فُرصَةٌ لِتَناوُلِ الطَّعام. فمَضَوا في السَّفينَةِ إِلى مَكانٍ قَفرٍ يَعتَزِلونَ فيه. فرآهُمُ النَّاسُ ذاهبين، وعَرَفَهُم كَثيرٌ مِنهُم، فأَسرَعوا سَيرًا على الأَقدامِ مِن جَميعِ المُدُن وسبَقوهم إِلى ذٰلك المَكان. فلَمَّا نَزَلَ إِلى البَرّ رأَى جَمعًا كثيرًا، فَأَخذَتْه الشَّفَقَةُ علَيهم، لأَنَّهم كانوا كَغَنَمٍ لا راعِيَ لها، وأَخَذَ يُعَلِّمُهم أَشياءَ كثيرة. وفاتَ الوَقْت، فدَنا إِلَيه تَلاميذُه وقالوا: «المَكانُ قَفْرٌ وقد فاتَ الوَقْت، فَٱصرِفْهُم لِيذهَبوا إِلى المَزارِعِ وَالقُرى المُجاوِرَة، فيَشتَروا لَهم ما يَأكُلون». فأَجابَهم: «أَعطوهُم أَنتم ما يَأكُلون». فقالوا له: «أَنَذهَبُ فنَشتَريَ خُبزًا بمائَتي دينار وَنُعطِيَهم لِيَأكُلوا؟» فقالَ لَهم: «كَم رغيفًا عِندَكُم؟ إِذهَبوا فَٱنظُرُوا». فتحقَّقوا ما عِندَهم، ثُمَّ قالوا: «خَمسَةٌ وسَمَكتان». فأَمَرهم بأَن يُقعِدوا النَّاسَ كُلَّهم فِئَةً فِئَةً على العُشبِ الأَخضَر. فقَعدوا أَفواجًا مِنها مائة ومِنها خَمْسون. فأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمكَتَين ورَفعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، وباركَ وكسرَ الأَرغِفَة، ثُمَّ جعَلَ يُناوِلُها التَّلاميذَ لِيُقَدِّموها لِلنَّاس، وقسَّم السَّمَكَتَيْنِ علَيهم جَميعًا. فأَكَلوا كُلُّهم حتَّى شَبِعوا. ورَفعوا ٱثنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مُمتَلِئَةً مِنَ الكِسَرِ وفَضَلاتِ السَّمَكَتَين. وكانَ الآكِلونَ مِنَ الأَرغِفَةِ خَمسَةَ آلافِ رَجُل. وأَجبَرَ تَلاميذَه لِوَقتِه أَن يَركَبوا السَّفينة، ويَتَقَدَّموه إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل نَحوَ بَيتَ صَيدا، حتَّى يَصرِفَ الجَمْع. فلمَّا صَرَفَهم ذهَبَ إِلى الجَبَلِ لِيُصَلِّي. وعِندَ المساء، كانَتِ السَّفينَةُ في عُرْضِ البَحْر، وهو وَحدَه في البَرّ. ورآهم يَجهَدونَ في التَّجذيف، لأَنَّ الرِّيحَ كانت مُخالِفَةً لَهم، فجاءَ إِليهِم عِندَ آخِرِ اللَّيل ماشِيًا على البَحْرِ وكادَ يُجاوِزُهم. فلمَّا رَأَوهُ ماشِيًا على البَحْر، ظَنُّوه خَيَالاً فَصَرَخوا لأَنَّهم رَأَوْهُ كُلُّهم فَٱضطَربوا. فكَلَّمَهم مِن وَقْتِه قالَ لَهم: «ثِقوا. أَنا هو، لا تَخافوا». وصَعِدَ السَّفينَةَ إِلَيهم فسَكَنَتِ الرِّيح، فدَهِشوا غايةَ الدَّهَش، لأَنَّهم لم يَفهَموا ما جَرى على الأَرغِفَة، بل كانت قلوبُهم قاسِيَة. وعَبَروا حتَّى بَلَغوا أَرضَ جِنَّاسَرِت فأَرسَوا. وما إِنْ نَزَلوا مِنَ السَّفينَة حتَّى عَرَفَه النَّاس. فطافوا بتلكَ النَّاحِيَةِ كُلِّها، وجَعلوا يَحمِلونَ المَرْضى على فُرُشِهم إِلى كُلِّ مَكانٍ يَسمَعونَ أَنَّه فيه. وحَيثُما كانَ يَدخُل، سَواءٌ دَخَلَ القُرى أَوِ المُدُنَ أَوِ المَزارِع، كانوا يَضَعونَ المَرْضى في السَّاحات، ويَسأَلونَه أَن يَدَعَهم يَلمِسونَ ولَو هُدْب رِدائِه. وكانَ جَميعُ الَّذينَ يَلمِسونَه يُشفَون. وٱجتَمَعَ لَدَيه الفِرِّيسِيُّونَ وبَعضُ الكَتَبَةِ الآتينَ مِن أُورَشَليم، فرَأَوا بَعضَ تَلاميذِه يَتَناوَلونَ الطَّعامَ بِأَيدٍ نَجِسَة، أَيْ غَيرِ مَغْسولة (لأَنَّ الفِرِّيسِيِّينَ واليهودَ عامَّةً لا يَأكُلونَ إِلاَّ بَعدَ أَن يَغسِلوا أَيدِيَهُم حتَّى المِرفَق، تَمَسُّكًا بِسُنَّةِ الشُّيوخ. وإِذا رجَعوا مِنَ السُّوق، لا يَأكُلونَ إِلاَّ بَعدَ أَن يَغتَسِلوا بِإِتْقان. وهُناكَ أَشياءُ أُخرى كَثيرةٌ مِنَ السُّنَّةِ يَتمسَّكونَ بِها، كَغَسْلِ الكُؤُوسِ والجِرارِ وآنِيَةِ النُّحاس). فسأَلَه الفِرِّيسيُّونَ والكَتَبة: «لِمَ لا يَجري تلاميذُكَ على سُنَّةِ الشُّيوخ، بل يَتَناولونَ الطَّعامَ بِأَيدٍ نَجِسَة؟» فقالَ لَهم: «أَيُّها المُراؤون، أحسَنَ أَشَعْيا في نُبوءتِه عَنكم، كما وَرَدَ في الكِتاب: «هٰذا الشَّعبُ يُكرِمُني بِشَفَتَيه، وأَمَّا قَلبُه فبَعيدٌ مِنِّي. إِنَّهم بالباطلِ يَعبُدونَني فلَيسَ ما يُعَلِّمونَ مِنَ المذاهِب سِوى أَحكامٍ بَشَرِيَّة». إِنَّكم تُهمِلونَ وصِيَّةَ الله وتَتمَسَّكونَ بِسُنَّةِ البَشَر». وقالَ لَهم: «إِنَّكُم تُحسِنونَ نَقْضَ وَصِيَّةِ الله لِتُقيموا سُنَّتَكم! فقد قالَ موسى: «أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّكَ»، و«مَن لَعَنَ أَباه أَو أُمَّه، فلْيَمُتْ مَوتًا». وأَمَّا أَنتُم فتَقولون: إِذا قالَ أَحَدٌ لأَبيه أَو أُمِّه: كُلُّ شَيءٍ قد أُساعِدُكَ به جَعَلتُه قُربانًا، فإِنَّكم لا تَدَعونَه يُساعِدُ أَباه أَو أُمَّه أَيَّ مُساعَدة فتَنقُضونَ كَلامَ الله بِسُنَّتِكمُ الَّتي تَتَناقلونَها. وهُناكَ أَشياءُ كثيرةٌ مِثلُ ذٰلكَ تَفعَلون». ودعا الجَمعَ ثانِيَةً وقالَ لَهم: «أَصغوا إِلَيَّ كُلُّكُم وٱفهَموا: ما مِن شَيءٍ خارِجٍ عنِ الإِنسان إِذا دخَلَ الإِنسانَ يُنَجِّسُه. ولٰكِن ما يَخرُجُ مِنَ الإِنسان هو الّذي يُنَجِّسُ الإِنسان مَن كان له لَهُ أُذُنان سامِعَتانِ فَلْيَسْمَع». ولَمَّا دَخَلَ البَيتَ مُبتَعِدًا عنِ الجَمْع، سأَلَه تَلاميذُه عَنِ المَثَل، فقالَ لَهم: «أَهٰكَذا أَنتُم أَيضًا لا فَهمَ لكم؟ أَلَا تُدرِكونَ أَنَّ ما يَدخُلُ الإِنسانَ مِنَ الخارِج لا يُنَجِّسُه، لأَنَّهُ لا يَدخُلُ إِلى القَلْب، بل إِلى الجَوْف، ثُمَّ يَذهَبُ في الخَلاء». وفي قَولِه ذٰلك جَعَلَ الأَطعِمَةَ كُلَّها طاهِرة. وقال: «ما يَخرُجُ مِنَ الإِنسان هو الَّذي يُنَجِّسُ الإِنسان، لأَنَّهُ مِن باطِنِ النَّاس، مِن قُلوبِهم، تَنبَعِثُ المَقاصِدُ السَّيِّئَةُ والفُحشُ وَالسَّرِقَةُ والقَتْلُ والزِّنى والطَّمَعُ والخُبثُ والمَكْرُ والفُجورُ والحَسَدُ والشَّتْمُ والكِبرِياءُ والغَباوة. جَميعُ هٰذِه المُنكَراتِ تَخرُجُ مِن باطِنِ الإِنسانِ فتُنَجِّسُه». ومضى مِن هُناكَ، وذَهَبَ إِلى نواحي صور، فدَخَلَ بَيتًا، وكانَ لا يُريدُ أَن يَعلَمَ بِه أَحَد، فلَم يَستَطِعْ أَن يُخفِيَ أَمرَه. فقد سَمِعَت به وَقتَئِذٍ ٱمرَأَةٌ لَها ابنَةٌ صَغيرَةٌ فيها روحٌ نَجِسٌ فجاءَت وٱرتَمَت على قَدَمَيْه. وكانتِ المَرْأَةُ وَثَنِيَّةً مِن أَصْلٍ سورِيٍّ فينيقيّ. فسَأَلَته أَن يَطرُدَ الشَّيطانَ عنِ ٱبنَتِها. فقالَ لَها: «دَعي البَنينَ أَوَّلاً يَشبَعون، فلا يَحْسُنُ أَن يُؤخَذَ خُبزُ البَنين، فيُلقى إِلى صِغارِ الكِلاب». فأَجابَت: «نَعَم، يا ربّ، ولٰكِنَّ صِغارَ الكِلابِ تَأكُلُ تَحتَ المائِدة مِن فُتاتِ الأَطفال». فقالَ لَها: «مِن أَجلِ قولِكِ هٰذا، اذْهَبي، فقَد خَرَجَ الشَّيطانُ مِنِ ٱبنَتِكِ». فرجَعَت إِلى بَيتِها، فوَجدتِ ٱبنتَها مُلقاةً على السَّرير وقَد خَرَجَ مِنها الشَّيطان. وٱنصَرَفَ مِن أَراضي صور ومرَّ بِصَيدا قاصِدًا إِلى بَحْرِ الجَليل، ومُجتازًا أَراضِيَ المُدُنِ العَشْر. فجاؤوه بِأَصَمَّ مَعقودِ اللِّسان، وسأَلوه أَن يَضَعَ يَدَيه عليه. فٱنفَرَدَ بِه عنِ الجَمْع، وجعَلَ إِصبَعَيه في أُذُنَيه، ثُمَّ تَفَلَ ولَمَسَ لِسانَه. ورَفَعَ عَينَيْهِ نَحوَ السَّماءِ وتَنَهَّدَ وقالَ له: «إِفَّتِحْ!» أَيْ: إِنْفَتِحْ. فٱنفَتَحَ مِسمَعاه وٱنحَلَّتْ عُقدَةُ لِسانِه، فَتَكَلَّمَ بِلِسانٍ طَليق. وأَوصاهم أَلاَّ يُخبِروا أَحَدًا. فكانَ كُلَّما أَكثَرَ مِن تَوصِيَتِهم، أَكثَروا مِن إِذاعَةِ خَبَرِه. وكانوا يَقولونَ وَهُم في غايةِ الإِعْجاب: «قَد أَبدَعَ في أَعمالِه كُلِّها، إِذ جَعَلَ الصُّمَّ يَسمَعون والخُرْسَ يَتَكَلَّمون!». وفي تِلكَ الأَيَّامِ ٱحتَشَدَ أَيضًا جَمعٌ كثير، ولَم يَكُنْ عِندَهم ما يأكُلون، فدَعا تَلاميذَه وقالَ لَهم: «أُشفِقُ على هٰذا الجَمْع، فَإِنَّهُم مُنذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يُلازِمونَني، ولَيسَ عِندَهم ما يَأكُلون. وإِن صَرَفتُهم إِلى بُيوتِهم صائمين، خارَت قُواهم في الطَّريق، ومِنهُم مَن جاءَ مِن مَكانٍ بَعيد». فأَجابَه تَلاميذُه: «مِن أَينَ لِأحدٍ أَن يُشبِعَ هٰؤُلاءِ مِن الخُبزِ هٰهُنا في مَكانٍ قَفْر؟» فسَأَلَهم: «كَم رَغيفًا عِندكم؟» قالوا: «سَبعَة». فأَمَرَ الجَمْعَ بِالقُعودِ على الأَرض، ثُمَّ أَخَذَ الأَرغِفَةَ السَّبعةَ وشَكَر وكسرَها، ثُمَّ جعَلَ يُناوِلُ تَلاميذَه لِيُقَدِّموها، فقَدَّموها لِلجَمْع. وكانَ عِندَهم بَعضُ سَمَكاتٍ صِغار، فبارَكَها وأَمَرَ بِتَقديمِها أَيضًا. فأَكَلوا حَتَّى شَبِعوا، ورَفَعوا مِمَّا فَضَلَ مِنَ الكِسَرِ سَبعَ سِلال. وكانوا نَحوَ أَربعَةِ آلاف. فصَرَفَهم، ورَكِبَ السَّفينَةَ عِندَئِذٍ مَعَ تَلاميذِه، وجاءَ إِلى نواحي دَلْمانُوتا. فَأَقبلَ الفِرِّيسيُّونَ وأَخَذوا يُجادِلونَه فطَلَبوا آيةً مِنَ السَّماءِ لِيُحرِجوه. فَتَنَهَّدَ مِن أَعماقِ نَفْسِه وقال: «ما بالُ هٰذا الجيلِ يَطلُبُ آية؟ الحَقَّ أَقولُ لَكم: لَن يُعْطى هٰذا الجيلُ آية!» ثُمَّ تَركَهم وعادَ إِلى السَّفينَةِ فرَكِبَها وٱنصَرَفَ إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل. فنَسُوا أن يأخُذوا خُبزًا ولَم يَكُنْ عِندَهم في السَّفينَةِ سِوى رَغيفٍ واحِد. وأَخَذَ يَسوعُ يُوصيهِم فيقول: «تَبَصَّروا وٱحذَروا خَميرَ الفِرِّيسيِّين وخَميرَ هيرودُس!» فجعَلوا يتجادَلونَ لأَنَّه لا خُبزَ عِندَهم. فشَعَرَ يسوعُ بِأَمرِهِم فقالَ لَهم: «ما بالُكم تَتَجادَلونَ لأَنَّه لا خُبزَ عِندكم؟ أَلَم تُدرِكوا حتَّى الآنَ وتَفهَموا؟ أَلَكم قُلوبٌ قاسِيَة؟ أَلَكم عُيونٌ ولا تُبصِرون، وآذانٌ ولا تَسمَعون؟ أَلا تَذكُرونَ، إِذ كَسَرتُ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ لِلخَمسَةِ الآلاف، كَم قُفَّةً مَملوءَةً كِسَرًا رَفَعتُم؟» قالوا له: «إِثنَتَي عَشْرَةَ»، «وإِذ كَسَرْتُ الأَرغِفَةَ السَّبعَةَ لِلأَربَعَةِ الآلاف، كَم سَلَّةً مِنَ الكِسَرِ رَفَعتُم؟» قالوا: «سَبعًا». فقالَ لَهم: «أَلَم تَفهَموا حتَّى الآن؟». ووصلوا إِلى بَيتَ صَيدا فأَتَوه بِأَعمى، وسأَلوهُ أَن يَضَعَ يَدَيه علَيه. فأَخَذَ بِيَدِ الأَعمى، وقادَه إِلى خارِجِ القَريَة، ثُمَّ تَفَلَ في عَينَيه، ووضَعَ يَدَيهِ علَيه وسأَلَه: «أَتُبصِرُ شَيئًا؟» ففَتَحَ عَينَيه وقال: «أُبصِرُ النَّاسَ فَأَراهُم كَأَنَّهم أَشجارٌ وهم يَمْشون». فوَضَعَ يَدَيهِ ثانِيَةً على عَينَيه، فأَبصَرَ وعادَ صَحيحًا يَرى كُلَّ شَيءٍ واضِحًا. فأَرسَلَه إِلى بَيتِه وقالَ له: «حتَّى القَريَةُ لا تَدخُلْها». وذَهبَ يسوعُ وتَلاميذُه إِلى قُرى قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّس، فسأَلَ في الطَّريقِ تَلاميذَه: «مَن أَنا في قَولِ النَّاس؟» فأَجابوه: «يوحَنَّا المَعمَدان. وبَعضُهُم يقول: إِيلِيَّا، وبَعضُهُم الآخَرُ: أَحَدُ الأَنبِياء». فسأَلَهم: «ومَن أَنا، في قولِكم أَنتُم؟» فأَجاب بُطرس: «أَنتَ المسيح». فنَهاهُم أُن يُخبِروا أَحَدًا بِأَمرِه. وبَدأَ يُعَلِّمُهم أَنَّ ٱبنَ الإِنسانِ يَجِبُ علَيه أَن يُعانيَ آلامًا شديدة، وأَن يرْذُلَه الشُّيوخُ وعُظماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، وأَن يُقتَل، وأَن يقومَ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّام. وكانَ يقولُ هٰذا الكلامَ صَراحةً. فٱنفَرَدَ بِهِ بُطرُس وجَعَلَ يُعاتِبُه. فٱلتَفَتَ فَرأَى تَلاميذَه فزَجَرَ بُطرسَ قال: «إِنسَحِبْ! وَرائي! يا شَيطان، لأَنَّ أَفكارَكَ لَيسَت أَفكارَ الله، بل أَفكارُ البَشَر». ودَعا الجَمعَ وتَلاميذَه وقالَ لهم: «مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِهِ ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني. لأَنَّ الَّذِي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذِي يَفقِدُ حَياتَه في سبيلي وسبيلِ البِشارة فإِنَّه يُخَلِّصُها. فماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفْسَه؟ وماذا يُعطي الإِنسانُ بدلاً لِنَفسِه؟ لأَنَّ مَن يَسْتَحْيِي بي وبِكَلامي في هٰذا الجيلِ الفاسِقِ الخاطِئ يَسْتَحْيي بِهِ ٱبنُ الإِنسان، متى جاءَ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه المَلائِكَةُ الأَطهار». وقالَ لَهم: «الحَقَّ أَقولُ لَكُم: في جُملَةِ الحاضِرينَ هٰهُنا مَن لا يَذوقونَ المَوت، حتَّى يُشاهِدوا مَلكوتَ اللهِ آتِيًا بِقُوَّة». وبَعدَ سِتَّةِ أَيَّام مضى يسوعُ بِبُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنَّا فٱنفَرَدَ بِهِم وَحدَهم على جَبَلٍ عالٍ، وتَجَلَّى بِمَرأًى منهم. فَتَلألأَت ثِيابُه ناصِعَةَ البَياض، حتَّى لَيَعجِزُ أَيُّ قَصَّارٍ في الأَرضِ أَن يأتِيَ بِمِثلِ بَياضِها. وتَراءَى لَهم إِيلِيَّا مع موسى، وكانا يُكَلِّمانِ يسوع. فخاطَبَ بُطرُسُ يسوعَ قال: «رابِّي، حَسَنٌ أَن نَكونَ هٰهُنا، فلَو نَصَبْنا ثَلاثَ خِيَمٍ، واحِدَةً لَكَ، وواحِدَةً لِموسى، وواحِدَةً لإِيلِيَّا». فلم يَكُن يَدْري ماذا يَقول، لِما ٱستَولى علَيهِم مِنَ الخَوف. وظَهَرَ غَمامٌ قد ظَلَّلَهم، وٱنطَلَقَ صَوتٌ مِنَ الغَمامِ يَقول: «هٰذا هُوَ ٱبنِيَ الحَبيب، فلَهُ ٱسمَعوا». فأَجالوا الطَّرْفَ فَوْرًا في ما حَولَهم، فلَم يَرَوا معَهم إِلاَّ يسوعَ وَحدَه. وبَينَما هم نازِلونَ مِنَ الجَبَل، أَوصاهم أَلاَّ يُخبِروا أَحدًا بِما رَأَوا، إِلاَّ متى قامَ ٱبنُ الإِنسانِ مِن بَينِ الأَموات. فحَفِظوا هٰذا الأَمْر وأَخذوا يَتَساءَلونَ ما مَعنى «القِيامةِ مِن بَينِ الأَموات». وسَأَلوهُ: «لِماذا يَقولُ الكَتَبَةُ إِنَّه يَجِبُ أَن يَأتِيَ إِيلِيَّا أَوَّلاً؟». فقالَ لَهم: «إِنَّ إِيلِيَّا يَأتي أَوَّلاً ويُصلِحُ كُلَّ شَيء. فكيف كُتِبَ في شأنِ ٱبنِ الإِنسان أَنَّه سَيُعاني آلامًا شديدةً ويُزدَرى؟ على أَنِّي أَقولُ لَكم إِنَّ إِيليَّا قد أَتى، وصَنَعوا بِه كُلَّ ما أَرادوا كَما كُتِبَ في شأنِه». ولَمَّا لَحِقوا بِالتَّلاميذ، رَأَوا جَمْعًا كَثيرًا حَولَهم وبَعضَ الكَتَبَةِ يُجادِلونَهم. فما إِن أَبصَرَه الجَمْعُ حتَّى دَهِشوا كُلُّهم وسارَعوا إِلى السَّلامِ علَيه. فسأَلَهم: «فِيمَ تُجادِلونَهم؟» فأَجابَه رَجُلٌ مِنَ الجَمْع: «يا مُعَلِّم، أتيتُكَ بِٱبنٍ لي فيه رُوحٌ أَبكَم، حَيثُما أَخذَه يَصرَعُه، فيُزبِدُ الصَّبِيُّ ويَصرِفُ بِأَسنانِه ويَيبَس. وقد سأَلتُ تَلاميذَكَ أَن يَطرُدوه، فلَم يَقدِروا». فأَجابَهم: «أَيُّها الجيلُ الكافِر، حَتَّامَ أَبْقى معَكم؟ وإِلامَ أَحتمِلُكم؟ علَيَّ بِه!». فأَتَوهُ بِه. فما إِن رَآهُ الرُّوحُ حتَّى خَبَطَه، فوَقَعَ إِلى الأَرضِ يَتَمَرَّغُ ويُزبِدْ. فسأَلَ أَباه: «مُنذُ كم يَحدُثُ له هٰذا؟» قالَ: «مُنذُ طُفولَتِه. وكَثيرًا ما أَلقاهُ في النَّارِ أَو في الماءِ ليُهلِكَه. فإِذا كُنتَ تَستَطيعُ شَيئًا، فأَشفِقْ علَينا وأَغِثْنا». فقالَ لَه يسوع: «إِذا كُنتَ تَستَطيع! كُلُّ شَيءٍ مُمكِنٌ لِلَّذي يُؤمِن». فَصاحَ أَبو الصَّبِيِّ لِوَقتِه: «آمنتُ، فشَدِّدْ إِيمانيَ الضَّعيف!» ورأَى يسوعُ الجَمْعَ يَزدَحِمون، فٱنتَهَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ وقالَ له: «أَيُّها الرُّوحُ الأَخرَسُ الأَصَمّ، أَنا آمُرُكَ، اُخرُجْ مِنه، ولا تَعُدْ إِلَيه». فصَرَخَ وخَبَطَه خَبْطًا عَنيفًا وخَرَجَ مِنه. فعادَ الصَّبِيُّ كالمَيت، حتَّى قالَ جَميعُ النَّاس: «لقَد مات». فأَخَذَ يسوعُ بِيَدِه وأَنهَضَه فقام. ولمَّا دَخَلَ البَيت، اِنفَرَدَ بِه تَلاميذُه وسأَلوه: «لماذا لَم نَستَطِعْ نَحنُ أَن نَطرُدَه؟» فقالَ لَهم: «إِنَّ هٰذا الجِنسَ لا يُمكِنُ إِخْراجُه إِلاَّ بِالصَّلاة». ومَضَوا مِن هُناكَ فمَرُّوا بِالجَليل، ولَم يُرِدْ أَن يَعلَمَ بِه أَحَد، لأَنَّه كانَ يُعَلِّمُ تَلاميذَه فيَقولُ لَهم: «إِنَّ ٱبنَ الإِنسانِ سيُسلَمُ إِلى أَيدي النَّاس، فيَقتُلونَه وبَعدَ قَتْلِه بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَقوم». فلَم يَفهَموا هٰذا الكَلام، وخافوا أَن يَسأَلوه. وجاؤوا إِلى كَفَرناحوم. فلَمَّا دخَلَ البَيتَ سأَلَهم: «فيمَ كُنتُم تَتَجادَلونَ في الطَّريق؟» فظَلُّوا صامِتين، لأَنَّهم كانوا في الطَّريقِ يَتَجادَلونَ فيمَن هُو الأَكبَر. فجَلَسَ ودَعا الِٱثنَيْ عَشَرَ وقالَ لَهم: «مَن أَرادَ أَن يَكونَ أَوَّلَ القَوم، فَلْيَكُنْ آخِرَهم جَميعًا وخَادِمَهُم». ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ طِفْلٍ فأَقامَه بَينَهم وضَمَّه إِلى صَدرِه وقالَ لَهم: «مَن قَبِلَ واحِدًا مِن أَمْثالِ هٰؤُلاءِ الأَطْفالِ إِكرامًا لِٱسمِي فقَد قَبِلَني أَنا ومَن قَبِلَني فلم يَقبَلْني أَنا، بلِ الَّذي أَرسَلَني». قالَ له يوحَنَّا: «يا مُعَلِّم، رَأَينا رَجُلاً يَطرُدُ الشَّياطينَ بِٱسمِكَ، فأَرَدْنا أَن نَمنَعَه لأَنَّه لا يَتبَعُنا». فقالَ يسوع: «لا تَمنَعوه، فما مِن أَحدٍ يُجْري مُعْجِزَةً بِٱسْمي يَستَطيعُ بَعدَها أَن يُسيءَ القَوْلَ فيَّ. ومَن لَم يَكُنْ علَينا كانَ مَعَنا. «ومَن سقاكُم كأسَ ماءٍ على أَنَّكم لِلمَسيح، فالحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّ أَجرَه لَن يَضيع. «ومَن كانَ حَجَرَ عَثرَةٍ لِهٰؤلاءِ الصِّغارِ المؤمِنين، فأَولى بِه أَن تُعَلَّقَ الرَّحَى في عُنُقِه ويُلقى في البَحْر. فَإِذا كانَت يَدُكَ حَجَرَ عَثرَةٍ لَكَ فاقطَعْها، فلأَن تَدخُلَ الحَياةَ وأَنتَ أَقطَعُ اليَد خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكونَ لَكَ يَدانِ وتَذهَبَ إِلى جَهَنَّم، إِلى نارٍ لا تُطفَأ. وإِذا كانَت رِجْلُكَ حَجَرَ عَثرَةٍ لَكَ فَٱقطَعْها، فلأَن تَدخُلَ الحَياةَ وأَنتَ أَقطعُ الرِّجل خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكونَ لَكَ رِجلانِ وتُلْقى في جَهَنَّم. وإِذا كانَت عَينُكَ حَجَرَ عَثرَةٍ لَكَ فٱقلَعْها، فَلَأَن تَدخُل مَلَكوتَ اللهِ وأَنتَ أَعوَر خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكونَ لَكَ عَينانِ وتُلْقى في جَهَنَّم، حَيثُ لا يَموتُ دُودُهم ولا تُطفَأُ النَّار. لأَنَّ كُلَّ ٱمْرِئٍ سَيُمَلَّحُ بِالنَّار. المِلْحُ شَيءٌ جَيِّد، فإِذا صارَ المِلحُ بلا مُلوحَة، فَبِأَيِّ شَيءٍ تُمَلِّحونَه؟ فَلْيَكُنْ فيكُم مِلحٌ وَلْيُسالِمْ بَعضُكم بَعضًا». ومَضى مِن هُناكَ، فجاءَ بِلادَ اليَهودِيَّةِ عِندَ عِبْرِ الأُردُنّ، فَٱحتَشَدَت لَدَيهِ الجُموعُ مَرَّةً أُخرى. فأَخَذَ يُعَلِّمُهم أَيضًا على عادَتِه. فدَنا بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ وسأَلوه لِيُحرِجوه هَل يَحِلُّ لِلزَّوجِ أَن يُطَلِّقَ ٱمرَأَتَه. فأَجابَهم: «بِماذا أَوصاكم مُوسى؟» قالوا: «إِنَّ مُوسى رَخَّصَ أَن يُكتَبَ لَها كِتابُ طَلاقٍ وتُسَرَّح». فقالَ لَهم يسوع: «مِن أَجْلِ قَساوَةِ قُلوبِكم كَتَبَ لَكُم هٰذِهِ الوَصِيَّة. فمنُذُ بَدْءِ الخَليقَة «جعَلَهما اللهُ ذَكَرًا وأُنْثى. ولِذٰلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ ٱمرأَتَه ويَصيرُ الِٱثنانِ جسَدًا واحدًا». «فلا يكونانِ ٱثنَيْنِ بَعدَ ذٰلك، بل جسَدٌ واحِد. فما جَمَعَه الله فَلا يُفَرِّقَنَّه الإِنسان». وسأَلَه التَّلاميذُ في البَيتِ أَيضًا عن ذٰلك، فقالَ لَهم: «مَن طَلَّقَ ٱمرَأَتَه وتَزَوَّجَ غَيرَها فقَد زَنى علَيها. وإِنْ طَلَّقَتِ المَرأَةُ زَوجَها وتَزَوَّجَت غَيرَه فقَد زَنَت». وأَتَوهُ بِأَطفالٍ لِيَضَعَ يَدَيهِ علَيهم، فَٱنتَهَرهُمُ التَّلاميذ. ورأَى يسوعُ ذٰلك فٱستاءَ وقالَ لَهم: «دَعُوا الأَطفالَ يأتونَ إِلَيَّ، لا تَمنَعوهم، فَلأَمثالِ هٰؤلاءِ مَلَكوتُ الله. الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن لم يَقبَلْ مَلكوتَ اللهِ مِثْلَ الطِّفل، لا يَدخُلْه». ثُمَّ ضَمَّهم إِلى صَدرِه ووَضَعَ يَديهِ علَيهِم فبارَكَهم. وبَينَما هو خارِجٌ إِلى الطَّريق، أَسرَعَ إِليه رَجُلٌ فجَثا له وسأَلَه: «أَيُّها المُعَلِّمُ الصَّالح، ماذا أَعمَلُ لأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟» فقالَ له يسوع: «لِمَ تَدْعوني صالِحًا؟ لا صالِحَ إِلاَّ اللهُ وَحدَه. أَنتَ تَعرِفُ الوَصايا: «لا تَقْتُلْ، لا تَزْنِ، لا تَسرِقْ، لا تَشهَدْ بِالزُّور، لا تَظْلِمْ، أَكْرِمْ أَباكَ وأُمَّكَ». فقالَ لَه: «يا مُعَلِّم، هٰذا كُلُّه حَفِظْتُه مُنذُ صِباي». فحَدَّقَ إِليهِ يسوع فأَحبَّه فقالَ له: «واحِدَةٌ تَنقُصُكَ: إِذْهَبْ فَبِعْ ما تَملِك وأَعطِهِ لِلفُقَراء، فَيَكونَ لَكَ كَنزٌ في السَّماء، وتَعالَ فَٱتبَعْني». فٱغتَمَّ لِهٰذا الكَلامِ وٱنصَرَفَ حَزينًا، لأَنَّه كانَ ذا مالٍ كثير. فأَجالَ يسوعُ طَرْفَه وقالَ لِتَلاميذِه: «ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ اللهِ عَلى ذَوي المال». فدَهِشَ تَلاميذُه لِكَلامِه فأَعادَ يسوعُ لَهمُ الكَلامَ قال: «يا بَنِيَّ، ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ الله! لَأَن يَمُرَّ الجَمَلُ مِن ثَقْبِ الإِبرَة أَيسَرُ مِن أَن يَدخُلَ الغَنِيُّ مَلكوتَ الله». فٱشتَدَّ دَهَشُهُم وقالَ بَعضُهم لِبَعض: «فَمَن يَقدِرُ أَن يَخلُص؟» فحَدَّقَ إِلَيهِم يسوعُ وقال: «هٰذا شَيءٌ يُعجِزُ النَّاسَ وَلا يُعجِزُ الله، فإِنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير». وأَخَذَ بُطرُسُ يقولُ له: «ها قد تَرَكْنا نَحنُ كُلَّ شَيءٍ وتَبِعناكَ». فقالَ يسوع: «الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما مِن أَحَدٍ تَرَكَ بَيتًا أَو إِخوَةً أَو أَخَواتٍ أَو أُمًّا أَو أَبًا أَو بَنينَ أَو حُقولاً مِن أَجْلي وأَجْلِ البِشارَة إِلاَّ نالَ الآنَ في هٰذهِ الدُّنْيا مائةَ ضِعْفٍ مِنَ البُيوتِ والإِخوَةِ والأَخَواتِ والأُمَّهاتِ والبَنينَ والحُقولِ مع الاِضطِهادات، ونالَ في الآخِرَةِ الحَياةَ الأَبَدِيَّة. وكثيرٌ مِنَ الأَوَّلينَ يَصيرونَ آخِرين، والآخِرونَ يَصيرونَ أَوَّلين». وكانوا سائِرينَ في الطَّريق صاعِدينَ إِلى أُورَشَليم، وكانَ يسوعُ يَتقدَّمُهم، وقد أَخَذَهُمُ الدَّهَش. أَمَّا الَّذينَ يَتبَعونَه فكانوا خائِفين. فمَضى بِالِٱثنَيْ عَشَرَ مَرَّةً أُخْرى، وأَخَذَ يُنبِئُهم بِما سيحدُثُ لَه قال: «ها نحنُ صاعِدونَ إِلى أُورَشليم، فَٱبنُ الإِنسانِ يُسلَمُ إِلى عُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، فيَحكُمونَ علَيه بِالمَوت، ويُسلِمونَه إِلى الوَثنِيِّين، فيَسخَرونَ مِنه، ويَبصُقونَ علَيه ويَجلِدونَه ويَقتُلونَه، وبَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَقوم». ودَنا إِلَيه يَعقوبُ ويوحَنَّا ٱبنا زَبَدى، فقالا له: «يا مُعَلِّم، نُريدُ أَن تَصنَعَ لَنا ما نَسأَلُكَ». فقالَ لَهما: «ماذا تُريدانِ أَن أَصنَعَ لَكما؟» قالا لهُ: «إِمنَحْنا أَن يَجلِسَ أَحَدُنا عَن يَمينِك، والآخَرُ عَن شِمالِكَ في مَجدِكَ». فقالَ لَهما يسوع: «إِنَّكُما لا تَعلَمانِ ما تَسأَلان. أَتَستَطيعانِ أَن تَشرَبا الكأسَ الَّتي سَأَشرَبُها، أَو تَقبَلا المَعمودِيَّةَ الَّتي سَأَقبَلُها؟» فقالا له: «نَستَطيع». فقالَ لَهما يسوع: «إِنَّ الكَأْسَ الَّتي أَشرَبُها سَوفَ تَشرَبانِها، والمَعمودِيَّةَ الَّتي أَقبَلُها سَوفَ تَقبَلانِها. وأَمَّا الجُلوسُ عَن يَميني أَو شِمالي، فلَيسَ لي أَن أَمنَحَه، وإِنَّما هُوَ لِلَّذينَ أُعِدَّ لهم». فلمَّا سَمِعَ العَشَرَةُ ذٰلكَ الكَلامَ ٱسْتاؤُوا مِن يَعْقوبَ ويوحَنَّا. فدَعاهم يسوعُ وقالَ لَهم: «تَعلَمونَ أَنَّ الَّذينَ يُعَدُّونَ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وأَنَّ أَكابِرَها يَتَسَلَّطونَ علَيها. فلَيسَ الأَمرُ فيكم كذٰلِك، بل مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيرًا فيكم، فَلْيَكُنْ لَكُم خادِمًا. ومَن أَرادَ أَن يكونَ الأَوَّلَ فيكم، فَلْيَكُنْ لأَجمَعِكم عَبْدًا. لأَنَّ ٱبنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس». ووصَلوا إِلى أَريحا. وبَينَما هو خارِجٌ مِن أَريحا، ومعَه تلاميذُه وجَمْعٌ كثير، كانَ ٱبنُ طيماوُس (بَرطيماوُس)، وهو شَحَّاذٌ أَعْمى، جالِسًا على جانِبِ الطَّريق. فلمَّا سَمِعَ بِأَنَّه يسوعُ النَّاصِريّ، أَخذَ يَصيح: «رُحْماكَ، يا ٱبنَ داود، يا يَسوع!» فَٱنتَهَرَه أُناسٌ كَثيرونَ لِيَسكُت، فَصاحَ أَشَدَّ الصِّياح: «رُحْماكَ، يا ٱبنَ داود!». فوَقَفَ يسوعُ وقال: «أُدْعوهُ». فدَعَوا الأَعمى قالوا له: «تَشَدَّدْ وقُم فإِنَّه يَدْعوك». فَأَلقى عنهُ رِداءَهُ ووَثَبَ وجاءَ إِلى يسوع. فقالَ لَه يسوع: «ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لَكَ؟» قالَ له الأَعمى: «رابُوني، أَن أُبصِر». فقالَ له يسوع: «إِذْهَبْ! إِيمانُكَ خَلَّصَكَ». فأَبصَرَ مِن وَقتِه وتَبِعَه في الطَّريق. ولمَّا قَرُبوا مِن أُورَشَليم ووَصَلوا إِلى بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا، عِندَ جَبَلِ الزَّيتون، أَرسَلَ ٱثنَينِ مِن تَلاميذِه وقالَ لَهما: «إِذهَبا إِلى القَريَةِ الَّتي تُجاهَكُما، فَما إِن تَدخُلانِها حتَّى تَجِدا جَحْشًا مَربوطًا ما رَكِبَهُ أَحَد، فحُلاَّ رِباطَه وأتِيا بِه. فإِن قالَ لكُما قائِل: لِمَ تَفعَلانِ هٰذا؟ فقولا: الرَّبُّ مُحْتاجٌ إِلَيه، ثُمَّ يُعيدُه إِلى هُنا بَعدَ قليل». فذَهَبا، فوَجَدا جَحْشًا مَربوطًا عندَ بابٍ على الطَّريق، فحَلاَّ رِباطَه. فقالَ لَهما بَعضُ الَّذينَ كانوا هُناك: «ما بالُكُما تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟» فقالا لَهم كما أَمَرَهما يسوعُ فتَركوهما. فجاءَا بِالجَحْشِ إِلى يسوع، ووَضَعا رِدائَيهِما علَيه فَرَكِبَه. وبَسَطَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ أَردِيَتَهم على الطَّريق، وفَرَشَ آخَرونَ أَغصانًا قطَعوها مِنَ الحُقول. وكانَ الَّذينَ يَتَقَدَّمونَه والَّذينَ يَتبَعونَه يَهتِفون: هُوشَعْنا! تَبارَكَ الآتي بِٱسمِ الرَّبّ! تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة، مَملَكَةُ أَبينا داود! هوشَعْنا في العُلى!». ودَخَلَ أُورَشَليمَ فالهَيكَل، وأَجالَ طَرْفَه في كُلِّ شَيءٍ فيه. وكانَ المَساءُ قد أَقبَل، فخَرَجَ إِلى بَيتَ عَنْيا ومعَه الِٱثْنا عَشَر. ولمَّا خَرَجوا في الغَدِ مِن بَيتَ عَنْيا أَحَسَّ بِالجُوع. ورأَى عن بُعدٍ تينَةً مُورِقَةً، فقَصَدَها عَساهُ أَن يَجِدَ علَيها ثَمَرًا. فلمَّا وَصَلَ إِلَيها، لم يَجِدْ علَيها غَيرَ الوَرَق، لأَنَّ الوَقتَ لم يَكُنْ وَقتَ التِّين. فخاطَبَها قال: «لا يأكُلَنَّ أَحَدٌ ثَمرًا مِنكِ لِلأَبَد!» وسَمِعَ تَلاميذُه ما قال. ووصَلوا إِلى أُورَشَليم، فدَخلَ الهَيكل، وأَخَذَ يَطرُدُ الَّذينَ يَبيعونَ ويَشتَرونَ في الهَيكل، وقلَبَ طاوِلاتِ الصَّيارِفَةِ ومَقاعِدَ باعَةِ الحَمام، ولَم يَدَعْ حامِلَ مَتاعٍ يَمُرُّ مِن داخِلِ الهَيكَل. وأَخَذَ يُعَلِّمُهم فيَقول: «أَلَم يُكْتَب: بيتي بَيتَ صَلاةٍ يُدعى لِجَميعِ الأُمَم، وأَنتُم جَعَلتُموهُ مَغارَةَ لُصوص». فسَمِعَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، فجَعلوا يَبحَثونَ كيفَ يُهلِكونَه، وكانوا يَخافونَه لأَنَّ الجَمعَ كُلَّه كانَ مُعجَبًا بِتَعليمِه. وعِندَ المساءِ مَضى هو وتَلاميذُه إِلى خارِجِ المَدينَة. وبَينَما هُم مارُّونَ في الصَّباح، رَأَوا التِّينَةَ قد يَبِسَت مِن أَصلِها. فتَذَكَّرَ بُطرُسُ كَلامَه فقالَ له: «رَابّي، اُنْظُرْ، إِنَّ التِّينَةَ الَّتي لَعَنتَها قد يَبِسَت». فأَجابَهم يسوع: «آمِنوا بِالله. الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن قالَ لِهٰذا الجَبَل: قُم فَٱهبِطْ في البَحْرِ، وهو لا يَشُكُّ في قَلبِه، بل يُؤمِنُ بِأَنَّ ما يَقولُه سيَحدُث، كانَ له هٰذا. ولِذٰلِكَ أَقولُ لَكم: كُلُّ شَيءٍ تَطلُبونَه في الصَّلاة، آمِنوا بِأَنَّكم قد نِلتُموه، يَكُنْ لَكم. وإِذا قُمتُم لِلصَّلاة، وكان لَكم شَيءٌ على أَحَدٍ فٱغفِروا لَه، لِكَي يَغفِرَ لَكم أَيضًا أَبوكُمُ الَّذي في السَّمٰواتِ زَلاَّتِكم». وعادوا إِلى أُورَشَليم. وبَينما هو يَتَمَشَّى في الهَيكَل، جاءَ إِلَيهِ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ والشُّيوخ فقالوا له: «بِأَيِّ سُلطانٍ تَعمَلُ هٰذه الأَعمال؟ بل مَن أَولاكَ ذاكَ السُّلطانَ لِتَعمَلَ هٰذه الأَعمال؟» فقالَ لَهم يسوع: «أَسأَلُكُم سُؤَالاً واحِدًا فَأَجيبوني، ثُمَّ أَقولُ لَكم بِأَيِّ سُلطانٍ أَعمَلُ هٰذه الأَعمال. أَمِنَ السَّماءِ جاءَت مَعمودِيَّةُ يوحَنَّا أَم مِنَ النَّاس؟ أَجيبوني». فتَباحَثوا قائلين: «إِن قُلْنا: «مِنَ السَّماء، يقول: فلِماذا لم تُؤمِنوا بِه؟ أَفنقولُ مِنَ النَّاس؟»، وكانوا يَخافونَ الجَمع، لأَنَّ النَّاسَ كُلَّهم كانوا يَعُدُّونَ يوحَنَّا نَبِيًّا حَقًّا. فأَجابوا يسوع: «لا نَدري». فقالَ لَهم يسوع: «وأَنا لا أَقولُ لَكم بِأَيِّ سُلْطانٍ أَعمَلُ هٰذه الأَعمال». وأَخَذَ يُكَلِّمُهُم بِالأَمثالِ قال: «غَرَسَ رجُلٌ كَرْمًا فَسيَّجَه، وحَفَرَ فيه مَعْصَرَةً وبَنى بُرجًا، وآجَرَه بَعضَ الكَرَّامين ثُمَّ سافَر. فلَمَّا حانَ وقتُ الثَّمَر، أَرسلَ خادِمًا إِلى الكَرَّامين، لِيأخُذَ مِنهُم نَصيبَهُ مِن ثَمَرِ الكَرْم. فأَمسَكوهُ وضَرَبوه، وأَرجَعوه فارِغَ اليَدَين. فأَرسَلَ إِلَيهِم خادِمًا آخَر، وهٰذا أَيضًا شَجُّوا رأسَه وأَهانوه. فأَرسَلَ آخَر، وهٰذا أَيضًا قتَلوه. ثُمَّ أَرسَلَ كثيرينَ غَيرَهم، فضَربوا بَعضَهم وقَتَلوا بَعضَهم. فبَقِيَ عِندَهُ واحِدٌ وهو ٱبنُه الحَبيب. فأَرسَلَه إِلَيهم آخِرَ الأَمرِ وقال: «سَيَهابونَ ٱبني». فقالَ أُولٰئِكَ الكَرَّامونَ بَعضُهم لِبَعْض: «هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْه، فيَكونَ الميراثُ لَنا». فأَمسَكوهُ وقتَلوه وأَلقَوْه في خارِجِ الكَرْم. فماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْم! يَأتي ويُهلِكُ الكَرَّامين، ويُعطي الكَرْمَ لِآخَرين. أَوَما قَرأتُم هٰذِه الآية: «الحَجَرُ الَّذي رَذلَه البَنَّاؤون هو الَّذي صارَ رأسَ الزَّاوِيَة. مِن عِندِ الرَّبِّ كانَ ذٰلك وهو عجَبٌ في أَعيُنِنا» فحاوَلوا أَن يُمسِكوه، ولٰكِنَّهم خافوا الجَمْع، وكانوا قد أَدرَكوا أَنَّه يُعَرِّضُ بِهم في هٰذا المَثَل، فتَركوه وٱنصَرَفوا. وأَرسَلوا إِلَيهِ أُناسًا مِنَ الفِرِّيسيِّين والهِيرودُسيِّين لِيَصطادوه بِكَلِمَة. فأَتَوه وقالوا له: «يا مُعَلِّم، نَحنُ نَعلَمُ أَنَّكَ صادِقٌ لا تُبالي بِأَحد، لأَنَّكَ لا تُراعي مَقامَ النَّاس، بل تُعَلِّمُ سبيلَ اللهِ بِالحَقّ. أَيَحِلُّ دَفْعُ الجِزيَةِ إِلى قَيصَرَ أَم لا؟ أَنَدْفَعُها أَم لا نَدفَعُها؟» ففَطِنَ لِرِيائِهم فقالَ لَهم: «لِماذا تُحاوِلونَ إِحراجي؟ هاتوا دينارًا لأَراه». فَأَتَوه بِه. فقالَ لَهم: «لِمَن الصُّورَةُ هٰذه والكِتابَة؟» قالوا: «لِقَيْصَر». فقالَ لَهم: «أَدُّوا لِقَيصَرَ ما لِقَيصَر، وللهِ ما للهٍ». فعَجِبوا لَه أَشدَّ العَجَب. وأَتاه بَعضُ الصَّدُّوقِيِّين، وهُمُ الَّذينَ يَقولونَ بِأَنَّه لا قِيامَة، فسأَلوه: «يا مُعَلِّم، إِنَّ موسى كَتَبَ علَينا: «إِذا ماتَ لاِمرِئٍ أَخٌ فتَركَ ٱمرَأَتَه ولَم يُخَلِّفْ وَلَدًا، فَلْيَأْخُذْ أَخوهُ المَرأَةَ ويُقِمْ نَسْلاً لأَخيه». كانَ هُناكَ سَبعَةُ إِخوَة. فأَخَذَ الأَوَّلُ ٱمرَأَةً ثُمَّ ماتَ ولَم يُخَلِّفْ نَسْلاً. فَأَخَذَها الثَّاني ثُمَّ ماتَ ولَم يُخَلِّفْ نَسْلاً. وكَذٰلكَ الثَّالث. ولَم يُخَلِّفِ السَّبعَةُ نَسْلاً. ثُمَّ ماتَتِ المَرأَةُ مِن بعدِهم جَميعًا. ففي القِيامَةِ حين يَقومون، لأَيٍّ مِنهم تكونُ ٱمرأَةً؟ فقَدِ اتَّخَذَها السَّبعَةُ ٱمرَأَة». فقالَ لَهم يسوع: «أَوَما أَنتُم في ضَلال، لأَنَّكم لا تَعرِفونَ الكُتُبَ ولا قُدرَةَ الله؟ فَعِندَما يَقومُ النَّاسُ مِن بَينِ الأَموات، فلا الرِّجالُ يَتَزَوَّجونَ ولا النِّساءُ يُزَوَّجْنَ، بل يَكونونَ مِثلَ المَلائِكَةِ في السَّمٰوات. وأَمَّا أَنَّ الأَمواتَ يَقومون، أَفَما قرأتُم في كِتابِ مُوسى، عِندَ ذِكْرِ العُلَّيقَة، كيفَ كَلَّمَه اللهُ فقال: «أَنا إِلهُ إِبْراهيم وإِلهُ إِسْحق وإِلهُ يَعقوب». وما كانَ إِلهَ أَمْوات، بل إِلهُ أَحْياء. فأَنتُم في ضَلالٍ كَبير». ودَنا إِلَيه أَحدُ الكَتَبَة، وكانَ قد سَمِعَهم يُجادِلونَهُ، ورأَى أَنَّه أَحسَنَ الرَّدَّ علَيهم، فسأله: «ما الوَصِيَّةُ الأُولى في الوَصايا كُلِّها؟» فأَجابَ يسوع: «الوَصِيَّةُ الأُولى هيَ: «إِسمَعْ يا إِسرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلٰهَنا هو الرَّبُّ الأَحَد. فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلٰهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهنِكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ». والثَّانِيَةُ هي: «أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ». ولا وَصِيَّةَ أُخرى أَكبرُ مِن هاتَيْن». فقالَ له الكاتب: «أَحسَنتَ يا مُعَلِّم، لقد أَصَبْتَ إِذ قُلتَ: إِنَّه الأَحَد ولَيسَ مِن دونِه آخَر، وأَن يُحِبَّه الإِنسانُ بِكُلِّ قلبِهِ وكُلِّ عَقلِه وكُلِّ قُوَّتِه، وأَن يُحِبَّ قَريبَه حُبَّه لِنَفْسِه، أَفضَلُ مِن كُلِّ مُحرَقَةٍ وذبيحَة». فلمَّا رأَى يسوعُ أَنَّه أَجابَ بِفِطنَة قالَ له: «لَستَ بَعيدًا مِن مَلَكوتِ الله». ولَم يَجرُؤْ أَحَدٌ بعدَئِذٍ أَن يَسأَلَه عن شَيء. وتَكلَّمَ يسوعُ وهو يُعَلِّمُ في الهَيكَلِ قال: «كَيفَ يقولُ الكَتَبَةُ إِنَّ المَسيحَ هو ٱبنُ داود؟ وداودُ نَفْسُه قالَ بِوَحيٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس: «قالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: إِجلِسْ عن يَميني حتَّى أَجعَلَ أَعداءَكَ تَحتَ قَدَمَيك». فداودُ نَفْسُه يَدعوهُ رَبًّا، فكَيفَ يكونُ ٱبنَه؟» وكانَ مِنَ النَّاسِ جَمعٌ كثيرٌ يُصغي إِلَيه مَسْرورًا. وقالَ في تَعليمِه: «إِيَّاكُم والكَتَبَة، فإِنَّهم يُحِبُّونَ المَشْيَ بِالجُبَب، وتَلقِّيَ التَّحِيَّاتِ في السَّاحات، وصُدورَ المَجالِسِ في المَجامِع، والمَقاعِدَ الأُولى في المَآدِب. يأكُلونَ بُيوتَ الأَرامِل، وهم يُظهِرونَ أَنَّهُم يُطيلونَ الصَّلاة. هٰؤلاءِ سيَنالُهُمُ العِقابُ الأَشَدّ». وجلَسَ يسوعُ قُبالَةَ الخِزانَةِ يَنظُرُ كيفَ يُلْقي الجَمعُ في الخِزانَةِ نُقودًا مِن نُحاس. فأَلْقى كثيرٌ مِنَ الأَغنِياءِ شَيئًا كثيرًا. وجاءَت أَرمَلَةٌ فَقيرةٌ فأَلقَت عُشرَين، أَي فَلْسًا. فدَعا تَلاميذَه وقالَ لَهم: «الحَقَّ أَقولُ لَكُم إِنَّ هٰذِه الأَرمَلَةَ الفَقيرةَ أَلْقَت أَكثَرَ مِن جَميعِ الَّذينَ أَلقَوا في الخِزانَة، لأَنَّهم كُلَّهم أَلْقَوا مِنَ الفاضِلِ عن حاجاتِهم، وأَمَّا هي فإِنَّها مِن حاجَتِها أَلْقَت جَميعَ ما تَملِك، كُلَّ رِزقِها». وبَينَما هو خارِجٌ مِنَ الهَيكَل، قالَ له أَحدُ تَلاميذِه: «يا مُعَلِّمُ ٱنظُر! يا لَها مِن حِجارَة! ويا لَها مِن أَبنِيَة!» فقالَ لَه يسوع: «أَتَرى هٰذِه الأَبنِيَةَ العَظيمة؟ لَن يُترَكَ هُنا حَجَرٌ على حَجَرٍ مِن غَيرِ أَن يُنقَض». وبَينَما هو جالِسٌ في جَبَلِ الزَّيتونِ قُبالَةَ الهَيكَل، اِنفَرَدَ بِه بُطرُسُ ويَعقوبُ ويوحَنَّا وأَندَراوس وسأَلوه: «قُلْ لَنا متى تَكونُ هٰذه الأُمور، وما تَكونُ العَلامَةُ أَنَّ هٰذه كُلَّها تُوشِكُ أَن تَنتَهِيَ». فأَخَذَ يسوعُ يَقولُ لَهم: «إِيَّاكُم أَن يُضِلَّكم أَحَد. فسَوفَ يَأتي كثيرٌ مِنَ النَّاسِ مُنتَحِلينَ ٱسمي فيَقولون: أَنا هو! ويُضِلُّونَ أُناسًا كثيرين. فإِذا سَمِعتُم بِالحُروبِ وبإِشاعاتٍ عَنِ الحُروب فَلا تَفزَعوا، فإِنَّه لا بُدَّ مِن حُدوثِها، ولٰكِن لا تَكونُ النِّهايَةُ عِندَئِذٍ. فستَقومُ أُمَّةٌ على أُمَّة، ومَملَكَةٌ على مَملَكَة، وتَحدُثُ زَلازِلُ في أَماكِنَ كَثيرة، وتَحدُثُ مَجاعات، وهٰذا بَدْءُ المَخاض. فخُذوا حِذْرَكم. ستُسلَمونَ إِلى المَجالِسِ والمَجامِع، وتُجلَدون، وتَمثُلونَ أَمامَ الحُكَّامِ والمُلوكِ مِن أَجْلي شَهادةً لَدَيْهِم. ويَجِبُ قَبلَ ذٰلك أَن تُعلَنَ البِشارَةُ إِلى جَميعِ الأُمَم. فإِذا ساقوكُم لِيُسلِموكم، فلا تَهتَمُّوا مِن قَبلُ بِماذا تَتَكَلَّمون، بل تَكَلَّموا بِما يُلقى إِليكُم في تلك السَّاعة، لأَنَّكم لَستُم أَنتُم المُتَكَلِّمين، بلِ الرُّوحُ القُدُس. سَيُسلِمُ الأَخُ أَخاهُ إِلى المَوت، والأَبُ ٱبنَه، ويَثورُ الأَبناءُ عَلى والِدِيهِم ويُميتونَهم، ويُبغِضُكم جَميعُ النَّاسِ مِن أَجلِ ٱسمي. والَّذي يَثبُتُ إِلى النِّهاية، فَذٰاكَ الَّذي يَخلُص. وإِذا رَأَيتُمُ المُخَرِّبَ الشَّنيعَ قائمًا حيثُ لا يَنبَغي أَن يَكون، (لِيَفهَمِ القارئ) فمَن كانَ يَومَئِذٍ في اليَهودِيَّة فَلْيَهرُبْ إِلى الجِبال. ومَن كانَ على السَّطْح، فلا يَنزِلْ ولا يَدْخُلْ بَيتَه لِيأخُذْ مِنْه شَيئًا. ومَن كانَ في الحَقل، فَلا يَرتَدَّ إِلى الوَراءِ لِيأخُذَ رِداءَه. الوَيلُ لِلحَوامِلِ والمُرضِعاتِ في تِلكَ الأَيَّام. صَلُّوا لِئَلاَّ يَحدُثَ ذٰلِكَ في الشِّتاء. فسَتَكونُ تِلكَ الأَيَّامُ أَيَّامَ شِدَّةٍ لم يَحدُثْ مِثلُها مُنذُ بَدءِ الخَليقَةِ الَّتي خَلَقَها اللهُ إِلى اليَوم ولَن يَحدُث. ولَو لم يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلكَ الأَيَّام، لَما نَجا أَحَدٌ مِنَ البَشَر. ولٰكِن مِن أَجلِ المُختارينَ الَّذينَ ٱختارَهم قَصَّرَ تِلك الأَيَّام. وعِندَئذٍ إِذا قالَ لَكم أَحَدٌ مِنَ النَّاس: «ها هُوَذا المَسيحُ هُنا، ها هُوَذا هُناك!» فلا تُصَدِّقوه. فسَيَظهَرُ مُسَحاءُ دَجَّالونَ وأَنبِياءُ كَذَّابونَ يَأتونَ بِآياتٍ وأَعاجيب، ليُضِلُّوا المُختارينَ لو أَمكَنَ الأَمر. أَمَّا أَنتُم فَٱحذَروا، فقد أَنبَأتُكم بِكُلِّ شَيء. وفي تلكَ الأَيَّامِ بَعدَ هٰذهِ الشِّدَّة، تُظلِمُ الشَّمسُ والقَمَرُ لا يُرسِلُ ضَوءَه، وتَتَساقَطُ النُّجومُ مِنَ السَّماء، وتَتَزَعْزَعُ القُوَّاتُ في السَّمٰوات. وحينَئذٍ يَرى النَّاسُ ٱبنَ الإِنسانِ آتِيًا في الغَمام في تَمامِ العِزَّةِ والجَلال. وحينَئذٍ يُرسِلُ مَلائِكَتَه ويَجمَعُ الَّذينَ ٱختارَهم مِن جِهاتِ الرِّياحِ الأَربَع، مِن أَقْصى الأَرضِ إِلى أَقصى السَّماء. «مِنَ التِّينَةِ خُذوا العِبرَة: فإِذا لانَت أَغْصانُها ونَبَتَت أَوراقُها، عَلِمتُم أَنَّ الصَّيفَ قَريب. وكذٰلكَ أَنتُم إِذا رأَيتُم هٰذهِ الأُمورَ تَحدُث، فَٱعلَموا أَنَّ ٱبنَ الإِنسانِ قَريبٌ على الأَبواب. الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن يَزولَ هٰذا الجيل حتَّى تَحدُثَ هٰذه الأُمورُ كُلُّها. السَّماءُ والأَرضُ تزولانِ وكَلامي لن يزول. «وأَمَّا ذٰلك اليومُ أو تِلكَ السَّاعة فما مِن أَحَدٍ يَعلَمُهما: لا المَلائِكَةُ في السَّماء، ولا الِٱبنُ، إِلاَّ الآب. فَٱحذَروا وٱسهَروا، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ متى يَكونُ الوَقْت. فمَثَلُ ذٰلكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ سافَرَ وتَرَكَ بَيتَه، وفَوَّضَ الأَمرَ إِلى خَدَمِه، كُلُّ واحدٍ وعمَلُه، وأَوصى البَوَّابَ بِالسَّهَر. فَٱسهَروا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ متى يأتي رَبُّ البَيت: أَفي المَساء أم في مُنتَصَفِ اللَّيل أَم عِندَ صِياحِ الدِّيك أَم في الصَّباح، لِئَلاَّ يَأتيَ بَغتَةً فَيجِدَكُم نائمين. وما أَقولُه لَكم أَقولُهُ لِلنَّاسِ أَجمَعين: إِسهَروا!». وكانَ الفِصحُ والفَطيرُ بَعدَ يَومَين. وكانَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ يَبحَثونَ كيف يُمسِكونَه بِحيلَةٍ فيَقتُلونَه، لأَنَّهُم قالوا: «لا في حَفلَةِ العيد، لِئَلاَّ يَحدُثَ ٱضطِرابٌ في الشَّعْب». وبَينما هو في بَيتَ عَنْيا عِندَ سِمْعانَ الأَبرص، وقَد جَلَسَ لِلطَّعام، جاءَتِ ٱمرَأَةٌ ومَعَها قارورَةٌ من طِيبِ النَّارَدينِ الخالِصِ الثَّمين، فكَسَرتِ القارورةَ وأَفاضَتهُ على رأسِه. فٱستاءَ بَعضُهم وقالوا فيما بَينَهم: «لِمَ هٰذا الإِسْرافُ في الطِّيب؟ فقَد كانَ يُمكِنُ أَن يُباعَ هٰذا الطِّيبُ بِأَكثَرَ مِن ثَلاثِمائةِ دينار فتُعطى لِلفُقَراء». وأَخذوا يُدَمدِمونَ علَيها. فقال يسوع: «دَعوها، لِماذا تُزعِجونَها؟ فقَد عَمِلَت لي عَمَلاً صالِحًا. أَمَّا الفُقَراء فهُم عِندَكم دائمًا أَبدًا، ومَتَى شِئتُم، أَمكَنَكم أَن تُحسِنوا إِلَيهم. وأَمَّا أَنا فَلستُ عِندَكم دائمًا أَبدًا. وقد عَمِلَت ما في وُسعِها، فَطَيَّبَت جَسَدي سالِفًا لِلدَّفْن. الحَقَّ أَقولُ لكم: حَيثُما تُعلَنِ البِشارَةُ في العالَمِ كُلِّه، يُحَدَّثْ أَيضًا بِما صَنَعت هٰذه، إِحْياءً لِذِكرِها». وذَهَبَ يَهوذا الإِسخَرْيوطيّ، أَحَدُ الِٱثنَيْ عَشَر، إِلى عُظَماءِ الكَهَنَةِ لِيُسلِمَه إِلَيهم. ففَرِحوا لِسَماعِ ذٰلك، ووَعَدوه بِأَن يُعطوه شَيئًا مِنَ الفِضَّة، فَأَخَذَ يَطلُبُ كيفَ يُسلِمُه في الوَقتِ المُوافِق. وفي أَوَّلِ يَومٍ مِن الفَطير، وفيه يُذبَحُ حَمَلُ الفِصْح، قالَ له تَلاميذُه: «إِلى أَينَ تُريدُ أَن نَمضِيَ فنُعِدَّ لَكَ لِتَأكُلَ الفِصْح؟» فأَرسَلَ ٱثنَينِ مِن تَلاميذِه وقالَ لَهما: «إِذهَبا إِلى المَدينة، فَيَلقاكُما رَجُلٌ يَحمِلُ جَرَّةَ ماءٍ فٱتبَعاه، وحَيثُما دَخَلَ فَقولا لِرَبِّ البَيت: يَقولُ المُعَلِّم: أَينَ غُرفَتي الَّتي آكُلُ فيها الفِصْحَ مَعَ تَلاميذي؟ فيُريكُما عُلِّيَّةً كَبيرَةً مَفْروشَةً مُهَيَّأَة، فأَعِدَّاهُ لَنا هُناك». فذهَبَ التِّلميذانِ وأَتَيا المَدينة، فوجَدا كما قالَ لَهما وأَعدَّا الفِصْح. ولمَّا كانَ المساء، جاءَ مع الِٱثنَي عَشَر. وبينَما هم جالِسونَ إِلى المائِدةِ يأكُلون، قالَ يسوع: «الحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّ واحِدًا مِنكُم سَيُسلِمُني، وهو يَأكُلُ معي». فأَخذوا يَشعُرونَ بِالحُزْنِ ويسأَلونَه الواحِدُ بَعدَ الآخَر: «أَأَنا هو؟» فقالَ لَهم: «إِنَّه واحِدٌ مِنَ الٱثنَيْ عَشَر، وَهو يَغمِسُ يَدَه في الصَّحفَةِ معي. فٱبنُ الإِنسانِ ماضٍ كما كُتِبَ في شَأنِه، ولٰكِنِ الوَيلُ لِذٰلِكَ الإِنسانِ الَّذي يُسلَمُ ٱبنُ الإِنسانِ عن يَدِه. فلَو لم يولَدْ ذٰلكَ الإِنسانُ لَكانَ خَيرًا له». وبَينما هم يَأكُلون، أَخذَ خُبزًا وبارَكَ، ثُمَّ كَسَرَه وناوَلَهم وقال: «خُذوا، هٰذا هُوَ جَسَدي». ثُمَّ أَخَذَ كَأسًا وشَكَرَ وناوَلَهم، فشَرِبوا مِنها كُلُّهم، وقالَ لَهم: «هٰذا هو دَمي، دَمُ العَهد، يُراقُ مِن أَجلِ جَماعَةِ النَّاس. الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ الآنِ مِن عَصيرِ الكَرمَة، حتَّى ذٰلك اليَومِ الَّذي فيه أَشرَبُه جديدًا في مَلَكوتِ الله». ثُمَّ سَبَّحوا وخَرَجوا إِلى جَبَلِ الزَّيتون. وقالَ لَهم يسوع: ستَعثُرونَ بِأَجمَعِكم، لأَنَّه كُتِبَ: «سَأَضرِبُ الرَّاعي فَتَتَبَدَّدُ الخِراف» ولٰكِن، بَعدَ قِيامَتي، أَتَقَدَّمُكُم إِلى الجَليل». فقالَ لَه بُطرس: «لو عَثَروا بِأَجمَعِهم، فأَنا لَن أَعثُر». فقالَ له يسوع: «الحَقَّ أَقولُ لَكَ إِنَّكَ اليومَ في هٰذِه اللَّيلَة، قَبلَ أَن يَصيحَ الدِّيكُ مَرَّتَين، تُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات». فقالَ مُؤَكِّدًا: «لَستُ بِناكِرِكَ وإِن وَجَبَ علَيَّ أَن أَموتَ معَكَ». وهٰكذا قالوا كُلُّهم. ووصَلوا إِلى ضَيعَةٍ ٱسمُها جَتْسمَانِيَّة، فقالَ لِتَلاميذِه: «أُقعُدوا هُنا بَينما أُصَلِّي». ثُمَّ مضى بِبُطرُسَ ويَعقوبَ ويوحَنَّا، وجعَلَ يَشعُرُ بالرَّهبَةِ والكآبة. فقالَ لهم: «نَفْسي حَزينَةٌ حتَّى المَوت. أُمكُثوا هُنا وٱسهَروا». ثُمَّ أَبعَدَ قليلاً ووَقَعَ إِلى الأَرضِ يُصَلِّي لِتَبتَعِدَ عنهُ السَّاعة، إِن أَمكَنَ الأَمْر، قال: «أَبَّا، يا أَبَتِ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، فَٱصرِفْ عَنِّي هٰذِه الكَأس. ولٰكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أَنتَ تَشاء». ثُمَّ رَجَعَ فَوَجَدَهُم نائمين، فقالَ لِبُطرس: «يا سِمْعان، أَتَنام؟ أَلَم تَقْوَ على السَّهَرِ ساعَةً واحِدَة؟ إِسهَروا وصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبة. الرُّوحُ مُندَفِع، وأَمَّا الجَسدُ فَضَعيف». ثُمَّ مَضى ثانِيَةً يُصَلِّي فيُرَدِّدُ الكلامَ نَفْسَه. وَرَجَعَ أَيضًا فوَجَدهم نائمين لأَنَّ النُّعاسَ أَثقَلَ أَعيُنَهم، ولَم يَدْرُوا بِمَاذا يُجيبونَه. ورَجَعَ ثالِثَةً فقالَ لَهم: «ناموا الآنَ وٱستَريحوا! قُضيَ الأَمرُ وأَتَتِ السَّاعة. ها إِنَّ ٱبنَ الإِنسانِ يُسلَمُ إِلى أَيدي الخاطئين. قوموا نَنطَلِقْ، ها إِنَّ الَّذي يُسلِمُني قدِ ٱقتَرَب». وبَينَما هو يَتَكَلَّم، إِذ وَصَلَ يَهوذا أَحَدُ الِٱثنَيْ عَشَر، ومَعَه عِصابَةٌ تَحمِلُ السُّيوفَ والعِصِيّ، أَرسَلَها عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ والشُّيوخ. وكانَ الَّذي يُسلِمُه قد جَعَلَ لَهم عَلامَةً إذ قالَ: «هو ذٰاكَ الَّذي أُقَبِّلُه، فأَمسِكوه وسوقوهُ مَحْفوظًا». ومَا إِن وَصَلَ حتَّى دَنا مِنهُ فقالَ له: «رابِّي!» وقَبَّلَه. فبَسَطوا أَيدِيَهُم إِليهِ وأَمسَكوه. فٱستَلَّ أَحدُ الحاضِرينَ سَيفَه، وضرَبَ خادِمَ عَظيمِ الكَهَنَةِ فقَطَعَ أُذُنَه. فقالَ لَهم يسوع: «أَعلى لِصٍّ خَرَجتُم تَحمِلونَ السُّيوفَ والعِصِيَّ لِتَقبِضوا علَيَّ؟ كُنتُ كُلَّ يَومٍ بَينَكم أُعَلِّمُ في الهَيكَل فلَم تُمسِكوني، وإِنَّما حَدَثَ هٰذا لِتَتِمَّ الكُتُب». فتَركوهُ كُلُّهم وهَرَبوا. وتَبِعَه شابٌّ يَستُرُ عُريَه بِإِزار فأَمسَكوه. فتَخَلَّى عنِ الإِزارِ وهَرَبَ عُرْيانًا. وذَهَبوا بِيَسوعَ إِلى عَظيمِ الكَهَنَة، فٱجتَمَعَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والشُّيوخُ والكَتَبَةُ كُلُّهم. وتَبِعَه بُطرُسُ عن بُعدٍ إِلى دارِ عَظيمِ الكَهَنَةِ فدخَلَها. وجَلَسَ معَ الخَدَمِ يَستَدفِئُ عِندَ النَّار. وكانَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والمَجلِسُ كافَّةً يَطلُبونَ شَهادةً على يسوع لِلحُكْمِ علَيه بِالموت، فلَم يَجِدوا. ذٰلِكَ بِأَنَّ أُناسًا كثيرينَ كانوا يَشهَدونَ علَيه زورًا فلا تَتَّفِقُ شَهاداتُهم. فقامَ بَعضُهم وشَهِدوا علَيه زورًا قالوا: «نَحنُ سَمِعناهُ يقول: إِنِّي سَأَنقُضُ هٰذا الهَيكَلَ الَّذي صنَعَته الأَيدي، وأَبْني في ثَلاثَةِ أَيَّامٍ هَيكلاً آخَرَ لم تَصنَعْه الأَيدي». ولا على هٰذا اتَّفَقَت شَهاداتُهم. فقامَ عظيمُ الكَهَنَةِ في وَسْطِ المَجلِسِ وسأَلَ يسوع: «أَما تُجيبُ بِشَيء؟ ما هٰذا الَّذي يَشهَدُ بِه هٰؤُلاءِ علَيكَ؟» فظَلَّ صامِتًا لا يُجيبُ بِشَيء. فسأَلَه عَظيمُ الكَهَنَةِ ثانيةً قالَ له: «أَأَنتَ المسيحُ ٱبنُ المُبارَك؟» فقالَ يسوع: «أَنا هو. وسَوفَ تَرونَ ٱبنَ الإِنسانِ جالِسًا عن يَمينِ القَدير، وآتِيًا في غَمامِ السَّماء». فشَقَّ عظيمُ الكَهَنَةِ ثِيابَه وقال: «ما حاجَتُنا بَعدَ ذٰلك إِلى الشُّهود؟ لَقَد سَمِعتُمُ التَّجْديف، فما رَأيُكُم؟» فأَجمَعوا على الحُكمِ بِأَنَّه يَستَوجِبُ المَوت. وأَخَذَ بَعضُهم يَبصُقونَ علَيه، ويُقَنِّعونَ وَجهَه ويَلطِمونَه ويقولون: «تَنَبَّأْ!» وَٱنْهالَ الخَدَمُ عَلَيه بِاللَّطْم. وبَينَما بُطرُسُ في الأَسفَل، في ساحةِ الدَّار، جاءَت جارِيَةٌ مِن جَواري عَظيمِ الكَهَنَة، فرأَت بُطرسَ يَستَدفِئ فتَفَرَّسَت فيه وقالت: «أَنتَ أَيضًا كُنتَ مع النَّاصِريّ، مع يسوع». فأَنكَرَ قال: «لا أَدري ولا أَفهَمُ ما تَقولين». ومضى إِلى خارِجِ الدَّارِ نَحوَ الدِّهْليز، فرَأَته الجارِيَةُ فأَخذَت تَقولُ ثانِيًا لِلحاضِرين: «هٰذا مِنهُم!» فأَنكَرَ ثانِيًا. وبَعدَ قَليل، قالَ الحاضِرونَ أَيضًا لِبُطرس: «حَقًّا أَنتَ مِنهم لأَنَّكَ جَليليّ». فأَخذَ يَلعَنُ ويَحلِف: «إِنِّي لا أَعرِفُ هٰذا الرَّجُلَ الَّذي تَعْنُونَه». فصاحَ الدِّيكُ عِندَئذٍ مَرَّةً ثانِية، فتَذَكَّرَ بُطرُسُ الكَلِمَةَ الَّتي قالَها له يسوع: «قبلَ أَن يَصيحَ الدِّيكُ مَرَّتَين، تُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات». فخَرَجَ على عَجَلٍ وأَخَذَ يَبكي. وما إِن كانَ الفَجْرُ حتَّى ٱجتَمَعَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ لِلشُّورى معَ الشُّيوخِ والكَتَبَةِ والمَجلِسِ كُلِّه، ثُمَّ أَوثَقوا يسوعَ وساقوه وسَلَّموه إِلى بيلاطُس. فسأَله بيلاطُس: «أَأَنتَ مَلِكُ اليَهود؟» فأَجابَه: «هو ما تَقول». وكانَ عُظماءُ الكَهَنَةِ يَتَّهِمونَه اتِّهاماتٍ كثيرة. فسأَلَه بيلاطُسُ ثانِيَةً: «أَما تُجيبُ بِشَيء؟ أُنظُرْ ما أَكثَرَ ما يَشهَدونَ بِه علَيكَ». ولٰكِنَّ يسوعَ لم يُجِبْ بِشَيءٍ بَعدَ ذٰلك حتَّى تَعَجَّبَ بيلاطُس. وكانَ في كُلِّ عيدٍ يُطلِقُ لَهم سَجينًا أَيَّ واحدٍ طَلَبوا. وكانَ رَجُلٌ يُدعى بَرأَبَّا مَسجونًا معَ المُشاغِبينَ الَّذينَ ٱرتَكَبوا جَريمَةَ القَتْلِ في الفِتْنَة. فصَعِدَ الجَمعُ وأَخَذوا يَطلُبونَ ما كانَ مِن عادتِه أَن يَمنَحَهم. فأَجابَهُم بيلاطُس: «أَتُريدونَ أَن أُطلِقَ لَكم مَلِكَ اليَهود؟» لأَنَّه كانَ يَعلَمُ أَنَّ عُظَماءَ الكَهَنَةِ مِن حَسَدِهِم أَسلَموه. فأَثارَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ الجَمعَ لِكي يُطلِقَ لَهُم بِالأَحْرى بَرأَبَّا. فتَكَلَّمَ بيلاطُسُ ثانِيًا قالَ لَهم: «فماذا أَفعَلُ بِالَّذي تَدعونَه مَلِكَ اليَهود؟» فعادوا لِلصِّياح: «إِصلِبْهُ!» فقالَ لهم بيلاطُس: «فما الَّذي فعَلَ مِنَ الشَّرّ؟» فٱزدادوا صِياحًا: «إِصْلِبْه!» وأَرادَ بيلاطُسُ أَن يُرضِيَ الجَمْع، فأَطلَقَ لَهم بَرأَبَّا، وبَعدَ ما جَلَدَ يسوع أَسلَمَه لِيُصلَب. إكليل من الشوك على رأس يسوع فساقَه الجُنودُ إِلى داخِلِ الدَّار، دارِ الحاكِم، ودَعَوا الكَتيبَةَ كُلَّها، وأَلبَسوهُ أُرجُوانًا، وكَلَّلُوهُ بِإِكليلٍ ضَفَروهُ مِنَ الشَّوْك، وأَخذوا يُحَيُّونَه فيَقولون: «السَّلامُ علَيكَ يا مَلِكَ اليَهود!» ويَضرِبونَه بِقَصَبَةٍ على رَأسِه ويَبصُقونَ علَيه، ويَجْثونَ له ساجدين. وبَعدَ ما سَخِروا مِنهُ نَزَعوا عَنه الأُرجُوان، وأَلبَسوه ثيابَه وخَرَجوا به لِيَصلِبوه. وسَخَّروا لِحَمْلِ صَليبِه أَحدَ المارَّةِ سِمْعانَ القيرينيّ أَبا الإِسكَندَرِ وَروفُس، وكانَ آتِيًا مِنَ الرِّيف. وساروا بِه إِلى المَكانِ المَعروفِ بِالجُلْجُثة، أَي مَكانِ الجُمْجُمَة. وقدَّموا إِلَيه خَمْرًا مَمْزوجَةً بِمُرٍّ فلَم يَتَناوَلْها. ثُمَّ صَلَبوه وَٱقتَسَموا ثِيابَه، مُقتَرِعينَ علَيها لِيَعرِفوا ما يأخُذُ كُلٌّ مِنهم. وكانَتِ السَّاعَةُ التَّاسِعَة حينَ صَلَبوه. وكُتِبَ في عُنوانِ عِلَّةِ الحُكمِ عَلَيه: «مَلِكُ اليَهود». وصَلَبوا معه لِصَّين، أَحَدُهُما عن يَمينِهِ والآخَرُ عن شِمَالِه. وكانَ المارَّةُ يَشتُمونَه وهُم يَهُزُّونَ رُؤوسَهُم ويَقولون: «يا أَيُّها الَّذي يَنقُضُ الهَيكَل ويَبْنيهِ في ثَلاثَةِ أَيَّام، خَلِّصْ نَفْسَكَ فَٱنزِلْ عَنِ الصَّليب». وكذٰلكَ كانَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ يَسخَرونَ فيَقولُ بَعضُهم لِبَعض: «خَلَّصَ غيرَهُ مِنَ النَّاس، ولا يَقدِرُ أَن يُخَلِّصَ نَفْسَه! فَلْيَنْزِلِ الآنَ المسيحُ مَلِكُ إِسرائيلَ عَنِ الصَّليب، لِنَرى ونُؤمِن». وكانَ اللَّذانِ صُلِبا معه هُما أَيضًا يُعَيِّرانِه. ولَمَّا كانَ الظُّهرُ خَيَّمَ الظَّلامُ على الأَرضِ كُلِّها حتَّى السَّاعةِ الثَّالِثة. وفي السَّاعَةِ الثَّالِثَة صَرَخَ يسوعُ صَرخَةً شديدة، قال: «أَلُوي أَلُوي، لَمَّا شَبَقْتاني؟» أَي: إِلٰهي إِلٰهي، لِمَاذا تَركتَني؟ فسَمِعَ بَعضُ الحاضرينَ فقالوا: «ها إِنَّه يَدعو إِيلِيَّا!» فأَسرَعَ بَعضُهم إِلى إِسفَنجَةٍ وبلَّلَها بِالخَلّ وجَعَلَها على طَرَفِ قَصَبَة وسَقاه، وهو يقول: «دَعُونا نَنْظُر هل يَأتي إِيلِيَّا فيُنزِلَه». وصَرخَ يسوعُ صَرخَةً شَديدة ولفَظَ الرُّوح. فَٱنشَقَّ حِجابُ المَقدِسِ شَطْرَيْنِ مِن الأَعلى إِلى الأَسْفَل. فلَمَّا رأَى قائِدُ المائَةِ الواقِفُ تُجاهَه أَنَّه لَفَظَ الرُّوحَ هٰكذا، قال: «كانَ هٰذا الرَّجُلُ ٱبنَ اللهِ حَقًّا!» وكانَ أَيضًا هُناكَ بَعضُ النِّساءِ يَنظُرْنَ عن بُعْد، مِنهُنَّ مَريَمُ المِجدَلِيَّة، ومَريَمُ أُمُّ يَعقوبَ الصَّغيرِ ويوسى، وسالومَة، وهُنَّ اللَّواتي تَبِعنَه وخَدَمنَه حينَ كانَ في الجليل، وغَيرُهُنَّ كثيراتٌ صَعِدْنَ معه إِلى أُورَشَليم. وكانَ المساءُ قد أَقبَلَ، ولمَّا كانَ ذٰلك اليَومُ يَومَ التَّهيِئَة، أَي الَّذي قَبْلَ السَّبت، جاءَ يوسُفُ الرَّامي، وهو عُضوٌ وَجيهٌ في المَجلِس، وكانَ هو أَيضًا يَنتظِرُ مَلكوتَ الله، فَحَمَلتهُ الجُرأَةُ على أَن يَدخُلَ إِلى بيلاطس ويَطلُبَ جُثمانَ يسوع. فتَعَجَّبَ بيلاطُسُ أَن يكونَ قد مات. فدَعا قائدَ المائةِ وسَأَلَه هل ماتَ مُنذُ وَقْتٍ طَويل. فلمَّا تَحَقَّقَ الخَبَرَ مِنَ القائد، سَمَحَ بِالْجُثْمانِ لِيوسُف. فاشتَرى يوسُفُ كَتَّانًا ثُمَّ أَنزَلَ يسوعَ عَنِ الصَّليب، فلَفَّه في الكَتَّان ووضَعَه في قَبْرٍ حُفِرَ في الصَّخْر، ثُمَّ دَحرَجَ حَجَرًا على بابِ القَبْر. وكانَت مَريمُ المِجدَلِيَّةُ ومَريمُ أُمُّ يوسى تَنظُرانِ أَينَ وُضِعَ. ولَمَّا ٱنقَضَى السَّبتُ ٱشتَرَت مَريمُ المِجدَلِيَّة ومَريمُ أُمُّ يَعقوبَ وسالومة طِيبًا لِيَأتينَ فيُطَيِّبنَهُ. وعِندَ فَجْرِ الأَحَد جِئنَ إِلى القَبْرِ وقد طَلَعَتِ الشَّمْس. وكانَ يَقولُ بَعضُهُنَّ لِبَعض: «مَن يُدَحرِجُ لنا الحَجَرَ عن بابِ القَبْر؟» فنَظَرْنَ فرَأَيْنَ أَنَّ الحَجَرَ قَد دُحرِج، وكانَ كَبيرًا جِدًّا. فدَخَلْنَ القَبْرَ فأَبصَرْنَ شَابًّا جَالِسًا عنِ اليَمين عَلَيه حُلَّةٌ بَيضاء فَٱرتَعَبنَ. فقالَ لَهُنَّ: «لا تَرتَعِبنَ! أَنْتُنَّ تَطلُبْنَ يسوعَ النَّاصريَّ المَصْلوب. إِنَّه قامَ وليسَ هٰهُنا، وهٰذا هو المَكانُ الَّذي كانوا قد وضَعوه فيه. فَٱذهَبنَ وقُلنَ لِتَلاميذِه ولِبُطرس: إِنَّه يَتَقَدَّمُكم إِلى الجَليل، وهُناكَ تَرَونَهُ كَما قالَ لكم». فخَرَجْنَ مِنَ القَبْرِ وهَرَبْنَ، لِما أَخَذَهُنَّ مِنَ الرِّعدَةِ والدَّهَش، ولَم يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خائِفات. قامَ يسوعُ فَجْرَ الأَحد، فتَراءَى أَوَّلاً لِمَرْيَمَ المِجْدَلِيَّة، تلكَ الَّتي طَرَدَ مِنها سَبعَةَ شَياطين. فَمَضَتْ وأَخبرَتِ الَّذينَ صَحِبوه، وكانوا في حُزْنٍ ونَحيب. فلَمَّا سَمِعوا أَنَّه حَيٌّ وأَنَّها شاهَدَتهُ لم يُصَدِّقوا. وتَراءَى بَعدَ ذٰلكَ بهَيئَةٍ أُخرى لِٱثنَينِ مِنْهُم كانا في الطَّريق، ذاهِبَينِ إِلى الرِّيف، فرَجَعا وأَخبَرا الآخَرين، فلَم يُصَدِّقوهما أَيضًا. وتَراءَى آخِرَ الأَمرِ لِلأَحَدَ عَشَرَ أَنفُسِهم، وهُم على الطَّعام، فَوبَّخَهُم بِعَدَمِ إِيمانِهِم وقَساوَةِ قُلوبِهم، لأَنَّهم لم يُصَدِّقوا الَّذينَ شاهَدوه بَعدَ ما قام. وقالَ لَهم: «إِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين. فمَن آمَنَ وٱعتَمَدَ يَخلُص، ومَن لَم يُؤمِنْ يُحكَمْ علَيه. والَّذينَ يُؤمِنونَ تَصحَبُهم هٰذهِ الآيات: فبِٱسْمي يَطرُدونَ الشَّياطين، ويَتَكَلَّمونَ بِلُغاتٍ لا يَعرِفونَها، ويُمسِكونَ الحَيَّاتِ بِأَيديهِم، وإِن شَرِبوا شَرابًا قاتِلاً لا يُؤذيهِم، ويضَعونَ أَيديَهُم على المَرْضى فَيَتعافَون». وبَعدَ ما كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ يسوع، رُفِعَ إِلى السَّماء، وجَلَسَ عَن يَمينِ الله. فذَهَبَ أُولٰئِكَ يُبَشِّرونَ في كُلِّ مكان، والرَّبُّ يَعمَلُ مَعَهم ويُؤَيِّدُ كَلِمَتَه بِما يَصحَبُها مِنَ الآيات. لَمَّا أَن أَخذَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يُدَوِّنونَ رِوايَةَ الأُمورِ الَّتي تَمَّت عِندَنا، كما نَقَلَها إِلَينا الَّذينَ كانوا مُنذُ البَدءِ شُهودَ عِيانٍ لِلكَلِمَة، ثُمَّ صاروا عامِلينَ لها، رَأَيتُ أَنا أَيضًا، وقَد تقَصَّيتُها جَميعًا مِن أُصولِها، أَن أُكتُبَها لَكَ مُرَتَّبَةً يا تاوفيلُسُ المُكرَّم، لِتَتَيَقَّنَ صِحَّةَ ما تَلَقَّيتَ مِن تَعليم. كانَ في أَيَّامِ هيرودُس مَلِكِ اليَهودِيَّة كاهِنٌ ٱسمُه زَكَرِيَّا مِن فِرقَةِ أَبِيَّا، لَه ٱمرَأَةٌ مِن بَناتِ هارونَ ٱسمُها أَليصابات، وكانَ كِلاهما بارًّا عِندَ الله، تابعًا جَميعَ وَصايا الرَّبِّ وأَحكامِه، ولا لَومَ علَيه. ولَم يَكُنْ لَهما وَلَد لأَنَّ أَليصاباتَ كانَت عاقِرًا، وقَد طَعَنا كِلاهُما في السِّنّ. وبَينَما زَكَرِيَّا يَقومُ بِالخِدمَةِ الكَهنوتِيَّةِ أَمامَ اللهِ في دَورِ فِرقَتِه، أُلقِيَتِ القُرعَةُ جَرْيًا على سُنَّةِ الكَهَنوت، فأَصابَتهُ لِيَدخُلَ مَقدِسَ الرَّبِّ ويُحرِقَ البَخُور. وكانَت جَماعَةُ الشَّعبِ كُلُّها تُصَلِّي في خارِجِه عِندَ إِحراقِ البَخور. فَتَراءَى لَه مَلاكُ الرَّبِّ قائِمًا عن يَمينِ مَذبَحِ البَخُور. فَٱضطَرَبَ زَكَرِيَّا حينَ رآهُ وٱستَولى علَيهِ الخَوف. فقالَ لَه المَلاك: «لا تَخَفْ، يا زَكَرِيَّا، فقَد سُمِعَ دُعاؤُكَ وسَتَلِدُ لكَ ٱمرَأَتُكَ أَلِيصاباتُ ٱبنًا فَسَمِّه يوحَنَّا. وستَلْقى فَرَحًا وٱبتِهاجًا، ويَفرَحُ بِمَولِدِه أُناسٌ كثيرون. لأَنَّه سيَكونُ عَظيمًا أَمامَ الرَّبّ، ولَن يَشرَبَ خَمرًا ولا مُسكِرًا، ويَمتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ القُدُس وهوَ في بَطْنِ أُمِّه، ويَرُدُّ كَثيرًا مِن بَني إِسرائيلَ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِهِم ويَسيرُ أَمامَه وفيهِ رُوحُ إِيليَّا وَقُوَّتُه، لِيَعطِفَ بِقُلوبِ الآباءِ على الأَبناء، ويَهْديَ العُصاةَ إِلى حِكمَةِ الأَبرار، فَيُعِدَّ لِلرَّبِّ شَعبًا مُتَأَهِّبًا». فَقالَ زَكَرِيَّا لِلمَلاك: «بِمَ أَعرِفُ هٰذا وأَنا شَيخٌ كَبير، وَٱمرَأَتي طاعِنَةٌ في السِّنّ؟» فأَجابَه المَلاك: «أَنا جِبرائيلُ القائِمُ لدى الله، أُرسِلتُ إِليكَ لأُكَلِّمَكَ وأُبَشِّرَكَ بِهٰذه الأُمور وستَظَلُّ صامِتًا، فلا تَستَطيعُ الكلامَ إِلى يَومَ يَحدُثُ ذٰلك، لأَنَّكَ لَم تُؤمِنْ بِأَقوالي وهي سَتَتِمُّ في أَوانِها». وكانَ الشَّعبُ يَنتَظِرُ زَكَرِيَّا، مُتَعَجِّبًا مِن إِبطائِه في المَقدِس. فلَمَّا خَرَجَ لم يَستَطِعْ أَن يُكَلِّمَهم، فَعَرفوا أَنَّه رأَى رُؤيا في المَقدِس، وكانَ يُخاطِبُهم بِالإِشارَة، وبَقِيَ أَخرَس. فَلَمَّا ٱنقَضَت أَيَّامُ خِدمَتِهِ ٱنصَرَفَ إِلى بَيتِه. وبَعدَ تِلكَ الأَيَّام حَمَلَتِ ٱمرَأَتُه أَليصابات، فَكَتَمَت أَمرَها خَمسَةَ أَشهُر وَكانَت تَقولُ في نَفسِها: «هٰذا ما صَنَعَ الرَّبُّ إِلَيَّ يَومَ نَظَرَ إِلَيَّ لِيُزيلَ عَنِّي العارَ بَينَ النَّاس». وفي الشَّهرِ السَّادِس، أَرسَلَ اللهُ المَلاكَ جِبرائيلَ إِلى مَدينَةٍ في الجَليلِ ٱسْمُها النَّاصِرَة، إِلى عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ ٱسمُه يوسُف، وَٱسمُ العَذْراءِ مَريَم. فدَخَلَ إِلَيها فَقال: «إِفرَحي، أَيَّتُها المُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ». فداخَلَها لِهٰذا الكَلامِ ٱضطرابٌ شديدٌ وسأَلَت نَفسَها ما مَعنى هٰذا السَّلام. فقالَ لَها المَلاك: «لا تَخافي يا مَريَم، فقَد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله. فَستَحمِلينَ وتَلِدينَ ٱبنًا فسَمِّيهِ يَسوع. سيَكونُ عَظيمًا وَٱبنَ العَلِيِّ يُدعى، وَيُوليه الرَّبُّ الإِلٰهُ عَرشَ أَبيه داود، ويَملِكُ على بَيتِ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية» فَقالَت مَريَمُ لِلمَلاك: «كَيفَ يَكونُ هٰذا وَلا أَعرِفُ رَجُلاً؟» فأَجابَها المَلاك: «إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سيَنزِلُ علَيكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، لِذٰلِكَ يَكونُ المَولودُ قُدُّوسًا وَٱبنَ اللهِ يُدعى. وها إِنَّ نَسيبَتَكِ أَليصابات قد حَبِلَت هي أَيضًا بِٱبنٍ في شَيخوخَتِها، وهٰذا هو الشَّهرُ السَّادِسُ لِتِلكَ الَّتي كانَت تُدعى عاقِرًا. فما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله». فَقالَت مَريَم: «أَنا أَمَةُ الرَّبّ، فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ». وَانصَرَفَ المَلاكُ مِن عِندِها. وفي تلكَ الأَيَّام قامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً إِلى الجَبَل إِلى مَدينةٍ في يَهوذا. ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا، فَسَلَّمَت على أَليصابات. فلَمَّا سَمِعَت أَليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها، وَٱمتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فَهَتَفَت بِأَعلى صَوتِها: «مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ! مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟ فما إِن وَقَعَ صَوتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ حتَّى ٱرتَكَضَ الجَنينُ ٱبتِهاجًا في بَطْني. فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ». فقالَت مَريَم: «تُعَظِّمُ الرَّبَّ نَفْسي، وتَبْتَهِجُ روحي بِاللهِ مُخَلِّصي لأَنَّه نَظَرَ إِلى أَمَتِه الوَضيعة. سَوفَ تُهَنِّئُني بَعدَ اليَومِ جَميعُ الأَجيال، لأَنَّ القَديرَ صَنَعَ إِلَيَّ أُمورًا عَظيمة: قُدُّوسٌ ٱسمُه، ورَحمَتُه مِن جيلٍ إِلى جيلٍ لِلَّذينَ يَتَّقونَه. كَشَفَ عَن شِدَّةِ ساعِدِه، فشَتَّتَ المُتَكَبِّرينَ في قُلوبِهم. حَطَّ الأَقوِياءَ عنِ العُروش، ورَفَعَ الوُضَعاء. أَشبَعَ الجِياعَ مِنَ الخَيرات، والأَغنِياءُ صَرَفَهم فارِغين. نَصَرَ عَبدَه إِسرائيل، ذاكِرًا، كما قالَ لِآبائِنا، رَحمَتَه لإِبراهيمَ ونَسْلِه لِلأَبد». وأَقامَت مَريمُ عِندَ أَليصاباتَ نَحوَ ثَلاثَةِ أَشهُر، ثُمَّ عادَت إِلى بَيتِها. وأَمَّا أَليصابات، فَلَمَّا تَمَّ زمانُ وِلادَتِها وَضَعَتِ ٱبنًا. فسَمِعَ جيرانُها وأَقارِبُها بِأَنَّ الرَّبَّ رَحِمَها رَحمَةً عَظيمة، ففَرِحوا مَعَها. وجاؤُوا في اليَومِ الثَّامِنِ لِيَختِنوا الطِّفْلَ وأَرادوا أَن يُسَمُّوهُ زَكَرِيَّا بِٱسمِ أَبيه. فتَكَلَّمَت أُمُّه وقالت: «لا، بل يُسَمَّى يوحَنَّا». قالوا لها: «لَيسَ في قَرابَتِكِ مَن يُدعى بِهٰذا الاِسم». وسَأَلوا أَباه بِالإِشارَةِ ماذا يُريدُ أَن يُسَمَّى، فطَلَبَ لَوحًا وكَتَب: «إِسمُه يوحَنَّا». فتَعَجَّبوا كُلُّهم. فَٱنفَتَحَ فَمُه لِوَقتِه وَٱنطَلَقَ لِسانُهُ فتَكَلَّمَ وبارَكَ الله. فَٱسْتَولى الخَوفُ على جيرانِهِم أَجمَعين، وتَحَدَّثَ النَّاسُ بِجَميعِ هٰذِهِ الأُمورِ في جِبالِ اليَهودِيَّةِ كُلِّها. وكانَ كُلُّ مَن يَسمَعُ بِذٰلِكَ يَحفَظُه في قَلبِهِ قائلاً: «ما عَسى أَن يَكونَ هٰذا الطِّفْل؟» فَإِنَّ يَدَ الرَّبِّ كانَت مَعَه. وَٱمتَلَأَ أَبوهُ زَكَرِيَّا مِنَ الرُّوحِ القُدُس فتَنَبَّأَ قال: «تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسرائيل، لأَنَّه ٱفتَقَدَ شَعبَهُ وَٱفتَداه، فَأَقامَ لَنا مُخَلِّصًا قَديرًا في بَيتِ عَبدِه داوُد، كما قالَ بِلِسانِ أَنبِيائِه الأَطهارِ في الزَّمَنِ القديم: يُخَلِّصُنا مِن أَعدائِنا وأَيدِي جَميعِ مُبغِضينا. فأَظهَرَ رَحمَتَه لِآبائِنا، وذَكَرَ عَهدَه المُقَدَّس ذاكَ القَسَمَ الَّذي أَقسَمَه لأَبينا إِبراهيم بِأَن يُنعِمَ علَينا أَن نَنجُوَ مِن أَيدي أَعدائِنا، فنَعبُدَه غَيرَ خائِفين بِالتَّقوى والبِرِّ أَمَامَ وَجهِه، طَوالَ أَيَّامِ حَياتِنا. وأَنتَ أَيُّها الطِّفْلُ ستُدعى نَبِيَّ العَلِيّ، لأَنَّكَ تَسيرُ أَمامَ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَه، وتُعَلِّمَ شَعبَهُ الخَلاصَ بِغُفرانِ خَطاياهم. تِلكَ رَحمَةٌ مِن حَنانِ إِلٰهِنا، بِها ٱفتَقَدَنا الشَّارِقُ مِنَ العُلى، فقَد ظَهَرَ لِلمُقِيمينَ في الظُّلمَةِ وَظِلالِ المَوت، لِيُسَدِّدَ خُطانا لِسَبيلِ السَّلام». وكانَ الطِّفْلُ يَترَعرَعُ وتَشتَدُّ رُوحُه. وأَقامَ في البَراري إِلى يَومِ ظُهورِ أَمرِه لإِسرائيل. وفي تِلكَ الأَيَّام، صَدَرَ أَمرٌ عنِ القَيصَرِ أَوغُسطُس بِإِحْصاءِ جَميعِ أَهلِ المَعمور. وجَرى هٰذا الإِحصاءُ الأَوَّلُ إِذ كانَ قيرينِيوس حاكمَ سورية. فذَهبَ جَميعُ النَّاسِ لِيَكتَتِبَ كُلُّ واحِدٍ في مَدينَتِه. وصَعِدَ يوسُفُ أَيضًا مِن الجَليل مِن مَدينَةِ النَّاصِرَة إِلى اليَهودِيَّةِ إِلى مَدينَةِ داودَ الَّتي يُقالُ لَها بَيتَ لَحم، فقَد كانَ مِن بَيتِ داودَ وعَشيرتِه، لِيَكتَتِبَ هو ومَريمُ خَطيبَتُه وكانَت حامِلاً. وبَينا هما فيها حانَ وَقتُ وِلادَتِها، فولَدَتِ ٱبنَها البِكرَ، فَقَمَّطَته وأَضجَعَته في مِذوَدٍ لأَنَّه لم يَكُنْ لَهُما مَوضِعٌ في المَضافة. وكانَ في تِلكَ النَّاحِيَةِ رُعاةٌ يَبيتونَ في البَرِّيَّة، يَتَناوَبونَ السَّهَرَ في اللَّيلِ على رَعِيَّتِهم. فحَضَرَهم مَلاكُ الرَّبِّ وأَشرَقَ مَجدُ الرَّبِّ حَولَهم، فخافوا خَوفًا شَديدًا. فقالَ لَهمُ المَلاك: «لا تَخافوا، ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرَحَ الشَّعبِ كُلِّه: وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو المسيحُ الرَّبّ. وإِلَيكُم هٰذِه العَلامة: سَتَجِدونَ طِفلاً مُقَمَّطًا مُضجَعًا في مِذوَد». وٱنضَمَّ إِلى المَلاكِ بَغتَةً جُمهورُ الجُندِ السَّماوِيِّينَ يُسَبِّحونَ اللهَ فيَقولون: «المَجدُ للهِ في العُلى! والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاس فإِنَّهم أَهْلُ رِضاه!». فَلَمَّا ٱنصَرَفَ المَلائِكَةُ عَنهُم إِلى السَّماء، قالَ الرُّعاةُ بَعضُهُم لِبَعض: «هَلُمَّ بِنا إِلى بَيتَ لَحم، فَنَرَى ما حَدَثَ، ذاكَ الَّذي أَخبَرَنا بِه الرَّبّ». وجاؤوا مُسرعين، فوَجَدوا مريمَ ويوسُفَ والطِّفلَ مُضجَعًا في المِذوَد. ولَمَّا رَأَوا ذٰلكَ جعَلوا يُخبِرونَ بِما قيلَ لَهم في ذٰلك الطِّفْل. فَجَميعُ الَّذينَ سَمِعوا الرُّعاةَ تَعَجَّبوا مِمَّا قالوا لَهم. وكانَت مَريمُ تَحفَظُ جَميعَ هٰذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها. ورَجَعَ الرُّعاةُ وهم يُمَجِّدونَ الله ويُسَبِّحونَه على كُلِّ ما سَمِعوا ورَأَوا كَما قيلَ لَهم. ولَمَّا ٱنقَضَت ثَمانِيَةُ أَيَّامٍ فحانَ لِلطِّفْلِ أَن يُختَن، سُمِّيَ يسوع، كما سَمَّاهُ المَلاكُ قَبلَ أَن يُحبَلَ بِه. ولَمَّا حانَ يَومُ طُهورِهما بِحَسَبِ شَريعَةِ موسى، صَعِدوا به إِلى أُورَشَليم لِيُقَدِّماه لِلرَّبّ، كما كُتِبَ في شَريعةِ الرَّبِّ مِن أَنَّ كُلَّ بِكرٍ ذَكَرٍ يُنذَرُ لِلرَّبّ، ولِيُقَرِّبا كما وَرَدَ في شَريعَةِ الرَّبّ: زَوْجَيْ يَمَامٍ أَو فَرخَيْ حَمام. وكانَ في أُورَشَليمَ رَجُلٌ بارٌّ تَقِيٌّ ٱسمُه سِمعان، يَنتَظِرُ الفَرَجَ لإِسرائيل، والرُّوحُ القُدُسُ نازِلٌ علَيه. وكانَ الرُّوحُ القُدُسُ قد أَوحى إِلَيه أَنَّه لا يَرى المَوتَ قَبلَ أَن يُعايِنَ مَسيحَ الرَّبّ. فأَتى الهَيكَلَ بِدافِعٍ مِنَ الرُّوح. ولمّا دَخَلَ بِالطِّفلِ يَسوعَ أَبَواه، لِيُؤَدِّيا عَنهُ ما تَفرِضُه الشَّريعَة، حَمَله عَلى ذِراعَيهِ وَبارَكَ اللهَ فقال: «الآنَ تُطلِقُ، يا سَيِّد، عَبدَكَ بِسَلام، وَفْقًا لِقَوْلِكَ. فقَد رَأَت عَينايَ خَلاصَكَ الَّذي أَعدَدتَه في سبيلِ الشُّعوبِ كُلِّها، نُورًا يَتَجَلَّى لِلوَثَنِيِّين ومَجدًا لِشَعْبِكَ إِسرائيل». وكانَ أَبوه وأُمُّه يَعجَبانِ مِمَّا يُقالُ فيه. وبارَكَهما سِمعان، ثُمَّ قالَ لِمَريَمَ أُمِّه: «ها إِنَّه جُعِلَ لِسقوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل، وآيَةً مُعَرَّضَةً لِلرَّفْض. وأَنتِ سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ، لِتَنكَشِفَ الأَفكارُ عَن قُلوبٍ كثيرة». وكانَت هُناكَ نَبِيَّةٌ هِيَ حَنَّةُ ٱبنَةُ فانوئيل مِن سِبْطِ آشِر، طاعِنَةٌ في السِّنّ، عاشَت مَعَ زَوجِها سَبعَ سَنَواتٍ ثُمَّ بَقِيَت أَرمَلَةً فَبَلَغَتِ الرَّابِعَةَ والثَّمانينَ مِن عُمرِها، لا تُفارِقُ الهَيكَل، مُتَعَبِّدَةً بِالصَّومِ والصَّلاةِ لَيلَ نَهار. فحَضَرَت في تِلكَ السَّاعَة، وأَخَذَت تَحمَدُ الله، وتُحَدِّثُ بِأَمرِ الطِّفلِ كُلَّ مَن كانَ يَنتَظِرُ ٱفتِداءَ أُورَشَليم. ولَمَّا أَتَمَّا جَميعَ ما تَفرِضُه شَريعَةُ الرَّبّ، رَجَعا إِلى الجَليل إِلى مَدينَتِهما النَّاصِرة. وكانَ الطِّفلُ يَتَرَعْرَعُ ويَشتَدُّ مُمْتَلِئًا حِكمَة، وكانت نِعمةُ اللهِ علَيه. وكانَ أَبَواهُ يَذهَبانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلى أُورَشَليمَ في عيدِ الفِصْح. فلَمَّا بَلَغَ ٱثنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، صَعِدوا إِلَيها جَرْيًا على السُّنَّةِ في العيد. فَلَمَّا ٱنقَضَت أَيَّامُ العيدِ ورَجَعا، بَقِيَ الصَّبِيُّ يسوعُ في أُورَشَليم، مِن غَيرِ أَن يَعلَمَ أَبَواه. وكانا يَظُنَّانِ أَنَّه في القافِلة، فَسارا مَسيرَةَ يَومٍ، ثُمَّ أَخذا يَبحَثانِ عَنهُ عِندَ الأَقارِبِ والمَعارِف. فلَمَّا لَم يَجداه، رَجَعا إِلى أُورَشَليمَ يَبحَثانِ عنه. فوَجداهُ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ في الهَيكَل، جالِسًا بَينَ العُلَماء، يَستَمِعُ إِلَيهم ويسأَلُهم. وكانَ جَميعُ سامِعيهِ مُعجَبينَ أَشَدَّ الإِعجابِ بِذَكائِه وجَواباتِه. فلَمَّا أَبصَراه دَهِشا، فقالَت لَه أُمُّه: «يا بُنَيَّ، لِمَ صَنَعتَ بِنا ذٰلك؟ فأَنا وأَبوكَ نَبحَثُ عَنكَ مُتَلَهِّفَيْن». فقالَ لَهُما: «ولِمَ بَحَثتُما عَنِّي؟ أَلم تَعلَما أَنَّه يَجِبُ عَلَيَّ أَن أَكونَ عِندَ أَبي؟» فلَم يَفهَما ما قالَ لَهما. ثُمَّ نَزَلَ مَعَهما، وعادَ إِلى النَّاصِرَة، وكانَ طائِعًا لَهُما، وكانَت أُمُّه تَحفَظُ تِلكَ الأُمورَ كُلَّها في قَلبِها. وكانَ يسوعُ يَتسامى في الحِكمَةِ والقامَةِ والحُظْوَةِ عِندَ اللهِ والنَّاس. في السَّنَةِ الخامِسَةَ عَشْرَةَ مِن حُكْمِ القَيصَرِ طيباريوس، إِذ كانَ بُنطِيوس بيلاطُس حاكِمَ اليَهوديّة، وهيرودُس أَميرَ الرُّبعِ على الجَليل، وفيلِبُّس أَخوهُ أَميرَ الرُّبعِ على ناحِيَةِ إِيطورِيَةَ وطَراخونيطِس، وليسانياس أَميرَ الرُّبعِ على أَبيلينة، وحَنَّانُ وقيافا عَظيمَي الكَهَنَة، كانت كَلِمَةُ اللهِ إِلى يوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا في البَرِّيَّة، فَجاءَ إِلى ناحِيَةِ الأُردُنِّ كُلِّها، يُنادي بِمَعمودِيَّةِ تَوبَةٍ لِغُفرانِ الخَطايا، على ما كُتِبَ في سِفرِ أَقْوالِ النَّبِيِّ أَشَعْيا: «صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ، وٱجعَلوا سُبُلَه قَويمَة. كُلُّ وادٍ يُردَم، وكُلُّ جَبَلٍ وتَلٍّ يُخفَض، والطُّرُقُ المُنعَرِجَةُ تُقَوَّم، والوَعْرَةُ تُسَهَّل، وكُلُّ بَشَرٍ يَرى خَلاصَ الله». وكانَ يَقولُ لِلجُموعِ الَّتي تَخرُجُ إِلَيه لِتَعتَمِدَ عَن يَدِه: «يا أَولادَ الأَفاعي، مَن أَراكُم سَبيلَ الهَرَبِ مِنَ الغَضَبِ الآتي؟ فأَثمِروا إِذًا ثَمَرًا يَدُلُّ على تَوبَتِكم، ولا تُعَلِّلوا النَّفْسَ قائِلين: «إِنَّ أَبانا هوَ إِبراهيم». فإِنِّي أَقولُ لَكم إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أَن يُخرِجَ مِن هٰذِهِ الحِجارَةِ أَبناءً لإِبراهيم. ها هيَ ذي الفَأسُ على أُصولِ الشَّجَر، فكُلُّ شجَرةٍ لا تُثمِرُ ثَمَرًا طَيِّبًا تُقطَعُ وتُلقى في النَّار». فسَأَله الجُموع: «فماذا نَعمَل؟» فأَجابَهم: «مَن كانَ عِندَه قَميصان، فَليَقسِمْهُما بَينَه وبَينَ مَن لا قَميصَ لَه. ومَن كانَ عِندَه طَعام، فَليَعمَلْ كَذٰلِك». وأَتى إِلَيه أَيضًا بَعضُ الجُباةِ لِيَعتَمِدوا، فقالوا له: «يا مُعَلِّم، ماذا نَعمَل؟» فقالَ لَهم: «لا تَجْبوا أَكثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكم». وسَأَلَهُ أَيضًا بَعضُ الجُنود: «ونَحنُ ماذا نَعمَل؟» فقالَ لَهم: «لا تَتَحاملوا على أَحَدٍ ولا تَظلُموا أَحَدًا، وٱقنَعوا بِرَواتِبِكم». وكانَ الشَّعبُ يَنتَظِر، وكُلٌّ يَسأَلُ نَفسَه عن يوحَنَّا هل هو المَسيح. فأَجابَ يوحنَّا قالَ لَهم أَجمعين: «أَنا أُعَمِّدُكم بِالماء، ولكِن يأتي مَن هُو أَقوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهلاً لأَن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه. إِنَّه سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار. بِيَدِه المِذْرى، يُنَقِّي بَيدَرَه، فيَجمَعُ القَمحَ في أَهرائِه، وأَمَّا التِّبنُ فيُحرِقُه بِنارٍ لا تُطفأ». وكانَ يَعِظُ الشَّعبَ بِأَقوالٍ كَثيرةٍ غَيرِها فيُبَلِّغُهُمُ البِشارَة. على أَنَّ أَميرَ الرُّبعِ هيرودُس، وكانَ يوحَنَّا يُوَبِّخُه بِأَمرِه معَ هيروديَّا ٱمرَأَةِ أَخيه وبِسائِرِ ما عَمِلَ مِنَ السَّيِّئات، أَضافَ إِلى ذٰلِكَ كُلِّه أَنَّه حَبَسَ يوحَنَّا في السِّجْن. ولَمَّا ٱعتَمَدَ الشَّعبُ كُلُّه وٱعتَمَدَ يَسوعُ أَيضًا وكانَ يُصَلِّي، اِنفَتَحَتِ السَّماء، ونَزَلَ الرُّوحُ القُدُسُ علَيه في صورةِ جِسْمٍ كَأَنَّه حَمامَة، وَأَتى صَوتٌ مِنَ السَّماءِ يَقول: «أَنتَ ٱبنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضِيت». وكانَ يسوعُ عِندَ بَدءِ رِسالتِه، في نَحوِ الثَّلاثينَ مِن عُمرِه. وكانَ النَّاسُ يَحسَبونَه ٱبنَ يُوسُفَ بنِ عالي، بنِ مَتَّاتَ، بنِ لاويَ، بنِ مَلْكي، بنِ يَنَّا، بنِ يوسُفَ، بنِ مَتَتْيا، بنِ عاموسَ، بنِ نَحوم، بنِ حَسْلي، بنِ نجَّايَ، بنِ مَآتَ، بنِ مَتَتْيا، بنِ شَمْعي، بنِ يُوسُفَ، بنِ يَهوذا، بنِ يوحَنَّا، بنِ ريسا، بنِ زَرُبَّابَلَ، بنِ شأَلْتَئيل، بنِ نِيري، بنِ مَلْكي، بنِ أَدّي، بنِ قُوسامَ، بنِ أَلْمودامَ، بنِ عِيرٍ، بنِ يَشوعَ، بنِ لَعازَر، بنِ يُوريمَ، بنِ مَتَّاتَ، بنِ لاويَ، بنِ شِمعونَ، بنِ يَهوذا، بنِ يوسُفَ، بنِ يونانَ، بنِ أَلْياقيمَ، بنِ مَلْيا، بنِ مَنَّا، بنِ مَتَّاتا، بنِ ناتانَ، بنِ داود، إِبنِ يَسَّى، بنِ عوبيد، بنِ بوعَز، بنِ سَلْمون، بنِ نَحْشونَ، بنِ عَمِّينادابَ، بنِ أَدْمِينَ، بنِ عَرْني، بنِ حَصْرونَ، بنِ فارَصَ، بنِ يَهوذا، بنِ يَعْقوبَ، بنِ إِسحٰقَ، بنِ إِبراهيم، إِبنِ تارَحَ، بنِ ناحورَ، بنِ سَروجَ، بنِ راعوَ، بنِ فالِق، بنِ عابَرَ، بنِ شالَحَ، بنِ قَينانَ، بنِ أَرْفَكْشادَ، بنِ سامٍ، بنِ نوحٍ، بنِ لامَكَ، بنِ مَتوشالَحَ، بنِ أَخْنوخَ، بنِ يارَدَ، بنِ مَهْلَلْئِيلَ، بنِ قَيْنانَ، بنِ أَنوشَ، بنِ شيتٍ، بنِ آدَمَ، بنِ الله. ورَجعَ يسوعُ مِنَ الأُردُنّ، وهو مُمتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فكانَ يَقودُه الرُّوحُ في البَرِّيَّةِ أَربَعينَ يَومًا، وإِبليسُ يُجَرِّبُه، ولَم يأكُلْ شَيئًا في تِلكَ الأَيَّام. فلَمَّا ٱنقَضَت أَحَسَّ بِالجوع. فقالَ لَه إِبليس: «إِنْ كُنتَ ٱبنَ الله، فَمُر هٰذا الحَجَرَ أَن يَصيرَ رَغيفًا». فأَجابَه يسوع: «مَكتوبٌ: لَيسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان». فصَعِدَ بِهِ إِبليس، وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الأَرضِ في لَحظَةٍ مِنَ الزَّمَن، وقالَ لَه: «أُوليكَ هٰذا السُّلطانَ كُلَّه ومَجدَ هٰذهِ المَمالِك، لأَنَّه سُلِّمَ إِلَيَّ وأَنا أُولِيه مَن أَشاء. فَإِن سَجَدتَ لي، يَعودُ إِلَيكَ ذٰلكَ كُلُّه». فأَجابَه يسوع: «مَكتوبٌ: لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ تَسجُد، وإِيَّاهُ وَحدَه تَعبُد». فمَضى بِه إِلى أُورَشَليم، وأَقامَه على شُرفَةِ الهَيكَلِ وقالَ له: «إِن كُنتَ ٱبنَ الله، فأَلْقِ بِنَفْسِكَ مِن هٰهُنا إِلى الأَسفَل، لأَنَّه مَكتوبٌ: يُوصي مَلائِكَتَه بِكَ لِيَحفَظوكَ»، ومكتوبٌ أَيضًا: «على أَيديهِم يَحمِلونَكَ لِئَلاَّ تَصدِمَ بِحَجَرٍ رِجلَكَ». فأَجابَه يسوع: «لقَد قيل: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ». فلَمَّا أَنْهى إِبليسُ جَميعَ ما عِندَه مِن تَجرِبَة، اِنصَرَفَ عَنه إِلى أَن يَحينَ الوَقْت. وعادَ يسوعُ إِلى الجَليلِ بِقُوَّةِ الرُّوح، فانتَشَرَ خَبَرُه في النَّاحِيَةِ كُلِّها. وكانَ يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم فيُمَجِّدونَه جَميعًا. وأَتى النَّاصِرَةَ حَيثُ نَشَأَ، ودخَلَ المَجْمَعَ يَومَ السَّبتِ على عادَتِه، وقامَ لِيَقرأ. فدُفِعَ إِلَيه سِفْرُ النَّبِيِّ أَشَعْيا، فَفَتَحَ السِّفْرَ فوَجَدَ المَكانَ المَكتوبَ فيه: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّه مَسَحَني لأُبَشِّرَ الفُقَراء، وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم، ولِلعُميانِ عَودَةَ البَصَرِ إِلَيهِم، وأُفَرِّجَ عنِ المَظلومين، وأُعلِنَ سَنَةَ رِضًا عِندَ الرَّبّ». ثُمَّ طَوَى السِّفرَ فَأَعادَه إِلى الخادِمِ وجَلَسَ. وكانَت عُيونُ أَهلِ المَجمَعِ كُلِّهِم شاخِصَةً إِلَيه. فأَخَذَ يَقولُ لَهم: «اليَومَ تَمَّت هٰذه الآيَةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم». وكانوا يَشهَدونَ لَه بِأَجمَعِهِم، ويَعجَبونَ مِن كَلامِ النِّعمَةِ الَّذي يَخرُجُ مِن فَمِه فيَقولون: «أَما هٰذا ٱبنُ يوسُف؟» فقالَ لَهم: «لا شَكَّ أَنَّكم تَقولونَ لي هٰذا المَثَل: يا طَبيبُ ٱشفِ نَفسَكَ. فٱصنَعْ هٰهُنا في وَطَنِكَ كُلَّ شَيءٍ سَمِعْنا أَنَّه جَرى في كَفَرناحوم». وأَضاف: «الحَقَّ أَقولُ لكم: ما مِن نَبِيٍّ يُقبَلُ في وَطنِه. «وبِحَقٍّ أَقولُ لَكم: «كانَ في إِسرائيلَ كَثيرٌ مِنَ الأَرامِلِ في أَيَّامِ إِيلِيَّا، حينَ ٱحتَبَسَتِ السَّماءُ ثَلاثَ سَنَواتٍ وسِتَّةَ أَشهُر، فأَصابَتِ الأَرضَ كُلَّها مَجاعَةٌ شَديدة، ولَم يُرسَلْ إِيليَّا إِلى واحِدَةٍ مِنهُنَّ، وإِنَّما أُرسِلَ إِلى أَرمَلَةٍ في صَرْفَتِ صَيدا. وكانَ في إِسرائيلَ كَثيرٌ مِنَ البُرْصِ على عَهدِ النَّبِيِّ أَليشاع، فلَم يَبْرأْ واحِدٌ مِنهُم، وإِنَّما بَرِئ نُعمانُ السُّوريّ». فثارَ ثائِرُ جَميعِ الَّذينَ في المَجمَع عِندَ سَماعِهِم هٰذا الكَلام. فَقاموا ودَفَعوه إِلى خارِجِ المَدينة وساقوه إِلى حَرْفِ الجَبَلِ الَّذي كانَت مَدينتُهم مَبنِيَّةً علَيه لِيُلقوهُ عَنه، ولٰكِنَّه مَرَّ مِن بَينِهم ومَضى. ونزَلَ إِلى كَفَرناحوم، وهيَ مَدينةٌ في الجَليل، فجَعَلَ يُعَلِّمُهُم يَومَ السَّبْت. فأُعجِبوا بِتَعليمِه لأَنَّهُ كانَ يَتَكَلَّمُ بِسُلطان. وكانَ في المَجمَعِ رَجُلٌ فيه رُوحُ شَيطانٍ نَجِس، فصاحَ بِأَعلى صَوتِه: «آهِ! ما لَنا ولَكَ يا يَسوعُ النَّاصِريّ! أَجِئْتَ لِتُهلِكَنا؟ أَنا أَعرِفُ مَن أَنتَ: أَنتَ قُدُّوسُ الله». فٱنتَهَرَه يسوعُ قال: «إِخرَسْ وٱخرُجْ مِنه!» فصَرَعَه الشَّيطانُ في وَسَطِ المَجْمَع، وخَرَجَ مِنه، مِن غَيرِ أَن يَمَسَّه بِسُوء. فٱستَولى الرُّعْبُ عَلَيهِم جَميعًا، وقالَ بَعضُهم لِبَعض: «ما هٰذا الكَلام؟ إِنَّه يَأمُرُ الأَرواحَ النَّجِسَةَ بِسُلطانٍ وقُوَّةٍ فتَخرُج». فذاعَ صيتُه في كُلِّ مَكانٍ مِن تِلكَ النَّاحِيَة. ثُمَّ تَرَكَ المَجمَع ودَخَلَ بَيتَ سِمعان. وكانَت حَماةُ سِمْعانَ مُصابَةً بِحُمَّى شَديدةٍ فسأَلوهُ أَن يُسعِفَها، فٱنحَنى علَيها، وزَجَرَ الحُمَّى ففارَقَتْها، فنَهَضَت مِن وَقتِها وأَخَذَت تَخدُمُهم. وعِندَ غُروبِ الشَّمْس، أَخَذَ جَميعُ الَّذينَ عِندَهُم مَرْضى على ٱختِلافِ العِلَلِ يَأتونَه بِهِم. فكانَ يَضَعُ يَدَيهِ على كُلِّ واحِدٍ مِنهُم فيَشْفيه. وكانَتِ الشَّيَاطينُ أَيضًا تَخرُجُ مِن أُناسٍ كَثيرينَ وهِي تَصيح: «أَنتَ ٱبنُ الله!» فكانَ يَنتَهِرُها ولا يَدَعُها تَتكلَّم، لأَنَّها عَرَفَت أَنَّه المَسيح. وخَرَجَ عِندَ الصَّباح، وذَهَبَ إِلى مَكانٍ قَفْر، فسَعَت إِلَيهِ الجُموعُ تَطلُبُه فأَدرَكَتْه، وحاوَلوا أَن يُمسِكوا بِه لِئَلاَّ يَذهَبَ عَنهُم. فقالَ لَهم: «يَجِبُ علَيَّ أَن أُبَشِّرَ سائرَ المُدُنِ أَيضًا بِمَلَكوتِ الله، فإِنِّي لِهٰذا أُرسِلْت». وأَخَذَ يُبَشِّرُ في مَجامِعِ اليَهودِيَّة. وٱزْدَحَمَ الجَمعُ علَيهِ لِسَماعِ كَلِمَةِ الله، وهُوَ قائم على شاطِئِ بُحَيْرَةِ جَنَّاسَرِت. فَرَأَى سَفينَتَينِ راسِيَتَينِ عِندَ الشَّاطِئ، وقد نَزَلَ مِنهُما الصَّيَّادونَ يَغسِلونَ الشِّباك. فرَكِبَ إِحْدى السَّفينَتَين وكانَت لِسِمعان، فسأَلَه أَن يُبعِدَ قَليلاً عنِ البَرّ. ثُمَّ جَلَسَ يُعَلِّمُ الجُموعَ مِنَ السَّفينَة. ولمَّا فَرَغَ مِن كَلامِه، قالَ لِسِمعان: «سِرْ في العُرْض، وأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد». فأَجابَ سِمعان: «يا مُعَلِّم، تَعِبْنا طَوالَ اللَّيلِ ولَم نُصِبْ شَيئًا، ولكِنِّي بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباكَ». وفعَلوا فأصابوا مِنَ السَّمَكِ شَيئًا كثيرًا جدًّا، وكادَت شِباكُهُم تَتَمَزَّق. فأَشاروا إِلى شُرَكائِهم في السَّفينَةِ الأُخرى أَن يَأتوا ويُعاوِنوهم. فأَتَوا، ومَلأُوا كِلْتا السَّفينَتَينِ حتَّى كادَتا تَغرَقان. فلَمَّا رأَى سِمعانُ بُطرُسُ ذٰلك، ارتَمى عِندَ رُكبَتَي يَسوعَ وقال: «يا ربّ، تَباعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خاطِئ». وكانَ الرُّعْبُ قدِ ٱستَولى علَيهِ وعلى أَصحابِهِ كُلِّهم، لِكَثرَةِ السَّمَكِ الَّذي صادوه. ومِثلُهُم يَعقوبُ ويوحنَّا ٱبنا زَبَدى، وكانا شَريكَي سِمْعان. فقالَ يسوعُ لِسِمْعان: «لا تَخَفْ! سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّادًا». فَرجَعوا بِالسَّفينَتَينِ إِلى البَرّ، وتَرَكوا كُلَّ شَيءٍ وتَبِعوه. وبَينَما هوَ في بَعضِ تِلْكَ المُدُن، إِذا بِرَجُلٍ قَد غَطَّى البَرَصُ جِسْمَه، فلمَّا رأَى يسوعَ سَقَطَ عَلى وَجهِه وسأَلَه: «يا رَبّ، إِن شِئتَ فَأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني». فمَدَّ يَدَه فلَمَسَه وقال: «قد شِئتُ، فَٱبرَأْ». فزالَ عَنه البَرَصُ لِوَقتِه. فأَوصاهُ أَلاَّ يُخبِرَ أَحَدًا بِالأَمْر، بلِ: «ٱذهَبْ إِلى الكاهِن فَأَرِهِ نَفْسَكَ، ثُمَّ قَرِّبْ عن بُرئِكَ ما أَمَرَ بِه موسى، شَهادَةً لَدَيْهِم». وكانَ خَبَرُه يَتَّسِعُ ٱنتِشارًا، فتَتوافَدُ علَيهِ جُموعٌ كَثيرةٌ لِتَسمَعَه وتَشْفى مِن أَمراضِها، ولٰكِنَّه كانَ يَعتَزِلُ في البَراري فيُصَلِّي. وكانَ ذاتَ يَومٍ يُعَلِّم، وبَينَ الحاضِرينَ بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ ومُعَلِّمي الشَّريعَة أَتَوا مِن جَميعِ قُرى الجَليلِ واليَهودِيَّةِ ومِن أُورَشَليم. وكانَت قُدرَةُ الرَّبِّ تَشْفي المَرْضى عن يَدِه. وإِذا أُناسٌ يَحمِلونَ على سَريرٍ رَجُلاً كانَ مُقعَدًا، ويُحاوِلونَ الدُّخولَ بِه لِيَضَعوهُ أَمامَه. فلَم يَجِدوا سَبيلاً إِلى الدُّخولِ لِكَثرَةِ الزِّحام، فصَعِدوا بِه إِلى السَّطْحِ ودلَّوْهُ بِسَريرِه مِن بَينِ القِرْميد، إِلى وَسْطِ المَجلِسِ أَمامَ يَسوع. فلَمَّا رأَى إِيمانَهم قال: «يا رَجُل، غُفِرَت لَكَ خَطاياك». فأَخَذَ الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ يُفَكِّرونَ فيَقولونَ في أَنْفُسِهم: «مَن هٰذا الَّذي يَتَكلَّمُ بِالتَّجْديف؟ مَن يَقْدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه؟» فعَلِمَ يسوعُ أَفكارَهم فأَجابَهم: «لِماذا تُفَكِّرونَ هٰذا التَّفكيرَ في قُلوبِكم؟ فأَيُّما أَيْسَر؟ أَن يُقال: غُفِرَت لَكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُم فَٱمشِ. فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ٱبنَ الإِنسانِ لَه في الأَرضِ سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا»، ثُمَّ قالَ لِلمُقعَد: «أَقولُ لَكَ: قُمْ فَٱحمِلْ سَريرَكَ وَٱذهَبْ إِلى بَيتِكَ». فقامَ مِن وَقتِه بِمَرأًى مِنهُم وحَمَلَ ما كانَ مُضطَجِعًا علَيه ومَضى إِلى بَيتِه وهُوَ يُمَجِّدُ الله. فٱستَولى الدَّهَشُ علَيهم جَميعًا، فمَجَّدوا الله، وقَد غَلَبَ الخَوفُ عَلَيهم فقالوا: «رَأَينا اليَومَ أُمورًا عَجيبة!». وخَرَجَ بَعدَ ذٰلك، فأَبصَرَ جابِيًا ٱسمُه لاوي، جالِسًا في بَيتِ الجِبايَة فقالَ له: «إِتبَعْني!» فتَركَ كُلَّ شَيءٍ وقامَ فتَبِعَه. وأَقامَ لَه لاوي مَأدُبَةً عَظيمَةً في بَيتِه، وكانَ على المائِدَةِ مَعَهم جَماعَةٌ كَثيرةٌ مِنَ الجُباةِ وغَيرِهم. فقالَ الفِرِّيسِيُّون وكَتَبَتُهم لِتلاميذِه مُتَذَمِّرين: «لِماذا تَأكُلونَ وتَشرَبونَ مَعَ الجُباةِ والخاطِئين؟» فأَجابَ يسوع: «لَيسَ الأَصِحَّاءُ بِمُحتاجينَ إِلى طَبيب، بلِ المَرْضى. ما جِئتُ لأَدعُوَ الأَبرار، بَلِ الخاطِئينَ إِلى التَّوبَة». فقالوا لَه: «إِنَّ تَلاميذَ يوحنَّا يُكثِرونَ مِنَ الصَّومِ ويُقيمونَ الصَّلٰوات، ومِثلُهُم تَلاميذُ الفِرِّيسيِّين، أَمَّا تَلاميذُكَ فيأكُلونَ ويَشرَبونَ!» فقالَ لَهم: «أَبِوُسعِكُم أَن تُصوِّموا أَهلَ العُرسِ والعَريسُ بَينَهم؟ ولٰكِن سَتَأتي أَيَّامٌ فيها يُرفَعُ العَريسُ مِن بَينِهم، فعِندَئذٍ يَصومونَ في تِلكَ الأَيَّام». وضَرَبَ لَهم مَثلاً قال: «ما مِن أَحَدٍ يَشُقُّ قِطعَةً مِن ثَوبٍ جَديد، فيَجعَلُها في ثَوبٍ عَتيق، لِئَلاَّ يُشَقَّ الجَديد وتَكونَ القِطعَةُ الَّتي أُخِذَت مِنَ الجَديدِ لا تُلائِمُ العَتيق. وما مِن أَحَدٍ يَجعَلُ الخَمرَةَ الجَديدةَ في زقاقٍ عَتيقة، لِئَلاَّ تَشُقَّ الخَمرَةُ الجَديدَةُ الزِّقاقَ فتُراقَ هي، وتَتلَفَ الزِّقاق. بل يَجِبُ أَن تُجعَلَ الخَمرَةُ الجَديدةُ في زِقاقٍ جَديدة. وما مِن أَحَدٍ، إِذا شَرِبَ مُعَتَّقَةً، يَرغَبُ في الجَديدة، لأَنَّه يقول: «المُعَتَّقَةُ هِيَ الطَيِّبَة!» ومَرَّ يسوعُ في السَّبْتِ مِن بَينِ الزُّروع، فجَعلَ تَلاميذُه يَقلَعونَ السُّنبُل ويَفرُكونَه بِأَيديهِم ثُمَّ يَأكُلونَه. فقالَ بَعضُ الفِرِّيسيِّين: «ما لكم تَفعَلونَ ما لا يَحِلُّ في السَّبْت؟» فأَجابَهم يسوع: «أَوَما قَرأتُم ما فَعَلَ داودُ حينَ جاعَ هوَ وَالَّذينَ معه، كيفَ دَخَلَ بَيتَ اللهِ فأخذَ الخُبزَ المُقدَّس، وأَكلَ وأَعطى مِنهُ لِلَّذينَ معَه، مَعَ أَنَّ أَكْلَه لا يَحِلُّ إِلاَّ لِلكَهَنَةِ وَحدَهم؟». ثُمَّ قالَ لَهم: «إِنَّ ٱبنَ الإِنسانِ سَيِّدُ السَّبت». ودخَلَ المَجمَعَ في سَبْتٍ آخَر، وأَخَذَ يُعَلِّم. وكانَ هُناكَ رَجُلٌ يَدُه اليُمنى شَلاَّء. وكانَ الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ يُراقِبونَه، لَيَروا هل يُجْري الشِّفاءَ في السَّبْت، فَيَجِدوا ما يَشكونَه بِه. فعَلِمَ أَفكارَهم، فقالَ لِلرَّجُلِ ذي اليَدِ الشَّلاَّء: «قُم فَقِفْ في وَسْطِ الجَماعة!» فقامَ ووقفَ فيه. فقالَ لَهم يسوع: «أَسأَلُكم: هل يَحِلُّ عَمَلُ الخَيرِ في السَّبْتِ أَم عَمَلُ الشَّرّ، وتَخليصُ نَفْسٍ أَم إِهلاكُها؟» ثُمَّ أَجالَ طَرْفَه فيهِم جَميعًا، وقالَ لَه: «أُمْدُدْ يَدَكَ» ففَعلَ فَعادَت يَدُه صَحيحَة. فجُنَّ جُنونُهم وتَباحَثوا فيما يَصنَعونَ بِيَسوع. وفي تلك الأَيَّامِ ذَهَبَ إِلى الجَبَلِ لِيُصَلِّي، فأَحْيا اللَّيلَ كُلَّه في الصَّلاةِ للهٍ. ولمَّا طَلَعَ الصَّباح دعا تَلاميذَه، فٱختارَ مِنهُمُ ٱثنَيْ عَشَرَ سَمَّاهم رُسُلاً وهم: سِمْعان وسَمَّاه بُطرُس، وأَندَراوُس أَخوه، ويَعقوبُ ويوحَنَّا، وفيلِبُّسُ وبَرْتُلُماوُس، ومَتَّى وتوما، ويَعقوبُ بْنُ حَلْفى وسِمْعانُ الَّذي يُقالُ لَه الغَيور، ويَهوذا بْنُ يَعقوبَ ويَهوذا الإِسخَرْيوطِيُّ الَّذي ٱنقَلَبَ خائِنًا. ثُمَّ نَزَلَ معَهم فوَقَفَ في مَكانٍ مُنْبَسِط، وهُناكَ جَمعٌ كَثيرٌ مِن تَلاميذِه، وحَشْدٌ كَبيرٌ مِنَ الشَّعْب مِن جَميعِ اليَهوديَّة، وأُورَشَليم، وساحِلِ صورَ وصَيْدا، ولَقَد جاؤوا لِيَسمَعوهُ ويُبرَأُوا مِن أَمراضِهم. وكانَ الَّذينَ تَخبِطُهُمُ الأَرواحُ النَّجِسَةُ يُشفَون. وكانَ الجَمعُ كُلُّه يُحاوِلُ أَن يَلمِسَه، لأَنَّ قُوَّةً كانَت تَخرُجُ مِنهُ فتُبرِئُهُم جَميعًا. وَرَفَعَ عَيْنَيْه نَحوَ تَلاميذِه وقال: «طوبى لَكُم أَيُّها الفُقَراء، فإِنَّ لَكُم مَلَكوتَ الله. طوبى لَكُم أَيُّها الجائعونَ الآن، فَسَوفَ تُشبَعون. طوبى لَكُم أَيُّها الباكونَ الآن، فسَوفَ تَضحَكون. طوبى لَكُم إِذا أَبغَضَكُمُ النَّاس ورَذَلوكم وشتَموا ٱسمَكُم ونَبذوهُ على أَنَّه عارٌ مِن أَجلِ ٱبنِ الإِنسان. إِفرَحوا في ذٰلك اليَومِ وٱهتزُّوا طَرَبًا، فها إِنَّ أَجرَكُم في السَّماءِ عَظيم، فهٰكذا فَعَلَ آباؤهُم بِالأَنبِياء. لٰكِنِ الوَيلُ لَكُم أَيُّها الأَغنِياء، فقَد نِلتُم عَزاءَكُم. الوَيلُ لَكم أَيُّها الشِّباعُ الآن، فسَوفَ تَجوعون. الوَيلُ لَكُم أَيُّها الضَّاحِكونَ الآن، فسَوفَ تَحزَنونَ وتَبكون. الوَيلُ لَكُم إِذا مَدَحَكم جَميعُ النَّاس، فَهٰكذا فَعَلَ آباؤُهم بِالأَنبِياءِ الكَذَّابين. «وأَمَّا أَنتُم أَيُّها السَّامِعون، فأقولُ لَكم: أَحِبُّوا أَعداءَكم، وأَحسِنوا إِلى مُبغِضيكُم، وبارِكوا لاعِنيكُم، وصلُّوا مِن أَجْلِ المُفتَرينَ الكَذِبَ علَيكُم. مَن ضَرَبَكَ على خَدِّكَ فٱعْرِضْ لَه الآخَر. ومَنِ ٱنتَزَعَ مِنكَ رِداءَكَ فَلا تَمنَعْه قَميصَكَ. وكُلُّ مَن سَأَلَكَ فأَعطِه، ومَنِ ٱغتَصَب مالَكَ فلا تُطالِبْهُ به. وكَما تُريدونَ أَن يُعامِلَكُمُ النَّاس فكذٰلِكَ عامِلُوهم. فإِن أَحبَبتُم مَن يُحِبُّكم، فأَيُّ فَضْلٍ لَكُم؟ لأَنَّ الخَاطِئينَ أَنفُسَهُم يُحِبُّونَ مَن يُحِبُّهُم. وإِن أَحسَنتُم إِلى مَن يُحسِنُ إِلَيكُم، فأَيُّ فَضْلٍ لَكُم؟ لأَنَّ الخاطِئينَ أَنفُسَهُم يَفعَلونَ ذٰلك. وإِن أقرَضتُم مَن تَرجُونَ أَن تَستَوفوا مِنه، فأَيُّ فَضْلٍ لَكُم؟ فهُناكَ خاطِئونَ يُقرِضونَ خاطِئينَ لِيَستَوفوا مِثلَ قَرْضِهم. ولٰكِن أَحِبُّوا أَعداءَكم، وأَحسِنوا وأَقرِضوا غَيرَ راجينَ عِوَضًا، فيَكونَ أَجرُكم عَظيمًا وتَكونوا أَبناءَ العَلِيّ، لأَنَّه هو يَلطُفُ بِناكِري الجَميلِ والأَشرار. كونوا رُحَماءَ كما أَنَّ أَباكُم رَحيم. لا تَدينوا فَلا تُدانوا. لا تَحكُموا على أَحَدٍ فلا يُحكَمَ علَيكم. أُعْفُوا يُعْفَ عَنكم. أَعطُوا تُعطَوا: سَتُعطَونَ في أَحضانِكُم كَيْلاً حَسَنًا مَركومًا مُهَزْهَزًا طافِحًا، لأَنَّه يُكالُ لَكم بِما تَكيلون». وضَرَبَ لَهم مَثَلاً قال: «أَيَستَطيعُ الأَعمى أَن يَقودَ الأَعمى؟ أَلا يَسقُطُ كِلاهُما في حُفرَة؟ ما مِن تِلميذٍ أَسمى مِن مُعَلِّمِه. كُلُّ تِلميذٍ اكتَمَلَ عِلمُه يَكونُ مِثلَ مُعَلِّمِه. لِماذا تَنظُرُ إِلى القَذى الَّذي في عَينِ أَخيكَ؟ والخَشَبَةُ الَّتي في عَينِكَ أَفَلا تأبَهُ لَها؟ كَيفَ يُمكِنُكَ أَن تَقولَ لأَخيكَ: يا أَخي، دَعْني أُخرِجُ القَذى الَّذي في عَينِكَ، وأَنتَ لا تَرى الخَشَبَةَ الَّتي في عَينِكَ؟ أَيُّها المُرائي، أَخرِجِ الخَشَبَةَ مِن عَينِكَ أَوَّلاً، وعِندَئذٍ تُبصِرُ فتُخرِجُ القَذى الَّذي في عَينِ أَخيك. ما مِن شَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ تُثمِرُ ثَمرًا خَبيثًا، ولا مِن شَجَرةٍ خَبيثَةٍ تُثمِرُ ثَمرًا طَيِّبًا. فكُلُّ شَجَرةٍ تُعرَفُ مِن ثَمَرِها، لأَنَّه مِنَ الشَّوكِ لا يُجْنى تِين، ولا مِنَ العُلَّيقِ يُقطَفُ عِنَب. الإِنْسانُ الطَّيِّبُ مِنَ الكَنْزِ الطَّيِّبِ في قَلبِه يُخرِجُ ما هُوَ طَيِّب، والإِنْسانُ الخَبيثُ مِن كَنزِه الخَبيثِ يُخرِجُ ما هو خَبيث، فمِن فَيضِ قَلبِه يَتَكَلَّمُ لِسانُه. لِماذا تَدعونَني: يا رَبّ، يا رَبّ! ولا تَعمَلونَ بِمَا أَقول؟ كُلُّ مَن يَأتي إِلَيَّ ويَسمَعُ كَلامي فَيعمَلُ بِه، سَأُبَيِّنُ لَكم مَن يُشبِه: يُشبِهُ رَجُلاً بَنى بَيتًا، فَحفَرَ وعمَّقَ الحَفْرَ، ثُمَّ وضَعَ الأَساسَ على الصَّخْر. فلَمَّا فاضَتِ المِياهُ ٱندَفَعَ النَّهرُ على ذٰلك البَيت، فلَم يَقوَ على زَعزَعَتِه لأَنَّه بُنِيَ بِناءً مُحكَمًا. وأَمَّا الَّذي يَسمَعُ ولا يَعمَل، فإِنَّه يُشبِهُ رَجُلاً بَنى بَيتًا على التُّرابِ بِغَيرِ أَساس، فٱندَفَعَ النَّهرُ علَيه فٱنهارَ لِوَقتِه، وكانَ خَرابُ ذٰلك البَيتِ جَسيمًا». ولَمَّا أَتَمَّ جَميعَ كَلامِه بِمَسمَعٍ مِنَ الشَّعْب، دَخَلَ كَفَرناحوم. وكانَ لِقائِدِ مائةٍ خادِمٌ مَريضٌ قد أَشرَفَ على المَوت، وكانَ عَزيزًا علَيه. فلمَّا سَمِعَ بِيَسوع، أَوفَدَ إِلَيه بَعضَ أَعيانِ اليَهود يَسأَلُه أَن يَأتِيَ فيُنقِذَ خادِمَه. ولَمَّا وصَلوا إِلى يسوع، سأَلوه بِإِلحاحٍ قالوا: «إِنَّه يَستَحِقُّ أَن تَمنَحَه ذٰلك، لأَنَّه يُحِبُّ أُمَّتَنا، وهوَ الَّذي بَنى لَنا المَجمَع». فمَضى يسوعُ معَهم. وما إِن صارَ غَيرَ بَعيدٍ مِنَ البَيت، حتَّى أَرسَلَ إِلَيه قائدُ المائَةِ بَعضَ أَصدِقائِه يَقولُ له: «يا رَبّ، لا تُزعِجْ نَفسَكَ، فَإِنِّي لَستُ أَهلاً لأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي، ولِذٰلِكَ لم أَرَني أَهلاً لأَن أَجيءَ إِلَيك، ولٰكِن قُلْ كَلِمَةً يُشْفَ خادِمي. فأَنا مَرؤوسٌ ولي جُندٌ بِإِمرَتي، أَقولُ لهٰذا: إِذهَبْ! فَيَذهَب، وَلِلآخَر: تَعالَ! فيَأتي، ولِخادِمي: إِفعَلْ هٰذا! فَيَفعَلُه». فلَمَّا سَمِعَ يسوعُ ذٰلك، أُعجِبَ بِه وٱلتَفَتَ إِلى الجَمعِ الَّذي يَتبَعُه فقال: «أَقولُ لَكم: لم أَجِدْ مِثلَ هٰذا الإِيمانِ حتَّى في إِسرائيل». ورَجَعَ المُرسَلونَ إِلى البَيت، فوَجَدوا الخادِمَ قد رُدَّت إِليهِ العافِيَة. وذَهَبَ بَعدَئِذٍ إِلى مَدينَةٍ يُقالُ لَها نائين، وتَلاميذُه يَسيرونَ معَه، وجَمعٌ كَثير. فلَمَّا ٱقتَرَبَ مِن بابِ المَدينة، إِذا مَيْتٌ مَحْمول، وهو ٱبنٌ وَحيدٌ لأُمِّه وهي أَرمَلَة. وكانَ يَصحَبُها جَمعٌ كثيرٌ مِنَ المَدينة. فلَمَّا رآها الرَّبّ أَخذَتهُ الشَّفَقَةُ علَيها، فقالَ لَها: «لا تَبكي!» ثُمَّ دَنا مِنَ النَّعْش، فلَمَسَه فوقَفَ حامِلوه. فقال: «يا فَتى، أَقولُ لَكَ: قُمْ!» فجَلَسَ المَيتُ وأَخَذَ يَتَكَلَّم، فسَلَّمَه إِلى أُمِّه. فٱستَولى الخَوفُ علَيهم جَميعًا فمَجَّدوا اللهَ قائلين: «قامَ فينا نَبِيٌّ عَظيم، وٱفتَقَدَ اللهُ شَعبَه!» وٱنتَشَرَ هٰذا الكَلامُ في شَأنِه في اليَهودِيَّةِ كُلِّها وفي جَميعِ النَّواحي المُجاوِرَة. وأَخبَرَ يوحنَّا تَلاميذُه بِهٰذِه الأُمورِ كُلِّها، فَدَعا ٱثنَيْنِ مِن تَلاميذِه وأَرسَلَهما إِلى الرَّبِّ يَسأَلُه: «أَأَنتَ الآتي أَم آخَرَ نَنتَظِر؟» فلَمَّا وصَلَ الرَّجُلانِ إِلى يسوع قالا لَه: «إِنَّ يوحَنَّا المَعمَدانَ أَوفَدَنا إِلَيكَ يَسأَل: أَأَنت الآتي أَم آخَرَ نَنتَظِر؟». في تِلكَ السَّاعَة شَفى أُناسًا كَثيرينَ مِنَ الأَمراضِ والعِلَلِ والأَرواحِ الخَبيثَة، ووَهَبَ البَصَرَ لِكَثيرٍ مِنَ العُمْيان، ثُمَّ أَجابَهما: «إِذهَبا فأَخبِرا يوحَنَّا بِما سَمِعتُما ورَأَيتُما: العُمْيانُ يُبصِرونَ، العُرْجُ يَمشُونَ مَشْيًا سَوِيًّا، البُرصُ يَبرَأُونَ والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومون، الفُقَراءُ يُبَشَّرون. وطوبى لِمَن لا أَكونُ لَه حَجَرَ عَثرَة». ولمَّا ٱنصَرَفَ رَسولا يوحنَّا، أَخذَ يَقولُ لِلجُموعِ في شَأنِ يوحَنَّا: «ماذا خَرَجتُم إِلى البَرِّيَّةِ تَنظُرون؟ أَقَصَبَةً تَهُزُّها الرِّيح؟ بل ماذا خَرَجتُم تَرَون؟ أَرَجُلاً يَلبَسُ الثِّيابَ النَّاعِمَة؟ ها إِنَّ الَّذينَ يَلبَسونَ الثِّيابَ الفاخِرَة ويَعيشونَ عيشَةَ التَّرَفِ يُقيمونَ في قُصورِ المُلوك. بل ماذا خَرجتُم تَرَون؟ أَنَبِيًّا؟ أَقولُ لَكم: نَعَم، بَل أَفضَلُ مِن نَبِيّ. فهٰذا الَّذي كُتِبَ في شَأنِه: «هاءَنذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ، لِيُعِدَّ الطَّريقَ أَمامَكَ». أَقولُ لَكم: لَيسَ في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِن يوحنَّا، وَلٰكِنَّ الأَصغَرَ في مَلَكوتِ اللهِ أَكبَرُ مِنه. فَجَميعُ الشَّعبِ الَّذي سَمِعَه حَتَّى الجُباةُ أَنْفُسُهم بَرُّوا الله، فاعتَمَدوا عن يَدِ يوحنَّا. وأَمَّا الفِرِّيسِيُّون وعُلَماءُ الشَّريعَة فلَم يَعتَمِدوا عن يَدِه فأَعرَضوا عن تَدْبيرِ اللهِ في أَمرِهم. «فَبِمَن أُشَبِّهُ أَهلَ هٰذا الجِيل؟ ومَن يُشبِهون؟ يُشبِهونَ أَولادًا قاعِدينَ في السَّاحَةِ يَصيحُ بَعضُهم بِبَعضٍ فيَقولون: «زَمَّرْنا لَكُم فلَم تَرْقُصوا، نَدَبْنا فلَم تَبْكوا». جاءَ يوحنَّا المَعمَدان لا يأكُلُ خُبزًا ولا يَشرَبُ خَمرًا، فقُلتُمْ: لقَد جُنَّ. وجاءَ ٱبنُ الإِنسانِ يأكُلُ ويَشرَب، فقُلتُم: هُوَذا رَجُلٌ أَكولٌ شِرِّيبٌ لِلْخَمْرِ صَديقٌ لِلجُباةِ والخاطِئين. ولٰكِنَّ الحِكمَةَ قد بَرَّها جَميعُ بَنيها». ودَعاهُ أَحَدُ الفِرِّيسيِّينَ إِلى الطَّعامِ عِندَه، فدَخَلَ بَيتَ الفِرِّيسيّ وجَلَسَ إِلى المائِدَة. وإِذا بِٱمرأَةٍ خاطِئَةٍ كانت في المَدينة، عَلِمَت أَنَّه على المائِدَةِ في بَيتِ الفِرِّيسيّ، فجاءَت ومعَها قارورةُ طِيب، ووَقَفَت مِن خَلْفُ عِندَ رِجْلَيه وهيَ تَبْكي، وجَعَلَت تَبُلُّ قَدَمَيهِ بِالدُّموع، وتَمسَحُهُما بِشَعْرِ رَأسِها، وتُقَبِّلُ قَدَمَيه وتَدهُنُهما بِالطِّيب. فلَمَّا رأَى الفِرِّيسيُّ الَّذي دَعاهُ هٰذا الأَمر، قالَ في نَفْسِه: «لو كانَ هٰذا الرَّجُلُ نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَن هِيَ المَرأَةُ الَّتي تَلمِسُه وما حالُها: إِنَّها خاطِئَة». فأَجابَه يسوع: «يا سِمعان، عندي ما أَقولُه لَكَ». فقالَ: «قُلْ، يا مُعَلِّم». قال: «كانَ لِمُدايِنٍ مَدينان، على أَحَدِهما خَمسُمائةِ دينارٍ وعلى الآخَرِ خَمسون. ولَم يَكُنْ بِإِمكانِهِما أَن يُوفِيا دَينَهُما فأَعفاهما جَميعًا. فأَيُّهما يَكونُ أَكثَرَ حُبًّا لَه؟» فأَجابَه سِمعان: «أَظُنُّه ذاك الَّذي أَعفاهُ مِنَ الأَكثَر». فقالَ لَه: «بِالصَّوابِ حَكَمتَ». ثُمَّ ٱلتَفَتَ إِلى المَرأَةِ وقالَ لِسِمعان: «أَتَرى هٰذهِ المَرأَة؟ إِنِّي دَخَلتُ بَيتَكَ فما سَكَبتَ على قَدَمَيَّ ماءً. وأَمَّا هِيَ فَبِالدُّموعِ بَلَّت قَدَمَيَّ وبِشَعرِها مَسَحَتهُما. أَنتَ ما قَبَّلتَني قُبلَةً، وأَمَّا هي فلَم تَكُفَّ مُذ دَخَلَت عَن تَقبيلِ قَدَمَيَّ. أَنتَ ما دَهَنتَ رأسي بِزَيتٍ مُعَطَّر، أَمَّا هِيَ فَبِالطِّيبِ دَهَنَتْ قَدَمَيَّ. فإِذا قُلتُ لَكَ إِنَّ خَطاياها الكَثيرَةَ غُفِرَت لَها، فلأَنَّها أَظهَرَت حُبًّا كثيرًا. وأَمَّا الَّذي يُغفَرُ له القَليل، فإِنَّه يُظهِرُ حُبًّا قَليلاً»، ثُمَّ قالَ لَها: «غُفِرَت لَكِ خَطاياكِ». فأَخَذَ جُلَساؤُه على الطَّعامِ يَقولونَ في أَنفُسِهم: «مَن هٰذا حَتَّى يَغفِرَ الخَطايا؟» فقالَ لِلمَرأَة: «إِيمانُكِ خَلَّصَكِ فٱذهَبي بِسَلام». وسارَ بَعدَ ذٰلك في كُلِّ مَدينَةٍ وقَريَة، يُنادي ويُبَشِّرُ بِمَلٰكوتِ الله، ومعَه الِٱثْنا عَشَر، ونِسوَةٌ أُبْرِئْنَ مِنْ أَرواحٍ خَبيثَةٍ وأَمراض، وهُنَّ مَريَمُ المَعروفَةُ بِالمِجدَلِيَّة، وكانَ قد خَرَجَ مِنها سَبعَةُ شَياطين، وحَنَّةُ ٱمرَأَةُ كوزى خازِنِ هيرودُس، وسَوسَنَة، وغيرُهُنَّ كَثيراتٌ كُنَّ يُساعِدْنَهُم بِأَموالِهِنَّ. وٱحتَشَدَ جَمْعٌ كَثير، وأَقبَلَ النَّاسُ إِلَيهِ مِن كُلِّ مَدينَة، فكَلَّمَهم بِمَثَلٍ قال: «خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزرَعَ زَرْعَه. وبَينَما هوَ يَزرَع، وقَعَ بَعضُ الحَبِّ على جانِبِ الطَّريق، فداسَتهُ الأَقدام، وأَكَلَته طُيورُ السَّماء. ومِنه ما وَقَعَ على الصَّخْر، فَما إِن نَبتَ حتَّى يَبِس، لأَنَّه لَم يَجِدْ رُطوبَة. ومِنهُ ما وقعَ بَينَ الشَّوْك، فنَبَتَ الشَّوكُ معَه فخَنقَه. ومِنه ما وَقَعَ على الأَرضِ الطَّيِّبَة، فنَبتَ وأَثمَرَ مائةَ ضِعْف». قالَ هٰذا وصاح: «مَن كانَ لَه أُذُنانِ تَسْمَعان فَلْيَسْمَعْ!». فَسأَلَه تَلاميذُه ما مَغْزى هٰذا المَثَل. فقالَ: «أَنتُم أُعطيتُم أَن تَعرِفوا أَسرارَ مَلٰكوتِ الله. وَأَمَّا سائرُ النَّاسِ فيُكَلَّمونَ بِالأَمثال: «لِكَي يَنظُروا فَلا يُبصِروا، ويَسمَعوا فَلا يَفهموا». «وإِلَيكُم مَغزى المَثَل: الزَّرعُ هو كَلِمةُ الله. والَّذينَ على جانِبِ الطَّريق هُمُ الَّذينَ يَسمَعون، ثُمَّ يَأتي إِبليس فيَنتَزِعُ الكَلِمَةَ مِن قُلوبِهم، لِئَلاَّ يُؤمِنوا فيَخلُصوا. والَّذينَ على الصَّخْرِ هُمُ الَّذينَ إِذا سَمِعوا الكَلِمة تَقبَّلوها فَرِحين، ولٰكِن لا أَصلَ لَهم، فإِنَّما يؤمِنونَ إِلى حين، وعِندَ التَّجرِبَةِ يَرتَدُّون. والَّذي وَقَعَ في الشَّوكِ يُمَثِّلُ أُولٰئِكَ الَّذينَ يَسمَعون، فيَكونُ لَهم مِنَ الهُمومِ والغِنى ومَلَذَّاتِ الحَياةِ الدُّنيا ما يَخنُقُهم في الطَّريق، فَلا يُدرِكُ لَهم ثَمَر. وأَمَّا الَّذي في الأَرضِ الطَّيِّبَة فَيُمَثِّلُ الَّذينَ يَسمَعونَ الكَلِمَةَ بِقَلبٍ طَيِّبٍ كَريم ويَحفَظونَها، فَيُثمِرونَ بِثَباتِهم. «ما من أَحدٍ يُوقِدُ سِراجًا ويَحجُبُه بِوِعاءٍ أَو يَضَعُه تَحتَ سَرير، بل يَضَعُه على مَنارَة لِيَستَضيءَ به الدَّاخِلون. فما مِن خَفِيٍّ إِلاَّ سَيُظهَر، ولا مِن مَكتومٍ إِلاَّ سَيُعلَمُ ويُعلَن. فتَنَبَّهوا كَيفَ تَسمَعون! لأَنَّ مَن كانَ لَه شَيءٌ، يُعطى، ومَن لَيسَ لَه شَيءٌ، يُنتَزَعُ مِنهُ حتَّى الَّذي يَظُنُّه لَه». وجاءَت إِلَيهِ أُمُّه وإِخوَتُه، فلَم يَستَطيعوا الوُصُولَ إِلَيه لِكَثرَةِ الزِّحام. فقيلَ له: «إِنَّ أُمَّكَ وإِخوتَكَ واقِفونَ في خارِجِ الدَّارِ يُريدونَ أَن يَروكَ». فأَجابَهم: «إِنَّ أُمِّي وإِخوَتي هُمُ الَّذينَ يَسمَعونَ كَلِمَةَ اللهِ ويَعمَلونَ بِها». وفي أَحَدِ الأَيَّام رَكِبَ سَفينَةً هو وتَلاميذُه، فقالَ لَهم: «لِنَعْبُرْ إِلى شاطِئِ البُحَيرَةِ المُقابِل». فَأَقلَعوا. وبَينَما هُم سائِرونَ نامَ يَسوع. فَهَبَّت على البُحَيرَةِ عاصِفَةٌ فكادَ الماءُ يَغمُرُهم، وأَصبحوا على خَطَر. فدنَوا مِنه فأَيقَظوهُ وقالوا: «يا مُعَلِّم! يا مُعَلِّم! لَقَد هَلَكْنا». فَاستَيقَظَ وزجَرَ الرِّيحَ والمَوج، فَسَكَنا وعادَ الهُدوء. فقالَ لَهم: «أَينَ إِيمانُكُم؟» فخافوا وتَعجَّبوا، وقالَ بَعضُهم لِبَعض: «مَن تُرى هٰذا حتَّى الرِّياحُ والأَمواجُ يَأمُرُها فتُطيعُه؟». ثُمَّ أَرسَوا في ناحِيَةِ الجَرجَسِيِّين، وهيَ تُقابِلُ الشَّاطِئَ الجَليليّ. ولمَّا نَزَلَ إِلى البَرّ، تَلَقَّاهُ رَجُلٌ مِنَ المَدينَة بِه مَسٌّ مِنَ الشَّياطين. ولَم يَكُن يَلبَسُ ثَوبًا مِن زَمَنٍ طَويل، ولا يأوي إِلى بَيت، بَل إِلى القُبور. فلَمَّا رأَى يسوع، أَخَذَ يَصرُخ، ثُمَّ ٱرتَمى على قَدَمَيهِ وقالَ بِأَعلى صَوتِه: «ما لي ولَكَ يا يَسوعَ ٱبنَ اللهِ العَلِيّ؟ أَسأَلُكَ أَلاَّ تُعَذِّبَني». لأَنَّه أَمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أَن يَخرُجَ مِنَ الرَّجُل. وكثيرًا ما ٱستَحوَذَ علَيه، فكانَ يُحفَظُ مُكَبَّلاً بِالسَّلاسِلِ والقُيود، فيُحَطِّمُ الرُّبُطَ ويَسوقُه الشَّيطانُ إِلى البَراري. فسأَلَه يسوع: «ما ٱسمُكَ؟» قال: «جَيش» لأَنَّ كثيرًا مِنَ الشَّياطينِ كانوا قد دَخَلوا فيه. فسَأَلوه أَلاَّ يَأمُرَهم بِالذَّهابِ إلى الهاوِيَة. وكانَ يَرعى هُناكَ في الجَبَلِ قَطيعٌ كَبيرٌ مِن الخَنازير، فسأَلوه أَن يَأذَنَ لَهم بِالدُّخولِ فيها، فأَذِنَ لَهم. فخَرَجَ الشَّياطينُ مِنَ الرَّجُلِ ودَخَلوا في الخَنازير، فوَثَبَ القَطيعُ مِنَ الجُرُفِ إِلى البُحَيرَةِ فغَرِق. فلَمَّا رأَى الرُّعاةُ ما جرى، هَرَبوا ونَقَلوا الخَبَرَ إِلى المَدينةِ والمَزارِع. فخَرَجَ النَّاسُ لِيَرَوا ما جَرى. وجاؤوا إِلى يسوع، فوجَدوا الرَّجُلَ الَّذي خَرَجَ مِنهُ الشَّياطينُ جالِسًا عِندَ قَدَمَي يَسوع، لابِسًا، صَحيحَ العَقْل، فخافوا. فأَخبَرَهُمُ الشُّهودُ كَيفَ نَجا المَمْسوس. فسأَلَه أَهلُ ناحِيَةِ الجَرجَسِيِّينَ كُلُّهم أَن يَنصَرِفَ عَنهُم، لِما نالَهم مِنَ الخَوفِ الشَّديد. فَرَكِبَ السَّفينَةَ وَرَجَعَ مِن حَيْثُ أَتى. فَسأَلَه الرَّجُلُ الَّذي خَرَجَ مِنهُ الشَّياطينُ أَن يَصحَبَه، فصَرَفَه يسوعُ قال: «إِرجِعْ إِلى بَيتِكَ وحَدِّثْ بِكُلِّ ما صَنَعَ اللهُ إِلَيكَ». فمَضى يُنادي في المَدينَةِ كُلِّها بِكُلِّ ما صَنَعَ يسوعُ إِلَيه. ولَمَّا رَجَعَ يسوع، رَحَّبَ بِه الجَمعُ لأَنَّهُم كانوا كُلُّهُم يَنتَظِرونَه. وإِذا بِرَجُلٍ ٱسمُه يائيرس، وهو رَئيسُ المَجمَع، قَد جاءَ فَٱرتَمَى على قَدَمَيْ يَسوع، وسأَلَه أَن يَأتيَ بَيته لأَنَّ لَه ٱبنةً وحيدةً في نَحوِ الثَّانِيَةَ عَشرَةَ مِن عُمرِها، قد أَشرَفَت على المَوت. وبَينَما هُوَ ذاهِب، كانَتِ الجُموعُ تَزحَمُه حتَّى تَكادُ أَن تَخنُقَه. وكانَت هُناكَ ٱمرأَةٌ مَنزوفَةٌ مُنذُ ٱثنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، وكانَت قد أَنفَقَت جَميعَ ما عِندَها على الأَطِبَّاء، فلَم يَستَطِعْ أَحَدٌ مِنهُم أَن يَشفِيَها. فدَنَت مِن خَلْفُ ولَمَست هُدْبَ رِدائِه، فوقَفَ نَزْفُ دَمِها مِن وَقتِه. فقالَ يسوع: «مَن لَمَسَني؟» فلمَّا أَنكَروا كُلُّهم، قالَ بُطرُس: «يا مُعَلِّم، الجُموعُ تَزحَمُكَ وتُضايِقُكَ!» فقالَ يسوع: «قد لَمَسَني أَحَدُهم، لأَنِّي شَعَرتُ بِقُوَّةٍ خَرَجَت مِنِّي». فلمَّا رَأَتِ المَرأَةُ أَنَّ أَمرَها لم يَخْفَ علَيه، جاءَت راجِفَةً فٱرتَمَت على قَدَمَيه، وذَكَرَت أَمامَ الشَّعبِ كُلِّه لِماذا لَمَسَتهُ وكيفَ بَرِئَت مِن وَقتِها. فقالَ لها: «يا ٱبنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ، فٱذهَبي بِسَلام». وبَينَما هو يَتكلَّم، جاءَ أَحَدٌ مِن عِندِ رَئيسِ المَجمَعِ فقال: «إِبْنَتُكَ ماتَت، فلا تُزعِجِ المُعَلِّم». فسَمِعَ يسوعُ فأَجابَه: «لا تَخَفْ، آمِنْ فَقَط تَخلُصِ ٱبنَتُكَ». ولَمَّا وصَلَ إِلى البَيت، لم يَدَعْ أَحَدًا يَدخُلُ معَه إِلاَّ بُطرُسَ ويوحَنَّا ويَعقوبَ وأَبا الصَّبِيَّةِ وأُمَّها. وكانَ جَميعُ النَّاسِ يَبكونَ ويَنوحونَ علَيها. فقالَ: «لا تَبْكوا، لم تَمُتْ، إِنَّما هي نائمة». فضَحِكوا مِنه، لِعِلْمِهِم بِأَنَّها ماتَت. أَمَّا هو، فَأَخَذَ بِيَدِها، وصاحَ بِها: «يا صَبِيَّة، قومي!» فرُدَّتِ الرُّوحُ إِلَيها وقامَت مِن وَقتِها. فأَمَر بِأَن تُطعَم. فدَهِشَ أَبَواها، فأَوصاهُما أَلاَّ يُخبِرا أَحَدًا بِما جَرَى. ودَعا الِٱثنَيْ عَشَر، فَأَولاهُم قُدرَةً وسُلطانًا على جَميعِ الشَّياطين، وعلى الأَمراضِ لِشِفاءِ النَّاسِ مِنها. ثُمَّ أَرسَلَهم لِيُعلِنوا مَلَكوتَ اللهِ ويُبرِئوا المَرضى. وقالَ لَهم: «لا تَحمِلوا لِلطَّريقِ شَيئًا، لا عصًا ولا مِزوَدًا ولا خُبزًا ولا مالاً، ولا يَكُنْ لأَحَدٍ مِنكُم قَميصان. وأَيَّ بَيتٍ دَخَلتُم، فأَقيموا فيه ومِنه ٱرحَلوا. وأَمَّا الَّذينَ لا يَقبَلونَكم، فٱخرُجوا مِن مَدينَتِهِم، وٱنفُضوا الغُبارَ عن أَقدامِكم شَهادَةً علَيهم». فمَضَوا وساروا في القُرى، يُبَشِّرونَ ويَشفونَ المَرضى في كُلِّ مَكان. وسَمِعَ أَميرُ الرُّبْعِ هيرودُس بِكُلِّ ما كانَ يَجري، فحارَ في الأَمر، لأَنَّ بَعضَ النَّاسِ كانوا يَقولون: «إِنَّ يوحنَّا قامَ مِن بَينِ الأَموات»، وبَعضَهم: «إنِّ إِيلِيَّا ظَهَر»، وغَيرَهم: «إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الأَنبِياءِ الأَوَّلينَ قام». على أَنَّ هيرودُسَ قال: «أَمَّا يوحنَّا فَقَد قَطَعتُ أَنا رَأسَه. فمَن هٰذا الَّذي أَسمَعُ عنه مِثلَ هٰذِه الأُمور؟» وكان يُحاوِلُ أَن يَراه. ولمَّا رَجَعَ الرُّسُل أَخبَروا يسوعَ بِكُلِّ ما عَمِلوا، فمَضى بِهِم وٱعتَزَلَ وإِيَّاهم عندَ مَدينَةٍ يُقالُ لَها بَيتَ صَيدا، لٰكِنَّ الجُموعَ عَلِموا بِالأَمْرِ فتَبِعوه، فٱستَقبَلَهم وكَلَّمَهُم على مَلَكوتِ الله، وأَبرأَ الَّذينَ يَحتاجونَ إِلى الشِّفاء. وأَخَذَ النَّهارُ يَميل، فدَنا إِلَيهِ الِٱثنا عَشَر وقالوا لَه: «إِصرِفِ الجَمعَ لِيَذهَبوا إِلى القُرى والمَزارِعِ المُجاوِرَة، فيَبيتوا فيها ويَجِدوا لَهم طَعامًا، لأَنَّنا هُنا في مَكانٍ قَفْر». فقالَ لَهم: «أَعطوهُم أَنتُم ما يَأكُلون». فقالوا: «لا يَزيدُ ما عِندَنا على خَمسَةِ أَرغِفَةٍ وسَمَكَتَيْن، إِلاَّ إِذا مَضَينا نَحنُ فَٱشتَرَينا لِجَميعِ هٰذا الشَّعْبِ طَعامًا». وكانوا نَحوَ خَمسَةِ آلافِ رَجُل. فقالَ لِتَلاميذِه: «أَقعِدوهُم فِئَةً فِئَةً، في كُلِّ واحِدةٍ مِنها نَحوُ الخَمسين». ففَعلوا فَأَقعَدوهُم جَميعًا. فأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمَكَتَيْن، ورَفَعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، ثُمَّ بارَكَها وكَسَرَها وجَعَلَ يُناوِلُها تَلاميذَه لِيُقَدِّموها للْجَمْع. فأَكَلوا كُلُّهم حتَّى شَبِعوا، ورُفِعَ ما فَضَلَ عَنْهم: إِثنَتا عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الكِسَر. وٱتَّفَقَ أَنَّه يُصَلِّي في عُزلَةٍ والتَّلاميذُ مَعَهُ فَسأَلَهم: «مَن أَنا في قَولِ الجُموع؟» فأَجابوا: «يوحَنَّا المَعمَدان». وبَعضُهم يَقول: «إِيلِيَّا». وبَعضُهم: «نَبِيٌّ منَ الأَوَّلينَ قام». فقالَ لَهم: «ومَن أَنا في قَولِكُم أَنتم؟» فأَجابَ بُطرس: «مسيحُ الله». فنَهاهم بِشِدَّةٍ أَن يُخبِروا أَحدًا بِذٰلك. وقال: «يَجِبُ على ٱبنِ الإِنسانِ أَن يُعانِيَ آلامًا شَديدة، وأَن يَرذُلَه الشُّيوخُ وعُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، وأَن يُقتَلَ ويقومَ في اليَومِ الثَّالِث». وقالَ لِلنَّاسِ أَجمَعين: «مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفسِه ويَحمِلْ صَليبَه كُلَّ يَومٍ ويَتبَعْني. لأَنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حياتَه يَفقِدُها. وأَمَّا الَّذي يَفقِدُ حَياتَه في سَبيلي فإِنَّه يُخَلِّصُها. فماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه، وفَقَدَ نَفْسَه أَو خَسِرَها؟ لأَنَّ مَن يَستَحْيِي بي وبِكَلامي يَستَحْيِي بِه ٱبنُ الإِنْسان، متى جاءَ في مَجدِه ومَجدِ الآبِ والمَلائِكَةِ الأَطهار. وبِحَقٍّ أَقولُ لَكم: في جُملَةِ الحاضِرينَ هٰهُنا مَن لا يَذوقونَ المَوتَ حتَّى يُشاهِدوا مَلكوتَ الله». وبَعدَ هٰذا الكَلامِ بِنَحو ثَمانِيَةِ أَيَّام، مَضى بِبُطرسَ ويوحنَّا ويعقوبَ وصعِدَ الجَبَلَ لِيُصَلِّي. وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابُه بِيضًا تَتَلألأُ كَالبَرْق. وإِذا رَجُلانِ يُكَلِّمانِه، وهُما مُوسى وإِيلِيَّا، قد تَراءَيا في المَجد، وأَخَذا يَتَكَلَّمانِ على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم. وكانَ بُطرُسُ واللَّذانِ معَه قد أَثقَلَهُمُ النُّعاس. ولٰكِنَّهُمُ ٱستَيقَظوا فَعايَنوا مَجدَهُ والرَّجُلَينِ القائمَينِ مَعَه، حتَّى إِذا هَمَّا بِالاِنصِرافِ عَنه قالَ بُطرُسُ لِيَسوع: «يا مُعَلِّم، حَسَنٌ أَن نَكونَ هٰهُنا. فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم، واحِدَةً لَكَ وواحِدَةً لِموسى وواحِدَةً لإِيلِيَّا!» ولم يَكُنْ يَدري ما يَقول. وبَينَما هو يَتَكَلَّم، ظهَرَ غَمامٌ ظَلَّلَهُم، فلمَّا دَخَلوا في الغَمام خافَ التَّلاميذ. وٱنطَلَقَ صَوتٌ مِن الغَمامِ يَقول: «هٰذا هوَ ٱبنِيَ الَّذي ٱختَرتُه، فَلَه ٱسمَعوا». وبَينما الصَّوتُ يَنطَلِق، بَقِيَ يَسوعُ وَحدَه، فٱلتَزَموا الصَّمْتَ ولم يُخبِروا أَحدًا في تِلكَ الأَيَّامِ بِشَيءٍ ممَّا رَأَوا. وفي الغَدِ نَزَلوا مِنَ الجَبَل، فتَلَقَّاه جَمعٌ كثير. وإِذا رَجُلٌ مِنَ الجَمعِ قد صاح: «يا مُعَلِّم، أَسأَلُكَ أَن تَنظُرَ إِلى ٱبني فإِنَّه وَحيدي، يَحضُرُه رُوحٌ فيَصرُخُ بَغتَةً، ويَخبِطُه حتَّى يُزبد، ولا يُفارِقُه إِلاَّ بَعدَ أَن يُرضِّضَه. وقد سأَلتُ تَلاميذَكَ أَن يَطرُدوهُ فلَم يَستَطيعوا». فأَجابَ يسوع: «أَيُّها الجِيلُ الكافِرُ الفاسِد، حَتَّامَ أَبقى مَعَكم وأَحتَمِلُكم؟ عَلَيَّ بابنِكَ!» وبَينما هو يَدنو مِنهُ صَرَعَه الشَّيطانُ وخَبَطَه، فانتَهَرَ يسوعُ الرُّوحَ النَّجِس، وأَبرأَ الصَّبِيَّ ورَدَّه إِلى أَبيه. فدَهِشوا جَميعًا مِن عَظَمَةِ الله. وبَينما هُم بِأَجمَعِهم مُعجَبونَ بِكُلِّ ما كانَ يَصنَع، قال لِتَلاميذِه: «إِجعَلوا أَنتُم هٰذا الكَلامَ في مَسامِعِكم: إِنَّ ٱبنَ الإِنسانِ سيُسلَمُ إِلى أَيدي النَّاس». فلم يَفهَموا هٰذا الكلام وكانَ مُغلَقًا علَيهم، فما أَدركوا مَعناه وخافوا أَن يَسأَلوهُ عن ذٰلك الأَمر. وجرَى بَينَهم جِدالٌ فيمَن تُراه الأَكبَرَ فيهم. فَعَلِمَ يسوعُ ما يُساوِرُ قُلوبَهم، فأَخَذَ بِيَدِ طِفْلٍ وأَقامَه بِجانِبِه، ثُمَّ قالَ لَهم: «مَن قَبِلَ هٰذا الطِّفلَ إِكرامًا لِٱسْمي، فَقَد قَبِلَني أَنا، ومَن قَبِلَني قَبِلَ الَّذي أَرسَلَني. فمَن كانَ الأَصغَرَ فيكم جَميعًا فذٰلِكَ هو الكَبير». فتَكَلَّمَ يوحنَّا قال: «يا مُعَلِّم، رَأَينا رَجُلاً يَطرُدُ الشَّياطينَ بِٱسمِكَ فأَرَدْنا أَن نَمنَعَه، لأَنَّه لا يَتبَعُكَ مَعَنا». فقالَ لَه يسوع: «لا تَمنَعوه، فمَن لم يَكُنْ علَيكم كانَ مَعَكم». ولَمَّا حانَت أَيَّامُ ٱرتِفاعِه، عَزَمَ على الاتِّجاهِ إِلى أُورَشَليم. فأَرسلَ رُسُلاً يَتَقَدَّمونَه، فذَهَبوا فدَخَلوا قَريَةً لِلسامِّرِيِّين لِيُعِدُّوا العِدَّةَ لِقُدومِه فلَم يَقبَلوه لأَنَّه كان مُتَّجِهًا إِلى أُورَشَليم. فلمَّا رأَى ذٰلكَ تِلميذاهُ يَعقوبُ ويوحنَّا قالا: «يا ربّ، أَتُريدُ أَن نَأمُرَ النَّارَ فتَنزِلَ مِنَ السَّماءِ وتَأكُلَهم؟» فٱلتَفَتَ يسوعُ وٱنتَهَرَهما. فمَضَوا إِلى قَريَةٍ أُخرى. وبَينَما هُم سائرون، قالَ لَه رَجُلٌ في الطَّريق: «أَتبَعُكَ حَيثُ تَمْضي». فقالَ لَه يسوع: «إِنَّ لِلثَّعالِبِ أَوجِرَة ولِطُيورِ السَّماءِ أَوكارًا، وأَمَّا ٱبنُ الإِنسان فلَيسَ لَه ما يَضَعُ علَيهِ رَأسَه». وقالَ لِآخَر: «إِتْبَعْني!» فقال: «إِيْذَنْ لي أَن أَمضِيَ أَوَّلاً فَأَدفِنَ أَبي». فقالَ لَه: «دَعِ المَوتى يَدفِنونَ مَوتاهم وأَمَّا أَنتَ فَٱمضِ وبَشِّرْ بِمَلكوتِ الله». وقالَ لَه آخَر: «أَتبَعُكَ يا ربّ، ولٰكِنِ ائذَنْ لي أَوَّلاً أَن أُوَدِّعَ أَهلَ بَيتي». فقالَ لَه يسوع: «ما مِن أَحَدٍ يَضَعُ يَدَه على المِحراث، ثُمَّ يَلتَفِتُ إِلى الوَراء، يَصلُحُ لِمَلَكوتِ الله». وبَعدَ ذٰلِكَ، أَقامَ الرَّبُّ ٱثنَينِ وسبعينَ تِلميذًا آخَرين، وأَرسَلَهمُ ٱثنَينِ ٱثنَينِ يَتَقَدَّمونَه إِلى كُلِّ مَدينَةٍ أَو مَكانٍ أَوشَكَ هو أَن يَذهَبَ إِلَيه. وقالَ لَهم: «الحَصادُ كثيرٌ ولٰكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون، فٱسأَلوا رَبَّ الحَصَاد أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه. إِذهَبوا! فهاءَنَذا أُرسِلُكم كَالحُملانِ بَينَ الذِّئاب. لا تَحمِلوا كِيسَ دَراهِم ولا مِزوَدًا ولا حِذاءً ولا تُسَلِّموا في الطَّريقِ على أَحد. وأَيَّ بَيتٍ دَخَلتُم، فقولوا أَوَّلاً: السَّلامُ على هٰذا البَيت. فإِن كانَ فيهِ ٱبنُ سَلام، فسَلامُكُم يَحِلُّ بِه، وإِلاَّ عادَ إِلَيكُم. وأَقيموا في ذٰلكَ البَيتِ تَأكُلونَ وتَشرَبونَ مِمَّا عِندَهم، لأَنَّ العامِلَ يَستَحِقُّ أُجرَتَه، ولا تَنتَقلوا مِن بَيتٍ إِلى بَيت. وأَيَّةَ مَدينَةٍ دَخَلتُم وقَبِلوكم، فَكُلُوا مِمَّا يُقَدَّمُ لَكم. وٱشْفوا المَرْضى فيها وقولوا لِلنَّاس: قَدِ ٱقتَرَبَ مِنكُم مَلَكوتُ الله. وأَيَّةَ مَدينَةٍ دَخَلتُم ولَم يَقبَلوكم فٱخرُجوا إِلى ساحاتِها وقولوا: حتَّى الغُبارُ العالِقُ بِأَقدامِنا مِن مَدينَتِكم نَنفُضُه لَكم. ولٰكِنِ ٱعلَموا بِأَنَّ مَلكوتَ اللهِ قد ٱقتَرَب. «أَقولُ لَكم: إِنَّ سَدومَ سَيَكونُ مَصيرُها في ذٰلكَ اليَومِ أَخَفَّ وَطأَةً مِن مَصيرِ تِلكَ المَدينَة. الوَيلُ لَكِ يا كُورَزِين! الوَيلُ لكِ يا بَيتَ صَيدا! فلَو جَرى في صورَ وصَيدا ما جَرى فيكُما مِنَ المُعجِزات، لَأَظهَرتا التَّوبَةَ مِن زَمَنٍ بَعيد، فلَبِستا المُسوحَ وقَعَدتا على الرَّماد. ولٰكِنَّ صورَ وصَيدا سَيَكونُ مصيرُهما يومَ الدَّينونةِ أَخفَّ وَطأَةً مِن مصيرِكما. وأَنتِ يا كَفَرناحوم، أَتُراكِ تُرفَعينَ إِلى السَّماء؟ سَيُهبَطُ بِكِ إِلى مَثْوى الأَمْوات. «مَن سَمِعَ إِلَيكُم سَمِعَ إِليَّ. ومَن أَعرَضَ عَنكم أَعرَضَ عَنِّي، ومَن أَعرَضَ عَنِّي أَعرَضَ عَنِ الَّذي أَرسَلَني». ورَجَعَ التَّلامِذَةُ الاِثنانِ والسَّبعونَ وقالوا فَرِحين: «يا ربّ، حتَّى الشَّياطينُ تَخضَعُ لَنا بِٱسمِكَ». فقالَ لَهم: «كُنتُ أَرى الشَّيطانَ يَسقُطُ مِنَ السَّماءِ كالبَرْق. وها قَد أَولَيتُكم سُلطانًا تَدوسونَ بِه الحَيَّاتِ والعَقارِب وكُلَّ قُوَّةٍ لِلعَدُوّ، ولَن يَضُرَّكُم شَيء. ولٰكِن لا تَفرَحوا بِأَنَّ الأَرواحَ تَخضَعُ لَكُم، بلِ ٱفرَحوا بِأَنَّ أَسماءَكُم مَكْتوبَةٌ في السَّمٰوات». في تِلكَ السَّاعَةِ تَهَلَّلَ بِدافِعٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس فقال: «أَحمَدُكَ يا أَبَتِ، رَبَّ السَّماءِ والأَرض، على أَنَّكَ أَخفَيتَ هٰذِه الأَشياءَ على الحُكَماءِ والأَذكِياء، وَكَشَفْتَها لِلصِّغار. نَعَم، يا أَبَتِ، هٰذا ما كانَ رِضاكَ. قَد سَلَّمَني أَبي كُلَّ شَيء، فَما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ مَنِ الِٱبْنُ إِلاَّ الآب، ولا مَنِ الآبُ إِلاَّ الِٱبنُ ومَن شاءَ الِٱبنُ أَن يَكشِفَه لَه». ثُمَّ ٱلتَفَتَ إِلى التَّلاميذ، فقالَ لَهم على حِدَة: «طوبى لِلعُيونِ الَّتي تُبصِرُ ما أَنتُم تُبصِرون. فإِنِّي أَقولُ لَكم إِنَّ كَثيرًا مِنَ الأَنبِياءِ والمُلوكِ تَمنَّوا أَن يَرَوا ما أَنتُم تُبصِرونَ فلَم يَرَوا، وأَن يَسمَعوا ما أَنتُم تَسمَعونَ فلَم يَسمَعوا». وإِذا أَحَدُ عُلماءِ الشَّريعَةِ قَد قامَ فقالَ لِيُحرِجَه: «يا مُعَلِّم، ماذا أَعمَلُ لأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟» فقالَ لَه: «ماذا كُتِبَ في الشَّريعَة؟ كَيفَ تَقرأ؟» فأَجاب: «أَحبِبِ الرَّبَّ إِلٰهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ، وكُلِّ نَفسِكَ، وكُلِّ قُوَّتِكَ، وكُلِّ ذِهنِكَ، وأَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ». فقالَ لَه: «بِالصَّوابِ أَجَبْتَ. إِعمَلْ هٰذا تَحْيَ». فأَرادَ أَن يُزَكِّيَ نَفسَه فقالَ لِيَسوع: «ومَن قَريبي؟» فأَجابَ يَسوع: «كانَ رَجُلٌ نازِلاً مِن أُورَشَليمَ إِلى أَريحا، فوقَعَ بِأَيدي اللُّصوص. فعَرَّوهُ وٱنهالوا علَيهِ بِالضَّرْب. ثُمَّ مَضَوا وقد تَركوهُ بَينَ حَيٍّ ومَيْت. فٱتَّفَقَ أَنَّ كاهِنًا كانَ نازِلاً في ذٰلكَ الطَّريق، فرآهُ فمَالَ عَنه ومَضى. وكَذٰلِكَ وصَلَ لاوِيٌّ إِلى المَكان، فَرآهُ فمَالَ عَنهُ ومَضى. ووَصَلَ إِلَيه سامِرِيٌّ مُسافِر ورَآهُ فأَشفَقَ علَيه، فدَنا منه وضَمَدَ جِراحَه، وصَبَّ علَيها زَيتًا وخَمرًا، ثُمَّ حَمَلَه على دابَّتِه وذَهَبَ بِه إِلى فُندُقٍ وٱعتَنى بِأَمرِه. وفي الغَدِ أَخرَجَ دينارَيْن، ودفَعَهما إِلى صاحِبِ الفُندُقِ وقال: «إِعتَنِ بِأَمرِه، ومَهْما أَنفَقتَ زيادةً على ذٰلك، أُؤَدِّيهِ أَنا إِليكَ عِندَ عَودَتي». فمَن كانَ في رأيِكَ، مِن هٰؤلاءِ الثَّلاثَة، قَريبَ الَّذي وَقَعَ بِأَيدي اللُّصوص؟» فقال: «الَّذي عامَلَه بِالرَّحمَة». فقالَ لَه يَسوع: «إِذْهَبْ فٱعمَلْ أَنتَ أَيضًا مِثْلَ ذٰلك». وبَينَما هُم سائرون، دَخَلَ قَريَةً فَأَضافَتهُ ٱمرَأَةٌ ٱسمُها مَرتا. وكانَ لَها أُختٌ تُدعى مَريم، جَلَسَت عِندَ قَدَمَي الرَّبِّ تَستَمِعُ إِلى كَلامِه. وكانَت مَرتا مَشغولَةً بِأُمورٍ كَثيرَةٍ مِنَ الخِدمَة، فأَقبلَت وقالت: «يا ربّ، أَما تُبالي أَنَّ أُختي تَرَكَتْنِي أَخدُمُ وَحْدي؟ فمُرها أَن تُساعِدَني» فأَجابَها الرَّبُّ: «مَرتا، مَرتا، إِنَّكِ في هَمٍّ وٱرتِباكٍ بِأُمورٍ كَثيرَة، مع أَنَّ الحاجَةَ إِلى أَمرٍ واحِد. فَقدِ ٱختارَت مَريمُ النَّصيبَ الأَفضَل، ولَن يُنزَعَ مِنها». وكانَ يُصلِّي في بَعضِ الأَماكِن، فلَمَّا فَرَغَ قالَ لَه أَحَدُ تَلاميذِه: «يا ربّ، عَلِّمنا أَن نُصَلِّيَ كَما عَلَّمَ يوحنَّا تَلاميذَه» فقالَ لَهم: «إِذا صَلَّيتُم فَقولوا: أَيُّها الآب، لِيُقَدَّسِ ٱسمُكَ، لِيأتِ مَلَكوتُكَ. أُرزُقْنا خُبزَنا كَفافَ يَومِنا، وأَعْفِنا مِن خَطايانا، فإِنَّنا نُعْفي نَحنُ أَيضًا كُلَّ مَن لنا عليه، ولا تَترُكْنا نَتَعَرَّضُ لِلتَّجرِبَة». وقالَ لَهم: «مَن مِنكم يَكونُ لَه صَديقٌ فيَمْضي إِلَيه عِندَ نِصفِ اللَّيل، ويَقولُ له: يا أَخي، أَقرِضني ثَلاثَةَ أَرغِفَة، فقَد قَدِمَ عَلَيَّ صَديقٌ مِن سَفَر، ولَيسَ عِندي ما أُقَدِّمُ لَه، فيُجيبُ ذاك مِنَ الدَّاخِل: لا تُزعِجْني، فالبابُ مُقفَلٌ وأَولادي معي في الفِراش، فلا يُمكِنُني أَن أَقومَ فَأُعطِيَكَ. أَقولُ لَكم: وإِن لم يَقُمْ ويُعطِهِ لِكونِهِ صَديقَه، فإِنَّه يَنهَضُ لِلَجاجَتِه، ويُعطيهِ كُلَّ ما يَحتاجُ إِلَيه. «وإِنِّي أَقولُ لَكم: إِسأَلوا تُعطَوا، اطلُبوا تَجِدوا، اِقرَعوا يُفتَحْ لَكم. لأَنَّ كُلَّ مَن يَسأَلُ ينال، ومَن يَطلُبُ يَجِد، ومَن يَقرَعُ يُفتَحُ له. فأَيُّ أَبٍ مِنكُم إِذا سأَلَه ٱبنُه سَمَكَةً أَعطاهُ بَدَلَ السَّمَكَةِ حَيَّة؟ أَو سَأَلَهُ بَيضَةً أَعطاهُ عَقرَبًا؟ فإِذا كُنتُم أَنتُمُ الأَشرارَ تَعرِفونَ أَن تُعطوا العَطايا الصَّالِحَةَ لأَبنائِكم، فما أَولى أَباكُمُ السَّماوِيَّ بِأَن يَهَبَ الرُّوحَ القُدُسَ لِلَّذينَ يسأَلونَه». وكانَ يَطرُدُ شَيطانًا أَخرَس. فلَمَّا خَرَجَ الشَّيطان تَكَلَّمَ الأَخرَس فأُعجِبَ الجُموع. على أَنَّ أُناسًا مِنهم قالوا: «إِنَّه بِبَعلَ زَبولَ سَيِّدِ الشَّياطين يَطرُدُ الشَّياطين». وطَلَبَ مِنه آخَرونَ آيةً مِنَ السَّماءِ لِيُحرِجوه. فعَرَفَ قَصْدَهُم فقالَ لَهم: «كُلُّ مَملَكَةٍ تَنقَسِمُ على نَفْسِها تَخرَبُ وتَنهارُ بُيوتُها بَعضُها على بَعض. وإِذا ٱنقَسَمَ الشَّيطانُ أَيضًا على نَفْسِه فكَيفَ تَثبُتُ مَملَكَتُه؟ فإِنَّكم تَقولونَ إِنِّي بِبَعلَ زَبولَ أَطرُدُ الشَّياطين. فإِن كُنتُ أَنا بِبَعلَ زَبولَ أَطرُدُ الشَّياطين، فبِمَن يَطرُدُهُم أَبناؤكُم؟ لِذٰلِكَ هُمُ الَّذينَ سَيَحْكُمونَ علَيكم. وأَمَّا إِذا كُنتُ بِإِصبَعِ اللهِ أَطرُدُ الشَّياطين، فقَد وافاكُم مَلَكوتُ الله. إِذا كانَ القَوِيُّ المُتَسَلِّحُ يَحرُسُ دارَه، فإِنَّ أَموالَه في أَمان. ولٰكِن إِذا فاجَأَهُ مَن هُوَ أَقْوى مِنهُ وغَلَبَه، يَنتَزِعُ ما كانَ يَعتَمِدُ علَيه مِن سِلاح، ويُوَزِّعُ أَسْلابَه. «مَن لم يَكُنْ مَعي كانَ علَيَّ، ومَن لم يَجمَعْ مَعي كانَ مُبَدِّدًا. «إِنَّ الرُّوحَ النَّجِس، إِذا خَرَجَ مِنَ الإِنسان، هامَ في القِفارِ يَطلُبُ الرَّاحَةَ فلا يَجِدُها فيَقول: أَرجِعُ إِلى بَيتيَ الَّذي مِنهُ خَرَجْتُ. فيَأتي فَيَجِدُه مَكْنوسًا مُزَيَّنًا. فيَذْهَبُ ويَستَصحِبُ سَبعَةَ أَرواحٍ أَخبَثَ مِنه، فيَدخُلونَ ويُقيمونَ فيه، فتَكونَ حَالَةُ ذٰلكَ الإِنسانِ الأَخيرة أَسوأَ مِن حالَتِه الأُولى». وبَينما هو يَقولُ ذٰلك، إِذا ٱمرَأَةٌ رَفَعَت صَوتَها مِنَ الجَمعِ فقالَت لَه: «طوبى لِلبَطنِ الَّذي حَمَلَكَ، ولِلثَّدْيَيْنِ اللَّذَينِ رَضِعتَهما!» فقال: «بل طوبى لِمَن يَسمَعُ كَلِمَةَ اللهِ ويَحفَظُها!». وٱحتَشَدَتِ الجُموعُ فأَخَذَ يقول: «إِنَّ هٰذا الجِيلَ جيلٌ فاسِدٌ يَطلُبُ آية، ولَن يُعْطى سِوى آيةِ يُونان. فكما كانَ يونانُ آيةً لأَهلِ نِينَوى، فكذٰلِكَ يَكونُ ٱبنُ الإِنسانِ آيَةً لِهٰذا الجيل. مَلِكَةُ التَّيمَنِ تَقومُ يَومَ الدَّينونَةِ مَعَ رِجالِ هٰذا الجيلِ وتَحكُمُ علَيهِم، لأَنَّها جاءَت مِن أَقاصي الأَرضِ لِتَسمَعَ حِكمَةَ سُلَيمان، وهٰهُنا أَعظَمُ مِن سُلَيمان. رِجالُ نِينَوى يَقومونَ يَومَ الدَّينونَةِ مع هٰذا الجيلِ ويَحكُمونَ علَيه، لأَنَّهم تابوا بإِنذارِ يُونان، وهٰهُنا أَعظمُ مِن يُونان. «ما مِن أَحَدٍ يوقِدُ سِراجًا ويضَعُه في مَخْبَأ أَو تَحْتَ المِكْيال، بل على المَنارَة، لِيَستَضيءَ بِه الدَّاخِلون. سِراجُ جَسَدِكَ هُو عَينُكَ. فإِذا كانَت عَينُكَ سَليمة، كانَ جَسدُكَ كُلُّه نَيِّرًا. وأَمَّا إِذا كانَت مَريضة، فجَسَدُكَ كُلُّه يَكونُ مُظلِمًا. فٱنظُرْ هلِ النُّورُ الَّذي فيكَ هو ظَلام. فإِن كانَ جَسَدُكَ كُلُّه نَيِّرًا ولَيسَ فيهِ جانِبٌ مُظلِم، كانَ بِأَجمَعِهِ نَيِّرًا كَما لو أَنارَ لَكَ السِّراجُ بِضَوئِه». وبَينَما هو يَقولُ ذٰلك، دَعاه أَحَدُ الفِرِّيسيِّينَ إِلى الغَداءِ عِندَهُ. فدَخَلَ بَيتَه وجلَسَ لِلطَّعام. ورَأَى الفِرِّيسِيُّ ذٰلك فعَجِبَ مِن أَنَّه لَم يَغتَسِلْ أَوَّلاً قَبلَ الغَداء. فقالَ لَه الرَّبّ: «أَيُّها الفِرِّيسِيُّون، أَنتُمُ الآن تُطَهِّرونَ ظاهِرَ الكَأسِ والصَّحفَة، وباطِنُكم مُمتَلِئٌ نَهْبًا وخُبْثًا. أَيُّها الأَغبِياء، أَلَيسَ الَّذي صَنَعَ الظَّاهِرَ قد صَنَعَ الباطِنَ أَيضًا؟ فتَصَدَّقوا بِما فيهِما، يَكُنْ كُلُّ شَيءٍ لكُم طاهِرًا. ولٰكِنِ الوَيلُ لَكم أَيُّها الفِرِّيسِيُّونَ، فإِنَّكم تُؤَدُّونَ عُشْرَ النَّعنَعِ والسَّذابِ وسائِرِ البُقول، وتُهمِلونَ العَدلَ ومحبَّةَ الله. فهٰذا ما كانَ يَجِبُ أَن تَعمَلوا بِه مِن دونِ أَن تُهمِلوا ذاك. الوَيلُ لَكم أَيُّها الفِرِّيسِيُّون، فإِنَّكم تُحِبُّونَ صَدرَ المَجلِسِ في المَجامِع وتَلَقِّيَ التَّحِيَّاتِ في السَّاحات. الوَيلُ لَكُم، أَنتُم أَشبَهُ بِالقُبورِ الَّتي لا عَلامَةَ علَيها، يَمْشي النَّاسُ علَيها وهُم لا يَعلَمون». فأَجابَه أَحَدُ عُلَماءِ الشَّريعَة: «يا مُعَلِّم، بِقَولِكَ هٰذا تَشتُمُنا نَحنُ أَيضًا». فقال: «الوَيلُ لَكُم أَنتُم أَيضًا يا عُلَماءَ الشَّريعَة، فإِنَّكم تُحَمِّلونَ النَّاسَ أَحمالاً ثَقيلة، وأَنتُم لا تَمَسُّونَ هٰذِهِ الأَحمالَ بإِحْدى أَصابِعِكم. الويلُ لَكُم، فإِنَّكُم تَبْنونَ قُبورَ الأَنبِياء، وآباؤكُم هُمُ الَّذينَ قَتَلوهم. فأَنتُم تَشهَدونَ على أَنَّكم تُوافِقونَ على أَعمالِ آبائِكُم: هُم قَتَلوهُم وأَنتُم تَبْنونَ قُبورَهم. «ولِذٰلِك قالَت حِكمَةُ الله: سأُرسِلُ إِليهِمِ الأَنبِياءَ والرُّسُل، وسيقتُلونَ مِنهُم ويَضطَهِدون، حتَّى يُطالَبَ هٰذا الجيلُ بِدَمِ جَميعِ الأَنبياءِ الَّذي سُفِكَ مُنذُ إِنشاءِ العالَم، مِن دَمِ هابيلَ إِلى دَمِ زَكَرِيَّا الَّذي هَلَكَ بَينَ المَذبَحِ والهَيكَل. أَقولُ لَكُم: أَجَل، إِنَّه سَيُطالَبُ بِه هٰذا الجيل. «الوَيلُ لَكُم يا عُلَماءَ الشَّريعَة، قَدِ ٱستَولَيتُم على مِفتاحِ المَعرِفة، فلم تَدخُلوا أَنتُم، والَّذينَ أَرادوا الدُّخولَ مَنَعتُموهم». فلمَّا خَرَجَ مِن هُناك، بَلَغَ حِقْدُ الكَتَبَةِ والفِرِّيسيِّينَ عَليهِ مَبلغًا شَديدًا، فجعَلوا يَستَدرِجونَه إِلى الكَلامِ على أُمورٍ كَثيرة، وهُم يَنصُبونَ المَكايِدَ لِيَصطادوا مِن فَمِهِ كَلِمَة. وٱجتَمَعَ في أَثناءِ ذٰلِكَ أُلوفٌ مِنَ النَّاس، حتَّى داسَ بَعضُهم بَعضًا، فأَخَذَ يَقولُ لِتلاميذِه أَوَّلاً: «إِيَّاكُم وَخَميرَ الفِرِّيسيِّين، أَي الرِّياء. فما مِن مَستورٍ إِلاَّ سَيُكشَف، وَلا مِن مَكتومٍ إِلاَّ سيُعلَم. فكُلُّ ما قُلتُموه في الظُّلُمات سيُسمَعُ في وَضَحِ النَّهار، وما قُلتُموه في المَخابِئِ هَمْسًا في الأُذُن سَيُنادى بِهِ على السُّطوح. «وأَقولُ لَكم يا أَحِبَّائي، لا تَخافوا الَّذينَ يَقتُلونَ الجَسَد ثُمَّ لا يَستَطيعونَ أَن يَفعَلوا شَيئًا بَعدَ ذٰلك. ولٰكِنَّني سَأُبَيِّنُ لكم مَن تَخافون: خافوا مَن لَه القُدرَةُ بَعدَ القَتْلِ على أَن يُلقِيَ في جَهَنَّم. أَقولُ لَكم: نَعَم، هٰذا خافوه. أَما يُباعُ خَمسَةُ عَصافيرَ بِفَلسَيْن، ومَعَ ذٰلكَ فما مِنها واحِدٌ يَنساهُ الله. بل شَعَرُ رؤوسِكم نَفسُهُ مَعدودٌ بِأَجمَعِه. فلا تخافوا، إِنَّكُم أَثمَنُ مِنَ العَصافيرِ جَميعًا. «وأَقولُ لَكم: كُلُّ مَنْ شَهِدَ لي أَمامَ النَّاسِ، يَشهَدُ لَهُ ٱبنُ الإِنسانِ أَمامَ مَلائِكَةِ الله. ومَن أَنْكَرَني أَمامَ النَّاس، يُنكَرُ أَمامَ مَلائِكَةِ الله. «وكُلُّ مَن قالَ كَلِمَةً على ٱبْنِ الإِنسان يُغفَرُ لَه. وأَمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلَن يُغفَرَ لَه. «وعندَما تُساقونَ إِلى المَجامِعِ والحُكَّامِ وأَصحابِ السُّلطَةِ، فلا يُهِمَّنَّكُم كَيفَ تُدافِعونَ عَنْ أَنفُسِكم أَو ماذا تَقولون، لأَنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يُعَلِّمُكم في تِلكَ السَّاعةِ ما يَجِبُ أَن تَقولوا». فقالَ لَه رَجُلٌ مِنَ الجَمْع: «يا مُعَلِّم، مُرْ أَخي بِأَن يُقاسِمَني الميراث». فقالَ لَه: «يا رَجُل، مَن أَقامَني علَيكُم قاضِيًا أَو قَسَّامًا؟» ثُمَّ قالَ لَهم: «تَبَصَّروا وٱحذَروا كُلَّ طَمَع، لأَنَّ حَياةَ المَرءِ، وإِنِ ٱغْتَنى، لا تَأتيه مِن أَموالِه». ثُمَّ ضَرَبَ لَهم مَثَلاً قال: «رَجُلٌ غَنِيٌّ أَخصَبَت أَرضُه، فقالَ في نَفسِه: ماذا أَعمَل؟ فلَيسَ لي ما أَخزُنُ فيه غِلالي. ثُمَّ قال: أَعمَلُ هٰذا: أَهدِمُ أَهرائي وأَبْني أَكبَرَ مِنها، فأَخزُنُ فيها جَميعَ قَمْحي وأَرْزاقي. وأَقولُ لِنَفْسي: يا نَفْسِ، لَكِ أَرزاقٌ وافِرَة تَكفيكِ مَؤُونَةَ سِنينَ كَثيرة، فَاستَريحي وكُلي واشرَبي وتَنَعَّمي. فقالَ لَه الله: يا غَبِيّ، في هٰذِه اللَّيلَةِ تُستَرَدُّ نَفْسُكَ مِنْكَ، فلِمَن يكونُ ما أَعدَدتَه؟ فهٰكذا يَكونُ مَصيرُ مَن يَكنِزُ لِنَفْسِه ولا يَغتَني عِندَ الله». وقالَ لِتَلاميذِه: «لِذٰلكَ أَقولُ لَكُم: لا يُهِمَّكُم لِلعَيشِ ما تَأكُلون، ولا لِلجَسَدِ ما تَلبَسون، لأَنَّ الحَياةَ أَعظَمُ مِنَ الطَّعام، والجَسَدَ أَعظَمُ مِنَ اللِّباس. أُنظُروا إِلى الغِربانِ كَيفَ لا تَزرَعُ ولا تَحصُد، وما مِن مَخزَنٍ لها ولا هُرْيٍ، واللهُ يَرزُقُها، وكَم أَنتُم أَثمَنُ مِنَ الطُّيور! ومَن مِنكُم يَستَطيعُ، إِذا ٱهتَمَّ، أَن يُضيفَ إِلى حَياتِه مِقدارَ ذِراعٍ واحِدة؟ فإِذا كُنتُم لا تَستَطيعونَ ولا إِلى القَليلِ سَبيلاً، فلِماذا تَكونونَ في هَمٍّ مِن سائِرِ الأُمور؟ أُنظُروا إِلى الزَّنابِقِ كَيفَ لا تَغزِلُ وَلا تَنسُج. أَقولُ لَكُم إِنَّ سُلَيمانَ نَفسَه في كُلِّ مَجدِهِ لَم يَلبَسْ مِثْلَ واحِدَةٍ مِنها. فإِذا كانَ العُشبُ في الحَقْلِ، وهو يُوجَدُ اليَومَ ويُطرَحُ غَدًا في التَّنُّور، يُلبِسُه اللهُ هٰكذا، فما أَحْراكُم بِأَن يُلبِسَكم يا قَليلي الإِيمان؟ فَلا تَطلُبوا أَنتُم ما تَأكُلُونَ أَو ما تَشرَبونَ ولا تَكونوا في قَلَق، فهٰذا كُلُّه يَسْعى إِلَيه وَثَنِيُّو هٰذا العالم، وأَمَّا أَنتُم فأَبوكُم يَعلَمُ أَنَّكم تَحتاجونَ إِلَيه. بلِ ٱطلُبوا مَلَكوتَه تُزادوا ذٰلك. «لا تَخَفْ أَيُّها القَطيعُ الصَّغير، فقد حَسُنَ لدى أَبيكم أَن يُنعِمَ عَليكُم بِالمَلَكوت. بيعوا أَموالَكم وتَصَدَّقوا بِها وٱجعَلوا لَكُم أَكْياسًا لا تَبْلى، وكَنزًا في السَّمٰواتِ لا يَنفَد، حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد. فحَيثُ يَكونُ كَنزُكُم يَكونُ قَلبُكم. «لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة، وكونوا مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم مِنَ العُرس، حتَّى إِذا جاءَ وقَرَعَ البابَ يَفتَحونَ لَه مِن وَقتِهِم. طوبى لأُولٰئِكَ الخَدَمِ الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين. الحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّه يَشُدُّ وَسَطَه ويُجلِسُهُم لِلطَّعام، ويَدورُ علَيهِم يَخدُمُهم. وإِذا جاءَ في الهَزيعِ الثَّاني أَوِ الثَّالِث، ووَجدَهم على هٰذِهِ الحال فَطوبى لَهم. وأَنتُم تَعلَمونَ أَنَّه لو عَرَفَ رَبُّ البَيتِ في أَيَّةِ ساعَةٍ يأتي السَّارِق، لَم يَدَعْ بَيتَه يُنقَب. فكونوا أَنتُم أَيضًا مُستَعِدِّين، فَفي السَّاعَةِ الَّتي لا تَتَوقَّعونَها يَأتي ٱبنُ الإِنسان». فقالَ بُطرس: «يا رَبّ، أَلَنا تَضرِبُ هٰذا المَثَل أَم لِلنَّاسِ جَميعًا؟» فقالَ الرَّبّ: «مَن تُراهُ الوَكيلَ الأَمينَ العاقِلَ الَّذي يُقيمُهُ سَيِّدُه على خَدَمِهِ لِيُعطِيَهم وَجبَتَهُم مِنَ الطَّعامِ في وَقْتِها؟ طوبى لِذٰلِكَ الخادِمِ الَّذي إِذا جاءَ سَيِّدُه وَجَدَه مُنصَرِفًا إِلى عَمَلِهِ هٰذا. الحَقَّ أَقولُ لَكُم إِنَّهُ يُقيمُه على جَميعِ أَموالِه. ولٰكِن إِذا قالَ ذٰلِكَ الخادِمُ في قَلْبِه: إِنَّ سَيِّدي يُبطِئُ في مَجيئِه، وأَخَذَ يَضرِبُ الخدَمَ والخادِمات، ويأكُلُ ويَشرَبُ ويَسكَر، فيَأتي سَيِّدُ ذٰلِكَ الخادِمِ في يَومٍ لا يَتَوَقَّعُه وساعَةٍ لا يَعلَمُها، فيَفصِلُه وَيَجزيهِ جَزاءَ الكافِرين. «فذاكَ الخادِمُ الَّذي عَلِمَ مَشيئَةَ سَيِّدِهِ وما أَعَدَّ شَيئًا، ولا عَمِلَ بِمَشيئَةِ سَيِّدِه، يُضرَبُ ضَربًا كَثيرًا. وأَمَّا الَّذي لم يَعلَمْها، وعَمِلَ ما يَستَوجِبُ بِه الضَّرْب، فيُضرَبُ ضَرْبًا قليلاً. ومَن أُعطِيَ كثيرًا يُطلَبُ مِنهُ الكَثير، ومَن أُودِعَ كثيرًا يُطالَبُ بِأَكثَرَ مِنه. «جِئتُ لأُلقِيَ على الأَرضِ نارًا، وما أَشدَّ رَغْبَتي أَن تَكونَ قدِ ٱشتَعَلَت! وعَلَيَّ أَن أَقبَلَ مَعمودِيَّةً، وما أَشَدَّ ضِيقي حتَّى تَتِمّ! «أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئتُ لأُحِلَّ السَّلامَ في الأَرْض؟ أَقولُ لَكُم: لا، بَلِ الاِنْقِسام. فيَكونُ بَعدَ اليَومِ خَمسَةٌ في بَيتٍ واحِدٍ مُنقَسمين، ثَلاثَةٌ مِنهُم على ٱثنَينِ وٱثنانِ على ثَلاثَة: سيَنقَسِمُ النَّاسُ فيَكونُ الأَبُ على ٱبنِهِ والِٱبنُ على أَبيه، والأُمُّ على بِنتِها والبِنتُ على أُمِّها، والحَماةُ على كَنَّتِها والكَنَّةُ على حَماتِها». وقالَ أَيضًا لِلجُموع: «إِذا رَأَيتُم غَمامَةً تَرتَفِعُ في المَغرِب، قُلتُم مِن وَقتِكم: سَيَنزِلُ المَطَر، فيكونُ كَذٰلك. وإِذا هَبَّتِ الجَنوب قُلتُم: سيَكونُ الجَوُّ حارًّا، فيَكونُ ذٰلك. أَيُّها المُراؤون، تُحسِنونَ تَفَهُّمَ مَنظَرِ الأَرضِ والسَّماء، فكَيفَ لا تُحسِنونَ تَفَهُّمَ الوَقْتِ الحاضِر؟ ولِمَ لا تَحكُمونَ بِالعَدْلِ مِن عِندِكم؟ فإِذا ذَهَبتَ مع خَصمِكَ إِلى الحاكِم، فَٱجتَهِدْ أَن تُنهِيَ أَمْرَكَ معه في الطَّريق، لِئَلاَّ يَسوقَكَ إِلى القاضي، فيُسلِمَكَ القاضي إِلى الشُّرطِيّ، ويُلقِيَكَ الشُّرطِيُّ في السِّجْن. أَقولُ لَكَ: لَن تَخرُجَ مِنه حتَّى تُؤَدِّيَ آخِرَ فَلْس». وفي ذٰلِكَ الوَقتِ حَضَرَ أُناسٌ وأَخبَروهُ خَبَرَ الجَليليِّينَ الَّذينَ خَلَطَ بيلاطُسُ دِماءَهم بِدماءِ ذَبائِحِهِم. فأَجابَهُم: «أَتَظُنُّونَ هٰؤلاءِ الجَليلِيِّينَ أَكبَرَ خَطيئَةً مِن سائِرِ الجَليلِيِّينَ حتَّى أُصيبوا بِذٰلك؟ أَقولُ لَكم: لا، ولٰكِن إِن لم تَتوبوا، تَهلِكوا بِأَجمَعِكُم مِثلَهم. وأُولٰئِكَ الثَّمانِيَةَ عَشَرَ الَّذينَ سَقَطَ عَليهِمِ البُرجُ في سِلْوامَ وقَتَلَهم، أَتَظُنُّونَهم أَكبرَ ذَنْبًا مِن سائِرِ أَهلِ أُورَشَليم؟ أَقولُ لكم: لا، ولٰكِن إِن لم تَتوبوا تَهلِكوا بِأَجمَعِكُم كذٰلِكَ». وضَرَبَ هٰذا المَثَل: «كانَ لِرَجُلٍ تينَةٌ مَغروسَةٌ في كَرمِه، فجاءَ يَطلُبُ ثَمَرًا علَيها فلَم يَجِدْ. فقالَ لِلكَرَّام: «إِنِّي آتي مُنذُ ثَلاثِ سَنَواتٍ إِلى التِّينَةِ هٰذه أَطلُبُ ثَمَرًا علَيها فلا أَجِد، فَٱقطَعْها! لِماذا تُعَطِّلُ الأَرض؟» فأَجابَه: «سَيِّدي، دَعْها هٰذِه السَّنَةَ أَيضًا، حتَّى أَقلِبَ الأَرضَ مِن حَولِها وأُلْقِيَ سَمادًا. فلَرُبَّما تُثمِرُ في العامِ المُقبِل وإِلاَّ فتَقطَعُها». وكانَ يُعَلِّمُ في بَعضِ المَجامِعِ يَومَ السَّبت، وهُناكَ ٱمرَأَةٌ قدِ ٱستَولى علَيها رُوحٌ فَأَمرَضَها مُنذُ ثَمانِيَ عَشْرَةَ سَنَة، فكانَت مُنحَنِيَةَ الظَّهْرِ لا تَستَطيعُ أَن تَنتَصِبَ على الإِطلاق. فرآها يسوعُ فدَعاها وقالَ لَها: «يا ٱمرأَة، أَنتِ مُعافاةٌ مِن مَرَضِكِ». ثُمَّ وَضَعَ يَدَيهِ علَيها، فٱنتَصَبَت مِن وَقْتِها وأَخَذَت تُمَجِّدُ الله. فٱسْتاءَ رَئيسُ المَجمَع، لأَنَّ يسوعَ أَجْرى الشِّفاءَ في السَّبْت، فقالَ لِلجَمع: «هُناكَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَجِبُ العَمَلُ فيها، فتَعالَوا وٱستَشفوا خِلالَها، لا يَومَ السَّبْت». فأَجابَهُ الرَّبّ: «أَيُّها المُراؤون، أَما يَحُلُّ كُلٌّ مِنكُم يومَ السَّبْتِ رِباطَ ثَورِه أَو حِمارِه مِنَ المِذوَد، ويَذهَبُ بِهِ فيَسقيه؟ وهٰذِهِ ٱبنَةُ إِبْراهيمَ قد رَبَطَها الشَّيطانُ مُنذُ ثَمانيَ عَشْرَةَ سَنَة، أَفما كانَ يَجِبُ أَن تُحَلَّ مِن هٰذا الرِّباطِ يَومَ السَّبْت؟» ولَمَّا قالَ ذٰلك، خَزِيَ جَميعُ خُصومِه وٱبتَهَجَ الجَمعُ كُلُّهُ بِجَميعِ الأَعمالِ المَجيدَةِ الَّتي كانَت تَجْري عن يَدِه. وقال: «ماذا يُشبِهُ مَلَكوتُ اللهِ وبِماذا أُشَبِّهُه؟ مَثَلُه كَمَثَلِ حَبَّةِ خَردَلٍ أَخَذَها رَجُلٌ وأَلقاها في بُستانِه، فنَمَت وصارَت شَجَرَةً تُعَشِّشُ طُيورُ السَّماءِ في أَغصانِها». وقالَ أَيضًا: «بِماذا أُشَبِّهُ مَلَكوتَ الله؟ مَثَلُه كَمَثَلِ خَميرَةٍ أَخذَتْها ٱمْرَأَة، فجَعلَتْها في ثَلاثَةِ مَكايِيلَ مِنَ الدَّقيق حتَّى ٱختَمَرَت كُلُّها». وكانَ يَمُرُّ بِالمُدُنِ والقُرى، فيُعَلِّمُ فيها، وهوَ سائِرٌ إِلى أُورَشَليم. فقالَ لَه رَجُل: «يا ربّ، هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟» فقالَ لَهم: إِجتَهِدوا أَن تَدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. أَقولُ لَكم إِنَّ كَثيرًا مِنَ النَّاسِ سَيُحاوِلونَ الدُّخولَ فلا يَستَطيعون. «وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقفَلَ الباب، فَوَقَفتُم في خارِجِهِ وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون: يا رَبُّ ٱفتَحْ لَنا، فيُجيبُكُم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم، حينَئِذٍ تَقولونَ: لَقَد أَكَلْنا وشَرِبْنا أَمامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا. فيَقولُ لَكم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم. إِلَيكُم عَنِّي يا فاعِلي السُّوءِ جَميعًا! فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان، إِذ تَرَونَ إِبراهيمَ وإِسحٰقَ ويعقوبَ وجميعَ الأَنبِياءِ في مَلَكوتِ الله، وتَرَونَ أَنفُسَكُم في خارِجِه مَطرودين. وسَوفَ يَأتي النَّاسُ مِنَ المَشرِقِ والمَغرِب، ومِنَ الشَّمالِ والجَنوب، فيَجلِسونَ على المائِدَةِ في مَلَكوتِ الله. فهُناكَ آخِرونَ يَصيرونَ أَوَّلين وأَوَّلونَ يَصيرونَ آخِرين». في تِلكَ السَّاعة دنا بَعضُ الفِرِّيسِيِّينَ فقالوا له: «أُخرُجْ فَٱذهَبْ مِن هُنا، لأَنَّ هيرودُسَ يُريدُ أَن يَقتُلَكَ». فقالَ لَهم: «إِذهَبوا فقولوا لِهٰذا الثَّعلَب: ها إِنِّي أَطرُدُ الشَّياطين وأُجْري الشِّفاءَ اليَومَ وغَدًا، وفي اليَومِ الثَّالِثِ يَنتَهي أَمري. ولٰكِن يَجِبُ عَلَيَّ أَن أَسيرَ اليَومَ وغَدًا واليَومَ الَّذي بَعدَهما لأَنَّه لا يَنبَغي لِنَبِيٍّ أَن يَهلِكَ في خارِجِ أُورَشَليم. أُورَشَليم أُورَشَليم، يا قاتِلَةَ الأَنبِياء وراجِمَةَ المُرسَلينَ إِليها! كَم مَرَّةٍ أَرَدتُ أَن أَجمَعَ أَبناءَكِ كَما تَجمَعُ الدَّجاجَةُ فِراخَها تَحتَ جَناحَيْها! فلَم تُريدوا. ها هُوَذا بَيتُكُم يُترَكُ لكُم. وإِنِّي أَقولُ لَكُم: لا تَرَونَني حتَّى يَأتيَ يَومٌ تَقولونَ فيه: «تَبارَكَ الآتي بِٱسمِ الرَّبّ!» ودَخَلَ يَومَ السَّبتِ بَيتَ أَحَدِ رُؤَساءِ الفِرِّيسِيِّينَ لِيَتَناوَلَ الطَّعام، وكانوا يُراقِبونَه. وإِذا أَمامَه رَجُلٌ بِه ٱستِسْقاء. فقالَ يَسوعُ لِعُلَماءِ الشَّريعَةِ ولِلفِرِّيسيِّين: «أَيَحِلُّ الشِّفاءُ في السَّبتِ أَم لا؟» فلَم يُجيبوا بِشَيء. فأَخَذَ بِيَدِه وأَبرأَهُ وصَرَفَه. ثُمَّ قالَ لَهم: «مَن مِنكُم يَقَعُ ٱبنُه أَو ثَورُه في بِئرٍ فلا يُخرِجُه مِنها لِوَقتِه يَومَ السَّبت؟» فلَم يَجِدوا جَوابًا عن ذٰلك. وضَرَبَ لِلمَدْعُوِّينَ مَثَلاً، وقد رأَى كَيفَ يَتَخَيَّرونَ المَقاعِدَ الأُولى، قال لَهُم: «إِذا دُعيتَ إِلى عُرْس، فلا تَجلِسْ في المَقعَدِ الأوَّل، فلَرُبَّما دُعِيَ مَن هو أَكرَمُ مِنكَ، فَيَأتي الَّذي دَعاكَ ودَعاه فيقولُ لَكَ: أَخْلِ المَوضِعَ لِهٰذا. فتَقومُ خَجِلاً وتَتَّخِذُ المَوضِعَ الأَخير. ولٰكِن إِذا دُعيتَ فٱمضِ إِلى المَقعَدِ الأَخير، وٱجلِسْ فيه، حتَّى إِذا جاءَ الَّذي دَعاكَ، قالَ لكَ: قُمْ إِلى فَوق، يا أَخي. فيَعظُمُ شَأنُكَ في نَظَرِ جَميعِ جُلَسائِكَ على الطَّعام. فمَن رفَعَ نَفْسَه وُضِع، ومَن وَضَعَ نَفْسَه رُفِع». وقالَ أَيضًا لِلَّذي دَعاه: «إِذا صَنَعتَ غَداءً أَو عَشاءً، فلا تَدْعُ أَصدِقاءَكَ ولا إِخوَتكَ وَلا أَقرِباءَكَ ولا الجيرانَ الأَغنِياء، لِئَلاَّ يَدْعوكَ هُم أَيضًا فتَنالَ المُكافأَة على صنيعِكَ. ولٰكِن إِذا أَقَمتَ مَأدُبَة فٱدعُ الفُقَراءَ والكُسْحانَ والعُرْجانَ والعُمْيان. فطوبى لَكَ إِذ ذاكَ لأَنَّهم لَيسَ بِإِمكانِهِم أَن يُكافِئوكَ فتُكافَأُ في قِيامَةِ الأَبرار». وسَمِعَ ذٰلكَ الكلامَ أَحَدُ الجُلَساءِ على الطَّعام فقالَ لَه: «طوبى لِمَن يَتَناوَلُ الطَّعامَ في مَلَكوتِ الله». فقالَ لَه: «صنَعَ رَجُلٌ عَشاءً فاخِرًا، ودعا إِلَيهِ كَثيرًا مِنَ النَّاس. ثُمَّ أَرسَلَ خادِمَه ساعةَ العَشاءِ يَقولُ لِلمَدعُوِّين: تَعالَوا، فقد أُعِدَّ العَشاء. فجَعلوا كُلُّهم يَعتَذِرونَ الواحِدُ بَعدَ الآخَر. قالَ لَه الأَوَّل: قدِ ٱشتَرَيتُ حَقلاً فلا بُدَّ لي أَن أَذهَبَ فأَراه، أَسأَلُكَ أَن تَعذِرَني. وقالَ آخَر: قدِ ٱشتَرَيتُ خَمسَةَ فَدادين، وأَنا ذاهِبٌ لأُجَرِّبَها، أَسأَلُكَ أَن تَعذِرَني. وقالَ آخَر: قد تَزَوَّجتُ فلا أَستَطيعُ المَجيء. فرَجَعَ الخادِمُ وأَخبَرَ سَيِّدَه بِذٰلِكَ، فغَضِبَ رَبُّ البَيتِ وقالَ لِخادِمِه: أُخْرُجْ على عَجَلٍ إِلى ساحاتِ المَدينَةِ وشوارِعِها، وَأتِ إِلى هُنا بِالفُقَراءِ والكُسْحانِ والعُمْيانِ والعُرْجان. فقالَ الخادِم: سَيّدي، قد أُجرِيَ ما أَمَرتَ بِه ولا يَزالُ هُناكَ مَكانٌ فارِغ. فقالَ السَّيِّدُ لِلخادِم: أُخْرُجْ إِلى الطُّرُقِ والأَماكِنِ المُسَيَّجَة، وأَرْغِمْ مَن فيها على الدُّخول، حَتَّى يَمتَلِئَ بَيتي، فإِنِّي أَقولُ لَكم: لن يَذوقَ عَشائي أَحَدٌ مِن أُولٰئِكَ المَدعُوِّين». وكانت جُموعٌ كثيرَةٌ تَسيرُ مَعَه فَالتَفَتَ وقالَ لَهم: «مَن أَتى إِلَيَّ ولَم يُفَضِّلْني على أَبيهِ وأُمِّهِ وٱمرَأَتِه وبَنيهِ وإِخوَتِهْ، بل على نَفسِه أَيضًا، لا يَستَطيعُ أَن يَكونَ لي تِلميذًا ومَن لم يَحمِلْ صَليبَهُ ويَتبَعْني، لا يَسْتَطيعُ أَن يَكونَ لي تِلميذًا. فمَن مِنكُم، إِذا أَرادَ أَن يَبنِي بُرجًا، لا يَجلِسُ قَبلَ ذٰلِكَ ويَحسُبُ النَّفَقَة، لِيَرى هل بِإِمكانِه أَن يُتِمَّه، مَخافَةَ أَن يَضَعَ الأَساسَ ولا يَقدِرَ على الإتمام، فيأخُذَ جَميعُ النَّاظِرينَ إِلَيه يَسخَرونَ مِنه ويقولون: هٰذا الرَّجُلُ شَرَعَ في بِناءٍ ولَم يَقْدِرْ على إِتْمامِه. أَم أَيُّ مَلِكٍ يَسيرُ إِلى مُحارَبَةِ مَلِكٍ آخَر، ولا يَجلِسُ قَبلَ ذٰلك فيُفَكِّرُ لِيَرى هل يَستَطيعُ أَن يَلْقى بِعَشَرَةِ آلافٍ مَن يَزحَفُ إِلَيه بِعِشرينَ أَلفًا؟ وإِلاَّ أَرسَلَ وَفْدًا، ما دامَ ذٰلك المَلِكُ بَعيدًا عنه، يَسْأَلُه عن شُروطِ الصُّلْح. وهٰكذا كُلُّ واحِدٍ مِنكم لا يَتَخَلَّى عن جَميعِ أَموالِه لا يَستَطيعُ أَن يَكونَ لي تِلْميذًا. «إِنَّ المِلحَ شَيءٌ جَيِّد، ولٰكِن إِذا فَسَدَ المِلحُ نَفْسُه، فأَيُّ شَيءٍ يُطَيِّبُه؟ إِنَّه لا يَصلُحُ لِلأَرضِ ولا لِلزِّبْل، بل يُطرَحُ في خارِجِ الدَّار. مَن كانَ له أُذُنانِ تَسْمَعانِ فَلْيَسمَع!». وكانَ الجُباةُ والخاطِئونَ يَدنونَ مِنه جَميعًا لِيَستَمِعوا إِلَيه. فكانَ الفِرِّيسِيُّونَ والكَتَبَةُ يَتَذَمَّرونَ فيَقولون: «هٰذا الرَّجُلُ يَستَقبِلُ الخاطِئينَ ويَأكُلُ مَعَهم!» فضَرَبَ لَهم هٰذا المَثَلَ قال: «أَيُّ امرِئ مِنكُم إِذا كانَ لَه مائةُ خروف فأَضاعَ واحِدًا مِنها، لا يَترُكُ التِّسعَةَ والتَّسعينَ في البَرِّيَّة، ويَسْعى إِلى الضَّالِ حتَّى يَجِدَه؟ فإِذا وَجدَه حَمَله على كَتِفَيهِ فَرِحًا، ورجَعَ بِه إِلى البَيت ودَعا الأَصدِقاءَ والجيرانَ وقالَ لَهم: إِفرَحوا معي، فَقد وَجَدتُ خَروفيَ الضَّالّ! أَقولُ لَكم: هٰكذا يكونُ الفَرَحُ في السَّماءِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوبُ أَكثَرَ مِنه بِتِسعَةٍ وتِسعينَ مِنَ الأَبرارِ لا يَحتاجونَ إِلى التَّوبَة. «أَم أَيَّةُ ٱمرَأَةٍ إِذا كانَ عِندَها عَشرَةُ دَراهِم، فأَضاعَت دِرهَمًا واحِدًا، لا تُوقِدُ سِراجًا وتَكنُسُ البَيت وتَجِدُّ في البَحثِ عنه حتَّى تَجِدَه؟ فإِذا وَجَدَتهُ دَعَتِ الصَّديقاتِ والجاراتِ وقالت: إِفرَحْنَ معي، فقد وَجَدتُ دِرهَمِيَ الَّذي أَضَعتُه! أَقولُ لَكم: هٰكذا يَفرَحُ مَلائِكَةُ اللهِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوب». وقال: «كانَ لِرَجُلٍ ٱبنان. فقالَ أَصغَرُهما لأَبيه: يا أَبَتِ أَعطِني النَّصيبَ الَّذي يَعودُ علَيَّ مِنَ المال. فقَسَمَ مالَه بَينَهما. وبَعدَ بِضعَةِ أَيَّامٍ جَمَعَ الِٱبنُ الأَصغَرُ كُلَّ شَيءٍ لَه، وسافَرَ إِلى بَلَدٍ بَعيد، فَبدَّدَ مالَه هُناكَ في عيشَةِ إِسراف. فَلَمَّا أَنفَقَ كُلَّ شَيء، أَصابَت ذٰلكَ البَلَدَ مَجاعَةٌ شَديدة، فأَخَذَ يَشْكو العَوَز. ثُمَّ ذَهَبَ فٱلتَحَقَ بِرَجُلٍ مِن أَهلِ ذٰلكَ البَلَد، فأَرسَلَه إِلى حُقولِه يَرْعى الخَنازير. وكانَ يَشتَهي أَن يَملَأَ بَطنَه مِنَ الخُرنوبِ الَّذي كانتِ الخَنازيرُ تَأكُلُه، فلا يُعطيهِ أَحَد. فرَجَعَ إِلى نَفسِه وقال: كم أَجيرٍ لأَبي يَفضُلُ عنه الخُبْزُ وأَنا أَهلِكُ هُنا جُوعًا! أَقومُ وأَمضي إِلى أَبي فأَقولُ لَه: يا أَبَتِ إِنِّي خَطِئتُ إِلى السَّماءِ وإِلَيكَ. ولَستُ أَهْلاً بَعدَ ذٰلك لأَن أُدْعى لَكَ ٱبنًا، فٱجعَلْني كأَحَدِ أُجَرائِكَ. فقامَ ومَضى إِلى أَبيه. وكانَ لم يَزَلْ بَعيدًا إِذ رآه أَبوه، فتَحَرَّكَت أَحْشاؤُه وأَسرَعَ فأَلْقى بِنَفسِه على عُنُقِه وقَبَّلَه طَويلاً. فقالَ لَه الِٱبْن: يا أَبَتِ، إِنِّي خَطِئتُ إِلى السَّماءِ وإِلَيكَ، ولَستُ أَهْلاً بَعدَ ذٰلِكَ لأَن أُدْعى لَكَ ٱبنًا. فقالَ الأَبُ لِخَدَمِه: أَسرِعوا فأتوا بِأَفخَرِ حُلَّةٍ وأَلبِسوه، وٱجعَلوا في إِصبَعِه خاتَمًا وفي قَدَمَيه حِذاءً، وأتوا بِالعِجْلِ المُسَمَّن وٱذبَحوه فنأكُلَ ونَتَنَعَّم، لأَنَّ ٱبنِي هٰذا كانَ مَيتًا فعاش، وكانَ ضالًّا فوُجِد. فأَخذوا يتَنعَّمون. وكانَ ٱبنُه الأَكبَرُ في الحَقْل، فلمَّا رَجَعَ وٱقتَرَبَ مِنَ الدَّار، سَمِعَ غِناءً ورَقْصًا. فدَعا أَحَدَ الخَدَمِ وٱستَخبَرَ ما عَسَى أَن يَكونَ ذٰلك. فقالَ لَه: قَدِمَ أَخوكَ فذَبَحَ أَبوكَ العِجْلَ المُسَمَّن لأَنَّه لَقِيَه سالِمًا. فغَضِبَ وأَبى أَن يَدخُل. فَخَرَجَ إِلَيه أَبوهُ يَسأَلُه أَن يَدخُل، فأَجابَ أَباه: ها إِنِّي أَخدُمُكَ مُنذُ سِنينَ طِوال، وما عَصَيتُ لَكَ أَمرًا قَطّ، فما أَعطَيتَني جَدْيًا واحِدًا لأَتَنَعَّمَ بِه مع أَصدِقائي. ولمَّا قَدِمَ ٱبنُكَ هٰذا الَّذي أَكَلَ مالَكَ مع البَغايا، ذَبَحتَ له العِجْلَ المُسَمَّن! فقالَ له: يا بُنَيَّ، أَنتَ مَعي دائمًا أَبدًا، وجَميعُ ما هو لي فهُو لَكَ. ولٰكِن قد وَجَبَ أَن نَتَنَعَّمَ ونَفرَح، لأَنَّ أَخاكَ هٰذا كانَ مَيتًا فعاش، وكانَ ضالًّا فوُجِد». وقالَ أَيضًا لِتَلاميذِه: «كانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ وكانَ لَه وَكيلٌ فشُكِيَ إِلَيه بِأَنَّه يُبَذِّرُ أَموالَه. فدَعاهُ وقالَ له: ما هٰذا الَّذي أَسمَعُ عَنكَ؟ أَدِّ حِسابَ وَكالَتِكَ، فلا يُمكِنُكَ بَعدَ اليَومِ أَنْ تَكونَ لي وَكيلاً. فقالَ الوَكيلُ في نَفْسِه: ماذا أَعمَل؟ فَإِنَّ سَيِّدي يَستَرِدُّ الوَكالَةَ مِنِّي، وأَنا لا أَقوى على الفِلاحة، وأَخجَلُ بِالِٱستِعطاء. قد عَرفتُ ماذا أَعمَلُ حتَّى إِذا نُزِعتُ عنِ الوَكالَة، يَكونُ هُناكَ مَن يَقبَلونَني في بُيوتِهم. فدَعا مَديني سَيِّدِه واحِدًا بَعدَ الآخَر وقالَ لِلأَوَّل: كم عَليكَ لِسَيِّدي؟ قال: مائةُ كَيْلٍ زَيتًا. فقالَ له: إِلَيكَ صَكَّكَ، فٱجلِسْ وٱكتُبْ على عَجَلٍ: خَمسين. ثُمَّ قالَ لِلآخَر: وأَنتَ كم عَليكَ؟ قال: مائةُ كَيْلٍ قَمحًا. قالَ لَه: إِلَيكَ صَكَّكَ، فَٱكتُبْ: ثَمانين. فأَثْنى السَّيِّدُ على الوَكيلِ الخائِن، لأَنَّه كانَ فَطِنًا في تَصَرُّفِه. وذٰلِكَ أَنَّ أَبناءَ هٰذِه الدُّنْيا أَكثرُ فِطنَةً مع أَشباهِهِم مِن أَبْناءِ النُّور. «وأَنا أَقولُ لَكم: إِتَّخِذوا لَكم أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ، قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة. مَن كانَ أَمينًا على القَليل، كانَ أَمينًا على الكَثيرِ أَيضًا. ومَن كانَ خائِنًا في القَليل كانَ خائِنًا في الكَثيرِ أَيضًا. فَإِذا لم تَكونوا أُمَناء على المالِ الحَرام، فعَلى الخَيرِ الحَقِّ مَن يَأتَمِنُكم؟ وإِذا لم تَكونوا أُمَناءَ على ما لَيسَ لَكم، فمَن يُعطيكُم ما لَكم؟ «ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن، لأَنَّه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلزَمَ أَحَدَهما ويَزدَرِيَ الآخَر. فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا للهٍ ولِلمال». وكانَ الفِرِّيسِيُّونَ، وهُم مُحِبُّونَ لِلمال، يَسمَعونَ هٰذا كُلَّه وَيَهزَأُونَ بِه. فقالَ لَهم: «أَنتُم تُزَكُّونَ أَنفُسَكم في نَظَرِ النَّاس، لٰكِنَّ اللهَ عالِمٌ بِما في قُلوبِكم، لأَنَّ الرَّفيعَ عِندَ النَّاسِ رِجْسٌ في نَظَرِ الله. «دامَ عَهْدُ الشَّريعَةِ والأَنبِياءِ حتَّى يوحَنَّا، ومِن ذٰلكَ الحِينِ يُبَشَّرُ بِمَلكوتِ الله، وكُلُّ ٱمْرِئٍ مُلزَمٌ بِدُخولِه. «لَأَن تَزولَ السَّماءُ والأَرضُ أَيسَرُ مِن أَن تَسقُطَ نُقطَةٌ واحِدَةٌ مِنَ الشَّريعَة. «كُلُّ مَن طَلَّقَ ٱمرَأَتَه وتَزَوَّجَ غَيرَها فقَد زَنى، ومَن تَزَوَّجَ الَّتي طَلَّقَها زَوجُها فقَد زَنى. «كانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلبَسُ الأُرجُوان والكَتَّانَ النَّاعِم، ويَتَنَعَّمُ كُلَّ يَومٍ تَنَعُّمًا فاخِرًا. وكانَ رَجُلٌ فَقيرٌ ٱسمُه لَعازَر مُلْقًى عِندَ بابِهِ قد غَطَّتِ القُروحُ جِسْمَه. وكانَ يَشتَهِي أَن يَشبَعَ مِن فُتاتِ مائِدَةِ الغَنيّ. غَيرَ أَنَّ الكِلابَ كانت تأتي فتَلحَسُ قُروحَه. وماتَ الفَقيرُ فحَمَلَتهُ المَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبراهيم. ثُمَّ ماتَ الغَنِيُّ ودُفِن. فرَفَعَ عَينَيهِ وهوَ في مَثْوى الأَمْواتِ يُقاسي العَذاب، فرأَى إِبْراهيمَ عَن بُعدٍ ولَعازَرَ في أَحضانِه. فنادى: يا أَبتِ إِبراهيمُ ٱرحَمْني فأَرسِلْ لَعازَر لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصبَعِه في الماءِ ويُبَرِّدَ لِساني، فإِنِّي مُعَذَّبٌ في هٰذا اللَّهيب. فقالَ إِبراهيم: يا بُنَيَّ، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلتَ خَيراتِكَ في حَياتِكَ ونالَ لَعازَرُ البَلايا. أَمَّا اليَومَ فهو هٰهُنا يُعزَّى وأَنتَ تُعَذَّب. ومع هٰذا كُلِّه، فبَيننا وبَينَكم أُقيمَت هُوَّةٌ عَميقة، لِكَيلا يَستَطيعَ الَّذينَ يُريدونَ الِٱجتِيازَ مِن هُنا إِلَيكُم أَن يَفعَلوا ولِكَيلا يُعبَرَ مِن هُناكَ إِلَينا. فقال: أَسأَلُكَ إِذًا يا أَبتِ أَن تُرسِلَه إِلى بَيتِ أَبي، فإِنَّ لي خَمسَةَ إِخوَة. فَلْيُنذِرْهُم لِئَلاَّ يَصيروا هُم أَيضًا إِلى مَكانِ العَذابِ هٰذا. فقالَ إِبراهيم: عندَهُم موسى والأَنبِياء، فَلْيَستَمِعوا إِلَيهم. فقال: لا يا أَبَتِ إِبراهيم، ولٰكِن إِذا مَضى إِليهِم واحِدٌ مِنَ الأَمواتِ يَتوبون. فقالَ له: إِن لم يَستَمِعوا إِلى موسى والأَنبِياء، لا يَقتَنِعوا ولو قامَ واحِدٌ مِنَ الأَموات». وقالَ لِتَلاميذِه: «لا مَحالَةَ من وُجودِ أَسْبابِ العَثَرات، ولٰكِنِ الوَيلُ لِمَن تَأتي عن يَدِه. فَلَأَن تُعَلَّقَ الرَّحى في عُنُقِهِ ويُلْقى في البَحر أولى به مِن أَن يَكونَ حَجَرَ عَثرَةٍ لأَحَدِ هٰؤلاءِ الصِّغار. فخُذوا الحَذَرَ لأَنفُسِكم. «إِذا خَطِئَ إِلَيكَ أَخوكَ فوَبِّخْهُ، وإِن تابَ فَٱغفِرْ له. وإِذا خَطِئَ إِلَيكَ سَبعَ مَرَّاتٍ في اليَوم، ورجَعَ إِلَيكَ سَبعَ مَرَّاتٍ فقال: أَنا تائِب، فَٱغفِرْ له». وقالَ الرُّسُلُ لِلرَّبّ: «زِدْنا إِيمانًا». فقالَ الرَّبّ: «إِذا كانَ لَكم إِيمانٌ بِمِقْدارِ حَبَّةِ خَردَل، قُلتُم لِهٰذِه التُّوتَة: إِنقَلِعي وَٱنغَرِسي في البَحر، فَأَطاعَتْكم. «مَن مِنْكُم له خادِمٌ يحرُثُ أَو يَرعى، إِذا رجَعَ مِنَ الحَقْل، يَقولُ له: تَعالَ فَٱجلِسْ لِلطَّعام! أَلا يَقولُ لَه: أَعدِدْ لِيَ العَشاء، وٱشْدُدْ وَسَطَكَ وٱخدُمْني حتَّى آكُلَ وأَشرَب، ثُمَّ تَأكُلُ أَنتَ بَعدَ ذٰلِكَ وتَشرَب؟ أَتُراه يَشكُرُ لِلخادِم أَنَّه فَعَلَ ما أُمِرَ به؟ وهٰكذا أَنتُم، إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه». وبَينَما هو سائِرٌ إِلى أُورَشَليم، مَرَّ بِالسَّامِرَةِ والجَليل. وعِندَ دُخولِه بَعضَ القُرى، لَقِيَه عَشَرَةٌ مِنَ البُرْص، فوقَفوا عن بُعدٍ، ورَفعوا أَصواتَهم قالوا: «رُحْماكَ يا يسوع، أَيُّها المُعَلِّم!» فلَمَّا رآهُم قالَ لَهم: «أُمضُوا إِلى الكَهَنَةِ فَأَرُوهُم أَنفُسَكم». وبَيْنَما هُم ذاهِبونَ بَرِئوا. فلمَّا رأَى واحِدٌ مِنهُم أَنَّه قد بَرِئَ، رجَعَ وهُو يُمَجِّدُ اللهَ بِأَعلى صَوتِه، وسَقَطَ على وَجهِه عِندَ قَدَمَي يَسوعَ يَشكُرُه، وكانَ سامِريًّا. فقالَ يسوع: «أَليسَ العَشَرَةُ قد بَرِئوا؟ فأَينَ التِّسعَة؟ أَما كانَ فيهِم مَن يَرجِعُ ويُمَجِّدُ اللهَ سِوى هٰذا الغَريب؟» ثُمَّ قالَ له: «قُمْ فامضِ، إِيمانُكَ خَلَّصَكَ». وسأَلَه الفِرِّيسِيُّونَ مَتى يَأتي مَلكوتُ الله. فأَجابَهم: «لا يأتي مَلَكوتُ اللهِ على وَجهٍ يُراقَب. ولَن يُقال: ها هُوَذا هُنا، أَو ها هُوَذا هُناك. فها إِنَّ مَلٰكوتَ اللهِ بَينَكم». وقالَ لِلتَّلاميذ: «ستأتي أَيَّامٌ تَشتَهونَ فيها أَن تَرَوا يومًا واحِدًا مِن أَيَّامِ ٱبنِ الإِنسانِ ولَن تَرَوا. وسيُقالُ لَكم: ها هُوَذا هُناك، ها هُوذا هُنا، فلا تَذهَبوا ولا تَندَفِعوا. فكَما أَنَّ البَرقَ يَبرُقُ فيَلمَعُ مِن أُفُقٍ إِلى أُفُقٍ آخَر، فكذٰلِكَ يكونُ ٱبنُ الإِنسانِ يَومَ مَجيئِه. ولٰكِن يَجِبُ عَليهِ قَبلَ ذٰلِكَ أَن يُعانِيَ آلامًا شَديدة، وأَن يَرذُلَه هٰذا الجيل. وكما حدَثَ في أَيَّامِ نوح، فكذٰلِكَ يَحدُثُ في أَيَّامِ ٱبنِ الإِنسان: كانَ النَّاسُ يأكُلونَ ويشرَبون، والرِّجالُ يَتَزَوَّجونَ والنِّساءُ يُزَوَّجْنَ، إِلى يَومَ دخَلَ نُوحٌ السَّفينة، فجاءَ الطُّوفانُ وأَهلَكَهُم أَجمَعين. وكما حَدثَ في أَيَّامِ لُوط، إِذ كانوا يأكُلونَ ويَشرَبون، ويَشتَرونَ وَيَبيعُونَ، ويَغرِسونَ ويَبْنون، ولٰكِن يَومَ خَرَجَ لوطٌ مِن سَدوم، أَمطَرَ اللهُ نارًا وكِبريتًا مِنَ السَّماء فأَهلَكَهم أَجمَعين، فكذٰلِكَ يَكونُ الأَمْرُ يَومَ يَظهَرُ ٱبنُ الإِنسان. فمَن كانَ في ذٰلك اليَومِ على السَّطحِ وأَمتِعَتُه في البيت، فلا يَنزِلْ لِيَأْخُذَها. ومَن كانَ في الحَقْلِ فلا يَرتَدَّ إِلى الوَراء. تذَكَّروا ٱمرَأَةَ لوط! مَن أَرادَ أَن يَحفَظَ حَياتَه يَفقِدُها، ومَن فقَدَ حَياتَه يُخَلِّصُها. أَقولُ لَكم: سيَكونُ في تِلكَ اللَّيلَةِ رَجُلانِ على سَريرٍ واحِد، فَيُقبَضُ أَحَدُهما ويُترَكُ الآخَر. وتَكونُ ٱمرَأَتانِ تَطحَنانِ معًا، فتُقبَضُ إِحداهما وتُترَكُ الأُخرى» فسأَلوه: «أَينَ، يا رَبّ؟» فقالَ لَهم: «حَيثُ تكونُ الجيفَة تَتجمَّعُ النُّسور». وضرَبَ لَهم مَثَلاً في وُجوبِ المُداوَمةِ على الصَّلاةِ مِن غَيرِ مَلَل، قال: «كانَ في إِحدى المُدُنِ قاضٍ لا يَخافُ اللهَ ولا يَهابُ النَّاس. وكانَ في تلكَ المَدينَةِ أَرمَلَةٌ تَأتيهِ فتَقول: أَنصِفْني من خَصْمي. فأَبى علَيها ذٰلِكَ مُدَّةً طَويلة، ثُمَّ قالَ في نَفْسِه: أَنا لا أَخافُ اللهَ ولا أَهابُ النَّاس، ولٰكِنَّ هٰذِه الأَرمَلَةَ تُزعِجُني، فسَأُنصِفُها لِئَلاَّ تَظَلَّ تَأتي وتَصدَعَ رَأسي». ثُمَّ قالَ الرَّبّ: «إِسمَعوا ما قالَ القاضي الظَّالِم. أَفَما يُنصِفُ اللهُ مُختاريهِ الَّذينَ يُنادونَه نهارًا ولَيلاً وهو يَتَمهَّلُ في أَمرِهم؟ أَقولُ لَكم: إِنَّه يُسرِعُ إِلى إِنصافِهم. ولٰكِن، متى جاءَ ٱبنُ الإِنسان، أَفَتُراه يَجِدُ الإِيمانَ على الأَرض؟» وضَرَبَ أَيضًا هٰذا المَثَلَ لِقَومٍ كانوا مُتَيَقِّنين أَنَّهم أَبرار، ويَحتَقِرونَ سائرَ النَّاس: «صَعِدَ رَجُلانِ إِلى الهَيكَلِ لِيُصَلِّيا، أَحَدُهما فِرِّيسيّ والآخَرُ جابٍ. فانتَصَبَ الفِرِّيسيُّ قائِمًا يُصَلِّي فيَقولُ في نَفْسِه: «اللَّهُمَّ، شُكرًا لَكَ لأَنِّي لَستُ كَسائِرِ النَّاسِ السَّرَّاقينَ الظَّالِمينَ الفاسِقين، ولا مِثْلَ هٰذا الجابي. إِنِّي أَصومُ مَرَّتَيْنِ في الأُسبوع، وأُؤَدِّي عُشْرَ كُلِّ ما أَقتَني». أَمَّا الجابي فوَقَفَ بَعيدًا لا يُريدُ أَن يَرفَعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، بل كانَ يَقرَعُ صَدرَهُ ويقول: «اللَّهُمّ ارْحَمْني أَنا الخاطِئ!» أَقولُ لَكم إِنَّ هٰذا نَزَلَ إِلى بَيتِه مَبرورًا وأَمَّا ذاكَ فلا. فكُلُّ مَن رَفَعَ نَفْسَه وُضِعَ، ومَن وَضَعَ نَفْسَه رُفِع». وأَتَوه بِالأَطفالِ أَيضًا لِيَضَعَ يَدَيهِ علَيهِم. فلمَّا رأَى التَّلاميذُ ذٰلِكَ ٱنتَهَروهم. فدَعا يسوعُ الأَطفالَ إِليه وقال: «دَعوا الأَطفالَ يأتونَ إِلَيَّ، لا تَمنَعوهم، فلأَمثالِ هٰؤلاءِ مَلَكوتُ الله. الحَقَّ أَقولُ لكم: مَن لم يَقبَلْ مَلَكوتَ اللهِ مِثْلَ الطِّفْلِ لا يَدْخُلْه. وسأَلَه أَحَدُ الوُجَهاء: «أَيُّها المُعَلِّمُ الصَّالِح، ماذا أَعمَلُ لأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟» فقالَ لَه يسوع: «لِمَ تَدعوني صالِحًا؟ لا صالِحَ إِلاَّ اللهُ وَحدَه. أَنتَ تَعرِفُ الوَصايا: لا تَزْنِ، لا تَقتُلْ، لا تَسرِقْ، لا تَشهَدْ بِالزُّور، أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّكَ». فقال: «هٰذا كُلُّه حَفِظتُه مُنذُ صِباي!» فلَمَّا سَمِعَ يَسوعُ ذٰلِكَ قالَ لَه: «واحِدَةٌ تَنقُصُكَ بَعدُ: بِعْ جَميعَ ما تَملِك ووَزِّعْه على الفُقَراء، فَيكونَ لكَ كَنزٌ في السَّمٰوات، وتَعالَ فَٱتبَعْني». فلمَّا سَمِعَ ذٰلك ٱغتَمَّ لأَنَّه كانَ غَنِيًّا جِدًّا. فلَمَّا رأَى يسوعُ ما كانَ مِنهُ قال: «ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ اللهِ على ذَوي المال. فَلَأَن يَدخُلَ الجَمَلُ في ثَقْبِ الإِبرَة أَيسَرُ مِن أَن يَدخُلَ الغَنِيُّ مَلَكوتَ الله». فقالَ السَّامِعون: «فمَن يَقدِرُ أَن يَخلُص؟» فقال: «ما يُعجِزُ النَّاسَ فإِنَّ اللهَ عَليهِ قَدير». فقالَ لَه بُطرُس: «ها قَد تَرَكْنا نَحنُ ما عِندَنا وتَبِعْناك». فقالَ لَهم: «الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما مِن أَحدٍ تَرَكَ بَيتًا أَوِ ٱمرَأَةً أَو إِخوَةً أَو والِدَينِ أَو بَنينَ مِن أَجْلِ مَلَكوتِ الله، إِلاَّ نالَ في هٰذه الدُّنْيا أَضعافًا، ونالَ في الآخِرَةِ الحَياةَ الأَبَدِيَّة». ومَضى بِالاِثنَيْ عَشَرَ فقالَ لَهم: «ها نَحنُ صاعِدونَ إِلى أُورَشَليم، فَيَتِمُّ جَميعُ ما كَتَبَ الأَنبِياءُ في شأنِ ٱبنِ الإِنسان: فسيُسلَمُ إِلى الوَثَنِيِّين فيَسخَرونَ مِنهُ ويَشتِمونَه، ويَبصُقونَ علَيه، ويَجلِدونَه فيَقتُلونَه، وفي اليومِ الثَّالِثِ يَقوم». فلَم يَفهَموا شَيئًا مِن ذٰلِكَ، وكانَ هٰذا الكَلامُ مُغلَقًا علَيهم، فلَم يُدرِكوا ما قيل. وٱقتَرَبَ مِن أَريحا، وكانَ رَجُلٌ أَعْمى جالِسًا على جانِبِ الطَّريقِ يَستَعطي. فلمَّا سَمِعَ صَوتَ جَمْعٍ يَمُرُّ بِالمَكان، اِستَخبَرَ عن ذٰلك ما عَسى أَن يَكون. فأَخبَروهُ أَنَّ يسوعَ النَّاصِريَّ مارٌّ مِن هُناك. فأَخَذَ يَصيحُ فيَقول: «رُحْماكَ يا يسوعَ ٱبنَ داود!» فٱنتَهَرَه الَّذينَ يَسيرونَ في المُقَدِّمَةِ لِيَسكُت. فصاحَ أَشَدَّ الصِّياحِ قال: «رُحْماكَ يا ٱبنَ داود!» فوقَفَ يسوع وأَمرَ بِأَن يُؤتى بِه. فَلَمَّا دنا سأَلَه: «ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لَكَ؟» فقال: «يا ربّ، أَن أُبصِر». فقالَ له يسوع: «أَبصِرْ، إِيمانُكَ خَلَّصَكَ!» فأَبصَرَ مِن وَقتِه وتَبِعَه وهو يُمَجِّدُ الله، وَرأَى الشَّعبُ بِأَجمَعِه ما جَرى فسَبَّحَ الله. ودَخَلَ أَريحا وأَخَذَ يَجتازُها. فإِذا رَجُلٌ يُدْعى زَكَّا وهو رَئيسٌ لِلجُباةِ غَنِيٌّ قد جاءَ يُحاوِلُ أَن يَرى مَن هُوَ يسوع، فلَم يَستَطِعْ لِكَثرَةِ الزِّحَام، لأَنَّه كانَ قَصيرَ القامة، فتقدَّمَ مُسرِعًا وصَعِدَ جُمَّيزَةً لِيَراه، لأَنَّه أَوشَكَ أَن يَمُرَّ بِها. فلَمَّا وَصَلَ يسوعُ إِلى ذٰلكَ المَكان، رَفَعَ طَرْفَه وقالَ له: «يا زَكَّا ٱنزِلْ على عَجَل، فيَجِبُ عَلَيَّ أَن أُقيمَ اليَومَ في بَيتِكَ». فنَزَلَ على عَجَل وأَضافَه مَسرورًا. فلمَّا رَأَوا ذٰلك قالوا كُلُّهم متذَمِّرين: «دَخَلَ مَنزِلَ رَجُلٍ خاطِئٍ لِيَبيتَ عِندَه!» فوَقَفَ زَكَّا فقال لِلرَّبّ: «يا ربّ، ها إِنِّي أُعْطي الفُقَراءَ نِصفَ أَمْوالي، وإِذا كُنتُ قد ظَلَمتُ أَحدًا شَيئًا، أَرُدُّه علَيهِ أَربَعَةَ أَضْعاف». فقالَ يسوعُ فيه: «اليَومَ حصَلَ الخَلاصُ لِهٰذا البَيت، فهوَ أَيضًا ٱبنُ إِبراهيم. لأَنَّ ٱبْنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه». وبَينما هم يُصْغُونَ إِلى هٰذا الكَلام، أَضافَ إِلَيهِ مَثَلاً لأَنَّهُ قَرُبَ مِن أُورَشَليم، وكانوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكوتَ اللهِ يوشِكُ أَن يَظهَرَ في ذٰلكَ الحين، قال: «ذَهَبَ رَجُلٌ شَريفُ النَّسَبِ إِلى بَلَدٍ بَعيد، لِيَحصُلَ على المُلْكِ ثُمَّ يَعود. فدَعا عَشرَةَ خُدَّامٍ له، وأَعْطاهم عَشرَةَ أَمْناء وقالَ لهم: تاجِروا بِها إِلى أَن أَعود. وكانَ أَهلُ بَلَدِه يُبغِضونَه، فأَرسَلوا وَفْدًا في إِثرِه يَقولون: لا نُريدُ هٰذا مَلِكًا علَينا. فلَمَّا رجَعَ، بَعدَ ما حَصَلَ عَلى المُلْك، أَمَرَ بِأَن يُدْعى هٰؤلاءِ الخَدَمُ الَّذينَ أَعْطاهُمُ المال، لِيَعلَمَ ما بَلَغَ مَكسِبُ كُلٍّ مِنهُم. فمَثَلَ الأَوَّلُ أَمامَه وقال: يا مَولاي، رَبِحَ مَناكَ عَشَرَةَ أَمْناء. فقالَ له: أَحسَنتَ أَيُّها الخادِمُ الصَّالِح، كُنتَ أَمينًا على القَليل، فَلْيَكُنْ لَكَ السُّلطانُ على عَشْرِ مُدُن. وجاءَ الثَّاني فقال: يا مَولاي، رَبِحَ مَناكَ خَمسَةَ أَمْناء. فقالَ لِهٰذا أَيضًا: وأَنتَ كُنْ على خَمسِ مُدُن. وجاءَ الآخَرُ فقال: يا مَولاي، هُوَذا مَناكَ قد حَفِظتُه في مِنْديل لأَنِّي خِفتُكَ، فأَنتَ رَجُلٌ شَديد، تَأخُذُ ما لم تَستَودِعْ وتَحصُدُ ما لم تَزرَع. فقالَ له: بِكَلامِ فَمِكَ أَدينُكَ أَيُّها الخادِمُ الشِّرِّير! عَرَفتَني رَجُلاً شَديدًا، آخُذُ ما لم أَستَودِعْ وأَحصُدُ ما لم أَزرَع، فلِماذا لم تَضَعْ مالي في بَعضِ المَصارِف؟ وكُنتُ في عَودَتي أَستَرِدُّه مع الفائِدة. ثُمَّ قالَ لِلحاضِرين: خُذوا مِنه المَنا وأَعْطوه لِصاحِبِ الأَمْناءِ العَشَرَة. فقالوا له: يا مَولانا، عِندَه عَشرَةُ أَمْناء. أَقولُ لكم: كُلُّ مَن كانَ له شَيءٌ، يُعْطى. ومَن لَيسَ لهُ شَيء، يُنتَزَعُ مِنه حتَّى الَّذي له. أَمَّا أَعدائي أُولٰئِكَ الَّذينَ لم يُريدوني مَلِكًا علَيهِم، فأتوا بِهِم إِلى هُنا، وَٱضرِبوا أَعناقَهم أَمامي». قالَ هٰذا ثُمَّ تَقَدَّمَ صاعِدًا إِلى أُورَشَليم. ولمَّا قَرُبَ مِن بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا عِندَ الجَبلِ الَّذي يُقالُ لَهُ جَبَلُ الزَّيتون، أَرسَلَ ٱثْنَينِ مِن تَلاميذِه، وقالَ لَهما: «إِذهَبا إِلى القَريَةِ الَّتي تِجاهَكُما، تَجِدا عِندَما تَدخُلانِها جَحشًا مَربوطًا ما رَكِبَه أَحَدٌ قَطّ، فَحُلاَّ رِباطَه وأْتِيا بِه. فإِن سأَلَكما سائِل: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَه؟ فقولا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه». فذَهَبَ المُرْسَلانِ فَوَجَدا كما قالَ لَهما. وبَينَما هُما يَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش، قالَ لَهما أَصْحابُه: «لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟» فقالا: «لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِلَيه». فجاءَا بِالجَحْشِ إِلى يسوع، ووضَعا رِدائَيْهما علَيه وأَركَبا يسوع. فَسارَ والنَّاسُ يَبسُطونَ أَردِيَتَهم على الطَّريق. ولمَّا قَرُبَ مِن مُنحَدَرِ جَبَلِ الزَّيتون، أَخذَ جَماعَةُ التَّلاميذِ كُلُّها، وقدِ ٱستَولى عَليهِمِ الفَرَح، يُسَبِّحونَ اللهَ بِأَعلى أَصواتِهِم على جَميعِ ما شاهَدوا مِنَ المُعجِزات، فكانوا يَقولون: «تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ، بِٱسمِ الرَّبّ! السَّلامُ في السَّماء! والمَجدُ في العُلى!». فقالَ له بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ مِنَ الجَمْع: «يا مُعَلِّمُ ٱنتَهِرْ تَلاميذَكَ!» فأَجابَ: «أَقولُ لَكم: لو سَكَتَ هٰؤلاء، لَهَتَفَتِ الحِجارَة!». ولمَّا ٱقتَرَبَ فَرأَى المَدينة بكى علَيها وقالَ: «لَيتَكِ عَرَفتِ أَنتِ أَيضًا في هٰذا اليَومِ طَريقَ السَّلام! ولٰكِنَّه حُجِبَ عن عَينَيكِ. فَسوفَ تأتيكِ أَيَّامٌ يَلُفُّكِ أَعداؤُكِ بِالمَتاريس، ويُحاصِرونَكِ ويُضَيِّقونَ علَيكِ الخِناقَ مِن كُلِّ جِهَة، ويُدَمِّرونَكِ وأَبناءَكِ فيكِ، ولا يَترُكونَ فيكِ حَجَرًا على حَجَر، لأَنَّكِ لم تعرِفي وَقتَ ٱفتِقادِ اللهِ لكِ». ودَخَلَ الهَيكَل فأَخَذَ يَطرُدُ الباعَة ويقولُ لَهم: «مَكتوبٌ: سَيَكونُ بَيتي بَيتَ صَلاة، وأَنتُم جَعلتُموهُ مَغارَةَ لُصوص!» وكانَ يُعَلِّمُ كُلَّ يَومٍ في الهَيكَل، وكانَ عُظماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ يُحاوِلونَ أَن يُهلِكوه، وكذٰلك أَعْيانُ الشَّعب، فلا يَهتَدونَ إِلى ما يَفعَلون، لأَنَّ الشَّعبَ كُلَّه كانَ مولَعًا بِالِٱستِماعِ إِلَيه. وكانَ ذاتَ يَومٍ يُعَلِّمُ الشَّعبَ في الهَيكَلِ ويُبَشِّرُه، فأَقبَلَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ والشُّيوخُ وقالوا لَه: «قُلْ لَنا: بِأَيِّ سُلْطانٍ تَعمَلُ هٰذه الأَعمال؟ بل مَن أَولاكَ هٰذا السُّلْطان؟» فأَجابَهم يسوع: «وأَنا أَسأَلُكم سُؤَالاً واحِدًا، فقولوا لي: أَمِنَ السَّماءِ جاءَت مَعمودِيَّةُ يوحنَّا أَم مِنَ النَّاس؟» فتباحثوا في ما بَينَهم قائلين: «إِن قُلْنا: مِنَ السَّماء، يَقول: فلِماذا لم تؤمِنوا بِه؟ وإِن قُلنا: مِنَ النَّاس، فالشَّعبُ كُلُّه يَرجُمُنا، لأَنَّه مَوقِنٌ أَنَّ يوحَنَّا نَبِيّ». فأَجابوا أَنَّهم لا يَعلَمونَ مِن أَينَ جاءَت. فقالَ لَهم يسوع: «وأَنا لا أَقولُ لَكم بِأَيِّ سُلطانٍ أَعمَلُ هٰذه الأَعمال». وأَخَذَ يَضرِبُ لِلشَّعبِ هٰذا المَثَلَ قال: «غَرَسَ رَجُلٌ كَرْمًا فآجَرَه بَعضَ الكَرَّامين وسافَرَ مُدَّةً طَويلة. فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر، أَرسَلَ خادِمًا إِلى الكَرَّامين، لِيُؤَدُّوا إِلَيهِ نَصيبَه مِن ثَمَرِ الكَرْم، فضَرَبَه الكَرَّامون وصَرَفوهُ فارِغَ اليَدَيْن. فأَرسَلَ خادِمًا آخَر، وذاكَ أَيضًا ضَرَبوه وأَهانوه وصَرَفوه فارِغَ اليَدَيْنِ. فأَرسَلَ خادِمًا ثالِثًا، وذاكَ أَيضًا جرَّحوه وطَرَدوه. فقالَ رَبُّ الكَرْم: «ماذا أَصنَع؟ سَأُرسِلُ ٱبنِيَ الحَبيب لَعَلَّهُم يَهابونَه». فلمَّا رآهُ الكَرَّامونَ تَشاوَروا فيما بَينَهم قائِلين: هُوَذا الوارِث! فَلْنَقْتُلْهُ لِيَعودَ الميراثُ إِلَينا». فأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرمِ وقَتلوه. فماذا يَفعَلُ بِهِم رَبُّ الكَرْم؟ سَيَأتي ويُهلِكُ هٰؤلاءِ الكَرَّامينَ ويُعْطي الكَرْمَ لِآخَرين». فلمَّا سَمِعوا ذٰلكَ قالوا: «حاشَ!» فحَدَّقَ إِلَيهِم وقال: «فما مَعْنى هٰذِه الآية: الحَجَرُ الَّذي رَذَلَه البَنَّاؤون هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. كُلُّ مَن وَقَعَ على ذٰلك الحَجَرِ تَهَشَّم، ومَن وَقَعَ علَيهِ هٰذا الحَجَرُ حطَّمَه»؟ فحاوَلَ الكَتَبَةُ وعُظَماءُ الكَهَنَةِ أَن يَبسُطوا أَيدِيَهُم إِلَيهِ في تِلكَ السَّاعَة، لٰكِنَّهم خافوا الشَّعب، فقَد أَدرَكوا أَنَّه بِهِم عَرَّضَ في هٰذا المَثَل. فتَرصَّدوهُ وأَرسَلوا جَواسيسَ يُظهِرونَ أَنَّهم مِن أَهلِ الوَرَع، لِيَأخُذوه بِكَلِمَة فيُسلِموهُ إِلى قَضاءِ الحاكِمِ وسُلطَتِه. فسأَلوه: «يا مُعَلِّم، نَحنُ نَعلَمُ أَنَّكَ على صَوابٍ في كَلامِكَ وتَعليمِكَ، لا تُحابي أَحدًا، بل تُعَلِّمُ سَبيلَ اللهِ بِالحقّ. أَيَحِلُّ لَنا أَن نَدفَعَ الجِزيَةَ إِلى قَيصَرَ أَم لا؟» ففَطِنَ لِمَكرِهم فقالَ لَهم: «أَرُوني دينارًا! لِمَنِ الصُّورَةُ الَّتي علَيه والكِتابَة؟» فقالوا: «لِقَيصَر». فقالَ لَهم: «أَدُّوا إِذًا لِقَيصَرَ ما لِقَيصَر، وللهِ ما للهٍ». فلَم يستَطيعوا أن يَأخُذُوهُ بِكَلِمَةٍ أَمامَ الشَّعْب، وتَعَجَّبوا مِن جَوابِه فسَكَتوا. ودَنا بَعضُ الصَّدُّوقِيِّين، وهُمُ الَّذينَ يَقولونَ بِأَنَّه لا قِيامَة، فسأَلوه: «يا مُعَلِّم، إِنَّ مُوسى كَتَبَ علَينا: إِذا ماتَ لِٱمرِئٍ أَخٌ لَه ٱمرَأَةٌ ولَيسَ له وَلَد، فَلْيَأخُذْ أَخوهُ المَرْأَةَ ويُقِمْ نَسْلاً لأَخيه. وكانَ هُناكَ سَبعَةُ إِخوَة، فأَخَذَ الأَوَّلُ ٱمْرَأَةً ثُمَّ ماتَ ولَيسَ له ولَد. فأَخذَها الثَّاني ثُمَّ الثَّالِث، وهٰكذا أَخذَها السَّبعَةُ وماتوا ولَم يُخَلِّفوا نَسْلاً. وآخِرَ الأَمْرِ ماتَتِ المَرأَةُ أَيضًا. فَهٰذِه المَرأَةُ في القِيامة لأَيِّهم تَكونُ زَوجَة، لأَنَّ السَّبْعَةَ ٱتَّخَذوها ٱمرَأَةً»؟ فقالَ لَهم يسوع: «إِنَّ الرِّجالَ مِن أَبناءِ هٰذهِ الدُّنْيا يَتَزَوَّجون والنِّساءَ يُزَوَّجْنَ. أَمَّا الَّذينَ وُجِدوا أَهْلاً لأَن يَكونَ لَهم نَصيبٌ في الآخِرَةِ والقِيامةِ مِن بَينِ الأَموات، فَلا الرِّجالُ مِنهُم يَتَزوَّجون، ولا النِّساءُ يُزَوَّجنَ. فلا يُمكِنُ بَعدَ ذٰلك أَن يَموتوا، لأَنَّهُم أَمثالُ المَلائِكَة، وهُم أَبناءُ اللهِ لِكَونِهِم أَبناءَ القِيامَة. وأَمَّا أَنَّ الأَمواتَ يَقومون، فقَد أَشارَ موسى نَفْسُه إِلى ذٰلك في الكَلامِ على العُلَّيقَة، إِذ دعا الرَّبَّ إِلٰهَ إِبراهيم وإِلٰهَ إِسحٰق وإِلٰهَ يَعقوب. فما كانَ إِلٰهَ أَموات، بل إِلٰهُ أَحياء، فهُم جَميعًا عِندَهُ أَحْياء». فأَجابَ بَعضُ الكَتَبَة: «أَحسَنتَ يا مُعَلِّم!» ولَم يَجتَرِئوا بَعدَ ذٰلك أَن يَسأَلوهُ عن شَيء. وقالَ لَهم: «كيفَ يَقولُ النَّاسُ إِنَّ المسيحَ هو ٱبنُ داود؟ فداودُ نَفْسُه يَقولُ في سِفْرِ المَزامير: «قالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: إِجلِسْ عن يَميني حتَّى أَجعَلَ أَعداءَكَ مَوطِئًا لِقَدَمَيكَ». فَداودُ يَدعوهُ رَبًّا، فكيفَ يكونُ ٱبنَه؟». وقالَ لِتَلاميذِه بِمَسمَعٍ مِنَ الشَّعْبِ كُلِّه: «إِيَّاكُم والكَتَبَة، فإِنَّهم يَرغَبونَ في المَشْيِ بِالجُبَب، ويُحِبُّونَ تَلَقِّيَ التَّحِيَّاتِ في السَّاحات، وصُدورَ المَجالِسِ في المَجامِع، والمقاعِدَ الأُولى في المآدِب. يأكُلونَ بُيوتَ الأَرامِل وهُم يُظهِرونَ أَنَّهم يُطيلونَ الصَّلاة. هٰؤلاء سيَنالُهُمُ العِقابُ الأَشَدّ». ورَفَعَ طَرْفَه فرأَى الَّذينَ يُلْقونَ هِباتِهِم في الخِزانة، وكانوا مِنَ الأَغنِياء. ورأَى أَرمَلَةً مِسكينَةً تُلْقي فيها فَلسَين. فقالَ: «بِحَقٍّ أَقولُ لَكُم إِنَّ هٰذِه الأَرمَلَةَ الفَقيرةَ أَلْقَت أَكثَرَ مِنهُم جَميعًا، لأَنَّ هٰؤُلاءِ كُلَّهم أَلقَوا في الهِباتِ مِنَ الفاضِلِ عن حاجاتِهم، وأَمَّا هي فإِنَّها مِن حاجَتِها أَلقَت جَميعَ ما تَملِكُ لِمَعيشَتِها». وقالَ بَعضُهم في الهَيكلِ إِنَّه مُزَيَّنٌ بِالحِجارَةِ الحَسَنَةِ وتُحَفِ النُّذور، فقال: «هٰذا الَّذي تَنظُرونَ إِلَيه سَتأتي أَيَّامٌ لن يُترَكَ مِنه حَجَرٌ على حَجَر مِن غَيرِ أَن يُنقَض». فسأَلوه: «يا مُعَلِّم، ومَتى تَكونُ هٰذه، وما تكونُ العَلامَةُ أَنَّ هٰذِه كُلَّها تُوشِكُ أَن تَحدُث؟» فقال: «إِيَّاكُم أَن يُضِلَّكُم أَحَد! فسَوفَ يأتي كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ مُنتَحِلينَ ٱسمي فيَقولون: أَنا هُو! قد حانَ الوَقْت! فلا تَتبَعوهم. وإِذا سَمِعتُم بِالحُروبِ والفِتَن فلا تَفزَعوا، فَإِنَّه لا بُدَّ مِن حُدوثِها أَوَّلاً، ولٰكِن لا تَكونُ النِّهايَةُ عِندَئِذٍ». ثُمَّ قالَ لَهم: «ستَقومُ أُمَّةٌ على أُمَّة، ومَملَكَةٌ على مَملَكَة، وتَحدُثُ زَلازِلُ شديدة ومَجاعاتٌ وأَوبِئَةٌ في أَماكِنَ كَثيرة، وستَحدُثُ أَيضًا مَخاوفُ تأتي مِنَ السَّماءِ وعَلاماتٌ عظيمة. «وقَبلَ هٰذا كُلِّه يَبسُطُ النَّاسُ أَيدِيَهُم إِلَيكُم، ويَضطَهِدونَكم، ويُسلِمونَكم إِلى المَجامِعِ والسُّجون، وتُساقونَ إِلى المُلوكِ والحُكَّامِ مِن أَجْلِ ٱسمي. فيُتاحُ لَكم أَن تُؤَدُّوا الشَّهادَة. فٱجعَلوا في قُلوبِكم أَن لَيسَ علَيكم أَن تُعِدُّوا الدِّفاعَ عن أَنفُسِكم. فسَأُوتيكم أَنا مِنَ الكَلامِ والحِكَمَةِ ما يَعجِزُ جَميعُ خُصومِكم عَن مُقاوَمَتِه أَوِ الرَّدِّ علَيه. وسيُسلِمُكُمُ الوالِدونَ والإِخوَةُ والأَقارِبُ والأَصدِقاءُ أَنفُسهم، ويُميتونَ أُناسًا مِنكم، ويُبغِضُكُم جَميعُ النَّاسِ مِن أَجْلِ ٱسمي. ولَن تُفقَدَ شَعْرَةٌ مِن رُؤُوسِكم. إِنَّكم بِثَباتِكُم تَكتَسِبونَ أَنفُسَكم. «فَإِذا رَأَيتُم أُورَشَليمَ قد حاصَرتْها الجُيوش، فٱعلَموا أَنَّ خَرابَها قدِ ٱقتَرَبَ. فمَن كانَ يَومَئِذٍ في اليَهودِيَّة فَلْيَهْرُبْ إِلى الجِبال، ومَن كانَ في وَسَطِ المَدينَة فَلْيَخْرُجْ مِنها، ومَن كانَ في الحُقول فلا يَدخُلْها، لأَنَّ هٰذِه الأَيَّامَ أَيَّامُ نِقمَةٍ يَتِمُّ فيها جَميعُ ما كُتِب. الوَيلُ لِلحَوامِلِ والمُرضِعاتِ في تِلكَ الأَيَّام، فَسَتنزِلُ الشِّدَّةُ بِهٰذا البَلَد ويَنزِلُ الغَضَبُ على هٰذا الشَّعْب، فيَسقُطونَ قَتْلى بِحَدِّ السَّيف ويُؤخَذونَ أَسْرى إِلى جَميعِ الأُمَم، وتَدوسُ أُورَشَليمَ أَقدامُ الوَثَنيِّينَ إِلى أَن يَنقَضيَ عَهْدُ الوَثَنِيِّين. «وسَتَظهَرُ عَلاماتٌ في الشَّمسِ والقَمرِ والنُّجوم، ويَنالُ الأُمَمَ كَرْبٌ في الأَرضِ وقَلَقٌ مِن عَجيجِ البَحرِ وجَيَشانِه، وتَزهَقُ نُفوسُ النَّاسِ مِنَ الخَوف ومِن تَوَقُّعِ ما يَنزِلُ بِالعالَم، لأَنَّ أَجرامَ السَّماءِ تَتَزَعزَع، وحينَئذٍ يَرى النَّاسُ ٱبنَ الإِنسانِ آتِيًا في الغَمام في تَمامِ العِزَّةِ والجَلال. وإِذا أَخذَت تَحدُثُ هٰذِه الأُمور، فٱنتَصِبوا قائمين وَٱرفَعوا رُؤُوسَكُم لأَنَّ ٱفتِداءَكم يَقتَرِب». وضَرَبَ لَهم مَثَلاً قال: «ٱنظُروا إِلى التِّينَةِ وسائِرِ الأَشجار. فما إِن تُخرِجُ بَراعِمَها حتَّى تَعرِفوا بِأَنفُسِكم مِن نَظَرِكم إِلَيها أَنَّ الصَّيفَ قَريب. وكَذٰلِكَ أَنتُم إِذا رَأَيتُم هٰذِه الأُمورَ تَحدُث، فٱعلَموا أَنَّ مَلكوتَ اللهِ قَريب. الحَقَّ أَقولُ لَكم: لَن يَزولَ هٰذا الجيل حَتَّى يَحدُثَ كُلُّ شَيء. السَّماءُ والأَرضُ تَزولانِ وكَلامي لن يَزول. «فٱحذَروا أَن يُثقِلَ قُلوبَكُمُ القُصوفُ والسُّكْرُ وهُمومُ الحَياةِ الدُّنيا، فَيُباغِتَكم ذٰلِكَ اليَومُ كأَنَّه الفَخّ، لأَنَّه يُطبِقُ على جَميعِ مَن يَسْكُنونَ وَجهَ الأَرضِ كُلِّها. فٱسهَروا مُواظِبينَ على الصَّلاة، لكي توجَدوا أَهْلاً لِلنَّجاةِ مِن جَميعِ هٰذه الأُمورِ الَّتي ستَحدُث، ولِلثَّباتِ لَدى ٱبنِ الإِنْسان». وكانَ في النَّهارِ يُعَلِّمُ في الهَيكَل، ثُمَّ يَخرُجُ فيَبيتُ لَيلاً في الجَبَلِ الَّذي يُقالُ لَه جَبَلُ الزَّيتون. وكانَ الشَّعبُ كُلُّه يأتي إِلَيه بُكرَةً في الهَيكَلِ لِيَستَمِعَ إِلَيه. وقَرُبَ عيدُ الفَطيرِ الَّذي يُقالُ له الفِصْح. وكانَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ يَبحَثونَ كَيفَ يَقتُلونَ يَسوع، لأَنَّهم كانوا يَخافونَ الشَّعب. فدَخَلَ الشَّيطانُ في يَهوذا المَعْروفِ بِالإِسْخَرْيوطِيّ، وهو مِن جُملَةِ الاِثنَيْ عَشَر. فمَضى وفاوَضَ عُظَماءَ الكَهَنَةِ وقادَةَ الحَرَس لِيَرى كَيفَ يُسلِمُه إِلَيهم. ففَرِحوا وَٱتَّفَقوا أَن يُعطُوهُ شَيئًا مِنَ الفِضَّة. فَرَضِيَ وأَخَذَ يَتَرَقَّبُ فُرصَةً لِيُسلِمَهُ إِلَيهِم بِمَعزِلٍ عنِ الجَمْع. وجاءَ يَومُ الفَطير، وفيه يَجِبُ ذَبْحُ حَمَلِ الفِصْح. فأَرسَلَ بُطرُسَ ويوحَنَّا وقالَ لَهما: «إِذهَبا فأَعِدَّا لَنا الفِصْحَ لِنَأكُلَه». فقالا له: «أَينَ تُريدُ أَن نُعِدَّه؟» فقالَ لَهما: «إِذا دَخَلتُما المَدينة يَلقاكُما رَجُلٌ يَحمِلُ جَرَّةَ ماء، فَٱتبَعاهُ إِلى البَيتِ الَّذي يَدخُلُه، وقولا لِرَبِّ البَيت: يقولُ المُعَلِّم: أَينَ الغُرفَةُ الَّتي آكُلُ فيها الفِصْحَ مع تَلاميذي؟ فيُريكُما عُلِّيَّةً كَبيرةً مَفروشَة، فَأَعِدَّاهُ هُناكَ». فذَهَبا فوَجَدا كَما قالَ لَهما، فَأَعَدَّا الفِصْح. فلمَّا أَتَتِ السَّاعة جلَسَ هو وَالرُّسُلُ لِلطَّعام. فقالَ لَهم: «إِشتَهَيتُ شَهْوَةً شديدةً أَن آكُلَ هٰذا الفِصْحَ مَعَكم قَبلَ أَن أَتأَلَّم. فإِنِّي أَقولُ لَكم: لا آكُلُه بعدَ اليَومِ حتَّى يَتِمَّ في مَلَكوتِ الله». ثُمَّ تَناوَلَ كأسًا وشَكَرَ وقال: «خُذوا هٰذا وٱقتَسِموهُ بَينَكم، فإِنِّي أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ اليَومِ مِن عَصيرِ الكَرمَةِ حتَّى يَأتيَ مَلَكوتُ الله». ثُمَّ أَخَذَ خُبْزًا وشَكَرَ وكَسَرَه وناوَلَهُم إِيَّاهُ وقال: «هٰذا هو جَسَدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم. إِصنَعوا هٰذا لِذِكْري». وصَنَعَ مِثلَ ذٰلكَ على الكأسِ بَعدَ العَشاءِ فقال: «هٰذِه الكَأسُ هي العَهدُ الجَديدُ بِدمي الَّذي يُراقُ مِن أَجْلِكم. «ومع ذٰلك فها إِنَّ يَدَ الَّذي يُسلِمُني هي على المائِدَةِ مَعي، فٱبنُ الإِنْسانِ ماضٍ كما قُضِيَ بِذٰلِكَ، ولٰكِنِ الوَيلُ لِذٰلِكَ الإِنْسانِ الَّذي يُسلَمُ عن يَدِه!» فأَخَذوا يَتَساءَلونَ مَن تُراهُ مِنهُم يَفعَلُ ذٰلك. ووَقَعَ بَينَهم جِدالٌ في مَن يُعَدُّ أَكبَرَهم. فقالَ لَهم: «إِنَّ مُلوكَ الأُمَم يَسودونَها، وَأَصحابَ السُّلطَةِ فيها يُريدونَ أَن يُدْعَوا مُحسِنين. أَمَّا أَنتُم فلَيسَ الأَمْرُ فيكُم كذٰلِكَ، بل لِيَكُنِ الأَكبَرُ فيكم كأَنَّه الأَصغَر، والمُتَرَئِّسُ كأَنَّه الخادم. فمَنِ الأَكبَر؟ أَمَن جَلَسَ لِلطَّعام أَمِ الَّذي يَخدُم؟ أَما هو الجالِسُ لِلطَّعام؟ ومع ذٰلك فأَنا بَينَكم كالَّذي يَخدُم. أَنتُمُ الَّذينَ ثَبَتوا مَعي في مِحَني، وأَنا أُوصِي لَكم بِالمَلَكوت كَما أَوصى لي أَبي به، فتَأكُلونَ وتَشرَبونَ على مائدتي في مَلكوتي، وتَجلِسونَ على العُروشِ لِتَدينوا أَسْباطَ إِسرائيلَ الاِثْنَي عَشَر». وقالَ الرَّبّ: «سِمعان سِمعان، هُوَذا الشَّيطانُ قد طَلَبكُم لِيُغَربِلَكُم كَما تُغَربَلُ الحِنطَة. ولكِنِّي دَعَوتُ لَكَ أَلاَّ تَفقِدَ إِيمانَكَ. وأَنتَ ثَبِّتْ إِخوانَكَ متى رَجَعْتَ». فقالَ لَه: «يا رَبّ، إِنِّي لَعازِمٌ أَن أَمضِيَ مَعَكَ إِلى السِّجْنِ وإِلى المَوت». فأَجابَه: «أَقولُ لَكَ يا بُطرُس: لا يَصيحُ الدِّيكُ اليَومَ حتَّى تُنكِرَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَعرِفُني». وقالَ لَهم: «حينَ أَرسَلتُكُم بلا كيسِ دَراهِم ولا مِزوَدٍ ولا حِذاء، فهَل أَعوَزَكم شَيء؟» قالوا: «لا». فقالَ لَهم: «أَمَّا الآن فَمَن كانَ عِندَه كِيسُ دَراهِم فَلْيَأخُذْهُ. وكذٰلك مَن كانَ عِندَه مِزوَد. ومَن لم يَكُنْ عِندَه سَيف فَلْيَبِعْ رِداءَهُ ويَشتَرِه. فإِنِّي أَقولُ لكم: يَجِبُ أَن تَتِمَّ فيَّ هٰذِه الآية: وأُحصِيَ مع المُجرِمين. فإِنَّ أَمْري يَنتَهي». فقالوا: «يا ربّ، هٰهُنا سَيفان». فقالَ لَهم: «كَفى». ثُمَّ خَرَجَ فذَهَبَ على عادتِه إِلى جَبَلِ الزَّيتون، وتبعَه تَلاميذُه. ولَمَّا وَصَلَ إِلى ذٰلكَ المَكان قالَ لَهم: «صلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبَة». ثُمَّ ٱبتَعَدَ عَنهُم مِقدارَ رَميَةِ حَجَر وَجَثا يُصَلِّي فيَقول: «يا أَبَتِ، إِن شِئْتَ فَٱصرِفْ عَنِّي هٰذِه الكَأس... ولٰكِن لا مَشيئَتي، بل مَشيئَتُكَ!» وتَراءَى له مَلاكٌ مِنَ السَّماءِ يُشَدِّدُ عَزيمَتَه. وأَخذَه الجَهْدُ فأَمعَنَ في الصَّلاة، وصارَ عَرَقُه كَقَطَراتِ دَمٍ مُتَخَثِّرٍ تَتَساقَطُ على الأَرض. ثُمَّ قامَ عنِ الصَّلاة فرَجَعَ إِلى تَلاميذِه، فوَجَدَهم نائمينَ مِنَ الحُزْن. فقالَ لَهم: «ما بالُكُم نائِمين؟ قُوموا فصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبَة». وبَينَما هو يَتَكَلَّم إِذا عِصابَةٌ يَتَقَدَّمُها المَدعُوُّ يَهوذا أَحَدُ الاِثنَي عَشَر، فدَنا مِن يسوعَ لِيُقَبِّلَه. فقال لَه يسوع: «يا يَهوذا، أَبِقُبلَةٍ تُسلِمُ ٱبنَ الإِنسان؟» فلَمَّا رأَى الَّذينَ حَولَه ما أَوشَكَ أَن يَحدُثَ قالوا: «يا ربّ، أَنَضرِبُ بِالسَّيف؟» وضَرَبَ أَحَدُهم خادِمَ عَظيمِ الكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذُنَه اليُمْنى. فأَجابَ يسوع: «دَعوهم! كفى!». ولَمَسَ أُذُنَه فأَبرأَهُ. ثُمَّ قالَ يسوعُ لِلَّذينَ قَصَدوا إِلَيه مِن عُظَماءِ الكَهَنَةِ وقادَةِ حَرَسِ الهَيكَلِ والشُّيوخ: «أَعلى لِصٍّ خَرَجتُم تَحمِلونَ السُّيوفَ والعِصِيّ؟ كُنتُ كُلَّ يَومٍ مَعَكم في الهَيكَل، فلَم تَبسُطوا أَيدِيكُم إِليَّ، ولٰكِن هٰذه ساعتُكم! وهٰذا سُلطانُ الظَّلام!» فقَبَضوا علَيهِ وساقوهُ فدَخلوا بِه دارَ عَظيمِ الكَهَنَة، وكانَ بُطرُسُ يَتبَعُ عن بُعْد. وأَوقَدوا نارًا في ساحَةِ الدَّارِ في وَسَطِها، وقَعَدوا مَعًا وقَعَدَ بُطرُسُ بَينَهم. فرَأَتهُ جارِيَةٌ قاعِدًا عِندَ اللَّهَب، فتَفَرَّسَت فيه وقالَت «وهٰذا أَيضًا كانَ معَه!» فأَنكَرَ قال: «يا ٱمْرَأَة، إِنِّي لا أَعرِفُه». وبَعدَ قَليلٍ رآهُ رَجُلٌ فقال: «أَنتَ أَيضًا مِنهُم!» فقالَ بُطرُس: «يا رَجُل، لَستُ مِنهُم». ومَضى نَحوُ ساعة فقال آخَرُ مُؤَكِّدًا: «حَقًّا، هٰذا أَيضًا كانَ معَهُ، فهو جَليليّ». فقالَ بُطرُس: «يا رَجُل، لا أَدْري ما تَقول». وبَينَما هو يَتَكَلَّم، إِذا بِديكٍ يصيح. فٱلتَفَتَ الرَّبُّ ونظَرَ إِلى بُطرُس، فتذَكَّرَ بُطرُسُ كَلامَ الرَّبِّ إِذ قالَ له: «قَبلَ أَن يَصيحَ الدِّيكُ اليَوم، تُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات». فخَرَجَ مِنَ الدَّارِ وبَكى بُكاءً مُرًّا. وكانَ الرِّجالُ الَّذينَ يَحرُسونَ يسوع يَسخَرونَ مِنهُ ويَضرِبونَهُ ويُقَنِّعونَ وَجهَه فيَسأَلونَه: «تَنَبَّأْ! مَن ضربَكَ؟» وأَوسَعوهُ غَيرَ ذٰلكَ مِنَ الشَّتائِم. ولمَّا طَلَعَ الصَّباحُ، اِحتَشَدَت جَماعَةُ شُيوخِ الشَّعْبِ مِن عُظَماءِ كَهَنَةٍ وكَتَبَة، فَٱستَحضَروهُ إِلى مَجلِسِهِم وقالوا: «إِن كُنتَ المَسيح فقُلْ لَنا!» فقالَ لَهم: «لو قُلتُ لَكُم لَما صَدَّقتُم، ولَو سَأَلتُكُم لَما أَجَبتُم. ولٰكنَّ ٱبْنَ الإِنْسانِ سيَجلِسُ بَعدَ اليَومِ عن يَمينِ اللهِ القَدير». فقالوا جَميعًا: «أَفأَنتَ ٱبنُ اللهِ إِذًا؟» فقالَ لَهم: «أَنتُم تَقولونَ إِنِّي هو»، فقالوا: «ما حاجَتُنا بَعدَ ذٰلك إِلى الشَّهادَة؟ فقد سَمِعْنا نَحنُ بِأَنفُسِنا كلامًا مِن فَمِه». ثُمَّ قامَت جَماعَتُهم كُلُّها فساقوه إِلى بيلاطُس وأَخذوا يَتَّهِمونَهُ قالوا: «وَجَدْنا هٰذا الرَّجُلَ يَفتِنُ أَمَّتَنا، ويَنهى عَن دَفْعِ الجِزيَةِ إِلى قَيصَر، ويَقولُ إِنَّهُ المسيحُ المَلِك». فسأَلَه بيلاطُس: «أَأَنتَ مَلِكُ اليَهود؟» فأَجابَ: «هو ما تقول». فقالَ بيلاطُسُ لِعُظَماءِ الكَهَنَةِ والجُموع: «لا أَجِدُ في هٰذا الرَّجُلِ سَبَبًا لِٱتِّهامِه». فقالوا مُلِحِّين: «إِنَّهُ يُثيرُ الشَّعبَ بِتَعليمِه في اليَهودِيَّةِ كُلِّها، مِنَ الجَليلِ إِلى هٰهُنا». فلمَّا سَمِعَ بيلاطُس سأَلَ هَلِ الرَّجُلُ جَليليّ. فلمَّا عَرَفَ أَنَّه مِن وِلايَةِ هيرودُس أَرسَلَه إِلى هيرودُس، وكانَ هو أَيضًا في أُورَشَليمَ في تلك الأَيَّام. فلمَّا رأَى هيرودُسُ يسوع سُرَّ سُرورًا عَظيمًا، لأَنَّه كانَ يَتَمَنَّى مِن زَمَنٍ بَعيدٍ أَن يَراهُ لِما يَسمَعُ عَنه، ويَرْجو أَن يَشهَدَ آيَةً يَأتي بِها. فسأَلَه بِكَلامٍ كَثير، أَمَّا هو فلَم يُجِبْهُ بِشَيء. وكانَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ يَتَّهِمونَهُ بِعُنف. فٱحتَقَره هيرودُسُ وجُنودُه، وسَخِرَ مِنهُ فأَلبَسَه ثَوبًا بَرَّاقًا، ورَدَّه إِلى بيلاطُس. وتَصادَقَ هيرودُسُ وبيلاطُسُ يَومَئِذٍ وكانا قَبْلاً مُتَعادِيَيْن. فدَعا بيلاطُسُ عُظَماءَ الكَهَنَةِ والرُّؤَساءَ والشَّعب وقالَ لَهم: «أَحضَرتُم لَدَيَّ هٰذا الرَّجُلَ على أَنَّهُ يَفتِنُ الشَّعْب. وها قد حَقَّقتُ في الأَمرِ بِمَحضَرٍ مِنكُم، فلَم أَجِدْ على هٰذا الرَّجُلِ شيئًا مِمَّا تَتَّهِمونَه بِه، ولا هيرودُس، لأَنَّه رَدَّهُ إِلَينا. فهُوَ إِذًا لم يَفعَلْ ما يَستَوجِبُ بِه المَوت فسأُعاقِبُه ثُمَّ أُطلِقُه». فصاحوا بِأَجمَعِهِم: «أَعْدِمْ هٰذا وأَطلِقْ لَنا بَرأَبَّا!» وكانَ ذاك قد أُلقِيَ في السِّجْنِ لِفِتنَةٍ حَدَثَت في المدينة وجَريمَةِ قَتْل. فخاطَبَهُم بيلاطُسُ ثانِيَةً لِرَغْبَتِه في إِطلاقِ يسوع. فصاحوا: «إِصلِبْهُ، ٱصلِبْه!» فقالَ لَهم ثالثةً: «فأَيَّ شَرٍّ فَعَلَ هٰذا الرَّجُل؟ لم أَجِدْ سَبَبًا يَستَوجِبُ بِه الموت، فسأُعاقِبُه ثُمَّ أُطلِقُه». فأَلَحُّوا علَيهِ بِأَعلى أَصواتِهِم طالِبينَ أَن يُصلَب، وَٱشتَدَّ صِياحُهم. فقَضى بيلاطُسُ بِإِجابَةِ طَلَبِهم. فأَطلَقَ مَن كانَ قد أُلقِيَ في السِّجنِ لِفِتنَةٍ وجريمةِ قَتْل، ذاكَ الَّذي طَلَبوه، وأَسلَمَ يسوعَ إِلى مَشيئَتِهم. وبَينما هم ذاهبونَ بِه، أَمسكوا سِمعان، وهو رَجُلٌ قِيرينيٌّ كانَ آتِيًا مِنَ الرِّيف، فجَعَلوا علَيهِ الصَّليبَ لِيَحمِلَه خَلْفَ يَسوع. وتَبِعَه جَمعٌ كثيرٌ مِنَ الشَّعب، ومِن نِساءٍ كُنَّ يَضرِبنَ الصُّدورَ ويَنُحنَ علَيه. فٱلتَفَتَ يَسوعُ إِليهِنَّ فقال: «يا بَناتِ أُورَشَليمَ، لا تَبكِينَ عَليَّ، بلِ ٱبكِينَ على أَنفُسِكُنَّ وعلى أَولادِكُنَّ. فها هي ذي أَيَّامٌ تَأتي يقولُ النَّاسُ فيها: طوبى للعواقِرِ والبُطونِ الَّتي لم تَلِدْ، والثُّدِيِّ الَّتي لم تُرضِعْ. وعِندَئِذٍ يأخُذُ النَّاسُ يَقولونَ لِلجِبال: أُسقُطي علَينا، ولِلتِّلالِ: غَطِّينا. فإِذا كانَ يُفعَلُ ذٰلك بِالشَّجَرَةِ الخَضْراء، فأَيًّا يَكونُ مَصيرُ الشَّجَرَةِ اليابِسة؟» وسيقَ أَيضًا آخَرانِ مُجرِمانِ لِيُقتَلا معَه. ولمَّا وَصَلوا إِلى المَكانِ المَعروفِ بالجُمجُمة، صَلَبوهُ فيهِ والمُجرِمَيْن، أَحَدُهما عنِ اليَمينِ والآخَرُ عَنِ الشِّمال. فقالَ يسوع: «يا أَبَتِ ٱغفِرْ لَهم، لأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون». ثُمَّ ٱقتَسموا ثِيابَه مُقتَرِعينَ علَيها. ووقَفَ الشَّعْبُ هُناكَ يَنظُر، والرُّؤَساءُ يَهزَأُونَ فيقولون: «خَلَّصَ غَيرَهُ فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَه، إِن كانَ مَسيحَ اللهِ المُختار!» وسَخِرَ مِنه الجُنودُ أَيضًا، فدَنَوا وقرَّبوا إِلَيه خَلًّا وقالوا: «إِن كُنتَ مَلِكَ اليَهود فخَلِّصْ نَفْسَكَ!» وكانَ أَيضًا فَوقَه كِتابَةٌ خُطَّ فيها: «هٰذا مَلِكُ اليَهود». وأَخَذَ أَحَدُ المُجرِمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ يَشتُمُه فيَقول: «أَلستَ المَسيح؟ فخَلِّصْ نَفْسَكَ وخَلِّصْنا!» فٱنتَهَرَه الآخَرُ قال: «أَوَما تَخافُ الله وأَنتَ تُعاني العِقابَ نَفْسَه! أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لأَنَّنا نَلْقى ما تَستَوجِبُه أَعْمالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءًا». ثُمَّ قال: «أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ». فقالَ لَه: «الحَقَّ أَقولُ لَكَ: ستَكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس». وكانَتِ السَّاعَةُ نَحوَ الظُّهر، فخَيَّمَ الظَّلامُ على الأَرضِ كُلِّها حتَّى الثَّالِثَة، لأَنَّ الشَّمسَ قدِ ٱحتَجَبَت. وٱنشَقَّ حِجابُ المَقدِسِ مِنَ الوَسَط. فصاحَ يسوعُ بِأَعلى صَوتِه قال: «يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!» قالَ هٰذا ولَفَظَ الرُّوح. فَلَمَّا رأَى قائِدُ المائَةِ ما حَدَثَ، مَجَّدَ اللهَ وقال: «حَقًّا هٰذا الرَّجُلُ كانَ بارًّا!» وكذٰلِكَ الجَماهيرُ الَّتي ٱحتَشَدَت، لِترى ذٰلكَ المَشهَد فعايَنَت ما حَدَث، رَجَعَت جَميعًا وهي تَقرَعُ الصُّدور. ووَقَفَ عن بُعدٍ جميعُ أَصدِقائِه والنِّسوَةُ اللَّواتي تَبِعنَهُ مِنَ الجَليل، وكانوا يَنظُرونَ إِلى تِلكَ الأُمور. وجاءَ رَجُلٌ ٱسمُه يوسُف، وهو عُضْوٌ في المَجلِس، وٱمرُؤٌ صالِحٌ بارٌّ لم يُوافِقْهم على قَصْدِهِم ولا عَمَلِهم، وكانَ مِنَ الرَّامَة وهي مَدينةٌ لِليَهود، وكانَ يَنتَظِرُ مَلَكوتَ الله، فذَهَبَ إِلى بيلاطُس وطلَبَ جُثْمانَ يسوع. ثُمَّ أَنزَلَه عنَ الصَّليبِ ولَفَّه في كَتَّان، ووَضَعَهُ في قَبرٍ حُفِرَ في الصَّخرِ لم يَكُنْ قد وُضِعَ فيهِ أَحَد. وكانَ اليَومُ يَومَ التَّهْيِئَة وقد بَدَت أَضواءُ السَّبْت. وكانَ النِّسوَةُ اللَّواتي جِئنَ مِنَ الجَليلِ مَعَ يسوع يَتبَعنَ يوسُف، فأَبصَرنَ القَبْرَ وكَيفَ وُضِعَ فيهِ جُثمانُه. ثُمَّ رَجَعنَ وأَعدَدنَ طِيبًا وحَنوطًا، واستَرَحنَ راحةَ السَّبْتِ على ما تَقْضي بِه الوَصِيَّة. وعِندَ فَجرِ يَومِ الأَحَد جِئنَ إِلى القَبْر، وهُنَّ يَحمِلنَ الطِّيبَ الَّذي أَعدَدنَه. فوَجَدنَ الحَجَرَ قد دُحرِجَ عنِ القَبْر. فدَخَلنَ فلَم يَجِدنَ جُثْمانَ الرَّبِّ يسوع. وبَينَما هُنَّ في حَيرَةٍ مِن ذٰلك، إِذ حَضَرَهُنَّ رَجُلانِ علَيهِما ثِيابٌ بَرَّاقَة، فخِفْنَ ونَكَسْنَ وُجوهَهُنَّ نَحوَ الأَرض، فقالا لَهُنَّ: «لِماذا تَبحَثنَ عنِ الحَيِّ بَينَ الأَموات؟ إِنَّه لَيسَ هٰهُنا، بل قام. أُذكُرْنَ كَيفَ كَلَّمَكُنَّ إِذ كانَ لا يَزالُ في الجَليل، فقال: يَجِبُ على ٱبنِ الإِنسانِ أَن يُسلَم إِلى أَيدي الخاطِئين، ويُصلَبَ ويَقومَ في اليَومِ الثَّالِث». فذَكَرنَ كَلامَه. ورَجَعنَ مِنَ القَبْر، فأَخبَرنَ الأَحَدَ عَشَرَ والآخَرينَ جَميعًا بِهٰذِهِ الأُمورِ كُلِّها، وهنَّ مَريَمُ المِجدَلِيَّة وحَنَّة ومَريَمُ أُمُّ يَعقوب، وسائِرُ النِّسوَةِ اللَّواتي مَعَهُنَّ أَخبَرنَ الرُّسُلَ بِتِلكَ الأُمور. فبَدَت لَهم هٰذه الأَقْوالُ أَشبَهَ بِالهَذَيان ولَم يُصَدِّقوهُنَّ. غيرَ أَنَّ بُطرُسَ قام فأَسرَعَ إِلى القَبْرِ وٱنحَنى، فلَم يَرَ إِلاَّ اللَّفائِف، فَٱنصَرَفَ إِلى بَيتِه مُتَعَجِّبًا مِمَّا جَرى. وإِذا بِٱثنَينِ مِنهُم كانا ذَاهِبَينِ، في ذٰلكَ اليَومِ نفسِه، إِلى قَريَةٍ اِسمُها عِمَّاوُس، تَبعُدُ نَحوَ سِتِّينَ غَلوَةً مِن أُورَشَليم. وكانا يَتَحدَّثانِ بِجَميعِ هٰذِه الأُمورِ الَّتي جَرَت. وبَينَما هُما يَتَحَدَّثانِ ويَتَجادَلان، إِذا يسوعُ نَفْسُه قد دَنا مِنهُما وأَخَذَ يَسيرُ معَهما، على أَنَّ أَعيُنَهُما حُجِبَت عن مَعرِفَتِه. فقالَ لَهما: «ما هٰذا الكَلامُ الَّذي يَدورُ بَينَكُما وأَنتُما سائِران؟» فوَقفا مُكتَئِبَين. وأَجابَه أَحَدُهما وٱسمُه قَلاوبا: «أَأَنتَ وَحدَكَ نازِلٌ في أُورَشَليم ولا تَعلَمُ الأُمورَ الَّتي جَرَت فيها هٰذِه الأَيَّام؟» فقالَ لَهما: «ما هي؟» قالا له: «ما يَختَصُّ بِيَسوعَ النَّاصِريّ، وكانَ نَبِيًّا مُقتَدِرًا على العَمَلِ والقَولِ عِندَ اللهِ والشَّعبِ كُلِّه، كَيفَ أَسلَمَه عُظَماءُ كَهَنَتِنا ورُؤَساؤُنا لِيُحكَمَ علَيهِ بِالمَوت، وكَيفَ صَلَبوه. وكُنَّا نَحنُ نَرجو أَنَّه هو الَّذي سيَفتَدي إِسرائيل. ومعَ ذٰلكَ كُلِّه فهٰذا هوَ اليَومُ الثَّالِثُ مُذ جَرَت تِلكَ الأُمور. غيرَ أَنَّ نِسوَةً مِنَّا قد حَيَّرنَنا، فإِنَّهُنَّ بَكَرنَ إِلى القَبْرِ فلَم يَجِدنَ جُثمانَه فرَجَعنَ وقُلنَ إِنَّهُنَّ أَبْصَرْنَ في رُؤيةٍ مَلائكةً قالوا إِنَّه حَيّ. فذهَبَ بَعضُ أَصْحابِنا إِلى القَبْر، فوَجَدوا الحالَ على ما قالَتِ النِّسوَة. أَمَّا هو فلَم يَرَوه». فقالَ لَهما: «يا قَليلَيِ الفَهم وبطيئَيِ القَلْبِ عنِ الإِيمانِ بِكُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه الأَنبِياء. أَما كانَ يَجِبُ على المَسيحِ أَن يُعانِيَ تِلكَ الآلام فيَدخُلَ في مَجدِه؟» فبَدأَ مِن مُوسى وجَميعِ الأَنبِياء يُفَسِّرُ لَهما في جَميعِ الكُتُبِ ما يَختَصُّ بِه. ولمَّا قَرُبوا مِنَ القَريَةِ الَّتي يَقصِدانِها، تَظاهَرَ أَنَّه ماضٍ إِلى مَكانٍ أَبعَد. فأَلَحَّا علَيه قالا: «أُمكُثْ مَعَنا، فقد حانَ المَساءُ ومالَ النَّهار». فدَخَلَ لِيَمكُثَ معَهما. ولمَّا جَلَسَ معَهُما لِلطَّعام، أَخذَ الخُبْزَ وبارَكَ ثُمَّ كَسَرَه وناوَلَهما. فٱنفَتَحَت أَعيُنُهما وعَرفاه فغابَ عنهُما. فقالَ أَحَدُهما لِلآخَر: «أَما كانَ قَلبُنا مُتَّقِدًا في صَدرِنا، حينَ كانَ يُحَدِّثُنا في الطَّريق ويَشرَحُ لَنا الكُتُب؟» وقاما في تِلكَ السَّاعَةِ نَفْسِها ورَجَعا إِلى أُورَشَليم، فوَجَدا الأَحَدَ عشَرَ والَّذينَ مَعَهم مُجتَمِعين، وكانوا يَقولون إِنَّ الرَّبَّ قامَ حَقًّا وتَراءَى لِسِمْعان. فرَوَيا ما حَدَثَ في الطَّريق، وكَيفَ عَرَفاه عِندَ كَسْرِ الخُبْز. وبَينَما هُما يَتَكَلَّمان إِذا بِه يقومُ بَينَهم ويَقولُ لَهم: «السَّلامُ علَيكُم!» فأَخَذَهُمُ الفَزَعُ والخَوفُ وظَنُّوا أَنَّهم يَرَونَ رُوحًا. فقالَ لَهم: «ما بالُكم مُضطَرِبين، ولِمَ ثارَتِ الشُّكوكُ في قُلوبِكم؟ أُنظُروا إِلى يَدَيَّ وقَدَمَيَّ. أَنا هو بِنَفْسي. إِلمِسوني وٱنظُروا، فإِنَّ الرُّوحَ لَيسَ لَه لَحمٌ ولا عَظْمٌ كما تَرَونَ لي». قالَ هٰذا وأَراهُم يَدَيهِ وقَدَمَيه. غَيرَ أَنَّهم لم يُصَدِّقوا مِنَ الفَرَحِ وظَلُّوا يَتَعَجَّبون، فقالَ لَهم: «أَعِندَكُم ههُنا ما يُؤكَل؟» فناوَلوهُ قِطعَةَ سَمَكٍ مَشوِيّ. فأَخَذَها وأَكَلَها بِمَرأًى مِنهُم. ثُمَّ قالَ لَهم: «ذٰلك كلامي الَّذي قُلتُه لكم إِذ كُنتُ مَعَكم وهو أَنَّه يَجِبُ أَن يَتِمَّ كُلُّ ما كُتِبَ في شأني، في شَريعَةِ موسى وكُتُبِ الأَنبِياءِ والمَزامير». وحينَئِذٍ فَتَحَ أَذْهانَهم لِيَفهَموا الكُتُب، وقالَ لَهم: «كُتِبَ أَنَّ المَسيحَ يَتأَلَّمُ ويَقومُ مِن بَينِ الأَمواتِ في اليَومِ الثَّالِث، وتُعلَنُ بِٱسمِه التَّوبَةُ وغُفرانُ الخَطايا لِجَميعِ الأُمَم، اِبتداءً مِن أُورَشَليم. وأَنتُم شُهودٌ على هٰذه الأُمور. وإِنِّي أُرسِلُ إِلَيكم ما وَعَدَ بهِ أَبي. فَٱمكُثوا أَنتُم في المَدينَة إِلى أَن تُلبَسوا قُوَّةً مِنَ العُلى». ثُمَّ خَرَجَ بِهم إِلى القُرْبِ مِن بَيتَ عَنْيا، ورَفَعَ يَدَيهِ فبارَكَهم. وبَينَما هو يُبارِكُهم، اِنفَصَلَ عَنهم ورُفِعَ إِلى السَّماءِ. فسَجَدوا له، ثُمَّ رَجَعوا إِلى أُورَشَليم وهُم في فَرَحٍ عَظيم. وكانوا يُلازِمونَ الهَيكَلَ وهُم يُبارِكونَ الله. في البَدءِ كانَ الكَلِمَة، والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله، والكَلِمَةُ هوَ الله. كانَ في البَدءِ لَدى الله. بِه كانَ كُلُّ شَيء، وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان. فيهِ كانَتِ الحَياة، والحَياةُ نورُ النَّاس، والنُورُ يُشرِقُ في الظُّلُمات، ولَم تُدرِكْه الظُّلُمات. ظَهَرَ رَجُلٌ مُرسَلٌ مِن لَدُنِ اللهِ ٱسْمُه يوحَنَّا. جاءَ شاهِدًا لِيَشهَدَ لِلنُّور، فَيُؤمِنَ عن شَهادتِه جَميعُ النَّاس. لم يَكُنْ هو النُّور، بل جاءَ لِيَشهَدَ لِلنُّور. كان النُّورُ الحَقّ، الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنْسان، آتِيًا إِلى العالَم. كانَ في العالَم، وبِه كانَ العالَم، والعالَمُ لَم يَعرِفْهُ. جاءَ إِلى بَيتِه، فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه. أَمَّا الَّذينَ قَبِلوه، وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِٱسمِه، فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله: فَهُمُ الَّذينَ لا مِن دَمٍ، ولا مِن رَغبَةِ لَحْمٍ، ولا مِن رَغبَةِ رَجُل، بل مِنَ اللهِ وُلِدوا. والكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا، فسَكَنَ بَينَنا، فرأَينا مَجدَه، مَجدًا مِن لَدُنِ الآبِ لِٱبنٍ وَحيد، مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ. شَهِدَ له يوحَنَّا فهَتَف: «هٰذا الَّذي قُلتُ فيه: إِنَّ الآتِيَ بَعْدي قد تَقَدَّمَني، لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي». فمِن مِلْئِه نِلْنا بِأَجمَعِنا، وقَد نِلْنا نِعمَةً على نِعمَة. لأَنَّ الشَّريعَةَ أُعطِيَت عن يَدِ موسى، وأَمَّا النِّعمَةُ والحَقّ، فقَد أَتَيا عن يَدِ يسوعَ المسيح. إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ، أَلِٱبنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه. وهٰذه شَهادَةُ يوحَنَّا، إِذ أَرسَلَ إِلَيه اليَهودُ مِن أُورَشَليمَ بَعضَ الكَهَنَةِ واللاَّوِيِّينَ يَسأَلونَه: «مَن أَنتَ؟» فٱعتَرفَ ولَم يُنكِرْ، اعتَرَفَ: «لَستُ المسيح». فسأَلوه: «مَن أَنتَ إِذًا؟ أَأَنتَ إِيلِيَّا» قال: «لَستُ إِيَّاه». «أَأَنتَ النَّبِيّ؟» أَجابَ: «لا!» فقالوا له: «مَن أَنتَ فنَحمِلَ الجَوابَ إِلى الَّذينَ أَرسَلونا؟ ماذا تَقولُ في نَفسِكَ؟» قال: «أَنا صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: قَوِّموا طَريقَ الرَّبّ. كَما قالَ النَّبِيُّ أَشَعْيا». وكانَ المُرسَلونَ مِنَ الفِرِّيسِيِّين، فسَأَلوهُ أَيضًا: «إِذا لم تَكُنِ المسيحَ ولا إِيلِيَّا ولا النَّبِيّ، فلِمَ تُعَمِّدُ إِذًا؟» أَجابَهُم يوحَنَّا: «أَنا أُعَمِّدُ في الماء، وبَينَكم مَن لا تَعرِفونَه، ذاكَ الآتي بَعدِي، مَن لَستُ أَهلاً لأَن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه». وجَرى ذٰلك في بَيتَ عَنْيا، عِبْرَ الأُردُنّ، حَيثُ كانَ يوحَنَّا يُعَمِّد. وفي الغَد رأَى يسوعَ آتِيًا نَحوَه فقال: «هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم. هٰذا الَّذي قُلتُ فيه: يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني، لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي. وأَنا لم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنِّي ما جِئْتُ أُعَمِّدُ في الماء إِلاَّ لِكَي يَظهَرَ أَمرُه لإِسْرائيل». وشَهِدَ يوحَنَّا قال: «رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه. وأَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه، ولٰكِنَّ الَّذي أَرسَلَني أُعَمِّدُ في الماءِ هو قالَ لي: إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُس. وأَنا رَأَيتُ وشَهِدتُ أَنَّه هو ٱبنُ الله». وكانَ يوحَنَّا في الغَدِ أَيضًا قائِمًا هُناكَ، ومَعَه ٱثْنانِ مِن تَلاميذِه. فحَدَّقَ إِلى يَسوعَ وهو سائرٌ وقال: «هُوَذا حَمَلُ الله!» فسَمِعَ التِّلْميذانِ كَلامَه فتَبِعا يسوع. فَالتَفَتَ يسوعُ فرآهُما يَتبَعانِه فقالَ لَهما: «ماذا تُريدان؟» قالا له: «رابِّي (أَي يا مُعَلِّم) أَينَ تُقيم؟» فقالَ لَهما: «هَلُمَّا فَٱنْظُرا!!» فَذَهَبا ونظَرا أَينَ يُقيم، فأَقاما عِندَه ذٰلك اليَوم، وكانَتِ السَّاعَةُ نَحوَ الرَّابِعَةِ بَعدَ الظُّهْر. وكانَ أَندَراوُس أَخو سِمْعانَ بُطرُس أَحَدَ اللَّذَينِ سَمِعا كَلامَ يوحَنَّا فَتبِعا يسوع. ولَقِيَ أَوَّلاً أَخاهُ سِمْعان فقالَ له: «وَجَدْنا المَشيح» ومَعناهُ المسيح. وجاءَ بِه إِلى يَسوعَ فحَدَّقَ إِلَيه يسوعُ وقال: «أَنتَ سِمْعانُ بنُ يونا، وسَتُدعَى كِيفا»، أَي صَخرًا. وأَرادَ يسوعُ في الغَدِ أَن يَذهَبَ إِلى الجَليل، فلَقِيَ فيلِبُّس فقالَ لَه: «إِتْبَعْني!» وكانَ فيلِبُّس مِن بَيتَ صَيدا مَدينَةِ أَندَراوسَ وبُطرُس. ولَقِيَ فيلِبُّسُ نَتَنائيل فقالَ له: «الَّذي كَتَبَ في شأنِه موسى في الشَّريعَةِ وذَكَرَه الأَنبِياء، وَجَدْناه، وهو يسوعُ ٱبنُ يوسُفَ مِنَ النَّاصِرَة». فقالَ لَه نَتَنائيل: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمكِنُ أَن يَخرُجَ شَيءٌ صالِح؟» فقالَ له فيلِبُّس: «هٰلُمَّ فَٱنْظُرْ!» ورأَى يسوعُ نَتَنائيلَ آتِيًا نَحوَه فقالَ فيه: «هُوَذا إِسرائيليٌّ خالِصٌ لا غِشَّ فيه». فقالَ له نَتَنائيل: «مِن أَينَ تَعرِفُني؟» أَجابَه يسوع: «قبلَ أَن يَدعُوَكَ فيلِبُّس وأَنتَ تَحتَ التِّينَة، رأَيتُك». أَجابَه نَتَنائيل: «رابِّي، أَنتَ ٱبنُ الله، أَنتَ مَلِكُ إِسرائيل». أَجابَه يسوع: «أَلأَنِّي قُلتُ لَكَ إِنِّي رأَيتُكَ تَحتَ التِّينَةِ آمَنتَ؟ ستَرى أَعظَمَ مِن هٰذا». وقالَ له: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: ستَرونَ السَّماءَ مُنفَتِحَة، وملائِكَةَ اللهِ صاعِدينَ نازِلينَ فَوقَ ٱبنِ الإِنْسان». وفي اليَومِ الثَّالِث، كانَ في قانا الجَليلِ عُرسٌ وكانَت أُمُّ يَسوعَ هُناك. فدُعِيَ يسوعُ أَيضًا وتلاميذُه إِلى العُرس. ونَفَدَتِ الخَمْر، فقالَت لِيَسوعَ أُمُّه: «لَيسَ عِندَهم خَمْر». فقالَ لها يسوع: «ما لي وما لكِ، أَيَّتُها المَرأَة؟ لَم تَأتِ ساعتي بَعْد». فقالَت أُمُّه لِلخَدَم: «مَهما قالَ لَكم فٱفعَلوه». وكانَ هُناكَ سِتَّةُ أَجْرانٍ مِن حَجَر لِما تَقْتَضيه الطَّهارةُ عِندَ اليَهود، يَسَعُ كُلُّ واحِدٍ مِنها مِقدارَ مِكيالَينِ أَو ثَلاثَة. فَقالَ يسوعُ لِلخَدَم: «إِمْلأُوا الأَجرانَ ماءً». فمَلأُوها إِلى أَعْلاها. فقالَ لَهم: «إِغرِفوا الآنَ وناوِلوا وَكيلَ المائِدَة». فناوَلوه، فلَمَّا ذاقَ الماءَ الَّذي صارَ خَمْرًا، وكانَ لا يَدري مِن أَينَ أَتَت، في حينِ أَنَّ الخَدَمَ الَّذينَ غَرَفوا الماءَ كانوا يَدْرُون، دَعا العَريسَ وقالَ له: «كُلُّ ٱمرِئٍ يُقَدِّمُ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ أَوَّلاً، فإِذا سَكِرَ النَّاس، قَدَّمَ ما كانَ دونَها في الجُودَة. أَمَّا أَنتَ فحَفِظتَ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ إِلى الآن». هٰذِه أُولى آياتِ يسوع أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه فآمَنَ بِه تَلاميذُه. ونَزَلَ بَعدَ ذٰلكَ إِلى كَفَرناحوم هو وأُمُّه وإِخوَتُه وتَلاميذُه، فأَقاموا فيها بِضعَةَ أَيَّام. وكان فِصحُ اليَهود قريبًا، فصَعِدَ يسوعُ إِلى أُورَشَليم، فوَجَدَ في الهَيكَلِ باعةَ البقَرِ والغَنَمِ والحَمامِ والصِّيارِفَةَ جالِسين. فَصَنَعَ مِجلَدًا مِن حِبال، وطَرَدَهم جَميعًا مِنَ الهَيكَلِ مع الغَنَمِ والبَقَر، ونَثَرَ دَراهِمَ الصَّيارِفَةِ وقلَبَ طاوِلاتِهم، وقالَ لِباعَةِ الحَمام: «إِرفَعوا هٰذا مِن ههُنا، ولا تَجعَلوا مِن بَيتِ أَبي بَيتَ تِجارَة». فتَذَكَّرَ تَلاميذُه أَنَّه مَكْتوب: «الغَيْرَةُ على بَيْتِكَ ستَأكُلُني». فأَجابَه اليَهود: «أَيَّ آيةٍ تُرينا حتَّى تَعمَلَ هٰذِه الأَعْمال؟» أَجابَهم يسوع: «أُنقُضوا هٰذا الهَيكَل أُقِمْهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام!» فقالَ اليَهود: «بُنِيَ هٰذا الهَيكَلُ في سِتٍّ وأَربَعينَ سَنَة، أَوَأَنتَ تُقيمُه في ثَلاثَةِ أَيَّام؟» أَمَّا هو فكانَ يَعْني هَيكَلَ جَسَدِه. فلمَّا قامَ مِن بَينِ الأموات، تذكَّرَ تَلاميذُه أَنَّه قالَ ذٰلك، فآمنوا بِالكِتاب وبِالكَلِمَةِ الَّتي قالَها يسوع. ولمَّا كانَ في أُورَشَليمَ مُدَّةَ عيدِ الفِصْح، آمَنَ بِٱسمِه كثيرٌ مِنَ النَّاس، لمَّا رَأَوا الآياتِ الَّتي أَتى بِها. غَيرَ أَنَّ يسوعَ لم يَطمَئِنَّ إِلَيهم، لأَنَّه كانَ يَعرِفُهم كُلَّهم ولا يَحتاجُ إِلى مَن يَشهَدُ لَه في شَأنِ الإِنْسان، فقَد كانَ يَعلَمُ ما في الإِنسان. وكانَ في الفِرِّيسيِّينَ رَجُلٌ ٱسمُه نيقوديمُس، وكانَ مِن رُؤَساءِ اليَهود. فجاءَ إِلى يَسوعَ ليلاً وقالَ له: «رابِّي، نَحنُ نَعلَمُ أَنَّكَ جِئتَ مِن لَدُنِ اللهِ مُعَلِّمًا، فما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يَأتِيَ بِتِلكَ الآياتِ الَّتي تَأتي بِها أَنتَ إِلاَّ إِذا كانَ اللهُ معَه». فأَجابَه يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ: ما مِن أَحَدٍ يُمكِنُه أَن يَرى مَلَكوتَ الله، إِلاَّ إِذا وُلِدَ مِن عَلُ». قالَ لهُ نيقوديمُس: «كَيفَ يُمكِنُ الإِنسانَ أَن يُولَدَ وهوَ شَيخٌ كَبير؟ أَيَستَطيعُ أَن يَعودَ إِلى بَطنِ أُمِّهِ ويُولَد؟» أَجابَ يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ: ما مِن أَحَدٍ يُمكِنُه أَن يَدخُلَ مَلَكوتَ الله، إِلاَّ إِذا وُلِدَ مِنَ الماءِ والرُّوح. فَمَولودُ الجَسَدِ يَكونُ جَسدًا، ومَولودُ الرُّوحِ يَكونُ روحًا. لا تَعْجَبْ مِن قَولي لَكَ: يَجِبُ علَيكم أَن تُولَدوا مِن عَلُ. فالرِّيحُ تَهُبُّ حَيثُ تَشاء، فتَسمَعُ صَوتَها، ولكنَّكَ لا تَدْري مِن أَينَ تَأتي وإِلى أَينَ تَذهَب. تِلكَ حالَةُ كُلِّ مَولودٍ لِلرُّوح». أَجابَه نيقوديمُس: «كيفَ يَكونُ هٰذا؟» أَجابَ يسوع: «أَأَنتَ مُعَلِّمٌ في إِسرائيل وتَجهَلُ هٰذِه الأَشْياء؟ الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ: إِنَّنا نَتكلَّمُ بِما نَعلَم، ونَشهَدُ بِما رَأَينا، ولٰكِنَّكُم لا تَقبَلونَ شَهادَتَنا. فإِذا كُنتُم لا تُؤمِنونَ عِندَما أُكَلِّمُكم في أُمورِ الأَرْض، فكَيفَ تُؤمِنونَ إِذا كَلَّمتُكُم في أُمورِ السَّماء؟ فما مِن أَحَدٍ يَصعَدُ إِلى السَّماء، إِلاَّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء، وهو ٱبنُ الإِنسان. وكما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة، فكذٰلِكَ يَجِبُ أَن يُرفَعَ ٱبنُ الإِنسان، لِتَكونَ بِهِ الحَياةُ الأَبديَّةُ لِكُلِّ مَن يُؤمِن. فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِٱبنِه الوَحيد، لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه، بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة، فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ٱبنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم، بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم. مَن آمَنَ بِه لا يُدان، ومَن لم يُؤمِنْ بِه فقَد دِينَ مُنذُ الآن، لأَنَّه لم يُؤمِنْ بِٱسمِ ٱبنِ اللهِ الوَحيد. وإِنَّما الدَّينونَةُ هي أَنَّ النُّورَ جاءَ إِلى العالَم، ففضَّلَ النَّاسُ الظَّلامَ على النُّور، لأَنَّ أَعمالَهم كانت سَيِّئَة. فكُلُّ مَن يَعمَلُ السَّيِّئات يُبغِضُ النُّور، فلا يُقبِلُ إِلى النُّور لِئَلاَّ تُفضَحَ أَعمالُه. وأَمَّا الَّذي يَعمَلُ لِلحَقّ، فيُقبِلُ إِلى النُّور، لِتُظهَرَ أَعمالُه وقَد صُنِعَت في الله». وبَعدَ ذٰلكَ ذَهَبَ يسوعُ وتلاميذُه إِلى أَرضِ اليَهودِيَّة، فَأَقامَ فيها معَهم وأَخذَ يُعَمِّد. وكانَ يوحَنَّا أَيضًا يُعَمِّدُ في عَيْنون، بِالقُرْبِ مِن سالِيم لِما فيها مِنَ الماء، وكانَ النَّاسُ يَأتونَ فيَعتَمِدون، لأَنَّ يوحَنَّا لم يَكُنْ وقتَئِذٍ قد أُلقِيَ في السِّجن. وقامَ جِدالٌ بَينَ تَلاميذِ يوحَنَّا وأَحَدِ اليَهودِ في شَأنِ الطَّهارَة، فجاؤوا إِلى يوحَنَّا وقالوا له: «رابِّي، ذاكَ الَّذي كانَ معَكَ في عِبْرِ الأُردُنّ، ذاك الَّذي شَهِدتَ له، ها إِنَّه يُعَمِّدُ فيَذهَبُ إِليهِ جَميعُ النَّاس». أَجابَ يوحَنَّا: «لَيسَ لأَحدٍ أَن يَأخُذَ شَيئًا لم يُعطَه مِنَ السَّماء. أَنتُم بِأَنفُسِكم تَشهَدونَ لِي بِأَنِّي قُلتُ إِنِّي لَستُ المَسيح، بل مُرسَلٌ قُدَّامَه. مَن كانَت لَه العَروس فهوَ العَريس. وأَمَّا صَديقُ العَريس، الَّذي يَقِفُ يَستَمِعُ إِلَيه، فإِنَّه يَفرَحُ أَشَدَّ الفَرَحِ لِصَوتِ العَريس. فهُوذا فَرَحي قد تَمَّ. لا بُدَّ له مِن أَن يَكبُر، وَلا بُدَّ لي مِن أَن أَصغُر. إِنَّ الَّذي يأتي مِن عَلُ هو فَوقَ كُلِّ شَيء، والَّذي مِنَ الأَرض هُوَ أَرضِيّ، يتكلَّمُ بِكلامِ أَهلِ الأَرض. إِنَّ الَّذي يأتي مِنَ السَّماء يَشهَدُ بِما رأَى وسَمِع، وما مِن أَحَدٍ يَقبَلُ شَهادَتَه. مَن قَبِلَ شَهادَتَه أَثبَتَ أَنَّ اللهَ حَقّ. فإِنَّ الَّذي أَرسَلَه الله يتَكلَّمُ بِكَلامِ الله، ذٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ يَهَبُ الرُّوحَ بِغَيرِ حِساب. إِنَّ الآبَ يُحِبُّ الِٱبن، فجَعَلَ كُلَّ شَيءٍ في يَدِه. مَن آمَنَ بِالِٱبن فلهُ الحَياةُ الأَبدِيَّة، ومَن لم يُؤمِنْ بِالِٱبن لا يَرَ الحَياة، بل يَحِلُّ علَيه غَضَبُ الله». ولَمَّا عَلِمَ يسوعُ أَنَّ الفِرِّيسيِّينَ سَمِعوا أَنَّه اتَّخَذَ مِنَ التَّلاميذِ وعمَّدَ أَكثَرَ مِمَّا اتَّخَذَ يوحَنَّا وعمَّدَ (مَعَ أَنَّ يسوعَ نَفْسَه لم يَكُنْ يُعَمِّد، بل تَلاميذُه)، تَرَكَ اليَهودِيَّةَ ورَجَعَ إِلى الجَليل. وكانَ علَيه أَن يَمُرَّ بِالسَّامِرَة. فوَصَلَ إِلى مَدينةٍ في السَّامِرَةِ يُقالُ لَها سيخارَة، بِالقُرْبِ مِنَ الأَرضِ الَّتي أَعْطاها يَعقوبُ لِٱبنِه يُوسُف، وفيها بِئرُ يَعقوب. وكانَ يسوعُ قد تَعِبَ مِنَ المَسير، فَجَلَسَ دونَ تَكَلُّفٍ على حافَةِ البِئر. وكانَتِ السَّاعةُ تُقارِبُ الظُّهر. فجاءَتِ ٱمرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ تَستَقي. فقالَ لَها يسوع: «إِسْقيني». وكانَ التَّلاميذُ قد مَضَوا إِلى المَدينَةِ لِيَشتَروا طَعامًا. فقالَت له المرأَةُ السَّامِريَّة: «كَيفَ تسأَلُني أَن أَسقِيَكَ وأَنتَ يَهوديٌّ وأَنا امرَأَةٌ سامِرِيَّة؟» لأَنَّ اليَهودَ لا يُخالِطونَ السَّامِرِيِّين. أَجابَها يسوع: «لو كُنتِ تَعرِفينَ عَطاءَ الله ومَن هوَ الَّذي يقولُ لَكِ: إِسقيني، لَسَأَلتِه أَنتِ فأَعطاكِ ماءً حَيًّا». قالَت لَه المَرأَة: «يا ربّ، لا دَلْوَ عِندَكَ، والبِئرُ عَميقة، فَمِن أَينَ لَكَ الماءُ الحَيّ؟ هل أَنتَ أَعظَمُ مِن أَبينا يَعقوبَ الَّذي أَعْطانا البِئْرَ، وشرِبَ مِنها هو وبَنوهُ وماشِيَتُه؟» أَجابَها يسوع: «كُلُّ مَن يَشرَبُ مِن هٰذا الماء يَعطَشُ ثانِيَةً، وأَمَّا الَّذي يَشرَبُ مِنَ الماءِ الَّذي أُعطيهِ أَنا إِيَّاه، فلَن يَعطَشَ أَبدًا، بلِ الماءُ الَّذي أُعطِيهِ إِيَّاهُ، يصيرُ فيه عَينَ ماءٍ يَتفَجَّرُ حَياةً أَبَدِيَّة». قالَت له المَرأَة: «يا رَبّ، أَعطِني هٰذا الماء، لِكَي لا أَعطَشَ فأَعودَ إِلى الِٱستِقاءِ مِن هُنا». قالَ لَها: «إِذهَبي فَٱدْعي زَوجَكِ، وٱرجِعي إِلى هٰهُنا». أَجابَتِ المَرأَة: «لَيسَ لي زَوج». فقالَ لَها يسوع: «أَصَبتِ إِذ قُلتِ: لَيسَ لي زَوج. فَقَد كانَ لَكِ خَمسَةُ أَزْواج، والَّذي عِندَكِ الآنَ لَيسَ بِزَوجِكِ، لقَد صَدَقتِ في ذٰلكَ». قالَتِ المَرأَة: «يا ربّ، أَرى أَنَّكَ نَبِيّ. تَعَبَّدَ آباؤُنا في هٰذا الجَبَل، وأَنتُم تَقولونَ إنَّ المَكانَ الَّذي فيه يَجِبُ التَّعَبُّد هو في أُورَشَليم». قالَ لَها يسوع: «صَدِّقيني أَيَّتُها المَرأَة. تَأتي ساعةٌ فيها تَعبُدونَ الآب، لا في هٰذا الجَبَل ولا في أُورَشَليم. أَنتُم تَعبُدونَ ما لا تَعلَمون، ونَحنُ نَعبُدُ ما نَعلَم، لأَنَّ الخَلاصَ يَأتي مِنَ اليَهود. ولٰكِن تَأتي ساعةٌ - وقد حَضَرتِ الآن - فيها العِبادُ الصَّادِقونَ يَعبُدونَ الآبَ بِالرُّوحِ والحَقّ، فمِثْلَ أُولٰئِكَ العِبادِ يُريدُ الآب. إِنَّ اللهَ رُوح، فعَلَى العِبادِ أَن يَعبُدوهُ بِالرُّوحِ والحَقّ». قالَت له المَرْأَة: «إِنِّي أَعلَمُ أَنَّ المَشيحَ آتٍ، وهو الَّذي يُقالُ لَه المسيح، وإِذا أَتى، أَخبَرَنا بِكُلِّ شَيء». قالَ لَها يسوع: «أَنا هو، أَنا الَّذي يُكَلِّمُكِ». ووَصَلَ عِندَئِذٍ تَلاميذُه، فعَجِبوا مِن أَنَّه يُكَلِّمُ ٱمرَأَة، ولٰكِن لم يَقُلْ أَحَدٌ مِنهم: «ماذا تُريد؟» أَو «لِماذا تُكَلِّمُها؟» فتَركَتِ المَرأَةُ جَرَّتَها، وذَهَبَت إِلى المَدينة فقالَت لِلنَّاس: «هَلُمُّوا فَانْظُروا رَجُلاً قالَ لي كُلَّ ما فَعَلتُ. أَتُراهُ المَسيح؟» فخَرَجوا مِنَ المَدينةِ وساروا إِليه. وكانَ تَلاميذُه خِلالَ ذٰلكَ يقولونَ لَه مُلِحِّين: «رابِّي، كُلْ». فقالَ لَهم: «لي طَعامٌ آكُلُه أَنتُم لا تَعرِفونَه». فأَخَذَ التَّلاميذُ يتساءَلون: «هل جاءَهُ أَحَدٌ بِما يُؤكَل؟». قالَ لَهم يسوع: «طَعامي أَن أَعمَلَ بِمَشيئَةِ الَّذي أَرسَلَني وأَن أُتِمَّ عَمَلَه. أَما تَقولونَ أَنتُم: هي أَربعةُ أَشهُر ويأتي وَقْتُ الحَصاد؟ وإِنِّي أَقولُ لَكم: إِرفَعوا عُيونَكم وٱنظُروا إِلى الحُقُول، فقَدِ ٱبْيَضَّت لِلحَصاد. هُوَذا الحاصِدُ يَأخُذُ أُجرَتَه، فيَجمَعُ الثَّمَرَ لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة، فيَفرَحُ الزَّارِعُ والحاصِدُ معًا، وبِذٰلِكَ يَصدُقُ المَثَلُ القائل: الواحِدُ يَزرَعُ والآخَرُ يَحصُد. إِنِّي أَرسَلتُكُم لِتَحصُدوا ما لم تَتعَبوا فيه. فغَيرُكُم تَعِبوا وأَنتُم دَخَلْتُم ما تَعِبوا فيه». فآمَنَ بِه عَدَدٌ كَثيرٌ مِن سامِرِيِّي تِلكَ المَدينَة عن كَلامِ المَرأَةِ الَّتي كانَت تَشهَدُ فتَقول: «إِنَّه قالَ لي كُلَّ ما فَعَلتُ». فلَمَّا وَصَلَ إِلَيه السَّامِريُّونَ سَأَلوهُ أَن يُقيمَ عِندَهم، فَأَقامَ هُناكَ يَومَيْن. فآمَنَ مِنهُم عَدَدٌ أَكبَرُ كَثيرًا عن كَلامِه، وقالوا لِلمَرأَة: «لا نُؤمِنُ الآنَ عن قَولِك، فقَد سَمِعناهُ نَحنُ وعَلِمنا أَنَّه مُخَلِّصُ العالَمِ حَقًّا». وبَعدَ ٱنقِضاءِ اليَومَين مَضى من هُناكَ إِلى الجَليل. وكانَ يسوعُ نَفسُه قَد أَعلَنَ أَن لا يُكرَّمُ نَبِيٌّ في وَطَنِه. فلَمَّا وَصَلَ إِلى الجَليل، رَحَّبَ بِهِ الجَليلِيُّون، وكانوا قد شاهَدوا جَميعَ ما صَنعَ في أُورَشَليمَ مُدَّةَ العيد، لأَنَّهم هم أَيضًا ذَهَبوا لِلعيد. ورَجَعَ إِلى قانا الجَليل، حَيثُ جَعَلَ الماءَ خَمرًا. وكانَ هُناكَ عامِلٌ لِلمَلِك له ٱبنٌ مَريضٌ في كَفَرناحوم. فلمَّا سَمِعَ أَنَّ يسوعَ جاءَ مِنَ اليَهودِيَّةِ إِلى الجَليل، ذَهَبَ إِلَيه وسأَلَه أَن يَنزِلَ فيُبرِئَ ٱبنَه وقَد أَشرَفَ على المَوت. فقالَ لَه يسوع: «إِذا لم تَرَوا الآياتِ والأَعاجيبَ لا تُؤمِنون؟» فقالَ له عامِلُ المَلِك: «يا ربّ، اِنزِلْ قَبلَ أَن يموتَ وَلَدي». فقالَ له يسوع: «إِذهَبْ، إِنَّ ٱبنَكَ حَيّ». فآمَنَ الرَّجُلُ بِالكَلِمَةِ الَّتي قالَها يسوعُ وذَهَب. وبَينما هو نازِل، تَلَقَّاهُ خَدَمُه فقالوا له إِنَّ وَلَدَه حَيّ. فاستَخبَرَهم عنِ السَّاعَةِ الَّتي فيها تَعافى. فقالوا له: «أَمْسِ في السَّاعَةِ الواحِدَةِ بَعدَ الظُّهْر فارَقَته الحُمَّى». فعَلِمَ الأَبُ أَنَّها السَّاعةُ الَّتي قالَ له فيها يسوع: «إِنَّ ٱبنَكَ حَيّ». فآمَنَ هو وأَهلُ بَيتِه جَميعًا. تِلكَ ثانِيَةُ آياتِ يسوع، أَتى بِها بَعدَ رُجوعِه مِنَ اليَهودِيَّةِ إِلى الجَليل. وبَعدَ ذٰلك كانَ أَحَدُ أَعيادِ اليَهود، فصَعِدَ يسوعُ إِلى أُورَشَليم. وفي أُورَشَليمَ بِرْكَةٌ عِندَ بابِ الغَنَم، يُقالُ لَها بالعِبرِيَّةِ بَيتَ ذاتا، ولها خَمسَةُ أَروِقَة، يَضَّجِعُ فيها جُمْهورٌ مِنَ المَرْضَى بَينَ عُمْيانٍ وعُرْجٍ وكُسْحان. وكانَ هُناكَ رَجُلٌ عَليلٌ مُنذُ ثَمانٍ وثَلاثينَ سَنَة. فرَآهُ يسوعُ مُضَّجِعًا، فعَلِمَ أَنَّ له مُدَّةً طَويلَةً على هٰذِه الحال. فقالَ له: «أَتُريدُ أَن تُشفى؟» أَجابَه العَليل: «يا ربّ، لَيس لي مَن يَغُطُّني في البِركَةِ عِندَما يَفورُ الماء. فبَينَما أَنا ذاهِبٌ إِلَيها، يَنزِلُ قَبْلي آخَر». فقالَ له يسوع: «قُم فَٱحمِلْ فِراشَكَ وَٱمشِ». فشُفِيَ الرَّجُلُ لِوَقتِه، فحَمَلَ فِراشَه ومشى. وكانَ ذٰلكَ اليَومُ يومَ السَّبْت. فقالَ اليَهودُ لِلَّذي شُفِيَ: هٰذا يَومُ السَّبْت، فلا يَحِلُّ لكَ أَن تَحمِلَ فِراشَكَ». فأَجابَهم: «إِنَّ الَّذي شَفاني قالَ لي: إِحمِل فِراشَكَ وٱمْشِ». فسأَلوه: «مَن الرَّجُلُ الَّذي قالَ لكَ: إِحمِلْ فِراشَكَ وٱمشِ؟» وكانَ الَّذي شُفِيَ لا يَعرِفُ مَن هو، لأَنَّ يسوعَ ٱنصَرَفَ عنِ الجَمْعِ الَّذي في المَكان. ولَقِيَه يسوعُ بَعدَ ذٰلكَ في الهَيكل، فقالَ له: «ها إِنَّكَ قد تَعافَيتَ، فلا تَعُدْ إِلى الخَطيئَة، لِئَلاَّ تُصابَ بِأَسوَأَ». فذَهَبَ الرَّجُلُ إِلى اليَهود، فأَخبَرَهُم أَنَّ يسوعَ هوَ الَّذي شَفاه. فأَخذَ اليَهودُ يَضطَهِدونَ يسوع لأَنَّه كانَ يَفعَلُ ذٰلكَ يَومَ السَّبْت. فقالَ لَهم: «إِنَّ أَبي ما يَزالُ يَعمَل، وأَنا أَعمَلُ أَيضًا». فَٱشْتَدَّ سَعْيُ اليَهودِ لِقَتلِه، لأَنَّه لم يَقتَصِرْ على ٱستِباحَةِ حُرمَةِ السَّبْت، بل قالَ إِنَّ اللهَ أَبوهُ، فَساوى نَفْسَه بِالله. فقالَ لَهم يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: لا يَستَطيعُ الِٱبنُ أَن يَفعَلَ شيئًا مِن عندِه، بل لا يَفعَلُ إِلاَّ ما يَرى الآبَ يَفعَلُه. فما فَعَلَه الآب يَفعَلُه الِٱبْنُ على مِثالِه، لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الِٱبنَ ويُريه جَميعَ ما يَفعَل، وسيُرِيه أَعْمالاً أَعظَمَ فتَعجَبون. فكَما أَنَّ الآبَ يُقيمُ الموتى ويُحيِيهِم فكَذٰلِكَ الِٱبنُ يُحيِي مَن يَشاء. لأَنَّ الآبَ لا يَدينُ أَحَدًا، بل أَولى القَضاءَ كُلَّه لِلِٱبْن، لِكَي يُكرِمَ الِٱبنَ جَميعُ النَّاس، كما يُكرِمونَ الآب: فمَن لم يُكرِمِ الِٱبن لا يُكرِمِ الآبَ الَّذي أَرسَلَه. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن سَمِعَ كَلامي وآمَنَ بِمَن أَرسَلَني فلَه الحَياةُ الأَبَدِيَّة، ولا يَمثُلُ لَدى القَضاء، بلِ ٱنتَقَلَ مِنَ المَوتِ إِلى الحَياة. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: تَأتي ساعةٌ - وقد حَضَرَتِ الآن - فيها يَسمَعُ الأَمواتُ صَوتَ ٱبنِ الله، والَّذينَ يَسمَعونَه يَحيَوْن. فكَما أَنَّ الآبَ له الحَياةُ في ذاتِه، فكذٰلِكَ أَعْطى الِٱبنَ أَن تَكونَ له الحَياةُ في ذاتِه، وأَولاهُ سُلطَةَ إِجْراءِ القَضاء لأَنَّه ٱبنُ الإِنسان. لا تَعجَبوا مِن هٰذا، فتَأتي ساعةٌ فيها يَسمَعُ صَوتَه جَميعُ الَّذينَ في القُبور فيَخرُجونَ مِنها، أَمَّا الَّذينَ عَمِلوا الصَّالحات، فيَقومونَ لِلحَياة، وأَمَّا الَّذينَ عَمِلوا السَّيِّئات، فيقومونَ للقضاء. أَنا لا أَستَطيعُ أَن أَفعَلَ شَيئًا مِن عِندي، بل أَحكُمُ على ما أَسمَع، وحُكمي عادِل، لأَنِّي لا أَتَوَخَّى مَشيئَتي، بل مَشيئَةَ الَّذي أَرسَلَني. لو كُنتُ أَشهَدُ أَنا لِنَفْسي، لَما صَحَّت شَهادَتي. هُناكَ آخَرُ يَشهَدُ لي، وأَنا أَعلَمُ أَنَّ الشَّهادَةَ الَّتي يَشهَدُها لي صادِقَة. أَنتُم أَرسَلْتُم رُسُلاً إِلى يوحَنَّا فشَهِدَ لِلحَقّ. أَمَّا أَنا فلا أَتَلَقَّى شَهادَةَ إِنسان، ولٰكِنِّي أَقولُ هٰذا لِتَنالوا أَنتُمُ الخَلاص. كانَ يوحَنَّا السِّراجَ المُوقَدَ المُنير، ولقَد شِئتُم أَنتُم أَن تَبتَهِجوا بِنورِه ساعةً. أَمَّا أَنا فَلي شَهادَةٌ أَعظَمُ مِن شَهادَةِ يوحَنَّا: إِنَّ الأَعمالَ الَّتي وَكَلَ إِلَيَّ الآبُ أَن أُتِمَّها، هٰذِه الأَعمالُ الَّتي أَعمَلُها، هي تَشهَدُ لي بِأَنَّ الآبَ أَرسَلَني. والآبُ الَّذي أَرسَلَني هو شَهِدَ لي. أَنتُم لم تُصغُوا إِلى صَوتِه قَطّ، ولا رأَيتُم وَجهَه. وكَلِمَتُه لا تَثبُتُ فيكم، لأَنَّكم لا تُؤمِنونَ بِمَن أَرْسَل. تَتصَفَّحونَ الكُتُب، تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُم فيها الحَياةَ الأَبديَّة، فهِيَ الَّتي تَشهَدُ لي، وأَنتُم لا تُريدونَ أَن تُقبِلوا إِليَّ، فتَكونَ لَكُمُ الحَياة. لا أَتَلَقَّى المَجدَ مِن عِندِ النَّاس. قد عَرَفتُكم فَعَرَفتُ أَن لَيْسَت فيكم مَحَبَّةُ الله. جِئتُ أَنا بِٱسْمِ أَبي، فلَم تَقبَلوني. ولو جاءَكُم آخَرُ بِٱسمِ نَفْسِه لَقَبِلتُموه. كَيْفَ لَكُم أَن تُؤمِنوا، وأَنتُم تَتَلَقَّونَ المَجدَ بَعضُكم مِن بَعض، وأَمَّا المَجدُ الَّذي يأتي مِنَ اللهِ وَحدَه فَلا تَطلُبون؟ لا تَظُنُّوا أَنِّي سأَشْكوكُم إِلى الآب، فهُناكَ مَن يَشكوكم: مُوسى الَّذي جَعَلتُم فيه رَجاءَكم. لو كُنتُم تُؤمِنونَ بِموسى لآمَنتُم بي، لأَنَّه في شَأني كَتَب. وإِذا كُنتُم لا تُؤمِنونَ بِكُتُبِه، فكَيفَ تُؤمِنونَ بِكَلامي؟» وعبَرَ يسوعُ بَعدَ ذٰلك بَحرَ الجَليل (أَي بُحَيرَةَ طَبَرِيَّة). فتَبِعَه جَمعٌ كثير، لِما رَأَوا مِنَ الآياتِ الَّتي أَجْراها على المَرْضى. فصَعِدَ يسوعُ الجَبَل وجَلَسَ مع تلاميذِه. وكانَ الفِصْحُ، عيدُ اليَهود، قَريبًا. فرَفَعَ يسوعُ عَينَيه، فرأَى جَمعًا كثيرًا مُقبِلاً إِلَيه. فقالَ لِفيلِبُّس: «مِن أَينَ نَشتَري خُبزًا لِيأكُلَ هٰؤلاء؟» وإِنَّما قالَ هٰذا لِيَمتَحِنَه، لأَنَّه كانَ يَعلَمُ ما سَيَصنَع. أَجابَه فيلِبُّس: «لوِ اشتَرَينا خُبزًا بِمائَتَي دينار، لما كفَى أَن يَحصُلَ الواحِدُ مِنهُم على كِسرَةٍ صَغيرة». وقالَ له أَحَدُ تَلاميذِه، أَندَراوُس أَخو سِمْعانَ بُطرُس: هٰهُنا صَبِيٌّ معَهُ خَمسَةُ أَرغِفَةٍ مِن شَعير وسَمَكتان، ولٰكِن ما هٰذا لِمِثلِ هٰذا العَدَدِ الكَبير؟» فقالَ يسوع: «أَقعِدوا النَّاس». وكان هُناكَ عُشبٌ كَثير. فقَعَدَ الرِّجالُ وكانَ عَدَدُهم نَحوَ خَمسَةِ آلاف. فأَخَذَ يسوعُ الأَرغِفَةَ وشَكَر، ثُمَّ وزَّعَ مِنها على الآكِلين، وفَعَلَ مِثلَ ذٰلك بِالسَّمَكَتَين، على قَدْرِ ما أَرادوا. فلَمَّا شَبِعوا قالَ لِتَلاميذِه: «إِجمَعوا ما فَضَلَ مِنَ الكِسَرِ لِئَلاَّ يَضيعَ شَيءٌ مِنها». فجَمَعوها ومَلأُوا ٱثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الكِسَرِ الَّتي فَضَلَت عنِ الآكِلينَ مِن خَمسَةِ أَرغِفَةِ الشَّعير. فلَمَّا رأَى النَّاسُ الآيةَ الَّتي أَتى بِها يسوع، قالوا: «حَقًّا، هٰذا هوَ النَّبِيُّ الآتي إِلى العالَم». وعَلِمَ يسوعُ أَنَّهم يَهُمُّونَ بِٱختِطافِه لِيُقيموهُ مَلِكًا، فٱنصَرَفَ وعادَ وَحدَه إِلى الجَبَل. ولَمَّا جاءَ المَساء، نَزَلَ تَلاميذُه إِلى البَحر. فرَكِبوا سَفينَةً وأَخَذوا يَعبُرونَ البُحَيرَةَ إِلى كَفَرناحوم. وكانَ الظَّلامُ قَد خَيَّمَ ويسوعُ لم يَلحَقْهم بَعْد. وهَبَّت رِيحٌ شَديدة، فٱضطَرَبَ البَحر. وبَعدَ ما جَذَّفوا نَحوَ خَمسٍ وعِشرينَ أَو ثَلاثينَ غَلوَة، رأَوا يسوعَ ماشيًا على البَحر، وقَدِ ٱقتَرَبَ مِنَ السَّفينَة، فخافوا. فقالَ لَهم: «أَنا هو، لا تَخافوا!» فَأَرادوا أَن يُصعِدوه إِلى السَّفينَة، فإِذا بِالسَّفينَةِ قد وَصَلَت إِلى الأَرضِ الَّتي كانوا يَقصِدونَها. وفي الغَد، رأَى الجَمعُ الَّذي باتَ على الشَّاطِئِ الآخَر أَن لم يَكُنْ هُناكَ إِلاَّ سَفينَةٌ واحِدة، وأَنَّ يسوعَ لم يَرْكَبْها معَ تَلاميذِه، بل ذَهَبَ التَّلاميذُ وَحدَهُم، على أَنَّ بَعضَ السُّفُنِ وصَلَت مِن طَبَرِيَّة إِلى مكانٍ قَريبٍ مِنَ المَوضِعِ الَّذي أَكلوا فيه الخُبز، بعد أَن شَكَرَ الرَّبّ. فلَمَّا رأَى الجَمعُ أَنَّ يسوعَ لَيسَ هُناك، ولا تَلاميذَه، رَكِبوا السُّفُنَ وساروا إِلى كَفَرناحوم يَطلُبونَ يسوع. فلَمَّا وَجَدوه على الشَّاطِئِ الآخَر قالوا له: «رَابِّي، مَتى وَصَلتَ إِلى هُنا؟» فأَجابَهم يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: أَنتُم تَطلُبونَني، لا لأَنَّكم رَأَيتُمُ الآيات، بل لأَنَّكُم أَكَلتُمُ الخُبزَ وشَبِعتُم. لا تَعمَلوا لِلطَّعامِ الَّذي يَفْنى، بلِ ٱعمَلوا لِلطَّعامِ الَّذي يَبْقى فَيَصيرُ حَياةً أَبَدِيَّة، ذاكَ الَّذي يُعطيكموهُ ٱبنُ الإِنسان، فهوَ الَّذي ثَبَّتَه الآبُ، اللهُ نَفْسُه، بِخَتْمِه». قالوا له: «ماذا نَعمَلُ لِنَقومَ بِأَعمالِ الله؟». فأَجابَهُم يسوع: «عَمَلُ اللهِ أَن تُؤمِنوا بِمَن أَرسَل». قالوا له: «فأَيُّ آيةٍ تَأتينا بِها أَنتَ فَنَراها ونُؤمِنَ بكَ؟ ماذا تَعمَل؟ آباؤُنا أَكَلوا المَنَّ في البَرِّيَّة، كما وَرَدَ في الكِتاب: «أَعْطاهم خُبزًا مِنَ السَّماءِ لِيأكُلوا». فقالَ لَهم يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: لم يُعطِكُم موسى خُبزَ السَّماء، بل أَبي يُعطيكُم خُبزَ السَّماءِ الحَقّ، لأَنَّ خُبزَ اللهِ هُوَ الَّذي يَنزِلُ مِنَ السَّماء، ويَهَبُ الحَياةَ لِلعالَم». فقالوا له: «يا رَبّ، أَعطِنا هٰذا الخُبزَ دائِمًا أَبَدًا». قالَ لَهُم يسوع: «أَنا خُبزُ الحَياة. مَن يُقبِلْ إِلَيَّ فَلَن يَجوع، ومَن يُؤمِنْ بي فلَن يَعطَشَ أَبَدًا. على أَنِّي قُلتُ لَكم: رَأَيتُموني ولا تُؤمِنون. جَميعُ الَّذينَ يُعطيني الآبُ إِيَّاهُم يُقبِلونَ إِلَيَّ، ومَن أَقبَلَ إِليَّ لا أُلقيهِ في الخارِج، فقَد نَزَلتُ مِنَ السَّماء، لا لأَعمَلَ بِمَشيئتي، بل بِمَشيئَةِ الَّذي أَرسَلَني. ومَشيئَةُ الَّذي أَرسَلَني أَلاَّ أُهلِكَ أَحَدًا مِن جَميعِ ما أَعْطانيه، بل أُقيمُه في اليَومِ الأَخير. فمَشيئَةُ أَبي هِيَ أَنَّ كُلَّ مَن رأَى الِٱبنَ وآمَنَ بِه كانَت له الحَياةُ الأَبَدِيَّة، وأَنا أُقيمُهُ في اليَومِ الأَخير». فتَذَمَّرَ اليَهودُ علَيه لأَنَّه قال: «أَنا الخُبزُ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء»، وقالوا: «أَلَيسَ هٰذا يسوعَ ٱبنَ يُوسُف، ونَحنُ نَعرِفُ أَباهُ وأُمَّه؟ فكَيفَ يَقولُ الآن: إِنِّي نَزَلتُ مِنَ السَّماء؟» أَجابَهم يسوع: «لا تَتَذمَّروا فيما بَينَكم. ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يُقبِلَ إِلَيَّ، إِلاَّ إِذا ٱجتَذَبَه الآبُ الَّذي أَرسَلَني. وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير. كُتِبَ في أَسفارِ الأَنبِياء: وسيَكونونَ كُلُّهم تَلامِذَةَ الله. فكُلُّ مَن سَمِعَ لِلآب وتَعَلَّمَ مِنه أَقبَلَ إِليَّ. وما ذٰلِكَ أَنَّ أَحَدًا رأَى الآب، سِوى الَّذي أَتى مِن لَدُنِ الآب، فهو الَّذي رأَى الآب. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن آمَنَ فلَهُ الحَياةُ الأَبَدِيَّة. أَنا خُبزُ الحَياة. آباؤُكُم أَكَلوا المَنَّ في البَرِّيَّة ثُمَّ ماتوا. إِنَّ الخُبزَ النَّازِلَ مِنَ السَّماء هوَ الَّذي يأكُلُ مِنه الإِنسانُ ولا يَموت. أَنا الخُبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء: مَن يَأكُلْ مِن هٰذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد. والخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم». فخاصَمَ اليَهودُ بَعضُهم بَعضًا وقالوا: «كَيفَ يَستَطيعُ هٰذا أَن يُعطِيَنا جسدَهُ لِنأكُلَه؟» فقالَ لَهم يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِذا لم تَأكُلوا جَسَدَ ٱبنِ الإِنسانِ وتَشرَبوا دَمَه، فلَن تَكونَ فيكُمُ الحَياة. مَن أَكَلَ جَسَدي وشَرِبَ دَمي، فلَه الحَياةُ الأَبَدِيَّة، وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير. لأَنَّ جَسَدي طَعامٌ حَقّ، ودَمي شَرابٌ حَقّ. مَن أَكَلَ جَسدي وشَرِبَ دَمي ثبَتَ فِيَّ وثَبَتُّ فيه. وكما أَنَّ الآبَ الحَيَّ أَرسَلَني وأَنِّي أَحْيا بِالآب، فكَذٰلِكَ الَّذي يأكُلُني سيَحْيا بي. هُوَذا الخُبزُ الَّذي نَزَلَ مِن السَّماء، غَيرُ الَّذي أَكلَهُ آباؤُكُم ثُمَّ ماتوا. مَن يأكُلْ هٰذا الخُبْز يَحيَ لِلأَبَد». قالَ هٰذا وهو يُعَلِّمُ في المَجمَعِ في كَفَرْناحوم. فقالَ كَثيرٌ مِن تَلاميذِه لَمَّا سَمِعوه: «هٰذا كَلامٌ عَسير، مَن يُطيقُ سَماعَه؟» فعَلِمَ يسوعُ في نَفْسِه أَنَّ تَلاميذَه يَتَذَمَّرونَ مِن ذٰلك، فقالَ لَهم: «أَهٰذا حَجَرُ عَثرَةٍ لكُم؟ فكَيفَ لو رَأَيتُمُ ٱبنَ الإِنْسانِ يَصعَدُ إِلى حَيثُ كانَ قَبْلاً؟ إِنَّ الرُّوحَ هو الَّذي يُحيي، وأَمَّا الجَسَدُ فلا يُجْدي نَفْعًا، والكَلامُ الَّذي كَلَّمتُكُم به رُوحٌ وحَياة، ولٰكِنَّ فيكم مَن لا يُؤمِنون». ذٰلكَ بِأَنَّ يسوعَ كانَ يَعلَمُ مُنذُ بَدءِ الأَمْرِ مَنِ الَّذينَ لا يُؤمِنون ومَنِ الَّذي سَيُسلِمُه. ثُمَّ قال: «ولِذٰلِكَ قُلتُ لكم: ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يُقبِلَ إِلَيَّ إِلاَّ بِهبَةٍ مِنَ الآب». فٱرتَدَّ عِندَئِذٍ كثيرٌ مِن تَلاميذِه وٱنقَطعوا عنِ السَّيرِ معَه. فقالَ يسوعُ لِلٱثْنَيْ عَشَر: «أَفلا تُريدونَ أَن تَذهَبوا أَنتُم أَيضًا؟» أَجابَه سِمْعانُ بُطرُس: «يا رَبّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟ ونَحنُ آمَنَّا وعَرَفنا أَنَّكَ قُدُّوسُ الله». أَجابَهم يسوع: «أَما أَنا ٱختَرتُكُم أَنتُمُ الِٱثنَيْ عَشَر؟ ومعَ ذٰلك فواحِدٌ مِنكم شَيطان». وأَرادَ بِه يَهوذا بْنَ سِمْعانَ الإسخَريوطيّ، فهُوَ الَّذي سيُسلِمُه، معَ أَنَّه أَحَدُ الِٱثنَي عَشَر. وجَعَلَ يسوعُ يَسيرُ بَعدَ ذٰلكَ في الجَليل، ولَم يَشَأْ أَن يَسيرَ في اليَهودِيَّة، لأَنَّ اليَهودَ كانوا يُريدونَ قَتلَه. وكانَ عيدُ الأَكْواخِ عِندَ اليَهود قَريبًا. فقالَ لَهُ إِخوَتُه: «إِذهَبْ مِن ههُنا وامضِ إِلى اليَهودِيَّة، حتَّى يَرى تَلاميذُكَ أَيضًا ما تَعمَلُ مِنَ الأَعْمال، فما مِن أَحَدٍ يَعمَلُ في الخُفيَة إِذا أَرادَ أَن يُعرَف. وما دُمتَ تَعمَلُ هٰذهِ الأَعمال، فأَظهِرْ نَفْسَكَ لِلْعالَم». ذٰلك بِأَنَّ إِخوَتَه أَنفُسَهم لم يَكونوا يُؤمِنونَ بِه. فقالَ لَهم يَسوع: «لم يَأتِ وَقْتي بَعْد، وأَمَّا وَقْتُكم فهوَ مُؤاتٍ لَكم أَبَدًا. لا يَستَطيعُ العالَمُ أَن يُبغِضَكم، وأَمَّا أَنا فيُبغِضُني لأَنِّي أَشهَدُ علَيه بِأَنَّ أَعمالَه سَيِّئَة. إِصعَدوا أَنتُم إِلى العيد، فأَنا لا أَصعَدُ إِلى هٰذا العيد، لأَنَّ وَقْتي لَم يَحِنْ بَعْد». قالَ هٰذا ولَبِثَ في الجَليل. ولَمَّا صَعِدَ إِخوَتُه إِلى العيد، صَعِد هو أَيضًا خُفيَةً لا عَلانِيَةً. فكانَ اليَهودُ يَطلُبونَه في العيد ويَقولون: «أَينَ هو؟» والجُموعُ تَتَهامَسُ في شَأنِه، فبَعضُهم يَقول: «إِنَّه رَجُلٌ صالِح»، وبَعضُهُم الآخَرُ يَقول: «كَلاَّ، بل يُضَلِّلُ الشَّعْب». ولٰكِن لم يَتَحَدَّثْ بِه أَحَدٌ جِهارًا خَوفًا مِنَ اليَهود. وصَعِدَ يَسوعُ إِلى الهَيكَل وكانَ العيدُ قد بَلَغَ إِلى أَوسَطِه فأَخَذَ يُعَلِّم. فتَعَجَّبَ اليَهودُ وقالوا: «كَيفَ يَعرِفُ هٰذا الكُتُبَ ولَم يَتَعَلَّم؟» فأَجابَهم يسوع: «لَيسَ تَعليمي مِن عِندي، بل مِن عِندِ الَّذي أَرسَلَني. فَإِذا أَرادَ أَحَدٌ أَن يَعمَلَ بِمَشيئَتِه، عَرفَ هل ذَاكَ التَّعليمُ مِن عِندِ الله، أَو أَنِّي أَتَكَلَّمُ مِن عِندِ نَفْسي. فَالَّذي يَتَكَلَّمُ مِن عِندِ نَفْسِه يَطلُبُ المَجدَ لِنَفْسِه، أَمَّا مَن يَطلُبُ المَجدَ لِلَّذي أَرسَلَه، فهوُ صادِقٌ لا نِفاقَ فيه. أَلَم يُعطِكُم موسى الشَّريعة؟ وما مِن أَحَدٍ مِنكُم يَعمَلُ بِأَحْكام الشَّريعة. لِمَاذا تُريدونَ قَتْلي؟» أَجابَ الجَمْع: «بِكَ مَسٌّ مِنَ الشَّيطان، فمَن يُريدُ قَتْلَكَ؟» أَجابَ يسوع: «ما عَمِلتُ إِلاَّ عَمَلاً واحِدًا، فتعَجَّبتُم كُلُّكم. سَنَّ موسى فيكُمُ الخِتان (ولَم يَكُنِ الخِتانُ مِن موسى، بل مِنَ الآباء) فتَختِنونَ الإِنسانَ يَومَ السَّبْت. فإِذا كانَ الإِنسانُ يَتَلَقَّى الخِتانَ يَومَ السَّبْتِ لِئَلاَّ تُخالَفَ شَريعةُ مُوسى، أَفتَحنَقونَ عَلَيَّ لأَنِّي أَبرَأْتُ يَومَ السَّبْتِ إِنسانًا بِكُلِّ ما فيه؟ لا تَحكُموا على الظَّاهِر، بلِ ٱحكُموا بِالعَدْل». فقالَ أُناسٌ مِن أَهلِ أُورَشَليم: «أَليسَ هٰذا الَّذي يُريدونَ قَتْلَه؟ فها إِنَّه يَتَكلَّمُ جِهارًا ولا يَقولونَ له شَيئًا. تُرى هل تَبَيَّنَ لِلرُّوساءِ أَنَّه المسيح؟ على أَنَّ هٰذا نَعرِفُ مِن أَينَ هو، وأَمَّا المسيح فلا يُعرَفُ حينَ يأتي مِن أَينَ هو». فرَفَعَ يسوعُ صَوتَه وهُو يُعَلِّمُ في الهَيكَلِ قال: «أَجَل، إِنَّكُم تَعرِفونَني وتعرفونَ مِن أَينَ أَنا. على أَنِّي ما جئتُ مِن نَفْسي، فالَّذي أَرسَلني هو صادِق. ذاكَ الَّذي لا تَعرِفونَه أَنتُم، وأَمَّا أَنا فَأَعرِفُه، لأَنِّي مِن عِندِه، وهوَ الَّذي أَرسَلَني». فأَرادوا أَن يُمسِكوه، ولٰكِن لم يَبسُطْ إِليه أَحَدٌ يَدًا، لأَنَّ ساعتَه لم تَكُن قد جاءَت. فآمنَ بِه مِنَ الجَمْعِ خَلْقٌ كَثيرٌ وقالوا: «أَيُجري المسيحُ مِنَ الآياتِ حينَ يأتي أَكثَر مِمَّا أَجْرى هٰذا الرَّجُل؟» فسَمِعَ الفِرِّيسيُّونَ الجَمْعَ يَتَهامَسونَ بِذٰلِكَ في شَأنِه، فأَرسَلَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ بَعضَ الحَرَسِ لِيُمسِكوه. فقالَ يسوع: «أَنا باقٍ مَعَكم وَقْتًا قليلاً، ثُمَّ أَذهَبُ إِلى الَّذي أَرسَلَني. ستَطلُبوني فلا تَجِدوني، وحَيثُ أَكونُ أَنا لا تَستَطيعونَ أَنتُم أَن تَأتوا». فقالَ اليَهودُ بَعضُهم لِبَعضٍ: «إِلى أَينَ يَذهَبُ هٰذا فلا نَجِدَه؟ أَيَذهَبُ إِلى المُشَتِّتينَ مِنَ اليَهودِ بَينَ اليونانِيِّين، فيُعَلِّمَ اليونانِيِّين؟ ما مَعْنى هٰذه الكَلِمَةِ الَّتي قالَها: ستَطلُبوني فلا تَجِدوني، وحَيثُ أَكونُ أَنا لا تَستَطيعونَ أَنتُم أَن تَأتوا»؟ وفي آخِرِ يَومٍ مِنَ العيد، وهُو أَعظَمُ أَيَّامِه، وقَفَ يسوع ورفَعَ صَوتَه قال: «إِن عَطِشَ أَحَدٌ فليُقْبِلْ إِلَيَّ، ومَن آمَنَ بي فَلْيَشْرَبْ، كما وَرَدَ في الكِتاب: ستَجْري مِن جوفِه أَنهارٌ مِنَ الماءِ الحَيّ». وأَرادَ بِقَولِه الرُّوحَ الَّذي سيَنالُه المؤمِنونَ بِه، فلَم يَكُنْ هُناكَ بَعدُ مِن رُوح، لأَنَّ يسوعَ لم يَكُنْ قد مُجِّد. فقالَ أَناسٌ مِنَ الجَمعِ وقَد سَمِعوا ذٰلك الكَلام: «هٰذا هو النَّبِيُّ حَقًّا!» وقالَ غَيرُهُم: «هٰذا هو المَسيح!» ولٰكِنَّ آخَرينَ قالوا: «أَفتُرى مِنَ الجَليلِ يَأتي المَسيح؟ أَلَم يَقُلِ الكِتابُ إِنَّ المَسيحَ هُوَ مِن نَسلِ داود وإِنَّه يَأتي مِنَ بَيتَ لَحْمَ، القَريَةِ الَّتي مِنها خَرَجَ داود؟» فوقَعَ بَينَ الجَمعِ خَلافٌ في شأنِه. وأَرادَ بَعضُهم أَن يُمسِكوه، ولٰكِن لم يَبسُطْ إِلَيه أَحَدٌ يَدًا. ورَجَعَ الحَرَسُ إِلى عُظَماءِ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيِّين فقالَ لَهم هٰؤلاء: «لِماذا لم تَأتوا بِه؟» أَجابَ الحَرَس: «ما تَكَلَّمَ إِنسانٌ قَطّ مِثلَ هٰذا الرَّجُل». فأَجابَهُمُ الفِرِّيسيُّون: «أَخُدِعْتُم أَنتُم أَيضًا؟ هل آمنَ بِه أَحَدٌ مِنَ الرُّؤَساءِ أَوِ الفِرِّيسيِّين؟ أَمَّا هٰؤُلاءِ الرَّعاعُ الَّذينَ لا يَعرِفونَ الشَّريعَة، فهُم مَلعونون». فقالَ لَهم نيقوديمُس وكانَ مِنهم، وهُو ذاكَ الَّذي جاءَ قَبْلاً إِلى يَسوع: «أَتَحكُمُ شَريعَتُنا على أَحَدٍ قَبلَ أَن يُستَمعَ إِلَيه ويُعرَفَ ما فَعَل؟» أَجابوه: «أَوأَنتَ أَيضًا مِنَ الجَليل؟ إِبْحَثْ تَرَ أَنَّه لا يَقومُ مِنَ الجَليلِ نَبِيّ». ثُمَّ ٱنصَرَفَ كُلٌّ مِنهُم إِلى بَيتِه. أَمَّا يسوع فذَهَبَ إِلى جَبَلِ الزَّيتون. وعادَ عِندَ الفَجرِ إِلى الهَيكَل، فأَقبَلَ الشَّعْبُ كُلُّه. فجلَسَ وجَعلَ يُعَلِّمُهم. فأَتاهُ الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ بِٱمرَأَةٍ أُخِذَت في زِنًى. فأَقاموها في وسَطِ الحَلقَةِ وقالوا له: «يا مُعَلِّم، إِنَّ هٰذِه المَرأَةَ أُخِذَت في الزِّنى المَشْهود. وقد أَوصانا مُوسى في الشَّريعَةِ بِرَجْمِ أَمثالِها، فأَنتَ ماذا تقول؟» وإِنَّما قالوا ذٰلكَ لِيُحرِجوهُ فيَجِدوا ما يَشْكونَه بِه. فٱنحَنى يسوعُ يَخُطُّ بإِصبَعِه في الأَرض. فلَمَّا أَلحُّوا علَيه في السُّؤال ٱنتَصَبَ وقالَ لَهم: «مَن كانَ مِنكُم بِلا خَطيئة، فلْيَكُنْ أَوَّلَ مَن يَرميها بِحَجَر!» ثُمَّ ٱنحَنى ثانِيَةً يَخُطُّ في الأَرض. فلَمَّا سَمِعوا هٰذا الكَلام، اِنصَرَفوا واحِدًا بَعدَ واحِد يَتَقَدَّمُهم كِبارُهم سِنًّا. وبَقِيَ يسوعُ وَحدَهُ والمَرأَةُ في وَسَطِ الحَلْقَة. فٱنتَصَبَ يسوعُ وقالَ لَها: «أَينَ هُم، أَيَّتُها المَرأَة؟ أَلَم يَحكُمْ عَليكِ أَحَد؟» فقالت: «لا، يا ربّ». فقالَ لها يسوع: «وأَنا لا أَحكُمُ علَيكِ. إِذهَبي ولا تَعودي بَعدَ الآنَ إِلى الخَطيئَة». وكَلَّمَهم أَيضًا يسوعُ قال: «أَنا نُورُ العالَم: مَن يَتبَعْني لا يَمْشِ في الظَّلام، بل يكونُ لَه نورُ الحَياة». فقالَ له الفِرِّيسيُّونَ: «أَنتَ تَشهَدُ لِنَفسِكَ، فشهادَتُكَ لا تَصِحّ». أَجابَهم يسوع: إِنِّي، وإِن شهِدتُ لِنَفْسي، فشَهادتي تَصِحّ، فأَنا أَعلَمُ مِن أَينَ أَتَيتُ وإِلى أَينَ أَذهَب. أَمَّا أَنتُم فلا تَعلَمونَ مِن أَينَ أَتَيتُ ولا إِلى أَينَ أَذهَب. أَنتُم تَحكُمونَ حُكْمَ البَشَر، وأَنا لا أَحكُمُ على أَحَد. وإِذا حَكَمتُ، فحُكْمي صَحيح، لأَنِّي لَستُ وَحْدي، بل أَنا والَّذي أَرسَلَني. وكُتِبَ في شَريعَتِكم: شَهادَةُ شاهِدَيْنِ تَصِحّ. أَنا أَشهَدُ لِنَفْسي، والآبُ الَّذي أَرسَلَني يَشهَدُ لي أَيضًا». فقالوا له: «أَينَ أَبوك؟» أَجابَ يسوع: «أَنتُم لا تَعرِفوني ولا تَعرِفونَ أَبي، ولَو عَرَفتُموني لَعَرَفتُم أَبي أَيضًا». قالَ هٰذا الكَلامَ عِندَ الخِزانَة وهو يُعَلِّمُ في الهَيكَل، فلَم يُمسِكْه أَحَدٌ لأَنَّ ساعتَه لم تَكُنْ قد جاءَت. فقالَ لَهم ثانِيَةً: «أَنا ذاهِب: سَتَطلُبوني، ومعَ ذٰلك تَموتونَ في خَطيئَتِكم. وحَيثُ أَنا ذاهِبٌ فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا». فقالَ اليَهود: «أَتُراهُ يَقتُلُ نَفسَه؟ فقد قال: حَيثُ أَنا ذاهِبٌ فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا». قال لَهم: «أَنتُم مِن أَسفَل، وأَنا مِن عَلُ. أَنتُم مِن هٰذا العالَم، وأَنا لَسْتُ مِنَ العالَمِ هٰذا. لِذٰلك قُلتُ لَكم: ستَموتونَ في خَطاياكم. فإِذا لم تُؤمِنوا بِأَنِّي أَنا هو، تَموتون في خَطاياكم». فقالوا له: «مَن أَنتَ؟» فقالَ يسوع: «أَنا ما أَقولُه لَكم مُنذُ بَدءِ الأَمْر. عِندي في شَأنِكُم أَشْياءُ كَثيرة أَقولُها وأَحكُمُ فيها. على أَنَّ الَّذي أَرسَلَني صادِق، وما سَمِعتُه مِنهُ أَقولُه لِلعالَم». فلَم يَفهَموا أَنَّه كَلَّمَهم على الآب. فقالَ لَهم يسوع: «متى رَفَعتُمُ ٱبْنَ الإِنسان، عَرَفتُم أَنِّي أَنا هو وأَنِّي لا أَعمَلُ شَيئًا مِن عِندي، بل أَقولُ ما عَلَّمَني الآب. إِنَّ الَّذي أَرسَلَني هو معي، لَم يَترُكْني وَحْدي، لأَنِّي أَعمَلُ دائِمًا أَبَدًا ما يُرْضيه». وبَينَما هُو يَتَكَلَّمُ بِذٰلِكَ، آمَنَ بِه خَلْقٌ كَثير. فقالَ يسوعُ لِليَهودِ الَّذينَ آمَنوا بِه: «إِن ثَبتُّم في كلامي، كُنتُم تلاميذي حَقًّا، تَعرِفونَ الحَقّ، والحَقُّ يُحَرِّرُكُم». أَجابوه: «نَحنُ نَسْلُ إِبْراهيم، لم نَكُنْ يَومًا عَبيدًا لأَحَد! فكَيفَ تَقولُ: سَتَصيرونَ أَحْرارًا؟» أَجابَهم يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: «كُلُّ مَن يَرتَكِبُ الخَطيئَة يَكونُ عَبدًا لِلخَطيئَة. والعَبدُ لا يُقيمُ في البَيتِ دائِمًا أَبَدًا، بلِ الِٱبنُ يُقيمُ فيه لِلأَبَد. فإِذا حَرَّرَكُمُ الِٱبنُ كُنتُم أَحرارًا حَقًّا. أَنا أَعلَمُ أَنَّكم نَسْلُ إِبراهيم، ولٰكِنَّكُم تُريدونَ قَتْلي، لأَنَّ كَلامي لا يَجِدُ إِلَيكم سَبيلاً. أَنا أَتَكَلَّمُ بِما رَأَيتُ عِندَ أَبي، وأَنتُم تَعمَلونَ بِما سَمِعتُم مِن أَبيكم». أَجابوه: «إِنَّ أَبانا هو إِبراهيم». فقالَ لَهم يسوع: «لَو كُنتُم أَبناءَ إِبراهيم، لَعَمِلتُم أَعمالَ إِبراهيم». ولٰكِنَّكُم تُريدونَ الآنَ قَتْلي، أَنا الَّذي قالَ لَكُمُ الحَقَّ الَّذي سَمِعَهُ مِنَ الله، وذٰلكَ عمَلٌ لم يَعمَلْهُ إِبْراهيم. أَنتُم تَعمَلونَ أَعمالَ أَبيكم». قالوا له: «نَحنُ لم نولَدْ لِزِنًى، ولَنا أَبٌ واحِدٌ هوَ الله». فقالَ لَهم يسوع: «لَو كانَ اللهُ أَباكم لَأَحْبَبتُموني، لأَنِّي مِنَ اللهِ خَرجتُ وأَتَيت. وما أَتَيتُ مِن نَفْسي، بل هوَ الَّذي أَرسَلَني. لِماذا لا تَفهَمونَ ما أَقول؟ لأَنَّكُم لا تُطيقونَ الِٱستِماعَ إِلى كَلامي. أَنتُم أَولادُ أَبيكُم إِبليس، تُريدونَ إِتمامَ شَهَواتِ أَبيكم. كانَ مُنذُ البَدءِ قَتَّالاً لِلنَّاس، ولَم يَثبُتْ على الحَقّ، لأَنَّه ليسَ فيه شَيءٌ مِنَ الحَقّ. فَإِذا تَكَلَّمَ بِالكَذِب تَكَلَّمَ بِما عِندَه، لأَنَّه كَذَّابٌ وأَبو الكَذِب. أَمَّا أَنا فلأَنِّي أَقولُ الحَقّ لا تُؤمِنونَ بي. مَن مِنكم يُثبِتُ عَليَّ خَطيئة؟ فَإِذا كُنتُ أَقولُ الحَقّ، فلِماذا لا تُؤمِنونَ بي؟ مَن كانَ مِنَ اللهِ ٱستَمَعَ إِلى كَلامِ الله. فإِذا كُنتُم لا تَستَمِعونَ إِلَيه فَلأَنَّكُم لَستُم مِنَ الله». أَجابَه اليَهود: «أَلَسْنا على صوابٍ في قَولِنا إِنَّكَ سامِريّ، وإِنَّ بِكَ مَسًّا مِنَ الشَّيطان؟» «أَجابَ يسوع: «لَيسَ بي مَسٌّ مِنَ الشَّيطان، ولٰكِنِّي أُكرِمُ أَبي، وأَنتُم تُهينوني. أَنا لا أَطلُبُ مَجدي، فهُناكَ مَن يطلُبُه وَيَحكُم. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن يَحفَظْ كَلامي لا يَرَ المَوتَ أَبَدًا». قالَ له اليَهود: «الآنَ عَرَفْنا أَنَّ بِكَ مَسًّا مِنَ الشَّيطان. ماتَ إِبراهيمُ وماتَ الأَنبياء، وأَنتَ تَقول: مَن يَحفَظْ كَلامي لا يَذُقِ المَوتَ أَبَدًا. أَأَنتَ أَعظَمُ مِن أَبينا إِبراهيمَ الَّذي مات؟ وقد ماتَ الأَنبِياءُ أَيضًا. مَن تَجعَلُ نَفْسَكَ؟» أَجابَ يسوع: «لَو مَجَّدتُ نَفْسي لكانَ مَجْدي باطِلاً، ولكِنَّ أَبي هوَ الَّذي يُمَجِّدُني، ذٰلكَ الَّذي تَقولونَ أَنتُم: هو إِلٰهُنا. أَنتُم لم تَعرِفوه، أَمَّا أَنا فأَعرفُه. ولَو قُلتُ إِنِّي لا أَعرِفُه، لكُنتُ مِثلَكُم كاذِبًا. ولٰكِنِّي أَعرِفُه وأَحفَظُ كَلِمَتَه. إِبتَهَجَ أَبوكُم إِبراهيم راجِيًا أَن يَرى يَومي ورآهُ فَفَرِح». قالَ له اليَهود: «أَرَأَيتَ إِبراهيمَ وما بَلَغتَ الخَمسين؟» فقالَ لَهم يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: قَبلَ أَن يَكونَ إِبراهيم، أَنا هو». فأَخَذوا حِجارَةً لِيَرموه بِها، فتَوارى يسوع وخرَجَ مِنَ الهَيكَل. وبَينَما هو سائِرٌ رأَى رَجُلاً أَعْمى مُنذُ مَولِدِه. فسأَلَه تَلاميذُه: «رابِّي، مَن خَطِئَ، أَهٰذا أَم والِداه، حَتَّى وُلِدَ أَعْمى؟». أَجابَ يسوع: «لا هٰذا خَطِئَ ولا والِداه، ولٰكِن كانَ ذٰلك لِتَظهَرَ فيه أَعمالُ الله. يَجِبُ علَينا، ما دامَ النَّهار، أَن نَعمَلَ أَعمالَ الَّذي أَرسَلَني. فاللَّيلُ آتٍ، وفيه لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَعمَل. ما دُمتُ في العالَم، فأَنا نورُ العالَم». قالَ هٰذا وتَفَلَ في الأَرض، فجَبَلَ مِن تُفالِه طينًا، وطَلى بِه عَينَي الأَعْمى، ثُمَّ قالَ له: «إِذهَبْ فَٱغتَسِلْ في بِركَةِ سِلوامَ»، أَي الرَّسول. فذَهَبَ فٱغتَسَلَ فَعادَ بَصيرًا. فقالَ الجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرونَه مِن قَبلُ، لأَنَّه كانَ شحَّاذًا: «أَلَيسَ هو ذاكَ الَّذي كانَ يَقعُدُ فيَستَعْطي؟» وقالَ آخَرون: «إِنَّه هو». وقالَ غَيرُهم: «لا، بل يُشبِهُه». أَمَّا هوَ فكانَ يقول: «أَنا هو». فقالوا له: «فكَيفَ ٱنفَتَحَت عَيناكَ؟» فأَجابَ: «إِنَّ الرَّجُلَ الَّذي يُقالُ لَه يسوع جَبَلَ طينًا فطَلى بِه عَينَيَّ وقالَ لي: «إِذهَبْ إِلى سِلوامَ فٱغتَسِل. فذَهَبتُ فَٱغتَسَلتُ فَأَبصَرتُ». فقالوا له: «أَينَ هو؟» قال: «لا أَعلَم». فَذَهبوا إِلى الفِرِّيسيِّينَ بِذاكَ الَّذي كانَ مِن قَبْلُ أَعْمى. وكانَ اليَومُ الَّذي فيه جَبَلَ يسوعُ طينًا وفَتحَ عَينَيِ الأَعمى يَومَ سَبْت. فسأَلَه الفِرِّيسيُّونَ أَيضًا كَيفَ أَبصَر. فقالَ لَهم: «جَعَلَ طينًا على عَينَيَّ ثُمَّ ٱغتَسَلتُ وها إِنِّي أُبصِر». فقالَ بَعضُ الفِرِّيسِيِّين: «لَيسَ هٰذا الرَّجُلُ مِنَ الله، لأَنَّه لا يَحفَظُ شَريعةَ السَّبْت». وقالَ آخَرون: «كَيفَ يَستَطيعُ خاطِئٌ أَن يَأتيَ بِمِثلِ هٰذهِ الآيات؟» فوَقَعَ الخِلافُ بَينَهم. فقالوا أَيضًا لِلأَعمى: «وأَنتَ ماذا تَقولُ فيه وقَد فَتَحَ عَينَيكَ؟» قال: «إِنَّهُ نَبِيّ». على أَنَّ اليَهودَ لم يُصَدِّقوا أَنَّه كانَ أَعْمى فأَبصَر، حتَّى دَعَوا والِدَيه. فسأَلوهما: «أَهٰذا ٱبنُكما الَّذي تَقولانِ إِنَّه وُلِدَ أَعمى؟ فكَيفَ أَصبَحَ يُبصِرُ الآن؟» فأَجابَ والِداه: «نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ هٰذا ٱبنُنا، وأَنَّه وُلِدَ أَعْمى. أَمَّا كَيفَ أَصبَحَ يُبصِرُ الآن، فلا نَدْري، ومَن فَتَحَ عَينَيه فنَحنُ لا نَعلَم. إِسأَلوهُ، إِنَّه مُكتَمِلُ السِّنّ، سيَتَكَلَّمُ هو بِنَفسِه عن أَمرِه». وإِنَّما قالَ والِداهُ هٰذا لِخَوفِهِما مِنَ اليَهود، لأَنَّ اليَهودَ كانوا قدِ ٱتَّفَقوا على أَن يُفصَلَ مِنَ المَجمَعِ مَن يَعتَرِفُ بِأَنَّه المسيح. فلِذٰلكَ قالَ والِداه: إِنَّه مُكتَمِلُ السِّنّ، فٱسأَلوه. فَدَعَوا ثانِيَةً الرَّجُلَ الَّذي كانَ أَعمى وقالوا له: «مَجِّدِ الله، نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ هٰذا الرَّجُلَ خاطِئ». فأَجاب: «هل هو خاطِئٌ لا أَعلَم، وإِنَّما أَعلَمُ أَنِّي كُنتُ أَعْمى وها إِنِّي أُبصِرُ الآن». فقالوا له: «ماذا صَنَعَ لكَ؟ وكَيفَ فتَحَ عَينَيكَ؟» أَجابَهم: «لَقد قُلتُه لَكم فلَم تُصغُوا، فلِماذا تُريدونَ أَن تَسمَعوه ثانِيَةً؟ أَتُراكم تَرغَبونَ في أَن تَصيروا أَنتُم أَيضًا تَلاميذَه؟» فشَتَموه وقالوا: «أَنتَ تِلميذُه، أَمَّا نَحنُ فَإِنَّنا تَلاميذُ مُوسى. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ اللهَ كَلَّمَ مُوسى، أَمَّا هٰذا فلا نَعلَمُ مِن أَينَ هو». أَجابَهُمُ الرَّجُل: «فعَجيبٌ أَن لا تَعلَموا مِن أَينَ هو وقَد فَتَحَ عَينَيَّ. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ اللهَ لا يَستَجيبُ لِلخاطِئين، بل يَستَجيبُ لِمَنِ ٱتَّقاهُ وعَمِلَ بِمَشيئَتِه. ولَم يُسمَعْ يَومًا أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ فتَحَ عَينَي مَن وُلِدَ أَعْمى. فلَو لَم يَكُن هٰذا الرَّجُلُ مِنَ الله، لَما ٱستَطاعَ أَن يَصنَعَ شَيئًا». أَجابوه: «أَتُعلِّمُنا أَنتَ وقد وُلِدتَ كُلُّكَ في الخَطايا؟» ثمَّ طَردوه. فَسَمِعَ يسوع أَنَّهم طَردوه، فلَقِيَه وقالَ له: «أَتُؤمِنُ أَنتَ بِٱبنِ الإِنسان؟» أَجاب: «ومَن هو، يا ربّ، فأُومِنَ به؟» قالَ له يسوع: «قد رَأَيتَه، هو الَّذي يُكَلِّمُكَ». فقال: «آمنتُ، يا ربّ» وسَجَدَ له. فقالَ يسوع: «إِنِّي جِئتُ هٰذا العالَمَ لإِصدارِ حُكْمٍ: أَن يُبصِرَ الَّذينَ لا يُبصِرون، ويَعْمى الَّذينَ يُبصِرون». فسَمِعَه بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ الَّذينَ كانوا معَه فقالوا له: «أَفنَحنُ أَيضًا عُمْيان؟» قالَ لَهم يسوع: «لو كُنتُم عُمْيانًا لَما كانَ علَيكُم خَطيئة. ولٰكِنَّكُم تَقولونَ الآن: إِنَّنا نُبصِر، فخَطيئَتُكُم ثابِتَة». «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن لا يَدخُلُ حَظيرَةَ الخِرافِ مِنَ الباب، بل يَتَسَلَّقُ إِلَيها مِن مَكانٍ آخَر، فهُو لِصٌّ سارِق. ومَن يدخُلُ مِنَ الباب فهُو راعي الخِراف. لَه يَفتَحُ البَوَّاب، والخِرافُ إِلى صوتِه تُصغي. يَدعو خِرافَه كُلَّ واحدٍ مِنها بِٱسمِه ويُخرِجُها. فإِذا أَخرَجَ خِرافَه جَميعًا سارَ قُدَّامَها، وهي تَتبَعُه لأَنَّها تَعرِفُ صَوتَه. أَمَّا الغَريب فَلَن تَتبَعَه، بل تَهرُبُ مِنه لأَنَّها لا تَعرِفُ صَوتَ الغُرَباء». ضَرَبَ يسوع لَهم هٰذا المَثَل، فلَم يَفهَموا مَعنى ما كَلَّمَهم بِه. فقالَ يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: أنا بابُ الخِراف. جَميعُ الَّذينَ جاؤوا قَبْلي لُصوصٌ سارِقون، ولٰكِنَّ الخِرافَ لم تُصْغِ إِلَيهم. أَنا الباب فمَن دَخَلَ مِنِّي يَخلُص يَدخُلُ ويَخرُجُ ويَجِدُ مَرْعًى. السَّارِقُ لا يأتي إِلاَّ لِيَسرِقَ ويَذبَحَ ويُهلِك. أَمَّا أَنا فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس، وتَفيضَ فيهِم. أَنا الرَّاعي الصَّالِح، والرَّاعي الصَّالِحُ يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف، وأَمَّا الأَجير، وهو لَيسَ بِراعٍ ولَيستِ الخِرافُ له فإِذا رأَى الذِّئبَ آتِيًا، تَرَكَ الخِرافَ وهَرَب، فيَخطَفُ الذِّئبُ الخِرافَ ويُبَدِّدُها. وذٰلِكَ لأَنَّهُ أَجيرٌ لا يُبالي بِالخِراف. أَنا الرَّاعي الصَّالح، أَعرِفُ خِرافي وخِرافي تَعرِفُني، كَما أَنَّ أَبي يَعرِفُني وأَنا أَعرِفُ أَبي، وأَبذِلُ نَفْسي في سَبيلِ الخِراف. ولي خِرافٌ أُخْرى لَيسَت مِن هٰذِه الحَظيرَة، فتِلكَ أَيضًا لا بُدَّ لي أَن أَقودَها، وسَتُصغي إِلى صَوتي، فيَكونُ هُناكَ رَعِيَّةٌ واحِدة وراعٍ واحِد. إِنَّ الآبَ يُحِبُّني، لأَنِّي أَبذِلُ نَفْسي لأَنالَها ثانِيَةً، ما مِن أَحَدٍ يَنتَزِعُها مِنِّي، بل إِنِّي أَبذِلُها بِرِضايَ. فَلي أَن أَبذِلَها، ولي أَن أَنالَها ثانِيَةً، وهٰذا الأَمرُ تَلَقَّيتُه مِن أَبي». فوَقَعَ الخِلافُ ثانِيَةً بَينَ اليَهودِ بِسَبَبِ هٰذا الكَلام، فقالَ كثيرٌ مِنهم: «إِنَّ بِه مَسًّا مِنَ الشَّيطان، فهُو يَهْذي، فلِماذا تُصغُونَ إِلَيه؟». وقال آخَرون: «لَيسَ هٰذا كَلامَ مَن بِه مَسٌّ مِنَ الشَّيطان. أَيَستَطيعُ الشَّيطانُ أَن يَفتَحَ أَعيُنَ العُمْيان؟». وأُقيمَ في أُورَشَليمَ عيدُ التَّجديد، وكانَ فَصلُ الشِّتاء. وكانَ يسوعُ يَتَمَشَّى في الهَيكَلِ تَحتَ رِواقِ سُلَيمان. فٱلتَفَّ علَيه اليَهودُ وقالوا له: «حَتَّامَ تُدخِلُ الحَيرَةَ في نُفوسِنا؟ إِن كُنتَ المَسيح، فقُلْه لَنا صَراحَةً». أَجابَهم يسوع: «قُلتُه لَكُم ولٰكنَّكُم لا تُؤمِنون. إِنَّ الأَعمالَ الَّتي أَعمَلُها بِٱسمِ أَبي هي تَشهَدُ لي. ولٰكِنَّكُم لا تُؤمِنون، لأَنَّكُم لستُم مِن خِرافي. إِنَّ خِرافي تُصْغي إِلى صَوتي، وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني، وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبدِيَّة، فلا تَهلِكُ أَبدًا ولا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي. إِنَّ أَبي الَّذي وَهَبَها لي أَعظمُ مِن كُلِّ مَوجود. ما مِن أَحَدٍ يستطيعُ أَن يَختَطِفَ مِن يَدِ الآبِ شَيئًا. أَنا والآبُ واحِد». فأَتى اليَهودُ بِحِجارَةٍ ثانِيَةً لِيَرجُموه. أَجابَهم يسوع: «أَرَيتُكم كثيرًا مِنَ الأَعمالِ الحَسَنَةِ مِن عِندِ الآب، فَلأَيِّ عَمَلٍ مِنها تَرجُموني؟» أَجابَه اليَهود: «لا نَرجُمُكَ لِلعَمَلِ الحَسَن، بل لِلتَّجْديف، لأَنَّكَ، وأَنتَ إِنْسان، تَجعَلُ نَفْسَكَ الله». أَجابَهم يسوع: «أَلَم يُكتَبْ في شَريعَتِكم: قُلتُ إِنَّكُم آلِهَة؟ فإِذا كانَتِ الشَّريعَةُ تَدعو آلِهَةً مَن أُلْقِيَت إِلَيهِم كَلِمَةُ الله - ولا يُنسَخُ الكِتاب - فكَيفَ تَقولونَ لِلَّذي قَدَّسَه الآبُ وأَرسَلَه إِلى العالَم: أَنتَ تُجَدِّف، لأَنِّي قُلتُ إِنِّي ٱبنُ الله؟ إِذا كُنتُ لا أَعمَلُ أَعمالَ أَبي، فَلا تُصَدِّقوني. وإِذا كُنتُ أَعمَلُها، فصَدِّقوا هٰذهِ الأَعمال، إِن لَم تُصَدِّقوني. فتَعلَموا وتُوقِنوا أَنَّ الآبَ فيَّ وأَنِّي في الآب». فحاوَلوا مرَّةً أُخرى أَن يُمسِكوه، فأَفلَتَ مِن أَيديهِم. وعبَرَ الأُردُنَّ مرَّةً أُخْرى فذهَب إِلى حَيثُ عَمَّدَ يوحَنَّا في أَوَّلِ الأَمْر، فَأَقامَ هُناك. فأَقبلَ إِلَيه خَلْقٌ كثيرٌ وقالوا: «إِنَّ يوحَنَّا لم يَأتِ بِآية، ولٰكِنَّ كُلَّ ما قالَه في هٰذا الرَّجُلِ كانَ حَقًّا». فآمَنَ بِه هُنالِكَ خَلقٌ كَثير. وكانَ رَجُلٌ مَريضٌ وهو لَعازَر مِن بَيتَ عَنْيا، مِن قَريَةِ مَريَمَ وأُختِها مَرْتا. ومَريَمُ هيَ الَّتي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِالطِّيب ومَسَحَت قَدَمَيهِ بِشَعرِها. وكانَ المَريضُ أَخاها لَعازَر. فأَرسَلَت أُختاهُ تقولانِ لِيَسوع: «يا ربّ، إِنَّ الَّذي تُحِبُّه مَريض». فلمَّا سَمِعَ يسوع قال: «هٰذا المَرَضُ لا يَؤُولُ إِلى المَوت، بل إِلى مَجْدِ الله، لِيُمَجَّدَ بِه ٱبنُ الله». وكانَ يسوعُ يُحِبُّ مَرْتا وأُختَها ولَعازَر، ومعَ ذٰلك فلمَّا سَمِعَ أَنَّه مريض، بَقِيَ في مَكانِه يَومَين. ثُمَّ قالَ لِلتَّلاميذِ بَعدَ ذٰلِك: «لِنَعُدْ إِلى اليَهودِيَّة». فقالَ له تَلاميذُه: «رابِّي، قَبلَ قليلٍ حاوَلَ اليَهودُ أَن يَرجُموكَ، أَفَتعودُ إِلى هُناك؟». أَجابَ يسوع: «أَلَيسَ النَّهارُ ٱثنَتَي عَشْرَةَ ساعَة؟ فمَن سارَ في النَّهار لا يَعثُر، لأَنَّه يَرى نورَ هٰذا العالَم. ومَن سارَ في اللَّيلِ يَعثُر، لأَنَّ النُّورَ لَيسَ فيه». وقالَ لَهم بَعدَ ذٰلك: «إِنَّ صَديقَنا لَعازَرَ راقِد، ولٰكِنِّي ذاهِبٌ لأُوقِظَه». فقالَ له تَلاميذُه: «يا ربّ، إِذا كانَ راقدًا فسَيَنْجو». وكانَ يسوعُ يَتَكَلَّمُ على مَوتِه، فظَنُّوا أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ على رُقادِ النَّوم. فقالَ لَهُم يسوعُ عِندَئِذٍ صَراحَةً: «قد ماتَ لَعازَر، ويَسُرُّني، مِن أَجْلِكُم كي تُؤمِنوا، أَنِّي لم أَكُنْ هُناك. فَلْنَمْضِ إِلَيه!» فقالَ توما الَّذي يُقالُ لَه التَّوأَمُ لِسائِرِ التَّلاميذ: «فَلْنَمْضِ نَحنُ أَيضًا لِنَموتَ معَه!». «فلَمَّا وَصَلَ يسوع وَجَدَ أَنَّهُ في القَبرِ مُنذُ أَربَعَةِ أَيَّام. وبَيتَ عَنيا قَريبَةٌ مِن أُورَشَليم، على نَحوِ خَمسَ عَشْرَةَ غَلوَة، فكانَ كثيرٌ مِنَ اليَهودِ قد جاؤوا إِلى مَرْتا ومَريَم يُعَزُّونَهما عن أَخيهِما. فلَمَّا سَمِعَت مَرتا بِقُدومِ يسوع خَرَجَت لِٱستِقبالِه، في حينِ أَنَّ مَريَمَ ظَلَّت جالِسَةً في البَيت. فقالَت مَرْتا لِيَسوع: «يا ربّ، لَو كُنتَ هٰهنا لَما ماتَ أَخي. ولٰكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه». فقالَ لَها يسوع: «سَيَقومُ أَخوكِ». قالَت لَه مَرْتا: «أَعلَمُ أَنَّه سيَقومُ في القِيامَةِ في اليَومِ الأَخير». فقالَ لَها يسوع: «أَنا القِيامةُ والحَياة: مَن آمَنَ بي، وَإِن ماتَ، فسَيَحْيا، وكُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ أَبَدًا. أَتُؤمِنينَ بِهٰذا؟». قالَت له: «نَعَم، يا ربّ، إِنِّي أَومِنُ بِأَنَّكَ المسيحُ ٱبنُ اللهِ الآتي إِلى العالَم». قالت ذٰلك ثُمَّ ذَهَبَت إِلى أُختِها مَريَمَ تَدعوها، فأَسَرَّت إِلَيها: «المُعَلِّمُ هٰهُنا، وهو يَدعوكِ». وما إِن سَمِعَت مَريَمُ ذٰلك حتَّى قامَت على عَجَلٍ وذَهَبَت إِلَيه. ولَم يَكُنْ يسوعُ قد وَصَلَ إِلى القَريَة، بل كانَ حَيثُ ٱستَقبَلَتْه مَرْتا. فلَمَّا رأَى اليَهودُ الَّذينَ كانوا في البَيتِ مَعَ مَريمَ يُعَزُّونَها أَنَّها قامَت على عَجَلٍ وخَرَجَت، لَحِقوا بِها وهم يَظُنُّونَ أَنَّها ذاهِبَةٌ إِلى القَبْرِ لِتَبكِيَ هُناك. فما إِن وَصَلَت مَريَمُ إِلى حَيثُ كانَ يسوع وَرأَته، حتَّى ٱرتَمَت على قَدَمَيه وقالَت له: «يا رَبّ، لو كُنتَ هٰهُنا لَما مات أَخي». فلَمَّا رآها يسوعُ تَبكي ويَبكي معَها اليَهودُ الَّذينَ رافَقوها، جاشَ صَدرُه وَٱضطَرَبَت نَفْسُه وقال: «أَينَ وَضَعتُموه؟» قالوا لَه: «يا رَبّ، تَعالَ فٱنظُر». فدَمعَت عَيْنا يسوع. فقالَ اليَهود: «أُنظُروا أَيَّ مَحَبَّةٍ كانَ يُحِبُّه». على أَنَّ بَعضَهم قالوا: «أَما كانَ بإِمكانِ هٰذا الَّذي فَتَحَ عَينَيِ الأَعمى أَن يَرُدَّ المَوتَ عَنه؟» فجاشَ صَدرُ يسوعَ ثانِيَةً وذَهَبَ إِلى القبر، وكانَ مَغارةً وُضِعَ على مَدخلِها حَجَر. فقالَ يسوع: «إِرفَعوا الحَجَر!» قالَت لَه مَرْتا، أُختُ المَيْت: «يا ربّ، لقَد أَنتَن، فهٰذا يَومُه الرَّابع». قالَ لَها يسوع: «أَلَم أَقُلْ لَكِ إِنَّكِ إِن آمَنتِ تَرَينَ مَجدَ الله؟». فرَفَعوا الحَجَر ورفَعَ يسوعُ عَينَيه وقال: «شُكرًا لَكَ، يا أَبَتِ، على أَنَّكَ ٱستَجَبتَ لي، وقَد عَلِمتُ أَنَّكَ تَستَجيبُ لي دائِمًا أَبَدًا، ولكِنِّي قُلتُ هٰذا مِن أَجْلِ الجَمْعِ المُحيطِ بي لِكَي يُؤمِنوا أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني». قالَ هٰذا ثُمَّ صاحَ بِأَعلى صَوتِه: «يا لَعازَر، هَلُمَّ فٱخرُجْ» فخَرَجَ المَيتُ مَشدودَ اليَدَينِ والرِّجلَينِ بِالعَصائِب، مَلفوفَ الوَجهِ في مِنْديل. فقالَ لَهم يسوع: «حُلُّوهُ ودَعوهُ يَذهَب». فآمَنَ بِه كثيرٌ مِنَ اليَهودِ الَّذينَ جاؤوا إِلى مَريَم ورَأَوا ما صَنَع. على أَنَّ أُناسًا مِنهم مَضَوا إِلى الفِرِّيسيِّينَ فَأَخبَروهم بِما صَنَعَ يسوع. فعَقَدَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ مَجلِسًا وقالوا: «ماذا نَعمَل؟ فإِنَّ هٰذا الرَّجُلَ يَأتي بِآياتٍ كثيرة. فإِذا تَركْناهُ وشَأنَه آمَنوا بِه جَميعًا، فيأتي الرُّومانِيُّونَ فيُدَمِّرونَ حَرَمَنا وأُمَّتَنا». فقالَ أَحَدُهم قَيافا، وكانَ في تِلكَ السَّنَةِ عَظيمَ الكَهَنَة: «أَنتُم لا تُدرِكونَ شَيئًا. ولا تَفطُنونَ أَنَّه خَيرٌ لكُم أَن يَموتَ رَجُلٌ واحدٌ عَنِ الشَّعْبِ ولا تَهلِكَ الأُمَّةُ بِأَسرِها». ولَم يَقُلْ هٰذا الكَلامَ مِن عِندِه، بَل قالَه لأَنَّه عظيمُ الكَهَنَةِ في تِلكَ السَّنَة، فتَنَبَّأَ أَنَّ يسوعَ سَيموتُ عَنِ الأُمَّة، ولا عنِ الأُمَّةِ فَقَط، بل لِيَجمَعَ أَيضًا شَمْلَ أَبناءِ الله المُشَتَّتين. فعَزَموا مُنذُ ذٰلك اليَومِ على قَتْلِه. فكَفَّ يسوعُ عَنِ الجَوَلانِ بَينَ اليَهودِ عَلانِيَةً، فذهَبَ مِن هُناكَ إِلى النَّاحِيَةِ المُتاخِمَةِ لِلبَرِّيَّة إِلى مَدينَةٍ يُقالُ لَها أَفرامُ، فأَقامَ فيها مَعَ تَلاميذِه. وكانَ قدِ ٱقتَرَبَ فِصحُ اليَهود، فصَعِدَ خَلْقٌ كَثيرٌ مِن تِلكَ النَّاحِيَةِ إِلى أُورَشَليمَ قَبلَ الفِصْحِ لِيَطَّهِروا. وكانوا يَبحَثونَ عن يسوع، فيقولُ بَعضُهم لِبَعضٍ وهُم قائمونَ في الهَيكَل: «ما رَأيُكم: أَتُراه لا يَأتي إِلى العيد؟» وكانَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ قد أَمروا بِأَن يُخبِرَ عنه كُلُّ مَن يَعلَمُ أَينَ هو، لِكَي يُمسِكوه. وقبلَ الفِصحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ جاءَ يسوعُ إِلى بَيتَ عَنْيا، حَيثُ كانَ لَعازرُ الَّذي أَقامَه مِن بَينِ الأَموات. فأُقيمَ له عَشاءٌ هُناك، وكانَت مَرْتا تَخدُم، وكانَ لَعازَرُ في جُملَةِ الَّذينَ معَه على الطَّعام. فتَناوَلَت مَريَمُ حُقَّةَ طِيبٍ مِنَ النَّارَدينِ الخالِصِ الغالي الثَّمَن، ودهَنَت قَدَمَي يسوع ثُمَّ مَسَحَتْهما بِشَعرِها. فعَبِقَ البَيتُ بِالطِّيب. فقالَ يَهوذا الإِسخَريوطيُّ أَحَدُ تَلاميذِه، وهوَ الَّذي أَوشَكَ أَن يُسلِمَه: «لِماذا لم يُبَعْ هٰذا الطِّيبُ بِثَلاثِمائَةِ دينار، فتُعْطى لِلفُقَراء؟» ولَم يَقُلْ هٰذا لِٱهتِمامِه بِالفُقَراء، بل لأَنَّه كانَ سارِقًا وكانَ صُندوقُ الدَّراهِمِ عِندَه، فيَختَلِسُ ما يُلْقى فيه. فقالَ يسوع: «دَعْها، فإِنَّها حَفِظَت هٰذا الطِّيبَ لِيَومِ دَفْني. إِنَّ الفُقَراء هم عِندكم دائِمًا أَبَدًا، وأَمَّا أَنا فَلَستُ عِندكم دائِمًا أَبَدًا». وعَلِمَ جَمْعٌ كثيرٌ مِنَ اليَهودِ أَنَّ يسوعَ هُناك فجاؤوا، لا مِن أَجلِ يسوعَ فَقَط، بل لِيَرَوا أَيضًا لَعازَرَ الَّذي أَقامَهُ مِن بَينِ الأَموات. فعَزَمَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ على أَن يَقتُلوا لَعازَرَ أَيضًا، لأَنَّ كَثيرًا مِنَ اليَهودِ كانوا يَنصَرِفونَ عنهُم بِسبَبِه ويُؤمِنونَ بِيَسوع. ولمَّا كانَ الغَد سَمِعَ الجَمْعُ الكَثيرُ الَّذينَ أَتَوا لِلعيدِ أَنَّ يسوعَ قادِمٌ إِلى أُورَشَليم. فحَمَلوا سَعَفَ النَّخْلِ وخَرَجوا لِٱستِقبالِه وهُم يَهتِفون: «هُوشَعْنا! تَبارَكَ الآتي بِٱسمِ الرَّبّ، مَلِكُ إِسرائيل!» فوَجَدَ يسوعُ جَحْشًا فرَكِبَه، كما وَرَدَ في الكِتاب: «لا تَخافي يا بِنتَ صِهْيون، هُوَذا مَلِكُكِ آتٍ، راكِبًا على جَحْشِ ٱبنِ أَتان». هٰذهِ الأَشياءُ لم يَفهَمْها تَلاميذُه أَوَّلَ الأَمرِ، ولٰكِنَّهم تَذَكَّروا، بَعدَما مُجِّدَ يسوع، أَنَّها فيهِ كُتِبَت، وأَنَّها هي نَفسُها لَه صُنِعَت. وكانَ الجَمْعُ الَّذي صَحِبَه، حينَ دَعا لَعازَرَ مِنَ القَبْرِ وأَقامَه مِن بَينِ الأَموات، يَشهَدُ له بِذٰلك. وما خَرَجَ الجَمْعُ لِٱستِقبالِه إِلاَّ وقَد سَمِعَ أَنَّه أَتى بِتِلكَ الآيَة. فقالَ الفِرِّيسيُّونَ بَعضُهم لِبَعض: «تَرونَ أَنَّكم لا تَستَفيدونَ شَيئًا. هُوَذا العالَمُ قد تَبِعَه». وكانَ بَعضُ اليونانِيِّينَ في جُملَةِ الَّذينَ صَعِدوا إِلى أُورَشَليمَ لِلْعِبادَةِ مُدَّةَ العيد. فقَصَدوا إِلى فيلِبُّس، وكانَ مِن بَيتَ صَيدا في الجَليل، فقالوا له مُلتَمِسين: «يا سَيِّد، نُريدُ أَن نَرى يسوع». فذَهَبَ فيلِبُّس فأَخبَرَ أَندَراوس، وذَهَبَ أَندَراوس وفيلِبُّس فأَخبَرا يسوع. فأَجابَهما يسوع: «أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ٱبنُ الإِنسان. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض، إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإِذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَرًا كثيرًا. مَن أَحَبَّ حياتَه فقَدَها، ومَن رَغِبَ عنها في هٰذا العالَم حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة. مَن أَرادَ أَن يَخدُمَني، فَلْيَتْبَعْني، وحَيثُ أَكونُ أَنا يَكونُ خادِمي، ومَن خَدَمَني أَكرَمَه أَبي. الآنَ نَفْسي مُضطَرِبة، فماذا أَقول؟ يا أَبَتِ، نَجِّني مِن تِلكَ السَّاعة. وما أَتَيتُ إِلاَّ لِتلكَ السَّاعة. يا أَبَتِ، مَجِّدِ ٱسمَكَ». فٱنطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّماءِ يَقول: «قَد مَجَّدتُه وسَأُمَجِّدُه أَيضًا». فقالَ الجَمْعُ الَّذي كانَ حاضِرًا وسَمِعَ الصَّوت: «إِنَّه دَوِيُّ رَعْد». وقال آخَرونَ: «إِنَّ مَلاكًا كَلَّمَه». أَجابَ يسوع: «لم يَكُنْ هٰذا الصَّوتُ لأَجلي، بل لأَجلِكُم. اليَومَ دَينونَةُ هٰذا العالَم. اليَومَ يُطرَدُ سَيِّدُ هٰذا العالَمِ إِلى الخارِج. وأَنا إِذا رُفِعتُ مِنَ الأَرض، جَذَبتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعين». وقالَ ذٰلك مُشيرًا إِلى المِيتَةِ الَّتي سَيَموتُها. فأَجابَه الجَمْع: «نَحنُ عَرَفْنا مِنَ الشَّريعَةِ أَنَّ المَسيحَ يَبْقى لِلأَبَد. فكَيفَ تَقولُ أَنتَ إِنَّه لا بُدَّ لِٱبنِ الإِنسانِ أَن يُرفَع. فمَنِ ٱبنُ الإِنسانِ هٰذا؟» فقالَ لَهم يسوع: «النُّورُ باقٍ معَكم وقتًا قليلاً، فَٱمشوا ما دامَ لَكُمُ النُّور، لِئَلاَّ يُدرِكَكُمُ الظَّلام. لأَنَّ الَّذي يَمْشي في الظَّلام لا يَدْري إِلى أَينَ يَسير. آمِنوا بِالنُّور، ما دام لَكُمُ النُّور، لِتَصيروا أَبناءَ النُّور». قالَ يسوعُ هٰذا، ثُمَّ ذَهَبَ فتَوارى عَنهُم. أَتى يسوعُ بِجَميعِ هٰذهِ الآياتِ بِمَرأًى مِنهم، ولَم يُؤمِنوا بِه، فتَمَّتِ الكَلِمَةُ الَّتي قالَها النَّبِيُّ أَشَعْيا: «يا ربّ، مَنِ الَّذي آمَنَ بِما سَمِعَ مِنَّا؟ ولِمَن كُشِفَت ذِراعُ الرَّبّ؟» لم يَستَطيعوا أَن يُؤمِنوا، لأَنَّ أَشَعْيا قالَ أَيضًا: «أَعْمى عُيونَهم وقَسَّى قُلوبَهم، لِئَلاَّ يُبصِروا بِعُيونِهم، ويَفهَموا بقُلوبِهِم، ويَرجِعوا فَأَشفِيَهم». قالَ أَشَعْيا هٰذا الكَلام لأَنَّه رَأَى مَجدَه وتَكَلَّمَ في شَأنِه. غَيرَ أَنَّ عَدَدًا كثيرًا مِنَ الرُّؤَساءِ أَنفُسِهِم آمَنوا بِه، ولٰكِنَّهم لم يُجاهِروا بِإِيمانِهِم، بِسَبَبِ الفِرِّيسيِّين، لِئَلاَّ يُفصَلوا مِنَ المَجمَع، ففضَّلوا المَجدَ الآتيَ مِنَ النَّاسِ على المَجدِ الآتي مِنَ الله. ورَفَعَ يَسوعُ صَوتَه قال: «مَن آمَنَ بي لم يُؤمِنْ بي أَنا، بل بالَّذي أَرسَلَني. ومَن رآني رأَى الَّذي أَرسَلَني. جِئتُ أَنا إِلى العالَمِ نورًا، فكُلُّ مَن آمَنَ بي لا يَبْقَى في الظَّلام. وإِن سَمِعَ أَحَدٌ كَلامي ولَم يَحفَظْه فأَنا لا أَدينُه لأَنِّي ما جِئتُ لأَدينَ العالَم، بل لأُخَلِّصَ العالَم. مَن أَعرَضَ عَنِّي ولَم يَقبَلْ كَلامي، فلَه ما يَدينُه: الكَلامُ الَّذي قُلتُه يَدينُه في اليَومِ الأَخير، لأَنِّي لم أَتَكَلَّمْ مِن عِندي، بلِ الآبُ الَّذي أَرسَلَني هو الَّذي أَوصاني بِما أَقولُ وأَتَكَلَّم وأَنا أَعلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَه حَياةٌ أَبَدِيَّة فما أَتَكَلَّمُ بِه أَنا أَتَكَلَّمُ بِه كما قالَه لِيَ الآب». قبلَ عيدِ الفِصح، كانَ يسوعُ يَعلَمُ بِأَن قد أَتَت ساعَةُ ٱنتِقالِه عن هٰذا العالَمِ إِلى أَبيه، وكانَ قد أَحَبَّ خاصَّتَه الَّذينَ في العالَم، فَبَلَغَ بِه الحُبُّ لَهم إِلى أَقْصى حُدودِه. وفي أَثْناءِ العَشاء، وقَد أَلْقى إِبْليسُ في قَلْبِ يَهوذا بْنِ سِمعانَ الإِسخَريوطيِّ أَن يُسلِمَه، وكانَ يسوعُ يَعلَمُ أَنَّ الآبَ جَعَلَ في يَدَيهِ كُلَّ شَيء، وأَنَّه خَرَجَ مِنَ الله، وإِلى اللهِ يَمْضي، فقامَ عنِ العَشاءِ فخَلَعَ ثِيابَه، وأَخَذَ مِنديلاً فَٱئتَزَرَ بِه، ثُمَّ صَبَّ ماءً في مَطهَرَةٍ وأَخَذَ يَغسِلُ أَقدامَ التَّلاميذ، ويَمسَحُها بِالمِنديلِ الَّذي ٱئْتَزَرَ بِه. فجاءَ إِلى سِمعانَ بُطرُس فقالَ له: «أَأَنتَ، يا رَبُّ، تَغسِلُ قَدَمَيَّ؟» أَجابَه يسوع: «ما أَنا فاعِلٌ، أَنتَ لا تَعرِفُه الآن، ولٰكِنَّكَ ستُدرِكُه بَعدَ حين». قالَ له بُطرُس: «لن تَغسِلَ قَدَمَيَّ أَبَدًا». أَجابَه يسوع: «إِذا لم أَغسِلْكَ فلا نَصيبَ لَكَ معي». فقالَ له سِمْعانُ بُطرُس: «يا ربّ، لا قَدَمَيَّ فَقَط، بل يَدَيَّ وَرأسي أَيضًا». فقالَ لَه يسوع: «مَنِ ٱستَحَمَّ لا يَحتاجُ إِلاَّ إِلى غَسلِ قَدَمَيه، فهو كُلُّه طاهِر. وأَنتُم أَيضًا أَطهار، ولٰكِن لا كُلُّكم». فقَد كانَ يَعرِفُ مَن سَيُسْلِمُه، ولِذٰلِكَ قال: لَستُم كُلُّكم أَطهارًا. فلَمَّا غَسَلَ أَقدامَهم لَبِسَ ثِيابَه وعادَ إِلى المائِدة فقالَ لَهم: «أَتَفهَمُونَ ما صَنَعتُ إِليكم؟ أَنتُم تَدعونَني «المُعَلِّمَ والرَّبّ» وأَصَبتُم في ما تَقولون، فهٰكذا أَنا. فإِذا كُنتُ أَنا الرَّبَّ والمُعَلِّمَ قد غَسَلتُ أَقدامَكم، فيَجِبُ علَيكُم أَنتُم أَيضًا أَن يَغسِلَ بَعضُكم أَقدامَ بَعْض. فقَد جَعَلتُ لَكُم مِن نَفْسي قُدوَةً لِتَصنَعوا أَنتُم أَيضًا ما صَنَعتُ إِلَيكم. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما كانَ الخادِمُ أَعظَمَ مِن سَيِّدِه ولا كانَ الرَّسولُ أَعظَمَ مِن مُرسِلِه. أَمَّا وقد عَلِمتُم هٰذا، فطوبى لَكُم إِذا عَمِلتُم بِه. لا أَقولُ هٰذا فيكم جَميعًا، فأَنا أَعرِفُ الَّذينَ ٱختَرتُهم، ولٰكِن لا بُدَّ أَن يَتِمَّ ما كُتِب: أَنَّ الآكِلَ خُبزي رَفَعَ علَيَّ عَقِبَه. مُنذُ الآن أُكَلِّمُكُم بِالأَمر، قَبلَ حُدوثِه، حتَّى إِذا حَدَثَ تُؤمِنونَ بِأَنِّي أَنا هو. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن قَبِلَ الَّذي أُرسِلُه قَبِلَني أَنا، ومَن قَبِلَني قَبِلَ الَّذي أَرسَلَني». قالَ يسوعُ هٰذا فٱضطَرَبَت نَفْسُه فأَعلَنَ قال: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِنَّ واحِدًا مِنكُم سَيُسلِمُني». فنَظَرَ التَّلاميذُ بَعضُهُم إِلى بَعضٍ حائِرينَ لا يَدرونَ على مَن يَتكلَّم. وكانَ أَحدُ تَلاميذِه، وهو الَّذي أَحبَّه يسوع، مُتَّكِئًا إِلى جانِبِ يسوع، فأَومَأَ لَه سِمْعانُ بُطرس وقالَ له: «سَلْهُ على مَن يَتَكَلَّم». فمالَ دونَ تَكَلُّفٍ على صَدرِ يسوعَ وقالَ له: «يا ربّ، مَنْ هو؟». فأَجابَ يسوع: «هو الَّذي أُناوِلُه اللُّقمَةَ الَّتي أَغمِسُها». فغَمَسَ اللُّقمَةَ ورَفَعَها وناوَلَها يَهوذا ٱبْنَ سِمْعانَ الإِسخَريوطيّ. فما إِن أَخَذَ اللُّقمَةَ حتَّى دَخَلَ فيه الشَّيطان. فقالَ له يسوع: «إِفعَلْ ما أَنتَ فاعِلٌ وعَجِّل». فلَم يَعلَمْ أَحَدٌ مِنَ الَّذينَ عَلى الطَّعام لِماذا قالَ له ذٰلك، ولمَّا كانَ صُندوقُ الدَّراهِمِ مع يَهوذا، ظَنَّ بَعضُهم أَنَّ يسوعَ قالَ له: إِشتَرِ ما نَحتاجُ إِلَيهِ لِلعيد، أَو أَمَرَه بِأَن يُعطِيَ الفُقَراءَ شَيئًا. فتَناوَلَ اللُّقمَةَ إِذًا وخرَجَ مِن وَقتِه، وكانَ قد أَظلَمَ اللَّيل. فلَمَّا خَرَجَ قالَ يسوع: «الآنَ مُجِّدَ ٱبنُ الإِنسان، ومُجِّدَ اللهُ فيه، وإِذا كانَ اللهُ قد مُجِّدَ فيه، فسَيُمَجِّدُه اللهُ في ذاتِه، وبَعدَ قليلٍ يُمَجِّدُه. يا بَنِيَّ، لَستُ باقِيًا مَعَكُم إِلاَّ وَقْتًا قليلاً، فستَطلُبوني، وما قُلتُه لِليَهود أَقولُه الآنَ لَكُم أَيضًا: حَيثُ أَنا ذاهِب لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا. أُعْطيكم وَصِيَّةً جَديدَة: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا، كما أَحبَبتُكم، أَحِبُّوا أَنتُم أَيضًا بَعضُكم بَعْضًا. إِذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضًا، عَرَفَ النَّاسُ جَميعًا أَنَّكُم تَلاميذي». فقالَ لَه سِمعانُ بُطرُس: «يا ربّ، إِلى أَينَ تَذهَب؟» أَجابَ يسوع: «إِلى حَيثُ أَنا ذاهبٌ لا تَستَطيعُ الآنَ أَن تَتبَعَني، ولٰكِن ستَتبَعُني بَعدَ حين». قالَ لَه بُطرُس: «لِماذا لا أَستَطيعُ أَن أَتبَعَكَ الآن؟ لَأَبذِلَنَّ نَفْسي في سَبيلِكَ». أَجابَ يسوع: «أَتَبذِلُ نَفْسَكَ في سبيلي؟ الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ: لا يَصيحُ الدِّيكُ إِلاَّ وقَد أَنكَرتَني ثَلاثَ مَرَّات. لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم: إِنَّكُم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أيضًا. في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة، ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقامًا؟ وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقامًا، أَرجِعُ فآخُذُكم إِلَيَّ، لِتَكونوا أَنتُم أَيضًا حَيثُ أَنا أَكون. أَنتُم تَعرِفونَ الطَّريقَ إِلى حَيثُ أَنا ذاهِب». قالَ له توما: «يا ربّ، إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب، فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟» قالَ له يسوع: «أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي. فلَو كُنتُم تَعرِفوني لَعَرفتُم أَبي أَيضًا. مُنذُ الآنَ تَعرِفونَه وقَد رأَيتُموه». قالَ له فيلِبُّس: «يا ربّ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا». قالَ له يسوع: «إِنِّي معَكم مُنذُ وَقتٍ طَويل، أَفلا تَعرِفُني، يا فيلِبُّس؟ مَن رآني رأَى الآب. فكَيفَ تَقولُ: أرِنا الآب؟ أَلا تُؤمِنُ بِأَنِّي في الآبِ وأَنَّ الآبَ فيَّ؟ إِنَّ الكَلامَ الَّذي أقولُه لكم لا أَقولُه مِن عِندي، بلِ الآبُ المُقيمُ فِيَّ يَعمَلُ أَعمالَه. صَدِّقوني: إِنِّي في الآب وإِنَّ الآبَ فيَّ. وإِذا كُنتُم لا تُصَدِّقوني فصَدِّقوا مِن أَجْلِ تِلكَ الأَعمال. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن آمَنَ بي يَعمَلُ هو أَيضًا الأَعمالَ الَّتي أَعمَلُها أَنا، بل يَعمَلُ أَعظَمَ مِنها، لأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب، فكُلَّ شَيءٍ سأَلتُم بِٱسْمي أَعمَلُه، لِكَي يُمَجَّدَ الآبُ في الِٱبْن. إِذا سَأَلتُموني شَيئًا بِٱسمي، فإِنِّي أَعمَلُه. إِذا كُنتُم تُحِبُّوني، حَفِظتُم وَصاياي. وَأَنا سأَسأَلُ الآب، فيَهَبُ لَكم مُؤَيِّدًا آخَرَ يَكونُ معَكم لِلأَبَد، رُوحَ الحَقِّ الَّذي لا يَستَطيعُ العالَمُ أَن يَتَلَقَّاه، لأَنَّه لا يَراه ولا يَعرِفُه. أَمَّا أَنتُم فتَعلَمون أَنَّه يُقيمُ عِندَكم ويَكونُ فيكم. لن أَدَعَكم يَتامى، فإِنِّي أَرجِعُ إِلَيكم. بَعدَ قَليلٍ لَن يَراني العالَم. أَمَّا أَنتُم فسَتَرونَني لأَنِّي حَيٌّ ولأَنَّكُم أَنتُم أَيضًا سَتَحيَون. إِنَّكم في ذٰلك اليَومِ تَعرِفونَ أَنِّي في أَبي وأَنَّكم فِيَّ وأَنِّي فِيكُم. مَن تَلَقَّى وَصايايَ وحَفِظَها فذاكَ الَّذي يُحِبُّني، والَّذي يُحِبُّني يُحِبُّه أَبي، وأَنا أَيضًا أُحِبُّه فأُظهِرُ لَهُ نَفْسي». قالَ له يَهوذا، غَيرُ الإِسخَريوطيّ: «يا ربّ، ما الأَمرُ حتَّى إِنَّكَ تُظهِرُ نَفْسَكَ لَنا ولا تُظهِرُها لِلعالَم؟» أَجابَه يسوع: «إِذا أَحَبَّني أَحَد، حَفِظَ كلامي فأَحَبَّه أَبي، ونأتي إِلَيه فنَجعَلُ لَنا عِندَه مُقامًا. ومَن لا يُحِبُّني لا يَحفَظُ كَلامي. والكَلِمَةُ الَّتي تَسمَعونَها لَيسَت كَلِمَتي، بل كَلِمَةُ الآبِ الَّذي أَرسَلَني. قُلتُ لَكُم هٰذه الأَشياءَ وأَنا مُقيمٌ عِندكم، ولٰكِنَّ المُؤَيِّد، الرُّوحَ القُدُس، الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِٱسمي، هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء، ويُذَكِّرُكُم جَميعَ ما قُلتُه لَكم. السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم. لا أُعْطي أَنا كما يُعْطي العالَم. فلا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم ولا تَفْزَعْ. سمِعتُموني أَقولُ لَكم: أَنا ذاهِبٌ، ثُمَّ أَرجِعُ إِلَيكُم. لو كُنتُم تُحِبُّوني، لَفَرِحتُم بِأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب، لأَنَّ الآبَ أَعظَمُ مِنِّي. لقَد أَنبَأتُكم مُنذُ الآنَ بِالأَمرِ قَبلَ حُدوثِه، حَتَّى إِذا حَدَثَ تُؤمِنون. لن أُطيلَ الكَلامَ عَلَيكُم بَعدَ ذٰلك، لأَنَّ سَيِّدَ هٰذا العالَمِ آتٍ ولَيسَ لَه يَدٌ علَيَّ. وما ذٰلِكَ إِلاَّ لِيَعرِفَ العالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآب وأَنِّي أَعمَلُ كما أَوصاني الآب. قوموا نَذْهَبْ مِن هٰهنا. «أَنا الكَرمَةُ الحَقُّ وأَبي هُوَ الكَرَّام. كُلُّ غُصنٍ فِيَّ لا يُثمِر يَفصِلُه. وكُلُّ غُصنٍ يُثمِر يُقَضِّبُه لِيَكثُرَ ثَمَرُه. أَنتُمُ الآنَ أَطهار بِفَضْلِ الكَلامِ الَّذي قُلتُه لَكم. أُثبُتوا فيَّ وأَنا أَثبُتُ فيكم. وكما أَنَّ الغُصنَ، إِن لم يَثْبُتْ في الكَرمَة، لا يَستَطيعُ أَن يُثمِرَ مِن نَفْسِه، فكذٰلكَ لا تَستَطيعونَ أَنتُم أن تُثمِروا إِن لم تَثبُتوا فيَّ. أَنا الكَرْمَةُ وأَنتُمُ الأَغصان. فمَن ثَبَتَ فيَّ وثَبَتُّ فيه، فَذاكَ الَّذي يُثمِرُ ثَمَرًا كثيرًا، لأَنَّكُم، بِمَعزِلٍ عَنِّي، لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا شيئًا. مَن لا يَثْبُتْ فيَّ يُلْقَ كالغُصنِ إِلى الخارِجِ فَيَيْبَس، فيَجمَعونَ الأَغْصانَ ويُلْقونَها في النَّارِ فَتَشتَعِل. إِذا ثَبَتُّم فيَّ وثَبَتَ كَلامي فيكُم، فَٱسأَلوا ما شِئتُم يَكُنْ لَكم. أَلَا إِنَّ ما يُمَجَّدُ بِه أَبي أَن تُثمِروا ثَمَرًا كثيرًا، وتَكونوا لي تلاميذ. كما أَحَبَّني الآب، فكذٰلكَ أَحبَبتُكم أَنا أَيضًا. أُثبُتوا في مَحَبَّتي. إِذا حَفِظتُم وَصايايَ تَثبُتونَ في مَحَبَّتي، كَما أَنِّي حَفِظتُ وَصايا أَبي وأَثبُتُ في مَحَبَّتِه. قُلتُ لَكم هٰذهِ الأَشياءَ لِيَكونَ بِكُم فَرَحي، فيَكونَ فَرحُكم تامًّا. وصِيَّتي هي: أَحِبُّوا بَعْضُكم بَعضًا كما أَحبَبتُكم. لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه. فَإِن عَمِلتُم بِما أُوصيكم بِه كُنتُم أَحِبَّائي. لا أَدعوكم خَدَمًا بعدَ اليَوم، لأَنَّ الخادِمَ لا يَعلَمُ ما يَعمَلُ سَيِّدُه. فَقَد دَعَوتُكم أَحِبَّائي، لأَنِّي أَطلَعتُكم على كُلِّ ما سَمِعتُه مِن أَبي. لم تَخْتاروني أَنتُم، بل أَنا ٱختَرتُكم، وأَقمتُكُم لِتَذهَبوا فَتُثمِروا ويَبْقى ثَمَرُكم، فيُعطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ ما تَسأَلونَه بِٱسمي. ما أُوصيكُم بِه هو: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا. إِذا أَبغَضَكُم العالَم، فَٱعلَموا أَنَّه أَبغَضَني قَبلَ أَن يُبغِضَكم. لو كُنتُم مِنَ العالَم، لأَحَبَّ العالَمُ ما كانَ لَه. ولٰكِن، لأَنَّكم لَستُم مِنَ العالَم، إِذ إِنِّي ٱختَرتُكم مِن بَينِ العالَم، فلِذٰلِكَ يُبغِضُكُمُ العالَم. أُذكُروا الكَلامَ الَّذي قُلتُه لَكم: ما كانَ الخادِمُ أَعظمَ مِن سَيِّده. إِذا ٱضطَهَدوني، فسَيَضطَهِدونَكم أَيضًا. وإِذا حَفِظوا كلامي، فسيَحفَظونَ كَلامَكم أَيضًا. لا بَل سيَفعَلونَ ذٰلكَ كُلَّه بِكُم مِن أَجْلِ ٱسمي، لأَنَّهم لا يَعرفونَ الَّذي أَرسَلَني. لو لَم آتِ وأُكَلِّمْهُم لَما كانَت عَليهِم خَطيئَة. ولٰكِن لا عُذْرَ لَهُمُ الآنَ مِن خَطيئَتِهم. مَن أَبغَضَني أَبغَضَ أَبي أَيضًا. لو لم أَعمَلْ بَينَهم تلكَ الأَعمالَ الَّتي لم يَعمَلْها أَحَد، لَما كانَت علَيهم خَطيئَة. أَمَّا الآنَ فقَد رأَوا وهُم معَ ذٰلك أَبغَضوني وأَبغَضوا أَبي أَيضًا. وما كانَ ذٰلك إِلاَّ لِتَتِمَّ الآيَةُ المَكتوبَةُ في شَريعَتِهم وهي: أَبغَضوني بِلا سَبَب. ومَتى جاءَ المُؤَيِّدُ الَّذي أُرسِلُه إِلَيكُم مِن لَدُنِ الآب، رُوحُ الحَقِّ المُنبَثِقُ مِنَ الآب، فهُو يَشهَدُ لي، وأَنتُم أَيضًا تَشهَدون، لأَنَّكُم مَعي مُنذُ البَدْء. قُلتُ لَكم هٰذه الأَشياءَ لِئَلاَّ تَعثُروا. سيَفصِلونَكم عن المَجامِع، بل تأتي ساعةٌ يَظُنُّ فيها كُلُّ مَن يَقتُلُكم أَنَّهُ يُؤَدِّي للهِ عِبادة. وسَيَفعلونَ ذٰلك لأَنَّهم لم يَعرِفوا أَبي، ولا عَرَفوني. وقد قُلتُ لَكم هٰذهِ الأَشْياءَ لِتَذكُروا إِذا أَتَتِ السَّاعَة، أَنِّي قلتُها لَكم. ولم أَقُلْها لَكم مُنذُ البَدْءِ، لأَنِّي كُنتُ معَكم. أَمَّا الآنَ، فَإِنِّي ذاهِبٌ إِلى الَّذي أَرسَلَني، وما مِن أَحَدٍ مِنكُم يسأَلُني: إِلى أَينَ تَذهَب؟ لا بَل مَلأَ الحُزنُ قُلوبَكم لأَنِّي قُلتُ لَكم هٰذهِ الأَشياء. غَيرَ أَنِّي أَقولُ لَكُمُ الحَقّ: إِنَّه خَيرٌ لَكم أَن أَذهَب. فَإِن لَم أَذهَبْ، لا يَأتِكُمُ المُؤيِّد. أَمَّا إِذا ذَهَبتُ فأُرِسلُه إِلَيكُم. وهو، مَتى جاءَ، أَخْزى العالَمَ على الخَطيئَةِ والبِرِّ والدَّينونَة: أَمَّا على الخَطيئة، فَلأَنَّهم لا يُؤمِنونَ بي. وأَمَّا على البِرّ، فلأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب فلَن تَرَوني. وأَمَّا على الدَّينونة، فَلأَنَّ سَيِّدَ هٰذا العالَمِ قد دِين. لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم، ولٰكِنَّكُم لا تُطيقونَ الآنَ حَملَها. فمَتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدَكم إِلى الحَقِّ كُلِّه، لأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه، بل يَتَكَلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث. سيُمَجِّدُني لأَنَّه سيَأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه. جَميعُ ما هو لِلآب فهُو لي، ولِذٰلكَ قُلتُ لَكم إِنَّه يأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه. «بَعدَ قَليلٍ لا تَرَونَني، ثُمَّ بَعدَ قَليلٍ تُشاهِدونَني». فقالَ بَعضُ التَّلاميذِ لِبَعض: «ما هٰذا الَّذي يَقولُه لَنا: بَعدَ قَليلٍ لا تَرَونَني، ثُمَّ بَعدَ قَليلٍ تُشاهِدونَني، وأَنا ذاهِبٌ إِلى الآب». وقالوا: «ما مَعْنى هٰذا القليل؟ لا نَدري ما يَقول». فعَلِمَ يسوعُ أَنَّهم يُريدونَ أَن يَسأَلوه، فقالَ لَهم: «تَتساءَلونَ عن قَولي: بَعدَ قَليلٍ لا تَرونَني، ثُمَّ بَعدَ قَليلٍ تُشاهِدونَني. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: ستَبكون وتَنتَحِبون، وأَمَّا العالَمُ فَيَفرَح. ستَحزَنون، ولٰكِنَّ حُزنَكم سيَنقَلِبُ فَرَحًا. إِنَّ المَرأَةَ تَحزَنُ عِندما تَلِد، لأَنَّ ساعتَها حانَت. فإِذا وَضَعَتِ الطِّفْلَ لا تَذكُرُ شِدَّتَها بَعدَ ذٰلك، لِفَرَحِها بِأَن قد وُلِدَ إِنسانٌ في العالَم. فأَنتُم أَيضًا تَحزَنونَ الآن، ولٰكِنِّي سأعودُ فأَراكُم فتَفرَحُ قُلوبُكم، وما مِن أَحَدٍ يسلُبُكم هٰذا الفَرَح. وفي ذٰلكَ اليَوم لا تسأَلونَني عن شَيء. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِن سَأَلتُمُ الآبَ شَيئًا بِٱسمي أَعطاكم إِيَّاه. حتَّى الآن لم تَسأَلوا شَيئًا بِٱسمي. إِسأَلوا تَنالوا فيَكونَ فَرحُكم تامًّا. قُلتُ لَكم هٰذِهِ الأَشْياءَ بِالأَمْثال. تَأتي ساعَةٌ لا أُكَلِّمُكم فيها بِالأَمثال، بل أُخبِرُكم عن الآبِ بِكَلامٍ صَريح. في ذٰلك اليَومِ تَسأَلونَ بِٱسمي، ولا أَقولُ لَكُم إِنِّي سأَدْعو الآبَ لكُم، فَإِنَّ الآبَ نَفسَه يُحِبُّكُم، لأَنَّكم أَحبَبتُموني وآمَنتُم أَنِّي خَرَجتُ مِن لَدُنِ الله. خَرَجتُ مِن لَدُنِ الآب، وأَتَيتُ إِلى العالَم. أَمَّا الآن، فَإِنِّي أَترُكُ العالَم وأَمضي إِلى الآب». فقالَ تَلاميذُه: «ها إِنَّكَ تَتَكَلَّمُ الآنَ كَلامًا صَريحًا ولا تَضرِبُ مَثَلاً. الآنَ عَرَفْنا أَنَّكَ تَعلَمُ كُلَّ شَيء، لا تَحتاجُ إِلى مَن يَسأَلُكَ. فلِذٰلكَ نُؤمِنُ بِأَنَّكَ خَرَجتَ مِنَ الله». أَجابَهم يسوع: «الآنَ تُؤمِنون؟ ها هي ذي ساعَةٌ آتية، بل قد أَتَت فيها تَتفرَّقون فيَذهَبُ كُلُّ واحِدٍ في سَبيلِه وتَترُكوني وَحْدي. ولَستُ وَحْدي، فإِنَّ الآبَ مَعي. قُلتُ لَكم هٰذهِ الأَشياء، لِيَكونَ لَكُم بِيَ السَّلام. تُعانونَ الشِّدَّةَ في العالَم، ولٰكِن ثِقوا: إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم». قالَ يسوعُ هٰذهِ الأَشياء، ثُمَّ رَفَعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماءِ وقال: «يا أَبَتِ، قد أَتَتِ السَّاعة: مَجِّدِ ٱبنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ٱبنُكَ بِما أَولَيتَه مِن سُلطانٍ على جَميعِ البَشَر، لِيَهَبَ الحَياةَ الأَبَدِيَّةَ لِجَميعِ الَّذينَ وهبتَهم له. والحَياةُ الأَبدِيَّة هي أَن يَعرِفوكَ أَنتَ الإِلٰهَ الحَقَّ وحدَكَ، ويَعرِفوا الَّذي أَرسَلتَه، يَسوعَ المَسيح. إِنِّي قد مَجَّدتُكَ في الأَرض، فأَتمَمتُ العَمَلَ الَّذي وَكَلتَ إِلَيَّ أَن أَعمَلَه، فمَجِّدْني الآنَ عِندَكَ يا أَبتِ بِمَا كانَ لي مِنَ المَجدِ عِندَكَ قَبلَ أَن يَكونَ العالَم. أَظهَرتُ ٱسمَكَ لِلنَّاسِ الَّذينَ وَهَبتَهُم لي مِن بَينِ العالَم. كانوا لَكَ فَوهبتَهُم لي، وقَد حَفِظوا كَلِمَتَكَ، وعرَفوا الآنَ أَنَّ جَميعَ ما وَهَبتَه لي هو مِن عِندِكَ، وأَنَّ الكلامَ الَّذي بَلَّغتَنيه بَلَّغتُهم إِيَّاه، فقَبِلوه وعَرَفوا حَقًّا أَنِّي مِن لَدُنكَ خَرَجتُ، وآمنوا بِأَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني. إِنِّي أَدعو لَهم ولا أَدعو لِلعالَم، بل لِمَن وَهبتَهم لي لأَنَّهم لَكَ. وجَميعُ ما هو لي فهو لَكَ، وما هو لَكَ فهو لي، وقَد مُجِّدتُ فيهِم. لَستُ بَعدَ اليَومِ في العالَم، وَأَمَّا هُم فلا يَزالونَ في العالَم، وأَنا ذاهِبٌ إِليكَ. يا أَبَتِ القُدُّوس، اِحفَظْهم بِٱسمِكَ الَّذي وَهَبتَه لي، لِيَكونوا واحِدًا كما نَحنُ واحِد. لَمَّا كُنتُ معَهم، حَفِظتُهم بِٱسمِكَ الَّذي وَهَبتَه لي، وسَهِرتُ فلَم يَهلِكْ مِنهُم أَحَدٌ إِلاَّ ٱبنُ الهَلاك، فتَمَّ ما كُتِب. أَمَّا الآنَ فإِنِّي ذاهِبٌ إِلَيكَ. ولٰكِنِّي أَقولُ هٰذه الأَشياءَ وأَنا في العالَم، لِيَكونَ فيهِم فَرَحي التَّامّ. إِنِّي بَلَّغتُهم كَلِمَتَكَ فأَبغَضَهُمُ العالَم، لأَنَّهم لَيسوا مِنَ العالَم، كما أَنِّي لَستُ مِنَ العالَم. لا أَسأَلُكَ أَن تُخرِجَهُم مِنَ العالَم، بل أَن تَحفَظَهم مِنَ الشِّرِّير، لَيسوا مِنَ العالَم، كَمَا أَنِّي لَستُ مِنَ العالَم. كَرِّسْهُم بِالحَقّ. إِنَّ كَلِمَتَكَ حَقّ. كَمَا أَرسَلتَني إِلى العالَم، فكَذٰلِكَ أَنا أَرسَلتُهم إِلى العالَم، وأُكَرِّسُ نَفْسي مِن أَجلِهِم، لِيَكونوا هم أَيضًا مُكَرَّسينَ بِالحَقّ. لا أَدْعو لَهم وَحدَهم، بل أَدْعو أَيضًا لِلَّذينَ يُؤمِنونَ بي عن كلامِهم. فَلْيكونوا بِأَجمَعِهم واحِدًا: كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك، فَلْيكونوا هُم أَيضًا فينا، لِيُؤمِنَ العالَمُ بِأَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني. وأَنا وَهَبتُ لَهم ما وَهَبْتَ لي مِنَ المَجْد، لِيَكونوا واحِدًا كما نَحنُ واحِد: أَنا فيهِم وأَنتَ فِيَّ، لِيَبلُغوا كَمالَ الوَحدَة، ويَعرِفَ العالَمُ أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني، وأَنَّكَ أَحبَبتَهم كَمَا أَحبَبتَني. يا أَبَتِ، إِنَّ الَّذينَ وهَبتَهم لي أُريدُ أَن يَكونوا معي حَيثُ أَكون، فيُعايِنوا ما وَهَبتَ لي مِنَ المَجد، لأَنَّكَ أَحبَبتَني قَبلَ إِنشاءِ العالَم. يا أَبَتِ البارّ، إِنَّ العالَمَ لم يَعرِفْكَ، أَمَّا أَنا فقَد عَرَفتُكَ، وعَرَفَ هٰؤلاءِ أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني. عَرَّفتُهم بِاسمِكَ وسأُعَرِّفُهم بِه، لِتَكونَ فيهمِ المَحبَّةُ الَّتي أَحبَبتَني إِيَّاها، وأَكونَ أَنا فيهِم». قالَ يسوعُ هٰذهِ الأَشياء، وخَرَجَ معَ تَلاميذِه، فعَبَرَ واديَ قِدْرون، وكانَ هُناكَ بُستان، فدخَلَه هو وتلاميذُه. وكانَ يَهوذا الَّذي أَسلَمَه يَعرِفُ ذاكَ المكانَ لِكَثرَةِ ما ٱجتَمَعَ فيه يَسوعُ معَ تَلاميذِه. فجاءَ يَهوذا بِحَرَسِ الهَيكَلِ والحَرَسِ الَّذينَ أَرسَلَهم عُظَماءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسِيُّونَ حتَّى بَلَغَ ذٰلكَ المَكان، ومعَهُمُ المَصابيحُ والمَشاعِلُ والسِّلاح. وكانَ يسوعُ يَعلَمُ جَميعَ ما سَيَحدُثُ له، فخَرَجَ وقالَ لَهم: «مَن تَطلُبون؟» أَجابوه: «يسوعَ النَّاصريّ». قالَ لَهم: «أَنا هو». وكانَ يَهوذا الَّذي أَسلَمَه واقِفًا معَهم. فلَمَّا قالَ لَهم: أَنا هو، رَجَعوا إِلى الوَراءِ ووَقَعوا إِلى الأَرض. فسَأَلَهم يسوعُ ثانِيَةً: «مَن تَطلُبون؟» قالوا: «يسوعَ النَّاصِريّ». أَجابَ يسوع: «قُلتُ لَكُم إِنِّي أَنا هو، فإِذا كُنتُم تَطلُبوني أَنا فدَعُوا هٰؤلاءِ يَذهَبون». فتَمَّتِ الكَلِمَةُ الَّتي قالَها: «إِنَّ الَّذينَ وَهَبتَهم لي لم أَدَعْ أَحَدًا مِنهُم يَهلِك». وكانَ سِمْعانُ بُطرُس يَحمِلُ سَيفًا، فٱستَلَّه وضرَبَ خادِمَ عَظيمِ الكَهَنَة، فقَطَعَ أُذُنَه اليُمْنى، وكانَ ٱسمُ الخادِمِ مَلْخُس. فقالَ يسوعُ لِبُطرُس: «أَغمِدِ السَّيف. أَفَلا أَشرَبُ الكَأسَ الَّتي ناوَلَني أَبي إِيَّاها». فقَبَضَتِ الكَتيبَةُ والقائِدُ وحَرَسُ اليَهودِ على يسوع وأَوثَقوه وساقوهُ أَوَّلاً إِلى حَنَّان، وهُو حَمُو قيافا عَظيمِ الكَهَنَةِ في تِلكَ السَّنَة. وقَيافا هو الَّذي أَشارَ على اليَهودِ أَنَّه خَيرٌ أَن يَموتَ رَجُلٌ واحِدٌ عَنِ الشَّعب. وتَبِعَ يسوعَ سِمعانُ بُطرُس وتِلميذٌ آخَر، وكانَ عَظيمُ الكَهَنَةِ يَعرِفُ ذاكَ التِّلْميذ، فدَخَلَ دارَ عَظيمِ الكَهَنَةِ مع يسوع. أَمَّا بُطرُس فوقَفَ على البابِ في خارِجِ الدَّار. وخرَجَ التِّلْميذُ الآخَرُ الَّذي يَعرِفُه عَظيمُ الكَهَنَة، فكَلَّمَ البَوَّابة وأَدخَلَ بُطرُس. فقالَتِ الجارِيَةُ الَّتي على البابِ لِبُطرُس: «أَلَستَ أَنتَ أَيضًا مِن تَلاميذِ هٰذا الرَّجُل؟» قال: «لَستُ مِنهُم». وأَوقَدَ الخَدَمُ والحَرَسُ نارًا لِشِدَّةِ البَرْد، ووَقَفوا يَستَدفِئون، ووَقَفَ بُطرُسُ يَستدفِئُ معَهم. فسأَلَ عَظيمُ الكَهَنَةِ يسوعَ عن تَلاميذِه وتَعليمِه. أَجابَه يسوع: «إِنِّي كَلَّمتُ العالَمَ عَلانِيَةً، وإِنِّي عَلَّمتُ دائمًا في المَجمَعِ والهَيكَلِ حَيثُ يَجتَمِعُ اليَهودُ كُلُّهم، ولَم أَقُلْ شَيْئًا في الخُفْيَة. فلِماذا تَسأَلُني أَنا؟ سَلِ الَّذينَ سَمِعوني عَمَّا كَلَّمتُهم بِه، فهُم يَعرِفونَ ما قُلت». فلمَّا قالَ يسوعُ هٰذا الكَلام، لَطَمَه واحِدٌ مِنَ الحَرَسِ كانَ بِجانِبِه وقالَ لَه: «أَهٰكذا تُجيبُ عَظيمَ الكَهَنَة؟» أَجابَه يسوع: «إِن كُنتُ أَسَأْتُ في الكَلام، فبَيِّنِ الإِساءَة. وإِن كُنتُ أَحسَنتُ في الكَلام، فلِماذا تَضرِبُني؟». فأَرسَلَ بِه حَنَّانُ مُوثَقًا إِلى قَيافا عَظيمِ الكَهَنَة. وكانَ سِمعانُ بُطرُس واقِفًا يَستَدفِئ. فقالوا له: «أَلَستَ أَنتَ أَيضًا مِن تَلاميذِه؟» فأَنكَرَ قال: «لَستُ مِنهُم». فقالَ خادِمٌ مِن خَدَمِ عَظيمِ الكَهَنَة، وكانَ مِن أَقارِبِ الرَّجُلِ الَّذي قَطَعَ بُطرُسُ أُذُنَه: «أَما رَأَيتُكَ أَنا بِنَفْسي معَه في البُستان؟» فأَنكَرَ بُطرُسُ مرَّةً أُخرى. وعِندَئِذٍ صاحَ الدِّيك. وساقوا يَسوعَ مِن عِندِ قَيافا إِلى دارِ الحاكِم. وكانَ ذٰلكَ عِندَ الفَجْر، فلَم يَدخُلوا دارَ الحاكِمِ مَخافَةَ أَن يَتَنَجَّسوا فلا يَتَمَكَّنوا مِن أَكْلِ الفِصْح. فخَرَجَ إِلَيهِم بيلاطُس وقال: «بِماذا تَتَّهِمونَ هٰذا الرَّجُل؟» فأَجابوه: «لو لم يَكُنْ فاعِلَ شَرٍّ لَما أَسلَمْناهُ إِلَيكَ». فقالَ لَهم بيلاطُس: «خُذوه أَنتُم فحاكِموه بِحَسَبِ شَريعتِكم». قالَ لَه اليَهود: «لا يَجوزُ لَنا أَن نَقتُلَ أَحَدًا». بذٰلك تمَّ الكَلامُ الَّذي قالَه يسوع مُشيرًا إِلى المِيتَةِ الَّتي سيَموتُها. فعادَ بيلاطُس إِلى دارِ الحاكِم، ثُمَّ دَعا يسوعَ وقالَ له: «أَأَنتَ مَلِكُ اليَهود؟» أَجابَ يسوع: «أَمِن عِندِكَ تَقولُ هٰذا أَم قالَه لَكَ فِيَّ آخَرون؟» أَجابَ بيلاطُس: «أَتُراني يَهودِيًّا؟ إِنَّ أُمَّتَكَ وعُظَماءَ الكَهَنَةِ أَسلَموكَ إِلَيَّ. ماذا فَعَلتَ؟» أَجابَ يسوع: «لَيسَت مَملَكَتي مِن هٰذا العالَم. لَو كانَت مَملكَتي مِن هٰذا العالَم، لَدافَعَ عَنِّي حَرَسي لِكي لا أُسلَمَ إِلى اليَهود. ولٰكِنَّ مَملَكَتي لَيسَت مِن هٰهُنا». فقالَ له بيلاطُس: «فأَنتَ مَلِكٌ إِذَن!» أَجابَ يسوع: «هوَ ما تَقول، فإِنِّي مَلِك. وأَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ. فكُلُّ مَن كانَ مِنَ الحَقّ يُصْغي إِلى صَوتي». قالَ له بيلاطُس: «ما هو الحَقّ؟» قالَ ذٰلكَ، ثُمَّ خرَجَ ثانِيَةً إِلى اليَهودِ فقالَ لَهم: «إِنِّي لا أَجِدُ فيه سَبَبًا لِٱتِّهامِه. ولٰكِن جَرَتِ العادَةُ عِندكُم أَن أُطلِقَ لَكم أَحَدًا في الفِصْح. أَفتُريدونَ أَن أُطلِقَ لَكُم مَلِكَ اليَهود؟» فعادوا إِلى الصِّياح: «لا هٰذا، بل بَرْأَبَّا!». وكان بَرْأَبَّا لِصًّا. فأَخَذَ بيلاطُسُ يسوعَ وجَلَدَه. ثُمَّ ضفَرَ الجُنودُ إِكليلاً مِن شَوكٍ ووضَعوه على رَأسِه، وأَلبَسوه رِداءً أُرجُوانِيًّا، وأَخَذوا يَدنُونَ مِنهُ فيَقولون: «السَّلامُ علَيكَ يا مَلِكَ اليَهود!» وكانوا يَلطِمونَه. وخَرَجَ بيلاطُسُ ثانِيًا وقالَ لَهم: «ها إِنِّي أُخرِجُه إِلَيكم لتَعلَموا أَنِّي لا أَجِدُ فيه سَبَبًا لِٱتِّهامِه». فخَرَجَ يسوعُ وعلَيه إِكْليلُ الشَّوكِ والرِّداءُ الأُرجُوانيّ، فقالَ لَهم بيلاطُس: «ها هُوَذا الرَّجُل!» فلَمَّا رآه عُظَماءُ الكَهَنَةِ والحَرَس صاحوا: «إِصْلِبْه! إِصْلِبْهُ!» قالَ لَهم بيلاطُس «خُذوه أَنتُم فٱصلِبوه، فإِنِّي لا أَجِدُ فيه سَبَبًا لِٱتِّهامه». أَجابَه اليَهود: «لَنا شَريعَة، وبِحَسَبِ هٰذهِ الشَّريعة يَجِبُ علَيه أَن يَموت لأَنَّه جَعَلَ نَفْسَه ٱبنَ الله». فلَمَّا سَمِعَ بيلاطُسُ هٰذا الكَلامَ ٱشتَدَّ خَوفُه. فعادَ إِلى دارِ الحُكومَة وقالَ لِيَسوع: «مِن أَينَ أَنتَ؟» فلَم يُجِبْه يسوعُ بِشَيء. فقالَ له بيلاطُس: «أَلا تُكَلِّمُني؟ أَفَلَستَ تَعلَمُ أَنَّ لي سُلْطانًا على أَن أُخلِيَ سبيلَكَ، وسُلطانًا على أَن أَصلِبَكَ؟» أَجابَهُ يسوع: «لو لم تُعطَ السُّلطانَ مِن عَلُ، لَما كانَ لَكَ علَيَّ مِن سُلْطان، ولِذٰلِكَ فالَّذي أَسلَمَني إِلَيكَ علَيه خَطيئَةٌ كبيرة». فحاوَلَ بيلاطُسُ مِن ذٰلك الحينِ أَن يُخلِيَ سَبيلَه، ولٰكِنَّ اليَهودَ صاحوا: «إِن أَخلَيتَ سَبيلَه، فَلَستَ صَديقًا لِقَيصَر، لأَنَّ كُلَّ مَن يَجعَلُ نَفْسَه مَلِكًا يَخرُجُ على قَيصَر». فلَمَّا سَمِعَ بيلاطُسُ هٰذا الكَلام، أَمَرَ بإِخراجِ يسوع، وأَجلَسَه على كُرسيِّ القَضاءِ في مَكانٍ يُسَمَّى البَلاط ويُقالُ له بِالعِبرِيَّةِ غَبَّاثَة. وكانَ ذٰلكَ اليَومُ يَومَ تَهيِئَةِ الفِصْح، والسَّاعَةُ تُقارِبُ الظُّهْر. فقالَ لِليَهود: «ها هُوَذا مَلِكُكم!» فصاحوا: «أَعدِمْه! أَعدِمْه! إِصْلِبْهُ!» قالَ لَهم بيلاطس: «أَأَصلِبُ مَلِكَكُم؟» أَجابَ عُظَماءُ الكَهَنَة: «لا مَلِكَ علَينا إِلاَّ قَيصَر!» فأَسلَمَه إِليهم لِيُصلَب. فأَمسَكوا يسوع. فخَرَجَ حامِلاً صَليبَه إِلى المَكانِ الَّذي يُقالُ لَه مَكانَ الجُمجُمة، ويقالُ لهُ بِالعِبرِيَّةِ جُلْجُثَة. فَصَلبوهُ فيه، وصَلَبوا معَه آخَرَين، كُلٌّ مِنهُما في جِهَة، وبَينَهما يسوع. وكَتَبَ بيلاطُسُ رُقعَةً وجَعَلَها على الصَّليب، وكانَ مَكتوبًا فيها: «يسوعُ النَّاصِريُّ مَلِكُ اليَهود» وهٰذِه الرُّقعَةُ قَرَأَها كَثيرٌ مِنَ اليَهود، لأَنَّ المكانَ الَّذي صُلِبَ فيه يسوع كانَ قَريبًا مِنَ المَدينَة. وكانَتِ الكِتابَةُ بِالعِبرِيَّةِ واللاَّتينيَّةِ واليُونانِيَّة. فقالَ عُظَماءُ كَهَنَةِ اليَهودِ لِبيلاطُس: «لا تَكتُبْ: مَلِكُ اليَهود، بلِ ٱكتُبْ: قالَ هٰذا الرَّجُل: إِنِّي مَلِكُ اليَهود». أَجابَ بيلاطس: «ما كُتِبَ قد كُتِب!». وأَمَّا الجُنود فبَعدَما صَلَبوا يسوع أَخذوا ثِيابَه وجَعلوها أَربَعَ حِصَص، لِكُلِّ جُندِيٍّ حِصَّة. وأَخَذوا القَميصَ أَيضًا وكانَ غَيرَ مَخيط، مَنسوجًا كُلُّه مِن أَعلاهُ إِلى أَسفَلِه. فقالَ بَعضُهم لِبَعض: «لا نَشُقَّه، بل نَقتَرِعُ علَيه، فنَرى لِمَن يَكون». فتَمَّتِ الآية: «إقتَسَموا ثِيابي، وعلى لِباسي ٱقتَرعوا». فهٰذا ما فَعَلَه الجُنود. هُناكَ عِندَ صَليبِ يسوع، وقَفَت أُمُّه، وأُختُ أُمِّه مَريَمُ ٱمرأَةُ قَلُوبا، ومَريَمُ المِجدَلِيَّة. فرأَى يسوعُ أُمَّه وإِلى جانِبِها التِّلميذُ الحَبيبُ إِلَيه. فقالَ لأُمِّه: «أَيَّتها المَرأَة، هٰذا ٱبنُكِ». ثُمَّ قالَ لِلتِّلميذ: «هٰذه أُمُّكَ». ومُنذُ تِلكَ السَّاعَةِ ٱستَقبَلَها التِّلميذُ في بَيتِه. وبَعدَ ذٰلك، كانَ يَسوعُ يَعلَمُ أَنَّ كُلَّ شَيءٍ قدِ ٱنتَهى، فلِكَي يَتِمَّ الكِتاب، قالَ: «أَنا عَطْشان». وكانَ هُناكَ إِناءٌ مَمْلوءٌ خَلًّا. فوَضَعوا إِسْفَنْجَةً مُبتَلَّةً بِالخَلِّ على ساقِ زوفى، وأَدنَوها مِن فَمِه. فلَمَّا تَناوَلَ يسوعُ الخَلَّ قال: «تَمَّ كُلُّ شَيء». ثُمَّ حَنى رأسَه وأَسلَمَ الرُّوح. وكانَ ذٰلكَ اليَومُ يَومَ التَّهيِئَة، فَسأَلَ اليَهودُ بيلاطُس أَن تُكسَرَ سُوقُ المَصلوبين وتُنزَلَ أَجسادُهُم، لِئَلاَّ تَبْقى على الصَّليبِ يَومَ السَّبت، لأَنَّ ذاكَ السَّبْتَ يَوْمٌ مُكرَّم. فجاءَ الجُنودُ فكَسروا ساقَيِ الأَوَّلِ والآخَرِ اللَّذَينِ صُلِبا معَه. أَمَّا يسوع فلَمَّا وَصَلوا إِليه ورأَوهُ قد مات، لَم يَكسِروا ساقَيْه، لٰكِنَّ واحِدًا مِنَ الجُنودِ طَعَنه بِحَربَةٍ في جَنبِه، فخَرَجَ لِوَقتِه دَمٌ وماء. والَّذي رأَى شَهِد، وشَهادَتُه صَحيحة، وذاك يَعلَمُ أَنَّه يَقولُ الحَقَّ لِتُؤمِنوا أَنتُم أَيضًا. فقد كانَ هٰذا لِيَتِمَّ الكِتاب: «لن يُكسَرَ له عَظْم». ووَرَدَ أَيضًا في آيةٍ أُخرى مِنَ الكِتاب: «سَيَنظُرونَ إِلى مَن طَعَنوا». وبَعدَ ذٰلِك جاءَ يوسُفُ الرَّاميّ، وكانَ تِلميذًا لِيَسوعَ يُخْفي أَمرَهُ خَوفًا مِنَ اليَهود، فسأَلَ بيلاطُسَ أَن يأخُذَ جُثمانَ يَسوع، فأَذِنَ له بيلاطُس. فجاءَ فأَخَذَ جُثْمانَه. وجاءَ نيقوديمُس أَيضًا، وهوَ الَّذي ذهَبَ إِلى يَسوعَ لَيلاً مِن قَبلُ، وكانَ مَعه خَليطٌ مِنَ المُرِّ والعودِ مِقدارُه نَحوُ مائةِ دِرهَم. فحَمَلوا جُثْمانَ يسوع ولَفُّوهُ بِلَفائِفَ مع الطِّيب، كما جَرَت عادةُ اليَهودِ في دَفنِ مَوتاهُم. وكانَ في المَوضِعِ الَّذي صُلِبَ فيهِ بُسْتان، وفي البُستانِ قَبرٌ جَديد لم يَكُنْ قد وُضِعَ فيهِ أَحَد. وكانَ القَبرُ قَريبًا فَوضَعوا فيه يَسوع بِسَبَبِ تَهْيِئَةِ السَّبْتِ عِندَ اليَهود. وفي يَومِ الأَحَد جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّةُ إِلى القَبْرِ عِندَ الفَجْر، والظَّلامُ لَم يَزَلْ مُخَيِّمًا، فرأَتِ الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر. فأَسرَعَت وجاءَت إِلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّه يسوع، وقالَت لَهما: «أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه». فخَرَجَ بُطرُسُ والتِّلْميذُ الآخَرُ وذَهَبا إِلى القَبْرِ يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعًا. ولٰكِنَّ التِّلْميذَ الآخَرَ سَبَق بُطرُس، فوَصَلَ قَبلَه إِلى القَبْرِ وٱنحَنى فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، ولٰكنَّه لَم يَدخُلْ. ثُمَّ وَصَلَ سِمْعانُ بُطرُس وكانَ يَتبَعُه، فدَخَلَ القَبْرَ فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، والمِنديلَ الَّذي كانَ حَولَ رَأسِه غَيرَ مَمْدودٍ معَ اللَّفائِف، بل عَلى شَكْلِ طَوْقٍ خِلافًا لَها، وكان كُلُّ ذٰلك في مَكانِه. حينَئذٍ دخَلَ أَيضًا التِّلميذُ الآخَرُ وقَد وَصَلَ قَبلَه إِلى القَبْر، فرَأَى وآمَنَ. ذٰلك بِأَنَّهُما لم يكونا قد فهِما ما وَرَدَ في الكِتاب مِن أَنَّه يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات. ثُمَّ رَجَعَ التِّلميذانِ إِلى بَيتِهما. أَمَّا مَريم، فكانَت واقِفَةً عِندَ القَبْرِ في خارِجِه تَبْكي. فَٱنحَنَت نَحوَ القَبرِ وهِي تَبْكي، فرَأَت مَلاكَينِ في ثِيابٍ بيضٍ جالِسَينِ حَيثُ وُضِعَ جُثمانُ يسوع، أَحَدُهما عِندَ الرَّأس، والآخَرُ عِندَ القَدَمَين. فقالا لَها: «لِماذا تَبْكينَ أَيَّتُها المَرأَة؟» فأَجابَتْهما: «أَخَذوا رَبِّي، ولا أَدْري أَينَ وَضَعوه». قالَت هٰذا ثُمَّ ٱلتَفَتَت إِلى الوَراء، فرأَت يسوعَ واقِفًا، ولَم تَعلَمْ أَنَّه يَسوع. فقالَ لَها يسوع: «لِماذا تَبْكينَ، أَيَّتُها المَرأَة، وعَمَّن تَبحَثين؟» فظَنَّت أَنَّه البُستانيّ فقالَت له: «سَيِّدي، إِذا كُنتَ أَنتَ قد ذَهَبتَ بِه، فقُلْ لي أَينَ وَضَعتَه، وأَنا آخُذُه». فقالَ لَها يسوع: «مَريَم!» فٱلتَفَتَت وقالَت له بِالعِبرِيَّة: «رابُّوني!» أَي: يا مُعلِّم. فقالَ لَها يسوع: «لا تُمسِكيني، إِنِّي لم أَصعَدْ بَعدُ إِلى أَبي، بلِ ٱذهَبي إِلى إِخوَتي، فقولي لَهم إِنِّي صاعِدٌ إِلى أَبي وأَبيكُم، وإِلٰهي وإِلٰهِكُم». فجاءَت مَريَمُ المِجدَلِيَّة وأَخبَرَتِ التَّلاميذَ بأَن «قد رأيتُ الرَّبّ» وبِأَنَّه قالَ لَها ذٰاكَ الكَلام. وفي مَساءِ ذٰلك اليَومِ، يومِ الأَحد، كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفًا مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ ووَقَفَ بَينَهم وقالَ لَهم: «السَّلامُ علَيكم!» قالَ ذٰلك، وأَراهم يَدَيْهِ وجَنبَه ففَرِحَ التَّلاميذُ لِمُشاهَدَتِهمِ الرَّبّ. فقالَ لَهم ثانِيَةً: «السَّلامُ علَيكم! كما أَرسَلَني الآب أُرسِلُكم أَنا أَيضًا». قالَ هٰذا ونَفَخَ فيهم وقالَ لَهم: «خُذوا الرُّوحَ القُدُس. مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم». على أَنَّ توما أَحَدَ الِٱثنَيْ عَشَر، ويُقالُ لَه التَّوأَم، لم يَكُنْ مَعَهم حِينَ جاءَ يسوع. فقالَ لَه سائِرُ التَّلاميذ: «رَأَينا الرَّبّ». فقالَ لَهم: «إِذا لم أُبصِرْ أَثَرَ المِسمارَينِ في يَدَيهِ، وأَضَعْ إِصبَعي في مَكانِ المِسمارَين، ويدي في جَنْبِه، لن أُومِن». وبَعدَ ثَمانِيَةِ أَيَّامٍ كانَ التَّلاميذُ في البَيتِ مَرَّةً أُخْرى، وكانَ توما معَهم. فجاءَ يسوعُ والأَبوابُ مُغلَقَة، فوَقَفَ بَينَهم وقال: «السَّلامُ علَيكم»! ثُمَّ قالَ لِتوما: «هاتِ إِصبَعَكَ إِلى هُنا فَٱنظُرْ يَدَيَّ، وهاتِ يَدَكَ فضَعْها في جَنْبي، ولا تَكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل كُنْ مُؤمِنًا». أَجابَه توما: «رَبِّي وإِلٰهي!» فقالَ له يسوع: «أَلأَنَّكَ رَأَيتَني آمَنتَ؟ طوبى لِلَّذينَ يؤمِنونَ ولَم يَرَوا». وأَتى يسوعُ أَمامَ التَّلاميذ بِآياتٍ أُخرى كثيرة لم تُكتَبْ في هٰذا الكِتاب، وإِنَّما كُتِبَت هٰذه لِتُؤمِنوا بِأَنَّ يسوعَ هو المسيحُ ٱبنُ الله، ولِتَكونَ لَكم إِذا آمَنتُمُ الحياةُ بِٱسمِه. وتَراءَى يسوعُ بَعدَئِذٍ لِلتَّلاميذِ مَرَّةً أُخْرى. وكانَ ذٰلكَ على شاطِئِ بُحَيرَةِ طَبَرِيَّة. وتراءَى لَهم على هٰذا النَّحْو. كانَ قدِ ٱجتَمَعَ سِمْعانُ بُطرُس وتوما الَّذي يُقالُ له التَّوأَم ونَتَنائيل وهو مِن قانا الجَليل وَٱبنا زَبَدى وآخَرانِ مِن تَلاميذِه. فقالَ لَهم سِمعانُ بُطرُس: «أَنا ذاهِبٌ لِلصَّيد». فقالوا له: «ونَحنُ نَذهَبُ معَكَ». فخَرَجوا ورَكِبوا السَّفينَة، ولٰكِنَّهم لم يُصيبوا في تِلكَ اللَّيلَةِ شَيئًا. فلَمَّا كانَ الفَجْر، وقَفَ يسوعُ على الشاطِئِ، لٰكِنَّ التَّلاميذَ لم يَعرِفوا أَنَّه يسوع. فقالَ لَهم: «أَيُّها الفِتْيان، أَمعَكُم شَيءٌ مِنَ السَّمَك؟» أَجابوه: «لا». فقالَ لَهم: «أَلقُوا الشَّبَكَةَ إِلى يَمينِ السَّفينَة تَجِدوا». فأَلقَوها، فإِذا هُم لا يَقدِرونَ على جَذبِها، لِما فيها مِن سَمَكٍ كَثير. فقالَ التِّلميذُ الَّذي أَحبَّه يسوعُ لِبُطرُس: «إِنَّه الرَّبّ». فلَمَّا سَمِعَ سِمْعانُ بُطرُس أَنَّه الرَّبّ، اِئتَزَرَ بِثَوبِه، لأَنَّه كانَ عُرْيانًا، وأَلْقى بِنَفْسِه في البُحَيرة. وأَقبَلَ التَّلاميذُ الآخَرونَ بِالسَّفينَة، يجُرُّونَ الشَّبَكَة بِما فيها مِنَ السَّمَك، ولَم يَكونوا إِلاَّ على بُعدِ نَحوِ مائَتَيْ ذِراعٍ مِنَ البَرّ. فلَمَّا نَزَلوا إِلى البَرّ أَبصَروا جَمْرًا مُتَّقِدًا علَيه سَمَكٌ، وخُبزًا. فقالَ لَهم يسوع: «هاتوا مِن ذٰلكَ السَّمَكِ الَّذي أَصَبتُموه الآن». فصَعِدَ سِمْعانُ بُطرُس إِلى السَّفينَة، وجذَبَ الشَّبَكَةَ إِلى البَرّ، وقدِ ٱمتَلأَت بِمائَةٍ وثَلاثٍ وخَمسينَ سَمَكَةً مِنَ السَّمَكِ الكَبير، ولم تَتَمزَّقِ الشَّبَكَةُ معَ هٰذا العَدَدِ الكَثير. فقالَ لهم يسوع: «تَعالَوا ٱفْطُروا!» ولَم يَجرُؤْ أَحَدٌ مِنَ التَّلاميذِ أَن يَسأَلَه: مَن أَنتَ؟ لِعِلمِهم أَنَّه الرَّبّ. فدَنا يسوع فأَخَذَ الخُبزَ وناوَلَهم، وفعَلَ مِثلَ ذٰلك في السَّمَك. تِلكَ المَرَّةُ الثَّالِثَةُ الَّتي تَراءَى فيها يسوعُ لِتَلاميذِه بَعدَ قِيامَتِه مِن بَينِ الأَموات. وبَعدَ أَن فَطَروا قالَ يسوعُ لِسمْعان بُطرُس: «يا سِمْعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني أَكثَرَ مِمَّا يُحِبُّني هٰؤلاء؟» قالَ لَه: «نَعم يا رَبّ، أَنتَ تَعلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ حُبًّا شَديدًا». قالَ له: «إِرْعَ حُمْلاني». قالَ له مَرَّةً ثانِية: «يا سِمْعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني؟» قالَ له: «نَعم يا ربّ، أَنتَ تَعلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ حُبًّا شَديدًا». قالَ له: «إِسْهَرْ على خِرافي». قالَ له في المَرَّةِ الثَّالِثَة: «يا سِمْعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني حُبًّا شديدًا؟» فحَزِنَ بُطرُس لأَنَّه قالَ له في المرَّةِ الثَّالِثَة: أَتُحِبُّني حُبًّا شَديدًا؟ فقالَ: «يا رَبّ، أَنتَ تَعلَمُ كُلَّ شَيء، أَنتَ تَعلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ حُبًّا شَديدًا». قالَ له: «إِرْعَ خِرافي. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ: لَمَّا كُنتَ شابًّا، كُنتَ تَتَزَنَّرُ بِيَدَيكَ، وتَسيرُ إِلى حَيثُ تشاء. فإِذا شِخْتَ بَسَطتَ يَدَيكَ، وشَدَّ غَيرُكَ لَكَ الزُّنَّار، ومَضى بِكَ إِلى حَيثُ لا تَشاء». قالَ ذٰلك مُشيرًا إِلى المِيتَةِ الَّتي سيُمَجِّدُ بِها الله. ثُمَّ قالَ له: «إِتبَعْني!». فٱلتفَتَ بُطرُس، فرأَى التِّمليذَ الَّذي أَحبَّهُ يسوعُ يَتبعهُما، ذٰاكَ الَّذي مالَ على صَدرِ يسوعَ في أَثناءِ العشاء وقالَ له: «يا ربّ، مَنِ الَّذي يُسلِمُكَ؟» فلَمَّا رَآهُ بُطرس قالَ لِيسوع: «يا ربّ، وهٰذا ما شأنُه؟» قالَ لَه يسوع: «لو شِئتُ أَن يَبْقى إِلى أن آتي، فما لَكَ وذٰلك؟ أَمَّا أَنتَ فٱتبَعْني». فشاعَ بَينَ الإخوَةِ هٰذا القَول: «إِنَّ ذٰلِكَ التِّلميذَ لَن يَموت»، مَعَ أَنَّ يسوعَ لَم يَقُلْ له إِنَّه لَن يَموت، بل قالَ له: لو شِئتُ أَن يَبْقى إِلى أَن آتي، فما لكَ وذٰلك؟ وهٰذا التِّلميذُ هو الَّذي يَشهَدُ بِهٰذِه الأُمور وهو الَّذي كَتَبَها، ونَحنُ نَعلَمُ أَنَّ شَهادَتَه صادِقَة. وهُناكَ أُمورٌ أُخرى كثيرةٌ أَتى بِها يسوع، لو كُتِبَت واحِدًا واحِدًا، لَحَسِبتُ أَنَّ الدُّنْيا نَفْسَها لا تَسَعُ الأَسفارَ الَّتي تُدَوَّنُ فيها. أَلَّفْتُ كِتابيَ الأَوَّل، يا تاوُفيلُس، في جَميعِ ما عَمِلَ يسوعُ وعلَّم، مُنذُ بَدءِ رِسالَتِه، إِلى اليَومِ الَّذي رُفِعَ فيه إِلى السَّماء، بَعدَما أَلْقى وَصاياهُ، بِدافِعٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، إِلى الرُّسُلِ الَّذينَ ٱختارَهُم وأَظهَرَ لَهم نَفْسَه حَيًّا بَعدَ آلامِه بِكَثيرٍ مِنَ الأَدِلَّة، إِذ تَراءَى لَهم مُدَّةَ أَربَعينَ يَومًا، وكَلَّمَهُم على مَلَكوتِ الله. وبَينَما هو مُجتَمِعٌ بِهِم، أَوصاهُم أَلاَّ يُغادِروا أُورَشَليم، بل يَنتَظِروا فيها ما وَعَدَ به الآب «وسَمِعتُموه مِنِّي، ذٰلك بِأَنَّ يوحَنَّا قد عَمَّدَ بِالماء، وأَمَّا أَنتُم ففي الرُّوحِ القُدُسِ تُعَمَّدونَ بَعدَ أَيَّامٍ غَيرِ كثيرة». كانوا إِذًا مُجتَمِعين فسأَلوه: «يا ربّ، أَفي هٰذا الزَّمَنِ تُعيدُ المُلْكَ إِلى إِسرائيل؟» فقالَ لَهم: «لَيسَ لَكم أَن تَعرِفوا الأَزمِنَةَ والأَوقاتِ الَّتي حَدَّدَها الآبُ بِذاتِ سُلطانِه. ولٰكِنَّ الرُّوحَ القُدُس يَنزِلُ علَيكم فتَنالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليَهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض». ولَمَّا قالَ ذٰلكَ، رُفِعَ بِمَرأًى مِنهُم، ثُمَّ حَجَبَه غَمامٌ عن أَبصارِهِم. وبَينَما عُيونُهم شاخصَةٌ إِلى السَّماءِ وهُو ذاهِب، إِذا رَجُلانِ قد مَثَلا لَهم في ثيابٍ بيضٍ وقالا: «أَيُّها الجَليلِيُّون، ما لَكُم قائمينَ تَنظرونَ إِلى السَّماء؟ فيسوعُ هٰذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهِبًا إِلى السَّماء». فَرجَعوا إِلى أُورَشَليمَ مِنَ الجَبَلِ الَّذي يُقالُ لَه جَبَلُ الزَّيتون، وهُو قَريبٌ مِن أُورَشَليم على مَسيرَةِ سَبْتٍ مِنها. ولَمَّا وَصَلوا إِلَيها صَعِدوا إِلى العُلِّيَّةِ الَّتي كانوا يُقيمونَ فيها، وهُم بُطرُس ويوحَنَّا، ويَعْقوب وأَندَراوُس، وفيلِبُّس وتوما، وبَرتُلُماوُس ومَتَّى، ويَعْقوبُ بنُ حَلْفى وسِمْعانُ الغَيور، فيَهوذا بنُ يَعْقوب. وكانوا يُواظِبونَ جَميعًا على الصَّلاةِ بِقَلْبٍ واحِد، معَ بَعضِ النِّسوَةِ ومَريَمَ أُمِّ يسوع ومعَ إخوَتِه. وفي تِلكَ الأَيَّام قامَ بُطرُسُ بَينَ الإِخوَة، وكانَ هُناكَ جَمعٌ مُحتَشِدٌ مِنَ النَّاسِ يَبلُغُ عَدَدُهم نَحوَ مائَةٍ وعِشرين، فقال: «أَيُّها الإِخوَة، كانَ لا بُدَّ أَن تَتِمَّ آيةُ الكِتابِ الَّتي قالَها الرُّوحُ القُدُسُ مِن قَبْلُ بِلِسانِ داود، على يَهوذا الَّذي أَمْسى دَليلاً لِلَّذينَ قَبَضوا على يسوع. فقَد كانَ واحِدًا مِنَّا ونالَ نَصيبَه في هٰذِهِ الخِدمَة. وقد تَمَلَّكَ حَقْلاً بِالأُجرَةِ الحَرام فَوَقَعَ على رَأسِه مُنَكَّسًا وٱنشَقَّ مِن وَسَطِه، وٱندَلَقَت أَمْعاؤُه كُلُّها. وعَرَفَ ذٰلك سُكَّانُ أُورَشَليمَ جَميعًا، حتَّى دُعِيَ هٰذا الحَقْلُ في لُغَتِهِم «حَقلَ دَمَخْ» أَي حَقْلَ الدَّم. فقَد كُتِبَ في سِفْرِ المَزامير: «لِتَصِرْ دارُه مُقفِرة، ولا يَكُنْ فيها ساكِن». وكُتِبَ أَيضًا: «لِيَتَوَلَّ مَنصِبَه آخَر». هُناكَ رِجالٌ صَحِبونا طَوالَ المُدَّةِ الَّتي قامَ فيها الرَّبُّ يَسوعُ مَعَنا، مُذ أَن عمَّدَ يوحَنَّا إِلى يَومَ رُفِعَ عنَّا. فيَجِبُ إِذًا أَن يَكونَ واحِدٌ مِنهُم شاهِدًا مَعَنا عَلى قِيامَتِه». فعَرَضوا ٱثنَينِ مِنهُم هُما يوسُفُ الَّذي يُدْعى بَرْسابا، ويُلَقَّبُ يُسْطُس، ومَتِّيَّا. ثُمَّ صَلُّوا فقالوا: «أَنتَ أَيُّها الرَّبُّ العَليمُ بقُلوبِ النَّاسِ أَجمَعين، بَيِّنْ مَنِ ٱختَرتَ مِن هٰذَينِ الِٱثنَين، لِيَقومَ بِخِدمَةِ الرِّسالَة مَقامَ يَهوذا الَّذي تَوَلَّى عَنها لِيَذهَبَ إِلى مَوضِعِه». ثُمَّ ٱقتَرعوا فوَقَعَتِ القُرعَةُ على مَتِّيَّا، فضُمَّ إِلى الرُّسُلِ الأَحَدَ عَشَر. ولَمَّا أَتى اليَومُ الخَمْسون، كانوا مُجتَمِعينَ كُلُّهم في مَكانٍ واحِد، فٱنْطَلَقَ مِنَ السَّماءِ بَغتَةً دَوِيٌّ كَريحٍ عاصِفَة، فمَلأَ جَوانِبَ البَيتِ الَّذي كانوا فيه، وظَهَرَت لَهم أَلسِنَةٌ كأَنَّها مِن نارٍ قدِ ٱنقَسَمَت فوقَفَ على كُلٍّ مِنهُم لِسان، فٱمتَلأُوا جَميعًا مِنَ الرُّوحِ القُدس، وأَخذوا يتكلَّمونَ بِلُغاتٍ غَيرِ لُغَتِهِم، على ما وَهَبَ لهُمُ الرُّوحُ القُدُسُ أَن يَتَكَلَّموا. وكانَ يُقيمُ في أُورَشَليمَ يَهودٌ أَتقِياء مِن كُلِّ أُمَّةٍ تَحتَ السَّماء. فلَمَّا ٱنطَلَقَ ذٰلكَ الصَّوت، تَجَمهَرَ النَّاسُ وقَد أَخَذَتْهُمُ الحَيرَة، لأَنَّ كُلًّا مِنهُم كانَ يَسمَعُهم يَتَكَلَّمونَ بِلُغَةِ بَلَدِه. فدَهِشوا وتَعجَّبوا وقالوا: «أَلَيسَ هٰؤُلاءِ المُتَكَلِّمونَ جليليِّينَ بِأَجمَعِهم؟ فكَيفَ يَسمَعُهم كُلٌّ مِنَّا بِلُغَةِ بَلَدِه بينَ فَرثِيِّين وميدِيِّين وعَيْلامِيِّين وسُكَّانِ الجَزيرَةِ بَينَ النَّهرَين واليَهودِيَّةِ وقَبَّدوقِية وبُنطُس وآسِيَة وفَريجِيَة وبَمفيلِيَة ومِصرَ ونَواحي ليبِيَةَ المُتاخِمَةِ لِقِيرِين، ورُومانِيِّينَ نُزَلاءَ هٰهُنا مِن يَهودٍ ودُخَلاء وكَريتِيِّينَ وعَرَب؟ فإِنَّنا نَسمَعُهم يُحَدِّثونَ بِعَجائِبِ اللهِ بِلُغاتِنا». وكانوا كُلُّهُم دَهِشينَ حائرين يَقولُ بَعضُهم لِبَعض: «ما مَعْنى هٰذا؟» على أَنَّ آخَرينَ كانوا يَقولونَ ساخِرين: «قدِ ٱمتَلأُوا مِنَ النَّبيذ». فوقَفَ بُطرُسُ معَ الأَحَدَ عَشَرَ، فرَفعَ صَوتَه وكَلَّمَ النَّاسَ قال: «يا رِجالَ اليَهودِيَّة، وأَنتُم أَيُّها المُقيمونَ في أُورَشَليمَ جَميعًا، اِعلَموا هٰذا، وأَصْغوا إِلى ما أَقول: لَيسَ هٰؤُلاءِ بِسُكارى كَما حَسِبتُم، فالسَّاعَةُ هي السَّاعَةُ التَّاسِعَةُ مِنَ النَّهار. ولٰكِن هٰذا هو ما قِيلَ بلِسانِ النَّبِيِّ يوئيل: سَيَكونُ في الأَيَّامِ الأَخيرَة، يَقولُ الله، أَنِّي أُفيضُ مِن روحي على كُلِّ بَشَر، فيَتَنَبَّأُ بَنوكم وبَناتُكم، وَيَرى شُبَّانُكم رُؤًى، ويَحلُمُ شُيوخُكم أَحْلامًا. وعلى عَبيدي وإِمائي أَيضًا أُفيضُ مِن روحي في تِلكَ الأَيَّامِ فيَتَنَبَّأُون. وأجعَلُ فَوْقًا أَعاجيبَ في السَّماء، وسُفْلاً آياتٍ في الأَرض، دمًا ونارًا وعَمودَ دُخان، فتَنقَلِبُ الشَّمسُ ظَلامًا والقَمَرُ دَمًا، قَبلَ أَن يأتيَ يَومُ الرَّبّ، اليَومُ العَظيمُ المَجيد، فيَكونُ أَنَّ كُلَّ مَن يَدْعو بِٱسمِ الرَّبِّ يَخلُص. يا بَني إِسرائيلَ ٱسمَعوا هٰذا الكَلام: إِنَّ يَسوعَ النَّاصِريّ، ذٰاكَ الرَّجُلَ الَّذي أَيَّدَه اللهُ لَدَيكُم بِما أَجْرى عن يَدِه بَينَكم مِنَ المُعجِزاتِ والأَعاجيبِ والآيات، كما أَنتُم تَعلَمون، ذاكَ الرَّجُلَ الَّذي أُسلِمَ بِقَضاءِ اللهِ وعِلمِه السَّابِق فقتَلتُموه إِذ علَّقتُموه على خَشَبَةٍ بأَيدي الكافِرين، قد أَقامَه اللهُ وأَنقَذَه مِن أَهوالِ المَوت، فما كانَ لِيَبقى رَهينَها لأَنَّ داودَ يقولُ فيه: كُنتُ أَرى الرَّبَّ أَمامي في كُلِّ حين، فإِنَّه عن يَميني لِئَلاَّ أَتَزَعزَع. لِذٰلِكَ فَرِحَ قَلبي وطَرِبَ لِساني، بل سيَستَقِرُّ جَسَدي أَيضًا في الرَّجاء، لأَنَّكَ لن تَترُكَ نَفْسي في مَثوَى الأَمْوات، ولا تَدَعُ قُدُّوسَكَ يَنالُ مِنهُ الفَساد. قد بَيَّنتَ لي سُبُلَ الحَياة، وسَتَغْمُرُني سُرورًا بِمُشاهَدَةِ وَجهِكَ. أَيُّها الإِخوَة، يَجوزُ أَن أَقولَ لَكم صَراحَةً: إِنَّ أَبانا داودَ ماتَ ودُفِن، وقَبرُه عِندنا إِلى هٰذا اليَوم. على أَنَّه كانَ نَبِيًّا وعالِمًا بِأَنَّ اللهَ أَقسَمَ لَه يَمينًا لَيُقيمَنَّ ثَمَرًا مِن صُلْبِه على عَرشِه، فرأى مِن قَبلُ قِيامةَ المَسيح وتكَلَّمَ علَيها فقال: لم يُترَكْ في مَثْوى الأَمْوات، ولا نالَ مِن جَسَدِه الفَساد. فيَسوعُ هٰذا قد أَقامَه الله، ونَحنُ بِأَجمَعِنا شُهودٌ على ذٰلك. فلَمَّا رَفَعَه اللهُ بِيَمينِه، نالَ مِنَ الآبِ الرُّوحَ القُدُسَ المَوعودَ بِه فأَفاضَه، وهٰذا ما تَرَونَ وتَسمَعونَ. فداودُ لم يَصعَدْ إِلى السَّمٰوات، وهُو نَفْسُه مع ذٰلك يَقول: قالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: إِجلِسْ عن يَميني، حتَّى أَجعَلَ أَعداءَكَ مَوطِئًا لِقَدَمَيكَ. فَلْيَعْلَمْ يَقينًا بَيتُ إِسرائيلَ أَجمَع أَنَّ يَسوعَ هٰذا الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم قد جَعَلَه اللهُ رَبًّا ومَسيحًا». فلَمَّا سَمِعوا ذٰلكَ الكَلام، تَفَطَّرَت قُلوبُهم، فقالوا لِبُطرُسَ ولِسائِرِ الرُّسُل: «ماذا نَعمَل، أَيُّها الإِخوَة؟» فقالَ لَهم بُطرُس: «توبوا، وَلْيَعتَمِدْ كُلٌّ مِنكُم بِٱسمِ يسوعَ المَسيح، لِغُفْرانِ خَطاياكم، فتَنالوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ القُدُس. فإِنَّ الوَعدَ لَكم أَنتُم ولأَولادِكُم وجَميعِ الأَباعِد، على قَدْرِ ما يَدْعو مِنهُمُ الرَّبُّ إِلٰهُنا». وكانَ يَستَشهِدُ بِكثيرٍ مِن غَيرِ هٰذا الكَلامِ ويُناشِدُهم فيَقول: «تَخَلَّصوا مِن هٰذا الجيلِ الفاسِد». فالَّذينَ قَبِلوا كَلامَه ٱعتَمَدوا، فٱنضَمَّ في ذٰلكَ اليَومِ نَحوُ ثَلاثَةِ آلافِ نَفْس. وكانوا يُواظِبونَ على تَعليمِ الرُّسُل والمشاركة وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلَوات. وٱستَولى الخَوفُ على جَميعِ النُّفوسِ لِما كانَ يَجري عن أَيدي الرُّسُلِ مِنَ الأَعاجيبِ والآيات. وكانَ جَميعُ الَّذينَ آمنوا جَماعةً واحِدة، يَجعَلونَ كُلَّ شَيءٍ مُشتَرَكًا بَينَهم، يَبيعونَ أَملاكَهم وأَمْوالَهم، ويَتَقاسَمونَ الثَّمَنَ على قَدْرِ ٱحتِياجِ كُلٍّ مِنْهُم، يُلازِمونَ الهَيكَلَ كُلَّ يَومٍ بِقَلبٍ واحِد، ويَكسِرونَ الخُبزَ في البُيوت، ويَتناوَلونَ الطَّعامَ بِٱبتِهاجٍ وسَلامةِ قَلْب، يُسَبِّحونَ اللهَ ويَنالونَ حُظوَةً عِندَ الشَّعْبِ كُلِّه. وكانَ الرَّبُّ كُلَّ يَومٍ يَضُمُّ إِلى الجَماعَةِ أُولٰئِكَ الَّذينَ يَنالونَ الخَلاص. وكانَ بُطرُسُ ويوحَنَّا صاعِدَينِ إِلى الهَيكَلِ لِصَلاةِ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعدَ الظُّهْر، وكانَ هُناكَ رَجُلٌ كسيحٌ مِن بَطْنِ أُمِّه يَحمِلُه بَعضُ النَّاس ويَضَعونَه كُلَّ يَومٍ على بابِ الهَيكلِ المَعْروفِ بِالبابِ الحَسَن لِيَطلُبَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذينَ يَدخُلونَ الهَيكَل. فلَمَّا رأَى بُطرُسَ ويوحَنَّا يُوشِكانِ أَن يَدخُلا، اِلتَمَسَ مِنهما الحُصولَ على صَدَقَة. فحَدَّقَ إِلَيه بُطرُس وكذٰلكَ يوحَنَّا، ثُمَّ قالَ له: «أُنظُرْ إِلَينا». فتَعَلَّقَت عَيناهُ بِهِما يَتَوَقَّعُ أَن يَنالَ مِنهُما شَيئًا. فقالَ لَه بُطرُس: «لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولٰكِنِّي أُعْطيكَ ما عندي: بِٱسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ ٱمشِ!» وأَمسَكَه بِيدِه اليُمْنى وأَنهَضَه، فٱشتَدَّت قَدَماه وكَعْباه مِن وَقتِه، فقامَ وَثْبًا وأَخَذَ يَمْشي. ودخَلَ الهَيكَلَ معَهُما، ماشِيًا قافِزًا يُسَبِّحُ الله. فرآهُ الشَّعبُ كُلُّه يَمْشي ويُسَبِّحُ الله، فعَرفوه ذاك الَّذي كانَ يَقعُدُ على البابِ الحَسَنِ في الهَيكَلِ لِيَطلُبَ الصَّدَقَة، فأَخَذَهُم العَجَبُ والدَّهَشُ كُلَّ مأخَذٍ مِمَّا جَرى له. وبَينَما هو يَلزَمُ بُطرُسَ ويوحَنَّا، أَخَذَ الشَّعبُ كُلُّه، وقَدِ ٱستَولى علَيهِ الدَّهَش، يُسرِعُ إِلَيهِم نَحوَ الرِّواقِ المَعْروفِ بِرِواقِ سُلَيمان. فلَمَّا رأَى بُطرُسُ ذٰلكَ، كَلَّمَ الشَّعْبَ قال: «يا بَني إِسرائيل، لِماذا تَعجَبونَ مِن ذٰلك؟ ولِماذا تُحَدِّقونَ إِلَينا، كأَنَّنا بِذاتِ قُوَّتِنا أَو تَقْوانا جَعَلْناهُ يَمْشي؟ إِنَّ إِلٰهَ إِبراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب، إِلٰهَ آبائِنا، قد مَجَّدَ عَبدَه يَسوعَ الَّذي أَسلَمتُموه أَنتُم وأَنكرتُموه أَمامَ بيلاطُس، وكانَ قد عَزَمَ على تَخلِيَةِ سَبيلِه، ولٰكِنَّكم أَنكَرتُمُ القُدُّوسَ البارّ وٱلتَمَستُمُ العَفْوَ عن قاتِل، فقَتَلتُم سيِّدَ الحَياة، فأَقامَه اللهُ مِن بَينِ الأَموات، ونَحنُ شُهودٌ على ذٰلك. ومِن فَضْلِ الإِيمانِ بِٱسمِه أَنَّ ذٰاكَ الِٱسمَ قد شَدَّدَ هٰذا الرَّجُلَ الَّذي تَنظُرونَ إِليه وتَعرِفونَه. والإِيمانُ الَّذي مِن عِندِ يسوع هو الَّذي وَهَبَ لِهٰذا الرَّجُلِ كَمالَ الصِّحَّةِ هٰذه بِمرأًى مِنكُم جَميعًا. وإِنِّي أَعلَمُ، أَيُّها الإِخوَة، أَنَّكم عَمِلتُم ذٰلك بِجَهالَة وهٰكذا رُؤَساؤُكم أَيضًا. فأَتَمَّ اللهُ ما أَنبأَ مِن ذي قَبْلُ بِلِسانِ جَميعِ الأَنبِياء، وهو أَنَّ مَسيحَهُ سَوفَ يَتألَّم. فَتوبوا وٱرجِعوا لِكَي تُمْحى خَطاياكم، فتَأتِيَكم مِن عِندِ الرَّبِّ أَيَّامُ الفَرَج ويُرسِلَ إِلَيكُمُ المَسيحَ المُعَدَّ لَكم مِن قَبْلُ، أَي يسوع، ذاكَ الَّذي يَجِبُ أَن تَتقَبَّلَه السَّماءُ إِلى أَزمِنَةِ تَجديدِ كُلِّ ما ذَكَرَه اللهُ بِلِسانِ أَنبِيائِه الأَطهار في الزَّمَنِ القَديم. فلَقَد قالَ موسى: «سيُقيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلٰهُكم مِن بَينِ إِخوَتِكم نَبِيًّا مِثْلي، فإِلَيه أَصْغوا في جَميعِ ما يَقولُ لَكُم، ومَن لم يَستَمِعْ لِذٰلِكَ النَّبِيّ، يُستأصَلْ مِن بَينِ الشَّعْب». وإِنَّ جَميعَ الأَنبياءِ مِن صَموئيلَ إِلى الَّذينَ تَكَلَّموا بَعدَه على التَّوالي قد بَشَّروا هم أَيضًا بِهٰذِه الأَيَّام. فأَنتُم أَبْناءُ الأَنبِياءِ والعَهدِ الَّذي عَقَدَه اللهُ لِآبائِكم إذ قالَ لإِبراهيم: في نَسْلِكَ تُبارَكُ جَميعُ عَشائِرِ الأَرضِ. فمِن أَجلِكم أَوَّلاً أَقامَ اللهُ عَبدَه وأَرسَلَه لِيُبارِكَكَم، فيَتوبَ كُلٌّ مِنكُم عن سَيِّئاتِه». وبَينَما بُطرُسُ ويوحَنَّا يُخاطِبانِ الشَّعْب، أَقبَلَ إِلَيهِما الكَهَنَةُ وقائدُ حَرَسِ الهَيكَلِ والصَّدُّوقِيُّون، وهُم مُغتاظونَ لأَنَّهما كانا يُعَلِّمانِ الشَّعْبَ ويُبَشِّرانِ في الكَلامِ على يَسوعَ بِقِيامَةِ الأَموات. فبَسَطوا أَيدِيَهم إِلَيهما ووَضعوهُما في السِّجنِ إِلى الغَد، لأَنَّ المَساءَ كانَ قد حان. وآمنَ كَثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوا كَلِمَةَ الله، فبَلَغَ عَدَدُ الرِّجالِ نَحوَ خَمسَةِ آلاف. فلمَّا كانَ الغَدُ ٱجتَمَعَ في أُورَشَليمَ رُؤَساؤُهم والشُّيوخُ والكَتَبَة، وكانَ في المَجلِسِ حَنَّانُ عَظيمُ الكَهَنَةِ وقَيافا ويوحَنَّا والإِسكَندَر وجَميعُ الَّذينَ كانوا مِن سُلالَةِ عُظَماءِ الكَهَنَة. ثُمَّ أَقاموهما في الوَسَطِ وسَأَلوهما: «بِأَيِّ قُوَّةٍ أَو بِأَيِّ ٱسمٍ فَعَلتُما ذٰلك؟» فقالَ لَهم بُطرُس وقَدِ ٱمتَلأَ مِنَ الرُّوحِ القُدس: «يا رُؤَساءَ الشَّعْبِ ويا أَيُّها الشُّيوخ، إِذا كُنَّا نُسْتَجْوَبُ اليَومَ عنِ الإِحسانِ إِلى عَليلٍ لِيُعرَفَ بِماذا نالَ الخَلاص، فَٱعلَموا جَميعًا وَلْيَعْلَمْ شَعْبُ إِسرائيلَ كُلُّه أَنَّه بِٱسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم فأَقامَه اللهُ مِن بَينِ الأَموات، بِهٰذا الِٱسمِ يَقِفُ أَمامَكم ذاك الرَّجُلُ مُعافًى. هٰذا هو الحَجَرُ الَّذي رَذَلتُموه أَنتُمُ البَنَّائين، فصارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. فلا خَلاصَ بأَحَدٍ غَيرِه، لأَنَّه ما مِنِ ٱسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص». فلَمَّا رَأَوا جُرأَةَ بُطرُسَ ويوحَنَّا وقَد أَدركوا أَنَّهما أُمِّيَّان مِن عامَّةِ النَّاس، أَخَذَهُمُ العَجَب، وكانوا يَعرِفونَهما مِن صَحابَة يسوع، وهُم إِلى ذٰلك يَرَونَ الرَّجُلَ الَّذي شُفِيَ قائِمًا قُربَهما، فلَم يَكُنْ عِندَهُم ما يَرُدُّونَ بِه. فأَمَروهما بِالِٱنصِرافِ مِنَ المَجلِس، ثُمَّ تَشاوَروا وقالوا: «ماذا نَصنَعُ بِهٰذَينِ الرَّجُلَين؟ فقَد جَرَت عن أَيديهِما آيةٌ مُبينَة أَمْرُها واضِحٌ لِسُكَّانِ أُورَشَليمَ أَجمَعين، فلا نَستَطيعُ الإِنكار. لٰكِن يَجِبُ أَلاَّ يَزدادَ الخَبَرُ ٱنتِشارًا بَينَ الشَّعْب، فلْنُهَدِّدْهما بِأَلاَّ يَعودا إِلى الكَلامِ على هٰذا الِٱسم، أَمامَ أَحَدٍ مِنَ النَّاس». ثُمَّ أَمَروا بِإِحضارِهما، ونَهَوْهما نَهْيًا قاطِعًا أَن يَذكُرا ٱسمَ يَسوعَ أَو يُعَلِّما بِه. فأَجابَهم بُطرُسُ ويوحَنَّا: «أَمِنَ البِرِّ عِندَ اللهِ أَن نَسمَعَ لَكُم أَمِ الأَحْرى بِنا أَن نَسمَعَ للهٍ؟ أُحكُموا أَنتُم. أَمَّا نَحنُ فلا نَستَطيعُ السُّكوتَ عن ذِكْرِ ما رَأَينا وما سَمِعْنا». فهَدَّدوهما ثانِيَةً ثُمَّ أَطلَقوا سِراحَهُما، لأَنَّهم لم يَجِدوا سَبيلاً إِلى مُعاقَبَتِهما. وإِنَّما فَعَلوا ذٰلك مُراعاةً لِلشَّعْب، فقَد كانَ جَميعُ النَّاسِ يُمَجِّدونَ اللهَ على ما جَرى، لأَنَّ الرَّجُلَ الَّذي جَرَت فيهِ آيةُ الشِّفاءِ هٰذه جاوزَ حَدَّ الأَربَعين. فلَمَّا أُطلِقَ سِراحُهُما رَجَعا إِلى أَصحابِهما وأَخبَراهم بِكُلِّ ما قالَ لَهما عُظَماءُ الكَهَنَةِ والشُّيوخ. وعِندَ سَماعِهِم ذٰلك، رفَعوا أَصواتَهم إِلى اللهِ بِقَلْبٍ واحِدٍ فَقالوا: «يا سَيِّد، أَنتَ صَنَعتَ السَّماءَ والأَرضَ والبَحرَ وكُلَّ شَيءٍ فيها، أَنتَ قُلتَ على لِسانِ أَبينا داودَ عَبدِكَ، بِوَحْيِ الرُّوحِ القُدُس: لِماذا ضَجَّتِ الأُمَم، وإِلى الباطلِ سَعَتِ الشُّعوب؟ مُلوكُ الأَرضِ قاموا، وعلى الرَّبِّ ومَسيحِه تَحالَفَ الرُّؤَساءُ جميعًا. تحالَفَ حَقًّا في هٰذهِ المَدينةِ هِيرودُس وبُنْطِيوس بيلاطُس والوَثَنِيُّونَ وشُعوبُ إِسرائيلَ على عَبدِكَ القُدُّوسِ يسوعَ الَّذي مَسَحتَه، فأَجرَوا ما خَطَّتهُ يَدُكَ من ذي قَبلُ وقَضَت مَشيئَتُكَ بِحُدوثِه. فٱنظُرِ الآنَ يا ربُّ إِلى تَهْديداتِهم، وهَبْ لِعَبيدِكَ أَن يُعلِنوا كَلِمَتَكَ بِكُلِّ جُرأَةٍ باسِطًا يَدَكَ لِيَجرِيَ الشِّفاءُ والآياتُ والأَعاجيبُ بِٱسمِ عَبدِكَ القُدُّوسِ يَسوع». وبَعدَ أَن صَلُّوا زُلزِلَ المَكانُ الَّذي ٱجتَمَعوا فيه. وٱمتَلأُوا جَميعًا مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فأَخَذوا يُعلِنونَ كَلِمَةَ اللهِ بِجُرأة. وكانَ جَماعَةُ الَّذينَ آمَنوا قَلبًا واحِدًا ونَفْسًا واحِدة، لا يَقولُ أَحدٌ مِنهم إِنَّه يَملِكُ شَيئًا مِن أَموالِه، بل كانَ كُلُّ شَيءٍ مُشتَرَكًا بَينَهم، وكانَ الرُّسُلُ يُؤدُّونَ الشَّهادَةَ بِقِيامَةِ الرَّبِّ يسوع تَصحَبُها قُوَّةٌ عَظيمة، وعَلَيهِم جَميعًا نِعمَةٌ وافِرة. فلَم يَكُنْ فيهم مُحتاج، لأَنَّ كُلَّ مَن يَملِكُ الحُقولَ أَوِ البُيوتَ كانَ يَبيعُها، ويأتي بِثَمنِ المَبيع، فيُلْقيهِ عِندَ أَقدامِ الرُّسُل. فيُعْطى كُلٌّ مِنهم على قَدْرِ ٱحتِياجِه. وإِنَّ لاوِيًّا قُبرُسِيًّا ٱسمُه يوسُف، ولَقَّبَه الرُّسُلُ بَرنابا، أَي ابنَ الفَرَج، كانَ يَملِكُ حَقلاً فباعَه وأَتى بِثَمَنِه فأَلقاهُ عِندَ أَقدامِ الرُّسُل. وإِنَّ رَجُلاً اِسمُه حَنَنْيا باعَ مِلْكًا له بِمُوافَقَةِ ٱمرَأَتِه سِفِّيرَة، فٱقتَطَعَ قِسمًا مِنَ الثَّمَنِ بِعِلمٍ مِنِ ٱمرَأَتِه، وأَتى بِالقِسمِ الآخَر فأَلقاهُ عِندَ أَقدامِ الرُّسُل. فقالَ له بُطرُس: «يا حَنَنْيا، لِماذا مَلأَ الشَّيطانُ قَلبَكَ فكذَبتَ على الرُّوحِ القُدُس، واقتَطَعتَ قِسمًا مِن ثَمَنِ الحَقْلِ؟ أَما كانَ يَبقى لكَ لو بَقِيَ على حالِه؟ أَوَمَا كانَ مِن حَقِّكَ بَعدَ بَيعِه أَن تَتَصَرَّفَ بِثَمَنِه كما تَشاء؟ كَيفَ طَوَيتَ قَلبَكَ على هٰذا الأَمر؟ أَنتَ لم تَكذِبْ على النَّاس، بل على الله». فلَمَّا سَمِعَ حَنَنْيا هٰذا الكَلام وَقَعَ ولفَظَ الرُّوح. فٱستَولى خَوفٌ شَديدٌ على جَميعِ الَّذينَ سَمِعوا بِذٰلِكَ. فجاءَ الفِتيانُ فكَفَّنوه وذَهَبوا بِه ودَفَنوه. ومَضى نَحوُ ثَلاثِ ساعات، فدَخَلتِ ٱمْرأَتُه وهي لا تَعلَمُ ما جَرى. فسَأَلَها بُطرُس: «قولي لي، أَبِكَذا بِعتُما الحَقلَ؟» فقالت: «نَعَم، بِكَذا». فقالَ لَها بُطرُس: «لِماذا ٱتَّفَقتُما على تَجرِبَةِ روحِ الرَّبّ؟ ها هي ذي أَقدامُ الَّذينَ دَفَنوا زَوجَكِ على الباب، وسيَذهَبونَ بكِ أَنتِ أَيضًا». فَوَقَعَت عِندَ قَدمَيهِ مِن وَقتِها ولَفَظَتِ الرُّوح. فَدخَلَ الفِتْيانُ فوَجَدوها مَيتَة، فذَهَبوا بِها ودَفَنوها بِجانِبِ زَوجِها. فَٱستَولى خوفٌ شديدٌ على الكَنيسَةِ كافَّةً وعلى جَميعِ الَّذينَ سَمِعوا بِذٰلك. وكانَ يَجري عن أَيدي الرُّسُلِ في الشَّعبِ كثيرٌ مِنَ الآياتِ والأَعاجيب (وكانوا يَجتَمِعونَ كُلُّهم دونَ ٱستِثناءٍ في رِواقِ سُلَيمان. ولَم يَجْرُؤْ أَحَدٌ مِن سائِرِ النَّاسِ أَن يَلتَحِقَ بِهم، مع أَنَّ الشَّعبَ كانَ يُعَظِّمُ شَأنَهم. بل كانَت جَماعاتُ الرِّجالِ والنِّساءِ تَزْدادُ عَدَدًا فتَنضَمُّ إِلى الرَّبِّ بِالإِيمان) حتَّى إِنَّهم كانوا يَخرُجونَ بِالمَرْضى إِلى الشَّوارِع، فَيَضَعونَهم على الأَسِرَّةِ والفُرُش، لِكَي يَقَعَ ولَو ظِلُّ بُطرُسَ عِندَ مُرورِه على أَحَدٍ مِنهُم. وكانَت جَماعَةُ النَّاسِ تُبادِرُ مِنَ المُدُنِ المُجاوِرَةِ لأُورَشَليم، تَحمِلُ المَرْضى والَّذينَ بِهِم مَسٌّ مِنَ الأَرواحِ النَّجِسَة فَيُشفَونَ جَميعًا. فقامَ عَظيمُ الكَهَنَةِ وجَميعُ حاشِيَتِه مِن مَذهَبِ الصَّدُّوقِيِّين، وقدِ ٱشتَدَّت نَقمَتُهُم، فبَسَطوا أَيدِيَهُم إِلى الرُّسُلِ ووَضَعوهم في السِّجنِ العامّ. غَيرَ أَنَّ مَلاكَ الرَّبِّ فَتحَ أَبوابَ السِّجنِ لَيلاً وأَخرَجَهم، ثُمَّ قالَ لَهم: «إِذهَبوا وقِفوا في الهَيكَلِ وحَدِّثوا الشَّعْبَ بِجَميعِ أُمورِ هٰذه الحَياة». فَسَمِعوا له ودَخَلوا الهَيكَلَ عِندَ الفَجْرِ وأَخَذوا يُعَلِّمون. فجاءَ عَظيمُ الكَهَنَةِ وحاشِيَتُه، فدَعَوا المَجلِس، أَي جَميعَ شُيوخِ بَني إِسرائيل، وأَرسَلوا إِلى السِّجنِ مَن يُحضِرُهم. فذَهَبَ الحَرَسُ فلَم يَجِدوهم في السِّجْن، فرَجَعوا وأَخبَروا فقالوا: «وَجَدنا السِّجنَ مُغلَقًا إغلاقًا مُحكَمًا والحَرَسَ قائمينَ على الأَبواب، ولٰكِن لَمَّا فَتَحْناه، لَم نَجِدْ فيه أَحَدًا». فلَمَّا سَمِعَ قائِدُ حَرَسِ الهَيكَلِ وعُظَماءُ الكَهَنَةِ هٰذا الكَلام، حاروا في أَمرِ الرُّسُل وأَخَذوا يتساءَلونَ ما هٰذا الَّذي جَرى. فأَقبلَ إِلَيهم رَجُلٌ وأَخبَرَهم قال: «ها إِنَّ الرِّجالَ الَّذينَ وَضَعتُموهُم في السِّجنِ قائمونَ في الهَيكَلِ يُعَلِّمونَ الشَّعْب». فذَهَبَ قائِدُ حَرَسِ الهَيكَلِ ورِجالُه، فجاءَ بِهِم مِن غَيرِ عُنفٍ، لأَنَّهم كانوا يَخَشونَ أَن يَرمِيَهمُ الشَّعبُ بالحِجارة. فلَمَّا جاؤوا بِهم وأَقاموهم أَمامَ المَجلِس، سأَلَهم عَظيمُ الكَهَنَةِ قال: «نَهَيْناكم أَشَدَّ النَّهيِ عنِ التَّعليمِ بِهٰذا الِٱسْم وها قد مَلأتُم أُورَشَليمَ بِتعليمِكم، وتُريدونَ أَن تَجعَلوا علَينا دَمَ هٰذا الرَّجُل». فأَجابَ بُطرُسُ والرُّسُل: «اللهُ أَحَقُّ بِالطَّاعَةِ مِنَ النَّاس. إِنَّ إِلٰهَ آبائِنا أَقامَ يسوعَ الَّذي قَتَلتُموه إِذ عَلَّقتُموه على خَشَبَة. وهو الَّذي رَفَعَه اللهُ بِيَمينِه وجَعَلَه سَيِّدًا ومُخَلِّصًا لِيَهَبَ لإِسرائيلَ التَّوبَةَ وغُفرانَ الخَطايا، ونَحنُ شُهودٌ على هٰذِه الأُمور. وكذٰلِكَ يَشهَدُ الرُّوحُ القُدُسُ الَّذي وهَبَه اللهُ لِمَن يُطيعُه». فلَمَّا سَمِعوا ذٰلك استَشاطوا غَضَبًا وعَزَموا على قَتْلِهم. فقامَ في المَجلِسِ فِرِّيسِيٌّ ٱسمُه جَمْلائيل، وكانَ مِن مُعَلِّمي الشَّريعَة، وله حُرمَةٌ عِندَ الشَّعبِ كُلِّه. فأَمَرَ بإِخراجِ هٰؤلاءِ الرِّجالِ وَقتًا قَليلاً، ثُمَّ قالَ لَهم: «يا بَني إِسرائيل، إِيَّاكم وما توشِكونَ أَن تَفعَلوه بِهٰؤلاءِ النَّاس. فقَد قامَ ثودَسُ قَبلَ هٰذهِ الأَيَّام، وٱدَّعى أَنَّه رَجُلٌ عَظيم، فشايَعَه نَحوُ أَربَعمائةِ رَجُل، فقُتِلَ وتَبَدَّدَ جَميعُ الَّذينَ ٱنقادوا لَه، ولَم يَبْقَ لَهم أَثَر. وبَعدَ ذٰلك قامَ يَهوذا الجَليليُّ أَيَّامَ الإِحصاء، فاستَدرَجَ قَومًا إِلى اتِّباعِه، فَهَلَك هو أَيضًا وتشَتَّتَ جَميعُ الَّذينَ ٱنقادوا لَه. وأَقولُ لَكم في صَددِ ما يَجْري الآن: كُفُّوا عن هٰؤُلاءِ الرِّجال، وٱترُكوهم وَشأنَهم، فَإِن يَكُنْ هٰذا المَقصَدُ أَوِ العَمَلُ مِن عِندِ النَّاس فإِنَّه سيَنتَقِض، وإِن يَكُنْ مِن عِندِ الله، لا تَستَطيعوا أَن تَقْضوا علَيهم. ويُخْشى علَيكم أَن تَجِدوا أَنفُسَكم تُحارِبونَ الله». فأَخَذوا بِرَأيِه ودَعَوا الرُّسُلَ فضَرَبوهم بِالعِصِيّ ونَهَوهُم عَنِ الكَلامِ على ٱسمِ يسوع، ثُمَّ أَخلَوا سَبيلَهم. أَمَّا هم فٱنصَرَفوا مِنَ المَجلِسِ فَرِحينَ بِأَنَّهم وُجِدوا أَهلاً لأَن يُهانوا مِن أَجْلِ الِٱسْم. وكانوا لا يَنفكُّونَ كُلَّ يَومٍ في الهَيكَلِ وفي البُيوت يُعَلِّمونَ ويُبَشِّرونَ بِأَنَّ يسوعَ هو المسيح. في تِلكَ الأَيَّام كَثُرَ عَددُ التَّلاميذ، فأَخذَ اليَهودُ الهِلِّينِيُّونَ يَتَذَمَّرونَ على العِبرانِيِّين لأَنَّ أَرامِلَهم يُهمَلْنَ في خِدمَةِ تَوزيعِ الأَرزاقِ اليَومِيَّة. فَدَعا الاِثْنا عَشَرَ جَماعَةَ التَّلاميذ وقالوا لَهم: «لا يَحسُنُ بِنا أَن نَترُكَ كَلِمَةَ الله لِنَخدُمَ على الموائِد. فٱبحَثوا، أَيُّها الإِخوَة، عن سَبعَةِ رِجالٍ مِنكُم لَهم سُمعَةٌ طَيِّبَة، مُمتَلِئينَ مِنَ الرُّوحِ والحِكمَة، فنُقيمَهم على هٰذا العَمَل، ونُواظِبُ نَحنُ على الصَّلاةِ وخِدمَةِ كَلِمَةِ الله». فٱستَحسَنتِ الجَماعةُ كُلُّها هٰذا الرَّأي، فٱختاروا إِسطِفانُس، وهُو رَجُلٌ مُمتَلِئٌ مِنَ الإِيمانِ والرُّوحِ القُدُس، وفيلِبُّس وبُروخورُس ونيقانور وطِيمون وبَرمَناس ونيقُلاوُس وهُو أَنطاكِيٌّ دَخيل. ثُمَّ أَحضَروهم أَمامَ الرُّسُل فصَلُّوا ووَضَعوا الأَيدِيَ علَيهِم. وكانت كَلِمَةُ الرَّبِّ تَنْمو، وعَدَدُ التَّلاميذِ يَزْدادُ كَثيرًا في أُورَشَليم. وأَخَذَ جَمعٌ كَثيرٌ مِنَ الكَهَنَةِ يَستَجيبونَ لِلإِيمان. وكانَ إِسْطفانُس، وقَدِ ٱمتَلأَ مِنَ النِّعمَةِ والقُوَّة، يَأتي بِأَعاجيبَ وَآياتٍ مُبينَةٍ في الشَّعْب. فقامَ أُناسٌ مِنَ المَجمَعِ المَعروفِ بِمَجمَعِ المُعتَقين، ومِنَ القيرينيِّينَ والإِسكَندَرِيِّينَ ومِن أَهلِ قيليقِية وآسِية، وأَخَذوا يُجادِلونَ إِسْطِفانُس، فلَم يَستَطيعوا أَن يُقاوِموا ما في كَلامِه مِنَ الحِكمَةِ والرُّوح. فدَسُّوا أُناسًا يَقولون: إِنَّنا سَمِعْناه يَتَكَلَّمُ كَلامَ تَجْديفٍ على موسى وعلى الله». فأَثاروا الشَّعْبَ والشُّيوخَ والكَتَبَة، ثُمَّ أَتَوهُ على غَفلَةٍ مِنه، فقَبَضوا علَيه وساقُوه إِلى المَجلِس. ثُمَّ أَحضَروا شُهودَ زُورٍ يَقولون: «هٰذا الرَّجُلُ لا يَكُفُّ عَنِ التَّعَرُّضِ بِكلامِه لِهٰذا المَكانِ المُقَدَّسِ ولِلشَّريعَة. فقَد سَمِعناهُ يَقولُ إِنَّ يسوعَ ذاكَ النَّاصِريَّ سَيَنقُضُ هٰذا المكان، ويُبَدِّلُ ما سَلَّمَ إِلَينا موسى مِن سُنَن». فحَدَّقَ إِلَيه كُلُّ مَن كانَ في المَجلِسِ مِن أَعْضاء، فَرأَوا وَجهَه كأَنَّه وَجْهُ مَلاك. فَسأَلَه عَظيمُ الكَهَنَة: «أَهٰذا صَحيح؟» فأَجابَ: «أَيُّها الإِخوَةُ والآباء، اِسمَعوا: إِنَّ إِلٰهَ المَجدِ تَراءَى لأَبِينا إِبراهيم، وهُو في الجَزيرَةِ ما بَينَ النَّهرَين قَبلَ أَن يُقيمَ في حَرَّان، وقالَ له: «أُخرُجْ مِن أَرضِكَ وعَشيرَتِكَ، وٱذهَبْ إِلى الأَرْضِ الَّتي أُريكَ». فخَرَجَ مِن أَرضِ الكَلدانِيِّين وأَقامَ في حَرَّان. ثُمَّ نَقَلَه مِنها بَعدَ وَفاةِ أَبيهِ إِلى هٰذهِ الأَرضِ الَّتي أَنتُمُ الآنَ مُقيمونَ فيها، ولَم يُعطِه فيها مِلكًا ولا مَوطِئَ قَدَم، ولٰكِن وَعَدَه بِأَن يُمَلِّكَه إِيَّاها، ونَسْلَه مِن بَعدِه، معَ أَنَّه لم يَكُنْ لَه وَلَد. وقالَ الله: «سيَنزِلُ نَسْلُه في أَرضٍ غَريبة، فتُستَعبَدُ وتُعامَلُ بِالسُّوءِ مُدَّةَ أَربَعمائةِ سَنة. وقالَ الله: أَمَّا الأُمَّةُ الَّتي تَستَعبِدُهم، فإِنِّي أَدينُها، ويَخرُجونَ بَعدَ ذٰلك فيَعبُدوني في هٰذا المَكان». وأَعطاهُ عَهدَ الخِتان. فوَلَدَ إِسحَقَ وخَتَنَه في اليَومِ الثَّامِن. وإِسحٰقُ خَتَنَ يَعْقوب ويَعْقوبُ خَتَنَ آباءَ الأَسْباطِ الِٱثنَيْ عَشَر. وحَسَدَ آباءُ الأَسْباطِ يُوسُف فباعوه فسيرَ به إِلى مِصْر، وكانَ اللهُ معَه، فأَنقَذَه مِن جَميعِ شَدائِدِه، وآتاهُ الحُظْوَةَ والحِكمَةَ عِندَ فِرعَونَ مَلِكِ مِصْر. فأَقامَه والِيًا على مِصْرَ وعلى جَميعِ بَيتِه. وأَصابَ مِصْرَ كُلَّها وأَرضَ كَنعانَ مَجاعَةٌ وضِيقٌ شَديد، فلَم يَجِدْ آباؤُنا قوتًا. وسَمِعَ يَعْقوبُ أَنَّ في مِصْرَ رِزْقًا، فأَرسَلَ آباءَنا أَوَّلَ مَرَّة، وفي المَرَّةِ الثَّانِيَة تَعَرَّفَ يوسُفُ إِلى إِخوَتِه، وظَهَرَ أَصْلُه لِفِرعَون، فأَرسَلَ يوسُف وٱستَدْعى أَباهُ يَعْقوبَ وعَشيرَتَه جَميعًا، وكانوا خَمسَةً وسَبعينَ نَفْسًا. فنَزَلَ يَعْقوبُ إِلى مِصْرَ وماتَ فيها هو وآباؤُنا، فحُمِلوا إِلى شَكيم ووُضِعوا في القَبْرِ الَّذي ٱشتَراهُ إِبراهيمُ مِن بني حَمورَ أَبي شَكيمَ بِمِقدارٍ مِنَ الفِضَّة. وكُلَّما كانَ يَقتَرِبُ زمانُ الوَعدِ الَّذي وَعَدَ اللهُ بِه إِبراهيم، كانَ الشَّعْبُ في مِصْرَ يَنْمو ويَكثُر، إِلى أَن قامَ مَلِكٌ آخرُ لم يَعْرِفْ يوسُف، فمَكَرَ بِأُمَّتِنا وعامَلَ آباءَنا بِالسُّوء، حتَّى أَلجَأَهُم إِلى نَبْذِ أَطفالِهم لِكي لا يَعيشوا. في ذٰلك الوَقْتِ وُلِدَ موسى، وكانَ حَسَنًا في عَينِ الله. فرُبِّيَ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ في بَيتِ أَبيه. ولَمَّا نُبِذَ ٱلتَقَطَتْه بِنتُ فِرعَون ورَبَّته كأَنَّه ٱبنٌ لها. ولُقِّنَ موسى حِكمَةَ المِصرِيِّينَ كُلَّها، وكانَ مُقتَدِرًا في أَقوالِه وأَعمالِه. ولمَّا بَلَغَ الأَربَعين، خَطَرَ له أَن يَتَفَقَّدَ إِخوانَه بَني إِسرائيل. فرأَى أَحدَهم يُعتَدى علَيه، فدافَعَ عنه وٱنتَصَرَ لِلمَظْلوم فقَتلَ المِصرِيّ. وظَنَّ أَنَّ إِخوانَه سيُدرِكونَ أَنَّ اللهَ يَهَبُ لَهمُ الخَلاصَ عن يَدِه، ولٰكِنَّهُم لم يُدرِكوا. ووُجِدَ في اليَومِ الثَّاني بَينَ ٱثنَينِ يَتضارَبان، فَدَعاهما إِلى الصُّلْحِ قال: «أَيُّها الرَّجُلان، أَنتُما أَخَوان، فلِمَ يَتَعَدَّى أَحَدُكما على الآخَر؟» فرَدَّه المُعْتَدي على قَريبِه وقال: «مَن أَقامَكَ علَينا رئيسًا وقاضِيًا؟ أَتُريدُ أَن تَقتُلَني كما قَتَلتَ المِصرِيَّ أَمْس؟» فهَرَبَ موسى عِندَ هٰذا الكَلام، ونَزَلَ في أَرضِ مِدْيَن، فولَدَ فيها ٱبنَين. وبَعدَ أَربَعينَ سَنَة تَراءَى لَه مَلاكٌ في بَرِّيَّةِ جَبَلِ سيناء، في لَهيبِ نارٍ مِن عُلَّيقَةٍ تَشتَعِل. فعَجِبَ موسى عِندَ رُؤيَتِه هٰذا المَنظَر، وتَقَدَّمَ لِيُمعِنَ النَّظَرَ فيه، فٱنطَلَقَ صَوتُ الرَّبِّ يَقول: «أَنا إِلٰهُ آبائِكَ، إِلٰهُ إِبراهيمَ وإِسْحٰقَ ويَعْقوب». فَأَخذَت موسى الرِّعدَة، ولَم يَجرُؤْ على إِمْعانِ النَّظَر فيه. فقالَ له الرَّبّ: «إِخلَعْ نَعلَ قَدَمَيكَ، فإِنَّ المَكان الَّذي أَنتَ قائِمٌ فيه أَرضٌ مُقدَّسة. إِنِّي نَظَرتُ فرَأَيتُ شَقاءَ شَعْبي في مِصْر، وسَمِعتُ أَنينَه، فنَزَلتُ لأُنقِذَه. فتَعالَ الآنَ أُرسِلُكَ إِلى مِصْر». فموسى هٰذا الَّذي أَنكَروهُ وقالوا له: مَن أَقامَكَ رئيسًا وقاضِيًا، هو الَّذي أَرسَلَه اللهُ رئيسًا ومُحَرِّرًا يُؤَيِّدُه المَلاكُ الَّذي تَراءَى له في العُلَّيقَة، وهُو الَّذي أخرَجَهم بِما أَتى به مِنَ الأَعاجيبِ والآياتِ في أَرضِ مِصْرَ وفي البَحرِ الأَحمَر وفي البَرِّيَّةِ مُدَّةَ أَربَعينَ سَنَة. هٰذا موسى الَّذي قالَ لِبَني إِسرائيل: سَيُقيمُ اللهُ لَكم مِن بَينِ إِخوَتِكُم نَبِيًّا مِثْلي، هٰذا الَّذي كانَ لَدى الجَماعَةِ في البَرِّيَّةِ وَسيطًا بَينَ الملاكِ الَّذي كلَّمَه على جَبِلِ سيناء وبَينَ آبائِنا، فتَلَقَّى كَلِماتِ الحَياة لِيُبَلِّغَنا إِيَّاها، فلَم يَشَأْ آباؤُنا أَن يَنقادوا لَه، بل رَدُّوه، وتَلَفَّتَت قُلوبُهم نَحوَ مِصْر، فقالوا لهارون: «إِصنَعْ لَنا آلِهَةً تَسيرُ أَمامَنا لأَنَّ موسى هٰذا الَّذي أَخرَجَنا مِن أَرضِ مِصْرَ لا نَعلَمُ ماذا أَصابَه». فصاغوا في تِلكَ الأَيَّامِ عِجْلاً، ثُمَّ قَرَّبوا ذَبيحةً لِلصَّنَم، وٱبتَهَجوا بِصُنعِ أَيديهم. فأَعرَضَ اللهُ عَنهُم، وأَسلَمَهم لِعِبادَةِ جَيشِ السَّماء، كما كُتِبَ في سِفْرِ الأَنبِياء: «يا بَيتَ إِسرائيل، هل قَرَّبتم لِيَ الضَّحايا والذَّبائِحَ أَربَعينَ سَنةً في البَرِّيَّة؟ فقَد حَملتُم خَيمَةَ مولَك وكَوكَبَ إِلٰهِكم رِفان، التِّمثالَينِ اللَّذَينِ صَنَعتُم لِتَسجُدوا لَهما. فسأَجليكم إِلى ما وَراءَ بابِل». وكانَ مَع آبائِنا في البَرِّيَّةِ خَيمَةُ الشَّهادة، كما أَمَرَ الَّذي كلَّمَ موسى بأَن يَعمَلَها على الطِّرازِ الَّذي رآه، فتَسلَّمَها آباؤُنا ودَخَلوا بِها، يَقودُهُم يَشوع، بِلادَ الأُمَمِ الَّتي طَرَدَها اللهُ مِن أَمامِهم. وبَقِيَت فيها إِلى أَيَّامِ داود. ونالَ داودُ حُظوَةً عِندَ الله، فٱلتَمَسَ مِنه أَن يَجِدَ مُقامًا لِبَيتِ يَعْقوب، ولٰكِنَّ سُلَيمانَ هو الَّذي بَنى له بَيتًا. على أَنَّ العَلِيَّ لا يَسكُنُ في بُيوتٍ صَنَعَتها الأَيدي كما يَقولُ النَّبِيّ: يَقولُ الرَّبّ: «السَّماءُ عَرْشي، والأَرضُ مَوطِئُ قَدَمَيَّ. أَيَّ بَيتٍ تَبنونَ لي؟ أَم أَيًّا يَكونُ مَكانُ راحَتي؟ أَلَيسَت يَدي قد صَنَعَت هٰذه كُلَّها؟». يا صِلابَ الرِّقاب، ويا غُلْفَ القُلوبِ والآذان، إِنَّكُم تُقاوِمونَ الرُّوحَ القُدُسَ دائمًا أَبَدًا، وكما كانَ آباؤُكم فَكذٰلِكَ أَنتُم. أَيًّا مِنَ الأَنبِياءِ لم يَضطَهِدْهُ آباؤكم، فقَد قتَلوا الَّذينَ أَنبَأُوا بِمَجيءِ البارِّ ولَه أَصبَحتُم أَنتُمُ الآنَ خَوَنَةً وقَتَلَة. فقَد أَخذتُمُ الشَّريعَةَ الَّتي أَعلَنَها المَلائِكَة ولَم تَحفَظوها». فلَمَّا سَمِعوا ذٰلكَ ٱستَشاطت قُلُوبُهُم غَضَبًا، وجَعَلوا يَصرِفونَ الأَسنانَ علَيه. فحَدَّقَ إِلى السَّماء وهُو ممتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فرأَى مَجدَ الله ويسوعَ قائِمًا عن يَمينِ الله. فقال: «ها إِنِّي أَرى السَّمٰواتِ مُتَفَتِّحَة، وٱبنَ الإِنسانِ قائِمًا عن يَمينِ الله». فصاحوا صِياحًا شديدًا، وسَدُّوا آذانَهم وهَجَموا علَيه هَجمَةَ رَجُلٍ واحِد، فدَفعوهُ إِلى خارِجِ المَدينة وأَخَذوا يَرجُمونَه. أَمَّا الشُّهود فخَلَعوا ثِيابَهم عِندَ قَدَمَي شابٍّ يُدْعى شاول. ورَجَموا إِسطِفانُس وهُو يَدْعو فيَقول: «رَبِّ يسوع، تَقبَّلْ روحي». ثُمَّ جَثا وصاحَ بِأَعْلى صَوتِه: «يا ربّ، لا تَحسُبْ علَيهم هٰذهِ الخَطيئَة». وما إِن قالَ هٰذا حتَّى رَقَد. وكانَ شاوُلُ مُوافِقًا على قَتْلِه. وفي ذٰلكَ اليَومِ وَقَعَ ٱضطِهادٌ شَديدٌ على الكَنيسَةِ الَّتي في أُورَشَليم، فتَشتَّتوا جَميعًا، ما عدا الرُّسُل، في ناحِيَتَي اليَهودِيَّةِ والسَّامِرة. ودَفَنَ إِسطِفانُسَ رِجالٌ أَتقِياء، وأَقاموا لهُ مَناحَةً عَظيمة. أَمَّا شاوُل فكانَ يُفسِدُ في الكَنيسة، يَدخُلُ البُيوتَ الواحِدَ بَعدَ الآخَر، فيَجُرُّ الرِّجالَ والنِّساء، ويُلقيهم في السِّجْن. وأَمَّا الَّذينَ تَشَتَّتوا فأَخَذوا يَسيرونَ مِن مكانٍ إِلى آخَر مُبَشِّرينَ بِكَلِمَةِ الله. فنَزَلَ فيلِبُّسُ مَدينةً مِنَ السَّامِرَة وجعَلَ يُبَشِّرُ أَهلَها بِالمَسيح. وكانَتِ الجُموعُ تُصْغي بِقَلْبٍ واحِدٍ إِلى ما يَقولُ فيلِبُّسُ، لِما سَمِعَت به وشاهَدَتْه مِنَ الآياتِ الَّتي كانَ يُجْريها، إِذ كانَتِ الأَرواحُ النَّجِسَةُ تَخرُجُ مِن كَثيرٍ مِنَ المَمْسوسين، وهِيَ تَصرُخُ صُراخًا شَديدًا. وشُفِيَ كَثيرٌ مِنَ المُقعَدينَ والكُسْحان، فَعَمَّ تِلكَ المَدينَةَ فَرَحٌ عَظيم. وكانَ في المَدينَةِ قَبْلَ ذٰلك رَجُلٌ ٱسمُه سِمْعان يَفتَري السِّحْر، ويُدهِشُ أَهْلَ السَّامِرَة زاعِمًا أَنَّه رَجُلٌ عَظيم. فكانوا يُصْغونَ إِلَيه بِأَجمَعِهم مِن صَغيرِهم إِلى كَبيرِهم، ويَقولون: «هٰذا هو قُدرَةُ اللهِ الَّتي يُقالُ لها القُدرَةُ العَظيمة». وإِنَّما كانوا يُصْغونَ إِلَيه لأَنَّه كانَ يُدهِشُهُم بِأَساليبِ سِحْرِه مِن زَمَنٍ طَويل. فلَمَّا صَدَّقوا فيلِبُّسَ الَّذي بَشَّرَهم بِمَلٰكوتِ اللهِ وٱسمِ يسوعَ المَسيح، اِعتَمَدوا رِجالاً ونِساءً. وصدَّقَه سِمْعانُ أَيضًا، فٱعتَمَدَ ولَزِمَ فيلِبُّس، وكانَ يَرى ما يُجْري مِنَ الآياتِ والمُعجِزاتِ المُبينَة فتَأخُذُه الدَّهشَة. وسَمِعَ الرُّسُلُ في أُورَشَليم أَنَّ السَّامِرَةَ قَبِلَت كلِمَةَ الله، فأَرسَلوا إِلَيهم بُطرُسَ ويوحنَّا، فنَزَلا وصَلَّيا مِن أَجْلِهم لِيَنالوا الرُّوحَ القُدُس، لأَنَّه لم يَكُنْ قد نَزَلَ بَعدُ على أَحدٍ مِنهم، بل كانوا قدِ ٱعتَمَدوا بٱسمِ الرَّبِّ يَسوعَ فقط. فوَضَعا أَيدِيَهما علَيهم، فنالوا الرُّوحَ القُدُس. فلَمَّا رأَى سِمْعانُ أَنَّ الرَّوحَ القُدُسَ يوهَبُ بِوَضعِ أَيدي الرَّسولَيْن، عَرَضَ علَيهِما شَيئًا مِنَ المال وقالَ لَهما: «أَعطِياني أَنا أَيضًا هٰذا السُّلطانَ لِكَي يَنالَ الرُّوحَ القُدُسَ مَن أَضَعُ علَيه يدَيَّ». فقالَ لَه بُطرُس: «تَبًّا لَكَ ولِمالِكَ، لأَنَّكَ ظَنَنتَ أَنَّه يُمكِنُ الحُصولُ على هِبَةِ اللهِ بِالمال. فلا حَظَّ لكَ في هٰذا الأَمرِ ولا نَصيب، لأَنَّ قَلبَكَ غَيرُ مُستَقيمٍ عِندَ الله. فٱندَمْ على سَيِّئَتِكَ هٰذه، وٱسأَلِ الرَّبَّ لَعَلَّه يَغفِرُ لكَ ما قَصَدتَ في قَلبِكَ. فإِنِّي أَراكَ في مَرارَةِ العَلقَمِ وشَرَكِ الإِثم». فأَجابَ سِمْعان: «إِشفَعا لي أَنتُما عِندَ الرَّبِّ لِئَلاَّ يُصيبَني شَيءٌ مِمَّا ذَكَرتُما». أَمَّا هُما فبَعدَ ما أَدَّيا الشَّهادَةَ وتَكَلَّما بِكَلِمَةِ الرَّبّ، رَجَعا إِلى أُورَشَليم وهُما يُبَشِّرانِ قُرًى كثيرةً لِلسَّامِرِيِّين. وكَلَّمَ مَلاكُ الرَّبِّ فيلِبُّسَ قال: «قُمْ فٱمضِ نَحوَ الجَنوب في الطَّريقِ المُنحَدِرَةِ مِن أُورَشَليمَ إِلى غَزَّة، وهيَ مُقفِرَة». فقامَ ومَضى، وإِذا أَمامَه رَجُلٌ مِنَ الحَبَشَة، خَصِيٌّ ذو مَنصِبٍ عالٍ عِندَ قَنْداقَة مَلِكَةِ الحَبَش، وخازِنُ جَميعِ أَمْوالِها. وكانَ راجِعًا مِن أُورَشَليم بَعدَ ما زارَها حاجًّا، وقَد جَلَسَ في مَركَبَتِه يَقرَأُ النَّبِيَّ أَشَعْيا. فقالَ الرُّوحُ لِفيلِبُّس: «تَقَدَّمْ فٱلحَقْ هٰذهِ المَركَبة». فبادَرَ إِلَيها فيلِبُّس، فسَمِعَ الخَصِيَّ يَقرَأُ النَّبِيَّ أَشَعْيا، فقالَ له: «هَل تَفهَمُ ما تَقرَأ؟» قالَ: «كَيْفَ لي ذٰلك، إِن لم يُرشِدْني أَحَد؟» ثُمَّ سأَلَ فيلِبُّس أَن يَصعَدَ ويَجلِسَ معَه. وكانَتِ الفِقرَةُ الَّتي يَقرَأُها مِنَ الكِتابِ هي هٰذه: «كخَروفٍ سِيقَ إِلى الذَّبح، وكحَمَلٍ صامِتٍ بَينَ يَدَي مَن يَجُزُّه، هٰكذا لا يَفتَحُ فاه. في ذُلِّه أُلغِيَ الحُكْمُ عَليه. تُرى مَن يَصِفُ ذُرِّيَّتَه؟ لأَنَّ حَياتَه أُزيلَت عنِ الأَرض». فقالَ الخَصِيُّ لِفيلِبُّس: «أَسأَلُكَ: مَن يَعْني النَّبِيُّ بِهٰذا الكَلام: أَنَفْسَه أَم شَخْصًا آخَر؟» فشَرَعَ فِيلِبُّس مِن هٰذه الفِقرَةِ يُبَشِّرُه بِيَسوع. وبَينَما هُما سائِرانِ على الطَّريق، وَصَلا إِلى ماء، فقالَ الخَصِيّ: «هٰذا ماء، فَما يَمنَعُ أَن أَعتَمِد؟». ثُمَّ أَمَر بِأَن تَقِفَ المَركَبَة، ونَزَلا كِلاهُما في الماء، أَي فيلِبُّس والخَصِيّ، فعَمَّدَه. ولَمَّا خَرَجا مِنَ الماء خَطِفَ روحُ الرَّبِّ فيلِبُّس، فغابَ عن نَظَرِ الخَصِيّ، فسارَ في طريقِه فَرِحًا. وأَمَّا فيلِبُّس فقَد وُجِدَ في أَزوت ثُمَّ سارَ يُبَشِّرُ في كُلِّ مَدينةٍ حتَّى وَصَلَ إِلى قَيصَرِيَّة. أَمَّا شاول فما زالَ صَدرُه يَنفُثُ تَهديدًا وتَقتيلاً لِتَلاميذِ الرَّبّ. فقَصَدَ إِلى عَظيمِ الكَهَنَة، وطَلَب مِنه رَسائِلَ إِلى مَجامِعِ دِمَشق، حتَّى إِذا وَجَدَ أُناسًا على هٰذِه الطَّريقَة، رِجالاً ونِساء، ساقَهم موثَقينَ إِلى أُورَشَليم. وبَينَما هو سائِرٌ، وقَدِ ٱقتَرَبَ مِن دِمَشق، إِذا نورٌ مِنَ السَّماءِ قد سَطَعَ حَولَه، فسَقَطَ إِلى الأَرض، وسَمِعَ صَوتًا يَقولُ لَه: «شاوُل، شاوُل، لِماذا تَضطَهِدُني؟» فقال: «مَن أَنتَ يا ربّ؟» قال: «أَنا يسوعُ الَّذي أَنتَ تَضطَهِدُه. ولٰكِن قُمْ فٱدخُلِ المَدينة، فيُقالَ لَكَ ما يَجِبُ علَيكَ أَن تَفعَل». وأَمَّا رُفَقاؤُه فوَقَفوا مَبْهوتين يَسمَعونَ الصَّوتَ ولا يَرَونَ أَحَدًا. فنَهَضَ شاولُ عنِ الأَرض وهُو لا يُبصِرُ شَيئًا، مع أَنَّ عَينَيهِ كانَتا مُنفَتِحَتَين. فٱقتادوه بِيَدِه ودَخَلوا به دِمَشق. فلَبِثَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مَكْفوفَ البَصَر لا يأكُلُ ولا يَشرَب. وكانَ في دِمَشقَ تِلميذٌ ٱسمُه حَنَنْيا. فقالَ له الرَّبُّ في رُؤْيا: «يا حَنَنْيا!» قال: «لَبَّيكَ، يا رَبّ». فقالَ له الرَّبّ: «قُمْ فٱذهَبْ إِلى الزُّقاقِ المَعروفِ بِالزُّقاقِ المُستَقيم، وٱسأَلْ في بَيتِ يَهوذا عن شاوُلَ المُسَمَّى الطَّرَسُوسي. فهاهُوَذا يُصَلِّي، وقَد رأَى في رُؤياهُ رَجُلاً ٱسمُه حَنَنْيا يَدخُلُ ويَضَعُ يَدَيه علَيه لِيُبصِر». فأَجابَ حَنَنْيا: «يا رَبّ، سَمِعتُ بِهٰذا الرَّجُلِ مِن أُناسٍ كَثيرين كم أَساءَ إِلى قِدِّيسيكَ في أُورَشَليم. وعِندَه هٰهُنا تَفويضٌ مِن عُظَماءِ الكَهَنَةِ لِيوثِقَ كُلَّ مَن يَدعو بِٱسمِكَ». فقالَ له الرَّبّ: «إِذهَبْ فهٰذا الرَّجُلُ أَداةٌ ٱختَرتُها لكي يَكونَ مَسؤولاً عنِ ٱسْمي عِندَ الوَثَنِيِّينَ والمُلوكِ وبَني إِسرائيل فإِنِّي سأُريه ما يَجِبُ علَيه أَن يُعانِيَ مِنَ الأَلَمِ في سَبيلِ ٱسْمي». فَمَضى حَنَنْيا، فدَخَلَ البَيتَ ووَضَعَ يَدَيهِ علَيه وقال: «يا أَخي شاوُل، إِنَّ الرَّبَّ أَرسَلَني، وهو يسوعُ الَّذي تراءَى لَكَ في الطَّريقِ الَّتي قَدِمتَ مِنها، أَرسَلَني لِتُبصِرَ وتَمتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس». فتَساقَطَ عِندَئذٍ مِن عَينَيهِ مِثلُ القُشور. فأَبصَرَ وقامَ فٱعتَمَدَ، ثُمَّ تَناوَلَ طَعامًا فَعادَت إِلَيه قُواه. وأَقامَ بِضعَةَ أَيَّامٍ مع التَّلاميذِ الَّذينَ في دِمَشق. فأَخَذَ لِوَقتِه يُنادي في المَجامِعِ بِأَنَّ يسوعَ هو ٱبنُ الله. فكانَ كُلُّ مَن يَسمَعُه يَدهَشُ ويَقول: «أَلَيسَ هٰذا الَّذي كان في أُورَشَليمَ يُحاوِلُ تَدْميرَ الَّذينَ يَدْعونَ بِهٰذا الاِسم؟ أَوَما جاءَ إِلى هُنا لِيَسوقَهم مُوثَقينَ إِلى عُظَماءِ الكَهَنَة؟» على أَنَّ شاوُلَ كانَ يَزدادُ قُوَّةً، ويُفحِمُ اليَهودَ المُقيمينَ في دِمَشق، مُبَيِّنًا أَنَّ يسوعَ هو المَسيح. ولَمَّا ٱنقَضَت بِضعَةُ أَيَّام تَشاوَرَ اليَهودُ لِيَغْتالوه. فٱنتَهى خَبَرُ مُؤامَرَتِهم إِلى شاوُل. فكانوا يُراقِبونَ الأَبوابَ نهارًا ولَيلاً لِيَغْتالوه، فسارَ بِه تلاميذُه لَيلاً ودَلَّوه مِنَ السُّورِ في زِنْبيل. ولمَّا وصَلَ إِلى أُورَشَليم حاولَ أَن يَنضَمَّ إِلى التَّلاميذ. فكانوا كُلُّهم يَخافونَه غَيرَ مُصَدِّقينَ أَنَّه تِلْميذ. فأَخَذَ بَرْنابا بِيَدِه وسارَ به إِلى الرُّسُل ورَوى لَهم كَيفَ رأَى الرَّبَّ في الطَّريق وكَلَّمَه الرَّبّ، وكَيفَ تَكَلَّمَ بِجُرأَةٍ بِٱسمِ يسوعَ في دِمَشق. وكانَ يَذهَبُ ويَجيءُ معَهم في أُورَشَليم يَتَكَلَّمُ بِجُرأَةٍ بِٱسمِ الرَّبّ. وكانَ يُخاطِبُ اليَهودَ الهِلِّينِيِّينَ أَيضًا ويُجادِلُهم. فحاوَلوا أَن يَغتالوه. فشَعَرَ الإِخوَةُ بِذٰلِكَ فَمَضوا بِه إِلى قَيصَرِيَّة، ثُمَّ رَحَّلوه مِنها إِلى طَرسُوس. وكانَتِ الكَنيسَةُ تَنعَمُ بِالسَّلامِ في جَميعِ اليَهودِيَّةِ والجَليلِ والسَّامِرَة. وكانَت تَنشأُ وتَسيرُ على مَخافةِ الرَّبّ، وتَنْمو بِتَأييدِ الرُّوحِ القُدُس. وكانَ بُطرُسُ يَسيرُ في كُلِّ مَكان، فنزَلَ بالقِدِّيسينَ المُقيمينَ في اللُّدّ، فلَقِيَ فيها رَجُلاً ٱسمُه أَيْنِياس يَلزَمُ الفِراشَ مُنذُ ثَماني سَنَوات، وكانَ مُقعَدًا. فقالَ له بُطرُس: «يا أَيْنِياس، أَبرَأَكَ يسوعُ المسيح، فقُمْ وأَصلِحْ فِراشَكَ بِيَدِكَ!» فقامَ مِن وَقتِه. ورآه جَميعُ سُكَّانِ اللُّدِّ وسَهْلِ الشَّارون فٱهتَدَوا إِلى الرَّبّ. وكانَ في يافا تِلميذَةٌ ٱسمُها طابيثة، أَي ظَبيَة، غَنِيَّةٌ بِالأَعمالِ الصَّالِحَةِ والصَّدَقاتِ الَّتي تُعطيها. فٱتَّفَقَ أَنَّها مَرِضَت في تِلكَ الأَيَّامِ وماتَت. فغَسَلوها ووَضَعوها في عُلِّيَّة. ولَمَّا كانَتِ اللُّدُّ قَريبَةً مِن يافا سَمِعَ التَّلاميذُ أَنَّ بُطرُسَ فيها، فأَرسَلوا إِلَيه رَجُلَينِ وناشَدوه: «لا تَتَأَخَّرْ في المَجيءِ إِلَينا». فقامَ بُطرُس ومَضى معَهما. فلَمَّا وَصَلَ صَعِدوا بِه إِلى العُلِّيَّة، فأَقبلَت علَيه جَميعُ الأَرامِلِ باكِياتٍ يُرينهُ الأَقمِصَةَ والأَردِيَةَ الَّتي صَنَعَتها ظَبيَةُ إِذ كانَت معَهُنَّ. فأَخرَجَ بُطرُسُ النَّاسَ كُلَّهم، وجَثا وصلَّى ثُمَّ ٱلتَفَتَ إِلى الجُثْمانِ وقال: «طابيثة، قومي!» ففَتَحَت عَينَيها، فأَبصرَت بُطرُس، فجَلَسَت. فمَدَّ إِلَيها يَدَه وأَنهَضَها ثُمَّ دعا القِدِّيسينَ والأَرامِلَ فأَراهم إِيَّاها حَيَّة. فٱنتَشَر الخَبَرُ في يافا كُلِّها، فآمَنَ بِالرَّبِّ خَلْقٌ كثير. ومَكَثَ بُطرُسُ بِضعَةَ أَيَّامٍ في يافا عِندَ دَبَّاغٍ ٱسمُه سِمْعان. كانَ في قَيصَرِيَّةَ رَجُلٌ ٱسمُه قُرنيلِيوس، قائدُ مائةٍ مِنَ الكَتيبَةِ الَّتي تُدعى الكَتيبَةَ الإِيطالِيَّة. وكانَ تَقِيًّا يَخافُ الله هو وجَميعُ أَهلِ بَيتِه، ويَتَصَدَّقُ على الشَّعْبِ صَدَقاتٍ كثيرة، ويُواظِبُ على ذِكْرِ الله. فرَأَى نَحوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعدَ الظُّهْرِ في رُؤيا واضِحَة مَلاكَ اللهِ يَدخُلُ علَيه ويَقولُ له: «يا قُرنِيلِيوس!» فحَدَّقَ إِلَيه، فٱستَولى علَيهِ الخَوفُ فقال: «ما الخَبَرُ سَيِّدي؟» فقالَ له: «إِنَّ صلواتِكَ وصَدَقاتِكَ قد صَعِدَت ذِكْرًا عِندَ الله. فأَرسِلِ الآنَ رِجالاً إِلى يافا وٱدْعُ سِمعانَ الَّذي يُلَقَّبُ بُطرُس. فهُو نازِلٌ عِندَ دَبَّاغٍ اِسمُه سِمعان، وبَيتُه على شاطِئِ البَحْر». فلَمَّا ٱنصَرَفَ المَلاكُ الَّذي كَلَّمَه، دعا ٱثنَينِ مِن خَدَمِه وجُندِيًّا تَقِيًّا مِمَّن كانوا يُلازِمونَه، ورَوى لَهم الخَبَرَ كُلَّه، وأَرسَلَهم إِلى يافا. فبَينَما هم سائرونَ في الغَد وقَدِ ٱقتَرَبوا مِنَ المَدينة، صَعِدَ بُطرُسُ إِلى السَّطحِ نَحوَ الظُّهرِ لِيُصَلِّي، فجاعَ فأَرادَ أَن يَتَناوَلَ شَيئًا مِنَ الطَّعام. وبَينَما هم يُعِدُّونَ له الطَّعام، أَصابَه جَذْب. فرأَى السَّماءَ مَفْتوحة، وَوِعاءً كَسِماطٍ عَظيمٍ نازِلاً يَتَدَلَّى إِلى الأَرْضِ بِأَطرافِه الأَربَعة. وكانَ فيه مِن جَميعِ ذَواتِ الأَربَعِ وزَحَّافاتِ الأَرضِ وطُيورِ السَّماء. وإِذا صَوتٌ يَقولُ له: «قُمْ يا بُطرُس فَٱذبَحْ وكُلْ». فقالَ بُطرُس: «حاشَ لي يا ربّ، لم آكُلْ قَطُّ نَجِسًا أَو دَنِسًا». فعادَ إِلَيه صَوتٌ فقالَ له ثانِيًا: «ما طَهَّرَهُ الله، لا تُنَجِّسْه أَنتَ». وحَدثَ ذٰلك ثَلاث مَرَّات. ثُمَّ رُفِعَ الوِعاءُ مِن وَقتِه إِلى السَّماء. فتَحَيَّرَ بُطرُس وأَخَذَ يُسائِلُ نَفْسَه ما تَعبيرُ الرُّؤيا الَّتي رآها، وإِذا الرِّجالُ الَّذينَ أَرسَلَهم قُرنيلِيوس، وكانوا قد سَأَلوا عن بَيتِ سِمْعان، وَقَفوا بِالباب ونادَوا مُستَخبِرينَ أَنازلٌ بِالمَكانِ سِمْعانُ المُلَقَّبُ بُطرُس. وبَينَما بُطرُسُ يُفَكِّرُ في الرُّؤيا، قالَ له الرُّوح: «هناك ثَلاثَةُ رِجالٍ يَطلُبونَكَ. فقُمْ فٱنزِلْ إِلَيهِم وٱذهَبْ معَهم غَيرَ مُتَرَدِّد، فَإِنِّي أَنا أَرسَلتُهم». فنَزَلَ بُطرُسُ إِلى هٰؤُلاءِ الرِّجالِ وقالَ لَهم: «أَنا مَن تَطلُبون. فما الَّذي جاءَ بِكُم؟» قالوا: «إِنَّ قائِدَ المائةِ قُرنيلِيوس رَجُلٌ صِدِّيقٌ يَتَّقي الله، وتَشهَدُ له أُمَّةُ اليَهودِ كُلُّها، أَوعَزَ إِلَيه مَلاكٌ طاهِرٌ أَن يَدعوكَ إِلى بَيتِه لِيَسمَعَ ما عِندَكَ مِن أُمور». فدَعاهم وأَضافَهم. وفي الغَدِ قامَ فمَضى معَهم، ورافَقَهُم بعضُ الإخوَةِ مِن يافا، فدَخَلَ قَيصَرِيَّةَ في اليَومِ الثَّاني. وكانَ قُرنيلِيوسُ يَنتَظِرُهم وقَد دَعا أَقارِبَه وأَخَصَّ أَصدِقائِه. فلمَّا دَخَلَ بُطرُسُ ٱستَقبَلَه قُرنيلِيوس وٱرتَمى على قَدَمَيه ساجِدًا له. فأَنهَضَه بُطرُس وقال: «قُمْ، فأَنا نَفْسي أَيضًا بَشَر». ودَخَلَ وهُو يُحادِثُه، فوَجَدَ جَماعَةً مِنَ النَّاسِ كثيرة. فقالَ لهم: «تَعلَمونَ أَنَّه حَرامٌ على اليَهودِيِّ أَن يُعاشِرَ أَجنَبِيًّا أَو يَدخُلَ مَنزِلَه. أَمَّا أَنا فقَد بَيَّنَ اللهُ لي أَنَّه لا يَنبغي أَن أَدعُوَ أَحَدًا مِن النَّاسِ نَجِسًا أَو دَنِسًا. فلَمَّا دُعيتُ جِئتُ ولَم أَعتَرِضْ. فأَسأَلُكم ما الَّذي حَمَلَكم على أَن تَدعوني». فقالَ له قُرنيلِيوس: «كُنتُ قَبلَ أَربَعة أَيَّامٍ في مِثلِ هٰذا الوَقتِ أُصَلِّي في بَيتي عِندَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعدَ الظُّهْر، وإِذا رَجُلٌ علَيه ثِيابٍ برَّاقَةٌ قد حَضَرَ أَمامي وقال: «يا قُرنيلِيوس، سُمِعَت صَلواتُكَ، وذُكِرَت لَدى اللهِ صَدَقاتُكَ، فأَرسِلْ إِلى يافا، وٱدْعُ سِمْعانَ المُلَقَّبَ بُطرُس، فهُو نازِلٌ في بَيتِ سِمْعانَ الدَّبَّاغ على شاطِئِ البَحْر». فأَرسَلتُ إِلَيكَ لِوَقْتي، وأَنتَ أَحسَنتَ صُنعًا في مَجيئِكَ. ونَحنُ الآنَ جَميعًا أَمامَ الله لِنَسمَعَ جَميعَ ما أَمَرَكَ بِه الرَّبّ». فشَرَعَ بُطرُسُ يَقول: «أَدرَكتُ حَقًّا أَنَّ اللهَ لا يُراعي ظاهِرَ النَّاس. فمَنِ اتَّقاه مِن أَيَّةِ أُمَّةٍ كانت وعَمِلَ البِرَّ كانَ عِندَه مَرضِيًّا. والكَلِمَةُ الَّذي أَرسَلَه إِلى بَني إِسرائيلَ مُبَشِّرًا بِالسَّلامِ عن يَدِ يسوعَ المَسيح، إِنَّما هُو رَبُّ النَّاسِ أَجمَعين. وأَنتُم تَعلَمونَ الأَمرَ الَّذي جرى في اليَهودِيَّةِ كُلِّها وكانَ بَدؤُه في الجَليل بَعدَ المَعمودِيَّةِ الَّتي نادى بِها يوحَنَّا، في شأنِ يسوعَ النَّاصِرِيّ كَيفَ أَنَّ اللهَ مَسَحَه بِالرُّوحِ القُدُسِ والقُدرَة، فمَضى مِن مَكانٍ إِلى آخَر يَعمَلُ الخَيرَ ويُبرِئُ جَميعَ الَّذينَ ٱستَولى علَيهم إِبليس، لأَنَّ اللهَ كانَ معَه. ونَحنُ شُهودٌ على جَميعِ أَعمالِه في بِلادِ اليَهودِ في أُورَشَليم. والَّذي قَتَلوه إِذ عَلَّقوه على خَشَبَة هو الَّذي أَقامَه اللهُ في اليَومِ الثَّالِث، وخَوَّلَه أَن يَظهَر لا لِلشَّعْبِ كُلِّه، بل لِلشُّهودِ الَّذينَ ٱختارَهُمُ اللهُ مِن قَبلُ، أَي لَنا نَحنُ الَّذينَ أَكَلوا وشَرِبوا معه بَعدَ قِيامَتِه مِن بَينِ الأَموات. وقَد أَوصانا أَن نُبَشِّرَ الشَّعْب ونَشهَدَ أَنَّه هو الَّذي أَقامَه اللهُ دَيَّانًا لِلأَحياءِ والأَموات. ولَه يَشهَدُ جَميعُ الأَنبِياءِ بِأَنَّ كُلَّ مَن آمَنَ بِه يَنالُ بِٱسمِه غُفرانَ الخَطايا». وكانَ بُطرُسُ لا يَزالُ يَرْوِي هٰذهِ الأُمور، إِذ نَزَلَ الرُّوحُ القُدُسُ على جَميعِ الَّذينَ سَمِعوا كَلِمَة الله. فدَهِشَ المُؤمِنونَ المَختونونَ الَّذينَ رافَقوا بُطرُس، ذٰلك بأَنَّ مَوهِبَةَ الرُّوحِ القُدُسِ قَد أُفيضَت على الوَثَنِيِّينَ أَيضًا. فقد سَمِعوهم يَتَكَلَّمونَ بِلُغاتٍ غَيرِ لُغَتِهِم ويُعَظِّمونَ الله. فقالَ بُطرُس. «أَيَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَمنَعَ هٰؤُلاءِ مِن ماءِ المَعمودِيَّة وقَد نالوا الرُّوحَ القُدُسَ مِثلَنا؟». ثُمَّ أَمَرَ أَن يُعَمَّدوا بِٱسمِ يسوعَ المَسيح. فسأَلوه أَن يُقيمَ عِندَهم بِضعَةَ أَيَّام. وسَمِعَ الرُّسُلُ والإِخوَةُ في اليَهودِيَّةِ أَنَّ الوَثَّنِيِّينَ هُم أَيضًا قَبِلوا كَلِمَةَ الله. فلَمَّا صَعِدَ بُطرُسُ إِلى أُورَشَليم، أَخَذَ المَختونونَ يُخاصِمونَه قالوا: «لقَد دَخَلتَ إِلى أُناسٍ قُلْفٍ وأَكَلتَ معَهم» فشرَعَ بُطرُسُ يَعرِضُ لَهُمُ الأَمرَ عَرضًا مُفَصَّلاً قال: «كُنتُ أُصَلِّي في مَدينَةِ يافا. فأَصابَني جَذبٌ فرَأَيتُ رُؤيا، فإِذا وِعاءٌ هابِطٌ كَسِماطٍ عَظيمٍ يَتَدَلَّى مِنَ السَّماءِ بِأَطرافِه الأَربَعَة حتَّى ٱنتَهى إِلَيَّ. وحَدَّقتُ إِلَيه وأَمعَنتُ النَّظَرَ فيه فرَأَيتُ ذَواتِ الأَربَعِ الَّتي في الأَرض والوُحوشَ والزَّحَّافاتِ وطُيورَ السَّماء. وسَمِعْتُ صَوتًا يقول لي: قُمْ، يا بُطرُس، فَٱذبَحْ وكُلْ. فقُلتُ: حاشَ لي يا رَبّ، لم يَدخُلْ فَمي قَطُّ نَجِسٌ أَو دَنِس. فعادَ صَوتٌ مِنَ السَّماءِ فقال ثانِيًا: ما طَهَّرَه الله لا تُنَجِّسْهُ أَنتَ. وحَدَثَ ذٰلك ثَلاثَ مَرَّات، ثُمَّ رُفِعَ كُلُّه إِلى السَّماء. وإِذا ثَلاثَةُ رِجالٍ قد وقَفوا في الوَقْتِ نَفْسِه بِبابِ البَيتِ الَّذي كُنَّا فيه، وكانوا مُرسَلينَ إِلَيَّ مِن قَيصَرِيَّة. فأَمَرَني الرُّوحُ أَن أَذهَبَ معَهم غَيرَ مُتَردِّد. فرافَقَني هٰؤُلاءِ الإِخوَةُ السِّتَّة، فدَخَلْنا بَيتَ الرَّجُل، فأَخبَرَنا كَيفَ رأَى المَلاكَ يَمثُلُ في بَيتِه ويَقولُ له: أَرسِلْ إِلى يافا، وٱدْعُ سِمْعانَ المُلَقَّبَ بُطرُس، فهُو يَرْوي لَكَ أُمورًا تَنالُ بها الخَلاصَ أَنتَ وجَميعُ أَهلِ بَيتِكَ. فما إِن شَرَعتُ أَتَكَلَّم حَتَّى نَزَلَ الرُّوحُ القُدُسُ علَيهم كما نَزَلَ علَينا في البَدْء. فتَذكَّرتُ كَلِمَةَ الرَّبِّ إِذ قالَ: إِنَّ يوحَنَّا عَمَّدَ بالماء، وأَمَّا أَنتُم فستُعَمَّدونَ في الرُّوحِ القُدُس. فإِذا كانَ اللهُ قد وَهَبَ لَهم مِثلَ ما وهَبَ لَنا، لأَنَّنا آمنَّا بِالرَّبِّ يسوعَ المَسيح، هَل كانَ في إِمْكاني أَنا أَن أَمنَعَ الله؟». فلَمَّا سَمِعوا ذٰلك، هَدَأُوا ومَجَّدوا اللهَ وقالوا: «قد وَهَبَ اللهُ إِذًا لِلوَثَنِيِّينَ أَيضًا التَّوبَةَ الَّتي تُؤَدِّي إِلى الحَياة». وأَمَّا الَّذينَ تَشَتَّتوا بِسَبَبِ الضِّيقِ الَّذي وَقَعَ بِشَأْنِ إِسطِفانُس، فإِنَّهُمُ ٱنتَقَلوا إِلى فِينيقيةَ وقُبرُسَ وأَنطاكية، لا يُكَلِّمونَ أَحَدًا بِكَلِمَةِ اللهِ إِلاَّ اليَهود. غَيرَ أَنَّه كانَ مِنهم قُبرُسِيُّونَ وقيرِينيُّون، فلَمَّا قَدِموا أَنطاكِيَة، أَخَذوا يُكَلِّمونَ اليونانِيِّينَ أَيضًا ويُبَشِّرونَهم بِالرَّبِّ يسوع. وكانت يَدُ الرَّبِّ معَهم فآمَن منهُم عَدَدٌ كثير فَٱهتَدَوا إِلى الرَّبّ. فبَلَغَ خَبَرُهم مَسامِعَ الكَنيسَةِ الَّتي في أُورَشَليم، فأَوفَدوا بَرنابا إِلى أَنطاكِيَة، فلَمَّا وَصَلَ ورأَى نِعمَةَ الله، فَرِحَ وحَثَّهم جَميعًا على التَّمَسُّكِ بِالرَّبِّ مِن صَميمِ القَلْب، لأَنَّه كانَ رَجُلاً صالِحًا، مُمتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ والإِيمان. فٱنضمَّ إِلى الرَّبِّ خَلْقٌ كَثير. فمَضى إِلى طَرَسُوسَ يَبحَثُ عن شاوُل، فلَمَّا وَجَدَه جاءَ بِه إِلى أَنطاكِية، فأَقاما سَنةً كامِلَةً يَعمَلانِ مَعًا في هٰذِه الكَنيسَة ويُعَلِّمانِ خَلقًا كثيرًا. وفي أَنطاكِيةَ سُمِّيَ التَّلاميذُ أَوَّلَ مَرَّةٍ مَسيحِيِّين. وفي تِلكَ الأَيَّامِ نَزَلَ بَعضُ الأَنبِياءِ من أُورَشَليمَ إِلى أَنطاكِيَة. فقامَ أَحَدُهم، وٱسمُه أَغابُس، فأَخبَرَ بِوَحْيٍ مِنَ الرُّوح أَن ستَكونُ مَجاعَةٌ شَديدةٌ في المَعمورِ كُلِّه، وهِي الَّتي حَدَثَت في أَيَّامِ قُلُودِيوس. فعَزَمَ التَّلاميذُ أَن يُرسِلوا ما يَتَيَسَّرُ عِندَ كُلٍّ مِنهُم، إِسعافًا لِلإِخوَةِ المُقيمينَ في اليَهودِيَّة. وفعَلوا ذٰلكَ فأَرسَلوا مَعونَتَهم إِلى الشُّيوخِ بِأَيدي بَرْنابا وشاوُل. في ذٰلكَ الوَقْت قَبَضَ المَلِكُ هيرودُسُ على بَعضِ أَهلِ الكَنيسَةِ لِيُوقِعَ بِهِمِ الشَّرَّ، فقَتَلَ بِحَدِّ السَّيفِ يَعقوبَ أَخا يوحَنَّا. فلَمَّا رأَى أَنَّ ذٰلك يُرْضي اليَهود، قَبَضَ أَيضًا على بُطرُس، وكانَت تِلكَ الأَيَّامُ أَيَّامَ الفَطير. فأَمسَكَه ووَضَعَه في السِّجْن، ووَكَلَه إِلى أَربَعَةِ أَرهاطٍ لِيَحرُسوه، كُلُّ رَهْطٍ أَربَعَةُ جُنود، وقَصْدُه أَن يُحضِرَه أَمامَ الشَّعبِ بَعدَ عيدِ الفِصْح. فكانَ بُطرُسُ مَحفوظًا في السِّجْن، ولٰكِنَّ الصَّلاةَ كانت تَرتَفِعُ مِنَ الكَنيسَةِ إِلى اللهِ بِلا ٱنقِطاعٍ مِن أَجلِه. وأَوشَكَ هِيرُودُسُ أَن يُحضِرَه أَمامَ الشَّعْب، وكانَ بُطرُسُ في تِلكَ اللَّيلَةِ راقِدًا بَينَ جُندِيَّين، مَشْدودًا بِسِلسِلَتَين، وعلى البابِ حَرَسٌ يَحرُسونَ السِّجن. وإِذا مَلاكُ الرَّبِّ يَمثُل، فيُشرِقُ النُّورُ في الحَبْس. فضَرَبَ المَلاكُ بُطرُسَ على جَنبِه فأَيقَظَه وقالَ له: «قُمْ على عَجَل». فسَقَطَتِ السِّلسِلتانِ عن يَدَيه. فقالَ له المَلاك: «أُشدُدْ وَسَطَكَ بالزُّنَّار وَٱربِطْ نَعلَيكَ» ففَعَلَ. ثُمَّ قالَ له: «إِلبَسْ رِداءَكَ وَٱتبَعْني». فخَرَجَ يَتبَعُه، وهُو لا يَدْري أَنَّ فِعلَ المَلاكِ شَيءٌ حَقيقيّ، بل ظَنَّ أَنَّه يَرى رُؤيا. فَٱجتازا الحَرَسَ الأَوَّلَ والثَّاني، وبَلَغا إِلى البابِ الحَديدِ الَّذي يَنفُذُ إِلى المَدينَة، فٱنفَتَحَ لَهما مِن نَفْسِه، فخَرَجا وقَطَعا زُقاقًا واحِدًا، ففارَقَه المَلاكُ مِن وَقتِه. فرَجَعَ بُطرُسُ إِلى نَفْسِه فقال: «الآنَ أَيقَنتُ أَنَّ الرَّبَّ أَرسَلَ مَلاكَه فأَنقَذَني مِن يَدِ هِيرودُس ومِن كُلِّ ما يَتَوَقَّعُ شَعبُ اليَهود». ثُمَّ تَحَقَّقَ أَمرَه فمَضى إِلى بَيتِ مَريَمَ أُمِّ يوحَنَّا المُلَقَّبِ مَرقُس. وكانَت هُناكَ جَماعةٌ مِنَ النَّاسِ تُصَلِّي. فقَرَعَ بابَ الدِّهْليز فأَقبَلَت جارِيَةٌ ٱسمُها رَوْضَةُ تَتَسَمَّع. فعَرَفَت صَوتَ بُطرُس، فلَم تَفتَحِ البابَ مِن فَرَحِها، بل أَسرَعَت إِلى الدَّاخِل وأَخبَرَتهُم بِأَنَّ بُطرُسَ واقِفٌ على الباب. فقالوا لها: «قد جُنِنْتِ». فأَكَّدَت لَهم أَنَّ الأَمرَ كما ذَكَرَت. فقالوا لَها: «هٰذا مَلاكُه». أَمَّا بُطرُس فظَلَّ يَقرَع. فلَمَّا فَتَحوا رَأَوهُ فدَهِشوا. فأَشارَ لَهم بِيَدِه أَن يَسكُتوا. ثُمَّ أَخَذَ يَرْوي لَهم كَيفَ أخرَجَه الرَّبُّ مِنَ السِّجن، ثُمَّ قال: «أَخبِروا يَعْقوبَ والإِخوَةَ بِهٰذِه الأُمور». وخَرَجَ فذَهَبَ إِلى مَكانٍ آخَر. فلَمَّا طلَعَ الصَّباح وَقعَت بَلبَلَةٌ كَبيرةٌ في الجُنْد: تُرى، ماذا كانَ مِن أَمرِ بُطرُس؟ ولَمَّا طَلَبَه هيرودُس فلَم يَجِدْه ٱستَجوَبَ الحَرَسَ وأَمَرَ بِسَوقِهم إِلى المَوت. ثُمَّ نَزَلَ مِنَ اليَهودِيَّةِ وأَقامَ في قَيصَرِيَّة. وكانَ ساخِطًا على أَهلِ صورَ وصَيدا، فَٱتَّفَقَ بَعضُهم مع بَعض، ومَثَلوا بينَ يَدَيه، بَعدَما ٱستَمالوا بَلَسطُس حاجِبَ المَلِك وٱلتَمَسوا الصُّلْح، لأَنَّ رِزقَ بِلادِهم يَأتيهم مِن مَملَكَتِه. وفي اليَومِ المُحَدَّد لَبِسَ هيرودُسُ حُلَّتَهُ المَلَكِيَّة، وجَلَسَ على المِنبَرِ يَخطُبُ فيهم. وكانَ الشَّعبُ يَصيح: «هٰذا صَوتُ إِلٰه لا صوتُ إِنسان». فضَرَبَه مَلاكُ الرَّبِّ مِن وَقتِه لأَنَّه لم يُمَجِّدِ الله. فأَكَلَه الدُّود ولَفَظَ الرُّوح». وكانت كلِمَةُ اللهِ تَنْمو وتَنتَشر. وأَمَّا بَرْنابا وشاوُل فلمَّا قاما بِخِدمَتِهما في أُورَشَليم رَجَعا بَعدَما ٱستَصحَبا يوحَنَّا المُلَقَّبَ مَرقُس. وكانَ في الكَنيسَةِ الَّتي في أَنطاكية بَعضُ الأَنبِياءِ والمُعَلِّمين، هم بَرْنابا وسِمْعانُ الَّذي يُدْعى نِيجِر، ولوقيوسُ القيرينيّ، ومَنَايِنُ الَّذي رُبِّيَ مع أَميرِ الرُّبعِ هيرودُس، وشاوُل. فبَينما هم يَقْضونَ فريضَةَ العِبادَةِ لِلرَّبِّ ويَصومون، قالَ لَهمُ الرُّوحُ القُدُس: «أَفرِدوا بَرْنابا وشاوُلَ للعَمَلِ الَّذي دَعَوتُهما إِليه». فصاموا وصلَّوا، ثُمَّ وَضَعوا علَيهِما أَيدِيَهم وصَرَفوهما. فلَمَّا كانا مُوفَدَينِ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، نَزَلا إِلى سَلوقِيَّة ثُمَّ أَبْحَرا مِنها إِلى قُبرُس. فلَمَّا بَلَغا سَلامين، أَخَذا يُبَشِّرانِ بِكَلِمَةِ اللهِ في مَجامِعِ اليَهود، وكانَ معَهما يوحَنَّا مُعاوِنًا لَهما. فٱجتازا الجَزيرَةَ كُلَّها حتَّى بافُس، فلَقِيا ساحِرًا نَبِيًّا كذَّابًا مِنَ اليَهودِ ٱسمُه بَرْيَشوع، مِن حاشِيَةِ الحاكِمِ سِرجِيوس بولُس، وكانَ هٰذا رَجُلاً عاقِلاً. فدَعا بَرْنابا وشاوُل ورَغِبَ إِلَيهِما في أَن يَسمَعَ كَلِمَةَ الله. فقاوَمَهُما عَليمُ السَّاحِر (وهٰذا معنى ٱسمِه) مُحاوِلاً أَن يَصرِفَ الحاكِمَ عنِ الإِيمان. وكانَ شاوُلُ (ويُدعى أَيضًا بولُس) مُمتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ القُدُس فحَدَّقَ إِلَيه وقال: «أَيُّها المُمتَلِئُ مِن كُلِّ غِشٍّ وخِداع، يا ٱبنَ إِبليس، ويا عَدُوَّ كُلِّ بِرّ، أَما تَكُفُّ عن تَعويجِ طُرُقِ الرَّبِّ القَويمَة؟ ها هي ذي يَدُ الرَّبِّ علَيكَ فتَصيرُ أَعْمى لا تُبصِرُ نورَ الشَّمْسِ إِلى حين». فهَبَطَت علَيه مِن وَقْتِه ظُلُماتٌ حالِكة، فجَعَلَ يَدورُ في كُلِّ جِهَةٍ مُلتَمِسًا مَن يَقودُه بِيَدِه. فلَمَّا رأَى الحاكِمُ ما جَرى، آمَنَ وقَد أُعجِبَ بِتَعليمِ الرَّبّ. ثُمَّ أَبحَرَ بولُسُ ورَفيقاه مِن بافُس، فبَلَغوا بَرجَةَ بَمْفيلية ففارَقَهما يوحَنَّا ورَجَعَ إِلى أُورَشَليم. أَمَّا هما فغادَرا بَرجَةَ وسارا حتَّى وصَلا إِلى أَنطاكِيَةِ بِسيدِية. ودَخلا المَجمَعَ يَومَ السَّبتِ وجَلَسا. وبَعدَ التِّلاوةِ لِلشَّريعَةِ والأَنبِياء، أَرسَلَ إِلَيهما رُؤَساءُ المَجمَعِ يَقولون: «أَيُّها الأَخَوان، إِذا كانَ عِندَكما كَلامُ وَعظٍ لِلشَّعب، فقولاه». فقامَ بولُس فأَشارَ بِيَدِه وقال: «يا بَني إِسرائيل، ويا أَيُّها الَّذينَ يَتَّقونَ اللهَ ٱسمَعوا: إنَّ إِلٰهَ هٰذا الشَّعْب، شَعْبِ إِسرائيلَ، ٱختارَ آباءَنا ورَفَعَ شَأنَ هٰذا الشَّعبِ طَوالَ غُربَتِه في أَرضِ مِصْر. ثُمَّ أَخرَجَهم مِنها بِقُدرَةِ ساعِدِه. ورَزَقَهم طَعامًا نَحوَ أَربَعينَ سَنةً في البَرِّيَّة، ثُمَّ أَبادَ سَبعَ أُمَمٍ في أَرضِ كَنْعان وأَورَثَهم أَرضَها، مُدَّةَ نَحوِ أَربَعِمائةٍ وخَمسينَ سَنة. وجَعَلَ لَهُم بَعدَ ذٰلك قُضاةً حتَّى النَّبِيِّ صَموئيل. ثُمَّ طَلَبوا مَلِكًا، فَجَعَلَ اللهُ لَهُم شاوُلَ بْنَ قَيْس، مِن سِبْطِ بَنْيامين، مُدَّةَ أَربَعينَ سَنة. ثُمَّ خَلَعَه وأَقامَ لَهُم داودَ مَلِكًا، وشَهِدَ له بِقَولِه: وَجَدتُ داودَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً يَرتَضيه قَلْبي وسيَعمَلُ بِكُلِّ ما أَشاء. ومِن نَسْلِه أَتى اللهُ إِسرائيلَ بِمُخَلِّصٍ هو يسوع، وَفقًا لِوَعدِه. وسَبَقَ أَن نادى يوحَنَّا قَبلَ مَجيئِه بِمَعْمودِيَّةِ تَوبةٍ لِشَعبِ إِسرائيلَ كُلِّه. ولَمَّا أَوشَكَ يوحَنَّا أَن يُنهِيَ شَوطَه قال: مَن تَظُنُّونَ أَنِّي هو؟ لَستُ إِيَّاه. ها هُوَذا آتٍ بَعدي ذٰاكَ الَّذي لَستُ أَهلاً لأَن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه. «يا إِخوَتي، يا أَبناءَ سُلالَةِ إِبراهيم، ويا أَيُّها الحاضِرونَ هُنا مِنَ الَّذينَ يَتَّقونَ الله، إِلَينا أُرسِلَت هٰذه الكَلِمَة، كَلِمَةُ الخَلاص. فَإِنَّ أَهلَ أُورَشَليمَ ورُؤَساءَهم لم يَعرِفوه وحَكَموا علَيه فأَتَمُّوا ما يُتْلى مِن أَقوالِ الأَنبِياءِ في كُلِّ سَبْت. ومع أَنَّهم لم يَجِدوا سَبَبًا يَستَوجِبُ بِه المَوت، طَلَبوا إِلى بيلاطُسَ أَن يَقتُلَه. وبَعدَما أَتَمُّوا كُلَّ ما كُتِبَ في شأنِه، أَنزَلوه عنِ الخَشَبَة ووَضَعوهُ في القَبر. غَيرَ أَنَّ اللهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، فتَراءَى أَيَّامًا كَثيرةً لِلَّذينَ صَعِدوا معَه مِنَ الجَليلِ إِلى أُورَشَليم. وهُمُ الآنَ شُهودٌ له عِندَ الشَّعب. «ونَحنُ أَيضًا نُبَشِّرُكُم بِأَنَّ ما وُعِدَ بِه آباؤُنا قد أَتَمَّه اللهُ لَنا نَحنُ أَبناءَهُم، إِذ أَقامَ يَسوعَ كما كُتِبَ في المَزمورِ الثَّاني: أَنتَ ٱبني، وَأَنا اليَومَ وَلَدتُكَ. وأَمَّا أَن أَقامَه مِن بَينِ الأَمواتِ ولَن يَعودَ إِلى الفَساد، فقَد ذَكَره في قَولِه: سأُعطِيكُم خَيراتِ داوُدَ المُقَدَّسَة، الخَيراتِ الحَقيقيَّة. لِهٰذا قالَ في آيَةٍ أُخْرى: لن تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَنالُ مِنهُ الفَساد. على أَنَّ داود، بَعدَما عَمِلَ لِقَصْدِ اللهِ في عَصرِه، رَقَدَ وضُمَّ إِلى آبائِه، فنالَ مِنه الفَساد. وأَمَّا الَّذي أَقامَه الله فلَم يَنَلْ مِنهُ الفَساد. فٱعلَموا، أَيُّها الإِخوَة، أَنَّكم عن يَدِه تُبَشَّرونَ بِغُفرانِ الخَطايا، وأَنَّ كُلَّ ما لم تَستَطيعوا أَن تُبَرَّروا مِنه بِشَريعةِ موسى، بِه يُبَرَّرُ مِنه كُلُّ مَن آمَن. فٱحذَروا أَن يَحِلَّ بِكُم ما وَرَدَ في كُتُبِ الأَنبِياء: أُنظُروا أَيُّها المُستَخِفُّون، إِعجَبوا وتَوارَوا. فإِنِّي لَصانِعٌ في أَيَّامِكم صُنْعًا، لو حَدَّثَكم بِه أَحَدٌ لَما صَدَّقتُم». وبَينَما هُما خارِجان سأَلوهُما أَن يُحَدِّثاهم بِهٰذِه الأُمورِ في السَّبتِ المُقبِل. فلَمَّا ٱنفَضَّتِ الجَماعَة، تَبِعَ بولسَ وبَرْنابا كثيرٌ مِنَ اليَهودِ والدُّخَلاءِ الَّذينَ يَعبُدونَ الله. فأَخَذا يُكَلِّمانِهم ويَحُثَّانِهم على الثَّباتِ في نِعمَةِ الله. ولمَّا جاءَ السَّبت، كادَتِ المدينَةُ كُلُّها تَجتَمِعُ لِتَسمَعَ كَلِمَةَ الله. فلَمَّا رأَى اليَهودُ هٰذا الجَمْع، أَخَذَهُمُ الحَسَد، فجَعلوا يُعارِضونَ كَلامَ بولُسَ بالتَّجديف. فقالَ بولُسُ وبَرْنابا بجُرأَة: «إِلَيكم أَوَّلاً كانَ يَجِبُ أَن تُبَلَّغَ كَلِمَةُ الله. أَمَّا وأَنتُم تَرفُضونَها ولا تَرَونَ أَنفُسَكم أَهلاً لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة، فإِنَّنا نَتَوجَّهُ الآنَ إِلى الوَثَنِيِّين. فقَد أَوصانا الرَّبُّ قال: «جَعَلتُكَ نورًا لِلأُمَم لِتَحمِلَ الخَلاصَ إِلى أَقْصى الأَرض». فلَمَّا سَمِعَ الوَثَنِيُّونَ ذٰلك، فَرِحوا ومَجَّدوا كَلِمَةَ الرَّبّ، وآمَنَ جَميعُ الَّذينَ كُتِبَت لَهمُ الحَياةُ الأَبَدِيَّة. وكانت كَلِمَةُ الرَّبِّ تَنتَشِرُ في النَّاحِيَةِ كُلِّها. على أَنَّ اليَهودَ أَثاروا كَرائِمَ النِّساءِ العابِدات وأَعيانَ المَدينة، وحَرَّضوا على ٱضطِهادِ بولسَ وبَرنابا فطَرَدوهما مِن بَلَدِهم. فنَفَضا علَيهِم غُبارَ أَقدامِهِما وذَهَبا إِلى أَيقونِية. وأَمَّا التَّلاميذ فكانوا مُمتَلِئينَ مِنَ الفَرَحِ ومِنَ الرُّوحِ القُدُس. وجَرى مثلُ ذٰلك في أَيقونِية، إِذ دَخَلَ بولُسُ وبَرْنابا مَجمَعَ اليَهودِ وأَخَذا يَتكَلَّمانِ كَلامًا جَعَلَ جَمْعًا كثيرًا مِنَ اليَهودِ واليونانِيِّينَ يُؤمِنون. غَيرَ أَنَّ الَّذينَ لم يُؤمِنوا مِنَ اليَهود أَثاروا الوَثَنِيِّينَ وحَمَلوهُم على أَن يُسيئوا الظَّنَّ بِالإِخوَة. ولٰكِنَّهُما مَكَثا مُدَّةً طَويلة يَتَكَلَّمانِ بِجُرأَةٍ في الرَّبّ، وهُو يَشهَدُ لِكَلِمَةِ نِعمَتِه فيَهَبُ لهُما أَن تَجرِيَ الآياتُ والأَعاجيبُ عَن أَيديهِما. فٱنقَسَمَ أَهلُ المَدينة، فمِنهُم مَن كانَ معَ اليَهود، ومِنهُم مَن كانَ مع الرَّسولَيْن. ولَمَّا أَزْمَعَ الوَثَنِيُّونَ واليَهودُ ورُؤَساؤُهم أَن يَشتِموهُما ويَرجُموهما، شَعَرا بِذٰاك فلَجآ إِلى مَدينَتَينِ مِن ليقونِية وهُما لُستَرَة ودَربَة وما جاوَرَهما فبشَّرا هُناكَ أَيضًا. وكانَ في لُستَرَة رَجُلٌ كَسيحٌ مُقعَدٌ مِن بَطْنِ أُمِّه، لم يَمشِ قَطّ. وبَينَما هو يُصغي إِلى بُولس يَتَكَلَّم، حَدَّقَ إِلَيه فرأَى فيهِ مِنَ الإِيمانِ ما يَجعَلُه يَخلُص، فقالَ له بِأَعلى صَوتِه: «قُمْ فَٱنتَصِبْ على قَدَمَيكَ!» فوَثَبَ يَمشي. فلَمَّا رَأَتِ الجُموعُ ما صَنَعَ بولُس، رَفعوا الصَّوتَ فقالوا باللُّغَةِ اللِّيقونِيَّة: «تَمَثَّلَ الآلِهَةُ بَشَرًا ونَزَلوا إِلَينا». وكانوا يَدعونَ بَرْنابا زاويشَ وبولُسَ هِرمِس، لأَنَّه كانَ يَتَوَلَّى الكَلام. فجاءَ كاهِنُ صَنَمِ زاويشَ القائمِ عِندَ مَدخَلِ المَدينة بِثيرانٍ وأَكاليلَ إِلى الأَبواب، يُريدُ تَقريبَ ذَبيحَةٍ مع الجُموع. فلمَّا بَلَغَ الخَبَرُ الرَّسولَينِ بَرْنابا وبولُسَ، مَزَّقا رِدائَيهِما وَبادَرا إِلى الجَمعِ يَصيحانِ فيَقولان: «أَيُّها النَّاس، لِماذا تَفعَلونَ هٰذا؟ نَحنُ أَيضًا بَشَرٌ ضُعَفاءُ مِثلَكُم نُبَشِّرُكم بأَن تَترُكوا هٰذه الأَباطيل وتَهتَدوا إِلى اللهِ الحَيِّ الَّذي صَنَعَ السَّماءَ والأَرضَ والبَحرَ وكُلَّ شَيءٍ فيها. تَرَكَ الأُمَمَ جَميعًا في العُصورِ الخالِيَةِ تَسلُكُ سُبُلَها، على أَنَّه لم يفُتْهُ أَن يُؤَدِّيَ الشَّهادَةَ لِنَفسِه بِما يَعمَلُ مِنَ الخَير. فقَد رَزَقَكُم مِنَ السَّماءِ الأَمطارَ والفُصولَ المُخصِبَة، وأَشبَعَ قُلوبَكم قُوتًا وهَناءً». وبالرُّغمِ مِن هٰذا الكَلام، لم يَستَطيعا إِلاَّ بِمَشَقَّةٍ أَن يَصرِفا الجَمعَ عن تَقْريبِ ذَبيحةٍ لَهُما. ثُمَّ جاءَ بَعضُ اليَهودِ مِن أَنطاكِيَةَ وأَيقونِية. فَٱستَمالوا الجُموعَ فَرَجَموا بولُس وجَرُّوه إِلى خارِجِ المَدينَة يَظُنُّونَ أَنَّه مات. ولَمَّا التَفَّ التَّلاميذُ علَيه، قامَ فدَخَلَ المَدينة، ومَضى في الغَدِ مع بَرْنابا إِلى دَربَة. فبَشَّرا تِلكَ المَدينة وتَلمَذا خَلْقًا كثيرًا، ثُمَّ رَجَعا إِلى لُستَرَة فَأَيقونِيَة فأَنطاكِية يُشَدِّدانِ عَزائِمَ التَّلاميذ، ويَحُثَّانِهِم على الثَّباتِ في الإِيمان ويَقولانِ لَهم: «يَجِبُ علَينا أَن نَجتازَ مَضايِقَ كَثيرة لِنَدخُلَ مَلَكوتَ الله». فعَيَّنا شُيوخًا في كُلِّ كَنيسةٍ وصَلَّيا وصاما، ثُمَّ ٱستَودَعاهُمُ الرَّبَّ الَّذي آمَنوا به. فٱجتازا بِسيدِيَة وجاءَا بَمْفيليَة، وبَشَّرا بِكَلِمَةِ اللهِ في بَرجَة، وٱنحَدَرا إِلى أَطَّالِيَة وأَبْحَرا مِنها إلى أَنطاكِيَة الَّتي كانا قدِ ٱنطَلَقا مِنها، مَوكولَينِ إِلى نِعمَةِ اللهِ مِن أَجلِ العَمَلِ الَّذي قاما به. فجَمَعا الكَنيسَةَ عِندَ وُصولِهما، وأَخبرا بِكُلِّ ما أَجرى اللهُ مَعَهُما وكَيفَ فَتَحَ بابَ الإِيمانِ لِلوَثَنِيِّين. ثُمَّ مَكَثا مُدَّةً غَيرَ قَليلةٍ مع التَّلاميذ. ونَزَلَ أُناسٌ مِنَ اليَهودِيَّة وأَخَذوا يُلَقِّنونَ الإِخوَةَ فيقولون: «إِذا لم تَختَتِنوا على سُنَّةِ موسى، لا تَستَطيعونَ أَن تَنالوا الخَلاص». فوَقَعَ بَينَهم وبَينَ بولُسَ وبَرْنابا خِلافٌ وجِدالٌ شديد. فعَزَموا على أَن يَصعَدَ بولُسُ وبَرْنابا وأُناسٌ مِنهُم آخَرونَ إِلى أُورَشَليم حَيثُ الرُّسُلُ والشُّيوخ لِلنَّظَرِ في هٰذا الخِلاف فَشَيَّعَتهُمُ الكَنيسة. فٱجتازوا فينيقِيَة والسَّامِرَة يَروُونَ خَبَرَ ٱهتِداءِ الوَثَنِيِّين، فيُفَرِّحونَ الإِخوَةَ كُلَّهم فَرَحًا عَظيمًا. فلَمَّا وَصَلوا إِلى أُورَشَليم رَحَّبَت بِهِمِ الكَنيسَةُ والرُّسُلُ والشُّيوخ، فأَخبَروهم بِكُلِّ ما أَجرى اللهُ مَعَهم. فقام أُناسٌ مِنَ الَّذينَ كانوا على مَذهَبِ الفِرِّيسيِّينَ ثُمَّ آمَنوا، فقالوا: «يَجِبُ خَتنُ الوَثَنِيِّينَ وتَوصِيَتُهم بِالحِفاظِ على شريعَةِ موسى». فٱجتَمَعَ الرُّسُلُ والشُّيوخ لِيَنظروا في هٰذِه المسأَلة. وبَعدَ جِدالٍ طويل قامَ بُطرُسُ وقالَ لَهم: «أَيُّها الإِخوَة، تَعلَمونَ أَنَّ اللهَ ٱختارَ عِندَكُم مُنذُ الأَيَّامِ الأُولى أَن يَسمَعَ الوَثَنِيُّونَ مِن فَمي كَلِمَةَ البِشارَةِ ويُؤمِنوا. واللهُ العَليمُ بِما في القُلوب قد شَهِدَ لَهم فَوَهَبَ لَهُمُ الرُّوحَ القُدُس كما وَهَبَه لَنا، فلَم يُفَرِّقْ بَينَنا وبَينَهم في شَيء، وقَد طَهَّرَ قُلوبَهم بِالإِيمان. فلِماذا تُجَرِّبونَ اللهَ الآنَ بِأَن تَجعَلوا على أَعناقِ التَّلاميذِ نِيرًا لم يَقْوَ آباؤُنا ولا نَحنُ قَوِينا على حَملِه؟ فنَحنُ نُؤمِنُ أَنَّنا بنِعمةِ الرَّبِّ يسوعَ نَنالُ الخَلاصَ كما يَنالُ الخَلاصَ هٰؤُلاءِ أَيضًا». فسَكتَ الجَماعةُ كُلُّهم وأَخَذوا يَستَمِعونَ إِلى بَرْنابا وبولُس يَروِيانِ لَهم ما أَجْرى اللهُ عن أَيديهِما مِنَ الآياتِ والأَعاجيبِ بَينَ الوَثَنِيِّين. فلَمَّا انتَهَيا تَكَلَّمَ يَعْقوبُ فقال: «أَيُّها الإِخوَة، اِستَمِعوا لي. رَوى لَكم سِمْعانُ كَيفَ عُنِيَ اللهُ أَوَّلَ الأَمرِ بِأَن يَتَّخِذَ شَعبًا لِٱسمِه مِن بَينِ الوَثَنِيِّين، وهٰذا يُوافِقُ كَلامَ الأَنبِياءِ كَما وَرَدَ في الكِتاب: سأَعودُ بَعدَ ذٰلك، فأُقيمُ خَيمَةَ داودَ المُتَهَدِّمة. سأُقيمُ أَنْقاضَها وأَنصُبُها، فيَسْعى سائِرُ النَّاسِ إِلى الرَّبّ وجَميعُ الأُمَمِ الَّتي ذُكِرَ علَيها ٱسْمي، يَقولُ الرَّبُّ صانِعُ هٰذهِ الأُمورِ المَعروفَةِ مُنذُ الأَزَل. ولِذٰلك فإِنِّي أَرى أَلاَّ يُضَيَّقَ على الَّذينَ يَهتَدونَ إِلى اللهِ مِنَ الوَثَنِيِّين، بل يُكتَبُ إِلَيهِم أَن يَجتَنِبوا نَجاسَةَ الأَصنام والفَحْشاء والمَيتَة والدَّم. فإِنَّ لِموسى مُنذُ الأَجيالِ القَديمَةِ دُعاةً في كُلِّ مَدينة، فهو يُقرَأُ كُلَّ سَبتٍ في المَجامِع». فحَسُنَ لَدى الرُّسُلِ وَالشُّيوخ، ومعَهُمُ الكَنيسَةُ كُلُّها، أَن يَختاروا أُناسًا مِنهُم، فيوفِدوهم إِلى أَنطاكِية معَ بولُسَ وبَرنابا. فَٱختاروا يَهوذا الَّذي يُقالُ له بَرْسابا، وسيلا، وهُما رَجُلانِ وَجيهانِ بَينَ الإِخوَة. وسَلَّموا إِلَيهم هٰذه الرِّسالَة: «مِن إِخوَتِكُمُ الرُّسُلِ والشُّيوخِ إِلى الإِخوَةِ المُهتَدينَ مِنَ الوَثَنِيِّينَ في أَنطاكِيَة وسورية وقيليقِية، سَلام. بَلَغَنا أَنَّ أُناسًا مِنَّا أَتَوكم فأَلقَوا بينكُم الاضطِرابَ بِكَلامِهم وبَعَثوا القَلَقَ في نُفوسِكم، على غَيرِ تَوكيلٍ مِنَّا. فحَسُنَ لَدَينا بِالإِجماعِ أَن نَخْتارَ رَجُلَينِ نوفِدهُما إِلَيكُم مع الحَبيبَينِ بَرْنابا وبولُس، وهما رَجُلانِ بَذَلا حَياتَهما مِن أَجلِ ٱسمِ ربِّنا يسوعَ المسيح. فأَرسَلْنا يَهوذا وسِيلا لِيُبَلِّغاكُمُ الأُمورَ نَفْسَها مُشافَهَةً. فقد حَسُنَ لَدى الرُّوحِ القُدُسِ ولَدَينا أَلاَّ يُلْقى علَيكم مِنَ الأَعباءِ سِوى ما لا بُدَّ مِنهُ، وهُوَ ٱجتِنابُ ذَبائِح الأَصنامِ والدَّمِ والمَيتَةِ والفَحْشاء. فإِذا احتَرَستُم مِنها تُحسِنونَ عَمَلاً. عافاكُمُ الله». فلمَّا صُرِفوا ٱنحَدَروا إِلى أَنطاكِية. فجَمَعوا الجَماعَةَ وسلَّموا إِلَيهِمِ الرِّسالَة. فَقَرَأُوها ففَرِحوا بِما فيها مِن تَأييد. وكانَ يَهوذا وسِيلا هُما أَيضًا نَبِيَّين، فوَعَظا الإِخوَةَ وشَدَّدا عَزائِمَهم بِكَلامٍ كَثير. وبَعدَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَن صَرَفَهما الإِخوَةُ بِسَلامٍ إِلى الَّذينَ أَرسَلوهُما. أَمَّا بولُسُ وبَرْنابا فأَقاما في أَنطاكِية، يُعَلِّمانِ ويُبَشِّرانِ بِكَلِمَةِ الرَّبّ ومعهُما آخَرونَ كَثيرون. وبَعدَ بِضعَةِ أَيَّام، قالَ بولُسُ لِبَرْنابا: «لِنَعُدْ فنَتَفَقَّدَ الإِخوَةَ في كُلِّ مَدينَةٍ بَشَّرْنا فيها بِكَلِمَةِ الرَّبّ، ونَرى كَيفَ أَحوالُهم». فأَرادَ بَرْنابا أَن يَستَصْحِبَ يوحَنَّا الَّذي يُقالُ لَه مَرقُس، ورأَى بولُسُ أَنَّه ليسَ مِنَ الحَقِّ أَن يَستَصْحِبَ مَن فارقَهما في بَمْفيلية ولَم يُرافِقْهما لِلعَمَلِ مَعَهما. فوَقَعَ بَينَهما خِلافٌ شَديدٌ حتَّى فارَقَ أَحَدُهما الآخَر. فٱستَصحَبَ بَرْنابا مَرقُس وأَبحَرَ إِلى قُبرُس. وأَمَّا بولُس فٱختارَ سيلا ومَضى، بَعدَما ٱستَودَعَه الإِخوَةُ نِعمَةَ الرَّبّ، فطافَ سورِيَةَ وقيليقِيَة يُثَبِّتُ الكَنائس. وقَدِمَ دَربَةَ ثُمَّ لُستَرَة، وكانَ فيها تِلميذٌ ٱسمُه طيموتاوُس وهُو ٱبنُ يَهودِيَّةٍ مُؤمِنَة وأَبٍ يونانيّ. وكانَ الإِخوَةُ في لُستَرَةَ وأَيقونِيةَ يَشهَدونَ له شَهادَةً حَسَنَة. فرَغِبَ بولُسُ أَن يَمضِيَ معَه فذَهَبَ بِه وخَتَنَه بِسَبَبِ اليَهودِ الَّذينَ في تِلكَ الأَماكِن، فقَد كانوا كُلُّهم يَعلَمونَ أَنَّ أَباهُ يونانِيّ. وكانا عِندَ مُرورِهما في المُدُنِ يُبَلِّغانِهِمِ القَراراتِ الَّتي أَصدَرَها الرُّسُلُ والشُّيوخُ الَّذينَ في أُورَشَليم، ويُوصِيانِهِم بِحِفظِها. وكانَتِ الكَنائِسُ تَرسُخُ في الإِيمان، وتَزْدادُ عَدَدًا يَومًا فيَومًا. ثُمَّ طافا فِريجِيَة وبِلادَ غَلاطِية لأَنَّ الرُّوحَ القُدُسَ مَنَعهما مِنَ التَّبشيرِ بِكلِمَةِ اللهِ في آسِيَة. فلَمَّا بَلَغَا مِيسيَة حاوَلا دُخولَ بِتيِنيَة، فلَم يأذَنْ لَهما بِذٰلكَ روحُ يسوع. فٱجتازا مِيسِية وٱنحَدَرا إِلى طَرُواس، فبَدَت لِبُولُسَ رُؤيا ذاتَ لَيلَة، فإِذا رَجُلٌ مَقْدونيٌّ قائِمٌ أَمامَه يَتَوَسَّلُ إِلَيه فيَقول: «أُعبُرْ إِلى مَقدونِيَة وأَغِثْنا!» فما إِن رأَى بولُسُ هٰذه الرُّؤيا حتَّى طَلَبْنا الرَّحيلَ إِلى مَقدونِية، مُوقِنينَ أَنَّ اللهَ دَعانا إِلى تَبْشيرِ أَهلِها. فأَبحَرْنا مِن طَرُواس وٱتَّجَهْنا تَوًّا إِلى ساموتَراقيا، وفي الغَدِ إِلى نَيَّابولِس ومِنها إِلى فيلِبّي وهي عُظْمى المُدُنِ في ولايَةِ مَقدونِية، ومُستَعمَرةٌ رومانِيَّة. فمَكَثْنا بِضعَةَ أَيَّامٍ في هٰذهِ المَدينَة. ثُمَّ خَرَجنا يَومَ السَّبتِ من بابِ المَدينة، إِلى ضَفَّةِ نَهرٍ، ظَنًّا مِنَّا أَنَّ فيها مُصَلًّى. فجَلَسْنا نُكَلِّمُ النِّساءَ المُجتَمِعاتِ هُناك. وكانَت تَستَمِعُ إِلَينا ٱمرَأَةٌ تَعبُدُ الله، اِسمُها لِيدِية وهي بائِعَةُ أُرجُوانٍ مِن مَدينَةِ تِياطيرة. ففَتَحَ الرَّبُّ قَلبَها لِتُصغِيَ إِلى ما يَقولُ بولُس. فلَمَّا ٱعتَمَدَت هي وأَهلُ بَيتِها، دَعَتْنا فقالَت: «إِذا كُنتُم تَحسَبوني مُؤمِنَةً بِالرَّبّ فٱدخُلوا بَيتي وأَقيموا عِندي». فَٱضطَرَّتْنا إِلى قُبولِ دَعوَتِها. وكُنَّا ذاتَ يَومٍ ذاهِبينَ إِلى المُصَلَّى، فَتَلَقَّتْنا جارِيَةٌ يَحضُرُها رُوحٌ عَرَّاف، وكانَت بِعِرافَتِها تُكسِبُ سادَتَها مالاً كَثيرًا. فأَخَذَت تَسيرُ في إِثْرِ بولُسَ وإِثرِنا، وهِيَ تَصيح: «هٰؤلاءِ الرِّجالُ عَبيدُ اللهِ العَلِيّ، يُبَشِّرونَكُم بِطَريقِ الخَاص». وظَلَّت تَفعَلُ ذٰلكَ عِدَّةَ أَيَّام، فٱغتاظَ بولُس فٱلتَفَتَ وقالَ لِلرُّوح: «آمُرُكَ بِٱسمِ يسوعَ المسيح أَن تَخرُجَ مِنها!» فخَرَجَ لِساعَتِه. فلَمَّا رأَى سادَتُها ضَياعَ أَملِهم مِنَ الكَسْب، قَبَضوا على بولُسَ وسيلا وجَرُّوهما إِلى ساحَةِ المَدينَةِ لَدى الحُكَّام. وقدَّموهُما إِلى القُضاةِ وقالوا: «هٰذانِ الرَّجُلانِ يوقِعانِ الاِضطِرابَ في مَدينَتِنا، وهُما يَهودِيَّان، يَدعُوانِ إِلى سُنَنٍ لا يَحِلُّ لَنا قَبولُها ولا ٱتِّباعُها، ونَحنُ رومانِيُّون». فثارَ الجَمعُ علَيهِما فنَزَعَ القُضاةُ ثِيابَهُما وأَمَروا بِضَربِهما بالعِصِيّ فٱنهالوا علَيهِما وأَوسَعوهُما ضَرْبًا. فأَلقَوْهما في السِّجن، وأَوصَوا السَّجَّانَ بِأَن يُشَدِّدَ الحِراسَةَ علَيهِما. فلَمَّا تَلقَّى السَّجَّانُ هٰذا الأَمْر، أَلقاهُما في السِّجْنِ الجَوَّانِيّ، وشَدَّ أَرجُلَهما بِالمِقْطَرة. وعِندَ نِصفِ اللَّيل، بَينَما بولُسُ وسيلا يُسَبِّحانِ اللهَ في صَلاتِهما، والسُّجَناءُ يُصغونَ إِلَيهما، إِذ حَدَثَ زِلزالٌ شَديدٌ تَزَعزَعَت له أَركانُ السِّجْن، وتَفَتَّحَتِ الأَبوابُ كُلُّها مِن وَقْتِها، وفُكَّت قُيودُ السُّجَناءِ أَجمَعين. فٱستَيقَظَ السَّجَّان، فرأَى أَبوابَ السِّجْنِ مَفتوحَة، فٱستَلَّ سَيفَه وهَمَّ بِقَتْلِ نَفْسِه لِظَنِّهِ أَنَّ المَسجونينَ هَرَبوا، فناداهُ بولُسُ بِأَعلى صَوتِه: «لا تَمَسَّ نَفْسَكَ بِسُوء، فنَحنُ جَميعًا هٰهُنا». فطَلَبَ نورًا ووَثَبَ إِلى الدَّاخِل وٱرتَمى مُرتَعِدًا على أَقدامِ بولُسَ وسيلا. ثُمَّ أَخرَجَهما وقال: «يا سَيِّدَيَّ، ماذا يَجِبُ عليَّ أَن أَعمَلَ لأَنالَ الخَلاص؟» قالا: «آمِنْ بِالرَّبِّ يسوع تَنَلِ الخَلاصَ أَنتَ وأَهلُ بَيتِك». ثُمَّ كَلَّماه وجَميعَ أَهلِ بَيتِه بِكَلِمَةِ الرَّبّ. فسارَ بِهِما في تِلكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيل فغَسلَ جِراحَهما وَٱعتَمَدَ مِن وَقتِه، وٱعتَمَدَ ذَووهُ جَميعًا. ثُمَّ صَعِدَ بِهما إِلى بَيتِه، فَوَضَعَ لَهما المائِدة، وٱبتَهَجَ هو وأَهلُ بَيتِه، لأَنَّه آمَنَ بِالله». ولمَّا طَلَعَ الصَّباح، أَرسَلَ القُضاةُ القَوَّاسينَ يَقولونَ لِلسَّجَّان: «أَخْلِ سَبيلَ الرَّجُلَين». فنَقلَ هٰذا الكَلامَ إِلى بولُسَ قال: «أَرسَلَ القُضاةُ أَمرَهُم بِإِخلاءِ سبيلِكُما، فَٱخرُجا إِذًا وٱذهَبا بِسَلام!» فرَدَّ بُولُسُ عليهِم قال: «ضَرَبونا بالعِصِيِّ عَلانِيَةً مِن غَيرِ مُحاكَمة، نَحنُ المُواطِنَينِ الرُّومانِيَّين، وأَلقَونا في السِّجن، وهُمُ الآنَ يُخرِجونا سِرًّا. كَلاَّ، بل يَأتونَ بِأَنفُسِهم ويُطلِقونا!» فنَقَلَ القَوَّاسونَ هٰذا الكَلامَ إِلى القُضاة. فخافوا عندما سَمِعوا أَنَّهما رومانِيَّان. فجاؤوا إِلَيهما وٱعتَذَروا، ثُمَّ أَطلَقوهما وسَأَلوهما أَن يُغادِرا المَدينة. فذَهَبا بَعدَ خُروجِهِما مِنَ السِّجنِ إِلى لِيدِيَة فرَأَيا عِندَها الإِخوَة، فشَدَّدا عزائِمَهُم ثُمَّ ٱنصَرَفا. فمَرَّا بِأَمفِبوليس وأَبولُّونِيَة وأَتَيا تَسالونيقي، وكانَ فيها مَجمَعٌ لِليَهود. فدَخَلَ علَيهِم بولُسُ كعادَتِه، فخاطَبَهُم ثَلاثَةَ سُبوت، مُستَنِدًا إِلى الكُتُب، يَشرَحُ لَهم مُبَيِّنًا كَيفَ كانَ يَجِبُ على المَسيحِ أَن يَتَأَلَّمَ ويَقومَ مِن بَينِ الأَموات، «وأَنَّ يسوعَ الَّذي أُبَشِّرُكُم بِه هوَ المسيح». فَٱقتَنَعَ بَعضُهم فٱنضَمُّوا إِلى بولسَ وسيلا، ومعَهم جماعةٌ كَثيرةٌ مِن عِبادِ اللهِ اليونانِيِّين، وعَدَدٌ غَيرُ قَليلٍ مِن كرائِمِ النِّساء. فٱمتَعَضَ اليَهودُ مِنَ الحَسَد، فأَتَوا بِبَعضِ الرَّعاعِ مِنَ السُّوقة وحَشَدوا النَّاسَ وأَشاعوا الشَّغَبَ في المَدينة. ثُمَّ جاؤوا بَيتَ ياسون يَطلُبونَ بولسَ وسيلا لِيَسوقوهما إِلى مَحْفِلِ الشَّعْب. فلم يَجِدوهما، فجَرُّوا ياسونَ وبَعضَ الإِخوَةِ إِلى قُضاةِ المَدينَةِ يَصيحونَ: «هٰؤُلاءِ الَّذينَ فَتَنوا الدُّنْيا هُمُ الآنَ هٰهُنا يُضيفُهم ياسون، وهٰؤُلاءِ كُلُّهم يُخالِفونَ أَوامِرَ قَيصَر إِذ يَقولونَ بِأَنَّ هُناكَ مَلِكًا آخَرَ هو يسوع». فأَثاروا الجَمعَ والقُضاةَ الَّذينَ سَمِعوا ذٰلك. فأَخَذوا كَفالَةً مِن ياسونَ والآخَرين، ثُمَّ أَخلَوا سَبيلَهُم. فأَسرَعَ الإِخوَةُ إِلى إِرْسالِ بولُسَ وسيلا إلى بِيرِيَة لَيلاً. فلمَّا بَلَغاها قَصَدَا إِلى مَجمَعِ اليَهود. وكانَ هٰؤُلاءِ أَحسَنَ مِن أَهلِ تَسالونيقي خُلُقًا، فقَبِلوا كَلِمَةَ اللهِ بِرَغْبَةٍ شَديدة. وكانوا يَتَصفَّحونَ الكُتُبَ كُلَّ يَومٍ لِيَتَبَيَّنوا هل تِلكَ الأُمورُ كَذٰلِكَ. فآمَنَ كَثيرٌ مِنهم، وآمَنَ مِنَ النِّساءِ اليونانِيَّاتِ الكَريمات والرِّجالِ عَددٌ غَيرُ قليل. فلَمَّا عَرَفَ يَهودُ تَسالونيقي أَنَّ بولُسَ يُبَشِّرُ بِكَلِمَةِ اللهِ في بِيرِيَةَ أَيضًا، جاؤوا إِلَيها وأَخَذوا يُحَرِّضونَ الجُموعَ ويُثيرونَهم هُناكَ أَيضًا. فأَرسَلَ الإِخوَةُ بُولُسَ مِن وَقتِهِم نَحوَ البَحر، ومَكَثَ سيلا وطيموتاوُسُ هُناك. أَمَّا الَّذينَ رافَقوا بولُس، فقَد أَوصَلوهُ إِلى آثينة، ثُمَّ رَجَعوا بِأَمْرٍ مِنهُ إِلى سيلا وطيموتاوسَ أَن يَلحَقا بِه بِأَسرَعِ ما يُمِكن. وبَينَما بولُسُ يَنتَظِرُهما في آثينة، ثارَ ثائِرُه إِذ رأَى المَدينةَ تَملَأُها الأَصنام. فأَخَذَ يُخاطِبُ اليَهودَ والعِبادَ في المَجمَع ويُخاطِبُ كُلَّ يَومٍ في ساحَةِ المَدينة مَن يَلْقاهُم فيها. وكانَ أَيضًا بَعضُ الفَلاسِفَةِ الأَبيقورِيِّينَ والرِّوَاقِيِّينَ يُباحِثونَه. فقالَ بَعضُهم: «ماذا يَعْني هٰذا الثَّرثارُ بِقولِه؟» وقالَ بَعضُهُمُ الآخَر: «يَبْدو أَنَّه يُبَشِّرُ بِآلِهَةٍ غَريبة». ذٰلك أَنَّه كانَ يُبَشِّرُ بِيَسوعَ والقِيامَة. فقَبَضوا علَيه وساروا به إِلى الأَرْيُوباغُس وقالوا له: «هل لَنا أَن نَعرِفَ ما هوَ هٰذا التَّعليمُ الجَديدُ الَّذي تَعرِضُه؟ فأَنتَ تَنقُلُ إِلى مَسامِعِنا أُمورًا غَريبة، ونَحنُ نَرغَبُ في مَعرِفَةِ ما يَعْني ذٰلك». فقَد كان أَهلُ آثينَةَ جَميعًا والنَّازِلونَ عِندَهم مِنَ الأَجانِب يَصرِفونَ ساعاتِ فَراغِهِم في أَمرٍ واحِدٍ وهو أَن يَقولوا أَو يَسمَعوا ما كانَ جَديدًا. فوَقَفَ بولُسُ في وَسَطِ الأَرْيوباغُس وقال: «يا أَهلَ آثينة، أَراكُم شَديدي التَّدَيُّنِ مِن كُلِّ وَجْه. فإِنِّي وأَنا سائِرٌ أَنظُرُ إِلى أَنصابِكُم وَجَدتُ هَيكَلاً كُتِبَ علَيه: إِلى الإِلٰهِ المَجْهول. فَما تَعبُدونَه وأَنتُم تَجهَلونَه، فذٰاكَ ما أَنا أُبَشِّرُكم بِه. إِنَّ اللهَ الَّذي صَنَعَ العالَمَ وما فيه، والَّذي هو رَبُّ السَّماءِ والأَرض، لا يَسكُنُ في هَياكِلَ صَنَعَتها الأَيدي، ولا تَخدُمُه أَيدٍ بَشَريَّة، كما لو كانَ يَحتاجُ إِلى شَيء. فهو الَّذي يَهَبُ لِجَميعِ الخَلْقِ الحَياةَ والنَّفَسَ وكُلَّ شَيء. فقَد صَنَعَ جَميعَ الأُمَمِ البَشَرِيَّةِ مِن أَصْلٍ واحِد، لِيَسكُنوا على وَجهِ الأَرْضِ كُلِّها، وجَعَلَ لِسُكناهُم أَزمِنَةً مَوقوتَة وأَمكِنَةً مَحْدودَة، لِيَبحَثوا عَنِ اللهِ لَعَلَّهم يَتَحَسَّسونَهُ ويَهتَدونَ إِلَيه، معَ أَنَّه غَيرُ بَعيدٍ عن كُلٍّ مِنَّا. ففيهِ حَياتُنا وحَرَكَتُنا وكِيانُنا، كما قالَ شُعَراءُ مِنكم: فنَحنُ أَيضًا مِن سُلالَتِه. فيَجِبُ علَينا، ونَحنُ مِن سُلالَةِ الله، أَلاَّ نَحسَبَ اللاَّهوتَ يُشبِهُ الذَّهَبَ أَوِ الفِضَّةَ أَوِ الحَجَر، إِذا مَثَّلَه الإِنْسانُ بِصِناعتِه وخَيالِه. فقَد أَغْضى اللهُ طَرْفَه عن أَيَّامِ الجَهْل وهو يُعلِنُ الآنَ لِلنَّاسِ أَن يَتوبوا جَميعًا وفي كُلِّ مَكان، لأَنَّه حَدَّدَ يَومًا يَدينُ فيه العالَمَ دَينونَةَ عَدْلٍ عن يَدِ رَجُلٍ أَقامَه لِذٰلكَ، وقد جَعَلَ لِلنَّاسِ أَجمَعينَ بُرهانًا على الأَمْر، إِذ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات». فَما إِن سَمِعوا كَلِمَةَ قِيامةِ الأَموات حتَّى هَزِئَ بَعضُهم وقالَ بَعضُهُم الآخَر: «سنَستَمِعُ لَكَ عن ذٰلكَ مَرَّةً أُخرى». وهٰكذا خَرَجَ بولُسُ من بَينِهم، غَيرَ أَنَّ بَعضَ الرِّجالِ ٱنضَمُّوا إِلَيه وآمنوا، ومِنهم دِيونيسيوسُ الأَرْيُوباغيّ، وٱمرَأَةٌ ٱسمُها دامَرِيس وآخَرونَ معَهُما. وغادَرَ بَعدَ ذٰلك آثينة فَجاءَ إِلى قورنتُس. فصادفَ يَهودِيًّا بُنطِيَّ الأَصْلِ ٱسمُه أَقيلا أَتى هو وٱمرَأَتُه بِرِسْقِلَّة قَبلَ وَقتٍ قَليلٍ مِن إِيطالِية، لأَنَّ قُلودِيوسَ أَمَرَ جَميعَ اليَهودِ بِالجَلاءِ عن رومة. فذَهَبَ إِلَيهما، وكانَ مِن أَهلِ صِناعَتِهما، صِناعَةِ الخِيَم، فأَقامَ يَعمَلُ عِندَهما. وكانَ يَخطُبُ كُلَّ سَبْتٍ في المَجمَع مُحاوِلاً إِقناعَ اليَهودِ واليونانِيِّين. فلَمَّا وَصَلَ سيلا وطيموتاوُس مِن مَقدونِيَة، وقَفَ بولُسُ نَفْسَه على نَشْرِ كَلِمَةِ اللهِ يَشهَدُ لِليَهودِ أَنَّ يسوعَ هُو المَسيح. ولٰكِنَّهُم كانوا يُقاوِمونَه ويُجَدِّفون، فنَفَضَ ثِيابَه وقالَ لَهم: «دَمُكم على رُؤُوسِكم، أَنا بَراءٌ مِنه. فسَأَمضي بَعدَ اليَومِ إِلى الوَثَنِيِّين». فٱنتَقَلَ مِن هُناكَ إِلى بَيتِ رَجُلٍ يَعبُد الله، اِسمُه تيطِيوس يُسْطُس، وكانَ بَيتُهُ بِلِزقِ المَجمَع. فآمَنَ بِالرَّبِّ رَئيسُ المَجمَعِ قِرِسبُس وأَهلُ بَيتِه جَميعًا. وكانَ كَثيرٌ مِنَ القورَنتيِّينَ يَسمَعونَ كَلامَ بولُس فيُؤمِنونَ ويَعتَمِدون. فقالَ الرَّبُّ لِبولُسَ ذاتَ لَيلةٍ في رُؤيا له: «لا تَخَفْ، بل تَكَلَّمْ ولا تَسكُتْ، فأَنا مَعَكَ، ولَن يَعتَدِيَ عَليكَ أَحَدٌ ويَنالَكَ بِسُوء، فإِنَّ لي شَعبًا كثيرًا في هٰذه المَدينة». فأَقامَ سَنةً وسِتَّةَ أَشهُرٍ يُعَلِّمُ عِندَهم كَلِمَةَ الله. ولمَّا كانَ غالِيون حاكِمًا على آخائِية، ثارَ اليَهودُ كُلُّهم مَعًا على بولُس، فَساقُوه إِلى المَحكَمَةِ وقالوا: «هٰذا الرَّجُلُ يُحاوِلُ إِقناعَ النَّاسِ بِأَن يَعبُدوا اللهَ عِبادَةً تُخالِفُ الشَّريعَة». فَهَمَّ بولُسُ أَن يَتَكَلَّم، فقالَ غالِيونُ لِليَهود: «أَيُّها اليَهود، لو كانَتِ المَسأَلَةُ مَسأَلَةَ جُرْمٍ أَو جِنايةٍ قَبيحة، لاسْتَمَعتُ إِلَيكم كما يَقضي الحَقّ. ولٰكِن، لَمَّا كانَ الَجَدلُ في الأَلفاظِ والأَسماءِ وفي شَريعتِكم، فَٱنظُروا أَنتُم في ذٰلك، لأَنَّني لا أُريدُ أَن أَكونَ قاضِيًا في هٰذه الأُمور». ثُمَّ طَرَدَهم مِنَ المَحكَمَة. فقَبَضوا كُلُّهم على سُسْتينِسَ رَئيسِ المَجمَع، وجَعلوا يَضرِبونَه تُجاهَ المَحكمة، وغاليون لا يُبالي بِشَيءٍ مِن ذٰلك. ومَكَثَ بولُسُ بِضعَةَ أَيَّامٍ في قورِنتُس، ثُمَّ ودَّعَ الإِخوَةَ وأَبحَرَ إِلى سورِية، ومعَه بِرِسقِلَّة وأَقيلا، بَعدَما حَلَقَ رأسَه في قَنخَرِيَّة لِنَذْرٍ كانَ علَيه. فلَمَّا وَصَلوا إِلى أَفَسُس فارقَهما، ودَخَلَ المَجمَع فأَخَذَ يُخاطِبُ اليَهود. فسَأَلوه أَن يُطيلَ الإِقامةَ بَينَهم فأَبى. ولٰكِنَّهُ وَدَّعَهم وقال: «سأَعودُ إِلَيكم مَرَّةً أُخْرى إِن شاءَ الله». وأَبحَرَ مِن أَفَسُس فنَزَلَ في قَيصَرِيَّة، وصَعِدَ فسَلَّمَ على الكَنيسَة. ثُمَّ ٱنحَدَرَ إِلى أَنطاكِية. وبَعدَ ما قَضى فيها بَعضَ الوَقْت، رَحَلَ فطافَ بِلادَ غَلاطِيَة فَفِريجِيَة يُشَدِّدُ عَزائِمَ التَّلاميذِ أَجمَعين. وقَدِمَ أَفَسُس يَهودِيٌّ ٱسمُه أَبُلُّس، إِسكَندَرِيُّ الأَصْل، رَجُلٌ فَصيحُ اللِّسان، مُتَبَحِّرٌ في الكُتُب، وكانَ قد لُقِّنَ طَريقَةَ الله، وأَخَذَ يَتَكَلَّمُ بِروحٍ مُتَّقِد ويُعَلِّمُ ما يَختَصُّ بِيَسوعَ تَعليمًا دَقيقًا، ولٰكِنَّه لم يَكُنْ يَعرِفُ سِوى مَعمودِيَّةِ يوحَنَّا. فشَرَعَ يَتَكَلَّمُ في المَجمَعِ بِجُرأَة، فسَمِعَته بِرِسْقِلَّة وأَقيلا، فأَتَيا به إِلى بَيتِهما وعرَضا له طَريقةَ الرَّبِّ على وَجهٍ أَدَقّ. وعَزَمَ على الذَّهابِ إِلى آخائِيَة، فأَيَّده الإِخوَةُ وكَتَبوا إِلى التّلاميذِ أَن يُرَحِّبوا بِه. فلَمَّا وَصَلَ إِلَيها ساعَدَ المُؤمِنينَ بِفَضلِ النِّعمَةِ مُساعَدةً كَبيرة، فقَد كانَ يَرُدُّ على اليَهودِ عَلانِيَةً رَدًّا قَوِيًّا، مُبَيِّنًا مِنَ الكُتُبِ أَنَّ يسوعَ هو المَسيح. وبَينَما أَبُلُّسُ في قورِنتُس، وصَلَ بولُسُ إِلى أَفَسُس، بَعدَما جاز أَعالِيَ البِلاد، فلَقِيَ فيها بَعضَ التَّلاميذ. فقالَ لَهم: «هل نِلتُمُ الرُّوحَ القُدُسَ حينَ آمَنتُم؟» فقالوا له: «لا، بل لم نَسمَعْ أَنَّ هُناكَ رُوحَ قُدُس». فقال: «فأَيَّةَ مَعمودِيَّةٍ ٱعتَمَدتُم؟» قالوا: «مَعمودِيَّةَ يوحَنَّا». فقالَ بولُس: «إِنَّ يوحَنَّا عَمَّدَ مَعمودِيَّةَ تَوبَة، داعِيًا الشَّعبَ إِلى الإِيمانِ بِالآتي بَعدَه، أَي بِيَسوع». فلَمَّا سَمِعوا ذٰلك ٱعتَمَدوا بِٱسمِ الرَّبِّ يسوع. ووَضَعَ بولُسُ يَدَيه علَيهم، فنَزَلَ الرُّوحُ القُدُسُ علَيهِم وأَخَذوا يَتكلَّمونَ بِلُغاتٍ غَيرِ لُغَتِهم ويَتَنَبَّأُون. وكانَ عَدَدُ الرِّجالِ كُلِّهم نَحوَ ٱثنَيْ عَشَرَ رَجُلاً. ثُمَّ دَخَلَ المَجمَع، وكانَ مُدَّةَ ثَلاثةِ أَشهُرٍ يَتكَلَّمُ بِجُرأَةٍ وهُو يُجادِلُ الحاضِرين ويُريدُ إِقناعَهُم في أَمْرِ مَلَكوتِ الله. ولٰكِنَّ بَعضَهم قَسَت قُلوبُهم ولَم يُؤمِنوا فأَخَذوا يَطعَنونَ في طَريقَةِ الرَّبِّ أَمامَ الجماعة، فٱنصَرَفَ عنهُم وٱنفَرَدَ بِالتَّلاميذِ يُخاطِبُهم كُلَّ يَومٍ في مَدرَسَةِ طيرَنُّس. وٱستَمَرَّ ذٰلكَ مِنه مُدَّةَ سَنَتَين، حتَّى سَمِعَ جَميعُ سُكَّانِ آسِيَة مِن يَهودٍ وَيونانِيِّينَ كَلِمَةَ الرَّبّ. فكانَ اللهُ يُجْري عن يَدَي بولُسَ مُعجِزاتٍ غَيرَ مألوفَة، حتَّى صارَ النَّاسُ يأخُذونَ ما مَسَّ بَدَنَه مِن مَناديلَ أَو مآزِر فيَضَعونَها على المَرْضى فَتَزولُ الأَمراضُ عنهُم، وتَذهَبُ الأَرواحُ الخَبيثة. فحاوَلَ بَعضُ المُعَزِّمينَ الطَّوَّافينَ مِنَ اليَهودِ أَيضًا أَن يَلفُظوا هم أَيضًا ٱسمَ الرَّبِّ يسوعَ على مَن مَسَّتْهمُ الأَرواحُ الخَبيثة، فكانوا يَقولون: «عَزَمتُ علَيكم بِٱسمِ يسوعَ الَّذي يُبَشِّرُ بِه بولُس». وكانَ لِسَقْواسَ أَحَدِ عُظَماءِ كَهَنَةِ اليَهودِ سَبعَةُ أَبناءٍ يَفعَلونَ ذٰلك. فأَجابَهُمُ الرُّوحُ الخَبيث: «أَنا أَعرِفُ يسوع، وأَعلَمُ مَن بولُس، ولٰكن أَنتُم مَن أَنتُم؟». ثُمَّ وَثَبَ عَلَيهِم مَن كانَ فيه الرُّوحُ الخَبيث فَتَمَكَّنَ مِنهم جَميعًا وقَهَرَهم، فهَرَبوا مِن ذٰلكَ البَيتِ عُراةً مُجَرَّحين. فبَلَغَ خَبَرُ هٰذه الحادِثَةِ إِلى جَميعِ سُكَّانِ أَفَسُس، يَهودٍ وَيونانِيِّين، فٱستَولى الخَوفُ علَيهِم أَجمَعين، وعُظِّم ٱسمُ الرَّبِّ يسوع. فأَخَذَ كَثيرٌ مِنَ الَّذينَ آمنوا يَأتونَ فيَعتَرفونَ ويُقِرُّونَ بِأَعمالِهم. وجاءَ كَثيرٌ مِنَ الَّذينَ يَفتَرونَ السِّحرَ بِكُتُبِهم وكدَّسوها، فأَحرَقوها بِمَحضَرٍ مِنَ النَّاسِ كُلِّهم. وحُسِبَ ثَمنُها فإِذا هو خَمسونَ أَلفًا مِنَ الفِضَّة. وهٰكذا كانت كَلِمَةُ اللهِ تَنْمو وتَشتَدُّ بِقُدرَةِ الرَّبّ. وبَعدَ هٰذهِ الأَحداث عقَدَ بولُسُ النِّيَّةَ على أَن يَجتازَ مَقدونية وآخائية فيَذهَبَ إِلى أُورَشَليم، وقال: «يَجِبُ عليَّ، بَعدَ إِقامَتي فيها، أَن أَرى رومةَ أَيضًا». فأَرسَلَ إِلى مَقْدونيةَ ٱثنَينِ مِن مُعاوِنيه هما طيموتاوس وإِرَسْطُس. وأَمَّا هو فَتَخَلَّفَ مُدَّةً في آسِية. وفي ذٰلك الوَقْتِ وَقَعَ شَغَبٌ شَديدٌ على طَريقَةِ الرَّبّ. ذٰلك بِأَنَّ صائِغًا اِسمُه ديمِتريوس كانَ يَصوغُ هَياكِلَ مِن فِضَّةٍ لأَرطَميس، فيُمَكِّنُ الصُّنَّاعَ مِن كَسْبٍ غَيرِ قَليل. فجَمَعَ بَينَهم وبَينَ مُحتَرِفي الصِّناعاتِ الَّتي تُماثِلُ صِناعَتَهم وقالَ لَهم: «أَيُّها الرِّجال، تَعلَمونَ أَنَّ رَغْدَ عَيشِنا يَأتينا مِن هٰذهِ الصِّناعَة. وقَد رَأَيتُم وسَمِعتُم أَنَّ بولُسَ هٰذا أَقنَعَ وٱستَمالَ خَلقًا كَثيرًا، لا في أَفسُسَ وَحدَها، بل كادَ أَن يَفعَلَ ذٰلك في آسِيَةَ كُلِّها، فقَد قالَ لَهم إِنَّ الآلِهَةَ الَّتي صَنَعَتها الأَيدي لَيسَت بِآلِهَة. فأَصبَحَ الخَطَرُ لا يَقتَصِرُ على حِرفَتِنا هٰذه فيُخْشى أَن تُزدَرى، بل يَتَناوَلُ أَيضًا هَيكَلَ الإِلٰهَةِ العُظمى أَرطَميسَ فيَجعَلُه عُرضَةً لأَن يُعَدَّ باطِلاً، فلا تَلبَثُ عَظَمَتُها أَن تَنهارَ تِلكَ الَّتي تَعبُدُها آسِيَةُ كُلُّها والعالَمُ أَجمَع». فلَمَّا سَمِعوا ذٰلك ثارَ ثائِرُهم وأَخَذوا يَصيحون: «ما أَعظَمَ أَرطَميسَ أَفَسُس!» وعَمَّ الشَّغَبُ المَدينَةَ بأَسرِها فٱندَفَعوا إِلى المَسرَحِ ٱندِفاعَ رَجُلٍ واحِد وقَبَضوا على غايوسَ وأَرِسطَرخُسَ المَقْدونِيَّين رَفيقَي بولُسَ في رِحلَتِه. فهَمَّ بولُسُ بِالذَّهابِ إِلى مَحفِلِ الشَّعْب فلَم يَدَعْهُ التَّلاميذ. فأَرسَلَ أَيضًا إِلَيه بَعضُ رُؤَساءِ آسِيَة، وهُم من أَصدِقائِه، يَسأَلونَه أَلاَّ يُعَرِّضَ نفسَه للخَطَرِ بِالذَّهابِ إِلى المَسرَح. وكانَ بَعضُ النَّاسِ يُنادونَ بِشَيء وبَعضُهم بِشَيءٍ آخَر لِهِياجِ الجَماعة وأَكثَرُهُم لا يَدرونَ لِماذا ٱجتَمَعوا. وأَخرَجوا مِن بَينِ الجَمعِ رَجُلاً ٱسمُه الإِسكَندَر، وكانَ اليَهودُ قد دفَعوه إِلى الأَمام، فأَشارَ بِيَدِه يُريدُ عَرْضَ الأُمورِ على الشَّعب. فلَمَّا عَرَفوا أَنَّه يَهودِيٌّ أَخَذوا يَصيحونَ جَميعًا بِصَوتٍ واحِدٍ نَحوَ ساعَتَين: «ما أَعظَمَ أَرطَميسَ أَفَسُس!». غَيرَ أَنَّ رَئيسَ الدِّيوانِ هَدَّأَ الجَمْعَ إِذ قالَ لَهم: «يا أَهلَ أَفَسُس! مَن مِنَ النَّاسِ لا يَعلَمُ أَنَّ أَفَسُسَ هي المَدينةُ الحارِسَةُ لِهَيكَلِ أَرطَميسَ العُظمى وصَنَمِها الَّذي هَبَطَ مِنَ السَّماء. فلَمَّا لم يَكُنْ مِن خِلافٍ في ذٰلك، وَجَبَ علَيكم أَن تَهدَأُوا ولا تُقدِموا على شَيءٍ بِغَيرِ رَوِيَّة. فقَد جِئتُم بِهٰذينِ الرَّجُلَين، معَ أَنَّهما لم يَنتَهِكا حُرمَةَ إِلٰهَتِنا، ولا جَدَّفا عَلَيها. فإِذا كانَ لِديمِتريوسَ وأَصْحابِه مِن أَهلِ الصِّناعَةِ شَكْوى على أَحَدٍ مِنَ النَّاس، فهُناكَ مَجالِسُ تُعقَد وهُناكَ حُكَّام، فَلْيَتقاضَوا إِلَيهم. وإِذا كانَ لَكم طَلَبٌ في غَيرِ ذٰلك، فأَمرُه يُبَتُّ في المَجلِسِ القانونيّ. فنَحنُ على خَطَرٍ مِن أَن نُتَّهَمَ بِالفِتنَةِ الَّتي وَقَعَت في هٰذا اليَوم، ولَيسَ هُناكَ أَيُّ سَبَبٍ نَستَطيعُ أَن نَتَذَرَّعَ بِه في أَمرِ هٰذا التَّجَمْهُر». قالَ ذٰلك ثُمَّ صَرَفَ الجَماعَة. ولمَّا سَكَنَ الضَّجيج، دَعا بولُسُ التَّلاميذَ فشَدَّدَ عَزائِمَهم. ثُمَّ ودَّعَهم، فخَرَجَ ومَضى إِلى مَقْدونيَة. فطافَ تِلكَ النَّواحي وشَدَّدَ عَزائِمَ المُؤمِنينَ بِكلامٍ كثير. ثُمَّ قَدِمَ بِلادَ اليُونان فقَضى فيها ثَلاثَةَ أَشهُر. وبَينَما هو يَهُمُّ بِالإِبحارِ إِلى سورِية، أَخَذَ اليَهودُ يَتآمَرونَ عليه، فعَزمَ على العَودَةِ بِطريقِ مَقْدونية. فرافقَه صَوبَطْرُسُ بنُ بِرُّسَ البِيريّ، وأَرِسْطَرخُس وسِقُنْدُسُ التَّسالونيقِيَّان، وغايُوسُ الدَّرْبيّ وطيموتاوُس، وطِيخيقُس وطَروفيمُسُ الآسِيَّان. فتَقَدَّمونا وٱنتَظَرونا في طَرُواس. أَمَّا نَحنُ فأَبَحَرْنا مِن فيلِبِّي بَعدَ أَيَّامِ الفَطير، وبَلَغْنا إِلَيهم في طَرُواس بَعدَ خَمسَةِ أَيَّام، فَمَكَثْنا فيها سَبعَةَ أَيَّام. وٱجتَمَعْنا يَومَ الأَحَدِ لِكَسْرِ الخُبز، فأَخَذَ بولُسُ يُخاطِبُهم، وكانَ يُريدُ الذَّهابَ في الغَد، فأَطالَ الكَلامَ إِلى مُنتَصَفِ اللَّيل. وكانَ في العُلِّيَّةِ الَّتي ٱجتَمَعْنا فيها مَصابيحُ كَثيرة. وهُناكَ فَتًى ٱسمُه أَفطيخُس جالِسٌ على حَرفِ النَّافِذَة. فأَخَذَه نُعاسٌ شديد وبولُسُ يُطيلُ الكَلام، فٱستَغرَقَ في النَّوم فسَقَطَ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ إِلى أَسفَلِ وحُمِلَ مَيْتًا. فنَزَلَ بولُس وحَنا علَيه وضَمَّه إِلى صَدرِه، وقال: «لا تَجزَعوا، فإِنَّ روحَه فيه». ثُمَّ صَعِدَ فكَسَرَ الخُبزَ فأَكَلَ. وحَدَّثَهم طَويلاً إِلى الفَجرِ ومَضى. وأَمَّا الصَّبِيُّ فأَتَوا بِه حَيًّا، فكانَ لَهم عَزاءٌ كَبير. أَمَّا نَحنُ فتَقَدَّمناه ورَكِبْنا السَّفينَة فأَقلَعْنا إِلى أَسُّس، نُريدُ أَن نَستَصحِبَ مِنها بولُسَ على الخُطَّةِ الَّتي رَسَمَها لأَنَّه عَزَمَ على القُدومِ في البَرّ. فَلَمَّا لَحِقَ بِنا إِلى أَسُّس، صَعِدنا بِه إِلى السَّفينَة، وجِئْنا مِطيلَنَة. ثُمَّ أَبحَرْنا مِنها في اليَومِ الثَّاني حتَّى شارَفْنا خِيوس. وحاذَيْنا صامُس في اليَومِ الثَّالِث، وأَتَينا ميليطِش في اليَومِ الرَّابِع، لأَنَّ بولُسَ رأَى أَن يُجاوِزَ أَفَسُس مَخافَةَ أَن يَتَأَخَّرَ في آسِيَة، وأَرادَ العَجَلَةَ لَعَلَّه يَصِلُ إِلى أُورَشَليمَ يَومَ العَنصَرة. فأَرسَلَ مِن ميليطِش إِلى أَفَسُس يَستَدعي شُيوخَ الكَنيسَة. فلَمَّا قَدِموا إِلَيه قالَ لَهم: «تَعلَمونَ كَيفَ كانَت مُعامَلَتي لَكُم طَوالَ المُدَّةِ الَّتي قَضَيتُها مُنذُ أَوَّلِ يَومٍ وَطِئتُ فيه أَرضَ آسِيَة. فقَد عَمِلتُ لِلرَّبِّ بِكُلِّ تَواضُع، أَذرِفُ الدُّموع وأُعاني المِحَنَ الَّتي أَصابَتْني بِهَا مَكايِدُ اليَهود. وما قَصَّرتُ في شَيءٍ يُفيدُكم، بل كُنتُ أَعِظُكم وأُعَلِّمُكم في الأَماكِنِ العامَّةِ والبُيوت. فكُنتُ أُناشِدُ اليَهودَ واليونانِيِّينَ أَن يَتوبوا إِلى الله ويُؤمِنوا بِرَبِّنا يسوع. وهاءَنَذا اليَومَ ماضٍ إِلى أُورَشَليم أَسيرَ الرُّوح، لا أَدري ماذا يَحدُثُ لي فيها. على أَنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يُؤَكِّدُ لي في كُلِّ مَدينَةٍ أَنَّ السَّلاسِلَ والشَّدائِدَ تَنتَظِرُني. ولٰكِنِّي لا أُبالي بِحَياتي ولا أَرى لها قيمَةً عِنْدي، فحَسبي أَن أُتِمَّ شَوطي وأُتِمَّ الخِدمَةَ الَّتي تَلَقَّيتُها مِنَ الرَّبِّ يسوع، أَي أَن أَشهَدَ لِبِشارَةِ نِعمَةِ الله. وأَنا أَعلَمُ الآنَ أَنَّكم لن تَرَوا وَجْهي بَعدَ اليَوم، أَنتُمُ الَّذينَ سِرتُ بَينَهم كُلِّهم أُبَشِّرُ بِالمَلكوت. لِذٰلكَ أَشهَدُ اليَومَ أَمامَكم أَنِّي بَريءٌ مِن دَمِكم جَميعًا، لأَنِّي لم أُقَصِّرْ في إِبلاغِكم تَدبيرَ اللهِ كُلَّه. فتَنَبَّهوا لأَنفُسِكم ولِجَميع القَطيع الَّذي جَعَلَكُمُ الرُّوحُ القُدُسُ حُرَّاسًا لَه لِتَسهَروا على كَنيسَةِ اللهِ الَّتي ٱكتَسَبَها بِدَمِه. وأَنا أَعلَمُ أَن سيَدخُلُ فيكم بَعدَ رَحيلي ذِئابٌ خاطِفَة لا تُبقي على القَطيع ويَقومُ مِن بَينِكم أَنفُسِكم أُناسٌ يَتَكَلَّمونَ بِالضَّلال لِيَحمِلوا التَّلاميذَ على ٱتِّباعِهم. فتَنَبَّهوا وٱذكُروا أَنِّي لم أَكُفَّ مُدَّةَ ثَلاثِ سَنواتٍ، لَيلَ نَهار، عن نُصْحِ كُلٍّ مِنكم وأَنا أَذرِفُ الدُّموع. والآنَ أَستودِعُكُمُ اللهَ وكَلِمَةَ نِعمَتِه وهُوَ القَادِرُ على أَن يَشيدَ البُنْيان ويَجعَلَ لَكمُ الميراثَ مع جَميعِ المُقَدَّسين. ما رَغِبتُ يَومًا في فِضَّةٍ ولا ذَهَبٍ ولا ثَوبٍ عِندَ أَحَد، وأَنتُم تَعلَمونَ أَنَّ يَدَيَّ هاتَينِ سَدَّتا حاجَتي وحاجاتِ رُفَقائي وقَد بَيَّنتُ لَكم بِأَجْلى بَيان أَنَّه بِمِثْلِ هٰذا الجَهْدِ يَجِبُ علَينا أَن نُسعِفَ الضُّعَفاء ذاكرينَ كَلامَ الرَّبِّ يسوعَ وقَد قالَ هو نَفْسُه: «السَّعادَةُ في العَطاءِ أَعظَمُ مِنها في الأَخْذ». قالَ هٰذا ثُمَّ جَثا فصَلَّى معَهم جَميعًا وفاضَت دُموعُهم أَجمَعين، فأَلقَوا بِأَنفُسِهم على عُنُقِ بولُسَ وقَبَّلوه طَويلاً، مَحْزونينَ خُصوصًا لِقولِه إِنَّهم لن يَرَوا وَجْهَه بَعدَ اليَوم. ثُمَّ شيَّعوه إِلى السَّفينَة. وبَعدَما ٱنفَصَلنا عَنْهُم، أَبحَرْنا مُتَّجِهينَ تَوًّا إِلى قوش حتَّى بَلَغْناها وذَهَبنا في اليَومِ الثَّاني إِلى رودُس، ومِنها إِلى باطَرة. فلَقِينا سَفينةً تُوشِكُ أَن تُقلِعَ إِلى فينيقِية، فركِبْناها وأَبحَرنا. فلَمَّا بَدَت لَنا قُبرُس، تَرَكْناها عن يَسارِنا، وٱتَّجَهنا إِلى سورية، فوَصَلْنا إِلى صُور، لأَنَّ السَّفينَةَ تُفرِغُ فيها حُمولَتَها. ووَجَدنا التَّلاميذَ هُناك، فأَقَمْنا سَبعَةَ أَيَّام. وكانوا يَسأَلونَ بولُسَ بِوَحيٍ مِنَ الرُّوح أَلاَّ يَصعَدَ إِلى أُورَشَليم. ومعَ ذٰلك، فلَمَّا قَضَينا تِلكَ الأَيَّام، خَرَجْنا نُريدُ الرَّحيل. فشَيَّعَنا جَميعُ التَّلاميذِ معَ النِّساءِ والأَولادِ إِلى خارِجِ المَدينة، فجَثَونا على الشَّاطِئِ وصَلَّينا. ثُمَّ وَدَّعَ بَعضُنا بَعضًا، فَركِبنا السَّفينة، وعادوا هم إِلى بُيوتِهم. أَمَّا نَحنُ فلَمَّا أَنْهَينا رِحلَتَنا مِن صور وَصَلْنا إِلى بَطُلْمايِس، فسَلَّمْنا على الإِخوَة، وأَقمْنا عِندَهم يومًا واحِدًا. وخَرَجنا في الغَدِ فَذَهَبْنا إِلى قَيصَرِيَّة، فدَخَلْنا بَيتَ فيلِبُّسَ المُبَشِّر، وهو أَحَدُ السَّبعَة، فأَقَمْنا عِندَه. وكانَ له أَربَعُ بَناتٍ عَذارى يَتَنَبَّأنَ. وبَينما نَحنُ عِندَه، وقَد أَقَمْنا عِدَّةَ أَيَّام، اِنحَدَر مِنَ اليَهودِيَّةِ نَبِيٌّ ٱسمُهُ أَغابُس فقَصَدَ إِلَينا، فأَخَذَ زُنَّارَ بولُس، فشَدَّ بِه رِجلَيْه ويَدَيه، ثُمَّ قال: «إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يَقول: صاحِبُ هٰذا الزُّنَّارِ يَشُدُّه اليَهودُ هٰكذا في أُورَشَليم، ويُسلِمونَه إِلى أَيدي الوَثَنِيِّين». فلَمَّا سَمِعنا ذٰلكَ، أَخَذْنا نَحنُ وأَهلُ البَلدَةِ نَسأَلُ بولُسَ أَلاَّ يَصعَدَ إِلى أُورَشَليم. فأَجابَ: «ما لَكم تَبكونَ فتُمَزِّقونَ قَلْبي؟ أَنا مُستَعِدٌّ، لا لأَن أُشَدَّ فقط، بل لأَن أَموتَ في أُورَشَليمَ مِن أَجْلِ ٱسْمِ الرَّبِّ يسوع». فلَمَّا أَبى أَن يَقتَنِع، كَفَفْنا عنِ الإِلحاحِ وقُلْنا: «فَلْيَكُنْ ما يَشاءُ الرَّبّ». وبَعدَ تِلكَ الأَيَّام، تَأَهَّبْنا لِلسَّفَر وصَعِدْنا إِلى أُورَشَليم. فرافَقَنا أَيضًا تَلاميذُ مِن قَيصَرِيَّة، فذَهَبوا بِنا لِيُنزِلونا ضُيوفًا على مَناسونَ القُبرُسِيّ، وهُو تِلميذٌ قَديم. فلَمَّا وَصَلْنا إِلى أُورَشَليم رَحَّبَ بِنا الإِخوةُ فَرِحين. وفي الغَدِ دَخَلَ بولُسُ معَنا على يَعْقوب، وكانَ الشُّيوخُ كُلُّهم حاضِرين. فسَلَّمَ علَيهم وأَخَذَ يَرْوي لَهم رِوايَةً مُفَصَّلَةً جَميعَ ما أَجْرى اللهُ بِخِدمَتِه بَينَ الوَثَنِيِّين. فلَمَّا سَمِعوا مَجَّدوا اللهَ وقالوا له: «تَرى، أَيُّها الأَخ، كم أَلْفٍ مِنَ اليَهودِ قد آمَنوا وكُلُّهم ذو غَيرَةٍ على الشَّريعَة. وقَد بَلَغَهم ما يُشاعُ عنكَ مِن أَنَّكَ تُعَلِّمُ جَميعَ اليَهودِ المُنتَشِرينَ بَينَ الوَثَنِيِّينَ أَن يَتَخَلَّوا عن موسى، وتُوصيهِم بِأَلاَّ يَختُنوا أَولادَهم ولا يَتْبَعوا السُّنَّة. فما العَمَل؟ لا شَكَّ أَنَّهم سَيَسمَعونَ بِقُدومِكَ. فٱعمَلْ بِما نَقولُه لَكَ: فينا أَربَعةُ رِجالٍ علَيهم نَذْر، فَسِرْ بِهِم وَٱطَّهِرْ معَهم، وأَنْفِقْ علَيهم لِيَحلِقوا رُؤُوسَهم، فيَعرِفَ جَميعُ النَّاسِ أَنَّ ما يُشاعُ عنكَ باطِل، في حينِ أَنَّكَ سالِكٌ مِثلَهم طَريقَ الحِفاظِ على الشَّريعة. أَمَّا الَّذينَ آمَنوا مِنَ الوَثَنِيِّين فقَد كَتَبْنا إِلَيهم ما قَرَّرْناه: بِأَن يَجتَنِبوا ذَبائِحَ الأَصْنامِ والدَّمَ والمَيتَةَ والفَحْشاء». فسارَ بولُسُ بِأُولٰئِكَ الرِّجالِ في غَدِه. فَٱطَّهَرَ معَهم ودَخَلَ الهَيكَل وأَعلَنَ المَوعِدَ الَّذي تَنقَضي فيه أَيَّامُ الِٱطِّهار لِكَي يُقَرَّبَ فيهِ القُربانُ عن كُلٍّ مِنهم. فلمَّا أَوشَكَتِ الأَيَّامُ السَّبعَةُ أَن تَنقَضي، رآه بَعضُ اليَهودِ الأَسيَوِيِّينَ في الهَيكَل، فأَثاروا الجَمعَ بِأَسرِه، وبَسَطوا إِلَيه الأَيدي وصاحوا: «النَّجدَة، يا بَني إِسرائيل! هٰذا هو الرَّجُلُ الَّذي يُعَلِّمُ النَّاسَ جَميعًا في كُلِّ مَكانٍ تَعليمًا يَنالُ به مِن شَعبِنا وشَريعَتِنا وهٰذا المكان، لا بل أَدخَلَ بَعضَ اليونانِيِّينَ إِلى الهَيكَل، ودَنَّسَ هٰذا المَكانَ المُقدَّس». وكانوا قد رَأَوا طَروفيمُسَ الأَفَسُسِيَّ معَه في المَدينة، فظَنُّوا أَنَّ بولُسَ أَدخَلَه إِلى الهَيكَل. فهاجَتِ المَدينَةُ بِأَجمَعِها، وتَبادَرَ الشَّعبُ وقَبَضوا على بُولس وجَرُّوه إِلى خارِجِ الهَيكَل، وأُغلِقَتِ الأَبوابُ مِن ذٰلكَ الوَقْت. وبَينما هُم يُحاوِلونَ قَتلَه، بلَغَ قائِدَ الكَتيبَةِ أَنَّ أُورَشَليمَ كُلَّها قائِمَةٌ قاعِدة، فسارَ مِن وَقتِه بِجَماعَةٍ مِنَ الجُنودِ وقُوَّادِ المائة، وأَسرَعَ فحَمَلَ علَيهِم. فلَمَّا رأَوا قائِدَ الأَلْفِ وجُنودَه كَفُّوا عن ضَرْبِ بولُس. فدَنا إِلَيهِ قائِدُ الأَلْفِ فقَبَضَ علَيه وأَمَرَ بِأَن يُشَدَّ بِسِلسِلَتَين. ثُمَّ استَخبَرَ مَن عَساهُ أَن يَكونَ وماذا فَعَل. فكانَ بَعضُهم في الجَمعِ يُنادي بِشَيء، وبَعضُهم يُنادي بِشَيءٍ آخَر. فلمَّا تَعذَّرَ علَيه في هٰذا الضَّجيجِ أَن يَعلَمَ شَيئًا أَكيدًا، أَمَرَ بِأَن يُساقَ إِلى القَلعَة. فلمَّا بَلَغَ السُّلَّم، اِضطُرَّ الجُنودُ إِلى حَملِه بِسَبَبِ عُنفِ الجَمْع، لأَنَّ جُمهورَ الشَّعبِ كان يَتبَعُه ويَصيح: «أَعدِمْه!». فلمَّا أَوشَكَ بولُسُ أَن يَدخُلَ القَلعَةَ قالَ لِقائِدِ الأَلْف: «أَيَجوزُ لي أَن أَقولَ لَك شَيئًا؟» فقالَ له: «أَتَعرِفُ اليُونانِيَّة؟ أَفَلَستَ المِصرِيَّ الَّذي أَثارَ مُنذُ أَيَّامٍ أَربَعَةَ آلافِ فَتَّاك، وخَرَجَ بِهم إِلى البَرِّيَّة؟» قالَ بولُس: «أَنا رَجُلٌ يَهودِيٌّ مِن طَرَسوسَ قيليقِية، مُواطِنُ مَدينةٍ غَيرِ مَجْهولَة. فَأَسأَلُكَ أَن تَأذَنَ لي بِأَن أُخاطِبَ الشَّعْب». فأَذِنَ له، فوَقَفَ بولُسُ على السُّلَّم، وأَشارَ بِيَدِه إِلى الشَّعْب، فسادَ السُّكوت. فأَخَذَ يَخطُبُ فيهم بِالعِبرِيَّةِ قال: «أَيُّها الإِخوَة وأَيُّها الآباء، اِسمَعوا ما أَقولُ لكمُ الآنَ في الدِّفاعِ عن نَفْسي». فلَمَّا سَمِعوه يَخطُبُ فيهم بِالعِبرِيَّة اِزدادوا هُدوءًا، فقال: «أَنا رَجُلٌ يَهودِيٌّ وُلِدتُ في طَرَسُوس مِن قيليقِية، على أَنِّي نَشأتُ في هٰذهِ المَدينة، وتَلَقَّيتُ عِندَ قَدَمَي جِمْلائيلَ تَربِيةً مُوافِقَةً كُلَّ المُوافَقَةِ لِشَريعَةِ الآباء، وكُنتُ ذا حَمِيَّةٍ لله، شَأنَكم جَميعًا في هٰذا اليَوم. وٱضطَهَدتُ تِلكَ الطَّريقَةَ حتَّى المَوت، فأَوثَقتُ الرِّجالَ والنِّساءَ وأَلقَيتُهم في السُّجون، وبِذٰلكَ يَشهَدُ لي عَظيمُ الكَهَنَةِ وجَماعَةُ الشُّيوخِ كُلُّها. فَمِنهم أَخَذتُ رَسائِلَ إِلى الإِخوَة، فسِرتُ إِلى دِمَشْقَ لأُوثِقَ مَن كانَ فيها مِنهم، فأَسوقَه إِلى أُورَشليم، لِيُعاقَب. وبَينما أَنا سائرٌ وقَدِ ٱقتَرَبتُ مِن دِمَشق، إِذا نورٌ باهِرٌ مِنَ السَّماءِ قد سَطَعَ حَولي نَحوَ الظُّهْر، فسَقَطتُ إِلى الأَرض، وسَمِعتُ صَوتًا يَقولُ لي: شاوُل، شاوُل، لِماذا تَضطَهِدُني؟ فأَجَبتُ: مَن أَنتَ، يا رَبّ؟ فقالَ لي: أَنا يَسوعُ النَّاصِريُّ الَّذي أَنتَ تَضطَهِدُه. ورأَى رُفَقائي النُّور، ولٰكِنَّهم لم يَسمَعوا صَوتَ مَن خاطَبَني. فقلتُ: ماذا أَعمَل، يا ربّ، فقالَ لِيَ الرَّبّ: قُمْ فٱذهَبْ إِلى دِمَشق تُخبَرْ فيها بِجَميعِ ما فُرِضَ علَيكَ أَن تَعمَل. على أَنِّي عُدتُ لا أُبصِرُ لِشِدَّةِ ذٰلكَ النُّورِ الباهِر. فٱقتادَني رُفَقائي بِاليَدِ حتَّى وَصَلتُ إِلى دِمَشق. وكانَ فيها رَجُلٌ يُدْعى حَنَنْيا تَقِيٌّ مُحافِظٌ على الشَّريعَة، يَشهَدُ له جَميعُ اليَهودِ المُقيمينَ هُناك، فأَتاني ووَقَفَ بِجانِبي وقالَ لي: يا أَخي شاوُل، أَبصِرْ. وفي تِلكَ السَّاعة رَفَعتُ طَرْفي إِلَيه. فقال: إِنَّ إِلٰهَ آبائِنا قد أَعَدَّكَ لِنَفسِه لِتَعرِفَ مَشيئَتَه وتَرى البارَّ وتَسمَعَ صَوتَه بِنَفسِه. فَإِنَّكَ ستَكونُ شاهِدًا له أَمامَ جَميعِ النَّاسِ بِما رَأَيتَ وسَمِعت. فما لَكَ تَتَردَّدُ بَعدَ ذٰلِكَ؟ قُمْ فٱعتَمِدْ وتَطَهَّرْ مِن خَطاياكَ داعِيًا بِٱسمِه. ثُمَّ رَجَعتُ إِلى أُورَشَليم، فبَينما أَنا أُصَلِّي في الهَيكَل أَصابَني جَذْب. فرَأَيتُه يَقولُ لي: أَسرِعْ فَٱخرُجْ على عَجَلٍ مِن أُورَشَليم، لأَنَّهم لن يَقبَلوا شَهادَتَكَ لي. فقُلتُ: يا رَبّ، هم يَعلَمونَ أَنِّي كُنتُ في كُلِّ مَجمَعٍ أَسجُنُ المُؤمِنينَ بِكَ، وأَضرِبُهم بِالعِصِيّ، وأَنِّي كُنتُ حاضِرًا حينَ سُفِكَ دَمُ شَهيدِكَ إِسطِفانُس، وكُنتُ مُوافِقًا على قَتلِه، مُحافِظًا على ثِيابِ قاتِليه. فقالَ لي: إِذهَبْ، إِنِّي مُرسِلُكَ إِلى بِلادٍ بعيدة، إِلى الوَثَنِيِّين». وكانوا يُصغونَ إِلَيه حتَّى فاهَ بِهٰذهِ الكَلِمات، فرَفَعوا أَصواتَهم قالوا: «أَزِلْ مِثْلَ هٰذا الرَّجُلِ عن وَجْهِ الأَرض، فلا يَجوزُ أَن يَبْقى حَيًّا». وأَخَذوا يَصرُخونَ ويَطرَحونَ ثِيابَهم ويَذُرُّونَ التُّرابَ في الهَواء، فأَمَر قائِدُ الأَلْفِ بِأَن يُدخَلَ القَلعَة ويُستَجوَبَ وهُو يُجلَد، لِيَعلَمَ لأَيِّ سَبَبٍ كانوا يَصيحونَ علَيه ذٰاكَ الصِّياح. وهَمُّوا أَن يَبسُطوه لِيَضرِبوه بالسِّياط، فقالَ لِقائِد المائة، وكانَ قائِمًا إِلى جَنبه: «أَيَجوزُ لَكم أَن تَجلِدوا رَجُلاً رومانِيًّا ولم تُحاكِموه؟» فلَمَّا سَمِعَ قائِدُ المائَةِ هٰذا الكَلام، ذَهَبَ إِلى قائِدِ الأَلْفِ وأَطلَعَه على الأَمرِ وقال: «ماذا تَفعَل؟ إِنَّ هٰذا الرَّجُلَ رومانِيّ». فجاءَ قائِدُ الأَلْفِ إِلَيه وقالَ له: «قُلْ لي: أَأَنتَ رومانِيّ؟». قال: «نَعم». فأَجابَ قائِدُ الأَلف: «أَنا أَدَّيتُ مِقدارًا كَبيرًا مِنَ المالِ حتَّى حَصَلتُ على هٰذه الجِنسيَّة». فقالَ بولُس: «أَمَّا أَنا فَفيها وُلِدت». فتَنَحَّى عنه وقَتئِذٍ مَن كانوا يُريدونَ ٱستِجوابَه وخافَ قائِدُ الأَلْفِ نَفْسُه لَمَّا عَرَفَ أَنَّه رومانِيٌّ وقَدِ اعتَقَلَه. وأَرادَ في الغَدِ أَن يَعرِفَ مَعرِفةً أَكيدةً ما يَتَّهِمُه به اليَهود، فحَلَّ وَثاقَه، وأَمَرَ عُظَماءَ الكَهَنَةِ والمَجلِسَ كُلَّه أَن يَجتَمِعوا، ثُمَّ أَنزَلَ بُولسَ فأَقامه أَمامَهم. فحَدَّقَ بولُسُ إِلى المَجلِس وقال: «أَيُّها الإِخوَة، إِنِّي بِكُلِّ نِيَّةٍ حَسَنَةٍ سلَكتُ سَبيلَ اللهِ إِلى هٰذا اليَوم». فأَمَرَ حَنَنْيا عَظيمُ الكَهَنَةِ الَّذينَ بِجانِبِه بِأَن يَضرِبوه على فَمِه. فقالَ له بولُس: «سَيَضرِبُكَ الله، أَيُّها الحائِطُ المُكَلَّس، أَتَجلِسُ لِمُحاكَمَتي بِسُنَّةِ الشَّريعة، وتُخالِفُ الشَّريعة فتَأمُرُ بِضَرْبي؟» فقالَ الَّذينَ بِجانِبِه: «أَتَشتُمُ عَظيمَ كَهَنَةِ الله؟» قالَ بولُس: «لم أَدْرِ، أَيُّها الإِخوَة، أَنَّه عَظيمُ الكَهَنَة، فقَد كُتِب: «رَئيسُ شَعْبِكَ لا تَقُلْ فيه سوءًا». وكانَ بولُسُ يَعلَمُ أَنَّ فَريقًا مِنهُم صَدُّوقيّ وفَريقًا فِرِّيسيّ، فصاحَ في المَجلِس: «أَيُّها الإِخوَة، أَنا فِرِّيسيٌّ ٱبن فِرِّيسيّ، فمِن أَجْلِ الرَّجاءِ في قِيامَةِ الأَمواتِ أُحاكَم». فما قالَ ذٰلك حتَّى وَقَعَ الخِلافُ بَينَ الفِرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقِيِّينَ، وٱنقَسَمَ المَجلِس. ذٰلك بِأَنَّ الصَّدُّوقِيِّينَ يَقولونَ بأَنَّه لا قِيامَةَ ولا مَلاكَ ولا روح، وأَمَّا الفِرِّيسِيُّونَ فيُقِرُّونَ بِها جَميعًا. فعَلا صِياحٌ شَديد، وقامَ بَعضُ الكَتبةِ مِن فَريقِ الفِرِّيسيِّين، فٱحتَجُّوا بِشِدَّةٍ قالوا: «لا نَجِدُ ذَنْبًا على هٰذا الرَّجُل، فلَرُبَّما كَلَّمَه رُوحٌ أَو مَلاك». وٱشتَدَّ الخِلاف، فخافَ قائِدُ الأَلْفِ أَن يُمَزِّقوا بُولُسَ تَمزيقًا، فأَمَرَ الجُنودَ بِأَن يَنزِلوا إِلَيه ويَنتَزِعوه مِن بَينِهم، ويَرجِعوا بِه إِلى القَلعَة. وفي لَيلَةِ الغَد حَضرَه الرَّبُّ وقالَ له: «تَشَدَّدْ، فكَما أَدَّيتَ الشَّهادَةَ لأَمْري في أُورَشَليم فكَذٰلِكَ يَجِبُ أَن تَشهَدَ في رومةَ أَيضًا». ولمَّا طَلَعَ الصَّباح، دَبَّرَ اليَهودُ مُؤامَرَةً فحَرَّموا على أَنفُسِهِمِ الطَّعامَ والشَّرابَ أَو يَقتُلوا بولُس. وكانَ الَّذينَ دَبَّروا هٰذه المُؤامَرَةَ أَكثَرَ مِن أَربَعين. فجاؤوا إِلى عُظَماءِ الكَهَنَةِ والشُّيوخِ وقالوا: «حَرَّمْنا على أَنفُسِنا أَشَدَّ التَّحْريمِ أَن نَذوقَ شَيئًا أَو نَقتُلَ بولُس. فٱعرِضوا أَنتُم والمَجلِسُ على قائِدِ الأَلْفِ أَن يُحضِرَه أَمامَكم بِحُجَّةِ أَنَّكم تُريدونَ الإِمعانَ في الفَحْصِ عن أَمْرِه، أَمَّا نَحنُ فإِنَّنا مُستَعِدُّونَ لِٱغتِيالِه قَبلَ أَن يَصِلَ إِلَيكم». وبَلغَ خَبَرُ الكَمينِ إِلى ٱبنِ أُختِ بولُس، فمَضى ودَخَلَ القَلعَة وأَطلَعَ بولُسَ على الأَمْر. فدَعا بولُسُ أَحَدَ قادَةِ المائَةِ وقالَ له: «إِذهَبْ بِهٰذا الفَتى إِلى قائِدِ الأَلْف، فَإِنَّ عِندَه ما يُريدُ إِطلاعَه علَيه». فسارَ بِه إِلى قائِدِ الأَلْفِ وقالَ له: «دَعاني بولُسُ السَّجين وسأَلَني أَن آتِيَكَ بِهٰذا الفَتى، لأَنَّ عِندَه ما يَقولُه لَكَ». فأَمسَكَه قائِدُ الأَلْفِ بِيَدِه وٱنفَرَدَ بِه وسَأَلَه: «ما عِندَكَ فتُطلِعَني علَيه؟» قال: «إِتَّفَقَ اليَهودُ على أَن يَسأَلوكَ أَن تُحضِرَ بولُسَ غَدًا أَمامَ المَجلِس بِحُجَّةِ الإِمعانِ في الفَحْصِ عن أَمرِه. فلا تَثِقْ بِهِم، لأَنَّ أَكثَرَ مِن أَربَعينَ رَجُلاً مِنهم يَكمُنونَ له، وحرَّموا على أَنْفُسِهِمِ الطَّعامَ والشَّرابَ أَو يَغْتالوه. وهُم الآنَ مُستَعِدُّونَ يَنتَظِرونَ مُوافَقَتَكَ». فصَرفَ قائِدُ الأَلفِ الشَّابّ، وأَوصاهُ قال: «لا تُخبِرْ أَحَدًا بِأَنَّكَ كَشَفتَ لِيَ الأَمْر». ثُمَّ دَعا قائِدَينِ مِن قُوَّادِ المائة وقالَ لَهما: «أَعِدَّا لِلذَّهابِ إِلى قَيصَرِيَّةَ في السَّاعةِ التَّاسِعَةِ مِنَ اللَّيل مائتَي جُنديٍّ وسَبعينَ فارِسًا، ومائَتَينِ مِنَ الأَعوان، ولْيُؤْتَ أَيضًا بِدَوابَّ تَحمِلُ بُولُسَ لإيصالِه سالِمًا إِلى الحاكِمِ فيلِكس». وكَتَبَ إِلَيه بِرِسالةٍ هٰذا مَضْمونُها: «مِن قُلُوديوس ليسياس إِلى الحاكِمِ المُكَرَّمِ فيلِكس، سَلام. إِنَّ اليَهودَ قَبَضوا على هٰذا الرَّجُلِ وهَمُّوا أَن يَقتُلوه، فأَدرَكْتُهُم بِالجُنودِ وأَنقَذتُه، لأَنِّي عَلِمتُ أَنَّه رومانِيٌّ. وأَرَدتُ أَن أَعرِفَ بِماذا يَتَّهِمونَه، فأَحضَرتُه أَمامَ مَجلِسِهم، فتَبَيَّنَ لي أَنَّه يُتَّهمُ بِمَسائِلَ جَدَلِيَّةٍ تَعودُ إِلى شَريعَتِهِم، ولَيسَ هُناكَ مِن تُهمَةٍ تَستَوجِبُ المَوتَ أَوِ القُيود. وبَلَغَني أَنَّ بَعضَهُم يَتآمرونَ على هٰذا الرَّجُل، فبَعَثتُ بِه مِن ساعَتي إِلَيكَ، وأَبلَغتُ مُتَّهِمِيه أَن يَرفَعوا إِلَيكَ دَعواهم علَيه». فأَخَذَ الجُنودُ بُولُسَ وساروا بِه لَيلاً إِلى أَنطيبَطريس، وَفْقًا لِلأَوامِرِ الَّتي تَلَقَّوها. وفي الغَدِ تَرَكوا الفُرْسانَ يُواصِلونَ السَّيرَ معَه ورَجَعوا إِلى القَلعَة. فلَمَّا وَصَلوا إِلى قَيصَرِيَّة، سلَّموا الرِّسالَةَ إِلى الحاكِم وقَدَّموا إِلَيه بُولُسَ أَيضًا. فقَرَأَ الحاكِمُ الرِّسالة وسأَلَ مِن أَيِّ وِلايةٍ هو. فلَمَّا عَرَفَ أَنَّه مِن قيليقِية قال: «سأَسمَعُ مِنكَ مَتى حَضَرَ مُتَّهِموكَ أَيضًا». ثُمَّ أَمَرَ بِأَن يُحرَسَ في قَصْرِ هيرودُس. وبَعدَ خَمسَةِ أَيَّام نَزَلَ حَنَنْيا عَظيمُ الكَهَنَةِ ومعَه بَعضُ الشُّيوخِ ومُحامٍ اسمُه طَرطُلُّس، فَرَفَعوا لِلحاكِمِ دَعْواهم على بولُس. فلَمَّا دُعِيَ اِستَهَلَّ طَرطُلُّسُ ٱتِّهامَه بِقَولِه: «إِنَّ ما نَنعَمُ بِه مِنَ السَّلامِ الشَّامِلِ بِفَضلِكَ، ومِنَ الإِصلاحِ الَّذي حَصَلَت علَيه هٰذِه الأُمَّةُ بِعِنايَتِكَ، نَتَلَقَّاهُ، يا فيلِكسُ المُكَرَّم، بِخالِصِ الشُّكْرِ مِن جَميعِ الوُجوهِ وفي كُلِّ مَكان. ولٰكِن لا أَريدُ أَن أُزعجَكَ بِكَثيرِ الكَلام، فأَرْجو أَن تُصغِيَ إِلَينا قَليلاً بِما أَنتَ علَيه مِنَ اللُّطف. وَجَدْنا هٰذا الرَّجُلَ آفةً مِنَ الآفات، يُثيرُ الفِتَنَ بَينَ اليَهودِ كافَّةً في العالَمِ أَجمَع، وأَحَدَ أَئِمَّةِ شِيعَةِ النَّصارى. وقَد حاوَلَ أَن يُدَنِّسَ الهَيكَلَ فَقَبَضْنا علَيه. فتَستَطيعُ، إِذا ٱستَجوَبتَه عن هٰذهِ الأُمورِ كُلِّها، أَن تَتَبَيَّنَ ما نَتَّهِمُه بِه». فسانَدَه اليَهودُ زاعِمينَ أَنَّ الأُمورَ على ذٰلك. فأَشارَ الحاكِمُ إِلى بُولُسَ يَأذَنُ لهُ بِالكَلام، فأَجاب: «أَعلَمُ أَنَّكَ تَقْضي في أُمورِ هٰذه الأُمَّةِ مِن عِدَّةِ سَنَوات. فأَراني مُطمَئِنًّا في الدِّفاعِ عن قَضِيَّتي. يُمكِنُكَ أَن تَتَبَيَّنَ أَنَّه لم يَمْضِ على صُعودي إِلى أُورَشَليمَ لِلعِبادَةِ أَكثَرُ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ يَومًا. فما وَجَدوني مَرَّةً أُجادِلُ أَحَدًا أَو أُثيرُ جَمْعًا، لا في الهَيكَلِ ولا في المَجامِعِ ولا في المَدينة ولا يُمكِنُهم أَن يُثبِتوا لَكَ ما يَتَّهِموني بِه الآن. على أَنِّي أُقِرُّ بِأَنِّي أَعبُدُ إِلٰهَ آبائي على الطَّريقَةِ الَّتي يَزعُمونَ أَنَّها شيعَة، وأُومِنُ بِكُلِّ ما جاءَ في الشَّريعَةِ وكُتُبِ الأَنبِياء، راجِيًا مِنَ اللهِ ما يَرجونَه هُم أَيضًا وهو أَنَّ الأَبرارَ والفُجَّارَ سيَقومون. فأَنا أَيضًا أُجاهِدُ النَّفْسَ لِيَكونَ ضَميري لا لَومَ علَيه عِندَ اللهِ وعِندَ النَّاس. وجِئتُ بَعدَ عِدَّةِ سَنَوات، أَحمِلُ الصَّدَقاتِ إِلى أُمَّتي، وأُقَرِّبُ القَرابين. فعلى هٰذهِ الحالِ وَجَدوني في الهَيكَل وكُنتُ قدِ ٱطَّهَرتُ، ولم يَكُنْ هُناكَ جَمْعٌ أَو ضَجيج. غَيرَ أَنَّ بَعضَ اليَهودِ الأَسيَوِيِّين... لو كانَ لأُولٰئِكَ ما يَشكونَني بِه، لَوَجَبَ علَيهِم أَن يَمثُلوا أَمامَكَ ويَتَّهِموني، بل لِيَقُلْ هٰؤُلاءِ الحاضِرونَ أَنفُسُهم أَيَّ ذَنْبٍ وَجَدوا لي، حينَ مَثَلتُ أَمامَ المَجلِس، إِلاَّ أَن تَكونَ هٰذه الكَلِمَةُ الَّتي نادَيتُ بِها وأَنا قائمٌ بَينَهم: مِن أَجْلِ قِيامَةِ الأَمواتِ أُحاكَمُ اليَومَ عِندكم». وكانَ فيلِكس مُطَّلِعًا على أَمْرِ الطَّريقَةِ ٱطِّلاعًا دَقيقًا، فأَخَّرَهم إِلى أَجَلٍ قال: «متى نَزَلَ لِيسياس قائِدُ الأَلْف، أَحكُمُ في قَضِيَّتِكم». وأَمَرَ قائدَ المائَةِ بِأَن يُحفَظَ بولُسُ في السِّجْن، على أَن يَترُكَ له بَعضَ الحُرِّيَّة، ولا يَمنَعَ أَحَدًا مِن أَصحابِه القِيامَ بِخِدمَتِه. وبَعدَ بِضعَةِ أَيَّام، جاءَ فيلِكس مع ٱمرَأَتِه دُرْسُلَّة وهِيَ يَهودِيَّة، فاستَدْعى بولُس واستَمَعَ إِلى كَلامِه على الإِيمانِ بِالمَسيحِ يسوع. ولَمَّا تَكَلَّمَ بولُسُ على البِرِّ والعَفافِ والدَّينونَةِ الآتِيَة، خافَ فيلِكس فقالَ لَه: «إِذهَبِ الآن، فسأَنتَهِزُ الفُرصَةَ السَّانِحَةَ لأَدعُوَك». وكانَ يَرْجو في الوَقْتِ نَفسِه أَن يُعطِيَه بولُسُ شَيئًا مِنَ المال، فأَخَذَ يُكثِرُ مِنِ ٱستِدْعائِه ومُحادَثَتِه. ولَمَّا ٱنقَضَت سنَتان، خَلَفَ بُرْقيوس فَسطُس فيلِكسَ، فأَرادَ فيلِكس أَن يُرضِيَ اليَهود، فتَرَكَ بولُسَ في السِّجْن. وصَعِدَ فَسطُس مِن قَيصَرِيَّةَ إِلى أُورَشَليم بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِن وُصولِه إِلى وِلايَتِه، فرَفَعَ إِلَيه عُظَماءُ الكَهَنَةِ وأَعْيانُ اليَهودِ دَعْواهُم على بُولس وسأَلوه بِمَكْرٍ مُلِحِّينَ أَن يَمُنَّ علَيهِم بِٱستِدعائِه إِلى أُورَشَليم، ومُرادُهم أَن يُقيموا له كَمينًا لِيَغتالوه في الطَّريق. فأَجابَ فَسطُس أَنَّ بولُسَ مَحْفوظٌ في سِجْنِ قَيصَرِيَّة، وأَمَّا هو فلا يَلبَثُ أَن يَنصَرِف. ثُمَّ قال: «لِيَنزِلْ مَعي أَصحابُ السُّلطَةِ فيكم، فإِذا كانَ في هٰذا الرَّجُلِ ما يُؤخَذُ عَلَيه فَلْيَتَّهِموهُ بِه». ومَكَثَ عِندَهم أَيَّامًا لا تَزيدُ على الثَّمانِيَةِ أَوِ العَشَرَة، ثُمَّ نَزَلَ إِلى قَيصَرِيَّة فَجَلَسَ في الغَدِ على كُرسِيِّ القَضاء، وأَمَرَ بِإِحْضارِ بولُس. فلَمَّا حَضَرَ أَحاطَ بِه اليَهودُ الَّذينَ نَزَلوا مِن أُورَشَليم وٱتَّهَموه بِكَثيرٍ مِنَ التُّهَمِ الجَسيمَة، على أَنَّهم لم يَستَطيعوا إِثباتَها. فدافَعَ بولُسُ عن نَفْسِه قال: «ما أَذنَبتُ بِشَيءٍ لا إِلى شَريعَةِ اليَهود ولا إِلى الهَيكَل ولا إِلى قَيصَر». وأَرادَ فَسطُسُ أَن يُرضِيَ اليَهود فقالَ لِبولس: «أَتُريدُ أَن تَصعَدَ إِلى أُورَشَليم، فتُحاكَمَ فيها على هٰذه الأُمورِ بِمَحضَرٍ مِنِّي؟». فقالَ بولس: «أَنا أَمامَ مَحكَمَةِ قَيصَر، وأَمامَها يَجِبُ أَن أُحاكَم. ما أَسأَتُ إِلى اليَهودِ بَشَيءٍ، وأَنتَ تَعرِفُ ذٰلك على أَحسَنِ وَجْه. فإِذا أَسأتُ ففَعَلتُ ما أَستوجِبُ بِه المَوت، فأَنا لا أَحاولُ التَّخَلُّصَ مِنَ المَوت. أَمَّا إِذا كانَ ما يَتَّهِموني بِه باطِلاً، فلَيسَ لأَحَدٍ أَن يُسلِمَني إِلَيهم لإِرضائِهم. وإِلى قَيصَرَ أَرفَعُ دَعْواي!» فشاوَرَ فَسطُس أَعضاءَ مَجلِسِه وأَجاب: «رَفَعتَ دَعْواكَ إِلى قَيصَر، فإِلى قَيصَرَ تَذهَب». وبَعدَ بِضعَةِ أَيَّام، قَدِمَ قَيصَرِيَّةَ المَلِكُ أَغْريبَّا وبَرنيقَة فَسَلَّما على فَسطُس، ومَكَثا فيها مُدَّة، فعَرَضَ فَسطُس على المَلِكِ قَضِيَّةَ بولُس قال: «هُنا رَجُلٌ تَرَكَه فيلِكس سَجينًا. فلَمَّا كُنتُ في أُورَشَليم، شَكاهُ إِلَيَّ عُظَماءُ كَهَنَةِ اليَهودِ وشُيوخُهم وطَلَبوا الحُكمَ علَيه. فأَجَبتُهم: لَيسَ مِن عادةِ الرُّومانِيِّينَ أَن يَحكُموا على أَحَدٍ لإِرضاءِ النَّاس قَبلَ أَن يَتقابَلَ المُتَّهَمُ ومُتَّهِموه، ويَتَسَنَّى له الرَّدُّ على ٱلاِتِّهام. فجاؤُوا مَعي إِلى هُنا، فلَم أَتَوانَ البَتَّة، بل جَلَستُ في اليَومِ الثَّاني على كُرسِيِّ القَضاء، وأَمرتُ بإِحضارِ الرَّجُل. فلَمَّا قابَلَه مُتَّهِموه، لم يَذكُروا له أَيَّ تُهمَةٍ مِنَ التُّهَمِ الخَبيثَةِ الَّتي كُنتُ أَتَوهَّمُها، وإِنَّما كانَ بَينَهم وبَينَه مُجادَلاتٌ في أُمورٍ تَرجِعُ إِلى دِيانَتِهم، وإِلى ٱمرِئٍ ٱسمُه يسوع قد ماتَ، وبولُسُ يَزعُمُ أَنَّه حَيّ. فحِرتُ عِندَ جِدالِهِم في هٰذِه الأُمور، فسَأَلتُه أَيُريدُ الذَّهابَ إِلى أُورَشَليم لِيُحاكَمَ فيها على هٰذهِ الأُمور، ولٰكِنَّ بولُسَ رَفَعَ دَعْواه طالِبًا أَن يُحفَظَ أَمرُه لِحُكْمِ جَلالَتِه. فَأَمَرتُ أَن يُحفَظَ في السِّجْنِ إِلى أَن أَبعَثَ بِه إِلى قَيصَر». فقالَ أَغْريبَّا لِفَسطُس: «وَدِدتُ لو أَنِّي سَمِعتُ أَنا أَيضًا هٰذا الرَّجُل». قال: «غَدًا تَسمَعُه». وفي الغَد، جاءَ أَغْريبَّا وبَرنيقَة في أُبَّهَةٍ ظاهِرة، فدَخلا المَحكَمَة يُحيطُ بِهِما القُوَّادُ ووُجَهاءُ المَدينة، فأَمَرَ فَسطُس بإِحضارِ بولُس فَأُحضِر. فقالَ فَسطُس: «أَيُّها المَلِكُ أَغْريبَّا ويا جَميعَ الحاضِرينَ معَنا، تَرونَ هٰذا الرَّجُلَ الَّذي سَعَت بِه عِندي جَماعةُ اليَهودِ كُلُّها في أُورَشَليمَ وهٰهُنا وهم يَصيحون: لا يَجوزُ أَن يَبْقى هٰذا الرَّجُلُ حَيًّا. على أَنِّي تَبَيَّنتُ أَنَّه لم يَفعَلْ ما يَستَوجِبُ بِه المَوت، ولٰكِنَّه رَفَعَ دَعْواه إِلى جَلالَتِه، فعَزَمتُ أَن أَبعَثَ بِه إِلَيه، ولَيسَ لَدَيَّ شَيءٌ أَكيدٌ في شأنِه فأَكتُبَ بِه إِلى السَّيِّد، فأَحضَرتُه أَمامَكم وأَمامَكَ خُصوصًا، أَيُّها المَلِكَ أَغْريبَّا، لأَحصُلَ بَعدَ ٱستِجْوابِه على شَيءٍ أَكتُبُه، لأَنِّي أَرى غَيرَ مَعْقولٍ أَن أَبعَثَ بِسَجينٍ مِن غَيرِ أَن أُبَيِّنَ ما عَلَيه مِن تُهَم». فقالَ أَغْريبَّا لِبُولس: «يُؤذَنُ لَكَ أَن تَتَكَلَّمَ في شأنِكَ». فبَسَطَ بولُسُ يَدَه وشَرَعَ في دِفاعِه قال: «أَراني سَعيدًا، أَيُّها المَلِكُ أَغْريبَّا، لأَنِّي سأُدافِعُ اليَومَ عن نَفْسي، في حَضرَتِكَ، مِن كُلِّ ما يَتَّهِمُني بِه اليَهود، خُصوصًا إِنَّكَ تَعرِفُ كُلَّ ما لِليَهودِ مِن سُنَنٍ ومُجادَلات. فأَسأَلُكَ أَن تُصغِيَ إِلَيَّ بِطولِ أَناة. ما كانَت علَيه سيرتي مُنذُ صِبايَ الَّذي قَضَيتُه مِن أَوَّلِه في أُمَّتي وفي أُورَشَليم، ذٰلكَ أَمرٌ يعلَمُه جَميعُ اليَهود، فهُم يَعرِفوني مِن زَمَنٍ بَعيد، لَو شاؤُوا أن يَشهَدوا، يَعرِفونَ أَنِّي ٱتَّبَعتُ أَكثَرَ مَذاهِبِ دِيانتِنا تَشَدُّدًا، فَعِشتُ فِرِّيسِيًّا. وقد مَثَلتُ اليَومَ لأُحاكَمَ مِن أَجْلِ رَجاءِ ما وَعَدَ اللهُ بِه آباءَنا، والَّذي يَرْجو أَسْباطُنا الاِثْنا عَشَرَ أَن يَبْلُغوا إِلَيه بالمُواظَبةِ على عِبادَةِ اللهِ لَيلَ نَهار. فبِهٰذا الرَّجاءِ، أَيُّها المَلِك، يَتَّهِمُني اليَهود. فلِماذا تَحسَبونَ أَمرًا لا يُصَدَّق أَن يُقيمَ اللهُ الأَموات؟ أَمَّا أَنا فكُنتُ أَرى واجِبًا علَيَّ أَن أُقاوِمَ ٱسمَ يسوعَ النَّاصِرِيِّ مُقاوَمَةً شَديدة. وهٰذا ما فَعلتُ في أُورَشَليم، إِذ تَلَقَّيتُ التَّفويضَ مِن عُظَماءِ الكَهَنَة، فحَبَستُ بِيَدي في السُّجونِ عَدَدًا كَثيرًا مِنَ القِدِّيسين، وكُنتُ مُوافِقًا لَمَّا ٱقتُرِعَ على قَتْلِهم. وكَثيرًا ما عَذَّبتُهم مُتَنَقِّلاً مِن مَجمَعٍ إِلى مَجمَعٍ لأَحمِلَهم على التَّجْديف. وبَلَغَ مِنِّي السُّخْطُ كُلَّ مَبلَغ حتَّى أَخَذتُ أُطارِدُهم في المُدُنِ الغَريبة. فمَضَيتُ على هٰذه الحالِ إِلى دِمَشق، وليَ التَّفويضُ والتَّوكيلُ مِن عُظَماءِ الكَهَنَة. فرَأَيتُ أَيُّها المَلِكُ على الطَّريقِ عِندَ الظُّهرِ نورًا مِنَ السَّماءِ يَفوقُ الشَّمسَ بإِشعاعِه قد سَطَعَ حَولي وحَولَ رُفَقائي. فسَقَطْنا جَميعًا إِلى الأَرض، وسَمِعتُ صَوتًا يَقولُ لي بِالعِبرِيَّة: شاوُل، شاوُل، لِماذا تَضطَهِدُني؟ يَصعُبُ عَليكَ أَن تَرفِسَ المِهْماز. فقُلتُ: مَن أَنتَ يا رَبّ؟ قال الرَّبّ: أَنا يسوعُ الَّذي أَنتَ تَضطَهِدُه. فٱنهَضْ وقُمْ على قَدَمَيكَ فإِنَّما ظَهَرتُ لَكَ لأَجعَلَ مِنكَ خادِمًا وشاهِدًا لِهٰذهِ الرُّؤْيا الَّتي رَأَيتَني فيها، ولِغَيرِها مِنَ الرُّؤَى الَّتي سأَظهَرُ لكَ فيها. سأُنقِذُكَ مِنَ الشَّعبِ ومِنَ الوَثَنِيِّينَ الَّذينَ أُرسِلُكَ إِلَيهم، لِتَفتَحَ عُيونَهم فيَرجِعوا مِنَ الظَّلامِ إِلى النُّور، ومِن سُلطانِ الشَّيطانِ إِلى الله، ويَنالوا بِالإِيمانِ بي غُفْرانَ الخَطايا ونَصيبَهم مِنَ الميراثِ في عِدادِ المُقَدَّسين. ومِن ذاك الحين لم أَعْصِ الرُّؤيا السَّماوِيَّة، أَيُّها المَلِكُ أَغْريبَّا، بل أَعلَنتُ لِلَّذينَ في دِمَشقَ أَوَّلاً، ثُمَّ لأَهلِ أُورَشَليمَ وبِلادِ اليَهودِيَّةِ كُلِّها، ثُمَّ لِلوَثَنِيِّين، أَن يَتوبوا ويَرجِعوا إِلى الله، بالقِيامِ بِأَعمالٍ تَدُلُّ على التَّوبَة. فلِذٰلكَ قَبَضَ عليَّ اليَهودُ في الهَيكَل، وحاوَلوا قَتْلي، وأَنا بِعَونِ اللهِ قد مَثَلتُ إِلى اليَومِ شاهِدًا لِلصَّغيرِ والكَبير، ولا أَقولُ إِلاَّ ما أَنبأَ الأَنبِياءُ وموسى بِحُدوثِه مِن أَنَّ المسيحَ سيَتأَلَّمُ وأَنَّه، وهو أَوَّلُ القائمينَ مِن بَينِ الأَموات، سيُبَشِّرُ الشَّعْبَ والوَثَنِيِّينَ بِالنُّور». وبَينَما هو يُدافِعُ عن نَفسِه بِهٰذا الكَلامِ، قالَ فَسطُس بِأَعلى صَوتِه: «جُنِنْتَ يا بولُس، فَإِنَّ تَبَحُّرَكَ في العِلمِ يَنتَهي بِكَ إِلى الجُنون». فقالَ بولُس: «لَستُ بِمَجنونٍ يا فَسطُسُ المُكَرَّم، ولٰكِنِّي أَتكَلَّمُ كَلامَ الحَقِّ والعَقْل. فالمَلِكُ الَّذي أُوَجِّهُ إِلَيه هٰذا الخِطابَ مُطمَئِنًّا يَعرِفُ تِلكَ الأُمور ويَقيني أَنَّه لا تَخْفى علَيه خافِيَةٌ مِنها، ذٰلِك بِأَنَّها لم تَحْدُثْ في بُقْعَةٍ مُنزَوِيَة. أُتُؤمِنُ بِالأَنبِياءِ أَيُّها المَلِكُ أَغْريبَّا؟ أَنا أَعلَمُ أَنَّكَ تُؤمِنُ بِهم». فقالَ أَغْريبَّا لِبُولس: «تُريدُ أَن تُقنِعَني بأَنَّكَ بِوَقتٍ قليلٍ جَعَلتَني مَسيحِيًّا». قالَ بولُس: «إِنِّي أَرْجو مِنَ الله، لَيسَ لَكَ وَحدَكَ، بل لِجَميعِ الَّذينَ يَسمَعوني اليَوم، أَن يَصيروا، بالقَليلِ أَو بِالكَثير، إِلى ما أَنا علَيه، ما عَدا هٰذهِ القُيود». فقامَ المَلِكُ والحاكِمُ وبَرنيقَة والجالِسونَ معَهم، فقالَ بَعضُهم لِبَعضٍ وهُم مُنصَرِفون: «إِنَّ هٰذا الرَّجُلَ لا يَفعَلُ شَيئًا يَستَوجِبُ بِه المَوتَ أَوِ الِٱعتِقال». وقالَ أَغْريبَّا لِفَسطُس: «لو لم يَرْفَعْ هٰذا الرَّجُلُ دَعْواه إِلى قَيصَر لأَمكَنَ إِخلاءُ سَبيلِه». ولَمَّا قُرِّرَ أَن نُبحِرَ إِلى إِيطالِيَة، سُلِّمَ بولُسُ وبَعضُ السُّجَناءِ الآخَرينَ إِلى قائدِ مائةٍ ٱسمُه يولِيوس مِن كَتيبَةِ أَوغُسطُس. فرَكِبْنا سَفينَةً مِن أَدْرَمِتين تُوشِكُ أَن تَسيرَ إِلى شَواطِئِ آسِيَة وأَبحَرْنا ومعَنا أَرِسطَرخُس، وهو مَقْدونِيٌّ مِن تَسالونيقيّ. فبَلَغْنا صَيدا في اليَومِ الثَّاني. وأَظهَرَ يوليُوسُ عَطْفًا إِنْسانِيًّا على بُولُس، فأَذِنَ له أَن يَذْهَبَ إِلى أَصدِقائِه فَيَحْظى بِعِنايَتِهم. ولَمَّا أَبحَرْنا مِن هُناكَ سِرْنا مُحتَمينَ بِجزيرةِ قُبرُس لأَنَّ الرِّياحَ كانَت مُخالِفَةً لَنا. ثُمَّ ٱجتَزْنا البَحرَ تُجاهَ قيليقِيَة وبَمفيلِية حتَّى نَزَلْنا مِيرَةَ مِن لِيقيَة. فوَجَدَ فيها قائِدُ المائةِ سَفينَةً مِنَ الإِسكَندَرِيَّة ذاهِبةً إِلى إِيطالِية، فأَصعَدَنا إِلَيها. فسِرْنا سَيرًا بَطيئًا بِضعَةَ أَيَّام ولَم نَصِلْ تُجاهَ قِنِيدُس إِلاَّ بَعدَ جَهْد. ولَم تَكُنِ الرِّيحُ مُؤاتِيةً لَنا فسِرْنا مُحتَمينَ بِجزيرةِ كَرِيت تُجاهَ سَلَمونة. فوَصَلْنا، بَعدَما حاذَينا بِجَهْدٍ مِياهَ ساحِلِها، إِلى مَكانٍ يُقالُ له المَرافِئُ الحَسَنَة، وبِالقُرْبِ مِنه مَدينةُ لاسِيَة. ومَضى زَمَنٌ طَويلٌ حتَّى أَصبَحَ رُكوبُ البَحرِ خَطِرًا، لأَنَّ الصَّومَ قدِ ٱنقَضى، فأَخَذَ بولُسُ يَنصَحُهم قال: «أَيُّها الرِّجال، أَرى أَنَّ في الإِبحارِ ضَرَرًا وخَسارَةً جَسيمة، لا لِلحُمولَةِ والسَّفينَةِ فقط، بل لأَرْواحِنا أَيضًا». على أَنَّ قائِدَ المائَةِ كانَ يَثِقُ بِالرُّبَّانِ وصاحِبِ السَّفينَةِ أَكثَرَ مِنهُ بِأَقوالِ بولُس. ولَم يَكُنِ المَرفَأُ صالِحًا لِلشَّتْوِ فيه، فرأَى أَكثَرُهم أَن يُبحِروا مِنه عَساهُم أَن يَصِلوا إِلى فِينِكْس، فيَشتُوا فيه، وهُو مَرفَأٌ في كَريت يَنظُرُ إِلى الجَنوبِ الغَرْبِيّ والشَّمالِ الغَربيّ. فهَبَّت ريحٌ جَنوبِيَّةٌ لَيِّنَة، فظَنُّوا أَنَّهم يَنالونَ بُغيَتَهم فرَفَعوا المِرساةَ وساروا على مَقرُبَةٍ مِن شاطِئِ كَريت. وبَعدَ وَقتٍ غَيرِ كَثير، ثارَت مِن أَعْلاها ريحٌ عاصِفَة يُقالُ لها أُوراكِيلون، فٱندَفَعَتِ السَّفينَةُ ولَم تَقْوَ على مُغالَبَةِ الرِّيح، فٱستَسلَمْنا إِلَيها نُساقُ على غَيرِ هُدى. فمَرَرْنا مُسرِعينَ بِالقُرْبِ مِن جَزيرةٍ صَغيرةٍ تُدْعى قَودة، ولَم نَستَطِعْ حَبْسَ الزَّورَقِ إِلاَّ بَعدَ جَهْد. فبَعدَ أَن رَفَعوه بادَروا إِلى ٱتَّخاذِ وَسائِلِ الحِيطَة فشَدُّوا وَسَطَ السَّفينَةِ بِالحِبال، وأَنزَلوا الأَشرِعة مَخافَةَ أَن تَجنَحَ السَّفينَةُ إِلى شاطِئِ سِرْطَق، ومَضَوا تَسوقُهمُ الرِّيحُ على هٰذهِ الحال. وكانَتِ العاصِفَةُ في اليَومِ الثَّاني تَهُزُّنا هَزًّا شَديدًا، فجَعَلوا يُلْقونَ الحُمولَة. وفي اليَومِ الثَّالِث أَخَذوا بِأَيديهم صَوارِيَ السَّفينَة فأَلقَوها في البَحر. وما ظَهَرَتِ الشَّمسُ ولا النُّجومُ مِن عِدَّةِ أَيَّام، والعاصِفَةُ لم تَزَلْ على شِدَّتِها. فكانَ يَذهَبُ كُلُّ أَمَلٍ في نَجاتِنا. وكانوا قد أَمسَكوا عنِ الطَّعامِ مُدَّةً طويلة، فوَقَفَ بولُسُ بَينَهم وقالَ لَهم: «أَيُّها الرِّجال، كانَ يَجِبُ أَن تَسمَعوا لي فلا تُغادِروا كَرِيت، فتَأمَنوا مِن هٰذا الضَّرَرِ وهٰذه الخَسارة. على أَنِّي أَدْعوكُمُ الآنَ إِلى الِٱطمِئْنان، فلَن يَفقِدَ أَحَدٌ مِنكُم حَياتَه، إِلاَّ أَنَّ السَّفينَةَ وَحدَها تُفقَد. فقَد حَضَرَني في هٰذه اللَّيلَةِ مَلاكٌ مِن عِندِ اللهِ الَّذي أَنا له وإِيَّاه أَعبُد، وقالَ لي: لا تَخَفْ يا بولُس، يَجِبُ علَيكَ أَن تَمثُلَ أَمامَ قَيصَر، وقَد وَهَبَ اللهُ لَكَ جَميعَ المُسافِرينَ معَكَ. فَٱطمَئِنُّوا، أَيُّها الرِّجال، إِنِّي واثِقٌ بِالله، فستَجْري الأُمورُ كَما قيلَ لي. ولٰكِن يَجِبُ أَن تَجنَحَ بِنا السَّفينَةُ إِلى إِحْدى الجُزُر». وكُنَّا في اللَّيلَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ نُساقُ في البَحْرِ الأَدْرِياتي، فأَحسَّ البحَّارَةُ عِندَ مُنتَصَفِ اللَّيلِ أَنَّ أَرضًا تَقتَرِبُ مِنهُم. فسَبَروا الغَوْرَ بِالمِسبار فإِذا هو عِشْرونَ باعًا، ثُمَّ ساروا قَليلاً وسَبروهُ ثانِيةً فإِذا هو خَمسَةَ عَشَرَ باعًا. فخافوا أَن تَجنَحَ بِنا السَّفينَةُ إِلى أَماكِنَ صَخرِيَّة، فأَلقَوا أَربَعَ مَراسٍ في مُؤخَّرِها وباتوا يَرجونَ طُلوعَ الصَّباح. على أَنَّ البَحَّارَةَ حاوَلوا الهَرَبَ مِنَ السَّفينَة، فأَخَذوا يُدَلُّونَ الزَّورَقَ في الماء زاعِمينَ أَنَّهم يُريدونَ إِلقاءَ المَراسي في مُقَدَّمِ السَّفينة. فقالَ بولُسُ لِقائِدِ المائَةِ وجُنودِه: «إِذا لم يَبقَ هٰؤُلاءِ في السَّفينَة، فأَنتُم لَنْ تَسْتَطِيعُوا النَّجاة». فقَطَعَ الجُنودُ حِبالَ الزَّورَق وتَرَكوهُ يَسقُطُ في الماء. فجَعَلَ بولُس، إِلى أَن يَطلَعَ الصَّباح، يَحُثُّهم جَميعًا على تَناوُلِ شَيءٍ مِنَ الطَّعامِ قال: هُوَذا اليَومُ الرَّابعَ عَشَرَ الَّذي تَقضونَه وأَنتُم صائِمونَ لم تَذوقوا شَيئًا. فأَحُثُّكم على تَناوُلِ الطَّعام، لأَنَّ فيه خَلاصَكم، فلا يَفقِدُ أَحَدٌ مِنكُم شَعرَةً مِن رأسِه». قالَ هٰذا ثُمَّ أَخَذَ رَغيفًا وشَكَرَ اللهَ بِمَرأًى مِنهُم أَجمَعين، ثُمَّ كَسَرَه وجَعَلَ يأكُل، فاطمَأَنُّوا كُلُّهم وتَناوَلوا الطَّعامَ هم أَيضًا. وكانَ عَدَدُنا في السَّفينَةِ مائَتَينِ وسِتًّا وَسَبعينَ نَفْسًا. فلَمَّا شَبِعوا أَخَذوا يُخَفِّفونَ مِن أَثقالِ السَّفينَة، فطَرَحوا القَمْحَ في البَحر. ولَمَّا طَلَعَ الصَّباح، لم يَعرِفِ البَحَّارَةُ الأَرض، ولٰكِنَّهم تَبَيَّنوا خَليجًا صَغيرًا له شاطِئ، فأَزمَعوا أَن يَدفَعوا السَّفينَةَ إِلَيه إِذا ٱستَطاعوا. فحَلُّوا المَراسِيَ وخَلَّوها في البَحر، وأَرخَوا في الوَقْتِ نَفْسِه رِباطَ السُّكَّان، ثُمَّ رَفَعوا الشِّراعَ الصَّغيرَ لِلرِّيح وقَصَدوا الشَّاطِئ. فوَقَعوا على شَطٍّ رَمْلِيّ، فجَنَحوا بِالسَّفينَةِ إِلَيه فنَشِبَ فيه مُقَدَّمُها، وبَقِيَ لا يَتَحَرَّك، في حينِ أَنَّ مُؤخَّرَها تَفَكَّكَ مِن شِدَّةِ المَوج. فعَزمَ الجُنودُ على قَتْلِ السُّجَناء مَخافَةَ أَن يَهرُبَ أَحَدٌ مِنهُم سَبْحًا. ولٰكِنَّ قائِدَ المائَةِ كانَ يَرغَبُ في إِنقاذِ بولُس، فحالَ دُونَ بُغيَتِهم، وأَمَرَ الَّذينَ يُحسِنونَ السِّباحَةَ أُن يُلقُوا بِأَنفُسِهم قَبلَ غَيرِهم في الماء ويَخرُجوا إِلى البَرّ. وأَمَرَ الآخَرينَ أَن يَخرُجوا إِلى البَرّ، إِمَّا على الأَلْواح، وإِمَّا على أَنقاضِ السَّفينة، وهٰكذا وَصَلوا جَميعًا إِلى البَرِّ سالِمين. وبَعدَ ما نَجَونا عَرَفْنا أَنَّ الجَزيرةَ تُدْعى مالِطَة. وقابَلَنا الأَهلونَ بِعَطفٍ إِنْسانِيٍّ قَلَّ نَظيرُه فأَوقَدوا نارًا وقَرَّبونا جَميعًا إِلَيهِم حَولَها لِنُزولِ المَطَرِ وشِدَّةِ البَرْد. وبَينَما بولُسُ يَجْمَعُ شَيئًا مِنَ الحَطَب ويُلقيهِ في النَّار، خَرَجَت أَفْعى دَفَعَتها الحَرارَة، فتَعَلَّقَت بِيَده، فلَمَّا رأَى الأَهلونَ الحَيَوانَ عالِقًا بِيَدِه، قالَ بَعضُهم لِبَعض: «لا شَكَّ أَنَّ هٰذا الرَّجُلَ قاتِل. لقَد نَجا مِنَ البَحر، ولٰكِنَّ العَدْلَ الإِلٰهِيَّ لم يَدَعْه يَعيش». أَمَّا بولُس فنَفَض الحَيَوانَ في النَّار، ولَم يُعانِ أَذًى. وكانوا يَنتَظِرونَ أَن يَتَوَرَّمَ أَو يَقَعَ فَجأَةً مَيتًا، فَلَمَّا طالَ ٱنتظارُهم ورَأَوا أَنَّه لم يُصَبْ بِسُوء، بَدَّلوا رأيَهم فيه، وأَخَذوا يَقولون: «هٰذا إِلٰه». وكانَ بِجِوارِ ذاك المَكانِ مَزرَعَةٌ لِحاكِمِ الجَزيرةِ بُبْلِيوس، فرَحَّبَ بِنا وأَضافَنا ضِيافَةَ الصَّديقِ مُدَّةَ ثَلاثَةِ أَيَّام. وكانَ أَبو بُبْلِيوس يَلزَمُ الفِراشَ مُصابًا بِالحُمَّى والزُّحار، فدَخَلَ إِلَيهِ بولُس وصَلَّى واضِعًا يَدَيهِ علَيه فعافاه. وما إِن حَدَثَ ذٰلك حتَّى أَخَذَ سائِرُ المَرْضى في الجَزيرَةِ يَأتونَه فيَنالونَ الشِّفاء. فأَكرَمونا إِكْرامًا كَثيرًا، وزَوَّدونا عِندَ إِبحارِنا بِما نَحتاجُ إِلَيه. وأَبحَرْنا بَعدَ ثَلاثةِ أَشهُرٍ على سَفينةٍ كانَت شاتِيةً في الجَزيرة، وهِي سَفينةٌ مِنَ الإِسكَندَرِيَّة، علَيها صورةُ التَّوْأَمَين. فلَمَّا نَزَلْنا في سَرَقُوصَة أَقَمْنا فيها ثَلاثَةَ أَيَّام. ومِن هُناكَ سِرْنا على مَقرُبَةٍ مِنَ الشَّاطِئِ حتَّى بَلَغْنا راجِيون. فهَبَّت في اليومِ الثَّاني ريحٌ جَنوبِيَّة، ووَصَلْنا بَعدَ يَومَينِ إِلى بوطِيول، فلَقِينا فيها بَعضَ الإِخوة. فسَأَلونا أَن نُقيمَ عِندَهم سَبعَةَ أَيَّام. وهٰكذا ذَهَبْنا إِلى رومة. وعَلِمَ الإِخوَةُ فيها بأَمرِنا. فَجاؤوا إِلى لِقائِنا في ساحَةِ أَبِّيوس والحَوانيتِ الثَّلاثَة، فلَمَّا رآهم بولُس شَكَرَ اللهَ وتَشَدَّدَت عَزيمَتُه. ولَمَّا دَخَلْنا رومة، أُذِنَ لِبُولُسَ أَن يُقيمَ في مَنزِلٍ خاصٍّ بِه مع الجُندِيِّ الَّذي يَحرُسُه. وبَعدَ ثَلاثةِ أَيَّام، دعا إِلَيه أَعْيانَ اليَهود. فلَمَّا ٱجتَمَعوا قالَ لَهم: «أَيُّها الإِخوَة، إِنِّي لم أَفعَلْ ما يُسيءُ إِلى الشَّعْبِ ولا إِلى سُنَنِ آبائِنا. ومعَ ذٰلكَ فإِنِّي سَجينٌ مُنذُ كُنتُ في أُورَشَليم وقد أُسلِمْتُ إِلى أَيدي الرُّومانِيِّين. فحقَّقوا معي، وأَرادوا إِخلاءَ سَبيلي لأَنَّه لم يَكُنْ هُناكَ مِن سَبَبٍ أَستَوجِبُ بِه المَوت. غَيرَ أَنَّ اليَهودَ ٱعتَرَضوا فَٱضطُرِرتُ أَن أَرفَعَ دَعْوايَ إِلى قَيصَر، لا كَأَنَّ لي شَكْوى على أُمَّتي. لِذٰلِكَ السَّبَب، طَلَبتُ أَن أَراكُم وأُكَلِّمَكم، فَأَنا مِن أَجْلِ رَجاءِ إِسرائيلَ مُوثَقٌ بِهٰذه السِّلْسِلة». فقالوا لَه: «نَحنُ ما تَلَقَّينا كِتابًا في شَأنِكَ مِنَ اليَهودِيَّة، ولا قَدِمَ علَينا أَحَدٌ مِنَ الإِخوَة فأَبلَغَنا أَو قالَ لَنا علَيكَ سوءًا. على أَنَّنا نَوَدُّ لو نَسمَعُ مِنكَ رَأيَك، فعَن هٰذِه الشِّيعَةِ نَحنُ نَعلَمُ أَنَّها تُقاوَمُ في كُلِّ مَكان». ثُمَّ جَعَلوا له يَومًا جاؤوا فيه إِلى مَنزِلِه وهُم أَكثَرُ عَدَدًا. فأَخَذَ يَعرِضُ لَهُمُ الأُمور فيَشهَدُ لِمَلَكوتِ الله ويُحاوِلُ أَن يُقنِعَهم بِشأنِ يَسوع مُعتَمِدًا على شَريعَةِ موسى وكُتُبِ الأَنبِياء. فبَقِيَ على ذٰلك مِنَ الصَّباحِ إِلى المَساء. فَمِنهُم مَنِ ٱقتَنَعَ بِكَلامِه، ومِنهُم مَن لم يُؤمِن. وبَينَما هم مُنصَرِفون كانوا على ٱختِلافٍ فيما بَينَهم، فقالَ بولُسُ كَلِمَةً واحِدة: «أَحسَنَ الرُّوحُ القُدُسُ في قَولِه لِآبائِكم بِلِسانِ النَّبِيِّ أَشَعْيا: «إِذهَبْ إِلى هٰذا الشَّعْبِ فَقُلْ له: تَسمَعونَ سَماعًا ولا تَفهَمون، وتَنظُرونَ نَظَرًا ولا تُبصِرون. فقَد غَلُظَ قَلْبُ هٰذا الشَّعْب، وأَصَمُّوا آذانَهم وأَغمَضوا عُيونَهم، لِئَلاَّ يُبصِروا بِعُيونِهم ويَسمَعوا بِآذانِهم، ويَفهَموا بِقُلوبِهم ويَرجِعوا. أَفأَشْفيهم؟». فٱعلَموا إِذًا أَنَّ خَلاصَ اللهِ هٰذا أُرسِلَ إِلى الوَثَنِيِّين وَهُم سيَستَمِعونَ إِلَيه». ومَكَثَ سنَتَينِ كامِلَتَينِ في مَنزلٍ خاصٍّ استأجَرَه، يَستَقبِلُ جَميعَ الَّذينَ كانوا يأتونَه، يُعلِنُ مَلَكوتَ الله ويُعَلِّمُ بِكُلِّ جُرأَةٍ ما يَختَصُّ بِالرَّبِّ يسوعَ المَسيح، لا يَمنَعُه أَحَد. مِن بولُسَ عَبْدِ المسيحِ يسوع دُعِيَ لِيَكونَ رَسولاً وأُفرِدَ لِيُعلِنَ بِشارةَ الله، تِلكَ البِشارةَ الَّتي سَبَقَ أَن وَعَدَ بِها على أَلسِنَةِ أَنبِيائِه في الكُتُبِ المُقَدَّسة، في شَأنِ ٱبنِه الَّذي وُلِدَ مِن نَسْلِ داوُد بِحَسَبِ الطَّبيعَةِ البَشَرِيَّة، وجُعِلَ ٱبنَ اللهِ في القُدرَة، بِحَسَبِ روحِ القَداسة، بِقِيامَتِه مِن بَينِ الأَموات، أَلا وهو يسوعُ المسيحُ رَبُّنا. بِه نِلْنا النِّعمَةَ بِأَن نَكونَ رَسولاً، فنَهدِيَ إِلى طاعَةِ الإِيمانِ جَميعَ الأُمَمِ الوَثَنِيَّة، إِكرامًا لِٱسمِه، وأَنتُم أَيضًا مِنها، أَنتُمُ الَّذينَ دَعاهُم يسوعُ المسيح. إِلى جَميعِ أَحِبَّاءِ اللهِ الَّذينَ في رُومة، إِلى المَدعُوِّينَ لِيَكونوا قِدِّيسين. علَيكُمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ أَبِينا والرَّبِّ يسوعَ المسيح. أَبدَأُ بِشُكرِ إِلٰهي بِيَسوعَ المسيحِ في أَمرِكم أَجمَعين، لأَنَّ إِيمانَكُم يُعلَنُ في العالَمِ كُلِّه. فاللهُ الَّذي أَعبُدُ في رُوحي، مُبَشِّرًا بِٱبنِه، يَشهَدُ لي أَنِّي لا أَنفَكُّ أَذكُرُكُم وأَسأَلُ دائِمًا في صَلَواتي أَن يَتَيَسَّر لِي يَومًا ما الذَّهابُ إِلَيكم، إِن شاءَ الله. فإِنِّي مُشْتاقٌ إِلى رُؤيَتِكُم لأُفيدَكم بَعضَ المَواهِبِ الرُّوحِيَّةِ تأييدًا لَكم، بل لِنَتَشَدَّدَ معًا عِندَكُم بِالإِيمانِ المُشتَرَكِ بَينِي وبَينَكم. ولا أُريدُ أَن تَجهَلوا، أَيُّها الإِخوَة، أَنِّي كَثيرًا ما قَصَدتُ الذَّهابَ إِلَيكُم، فحِيلَ بَيني وبَينَهُ إِلى اليَوم، ومُرادي أَن أَجنِيَ بَعضَ الثِّمارِ عِندَكُم كما أَجنِيها عِندَ سائِرِ الأُمَمِ الوَثَنِيَّة. فعَلَيَّ حَقٌّ لِليونانِيِّينَ والبَرابِرة، لِلعُلَماءِ والجُهَّال. فمِن هُنا رَغبَتي في أَن أُبَشِّرَكُم أَيضًا أَنتُمُ الَّذينَ في رُومة. فإِنِّي لا أَستَحيِي بِالبِشارة، فهي قُدرَةُ اللهِ لِخَلاصِ كُلِّ مُؤمِن، لِليَهودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِليُونانِيّ، فإِنَّ فيها يَظهَرُ بِرُّ الله، بِالإِيمانِ ولِلإِيمان، كما وَرَدَ في الكِتاب: «إِنَّ البارَّ بِالإِيمانِ يَحْيا». فقَد ظَهَرَ غَضَبُ اللهِ مِنَ السَّماء، غَضَبُ اللهِ على كُلِّ كُفْرٍ وظُلْمٍ يأتي بِه النَّاس، فإِنَّهم يَجعَلونَ الحَقَّ أَسيرًا لِلظُّلْم، لأَنَّ ما يُعرَفُ عنِ اللهِ بَيِّنٌ لَهم، فقَد أَبانَه اللهُ لَهم. فمُنْذُ خَلْقِ العالَم لا يَزالُ ما لا يَظهَرُ مِن صِفاتِه، أَي قُدرَتُه الأَزَلِيَّةُ وأُلوهَتُه، ظاهِرًا لِلبَصائِرِ في مَخلوقاتِه. فلا عُذْرَ لَهم إِذًا، لأَنَّهم عَرَفوا اللهَ ولَم يُمَجِّدوه ولا شَكَروه كما يَنبَغي للهٍ، بل تاهوا في آرائِهِمِ الباطِلَة فأَظلَمَت قُلوبُهمُ الغَبِيَّة. زَعَموا أَنَّهُم حُكَماء، فإِذا هم حَمْقى قَدِ ٱستَبدَلوا بِمَجْدِ اللهِ الخالِدِ صُوَرًا تُمَثِّلُ الإِنسانَ الزَّائِلَ والطُّيورَ وذَواتِ الأَربَعِ والزَّحَّافات. ولِذٰلِك أَسلَمَهُمُ اللهُ بِشَهَواتِ قُلوبِهم إِلى الدَّعارَة يَشينونَ بِها أَجسادَهم في أَنفُسِهم. قَدِ ٱستَبدَلوا الباطِلَ بِحَقيقَةِ الله واتَّقَوا المَخلوقَ وعَبدوهُ بَدَلَ الخالِق، تَبارَكَ أَبَدًا. آمين. ولِهٰذا أَسلَمَهُمُ اللهُ إِلى الأَهْواءِ الشَّائِنة، فٱستَبدَلَت إِناثُهم بِالوِصالِ الطَّبيعيِّ الوِصالَ المُخالِفَ لِلطَّبيعة، وكَذٰلكَ تَرَكَ الذُّكْرانُ الوِصالَ الطَّبيعِيَّ لِلأُنْثى وٱلتَهَبَ بَعضُهم عِشْقًا لِبَعْض، فَأَتى الذُّكْرانُ الفَحْشاءَ بِالذُكْران، فنالوا في أَنْفُسِهِمِ الجَزاءَ الحَقَّ لِضَلالَتِهم. ولَمَّا لم يَرَوا خَيرًا في المُحافظةِ على مَعرِفَةِ الله، أَسلَمَهُمُ اللهُ إِلى فَسادِ بَصائِرِهم ففَعَلوا كُلَّ مُنْكَر. مُلِئُوا مِن أَنواعِ الظُّلْمِ والخُبْثِ والطَّمَعِ والشَّرّ. مُلِئُوا مِنَ الحَسَدِ والتَّقْتيل والخِصامِ والمَكْرِ والفَساد. هُم نمَّامونَ مُفتَرون، أَعداءٌ للهٍ، شَتَّامونَ مُتَكَبِّرونَ صَلِفون، مُتَفَنِّنونَ بِالشَّرّ، عاصونَ لِوالِدِيهِم، لا فَهمَ لَهم ولا وَفاء ولا وُدَّ ولا رَحمَة. ومع أَنَّهم يَعرِفونَ قضاءَ اللهِ بِأَنَّ الَّذينَ يَعمَلونَ مِثلَ هٰذِه الأَعمالِ يَستَوجِبونَ المَوت، فهُم لا يَفعَلونَها فحَسبُ، بل يَرضَونَ عنِ الَّذينَ يَعمَلونَها. فلا عُذرَ لَكَ أَيًّا كُنتَ، يا مَن يَدين، لأَنَّكَ وأَنتَ تَدينُ غَيرَكَ تَحكُمُ على نَفْسِكَ، فإِنَّكَ تَعمَلُ عَمَلَه، يا مَن يَدين، ونَحنُ نَعلَمُ أَنَّ قَضاءَ اللهِ يَجْري بِالحَقِّ على الَّذينَ يَعمَلونَ مِثلَ هٰذِه الأَعمال. أَوَتَظُنُّ، أَنتَ الَّذي يَدينُ مَن يَعمَلونَ مِثلَ هٰذه الأَعمالِ ويَفعَلُها، أَنَّكَ تَنْجو مِن قَضاءِ الله، أَم تَزدَري جَزيلَ لُطفِه وحِلمِه وطُولِ أَناتِه، ولا تَعلَمُ أَنَّ لُطْفَ اللهِ يَحمِلُكَ على التَّوبَة؟ غَيرَ أَنَّكَ بِقَساوَتِكَ وقِلَّةِ تَوْبَةِ قَلْبِكَ تَذَّخِرُ لَكَ غَضَبًا لِيَومِ الغَضَب، إِذ يَنكَشِفُ قَضاءُ اللهِ العادِل فيُجازي كُلَّ واحِدٍ بِحَسَبِ أَعمالِه، إِمَّا بِالحَياةِ الأَبَدِيَّةِ لِلَّذينَ بِثَباتِهم على العَمَلِ الصَّالِح يَسعَونَ إِلى المَجدِ والكَرامةِ والمَنعَةِ مِنَ الفَساد، وإِمَّا بِالغَضَبِ والسُّخْطِ على الَّذينَ يَثورونَ فَيَعصونَ الحَقَّ ويَنقادونَ لِلْظُّلْم. فالشِّدَّةُ والضِّيقُ لِكُلِّ ٱمرِئٍ يَعمَلُ الشَّرّ: اليَهودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ اليُونانِيّ، والمَجْدُ والكَرامةُ والسَّلامُ لِكُلِّ مَن يَعمَلُ الخَيْر: اليَهودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ اليُونانِيّ، لأَنَّ اللهَ لا يُحابي أَحَدًا. فالَّذينَ خَطِئُوا وهُم بِغَيرِ شَريعة يَهلِكونَ أَيضًا بِغَيرِ شَريعة. والَّذينَ خَطِئُوا وهُم بِالشَّريعة يُدانونَ بِالشَّريعَة. فلَيسَ الَّذينَ يُصْغونَ إِلى كَلامِ الشَّريعةِ همُ الأَبرارُ عِندَ الله، بلِ العامِلونَ بِالشَّريعَةِ هُمُ الَّذينَ يُبَرَّرون. فالوَثنِيُّونَ الَّذينَ بِلا شَريعة، إِذا عَمِلوا بِحَسَبِ الطَّبيعَةِ ما تَأمُرُ بِه الشَّريعة، كانوا شَريعةً لأَنْفُسِهم، همُ الَّذينَ لا شَريعةَ لَهم، فيَدُلُّون على أَنَّ ما تَأمُرُ بِه الشَّريعةُ مِنَ الأَعمالِ مَكتوبٌ في قُلوبِهم، وتَشهَدُ لَهم ضَمائِرُهم وأَفكارُهم، فهي تارةً تَشكوهُم وتارةً تُدافِعُ عنهُم. وسيَظهَرُ ذٰلِكَ كُلُّه، كما أُعلِنُ في بِشارتي، يَومَ يَدينُ اللهُ بِيَسوعَ المسيح ما خَفِيَ مِن أَعمالِ النَّاس. فإِذا كُنتَ تُدْعى يَهُودِيًّا، وتَعتَمِدُ على الشَّريعة وتَفتَخِرُ بِالله وتَعرِفُ مَشيئَتَه وتُمَيِّزُ ما هو الأَفضَلُ بِفَضْلِ تَلَقُّنِكَ الشَّريعة، وتُوقِنُ أَنَّكَ قائِدٌ لِلعُمْيانِ ونُورٌ لِلَّذينَ في الظَّلام ومُؤَدِّبٌ لِلجُهَّال ومُعَلِّمٌ لِلبُسَطاء، لأَنَّ لَكَ في الشَّريعةِ وَجهَ المَعرِفَةِ والحَقيقة... أَفَتُعَلِّمُ غَيرَكَ ولا تُعَلِّمُ نَفْسَكَ. أَتَعِظُ بِالاِمتِناعِ عَنِ السَّرِقَةِ وتَسرِق؟ أَتَنْهى عنِ الزِّنى وتَزْني؟ أَتَستَقبِحُ الأَصْنامَ وتَنهَبُ مَعابِدَها؟ أَتَفتَخِرُ بِالشَّريعةِ وتُهينُ اللهَ بِمُخالَفَتِكَ الشَّريعة؟ فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «يُجَدَّفُ بِٱسمِ اللهِ بَينَ الوَثَنِيِّينَ وأَنتُمُ السَّبَب». لا شَكَّ أَنَّ في الخِتانِ فائِدة، إِن عَمِلتَ بِالشَّريعة، ولٰكِن إِذا خالَفتَ الشَّريعة صارَ خِتانُكَ قَلَفًا. وإِن كانَ الأَقلَفُ يُراعي أَحكامَ الشَّريعة، أَفَما يُعَدُّ قَلَفُه خِتانًا؟ فأَقلَفُ الجَسَدِ الَّذي يَعمَلُ بِالشَّريعةِ سَيَدينُكَ أَنتَ الَّذي يُخالِفُ الشَّريعة ومعَه حُروفُ الشَّريعةِ والخِتان. فلَيسَ اليَهودِيُّ بِما يَبْدو في الظَّاهِر، ولا الخِتانُ بِما يَبْدو في ظاهِرِ الجَسَد، بلِ اليَهودِيُّ هو بِما في الباطِن، والخِتانُ خِتانُ القَلْبِ العائِدُ إِلى الرُّوح، لا إِلى حَرْفِ الشَّريعة. ذاكَ هو الرَّجُلُ الَّذي يَنالُ الثَّناءَ مِنَ الله، لا مِنَ النَّاس. فما فَضْلُ اليَهودِيِّ إِذًا؟ وما الفائِدَةُ في الخِتان؟ هِيَ كَبيرَةٌ مِن كُلِّ وَجْه. وأَوَّلُها أَنَّهُمُ ٱئتُمِنوا على كَلامِ الله. فماذا يَكون؟ إِن خانَ بَعضُهم أَفَتُبطِلُ خِيانَتُهم أَمانَةَ الله؟ حاشَ لَه! بل صَدَقَ اللهُ وكَذِبَ كُلُّ إِنسان، على حَدِّ ما وَرَدَ في الكِتاب: «لِكَي تَكونَ بارًّا في كَلامِكَ وتَغلِبَ إِذا حوكِمتَ». ولٰكِن إِذا كانَ ظُلْمُنا يُبرِزُ بِرَّ الله، فماذا نَقول؟ أَفَما يَكونُ اللهُ ظالِمًا إِذا أَنزَلَ بِنا غَضَبَه؟ وكَلامي هٰذا كَلامٌ بَشَرِيٌّ مَحْض. مَعاذَ الله! وإِلاَّ فكَيفَ يَدينُ اللهُ العالَم؟ ولٰكِن إِذا كانَ كَذِبي يَزيدُ ظُهورَ صِدْقِ اللهِ مِن أَجْلِ مَجْدِه، فلِماذا أُدانُ أَنا بَعدَ ذٰلك كما يُدانُ الخاطِئ؟ ولِماذا لا نَفْعَلُ الشَّرَّ لِكَي يَأتِيَ منه الخَير، كما يُفتَرى علَينا فَيَزعُمُ بَعضُهم أَنَّنا نَقولُ بِه؟ إِنَّ الحُكمَ على هٰؤُلاءِ لَعَدْل. فماذا إِذًا؟ هل لَنا أَيُّ فَضْل؟ لا فَضْلَ لَنا على الإِطْلاق، فقَد بَرهَنَّا أَنَّ اليَهودَ واليونانِيِّينَ هم كُلُّهم في حُكْمِ الخَطيئة، فقد وَرَدَ في الكِتاب: «ما مِن أَحَدٍ بارّ، لا أَحَد، ما مِن أَحَدٍ يُدرِك، ما مِن أَحَدٍ يَبتَغي وَجْهَ الله. ضَلُّوا جَميعًا فَفَسُدوا معًا. ما مِن أَحَدٍ يَعمَلُ الصَّالِحات، لا أَحَد. حَناجِرُهُم قُبورٌ مُفَتَّحة، وبِأَلسنَتِهم يَمكُرون. سَمُّ الأَصْلالِ تَحتَ شِفاهِهِم، أَفْواهُهم مِلْؤُها اللَّعنَةُ والمَرارة، أَقدامُهم تُسرِعُ إِلى سَفْكِ الدِّماء، وعلى طُرُقِهِم دَمارٌ وشَقاء. سَبيلَ السَّلامِ لا يَعرِفون، ولَيسَت مَخافَةُ اللهِ نُصْبَ عُيونِهِم». وإِنَّنا نَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَقولُه الشَّريعة إِنَّما تَقولُه لِلَّذينَ هم في حُكْمِ الشَّريعة، لِكَي يُخرَسَ كُلُّ لِسان ولِكَي يُعرَفَ العالَمُ كُلُّه مُذنِبًا عِندَ الله. فلِذٰلِكَ لَن يُبَرَّرَ عِندَه أَحَدٌ مِنَ البَشَرِ إِذا عَمِلَ بِحَسَبِ الشَّريعة، فما الشَّريعةُ إِلاَّ سَبيلٌ إِلى مَعرِفَةِ الخَطيئَة. أَمَّا الآن فقَد أُظهِرَ بِرُّ اللهِ بِمَعزِلٍ عنِ الشَّريعة، تَشهَدُ لَه الشَّريعةُ والأَنبِياء، هو بِرُّ الله وطَريقُه الإِيمانُ بِيَسوعَ المسيح، لِجَميعِ الَّذينَ آمَنوا، لا فَرْق. ذٰلِكَ بِأَنَّ جَميعَ النَّاسِ قد خَطِئُوا فحُرِموا مَجْدَ الله، ولٰكِنَّهم بُرِّروا مَجَّانًا بِنِعمَتِه، بِحُكمِ الفِداءِ الَّذي تَمَّ في المَسيحِ يَسوع، ذاكَ الَّذي جَعَلَه اللهُ كَفَّارةً في دَمِه بِالإِيمان ليُظهِرَ بِرَّه، بإِغْضائِه عنِ الخَطايا الماضِيَةِ في حِلمِه تَعالى، لِيُظهِرَ بِرَّه في الزَّمَنِ الحاضِر فيَكونَ هو بارًّا ويُبَرِّرَ مَن كانَ مِن أَهلِ الإِيمانِ بِيَسوع. فأَينَ السَّبيلُ إِلى الاِفتِخار؟ لا مَجالَ لَه. وبأَيِّ شَريعة؟ أَبِشَريعةِ الأَعمال؟ لا، بل بِشَريعةِ الإِيمان. ونَحنُ نَرى أَنَّ الإِنسانَ يُبَرَّرُ بالإِيمانِ بمَعزِلٍ عن أَعمالِ الشَّريعة. أَوَيَكونُ اللهُ إِلٰهَ اليَهودِ وَحْدَهم؟ أَما هو إِلٰهُ الوَثَنِيِّينَ أَيضًا؟ بَلى، هو إِلٰهُ الوَثَنِيِّينَ أَيضًا، لأَنَّ اللهَ أَحَد، بالإِيمانِ يُبَرِّرُ المَخْتون وبِالإِيمانِ يُبَرِّرُ الأَقلَف. أَفَنُبطِلُ الشَّريعةَ بِالإِيمان؟ مَعاذَ الله! بل نُثبِتُ الشَّريعة. فماذا نَقولُ في جَدِّنا إِبراهيم؟ ماذا نالَ مِن جِهَةِ الجَسَد؟ فلَو نالَ إِبراهيمُ البِرَّ بِالأَعمال لَكانَ لَه سَبيلٌ إِلى الاِفتِخارِ بِذٰلك، ولٰكِن لَيسَ عِندَ الله. فماذا يَقولُ الكِتاب؟ «إِنَّ إِبراهيمَ آمَنَ بِاللهِ فحُسِبَ لَه ذٰلِكَ بِرًّا». فمَن قامَ بِعَمَل، لا تُحسَبُ أُجرَتُه نِعمَةً، بل حَقًّا، في حِينِ أَنَّ الَّذي لا يَقومُ بِعَمَل، بل يُؤمِنُ بِمَن يُبَرِّرُ الكافِر، فإِيمانُه يُحْسَبُ بِرًّا. وهٰكذا يُشيدُ داوُدُ بِسَعادةِ الإِنسانِ الَّذي يَنسِبُ اللهُ إِليه البِرَّ بِمَعزِلٍ عنِ الأَعمال: «طُوبى لِلَّذينَ عُفِيَ عن آثامِهم، وغُفِرَت لَهم خَطاياهُم! طُوبى لِلرَّجُلِ الَّذي لا يُحاسِبُه الرَّبُّ بِخَطيئَة!» أَفهٰذِه الطُّوبى لِلمَخْتونينَ فَقَط أَم لِلقُلْفِ أَيضًا؟ فإِنَّنا نَقول: إِنَّ الإِيمانَ حُسِبَ لإِبراهيمَ بِرًّا، ولٰكِن كَيفَ حُسِبَ لهُ؟ أَفي الخِتانِ أَم في القَلَف؟ لا في الخِتان، بل في القَلَف، وقَد تَلقَّى سِمَةَ الخِتان خاتَمًا لِلبِرِّ الَّذي يأتي من الإِيمانِ وهو أَقْلَف، فأَصبَحَ أَبًا لِجَميعِ المُؤمِنينَ الَّذينَ في القَلَف، لِكَي يُنسَبَ إِلَيهِمِ البِرّ، وأَبًا لأَهلِ الخِتانِ الَّذينَ لَيسوا مِن أَهلِ الخِتانِ فَحَسْبُ، بل يَقتَفونَ أَيضًا آثارَ الإِيمانِ الَّذي كانَ علَيه أَبونا إِبراهيمُ وهو في القَلَف. فالوَعْدُ الَّذي وُعِدَهُ إِبراهيمُ أَو نَسْلُه بِأَن يَرِثَ العالَم لا يَعودُ إِلى الشَّريعة، بل إِلى بِرِّ الإِيمان. فلَو كانَ الوَرَثَةُ أَهْلَ الشَّريعة لَأُبطِلَ الإِيمانُ ونُقِضَ الوَعْد، لأَنَّ الشَّريعةَ تَجلُبُ الغَضَب، وحَيثُ لا تَكونُ شَريعة لا تَكونُ مَعصِيَة ولِذٰلك فالميراثُ يَحصُلُ بِالإيمان لِيَكونَ عَلى سَبيلِ النِّعمَة ويَبقى الوَعْدُ جاريًا على نَسْلِ إِبراهيمَ كُلِّه، لا على مَن يَنتَمونَ إِلى الشَّريعةِ فَحَسْبُ، بل على مَن يَنتَمونَ إِلى إِيمانِ إِبراهيمَ أَيضًا. وهُو أَبٌ لَنا جَميعًا، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «إِنِّي جَعَلتُكَ أَبًا لِعَدَدٍ كَبيرٍ مِنَ الأُمَم». هو أَبٌ لَنا عِندَ الَّذي بِه آمَن، عِندَ اللهِ الَّذي يُحيِي الأَموات ويَدعو إِلى الوُجودِ غَيرَ المَوجود. آمَنَ راجِيًا على غَيرِ رَجاء فأَصبَحَ أَبًا لِعَدَدٍ كَبيرٍ مِنَ الأُمَمِ على ما قِيل: «هٰكذا يَكونُ نَسْلُكَ». ولَم يَضعُفْ في إِيمانِه حِينَ رأَى أَنَّ بَدَنَه قد ماتَ (وكانَ قد شارَفَ المائةَ) وأَنَّ رَحِمَ سارَةَ قد ماتَت أَيضًا. ففي وَعدِ اللهِ لم يَتَرَدَّدْ لِعَدَمِ الإِيمان، بل قَوَّاهُ إِيمانُه فمَجَّدَ اللهَ مُتَيَقِّنًا أَنَّ اللهَ قادِرٌ على إِنجازِ ما وَعَدَ بِه. فلِهٰذا حُسِبَ لَه ذٰلِك بِرًّا. ولَيسَ مِن أَجلِه وَحدَه كُتِبَ «حُسِبَ لَه»، بل مِن أَجلِنا أَيضًا نَحنُ الَّذينَ يُحْسَبُ لَنا الإِيمانُ بِرًّا لأَنَّنا نُؤمِنُ بِمَن أَقامَ مِن بَينِ الأَمواتِ يسوعَ ربَّنا الَّذي أُسلِمَ إِلى المَوتِ مِن أَجْلِ زَلاَّتِنا وأُقيمَ مِن أَجْلِ بِرِّنا. فلَمَّا بُرِّرْنا بِالإِيمان حَصَلْنا على السَّلامِ مع اللهِ بِرَبِّنا يسوعَ المَسيح، وبِه أَيضًا بَلَغْنا بِالإِيمانِ إِلى هٰذِه النِّعمَةِ الَّتي فيها نَحنُ قائِمون، ونَفتَخِرُ بِالرَّجاءِ لِمَجْدِ الله، لا بل نَفتَخِرُ بِشَدائِدِنا نَفْسِها لِعِلمِنا أَنَّ الشِّدَّةَ تَلِدُ الثَّبات، والثَّباتَ يَلِدُ فَضيلةَ الاِختِبار وفَضيلةَ الاِختِبار تَلِدُ الرَّجاء والرَّجاءَ لا يُخَيِّبُ صاحِبَه، لأَنَّ مَحَبَّةَ الله أُفيضَت في قُلوبِنا بِالرُّوحِ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا. ولَمَّا كُنَّا لا نَزالُ ضُعَفاء، ماتَ المسيحُ في الوَقْتِ المُحَدَّدِ مِن أَجْلِ قَوْمٍ كافِرين، ولا يَكادُ يَموتُ أَحَدٌ مِن أَجْلِ ٱمرِئٍ بارّ، ورُبَّما جَرُؤَ أَحَدٌ أَن يَموتَ مِن أَجْلِ ٱمرِئٍ صالِح. أَمَّا اللهُ فقَد دَلَّ على مَحَبَّتِه لَنا بِأَنَّ المسيحَ قد ماتَ مِن أَجْلِنا إِذ كُنَّا خاطِئين. فما أَحرانا اليَوم، وقَد بُرِّرنا بِدَمِه، أَن نَنجُوَ بِه مِنَ الغَضَب! فإِن صالَحَنا اللهُ بِمَوتِ ٱبنِه ونَحنُ أَعداؤُه، فما أَحرانا أَن نَنجُوَ بِحَياتِه ونَحنُ مُصالَحون! لا بَل إِنَّنا نَفتَخِرُ بِالله، بِرَبِّنا يسوعَ المسيحِ الَّذي بِه نِلْنا الآنَ المُصالَحة. فكَما أَنَّ الخَطيئَةَ دَخَلَت في العالَمِ عَن يَدِ إِنسانٍ واحِد، وبِالخَطيئَةِ دَخَلَ المَوت، وهٰكذا سَرى المَوتُ إِلى جَميعِ النَّاسِ لأَنَّهُم جَميعًا خَطِئوا... فالخَطيئَةُ كانَت في العالَمِ إِلى عَهْدِ الشَّريعة، ومع أَنَّه لا تُحسَبُ خَطيئَةٌ على فاعِلِها إِذا لم تَكُنْ هُناكَ شَريعة، فقَد سادَ المَوتُ مِن عَهْدِ آدَمَ إِلى عَهْدِ موسى، سادَ حتَّى الَّذينَ لم يَرتَكِبوا خَطيئَةً تُشبِهُ مَعصِيَةَ آدم، وهو صُورَةٌ لِلَّذي سيَأتي. ولٰكِن لَيسَتِ الهِبَةُ كَمِثْلِ الزَّلَّة: فإِذا كانَت جَماعَةُ النَّاسِ قد ماتَت بِزَلَّةِ إِنسانٍ واحِد، فبِالأَوْلى أَن تَفيضَ على جَماعَةِ النَّاسِ نِعمَةُ اللهِ والعَطاءُ المَمْنوحُ بِنِعمَةِ إِنسانٍ واحِد، أَلا وهو يسوعُ المسيح. ولَيسَتِ الهِبَةُ كَمِثْلِ ما جَرَّت مِنَ العَواقِبِ خَطيئَةُ إِنسانٍ واحِد. فالحُكْمُ على أَثَرِ خَطيئَةِ إِنسانٍ واحِدٍ أَفْضى إِلى الإِدانة، والهِبَةُ على أَثَرِ زَلاَّتٍ كَثيرةٍ أَفضَت إِلى التَّبْرير. فإِذا كانَ المَوتُ بِزَلَّةِ إِنسانٍ واحِد قد سادَ عن يَدِ إِنسانٍ واحِد، فما أَحْرى أُولٰئِكَ الَّذينَ تَلَقَّوا فَيضَ النِّعمَةِ وهِبَةَ البِرِّ أَن يَسودوا بالحَياةِ بيَسوعَ المسيحِ وَحدَه. فكَما أَنَّ زَلَّةَ إِنسانٍ واحِدٍ أَفضَت بِجَميعِ النَّاسِ إِلى الإِدانة، فكَذٰلِكَ بِرُّ إِنسانٍ واحِدٍ يَأتِي جَميعَ النَّاسِ بِالتَّبْريرِ الَّذي يَهَبُ الحَياة. فكما أَنَّه بِمَعصِيَةِ إِنسانٍ واحِدٍ جُعِلَت جَماعةُ النَّاسِ خاطِئَة، فكَذٰلِكَ بِطاعةِ واحِدٍ تُجعَلُ جَماعةُ النَّاسِ بارَّة. وقَد جاءَتِ الشَّريعةُ لِتَكثُرَ الزَّلَّة، ولٰكِن حَيثُ كَثُرَتِ الخَطيئَة فاضَتِ النِّعمَة، حتَّى إِنَّه كما سادَتِ الخَطيئَةُ لِلمَوت، فكذٰلك تَسودُ النِّعمَةُ بِالبِرِّ في سَبيلِ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ بِيَسوعَ المسيحِ رَبِّنا. فماذا نَقول؟ أَنَتَمادى في الخَطيئَةِ لِتَكثُرَ النِّعمَة؟ مَعاذَ الله! أَمَّا وقَد مُتْنا عنِ الخَطيئَة، فكَيفَ نَحْيا فيها مِن بَعدُ؟ أَوَتَجهَلونَ أَنَّنا، وقَدِ ٱعتَمَدْنا جَميعًا في يسوعَ المسيح، إِنَّما ٱعتَمَدْنا في مَوتِه فدُفِنَّا مَعَه في مَوتِه بِالمَعمودِيَّة لِنَحْيا نَحنُ أَيضًا حَياةً جَديدة كما أُقيمَ المَسيحُ مِن بَينِ الأَمواتِ بِمَجْدِ الآب؟ فإِذا ٱتَّحَدْنا بِه فصِرْنا على مِثالِه في المَوت، فسنَكونُ على مِثالِه في القِيامةِ أَيضًا. ونَحنُ نَعلَمُ أَنَّ إِنسانَنا القَديم قد صُلِبَ مَعَه لِيَزولَ هٰذا البَشَرُ الخاطِئ، فلا نَظَلَّ عَبيدًا لِلخَطيئَة، لأَنَّ الَّذي ماتَ تَحَرَّرَ مِنَ الخَطيئَة. فإِذا كُنَّا قَد مُتْنا مع المسيح، فإِنَّنا نُؤمِنُ بِأَنَّنا سَنَحْيا معَه. ونَعلَمُ أَنَّ المسيح، بَعدَما أُقيمَ مِن بَينِ الأَموات، لن يَموتَ بَعدَ ذٰلِك ولن يَكونَ لِلمَوتِ علَيه مِن سُلطان، لأَنَّه بِمَوتِه قد ماتَ عنِ الخَطيئَةِ مَرَّةً واحِدَة، وفي حَياتِه يَحْيا للهٍ. فكَذٰلِكَ ٱحسَبوا أَنتُم أَنَّكُم أَمواتٌ عنِ الخَطيئَة أَحْياءٌ للهِ في يسوعَ المسيح. فلا تَسودَنَّ الخَطيئَةُ جَسَدَكمُ الفاني فتُذعِنوا لِشَهَواتِه، ولا تَجعَلوا مِن أَعضائِكم سِلاحًا لِلظُّلْمِ في سَبيلِ الخَطيئَة، بلِ ٱجعَلوا أَنفُسَكم في خِدمَةِ الله، على أَنَّكم أَحْياءٌ قاموا مِن بَينِ الأَموات، وٱجعَلوا مِن أَعضائِكم سِلاحًا لِلْبِرِّ في سَبيلِ الله، فلا يَكونَ لِلخَطيئَةِ مِن سُلطانٍ علَيكم. فَلَستُم في حُكْمِ الشَّريعة، بل في حُكْمِ النِّعمَة. فماذا إِذًا؟ أَنَخطَأُ لأَنَّنا لَسنا في حُكْمِ الشَّريعة، بل في حُكْمِ النِّعمَة؟ مَعاذَ الله! أَلا تَعلَمونَ أَنَّكم، إِذا جَعَلتُم أَنفُسَكم عَبيدًا في خِدمَةِ أَحَدٍ لِتَخضَعوا لَه، صِرتُم عَبيدًا لِمَن تَخضَعون: إِمَّا لِلخَطيئَةِ وعاقِبَتُها المَوت، وإِمَّا لِلطَّاعَةِ وعاقِبَتُها البِرّ؟ ولٰكِنِ الشُّكرُ للهٍ! فقد كُنتُم عَبيدًا لِلخَطيئَةِ ولٰكِنَّكم أَطَعتُم بِصَميمِ قُلوبِكم أُصولَ التَّعليمِ الَّذي إِلَيه وُكِلتُم. وأَصْبَحْتُم، بَعدَما حُرِّرتُم مِنَ الخَطيئَة، عَبيدًا لِلبِرّ. وتَعْبيري هٰذا بَشَرِيٌّ يُراعي ضُعفَ طَبيعَتِكم. فكما جَعَلتُم مِن أَعْضائِكم عَبيدًا في خِدمَةِ الدَّعارةِ والفِسْقِ وعاقِبَتُهما التَّمَرُّدُ على الله، فكَذٰلِكَ ٱجعَلوا الآنَ مِنها عَبيدًا في خِدمَةِ البِرِّ الَّذي يَقودُ إِلى القَداسة. لَمَّا كُنتُم عَبيدًا لِلخَطيئَة، كُنتُم أَحرارًا مِن جِهَةِ البِرّ، فأَيَّ ثَمَرٍ حَمَلتُم حينَذاك؟ إِنَّكم تَخجَلونَ الآنَ مِن تِلكَ الأُمور لأَنَّ عاقِبَتَها المَوت. أَمَّا الآن، وقَد أُعتِقتُم مِنَ الخَطيئَة وصِرتُم عَبيدًا للهٍ، فإِنَّكم تَحمِلونَ الثَّمَرَ الَّذي يَقودُ إِلى القَداسة، وعاقِبَتُه الحَياةُ الأَبَدِيَّة، لأَنَّ أُجرَةَ الخَطيئَةِ هي المَوت، وأَمَّا هِبَةُ اللهِ فهي الحَياةُ الأَبَدِيَّةُ في يسوعَ المَسيحِ ربِّنا. أَوَتَجهَلونَ، أَيُّها الإِخوَة، وإِنِّي أُكَلِّمُ قَومًا يَعرِفونَ الشَّريعة، أَن لا سُلطَةَ لِلشَّريعةِ على الإِنسانِ إِلاَّ ما دامَ حَيًّا؟ فالمرأَةُ المُتَزوِّجَةُ تَربِطُها الشَّريعةُ بِالرَّجُلِ ما دامَ حَيًّا، فإِذا ماتَ حُلَّت مِنَ الشَّريعةِ الَّتي تَربِطُها بِزَوجِها. وإِن صارَت إِلى رَجُلٍ آخَر وزَوجُها حَيّ، عُدَّت زانِية. وإِذا ماتَ الزَّوجُ تحرَّرَت مِنَ الشَّريعة، فلا تَكونُ زانِيةً إِذا صارَت إِلى رَجُلٍ آخَر. وكَذٰلِك أَنتُم يا إِخوَتي، فقَد أُمِتُّم عنِ الشَّريعةِ بِجَسَدِ المسيح لِتَصيروا إِلى آخَر، إِلى الَّذي أُقيمَ مِن بَينِ الأَموات، لِنُثمِرَ للهٍ، لأَنَّنا حينَ كُنَّا في حُكْمِ الجَسَد، كانَتِ الأَهواءُ الأَثيمَةُ تَعمَلُ في أَعضائِنا مُتذَرِّعةً بِالشَّريعة، لِكَي نُثمِرَ لِلمَوت. أَمَّا الآن، وقَد مُتْنا عَمَّا كانَ يأسِرُنا، فقَد حُلِلْنا مِنَ الشَّريعة وأَصبَحْنا نَعمَلُ في نِظامِ الرُّوحِ الجَديد، لا في نِظامِ الحَرْفِ القَديم. فماذا نَقول؟ أَتَكونُ الشَّريعةُ خَطيئَة؟ مَعاذَ الله! ولٰكِنِّي لم أَعرِفِ الخَطيئَةَ إِلاَّ بِالشَّريعَة. فلَو لم تَقُلِ الشَّريعة: لا تَشتَهِ، لَما عَرَفتُ الشَّهوَة. وٱنتَهَزَتِ الخَطيئَةُ الفُرصَةَ فأَورَثَتْني بِالوَصِيَّةِ كُلَّ نَوعٍ مِنَ الشَّهَوات، فإِنَّ الخَطيئَةَ بِمَعزِلٍ عن الشَّريعَةِ شَيءٌ مَيت. كُنتُ أَحْيا مِن قَبْلُ إِذ لم تَكُنْ شَريعة. فلَمَّا جاءَتِ الوَصِيَّة، عاشَتِ الخَطيئَةُ ومُتُّ أَنا. فإِذا بِالوَصِيَّةِ الَّتي هي سَبيلٌ إِلى الحَياةِ قد صارَت لي سَبيلاً إِلى المَوت، ذٰلِك بِأَنَّ الخَطيئَةَ ٱنْتَهَزَتِ الفُرصَةَ سَبيلاً فأَغوَتْني بِالوَصِيَّةِ وبِها أَماتَتْني. الشَّريعةُ إِذًا مُقَدَّسةٌ والوَصِيَّةُ مُقَدَّسةٌ عادِلةٌ صالِحة. فهَل صارَ الصَّالِحُ سَبَبًا لِمَوتي؟ مَعاذَ الله! ولٰكِنَّ الخَطيئَةَ، لِيَظهَرَ أَنَّها خَطيئة، أَورَثَتْني المَوتَ، مُتَذَرِّعةً بما هو صالِح، لِتَبلُغَ الخَطيئَةُ أَقْصى حُدودِ الخَطيئَة، مُتَذَرِّعةً بِالوَصِيَّة. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ الشَّريعَةَ روحيَّة، ولٰكِنِّي بَشَرٌ بِيعَ لِيَكونَ لِلخَطيئَة. وحقًّا لا أَدْري ما أَفعَل: فالَّذي أُريدُه لا أَفعَلُه، وأَمَّا الَّذي أَكرَهُه فإِيَّاه أَفعَل. فإِذا كُنتُ أَفعَلُ ما لا أُريد، فإِنِّي أُوافِقُ الشَّريعةَ على أَنَّها حَسَنَة. فلَستُ أَنا الَّذي يَفعَلُ ذٰلِكَ، بلِ الخَطيئَةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ، لأَنِّي أَعلَمُ أَنَّ الصَّلاحَ لا يَسكُنُ فِيَّ، أَي في جَسَدي، فالرَّغبَةُ في الخَيرِ هي بِاستِطاعَتي، وأَمَّا فِعلُه فلا. لأَنَّ الخَيرَ الَّذي أُريدُه لا أَفعَلُه، والشَّرَّ الَّذي لا أُريدُه إِيَّاه أَفعَل. فإِذا كُنتُ أَفعَلُ ما لا أُريد، فلَستُ أَنا أَفعَلُ ذٰلِك، بلِ الخَطيئَةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. فأَنا الَّذي يُريدُ فِعلَ الخَيرِ أَجِدُ هٰذه الشَّريعة، وَهيَ أَنَّ الشَّرَّ بِٱستِطاعَتي، وإِنِّي أَطِيبُ نَفْسًا بِشَريعةِ اللهِ مِن حَيثُ إِنِّي إِنسانٌ باطِن، ولٰكِنِّي أَشعُرُ في أَعْضائي بِشَريعةٍ أُخْرى تُحارِبُ شَريعةَ عَقْلي وتَجعَلُني أَسيرًا لِشَريعةِ الخَطيئَة، تِلكَ الشَّريعةِ الَّتي هي في أَعْضائي. ما أَشْقاني مِن إِنسان! فمَن يُنقِذُني مِن هٰذا الجَسَدِ الَّذي مَصيرُه المَوت؟ الشُّكرُ للهِ بِيَسوعَ المسيحِ ربِّنا! فهاءَنَذا عَبْدٌ بِالعَقْلِ لِشَريعةِ الله وعَبْدٌ بِالجَسَدِ لِشَريعةِ الخَطيئَة. فلَيسَ بَعدَ الآنَ مِن حُكْمٍ على الَّذينَ هُم في يسوعَ المسيح، لأَنَّ شَريعَةَ الرُّوحِ الَّذي يَهَبُ الحَياةَ في يسوعَ المسيح قد حَرَّرَتْني مِن شَريعَةِ الخَطيئَةِ والمَوت. فالَّذي لم تَستَطِعْهُ الشَّريعة، والجَسَدُ قد أَعْياها، حَقَّقَه اللهُ بِإِرسالِ ٱبنِه في جَسَدٍ يُشْبِهُ جَسَدَنا الخاطِئ، كَفَّارَةً لِلخَطيئَة. فحَكَمَ على الخَطيئَةِ في الجَسَد لِيَتِمَّ فِينا ما تَقتَضِيهِ الشَّريعةُ مِنَ البِرّ، نَحنُ الَّذينَ لا يَسلُكونَ سَبيلَ الجَسَد، بل سَبيلَ الرُّوح. فالَّذينَ يَحيَونَ بِحَسَبِ الجَسَد يَنزِعونَ إِلى ما هو لِلجَسد، والَّذينَ يَحيَونَ بِحَسَبِ الرُّوح يَنزِعونَ إِلى ما هو لِلرُّوح. فالجَسَدُ يَنزِعُ إِلى المَوت، وأَمَّا الرُّوح فيَنزِعُ إِلى الحَياةِ والسَّلام. ونُزوعُ الجَسَدِ عَداوَةٌ للهٍ، فلا يَخضَعُ لِشَريعةِ الله، بل لا يَستَطيعُ ذٰلِك. والَّذينَ يَحيَونَ في الجَسَد لا يَستَطيعونَ أَن يُرضُوا الله. أَمَّا أَنتُم فلَستُم تَحيَونَ في الجَسَد، بل في الرُّوح، لأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فيكُم. ومَن لم يَكُنْ فيه رُوحُ المسيح فما هو مِن خاصَّتِه. وإِذا كانَ المَسيحُ فيكُم فالجَسَدُ مَيْتٌ بِسَبَبٍ مِنَ الخَطيئَة، ولٰكِنَّ الرُّوحَ حَياةٌ بِسَبَبٍ مِنَ البِرّ. فإِذا كانَ الرُّوحُ الَّذي أَقامَ يسوعَ مِن بَينِ الأَمواتِ حالًّا فيكُم، فالَّذي أَقامَ يسوعَ المسيحَ مِن بَينِ الأَموات يُحْيي أَيضًا أَجسادَكُمُ الفانِيةَ بِرُوحِه الحالِّ فيكُم. فنَحنُ إِذًا أَيُّها الإِخوَةُ علَينا حَقٌّ، ولٰكِن لا لِلجَسَدِ لِنَحْيا حَياةَ الجَسَد، لأَنَّكم إِذا حَيِيتُم حَياةَ الجَسَدِ تَموتون، أَمَّا إِذا أَمَتُّم بِالرُّوحِ أَعمالَ الجَسَدِ فسَتَحيَون. إِنَّ الَّذينَ يَنقادونَ لِرُوحِ الله يَكونونَ أبناءَ اللهِ حَقًّا. لم تَتلَقَّوا روحَ عُبودِيَّةٍ لِتَعودوا إِلى الخَوف، بل روحَ تَبَنٍّ بِه نُنادي: أَبًّا، يا أَبَتِ!. وهٰذا الرُّوحُ نَفْسُه يَشْهَدُ مع أَرواحِنا بِأَنَّنا أَبناءُ الله. فإِذا كُنَّا أَبْناءَ الله فنَحنُ وَرَثة: وَرَثَةُ اللهِ وشُرَكاءُ المسيحِ في المِيراث، لأَنَّنا، إِذا شارَكْناه في آلامِه، نُشارِكُه في مَجْدِه أَيضًا. وأَرى أَنَّ آلامَ الزَّمَنِ الحاضِرِ لا تُعادِلُ المَجدَ الَّذي سيَتَجَلَّى فينا. فالخَليقَةُ تَنتَظِرُ بِفارِغِ الصَّبْرِ تَجَلِّيَ أَبناءِ الله. فقد أُخضِعَت لِلباطِل، لا طَوْعًا مِنها، بل بِسُلطانِ الَّذي أَخضَعَها، ومع ذٰلك لم تَقطَعِ الرَّجاء، لأَنَّها هي أَيضًا ستُحَرَّرُ مِن عُبودِيَّةِ الفَسادِ لِتُشارِكَ أَبناءَ اللهِ في حُرِّيَّتِهم ومَجْدِهم. فإِنَّنا نَعلَمُ أَنَّ الخَليقَةَ جَمْعاءَ تَئِنُّ إِلى اليَومِ مِن آلامِ المَخاض، ولَيسَت وَحْدَها، بل نَحنُ الَّذينَ لَنا باكورةُ الرُّوحِ نَئِنُّ في الباطِن مُنتَظِرينَ التَّبَنِّي، أَيِ ٱفتِداءَ أَجسادِنا، لأَنَّنا في الرَّجاءِ نِلْنا الخَلاص، فإِذا شُوهِدَ ما يُرجى لم يَكُن رَجاء، وما يُشاهِدُه المَرءُ فكَيفَ يَرجوه أَيضًا؟ ولٰكِن إِذا كُنَّا نَرْجو ما لا نُشاهِدُه فبِالثَّباتِ نَنتَظِرُه. وكَذٰلِكَ فإِنَّ الرُّوحَ أَيضًا يَأتي لِنَجدَةِ ضُعْفِنا لأَنَّنا لا نُحسِنُ الصَّلاةَ كما يَجِب، ولٰكِنَّ الرُّوحَ نَفسَه يَشفَعُ لَنا بِأَنَّاتٍ لا تُوصَف. والَّذي يَختَبِرُ القُلوب يَعلَمُ ما هو نُزوعُ الرُّوح فإِنَّه يَشفَعُ لِلقِدِّيسينَ بِما يُوافِقُ مَشيئَةَ الله. وإنّنا على يقين أنَّ الله يعمل مع الَّذين يحبّونه، الَّذين دعاهم بسابق تدبيره، لتؤول كلّ الأمور إلى خيرهم. ذٰلك بأَنَّه عَرَفَهم بِسابِقِ عِلمِه وسَبَقَ أَن قَضى بِأَن يَكونوا على مِثالِ صُورَةِ ٱبْنِه لِيَكونَ هٰذا بِكْرًا لِإِخوَةٍ كَثيرين. فالَّذينَ سَبَقَ أَن قَضى لَهم بِذٰلك دَعاهم أَيضًا، والَّذينَ دَعاهُم بَرَّرَهم أَيضًا، والَّذينَ بَرَّرَهم مَجَّدَهُم أَيضًا. فماذا نُضيفُ إِلى ذٰلِك؟ إِذا كانَ اللهُ معَنا، فمَن يَكونُ علَينا؟ إِنَّ الَّذي لم يَضَنَّ بِٱبْنِه نَفسِه، بل أَسلَمَه إِلى المَوتِ مِن أَجْلِنا جَميعًا، كَيفَ لا يَهَبُ لَنا معَه كُلَّ شَيء؟ فمَن يَتَّهِمُ الَّذينَ ٱختارَهمُ الله؟ اللهُ هوَ الَّذي يُبَرِّر! ومَنِ الَّذي يُدين؟ المَسيحُ يَسوعُ الَّذي مات، بل قام، وهو الَّذي عن يَمينِ اللهِ والَّذي يَشفَعُ لَنا؟ فمَن يَفصِلُنا عن مَحبَّةِ المسيح؟ أَشِدَّةٌ أَم ضِيقٌ أَمِ ٱضْطِهادٌ أَم جُوعٌ أَم عُرْيٌ أَم خَطَرٌ أَم سَيْف؟ فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «إِنَّنا مِن أَجْلِكَ نُعاني المَوتَ طَوالَ النَّهار ونُعَدُّ غَنَمًا لِلذَّبْح». ولٰكِنَّنا في ذٰلِكَ كُلِّه فُزْنا فَوزًا مُبينًا، بِالَّذي أَحَبَّنا. وإِنِّي واثِقٌ بِأَنَّه لا مَوتٌ ولا حَياة، ولا مَلائِكَةٌ ولا أَصحابُ رِئاسة، ولا حاضِرٌ ولا مُستَقبَل، ولا قُوَّات، ولا عُلُوٌّ ولا عُمْق، ولا خَليقَةٌ أُخْرى، بِوُسعِها أَن تَفصِلَنا عن مَحبَّةِ اللهِ الَّتي في المَسيحِ يَسوعَ رَبِّنا. الحقَّ أَقولُ في المسيح ولا أَكذِب، وضَميري شاهِدٌ لي في الرُّوحِ القُدُس، إِنَّ في قَلْبي لَغَمًّا شَديدًا وأَلَمًا مُلازِمًا. لقَد وَدِدتُ لو كُنتُ أَنا نَفْسي مَلعونًا ومُنفَصِلاً عنِ المسيح في سَبيلِ إِخوَتي بَني قَومي بِاللَّحمِ والدَّم، أُؤلٰئِكَ الَّذينَ هم بَنو إِسرائيل ولَهُمُ التَّبَنِّي والمَجْدُ والعُهود والتَّشريعُ والعِبادَةُ والمَواعِدُ والآباء، ومِنهمُ المسيحُ مِن حَيثُ إِنَّه بَشَر، وهو فَوقَ كُلِّ شَيءٍ إِلٰهٌ مُبارَكٌ أَبَدَ الدُّهور. آمين. وما سَقَطَ كَلامُ الله! فلَيسَ جَميعُ الَّذينَ هم مِن إِسرائيل بِإِسرائيل، ولا هم جَميعًا أَبناءُ إِبراهيم وإِن كانوا مِن نَسْلِه، بل «بِإِسْحٰق يَكونُ لكَ نَسلٌ يُدعى بِٱسمِكَ». وهٰذا يَعْني أَنَّ أَبناءَ الجَسَدِ لَيسوا أَبناءَ الله، بل أَبْناءُ الوَعْدِ همُ الَّذينَ يُحسَبونَ نَسلَه، فهٰذا ما جاءَ في كَلامِ الوَعْد: «سَأَعودُ في مِثْلِ هٰذا الوَقْت، ويَكونُ لِسارَةَ ٱبْنٌ»، لا بل هُناكَ أَمرٌ آخَر، وهو أَنَّ رِفْقَةَ حَبِلَت مِن رَجُلٍ واحِد هو أَبونا إِسْحٰق، فقَبلَ أَن يُولَدَ الصَّبِيَّان ويَعمَلا خَيرًا أَو شَرًّا، لِيَبْقى تَدبيرُ اللهِ القائمُ على حُرِّيَّةِ الاِختيار، وهو أَمْرٌ لا يَعودُ إِلى الأَعمال، بل إِلى الَّذي يَدْعو، قيلَ لَها: «إِنَّ الكَبيرَ يَخدُمُ الصَّغير»، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «إِنِّي أَحبَبتُ يَعْقوبَ وأَبغَضتُ عِيسو». فماذا نَقول؟ أَيَكونُ عِندَ اللهِ ظُلْم؟ حاشَ لَه! فقَد قالَ لِموسى: «أَرحَمُ مَن أَرحَم وأَرأَفُ بِمَن أَرأَف». فلَيسَ الأَمرُ إِذًا أَمرَ إِرادَةٍ أَو سَعيٍ، بل هو أَمرُ رَحمَةِ الله. فقَد قالَ الكِتابُ لِفِرعَون: «ما أَقَمتُكَ إِلاَّ لأُظهِرَ فيكَ قُدرَتي ويُنادى بِٱسْمي في الأَرضِ كُلِّها». فهو إِذًا يَرحَمُ مَن يَشاء ويُقَسِّي قَلْبَ مَن يَشاء. ولا شَكَّ أَنَّكَ تَقولُ لي: «فماذا يَشْكو بَعدَ ذٰلك؟ مَن تُراهُ يُقاوِمُ مَشيئَتَه؟» مَن أَنتَ أَيُّها الإِنسانُ حتَّى تَعتَرِضَ على الله؟ أَيَقولُ الصُّنْعُ لِلصَّانِع: لِمَ صَنَعتَني هٰكذا؟ أَلَيسَ الخَزَّافُ سَيِّدَ طينِه، فيَصنَعُ مِن جَبْلَةٍ واحِدَةٍ إِناءً شَريفَ الاِستِعمال وإِناءً آخَرَ خَسيسَ الاِستِعمال؟ فإِذا شاءَ اللهُ أَن يُظهِرَ غَضَبَه ويُخبِرَ عَنْ قُدرَتِه فٱحتَملَ بِصَبْرٍ عَظيمٍ آنِيَةَ الغَضَب، وهي وَشيكةُ الهَلاك، ومُرادُه أَن يُخبِرَ عن سَعَةِ مَجْدِه في آنِيَةِ الرَّحمَةِ الَّتي سَبَقَ أَن أَعَدَّها لِلمَجْد، أَي فينا نَحنُ الَّذينَ دَعاهم، لا مِن بَينِ اليَهودِ وَحْدَهم، بل مِن بَينِ الوَثَنِيِّينَ أَيضًا... فقَد قالَ في سِفْرِ هُوشَع: «مَن لم يَكُنْ شَعْبي سأَدْعوهُ شَعْبي، ومَن لم تَكُنْ مَحبوبَتي سَأَدْعوها مَحبوبَتي، وحَيثُ قيلَ لَهم: لَستُم بِشَعْبي، سيُدعَونَ أَبناءَ اللهِ الحَيّ». ويَهتِفُ أَشَعْيا كذٰلِك في كَلامِه على إِسرائيل: «وإِن كانَ بَنو إِسرائيلَ عَدَدَ رَمْلِ البَحْر، فالبَقِيَّةُ وَحْدَها تَنالُ الخَلاص، فإِنَّ الرَّبَّ سَيُتِمُّ كَلِمَتَه في الأَرضِ إِتمامًا كامِلاً سَريعًا». وبِذٰلِكَ أَيضًا أَنبَأَ أَشَعْيا فقال: «لو لم يَحفَظْ رَبُّ القُوَّاتِ لَنا نَسلاً، لَصِرْنا أَمثالَ سَدومَ وأَشباهَ عَمورَة». فماذا نَقول؟ نَقولُ إِنَّ الوَثَنِيِّينَ الَّذينَ لم يَسعَوا إِلى البِرِّ قد نالوا البِرَّ الَّذي يَأتِي مِنَ الإِيمان، في حينِ أَنَّ إِسرائيلَ الَّذي كانَ يَسْعى إِلى شَريعةِ بِرٍّ لم يُدرِكْ هٰذه الشَّريعة. ولِماذا لأَنَّه لم يَنتَظِر البِرَّ مِنَ الإِيمان، بل ظَنَّ إِدْراكَه بِالأَعمال، فصَدَمَ حَجَرَ صَدْم، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «هاءَنَذا واضِعٌ في صِهْيُونَ حَجَرًا لِلصَّدمِ وصَخْرَةً لِلعِثار، فمَن آمَنَ بِه لا يُخْزى». أَيُّها الإِخوَة، إِنَّ مُنيَةَ قَلْبي ودُعائي للهِ مِن أَجلِهم هُما أَن يَنالوا الخَلاص. فإِنِّي أَشهَدُ لَهم أَنَّ فيهِم حَمِيَّةً لله، ولٰكِنَّها حَمِيَّةٌ على غَيرِ مَعرِفَة. جَهِلوا بِرَّ الله وحاوَلوا إِقامةَ بِرِّهِم فلَم يَخضَعوا لِبِرِّ الله. فغايَةُ الشَّريعَةِ هي المسيح، لِتَبْريرِ كُلِّ مُؤمِن. وقد كَتَبَ موسى في البِرِّ الآتي مِن أَحْكامِ الشَّريعة: «إِنَّ الإِنسانَ الَّذي يُتِمُّها يَحيا بِها». وأَمَّا البِرُّ الآتي مِنَ الإِيمان فيَقولُ هٰذا الكلام: «لا تَقُلْ في قَلْبِكَ: مَن يَصعَدُ إِلى السَّماء؟ (أَي لِيُنزِلَ المسيح) أَو: مَن يَنزِلُ إِلى الهاوِيَة؟ (أَي ليُصعِدَ المسيحَ مِن بَينِ الأَموات)». فماذا يَقولُ إِذًا؟ «إِنَّ الكَلامَ بِالقُرْبِ مِنكَ، في فَمِكَ وفي قَلبِكَ». وهٰذا الكَلامُ هو كَلامُ الإِيمانِ الَّذي نُبَشِّرُ بِه. فإِذا شَهِدتَ بِفَمِكَ أَنَّ يسوعَ رَبّ، وآمَنتَ بِقَلبِكَ أَنَّ اللهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، نِلتَ الخَلاص. فالإِيمانُ بِالقَلبِ يُؤَدِّي إِلى البِرّ، والشَّهادَةُ بِالفمِ تُؤَدِّي إِلى الخَلاص، فَقَد وَرَدَ في الكِتاب: «مَن آمَنَ بِه لا يُخْزى». فَلا فَرْقَ بَينَ اليَهودِيِّ واليُونانِيّ، فالرَّبُّ رَبُّهم جَميعًا يَجودُ على جَميعِ الَّذينَ يَدعونَه. «فكُلُّ مَن يَدْعو بِٱسمِ الرَّبِّ يَنالُ الخَلاص». وكَيفَ يَدْعونَ مَن لم يُؤمِنوا بِه؟ وكَيفَ يُؤمِنونَ بِمَن لم يَسمَعوه؟ وكَيفَ يَسْمَعونَه مِن غَيرِ مُبَشِّر؟ وكَيفَ يُبَشِّرونَ إِن لم يُرسَلوا؟ وقَد وَرَدَ في الكِتاب: «ما أَحسَنَ أَقدامَ الَّذينَ يُبَشِّرون!» ولٰكِنَّهُم لم يُذعِنوا كُلُّهم لِلبِشارة، فقَد قالَ أَشَعْيا: «يا رَبّ، مَنَ الَّذي آمَنَ بِما سَمِعَ مِنَّا؟» فالإِيمانُ إِذًا مِنَ السَّماع، والسَّماعُ يَكونُ سَماعَ كَلامٍ على المسيح. على أَنِّي أَقول: أَتُراهُم لم يَسمَعوا؟ بَلى، «لقَد ذَهَبَ صَوتُهم في الأَرضِ كُلِّها، وأَقوالُهم في أَقاصي المَعْمور». غَيرَ أَنِّي أَقول: أَتُرى إِسرائيلُ لم يَفهَمْ؟ سَبَقَ أَن قالَ موسى: «سأُثيرُ غَيرَتَكم مِمَّن لَيسوا بِأُمَّة، وعَلى أُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغضِبُكم». أَمَّا أَشَعْيا فلا يَخْشى أَن يَقول: «إِنَّ الَّذينَ لم يَطلُبوني وَجَدوني، والَّذينَ لم يَسأَلوني عن شَيءٍ تَراءَيتُ لَهم». ولٰكِنَّه يَقولُ في إِسرائيل: «بَسَطتُ يَدَيَّ طَوالَ النَّهارِ لِشَعبٍ عاصٍ مُتَمَرِّد». فأَقولُ إِذًا: أَتُرى نَبَذَ اللهُ شَعبَه؟ حاشَ لَه! فإِنِّي أَنا إِسرائيلِيٌّ مِن نَسْلِ إِبراهيم وسِبْطِ بَنْيامين. ما نَبَذَ اللهُ شَعبَه الَّذي عَرَفَه بِسابِقِ عِلمِه. أَوَلا تَعلَمونَ ما قالَ الكِتابُ في إِيلِيَّا؟ كَيفَ كانَ يُخاطِبُ اللهَ شاكيًا إِسْرائيلَ فَيَقول: «يا رَبّ، إِنَّهم قَتَلوا أَنبِياءَكَ وهَدَموا مَذابِحَكَ وبَقِيتُ أَنا وَحْدي، وهُم يَطلُبونَ نَفْسي»؟ فماذا أُوحِيَ إِلَيه؟ «إِنِّي ٱستَبقَيتُ لي سَبعَةَ آلافِ رَجُلٍ لم يَجْثوا على رُكَبِهِم لِلبَعْل». وكَذٰلِكَ في الزَّمَنِ الحاضِر لا تَزالُ بَقِيَّةٌ مُختارةٌ بِالنِّعمَة. فإِذا كانَ الاِختِيارُ بِالنِّعمَة، فلَيسَ هو إِذًا بِالأَعمال، وإِلاَّ لم تَبْقَ النِّعمَةُ نِعمَة. فماذا إِذًا؟ إِنَّ الَّذي يَطْلُبُه إِسرائيلُ لم يَنَلْه ونالَه المُخْتارون. أَمَّا الآخَرون فقَد قَسَت قُلوبُهم كما وَرَدَ في الكِتاب: «أَعطاهُمُ اللهُ روحَ بَلادَة، وعُيونًا لِكَيلا يُبصِروا وآذانًا لِكَيلا يَسمَعوا إِلى اليَوم». وقالَ داوُد: «لِتَكُنْ مائِدَتُهم فَخًّا لَهم وشَرَكًا وَحَجَرَ عَثرَةٍ وجَزاءً. لِتُظلِمْ عُيونُهم فلا تُبصِر، وٱجعَلْ ظُهورَهم مُنحَنِيةً أَبَدًا». فأَقولُ إِذًا: أَتُراهم عَثَروا لِيَسقُطوا سُقوطًا لا قِيامَ بَعدَه؟ مَعاذَ الله! فإِنَّه بِزَلَّتِهم أَفْضى الخَلاصُ إِلى الوَثَنِيِّينَ لإِثارَةِ الغَيرةِ في إِسرائيل. فإِذا آلَت زَلَّتُهم إِلى يُسْرِ العالَم ونُقْصانُهم إِلى يُسْرِ الوَثَنِيِّين، فكَيفَ يَكونُ الأَمْرُ في ٱكتِمالِهم؟ أَقولُ لَكم أَيُّها الوَثَنِيُّون: بِقَدرِ ما أَنا رَسولُ الوَثَنِيِّين، أُظهِرُ مَجدَ خِدمَتي لَعلِّي أُثيرُ غَيرَةَ الَّذينَ هم مِن لَحْمي ودَمي فأُخَلِّصَ بَعضًا مِنهم. فإِذا آلَ إِبْعادُهم إِلى مُصالَحَةِ العالَم، فما يَكونُ قَبولُهم إِلاَّ حَياةً تَنبَعِثُ مِنَ الأَموات! وإِذا كانتِ الباكورةُ مُقدَّسة، فالعَجينُ كُلُّه مُقَدَّسٌ أَيضًا. وإِذا كانَ الأَصْلُ مُقَدَّسًا، فالفُروعُ مُقدَّسةٌ أَيضًا. فإِذا قُضِّبَتْ بَعضُ الفُروع، وكُنتَ أَنتَ زَيتونَةً بَرِّيَّة فطُعِّمتَ مَكانَها فأَصبَحتَ شَريكًا لَها في خِصْبِ أَصلِ الزَّيتونَة، فلا تَفتَخِرْ على الفُروع. وإِذا ٱفتَخَرتَ، فٱذكُرْ أَنَّكَ لا تَحمِلُ الأَصْل، بلِ الأَصْلُ يَحمِلُكَ. ولا شَكَّ أَنَّكَ تَقول: «قُضِّبَت فُروعٌ لأُطعَّمَ أَنا». أَحسَنتَ! إِنَّها قُضِّبَت لِعَدَم إِيمانِها، وأَنتَ باقٍ لإِيمانِكَ، فلا تَتَكَبَّرْ بل خَفْ. فإِذا لم يُبقِ اللهُ على الفُروعِ الطَّبيعِيَّة، فلَن يُبْقيَ علَيك. فٱعتَبِرْ بِلينِ اللهِ وشِدَّتِه: فالشِّدَّةُ على الَّذينَ سقَطوا، ولِينُ اللهِ لَكَ إِذا ثَبَتَّ في هٰذا اللِّين، وإِلاَّ فتُفصَلُ أَنتَ أَيضًا. أَمَّا هم فإِذا لم يَستَمِرُّوا في عَدَمِ إِيمانِهم يُطعَّمون، لأَنَّ اللهَ قادِرٌ على أَن يُطَعِّمَهم ثانِيًا. فإِذا كُنتَ قد فُصِلتَ عن زَيتونةٍ بَرِّيَّةٍ وأَنتَ تَنتَمي إِلَيها بِالطَّبيعة، وطُعِّمتَ خِلافًا لِلطَّبيعَةِ في زَيتونةٍ بُستانِيَّة، فَما أَولى الفُروعَ الطَّبيعِيَّةَ بِأَن تُطَعَّمَ في زَيتونَتِها! فإِنِّي لا أُريدُ، أَيُّها الإِخوَة، أَن تَجهَلوا هٰذا السِّرّ، لِئَلاَّ تَعُدُّوا أَنفُسَكم مِنَ العُقَلاء: إِنَّ قَساوةَ القَلْبِ الَّتي أَصابَت قِسمًا مِن إِسرائيلَ ستَبْقى إِلى أَن يَدخُلَ الوَثنِيُّونَ بِكامِلِهم، وهٰكذا يَنالُ الخَلاصَ إِسرائيلُ بِأَجمَعِه، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «مِن صِهْيونَ يَأتي المُنقِذُ ويَصرِفُ كُلَّ كُفْرٍ عن يَعْقوب. ويَكونُ هٰذا عَهْدي لَهم حينَ أُزيلُ خَطاياهم». أَمَّا مِن حَيثُ البِشارة، فهُم أَعداءٌ لِخَيرِكم، وأَمَّا مِن حَيثُ الِٱختِيار، فهُم مَحْبوبونَ بِالنَّظرِ إِلى الآباء. فلا رَجعَةَ في هِباتِ اللهِ ودَعوَتِه. فكَما أَنَّكم عَصَيتُمُ اللهَ قَبْلاً ونِلتُمُ الآنَ رَحمَةً مِن جَرَّاءِ عِصْيانِهم، فكذٰلِك هُم أَيضًا عَصَوا الآنَ مِن جَرَّاءِ ما أُوتيتُم مِنَ الرَّحمَة لِيَنالوا هم أَيضًا رَحمَة، لأَنَّ اللهَ أَغلَقَ على جَميعِ النَّاسِ في العِصْيانِ لِيَرحَمَهم جَميعًا. ما أَبْعدَ غَورَ غِنى اللهِ وحِكمَتِه وعِلمِه! وما أَعسَرَ إِدراكَ أَحكامِه وتَبَيُّنَ طُرُقِه! «فمَنِ الَّذي عَرَفَ فِكْرَ الرَّبّ أَو مَنِ الَّذي كانَ لَه مُشيرًا؟ ومَنِ الَّذي تَقدَّمَه بِالعَطاءِ فيُكافَأَ علَيه؟» فكُلُّ شَيءٍ مِنه وبِه وإِليه. لَه المَجْدُ أَبَدَ الدُّهور. آمين. إِنِّي أُناشِدُكم إِذًا، أَيُّها الإِخوَة، بِحَنانِ اللهِ أَن تُقَرِّبوا أَشْخاصَكم ذَبيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسةً مَرْضِيَّةً عِندَ الله. فهٰذِه هي عِبادَتُكمُ الرُّوحِيَّة. ولا تَتشَبَّهُوا بِهٰذهِ الدُّنيا، بل تَحَوَّلوا بِتَجَدُّدِ عُقولِكم لِتَتَبيَّنوا ما هي مَشيئَةُ الله، أَي ما هو صالِحٌ وما هو مَرْضِيٌّ وما هو كامِل. أَقولُ لِكُلٍّ مِنكُم بِٱسمِ النِّعمَةِ المَوهوبَةِ لي: لا تَذهَبوا في الِٱعتِدادِ بِأَنفُسِكم مَذهَبًا يُجاوِزُ المَعقول، بل تَعَقَّلوا فتَكونوا مِنَ العُقَلاء، كُلُّ واحِدٍ على مِقْدارِ ما قَسَمَ اللهُ لَه مِنَ الإِيمان. فكما أَنَّ لَنا أَعضاءً كَثيرةً في جَسَدٍ واحِد، ولَيسَ لِجَميعِ هٰذهِ الأَعضاءِ عَمَلٌ واحِد، فكذٰلِكَ نَحنُ في كَثْرَتِنا جَسَدٌ واحِدٌ في المسيح لأَنَّنا أَعضاءُ بَعضِنا لِبَعْض. ولَنا مَواهِبُ تَختَلِفُ بِٱختِلافِ ما أُعْطينا مِنَ النِّعمَة: فمَن له مَوهِبةُ النُّبُوَّة فلْيَتَنَبَّأْ وَفْقًا لِلإِيمان، ومَن لَه مَوهِبةُ الخِدمَة فلْيَخدُمْ، ومَن لَه التَّعْليم فلْيُعَلِّمْ، ومَن لَه الوَعْظ فلْيَعِظْ، ومَن أَعْطى فلْيُعطِ بنِيَّةٍ صافِية، ومَن يَرْئِسْ فلْيَرئِسْ بِهِمَّة. ومَن يَرحَم فلْيَرحَمْ بِبَشاشَة، ولْتَكُنِ المَحبَّةُ بِلا رِياء. إِكرَهوا الشَّرَّ وٱلزَموا الخَيْر. لِيَوَدَّ بَعضُكم بَعضًا بِمَحَبَّةٍ أَخَوِيَّة. تَنافَسوا في إِكرامِ بَعضِكُم لِبَعض. إِعمَلوا لِلرَّبِّ بِهِمَّةٍ لا تَفتُر ورُوحٍ مُتَّقد. كُونوا في الرَّجاءِ فَرِحين وفي الشِّدَّةِ صابِرين وعلى الصَّلاةِ مُواظِبين. كُونوا لِلقِدِّيسينَ في حاجاتِهِم مُشارِكين وإِلى ضِيافةِ الغُرَباءِ مُبادِرين. بارِكوا مُضطَهِديكم، بارِكوا ولا تَلعَنوا. إِفرَحوا مع الفَرِحين وٱبْكوا مع الباكين، كونوا مُتَّفِقين، لا تَطمَعوا في المَعالي، بل ميلوا إِلى الوَضيع. «لا تَحسَبوا أَنفُسَكم عُقلاء»، لا تُبادِلوا أَحَدًا شَرًّا بِشَرّ. «وٱحرِصوا على أَن تَعمَلوا الصَّالحاتِ بِمرأًى مِن جَميعِ النَّاس». سالِموا جَميعَ النَّاسِ إِن أَمكَن، على قَدْرِ ما الأَمرُ بِيَدِكم. لا تَنتَقِموا لأَنْفُسِكم أَيُّها الأَحِبَّاء، بل أَفسِحوا في المَجالِ لِلغَضَب، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «قالَ الرَّبُّ: لِيَ الاِنتِقامُ وأَنا الَّذي يُجازي». ولٰكِن «إِذا جاعَ عَدُوُّكَ فأَطعِمْهُ، وإِذا عَطِشَ فٱسقِه، لأَنَّكَ في عَمَلِكَ هٰذا تَرْكُمُ على هامَتِه جَمْرًا مُتَّقِدًا». لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغلِبُكَ، بلِ ٱغلِبِ الشَّرَّ بِالخير. لِيَخضَعْ كُلُّ ٱمرِئٍ لِلسُّلُطاتِ الَّتي بِأَيدِيها الأَمْر، فلا سُلْطَةَ إِلاَّ مِن عِندِ الله، والسُّلُطاتُ القائِمة هو الَّذي أَقامَها. فمَن عارَضَ السُّلْطَةَ قاوَمَ النِّظامَ الَّذي أَرادَهُ الله، والمُقاوِمونَ يَجلُبونَ الحُكْمَ على أَنفُسِهم. فلا خَوفَ مِنَ الرُّؤَساءِ عِندَما يُفعَلُ الخَير، بل عِندَما يُفعَل الشَّرّ. أَتُريدُ أَلاَّ تَخافَ السُّلْطَة؟ إِفعَلِ الخَيرَ تَنَلْ ثَناءَها، فإِنَّها في خِدمَةِ اللهِ في سَبيلِ خَيرِكَ. ولٰكِن خَفْ إِذا فَعَلتَ الشَّرّ، فإِنَّها لم تَتَقَلَّدِ السَّيفَ عَبَثًا، لأَنَّها في خِدمَةِ اللهِ كَيما تَنتَقِمُ لِغَضَبِه مِن فاعِلِ الشَّرّ. ولِذٰلِكَ لا بُدَّ مِنَ الخُضوع، لا خَوفًا مِنَ الغَضَبِ فَقَط، بل مُراعاةً لِلضَّميرِ أَيضًا. ولِذٰلِكَ تُؤَدُّونَ الضَّرائِب، والَّذينَ يَجْبُونَها هم خَدَمٌ للهِ يَعمَلونَ ذٰلِكَ بِنَشاط. أَدُّوا لِكُلٍّ حَقَّه: الضَّريبَةَ لِمَن لَه الضَّرِيبة، والخَراجَ لِمَن لَه الخَراج، والمَهابَةَ لِمَن لَه المَهابَة، والإِكرامَ لِمَن لَه الإِكرام. لا يَكونَنَّ علَيكم لأَحَدٍ دَيْنٌ إِلاَّ حُبُّ بَعضِكُم لِبَعْض، فمَن أَحَبَّ غَيرَه أَتَمَّ الشَّريعة، فإِنَّ الوَصايا الَّتي تَقول: «لا تَزْنِ، لا تَقتُلْ، لا تَسْرِقْ، لا تَشتَهِ» وسِواها مِنَ الوَصايا، مُجتَمِعَةٌ في هٰذِهِ الكَلِمَة: «أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ». فالمَحبَّةُ لا تَنزِلُ بِالقَريبِ شَرًّا، فالمَحبَّةُ إِذًا كَمالُ الشَّريعة. هٰذا وإِنَّكُم لَعالِمونَ بِأَيِّ وَقْتٍ نَحنُ: قد حانَت ساعةُ تَنَبُّهِكم مِنَ النَّوم، فإِنَّ الخَلاصَ أَقرَبُ إِلَينا الآنَ مِنه يَومَ آمَنَّا. قد تَناهى اللَّيلُ وٱقتَرَبَ اليَوم. فلْنَخْلَعْ أَعمالَ الظَّلام ولْنَلْبَس سِلاحَ النُّور. لِنَسِرْ سيرةً كَريمةً كما نَسيرُ في وَضَحِ النَّهار. لا قَصْفٌ ولا سُكْر، ولا فاحِشَةٌ ولا فُجور، ولا خِصامٌ ولا حَسَد. بلِ ٱلبَسوا الرَّبَّ يسوعَ المسيح، ولا تُشغَلوا بِالجَسَدِ لِقَضاءِ شَهَواتِه. تَقبَّلوا ضَعيفَ الإِيمانِ ولا تُناقِشوا آراءَه. هُناكَ مَن هو على يَقينٍ مِن أَنَّه يَجوزُ لَه الأَكْلُ مِن كُلِّ شَيء، في حينِ أَنَّ الضَّعيفَ لا يَأكُلُ إِلاَّ البُقول. فَعَلى الَّذي يَأكُلُ أَلاَّ يَزدَرِيَ مَن لا يَأكُل، وعلى الَّذي لا يَأكُلُ أَلاَّ يَدينَ مَن يَأكُل، فإِنَّ اللهَ قد تَقبَّلَه. مَن أَنتَ لِتَدينَ خادِمَ غَيرِكَ؟ أَثَبَتَ أَم سَقَط، فهٰذا أَمْرٌ يَعودُ إِلى سَيِّدِه. وإِنَّه سَيَثبُت، لأَنَّ الرَّبَّ قادِرٌ على تَثْبيتِه. مِنَ النَّاسِ مَن يُمَيِّزُ بَينَ يَومٍ ويَوم، ومِنهم مَن يُساوي بَينَ الأَيَّامِ كُلِّها فلْيَكُنْ كُلٌّ مِنهُم على يَقينٍ مِن رَأيِه. فالَّذي يُراعي الأَيَّامَ فلِلرَّبِّ يُراعيها، والَّذي يأكُلُ مِن كُلِّ شَيءٍ فلِلرَّبِّ يأكُل فإِنَّه يَشكُرُ الله، والَّذي لا يأكُلُ مِن كُلِّ شَيء فلِلرَّبِّ لا يأكُل وإِنَّه يَشكُرُ الله. فما مِن أَحَدٍ مِنَّا يَحْيا لِنَفْسِه وما مِن أَحدٍ يَموتُ لِنَفْسِه، فإِذا حَيِينا فلِلرَّبِّ نَحْيا، وإِذا مُتْنا فلِلرَّبِّ نَموت: سَواءٌ حَيِينا أَم مُتْنا فإِنَّنا لِلرَّبّ. فقَد ماتَ المَسيحُ وعادَ إِلى الحَياة لِيَكونَ رَبَّ الأَمواتِ والأَحْياء. فَما بالُكَ يا هٰذا تَدينُ أَخاكَ؟ وما بالُكَ يا هٰذا تَزدَري أَخاكَ؟ سَنمثُلُ جَميعًا أَمامَ مَحكَمَةِ الله. فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «يَقولُ الرَّبّ: بِحَقِّي أَنا الحَيّ، لي تَجْثو كُلُّ رُكْبَة، ويَحمَدُ اللهَ كُلُّ لِسان». إِنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَّا سيُؤَدِّي إِذًا عن نَفْسِه حِسابًا للهٍ. فلْيَكُفَّ بَعضُنا عن إِدانَةِ بَعْض، بلِ الأَولى بِكُم أَن تَحكُموا بِأَن لا تَضَعوا أَمامَ أَخيكم حَجَرَ صَدْمٍ أَو عَثرَة. إِنِّي عالِمٌ عِلْمَ اليَقين، في الرَّبِّ يسوع، أَن لا شَيءَ نَجِسٌ في حَدِّ ذاتِه، ولٰكِن مَن عَدَّ شَيئًا نَجِسًا كانَ لَه نَجِسًا. فإِذا حَزِنَ أَخوكَ بِتَناوُلِكَ طَعامًا، فلَم تَعُدْ تَسلُكُ سَبيلَ المحَبَّة. فلا تُهلِكْ بِطَعامِكَ مَن ماتَ المسيحُ لأَجْلِه، فلا يُطعَنْ في ما تَنعَمونَ بِه. فلَيس مَلَكوتُ اللهِ أَكْلاً وشُرْبًا، بل بِرٌّ وسَلامٌ وفَرَحٌ في الرُّوحِ القُدُس. فمَن عَمِلَ لِلمَسيحِ على هٰذِه الصُّورةِ هو مَرضِيٌّ عِندَ اللهِ ومُكَرَّمٌ لَدى النَّاس. فعَلَينا إِذًا أَن نَسْعى إِلى ما غايتُه السَّلامُ والبُنْيانُ المُتَبادَل. لا تَهدِمْ صُنْعَ اللهِ مِن أَجْلِ طَعام. كُلُّ شَيءٍ طاهِر، ولٰكِن مِنَ السُّوءِ أَن يَأكُل المَرْءُ فيكونَ حَجَرَ عَثرَةٍ لِغَيرِه، ومِنَ الخَيرِ أَلاَّ تأكُلَ لَحْمًا ولا تَشرَبَ خَمْرًا ولا تَتَناوَلَ شَيئًا يَكونُ حَجَرَ عَثرَةٍ لأَخيكَ. أَمَّا يَقينُك فٱحفَظْه في قَرارَةِ نَفْسِكَ أَمامَ الله. طُوبى لِمَن لا يَحكُمُ على نَفْسِه في ما يُقَرِّرُه! وأَمَّا الَّذي تُساوِرُه الشُّكوك، فهو مَحْكومٌ علَيه إِذا أَكَل، لأَنَّه لا يَفعَلُ ذٰلِكَ عن يَقين. فكُلُّ شَيءٍ لا يَأتي عن يَقينٍ هو خَطيئَة. فعَلَينا نَحنُ الأَقوِياء أَن نَحمِلَ ضُعْفَ الَّذينَ لَيسوا بِأَقوِياء ولا نَسْعَ إِلى ما يَطيبُ لأَنْفُسِنا. ولْيَسْعَ كُلُّ واحِدٍ مِنَّا إِلى ما يَطيبُ لِلقَريبِ في سَبيلِ الخَيرِ مِن أَجْلِ البُنْيان. فالمسيحُ لم يَطلُبْ ما يَطيبُ لَه، بل كَما وَرَدَ في الكِتاب: «تَعْييراتُ مُعَيِّريكَ وَقَعَت عَلَيَّ». فإِنَّ كُلَّ ما كُتِبَ قَبْلاً إِنَّما كُتِبَ لِتَعْليمِنا حتَّى نَحصُلَ على الرَّجاء، بِفَضْلِ ما تأتِينا بِه الكُتُبُ مِنَ الثَّباتِ والتَّشْديد. فلْيُعطِكُم إِلٰهُ الثَّباتِ والتَّشْديدِ اتِّفاقَ الآراءِ فيما بَينَكم كَما يَشاءُ المَسيحُ يسوع، لِتُمَجِّدوا اللهَ أَبا رَبِّنا يسوعَ المسيحِ بِقَلْبٍ واحِدٍ ولِسانٍ واحِد. القبول الأخويّ وإِنِّي أَقولُ إِنَّ المسيحَ صارَ خادِمَ أَهْلِ الخِتان لِيَفِيَ بِصِدْقِ اللهِ ويُثبِتَ المَواعِدَ الَّتي وُعِدَ بِها الآباء. أَمَّا الوَثَنِيُّونَ فيُمَجِّدونَ اللهَ على رَحمَتِه، كما وَرَدَ في الكِتاب: «مِن أَجْلِ ذٰلِك سأَحمَدُكَ بَينَ الوَثَنِيِّين وأُرَتِّلُ لِٱسْمِكَ». ووَرَدَ فيه أَيضًا: «إِفرَحي أَيَّتُها الأُمَمُ مع شَعْبِه». ووَرَدَ أَيضًا: «سبِّحي الرَّبَّ أَيَّتُها الأُمَمُ جَميعًا، وَلْتُثْنِ علَيه جَميعُ الشُّعوب». وقال أَشَعْيا أَيضًا: «سيَظهَرُ فَرْعُ يَسَّى، ذاكَ الَّذي يَقومُ لِيَسوسَ الأُمَم وعَلَيه تَعقُدُ الأُمَمُ رَجاءَها». لِيَغمُرْكُم إِلٰهُ الرَّجاءِ بِالفَرَحِ والسَّلام في الإِيمان لِتَفيضَ نُفوسُكم رجاءً بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس! إِنِّي على يَقينٍ في أَمركم، يا إِخوَتي، مِن أَنَّكم أَنتُم أَيضًا على قِسْطٍ كَبيرٍ مِن كَرَمِ الأَخْلاق. تَغمُرُكم كُلُّ مَعرِفة، قادِرونَ على أَن يَنْصَحَ بَعضُكم بَعضًا. غَيرَ أَنِّي كَتَبتُ إِلَيكُم، في بَعضِ ما كَتَبتُ، بِشَيءٍ مِنَ الجُرأَة لأُنَبِّهَ ذِكْرَياتِكم، بِحُكمِ النِّعمَةِ الَّتي وَهَبَها اللهُ لي، فأَقومَ بِخِدمَةِ المسيحِ يسوعَ لَدى الوَثَنِيِّينَ وأَخدُمَ بِشارَةَ اللهِ خِدمَةً كَهنوتِيَّة، فيَصيرَ الوَثَنِيُّونَ قُرْبانًا مَقبولاً عِندَ اللهِ قَدَّسَه الرُّوحُ القُدُس. فمِن حَقِّي إِذًا أَن أَفتَخِرَ في المسيحِ يسوعَ بِخِدمَتي للهٍ، لأَنِّي ما كُنتُ لأَجرُؤَ أَن أَذكُرَ شَيئًا، لو لم يُجْرِه المسيحُ عن يَدي لِهِدايَةِ الوَثَنِيِّينَ إِلى الطَّاعَةِ بِالقَولِ والعَمَل وبِقُوَّةِ الآياتِ والأَعاجيب وبِقُوَّةِ الرُّوح. فمِن أُورَشَليمَ وفي نَواحيها إِلى إِلِّيريكون أَتمَمتُ القِيامَ بِبِشارَةِ المسيح. ولقَد عَدَدتُ شَرَفًا لي أَلاَّ أُبَشِّرَ إِلاَّ حَيثُ لم يُذكَرِ ٱسْمُ المسيح، لِئَلاَّ أَبنيَ على أَساسِ غَيري، فَعَمِلتُ بِما وَرَدَ في الكِتاب: «الَّذينَ لم يُبشَّروا بِه سيُبصِرونَ، والَّذينَ لم يَسمَعوا بِه سيَفهَمون». وهٰذا ما حالَ مِرارًا دونَ قُدومي إِلَيكم. أَمَّا الآنَ ولَم يَبْقَ لي مَجالُ عَمَلٍ في هٰذِه الأَقطار، وأَنا مُنذُ عِدَّةِ سِنينَ مُشْتاقٌ إِلى القُدومِ إِلَيكم، فإِذا ما ٱنطَلَقتُ إِلى إِسبانِية... فإِنِّي أَرْجو أَن أَراكُم عِندَ مُروري بِكُم وأَتَلَقَّى عَونَكم على السَّفَرِ إِلَيها، بعدَ أَن أَشْفِيَ غَليلي ولَو قَليلاً بِلِقائِكم. أَمَّا الآن فإِنِّي ذاهِبٌ إِلى أُورَشَليمَ لِخِدمَةِ القِدِّيسين. فقَد حَسُنَ لَدى أَهْلِ مَقْدونِيَةَ وآخائِية أَن يُسعِفوا الفُقَراءَ مِنَ القِدِّيسينَ الَّذينَ في أُورَشَليم. أَجل، قد حَسُنَ لَدَيْهِم ذٰلِك وهو حَقٌّ علَيهِم، فإِن كانَ الوَثنِيُّونَ قد شارَكوهم في خَيراتِهِمِ الرُّوحِيَّة، فمِنَ الحَقِّ علَيهِم أَيضًا أَن يَخدُموهم في حاجاتِهِمِ المادِّيَّة. فإِذا قَضَيتُ هٰذا الأَمْرَ وسلَّمْتُ إِلَيهم حَصيلَةَ التَّبَرُّعات، مَرَرتُ بِكُم وأَنا ذاهِبٌ إِلى إِسبانِية. وأَعلَمُ أَنِّي، إِذا ما جِئتُ إِلَيكم، أَتَيتُكم بِتَمامِ بَرَكَةِ المَسيح. فأَحُثُّكم، أَيُّها الإِخوَة، بِٱسمِ ربِّنا يسوعَ المسيح وبِمَحبَّةِ الرُّوح، أَن تُجاهِدوا معي بِصَلَواتِكُمُ الَّتي تَرفَعونَها للهِ مِن أَجْلي، لأَنجُوَ مِن غَيرِ المُؤمِنينَ الَّذينَ في اليَهودِيَّة ولِتَكونَ خِدمَتي لأُورَشَليمَ مَقْبولَةً عِندَ القِدِّيسين، فأَقدُمَ إِلَيكم فَرِحًا وآخُذَ عِندَكم قِسْطًا مِنَ الرَّاحَة، إِن شاءَ الله. فلْيَكُنْ إِلٰهُ السَّلامِ معَكم أَجمَعين. آمين. أُوْصيكُم بِأُختِنا فَيْبَةَ شَمَّاسةِ كَنيسةِ قَنْخَرِيَّة، فتَقبَّلوها في الرَّبِّ قَبولاً جَديرًا بِالقِدِّيسين، وأَسعِفوها في كُلِّ ما تَحْتاجُ إِلَيه مِنكم، فقَد حَمَت كَثيرًا مِنَ الإِخوَة وحَمَتْني أَنا أَيضًا. سَلِّموا على بِرِسْقَةَ وأَقيلا مُعاوِنَيَّ في المسيحِ يسوع، فقَد عَرَّضا لِلضَّرْبِ عُنْقَيهِما لِيُنقِذا حَياتي. ولَستُ أَنا وَحْدي عارِفًا لَهُما الجَميل، بل كَنائِسُ الوَثَنِيِّينَ كُلُّها لَتَعرِفُه أَيضًا. وسَلِّموا أَيضًا على الكَنيسةِ الَّتي تَجتَمِعُ في بَيتِها. سَلِّموا على حَبيبي أَبَينِطُس باكورَةِ آسِيَةَ لِلمسيح. سَلِّموا على مَريَمَ الَّتي أَجهَدَت نَفْسَها كَثيرًا في سَبيلِكم. سَلِّموا على أَندَرونيقُس ويُونِياس نَسيبَيَّ وصاحِبَيَّ في الأَسْر، فهُما مِن كِبارِ الرُّسُل، بل كانا قَبْلي في المسيح. سَلِّموا على أَمْبِلِياطُس حَبيبي في الرَّبّ. سَلِّموا على أُرْبانُس مُعاوِنِنا في المسيح، وعلى حَبيبي أَسْطاخُس. سلِّموا على أَبَلِّسَ صاحِبِ الفَضيلَةِ المُجَرَّبةِ في المسيحِ. سلِّموا على حَشَمِ أَرِسْطُوبولُس. سَلِّموا على نَسيبي هيرودِيون. سَلِّموا على حَشَمِ نَرْجِسُّسَ الَّذينَ في الرَّبّ. سَلِّموا على طَروفانِيَةَ وطَروفوسَةَ اللَّتَينِ أَجهَدَتا نَفْسَيهِما في الرَّبّ. سَلِّموا على بَرْسيسَ المَحبوبَةِ الَّتي أَجهَدَت نَفْسَها كَثيرًا في الرَّبّ. سَلِّموا على رُوفُسَ المُختارِ في الرَّبّ، وعلى أُمِّه وهيَ أُمِّي أَيضًا. سَلِّموا على آسِنْقِريطُس وفَلاغُون وهَرْمِس وبَطْروباس وهَرْماس وعلى الإِخوَةِ الَّذينَ معَهم. سَلِّموا على فيلولوغُس ويُولِية ونيروس وأُختِهِ وأُولُمْباس وعلى جَميعِ القِدِّيسينَ الَّذينَ معَهم. لِيُسَلِّمْ بَعضُكُم على بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسة. كَنائِسُ المسيحِ كُلُّها تُسلِّمُ علَيكم. وأَحُثُّكم، أَيُّها الإِخوَة، أَن تَحذَروا الَّذينَ يُثيرونَ الشِّقاقَ ويُسَبِّبونَ العَثَراتِ بِخُروجِهِم على التَّعْليمِ الَّذي أَخَذتُموه. أَعرِضوا عَنهم، فإِنَّ أَمثالَ أُولٰئِكَ لا يَعمَلونَ لِلمسيحِ رَبِّنا، بل لِبُطونِهِم، ويَخدَعونَ القُلوبَ السَّليمَةَ بِمَعْسولِ كَلامِهِم وتَملُّقِهِم. فقَد عَرَفَ جَميعُ النَّاسِ طاعَتَكم. وإِنِّي أَفرَحُ بِكُم، ولٰكِنِّي أُريدُ أَن تَكونوا في الخَيرِ حاذِقين ومِنَ الشَّرِّ سالِمين. إِنَّ إِلٰهَ السَّلامِ سَيَسحَقُ الشَّيطانَ وَشيكًا تَحتَ أَقدامِكُم. علَيكم نِعمَةُ رَبِّنا يسوع! يُسَلِّمُ علَيكُم مُعاوني طيموتاوُس وأَنسِبائي لُوقِيوس وياسون وصُوصِيبَطْرُس. وأَنا طَرطِيوس، كاتِبَ هٰذِه الرِّسالَة، أُسَلِّمُ علَيكم في الرَّبّ. يُسَلِّمُ علَيكُم غايُوس مُضيفي ومُضيفُ الكَنيسةِ كُلِّها. ويُسَلِّمُ علَيكُم أَرَسْطُس، خازِنُ المَدينَة، وأَخونا قُوارْطُس (...) لِذاكَ القادِرِ على أَن يُثَبِّتَكم، بِحَسَبِ البِشارَةِ الَّتي أُعلِنُها مُنادِيًا بِيَسوعَ المسيح، وَفْقًا لِسِرٍّ كُشِفَ وقد ظَلَّ مَكْتومًا مَدى الدُّهور، فأُعلِنَ الآنَ بكُتُبِ الأَنبِياء وَفقًا لأَمرِ اللهِ الأَزَليّ، وبُلِّغَ إِلى جَميعِ الأُمَمِ الوَثنِيَّة، لِهِدايَتِها إِلى طاعةِ الإِيمان. للهِ الحَكيمِ وَحدَه، لَهُ المَجْدُ بِيَسوعَ المسيح، أَبَدَ الدُّهور. آمين. مِن بولُسَ الَّذي شاءَ اللهُ أَن يَدعُوَه لِيَكونَ رَسولَ المسيحِ يسوع، ومِنَ الأَخِ سُسْتينِس، إِلى كَنيسَةِ اللهِ في قورِنتُس، إِلى الَّذينَ قُدِّسوا في المسيحِ يسوع بِدَعوَتِهم لِيَكونوا قِدِّيسين مع جَميعِ الَّذينَ يَدْعونَ في كُلِّ مَكانٍ بِٱسمِ رَبِّنا يسوعَ المسيح، رَبِّهِم ورَبِّنا. علَيكُمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ أَبينا والرَّبِّ يسوعَ المسيح. إِنِّي أَشكُرُ اللهَ دائمًا في أَمرِكم على ما أُوتيتُم مِن نِعمَةِ اللهِ في المسيحِ يسوع. فقَد أُغْنيتُم فيه كُلَّ الغِنى في فُنونِ الكَلامِ وأَنْواعِ المَعرِفَة، فقد ثَبَتَت فيكُم شَهادةُ المسيح، حتَّى إِنَّه لا يُعوِزُكم شَيءٌ مِنَ الهِبات، وأَنتُم تَنتَظِرونَ تَجَلِّيَ رَبِّنا يسوعَ المسيح، وهُو الَّذي يُثَبِّتُكُم إِلى النِّهايَة حتَّى تَكونوا بِلا عَيبٍ يَومَ رَبِّنا يسوعَ المسيح. هو اللهُ أَمينٌ دَعاكُم إِلى مُشارَكةِ ٱبنِه يسوعَ المسيحِ رَبِّنا. أُناشِدُكُم، أَيُّها الإِخوَة، بِٱسمِ رَبِّنا يسوعَ المسيح، أَن تقولوا جَميعًا قَولاً واحِدًا وأَلاَّ يَكونَ بَينَكُمُ ٱختِلافات، بل كُونوا على وِئامٍ تامّ، في رُوحٍ واحِدٍ وفِكرٍ واحِد. فقَد أَخبَرَني عَنكم، أَيُّها الإِخوَة، أَهلُ خُلُوَة أَنَّ بَينكُمُ مُخاصَمات، أَعني أَنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنكُم يَقول: «أَنا لِبولُس» و«أَنا لأَبُلُّس» و«أَنا لِصَخْر» و«أَنا لِلمسيح». أَتُرى المسيحُ ٱنقَسَم؟ أَبولُسُ صُلِبَ مِن أَجْلِكُم؟ أَم بِٱسمِ بولُسَ ٱعتَمَدتُم؟ إِنِّي، والحمدُ للهٍ، لم أُعَمِّدْ أَحَدًا مِنكُم سِوى قِرسْبُس وغايُس، فلَيسَ لأَحَدٍ أَن يَقولَ إِنَّكُم بِٱسْمِيَ ٱعتَمَدتُم. بَلى، قد عَمَّدتُ أَيضًا أُسْرَةَ أَسطِفاناس. وما عدا أُولٰئِكَ، فلا أَذكُرُ أَنِّي عَمَّدتُ أَحَدًا. فإِنَّ المسيحَ لم يُرسِلْني لأُعَمِّد، بل لأُبَشِّر، غَيرَ مُعَوِّلٍ على حِكمَةِ الكَلام لِئَلاَّ يَبطُلَ صَليبُ المسيح. فإِنَّ لُغَةَ الصَّليبِ حَماقةٌ عِندَ الَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الهَلاك، وأَمَّا عِندَ الَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الخَلاص، أَي عِندَنا، فهي قُدرَةُ الله. فقد وَرَدَ في الكِتاب: «سأُبيدُ حِكمَةَ الحُكَماء وأُزيلُ فَهمَ الفُهَماء». فأَينَ الحَكيم؟ وأَينَ عالِمُ الشَّريعة؟ وأَينَ المُماحِكُ في هٰذِه الدُّنْيا؟ أَلَم يَجعَلِ اللهُ حِكمَةَ العالَمِ حَماقة؟ فلَمَّا كانَ العالَمُ بِحِكمَتِه لم يَعرِفِ اللهَ في حِكمَةِ الله، حَسُنَ لَدى اللهِ أَن يُخَلِّصَ المُؤمِنينَ بِحَماقةِ التَّبشير. ولَمَّا كانَ اليَهودُ يَطلُبونَ الآيات، واليُونانِيُّونَ يَبحَثونَ عنِ الحِكمَة، فإِنَّنا نُبَشِّرُ بِمَسيحٍ مَصْلوب، عِثارٍ لِليَهود وحَماقةٍ لِلوَثنِيِّين، وأَمَّا لِلمَدعُوِّين، يَهودًا كانوا أَم يونانِيِّين، فهُو مسيح، قُدرَةُ اللهِ وحِكمَةُ الله، لأَنَّ الحَماقَةَ مِنَ اللهِ أَكثَرُ حِكمَةً مِنَ النَّاس، والضُّعْفَ مِنَ الله أَوفَرُ قُوَّةً مِنَ النَّاس. فٱعتَبِروا، أَيُّها الإِخوَة، دَعوَتَكم، فلَيسَ فيكم في نَظَرِ البَشَرِ كَثيرٌ مِنَ الحُكَماء، ولا كَثيرٌ مِنَ المُقتَدِرين، ولا كَثيرٌ مِن ذَوي الحَسَبِ والنَّسَب. ولٰكِن ما كانَ في العالَمِ مِن حَماقة فذاكَ ما ٱختارَه اللهُ لِيُخزِيَ الحُكَماء، وما كانَ في العالَمِ مِن ضُعْف فذاكَ ما ٱختارَه اللهُ ليُخزِيَ ما كانَ قَوِيًّا، وما كانَ في العالَمِ مِن غَيرِ حَسَبٍ ونَسَبٍ وكان مُحتَقَرًا فذاكَ ما ٱختارَهُ الله: إِختارَ غَيرَ المَوجودِ لِيُزيلَ المَوجود، حتَّى لا يَفتَخِرَ بَشَرٌ أَمامَ الله. وبِفَضْلِه أَنتُم قائمونَ في المسيحِ يسوعَ الَّذي صارَ لَنا حِكمَةً مِن لَدُنِ الله وبِرًّا وقَداسةً وفِداءً لِيَتِمَّ ما وَرَدَ في الكِتاب: «مَنِ ٱفتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبّ». وأَنا أَيضًا، لَمَّا أَتَيتُكُم، أَيُّها الإِخوَة، لم آتِكُم لأُبَلِّغَكُم سِرَّ اللهِ بِسِحْرِ البَيانِ أَوِ الحِكمَة، فإِنِّي لم أَشَأْ أَن أَعرِفَ شَيئًا، وأَنا بَينَكُم، غَيرَ يسوعَ المسيح، بل يسوعَ المسيحَ المَصْلوب. وقَد جِئتُ إِلَيكم وبي ضُعفٌ وخَوفٌ ورِعدَةٌ شَديدة، ولَم يَعتَمِدْ كَلامي وتَبْشيري على أُسلوبِ الإِقناعِ بِالحِكمَة، بل على أَدِلَّةِ الرُّوحِ والقُوَّة، كَيلا يَستَنِدَ إِيمانُكُم إِلى حِكمَةِ النَّاس، بل إِلى قُدرَةِ الله. ومع ذٰلك فإِنَّنا على حِكمَةٍ نَتَكَلَّمُ بَينَ المُؤمِنينَ الرَّاشدين، ولَيسَت بِحِكمَةِ هٰذِه الدُّنْيا ولا بِحِكمَةِ رُؤَساءِ هٰذِهِ الدُّنْيا، ومَصيرُهُم لِلزَّوال، بل نَتَكَلَّمُ على حِكمَةِ اللهِ السِّرِّيَّةِ الَّتي ظَلَّت مَكتومةً في الماضي، تلكَ الَّتي أَعَدَّها اللهُ قَبلَ الدُّهورِ في سَبيلِ مَجْدِنا. ولَم يَعرِفْها أَحَدٌ مِن رُؤَساءِ هٰذِه الدُّنْيا، ولَو عَرَفوها لَما صَلَبوا رَبَّ المَجْد، ولٰكن، كما وَرَدَ في الكِتاب: «ما لم تَرَهُ عَيْنٌ ولا سَمِعَت بِه أُذُنٌ ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَر، ذٰلك ما أَعدَّه اللهُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَه». فلَنا كَشَفَه اللهُ بِالرُّوح، لأَنَّ الرُّوحَ يَفحَصُ عن كُلِّ شَيء حتَّى عن أَعماقِ الله. فمَن مِنَ النَّاسِ يَعرِفُ ما في الإِنسانِ غَيرُ روحِ الإِنسانِ الَّذي فيه؟ وكذٰلِكَ ما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ ما في اللهِ غيرُ رُوحِ الله. ولَم نَنَلْ نَحْنُ رُوحَ العالَم، بل نِلْنا الرُّوحَ الَّذي أَتى مِنَ الله لِنَعرِفَ ما أَنعَمَ اللهُ بِه علَينا مِنَ المَواهِب. وإِنَّنا لا نَتَكَلَّمُ علَيها بِكَلامٍ مَأخوذٍ مِنَ الحِكمَةِ البَشَرِيَّة، بل بِكَلامٍ مَأخوذٍ عنِ الرُّوح، فنُعَبِّرُ عنِ الأُمورِ الرُّوحِيَّةِ بِعِباراتٍ رُوحِيَّة. فالإِنسانُ البَشَرِيُّ لا يَقبَلُ ما هو مِن رُوحِ الله فإِنَّه حَماقةٌ عِندَه، ولا يَستَطيعُ أَن يَعرِفَه لأَنَّه لا حُكْمَ في ذٰلِكَ إِلاَّ بِالرُّوح. وأَمَّا الإِنسانُ الرُّوحِيّ، فيَحكُمُ في كُلِّ شَيء ولا يَحكُمُ فيه أَحَد. فمَنِ الَّذي عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ لِيُعَلِّمَه؟ وأَمَّا نَحنُ فلَنا فِكْرُ المسيح. وإِنِّي، أَيُّها الإِخوَة، لم أَستَطِعْ أَن أُكَلِّمَكُم كَلامي لأُناسٍ روحِيِّين، بل لأُناسٍ بَشَرِيِّين، لأَطفالٍ في المسيح. قد غَذَوتُكُم بِاللَّبَنِ الحَليبِ لا بِالطَّعام، لأَنَّكُم ما كُنتُم تُطيقونَه ولا أَنتُم تُطيقونَه الآن، فإِنَّكُم لا تَزالونَ بَشَرِيِّين. فإِذا كانَ فيكُم حَسَدٌ وخِصام، أَفَلَيسَ في ذٰلِكَ دَليلٌ على أَنَّكُم بَشَرِيُّون وأَنَّكُم تَسيرونَ سِيرةً بَشَرِيَّة؟ وإِذا كانَ أَحَدُكُم يَقول: «أَنا لِبولُس» والآخَر: «أَنا لأَبُلُّس»، أَفَلَيسَ في ذٰلِكَ دَليلٌ على أَنَّكُم تَتَصَرَّفونَ تَصرُّفًا بَشَرِيًّا؟ فَما هو أَبُلُّس؟ وما هو بولُس؟ هُما خادِمانِ بِهِما ٱهتَدَيتُم إِلى الإِيمان، على قَدْرِ ما أَعْطى الرَّبُّ كُلًّا مِنهُما. أَنا غَرَستُ وأَبُلُّسُ سَقى، ولٰكِنَّ اللهَ هو الَّذي أَنْمى. فلَيسَ الغارِسُ بِشَيء ولا السَّاقي، بل ذاكَ الَّذي يُنْمي وهو الله. فالغارِسُ والسَّاقي واحِد، غَيرَ أَنَّ كُلًّا مِنهُما يَنالُ أُجرَتَه على مِقدارِ جَهدِه. نَحنُ عامِلونَ مَعًا في عَمَلِ الله، وأَنتُم حَقْلُ اللهِ وبُنيانُ الله. فإِنِّي، على قَدْرِ ما وُهِبَ لي مِن نِعمَةِ الله، وَضَعتُ الأَساسَ، شَأنَ البانِي الحاذِق، ولكِنَّ آخَرَ يَبْني علَيه. فلْيَنْظُرْ كُلُّ واحِدٍ كيفَ يَبني علَيه. أَمَّا الأَساس، فما مِن أَحدٍ يَستَطيعُ أَن يَضَعَ غَيرَ الأَساسِ الَّذي وُضِعَ، أَي يسوعَ المسيح. فإِن بَنى أَحَدٌ على هٰذا الأَساسِ بِناءً مِن ذَهَبٍ أَو فِضَّةٍ أَو حِجارةٍ كَريمة أَو خَشَبٍ أَو هَشيمٍ أَو تِبْن، سيَظهرُ عَمَلُ كُلِّ واحِد، فيَومُ اللهِ سيُعلِنُه، لأَنَّه في النَّارِ سيُكشَفُ ذٰلك اليَوم، وهٰذه النَّارُ ستَمتَحِنُ قيمَةَ عَمَلِ كُلِّ واحِد. فمَن بَقِيَ عَمَلُه الَّذي بَناه على الأساسِ نالَ أَجْرَه، ومَنِ ٱحتَرَقَ عَمَلُه كانَ مِنَ الخاسِرين، أَمَّا هو فسيَخلُص، ولٰكِن كمَن يَخلُصُ مِن خِلالِ النَّار. أَما تَعلَمونَ أَنَّكُم هَيكَلُ الله، وأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فيكم؟ مَن هَدَمَ هَيكَلَ اللهِ هَدَمَه الله، لأَنَّ هَيكَلَ اللهِ مُقدَّس، وهٰذا الهَيكَلُ هو أُنتُم. فلا يَخدَعَنَّ أَحَدٌ نَفْسَه، فإِن عَدَّ أَحَدٌ مِنكُم نَفْسَه حَكيمًا مِن حُكَماءِ هٰذه الدُّنيا، فَلْيَصِرْ أَحمَقَ لِيَصيرَ حَكيمًا، لأَنَّ حِكمَةَ هٰذا العالَمِ حَماقَةٌ عِندَ الله، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «إِنَّهُ يَأخُذُ الحُكَماءَ بِمَكْرِهِم»، ووَرَدَ أَيضًا: «إِنَّ الرَّبَّ عَليمٌ بِأَفكارِ الحُكَماء ويَعلَمُ أَنَّها باطِلة». فلا يَفتَخِرَنَّ أَحَدٌ بِالنَّاس، فكُلُّ شَيءٍ لَكم، أَبولُسَ كانَ أَم أَبُلُّس أَم صَخْرًا أَمِ العالَم أَم الحَياة أَمِ المَوت أَمِ الحاضِر أَمِ المُستَقبَل: كُلُّ شَيءٍ لَكم، وأَنتُم لِلمسيح، والمسيحُ للهٍ. فلْيَعُدَّنا النَّاسُ خَدَمًا لِلمسيح ووُكَلاءَ أَسرارِ الله، وما يُطلَبُ آخِرَ الأَمرِ مِنَ الوُكَلاءِ أَن يَكونَ كُلٌّ مِنهُم أَمينًا. أَمَّا أَنا فأَقَلُّ ما علَيَّ أَن تَدينوني أَو تَدينَني مَحكَمةٌ بَشَرِيَّة، بل لا أَدينُ نَفْسي، فضَميري لا يُؤَنِّبُني بِشَيء، على أَنِّي لَستُ مُبَرَّرًا لِذٰلك، فدَيَّانِي هوَ الرَّبّ. فلا تَدينوا أَحَدًا قَبْلَ الأَوان، قَبلَ أَن يَأتِيَ الرَّبّ، فهو الَّذي يُنيرُ خَفايا الظُّلُمات ويَكشِفُ عن نِيَّاتِ القُلوب، وعِندَئِذٍ يَنالُ كُلُّ واحِدٍ مِنَ اللهِ ما يَعودُ علَيه مِنَ الثَّناء. وفي هٰذه الأُمور، ضَرَبتُ مَثَلاً مِن نَفْسي ومِن أَبُلُّسَ لأَجلِكُم، أَيُّها الإِخوَة، لِتَتعَلَّموا بِنا أَلاَّ تَنتَفِخوا مِنَ الكِبْرِياء فتَنصُروا الواحِدَ على الآخَر. فمَنِ الَّذي يُمَيِّزُكَ؟ وأَيُّ شَيءٍ لَكَ لم تَنَلْه؟ فإِن كُنتَ قد نِلْتَه، فلِمَ تَفتَخِرُ كأَنَّكَ لم تَنَلْه؟ لقَد شَبِعتُم! لقَدِ ٱغتَنَيتُم! مِن دُونِنا مَلَكتُم، ويا لَيتَكُم مَلَكتُم فَنملِكَ نَحنُ أَيضًا مَعَكم! لأَنِّي أَرى أَنَّ اللهَ أَنزَلَنا نَحنُ الرُّسُلَ أَدْنى مَنزِلَةٍ كالمَحكومِ علَيهِم بِالمَوت، فقَد صِرْنا مَعْروضينَ لِنَظَرِ العالَمِ والمَلائِكَةِ والنَّاس. نَحنُ حَمْقى مِن أَجْلِ المسيح وأَنتُم عُقَلاءُ في المسيح. نَحنُ ضُعَفاءُ وأَنتُم أَقوِياء. أَنتُم مُكَرَّمونَ ونَحنُ مُحتَقَرون. ولا نَزالُ حتَّى هٰذه السَّاعَةِ أَيضًا نَجوعُ ونَعطَشُ ونَعْرى ونُلطَمُ ونُشَرَّد، ونُجهِدُ النَّفْسَ في العَمَلِ بِأَيدينا. نُشتَمُ فنُبارِك، نُضطَهَدُ فنَحتَمِل، يُشَنَّعُ علَينا فنَرُدُّ بِالحُسْنى. صِرنا شِبْهَ أَقْذارِ العالَم ونُفايةَ النَّاسِ أَجمَعين، إِلى اليَوم. لا أُريدُ فيما أَكتُبُه أَن أُخجِلَكُم، بل أُريدُ أَن أنَصَحَكم نَصيحَتي لأَبنائِيَ الأَحِبَّاء. فقَد يَكونُ لكم أُلوفُ الحُرَّاسِ في المسيح، ولٰكِن لَيسَ لَكم عِدَّةُ آباء، لأَنِّي أَنا الَّذي وَلَدَكُم بِالبِشارة، في المسيحِ يَسوع، فأَحُثُّكم إِذًا أَن تَقتَدوا بي. ولِذٰلِك أَرسَلتُ إِلَيكُم طِيموتاوس، اِبنِيَ الحَبيبَ الأَمينَ في الرَّبّ، فَهو يُذَكِّرُكُم بِطُرُقي في المسيح، كَما أُعَلِّمُها في كُلِّ مَكانٍ في جَميعِ الكَنائِس. وقَد تَوَهَّمَ بَعضُكُم أَنِّي لن آتِيَ إِلَيكُم، فٱنتَفَخوا مِنَ الكِبْرِياء، ولٰكِنِّي سآتي قَريبًا إِن شاءَ الرَّبّ، لأَطَّلعَ، لا على أَقْوالِ أُولٰئِكَ المُنتَفِخينَ مِنَ الكِبْرِياء، بل على قُدرَتِهِم، فلَيسَ مَلَكوتُ اللهِ بِالكَلام، بل بِالعَمَل. أَيَّما تُفضِّلون؟ أَبِالعَصا آتي إِلَيكُم أَم بِالمَحبَّةِ ورُوحِ الوَداعة؟ لقد شاعَ خَبَرُ ما يَجري عِندَكُم مِن فاحِشَة، ومِثْلُ هٰذه الفاحِشةِ لا يُوجَدُ ولا عِند الوَثَنِيِّين، فإِنَّ رَجُلاً مِنكُم يُساكِنُ ٱمرَأَةَ أَبيه. ومع ذٰلِك فأَنتُم مُنتَفِخونَ مِنَ الكِبرِياء! أَلَيسَ الأَولى بِكُم أَن تَحزَنوا حتَّى يُزالَ مِن بَينِكُم فاعِلُ ذٰلك العَمَل؟ أَمَّا أَنا فإِن كُنتُ غائِبًا بِالجَسَد، فإِنِّي حاضِرٌ بِالرُّوح، وقَد حَكَمتُ كأَنِّي حاضِرٌ على مُرتَكِبِ مِثْلِ هٰذا العَمَل. فبِٱسمِ الرَّبِّ يَسوع، وفي أَثْناءِ ٱجتِماعٍ لكُم ولِروحي، مع قُدرَةِ رَبِّنا يَسوع، يُسلَمُ هٰذا الرَّجُلُ إِلى الشَّيطان، حتَّى يَهلِكَ جَسَدُه فتَخلُصَ رُوحُه يَومَ الرَّبّ. لا يَحسُنُ بِكم أَن تَفتَخِروا! أَما تَعلَمونَ أَنَّ قَليلاً مِنَ الخَميرِ يُخَمِّرُ العَجينَ كُلَّه؟ طَهِّروا أَنفُسَكُم مِنَ الخَميرةِ القَديمة لِتَكونوا عَجينًا جَديدًا لأَنَّكُم فطير. فقَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصْحِنا، وهو المسيح. فلْنُعيِّدْ إِذًا، ولٰكِن لا بِالخَميرةِ القَديمة ولا بِخَميرةِ الخُبْثِ والفَساد، بل بِفَطيرِ الصَّفاءِ والحَقّ. كَتَبتُ إِلَيكُم في رِسالتي أَلاَّ تُخالِطوا الزُّناة. ولا أَعني زُناةَ هٰذا العالَمِ أَوِ الجَشِعينَ والسَّرَّاقينَ وعُبَّادَ الأَوثانِ على الإِطْلاق، وإِلاَّ وَجَبَ علَيكُمُ الخُروجُ مِنَ العالَم. بل كَتَبتُ إِلَيكُم أَلاَّ تُخالِطوا مَن يُدْعى أَخًا وهو زانٍ أَو جَشِعٌ أَو عابِدُ أَوثان أَو شَتَّامٌ أَو سِكِّيرٌ أَو سَرَّاق. بل لا تُؤاكِلوا مِثْلَ هٰذا الرَّجُل. أَفمِن شَأني أَن أَدينَ الَّذينَ في خارِجِ الكَنيسة؟ أَما عَلَيكُم أَنتُم أَن تَدينوا الَّذينَ في داخِلِها؟ أَمَّا الَّذينَ في خارِجِها فاللهُ هو الَّذي يَدينُهم. «أَزيلوا الفاسِدَ مِن بَينِكُم». أَيَجرُؤُ أَحَدُكُم، إِذا كانَ لَه شَيءٌ على غَيرِه، أَن يُقاضِيَه لَدى الفُجَّار، لا لَدى القِدِّيسين؟ أَوَما تَعلَمونَ أَنَّ القِدِّيسينَ سيَدينونَ العالَم؟ وإِذا كُنتُم أَنتُم سَتَدينونَ العالَم، أَفتَكونونَ غَيرَ أَهلٍ لإِنشاءِ أَصغَرِ المَحاكِم؟ أَما تَعلَمونَ أَنَّنا سنَدينُ المَلائِكة؟ فما أَولانا بِأَن نَحكُمَ في أُمورِ الحَياةِ الدُّنْيا! وإِذا ٱحتَجتُم إِلى مَحاكِمَ لأُمورِ الحَياةِ الدُّنْيا فأَجلِسوا فيها أَصغَرَ مَن في الكَنيسة! لإِخْجالِكم أَقولُ لَكم ذٰلك! أَفَلَيسَ فيكم حَكيمٌ واحِدٌ بِوُسعِه أَن يَقضِيَ بَينَ إِخوَتِه؟ ولٰكِنَّ الأَخَ يُقاضي أَخاه، لا بل يَفعَلُ ذٰلك لَدى غَيرِ المُؤمِنين! وفي كُلِّ حال فإِنَّه مِنَ الخَسارةِ أَن يَكونَ بَينَكُم دَعاوٍ. فلِمَ لا تُفَضِّلونَ ٱحتِمالَ الظُّلْم؟ ولِمَ لا تُفَضِّلونَ ٱحتِمالَ السَّلْب؟ ولٰكِن، أَنتُمُ الَّذينَ يَظلِمونَ ويَسلِبون، لا بل تَفعَلونَ ذٰلك بإِخوَتِكُم! أَما تَعلَمونَ أَنَّ الفُجَّارَ لا يَرِثونَ مَلَكوتَ الله؟ فلا تَضِلُّوا، فإِنَّه لا الفاسِقونَ ولا عُبَّادُ الأَوثان ولا الزُّناةُ ولا المُخَنَّثون ولا اللُّوطِيُّون ولا السَّرَّاقون ولا الجَشِعونَ ولا السِّكِّيرون ولا الشَّتَّامونَ ولا السَّالِبونَ يَرِثونَ مَلَكوتَ الله. وعلى ذٰلِكَ كُنتُم أَو قلَّما كانَ بَعضُكُم فغُسِلتُم، بل قُدِّستُم، بل بُرِّرتُم بِٱسمِ الرَّبِّ يسوعَ المسيح وبروحِ إِلٰهِنا. كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي، ولٰكِن لَيسَ كُلُّ شَيءٍ يَنفَع. كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي، ولٰكِنِّي لن أَدَعَ شَيئًا يَتَسَلَّطُ عليَّ. أَلطَّعامُ لِلبَطْنِ والبَطْنُ لِلطَّعام، واللهُ سيُبيدُ هٰذا وذاك. أَمَّا الجَسَد فلَيسَ لِلزِّنى، بل هو لِلرَّبِّ والرَّبُّ لِلجَسَد. وإِنَّ اللهَ الَّذي أَقامَ الرَّبَّ سيُقيمُنا نَحنُ أَيضًا بِقُدرَتِه. أَما تَعلَمونَ أَنَّ أَجسادَكُم هي أَعضاءُ المسيح؟ أَفآخُذُ أَعضاءَ المسيحِ وأَجعَلُ مِنها أَعضاءَ بَغِيّ؟ مَعاذَ الله! أَوَما تَعلَمونَ أَنَّ مَنِ ٱتَّحَدَ بِبَغِيٍّ صارَ وإِيَّاها جَسَدًا واحِدًا؟ فإِنَّه قِيل: «يَصيرُ كِلاهُما جَسَدًا واحِدًا». ومَنِ ٱتَّحَدَ بِالرَّبّ فقَد صارَ وإِيَّاهُ رُوحًا واحِدًا. أُهرُبوا مِنَ الزِّنى، فكُلُّ خَطيئَةٍ يَرتَكِبُها الإِنسانُ هي خارِجةٌ عن جَسَدِه، أَمَّا الزَّاني فهو يَخطَأُ إِلى جَسَدِه. أَوَما تَعلَمونَ أَنَّ أَجسادَكُم هي هَيكَلُ الرُّوحِ القُدُس، وهو فيكُم قد نِلتُمُوه مِنَ الله، وأَنَّكُم لَستُم لأَنفُسِكُم؟ فقَدِ ٱشتُريتم وأُدِّيَ الثَّمَن. فمجِّدوا اللهَ إِذًا بِأَجسادِكم. وأَمَّا ما كَتَبتُم بِه إِلَيَّ، فيَحسُنُ بِالرَّجُلِ أَن لا يَمَسَّ المَرأَة، ولٰكِن، لِتَجَنُّبِ الزِّنى، فلْيَكُنْ لِكُلِّ رَجُلٍ ٱمرَأَتُه ولِكُلِّ ٱمرَأَةٍ زَوجُها، ولْيَقْضِ الزَّوْجُ ٱمرَأَتَه حَقَّها، وكذٰلِكَ المَرأَةُ حَقَّ زَوجِها. لا سُلطَةَ لِلمَرأَةِ على جَسَدِها فإِنَّما السُّلطَةُ لِزَوجها، وكَذٰلِكَ الزَّوجُ لا سُلطَةَ لَه على جسَدِه فإِنَّما السُّلطَةُ لِٱمرَأَتِه. لا يَمنَعْ أَحدُكُما الآخَر إِلاَّ على ٱتِّفاقٍ بَينكُما وإِلى حِين كَي تَتفَرَّغا لِلصَّلاة، ثُمَّ عودا إِلى الحَياةِ الزَّوجِيَّة لِئَلاَّ يُجَرِّبَكُما الشَّيطانُ لِقِلَّةِ عِفَّتِكُما. وأَقولُ هٰذا مِن بابِ الإِجازة، لا مِن بابِ الأَمْر، فإِنِّي أَوَدُّ لو كانَ جَميعُ النَّاسِ مِثْلي. ولٰكِنَّ كُلَّ إِنسانٍ يَنالُ مِنَ اللهِ مَوهِبَتَه الخاصَّة، فبَعضُهُم هٰذه وبعضُهُم تِلْك. وأَقولُ لِغَيرِ المُتَزَوِّجينَ والأَرامِل إِنَّه يَحسُنُ بِهِم أَن يَظَلُّوا مِثْلي. فإِذا لم يُطيقوا العَفاف فلْيَتَزَوَّجوا، فالزَّواجُ خَيرٌ مِنَ التَّحَرُّق. وأَمَّا المُتَزَوِّجونَ فأُوصيهم، ولَستُ أَنا المُوصي، بلِ الرَّبّ، بِأَن لا تُفارِقَ المَرأَةُ زَوجَها، - وإِن فارَقَتْه فلْتَبقَ غَيرَ مُتَزَوِّجة أَو فلْتُصالِحْ زَوجَها - وبِأَلاَّ يَتَخَلَّى الزَّوجُ عنِ ٱمرَأَتِه. وأَمَّا الآخَرونَ فأَقولُ لَهم أَنا لا الرَّبّ: إِذا كانَ لأَخٍ ٱمرَأَةٌ غَيرُ مُؤمِنةٍ ٱرتَضَت أَن تُساكِنَه، فلا يَتَخَلَّ عنها، وإِذا كانَ لِٱمرَأَةٍ زَوجٌ غَيرُ مُؤمِنٍ ٱرتَضى أَن يُساكِنَها، فلا تَتَخَلَّ عن زَوجِها، لأَنَّ الزَّوجَ غَيرَ المُؤمِنِ يَتَقَدَّسُ بِٱمرَأَتِه، والمَرأَةَ غَيرَ المُؤمِنةِ تَتَقَدَّسُ بِالزَّوجِ المُؤمِن، وإِلاَّ كانَ أَولادُكُم أَنجاسًا، مع أَنَّهم قِدِّيسون. وإِن شاءَ غَيرُ المُؤمِنِ أَن يُفارِق فلْيُفارِق، فلَيسَ الأَخُ أَوِ الأُختُ في مِثْلِ هٰذه الحالِ بِمُرتَبِطَيْن، لأَنَّ اللهَ دعاكُم أَن تَعيشوا بِسَلام. فما أَدْراكِ أَيَّتُها المَرأَةُ أَنَّكِ تُخَلِّصينَ زَوجَكِ؟ وما أَدْراكَ أَيُّها الرَّجُلُ أَنَّكَ تُخَلِّصُ ٱمرَأَتَك؟ ومَهما يَكُنْ مِن أَمْرٍ فلْيَسِر كُلُّ واحِدٍ في حَياتِه على ما قَسَمَ لَه الرَّبُّ كما كانَ علَيه إِذ دَعاهُ الله، وهٰذا ما أَفرِضُه في الكَنائِسِ كُلِّها. أَدُعِيَ أَحَدٌ وهو مَخْتون؟ فلا يُحاوِلَنَّ إِزالَةَ خِتانِه. أَدُعِيَ أَحَدٌ وهو أَقلَف؟ فلا يَطلُبَنَّ الخِتان. لَيسَ الخِتانُ بِشَيءٍ ولا القَلَفُ بشَيء، بلِ الشَّيءُ هو حِفْظُ وَصايا الله. فلْيَبقَ كُلُّ واحِدٍ على الحالِ الَّتي كانَ فيها حِينَ دُعِيَ. أَأَنتَ عَبدٌ حِينَ دُعِيتَ؟ فلا تُبالِ، ولَو كانَ بِوُسْعِكَ أَن تَصيرَ حُرًّا، فالأَولى بِكَ أَن تَستَفيدَ مِن حالِكَ، لأَنَّه مَن دُعِيَ في الرَّبِّ وهو عَبْد كانَ عَتيقَ الرَّبّ، وكَذٰلِك مَن دُعِيَ وهو حُرّ كانَ عَبْدَ المسيح. قدِ ٱشتُرِيتُم وأُدِّيَ الثَّمَن، فلا تَصيروا عَبيدَ النَّاس. فلْيَبقَ كُلُّ واحِدٍ، أَيُّها الإِخوَة، لَدى اللهِ على ما كانَ علَيه حِينَ دُعِيَ. وأَمَّا الفَتَياتُ والفِتْيان، فلَيسَ لَهم عِنْدي وصِيَّةٌ مِنَ الرَّبّ، ولٰكِنِّي أُدْلي بِرَأيي وهو رأيُ رَجُلٍ جَعَلَته رَحمَةُ اللهِ جَديرًا بِالثِّقَة. وأَرى أَنَّ حالَهُم حَسَنَةٌ بِسَبَبِ الشِّدَّةِ الحاضِرة، فإِنَّه يَحسُنُ بِالإِنسانِ أَن يَكونَ على هٰذِه الحال. أَأَنتَ مُرتَبِطٌ بِٱمرَأَة؟ فلا تَطلُبِ الفِراق. أَأَنتَ غَيرُ مُرتَبِطٍ بِٱمرَأَة؟ فلا تَطلُبِ ٱمرَأة، وإِذا تَزَوَّجتَ فلا ذَنْبَ عَلَيكَ، وإِذا تَزَوَّجتِ الفَتاة فلا ذَنْبَ عَلَيها، ولٰكِنَّ أَمثالَ هٰؤُلاءِ سيَلقَونَ مَشَقَّةً في أَجْسادِهم، وإِنِّي أُريدُ أَن أَحمِيَكُم مِنها. أَقولُ لَكُم، أَيُّها الإِخوَة، إِنَّ الزَّمانَ يَتَقاصَر: فمُنذُ الآن لِيَكُنِ الَّذينَ لَهمُ ٱمرَأَةٌ كأَنَّهم لا ٱمرَأَةَ لَهم، والَّذينَ يَبْكون كأَنَّهم لا يَبْكون، والَّذينَ يَفرَحون كأَنَّهم لا يَفرَحون، والَّذينَ يَشتَرون كأَنَّهم لا يَملِكون، والَّذينَ يَستَفيدونَ مِن هٰذا العالَم كأَنَّهم لا يستفيدون حَقًّا، لأَنَّ صُورةَ هٰذا العالَمِ في زَوال. بِوَدِّي لو كُنتُم مِن دونِ هَمّ، فإِنَّ غَيرَ المُتَزَوِّجِ يَصرِفُ هَمَّه إِلى أُمورِ الرَّبِّ والوَسائِلِ الَّتي يُرْضي بِها الرَّبّ، والمُتَزَوِّجَ يَصرِفُ هَمَّه إِلى أُمورِ العالَمِ والوَسائِلِ الَّتي يُرْضي بِها ٱمرَأَتَه، فهو مُنقَسِم. وكذٰلِكَ المَرأَةُ غيرُ المُتَزَوِّجَة ومِثْلُها الفَتاةُ تَصرِفانِ هَمَّهُما إِلى أُمورِ الرَّبّ لِتَكونا مُقَدَّسَتَينِ جَسَدًا ورُوحًا، وأَمَّا المُتَزوِّجة فتَصرِفُ هَمَّها إِلى أُمورِ العالَمِ والوَسائِلِ الَّتي تُرْضي بِها زَوجَها. أَقولُ هٰذا لِفائِدتِكم أَنتُم، لا لأَنصِبَ لَكم فَخًّا، بل لِتَقوموا بما هو أَحسَن وتَلزَموا الرَّبَّ لا يَشغُلُكم عنه شاغِل. وإِذا رَأَى أَحَدٌ أَنَّه قد لا يَصونُ خَطيبَتَه، إِنِ ٱشتدَّت رَغبَتُه، وأَنَّه لا بُدَّ لِلأُمورِ أَن تَجرِيَ مَجْراها، فَلْيَفْعَلْ ما يَشاء، إِنَّه لا يَخطأ: فلْيَتَزَوَّجا. ولٰكِن مَن عَزَمَ في قَلْبِه، وكانَ غَيرَ مُضطَرٍّ، حُرًّا في ٱختِيارِه، وصَمَّمَ في صَميمِ قَلبِه أَن يَصونَ خطيبَتَه، فنِعْمَ ما يَفعَل! فَمَن تَزَوَّجَ خَطيبَتَه فَعَلَ حَسَنًا، ومَن لم يَتَزَوَّجْها كانَ أَحسَنَ فِعْلاً. إِنَّ المَرأَةَ تَظَلُّ مُرتَبِطَةً بِزَوجِها ما دامَ حَيًّا، فإِن ماتَ زَوجُها أَصبَحَت حُرَّةً، لَها أَن تَتَزَوَّجَ مَن شاءَت، ولٰكن زَواجًا في الرَّبِّ فَقَط. غَيرَ أَنَّها كما أَرى تَكونُ أَكثَرَ سَعادَةً إِذا بَقيَت على حالِها، وأَظُنُّ رُوحَ اللهِ فِيَّ أَنا أَيضًا. وأَمَّا لَحْمُ ما ذُبِحَ لِلأَوثان فإِنَّنا نَعلَمُ أَنَّ المَعرِفةَ لَنا جَميعًا. إِنَّ المَعرِفةَ تَنفُخ، أَمَّا المَحبَّةُ فَتَبْني. فمَن ظَنَّ أَنَّه يَعرِفُ شَيئًا، فهو لا يَعرِفُ بَعدُ كَيفَ يَنبَغي لَه أَن يَعرِف. ولٰكِن مَن أَحَبَّ الله، فهو الَّذي عَرَفَه الله. وأَمَّا الأَكْلُ من لَحْمِ ما ذُبِحَ لِلأَوثان فنَحنُ نَعلَمُ أَنْ لا وَثَنَ في العالَم، وأَنْ لا إِلٰهَ إِلاَّ اللهُ الأَحَد. وقد يَكونُ في السَّماءِ أَو في الأَرضِ ما يُزعَمُ أَنَّهم آلِهة، بل هُناكَ كَثيرٌ مِنَ الآلِهَة وكَثيرٌ مِنَ الأَرباب، وأَمَّا عِندَنا نَحنُ، فلَيسَ إِلاَّ إِلٰهٌ واحِدٌ وهو الآب، مِنه كُلُّ شَيءٍ وإِلَيه نَحنُ أَيضًا نَصير، ورَبٌّ واحِدٌ وهو يسوعُ المسيح، بِه كُلُّ شَيءٍ وبِه نَحنُ أَيضًا. ولٰكِن لَيسَتِ المَعرِفةُ لِجَميعِ النَّاس، فهُناكَ بَعضُهم، مِن جَرَّاءِ تَعَوُّدِهم حتَّى اليَومَ على الوَثَن، يأكُلونَ لَحمَ ما ذُبِحَ لِلأَوثانِ كأَنَّه كذٰلِك، فيَتَدَنَّسُ ضَميرُهم لِضُعْفِه. لَيسَ لِطعامٍ أَن يُقَرِّبَنا إِلى الله، فإِن لم نَأكُلْ مِنه لا نَنْقُص، وإِن أَكَلْنا مِنه لا نَزْداد. ولٰكِنِ ٱحذَروا أَن تَكونَ حُرِّيَّتُكُم هٰذه سَبَبَ عَثرَةٍ لِلضُّعَفاء. فإِذا رآكَ أَحَدٌ، يا صاحِبَ المَعرِفَة، جالِسًا على الطَّعامِ في هَيكَلِ الأوثان، أَفما «يُبْنى» ضَميرُ ذٰلك الضَّعيفِ فيَأكُلُ مِمَّا ذُبِحَ لِلأَوثان، فتَكونُ مَعرِفتُكَ سَبَبًا لِهَلاكِ ذاكَ الضَّعيف، ذاكَ الأَخِ الَّذي مِن أَجْلِه ماتَ المسيح؟ وإِذا خَطِئتُم هٰكذا إِلى إِخوَتِكُم وجَرَحتُم ضَمائِرَهُمُ الضَّعيفَة، فإِلى المسيحِ قد خَطِئتُم. لِذٰلك إِذا كانَ بَعضُ الطَّعامِ حَجَرَ عَثرَةٍ لأَخي، فلَن آكُلَ لَحْمًا أَبَدًا لِئَلاَّ أَكونَ حَجَرَ عَثرَةٍ لأَخي. أَلَستُ حُرًّا؟ أَلَستُ رَسولاً؟ أَوَما رَأَيتُ يسوعَ رَبَّنا؟ أَلَستُم صَنيعَتي في الرَّبّ؟ وإِن لم أَكُنْ رَسولاً عِندَ غَيرِكُم، فأَنا رَسولٌ عِندَكُم لأَنَّ خاتَمَ رِسالَتي هو أَنتُم، في الرَّبّ. وهٰذا هو رَدِّي على الَّذينَ يَتَّهِمونَني. أَمَا لَنا حَقٌّ أَن نَأكُلَ ونَشرَب؟ أَما لَنا حَقٌّ أَن نَستَصحِبَ ٱمرَأَةً مُؤمِنةً كَسائِرِ الرُّسُلِ وإِخوَةِ الرَّبِّ وصَخْر؟ أَم أَنا وَحْدي وبَرنابا لا حَقَّ لَنا أَلاَّ نَعمَل؟ مَن ذا الَّذي يُحارِبُ يَومًا والنَّفَقةُ علَيه؟ مَن ذا الَّذي يَغرِسُ كَرْمًا ولا يَأكُلُ ثَمَرَه؟ مَن ذا الَّذي يَرْعى قَطيعًا ولا يَغتَذي مِن لَبَنِ القَطيع؟ أَتُرى قَولي هٰذا كَلامًا بَشَرِيًّا؟ أَوَلا تَقولُ الشَّريعةُ ذٰلك؟ فقَد كُتِبَ في شَريعَةِ موسى: «لا تَكْعَمِ الثَّورَ وهو يَدرُسُ الحُبوب». أَتُرى اللهُ يَهْتَمُّ بِالثِّيران؟ أَما مِن أَجلِنا حَقًّا قالَ ذٰلك؟ نَعم، مِن أَجْلِنا كُتِبَ ذٰلك ومَعْناه: لا بُدَّ لِلحارِثِ أَن يَحرِثَ راجِيًا، ولا بُدَّ لِلَّذي يَدرُسُ الحُبوبَ أَن يَرْجُوَ الحُصولَ على نَصيبِه مِنها. فإِذا كُنَّا قد زَرَعْنا مِن أَجلِكُم الخَيراتِ الرُّوحِيَّة، فهَل يَكونُ أَمرًا عَظيمًا أَن نَحصُدَ مِن خَيراتِكُمُ المادِّيَّة؟ وإِذا كانَ غيرُنا يَحصُلُ على نَصيبٍ مِن ذٰلِك الحَقّ، أَفلَسْنا نَحنُ أَولى بِه؟ ومع ذٰلِكَ لم نَستَعْمِلْ هٰذا الحَقَّ، بل نَصبِرُ على كُلِّ شَيء لِئَلاَّ نُقيمَ أَيَّ مانِعٍ كانَ دونَ بِشارةِ المسيح. أَما تَعلَمونَ أَنَّ خَدَمَ الهَيكَلِ يأكُلون مِمَّا هو لِلهَيكَل، والَّذينَ يَخدِمونَ المَذبَح يُقاسِمونَ المَذبَح؟ وهٰكذا قَضى الرَّبُّ لِلَّذينَ يُعلِنونَ البِشارَةَ أَن يَعيشوا مِنَ البِشارة. أَمَّا أَنا فلَم أَستَعْمِلْ أَيَّ حَقٍّ مِن هٰذِهِ الحُقوق، ولَم أَكْتُبْ هٰذا لأُعامَلَ هٰذه المُعامَلَة. فالمَوتُ أَفضَلُ لي مِن أَن... مَفخَرَتي هٰذه لن يَنتَزِعَها أَحد. فإِذا بَشَّرتُ، فلَيسَ في ذٰلك لي مَفخَرَة، لأَنَّها فَريضةٌ لا بُدَّ لي مِنها، والوَيلُ لي إِن لم أُبَشِّر! فلَو كُنتُ أَفعَلُ ذٰلك طَوعًا، لَكانَ لي حَقٌّ في الأُجْرَة. ولٰكِن إِذا كُنتُ أَفعَلُه مُلزَمًا، فذٰلك بِحُكمِ وَكالَةٍ عُهِدَت إِلَيَّ. فما هي أُجْرَتي؟ أُجْرَتي، إِذا بَشَّرتُ، أَن أَعرِضَ البِشارَةَ مَجَّانًا، مِن دونِ أَن أَستَفيدَ مِمَّا يَحُقُّ لي مِنَ البِشارة. ومع أَنِّي حُرٌّ مِن جِهَةِ النَّاسِ جَميعًا، فقَد جَعَلتُ مِن نَفْسي عَبْدًا لِجَميعِ النَّاسِ كَي أَربَحَ أَكثَرَهُم، فصِرتُ لِليَهودِ كاليَهودِيّ لأَربَحَ اليَهود، ولِلَّذينَ هم في حُكْمِ الشَّريعةِ كالَّذي في حُكْمِ الشَّريعة - مع أَنِّي لَستُ في حُكْمِ الشَّريعة - لأَربَحَ الَّذينَ في حُكْمِ الشَّريعة، وصِرتُ لِلَّذينَ لَيسَ لَهم شَريعة كالَّذي لَيسَ لَه شَريعة - مع أَنِّي لَستُ بِلا شَريعةٍ مِنَ الله - لأَربَحَ الَّذينَ لَيسَ لَهم شَريعة، إِذ إِنِّي في حُكْمِ شَريعةِ المسيح، وصِرتُ لِلضُّعَفاءِ ضَعيفًا لأَربَحَ الضُّعَفاء، وصِرتُ لِلنَّاسِ كُلِّهِم كُلَّ شَيء لأُخَلِّصَ بَعضَهُم مَهْما يَكُنِ الأَمْر. وأَفعَلُ هٰذا كُلَّه في سَبيلِ البِشارة، لأُشارِكَ فيها. أَما تَعلَمونَ أَنَّ العَدَّائينَ في المَيدانِ يَعْدونَ كُلُّهُم، وأَنَّ واحِدًا يَنالُ الجائِزَة؟ فٱعْدوا كذٰلك حتَّى تَفوزوا. وكُلُّ مُبارٍ يَحرِمُ نَفْسَه كُلَّ شَيء، أَمَّا هٰؤُلاءِ فلِكَي يَنالوا إِكْليلاً يَزول، وأَمَّا نَحنُ فلِكَي نَنالَ إِكْليلاً لا يَزول. وهٰكذا فإِنِّي لا أَعْدو على غَيرِ هُدًى ولا أُلاكِمُ كَمَن يَلطِمُ الرِّيح، بل أَقمَعُ جَسَدي وأُعامِلُه بِشِدَّة، مَخافَةَ أَن أَكونَ مَرفوضًا بَعدَ ما بَشَّرتُ الآخَرين. فلا أُريدُ أَن تَجهَلوا، أَيُّها الإِخوَة، أَنَّ آباءَنا كانوا كُلُّهُم تَحتَ الغَمام، وكُلُّهُم جازوا في البَحْر، وكُلُّهُمُ ٱعتَمَدوا في موسى في الغَمامِ وفي البَحْر، وكُلُّهُم أَكَلوا طَعامًا رُوحِيًّا واحِدًا، وكُلُّهُم شَرِبوا شَرابًا رُوحِيًّا واحِدًا، فقَد كانوا يَشرَبونَ مِن صَخرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَتبَعُهم، وهٰذه الصَّخرَةُ هي المسيح. ومع هٰذا فإِنَّ اللهَ لم يَرْضَ عن أَكثَرِهِم، فسَقطوا صَرْعى في البَرِّيَّة. وقد حَدَثَ ذٰلك كُلُّه لِيَكونَ لَنا صورةً، لِئَلاَّ نَشتَهِيَ الأَشياءَ الخَبيثَةَ كما ٱشتَهاها هٰؤُلاء فلا تَكونوا مِن عُبَّادِ الأَوثان كما كانَ بَعضُهُم، فقَد وَرَد في الكِتاب: «جَلَسَ الشَّعْبُ يَأكُلُ ويَشرَب، ثُمَّ قاموا يَعبَثون». ولا نَزنِيَنَّ كما زَنى بَعضُهُم فسَقَطَ في يَومٍ واحِدٍ ثَلاثَةٌ وعِشرونَ أَلْفًا. ولا نُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ كما جَرَّبَه بَعضُهُم فأَهلَكَتْهُمُ الحَيَّات. ولا تَتَذَمَّروا كما تَذَمَّرَ بَعضُهُم فأَهلَكهُمُ المُبيد. وقَد جَرى لَهم ذٰلِكَ لِيَكونَ صورةً وكُتِبَ تَنبيهًا لَنا نَحنُ الَّذينَ بَلَغوا مُنتَهى الأَزمِنَة. فمَن ظنَّ أَنَّه قائم، فلْيَحذَرِ السُّقوط. لم تُصِبْكُمْ تَجرِبةٌ إِلاَّ وهي على مِقدارِ وُسْعِ الإِنسان. إِنَّ اللهَ أَمينٌ فلَن يأذَنَ أَن تُجَرَّبوا بما يفوقُ طاقَتَكم، بل يُؤتيكُم مع التَّجرِبَةِ وَسيلةَ الخُروجِ مِنها بِالقُدرةِ على تَحَمُّلِها. فلِذٰلكَ ٱهرُبوا، يا أَحِبَّائي، مِن عِبادةِ الأَوثان. أُكَلِّمُكُم كما أُكَلِّمُ قَومًا عُقَلاء، فَٱحكُموا أَنتُم فيما أَقول: أَلَيسَت كَأسُ البَرَكةِ الَّتي نُبارِكُها مُشارَكَةً في دَمِ المسيح؟ أَلَيسَ الخُبْزُ الَّذي نَكسِرُه مُشارَكَةً في جَسَدِ المسيح؟ فلمَّا كانَ هُناكَ خُبزٌ واحِد، فنَحنُ على كَثرَتِنا جَسَدٌ واحِد، لأَنَّنا نَشتَرِكُ كُلُّنا في هٰذا الخُبْزِ الواحِد. أُنظُروا إِلى إِسرائيلَ البَشَريّ. أَلَيسَ الَّذينَ يَأكُلونَ الذَّبائِحَ هم شُرَكاءُ المَذبَح؟ فما المُرادُ مِن قَولي؟ أَما ذُبِحَ لِلأَوثانِ شَيءٌ أَمِ الوَثَنُ شَيء؟ لا، ولٰكِن لمَّا كانَ ما يُذبَحُ إِنَّما يُذبَحُ لِلشَّياطينِ لا للهٍ فإِنِّي لا أُريدُ أَن تَكونوا شُرَكاءَ الشَّياطين. لا يَسَعُكُم أَن تَشرَبوا كَأسَ الرَّبِّ وكَأسَ الشَّياطين، ولا يَسَعُكُم أَن تَشتَرِكوا في مائدةِ الرَّبِّ ومائِدةِ الشَّياطين. أَوَ نُريدُ أَن نُثيرَ غَيرَةَ الرَّبّ؟ أَنَحنُ أَقْوى مِنه؟ كُلُّ شَيءٍ حَلال، ولٰكِن لَيسَ كُلُّ شَيءٍ بِنافِع. كُلُّ شَيءٍ حَلال، ولٰكِن لَيسَ كُلُّ شَيءٍ يَبْني. لا يَسْعَيَنَّ أَحَدٌ إِلى مَنفَعَتِه، بل إِلى مَنفَعَةِ غَيرِه. كُلوا مِنَ اللَّحْمِ كُلَّ ما يُباعُ في السُّوق ولا تَسألوا عن شَيءٍ مُراعاةً لِلضَّمير، لأَنَّ لِلرَّبِّ الأَرضَ وكلَّ ما فيها. إِن دَعاكُم غَيرُ مُؤمِن ورَغِبتُم في تَلبِيَةِ دَعوَتِه، فكُلوا مِن كُلِّ ما يُقدَّمُ لَكم ولا تَسأَلوا عن شَيءٍ مُراعاةً لِلضَّمير، ولٰكِن إِن قالَ لَكم أَحَد: «هٰذه ذَبيحةٌ لِلآلِهَة»، فلا تَأكُلوا مِنها لأَجْلِ مَن أَخبَرَكُم ومُراعاةً لِلضَّمير: ولَستُ أَعْني ضَميرَكُم، بل ضَميرَ غَيرِكُم، فلِماذا يَحكُمُ في حُرِّيَّتي ضَميرٌ غَيرُ ضميري؟ فإِذا شارَكتُ في تَناوُلِ شيءٍ شاكِرًا، فلِمَ أُلامُ فيما أَنا علَيه شاكِر؟ فإِذا أَكَلتُم أَو شَرِبتُم أَو مَهما فَعَلتُم، فَٱفعَلوا كُلَّ شَيءٍ لِمَجدِ الله. لا تَكونوا عِثارًا لِليَهودِ ولا اليُونانِيِّينَ ولا لِكنيسةِ الله، فإِنِّي أَنا أَيضًا أَجتَهِدُ في إِرضاءِ جَميعِ النَّاسِ في كُلِّ شَيء، ولا أَسْعى إِلى مَنفَعَتي، بل إِلى مَنفَعَةِ جَماعَةِ النَّاسِ لِيَنالوا الخَلاص. إِقتَدوا بي كما أَقتَدي أَنا بِالمسيح. أُثْني علَيكُم لأَنَّكُم تَذكُروني في كُلِّ أَمْر وتُحافِظونَ على السُّنَنِ كما سَلَّمتُها إِلَيكُم. ولٰكِنِّي أُريدُ أَن تَعلَموا أَنَّ رَأسَ كُلِّ رَجُلٍ هو المَسيح ورأسَ المَرأَةِ هو الرَّجُل ورأسَ المَسيحِ هو الله. فكُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أَو يَتَنَبَّأُ وهو مُغَطَّى الرَّأسِ يَشينُ رأسَه، وكُلُّ ٱمرَأَةٍ تُصَلِّي أَو تَتَنَبَّأُ وهي مَكْشوفَةُ الرَّأسِ تَشينُ رأسَها كما لو كانَت مَحلوقَةَ الشَّعْر. وإِذا كانَتِ المَرأَةُ لا تُغَطِّي رأسَها فلْتَقُصَّ شَعْرَها، ولٰكِن إِذا كانَ مِنَ العارِ على المَرأَةِ أَن تَكونَ مَقصوصَةَ الشَّعْرِ أَو مَحلوقَتَه فعَلَيها أَن تُغَطِّيَ رأسَها. أَمَّا الرَّجُلُ فما علَيه أَن يُغَطِّيَ رَأسَه، لأَنَّه صُورةُ اللهِ ومَجدُه، وأَمَّا المَرأَةُ فهيَ مَجْدُ الرَّجُل. فلَيسَ الرَّجُلُ مِنَ المَرأَة، بلِ المَرأَةُ مِنَ الرَّجُل، ولَم يُخلَقِ الرَّجُلُ مِن أَجْلِ المَرأَة، بل خُلِقَتِ المَرأَةُ مِن أَجْلِ الرَّجُل. لِذٰلِك يَجِبُ على المَرأَةِ أَن يَكونَ سُلطَةٌ على رأسِها مِن أَجْلِ المَلائِكة. إِلاَّ أَنَّه لا تَكونُ المَرأَةُ بِلا الرَّجُلِ عِندَ الرَّبِّ ولا الرَّجُلُ بِلا المَرأَة، فكما أَنَّ المَرأَةَ ٱستُلَّت مِنَ الرَّجُل، فكذٰلك الرَّجُلُ تَلِدُه المَرأَة، وكُلُّ شَيءٍ يَأتي مِنَ الله. فَٱحكُموا أَنتُم بهٰذا: أَيَليقُ بالمَرأَةِ أَن تُصَلِّيَ للهِ وهي مَكْشوفَةُ الرَّأس؟ أَما تُعَلِّمُكُمُ الطَّبيعةُ نَفْسُها أَنَّه مِنَ العارِ على الرَّجُلِ أَن يُعفِيَ شَعرَه، على حينِ أَنَّه مِنَ الفَخْرِ لِلمَرأةِ أَن تُعفِيَ شَعْرَها؟ لأَنَّ الشَّعْرَ جُعِلَ غِطاءً لِرأسِها. فإِن رأَى أَحَدٌ أَن يُجادِل، فلَيسَ مِثْلُ هٰذا مِن عادَتِنا ولا مِن عادَةِ كَنائِسِ الله. أَمَّا وأَنا في بابِ الوَصايا، فإِنِّي لا أُثْني علَيكُم، لأَنَّ ٱجْتماعاتِكم لا تَؤُولُ إِلى ما يُفيدُكم، بل إِلى ما يُؤذيكم. فأَوَّلُ ما هُناكَ أَنَّه، إِذا ٱنعَقَدَت جَماعتُكُم، وَقَعَت بَينَكُم ٱنقِسامات، على ما بَلَغَني. وإِنِّي أُصَدِّقُ بَعضَ هٰذا لأَنَّه لا بُدَّ مِنَ الشِّقاقِ في ما بَينَكُم لِيَظهَرَ فيكُم ذَوُو الفَضيلةِ المُجَرَّبة. وأَنتُم، إِذا ما ٱجتَمَعتُم معًا، لا تَتَناوَلونَ عَشاءَ الرَّبّ، فإِنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنكُم يُبادِرُ إِلى تَناوُلِ عَشائِه الخاصّ. فإِذا أَحَدُكُم جائِعٌ والآخَرُ سَكْران. أَفلَيسَ لَكم بُيوتٌ تَأكُلونَ فيها وتَشرَبون، أَم إِنَّكُم تَزدَرونَ كَنيسةَ الله وتُهينونَ الَّذينَ لا شَيءَ عِندَهُم؟ فماذا أَقولُ لَكم؟ أَأُثْني علَيكُم؟ لا، لَستُ أُثْني عَلَيكُم بِذٰلك. فإِنِّي تَسَلَّمتُ مِنَ الرَّبِّ ما سَلَّمتُه إِلَيكُم، وهو أَنَّ الرَّبَّ يسوع في اللَّيلَةِ الَّتي أُسلِمَ فيها أَخَذَ خُبْزًا وشَكَرَ، ثُمَّ كَسَرَه وقال: «هٰذا هو جَسَدي، إِنَّه مِن أَجْلِكُم. إِعمَلوا هٰذا لِذِكْري». وصَنَعَ مِثلَ ذٰلكَ على الكَأسِ بَعدَ العَشاءِ وقال: «هٰذه الكَأسُ هي العَهْدُ الجَديدُ بِدَمي. كُلَّما شَرِبتُم فَٱعمَلوه لِذِكْري». فإِنَّكُم كُلَّما أَكَلتُم هٰذا الخُبْز وشَرِبتُم هٰذِه الكَأس تُعلِنونَ مَوتَ الرَّبِّ إِلى أَن يَأتي. فمَن أَكَلَ خُبْزَ الرَّبِّ أَو شَرِبَ كَأسَه ولَم يَكُنْ أَهْلاً لَهما فقَد أَذنَبَ إِلى جَسَدِ الرَّبِّ ودَمِه. فليَختَبِرِ الإِنسانُ نَفْسَه، ثمَّ يَأكُلْ هٰكذا مِن هٰذا الخُبْز ويَشرَبْ مِن هٰذِهِ الكَأس. فمَن أَكَلَ وشَرِبَ وهو لا يُمَيِّزُ جَسَدَ الرَّبّ، أَكَلَ وشَرِبَ الحُكْمَ على نَفْسِه. ولِذٰلك فيكُم كَثيرٌ مِنَ الضُّعَفاءِ وَالمَرْضى وكَثيرٌ مِنكُم ماتوا، فلَو حاسَبْنا أَنْفُسَنا، لَما كُنَّا نُدان. إِنَّ الرَّبَّ يَدينُنا لِيُؤدِّبَنا فلا يُحكَمَ علَينا مع العالَم. فمَتى ٱجتَمَعتُم إِذًا يا إِخوَتي لِتَناوُلِ الطَّعام، فلْيَنتَظِرْ بَعضُكُم بَعضًا. فإِذا كانَ أَحدُكُم جائِعًا فلْيَأكُلْ في بَيتِه، لِئَلاَّ يَكونَ ٱجتِماعُكُم لِلحُكْمِ علَيكم. أَمَّا سائِرُ المَسائِل فإِنِّي أَبُتُّها عِندَ قُدومي إِلَيكُم. أَمَّا المَواهِبُ الرُّوحِيَّة، أَيُّها الإِخوَة، فلا أُريدُ أَن تَجهَلوا أَمْرَها. تَعلَمونَ أَنَّكُم، لَمَّا كُنتُم وَثَنِيِّين، كُنتُم تَندَفِعونَ إِلى الأَوثانِ البُكْمِ على غَيرِ هُدًى. ولِذٰلِك أُعلِمُكم أَنَّه ما مِن أَحَدٍ، إِذا تَكَلَّمَ بإِلهامٍ مِن روحِ الله، يَقول: «مَلْعونٌ يَسوع»، ولا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَقول: «يَسوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بإِلهامٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس. إِنَّ المَواهِبَ على أَنواع وأَمَّا الرُّوحُ فهو هو، وإِنَّ الخِدْماتِ على أَنواع وأَمَّا الرَّبُّ فهو هو، وإِنَّ الأَعمالَ على أَنواع وأَمَّا الله الَّذي يَعمَلُ كُلَّ شَيءٍ في جَميعِ النَّاسِ فهو هو. لِكُلِّ واحِدٍ يوهَبُ ما يُظهِرُ الرُّوحَ لأَجْلِ الخَيرِ العامّ. فلأَحَدِهم يوهَبُ بِالرُّوحِ كَلامُ حِكمَة، ولِلآخَرِ يوهَبُ وَفْقًا لِلرُّوحِ نَفْسِه كَلامُ مَعرِفَة، ولِسِواهُ الإِيمانُ في الرُّوحِ نَفْسِه، ولِلآخَرِ هِبَةُ الشِّفاءِ بِهٰذا الرُّوحِ الواحِد، ولِسِواهُ القُدرَةُ على الإِتْيانِ بِالمُعجِزات، ولِلآخَر النُّبوءَة، ولِسِواهُ التَّمييزُ ما بَينَ الأَرواح، ولِلآخَرِ التَّكَلُّمُ بِاللُّغات، ولِسِواهُ تَرجَمَتُها، وهٰذا كُلُّه يَعمَلُه الرُّوحُ الواحِدُ نَفْسُه مُوَزِّعًا على كُلِّ واحِدٍ ما يُوافِقُه كما يَشاء. وكما أَنَّ الجَسَدَ واحِدٌ ولَه أَعضاءٌ كَثيرَة وأَنَّ أَعضاءَ الجَسَدِ كُلَّها على كَثرَتِها لَيسَت إِلاَّ جَسَدًا واحِدًا، فكذٰلكَ المسيح. فإِنَّنا اعتَمَدْنا جَميعًا في رُوحٍ واحِد لِنَكونَ جَسَدًا واحِدًا، أَيَهودًا كُنَّا أَم يونانِيِّين، عَبيدًا أَم أَحرارًا، وشَرِبْنا مِن رُوحٍ واحِد. فلَيسَ الجَسَدُ عُضْوًا واحِدًا، بل أَعضاءٌ كَثيرة. فلَو قالَتِ الرِّجْلُ: «لَستُ يَدًا فما أَنا مِنَ الجَسَد»، أَفتُراها لا تَكونُ لِذٰلك مِنَ الجَسَد؟ ولَو قالَتِ الأُذُن: «لَستُ عَينًا فما أَنا مِنَ الجَسَد»، أَفتُراها لا تَكونُ لِذٰلك مِنَ الجَسَد؟ فلَو كانَ الجَسَدُ كُلُّه عَينًا فأَينَ السَّمْع؟ ولَو كانَ كُلُّه أُذُنًا فأَينَ الشَّمّ؟ ولٰكِنَّ اللهَ جَعَلَ في الجَسَدِ كُلًّا مِنَ الأَعضاءِ كما شاء. فلَو كانَت كُلُّها عُضوًا واحِدًا فأَينَ الجَسَد؟ ولٰكِنَّ الأَعضاءَ كَثيرَةٌ والجَسَدَ واحِد. فلا تَستَطيعُ العَينُ أَن تَقولَ لِليَد: «لا حاجَةَ بي إِلَيكِ» ولا الرَّأسُ لِلرِّجْلَينِ: «لا حاجَةَ بي إِلَيكُما». لا بل إِنَّ الأَعضاءَ الَّتي تُحسَبُ أَضعَفَ الأَعضاءِ في الجَسَد هي ما كانَ أَشدَّها ضَرورة، والَّتي نَحسَبُها أَخَسَّها في الجَسَد هي ما نَخُصُّه بِمَزيدٍ مِنَ التَّكريم. والَّتي هي غَيرُ شَريفَةٍ نَخُصُّها بِمَزيدٍ مِنَ التَّشْريف. أَمَّا الشَّريفة فلا حاجَةَ بِها إِلى ذٰلك. ولٰكِنَّ اللهَ نَظَّمَ الجَسَدَ تَنظيمًا فجعَلَ مزيدًا مِنَ الكرامةِ لذٰلك الَّذي نَقَصَت فيه الكَرامة، لِئَلاَّ يَقَعَ في الجَسَدِ شِقاق، بل لِتَهتَمَّ الأَعضاءُ بَعضُها بِبَعْضٍ ٱهتِمامًا واحِدًا. فإِذا تَأَلَّمَ عُضوٌ تَأَلَّمَت مَعَه سائِرُ الأَعضاء، وإِذا أُكرِمَ عُضوٌ سُرَّت معَه سائِرُ الأَعضاء. فأَنتُم جَسَدُ المَسيح وكُلُّ واحِدٍ مِنكُم عُضوٌ مِنه. والَّذينَ أَقامَهمُ اللهُ في الكَنيسةِ همُ الرُّسُلُ أَوَّلاً والأَنبِياءُ ثانِيًا والمُعَلِّمونَ ثالِثًا، ثُمَّ هُناكَ المُعجِزات، ثُمَّ مَواهِبُ الشِّفاءِ والإِسعافِ وحُسْنِ الإِدارةِ والتَّكَلُّمِ بِلُغات. أَتُراهم كُلَّهُم رُسُلاً وكُلَّهُم أَنبِياء وكُلَّهُم مُعَلِّمين وكُلَّهُم يُجرونَ المُعجِزات وكُلَّهُم عِندَهم مَوهِبةُ الشِّفاء وكُلَّهُم يَتَكَلَّمونَ بِاللُّغات وكُلَّهُم يُتَرجِمون؟ إِطمَحوا إِلى المَواهِبِ العُظْمى، وها إِنِّي أَدُلُّكُم على طريقٍ أَفضَلَ مِنها كثيرًا. لو تَكَلَّمتُ بِلُغاتِ النَّاسِ والمَلائِكة، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما أَنا إِلاَّ نُحاسٌ يَطِنُّ أَو صَنْجٌ يَرِنّ. ولَو كانَت لي مَوهِبةُ النُّبُوءَة وكُنتُ عالِمًا بِجَميعِ الأَسرارِ وبالمَعرِفَةِ كُلِّها، ولَو كانَ لِيَ الإِيمانُ الكامِلُ فأَنقُلَ الجِبال، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحَبَّة، فما أَنا بِشَيء. ولَو فَرَّقتُ جَميعَ أَموالي لإِطعامِ المَساكين، ولَو أَسلَمتُ جَسَدي لِيُحرَق، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما يُجْديني ذٰلكَ نَفْعًا. المَحبَّةُ تَصبِر، المَحبَّةُ تَخدُم، ولا تَحسُدُ ولا تَتَباهى ولا تَنتَفِخُ مِنَ الكِبْرِياء، ولا تَفعَلُ ما لَيسَ بِشَريف ولا تَسْعى إِلى مَنفَعَتِها، ولا تَحنَقُ ولا تُبالي بِالسُّوء، ولا تَفرَحُ بِالظُّلْم، بل تَفرَحُ بِالحَقّ. وهي تَعذِرُ كُلَّ شَيء وتُصَدِّقُ كُلَّ شَيء وتَرْجو كُلَّ شَيء وتَتَحَمَّلُ كُلَّ شَيء. المَحبَّةُ لا تَسقُطُ أَبَدًا، وأَمَّا النُّبُوَّاتُ فسَتَبطُل والألسِنةُ يَنتَهي أَمرُها والمَعرِفَةُ تَبطُل، لأَنَّ مَعرِفَتَنا ناقِصة ونُبُوَّاتِنا ناقِصة. فمَتى جاءَ الكامِل زالَ النَّاقِص. لَمَّا كُنتُ طِفْلاً، كُنتُ أَتَكَلَّمُ كالطِّفْل وأُدرِكُ كالطِّفْل وأُفَكِّرُ كالطِّفْل. ولَمَّا صِرتُ رَجُلاً، أَبطَلتُ ما هو لِلطِّفْل. فنَحنُ اليومَ نَرى في مِرآةٍ رُؤيَةً مُلتَبسَة، وأَمَّا في ذٰلك اليَوم فتَكونُ رُؤيَتُنا وَجْهًا لِوَجْه. اليَومَ أَعرِفُ مَعرِفةً ناقِصة، وأَمَّا في ذٰلك اليَوم فسَأَعرِفُ مِثْلَما أَنا مَعْروف. فالآن تَبقى هٰذه الأُمورُ الثَّلاثة: الإِيمانُ والرَّجاءُ والمَحبَّة، ولٰكنَّ أَعظَمَها المَحبَّة. إِسْعَوا إِلى المَحبَّة وٱطمَحوا إِلى مَواهِبِ الرُّوح، ولا سِيَّما النُّبوءَة. فإِنَّ الَّذي يَتَكَلَّمُ بِلُغاتٍ لا يُكَلِّمُ النَّاسَ بلِ الله، فما مِن أَحَدٍ يَفهَمُ عَنه، فهو يَقولُ بِروحِه أَشياءَ خَفِيَّة. وأَمَّا الَّذي يَتَنَبَّأ فهو يُكَلِّمُ النَّاسَ بِكلامٍ يَبْني ويَحُثُّ ويُشَدِّد. الَّذي يَتَكَلَّمُ بلُغاتٍ يَبْني نَفْسَه، وأَمَّا الَّذي يَتَنَبَّأ فيَبْني الجَماعة. إِنِّي أَرغَبُ في أَن تَتَكَلَّموا كُلُّكُم بلُغات، وأَكثَرُ رَغبَتي في أَن تَتَنَبَّأُوا، لأَنَّ المُتَنَبِّئَ أَفضَلُ مِنَ المُتَكَلِّمِ بِلُغات، إِلاَّ إِذا كانَ هٰذا يُتَرجِمُ لِتَنالَ الجَماعةُ بُنْيانَها. والآنَ، أَيُّها الإِخوَة، هَبُوني قَدِمتُ إِلَيكُم وكَلَّمتُكُم بِلُغات، فأَيَّةُ فائِدةٍ لَكم فِيَّ، إِن لم يَأتِكُم كَلامي بِوَحْيٍ أَو مَعرِفةٍ أَو نُبوءَةٍ أَو تَعليم؟ هٰذا شَأنُ آلاتِ العَزْفِ كالمِزْمار والكِنَّارة، فإِنَّها، إِن لم تُخرِجْ أَصواتًا مُتَمَيِّزة، فكَيفَ يُعرَفُ ما يُؤدِّيه المِزمارُ أَوِ الكِنَّارة؟ وإِذا أَخرَجَ البُوقُ صَوتًا مُشَوَّشًا، فمَن يَستَعِدُّ لِلقِتال؟ وكَذٰلِك أَنتُم، فإِن لم تَلفُظوا بِلِسانِكم كَلامًا واضِحًا، فكَيفَ يُعرَفُ ما تَقولون؟ بل يَذهَبُ كَلامُكم في الهَواء. لا أَدْري كَم نَوعٍ مِنَ الأَلْفاظِ في العالَم، وما من نَوعٍ إِلاَّ ولَه مَعنًى. فإِذا جَهِلتُ قيمَةَ اللَّفْظ، أَكونُ كالأَعْجَمِ عِندَ مَن يَتَكَلَّم، ويَكونُ مَن يَتَكَلَّمُ كالأَعْجَمِ عِندي. وكذٰلِك أَنتُم تَطمَحونَ إِلى المَواهِبِ الرُّوحِيَّة، فٱطلُبوا أَن يَتوافَرَ نَصيبُكُم مِنها لِبُنْيانِ الجَماعة. ولِذٰلك يَجِبُ على الَّذي يَتَكَلَّمُ بِلُغاتٍ أَن يُصَلِّيَ لِكَي يَنالَ مَوهِبةَ التَّرجَمة، لأَنِّي إِذا صَلَّيتُ بِلُغاتٍ فرُوحي يُصَلِّي ولٰكِنَّ عَقْلي لا يَأتي بِثَمَر. فما العَمَلُ إِذًا؟ سأُصَلِّي بِرُوحي وأُصَلِّي بِعَقْلي أَيضًا. أُنشِدُ بِروحي وأُنشِدُ بِعقلي أَيضًا. فإِذا كُنتَ لا تُبارِكُ إِلاَّ بِروحِكَ، فكَيفَ يُجيبُ الحاضِرُ غَيرُ العارِفِ عن شُكرِكَ: آمين، وهو لا يَعلَمُ ما تَقول؟ إِنَّكَ أَحسَنتَ الشُّكْر، ولٰكِنَّ غَيرَكَ لم يَحْظَ بِشَيءٍ لِلبُنْيان. إِنِّي، والحَمدُ للهٍ، أَتَكَلَّمُ بِلُغاتٍ أَكثَرَ مِمَّا تَتَكلَّمونَ كُلُّكُم، ولٰكِنِّي أُوثِرُ أَن أَقولَ وأَنا في الجَماعَةِ خَمسَ كَلِماتٍ بِعَقْلي أُعلِّمُ بِها الآخَرين على أَن أَقولَ عَشَرَةَ آلافِ كَلِمَةٍ بِلُغات. لا تَكونوا أَيُّها الإِخوَةُ أَطفالاً في الرَّأي، بل تَشَبَّهوا بِالأَطفالِ في الشَّرّ، وكونوا راشِدينَ في الرَّأي. فقَد وَرَدَ في الشَّريعَة: «قالَ الرَّبّ: سَأُكَلِّمُ هٰذا الشَّعبَ بِلِسانِ أُناسٍ لَهم لُغةٌ غَريبةٌ وبِشِفاهٍ غَريبة، ومع ذٰلِكَ لا يُصْغونَ إِليَّ». فاللُّغاتُ إِذًا لَيسَت آيةً لِلمُؤمِنين، بل لِغَيرِ المُؤمِنين، على أَنَّ النُّبوءَةَ لَيسَت لِغَيرِ المُؤمِنين، بل لِلمُؤمِنين. فلَوِ ٱجتَمَعَتِ الجَماعةُ كُلُّها وتَكَلَّمَ جَميعُ مَن فيها بِلُغات، فدَخَلَ قَومٌ مِن غَيرِ العارِفينَ أَو مِن غَيرِ المُؤمنين، أَفلا يَقولونَ إِنَّكم جُنِنتُم. ولٰكِن لو تَنَبَّأُوا كُلُّهُم، فدَخَلَ علَيهِم غَيرُ مُؤمِنٍ أَو غَيرُ عارِف، لَوَبَّخَه كُلُّهم ودانوه كُلُّهم، فتَنكَشِفُ خَفايا قَلْبِه، فيَسقُطُ على وَجهِه ويَعبُدُ اللهَ مُعلِنًا أَنَّ اللهَ بَينَكُم حَقًّا. فماذا إِذًا أَيُّها الإِخوَة؟ إِذا ٱجتَمَعتُم، قد يَأتي كُلٌّ مِنكُم بِمَزمورٍ أَو تَعليمٍ أَو وَحْيٍ أَو كَلامٍ بِلُغات أَو تَرجَمة، فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيءٍ مِن أَجْلِ البُنْيان. فإِذا تَكَلَّمتُم بِلُغات، فلْيَتَكَلَّمْ مِنْكُمُ ٱثْنانِ أَو ثَلاثةٌ على الأَكثَر، واحِدًا واحِدًا، ولْيَكُنْ فيكُم مَن يُتَرجِم. فإِن لم يَكُنْ مُتَرجِم، فلْيَصمُتِ المُتكَلِّمُ بِلُغاتٍ في الجماعَة ولْيُحدِّثْ نَفْسَه والله. أَمَّا الأَنبِياء، فلْيَتَكَلَّمْ مِنْهُمُ ٱثْنانِ أَو ثَلاثة ولْيَحْكُمِ الآخَرون. وإِن أُوحِيَ إِلى غَيرِهِم مِنَ الحاضِرين، فلْيَصمُتْ مَن كانَ يَتَكَلَّم، لأَنَّه بِوُسْعِكُم جَميعًا أَن تَتَنَبَّأُوا، الواحِدُ بَعدَ الآخَر، لِيَتَعَلَّمَ جَميعُ الحاضِرينَ ويَتَشَدَّدوا. إِنَّ أَرواحَ الأَنبِياءِ خاضِعةٌ لِلأَنبِياء، فلَيسَ اللهُ إِلٰهَ البَلْبَلة، بل إِلٰهُ السَّلام. ولْتَصمُتِ النِّساءُ في الجَماعات، شَأنَها في جَميعِ كَنائِسِ القِدِّيسين، فإِنَّه لا يُؤذَنُ لَهُنَّ بِالتَّكلُّم. وعلَيهنَّ أَن يَخضَعْنَ كما تَقولُ الشَّريعةُ أَيضًا. فإِن رَغِبْنَ في تَعَلُّمِ شَيء، فلْيَسأَلْنَ أَزواجَهُنَّ في البَيت، لأَنَّه مِن غَيرِ اللاَّئِقِ لِلمَرأَةِ أَن تَتَكَلَّمَ في الجَماعة. أَعَنكُم خَرَجَت كَلِمَةُ الله، أَم إِلَيكُم وَحدَكم بَلَغَت؟ إِن عَدَّ أَحَدٌ نَفْسَه نَبِيًّا أَو مُلهَمًا أَلهَمَه الرُّوح، فلْيَعرِفْ أَنَّ ما أَكتُبُ بِه إِلَيكُم هو وَصِيَّةُ الرَّبّ، فإِن أَنكَرَ أَحَدٌ ذٰلك، فقَد أَنكَرَه الله. فٱطمَحوا إِذًا يا إِخوَتي إِلى النُّبوءَة ولا تَمنَعوا أَحَدًا أَن يَتكلَّمَ بِلُغات. ولْيَكُنْ كُلُّ شَيءٍ بِأَدَبٍ ونِظام. أُذَكِّرُكم أَيُّها الإِخوَةُ البِشارَةَ الَّتي بَشَّرتُكم بِها وقَبِلتُموها ولا تَزالونَ علَيها ثابِتين، وبِها تَنالونَ الخَلاصَ إِذا حَفِظتُموها كما بَشَّرتُكم بِها، وإِلاَّ فقَد آمَنتُم باطِلاً. سَلَّمتُ إِلَيكم قبلَ كُلِّ شَيءٍ ما تَسَلَّمتُه أَنا أَيضًا، وهو أَنَّ المسيحَ ماتَ مِن أَجْلِ خَطايانا كما وَرَدَ في الكُتُب، وأَنَّه قُبِرَ وقامَ في اليَومِ الثَّالِثِ كما وَرَدَ في الكُتُب، وأَنَّه تَراءَى لِصَخْرٍ فالاِثْنَي عَشَر، ثُمَّ تَراءَى لأَكثَرَ مِن خَمْسِمائَةِ أَخٍ معًا لا يَزالُ مُعظَمُهُم حَيًّا وبَعضُهُم ماتوا، ثُمَّ تَراءَى لِيَعْقوب، ثُمَّ لِجَميعِ الرُّسُل، حتَّى تَراءَى آخِرَ الأَمرِ لي أَيضًا أَنا السِّقْط. ذٰلك بأَنِّي أَصغَرُ الرُّسُل، ولَستُ أَهْلاً لأَن أُدْعى رَسولاً لأَنِّي ٱضطَهَدتُ كَنيسةَ الله، وبِنِعمَةِ اللهِ ما أَنا علَيه، ونِعمَتُه عَلَيَّ لم تَذهَبْ سُدًى، فقَد جَهَدتُ أَكثَرَ مِنهُم جَميعًا، وما أَنا جَهَدتُ، بل نِعمَةُ اللهِ الَّتي هي معي. أَفكُنتُ أَنا أَم كانوا هُم، هٰذا ما نُعلِنُه وهٰذا ما بِه آمَنتُم. فإِذا أُعلِنَ أَنَّ المَسيحَ قامَ مِن بَينِ الأَموات، فكَيفَ يَقولُ بَعضُكُم إِنَّه لا قِيامَةَ لِلأَموات؟ فإِن لم يَكُنْ لِلأَمواتِ مِن قِيامة، فإِنَّ المَسيحَ لم يَقُمْ أَيضًا. وإِن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فتَبشيرُنا باطِلٌ وإِيمانُكُم أَيضًا باطِل. بل نَكونُ عِندَئِذٍ شُهودَ زُورٍ على الله، لأَنَّنا شَهِدْنا على اللهِ أَنَّه قد أَقامَ المسيح وهو لم يُقِمْه، هٰذا إِن صَحَّ أَنَّ الأَمواتَ لا يَقومون. فإِذا كانَ الأَمواتُ لا يَقومون، فالمسيحُ لم يَقُمْ أَيضًا. وإِذا لم يَكُنِ المسيحُ قد قام، فإِيمانُكم باطِل ولا تَزالونَ بِخَطاياكم، وإِذًا فالَّذينَ ماتوا في المسيحِ قد هَلَكوا. وإِذا كانَ رَجاؤُنا في المسيحِ مَقصورًا على هٰذهِ الحَياة، فنَحنُ أَحقُّ جَميعِ النَّاسِ بِأَن يُرْثى لَهم. كَلاَّ! إِنَّ المَسيحَ قد قامَ مِن بَينِ الأَموات وهو بِكْرُ الَّذينَ ماتوا. عَن يَدِ إِنسانٍ أَتى المَوت، فعَن يَدِ إِنسانٍ أَيضًا تَكونُ قيامةُ الأَموات، وكما يَموتُ جَميعُ النَّاسِ في آدم فكذٰلك سَيُحيَونَ جَميعًا في المسيح، كُلُّ واحِدٍ ورُتْبَتُه. فالبِكرُ أَوَّلاً وهو المَسيح، ثُمَّ الَّذينَ يَكونونَ خاصَّةَ المسيحِ عِندَ مَجيئِه. ثُمَّ يَكونُ المُنتَهى حِينَ يُسَلِّمُ المُلْكَ إِلى اللهِ الآب بَعدَ أَن يَكونَ قد أَبادَ كُلَّ رِئاسةٍ وسُلطانٍ وقُوَّة. فلا بُدَّ لَه أَن يَملِكَ «حتَّى يَجعَلَ جَميعَ أَعدائِه تَحتَ قَدَمَيه». وآخِرُ عَدُوٍّ يُبيدُه هو المَوت، لأَنَّهُ «أَخضَعَ كُلَّ شَيءٍ تَحتَ قَدَمَيه». وعِندَما يَقول: «قد أُخضِعَ كُلُّ شَيء»، فمِنَ الواضِحِ أَنَّه يَستَثْني الَّذي أَخضَعَ لَه كُلَّ شَيء. ومتى أُخضِعَ لَه كُلُّ شَيء، فحينَئِذٍ يَخضَعُ الِٱبْنُ نَفْسُه لِذاكَ الَّذي أَخضَعَ لَه كُلَّ شَيء، لِيكونَ اللهُ كُلَّ شَيءٍ في كُلِّ شَيء. وإِذا كانَ الأَمْرُ على خِلافِ ذٰلك، فما تُرى يَعمَلُ الَّذينَ يَعْتَمِدونَ مِن أَجلِ الأَموات؟ وإِذا كانَ الأَمواتُ لا يَقومونَ البتَّة، فلِماذا يَعتَمِدونَ مِن أَجلِهم؟ ولِماذا نَتَعَرَّضُ نَحنُ لِلخَطَرِ كُلَّ حِين؟ أَشهَدُ، أَيُّها الإِخوَةُ، بِما لي مِن فَخْرٍ بِكُم في رَبِّنا يسوعَ المسيح، أَنِّي أُواجِهُ المَوتَ كُلَّ يَوم. فإِذا كُنتُ قد حارَبتُ الوُحوشَ في أَفَسُس، على ما يَقولُ النَّاس، فأَيَّةُ فائِدَةٍ لي؟ وإِذا كانَ الأَمواتُ لا يَقومون، «فلْنَأكُلْ ولْنَشْرَبْ فإِنَّنا غَدًا نَموت». لا تَضِلُّوا: «إِنَّ المُعاشراتِ الرَّديئَةَ تُفسِدُ الأَخلاقَ السَّليمة». إِصحُوا كما يَنبَغي ولا تَخطَأُوا، لأَنَّ بَينَكم قَومًا يَجهَلونَ اللهَ كُلَّ الجَهْل. لإِخْجالِكم أَقولُ ذٰلك! ورُبَّ قائِلٍ يَقول: «كَيفَ يَقومُ الأَموات؟ في أَيِّ جَسَدٍ يَعودون؟» يا لَكَ مِن غَبِيّ! ما تَزرَعُه أَنتَ لا يَحْيا إِلاَّ إِذا مات. وما تَزرَعُه هو غَيرُ الجِسْمِ الَّذي سَوفَ يَكون، ولٰكِنَّه مُجَرَّدُ حَبَّةٍ مِنَ الحِنطَةِ مَثَلاً أَو غَيرِها مِنَ البُزور، وإِنَّ اللهَ يَجعَلُ لَها جِسْمًا كما يَشاء، يَجعَلُ لِكُلٍّ مِنَ البُزورِ جِسْمًا خاصًّا. لَيسَتِ الأَجسامُ كُلُّها سَواء، فلِلنَّاسِ جِسْمٌ ولِلماشِيَةِ جِسْمٌ آخَر، ولِلطَّيرِ جِسْمٌ ولِلسَّمَكِ جِسْمٌ آخَر، ومِنها أَجرامٌ سَماوِيَّة وأَجسامٌ أَرْضِيَّة، فلِلأَجرامِ السَّماوِيَّةِ ضِياء ولِلأَجْسامِ الأَرضِيَّةِ ضِياءٌ آخَر. الشَّمْسُ لَها ضِياء والقَمَرُ لَه ضِياءٌ آخَر، ولِلنَّجْمِ ضِياء، وكُلُّ نَجْمٍ يَخْتَلِفُ بِضِيائِه عنِ الآخَر. وهٰذا شَأنُ قِيامَةِ الأَموات: يَكونُ زَرْعُ الجِسْمِ بِفَساد والقِيامةُ بِغَيرِ فَساد. يَكونُ زَرْعُ الجِسْمِ بِهَوان والقِيامَةُ بِمَجْد. يَكونُ زَرْعُ الجِسْمِ بِضُعْف والقِيامةُ بِقُوَّة. يُزرَع جِسْمٌ بَشَرِيٌّ فيَقومُ جِسْمًا رُوحِيًّا. وإِذا كانَ هُناكَ جِسْمٌ بَشَرِيّ، فهُناكَ أَيضًا جِسْمٌ رُوحِيّ، فقد وَرَدَ في الكِتاب: «كانَ آدمُ الإِنسانُ الأَوَّلُ نَفْسًا حَيَّة» وكانَ آدمُ الآخِرُ رُوحًا مُحْيِيًا. ولٰكِن لم يَظهَرِ الرُّوحِيُّ أَوَّلاً، بلِ البَشَرِيّ، وظَهَرَ الرُّوحِيُّ بَعدَه. الإِنسانُ الأَوَّلُ مِنَ التُّراب فهو أَرْضِيّ، والإِنسانُ الآخَرُ مِنَ السَّماء. فعَلى مِثالِ الأَرضِيِّ يَكونُ الأَرضِيُّون، وعلى مِثالِ السَّماوِيِّ يَكونُ السَّماوِيُّون. وكما حَمَلْنا صُورةَ الأَرضِيّ، فكذٰلك نَحمِلُ صُورَةَ السَّماوِيّ. أَقولُ لَكم، أَيُّها الإِخوَة، إِنَّ اللَّحْمَ والدَّمَ لا يَسَعُهما أَن يَرِثا مَلَكوتَ الله، ولا يَسَعُ الفَسادَ أَن يَرِثَ ما لَيسَ بِفَساد. وإِنِّي أَقولُ لَكم سِرًّا: إِنَّنا لا نَموتُ جَميعًا، بل نَتَبدَّلُ جَميعًا، في لَحْظَةٍ وطَرْفةِ عَين، عِندَ النَّفْخِ في البُوقِ الأَخير. لأَنَّه سيُنفَخُ في البُوق، فيَقومُ الأَمواتُ غَيرَ قابِلينَ لِلفَساد ونَحنُ نَتَبَدَّلُ. فلا بُدَّ لِهٰذا الكائِنِ الفاسِدِ أَن يَلبَسَ المَنَعَةَ مِنَ الفَساد، ولِهٰذا الكائِنِ الفاني أَن يَلبَسَ الخُلود. ومَتى لَبِسَ هٰذا الكائِنُ الفاسِدُ المَنَعَةَ مِنَ الفَساد، ولَبِسَ الخُلودَ هٰذا الكائِنُ الفاني، حينَئذٍ يَتِمُّ قَولُ الكِتاب: «قدِ ٱبتَلَعَ النَّصْرُ المَوت». فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟ إِنَّ شَوكَةَ المَوتِ هيَ الخَطيئة، وقُوَّةَ الخَطيئَةِ هيَ الشَّريعة. فالشُّكرُ للهِ الَّذي آتانا النَّصْرَ عَن يَدِ رَبِّنا يسوعَ المسيح! فكونوا إِذًا، يا إِخوَتي الأَحِبَّاء، ثابِتينَ راسِخين، مُتَقَدِّمينَ في عَمَلِ الرَّبِّ دائِمًا، عالِمينَ أَنَّ جَهْدَكُم لا يَذهَبُ سُدًى عِندَ الرَّبّ. وأَمَّا جَمْعُ الصَّدَقاتِ لِلقِدِّيسين، فٱعمَلوا أَنتُم أَيضًا بما رَتَّبتُه في كَنائِسِ غَلاطِيَة، وهو أَن يَضَع كُلٌّ مِنكُم في أَوَّلِ يَومٍ مِن كُلِّ أُسبوعٍ إِلى جانِبٍ ما تَيَسَّرَ لَه ٱدِّخارُه، فلا يَكونَ جَمْعُ الصَّدَقاتِ يَومَ قُدومي. ومَتى حَضَرتُ أَرسَلتُ الَّذينَ تَعُدُّونَهم أَهلاً وزَوَّدتُهم بِرَسائِل، لِيَحمِلوا هِبَتَكم إِلى أُورَشَليم. وإِذا كان هُناكَ ما يدعو إِلى أَن أُسافِرَ أَنا أَيضًا، فيُسافِرونَ هم معي. سأَقدَمُ إِلَيكُم بَعدَ أَن أَمُرَّ بِمَقْدونِيَة، فإِنِّي سَأَمُرُّ بِها. ورُبَّما أَقَمتُ، لا بَل شَتَوتُ بَينَكُم لِتُقدِّموا لِيَ العَونَ على السَّفَرِ إِلى حَيثُ أَذهَب، فإِنِّي لا أُريدُ أَن أَراكُم هٰذِه المَرَّةَ رُؤيَةَ عابِرِ سَبيل، بل أَرْجو أَن أَمكُثَ بَينَكُم مُدَّةً بِإِذْنِ الرَّبّ. وسأَظَلُّ في أَفَسُس إِلى العَنصَرة، فقدِ ٱنفَتَحَ لي فيها بابٌ لِلعَمَلِ كَبير والخُصومُ كَثيرون. وإِذا قَدِمَ طيموتاوُس فٱنتَبِهوا إِلى أَن يَكونَ بَينَكُم مُطمَئِنَّ النَّفْس، لأَنَّه يَعمَلُ مِثْلي عَمَلَ الرَّبّ. فلا يَستَخِفَّ بِه أَحَدٌ مِنكُم، بل قدِّموا لَه العَونَ بِسَلام، لِيَعودَ إِلَيَّ، فإِنِّي أَنتَظِرُه مع الإِخوَة. أَمَّا أَخونا أَبُلُّس، فقَد أَلحَحتُ علَيه أَن يَذهَبَ إِلَيكُم مع الإِخوَة، فلَم يَشَأْ على الإِطْلاقِ أَن يَذهَبَ إِلَيكم في الوَقْتِ الحاضِر، وسيَذهَبُ عِندَما تَسنَحُ لَه الفُرْصة. تَنَبَّهوا وٱثبُتوا في الإِيمان، كونوا رِجالاً، كونوا أَشِدَّاء، ولْتَكُنْ أُمورُكُم كُلُّها بِمحبَّة. أُناشِدُكُم أَيُّها الإِخوَة: تَعلَمونَ أَنَّ أُسْرَةَ أَسطِفاناس هي باكورَةُ آخائِية وأَنَّها وَقَفَت نَفْسَها على خِدمَةِ القِدِّيسين. فعلَيكُم أَنتُم أَن تُذْعِنوا لأَمثالِ هٰؤُلاءِ ولِكُلِّ مَن يَعمَلُ ويَجهَدُ معَهم. سَرَّني مَجيءُ أَسطِفاناس وفُرْطُناتُس وأَخائِقُس، فقَد قاموا مَقامَكُم في غِيابِكم وطَمْأَنوا نَفْسي ونُفوسَكُم، فقَدِّروا أَمثالَهم حَقَّ قَدرِهم. تُسلِّمُ علَيكُم كَنائِسُ آسِية، ويُسَلِّمُ علَيكُم في الرَّبِّ تَسليمًا أَقيلا وبِرِسْقَة والكَنيسةُ الَّتي تَجتَمِعُ في بَيتِهما. يُسلِّمُ علَيكُم جَميعُ الإِخوَة. سَلِّموا بَعضُكُم على بَعضٍ بِقُبلَةٍ مُقَدَّسة. هٰذا السَّلامُ بخَطِّ يَدي أَنا بولُس. إِن كانَ أَحَدٌ لا يُحِبُّ الرَّبّ، فاللَّعنَةُ علَيه! «مارانا تا». علَيكُم جَميعًا نِعمَةُ الرَّبِّ يسوع! مَحَبَّتي لَكم جَميعًا في المسيحِ يسوع. مِن بولُسَ رَسولِ المسيحِ يسوع بِمَشيئَةِ الله، ومِنَ الأَخِ طيموتاوُس، إِلى كَنيسةِ اللهِ في قورِنتُس، وإِلى جَميعِ القِدِّيسينَ في آخائِيَةَ جَمْعاء، عَليكمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ أَبِينا والرَّبِّ يسوعَ المسيح. تَبارَكَ اللهُ أَبو رَبِّنا يسوعَ المسيحِ، أَبو الرَّأفَةِ وإِلٰهُ كُلِّ عَزاء، فهو الَّذي يُعَزِّينا في جَميعِ شَدائِدِنا لِنَستَطيعَ، بما نَتَلقَّى نَحنُ مِن عَزاءٍ مِنَ الله، أَن نُعَزِّيَ الَّذينَ هُم في أَيَّةِ شِدَّةٍ كانَت. فكَما تَفيضُ علَينا آلامُ المسيح، فكَذٰلِكَ بِالمسيحِ يَفيضُ عَزاؤنا أَيضًا. فإِذا كُنَّا في شِدَّةٍ فإِنَّما شِدَّتُنا لِعَزائِكم وخلاصِكم، وإِذا كُنَّا في عَزاء فإِنَّما عَزاؤُنا لِعَزائِكم، فهو يُمَكِّنُكم مِنَ الصَّبْرِ على تِلكَ الآلامِ الَّتي نُعانيها نَحنُ أَيضًا. ورَجاؤُنا فيكُم ثابِت لأَنَّنا نَعلَمُ أَنَّكم تُشارِكونَنا في العَزاءِ كَما تُشارِكونَنا في الآلام. فإِنَّنا لا نُريدُ، أَيُّها الإِخوَة، أَن تَجهَلوا أَمرَ الشِّدَّةِ الَّتي أَلَمَّت بِنا في آسِيَة، فثَقُلَت علَينا جِدًّا وجاوَزَت طاقَتَنا حتَّى يَئِسْنا مِنَ الحَياةِ نَفْسِها، بل أَحسَسْنا أَنَّه قُضِيَ علَينا بِالمَوت، لِئَلاَّ نَتَّكِلَ على أَنفُسِنا، بل على اللهِ الَّذي يُقيمُ الأَموات. فهو الَّذي أَنقَذَنا مِن أَمْثالِ هٰذا المَوتِ وسَيُنقِذُنا مِنه: وعلَيه جَعَلْنا رَجاءَنا بِأَنَّه سَيُنقِذُنا مِنه أَيضًا، إِذا ساهَمتُم أَنتُم أَيضًا في الدُّعاءِ لَنا، حتَّى إِذا نِلْنا تِلكَ النِّعمَةَ بِشفاعةِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس، يَشكُرُ اللهَ في أَمْرِنا كَثيرٌ مِنَ النَّاس. فإِنَّ فَخرَنا إِنَّما هو شَهادةُ ضَميرِنا بِأَنَّنا سِرْنا في العالَمِ ولا سيَّما في مُعامَلتِنا لَكم سيرةَ الإِخلاصِ والصَّفاءِ اللَّذَينِ مِن لَدُنِ الله، لا بِحِكمَةِ البَشَر، بل بِنِعمَةِ الله. فإِنَّنا لا نَكتُبُ إِلَيكم إِلاَّ ما تَقرَأُونَه وتَفهَمونَه، ولكنِّي أَرْجو أَن تَفهَموا فَهْمًا تامًّا - وقَد فَهمتُم كَلامَنا بَعضَ الفَهْم، - أَنَّنا مَوضوعُ فَخرِكم كما أَنَّكم مَوضُوعُ فَخرِنا في يَومِ الرَّبِّ يسوع. كُنتُ قد عَزَمْتُ، مُعتَمِدًا على ذٰلك، أَن أَذهَبَ إِلَيكم أَوَّلاً لِتَنالوا نِعمَةً أُخْرى، فأَمُرَّ بِكُم في طَريقي إِلى مَقْدونِيَة، ثُمَّ أَرجِعَ إِلَيكم مِن مَقْدونِيَة، فتُقَدِّموا ليَ العَونَ على السَّفَرِ إِلى اليَهودِيَّة. أَفتُراني عَزَمتُ على ذٰلِك لِخِفَّةٍ في العَقْل، أَو عَزَمتُ على ما عَزَمتُ عَزمًا بَشَرِيًّا، فيَكونَ فِيَّ نَعَم نَعَم ولا لا؟ صَدَقَ اللهُ وشَهِدَ أَنَّ كَلامَنا لَكم لَيسَ نَعَم ولا، فإِنَّ ٱبنَ اللهِ المسيحَ يسوعَ الَّذي بَشَّرْنا بِه بَينَكم، أَنا وسِلْوانُس وطيموتاوُس، لم يَكُنْ نَعَم ولا، بل «نَعَم» هو الَّذي تمَّ فيه. إِنَّ جَميعَ مَواعِدِ اللهِ لَها فيه «نَعَم». لِذٰلِك بِه أَيضًا نَقولُ للهٍ: «آمين» إِكرامًا لِمَجْدِه. وإِنَّ الَّذي يُثَبِّتُنا وإِيَّاكُم لِلمسيح والَّذي مَسَحَنا هو الله، وهو الَّذي خَتَمَنا بِخَتمِه وجَعَلَ في قُلوبِنا عُربونَ الرُّوح. وأَنا أُشهِدُ اللهَ على نَفْسي أَنِّي لم أَرجِعْ بَعدُ إِلى قورِنتُس إِلاَّ شَفَقَةً علَيكُم، لا كأَنَّنا نُريدُ التَّحَكُّمَ في إِيمانِكم، بل نَحنُ نُساهِمُ في فَرَحِكُم، فأَنتُم مِن حَيثُ الإِيمانُ ثابِتون. فقَد عَزَمتُ في نَفْسي أَن لا أَعودَ إِلَيكُم في الغَمّ. فإِذا سبَّبتُ لَكمُ الغَمّ، فمَن يَجلِبُ إِليَّ السُّرور إِلاَّ الَّذي سَبَّبتُ لَه الغَمّ؟ وقَد كَتَبتُ إِلَيكُم ما كَتَبتُ لِئَلاَّ يَنالَني، عِندَ قُدومي، غَمٌّ مِن أُولٰئِكَ الَّذينَ كانَ يَجِبُ أَن يَنالَني مِنهُمُ السُّرور. وأَنا مُقتَنِعٌ في شأنِكم أَجمَعين بِأَنَّ سُروري هو سُرورُكم جَميعًا. ففي شِدَّةٍ عَظيمَةٍ وضِيقِ صَدْرٍ كَتَبتُ إِلَيكُم والدُّموعُ تَفيضُ مِن عَينَيَّ، لا لأُسَبِّبَ لَكُم غَمًّا، بل لِتَعرِفوا مَبلَغَ حُبِّيَ العَظيمِ لَكم. فإِذا سَبَّبَ أَحَدٌ غَمًّا، فإِنَّه لم يُسبِّبْه لِي، بل لكُم جَميعًا إِلى حَدٍّ ما بِلا مُبالَغَة. ويَكْفي مِثلَ هٰذا الرَّجُلِ العِقابُ الَّذي أَنزَلَته بِه الجَماعة. ولِذٰلك فالأَولى بِكم أَن تَصفَحوا عنه وتُشَجِّعوه، مَخافَةَ أَن يَغرَقَ في بَحْرٍ مِنَ الغَمّ. فأُناشِدُكم أَن تُغَلِّبوا المَحبَّةَ لَه. ومُرادي، وأَنا أَكتُبُ إِلَيكُم، أَن أَختَبِرَكُم فأَرى هَل أَنتُم مُطيعونَ في كُلِّ شَيء. فمَن صَفَحتُم عنه صَفَحتُ عنه أَنا أَيضًا، وقَد صَفَحتُ أَنا أَيضًا - إِذا كانَ هُناكَ أَمرٌ أَصفَحُ عنه - مِن أَجلِكم في حَضرَةِ المسيح، لِئَلاَّ يَخدَعَنا الشَّيطان، ونَحنُ لا نَجهَلُ وَساوِسَه. أَتَيتُ طُرُواس مِن أَجلِ بِشارةِ المَسيح، فَٱنفَتَحَ لي بابٌ في الرّبّ، على أَنَّ نَفْسي لم تَطمَئِنَّ، لأَنِّي لم أَجِدْ طيطُسَ أَخي، فوَدَّعتُهم وٱنصَرَفتُ إِلى مَقْدونِيَة. الشُّكرُ للهِ الَّذي يَسْتَصْحِبُنا دائِمًا أَبَدًا في نَصرِه بِالمَسيح. ويَنشُرُ بِأَيدينا في كُلِّ مَكانٍ شذا مَعرِفَتِه. فإِنَّنا عِندَ اللهِ رائِحةُ المسيحِ الطَّيِّبَةُ بَينَ الَّذينَ يَسلُكونَ طَريقَ الخَلاصِ وطَريقَ الهَلاك: لِهٰؤُلاءِ رائِحَةٌ تَسيرُ بِهم مِن مَوتٍ إِلى مَوت، ولأُولٰئِكَ رائِحَةٌ تَسيرُ بِهم مِن حَياةٍ إِلى حَياة. فمَن تُراهُ أَهْلاً لِهٰذا العَمَل؟ لَسْنا مِثلَ الكَثرَةِ الَّتي تُتاجِرُ بِكَلِمَةِ الله، بل بالصِّدْقِ ومِن قِبَلِ الله وفي حَضرَةِ اللهِ في المَسيحِ نَتَكلَّم. أَنَعودُ إِلى التَّوصِيَةِ بِأَنفُسِنا أَم تُرانا نَحتاجُ، كَبَعضِ النَّاسِ، إِلى رَسائِلِ تَوصِيَةٍ إِلَيكُم أَو مِنكُم؟ أَنتُم رِسالَتُنا كُتِبَت في قُلوبِنا، يَعرِفُها ويَقرَأُها جَميعُ النَّاس. لَقدِ اتَّضَحَ أَنَّكُم رِسالَةٌ مِنَ المسيح، أُنشِئَت عن يَدِنا، ولم تُكتَبْ بِالحِبْر، بل بِرُوحِ اللهِ الحَيّ، لا في أَلواحٍ مِن حَجَر، بل في أَلواحٍ هي قُلوبٌ مِن لَحْم. تِلك ثِقَتُنا بِالمسيحِ عِندَ الله، ولا يَعني ذٰلِكَ أَنَّه بِإِمكانِنا أَن نَدَّعِيَ شَيئًا كأَنَّه مِنَّا، فإِنَّ إِمكانَنا مِنَ الله، فهو الَّذي مَكَّننا أَن نَكونَ خَدَمَ عَهْدٍ جَديد، عَهْدِ الرُّوح، لا عَهْدِ الحَرْف، لأَنَّ الحَرْفَ يُميتُ والرُّوحَ يُحْيي. فإِذا كانَت خِدمَةُ المَوتِ المَنقوشَةُ حُروفُه في حِجارةٍ قد أُعطِيَت بِالمَجْد، حتَّى إِنَّ بَني إِسرائيلَ لم يَستَطيعوا أَن يُحَدِّقوا إِلى وَجْهِ مُوسى لِمَجْدِ وَجهِه، مع أَنَّه مَجْدٌ زائِل، فكَيفَ بِالأَحْرى لا تُعْطى خِدمَةُ الرُّوحِ بِالمَجْد؟ فإِذا كانَت خِدمَةُ الحُكْمِ على النَّاسِ مَجيدة، فما أَولى خِدمَةَ البِرِّ بِأَن تَفيضَ مَجْدًا! فإِنَّ ما مُجِّدَ لا يُعَدُّ مُمَجَّدًا من هٰذه الجِهَة، بِالنَّظرِ إِلى ذٰلك المَجدِ الفائِق، لأَنَّه إِذا كانَ الزَّائِلُ قد زالَ بالمَجْد، فما أَولى الباقِيَ بأَن يَبْقى في المَجْد! فلمَّا كانَ لَنا هٰذا الرَّجاء، فإِنَّنا نَتَصرَّفُ بِرِباطَةِ جَأشٍ عَظيمة، لا كَمُوسى الَّذي كانَ يَضَعُ قِناعًا على وَجْهِه لِئَلاَّ يَنظُرَ بَنو إِسرائيلَ نِهايَةَ ما يَزول. ولٰكِن أُعمِيَت بَصائِرُهم، فإِنَّ ذٰلِكَ القِناعَ نَفسَه يَبْقى إِلى اليَومِ غَيرَ مَكْشوفٍ عِندَما يُقرَأُ العَهْدُ القَديم، ولا يُزالُ إِلاَّ في المسيح. أَجَل، إِلى اليَومِ كُلَّما قُرِئَ مُوسى فهُناكَ على قُلوبِهم قِناع، ولٰكِن لا يُرفَعُ هٰذا القِناعُ إِلاَّ بِالاِهتِداءِ إِلى الرَّبّ، لأَنَّ الرَّبَّ هو الرُّوح، وحَيثُ يَكونُ رُوحُ الرَّبّ، تَكون الحُرِّيَّة. ونَحنُ جَميعًا نَعكِسُ صورةَ مَجْدِ الرَّبِّ بِوُجوهٍ مَكشوفةٍ كما في مِرآة، فنَتَحوَّلُ إِلى تِلكَ الصُّورة، ونَزدادُ مَجْدًا على مَجْد، وهٰذا مِن فَضْلِ الرَّبِّ الَّذي هو روح. وأَمَّا وقَد أُعطِينا تِلكَ الخِدمَةَ رَحمَةً، فلا تَفتُرُ هِمَّتُنا، بل نَرفُضُ الأَساليبَ الخَفِيَّةَ الشَّائنة، فلا نَسلُكُ طُرُقَ المَكرِ ولا نُزَوِّرُ كَلِمَةَ الله، بل نُظهِرُ الحَقَّ فنُوَصِّي بِأَنفُسِنا لدى كُلِّ ضَميرٍ إِنسانِيٍّ أَمامَ الله. فإِذا كانَت بِشارتُنا مَحجوبَة، فإِنَّما هي مَحجوبَةٌ عن سالِكي طَريق الهَلاك، عن غَيرِ المُؤمِنينَ الَّذينَ أَعْمى بَصائِرَهم إِلهُ هذِه الدُنْيا، لِئَلاَّ يُبصِروا نورَ بِشارةِ مَجْدِ المسيح، وهو صُورةُ الله. فلَسْنا نَدْعو إِلى أَنْفُسنا، بل إِلى يسوعَ المَسيحِ الرَّبّ. وما نَحنُ إِلاَّ خَدَمٌ لَكم مِن أَجْلِ يسوع. فإِنَّ اللهَ الَّذي قال: «لِيُشرِقْ مِنَ الظُّلْمَةِ نُور» هو الَّذي أَشرَقَ في قُلوبِنا لِيَشُعَّ نورُ مَعرِفَةِ مَجْدِ الله، ذٰلِكَ المَجْدِ الَّذي على وَجْهِ المسيح. على أَنَّ هٰذا الكَنْزَ نَحمِلُه في آنِيَةٍ مِن خَزَف لِتَكونَ تِلكَ القُدرَةُ الفائِقَةُ للهِ لا مِن عِندِنا. يُضَيَّقُ علَينا مِن كُلِّ جِهَةٍ ولا نُحَطَّم، نَقَعُ في المآزِقِ ولا نَعجِزُ عنِ الخُروجِ مِنها، نُطارَدُ ولا نُدرَك، نُصرَعُ ولا نَهلِك، نَحمِلُ في أَجسادِنا كُلَّ حِينٍ مَوتَ المسيح لِتَظهَرَ في أَجسادِنا حَياةُ المسيحِ أَيضًا. فإِنَّنا نَحنُ الأَحياءَ نُسلَمُ في كُلِّ حينٍ إِلى المَوتِ مِن أَجلِ يسوع لِتَظهَرَ في أَجسادِنا الفانِيَةِ حَياةُ يسوعَ أَيضًا. فالمَوتُ يَعمَلُ فينا والحَياةُ تَعمَلُ فيكُم. ولَمَّا كانَ لَنا مِن رُوحِ الإِيمانِ ما كُتِبَ فيه: «آمَنتُ ولِذٰلكَ تَكَلَّمْت»، فنَحنُ أَيضًا نُؤمِنُ ولِذٰلِكَ نَتَكَلَّم، عالِمينَ أَنَّ الَّذي أَقامَ الرَّبَّ يَسوع سيُقيمُنا نَحنُ أَيضًا مع يسوع ويَجعَلُنا وإِيَّاكُم لَدَيه، لأَنَّ ذٰلِكَ كُلَّه مِن أَجْلِكُم، حتَّى إِذا كَثُرَتِ النِّعمَةُ عِندَ عَدَدٍ أَوفَرَ مِنَ النَّاس، أَفاضَتِ الشُّكرَ لِمَجْدِ الله. ولِذٰلكَ فنَحنُ لا تَفتُرُ هِمَّتُنا: فإِذا كانَ الإِنسانُ الظَّاهِرُ فينا يَخرَب، فالإِنسانُ الباطِنُ يَتَجَدَّدُ يَومًا بَعدَ يَوم. وإِنَّ الشِّدَّةَ الخَفيفةَ العابِرَة تُعِدُّ لَنا قَدْرًا فائِقًا أَبَدِيًّا مِنَ المَجْد، فإِنَّنا لا نَهدِفُ إِلى ما يُرى، بل إِلى ما لا يُرى. فالَّذي يُرى إِنَّما هو إِلى حِين، وأَمَّا ما لا يُرى فهو لِلأَبَد. ونَحنُ نَعلَمُ أَنَّه إِذا هُدِمَ بَيتُنا الأَرْضِيّ، وما هو إِلاَّ خَيمَة، فلَنا في السَّمَواتِ مَسكِنٌ مِن صُنعِ الله، بَيتٌ أَبَدِيٌّ لم تَصنَعْه الأَيْدي. وإِنَّنا، ونَحنُ في هٰذه الحال، نَئِنُّ حَنينًا إِلى لُبْسِ مَسكِنِنا السَّماوِيِّ فَوقَ الآخَر، على أَن نَكونَ لابِسينَ لا عُراة. ولِذٰلكَ نَئِنُّ مُثْقَلينَ ما دُمْنا في هٰذِه الخَيمَة، لأَنَّنا لا نُريدُ أَن نَخلَعَ ما نَلبَس، بل نُريدُ أَن نَلبَسَ ذاك فَوقَ هٰذا، حَتَّى تَبتَلِعَ الحَياةُ ما هو زائِل. والَّذي أَعَدَّنا لِهٰذا المَصير هو اللهُ الَّذي أَعطانا عُربونَ الرُّوح. لِذٰلِكَ فلَمَّا كُنَّا واثِقينَ في كُلِّ حين، على عِلمِنا بِأَنَّنا، ما دُمنا في هٰذا الجَسَد، نَحنُ في هِجرَةٍ عنِ الرَّبّ، لأَنَّنا نَسيرُ في الإِيمانِ لا في العِيان... فنَحنُ إِذًا واثِقون، ونَرى منَ الأَفضَلِ أَن نَهجُرَ هٰذا الجَسَد لِنُقيمَ في جِوارِ الرَّبّ. ولِذٰلِكَ أَيضًا نَطمَحُ إِلى نَيلِ رِضاه، أَقَمْنا في هٰذا الجَسَدِ أَم هَجَرْناه، لأَنَّه لا بُدَّ لَنا جَميعًا مِن أَن يُكشَفَ أَمرُنا أَمامَ مَحْكَمَةِ المسيح لِيَنالَ كُلُّ واحِدٍ جَزاءَ ما عَمِلَ وهو في الجَسَد، أَخَيرًا كانَ أَم شَرًّا. أَمَّا ونَحنُ عالِمونَ بِمخافَةِ الرَّبّ، فإِنَّنا نُحاوِلُ إِقناعَ النَّاس. وأَمرُنا مَكْشوفٌ للهٍ. وأَرجو أَن يَكونَ مَكْشوفًا في ضَمائِرِكُم أَيضًا. ولا نَعودُ إِلى التَّوصِيَةِ بِأَنفُسِنا في أَعيُنِكُم، بل نَجعَلُ لَكم سَبيلاً لِلافتِخارِ بِنا، فيُمكِنَكُم أَن تَرُدُّوا على الَّذينَ يَفتَخِرونَ بِالظَّاهِرِ لا بِالباطِن. فإِن خَرَجْنا عَن صَوابِنا ففي سَبيلِ الله، وإِن تَعقَّلْنا ففي سَبيلِكم، لأَنَّ مَحبَّةَ المسيحِ تَأخُذُ بِمَجامِعِ قَلْبِنا عِندَما نُفَكِّرُ أَنَّ واحِدًا قد ماتَ مِن أَجْلِ جَميعِ النَّاس، فجَميعُ النَّاسِ إِذًا قد ماتوا. ومِن أَجْلِهِم جَميعًا ماتَ، كَيلا يَحْيا الأَحياءُ مِن بَعدُ لأَنْفُسِهِم، بل لِلَّذي ماتَ وقامَ مِن أَجْلِهِم. فنَحنُ لا نَعرِفُ أَحَدًا بَعدَ اليَومِ مَعرِفةً بَشَرِيَّة. فإِذا كُنَّا قَد عَرَفْنا المسيحَ يَومًا مَعرِفةً بَشَرِيَّة، فلَسْنا نَعرِفُه الآنَ هٰذِه المَعرِفَة. فإِذا كانَ أَحَدٌ في المسيح، فإِنَّه خَلْقٌ جَديد. قد زالتِ الأَشياءُ القَديمة وها قد جاءَت أَشياءُ جَديدة. وهٰذا كُلُّه مِنَ اللهِ الَّذي صالَحَنا بِالمسيح وأَعْطانا خِدمَةَ المُصالَحَة، ذٰلك بِأَنَّ اللهَ كانَ في المَسيحِ مُصالِحًا لِلعالَم وغَيرَ مُحاسِبٍ لَهم على زَلاَّتِهم، ومُستَودِعًا إِيَّانا كَلِمَةَ المُصالَحَة. فنَحنُ سُفَراءُ في سَبيلِ المَسيح، وكأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِأَلسِنَتِنا. فنَسأَلُكُم بِٱسمِ المسيح أَن تَدَعوا اللهَ يُصالِحُكُم. ذاكَ الَّذي لم يَعرِفِ الخَطيئَة جَعَلَه اللهُ خَطيئَةً مِن أَجْلِنا كَيما نَصيرَ فيه بِرَّ الله. ولمَّا كُنَّا نَعمَلُ معَ الله، فإِنَّنا نُناشِدُكم أَلاَّ تَنالوا نِعمَةَ اللهِ لِغَيرِ فائِدَة. فإِنَّه يَقول: «في وَقتِ القَبولِ ٱستَجَبتُكَ، وفي يَومِ الخَلاصِ أَغَثتُكَ. فهاهُوَذا الآنَ وَقتُ القَبولِ الحَسَن، وهاهُوَذا الآنَ يَومُ الخَلاص. فإِنَّنا لا نَجعَلُ لأَحَدٍ سَبَبَ زَلَّة، لِئَلاَّ يَنالَ خِدمَتَنا لَوم، بل نُوَصِّي بِأَنفُسِنا في كُلِّ شَيءٍ على أَنَّنا خَدَمُ اللهِ بِثَباتِنا العَظيمِ في الشَّدائِدِ والمَضايِقِ والمَشَقَّات والجَلْدِ والسِّجْنِ والفِتَن والتَّعَبِ والسَّهَرِ والصَّوم، بِالعَفافِ والمَعرِفَة والصَّبرِ واللُّطْفِ، بالرُّوحِ القُدُسِ والمَحبَّةِ بِلا رِياء وكَلِمَةِ الحَقِّ وقُدرَةِ الله، بِسِلاحِ البِرّ، سِلاحِ الهُجومِ وسِلاحِ الدِّفاع، في الكَرامةِ والهَوان، في سُوءِ الذِّكْرِ وحُسنِه. نُحسَبُ مُضِلِّينَ ونَحنُ صادِقون، مَجهولِينَ ونَحنُ مَعروفون، مائِتِينَ وها إِنَّنا أَحْياء، مُعاقَبينَ ولا نُقتَل، مَحْزونينَ ونَحنُ دائِمًا فَرِحون، فُقراءَ ونُغْني كَثيرًا مِنَ النَّاس، لا شَيءَ عندَنا ونَحنُ نَملِكُ كُلَّ شَيء. خاطَبْناكُم بِصَراحَةٍ، يا أَهْلَ قورنتُس، وفَتَحْنا لكُم قَلْبنا. لَستُم في ضيقٍ عِندَنا، وإِنَّما أَنتُم في ضيقٍ في قُلوبِكم. عامِلونا بِمِثْلِ ما نُعامِلُكم. إِنِّي أُكَلِّمُكُم كَلامي لأَبنائي، فٱفتَحوا قُلوبَكم أَنتم أَيضًا. لا تَكونوا مَقرونينَ بِغَيرِ المُؤمِنينَ في نِيرٍ واحِد. أَيُّ صِلَةٍ بَينَ البِرِّ والإِثْم؟ وأَيُّ ٱتِّحادٍ بَينَ النُّورِ والظُّلْمَة؟ وأَيُّ ٱئتِلافٍ بَينَ المسيحِ وبَليعار؟ وأَيُّ شَرِكَةٍ بَينَ المُؤمِنِ وغَيرِ المُؤمِن؟ وأَيُّ وِفاقٍ بَينَ هَيكَلِ اللهِ والأَوثان؟ فنَحنُ هَيكَلُ اللهِ الحَيّ، كما قالَ الله: «سأَسكُنُ بَينَهُم وأَسيرُ بَينَهُم وأَكونُ إِلٰهَهُم وَيَكونونَ شَعْبي. فٱخْرُجوا إِذًا مِن بَينِهِم وتَنَحَّوا»، يَقولُ الرَّبّ. «ولا تَمَسُّوا نَجِسًا، وأَنا أَتَقَبَّلُكم وأَكونُ لَكم أَبًا وتَكونونَ لي بَنينَ وبَنات»، يَقولُ الرَّبُّ القَدير. ولَمَّا كانَت لنا، أَيُّها الأَحِبَّاء، هٰذِه المَواعِد، فلْنُطَهِّرْ أَنْفُسَنا مِن أَدناسِ الجَسَدِ والرُّوحِ كُلِّها، مُتَمِّمينَ تَقْديسَنا في مَخافةِ الله. تَفَهَّموا كَلامَنا بِرَحابَةِ صَدْر، فإِنَّنا لم نَظْلِمْ أَحَدًا ولَم نُفقِرْ أَحَدًا ولَم نَستَغِلَّ أَحَدًا. لا أَقولُ ذٰلِكَ لِلْحُكْمِ علَيكم، فقَد قُلتُ لَكم مِن قبلُ إِنَّكم في قُلوبِنا على الحَياةِ والمَوت. لي ثِقَةٌ بِكُم كَبيرة، وأَنا عَظيمُ الاِفتِخارِ بِكُم. قدِ ٱمتَلأتُ بِالعَزاء وفاضَ قَلْبي فَرَحًا في شَدائِدِنا كُلِّها. فلَمَّا قَدِمنا مَقْدونِية، لم يَعرِفْ ضُعفُنا البَشَرِيُّ الرَّاحَة، بل عانَينا الشَّدائِدَ على أَنْواعِها: حُروبٌ في الخارِج ومَخاوفُ في الدَّاخِل. ولٰكِنَّ اللهَ الَّذي يُعَزِّي المُتَواضِعينَ قد عَزَّانا بِمَجيءِ طيطُس، لا بِمَجيئِه فَقَط، بل بِالعَزاءِ الَّذي تَلَقَّاه مِنكم. وقد أَطلَعَنا على شَوقِكُم وحُزنِكُم وحَمِيَّتِكم لي، حَتَّى إِنِّي ٱزدَدتُ فَرَحًا. فإِذا كُنتُ قد أَحزَنتُكُم بِرِسالَتي، فَمَا أَنا بِنادِمٍ على ذٰلِك، وإِذا نَدِمتُ - وأَرى أَنَّ تِلكَ الرِّسالَةَ أَحزَنَتْكُم ولَو حِينًا - فإِنِّي أَفرَحُ الآن، لا لِما نالَكم مِنَ الحُزْن، بل لأَنَّ حُزنَكُم حَمَلَكُم على التَّوبَة. فقَد حَزِنتُم للهٍ، فلَم يَنَلْكُم مِنَّا أَيُّ خُسْران، لأَنَّ الحُزْنَ للهِ يُورِثُ تَوبَةً تُؤَدِّي إِلى الخَلاص ولا نَدَمَ عَلَيها، في حِينِ أَنَّ حُزْنَ الدُّنْيا يُورِثُ المَوت. فٱنظُروا ما أَورَثَكم هٰذا الحُزنُ للهٍ: فأَيُّ حَمِيَّةٍ، بل أَيُّ ٱعتِذارٍ وغَيظٍ وخَوفٍ وشَوقٍ ونَخْوَةٍ وعِقاب! وقَد بَرهَنْتُم في كُلِّ شَيءٍ على أَنَّكُم أَبْرِياءُ مِن ذٰلِكَ الأَمْر. فإِذا كَتَبتُ إِلَيكُم، فإِنِّي أَفعَلُ ذٰلك لا مِن أَجْلِ الظَّالِم ولا مِن أَجْلِ المَظْلوم، بل لِيَتَّضِحَ لَكم أَمامَ اللهِ ما أَنتُم علَيه مِنَ الحَمِيَّةِ لَنا، ولِذٰلك لَقينا العَزاء. ويُضافُ إِلى عَزائِنا هٰذا أَنَّ فَرَحَنا ٱزْدادَ ٱزدِيادًا فائِقًا بِفرَحِ طيطُس لِلِٱطمِئنانِ الَّذي نالَه مِنكم أَجمَعين. وإِنِّي، إِذا ٱفتَخَرتُ بِكُم في شَيءٍ أَمامَه، لم أَخجَلْ بِه. فكَما قُلْنا لَكُمُ الحَقَّ في كُلِّ شَيء فكَذٰلكَ كانَ ٱفتِخارُنا بِكُم عِندَ طيطُسَ حَقًّا. ويَزدادُ حَنانُه علَيكم، عِندَما يَتَذَكَّرُ طاعَتَكم جَميعًا وكَيفَ تَلَقَّيتُموه بِخَوفٍ ورِعدَة. ويَسُرُّني أَن أَعتَمِدَ علَيكُم في كُلِّ شَيء. نُخبِرُكُم، أَيُّها الإِخوَة، بِنِعمَةِ اللهِ الَّتي مَنَّ بِها على كَنائِسِ مَقْدونِيَة. فإِنَّهُم، معَ كَثْرَةِ الشَّدائِدِ الَّتي ٱمتُحِنوا بِها، قد فاضَ فَرَحُهمُ العَظيم وفَقْرُهمُ الشَّديد بِكُنوزٍ مِنَ السَّخاء. وأَشهَدُ أَنَّهُم على قَدْرِ طاقَتِهِم، بل فَوقَ طاقَتِهِم، بِدافِعٍ مِن أَنْفُسِهِم سَأَلونا مُلِحِّينَ أَن نَمُنَّ علَيهِم بِالاِشتِراكِ في هٰذه الخِدمَةِ لِلقِدِّيسين. فتَجاوَزوا ما كُنَّا نَرْجوه، فوَهَبوا أَنفُسَهُم لِلرَّبِّ أَوَّلاً، ثُمَّ لَنا بِمَشيئَةِ الله. فسَأَلْنا طيطُس أَن يُتِمَّ عِندَكُم عَمَلَ الإِحسانِ كَما ابتَدَأَ بِه مِن قَبْلُ. وكَما يَفيضُ عِندَكُم كُلُّ شَيء: الإِيمانُ والبَلاغَة والمَعرِفَةُ والحَمِيَّةُ لِكُلِّ شَيء وما أَفَدْناكُم بِه مِنَ المَحبَّة، فلْيَفِضْ كذٰلِك عِندَكم عَمَلُ الإِحسانِ هٰذا. ولا أَقولُ ذٰلِك على سَبيلِ الأَمْر، ولٰكِنِّي أَتَّخِذُ مِن حَمِيَّةِ سِواكُم وَسيلَةً لِٱمتِحانِ صِدْقِ محبَّتِكُم. فأَنتُم تَعلَمونَ جُودَ رَبِّنا يسوعَ المسيح: فقَدِ ٱفتَقَرَ لأَجْلِكُم وهو الغَنِيُّ لِتَغتَنوا بِفَقْرِه. فهٰذا رَأيٌ أُبْدِيهِ في هٰذا الأَمْر، وهٰذا يَصلُحُ لَكم. فلَم يَقتَصِرِ الأَمرُ على أَنَّكم كُنتُم أَوَّلَ مَن قامَ بِالعَمَل، بل كُنتُم أَوَّلَ مَن عَزَمَ علَيه مُنذُ العامِ الماضي. أَمَّا الآن فأَتِمُّوا العَمَلَ لِيَكونَ الإِتْمامُ على قَدْرِ طاقَتِكم ووَفقًا لِشِدَّةِ الرَّغبَة، لأَنَّه مَتى وُجِدَتِ الرَّغبَة، لَقِيَ المَرءُ قَبولاً حَسَنًا على قَدْرِ ما عِندَه، لا على قَدْرِ ما لَيسَ عِندَه فلَيسَ المُرادُ أَن يَكونَ الآخَرونَ في يُسْرٍ وتَكونوا أَنتُم في عُسْر، بَلِ المُرادُ هو المُساواة. فإِذا سَدَّت في الوَقتِ الحاضِرِ سَعَتُكُم ما بِهِم مِن عَوَز، سَدَّت سَعَتُهُم عَوَزَكُم في المُستَقبَل، فحَصَلَتِ المُساواة، كَما وَرَدَ في الكِتاب: «المُكْثِرُ لم يَفْضُلْ عَنه والمُقِلُّ لم يَنْقُصْه شَيء». الشُّكرُ للهِ الَّذي جَعَلَ في قَلْبِ طيطُسَ هٰذه الحَميَّةَ لَكم، فقد لَبَّى دَعوَتي، بل ذَهَبَ إِليكُم بِدافِعٍ مِن نَفْسِه لِشِدَّةِ ٱهتِمامِه. وبَعَثْنا معَه بِالأَخِ الَّذي تُثْني علَيه الكَنائِسُ كُلُّها فيما يَعودُ إِلى البِشارة. ولا يَقتَصِرُ الأُمرُ على ذٰلك، بل إِنَّ الكَنائِسَ ٱختارَته رَفيقًا لَنا في السَّفَرِ مِن أَجْلِ عَمَلِ الإِحْسانِ هٰذا وهو خِدمةٌ نَقومُ بِها لِمَجْدِ الله وتَلبِيَةً لِرَغبَتِنا. وإِنَّنا نَحرَصُ على أَلاَّ يلومَنا أَحَدٌ في أَمرِ هٰذا المِقْدارِ العَظيمِ مِنَ المالِ الَّذي نَحنُ مَسْؤُولونَ عنه، لأَنَّنا نَهتَمُّ بما هو حَسَن، لا أَمامَ اللهِ وَحدَه، بل أَمامَ النَّاسِ أَيضًا. وقد بَعَثنا معَهما بأَخينا الَّذي ٱختَبَرْنا ٱجتِهادَه مَرَّاتٍ كَثيرةً في أَحْوالٍ كَثيرة، وهو الآنَ أَكثَرُ ٱجتِهادًا لِما لَه مِن ثِقَةٍ كَبيرةٍ بِكُم. أَمَّا طيطُس فهُو رَفيقي ومُعاوِني عِندَكُم، أَمَّا أَخَوانا فهُما مَنْدوبا الكَنائِسِ ومَجْدُ المسيح. فأَبْدُوا لَهم أَمامَ الكَنائِسِ بُرهانَ مَحبَّتِكُم وٱفتِخارِنا بِكُم عِندَهم. وأَمَّا إِسعافُ القِدِّيسين، فمِنَ الفُضولِ أَن أَكتُبَ إِلَيكُم فيه، وأَنا أَعلَمُ رَغبَتَكُم وأَفتَخِرُ بِها عِندَ أَهْلِ مَقْدونِيَة وأَقولُ لَهم إِنَّ آخائِيَةَ مُستَعِدَّةٌ مُنذُ العامِ الماضي. فحَمِيَّتُكم قد حَثَّت أَكثَرَ النَّاس، وقَد بَعَثتُ إِلَيكُم بِالإِخوَة لِئَلاَّ يَكونَ ٱفتِخارُنا بِكُم باطِلاً في هٰذا الأَمْر ولِتَكونوا مُستَعِدِّينَ كَما قُلْت. فلَو جاءَ مَعي بَعضُ المَقدونِيِّينَ ووَجَدوكم غَيرَ مُستَعِدِّين، لَٱنقَلَبَت ثِقَتُنا هٰذه خَجَلاً لَنا، إِن لم أَقُلْ: لَكم. فَرَأَيتُ إِذًا مِنَ اللاَّزِمِ أَن نَدعُوَ الإِخوَةَ إِلى أَن يَسبِقونا إِلَيكُم لِيُنَظِّموا ما وَعَدتُم بِه مِن سَخاء، لِيَكونَ مُهَيَّأً تَهيِئَةَ السَّخاء، لا تَهيِئَةَ البُخْل. فٱذكُروا أَنَّه مَن زَرَعَ بِالتَّقْتيرِ حَصَدَ بِالتَّقْتير، ومَن زَرَعَ بِسخاء حَصَدَ بِسَخاء. فلْيُعْطِ كُلُّ ٱمرِئٍ ما نَوى في قَلْبِه، لا آسِفًا ولا مُكْرَهًا. لأَنَّ اللهَ يُحِبُّ مَن أَعْطى مُتَهَلِّلاً. إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أَن يُفيضَ علَيكُم مُختَلِفَ النِّعَم فيَكونَ لَكم كُلَّ حينٍ في كُلِّ شَيءٍ ما يَكْفي مَؤُونَتَكُم كُلَّها ويَفضُلَ عنكم لِكُلِّ عَمَلٍ صالِح، على ما وَرَدَ في الكِتاب: «إِنَّه وَزَّعَ وأَعْطى المَساكين، فبِرُّه يَدومُ لِلأَبَد». إِنَّ الَّذي يَرزُقُ الزَّارِعَ زَرْعًا وخُبْزًا يَقوتُه سيَرزُقُكُم زَرْعَكُم ويُكَثِّرُه ويُنَمِّي ثِمارَ بِرِّكُم. فإِذا ٱغتَنَيتُم في كُلِّ شَيء، جُدتُم كُلَّ جُودٍ يَأتي عن يَدِنا بآياتِ الشُّكرِ للهٍ. فإِنَّ القِيامَ بِهٰذِه الخِدمَةِ لا يَقتَصِرُ على سَدِّ حاجاتِ القِدِّيسين، بل يَفيضُ أَيضًا شُكرًا جَزيلاً للهٍ. فإِنَّهم إِذا قَدَّروا هٰذِه الخِدمةَ حَقَّ قَدرِها، مَجَّدوا اللهَ على طاعَتِكُم في الشَّهادةِ بِبِشارةِ المسيح وعلى سَخائِكم في إِشراكِهِم في أَمْوالِكم وإِشراكِ جَميعِ النَّاسِ فيها، وبِدُعائِهِم لَكم يُعَبِّرونَ عن شَوقِهم إِلَيكم لِما أَفاضَ اللهُ علَيكُم مِنَ النِّعَمِ الوافِرة. فالشُّكرُ للهِ على عطائِه الَّذي لا يُوصَف. أَنا بولُسَ أَناشِدُكُم بِوَداعَةِ المسيحِ وحِلْمِه، أَنا المُتَواضِعُ بَينَكم والجَريءُ علَيكُم عَن بُعْد، أَرْجو أَلاَّ تُلجِئُوني وأَنا عِندَكُم إِلى تِلكَ الجُرأَةِ الَّتي أَرى أَن أُعامِلَ بِها قَومًا يَظُنُّونَ أَنَّنا نَسيرُ سيرةً بَشَرِيَّة. أَجَل، إِنَّنا نَحْيا حَياةً بَشَرِيَّة، ولٰكِنَّنا لا نُجاهِدُ جِهادًا بَشَرِيًّا. فلَيسَ سِلاحُ جِهادِنا بَشَرِيًّا، ولٰكِنَّه قادِرٌ في عَينِ اللهِ على هَدْمِ الحُصون. ونَهدِمُ الاِستِدْلالاتِ وكُلَّ كِبرِياءٍ تَحولُ دُونَ مَعرِفَةِ الله، ونَأسِرُ كُلَّ ذِهْنٍ لِنَهدِيَه إِلى طاعَةِ المسيح. ونَحنُ مُستَعِدُّونَ أَن نُعاقِبَ كُلَّ مَعصِيَةٍ مَتى أَصبَحَت طاعَتُكُم كامِلَة. أُنظُروا إِلى حَقائِقِ الأُمور. مَنِ ٱعتَقَدَ أَنَّه لِلمسيح فلْيُفَكِّرْ في نَفْسِه أَنَّنا نَحنُ أَيضًا لِلمَسيح بِمِقدارِ ما هو لَه. وإِن بالَغتُ بَعضَ المُبالغَةِ في الاِفتِخارِ بِسُلطانِنا، هٰذا السُّلطانِ الَّذي أَولانا إِيَّاهُ الرَّبُّ لِبُنْيانِكم لا لِخَرابِكُم، فلا أَخجَل. ولا أُحِبُّ أَن يُظَنَّ أَنِّي أَبغي بِرَسائِلي التَّهْويلَ عَلَيكُم. ورُبَّ قائِلٍ يَقول: «إِنَّ الرَّسائِلَ شَديدةُ الوَقْعِ قَوِيَّةُ العِبارة، ولٰكِن إِذا حَضَرَ بِنَفْسِه، كانَ شَخْصًا هَزيلاً وكَلامُه سَخيفًا». فلْيَعلَمْ مِثْلُ هٰذا القائِلِ أَنَّ ما نَكونُ علَيه بِالكلامِ في الرَّسائِلِ ونَحنُ غائِبون نَكونُ علَيه أَيضًا بِالعَمَلِ ونَحنُ حاضِرون. لَيسَ لَنا مِنَ الجُرأَةِ أَن نُساوِيَ أَو نُشبِّهَ أَنفُسَنا بِقَومٍ يُوَصُّونَ بِأَنفُسِهم. فإِنَّهُم يَقيسونَ أَنْفُسَهُم بِقِياسِ أَنفُسِهم ويُشَبِّهونَ أَنفُسَهُم بِأَنفُسهِم فيَفقِدونَ رُشْدَهم. أَمَّا نَحنُ فَلَنْ نَفتَخِرَ ٱفتِخارًا يَتَجاوَزُ القِياس، بلِ ٱفتِخارًا يُوافِقُ القِياسَ الَّذي قَسَمَه اللهُ لَنا قاعِدَةً، وهي بُلوغُنا إِلَيكم. فنَحنُ لا نَتَجاوَزُ الحَدَّ في بَسْطِ أَنفُسِنا، كَما لو كُنَّا لم نَبلُغْ إِلَيكُم، فقَد بَلَغْنا إِلَيكُم حَقًّا ومعَنا بِشارةُ المسيح. ولا نَتَعدَّى القِياسَ في الاِفتِخارِ بِأَتعابِ غَيرِنا، بل نَرْجو، إِذا نما إِيمانُكم، أَن نَتَّسِعَ ٱتِّساعًا مُتَزايِدًا عِندَكم وَفْقًا لِقاعِدَتِنا فنَحمِلَ البِشارةَ إِلى أَبعَدَ مِنكُم، غَيرَ مُفتخِرينَ بما أَنجَزَه غَيرُنا في حُدودِه. «ومَنِ ٱفتَخَرَ فلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبّ»، فلَيسَ صاحِبُ الفَضيلَةِ المُجَرَّبَةِ مَن وَصَّى بنَفْسِه، بل مَن وَصَّى بِه الرَّبّ. لَيتَكُم تَحتَمِلونَ مِن قِبَلي قَليلاً مِنَ الغَباوة، بل تَحَمَّلوني، فإِنِّي أَغارُ علَيكُم غَيرَةَ اللهِ لأَنِّي خَطَبتُكُم لِزَوْجٍ واحِد، خِطبَةَ عَذْراءَ طاهِرَةٍ تُزَفُّ إِلى المسيح. ولٰكِنِّي أَخشَى علَيكُم أَن يَكونَ مَثَلُكُم مَثَلَ حَوَّاءَ الَّتي أَغوَتْها الحَيَّةُ بِحيلَتِها، فتَفسُدَ بَصائِرُكُم وتَتَحَوَّلَ عَن صَفائِها لَدى المَسيح. فإِذا جاءَكُم أَحَدٌ يُنادي بِيَسوعَ آخَرَ لم نُنادِ بِه، أَو قَبِلْتُم رُوحًا غَيرَ الَّذي نِلتُموه وبِشارةً غَيرَ الَّتي قَبِلتُموها، اِحتَمَلتُموه أَحسَنَ ٱحتِمال. وأَرى أَنِّي لَستُ أَقَلَّ شَأَنًا مِن أُولٰئِكَ الرُّسُلِ الأَكابِر. وإِنِّي، وإِن كُنتُ جاهِلاً في البَلاغة، فلَستُ جاهِلاً في المَعرِفَة، وفي كُلِّ شَيءٍ أَظهَرْنا لَكم ذٰلِكَ أَمامَ جَميعِ النَّاس. أَتُراني ٱرتَكَبتُ خَطيئَةً إِذ أَعلَنتُ لَكم مَجَّانًا بِشارةَ الله واضِعًا نَفْسي لِتُرفَعوا أَنتُم؟ سَلَبتُ كَنائِسَ أُخْرَى وأَخَذتُ مِنها النَّفَقَةَ لِخِدْمَتِكُم. ولَمَّا كُنتُ بَينَكُم ورَأَيتُ أَنَّ بي حاجَة، لم أُكلِّفْ أَحَدًا شيئًا، فإِنَّ الإِخوَةَ الَّذينَ أَتَوا مِن مَقْدونِيَة سَدُّوا حاجَتي. وقَد حَرِصتُ في كُلِّ شَيءٍ أَلاَّ أُثَقِّلَ علَيكُم وسأَحرِصُ أَيضًا. وَحَقِّ المسيحِ المُقيمِ فيَّ. إِنَّ هٰذِه المَفخَرة لَن تُحجَبَ عَنِّي في بِلادِ آخائِيَة. ولِماذا؟ أَلأَنِّي لا أُحِبُّكم؟ أَللهُ أَعلَم. وما أَفعَلُه سأفعلُه أَيضًا لِأقطَعَ السَّبيلَ على الَّذينَ يَلتَمِسونَ سَبيلاً لِيَكونوا في ما بِه يُفاخِرونَ على مِثالِنا في ما بِه نُفاخِر: لأَنَّ هٰؤُلاءِ القَومَ رُسُلٌ كَذَّابونَ وعَمَلَةٌ مُخادِعونَ يَتَزَيَّونَ بِزِيِّ رُسُلِ المسيح. ولا عَجَب فالشَّيطانُ نَفْسُه يَتَزَيَّا بِزِيِّ مَلاكِ النُّور، فلَيسَ بِغَريبٍ أَن يَتزَيَّا خَدَمُه بِزِيِّ خَدَمِ البِرّ. ولٰكِنَّ عاقِبَتَهُم تَكونُ على قَدْرِ أَعمالِهِم. وأَقولُ ثانِيَةً: لا يَعُدَّني أَحَدٌ غَبِيًّا، وإِلاَّ فَٱحسَبوني شِبْهَ غَبِيٍّ لأَستَطيعَ أَنا أَيضًا أَن أَفتَخِرَ قَليلاً. وما سَأَقولُه لا أَقولُه وَفْقًا لِروحِ الرَّبّ، ولٰكِنَّه قَوْلُ غَبِيّ، وأَنا على يَقينٍ بِأَنَّ لي ما أَفتَخِرُ بِه. فلَمَّا كانَ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ يُفاخِرونَ مُفاخَرَةً بَشَرِيَّة، فسَأُفاخِرُ أَنا أَيضًا. وبِحُسْنِ الرِّضا تَحتَمِلونَ الأَغبِياء، أَنتُمُ العُقَلاء. نَعَم، تَحتَمِلونَ أَن يَستَعبِدَكُمُ النَّاسُ ويَلتَهِموكم ويَسلِبوكم ويَتَعَجرَفوا علَيكم ويُسيئوا مُعامَلَتَكم عَلَنًا. أَقولُ هٰذا وأَنا خَجِل، كأَنَّنا أَظهَرنا الضُّعْف. فالَّذي يَجرُؤُونَ علَيه - وكَلامي كَلامُ غَبِيّ - أَجرُؤُ علَيه أَنا أَيضًا. هُم عِبرانِيُّون؟ وأَنا عِبرانِيّ، هُم إِسرائيليُّون؟ وأَنا إِسرائيلِيّ، هُم مِن نَسْلِ إِبراهيم؟ وأَنا أَيضًا، هُم خَدَمُ المسيح - أَقولُ قَولَ أَحمَق - وأَنا أَفوقُهُم: أَفوقُهُم في المَتاعِب، أَفوقُهُم في دُخولِ السُّجون، أَفوقُهُم كَثيرًا جِدًّا في تَحَمُّلِ الجَلْد، في التَّعرُّضِ لأَخطارِ المَوتِ مِرارًا. جَلَدَني اليَهودُ خَمسَ مَرَّاتٍ أَربَعينَ جَلْدَةً إِلاَّ واحِدة، ضُرِبتُ بِالعِصِيِّ ثَلاثَ مَرَّات، رُجِمتُ مَرَّةً واحِدة، اِنكَسَرَت بِيَ السَّفينَةُ ثَلاثَ مَرَّات، قَضَيتُ لَيلَةً ونَهارًا في عُرْضِ البَحْر. أَسفارٌ مُتَعَدِّدة، أَخْطارٌ مِنَ الأَنهار، أَخطارٌ مِنَ اللُّصوص، أَخطارٌ مِن بَني قَومي، أَخطارٌ مِنَ الوَثَنِيِّين، أَخطارٌ في المَدينة، أَخطارٌ في البَرِّيَّة، أَخطارٌ في البَحْر، أَخطارٌ مِنَ الإِخوَةِ الكَذَّابين، جَهْدٌ وكَدّ، سَهَرٌ كَثير، جُوعٌ وَعَطَش، صَومٌ كَثير، بَرْدٌ وعُرْيٌ، فَضلاً عن سائرِ الأُمورِ مِن هَمِّي اليَومِيِّ والاِهتِمامِ بِجَميعِ الكَنائِس. فمَن يَكونُ ضَعيفًا ولا أَكونُ ضَعيفًا؟ ومَن تَزِلُّ قَدَمُه ولا أَحتَرِقُ أَنا؟ إِن كانَ لا بُدَّ مِنَ الِٱفتِخار، فسأَفتَخِرُ بِحالاتِ ضُعفي. إِنَّ اللهَ أَبا الرَّبِّ يسوعَ - تَباركَ لِلأَبَد - عالِمٌ بِأَنِّي لا أَكذِب. كانَ عامِلُ المَلِكِ الحارِثِ في دِمَشْق يَأمُرُ بِحِراسةِ المَدينةِ لِلقَبْضِ علَيَّ، ولٰكِنِّي دُلِّيتُ في زِنْبيلٍ مِن كَوَّةٍ على السُّور فنَجَوتُ مِن يَدَيه. أَلا بُدَّ مِنَ الِٱفتِخار؟ - إِنَّه لا خَيرَ فيه - ولٰكِنِّي أَنتَقِلُ إِلى رُؤَى الرَّبِّ ومُكاشَفاتِه. أَعرِفُ رَجُلاً مُؤمِنًا بِالمسيحِ اختُطِفَ إِلى السَّماءِ الثَّالِثَةِ مُنذُ أَربَعَ عَشرَةَ سَنَة: أَبِجَسَدِه؟ لا أَعلَم، أَم مِن دونِ جَسَدِه؟ لا أَعلَم، أَللهُ أَعلَم. وإِنَّما أَعلَمُ أَنَّ هٰذا الرَّجُلَ: أَبِجَسَدِه؟ لا أَعلَم، أَمِن دونِ جَسَدِه؟ لا أَعلَم، أَللهُ أَعلَم، اِختُطِفَ إِلى الفِردَوس، وسَمِعَ كَلِماتٍ لا تُلْفَظُ ولا يَحِلُّ لإِنسانٍ أَن يَذكُرَها. أَمَّا ذاكَ الرَّجُل فسأَفتَخِرُ بِه، وأَمَّا أَنا فلَن أَفتَخِرَ إِلاَّ بِحالاتِ ضُعْفي. ولَو أَرَدتُ الِٱفتِخار لَما كُنتُ غَبِيًّا، لأَنِّي لا أَقولُ إِلاَّ الحَقَّ. ولٰكِنِّي أُعرِضُ عن ذٰلِكَ لِئَلاَّ يَظُنَّ أَحَدٌ أَنِّي فَوقَ ما يَراني علَيه أَو يَسمَعُه مِنِّي. ومَخافَةَ أَن أَتَكَبَّرَ بِسُمُوِّ المُكاشَفات، جُعِلَ لي شَوكَةٌ في جَسَدي: رَسولٌ لِلشَّيطانِ وُكِلَ إِلَيه بِأَن يَلطِمَني لِئَلاَّ أَتَكَبَّر. وسَأَلتُ الله ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَن يُبعِدَه عَنِّي، فقالَ لي: «حَسبُكَ نِعمَتي، فإِنَّ القُدرَةَ تَبلُغُ الكَمالَ في الضُّعف». فإِنِّي بِالأَحرى أَفتَخِرُ راضِيًا بِحالاتِ ضُعْفي لِتَحِلَّ بي قُدرَةُ المَسيح. ولِذٰلِك فإِنِّي راضٍ بِحالاتِ الضُّعفِ والإِهاناتِ والشَّدائِدِ والاِضطِهاداتِ والمَضايِقِ في سَبيلِ المسيح، لأَنِّي عِندَما أَكونُ ضَعيفًا أَكونُ قَوِيًّا. هاءَنَذا قد صِرتُ غَبِيًّا، وأَنتُم أَلجَأتُموني إِلى ذٰلك. فكانَ مِن حَقِّي علَيكُم أَن تُوَصُّوا بي لأَنِّي لم أَكُنْ أَقَلَّ شَأنًا مِن أُولٰئِكَ الرُّسُلِ الأَكابِر، وإِن لم أَكُنْ بِشَيء. إِنَّ العَلاماتِ المُمَيِّزَةَ لِلرَّسول قد تَحقَّقَت بَينَكُم بِصَبْرٍ تامٍّ وآياتٍ وأَعاجيبَ ومُعجِزات. ففي أَيِّ شَيءٍ كُنتُم دونَ سائِرِ الكَنائِسِ إِلاَّ لأَنِّي أَنا بِنَفْسي لم أُكَلِّفْكم شيئًا؟ فٱصفَحوا لي عن هٰذا الظُّلْم. هاءَنَذا مُتَأَهِّبٌ لِلقُدومِ إِلَيكُم مَرَّةً ثالِثَة، ولَن أُكَلِّفَكم شَيئًا، لأَنِّي لا أَطلُبُ ما لَكم، بل إِيَّاكُم أَطلُب. فلَيسَ على البَنينَ أَن يَدَّخِروا لِلوالِدِين، بل على الوالِدِينَ أَن يَدَّخِروا لِلبَنين. وإِنِّي بِحُسنِ الرِّضا أَبذُلُ المال، بل أَبذُلُ نَفْسي عن نُفوسِكُم. وإِذا كُنتُ أَزيدُكُم مِن حُبِّي، أَأَلْقى حُبًّا أَقَلَّ؟ ورُبَّ قائِلٍ يَقولُ إِنِّي لم أُثَقِّلْ عَلَيكُم. ولٰكِنِّي، وأَنا ذو مَكرٍ، قد أَخَذتُكُم بِحيلَة. أَتُراني غَنِمتُ مِنكُم عن يَدِ أَحدٍ مِنَ الَّذينَ أَرسَلتُهم إِلَيكُم؟ قد أَلْحَحتُ على طيطُسَ وأَرسَلتُ معَه الأَخ. أَفتُرى طيطُسَ قد غَنِمَ مِنكُم؟ أَلَم نَسِرْ بِالرُّوحِ نَفْسِه؟ أَلَم نَقتَفِ الآثارَ نَفْسَها؟ أَمُنذُ وَقتٍ طَويلٍ تَظُنُّونَ أَنَّنا نُدافِعُ عن أَنْفُسِنا عِندَكُم؟ إِنَّنا نَتَكَلَّمُ في المسيحِ عِندَ الله. وهٰذا كُلُّه أَيُّها الأَحِبَّاءُ لأَجْلِ بُنيانِكُم. فإِنِّي أَخافُ، إِذا أَتَيتُكُم، أَلاَّ أَجِدَكُم على ما أُحِبُّ وأَن تَجِدوني على ما لا تُحِبُّون. أَخافُ أَن يَكونَ بَينَكُم خِصامٌ وحَسَد وسُخْطٌ ومُنازعات ونَميمةٌ وثَرثَرة ووَقاحةٌ وبَلبَلَة. أَخافُ، إِذا أَتَيتُكُم مَرَّةً أُخرى، أَن يُذِلَّني إِلٰهي عِندَكم، فأَحزَنُ على كَثيرٍ مِنَ الَّذينَ خَطِئُوا فيما مَضى، ولَم يَتوبوا مِمَّا ٱرتَكَبوا مِنَ الدَّعارةِ والزِّنى والفُجور. هٰذه مَرَّةٌ ثالِثَة آتي إِلَيكُم، «وسيُحكَمُ في كُلِّ قَضِيَّةٍ بِكلامِ شاهِدَينِ أَو ثَلاثة». قُلتُ مِن قَبْلُ عِندَ حُضوري في المَرَّةِ الثَّانِية وأَقولُ اليَومَ وأَنا غائِب، لِلَّذينَ خَطِئُوا في ما مَضى ولِسِواهُم جَميعًا، ما قُلتُه لَهم: إِن عُدتُ إِلَيكُم فلَن أُشفِقَ على أَحَد، ما دُمتُم تُريدونَ بُرهانًا على أَنَّ المسيحَ يَتَكَلَّمُ بِلِساني. إِنَّه غَيرُ ضَعيفٍ في مُعامَلَتِكُم، بل قَوِيٌّ فِيكم. أَجَل، قد صُلِبَ بِضُعفِه، ولٰكِنَّه حَيٌّ بِقُدرَةِ الله. ونَحنُ أَيضًا ضُعَفاءُ فيه، ولٰكِنَّنا سنَكونُ أَحياءً معَه بِقُدرَةِ اللهِ فيكُم. حاسِبوا أَنفُسَكُم وٱنظُروا هَل أَنتُم على الإِيمان. إِختَبِروا أَنفُسَكم. أَلا تَعرِفونَ بِأَنفُسِكم أَنَّ المَسيحَ يَسوعَ فيكُم؟ إِلاَّ إِذا كُنتُم مِنَ المَرفوضين، وأَرْجو أَن تَعلَموا أَنَّنا لَسْنا مِنَ المَرفوضين. ونَسأَلُ اللهَ أَلاَّ تَفعَلوا شَرًّا. ولَيسَ مُرادُنا أَن نَظهَرَ مِنَ المَقْبولين، بل نُريدُ أَن تَفعَلوا فنكونَ مِنَ المَرفوضين، ولا قُوَّةَ لَنا على ما يُخالِفُ الحَقّ، بل قُوَّتُنا في سَبيلِ الحَقّ. فإِنَّنا نُسَرُّ عِندَما نَكونُ نحنُ ضُعَفاءَ وتَكونونَ أَنتُم أَقوِياء، وما نَسأَلُ في صَلَواتِنا هو إِصلاحُكم. فقد كَتَبتُ إِلَيكُم بِذٰلِكَ وأَنا غائِب، لِئَلاَّ أَستَعمِلَ الشِّدَّةَ وأَنا حاضِر، لِما أَولاني الرَّبُّ مِن سُلطانٍ لِلبُنيانِ لا لِلهَدْم. وبعدُ، أَيُّها الإِخوَة، فٱفرَحوا وٱنقادوا لِلإِصلاح والوَعْظ، وكونوا على رَأْيٍ واحِدٍ وعيشوا بِسَلام، وإِلٰهُ المَحبَّةِ والسَّلامِ يَكونُ معَكُم. لِيُسَلِّمْ بَعضُكُم على بَعضٍ بِقُبلَةٍ مُقدَّسة. يُسلِّمُ علَيكُم جَميعُ القِدِّيسين. ولْتَكُنْ نِعمةُ رَبِّنا يسوعَ المسيح ومَحبَّةُ اللهِ وشَرِكَةُ الرُّوحِ القُدُسِ معَكُم جَميعًا. مِن بولُس وهو رَسول، لا مِن قِبَلِ النَّاس ولا بِمَشيئَةِ إِنسان، بل بِمَشيئَةِ يسوعَ المسيح واللهِ الآبِ الَّذي أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، ومِن جَميعِ الإِخوَةِ الَّذينَ مَعي، إِلى كَنائِسِ غَلاطِية. علَيكُمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ أَبينا والرَّبِّ يسوعَ المسيحِ الَّذي جادَ بِنَفْسِه مِن أَجْلِ خَطايانا لِيُنقِذَنا مِن دُنْيا الشَّرِّ هٰذه عَمَلاً بِمَشيئَةِ إِلٰهِنا وأَبينا، لَه المَجدُ أَبَدَ الدُّهور. آمين. عَجِبتُ لِسُرعَةِ ٱرتِدادِكم هٰذا عنِ الَّذي دَعاكم بِنِعمَةِ المسيح إِلى بِشارَةٍ أُخْرى: وما هي بِشارةٌ أُخْرى، بل هُناكَ قَومٌ يُلقُونَ البَلبَلَةَ بَينَكم، وبُغيَتُهم أَن يُبَدِّلوا بِشارةَ المسيح. فلَو بَشَّرْناكم نَحنُ أَو بَشَّرَكم مَلاكٌ مِنَ السَّماءِ بِخِلافِ ما بَشَّرْناكم بِه، فلْيَكُنْ مَحْرومًا! قُلْنا لَكم قَبْلاً وأَقولُه اليَومَ أَيضًا: إِن بَشَّرَكم أَحدٌ بِخِلافِ ما تَلقَّيتُموه، فلْيَكُنْ مَحْرومًا! أَفتُراني الآنَ أَستَعطِفُ النَّاسَ أَمِ الله؟ هل أَتَوَخَّى رِضا النَّاس؟ لَو كُنتُ إِلى اليَومِ أَتَوَخَّى رِضا النَّاس، لَما كُنتُ عَبْدًا لِلمسيح. فأُعلِمُكم، أَيُّها الإِخوَة، بِأَنَّ البِشارَةَ الَّتي بَشَّرتُ بِها لَيسَت على سُنَّةِ البَشَر، لأَنِّي ما تَلقَّيتُها ولا أَخَذتُها عن إِنسان، بل بِوَحْيٍ مِن يسوعَ المسيح. فقَد سَمِعتُم بِسيرَتي الماضِيَةِ في مِلَّةِ اليَهود، إِذ كُنتُ أَضطَهِدُ كَنيسةَ اللهِ غايةَ الاِضْطِهاد وأُحاوِلُ تَدميرَها وأَتَقَدَّمُ في مِلَّةِ اليَهودِ كثيرًا مِن أَتْرابي مِن بَني قَومي فأَفوقُهم حَمِيَّةً على سُنَنِ آبائي. ولٰكِن لَمَّا حَسُنَ لدى اللهِ الَّذي أَفرَدَني، مُذ كُنتُ في بَطْنِ أُمِّي، ودَعاني بِنِعمَتِه، أَن يَكشِفَ لِيَ ٱبنَه لأُبَشِّرَ بِه بَينَ الوَثَنِيِّين، لم أَستَشِرِ اللَّحْمَ والدَّم ولا صَعِدتُ إِلى أُورَشَليم قاصِدًا مَن هم رُسُلٌ قَبْلي، بل ذَهَبتُ مِن ساعَتي إِلى دِيارِ العَرَب، ثُمَّ عُدتُ إِلى دِمَشْق. وبَعدَ ثَلاثِ سَنَوات صَعِدتُ إِلى أُورَشَليمَ لِلتَّعرُّفِ إِلى صَخْر، فأَقَمتُ عِندَه خَمْسَةَ عَشَرَ يَومًا، ولم أَرَ غَيرَه مِنَ الرُّسُلِ سِوى يَعقوبَ أَخي الرَّبّ. وما أَكتُبُه إِلَيكم فاللهُ شاهِدٌ على أَنِّي لا أَكذِبُ فيه. ثُمَّ أَتَيتُ بِلادَ سورِيَةَ وقيليقِيَة، ولَم أَكُنْ مَعروفَ الوَجهِ في كَنائِسِ المَسيحِ الَّتي في اليَهودِيَّة، بل سَمِعوا فقَط أَنِ «الَّذي كانَ يَضطَهِدُنا بِالأَمْسِ صارَ اليَومَ يُبشِّرُ بِالإِيمانِ الَّذي كان يُحاوِلُ بالأَمْسِ تَدْميرَه»، فأَخَذوا يُمَجِّدونَ اللهَ في أَمْري. ثُمَّ إِنِّي بَعدَ أَربَعَ عَشْرَةَ سَنة صَعِدتُ ثانِيَةً إِلى أُورَشَليمَ مع بَرنابا وٱستَصحَبتُ طيطُسَ أَيضًا، وكانَ صُعودي إِلَيها بِوَحْيٍ. وعَرَضتُ علَيهِمِ البِشارةَ الَّتي أُعلِنُها بَينَ الوَثَنِيِّين، وعَرَضتُها في ٱجتِماعٍ خاصٍّ على الأَعْيان، مَخافَةَ أَن أَسْعى أَو أَكونَ قد سَعَيتُ عَبَثًا. على أَنَّ رَفيقي طيطُسَ نَفْسَه، وهو يُونانِيّ، لم يُلزَمِ الخِتان، وإِلاَّ لَكانَ ذٰلك بِسَبَبِ الإِخوَةِ الكَذَّابينَ المُتَطَفِّلينَ الَّذينَ دَسُّوا أَنفُسَهم بَيننا لِيتجَسَّسوا حُرِّيَّتَنا الَّتي نَحنُ علَيها في المَسيحِ يسوع فيَستَعبِدونا، ولَم نُذعِنْ لَهم خاضِعينَ ولَو حِينًا لِتَبْقى لَكم حَقيقةُ البِشارة. أَمَّا الأَعْيان - ولا يَهُمُّني ما كانَ شَأنُهم: إِنَّ اللهَ لا يُحابي أَحدًا مِنَ النَّاس - فإِنَّ الأَعْيانَ لم يَفرِضوا عَليَّ شَيئًا آخَر، بل رأَوا أَنَّه عُهِدَ إِلَيَّ في تَبْشيرِ القُلْفِ كما عُهِدَ إِلى بُطرُسَ في تَبْشيرِ المَختونين، لأَنَّ الَّذي أَيَّدَ بُطرُسَ لِلرِّسالَةِ لَدى المَختونين أَيَّدَني أَنا أَيضًا في أَمرِ الوَثَنِيِّين. ولَمَّا عَرَف يَعْقوبُ وصَخْرُ ويُوحَنَّا، وهُم يُحسَبون أَعمِدَةَ الكَنيسة، ما وُهِبَ لي مِن نِعمَة، مَدُّوا إِلَيَّ وإِلى بَرنابا يُمنى المُشاركة، فنَذهَبُ نَحنُ إِلى الوَثَنِيِّين وهم إِلى المَخْتونين، بِشَرطٍ واحِدٍ وهو أَن نَتَذَكَّرَ الفُقَراء، وهٰذا ما ٱجتَهَدتُ أَن أَقومَ بِه. ولٰكِن، لَمَّا قَدِمَ صَخْرٌ إِلى أَنطاكِيَة، قاوَمتُه وَجْهًا لِوَجْهٍ لأَنَّه كان يَستَوجِبُ اللَّوم: ذٰلِكَ أَنَّه، قَبْلَ أَن يَقدَمَ قَومٌ مِن عِندِ يَعْقوب، كان يُؤاكِلُ الوَثَنِيِّين. فلَمَّا قَدِموا أَخَذَ يَتَوارى ويتَنحَّى خَوفًا مِن أَهْلِ الخِتان، فجاراه سائِرُ اليَهودِ في رِيائِه، حتَّى إِنَّ بَرنابا ٱنقادَ هو أَيضًا إِلى ريائِهِم. فلَمَّا رأَيتُ أَنَّهم لا يَسيرونَ سِيرةً قَويمة كما تَقْضي حَقيقةُ البِشارة، قُلتُ لِصَخْرٍ أَمامَ جَميعِ الإِخوَة: «إِذا كُنتَ أَنتَ اليَهودِيُّ تَعيشُ عيشَةَ الوَثَنِيِّينَ لا عيشةَ اليَهود، فكَيفَ تُلزِمُ الوَثَنِيِّينَ أَن يَسيروا سيرةَ اليَهود؟». نَحنُ يَهودٌ بِالوِلادَة ولَسْنا مِنَ الوَثَنِيِّينَ الخاطِئِين، ومع ذٰلِك فنَحنُ نَعلَمُ أَنَّ الإِنسانَ لا يُبَرَّرُ بِالعَمَلِ بِأَحْكامِ الشَّريعة، بل بِالإِيمانِ بِيَسوعَ المسيح. ونَحنُ أَيضًا آمَنَّا بِالمَسيحِ يسوع لِكَي نُبَرَّر بالإِيمانِ بِالمسيح، لا بِالعَمَلِ بِأَحْكامِ الشَّريعة، فإِنَّه لا يُبَرَّرُ أَحَدٌ مِنَ البَشَرِ بِالعَمَلِ بِأَحْكامِ الشَّريعة. فإِذا كُنَّا نَطلُبُ أَن نُبَرَّرَ في المَسيح، ووُجِدْنا نَحنُ أَيضًا خاطِئين، أَفيَكونُ المسيحُ خادِمًا لِلخَطيئَة؟ حاشَ لَه! فإِنِّي، إِذا عُدتُ إِلى بِناءِ ما هَدَمتُه، أَثبَتُّ على نَفْسي أَنِّي عاصٍ، لأَنِّي بِالشَّريعَةِ مُتُّ عَنِ الشَّريعةِ لأَحْيا للهٍ، وقد صُلِبتُ مع المسيح. فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذٰلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ. وإِذا كُنتُ أَحْيا الآنَ حَياةً بَشَرِيَّة، فإِنِّي أَحْياها في الإِيمانِ بِٱبنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أَجْلي. فلا أُبطِلُ نِعمَةَ الله. فإِذا كانَ البِرُّ يُنالُ بِالشَّريعة، فالمَسيحُ إِذًا قد ماتَ سُدًى. يا أَهْلَ غَلاطِيَة الأَغْبِياء، مَنِ الَّذي فَتَنَكُم، أَنتُمُ الَّذينَ عُرِضَت أَمامَ أَعيُنِهم صُورَةُ يَسوعَ المسيحِ المَصْلوب؟ أُريدُ أَن أَعلَم مِنكُم أَمرًا واحِدًا: أَمِنَ العَمَلِ بِأَحْكامِ الشَّريعةِ نِلتُمُ الرُّوح، أَم لأَنَّكم سَمِعتُم بِشارَةَ الإِيمان؟ أَبَلَغَت بِكُمُ الغَباوةُ إِلى هٰذا الحَدّ؟ أَفَيَنتَهي بِكُمُ الأَمرُ إِلى الجَسَد، بَعدَما ٱبتَدَأتُم بِالرُّوح؟ أَكانَ عَبَثًا كُلُّ ما ٱختَبَرتُم، إِذا صَحَّ أَنَّه كانَ عَبَثًا! أَتُرى أَنَّ الَّذي يَهَبُ لَكُمُ الرُّوح ويُجْري المُعجِزاتِ بَينَكم يَفعَلُ ذٰلِكَ لأَنَّكُم تَعمَلونَ بِأَحْكامِ الشَّريعة، أَم لأَنَّكم سَمِعتُم بِشارَةَ الإِيمان؟ هٰكذا «آمَنَ إِبراهيمُ بِالله، فحُسِبَ لَه ذٰلِكَ بِرًّا». فاعلَموا إِذًا أَنَّ أَبْناءَ إِبراهيمَ إِنَّما هم أَهْلُ الإِيمان. ورأَى الكِتابُ مِن قَبلُ أَنَّ اللهَ سيُبَرِّرُ الوَثَنِيِّينَ بِالإِيمان فبَشَّرَ إِبراهيمَ مِن قَبْلُ قالَ لَه: «تُبارَكُ فيكَ جَميعُ الأُمَم». لِذٰلِك فالمُبارَكونَ مع إِبراهيمَ المُؤمِنِ إِنَّما هم أَهْلُ الإِيمان. فإِنَّ أَهْلَ العَمَلِ بِأَحْكامِ الشَّريعةِ هم جَميعًا في حُكمِ اللَّعنَة، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «مَلْعونٌ مَن لا يُثابِرُ على العَمَلِ بِجَميعِ ما كُتِبَ في سِفْرِ الشَّريعة». أَمَّا أَنَّ الشَّريعَةَ لا تُبَرِّرُ أَحَدًا عِندَ الله فذاك أَمْرٌ واضِح، لأَنَّ «البارَّ بِالإِيمانِ يَحْيا»، على حِينِ أَنَّ الشَّريعةَ لَيسَت مِنَ الإِيمان، بل «مَن عَمِلَ بِهٰذِه الأَحكامِ يَحْيا بِها». إِنَّ المسيحَ ٱفتَدانا مِن لَعنَةِ الشَّريعة إِذ صارَ لَعنَةً لأَجْلِنا، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «مَلْعونٌ مَن عُلِّقَ على الخَشَبَة». ذٰلِك كَيما تَصيرَ بَرَكَةُ إِبراهيمَ إِلى الوَثَنِيِّينَ في المسيحِ يسوع فنَنالَ بِالإِيمانِ الرُّوحَ المَوعودَ بِه. أَيُّها الإِخوَة، إِنِّي أَتَكَلَّمُ بِحَسَبِ العُرفِ البَشَرِيّ: إِنَّ وَصِيَّةً صَحيحةً أَثبَتَها إِنسان لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يُبطِلَها أَو يَزيدَ علَيها. فمَواعِدُ اللهِ قد وُجِّهَت إِلى إِبراهيمَ «وإِلى نَسْلِه»، ولَم يَقُلْ: «وإِلى أَنْسالِه» كما لو كانَ الكلامُ على كثيرين، بل هُناكَ نَسلٌ واحد: «وإِلى نَسْلِكَ»، أَيِ المسيح. فأَقول: إِنَّ وَصِيَّةً أَثبَتَها اللهُ فيما مَضى لا تَنقُضُها شَريعةٌ جاءَت بَعدَ أَرْبَعِمائَةٍ وثَلاثينَ سَنَة فتُبطِلُ المَوعِد. فإِذا كانَ المِيراثُ يُحصَلُ علَيه بِالشَّريعة فإِنَّه لا يُحصَلُ علَيه بِالوَعْد. أَمَّا إِبراهيم فبِموجِبِ وَعْدٍ أَنعَمَ اللهُ علَيه. فما شأنُ الشَّريعةِ إِذًا؟ إِنَّها أُضيفَت بِداعي المَعاصي إلى أَن يَأتِيَ النَّسْلُ الَّذي جُعِلَ لَه المَوعِد. أَعلَنَها المَلائِكَةُ عن يَدِ وَسيط، ولا وَسيطَ لِواحِد، واللهُ واحِد. أَفتُخالِفُ الشَّريعةُ مَواعِدَ الله؟ حاشَ لَها! لأَنَّه لو أُعطِيَت شَريعةٌ بِوُسعِها أَن تُحيِي، لَصَحَّ أَنَّ البِرَّ يُحصَلُ علَيه بِالشَّريعة. ولٰكِنَّ الكِتابَ أَغلَقَ على كُلِّ شَيء وجَعَلَه في حُكْمِ الخَطيئَةِ لِيَتِمَّ الوَعْدُ لِلمُؤمِنينَ لإِيمانِهِم بِيَسوعَ المسيح. فقَبْلَ أَن يَأتِيَ الإِيمان، كُنَّا بِحِراسَةِ الشَّريعةِ مُغلَقًا علَينا مِن أَجلِ الإِيمانِ المُنتَظَرِ تَجَلِّيه. فصارَتِ الشَّريعَةُ لَنا حارِسًا يَقودُنا إِلى المَسيح لِنُبَرَّرَ بِالإِيمان. فلَمَّا جاءَ الإِيمان، لم نَبْقَ في حُكمِ الحارِس، لأَنَّكم جَميعًا أَبناءُ اللهِ بِالإِيمانِ بِالمسيحِ يسوع، فإِنَّكم جَميعًا، وقَدِ ٱعتَمَدتُم في المسيح، قد لَبِستُمُ المسيح: فلَيسَ هُناكَ يَهودِيٌّ ولا يونانِيّ، ولَيسَ هُناكَ عَبْدٌ أَو حُرّ، ولَيسَ هُناكَ ذَكَرٌ وأُنْثى، لأَنَّكم جَميعًا واحِدٌ في المسيحِ يسوع. فإِذا كُنتُم لِلمسيح فأَنتُم إِذًا نَسْلُ إِبراهيم وأَنتُمُ الوَرَثَةُ وَفقًا لِلوَعْد. فأَقولُ إِنَّ الوارِثَ، ما دامَ قاصِرًا، فلا فَرْقَ بَينَه وبَينَ العَبْد، مع أَنَّه صاحِبُ المالِ كُلِّه، لٰكِنَّه في حُكْمِ الأَوصِياءِ والوُكَلاءِ إِلى الأَجَلِ الَّذي حَدَّده أَبوه. وهٰكذا كانَ شَأنُنا: فحِينَ كُنَّا قاصِرين، كُنَّا في حُكْمِ أَرْكانِ العالَمِ عَبيدًا لَها. فلَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ٱبنَه مَولودًا لِٱمرَأَةٍ، مَولودًا في حُكْمِ الشَّريعة لِيَفتَدِيَ الَّذينَ هم في حُكْمِ الشَّريعة، فنَحْظى بِالتَّبَنِّي. والدَّليلُ على كَونِكُم أَبناء أَنَّ اللهَ أَرسَلَ رُوحَ ٱبنِه إِلى قُلوبِنا، الرُّوحَ الَّذي يُنادي: «يا أَبَتِ». فلَستَ بَعدُ عَبْدًا، بلِ ٱبنٌ، وإِذا كُنتَ ٱبنًا فأَنتَ وارِثٌ بِفَضْلِ الله. لَمَّا كُنتُم فيما مَضى لا تَعرِفونَ الله، كُنتُم عَبيدًا لِآلِهَةٍ لَيسَت بِآلِهَةٍ حَقًّا. أَمَّا الآن، وقَد عَرَفتُمُ الله، بل عَرَفَكُم الله، فكَيفَ تَعودونَ مَرَّةً أُخْرى إِلى تِلكَ الأَرْكانِ الضَّعيفةِ الحَقيرة وتُريدونَ أَن تَعودوا عَبيدًا لَها مَرَّةً أُخْرى؟ تُراعونَ الأَيَّامَ والشُّهورَ والفُصولَ والسِّنين. إِنِّي أَخْشى علَيكم أَن أَكونَ قد أَجهَدتُ نَفْسي عَبَثًا مِن أَجْلِكم. أُناشِدُكم، صيروا مِثْلي، فقد صِرتُ مِثْلَكم، أَيُّها الإِخوَة. لم تَظْلِموني شَيئًا. تَعلَمونَ أَنِّي لِمَرَضٍ في جِسْمي بَشَّرتُكم أَوَّل مَرَّة، وكُنتُ لَكم مِحنَةً بِجِسْمي، فلم تَزدَروني ولَم تَشمَئِزُّوا مِنِّي، بل قَبِلتُموني قَبولَكم لِمَلاكِ الله، قَبولَكم لِلمَسيحِ يسوع. فأَينَ ذاكُمُ الاِغتِباط؟ إِنِّي أَشهَدُ أَنَّكم، لو أَمكَنَ الأَمْر، لَكُنتُم تَقتَلِعونَ عُيونَكم وتُعطوني إِيَّاها. فهَل صِرتُ عَدُوًّا لَكم لأَنِّي قُلتُ لَكمُ الحَقّ؟ إِنَّهم يَتَوَدَّدونَ إِلَيكُم لِغايَةٍ غَيرِ حَسَنَة، لا بل يُريدونَ أَن يَفصِلوكم عَنَّا لِيَنالوا وُدَّكم. يَحسُنُ التَّوَدُّدُ إِلَيكم لِغايَةٍ حَسَنَةٍ في كُلِّ حين، لا عِندَ حُضوري بَينَكم فقَط. يا بَنِيَّ، أَنتُمُ الَّذينَ أَتَمَخَّضُ بِهم مَرَّةً أُخْرى حتَّى يُصَوَّرَ فيهِمِ المسيح، أَوَدُّ لو كُنتُ الآنَ عِندَكم فَأُغَيِّرَ لَهجَتي، لأَنِّي تَحَيَّرتُ في أَمرِكم. قولوا لي، أَنتُمُ الَّذينَ يُريدونَ أَن يَكونوا في حُكْمِ الشَّريعة: أَما تَسمَعونَ الشَّريعة؟ فقَد وَرَدَ في الكِتابِ أَنَّ إِبراهيمَ رُزِقَ ٱبنَين أَحَدُهُما مِنَ الأَمَة والآخَرُ مِنَ الحُرَّة: أَمَّا الَّذي مِنَ الأَمَة فقَد وُلِدَ بِحُكمِ الجَسَد، وأَمَّا الَّذي مِنَ الحُرَّة فقَد وُلِدَ بِفَضْلِ المَوعِد. وفي ذٰلِكَ رَمْز، لأَنَّ هاتَينِ المَرأَتَينِ هُما العَهْدان: أَحَدُهُما مِن طُورِ سِيناء يَلِدُ لِلعُبودِيَّة وهو هاجَر (لأَنَّ سِيناءَ جَبَلٌ في دِيارِ العَرَب) وهاجَرُ تُقابِلُ أُورَشَليمَ هٰذا الدَّهْر، فهي في العُبودِيَّةِ مع أَولادِها. أَمَّا أُورَشَليمُ العُلْيا فحُرَّةٌ وهي أُمُّنا، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «إِفرَحي أَيَّتُها العاقِرُ الَّتي لم تَلِد، اهتِفي وٱرفَعي الصَّوتَ أَيَّتُها الَّتي لم تَتَمَخَّض: إِنَّ أَولادَ المَهْجورَةِ أَكثَرُ عَدَدًا مِن أَولادِ ذاتِ البَعْل». فأَنتُم، أَيُّها الإِخوَة، أَولادُ المَوعِدِ على مِثالِ إِسْحٰق. وكَما كانَ المَولودُ بِحُكْمِ الجَسَدِ يَضطَهِدُ المَولودَ بِحُكْمِ الرُّوحِ في ذٰلِك الحين، فمِثْلُ هٰذا يَجْري اليَوم. ولٰكِن ماذا يَقولُ الكِتاب؟ يَقول: «أُطْرُدِ الأَمَةَ وٱبنَها، فإِنَّ ٱبنَ الأَمَةِ لن يَرِثَ مع ٱبنِ الحُرَّة». فلَسْنا نَحْنُ إِذًا، أَيُّها الإِخوَة، أَولادَ الأَمَة، بل أَولادُ الحُرَّة. إِنَّ المسيحَ قد حَرَّرَنا تَحْريرًا. فٱثبُتوا إِذًا ولا تَدَعوا أَحَدًا يَعودُ بِكُم إِلى نِيرِ العُبودِيَّة. فَهاءَنَذا بولُسُ أَقولُ لَكم: إِذا ٱختَتَنتُم، فلَن يُفيدَكُمُ المسيحُ شَيئًا. وأَشهَدُ مَرَّةً أُخْرى لِكُلِّ مُختَتِنٍ بِأَنَّه مُلزَمٌ أَن يَعمَلَ بِالشَّريعةِ جَمْعاء. لَقَدِ ٱنقَطَعتُم عنِ المسيح، أَنتُمُ الَّذينَ يَلتَمِسونَ البِرَّ مِنَ الشَّريعة، وسَقَطتُم عنِ النِّعمَة. فنَحنُ بِالرُّوحِ نَنتَظِرُ ما نَرجوهُ مِنَ البِرِّ الآتي مِنَ الإِيمان. ففي المسيحِ يسوعَ لا قِيمَةَ لِلخِتانِ ولا لِلقَلَف، وإِنَّما القِيمةُ لِلإِيمانِ العامِلِ بِالمَحَبَّة. ما أَحسَنَ ما كانَ جَريُكُم! فمَنِ الَّذي حالَ دونَ إِذْعانِكم لِلحَقّ؟ لَيسَ ما ٱقتَنَعتُم بِه مِنَ الَّذي يَدْعوكم. قَليلٌ مِنَ الخَميرِ يُخَمِّرُ العَجينَ كُلَّه. وإِنِّي لَواثِقٌ بِالرَّبِّ في شأنِكم أَنَّكم لن تَرَوا رأيًا آخَر. أَمَّا الَّذي يُلْقي البَلبَلَةَ بَينَكم فسيَتَحَمَّلُ عِقابَه، أَيًّا كان. وأَنا، أَيُّها الإِخوَة، إِذا كُنتُ إِلى اليَومِ أَدْعو إِلى الخِتان، فَلِمَ أُضطَهَدُ إِلى اليَوم؟ فَلَقَد زالَ العِثارُ الَّذي في الصَّليب! لَيتَ الَّذينَ يُثيرونَ الِٱضطِرابَ بَينَكم يَجُبُّونَ أَنْفُسَهم! إِنَّكم، أَيُّها الإِخوَة، قد دُعيتُم إِلى الحُرِّيَّة، بِشَرطٍ واحِدٍ وهو أَن لا تَجعَلوا هٰذِهِ الحُرِّيَّةَ فُرصَةً لِلجَسَد، بل بِفَضلِ المَحَبَّةِ ٱخدِموا بَعضُكم بَعضًا، لأَنَّ تَمامَ الشَّريعةِ كُلِّها في هٰذِهِ الكَلِمَةِ الواحِدة: «أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ». فإِذا كُنتُم تَنهَشونَ وتَأكُلونَ بَعضُكم بَعضًا، فٱحذَروا أَن يُفنِيَ بَعضُكم بَعضًا. وأَقول: أُسلُكوا سَبيلَ الرُّوح فَلا تَقْضوا شَهوَةَ الجَسَد، لأَنَّ الجَسَدَ يَشتَهي ما يُخالِفُ الرُّوح، والرُّوحَ يَشتَهي ما يُخالِفُ الجَسَد: كِلاهُما يُقاوِمُ الآخَرَ حتَّى إِنَّكم تَعمَلونَ ما لا تُريدون. ولٰكن إِذا كانَ الرُّوحُ يَقودُكم، فلَستُم في حُكْمِ الشَّريعة. وأَمَّا أَعمالُ الجَسَد فإِنَّها ظاهِرَة، وهي الزِّنى والدَّعارةُ والفُجور وعِبادةُ الأَوثانِ والسِّحرُ والعَداوات والخِصامُ والحَسَدُ والسُّخْطُ والمُنازَعاتُ والشِّقاقُ والتَّشيُّع والحَسَدُ والسُّكْرُ والقَصْفُ وما أَشبَه. وأُنَبِّهُكم، كما نَبَّهتُكم مِن قَبْلُ، على أَنَّ الَّذينَ يَعمَلونَ مِثلَ هٰذِه الأَعمال لا يَرِثونَ مَلَكوتَ الله. أَمَّا ثَمَرُ الرُّوح فهو المَحَبَّةُ والفَرَحُ والسَّلام والصَّبرُ واللُّطْفُ وكَرَمُ الأَخْلاق والإِيمانُ والوَداعةُ والعَفاف. وهٰذهِ الأَشياءُ ما مِن شَريعةٍ تَتَعرَّضُ لَها. إِنَّ الَّذينَ هم لِلمَسيحِ يَسوعَ قد صَلَبوا الجَسَدَ وما فيهِ مِن أَهْواءٍ وشَهَوات. فإِذا كُنَّا نَحْيا حَياةَ الرُّوح، فلْنَسِرْ أَيضًا سيرَةَ الرُّوح: لا نُعجَبْ بِأَنْفُسِنا ولا يَتحَدَّ ولا يَحْسُدْ بَعضُنا بَعضًا. أَيُّها الإِخوَة، إِن وَقَعَ أَحَدٌ في فَخِّ الخَطيئَة، فأَصلِحوه أَنتُمُ الرُّوحِيِّينَ بِروحِ الوَداعة. وحَذارِ أَنتَ مِن نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنتَ أَيضًا. لِيَحمِلْ بَعضُكم أَثْقالَ بَعض وأَتِمُّوا هٰكذا العَمَلَ بِشَريعةِ المسيح. فإِن ظَنَّ أَحَدٌ أَنَّه شَيءٌ، مع أَنَّه لَيسَ بِشَيء، فقَد خَدَعَ نَفْسَه. فلْيَنظُرْ كُلُّ واحِدٍ في عَمَلِه هو، فيَكونَ ٱفتِخارُه حينَئذٍ بما يَخُصُّه مِن أَعْمالِه فحَسْبُ، لا بِالنَّظَرِ إِلى أَعمالِ غَيرِه، فإِنَّ كُلَّ واحِدٍ يَحمِلُ حِمْلَه. فَلْيُشرِكْ مَن يتَعَلَّمُ كَلِمَةَ اللهِ مُعَلِّمَه في جَميعِ خَيراتِه. لا تَضِلُّوا فإِنَّ اللهَ لا يُسخَرُ مِنه، وإِنَّما يَحصُدُ الإِنسانُ ما يَزرَعُ. فمَن زَرَعَ لِجَسَدِه حَصَدَ مِنَ الجَسَدِ الفَساد، ومَن زَرَعَ لِلرُّوحِ حَصَدَ مِنَ الرُّوحِ الحَياةَ الأَبَدِيَّة. فَلْنَعْمَلِ الخَيرَ ولا نَمَلَّ، فنَحصُدَ في الأَوانِ إِن لم نَكِلّ. فما دامَت لَنا الفُرْصَةُ إِذًا، فَلْنَصنَعِ الخَيرَ إِلى جَميعِ النَّاس ولا سِيَّما إِلى إِخوَتِنا في الإِيمان. أُنظُروا ما أَكبَرَ الحُروفَ الَّتي أَخُطُّها لَكم بِيَدي. إِنَّ أُولٰئِكَ الَّذينَ يُريدونَ تَبْييضَ وُجوهِهم في الأُمورِ البَشَرِيَّة همُ الَّذينَ يُلزِمونَكمُ الخِتان، وما ذاكَ إِلاَّ لِيَأمَنوا الاِضْطِهادَ في سَبيلِ صَليبِ المسيح، فإِنَّ المُختَتِنينَ أَنفُسَهم لا يَحفَظونَ الشَّريعة، ولٰكِنَّهم يُريدونَ أَن تَختَتِنوا لِيُفاخِروا بِجَسَدِكم. أَمَّا أَنا فمَعاذَ اللهِ أَن أفتَخِرَ إِلاَّ بِصَليبِ رَبِّنا يسوعَ المسيح! وفيه أَصبَحَ العالَمُ مَصْلوبًا عِنْدي، وأَصبَحتُ أَنا مَصْلوبًا عِندَ العالَم. فما الخِتانُ بِشَيءٍ ولا القَلَفُ بِشَيء، بلِ الشَّيءُ هو الخَلْقُ الجَديد. والسَّلامُ والرَّحمَةُ على الَّذينَ يَسيرونَ على هٰذِهِ الطَّريقَة وعلى إِسْرائيلِ الله. فلا يُنغِّصَنَّ أَحَدٌ عَيْشي بَعدَ اليَوم، فإِنِّي أَحمِلُ في جَسَدي سِماتِ يسوع. فعَلى رُوحِكم، أَيُّها الإِخوَة، نِعمَةُ رَبِّنا يسوعَ المسيح. آمين. مِن بولُسَ رَسولِ المسيحِ يسوع بِمَشيئَةِ الله إِلى القِدِّيسينَ المُؤمِنينَ الَّذينَ في المسيحِ يسوع. عَلَيكُمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ أَبينا والرَّبِّ يسوعَ المسيح. تَبارَكَ اللهُ أَبو رَبِّنا يسوعَ المسيح. فقَد بارَكَنا كُلَّ بَرَكَةٍ روحِيَّةٍ في السَّمَواتِ في المَسيح، ذٰلِكَ بِأَنَّه ٱختارَنا فيه قَبلَ إِنشاءِ العالَم، لِنَكونَ في نَظَرِه قِدِّيسينَ بِلا عَيبٍ في المَحبَّة، وقَدَّرَ لَنا مُنذُ القِدَمِ أَن يَتَبنَّانا بِيَسوعَ المسيح، على ما ٱرتَضَته مَشيئَتُه، لِلتَّسْبيحِ بِمَجدِ نِعمَتِه الَّتي أَنعَمَ بِها علَينا في الحَبيب، فكانَ لَنا فيه الفِداءُ بِدَمِه، أَيِ الصَّفْحُ عنِ الزَّلاَّت، على مِقدارِ نِعمَتِه الوافِرةِ الَّتي أَفاضَها علَينا، بِكُلِّ ما فيها مِن حِكمَةٍ وبَصيرة، فأَطلَعَنا على سِرِّ مَشيئَتِه، أَي ذٰلِك التَّدبيرِ الَّذي ٱرتَضى أَن يُعِدَّه في نَفْسِه مُنذُ القِدَم، لِيَسيرَ بِالأَزمِنَةِ إِلى تَمامِها، فيَجمَعَ تَحتَ رأسٍ واحِدٍ، هو المسيحُ، كُلَّ شَيء: ما في السَّمواتِ وما في الأَرْض. وفيه أَيضًا جُعِلْنا وَرَثَة، وقد كُتِبَ لَنا، بِتَدْبيرِ ذاكَ الَّذي يَفعَلُ كُلَّ شَيءٍ كما تُريدُه مَشيئَتُه، أَن نَكونَ مَن سَبَقَ أَن جَعَلُوا رَجاءَهم في المسيح لِلتَّسْبيحِ بِمَجْدِه. وفيه أَنتُم أَيضًا سَمِعتُم كَلِمَةَ الحَقّ، أَي بِشارةَ خَلاصِكم، وفِيه آمنتم فخُتِمتُم بِالرُّوحِ المَوعود، الرُّوحِ القُدُس، وهو عُربونُ مِيراثِنا، إِلى أَن يَتِمَّ فِداءُ خاصَّتِه، لِلتَّسْبيحِ بِمَجدِه. لِذٰلِك، فإِنِّي أَنا أَيضًا، مُذ سَمِعتُ بِإِيمانِكم في الرَّبِّ يسوع وبِمَحبَّتِكم لِجَميعِ القِدِّيسين، لا أَكُفُّ عن شُكرِ اللهِ في أَمْرِكم، ذاكِرًا إِيَّاكُم في صَلَواتي لِكَي يَهَبَ لَكم إِلٰهُ رَبِّنا يسوعَ المسيح، أَبو المَجْد، رُوحَ حِكمَةٍ يَكشِفُ لَكم عَنه تَعالى لِتَعرِفوه حَقَّ المَعرِفَة، وأَن يُنيرَ بَصائِرَ قُلوبِكم لِتُدرِكوا ما هو الرَّجاءُ الَّذي تَنطَوي عليه دَعوَتُه وما هي سَعَةُ المَجدِ في ميراثِه بَينَ القِدِّيسين وما هي عَظَمَةُ قُوَّتِه الفائِقَةِ لِخَيرِنا نَحنُ المُؤمِنين، والمُوافِقَةِ لِعَمَلِ قُدرَتِه العَزيزة الَّذي عَمِلَه في المسيح، إِذ أَقامَه مِن بَينِ الأَمْوات وأَجلَسَه إِلى يَمينِه في السَّمَوات فَوقَ كُلِّ صاحِبِ رِئاسةٍ وسُلْطان وقُوَّةٍ وسِيادة وفَوقَ كُلِّ ٱسمٍ يُسَمَّى بِه مَخْلوق، لا في هٰذا الدَّهْر وَحدَه، بل في الدَّهْرِ الآتي أَيضًا، وجَعَلَ كُلَّ شَيءٍ تَحتَ قَدَمَيْه ووَهَبَه لَنا فَوقَ كُلِّ شَيءٍ رَأسًا لِلكنيسة، وهي جَسدُه ومِلْءُ ذاك الَّذي يَملأُه اللهُ تَمامًا. وأَنتُم، وقَد كَنتُم أَمواتًا بِزَلاَّتِكم وخَطاياكُمُ الَّتي كُنتُم تَسيرونَ فيها بِالأَمْس، مُتَّبِعينَ سيرَةَ هٰذا العالَم، سيرَةَ سَيِّدِ مَملَكَةِ الجَوّ، ذاك الرُّوحِ الَّذي يَعمَلُ الآنَ في أَبناءِ المَعصِيَة... وكُنَّا نَحنُ أَيضًا جَميعًا في جُملَةِ هٰؤُلاءِ نَحْيا بالأَمْسِ في شَهَواتِ جَسَدِنا مُلَبِّينَ رَغَباتِ الجَسَدِ ونَزَعاتِه. وكُنَّا بِطَبيعَتِنا أَبناءَ الغَضَبِ كَسائِرِ النَّاس، ولكِنَّ اللهَ الواسِعَ الرَّحمَة، لِحُبِّه الشَّديدِ الَّذي أَحَبَّنا بِه، مع أَنَّنا كُنَّا أَمواتًا بِزَلاَّتِنا، أَحْيانا مع المسيح (بِالنِّعمةِ نِلتُمُ الخَلاص) وأَقامَنا معه وأَجلَسَنا معه في السَّمَواتِ في المسيحِ يسوع. فقد أَرادَ أَن يُظهِرَ لِلأَجْيالِ الآتِيَة نِعمَتَه الفائِقةَ السَّعة بِلُطفِه لَنا في المسيحِ يسوع، فبِالنِّعمَةِ نِلتُمُ الخَلاصَ بِفَضلِ الإِيمان. فلَيسَ ذٰلِك مِنكُم، بل هو هِبَةٌ مِنَ الله، ولَيسَ مِنَ الأَعمالِ لِئَلاَّ يَفتَخِرَ أَحَد. لأَنَّنا مِن صَنْعِ الله خُلِقْنا في المسيحِ يسوعَ لِلأَعمالِ الصَّالِحَةِ الَّتي أَعَدَّها اللهُ بِسابِقِ إِعدادِه لِنُمارِسَها. فاذكُروا أَنَّكم بِالأَمس، أَنتُمُ الوَثَنِيِّينَ بِالجَسَد، أَنتُمُ الَّذينَ كانَ أَهْلُ الخِتانِ يُسَمُّونَهم أَهلَ القَلَف، لأَنَّ جَسَدهم خُتِنَ بِفِعلِ الأَيدي، اُذكُروا أَنَّكم كُنتُم حِينَئِذٍ مِن دُونِ المسيح مَفْصولينَ مِن رَعِيَّةِ إِسرائيل، غُرَباءَ عن عُهودِ المَوعِد، لَيسَ لَكم رَجاءٌ ولا إِلهٌ في هٰذا العالَم. أَمَّا الآن ففي المسيحِ يَسوع، أَنتُمُ الَّذينَ كانوا بالأَمْسِ أَباعِدَ، قد جُعِلتُم أَقارِبَ بِدَمِ المسيح. فإِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة وهَدَمَ في جَسَدِه الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهما، أَيِ العَداوة، وأَلغى شَريعَةَ الوَصايا وما فيها مِن أَحكام لِيَخلُقَ في شَخْصِه مِن هاتَينِ الجَماعَتَين، بَعدَما أَحَلَّ السَّلامَ بَينَهما، إِنسانًا جَديدًا واحِدًا ويُصلِحَ بَينَها وبَينَ الله فجَعَلَهما جَسَدًا واحِدًا بِالصَّليب وبِه قَضى على العَداوة. جاءَ وبَشَّرَكم بِالسَّلام أَنتُمُ الَّذينَ كُنتُم أَباعِد، وبَشَّرَ بِالسَّلامِ الَّذينَ كانوا أَقارِب، لأَنَّ لَنا بِه جَميعًا سَبيلاً إِلى الآبِ في رُوحٍ واحِد. فلَستُم إِذًا بَعدَ اليَومِ غُرَباءَ أَو نُزَلاء، بل أَنتُم مِن أَبناءِ وَطَنِ القِدِّيسين ومِن أَهْلِ بَيتِ الله، بُنيتُم على أَساسِ الرُّسُلِ والأَنبِياء، وحَجَرُ الزَّاوِيَةِ هو المسيحُ يسوعُ نَفْسُه. فيه يُحكَمُ البِناءُ كُلُّه ويَرتَفِعُ لِيَكونَ هَيكلاً مُقَدَّسًا في الرَّبّ، وبِه أَنتُم أَيضًا تُبنَونَ معًا لِتَصيروا مَسكِنًا للهِ في الرُّوح. لِذٰلِكَ أَنا بولُس سَجينَ المَسيحِ يسوعَ في سَبيلِكم أَنتُمُ الوَثَنِيِّين ... إِذا كُنتُم قد سَمِعتُم بِالنِّعمةِ الَّتي وُهِبَت لي بِتَدْبيرٍ إِلٰهِيٍّ مِن أَجْلِكم وكَيْفَ أُطلِعتُ عَلى السِّرِّ بِوَحْيٍ كَما كَتَبتُه إِلَيكم بإِيجازٍ مِن قَبْلُ. فَتَستَطيعونَ، إِذا ما قَرَأتُم ذٰلك، أَن تُدرِكوا تَفَهُّمي سِرَّ المسيح، هٰذا السِّرَّ الَّذي لم يُطْلَعْ علَيه بَنو البَشَرِ في القُرونِ الماضِية وكُشِفَ الآنَ في الرُّوحِ إِلى رُسُلِه وأَنبِيائِه القِدِّيسين، وهو أَنَّ الوَثَنِيِّينَ هم شُرَكاءُ في المِيراثِ والجَسَدِ والوَعْد في المسيحِ يسوع، ويَعودُ ذٰلِك إِلى البشارةِ الَّتي صِرتُ لَها خادِمًا بِنِعمَةِ اللهِ الَّتي وَهَبَتها لي عِزَّتُه القَديرة. أَنا أَصغَرَ صِغارِ القِدِّيسينَ جَميعًا وُهِبَت لي هٰذه النِّعمة وهي أَن أُبَشِّرَ الوَثَنِيِّينَ بِما في المسيحِ مِن غِنًى لا يُسبَرُ غَورُه وَأُبَيِّنَ كَيفَ حُقِّقَ ذٰلِك السِّرُّ الَّذي ظَلَّ مَكتومًا طَوالَ الدُّهورِ في اللهِ خالِقِ جَميعِ الأَشياء، فٱطَّلَعَ أَصحابُ الرِّئاسةِ والسُّلْطانِ في السَّمَوات، عن يَدِ الكَنيسَة، على حِكمَةِ اللهِ الكَثيرَةِ الوُجوه، وَفقًا لِتَدْبيرِه الأَزَلِيّ، ذٰلكَ الَّذي حَقَّقَه بِالمسيحِ يسوعَ رَبِّنا. وبِه نَجرُؤُ، إِذا آمنَّا بِه، على التَّقَرُّبِ إِلى اللهِ مُطمَئِنِّين. فأَسأَلُكم أَلاَّ تَفتُرَ هِمَّتُكم مِنَ المِحَنِ الَّتي أُعانيها مِن أَجلِكُم، فإِنَّها مَجْدٌ لَكم. لِهٰذا أَجْثو على رُكبَتَيَّ لِلآب، فمِنه تَستَمِدُّ كُلُّ أُسرَةٍ ٱسمَها في السَّماءِ والأَرْض، وأَسأَلُه أَن يَهَبَ لَكم، على مِقدارِ سَعَةِ مَجْدِه، أَن تَشتَدُّوا بِروحِه، لِيَقْوى فيكُمُ الإِنسانُ الباطِن، وأَن يُقيمَ المسيحُ في قُلوبِكم بِالإِيمان، حتَّى إِذا ما تَأَصَّلْتُم في المَحبَّة وأُسِّستُم علَيها، أَمكَنَكم أَن تُدرِكوا مع جَميعِ القِدِّيسين ما هو العَرْضُ والطُّول والعُلُوُّ والعُمق، وتَعرِفوا مَحبَّةَ المسيحِ الَّتي تَفوقُ كُلَّ مَعرِفة، فتَمتَلِئوا بِكُلِّ ما في اللهِ مِن كَمال. ذاكَ الَّذي يَستَطيعُ، بِقُوَّتِه العامِلَةِ فينا، أَن يَبلُغَ ما يَفوقُ كثيرًا كُلَّ ما نَسأَلُه أَو نَتَصَوَّرُه، لَه المَجْدُ في الكَنيسةِ وفي المسيحِ يسوع على مَدى جَميعِ الأَجْيالِ والدُّهور. آمين. فأُناشِدُكم إِذًا، أَنا السَّجينَ في الرَّبّ، أَن تَسيروا سيرةً تَليقُ بِالدَّعوَةِ الَّتي دُعيتُم إِلَيها، سيرةً مِلؤُها التَّواضُعُ والوَداعَةُ والصَّبْر، مُحتَمِلينَ بَعضُكُم بَعضًا في المَحبَّة ومُجتَهِدينَ في المُحافَظةِ على وَحدَةِ الرُّوحِ بِرِباطِ السَّلام. فهُناكَ جَسَدٌ واحِدٌ ورُوحٌ واحِد، كما أَنَّكم دُعيتُم دَعوَةً رَجاؤُها واحِد. وهُناكَ رَبٌّ واحِدٌ وإِيمانٌ واحِدٌ ومَعْمودِيَّةٌ واحِدة، وإِلٰهٌ واحِدٌ أَبٌ لِجَميعِ الخَلْقِ وفوقَهم جَميعًا، يَعمَلُ بِهم جَميعًا وهو فيهِم جَميعًا. كُلُّ واحِدٍ مِنَّا أُعطِيَ نَصيبَه مِنَ النِّعمَةِ على مِقْدارِ هِبَةِ المسيح. فقَد وَرَدَ في الكِتاب: «صَعِدَ إِلى العُلى فأَخَذَ أَسْرى، وأَعْطى النَّاسَ العَطايا». وما المُرادُ بِقَولِه «صَعِدَ» سِوى أَنَّه نَزَلَ أَيضًا إِلى أَسافِلِ الأَرْض؟ فذاك الَّذي نَزَلَ هو نَفْسُه الَّذي صَعِدَ إِلى ما فَوقَ السَّمَواتِ كُلِّها لِيَملَأَ كُلَّ شَيء، وهو الَّذي أَعْطى بَعضَهم أَن يَكونوا رُسُلاً وبَعضَهم أَنبِياء وبَعضَهم مُبَشِّرين وبَعضَهم رُعاةً ومُعَلِّمين، لِيَجعَلَ القِدِّيسينَ أَهْلاً لِلقِيامِ بِالخِدمَةِ لِبِناءِ جَسَدِ المسيح، فنَصِلَ بِأَجمَعِنا إِلى وَحدَةِ الإِيمانِ بِٱبنِ اللهِ ومَعرِفَتِه ونَصيرَ الإِنسانَ الرَّاشِد ونَبلُغَ القامةَ الَّتي تُوافِقُ كَمالَ المسيح. فإِذا تَمَّ ذٰلِكَ لم نَبْقَ أَطْفالاً تَتقاذَفُهم أَمْواجُ المَذاهِب ويَعبَثُ بِهِم كُلُّ رِيح فيَخدَعُهُمُ النَّاسُ ويَحتالونَ علَيهم بِمَكرِهِم لِيُضِلُّوهم. وإِذا عَمِلْنا لِلحَقِّ بِالمَحبَّة نَمَونا وتَقَدَّمْنا في جَميعِ الوُجوه نَحوَ ذاك الَّذي هو الرَّأس، نَحوَ المسيح: فإِنَّ بِه إِحكامَ الجَسَدِ كُلِّه والتِحامَه، والفَضْلُ لِجَميعِ الأَوصالِ الَّتي تَقومُ بِحاجَتِه، لِيُتابِعَ نُمُوَّه بِالعَمَلِ المُلائِمِ لِكُلٍّ مِنَ الأَجْزاء ويَبْنِيَ نَفسَه بِالمَحبَّة. فأَقولُ لَكم وأَستَحلِفُكم بِالرَّبِّ أَلاَّ تَسيروا بَعدَ اليَومِ سيرةَ الوَثَنِيِّين، فإِنَّهم يَتبَعونَ أَفكارَهُمُ الباطِلة، وقد أَظلَمَت بَصائِرُهم، وجَعَلَهُم جَهلُهم غُرَباءَ عن حَياةِ اللهِ لِقَساوَةِ قُلوبِهِم. فلَمَّا فَقَدوا كُلَّ حِسّ اِستَسلَموا إِلى الفُجور فانغَمَسوا في كُلِّ فاحِشَةٍ مُستَهتِرين. أَمَّا أَنتُم فما هٰكذا تَعَلَّمتُمُ المسيح، إِذا كُنتُم أُخبِرتُم بِه وفيه تَلقَّيتُم تَعْليمًا مُوافِقًا لِلحَقيقَةِ الَّتي في يسوع، أَي أَن تُقلِعوا عن سيرَتِكُمُ الأُولى فتَخلَعوا الإِنسانَ القَديمَ الَّذي تُفسِدُه الشَّهَواتُ الخادِعة، وأَن تَتَجَدَّدوا بِتَجَدُّدِ أَذهانِكمُ الرُّوحِيّ فَتَلبَسوا الإِنسانَ الجَديدَ الَّذي خُلِقَ على صُورَةِ اللهِ في البِرِّ وقَداسةِ الحَقّ. ولِذٰلِك كُفُّوا عنِ الكَذِب «ولْيَصدُقْ كُلٌّ مِنكُم قَريبَه»، فإِنَّنا أَعضاءٌ بَعضُنا لِبَعْض. «إِغضَبوا، ولٰكن لا تَخطَأُوا»، لا تَغرُبَنَّ الشَّمْسُ على غَيظِكم. لا تَجعَلوا لإِبليسَ سَبيلاً. مَن كانَ يَسرِقُ فلْيَكُفَّ عنِ السَّرِقَة، بلِ الأَولى بِه أَن يَكُدَّ ويَعمَلَ بِيَدَيه بِنَزاهة لِكَي يَحصُلَ على ما يَقسِمُه بَينَه وبَينَ المُحْتاج. لا تَخرُجَنَّ مِن أَفْواهِكم أَيَّةُ كَلِمَةٍ خَبيثَة، بل كُلُّ كَلِمةٍ طَيِّبَةٍ تُفيدُ البُنْيانَ عِندَ الحاجة وتَهَبُ نِعمَةً لِلسَّامِعين. ولا تُحزِنوا رُوحَ اللهِ القُدُّوسَ الَّذي به خُتِمتُم لِيَومِ الفِداء. أَزيلوا مِن بَينِكم كُلَّ شَراسةٍ وسُخْطٍ وغَضَبٍ وصَخَبٍ وشَتيمة وكُلَّ ما كانَ سُوءًا. لِيَكُنْ بَعضُكم لِبَعضٍ مُلاطِفًا مُشفِقًا، ولْيَصفَحْ بَعضُكم عن بَعضٍ كما صَفَحَ اللهُ عنكم في المسيح. إِقتَدوا إِذًا بِاللهِ شَأنَ أَبْناءٍ أَحِبَّاء، وسِيروا في المَحَبَّةِ سيرةَ المسيحِ الَّذي أَحبَّنا وجادَ بِنَفسِه لأَجْلِنا «قُربانًا وذَبيحةً للهِ طَيّبَةَ الرَّائِحة». أَمَّا الزِّنى والفَحْشاءُ على أَنواعِهما أَوِ الجَشَع، فتَجنَّبوا حتَّى ذِكْرَ أَسْمائِها بَينَكم، كما يَحسُنُ بِالقِدِّيسين. لا بَذاءَةَ ولا سَخافةَ ولا مُجُون، فذٰلِك مُنكَر، بل شُكرٌ بِالأَولى. فٱعلَموا أَنَّه لَيسَ لِلزَّاني ولا لِمُرتَكِبِ الفَحْشاءِ ولا لِلجَشِعِ (الَّذي هو عابِدُ أَوثان) مِيراثٌ في مَلَكوتِ المسيحِ والله. لا يَخدَعَنَّكم أَحَدٌ بِباطِلِ الأَقْوال، فبِسَبَبِ ذٰلك يَحِلُّ غَضَبُ اللهِ على أَبناءِ المَعصِيَة، فلا تَكونوا لَهم شُركاء. بالأَمْسِ كُنتُم ظَلامًا، أَمَّا اليَومَ فأَنتُم نُورٌ في الرَّبّ. فسِيروا سيرةَ أَبناءِ النُّور، فإِنَّ ثَمَرَ النُّورِ يَكونُ في كُلِّ صَلاحٍ وبِرٍّ وحَقّ. تَبيَّنوا ما يُرْضي الرَّبّ ولا تُشارِكوا في أَعْمالِ الظَّلامِ العَقيمة، بلِ الأَولى أَن تُشَهِّروها: إِنَّ الأَعْمالَ الَّتي يَعمَلونَها في الخُفْيَة يُستَحْيا حتَّى مِن ذِكرِها. ولٰكِن كُلُّ ما شُهِّرَ أَظهَرَه النُّور، لأَنَّ كُلَّ ما ظَهَرَ كانَ نُورًا. ولِذٰلِك قيل: «تَنَبَّهْ أَيُّها النَّائِم، وقُم مِن بَينِ الأَمْوات، يُضِئْ لَك المسيح». تَبصَّروا إِذًا تَبَصُّرًا حَسَنًا في سيرتِكم فلا تسيروا سيرةَ الجُهَلاء، بل سيرةَ العُقَلاء، مُنتَهِزينَ الوَقتَ الحاضِر، لأَنَّ هٰذِه الأَيَّامَ سَيِّئَة. فإِيَّاكم أَن تَكونوا مِنَ الأَغبِياء، بلِ ٱفهَموا ما هي مَشيئَةُ الرَّبّ. لا تَشرَبوا الخَمرَ لِتَسكَروا، فإِنَّها تَدعو إِلى الفُجور، بل دَعوا الرُّوحَ يَمْلَأُكُم، وٱتْلوا مَعًا مَزاميرَ وتَسابِيحَ وأَناشيدَ رُوحِيَّة. رَتِّلوا وسَبِّحوا لِلرَّبِّ في قُلوبِكم وٱشكُروا اللهَ الآبَ كُلَّ حينٍ على كُلِّ شَيءٍ بِٱسمِ رَبِّنا يسوعَ المسيح. لِيَخضَعْ بَعضُكم لِبَعضٍ بِتَقوى المسيح. أَيَّتُها النِّساء، اِخضَعْنَ لأَزْواجِكُنَّ خُضُوعَكُنَّ لِلرَّبّ، لأَنَّ الرَّجُلَ رَأسُ المَرأَة كما أَنَّ المسيحَ رَأسُ الكَنيسةِ الَّتي هي جَسَدُه وهو مُخَلِّصُها. وكما تَخضَعُ الكنيسةُ لِلمسيح فلْتَخْضَعِ النِّساءُ لأَزواجِهِنَّ في كُلِّ شَيء. أَيُّها الرِّجال، أَحِبُّوا نِساءَكم كما أَحَبَّ المسيحُ الكَنيسة وجادَ بِنَفسِه مِن أَجْلِها لِيُقدِّسَها مُطهِّرًا إِيَّاها بِغُسلِ الماءِ وكَلِمَةٍ تَصحَبُه، فيَزُفَّها إِلى نَفْسِه كَنيسةً سَنِيَّة لا دَنَسَ فيها ولا تَغَضُّنَ ولا ما أَشْبَه ذٰلِك، بل مُقدَّسةٌ بِلا عَيب. وكذٰلِك يَجِبُ على الرِّجالِ أَن يُحِبُّوا نِساءَهم حُبَّهم لأَجسادِهِم. مَن أَحَبَّ ٱمرَأَتَه أَحَبَّ نَفْسَه. فما أَبغَضَ أَحَدٌ جَسَدَه قَطّ، بل يُغَذِّيه ويُعْنى بِه شَأنَ المسيحِ بِالكَنيسة. فنَحنُ أَعْضاءُ جَسَدِه. «ولِذٰلِك يَترُكُ الرَّجُلُ أَباه وأُمَّه ويَلزَمُ ٱمرَأَتَه فيَصيرُ الاِثْنانِ جَسَدًا واحِدًا». إِنَّ هٰذا السِّرَّ لَعَظيم، وإِنِّي أَقولُ هٰذا في أَمرِ المسيحِ والكَنيسة. فكذٰلك أَنتُم أَيضًا فلْيُحِبَّ كُلٌّ مِنْكُمُ ٱمرَأَتَه حُبَّه لِنَفْسِه، ولْتُوَقِّرِ المَرأَةُ زَوجَها. أَيُّها الأَبناء، أَطيعوا والِديكم في الرَّبّ، فذٰلِك عَدْلٌ. «أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّك»، تِلكَ أُولى وَصِيَّةٍ يَرتَبِطُ بِها وَعْدٌ وهو: «لِتَنالَ السَّعادة ويَطولَ عُمرُكَ في الأَرْض». وأَنتُم أَيُّها الآباء، لا تُغيظوا أَبناءَكم، بل رَبُّوهم بِتَأديبِ الرَّبِّ ونُصْحِه. أَيُّها العَبيد، أَطيعوا سادَتَكم في هٰذِه الدُّنْيا بِخَوفٍ ورِعدَةٍ وقَلْبٍ صافٍ كما تُطيعونَ المسيح، لا طاعةَ عَبيدِ العين، كَمَن يَبتَغي رِضا النَّاس، بل طاعةَ عَبيدٍ لِلمَسيح تَطيبُ نُفوسُهم أَن يَعمَلوا بِمَشيئَةِ الله. وٱخدُموا بِنَفْسٍ طَيِّبة، خِدمَتَكُم لِلرَّبِّ لا لِلنَّاس، فإِنَّكم تَعلَمونَ أَنَّ كُلَّ إِنسان، إِذا عَمِلَ صالِحًا، نالَ جَزاءَه عِندَ الله، أَعَبْدًا كانَ أَم حُرًّا. وأَنتُم، أَيُّها السَّادة، عامِلوهُمُ المُعامَلَة نَفْسَها وتَجنَّبوا التَّهْديد، فإِنَّكم تَعلَمونَ أَنَّ سَيِّدَهم وسيِّدَكُم هو في السَّمَوات وأَنَّه لا يُحابي أَحَدًا. وبَعدُ فتَقوَّوا في الرَّبِّ وفي قُدرَتِه العَزيزَة. تَسَلَّحوا بِسِلاحِ الله لِتَستَطيعوا مُقاوَمَةَ مَكايِدِ إِبليس، فلَيسَ صِراعُنا مع اللَّحمِ والدَّم، بل مع أَصحابِ الرِّئاسةِ والسُّلْطانِ ووُلاةِ هٰذا العالَم، عالَمِ الظُّلُمات، والأَرواحِ الخَبيثةِ في السَّمَوات. فخُذوا سِلاحَ الله لِتَستَطيعوا أَن تُقاوِموا في يَومِ الشَّرّ وتَظَلُّوا قائِمينَ وقَد تَغَلَّبتُم على كُلِّ شَيء. فٱنهَضوا إِذًا «وشُدُّوا أَوساطَكم بِالحَقّ وٱلبَسوا دِرْعَ البِرّ وشُدُّوا أَقْدامَكم بِالنَّشاطِ لإِعلانِ بِشارةِ السَّلام»، وٱحمِلوا تُرْسَ الإِيمانِ في كُلِّ حال، فبِه تَستَطيعونَ أَن تُخمِدوا جَميعَ سِهامِ الشِّرِّيرِ المُشتَعِلَة. واتَّخِذوا لَكم خُوذَةَ الخَلاص وسَيفَ الرُّوح، أَي كَلِمَةَ الله. أَقيموا كُلَّ حينٍ أَنواعَ الصَّلاةِ والدُّعاءِ في الرُّوح، ولِذٰلِكَ تَنبَّهوا وأَحيُوا اللَّيلَ مُواظِبينَ على الدُّعاءِ لِجَميعِ القِدِّيسين ولِي أَيضًا لِيوهَبَ لي أَن أَتَكَلَّمَ وأُبَلِّغَ بِجُرْأَةٍ سِرَّ البِشارة، وفي سَبيلِها أَنا سَفيرٌ مُقَيَّدٌ بِالسَّلاسِل. عَسى أَن أَجرُؤَ على التَّبْشيرِ بِه كما يَجِبُ أَن أَتَكَلَّم. وأُريدُ أَن تَعرِفوا أَنتُم أَيضًا أَحوالي وأَعمالي. فسَيُخبِرُكم عن ذٰلِك كُلِّه طيخيقُسُ الأَخُ الحَبيب والخادِمُ الأَمينُ في الرَّبّ، فقَد بَعَثتُه إِلَيكم خُصوصًا لِيُطلِعَكم على أَحوالي ويُشَدِّدَ قُلوبَكم. السَّلامُ على الإِخوَة والمَحبَّةُ مع الإِيمانِ مِن لَدُنِ اللهِ الآب والرَّبِّ يسوعَ المسيح. لِتَكُنِ النِّعمَةُ على جَميعِ الَّذينَ يُحِبُّونَ رَبَّنا يسوعَ المسيحَ حُبًّا لا يَزول! مِن بولُسَ وطيموتاوُسَ عَبْدَيِ المسيحِ يسوع إِلى جَميعِ القِدِّيسينَ في المسيحِ يسوع، الَّذينَ في فيلِبّي، مع أَساقِفَتِهِم وشَمامِسَتِهم. عَليكُمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ أَبينا والرَّبِّ يسوعَ المسيح. أَشكُرُ إِلٰهي كُلَّما ذَكَرتُكم، ففي كُلِّ صَلاةٍ أَرفَعُ الدُّعاءَ دائمًا بِفَرَحٍ مِن أَجلِكم جَميعًا، أَشكُرُه على مُشارَكَتِكم لي في البِشارة مُنذُ أَوَّلِ يَومٍ إِلى الآن. وإِنِّي على يَقينٍ مِن أَنَّ ذاكَ الَّذي بَدَأَ فيكم عَمَلاً صالِحًا سيَسيرُ في إِتمامِه إِلى يَومِ المسيحِ يسوع. ومِنَ الحَقِّ أَن أَعطِفَ علَيكم جميعًا هٰذا العَطْف، لأَنِّي أَضُمُّكم في قَلْبي، وكُلُّكم شُرَكائي في النِّعمَة، سَواءٌ في قُيودي أَم في الدِّفاعِ عنِ البِشارةِ وتَأييدِها. واللهُ شاهِدٌ لي على أَنِّي شَديدُ الحَنانِ علَيكم جَميعًا في قَلْبِ يسوعَ المسيح. وما أَطلُبُ في الصَّلاة هو أَن تَزْدادَ مَحَبَّتُكم مَعرِفةً وكُلَّ بصيرةٍ زِيادةً مُضاعَفة لِتُمَيِّزوا الأَفضَل فتُصبِحوا سالِمينَ لا لَومَ علَيكم في يَومِ المسيح، مُمتَلِئينَ مِن ثَمَرِ البِرِّ الَّذي هو مِن فَضْلِ يسوعَ المسيح تَمجيدًا وتَسبيحًا لله. وأُريدُ أَن تَعلَموا، أَيُّها الإِخوَة، أَنَّ ما حَدَثَ لي زادَ بِالأَحْرى في نَجاحِ البِشارة، حتَّى ٱتَّضَحَ عِندَ حَرَسِ الحاكِمِ كُلِّهم ولِسائِرِ النَّاسِ أَنَّ قُيودي هي في سَبيلِ المَسيح، وحتَّى إِنَّ أَكثَرَ الإِخوَةِ شَجَّعَتهُم في الرَّبِّ قُيودي فٱزدادوا جُرأَةً عَلى إِعلانِ الكَلِمَةِ غَيرَ خائِفين. أَجَل، إِنَّ قَومًا مِنهُم يُبَشِّرونَ بِالمسيحِ لِما فيهم مِن حَسَدٍ وخِصام، ولٰكِنَّ قَومًا مِنهم يَفعَلونَ ذٰلِكَ لِما لَهم مِن نِيَّةٍ صالِحة. هٰؤُلاءِ يُبَشِّرونَ بِالمسيحِ بِدافِعِ المَحبَّة عالِمينَ أَنِّي أُقِمتُ لِلدِّفاعِ عنِ البِشارة، وأُولٰئِك بِدافِعِ المُنافَسَة وبِنِيَّةٍ غَيرِ صالِحة، يَظُنُّونَ أَنَّهم بِذٰلِكَ يَزيدونَ قُيودي ثِقَلاً. فما شَأنُ ذٰلك؟ فإِنَّ المسيحَ يُبَشَّرُ بِه في كُلِّ حال، سَواءٌ أَكانَ بِرِياءٍ أَم بِصِدْق. فبِهٰذا أَفرَحُ ولَن أَزالَ أَفرَح لأَنِّي أَعلَمُ أَنَّه يَؤُولُ إِلى خَلاصي، ويَعودُ الفَضْلُ إِلى دُعائِكم وإِلى مَعونةِ رُوحِ يسوعَ المسيح. فإِنِّي أَنتَظِرُ بِفارِغِ الصَّبرِ وأَرْجو أَلاَّ أَخْزى أَبَدًا، بل لِيَ الثِّقَةُ التَّامَّةُ بأَنَّ المَسيحَ سيُمَجَّدُ في جَسَدي الآنَ وفي كُلِّ حين، سَواءٌ عِشتُ أَو مُتُّ. فالحَياةُ عِندي هي المسيح، والمَوتُ رِبْح. ولٰكِن، إِذا كانَت حَياةُ الجَسَدِ تُمَكِّنُني مِنَ القِيامِ بِعَمَلٍ مُثمِر، فإِنِّي لا أَدْري ما أَخْتار وأَنا في نِزاعٍ بَينَ أَمرَين: فلِي رَغبَةٌ في الرَّحيل لأَكونَ مع المسيح وهٰذا هو الأَفضَلُ جِدًّا جِدًّا، غَيرَ أَنَّ بَقائي في الجَسَدِ أَشَدُّ ضَرورَةً لَكم. وأَنا عالِمٌ عِلمَ اليَقينِ بِأَنِّي سأَبْقى وسأُواصِلُ مُساعَدَتي لَكم جَميعًا لأَجْلِ تَقدُّمِكم وفَرَحِ إِيمانِكم، فيَزْدادَ ٱفتِخارُكم بي في المَسيحِ يَسوعَ لِحُضوري بَينَكم مَرَّةً ثانِية. فسِيروا سيرةً جَديرةً بِبِشارةِ المسيح لأَعرِفَ، سَواءٌ جِئتُكم ورَأَيتُكم، أَم كُنتُ غائِبًا فسَمِعتُ أَخبارَكم، أَنَّكم ثابِتونَ بِرُوحٍ واحِد مُجاهِدونَ مَعًا بِنَفْسٍ واحِدَة في سَبيلِ إِيمانِ البِشارة، لا تَهابونَ البَتَّةَ خُصومَكم. ففي ذٰلِك دَلالةٌ لَهُم على الهَلاك، وَدلالَةٌ لَكم على خَلاصِكم. وهٰذا مِن فَضْلِ الله، لأَنَّه أُنعِمَ علَيكُم، بِالنَّظَرِ إِلى المسيح، أَن تَتَأَلَّموا مِن أَجْلِه، لا أَن تُؤمِنوا بِه فحَسبُ، فإِنَّكم تُجاهِدونَ الجِهادَ نَفسَه الَّذي رَأَيتُموني أُجاهِدُه والآنَ تَسمَعونَ أَنِّي أُجاهِدُه. فإِذا كانَ عِندَكم شَأْنٌ لِلمُناشَدَةِ بِالمسيح ولِما في المَحَبَّةِ مِن تَشْجيع، والمُشارَكَةِ في الرُّوح والحَنانِ والرَّأفة، فأَتِمُّوا فَرَحي بِأَن تَكونوا على رأيٍ واحِدٍ ومَحبَّةٍ واحِدة وقَلْبٍ واحِدٍ وفِكْرٍ واحِد. لا تَفعَلوا شَيئًا بِدافِعِ المُنافَسةِ أَوِ العُجْب، بل على كُلٍّ مِنكم أَن يَتَواضَعَ ويَعُدَّ غَيرَه أَفضَلَ مِنه، ولا يَنظُرَنَّ أَحَدٌ إِلى ما لَه، بل إِلى ما لِغَيرِه. فلْيَكُنْ فيما بَينَكُمُ الشُّعورُ الَّذي هو أَيضًا في المَسيحِ يَسوع. هو الَّذي في صُورَةِ الله لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة، بل تَجَرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد، وصارَ على مِثالِ البَشَر، وظَهَرَ في هَيئَةِ إِنْسان، فَوَضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت، مَوتِ الصَّليب. لِذٰلِك رَفَعَه اللهُ إِلى العُلى، ووَهَبَ لَه الِٱسمَ الَّذي يَفوقُ جَميعَ الأَسماء، كَيما تَجثُوَ لِٱسمِ يسوع كُلُّ رُكبَةٍ في السَّمَواتِ وفي الأَرْضِ وتَحتَ الأَرْض، ويَشهَدَ كُلُّ لِسانٍ أَنَّ يسوعَ المسيحَ هو الرَّبّ. تَمْجيدًا للهِ الآب. لِذٰلِكَ يا أَحِبَّائي، كَما أَطَعتُم دائمًا، فَلا يَكُنْ ذٰلك في حُضوري فقَط، بل على وَجْهٍ مُضاعَفٍ الآنَ في غِيابي، واعمَلوا لِخَلاصِكم بِخَوفٍ ورِعدَة، فإِنَّ اللهَ هو الَّذي يَعمَلُ فيكُمُ الإِرادَةَ والعَمَلَ في سَبيلِ رِضاه. فٱفعَلوا كُلَّ ما تَفعَلون مِن غَيرِ تَذمُّرٍ ولا تَرَدُّد لِتَكونوا بِلا لَومٍ ولا شائبة وأَبناءَ اللهِ بِلا عَيبٍ في جِيلٍ ضالٍّ فاسِد تُضيئُونَ فيه ضِياءَ النَّيِّراتِ في الكَون مُتَمَسِّكينَ بِكَلِمَةِ الحَياة، لأَفتَخِرَ يَومَ المسيح بِأَنِّي ما سَعَيتُ عَبَثًا ولا جَهَدتُ عَبَثًا. فلَوِ ٱقتَضى الأَمْرُ أَن يُراقَ دَمي ذَبيحَةً مُقَرَّبَةً في سَبيلِ إِيمانِكم، لَفَرِحتُ وشارَكتُكمُ الفَرَحَ جَميعًا، فكَذٰلِكَ ٱفرَحوا أَنتُم أَيضًا وشارِكوني الفَرَح. وأَرْجو في الرَّبِّ يسوعَ أَن أَبعَثَ إِلَيكم طيموتاوُسَ بَعدَ قَليل لِتَطيبَ نَفْسي أَنا أَيضًا إِذا ما ٱطَّلَعتُ على أَحْوالِكم. فلَيسَ لي أَحَدٌ غَيرُه يَشعُرُ مِثْلَ شُعوري ويَهتَمُّ بِأَمْرِكُمُ ٱهتِمامًا صادِقًا، فكُلُّهم يَسعى إِلى ما يَعودُ على نَفْسِه، لا إِلى ما يَعودُ على يسوعَ المسيح. وإِنَّكم تَعرِفونَ كَيفَ أَثبَتَ فَضيلَتَه وكَيفَ عَمِلَ معي لِلبِشارةِ عَمَلَ الِٱبنِ مع أَبيه. فهو الَّذي أَرجو أَن أَبعَثَه إِلَيكم حالَما يَتَّضِحُ لي مَصيري. وإِنِّي لَواثِقٌ بِالرَّبِّ أَن آتِيَكم أَنا أَيضًا بَعدَ قَليل. ولٰكِنِّي رَأَيتُ مِنَ الضَّرورِيِّ أَن أَبعَثَ إِليكم أَبَفْرَديطُس، أَخي وصاحِبي في العَمَلِ والجِهاد، هٰذا الَّذي أَرسَلتُموه لِيَقومَ بِحاجَتي، لأَنَّه مُشْتاقٌ إِلَيكم جَميعًا ومُكتَئِبٌ لأَنَّكم سَمِعتُم بِأَنَّه مَرِض. فقَد مَرِضَ حتَّى شارَفَ المَوت، ولٰكِنَّ اللهَ رَأَفَ بِه، لا بِه وَحْدَه، بل بي أَنا أَيضًا لِئَلاَّ يَنالَني غَمٌّ على غَمّ. فقَد عَجَّلتُ في بَعثِه إِلَيكم حتَّى إِذا ما رَأَيتُموه عادَ الفَرَحُ إِلَيكم وزالَ بَعضُ غَمِّي. تَقَبَّلوه إِذًا في الرَّبِّ بِكُلِّ فَرَح وعامِلوا أَمْثالَه بِالإِكرام، فإِنَّه أَشرَفَ على المَوتِ في سَبيلِ العَمَلِ لِلمسيح وخاطَرَ بِنَفْسِه لِيَقومَ بِما لم يَكُنْ في وُسْعِكم أَن تَقوموا لِخِدمَتي. وبَعدُ، أَيُّها الإِخوَة، فٱفرَحوا في الرَّبّ، لا يَثقُلُ علَيَّ أَن أَكتُبَ إِلَيكم بِالأَشياءِ نَفْسِها، ففي ذٰلِك تَثْبيتٌ لكم. إِحذَروا الكِلاب، احذَروا العَمَلَةَ الأَشرار، اِحذَروا ذَوي الجَبّ، فإِنَّما نَحنُ ذَوو الخِتانِ الَّذينَ يُؤَدُّونَ العِبادةَ بِرُوحِ الله ويَفتَخِرونَ بِالمسيحِ يسوع، ولا يَعتَمِدونَ على الأُمورِ البَشَرِيَّة، مع أَنَّه مِن حَقِّي أَنا أَيضًا أَن أَعتَمِدَ علَيها أَيضًا. فإِن ظَنَّ غَيري أَنَّ مِن حَقِّه الاِعتِمادَ على الأُمورِ البَشَرِيَّة، فأَنا أَحَقُّ مِنه بِذٰلِك: إِنِّي مَخْتونٌ في اليَوم الثَّامِن، وإِنِّي مِن بَني إِسرائيل، مِن سِبْطِ بَنْيامين، عِبْرانِيٌّ مِنَ العِبْرانِيِّين. أَمَّا في الشَّريعة فأَنا فِرِّيسِيّ، وأَمَّا في الحَمِيَّة فأَنا مُضطَهِدُ الكَنيسة، وأَمَّا في البِرِّ الَّذي يُنالُ بِالشَّريعة فأَنا رَجُلٌ لا لَومَ علَيه. إِلاَّ أَنَّ ما كانَ في كُلِّ ذٰلِكَ مِن رِبْحٍ لي عَدَدتُه خُسْرانًا مِن أَجلِ المسيح، بل أَعُدُّ كُلَّ شَيءٍ خُسْرانًا مِن أَجْلِ المَعرِفَةِ السَّامِية، مَعرِفةِ يسوعَ المسيحِ رَبِّي. مِن أَجْلِه خَسِرتُ كُلَّ شَيء وعَددتُ كُلَّ شَيءٍ نُفايَة لأَربَحَ المسيحَ وأَكونَ فيه، ولا يَكونَ بِرِّي ذٰلك الَّذي يأتي مِنَ الشَّريعة، بلِ البِرُّ الَّذي يُنالُ بِالإِيمانِ بِالمسيح، أَيِ البِرُّ الَّذي يأتي مِنَ الله ويَعتَمِدُ على الإِيمان، فأَعرِفَهُ وأَعرِفَ قُوَّةَ قِيامتِه والمُشارَكَةَ في آلامِه فأَتَمَثَّلَ بِه في مَوتِه، لَعَلِّي أَبلُغُ القِيامَةَ مِنَ بَينِ الأَموات. ولا أَقولُ إِنِّي حَصَلتُ على ذٰلِكَ أَو أَدرَكتُ الكَمال، بل أَسْعى لَعَلِّي أَقبِضُ علَيه، فقَد قَبَضَ عَلَيَّ يسوعُ المسيح. أَيُّها الإِخوَة، لا أَحسَبُ نَفْسي قد قَبَضتُ علَيه وإِنَّما يَهُمُّني أَمرٌ واحِد وهو أَن أَنْسى ما ورائي وأَنْدَفِعُ إِلى الأَمام فأَسْعى إِلى الغايَة، لِلحُصولِ على الجائِزَةِ الَّتي يَدْعونا اللهُ إِلَيها مِن عَلُ لِنَنالَها في المسيحِ يسوع. فعلَينا جَميعًا نَحنُ الكامِلين أَن نَشعُرَ هٰذا الشُّعور، وإِذا شَعَرتُم شُعورًا آخَر، فإِنَّ اللهَ سيَكشِفُ لَكم عن ذٰلك أَيضًا. فلْنُلازِمْ خَطَّ سَيرِنا حَيثُ بَلَغْنا. إِقتَدوا بي كُلُّكم مَعًا، أَيُّها الإِخوَة، وٱجعَلوا نُصْبَ أَعيُنِكم أُولٰئِكَ الَّذينَ يَسيرونَ على ما لَكم فينا مِن قُدوَة، لأَنَّ هُناكَ كَثيرًا مِنَ النَّاس، وقَد كَلَّمتُكم علَيهم مِرارًا وأُكَلِّمُكم علَيهِمِ الآنَ باكِيًا، يَسيرونَ سيرةَ أَعداءِ صَليبِ المسيح. عاقِبَتهُمُ الهَلاك وإِلٰهُهم بَطنُهم ومَجدُهم عَورَتُهم وهَمُّهم أُمورُ الأَرْض. أَمَّا نَحنُ فمَوطِنُنا في السَّمَوات ومِنها نَنْتَظِرُ مَجيءَ المُخلِّصِ الرَّبِّ يسوعَ المسيحِ الَّذي سيُغَيِّرُ هَيئَةَ جَسَدِنا الحَقير فيَجعَلُه على صُورةِ جَسَدِه المَجيد بما لَه مِن قُدرَةٍ يُخضِعُ بِها لِنَفْسِه كُلَّ شَيء. إِذًا، يا إِخوَتي الَّذينَ أُحِبُّهم وأَشتاقُ إِليهم وهُم فَرَحي وإِكليلي، ٱثبُتوا على ذٰلِك كُلِّه في الرَّبِّ، أَيُّها الأَحِبَّاء. أُناشِدُ أَفودِية وأَناشِدُ صُنطيخة أَن تَكونا على ٱتِّفاقٍ في الرَّبّ. وأَسأَلُكَ أَنتَ أَيضًا، أَيُّها الصَّاحِبُ المُخْلِص، أَن تُساعِدَهما لأَنَّهما جاهَدَتا معي في سَبيلِ البِشارة ومع إِقْليمَنْضُس وسائِرِ مُعاوِنِيَّ الَّذينَ كُتِبَت أَسْماؤُهم في سِفْرِ الحَياة. إِفرَحوا في الرَّبِّ دائِمًا، أُكَرِّرُ القَولَ: إفرَحوا. لِيُعرَفْ حِلمُكم عِندَ جَميعِ النَّاس. إِنَّ الرَّبَّ قَريب. لا تَكونوا في هَمٍّ مِن أَيِّ شَيءٍ كان، بل في كُلِّ شَيءٍ لِتُرفَعْ طَلِباتُكم إِلى اللهِ بِالصَّلاةِ والدُّعاءِ مع الشُّكْر، فإِنَّ سلامَ اللهِ الَّذي يَفوقُ كُلَّ إِدراكٍ يَحفَظُ قُلوبَكم وأَذْهانَكم في المسيحِ يسوع. وبَعدُ، أَيُّها الإِخوَة، فكُلُّ ما كانَ حَقًّا وشَريفًا وعَادِلاً وخالِصًا ومُستَحَبًّا وطَيِّبَ الذِّكْر وما كانَ فَضيلةً وأَهْلاً لِلمَدْح، كُلُّ ذٰلِك قَدِّروه حَقَّ قَدرِه. وما تَعلَّمتُموه مِنِّي وأَخَذتُموه عَنِّي وسَمِعتُموه مِنِّي وعايَنتُموه فِيَّ، كُلُّ ذٰلك ٱعمَلوا بِه، وإِلٰهُ السَّلامِ يَكونُ مَعكم. فَرِحتُ في الرَّبِّ فَرَحًا عَظيمًا لَمَّا رَأَيتُ ٱهتِمامَكم لي قد عادَ إِلى الإِزْهار. قد كانَ لَكم هٰذا الاِهتِمام، غَيرَ أَنَّ الفُرصَةَ لم تَسنَحْ لَكم. ولا أَقولُ هٰذا عن حاجة، فقد تَعَلَّمتُ أَن أَقنَعَ بِما أَنا علَيه فأُحسِنُ العَيشَ في الحُرْمان كما أُحسِنُ العَيشَ في اليُسْر. ففي كُلِّ وَقْتٍ وفي كُلِّ شَيءٍ تَعَلَّمتُ أَن أَشبَعَ وأَجوع، أَن أَكونَ في اليُسرِ والعُسْر، أَستَطيعُ كُلَّ شَيءٍ بِذاكَ الَّذي يُقوِّيني. غيرَ أَنَّكم أَحسَنتُم عَمَلاً إِذ شارَكتُموني في شِدَّتي. وإِنَّكم تَعلَمونَ، يا أَهْلَ فيلِبِّي، أَنَّه ما مِن كَنيسةٍ في بَدءِ إِعْلانِ البِشارة، لَمَّا تَرَكتُ مَقْدونِية، أَجْرَت علَيَّ حِسابًا بِمِنْه وإِلَيه إِلاَّ أَنتُم وَحدَكم، فقَد بَعَثتُم إِلَيَّ مَرَّةً، بل مَرَّتَين، مُذ كُنتُ في تَسالونيقي، بما أَحْتاجُ إِلَيه. ولا أَبتَغي العَطايا، وإِنَّما أَبتَغي ما يَزدادُ لَكم مِنَ الرِّبْح. وأَخَذتُ كُلَّ حَقِّي، بل ما يَزيدُ علَيه. قد صِرتُ بِيُسْرٍ بَعدَما تَلَقَّيتُ مِن أَبَفْرَديطُس ما أَتاني بِه مِن عِندِكم، وهو عِطْرٌ طَيِّبُ الرَّائِحَة وذَبيحَةٌ يَقبَلُها اللهُ ويَرْضى عَنها. وإِلٰهي يَسُدُّ حاجاتِكم كُلَّها على قَدْرِ غِناه بِالمَجْدِ، في المسيحِ يسوع. المَجْدُ للهِ أَبينا أَبَدَ الدُّهور. آمين. سَلِّموا على كُلٍّ مِنَ القِدِّيسينَ في المسيحِ يسوع. يُسَلِّمُ علَيكُم الإِخوَةُ الَّذينَ هم معي. يُسَلِّمُ علَيكم جَميعُ القِدِّيسين، ولا سِيَّما الَّذينَ هم مِن حَشَمِ قَيْصَر. على رُوحِكم نِعمَةُ الرَّبِّ يسوعَ المسيحِ! مِن بولُسَ رَسولِ المسيحِ يسوع بِمَشيئَةِ الله ومِنَ الأَخِ طيموتاوُس إِلى القِدِّيسينَ الَّذينَ في قولُسِّي، الإِخوَةِ المُؤمِنينَ في المسيح. علَيكُمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ أَبينا. نَشكُرُ اللهَ أَبا رَبِّنا يسوعَ المسيح دائِمًا، ونَحنُ نُصَلِّي مِن أَجلِكُم، بَعدَ أَن سَمِعْنا بإِيمانِكم في المسيحِ يسوع وبِمَحَبَّتِكم لِجَميعِ القِدِّيسين مِن أَجْلِ الرَّجاءِ المَحْفوظِ لَكم في السَّمَوات. فقَد سَمِعتُم بِهٰذا الرَّجاءِ في كَلِمَةِ الحَقّ، أَي في البِشارةِ الَّتي وَصَلَت إِلَيكم. وكَما أَنَّها تُثمِرُ وتَنتَشِرُ في العالَمِ أَجْمَع، فهِي كذٰلِكَ تُثمِرُ وتَنتَشِرُ فيما بَينَكم مُذ سَمِعتُم بِنِعمَةِ اللهِ وعَرَفتُموها حَقَّ المَعرِفَة، كما تَعلَّمتُم مِن أَبَفْراس صاحِبِنا الحَبيبِ في العَمَل والخادِمِ الأَمينِ لِلمَسيحِ مِن أَجْلِكم، فقَد أَخبَرَنا بِما أَنتُم علَيه مِنَ المَحَبَّةِ في الرُّوح. لِذٰلِكَ نَحنُ أَيضًا، مُنذُ اليَومِ الَّذي سَمِعْنا فيه ذٰلِكَ، لا نَكُفُّ عنِ الصَّلاةِ مِن أَجْلِكُم ونَسأَلُه تَعالى أَن تَمتَلِئوا مِن مَعرِفَةِ مَشيئَتِه في كُلِّ شَيءٍ مِنَ الحِكمَةِ والإِدراكِ الرُّوحِيّ لِتَسيروا سيرةً جَديرةً بِالرَّبِّ تُرْضيهِ كُلَّ الرِّضا وتُثمِروا كُلَّ عَمَلٍ صالِح وتَنْموا في مَعرِفَةِ الله، مُتَقوِّينَ كُلَّ قُوَّةٍ بِقُدرَتِه العَزيزة، على الثَّباتِ التَّامّ والصَّبْرِ الجَميل، وتَشكُروا الآبَ فَرِحين لأَنَّه جَعَلَكم أَهْلاً لأَن تُشاطِروا القِدِّيسينَ مِيراثَهم في النُّور. فهو الَّذي نَجَّانا مِن سُلْطانِ الظُّلُمات ونَقَلَنا إِلى مَلَكوتِ ٱبنِ مَحَبَّتِه، فكانَ لَنا فيه الفِداءُ وغُفْرانُ الخَطايا. هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى، وبِكْرُ كُلِّ خَليقَة. ففيه خُلِقَ كُلُّ شَيء مِمَّا في السَّمَواتِ ومِمَّا في الأَرْض، ما يُرى وما لا يُرى: أَأَصْحابَ عَرْشٍ كانوا أَم سِيادةٍ أَم رِئاسةٍ أَم سُلْطان. كُلُّ شَيءٍ خُلِقَ بِه ولَه. هو قَبْلَ كُلِّ شَيء وبِه قِوامُ كُلِّ شَيء. وهو رَأسُ الجَسَد أَي رَأسُ الكَنيسة. هو البَدْءُ والبِكْرُ مِن بَينِ الأَموات، لِتَكونَ لَه الأَوَّلِيَّةُ في كُلِّ شَيء. فقَد حَسُنَ لَدى اللهِ أَن يَحِلَّ بِه الكَمالُ كُلُّه. وأَن يُصالِحَ بِه ومِن أَجلِه كُلَّ مَوجود، مِمَّا في الأَرْضِ ومِمَّا في السَّمَوات، وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه. وأَنتُمُ الَّذين كانوا بِالأَمْسِ غُرَباءَ وأَعْداءً في صَميمِ قُلوبِهم بِالأَعمالِ السَّيِّئَة، قد صالَحَكُمُ اللهُ الآنَ في جَسَدِ ٱبنِه البَشَرِيّ، صالَحَكم بِمَوتِه لِيَجعَلَكم في حَضرَتِه قِدِّيسينَ لا يَنالُكم عَيبٌ ولا لَوم. ذٰلِك إِذا ثَبَتُّم على الإِيمانِ راسِخينَ غَيرَ مُتَزَعزِعين ولا مُتَحوِّلينَ عن رَجاءِ البِشارةِ الَّتي سَمِعتُموها وأُعلِنَت لِكُلِّ خَليقَةٍ تَحتَ السَّماء، وصِرتُ أَنا بولُسَ خادِمًا لَها. يَسُرُّني الآنَ ما أُعاني لأَجلِكم فأُتِمُّ في جَسَدِي ما نَقَصَ مِن شَدائِدِ المسيح في سَبيلِ جَسَدِه الَّذي هو الكَنيسة، لأَنِّي صِرتُ خادِمًا لَها بِحَسَبِ التَّدبيرِ الإِلهِيّ الَّذي وُكِلَ إِلَيَّ مِن أَجْلِكم، وهو أَن أُتِمَّ التَّبْشيرَ بِكَلِمَةِ الله، بِذٰلِكَ السِّرِّ الَّذي ظَلَّ مَكْتومًا طَوالَ الدُّهورِ والأَجيال وكُشِفَ اليَومَ لِقِدِّيسيه، فقَد أَرادَ اللهُ أَن يُعلِمَهم أَيَّ غِنًى هو غِنى مَجْدِ ذٰلِكَ السِّرِّ عِندَ الوَثَنِيِّين، أَي أَنَّ المسيحَ فيكم وهو رَجاءُ المَجْد. بِه نُبَشِّرُ فنَعِظُ كُلَّ إِنسان ونُعَلِّمُ كُلَّ إِنسانٍ بِكُلِّ حِكمَة لِنَجعَلَ كُلَّ إِنسانٍ كامِلاً في المسيح. ولأَجْلِ ذٰلِك أَتعَبُ وأُجاهِدُ بِفَضْلِ قُدرَتِه الَّتي تَعمَلُ فِيَّ عَمَلاً قَوِيًّا. إِنِّي أُريدُ أَن تَعلَموا أَيَّ جهادٍ أُجاهِدُ مِن أَجْلِكم ومِن أَجْلِ الَّذينَ هم في اللاَّذِقِيَّة ومِن أَجْلِ سائِرِ الَّذينَ لم يَرَوني بِعُيونِهِم، كَيما تَتَشَدَّدَ قُلوبُهم وتَتَوَثَّقَ أَواصِرُ المَحبَّةِ بَينَهم فيَبلُغوا مِنَ الإِدراكِ التَّامِّ أَعظَمَ مَبلَغٍ يُمَكِّنُهم مِن مَعرِفَةِ سِرِّ الله، أَعْني المسيح، فقَدِ ٱستَكَنَّت فيه جَميعُ كُنوزِ الحِكمَةِ والمَعرِفَة. أَقولُ هٰذا لِئَلاَّ يَخدَعَكم أَحَدٌ بِكَلامٍ مُمَوَّه، فإِنِّي، وإِن كُنتُ غائِبًا عَنكم بِجَسدي، فأَنا معَكم بِرُوحي، أَفرَحُ بِما أَرى مِن نِظامٍ عِندَكم ومِن ثَباتٍ في إِيمانِكم بِالمسيح. فكما تَقبَّلتُمُ الرَّبَّ يسوعَ المسيح، سيروا فيه، مُتَأَصِّلينَ فيه ومُتَأَسِّسينَ علَيه ومُعتَمِدينَ على الإِيمانِ الَّذي تَلَقَّيتُموه وفائِضينَ شُكرًا. إِيَّاكم أَن يأسِرَكم أَحَدٌ بِالفَلسَفَة، بِذٰلِك الخِداعِ الباطِلِ القائِمِ على سُنَّةِ النَّاسِ وأَركانِ العالَم، لا على المسيح. ففِيه يَحِلُّ جَميعُ كَمالِ الأُلوهِيَّةِ حُلولاً جَسَدِيًّا، وفيه تَكونونَ كامِلين. إِنَّه رَأسُ كُلِّ صاحِبِ رِئاسةٍ وسُلْطان. وفيه خُتِنتُم خِتانًا لم يَكُنْ فِعْلَ الأَيْدي، بل بِخَلْعِ الجَسَدِ البَشَرِيّ، وهو خِتانُ المسيح. ذٰلِكَ أَنَّكم دُفِنتُم معَه بِالمَعْمودِيَّة وبِها أَيضًا أُقِمتُم معه، لأَنَّكم آمَنتُم بِقُدرَةِ اللهِ الَّذي أَقامَه مِن بَينِ الأَموات. كُنتُم أَمواتًا أَنتُم أَيضًا بِزَلاَّتِكم وقَلَفِ أَجسادِكم فأَحياكُمُ اللهُ معَه وصَفَحَ لَنا عن جَميعِ زَلاَّتِنا. ومَحا ما كانَ علَينا مِن صَكٍّ وما فيه مِن أَحْكامٍ وأَزالَ هٰذا الحاجِزَ مُسَمِّرًا إِيَّاه على الصَّليب، وخَلَعَ أَصحابَ الرِّئاسةِ والسُّلْطان وشَهَّرَهم فسارَ بِهِم في رَكْبِه ظافِرًا. فلا يَحكُمَنَّ علَيكم أَحَدٌ في المَأكولِ والمَشروب أَو في الأَعيادِ والأَهِلَّةِ والسُّبوت، فما هٰذه إِلاَّ ظِلُّ الأُمورِ المُستَقبَلة، أَمَّا الحَقيقَةُ فهي جَسَدُ المسيح. ولا يَحرِمَنَّكم أَحَدٌ إِيَّاها رَغبَةً مِنه في التَّخَشُّع وفي التَّعبُّدِ لِلمَلائِكَة، فهو يُنعِمُ النَّظَرَ فيما يراه، وذِهنُه البَشَرِيُّ يَجعَلُه يَنتَفِخُ مِنَ الكِبرِياءِ بِأَوهامِه، غَيرَ مُتَمَسِّكٍ بِالرَّأسِ الَّذي بِه الجَسَدُ كُلُّه، بما فيه مِن أَوصالٍ ومفاصِلَ يَلتَحِمُ بِها، يَنمو النُّمُوَّ الَّذي يَأْتيه مِنَ الله. فأَمَّا وقَد مُتُّم مع المسيح عن أَركانِ العالَم، فما بالُكم، كما لو كُنتُم عائِشينَ في العالَم، تَخضَعونَ لِمِثْلِ هٰذه النَّواهي: «لا تَأخُذْ، لا تَذُقْ، لا تَمَسّ»، وتلكَ الأَشياءُ كُلُّها تَؤُولُ بِالاِستِعمالِ إِلى الزَّوال؟ إِنَّها وَصايا ومَذاهِبُ بَشَرِيَّة لَها ظاهِرُ الحِكمَةِ لما فيها مِن نَفْلٍ وتَخَشُّعٍ وتَقَشُّف، ولٰكِن لا قيمةَ لَها لأَنَّها غَيرُ صالِحةٍ إِلاَّ لإِرضاءِ الهَوى البَشَرِيّ. فأَمَّا وقد قُمتُم مع المسيح، فٱسعَوا إِلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله. إِرغَبوا في الأُمورِ الَّتي في العُلى، لا في الأُمورِ الَّتي في الأَرض، لأَنَّكم قد مُتُّم وحَياتُكم مُحتَجِبَةٌ معَ المسيحِ في الله. فإِذا ظَهَرَ المسيحُ الَّذي هو حَياتُكم، تَظهَرونَ أَنتُم أَيضًا عِندَئِذٍ معَه في المَجْد. أَميتوا إِذًا أَعضاءَكُمُ الَّتي في الأَرض بما فيها مِن زِنًى وفَحْشاءَ وهَوًى وشَهوةٍ فاسِدَةٍ وطَمَعٍ وهو عِبادَةُ الأَوْثان، فإِنَّ تِلكَ الأَشياءَ أَسْبابٌ لِغَضَبِ الله. ذاك ما كُنتُم علَيه بِالأَمْسِ حينَ كُنتُم تَحيَونَ في هٰذه المُنكَرات. أَمَّا الآن فأَلْقُوا عَنكم أَنتُم أَيضًا كُلَّ ما فيه غَضَبٌ وسُخْطٌ وخُبْثٌ وشَتيمة. لا تَنطِقوا بِقَبيحِ الكَلام ولا يَكذِبْ بَعضُكم بَعضًا، فَقَد خَلَعتُمُ الإِنسانَ القَديم وخَلَعتُم معَه أَعمالَه، ولَبِستُمُ الإِنسانَ الجَديد، ذٰاك الَّذي يُجَدَّدُ على صُورةِ خالِقِه لِيَصِلَ إِلى المَعرِفَة. فلَم يَبْقَ هُناكَ يونانِيٌّ أَو يَهودِيّ، ولا خِتانٌ أَو قَلَف، ولا أَعجَمِيٌّ أَو إِسْكوتيّ، ولا عَبْدٌ أَو حُرّ، بلِ المسيحُ الَّذي هو كُلُّ شَيءٍ وفي كُلِّ شَيء. وأَنتُمُ الَّذينَ ٱختارَهُمُ اللهُ فقَدَّسَهم وأَحبَّهم، اِلبَسوا عَواطِفَ الحَنانِ واللُّطْفِ والتَّواضُع والوَداعةِ والصَّبْر. إِحتَمِلوا بَعضُكم بَعضًا، وٱصفَحوا بَعضُكم عن بَعضٍ إِذا كانَت لأَحَدٍ شَكْوى مِنَ الآخَر. فكما صَفَحَ عَنكُمُ الرَّبّ، اِصفَحوا أَنتُم أَيضًا. وٱلبَسوا فَوقَ ذٰلِك كُلِّه ثَوبَ المَحبَّة فإِنَّها رِباطُ الكَمال. ولْيَسُدْ قُلوبَكم سَلامُ المسيح، ذاكَ السَّلامُ الَّذي إِلَيه دُعيتُم لِتَصيروا جَسَدًا واحِدًا. وكُونوا شاكِرين. لِتَنزِلْ فِيكم كَلِمَةُ المسيحِ وافِرَةً لِتُعَلِّموا بَعضُكم بَعضًا وتَتبادَلوا النَّصيحَةَ بِكُلِّ حِكمَة. رَتِّلوا للهِ مِن صَميمِ قُلوبِكم شاكِرين بِمَزاميرَ وتَسابيحَ وأَناشيدَ رُوحِيَّة. ومَهْما يَكُنْ لَكم مِن قَولٍ أَو فِعْل، فلْيَكُنْ بِٱسمِ الرَّبِّ يسوع تَشكُرونَ بِه اللهَ الآب. أَيَّتُها النِّساء، اِخضَعْنَ لأَزْواجِكُنَّ كما يَجِبُ في الرَّبّ. أَيُّها الرِّجال، أَحِبُّوا نِساءَكم ولا تَكونوا قُساةً عليهِنَّ. أَيُّها البَنون، أَطيعوا والِدِيكم في كُلِّ شَيء، فذاك ما يُرضِي الرَّبّ. أَيُّها الآباء، لا تُغيظوا أَبناءَكم لِئَلاَّ تَضعُفَ عَزيمَتُهم. أَيُّها العَبيد، أَطيعوا في كُلِّ شَيءٍ سادَتَكم في هٰذه الدُّنْيا، لا طاعةَ عَبيدِ العَين كأَنَّكم تَبتَغونَ رِضا النَّاس، بل طاعةً صادِرةً عن صَفاءِ القَلْبِ لأَنَّكم تَخافونَ الرَّبّ. ومَهْما تَفعَلوا فافعَلوه بِنَفْسٍ طَيِّبَةٍ كأَنَّه لِلرَّبِّ لا لِلنَّاس، عالِمينَ أَنَّ الرَّبَّ سيَجْزيكم بِميراثِه، فلِلرَّبِّ المسيحِ تَعمَلون. أَمَّا الظَّالِم فسَوفَ يَنالُ جَزاءَ ظُلْمِه، ولا يُحابى أَحَد. أَيُّها السَّادة، عامِلوا عَبيدَكم بِالعَدْلِ والمُساواة، عالِمينَ أَنَّ لَكم أَنتُم أَيضًا سَيِّدًا في السَّماء. واظِبوا على الصَّلاة، ساهِرينَ فيها وشاكِرين. وصَلُّوا مِن أَجلِنا أَيضًا كَيما يَفتَحَ اللهُ لَنا بابًا لِلكَلام فنُبَشِّرَ بِسِرِّ المسيح، وإِنِّي في القُيودِ مِن أَجْلِه، فأُعلِنَه كما يَجِبُ علَيَّ أَن أُبَشِّرَ بِه. تَصَرَّفوا بِحِكمَةٍ مع مَن كانَ في خارِجِ الكَنيسة مُنتَهِزينَ الفُرْصةَ السَّانِحة. لِيَكُنْ كَلامُكم دائِمًا لَطيفًا مَليحًا فتَعرِفوا كَيفَ يَنبَغي لَكم أَن تُجيبوا كُلَّ إِنسان. سيُخبِرُكم عن أَحوالي كُلِّها طيخيقُسُ الأَخُ الحَبيب والخادِمُ الأَمين وصاحِبي في العَمَلِ لِلرَّبّ. قد بَعَثتُ بِه إِلَيكم خُصوصًا لِيُطلِعَكم على أَحوالِنا ويُشَدِّدَ قُلوبَكم، وبَعَثتُ معَه بِأُونيسِمُسَ الأَخِ الأَمينِ الحَبيب، وإِنَّه ٱبنُ بَلَدِكم. فهُما سيُخبِرانِكم بِكُلِّ ما جَرى عِندَنا. يُسَلِّمُ علَيكم أَرِسطَرخُس صاحِبي في الأَسْر، ومَرقُسُ ٱبنُ عَمِّ بَرَنابا (قد تَلقَّيتُم بَعضَ الإِفاداتِ عنه، فإِذا قَدِمَ إِلَيكم فرَحِّبوا بِه) ويَسوعُ الَّذي يُقالُ لَه يُسطُس. فهُم وَحْدَهم مِن ذَوي الخِتانِ يَعمَلونَ معي في سَبيلِ مَلَكوتِ الله، فكانَ لي بِهِمِ العَزاء. يُسَلِّمُ علَيكم أَبَفْراسُ ٱبنُ بَلَدِكم، وهو عَبْدٌ لِلمسيحِ يسوع لا يَنفَكُّ يُجاهِدُ عنكم في صَلَواتِه لِتَثبُتوا كامِلينَ تامِّينَ في العَمَلِ بِكُلِّ مَشيئَةٍ للهٍ. وإِنِّي أَشهَدُ لَه بَأَنَّه يَتعَبُ كَثيرًا مِن أَجْلِكم ومِن أَجْلِ الَّذينَ في اللاَّذِقِيَّة وهيرابولِس. يُسَلِّمُ علَيكم لوقا الطَّبيبُ الحَبيبُ ودِيماس. سَلِّموا على الإِخوَةِ الَّذينَ في اللاَّذِقِيَّة وعلى نَمْفاس وعلى الكَنيسةِ المُجتَمِعَةِ في بَيتِه. فإِذا قُرِئَت هٰذه الرِّسالَةُ عليكم، فٱسعَوا لأَن تُقرَأَ في كَنيسةِ اللاَّذِقِيَّةِ أَيضًا، ولأَن تَقرَأُوا أَنتُم أَيضًا رِسالَةَ اللاَّذِقِيَّة. قولوا لأَرْخِبُّس: «تَنَبَّهْ لِلخِدمَةِ الَّتي تَلَقَّيتَها في الرَّبّ فقُمْ بِها خَيرَ قِيام». هٰذا السَّلامُ بِخَطِّ يَدي أَنا بولُس. أُذكُروا قُيودي. علَيكُمُ النِّعمَة! مِن بولُسَ وسِلْوانُسَ وطيموتاوُس إِلى كَنيسةِ أَهْلِ تَسالونيقِيَ الَّتي في اللهِ الآب والرَّبِّ يسوعَ المسيح. علَيكُم النِّعمَةُ والسَّلام. نَشكُرُ اللهَ دائِمًا في أَمْرِكم جَميعًا ونَذكُرُكم في صَلَواتِنا، ولا نَنفَكُّ نَذكُرُ ما أَنتُم علَيه مِن نَشاطِ الإِيمانِ وجَهْدِ المَحَبَّةِ وثَباتِ الرَّجاءِ بَرَبِّنا يسوعَ المسيح، في حَضرَةِ إِلٰهِنا وأَبينا. إِنَّنا نَعلَمُ، أَيُّها الإِخوَة، أَحِبَّاءُ الله، أَنَّكم مِنَ المُختارين، لأَنَّ بِشارَتَنا لم تَصِرْ إِلَيكم بِالكَلامِ وَحْدَه، بل بِعَمَلِ القُوَّةِ وبِالرُّوحِ القُدُسِ وبِاليَقينِ التَّامّ. هٰذا وإِنَّكم تَعلَمونَ كَيفَ كُنَّا بَينَكم لِخَيرِكم، وٱقتَدَيتُم أَنتُم بِنا وَبِالرَّبّ، مُتَقَبِّلينَ كَلِمَةَ اللهِ بِفَرَحٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، مع أَنَّكم في شِدَّةٍ كَبيرَة، فصِرتُم في ذٰلِك مِثالاً لِجَميعِ المُؤمِنينَ في مَقْدونِيةَ وآخائِية. ذٰلِك أَنَّه مِن عِندِكُم ٱنطَلَقَت كَلِمَةُ الرَّبّ، لا في مَقْدونِيةَ وآخائِيةَ فَقَط، بلِ ٱنتَشَرَ خَبَرُ إِيمانِكم بِاللهِ في جَميعِ الأَماكِن حتَّى إِنَّنا لا نَحْتاجُ إِلى التَّحَدُّثِ بِه. فهُم يُخبِرونَ أَيَّ ٱستِقْبالٍ لَقينا عِندَكم وكَيفَ ٱهتَدَيتُم إِلى الله وتَرَكتُمُ الأَوثانِ لِتَعمَلوا للهِ الحَقِّ الحَيّ وتَنتَظِروا أَن يَأتِيَ مِنَ السَّمَواتِ ٱبنُه الَّذي أَقامَه مِن بَينِ الأَمْوات، أَلا وهو يسوعُ الَّذي يُنَجِّينا مِنَ الغَضَبِ الآتي. وتَعلَمونَ أَنتُم، أَيُّها الإِخوَة، أَنَّ مَجيئَنا إِلَيكم لم يَكُن باطِلاً، فقَد لَقِينا في فيلِبِّيَ العَذابَ والإِهانَةَ كما تَعلَمون، ولٰكِنَّنا جَرُؤْنا، لِثِقَتِنا بِإِلٰهِنا، أَن نُكلِّمَكم بِبِشارةِ الله في جِهادٍ كَثير. فلَيسَ وَعْظُنا عن ضَلالٍ ولا فُجورٍ ولا مَكْر، بل كَلامُنا كَلامُ مَنِ ٱختَبَرَهُمُ اللهُ لِكَي يَأتَمِنَهم على البِشارة، لا لِنُرضِيَ النَّاس، بل لِنُرضِيَ اللهَ الَّذي يَختَبِرُ قُلوبَنا. فلَم نَنطِقْ بِكَلِمَةِ تَملُّقٍ قَطّ، كما تَعلَمون، ولا أَضمَرْنا طَمَعًا، يَشهَدُ الله، ولا طَلَبْنا المَجْدَ مِنَ النَّاس، لا مِنكُم ولا مِن غَيرِكم، مع أَنَّه كانَ مِن حَقِّنا أَن نَفرِضَ أَنفُسَنا لأَنَّنا رُسُلُ المسيح. لٰكِن لَطَفْنا بِكُم كما تَحتَضِنُ المُرضِعُ أَولادَها. وبَلَغَ مِنَّا الحُنُوُّ علَيكم أَنَّنا وَدِدْنا لو نَجودُ علَيكم، لا بِبِشارة اللهِ فَقَط، بل بِأَنفُسِنا أَيضًا، لأَنَّكم أَصبَحتُم أَحِبَّاءَ إِلَينا، فإِنَّكم تَذكُرونَ، أَيُّها الإِخوَة، جَهْدَنا وكَدَّنا، فقَد بَلَّغْناكم بِشارةَ الله ونَحنُ نَعمَلُ في اللَّيلِ والنَّهارِ لِئَلاَّ نُثَقِّلَ على أَحَدٍ مِنكم. وأَنتُم شُهودٌ واللهُ شاهِدٌ أَيضًا كَيفَ عامَلْناكم، أَنتُمُ المُؤمِنين، مُعامَلَةً بارَّةً عادِلَة لا يَنالُها لَوم. فقَد عامَلْنا كُلًّا مِنكم كما يُعامِلُ الأَبُ أَولادَه، كما تَعلَمون، فوَعَظْناكم وشَدَّدْناكم وناشَدْناكم أَن تَسيروا سيرةً جَديرةً بِاللهِ الَّذي يَدْعوكم إِلى مَلَكوتِه ومَجْدِه. ولِذٰلِكَ فإِنَّنا لا نَنفَكُّ نَشكُرُ اللهَ على أَنَّكم، لَمَّا تَلقَّيتُم ما أَسمَعْناكم مِن كَلِمَةِ الله، لم تَتَقَبَّلوه تَقَبُّلَكم لِكَلِمَةِ بَشَر، بل لِكَلِمَةِ اللهِ حَقًّا تَعمَلُ فيكم أَنتُمُ المُؤمِنين. فٱقتَدَيتُم، أَيُّها الإِخوَة، بِالكَنائِسِ الَّتي بِاليَهودِيَّة، في المسيحِ يسوع. فقَد عانَيتُم أَنتُم أَيضًا مِن أَبناءِ وطَنِكم ما عانى أُولٰئِك مِنَ اليَهود. فهمُ الَّذينَ قَتَلوا الرَّبَّ يسوعَ والأَنبِياءَ وٱضطَهَدونا، وهمُ الَّذينَ لا يُرْضونَ اللهَ ويُعادونَ جَميعَ النَّاس فيَمنَعونَنا أَن نُكَلِّمَ الوَثَنِيِّينَ لِيَنالوا الخَلاص، فيَبلُغونَ بِخَطاياهم إِلى أَقْصى حَدٍّ دائِمًا أَبَدًا، ولٰكِنَّ الغَضَبَ نَزَلَ علَيهِم آخِرَ الأَمْر. أَمَّا نَحنُ، أَيُّها الإِخوَة، فإِنَّ ٱنفِصالَنا عَنكم حينًا، بِالوَجْهِ لا بِالقَلْب، زادَنا تَطَلُّعًا إِلى رُؤيَةِ وَجهِكم لِشِدَّةِ شَوقِنا إِلَيكم. ولِذٰلك أَرَدْنا أَن نَجيءَ إِلَيكم، وأَرَدتُ أَنا بولُسَ ذٰلِكَ مَرَّةً، بل مَرَّتَين، فعاقَنا الشَّيطان. فمَن هو رَجاؤُنا وفَرَحُنا وإِكليلُ فَخْرِنا عِندَ رَبِّنا يسوعَ يَومَ مَجيئِه؟ أَوَما هو أَنتُم؟ بَلى، أَنتُم مَجْدُنا وفَرَحُنا. ولَمَّا فَرَغَ صَبْرُنا، فضَّلْنا البَقاءَ وَحْدَنا في آثينة، فبَعَثْنا بِطيموتاوُسَ أَخينا ومُعاوِنِ اللهِ في إِعْلانِ بِشارةِ المسيح لِيُثَبِّتَكم ويُؤَيِّدَكم في إِيمانِكم لِئَلاَّ يَتَزَعزَعَ أَحَدٌ في هٰذِه الشَّدائِد، فإِنَّكم تَعلَمونَ أَنَّنا جُعِلْنا لِذٰلِكَ. ولَمَّا كُنَّا عِندَكم، كُنَّا نُنبِئُكم أَنَّنا سنُعاني الشَّدائِد، وذٰلِكَ ما حَدَثَ كما تَعلَمون. ولِهٰذا فَرَغَ صَبْري فَبَعثتُ لأَستَخبِرَ عن إيمانِكم، خَوفًا مِن أَن يَكونَ المُجرِّبُ قد جَرَّبَكم فيَصيرَ جَهْدُنا باطِلاً. أَمَّا الآنَ وقد رَجَعَ إِلَينا طيموتاوُس مِن عِندِكم وبَشَّرَنا بِما أَنتُم علَيه مِن إِيمانٍ ومَحَبَّة وقالَ لَنا إِنَّكم تَذكُرونَنا بِالخَيرِ دائِمًا وتَشتاقونَ رُؤيَتنا كما نَشتاقُ رُؤيَتَكم، فكانَ لَنا مِن إِيمانِكم، أَيُّها الإِخوة، ما شَدَّدَنا في أَمرِكم، في جَميعِ ما نُعانيهِ مِنَ الضِّيقِ والشِّدَّة. فقَد عادَتِ الحَياةُ إِلَينا الآن لأَنَّكم ثابِتونَ في الرَّبّ. فأَيُّ شُكْرٍ بِوُسْعِنا أَن نُؤدِّيَه إِلى اللهِ فيكُم على كُلِّ الفَرَحِ الَّذي فَرِحْناه بِسَبَبِكم في حَضرَةِ إِلٰهِنا ونَحنُ نَسأَلُه لَيلَ نَهارَ مُلِحِّينَ بِشِدَّةٍ أَن نَرى وَجْهَكم ونُكمِّلَ ما نَقَصَ مِن إِيمانِكم؟ عَسى أَن يُمَهِّدَ طَريقَنا إِلَيكمُ اللهُ أَبونا نَفسُه ويسوعُ رَبُّنا، وعَسى أَن يَزيدَ الرَّبُّ ويُنمِيَ مَحَبَّةَ بَعضِكم لِبَعْضٍ ولِجَميعِ النَّاسِ على مِثالِ مَحَبَّتِنا لَكم، ويُثَبِّتَ قُلوبَكم فلا يَنالَها لَومٌ في القَداسةِ في حَضرَةِ إِلٰهِنا وأَبينا لدى مَجيءِ رَبِّنا يسوعَ المسيح يُواكِبُه جَميعُ قِدِّيسيه! أَمَّا بَعْدُ فنَسأَلُكُم، أَيُّها الإِخوَة، ونُناشِدُكُمُ الرَّبَّ يسوع: قد تَعَلَّمتُم مِنَّا أَيَّ سيرةٍ يَجِبُ أَن تَسيروا لإِرضاءِ الله، وهي السِّيرةُ الَّتي تَسيرونَها اليَوم، فٱزْدادوا تَقَدُّمًا فيها. فإِنَّكم تَعرِفونَ ما هي الوَصايا الَّتي أَوصَيناكم بِها مِن قِبَلِ الرَّبِّ يسوع. إِنَّ مَشيئَةَ اللهِ إِنَّما هي تَقْديسُكم، ذاك بِأَن تَجتَنِبوا الزِّنى وأَن يُحسِنَ كُلٌّ مِنكُمُ ٱتِّخاذَ ٱمرَأَةٍ في القَداسةِ والحُرمَة فلا يَدَعَ الشَّهوَةَ تَستَولي علَيه كما تَستَولي على الوَثَنِيِّينَ الَّذينَ لا يَعرِفونَ الله، ولا يُلحِقَ بِأَخيه أَذًى أَو ظُلْمًا في هٰذا الشَّأن، لأَنَّ الرَّبَّ يَنتَقِمُ في هٰذه الأَشياءِ كُلِّها، كَما قُلْنا لَكم قَبْلاً وشَهِدْنا بِه، فإِنَّ اللهَ لم يَدْعُنا إِلى النَّجاسَة، بل إِلى القَداسة. فمَنِ ٱستَهانَ إِذًا بِذٰلِك التَّعْليم لا يَستَهينُ بإِنسان، بل يَستَهينُ بِاللهِ الَّذي يَهَبُ لَكم رُوحَه القُدُّوس. أَمَّا المَحبَّةُ الأَخوِيَّة فلا حاجَةَ بِكُم إِلى أَن يُكتَبَ إِلَيكم فيها لأَنَّكم تَعلَّمتُم مِنَ اللهِ أَن يُحِبَّ بَعضُكم بَعضًا، وبِذٰلِك تُعامِلونَ جَميعَ الإِخوَةِ في مَقْدونِيةَ كُلِّها. فنَسأَلُكم، أَيُّها الإِخوَة، أَن تَزْدادوا فيها وأَن تَطمَحوا إِلى أَن تَعيشوا عِيشةً هادِئَة وتُشغَلوا بِما يَعْنيكم وتَعمَلوا بِأَيْديكم كما أَوصَيناكم، فتَسيروا سيرةً كَريمةً في نَظَرِ الَّذينَ في خارِجِ الكَنيسة ولا تَكونَ بِكُم حاجةٌ إِلى أَحَد. ولا نُريدُ، أَيُّها الإِخوَة، أَن تَجهَلوا مَصيرَ الأَموات لِئَلاَّ تَحزَنوا كَسائِرِ النَّاسِ الَّذينَ لا رَجاءَ لَهم. فأَمَّا ونَحنُ نُؤمِنُ بِأَنَّ يَسوعَ قد ماتَ ثُمَّ قام، فكَذٰلِك سيَنقُلُ اللهُ بِيَسوعَ ومعَه أُولٰئِكَ الَّذينَ ماتوا. فإِنَّنا نَقولُ لَكم عن قَولِ الرَّبّ: إِنَّنا نَحنُ الأَحياءَ الباقينَ إِلى مَجيءِ الرَّبِّ لن نَتَقَدَّمَ الأَموات، لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَه، عِندَ إِعْلانِ الأَمْر، عِندَ ٱنطِلاقِ صَوتِ رَئيسِ المَلائِكة والنَّفْخِ في بُوقِ الله، سيَنزِلُ مِنَ السَّماء فيَقومُ أَوَّلاً الَّذينَ ماتوا في المسيح، ثُمَّ إِنَّنا نَحنُ الأَحياءَ الباقين سنُخطَفُ معَهم في الغَمام، لِمُلاقاةِ المسيحِ في الجَوّ، فنَكونُ هٰكذا مع الرَّبِّ دائِمًا أَبَدًا. فلْيُشَدِّدْ بَعضُكم بَعضًا بِهٰذا الكَلام. أَمَّا الأَزمِنَةُ والأَوقات فلا حاجةَ بِكُم، أَيُّها الإِخوَة، أَن يُكتَبَ إِلَيكم فيها لأَنَّكم تَعرِفونَ حَقَّ المعرِفَة أَنَّ يَومَ الرَّبِّ يَأتي كَالسَّارِقِ في اللَّيل. فحِينَ يَقولُ النَّاس: سَلامٌ وأَمان، يأخُذُهمُ الهَلاكُ بَغتَةً كما يأخُذُ المَخاضُ الحامِلَ بَغتَةً، فلا يَستَطيعونَ النَّجاة. أَمَّا أَنتُم، أَيُّها الإِخوَة، فلَستُم في الظُّلُماتِ حتَّى يُفاجِئَكم ذٰلِك اليَومُ مُفاجَأةَ السَّارِق، لأَنَّكم جَميعًا أَبناءُ النُّورِ وأَبناءُ النَّهار. لَسْنا نَحنُ مِنَ اللَّيلِ ولا مِنَ الظُّلُمات. فلا نَنامَنَّ كما يَفعَلُ سائِرُ النَّاس، بل علَينا أَن نَسهَرَ ونَحنُ صاحون. فالَّذينَ يَنامونَ إِنَّما هم في اللَّيلِ يَنامون، والَّذينَ يَسكَرونَ إِنَّما هم في اللَّيلِ يَسكَرون. أَمَّا نَحنُ أَبناءَ النَّهار فلْنَكُنْ صاحين، لابِسينَ دِرْعَ الإِيمانِ والمَحبَّة وخُوذَةَ رَجاءِ الخَلاص، لأَنَّ اللهَ لم يَجعَلْنا لِلغَضَب، بل لِلحُصولِ على الخَلاصِ بِرَبِّنا يسوعَ المسيحِ الَّذي ماتَ مِن أَجْلِنا لِنَحْيا معًا مُتَّحِدينَ بِه، أَساهِرينَ كُنَّا أَم نائِمين. فلْيُشَدِّدْ بَعضُكم بَعضًا ولْيَبْنِ أَحَدُكُمُ الآخَرَ كما تَفعَلون. نَسأَلُكم، أَيُّها الإِخوَة، أَن تُكرِموا الَّذينَ يَجهَدونَ بَينَكم ويَرعَونَكم في الرَّبِّ ويَنصَحونَكم، وأَن تُعَظِّموا شَأنَهم بِمُنتَهى المَحبَّةِ مِن أَجْلِ عَمَلِهم. عيشوا بِسَلامٍ فيما بَينَكُم. ونُناشِدُكم، أَيُّها الإِخوَة، أَن تَنصَحوا الَّذينَ يَسيرونَ سيرةً باطِلة وتُشَدِّدوا قَليلي الهِمَّة وتُسانِدوا الضُّعَفاء وتَصبِروا على جَميعِ النَّاس. إِحتَرِسوا أَن يُجازِيَ أَحَدٌ شَرًّا بِشَرّ، بل لِيَطلُبِ الخَيرَ دائِمًا بَعضُكم لِبَعْض وٱطلُبوه لِجَميعِ النَّاس. إِفرَحوا دائِمًا، لا تَكُفُّوا عن الصَّلاة، أُشكُروا على كُلِّ حال، فتِلكَ مَشيئَةُ اللهِ لَكم في المسيحِ يسوع. لا تُخمِدوا الرُّوح، لا تَزدَروا النُّبُوَّات، بلِ ٱختَبِروا كُلَّ شَيءٍ وتَمسَّكوا بِالحَسَن. إِجتَنِبوا كُلَّ نَوعٍ لِلشَّرّ. قَدَّسَكم إِلٰهُ السَّلامِ نَفْسُه تَقديسًا تامًّا وحَفِظَكم سالِمينَ رُوحًا ونَفْسًا وجَسَدًا، لا يَنالُكم لَوم، في مَجيءِ رَبِّنا يسوعَ المسيح! إِنَّ الَّذي دَعاكم أَمين، وهو الَّذي سيَعمَل. أَيُّها الإِخوَة، صَلُّوا مِن أَجلِنا أَيضًا. سَلِّموا على جَميعِ الإِخوَةِ بِقُبلَةٍ مُقَدَّسة. أَستَحلِفُكم بِالرَّبِّ أَن تُقرَأَ هٰذِهِ الرِّسالَةُ على الإِخوَةِ أَجمَعين. علَيكم نِعمَةُ رَبِّنا يسوعَ المسيح. مِن بولُسَ وسِلْوانُسَ وطيموتاوُس إِلى كَنيسةِ أَهْلِ تَسالونيقيَ الَّتي في اللهِ أَبينا والرَّبِّ يسوعَ المسيح. علَيكمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ الآب والرَّبِّ يسوعَ المسيح. علَينا أَن نَشكُرَ اللهَ دائِمًا في أَمْرِكم، أَيُّها الإِخوَة. وهٰذا حَقٌّ لأَنَّ إِيمانَكم يَنْمو نُمُوًّا شَديدًا ومَحبَّةَ كُلٍّ مِنكم جَميعًا لِلآخَرينَ تَزدادُ بَينَكم، حتَّى بِتْنا أَنْفُسُنا نَفتَخِرُ بِكُم في كَنائِسِ الله لِما أَنتُم علَيه مِنَ الثَّباتِ والإِيمانِ في جَميعِ ما تَحتَمِلونَ مِنَ الاِضْطِهاداتِ والشَّدائِد. وفي ذٰلِك دَليلٌ على قَضاءِ اللهِ العادِل لِتُؤَهَّلوا لِمَلَكوتِ اللهِ الَّذي في سَبيلِه تَتأَلَّمون. فإِنَّه مِنَ العَدْلِ عِندَ اللهِ أن يُجازِيَ بِالضِّيقِ أُولٰئِكَ الَّذينَ يُضايِقونَكم وأَن يُجازِيَكم أَنتُمُ المُضايَقينَ وإِيَّانا بِالرَّاحَة عِندَ ظُهورِ الرَّبِّ يَسوع، يَومَ يَأتي مِنَ السَّماءِ تُواكِبُه مَلائِكَةُ قُدرَتِه في لَهَبِ نار ويَنتَقِمُ مِنَ الَّذينَ لا يَعرِفونَ الله ولا يُطيعونَ بِشارَةَ رَبِّنا يسوع. فإِنَّهم سيُعاقَبونَ بِالهَلاكِ الأَبَدِيّ مُبعَدينَ عن وَجْهِ الرَّبِّ وعَن قُوَّتِه المَجيدة، إِذا جاءَ في ذٰلِكَ اليَومِ لِيُمَجَّدَ في قِدِّيسيه ويُعجَبَ بِه في جَميعِ الَّذينَ آمَنوا، وقد قُبِلَت شَهادَتُنا عِندَكم بإِيمان. لِذٰلِك نُصلِّي مِن أَجلِكم دائِمًا، عَسى أَن يَجعَلَكم إِلٰهُنا أَهْلاً لِدَعوتِه وأَن يُتِمَّ بِقُدرَتِه كُلَّ رَغبَةٍ في الصَّلاحِ وكُلَّ نَشاطِ إِيمان، لِيُمَجَّدَ فيكمُ ٱسمُ رَبِّنا يسوع وتُمجَّدوا أَنتُم فيه وَفْقًا لِنِعمَةِ إِلٰهِنا والرَّبِّ يسوعَ المسيح. ونَسأَلُكم أَيُّها الإِخوَة، في أَمْرِ مَجيءِ رَبِّنا يسوعَ المسيحِ وٱجتِماعِنا لَدَيه، أَلاَّ تَكونوا سَريعي التَّزَعزُعِ في رُشْدِكم وسَريعي الفَزَعِ مِن نُبُوَّةٍ أَو قَولٍ أَو رِسالَةٍ يُزعَمُ أَنَّها مِنَّا تَقولُ إِنَّ يَومَ الرَّبِّ قد حان. لا يَخدَعَنَّكم أَحَدٌ بِشَكْلٍ مِنَ الأَشكال. فلا بُدَّ قَبلَ ذٰلِكَ أَن يَكونَ ٱرتِدادٌ عنِ الدِّين، وأَن يَظهَرَ رَجُلُ الإِلْحاد، اِبْنُ الهَلاك، الَّذي يُقاوِمُ ويُناصِبُ كُلَّ ما يَحمِلُ ٱسمَ الله أَو ما كانَ مَعبودًا، حتَّى إِنَّه يَجلِسُ في هَيكَلِ الله ويُعلِنُ نَفْسَه إِلٰهًا. أَما تَذكُرونَ أَنِّي لَمَّا كُنتُ عِندَكم قُلتُ لَكم ذٰلِك مِرارًا؟ وأَمَّا الآن فتَعرِفونَ ما يَعوقُه عنِ الظُّهورِ إِلاَّ في حِينِه. فإِنَّ سِرَّ الإِلْحادِ قد أَخَذَ في العَمَل. ولٰكن يَكْفي أَن يُنَحَّى العائِقُ عنِ السَّبيل، وعِندَئِذٍ يَظهَرُ المُلْحِد، ذاكَ الَّذي سيُبيدُه الرَّبُّ يَسوعُ بِنَفَسٍ مِن فَمِه ويَمحَقُه بِضِياءِ مَجيئِه. ويَكونُ مَجيءُ المُلْحِدِ بِعَمَلٍ مِنَ الشَّيطان فَيجْرِي مُختَلِفَ المُعجِزاتِ والآياتِ والأَعاجيبِ الكاذِبة ومُختَلِف خَدائِعِ الباطِلِ لِلَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الهَلاك، لأَنَّهم لم يَتَقبَّلوا حُبَّ الحَقِّ فيَنالوا الخَلاص. لِذٰلِك يُرسِلُ اللهُ إِلَيهِم ما يَعمَلُ على ضَلالِهِم فيَحمِلُهم على تَصْديقِ الكَذِب، لِيُدانَ جَميعُ الَّذينَ لم يُؤمِنوا بِالحَقّ، بلِ ٱرتَضَوا بِالباطِل. أَمَّا نَحنُ فعَلينا أَن نَشكُرَ اللهَ دائِمًا في أَمرِكم، أَيُّها الإِخوَة، يا أَحِبَّاء الرَّبّ، لأَنَّ اللهَ ٱخْتارَكم مُنذُ البَدْءِ لِيُخَلِّصَكم بِالرُّوحِ الَّذي يُقَدِّسُكم والإِيمانِ بِالحَقّ. إِلى ذٰلِك دَعاكم بِبِشارَتِنا لِتنالوا مَجْدَ رَبِّنا يسوعَ المسيح. فٱثبُتوا إِذًا، أَيُّها الإِخوَة، وحافِظوا على السُّنَنِ الَّتي أَخَذتُموها عَنَّا، إِمَّا مُشافَهةً وإِمَّا مُكاتَبةً. عَسى رَبُّنا يسوعُ المسيحُ نَفْسُه واللهُ أَبونا الَّذي أَحَبَّنا وأَنعَمَ علَينا بِعَزاءٍ أَبَدِيٍّ ورَجاءٍ حَسَن أَن يُعَزِّيا قُلوبَكم ويُثَبِّتاها في كُلِّ صالِحٍ مِن عَمَلٍ وقَول. وبَعدُ، أَيُّها الإِخوَة، فصَلُّوا مِن أَجلِنا لِتُتابِعَ كَلِمَةُ الرَّبِّ جَرْيَها ويَكونَ لَها مِنَ الإِكرامِ ما كانَ لَها عِندَكم ونَنجُوَ مِن قَومِ السُّوءِ الأَشْرار، فالإيمانُ ليسَ مِن نَصيبِ جَميعِ النَّاس. ولٰكِنَّ الرَّبَّ أَمينٌ سيُثبِّتُكم ويَحفَظُكم مِنَ الشِّرِّير. وإِنَّنا لَواثِقونَ في الرَّبِّ بِشَأنِكم أَنَّ ما أَوصَيناكم بِه تَعمَلونَه وستُتابِعونَ عَمَلَه. هَدى الرَّبُّ قُلوبَكم إِلى مَحبَّةِ اللهِ وثَباتِ المسيح! ونُوصيكم أَيُّها الإِخوَة، بِٱسمِ الرَّبِّ يسوعَ المسيح، أَن تَبتَعِدوا عن كُلِّ أَخٍ يَسيرُ سيرةً باطِلَة خِلافًا لما أَخذتُم عَنَّا مِن سُنَّة. فإِنَّكم تَعلَمونَ كَيفَ يَجبُ أَن تَقتَدوا بِنا. فنَحنُ لم نَسِرْ بَينَكم سيرةً باطِلَة ولا أَكَلْنا الخُبْزَ مِن أَحَدٍ مَجَّانًا، بل عَمِلْنا لَيلَ نَهارَ بِجِدٍّ وكَدّ لِئَلاَّ نُثَقِّلَ على أَحَدٍ مِنكُم: لا لأَنَّه لم يَكُنْ لَنا حَقٌّ في ذٰلِك، بل لأَنَّنا أَرَدْنا أَن نَجعَلَ مِن أَنْفُسِنا قُدوَةً تَقتَدونَ بِها. فلَمَّا كُنَّا عِندَكم كُنَّا نوصيكم هٰذه الوَصِيَّة: إِذا كان أَحدٌ لا يُريدُ أَن يَعمَل فلا يَأكُل. وقد بَلَغَنا أَنَّ بَينَكم قَومًا يَسيرونَ سيرةً باطِلَة ولا شُغْلَ لَهم سِوى أَنَّهم بِكُلِّ شَيءٍ مُتَشاغِلون. فهٰؤُلاءِ نُوصِيهِم ونُناشِدُهُمُ الرَّبَّ يسوعَ المسيح أَن يَعمَلوا بِهُدوءٍ ويَأكُلوا مِن خُبْزِهِم. أَمَّا أَنتُم، أَيُّها الإِخوَة، فلا تَفتُرْ هِمَّتُكم في عَمَلِ الخَير. وإِذا كانَ أَحَدٌ لا يُطيعُ كَلامَنا في هٰذِه الرِّسالة فَنَبِّهوا إِلَيه ولا تُخالِطوه لِيَخجَل، ولا تَعُدُّوه عَدُوًّا، بلِ ٱنصَحوه نُصحَكم لأَخ. لِيُعطِكُمُ السَّلامَ رَبُّ السَّلامِ نَفْسُه في كُلِّ حين وفي كُلِّ حال! لِيَكُنِ الرَّبُّ معَكم أَجمَعين! هٰذا السَّلامُ بِخَطِّ يَدي أَنا بولُس. تِلكَ عَلامَتي في جَميعِ رِسائِلي، وهٰذِه هي كِتابَتي. علَيكم جَميعًا نِعمَةُ رَبِّنا يسوعَ المسيح! مِن بولُسَ رَسولِ المسيحِ يسوع بِأَمرِ اللهِ مُخَلِّصِنا والمسيحِ يسوعَ رَجائِنا، إِلى طيموتاوُسَ ٱبنِيَ المُخلِصِ في الإِيمان. علَيكَ النِّعمَةُ والرَّحْمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ الآب والمسيحِ يسوعَ ربِّنا. سَأَلتُك، وأَنا ذاهِبٌ إِلى مَقْدونِيَة، أَن تَظَلَّ في أَفَسُس لِتُوصِيَ بَعضَ النَّاسِ أَلاَّ يُعلِّموا تَعْليمًا آخَر ولا يَنصَرِفوا إِلى خُرافاتٍ وأَنْسابٍ لَيسَ لَها نِهاية، تُثيرُ المُجادَلاتِ أَكثَرَ مِمَّا تَعمَلُ لِلتَّدْبيرِ الإِلٰهيِّ الَّذي يَتِمُّ بِالإِيمان. وما غايَةُ هٰذِه الوَصِيَّةِ إِلاَّ المَحبَّةُ الصَّادِرةُ عن قَلْبٍ طاهِرٍ وضَميرٍ سليمٍ وإِيمانٍ لا رِياءَ فيه، وقد حادَ بَعضُهم عن هٰذِه الخِصال فضَلُّوا في الكَلامِ الباطِل وٱدَّعَوا أَنَّهم مُعَلِّمو الشَّريعة، مَعَ أَنَّهم لا يُدرِكونَ ما يَقولونَ ولا ما يُثْبِتون. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ الشَّريعةَ حَسَنة إِذا ٱستُعمِلَتِ ٱستِعْمالاً شَرعِيًّا، لأَنَّنا نَعرِفُ أَنَّ الشَّريعةَ لم تُسَنَّ لِلبارّ، بل لِلأَثَمَةِ العُصاة، لِلْكافِرينَ الخاطِئِين، لِمُستَبيحي المُحَرَّماتِ ومُدَنِّسيها، لِقاتِلي آبائِهِم وأُمَّهاتِهِم، لِسَفَّاكي الدِّماءِ والزُّناة، لِلُّوطِيِّينَ والنَخَّاسين، لِلكَذَّابينَ والحانِثين ولِكُلِّ مَن يُقاوِمُ التَّعليمَ السَّليم. هٰكذا وَرَدَ في بِشارةِ مَجْدِ اللهِ السَّعيد، تِلكَ البِشارةِ المَجيدةِ الَّتي علَيها ٱئتُمِنْتُ. أَشكُرُ لِلمَسيحِ يسوعَ رَبَّنا الَّذي مَنَحَني القُوَّة أَنَّه عَدَّني ثِقَةً فأَقامَني لِخِدمَتِه، أَنا الَّذي كانَ في ما مَضى مُجَدِّفًا مُضطَهِدًا عنيفًا، ولٰكِنِّي نِلْتُ الرَّحمَة لأَنِّي كُنتُ أَفعَلُ ذٰلِكَ بِجَهالَة، إِذ لم أَكُنْ مُؤمِنًا، ففاضَت عَلَيَّ نِعمَةُ رَبِّنا مع الإِيمانِ والمحبَّةِ في المسيحِ يسوع. إِنَّه لَقَولُ صِدْقٍ جَديرٌ بِالتَّصْديقِ على الإِطْلاق، وهو أَنَّ المسيحَ يَسوعَ جاءَ إِلى العالَم لِيُخَلِّصَ الخاطِئِين، وأَنا أَوَّلُهم فإِنِّي ما نِلْتُ الرَّحمَةَ إِلاَّ لِيُظْهِرَ المسيحُ يسوعُ طُولَ أَناتِه فِيَّ أَوَّلاً ويَجعَلَ مِنِّي مَثَلاً لِلَّذينَ سَيُؤْمِنونَ بِه، في سَبيلِ الحَياةِ الأَبَدِيَّة. لِمَلِكِ الدُّهور، الإِلٰهِ الواحِدِ الخالِدِ الَّذي لا يُرى، الإِكْرامُ والمَجْدُ أَبَدَ الدُّهور. آمين. أَستَودِعُكَ هٰذِه الوَصِيَّة، يا ٱبني طيموتاوُس، وَفْقًا لِما سَبَقَ فيكَ مِنَ النُّبُوَّات، لِتَستَنِدَ إِلَيها وتُجاهِدَ أَحسَنَ جِهاد بِالإِيمانِ والضَّميرِ السَّليمِ الَّذي نَبَذَه بَعضُهم فٱنكَسَرَت بِهِم سَفينةُ الإِيمان. مِن بَينِهم هُمَنايُس والإِسكَندَرُ اللَّذانِ أَسلَمتُهُما إِلى الشَّيطان لِيَتَعَلَّما الكَفَّ عنِ التَّجْديف. فأَسأَلُ قَبلَ كُلَّ شَيءٍ أَن يُقامَ الدُّعاءُ والصَّلاةُ والِٱبتِهالُ والشُّكرُ مِن أَجْلِ جَميعِ النَّاس ومِن أَجْلِ المُلوكِ وسائِرِ ذَوي السُّلْطَة، لِنَحْيا حَياةً سالِمةً مُطمَئِنَّةً بِكُلِّ تَقْوى ورَصانة. فهٰذا أَمْرٌ حَسَنٌ ومَرضِيٌّ عِندَ اللهِ مُخَلِّصِنا، فإِنَّه يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ، لأَنَّ اللهَ واحِد، والوَسيطَ بَينَ اللهِ والنَّاسِ واحِد، وهو إِنْسان، أَيِ المسيحُ يسوعُ الَّذي جادَ بِنَفْسِه فِدًى لِجَميعِ النَّاس. تِلكَ شَهادةٌ أُدِّيَت في الأَوقاتِ المُحَدَّدَةِ لَها وأُقِمتُ أَنا لَها داعِيًا ورَسولاً - أَقولُ الحَقَّ ولا أَكذِب - مُعَلِّمًا لِلوَثَنِيِّينَ في الإِيمان والحَقّ. فأُريدُ أَن يُصَلِّيَ الرِّجالُ في كُلِّ مَكانٍ رافِعينَ أَيدِيًا طاهرة، مِن غَيرِ غَضَبٍ ولا خِصام. وكذٰلِك لِيكُنْ على النِّساءِ لِباسٌ فيه حِشمَة، ولْتَكُنْ زِينتُهُنَّ بِحَياءٍ ورَزانَة، لا بِشَعْرٍ مَجْدولٍ وذَهَبٍ ولُؤْلُؤٍ وثِيابٍ فاخِرة، بل بِأَعمالٍ صالِحةٍ تَليقُ بِنِساءٍ تَعاهَدْنَ تَقْوى الله. وعلى المَرأَةِ أَن تَتَلَقَّى التَّعليم وهي صامِتةٌ بِكُلِّ خُضوع. ولا أُجيزُ لِلمَرأَةِ أَن تُعَلِّم ولا أَن تَتَسَلَّطَ على الرَّجُل، بل تُحافِظُ على السُّكوت. فإِنَّ آدَمَ هو الَّذي جُبِلَ أَوَّلاً وبَعدَه حَوَّاء. ولَم يُغْوَ آدَم، بلِ المَرأَةُ هي الَّتي أُغوِيَت فَوَقَعَت في المَعصِيَة. غَيرَ أَنَّ الخَلاصَ يَأتيها مِنَ الأُمومَة إِذا ثَبَتَت على الإِيمانِ والمَحبَّةِ والقَداسةِ مع الرَّزانَة. إِنَّه لَقَولُ صِدْقٍ أَنَّ مَن رَغِبَ في الأُسقُفِيَّة تَمَنَّى عَمَلاً شَريفًا. فعَلى الأُسقُفِ أَن لا يَنالَه لَوم، وأَن يَكونَ زَوجَ ٱمرَأَةٍ واحِدة، وأَن يَكونَ قَنوعًا رَزينًا مُهَذَّبًا مِضْيافًا، أَهْلاً لِلتَّعْليم، غَيرَ مُدمِنٍ لِلخَمْرِ ولا مُشاجِرًا، بل حَليمًا لا يُخاصِمُ ولا يُحِبُّ المال، يُحسِنُ رِعايَةَ بَيتِه ويَحمِلُ أَولادَهُ على الخُضوعِ بِكُلِّ رَصانَة. فكَيفَ يُعْنى بِكَنيسةِ اللهِ مَن لا يُحسِنُ رِعايَةَ بَيتِه؟ ويَنبَغي أَن لا يَكونَ حَديثَ الإِيمان لِئَلاَّ تُعْمِيَه الكِبرِياء فيَنزِلَ بِه الحُكمُ الَّذي نَزَلَ بإِبْليس. وعلَيه أَيضًا أن يَشهَدَ لَه الَّذينَ في خارِجِ الكَنيسةِ شَهادةً حَسَنَة لِئَلاَّ يَقَعَ في العارِ وفي فَخِّ إِبْليس. ولٰيَكُنِ الشَّمامِسَةُ كذٰلِك رِصانًا، لا ذَوي لِسانَين، ولا مُفرِطينَ في شُرْبِ الخَمْر، ولا حَريصينَ على المَكاسِبِ الخَسيسة. ولْيُحافِظوا على سِرِّ الإِيمانِ في ضَميرٍ طاهِر. ولْيُختَبَر هٰؤُلاءِ أَيضًا أَوَّلَ الأَمر ويُقاموا بَعدَ ذٰلِك شَمامِسةً إِذا لم يَنَلْهُم عَيبٌ في شَيء. ولْتَكُنِ النِّساءُ كذٰلِك رَصينات، غَيرَ نَمَّامات، مُتَقَشِّفاتٍ أَميناتٍ في كُلِّ شَيء. وعلى الشَّمامِسَةِ أَن يكونَ الواحِدُ مِنهُم زَوجَ ٱمرأَةٍ واحِدة، وأَن يُحسِنوا رِعايةَ أَبنائِهِم وبُيوتِهِم، فإِنَّ الَّذينَ يُحسِنونَ الخِدمَة يَنالونَ مَنزِلَةً رِفيعةً وجُرأَةً عَظيمةً بِالإِيمانِ الَّذي في المسيحِ يسوع. كَتَبتُ إِلَيكَ بِذٰلِكَ راجِيًا أَن أَلحَقَ بِكَ بَعدَ قَليل. فإِذا أَبطَأتُ فٱعلَمْ كَيفَ تَتَصَرَّفُ في بَيتِ الله، أَعنِي كَنيسةَ اللهِ الحَيّ، عَمودَ الحَقِّ ورُكْنَه. ولا خِلافَ أَنَّ سِرَّ التَّقْوى عَظيم: «قد أُظهِرَ في الجَسَد، وأُعلِنَ بارًّا في الرُّوح، وتَراءَى لِلمَلائِكَة، وبُشِّرَ به عِندَ الوَثَنِيِّين، وأُومِنَ بِه في العالَم، ورُفِعَ في المَجْد». والرُّوحُ يَقولُ صَريحًا إِنَّ بَعضَهم يَرتَدُّونَ عنِ الإِيمانِ في الأَزمِنَةِ الأَخيرة، ويَتْبَعونَ أَرْواحًا مُضِلَّةً ومَذاهِبَ شَيطانِيَّة، وقَد خَدَعَهم رِياءُ قَومٍ كَذَّابينَ كُوِيَت ضَمائِرُهم. يَنهَونَ عنِ الزَّواجِ وعن أَطعِمَةٍ خَلَقَها اللهُ لِيَتَناوَلَها ويَشكُرَ علَيها الَّذينَ آمَنوا فَعَرَفوا الحَقّ. فكُلُّ ما خَلَقَ اللهُ حَسَن، فما مِن طَعامٍ مَرْذولٍ إِذا تَناوَلَه الإِنسانُ بِشُكْر، لأَنَّ كَلامَ اللهِ والصَّلاةَ يُقَدِّسانِه. وأَنتَ إِذا ما عَرَضْتَ ذٰلِك لِلإِخوَة كُنتَ لِلمسيحِ يسوعَ خادِمًا صالِحًا، وقَد تغَذَّيتَ بِكلامِ الإِيمان وبالتَّعليمِ الحَسَنِ الَّذي تَبِعتَه. أَمَّا الخُرافاتُ الدُّنيَوِيَّةُ وما فيها مِن حِكاياتِ العَجائِز، فأَعرِضْ عَنها ورَوِّضْ نَفْسَكَ على التَّقْوى، فإِنَّ الرِّياضَةَ البَدَنِيَّةَ فيها بَعضُ الخَير، وأَمَّا التَّقْوى فَفيها خَيرٌ لِكُلِّ شَيء لأَنَّ لَها الوَعْدَ بِالحَياةِ الحاضِرَةِ والمُستَقبَلَة، وإِنَّه لَقَولُ صِدْقٍ جَديرٌ بِالتَّصْديقِ على الإِطْلاق. فإِذا كُنَّا نَتعَبُ ونُجاهِدُ فلأَنَّنا جَعَلْنا رَجاءَنا في اللهِ الحَيّ مُخلِّصِ النَّاسِ أَجمَعين ولا سِيَّما المُؤمِنين. فوَصِّ بِذٰلِكَ وعَلِّم. لا يَستَخِفَّنَّ أَحَدٌ بِشَبابِكَ، بل كُنْ قُدوَةً لِلمُؤمِنين بِالكَلامِ والسِّيرَة والمَحبَّةِ والإِيمانِ والعَفاف. إِنصَرِفْ إِلى القِراءَةِ والوَعْظِ والتَّعْليمِ إِلى أَن أَجيء. لا تُهْمِلِ المَوهِبَةَ الرُّوحِيَّةَ الَّتي فيكَ، تِلكَ الَّتي وُهِبَت لَك بِنُبُوَّةٍ مع وَضْعِ جَماعةِ الشُّيوخِ أَيدِيَهُم علَيكَ. إِصرِفْ هَمَّكَ إِلى ذٰلِك وكُنْ له مُلازِمًا لِيَظهَرَ تَقَدُّمُكَ لِجَميعِ النَّاس. إِنتَبِهْ لِنَفْسِكَ ولِتَعْليمِكَ وواظِبْ على ذٰلِكَ، فإِنَّكَ إِذا فَعَلتَ خَلَّصتَ نَفْسَكَ والَّذينَ يَستَمِعونَ إِلَيك. لا تُعَنِّفْ شَيخًا، بل عِظْهُ وَعظَكَ لأَبٍ لَكَ، وعِظِ الشُّبَّانَ وَعظَكَ لإِخوَةٍ لَكَ، والعَجائِزَ وَعظَكَ لأُمَّهاتٍ لكَ، والشَّابَّاتِ وَعظَكَ لأَخواتٍ لَكَ، بِكُلِّ عَفاف. أَكرِمِ الأَراملَ اللَّواتي هُنَّ أَرامِلُ حَقًّا. وإِذا كانَت أَرمَلَةٌ لَها بَنونَ أَو حَفَدَة، فلْيَتَعَلَّموا هُم أَوَّلاً أَن يَبَرُّوا أَهْلَ بَيتِهم وأَن يَفوا ما عَلَيْهِم لِوالِدِيهِم، فذاك مَرضِيٌّ عِندَ الله. أَمَّا الأَرمَلَةُ حَقًّا، وهي الباقِيَةُ وحدَها، فقَد جَعَلَت رَجاءَها في الله وتَقْضي لَيلَها ونَهارَها في الدُّعاءِ والصَّلاة. وأَمَّا المُستَرسِلَةُ في اللَّذَّة، فقَد ماتَت وإِن تَكُنْ حَيَّة. فبِذٰلِك وَصِّ لِئَلاَّ يَنالَهُنَّ لَوْم. وإِذا كانَ أَحَدٌ لا يُعْنى بِذَويه، ولا سِيَّما أَهْلِ بَيتِه، فقَد جَحَدَ الإِيمان وهو شَرٌّ مِن غَيرِ المُؤمِن. لا تُكتَبِ ٱمرَأَةٌ في سِجِلِّ الأَرامِل، إِلاَّ الَّتي بَلَغَت سِتِّينَ سَنَة، وكانَتِ ٱمرَأَةَ رَجُلٍ واحِد، وشُهِدَ لَها بِالأَعمالِ الصَّالِحة، مِن تَربِيَةِ الأَولاد، وإِضافَةِ الغُرَباء، وغَسْلِ أَقْدامِ القِدِّيسين، ومُساعَدَةِ الَّذينَ في الضِّيق، والقِيامِ بِكُلِّ عَمَلٍ صالِح. أَمَّا الأَرامِلُ الشَّابَّات فلا تَقبَلْهُنَّ، فإِنَّهنَّ إِذا صَرَفَتهُنَّ الشَّهَواتُ عنِ المَسيح رَغِبْنَ في الزَّواج، وٱستَوجَبْنَ الدَّينونةَ لأَنَّهُنَّ نَقَضْنَ عَهْدَهُنَّ الأَوَّل. وهُنَّ مع ذٰلِكَ بَطَّالاتٌ يَتَعَلَّمْنَ التَّطْوافَ بِالبُيوت، ولَسْنَ بَطَّالاتٍ فَقَط، بل ثَرثاراتٌ يَتَشاغَلْنَ بما لا يَعْنيهِنَّ ويَتَكَلَّمْنَ بِما لا يَنبَغي. فأُريدُ إِذًا أَن تَتَزَوَّجَ الأَرامِلُ الشَّابَّات ويَأتِينَ بَأَولادٍ ويَقُمْنَ بِتَدْبيرِ المَنزِل ولا يَدَعْنَ لِلخَصْمِ أَيَّ سَبيلٍ لِلشَّتيمَة، فقَد ضَلَّ بَعضُهُنَّ فَٱتَّبَعْنَ الشَّيطان. وإِذا كانَ لإِحْدى المُؤمِنات أَرامِلُ بَينَ ذَويها، فلْتُساعِدْهُنَّ ولا يُثَقَّلْ على الكَنيسة، لِكَي تُساعِدَ اللَّواتي هُنَّ أَرامِلُ حَقًّا. والشُّيوخُ الَّذينَ يُحسِنونَ الرِّعايَةَ يَستَحِقُّونَ إِكرامًا مُضاعَفًا، ولا سِيَّما الَّذينَ يَتعَبونَ في خِدمةِ الكَلِمَةِ والتَّعليم، فإِنَّ الكِتابَ يَقول: «لا تَكعَمِ الثَّورَ وهو يَدرُسُ الحُبوب». ويَقولُ أَيضًا: «إِنَّ العامِلَ يَستَحِقُّ أُجرَته». لا تَقبَلِ الشَّكوَى على شَيخٍ إِلاَّ «بِناءً على قَولِ شاهِدَينِ أَو ثَلاثَة». وَبِّخِ المُذنِبينَ مِنهُم بِمَحضَرٍ مِنَ الجَماعة، لِيَخافَ غَيرُهُم. وأُناشِدُكَ، في حَضرَةِ اللهِ والمسيحِ يسوعَ والمَلائِكَةِ المُخْتارين، أَن تُحافِظَ على ذٰلِكَ مَن غَيرِ تَحَيُّزٍ ولا تَفعَلَ شَيئًا عن هَوًى. لا تَعجَلْ في وَضْعِ يَدَيكَ على أَحَد ولا تَكُنْ شَريكًا في خَطايا غَيرِكَ، وٱحفَظْ نَفْسَكَ طاهِرًا. لا تَقتَصِرْ بَعدَ اليَومِ على شُرْبِ الماء وتَناوَلْ قَليلاً مِنَ الخَمْرِ مِن أَجْلِ مَعِدَتِكَ وأَمْراضِكَ المُلازِمَة. مِنَ النَّاسِ مَن تَكونُ ذُنوبُهم واضِحَةً قَبلَ القَضاءِ فيها، ومِنهُم مَن لا تَكونُ واضِحَةً إِلاَّ بَعدَه. وكذٰلِك الأَعمالُ الصَّالِحَةُ تَبْدو واضِحَة، وحتَّى غَيرُ الواضِحةِ لا يُمكِنُ أَن تَبقى خَفِيَّة. على جَميعِ الَّذينَ في نِيرِ العُبودِيَّةِ أَن يَحسَبوا سادَتَهُم أَهْلاً لِلإِكْرامِ التَّامّ، لِئَلاَّ يُجَدَّفَ على ٱسمِ اللهِ وعلى العَقيدة. أَمَّا الَّذينَ لَهم سادَةٌ مُؤمِنون، فلا يَستَهينوا بِهِم لأَنَّهُم إِخوَة، بل علَيهم أَن يَزيدوهُم خِدْمَةً لأَنَّ الَّذينَ يَستَفيدونَ مِن إِحْسانِهم مُؤمِنونَ وأَحِبَّاء. عَلِّمْ هٰذا وعِظْ بِه، فإِن عَلَّمَ أَحَدٌ غَيرَ ذٰلِك ولَم يَتَمَسَّكْ بِالأَقوالِ السَّليمة، أَقوالِ رَبِّنا يسوعَ المسيح، وَبِالتَّعْليمِ المُوافِقِ لِلتَّقْوى، فهو رَجُلٌ أَعمَتْه الكِبرِياء ولا يَعرِفُ شيئًا، بل بِه هَوَسٌ في المُجادَلاتِ والمُماحَكات، ومِنها يَنشأُ الحَسَدُ والخِصام والشَّتائِمُ والظُّنونُ السَّيِّئة والمُناقَشاتُ بَينَ قَومٍ فَسُدَت عُقولُهم فحُرِموا الحَقَّ وَحَسِبوا التَّقْوى وَسيلةً لِلكَسْب. أَجَل، إِنَّ التَّقْوى كَسْبٌ عَظيمٌ إِذا ٱقتَرَنَت بِالقَناعة، فإِنَّنا لم نَأتِ العالَمَ ومَعَنا شَيء، ولا نَستَطيعُ أَن نَخرُجَ مِنه ومَعَنا شَيء. فإِذا كانَ عِندَنا قُوتٌ وكُسوَة فعَلَينا أَن نَقنَعَ بِهِما. أَمَّا الَّذينَ يَطلُبونَ الغِنى فإِنَّهم يَقَعونَ في التَّجرِبَةِ والفَخِّ وفي كَثيرٍ مِنَ الشَّهَواتِ العَمِيَّةِ المَشؤُومَةِ الَّتي تُغرِقُ النَّاسَ في الدَّمارِ والهَلاك، لأَنَّ حُبَّ المالِ أَصْلُ كُلِّ شَرّ، وقَدِ ٱستَسلَمَ إِلَيه بَعضُ النَّاس فضَلُّوا عنِ الإِيمان وأَصابوا أَنفُسَهم بِأَوْجاعٍ كَثيرة. أَمَّا أَنتَ، يا رَجُلَ الله، فٱهرُبْ مِن ذٰلِك. وٱطلُبِ البِرَّ والتَّقْوى والإِيمانَ والمَحَبَّةَ والصَّبْرَ والوَداعة وجاهِدْ في الإِيمانِ جِهادًا حَسَنًا وفُزْ بِالحَياةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتي دُعيتَ إِلَيها وشَهِدتَ لَها شَهادَةً حَسَنَةً بِمَحضَرٍ مِن شُهودٍ كَثيرين. وأُوْصيكَ، في حَضرَةِ اللهِ الَّذي يُحيِي كُلَّ شَيء وفي حَضرَةِ المسيحِ يسوعَ الَّذي شَهِدَ شَهادةً حَسَنَةً في عَهْدِ بُنطِيوس بيلاطُس، أَن تَحفَظَ هٰذه الوَصِيَّةَ وأَنتَ بَريءٌ مِنَ العَيبِ واللَّوم إِلى أَن يَظهَرَ رَبُّنا يسوعُ المسيح. فسَيُظْهِرُه في الأَوقاتِ المُحَدَّدةِ لَه، «ذٰلِكَ السَّعيدُ القَديرُ وَحْدَه، مَلِكُ المُلوكِ ورَبُّ الأَرْباب، الَّذي لَه وَحدَه الخُلود، ومَسكِنُه نورٌ لا يُقتَرَبُ مِنه، وهو الَّذي لم يَرَه إِنسان، ولا يَستَطيعُ أَن يَراه. لَه الإِكرامُ والعِزَّةُ الأَبَدِيَّة. آمين». وَصِّ أَغنِياءَ هٰذِه الدُّنْيا بِأَلاَّ يَتَعَجرَفوا ولا يَجعَلوا رَجاءَهم في الغِنى الزَّائِل، بل في اللهِ الَّذي يَجودُ علَينا بِكُلِّ شَيءٍ لِنَتَمَتَّعَ بِه، وأَن يَصنَعوا الخَيرَ فيَغتَنُوا بِالأَعمالِ الصَّالِحَة، ويُعطوا بِسَخاء ويُشرِكوا غَيرَهُم في خَيراتِهم لِيَكنِزوا لأَنفُسِهِم لِلمُستَقْبَلِ ذُخرًا ثابِتًا لِيَنالوا الحَياةَ الحَقيقِيَّة. يا طيموتاوُس، اِحفَظِ الوَديعَة وٱجتَنِبِ الكَلامَ الفارِغَ الدُّنْيَوِيّ ونَقائِضَ المَعرِفَةِ الكاذِبة، وقَد أَعلَنَها بَعضُهم فحادوا عنِ الإِيمان. علَيكُمُ النِّعمَة. مِن بولُسَ رَسولِ المسيحِ يسوعَ بِمَشيئَةِ الله، وَفْقًا لِلوَعْدِ بِالحَياةِ الَّتي هي في المسيحِ يسوع، إِلى طيموتاوُسَ ٱبنيَ الحَبيب. علَيكَ النِّعمَةُ والرَّحمةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ الآب والمسيحِ يسوعَ رَبِّنا. أَشكُرُ اللهَ الَّذي أَعبُدُ بَعدَ أَجْدادي بِضَميرٍ طاهِر، وأَنا لا أَنفَكُّ أَذكُرُكَ لَيلَ نَهارَ في صَلَواتي. وإِذا ذَكَرتُ دُموعَكَ غَلَبَ عَلَيَّ الشَّوقُ إِلى رُؤيَتِكَ لأَمتَلِئَ فَرَحًا. وأَذكُرُ ما بِكَ مِن إِيمانٍ بِلا رِياء، كانَ يَعمُرُ قَبْلاً قَلْبَ جَدَّتِكَ لُئِيس وأُمِّكَ أَوْنِقَة، وأَنا مُوقِنٌ أَنَّه يَعمُرُ قَلْبَكَ أَيضًا. لِذٰلِكَ أُنَبِّهُكَ على أَن تُذَكِّيَ هِبَةَ اللهِ الَّتي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ. فإِنَّ اللهَ لم يُعطِنا رُوحَ الخَوف، بل رُوحَ القُوَّةِ والمَحَبَّةِ والفِطنَة. فلا تَستَحْيِ بِالشَّهادَةِ لِرَبِّنا ولا تَستَحْيِ بي أَنا سَجينُه، بل شارِكْني في المَشَقَّاتِ في سَبيلِ البِشارة، وأَنتَ مُتَّكِلٌ على قُدرَةِ اللهِ الَّذي خَلَّصَنا ودَعانا دَعوَةً مُقَدَّسة، لا بِالنَّظَرِ إِلى أَعمالِنا، بل وَفْقًا لِسابِقِ تَدْبيرِه والنِّعمَةِ الَّتي وُهِبَت لَنا في المَسيحِ يسوعَ مُنْذُ الأَزَل، وكُشِفَ عنها الآنَ بِظهورِ مُخَلِّصِنا يسوعَ المسيحِ الَّذي قَضى على المَوت وجَعَلَ الحَياةَ والخُلودَ مُشرِقَينِ بِالبِشارة، وإِنِّي أُقِمتُ لَها داعِيًا ورَسولاً ومُعَلِّمًا. ومِن أَجلِ ذٰلِكَ أُعاني هٰذِه المِحَن، غَيرَ أَنِّي لا أَستَحيِي بِها، لأَنِّي عالِمٌ على مَنِ ٱتَّكَلْتُ وموقِنٌ أَنَّه قادِرٌ على أَن يَحفَظَ وَديعَتي إِلى ذٰلِكَ اليَوم. إِمتَثِلِ الأَقوالَ السَّليمَةَ الَّتي سَمِعتَها مِنِّي، اِمتَثِلْها في الإِيمانِ والمَحَبَّةِ الَّتي في المسيحِ يَسوع. إِحفَظِ الوَديعةَ الكَريمَة بِالرُّوحِ القُدُسِ الَّذي يُقيمُ فينا. عَلِمتَ أَنَّ جَميعَ الَّذينَ في آسِيَةَ قد تَحَوَّلوا عَنِّي ومِنهُم فُوجِلُس وهِرموجينِس. رَحِمَ اللهُ أُسْرَةَ أُونِسِفورُس، فإِنَّه شَرَحَ صَدْري مِرارًا ولَم يَستَحْيِ بِقُيودي، بل جَدَّ في البَحْثِ عَنِّي عِندَ وُصولِه إِلى رومَة حَتَّى لَقِيَني. أَنعَمَ الرَّبُّ علَيه بِأَن يَلْقى الرَّحمَةَ لَدى الرَّبّ في ذٰلِكَ اليوم! وأَنتَ أَعلَمُ مِن غَيرِكَ كَم قَدَّمَ لي مِن خِدمَةٍ في أَفَسُس. فتَشَدَّدْ أَنتَ، يا بُنَيَّ، بِالنِّعمَةِ الَّتي في المسيحِ يَسوع، وٱستَودِعْ ما سَمِعتَه مِنِّي بِمَحضَرِ كَثيرٍ مِنَ الشُّهود أُناسًا أُمَناءَ جَديرينَ بِأَن يُعَلِّموا غَيرَهُم. شارَكْتَني في المَشَقَّات، شأنَ الجُندِيِّ الصَّالِحِ لِلمَسيحِ يسوع. ما مِن أَحَدٍ يُجَنَّدُ يَشغَلُ نَفْسَه بِأُمورِ الحَياةِ المَدَنِيَّة، إِذا أَرادَ أَن يُرضِيَ الَّذي جَنَّدَه. والمُصارِعُ أَيضًا لا يَنالُ الإِكْليلَ إِن لم يُصارِعْ صِراعًا شَرعِيًّا. فمِن حَقِّ الحارِثِ الَّذي يَتعَبُ أَن يَكونَ أَوَّلَ مَن يَنالُ نَصيبَه مِنَ الغَلَّة. تَفَهَّمْ ما أَقول، والرَّبُّ يَجعَلُكَ تُدرِكُ ذٰلِكَ كُلَّه. وٱذكُرْ يسوعَ المسيحَ الَّذي قامَ مِن بَينِ الأَمواتِ وكانَ مِن نَسْلِ داوُد، بِحَسَبِ بِشارَتي. وفي سَبيلِها أُعانِي المَشَقَّاتِ حَتَّى إِنِّي حَمَلتُ القُيودَ كالمُجرِم. ولٰكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لَيسَت مُقَيَّدة. ولِذٰلِكَ أَصبِرُ على كُلِّ شَيءٍ مِن أَجْلِ المُخْتارين، لِيَحصُلوا هم أَيضًا على الخَلاصِ الَّذي في المسيحِ يسوع وما إِلَيه مِنَ المَجْدِ الأَبَدِيّ. إِنَّه لَقولُ صِدْقٍ أَنَّنا «إِذا مُتْنا مَعَه حَيِينا مَعَه، وإِذا صَبَرنا مَلَكنا مَعَه، وإِذا أَنكَرْناهُ أَنكَرَنا هو أَيضًا، وإِذا كُنَّا غَيرَ أُمَناء ظَلَّ هو أَمينًا، لأَنَّه لا يُمكِنُ أَن يُنكِرَ نَفْسَه». ذَكِّرْهُم بِذٰلكَ وناشِدْهُم في حَضرَةِ اللهِ أَن يَتَجَنَّبوا المُماحَكَة، فإِنَّها لا تَصلُحُ إِلاَّ لِهَلاكِ الَّذينَ يَسمَعونَها. وٱجتَهِدْ أَن تَكونَ في حَضرَةِ الله ذا فَضيلَةٍ مُجَرَّبَةٍ وعامِلاً لَيسَ فيه ما يُخجَلُ مِنه، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ الحَقّ على وَجْهٍ مُستَقيم. وتَجَنَّبِ الكَلامَ الفارِغَ الدُّنيَوِيّ، فالَّذينَ يَأتُونَ بِه يَزدادونَ في الكُفْرِ تَوَرُّطًا، وكَلامُهم مِثلُ الآكِلَةِ تَتَفَشَّى. ومِن هٰؤُلاءِ هُومَنايُس وفيليطُس، فقَد حادا عَنِ الحَقِّ بِزَعمِهما أَنَّ القِيامَةَ قد حَدَثَت، وهَدَما إِيمانَ بَعضِ النَّاس. غَيرَ أَنَّ الأَساسَ الرَّاسِخَ الَّذي وَضَعَه اللهُ يَبْقى ثابِتًا. وقَد خُتِمَ بِخَتْمِ هٰذا الكَلام: «إِنَّ الرَّبَّ يَعرِفُ الَّذينَ لَه» و«لِيَتَجَنَّبِ الإِثْمَ مَن يَذكُرُ ٱسمَ الرَّبّ». لا تَكونُ في بَيتٍ كَبيرٍ آنِيَةٌ مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ فَقَط، بل تَكونُ فيه أَيضًا آنِيَةٌ مِن خَشَبٍ وخَزَف، بَعضُها لِٱسْتِعمالٍ شَريف وبَعضُها لِٱستِعمالٍ خَسيس. فإِذا طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَه مِن تِلكَ الآثام، كانَ إِناءً شَريفًا مُقَدَّسًا صالِحًا لِٱستِعمالِ السَّيِّد ومُؤَهَّلاً لِكُلِّ عَمَلٍ صالِح. أُهرُبْ مِن أَهْواءِ الشَّباب وٱطلُبِ البِرَّ والإِيمانَ والمَحَبَّةَ والسَّلام مع الَّذينَ يَدْعونَ الرَّبَّ بِقَلْبٍ طاهِر. أَمَّا المُجادَلاتُ السَّخيفةُ الخَرْقاء، فتَجَنَّبْها لأَنَّها تُوَلِّدُ المُشاجَراتِ كَما تَعلَم. فإِنَّ عَبْدَ الرَّبِّ يَجِبُ علَيه أن لا يَكونَ مُشاجِرًا، بل لَطيفًا بِجَميعِ النَّاس، أَهْلاً لِلتَّعْليم، صَبورًا، وَديعًا في تَأديبِ المُخالِفين، عَسى اللهُ أَن يُنعِمَ علَيهم بِالتَّوبة فيَعرِفوا الحَقَّ ويَعودوا إِلى رُشدِهِم، إِذا ما أَفلَتوا مِن فَخِّ إِبليسَ الَّذي اعتَقَلَهم لِيَجعَلَهم رَهْنَ مَشيئَتِه. وٱعلَمْ أَنَّه سَتَأتي في الأَيَّامِ الأَخيرَة أَزمِنَةٌ عَسيرَة يَكونُ النَّاسُ فيها مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِم ولِلْمال، صَلِفينَ مُتَكبِّرينَ شَتَّامين، عاصِينَ لِوالِديهم ناكِري الجَميلِ فُجَّارًا، لا وُدَّ لَهم ولا وَفاء، نَمَّامينَ مُفرِطينَ شَرِسينَ أَعْداءَ الصَّلاح، خوَّانينَ مُتَهَوِّرين، أَعمَتهُمُ الكِبرِياء، مُحبِّينَ لِلَّذَّةِ أَكثَرَ مِنهم لله، يُظهِرونَ التَّقْوى ولٰكِنَّهم يُنكِرونَ قُوَّتَها. فأَعرِضْ عن أُولٰئِكَ النَّاس. فمِنهُم أُولٰئِكَ الَّذينَ يَتَسَلَّلونَ إِلى البُيوت ويَفتِنونَ نُسَيَّاتٍ مُثقَلاتٍ بِالخَطايا، مُنقاداتٍ لِمُختَلِفِ الشَّهَوات، يَتَعَلَّمْنَ دائِمًا ولا يَستَطِعنَ البُلوغَ إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ. وكَما أَنَّ يَناسَ ويَمْبَرِسَ قاوَما موسى، فكَذٰلِكَ هٰؤُلاءِ أَيضًا يُقاوِمونَ الحَقّ. هُم أُناسٌ ذِهنُهم فاسِد غَيرُ صالِحينَ لِلإِيمان، ولٰكِنَّهم لن يَذهَبوا إِلى أَبعَدَ مِن ذٰلك، لأَنَّ حُمقَهم سيَنكَشِفُ لِجَميعِ النَّاسِ كما ٱنكَشَفَ حُمقُ ذَينِكَ الرَّجُلَين. أَمَّا أَنتَ فقَد تَبِعتَني في تَعْليمي وسِيرَتي وقَصْدي وإِيماني وصَبْرِي ومَحَبَّتي وثَباتي والاضطِهاداتِ والآلامِ الَّتي أَصابَتْني في أَنطاكِيَة وأَيقونِيَةَ ولُسْتَرَة. وكَم مِنَ ٱضطِهادٍ عانَيتُ وأَنَقَذَني الرَّبُّ مِنها جَميعًا. فجَميعُ الَّذينَ يُريدونَ أَن يَحيَوا حَياةَ التَّقْوى في المسيحِ يسوعَ يُضطَهَدون. أَمَّا الأَشرارُ والمُشَعوِذون، فسَوفَ يَسيرونَ إِلى ما هو أَسوَأ، وهُم خادِعونَ مَخدوعون. فٱثبُتْ أَنتَ على ما تَعَلَّمتَه وكُنتَ مِنْه على يَقين. فأَنتَ تَعرِفُ عَمَّن أَخَذتَه، وتَعلَمُ الكُتُبَ المُقَدَّسَةَ مُنْذُ نُعومةِ أَظْفارِكَ، فهي قادِرَةٌ على أَن تَجعَلَكَ حَكيمًا فتَبلُغَ الخَلاصَ بِالإِيمانِ الَّذي في المسيحِ يسوع. فكُلُّ ما كُتِبَ هو مِن وَحيِ الله، يُفيدُ في التَّعْليمِ والتَّفْنيدِ والتَّقْويم والتَّأديبِ في البِرّ، لِيَكونَ رَجُلُ اللهِ كامِلاً مُعَدًّا لِكُلِّ عَمَلٍ صالح. أُناشِدُكَ في حَضرَةِ اللهِ والمسيحِ يسوعَ الَّذي سيَدينُ الأَحْياءَ والأَموات، أُناشِدُكَ ظُهورَه ومَلَكوتَه أَن أَعْلِن كَلِمَةَ الله وأَلِحَّ فيها بِوَقْتِها وبِغَيرِ وَقتِها، ووَبِّخْ وعِظْ وأَنذِرْ وٱلزَمِ الصَّبرَ والتَّعْليم. فسَيَأتي وَقتٌ لا يَحتَمِلُ فيه النَّاسُ التَّعليمَ السَّليم، بل يُكدِّسونَ المُعَلِّمينَ لأَنفُسِهم وَفْقَ شَهَواتِهم لِما فيهِم مِن حِكَّةٍ في آذانِهم فيُحَوِّلونَ سَمعَهم عنِ الحَقّ وعلى الخُرافاتِ يُقبِلون. أَمَّا أَنتَ فكُنْ مُتَقَشِّفًا في كُلِّ أَمْر وتَحمَّلِ المَشَقَّات وٱعمَلْ عَمَلَ المُبَشِّر وقُم بِخِدمَتِكَ أَحسَنَ قِيام. هاءَنَذا أُقَدَّمُ قُرْبانًا لِلرَّبّ، فقَدِ ٱقتَرَبَ وَقْتُ رَحيلي. جاهَدتُ جِهادًا حَسَنًا وأَتْمَمْتُ شَوطي وحافَظتُ على الإِيمان، وقد أُعِدَّ لي إِكْليلُ البِرِّ الَّذي يَجْزيني بِه الرَّبُّ الدَّيَّانُ العادِلُ في ذٰلِكَ اليَوم، لا وَحْدي، بل جَميعَ الَّذينَ ٱشْتاقوا ظُهورَه. عَجِّلْ في المَجيءِ إِلَيَّ مُسرِعًا، لأَنَّ ديماسَ قد تَرَكَني لِحُبِّه هٰذِه الدُّنْيا، وذَهَبَ إِلى تسالونيقي، وذَهَبَ قِرِسْقِس إِلى غَلاطِيَة وطيطُس إِلى دَلْماطِيَة، ولُوقا وَحْدَه مَعي. إِستَصحِبْ مَرقُس وَأتِ بِه، فإِنَّه يُفيدُني في الخِدمَة. أَمَّا طيخيقُس فقَد أَرسَلتُه إِلى أَفَسُس. أَحضِرْ عِندَ قُدومِكَ الرِّداءَ الَّذي تَرَكتُه في طُرُواس عِندَ قَرْبُس، وأَحضِرْ كَذٰلِك الكُتُبَ وخُصوصًا صُحُفَ الرَّقّ. إِنَّ الإِسْكَنْدَرَ النَّحَّاسَ قد أَساءَ إِلَيَّ كَثيرًا، وسَيَجْزيهِ الرَّبُّ على قَدْرِ أَعمالِه، فٱحتَرِسْ أَنتَ أَيضًا مِنه. لقَد قاوَمَ كَلامَنا مُقاوَمَةً شَديدَة. في دِفاعي الأَوَّل لم يَحضَرْ أَحدٌ لِلدِّفاعِ عَنِّي، بل تَرَكوني كُلُّهم. عَساهم لا يُحاسَبونَ على ذٰلك! ولٰكِنَّ الرَّبَّ كانَ معي وَقَوَّاني لِتُعلَنَ البِشارةُ عن يَدي على أَحسَنِ وَجهٍ ويَسمَعَها جَميعُ الوَثَنِيِّين، فنَجَوْتُ «مِن شِدْقِ الأَسَد»، وسيُنَجِّينِيَ الرَّبُّ مِن كُلِّ مَسْعًى خَبيث ويُخَلِّصُني فيَجعَلُني لِمَلَكوتِه السَّماوِيّ. لَه المَجْدُ أَبَدَ الدُّهور. آمين. سَلِّمْ على بِرِسقَةَ وأَقيلا وعلى أُسرَةِ أُونِسِفورُس. لَبِثَ أَرِسطُس في قورِنتُس. أَمَّا طُروفيمُس فقَد تَرَكتُه مَريضًا في ميليطِش. عَجِّلْ في المَجيءِ قَبلَ الشِّتاء. يُسلِّمُ علَيكَ أَوبولُس وبودِس ولينُس وقُلُودِيَة والإِخوَةُ أَجمَعون. لِيَكُنِ الرَّبُّ مع رُوحِكَ! عليكمُ النِّعمَة! مِن بولُسَ عَبدِ اللهِ ورَسولِ المسيحِ يسوع لِيَهدِيَ الَّذينَ ٱختارَهُمُ اللهُ إِلى الإِيمانِ ومَعرِفَةِ الحَقِّ المُوافِقَةِ لِلتَّقْوى مِن أَجْلِ رَجاءِ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتي وَعَدَ اللهُ بِها مُنذُ الأَزَل - وإِنَّه لا يَكذِب، فقَد أَظهَرَ كَلِمَتَه في الأَوقاتِ المحدَّدةِ لَها، بِبشارَةٍ ٱئتُمِنتُ علَيها بِأَمْرٍ مِنَ اللهِ مُخَلِّصِنا - إِلى طيطُسَ ٱبنِيَ المُخلِصِ في إِيمانِنا المُشتَرَك. علَيكَ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ الآب والمسيحِ يسوعَ مُخَلِّصِنا. إِنَّما تَرَكتُكَ في كَريت لِتُتِمَّ فيها تَنْظيمَ ما بَقِيَ مِنَ الأُمور وتُقيمَ شُيوخًا في كُلِّ بَلدَةٍ كَما أَوصَيتُكَ، تُقيمُ مَن لم يَنَلْه لَوم، زَوجَ ٱمرأَةٍ واحِدة، وأَولادُه مُؤمِنونَ لا يُتَّهَمونَ بِالفُجورِ ولا عاصون. إِنَّ الأُسقُفَ، وهو وَكيلُ الله، يَجِبُ أَن يَكونَ بَريئًا مِنَ اللَّوم، غَيرَ مُعجَبٍ بِنَفْسِه ولا غَضوبًا ولا مُدمِنًا لِلخَمْرِ ولا عَنيفًا ولا حَريصًا على المَكاسِبِ الخَسيسة، بل علَيه أَن يَكونَ مِضْيافًا مُحِبًّا لِلخَير قَنوعًا عادِلاً تَقِيًّا مُتَماسِكًا، يُلازِمُ الكَلامَ السَّليمَ المُوافِقَ لِلتَّعْليم لِيَكونَ قادِرًا على الوَعْظِ في التَّعْليمِ السَّليم والرَّدِّ على المُخالِفين. فهُناكَ كَثيرٌ مِنَ العُصاةِ الثَّرثارينَ المُخادِعين، وخُصوصًا بَينَ المَخْتونين. فعَلَيكَ أَن تَكُمَّ أَفْواهَهُم لأَنَّهم يَهدِمونَ أُسَرًا بِجُمْلَتِها، إِذ يُعَلِّمونَ ما لا يَجوزُ تَعليمُه، مِن أَجْلِ مَكسَبٍ خَسيس. وقَد قالَ واحِدٌ مِنهُم وهو نَبِيُّهم: «إِنَّ الكَريتِيِّينَ كَذَّابونَ أَبَدًا ووُحوشٌ خَبيثَة وبُطونٌ كَسالى». وهٰذِه شَهادَةُ حَقّ. فلِذٰلِكَ وَبِّخْهُم بِشِدَّةٍ لِيَكونوا أَصِحَّاءَ الإِيمان ولا يُعنَوا بِخُرافاتٍ يَهودِيَّة ووصَايا قَومٍ يُعرِضونَ عنِ الحَقّ. كُلُّ شَيءٍ طاهِرٌ لِلأَطْهار، وأَمَّا الأَنْجاسُ وغَيرُ المُؤمِنين فما لَهم مِن شَيءٍ طاهِر، بَل إِنَّ أَذْهانَهم وضَمائِرَهم نَجِسَة. يَشهَدونَ أَنَّهم يَعرِفونَ الله ولٰكِنَّهم يُنكِرونَه في أَعمالِهِم. فهُم أُناسٌ مَقْبوحونَ عُصاة غَيرُ أَهلٍ لأَيِّ عَمَلٍ صالح. أَمَّا أَنتَ فتَكَلَّمْ بِما يُوافِقُ التَّعْليمَ السَّليم. عَلِّمِ الشُّيوخَ أَن يَكونوا قَنوعين، رِزانًا رِصانًا، أَصِحَّاءَ الإِيمانِ والمَحبَّةِ والثَّبات، وأَن تَكونَ العَجائِزُ كَذٰلِك في سِيرةٍ تَليقُ بِالقِدِّيسات، غَيرَ نَمَّاماتٍ ولا مُدمِناتٍ لِلخَمْر، هادِياتٍ لِلخَير، فيُعَلِّمْنَ الشَّابَّاتِ حُبَّ أَزْواجِهِنَّ وأَولادِهِنَّ، وأَن يَكُنَّ قَنوعاتٍ عَفيفات، مُهتَمَّاتٍ بِشُؤُونِ البَيت، صالِحاتٍ خاضِعاتٍ لأَزْواجِهِنَّ، لِئَلاَّ يُجَدَّفَ على كَلِمَةِ الله. وعِظِ الشُّبَّانَ كذٰلِك لِيَكونوا رِصانًا في كُلِّ شَيء. وٱجعَلْ مِن نَفْسِكَ قُدوَةً في الأَعْمالِ الصَّالِحَة: مِن سَلامةٍ في التَّعْليم ورَصانةٍ وكَلامٍ سَليمٍ لا مَأخَذَ علَيه، فيَخْزى الخَصْمُ إِذ لا يَستَطيعُ أَن يَقولَ سُوءًا فينا. وعَلِّمِ العَبيدَ أَن يَخضَعوا لِسادَتِهم في كُلِّ شَيء، وأَن يَطلُبوا رِضاهُم ولا يُخالِفوهم ولا يَختَلِسوا شَيئًا، بل يُظهِروا كُلَّ أَمانَةٍ على أَحْسَنِ وَجْهٍ فيُعَظِّموا في كُلِّ شَيءٍ شَأنَ تَعْليمِ اللهِ مُخَلِّصِنا. فقَد ظَهَرَت نِعمَةُ الله، يَنبوعُ الخَلاصِ لِجَميعِ النَّاس، وهي تُعَلِّمُنا أَن نَنبِذَ الكُفْرَ وشَهَواتِ الدُّنْيا لِنَعيشَ في هٰذا الدَّهْرِ بِرَزانةٍ وعَدْلٍ وتَقْوى، مُنتَظِرينَ السَّعادَةَ المَرجُوَّة وتَجَلِّيَ مَجْدِ إِلٰهِنا العَظيم ومُخَلِّصِنا يسوعَ المَسيحِ الَّذي جادَ بِنَفْسِه مِن أَجْلِنا لِيَفتَدِيَنا مِن كُلِّ إِثْمٍ ويُطَهِّرَ شَعْبًا خاصًّا بِه حَريصًا على الأَعمالِ الصَّالِحَة. هٰكذا تَكَلَّمْ وعِظْ ووَبِّخْ بما لَكَ مِن سُلْطانٍ تامّ. ولا يَستَخِفَّنَّ بِكَ أَحَد. ذَكِّرْهُم أَن يَخضَعوا لِلحُكَّامِ وأَصحابِ السُّلْطَةِ ويُطيعوهُم، ويَكونوا مُتأَهِّبينَ لِكُلِّ عَمَلٍ صالِح، فَلا يَشتِموا أَحَدًا ولا يَكونوا مُخاصِمين، بل حُلَماءَ يُظهِرونَ كُلَّ وَداعةٍ لِجَميعِ النَّاس. فإِنَّنا نَحنُ أَيضًا كُنَّا بِالأَمْسِ أَغبِياءَ عُصاةً ضالِّين، عَبيدًا لِمُختَلِفِ الشَّهَواتِ والمَلَذَّات، نَحْيا على الخُبْثِ والحَسَد، مَمقوتينَ يُبغِضُ بَعضُنا بَعضًا. فلَمَّا ظَهَرَ لُطْفُ اللهِ مُخَلِّصِنا ومَحَبَّتُه لِلبَشَر، لم يَنظُرْ إِلى أَعمالِ بِرٍّ عمِلْناها نَحنُ، بل على قَدْرِ رَحْمَتِه خَلَّصَنا بِغُسْلِ الميلادِ الثَّاني والتَّجديدِ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ الَّذي أَفاضَه علَينا وافِرًا بِيَسوعَ المسيحِ مُخَلِّصِنا، حتَّى نُبَرَّرَ بِنِعْمَتِه فنَصيرَ، بِحَسَبِ الرَّجاء، وَرَثَةَ الحَياةِ الأَبَدِيَّة. إِنَّه لَقَولُ صِدْق، وأُريدُ أَن تَكونَ قاطِعًا في هٰذا الأَمْرِ لِيَجتَهِدَ الَّذينَ آمَنوا بِاللهِ في القِيامِ بِالأَعمالِ الصَّالِحة، فهٰذا حَسَنٌ ومُفيدٌ لِلنَّاس. أَمَّا المُباحثاتُ السَّخيفَةُ وذِكْرُ الأَنْساب والخِصامُ والمُناقَشَةُ في الشَّريعة، فٱجتَنِبْها فإِنَّها غَيرُ مُفيدةٍ وباطِلَة. أَمَّا رَجُلُ الشِّقاق فأَعرِضْ عَنه بَعدَ إِنذارِه مَرَّةً ومَرَّتَين، فإِنَّكَ تَعلَمُ أَنَّ مِثْلَ هٰذا الرَّجُلِ فاسِدٌ خاطِئٌ قد حَكَمَ على نَفْسِه. وإِذا ما بَعَثتُ إِلَيكَ بِأَرْطِماس وطيخيقُس، فعَجِّلْ في اللِّحاقِ بي في نيقوبوليس، لأَنِّي عَزَمْتُ على أَن أَشتُوَ هُناك. وٱجتَهِدْ في إِعْدادِ سَفَرِ زيناس عالِمِ الشَّريعةِ وأَبُلُّس لِئَلاَّ يَنقُصَهما شَيء. ويَجِبُ على ذَوِينا أَن يَتَعَلَّموا القِيامَ بِالأَعمالِ الصَّالِحَةِ على أَحسَنِ وَجْهٍ لِيَسُدُّوا الحاجاتِ الضَّرورِيَّة، فلا يَكونوا بِلا ثَمَر. يُسَلِّمُ علَيكَ جَميعُ الَّذينَ معي. سَلِّمْ على الَّذينَ يُحِبُّونَنا في الإِيمان. علَيكُمُ النِّعمَةُ أَجمَعين. مِن بولُسَ سَجينِ المسيحِ يَسوع ومِنَ الأَخِ طيموتاوُس إِلى فِيلَمون حَبيبِنا ومُعاوِنِنا وإِلى أَبفِيَةَ أُختِنا وإِلى أَرخِبُّس صاحِبِنا في الجِهاد وإِلى الكَنيسةِ الَّتي تَجتَمِعُ في بَيتِكَ. عَليكمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ أَبينا والرَّبِّ يسوعَ المسيح. أَشكُرُ إِلٰهي، وأَنا أَذكُرُكَ دائِمًا في صَلَواتي، وقَد سَمِعتُ بِمَحَبَّتِكَ وإِيمانِكَ لِلرَّبِّ يسوع ولِجَميعِ القِدِّيسين، وأَسأَلُه أَن يَجعَلَ مُشارَكتَكَ في الإِيمانِ فعَّالة بِمَعرِفَةِ كُلِّ الخَيرِ الَّذي تَستَطيعُه في سَبيلِ المسيح. فقَد نالَني مِن مَحَبَّتِكَ كَثيرٌ مِنَ الفَرَحِ والعَزاء، لأَنَّ صُدورَ القِدِّيسينَ قدِ ٱنشَرَحَت بِكَ أَيُّها الأَخ. لِذٰلِكَ إِنِّي، وإِن كانَ لي إِلى حَدٍّ بَعيدٍ حُرِّيَّةُ الكَلامِ في المَسيحِ لأَن آمُرَكَ بِما يَجِبُ علَيكَ، فقد آثَرتُ أَن أَسأَلَكَ بِٱسمِ المَحَبَّةِ سُؤَالَ بولُسَ الشَّيخِ الكَبيرِ الَّذي هو الآنَ مع ذٰلِكَ سَجينُ يسوعَ المسيح. أَسأَلُكَ في أَمْرِ ٱبْنِيَ الَّذي وَلَدتُه في القُيود، أُونيسمُسَ الَّذي كانَ بِالأَمْسِ غَيرَ نافِعٍ لَكَ، وأَمَّا الآنَ فلي ولَكَ صارَ نافِعًا. أَرُدُّهُ إِلَيكَ، وهو قَلْبي. وكانَ بِوَدِّي أَن أَحتَفِظَ بِه لِنَفْسي فيَخدُمَني بَدَلاً لَكَ في تِلكَ القُيودِ الَّتي أَحمِلُها مِن أَجْلِ البِشارة. غَيرَ أَنِّي لم أَشَأْ أَن أَفعَلَ شَيئًا مِن دونِ رِضاكَ لِكَيلا يكونَ مِنكَ الإِحْسانُ كَرْهًا، بل طَوعًا. ولَعَلَّه لم يُفصَلْ عَنكَ ساعةً إِلاَّ لِيُعادَ إِلَيكَ لِلأَبَد، لا لِيَكونَ عَبْدًا اليَوم، بل أَفْضَلَ مِن عَبْد، أَي أَخًا حَبيبًا، وهو أَخٌ حَبيبٌ جِدًّا إِلَيَّ، فكم بالأَحْرى إِلَيكَ، إِن في صِلَةٍ بَشَرِيَّةٍ وإِن في صِلَةٍ في الرَّبّ. فإِن كُنتَ تَراني شَريكًا لَكَ في الإِيمان، فٱقبَلْه قَبولَكَ لي. وإِن كانَ قد أَساءَ إِلَيكَ بِشَيء أَو كانَ لَكَ علَيه دَين، فٱحسِبْ ذٰلِك عَلَيَّ. أَنا بولُسَ قد كَتَبتُ ذٰلك بِخَطِّ يَدي: أَنا أَفي. ولا أَقولُ لَكَ إِنَّكَ أَنتَ أَيضًا مَدينٌ لي حَتَّى بِنَفْسِكَ. أَجَل، يا أَخي، إِنِّي أَرْجو أَن تُحسِنَ إِلَيَّ هٰذا الإِحسانَ في الرَّبّ، فٱشرَحْ صَدْري في المسيح. كَتَبتُ إِلَيكَ واثِقًا بِطاعَتِكَ عالِمًا بِأَنَّكَ ستَفعَلُ أَكثَرَ مِمَّا أَقول. وفي الوَقتِ نَفسِه أَعْدِدْ لي مَنزِلاً لِضِيافَتي، فَإِنِّي أَرْجو بِصَلَواتِكم أَن أُرَدَّ إِلَيكُم. يُسَلِّمُ علَيكَ أَبَفْراس، السَّجينُ مَعي في المسيحِ يسوع، ومَرقُس وأَرِسطَرخُس وديماس ولوقا مُعاوِنِيَّ. على رُوحِكم نِعمَةُ الرَّبِّ يسوع! إِنَّ اللهَ، بَعدَما كَلَّمَ الآباءَ قَديمًا بِالأَنبِياءِ مَرَّاتٍ كَثيرةً بِوُجوهٍ كَثيرة، كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّامِ هٰذِه بِٱبْنٍ جَعَلَه وارِثًا لِكُلِّ شَيء وبِه أَنشَأَ العالَمِين. هو شُعاعُ مَجْدِه وصُورةُ جَوهَرِه، يَحفَظُ كُلَّ شَيءٍ بِقُوَّةِ كَلِمَتِه. وبَعدَما قامَ بِالتَّطْهيرِ مِنَ الخَطايا، جَلَسَ عن يَمينِ ذي الجَلالِ في العُلَى، فكانَ أَعظَمَ مِنَ المَلائِكَةِ بِمِقْدارِ ما لِلٱسمِ الَّذي وَرِثَه مِن فَضْلٍ على أَسْمائِهِم. فلِمَن مِنَ المَلائِكَةِ قالَ اللهُ يَومًا: «أَنتَ ٱبنِي وأَنا اليَومَ وَلَدتُكَ؟» وقالَ أَيضًا: «إِنِّي سَأَكونُ لَه أَبًا وهو يَكونُ لِيَ ٱبنًا؟». ويقولُ عِندَ إِدخالِ البِكْرِ إِلى العالَم: «ولْتَسجُدْ لَه جَميعُ مَلائِكَةِ الله». وفي المَلائِكَةِ يَقول: «جَعَلَ مِن مَلائِكَتِه أَرْواحًا ومِن خَدَمِه لَهيبَ نار»، وفي الاِبْنِ يقول: «إِنَّ عَرْشَكَ أَللَّهُمَّ لأَبَدِ الدُّهور، وصَولَجانَ الاِستِقامَةِ صَولَجانُ مُلْكِكَ. أَحبَبتَ البِرَّ وأَبغَضتَ الإِثْم، لِذٰلِك أَللَّهُمَّ مَسَحَكَ إِلٰهُكَ بِزَيتِ الِٱبتِهاجِ دونَ أَصْحابِكَ». وقالَ أَيضًا: «رَبِّ، أَنتَ في البَدءِ أَسَّستَ الأَرضَ، والسَّمَواتُ صُنْعُ يَدَيك، هي تَزولُ وأَنتَ تَبْقى، وكُلُّها كالثَّوبِ تَبْلى، وطَيَّ الرِّداءِ تَطْويها وكالثَّوبِ تَتَبدَّل، وأَنتَ أَنتَ وسِنوكَ لا تَنتَهي». فلِمَن مِنَ المَلائِكَةِ قالَ اللهُ يَومًا: «إِجلِسْ عن يَميني حَتَّى أَجعَلَ أَعداءَكَ مَوطِئًا لِقَدَمَيكَ؟» أَما هُم كُلُّهم أَرواحٌ مُكَلَّفونَ بِالخِدْمَة، يُرسَلونَ مِن أَجْلِ الَّذينَ سَيَرِثونَ الخلاص؟ لِذٰلِك يَجِبُ أَن نَزْدادَ ٱهتِمامًا بِما سَمِعْناه، مَخافَةَ أَن نَتيهَ عنِ الطَّريق. فإِذا كانَ الكَلامُ الَّذي أُعلِنَ على لِسانِ المَلائِكَةِ قد أُثبِتَ فنالَت كُلُّ مَعصِيَةٍ ومُخالَفَةٍ جَزاءً عادِلاً، فكَيْفَ نَنْجو نَحنُ إِذا أَهمَلْنا مِثْلَ هٰذا الخَلاصِ الَّذي شُرِعَ في إِعْلانِه على لِسانِ الرَّبّ، وأَثبَتَه لَنا أُولٰئِكَ الَّذينَ سَمِعوه، وأَيَّدَته شهادةُ اللهِ بِآياتٍ وأَعاجيبَ ومُعجِزاتٍ مُختَلِفَة وبِما يُوَزِّعُ الرُّوحُ القُدُسُ مِن مَواهِبَ كَما يَشاء. فإِنَّه لم يُخضِعْ لِلمَلائِكَةِ العالَمَ المُقبِلَ الَّذي علَيه نَتَكَلَّم، فقَد شَهِدَ بَعضُهم في مَكانٍ مِنَ الكِتابِ قال: «ما الإِنسانُ فتَذكُرَه؟ وما ٱبنُ الإِنسانِ فتَنظُرَ إِلَيه؟ حَطَطتَه قَليلاً دونَ المَلائِكَة وكَلَّلْتَه بِالمَجْدِ والكَرامَة وأَخضَعتَ كُلَّ شَيءٍ تَحتَ قَدَمَيه». فإِذا «أَخضَعَ لَه كُلَّ شَيء»، فإِنَّه لم يَدَعْ شَيئًا غَيرَ خاضِعٍ لَه. على أَنَّنا لا نَرى الآنَ كُلَّ شَيءٍ مُخضَعًا لَه، ولٰكِنَّ ذَاكَ الَّذي «حُطَّ قَليلاً دونَ المَلائِكَة»، أَعْني يسوع، نُشاهِدُه مُكَلَّلاً بِالمَجْدِ والكَرامةِ لأَنَّه عانى المَوت، وهٰكذا بِنِعمَةِ اللهِ ذاقَ المَوتَ مِن أَجْلِ كُلِّ إِنسان. فذاكَ الَّذي مِن أَجْلِه كُلُّ شَيءٍ وبِه كُلُّ شَيء، وقَد أَرادَ أَن يَقودَ إِلى المَجْدِ كَثيرًا مِنَ الأَبناء، كانَ يَحسُنُ بِه أَن يَجعَلَ مُبدِئَ خَلاصِهِم مُكَمَّلاً بِالآلام، لأَنَّ كُلًّا مِنَ المُقَدِّسِ والمُقَدَّسينَ لَه أَصْلٌ واحِد، ولِذٰلِكَ لا يَستَحْيي أَن يَدعُوَهم إِخوَةً حَيثُ يَقول: «سأُبَشِّرُ بِٱسمِكَ إِخوَتي وفي وَسْطِ الجَماعَةِ أُسَبِّحُكَ». ويَقولُ أَيضًا: «سَأَجعَلُ ٱتِّكالي علَيه»، وأَيضًا: «هاءَنَذا والأَبناءُ الَّذينَ وَهَبَهُم لِيَ الله». فلَمَّا كانَ الأَبناءُ شُرَكاءَ في الدَّمِ واللَّحْم، شارَكَهُم هو أَيضًا فيهِما مُشاركةً تامّة لِيَكسِرَ بِمَوتِه شَوكَةَ ذاكَ الَّذي لَه القُدرَةُ على المَوت، أَي إِبليس، ويُحَرِّرَ الَّذينَ ظَلُّوا طَوالَ حَياتِهِم في العُبودِيَّةِ مَخافَةَ المَوت. فإِنَّه كما لا يَخْفى علَيكم، لم يَقُمْ لِنُصرَةِ المَلائِكَة، بل قامَ لِنُصرَةِ نَسْلِ إِبراهيم. فَحُقَّ علَيه أَن يَكونَ مُشابِهًا لإِخوَتِه في كُلِّ شَيء، لِيَكونَ عَظيمَ كَهَنَةٍ رَحيمًا مُؤتَمَنًا عِندَ الله، فيُكَفِّرَ خَطايا الشَّعب. ولأَنَّه قَدِ ٱبتُلِيَ هو نَفسُه بِالآلام، فهو قادِرٌ على إِغاثَةِ المُبتَلين. لِذٰلِك، أَيُّها الإِخوَةُ القِدِّيسونَ المُشتَرِكونَ في دَعْوَةٍ سَماوِيَّة، تَأَمَّلوا رَسولَ شَهادَتِنا وعَظيمَ كَهَنَتِها يَسوع، فهو مُؤتَمَنٌ لِلَّذي أَقامَه كَما «كانَ شَأنُ موسى في بَيتِه أَجمَع». فإِنَّ المَجْدَ الَّذي كانَ أَهْلاً لَه يَفوقُ مَجدَ موسى بِمِقْدارِ ما لِباني البَيتِ مِن فَضْلٍ على البَيت. فكُلُّ بَيتٍ لَه بانٍ، وباني كُلِّ شَيءٍ هو الله. وقد «كانَ موسى مُؤتَمَنًا في بَيتِه أَجمَع» لِكَونِه قَيِّمًا يَشهَدُ على ما سَوف يُقال. أَمَّا المسيح فهو مُؤتَمَنٌ على بَيتِه لِكَونِه ٱبنًا، ونَحنُ بَيتُه، إِنِ ٱحتَفَظْنا بِالثِّقَةِ وفَخْرِ الرَّجاء. لِذٰلِك، كَما يَقولُ الرُّوحُ القُدُس: «اليَومَ، إِذا سَمِعتُم صَوتَه، فلا تُقَسُّوا قُلوبَكم كَما حَدَثَ عِندَ السُّخْطِ يَومَ التَّجرِبَةِ في البَرِّيَّة، حَيثُ جَرَّبَني آباؤُكم واختَبَروني فرَأَوا أَعمالي مُدَّةَ أَربَعينَ سَنَة. لِذٰلِك ٱستَشَطتُ غَضَبًا على ذاكَ الجيلِ وقُلْت: قُلوبُهم في الضَّلالِ أَبَدًا ولَم يَعرِفوا هم سُبُلي، فأَقسَمتُ في غَضَبي أَن لن يَدخُلوا راحَتي». إِحذَروا، أَيُّها الإِخوَة، أَن يَكونَ لأَحَدِكم قَلْبٌ شِرِّيرٌ تَرُدُّه قِلَّةُ إِيمانِه عنِ اللهِ الحَيّ. ولٰكِن لِيُشَدِّدْ بَعضُكم بَعضًا كُلَّ يَوم، ما دامَ إِعلانُ هٰذا اليَوم، لِئَلاَّ يَقسُوَ أَحَدُكم بِخَديعَةٍ مِنَ الخَطيئَة. فقَد صِرْنا شُرَكاءَ المسيح، إِذا ٱحتَفَظْنا بِالثِّقَةِ الَّتي كُنَّا عَلَيها في البَدْء ثابِتَةً إِلى النِّهاية، فلا نَدَعُها تَتَزَعزَع، ما دامَ يُقال: «اليَومَ، إِذا سَمِعتُم صَوتَه، فلا تُقَسُّوا قُلوبَكم كما حَدَثَ عِندَ السُّخْط». فمَن همُ الَّذينَ أَسخَطوه بَعدَما سَمِعوه؟ أَما هُم جَميعُ الَّذينَ خَرَجوا مِن مِصْرَ عن يدِ موسى؟ فعَلى مَنِ «ٱستَشاطَ غَضَبًا أَربَعينَ سَنَة؟» أَلَيسَ على الَّذينَ خَطِئُوا فسَقَطَتْ جُثَثُهم في البَرِّيَّة؟ ولِمَن «أَقسَمَ أَن لن يَدخُلوا راحَتَه؟» أَلَيسَ لِلَّذينَ عَصَوه؟ ونَرى أَنَّهم لم يَستَطيعوا الدُّخولَ لِقِلَّةِ إِيمانِهم. فَلْنَخْشَ إِذًا أَن يَثبُتَ على أَحَدِكُم أَنَّه مُتَأَخِّر، ما دامَ هُناكَ مَوعِدُ الدُّخولِ في راحَتِه. فقَد بُشِّرْنا بِه نَحنُ أَيضًا كما بُشِّرَ بِه أُولٰئِكَ، ولٰكِنَّهم لم يَنتَفِعوا بالكَلِمَةِ الَّتي سَمِعوها، لأَنَّهم لم يَتَّحِدوا في الإِيمانِ بِالَّذينَ كانوا يَسمَعون. فإِنَّنا نَحنُ المُؤمِنينَ نَدخُلُ الرَّاحَة، على ما قال: «فأقسَمتُ في غَضَبي أَن لن يَدخُلوا راحَتي». أَجَل، إِنَّ أَعمالَه قد تَمَّت مُنْذُ إِنْشاءِ العالَم. فقَد قالَ في مَكانٍ مِنَ الكِتابِ في شأنِ اليَومِ السَّابِع: «وٱستَراحَ اللهُ في اليَومِ السَّابِعِ مِن جَميعِ أَعمالِه». وقالَ أَيضًا في المَكانِ نَفْسِه: «لن يَدخُلوا راحَتي». ولَمَّا ثَبُتَ أَنَّ بَعضَهم يَدخُلونَها، والَّذينَ بُشِّروا بِها أَوَّلاً لم يَدخُلوا بِسَبَبِ عِصْيانِهِم، فإِنَّ اللهَ عادَ إِلى تَوقيتِ يَومٍ هو «اليَوم» في قَولِه بلِسانِ داوُد، بَعدَ زَمَنٍ طَويل، ما تَقَدَّمَ ذِكرُه: «اليَوم، إِذا سَمِعتُم صَوتَه، فلا تُقَسُّوا قُلوبَكم». فلَو كانَ يَشوعُ قد أَراحَهم، لَما ذَكَرَ اللهُ بَعدَ ذٰلِك يَومًا آخَر. فبَقِيَت إِذًا لِشَعْبِ اللهِ راحَةُ السَّبْت، لأَنَّ مَن دَخَلَ راحَتَه يَستَريحُ هو أَيضًا مِن أَعمالِه كَما ٱستَراحَ اللهُ مِن أَعمالِه. فلْنُبادِرْ إِلى الدُّخولِ في تِلكَ الرَّاحَةِ لِئَلاَّ يَسقُطَ أَحَدٌ لاِتِّباعِه هٰذا المِثالَ مِنَ العِصْيان. إِنَّ كَلامَ اللهِ حَيٌّ ناجِع، أَمْضى مِن كُلِّ سَيفٍ ذي حَدَّين، يَنفُذُ إِلى ما بَينَ النَّفْسِ والرُّوحِ، وما بَينَ الأَوصالِ والمِخاخ، وبِوُسْعِه أَن يَحكُمَ على خَواطِرِ القَلْبِ وأَفكارِه، وما مِن خَلْقٍ يَخْفى علَيه، بل كُلُّ شَيءٍ عارٍ مَكْشوفٌ لِعَينَيه، ولَه يَجِبُ علَينا أَن نُؤَدِّيَ الحِساب. ولَمَّا كانَ لَنا عَظيمُ كَهَنَةٍ قدِ ٱجْتازَ السَّمَوات، وهو يسوعُ ٱبنُ الله، فلْنَتَمَسَّكْ بِشهادةِ الإِيمان. فلَيسَ لَنا عَظيمُ كَهَنَةٍ لا يَستَطيعُ أَن يَرثِيَ لِضُعفِنا: لَقَدِ ٱمتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة. فلْنَتَقَدَّمْ إِلى عَرْشِ النِّعمَة لِنَنالَ رَحمَةً ونَلْقى حُظْوَةً لِيَأتِيَنا الغَوثُ في حِينِه. فإِنَّ كُلَّ عظيمِ كَهَنَةٍ يُؤخَذُ مِن بَينِ النَّاس ويُقامُ مِن أَجلِ النَّاس في صِلَتِهم بِالله، لِيُقَرِّبَ قَرابينَ وذَبائِحَ كَفَّارَةً لِلخَطايا. وبِوُسعِه أَن يَرْفُقَ بِالجُهَّالِ الضَّالِّين لأَنَّه هو نَفْسُه مُتَسَربِلٌ بِالضُّعْف، فعَلَيه مِن أَجْلِ ذٰلِك الضُّعْفِ أَن يُقَرِّبَ كَفَّارَةً لِخَطاياه كَما يُقَرِّبُ كَفَّارَةً لِخَطايا الشَّعْب. وما مِن أَحَدٍ يَتَوَلَّى بِنَفْسِه هٰذا المَقام، بل مَن دَعاهُ اللهُ كَما دَعا هارون. وكَذٰلِك المسيحُ لم يَنتَحِلِ المَجْدَ فيَجعَلَ نَفْسَه عَظيمَ كَهَنَة، بل تَلَقَّى هٰذا المَجْدَ مِنَ الَّذي قالَ لَه: «أَنتَ ٱبنِي وأَنا اليَومَ وَلدتُكَ». وقالَ لَه في مَكانٍ آخَر: «أَنتَ كاهِنٌ لِلأَبَدِ على رُتْبَةِ مَلكيصادَق». وهو الَّذي في أَيَّامِ حَياتِه البَشَرِيَّة رَفَعَ الدُّعاءَ والاِبتِهالَ بِصُراخٍ شَديدٍ ودُموعٍ ذَوارِف إِلى الَّذي بِوُسعِه أَن يُخَلِّصَه مِنَ المَوت، فٱستُجيبَ لِتَقْواهس. وتَعَلَّمَ الطَّاعَةَ، وهو الِٱبن، بما عانى مِنَ الأَلَم. ولَمَّا بُلِغَ بِه إِلى الكَمال، صارَ لِجَميعِ الَّذينَ يُطيعونَه سَبَبَ خَلاصٍ أَبَدِيّ، لأَنَّ اللهَ أَعلَنَه عَظيمَ كَهَنَةٍ على رُتْبَةِ مَلكيصادَق. ولَنا في هٰذا المَوضوعِ كَلامٌ كَثير، صَعْبُ التَّفْسير، لأَنَّكم كَسالى عنِ الإِصْغاء وكانَ علَيكم أَن تَستفيدوا مِنَ الزَّمَن فتُصبِحوا مُعَلِّمين، في حينِ أَنَّكم مُحتاجونَ إِلى مَن يُعَلِّمُكم أَوَّلِيَّاتِ أَقوالِ الله، مُحتاجونَ إِلى لَبَنٍ حَليب، لا إِلى طَعامٍ قَوِيّ. فَكُلُّ مَن كانَ طَعامُه اللَّبَنَ الحَليب لا تَكونُ لَه خِبرَةٌ بِكلِمَةِ البِرِّ لأَنَّه طِفْل، في حينِ أَنَّ الطَّعامَ القَوِيَّ هو لِلرَّاشِدين، لأُولٰئِكَ الَّذينَ بِالتَّدَرُّبِ رُوِّضَت بَصائِرُهم على التَّمْييزِ بَينَ الخَيرِ والشَّرّ. فلْنَدَعْ مَبادِئَ التَّعْليمِ في المسيح ونَرتَفِعْ إِلى التَّعْليمِ الكامِل، دونَ أَن نَعودَ إِلى المَوادِّ الأَساسِيَّة كالتَّوبَةِ مِنَ الأَعمالِ المَيْتَة والإِيمانِ بِالله وتَعْليمِ المَعْمودِيَّات ووَضْعِ الأَيدي وقِيامَةِ الأَموات والدَّينونةِ الأَبَدِيَّة. وهٰذا ما نَفعَلُ بِإِذنِ الله. فالَّذينَ تلقَّوا النُّورَ مَرَّةً وذاقوا الهِبَةَ السَّماوِيَّة وصاروا مُشارِكينَ في الرُّوحِ القُدُس وذاقوا كَلِمَةَ اللهِ الطَّيِّبَة وقِوى العالَمِ المُقبِل، إِذا سَقَطوا مَعَ ذٰلِك، يَستَحيلُ تَجْديدُهم وإِعادَتُهم إِلى التَّوبَة لأَنَّهم يَصلِبونَ ٱبنَ اللهِ ثانِيَةً لِخُسْرانِهِم ويُشَهِّرونَه. كُلُّ أَرْضٍ شَرِبَت ما نَزَلَ علَيها مِنَ المَطَرِ مِرارًا، وأَخرَجَتْ نَباتًا مُفيدًا لِلَّذينَ تُحرَثُ لَهم، نالَت مِنَ اللهِ بَرَكَة. أَمَّا إِذا أَخرَجَت شَوكًا وعُلَّيقًا، فتُرذَلُ وتُوشِكُ أَن تُلعَنَ ويَكونُ عاقِبَتَها الحَريق. أَمَّا نَحنُ، أَيُّها الأَحِبَّاء، فإِنَّنا، وإِن تَكَلَّمنا هٰكذا، مُتَيَقِّنونَ أَنَّكم في حالٍ أَحسَن، في حالٍ تَصلُحُ لِلخَلاص، لأَنَّ اللهَ لَيسَ بِظالِمٍ فيَنْسى ما فَعَلْتُموه وما أَظهَرتُم مِنَ المَحَبَّةِ مِن أَجْلِ ٱسمِه إِذ خَدَمتُمُ القِدِّيسين وما زِلتُم تَخدُمونَهم، وإِنَّما نَرغَبُ في أَن يُظهِرَ كُلُّ واحِدٍ مِنكُم مِثْلَ هٰذا الاِجتِهاد لِيَزدَهِرَ الرَّجاءُ إِلى النِّهايَة فَلا تَتَراخَوا، بل تَقتَدونَ بِالَّذينَ بِالإِيمانِ والصَّبْرِ يَرِثُونَ المَواعِد. فلَمَّا وعَدَ اللهُ إِبراهيم، لم يَكُنْ لَه أَعظَمُ مِن نَفْسِه لِيُقسِمَ بِه، فأَقسَمَ بِنَفْسِه قال: «لَأُبارِكَنَّكَ وأُكَثِّرَنَّكَ». فهٰكذا صَبَرَ إِبراهيمُ فنالَ المَوعِد. والنَّاسُ يُقسِمونَ بِمَن هو أَعظَمُ مِنهم، واليَمينُ ضَمانٌ لَهم يُنْهي كُلَّ خِلاف. وكَذٰلِك الله، لَمَّا أَرادَ أَن يَدُلَّ وَرَثَةَ المَوعِدِ على ثَباتِ عَزْمِه دَلالَةً مُؤكَّدَة، تَعَهَّدَ بِيَمين. وشاءَ بِهٰذَينِ الأَمْرَينِ الثَّابِتَين، ويَستَحيلُ أَن يَكذِبَ اللهُ فيهِما، أَن نَتَشَدَّدَ تَشدُّدًا قَوِيًّا نَحنُ الَّذينَ التَجَأُوا إِلى التَّمَسُّكِ بِالرَّجاءِ المَعْروضِ عليهم. وهو لَنا مِثْلُ مِرساةٍ لِلنَّفْسِ أَمينَةٍ مَتينَةٍ تَختَرِقُ الحِجابَ إِلى حَيثُ دَخَلَ يسوعُ مِن أَجْلِنا سابِقًا لَنا وصارَ عَظيمَ كَهَنَةٍ لِلأَبَدِ على رُتْبَةِ مَلكيصادق. فإِنَّ مَلكيصادَقَ هٰذا هو مَلِكُ شَليم وكاهِنُ اللهِ العَلِيّ، خَرَجَ لِمُلاقاةِ إِبراهيمَ عِندَ رُجوعِه، بَعدَما كَسَرَ المُلوكَ، وبارَكَه، ولَه أَدَّى إِبراهيمُ العُشْرَ مِن كُلِّ شَيء. وتَفسيرُ ٱسمِه أَوَّلاً مَلِكُ البِرّ، ثُمَّ مَلِكُ شَليم، أَي مَلِكُ السَّلام. ولَيسَ لَه أَبٌ ولا أُمٌّ ولا نَسَب، ولَيسَ لأَيَّامِه بِداية ولا لِحَياتِه نِهايَة، وهو على مِثالِ ٱبنِ الله... ويَبْقى كاهِنًا أَبَدَ الدُّهور. فَٱنظُروا ما أَعظَمَ هٰذا الَّذي أَدَّى لَه إِبراهيمُ عُشْرَ خِيارِ الغَنائِم، مَعَ أَنَّه رَئيسُ الآباء. إِنَّ الَّذينَ يَقبَلونَ الكَهَنوتَ مِن بَني لاوِي تَأمُرُهمُ الشَّريعَةُ بِأَن يأخُذوا العُشْرَ مِنَ الشَّعْب، أَي مِن إِخوتِهم، مَعَ أَنَّهم خَرَجوا هم أَيضًا مِن صُلْبِ إِبراهيم. أَمَّا الَّذي لَيسَ لَه نَسَبٌ بَينَهُم، فقَد أَخَذَ العُشْرَ مِن إِبراهيم وبارَكَ ذاكَ الَّذي كانَت لَه المَواعِد. ومِمَّا لا خِلافَ فيه أَنَّ الأَصغَرَ شَأنًا يَتَلَقَّى البَرَكَةَ مِنَ الأَكبَرِ شَأنًا. ثُمَّ إِنَّ الَّذينَ يَأخُذونَ العُشْرَ هٰهُنا بَشَرٌ مائِتون، وأَمَّا هُناكَ فإِنَّه الَّذي يُشهَدُ لَه بِأَنَّه حَيّ. فيَجوزُ القَولُ إِنَّ لاوِيَ نَفْسَه، وهو الَّذي يَأخُذُ العُشْر، قَد أَدَّى العُشْرَ في شَخْصِ إِبراهيم لأَنَّه كانَ في صُلْبِ أَبيه يَومَ خَرَجَ مَلكيصادَقُ لِمُلاقاتِه. فلَو كانَ الحُصولُ على الكَمالِ بِالكَهَنوتِ اللاَّوِيّ، وقد تَلَقَّى الشَّعبُ شَريعةً مُتَّصِلَةً به، فأَيُّ حاجَةٍ بَعدَه إِلى أَن يَقومَ كاهِنٌ آخَرُ يَكونُ على رُتْبَةِ مَلكيصادَق ولا يُقالُ لَه إِنَّه على رُتْبَةِ هارون؟ لأَنَّه إِذا تَبَدَّلَ الكَهَنوت، فلا بُدَّ مِن تَبَدُّلِ الشَّريعَة. وذٰلِك أَنَّ الَّذي يُقالُ هٰذا فيه يَنتَمي إِلى سِبْطٍ آخَرَ لم يَقُم أَحَدٌ مِنه بِخِدمَةِ المَذبَح. فَمِنَ المَعْروفِ أَنَّ رَبَّنا خَرَجَ مِن يَهوذا، مِن سِبْطٍ لم يَذكُرْه مُوسى في كَلامِه على الكَهَنَة. ومِمَّا يَزيدُ الأَمْرَ وُضوحًا أَن يُقامَ كاهِنٌ غَيرُه على مِثالِ مَلكيصادَق لم يَصِرْ كاهِنًا بِحَسَبِ شَريعةِ وَصِيَّةٍ بَشَرِيَّة، بل بِحَسَبِ قُوَّةِ حَياةٍ لَيسَ لَها زَوال، لأَنَّ الشَّهادَةَ الَّتي أُدِّيَت لَه هي: «أَنتَ كاهِنٌ لِلأَبَد على رُتْبَةِ مَلكيصادَق». وهٰكذا نُسِخَتِ الوَصِيَّةُ السَّابِقَةُ لِضُعفِها وقِلَّةِ فائِدَتِها، فالشَّريعَةُ لَم تُبلِغْ شَيئًا إِلى الكَمال، وأُدخِلَ رَجاءٌ أَفضَلُ نَتَقَرَّبُ بِه إِلى الله. وبِقَدْرِ ما لم يَحدُثْ ذٰلِك بِلا يَمين - فإِنَّ أُولٰئِكَ صاروا كَهَنَةً بِلا يَمين، وأَمَّا هٰذا فبيَمينٍ مِنَ الَّذي قالَ لَه: «أَقسَمَ الرَّبُّ، ولَن يَندَم، أَنَّكَ كاهِنٌ لِلأَبَد» - صارَ يسوعُ كَفيلَ عَهْدٍ أَفضَل. أُولٰئِكَ الكَهَنَةُ كانَ يَصيرُ مِنهُم عَدَدٌ كَثير لأَنَّ المَوتَ يَحولُ دونَ بَقائِهِم، وأَمَّا هٰذا فلأَنَّه لا يَزول، لَه كَهَنوتٌ فَريد. فهُو لِذٰلِك قادِرٌ على أَن يُخَلِّصَ الَّذينَ يَتَقَرَّبونَ بِه إِلى اللهِ خَلاصًا تامًّا لأَنَّه حَيٌّ دائِمًا أَبَدًا لِيَشفَعَ لَهم. فهٰذا هو عَظيمُ الكَهَنَةِ الَّذي يُلائِمُنا، قُدُّوسٌ بَريءٌ نَقِيٌّ ومُنفَصلٌ عنِ الخاطئين، جُعِلَ أَعْلى مِنَ السَّمَوات، لا حاجَةَ بِه إِلى أَن يُقَرِّبَ كعُظَماءِ الكَهَنَةِ كُلَّ يَومٍ ذَبائِحَ لخَطاياه أَوَّلاً، ثُمَّ لِخَطايا الشَّعْب، لأَنَّه فَعَلَ ذٰلِكَ مَرَّة واحِدة، حينَ قَرَّبَ نَفْسَه. إِنَّ الشَّريعَةَ تُقيمُ أُناسًا ضُعَفاءَ عُظَماءَ كَهَنَة، أَمَّا كَلامُ اليَمينِ الآتي بَعدَ الشَّريعَة فيُقيمُ ٱبنًا جُعِلَ كامِلاً لِلأَبَد. ورأسُ الكلامِ في هٰذا الحَديثِ أَنَّ لَنا عَظيمَ كَهَنَةٍ هٰذا هو شَأنُه: جَلَسَ عن يَمينِ عَرْشِ الجَلالِ في السَّمَوات، خادِمًا لِلْقُدْسِ، والخَيمَةِ الحَقيقِيَّةِ الَّتي نَصبَها الرَّبُّ لا الإِنسان. فإِنَّ كُلَّ عَظيمِ كَهَنَةٍ يُقامُ لِيُقَرِّبَ القَرابينَ والذَّبائِح، ولِذٰلك فلا بُدَّ لَه أَيضًا أَن يَكونَ لَدَيه شَيءٌ يُقَرِّبُه. فلَو كانَ يسوعُ في الأَرض لَما جُعِلَ كاهِنًا، لأَنَّ هُناكَ مَن يُقَرِّبُ القَرابينَ وَفْقًا لِلشَّريعَة. غَيرَ أَنَّ عِبادَةَ هٰؤُلاءِ عِبادةُ صُورَةٍ وظِلٍّ لِلحَقائِقِ السَّماوِيَّة. وذٰلِكَ ما أُوحِيَ إِلى مُوسى حينَ هَمَّ بِأَن يَنصِبَ الخَيمَة، فقَد قيلَ لَه: «أُنظُرْ وٱعمَلْ كُلَّ شَيءٍ على الطِّرازِ الَّذي عُرِضَ علَيكَ على الجَبَل». فإِنَّ المسيحَ قد نالَ اليَومَ خِدمَةً أَفضَل بِمِقْدارِ ما هو وَسيطٌ لِعَهْدٍ أَفضَلَ مِنَ الَّذي قَبْلَه لأَنَّه مَبنِيٌّ على مَواعِدَ أَفضَل. فلَو كانَ العَهْدُ الأَوَّلُ لا غُبارَ علَيه، لَما كانَ هُناكَ داعٍ إِلى عَهْدٍ آخَر. فإِنَّ اللهَ يلومُهُم بِقَولِه: «ها إِنَّها أَيَّامٌ تَأتي، يَقولُ الرَّبّ، أَقطَعُ فيها لِبَيتِ إِسرائيلَ ولِبَيتِ يَهوذا عَهْدًا جَديدًا، لا كالعَهْدِ الَّذي جَعلْتُه لِآبائِهِم يَومَ أَخَذتُ بِأَيديهِم لأُخرِجَهُم مِن أَرْضِ مِصْر، لأَنَّهم لم يَثبُتوا على عَهْدي. فأَهمَلتُهُم أَنا أَيضًا، يَقولُ الرَّبّ. وهٰذا هو العَهْدُ الَّذي أُعاهِدُ علَيه بَيتَ إِسرائيل، بَعدَ تِلكَ الأَيَّام، يَقولُ الرَّبّ: إِنِّي لَأَجعَلُ شَريعَتي في ضَمائِرِهِم وأَكتُبُها في قُلوبِهِم، فأَكونُ لَهم إِلٰهًا وهم يَكونونَ لي شَعْبًا. فلا أَحَدَ يُعَلِّمُ بَعدَ ذٰلِك ٱبنَ وَطَنِه، ولا أَحَدَ يُعَلِّمُ أَخاه فيَقولُ لَه: إِعرِفِ الرَّبّ، لأَنَّهم سيَعرِفونَني كُلُّهم مِن صَغيرِهِم إِلى كَبيرِهِم، فأَصفَحُ عن آثامِهِم ولَن أَذكُرَ خَطاياهم بَعدَ ذٰلِك». فإِنَّه، إِذ يَقولُ «عَهْدًا جَديدًا»، فقَد جَعَلَ العَهْدَ الأَوَّلَ قَديمًا، وكُلَّ شَيءٍ قَدُمَ وشاخَ هو قَريبٌ مِنَ الزَّوال. فالعَهْدُ الأَوَّلُ أَيضًا كانَت له أَحكامُ العِبادَةِ والقُدْسُ الأَرْضيّ. فقَد نُصِبَت خَيمَةٌ هي الخَيمَةُ الأُولى، وكانَت فيها المَنارَةُ والمائِدَةُ والخُبزُ المُقَدَّس، ويُقالُ لَها القُدْس. وكانَ وَراءَ الحِجابِ الثَّاني الخَيمَةُ الَّتي يُقالُ لَها قُدْسُ الأَقْداس، وفيها المَوقِدُ الذَّهَبِيُّ لِلبَخور وتابوتُ العَهْدِ وكُلُّه مُغَشًّى بِالذَّهَب، وفيه وِعاءٌ ذَهَبِيٌّ يَحتَوي المَنَّ وعَصا هارونَ الَّتي أَورَقَت ولَوحَيِ العَهْد. ومِن فَوقِه كَروبا المَجْدِ يُظَلِّلانِ غِطاءَ الكَفَّارَة. ولَيسَ هُنا مَقامُ تَفْصيلِ الكَلامِ على جَميعِ ذٰلِك. ذاكَ كُلُّه على هٰذا التَّرْتيب، فالكَهَنَةُ يَدخُلونَ الخَيمَةَ الأُولى كُلَّ حين ويَقومونَ بِشَعائِرِ العِبادَة. وأَمَّا الخَيمَةُ الأُخْرى فإِنَّ عَظيمَ الكَهَنَةِ وَحدَه يَدخُلُها مَرَّةً في السَّنة، ولا يَدخُلُها بِلا دَمٍ، الدَّمِ الَّذي يُقَرِّبُه عن مَجاهِلِه ومَجاهِلِ شَعْبِه. وبِذٰلِك يُشيرُ الرُّوحُ القُدُسُ إِلى أَنَّ طَريقَ القُدْسِ لم يُكْشَفْ عَنه ما دامَتِ الخَيمَةُ الأُولى. وهٰذا رَمْزٌ إِلى الوَقْتِ الحاضِر، ففيه تُقَرَّبُ قَرابينُ وذَبائِحُ لَيسَ بِوُسْعِها أَن تَجعَلَ مَن يَقومُ بِالشَّعائِرِ كامِلاً مِن جِهَةِ الضَّمير: فهي تَقتَصِرُ على المَآكِلِ والمَشارِبِ ومُختَلِفِ الوُضوء، إِنَّها أَحْكامٌ بشَرِيَّةٌ فُرِضَت إِلى وَقْتِ الإِصْلاح. أَمَّا المسيح فقَد جاءَ عَظيمَ كَهَنَةٍ لِلخَيراتِ المُستَقْبَلَة، ومِن خِلالِ خَيمَةٍ أَكبَرَ وأَفضَلَ لم تَصنَعْها الأَيْدي، أَي أَنَّها لَيسَت مِن هٰذِه الخَليقَة، دَخَلَ القُدْسَ مَرَّةً واحِدَة، لا بِدَم التُّيوسِ والعُجول، بل بِدَمِه، فحَصَلَ على فِداءٍ أَبَدِيّ. فإِذا كانَ دَمُ التُّيوسِ والثِّيرانِ ورَشُّ رَمادِ العِجْلَةِ يُقَدِّسانِ المُنَجَّسينَ لِتَطهُرَ أَجْسادُهم، فما أَولى دَمَ المسيحِ، الَّذي قَرَّبَ نَفْسَه إِلى اللهِ بِروحٍ أَزَلِيٍّ قُرْبانًا لا عَيبَ فيه، أَن يُطَهِّرَ ضَمائِرَنا مِنَ الأَعمالِ المَيْتَة لِنَعْبُدَ اللهَ الحَيّ! لِذٰلِك هو وَسيطٌ لِعَهْدٍ جَديد، لِوَصِيَّةٍ جَديدة، حَتَّى إِذا ماتَ فِداءً لِلمَعاصِي المُرْتَكَبَةِ في العَهْدِ الأَوَّل، نالَ المَدعُوُّونَ الميراثَ الأَبَدِيَّ المَوعود، لأَنَّه حَيثُ تَكونُ الوَصِيَّة فلا بُدَّ أَن يَثبُتَ مَوتُ المُوصي. فالوَصِيَّةُ لا تَصِحُّ إِلاَّ بَعدَ المَوت، لأَنَّه لا يُعمَلُ بِها ما دامَ المُوصي حَيًّا. وعلى ذٰلِكَ فإِنَّ العَهْدَ الأَوَّلَ لم يُبرَمْ بِغَيرِ دَم، فإِنَّ موسى، بَعدَما تَلا على مَسامِعِ الشَّعْبِ جَميعَ الوَصايا كَما هي في الشَّريعَة، أَخَذَ دَمَ العُجولِ والتُّيوس، مع ماءٍ وصُوفٍ قِرْمِزِيٍّ وزُوفى، ورَشَّه على السِّفْرِ عَينِه وعلى الشَّعْبِ كُلِّه وقال: «هُوَذا دَمُ العَهْدِ الَّذي عَهِدَ اللهُ فيه إِلَيكم». والخَيمَةُ وجَميعُ أَدَواتِ العِبادَةِ رَشَّها كذٰلك بِالدَّم. هٰذا ويَكادُ بِالدَّمِ يُطَهَّرُ كُلُّ شَيءٍ بِحَسَبِ الشَّريعَة، وما مِن مَغفِرَةٍ بِغَيرِ إِراقَةِ دَم. فإِذا كانَت صُوَرُ الأُمورِ السَّماوِيَّة لا بُدَّ مِن تَطْهيرِها على هٰذا النَّحْو، فلا بُدَّ مِن تَطْهيرِ الأُمورِ السَّماوِيَّةِ نَفْسِها بِذَبائِحَ أَفضَل، لأَنَّ المسيحَ لم يَدخُلْ قُدْسًا صَنَعَته الأَيدي رَسمًا لِلقُدْسِ الحَقيقِيّ، بل دَخَلَ السَّماءَ عَيْنَها لِيَمثُلَ الآنَ أَمامَ وَجهِ اللهِ مِن أَجْلِنا، لا لِيُقَرِّبَ نَفْسَه مِرارًا كَثيرةً كما يَدخُلُ عَظيمُ الكَهَنَةِ القُدْسَ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمٍ غَيرِ دَمِه. ولَو كانَ ذٰلِكَ، لَكانَ علَيه أَن يَتَأَلَّمَ مِرارًا كَثيرَةً مُنْذُ إِنْشاءِ العالَم، في حينِ أَنَّه لم يَظهَرْ إِلاَّ مَرَّةً واحِدَةً في نِهايَةِ العالَم لِيُزيلَ الخَطيئَةَ بِذبيحَةِ نَفْسِه. وكَما أَنَّه كُتِبَ على النَّاسِ أَن يَموتوا مَرَّةً واحِدة، وبَعدَ ذاكَ يَومُ الدَّينونة، فكَذٰلِكَ المسيحُ قُرِّبَ مَرَّةً واحِدة لِيُزيلَ خَطايا جَماعَةِ النَّاس. وسيَظهَرُ ثانِيَة، بِمَعزِلٍ عنِ الخَطيئَة، لِلَّذينَ يَنتَظِرونَه لِلخَلاص. ولَمَّا كانَتِ الشَّريعَةُ تَشتَمِلُ على ظِلِّ الخَيراتِ المُستَقبَلَة، لا عَلى تَجسيدِ الحَقائِق نَفسِه، فهي عاجِزَةٌ أَبَدَ الدُّهور، بِتِلْكَ الذَّبائِحِ الَّتي تُقَرَّبُ كُلَّ سَنَةٍ على مَرِّ الدُّهور، أَن تَجعَلَ الَّذينَ يَتَقَرَّبونَ بِها كامِلين. ولَولا ذٰلِك لَكُفَّ عن تَقْريبِها، لأَنَّ الَّذينَ يَقومونَ بِشَعائِرِ العِبادة، إِذا تَمَّت لَهُمُ الطَّهارَةُ مَرَّةً واحِدَة، لم يَبْقَ في ضَميرِهِم شَيءٌ مِنَ الخَطيئَة، في حينِ أَنَّ تِلْكَ الذَّبائِحَ ذِكْرى لِلخَطايا كُلَّ سَنَة، لأَنَّ دَمَ الثِّيرانِ والتُّيوسِ لا يُمكِنُه أَن يُزيلَ الخَطايا. لِذٰلِكَ قالَ المسيحُ عِندَ دُخولِه العالَم: «لم تَشَأْ ذَبيحَةً ولا قُرْبانًا، ولٰكِنَّكَ أَعدَدتَ لي جَسَدًا. لم تَرتَضِ المُحرَقاتِ ولا الذَّبائِحَ عن الخَطايا، فقُلتُ حينَئِذٍ (وقَد كانَ الكَلامُ عَلَيَّ في طَيِّ الكِتاب): هاءَنَذا آتٍ، أَللَّهُمَّ، لأَعمَلَ بِمَشيئَتِكَ». فقَد قالَ أَوَّلاً: «ذَبائِحُ وقَرابينُ ومُحرَقاتٌ وذَبائِحُ كَفَّارَةٌ لِلخَطايا لم تَشَأْها ولَم تَرتَضِها» (معَ أَنَّها تُقَرَّبُ كَما تَقْضي الشَّريعَة). ثُمَّ قال: «هاءَنَذا آتٍ لأَعمَلَ بِمَشيئَتِكَ». فقَد أَبطَلَ العِبادةَ الأُولى لِيُقيمَ العِبادةَ الأُخْرى. وبتِلكَ المَشيئَة، صِرْنا مُقَدَّسينَ بِالقُرْبانِ الَّذي قُرِّبَ فيه جَسَدُ يَسوعَ المَسيحِ مَرَّةً واحِدَة. وإِنَّ كُلَّ كاهِنٍ يَقِفُ كُلَّ يَومٍ فيَقومُ بِشَعائِرِ العِبادَة ويُقَرِّبُ الذَّبائِحَ نَفْسَها مِرارًا كَثيرة، ولا يُمكِنُها أَبدًا أَن تَمحُوَ الخَطايا. أَمَّا هو فقَد قَرَّبَ ذَبيحَةً واحِدَةً كَفَّارَةً لِلخَطايا، ثُمَّ جَلَسَ عن يَمينِ اللهِ لِلأَبَد، مُنتَظِرًا بَعدَ ذٰلِك «أَن يَجعَلَ أَعداءَه مَوطِئًا لِقَدَمَيه»، لأَنَّه بِقُرْبانٍ واحِدٍ جَعَلَ المُقَدَّسينَ كامِلينَ أَبَدَ الدُّهور. وذٰلِكَ ما يَشهَدُ بِه لَنا الرُّوحُ القُدُسُ أَيضًا. فبَعدَ أَن قال: «هُوَذا العَهْدُ الَّذي أُعاهِدُهم إِيَّاه بَعدَ تِلْكَ الأَيَّام، يقولُ الرَّبّ: أَجعَلُ شَريعَتي في قُلوبِهِم، وأَكتُبُها في ضَمائِرِهِم، ولَن أَذكُرَ خَطاياهم وآثامَهم». فحَيثُ يَكونُ غُفْرانُ الخَطايا والآثام، لا يَبْقى مِن قُرْبانٍ مِن أَجْلِ الخَطيئَة. ولَمَّا كُنَّا واثِقينَ، أَيُّها الإِخوَة، بِأَنَّ لَنا سَبيلاً إِلى القُدْس بِدَمِ يسوع، سَبيلاً جَديدةً حَيَّةً فَتَحَها لَنا مِن خِلالِ الحِجاب، أَي جَسَدِه، وأَنَّ لَنا كاهِنًا عَظيمًا على بَيتِ الله، فلْنَدْنُ بِقَلْبٍ صادِقٍ وبِتَمامِ الإِيمان، وقُلوبُنا مُطَهَّرَةٌ مِن أَدْناسِ الضَّمير وأَجْسادُنا مَغْسولَةٌ بِماءٍ طاهِر، ولْنَتَمَسَّكْ بما نَشهَدُ لَه مِنَ الرَّجاءِ ولا نَحِدْ عَنه، لأَنَّ الَّذي وَعَدَ أَمين، ولْيَنتَبِهْ بَعضُنا إِلى بَعضٍ لِلحَثِّ على المَحبَّةِ والأَعمالِ الصَّالِحة. ولا تَنقَطِعوا عنِ ٱجتِماعاتِنا كَما ٱعْتادَ بَعضُكم أَن يَفعَل، بل حُثُّوا بَعضُكم بَعضًا وزِيدوا مِن ذٰلِك على قَدْرِ ما تَرَونَ أَنَّ اليَومَ يَقتَرِب. فإِنَّه إِذا خَطِئْنا عَمْدًا، بَعدَما حَصَلْنا على مَعرِفَةِ الحَقّ، فلا تَبْقى هُناكَ ذَبيحَةٌ كَفَّارَةٌ لِلخَطايا، بلِ ٱنتِظارٌ رَهيبٌ لِلدَّينونة ونارٌ مُستَعِرَةٌ تَلتَهِمُ العُصاة. مَن خالَفَ شَريعَةَ موسى قُتِلَ مِن غَيرِ رَحمَةٍ «بِناءً على قَولِ شاهِدَينِ أَو ثَلاثة». فأَيَّ عِقابٍ أَشَدَّ مِن ذٰلك العِقابِ يَستَحِقُّ، كما تَرَون، مَن داسَ ٱبنَ الله وعَدَّ دَمَ العَهْدِ الَّذي قُدِّسَ بِه نَجِسًا وٱستَهانَ بِرُوحِ النِّعمَة؟ فنَحنُ نَعرِفُ ذاكَ الَّذي قال: «لِيَ الاِنتِقامُ وأَنا الَّذي يُجازي». وقالَ أَيضًا: «إِنَّ الرَّبَّ سيَدينُ شَعْبَه». ما أَرهَبَ الوُقوعَ في يَدِ اللهِ الحَيّ! ولٰكِنِ ٱذكُروا أَيَّامَ الماضي، الَّتي فيها تَلقَّيتُمُ النُّور فجاهَدتُم جِهادًا كَثيرًا مُتَحَمِّلينَ الآلام، فصِرتُم تارَةً عُرضَةً لِلتَّعْيِيرِ والشَّدائِد، وتارةً شُرَكاءَ الَّذينَ عومِلوا بِمِثْلِ ذٰلِك. فقَد شارَكْتُمُ السُّجَناءَ في آلامِهِم وتَقبَّلْتُم فَرِحينَ أَن تُنهَبَ أَموالُكُم، عالِمينَ أَنَّ لَكم ثَروَةً أَفْضَلَ لا تَزول. لا تُضيعوا إِذًا ثِقَتَكم فلَها جَزاءٌ عَظيم، وإِنَّ بِكُم حاجَةً إِلى الصَّبْرِ لِتَعمَلوا بِمَشيئَةِ الله فتَحصُلوا على المَوعِد. «قَليلاً قَليلاً مِنَ الوَقْت، فيَأتي الآتي ولا يُبطِئ. إِنَّ البارَّ لَدَيَّ بِالإِيمانِ يَحْيا، وإِنِ ٱرتَدَّ، لم تَرْضَ عَنه نَفْسي». فلَسْنا أَبناءَ الاِرتِدادِ لِنَهلِك، بل أَبناءُ الإِيمان، لِخَلاصِ النَّفْس. فالإِيمانُ قِوامُ الأُمورِ الَّتي تُرْجى وبُرْهانُ الحَقائِقِ الَّتي لا تُرى، وبِفَضلِه شُهِدَ لِلأَقدَمين. بِالإِيمانِ نُدرِكُ أَنَّ العالَمينَ أُنشِئَت بِكَلِمَةِ الله، حَتَّى إِنَّ ما يُرى يَأتي مِمَّا لا يُرى. بِالإِيمانِ قَرَّبَ هابيلُ للهِ ذَبيحَةً أَفضَلَ مِن ذَبيحَةِ قايِن، وبِالإِيمانِ شُهِدَ لَه أَنَّه بارّ، فقَد شَهِدَ اللهُ لِقَرابينِه، وبالإِيمان ما زالَ يَتَكَلَّمُ بَعدَ مَوتِه. بِالإِيمانِ أُخِذَ أَخْنوخُ لِئَلاَّ يَرى المَوت، «فلَم يَجِدْه أَحَدٌ لأَنَّ اللهَ أَخَذَه». وشُهِدَ لَه قَبلَ رَفعِه بِأَنَّ اللهَ قد رَضِيَ عَنه. وبِغَيرِ الإِيمانِ يَستَحيلُ نَيلُ رِضا الله، لأَنَّه يَجِبُ على الَّذي يَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ أَن يُؤمِنَ بِأَنَّه مَوجود وأَنَّه يُجازي الَّذينَ يَبتَغونَه. بِالإِيمانِ أُوحِيَت إِلى نُوحٍ أُمورٌ لم تَكُنْ وَقتَئِذٍ مَرْئِيَّة، فتَوَرَّعَ وبَنى سَفينَةً لِخَلاصِ أَهْلِ بَيتِه، حَكَمَ بِها على العالَم وصارَ وارِثًا لِلبِرِّ الحاصِلِ بِالإِيمان. بِالإِيمانِ لَبَّى إِبراهيمُ الدَّعوَة فخَرَجَ إِلى بَلَدٍ قُدِّرَ لَه أَن يَنالَه ميراثًا، خَرَجَ وهو لا يَدْري إِلى أَينَ يَتَوَجَّه. بِالإِيمانِ نَزَلَ في أَرْضِ الميعادِ نُزولَه في أَرضٍ غَريبَة، وأَقامَ في الخِيامِ معَ إِسحٰقَ وَيَعقوبَ الشَّريكَينِ في الميراثِ المَوعودِ عَينِه، فقَد كانَ يَنتَظِرُ المَدينَةَ ذاتَ الأُسُس واللهُ مُهَندِسُها وبانِيها. بِالإِيمانِ نالَت سارَةُ هي أَيضًا القُوَّةَ على إِنْشاءِ نَسْل، وقَد جاوَزَتِ السِّنّ، ذٰلِك بِأَنَّها عَدَّتِ الَّذي وَعَدَ أَمينًا. ولِذٰلِكَ وُلِدَ مِن رَجُلٍ واحِدٍ، وَقَد قارَبَ المَوت، نَسْلٌ «كَنُجومِ السَّماء كَثرَةً وكالرَّملِ الَّذي على شاطِئِ البَحْر، وَهو لا يُحْصى». في الإِيمانِ ماتَ أُولٰئِكَ جَميعًا ولَم يَحصُلوا على المَواعِد، بل رَأَوها وحَيَّوها عن بُعْد، وٱعتَرَفوا بِأَنَّهم «غُرَباءُ نُزَلاءُ في الأَرض». فإِنَّ الَّذينَ يَقولونَ هٰذا القَول يَدُلُّونَ على أَنَّهم يَسعَونَ إِلى وَطَن. ولَو كانوا يُفَكِّرونَ في الوَطَنِ الَّذي خَرَجوا مِنه، لَكانَ لَهُمُ الوَقْتُ لِلرُّجوعِ إِلَيه، في حِينِ أَنَّهم يَرغَبونَ في وَطَنٍ أَفضَلَ، أَعْني الوَطَنَ السَّماوِيّ. لِذٰلِكَ لا يَستَحيِي اللهُ أَن يُدْعى إِلٰهَهُم، فقَد أَعَدَّ لَهم مَدينَة. بِالإِيمانِ قَرَّبَ إِبراهيمُ إِسحٰق، لَمَّا ٱمتُحِنَ. فكانَ يُقَرِّبُ ٱبنَه الوَحيد، وقَد تَلقَّى المَواعِد، وكانَ قد قيلَ لَه: «بِإِسحٰقَ سيَكونُ لَكَ نَسْلٌ يَحمِلُ ٱسمَك». فقَدِ ٱعتَقَدَ أَنَّ اللهَ قادِرٌ حتَّى على أَن يُقيمَ مِن بَينِ الأَمْوات. لِذٰلِك ٱستَردَّه، وفي هٰذا رَمْز. بِالإِيمانِ بارَكَ إِسْحٰقُ يَعقوبَ وعيسُوَ في شؤُونِ المُستَقبَل. بِالإِيمانِ بارَكَ يَعقوب، لَمَّا حَضَرَه المَوت، كُلًّا مِنِ ٱبنَي يوسُف «وسَجَدَ وهو مُستَنِدٌ إِلى طَرَفِ عَصاه». بِالإِيمانِ ذَكَرَ يوسُف، وقَد حانَ أَجَلُه، خُروجَ بَني إِسرائيلَ وأَوصى بِرُفاتِه. بِالإِيمانِ أَخْفى موسى أَبَواه بَعدَ مَولِدِه ثَلاثَةَ أَشهُرٍ لأَنَّهُما رَأَيا حُسْنَ الصَّبِيِّ ولَم يَخشَيا أَمْرَ المَلِك. بِالإِيمانِ أَبى موسى، حينَ صارَ شابًّا، أَن يُدْعى ٱبنًا لِبِنْتِ فِرعَون، وآثَرَ أَن يُشارِكَ شَعْبَ اللهِ في عَذابِه على التَّمَتُّعِ الزَّائِلِ بِالخَطيئَة، وعَدَّ عارَ المسيح غِنًى أَعظَمَ مِن كُنوزِ مِصْر، لأَنَّه كانَ يَطمَحُ إِلى الثَّواب. بِالإِيمانِ تَرَكَ مِصْرَ ولَم يَخْشَ غَضَبَ المَلِك، وثَبَتَ على أَمْرِه ثُبوتَ مَن يَرى ما لا يُرى. بِالإِيمانِ أَقامَ الفِصْحَ ورَشَّ الدَّم، لئَلاَّ يَمَسَّ المُبيدُ أَبْكارَ بَني إِسرائيل. بِالإِيمانِ جازوا البَحْرَ الأَحمَرَ كأَنَّه بَرّ، في حِينِ أَنَّ المِصرِيِّينَ حاوَلوا العُبورَ فغَرِقوا. بِالإِيمانِ سَقَطَ سورُ أَريحا بَعدَ الطَّوافِ بِه سَبعَةَ أَيَّام. بِالإِيمانِ لم تَهلِكْ راحابُ البَغِيُّ مع الكُفَّار، لأَنَّها تَقَبَّلَتِ الجاسوسَينِ بِالسَّلام. وماذا أَقولُ أَيضًا؟ إِنَّ الوَقْتَ يَضيقُ بي، إِذا أَخبَرتُ عن جِدعَون وباراق وشِمشون ويَفْتاح وداوُد وصَموئيل والأَنبِياء. فهُم بِفَضلِ الإِيمانِ دوَّخوا المَمالِك وأَقاموا العَدْل ونالوا المَواعِد وكَمُّوا أَفْواهَ الأُسود وأَخمَدوا أَجيجَ النَّار ونَجَوا مِن حَدِّ السَّيف وتغَلَّبوا على المَرَض وصاروا أَبْطالاً في الحَرْب ورَدُّوا غاراتِ الغُرَباء، وٱستَعادَ نِساءٌ أَمواتَهُنَّ بِالقِيامة. وتَحَمَّلَ بَعضُهمُ تَوتيرَ الأَعْضاء وأَبَوا النَّجاةَ رَغبَةً في الأَفضَل، أَي في القِيامَة، وبَعضُهُمُ الآخَرُ عانى السُّخرِيَّةَ والجَلْد، فَضْلاً عنِ القُيُودِ والسِّجْن. ورُجِموا ونُشِروا وماتوا قَتْلاً بِالسَّيف وهاموا على وُجوهِهِم، لِباسُهُم جُلُودُ الغَنَم وشَعَرُ المَعْز، مَحْرومينَ مُضايَقينَ مَظْلومين، لا يَستَحِقُّهمُ العالَم، وتاهوا في البَراري والجِبالِ والمَغاوِرِ وكُهوفِ الأَرض. وهٰؤُلاءِ كُلُّهم تَلَقَّوا شَهادَةً حَسَنَةً بِفَضْلِ إِيمانِهِم، ولٰكِنَّهم لم يَحصُلوا على المَوعِد، لأَنَّ اللهَ قَدَّرَ لَنا ما هو أَفضَلُ لِكَيلا يُدرِكوا الكَمالَ مِن دونِنا. لِذٰلِكَ فنَحنُ الَّذينَ يُحيطُ بِهِم هٰذا الجَمُّ الغَفيرُ مِنَ الشُّهود، فلْنُلْقِ عَنَّا كُلَّ عِبْءٍ وما يُساوِرُنا مِن خَطيئَة ولْنَخُضْ بِثَباتٍ ذٰلِك الصِّراعَ المَعْروضَ علَينا، مُحَدِّقينَ إِلى مُبدِئ إِيمانِنا ومُتَمِّمِه، يسوعَ الَّذي، في سَبيلِ الفَرَحِ المَعْروضِ علَيه، تَحَمَّلَ الصَّليبَ مُستَخِفًّا بِالعار، ثُمَّ جَلَسَ عن يَمينِ عَرْشِ الله. فَكِّروا في ذاكَ الَّذي تَحَمَّلَ ما لَقِيَ مِن مُخالَفَةِ الخاطِئِين، لِكَيلا تَخورَ هِمَمُكم بِضُعفِ نُفوسِكم. فإِنَّكم لم تُقاوِموا بَعدُ حتَّى بَذْلِ الدَّمِ في مُجاهَدَةِ الخَطيئَة. وقَد نَسيتُم تِلكَ العِظَةَ الَّتي تُخاطِبُكم مُخاطَبَتَها بَنيها فتَقول: «يا بُنَيَّ، لا تَحتَقِرْ تَأديبَ الرَّبّ، ولا تَضعَفْ نَفْسُكَ إِذا وَبَّخَكَ، فمَن أَحَبَّه الرَّبُّ أَدَّبَه، وهو يَجلِدُ كُلَّ ٱبنٍ يَرتَضيه». فمِن أَجْلِ التَّأديبِ تَتَأَلَّمون، وإِنَّ اللهَ يُعامِلُكم مُعامَلَةَ البَنين، وأَيُّ ٱبنٍ لا يُؤَدِّبُه أَبوه؟ فإِذا لم يَنَلْكم شَيءٌ مِنَ التَّأديب، وهو نَصيبُ جَميعِ النَّاس، كُنتُم أَولادَ زِنْيَةٍ لا بَنين. هٰذا وإِنَّ آباءَنا في الجَسَدِ أَدَّبونا وقد هِبناهُم. فما أَحْرانا بِأَن نَخضَعَ لأَبي الأَرْواحِ فنَحْيا! هم أَدَّبونا لأَيَّامٍ قَليلةٍ وكما بَدا لَهم، وأَمَّا هو فلِخَيرِنا، لِنَنالَ نَصيبًا مِن قَداسَتِه. إِنَّ كُلَّ تَأديبٍ لا يَبْدو في وَقتِه باعِثًا على الفَرَح، بل على الغَمّ. غَيرَ أَنَّه يَعودُ بَعدَ ذٰلِكَ على الَّذينَ رَوَّضَهم بِثَمَرِ البِرِّ وما فيه مِن سَلام. «فأَقيموا أَيدِيَكُمُ المُستَرخِيَةَ ورُكَبَكُمُ المُلتَوِيَة» وٱجعَلوا سُبُلاً قَويمَةً لِخُطاكم، فلا يَتَخَلَّعَ الأَعرَجُ، بل يَبرَأ. أُطلُبوا السَّلامَ معَ جَميعِ النَّاس والقَداسةَ الَّتي بِغَيرِها لا يَرى الرَّبَّ أَحَد. وٱنتَبِهوا لِئَلاَّ يُحرَمَ أَحَدٌ نِعمَةَ الله ومَخافَةَ أَن «يَنبُتَ أَصلٌ مُرٌّ» يُحدِثُ القَلَقَ ويُفسِدُ الجَماعة. وٱنتَبِهوا لِئَلاَّ يَكونَ فيكُم فاحِشٌ أَو مُدَنِّسٌ مِثْلُ عيسُوَ الَّذي باعَ بِكْرِيَّتَه بِأَكلَةٍ واحِدَة. وتَعلَمونَ أَنَّه، لَمَّا أَرادَ بَعدَ ذٰلِكَ أَن يَرِثَ البَرَكَة، رُذِلَ ولَم يَجِدْ سَبيلاً إِلى تَبْديلِ المَوقِف، معَ أَنَّه ٱلتَمَسَه باكِيًا. إِنَّكم لم تَقتَرِبوا مِن شَيءٍ مَلْموس: نارٍ مُستَعِرَةٍ وعَتْمَةٍ وظَلام وإِعصارٍ ونَفْخٍ في البوق وصَوتِ كَلامٍ طَلَبَ سامِعوه أَلاَّ يُزادوا مِنه لَفظَةً لأَنَّهم لم يُطيقوا تَحَمُّلَ هٰذا الأَمْر: «حَتَّى الوَحْشُ، لو مَسَّ الجَبَل، فَلْيُرْجَمْ». كانَ المَنظَرُ رَهيبًا حَتَّى إِنَّ مُوسى قال: «أَنا مَرْعوبٌ مُرتَعِد». أَمَّا أَنتُم فقَدِ ٱقتَرَبتُم مِن جَبَلِ صِهْيون، ومَدينةِ اللهِ الحَيّ، أُورَشَليمَ السَّماوِيَّة، ومِن رِبْواتِ المَلائِكَةِ في حَفْلَةِ عيد، مِن جَماعَةِ الأَبْكارِ المَكْتوبَةِ أَسْماؤُهم في السَّمَوات، مِن إِلٰهٍ دَيَّانٍ لِلخَلْقِ أَجمَعين، ومِن أَرْواحِ الأَبْرارِ الَّذينَ بَلَغوا الكَمال، مِن يسوعَ وَسيطِ عَهْدٍ جَديد، مِن دَمٍ يُرَشّ، كلامُه أَبلَغُ مِن كَلامِ دَمِ هابيل. فٱحذَروا أَن تُعرِضوا عن سَماعِ ذاكَ الَّذي يُكَلِّمُكم. فإِذا كانَ الَّذينَ أَعرَضوا عنِ الَّذي أَنذَرَهُم في الأَرضِ لم يُفلِتوا مِنَ العِقاب، فكَم بِالأَحْرى لا نُفلِتُ نَحنُ إِذا تَوَلَّينا عنِ الَّذي يُكَلِّمُنا مِنَ السَّماء؟ إِنَّ الَّذي زَعزَعَ صَوتُه الأَرضَ حينَذاك قد وَعَدَنا الآنَ فقال: «أُزَلزِلُ مَرَّةً أُخْرى، لا الأَرْضَ وَحدَها، بلِ السَّماءَ أَيضًا». فالقَولُ «مَرَّةً أُخْرى» يُشيرُ إِلى زَوالِ الأَشياءِ المُزَعزَعةِ لأَنَّها مَخْلوقَة، لِتَبْقى الأَشياءُ الَّتي لا تُزَعزَع. فنَحنُ وقَد حَصَلْنا على مَلَكوتٍ لا يَتَزَعْزَع، فلْنَتَمَسَّكْ بِهٰذِه النِّعمَة ونَعبُدْ بِها اللهَ عِبادةً يَرْضى عَنها، بِتَقْوى ووَرَع، فإِنَّ إِلٰهَنا نارٌ آكِلَة. لِتَبْقَ المَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ ثابِتة. لا تَنسَوا الضِّيافَةَ فإِنَّها جَعَلَت بَعضَهم يُضيفونَ المَلائِكَةَ وهُم لا يَدْرون. أُذكُروا المَسْجونينَ كأَنَّكم مَسْجونونَ مَعَهم، وٱذكُروا المَظْلومين لأَنَّكم أَنتُم أَيضًا في جَسَد. لِيَكُنِ الزَّواجُ مُكَرَّمًا عِندَ جَميعِ النَّاس، ولْيَكُنِ الفِراشُ بَريئًا مِنَ الدَّنَس، فإِنَّ الزُّناةَ والفاسِقينَ سيَدينُهمُ الله. تَنَزَّهوا عن حُبِّ المال وٱقنَعوا بما لَدَيكم. قالَ الله: «لن أَترُكَكَ ولَن أَخذُلَكَ». فيُمكِنُنا القَولُ واثِقين: «الرَّبُّ عَوْني فلَن أَخاف، وما عَسى الإِنسانُ يَصنَعُ بي؟». أُذكُروا رُؤَساءَكم، إِنَّهم خاطَبوكم بِكَلِمَةِ الله، وٱعتَبِروا بما ٱنتَهَت إِلَيه سيرَتُهم وٱقتَدوا بِإِيمانِهِم. إِنَّ يسوعَ المَسيحَ هو هو أَمْسِ واليَومَ ولِلأَبَد. لا تَضِلُّوا بِتَعاليمَ مُختَلِفَةٍ غَريبَة، فإِنَّه يَحسُنُ تَثبيتُ القَلْبِ بِالنِّعمَة، لا بِأَطعِمَةٍ لا خَيرَ فيها لِلَّذينَ يُراعونَ أَحكامَها. لَنا مَذبَحٌ لا يَحِلُّ لِلَّذينَ يَخدُمونَ الخَيمَةَ أَن يَأكُلوا مِنه، لأَنَّ الحَيَواناتِ الَّتي يَدخُلُ عَظيمُ الكَهَنَةِ بِدَمِها قُدْسَ الأَقْداسِ كَفَّارَةً لِلخَطيئَة تُحرَقُ أَجسامُها في خارِجِ المُخَيَّم، ولِذٰلِك تَأَلَّمَ يسوعُ أَيضًا في خارِجِ الباب لِيقَدِّسَ الشَّعْبَ بِذاتِ دَمِه. فلْنَخرُجْ إِلَيه إِذًا في خارِجِ المُخَيَّمِ حامِلينَ عارَه، لأَنَّه لَيسَ لَنا هُنا مَدينةٌ باقِيَة، وإِنَّما نَسْعى إِلى مَدينَةِ المُستَقبَل. فلْنُقَرِّبْ للهِ عن يَدِه ذَبيحَةَ الحَمْدِ في كُلِّ حين، أَي ما تَلفِظُه الشِّفاهُ المُسَبِّحَةُ لِٱسمِه. لا تَنسَوا الإِحْسانَ والمُشارَكَة، فإِنَّ اللهَ يَرتَضي مِثْلَ هٰذِه الذَّبائِح. أَطيعوا رُؤَساءَكم وٱخضَعوا لَهم، لأَنَّهم يَسهَرونَ على نُفوسِكم سَهَرَ مَن يُحاسَبُ علَيها، لِيَعمَلوا ذٰلِك بِفَرَح، لا بِحَسْرَةٍ يَكونُ لَكم فيها خُسْران. صَلُّوا مِن أَجْلِنا فإِنَّنا واثِقونَ أَنَّ ضَميرَنا صالِح وأَنَّنا نَرغَبُ في أَن نُحسِنَ السَّيرَ في كُلِّ أَمْر. أَسأَلُكم ذٰلِكَ بِإِلْحاحٍ لأُرَدَّ إِلَيكم في أَسرَعِ وَقْت. جَعَلَكُم إِلٰهُ السَّلامِ الَّذي أَصعَدَ مِن بَينِ الأَموات، بِدَمِ عَهْدٍ أَبَدِيٍّ، راعِيَ الخِرافِ العَظيم، رَبَّنا يَسوع، جَعَلَكُم أَهْلاً لِكُلِّ شَيءٍ صالِحٍ لِلعَمَلِ بِمَشيئَتِه، وعَمِلَ فينا ما حَسُنَ لَدَيه بِيَسوعَ المسيح لَهُ المَجْدُ أَبَدَ الدُّهور. آمين. أُناشِدُكم، أَيُّها الإِخوَة، أَن تَتَحَمَّلوا كَلامَ هٰذه العِظَة، فإِنِّي كَتَبتُ إِلَيكم بِإِيجاز. إِعلَموا أَنَّ أَخانا طيموتاوُسَ قد أُخلِيَ سَبيلُه، فإِن قَدِمَ عاجِلاً، جِئتُ معَه لأَراكم. سَلِّموا على جَميعِ رُؤَسائِكم وعلى جَميعِ القِدِّيسين. يُسَلِّمُ علَيكُمُ الَّذينَ في إِيطالِيَة. النِّعمَةُ علَيكُم أَجمَعين. مِن يَعقوبَ عَبدِ اللهِ والرَّبِّ يسوعَ المسيح إِلى المُشَتَّتينَ مِنَ الأَسباطِ الاِثنَي عَشَر، سَلام! أُنظُروا يا إِخوَتي إِلى ما يُصيبُكم مِن مُختَلِفِ المِحَن نَظَركم إِلى دَواعي الفَرَحِ الخالِص. فأَنتُم تَعلَمونَ أَنَّ ٱمتِحانَ إِيمانِكم يَلِدُ الثَّبات، وَلْيَكُنِ الثَّباتُ فعَّالاً على وَجهٍ كامِل، لِتَكونوا كامِلينَ سالِمينَ لا نَقْصَ فيكُم. وإِن كانَ أَحَدٌ مِنكُم تَنقُصُه الحِكمَة فلْيَطلُبْها عِندَ اللهِ يُعطَها، لأَنَّه يُعْطي جَميعَ النَّاسِ بِلا حِسابٍ ولا عِتاب. فلْيَطلُبْها بِإِيمانٍ مِن غَيرِ أَن يَرْتاب، لأَنَّ المُرتابَ يُشبِهُ مَوجَ البَحرِ إِذا لَعِبَت بِه الرِّيحُ فهاجَتْه. ولا يَظُنَّنَّ ذٰلك الرَّجُلُ أَنَّه يَنالُ مِنَ الرَّبِّ شَيئًا، فهو رَجُلٌ ذو نَفْسَيْن لا يَقِرُّ لهُ قَرارٌ في طُرُقِه كُلِّها. لِيَفتَخِرِ الأَخُ الوَضيعُ بِرِفعَتِه والغَنِيُّ بِضَعَتِه، لأَنَّه كَزَهرِ العُشْبِ يَزول. فقَد أَشرَقَتِ الشَّمْسُ وٱشتَدَّت حَرارَتُها وأَيبَسَتِ العُشْب، فسَقَطَ زَهْرُه وذَهَبَ رَونَقُه. كذٰلِكَ يَذبُلُ الغَنِيُّ في مَساعيه. طوبى لِلرَّجُلِ الَّذي يَحتَمِلُ التَّجرِبَة! لأَنَّه سيَخرُجُ مُزَكًّى فيَنالُ إِكليلَ الحَياةِ الَّذي وُعِدَ بِه مَن يُحِبُّونَه. إِذا جُرِّبَ أَحَدٌ فلا يَقُلْ: «إِنَّ اللهَ يُجَرِّبُني». إِنَّ اللهَ لا يُجَرِّبُه الشَّرُّ ولا يُجَرِّبُ أَحَدًا، في حينِ أَنَّ لِكُلِّ إِنسانٍ شَهوَةً تُجَرِّبُه فتَفتِنُه وتُغْويه. والشَّهوَةُ إِذا حَبِلَت وَلَدَتِ الخَطيئَة، والخَطيئَةُ إِذا تَمَّ أَمرُها خَلَّفَتِ المَوت. لا تَضِلُّوا يا إِخوَتي الأَحِبَّاء، فكُلُّ عَطِيَّةٍ صالِحَةٍ وكُلُّ هِبَةٍ كامِلَةٍ تَنزِلُ مِن عَلُ مِن عِندِ أَبي الأَنوار. وهو لا تَبَدُّلَ فيهِ ولا شِبْهَ تَغَيُّر. شاءَ أَن يَلِدَنا بِكَلِمَةِ الحَقّ لِنَكونَ كمِثْلِ باكورَةٍ لِخَلائِقِه. لا يُخْفى عَلَيكم شَيءٌ، يا إِخوَتي الأَحِبَّاء، ومَعَ ذٰلك فعَلى كُلِّ إِنسانٍ أَن يَكونَ سَريعًا إِلى الِٱستِماعِ بَطيئًا عَنِ الكَلام، بَطيئًا عنِ الغَضَب، لأَنَّ غَضَبَ الإِنسانِ لا يَعمَلُ لِبِرِّ الله. فأَلقُوا عنكُم كُلَّ دَنَسٍ وكُلَّ ما يَفيضُ مِن شَرّ، وتَقبَّلوا بِوَداعةٍ الكَلِمَةَ المَغْروسَةَ فيكم والقادِرَةَ على خَلاصِ نُفوسِكم. وكونوا مِمَّن يَعمَلونَ بِهٰذه الكَلِمَة، لا مِمَّن يَكتَفونَ بِسَماعِها فيَخدَعونَ أَنفُسَهم. فمَن يَسمَعِ الكَلِمَةَ ولا يَعمَلْ بِها يُشْبِهْ رَجُلاً يَنظُرُ في المِرآةِ صورَةَ وَجْهِه. فما إِن نظَرَ إِلى نَفْسِه ومَضى حتَّى نَسِيَ كَيفَ كان. وأَمَّا الَّذي أَكَبَّ على الشَّريعَةِ الكامِلَة، شَريعَةِ الحُرِّيَّة، ولَزِمَها، لا شَأْنَ مَن يَسمَع ثُمَّ يَنْسى، بل شأنَ مَن يَعمَل، فذاكَ الَّذي سيَكونُ سَعيدًا في عَمَلِه. مَن ظَنَّ أَنَّه دَيِّنٌ ولَم يُلجِمْ لِسانَه، بل خَدَعَ قَلبَه، كانَ تَدَيُّنُه باطِلاً. إِنَّ التَّدَيُّنَ الطَّاهِرَ النَّقِيَّ عِندَ اللهِ الآب هو افتِقادُ الأَيتامِ والأَرامِلِ في شِدَّتِهِم وصِيانَةُ الإِنسانِ نَفْسَهُ مِنَ العالَم لِيَكونَ بِلا دَنَس. يا إِخوتي، لا تَجمَعوا بَينَ مُراعاةِ الأَشخاصِ والإِيمانِ بِرَبِّنا يسوعَ المسيح، لَه المَجْد. فإِذا دَخَلَ مَجمَعَكم رَجُلٌ بِإِصبَعِه خاتَمٌ مِن ذَهَبٍ وعلَيهِ ثِيابٌ بَهِيَّة، ودَخَلَ أَيضًا فَقيرٌ علَيه ثِيابٌ وَسِخَة، فالتَفتُّم إِلى صاحِبِ الثِّيابِ البَهِيَّة وقُلتُم له: «إِجلِسْ أَنتَ هٰهُنا في الصَّدْر»، وقُلتُم لِلفَقير: «أَنتَ قِفْ» أَو «اِجلِسْ عِندَ موطِئِ قَدَمَيَّ»، أَفَلا تَكونونَ قد مَيَّزتُم في أَنْفُسِكم وصِرتُم قُضاةً ساءَت أَفكارُهُم؟ إِسمَعوا، يا إِخوَتي الأَحِبَّاء: أَلَيسَ اللهُ ٱختارَ الفُقَراءَ في نَظَرِ النَّاس فجَعَلَهم أَغنِياءَ بِالإِيمان ووَرَثَةً لِلمَلَكوتِ الَّذي وَعَدَ بِه مَن يُحِبُّونَه؟ وأَنتُم أَهَنتُمُ الفَقير! أَلَيسَ الأَغنِياءُ همُ الَّذينَ يَظلِمونَكم ويَسوقونَكم إِلى المَحاكِم؟ أَوَلَيسَ همُ الَّذينَ يُجَدِّفونَ على الاِسْمِ الحَسَنِ الَّذي ذُكِرَ علَيكم؟ فإِذا عَمِلتُم بِالشَّريعَةِ السَّامِيَةِ الَّتي نَصَّ عَلَيها الكِتاب، وهي: «أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ»، تُحسِنونَ عَمَلاً. وأَمَّا إِذا راعَيتُمُ الأَشخاص فتَرتَكِبونَ خَطيئَةً وتُثبِتُ الشَّريعَةُ علَيكُم أَنَّكُم مِنَ المُخالِفين. فمَن حَفِظَ الشَّريعَةَ كُلَّها وزَلَّ في أَمْرٍ واحِدٍ مِنها أَخطَأَ بِها جَميعًا، لأَنَّ الَّذي قال: «لا تَزْنِ» قالَ أَيضًا: «لا تَقتُلْ». فإِذا لم تَزْنِ ولٰكِنَّك قَتَلتَ، كُنتَ مُخالِفًا لِلشَّريعَة. تَكَلَّموا وٱعمَلوا مِثْلَ مَن سَيُدانُ بِشَريعَةِ الحُرِّيَّة، لأَنَّ الدَّينونَةَ لا رَحمَةَ فيها لِمَن لم يَرحَم، فالرَّحمَةُ تَستَخِفُّ بِالدَّينونَة. ماذا يَنفَعُ، يا إِخوَتي، أَن يَقولَ أَحَدٌ إِنَّه يُؤمِن، إِن لم يَعمَل؟ أَبِوُسْعِ الإِيمانِ أَن يُخَلِّصَه؟ فإِن كانَ فيكُم أَخٌ عُريانٌ أَو أُختٌ عُريانَةٌ يَنقصُهما قُوتُ يَومِهِما، وقالَ لَهما أَحدُكم: «إِذْهَبا بِسَلامٍ فٱستَدفِئا وٱشبَعا» ولم تُعطوهما ما يَحتاجُ إِلَيه الجَسَد، فماذا يَنفَعُ قَولُكُم؟ وكَذٰلِكَ الإِيمان، فإِن لم يَقتَرِنْ بِالأَعمال كانَ مَيْتًا في حَدِّ ذاتِه. ورُبَّ قائِلٍ يَقول: «أَنتَ لَكَ الإِيمان وأَنا لِيَ الأَعْمال». فأَرِني إِيمانَكَ مِن غَيرِ أَعمال، أُرِكَ أَنا إِيماني بِأَعمالي. أَنتَ تُؤمِنُ بِأَنَّ اللهَ أَحَد، فقَد أَحسَنتَ. والشَّياطينُ هي أَيضًا تُؤمِنُ بِه وتَرتَعِد. أَتُريدُ أَن تَعلَمَ، أَيُّها الأَبلَه، أَنَّ الإِيمانَ مِن غَيرِ أَعمالٍ شَيءٌ عَقيم؟ أَما بُرِّر أَبونا إِبراهيمُ بِالأَعمالِ إِذ قَرَّبَ ٱبنَه إِسحٰقَ على المَذبَح؟ تَرى أَنَّ الإِيمانَ ساهَمَ في أَعمالِه وأَنَّه بِالأَعمالِ ٱكتَمَلَ الإِيمان، فتَمَّتِ الآيَةُ الَّتي وَرَدَ فيها: «إِنَّ إِبراهيمَ آمَنَ بِالله فحُسِبَ لَه ذٰلك بِرًّا ودُعِيَ خَليلَ الله». تَرَونَ أَنَّ الإِنسانَ يُبَرَّرُ بِالأَعمالِ لا بِالإِيمانِ وَحدَه. وهٰكذا راحابُ البَغِيّ: أَما بُرِّرَت بِالأَعمالِ لأَنَّها أَضافَتِ الرَّسولَين، ثُمَّ صَرَفتهما في طَريقٍ آخَر؟ فكَما أَنَّ الجَسَدَ بِلا رُوحٍ مَيْت فكذٰلِكَ الإِيمانُ بِلا أَعمالٍ مَيْت. لا يَكثُرَنَّ فيكُم يا إِخوَتي عَدَدُ العُلَماء. فأَنتُم تَعلَمونَ أَنَّنا سَنَلْقى في ذٰلك أَشَدَّ دَينونة. وما أَكثَرَ ما نَزِلُّ نَحنُ جَميعًا. وإِذا كانَ أَحَدٌ لا يَزِلُّ في كَلامِه، فهو إِنْسانٌ كامِل قادِرٌ على إِلجامِ جَميعِ جَسَدِه. فحينَ نَضَعُ اللِّجامَ في أَفواهِ الخَيلِ لِتَخضَعَ لَنا، نَقودُ بِه جِسمَها كُلَّه. وٱنظُروا أَيضًا إِلى السُّفُن، فإِنَّها على ضَخامَتِها وشِدَّةِ الرِّياحِ الَّتي تَدفَعُها تَقودُها دَفَّةٌ صَغيرةٌ إِلى حَيثُ يَشاءُ الرُّبَّان. وهٰكذا اللِّسان، فإِنَّه عُضوٌ صَغير ومِن شَأنِه أَن يُفاخِرَ بِالأَشياءِ العَظيمَة. أُنظُروا ما أَصغَرَ النَّارَ الَّتي تُحرِقُ غابَةً كَبيرة! واللِّسانُ نارٌ أَيضًا وعالَمُ الإِثْم. اللِّسانُ بَينَ أَعضائِنا يُدَنِّسُ الجِسمَ كُلَّه ويُحرِقُ الطَّبيعَةَ في سَيرِها ويَحتَرِقُ هو بِنارِ جَهَنَّم. تُقهَرُ الوُحوشُ والطُّيور والزَّحَّافاتُ والحَيَواناتُ البَحرِيَّةُ على اختِلافِ أَجناسِها، والنَّوعُ الإِنسانِيُّ هو الَّذي يَقهَرُها، وأَمَّا اللِّسانُ فلا يَستَطيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَن يَقهَرَه. إِنَّه بَلِيَّةٌ لا تُضبَط، مِلؤُه سَمٌّ قاتِل، بِه نُبارِكُ الرَّبَّ الآب وبِه نَلعَنُ النَّاسَ المَخلوقينَ على صُورَةِ الله. مِن فَمٍ واحِدٍ تَخرُجُ البَرَكَةُ واللَّعنَة. فيَجِبُ يا إِخوَتي أَلاَّ يَكونَ الأَمْرُ كذٰلِكَ. أَيَفيضُ اليَنبوعُ بِالعَذْبِ والمُرِّ مِن مَجرًى واحِد؟ أَم يُمكِنُ يا إِخوَتي أَن تُثمِرَ التِّينَةُ زَيتونًا أَوِ الكَرمَةُ تِينًا؟ إِنَّ اليَنبوعَ المالِحَ لا يُخرِجُ الماءَ العَذْب. أَفيكُم أَحَدٌ ذو حِكمَةٍ ودِرايَة؟ فَليُظهِرْ بِحُسنِ سِيرتِه أَنَّ أَعمالَه تُصنَعُ بِوَداعَةٍ تأتي مِنَ الحِكمَة. أَمَّا إِذا كانَ في قُلوبِكم مَرارةُ الحَسَدِ والمُنازعة، فلا تَفتَخِروا ولا تَكذِبوا على الحَقّ. فمِثلُ هٰذه الحِكمَةِ لا تَنزِلُ مِن عَلُ، وإِنَّما هي حِكمَةٌ دُنيَوِيَّةٌ بَشَرِيَّةٌ شَيْطانِيَّة. فحَيثُما يَكُنِ الحَسَدُ والمُنازعة، يَكُنِ الاِضْطِرابُ ومُختَلِفُ أَعمالِ السُّوء. وأَمَّا الحِكمَةُ الَّتي تَنزِلُ مِن عَلُ فهيَ طاهِرَةٌ أَوَّلاً، ثُمَّ مُسالِمَةٌ حليمةٌ سَمْحَة مِلؤُها رَحمَةٌ وثِمارٌ صالِحة، لا مُحاباةَ فيها ولا رِياء. ثَمَرَةُ البِرِّ تُزرَعُ في السَّلامِ لِلَّذينَ يَعمَلونَ لِلسَّلام. مِن أَينَ تَأتي المُخاصَماتُ والمَعارِكُ بَينَكم؟ أَمَا تَأتي مِن أَهوائِكُمُ الَّتي تَعتَرِكُ في أَعضائِكم؟ تَشتَهونَ ولا تَنالون، تَقتُلونَ وتَحسُدون، ولا تَستَطيعونَ الحُصولَ على ما تُريدون، فتُخاصِمونَ وتَعتَرِكون. لا تَنالونَ لأَنَّكم لا تَسأَلون. تَسأَلونَ ولا تَنالونَ لأَنَّكم لا تُحِسنونَ السُّؤالَ لِرَغبَتِكم في الإِنفاقِ على أَهوائِكم. أَيَّتُها الزَّواني، أَلا تَعلَمونَ أَنَّ صداقَةَ العالَمِ عَداوةُ الله؟ فمَن أَرادَ أَن يَكونَ صَديقَ العالَم أَقامَ نَفْسَه عَدُوَّ الله. أَم تَحسَبونَ أَنَّ الكِتابَ يَقولُ عَبَثًا: إِنَّ اللهَ يَشتاقُ شَوقَ الغَيرةِ إِلى الرُّوحِ الَّذي أَسكَنَه فينا؟ بل هو يَجودُ بِنِعمَةٍ أَعظَم، فإِنَّ الكِتابَ يَقول: «إِنَّ اللهَ يُكابِرُ المُتَكَبِّرين ويُنعِمُ على المُتَواضِعين». فٱخضَعوا للهِ وقاوِموا إِبليسَ يُوَلِّ عنكُم هارِبًا. إقتَرِبوا مِنَ اللهِ يَقتَرِبْ مِنكم. طَهِّروا أَيدِيَكم أَيُّها الخاطِئونَ ونَقُّوا قُلوبَكم يا ذَوي النَّفْسَين. أُندُبوا شَقاءَكم وٱحزَنوا وٱبكوا. لِيَنقَلِبْ ضَحِكُكم حُزْنًا وفَرَحُكم غَمًّا. تَواضَعوا بَينَ يَدَي رَبِّكم فيَرفَعَكم. لا يَقولَنَّ بَعضُكمُ السُّوءَ على بَعْض، أَيُّها الإِخوة، لأَنَّ الَّذي يَقولُ السُّوءَ على أَخيه أَو يَدينُ أَخاه يَقولُ السُّوءَ على الشَّريعَةِ ويَدينُ الشَّريعَة. فإِذا دِنتَ الشَّريعَة لم تَكُنْ لها حافِظًا، بل دَيَّان. لَيسَ هُناك إِلاَّ مُشتَرِعٌ واحِدٌ ودَيَّانٌ واحِد، وهو القادِرُ على أَن يُخَلِّصَ ويُهلِك. فمَن أَنتَ لِتَدينَ القَريب؟ يا أَيُّها الَّذينَ يَقولون: «سنَذهَبُ اليَومَ أَو غَدًا إِلى هٰذه المَدينَةِ أَو تِلكَ فنُقيمُ فيها سَنَةً نُتاجِرُ وَنَربَح»، أَنتُم لا تَعلَمونَ ما تكونُ حَياتُكم غَدًا. فإِنَّكم بُخارٌ يَظهَرُ قَليلاً ثُمَّ يَزول. هَلاَّ قُلتُم: «إِن شاءَ الله، نَعيشُ ونَفعَلُ هٰذا أَو ذاك»! ولٰكِنَّكم تُباهونَ بِصَلَفِكم، ومِثْلُ هٰذِه المُباهاةِ مُنكَرة. فمَن عَرَفَ كَيفَ يَصنَعُ الخَيرَ ولم يَصنَعْهُ ٱرتَكَبَ خَطيئَة. يا أَيُّها الأَغنِياء، اِبكوا وأَعوِلوا على ما يَنزِلُ بِكُم مِنَ الشَّقاء. ثَروَتُكم فَسُدَت وثِيابُكم أَكَلَها العُثّ. ذَهَبُكم وفِضَّتُكم صَدِئا، وسَيَشهَدُ الصَّدَأُ علَيكم ويأكُلُ أَجسادَكم كأَنَّه نار. جَمَعتُم كُنوزًا في الأَيَّامِ الأَخيرة. ها إِنَّ الأُجْرَةَ الَّتي حَرَمتُموها العَمَلَةَ الَّذينَ حَصَدوا حُقولَكم قدِ ٱرتَفَعَ صِياحُها، وإِنَّ صُراخَ الحَصَّادينَ قد بَلَغَ أُذُنَي رَبِّ القُوَّات. عِشتُم على الأَرضِ في التَّنعُّمِ والتَّرَف وأَشبَعتُم أَهواءَكم يَومَ التَّذبيح. حَكَمتُم على البارّ فقَتَلتُموه وهو لا يُقاوِمُكم. فٱصبِروا أَيُّها الإِخوَةُ إِلى يَومِ مَجيءِ الرَّبّ. أُنظُروا إِلى الحارِثِ كَيفَ يَنتَظِرُ غَلَّةَ الأَرضِ الثَّمينة فيَصبِرُ علَيها حتَّى يَجنِيَ باكورَها ومُتأَخِّرَها. فٱصبِروا أَنتُم أَيضًا وثَبِّتوا قُلوبَكم، فإِنَّ مَجيءَ الرَّبِّ قريب. لا يَتَذَمَّرَنَّ بَعضُكم على بَعْض، أَيُّها الإِخوَة، لِئَلاَّ تُدانوا. هُوَذا الدَّيَّانُ واقِفٌ على الأَبواب. إقتَدوا أَيُّها الإِخوَةُ بِالأَنبياءِ الَّذينَ تَكَلَّموا بِٱسمِ الرَّبِّ في أَلَمِهم وصَبْرِهم. إِنَّنا نَقولُ في الصَّابِرين: طُوبى لَهم، وقد سَمِعتُم بِصَبرِ أَيُّوب وعَرَفتُم قَصْدَ الرَّبّ. إِنَّ الرَّبَّ رَحمانٌ رَحيم. وقَبْلَ كُلِّ شَيء، يا إِخوَتي، لا تَحلِفوا بِالسَّماءِ ولا بِالأَرضِ ولا يَمينًا أُخرى. لِتَكُنْ نَعَمُكم نَعَم ولاؤُكم لا، لِئَلاَّ تَقَعوا تَحتَ وَطأَةِ الدَّينونة. هل فيكم مُتأَلِّم؟ فلْيُصَلِّ! هل فيكُم مَسْرور؟ فلْيُنشِد! هل فيكُم مَريض؟ فلْيَدْعُ شُيوخَ الكَنيسة، ولِيُصَلُّوا عليه بَعدَ أَن يَمسَحوه بِالزَّيتِ بِٱسمِ الرَّبّ. إِنَّ صَلاةَ الإِيمانِ تُخَلِّصُ المَريض، والرَّبَّ يُعافيه. وإِذا كانَ قدِ ٱرتَكَبَ بَعضَ الخَطايا غُفِرَت لَه. فلْيَعتَرِفْ بَعضُكم لِبَعضٍ بِخَطاياه، ولْيُصَلِّ بَعضُكم لِبَعضٍ كَي تُشفَوا. صلاةُ البارِّ تَعمَلُ بِقُوَّةٍ عَظيمة. كانَ إِيليَّا بَشَرًا مِثلَنا فصلَّى طالِبًا بِإِلحاحٍ أَلاَّ يَنزِلَ المَطَر، فلَم يَنزِلْ على الأَرضِ ثَلاثَ سَنَواتٍ وسِتَّةَ أَشهُر. ثُمَّ عادَ إِلى الصَّلاة فمَطَرتِ السَّماءُ وأَخرَجَتِ الأَرضُ غَلَّتَها. يا إِخوَتي، إِن ضَلَّ بَعضُكم عنِ الحَقّ ورَدَّه أَحَدٌ إِلَيه، فٱعلَموا أَنَّ مَن رَدَّ خاطِئًا عن طريقِ ضَلالِه خَلَّصَ نَفْسَه مِنَ المَوت وسَتَرَ كَثيرًا مِنَ الخَطايا. مِن بُطرُسَ رَسولِ يسوعَ المسيح إِلى المُخْتارينَ الغُرَباءِ المُشَتَّتينَ في البُنْطِ وغَلاطِيَة وقَبَّدوقِيَة وآسِيَة وبِتينِيَة، إِلى المختارينَ بِسابِقِ عِلمِ اللهِ الآب وتَقْديسِ الرُّوح، لِيُطيعوا يسوعَ المسيح ويُنضَحوا بِدَمِه. علَيكم أَوفَرُ النِّعمَةِ والسَّلام! تَبارَكَ اللهُ أَبو رَبِّنا يسوعَ المسيح، شَمَلَنا بِوافِرِ رَحمَتِه فوَلَدَنا ثانِيَةً لِرَجاءٍ حَيٍّ بِقِيامَةِ يسوعَ المسيحِ مِن بَينِ الأَموات، ولِميراثٍ غَيرِ قابِلٍ لِلفَسادِ والرَّجاسَةِ والذُّبول، مَحفوظٍ لَكم في السَّمَوات، أَنتمُ الَّذينَ تَحرِسُهم قُدرَةُ اللهِ بِالإِيمان لِخلاصٍ سيَنكَشِفُ في اليَومِ الأَخير. إِنَّكم تَهتَزُّونَ لَه فَرَحًا، معَ أَنَّه لا بُدَّ لَكم مِنَ الاِغتِمامِ حينًا بِما يُصيبُكم مِن مُختَلِفِ المِحَن، فيُمتَحَنُ بِها إِيمانُكم وهو أَثمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الفاني الَّذي معَ ذٰلك يُمتَحَنُ بِالنَّار، فيَؤُولُ إِلى الحَمْدِ والمَجْدِ والتَّكرِمَة عِندَ ظُهورِ يسوعَ المسيح، ذٰلك الَّذي لا تَرَونَه وتُحِبُّونَه، وإِلى الآنَ لَم تَرَوه وتؤمِنونَ بِه، فيَهُزُّكم فَرَحٌ لا يوصَفُ مِلؤُه المَجْد، لِبُلوغِكم غايةَ الإِيمان، أَلا وهي خَلاصُ نُفوسِكم. عن هٰذا الخَلاصِ كانَ فَحْصُ الأَنبِياءِ وبَحْثُهم فَتَنَبَّأُوا بِالنِّعمةِ المُعَدَّةِ لَكم وبَحَثوا عنِ الوَقتِ والأَحوالِ الَّتي أَشارَ إِلَيها رُوحُ المسيحِ الَّذي فيهِم، حينَ شَهِدَ مِن ذي قَبْلُ بِما عُدَّ لِلمَسيحِ مِن الآلام وما يَتبَعُها مِنَ المَجْد، وكُشِفَ لَهم أَنَّ قِيامَهم بِهٰذه الأُمورِ لم يَكُنْ مِن أَجْلِهِم، بل مِن أَجْلِكم. وقد أَخبَرَكمُ الآنَ بِتِلكَ الأُمور أُولٰئِكَ الَّذينَ بَشَّروكم بِها يُؤَيِّدُهُمُ الرُّوح القُدُسُ المُرسَلُ مِنَ السَّماء، والمَلائِكَةُ يَشتَهونَ أَن يُمعِنوا النَّظَرَ فيها. فنَبِّهوا أَذْهانَكم وكونوا صاحين وٱجعَلوا كُلَّ رَجائِكم في النِّعمَةِ الَّتي تَأتيكم يَومَ ظُهورِ يسوعَ في المَجْد. وشَأنُكم شَأنُ الأَبناءِ الطَّائِعين، فلا تَتبَعوا ما سَلَفَ مِن شَهَواتِكم في أَيَّامِ جاهِلِيَّتِكم. بل، كما أَنَّ الَّذي دَعاكم هو قُدُّوس، فكذٰلِكَ كُونوا أَنتم قِدِّيسينَ في سيرَتِكم كُلِّها، لأَنَّه مَكتوب: «كونوا قِدِّيسين، لأَنِّي أَنا قُدُّوس». وإِذا كُنتُم تَدْعونَ أَبًا لَكم ذاكَ الَّذي يَدينُ مِن غَيرِ مُحاباةٍ كُلَّ واحِدٍ على قَدْرِ عَمَلِه، فسِيروا مُدَّةَ غُربَتِكم على خَوف، وقَد عَلِمتُم أَنَّكم لم تُفتَدَوا بِالفاني مِنَ الفِضَّةِ أَو الذَّهَب مِن سِيرَتِكم الباطِلَةِ الَّتي وَرِثتُموها عن آبائِكم، بل بِدَمٍ كريم، دَمِ الحَمَلِ الَّذي لا عَيبَ فيه ولا دَنَس، دَمِ المسيح. وكانَ قدِ ٱصطُفِيَ مِن قَبْلِ إِنشاءِ العالَم، ثُمَّ كُشِفَ مِن أَجلِكُم في آخِرِ الأَزمِنَة، وبِفَضلِه تُؤمِنونَ بِاللهِ الَّذي أَقامَه مِن بَينِ الأَموات وأَولاهُ المَجْد، فيَكونُ إِيمانُكم ورَجاؤُكم في الله. أَطَعتُمُ الحَقّ فطَهَّرتُم نُفوسَكم كَيْما يُحِبَّ بَعضُكم بَعضًا حُبًّا أَخَوِيًّا بلا رِياء. فلْيُحِبَّ بَعضُكم بَعضًا حُبًّا ثابِتًا بِقَلبٍ طاهِر. فإِنَّكم وُلِدتُم وِلادةً ثانِيَة، لا مِن زَرْعٍ فاسِد، بل مِن زَرْعٍ غَيرِ فاسِد، مِن كَلِمَةِ اللهِ الحَيَّةِ الباقِيَة، لأَنَّ «كُلَّ بَشَرٍ كالعُشْب وكُلَّ مَجْدٍ لَه كزَهْرِ العُشْب: العُشْبُ يَيبَسُ والزَّهْرُ يَسقُط، وأَمَّا كَلِمَةُ اللهِ فتَبْقى لِلأَبَد». هٰذه هي الكَلِمَةُ الَّتي بُشِّرتُم بِها. فأَلقُوا عَنكم كُلَّ خُبْثٍ وكُلَّ غِشٍّ وكُلَّ أَنواعِ الرِّياءِ والحَسَدِ والنَّميمة. وٱرغَبوا كالأَطفالِ الرُّضَّعِ في اللَّبَنِ الحَليبِ الصَّافي، لَبَنِ كَلِمَةِ الله، لِتَنْموا بِها مِن أَجْلِ الخَلاص، إِذا كُنتُم قد ذُقتُم كَيفَ أَنَّ الرَّبَّ طَيِّب. إِقتَرِبوا مِنه فهو الحَجَرُ الحَيُّ الَّذي رَذَلَه النَّاس فٱختارَه الله وكانَ عِندَه كَريمًا. وأَنتم أَيضًا، شأنَ الحِجارَةِ الحَيَّة، تُبنَونَ بَيتًا رُوحِيًّا فتَكونونَ جَماعَةً كَهنوتِيَّة مُقدَّسة، كَيْما تُقَرِّبوا ذَبائِحَ رُوحِيَّةً يَقبَلُها اللهُ عن يَدِ يَسوعَ المسيح. فقد وَرَدَ في الكِتاب: «هاءَنَذا أَضَعُ في صِهْيونَ حَجَرًا لِلزَّاوِيَةِ مُختارًا كريمًا، فمَنِ ٱتَّكَلَ علَيه لا يُخْزى». فالكَرامةُ لَكم أَيُّها المُؤمِنون. أَمَّا غَيرُ المُؤمِنين فإِنَّ الحَجَرَ الَّذي رَذَلَه البَنَّاؤونَ هو الَّذي صارَ رَأسًا لِلزَّاوِيَة وحَجَرَ صَدمٍ وصَخرَةَ عِثار. إِنَّهم يَعثُرونَ لأَنَّهم لا يُؤمِنونَ بِكَلِمَةِ الله: هٰذا ما قُدِّرَ لَهم. أَمَّا أَنتم فإِنَّكم ذُرِّيَّةٌ مُختارة وجَماعةُ المَلِكِ الكَهنوتِيَّة وأُمَّةٌ مُقَدَّسَة وشَعْبٌ ٱقتَناه اللهُ لِلإِشادةِ بِآياتِ الَّذي دَعاكم مِنَ الظُّلُماتِ إِلى نُورِه العَجيب. لم تَكونوا بِالأَمْسِ شَعْبَ الله، وأَمَّا الآنَ فإِنَّكم شَعبُه. كُنتم لا تَنالونَ الرَّحمَة، وأَمَّا الآنَ فقَد نِلتُمُ الرَّحمَة. أَيُّها الأَحِبَّاء، أَحُثُّكم، وأَنتم غُرَبَاءُ نُزَلاء، على أَن تَتَجَنَّبوا شَهَواتِ الجَسَد، فإِنَّها تُحارِبُ النَّفْس. سِيروا سِيرةً حَسَنَةً بَينَ الوَثَنِيِّين، حتَّى إِذا ٱفتَرَوا علَيكم أَنَّكم فاعِلو شَرّ شاهَدوا أَعمالَكمُ الصَّالِحَة فمَجَّدوا اللهَ يَومَ الاِفْتِقاد. إِخضَعوا لِكُلِّ نِظامٍ بَشَرِيٍّ مِن أَجْلِ الرَّبّ: لِلمَلِكِ على أَنَّه السُّلْطانُ الأَكبَر، ولِلحُكَّامِ على أَنَّ لَهُمُ التَّفويضَ مِنه أَن يُعاقِبوا فاعِلَ الشَّرّ ويُثْنوا على فاعِلِ الخَير، لأَنَّ مَشيئَةَ اللهِ هِيَ أَن تَعمَلوا الخَيرَ فتُفحِموا جَهالةَ الأَغبِياء. فسيروا سِيرةَ الأَحرار، لا سِيرةَ مَن يَجعَلُ مِنَ الحُرِّيَّةِ سِتارًا لِخُبْثِه، بل سِيرةَ عِبادِ الله. أَكرِموا جَميعَ النَّاس، أَحِبُّوا إِخوَتَكم، اِتَّقوا الله، أَكرِموا المَلِك. أَيُّها الخَدَم، اِخضَعوا لِسادَتِكم خُضوعًا مِلؤُه المَخافة، لا لِلصَّالِحينَ والحُلَماءِ فَقَط، بل لِجُفاةِ الطِّباعِ أَيضًا. فمِنَ الحُظوَةِ أَن يَتَحمَّلَ المَرْءُ مَشقَّاتٍ يُعانيها ظُلْمًا في سَبيلِ الله. فأَيُّ مَفخَرَةٍ لَكم إِن خَطِئتُم وضُربتُم فصَبَرتُم على الضَّرْب، ولٰكِن إِن عمِلتُمُ الخَيرَ وتَأَلَّمتُم وصَبَرتُم على الآلام، كانَ في ذٰلك حُظوَةٌ عِندَ الله. فلِهٰذا دُعيتُم، فقَد تأَلَّمَ المسيحُ أَيضًا مِن أَجلِكم وتَرَكَ لَكم مِثالاً لِتَقتَفوا آثارَه. إِنَّه لم يَرتَكِبْ خَطيئَةً ولَم يُوجَدْ في فَمِه غِشّ. شُتِمَ وَلَم يَرُدَّ على الشَّتيمَةِ بِمِثلِها. تَأَلَّمَ ولم يُهَدِّدْ أَحَدًا، بل أَسلَمَ أَمْرَه إِلى مَن يَحكُمُ بالعَدْل، وهو الَّذي حَمَلَ خَطايانا في جَسَدِه على الخَشَبَة لِكَي نَموتَ عن خَطايانا فنَحْيا لِلبِرّ. وهو الَّذي بِجِراحِه شُفيتم. فقَد كُنتُم كالغَنَمِ ضالِّين، أَمَّا الآن فقَد رَجَعتُم إِلى راعي نُفوسِكم وحارِسِها. وكذٰلِكَ أَنتُنَّ أَيَّتُها النِّساء، اِخضَعْنَ لأَزواجِكُنَّ، حتَّى إِذا كانَ فيهِم مَن يُعرِضونَ عن كَلِمَةِ الله، اِستمالَتْهم بِغَيرِ كَلامٍ سِيرَةُ نِسائِهِم لِما يُشاهِدونَ في سِيرَتِكُنَّ مِن عِفَّةٍ ووَقار. لا تَكُنْ زينَتُكُنَّ زينَةً ظاهِرَةً مِن ضَفْرِ الشَّعْرِ والتَّحلِّي بِالذَّهَب والتَّأنُّقِ في المَلابِس، بلِ الخَفِيُّ مِن قَلْبِ الإِنسانِ، أَي زينةٌ بَريئَةٌ مِنَ الفَسادِ لِنَفسٍ وادِعَةٍ مُطمَئِنَّة: ذٰلك هو الثَّمينُ عِندَ الله. كَذٰلكَ كانَتِ النِّساءُ القِدِّيساتُ المُتَّكِلاتُ على اللهِ يَتَزَيَّنَّ بالأَمْسِ خاضِعاتٍ لأَزواجِهِنَّ، كَسارَةَ الَّتي كانَت تُطيعُ إِبراهيمَ وتَدْعوه سَيِّدَها. ولَها صِرتُنَّ بَناتٍ تَعمَلْنَ الخَيرَ ولا تَستَسلِمنَ إِلى شَيءٍ مِن أَسبابِ الخَوف. وكذٰلِك أَنتُم أَيُّها الرِّجال، ساكِنوهُنَّ بِالحُسْنى، عِلْمًا مِنكُم بِأَنَّ المَرأَةَ أَضعَفُ مِنكُم جِبْلَة، وأَولوهُنَّ حَقَّهُنَّ مِنَ الإِكرام على أَنَّهُنَّ شَريكاتٌ لَكم في إِرْثِ نِعمَةِ الحَياة، لِكَيلا يَحولَ شَيءٌ دونَ صَلَواتِكم. وآخِرُ الْأَمْرِ كونوا مُتَّفِقينَ في الرَّأي، مُشْفِقينَ بَعضُكم على بَعض، مُتَحابِّينَ كالإِخوَة، رُحَماءَ مُتَواضعين. لا ترُدُّوا الشَّرَّ بِالشَّرّ والشَّتيمَةَ بِالشَّتيمَة، بل بارِكوا، لأَنَّكم إِلى هٰذا دُعيتُم، لِتَرِثوا البَرَكة. «لأَنَّ مَن شاءَ أَن يُحِبَّ الحَياة ويَرى أَيَّامًا سَعيدة، وجَبَ علَيه أَن يَكُفَّ لِسانَه عنِ الشَّرّ وشَفَتَيْه عن كَلامِ الغِشّ، ويَبتَعِدَ عنِ الشَّرِّ ويَعمَلَ الخَير ويَطلُبَ السَّلامَ ويَتبَعَه، لأَنَّ الرَّبَّ يُراعي بِعَينِه الأَبرار ويُصْغي سَمْعَه إِلى دُعائِهم. ولٰكِنَّ الرَّبَّ يَنظُرُ بِوَجْهٍ مُغضَبٍ إِلى الَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئات». فمَن يُسيءُ إِلَيكم إِذا كُنتم ناشِطينَ لِلخَير؟ لا بل إِذا تأَلَّمتُم مِن أَجْلِ البِرّ فطوبى لَكم! لا تَخافوا وَعيدَهم ولا تَضطَرِبوا، بل قدِّسوا الرَّبَّ المَسيحَ في قُلوبِكم. وكونوا دائِمًا مُستَعِدِّينَ لأَن تَرُدُّوا على مَن يَطلُبُ مِنكم دَليلَ ما أَنتم علَيه مِنَ الرَّجاء، ولٰكِن لِيَكُنْ ذٰلك بِوَداعَةٍ ووَقار، وليَكُنْ ضَميرُكم صالِحًا، فإِذا قالَ بَعضُهم إِنَّكم فاعِلو شَرّ، يَخْزى الَّذينَ عابوا حُسْنَ سِيرَتِكم في المسيح. فخَيرٌ لَكم أَن تَتأَلَّموا وأَنتُم تَعمَلونَ الخَيْر، إِن شاءَ اللهُ ذٰلك، مِن أَن تَتأَلَّموا وأَنتُم تَعمَلونَ الشَّرّ. فالمسيحُ نَفْسُه ماتَ مَرَّة مِن أَجْلِ الخَطايا. ماتَ، وهو بارٌّ، مِن أَجْلِ فُجَّارٍ لِيُقَرِّبَكم إِلى الله. أُميتَ في جَسَدِه ولٰكِنَّه أُحْيِيَ بِالرُّوح، فذَهَبَ بِهٰذا الرُّوحِ يُبَشِّرُ الأَرواحَ الَّتي في السِّجْنِ أَيضًا وكانَت بِالأَمْسِ قد عَصَت، حينَ قَضى لُطْفُ اللهِ بِالإِمْهال. وذٰلِكَ أَيَّامَ كانَ نوحٌ يَبْني السَّفينَةَ فنَجا فيها بِالماءِ عَدَدٌ قَليل، أَي ثَمانِيَةُ أَشخاص. وهي رَمزٌ لِلمَعْمودِيَّةِ الَّتي تُنَجِّيكمُ الآنَ أَنتُم أَيضًا، إِذ لَيسَ المُرادُ بِها إِزالَةَ أَقْذارِ الجَسَد، بل مُعاهَدةُ اللهِ بِضَميرٍ صالِحٍ، بِفَضْلِ قِيامَةِ يسوعَ المسيح، وهو عن يَمينِ الله، بَعدَما ذَهَبَ إِلى السَّماء، وقد أُخضِعَ لَه المَلائِكَةُ وأَصْحابُ القُوَّةِ والسُّلْطان. أَمَّا وقَد تأَلَّمَ المسيحُ في جَسَدِه، فتَسلَّحوا أَنتم بِهٰذهِ العِبرَة، وهي أَنَّ مَن تَأَلَّمَ في جَسَدِه كَفَّ عنِ الخَطيئَة لِيَقضِيَ ما بَقِيَ مِن حَياةِ الجَسَد، لا في الشَّهَواتِ البَشَرِيَّة، بل في العَمَلِ بِمَشيئَةِ الله. فكَفاكم ما قَضَيتُم مِنَ الزَّمَنِ الماضي في العَمَلِ بِمشيئَةِ الوَثَنِيِّين، فعِشتُم في الفُجورِ والشَّهَواتِ والسُّكْرِ والقُصوفِ في الطَّعامِ والشَّراب وعِبادَةِ الأَوثانِ المُحَرَّمة. وإِنَّهم لَيَستَغرِبونَ مِنكم كَيفَ لا تُجارونَهم فتَنغَمِسوا مَعَهم في هٰذا السَّيلِ الجارِفِ مِنَ الفُجور، فيَشتُمونَكم، لٰكِنَّهم سيُحاسَبونَ بِهٰذا عِندَ الَّذي أَزمَعَ أَن يَدينَ الأَحياءَ والأَموات. ولِذٰلك أُبلِغَتِ البِشارَةُ إِلى الأَمواتِ أَيضًا لِيَكونوا أَحياءً في الرُّوحِ عِندَ الله، إِذا دِينوا في الجَسَدِ عِندَ النَّاس. إِقتَرَبَت نِهايةُ كُلِّ شَيء. فكُونوا عُقَلاءَ قَنوعين، لِكَي تُقيموا الصَّلاة. وقَبلَ كُلِّ شَيء لِيُحِبَّ بَعضُكم بَعضًا محبَّةً ثابِتة، لأَنَّ المَحبَّةَ تَستُرُ كَثيرًا مِنَ الخَطايا. لِيُضِفْ بَعضُكم بَعضًا مِن غَيرِ تَذمُّر، ولْيَخْدُمْ بَعضُكم بَعضًا، كُلُّ واحِدٍ بِما نالَ مِنَ المَوهِبَة كما يَحسُنُ بِالوُكَلاءِ الصَّالِحينَ على نِعمَةِ اللهِ المُتَنَوِّعَة. وإِذا تَكَلَّمَ أَحَدٌ، فلْيَكُنْ كَلامُه كَلامَ الله. وإِذا قامَ أَحدٌ بِالخِدمَة، فلْتَكُنْ خِدمَتُه بِالقُوَّةِ الَّتي يَمنَحُها الله، حتَّى يُمَجَّدَ اللهُ في كُلِّ شَيءٍ بِيسوعَ المسيح، لَه المَجْدُ والعِزَّةُ أَبَدَ الدُّهور. آمين. أَيُّها الأَحِبَّاء، لا تَستَغرِبوا الحَريقَ الَّذي أَصابَكم لِٱمتِحانِكم، كَأَنَّه أَمْرٌ غَريبٌ حَلَّ بِكُم، بلِ ٱفرَحوا بِقَدْرِ ما تُشارِكونَ المسيحَ في آلامِه، حتَّى إِذا تَجَلَّى مَجْدُه كُنتُم في فَرَحٍ وٱبتِهاج. طوبى لَكم إِذا عَيَّروكم مِن أَجْلِ ٱسْمِ المَسيح، لأَنَّ روحَ المَجْدِ، روحَ الله، يَستَقِرُّ فيكم. لا يَكونَنَّ فيكم مَن يَتَأَلَّمُ لأَنَّه قاتِلٌ أَو سارِقٌ أَو فاعِلُ شَرٍّ أَو واشٍ، ولٰكِنَّه إِذا تَأَلَّمَ لأَنَّه مَسيحيّ فلا يَخْجَلْ بِذٰلِك، بل لِيُمَجِّدِ اللهَ على هٰذا الِٱسْم. فقد حانَ الوَقتُ الَّذي فيه تَبتَدِئُ الدَّينونَةُ بِبَيتِ الله. فإِذا بَدَأَت بِنا، فما تَكونُ عاقِبَةُ الَّذينَ أَعرَضوا عن بِشارةِ الله؟ وإِذا كانَ البارُّ يَخلُصُ بَعدَ جَهْدٍ، فأَيًّا تَكونُ حالَةُ الكافِرِ الخاطِئ؟ وأَمَّا الَّذينَ يَتأَلَّمونَ كما شاءَ الله، فلْيَستَودِعوا الخالِقَ الأَمينَ نُفوسَهم مُواظِبينَ على عَمَلِ الخَير. فالشُّيوخُ الَّذينَ بَينَكم، أَعِظُهم أَنا الشَّيخُ مِثلَهم والشَّاهِدُ لِآلامِ المسيح ومَن لَه نَصيبٌ في المَجْدِ الَّذي يُوشِكُ أَن يَتَجَلَّى: إِرعَوا قَطيعَ اللهِ الَّذي وُكِلَ إِلَيكم وٱحرِسوه طَوْعًا لا كَرَهًا، لِوَجهِ الله، لا رَغبَةً في مَكسَبٍ خَسيس، بل لِما فيكم مِن حَمِيَّة. ولا تَتَسلَّطوا على الَّذينَ هم في رَعِيَّتِكم، بل كونوا قُدْوةً لِلقَطيع. ومتى ظَهَرَ راعي الرُّعاة تَنالونَ إِكليلاً مِنَ المَجدِ لا يَذبُل. وكذٰلِكَ أَيُّها الشُّبَّان، اِخضَعوا لِلشُّيوخ. وٱلبَسوا جَميعًا ثَوبَ التَّواضُعِ في مُعامَلَةِ بَعضِكم لِبَعْض، لأَنَّ اللهَ يُكابِرُ المُتَكَبِّرين ويُنعِمُ على المُتَواضِعين. فتَواضَعوا تَحتَ يَدِ اللهِ القادِرَة لِيَرفَعَكم في حينِه، وأَلقُوا علَيه جَميعَ هَمِّكم فإِنَّه يُعنى بِكم. كونوا قَنوعينَ ساهِرين. إِنَّ إِبليسَ خَصْمَكم كالأَسَدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه، فقاوِموه راسِخينَ في الإِيمان، عالِمينَ أَنَّ إِخوَتَكمُ المُنتَشرينَ في العالَم يُعانونَ الآلامَ نَفْسَها. وإِذا تَأَلَّمتُم قَليلاً، فإِنَّ إِلٰهَ كُلِّ نِعمَة، الإِلٰهَ الَّذي دَعاكم إِلى مَجْدِه الأَبَدِيِّ في المسيح، هو الَّذي يُعافيكم ويُثَبِّتُكم ويُقَوِّيكم ويَجعَلُكم راسِخين. لَه العِزَّةُ أَبَدَ الدُّهور. آمين. كَتَبتُ إِلَيكم بِهٰذهِ الكَلِماتِ الوَجيزَةِ بِيَدِ سِلْوانُس، وهو عِندي أَخٌ أَمين، لأَعِظَكم بِها وأَشهَدَ أَن هٰذه هِي نِعمَةُ اللهِ الحَقيقيَّةُ الَّتي أَنتُم علَيها ثابِتون. تُسَلِّمُ علَيكم جَماعَةُ المُختارينَ الَّتي في بابِل، ومَرقُسُ ٱبْني. لِيُسَلِّمْ بَعْضُكم على بَعْضٍ بِقُبْلَةِ المَحبَّة. السَّلامُ علَيكم جَميعًا أَنتُمُ الَّذينَ في المسيح. مِن سِمعانَ بُطرُسَ عَبْدِ يسوعَ المسيحِ ورَسولِه إِلى الَّذينَ نالوا مِن فَضْلِ بِرِّ إِلٰهنا ومُخَلِّصِنا يسوعَ المسيح إيمانًا كَإِيمانِنا ثَمينًا. علَيكم أَوفَرُ النِّعمَةِ والسَّلامِ بِمَعرِفَتكم للهِ ولِيَسوعَ رَبِّنا. فإِنَّ قُدرَتَه الإِلٰهيَّة مَنَحَتْنا كُلَّ ما يَؤُولُ إِلى الحَياةِ والتَّقْوى. ذٰلِك بِأَنَّها جَعلَتْنا نَعرِفُ الَّذي دَعانا بِمَجْدِه وقُوَّتِه فمُنِحْنا بِهِما أَثمَنَ المَواعِدِ وأَعظَمَها، لِتَصيروا بِها شُرَكاءَ الطَّبيعَةِ الإِلٰهِيَّة في ٱبتِعادِكم عَمَّا في الدُّنْيا مِن فَسادِ الشَّهوة. مِن أَجْلِ ذٰلِك ٱبذُلوا غايةَ جُهْدِكم لِتُضيفوا الفَضيلَةَ إِلى إِيمانِكم، والمَعرِفَةَ إِلى الفَضيلَة، والعَفافَ إِلى المَعرِفَة، والثَّباتَ إِلى العَفاف، والتَّقْوى إِلى الثَّبات، والإِخاءَ إِلى التَّقْوى، والمَحبَّةَ إِلى الإِخاء. فإِذا كانَت هٰذهِ الخِصالُ فيكُم وكانَت وافِرة، لا تَدَعُكم بطَّالينَ وبِغَيرِ ثَمَرٍ لِمَعرِفَةِ ربِّنا يسوعَ المسيح. ومَن نَقَصَتْه هٰذهِ الخِصال، فهو أَعْمى قَصيرُ البصَر، نَسِيَ أَنَّه طُهِّرَ مِن خَطاياهُ السَّالِفة. فضاعِفوا جُهْدكم يا إِخوَتي في تَأييدِ دَعوَةِ اللهِ وٱختِيارِه لَكم. فإِذا فَعَلْتُم ذٰلك، لا تَزِلُّونَ أَبَدًا. وبِذٰلِكَ يُفسَحُ لَكم في مَجالِ الدُّخولِ إِلى المَلكوتِ الأَبَدِيّ، ملَكوتِ رَبِّنا ومُخَلِّصِنا يسوعَ المسيح. لِذٰلِكَ سأُذَكِّرُكم هٰذِه الأَشياءَ دائِمًا، وإِن كُنتُم تَعرِفونَها وتَثبُتونَ في الحَقيقَةِ الحاضِرَة. وأَرى رأيَ الحَقّ، ما دُمتُ في هٰذه الخَيمَة، أَن أُنَبِّهَكم بِتَذْكيري، لِعِلْمي أَنَّ رَحيلي عن هٰذه الخَيمةِ قريب، كما أَعلَمَني رَبُّنا يسوعُ المسيح. فسَأبذُلُ جَهْدي لِكَي يُمكِنَكم، في كُلِّ فُرصَة، أَن تَتَذكَّروا هٰذه الأُمورَ بَعدَ رَحيلي. قد أَطلَعْناكم على قُدرَةِ رَبِّنا يسوعَ المسيح وعلى مَجيئِه، لا ٱتِّباعًا مِنَّا لِخُرافاتٍ سوفِسْطائِيَّة، بل لأَنَّنا عايَنَّا جَلالَه. فقَد نالَ مِنَ اللهِ الآبِ إِكرامًا ومَجْدًا، إِذ جاءَه مِنَ المَجْدِ - جَلَّ جَلالُه - صَوتٌ يَقول: «هٰذا هو ٱبنِيَ الحَبيبُ الَّذي عنه رَضيت»: وذاكَ الصَّوتُ قد سَمِعناه آتِيًا مِنَ السَّماء، إِذ كُنَّا معَه على الجَبَلِ المُقدَّس. فٱزدادَ كَلامُ الأَنبِياءِ ثَباتًا عِندَنا، وإِنَّكم لَتُحسِنونَ عَمَلاً إِذا نَظَرتُم إِلَيه نَظَرَكم إِلى سِراجٍ يُضيءُ في مَكانٍ مُظلِم، حتَّى يَطلَعَ الفَجْرُ ويُشرِقَ كَوكَبُ الصُّبحِ في قُلوبِكم. وٱعلَموا قَبْلَ كُلِّ شَيء أَنَّه ما مِن نُبوءَةٍ في الكِتابِ تَقبَلُ تَفسيرًا يَأتي بِه أَحَدٌ مِن عِندِه، إِذ لَم تأتِ نُبوءَةٌ قَطُّ بِإِرادَةِ بَشَر، ولٰكِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ حَمَلَ بَعضَ النَّاسِ على أَن يَتَكَلَّموا مِن قِبَلِ الله. وكما كانَ في الشَّعْبِ أَنبياءُ كَذَّابون، فكَذٰلِكَ يَكونُ فيكُم عُلَماءُ كَذَّابونَ يُحْدِثونَ بِدَعًا مُهْلِكة ويُنكِرونَ السَّيِّدَ الَّذي ٱفتَداهم فيَجلُبونَ لأَنفُسِهم هَلاكًا سَريعًا. وسيَتبَعُ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ فَواحِشَهم ويَكونونَ سَبَبًا لِلتَّجديفِ على طَريقِ الحَقّ. ويَستَغِلُّونَكم بِكَلامٍ مُلَفَّقٍ لِما فِيهم مِن طَمَع. غَيرَ أَنَّ الحُكْمَ علَيهِم مُنذُ القِدَمِ لا يَبطُل وهَلاكَهم لا يَلحَقُه فُتور. فإِذا كانَ اللهُ لَم يَعْفُ عنِ المَلائِكَةِ الخاطِئين، بل أهبَطَهم أَسفَلَ الجَحيم وأَسلَمَهم إِلى أَحابيلِ الظُّلُمات حَيثُ يُحفَظونَ لِيَومِ الدَّينونَة، وإِذا كانَ لَم يَعْفُ عنِ العالَمِ القَديم فجَلَبَ الطُّوفانَ على عالَمِ الكُفَّار، ولٰكنَّه حَفِظَ نُوحًا ثامِنَ الَّذينَ نَجَوا وكانَ يَدْعو إِلى البِرّ، وإِذا كانَ قد جَعَلَ مَدينَتَي سَدومَ وعَمورةَ رَمادًا فحَكَمَ علَيهما بالخَراب عِبْرَةً لِمَن يَأتي بَعدَهما مِنَ الكُفَّار، وأَنقَذَ لوطًا البارَّ وقَد شَقَّت علَيه سِيرةُ الفُجورِ الَّتي يَسيرُها أُولٰئِكَ الفاسِقون، وكانَ هٰذا البارُّ ساكِنًا بَينَهم وكانَت نَفْسُه الزَّكِيَّةُ تُعَذِّبُ يَومًا بَعدَ يَوم لِما يَرى ويَسمَعُ عن أَعْمالِهِمِ الأَثيمَة، فذٰلِكَ أَنَّ الرَّبَّ يَعلَمُ كَيفَ يُنقِذُ الأَتْقِياءَ مِنَ المِحنَة ويُبْقي الفُجَّارَ لِلعِقابِ يَومَ الدَّينونَة، ولا سِيَّما الَّذينَ يَتبَعونَ الجَسَدَ بِشَهَواتِه الدَّنِسَة ويَزدَرونَ العِزَّةَ الإِلٰهِيَّة. إِنَّهُم ذَوُو جُرأَةٍ مُعجَبونَ بِأَنفُسِهم لا يَخشَونَ التَّجديفَ على أَصحابِ المَجْد، مع أَنَّ المَلائِكَة، وهُم أَعظَمُ مِنهُم بِالقُوَّةِ والقُدرَة، لا يَحكُمونَ علَيهم عِندَ الرَّبّ بِالتَّجْديف. أَمَّا أُولٰئِكَ فهُم كالحَيَواناتِ العُجْمِ الَّتي جُعِلَت مِن طَبيعَتِها عُرْضَةً لأَن تُصادَ وتَهلِك، يُجَدِّفونَ على ما يَجهَلون. فسَيَهلِكونَ هَلاكَها ويَلقَونَ الظُّلْمَ أَجْرًا لِلظُّلْم. يَلتَذُّونَ بِالتَّرَفِ في رائِعَةِ النَّهار. أَدْناسٌ خُلَعاءُ يَلتَذُّونَ بِخَدائِعِهم إِذا قَصَفوا معَكم. لَهم عُيونٌ مَملوءةٌ فِسْقًا مَنْهومَةٌ بِالخَطيئَة، يَفتِنونَ النُّفوسَ الَّتي لا ثَباتَ لَها، ولَهم قُلوبٌ تَعَوَّدَتِ الطَّمَع. وهم بَنو اللَّعْنة تَرَكوا الطَّريقَ المُستَقيم وضَلُّوا في سِلوكِهم طَريقَ بِلْعامَ بْنِ باصَرَ الَّذي أَحَبَّ أَجْرَ الإِثْم فنالَه التَّوبيخُ بِمَعصِيَتِه، إِذ نَطَقَ حِمارٌ أَعْجَمُ بِصوتٍ بَشرِيّ فرَدَّ النَّبِيَّ عن هَوَسِه. هٰؤلاءِ يَنابيعُ جَفَّ ماؤُها وغُيومٌ تَدفَعُها الزَّوبَعة، أُعِدُّوا لِلظُّلماتِ الحالِكة. يَتَكَلَّمونَ بِعِباراتٍ طَنَّانةٍ فارِغَة فيَفتِنونَ بِشَهواتِ الجَسَدِ والفُجورِ أُناسًا كادوا يَتخلَّصونَ مِنَ الَّذينَ يَعيشونَ في الضَّلال. يَعِدونَهم بِالحُرِّيَّة وهم عَبيدٌ لِلفَساد، لأَنَّ الإِنسانَ عَبْدٌ لِما ٱستَولى علَيه. فإِنَّهُم إِذا ٱبتَعَدوا عن أَدْناسِ الدُّنْيا لِمَعرِفتِهم رَبَّنا ومُخَلِّصَنا يسوعَ المسيح، ثُمَّ عادوا إِلَيها يتقلَّبونَ فيها فَغُلِبوا على أَمْرِهم، صارت حالتُهمُ الأَخيرةُ أَسوَأَ مِن حالتِهمِ الأُولى فَقَد كانَ خَيرًا أَلاَّ يَعرِفوا طَريقَ البِرّ مِن أَن يَعرِفوه ثُمَّ يُعرِضوا عنِ الوَصِيَّةِ المُقدَّسَةِ الَّتي سُلِّمَت إِلَيهم. لقَد صَدَقَ فيهِمِ المَثَلُ القائِل: «عادَ الكَلْبُ إِلى قَيْئِه يَلحَسُه» و«ما ٱغتَسَلَتِ الخِنزيرةُ حتَّى تَمَرَّغَت في الطِّين». هٰذه رِسالَةٌ أُخْرى كَتَبتُ بِها إِلَيكم أَيُّها الأَحِبَّاء، وفيهما أُنَبِّهُ بِتَذْكيري أَذْهانَكمُ السَّليمة. فتَذكَّروا الكَلامَ الَّذي قالَه الأَنبِياءُ القِدِّيسونَ مِن قَبْلُ ووصِيَّةَ رُسُلِكُم، وهي وَصِيَّةُ الرَّبِّ المُخَلِّص. فٱعلَموا أَوَّلَ الأَمْرِ أَنَّه سيَأتي في آخِرِ الأَيَّامِ قَومٌ مُستَهزِئونَ كُلَّ الاستِهزاء، تَقودُهم أَهواؤُهم فيَقولونَ: «أَينَ مَوعِدُ مَجيئِه؟ ماتَ آباؤُنا ولا يَزالُ كُلُّ شَيءٍ مُنذُ بَدءِ الخَليقَةِ على حالِه». فهُم يَتَجاهَلونَ أَنَّه كانَ هُناكَ مِن زَمَنٍ قَديمٍ سَمَواتٌ وأَرضٌ خَرَجَت مِنَ الماءِ وقائمةٌ بِالماء وقد حَدَث ذٰلك بِكَلِمَةِ الله، وأَنَّه بِهٰذه الأَسبابِ نَفْسِها هلَكَ عالَمُ الأَمْسِ غَرَقًا في الماء. أَمَّا السَّمَواتُ والأَرضُ في أَيَّامِنا هٰذه، فإِنَّ الكَلِمَةَ نَفسَها أَبقَت علَيها لِلنَّارِ إِلى يَومِ الدَّينونَةِ وهَلاكِ الكافِرين. وهُناكَ أَمْرٌ لا يَصِحُّ لَكم أَن تَجهَلوه أَيُّها الأَحِبَّاء، وهو أَنَّ يَومًا واحِدًا عِندَ الرَّبِّ بمِقدارِ أَلْفِ سَنة، وأَلْفَ سنَةٍ بِمِقدارِ يَومٍ واحِد. إِنَّ الرَّبَّ لا يُبطِئُ في إِنجازِ وَعْدِه، كما اتَّهَمَه بَعْضُ النَّاس، ولٰكِنَّه يَصبِرُ علَيكم لأَنَّه لا يَشاءُ أَن يَهلِكَ أَحَدٌ، بل أَن يَبلُغَ جَميعُ النَّاسِ إِلى التَّوبَة. سيَأتي يَومُ الرَّبِّ كما يأتي السَّارِق، فتَزولُ السَّمَواتُ في ذٰلِكَ اليَومِ بِدَوِيٍّ قاصِف وتَنحَلُّ العَناصِرُ مُضطَرِمةً وتُحاكَمُ الأَرضُ وما فيها مِنَ الأَعْمال. فإِذا كانَت جَميعُ هٰذه الأَشياءِ ستَنحَلُّ على ذٰلك الوَجْه، فكَيفَ يَجبُ علَيكم أَن تكونوا في قَداسَةِ السِّيرَةِ والتَّقْوى، تَنتَظِرونَ وتَستَعجِلونَ مَجيءَ يَومِ اللهِ الَّذي فيه تَنحَلُّ السَّمَواتُ مُشتَعِلَة وتَذوبُ العَناصِرُ مُضطَرِمة. غَيرَ أَنَّنا نَنتَظِرُ، كما وَعَدَ الله، سَمَواتٍ جَديدةً وأَرضًا جديدةً يُقيمُ فيها البِرّ. فٱجتَهِدوا أَيُّها الأَحِبَّاء، وأَنتُم تَنتَظِرونَ هٰذه الأُمور، أَن تَكونوا لَدَيه لا دَنَسَ فيكُم ولا لَومَ علَيكم، لِتوجَدوا في سَلام. وعُدُّوا طولَ أَناةِ رَبِّنا وَسيلةً لِخَلاصِكم، كما كَتَبَ إِلَيكم بِذٰلِك أَخونا الحَبيبُ بولُس على قَدْرِ ما أُوتيَ مِنَ الحِكمَة، شَأنَه في جَميعِ الرَّسائِل كُلَّما تَناوَلَ هٰذِه المَسائل. وقد وَرَدَ فيها أُمورٌ غامِضَة يُحَرِّفُها الَّذينَ لا عِلْمَ عِندَهم ولا ثَبات، كما يَفعَلونَ في سائِرِ الكُتُب، وإِنَّما يَفعَلونَ ذٰلك لِهَلاكِهم. أَمَّا أَنتُم، أَيُّها الأَحِبَّاء، فقَد بُلِّغتُم مِن قَبْلُ، فتَنبَّهوا لِئَلاَّ تَنْقادوا إِلى ضَلالِ الفاسِقين فيَهْوِيَ عَنكم ثَباتُكم. وٱنمُوا في النِّعمَةِ وفي مَعرِفَةِ رَبِّنا ومُخَلِّصِنا يسوعَ المسيح، لَه المَجْدُ الآنَ ومَدى الأَبَد. آمين. ذاك الَّذي كانَ مُنذُ البَدْء، ذاك الَّذي سَمِعناه، ذاك الَّذي رَأَيناهُ بِعَينَينا، ذاكَ الَّذي تَأَمَّلناه، ولَمَسَتْه يَدانا، مِن كَلِمَةِ الحَياة - لأَنَّ الحَياةَ ظَهَرَت فرَأَينا ونَشهَد، ونُبَشِّرُكم بِتِلكَ الحَياةِ الأَبدِيَّةِ الَّتي كانَت لَدى الآب فتَجلَّت لَنا - ذاكَ الَّذي رَأَيناه وسَمِعناه نُبَشِّرُكم بِه أَنتُم أَيضًا، لِتَكونَ لَكم أَيضًا مُشاركَةٌ معَنا، ومُشارَكتُنا هي مُشاركةٌ لِلآبِ ولِٱبنِه يسوعَ المسيح. وإِنَّنا نَكتُبُ إِلَيكم بِذٰلِك لِيَكونَ فَرَحُنا تامًّا. إِليكُمُ البَلاغَ الَّذي سمِعناه مِنه ونُخبِرُكم به: إِنَّ اللهَ نورٌ لا ظَلامَ فيه. فإِذا قُلْنا: «لَنا مُشارَكةٌ معَه»، ونَحنُ نَسيرُ في الظَّلام، كُنَّا كاذِبينَ ولَم نَعمَلْ لِلحَقّ. وأَمَّا إِذا سِرْنا في النُّور كما أَنَّه هو في النُّور، فلَنا مُشارَكةٌ بَعضُنا مع بَعض، ودَمُ يسوعَ ٱبنِه يُطَهِّرُنا مِن كُلِّ خَطيئَة. إِذا قُلْنا: «إِنَّنا بِلا خطيئة»، ضَلَّلْنا أَنفُسَنا ولَم يَكُنِ الحَقُّ فينا. وإِذا ٱعتَرَفْنا بِخَطايانا فإِنَّه أَمينٌ بارّ، يَغفِرُ لَنا خَطايانا ويُطَهِّرُنا مِن كُلِّ إِثْم. وإِذا قُلْنا: «إِنَّنا لم نَخطَأْ»، جَعَلْناه كاذِبًا ولَم تَكُنْ كَلِمَتُه فينا. يا بَنِيَّ، أَكتُبُ إِلَيكم بِهٰذا لِئَلاَّ تَخطَأُوا. وإِن خَطِئَ أَحدٌ، فهُناك شَفيعٌ لَنا عِندَ الآب، وهو يسوعُ المَسيحُ البارّ: إِنَّه كَفَّارَةٌ لِخَطايانا، لا لِخَطايانا وحْدَها، بل لِخَطايا العالَمِ أَجمَع. وما نَعرِفُ بِه أَنَّنا نَعرِفُه هو أَن نَحفَظَ وَصاياه. مَن قالَ: «إِنِّي أَعرِفُه» ولَم يَحفَظْ وَصاياه، كانَ كاذِبًا ولَم يَكُنِ الحَقُّ فيه. وأَمَّا مَن حَفِظَ كَلِمَتَه، فإِنَّ مَحَبَّتَه للهِ قدِ ٱكتَمَلت فيه حَقًّا. بِذٰلك نَعرِفُ أَنَّنا فيه. مَن قالَ إِنَّه مُقيمٌ فيه، وَجَبَ علَيه أَن يَسيرَ هو أَيضًا كما سارَ يَسوع. أَيُّها الأَحِبَّاء، لَيسَ بِوَصِيَّةٍ جَديدةٍ أَكتُبُ إِلَيكم، بل بِوَصِيَّةٍ قَديمةٍ هي عِندكم مُنذُ البَدْء. وهٰذه الوَصِيَّةُ القَديمةُ هي الكَلِمَةُ الَّتي سَمِعتُموها. على أَنَّها أَيضًا وَصِيَّةٌ جَديدةٌ أَكتُبُ بِها إِلَيكم. وذٰاكَ حَقٌّ في شَأنِه وفي شَأنِكم، لأَنَّ الظَّلامَ على زَوال، والنُّورَ الحَقَّ أَخَذَ يُضيء. مَن قالَ إِنَّه في النُّور وهو يُبغِضُ أَخاه لم يَزَلْ في الظَّلامِ إِلى الآن. مَن أَحَبَّ أَخاه أَقامَ في النُّور، ولم يَكُنْ فيه سَبَبُ عَثرَة. أَمَّا مَن أَبغَضَ أَخاه فهو في الظَّلام، وفي الظَّلامِ يَسيرُ فلا يَدْري إِلى أَينَ يَذهَب، لأَنَّ الظَّلامَ أَعْمى عَينَيه. أَكتُبُ إِلَيكم يا بَنِيَّ: «إِنَّ خَطاياكم غُفِرَت بِفَضْلِ ٱسمِه». أَكتُبُ إِلَيكم أَيُّها الآباء: «إِنَّكم تَعرِفونَ ذاكَ الَّذي كانَ مُنذُ البَدْء». أَكتُبُ إِلَيكم أَيُّها الشُّبَّان: «إِنَّكم غَلَبتُمُ الشِّرِّير». كَتَبتُ إِلَيكم يا بَنِيَّ: «إِنَّكم تَعرِفونَ الآب». كَتَبتُ إِلَيكم أَيُّها الآباء: «إِنَّكم تَعرِفونَ ذاكَ الَّذي كانَ مُنذُ البَدْء». كَتَبتُ إِلَيكم أَيُّها الشُّبَّان: «إِنَّكم أَقوِياء وكَلِمَةُ اللهِ مُقيمَةٌ فيكُم، فقَد غَلَبتُمُ الشِّرِّير». لا تُحِبُّوا العالَم وما في العالَم. مَن أَحَبَّ العالَم لم تَكُنْ مَحَبَّةُ الرَّبِّ فيه، لأَنَّ كُلَّ ما في العالَم، مِن شَهوَةِ الجَسَد وشَهوَةِ العَين وكِبرياءِ الغِنى، لَيسَ مِنَ الآب، بل مِنَ العالَم. العالَمُ يَزولُ هو وشَهَواتُه. أَمَّا مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله، فإِنَّه يَبْقى مَدى الأَبد. يا بَنِيَّ، إِنَّها السَّاعةُ الأَخيرة. سَمِعتُم بِأَنَّ مَسيحًا دجَّالاً آتٍ، وكَثيرٌ مِنَ المُسَحاءِ الدَّجَّالين حاضِرونَ الآن. مِن ذٰلكَ نَعرِفُ أَنَّ هٰذه السَّاعَةَ هي الأَخيرة. مِن عِندِنا خَرَجوا ولم يَكونوا مِنَّا، فلو كانوا مِنَّا لَأَقاموا معَنا. ولٰكِن حَدَثَ ذٰلك لِكَي يَتَّضِحَ أَنَّهم جَميعًا لَيسوا مِنَّا. أَمَّا أَنتُم فقَد قَبِلتُمُ المِسْحَةَ مِنَ القُدُّوس، وتَعرِفونَ جَميعًا. لم أَكتُبْ إِلَيكم أَنَّكم لا تَعرِفونَ الحَقّ، بل أَنَّكم تَعرِفونَه، وأَنَّه ما مِن كِذبَةٍ تَأتي مِنَ الحَقّ. مَنِ الكَذَّابُ إِن لم يَكُنْ ذاكَ الَّذي يُنكِرُ أَنَّ يسوعَ هو المسيح؟ هٰذا هو المسيحُ الدَّجَّال، ذٰلك الَّذي يُنكِرُ الآبَ والِٱبْن. كُلُّ مَن أَنكَرَ الِٱبْنَ لم يَكُنِ الآبُ معَه. مَن شَهِدَ لِلِٱبْن كانَ الآبُ معَه. أَمَّا أَنتُم فَلْيَثْبُتْ فيكم ما سَمِعتُموه مُنذُ البَدْء. فإِن ثَبَتَ فيكم ما سَمِعتُموه مُنذُ البَدْء، ثَبَتُّم أَنتُم أَيضًا في الِٱبْنِ وفي الآب: ذٰلك هو الوَعْدُ الَّذي وعَدَنا إِيَّاه هو بِنَفسِه، إِنَّها الحَياةُ الأَبَدِيَّة. هٰذا ما أَرَدتُ أَن أَكتُبَ بِه إِلَيكم في شَأنِ أُولٰئِكَ الَّذينَ يَبتَغونَ إِضلالَكم. أَمَّا أَنتُم فإِنَّ المِسْحَةَ الَّتي قَبِلتُموها مِنه مُقيمَةٌ فيكُم، فلَيسَ بِكم حاجَةٌ إِلى مَن يُعلِّمُكم. ولَمَّا كانَت مِسْحَتُه تَتناوَلُ في تَعليمِها كُلَّ شَيء، وهي حَقٌّ لا باطِل، كما عَلَّمَتْكم، فٱثبُتوا أَنتُم فيه. أَجَل، اُثبُتوا فيه الآن، يا بَنِيَّ. فإِذا ظَهَرَ كُنَّا مُطمَئِنِّين، ولَن نَخْزى في بُعْدِنا عنه عِندَ مَجيئِه. فإِذا كُنتُم تَعلَمونَ أَنَّه بارّ، فٱعرِفوا أَنَّ كُلَّ مَن يَعمَلُ البِرَّ كانَ لَه مَولودًا. أُنظُروا أَيَّ مَحبَّةٍ خَصَّنا بِها الآبُ لِنُدعَى أَبناءَ الله، وإِنَّنا نَحْنُ كَذٰلِك. إِذا كانَ العالَمُ لا يَعرِفُنا فلأَنَّه لم يَعرِفْه. أَيُّها الأَحِبَّاء، نَحنُ مُنذُ الآنَ أَبناءُ الله، ولم يُظهَرْ حتَّى الآن ما سَنَصيرُ إِليه. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّنا نُصبِحُ عِندَ ظُهورِه أَشباهَه، لأَنَّنا سَنَراه كما هو. كُلُّ مَن كانَ لَه هٰذا الرَّجاءُ فيه طَهَّرَ نَفْسَه كما أَنَّه هو طاهر. كُلُّ مَنِ ٱرتَكَبَ الخَطيئَةَ ارتَكَبَ الإِثْم، لأَنَّ الخَطيئَةَ هي الإِثْم. تَعلَمونَ أَنَّه قد ظَهَرَ لِيُزيلَ الخَطايا، ولا خَطيئَةَ لَه. كُلُّ مَن ثَبَتَ فيه لا يَخطَأ، وكُلُّ مَن خَطِئَ لم يَرَهُ ولا عَرفَه. يا بَنِيَّ، لا يُضِلَّنَّكم أَحَد: مَن عَمِلَ البِرَّ كانَ بارًّا كما أَنَّه هو بارّ. مَنِ ٱرتَكَبَ الخَطيئَة كانَ مِن إِبْليس، لأَنَّ إِبْليسَ خاطِئٌ مُنذُ البَدْء. وإِنَّما ظَهَرَ ٱبنُ اللهِ لِيُحبِطَ أَعمالَ إِبْليس. كُلُّ مَولودٍ للهِ لا يَرتَكِبُ الخَطيئَة، لأَنَّ زَرْعَه باقٍ فيه، ولا يُمكِنهُ أَن يَخطَأَ لأَنَّه مَولودٌ لله. وما يُمَيِّزُ أَبناءَ اللهِ مِن أَبناءِ إِبليس هو أَنَّ كُلَّ مَن لا يَعمَلُ البِرَّ لَيسَ مِنَ الله، ومِثلُه مَن لا يُحِبُّ أَخاه. فإِنَّ البَلاغَ الَّذي سَمِعتُموه مُنذُ البَدْء هو أَن يُحِبَّ بعضُنا بَعضًا، لا أَن نَقتَدِيَ بِقايِنَ الَّذي كانَ مِنَ الشِّرِّير فذَبَحَ أَخاه. ولِماذا ذَبَحَه؟ لأَنَّ أَعمالَه كانَت سَيِّئة، في حينِ أَنَّ أَعمالَ أَخيهِ كانَت أَعمالَ بِرّ. لا تَعجَبُوا يا إِخوَتي إِذا أَبغَضَكُمُ العالَم. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّنا ٱنتَقَلْنا مِنَ المَوتِ إِلى الحَياة، لأَنَّنا نُحِبُّ إِخوَتَنا. مَن لا يُحِبُّ بَقِيَ رَهْنَ المَوت. كُلُّ مَن أَبغَضَ أَخاه فهو قاتِل، وتَعلَمونَ أَنْ ما مِن قاتلٍ لَه الحَياةُ الأَبَدِيَّةُ مُقيمَةٌ فيه. وإِنَّما عَرَفْنا المَحبَّةَ بِأَنَّ ذاكَ قد بَذَلَ نَفْسَه في سَبيلِنا، فعلَينا نَحنُ أَيضًا أَن نَبذُلَ نُفوسَنا في سَبيلِ إِخوَتِنا. مَن كانَت لَه خَيراتُ الدُّنْيا، ورأَى بِأَخيهِ حاجَةً، فأَغلَقَ أَحشاءَه دونَ أَخيه، فكَيفَ تُقيمُ فيه مَحبَّةُ الله؟ يا بَنِيَّ، لا تَكُنْ مَحبَّتُنا بِالكَلامِ ولا بِاللِّسان، بل بالعَمَلِ والحَقّ. بِذٰلكَ نَعرِفُ أَنَّنا مِنَ الحَقّ، ونُسَكِّنُ قَلْبَنا لَدَيه. فإِذا وَبَّخَنا قَلْبُنا، فإِنَّ اللهَ أَكبَرُ مِن قَلْبِنا، وهو بِكُلِّ شَيءٍ عَليم. أَيُّها الأَحِبَّاء، إِذا كانَ قَلْبُنا لا يُوَبِّخُنا، كانَت لَنا الطُّمَأنينةُ لدى الله. ومَهما سأَلْناه نَنالُه منه، لأَنَّنا نَحفَظُ وَصاياه ونَعمَلُ بِما يُرضيه. ووَصِيَّتُه هي أَن نُؤمِنَ بِٱسمِ ٱبنِه يسوعَ المسيح وأَن يُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا كَما أَعْطانا وَصِيَّةً بِذٰلك. فمَن حَفِظَ وَصاياه أَقامَ في الله وأَقامَ اللهُ فيه. وإِنَّما نَعلَمُ أَنَّه مُقيمٌ فينا مِنَ الرُّوحِ الَّذي وَهَبَه لَنا. أَيُّها الأَحِبَّاء، لا تَركُنوا إِلى كُلِّ رُوح، بلِ ٱختَبِروا الأَرواحَ لِتَرَوا هل هي مِن عِندِ الله. لأَنَّ كَثيرًا مِنَ الأَنبِياء الكَذَّابينَ ٱنتَشَروا في العالَم. وما تَعرِفونَ به رُوحَ الله هو أَنَّ كُلَّ رُوحٍ يَشهَدُ لِيَسوعَ المسيحِ الَّذي جاءَ في الجَسَد كانَ مِنَ الله، وكُلَّ رُوحٍ لا يَشهَدُ لِيَسوع لم يَكُنْ مِنَ الله. ذاك هو رُوحُ المسيحِ الدَّجالِ الَّذي سَمِعتُم أَنَّه آتٍ. وهو اليَومَ في العالَم. يا بَنِيَّ، أَنتُم مِنَ الله، وقد غَلَبتُم هٰؤُلاء، لأَنَّ الَّذي فيكُم أَعظَمُ مِنَ الَّذي في العالَم. هُم مِنَ العالَم، لِذٰلِكَ يَتَكَلَّمونَ كَلامَ العالَم، فيُصغي إِلَيهِم العالَم. أَمَّا نَحنُ فإِنَّنا مِنَ الله. فمَن عَرَفَ الله أَصْغى إِلَينا، ومَن لم يَكُنْ مِنَ الله لم يُصْغِ إِلَينا. بِذٰلِكَ نَعرِفُ رُوحَ الحَقِّ مِن رُوحِ الضَّلال. أَيُّها الأَحِبَّاء، فلْيُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا، لأَنَّ المَحبَّةَ مِنَ الله. وكُلَّ مُحِبٍّ مَولودٌ لله وعارفٌ بِالله. مَن لا يُحِبّ لم يَعرِفِ الله، لأَنَّ اللهَ مَحبَّة. ما ظَهَرَت بِه مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا هو أَنَّ اللهَ أَرسَلَ ٱبنَه الوَحيدَ إِلى العالَمِ لِنَحْيا بِه. وما تَقومُ عَلَيه المَحبَّة هو أَنَّه لَسنا نَحنُ أَحبَبْنا الله، بل هو أَحبَّنا فأَرسَلَ ٱبنَه كَفَّارَةً لِخَطايانا. أَيُّها الأَحِبَّاء، إِذا كانَ اللهُ قد أَحبَّنا هٰذا الحُبّ، فعلَينا نَحنُ أَن يُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا. إِنَّ اللهَ ما عايَنَه أَحَدٌ قَطّ. فإِذا أَحَبَّ بَعضُنا بَعضًا، فاللهُ فينا مُقيمٌ ومَحبَّتُه فينا مُكتَمِلَة. ونَعرِفُ أَنَّنا فيه نُقيمُ وأَنَّه يُقيمُ فينا بِأَنَّه مِن رُوحِه وَهَبَ لَنا. ونَحنُ عايَنَّا ونَشهَد أَنَّ الآبَ أَرسَلَ ٱبنَه مُخَلِّصًا لِلعالَم. مَن شَهِدَ بِأَنَّ يسوعَ هو ٱبنُ الله، فاللهُ فيه مُقيمٌ وهو مُقيمٌ في الله. ونَحنُ عَرَفْنا المحبَّةَ الَّتي يُظهِرُها اللهُ بَينَنا وآمنَّا بِها. اللهُ مَحبَّة، فمَن أَقامَ في المَحبَّةِ أَقامَ في الله وأَقامَ اللهُ فيه. وٱكتِمالُ المَحبَّةِ بِالنَّظَرِ إِلَينا أَن تَكونَ لَنا الطُّمَأنينَةُ لِيَومِ الدَّينونة، فكما يَكونُ هو، كذٰلك نَكونُ في هٰذا العالَم. لا خَوفَ في المَحبَّة بلِ المَحبَّةُ الكامِلةُ تَنْفي عَنها الخَوف، لأَنَّ الخَوفَ يَعْني العِقاب، ومَن يَخَفْ لَم يَكُنْ كامِلاً في المَحبَّة. أَمَّا نَحنُ فإِنَّنا نُحِبّ، لأَنَّه أَحَبَّنا قَبلَ أَن نُحِبَّه. إِذا قالَ أَحَد: «إِنِّي أُحِبُّ الله»، وهو يُبغِضُ أَخاه، كانَ كاذِبًا، لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه. إِلَيكُمُ الوَصِيَّةَ الَّتي أَخَذْناها عنه: مَن أَحَبَّ اللهَ فلْيُحِبَّ أَخاه أَيضًا. كُلُّ مَن آمَنَ بِأَنَّ يسوعَ هو المسيح فهو مَولودٌ لله وكُلُّ مَن أَحَبَّ الوالِد أَحَبَّ المَولودَ لَه أَيضًا. ونَعلَمُ أَنَّنا نُحِبُّ أَبناءَ الله، إِذا كُنَّا نُحِبُّ الله ونَعمَلُ بِوَصاياه، لأَنَّ مَحبَّةَ اللهِ أَن نَحفَظَ وصاياه، ولَيسَت وَصاياه ثَقيلَةَ الحَمْل، لأَنَّ كُلَّ ما وُلِدَ للهِ يَغلِبُ العالَم. وما غَلَبَ العالَمَ هٰذه الغَلَبَة هو إِيمانُنا. مَنِ الَّذي غَلَبَ العالَم، إِن لم يَكُنْ ذاكَ الَّذي آمَنَ بِأَنَّ يسوعَ هوَ ٱبنُ الله؟ هٰذا الَّذي جاءَ بِسَبيلِ الماءِ والدَّم، يسوعُ المسيح. لا بِسَبيلِ الماءِ وَحْدَه، بل بِسَبيلِ الماءِ والدَّم. والرُّوحُ يَشهَد، لأَنَّ الرُّوحَ هو الحقّ. والَّذينَ يَشهَدونَ ثلاثة: الرُّوحُ والماءُ والدَّم، وهٰؤُلاءِ الثَّلاثةُ مُتَّفِقون. إِذا كُنَّا نَقبَلُ شَهادةَ النَّاس، فشَهادةُ اللهِ أَعظَم، وشَهادةُ اللهِ هي أَنَّه شَهِدَ لِٱبنِه. مَن آمَنَ بِٱبنِ الله كانَت تِلكَ الشَّهادةُ عِندَه، ومَن لم يُصَدِّقِ الله جَعَلَه كاذِبًا، لأَنَّه لم يُؤمِنْ بِالشَّهادةِ الَّتي شَهِدَها اللهُ لِٱبنِه. وهٰذِه الشَّهادةُ هي أَنَّ اللهَ وَهَبَ لَنا الحَياةَ الأَبَدِيَّة وأَنَّ هٰذهِ الحَياةَ هي في ٱبنِه. مَن كانَ لَه الِٱبنُ كانَت لَه الحَياة. مَن لم يَكُنْ لَه ٱبنُ الله لم تَكُنْ لَه الحَياة. كَتَبتُ إِلَيكم بِهٰذا لِتَعلَموا أَنَّ الحَياةَ الأَبَدِيَّةَ لَكم، أَنتُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِٱسمِ ٱبنِ الله. والثِّقةُ الَّتي لَنا بِه هي أَنَّه، إِذا سأَلْناه شَيئًا مُوافِقًا لِمَشيئَتِه ٱستَجابَ لَنا، وإِذا كُنَّا نَعلَمُ أَنَّه يَستَجيبُ لَنا في كُلِّ شَيءٍ نَسأَلُه إِيَّاه. فنَحنُ نَعلَمُ أَنَّنا نَنالُ كُلَّ شَيءٍ نَسأَلُه إِيَّاه. إِذا رأَى أَحَدٌ أَخاه يَرتَكِبُ خَطيئَةً لا تُؤَدِّي إِلى المَوت، فَلْيُصَلِّ، واللهُ يَهَبُ لَه الحَياة، (وأَعْني الَّذينَ يَرتَكِبونَ الخَطايا الَّتي لا تُؤَدِّي إِلى المَوت، فهُناكَ الخَطيئَةُ الَّتي تُؤدِّي إِلى المَوت ولَستُ أَطلُبُ الصَّلاةَ لَها). كُلُّ مَعصِيَةٍ خَطيئَة، ولٰكِن هُناك الخَطيئَةُ الَّتي لا تُؤَدِّي إِلى المَوت. نَعلَمُ أَنَّ كُلَّ مَن وُلِدَ للهِ لا يَخطَأ. لٰكِنَّ المَولودَ للهِ يَحفَظُه، فلا يَمَسُّه الشِّرِّير. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّنا مِنَ الله، وأَمَّا العالَمُ فهُو كُلُّه تَحتَ وَطْأَةِ الشِّرِّير. ونَعلَمُ أَنَّ ٱبنَ اللهِ أَتى، وأَنَّه أَعْطانا بَصيرةً لِنَعرِفَ بِها الحَقّ. نَحنُ في الحَقِّ إِذ نَحنُ في ٱبنِه يسوعَ المَسيح. هٰذا هو الإِلٰهُ الحَقُّ والحَياةُ الأَبدِيَّة. يا بَنِيَّ، اِحذَروا الأَصْنام! مِنِّي أَنا الشَّيخُ إِلى السَّيِّدةِ المُختارة وإِلى أَبنائِها الَّذينَ أُحِبُّهم في الحَقّ، لا أَنا وَحْدي، بل جَميعُ الَّذينَ عَرَفوا الحَقَّ، بِفَضلِ الحَقِّ المُقيمِ فينا والَّذي سَيَكونُ مَعَنا لِلأَبَد: معَنا النِّعمَةُ والرَّحمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ الآبِ ويسوعَ المسيحِ ٱبنِ الآب، في الحَقِّ والمَحبَّة. فَرِحتُ كَثيرًا إِذ رَأَيتُ بَعضَ أَبنائِكِ يَسلُكونَ سَبيلَ الحَقّ وَفْقًا لِلوَصِيَّةِ الَّتي تَلقَّيناها مِنَ الآب. أَسأَلُكِ الآنَ أَيَّتُها السَّيِّدة، لا كَمَن يَكتُبُ بِوَصِيَّةٍ جَديدة، بل بِوَصِيَّةٍ أَخَذْناها مُنذُ البَدْء، أَسأَلُكِ أَن يُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا. والمَحَبَّةُ هي أَن نَسلُكَ سَبيلَ وَصاياه، وتِلكَ الوَصِيَّة، كما سَمِعتُموها مُنذُ البَدْء، هي أَن تَسلُكوا سَبيلَ المَحبَّة. ذٰلك بِأَنَّه قدِ ٱنتَشَرَ في العالَمِ كَثيرٌ مِنَ المُضِلِّين لا يَشهَدونَ لِيسوعَ المسيحِ الَّذي جاءَ في الجَسَد. هٰذا هو المُضِلُّ المسيحُ الدَّجَّال. فخُذوا الحَذَرَ لأَنْفُسِكم، لِئَلاَّ تَخسَروا ثَمَرَةَ أَعمالِكم، بل لِتَنالوا أَجْرًا كامِلاً. كُلُّ مَن جاوَزَ حَدَّه ولَم يَثبُتْ في تَعليمِ المسيح، لم يَكُنِ اللهُ معَه. مَن ثَبَتَ في ذاك التَّعليم فهو الَّذي كانَ الآبُ والِٱبنُ معَه. إِذا جاءَكم أَحَدٌ لا يَحمِلُ هٰذا التَّعليم فلا تَقبَلوه في بُيوتِكم ولا تَقولوا لَه: سَلام! مَن قالَ لَه: سَلام، شارَكَه في سَيِّئاتِ أَعمالِه. عِنْدي أَشياءُ كَثيرَةٌ أَكتُبُ بِها إِلَيكم، فما أَرَدتُ أَن أَجعَلَها وَرَقًا وحِبْرًا، لٰكِنِّي أَرْجو أَن آتِيَكم فأُشافِهَكم لِيَكونَ فَرَحُنا تامًّا. يُسلِّمُ علَيكِ أَبناءُ أُختِكِ المُخْتارة. مِنِّي أَنا الشَّيخُ إِلى غايُسَ الحَبيبِ الَّذي أُحِبُّه في الحَقّ. أَيُّها الحَبيب، أَرجو أَن تُوَفَّقَ في كُلِّ شَيء وأَن تكونَ صِحَّتُكَ جَيِّدة، كما أَنَّكَ مُوَفَّقٌ في نَفسِكَ. فقَد فَرِحتُ كَثيرًا بِقُدومِ الإِخوَةِ وشَهادَتِهم بِما أَنتَ علَيه مِنَ الحَقّ، فإِنَّكَ تَسلُكُ سَبيلَ الحَقّ. ولَيسَ أَدْعى إِلى الفَرَحِ عِنْدي مِن أَن أَسمَعَ أَنَّ أَبنائي يَسلُكونَ سَبيلَ الحَقّ. أَيُّها الحَبيب، إِنَّكَ تَعمَلُ عَمَلَ المُؤمِن فيما تَصنَعُ لِلإِخوَة، مع أَنَّهم غُرَباء، وقد شَهِدوا لَكَ عِندَ الكَنيسَةِ بِالمَحَبَّة. وتُحسِنُ عَمَلاً إِذا زَوَّدتَهم في سَفَرِهم على وَجْهٍ يَليقُ بِالله، لأَنَّهم خَرَجوا مِن أَجْلِ الِٱسمِ الكَريم ولَم يَأخُذوا شَيئًا مِنَ الوَثَنِيِّين. فعلَينا أَن نُرَحِّبَ بِأَمثالِ هٰؤُلاء لِنَكونَ مُعاوِنينَ لِلحَقّ. كَتَبتُ بِكَلِمَةٍ إِلى الكَنيسة، ولٰكِنَّ دِيُوتَريفِسَ الَّذي يَرغَبُ أَن يَكونَ رَئيسًا عَلَيهم لا يَقبَلُنا. فإِذا قَدِمتُ ذَكَرتُ ما يَعمَلُ مِنَ السَّيِّئات. فيَهْذي في أَحاديثِه الخَبيثَةِ عَنَّا، ولا يَكْتَفي بِهٰذه الأَحاديث، بل هو لا يَقبَلُ الإِخوَة ويَمنَعُ الَّذينَ يُريدونَ أَن يَقبَلوهم ويَطرُدُهم مِنَ الكَنيسة. أَيُّها الحَبيب، لا تَمتَثِلِ الشَّرَّ، بلِ الخَير. مَن يَعمَلُ الخَيرَ فهو مِنَ الله ومَن يَعمَلُ الشَّرَّ لم يَرَ الله. أَمَّا دِيمِتْرِيُوس فجَميعُ النَّاسِ يَشهَدونَ لَه ويَشهَدُ لَه الحَقُّ نَفْسُه، ونَحنُ أَيضًا نَشهَدُ له، وتَعلَمُ أَنَّ شَهادَتَنا حَقّ. عِنْدي أَشياءُ كَثيرَةٌ أَكتُبُ بِها إِلَيكَ، فلا أُريدُ أَن أَجعَلَها حِبْرًا وقَلَمًا، لٰكَنِّي أَرْجو أَن أَراكَ بَعدَ قَليلٍ فنُشافِهَ بَعضُنا بَعضًا. السَّلامُ علَيكَ. يُسلِّمُ عَلَيكَ الأَصدِقاء. سَلِّمْ على الأَصدِقاء، كُلُّ واحِدٍ بِٱسمِه. مِن يَهوذا عَبْدِ يسوعَ المسيح وأَخي يَعْقوب إِلى الَّذينَ دَعاهمُ اللهُ الآب وأَحَبَّهم وحَفِظَهم لِيَسوعَ المسيح. علَيكُم أَوفَرُ الرَّحمَةِ والسَّلامِ والمَحبَّة. أَيُّها الأَحِبَّاء، كُنتُ شَديدَ الرَّغبةِ في أَن أَكتُبَ إِلَيكم في مَوضوعِ خَلاصِنا المُشتَرَك. فلم يَكُنْ لي بُدٌّ مِن ذٰلك لِكَي أَحُضَّكم على الجِهادِ في سَبيلِ الإِيمانِ الَّذي سُلِّمَ إِلى القِدِّيسينَ تامًّا، لأَنَّه قد تَسَلَّلَ إِلَيكم أَناسٌ كُتِبَ لَهم هٰذا العِقابُ مُنذُ القِدَم، كُفَّارٌ يَجعَلونَ نِعمَةَ إِلٰهِنا فُجورًا ويُنكِرونَ سَيِّدَنا ورَبَّنا الوَحيدَ يسوعَ المسيح. أُريدُ أَن أُذَكِّرَكم، أَنتمُ الَّذينَ عَرَفوا كُلَّ ذٰلكَ مَعرِفَةً تامَّة، أَنَّ الرَّبَّ، بَعدَما خَلَّصَ شَعبَه مِن أَرضِ مِصْر، أَهلَكَ مَن لم يُؤمِن. أَمَّا المَلائِكَةُ الَّذينَ لم يَحتَفِظوا بِمَنزِلَتِهِمِ الرَّفيعة، بل تَرَكوا مُقامَهم، فإِنَّ اللهَ يَحفَظُهم لِدَينونةِ اليَومِ العَظيم مُوثَقينَ بِقُيودٍ أَبَدِيَّةٍ في أَعماقِ الظُّلُمات. وكَذٰلِكَ سَدومُ وعَمورَةُ والمُدُنُ المُجاوِرَة فَحُشَت مِثْلَ ذٰلِكَ الفُحْش وسَعَت إِلى كائِناتٍ مِن طَبيعَةٍ مُختَلِفة، فجُعِلَت عِبرَةً لِغَيرِها ولَقِيَت عِقابَ النَّارِ الأَبَدِيَّة. وعلى ذٰلك فمَثَلُ أُولٰئِك كَمَثَلِها، لأَنَّهم في هَذَيانِهم يُنَجِّسونَ الجَسَدَ ويَزدَرونَ العِزَّةَ الإِلٰهِيَّة ويُجَدِّفونَ على أَصحابِ المَجْد، مع أَنَّ ميخائيلَ رَئيسَ المَلائِكَة، لَمَّا خاصَمَ إِبليسَ وجادَلَه في مَسأَلَةِ جُثَّةِ موسى، لم يَجرُؤْ على أَن يَحكُمَ علَيه حُكمًا فيه شَتيمة، بل قالَ: «خَزاكَ الرَّبّ»! أَمَّا أُولٰئِكَ فإِنَّهم يُجَدِّفونَ على ما لا يَعرِفون، وما يَعرِفونَه بِطَبيعَتِهم مَعرِفَةَ الحَيَواناتِ العُجْم، فإِنَّهم بِه يَهلِكون. الوَيلُ لَهم! سَلَكوا طَريقَ قايِن وٱستَسلَموا إِلى ضَلالِ بَلْعامَ مِن أَجْلِ أُجرَةٍ يَنالونَها، وهَلَكوا في تَمَرُّدِ قَورَح. همُ الَّذينَ يُدَنِّسونَ مآدِبَكُمُ المُشتَرَكة، لا حَياءَ لَهم على المآدِب، يَكتَظُّونَ مِنَ الطَّعام. هم غُيومٌ لا ماءَ فيها تَسوقُها الرِّياح. هم أَشجارٌ خَريفِيَّةٌ لا ثَمَرَ علَيها ماتَت مَرَّتَين وٱقتُلِعَت مِن أُصولِها. هم أَمواجُ البَحْرِ العاتِيَة زَبَدُها خِزْيُ نُفوسِهم. هم كَواكِبُ شارِدَة أُعِدَّت لِلظُّلُماتِ الحالِكةِ مَدى الأَبَد. وقد تَنَبَّأَ عَنهم أَخْنوخُ سابِعُ الآباءِ مِن آدَم إِذ يَقول: «هُوَذا الرَّبُّ قد أَتى في أُلوفِ قِدِّيسيه لِيُجرِيَ القَضاءَ على جَميعِ الخَلْق ويُخزِيَ الكافِرينَ جَميعًا في كُلِّ أَعمالِ الكُفْرِ الَّتي ٱرتَكَبوها وفي كُلِّ كَلِمَةِ سُوءٍ قالَها علَيه الخاطِئُونَ الكافِرون». همُ الَّذينَ يَتذَمَّرونَ ويَشْكونَ ويَتبَعونَ شَهَواتِهم، تَنطِقُ أَفواهُهم بِالعِباراتِ الطَّنَّانة ويَتمَلَّقونَ النَّاسَ طَلَبًا لِلمَنفَعة. أَمَّا أَنتُم أَيُّها الأَحِبَّاء، فٱذكُروا ما أَنبَأَ بِه رُسُلُ رَبِّنا يسوعَ المسيح إِذ قالوا لَكم: «سيَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ مُستَهزِئُونَ يَتبَعونَ شَهَواتِ كُفْرِهم». همُ الَّذينَ يُوجِدونَ الشِّقاق، إِنَّهم بَشَرِيُّونَ لَيسَ الرُّوحُ فيهِم. أَمَّا أَنْتُم أَيُّها الأَحِبَّاء، فٱبْنوا أَنفُسَكم على إِيمانِكمُ المُقَدَّس وصَلُّوا بِالرُّوحِ القُدُس، وٱحفَظوا أَنفُسَكم في مَحَبَّةِ الله وٱنتَظِروا رَحمَةَ رَبِّنا يسوعَ المسيح مِن أَجْلِ الحَياةِ الأَبَدِيَّة. أَمَّا المُتَمَرِّدونَ فٱرثوا لَهم، بل خَلِّصوهم مُنتَشِلينَ إِيَّاهم مِنَ النَّار، وأَمَّا الآخَرونَ فٱرثوا لَهم على خَوف، وأَبغِضوا حتَّى القَميصَ الَّذي دَنَّسَه جَسدُهم. لِلقادِرِ على أَن يَصونَكم مِن كُلِّ زَلَل ويُحضِرَكم لَدى مَجدِه مُبتَهِجين، لا عَيبَ فيكُم، للإِلٰهِ الواحِدِ مُخَلِّصِنا بِيَسوعَ المسيحِ رَبِّنا المَجْدُ والجَلالُ والعِزَّةُ والسُّلطان، قَبْلَ كُلِّ زَمانٍ والآنَ ولأَبَدِ الدُّهور. آمين. هٰذا ما كَشَفَه يَسوعُ المَسيح بِعَطاءٍ مِنَ الله، لِيُرِيَ عِبادَه ما لا بُدَّ مِن حُدوثِه وَشيكًا. فأَرسَلَ مَلاكَه إِلى يوحَنَّا عَبدِه يُشيرُ إِلَيه. فشَهِدَ يوحَنَّا بأَنَّ ما رَآه هو كَلِمَةُ اللهِ وشَهادَةُ يَسوعَ المَسيح. طوبى لِلَّذي يَقرَأُ ولِلَّذينَ يَسمَعونَ أَقوالَ النُّبوءَة ويَحفَظونَ ما وَرَدَ فيها، لأَنَّ الوَقتَ قدِ ٱقتَرَب. مِن يوحَنَّا إِلى الكَنائِسِ السَّبعِ الَّتي في آسِيَة. علَيكمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ الَّذي هو كائِنٌ وكانَ وسيَأتي، ومِنَ الأَرواحِ السَّبعَةِ الماثِلَةِ أَمامَ عَرشِه، ومِن لَدُنِ يَسوعَ المسيحِ الشَّاهِدِ الأَمين والبِكْرِ مِن بَينِ الأَموات وسَيِّدِ مُلوكِ الأَرْض. لِذاكَ الَّذي أَحَبَّنا فحَلَّنا مِن خَطايانا بِدَمِه، وجَعَلَ مِنَّا مَملَكَةً مِنَ الكَهَنَةِ لِإِلٰهِه وأَبيه، لَه المَجدُ والعِزَّةُ أَبَدَ الدُّهور. آمين. هاهُوَذا آتٍ في الغَمام. ستَراه كُلُّ عَينٍ حَتَّى الَّذينَ طَعَنوه، وتَنتَحِبُ علَيه جَميعُ قَبائِلِ الأَرض. أَجَل، آمين. «أَنا الأَلِفُ والياء»: هٰذا ما يَقولُه الرَّبُّ الإِلٰه، الَّذي هو كائِنٌ وكانَ وسيَأتي، وهو القَدير. أَنا، أَخاكم يوحَنَّا الَّذي يُشارِكُكم في الشِّدَّةِ والمَلَكوتِ والثَّباتِ في يَسوع، كُنتُ في جَزيرَةِ بَطمُس لأَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ وشَهادَةِ يَسوع، فٱختَطَفَني الرُّوحُ يَومَ الرَّبّ، فسَمِعتُ خَلْفي صَوتًا جَهيرًا كَصَوتِ البوقِ يَقول: «ما تَراه فٱكتُبْه في كِتابٍ وٱبعَثْ بِه إِلى الكَنائِسِ السَّبعِ الَّتي في أَفَسُس وإِزْمير وبَرغامُس وتِياطيرة وسَرْديس وفيلَدِلْفِيَة واللاَّذِقِيَّة». فٱلتَفَتُّ لأَنظُرَ إِلى الصَّوتِ الَّذي يُخاطِبُني، فرَأَيتُ في ٱلتِفاتي سَبعَ مَناوِرَ مِن ذَهَب وبَينَ المَناوِرِ ما يُشبِهُ ٱبنَ إِنْسان، وقد لَبِسَ ثَوبًا يَنزِلُ إِلى قَدَمَيه وشَدَّ صَدرَه بِزُنَّارٍ مِن ذَهَب. وكانَ رَأسُه وشَعرُه أَبيَضَينِ كالصُّوفِ الأَبيَض، كالثَّلْج، وعَيناه كلَهَبِ النَّار، ورِجْلاه أَشبَهُ بِنُحاسٍ خالِصٍ مُنَقًّى بِنارِ أَتُّون، وصَوتُه كصَوتِ مِياهٍ غَزيرة. وفي يَدِه اليُمْنى سَبعَةُ كَواكِب، ومِن فَمِه خَرَجَ سَيفٌ مُرهَفُ الحَدَّين، ووَجهُه كالشَّمسِ تُضيءُ في أَبْهى شُروقِها. فلَمَّا رأَيتُه ٱرتَمَيتُ عِندَ قَدَمَيه كالمَيْت، فوَضَعَ يَدَه اليُمْنى علَيَّ وقال: لا تَخَفْ، أَنا الأَوَّلُ والآخِر، أَنا الحَيّ. كُنتُ مَيتًا وهاءَنَذا حَيٌّ أَبَدَ الدُّهور. عِنْدي مَفاتيحُ المَوتِ ومَثْوى الأَموات. فٱكتُبْ ما رَأَيتَ، ما هو الآن وما سَيَحدُثُ بَعدَ ذٰلك. أَمَّا سِرُّ الكَواكِبِ السَّبعَةِ الَّتي رَأَيتَها في يَميني ومَناوِرُ الذَّهَبِ السَّبْع، فإِنَّ الكَواكِبَ السَّبعَةَ هي مَلائِكَةُ الكَنائِسِ السَّبْع، والمَناوِرَ السَّبعَ هي الكَنائِسُ السَّبْع. إِلى مَلاكِ الكَنيسَةِ الَّتي بِأَفَسُس، اكتُبْ: إِلَيكَ ما يَقولُ الَّذي يُمسِكُ بِيَمينِه الكَواكِبَ السَّبعَة، الَّذي يَمْشي بَينَ مَناوِرِ الذَّهَبِ السَّبْع: إِنِّي عَليمٌ بِأَعْمالِكَ وجَهدِكَ وثَباتِكَ، وأَعلَمُ أَنَّكَ لا تَستَطيعُ تَحَمُّلَ الأَشْرار. وقدِ ٱمتَحَنتَ الَّذينَ يَقولونَ إِنَّهم رُسُلٌ ولَيسوا بِرُسُل، فَوَجَدتَهم كاذِبين. إِنَّكَ تَتَحَلَّى بِالثَّبات، فتَحَمَّلتَ المَشَقَّاتِ في سَبيلِ ٱسْمي مِن غَيرِ أَن تَسأَم. ولٰكِنَّ مَأخَذي علَيكَ هو أَنَّ حُبَّكَ الأَوَّلَ قد تَرَكتَه. فٱذكُرْ مِن أَينَ سَقَطتَ وتُبْ وٱعمَلْ أَعْمالَك السَّالِفة، وإِلاَّ جِئتُكَ وحَوَّلتُ مَنارَتَكَ عن مَوضِعِها، إِن لم تَتُبْ. ولٰكِن يَشفَعُ فيكَ أَنَّكَ تَمقُتُ أَعْمالَ النِّقولاوِيِّين، وأَنا أَيضًا أَمقُتُها. مَن كانَ لَه أُذُنان، فلْيَسْمَعْ ما يَقولُ الرُّوحُ لِلكَنائِس: الغالِبُ سأُطعِمُه مِن شَجَرَةِ الحَياةِ الَّتي في فِردَوسِ الله. وإِلى مَلاكِ الكَنيسَةِ الَّتي بِإِزمير، اكتُبْ: إِلَيكَ ما يَقولُ الأَوَّلُ والآخِر، ذاكَ الَّذي كانَ مَيتًا فعادَ إِلى الحَياة: أَنا عالِمٌ بِما أَنتَ علَيه مِنَ الشِّدَّةِ والفَقْر، مع أَنَّكَ غَنِيّ. وأَعلَمُ ٱفتِراءَ الَّذينَ يَقولونَ إِنَّهم يَهودٌ ولَيسوا بِيَهود، بل هم مَجمَعٌ لِلشَّياطين. لا تَخَفْ ما ستُعاني مِنَ الآلام. ها إِنَّ إِبْليسَ يُلْقي مِنكُم في السِّجنِ لِيَمتَحِنَكم، فتَلقَونَ الشِّدَّةَ عَشرَةَ أَيَّام. كُنْ أَمينًا حَتَّى المَوت، فسأُعْطيكَ إِكْليلَ الحَياة. مَن كانَ لَه أُذُنان، فلْيَسمَعْ ما يَقولُ الرُّوحُ لِلكَنائس: إِنَّ الغالِبَ لن يُقاسِيَ مِنَ المَوتِ الثَّاني. وإِلى مَلاكِ الكَنيسَةِ الَّتي في بَرْغامُس، اكتُبْ: إِلَيكَ ما يَقولُ صاحِبُ السَّيفِ المُرهَفِ الحَدَّين: أَنا عالِمٌ أَينَ تَسكُن، تَسكُنُ حَيثُ عَرشُ الشَّيطان. ومع ذٰلِكَ تَتَمَسَّكُ بِٱسْمي وما أَنكَرتَ إِيماني حَتَّى في أَيَّامِ أَنْطيباس شاهِدي الأَمينِ الَّذي قُتِلَ عِندَكم، حَيثُ يَسكُنُ الشَّيطان. ولٰكِن لي عَليكَ مَأخَذٌ طَفيف، وهو أَنَّ عِندَكَ هُناكَ قَومًا يَتَمَسَّكونَ بِتَعْليمِ بِلْعامَ الَّذي عَلَّمَ بالاقَ أَن يُلقِيَ حَجَرَ عَثْرَةٍ أَمامَ بَني إِسْرائيلَ لِيَأكُلوا ذَبائِحَ الأَوثانِ ويَزْنوا. وعِندَكَ أَنتَ أَيضًا قَومٌ يَتَمَسَّكونَ كذٰلك بِتَعْليمِ النِّيقولاوِيِّين. تُبْ إِذًا وإِلاَّ جِئتُكَ على عَجَلٍ وحارَبتُهم بِالسَّيفِ الَّذي في فَمي. مَن كانَ لَه أُذُنان، فلْيَسمَعْ ما يَقولُ الرُّوحُ لِلكَنائِس: الغالِبُ سأُعْطيه مَنًّا خَفِيًّا، وسأُعْطيه حَصاةً بَيضاء، حَصاةً مَنْقوشًا فيها ٱسمٌ جَديدٌ لا يَعرِفُه إِلاَّ الَّذي يَنالُه. وإِلى مَلاكِ الكَنيسَةِ الَّتي بِتِياطيرة، اكْتُبْ: إِلَيكَ ما يَقولُ ٱبنُ اللهِ الَّذي عَيناه كلَهَبِ النَّار ورِجْلاه أَشبَهُ بِالنُّحاسِ الخالِص: إِنِّي عالِمٌ بِأَعْمالِكَ ومَحَبَّتِكَ وإِيمانِكَ وخِدمَتِكَ وثَباتِكَ، وبِأَعْمالِكَ الأَخيرة وهي أَكثَرُ عَدَدًا مِن أَعْمالِكَ السَّالِفَة. ولٰكِنَّ مَأخَذي علَيكَ هو أَنَّكَ تَدَعُ المَرأَةَ إِيزابَلَ وشَأنَها، وهي تَقولُ إِنَّها نَبِيَّة، فتُعَلِّمُ وتُضَلِّلُ عَبيدي لِيَزْنوا فيَأكُلوا مِن ذَبائِحِ الأَوثان. وقد أَمهَلتُها مُدَّةً لِتَتوب، فلا تُريدُ أَن تَتوبَ مِن بَغائِها. ها إِنِّي أُلْقيها على فِراشِ شِدَّةٍ كَبيرة، وأُلْقي الَّذينَ يَزْنونَ معها، إِن لم يَتوبوا مِن فِعالِها، وأَولادُها سأُميتُهم مَوتًا، فتَعلَمُ جَميعُ الكَنائِسِ أَنِّي أَنا الفاحِصُ عن الكُلى والقُلوب، وسأَجْزي كُلَّ واحِدٍ مِنكم على قَدرِ أَعْمالِه. ولٰكِن لَكم أَقول، يا سائِرَ أَهلِ تِياطيرة، الَّذينَ لَيسوا مِن هٰذه العَقيدة، الَّذين لَم يَعرِفوا أَعْماقَ الشَّيطان، كما يَقولون: لا أُلْقي علَيكم عِبْئًا آخَر، ولٰكِن بِما عِندَكم تَمَسَّكوا إِلى أَن آتي. والغالِبُ، ذٰلك الَّذي يُحافِظُ إِلى النِّهايَةِ على أَعْمالي، سأُوليه سُلْطانًا على الأُمَم فيَرْعاها بِعَصًا مِن حَديد كما تُحَطَّمُ آنِيَةٌ مِن خَزَف، كما أَنا أَيضًا تَلَقَّيتُ السُّلْطانَ مِن أَبي، وسأُوليه كَوكَبَ الصُّبح. مَن كانَ لَه أُذُنان، فلْيَسْمَعْ ما يَقولُ الرُّوحُ لِلكَنائِس. وإِلى مَلاكِ الكَنيسَةِ الَّتي بِسَرْديس، اكتُبْ: إِلَيكَ ما يَقولُ صاحِبُ أَرْواحِ اللهِ السَّبعَةِ والكَواكِبِ السَّبعَة: أَنا عالِمٌ بِأَعْمالِكَ. يُطلَقُ علَيكَ ٱسمٌ مَعْناه أَنَّكَ حَيّ، مع أَنَّكَ مَيْت. تَنَبَّهْ وثَبِّتِ البَقِيَّةَ الَّتي أَشرَفَت على المَوت. فإِنِّي لم أَجِدْ أَعْمالَكَ كامِلَةً في عَينِ إِلٰهي. فٱذكُرْ ما تَلَقَّيتَ وسَمِعتَ وٱحفَظْه وتُبْ. فإِن لم تَتَنَبَّهْ أَتَيتُكَ كالسَّارِق، لا تَدْري في أَيَّةِ ساعةٍ أُباغِتُكَ. ولٰكِنَّ عِندَكَ بَعضَ النَّاسِ في سَرْديس لم يُدَنِّسوا ثِيابَهم، فسيُواكِبونني بِالمَلابِسِ البيض، لأَنَّهم أَهلٌ لِذٰلِكَ. فالغالِبُ سيَلبَسُ هٰكذا ثِيابًا بيضًا، ولن أَمحُوَ ٱسمَه مِن سِفْرِ الحَياة، وسأَشهَدُ لِٱسمِه أَمامَ أَبي وأَمامَ مَلائِكَتِه. مَن كانَ لَه أُذُنان، فلْيَسمَعْ ما يَقولُ الرُّوحُ لِلكَنائِس. وإِلى مَلاكِ الكَنيسَةِ الَّتي بِفِيلَدِلفِيَة، اُكْتُبْ: إِلَيكَ ما يَقولُ القُدُّوسُ الحَقّ، مَن عِندَه مِفْتاحُ داوُد، مَن يَفتَحُ فلا أَحَدَ يُغلِق، ويُغلِقُ فلا أَحَدَ يَفتَح: إِنِّي عليمٌ بِأَعْمالِكَ. ها قد جَعَلتُ أَمامَكَ بابًا مَفْتوحًا ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ إِغْلاقَه، لأَنَّكَ على قِلَّةِ قُوَّتِكَ حَفِظتَ كَلِمَتي ولم تُنكِر ٱسْمي. ها إِنِّي أُعْطيكَ أُناسًا مِن مَجمَعِ الشَّيطان، يَقولونَ إِنَّهم يَهود وما هم إِلاَّ كَذَّابون، ها إِنِّي أَجعَلُهم يَأتونَ ويَسجُدونَ عِندَ قَدَمَيكَ ويَعتَرِفونَ بِأَنَّني أَحبَبتُكَ. لقَد حَفِظتَ كلِمَتي بِثَبات، فسأَحفَظُكَ أَنا أَيضًا مِن ساعةِ المِحنَةِ الَّتي ستَنقَضُّ على المَعْمورِ كُلِّه لِتَمتَحِنَ أَهلَ الأَرْض. إِنِّي آتٍ على عَجَل. فتَمَسَّكْ بِما عِندَكَ لِئَلاَّ يَأخُذَ أَحَدٌ إِكْليلَكَ. والغالِبُ سأَجعَلُه عَمودًا في هَيكَلِ إِلٰهي، فلن يَخرُجَ مِنه بَعدَ الآن، وأَنقُشُ فيه ٱسمَ إِلٰهي وٱسمَ مَدينَةِ إِلٰهي أُورَشَليمَ الجَديدَةِ الَّتي تَنزِلُ مِنَ السَّماءِ مِن عِندِ إِلٰهي، وسأَنقُشُ ٱسمِيَ الجَديد. مَن كانَ لَه أُذُنان، فلْيَسمَعْ ما يَقولُ الرُّوحُ لِلكَنائِس. وإِلى مَلاكِ الكَنيسَةِ الَّتي بِاللاَّذِقِيَّة، اُكْتُبْ: إِلَيكَ ما يَقولُ الآمين، الشَّاهِدُ الأَمينُ الصَّادِق، بَدءُ خَليقَةِ الله: أَنا عالِمٌ بِأَعْمالِكَ، فلَستَ باردًا ولا حارًّا. ولَيتَكَ بارِدٌ أَو حارّ! أَمَّا وأَنتَ فاتِر، لا حارٌّ ولا بارِد، فسأَتَقَيَّأُكَ مِن فَمي. فلأَنَّكَ تَقول: أَنا غَنِيٌّ وقدِ ٱغتَنَيتُ فما أَحْتاجُ إِلى شَيء، ولأَنَّكَ لا تَعلَمُ أَنَّكَ شَقِيٌّ بائِسٌ فَقيرٌ أَعْمى عُرْيان، أُشيرُ علَيكَ أَن تَشتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُنَقًّى بِالنَّار لِتَغتَني، وثِيابًا بيضًا لِتَلبَسَها، فلا يَبْدُوَ عارُ عُريَتِكَ، وإِثمِدًا تَكحَلُ بِه عَينَيكَ لِيَعودَ إِلَيكَ النَّظَر. إِنِّي مَن أَحبَبتُه أُوَبِّخُه وأُؤَدِّبُه. فَكُنْ حَمِيًّا وتُبْ. هاءَنَذا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه، فإِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوتي وفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيه وتَعَشَّيتُ معه وتَعَشَّى معي. والغالِبُ سأَهَبُ لَه أَن يَجلِسَ معي على عَرْشي، كما غَلَبتُ أَنا أَيضًا فجَلَستُ مع أَبي على عَرشِه. مَن كانَ لَه أُذُنان، فلْيَسمَعْ ما يَقولُ الرُّوحُ لِلكَنائِس. رأَيتُ بَعدَ ذٰلك بابًا مَفْتوحًا في السَّماء، وإِذا الصَّوتُ الأَوَّلُ الَّذي سَمِعتُه يُخاطِبُني كأَنَّه بوق، يَقول: «إِصعَدْ إِلى هٰهُنا، فسأُريكَ ما لا بُدَّ من حُدوثِه بَعدَ ذٰلك». فٱختَطَفَني الرُّوحُ لِوَقتِه. وإِذا بِعَرشٍ قد نُصِبَ في السَّماء، وعلى العَرشِ قد جَلَسَ واحِدٌ، والجالِسُ على العَرشِ مَنظَرُه أَشبَهُ بِحَجَرِ اليَشْبِ والياقوتِ الأَحمَر، وحَولَ العَرشِ هالَةٌ مَنظَرُها أَشبَهُ بِالزُّمُرُّد، وحَولَ العَرشِ أَربَعَةٌ وعِشْرونَ عَرشًا، وعلى العُروشِ جَلَسَ أَربَعَةٌ وعِشْرونَ شَيخًا يَلبَسونَ ثِيابًا بيضًا وعلى رُؤُوسِهم أَكاليلُ مِن ذَهَب. ومِنَ العَرشِ تَخرُجُ بُروقٌ وأَصْواتٌ ورُعود، وتَتَّقِدُ أَمامَ عَرشِه سَبعَةُ مَصابيحَ مِن نارٍ هي أَرْواحُ اللهِ السَّبعَة. وأَمامَ العَرشِ مِثلُ بَحرٍ شفَّافٍ أَشبَهَ بِالبِلَّور. وفي وَسَطِ العَرشِ وحَولَ العَرشِ أَربَعَةُ أَحْياءٍ رُصِّعَت بِالعُيونِ مِن قُدَّامٍ ومِن خَلْف. فالحَيُّ الأَوَّلُ أَشبَهُ بِالأَسَد، وَالحَيُّ الثَّاني أَشبَهُ بِالعِجْل، وَالحَيُّ الثَّالِثُ لَه وَجهٌ كوَجهِ الإِنْسان، وَالحَيُّ الرَّابِعُ أَشبَهُ بِالعُقابِ الطَّائِر. ولِكُلٍّ مِنَ الأَحْياءِ الأَربَعَةِ سِتَّةُ أَجنِحَةٍ رُصِّعَتْ بِالعُيونِ مِن حَولِها ومِن داخِلِها، وهي لا تَنفَكُّ تَقولُ نَهارًا ولَيلاً: «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوس، الرَّبُّ الإِلٰهُ القَدير، الَّذي كانَ هو كائِنٌ وسيَأتي». وكُلَّما رَفَعَتِ الأَحْياءُ التَّمجيدَ والإِكْرامَ والشُّكرَ إِلى الجالِسِ على العَرشِ، إِلى الحَيِّ أَبَدَ الدُّهور، يَجْثو الأَربَعَةُ والعِشْرونَ شَيخًا أَمامَ الجالِسِ على العَرْش، ويَسجُدونَ لِلحَيِّ أَبَدَ الدُّهور، ويُلقونَ أَكاليلَهم أَمامَ العَرشِ ويَقولون: «أَنتَ أَهلٌ، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُنا، لأَن تَنالَ المَجدَ والإِكرامَ والقُدرَة، لأَنَّكَ خَلَقتَ الأَشياءَ كُلَّها وبِمَشيئَتِكَ كانَت وخُلِقَت». ورَأَيتُ بِيَمينِ الجالِسِ على العَرشِ كِتابًا مَخْطوطًا مِنَ الدَّاخِلِ والخارِج، مَخْتومًا بِسَبعَةِ أَخْتام. ورَأَيتُ مَلاكًا قَوِيًّا يُنادي بِأَعلى صَوتِه: «مَن هو أَهلٌ لِفَتحِ الكِتابِ وفَضِّ أَخْتامِه؟» فما ٱستَطاعَ أَحَدٌ في السَّماءِ ولا في الأَرضِ ولا تَحتَ الأَرضِ أَن يَفتَحَ الكِتابَ ولا أَن يَنظُرَ ما فيه. فجَعَلتُ أَبكي بُكاءً شَديدًا، لأَنَّه لم يوجَدْ أَحَدٌ أَهلاً لأَن يَفتَحَ الكِتابَ ويَنظُرَ ما فيه. فقالَ لي واحِدٌ مِنَ الشُّيوخ: «لا تَبكِ. ها قد غَلَبَ الأَسَدُ مِن سِبطِ يَهوذا، ذُرِّيَّةُ داوُد: فسيَفتَحُ الكِتابَ ويَفُضُّ أَخْتامَه السَّبعَة». ورَأَيتُ بَينَ العَرشِ والأَحْياءِ الأَربَعَةِ وبَينَ الشُّيوخِ حَمَلاً قائِمًا كأَنَّه ذَبيح، لَه سَبعَةُ قُرونٍ وسَبْعُ أَعيُن هي أَرْواحُ اللهِ السَّبعَةُ الَّتي أُرسِلَت إِلى الأَرضِ كُلِّها. فأَتى وأَخَذَ الكِتابَ مِن يَمينِ الجالِسِ على العَرْش. ولَمَّا أَخَذَ الكِتاب، جَثا الأَحْياءُ الأَربَعَةُ والشُّيوخُ الأَربَعَةُ والعِشْرونَ أَمامَ الحَمَل، وكانَ مع كُلِّ واحِدٍ مِنهم كِنَّارَةٌ وأَكْوابٌ مِن ذَهَبٍ مُلِئَت عُطورًا هي صَلَواتُ القِدِّيسين. وكانوا يُرَتِّلونَ نَشيدًا جديدًا فيَقولون: «أَنتَ أَهلٌ لأَن تَأخُذَ الكِتابَ وتَفُضَّ أَخْتامَه، لأَنَّكَ ذُبِحتَ وٱفتَدَيتَ للهِ بِدَمِكَ أُناسًا مِن كُلِّ قَبيلَةٍ ولِسانٍ وشَعبٍ وأُمَّة، وجَعَلتَ مِنهم لإِلٰهِنا مَملَكَةً وكَهَنَةً سيَملِكونَ على الأَرْض». وتَوالَت رُؤيايَ فسَمِعتُ صَوتَ كَثيرٍ مِنَ المَلائِكَةِ حَولَ العَرشِ والأَحْياءِ والشُّيوخ، وكانَ عَدَدُهم رِبْواتِ رِبْوات وأُلوفَ أُلوف، وهم يَصيحون بِأَعْلى أَصْواتِهم: «الحَمَلُ الذَّبيحُ أَهلٌ لأَن يَنالَ القُدرَةَ والغِنى والحِكمَةَ والقُوَّةَ والإِكْرامَ والمَجْدَ والتَّسْبيح». وكُلُّ خَلِيقَةٍ في السَّماءِ وعلى الأَرضِ وتَحتَ الأَرضِ وفي البَحرِ، وكُلُّ ما فيها، سَمِعتُه يَقول: «لِلجالِسِ على العَرشِ ولِلحَمَلِ التَّسْبيحُ والإِكْرامُ والمَجدُ والعِزَّةُ أَبَدَ الدُّهور». وكانَتِ الأَحْياءُ الأَربَعَةُ تَقول: «آمين». وجَثا الشُّيوخُ ساجِدين. وتَوالَت رُؤيايَ فرَأَيتُ الحَمَلَ يَفُضُّ أَوَّلَ الأَخْتامِ السَّبعَة. وسَمِعتُ أَوَّلَ الأَحْياءِ الأَربَعَةِ يَقولُ بِصوتٍ كالرَّعْد: «تَعالَ!». فرَأَيتُ فَرَسًا أَبيَضَ قد ظَهَرَ، وكانَ الرَّاكِبُ علَيه يَحمِلُ قَوسًا، فأُعطِيَ إِكْليلاً فخَرَجَ غالِبًا ولِكَي يَغلِب. ولَمَّا فَضَّ الخَتمَ الثَّاني، سَمِعتُ الحَيَّ الثَّانِيَ يَقول: «تَعال!» فخَرَجَ فَرَسٌ آخَرُ، أَشقَر، وإِلى الرَّاكِبِ علَيه وُكِلَ أَن يَرفَعَ السَّلامَ عنِ الأَرض، فيَذبَحَ النَّاسُ بَعضُهم بَعضًا. فأُعطِيَ سَيفًا كبيرًا. ولَمَّا فَضَّ الخَتمَ الثَّالِث، سَمِعتُ الحَيَّ الثَّالِثَ يَقول: «تَعالَ!» فَرَأيتُ فَرَسًا أَدهَم، وكانَ بِيَدِ الرَّاكِبِ علَيه ميزان. وسَمِعتُ ما يُشبِهُ صَوتًا بَينَ الأَحْياءِ الأَربَعَةِ يَقول: «مِكْيالُ قَمحٍ بِدينار، وثَلاثَةُ مَكاييلِ شَعيرٍ بِدينار، وأَمَّا الزَّيتُ والخَمرُ فلا تُنزِلْ بِهِما ضَرَرًا». ولَمَّا فَضَّ الخَتمَ الرَّابِع، سَمِعتُ الحَيَّ الرَّابِعَ يَقول: «تَعالَ!» فرَأَيتُ فَرَسًا ضارِبًا إِلى الخُضرَة، وٱسمُ الرَّاكِبِ علَيه الطَّاعون، وكانَ مَثْوى الأَمواتِ يَتبَعُه، فأُولِيا السُّلطانَ على رُبعِ الدُّنْيا لِيَقتُلا بِالسَّيفِ والمَجاعَةِ والطَّاعونِ ووُحوشِ الأَرض. ولَمَّا فَضَّ الخَتمَ الخامِس، رَأَيتُ تَحتَ المَذبَحِ نُفوسَ الَّذينَ ذُبِحوا في سَبيلِ كَلِمَةِ اللهِ والشَّهادَةِ الَّتي شَهِدوها. فصاحوا بِأَعْلى أَصْواتِهم: «حَتَّامَ، يا أَيُّها السَّيِّدُ القُدُّوسُ الحَقّ، تُؤَخِّرُ الإِنْصافَ والاِنتِقامَ لِدِمائِنا مِن أَهلِ الأَرض!» فأُعطِيَ كُلٌّ مِنهم حُلَّةً بَيضاء، وأُمِروا بِأَن يَصبِروا وَقتًا قَليلاً إِلى أَن يَتِمَّ عَدَدُ أَصْحابِهم وإِخوَتِهِمِ الَّذينَ سيُقتَلونَ مِثلَهم. وتَوالَت رُؤيايَ فرَأَيتُ الحَمَلَ يَفُضُّ الخَتمَ السَّادِس، فحَدَثَ زِلْزالٌ شَديد وٱسوَدَّتِ الشَّمسُ كمِسْحٍ مِن شَعَر، والقَمَرُ قد صارَ كُلُّه مِثلَ الدَّم، وكَواكِبُ السَّماءِ قد تَساقَطَت إِلى الأَرضِ كما تُساقِطُ التِّينَةُ ثِمارَها الفِجَّة، إِذا هَزَّتها ريحٌ عاصِف، والسَّماءُ قد طُوِيَت طَيَّ السِّفْر، وكُلُّ جَبَلٍ وجَزيرَةٍ قد تَزَعزَعَت، ومُلوكُ الأَرضِ والعُظَماءُ والقُوَّادُ والأَغنِياءُ والأَقوِياءُ وكُلُّ عَبدٍ وحُرٍّ قد تَوارَوا في المَغاوِرِ وفي صُخورِ الجِبال، وهم يَقولونَ لِلجِبالِ والصُّخور: «أُسقُطي علَينا وغَطِّينا عن وَجهِ الجالِسِ على العَرشِ وعن غَضَبِ الحَمَل. فقَد جاءَ اليَومُ العَظيم، يَومُ غَضَبِهما، فمَن يَقْوى على الثَّبات؟». رَأَيتُ بَعدَ ذٰلك أَربَعَةَ مَلائِكَةٍ قائِمينَ على زَوايا الأَرضِ الأَربَع، يَحبِسونَ رِياحَ الأَرضِ الأَربَع لِكَيلا تَهُبَّ ريحٌ مِنها على البَرِّ ولا على البَحرِ ولا على أَيِّ شَجَرَةٍ مِنَ الأَشْجار. ورَأَيتُ مَلاكًا آخَرَ يَطلُعُ مِنَ المَشرِقِ ومعَه خَتمُ اللهِ الحَيّ، فنادى بِصَوتٍ جَهيرٍ المَلائِكَةَ الأَربَعَةَ الَّذينَ وُكِلَ إِلَيهم أَن يُنزِلوا الضَّرَرَ بِالبَرِّ والبَحْر، قال: «لا تُنزِلوا الضَّرَرَ بِالبَرِّ ولا بِالبَحرِ ولا بالشَّجَر، إِلى أَن نَختُمَ عَبيدَ إِلٰهِنا على جِباهِهِم». وسَمِعتُ أَنَّ عَدَدَ المَخْتومينَ مائةٌ وأَربَعَةٌ وأَربَعونَ أَلفًا مِن جَميعِ أَسْباطِ بَني إِسْرائيل. خُتِمَ مِن سِبطِ يَهوذا ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا، ومِن سِبطِ رَأُوبينَ ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا، ومِن سِبطِ جادٍ ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا، ومِن سِبطِ آشِرَ ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا، ومِن سِبطِ نَفْتالِيَ ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا، ومِن سِبطِ مَنَسَّى ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا، ومِن سِبطِ شِمْعونَ ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا، ومِن سِبطِ لاوِيَ ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا، ومِن سِبطِ يَسَّاكَرَ ٱثْنا عَشَرَ أَلْفًا، ومِن سِبطِ زَبولونَ ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا، ومِن سِبطِ يوسُفَ ٱثْنا عَشَرَ أَلفًا، ومِن سِبطِ بَنْيامينَ ٱثنا عَشَرَ أَلفًا. رَأَيتُ بَعدَ ذٰلِكَ جَمعًا كَثيرًا لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يُحصِيَه، مِن كُلِّ أُمَّةٍ وقَبيلَةٍ وشَعبٍ ولِسان، وكانوا قائمينَ أَمامَ العَرشِ وأَمامَ الحَمَل، لابِسينَ حُلَلاً بَيضاء، بِأَيديهم سَعَفُ النَّخلِ، وهم يَصيحونَ بِأَعْلى أَصْواتِهم فيَقولون: «الخَلاصُ لإِلٰهِنا الجالِسِ على العَرشِ ولِلحَمَل!» وكانَ جَميعُ المَلائِكَةِ قائِمينَ حَولَ العَرشِ والشُّيوخِ والأَحْياءِ الأَربَعَة، فسَقَطوا على وُجوهِهم أَمامَ العَرشِ وسَجَدوا للهِ قائِلين: «آمين! لإِلٰهِنا التَّسْبيحُ والمَجدُ والحِكمَةُ والشُّكرُ والإِكْرامُ والقُدرَةُ والقُوَّةُ أَبَدَ الدُّهور آمين!». فخاطَبَني أَحَدُ الشُّيوخِ قال: «هٰؤُلاءِ اللاَّبِسونَ الحُلَلَ البَيضاء، مَن هم ومِن أَينَ أَتَوا؟» فقُلتُ لَه: «يا سَيِّدي، أَنتَ أَعلَم». فقالَ لي: «هٰؤُلاءِ هُمُ الَّذينَ أَتَوا مِنَ الشِّدَّةِ الكُبْرى، وقَد غَسَلوا حُلَلَهم وبَيَّضوها بِدَمِ الحَمَل. لِذٰلك هم أَمامَ عَرشِ اللهِ يَعبُدونَه نَهارًا ولَيلاً في هَيكَلِه، والجالِسُ على العَرشِ يُظَلِّلُهم، فلَن يَجوعوا ولَن يَعطَشوا ولَن تَلفَحَهمُ الشَّمسُ ولا الحَرّ، لأَنَّ الحَمَلَ الَّذي في وَسَطِ العَرشِ سيَرْعاهم وسيَهْديهم إِلى يَنابيعِ ماءِ الحَياة، وسيَمسَحُ اللهُ كُلَّ دَمعَةٍ مِن عُيونِهم». ولَمَّا فَضَّ الخَتمَ السَّابِع، سادَ السَّماءَ سُكوتٌ نَحوَ نِصفِ ساعة. ورَأَيتُ المَلائِكَةَ السَّبعَةَ القائِمينَ بَينَ يَدَيِ اللهِ قد أُعْطوا سَبعَةَ أَبْواق. وجاءَ مَلاكٌ آخَر، فقامَ على المَذبَح ومعَه مِجمَرَةٌ مِن ذَهَب، فأُعطِيَ عُطورًا كَثيرَةً لِيُقَرِّبَها مع صَلَواتِ جَميعِ القِدِّيسينَ على المَذبَحِ الذَّهَبِ الَّذي أَمامَ العَرْش. وتَصاعَدَ مِن يَدِ المَلاكِ دُخانُ العُطورِ مع صَلَواتِ القِدِّيسينَ أَمامَ الله. فأَخَذَ المَلاكُ المِجمَرَةَ فمَلأَها مِن نارِ المَذبَح وأَلْقاها إِلى الأَرض، فحَدَثَت رُعودٌ وأَصْواتٌ وبُروقٌ وزِلْزال. والمَلائِكَةُ السَّبعَةُ أَصحابُ الأَبْواقِ السَّبعَةِ ٱستَعَدُّوا لأَن يَنفُخوا فيها. فنَفَخَ الأَوَّلُ في بوقِه، فكانَ بَرَدٌ ونارٌ يُخالِطُهما دمٌ وأُلقِيا إِلى الأَرْض، فٱحتَرَقَ ثُلثُ الأَرض، وٱحتَرَقَ ثُلثُ الشَّجَر، وٱحتَرَقَ كُلُّ عُشبٍ أَخضَر. ونَفَخَ المَلاكُ الثَّاني في بوقِه، فأُلقِيَ في البَحرِ مِثلُ جَبَلٍ عَظيمٍ مُشتَعِل، فصارَ ثُلثُ البَحرِ دَمًا، وماتَ ثُلثُ الخَلائِقِ الَّتي في البَحْر، وتَلِفَ ثُلثُ السُّفُن. ونَفَخَ المَلاكُ الثَّالِثُ في بوقِه، فهَوى مِنَ السَّماءِ كَوكَبٌ عَظيمٌ يَلتَهِبُ كالمِشعَل، فسَقَطَ على ثُلثِ الأَنْهارِ وعلى يَنابيعِ المِياه. وٱسمُ الكَوكَبِ عَلقَم، فصارَ ثُلثُ المِياهِ عَلقَمًا، وكَثيرٌ مِنَ النَّاسِ ماتوا بالمِياهِ لأَنَّها صارَت مُرَّة. ونَفَخَ المَلاكُ الرَّابِعُ في بوقِه، فأُصيبَ ثُلثُ الشَّمسِ وثُلثُ القَمَرِ وثُلثُ الكَواكِب، حَتَّى أَظلَمَ ثُلثُها ففَقَدَ النَّهارُ ثُلثَ ضِيائِه واللَّيلُ كذٰلك. وتَوالَت رُؤيايَ فسَمِعتُ عُقابًا يَطيرُ في كَبِدِ السَّماء، ويَقولُ بِأَعْلى صَوتِه: «الوَيلُ الوَيلُ الوَيلُ لأَهلِ الأَرضِ مِن سائِرِ أَصْواتِ أَبْواقِ المَلائِكَةِ الثَّلاثَةِ الَّذينَ سيَنفُخونَ فيها!». ونَفَخَ المَلاكُ الخامِسُ في بوقِه، فرَأَيتُ كَوكَبًا مِنَ السَّماءِ قد هَوى إِلى الأَرْض، وأُعطِيَ مِفْتاحَ بِئرِ الهاوِيَة، ففَتَحَ بِئرَ الهاوِيَة، فتَصاعَدَ مِنَ البِئرِ دُخانٌ مِثلُ دُخانِ أَتُّونٍ كَبير، فأَظلَمَتِ الشَّمسُ والجَوُّ مِن دُخانِ البِئْر، ومِنَ الدُّخانِ ٱنتَشَرَ جَرادٌ على الأَرض، وأُولِيَ سُلْطانًا كالسُّلْطانِ الَّذي لِعَقارِبِ الأَرض، وأُمِرَ بِأَلاَّ يُنزِلَ ضَرَرًا بِعُشبِ الأَرضِ ولا بِأَيِّ شَيءٍ أَخضَر ولا بِأَيِّ شَجَرٍ كان، بل بالنَّاسِ الَّذينَ لَيسَ خَتمُ اللهِ على جِباهِهِم، ووُكِلَ إِلَيه، لا أَن يُميتَهم، بل أَن يُعَذِّبَهم خَمسَةَ أَشهُر، ويَكونُ عَذابُهم مِثلَ عَذابِ العَقرَبِ عِندَما تَلسَعُ الإِنْسان. وفي تِلكَ الأَيَّام يَطلُبُ النَّاسُ المَوتَ فلا يَجِدونَه، ويَشتَهونَ أَن يَموتوا فيَهرُبُ المَوتُ مِنهم. ومَنظَرُ الجَرادِ أَشبَهُ بالخَيلِ المُعَدَّةِ لِلحَرْب، وعلى رُؤُوسِه مِثلُ أَكاليلَ مِن ذَهَب، ووُجوهُه كوُجوهِ البَشَر، ولَه شَعَرٌ كَشَعَرِ النِّساء، وأَسْنانُه كأَنْيابِ الأُسود، وكانَ لَه دُروعٌ كدُروعٍ مِن حَديد، وحَفيفُ أَجنِحَتِه كضَجيجِ المَركَباتِ تَجْري بِها طائِفَةٌ مِنَ الخَيلِ إِلى الحَرْب. ولَه أَذْنابٌ أَشبَهُ بِأَذْنابِ العَقارِب لَها حُمات، وفي أَذْنابِه سُلطانٌ على أَن يُنزِلَ الضَّرَرَ بِالنَّاسِ مُدَّةَ خَمسَةِ أَشهُر، وعلى رَأسِه مَلِكٌ هو مَلاكُ الهاوِيَة يُسَمَّى بِالعبرِيَّةِ أَبَدُّون، وٱسمُه بِاليونانِيَّةِ أَبُلِّيون. مَضى الوَيلُ الأَوَّل، وهاهُوَذا وَيلانِ آتِيانِ بَعدَ ذٰلك. ونَفَخَ المَلاكُ السَّادِسُ في بوقِه، فسَمِعتُ صَوتًا قد خَرَجَ مِنَ القُرونِ الأَربَعَةِ لِمَذبَحِ الذَّهَبِ الَّذي في حَضرَةِ الله. فقالَ لِلمَلاكِ السَّادِس، ذٰلِكَ الَّذي يَحمِلُ البوق: «أَطلِقِ المَلائِكَةَ الأَربَعَةَ المُقَيَّدينَ على النَّهرِ الكَبير، نَهرِ الفُرات». فأُطلِقَ المَلائِكَةُ الأَربَعَةُ المُتَأَهِّبونَ لِلسَّاعَةِ واليَومِ والشَّهرِ والسَّنَة، كَي يَقتُلوا ثُلثَ النَّاس. ويَبلُغُ جَيشُ الخَيَّالَةِ مائتَي أَلفِ أَلف، وسَمِعتُ عَدَدَهم. ورَأَيتُ الخَيلَ في الرُّؤيا وفُرْسانَها على هٰذا النَّحْوِ: لَهم دُروعٌ مِن نارٍ وياقوتٍ وكِبْريت، ورُؤُوسُ الخَيلِ كرُؤُوسِ الأُسود، ومِن أَفْواهِها تَخرُجُ نارٌ ودُخانٌ وكِبْريت. فمِن هٰذه النَّكَباتِ الثَّلاثِ ماتَ ثُلثُ النَّاس، ماتوا بِالنَّارِ والدُّخانِ والكِبْريتِ الخارِجِ مِن أَفْواهِها. فإِنَّ سُلْطانَ الخَيلِ في أَفْواهِها وفي أَذْنابِها، لأَنَّ أَذْنابَها أَشبَهُ بِالحَيَّات ولَها رُؤُوسٌ بِها تُنزِلُ الضَّرَر. أَمَّا سائِرُ النَّاس، أُولٰئِكَ الَّذينَ لم يَموتوا مِن هٰذه النَّكَبات، فلَم يَتوبوا مِن أَعْمالِ أَيديهم فيَكُفُّوا عنِ السُّجودِ لِلشَّياطينِ ولأَصْنامٍ مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ ونُحاسٍ وحَجَرٍ وخَشَبٍ لَيسَ بِوُسعِها أَن تَرى وتَسمَعَ وتَمْشي، ولم يَتوبوا مِن أَعْمالِ قَتلِهم ولا سِحرِهم ولا زِناهم ولا سَرِقاتهم. ورَأَيتُ مَلاكًا آخَرَ قَوِيًّا هابِطًا مِنَ السَّماء، مُلتَحِفًا بِغَمامة، وعلى رَأسِه هالَة، ووَجهُه كالشَّمسِ ورِجْلاه كَعَمودَينِ مِن نار، وبِيَدِه كِتابٌ صَغيرٌ مَفْتوح. فوَضَعَ رِجلَه اليُمْنى على البَحرِ واليُسْرى على البَرّ، وصاحَ بِأَعْلى صَوتِه كأَسَدٍ يَزأَر. فلَمَّا صاحَ تَكَلَّمَتِ الرُّعودُ السَّبعَةُ بِأَصْواتِها. ولَمَّا تَكَلَّمَتِ الرُّعودُ السَّبعَة، هَمَمتُ بِأَن أَكتُب، فسَمِعتُ صَوتًا مِنَ السَّماءِ يَقولُ لي: «أُكتُمْ ما تَكَلَّمَت بِه الرُّعودُ السَّبعَة، فلا تَكتُبْه». والمَلاكُ الَّذي رَأَيتُه قائِمًا على البَحرِ والبَرِّ رَفَعَ يَدَه اليُمْنى نَحوَ السَّماء، وأَقسَمَ بِالحَيِّ أَبَدَ الدُّهور، الَّذي خَلَقَ السَّماءَ وما فيها والبَرَّ وما فيه والبَحرَ وما فيه، أَنَّه لا مُهلَةَ بَعدَ الآن. ولٰكِن، في الأَيَّامِ الَّتي سيُسمَعُ فيها المَلاكُ السَّابِعُ عِندَما يَنفُخُ في البوق، يَتِمُّ سِرُّ الله، كما بَشَّرَ بِه عَبيدَه الأَنبِياء. والصَّوتُ الَّذي سَمِعتُه آتِيًا مِنَ السَّماءِ خاطَبَني ثانِيَةً قال: «إِذْهَبْ فخُذِ الكِتابَ المَفْتوحَ بِيَدِ المَلاكِ القائِمِ على البَحرِ والبَرّ» فذَهَبتُ إِلى المَلاكِ فسَأَلتُه أَن يُعطِيَني الكِتابَ الصَّغير، فقالَ لي: «خُذْه فٱبتَلِعْه يَمْلَأْ جَوفَكَ مَرارةً، ولٰكِنَّه سيَكونُ في فَمِكَ حُلوًا كالعَسَل». فأَخَذتُ الكِتابَ الصَّغيرَ مِن يَدِ المَلاكِ فٱبتَلَعْتُه فكانَ في فَمي حُلوًا كالعَسَل، ولَمَّا أَكَلتُه مَلأَ جَوفي مَرارةً. فقيلَ لي: «لا بُدَّ لَكَ مِن أَن تَتَنَبَّأَ أَيضًا عن كَثيرٍ مِنَ الشُّعوبِ والأُمَمِ والأَلسِنَةِ والمُلوك». وأُعْطيتُ قَصَبَةً مِثلَ قَصَبَةِ المَسْح، وقيلَ لي: «قُمْ فقِسْ هَيكَلَ اللهِ والمَذبَحَ والسَّاجِدينَ فيه. أَمَّا الفِناءُ الَّذي في خارِجِ الهَيكَل فدَعْه ولا تَقِسْه لأَنَّه جُعِلَ لِلوَثَنِيِّين، فسيَدوسونَ المَدينَةَ المُقَدَّسَةَ ٱثنَينِ وأَربَعينَ شَهرًا، وسأُخَوِّلُ شاهِدَيَّ أَن يَتَنَبَّآ أَلفَ يَومٍ ومائَتَي يَومٍ وسِتِّينَ وهُما لابِسانِ المِسْح. إِنَّهما الزَّيتونَتانِ والمَنارَتانِ القائِمَةُ في حَضرَةِ رَبِّ الأَرض. فإِذا أَرادَ أَحَدٌ أَن يُنزِلَ بِهما ضَرَرًا، خَرَجَت مِن فَمِهما نارٌ فٱلتَهَمَت أَعْداءَهما. فإِذا أَرادَ أَحَدٌ أَن يُنزِلَ بِهما ضَرَرًا، فهٰكَذا يَجِبُ أَن يَموت. ولَهما سُلطانٌ على إِغْلاقِ السَّماء، فلا يَنزِلُ المَطَرُ في أَيَّامِ نُبوءَتِهما. ولَهما سُلْطانٌ على المِياهِ يُحَوِّلانِها بِه إِلى دَم، ويَضرِبانِ الأَرضَ بِمُختَلِفِ النَّكَباتِ على قَدرِ ما سيَشاؤُون. فإِذا أَتَمَّا شَهادَتَهما، حارَبَهما الوَحشُ الصَّاعِدُ مِنَ الهاوِيَة فغَلَبَهما وقَتَلَهما. وتَبْقى جُثَّتاهما في ساحَةِ المَدينَةِ العَظيمةِ الَّتي تُدْعى، على سَبيلِ الرَّمْزِ، سَدومَ ومِصرَ، وهُناكَ صُلِبَ رَبُّهما. ويَنظُرُ أُناسٌ مِنَ الشُّعوبِ والقَبائِلِ والأَلسِنَةِ والأُمَمِ إِلى جُثَّتَيهما ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ونِصفَ يَوم، ولا يَدَعونَ أَحَدًا يَضَعُ جُثَّتَيهما في القَبْر. ويَشمَتُ بِهما أَهلُ الأَرضِ فيَفرَحونَ ويَتَبادَلونَ الهَدايا، لأَنَّ هٰذَينِ النَّبِيَّينِ أَنزلا بِأَهلِ الأَرضِ عَذابًا شَديدًا. وبَعدَ الأَيَّامِ الثَّلاثَةِ ونِصفِ اليَوم، دَخَلَ فيهما نَفَسُ حَياةٍ مِن عِندِ الله، فوَقَفا على أَقْدامِهما، فنَزَلَ بِالنَّاظِرينَ إِلَيهما خَوفٌ شَديد، وسَمِعا صَوتًا جَهيرًا آتِيًا مِنَ السَّماءِ يَقولُ لَهما: «إِصعَدا إِلى هٰهُنا». فصَعِدا إِلى السَّماءِ في الغَمام، ونَظَرَ إِلَيهما أَعْداؤُهما. وفي تِلكَ السَّاعة، حَدَثَ زِلْزالٌ شَديد فٱنْهارَ عُشرُ المَدينَة، وماتَ في الزِّلْزالِ سَبعَةُ آلافٍ مِنَ النَّاس. وخافَ سائِرُ النَّاسِ فمَجَّدوا إِلٰهَ السَّماء. مَضى الوَيلُ الثَّاني، فهاهُوَذا الوَيلُ الثَّالِثُ آتٍ على عَجَل. ونَفَخَ المَلاكُ السَّابِعُ في بوقِه، فتَعالَت أَصْواتٌ في السَّماءِ تَقول: «صارَ مُلكُ العالَمينَ لِرَبِّنا ولِمَسيحِه. فسَيَملِكُ أَبَدَ الدُّهور». والشُّيوخُ الأَربَعَةُ والعِشْرونَ الجالِسونَ على عُروشِهم بَينَ يَدَيِ اللهِ سَقَطوا على وُجوهِهم وسَجَدوا للهِ قائِلين: «نَشكُرُكَ أَيُّها الرَّبُّ الإِلٰهُ القَدير، الَّذي هو كائِنٌ وكان، لأَنَّكَ أَعمَلتَ قُوَّتَكَ العَظيمَةَ ومَلَكتَ، فغَضِبَتِ الأُمَم. فحَلَّ غَضَبُكَ وحانَ الوَقتُ الَّذي يُدانُ فيه الأَمْوات، فتُكافِئُ عَبيدَكَ الأَنبِياءَ والقِدِّيسينَ والَّذينَ يَتَّقونَ ٱسمَكَ صِغارًا وكِبارًا، وتُبيدُ الَّذين عاثوا في الأَرضِ فَسادًا». فٱنفَتَحَ هَيكَلُ اللهِ في السَّماءِ فبَدا تابوتُ عَهدِه في هَيكَلِه، وحَدَثَت بُروقٌ وأَصْواتٌ ورُعودٌ وزِلْزالٌ وبَرَدٌ شَديد. ثُمَّ ظَهَرَت آيَةٌ عَظيمَةٌ في السَّماء: إِمرَأَةٌ مُلتَحِفَةٌ بِالشَّمْس، والقَمَرُ تَحتَ قَدَمَيها، وعلى رَأسِها إِكْليلٌ مِنِ ٱثنَي عَشَرَ كَوكَبًا، حامِلٌ تَصرُخُ مِن أَلَمِ المَخاض. وظَهَرَت في السَّماءِ آيَةٌ أُخْرى: تِنِّينٌ كَبيرٌ أَشقَر لَه سَبعَةُ رُؤُوسٍ وعَشرَةُ قُرون، وعلى رُؤُوسِه سَبعَةُ تيجان، وذَنَبُه يَجُرُّ ثُلثَ كَواكِبِ السَّماء، فأَلْقاها إِلى الأَرض. ووَقَفَ أَمامَ المَرأَةِ الَّتي توشِكُ أَن تَلِد، حَتَّى إِذا وَضَعَت وَلَدَها ٱبتَلَعَه. فوَضَعَتِ ٱبنًا ذَكَرًا، وهو الَّذي سَوفَ يَرْعى جَميعَ الأُمَمِ بِعَصًا مِن حَديد. وخُطِفَ وَلَدُها إِلى حَضرَةِ اللهِ إِلى عَرشِه، وهَرَبَتِ المَرأَةُ إِلى البَرِّيَّة، حَيثُ أَعَدَّ اللهُ لَها مَكانًا لِتُقاتَ هُناكَ أَلفَ يَومٍ ومائَتَي يَومٍ وسِتِّين. ونَشِبَت حَربٌ في السَّماء، فإِنَّ ميخائيلَ ومَلائِكَتَه حارَبوا التِّنِّين، وحارَبَ التِّنِّينُ ومَلائِكَتُه، فلَم يَقوَ علَيهم، ولا بَقِيَ لَهم مَكانٌ في السَّماء. فأُلقِيَ التِّنِّينُ الكَبير، الحَيَّةُ القَديمة، ذاكَ الَّذي يقالُ لَه إِبْليسُ والشَّيطان، مُضَلِّلُ المَعْمورِ كُلِّه، أُلقِيَ إِلى الأَرضِ وأُلقِيَ معَه مَلائِكَتُه. ثُمَّ سَمِعتُ صَوتًا جَهيرًا في السَّماءِ يَقول: «الآنَ حَصَلَ خَلاصُ إِلٰهِنا وقُدرَتُه ومُلكُه وسُلْطانُ مَسيحِه، فقَد أُلقِيَ مُتَّهِمُ إِخوَتِنا، الَّذي يَتَّهِمُهم نَهارًا ولَيلاً عِندَ إِلٰهِنا. إِنَّهم قد غَلَبوه بِدَمِ الحَمَل وبِكَلِمَةِ شَهادَتِهم، ولَم يُفَضِّلوا حَياتَهم على المَوت. فلِذٰلِكَ ٱفرَحي أَيَّتُها السَّمَوات، وٱفرَحوا يا سُكَّانَها. الوَيلُ لَكما أَيُّها البَرُّ والبَحْر! إِنَّ إِبْليسَ قد هَبَطَ علَيكما، يَستَشيطُ غَيظًا وقد عَلِمَ أَنَّ لَه وَقتًا قَليلاً». ورَأَى التِّنِّينُ أَنَّه قد أُلقِيَ إِلى الأَرض، فطارَدَ المَرأَةَ الَّتي وَضَعَتِ الوَلَدَ الذَّكَر، فأُعطِيَتِ المَرأَةُ جَناحَيِ العُقابِ الكَبيرِ لِتَطيرَ بِهما إِلى البَرِّيَّة، إِلى مَكانِها، فتُقاتُ هُناكَ وَقتًا ووَقتَينِ ونِصفَ وَقت، في مَأمَنٍ مِنَ الحَيَّة، فأَفرَغَتِ الحَيَّةُ مِن فَمِها خَلفَ المَرأَةِ مِثلَ نَهرٍ مِنَ الماء لِيَجرُفَها النَّهر، فأَغاثَتِ الأَرضُ المَرأَة، ففَتَحَتِ الأَرضُ فاها وٱبتَلَعَتِ النَّهرَ الَّذي أَفرَغَه التِّنِّينُ مِن فَمِه، فغَضِبَ التِّنِّينُ على المَرأَة، ومضى يُحارِبُ سائِرَ نَسلِها الَّذينَ يَحفَظونَ وَصايا الله وعِندَهم شَهادَةُ يَسوعَ المسيح. فوَقَفَ على رَملِ البَحْر. ورَأَيتُ وَحشًا خارِجًا مِنَ البَحْر، لَه سَبعَةُ رُؤُوسٍ وعَشرَةُ قُرون، وعلى قُرونِه عَشرَةُ تيجان وعلى رُؤُوسِه ٱسمُ تَجْديف. وكانَ الوَحشُ الَّذي رَأَيتُه أَشبَهَ بِالفَهْد، وقَوائِمُه مِثلُ قَوائِمِ الدُّبّ، وفَمُه مِثلُ فَمِ الأَسَد. فأَولاه التِّنِّينُ قُدرَتَه وعَرشَه وسُلْطانًا عَظيمًا. وكانَ أَحَدُ رُؤُوسِه كأَنَّه ذُبِحَ ذَبحًا مُميتًا. فشُفِيَ جُرحُه المُميت، فتَعَجَّبَتِ الدُّنْيا كُلُّها وتَبِعَتِ الوَحْش. وسَجَدوا لِلتِّنِّينِ لأَنَّه أَولى الوَحشَ السُّلْطان، وسَجَدوا لِلوَحشِ وقالوا: «مَن مِثلُ الوَحْش؟ ومَن يَستَطيعُ مُحارَبَتَه؟» فأُعطِيَ فَمًا يَتَكَلَّمُ بِالكِبْرِياءِ والتَّجْديف، وأُولِيَ سُلْطانًا على العَمَلِ ٱثنَينِ وأَربَعينَ شَهرًا. ففَتَحَ فاه لِلتَّجْديفِ على الله، فجَدَّفَ على ٱسمِه ومَسكِنِه وعلى سُكَّانِ السَّماء. وأُولِيَ أَن يُحارِبَ القِدِّيسينَ ويَغلِبَهم، وأُولِيَ سُلْطانًا على كُلِّ قَبيلَةٍ وشَعبٍ ولِسانٍ وأُمَّة. وسيَسجُدُ لَه أَهلُ الأَرضِ جَميعًا، أُولٰئِكَ الَّذينَ لم تُكتَبْ أَسْماؤُهم مُنذُ إِنْشاءِ العالَمِ في سِفرِ الحَياة، سِفرِ الحَمَلِ الذَّبيح. مَن كانَ لَه أُذُنان، فلْيَسْمَعْ. مَن كُتِبَ علَيه الأَسْر، فإِلى الأَسرِ يَذهَب. ومَن كُتِبَ علَيه أَن يُقتَلَ بِالسَّيفِ فبِالسَّيفِ يُقتَل. هٰذه ساعةُ ثَباتِ القِدِّيسينَ وإِيمانِهم. ورَأَيتُ وَحشًا آخَرَ خارِجًا مِنَ الأَرض، وكانَ لَه قَرْنانِ أَشبَهُ بِقَرنَيِ الحَمَل، ولٰكِنَّه يَتَكَلَّمُ مِثلَ تِنِّين. وكُلُّ سُلْطانِ الوَحشِ الأَوَّلِ يَتَوَلاَّه بِمَحضَرٍ مِنه. فجَعَلَ الأَرضَ وأَهلَها يَسجُدونَ لِلوَحْشِ الأَوَّلِ الَّذي شُفِيَ مِن جُرحِه المُميت، ويأتي بِخَوارِقَ عَظيمَةٍ حتَّى إِنَّه يُنزِلُ نارًا مِنَ السَّماءِ على الأَرضِ بِمَحضَرٍ مِنَ النَّاس، ويُضِلُّ أَهلَ الأَرضِ بِالخَوارِقِ الَّتي أُوتِيَ أَن يُجرِيَها بِمَحضَرٍ مِنَ الوَحْش، ويُشيرُ على أَهلِ الأَرضِ بِأَن يَصنَعوا صورَةً لِلوَحشِ الَّذي جُرِحَ بِالسَّيفِ وظَلَّ حَيًّا. وأُوتِيَ أَن يُعطِيَ صورَةَ الوَحشِ نَفَسًا، حتَّى إِنَّ صورَةَ الوَحشِ تَكَلَّمَت وجَعَلَت جَميعَ الَّذينَ لا يَسجُدونَ لِصورَةِ الوَحشِ يُقتَلون. وجَعَلَ جَميعَ النَّاسِ صِغارًا وكِبارًا، أَغنِياءَ وفُقَراء، أَحْرارًا وعبيدًا، يَسِمونَ يَدَهُمُ اليُمنى أَو جَبهَتَهم فلا يَستَطيعَ أَحَدٌ أَن يَشتَرِيَ أَو يَبيعَ إِلاَّ إِذا كانَت علَيه سِمَةٌ بِٱسمِ الوَحشِ أَو بِعَدَدِ ٱسمِه. هٰذه ساعةُ الحَذاقَة، فمَن كانَ ذَكِيًّا فلْيَحسُبْ عَدَدَ ٱسمِ الوَحْش: إِنَّه عَدَدُ ٱسمِ إِنْسان وعَدَدُه سِتُّمائَةٍ وسِتَّةٌ وسِتُّون. ورَأَيتُ حَمَلاً واقِفًا على جَبَلِ صِهْيون ومعَه مائَةٌ وأَربَعَةٌ وأَربَعونَ أَلفًا كُتِبَ على جِباهِهِمِ ٱسمُه وٱسمُ أَبيه، وسَمِعتُ صَوتًا مِنَ السَّماءِ كَخريرِ مِياهٍ غَزيرَةٍ وكَدَوِيِّ رَعدٍ قاصِف. وكانَ الصَّوتُ الَّذي سَمِعتُه أَشبَهَ بِالصَّوتِ الَّذي يُخرِجُه العازِفونَ بِالكِنَّاراتِ في عَزفِهم بِكِنَّاراتِهم، وكانوا يُرَتِّلونَ نَشيدًا جَديدًا أَمامَ العَرشِ وأَمامَ الأَحْياءِ الأَربَعَةِ والشُّيوخ. ولَم يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَن يَتَعَلَّمَ النَّشيدَ إِلاَّ المائَةُ والأَربَعَةُ والأَربَعونَ أَلفًا الَّذينَ ٱفتُدوا مِنَ الأَرض. هٰؤُلاءِ همُ الَّذينَ لم يَتَنَجَّسوا بِالنِّساء، فهُم أَبْكار. هٰؤُلاءِ همُ الَّذينَ يَتبَعونَ الحَمَلَ أَينَما يَذهَب. هٰؤُلاءِ همُ الَّذينَ ٱفتُدوا مِن بَينِ النَّاسِ باكورةً للهِ والحَمَل، وفي أَفْواهِهم لم يوجَدْ كَذِب، إِنَّهم لا عَيبَ فيهم. ورَأَيتُ مَلاكًا آخَرَ يَطيرُ في كَبِدِ السَّماء، معَه بِشارَةٌ أَبَدِيَّةٌ يُبَشِّرُ بِها المُقيمينَ في الأَرضِ مِن كُلِّ أُمَّةٍ وقَبيلَةٍ ولِسانٍ وشَعْب، فيَقولُ بِأَعْلى صَوتِه: «إِتَّقوا اللهَ ومَجِّدوه، فقَد أَتَت ساعةُ دَينونَتِه، فٱسجُدوا لِمَن خَلَقَ السَّماءَ والبَرَّ والبَحرَ واليَنابيع». وتَبِعَه مَلاكٌ آخَرُ ثانٍ يَقول: «سَقَطَت، سَقَطَت بابِلُ العَظيمة، الَّتي مِن خَمرَةِ سَورَةِ بَغائِها سَقَت جَميعَ الأُمَم». وتَبِعَهما مَلاكٌ آخَرُ ثالِثٌ يَقولُ بِأَعْلى صَوتِه: «مَن سَجَدَ لِلوَحشِ وصورَتِه وتَلَقَّى سِمَةً على جَبهَتِه أَو يَدِه، فسيَشرَبُ هو أَيضًا مِن خَمرَةِ سُخطِ الله، مَسْكوبَةً صِرْفًا في كَأسِ غَضَبِه، ويُعاني العَذابَ في النَّارِ والكِبْريتِ أَمامَ المَلائِكَةِ الأَطْهارِ وأَمامَ الحَمَل. ودُخانُ عَذابِهم يَتَصاعَدُ أَبَدَ الدُّهور، ولا راحَةَ في النَّهارِ واللَّيلِ لِلسَّاجِدينَ لِلوَحشِ وصورَتِه ولِمَن يَتَلَقَّى سِمَةَ الوَحْش. هٰذه ساعَةُ ثَباتِ القِدِّيسينَ الَّذينَ يُحافِظونَ على وَصايا اللهِ والإِيمانِ بِيَسوع». وسَمِعتُ صَوتًا مِنَ السَّماءِ يَقول: «أُكتُبْ: طوبى مُنذُ الآنَ لِلأَمْواتِ الَّذينَ يَموتونَ في الرَّبّ! أَجَل، يَقولُ الرُّوح، فلْيَستَريحوا مِن جُهودِهم، لأَنَّ أَعْمالَهم تَتبَعُهم». ورَأَيتُ غَمامَةً بَيضاء، وعلى الغَمامَةِ جالِسًا مَن هو أَشبَهُ بِٱبنِ إِنْسان، على رَأسِه إِكْليلٌ مِن ذَهَب وبِيَدِه مِنجَلٌ مَسْنون. وخَرَجَ مِنَ الهَيكَلِ مَلاكٌ آخَرُ يَصيحُ صِياحًا عالِيًا بِالجالِسِ على الغَمامة: «أَرسِلْ مِنجَلَكَ وٱحصُدْ، لقَد جاءَت ساعَةُ الحِصاد، فقَد نَضِجَ حِصادُ الأَرض». فأَلْقى الجالِسُ على الغَمامَةِ مِنجَلَه في الأَرضِ فحُصِدَتِ الأَرض. وخَرَجَ مَلاكٌ آخَرُ مِنَ الهَيكَلِ الَّذي في السَّماء، ومَعه هو أَيضًا مِنجَلٌ مَسْنون. وخَرَجَ مِنَ المَذبَحِ مَلاكٌ آخَرُ لَه سُلْطانٌ على النَّار. فصاحَ صِياحًا عالِيًا بِصاحِبِ المِنجَلِ المَسْنون: «أَرسِلْ مِنجَلَكَ المَسْنونَ وٱقطِفْ عَناقيدَ كَرْمِ الأَرض، لأَنَّ عِنَبَها قد نَضِج». فأَلْقى المَلاكُ مِنجَلَه في الأَرض وقَطَفَ كَرْمَ الأَرضِ وأَلْقى العِنَبَ في مَعصَرَةِ سُخطِ الله، المَعصَرَةِ الكَبيرة، فديسَتِ المَعصَرَةُ بِالأَقْدامِ في خارِجِ المَدينة، فخَرَجَ مِنَ المَعصَرَةِ دَمٌ فٱرتَفَعَ حتَّى بَلَغَ لُجُمَ الخَيلِ على مَدى أَلفٍ وسِتِّمائَةِ غَلوَة. ورَأَيتُ آيَةً أُخْرى في السَّماء، عظيمَةً عجيبة: سَبعَةَ مَلائِكَةٍ يَحمِلونَ سَبعَ نَكَبات، وهي الأَخيرَةُ لأَنَّ بِها يَتِمُّ سُخطُ الله. ورَأَيتُ مِثلَ بَحْرٍ مِن بِلَّورٍ مُختَلِطٍ بِالنَّار، والَّذينَ غَلَبوا الوَحشَ وصورَتَه وعَدَدَ ٱسمِه قائِمينَ على بَحرِ البِلَّور، يَحمِلونَ كِنَّاراتِ الله ويُرَتِّلونَ نَشيدَ عَبدِ اللهِ موسى ونَشيدَ الحَمَلِ فيَقولون: «عَظيمَةٌ عَجيبَةٌ أَعْمالُكَ أَيُّها الرَّبُّ الإِلٰهُ القدير، وعَدلٌ وحَقٌّ سُبُلُكَ، يا مَلِكَ الأُمَم. مَن تُراه لا يَخافُ ٱسمَكَ ولا يُمَجِّدُه يا رَبّ؟ فأَنتَ وَحدَكَ قُدُّوس. وستَأتي جَميعُ الأُمَمِ فتَسجُدُ أَمامَكَ، لأَنَّ أَحْكامَكَ قد ظَهَرَت». وتَوالَت بَعدَ ذٰلك رُؤياي، فٱنفَتَحَ هَيكَلُ خَيمَةِ الشَّهادَةِ في السَّماء، فخَرَجَ مِنَ الهَيكَلِ المَلائِكَةُ السَّبعَةُ الَّذينَ يَحمِلونَ النَّكَباتِ السَّبْع، يَلبَسونَ كَتَّانًا خالِصًا بَرَّاقًا ويَشُدُّونَ صُدورَهم بِزَنانيرَ مِن ذَهَب. وناوَلَ أَحَدُ الأَحْياءِ الأَربَعَةِ المَلائِكَةَ السَّبعَةَ سَبعَةَ أَكْوابٍ مِن ذَهَبٍ مُمتَلِئَةٍ مِن سُخْطِ اللهِ الَّذي يَحْيا أَبَدَ الدُّهور. وٱمتَلَأَ الهَيكَلُ دُخانًا مُنبَعِثًا مِن مَجدِ اللهِ وقُدرَتِه، فما ٱستَطاعَ أَحَدٌ أَن يَدخُلَ الهَيكَلَ حتَّى تَتِمَّ النَّكَباتُ السَّبعُ، نَكَباتُ المَلائِكَةِ السَّبعَة. وسَمِعتُ صَوتًا جَهيرًا مِنَ الهَيكَلِ يَقولُ لِلمَلائِكَةِ السَّبعَة: «إِذهَبوا فصُبُّوا أَكْوابَ سُخطِ اللهِ السَّبعَةَ على الأَرض». فذَهَبَ الأَوَّلُ فصَبَّ كوبَه على الأَرض، فأَصابَ قَرحٌ فاسِدٌ خَبيثٌ جَميعَ الَّذينَ علَيهم سِمَةُ الوَحشِ والَّذينَ يَسجُدونَ لِصورَتِه. وصَبَّ الثَّاني كوبَه في البَحر، فصارَ دَمًا كدَمِ مَيت، فماتَت كُلُّ نَفْسٍ حَيَّةٍ هي في البَحْر. وصَبَّ الثَّالِثُ كوبَه في الأَنهُرِ ويَنابيعِ المِياه، فصارَت دَمًا. وسَمِعتُ مَلاكَ المِياهِ يَقول: «عادِلٌ أَنتَ، أَيُّها الَّذي هو كائِنٌ وكان، القُدُّوس، إِذ حَكَمتَ هٰذه الأَحْكام. دَمَ القِدِّيسينَ والأَنبِياءِ سَفَكوا، فدَمًا سَقَيتَهم. إِنَّهم يَستَوجِبونَ ذٰلك». وسَمِعتُ المَذبَحَ يَقول: «أَجَل، أَيُّها الرَّبُّ الإِلٰهُ القَدير، حَقٌّ وعَدلٌ أَحْكامُكَ». وصَبَّ الرَّابِعُ كوبَه على الشَّمْس، فأُولِيَت أَن تُحرِقَ النَّاسَ بِالنَّار. فأُحرِقَ النَّاسُ بِحَرٍّ شَديد، فجَدَّفوا على ٱسمِ اللهِ الَّذي لَه السُّلطانُ على النَّكَباتِ هٰذه، ولم يَتوبوا فيُمَجِّدوه. وصَبَّ الخامِسُ كوبَه على عَرشِ الوَحْش، فأَظلَمَت مَملَكَتُه وأَخَذَ النَّاسُ يَعَضُّونَ أَلسِنَتَهم مِنَ الأَلَم، وجَدَّفوا على إِلٰهِ السَّماءِ لِما أَصابَهم مِنَ الآلامِ والقُروح، ولَم يَتوبوا مِن فِعالهم. وصَبَّ السَّادِسُ كوبَه في النَّهرِ الكَبير، نَهرِ الفُرات، فجَفَّ ماؤُه لِيُعَدَّ الطَّريقُ لِمُلوكِ المَشرِق. ورَأَيتُ ثَلاثَةَ أَرْواحٍ خَبيثَةٍ مِثلِ الضَّفادِعِ خارِجَةً مِن فَمِ التِّنِّينِ ومِن فَمِ الوَحْشِ ومِن فَمِ النَّبِيِّ الكَذَّاب، فهي أَرْواحٌ شَيطانِيَّةٌ تَأتي بِالخَوارِق وتَذهَبُ إِلى مُلوكِ المَعْمورِ كُلِّه تَجمَعُهم لِلحَرْب، في ذٰلك اليَومِ العَظيم، يَومِ اللهِ القَدير. (هاءَنَذا آتٍ كالسَّارِق، فطوبى لِلَّذي يَسهَرُ ويَحفَظُ ثِيابَه لِئَلاَّ يَسيرَ عُرْيانًا فتُرى عَورَتُه). فجَمَعَتهم في المَكانِ الَّذي يُقالُ لَه بِالعِبرِيَّةِ هَرمَجِدُّون. وصَبَّ السَّابِعُ كوبَه في الجَوّ، فخَرَجَ مِنَ الهَيكَلِ صَوتٌ جَهيرٌ أَتى مِن عِندِ العَرشِ وكانَ يَقول: «قُضِيَ الأَمر!» وحَدَثَت بُروقٌ وأَصْواتٌ ورُعود، وحَدَثَ زِلْزالٌ شَديدٌ لم يَحدُثْ مِثلُه بِهٰذه الشِّدَّةِ مُنذُ ما وُجِدَ الإِنسانُ على الأَرض. وصارَتِ المَدينَةُ العَظيمَةُ ثَلاثَةَ أَقْسام وٱنْهارَت مُدُنُ الأُمَم. وذَكَرَ اللهُ بابِلَ العَظيمَةَ لِيُناوِلَها كأسَ خَمرَةِ سَورَةِ غَضَبِه. وهَرَبَت كُلُّ جَزيرَةٍ وتَوارَتِ الجِبال، وتَساقَطَ مِنَ السَّماءِ على النَّاسِ بَرَدٌ كَبيرٌ بِمِثْقالِ وَزنَة، فجَدَّفَ النَّاسُ على اللهِ لِنَكبَةِ البَرَد، لأَنَّ نَكبَتَه كانَت شَديدةً جِدًّا. فجاءَ أَحَدُ المَلائِكَةِ السَّبعَةِ أَصْحابِ الأَكْوابِ السَّبْعَة، وقالَ لي: «تَعالَ، أُرِكَ دَينونَةَ البَغِيِّ المُشَهَّرَةِ القائِمَةِ على جانِبِ المِياهِ الغَزيرة. بِها زَنى مُلوكُ الأَرض، وسَكِرَ أَهلُ الأَرضِ مِن خَمْرَةِ بِغائِها». فحَمَلَني بِالرُّوحِ إِلى البَرِّيَّة، فرَأَيتُ ٱمرَأَةً راكِبَةً على وَحشٍ قِرمِزِيٍّ مُغَشًّى بِأَسْماءِ تَجْديف، لَه سَبعَةُ رُؤُوسٍ وعَشرَةُ قُرون. وكانَتِ المَرأَةُ لابِسَةً أُرجُوانًا وقِرمِزًا، مُتَحَلِّيَةً بِالذَّهَبِ والحَجَرِ الكَريمِ واللُّؤلُؤ، بِيَدِها كَأسٌ مِن ذَهَبٍ مُمتَلِئَةٌ بِالقَبائِحِ ونَجاساتِ بِغائِها، وعلى جَبينِها ٱسمٌ مَكْتوبٌ فيه سِرّ: والِٱسمُ بابِلُ العَظيمة، أُمُّ بَغايا الأَرضِ وقَبائِحِها. ورَأَيتُ المَرأَةَ سَكْرى مِن دَمِ القِدِّيسينَ ومِن دَمِ شُهَداءِ يسوع. فعَجِبتُ مِن رُؤيَتِها أَشَدَّ العَجَب. فقالَ لِيَ المَلاك: «لِمَ عَجِبتَ؟ إِنِّي سأَقولُ لَكَ سِرَّ المَرأَةِ والوَحشِ الَّذي يَحمِلُها، صاحِبِ الرُّؤُوسِ السَّبعَةِ والقُرونِ العَشرَة. «الوَحْشُ الَّذي رَأَيتَه كانَ ولٰكِنَّه زالَ عنِ الوجود. سيَخرُجُ مِنَ الهاوِيَةِ ويَمْضي إِلى الهَلاك. وأَهْلُ الأَرضِ الَّذينَ لم يُكتَبِ ٱسمُهم في سِفرِ الحَياةِ مُنذُ إِنْشاءِ العالَمِ سيَعجَبونَ إِذ يَرَونَ الوَحش، لأَنَّه كانَ وزالَ عنِ الوُجود، ثُمَّ يَعود. هٰذه ساعَةُ الفِطنَةِ والحَذاقَة، فالرُّؤُوسُ السَّبعَةُ هي التِّلالُ السَّبعَةُ الَّتي علَيها تَقومُ المَرأَة. «وهي سَبعَةُ مُلوك: الخَمسَةُ سَقَطوا وواحِدٌ لا يَزالُ في الوُجود، والآخَرُ لم يَأتِ بَعد. وعِندَما يَأتي، فسَيَبْقى وَقتًا قَليلاً. والوَحشُ الَّذي كانَ ثُمَّ زالَ عنِ الوُجودِ فهو الثَّامِن، مع أَنَّه مِنَ السَّبعَة، ويَمْضي إِلى الهَلاك. والقُرونُ العَشرَةُ الَّتي رَأَيتَها هي عَشرَةُ مُلوك، لم يَنالوا المُلكَ بَعد، ولٰكِنَّهم سيَنالونَ السُّلطانَ ويَصيرونَ مُلوكًا مع الوَحشِ ساعةً واحِدة. هٰؤُلاءِ مُتَّفِقونَ على أَن يولوا الوَحشَ قُدرَتَهم وسُلْطانَهم. هٰؤُلاءِ سيُحارِبونَ الحَمَل، والحَمَلُ يَغلِبُهم لأَنَّه رَبُّ الأَرْبابِ ومَلِكُ المُلوك، ويَغلِبُ الَّذينَ معه، المَدعُوُّونَ المُخْتارونَ الأُمَناء». وقالَ لي: «المِياهُ الَّتي رَأَيتَها، حَيثُ تُقيمُ البَغِيّ، هي شُعوبٌ وجَماعاتٌ وأُمَمٌ وأَلسِنَة. والقُرونُ العَشرَةُ الَّتي رَأَيتَها والوَحشُ ستُبغِضُ البَغِيَّ وتَجعَلُها مَهْجورَةً عارِيَة، وتَأكُلُ لُحْمانَها وتُحرِقُها بِالنَّار، لأَنَّ اللهَ أَلْقى في قُلوبِها أَن تُنَفِّذَ قَضاءَه وأَن تَتَّفِقَ فتولِيَ الوَحشَ مُلكَها إِلى أَن تَتِمَّ كَلِماتُ الله. والمَرأَةُ الَّتي رَأَيتَها هي المَدينَةُ العَظيمةُ الَّتي لَها المُلكُ على مُلوكِ الأَرض. رَأَيتُ بَعدَ ذٰلك مَلاكًا آخَرَ هابِطًا مِنَ السَّماء، لَه سُلطانٌ عَظيم، فٱستَنارَتِ الأَرضُ مِن بَهائِه. فصاحَ بِصَوتٍ شَديد: «سَقَطَت، سَقَطَت بابِلُ العَظيمة! وصارَت مَسكِنًا لِلشَّياطين، ومَأوًى لِكُلِّ روحٍ نَجِس، ومَأوًى لِكُلِّ طائِرٍ نَجِس، ومَأوًى لِكُلِّ وَحشٍ نَجِسٍ مَمْقوت، فمِن خَمرَةِ سَورَةِ بَغائِها شرِبَت جَميعُ الأُمَم، ومُلوكُ الأَرضِ زَنَوا بِها، وتُجَّارُ الأَرضِ ٱغتَنَوا مِن فَرطِ تَرَفِها». وسَمِعتُ صَوتًا آخَرَ مِنَ السَّماءِ يَقول: «أُخرُجوا مِنها، يا شَعْبي، لِئَلاَّ تُشارِكوا في خَطاياها فتُصيبَكم نَكبَةٌ مِن نَكَباتِها، لأَنَّ خَطاياها تَراكَمَت حَتَّى السَّماء، فذَكَرَ اللهُ آثامَها. جازوها على قَدرِ ما قَدَّمَت، وضاعِفوا لَها جَزاءَ فِعالِها وضاعِفوا لَها المَزجَ في الكَأسِ الَّتي مَزَجَتها، وعلى قَدرِ ما مَجَّدَت نَفسَها وأَترَفَت، أَنزِلوا بِها عَذابًا وحُزنًا. قالَت في قَلبِها: «إِنِّي مَلِكَةٌ على العَرْش، لَستُ بِأَرمَلَة، ولن أَعرِفَ حُزنًا». لِذٰلك، في يَومٍ واحِدٍ ستُصيبُها نَكَباتُها مِن مَوتٍ وحُزنٍ وجوع، وتَحتَرِقُ بِالنَّار، لأَنَّه قَديرٌ الرَّبُّ الإِلٰهُ الَّذي دانَها». سيَبْكي ويَنحَبُ علَيها مُلوكُ الأَرضِ الَّذينَ زَنَوا بِها وأَترَفوا معها، حينَ يَرَونَ دُخانَ لَهيبِها، وعلى بُعدٍ يَقِفونَ خَوفًا مِن عَذابِها ويَقولون: «يا وَيلَتاه! يا وَيلَتاه! أَيَّتُها المَدينَةُ العَظيمة! بابِلُ المَدينَةُ القَوِيَّة، لأَنَّه في ساعةٍ واحِدةٍ أَتى الحُكمُ علَيكِ». وتُجَّارُ الأَرضِ يَبْكونَ ويَحزَنونَ علَيها، لأَنَّ بِضاعَتَهم لن يَشتَرِيَها أَحَد. بِضاعَةٌ مِن ذَهَبٍ وفِضَّة وحَجَرٍ كَريمٍ ولُؤلُؤ وكَتَّانٍ ناعِمٍ وأُرجُوان وحَريرٍ وقِرمِز ومُختَلِفِ أَنْواعِ العودِ وأَدَواتِ العاج، وخَشَبٍ ثَمينٍ ونُحاس وحَديدٍ ورُخام وقِرفَةٍ وقاقِلَّة وعِطرٍ ومُرٍّ وبَخور وخَمرٍ وزَيت ودَقيقٍ وقَمْح ومَواشٍ وغَنَم وخَيلٍ ومَركَبات وعَبيدٍ ونُفوسٍ بَشَرِيَّة. والفاكِهَةُ الَّتي تَشتَهيها نَفسُكِ ذَهَبَت عَنكِ، وكُلُّ تَرَفٍ وبَهاءٍ فاتَكِ فلَن تَجِديهما. تُجَّارُ تِلكَ البِضاعَةِ الَّذينَ يَغتَنون سيَقِفونَ على بُعدٍ مِنها خَوفًا مِن عَذابِها، فيَبْكونَ ويَحزَنونَ ويَقولون: «يا وَيلَتاه! يا وَيلَتاه! أَيَّتُها المَدينَةُ العظيمةُ اللاَّبِسَةُ الكَتَّانَ النَّاعِمَ والأُرجُوانَ والقِرمِز، المُتَحَلِّيَةُ بِالذَّهَبِ والحَجَرِ الكَريمِ واللُّؤلُؤ، في ساعَةٍ واحِدَةٍ دُمِّرَ كُلُّ هٰذا الغِنى». جَميعُ الرَّبابِنَةِ وجَميعُ بَحَّارَةِ السَّواحِل والمَلاَّحونَ وجَميعُ الَّذينَ يَرتَزِقونَ في البَحرِ وَقَفوا على بُعدٍ وصَرَخوا، وهم يَنظُرونَ إِلى دُخانِ لَهيبِها، فقالوا: «أَيَّةُ مَدينَةٍ أَشبَهُ بِالمَدينَةِ العَظيمة؟» وذَرُّوا التُّرابَ على رُؤُوسِهم وأَخَذوا يَصرُخونَ باكينَ مَحْزونين، فيَقولون: «يا وَيلَتاه! يا وَيلَتاه! أَيَّتُها المَدينَةُ العَظيمة! إِنَّ جَميعَ أَصْحابِ السُّفُنِ في البَحرِ قدِ ٱغتَنَوا مِن ثَروَتِها. في ساعَةٍ واحِدَةٍ دُمِّرَت. إِشمَتي بِها يا سَماء، واشمَتوا أَيُّها القِدِّيسونَ والرُّسُلُ والأَنبِياء، لأَنَّ اللهَ دانَها فأَنصَفَكم مِنها». وتَناوَلَ مَلاكٌ قَوِيٌّ حَجَرًا مِثلَ رَحًى كَبيرة، فأَلْقاه في البَحرِ وقال: «بِمِثلِ هٰذا العُنفِ ستُلْقى بابِلُ المَدينَةُ العَظيمة، ولَن يَكونَ لَها وُجودٌ بَعدَ ذٰلك. وصَوتُ العازِفينَ بالكِنَّارة، والمُغَنِّينَ والزَّمَّارين، والنَّافِخينِ في الأَبْواق، لن يُسمَعَ فيكِ. ولَن يوجَدَ فيكِ أَيُّ صانِع، ولَن تُسمَعَ فيكِ جَعجَعَةُ رَحًى، ولَن يُضيءَ فِيكِ نورُ سِراج، ولَن يُسمَعَ فيكِ صَوتُ عَريسٍ وعَروس، لأَنَّ تُجَّارَكِ كانوا عُظَماءَ الأَرض، فبِسِحرِكِ ضُلِّلَت جَميعُ الأُمَم. وفيكِ وُجِدَ دَمُ الأَنبِياءِ والقِدِّيسين، وجَميعُ الَّذينَ ذُبِحوا في الأَرض». سَمِعتُ بَعدَ ذٰلِكَ مِثلَ صَوتٍ عَظيمٍ لِجَمعٍ كَثيرٍ في السَّماءِ يَقول: «هَلِّلويا! الخَلاصُ والمَجدُ والقُدرَةُ لإِلٰهِنا، فحَقٌّ وعَدلٌ أَحْكامُه. دانَ البَغِيَّ المُشَهَّرةَ الَّتي أَفسَدَتِ الأَرضَ بِبِغائِها، وٱنتَقَمَ مِنها لِدَمِ عَبيدِه». وقالوا مَرَّةً ثانِيَة: «هَلِّلويا! فإِنَّ دُخانَها يَتَصاعَدُ أَبَدَ الدُّهور». فجَثا الشُّيوخُ الأَربَعَةُ والعِشْرونَ والأَحْياءُ الأَربَعَةُ ساجِدينَ للهِ الجالِسِ على العَرشِ وقالوا: «آمين! هَلِّلويا!» وخَرَجَ مِنَ العَرشِ صَوتٌ يَقول: «سَبِّحوا إِلٰهَنا، يا جَميعَ عَبيدِه والَّذينَ يَتَّقونَه مِن صِغارٍ وكِبار». وسَمِعتُ مِثلَ صَوتِ جَمعٍ كَثير ومِثلَ خَريرِ مِياهٍ غَزيرة ومِثلَ دَوِيِّ رُعودٍ شَديدةٍ يَقول: «هَلِّلويا! لأَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَنا القَديرَ قد مَلَك. لِنَفرَحْ ونَبتَهِجْ! ولْنُمَجِّدِ الله، فقَد حانَ عُرسُ الحَمَل، وعَروسُه قد تَزَيَّنَت وخُوِّلَت أَن تَلبَسَ كَتَّانًا بَرَّاقًا خالِصًا». فإِنَّ الكَتَّانَ النَّاعِمَ هو أَعْمالُ البِرِّ الَّتي يَقومُ بِها القِدِّيسون. وقالَ لِيَ المَلاك: «أُكتُبْ: طوبى لِلمَدعُوِّينَ إِلى وَليمَةِ عُرسِ الحَمَل». وقالَ لي: «هٰذا الكَلامُ كَلامُ اللهِ حَقّ». فٱرتَمَيتُ عِندَ قَدَمَيه لأَسجُدَ لَه، فقالَ لي: «إِيَّاكَ أَن تَفعَل. إِنِّي عَبدٌ مِثلُكَ ومِثلُ إِخوَتِكَ الَّذينَ عِندَهم شَهادَةُ يَسوع: فلِلَّهِ ٱسجُدْ، لأَنَّ شَهادَةَ يَسوعَ هي روحُ النُّبوءَة». ورَأَيتُ السَّماءَ مَفْتوحة، وإِذا فَرَسٌ أَبيَضُ يُدْعى فارِسُه الأَمينَ الصَّادِق، وبِالعَدلِ يَقْضي ويُحارِب. عَيناه كَلَهَبِ النَّار، وعلى رَأسِه أَكاليلُ كَثيرة، لَه ٱسمٌ مَكْتوبٌ ما مِن أَحَدٍ يَعرِفُه إِلاَّ هو. ويَلبَسُ رِداءً مُخَضَّبًا بِالدَّم، وٱسمُه كَلِمَةُ الله. وكانَت تَتبَعُه على خَيلٍ بيضٍ جُيوشُ السَّماءِ لابِسَةً كَتَّانًا ناعِمًا أَبيَضَ خالِصًا، ومِن فَمِه يَخرُجُ سَيفٌ مُرهَفٌ لِيَضرِبَ بِه الأُمَم. وإِنَّه سيَرْعاها بِعَصًا مِن حَديد، ويَدوسُ في مَعصَرَةِ خَمرَةِ سَورَةِ غَضَبِ اللهِ القَدير. وعلى رِدائِه وعلى فَخذِه ٱسمٌ مَكْتوب: مَلِكُ المُلوكِ ورَبُّ الأَرْباب. ورَأَيتُ مَلاكًا قائِمًا على الشَّمْس، فأَخَذَ يَصيحُ بِصَوتٍ جَهيرٍ فيَقولُ لِجَميعِ الطُّيورِ الطَّائِرَةِ في كَبِدِ السَّماء: «تَعالَي فٱجتَمِعي في مَأدُبَةِ اللهِ الكُبْرى، تأكُلي لُحْمانَ المُلوكِ ولُحْمانَ القُوَّادِ ولُحْمانَ الأَقوِياء ولُحْمانَ الخَيلِ وفُرْسانِها ولُحْمانَ جَميعِ النَّاس، مِن أَحْرارٍ وعَبيدٍ وصِغارٍ وكِبار». ورَأَيتُ الوَحشَ ومُلوكَ الأَرضِ وجُيوشَهم مُحتَشِدَةً لِيُحارِبوا الفارِسَ وجَيشَه. فٱعتُقِلَ الوَحشُ وٱعتُقِلَ معَه النَّبِيُّ الكَذَّابُ الَّذي أَتى بِالخَوارِقِ أَمامَ الوَحْش، وبِها أَضَلَّ الَّذينَ تَلَقَّوا سِمَةَ الوَحشِ وسَجَدوا لِصورَتِه. فأُلقِيَ كِلاهُما حَيَّينِ في مُستَنقَعٍ مِن نارٍ وكِبْريتٍ مُتَّقِد. وقُتِلَ الباقونَ بِالسَّيفِ الخارِجِ مِن فَمِ الفارِس، فشَبِعَتِ الطُّيورُ كُلُّها مِن لُحْمانِهم. ورَأَيتُ مَلاكًا هابِطًا مِنَ السَّماء، بِيَدِه مِفْتاحُ الهاوِيَةِ وسِلسِلَةٌ كَبيرة، فأَمسَكَ التِّنِّينَ الحَيَّةَ القَديمة، وهي إِبْليسُ والشَّيطان، فأَوثَقَه لأَلفِ سَنَة وأَلْقاه في الهاوِيَة، ثُمَّ أَقفَلَ علَيه وخَتَم، لِئَلاَّ يُضِلَّ الأُمَم، حتَّى تَنقَضِيَ أَلفُ السَّنَة، ولا بُدَّ لَه بَعدَ ذٰلك مِن أَن يُطلَقَ قَليلاً مِنَ الوَقْت. ورَأَيتُ عُروشًا فجَلَسَ أُناسٌ علَيها وعُهِدَ إِلَيهم في القَضاء. ورَأَيتُ نُفوسَ الَّذينَ ضُرِبَت أَعْناقُهم مِن أَجلِ شَهادَةِ يَسوعَ وكَلِمَةِ الله، والَّذينَ لم يَسجُدوا لِلوَحْشِ ولا لِصورَتِه ولم يَتَلَقَّوا السِّمَةَ على جِباهِهم ولا على أَيديهم قد عادوا إِلى الحَياة، ومَلَكوا مع المَسيحِ أَلفَ سَنَة. أَمَّا سائِرُ الأَموات فلَم يَعودوا إِلى الحَياةِ قَبلَ ٱنقِضاءِ أَلفِ السَّنَة. هٰذه هي القِيامَةُ الأُولى. سَعيدٌ قِدِّيسٌ مَن كانَ لَه نَصيبٌ في القِيامَةِ الأُولى، فعَلى هٰؤُلاءِ لَيسَ لِلمَوتِ الثَّاني مِن سُلْطان، بل يَكونونَ كَهَنَةَ اللهِ والمَسيح، ويَملِكونَ معَه أَلفَ السَّنَة. فإِذا ٱنقَضَت أَلفُ السَّنَة، يُطلَقُ الشَّيطانُ مِن سِجنِه، فيَسْعى في إِضْلالِ الأُمَمِ الَّتي في زَوايا الأَرضِ الأَربَع، أَي ياجوجَ وماجوجَ، فيَجمَعُهم لِلحَرْب، وعَدَدُهم عَدَدُ رَملِ البَحْر. فصَعِدوا رَحبَةَ البَلَد وأَحاطوا بِمُعَسكَرِ القِدِّيسينَ وبِالمَدينَةِ المَحْبوبَة، فنَزَلَت نارٌ مِنَ السَّماءِ فٱلتَهَمَتهم. وإِبْليسُ الَّذي يُضِلُّهم أُلقِيَ في مُستَنقَعِ النَّارِ والكِبْريت، حَيثُ الوَحشُ والنَّبِيُّ الكَذَّاب، وسيُعانونَ العَذابَ نَهارًا ولَيلاً أَبَدَ الدُّهور. ورَأَيتُ عَرشًا عَظيمًا أَبيَضَ والجالِسَ علَيه. فمِن وَجهِه هَرَبَتِ الأَرضُ والسَّماء ولم يَبقَ لَهما أَثَر. ورَأَيتُ الأَمواتَ كِبارًا وصِغارًا قائِمينَ أَمامَ العَرْش. وفُتِحَت كُتُبٌ، وفُتِحَ كِتابٌ آخَرُ هو سِفرُ الحَياة، فحوكِمَ الأَمواتُ وَفقًا لِما دُوِّنَ في الكُتُب، على قَدرِ أَعْمالِهم. وقَذَفَ البَحرُ الأَمواتَ الَّذين فيه، وقَذَفَ المَوتُ ومَثْوى الأَمْواتِ ما فيهما مِنَ الأَموات. فحوكِمَ كُلُّ واحِدٍ على قَدرِ أَعْمالِه. وأُلقِيَ المَوتُ ومَثْوى الأَمواتِ في مُستَنقَعِ النَّار. هٰذا هو المَوتُ الثَّاني: مُستَنقَعُ النَّار. ومَن لم يوجَدْ مَكْتوبًا في سِفرِ الحَياة أُلقِيَ في مُستَنقَعِ النَّار. ورَأَيتُ سَماءً جَديدةً وأَرضًا جَديدة، لأَنَّ السَّماءَ الأُولى والأَرضَ الأُولى قد زالَتا، ولِلبَحرِ لم يَبقَ وُجود. ورَأَيتُ المَدينَةَ المُقَدَّسة، أُورَشَليمَ الجَديدة، نازِلَةً مِنَ السَّماءِ مِن عِندِ الله، مُهَيَّأَةً مِثلَ عَروسٍ مُزَيَّنَةٍ لِعَريسِها. وسَمِعتُ صَوتًا جَهيرًا مِنَ العَرشِ يَقول: «هُوَذا مَسكِنُ اللهِ مع النَّاس، فسَيَسكُنُ معهم وهم سيَكونونَ شُعوبَه وهو سيَكونُ «اللهُ معَهم». وسيَمسَحُ كُلَّ دَمعَةٍ مِن عُيونِهم. ولِلمَوت لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآن، ولا لِلحُزنِ ولا لِلصُّراخِ ولا لِلأَلَمِ لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآن، لأَنَّ العالَمَ القَديمَ قد زال». وقالَ الجالِسُ على العَرْش: «هاءَنَذا أَجعَلُ كُلَّ شَيءٍ جَديدًا». وقال: «أُكتُبْ: هٰذا الكَلامُ صِدقٌ وحَقّ». وقالَ لي: «قُضِيَ الأَمْر. أَنا الأَلِفُ والياء، البِدايَةُ والنِّهايَة. إِنِّي سأُعْطي العَطْشانَ مِن يَنبوعِ ماءِ الحَياةِ مَجَّانًا. إِنَّ الغالِبَ سيَرِثُ ذٰلِكَ النَّصيب، وسأَكونُ لَه إِلٰهًا، وهو سيَكونُ لِيَ ٱبنًا. أَمَّا الجُبَناءُ وغَيرُ المُؤمِنينَ والأَوغادُ والقَتَلَة والزُّناةُ والسَّحَرَةُ وعَبَدَةُ الأَوثانِ وجَميعُ الكَذَّابين، فنَصيبُهم في المُستَنقَعِ المُتَّقِدِ بِالنَّارِ والكِبْريت: إِنَّه المَوتُ الثَّاني». وجاءَ أَحَدُ المَلائِكَةِ السَّبعَة، أَصْحابِ الأَكْوابِ السَّبعَةِ المُمتَلِئَةِ بِالنَّكَباتِ السَّبعِ الأَخيرة، فخاطَبَني قال: «تَعالَ أُرِكَ العَروسَ ٱمرَأَةَ الحَمَل». فحَمَلَني بِالرُّوحِ إِلى جَبَلٍ عَظيمٍ عالٍ وأَرانِيَ المَدينَةَ المُقَدَّسَةَ أُورَشَليم نازِلَةً مِنَ السَّماءِ مِن عِندِ الله، وعلَيها مَجدُ الله. ولألاؤُها أَشبَهُ بِلألاءِ أَكرَمِ الحِجارة، كأَنَّها حَجَرُ يَشبٍ بِلَّورِيّ، ولَها سورٌ عَظيمٌ عالٍ، ولَها ٱثْنا عَشَرَ بابًا، وعلى الأَبْوابِ ٱثْنا عَشَرَ مَلاكًا، وفيها أَسْماءٌ مَكْتوبَةٌ هي أَسْماءُ أَسباطِ بَني إِسْرائيلَ الِٱثنَي عَشَر. مِن جِهَةِ الشَّرقِ أَبْوابٌ ثَلاثَة، ومِن جِهَةِ الشَّمالِ أَبْوابٌ ثَلاثَة، ومِن جِهَةِ الجَنوبِ أَبْوابٌ ثَلاثَة، ومِن جِهَةِ الغَربِ أَبْوابٌ ثَلاثَة. وسورُ المَدينَةِ لَه ٱثْنا عَشَرَ أَساسًا، علَيها الأَسماءُ الِٱثْنا عَشَرَ لِرُسُلِ الحَمَلِ الِٱثْنَي عَشَر. وكانَ مع الَّذي يُخاطِبُني مِقْياسٌ هو قَصَبَةٌ مِن ذَهَبٍ لِيَقيسَ المَدينَةَ وأَبْوابَها وسورَها. والمَدينَةُ مُرَبَّعَةٌ طولُها يُساوي عَرضَها. فقاسَ المَدينَةَ بِالقَصَبة، فإِذا هي ٱثْنا عَشَرَ أَلفَ غَلوَة، طولُها وعَرضُها وعُلُوُّها سَواء. وقاسَ سورَها، فإِذا هو مائَةٌ وأَربَعٌ وأَربَعونَ ذِراعًا، بِمِقْياسِ النَّاس، أَي مِقْياسِ المَلاك. وكانَ سورُ المَدينَةِ مَبنِيًّا بِاليَشْب، والمَدينَةُ ذَهَبٌ خالِصٌ أَشبَهُ بِالزُّجاجِ الصَّافي، وأُسُسُ سورِ المَدينَةِ مُرَصَّعَةٌ بِكُلِّ حَجَرٍ كَريم. الأَساسُ الأَوَّلُ يَشْب، والثَّاني لازَوَرْد، والثَّالِثُ حَجَرُ يَمان، والرَّابِعُ زُمُرُّد، والخامِسُ يَشبٌ قاتِم، والسَّادِسُ ياقوتٌ أَحمَر، والسَّابِعُ زَبَرجَد، والثَّامِنُ جَزْع، والتَّاسِعُ ياقوتٌ أَصفَر، والعاشِرُ ياقوتٌ أَخضَرُ ضارِبٌ إِلى البَياض، والحادي عَشَرَ ياقوتٌ أَصفَرُ ضارِبٌ إِلى الحُمرَة، والثَّاني عَشَرَ جَمَشْت. والأَبْوابُ الِٱثْنا عَشَرَ هي ٱثْنَتا عَشرَةَ لُؤلُؤَة، كُلُّ بابٍ مِنَ الأَبْوابِ لُؤلُؤَة. وساحَةُ المَدينَةِ ذَهَبٌ خالِصٌ مِثلُ زُجاجٍ شَفَّاف. ولَم أَرَ فيها هَيكَلاً، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلٰهَ القَديرَ هو هَيكَلُها، وكذٰلك الحَمَل. والمَدينَةُ لا تَحْتاجُ إِلى الشَّمسِ ولا إِلى القَمَرِ ليُضيئا لَها، لأَنَّ مَجدَ اللهِ أَضاءَها، وسِراجُها هو الحَمَل. وستَمْشي الأُمَمُ في نورِها، ومُلوكُ الأَرضِ سيَحمِلونَ إِلَيها مَجدَهم. أَبْوابُها لن تُقفَلَ في أَيَّامِها، لأَنَّه لن يَكونَ لَيلٌ هُناك. وسيَحمِلونَ إِلَيها مَجدَ الأُمَمِ وشَرَفَها. ولَن يَدخُلَها شَيءٌ نَجِسٌ ولا فاعِلُ قَبيحَةٍ ولا كَذِب، بلِ الَّذينَ كُتِبوا في سِفرِ الحَياة، سِفرِ الحَمَل. وأَراني المَلاكُ نَهرَ ماءِ الحَياةِ بَرَّاقًا كالبِلَّور، يَنبَثِقُ مِن عَرشِ اللهِ والحَمَل. وفي وَسَطِ السَّاحَةِ وبَينَ شُعبَتَيِ النَّهرِ شَجَرَةُ حَياةٍ تُثمِرُ ٱثنَتَي عَشرَةَ مَرَّة، في كُلِّ شَهرٍ تُعْطي ثَمَرَها، ووَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفاءِ الأُمَم. ولَن يَكونَ لَعنٌ بَعدَ الآن، وعَرشُ اللهِ والحَمَلِ سيَكونُ في المَدينة، وسيَعبُدُه عِبادُه ويُشاهِدونَ وَجهَه، ويكونُ ٱسمُه على جِباهِهم. ولَن يَكونَ لَيلٌ بَعدَ الآن، فلَن يَحْتاجوا إِلى نورِ سِراجٍ ولا ضِياءِ الشَّمْس، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلٰهَ سيُضيءُ لَهم، وسيَملِكونَ أَبَدَ الدُّهور. وقالَ لي: «هٰذا الكَلامُ صِدقٌ وحَقّ. والرَّبُّ الإِلٰه، إِلٰهُ أَرْواحِ الأَنبِياء، أَرسَلَ مَلاكَه لِيُرِيَ عِبادَه ما لا بُدَّ مِن حُدوثِه وَشيكًا. هاءَنَذا آتٍ على عَجَل. طوبى لِلَّذي يَحفَظُ الأَقْوالَ النَّبَوِيَّةَ الَّتي في هٰذا الكِتاب!». وأَنا يوحَنَّا قد سَمِعتُ هٰذه الأَشْياءَ ورَأَيتُها. فلَمَّا سَمِعتُها ورَأَيتُها، اِرتَمَيتُ عِندَ قَدَمَيِ المَلاكِ الَّذي أَراني تِلكَ الأَشْياءَ لأَسجُدَ لَه، فقال: «إِيَّاكَ أَن تَفعَل. أَنا عَبدٌ مِثلُكَ ومِثلُ إِخوَتِكَ الأَنْبِياء والَّذينَ يَحفَظونَ أَقْوالَ هٰذا الكِتاب. فلِلَّهِ ٱسجُدْ». وقالَ لي: «لا تَكتُمِ الأَقْوالَ النَّبَوِيَّةَ الَّتي في هٰذا الكِتاب، لأَنَّ الوَقتَ قدِ ٱقتَرَب. ففاعِلُ الإِثمِ فليَفْعَلِ الإِثمَ أَيضًا، والنَّجِسُ فلْيَتَنَجَّسْ أَيضًا، والبارُّ فلْيَعمَلِ البِرَّ أَيضًا، والقِدِّيسُ فليَتَقَدَّسْ أَيضًا. هاءَنَذا آتٍ على عَجَل، ومعي جَزائِيَ الَّذي أَجْزي بِه كُلَّ واحِدٍ على قَدْرِ عَمَلِه. أَنا الأَلِفُ والياء، والأَوَّلُ والآخِر، والبِدايَةُ والنِّهايَة. طوبى لِلَّذينَ يَغسِلونَ حُلَلَهم لِيَنالوا السُّلْطانَ على شَجَرَةِ الحَياة ويَدخُلوا المَدينَةَ مِنَ الأَبْواب. ولْيَخسَإِ الكِلابُ والسَّحَرَة والزُّناةُ والقَتَلَة وعَبَدَةُ الأَوثان وكُلُّ مَن أَحَبَّ الكَذِبَ وٱفتَراه». أَنا يَسوعَ أَرسَلتُ مَلاكي لِيشهَدَ لَكم بِهٰذِه الأَشياءِ في شَأنِ الكَنائِس. أَنا فَرعٌ مِن داوُدَ وذُرِّيَّتُه والكَوكَبُ الزَّاهِرُ في الصَّباح. يَقولُ الرُّوحُ والعَروس: «تَعالَ!» مَن سَمِعَ فليَقُلْ: «تَعالَ!» ومَن كانَ عَطْشانَ فلْيَأتِ، ومَن شاءَ فلْيَستَقِ ماءَ الحَياةِ مَجَّانًا. أَشهَدُ أَنا لِكُلِّ مَن يَسمَعُ الأَقوالَ النَّبَوِيَّةَ الَّتي في هٰذا الكِتاب: إِذا زادَ أَحَدٌ علَيها شَيئًا، زادَه اللهُ مِنَ النَّكَباتِ المَوصوفَةِ في هٰذا الكِتاب. وإِذا أَسقَطَ أَحَدٌ شَيئًا مِن أَقْوالِ كِتابِ النُّبوءَةِ هٰذه، أَسقَطَ اللهُ نَصيبَه مِن شَجَرَةِ الحَياةِ ومِنَ المَدينَةِ المُقَدَّسَةِ اللَّتَينِ وُصِفَتا في هٰذا الكِتاب. يَقولُ الَّذي يَشهَدُ بِهٰذه الأَشياء: «أَجَل، إِنِّي آتٍ على عَجَل». آمين! تَعالَ، أَيُّها الرَّبُّ يَسوع. علَيكم جَميعًا نِعمَةُ الرَّبِّ يَسوع!